يا حلوين
7 1 t
c O e
celebrity l luxury l diversity l aristocracy
u
s s I l
ia c e
ساقى نامه
Sp
شعر /حافظ الشريازي
املهم أن تكون إنسانا
بقلم :سعيد بوخليط
لؤي كاسب وفن النحت عىل البيض ..
تقرير :أيوب مرعي أبو زور
أهمية االعالم الرقمي يف تطوير الصحافة اإللكرتونية ..؟ العامل االفرتايض ..وغزة فكرية تحمي االديب واملفكر ..؟ بقلم األديبة والشاعرة الجزائرية سليمة مليزي New Horoscopes 2017 الحب ...
تعريف بقلم رئيس التحرير د.حسن فرحات
يف العام 1938نرش العالمة عبدالله العالييل كتابه " مقدمة لدرس لغة العرب ،وكيف نصنع املعجم الجديد ،وفيه درس فروع العربية فتناول النحو والرصف واإلشتقاق والبالغة .وصدره بعبارة تقول " :ليس محافظة التقليد مع الخطأ ،وليس خروجاً التصحيح الذي يحقق املعرفة"( .) 1وقد جاء الكتاب من عالّمة يف اللغة ليشكل محاولة رائدة لتحديث اللغة العربية ،ووضع اسس لإلشتقاق ،والترصيف لتظل العربية مواكبة للعرص دون أن تقطع مع ماضيها .وبعد ما يقارب الثامنني عاماَ تأيت دراسة خالد كموين " فلسفة الرصف العريب "( ) 2لتثري الهموم عينها وتضع الفرضيات وتطرح الخالصات من منطلقات فلسفية ،ابستمولوجية وأونطولوجية،تربط الرصف بالعقل العريب من جهة وبالواقع املعيش من جهة أخرى . وهذه الدراسة تشكل امتدادا ً ملا مياثلها من دراسات تتناول العقل العريب ،أو العقل اإلسالمي ومنتجاته من فقه وكالم وفلسفة وعلوم لغوية . لقد شاع يف القرن العرشين مصطلح " املنعطف اللغوي يف الفلسفة " حيث برزت الفلسفات اللغوية التي ترى أنه ينبغي النظر اىل املشكالت الفلسفية باعتبارها مشكالت لغوية ،كام هي الحال يف الفلسفة التحليلية واإلتجاهات البنيوية .وتغريت النظرة اإلبستمولوجية اىل العقل ،فتغري البحث من العقل وملكاته اىل العقل بوصفه منتجاً للمعنى .وهكذا تحول انشغال الفالسفة من البحث يف ميدان الحقيقة اىل البحث يف ميدان املعنى والداللة اي من البحث يف حقيقة ينبغي اكتشافها ورشوط هذا االكتشاف وحدوده ومرشوعيته اىل الحقيقة التي يتم بناؤها استناد ا ً اىل اللغة والثقافة . وألن منتجات العقل ترتبط باللغة والثقافة بات باإلمكان الحديث عن عقل عريب او عقل غريب أو عقل إسالمي او مسيحي ..الخ بعد أن كان العقل يف الفلسفة الحديثة من ديكارت اىل كنط ،بوصفه ملكات أو قدرات معرفية ،أعدل األشياء قسمة بني الناس . منذ مثانينات القرن العرشين شاعت الدراسات التي تتناول العقل العريب او العقل اإلسالمي إنطالقاً من منتجاته اللغوية والثقافية ويف هذا اإلطار تايت دراسات محمد عابد الجابري ومحمد اركون ونرص حامد او زيد وغريهم حيث نظر اىل النظام اللغوي العريب من خالل ثالثة مرتكزات :العالقة بني اللفظ واملعنى ،والنحو، والنظم . وقد أتت دراسة كموين يف هذا السياق لتذهب عميقاً يف معالجة مسألة الداللة والعالقة بني اللفظ واملعنى وارتباط كل ذلك بالواقع املعيش . وقد حدد يف الفصل األول غايته من دراسة ماهية الرصف العريب بأنها " العقل التفكري " بهدف إدراك نوعية العالقة بني اإلنسان ومحيطه بني عنارص الذات وعنارص الواقع ،وأشار اىل أن السعة اللفظية ليست إال داللة عىل انغامس الذات العربية يف بيئتها ،ومن األمثلة عىل ذلك وجود مثانني إسامً للمطر ،مخالفاً بذلك رأي الجابري يف " تكوين العقل العريب " 4حيث اعتربأن هذه السعة اللفظية او الفائض يف األلفاظ عىل املعاين سببه جمع اللغة من عدد من القبائل كانت تسمي اليشء الواحد بأسامء مختلفة .
فلسفة الرصف العريب : محنة اللغة ورضورة التحديث
د .عبده شحيتيل
اهتاممه بالزمن ومحاولته السيطرة عليه . واملنطق الذي يحكم سريورة الرصف العرب هو منطق االشتقتق والزيادة انسجاماً مع الذهنية الشَّ يمية التي ترمى اىل الربط بني وجهات الزمن املعيش واملكان القابل للعيش يف لحظة انبعاثية واحدة . الشَّ يمية ،اذن ،يف بعدها الفلسفي ،هي ربط بني الرصف واملعنى والداللة ،وصياغة ذلك يف الزمان واملكان من جهة ،واإلنسان باعتباره ذاتاً فاعلة يف الحارض من جهة أخرى . والخالصات التي سعى البحث الوصول إليها هي اآلتية : إن الرصف العريب هو العلم املساوق للنهوض العريب ألن يف بناء الهيئات اللفظية يتشكل ما يسميه "الذخراملعنوي القادر عىل بث رؤى جديدة للكون" . القاعدة يف الحياة هي الصريورة الدامئة ،األمر الذي يقتيض السعي الدؤوب اىل إثبات حضورنا وحضوراألشياء ،لذلك نحن بحاجة اىل ترصيف دائم ألننا يف حال من التغري الدائم . النظر اىل ظاهرة اإلشتقاق ليس باعتبارها ظاهرة رصفية فحسب بل ظاهرة وجودية شاملة ،ذلك ان أي تقليبيف مواضع الحرف داخل اللفظ ،ارتبط ،دون شك ،بتجربة معيشة استدعت التعديل . إن الرصف هو علم تحديث عام للعربية ؛ فاالشتقاق طاقة بنائية مطلقة يف العربية ،ولكنه التزم مبااشتقته العرب وسارت عليه ،وأصبح قارا ً عىل نحو معروف ،أما الترصيف فهو قابلية منهجية للزيادة والتغيري والتحويل ،فهو قد يكون اشتقاقاً ،وقد يكون إحداثاً لبنية جديدة يف اللفظ استناد ا ً اىل بنية موجودة أصالً . إن النامء النوعي يف اللفاظ الذي ينتجه فعل الرصف هو اإلجراء النفعي الذي ميكن اللغة من أن تبقى حاجة مستمرة أي أن تبقى حية . ال تنتقل ألفاظ اللغة كام هي عابرة الزمان واملكان واإلنسان ؛ فاللغة كلها مفهوم راهن ألشياء الكون ،لذلك ؛ إن ترصيفها هو امتداد تاريخي لها ،هذا االمتداد بقاءه مرهون باملعرفة اي بإبقاء مفاهيمه يف ساحة الحراك الفكري الدائم . ال بد من القفز اىل األمام يف اللغة ،ولكن ذلك ال يكون بقطيعة معرفية مع تاريخها بل بابتكار الطرائقوالوسائل التي تصل ماضيها بحارضها لضامن مستقبلها ،وذلك يقتيض أن يكون هناك جهات مسؤولة تضع ضوابط التوليد ،ليكون الرصف مبثابة املفاعل الحيوي للتجديد اللغوي .ويتم تجاوز ما يسميه كموين ، املحنة اللغوية الحقيقية ،وذلك يتطلب الجراة يف تطوير علم الرصف واللغة عموماً ليك تتم مطابقة األلفاظ مع الواقع بحيث ال يكون لدينا الفاظ غري رضورية لعيشنا ،بل يكون اللفظ نضحاً لصورة العالقة بني اإلنسان وواقعه املعيش .
واعترب كموين أن العريب ليس لديه ثابت إال ذاته ،وهو ال يقرأ مشهد الوجود ألجل تعرف يشء خارج ذاته بل لتعرف ذاته بإزاء الوجود ؛ ففلسفة الوجود العريب قامئة عىل متوقع الفاعل ( اإلنسان ) بني مفعولني ( األشياء والكلاملت ) ،أما الفعل فهو أداة الحضور التجريب يف العامل .وانطلق من فرضية تقول :إن إدراك حجم تأثري اإلنسان العريب حضورياً يف الكون يتم عرب استقراء حضوره يف اللغة .وإن الفلسفة العربية ال ينتجها إال التعمق يف بحث اللغة ودراسة بنيتها التنظيمية وتفكيك عنارصها املكونة ،ألن العريب أبدع صورة للكون الذي قطن فيه وللزمان الذي واجهه وللنفس اإلنسانية يف لغته .ولغة العرب هي فلسفة العرب ،إذ إن البحث يف هذه اللغة بالنظر اىل قواعدها ونظامها الرصيف والنحوي هو بحث يف سؤال األنطولوجيا نفسه ،ويف عالقته بالكائن واملكان انطالقاً من رؤية وعقل ،أي محاولة دامئة لوضع الكون يف إطار نظام مدرك مجاله هذه اللغة . من هنا تأخذ دراسة اللغة بعدين :إبستمولوجي وأونطولوجي ،وتتجاوز مقاصد علامء اللغة الذين يتناولون مسائلها باعتبارها قامئة ومكتفية بذاتها . ويف بحثه بهذين البعدين أشار كموين بشكل واضح يف القسم األول من الكتاب اىل أنه وجد عدة البحث يف املنهج الفينومينولوجي بدء ا ً بهورسل وانتها ًء بهيدغر ،ألن اإلنسان كائن معريف ،وهذا الكائن يبدع كينونته ، فهدفه أبعد من أن يكون مجرد استيعاب ملا هو موجود ؛ فالكائن يبدع ماهيته يف الوجود ألن املاهية ليست محددة مسبقاً .فالهدف يبدو عند هيدغر ،كام يالحظ الكاتب ،هو الذات وليس األشياء األخرى املوجودة . والذات يف الحارض تجمع الزمان ،فهي تتزمن املايض واملستقبل معاً يف نقطة الحارض . وباإلنتقال اىل مسألة الرصف فقد عالجها كموين باعتبارها مظهرا ً للعالقة اإلبداعية بني الفكر والنطق .وافرتض أن فهم الرصف ال يتم إال من خالل فهم العقلية التي أنتجته علامً ليس يف اللغة فقط بل يف الحياة أيضاً. إن ما يحكم البناء الرصيف العريب هو قواعد علمية أساسها فلسفة الذات العربية ،وما األحكام اللغوية إال رشح لكينونة اإلنسان يف الوجود أي مقتىض وجوده ،ومظهر هذا الوجود يف آن . يف صياغة العرب للكلمة ،كام يرى كموين ،تكمن رؤيته اىل الكون عامة .من هنا فإن الرصف العريب طاقة رضورية إلعادة االعتبار لعالقة اإلنسان بالحقيقة والوجود ؛ ففي متكن الذات من لغتها يتجىل اتساع الفهم ملواضيع الوجود .إن الرصف تصور للمعنى يف اللفظ ،والكلمة مجموع من الرؤى املتأرجحة بني الذهن والواقع .والعالقة بني فعلني معرفيني ،التسمية من جهة ،والداللة من جهة أخرى ،هي عالقة جدلية ،إذ إن اشرتاك املسارين يف تحديد بنية املفهوم الرصيف يجعل الترصيف أدا ًء فلسفياً يفرض نفسه عىل اللغة واإلنسان ؛ فالرصف وغريه من العلوم التقعيدية ليس إال مظهرا ً للعالقة بني اللغة والواقع ،بني مكونات العقل ومكونات الواقع .وقد ربط كل ذلك باملفهوم الجديد الذي أىت به بعملية ترصيف إبداعية وعرب عنه مبصطلح الشَّ يم ؛ فالشَّ يم فعل وجودي عند اإلنسان ،بحث كموين يف مرجعيته التصورية ،فرأى أنه موجود يف كل فعل يقوم به العريب . إن مفهوم الشَّ يم ،كام يحدده ،يحتوي إمكان العودة اىل زمن مىض ،وإمكان امللء الكامل للحارض ،وإمكان الرتقب لإلنبعاث يف املستقبل .واألساس يف ذهنية العرب الشيمية غياب التوقف ؛ فالسكون مرحلة بني متحركني ،وال سكون إال من أجل الحركة ،وبالنتجة الصل الحقيقي هو التقاء املايض باملستقبل يف لحظة الحارض . والشيمية التي يتحدث عنها هي إمكان الكشف عن منتوج الرتقب يف اللفظ ؛ فالطاقة االستيعابية لفعل الشيم تجعله يحمل اإلظهار واإلخفاء ،والتقدير معاً ،وفيه يحرض الذهن العريب يف رحلته الوجودية من خالل
تحس وجع كلامتها لكرثة ما َح َّملتها من مشاعر الشعر عند حكمت حسن "لَ ْم ٌح تكفي إشارت ُه" كام يقول البحرتي ،وهذا ُ اللمح يجعلك ُّ وأحاسيس ،لقد ش َح َن ْت كلامتها بشظايا ذاتها ،فكادت الحروف تنئ وتشتيك من لذع الوجدان وضيق أواين الكلامت عن اختزان ما يفور بني سبب إرصارها عىل إطالق كلمة "مسامر" عنواناً ملجموعتها هذه ،فاملسامر موج ٌع ،وهو يخرتق القلب، الكلمة والرؤيا ،وهذا ،كام أرىُ ، أحس بهذا الوجع فراح يقول :يا أبتي "أب ِع ْد عني هذه الكأس" .فهل وجع املسامري جعله يشع ُر أنه يتيم! ،ويرصخ :ملاذا والس ُّي ُد املسيح ّ يحتاج نزيفاً يا أبتي تركتني .وكان يسوع يف أمله يسكن يف تراب ّيته ،فاملسامر املسيحي موج ٌع مبقدار ما هو رؤيا ،مل يوقف النزيف ألن الفداء ُ أكرث ،وما دام يهوذا قامئاً فالنزيف والرؤيا حاجتان إنسانيتان ال ب َّد منهام .املسامر عد ُّو القلب ،ويعرف كيف ينغرز فيه ،ولك َّن عج َز املسامر عن احتواء ما افرز جعلَه يرتك للنزيف مجرى ،والذي ال يستطيع إحصاء دمه عليه أن يرتكه ليبحث ع ّمن يحصيه ،والذي يحيص دماء حكمت ' حسن هو ذلك املسامر القاتل ،والذي يشبه القلب بحضوره ونفاذه الشهي ،وقدمياً قال العذري جميل بن معمر: حب قاتله قبيل!! يل فيام عشتام هل رأيتام قتيالً بىك من ِّ خلي َّ "روح ذاتُ شه ّيةُ /رجِمت حتى املوت."..وعند حكمت يصبح وحكمت حسن تزداد حضورا ً مبقدار وجع املسامر الذي غدا جزءا ً من القلبٌ : نصف حياة /أو الوقوف عىل حافة املوت جزءا ً من الحياة":الحذر عىل حافة املوت /أع ُرب ُه /ازددتُ حياةً /ازددتُ موتاً /ليس ما أنا فيهَ / نصف موتْ /إنه ما يجم ُعهام معاً". َ ملاذا "مسامر"؟ لقد ناقشتني الشاعرة حكمت حسن كثريا ً عىل إرصارها عىل "مسامر" عنواناً لهذه املجموعة املتأملة النازفة هذه املرة عىل صليب مل يكشف مدى ما سيسيل عليه من ٍ وجد وتح ُّوالت مصبوغة بدماء تح َّول كلامت ،إ ّن كون ّية هذه العقيدة تجعلك أوسع من الطني الذي يتالىش ليجعل املوت حياة ،وهكذا يكون املوتُ َر ِح َم الحياة .املسامر مؤملٌ ،وإرصار حكمت عىل إيقاظ وجع املسامر يثري أسئلة الخالص الوجودي عرب معمودية األمل .فالحنني إىل املوت متصل بالوالدة التي تعرب الطني يف رحلة مشتبكة ،ال ميكن معها فصل معنى املوت عن معنى الحياة .وهذا العبور يجعل الجسم حزيناً ،وال بد من الحزن عند أصحاب الرؤى العالية ،فليس بالفرح وحده يحيا القلب، عب عن أمنيته فيها ويف كينونتها التي يريدها أن ورمبا بالعكس يحيا ،وقبالً قسا بودلري عىل امرأة ألنها " :ال تدري عال َم يبيك املوىت" وألنّه ّ َ تكون فيها "أو ُّد لو تنمو رو ُحها مع جسدها" .من أجل هذا كان املسامر يف شعر حكمت حسن مدخالً لقيامة الصليب ،وتح ُّو ِل الخشب متس ْسها نار .فكيف إذا كانت النار حارضة كالحياة نفسها!! ،تقول حكمت مخاطبة ذلك الغائب اليابس إىل أغصان زيونة ،تيضء وإن مل َ الحارض" :صدى /أكتب إليك بالجمر" . كل يشء يتح ّول يف مصانع النفس الداخلية ،وهذا ما يحدث يف وجدان حكمت حسن ،حتى الصقيع يتح ّو ُل دفئاً ،والظالم يندحر بأضواء ال متصل بفك ٍر ٌ والحب يف شعر حكمت ال يهبط بها ،ألنه روح الكون ،وألنه تربح قصائدها أبدا ً ،والخريف يكون غري الخريف يف حرضة الحب، ُّ َحاب األجزاء كلها .كل ذلك يحدث يف رحلة الحب" :منذ رافقتني /تباطأ الصقيع/ حلو ٍّيل كوين يرى الكون متواصالً ،وتواصل الكون يُن ِتج ت َّ اللهب فيها، يظل الطليق غ َّر َد /وجودان احتالّ زمنين" .ويف الصقيع ال يبقى للحزين غري أن يتدفّأَ بآماله العالية التي ُّ الخريفي وعصفوري ُ ُ ُّ مندلعاً .ويتساءل القارئ :كيف يأيت صوت حكمت مبللَّالً بالندى والعطور ،وهو يعرب يف أرض الخريف .الحب وحده يصنع املعجزة ويعيد أقل وحزنها أكرث .ولكن الكلامت حني تكون عائد ًة لصاحبها تصبح كائنات ح ّية .وكأ ّن حكمت حسن تقول أمل حكمت ُّ خلق الكون .رغم أن َ لنا :إننا يف الخريف ولسنا فيه ،والحب عم ٌر ثانٍ ال مي ُّر بالخريف أبدا ً .وألنها مؤمنة بالحب تظل مؤمنة بوجودها املكابر" :مل تج ْد إال َّي التفت يف قصائد حكمت وأن مم ّرا ً /وحدهام عيناك /د ّمرتا املخبوء" .والتدمري هنا بناء ألنه اكتشاف ،واالكتشاف ال يكون إال يف الضوءّ . َّ تجد ضوءا ً" :إغ ِم ْد وجو َد َك الالم َع /يف وحديت ...ومل أك ْن منحنية" .والضوء أوضح ما يف حكمت وشعرها ،والضوء ال يقود إىل رؤية األشياء كلها بوضوح ،إ ْذ ال بد من وجود مناطق غري مأهولة باملعرفة يف النفس اإلنسانية ،ال ب َّد من املبهم لتستم َّر النفس يف صناعة الضوء ،تقول حكمت" :ذلك الغامض األخري /أضاء ما تبقّى من حيوات" .والضوء يلغي املسافات بسبب حضوره املتصل ،تقول حكمت" :أبعد عن
وجع املسامر " أيتها السيدات ،أيها السادة ستسمعون نجمة ميتة منذ مليون عام يف حوصلة طائر" تشارلز سيميك شاعر امرييك بقلم عمر شبيل
وحواس مسقوفة بالضوء" كثافة األحاسيس هنا واضحة حتى لكأنها مواد يرتاك ُم بعضها فوق بعض. تالحق جسدا ً غاب/ شذراتٌ من قلب/ ُ ٌّ إن كثافة اإلحساس انتقلت إىل الكلمة ليك ال تُتَ َه َم الكلمة بالخيانة. وإذا كان لحاسة البرص أن تتدخل يف نقل املرتاكم يف ذات حكمت حسن ،فإ َّن تدخل هذه الحاسة يكشف بإمياض ما تحاول الشاعرة تبيانه، يلبس عرياً" .ال يشء يستطيع أن مينع اإلحساس من السطوع ،وهذا السطوع يتخذ صفة العري التي هي أعمق من الكشف، تقول" :عريي ُ أزلت الزوائد عن التمثال .وهذا يعني أن رس عمله املبدع ،فأجاب :أنا فقط ُ فحني أكمل ميكال أنجلو نحت متثال النبي موىس سئل عن ّ عم هو قائ ٌم فيه. التمثال كان عاريا يف رؤياه ورؤيته .وحني تناول الصخر رفع الزوائد ّ الصمت أفصح لغ ٍة يتقنها الحزين املكلوم ،ويف الصمت مهارة كالكتابة نفسها، ولعل هذه الكثافة تقرتب كثريا ً من الصمت ،وأحياناً يكون ّ ُ مثل سفينة راسي ٍة يف ميناء ومملوءة بصدى البحر ،وبأخبار ب ّحار ٍة املمتلئ كالماً َ الصمت موحياً ،وقتها يصبح الصامت وبخاصة حني يكون ُ ُ َ إدخال كل األصوات إىل سفينتها التعامل مع املوج .بهذا اإليحاء املبهم استطاعت حكمت حسن َ يتقنون معرفة مزاج البحر ،ويتقنون اح يحمل كثافة الراسية عىل ساحلٍ مساف ْر .تقول حكمت حسن" :أحزاين ال صوتَ لها" ،وهذا أعىل األصوات .حز ُن حكمت حسن واضح مل ّ ٌ ٌ خت ال تستيطع كتامن االستجابة لنداءاتها القصية الخفية ،تقول بشجى مؤثر وحزن ال تستطيع إخفاءه" :كان هناك /شجر ٌة يف السجن /أ َّر ْ القلب حني عاد" .وهكذا كانت تخاطب هذا العائد ب َولَ ِه الواجد: يحرسه س ّجان /وشجر ٌة بطول عرشين سنة /مواسمها قصائد /عاد لحنانُ / ُ "صدى /أكتب إليك بالجمر" ً رض يف "مسامر" حكمت حسن ألنه امتداد حميم لكينونة الحياة ،وحكمت ليست مخالف ًة طبيعة الحياة ،،ويف شعرها يبتدئ آدم من الرجل حا ٌ تكتمل به ،تقول حكمت" :رأ ْو َك يف عيني /وقلبي /هتفوا أكميل" .مل تستطع أن تنوجد ُ ليصبح تتمة لها ،إنها عيني ح ّواء ،ثم يستق ُّر يف قلبها، َ ْ إال بكامل حضوره يف العني والقلب ،والتكامل هنا إعطاء الحياة معنى أن تكون ،.حتى االنفصال يأخذ شكل االتحاد ،حيث ال كينونة مبنأى عن ثنائية الضدية ،وهذه الثنائية تصبح حميمة مبقدار وصول العني إىل سويداء القلب ،تقول حكمت" :أُ ِح ُّبنا هكذا /متحديْنِ بكل انفصالنا". وحميمية االتحاد تنبع من القلب الذي هو املوقد الذي ت ُطهى فيه كائنات الوجود كلُّها ،وال بد من ابتداء الرحلة من القلب يف الضوء ،تقول يفضح حكمت" :ح َّددْتُ مسار القلب شهبا" ،والشهب هنا الكتامل الرؤية والرؤيا .وألن الشهب مضيئة فقد انبلج مكان الرجل ،وهذا ُ املضم َر من مسار الشهب ،تلك التي تبقى يف حكمت محافظة عىل مسارها العلوي ،كان ذلك بكل تفاصيله الواضحة واملحجبة ،وال معنى إلخفائه أبدا ً ،تقول حكمت" :ال جدوى /مجيئي إىل عاملك /استغرق فجرا ً" .وحني تقاس املسافات بالفجر يكون الجسد عالياً ومنزها ،ألنه حواس َك /وترتكني أشعل مصباحي الكون نفسه ،تقول حكمت" :أول شعاعُّ / كل حج ٍر يرجمني /وأدور حولك بربيقي /يختفي وجهك /تغيب ُّ سامح النارصي ،وحني يكون قنديلك غري شاحب الزيت يكون الوصول إىل القمة انتصار املخلص ملقى عليها ُ فوق القمة" الرؤيا هنا مجدليةً ، عىل الجلجلة .لن يضل من كان قنديله موجودا ً يف مشكاة ذاته .وقتها تكون القمة مسرية فجر. الشغف والضوء يف "مسامر" حكمت حسن يتنازعان جغرافيتها الداخلية .وهي ترى شغفها منتفضاً كالعنقاء من رماد النار التي يطفئها العمر. الشغف وحده قادر عىل بعث العنقاء من رمادها .وهنا تكمن قيمة هذا الشعر الخاضع لصريورة مستمرة ،تنترص فيها الحياة عىل املوت، ولكن بوجود الشغف .الشغف واحة الرحلة يف صحارى أعامرنا املوحشة .الشغف هو سع ُيك أن تدخل يف محفل اآللهة .جلجامش كان حارضا ً يف محفل اآللهة أكرث من حانة "سيدوري"" :ما يفعل الله قل لو مل يكن برش" .نحن رضورة حتمية ليك ال ميوت الله ،ألنه "خالق األشياء" وهو عينها" كام يقول الشيخ األكرب محي الدين بن عريب .فإذا انتهينا ينتهي هو. ملاذا الشغف ،ألنه كان وقود رحلة جلجامش ومجاذيفه يف مياه املوت العميقة .الحب وحده ال يكفي ،البد من شغف يزجي الحب .ضوؤك وإهاب أفعى جلجامش محاولة أخرى للدخول يف محفل اآللهة التي كتبت لنفسها الخلود ،واملوت لبني البرش .هناك عىل سور "أوروك"، وهنا يف مقهى " ذا هوست" .نحاول معاً أال منوت .يقول موالنا جالل الدين الرومي" :لقد رأيت املوت ساع َة مولدي ِ منك ،وكان خويف
الظل /أفتِّ ُش عن أضوا ٍء /يف خباياه ...../أحتمي بالنو ِر منه/ أدخل َّ الحب مبسافة شعاع/واقرب من التصاق الضوء /بالصوت /قارئ ًةُ / عن ِّ .واالحتامء بالضوء هو خفر الذات من انكشافها ،والخفر هنا تعبري عن رغبات يف الذات ،تسطع حتى لكأنها ،كام قال أبو متام" : ،عذرا ُء تبدو تار ًة وت َ َخ َّف ُر" وهذا السطوع املتخفي جعل حكمت حسن تقول" :أنت /وأنت /ح َّولتني ضامئر مستجابة" كلامت حكمت حسن تحاول أن تؤدي وظيفتها االنفعالية بتفانٍ تعجز عنه الكلامت ،ألن الكلمة ظل الشعور ،وظل اإلحساس ،وليست قادرة عىل نقل القلب إىل الكلمة ،وال يستطيع الشاعر أن يحمل قلبه عىل ظهره كالبائع املتجول ليعرض ما فيه عىل الناس .ولذا تحاول حكمت االستعانة بالحواس كلها دفعة واحدة لنقل الحال ،وهذا يشء صعب ،ولكنه ليس مستحيالً ،وهذا يحتاج تحطيم الجدران بني جميع الحواس املوكلة بنقل الداخل إىل الخارج ،وهذه املحاولة استعان بها الشاعر الفرنيس "شارل بودلري" .وتعتمد هذه املحاولة عىل املزج بني الحواس ،بني السمع والبرص والذوق واللمس والشم ،يف محاولة لترسيب اإلحساس عرب أوسع الوسائل النقلية يف معارج الذات اإلنسانية. وقتها يتحول فيها العامل" :مرايا واسعة مبهورة /بجميع ما تعكسه" .تقول ماري //جان ديزي ــ الناقدة الفرنسية يف مقدمة ترجمة أزهار تغل يف اإلنسان ،تترسب عري جسده ،ال األحاسيس التي مينحها النظر إىل األشياء ،ويلتقطها يف الرش لخليل خوري" :األحاسيس التي ُّ مسام بإزائها، ظاهرها .والعطور التي تحتله هي بالذات التي تكشف له عن ظهورها وانبثاقها" :العطور النافذة تبدو يف كل مادة /ذاتَ ٍ ِ رس الكامنِ يف كل مكان ،وحيثام كان" .مثل هذا تكتشفه صاحبة حتى يُخ َّي ُل أنها تخرتق الزجاج" إن الرائحة املستنشَ قة ت ُْسلِ ُمه دفقات ال ِّ "مسامر" وصاحبة "خاتم" نفسها الشاعرة حكمت حسن ،تقول يف قصيدة" :ننصاع مرغمني /قبل أن يتبعنا عطرها" ،وتخرتق مسامها بعطور نافذة حني تقول" :يدخل عطر ضائ ٌع /ال أقوى عىل استعادته /لئال يتهرب مني" .العطر هنا متاماً يخرتق حكمت وينفذ من مسامها، ويتخذ شكل املادة امللموسة ،وهذا التكثيف مبعثه حدة الرؤيا وكثافتهتا يف الوجدان ،ولذا استعانت باللمس مستخدمة اللمس مؤتلفة مع حاسة الشم لنقل الحال .وسبب كل هذا عجز الكلمة عن نقل الحال .ألنه "كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" كام يقول النفري ولعل الروح املهيمنة عىل ما عداها ،هي صدى األشياء كلها ،بل هي كل يشء ،ويرى هوغو" :إن كل يش ٍء يحيا ،كل يش ٍء مملوء بالروح". ومن هذا الفهم الروحي للكون تغدو األصوات والعطور واأللوان تكاثرات الروح ،والكاشف رسها الكوين املتجيل يف األشياء كلها .وهذه النظرة هي الهوتية قبل كل يشء ،فإذا كان الوجود رسا ً فإننا نكتشفه بتكاثراته ،والتي نقول فيها :إنها الروح .يقول بودلري يف أزهار رشه أيها التحول الروحاين حواس كلها املنصهرة يف حاسة واحدة يا ت َح ُّو َل ّ إن نفسها يُ ِبدع املوسيقى مثلام يُ َولِّ ُد صوتُها العط َر أما حكمت حسن فهي ،وإن كانت ترى األشياء كلها روحا ،إال أنها تنطلق من رشقيتها الضاربة الجذور يف الروح ،ومح ِّولة كل وجودها إىل ما قلوب عت يف ِ يلمع كالرس الذي ال ندركه إال بتعاون الحواس ،ومن أمثلة ذلك يف شعر حكمت حسن" :وإ ّن العطو َر املكتفية بنفسهاُ /و ِض ْ سائل لزج يوضع يف أواين النساء ،أي قلوبه َّن .وهذا االنصهار الكيل بني الحواس يف شعر حكمت حسن يتجىل يف ديوانها نساء" ،هنا العطر ٌ خاتم أيضاً حيث تقول: أيكون اإلحساس خارج األسوار وقولها أيضاً: نستنبط عاطفة طازجة وقولها: رأيت صفوفاً مرتاص ًة من املشاعر رش بكرثة ،برشقية عالية التأثر ،وروحانية تفيض يف الجسد ،وهي وإن كانت غري وهذا التحطيم املستمر يف كتابيها"خاتم" و"مسامر" منت ٌ ٌ "شوق أبيض/ ُم َ َّبأ ٍة من األمل ،إال أنها ترفض العدم ،ألنها ترى أن الروح ال تفنى .والزدحام أحاسيس حكمت تصبح ألواناً معربة عن حال:
تجل الله يف الكون.أما قرأنا معاً يف كنت أنفصل عنك" ،علينا أال نخاف ألن املوت ميوت هو يف النهاية ،وسنخلد نحن ألننا ّ عظيامً إذ ُ أدونيس"يف الحنني إىل املهد حنني مضم ٌر إىل اللحد" ،وتضا ُّدنا هو الذي يعيد توحيدنا ب"العامل األكرب".و يف رحلة الحب الكامنة واملنبلجة من قلب امرأة ورجل نبقى نردد مع طاغور " :هب يل ذلك الحب الذي يرسبل القلب باألمن". ــ 5ــ ملاذا نفضل املوت عىل جفاف حقول أرواحنا؟ وهل يف املوت ما يغري بالحياة؟ وهل الحب س ِّك ٌني أم ضامد؟ وهل الكتابة تضمر نبتة الحياة؟ وهل انتبهنا لتسلل األفعى القادمة من برئ املوت لتنترص لظلم اآللهة؟ وما معنى بقاء إهابها عىل حافة البرئ؟ لس َع األسئلة ياحكمت ،وهي تخرتق صدورنا بأمل مسامرك الذي يسجن املوت ،وال يسمح بهيمنته .فهل يقتنع جلجامش ببناء ما أشد ْ "أوروك" بديالً لخلوده؟ ،وهل تقتنعني بحلقة خامتك ووجع مسامرك بديالً للنهاية التي تهدد شغفنا بالزوال .أعتقد أنك ستستمرين برحلة موجعة لذيذة يف مياه الشعر العميقة يا حكمت.
أهمية االعالم الرقمي يف تطوير الصحافة اإللكرتونية ..؟ العامل االفرتايض ..وغزة فكرية تحمي االديب واملفكر ..؟
بقلم األديبة والشاعرة الجزائرية سليمة مليزي
_ االعالم الرقمي أو الصحافة االلكرتونية لعبت دورا ً مهامً جدا ً يف تسهيل عمل الكاتب و املبدع و الباحث والطالب لنرش أفكاره وأعامله األدبية من خالل املجالت االلكرتونية و املنتديات التي تخدم االديب بصفة عامة ،حيث شهد اإلعالم العريب عىل مستوى تكنولوجيات اإلعالم واالتصال تحوالت معتربة خالل العقدين املاضيني ،وكان من أبرز مالمحها ظهور شبكة االنرتنت كوسيلة اتصال تفاعلية أتاحت الفرصة أمام فئات املجتمع املتعلمة واملثقفة ،للوصول إىل املعلومات وبحجم هائل وبرسعة فائقة ،ونرش الفكر واألدب بطريقة مل يسبق لها مثيل يف التاريخ ،ونظرا للفرص الكبرية املتنوعة واملتعددة األبعاد التي أتاحتها شبكة اإلنرتنت لالتصال استطاع االديب واملبدع والصحفي نرش أعامله االدبية والتواصل مع املبدعني يف أنحاء العامل ،ونرش أعاملهم االدبية والصحافية والبحوث العلمية والفكرية وتبادل اآلراء واألفكار بني املبدعني خاصة من خالل املجموعات االدبية والفكرية التي فتحت لنا فرصة كبرية لالحتكاك باملبدعني العرب والعامل و الصحفيني واإلعالمني مام أتاح لنا فرصة النرش بطريقة سهلة يف شتى الجرائد واملجالت ،وحتى الجرائد الورقية كان لنا الحظ أننا نرشنا فيها عن طريق شبكة التواصل االجتامعي التي خلقت خلية ناشطة كالنحل تخدم بعضها البعض ،وخاصة بالنسبة يل كوين صحفية أنرش يف العديد من الجرائد واملجالت الورقية واإللكرتونية سهل يل كثريا ً هذا العامل االفرتايض الذي أعتربه واقعيا ألنه مكننا أن نتواصل ونبدع ونطبع كتبا جامعية ،وهكذا فإن هذه الخلية العلمية وحدتنا فكريا وأدبيا .. والصحافة االلكرتونية باتت تشكل نواة حقيقية منافسة للصحافة التقليدية ،والتي صارت تجلب إليها أعدادا كبرية من املستخدمني ممن لهم القدرة الفكرية واملادية واألدبية عىل النفاذ للشبكة العنكبوتية ،.ملا تحمله من قوة ورسعة مذهلة للوصول اىل أكرب نقطة يف العامل ،هناك امتياز استحسنه أصحاب هذه املجالت االلكرتونية وهو النرش املجاين بدون حسابات لتوظيف الصحفيني او التفكري يف دفع مبالغ هائلة يف تجهيز املكاتب وأيضا مصاريف الطبع والنرش والتوزيع مثلام يحدث بالنسبة للصحافة الورقية ،مام اتاح الفرصة الكبرية والتشجيع لفتح العديد من املواقع اإللكرتونية ،وهذه من بني أهم تأثريات هذا التطور ما يالحظ من جدل حول املخاطر التي ميكن أن تهدد مستقبل الصحافة الورقية ،بسبب ارتفاع تكاليف اإلنتاج والتوزيع وتناقص املوارد اإلعالنية التي تستمد منها الصحف أسباب بقائها وازدهارها ،عالوة عىل تراجع مقروئيتها لدى القراء عموما ،والشباب منهم بصفة خاصة ،بسبب تسهيل التواصل عن طريق النت .. بالنسبة لتجربتي الفردية وحكايتي مع عامل التكنولوجية ،هذا العامل العجيب والجميل كان له الفضل يف عوديت عىل الساحة االدبية والفكرية بعد غياب طويل لسنوات تفرغت فيها لرتبية ابنايئ ،ففي سنة 2012سافر ابني البكر للدراسة يف باريس وكان عيل التواصل معه بطريقة اسهل وبدون تكاليف فأنشأت صفحة عىل الفيس بوك وأصبحت اتحدث معه كل ليلة عىل السكايب من هنا بدأت عوديت للكاتبة من خالل صفحتي وبعض املجموعات االدبية التي اضافتني اليها بعض الصديقات ومن هنا بدأت انطالقتي اىل عامل رسيع وممتع وفكري رغم انني مل اكن اثق فيه ثقة تامة او باملعنى الصحيح كان فيه نوع من الخوف والغوص يف عامل افرتايض يجمع كل فئات املجتمع ،إال ان عىل االنسان ان يختار االصدقاء املميزين والقريبني من فكره وتربيته مثلام يحدث عىل الواقع ،بدأت رحلتي مع االبداع والنرش يف املنتديات واملجالت اإللكرتونية واملشاركة يف املسابقات العربية حيث منحني الحظ انني خالل 6سنوات فقط انني فزت مبا يقارب 8جوائز عربية بني القصة والشعر وأيضا طبعت 3دواوين شعرية وشاركت يف انطولوجيا االدب العريب عنوانها ( تحت ظل النبض ) وهي انطولوجيا صدرت عن اكادميية الفينيق ملجموعة من االدباء والشعراء العرب الحاصلني عىل أوسمة التميز ،وأتاحت يل
الفرص للعودة يف العمل يف جريدة الشعب كصحفية ,وانرش حاليا يف اربعة جرائد ورقية ,ومنذ سنتني عينت مديرة مكتب مجموعة من الجرائد االلكرتونية عربية ومن مرص الشقيقة خاصة ،وشاركت يف ديوان مشرتك مع مجموعة من الشعراء العرب تحت ارشاف االديبة بتول الديليمي وهي مسؤولة عن املجلة االلكرتونية صدى الفصول ،وشاركت بقراءة ادبية ألعاميل الشعرية بقلم الشاعر والناقد العراقي نارص ناظم القرييش وطبعت هذه القراءة يف كتاب حول النقد االديب ملجموعة من الشعراء العرب ،وكوين ارشف عىل مجموعة العرين جميالت الجزائر للشعر واإلبداع استطعت ان احقق حلم االديبات املهمشات يف الساحة االدبية يف الجزائر بطبع ديوان شعري ضم مجموعة من االديبات والشواعر الجزائريات وهو ديوان ( ديوان جميالت الجزائر للشعر واإلبداع ) وأنا بصدد طبع انطولوجيا االدب النسوي يف الجزائر سيكون كتابا ضخام ومميزا يجمع خرية األسامء االدبية والشعرية النسوية الجزائرية ...هذه التجربة الناجحة جدا ً طبعاً جعلتني أديبة تحرتم من طرف الصحافة واملبدعني العرب ،و فتحت يل فضاء واسع للعمل والخوض يف تجارب متجددة معهم وساعدتنا يف تحقيق حلمنا وزيادة طموحاتنا نحو االفضل .. لقد أصبحنا اليوم نعيش عرص الصحافة االلكرتونية هذه الصحافة التي فرضت وجودها يف الواقع االفرتايض بدورها يف رصد األحداث وصناعة الخرب .وهذا جنبا إىل جنب مع الصحافة التقليدية ،ولتتجاوز القيود الجغرافية والسياسية التي تعاين منها نظريتها الورقية التي رمبا بدأ العد العكيس ألفول نجمها مع تقدم عجلة الزمن .فالصحافة االلكرتونية تحرز يوما بعد يوم تطورا مذهال يف مواقعها وخدماتها .وهذا بفضل استخدامها للوسائط املتعددة التي جعلت منها صحافة الكرتونية تفاعلية، وهام املصطلحان ( الوسائط املتعددة والتفاعلية ،التي تواصل االستمرارية يف خوض معركة الصحافة الرقمية التي حتام ستحارب كل ما يتعرض يف طريقها ألنها فتحت فضا ًء علميا واسعا يخدم االدب والثقافة يف عرب العامل الذي اصبح قرية صغرية تتجاوب مع معطيات ومتطلبات العرص . ألقيت خالل مشاركة األديبة سليمة مليزي يف الصالون الثقايف للهيئة العامة للثقافة تحت إرشاف إدارة التنمية الثقافية حول( اإلبداع الثقايف يف اإلعالم الرقمي ) ..ليبيا
-1مفهوم املنظومة الثقافية: ما نعنيه باملنظومة الثقافية مجموعة األفكار والقيم املتوارثة يف مجتمع ما،والتي تؤث ّر يف سلوك أفراده ومواقفهم من الحياة،كام تشمل اللغة التي هي وعاء التعبري عن تلك األفكار والقيم .وقد يوسع بعضهم هذه املكونات لتشمل مكونات أخرى لسنا بصددها،هنا عىل األقل. وما نعنيه بكلمة تجديد هو تطوير منظومتها الثقافية العربية وعرصنتها،ألننا نعاين من تح ّجر يف سلّم قيمنا الثقافية،وال نعني أبدا القطيعة التامة معها.تجديد املنظومة الثقافية ال يعني رفضها باملطلق،كام ال يعني متجيدها وتكريسها من ثوابت األمة باملطلق. فالقيم هي -يف األصل -تلبية لحاجات اجتامعية،ومبا أنها كذلك فمن الطبيعي أن تتطور اىل شكل آخر عندما تتغري الرشوط االجتامعية التي أوجدتها،أو تنتفي ،أي عندما يصبح فاقدها أكرب من عائدها.ولعل من املفيد التقديم مبالحظات: -1إن هذا التجديد أو التطوير واقع ال محالة،ال سيام بعد ثورة املعلومات واالتصاالت،ولذا فمن األفضل أن يأيت هذا التطوير يف حينه وبإرادتنا وبرشوطنا بدال من أن يفرض برشوط اآلخر. -2إن هذا التجديد ال يتم – بحسب تعبري د.محمد عابد الجابري – باألخذ من هنا وهناك كام تؤخذ البضاعة التجارية،وإمنا يتم من الداخل بتحريك عوامل التطور الذايت يف ثقافتنا. -3قد يرتاءى للبعض أن هذا املوضوع ليس فيه من الراهنية ما ميس مشكالتنا اليومية،السياسية واالجتامعية. أجل،قد يكون األمر كذلك عند بعضهم،ولكنه عند البعض اآلخر – والكاتب منهم – هو يف املركز من قضايانا العربية املعارصة،إن معظم مشكالتنا السياسية واالجتامعية واالقتصادية تعود اىل خلل يف املنظومة الثقافية التي تحكمنا مبارشة أو مداورة،وتوجه رؤانا وخياراتنا وسلوكنا حكاما ومحكومني،مواالة ومعارضة. مشكلتنا يف األصل ثقافية بامتياز،وباعتقادي أنه ما مل نط ّور منظومتنا الثقافية فسوف نبقى نراوح يف املكان وخارج الزمان.وإذا كانت األدبيات الفكرية العربية املعارصة تناولت تجديد الفكر السيايس واالقتصادي والتجديد يف الفكر الديني،فإن التجديد الثقايف هو باألحرى. -4قد يرى بعضهم أن طرح قضية التجديد الثقايف يف هذا الوقت بالذات هو تناغم بريء أو مشبوه مع ما يطرح عىل الساحة العربية من مشاريع ثقافية عومل ّية،وأن الطرح ال يراعي الرشط الخارجي.فام طرح مرشوع إصالحي منذ بداية عرص النهضة قبل قرن ونصف إال جوبه مبثل هذا االعرتاض،ولو أصاخ املصلحون اىل مثل تلك األقاويل لتأجيل كل مرشوع إصالح ثقايف،كام يؤ ّجل كل مرشوع إصالح سيايس بهذه الحجة،ألن الرشط الخارجي حارض دامئا ،فنحن أمة ق ّدر لها أن تكون يف املواجهة ومحط أنظار اآلخر وأطامعه. -5لسنا – نحن العرب – بدعا يف مواجهة التجديد الثقايف،فكل األمم ال سيام الغربية كان يف ثقافتها من السلبيات أكرث بكثري مام يف ثقافتنا،ولكنها خاضت قبلنا هذه املواجهة املعركة يف القرنني السادس عرش والسابع عرش فيام سمي بعرص التنوير أو األنوار،لكن تلك األمم حسمت املعركة لصالح التطوير والحداثة ،أما نحن فال نزال بعد قرنني من الزمان من بداية عرص النهضة العربية الحديثة نردد ثنائياتهم كاألصالة واملعارصة والدين والدولة والعقل أوالنقل.بل أكاد أجزم بأننا مل نزد شيئا عىل ما طرحه رواد النهضة العربية األوىل كالكواكبي وعبده واألفغاين والتونيس ورضا وأنطون وغريهم ...وأكاد أقول إنهم كانوا أكرث جرأة منا يف طرح مرشوعهم النهضوي ... ولكن املؤسف أن موجات التنوير يف الثقافة العربية كانت تتكرس وتسود بدلها مشاريع املهادنة والتزمت الديني عىل حد قول بعضهم. -6إذا كنا نتعرض لذكر القيم السلبية يف ثقافتنا ،فليس بغرض التشهري أو النيل من هذه الثقافة العريقة التي هي مربيتنا ومرضعتنا، فال ميكن تنايس ما حفلت به من قيم إيجابية كالشجاعة والكرم والشهادة والروحانية واملروءة ...ولكن ثقافتنا هي من القوة بحيث ال تحتاج اىل من ينارصها بالباطل. -2مناحي التجديد الثقايف: يتطلب التجديد الثقايف إعادة النظر يف منظومة الثقافة العربية التي حددنا مكوناتها،يف ضوء العرص ومستجداته .فثمة قيم سلبية فيها تحتاج اىل تطوير،أوتغيري إن استعصت عىل التطوير.وأهم القيم الجديدة التي يجب أن نطور اليها قيمنا القدمية هي: -1الجامعة والتعددية بدل الفردية: لعل من أظهر القيم القدمية التي تحتاج اىل تغيري هي(الفردية)،التي ميثلها بعفوية فجة ذلك األعرايب الذي كان يطوف حول الكعبة ويدعو(:اللهم ارحمني وارحم محمدا وال ترحم معنا أحدا،)...وكام ميثلها موقف ذلك الحاج األعرايب الذي صعد اىل جبل عرفة مبكرا وقال(:رب اسمع دعايئ واغفر يل قبل أن يدهمك الناس .)...ومبثلها قول شاعرهم(:إذ مت ظأمنا فال هطل القطر).هذه الفردية التي ّ سادت يف ثقافتنا منذ القديم اىل اآلن تض ّخم الذات وتجعلها مركزا،تصور لصاحبها أن رأيه الصواب املطلق،وأن الرأي اآلخر هو الخطأ املطلق .ثقافة الفردية جعلتنا نختزل التاريخ العريب والحضارة اإلسالمية يف نحو مئة شخصية فقط،مام جعل تاريخنا تاريخ أفراد التاريخ جامعات ،إننا ندرس تاريخنا ونعرفه من خالل أفراد وأرس ال من خالل مؤسسات ومجتمعات،ننسب املراحل التاريخية يف حياة األمة اىل أسامء كأمية والعباس وحمدان وليس اىل ما مييز تلك املرحلة من إنجاز ثقايف أو حضاري.
التجديد الثقايف –نحو منظومة ثقافية جديدة د.ممدوح خسارة
حل الفردية هي التي جعلت معظمنا يفتش عن حلول فردية ملشكالته،ومنها عىل سبيل املثال أ ّن %55من الشبان العرب يرون أن ّ مشكلتهم هي الهجرة من بلدهم،وواضح أن الهجرة هي سعي نحو الخالص الفردي ال املجتمعي. نريد ثقافة تؤمن بالجهد الجامعي والعمل الجامعي لإلسهام يف املرشوع الحضاري ثقافة تؤمن بتعدد األفكار وتنوعها ،وأن هذا التنوع والتعدد ليس مظهر ضعف وتشتت،بل مظهر قوة واتحاد يف النهاية ،وأن الرأي النمطي الواحد ليس مظهر قوة واتحاد دامئا،بل مظهر ضعف وتشتت،وهذا ما يفرس انتصار النظم ذات النهج التعددي عىل النظم ذات النهج الفردي يف حربني عامليتني،الفردية ضعف ظاهره قوة،والتعددية قوة ظاهرها ضعف. وال بد من اإلشارة اىل أن الفردية غلبت علينا هي فردية سلبية من نوع(:حادت عن ظهري بسيطة ...مئة أم تبيك وال أمي وأيضا أمي وال أنا) بخالف الفردية اإليجابية التي تعني استقالل الشخصية يف التفكري،واملبادرة الذاتية يف العمل واإلنتاج،والرغبة يف التميّز عن طريق اإلبداع واالبتكار،والتخفف من سيطرة املجتمع وتقاليده املتكلسة .وقد كان للفردية بهذا املعنى اإليجايب أثر كبري يف بناء املجتمعات املتقدمة املعارصة. -2العقالنية بدل الغيبية: ما نعنيه بالعقالنية اتخاذ العقل مرجعية عند معالجة قضايانا ومشكالتنا وصفا وتحليال.وال نرمي بالعقالنية رفض الغيبية بأهم تجلياتها – االميان والعاطفة – حافز برشي فطري،ومن يطلب من الناس أن يحيوا دون غيبيات كمن ينشد املحال وهو أشبه مبن يطالب الناس أن يحيوا دون عالقات أب ّوة وأمومة،بحسب تعبري كرين برنتون يف كتابه تشكل العقل الغريب ولكننا نرمي أن التكون الغيبيات مرجعنا يف تفسري التاريخ،أو تحليل الواقع،او تصور املستقبل،بل أن تكون مالذنا الذي يحمينا باالطمئنان الروحي والنفيس يف مواجهة مصائب الحياة ونوازلها. كان مرشوع النهضة العربية الحديثة األوىل يف نهاية الدولة العثامنية يرمي اىل شيئني مهمني هام :استعادة الهوية الحضارية العقيدة لألمة ثم متثل معطيات الثورة الصناعية وعىل رأسها العقالنية والعلمية والحداثة،وأن الخالصة التي نخرج بها من آراء كل من محمد عبده وعيل عبد الرزاق والكواكبي تتمثل يف مسألتني :األوىل الدور الجوهري للعقل،والثانية فصل السياسة عن الدين او بتعبري أدق عدم التوظيف السيايس للدين .تشكو الثقافة العربية من أنها ثقافة غيبية،متيل اىل تفسري كل شؤون الحياة وربطها بالنقل واملايض،ال بالعقل والعرص،وبالعاطفةوالرغبة ال باملنطق واملمكن .خاضت الثقافة العربية منذ القديم معارك ضارية بني أصحاب العقل والنقل،وما زالت هذه املعركة اىل وقتنا الحارض ،ومل تحسم لصالح العقل،وذلك أن النصوص الدينية التي تحث عىل العقل والتدبّر والنظر قد همشت وغيب عليها ورصف االهتامم عنها اىل غريها ،واضطهد أصحاب االتجاه العقيل وحوربوا وأحرقت كتبهم،مام أغرى بعض أعداء ثقافتنا ألن يصفوها بأنها معادية للعقل. الغيبية متجذرة يف ثقافتنا عامة السلفية والخلفية حتى ال أقول الرجعية والتقدمية.الغيبية السلفية ترى أنه ال تصلح أواخر هذه األمة إال مبا صلحت به أوائلها،وهي تكل اإلصالح اىل قادم موعد سيأيت ليمأل الدنيا عدال بعد ما ملئت جورا،دون أن تقدم أي إسهام فعال من جانبها يف هذا اإلصالح ...يف حني تكل الغيبية الخلفية املعارصة اإلصالح اىل قائد ملهم قومي أويساري ميكنه أن يحل مشكالتنا بجرة قلم أو مبرسوم،وال تكلف نفسها ما يلزم من الجهد للوصول اىل الحل املنشود.قائد يسهر لننام،ويشقى لنسعد!! ومن املؤمل أن النهج الغيبي السلفي منه والخلفي قد ح ّول العامة اىل قوة مادية تقف باملرصاد لكل نهضة عقلية أو حركة إصالحية،وذلك هو عرص االنحطاط الذي سجل ويسجل استقالة العقل العريب،وميكن مالحظة الشبه بني ما كانت تقوم به الغيبية الصوفية مثال يف تجييش اتباعها ضد االصالحيني العقالنيني وبني ما تقوم به النظم واألحزاب الشمولية املعارصة من تجييش محازبيها ضد الرأي اآلخر.أليس من املضحك أن يبحث الغربيون سنتني ملعرفة أسباب إخفاق تجربة فضائية،يف حني يختزل غيبيونا ذلك الدرس والبحث بر ّد إخفاقهم اىل كفرهم ..فإذا عزوا إخفاق الغربيني مرة اىل الكفر فإىل ماذا يعزون نجاحهم مرات ومرات؟؟ -3املعارصة بدل املاضوية: نحن أمة نعيش يف املايض،نلتمس من املايض حلوال للحارض،ونرى يف عزة املايض بديال من عزة الحارض،إذا ذكر غرينا إنجازاتهم واسهاماتهم الحضارية املعارصة فزعنا اىل املايض والتاريخ.املاضوية طبعت ثقافتنا بالرجعية التي ترى أن ما كان خري مام هو كائن ومام هو سيكون،متجاهلة أن الخط العام للتطوراإلنساين هو صاعد بالتأكيد،ذلك أن أعظم إنجاز علمي مل يتحقق بعد،وأن أجمل قصيدة مل تنشد بعد،وأن أجمل لوحة مل ترسم بعد...وأن أفضل مجتمع مل يوجد بعد...االنسانية يف حركة دامئة نحو األفضل وتلك سنة من سن الكون. يصور املاضويـّون واقعنا عىل أنه كتلة من األخطاء واملوبقات والرشور،ويجردونه من كل قيمة إيجابية،يف حني يسبغون عىل املايض صفة الكامل والذهنية ،ويسمون جيل املايض بالسلف الصالح ،ويقرصون عليه العلم والفهم والرشاد،علام بأن هذه الصفات مل يخص الله بها عرصا،فلكل عرص فضائله ورذائله،واألدعى للعجب أن املاضويني يرون أن الغرب تق ّدم ألنه أخذ بطريقة سلفنا الصالح،وهذا ما يفرس به بعضهم مقولة محمد عبده":رأيت يف الغرب إسالما ومل أر مسلمني،ورأيت يف الرشق مسلمني ومل أر إسالما" .مع أن الغرب تقدم نتيجة إصالح ثقايف وديني متخض عنهام ما يسمونه عرص التنوير.
افتقادها التعليم،فإن نحو%07من األميني هم من النساء. نسبة فضائلها اىل الصفات الذكورية،فإذا قامت امرأة بعمل شجاع قيل(:قامت فالنة بعملية رجولية)...حتى إن العرب كانت تطلقعىل املرأة النابهة املميزة(رجلة). حرمانها اجتامعيا من حق اإلرث،ومع أن الرشع ضمن لها الحق إال أن عقليتنا الذكورية مل تتقبله ،فمعظم ريفنا العريب ال يورثاملرأة،وكأنها مخلوق بال حقوق.ورمبا يتجىل لنا عمق هذه الثقافة الذكورية وعتوها إذا استحرضنا يف ذاكرتنا كم للنص القرآين من قبول وتسليم وقداسة،ومع ذلك فلم نستطيع كثقافة أن منثل ذلك الحكم اإللهي،ورصنا نتحايل عليه بطرق شتّى ليست من املنطقية يف يشء. قد يكون للقدماء عذرهم يف اتخاذ هذا املوقف الذرائعي من املرأة يف تلك املرحلة التاريخية التي كان الجهد العضيل من مقاييس التفاضل االجتامعي،ولكن ما عذر املعارصين وهم يرون أن النشاط اإلنساين صار يعتمد عىل الجهد العقيل واملعرفة والعلم الذي يتساوى يف تحصيلها كل من الرجل واملرأة ،املطلوب من ثقافتنا الجديدة أن تكون ذات بعد إنساين ال ينتقص فيه املجتمع من حق أمهاته وزوجاته وبناته. -6املعرفة بدل األمية: نحن األمة الوحيدة التي بدأ كتابها املقدس بالحض عىل القراءة بقوله تعاىل (اقرأ).ولكن ما من منظومة ثقافية يف العرص الحديث افتقرت اىل املعرفة كمنظومتنا. أ-نسبة األمية التقليدية – أي جهل القراءة والكتابة – يف الوطن العريب هي من أعىل النسب يف العامل،فهي تزيد يف بعض اإلحصائيات عن .%43وندخل القرن الحادي والعرشين بسبعني مليون أمي معظمهم من النساء،أما الرجال األميون فمعظمهم يف الجيش،وال يتوقع أن تندحر األمية يف الوطن العريب قبل عام(،)2040يف حني احتفلت كثري من األمم بتعليم آخر أمي أو أشارت اىل وفاته. ب -تدىن معدل القراءة واملطالعة الحرة يف ثقافة الفرد.وانبنى عىل ضعف القراءة،ضعف حركة التأليف إذ ينتج العرب %0,08من الكتب األدبية والفنية و %0.01من الكتب العلمية،مع أن العرب يشكلون %5من سكان العامل.كام انبنى عليها ضعف حركة الرتجمة ،فالوطن العريب يرتجم سنويا ()285كتابا فقط ،يف حني ترتجم تركيا وحدها نحو ألف كتاب وأملانيا()6000كتاب ،وروسيا ( )7000كتاب .عىل ما وصلت اليه من تقدم قد يغنيها عن ترجمة الكثري .ومعظم هذه الرتجامت هي لكتب أدبية وفنية،أما الكتب العلمية – والتي نحن بأمس الحاجة اليها – فال تزيد نسبتها عن %15من الكتب املرتجمة. وضعف القراءة أدى اىل ضعف النرش والتوزيع فال يزيد معدل عدد النسخ من الكتب املطبوعة عىل ( )1000نسخة تباع خالل خمس سنوات.ومن املؤثر أن أديبا مغربيا رفض استالم جائزة تكرميية وتقديرية له من الدولة ألن الرواية التي ألفها ويكرم من أجلها مل يبع منها أكرث من()500نسخة!! ج -أما عن نسبة األمية العرصية أي أمية الحاسوب واملعلوماتية،فتأيت الدول العربية يف ذيل القامئة فيام يخص عدد الحواسيب لكل ألف شخص فهو)17يف الوطن العريب،واملعدل العاملي هو( )80جهازا .وفيام يخص عدد مستخدمي الشبكة العاملية(االنرتنت)،فالوطن العريب– فبام عدا بعض دول الخليج – تأيت يف ذيل القامئة من حيث انسياب املعلومات اليها. د-التعليم:يشكو تعليمنا مبختلف مستوياته من املشكالت اآلتية: عدم القدرة عىل استيعاب جميع من هم يف سن التعليم لتلك املرحلة.رسب من املدارس. الت ّ األساليب التعليمية القامئة عىل التلقني والتعليم النظري .وبالتايل ضعف القدرات التحليلية واالبتكارية واملهارات،حلت املعلومةالنظرية يف مؤسساتنا التعلمية محل املهارة العملية،يحفظ خريج أقسام اللغة العربية ألفية ابن مالك يف النحو وخطب قس بن ساعدة واألحنف بن قس وال يحسن كتابة معروض .ويحفظ خريجو كلياتنا الهندسية معظم النظريات الهندسية يف اختصاصهم،ومع ذلك نستقدم الخربة األجنبية لتوسيع رصيف بحري أو توسيع شبكة هاتف. تدين املحصول املعريف،فإن دراسة مقارنة أجريت حول مضمون كتاب يف العلوم لسنة معينة يف بلد عريب وآخر نظري له يف فرنسا تبنيأن املعارف العلمية يف الكتاب العريب هي%14من املعارف العلمية يف نظريه األجنبي. عدم إتقان الخريج اللغات األجنبية ملن يدرس بالعربية مام يعرقل تواصله مع الخارج ومتابعة التعلم الذايت،وعدم إتقان العربيةملن يدرس باللغة العربية ملن يدرس باللغة األجنبية مام يضعف تواصله مع البيئة املحلية التي أعد ليسهم يف توعيتها وتنميتها. إننا أمة نستهلك املعرفة وال ننتجها .واملعرفة بدورها أصبحت منتجا غايل الثمن يس ّوق كغريه من املنتجات،ألن املعرفة تعني العلم وتطبيقاته الصناعية والتقنية .لقد أصبحت املعرفة اقتصادا،إن رشكة تقانية متقدمة تنهض باقتصاد دولة كاملة.
من مظاهر املاضوية املوقف التبجييل والتمجيدي من الرتاث،حتى أصبح موقف العرب من الرتاث(أيديولوجيا) عقائديا وجدانيا مييل لتقديسه.من الطبيعي والرضوري أن تحافظ األمة عىل تراثها،وأن تقد ّره حق تقديره،ولكن يجب أال يغيب عن البال أن النظرة اىل هذا الرتاث يجب أن تكون عقالنية نقدية،فليس كل ما جاء فيه متقبال وال صحيحا دامئا،فيه الغث والسمني،مهمة الرتاث يجب أن نسرتشد أمة يحكمها استسلمنا للرتاث اىل الحد الذي رصنا فيه به يف معالجة مشكالتنا ال ان نستمد منه الحلول الناجزة فهو مل يوضع لزماننا.لقد 4 5 األموات ال األحياء،نبحث يف زوايا الكتب الصفراء وهوامشها لعلنا نظفر عىل حل ملشكالتنا الراهنة.وعندما تطرأ مشكلة أو يعرض سؤال ال نجتهد يف التحليل واالستقراء والبحث واالستنتاج لحلها بقدر ما نجتهد يف الغوص يف الرتاث،ألنه رسخ يف أذهان الكثري مقولة(إن القدماء مل يرتكوا للمتأخرين شيئا)،وما أبطلها من مقولة. انسحبت املاضوية عىل التأليف والنرش الثقايف،فإن مبيعات الكتب القدمية والرتاثية تأيت يف املقدمة من مبيعات الكتب عامة. مل يجز بعض املاضويني يف بلد عريب االعتصام أو التظاهر،بحجة أنهم مل يجدوا أن السلف قد مارسها،وبسبب من هذه املاضوية يرفضون حتى استعامل مصطلحات مل ترد عن القدماء كمصطلح حقوق االنسان أو الدميقراطية أو الوطنية. -4االبداع بدل التقليدية: تتسم ثقافتنا يف تجلياتها القدمية واملعارصة بغلبة الفكر التقليدي عليها.إن كتابا واحدا يف اللغة أو التاريخ يغنيك عن قراءة العرشات منها،فكل تلك الكتب يأخذ بعضها من بعض،مثة علامء كبار أطبقت شهرتهم عىل اآلفاق،وكل كتاباتهم ال تخرج عن الجمع ألقوال سابقيهم. هذه التقليدية ليست خاصة بفئة دون أخرى وال باتجاه دون آخر،فمحافظونا تقليديون ومتحررونا تقليديون،أحزابنا تقليدية ومؤسساتنا تقليدية،علمنا تقليدي،وبحوثنا تقليدية. وعىل سبيل املثال – وأنا واحد من أنصار التعريب أي تدريس العلوم كلها بالعربية–عندما كنا نتحاور مع أعداء التعريب كاتوا يحتجون بأن التعلّم باللغة األجنبية هو طريق اإلبداع وطريق البحث العلمي،وأن اللغة العربية تبعدنا عن البحث العلمي،وكنا نقول لهم ال عالقة لإلبداع بلغة معينة،بل مل تبدع أمة إال بلغتها،والدليل عىل ذلك ما جاء يف إحصائية مقارنة عن البحث العلمي يف اسرتاليا ويف مرص والبلدان،كالهام يدرسان العلوم باالنكليزية،ومع ذلك فإن ما تنتجه مرص من البحوث العلمية %1مام تنتجه اسرتاليا.والرس يف ذلك أن ثقافتنا العامة ثقافة تقليدية ومل ننجح يف أن نجعلها ثقافية مبدعة ومن الطبيعي – والحالة هذه – أن تكون العرب يف املؤخرة من حيث براءات االخرتاع. العداء للجديد متأصل يف ثقافتنا،فلغويونا ال يعت ّدون برأي املحدثني،ونقادنا يهاجمون الشعر الحديث،وأطباؤنا يتوجسون خيفة من كل مامرسة جديدة...ومن الطريف يف هذا املجال أن مثة مجلة عربية متخصصة مل تغري من شكلها وال من مضمونها وال من طريقة تصنيفها وتوضيبها منذ سبعني عاما،والقامئون عليها يرصون عىل أن تبقى مالزما مغلقة تفتح باملرشط والسكني يف عرص صارت فيه نقرة عىل الحاسوب تفتح لك ال صفحات مجلة ،بل أبواب أكرب مكتبات العامل!! إننا مجتمع نخاف من الجديد ونعاديه ألننا نجهله ،ونحن نخىش أن تكون ثقافتنا قد أصبحت معادية لإلبداع عىل حد تعبري بعض املثقفني العرب،وذلك بالنظر اىل كرثة الجهات الرقابية الرادعة الرسمية وغري الرسمية،املرشوعة منها وغري املرشوعة وإذا كانت الرقابة الرسمية تكتفي باملنع فإن الرقابة غري الرسمية كثريا ما تواجه بالعنف،وما زال فرد متعصب قادرا عىل تجييش اآلالف ضد مفكر مستنري عىل حد تعبري الدكتور عبد العزيز املقالح. -5املساواة اإلنسانية بدل الذكورية: يدسه بش أحدهم باألنثى ّ ظل وجهه مسو ّدا وهو كظيم" "يتوارى من القوم من سوء ما ّ قال تعاىل":وإذا ّ بش به،أميسكه عىل هون أم ّ يف الرتاب ،أال سآء ما يحكمون"(النحل.)58-57 وعىل ما للنص القرآين من مكانة وقدسية مل تستطع ثقافتنا أن تتجاوز العقلية الذكورية التي كانت من مستلزمات مجتمع بدوي يقوم عىل حملة العيص والرماح.غلب عىل ثقافتنا أن النساء ليسوا من القوم،وأن القوم تطلق عىل الرجال ليس إال،محتجني عىل ذلك بقوله تعاىل ":يا أيها الذين آمنو ال يسخر قوم من قوم عىس أن يكونوا خريا منهم وال نساء عىس أن يك ّن خريا منهن" مع أن يف أصل اللغة أن القوم هم الجامعة من الرجال والنساء جميعا،وأن لآلية آفقا بالغيا رحبا. ثقافتنا تنظر اىل املرأة نظرة انتقاص اىل حد كبري،فنادرا ما تعرف املرأة باسمها إال يف السجالت الرسمية،أما اجتامعيا فهي بنت فالن أو أخت فالن فإذا تزوجت قيل زوجة فالن،فإذا أنجبت قيل أم فالن...وحتى يف بطاقات األعراس يتحاشون ذكر اسم العروس فيكتبون(زواج الشاب فالن عىل كرمية فالن )...فهي تحرم من ذكر اسمها حتى يف أبرز يوم يف حياتها وهو يوم الزواج. من مظاهر الذكورية يف ثقافتنا: تعزيز اعتقاد الرجل بتفوقه،واعتقاد املرأة بضعفها. تصوير املرأة يف تراثنا القديم بأنها(لحم عىل وضم)،أي لحم عىل طاولة جزار،جاهز لألكل،وكأنها فاقدة اإلرادة أو القدرة عىل حاميةنفسها،مع أن أنثى الحيوان متلك بغريزتها مثل تلك القدرة.
يف بعض األرياف العربية كانت بعض األرس -واىل عهد قريب– تعد قبول ابنها يف مدرسة صناعية منقصة لها.وهذا ما يفرس تدافعنا نحو التعليم العام،مع أن التعليم الفني واملهني هو أكرث أمناط التعليم التصاقا مبواطن اإلنتاج. -9التعريب بدل التغريب: إن أي تجديد ثقايف عريب يجب أن يكون مرتبطا باللغة العربية،إذ ال وجود لثقافة عربية أو مجتمع عريب دون لغة عربية.فاللغة العربية هوية،الدفاع عن اللغة هو دفاع عن الهوية.هنا تجاوزنا كل القيم السلبية يف ثقافتنا واستبدلنا بها قيام ثقافية إيجابية معارصة،وانتقلنا اىل حالة حضارية متقدمة ولكن دون لغة عربية،فمن سنكون عندئذ؟وبالطبع فإننا إذا خرسنا لغتنا قد نكون أي يشء إال أن نكون أمة أو أن نكون عربا. إذا كان التجديد الثقايف يتطلب كذلك تجديد نظرتنا اىل القيم السلبية يف تراثنا وحارضنا ونقدها،فإنه يتطلب كذلك تجديد نظرتنا اىل اللغة العربية ،ليس كوعاء لألفكار والقيم بل كرشط وجود،كام يتطلب إصالح هذه اللغة العربية التي تعاين من الضعف يف األداء بها ما نعاين. طرق اإلصالح اللغوي يف رأيي هو التعريب،مبعنى نقل العلوم اىل العربية وجعلها لغة التدريس يف جميع مراحل التعليم ال سيام العايل منه.ألن هذه العملية سوف تقيض تطوير اللغة العربية لتصبح لغة علمية دقيقة غنية باملصطلحات ميسورة التعليم والتعلم ممكنة الحوسبة والربمجة .التعليم بالعربية هو الذي سيخلق لنا لغة عرصية تنأى عن العواطف واملبالغات والزخارف اللفظية وتقرب من الدقة وااليجاز والسهولة،ومن لغة العرص.اللغة العلمية هي التي ستعقلن الفكر العريب وتح ّدثه،وهي التي ستجعل التعليم دميقراطيا متاحا ملعظم أبناء األمة وليس لفئة قليلة ميسورة منه،مام سيوجد طبقة معرفية وثقافية قد يكون لها أثر بالغ يف تهديد السلم االجتامعي.ومن املؤمل أن %80من جامعاتنا وكلياتنا العربية ما تزال تعلم باللغات األجنبية االمر الذي ينتج عنه ضعف استيعاب املتعلم للامدة العلمية وضعف القدرة عىل االبداع أو املشاركة يف النوعية العلمية املجتمعية.وقد يرتاءى للبعض أن يف كالمنا هذا تحامال عىل ثقافتنا العربية وحضارتها،إذ كيف استطاعت تلك الثقافة أن تنجز ما أنجزت يف عصور ازدهارها لو كانت مبثل هذه الصفات التي ذكرناها؟ فأقول: أوال :إن القيم التي هي سلبية يف عرص،قد تكون إيجابية يف عرص آخر ،أو قد ال يكون تأثريها بهذه الح ّدة،فالفردية والذكورية وحتى االستبداد كان لها ما يسوغها يف بعض املراحل التاريخية. ثانيا:إن مجتمعنا العريب يف ذلك الوقت استطاع أن يتجاوز تلك القيم السلبية ويبطل تأثريها،ولكنه مل يلغها.وتطالعنا يف التاريخ العريب اإلسالمي حاالت كثرية تدل عىل أن أجدادنا كانوا أكرث تحررا واستقاللية وعقالنية منا نحن املعارصين. -3املثقف والسلطة: إذا أدركنا ثقل بعض القيم الثقافية التقليدية التي سادت يف عصور متتالية ،ومدى تأثريها يف أفراد املجتمع العريب اإلسالمي منذ نتبي السبب يف أن املثقف العريب مل يؤد دورا هاما يف تغيري مجتمعه أو تطويره،إذ بقي ذلك املثقف يف قبضة القديم ،استطعنا أن ّ السلطة السياسية و أويل األمر،يف حني استطاع مثقفون أوروبيون من العلامء والفالسفة كفولتري ومونتسكيو وكنت ونيوتن وبيكون،تغيري أفكار مجتمعاتهم وقيمها مبا يف ذلك السلطة السياسية. انقسم مثقفونا يف العرص الحديث اىل فئات ثالثة،عىل ما ذكر يف مؤمتر الثقافة العربية يف القاهرة :2003 املثقف العقدي السلطوي الذي يس ّوغ للنظام أو املعارضة كل مامرستها،وكأنه نرشة إعالمية.ولعل هذا ما عناه بعض الباحثني يفذلك املؤمتر عندما وصف املثقف العريب بأنه أصبح خائنا وسمسارا. املثقف الشهيد املتمسك مبواقفه ومبادئه متحررا من التعصب والتقيد،والذي غالبا ما ينتهي اىل العزلة ماديا ومعنويا.املثقف الجرس الذي يسعى لتقليل الفجوة بني السلطة واملعارضة خوفا وطمعا،والذي غالبا ما يستهدف منه السلطة اىل حني،ثمتلقي به عندما تستنزف إمكاناته. قد يقال:وما العيب يف أن ينقسم املثقفون العرب اىل هذه الفئات؟ أقول:إن واجب املثقف بصفته ضمري األمة،أن يكون دامئا يف الصف املقابل للنظام،يف املعارضة،ليس املعارضة السياسية املبارشة مبعناها الض ّيق وهو أن يكون يف صفوف أحزاب املعارضة التي قد ال تختلف أحيانا عن أحزاب النظم واملواالة .بل املعارضة غري املبارشة التي تجابه وتعارض الفساد والخلل وصوال اىل تغيريه.والتي تنقد ال لهدمه،بل طموحا اىل األصلح،وتنقد الصواب ال لتخريبه،بل رغبة يف األصوب.إن كل نظام مهام كان صالحا فإن ركود الصالح والصائب دون تطوير وتجديد سوف يؤدي اىل فساده.ألن كل نظام مهام كان صالحا فإنه يحمل يف ذاته علة فساده،فليك ال يفسد متاما وندفع مثن ذلك من حياتنا وحياة أوالدنا،عىل املثقف أن يتعهده بالتوجيه دامئا نحو األفضل واألصلح. وبعد ....فقد يبدو كالمنا هذا قاسيا وغري مقبول لدى رشيحة من املثقفني ورشائح من السلطويني،وهذا حقهم.ولكنني أذكر بأن أعىل القيم االجتامعية والثقافية يف عرصنا والتي ال يختلف عليها معظم بني البرشهي(:املعرفة والعمل واالبداع،واملساواة بني الجنسني
تردي البحث العلمي من مستلزمات مجتمع املعرفة .البحث العلمي الذي يأيت فيه الوطن العريب يف آخر القامئة العاملية ،ال سيام منحيث اإلنفاق عليه وعائده ،فمن حيث اإلنفاق عليه ،ينفق الوطن العريب ما يعادل( 4دوالرات)عىل البحث العلمي مقابل كل مواطن فيه،يف حني تنفق أمريكا(1200دوالر) ،وإرسائيل(200دوالر) وينفق اليابانيون %2.5من دخلهم عىل البحث العلمي وينفق العرب %0.014من دخلهم عليه.أما من حيث العائد فقد سبق القول بأن نسبة براءات االخرتاع يف الوطن العريب هي األدىن عامليا. ومن الطريف أن نقارن بني املكانة االجتامعية للعامل العريب وغريه فاليابان تضع صورة(فويك زلوا) رائد نهضتها العلمية الحديثة عىل ورقة نقد من فئة()600ين،وتضع صورة أمربطورها عىل فئة( )5ين .أما نحن فال أحد منا أو من مرص يعرف قرب رفاعة الطهطاوي الرائد النهضوي العلمي العريب نظري (فويك زلوا) الياباين... لقد ع ّد االمريكيون ضعف مستوى طلبتهم يف الرياضيات والعلوم مام يهدد أمنهم القومي فنهضوا ملعالجته عىل هذا األساس،وعندما حقق السوفيت السبق يف الوصول اىل الفضاء الخارجي استدعى ذلك أن يغري االمريكيون الكثري من مناهجهم التعليمية،ألنهم أدركوا أن خلال ما يف بلد أورويب قاد رئيسها حملة شخصية للعودة اىل القراءة،ونزل بنفسه اىل الحدائق العامة ميارس علنا ذلك الواجب. -7الدميقراطية بدل االستبداد: يف ثقافتنا التالدة والطارفة ميل واضح لإلقرار باالستبداد – والتفرد باالمر -قيمة ثقافية.فمنذ القديم قال شاعرهم(:إمنا العاجز من ال يستبد).كان التفرد بالحكم من فضائل صاحب السلطة عندهم،ولذا رأينا من شعراء االستبداد من يقول(فاحكم فأنت الواحد القهار)،مفتتنا عىل القيم الدينية الثابتة.أورثت هذه الثقافة أن الحاكم ظل الله يف أرضه،وأنه يستمد سلطته منه ال من الرعية،وظن كثري من الحكام أنهم خلفاء الله يف األرض،فكان الخروج عىل الحاكم خروجا عىل الرشع.س ّوغت هذه الثقافة الظلم باسم الحزم،والقهر باسم العزمية،فمجدت شخصيات يقوم معظم رصيدها عىل البطش والقتل.ومبا أن أي حكم ال يستغني عن الشورى،لذلك ع ّد أصحاب األمر الشورى معلّمة ال ملزمة. رست هذه املقولة يف ثقافتنا اىل العرص الحديث،حيث عرصنها بعض منظري االستبداد والفردية مبقولة (ال يصلح هذا الرشق إال مستب ّد عادل)،وإن الجمع بني الجد والفهم يف يد املتنبي ال يقل صعوبة عن اجتامع العدل واالستبداد تحت سقف واحد .حوربت السلفي رموهابالهرطقة والكفر أحيانا،وعامة الخلفيني وصموها الدميقراطية بصفتها شورى ملزمة للحاكم من اليمني واليسار،فعا ّمة ّ باملستوردة والفوضوية.وليس منا -إال من أسهم بشكل أو بأخر ويف زمن ما -يف مقاومة الدميقراطية،والدعوة للتفرد بالسلطة ملجموعته أو حزبه .وما تعانيه األحزاب العربية التي تدعو للدميقراطية من خلل يف عملها مر ّده اىل ثقافة التفرد واالستبداد املتأصلة يف نفوسنا. لقد منح املواطنون العرب بعض الحكام األفراد من الوالء والطاعة بل واملحبة أحيانا ما ال يحتاج الحاكم معها اىل مزيد....بأن أولئك الحكام األفراد قدموا إنجازات ال ميكن إنكارها،ولكن الثمن كان باهظا جدا وجدا.... الدميقراطية التي هي نقيض االستبداد والتفرد باألمر تعني اسهام أكرب كتلة من املواطنني ال الرعايا ومن الرشكاء ال األجراء يف صنيع القرارات التي تهم بلدهم.ومن نافلة القول الحديث عن الدميقراطية دون أساسها واألصل الذي تجسده وهو الحرية. عند الحديث عن الدميقراطية يقفز الذهن مبارشة اىل دميقراطية السياسة ويحرصها بها.لكن ما نعنيه بالدميقراطية يتعدى دميقراطية السياسة اىل دميقراطية املعرفة التي ال تحجر عىل املواطن أن يسأل ماذا وملاذا ومباذا،أيا كان مضمون ذلك السؤال،ألن الحضارات اإلنسانية كلها بدأت من سؤال .دميقراطية املعرفة تعني أال يحرص حق التعلم يف الفئة امليسورة من املجتمع مام يكّلس الفوارق املادية واالجتامعية بني طبقات املجتمع،ألن املعرفة صارت اقتصادا من ميتلكها يزداد قوة ومن يفتقدها يزداد ضعفا. كام تعداها اىل الدميقراطية االجتامعية التي تعني العدالة واملساواة بني فرص العمل واإلنتاج ويف نصيبهم من الدخل الوطني،ويف التزام القانون ،كام تعني التحرر من املفاهيم والعالقات غري العقالنية،كالطائفية والقبلية واملناطقية التي تتناسب عكسا مع الشعور باملواطنة،ولذلك سميت تلك العالقات – باستحقاق – العالقات ما قبل الوطنية. يبش بالخري أن قيمة الدميقراطية بدأت تكتسب أولوية عىل بقية القيم ففي دراسة دولية حول(مسح القيم العاملي)نرشها معهد ومام ّ االمناء العريب يف تقرير التنمية اإلنسانية 2003تبني أن الدول العربية تأيت يف قمة الرتتيب العاملي يف اعتبار الدميقراطية أفضل نظام حكم،ويف رفض النظام التسلطي،أجريت عىل مجموعة من النخبة ال من عامة الشعب وهذا ما مل توضحه الدراسة. -8احرتام العمل املهني بدل احتقاره: من القيم التي تؤث ّر يف توجهاتنا املوقف من العمل اليدوي واملهني عامة .فكان مام يعاب به أهل اليمن يف الجاهلية – وهم أكرث حضارة من سواهم من العرب – أنهم (بني ناسج برد ودابغ جلد) ومل تسلم الفالحة والعمل الزراعي من أمثال تلك األحكام الجائزة،وكثريا ما أزرى العمل املهني بصاحبه بدال من أن يعيل من شأنه،عىل كرثة النصوص التي تحضن عىل العمل أيا كان نوعه. ومع أن املجتمع املعارص هو مجتمع عمل باملقام األول فام زالت مجتمعات عربية تسمى الحرفني كالحالّق والجزار(بالخس)،من الخسة،وترفض مصاهرتهم واإلصهار اليهم.واألخطر أن هذا املوقف من العمل اليدوي انسحب عىل العمل عامة،ولعل هذا من أسباب ضعف إنتاجية العامل العريب،تقول بعض الدراسات إن إنتاجية العامل يف البالد املتقدمة يزيد ثالثة وعرشين ضعفا عىل إنتاجية العامل العريب،ورمبا تعود بعض أسباب تدين جودة اإلنتاج اىل هذا املوقف ،إذ كيف يتقن إنسان عمال ال يحرتمه يف قرارة نفسه؟.
والحرية)،فأين ثقافتنا الحالية من هذه القيم يف ضوء ما ق ّدمنا.كام أذكر مبقارنة – قام بها مؤلف كتاب (الثقافة العربية وعرص املعلومات) – بني سامت الفكر العريب املعارص ونظريه الغريب،فكان مام أدت اليه مقارنته أن الفكر العريب تقليدي ال ابتكاري،رجعي ال استرشاقي،فردي ال جمعي ،سلبي ال مبادر،غيبي ال عميل... ولعل من األفضل أن نقسو عىل أنفسنا من أن يقسو علينا اآلخرون.فالثقافة الحية – كالدميقراطية – قادرة عىل تصحيح مسارها بذاتها. ال أدري إن كنت قد وفقت يف إيصال رسالة ومؤداها أن ما نشكو منه من ظواهر الفساد والشمولية والقهر،إمنا ترضب بجذور اىل ثقافة متخلفة ساعدت عىل تق ّبلها وفشوها .وعليه فاإلصالح الثقايف ال ينفصل عن اإلصالح السيايس واالقتصادي،فهي مجتمعة تشكّل منظومة التق ّدم املعارصة. ويف النهاية ....من أين نبدأ؟ "قناعتي – والكالم للدكتور نبيل عيل – أن البداية يف الرتبية،واملدخل اليها هو اللغة،والركيزة هي الثقافة ،ثقافة تكامل املعرفة وصدق االميان،وكالهام رهن بتوافر الحرية "...أوال وأخريا مصدر اليقني املعتقدات الدينية أو الالهوت املقدس الذي يرتبط بالكنيسة ،وكانت وظيفة الفلسفة تنحرص يف محاولة تفسري هذه املعتقدات والربهنة عليها ألن الفلسفة ليتلقي الغفران دون توسط الكهنة والقديسني واألرسار االلهية ( رس االعرتاف والعامد والتناول والزواج واملوت ..ألخ ) .وعىل الرغم من أن الربوتستانت املحدثني ما كانوا من الكهنة ،اال أنهم مل يكونوا مستقلني يف تفكريهم كام هي حال الفالسفة املحدثني العلامنيني .لقد طور الفيلسوف الحديث فروضه بحرية ،واضعاً يف اعتباره التطورات العلمية املستجدة وتأثرياتها عىل القضايا التي يبحثها .وقد بلغت هذه الفردية حدا ً بات معه من الصعب إتفاق فيلسوفني متاماً عىل
املوضوعات املهمة التي تشغل تفكريهام ،وبات كل فيلسوف يفحص شواهده بنفسه وميحصها ليتوصل اىل النتائج الخاصة به بطريقة مستقلة .وهكذا ميكن القول إن الفلسفة الحديثة بدات " حيثام بدأ كل شخص يف التفكري بصورة مستقلة عن املعتقدات التي قبلها الناس ، ونظر يف األمور بنفسه " . النزعة االنسانية :عرص النهضة ما كان ارتدادا ً من العصور الوسطى اىل العصور القدمية كام نفهم من كلمة (الرينيسانس) بل كان باألحرىحيازة ملا أنتجه الرتاث القديم من أجل استخدامات جديدة .وبهذا املعنى متثل إنسانيو القرن السادس عرش من الرتاث القديم ما يوسع رؤيتهم ويساعدهم يف البدء بداية جديدة يف دراسة العامل واالنسان ،رغم انهم ما استطاعوا التخلص متاماً من خرافات املايض ،فذلك أمر مل يتحقق اال يف عرص التنوير ،ومع ذلك ،فقد أظهر كثري من فالسفة الفرتة االنسانية ومضات من االستبصار كانت تنبىء بوالدة عرص جديد .ورغم ارتكابهم األخطاء بسببب افتقارهم اىل منهج جديد للتفكري ،متيز االتجاه االنساين ،يف حركة فكر النهضة ،بالتأكيد عىل نقض الفكر امليتافيزيقي والالهويت الذي ساد يف العصور الوسطى ،والدعوة للعودة اىل الطبيعة االنسانية واعتبار الواقع االجتامعي الذي يعيش فيه االنسان املنبع األسايس ألفكاره .وبات االهتامم بالفلسفة نابعاً من اتجاه فكري يبحث عن املتعة الذهنية واألخالقية والجاملية بعيدا ً عن االهتاممات الالهوتية ليصبح إنسان القرن الخامس عرش أكرث انسانية وأكرث برشية ،اي أكرثعقالنية ،وثقافة ومعرفة بكل ما له قيمة يف الفن واألدب والعلم ،عن طريق دراسة اآلداب الكالسيكية ( الثقافة اليونانية القدمية التي نقلت نصوصها األصلية ) التي عرفت باسم االنسانيات وعرف الباحث الذي يدرسها بطريقة جديدة باسم الباحث االنساين يف مقابل الباحث االسكواليئ . منو العلم الحديث : مل يبزغ العلم الحديث فجأة يف مطلع القرن السابع عرش ،بل سبقه احياء للرتاث الفيثاغوري القائم عىل فكرة البحث عن الحقيقة عن طريق األعداد .كانت هذه النظرة اىل العلم ومشكالته مختلفة جذريا عن االتجاه االرسطي عند املدرسيني ،من حيث اعتامدها عىل سلطة علم األعداد وحده وابتعادها عن االعتامد عىل النصوص ،ألن "كتاب الطبيعة املجيد مكتوب بلغة الرياضيات " .وهكذا ظهرت الثورة العلمية الكربى بوصفها نزعة تتمسك بالفيثاغورية بدرجات متفاوتة ،وأخذت تتخىل تدريجيا عن األفكار األرسطية يف ميداين الفلك والفيزياء . التطور الهائل للحركة العلمية حدث أساسا يف البالد الربوتستانتية بسبب العجز النسبي للكنائس القومية عن فرض سيطرتها عىل أفكار اعضائها . بدأ النمو املطرد للعلوم الحديثة انطالقا من نظرية كوبرنيكوس( )1473-1543رجل الدين البولندي الذي سافر اىل روما حيث درس الرياضيات وتعرف عىل النزعة الفيثاغورية عند علامء الحركة االنسانية االيطاليني ،قبل أن يعود اىل بولندا ويتبنى نظرية مركزية الشمس .هذه النظرية التي تطورت مع كبلر( ، )1571-1630وغليلو غلييل ( ، )1571-1630وصوال اىل نيوتن( )1642-1727لينتهي معها كل أثر لآلراء األرسطية املتعلقة بالطبيعة والفلك ،وتبدأ مسرية ظافرة للعلوم النظرية الحديثة التي غريت نظرة االنسان اىل الكون وموقعه فيه . وباالضافة اىل العلوم النظرية شهد القرن السابع عرش اكتشفات هائلة منها :نظرية جيلربت عن املغناطيسية ،ونظرية هويغنز املتعلقة بالنظرية املوجية للضوء ،واكتشاف وليم هاريف للدورة الدموية ،واكتشافات روبرت بويل التي مهدت للكيمياء الحديثة ،اضافة اىل ابحاث فيسالوس املتعلقة بالترشيح .وقد استتبع هذا التطور العلمي اخرتاع لآلالت (املجهر ،التلسكوب ) ...،وتطور تكنولوجي مناظر حقق ألوروبا السيطرة طيلة ثالثة قرون . هذا التطور العلمي يعتمد بشكل اسايس عىل املالحظة ،وليس عىل االستقراء األرسطي العقيم .ويف هذا االطار جاء كتاب فرنسيس بيكون "تقدم املعرفة " الذي نرش عام ، 1605وكان هدفه توسيع نطاق املعرفة وزيادة سيطرة االنسان عىل ظروفه وبيئته ،األمر الذي يستدعي منهجا جديدا للمعرفة يحل محل القياس .وهو ما اطلق عليه تسمية األورغانون الجديد ،وهو جزء من عمل ضخم نرش عام ، 1620ووضع فيه صيغة جديدة لالستقراء . اقرتن اسم بيكون بحركة العلم الحديث ألنه دعا اىل منهج يعتمد عىل الحواس والتجريب ،ويبدا من جزئيات ليخرج بنتيجة كلية هي قانون من قوانني الطبيعة .انه املنهج الذي يستقطب سؤال العرص ،سؤال الطبيعة .يصف بيكون الطبيعة باألم الكربى للعلوم ،وهي مملكة املعرفة االنسانية ،وامليدان الوحيد املثمر واملأمول لسيطرة االنسان عن طريق املنهج التجريبي ،بجانبيه االيجايب الذي يختص بقواعد التجريب . والسلبي املتعلق بتخليص العقل من األوهام أو األصنام ( اوهام الجنس أو القبيلة ،وأوهام الكهف ،وأوهام املرسح ،وأوهام السوق ) .
ساقى نامه
شعر /حافظ الشريازي
بيا ساقى آن مى كه حال اورد كرامــــت فزايد كمــــال آورد ***** اجلب الخم َر التي تهـَ ُب الرضا وتزي ُد إنسانيـــــَّـــ َة اإلنسانِ ساقي ِ ُ يسمو بنا عن حأمة األدرانِ والكامل ،ورشب ُـها فيها الكرام ُة ***** ِ هات اعطني خمرا ً فإين منه َـ ٌك متساق ٌط متجل ْـبـِ ٌب بهوانِ هيـّا اسقنيها ،غار قلبي يف األىس وخرستُ عمري ،فال َخسا ُر اثنــانِ ***** ساقي َ تعال فمن خال ِل زجاجهـــا تحيك لنا الصهبا ُء أخبــــا َر األم ْم لشبـِهــــــا يف كأسها أخبا َر"كيخرسو" و"ج ْم" عجام ُء ناطق ٌة ُّ تقص َ ْ ***** عن"كاووس" عرب ِ الكاس ناي أسقـِني أنبئ ْـ َك عن "جمشي َد" مع لحن ٍ َ أحوالهم،أخبا ُرهم ،ومآلـُهـــــــ ْم تـُجىل بتأثريِ ِ الطال يف الر ِاس ***** ساقي َ تعال فتلك خمرتك التي يف الفتح صارت كيميا َء الرو ِح أحس بأنني يل كن ُز "قارونٍ " وفرت ُة "نو ِح" أنا حني أرشب ُـها ُّ ***** لسك ْـ ٍر ثانِ هي ّـا اعطني هم سوف يفتتحون با َب الحان ثاني ًة ُ فيها تكون هناءيت ،والعم ُر يف أرجائها أفىض مع اطمئنانِ ***** ِ هات اعطني خمرا ً من ِ الكأس التي "جمشي ُد" عاق َرها فصار بصريا قد كان عرب زجاجها وشعاعـِها يجلو خفايا الكونِ واملستورا ***** وأنا ٍ بتأييد من ِ الكأس التي "جمشي ُد" عاق َرها غدوتُ بصريا رسا ً خافياً مطمورا فكأنني "جمشي ُد" يجلو ما اختفى ويذي ُع ّ ***** واقصص حكاي َة ذلك الزمنِ الذي طالت مسريتـُه مع األقدا ِر ْ َوصـِلِ الحديثَ عن ِ امللوك وقد قض ْوا ذهبوا ،وما تركوا سوى األخبا ِر ***** هو ٌ اب منزل هذا الوجو ُد ،وإمنا هو ٌ آيل مهام احتوى لخر ِ ياب" أ ْردتـْه أقدا ٌر ْ فقل يل من رأى بع َد الردى "إيوا َن أفـْ َر ْس ِ ***** ِ بيوم عوانِ أين الكبا ُر بحكمهم وبرأيهم للجيش ج ّرارا ً ِ قل يل إذن أين انتهوا بل أين خنج ُر ذلك الرتيكِّ ذي اللمعانِ
**** ٌ أثام ملك ،ومــــا ُم َّس ْت ساقي اعطني خمرا ً يق ِّدم ُـها لنا بــــــأي ِ ِّ ستظل طاهر ًة مدى األيــــــــّ ِام ُّ اآلن قلبي سوف يشه ُد أنها ***** تزيل السيـّ ِ ُ وتجرف ئات هيـّا اعطني خمري ألرج َع طاهرا ً عني ُ م ُـت َـعي أُصع ِّـ ُدها عىل أغوارها وتر ُّد يل طهري ُس ٌ قرقف الف ُ ***** أضحت ر ْوض ُة الخ ُـل َـصا ِء يل سك َـناً بدار العال َـ ِم الروحاين أنا حني ْ فلـِ َم ارتباطي بالقيود عىل الرثى وأعو ُد للجسد األسريِ الفاين ***** ِ بكل وضو ِح هات اعطني خمرا ً و َر الح َّظ الذي يبدو عىل وجهي ِّ َ وتعال خ ِّرب ْـني و َر الكن َز الذي هو حكم ٌة خب ّـأت ُـه يف روحي ***** الكأس يف كف ّـي أخذتُ وشُ ف ْـت ُـها بصفا ِء أنا ذلك الرايئ إذا ما َ يخفى بهذا الكون من أشيا ِء كل ما رص َّ يف تلكـُ ُم املرآ ِة أب ُ ***** السكـْ ِر اللذيذ ُ تسام يروق يل إعال ُن مملكتي ِّ بكل ِ يف لحظ ِة ُ الجام وأكو ُن ذا ح ْو ٍل ألجم َع "خرسوي" واملعد َم العايف بنفس ِ ***** مع ذلك السكرانِ ال تسطي ُع أن تخفي جواه َر حكم ٍة يف ِ الذات ِ إنكا ُر َ الكلامت وض ٍح ،وإن خفـِيت عىل يجعل األرسا َر يف ذاتك ُ َ ***** ِ النشيد وص ْوغ ِه بذكا ِء وإذا تجلـّى "حافظُ" السكرا ُن يف صنعِ سيل غنا ِء فلسوف تشدو "ال ُزهرةُ" الشع َر الذي قد صاغه ،ويكو ُن ُ ***** ِ النشيد قل يا مغن ِّـي أين صوتُ النه ِر من ذاك ْ "الخرسوي" الرائعِ ِّ ذاك النشي ُد يعي ُد حـُلـْامً نائياً وتأمـُّالً مبصائــــ ٍر ووقائــــــعِ ***** ويص َري وجدي حارضا ً بالكاملِ حتى أكو َن مولـَّهاً متش ِّوقاً الرقص انجذاباً للرؤى وبخرقتي ألهو ليسمو داخيل سأمارس َ ُ ***** والتاج والح َّظ الذي يعطي بدنيانا عل َّو املنز ِل أعطي الغنى َ شجر الخلو ِد وملكـِ ِه املتأصـِّلِ الكل أعطي ِه بفاكه ٍة عىل َّ ***** هو يف أريكتـِه غدا َ كل زمانِ ملك الرثى وبعزم ِه سلطا َن ِّ كل أمانِ قم ٌر عىل بر ِج السعاد ِة والغنى وموف َّـ ٌق يف نيل ِّ *****
***** والرسداب ظل رص واإليوا ُن وح َدهام وال تابوتـُه قد َّ ُ ال الق ُ إياب ُّ الكل أدر َاج الرياح غد ْوا وال ي ُـرجى لهم بعد الرحيل ُ ***** الجيش والصحرا ُء يف أمدائها يف العاصفات ويف الرخا سي ّـان ُ جيش مل يك ْن إالّ كام البيداء يف التـَيـَهانِ إن ضاع يف البيداء ٌ ***** ساقي اعطني خمرا ً َ خالل زجاجها تحيك لنا الصهبا ُء أخبا َر األم ْم يف كأسها أخبا َر"كيخرسو" و"ج ْم" لشبها عجام ُء ناطق ٌة ُّ تقص َ ْ ***** أجمل َ رب املا ِل ما َ رب التا ِج ُّ القول الذي قد قاله جمشي ُد ُّ آيل لزوا ِل منيف ٌ رص ٌ ال ليس يفضـُ ُل من شعريٍ حبـّ ًة ق ٌ ***** ساقي َ تعال فتلك نا ٌر قد بدتْ يف كأسها وهـّاج ًة ال تخم ُد تحت الرثى زردشت كان يريدها والنا ُر يف صهبائها تتوقد ***** ِ مذهب ملعربدين سكارى تعارض يف هات اسقني خمرا ً فليس ٍ ٌ رص وراح يعب ُد نارا ما بني من عبدوا الحيا َة وله َوها أو من أ َّ ***** تعال َ ساقي َ فذاك مغمو ٌر أىت هو ُمبـْكـِ ٌر يف سعي ِه للحانِ هو ٌ بطيب مكانِ نازل منه سكرا َن كان له مق ٌّر دائ ٌم ِ ***** ِ أجعل سمعتي يف الناس س ّيئ ًة ولن أتراجعا هات اسقني فلسوف ُ أنا خ َّربتني الخم ُر سوف ألومـُها وألو ُم كأساً باإلساء ِة م َرتعا ***** ساقي َ عقل سلي ٌم يـُح َر ُق مسها ٌ تعال فتلك ما ٌء ،نا ُرها لو َّ وتسحق تشب لو ذاقها أس ٌد ألحرق غاب ًة ُ من نارها فيه ُّ ***** ساقي اسقني خمرا ً ليك أتصي َّـ َد األس َد الهصو َر غضنف َر األقدا ِر الذئب املـُ ِس َّن لجعلـِه يف الف ِّخ مأسورا ً بق ّو ِة ناري وأهاج ُم َ ***** بشميم مسك ال ُحو ِر يف الجنـّ ِ ساقي َ ات ِعت ِ تعال فتلك خم ٌر أُتـْر ْ ِ صفات سكبوا بتلك الخم ِر خ َري فيها مالئك ٌة بـِعـِل ّـي ِّـيـنه ْم ***** طيب ناف ٍح وبخورا هي ّـا اعطني خمرا ً ألشعـِ َل يف اللظى أعوا َد ٍ حتى شذا العقلِ طيب ويبقى يف الوجود دهورا يظل يف الحكيم ُّ ٍ ِ
***** وادخل إىل مستود ِع األروا ِح ْ أصحاب الرؤى أطر ِْب أويل األروا ِح َ فالكل قد ح ُـ ِملوا عىل األلوا ِح ُّ واذك ْر "أب ْروي َز" العظي َم و"با َرب َـ ْد" ***** حجاب هذا العال َـ ِم واستو ِح رسامً ــ يا مغني ــ موحياً عم ّـا ورا َء ِ ٍ قاتم وانظ ْر إىل ما راح يروي رس كونٍ ِ مختف بحجاب ِه عن ِّ ***** بل هكذا أم ُد ْد بلحنك منشدا ً يا مطرباً واعزف عىل األوتا ِر حتى تش َّد "ال ُزهرةَ" الع ُـليا إىل ٍ رقص عىل لحنٍ من القيثا ِر ***** واصدح وب ُـ ْح ،لو أ ّن صوفي ّـاً بدا يف نشو ٍة وبحالة ال ِعرفانِ ْ لو راح يحسو نشو َة األلحانِ متـح ِّررا ً يأتيك من ِعرفان ِه ***** ِّ األرواح بالدف والصن ِج ابتد ْع لحناً لنا يا مطرباً تهفو له ُ وامزج مع اللحن الغنا َء ِ ترتاح وأعطنا فن ّـاً له أرواح ُـنا ُ ْ ***** هذا الوجو ُد يش ُّدنا بخداع ِه يف قص ّـ ٍة جذّاب ٍة بتش ُّوقِ الليل َ طال برس ِد ِه هذي الحكايا وهي مل تتحقـّ ِق فانظ ْر إذا ما ُ ***** مللت ف ُر َّد يل شوقي بشد ٍو منك لحناً ثانيا أنا يا مغنـّي قد ُ ْ فاعزف ،وباأللحانِ ف ِّرج ما بيا متف ِّردا ً بأدائـــــــــــه وبلحن ِه ***** ِ األفالك ذاهل متعج ِّـ ٌب مم ّـا أرى متفك ِّـرا ً يف دور ِة أنا ٌ ما عدتُ أدري ما سيحـْطـُمه الرثى فينا غدا ً ويص ُري ره َن ِ هالك ***** ُ الحاذق املجويس اللظى وهو املحنـَّ ُك والذيكُّ أشعل الشي ُخ لو َ ُّ الواثق فإىل متى سواي ُ املصباح يصم ُد ضوؤ ُه أنا لست أدري ،هل َ ُ ***** الدم يف هذه الدا ِر التي تصحو عىل نرثِ الدما ِء ،وال ُّ متل من ِ والكأس ِ ِ املجرم الطال ود ِع اإلساء َة يف الزمان اإلبريق أنرثْ من ِ ِ ***** مبشا ً أرسل نشيـــــــــدا ً عابقاً بالرا ِح ْ للمنتشني الشاربيــــــــن ِّ وابعثْ سالماً للذين مضوا وقد كانوا األحبة يف الزمانِ املاحي *****
ترجمة عمر شبيل
*****
وبلون ِه ،وغدا عظي َم الجا ِه املـُ ُلك منه مجلبـَ ٌب بإبائ ِه ُ األسامك يف األموا ِه والط ُري يف ُوك ُـناتـِها أ ِمن َـ ْت به وكذلك ***** للمقبلني إليه يف اسرتشاده ْم هو نو ُر أفئد ٍة وضو ُء عيونِ القلوب مي ُّدها بنعي ِم ِه ،وبضوئ ِه املخزونِ أصحاب أرواح ِ ِ ُ ***** ها أنت يا ط َري السعاد ِة والهنا إذ أسعدتـْ َك بظلـِّها العنقا ُء املالك ٌ أنت ُ اقرتنت بها النعام ُء أخبا ُر َك مبارك إلها ُمه ْ ***** كل جواه ِر ال الد ُّر يف أصداف ِه لك مشبـِ ٌه يف الكون إنك فوق ِّ وغدا"فريدونٌ"و"جمشي ٌد" بال خـَلـَ ٍف شبيهـِ َك ،أنت فوق اآلخ ِر ***** واحرص بأن تبقى زماناً طائالً متمكـِّناً يف موقعِ "اإلسكندرِ" ْ واكشف لنا َ رص حال ْ ِ القلوب ،وك ْن بها أدرى ،وك ْن يف حال ِة املستب ِ ***** ما زال هذا الده ُر مي ّـاالً إىل فـِت َـنٍ ،وينصب يل بها أرشاكا الحبيب هالكا وسكـْري واقعان بفتن ٍة تـُزجي بها ع ُني ِ فأنا ُ ***** والدهر أحياناً يج ِّر ُد سيفـَه ليحقـِّ َق اليش َء الذي يبغي ِه املكتوب عن ّـا في ِه ويكون حيناً راسامً له خطَّ ًة يك ينج َز َ ***** ْ مذهب يف العاملني جدي ُد فاعزف ــ مغن ّـي ــ اللح َن إ ّن نشي َدنا هو ٌ رس الذي يرسي بجدو ِل لحن ِه ويُعي ُد وارشح ٍ ْ ألخصام لنا ال َّ ***** ستكو ُن عاقبتي انتصارا ً حاسامً ض َّد العد ِّو وكيد ِه وغرو ِر ِه قاتل لرشو ِر ِه يل من السام أ ّن انتصاري ٌ فبشار ٌة ْ هبطت ع َّ ***** ونطرب مطرب اللح َن الذي يجتاحنا منه الرسو ُر واصن ْع لنا يا ُ ُ األنام وتـُخلـَ ُب واجعلـْ ُه يحيك قص َة الغز ِل الذي تهفو له مـُهـَ ُج ِ ***** ُ طت من أقدامي أحامل غـمـّي قيـَّدتـْني للرثى فكأنـّني خـُيـِّ ْ ِط ْر يب ،ود ْع هذا املكا َن بع ّز ٍة واحف ْظ بذاك مباديئ ومقامي **** ِ اصدح بالنشيد مر ِّددا ً وليأت صوت ُـ َك يف خري ِر الجدو ِل مطرب يا ْ ُ ِ قل ِ الخرسوي األكملِ منشدا ً ْ النشيد واعزف لنا مبهار ٍة لح َن ْ ِّ *****
يرى الناس أيضا أن : °املرأة املتوهمة التي ال تعيش الواقع و تتهرب منه دامئا ليست أنثى . °و املرأة القوية عىل زوجها ليست أنثى ألنها تحاول فرض إرادتها عليه ،فال تقيم لرأيه وزناً أو لكالمه اعتبارا ً و بهذا تكون مسرتجلة . °املرأة التي تظهر مفاتنها يف كل األوقات و للجميع هي امرأة منعدمة األنوثة و غري واثقة من نفسها وال مستأمنة يف عرشتها . °املرأة الساعية لتحطيم صورة النساء األخريات من أجل إظهار صورتها عىل أحسن وجه ،هذه املرأة يف أعني الرجال مجرد فاشلة و ليست أنثى ،ألن الجميع يعلم أن طبع النساء من هذا النوع منشغالت بعيوب األخريات النعدام األنوثة لديهن ،فيحاولن إيجاد عيوب لألخريات ،ألنهن ال يجدن فعل أي يشء سوى االنشغال بغريهن . °املرأة املبتذلة و السوقية ىف كالمها وترصفاتها ،و البعيدة عن اللطف و الحنان و الطيبة و كثرية الرصاخ تعترب ليست أنثى بنسبة لجميع الرجال . °املرأة شديدة الحساسية و كثرية البكاء و التأثر لألحداث الخارجية دون تفكري و بكل بالدة تعترب عند الرجال ساذجة و ال تتمتع بأنوثة . كانت هذه بعض الصفات و األفعال التي تجعل من املرأة يف أعني اآلخرين منعدمة األنوثة ،و إذ ندقق يف هذه الصفات و األفعال سنجدها بعيدة عن الرقة و اللطف و الحنان و الواقع لنستنتج بعدها أن األنوثة مرتبطة فعال بالرقة و الطيبة و العقل و الحنان ،و يضيف البعض أيضا شكل املرأة يف جسدها و حركاتها و جاملها ملميزات األنوثة ألنها أمور تلفت االنتباه و تجعل من املرأة مغرية و صاحبة شكل أنثوي بعيد عن الشكل الذكوري . األنوثة كنز ،إن أدركته املرأة ستستمتع بحياتها و متتع أيضا من تغمرهم بأنوثتها معها ،و األنوثة طبع موجود يف داخل كل أنثى ما عليهاإال أن تهتم بنفسها و أن تبتعد عن القسوة و السذاجة لتجد نفسها بعدها قد امتلكت نصف األنوثة و فهمت وظيفتها يف هذه الحياة جيدا
األنوثة
مريم باجي
أنت أنثى عندما نسمعها غالبا تدور يف ذهننا أفكار لطيفة ثم نفرس معناها بأمور مرتبطة بالرقة و الهدوء و السعادة و الجامل ،فاألنوثة يقل حسب املرأة و أفكارها و الوسط الذي عاشت فيه طبع جميل خاص بالنساء يُغرس فيهن منذ والدتهن ،ثم بعد ذلك يزداد توهجا أو ّ ،و مع السنوات إما أن تكون املرأة صاحبة أنوثة طاغية أو أن تكون منعدمة األنوثة ،و رغم هذا كثري من النساء ال يعلمون أهمية األنوثة و غري مهتامت بها ،فتنعدم فيهن تدريجيا لدرجة أنها أحيانا تجعل املرأة تكره نفسها بسبب االنتقادات السلبية التي تأيت من املحيطني بها أو من ذاتها خاصة عندما تقارن نفسها مع غريها . من بني أسباب انعدام األنوثة للمرأة أو عدم اهتامم املرأة بأنوثتها هو الضغط النفيس أو الرتبية و الوسط املعييش ،هذه األسباب تجعل األنوثة منعدمة أو تجعل املرأة غري مهتمة لها ألنها تؤثر سلبا عىل الشخصية لتجعل املرأة داخليا إما جاهلة باملوضوع أو غري واثقة بنفسها أو غري مهتمة ألنوثتها ألنها بالنسبة لها غري مدرجة يف قامئة أولوياتها حسب تفكريها ،لكن رغم انعدام األنوثة عند بعض النساء إال أنها تبقى طبعا مزروعا يف داخلهن يحتاج فقط لبعض التحفيز و االهتامم بالنفس . كام سبق و قلت لألنوثة أهمية كبرية يف حياة املرأة و عليها أن تحاول دامئا البحث عنها يف داخلها و تعزيزها ،و من بني بعض فوائدها : °األنوثة تجعل املرأة مميزة بني الناس . °األنوثة تجعل املرأة ناجحة يف حياتها الزوجية . °األنوثة تجلب السعادة دامئا ملن متتلكها و ملن تغمرهم بأنوثتها . °األنوثة تنتج اإلبداع ،فكلام زاد متتع املرأة بأنوثتها زاد تفكريها يف اإلبداع و التميز و زاد حبها لخلق أجواء رائعة متجددة . °األنوثة تزيد من ثقة املرأة بنفسها و قد تكون أيضا ذات فائدة عىل الرجل و تزيد من ثقته بنفسه ،ألن الرجل إن اختار زوجة تتمتع بأنوثة طاغية ،سيفكر دامئا يف داخله " أنه رجل مميز ألنه استطاع جعل امرأة مميزة تقع يف حبه " . و لألنوثة فوائد أخرى و كثرية تصب باإليجاب و النفع يف حياة املرأة و تنعكس أيضا باإليجاب عىل حياة املحيطني بها ،و يف الغالب أيضاتحاول بعض النساء الوصول ألنوثة طاغية قصد محاولة جعل نفسها أجمل من امرأة أخرى أو إلغراء الرجل ،و هذا أمر طبيعي و فطري فاإلنسان خلق داخليا هكذا هو يحاول دامئا إما املنافسة أو جلب االنتباه ،و عليه نجد دامئا النساء املهتامت لألنوثة يسألن السؤال التايل : * متى يرانا غرينا غري متمتعات باألنوثة ؟! هذا السؤال مهم جدا ،ألن اإلجابة عليه توضح عدة أمور ،بل و تبني ماهية املرأة و املسار الذي خلقت ألجله و الذي يجب اتباعه . تختلف األفكار فيام بيننا فنحن يف النهاية مختلفون من املستحيل أن تكون لنا نفس األفكار ،لكن بالنسبة للجميع تكون املرأة فاقدة ألنوثتها إذا : °صارت امرأة مسرتجلة ،و هي تلك املرأة التي تخلت عن صفاتها كامرأة واعتمدت صفات ليست لها لتثبت نفسها بالقوة مثل الرجال . °صارت امرأة كثرية الكالم ،أي أنها ال ترتك مجاال لغريها ليتكلم أو ليبدي رأيه ،أو تلك التي تريد دامئا أن تأخذ دور الجميع يف الحديث . °الرجل يرى املرأة اللعوب ليست أنثى أيضا ،و املرأة اللعوب هي تلك املرأة التي تجمع بني صفات الكذب والخيانة وعدم االلتزام وقلة التعقل ،و ليس لها رأي واحد و تكرث من النفاق و متقلبة املزاج عىل الدوام ،هذه املرأة تكون دامئا يف نظر الرجال مصدر ريب و غري مؤمتنة و ليست أنثى . °املرأة التي ال تعتني بنفسها ،و ال مبظهرها أو بهندامها و نظافتها الشخصية ،يف نظر الجميع هي امرأة ال تتمتع بأنوثة . °املرأة الغبية أو الجاهلة ،وهي التي ليس لديها ما تقوله وال رأي يف ما يقال ،حديثها تفاهات و جهلها ال حدود له ،هذه املرأة يراها الجميع مملة و ال تفيد بيشء و أيضا ليست أنثى . °املرأة املغرورة و كثرية التباهي بنفسها و التي تكره أي يشء ال متتلكه و تحسد غريها هي األخرى يراها الرجال امرأة منعدمة األنوثة .
الحب جريح ّ هيام سليامن وتجاو َز اآلكا َم والسهال وكل همو ِم ِه مثىل صا ٍح ُّ من أجل امنية هي األعىل كت آمالُه الكسىل فتح ّر ْ صل فشكا لها كم صام كم ّ به للذي يحتلُّه أصال مهام ِ فعلت فانّك األغىل
ديق وجانَ َب األهال الص َ نيس ّ وجنح الل ّيلِ يُرش ُده سا ٍر ُ أقدا ُره راحت ت ُدحر ُجه اب له ٍ ظام وقد َ الح الرس ُ شمسه ألَقاً ُ غا ٍو وترسل ُ هذي حكاي ُة حال ٍة رجعت يا خ َري ما أرجو ُه من قدري
القايض: كفاك تظلامً وارتباكاً ودموعاً ،واقسم أن تقول الحق ،وال يشء غري الحق - .املتهم :أقسم- . القايض :ضع يدك عىل الكتاب املقدس ،وليس عىل دليل الهاتف دليل الهاتف - .املتهم :أمرك سيدي - .القايض :هل كنت بتاريخ كذا ،ويوم كذا ،تنادي يف الساحات العامة ،والشوارع املزدحمة، بأن الوطن يساوي حذاء؟ -املتهم :نعم - .القايض :وأمام طوابري العامل والفالحني؟ -املتهم: نعم - .القايض :وأمام متاثيل األبطال ،ويف مقابر الشهداء؟ -املتهم :نعم - .القايض :وأمام مراكز التطوع واملحاربني القدماء؟ -املتهم :نعم - .القايض :وأمام أفواج السياح ،واملتنزهني؟ املتهم :نعم - .القايض :وأمام دور الصحف ،ووكاالت األنباء؟ -املتهم :نعم - .القايض:الوطن… حلم الطفولة ،وذكريات الشيخوخة ،وهاجس الشباب ،ومقربة الغزاة والطامعني، واملفتدى بكل غا ٍل ورخيص ،ال يساوي بنظرك أكرث من حذاء؟ ملاذا؟ ملاذا؟ -املتهم :لقد كنت حافياً يا سيدي– . محمد املاغوط
بكل ما فيها من جامل رائع أ ّخاذ امللهم األول للشّ عراء عىل مدى العصور األدب ّية ،تق ّدم لهم املا ّدة األول ّية لتشكيل كانت الطبيعة وما زالت ّ ٍ الخاصة يف وصف املشهد بعضهم كان واحد منهم طريقته لكل قصائدهم ،وقد برع كثريون منهم يف تناولهم لجامل ّيات الطّبيعة ،وكان ّ ّ حس ما ّد ٍّي كالشّ عر القديم ،وبعضهم كان يندمج مع الطبيعة يق ّدمه جزئ ًّيا -أي املشهد -حتى يصل إىل تشكيل صور ٍة ف ّن ّي ٍة متكامل ٍة ،ضمن إطا ٍر ّ ٍّ ٍ كالقصة والحكاية ،كشعراء املهجر( ) وشعراء جبل عامل، أدوات فن ّي ًة، الطبيعي بأحاسيسه وخلجات نفسه مستخد ًما يف تصويره للمشهد الجام ّيل ّ ّ وكأ ّن الشّ اعر يو ّد أن يخلق رابطًا مشرتكًا ما بني الطّبيعة واإلنسان.
بحب إىل جاملها وروضها ورونق سامئها ،فقد وجد فيها الشّ اعر مرت ًعا لخياله، لقد َها َم اإلنسان بالطبيعة منذ أن فتح عينيه عىل محاسنها ،وتطلّع ٍّ ومقيل ألفكاره وكانت وحي من استلهمها ،تنشيه باهتزاز أزهارها وانسياب جداولها وتأللؤ ً ظاللها ،فيجود بالكالم الخالد واللوحة الناطقة.
وشعر الطبيعة تعبري جديد يف أدبنا ،جاءنا من اآلداب الغرب ّية ،وكان له فيها أصوله ،واتخذ الشّ عراء امليدانيون يف الطّبيعة ميدانًا فسي ًحا لحريّة العمل ،وتربة خصبة لنم ّو العواطف اإلنسانية ،وموضو ًعا أكرث مالءم ًة لألسلوب القوي الرصيح ،وكلّام كان شعر الطبيعة يعرب عن هذه املشاركة وهذا االستغراق ،ومص ّور جامل الطبيعة وف ّنها يف شتّى مظاهرها ،كان هذا الشّ عر مزده ًرا ومح ّققًا غرض موضوعه .وشاعرنا حسن جعفر نور الدين أحد الشّ عراء الّذين انغمسوا يف الطّبيعة وذابوا فيها كث ًريا ،ومن هنا وقع الخيار عىل موضوع الطّبيعة يف شعره ،ليكون بحثًا جامع ًّيا نحاول نلج إىل خفاياه ومكنوناته ،فكيف وصف حسن جعفر نور الدين الطّبيعة؟ وما هو الدور الذي أ ّدته يف قصائده ،وهل استطاع من من خالله أن َ خاللها تحقيق أغراضه؟ ٍ خطوات منظم ٍة يف معالجة وقد ارتأيت يف هذا البحث أن أت ّبع املنهج الوصفي ،فهو منهج من املناهج العمل ّية يف البحث ،ويقوم عىل اتباع الظواهر والقضايا .وهو من ٌط من أمناط التفكري العلمي ،وطريقة من طرق العمل يعقد من أجل تنظيم العمل العلمي ،والدراسة والتحليل لبلوغ األهداف املطلوبة من البحث .فاملنهج الوصفي ميتاز عن باقي املناهج بتتّبعه للظاهرة املدروسة باالستناد إىل معلومات تتعلّق بالظّاهرة يف زمنٍ معي ،أو فرتات زمن ّية مختلفة ،للنظر إليها يف أبعادها املختلفة وتط ّوراتها؛ وذلك من أجل ضامن الوصول إىل نتائج موضوع ّية ،ومن األدوات ّ أيضا عىل تجميع الع ّينات املدروسة؛ وذلك بانتقاء مناذج منها يتوسل بها املنهج الوصفي ،أسلوب االستقصاء أو املسح .ويقوم ً الوصف ّية التي ّ من أجل االختيار والتجريب ،وقد يكون االنتقاء من ّو ًعا ال ينحرص عند نقط ٍة واحد ٍة؛ وذلك لتكون النتائج مبن ّي ًة عىل مسح شامل للظواهر ،وبعد كل املعلومات الّتي تتعلّق الخاصة لبعض الحاالت؛ أي :ات ّخاذ بعض الحاالت منوذ ًجا ،وهذا يفيض إىل استقصاء ّ االنتقاء تأيت مرحلة الدراسة ّ بالحالة املدروسة ،وتت ّبعها من بني ٍة إىل أخرى ،ومن ٍ وقت إىل آخر.. وفاعل يف دواوين الشاعر حسن نور الدين ،ويف خصب عقله ورفاهية حسه وسعة خياله ،إنّها املدد الجميل الذي استم ّد منه ً إ ّن للطّبيعة أث ًرا كب ًريا أحب الطبيعة وشغف بها وزاملها ،وهو حتّى اآلن يقيض جز ًءا كب ًريا من وقته يف حضنها، ألحانه ،فنظم قصائد جميل ًة م ّيزته عن غريه ،مبعنى أنّه ّ مستمت ًعا مبناظرها الخالبة ومشاهدها املوحية. وما الطبيعة سوى هذا الكون الواسع ،وما اشتمل عليه من ينابيع وأنهار ،نرتوي من عذب مائها ،وهي أشجا ٌر وبساتني وجنائن نتنقل بينها ونتف ّيأ ظاللها ،ونأكل من مثارها ،ونقطف من أزهارها وفاكهتها ومروجها ،ونسوح يف كل ذ ّرة منها ،يف الجبال والتالل والهضاب ،مستندين إىل قول الله عز وجل ﴿أُولَٰ ِئ َك لَ ُه ْم َج َّناتُ َع ْدنٍ ت َ ْجرِي ِم ْن ت َ ْح ِت ِه ُم ْالَنْ َها ُر﴾ وال ّ رصا أساس ًّيا وبارزًا يف الطّبيعة ،ففي األنهار يجري ،وإىل البحار ينضم ويتدفّق ،ومن الينابيع يتف ّجر ،ويف اآلبار ينام، شك أ ّن املاء يُشكّل عن ً وعىل قمم الجبال يتحول إىل ثلوج ،وللشّ اعر يف وصف ماء ال ّنهر عبارات وأبيات جميلة تقطر سالسة وتشبيهات واستعارات موفقة ،ومن ذلك أبيات من قصيد ٍة إيقاع ّي ٍة:
الطبيعة يف شعر حسن جعفر نور الدين
د .محمود خليل
صو ٍر ف ّن ّي ٍة وبراع ٍة يف التّعبري: هذا املط ُر ُسالف ُة السام ِء ينهل يف خف ِر ُ ينص ُب كاإلب ِر َّ من عرو ِة الفضا ِء هذا املط ُر أرجوح ُة املسا ِء بأدق تعبريٍ معبا عن أحاسيسه ومشاعره ّ ينظر الشاعر إىل الثلج الذي يُك ِْس ُب الكون لونه األبيض ويوحي بالطّهر والنقاء، فيحس بالفرح والبهجةً ّ ، ّ وأروع تصوير: َّلج ال َّناص ُع الث ُ ثوب األَ ْعر ِاس األرض َّي ْة ُ بيض ِع َم ُة شي ٍخ َسم ّي َناه َ الجبل األَ َ َو ْه َو عىل األَشجا ِر يواقيت َما س ِّيه ٌ ومصابيح مائي ْة وكراتٌ ٌ طازج من ل ٍنب ْ ث ّم يطلب الشّ اعر من الثّلج البقاء واالستمرار حيث هو ليستمتع أكرث بجامالته ال ّرائعة ،ويظهر الثلج هنا بصورة اإلنسان املؤمن التقي الذي ينرث إميانه يف قلوب وعقول الناس: حل ع ّنا يَا ث ْغ َر الله ال ت ْر ْ وان ْرث لؤل َؤ ث َ ْغر َِك القلب ويف الع ِني ويف يف ِ األهداب ْ يا وع ًدا منشو ًرا م ْن ثغ ِر الله ِ الغيث و َمرايا بنت ال ّر ِ افد م ْن علم ال ّرحمن أنت اآلن ها َ تسك ُن يف األحداق هنا مزج الشّ اعر بني مشاهد الطبيعة ومشاعر النفس اإلنسانية املتضاربة املك ّونة من ضحك وبكاء وأنني وحنني وتبسم وتجهم ودموع ،فأضفى عىل صوره –أي الشاعر -مختلف املشاعر اإلنسانية ،ووىش أوصافه برضوب من البديع والبيان من دون تكلف ،فأدهش وأمتع ،ولعل صورة الليل التي عرفها الشّ عراء قد ًميا وحديثًا والتي كانت من أجمل ما تفتقت قرائحهم يف ليايل الهدوء والهجران ،ظلت واقعية إىل حد ما ،كام جاء يف قول امرئ القيس يف الم ّية طويلة والقافية من املتدارك: َ ـــــــــــك بأمـــــــثــــلِ الـــــــطـــــــــــــويـــــــــل أال انـــجــــــــــلِ اإلصباح مــــــــ ْن بـــصب ٍح ومـــــــا ُ أال أيّـــ َهــــــــا الل ُّيل ُ هنا يرسم الشّ اعر صور َة الليل املرعب املخيف الحالك ،الذي يُ ِ الليل إنسانًا لهجره الشاعر دخل يف القلوب الخوف والهلع والفزع ،فلو كان هذا ُ وهجا ُه وابتعد عنه: ِ الل َُّيل ُ اللصوص رسوال و ِمعص ُم ال َّرغب ِة ال َهوجا ِء
يَتل ّو ُن ِم َثل َسبِي َك ِة أَمل َِاس يُ ْن ِعشُ َنا ب ُِبو َدت ِه َاب ال َع ْن ِرب يَجرِي ك ُمذ ِ يف األَ ْح ْ داق الصخ ِر يَتل َّوى حي ًنا َ خلف َّ كأَفْ َعى ث ُّم يُتا ِب ُع ِس َري َة عم ِر ْه يَ ْس ِقي البَح َر ويَس ِقينا ما أكر َم ثديي ِه الرقراقني ما أعذبها من ٍ الصور يبدو مج ِّد ًدا ،إذ مل يعمد إىل مشابهة جامدة كتشبيه وجه بقمر ،وشعر بليل ،وجسم بغصنٍ ،إنّ ا عرض الصايف ،والشّ اعر بهذه ّ ألفاظ كعذوبة ماء ال ّنهر ّ صورة نابضة بالحياة ،تنأى عن التّقليد ،وكأ ّن الشّ اعر قد اتّخذ نه َر ال ّزهراين مكانًا ملطالعته ونظم الشعر وترتيلِ أجملِ األلحان: كم كنت أقطِّ ُع ش ْعري ف ْو َق ميا ِه ِه وبعد غياب الشاعر الطويل عن النهر ،يعود إليه عودة املهاجر البعيد عن أهله وأوالده ووطنه ،الذي نال منه الفقر والضيم فق ّرر الهجرة ،وها هي رياح الحنني والشوق تعيده إىل الوطن ،مح ّم ًل بصور املايض الذي مل يغب عن خياله لحظ ًة واحدة: َ ــــــــــــك الـــــيـــــــــ ْو َم عـَـــــ ْو َد األش َوقِ مـــرحــــبًـــــــــــــا يــــــــا نــــهــــــ ُر قــــــــــ ْد ُعـــــــــــ ْدت إلَـــــى ِضــــــفَّــــــــتَـــــــــيْ ً ـــــــــــــت وتــــطَلَّــــــ ْع طـــــــــــــــــــــويــــــــــــل لَـــــــــــــ ْم أجِــــــ ْد غَـــــ ْيـــــــــــــ َر صـ َـــــــ ْحـرا ٍء بـــِـــــــــل َـــــــــــــونِ الـــشَّ ــفَـــــــــــقِ ُ الـــــصـــــــبَــــــــا فـَـــتـَـالشــَـــــــــــــــى فــــِــــــــــــــي ــــــــاب ذرتـــــــــــــــه ِ حـــــمــــيـــــــــم األفـــــــــــــقِ ِ ّ و ُحــــــطـــــــــا ُم الــــــغـَ لَـ ْو َحــــــــــ ٍة ع َــــــ ْبــــــــــــ َر خ َـــــي َــــــــــالـِــــــــــــــــــي األزرقِ وســــــــطــــــــــــوب ال َجو ِز َمــــــــــــا عـــــــــــادَتْ ِســـــ َوى ُ هــــــــــــا هــــنـــــــــــــــا كـــــنــــــــــــت أغـــ ِّنــي حــــــالـــــــم حــــــــويل الــــــ ُحـــــــــو ُر وز ْهـــــــــــ ُر الــــــ َحـــــــــــــــــبَــــقِ ً السامء ،والتّطلّع إىل ما ترسله من عطايا ،بعضها املطر ،وهي هنا كأنّها تدعو إىل الفرح بالوجود ،مم ِّزقة حجاب الهم والسويداء ،ما دفع يبدو أ ّن ال ّناس اعتادوا عىل مراقبة ّ الشّ اعر إىل رفع لفظ ِة املطر إىل مستوى راقٍ .كام نصل مع املناظر الطبيع ّية ،األخرى ،من مدلولها املعروف إىل مستوى ال ّرمز ،ألنّه يحاول من خالل رؤيته الشّ عريّة أن يعطي تفيض ِ ٍ كل من املوت والحلم ،يجمع املطر ً ببعد ال ّرؤية السيّاب من أكرث الشّ عراء الّذين أشبعوا املطر خاصة وجديدة( )ّ . بدالالت مبتكر ٍة ُ ِ اللّفظ مدلوالت ّ ولعل بدر شاكر ّ والحياة: رش جا َء زما ٌن كان فيه الب ُ ِ للمجد يفدون من أبنائهم رب ُعط ٌَّش نحنِ .. هات املط ِر يا ُّ ر ّو ال ُعط ََّاش منه ،ر ّو الشج َر السياب .وقد أ ّرخ الشاعر ملا جرى يف خريف 1950مع جده الشيخ محمد عيل نعمة يف بلدة حبوش ،حيث إن مناداة الشاعر حسن نور الدين للمطر شبيهة مبا ورد عند بدر شاكر ّ انحبس املطر يف السامء ،وصار ه ُّم الناس اليومي وشغلهم الشاغل يلوذون بديوان الشيخ يفضون إليه بهمومهم ،فأشار إليهم بتأدية صالة االستسقاء مرددين خلفه":اللهم ارزقنا مطر السامء وارزق بياراتنا بالخريات" .لقد تو ّحدت القلوب يف أش ّد لحظات املعاناة ،اإلنسانية ،وكانت النتيجة تساقط مط ٍر استحوذ قلوب الجميع
الصفراء ،تنبض بالجامل وال ّروعة ،مع ما فيها من سار مبشا ضفافه ّ ورضاهم ،فضحكت أقالم البيادر وامتألت الحقول بعشّ اقها ،وسار ال ّنهر ّ ً
ل ْو كا َن هذَا الل َُّيل إِنسانًا ل َهج ْرت ُه ونفيتُه الصورة األوىل ،حيث أنّه يهيم بالليل ح ًّبا وإميانًا ،أل ّن قلبه يذوب أكرث يف هيكل العبادة ثم يطلع علينا الشاعر بصورة مغايرة ومتناقض ٍة متا ًما مع ّ ملهم وحاف ًزا للشعر ومث ًريا للفكر ،ومصبا ًحا ينري عتمة الليايل والسنني: اإللهية ،فيصبح الليل ً الظلم ِت يف اللَّيلِ يُ ِض ُء الشِّ ع ُر َ صمت األَفكا ِر ويَقط ُع َ يُن ُري زوايَا األشيا ِء وتَثو ُر بِحا ُر الشِّ ع ِر العرب ِّية وهكذا أرست الطبيعة الشاعر ،وحارصت عواطفه .والشاعر إنسان له شخصيته الخاصة وكيانه الذايت ،وهذه الخصوصية متأتية من كونه قاد ًرا تنظيم ر ّدة الفعل ،فهو أقدر عىل اإلحاطة بها إحاطة جزئية أو شاملة ،والشاعر بال طبيعة مثله كمثل من يفتقد الضوء فيتل ّمس دون أن يرى. عىل ِ وقد يجد الشاعر نفسه محاطًا بقوة خفية تسعى للعودة به إىل حضن الطبيعة أو االمتزاج بها ،مبعنى آخر ،والعودة إىل الطبيعة األم حيث الحرية الحس ّية ،وإمنا يقرتب منها اقرتاب واالنطالق وسعة الكون واألفق ،والشّ اعر ال يقرتب من الطّبيعة لينقلها لنا ً رشا من دون تفتيت للمدركات ّ نقل مبا ً وجدانيي ،للتعبري عام يختلج يف وجدانه من حاالت نفسية ،لذلك نجد الطبيعة ذابلة ،نتيجة حال ِة الشاعر حديس يقود إىل فهم واستنتاج متاس ّ ٍّ النفسية ،ونجدها متّشح ًة بال ّزهو والخرضة ،مض ّمخة بالعبري والعطر الف ّياض نتيجة موقف انرشاح واطمئنان ،والشاعر بذلك يتحد معها ويحيا يف داخلها ،ويكشف خبايا النفس وأرسارها اإلنسانية ال الطبيعة: ما ب َني ِ والزهري األبيض واألحم ِر ْ اب ال َح َب ِق ال َّن ْهري ال َّرائِعِ أرس ُ اض ذي ال ِعط ِر ال َف َّي ْ لتعب عن حال ٍة ّبيعي بثّ حالة نفس ّي ًة هادئ ًة مطمئن ًة ،غري أن هذه الحالة مل تدم ً طويل ألن الشّ اعر استخدم أداة الربط "لكن" ّ هذا املشهد الط ّ نفس ّي ٍة متفاوت ٍة تفاوتًا ملحوظًا مع سابقتها: لك َّن الل ََّيل عد ُّو ال َّنه ِر َش عن أَنْيابِه يُك ِّ ُ ويُ َصا ِد ُر آخ َر ِم ْت ٍاس للشَّ ِ مس ت ََسل ََّل من زاوي ِة املِطْحن ِة ال َغرب َّي ْة ومتتزج الطبيع ُة بال ُح ّب عن َد حسن جعفر نور ال ّدين امتزا ًجا الفتًا وواض ًحا ،إذ تصبح الطبيعة جز ًءا من لوح ٍة كبري ٍة تشري إىل حقيق ٍة روحي ٍة كربى ُ تستغرق حياة الشّ اعر ،ففي قصيدة "ج ّنة املسك" نالحظ أن الشّ اعر ال يلتفت لِ َحال الطبيعة ،وااللتفات إليها ليس التفاتًا وصف ًيا ،إمنا التفات جزء مأخوذ إىل األمل والحب ،بل إنّه يعمد إىل التقليل من املظاهر الطبيع ّية يف محاولة منه للسم ّو بحبيبته حيث يقول: َسأَص َع ُد َ نحوك يَصع ُد َخلفي الشَّ ج ُر الس َنابلِ أَج ِني الثغو َر وشع َر َّ ُس ُ متوج هول بِالدي ُ بِح ِرب املَعاو ِل ويستغل حسن جعفر نور ال ّدين الحب والطّبيعة ليوظفهام يف بنية تصويرية جديدة ،تح ّدد زاوية النظر التي تستغرق حدود الوجدان ،وتضفي ّ عليه ظاللً تومئ إىل إلغاء الفواصل بني جزئ ّية من امرأة (خدك ،عيونك ،شعرك) وبني الطّبيعة ،يقول يف قصيدة (حداء ربابه): ُعيونُك َسح ُة بح ْر وخ ُدك بَ ُ رق َسحاب ْة شمس مت ُّر وخ ُدك ٌ
لك َّنها يف آخ ِر األّع َر ِاس تطع ُمنا وتسقيِنا الصورة التي رسمها جربان خليل جربان لألرض يف كتاباته: وهذه الصورة الواقعية التي رسمها الشاعر لألرض تشبه إىل ح ٍّد كبريٍ ّ رض وما أطو ِل أنَّاتك ما أكر َمك أيَّتُها األَ ُ نضج ِ تضحكني وأنت ْ نحن ُّ نح ُن نج ّد ُف ِ وأنت تُ َباركني وأنت ت ِ نح ُن نثن ِّجس ِ ُقدسني األرض وما أكرثَ انعطافَك ما أوس َع صربِك ،أيَّتُها ُ لقد ش ّخص الشاعر األرض وأنسنها وجعلها أنثى ،تحنو عىل أوالدها وترعاهم وتحضنهم ،تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم ،وهي التي تض ّحي مبا ميليه الواجب عليها يف أوقات الفجائع واملآيس ،فتوايس أوقات الحزن والفجيعة متا ًما كاألم املفجوعة بأوالدها ،وهذا ما فعلته أم املخرتع الكبري رمال رمال ،حيث هبت عىل قدميها وهي تشتعل حزنًا عميقًا لتستقبل جثامنه الطاهر العائد من الغربة: كل األَ ِ رض ه َّب ْت عىل قد َميها ّ تستقبل عيني َها ُ ه َّب ْت رمال ِ ُ عمق ال ُّدنيا الوافد من ِ يرتاح عىل نهديْها ُ قم ًرا ،فج ًرا ،بر ًجا وكتابًا يبح ُر يف ساق ْيها ثم ميزج الشاعر صورة األرض بصورة أمه فيجعلهام مصدر سعادته وفرحه ،مؤكّ ًدا أن ال يشء يفصله عنهام ،فهام الحياة كلّها والوجود بأرسه منذ األزل وإىل األبد: ِ أرض ِ وأنت ال َب ْه َجتان فصل بيننا ال َش َء يَ ُ إلّ مقَادي َر ال َّزما ْن م ْن ِ عهد آد َم ِ أنت ِل ق َدري ِ الصولجا ْن وأنت َّ وهذا التشخيص لألرض نجد له صدى يف أدب إمييل نرص الله ،التي ترى أن العالقة حميمة بني املرأة واألرض ،وهي عالقة عضوية وليست معنوية فحسب ،ومثلام كان رحم املرأة يحضن الحياة ويحفظها من جيل إىل آخر عرب ألوف السنني ،كذلك كانت األرض تخبئ يف رحمها عنارص اللهب ،وتسلّمها بأمانة الحياة ،تحميها من لوثة الصقيع وحمى الربد القارس والزمهرير ،وتر ّد عنها هجري الصحراء وفظاظة الح ّر الشديد والقيظ ّ وحرص من جيل إىل جيل. إذًا األرض هي األمل والرسور ،الصحة واملرض ،الجامل والخلود ،الفناء والبقاء ،الشقاء والرخاء ،ونرى يف ذلك موقف ولده جامل عندما يطلب منه أن يرتك أرضه ويرحل إىل بالد أكرث أم ًنا واستقرا ًرا ،وإذا به ميتنع عن اإلجابة للشمس والقمر يف صورة تشخيصية واضحة: أبتاه اترك هذي األرض احملنا ففضاء الله فسيح وانرشنا يف أرض وغاب الزهر رض مبرج الرو ِح َ تخ ّ وتركت صغريي ُ يحيك يل حزن األطفا ِل وحز َن الشجر
الس َمء يل نَعي َم َّ وشع ُرك هيل ع ّ تقوم العنارص التصويرية جميعها عىل املناظر الطبيعية التي تتضاد مع بعضها ،لتلتقي موجة البنية الداللية عىل حركة جديدة تتمثل يف أن الخاص والحركة الح ّية وسيلة من وسائل البثّ الشّ عري. الحب الذي يبعث الحياة .وعليه تكون الطّبيعة ذات ال ّنبض ّ ملحبوبته وسيل َة رم ٍز ملعنى ّ رئيسا من عنارص الطّبيعة ،نجد أنّها تحتضن اإلنسان ،وتغمره وتقدم له كل ما يلزم الستمرار ال ّنسل رصا ً وباالنتقال إىل عامل األرض التي تشكّل عن ً لكل كائنٍ يعيش عىل سطحها ،هي الحياة واملوت ،املهد واللّحد ،البداية والحياة ،يزرعها لتخصب فيعطيه ليمأل ال ّدنيا بالخريات ،هي أ ّم ّ الكل فيها دون استثناء بخاصة واحدة ،وهي الدفاع عنها ،وإشباعها بال ّدماء لتبقى وتتط ّور وتزدهر وهذا ما تفعله لكل جسد ،يشرتك ّ وال ّنهاية ّ أيضا ،فتقطتع ألنفسها شط ًرا وتقيم عليه. الحيوانات ً ألجل هذا قدستها الشّ عوب ،وأقامت لها آله ًة وأنصابًا تعبدها وتصيل حولها وتق ّدم لها القرابني ،فقد كرم اللّيتوانيون األرض ،وهي تحمي اإلنسان وعمله ،كانوا يرفعون الصالة يف بداية عملهم فيها ) (.ويف تراثنا األد ّيب واللّغوي يتامهى مصطلح األرض كث ًريا مع مصطلح األ ّم ،فيقول يفس معنى كلمة األرض فيقول" :األرض هي التي عليها الناس ،أنثى وهي اسم جنس ،وكان حق الواحدة ابن منظور" :ال أرض لك ال أم لك" .ثم ّ منها أن يقال أرضة ولكنهم مل يقولوا". وقد لفت اإلسالم نظر اإلنسان إىل االهتامم باألرض ،فقد جاء يف القرآن الكريم ﴿ ُه َو الّذي َج َع َل لَ ُك ْم األَ ْر َض َذلُوال فَا ْمشُ وا ِف َم َناكِ ِب َها وكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه وإِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر﴾ أ ّما األحاديث النبوية املروية عن النبي محمد (ص) والتي تتناول موضوع األرض وحاميتها ورعايتها فكثرية منها" :ما من مسلم غرسا ،أو يزرع زر ًعا ،فيأكل منه طري أو إنسان أو بهيمة إال وكان له به صدقة". يغرس ً وكان ال ّنبي يحرص عىل استثامر األرض ،وهذا ما تجىل يف موقفه مع يهود خيرب حني طلبوا منه عدم إجالئهم عن أرضهم ،فقالوا" :دعنا نكون يف هذه األرض نصلحها ونقوم عليها ،فنحن أعلم بها منكم" ،فدفعها إليهم ألنه مل يكن عنده غلامن يكفونه مؤونتها ،عىل أن يكون للمسلمني حصة يف كل يشء يخرج من مثر أو زرع. ويرى مصطفى حجازي أن الطبيعة ،األرض ،الوطن ،هي جميعها انعكاس لحنان األم ،بينام يقول ميخائيل نعيمة يف كتابه "كان يا ما كان": "األرض هي الفاتحة يف مصحف الوجود ،من قرأها كان يف غنى عن ما حوته الكتب". وعليه تبدو الحياة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باألرض واألم والطبيعة ،حيث ال حياة بال أرض ،وال أم بال أرض ،فاألرض هي البداية والنهاية ،وهي الهوية والرمز والقضية ،بل هي الوجود بكل ما فيه. وبناء عىل ما تق ّدم كيف متثل الشاعر حسن نور الدين األرض ،وما هي أبرز مالمحها يف شعره؟ تشكيل روح ًّيا ووجدان ًّيا ،يزخر بالحركة ً اتخذت األرض صو ًرا مثالية وإنسانية ،وتجاوز بها الشاعر املساحة الجغرافية املجردة لألماكن إىل كونها مهم من عنارص الطبيعة تتخذ لنفسها يف قصائد رصا ًّ والحياة ،فاستنطقها ونقل أحاديثها وأخبارها عرب أشعاره ،لذلك ال غرابة أن نجد األرض عن ً الشاعر صو ًرا شتى. خاصا باعتبارها مخزونًا نفس ًّيا يغذي فينا لقد شكّل حضو ُر األرض يف النص الشعري عند حسن نور الدين عالقة بينة األبعاد ،ونالت اهتام ًما ًّ إحساسا قويًا بالكرامة والعزة والعنفوان ،ورمبا تصبح األرض األم رم ًزا من رموز االنبعاث والتج ّدد لدى اإلنسان ،حيث تتحد األرض باألم، ً فأحشاء األرض كأحشاء األم تعطي الحياة ،وقد ع ّد "يونج" تعلّق اإلنسان باألرض شوقًا لتحقيق االنبعاث بالعودة إىل رحم األم ،وانتظار حياة جديدة ،لذا يخاف أن يدفن رفاته يف أي مكان غري أرضه ،ويرتاح لفكرة العودة إىل االتحاد باألرض واألم. إذا األرض هي منبع األمل والجامل ،مستودع األرسار واألمنيات ،ومنبع الحب والحنان ،هي متّكأ رؤوسنا عند الشدائد ،وملجأ راخنا عند اشتداد املآيس وامللامت ،متتص آالمنا وأحزاننا ،وتحمل معنا آالمنا وأتراحنا ،هي الرجاء والفرح والسعادة ،والحامية عند املخاطر ،ويرى الشاعر أن الله عز س َّخرها لنا ،وأوجدها سبحانه لخدمتنا وراحتنا وسمرنا ،فجعلها كالجارية تخدمنا وتطعمنا وتحمل األثقال عنا ،نيسء إليها ونلعنها لكنها مقابل ذلك تسخو وتحنو علينا وتباركنا وتقدسنا: رض َجارِي ٌة نُكاب ُدها األَ ُ ونحف ُرها ونَطع ُنها قتل ساع َة نرتَأي ونَ ُ ٍ كائنات فوقَها من
وتركت سؤاالت صغريي ُ ِ للشمس تجيب وللقمر خص أرض الجنوب اللبناين وتراثه بقصائد كثرية ،فألرض الجنوب نكهة مميزة ما يثري االنتباه والتوقف عنده أن الشاعر يف حديثه عن األرض فقد ّ يف شعره ،وجدلية مليئة مفعمة بالحب والتحدي والعطاء ،وال عجب يف ذلك ،فالشاعر واحد من أولئك الجنوبيني الذين علّقوا األرض أوسمة بعيونهم ،فاخرضت تحت أقدامهم واحم ّر الشفق ،من دونهم وبرزت األنجم مكتملة زاهية. إنها األرض التي ورثها عن آبائه وأجداده فسقاها عرقه ودمه ،وتحولت حرارتها براكني ال تطاق ،تذوب فيها دروع املحتل الغاصب وأسواره الواقية، هي األرض التي ه ّبت منتفض ًة ثائرة: أرض التَّاري ِخ وال ُج ْغراف َيا أرض ُج ُدوديُ ، هي ُ السكانِ الشُّ جعان ورواياتُ ُّ هي لألحفا ِد وأحفا ُد األحفا ِد من ِ زند ُج ُدو ِدي من عرقِ ال ُوجدا ْن أَغىل من َولَدي م ْن تَعلَّم الحرب وألجلِ كُراتِها يَر ُخ ُص يف ِ ال ُولْدان األرض وانسابت يف قلبه وأحاسيسه ،فاستنشق عبري الحياة الصايف ،وتنسم نسيم الحياة والحرية والفخار ،واالنطالق من الجمود لقد ُح ِفرت ُ خية ،مفعمة إىل الحيوية ،ومن العبودية إىل الحرية ،إنها طريق العزة والكرامة معززة باملحبة ،مفعمة بالكربياء والنضال ،لذا ،فهي أرض طيبة ّ بالقوة والعنفوان ض ّد الظلم والرببرية ،إنها الطريق لحياة حرة كرمية: رض ِفي َنا ح َّر ٌة مل ت ُرته ْن األَ ُ يو ًما أصالتُها رس أُنُوثتُها ومل تخ ْ ثم يوغل الشاعر بعي ًدا يف ح ّبه لألرض وعشقه لها ،إذ يرغب من ولده ّأل يرتكها ،ويق ّدم ترابها للغاصبني ،ألن الرتاب حسب رأيه مق ّدس ،أوليس الصغر ،وتنمو معه طيلة الرتاب أصل اإلنسان ومحطّة انطالقه؟ فقدسية الرتاب نزعة إميانية جهادية تنمو يف عقل اإلنسان وقلبه ويترشبها منذ ّ وتأصلت هذه النبتة يف شخصيته حتى غدت من املرتكزات والثوابت التي حياته ،وقدسية الرتاب نبتت يف عقيدة الشاعر املتوارثة عن أمه وج ّدهّ ، تبنى عليها ،لذلك راح ينشدها أمام أوالده: اب األً ِ قديس تر ُ رض ٌ َواشيح عباداتُه ت ُ ظل الظروف الصعبة التي مي ّر فيها وطنه لبنان من خالل اإلعتداءات اإلرسائيلية املتك ّررة عليه ،إذ ألحقت بالوطن ويرتفع صوت الشاعر يف ّ وباللّبنانيني خسائر جسيمة باألرض ومن عليها: وب أرض ال َج ُن ِ ال ور َد يا ُ يضو ُع يف حدقاتِك الخرضا ُء ال اليوم اس بع َد ِ لن تُ ْزه َر األَ ْغر ُ يرحل التَّن ُني عن حتَّى َ ع ُني القُرى كل الويالت والحروب مل ينهزم اللبنانيون ومل يتنازلوا عن ذرة من تراب الوطن ،كان عرق الجنوبيني يعانق العشب الجميل ،وآثار وعىل الرغم من ّ زنودهم تبوح بها أثالم الحقول الذهبية ،وميرغون جباههم وثغورهم بالرتاب الحنون: إ َّن جمي َع بِال ِدي دو َن استثنا ْء
سأستح ُّم مبائِك ْ العذب ال َّن ِ ِ الس ِاطع ِ مي َّ تخفق راي ِتي ُّ ستظل ُ يف الج ِّو رغ َم الطَّا ِمع الت ُوس تَ ِيس َ وعل ُّ اب ال َح َم ِم ال َوا ِدع أرس ُ وتط ُري ع َرب سامئِنا م ْن دون أي ُم َنازِع ِّ السهل ُّ رش يف ال ّر َب يف َّ سأظل أن ُ يف األنْها ِر يف الشطآ ْن لو َن أصابِعي وغ ًدا سأ ْح ِظى بامل ُ َنى رحيق منابِعي كوم ال ِغالل ومن ِ أَسبيه من ِ يحاول الشاعر حسن جعفر نور الدين من خالل مقطوعته السابقة أن يحملنا عىل جناحي قلمه إىل حيث الخيال السابح يف ربوع املايض م ّرة ،ويف ربوع الطبيعة مرة أخرى ،فنغوص يف طيات أفكاره النرية التي استطاع من خاللها أن يرشكنا معه بجامل ماضيه السعيد ،بقرب الطبيعة الخالبة، وما فيها من عنارص مبهجة ،ورموز توحي بالسعادة والغبطة والفرح. ويؤكّد الشاعر ح ّبه لألرض والرتاب يف معظم قصائده مص ِّو ًرا عالقته معها وحياته فيها ،ففي قصيدته "الظفرية الخرضاء" كناية عن السهول والوديان العامرة بالخرضة والجامل والعافية: يا أيُّها ال َوادي عىل صفحاتِك الخرضا ِء يف ظاللِك السمرا ْء بني املا ِء واملط ْر كتبت طفولتي وشْ ًم عىل ال َحج ْر ِّإن ُ كم وسدَّتْ أعشابَك الخرضا َء ِ رأس ّقت قد َماي وتسل ْ جي ِ ُ ات ال َح َباىل أكتاف الشُّ ْ بالنجوم املُث ِ ْقالت ِ ِ بألف ِق ْنديلٍ من ال َّز ْهر يا ما أصيل امل َ ْ ُت والوزَّال وال ِعرزال الغروب ما أ َحىل ُسويْعات ِ وموكب القَمر ُ السكرى قَ َد َماي يف أرجائِك ّ السارِحات ْ نسجت ُخطاي الذَّا ِهبات َّ بنشو ِة الظَّفْر يعيش هناك ت َ ْعرفُه ص ْو ِت ُ جي ِ ات التَّي صمدتْ بوجِه ال ِّريح والقَهر الشُّ ْ كل ظَفري ٍة خرضا ْء ويَداي ُّ
أرضا وبحا ًرا وسام ْء ً الشع َّية وتوار ِ ِيخي و ُج ُدو ِدي ومعي ال ُح َج ُج َّ ومفاتيح األَزمن ِة األُوىل ُ ويتو ّحد الشاعر يف قصيدته "الغالل" تو ّح ًدا تا ًّما ،بحيث تصبح األرض مالذًا له وجز ًءا منه أو هو جزء منها: اغمرِي ِني يا ُذ َرى بال ِغ ْ الل وا ْم ِ سحي و ْجهِي بأَنْ َدا ِء التِّ ْ الل و ُخ ِذي كفِّي بأَ ْح َضانِك ال ّخرضا ْء إل ِقي ِني بأَ ْحضانِ ال َجداو ِل وشّ ِحيني بالشَّ ج ْر قرسي عنها: ويجمع الشاعر األرض والطبيعة يف قصيدته "عشب األرض" ،وهو يصفها ويتح ّدث عنها بشوقٍ بعد غياب ٍّ لا تَلُو ِميني إذا ما َسا ِغ ْبت ق ْ ً َص ِد َمتني ال َحا ِدثاتْ ك ْن ِت شَ الً لق َِصيدي وسطو ًرا يف مآقيها زَر ْع ُت الهمساتْ لَ ْملِمي ص ْويت عن األشجا ِر الص ُخو ْر عن ِ عشب ُّ وا ْج َمعي األَشعا َر من طريِك ّنت جناحيِه ّإن أنا لق ُ القواف الحاملاتْ ِ ِل َد َو ِات ع ْن َد مجرى ال َّن ْه ِر روح يل أَقْال ِمي الح ْمرا ُء ُ الكلامتْ أنا جز ٌء ِ منك بعض ف ْو َق األَ ْر ِض أو ُ ُرفاتْ َسا ال تَلُو ِميني إذا ما ِغ ْبت ق ْ ً ِ رحيق ال ِّذكْ ِريَات لك يف قلْبِي ُ بهذه الروح الجياشة والعاطفة العميقة يستعيد الشاعر ذكرياته وعالقاته مع األرض وعنارصها ،املاء والهواء والرتاب والطري والسامء ،سمفونية طبيعية مكتظة باأللوان واأللحان .ويجمع الشاعر يف قصيدة واحدة معظم عنارص الطبيعة التي أحبها وعاش فيها ومعها ،وق ّدم لها غرر قصائده ،حيث يقول يف قصيدة "لحن الغدير": ظل يا وطَ ِني بقربِك سأَ ُ ْت مرابِعي ق ْد عشق ُ السم ْر ُّ سأظل أنْ ُ بت بالزنو ِد ّ كل مزار ِعي ّ
قد مشطتُها بأنَا ِميل العرش ِ الحاملات ال ُّغنج الصخ ُو ِر ِّإن حفرتُ عىل ُّ تاريِخي وكتبتُه بأصابِع املط ْر بهذه القصيدة التي جمعت كل عنارص الطبيعة والحياة ،واملفعمة بصور البالغة والجامليات ،آثرت أن أنهي هذه الدراسة حول الطبيعة يف شعر حسن نور الدين ،حيث كان لها حصة األسد يف نتاجه الشعري. خامتة الدراسة: لقد حاولنا يف هذه الدراسة أن نل ِّمح إىل قلب الشاعر حسن جعفر نور الدين ،وننتقي موضوع الطبيعة عنده ،ونعالجه لرناه قد انغمس بالطبيعة، املحب ،حيث غلبت صورة الطبيعة عىل معظم قصائده ،وتربعت فوق عرش أشعاره التي شكّلت السواد األعظم يف وهام بها هيام العاشق ّ نظمه ،فالطبيعة الخالبة أرسته واستحوذت عىل كيانه ،فحاول أن يُرتجم مكنوناته تجاهها شع ًرا ،بروح جياشة وعاطفة عميقة ،نحو عنارصها كافة (املاء ،الهواء ،الطري ،الرتاب ،السامء ،األزهار ،واألشجار ،الربق ،والرعد )...وقد أبدع شاعرنا يف اختيار ألفاظه وعباراته التي وقفت إىل جانبه يف رسا بينه وبني قارئيه ،وبذلك استطاع شاعرنا أن يؤدي غرضه الذي استل من أجله يراعه ،وهو وصف الطبيعة وما فيها. مشواره الشعري،وكانت ج ً
السياسة ال ّدول ّية ،حتّى اآلن ،يف إيجاد تسوية عادلة وحلول حاسمة لها .كام مشكالت ترتاكم وأزمات تتفاقم ،فشلت ّ يزيل الحجب الكثرية الّتي متنع األجانب من ال ّنفاذ إىل حقيقة العامل العر ّيب ،ومن فهم تراثه وحضارته،ال س ّيام ما ارت ّد منه إىل املايض ،ومن إدراك روح األ ّمة العرب ّية يف واقعها الحا ّيل.ويُسهم يف بناء عالقات حميمة وتفاعالت حضاريّة تق ّرب ايس، بني األطراف املختلفة ،عىل نحو ما شهدته العالقات العرب ّية والفارس ّية والهنديّة يف املرشق إبّان العرص الع ّب ّ األندليس .فقد قيلَ ” :من Tتعلّم لغة قوم أمن مكرهم“. والعالقات العرب ّية األوروبّ ّية يف العرص ّ الصالحة له .وبالتّايل ،ال ميكن الحديث عن أي استثامر قبل الحديث عن توفري األرض ّية ّ لكن ،ال ميكن الحديث عن ّ الشوط التّي تجعل عمل ّية التّعليم هذه استثامر يف تعليم اللّغة العرب ّية لل ّناطقني بغريها ،قبل الحديث عن توفري ّ الشوط ،وضع سياسة استثامريّة وطن ّية شاملة تتخطّى املبادرات الفرديّة،ويكون لل ّدول صحيحة .ومن أبرز هذه ّ اللزمة الّتي ولحكوماتها وللجامعة العرب ّية دور فيها ،وتتضافر فيها القوى والخربات ،وترسم من خاللها الخطوات ّ تحقّق استثام ًرا ناج ًحا ،بد ًءا باالنسان العر ّيب مرو ًرا باللّغة وتعليمها وصولً إىل طرق ترويجها واستثامرها.وميكن توضيح السياسة ضمن األطر الثّالثة التّالية: هذه ّ اإلطار األ ّول: وحضاري يؤ ّهلنا ،كمجتمعات عرب ّية ،لالنطالق يف مشاريع استثامريّة كهذه ،أل ّن الحضارة ”هي ما تحقيق وعي ثقا ّيف ّ نحن ،هي ال ّروح العميقة ملجتمعنا“.وذلك من خالل: لكل راغب فيها ،أن تكون ملك )1 اقتناعنا بأ ّن لغتنا العرب ّية ليست حك ًرا عىل عرق أو حضارة ،وأ ّن بإمكانها أن تكون ّ من يتعلّمها ،مف ّرقني بني لغة وعرق وحضارة وغري خالطني بينها .فال دليل عىل أ ّن هناك من هو مه ّيأ أكرث من غريه لتعلّم العرب ّية ،ال ال ّدم يفيد يف ذلك وال الجنس وال العرق وال التّناسل وال الوراثة”.ولو كان للّغة خصائص عرق ّية خاصا ،ملا وجدنا أ ّن اللّغة الواحدة قد تكون مشا ًعا ألعراق عديدة وأداة لحضارات مختلفة“.8 مع ّينة ال تالئم إلّ عرقًا ًّ السابع ،كانت تض ّم بضع مئات من العرب فقط مقابل اآلالف من فالجيوش العرب ّية الّتي افتتحت أوروبا يف بدء القرن ّ األقباط والرببر .ومع ذلك اعتمدت اللّغة العرب ّية كلغة ثانية يف البالد املحتلّة ،ومل تعتمد،بالتّايل ،اللّغتان القبط ّية أيضا زنوج أمريكا ،فهم يتكلّمون اإلنكليزيّة وال يعرفون لغة غريها ،والهنود الحمر الّذين هجروا مواطنهم والرببريّة.كذلك ً وانخرطوا يف الحياة األمريك ّية ال يعرفون لغة غري اإلنكليزيّة. أفقي يف الذّاكرة والذّكاء)2 . إرصارنا عىل رضورة الفصل بني اللّغة وال ّدين ،ألنّ”اللّغة هي عادة بديه ّية يف اللّسان وتركيز ّ السامء ودعوة عموديّة يف اإلرادة البرشيّة .وهام أ ّما ال ّدين،فهو نظرة إىل الوجود بوساطة القلب ،هو شبق عاطفي نحو ّ ّ
العني يف التشكيل :دالالت ورموز الفن السومري والفرعوين وتأثريهام يف عني األيقونة لأليقونة عالقة وثيقة مع حوار الرؤية (العني) ،إذ تشكل األيقونة هيكلية خاصة بها ،كرتكيب الجملة ،أو كاملحادثة التي تعمل عىل دمج العديد من العنارص املختلفة والدقيقة ،وفق القواعد اللغوية .منت هذا املنطلق ،يتناول البحث العالقة بني عنارص الرؤية املرتبطة باإليحاء والتعبري والتشكيل للعني ،هذه العالقة التي نجدها يف ف ّني السومريني والفراعنة تحديدا ً ،كام يتناول تأثري هذين الف ّنني يف األيقونة املسيحية ضمن مراحلها األوىل خصوصاً .وسنتوسع يف الدالالت والرموز واملؤثرات واملوروثات التي هيأت لتشكيل العني يف األيقونة. يقوم مفهوم رؤية العمل الفني عىل لغة مرئية متطورة ،أل َّن إدراكنا للرؤية شامل و ناتج من مسار العني الذي يتنقل ضمن املشهد ليكشف املحور األسايس للعمل الفني .هذا املسار اإلنساين هو محاولة الكشف عن اإليحاء و التعبري؛ والستخالص مختلف العالقات بني العنارص التشكيلية واألنساق التعبريية .وتتولَّد عن ذلك عملية الغوص يف األثر الفني ،بغية استجالء ما تخفيه الدالالت والرموز التي تتحدد من خاللها قناة التواصل بني الباثِّ واملتلقي. أ َّما اإليحاء فهو انطباع ذهني يُستثار يف اإلنسان من خالل حواسه ،وأهمها الرؤية .إنه فعل يغرس يف الفكر أو العقل الباطن ،حيث تتمحور األحاسيس واالنفعاالت اإلنسانية والروحانية. أما التعبري فهو موجود يف اإلنسان بشكل فطري؛ ذلك أنه لغة فنية تستخدم مجموعة من األدوات اإلستطيقية (الجاملية) الخاصة، لتسلط الضوء عىل مكنونات اإلنسان الداخلية .فهو استجابة عفوية ملا متليه املواهب من مشاعر وعواطف ورؤى ،فضالً عن متتُّعه بالعديد من الدالالت ،أهمها الدالالت الجاملية الناجمة عن املؤثرات الفنية ،وهي انعكاس ملجموعة األحاسيس اإلنسانية التي تتحقق عرب التأمالت الجاملية أيَّاً كانت أبعادها ،تبعاً للموروثات امليتولوجية والعقائدية والدينية واالجتامعية. فالتشكيل يف العمل الفني ،إذا ً ،هو انعكاس لكل هذه االمور سالفة الذكر؛ ألنه املرآة التي تعكس حال واقعها البنيوي والجاميل .لذا، سنتناول تسلسل تطور تشكيل العني ،منذ فجر التاريخ حتى ظهور الديانة املسيحية ،مع كل ما يحيط بهذا التشكيل من مؤثرات فكرية وفنية هيأت لظهوره. تُع َّرف العني بالنظر أو بالرؤية أو بالبرص ،وهي مرآة النفس ونافذة الروح ،وهي حوار بال صوت .كام أنها لغة اإليحاء ،يف العني الجاذبية والقوة والبؤرة ذات الطاقة املغناطيسية ،ولها قدرة كبرية عىل اخرتاق اآلخرين لتصل إىل مكنونات النفوس .هي كالبلّور عم يف نفس صاحبها من معانٍ و دالالت. تكشف َّ وعىل هذا النحو ،تربزأهمية تطور تشكيل العني يف الفنون القدمية ،هذا التطور الذي أوصل إىل أن تصبح األيقونة ميزة من ميزات الرشق ،تقوم يف بنيتها عىل متثيل شخص إلهي أو مشهد ألناس مقدسني من اإلنجيل وتعاليمه ،فتتدفق وتنعكس أشعتهم األلوهية عىل األيقونة لتنطلق إىل خارج حدودها .كام تصبح هي ،بدورها ،مصدر قوة ساموية ،تحمل املتلقي عىل الشعور بالنور املشع الذي تعب عن الحياة والنور األزيل النابع منها .هذه األيقونة، يخرتقه ،فيتكشّ ف له دورها ومغزاها ،من خالل جامل الخطوط واأللوان التي ِّ متحل بروح املدقِّق واملتع ِّبد ،إال أنها مجردة من شعوره الشخيص" )1تعتمد فقط عىل البعد الروحي يف وإن كانت "من تنفيذ ُمص ِّور ٍّ تركيبتها ويف تنفيذها. .1 العني يف عصور ما قبل التاريخ إذا عدنا إىل العرص األورجنايس ،وجدنا رأساً من عاج حيوان املاموث .يطلق عليه اسم غادة براسمبوي La dame de brassempouy (مقاطعة الند يف جنويب غريب فرنسا ،فيام يقارب 20.000عام قبل املسيح) .وهو ميثل رأس فتاة ُصفف الشعر فيه عىل شكل خطوط متقاطعة .وقد نجح اإلنسان القديم يف إظهار املعامل الرئيسة فيه ،وتج ّنب تحديد التفاصيل ،فحجب الفم .أما األنف والعينان فقد اكتفى بتخطيطها ،فبدا إيحاء العينني كبريتني واسعتني (شكل .)1ويف إلهة األمومة (هاسيالرجنوب بالد االناضول ،منتصف األلف السادس) ،متثال صغري من الطمي املحروق ميثل "اإلخصاب" ،غابت فيه تفاصيل الوجه ما عدا حجمي العينني الواسعتني (شكل .)2 أما يف الحضارات املتعاقبة ،فقد اختلف املشهد ،وفقاً للمعتقدات والتحوالت االجتامعية واالقتصادية. .2 العني يف الفن السومري :الولوج يف العامل العلوي استطاع السومريون أن يعطوا لتشكيل العني ،يف فنونهم الدينية ،أهمية خاصة .لقد كانوا األوائل يف التاريخ الذين قدموا متاثيل رمزية ،ربط فيها مبدعوها بني ما هو مادي وبني ما هو روحي ،لتكوين وحدة أسلوبية .وتوصلوا الحقاً إىل االستعاضة عن التشبيه املادي ،بالروحية والالمادية أو الرمزية. فقد كانوا ال يطمئنون إىل أخراهم؛ فعاشوا يف دنياهم فزعني هلعني؛ ألنهم خضعوا للمصري الذي تقرره اآللهة .فبدت يف الفن العراقي عموماً مسحة من الرصامة والتوتر.
العني يف التشكيل دالالت ورموز
د.ندى طرابليس
بالسومريني؛ العتقادهم بالبعث وعودة الروح. كانت التامثيل تُفتح عيونها وأفواهها حتى تو َهب الحياة وتستطيع الرؤية وتناول الطعام .وتقام حول هذه التامثيل شعائر دينية معقدة ورسية ،العتقاد املرصيني بأ َّن اإلله ينفخ خاللها شيئاً من روحه يف متثاله ،فيتحول من جسم جامد إىل هيكل حي .وقد مارس املرصيون القدامى شعرية فتح الفم ليك يستطيع املتوىف أن يأكل ويرشب ويتكلم من جديد ويتلو اآليات الدينية يف العامل اآلخر)5( . هذا ،وقد كانت وجوه التامثيل املرصية دقيقة القسامت ،والعيون أقل تجويفاً من العيون املاثلة يف التامثيل السومرية .إال أنها اشرتكت عبت العني الفرعونية عن السكينة والهدوء ،فكانت عىل الرغم من مع نظرياتها يف ترصيعها باألحجار الكرمية التي تثري فيها الحياة .وقد َّ تقنيات التطعيم ،متيل نحو اإلستطالة ،ملحاولة املرصي التقرب من الشبه ،معتقدا ً بأن الروح ال تخلد إال إذا وجدت ما يشبه الجسد، فوجب أن تكون الصورة مطابقة للشخص يف أوضاعه ومالمحه وصفاته ،األمر الذي يدلنا ،عموماً ،عىل طبيعة اإلنسان املرصي وشكله يف تلك الحقبة .كام كان الفنان املرصي يبغي الكامل ،فجاء الوجه يف متاثيله ،متناسقاً وقورا ً مع عينني شاخصتني نحو آفاق بعيدة ومتجاهلتني ما حولهام ،األمر الذي يجعلنا نوغل يف الالنهائية .وهذه النظرة املتطلعة نجدها يف الكثري من متاثيل خفرع (شكل )5الرامزة إىل أن مثة قوة كامنة يف الجسم ت ُهيِّئه للحياة الثانية)6( . كام متيزت التامثيل الفرعونية بالعيون املرصعة ،بالنظر إىل أهمية الدور الذي تؤديه العني يف التشكيل الفني والديني وامليتولوجي .وكان مستوحى من الطبيعة املحيطة بالفنان ،هذه الطبيعة التي ألهمته ،فل َّون أجساد الرجال باللون األسمر املرشب بالحمرة ،كام ل َّون التلوين ً أجساد النساء باللون األصفر الخايب ،والشعر باللون األسود ،و الحيل يف األكرث باألخرض .أما الحدقة أو إنسان العني فقد كانت تجويفاً يف الوجه الخلفي من القرنية ميأل مبادة قامتة اللون جدا ً ،مع إحاطة هذا كله بإطار من النحاس .وكانت العني تتكون من الحجر األبيض، يف وسطها بلورة مصقولة تحيط بحدقة سوداء)7( . وقد ُع ِن َي املرصي ،مع تحنيطه الجسم ،باملحافظة عىل تجويف العينني مع األرسة الحادية والعرشين ،فعمد إىل وضع عيون مصنوعة من الزجاج أو الفخار املحروق املل َّون أو األحجار الكرمية .وحقق النحاتون املرصيون تأثريات برصية بارزة ،من خالل تطعيم عيون التامثيل بغرس عيون مصنوعة من الكريستال امللون أو األبيسيديان؛ وهو زجاج قاتم أخرض أو أسود ،مام يضفي عىل التمثال تأثريا ً واقعياً للغاية :كتمثال األمري رع حوتب ومتثال زوجته نفرت من األرسة الرابعة ،فعينا هذا األمري مطعمتان مبادة الكوارتزيت ،واملقلة مبادة األبسيديان وتتميزان باإلتساع .أما زوجته فعيناها واسعتان مطعمتان بالكوارتزيت ،ومقلة العني باألبيسيديان (شكل ,6أ,ب) .أما متثال شيخ البلد؛ نهاية األرسة الرابعة ،فعيناه مرصعتان ،وبياضهام من الرخام وقرنيتهام من الحجر املتبلور أما إنسانهام فرأس مسامر من النحاس األحمر ،وحافتهام من النحاس األحمر أيضا ( )8( .شكل )7 لقد برع املرصي القديم بدراسة أدق وأهم مساحة يف الوجه وهام العينان يف تشكيلهام فنياً ،فتنوعت التقنيات املستخدمة والوسائل عم تقتنصه وتعكسه هاتان البؤرتان من طاقات يف الجسم البرشي .فاملرصي مل يستطع اإلفالت من قيود املفهومات الدينية املعبة َّ ِّ وامليتافيزيقية. .4 مراحل األقنعة الجنائزية أ َّدت العينان دورا ً رئيساً يف املعتقد املرصي ،لذلك كان يوضع عىل وجه املومياء قناع من الطني يدعى القناع الجنائزي .يدهن باأللوان أحياناً ،ليكسب مظهرا ً طبيعياً ،وأحياناً أخرى يكون من الذهب أو الفضة أو املواد األخرى ليك تتعرفه (الروح ,با ) بسهولة ،ويرسم عليه وجه املتوىف .ويف هذا اإلطار ترسم العيون دامئا مفتوحة بأبهى حلتها. و يُرسم القناع ،أيضاً عىل منت التابوت ،وتضاف إليه التفاصيل الزخرفية املكملة له .فيكون املرصي بذلك قد أكّد إبراز العيون مفتوحة، خالل ثالث مراحل ت َتبع للشكل الواحد والنهايئ ،يف سياق دفن امليت وهي : -1يف املومياء نفسها، -2عىل القناع الجنائزي، -3ثم اعادة رسمها عىل منت التابوت. .5أنواع األقنعة الجنائزية ارتبطت األقنعة الجنائزية بالرتاث العقائدي املرصي القديم .وميكن تقسيمها إىل أنواع بحسب تسلسلها الزمني: أ.الجصية :تطورت صناعتها مع فكرة الرأس البديل. ب.األقنعة الكرتونية :صنعت من مادة مقواة عبارة عن طبقات من الكتان تقوى بالجبس السائل وتلقب بالكارتوناج . ج.األقنعة الخشبية كأقنعة وجوه الفيوم . د.األقنعة املعدنية يف الدولة الحديثة .وأهم منوذج لها قناع توت غنخ أمون. ه.األقنعة الفخارية :كان يتم الحصول عىل نسخة من وجه املتوىف ،بالطني ،ثم يتم حرقه للحصول عىل مالمح ثابتة. إال أ َّن عقيديت املرصيني وسكان بالد الرافدين الدينيتني اختلفتا ،بعضهام عن بعض .فقد كان الناس يف بالد الرافدين ال يطمئنون إىل آخرتهم؛ فعاشوا دنياهم قلقني فزعني ،يف حني كان املرصي ينال من تقريب اآللهة ما يضمن له النعيم يف حياته األخرى .ولك َّن التامزج
كان عىل السومري بلوغ مآربه عن طريق الصالة ،إال أنه وقع يف مشكلة عدم قدرته عىل تكريس كامل وقته لألنشطة التي متكنه من أن يحظى بتعاطف اآللهة .لذلك فقد جاء بتمثاله الشخيص إىل املعبد ،واثقا بأن صورته موجودة بشكل دائم يف بيت اإلله؛ لتقوم بدور الوسيط .وتأكيد ورعه دون انقطاع ،أل َّن اإلله قادر عىل التع ُّرف عىل عباده .يجدر الذكر هنا أ َّن املثَّال مل يهدف إىل إبراز التشابه ،بل يعبعن حضور مادي وروحي يعب عن أكرث من مجرد صورة؛ كان عليه أن ّ هدف إىل إبراز النشاط الذي ميارس ،أي الصالة .إذ كان عليه أن ّ أمام الخالق. تُ ثِّل معظم التامثيل الحجرية اآللهة والتدرج الكهنويت الذي يبدأ من صغار الكهنة حتى يصل إىل الكاهن األكرب ،باإلضافة إىل األمراء وصفوة من علية القوم ،وصوالً إىل املتعب ِّدين .فنحن امام فن ديني يخدم أهدافاً محددة ،بحيث يُلجأ يف متاثيل العابدين ،إىل تعبري العينني قبل أي يشء آخر .وقلَّام اهتم الفنان الرافدي بتناسب أجزاء جسم اإلنسان واتساقها وتفاصيل بنيته الترشيحية ،لكنه أنجز املعب يف الصالة هو املثول أمام اإلله .ولتعبري العينني متيَّز الرتكيز يف الصالة التامثيل ليربز قوة برصها السحرية .فأهم ما يف املوقف ِّ والصلة الروحية مع الخالق .فالتامثيل السومرية استطاعت ،بعيونها الكبرية املحملقة إىل مكان ما يف األفق البعيد ،كأنها معلقة يف الزمن، أن تثبِّت خطاباَ روحياً وصوفياً يتصل بأعمق مناطق الروح ،لتجتازالحالة البرشية وصوالً إىل األبدية (( )2شكل.)3 ترصع ُمقلُها مبواد خاصة ،أو تنحت تلك املُق َُل ومن حيث التشكيل ،تتميَّز العيون يف الفن السومري بالحفر أو بالتطعيم .وكثريا ً ما كانت َّ يف تجاويف العيون عىل أشكال أقراص .كانت العيون مفرطة يف االتساع ،مط َّعمة باللون األسود ،تبدو كأنها وحدها تأيت من عامل غري عاملنا ( .)3ومل يكتف السومريون بتشكيل العينني ،إمنا أضافوا إىل تجويفها األحجار امللونة الرباقة التي احتلت ثلث أو نصف الوجه تقريباً .ويعترب هذا األمر نوعاً من التشفري الذي يرمز إىل أهمية الشخصية .ذلك بأن هيمنة العينني وحركة اليدين تكشف عن نوع الخطاب التشكييل الذي ميكن أن يتحول إىل تداول خطاب بني شخصية الكاهن ،باعتبارها دالل ًة رمزية ،وبني عوامل القوى املاورائية التي ترتقي إىل عامل امليتافيزيقيا. وأهمية العني ،بشكلها الدائري الواسع ذي املحور األسود القاتم ،يضع املشاهد أمام حالة من االنجذاب ضمن حقل من الرؤية املغناطيسية التي تتوزع بني قطبني :السالب واملوجب ،أو املبدع واملتلقي .ومن املالحظ أن السومري القديم اكتشف طاقات غريبة صادرة عن العني؛ فوظفها يف حفر العيون أو تطعيمها بحجارة تختلف ألوانها عن لون الجسم .فكان بياض العني واضحاً من صدف البحر ،وإنسانها من الالزورد يف غالف من الحمر (نوع من القار أو القطران) ،يحاىك األهداب ،وكذلك البؤبؤ .أما الحاجبان فمتصالن يحرصان النظرة الثاقبة .وقد استعمل السومريون العاج واألحجار الكرمية ونصف الكرمية ،يف تطعيم العيون :كالعقيق األحمر ،والالزورد األزرق .أما األسود فقد كان من مادة قامتة اللون أو معجون مل َّون يغطي البؤبؤ أحياناً ،أكان صغريا ً أم كبريا ً ،باالضافة اىل الحواجب وخصالت الشعر امللتصقة بالصدغ والرشيط الضام لشعر الرأس .ومن املالحظ أ َّن التامثيل الصغرية -التي مل تكن ملحاجر عيونها ترصيعات ،واعتمدت عىل التلوين أو النحت الغائر فقط -متتعت بقوة التعبري أيضاً (.)4 مثال عىل ذلك :متيزت التامثيل (إيكو شاماغان) ( ,ايبيه ايل) و (كاهنة من ماري) بقوة النظرة التي تزرع الخوف يف عيون الزائر (.شكل ,4أ,ب,ج). جاءت العني السومرية ،يف تشكيلها ،ذات دالالت شديدة التعبري قاسية ثاقبة مؤثرة ،وأحياناً مخيفة للمتلقي ،خصوصاً العيون املط َّعمة واملك َّحلة التي يسيطر عليها الشكل الدائري غالباً ،أو متيل إىل االستطالة أحياناً ،أو تكون ذات بؤبؤ كبري أو صغري؛ علامً أن الفنان مل جل االهتامم يبذل جهدا ً للوصول إىل الشبه كام ذكرنا ،ألنه ابتعد من مراعاة النسب الواقعية يف ارتفاع الجسم وتقاسيم الوجه ،وكان ُّ منصبَّاً عىل تشكيل العيون وتعبريها. لكننا نستطيع أن نك ِّون فكرة عن طبيعة شكل اإلنسان الرافدي ،يف تلك الفرتة الزمنية عموماً ،باستثناء املبالغة يف حجم العينني ،اللتني هام نقطة االرتكاز ،وهام يجسدان الحاسة الوحيدة من بني كل حواس الوجه التي تخاطب املشاهد وتستقطبه .ذلك أن إعطاء العيون أهمية ال حدود لها هو مبعث للسيطرة ووسيلة حية لالتصال بعوامل الغيب .فالعيون تنطق وترهب مبجرد النظر اليها *. * يجدر بالذكر أن حضارات بالد ما بني النهرين ،بدءا ً من حضارة السومريني و انتها ًء بحضارة الكلدانيني ومرورا ً باملراحل األكادية و البابلية واألشورية ،قد متيزت بطابعها العلمي ،وقد حققت هذه الحضارات إنجازات عظيمة عىل صعيد مختلف العلوم ،كالعلوم الطبيعية والرياضيات والفلك .أ َّما السحر فقد كان له نفوذ وهيمنة شبه شاملة عىل إنسان هذه الحضارات ،حيث اعتمد عىل قدرات ضمن طقوس سحرية وإيهامية ،خصوصاً يف تشكيل العني ونوع األحجاراملصنوعة منها. .3 العني الساكنة و املتأملة يف الفن الفرعوين من املالحظ أ َّن هناك تشابهاً بني حضارة مرص القدمية وحضارة بالد الرافدين .ويعود هذا التشابه إىل التامزج الثقايف بني هاتني الحضارتني. لقد كانت ببلوص "جبيل" خاضعة لنفوذ مرص ،وعن طريقها انتقلت األساليب الفنية بني وادي النيل وحوض دجلة والفرات .كام كانت مدينة ماري صلة الوصل بني الحضارة الرافدية والحضارة السورية .وبذلك كانت هناك تأثريات مشرتكة ،للبلدان املجاورة يف املنطقة املحيطة ،تتجىل يف االهتامم بدالالت العني ورمزيتها .وقد مارس الفراعنة شعرية فتح الفم ،واهتموا بتشكيل العينني املفتوحتني أسوة
وقد اعتُربت وجوه الفيوم نقطة الوصل بني العصور القدمية وبني العصور الوسطى ،التي حضنت الفن املسيحي واأليقونة؛ ألنه بالرغم من بساطة تلك الوجوه يف خاماتها وأسلوب تنفيذها ،فهي تجمع بني أساليب فنية مختلفة يف تزاوج فريد بني الحضارات .فبالنظر إليها نالحظ ُحسن التعبري إىل جانب ما يبدو عىل الوجه ويشع من العينني من تأثري نفساين عجيب. ونالحظ أ َّن صور الوجوه ذات العيون الواسعة -بشكل غري عادي -هي األكرث تأنقاً واألكرث تأثرا ً بالفن املرصي ،بحيث يعود هذا األمر إىل معتقدات الفنان .فليست مساحة العني فقط هي التي تعطي الوجه قوته وسحره ،وإمنا يشرتك يف توفري هذه القوة وهذا السحر التعبري النابع من العني واتجاه نظرتها املوجهة مبارشة إىل املشاهد .فلقد علَّمت التقاليد املرصية فناين الفيوم أهمية العني ورسمها ،وحثَّتهم عىل إبداع أكرب قدر من التعبري يف أقل مساحة ممكنة. ولقد وعى اإلنسان ،منذ فجر التاريخ ،أهمية تشكيل العني يف أعامله و نتاجه الفني ،وشمل هذا األمر الحضارة السومرية ،فأعطى الفنان السومري ،لتشكيل العني يف منحوتاته ،أهمية خاصة. ولذلك ،كانت هذه الشعوب ،التي سبق الحديث عنها ،من أوائل من ربط بني تعبري العني وشكلها ورمزيتها ،حيث ساد تشكيل العيون املحدقة الواسعة ،املطعمة باألحجار الكرمية امللونة ،ذات الشكل الدائري املهيمن ،نقطة االرتكاز التي تستقطب املشاهد وتأرسه بقوة سيطرتها واتصالها بعوامل الغيب. ومع انفتاح الحضارات بعضها عىل بعض ،انتقلت األساليب الفنية إىل البالد الفرعونية ،وأ َّدت العني يف التشكيل الفني دورا ً مهامً؛ فبات التعبري النابع من داخل العني أهدأ وأسكن ،ليتطور ويتخذ طابعاً واقعياً مع دخول اإلغريق والرومان مرص ،واعتناق قسم كبري منهم عبادة اآللهة الفرعونية ،وما تبعها من طقوس وعادات دينية ،األمر الذي أنتج حالة فنية مزجت طابعني فنيني ،هام الطابع الرشقي والطابع الغريب .وقد تبلورت هذه الحالة الفنية يف التامثيل واألقنعة والرسوم ،فظهرت العني ،ذات النظرة الشاخصة ،بعنارصها املميزة من اتساع البؤبؤ الكبري وسواده. ونتيجة لذلك ،كانت العيون ،يف جميع هذه الفنون ،مركزا ً الستقطاب املشاهد؛ ألنها بؤرة تجمع الظاهر و الباطن ،املريئ وغري املنظور، املعلن والخفي من طاقة نور وحياة وإشعاع من الوجود الكوين. .7الطاقة واللون يف األحجار الكرمية نستنتج ،من هذه الدراسة ،أ َّن اإلنسان القديم وعى طاقات قوية وخفية تنبع منه ،وتحيط به؛ ألنه شعر بها وعايشها وحاول أن يستغلها ويسخرها لصالحه ،فبحث عنها يف الرموز واإلشارات واألحجار الكرمية واأللوان واألشكال. يتغي يف أمرها عندما تنتقل من فمنذ فجر التاريخ ،انشغل اإلنسان بلغز الحياة واملوت ،فجميع الكائنات الحية متوت ،فام الذي ّ تغي وهمد ،والتفكري يقود إىل أن ما غاب هو نوع من الطاقة .فام هي هذه الطاقة؟ هي أقرب إىل الطاقة الحياة إىل املوت؟ إ َّن شيئا ما َّ الكهرومغناطيسية ،أو طاقة الحياة. وإذا تناولنا الطاقة الكامنة يف جسم اإلنسان ،عموماً ،من الناحية العلمية ،ويف العني تحديدا ً ،نجد أنها تتَّخذ أشكاالً متعددة .فقد أثبتت الدراسات أ َّن كل انسان أو حيوان أو نبات يتمتع بالطاقة التي تصلنا من الشمس والنجوم والكون عموماً .فالحياة هي القدرة عىل توليد الطاقة واستثامرها ،وهي تتوقف عند توقف هذه الطاقة .وبذلك تتم ظواهر اإليحاء واالتصال من بعد ،باإليحاء الروحي. الكون كيان واحد يخضع كل ما فيه لتأثري املوجودات من أحياء وجامدات ،واإلنسان جزء من هذه املنظومة ،وهو ال يستطيع اإلفالت من هذا التأثري. والكون ،أيضاً ،وحدة متشابكة ومرتابطة فيه طاقات خفية تجري خالله ال يدركها اإلنسان ،وجميعها تؤثر فيه وعىل طاقته .إذا ً ،فاإلنسان يعيش يف كون نابض .والنبضات أو التموجات تنعكس عىل خالياه ،وهي أيضاً تنبض بإيقاع كوين (.)11 هذا ،وهناك داخل كل إنسان مولد روحي أو روحاين تصدر عنه ذبذبات فيزيائية روحانية .وهذا املولد غري املنظور ذو صفة مزدوجة: مص ِّدرة والقطة يف آنٍ معاً ،خصوصاً العني برتكيبتها العلمية الفيزيائية؛ وهي ،يف نظرنا ،أشبه بعدسة مكرب تعرتض األشعة الكونية املغناطيسية املوجودة يف اإلنسان ،لتستنفرها وتجمعها وتوجهها نحو األشخاص واألشياء ( .)12نستنتج ،من ذلك ،أ َّن جسم اإلنسان هو مكمن للطاقة ،و مص ِّدر لها ،يف منطقة العينني عىل وجه الخصوص. وقد متيزت حضارة بالد الرافدين بالسبق يف عامل األحجار الكرمية وتجارتها ،عىل الرغم من قصور البيئة يف توفريها .وكانت هذه األحجار ترافق كبار الكهنة يف املعابد وترحل مع املوىت إىل قبورهم .وقد دخلت يف الطقوس واألديان وصنع من بعضها أختام ،وأصبحت أداة للمقايضة أو شبيهة بالنقود .وإذا عدنا إىل استخدام فنان الرافدين تقنية الرتصيع للعيون باألحجار الكرمية والنصف كرمية ،الحظنا أنه اكتشف وجود طاقة كامنه فيها وآمن بهذه الطاقة .فلم يكن اختياره لها عبثاً بل كان عن إميان بأ َّن لها دورأ مكمالً ملعتقده يكمن يف انبعاث الذبذبات الخفية (املغناطيسية) الصادرة عنها .ويذكر أ َّن الحجارة الكرمية ،بشكل خاص ،وجدت يف معابد كثرية من معابد الحضارات خاصة املوجودة يف الكريستال ،وأحجار كرمية القدمية ،وذلك ملا تحمله من طاقات كامنة :فللحجر طاقة نور وقدرة روحية ونشاطّ ، أخرى تتَّسم بالقدرة عىل العالج.
الثقايف بينهام وضع أو أسس بعض نقاط التشابه يف املعتقدات والفنون .فحيناً ،كان الفن عموماً يف بالد الرافدين يأخذ طابع القسوة والجمود وعليه مسحة من الرصامة والعنف ،استجابة للبيئة والظروف املحيطة به ،والحاضنة له ،األمر الذي أ َّدى إىل تشكيل تعبري العني بشكل صارم وحاد يوحي بالتوتر .وأحياناً أخرى ،كان الفن املرصي ينحو منحى مختلفاً؛ فتبدو عليه مسحة من الدعة والسكينة واالطمئنان ،تساعد عىل تشكيل تعبري العني بشكل أسلس وأهدأ يوحي باملهابة. .6العني يف رسومات الفيوم ساعد الطقس الجاف يف مرص العليا والوسطى عىل الحفاظ عىل عدد ال حرص له من اآلثار .من األمثلة عىل ذلك؛ األقنعة الجنائزية التي وجدت بحالة جيدة .وقد كانت أعني هذه األقنعة إما ُمف َّرغة أو مرسومة باأللوان .وهي متثل العادات واملعتقدات الدينية املكتسبة من املرصيني يف العرص البطلمي والروماين ،التي تعتمد عىل تحنيط الجثامن ووضع األقنعة عىل مومياء املتوىف. وكانت األقنعة يف العرص الروماين توضع يف املنازل ،تخليدا ً لذكرى املتوىف .وتطورت هذه األقنعة تطورا ً جذرياً يف األسلوب؛ فلم تعد تعب عن أصحابها مبا تحمله من مالمحها الخاصة ،وأصبحت هي األخرى نوعاً من الصور الشخصية تخضع للرتاث الفرعوين ،بل اصبحت ٍّ التي تخضع يف خطوطها العامة لتيار الفن الروماين. وأخذ تشكيل العني ينحو منحى واقعياً ،بعد دخول الفن اإلغريقي والروماين عليه؛ فامتزج باألسلوب املرصي املتأثر بالفن السومري، لينتج تشكيالً جديدا ً للعني يف التامثيل واألقنعة والرسومُ ،جمع فيه كل العنارص املميزة يف الحضارات السابقة ،كات ّساع شكل العني وسواد البؤبؤ الكبري ذي النظرة الشاخصة. إذا ،من األسباب التي ساهمت يف ظهور النظرة القوية الثاقبة يف األيقونة ،هذا النوع من الفن الذي ولد نحو القرن األول قبل امليالد، متأثرا ً بالفن الفرعوين والفن السومري ،واستمر إىل منتصف القرن الرابع امليالدي؛ وهو يتجىل تحديدا ً يف رسوم الفيوم .ظهر هذا الفن يف هذه املنطقة التي احتفظت لنا بكنوز تركتها لنا األجيال التي سكنتها ،بدءا ً من األرسة الثانية عرشة حتى نهاية العصور الفرعونية، مرورا ً بالعرص البطلمي ثم الحكم الروماين ،حيث كانت تعج بالنازحني من الجاليات األجنبية .لذلك تعترب لوحات الفيوم التي متثل وجه املتوىف الحلقة األخرية من سلسلة تط ُّور العقيدة املرصية للحياة بعد املوت ،التي هيمنت عىل عقول املرصيني ،من بداية تاريخهم حتى اعتناقهم األديان الساموية .ومن املعروف أ َّن اليونانيني مل يعتنقوا فكرة الحياة اآلخرة األبدية نفسها التي اعتنقها املرصيون ،وكذلك الرومان من بعدهم (.)9 فقد تشبع فنانو الفيوم بأساليب التصوير اليوناين وطرقه ،والس َّيام يف مدرسة اإلسكندرية سليلة الفن اليوناين املقدوين .وكانت هذه اللوحات ترسم ألصحابها أثناء حياتهم ،ثم يأخذها املحنطون بعد الوفاة لوضعها يف مكانها املعد له فوق وجه املتوىف .هذه هي الحلقة األخرية واالمتداد لفكرة متثال (الكا ،القرين) والرؤوس البديلة والقناع ولفائف الكتان وما يعلوها من طبقة جص ملونة ملالمح املتويف ،كل ذلك ليك تتع ُّرفه (الروح،با) ضامنا لألبدية والبعث والخلود .وكان يَرسم الوجوه فنانون محليون يستخدمون ألواناً من تقنيات قدمية ،كاأللوان الرتابية واألكاسيد وزالل البيض والشمع ،وقد استخدم الرومان ذلك بديالً من القناع الذي كان يستخدمه الفراعنة بهدف ُلصق بوجه امليت وت ُث َّبت باللفائف الكتانية .وقد مت َّيزت هذه اللوحات تع ُّرف الروح عىل املومياء يف العامل اآلخر ،حيث كانت هذه املواد ت َ ِ باكتامل رسم تفاصيل الوجه مع العينني الواسعتني جدا ً بشكل غري عادي .وقد ُرس َم معظ ُمها عىل الخشب ،إذ ص َّورت رجاالً ونساء وأطفاالً يف مختلف املراحل العمرية ،يف أبهى مظاهرهم مع تزيينهم بأجمل املالبس والحيل. وكان الفن اليوناين وكذلك الفن الروماين فن حياة ،بينام كان الفن الفرعوين فن موت .فاألوالن يهتامن بإظهار التفاصيل والتعبريات املتنوعة عىل الوجوه ،وبإظهار اتجاهات نظرات العيون وتأثريات الشفاه وإشارات األصابع ،بينام كان الفن الفرعوين يف هذا الوضع خالدا ً .فالعقيدة والتقليد فرعونيان ،فيام األسلوب يوناين روماين .هكذا جاءت وجوه الفيوم مزيجاً من حضارات ثالث :فرعونية ،ويونانية، ورومانية .وكان الرومان أكرث من أعطى لصور الوجوه (فن البورتريه) أهمية كبرية ،باعتبارها وسيلة إلحياء ذكرى املتوىف .هذا التالحم بني وجوه الفيوم واملومياءات منحها خاصية روحية غريبة .فحتى لو فُصلت عن مومياءاتها التي تصورها ،فهي تحتفظ بقوتها امليتافيزيقية كام لو كان البورتريه قد أصبح هو الشخص الذي ميثله وفيه يواصل الحياة يف عامل مختلف. وبالرغم من مرور عرشات القرون ،ما تزال شخصيات تلك الوجوه تفيض بالحياة كأنها تعيش بيننا .ومن ينظر إليها يشعر كام لو انها متتلكه وتحتويه ،وهي ترمقه بنظراتها الثاقبة .وكلام اقرتبنا منها ازدادت غموضاً .فاملشاهد يدخل يف اتصال مبارش مع الشخصية املرسومة كام لو كانت يف منطقة وسط بني الحياة واملوت ،كأنه واقف يف برزخ بني عاملني .فاملوىت يظلون عىل قيد الحياة ،بالرغم من املوت ،وامليت يبدو حياً خالدا ً .هذا هو بالضبط الهدف الذي من أجله ُص ِّورت هذه الوجوه :هدف أصحابها وهدف ُمص ِّوريها .فالوجوه تطل علينا من اللوحات تنظر جميعها إىل نقطة الالنهاية ،خلف املشاهد .نستشعر شخصيتها وصفاتها ،وتكاد عيونها ترسل إشعاعاً من الحياة والحيوية الصادقة .ومن عالمات التطور يف مجال رسم الوجه ،تغيري الرسامني اليونان وضعيته ،إذ رسموه كامالً أو يكاد يكون كامالً بنسبة ثالثة جانب فقط؛ بحيث منح هذا التغيري فناين الفيوم إمكانات جديدة ظهرت يف العيون ،التي بالغوا أرباع ،يف بلد كانت الوجوه فيه ترسم من ٍ يف رسمها ،فجاءت أكرث تعبريا ً (( .)10شكل )8
ولقد عرف املرصيون القدماء الحجارة عىل أنواعها من الفريوز والالزورد والزمرد والزبرجد والعقيق ،وآمنوا بأ َّن لها قوى سحرية إىل جوار وظيفتها يف الزينة؛ فاتخذوا منها متائم ألغراض متنوعة. ويضطلع لون األحجار الكرمية أو نصف كرمية ،إذا ً ،بدور مهم يف العيون املرصعة ،ملا يصدر عنها من ذبذبات وموجات تؤثر يف املتلقي؛ ومن ذلك نستنتج أن اإلنسان القديم حاول حبس الطاقة الكامنة يف التمثال واملومياء ضمن العيون الكبرية الواسعة والتامئم واألحجار الكرمية ورموز الحروف ،لضامن بقاء قوتها وسلطتها ،ومن ث َم ضامن بعثها. .8رمزية الدائرة يف بؤبؤ العني تدور هذه الدراسة حول رمزية العني ودالالتها عند اإلنسان القديم ،وصوالً إىل تشكيل العني يف اإليقونة .هذه العني التي أخذ البؤبؤ فيها شكل الدائرة الكاملة التي لن نغفل عن رمزيتها ،أل َّن للرمز معاين عدة ،فهو قد يكون إميانياً وروحانياً ،وقد تدخل فيه أيضاً األعراف والتقاليد واملعتقدات وغريها .وتعد الدائرة رمزا ً للكامل واالكتامل ،ورمزا ً لقواعد تحكم الكون .إنها ترمز إىل الشمس وأفق السامء وإىل الوحدة ،كام ترمز إىل البداية والنهاية وإىل االتصال واالنفصال .ويف كل نقطة من محيطها ،تبدأ وتنتهي أيضاً ،متاماً كدورة الحياة التي تتضمن املوت ،واملوت الذي تنبعث منه الحياة ،إنها املحيط الذي يدور حول املركز ،وهي ترمز إىل السامء والخلود. وعند البحث يف رمزية الدائرة يف الفكر السومري البابيل ،نالحظ أ َّن (شار) من اآللهة السومرية القدمية متثلها الكتابة املسامرية بعالمة الدائرة يف األصل ،وهي تعني :الكل ،الكلية مبا يف ذلك السامء واألرض والعامل السفيل. أما يف مرص القدمية فقد كانت الدائرة ترمز إىل العهد والوفاء وإىل االنسجام والكامل والخط الالنهايئ .ومن الدوائر الرمزية الجديرة باالهتامم والواسعة االنتشار ،رمز األفعى التي تلتهم نفسها .إنها رمز الخلود والكون والدورة واملادة والروح يف الحياة ووحدتها (.)13 .9مسرية تطور تشكيل العينني ،فن سومري فرعوين بتأثري (إغريقي روماين) ،مسيحي قبطي - القواسم املشرتكة : من القواسم املشرتكة ،بني الفن السومري والفن الفرعوين ،تطعيم العيون وتغليف رؤوس التامثيل الخشبية باملعادن ،كصفائح النحاس أو الذهب .ومعتقد "االسمية" أيضاً (أي :ال وجود لشئ دون أن يصحب وجوده اسمه) عرفته مرص والعراق ،وتحدث عنه أفالطون. والتسليم باالسمية ج َّر إىل التسليم مبا لالسم من قوة تأثريية وطاقة كامنة يف الحجر واملعدن والصوت والحرف (.)14 وكان الفن االغريقي يعتمد ،يف تشكيل الوجوه ،عىل األسلوب التقليدي ،الذي ينطوي عىل تقليد املايض مبوضوعاته وتكويناته .فاليونان مل تعرف أي صورة لوجه عىل أرضية مذهبة ملختلف أنواع فنونها ،قبل غزو اإلسكندر ملرص .وقد أ َّدى هذا التطور الفني والثقايف واالجتامعي إىل اندماج اجتامعي وحضاري وديني ،تطور بعد سيطرة الرومان عىل البالد الفرعونية؛ فظهرت أساليب فنية جديدة خدمت طقوس جنائزية جديدة يف تحنيط موىت جالية املستوطنني الغزاة ،أبرزها تقنيات رسوم وجوه الفيوم ،والتي أوصلت فيام بعد إىل فن األيقونات البيزنطية. مرت وجوه الفيوم يف مرحلتني :األوىل رسمها ،والثانية تذهيبها وتثبيتها عىل املومياء .ففي األوىل تبدو الصورة فناً يونانياً -رومانيا ،ويف الثانية تحولت الصورة نفسها إىل فن مرصي الستخدام التذهيب يف الخلفية .ظلت كلمة :أيقونة ،طوال القرن الخامس ،تعني صورة لقديس أو ميت .ويف القرن السادس ظهرت الكلمة sihparGلتدل عىل صور وجوه دنيوية وح ّية .وهكذا ،ارتبطت األيقونات بالتصوير الديني .تزامن ظهور رسوم وجوه الفيوم مع أوىل األيقونات القبطية ،وترافق ظهورها مع األيقونات معاً ،حتى اختفت متاماً صور الوجوه املرتبطة باملومياءات .إذ كان مصورو الفيوم محاطني بتقاليد قدمية متتد إىل آالف السنني ،اضطلعت فيها تقاليد رسم العني بدو ٍر أسايس (.)15 وقد رث رسامو األيقونات القبطية أرسار أساليبهم من أسالفهم املرصيني ،فكانت عيون األيقونات الواسعة املشحونة بالروحانية ذات أصول فرعونية سومرية .فالعيون الواسعة والطاقة الكامنة النابعة منها ،هي إحدى السامت البارزة يف األيقونات املرصية. بعد دخول الدين املسيحي مرص ،أصبح التحوير يف املالمح تقليدا ً جديدا ً ،فلم تعد هناك مباالة مبراعاة تعبريات الوجه أو توازن النسب ،باستثناء جحوظ العينني الذي يكاد يطغى عىل الوجه بسعته واتخاذه أشكاالً مستطيلة .وبذلك ،متيز الفن القبطي برصامة الوجه وبروز العينني .ومن ميزات هذا الفن عدم االهتامم بإظهار الشكل الحقيقي وإبراز الصورة الخالدة .فكانت العينان أهم رسالة يف األيقونة؛ فيجب أن تكونا واسعتني تنظران دوماً إىل الناظر إليهام (شكل .)9 أما العينان يف األيقونة البيزنطية ،فهام العنرصان الوحيدان املتميزان بالحيوية .ويرى الباحثون أ َّن العيون يف العهد املسيحي األول كانت كبرية ومفتوحة جيدا ً ،بعيدة النظر ،تسحر الناظر وتفرض نفسها عليه .أما الحقاً ،وبعد القرن الرابع امليالدي ،فقد أصبحت النظرة أهدأ، مع محافظتها عىل حزمها .ففيها ينرسب النظر من تحت الجفنني يف وقار شديد ،كأنه صادر من أعامق النفس ليكون أكرثإشعاعاً .وميكن القول إن النظرة الصادرة عن الصورة ال تسعى وراء املتعبد فقط ،وإمنا تصيبه يف صميمه إصابة مبارشة .وقد اعتمدت األيقونة البيزنطية يف تركيبتها عىل النور الذي يحيط بالعينني الواسعتني الداكنتني ،وعىل النظرة املستقرة ،حيث تكمن نقطة الرتكيز عىل الناظر (()16شكل.)10
وبذلك ،تطور تشكيل العني وتعبريها خالل العصور؛ لكنه حافظ عىل مدلوالت روحانية وميتافيزيقية نابضة بالتعبري وااليحاء خامتة :العني تعبري ورسالة بعد أن درسنا املؤثرات والدالالت ورمزيات العني ،يف شكلها ومادتها ولونها ،وجدنا أ َّن هذا اإلرث الثقايف والحضاري الذي تج َّمع عن مدلوالت العني عىل مدى آالف السنني ،بني حضارات بالد الرافدين التي ولَ َعت واهتمت بتشكيل العني الكبرية وتطعيمها ،وصوالً إىل أرض الفراعنة التي تب ّنى فنانوها هذا االهتامم وط َّوروه ،بإضافة تقنيات جديدة عليه ،كالنحاس وأنواع جديدة من األحجار الكرمية والبلّور .ولقد أ َّدى هذا اإلرث الثقايف والحضاري إىل وصول هذا الفن املتخصص بتشكيل العني إىل نقطة قريبة من الكامل الروحاين وامليتافيزيقي ،يف مرحلة فن األقنعة الرومانية املرصية ورسوم الفيوم ،التي مهدت الطريق أمام األيقونتني القبطية والبيزنطية. وقد ساعدت قوة املعتقد السومري والفرعوين عىل استنباط طاقات كامنة يف األحجار الكرمية ونصف الكرمية؛ وظفتها يف محاجر عيون التامثيل ،بحيث توصلت نظرة العيون إىل اقتناص املشاهد وأرسه يف منطقة حقل مغناطييس ،تلك الطاقات الكامنة يتنوع فيها سحر األلوان املستخدمة يف الحجارة الكرمية ضمن شكل الدائرة التي تصور البؤبؤ ،التي تعكس النور والربيق وتأرس املشاهد بنظرة العني. ولتلك الحضارات التي ه َّيأت لظهور تشكيل العني الكبرية يف األيقونة أوجه اختالف يف املجالني االجتامعي والديني؛ من حلول املدينة محل القرية عند السومريني ،حيث ميارس الكاهن السلطة عىل املدينة باسم اإلله. من جهة أخرى ،رأى املرصيون أن اإلله اتخذ لنفسه ،منذ األزل ،طبيعة برشية ،وبدا يف سامت امللك ،ولذا فهم عبدوا ملوكهم ،وحني آمنوا بخلود الروح أخذوا يحنطون الجسد يك تعود الروح إليه ،األمر الذي تجىل يف تعبري العني يف تشكيلهم الفني .وبينام مت َّيز السومريون بتشكيل العني ذات النظرة املحدقة املتطلعة بانبهار يف الفراغ ،فقد كان لتشكيل العني الفني عند الفراعنة مسحة من الدعة والسكينة متيزت بجامل النظرة األبدية السابحة يف الالنهاية .إال أ َّن الحضارتني تشاركتا يف تطعيم العيون وتغليف الرؤوس الخشبية بصفائح النحاس والذهب فكانا قاسامً مشرتكاً بينهام. وكان اإليحاء الروحي النابع من عيون التامثيل واألقنعة والرسوم الخشبية للمومياءات الشغل الشاغل لدى الفنان املدفوع مبعتقداته، فكانت رسوم وجوه الفيوم تفيض بالحياة ،بنظراتها الثاقبة التي تنظر إىل الالنهاية ،وكأن عيونها ترسل أو تبث إشعاعاً ،وقد أدت هذه املوروثات كلها إىل تكوين فن روحي يعتمد يف أولوياته عىل تعبري العيون وروحانيتها ،أال وهو فن األيقونة .وأخذ تشكيل العيون يف العهد املسيحي األول طابع الرصامة ،إال أنه أصبح أكرث هدو ًءا بعد القرن الرابع امليالدي ،مع محافظته عىل قيمة النظرة املعربة. وألن فن األيقونة فن روحي ،فاألمر يحتاج إىل لغة بعيدة عن املحاكاة الطبيعية للحياة ،بحيث استلهم هذا الفن كثريا ً من الفنون السابقة عليه ،وانطلق من معان إلهية عميقة ،إليصال رسالة إنسانية إىل العامل .ولذا ،يؤكد فن األيقونة تالقي حضارات سبقته ،خصوصاً يف مرحلته األوىل حينام احتل الوجه يف العهد املسيحي ،قبل القرن الرابع امليالدي ،مشاهد الصدارة ،واكتسب تصوير العينني الكبريتني أهمية ألنّه يعب عن نظرة تقود إىل ما وراء الكون. ِّ واستطاع هذا الفن أن يصبح فناً برصياً ،العتامده عىل قوة النور واإليحاء البرصي الصادر عنه ،والس َّيام استناده إىل تشكيل الوجه الذي احتل الصدارة يف العمل الفني ،وأهم ما فيه العينان الكبريتان الناظرتان إىل الالنهاية. وهكذا ،أجمعت جميع الدالالت والرموز التي ارتكزت عىل خلفية دينية يف تشكيل العيون يف النتاج الفني ،منذ العصور القدمية حتى دخول الدين املسيحي املنطقة ،عىل أ َّن املوروثات التي تناقلتها الحضارات خالل حقب التاريخ قد اجتمعت يف بوتقة واحدة :أال وهي التعبريالروحاين وامليتافيزيقي ،النابع من داخل العني ،واملتجه إىل املتلقي يف جميع األعامل الفنية والدينية. غت هذه الفردية حدا ً بات معه من الصعب إتفاق فيلسوفني متاماً عىل املوضوعات املهمة التي تشغل تفكريهام ،وبات كل فيلسوف يفحص
شواهده بنفسه وميحصها ليتوصل اىل النتائج الخاصة به بطريقة مستقلة .وهكذا ميكن القول إن الفلسفة الحديثة بدات " حيثام بدأ كل شخص يف التفكري بصورة مستقلة عن املعتقدات التي قبلها الناس ،ونظر يف األمور بنفسه " . النزعة االنسانية :عرص النهضة ما كان ارتدادا ً من العصور الوسطى اىل العصور القدمية كام نفهم من كلمة (الرينيسانس) بل كان باألحرىحيازة ملا أنتجه الرتاث القديم من أجل استخدامات جديدة .وبهذا املعنى متثل إنسانيو القرن السادس عرش من الرتاث القديم ما يوسع رؤيتهم ويساعدهم يف البدء بداية جديدة يف دراسة العامل واالنسان ،رغم انهم ما استطاعوا التخلص متاماً من خرافات املايض ،فذلك أمر مل يتحقق اال يف عرص التنوير ،ومع ذلك ،فقد أظهر كثري من فالسفة الفرتة االنسانية ومضات من االستبصار كانت تنبىء بوالدة عرص جديد .ورغم ارتكابهم األخطاء بسببب افتقارهم اىل منهج جديد للتفكري ،متيز االتجاه االنساين ،يف حركة فكر النهضة ،بالتأكيد عىل نقض الفكر امليتافيزيقي والالهويت الذي ساد يف العصور الوسطى ،والدعوة للعودة اىل الطبيعة االنسانية واعتبار الواقع االجتامعي الذي يعيش فيه االنسان املنبع األسايس ألفكاره .وبات االهتامم بالفلسفة نابعاً من اتجاه فكري يبحث عن املتعة الذهنية واألخالقية والجاملية بعيدا ً عن االهتاممات الالهوتية ليصبح إنسان القرن الخامس عرش أكرث انسانية وأكرث برشية ،اي أكرثعقالنية ،وثقافة ومعرفة بكل ما له قيمة يف الفن واألدب والعلم ،عن طريق دراسة اآلداب الكالسيكية ( الثقافة اليونانية القدمية التي نقلت نصوصها األصلية ) التي عرفت باسم االنسانيات وعرف الباحث الذي يدرسها بطريقة جديدة باسم الباحث االنساين يف مقابل الباحث االسكواليئ . منو العلم الحديث : مل يبزغ العلم الحديث فجأة يف مطلع القرن السابع عرش ،بل سبقه احياء للرتاث الفيثاغوري القائم عىل فكرة البحث عن الحقيقة عن طريق األعداد .كانت هذه النظرة اىل العلم ومشكالته مختلفة جذريا عن االتجاه االرسطي عند املدرسيني ،من حيث اعتامدها عىل سلطة علم األعداد وحده وابتعادها عن االعتامد عىل النصوص ،ألن "كتاب الطبيعة املجيد مكتوب بلغة الرياضيات " .وهكذا ظهرت الثورة العلمية الكربى بوصفها نزعة تتمسك بالفيثاغورية بدرجات متفاوتة ،وأخذت تتخىل تدريجيا عن األفكار األرسطية يف ميداين الفلك والفيزياء .
الحب هو كل ما يعشقه القلب ويرفضه العقل الذي يغيَّب مؤقتاً إلعطاء الفرصة النسياب الشعور والعاطفة الجياشة تجاه من نحب ،حيث أن العقل يحل محلّه ويتحكّم بترصفاتنا وأفعالنا و يتوىل مهمة إعطاء األوامر للجسد السليم واستقبال إشارات الجسد املريض ليك يتوىل القلب من جديد إعادة النظر يف طبيعة ونوعية هذا الحب الذي يُفقد العشاق صوابهم ألن الخوف يسيطر علينا من إمكانية تاليش الحب مع مرور الوقت والغياب الجسدي للحبيب وإن كان حارضا ً روحياً ومعنوياً يف داخل أنفسنا. حل يزداد قلبي تعلقاٌ بِ َا هو ٍ آت وأعظم ..وملاذا عند حبيب ّ وكل ملاذا أيها الحب أنت معذيب ،وملاذا عند كل حبيب عرب ّ ٍ كل غيب ٍة قرسي ٍة عن األهل واألحبة يزداد قلبي إدراكاً ملعنى املكوث طويالً بقربهم وعدم مغادرتهم إىل دار الغربة التي مل يل من وطني الحبيب. أطلبها قط ،بل هي من كانت توسوس يف صدري وال تدعني وشأين كأنها أعلم وأح ّن ع ّ تخليت عنه وال عن الحبيب الذي تخىل عن الحب الذي تخىل عني وال الحب الذي الحب ألنه متقّلب وال ألوم أنا ال ألو ُم ّ ّ ّ حب أعمى وصامت وغري واقعي ،وغري منطقي ،وغري ملموس ،وغري قابل الحب وال عن الحبيب الذي ّ تخل عني من أجل ّ حب ملكو يتّ مل يحن هبوطه من السامء إىل كوكب للتعايش مع حبي الرسمدي الذي ال يشبهه أي حب ،ألن حبي هو ّ األرض ألن الحب الصايف واإلخالص تجاه الحبيب من أجل الحب كحب وليس من أجل غاية وهدف مل أصادفه إىل اآلن .الحب الذي ال يتحمل العذاب ويصرب عىل البعد ،وال عىل املرض وال عىل الفراق والذي ال يرافقني إىل لحدي ال يعنيني أبد ا ً ألنه يؤمل روحي ويعذبها ..يقول نزار قباين: هل ميلك النهر تغيريا ً ملجرا ُه وكيف أهرب منه إنه قدري الحب يف األرض بعض من تخ ُّيلنا لو مل نج ْد ه عليها الخرتعناه ملاذا أيها القلب أنت معذيب ،ملاذا ال تدعني وشأين ،و ملاذا ال ترحمني وملاذا ال تنظم دقاتك عىل وقع أملي .دعني أعش عىل وقع دقاتك املنتظمة وال تستعجل قدري .إن لونك األحمر الفاتن والفتي يشبه لون قلبي الريفي ،والفطري الذي ملْ يتغي لونه يف غربتي بالرغم من بعد الحبيب وغيابه الطويل ،واألبدي عني .. ّ أبيض اللونِ ،ألَن لو َن قلبي األرجواين كلون رشايني جسدي الطاهر ودم أال تدري أيها الحب أن قلبي يهوى من قلبه َ ّ الشهداء يف بلدي ال شبيه له .إن حبي ال يثق وال ميكن أن يبقى تحت رحمة دقاتك املنتظمة ،ألنه رسعان ما تضطرب دقاتك و تفقدين صوايب ..كام يقول جميل بن معمر العذري فأصمت حتى ال أكاد أجيب وما هو إ الّ أن أراها فجاء ًة أيها القلب أنا لست ملكاً لك وال ملك نفيس وال ملك من أحب وأعشق وال ملك هذه الحياة الخالية من الحب الساموي . أيها القلب انا ملك األرض والسامء والقمر والشمس ،و ملك من خلقني ومن ل ّو ن قلبي باألحمر. أيها الحب أين أبحث عنك و أين يعانق حب الحبيب بشغف وحن ّية وحتى االختفاء من حياته ملجرد أنه
حب حب رسمدي وأبدي أم مج ّرد ٍّ أجدك ؟ ،وإن وجدتك أهو ٌ ويبادله نفس الشعور بل ق ّد يتفوق عليه من حيث الجودة اخلص للحب الذي ال يعرف الكره أبد ا ً والذي بسببه قد يكرم
عابر ال نكهة له إن مل واألناقة واإلخالص والوفاء املرء أو يهان ..
قلب عرف إنني لن أجد هذا الحب أبد ا ً ألن حبي يسبح يف أعامق املحيطات واألنهار مسيجاً بجدار قلبي الذي ال يخرقه إال ٌ معنى الحب وأجاد الغطس يف أعامق املحيطات وكان ماهرا ً يف اجتياز األنهر الطويلة ...لن أموت أبد ا ً إال بجانب الحبيب الذي اختاره يل ريب وغيبّه ألجلٍ غري مسمى من أجل اختبار حبي البرشي والدنيوي واألصيل ..إن حبي ليس خالصاً إال له ،الذي بعث يف نفيس الحب إىل كل من تع ّرف عيل وعارشين وخاصمني وعاتبني ،وأساء مفهوم حبي وطبيعته وكيف يكون الحب املج ّرد من أية غايات برشية متقلبة بتقلبات أهواء البرش وأهواء من يسيطرون عىل قلوب البرش ،ويحولون ٍ كل من أحب وأخلص للحبيب إن كان الحب نفسه ،وعىل ّ وحاقد عىل هذا الحب الربيء بني ليلة وضحاها إىل حب أعمى ّ موجودا جسديا معنا أو روحياً .
ا لحب د.حسن فرحات
مدينة الفراغ
مرينا بريطع
وظل عىل مسافة منها ،قبل أن يتق ّد م قلبه ليصافح قلبها كعادته.. ّ قلّب صفحات وجهها بحذ ٍر السنوات تعادل ففي العمر لحظ ًة ، كم طال عمر فراقهام؟؟! ذلك ليس مهامً فعالً ،فالعمر ال معيار له..بعض ّ كل ما يه ّم اآلن أ نّه يقف عينيها ً...ربا مل يرها منذ ده ٍر أو بعض دهر.ال فرقّ ، وبعض ا لّلحظات تنقيض دهرا ّ املهجورتني كمدينة خاوية فارغ ٍة حتّى من األصداء... لوهل ٍة ،انتابته رهبة من تطأ قدماه أرضاً غريب ًة أل ّول م ّرة ،لك ّن شيئاً ما بداخله دفعه للتّق ّد م دومنا وجل.. ٍ ...كل تنهيدة حرف ّ كل كل كلم ٍة فيها وأشعل ّ وكل أمني ٍة ..لقد أضاء ّ كل حلم ّ هذه املدينة ..يألفها،يعرف فيها ّ وتحسس نبضها أل ّول م ّرة.. ،كل لهف ٍة ولفتة فيها..هو من اكتشف معاملها، وكل ابتسامة ّ ّ ّ لطاملا جلس عند أقدام أهوائها ،يستمع لرقرقة األمل تنساب بخ ّف ٍة دون أن يص ّد ها قد ٌر .لطاملا خ َّط شيئاً من نفسه عىل جذوع قصائدها .لطاملا جلس عىل مقاعد أحاديثها املكتظّة بالخياالت ،وارتشف معها قليالً من ال ّروايات السحر.. املمزوجة بحالمة ّ هذه املدينة ليست غريب ًة ...لقد متاهى مع صباحاتها حتّى بات يرشق ويغيب فيها ،لكنه يعود ..كالفجر دوماً يعو د . كل يشء فيها..اعتاد أن يجلس بعيد ا ً ،عند هذه املدينه ،فيها بعض من أنفاسه وإحساسه وخوفه وجرأته..اعتاد ّ منعطف ال ّزمن ..يتأمل قطارات الحياة املزدحمة باالوقات الفارغة و األوقات املسافرة وتلك العائدة ،واألخرى ا لتّا ئهة . . فكيف غدت تلك املدينة د ّوامة فراغٍ؟؟الصور تز يّن جدران ذاكرتها..ال أخيلة ،ال أحالم الأماين ال قصائد ،ال قطارات زمنٍ ...ال اآلن ،ال غد ا ً..ال البارحة..ال هي ..ال هو.. السكون أحكم قبضته عىل املكان.. حاول أن ميسك بزمام صوته ،أن يناديها ،لك ّن ّ الخواء،يتحسس معامله للم ّرة األخرية. حاول أن يالمسها ،لك ّنه كان يقرتب من ّ CITY EPMTY
ِ نخبك أيتها األهوار
شعر :رياض الدليمي
البيوت تجهش بالبكاء أنا خجل كيف ألتقي املساء أحمل وردا فيبتسم يظنه حبا كيف هذا وقلبي عاصف بالحزن ؟ أعطر األمكنة املليئة بالدم أضع الورد قرب الرأس عىل جسد مسجى ..أثر مفخخة ورصاصة أجهزت عىل طفل ي ّذ كر أبيه أن ال ينىس حقيبة املدرسة .. انها عجلة القدر ..يا سيدي املساء حصدت أرواحا وأمكنة ونالت من األحالم من العودة للبيوت بسالم هي ليست انتفاضة حب أو كرنفال انتصار تاهت الطرقات خاف الرساب وتقهقر يف حضن الشمس تكدست األشالء عىل أفواه األرصفة الهور مازال يغني مواويله يغني نبوءات املصائب يف حرضة ( أورمنو ) .. الخريف صار مزيفا بال هوي ٍة يستبدل النسائم بدخان وغبار االرواح ورصخات األمهات .. تتساقط أوراق السامء عىل الحافالت ا لذ ا هبا ت ا لعا ئد ا ت
ا ملا كثا ت الحقائب املؤجلة التحاق الصغار باملدارس كانوا منشغلني باملوت .. باتت الطرق تئد املارين الزجاج املتشظي يشيع الحلم النهايات تكتب عىل جبني الرساب حياتنا املوال أوراق الخريف .. ابليس يداعب صباح النارصية بحنجرة هضمت ألحان الوداع برصاص امللثمني بأبدية االحزان . نخبك أيتها األهوار نخب الفواجع نخب حياتنا الرساب فالكؤوس امتألت برائحة االحباب .
خواطر :األفق الجديد الدكتورة هويدا رشيف
تساؤالت ج ّمة تخطر عىل البال ،وأجوبة ليست بأجوبة ،يأخذنا نبع الخيال اىل املجهول ،اىل الالمعلوم اىل الفضاء الواسع الذي يحمل مشكالت الكون وتحدياته ،يرشح االفكار مع النسيم العليل ،ليدغد َغ ذاك االفق البعيد الالمتناهي علّها تلتمس االجابة التي لطاملا متنتها النفس البرشية . من منا ال يحلم باالفق الجديد؟ بالحرية املطلقة التي تجمع كافة التمنيات؟ وهل هذا االفق محدود عند البعض ؟ ومن هم الذين يسعون لحده؟ ومن يحاسبهم ويقف بوجههم ؟ واين هو القانون الذي يتابع ويحاسب امثالهم ؟ إ ّن انسانية االنسان كينونة تتدفق كنهر رسمدي ال ميكن االستغناء عنها ،فمن خاللها نتعرف عىل جوهره وأفكاره وطموحاته .هذه الطموحات التي يسعى االنسان جاهدا ً اىل تحقيقها ،خصوصاً وأن املادة االولية موجودة ،اال وهي النية والقدرة والتمني يعني االفق الجديد . هذا االفق ليس واحدا عند الجميع بل يختلف باختالف العادات والتقاليد ،التي تعترب من االسس واملرتكزات التي فرب افق ال بنيت عليها املجتمعات ،وهي التي تلعب دورا ً اساسياً عىل ح ّده ،ولكن ال يوجد قانون يتابع او يحاسب ّ ، يعرف الحدود ،يكون مج ّنحاً بالرؤى ،الرؤى التي تصقل البرشية بالراحة يف بعض االحيان .ويف املقابل يوجد من يقمعها ويحدها ويسعى اىل القضاء عليها . إن املجتمع هو نفسه وذاته ،الذي يتألف من البرش هم الذين يسعون اىل تحقيق االفق الجديد الذي يتمنونه وهم الذين يساعرعون قبل غريهم اىل ح ّد أفق غريهم . هذه الجدلية الالمتناهية ،ال وجود الجوبة لها سوى أن هذا املجتمع قد نظم وأسس ومنا عىل هذه العادات والتقاليد البالية ،التي لطاملا سعت اىل تحقيق االفضل اىل اهلها ولكن ال تعرف انها تقيض عليها وعىل هذه الطموحات وبالتايل هذا االفق ،الذي سيسكب من ااملنفعة عىل البرشية جمعاء ،الذي سينتشلها من عتامت الظلم والقمع اىل النور النه املشكاة التي فيها مصباح ينري درب البرشية ويؤهلها للعيش بسالم ووئام وحرية إنسانية لطاملا الكل متناها . إن االرتقاء يف مجتمعاتنا هو املتمثل بتطبيق الرتبية التي رشبناها منذ نعومة أظفارنا حتى سن الرشد ،والتقدم ممتزج بتلك الروح التي ال تعرف الرفض بل القنوع والخضوع لكل مرتتبات الحياة التي تستعبدها العادات والتقاليد ،نعم ،العادات التي توارثناها من دون أن نعي أهي املخلّص أم السم القاتل ،الذي يقتل كل صاحب فكرة ،كل صاحب دعوة ،كل من لديه افق جديد يحلم ويسعى اىل تجسيده عىل أرض الواقع وأمام الجميع دون أن يخاف من يوم الحساب ،يوم يتم وضع أعامله يف ميزان الحياة التقاليد ومن خالله تقبل أو ترفض. أين انت ايها القانون الذي يحفظ احالمنا التي ترد عىل الكون املنفعة ،لطاملا حلمنا بك فأنت الذي تسعى اىل انصاف الفكر البرشي كام االنظمة التي وضعت للحامية الجسدية ،أين املشجع الذي سيواجه الكون بأفكاره واملدافع عن االفق . فهل سيبقى الحلم حلامً،أم سيأيت من ينتشل الفكر البرشي من رشنقته وقوقعته ويريه الحقيقة املخبأة يف االفق الجديد سؤال سيبقى مخبأ يف جعبة املستقبل منتظرا ً املخلص؟؟
جاء مضمون الخرب عىل املنوال التايل((:هذه الصورة التقطت خالل املجاعة يف السودان سنة ،1994وحصلت عىل جائزة بولتزر،حيث يزحف هذا الطفل الذي رضبته املجاعة وأنهكت جسده النحيل،باتجاه مخيم لألغذية يبعد عنه بكيلومرت. والنرس،الذي ال يأكل إال الجيف يقف عىل مقربة منه ينتظر موته حتى يأكله.هذه الصورة هزت العامل وال يعرف أحد ما حدث للطفل بعد ذلك….بعد ثالثة أشهرُ ،وجد املصور ''كيفن كارتر''،منتحرا رمبا متأثرا بهذا املنظر وما يحمله من كآبة وإحباط)). يف عاملنا العريب،يظل أشهر مثال،يعكس هذا النوع النادر من رهافة الحس اإلنساين،إقدام الشاعر اللبناين خليل حاوي عىل االنتحار،بحيث خرج إىل رشفة نافذة وأطلق النار عىل نفسه ،احتجاجا عىل اجتياح الجيش االرسائيل سنة ،1982لعاصمة عربية تسمى بريوت. شهر نوفمرب،1965انتحر األمرييك نورمان موريسون ،بالنار أمام مكتب وزير الدفاع،معلنا رفضه للحرب التي تخوضها جيوش بلده ،ضد الشعب الفيتنامي. شهر يناير،1969أقدم طالب فلسفة تشيكوسلوفايك،يسمى جان باالك عىل إرضام النار يف جسده عالنية،وسط ساحة ''وينسيسالس'' تحولت فيام بعد إىل مزار،معلنا بطريقته أيضا رفضه القاطع،أن تقتحم دبابات االتحاد السوفيايت بلده وتقمع ثورة ألكسندر دوبشيك السلمية.هكذا،ال ميكن التأريخ لربيع براغ دون الوقوف عند تضحية باالك األسطورية. يوم 16مارس ،2003ستسحق عمدا وبطريقة يف غاية الوحشية،جرافة إرسائيلية،جسدا نحيفا تسكنه إنسانية هائلة،لشابة أمريكية تدعى راشيل كوري،عضوة حركة التضامن العاملي،سخرت وتهكمت من موت الضمري البرشي،فشدت الرحيل يك تتضامن مع الفلسطينيني،عىل أرض الواقع،خالل انتفاضتهم الثانية ضد االحتالل. يوم الجمعة 17ديسمرب،2010أحرق التونيس محمد البوعزيزي نفسه،أمام مقر والية سيدي بوزيد ،محتجا عىل اغتيال كرامته بعد أن صفعته الرشطية فادية حمدي أمام املأل ،وشتمته بالكلمة البذيئة DEGAGE . :حريق ،سيشعل حرائق مستمرة حتى اآلن ،يف جسد التاريخ والجغرافية العربيتني املعارصتني. يقال أيضا،بأن امرأة مجهولة الهوية،أكرث من تنظريات فولتري وروسو ،من أشعل فتيل رشارة الثورة الفرنسية،حينام أرسعت بالخروج إىل الشارع محتجة،تطالب بالخبز…. يكفي أن تكون إنسانا حقا،يك يبدأ العامل انسيابه اللني،وإنسانية الفرد تتجىل هكذا ،دومنا رضورة إىل هضم قبيل لنظريات أخالقية أو دعاية ألكليشيهات جاهزة،بل يجدر تحققها عفويا عىل السليقة.تتسامى،املسألة عىل كل الرشوط الذاتية واملوضوعية والتصنيفات املعيارية واملواضعات.هي ،حالة تجري مجرى املاء ،لقيم الحق والخري والشجاعة والتسامح والنبل واإلباء…. حينام يستيقظ املرء صباحا،ويتمىل بأناة شاعرية وجهه يف املرآة ،سيالحظ بتفرس ،فعل تعرية الزمان املر وما صنعته بفروة سحنته.سنوات انقضت من عمره وذابت رمبا بني تالبيب ذاكرة النسيان،ورمبا كذلك ،عىل غفلة ودون إدراك،لحظتها قد يتساءل :أين إنسانيتي ،من كل هذا؟السيام ،ونحن يف فرتة دقيقة .ماهي درجات ،تبلورها؟كيف يل أن أملس معانيها ودالالتها،عىل الرغم من كل ما يحول بني املرء ونفسه،املرء وحقيقته،املرء وممكناته؟سلوكات،عىل مقتضيات ومواضعات استيالبية،تسطو عىل حرية الفرد،فتضيع آدميته.
املهم أن تكون إنسانا
بقلم :سعيد بوخليط
إن تربية الشعوب وارتقائها،يبدءان جوهريا،من النزوع األنطولوجي ألفرادها صوب جعل ذواتهم،سؤاال النهائيا.لكن،يك اليصاب املرء بالقرف والضجر،حني اختبار ذاته،باستفهام اعرتايض:ملاذا أتيت إىل هذا العامل؟ماذا أصنع هنا؟ما املربرات؟ بوسعه،التخلص من هذا التيه ،بإشكال مغاير :إن الحياة واملوت،مبثابة رصاع أبدي بني الزمانني الذايت والوجودي.أين يبدأ املوت ،ومتى تنتهي الحياة؟بالتايل،يستحيل وضع الثنايئ موت -حياة ،ضمن إطار تعريفي قائم كليا ،تحرتم داخله املعايري. الشك ،أن النامذج البرشية االستثنائية ،التي أرشت إليها عىل سبيل التمثيل فقط ،ال الحرص،احتفظت وتحتفظ وستحتفظ بها ذاكرة التاريخ دامئا ،دومنا ماليني البرش اآلخرين،ألنهم جسدوا السلوك الذايت النوعي ،املؤرش عىل االنسجام املطلق بني الفرد وماهيته الوجودية.ذوات ،مثل النيازك،تقطر الطبيعة بأحدهم كل مائة سنة رمبا كأدىن تقدير،يك يردوا لإلنسانية بريقها ووهجها ،بعد أن أضاعتهام ،وقد تربصت بها أوثان الزيف واملكر والخديعة.يف هذا السياق،يقفز إىل األذهان بقوة،الجدل الالنهايئ بني التاريخ الفردي والكوين،مبعنى ثان،هل الفرد مجردا ،قادرا عىل صنع التاريخ؟أم الجامعة،وحدها مؤهلة بامتياز لفعل ذلك؟إن املسألة ،يف اعتقادي ال ت ُطرح وفق هذا الفصل املفهومي الصارم ،لكن األمر أساسا يروم نحو استبدال قراءة التاريخ ،من التدوين الرسمي املؤسسايت النمطي،نحو ثان فردي،يلقى به قصدا إىل كَفَن النسيان واإلقصاء.تفرض املؤسسة برصامة،منظورها ولغتها وأسلوبها وتحديداتها،يصعب حقيقة التخلص من تأثريها،دون توفر املتلقي عىل جرأة السلوك وقوة الشخصية وثقابة الذهن،ثم األهم،جعل زمانه الذايت سندا مرجعيا،يستحرض من خالله اللحظات الوجودية النوعية،التي أرىس بها هؤالء املقصيون ،عمدا ،من أرشيفات التاريخ املؤسسايت،تاريخهم الفردي وقد أضحى تاريخا كونيا. رفض الصحايف كيفن كارتر ،االحتفاء بالتتويج،مفضال يف املقابل أن يتقاسم مع الطفل السوداين آالم احتضاره جوعا،ويشنق نفسه إراديا عىل مقصلة الجشع والرش،اللذين يسكنان ويحركان ،نزوعات املتحكمني يف مصري العامل.طبعا،هناك خلل،لذلك ميثل موته،دحضا وتقويضا عىل طريقته البليغة ،لقوانني جائرة ،يشهرها اإلنسان يف وجه أخيه اإلنسان. أيضا،وحتى ال يكون املبدع اإلنساين فرانز كافكا ،جحيام بأي شكل من األشكال،فقد قيل الكثري عن وصيته لصديقه ماكس برود،بأن ت ُحرق جميع كتبه،يك ال يؤرق ،ويلزم شخصا ما ،بفكرة من أفكاره.
فامذا لو ساجل الواحد منا نفسه ،باستمرار؟يحاكم إنسانيته،عند كل إحساس بالرغبة يف غض الطرف؟يأىب ،استساغة البشاعة والقذارة،منتشال أنانيته السوية،عن األخرى الخرقاء املريضة،وقد أخذت معها ضامئرنا مذاق قطعة لحم تتقاذفها كالب جائعة مسعورة.أظن ،حني التامهي بصدق مع شعور كهذا،عندئذ ستصري حتام للعامل بداية. وأنت ،تلقي بيرس ،لقمة طرية يف فمك ،تذكر برشا كثريين ،يتالشون جوعا خالل اآلن ذاته،ثم ال يتذوقون أمال.حينام، تدير برسعة ،قفل باب منزل جميل ونظيف ،يقيك أهوال ما يحدث عىل امتداد العراء،صيفا وشتاء،فال تنس أبدا أن غريك قد تنكرت لهم بال شفقة جميع الرشائع األرضية،ومل تقبل بهم غري حفر الجرذان ،يك تتقاسم معهم مجاري املياه.تذكر جيدا،وأنت تنام حاملا مبلء جفونك،أن برشا ال يعرفون لحقهم يف النوم سبيال،مربوطني بسالسل كالدواب إىل جدران زنازين ومستشفيات لألمراض العقلية،يئنون باستمرار وجعا واحتقارا،مل ترتق إنسانيتهم إىل حركة دعك أعقاب السجائر. علّم ذاكرتك،الوفاء ملن قست عليهم الديار وأهل الديار،باسم جنونهم،هكذا لن يجدوا ما يسدون به رمقهم،يف أفضل أحوالهم،سوى ما تجود به فجوات مؤخراتهم.سيقبعون،يف جوف ظلامت حفر موحشة،فقط الخفافيش ترق لحالهم.وأنت تلتهم كالدود حقوق اآلخرين،بغري وجه حق يذكر،ج ّرب كل مساء ولو لربهة،تصفح حكاية من حكايات السابقني،يك تتيقن أن العظامء هم عظامء ،بالتايل،يستحيي الدود االقرتاب من أجسادهم الطاهرة.باملطلق،سعادتك من سعادة اآلخرين. ال تلوث نقاء ذاتك ،باختالس أحالم ليست من حقك.ذات غفلة ،منك ،ومني ،ومنا جميعا،سترتك هذا العامل وحيدا،دون رجعة ،لكن وحدها سرية آدميتك،ترشد الناس كل صباح صوب قربك.
الفن
مريم باجي
الفن هو عصارة اإلبداع اإلنساين الذي يعيش يف داخل كل فرد منا و يعترب أيضا نوعا من أنواع الثقافة كام أنه يعرب عن داخل اإلنسان و أحالمه و أفكاره ،و الفن يف حقيقته هو عبارة عن هواجس داخلية ناتجة من أحالم اإلنسان و ما يؤمن به و ما يحبه و ما يبدع فيه ،ترتجمها أحاسيسه أو تأمالته أو خياله ألمور يجسدها خارجيا عىل شكل فعل ما و تختلف الفنون فيام بينها باختالف األشخاص و اإلبداع و حالة اإلنسان الداخلية . لكل منا نوع من أنواع الفن يحبه أو يبدع به ،و هذه امليول لنوع ما من الفن أيضا سببها الهواجس الداخلية و األفكار املتعلقة بنا ففي األخري نحن منيل ملا يعجبنا حسب أفكارنا و ما نحبه أو ما نؤمن به أو نعيشه ،و قد ال نستطيع تفسري سبب هذه امليول انطالقا مام نحس به أو نشعر به لكننا داخليا نجد أنفسنا منيل لحب ف ّن ما ألننا شعرنا بشعور يجذبنا و يحببنا يف ذلك الفن . عند كثري من الشعوب يعترب الفن أمرا رضوريا يف حياة اإلنسان مثله مثل األوكسجني و املاء و الطعام ،و يعتربه البعض مثل غذاء الروحنفيس ،كام أنه يجعل ألنه مرتبط بداخل اإلنسان و يساعد يف تغيري مزاجه و تحسني حالته النفسية املتدهورة إن كان مي ّر مبشاكل أو ضغط ّ اإلنسان يسبح مبخيلته بعيدا و يبتعد عن التفكري يف بعض الوقائع املؤملة التي تحدث معه ،كل هذا يستطيع الفن فعله ألنه ترجمة ملا يحس به الفرد و يفكر فيه فهو انعكاس لداخل اإلنسان عىل أرض الواقع ،فنجد هذه الشعوب تسعى جاهدة للعناية بالفن و الفنانني ألن الفن له فوائد عديدة لنفسية اإلنسان . هناك أنواع عديدة للفن منها ما نستمتع بها بواسطة آذاننا و بعضها اآلخر نستمتع بها بأعيننا و كالهام يعمالن عىل إبهاج الشخص حسب ما اختاره هو و وفقا ملا يحبه . الفن الذي نستمتع به بواسطة آذاننا هو املوسيقى و املوسيقى هي األخرى متنوعة و انجذابنا لنوع ما من املوسيقى أو نفورنا منه يأيت حسب ما تحمله ألحانها أو كلامتها من شعور تحييه يف داخلنا سواء أكان جميال أم سيئا ،و هذا الشعور يختلف بيننا ألننا مختلفون بدورنا فكريا و معيشيا و نفسيا ،و قد تختلف اختياراتنا يف املوسيقى بني الحني و اآلخر بسبب ما نعيشه أو ما صادفنا يف حياتنا اليومية ،أما الفن الذي نستمتع به بواسطة أعيننا ميثل كل فن يشكل يف مجسم أو ورقة أو مادة ما ،مثل الرسم أو النحت أو زخرفة أو غريها من األعامل التي يستطيع الفرد تشكيلها بطريقة تبهج النظر . للفن فوائد عديدة غري فوائده املعنوية له فوائد مادية ،فهو مصدر دخل مايل للعديد من األشخاص عرب العامل الذين يسمون فنانني ،كام أنه يساعد عدة دول عىل زيادة مداخيلها السنوية عرب السياحة ،ألن الفن هو الذي جعل اإلنسان يبدع يف بناء مناطق سياحية جذابة أو متاثيل و مجسامت تبهج الناظرين أو مبان رائعة تجعل الناس يحبون السفر لها أو متلكها ،حتى ما نشرتيه يف حياتنا اليومية للفن سبب يف إختيارنا له . الفن مزروع يف داخل كل فرد منا سواء أكنا نحن املبدعني أم املستمتعني به ،و قد ال نزاول الفن يف حياتنا اليومية ،أو نستبعد إتقاننا للفن ،لكنه داخليا يبقى مزروعا يف داخلنا و كل ما يف األمر أننا مل نتفرغ له و مل نجسده خارجيا لعمل أو فعل إبداعي ما ،و كام سبق و ذكرت للفن فوائد و مميزات عديدة لذلك عىل كل شخص منا التفرغ للفن و محاولة إخراجه من داخلنا و مزاولته يف وقت فراغنا ،ألنه سيبعث يف داخل الفرد شعورا جميال و أيضا من يدري قد يأيت يوم يصبح هذا الفن مصدرا لبهجة غرينا و دليال عىل متيزنا .
لؤي كاسب وفن النحت عىل البيض .. لؤي كاسب شاب لبناين مبدع من بلدة راشيا الوادي البقاغية ،ظهرت موهبته الفريدة يف النحت عىل البيض منذ عرش سنوات وكان عمره حينها اثني عرش ربيعا ،ثابر كثريا واجتهد كثريا بالرغم من أنه مل يجد من يشجعه ويقول ":كان يُنظر ملحاواليت باستخفاف نظرا لصعوبة العمل مع قرشة ذات هشاشة عالية ،وأي خطأ صغري يذهب بالعمل نهائيا" .لكن ذلك مل يثبط عزميته بل زاده ارصارا عىل النجاح ،وها هو اليوم يف الثانية والعرشين من عمره ويف رصيده ما يزيد عن مئة منحوتة ،شارك فيها بالعديد من املعارض الفنية املحلية والعربية وصوال إىل الهند ،فسطع نجمه وأثبت مكانته بني الفنانني املبدعني عىل مستوى لبنان والعامل العريب. وعن طريقة تنفيذ منحوتاته يقول لؤي بأنها عملية دقيقة جدا وتحتاج كل منحوتة لعرشين ساعة عمل بالحد األدىن وقد تصل لستني ساعة وذلك بحسب صعوبة تجسيد الفكرة ،والخطوة األوىل دامئا ما تكون بثقب البيضة ثقبني صغريين واحد يف أعىل البيضة واآلخر يف أسفلها عىل أن يكونا متقابلني وذلك من أجل إفراغها من محتواها وبعد ذلك يجب تعريضها ألشعة الشمس قبل البدء بعملية الحفر حتى تجف متاما وتصبح صلبة وقادرة عىل تحمل معدات النحت الحديدية .ويوضح كاسب أن مرشوع النحت يبدأ فكرة مجردة تنضج وتتبلور يف مخيلته ثم ينفذها عىل البيض بقلم رصاص كخطوة أوىل وعندما تصبح مكتملة يبدأ مبرحلة الحفر مستعمال عدة بدائية بسيطة كالسكني واإلبرة والشفرة .ويؤكد بأنه يف بداياته قام بالعديد من املحاوالت تحطمت وتكرست خاللها عرشات سالل البيض وذلك ألن هذا النوع من النحت صعب جدا وتلزمه حرفية فائقة وال ميكن اتقانه إال باملامرسة والنفس الطويل. و"ألن الفن واقع جاميل تحرري ،وألن االنتقال من األمل إىل األمل يحتاج انشقاق وانبعاث من جديد" كام يقول كاسب فقد أطلق عىل منحوتاته أسامء تعربعن طموحاته وتيش بالثورة الفكرية التي تشتعل يف عامله الداخيل والتي يطمح عربها إلحداث خضة يف نفوس الشباب بحسب تعبريه ،ومن هذه األعامل: *منحوتة الخاليا :وهي عبارة عن أشكال خاليا متصلة ببعضها البعض ،وترمز الخلية لإلنسان يقول كاسب وكلنا مرتابطني يف هذه الحياة. كل يشء يخلق من أعامق يشء آخر. *منحوتة رس الحياة :وهي عبارة عن منحوتة داخل منحوتة وترمز بحسب كاسب إىل أن ّ *منحوتة األمل :وهي منحوتة لولبية الشكل معقدة كان تنفيذها ٍ تحد صعبا بالنسبة لكاسب ولكنه مل يفقد األمل وبعد أن أنهاها أسامها األمل. *منحوتة املوسيقى :وهي منحوتة نرى فيها بوضوح شكل مفتاح "الصول" املوسيقي ضمن نسق جاميل مميز. *منحوتة الهندسة :هذه املنحوتة تجمع أغلب األشكال الهندسية بطريقة فنية متألقة. وتحدث الفنان التشكييل املبدع أمني عام البيوتات الثقافية يف لبنان الدكتور شوقي دالل ،وهو املرجع العليم مبتطلبات اإلبداع والتميز من خالل ما خربه وعايشه يف مسرية عطائه الطويلة وهو رئيس ومؤسس محرتف الفن التشكييل ،عن موهبة لؤي الفريدة وقال":أن الفن الحقيقي يجب أن يقدم شيئا جديدا حتى ال يصبح تكرارا ممال ،واملبدع الحقيقي هو من يؤسس عمال غري مسبوق كام فعل كاسب ،وإن أهمية العمل تكمن يف مستوى اإلبداع وتحويل قرشة البيض عىل بساطتها إىل قطعة فنية ذات جاملية وهو عمل فريد من نوعه يف لبنان ،ونجح كاسب أن يقدم عربه آداء فنيا عاليا ودقيقا نظرا لحساسية املادة التي يتم النحت عليها". بالنهاية ال بد من اإلشارة هنا إىل أن اللبناين املبدع ال يجد دعام وال رعاية من مؤسسات الدولة املعنية الغارقة بالفساد وسوء اإلدارة، ونأمل أن يكون هناك يف يوم من األيام مؤسسة أو أكادميية رسمية تحضن وتساند املوهوبني ومتد لهم يد العون يف مسريتهم وتفتح أمامهم أبواب اإلنطالق نحو الخارج فالعاملية هدف كل مبدع ومبدعينا ال ينقصهم شيئا إال دعم دولتهم أسوة بغريهم من الجنسيات العربية واألجنبية التي حققت العاملية.
تقرير :أيوب مرعي أبو زور
قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوف :قد سمعت هذا املثل فارضب يل مثل امللك الذي يراجع من أصابته منه عقوبة من غري جرم أو جفوة من غري ذنب .قال الفيلسوف :إن امللك لو مل يراجع من أصابته منه جفوة عن ذنب أو عن غري ذنب، ظلم أومل يظلم ألرض ذلك ويخرب ما عنده من املنافع فإن كان ممن يوثق به يف رأيه وأمانته ،فإن امللك حقيق بالحرص عىل مراجعته :فإن امللك ال يستطاع ضبطه إال مع ذوي الرأي وهم الوزراء واألعوان إال باملودة والنصيحة ،وال مودة وال نصيحة إال لذوي الرأي والعفاف .وأعامل السلطان كثرية ،والذين يحتاج إليهم من العامل واألعوان كثريون .ومن يجمع منهم ما ذكرت من النصيحة والعفاف قليل .واملثل يف ذلك مثل األسد وابن آوى .قال امللك :وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف :زعموا أن ابن آوى كان يسكن يف بعض الدحال وكان متزهدا ً متعففاً ،مع بنات آوى وذئاب وثعالب .ومل يكن يصنع ما يصنعن ،وال يغري كام يغرن ،وال يهريق دماً وال يأكل لحامً .فخاصمه تلك السباع ،وقلن ال نرىض بسريتك و ال رأيك الذي أنت عليه من تزهدك :مع أن تزهدك ال يغني عنك شيئاً .وأنت ال تستطيع أن تكون إال كأحدنا :تسعى معنا، وتفعل فعلنا فام الذي كفك عن الدماء وعن أكل اللحم؟ قال ابن آوى :إن صحبتي إياكن ال تؤمثني إذا مل أؤثم نفيس :ألن اآلثام ليست من قبل األماكن واألصحاب ،ولكنها من قبل القلوب واألعامل .ولو كان صاحب املكان الصالح يكون عمله فيه صالحاً ،وصاحب املكان اليسء يكون عمله فيه سيئاً ،كان حينئذ من قتل الناسك يف محرابه مل يأثم ،ومن استحياه يف معركة القتال أثم .وإين إمنا صحبتكن بنفيس ،ومل أصحبكن بقلبي وأعاميل :ألين أعرف مثرة األعامل :فلزمت حايل :وثبت ابن آوى عىل حاله تلك واشتهر بالنسك والتزهد حتى بلغ ذلك أسدا ً كان ملك تلك الناحية فرغب فيه :ملا بلغه عنه من العفاف والنزاهة والزهد واألمانة فأرسل إليه يستدعيه. فلام حرض كلمه وآنسه فوجده يف جميع األمور وفق غرضه .ثم دعاه بعد أيام إىل صحبته وقال له :تعلم أن عاميل كثري وأعواين جم غفري وأنا مع ذلك إىل األعوان محتاج .وقد بلغني عنك عفاف وأدب وعقل ودين فازددت فيك رغبة .وأنا موليك من عميل جسيامً ورافعك إىل منزلة رشيفة وجاعلك من خاصتي .قال ابن آوى :إن امللوك أحقاء باختيار األعوان فيام يهتمون به من أعاملهم وأمورهم .وهم أحرى أال يكرهوا عىل ذلك أحدا ً :فإن املكره ال يستطيع البالغة يف العمل .وإين لعمل السلطان كاره .وليس يل به تجربة وال بالسلطان رفق .وأنت ملك السباع وعندك من أجناس الوحوش عدد كثري فيهم أهل نبل وقوة ولهم عىل العمل حرص وعندهم به وبالسلطان رفق :فإن استعملتهم أغنوا عنك واغتبطوا ألنفسهم مبا أصابهم من ذلك .قال األسد :دع عنك هذا :فإين غري معفيك من العمل. قال ابن آوى :إمنا يستطيع خدمة السلطان رجالن لست بواحد منهام :إما فاجر مصانع ينال حاجته بفجوره ويسلم مبصانعته وإما مغفل ال يحسده أحد .فمن أراد أن يخدم السلطان بالصدق والعفاف فال يخلط ذلك مبصانعته وحينئذ قل أن يسلم عىل ذلك :ألنه يجتمع عليه عدو السلطان وصديقه بالعداوة والحسد .أما الصديق فينافسه يف منزلته ويبغى عليه فيها ويعاديه ألجلها وأما عدو السلطان فيضطغن عليه لنصيحته لسلطانه وإغنائه عنه .فإذا اجتمع عليه هذان الصنفان فقد تعرض للهالك .قال األسد :ال يكونن بغي أصحايب عليك وحسدهم إياك مام يعرض يف نفسك :فأنت معي وأنا أكفيك ذلك وأبلغ بك من درجات الكرامة واإلحسان عىل قدر همتك .قال ابن آوى :إن كان امللك يريد اإلحسان إيل فليدعني يف هذه الربية أعيش آمناً قليل الهم راضياً بعييش من األذى والخوف يف ساعة واحدة ما ال يصل إىل غريه يف طول عمره وإن قليالً من العيش يف آمن وطأمنينة خري من كثري من العيش يف خوف ونصب. قال األسد :قد سمعت مقالتك ،فال تخف شيئاً مام أراك تخاف منه .ولست أجد بدا ً من االستعانة بك يف أمري .قال ابن آوى :أنا إذا أىب امللك إال ذلك فليعجل يل عهدا ً إن بغى عىل أحد من أصحابه عنده ،ممن هو فوقي :مخافة عىل منزلته، أو ممن هو دون :لينازعني يف منزلتي فذكر عند امللك منهم ذاكر بلسانه ،أو عىل لسان غريه ما يريد به تحميل امللك عىل
باب األسد والشغرب الناسك وهو ابن آوى موذج من كتاب كليلة ودمنة
بقلم عمر شبيل
فبينام أم األسد تقص عليه هذه املقالة ،إذ دخل عىل األسد بعض ثقاته ،فأخربه برباءة ابن آوى .فقالت أم األسد ،بعد أن اطلع امللك عىل براءة ابن آوى :إن امللك حقيق أال ير ّخص ملن سعى به لئال يتجرءوا إىل ما هو أعظم من ذلك بل يعاقبهم عليه ليك ال يعودوا إىل مثله :فأنه ال ينبغي للعاقل أن يراجع يف أمر الكفور للحسنى ،الجريء عىل الغدر ،الزاهد يف الخري الذي ال يوقن باآلخرة .وينبغي أن يجزى بعمله ،وقد عرفت رسعة الغضب وفرط الهفوة ،ومن سخط باليسري مل يبلغ رضاه بالكثري .واألوىل لك أن تراجع ابن آوى ،وتعطف عليه ،وال يوئسنك من مناصحته ما فرط منك إليه من اإلساءة :فإن من الناس من ال ينبغي تركه عىل حال من األحوال ،وهو من عرف بالصالح والكرم وحسن العهد والشكر والوفاء واملحبة للناس والسالمة من الحسد والبعد من األذى واالحتامل لإلخوان واألصحاب وإن ثقلت عليه منه املؤونة .وأما من ينبغي تركه فهو من عرف بالرشاسة ولؤم العهد وقلة الشكر والوفاء والبعد من الرحمة والورع ،واتصف بالجحود لثواب اآلخرة وعقابها .وقد عرفت ابن آوى وجربته وأنت حقيق مبواصلته .فدعا األسد ابن آوى وأعتذر إليه مام كان منه ووعده خريا ً ،وقال :إين معتذر إليك ورا ّدك إىل منزلتك .فقال ابن آوى :إن رش األخالء من التمس منعة نفسه برض أخيه ،ومن كان غري ناظر له كنظره لنفسه ،أو كان يريد أن يرضيه بغري الحق ألجل إتباع هواه .وكثريا ً ما يقع ذلك بني األخالء .وقد كان من امللك إىل ما علم فال يغلظن عىل نفسه ما اخربه به إين به غري واثق ،وإنه ال ينبغي يل أن أصحبه :فإن امللوك ال ينبغي أن يصحبوا من عاقبوه أشد العقاب ،وال ينبغي لهم أن يرفضوه أصالً :فإن ذا السلطان إذا عزل كان مستحقاً للكرامة يف حالة إبعاده واإلقصاء له. فلم يلتفت األسد إىل كالمه .ثم قال له :إين قد بلوت طباعك وأخالقك ،وجربت أمانتك ووفاءك وصدقك ،وعرفت كذب من مت ّحل الحيلة لتحميل عليك .وإين منزلك من نفيس منزلة األخيار الكرماء ،والكريم تنسيه الخلة الواحدة من اإلحسان، الخالل الكثرية من اإلساءة .وقد عدنا إىل الثقة بك ،فعد إىل الثقة بنا :فإن لنا ولك بذلك غطة ورسورا ً .فعاد ابن آوى إىل والية ما كان ييل ،وضاعف له امللك الكرامة ،ومل تزده األيام إال تقرباً من السلطان.
أال يعجل يف أمر وأن يتثبت فيام يرفع إليه ويذكر عنده من ذلك ويفحص عنه ثم ليصنع ما بدا له .فإذا وثقت منه بذلك أعنته بنفيس فيام يحب وعملت له فيام أوالين بنصيحة واجتهاد وحرصت عىل أال أجعل له عىل نفيس سبيالً .قال األسد :لك ذلك عىل وزيادة .ثم واله خزائنه واختص به دون أصحابه وزاد يف كرامته5 . فلام رأى أصحاب األسد ذلك غاظهم وساءهم؟ فأجمعوا كيدهم ،واتفقوا كلهم عىل أن يحملوا عليه األسد وكلن األسد قد استطاب لحامً فعزل منه مقدرا ً ،وأمره باالحتفاظ به ،وأن يرفعه يف أحصن موضع طعامه وحملوه إىل بيت ابن آوى ،فخبئوه فيه ،وال علم له به ،ثم حرضوا يكذبونه إن جرت يف ذلك حال .فلام كان من الغد ودعا األسد بغدائه ،فقد ذلك اللحم ،فالتمسه ومل يجده ،وابن آوى مل يشعر مبا صنع يف حقه من املكيدة .فحرض الذين عملوا املكيدة ،وقعدوا يف املجلس .ثم إن امللك سأل عن اللحم ،وشدد فيه ،وقي املسألة عنه ،فنظر بعضهم إىل بعض ،فقال أحدهم قول املخرب الناصح :إنه ال بد لنا من أن نخرب امللك مبا يرضه وينفعه ،وإن شق ذلك عىل من يشق عليه .وإنه بلغني أن ابن آوى هو الذي ذهب باللحم إىل منزله .قال اآلخر :ال أراه يفعل هذا ،ولكن انظروا وافحصوا فإن معرفة الخالئق شديدة. فقال اآلخر :لعمري ما تكاد الرسائر تعرف ،وأظنكم إن فحصتم عن هذا وجدتم اللحم ببيت ابن آوى ،وكل يشء يذكر من عيوبه وخيانته نحن أحق أن نصدقه .قال اآلخر :لنئ وجدنا هذا حقاً فليست بالخيانة فقط ،ولكن مع الخيانة كفر النعمة، والجراءة عىل امللك .قال اآلخر :أنتم أهل العدل والفضل ،ال أستطيع أن أكذبكم ،ولكن سيبني هذا لو أرسل إىل امللك من يفتشه .قال اآلخر :إن كان امللك مفتشاً منزله فليعجل :فإن عيونه وجواسيسه مبثوثة بكل مكان .ومل يزالوا يف الكالم و أشباهه ،حتى وقع يف نفس األسد ذلك ،فأمر بابن آوى فحرض فقال له :أين اللحم الذي أمرتك باالحتفاظ به ،قال :دفعته إىل صاحب الطعام ليقربه إىل امللك .فدعا األسد بصاحب الطعام ،وكان ممن بايع مع القوم عىل ابن آوى .فقال :ما دفع إىل شيئاً .فأرسل األسد أميناً إىل بيت ابن آوى ليفتشه ،فوجد فيه ذلك اللحم ،فأىت به األسد .فدنا من األسد ذئب مل يكن تكلم يف يشء من ذلك .وكان يظهر أنه من العدول الذين ال يتكلمون فيام ال يعلمون ،حتى يتبني لهم الحق .فقال :بعد أن اطلع امللك عىل خيانة ابن آوى فال يعفو َّن عنه :فإنه إن عفا عنه مل يطلع امللك بعدها عىل خيانة خائن ،وال ذنب مذنب. فأمر األسد بابن آوى أن يخرج ،ويحتفظ به .فقال بعض جلساء امللك :إين ألعجب من رأي امللك ومعرفته باألمور كيف يخفى عليه أمر هذا ،ومل يعرف خبثه ومخادعته؟ وأعجب من هذا أين أراه سيصفح عنه ،بعد الذي ظهر منه. فأرسل األسد بعضهم رسوالً إىل ابن آوى يلتمس منه العذر ،فرجع إليه الرسول برسالة كاذبة اخرتعها فغضب األسد من ذلك وأمر بابن آوى أن يقتل .فعلمت أم األسد أنه قد ع ّجل يف أمره ،فأرسلت إىل الذين أمروا بقتله أن يؤخروه ،ودخلت عىل ابنها، بني ع ّجلت .وإمنا يسلم العاقل من الندامة برتك فقالت :يا بني بأي ذنب أمرت بقتل ابن آوى؟ فأخربها باألمر .فقالت :يا َّ العجلة وبالتثبت .والعجلة ال يزال صاحبها يجتني مثرة الندامة ،بسبب ضعف الرأي .وليس أحد أحوج إىل التُّؤدة والتثبت من امللوك :فإن املرأة بزوجها ،والولد بوالديه ،واملتعلم باملعلم والجند بالقائد ،والناسك بالدين ،والعامة بامللوك ،وامللوك بالتقوى ،والتقوى بالعمل ،والعقل بالتثبت واألناة ،ورأس الكل الحزم ،ورأس الحزم للملك معرفة أصحابه ،وإنزالهم منازلهم عىل طبقاتهم ،واتهامه بعضهم عىل بعض .فإنه لو وجد بعضهم إىل هالك بعض سبيالً لفعل .وقد جربت ابن آوى ،وبلوت رأيه وأمانته ومروءته ،ثم مل تزل مادحاً له راضياً عنه .وليس ينبغي للملك أن يخ ّونه بعد ارتضائه إياه وائتامنه له ،ومنذ مجيئه إىل اآلن مل يطلع له عىل خيانة إال عىل العفة والنصيحة .وما كان رأي امللك أن يعجل عليه ألجل طابق لحم .وأنت أيها امللك حقيق أن تنظر يف حال ابن آوى :لتعلم أنه مل يكن ليتع ّرض للحم استودعته إياه .ولعل امللك إن فحص عن ذلك ظهر له أن ابن آوى له خصامء هم الذين ائتمروا بهذا األمر .وهم الذين ذهبوا باللحم إىل بيته فوضعوه فيه :فإن الحدأة إذا كان يف رجلها قطعة لحم اجتمع عليها سائر الطري ،والكلب إذا كان معه عظم اجتمع عليه الكالب .وابن آوى منذ كان إىل اليوم نافع ،وكان محتمالً لكل رضر يف جنب منفعة تصل إليك ،ولكل عناء يكون لك فيه راحة ،ومل يطو دونك رسا ً.
ــ 1ــ .مل يعت ْد هذا الرشق أن يك ّر َم نبغاءه ،وهم أحياء ،كان يتجاهلهم ،وهم يهبونه معنى أن يكون .كانوا ال ميوتون يوم موتهم ،ويتحولون إىل أضواء تبزغ يف الكتب والعقول والقلوب ،كانوا يحاولون الدخول يف صميم األشياء ،وبفقدانهم كان الرشق يخرس "الرائد الذي ال يَك ِْذ ُب أهله" ،ليك ال يخدعه الرساب عن املاء ،وتبتعد قوافله عن الينابيع مبقدار اختالف الظأم عن االرتواء. الشاعر سليم حيدر ضوء من أضواء الرشق التي اخرتقت ظلامت املساحات الراكدة فينا ،وكان ضوؤه كاشفاً يوم كان الوطن ُمعرِضاً عن فكره املشتبك مع قضايا الوجود الكربى ،كان سليم حيدر مفكرا ً عنيدا ً وشاعرا ً ُمجيدا ً .نشأ يف جغرافية هي توأم حجري مبني تفهمه كل اللغات حني تته ّجى الشعر ،يف بقاعٍ ،أعمدة بعلبكه تراهن عىل موت املوت ،وتخاطب الخلود بلسان ٍّ رموز هياكلها ،وتستنطق صمتها املتكلم .نشأ سليم حيدر يف رحاب "إله الشمس" يعني إله الضوء ،فأغراه هذا اإلله بالرؤية والرؤيا ،وأغراه بإدمان التحديق خلف الشمس ،والذي ينشأ يف الضوء ال ميكن أن يصاب بالعمى ،مل يرشب الشاعر سليم حيدر ماء القرى البعلبكية املتدفقة من رشايني ليطانيها وعروق ص ّنينها فحسب ،وإمنا رشب أيضاً حكايا قراها وجامل غيدها اللوايت ورثن من األعمدة القوام وسحر الحضور ورسمدية الجامل .وعى تفاصيل البقاع وعطاءاته التي امتدت لتطعم روما، قرأ الرتاث قراءة وجدانية مضيئة فأعطته الحدس املتولد من ملعان الداخل ،والشعر يف بروقه الخاطفة يتخلص من رقابة حديس يومض قبل اللغة الواضحة ،وبهذا اللمعان الحديس يقرتب الشعر من النبوة بإيحائها املتولد من صلة الوعي بلمعان ٍّ الواجد باملوجود ،والحدس الداخيل هو الذي يؤسس للعملية الشعرية املبدعة .وهذا ال يلغي العقل حيث يتصالحان يف حرضة الضوء كام يتجىل يف شاعرية كل شاعر مقتدر .إن صعوبة الرؤيا تتعب الكلمة والتعبري أحياناً كثرية .أومل يُص َعق رص عىل التحديق باألعىل ،حيث تتعب الكلمة ،عىل الرغم من موىس يف حرضة ربه فخ ّر ساجدا ً ،فال يؤثم شاعرنا أبدا ً وهو ي ُّ أنها كانت يف البدء ،وملّا ْ تزل ،لسليم حيدر خاصيته يف النسيج الشعري الصياغي سيطرت عليها الفكرة الكربى ،فكرة التجوال بني القلب والعقل ،وبني نرثية الفكرة وجالل الرؤيا املغرية بالسفر دامئاً إىل الالهناك .وهذا ال يُقل ُِّل من حضور سليم حيدر أبدا ً .هذا يجعل منه شاعرا ً ال يقلِّد إال ذاته الداخلية الباحثة باستمرار خارج التأثري اإللحاقي. وعى الشاعر سليم حيدر التاريخ وعياً ذاتياً حتى لكأنه موجود يف كل العصور وسبب ذلك هو توثب وجدانه املمتلئ بالحدس والعقل يف آن .إن التاريخ يف "خليقة" سليم حيدر له صوت حارض ،حتى لكأنك ترى الحدث وتسمع تفاصيله ،وتنفعل به انفعاالً منحازا ً لجهة دون أخرى ،وهذا االنحياز متولد من إرث أخالقي رشبه الشاعر سليم حيدر من الرتاث واملجتمع القروي الجميل ،ومن عائلة ترشب الثقافة كام ترشب املاء. ــ 2ــ تناولت يف محاولتي هذه كتاب " الخليقة" الذي صيغ شعرا ً ،وتجاوزت بقية نتاجه الوافر ألنه ال ميكن أن يحاط به مبقال يف ندوة ،وأريد أن أؤكد أن شاعرنا سليم حيدر ليس مؤرخاً ،وإمنا هو شاعر ومفكر وحكيم ،وقد كانت مصادر "خليقته" األساسية الكتب املقدسة :القرآن والعهد القديم والجديد .وألن هذه الكتب املقدسة ليست كتباً تاريخية يف غائيتها ،فقد تناول التاريخ منها تناوالً داللياً وشعرياً هادفاً إىل توضيح دالالت مسرية البرشية عرب تاريخها الطويل ،ورصاع الخري والرش يف ق َدريّة ال متكن اإلحاطة بغائيتها النهائية ،وهو دامئاً منحاز للسري عىل جادة الخري مع تبيان حضور الرش يف كل تفاصيل تحس كآبة الشاعر ،وهو يرى وجودنا الكوين منذ آدم وحتى آخر طفل يرصخ وهو خارج من رحم الوجود .وبدقة ومتعن ّ الرش مهيمناً عليه يف مدارات كثرية ،وهذا أعطاه موقفاً غري موافق عىل حكاية الرش املستفحلة يف الوجود الكوين العابر، ولذا تراه يف "خليقته" هذه مشفقاً عىل الضعف البرشي ،ومعرتضاً عىل استمرارية انتهاك القيم العليا التي هي غاية املسرية اإلنسانية بني املشيمة والكفن.
مع الشاعر سليم حيدر يف "خليقته"
عمر شبيل
ِ الكائنات مل أعد أشهد الحقيقة يف نفســــــــــــي فكيف الشهود يف ــ 5ــ تقصيهم ،إنهم يحاولون ،ولكنهم إن ال ُح ُجب املسدلة بني الروح وطينها الالزب جعل أصحاب الفكر العنيد مستمرين يف ّ ينهزمون باستمرار ،وأروع ما فيهم هزامئهم ،ألن هذه الهزائم جعلت العقل اإلنساين اقتحامياً ال يؤمن بالرتاجع ،وكان العقل اإلنساين يتشظى ويتمزق كاملوج ،ولكنه يتجمع ثانية ليشكل موجاً جديدا ً ،ويف ثنايا هذه األمواج أنتجت البرشية حضارتها ،وغزت الوجود ووسعت املجال أمام هزامئها املتكررة ،ولكن أضواء العقل التي ملعت يف الكتب تحولت إىل فعل إنساين حضاري ،يضاهي الخلق وجودا ً. يف "خليقة" سليم حيدر يبدو الشك منطلقاً للمسرية الطويلة ،إنه يسري بني ملكوت الضوء الغامر وظلموت الشك الذي السوي يف رحلة رصاع الطني والروح .شكُّه عميق لدرجة مذهلة ،وإميانه يقتلع استقرار الروح ويجعلها تجنف عن طريقها ِّ مستوطن يف تكوينه .إ ّن "اإلميان موجود يف الغرائز" كام يرى رهني املحبسني أبو العالء املعري .ويقول سليم حيدر معربا ً عن تناثر كيانه بني ظلموت الشك ونور اإلميان الكامن يف تكوين املخلوق: وف َّك ْر ُت فيام وراء الوجود فآمن قلبي وعقيل كف ْر اإلميان يف الغريزة والتكوين األول ،والشك يستعمر العقل ويحتل مساحاته الشاسعة ،وسليم حيدر يف هذا التناقض القائم عليه رس وجودنا يف رحلتنا الطينية يحاول أن ينتقل من شك العقل إىل قلبه املؤمن عرب إضاءات الحدس ،تلك اإلضاءات التي حملها الوجد الصويف ،وعجز عن نقلها إىل الكلمة ،كام جاء يف مواقف النفري" :كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة". وع ْج ُز العبارة عن نقل الرؤيا ألجأت الصوفيني إىل القلب ،وهم هاربون من ظلامت العقل ،هناك يف القلب أقام الراؤون الكبار ،ولكنهم عجزوا يف إيجاد أجوب ٍة لتساؤالت العقل القامتة واملل ّحة ،هذه التساؤالت التي جعلت جلجامش يذهب عرب مياه املوت املظلمة إىل جده "أتونباشتم" يف رحلة مضنية ،ما ّرا ً بواقعية "سيدوري" وذاهباً إىل قلقه الكوين املستمر والعيص عىل التاليش يف حواره مع شاماش حني يسأله" :ملاذا تحاول املستحيل يا جلجامش ،ويجيبه جلجامش إذا كان ِّ يل أال أحاول فلامذا خلقت َّيف هذه الرغبة القلقة؟". ع ّ إن أبا العالء املعري كان صديق سليم حيدر يف "خليقته" ،وكأن الشاعر سليم حيدر كان يحمل املعري معه حيث ارتحل، وتحديدا ً يف عمر كتابته "الخليقة" .يقول سليم حيدر معربا ً عن ظلمة الرحلة يف قصيدة مهداة إىل أيب العالء: من غامض نسعى إىل ٍ غامض فنحن ندنو واملدى يبع ُد فهذه الظلمة ال تنجلـــــــــــي وهذه الجذوة ال تخم ُد يضج فيه الجوهر املفر ُد مستوضح والفكر إرث العقل ّ ٌ فكلام أوقـــــــــــــــــد فانوسه وسار شوطاً أطفئ املوق ُد زاغت برقص اآلل أبصــاره وقد نأى عن جفنه املِر َو ُد وقبله قال املعري: سألت يقيناً يا جهين ُة عنه ُم ومل تخربيني يا جه َني سوى الظ ِّن فإن تعهديني ال أزال مسائالً فإ َين مل أُع َط اليق َني فأستغني كالهام يحاول أن يرى ،ثم يصطدم بسؤال عقله :هل رأيت؟ والرؤية كانت آخر الوسائل لقتل الشك ،وقد عاىن منها جميع
يف "خليقة" سليم حيدر كان الدم درب التاريخ ،وقد حاولت ِق َي ُم األرض والسامء أن توقف غزو الدم للتاريخ ،ولكنها مل تستطع ،عىل الرغم من كونها مدعومة بقرار إلهي ،فقد جاء يف القرآن الكريم" :كتب الله ألغل َّنب أنا ورسيل" آية /12املجادلة. ق راح يستفرس يف حرضة الله عن حكمته يف تالزم الخري والرش5 ، وهو يف أعامقه يرى أن الرش انترص يف التاريخ وبتساؤ ٍل قلِ ٍ بالدم وحده ،يقول سليم حيدر مخاطباً ربه ،وهو يقرر أ ّن إميانه حقيقة دامئة: ولست ُّ رش ُ أشك بأنك أنت الـــــوحي ُد املهيم ُن ُّ رب الب ْ رش ولكنني ما فهمت ملاذا تأبط آد ُم خريا ً و ْ ــ 3ــ إن شاعرية سليم حيد الحقيقية توجد يف ملحمته "الخليقة" التي هدف منها إىل اإلسهام الفاعل يف رحلة العقل البرشي يف مسريته العميقة .وعىل طريقة املالحم القدمية يطلب سليم حيدر من خياله الحضور ليم ّده بالضوء الكاشف ،وهو يستبدل آلهة األوملب وشياطني عبقر بالخيال الخصب .يقول يف مطلع "خليقته": ُم َّدين يا ُ خيال باإلرشاقِ إ ْه ِدين يف تج ّه ِم اآلفاقِ ويقول أيضاً: يا مطايا الخيال ُح ِّل عقايل م ِّزقي بُ ْر َد َّيت فرعاً وأصال وتنصل الروح جذال َ فتضمحل الهيوىل يف كياين َّ إسحقيني وقبله هومريوس طلب يف إلياذته التي يعتربها اليونانيون كتابهم املقدس من ربة الشعر يف األوملب أن تساعده يف إلياذته: ربّة الشعر عن "أخيلِ" بن "فيال" ح ّدثينا واروي احتداماً وبيال أما امرؤ القيس فقد أعلن أنه يوحى إليه من شياطني عبق َر: شئت من ِشعره َّن انتقيت تلقنني الج ُّن أشعارها فام ُ األعامل الكربى يف األدب اإلنساين تلجأ أحياناً كثرية إىل قوى غيبية بعيدة عن اإلحاطة بها ،لتعطي العمل األديب صفة الدهشة التي تتولد من غرابة الباعث أحياناً كثرية ،ومن عنارص فنية أخرى ال بد من توفرها يف أي نتاج خالد.. ــ 4ــ ويف هذه امللحمة نسري مع الشاعر بانجذاب بني رغبات الطني وأحالم الروح التي هي "من أمر ريب" ،وألنها ليست من أمرنا تلح التساؤالت ،وتظل تقرع عىل أبواب الغيب الستكناه رحلتها الكونية العجيبة التي ال يفيض العقل بها إىل نتيجة، برشا ً ُّ قال فيها أبونا املتنبي بتمزق حا ٍّد وداعياً إىل االنرصاف عن إدراك ماهيتها ،ألنها ليست من أمرنا ،وألن العقل محدود أمام ال محدودية الكون: الناس حتى ال َ الشجب اتفاق لهم إالّ عىل ش َج ٍب ،وال ُخل ُْف يف ِ تخالف ُ العطب نفس املرء سامل ًة وقيل ترشك جسم املرء يف ِ فقيل ُ تخلص ُ والتعب ومن تف ّك َر يف الدنيا ومهجتـــ ِه أقامه الفك ُر بني العجز ِ وهذا القلق الذي خالط الحأم املسنون يف مشيمته هيمن عىل القلوب والعقول منذ اللثغة األوىل حتى الغرغرة ،لقد حار مفكر كبري وشاعر كبري كاملعري يف أمر الروح ،وابتعد عن مسالك الوصول إىل كينونتها ،الستحالة ذلك فقال: األقب أرواحنا فينا وليس لنا بها عل ٌم فكيف إذا احتوتها ُ ُ ويقول سليم حيدر:
أصحاب املدارك العقلية وأصحاب األرواح املتلهفة الخرتاق الحجاب ،وحتى األنبياء عانوا من محاولة الوصول إىل الرؤية لتصدق الرؤيا .لقد طلب النبي إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي املوىت" :وإذ قال إبراهي ُم ريب أرين كيف تحيي املوىت. رصه َّن إليك ثم اجعل عىل كل جبل منه ّن قال :أومل تؤم ْن .قال بىل ،ولكن ليطمنئ قلبي .قال :فخذ أربعة من الطري ف ْ جزءا ً ،ثم ادعه ّن يأتينك سعياً ،واعلم أن الله عزيز حكيم" البقرة ،آية .260ومثله موىس طلب من ربه أن يرى " :وملا جاء رب أرين أنظر إليك ،قال لرتاين ،ولكن أنظر إىل الجبل فإن استق ّر مكانه فسوف تراين فلام موىس مليقاتنا ،وكلمه ربه ،قال ِّ تجل ربه للجبل جعله دكّاً ،وخ ّر موىس صعقاً ،فلام أفاق قال سبحانك تبت إليك ،وأنا أول املؤمنني" األعراف .143 ّ ومشكلة الرؤية شغلت أصحاب القلوب ،يقول موالنا جالل الدين الرومي" :ال تعبدوا حتى تر ْوا" وكالهام ،أعني رهني املحبسني وسليم حيدر ،كان شكه ،رغم قتامته ،مدفوعاً إىل اإلميان ،أبو العالء املعري أعلن أنه ال ميلك إال الظن والحدس ،والحدس يف نهاية النفق هو ضوء ،يقول أبو العالء مستسلامً لرصاع الظن والحدس: أما اليق ُني ،فال يق َني ،وإمنا أقىص اجتهادي أن أظ َّن وأحدسا وينترص الظن فيه أحياناً كثرية فيرصخ متنكرا ً لكل إشعاع ،مصدره الدين ،ويقول: عقل ل ْه إثنان أهل األرض ،ذو عقلٍ بال دينٍ ،وآخ ُر َديِّ ٌن ال َ يريد أبو العالء املعري قي هذا البيت القايس أن يشري إىل قوة اإلميان ورسوخه عند البسطاء ،وإىل التنكر القايس أيضاً املتولد عن تقيص العقل ،وانهامكه يف التعليل املاورايئ ،الذي هو خارج العقل متاماً .وقصة الرازي معروفة مع تلك املرأة العجوز ،وكان الرازي يسري بني تالميذه ،وهم يكتبون كل ما يقوله ،ورأت امرأة عجوز هذا املوكب ،فتقدمت من أحد تالميذ الرازي ،وسألته :من هذا الشيخ؟ ،فأجابها تلميذ الرازي :هذا الذي أقام عىل وجود الله ألف دليل ودليل .فقالت العجوز: والله لو مل يكن يف قلبه ألف شك وشك ملا أقام ألف دليل ودليل .وحني نقل التلميذ إىل الرازي ما قالته املرأة العجوز قال: اللهم إمياناً كإميان العجائز. ورغم قتامة شك أيب العالء فإن قلبه يعود لينبض بحتمية وجود مدبر لهذا النظام الكوين الالنهايئ ،وهذا الشك يعود ليقدح عىل زناد الحدس فيقول: الناس للبقاء فضل َّْت أم ٌة يحسبونهم للنفا ِد ُخ ِل َق ُ إمنا ينقلون من دا ِر أعام ٍل إىل دار شقو ٍة أو رشا ِد ثم يعود ليق ّر بالدين تعبريا ً عن حدسه الرايئ ،فيقول: دعاكم إىل خريِ األمو ِر محم ٌد وليس األعايل يف القنا كاألسافلِ وهذا الشك الحادس يرافق ،بل ويالحق الشاعر سليم حيدر من بداية ديوانه "الخليقة" إىل نهايته .إنه يغلق ديوانه يف آخر شكِّه ووميضه ،كصديقه رهني املحبسني متاماً ،يقول الشاعر سليم حيدر: أرحل فقلبي ما زال يهوى خفوق ْه عدت من رحلتي كأ َين مل ْ ُ قلقي واستكانتي واعتـــاليئ وامتشاقي تساؤاليت العتيق ْة كأيس حلْـــامً سأظل الحيا َة أحسو رحيق ْه ُّ بي َد أين ُ مألت َ ما أل َّذ األحالم تلمع يف النفــــــــــس خياالً وتستق ُّر حقيقــــ ْة البيت األخري يضمر عذاباً ومتنياً إرشاقياً ،لو حصل الرتاح صاحبه من مالحقة الشك القاتم واليقني القلق .إن مناقشة األسباب والبواعث غري مجدية ،حتى األنبياء مل يلجأوا إىل مناقشة ق َدرية الكون ،كام يرى سليم حيدر: آية األنبياء يف القدر املحتوم أالّ يناقشوا يف البواعثْ
ورحنا وليس لدينا خ ْرب شئت ونحن أتينا ألنك َ رش أما كان يا ِّ رب أشهى وأبهى وأسل َم أالّ يكون الب ْ هذا القلق املحموم والتساؤالت املل َّحة ،وعدم انتصار الحق يف معظم حلقات التاريخ البرشي جعلت القلق سوداوياً يف شعر سليم حيدر ،ونتيجة لهذا سيطر كثري من التشاؤم عىل مفاصل "خليقة" الشاعر سليم حيدر .إنه يرى الرش متصالً من آدم إلينا ،يقول: لعنة الل ِه مل تقف عند قاي َني بل الكون كلّ ُه ملعو ُن وكثري من الشعراء واملفكرين رأوا أن الظلم طبيعة مخلوقة مع اإلنسان ،يقول املتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تج ْد ذا ع َّف ٍة فلعل ٍة ال يظل ُم ومثله يقول عمر أبو ريشة: والظل ُم يف النفس ال يُر َوى له ن َه ٌم لو مل يج ْع فوق نهديها ملا ف ُِطام إن النفس البرشية لها طقوس وأنواء كالطبيعة نفسها ،حيناً تعصف فيها الشكوك إىل درجة ال متكن إزاحتها ،وحينا تلمع فيها بروق اليقني ،فترشق بإذن بارئها وتصبح صافية ،وهذه الحاالت م ّر بها األصفياء واألولياء ،فهذا هو املسيح اآليت من روح الله ،يسأل أباه وهو عىل الخشبة" :ملاذا تركتني؟" .وعىل الرغم من هذه النظرة السوداوية يستنهض الشاعر سليم حيدر النفس اإلنسانية لرتقى وتصفو وترشق حتى وهي محاطة بالظلامت ،وهذه هي رسالة األديب امللتزم بقضايا اإلنسان العليا، وقتها يصبح اإلنسان قسيم الله يف وجوده ،يقول سليم حيدر: أن نرى النور يف دياجري ٍ نفس مألتها الخطيئة البك ُر شينا لقد مر أصحاب األفكار العالية بصحراء القلق ،ولكن شعارهم كان دامئا عدم اليأس لوثوقهم بالصانع األمهر ،يقول عيل بن أيب طالب" :من وثق مبا ٍء مل يظأم" ،ومرحلة الشك التي مل تطفئ النور مر بها كثريون .قال صاحب الطالسم ،إيليا أبو مايض ،ولكن عدم إدراكه مل يقده إىل تلك األسئلة املقهورة: صدري يا بح ُر ألرسارا ً عجابا /نزل الس ُرت عليها وأنا كنت الحجابا/ إ ّن يف َ ولذا أزداد بعدا ً كلام ازددت اقرتابا /وأراين كلام أوشكت أدري /لست أدري/ وقبلهام كان عمر الخيام يغوص يف ضباب معرفة املجهول الذي عجزت األفكار عن اإلحاطة به بسبب ال نهائيته ،فراح يعاقر الخمرة ليطفئ لظى هذه التساؤالت التي ال أجوبة لها ،يقول عمر الخيام /ترجمة أحمد رامي: ثوب ِ وحرت فيه بني شتّى ال ِف َك ْر ش ُ ُ لبست َ العيش مل أُستَ َ ْ ْ جئت أين املفر!! الثوب عني ومل أدرك ملاذا ُ وسوف أنضو َ القلق الحاد يف شعر سليم حيدر ظل يقرع عىل أبواب الله ،عىل الرغم من أنه كان يقرع بقبضة مثخنة بكوامن نفسه التي التمعت يف شعره عرب غيوم كثيفة .إن أرسار الكون ليست مرتبطة يف ال نهائياتها بقوة العقل ونضجه .إنها قدرية غري خاضعة ملا يحدس به العقل اإلنساين املحاط بهياكل من الطني العازل .إن قدرية "لست أدري" هي آخر قرع عىل أبواب الغيب. ــ 7ــ ولكن كل الذين حاروا يف تفسري لغز الكون ظلوا خاضعني ومنجذبني لتأثري تلك القوة العص ّية عىل التفسري واإلحاطة بها. فقد قرأنا لرهني املحبسني رغم مناطق الظالم التي عرب فيها يف عمره الرتايب :أن البرش ينقلون من دار أعام ٍل إىل دار شقوة أو ِ مجهوالت الكون تجعل اإلنسان يدرك سعة رشاد .والخيام مل يرشك بوحدانية الله ،وكذلك سليم حيدر ،ألن تقيص النفس
لقد تأثر سليم حيدر بأيب العالء املعري تأثرا ً كبريا ً حتى لكأنهام الشيخ ومريده ،ولعل إعجاب الشاعر سليم حيدر باملعري متأتية من موقف متقارب من قضابا الحياة الفكرية والروحي ،ومن هيمنة الشك .وكام شكا أبو العالء من جناية أبيه عليه: جنيت عىل أح ْد يل وما ُ هذا جنا ُه أيب ع ّ شكا مثله الشاعر سليم حيدر: يجني عىل األبناء آباؤه ْم يف غمر ٍة يشقى بها األسع ُد ـــ 6ــ والقلق املسيطر عىل عقل سليم حيدر مصدره الشك ،وألن الشك قاتم فقد تفرع منه احتجاج ٍ قاس عىل عدم استقرار عقله عىل وسادة قلبه ،وراح يجهر مبا مل يحط به علامً ،وهذا الجهر مبا يعتمل يف ذاته كان متسامً بجرأة عالية ،فيها عتاب ومرارة ،وفيها أنسنة الله يف اإلنسان ،لقد بدأ يسأل أسئلة تدل عىل ريب ًّ وشك بالفعل اإللهي املتوخى من الخلق ،إنه يناقش ربه عىل لسان إبليس ،الذي يعترب نفسه غري مسؤول عن ناريّته الطاغية ،والتي يصيب سعريها أبناء آدم ،وقد صاغ سليم حيدر هذا االحتجاج الرجيم بتساؤالت الرجيم نفسه: سكبت َّيف األذا َة جبلت من النــــــــــــار مزاجي أنت ك َّونتَني َ َ ث ّم أطلقتَني أغ ِّر ُر باإلنــــــــــــــــس وح َّذ ْرتَــــه النجا َة النجا َة جنيت .غ ِّ َْيطباعي ِو ْج َه َة الخريِ أو أحلني مواتا أي يش ٍء ُ َّ يف هذا االحتجاج تساؤالت تثري قلقاً ،مرده الحرية ،وليس استجابة ملنطق إبليس ،رمز الرش املسكوب يف ناريته ،والذي يبعث القلق أكرث أن الله جعل الشيطان من "املُنظَرين" بعد جدل وكالم بينهام ،إن أبدية وجود إبليس تكمن فيها مأساة اإلنسان الذي ظل محكوماً بهذه الثنائية ،ثنائية الخري والرش .واملثري أسئلة أكرث أن الله جعل إبليس من املنظرين إىل يوم يبعثون ،وهو رمز للرش وإقراره بذلك ،وهو يكلم ربه ،وإعالنه العصيان كان ناتجاً من قهره وانسحاقه أمام القوة الكربى، ووجهة نظره أنه هو أفضل من آدم املصنوع من حأم مسنون ،ويف القرآن الكريم " :قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ،قال فاخرج إنك من الصاغرين 13قال أنا خري منه خلقتني من نا ٍر وخلقته من طني ،قال فاهب ْط منها فام يكون لك أن تتكرب فيها، ْ أنظرين إىل يوم يبعثون 14قال إنك من املنظرين 15قال فبام أغويتني ألقعد ّن لهم رصاطك املستقيم "16سورة األعراف. هذا الجدل ملّا ْ يزل ميأل الوجدان اإلنساين بالقلق واألسئلة الصعبة ،ولعل أجوبتها أبعد من مداركنا ،والذين حاولوا فلسفتها ظلوا مطا َردين بأسئلة ال تشبع من اإللحاح ،بل هناك من وقف مبيناً قدرة القهر حني يسطع بناره وحني يستباح بلعنة أزلية .يقول املفكر الفرنيس جان بول سارتر" :إن الشيطان املقهور ،الساقط ،املذنب ،املفضوح من قبل الطبيعة كلها، القابع يف الدرك األسفل من مراتب الكون ،املرهق بذكرى الغلطة التي ال كفارة عنها ،الذي تتآكله صبوة غري مشبعة ،والذي تخرتقه نظرة الله التي تحجره يف ماهيته الشيطانية ،املرغم عىل أن يتقبل حتى يف أعامق قلبه بتفوق الخري ،إن الشيطان هذا ليتغلب عىل الله نفسه ،سيده وقاهره ،بأمله بتلك الشعلة من عدم الرىض الحزين التي تلمع ،يف اللحظة التي يقبل فيها بهذا االنسحاق بالذات ،كتوبيخ ال تكفري عنه .إن املقهور هو الذي ينترص يف النهاية" جان بول سارتر يف كتابه /بودلري شاعرا ً /ترجمة جورج طرابييش. فالجدل عايل النربة ،ومصحوب بأسئلة حادة مل يستطع عقله أن يجد لها جواباً ،يقول شاعر "الخليقة" سليم حيدر مخاطباً ربه: سئمت عىل عرشك املطمنئ فراغ الوجود وعق َم القد ْر َ وقلت لها يا شق ّي ُة كونــــــي فكانت وكان الصفا والكد ْر َ وقلت :جنا ٌن ألهل الصالح وللفاسقيـــــــــن جحي ُم سق ْر َ فامذا تريد بهذا الحساب وماذا يريد بنا املنتظ ْر
الكون ،ويف هذه السعة ملعان ووميض لحاالت غري مفهومة ،تقذف يف القلب عقالً له صفات القلب يحس ،وال يحيط ،متاماً كام حدث مع موىس عندما تجىل ربه للطور وخ َّر موىس صعقاً .واإلقرار بهذه الذات اإللهية تبقى مهيمنة حتى عىل األرواح يتخل عن تلك األبوة التي تركته التي خذلتها الذات اإللهية ،وتركتها تعاين قدريتها بانسحاق كيل ،كاملسيح مصلوباً .إنه مل َّ ينزف روحه من جراحه .وكذلك النبي يونس الذي كان يرصخ ،وهو يف جوف الحوت" :سبحانك ،إين كنت من الظاملني" سورة األنبياء /آية . 78الخوف ال يصنع اإلرشاق يف النفس القلقة ،وإمنا اليقني املصنوع من الضياء الذي يالحق قطع الظالم يف النفس فيبددها .يقول سليم حيدر: كل ف ِّن ريب سألتك بالجامل مح َّبباً يف ِّ ألقيت من ِع ٍرب عىل ٍ إنس وج ِّن رس ما َ وب ِّ الحق مني ومبا َ أمرت وما َ نهيت وما يريد ُّ ال تُ ْب ِع َد ِّن عن هواك وأبعد الشيطان عني ماثل مبحاوالته الجافة والدائبة وبإغراءاته العقيمة لرصف سليم حيدر عن التحديق بضوء قلبه املؤمن. الشيطان هنا ٌ واضح مبا ال يقبل الشك أن الشاعر سليم حيدر قلبه مطمنئ باإلميان ،وهو غري مك َر ٍه بذلك ،وليس من فئة الشخص الذي نزلت فيه اآلية الكرمية " :إلّ من أُك ِر َه ،وقل ُبه مطم ٌنئ باإلميان" .وعقله يبحث يف ماهية الكون ،وأخريا ً أقامه عقله "بني العجز تخوم قص ّية ،ولكنه ظل يحاول إحياء والتعب" كام يقول أبونا املتنبي .والشك هنا ال يلغي اإلميان فقد وصل بالغزايل إىل ٍ وضاء .والشك قاد الخيام إىل إضاعة الطريق ،ولكن ليس إىل إضاعة الضوء الذي ظل قنديل علوم الدين بفيض شعوري ّ رباعياته وخمرياته الخالدة ،والشك قاد إيليا أبا مايض إىل "لست أدريه" املعربة عن قلق العقل وإضاءة القلب يف تلك املسالك العذراء الوعرة ،والتي ظل الضوء فيها يغري بالتقيص. رس "الخليقة" .وهذه سني عمره بحثاً عن ّ هذا التعب الحيدري هو مضامر شاعرنا املفكر سليم حيدر ،الذي قىض معظم ِّ اإلقامة التي ألزمته ما ال يلزم جعلته اللصيق الروحي لصديقه األثري رهني املحبسني أيب العالء املعري ،وأعتقد ،مبفهوم الزمن االفرتايض ،أن الشاعر سليم حيدر لو كان معارصا ً رهني املحبسني ألخذه معه يف "رسالة الغفران" بديالً لـ"ابن القارح"، وطاف به هناك يف الجنة والنار نائياً به عن إغراءات الجنة ورهبة النار ليحاوال معاً تفسري بعض أرسار هذا الكون املغلق. ــ 8ــ أريد أن أشري ،يف نهاية هذا البحث املخترص يف شاعر قىض نصف قرن من عمره باحثاً عن أرسار خليقته ،إىل نقاط أعتربها جديرة بالتبيان يف هذا اللقاء التكرميي لشاعر مفكر استطاع أن يقف بني الخالدين بعقله وفكره ،وهي: 1ــ إن تفكري الشاعر سليم حيدر يف كتابه "الخليقة" هو تفكري إميا ٌّين بعي ٌد عن الحرصية الدينية يف اتجاه معني ،لقد اعتمد تقصيه وبحثه عىل القرآن الكريم وعىل العهد القديم والعهد الجديد ،وعىل ثقافة تراثية خصبة ،غسلت فكره من كل يف ّ أشكال التعصب التي تعصف باملجتمعات املغلقة ،ونحن اليوم بحاجة مل ّحة لفكر كهذا ينتشل مجتمعاتنا الغرقى يف وحول املذهبيات والطائفيات ،التي "أودعتنا أفان َني العداوات" كام قال رهني املحبسني .سليم حيدر كان أفىض وأوس َع من أن يتعصب ،وهو الرايئ املتطلع إىل "رب العاملني" ،وليس إىل رب فئ ٍة دون أخرى. 2ــ القلق العقيل املستبد بشاعرنا مل يرب ْحه أبدا ً ،وكان دامئاً يهرب إىل قلبه املؤمن كلام عصف به القلق .وقلقه أدى إىل تساؤالت كبرية ،وهو يسائل خالقه ملاذا" :تأبط آد ُم خريا ً ورش" .وصل الشاعر سليم حيدر إىل التسليم بعجز العقل ،وهذا
العجز كان من أهم أسباب استمراره يف التساؤل والنقد ،وهو كأوكتافيو باث متيقن أن الزمن الحديث "هو زمن نقدي". والحداثة تنتفي من أي زمن إذا مل يكن نقدياً .وأعتقد أنه كان يسعى دامئاً إلقامة صل ٍح بني العقل والنقل ،ولكنه مل يستطع .وهذا شأن املفكرين الكبار .يقول سليم حيدر حائرا ً ومتسائالً مق َّرا ً بعجز العقل 5عن إعطاء الجواب النهايئ: ٍ عظات إىل العصور األوايت تحمل العصور الخوايل من ما عىس ُ ِ اإلثبات الجواب البلي ُغ يبقى افرتاضاً ويزو ُغ الكال ُم يف ُ مشفق عىل الضعف البرشي ،ومتضايق جدا ً النتصار الرش عىل الخري يف معظم مراحل 3ــ سليم حيدر يف "خليقته" ٌ التاريخ ،وقد ابتدأ هذا بقتل قابيل أخاه هابيل .ومن يومها إىل اليوم "والظل ُم من شيم النفوس" .هذا الواقع مأل سليم حيدر حزناً فظهر ضباب الكآبة يف نتاجه انحيازا ً للضعفاء ،وأمالً بتحقق اآلية الكرمية" :كتب الل ُه ألغل َّنب أنا ورسيل". 4ــ وأخريا ً أريد أن أقول إن التزام الشاعر سليم حيدر بالرسد التاريخي جعله يف شعره يهتم بالفكرة أكرث من الصياغة .وهذه سمة من سامت الرسد التاريخي الذي يجرب الشاعر عىل االهتامم بالحدث ِّ الدال أكرث من االهتامم بالصياغة الفنية للشعر. وهنا ال بد من أن أعتذر من شاعرنا سليم حيدر ،وأؤكد أن هذا ال يقلل من األهمية الكربى لكتاب ظل يصوغ أفكاره ما يقارب نصف القرن .إن هذا القول يجعلني أتصور من سيقرؤنا بعد رحيلنا من هذه الفانية ناقدا ً لنا راحامً وقاسياً ومنصفاً وظاملاً، الناس نخلوه" وال أريد أن أردد وأردد املثل الشعبي الذي بدأ فيه أديبنا الكبري ميخائيل نعيمة كتابه "الغربال"" :من غربل َ قئ كلام باضت جارت ُها" .ألين أؤمن أن الناقد الجيد واملنصف هو مع ميخائيل نعيمة نفسه قوله" :الناقد كالدجاجة التي تُ َق ْو ُ خالق آخر للنص األديب الذي ينقده. وأقول أخريا ً :علينا أن نُ َي ِّسرس ألطفالنا وناشئتنا قراءة الشاعر سليم حيدر لعمق تفكريه وإميانه بوحدة اإلنسان الروحية املتنوعة املسالك يف الوصول إىل بارئها .إنه من رواد اإلصالح الفكري ،وهذه أهم صفة من صفات االلتزام األديب التي يجب أن تتوفر يف كل مفكر وأديب ورا ٍء .وقتها يصبح النتاج األديب جزءا ً من النبوة ومكمالً لها .ويف النهاية أردد مع شاعرنا املفكر، والذي كان بلهفة يتمنى إرشاق روحه الدائم واخرتاقها املبهامت: متس عيني فتزهو يف حنايا بصرييت األضوا ُء ليت روحي ُّ وتنري املع َّم ِ يف اتساقٍ ما شابَ ُه إقوا ُء يات لذهني أمامي األسام ُء فأعب َ ُّ الوضوح من نبعه الصــــــــايف وتُجىل َ
1ــ الرمز الديني يف القصيدة مقت َب ٌس من الحديث الرشيف "الجنة تحت أقدام األمهات"، إن االتكاء عىل الرمز الديني يف هذه القصيدة له دالالت عميقة ،وتتجىل هذه الدالالت كام ييل :أ ــ قداسة األم تعدل قداسة الجنة،فالرسول الكريم جعل الجنة تحت أقدام األمهات ،وهذا يعني أن األم هي أعىل قداسة عند الله ورسوله من "جنة املأوى" .فالجنة تحت قدميها ،ويف هذا سم ٌّو ال يُداىن ،وشاعرنا ذاق مثار جنة األمومة يوم كان الجوع ميأل القرى ،وقتها كان ونصف حنان" .كان يشبع من حنانها ورغيفها املعجون بالحب واإليثار ،وال عجب فاألم يف نظر شاعرنا" :نصفها من دموع/ ٌ الحرمان الذي عاىن منه شاعرنا يف محنته يدفعه دفعاً للتفتيش عن جنته املفقودة ،فكان استحضار األم دواء لداء الغربة والعزلة .وجنة األم يف هذه القصيدة متحركة تبحث عن ابنها الضائع لتسرتجعه ومتد له اليد املنقذة. ب ــ واستعار شاعرنا رمزية طول عمر نوح للتعبري عن طول طريقه من املنفى إىل الوطن ،وأهمية هذه الرمزية أن طول فانتص" .إن يف هذا بشارة مبجيء الطوفان ونجاة نوح ،ومن ركب السفينة عمر نوح مل يذهب هدرا ً بل دعا ربه "إين ٌ مغلوب ِ ْ معه إىل بر النجاة .إن طول عمر نوح أعاد لوجدان الشاعر ظهور املعجزة .واملعذبون يف األرض دامئاً يحلمون بظهور املعجزات حني تضيق بهم السبل ،وتنس ُّد منافذ الخالص .وهذه هي رسالة الشعر يف إيقاظ األمل ،وإخراج اإلنسان من جغرافية اليأس املحبطة ،وقتئذ تصبح داللة الرمز عالية ،ويكون حضورها غاية نبيلة .وال غاية للفنون كلها إال خلق األمل يف األمل. ج ــ إن داللة رمزية يعقوب يف القصيدة واضحة ،فقد ابيضت عيناه من الحزن عىل ابنه يوسف ،وشكا بثه وجزنه إىل الله، ولكنه مل ييأس من عودة فقيده الغايل .لقد ظل محكوماً باألمل ،وهذا ما أراد الشاعر استحضاره ،إنه يذكر أمه بأن يعقوب حني ش َّم قميص يوسف ارت ّد بصريا ً .وواضح هنا أن دالالت الرموز هنا تدعو إىل عدم اليأس مهام كانت ظروف اإلنسان حالكة وصعبة.ونالحظ يف رمزية يعقوب التوحد الوجداين بني عاطفة األم وعاطفة األب عىل الولد .فكالهام عاىن كثريا ً ولكن ٍ "ووالد وما ولد". املعاناة ظلت محكومة باألمل .وشدة العاطفة ورسوخها يف األم واألب هي حصيلة الكينونة، د ــ وكام اشتاق موىس لرؤية الله ،وقال" :أرين أنظر إليك" اشتاق عمر شبيل لرؤية أمه ألنه يعتربها معراجه إىل الحياة: أشتاق وجهك مثلام اشتاق الكليم لرؤية الله ،استحيت من الرتاب ِ وأنت فيه، أن يعاتبني الرتاب. ونتساءل هنا هل يف األم أقباس من األلوهة؟ ،وأرى أن الله يستجيب ألرادة األمة ألنها أم ،وقد قرأنا أن مريم العذراء تدخلت يف اإلرادة يوم أرصت عىل ابنها أن يحول املاء خمرا ً يف عرس قانا الجليل فتح ّول املاء خمرا ً ،وإليضاح العالقة نقول إن الله من لألم إجازة التدخ يف مصري األبناء ،وهذا واضح يف الحديث" :الجنة تحت أقدام األمهات" ،وجميل أن نذكر العالقة بني الله وقلب األم كام رآها الشاعر القروي" رشيد سليم الخوري" حني قال: يل حك َم َك بالجحيم العظيم اليوم َ ِ رب يف ِ ولو يا ِّ تلوت ع َّ أثيم فيل ٌ أمل بأن ستعود يوماً وتغفر لإلساءة عن ِ َ قلب أمي فقلبك يستحي من ِ نرى القداسة التي أفرغها الله عىل األم ،إنها القداسة التي ترجو الله فينسخ حكمه ،ولو رمزا ً ،فاألم بهذا املعنى قبس من أقباس األلوهة يف النفس البرشية .وشاعرنا عمر شبيل يدرك هذا بعمق حني يقول: وأعو ُد صوبَ ِك يا التي بدموعها ُتحى الذنوب د ــ لجأ الشاعر إىل الحديد رمزا ً للتعبريعن القيد وشدة تأثريه عىل من اقتيد به ،وعن سامكة باب السجن والزنزانة ،وضخامة
املناخات الداللية ايل أقامها الرمز يف قصيدة أمي:
بقلم فاطمة البزال
القفل الحديد ،ولجأ شاعرنا إىل هذه الرمزية ليعرب عن بأس الحديد وشدته ورمزية قساوته باإلضافة إىل قساوته املادية املعروفة ،وكان يحكم وجدان الشاعر يف تلك األزمنة الصعبة داللة اآلية الرشيفة" :وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد" ،ولكنه ويدي أمه الضاعتني عند الباب ،واملمتدتني لخالص األسري: يستعني عىل التخلص من الحديد وبأسه باللجوء إىل الله ْ "سبحان من خلق الحديد وبأسه" فالتسبيح عند املؤمن وسيلة خالص ،وهذا واضح يف قصة النبي يونس يف جوف حوته" فلوال أن كان من املسبحني للبث يف بطنه إىل يوم يبعثون" .وكام نرى ،التسبيح أنقذ يونس ،وشاعرنا ينهج نفس النهج "سبحان من خلق الحديد". 2ــ األم مصدر الخصوبة رمز الشاعر إليها باملطر ،ويبدو من القصيدة أن أم شاعرنا كانت امرأة قروية ":أكل الحقل أقدامها" ،وللقروي عالقة باملطر تفوق عالقة ابن املدينة به ،وهذا مرتبط مبعارشة الحقل ونتاجه الذي هو كل ما ميلكه القروي يوم كانت القرية قرية .يومها كان املطر بشارة ،واألم يف قصيدة شاعرنا عمر شبيل ذات عالقة وثيقة باملطر ،حتى لكأنها مطر آخر: قاحل وإذا بدا يف األفق غي ٌم ٌ أبرصت فيها غيمة ال تنضب األمطار فيها ُ كان يف دمها من التحنان ما يدعو السامء إىل املط ْر وتطل من تحنانها سب ٌع سامن. األم تبتكر املطر ،حني تجف السامء ويصبح الغيم قاحالً ،بل هي املطر حيث يطل من تحنانها سب ٌع سامن .إنها تعقب الجفاف ألن حنانها يخصب األرض .وإذا كان املطر عند أيب العالء رمزا ً لغسل األرض من أدرانها: تغس ُل األرض للطوفان محتاجة لعلها من مطر َ فاألرض عند شاعرنا عمر شبيل أم ولودة ،وقد استقى هذا من حنان قلبها وغزارة مطر تحنانها .وإذا كان املطر عند السياب وإليوت ثورة ،فإن املطر عند شاعرنا هو خصب األمومة وهطولها عىل املوجودات كلها.
ــ 1ــ مل يتعب الشاعر سلامن زين الدين يف رحلته مع الكلمة ،ألن الكلمة كانت يف البدء وستبقى ،والبقاء يف حياة الكلمة هو امتداد لصلة الكلمة بالله واإلنسان يف آن ،ويصبح هذا الحضور اإلبداعي ح ّياً مادامت الروح التي أبدعته متوترة ،ومملوءة باألسئلة القلقة ،واألجوبة املغلقة ،وبني النقيضني ورصاعهام يصبح للكلمة حق البقاء املالزم لوجود اإلنسان ،يقول "أوكتافيو باث" كاشفاً الغطاء عن عالقة الفن بوجودنا اإلنساين" :ال ميكن فصل الفن والشعر عن مصرينا األريض :لقد ُوجِد الفن حاملا أصبح اإلنسان إنساناً ،وسيستم ُّر إىل أن يختفي اإلنسان" ،وبهذا ترتبط رحلتنا الوجودية بوجود الشعر والفنون كافة زادا ً لرحلتنا األرضية القلقة .وقلق الرحلة متولد من توتر اإلنسان يف تجربته ،واحتكاكه بوعثاء الطريق يف سفره بني املشيمة والكفن .إن توتر اللحظة ،وازدحام املسرية رشطان لبقاء النتاج املُتَك ِّور يف الكلمة ويف كل أوعية الفنون من الكلمة إىل اإلزميل إىل الصنج والوتر والحداء ،واللون الدافق من فم الريشة إىل اللوحة أمام اإلنسان املسكوب فيها. ــ 2ــ إ ّن تح ُّو َل الدرب إىل دروب يف رحلة سلامن زين الدين الشعرية دليل ازدحام روحه مبغريات السفر الكشفي واالخرتاقي، والتقص ،والذي ال ينتهي بتحول الجسد من حال إىل حال .إ ّن مغريات السفر صاخبة رغم إغرائها، والناتج عن قلق البحث ّ قتام يف قتام .ورصاع القتام غايته الوصول إىل النور الساكن يف الكلمة ،وهي الله. وتظل تقرع عىل صدره ،وهو يدخل من ٍ واالبتالء بالكلمة هو محاولة عميقة للعبور إىل الصوء ،متاماً كام يعرب ضوء الكهرباء األسالك ليسطع يف املصباح .تجربة الشاعر سلامن زين الدين خصبة ومغرية بالتقيص ،وفيها جرس قائم بني الرتاث واملعارصة يف اإليقاع واملوروث الفكري والروحي .وهذا التواصل بني الرتاث واملعارصة يجعل العمل الفني أكرث عمقاً وأش ّد متاسكاً. ويظل هو غري عابئ باملوت إن القوة اإللهية يف اإلنسان هي وحدها تحدد الدروب التي يسلكها يف مسريته التي تظل تزجيهُّ ، عىل دروبها ليقينه أن املوت ليس إلغاء ،وليس غوصاً يف ظلامت اللحود .عدمية ال تتجاوز هيكل الطني ،أما الروح فهي املوت نفسه .إنها موت املوت ،بهذا يكون املهد واللحد مرآتني لحقيقة واحدة بني جزء من العامل األكرب ،وهي امللغية َ مرحلتي املشيمة والكفن .إن أنبياء الرشق وأصفياءه والرائني فيه هزموا عقالنية الغرب املوغل يف عدمية قامتة تلغي معنى ْ أن نكون ،وتحيل الوجود سأماً ،و"سأم ألبري كاميه" هو سأم تجربة الحضارة الغربية كلها .إنها حضارة متنكرة للروح مبعناها الضويئ الهادف إىل الرؤيا ،إنه تجعل الكون مغلقا بأبوابه املادية السميكة ،ومفاتيحها ذات الرصير القايس ،وتلغي معنى رؤيوي نكونها ومن ُّر بها يف مرحلة الحأم املسنون ،النتفاء غائية الوجود ،وتجعل االنتحار باباً وحيدا ً كل كينونة ذات تطلُّعٍ ٍّ لولوج هذه العدمية القامتة التي تجعل اإلنسان غريباً حتى عن ذاته .البد لروحانية الرشق من أن تنترص عىل عدمية الغرب، وماديته املطلقة ،ألن هذه الرحانية تؤمن بالدميومة السامية امللغية كل أشكال السأم اإلنساين ،وذلك مبا تهب للحياة من توتر يجعلها ذات غاية باستمرار .رغم أن هذه الروحانية عانت كثريا ً وتعذبت يف الجسد الرشقي املس َّيج بالقليد البليد بسبب عبورها يف مملكة الظلامت ،ولكنها مل متت .روحانية الرشق التعترب أن الله سلطة مفصولة عن إرادة الروح ،ألنها هي هو ،الله يف روحانية الرشق وعرفانيته هو نور ويقني وبداهة ،فالرشق يؤمن أن التألُّه موجود يف الغرائز ،كام يرى أبو العالء املعري ،ولذا تختار الروح معارجها ودروبها يف رحلتها الكونية الالنهائية ،ويحق لها االختيار ،وهي لتألُّهِها مسؤولة عىل دروبها أمام ضوئها ويقينها وغاياتها التي تسعى إليها .وهذا السطوع الروحي نقله الشعر الصويف إىل الكلمة ،وألن السطوع اإلرشاقي أفىض من الكلمة ،فقد اعترب النقاد أن املتصوفني هم أول من قال بأدب الالوعي ،لقد استعاروا اإلرشاق للكشف ،واقرتبوا من لغة الوحي املعتمدة عىل التأويل ،وبهذا نقلوا الشعر إىل مرحلة الرؤيا ،وتجاوزا فكرة املحاكاة التي قال بها أرسطو ،.لقد وضع الصوفيون كام يقول موالنا جالل الدين الرومي أذن الروح عىل نافذة القلب فكانت األصوات
دروب
بقلم عمر شبيل
لقد أدرك شاعرنا بعمق أن اصطحاب القلب هو زاد الرحلة/ :يؤازرين فؤاد عاشق أبدا ً /وهو بهذا االصطحاب يتغلب عىل مخاوف الطريق ،وبهذا يلتقي مع شاعرنا محمد عيل شمس الدين الذي اصطحب قلبه يف زحمة سريه نحو الله ليسعفه عىل رشدين هذا الدوران /وقلبي كالدوالب يدور معي /ويعانق من أهوى /يوم األحد الواقع تخطي املكابدة ،يقول محمد عيلّ / فيه صمتي .ال رحلة بال قلب مصطخب دامئاً. ــ 5ــ وهذا الخوف يجعل السالك معرضا للمعاناة ألنه يريد االنعتاق .وهذا ما خطا عىل دروبه الصعبة املولهة شاعرنا سلامن عاشق أبدا ً/ أشق الدرب /يف الوعر الذي يعىص /عىل القدم الكسيح ِة /والخطا العجىل /يؤازرين فؤا ٌد ٌ زين الدين ،يقول :وأنا ُّ َ ٍ إخالص عميق ،ألن املكابدة تعني دليل عصاي /دروب ص . 8املكابدة يف رحلة السالك إىل املريد األكرب هي ُ وتعضدين ْ املرور عىل "سيكلوب" ،وجزر الساحرات ،وإغرائه ّن الذي ال يُقا َو ُم ،وعبور منطقة بلوتو.املكابدة ناتجة عن َولَ ِه الوصول للخالص من السجون التي عناها رهني املحبسني بقوله: ِ أراين يف الثالثة من سجوين فال ْ النبيث تسأل عن الخ ِرب ِ ِ ولزوم بيتي وكونِ الخبيث النفس يف الجسم لفقدي ناظري ِ نفس املعاناة نراها يف دروب سلامن زين الدين ،فاأليْ ُن /املكان سجن ،وال بد من فتح باب السجن ليموت املكانُ/األي ُن، وتتحرر الروح ،وإذا كان املكان سجناً ،فالزمن سج ٌن أيضاً ،ع ّرفه رهني املحبسني "بكون النفس يف الجسم الخبيث" ،وسلامن ٍ زين الدين يقول :األي ُن سج ٌن /،واألوان ظالم ليلٍ دامس/يرخي عىل مهج العباد /وأنا سجني األين /دروب /شهرياد ص . 11 وإذا كان األين واألوان قد حارصا شهرياد يف رأي سلامن زين الدين ،فألنه أسري الزمن املؤقت .إن شهريار كان يسلك باتجاه الجسد وعقم وفائه ،وما ينجم عنه من ظالم فإن شهرزاد تحاول أن تنقذه من ترابيته. تخل عن حصان الجسد ،كام يقول ولكن هذه املكابدة ال تهبط بالسالك ،ألنها تسري باتجاه النور ،فالله يهب جناحني ملن ّ موالنا جالل الدين الرومي ،والسالك ال "يستيضء بنار أهل الرشك" يف هذه املكابدة ،ألن الرشك انفصام ،واملريد األكرب هو "نور الساموات واألرض" .يف النهاية السالك يفني برصه يف برص الحبيب .يقول شاعرنا سلامن زين الدين رابطاً بني إحراق فمضت تي ِّم ُم شط َرها /عطىش إىل النور الزالل /لعلها اللهب/ قناديل ُ نفسها لتتح َّو َل ضوءا ً :كفراشة أغرت جناح ْيها/ ْ الفراشة َ ْ تفنى به /،دروب ال يش َء يدعو للقلق /ص . 50علينا أن نالحظ هنا بدقة تحويل النور إىل سائل "زالل" ،وهذا يعني أن وميض الضوء حني يغري األرواح الظأمى إليه يصبح ماء زالالً يربئ من الظأم املستب ّد بالرايئ .واملكابدة تستمر ما دامت الفراشة غري فانية يف الضوء ،وما دام الحجاب مسدالً وغري كاشف نور اليقني .ال بد للسالك من عذاب :يوقظه من نومه العميق/ دروب ص 9كام يرى شاعرنا سلامن زين الدين .والرساب يعاين فوق الرمال امللتهبة ،ويتمنى أن يصبح ما ًء ،وألنه ال يستطيع ويظل يعاين ،ويظل يكشف يف معاناته املستمرة عالقتنا بالحرمان الذي يلمع يف الذات وال فإنه يعاين ويتمظهر ما ًء للرايئّ ، يتح ّو ُل حقيقة ملموسة تشفي من الظأم ،إن الرساب يعاين ،ونعشق معاناته ألنه صورة عن معاناتنا نحن ،وكم كان رائعاً الشاعر بدوي الجبل وهو ينقل لنا معاناة الرساب ،تلك التي هي معاناتنا نحن: رصعاه لو علموا األرسا َر ما جزعوا مام يعانون ،بل مام يعاني ِه سلمت إالّ ُ طيوف هوانا وحدها في ِه قلبي الدنيا فام ُ ْ محوت من َ ومثله يف الداللة والروعة قول عمر أيب ريشة يف الرساب: ِ الهاجعات عىل الظام اب وج ْدتِ ِه حلُ َم الرما ِل رس الرس ِ إن تهتيك َّ
تحمل أكرث من معنى. ــ 3ــ أردت من هذه املقدمة أن أس ِّو َغ هذه الفردية العالية يف قصائد "دروب" الشاعر سلامن زين الدين ،ألن الفردية إذا مل تكن خلق تردم صاحبها وتطمره .وقد فرحت كثريا ً ألن فردية سلامن زين الدين كانت ذات َخ َب ٍب باتجاه سام متوتر ّ ذات تطلع ٍ الصفاء الكوين املتوتر والهادف إىل تنقية اإلنسان من بقع الظالم ،والسمو به عن حأمة الطني ورغباته املتدنية واملحصورة بالرتاب وحده .إنها فردية التتنكر للكلية التي هي العامل األكرب ،والذي نحن تجلياته ،وبروقه وسحبه املمطرة .وحني نقول نحن إلننا نعني الروح التي هي امتداد الله فينا .أما الجسد فإنه يشيخ ألنه من صنع الزمن ،وال ميكن إيجاد دواء ضد الزمن ،أما الروح فيه وليست فيه يف آن ،وهي بهذا املعنى كام يقول أوكتافيو باث" :هذا الهناك الذي ليس هنا" هي تبقى هناك رغم سكناها الجسد ،وكان العرب يعتقدون أن القصب يح ّن أبدا ً إىل منبته األصيل ،وما أنينه إال شكاة غربته. فردية قصائد "دروب" يف معظمهاعالية الغاية يف محاولتها التخطي املصطخب يف داخله ،وحني نقرؤ هذه القصائد نشعر أننا أمام روح تعرف مسالكها ،وتتقرى دروبها بنورها اللامح ،املتولد من الحدس الذي يتمرد باستمرار عىل ما ليس ضوءا ً، فلنستمع إىل هذه النجاوى التي تحمل الصخب العايل عىل الرغم من كونها نجاوى :لآلخرين دروبُهم /وخطاهم العجىل/ سواي ./الفردية هنا رؤيوية ،وهذا يعني أنها كل يقلِّد شي َخه /،ع َرب الزمان /وليس يل شي ٌخ خطايٌّ / عىل تلك الدروب /،ويل ْ ْ تحمل املفرد يف كونيتها األرحب .الفرادة هنا تعلن عن ذاتها خارج التقليد ،والطرق امل َوطّأة .وإذا كان للعرفاين يف رحلة وجده شيخ ومريد ،فهو مقلِّ ٌد و ُم ِ ستد ٌّل بغريه .أما سلامن زين الدين فإنه يتلمس دروبه بخطى مأمورة من داخله ،و"مريده" يف داخله. ــ 4ــ ال بد من دليل يف الدروب التي نسلكها .والدليل الذي ال ينضب عطاؤه هو القلب ،ومن كان قلبه دليله فهو مبأمن من العبور يف مناطق الشبهة والحرية والظلامت .ال بد من صحبة القلب يف العبور إىل الله ،لقد شكا املتصوف اللورستاين "بابا طاهر عريان" من أن قلبه خذله يف نصف الطريق فوقع يف برئ الشك ،كان يرصخ يف حريته الصاخبة: بَ ِد ْل كفت ْم رفيقي تا ْ مبنزل ندانست ْم رفيقي نيمى راهي ومعناه: لقد قلت لقلبي ك ْن رفيقي إىل املنزل األخري ،وما كنت أدري أنه كان رفيق نصف الطريق. صعب أن تسري ،وقلبك ليس معك يف رحلتك الكونية ،ورائع قول الرسول العريب محمد بن عبد الله" :ال صالة إال وكم هو ٌ بحضور القلب" .فإذا كانت الصالة اتصاالً بأصلها ،فكيف يتم االتصال وقلبك ليس معك. إن اصطحاب القلب يف الرحلة يعني الحنني إىل األصل ،والحنني يضمر حنني الحياة وملعانها يف املوت .يرى موالنا جالل ُطعت منه. قص َبته التي يخرج منها اللحن تبيك للعودة إىل أصلها يف الغاب الذي ق ْ الدين الرومي أن الناي ينوح ويبيك ،ألن َ إنه يبيك النفصاله عن أمه الغابة ،وشكواه من انفصاله هي تعبري عن شكوانا املولَّ َهة النفصال املوجود عن الواجد .وهذا ناتج عن هو الرس يف أنينه املستمر والباقي "بعد أن يفنى الوجود" كام يقول جربان خليل جربان .والحقيقة أ ّن هذا األنني ٌ الخوف واملعاناة ،الخوف الذي ينتابنا من لحظة انفصالنا ساعة الوالدة عن ذلك السديم الالنهايئ ،ولن يزول الخوف إال بعودة اللحن إىل ريح الغابة التي توزع األلحان يف ريح تجتمع فيها كلية الكون .الكون الذي يجعلنا ساعة الوالدة أرسى الزمن املؤقت.
ُّ فالضال يستدل عىل ربه من البديع يظهر دامئاً فيام يبدعه ،وقتها ترتبط الغاية املثىل بني الجامل وبني الغاية املرج َّوة منه، خالل جامل مخلوقاته .هناك عالقة وثقى بني البديع وما يبدع .إنك ترى الشاعر يف قصيدته إذا كانت بديعة .والتاريخ يحدثنا أن عمر بن الخطاب آمن بالله بعدما قرأ سورة "طه" يف بيت أخته ،وح ّوله إبداع الصياغة من منتقم إىل مؤمن .فالجامل يف مغي للطبيعة اإلنسانية باتجاه األسمى دامئاً. دخيلة النفس اإلنسانية ليس ترفاً ،وإمنا هو ِّ ٌ ــ 8ــ إذا كان الشعر كالدين يدخل يف صياغة اإلنسان ،وتغيري طبيعته فإنه يرتكب فعل الخيانة مبعناها التغيريي الجميل ،فكل إبداع هو متجاوز ملا هو قائم ،فهو يخونه بتجاوزه وعدم السري عىل دروبه امل ّوطّأة .فقد كان الشعر والدين خالل تاريخ اإلنسانية أشبه بالكيامء التي تستطيع تحويل كل املعادن ذهباً،هذا ما يؤكده الشاعر يف قصيدته " األمني الخائن" املهداة إىل "أمني الباشا" .كان أمني تجاوزياً فتدخل يف أذواقنا وفعل ما يشاءـ لقد خان ما هو قائم .والخيانة يف الشعر من أم ميزاته: الريح /،ال يرسو عىل ب ٍّر /،وتغريه الخيانة /,األمني الخائن /ص ./33 /إنها الخيانة األمانة ألنها من زمان /،ميتطي هذا األم ُني َ سعي حمي ٌم ومحموم الطياملاد الجامل الذي هو غاية الفن ،وهكذا ترتكب الخيانة املبدعة فعل األمانة :فإذا ما صفحة ٌ أبكم /،حتى إذا ما أيق َظ األنهار /واألطيار بيضاء أغوته /،تراه ينتيض ريشته /،يوري بها زند الجامل /املختفي خلف بياض ٍ واألزها َر /من غفوتها /أ ّدى األمان ْة /دروب /األمني الخائن /ص ./34فإذا كانت القلوب مستودع األرسار ،فالشاعر يخون قلبه مجاري ألنها ٍر يف دواخلنا ،عليهم كاألنبياء بإذاعة أرساره .ونعم الخيانة هذه .إن خيانة الشعراء أمانة إذا استطاعوا أن يحفروا َ أن يغريونا باستمرار .وأن يتدخلوا يف تكوين طبائعنا ،ألن الشعر الجيد ال ينبع إال من آبار القلوب العميقة ،والتي غارت فيها األفعى التي رسقت نبتة الحياة من جلجامش ،الذي غاص يف مياه املوت العميقة الحتيازها .والشاعر الحيقي يغوص يف أعامقه الداخلية بحثاً عن النبتة النابتة من الحرف الصادر من الذات ،والشاعر املبدع يبقى حياً ما دام يكتب.ألن الشاعر قلب الشاعر ألن التوتر واألسئلة الصعبة الحقيقي ال ينصت إالّ لخفقان قلبه ،وخفقان القلب وقود الحياة .والشعر يستهلك َ تعتلج فيه وتتعبه بإلحاحها وحني يفيض الكالم عن االنفعال يصبح شعرا ً ،فاالنفعال مشيمة الشعر والهدوء واالستقرار كفنه .وقتها نتقرى اإلبداع يف القصيدة .يقول "هولباك"" :أيها الشعراء كونوا كريهني تكونوا حقيقيني ،ال تنتسبوا إىل يشء ،أو انتسبوا ثم ارتكبوا ت ّوا ً فعل الخيانة" .الداللة العميقة لهذا الرأي أن الشاعر يجب أن يكون ناقدا ً قبل أي يشء ،ألن "الزمن الحديث زمن نقدي" كام يقول أوكتافيو باث .النقد ،وطرح األسئلة ،واملغامرة يف ارتياد املناطق القصية من الذات تجعل الشاعر شاعرا ً ،وتجعل الرايئ نبياً ،كالهام ينطلق من الحدس الذي هو إزاحة الحجاب بني الرايئ واملريئ .ال بد للقلب من آلة كام يقول املتني ،وآلة القلب إالّ من القلب هو الضوء الذي يحرم القلب من النعاس ،ويبقى متقلباً باحثاً عن جذوة تكمل احرتاقه ،فليس يعمر َ أجمل شعركم ،فأجاب :ألننا نقولها ،وقلوبنا يخ ّربه .وكلام كان القلب مخرباً سطع الشعر فيه أكرث" .سئل أعرايب :ملَ مراثيكم ُ محرتقة" .وجبل التوباد لوال قلب قيس بن امللوح ما كان يثرينا ،حتى لكأنه هودج امرأة. ــ 9ــ وحدة الوجود هاجس ك ْوين يف شعر سلامن زين الدين ،وهي وإن تأثرت بنزعته التكوينية املؤمنة بالتقمص مرقى إىل االلتحام بالذات املطلقة ،فإن هذه النظرية يف جوهرها هي رحلة تعرية اإلنسان من ترابيته خالل الحيوات املتعاقبة ،وإذا كانت دورة الحيوات هادفة إىل تعرية اإلنسان من ترابيته فإنها تتم عرب معارج صعبة ،ألن الصعود صعب دامئاً ،والتقمص ينقض التناسخ الذي هو باتجاه األدىن .والذي يسلكه شعر سلامن بني الخيارين هو االتجاه األعىل الذي عرب عنه بالنور ومراياه عرب الرحلة الكونية إىل "أن يصبح اإلنسان إلهاً" كام يقول جربان خليل جربان ،والنور يف شعر سلامن زين الدين منطلق من مشكاة واململق الجس ُد" كام يقول الشاعر بدوي الجبل .وبفنائه يف رحلة الوصول إىل الله ال يبقى غ ٌري غ َري الجسد ،فـ "الروح ُم ْ ِثي ٌة ُ
وبأسلوب ش ِّي ٍق مبدع التقط شاعرنا إن اإلبداع يح ّول الجفاف إىل نضارة ،كام ح َّول إزميل "ميكال أنجلو" الحجر إىل "موىس". ٍ سلامن زين الدين الحال ،وح ّو َل إإلزميل إىل لسان متكلم ،مبدع يف قصيدته املهداة إىل الفنان جميل مالعب ،يقول شاعرنا سلامن زين الدين يف عبقرية هذا الفنان :وهو امل َو َّز ُع بني ريشته /الطليقة يف مهب الف ِّن /تجرتح الجامل /وبني إزميلٍ كل "موىس" /ليس ينقصه الكالم /دروب/ ضت عن ِّ عنيد ٍ/راود األشجار واألحجا َر/عن أرسار فتنتها /،وطارحها الغرام /فتم َّخ ْ تشكيل /ص . 42 ــ 6ــ إن الرؤيا العرفانية يف شعر سلامن زين الدين هي محاولة الستعادة الحياة الحقيقية ،حياة الزمن الداخيل الذي كان حرا ً من كل القيود التي تك ّبله ،وإذا كان مثة حوار يجوس خالل السالك فهو حوار الجسد واملوت ،بقول "أدونيس"" :يف الحنني إىل املهد حنني مضم ٌر إىل اللحد" .هام وجهان لحقيقة واحدة ،ليس غري .والحوار مع الريح صعب ،ألنه حوار قائم عىل وصعب السلوك تذكّ َر شاعرنا لذة الوصول في ّمحي التعب، الدروب املمتدة بني املشيمة والكفن ،وكلام ادلهمت الدروب َ وتكون نشوة الوصول ذات روائح لها تأثري سحري عىل إلغاء املسافة بيقني الحلول ،وحني ينحرس طني الغربة بنوافج الجامل يستيقظ القلب :ال يش َء يشغله /سوى عشق الجامل /دروب ص . 9وللجامل تجليات تجعل املكابدة أجنحة للوصول. ــ 7ــ البد من التأكيد عىل أن "دروب" الشاعر سلامن زين الدين هي دروب العملية الشعرية ،وهو يطارد شواردها شغفاً ويقيناً منه أن الفن وحده هو ما يبقى من اإلنسان بعد تحلل ترابيته املتحولة ،ولذا يستب ّد به يف دروبه تصميمه عىل االنسفاح يف مهب لريح /وهو ينام ملء جفونه /ال القصيدة ،وهذا يتكرر كثريا ً يف "دروبه" ُّ : وأحل يف بيت من اإللهام /،تغبطه خيا ٌم يف ِّ ُ بعض دخيلتي /،وأغوص يف األعامق/ ، شاهق/ يشء يشغله /سوى عشق الجامل..... /وأنا أ َحل ُِّق يف فضاء ٍ وأشارك األنجا َم َ أقطف د َّرها املكنون/أنضده عقودا ً من سنا /دروب ص . 10 ُ ويالحظ يف هذه الدروب أن الضوء هو املدخل إىل الجامل ،بل وإىل تقويم الخلل الذي يصيب روح الحياة .ففي قصيدة "شهرياد" ،يكون املوت هو املساء ،ورمزه شهريار "امللك غري السعيد" ،املغلف بالظالم وبسوء الظن بالبرشية كلها ،كان شهرياؤ رمزا ً لكثافة ليله الداخيل ،وكان ال بد من شهرزاد لتصنع صباحاً بكالمها الذي كان ميتشق الصباح سيفاً لقتل ظالم شهريار ،وكان ال بد من التعبري عن املكابدة التي كان يعاين منها شهريار ،وكانت مكاشفته تعبريا ً عن معاناته ونجاته من الظالم :شكرا ً جزيالً شهرزاد /أيقظتني من نومة الكهف /التي أوغلت يف أحالمها .../وأنا مريض الوهم يقتلني السواد .../هو يدب بني مفاصيل /شكرا ً جزيالً شهرزاد ./شهرياد /ص ./24/23 /الضوء أحدث انقالباً يف ذات شهريار ،وجعله ذا النعاس ُّ ُ يرى جامل الحياة .وبهذا يصبح الجامل خبز الحياة املقدس ،ويكون معصوماً عن الزلل .ويكون صعباً أن تستمر الحياة إذا انفقد الجامل ،ألنه وحده يحتل القلوب ،وليس الجيوش. وبهذا يصبح الجامل غاية ،حيث ينقلب إىل دحر ظلامت النفس ،وألنه غاية مسكونة بالضوء ،ومش ّعة يف الزمن الداخيل اململوء بالصيال والجيال مع صعوبات الرحلةـ والجامل عند شاعرنا سلامن زين الدين يبلغ مداه بالفن وحده ،ملاذا الفن؟. ألنه عمر ثانٍ "وفضول العيش أشغال" كام يقول أبونا املتنبي .الفن وحده يلغي الفناء ويح ِّو ُل املكابدة إىل لذة وإرشاق ونجاة من أذى الظالم :سوف تبقى يف دياجري الليايل /نجمة الف ِّن /التي تومي إىل عشق الجامل ./األمني الخائن /ص 39 وإذا كان الوصول إىل الجامل عىل طريق املعاناة يكون املكابد وقتها كالبلبل الذي يأكل الشوك ،ولكنه يذرفه ألحاناً شجية، ليس فيها من الشوك غري مكابدة أكله .إن الغزال ُّ يحك نافجته بالحجر ،ويدميها ،ولكن هذا الدم يتحول مسكاً ،وما كان له بعض دم الغزا ِل" .إن أن يتح َّو َل مسكاً لوال احتكاك نافجته بالحجر ،وخروج الدم منها ،وقدمياً قال املتنبي" :فإ ّن املسك ُ
سلامن زين الدين ابن قرية ،مساحاتها ليست جائعة للضوء ،إنها تشعل قناديلها من ثلوج شيخ الجبال العصية عىل التاليش ،والتي تغذي الجهات كلها بالحياة ،وهبها شيخ الجبال ضوءا ً لتصبح "كوكبة" ،وعىل ضوء ثلوجها ،وزئري عواصف شيخ الجبال كان سلامن زين الدين يرسق شعره من هذه العواصف ،وكان جبلياً رائع التمدن ،وكان ينمو كام تنمو فيها بكارة العطاء وخلود األرض /السامء.
الله ،كام هي حال الحالّج الذي "مل ي َر غري الله غريا ً" .يقول سلامن زين الدين متوحدا ً باآلخر عرب النور واملرايا الصقيلة يف قبس من شعلة الروح /ومرآ ٌة صقيل ْة/ السري إىل الله: واقرتب مني قليالً /لرتى وجهك يف مرآة وجهي /فأنا ُ ْ لست سواك /وكالنا ٌ الروح مرايانا /فنحيا /وتغيب الروح عنها /فتغيب /حجر /ص /73الرحلة هنا عىل خيول النور ،وسطوع ....مذ ُوجِدنا /تسكن ُ النور يجعل الرحلة أرسع .والجميع يسريون إىل مصدر النور ،منعكسني يف مرايا مختلفة ،وهذه نزعة إميانية عالية الداللة، جميعنا نتجه للتوحد بالذات الكربى ،وفينا رغبات الوصول تزدحم ،ولكنها ال تخطئ هدفها ،ألن النور يرشدها ،ومن سار واصل ،يقول سلامن زين الدين :واح ٌد مصد ُر ذاك النور/لك َّن مرايانا التي تعكسه /تبقى كثرية /حجر /ص .76 يف النور فإنه ٌ وحدة الوجود يف شعر سلامن زين الدين تجعل الرحيل إياباً ،فينتفي املوت ،ويغدو اإلنسان هو العامل األكرب :ف ُندر ُِك أن َ رحيلك وه ٌم /وأن مآل الرحيل اإلياب /ص ،106 إن العداوة بني البرش هي من معيقات الوصول ،وال تنسجم مع رحلتنا إىل الله .وهي مسافة كالحة يف مملكة بلوتواملديدة الظالم ،والدعوة إىل السالم هي العودة إىل طريق النور ،وال بد أن يعم السالم لحامية أشياء هذا الكون من الدمار الذي يصنعه الظالم .إن النور والسالم يوصالن إىل الله ،والدعوة للسلم جميلة الداللة يف شعر سلامن زين الدين:يا أخي يف األرض/ونحن ،اإلخو َة األعدا َء /،يُفني بعضنا بعضاً../ الخلق /إنّا من تر ٍ اب قد ُخلقْنا /وإليه سنعود /فلامذا نتفاىن..../أمنا ُ وغدا ً حني نل ّبي /دعو َة األم إىل الحضن الرؤوم /وتنادينا مواعي ُد القد ْر /لن ينال الواح ُد الفر ُد /سوى مرتيْنِ لحدا ً /،وحجر/ قصيدة حجر /ص ./78وال يجد شاعرنا يف جيبه ماالً لريشو به الدنيا ،فيحاول رشوتها بالشعر ،وهو كل ما ميلك من ذخائر هذه الدنيا ،ولكن كل ذلك ال ينجيه وال ينجينا"من خبب الليايل" .نظرة سوداوية يف الرحلة ،ولكنها عا ِدي ٌة بأنيابها ،وال مف ّر من نخاتل األيا َم /نرشوها مبال الفن /يك تختار مجراها /بعيدا ً عن ُ اإلقرار بها ،فيغطيها سلامن زين الدين بشع ٍر حزين :ونحن تهب عىل حدائقنا /فتقطفنا وتذرونا/ حدائقنا /وتنسانا .../فرتفض َ عرضنا املغري /وت ُعرض عن رشاوانا /هي األيام ما زالتُّ / وعجيب أن نعاف ما ال ب ّد من رشبه. عاصفة /ص . /82إننا يف عمرنا الرتايب ال نستطيع خلع أحزاننا ،وسنبقى بني املوىت، ٌ ولعل ضعف اإلنسان يف ترابيته املضنية يجعله مستحقاً ذلك النور الذي ينتظر بزوغه من مشكاة الجسد املظلمة .ال بد من السري باتجاه مصدر نور الساموات واألرض. ــ 10ــ الخية يف اإلنسان من إن تجديد القوة الروحية لإلنسان يبدأ من إيقاظ الزمن البدايئ فيه ،ذلك الزمن الذي يحفز النزعات ِّ خالل توحده بالطبيعة ،والتي تبقى األ َّم يف الوالدة ،وتبقى الحضن األخري للعودة إليها .يف محاريب الطبيعة التكون وحدك حتى ولو كنت وحدك .حني يخلو اإلنسان إىل نفسه ،وهو متحد بالطبيعة يكون الناس جميعاً فيه ،يقول إيليا أبو مايض: كنت وحيدا ً فإذا الناس كلهم يف ثيايب خلت أين يف الغاب ُ ُ
يف حرضة الطبيعة يكون الشاعر طفالً مع أمه ،فيطلب منها الحلوى واللُّ َعب ،ويتمرغ عىل صدرها بحنان ال ينتهي ،فإذا السواقي رشايني يف جسده ،وإذا الورود فساتني بنات الحي املل َّونة ،وإذا النسائم أو العواصف أصوات كل الذين عربوا حياته. وقتها يرى كل يشء ،ويغوص فيه ،وتصحو فيه الكائنات كلها ،فالطبيعة تكون فيه لقاء ،وليست وداعاً .وفرح الوجدان البرشي بتوحده بالطبيعة يجعل الطبيعة حاملة كل اشتهاءات الروح البرشية ،حتى لكأن املوت يكون رحيل األجساد إىل السامء ،أما األرواح فتأىب الهجرة عن ذاتها التي أوجدتها ،فالحنني إىل الرحم يظل هو املتحرك فينا كالجنني يف ذات أمه. يف شعر سلامن زين الدين تغدو الطبيعة مهرجاناً تتحرك فيه املوجوات بروح ،وليس بريح :الثلج ميحو ما /يد اإلنسان الساموي خطته /عىل لوح املكان /واألبيض األنقى /يُلَ ِّون لوحة الدنيا /وي ْب َي ُّض الزمان /فتبارك الرسام يف عليائه /وتبارك الغز ُو ّ الذي يلقي عىل الدنيا /مناديل السالم /مهرجان /ص . 91الثلج هنا ليس قاسياً ،وليس معيقاً لحركة الكون ،إنه مناديل السالم ،مناديل نساء قرانا اللوايت يحملن أمومة األرض يف أرحامه ّن ،وفيام يلد َن أيضاً.
توقعات نجمه لشهرترشين األول /اكتوبر – 2017برج الحمل ( 21آذار – 20نيسان) كل جرح يرتك ندبه ،وكل ندبة لها حكاية تقول: لقد تجاوزت املحنة … شهر االحداث املتنوعة والطارئة يحمل يوما ٤و 5أجواء جيدة يف حني يحذرك الفلك من توتر يوم 7وبعض تبعاته يوم . 8 أفضل أيام الشهر تقع يوم 9و 10و 11كام يومي ٩1و.20 ابتداء من االربعاء 9ترقّب وضعاً عاطفياً أفض من االيام السابقة وبعض التطورات واللقاءات املناسبة للعازبني. حافظ عىل سالمتك واستقرار يوما 7و ، 8وبادر اىل جديد بني يوما 9و ، 10فالقمر الجديد يف العذراء كام الكسوف الجزيئ يوم 13يشريان اىل تبدالت وتغيريات يف العمل . راجع أجواء الكسوف والخسوف يف 13و 28كام وضحتها اليك يف الفقرة السابقة. ساتورن العائد اىل القوس يوم 18يشري اىل انفراجات يف حياتك املهنية واالجتامعبة واىل بعض االرتباطات الثقافية والفكرية املميزة كام اىل تقدم يف العمل ابتداء من هذا التاريخ. ينتقل كوكب مارس اىل العذراء يوم 25فيخف وهجك عىل الصعيد املهني قليالً وترتك االحالم مكانها اىل بعض الوقائع واملالحظات والرتتيبات العملية التي يجب أن تقوم بها. حرض نفسك يوم 29لجديد ،حيث تكتسب شعبية وتجد نفسك وسط ظروف مميزة .قد تظهر عن قدرات وتحرز إنجازات مهمة. لشهر/ترشين األول/اكتوبر – 2017توقعات نجمه برج الثور ( 21نيسان – 20أيار) استيقظ كل صباح عىل أمل يف أن شيئاً رائعاً سيحدث إرشاق وتألق وثقة بالنفس ال تلق الضوء عىل انجازاتك وأعاملك بني يوما 3و ، 6وكن متحفظاً جدا ً ،وقد ال يعجبك ما يحصل إمنا التكتم وعدم البوح مبا يف داخلك رضوري للنجاح. يعاود فينوس يوم 6سريه املبارش يف برج األسد ويزيل بعض الشكوك ويفتح األبواب أمام ثقة أكرب بنفسك وباآلخر . القمر الجديد يف العذراء بتاريخ 12مع الكسوف يفتح أمامك أبواباً كانت مغلقة ويشري اىل ايجابيات لكنه يطلب إليك الرتوي وتجنب التهور وعدم االستثامر وقد يعني يف االيام املقبلة بعض التغيري يف امليدان املايل ألحد الوالدين. قد تتناغم مع مشكلة يعاين منها الزوج بني يوما 17و ، 18ويحمل يوم 22و 23وعود جديدة وكذلك يوم 26يوحي بخري مطمنئ . ال تعط ثقة الهوائك يوم 25وكن متحفظاً جدا ً . مطلوب منك التأين يوم 28وال تترسع يف أي يشء ،وقد سيارتك بهدوء. توقعات نجمه لشهرترشين االول/اكتوبر – 2017/برج الجوزاء ( 21أيار – 21حزيران) ال تعد الحياة مبرات التنفس ولكن باالوقات املذهلة التي تقطع األنفاس
( 23متوز – 22آب) جميل هو هذا القول :عندما ف ّرق الله العقول ،الكل اكتفى، وعندما ف ّرق الرثوات ،الكل اشتىك. ثالثة أسابيع ضاغطة جدا ً تبدأ الشهر بيوم واعد هو يوم ، 1حيث تحتفل بجديد مميز ،إال أن يوما 2و ، 3فيحذرانك من عدائية وسوداوية تجتاحك ،فترتاجع املعنويات. قد تعاين من بعض االخطاء الحسابية واملهنية .تتحمس ألحد االشخاص بني يومي 4و ، 6لكنك قد متر بفرتة من القلق بني يومي 7و ، 10 وإعادة النظر ببعض االرتباطات .تصطدم رمبا بسلطة معينة وتعيش انفعاالت كثرية ،وانتبه طوال الشهر لصحتك وسالمتك ،كام لسالمة املقربني. الكسوف الحاصل يوم 13يتحدث عت غياب أو اختفاء أو ضغط أو عن إرث أو خطأ يف بعض العمليات الرشائية أو املالية فحاسب جدا ً . واحم نفسك من أصحاب النوايا السيئة . قد يشكل يوما 17و 18خطر عليك يف هذا االطار .انتبه ألي عقد توقع عليه ِ بني يومي 14و ، 16وقد تعرف لقاء عاطفي مميز أو تقع يف الحب .وقد تتطور هذه العالقة يف الفرتة الالحقة أو بني يومي 19و ، 21ويف هذه التواريخ تطلع عىل جديد يرضيك وتتلقى خربا ً جديدا ً جيدا ً ،وإذا تعرفت اىل حبيب مميز يف االسبوع االول من الشهر ،فإنك تعلن عن ذلك اآلن أو ترسع اىل خطوبة أو زواج. انتبه لصحتك وراجع الطبيب لدى أي عارض بني يومي 22و ، 25والقمر املكتمل يف الحمل يوم 28مع الخسوف قد يشكل إشارة جيدة بالنسبة إليك لكن ال تقدم عىل سفر يوم ، 30وكن حذرا ً مع بعض املقربني . توقعات نجمه لشهر ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج العذراء ( 23آب – 22أيلول) إن االفكار الخاطئة ليست كلها سيئة. تدخل دورة فلكية جيدة اعتبارا ً من 42 تناقش أمرا ً مالياً يف بداية الشهر ،يستحوذ عىل تفكريك ،ولكن اتخاذ القرار يبدو صعباً جدا ً ،وتستوعب بني يومي 2و 3بعض املعطيات وتجد حالً إال أن االمور تتعقد بني يومي 4و ، 5فكن حذرا ً جدا ً ! يعاود فينوس سريه االمامي يوم 6فيشوش عليك بعض االجواء والعالقات وقد يضللك أحدهم أو تعيش أوهاماً ابتداء من اآلن ،هذه ليست أفضل فرتة متر بها ،ال بل إنها تحمل اليك مفاجآت وضغوطات تحاول أن تعالجها قد االمكان ،لتصل اىل يوم 31مع كسوف يف برجك ،يتحدث عن تغيري وانتفاضة أو حسم أو اتفاق مايل مهم قد يدر عليك باالرباح نظرا ً لتزامنه مع مواقع فلكية أخرى. مركور املرتاجع ابتداء من يوم 17وساتورن العائد اىل القوس يوم ، 18فقد يولدان معاكسة فلكية تعاين منها وتعيدك اىل اجواء بداية السنة رمبا ،أو اىل ما حدث معك يف الشهر االول .وتضطر أن تسوي وضعاً عالقاً ،وتشعر ببعض االحباط ،خاصة بني يومي 19و ، 21يف حني تبتسم لك االفالك يومي 22و . 23 ابتداء من يوم 25تدخل دورة فلكية مناسبة فيخف الضغط ،رغم الخسوف يف برج الحمل .تقتحم الساحات واثقاً من نفسك وقد تتحول ابتداء من اآلن آمالك اىل حقائق .قد تحمل إليك االفالك مفاجأة سارة يوم . 30 توقعات نجمه لشهر ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج امليزان ( 23أيلول – 23ترشين األول)
مفاجآت متنوعة يبدأ الشهر بيوم من الحظ يجب أن تستفيد منه لتسوية بعض االمور اال ان يوم 4قد تثري بعض الحساسيات فانتبه! تنطلق واثقاً ابتداء من يوم 6حيث تبدو هذه الفرتة بناءة جدا ً وتوفر لك بعض النتائج االيجابية يف امليدان االكرث اهمية بالنسبة اليك. قد تفخر بنفسك بني يوما 9و 11وتحقق أمنية إذا كنت من مواليد الدائرة الثانية . القمر الجديد كام الكسوف يف برج العذراء قد يخضعك المتحان ويولد بعض االشكاالت العائلية ابتداء من يوم 13وقد يشري اىل انتقال أو تغيري يف االقامة أو سفر أيضاً ورمبا اىل والدة طفل يف العائلة لكن حاذر طوال هذه الفرتة من غضب ورصاعات عائلية. تتاح لك فرصة جيدة بني يوما 14و 15وذلك لتسوية االمور وإيجاد الحلو ،ويبدأ مركور يوم 17ويجعل القرارات صعبة قليالً ويولد تشويشاً فال تدري إىل أي وجهة تسري ،ويستمر االرباك وخطر املواجهة واالنفصال حتى يوم 24إذ تنعم بيومني من االيجابية وخاصة يوم .25 ينتقل كوكب مارس اىل يوم 25أرى أن أكرث أيام هذا الشهر دقة وخطر هام يوما 26و .27 يسجل الفلك خسوف يف الحمل ال يؤثر عليك سلباً إال أنه قد يحمل اليك بعض التجارب التي مير بها االصدقاء أو خالفات مع بعض الجامعات التي تنتمي اليها. توقعات نجمه لشهر ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج الرسطان ( 22حزيران – 22متوز) لو ملكت الدنيا وافتقرت إىل القيم واالخالق واملعرفة، فأنت ال تساوي عندي شيئاً. أيلول طرفه بالحظ مبلول قد تربز أحقاد يوم ، 1أو قد تضطر اىل مواجهة بعض املحيط أو اىل معالجة مشاكل طارئة وملفات صعبة. تكون األفكار جيدة يومي 2و ، 3حيث تتزود بحنكة ومهارة ملحارضة النتائج السلبية. فينوس يعاود سريه االمامي يوم ، 6ويسهل بعض االتصاالت الشخصية والعائلية والعاطفية .قد تصحح اعتبارا ً من هذا الوقت ،مرشوعاً ما أو تعرب عن قدرة الخلق واالبداع عندك بعد فرتة من االحتجاب. تترصف بعدائية وقد تتصادم مع بعض الزمالء أو إحدى املؤسسات الحكومية أو أحد املراجع يوم . 7 الكسوف يف العذراء يوم ، 13لن يكون سيئاً بالنسبة اليك ألنه يحدث يف منزلك الثالث ،لكن حاول أن تضبط أعصابك يف هذه الفرتة خاصة إذا شعرت بتغيري يحصل يف بعض املجاالت االدارية ،وقد سيارتك بهدوء! تكون الفرتة الواقعى بني يوم 14و 16هي االكرث دقة فحاذر يف كل يشء واحفظ خط الرجعة ففي تعاطيك مع االخرين ،خاصة إذا كنت من مواليد الدائرة الثانية ،ويسجل يوما 17و 18تقارب ودي جيد ،إال أنك ابتداء من هذا التاريخ قد تعيش حرية ما بني اتجاهني. يعاود ساتورن سريه نحو القوس يوم ، 18ركز عىل بعض أعاملك خاصة إذا كنت من مواليد الدائرتني االوىل والثانية ،وقد تطل عىل الناس بهالة كبرية وتقدم عمالً فنياً أو سياسياً ،أو تكون محط االنظار وحديث املجتمع . تقلق عىل صحتك يف هذا الوقت وخاصة بني يوما 19و ، 23أو تهتم مبقرب يحتاج اىل مساعدة ،وتقبل عىل تغيريات مالية أو مهنية حتى تاريخ . 28 ينتقل كوكب مارس اىل برج العذراء يوم 52ويهم بدعمك ومساعدتك بعدما وضع العيص يف الدواليب ،وتتبدل الصورة وترى الحظ ينساب اليك وتحقق النجاح بني يوما 26و . 27 اما الخسوف يف يوم 28فيطالك مبارشة ويتحدث عن طارئ يف عملك ،ويشري اىل تبديل أدوار او مراكز يف عملك ،انتبه لصحتك يف هذا الوقت خاصة ابتداء من يوم 22وخذ اقساطاً من الراحة والنوم. توقعات نجمة لشهر/ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج األسد
توقعات نجمه لشهر/ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج القوس ( 22ترشين الثاين – 20كانون األول) السعادة تكمن يف أن تعرف ماذا تريد ،وأنت تريد بشغف وحامسة. ارسع بإنجاز أعاملك يف النصف االول يطل عليك الشهر يف يوم مثمر حيث يسود التفاؤل واملعنويات العالية يوم .1 تنهمك يف أعامل كثرية ابتداء من يوم ١واذا كنت من الدائرة االوىل فقد تخىش من بعض الفشل خاصة يومي 4و 5يف عالقة مع طرف آخر . أما مركور فيحثك عىل العمل والنجاح ويغذيك بأفكار ناجحة وقدرات عالية يف التواصل خاصة يوم . 6 قد تتلقى عالمات الحب والصداقة املتينة بني يومي 9و 10أو تحقق بعض املشاريع ،وتتوىل مسؤولية يف هذه االثناء ويكون الحظ اىل جانبك ولكن القمر الجديد يف العذراء يشري اىل بعض االرتباك وخاصة يوم 13فقد ترتاجع عن مرشوع أو تنقطع صالتك مع بعض االطراف . يتعاون معك االصدقاء ويقدمون لك دليل عىل محبتهم لك بني يومي 14و ، 16وتتطور صداقة نحو رومانسية يف هذه الفرتة ،وقد يتدخل املايض يف حياتك خاصة بني 17ويوم ، 18وتكون أكرث تحفظ واكرث انزواء . لحسن الحظ أن مارس يف برج االسد يشجعك ويحثك عىل االنتصار عىل التشاؤم ويسلط الضوء عىل مرشوع لك بني يومي 19و . 21 ينتقل كوكب مارس اىل العذراء يوم 25فتدخل مرحلة أكرث دقة ويحذرك الفلك من شجار عقيم يطرأ ابتداء من االن ،أما أكرث االيام خطرا ً فهي يومي 26و . 27 يكتمل القمر يف الحمل يوم 28مام قد يعني تغيريا ً ملصلحتك قد يأيت بصورة رسيعة بني يومي 28و ، 29ورسالة الفلك إليك هي بالترصف بجدية والنظر اىل االمور بعمق ،واحذر فقد تستدرك وضعاً يخص أحد االوالد وقد يحصل يف حياته تغيريات وخيارات جديدة يطرق بابها . توقعات نجمه لشهر/ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج الجدي ( 21كانون األول – 19كانون الثاين) كلام تكدست الذكريات وكرثة التجارب أدركت أنك قطعت شوطاً طويالً من عمرك. املناخ هادئ والحظ يعود بقوة ابتداء من 25 ترتبك يف اليوم االول أي يوم 1وتشعر بالغنب أو بالرتاجع النفيس ثم تجد الحلول واملالذ بني يومي 2و 3حيث املزاج ممتاز. يعاود فينوس سريه االمامي يوم 6فيخف القلق السابق قليالً ،لكن مواجهة مع الرشيك محتملة بني يومي 7و ٨فحاذر . قد تعيش غرية وشكوك وأزمة مع بعض املقربني بني يومي 9و . 11 القمر الجديد يف العذراء يوم 13يتزامن مع كسوف يتحدث عن تغيري قد ال يكون بالرضورة سيئاً بل يحمل اليك رحلة أو سفر أو تغيري يف اسرتاتيجية أو يف مؤسسة تربوية أو يف قوانني واجراءات معينة قد تسمع عن غياب أحد املسؤولني يف هذه االثناء أو أحد املراجع وتواجه واقعاً جديدياً يف حياتك أو مسارك.حاذر من الفرتة الواقعة بني يومي 14و 16وال تصطدم بأي فريق. تحلو لك اللقاءات العذبة بني يومي 16و 17وقد تدور أحاديث مالية صاخبة واتفاقات وبحث يف عقود او التزامات جديدة بني يومي 19و .21 يخف الضغط يوم 25وتبدا رحلة جديدة أقل ضغطاً وأكرث وعدا ً ،وتركن اىل صداقة عذبة بني يومي 26و 27اال ان القمر املكتمل يف الحمل مع خسوف يف الربج نفسه قد يؤرش اىل بعض االرباك وذلك يوم . 28 قد تكشف ارسار عائلية أو قد يحصل ما هو غري متوقع أو تتعرض عالقتك الزوجية أو الغرامية لتجربة قاسية ،انتبه لصحتك أيضاً يف هذه الفرتة وإذا كنت تخضع لعالج فيجب أن تتعاطى مع االمر بجدية .
ان الحياة فرتات أكرثها رقة هو الحب وأقساها الفراق. أعمقها أملاً هو الوداع وأجملها معاودة اللقاء. دورة من التجدد واملفاجآت يبدأ الشهر مع جدال قد يطرأ مع رشيك أو زوج ،ونقاش مهم تبدو فيه االكرث قدرة ونفوذا ً ،راهن عىل يومي 4و 5اللذان يهبانك املفاجآت الحلوة عىل الصعيد املهني أو الشخيص . تجنب رصاعاً مهنياً بني يومي 7و ، 8كن حذرا ً جدا ً يف مفاوضات مالية أو مهنية ،وحاول أن تضع عىل الورق كل اتفاق وال ترض به شفوياً ولو أن الفلك يتحدث عن أرباح أيضاً قد تطرأ ورمبا قد تحققها بني يومي 9و . 11 تطل عىل جديد بدون أي شك وبعض مواليد امليزان يعرفون انقالباً ملصلحتهم ،والكسوف الجزيئ يوم 13يتحدث عن تغيريات قد تحصل وعن بعض القرارات التي يجب اتخاذها ،خاصة يف حياتك املهنية. توقع ابتداء من اليوم حادثاً طارئاً يطال عمالً فنياً سياسياً أو شخصياً ،وقد تأسف لشائعات تستهدفك يوم 14و ، 18أو من محاولة البعض خداعك ،لكن ال تخىش شيئاً ألن الفلك يحميك وقد تكشف القناع عنهم بني يومي 19و . 20 ابق حذرا ً وابتعد عن أية ارتباطات يومي 21و ، 22إذ قد تولد االفالك بعض الظروف املشوشة ورمبا القلق بشأن أحد املقربني أو أحد االعامل غري الواضحة ،وانتبه أيضاً من أعداء مرتبصني بك يف هذا اليوم ومن شائعات تطالك. تنفرج االسارير بني يومي 23و 24وتطلع عىل جديد مناسب أو يتبني لك أن ما حصل أىت ملصلحتك يف النهاية. الخسوف يوم 27يف الحمل يعرض عالقة شخصية لك أو مهنية للمساءلة ولبعض الرشوط الجديدة ،وتواجه وضع غري اعتيادي أو تستاء من كالم يوجهه أحد الرشكا أو الحلفاء أو املسؤولني أو أحد املقربني ،وقد تعيد النظر يف انتامء يف هذا الوقت وتتبدل أمور ،لكن املعنويات ترتاجع يف نهاية الشهر. نجمه /لشهرترشين االول/اكتوبر – 2017/برج العقرب ( 24ترشين األول – 21ترشين الثاين) من الصعب أن ترى الناس الذين تعرفهم يصبحون أشخاصاً كنت تعرفهم! أنت عىل منعطف طريق تجنب الجدال مع جخة منافسة أو مع الزوج أو بعض االطراف الفاعلة بني يومي 2و ، 3يعاود فينوس سريه املبارش يوم 6ما قد يجعلك تعيد النظر اعتبارا ً من هذا اليوم ببعض العالقات . تفاجئك التطورات يف الشؤون الشخصية لكن يوم 7و 8يحمالن تطمينات فقد تحصل عىل مبلغ من املال بصورة مفاجئة أو رمبا عىل هدية يف هذين اليومني . ال تتوقع االفضل يومي 9و 10فهذان اليومان يحمالن بلبلة وارباكاً وإذا شعرت بأي وهن صحي فيجب أال تهمل هذه العوارض ورمبا تخضع لعملية جراحية يف هذه االثناء ،وتكون النتائج جيدة خاصة إذا أجريتها ابتداء من يوم . 12 توقع تغيريات تحصل معك يف حياتك الشخصية أو رمبا أحداث تطال اصدقائك ،وقد تتعدل قوانني يف هذه املرحلة وتفتح ملفات قدمية بني يومي 14و ، 15فتنتفض عىل بعض االجراءات العامة التي تتخذ ،وتتخلص من ذبذبات كوكب ساتورن وتتحرر من القيود خاصة يوم . 18 تنكب عىل دراسة مالية مهمة حتى يوم 21كام تتلقى خرب مطمنئ رمبا يوم ، 22والفلك يحذرك من بعض االحداث املقلقة واملشاكل العائلية بني يومي 24و . 25 تنفرج االسارير ويحمل اليك يوما يومي 26و 27خرب سار وانفراج وخروج اىل الضوء بعد فرتة قامتة ،ولكن الخسوف الحاصل يوم 28يف الحمل يشري اىل طارئ يطال املؤسسة التي تعمل بها ،أو بعض التغيريات يف االدارة ويف موقع القرار وتالحظ ذلك يف االسابيع املقبلة .
توقعات نجمه لشهر/ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج الدلو ( 20كانون الثاين – 18شباط) قد تكون النفوس أكرث نبالً من الدم تسقط الحواجزابتداء من 25 كن حذرا ً جدا ً بني يومي 2و 3وال تتورط يف أي مجال ،وابتعد عن الغضب وردات الفعل العقيمة. تناسبك االجواء يومي 4و ، 5ويعاود فينوس سريه االمامي االحد ويعرضك بني يوم 9و 11لبعض التحديات عىل الصعيد الشخيص أو الزوجي ،وانتبه لرشاكة متعرثة . الكسوف يوم 13يولد جو عام دقيق ،وقد تسمع عن غياب يف هذا الوقت أو عن وضع صحي يشغل بالك. راهن عىل يومي 14و ، 15فقد يحمالن اليك االنفراج أو املواساة ،لكن ابتعد عن االنفعال بني يومي 16و ، 18فهذه الفرتة هي االدق خالل هذا الشهر رمبا ،تستاء خاللها من أخبار ال تروق لك أو من تطورات سلبية ،ويخىش من عقاب أو من سد أحدهم الطريق أمامك. ترتاح لبعض الصداقات بني يومي 19و ، 20وينتقل كوكب مارس اىل برج العذراء يوم 25فيخف الضغط ابتداء من هذا اليوم ،وتبدا الحواجز بالسقوط. يكتمل القمر يف برج الحمل يوم 28ويحدث خسوف يف الربج نفسه وقد تسمع عن تغيريات تحصل يف إدارة أو مؤسة أو يف العمل وتهتم بها جدا ً . حاذر جدا ً من يوم 30وخاصة من املراوغني وأصحاب النوايات السيئة . توقعات نجمه لشهر/ترشين االول/اكتوبر – 2017/برج الحوت ( 19شباط – 20آذار) إن كلمة حنونة تصدر عن القلب ت ُدفئ الروح لثالثة مواسم شتاء النصف االول أكرث مالءمة لك كن متأنياً أول الشهر وحاول أن تجتمع باالصدقاء واالفرقاء بني يومي 2و 3ولكن حاذر وال تتورط بقضية شائكة بني يومي 4و ، 5وانتبه لبعض املناورات والكذب واالحتيال وال تصدق إدعاءات مغرضة. يبتسم الحظ لك بني يومي 7و 8وحاذر من بعض املواجهات يوم ، 11وتكون االجواء أكرث رقة وعذوبة بني يومي 16و . 18 يعود ساتورن اىل القوس ابتداء من يوم 18ليولد فرتة دقيقة ،فيجب أن تتجنب خاللها املناورين والكاذبني ،وبشكل عام ففي هذه الفرتة الغالبية من مواليد الحوت سيشعرون باالحباط والرتاجع املعنوي وخاصة بني يومي 19و . 20 تكون االجواء متعاطفة معك يومي 22و .23 ينتقل مارس اىل العذراء يوم 25فيطرح قضية زوجية أو عاطفية لتدور حولها نقاشات كثرية عائلية وشخصية ،وقد تتخذ قرارات صادمة يف هذه االثناء . الخسوف يف الحمل يوم 28يتحدث عن تغيريات يف أوضاعك املالية ،يف زمن الكسوف والخسوف يجب أن تحافظ عىل أمنك وسالمتك وأن تبتعد عن النزاعات . تشبه عوامل الكسوف والخسوف عاصفة كبرية تفرض عليك حامية نفسك وإقفال أبوابك جيدا ً حتى ال تتعرض ألي مكروه يحمل يوم 30أجواء مطمئنة
حبيب ب ُن أ ْو ٍس الطَّا ُّيئ ،ولِ َد يف قريَة ِ بي هو طي ٍء. "جاسم" عىل الط ِ َ َّريق ما ْ َ ُ دمشق وطربيَّ َة .ا ْختُلِ َف يف س َن ِة م ْولِ ِده َِ ،و َوق َع الشَّ ُّك يف نَس ِب ِه إىل ْ ِّياب ،ور َاح ،ب ْع َد أ ْن تفتَّ َح ْت قريحتُ ُه الشِّ عريَّ ُة ْ َ ،يتَ ِه ُن ِحياكَ َة الشِّ ْع ِر ،وق ْد صقلَها با ْخ ِتال ِفه ِإىل َح ِ لقات وث ُب َت أنَّ ُه ت ََرك ِمهنتَ ُه يف ح َياك ِة الث ِ بي املُدن ِواأل ْمصا ِر العرب َّي ِة ما ِد ًحا األ َمرا َء وال ُخلفا َء... العلْم ِواأل َدب ِ ،وتنقَّله ْ َ فت َة ِ جيل األ ْح ِ الخالفَ ِة ،وتُ ّو َج ْت َول يف شعرِه ِ ت َْس َ الكبى ع ْن َد ال َخليف ِة املُعتَ ِصم ِيف بغدا َد ،وفيها ت َّ داث واأل ْعامل التي رافق ْ ْ كانت ُحظْوتُ ُه ْ َت ْ َ بفتْ ِح ِه "ع ُّموريَّة " ،وأ ْخ ِذ "امل ُ ِ عتصم " فيها بثَأ ِر امل َ ْرأة ِالعرب َّي ِة التي ا ْعتَدى عل ْيها ال ُّرو ُم يف قري ِتها " ِزبَطْرة َ"الواق َع ِة عىل ُحدو ِد بِال ِد ِهم ، كانت قَصيد ُة أيب متَّام ٍ يف فتْح ع ُّموريَ َة .وكا َن أ ْن ر َاح يَتَهاداه كِبا ُر رِجا ِل ال َّد ْول ِة هي َة " :وا ُم ْعتَ ِصام ُه " ...و ِم ْن هذ ِه الواق َع ِة ْ ْ وقالت ق ْولتَها الشَّ ْ ِ العص. ،وتَتَوث َُّق عالقتُ ُه ب ْع َد امل ُ ْعتَ ِصم بالخليف ِة الواثِ ِق َوبِكبا ِر الرجاالت يف ذلك ْ ِ أهل املَعاين والفَلس َف ِة ،إذ إنَّ ُه كا َن يَ ُ ِأصوله ِ َوفُرو ِعه ِ،وق ْد أث ْرى بحضار ِة كا َن أبومت ٍَّام ذا ثقافَة ٍ واسع ٍة ،أ ْع َج َب شع ُر ُه َ حذق علْ َم الكالم ِ ب ُ واس ِ تنباط َمعاني ِه؛ وق ْد الع ِ خي متثيل ٍأدبًا ومعرفَ ًة ؛ ثم إنه امتا َز بِح َّد ِة ذكائِه ِ ،وبأنَه كان يَشقى يف بنا ِء ِشع ِر ِه ْ ، ايس ،ومثَّلَها يف ِش ْع ِر ِه ْ َ رصالع َّب ِّ فقال :رأيْ ُت ِ دي الف ْي ِ ِذلك ؟ َ لسوف قولَ ُه " :هذا الفتَى َيوتُ شابًّا ،فق ْي َل لَ ُه :و ِم ْن أيْ َن َحك ْم َت عل ْيه ب َ الح َّد َة والذّكا َء نق ََل ال ُّروا ُة عنِ الك ْن ِّ دي ، كم يَ ُ ْس ال ُّروحان َّي َة ُ الس ُ جس َد ُه َ ، يف غ ْم َد ُه " .وكا َن ما توقَّع الك ْن ُ أكل َّ تأكل َ الحس و ُجو َدة ِالخاطر؛ ما علِ ْم ُت أ َّن ال َّنف َ وال ِفطْ َنة َ ،م ْع لطافَ ِة ِّ السنني 232 -190 .هجري – 846 - 806ميالدي . إ ْذ إِنَّه ماتَ ع ْن عم ٍر ما تع َّدى األ ْربع َني عا ًما ِم َن ِّ الصانِ ُع واملُص ِّو ُر.. أبو تَ َّام َّ وح َيز ُج ُه بالج ِ ِناس والطِّباق واملُشاكَلَ ِة ؛ ويَص ِب ُغه بِألوانِ التَّجسيم ِ والتَّشخيص ِ ،ف ََتا ُه يُ َج ِّس ُم كا َن أبو متَّام يُع َنى يف ِش ْع ِر ِه بالتَّصويرَِ ،في ُ ِ العي ِ" ..فال َغرابَ َة إذا ،ل ْو صا َر حس َّية ٍ ،ك َمنِ التَز َم ت َ َعريف "أرسططاليس"للتّ املَعاين يف ُص َو ٍر ما ِّديَّ ٍة ِّ شخيص ":بأنّ ُه ق َّو ُة َو ْضعِ األشْ يا ِء ت ْح َت ْ ِ رضبًا ِم ْن ل ْو ِ ُ الحاذق ... كالقالئد يَصوغُها الصائ ُغ حات ال َّر َّسام َني ،وصارت قصائ ُده ِشع ُر ُه ،ل ِعنايَ ِت ِه بهذ ِه ّ الص ْنع ِةْ ، وليس غري ًبا َّ فت أ َّن هذ ِه املَق ِْدر َة ق ْد أل َب َسها ن ْز َع ًة فلسف َّي ًة وثقافَ ًة ،راف َق ُهام ع ْم ٌق و ِدقَّ ٌة ،وكلُّها كا َن جلَّلَها غ ٌ والل ُ ِب امل َ ْعنى َ . ُموض ف ِّن ٌّي ال يَحج ُ كم و َر َد ،أ َّن أ َح َد ُهم ق ْد َسأل ُه ،وه َو يَسم ُعه ُ يُ ِ َقول ما ال يُف َه ُم ،ف ُيجي ُب ُه عىل ال َبديهة ِ :وأنَت لِامذا ال ت َف َه ُم ما يُ ُ نش ُد قَصي َدة ً :لِامذا ت ُ قال َ ، كتاب " الف ّن و َمذاه ُب ُه يف الشِّ عر ِالع َر ِّيب "للدكتور شوقي ضيف .ص َ 219وما يَليها . ؟ يُرا َج ُع يف هذا ِ الباب ُ ُ حب أقرانِه ل َها عصه ِ؟ ْ ونسأل ْ : عصه ِ ،أو َسب َق ُه ِم ْن غريِ ْ ِ عاص ُه يف ْ ِ وهل سيكو ُن ح ُّب ُه ْ َ هي ْ ُ غي ِّ غيها ع ْن َد َم ْن َ َ هل إ َّن املرأ َة ع ْند أيب مت ٍَّامَ ، ٌ وشوق ،وأمل ٌ ،وشَ كوى ،ومت ُّن ٌع بالحبيب ،يراف ُق ُه س َه ٌر ، ايس غ َريه ُ يف بق َّي ِة ما س َب َق ؟ أ ْم أنَّ ُه ت َعلُّق ٌ ؟ ْ ِ الحب يف الع ِ وهل سيكو ُن ُّ رص الع َّب ِّ ٍ عالقات ؟ وحس ٌد ؛ أ ْو يُراف ُق ُه لقاءاتٌ وأحاديثٌ ،وما يَستتْب ُع ُهام ِم ْن َ كل ال ُعصو ِر ِ ؟ باسم ْيهِام شأ َن ِّ ْ وهل جا َء الشِّ ع ُر ليكو َن ال َّن ُ اطق ْ ُ ،األقوال والكَل ُم ". بحب لها _" َض ْ اقت ٍّ ، اض ِ ، فذكْريَاتٌ . ،كم يف ِّ أي وإعر ٌ هي املَرأ ُة يف الع ِ رص ِ الع ّبايس َ كل العصو ِر ..نَ ٌ َ وتغص بها العيو ُن ،ول َي ُم ِت َويَبقى ال ُح ُّب و َم َع ُه الكل َُف ِ عارض أ ْم َر الل َه ،أو ي ْر ُ بالحبيب .و َم ْن ذا الذي يُ ُ فض ُحك َم ُه ؟ فلت ْهم ِ ال ُّدمو ُع إذاَّ ، الحب وال َو ْج ُد!!.. ُ العاشق شَ أ َن َم ْن ماتَ ق ْبلَه ،وق ْد أ ْودى ب ِه ُّ َسقَى الل ُه َم ْن أ ْه َوى ،عىل ب ْع ِد نَأ ِي ِه وإعر ِاض ِه ع ِّني ،وطـ ْول ِ َجـفائِ ِه فأصبحت فيـ ِه راض ًيا بِـقـضائِه ِ َلفت ِب ُح ِّب ِه ُ َأب الله ُ ،إِ َّل أ ْن ك ُ كـل جـفْن ٍ بـامئِه ِ وأف َردْتُ ع ْيني بال ّدموع ِ فأص َب َح ْت وق ْد غ ََّص م ْنها ُّ وص َبابَة ٍ فك ْم ِم ْن ُم ِح ٍّب مـاتَ ِمـثيل بِـدائِـه فإ ْن ُّ مت م ْن و ْج ٍد ِب ِه َ
املرأ ُة يف شع ِر أيب متَّام
األستاذ عبدالله سكرية
كل ِ ايس آنَ َ ذاك : وليس مثل ُه أ َح ٌد ،وفي ِه تَتلَ َّخ ُص ُّ كم رآها شُ ع َرا ُء ْ ِ آيات الجام ِل َ ، بيب َ ، حبيب ال يُشْ ِب ُه ُه َح ٌ فهو ٌ العص الع َّب ِّ غص ٌن َ ، جال في ِه ما ُؤ ُه أ َز َع ْم َت أ َّن الظَّ ْب َي يَحيك طَ ْرفَه ُ والق َّد ْ وكملُ ُه ،وذَكا ُؤ ُه ،وح َيا ُؤ ُه ؟ ْأسك ُْت فأيْ َن ضيا ُؤ ُه وبَ َها ُؤ ُه َ مل تُغْنِ ْأسام ُء املَال َح ِة ِ والح َجى يف َم ْن ِسوا ُه فإنَّها ْأسام ُؤه ولئ كا َن ال َج ُ تاب قائِ ًل : ساس ب ِه م ْبعثَ ر َِض ،و َم َّ حل أنْ ٍس؛ ف َها ه َو يف َجام ِل حبيب ِت ِه يَ َأس ويَتَعذ َُّب ،ويَذ َه ُب بال ِع ِ ِْ امل واإل ْح ُ ليس يَفعلُه ِب ِه أ ْعدا ُؤ ُه !؟ أ ْحبابَ ُه ،مل تَفعلو َن بقل ِب ِه ما َ العب ِ سم ُؤه . ات خ ِّدي أ ْر ُض ُه حتّى َّ اي َ الصباح ،و ُمقلتَ َ مطَ ٌر ِم َن َ والصدو ُد كال ُهام ٍ كاف ل َي َ قول أبُو متَّا َم : ث َّم إنَّ ُه يَتَذكَّ ُر ،ويَبيك ...فال ُب ْع ُد ُّ ، أنساك للَّذي توقَّ َد ِم ْن نريانِ ذكر ِ ِ اك ْيف قَلْبي .. ذك ْرت ُِك حتَّى كدْتُ الوفا ُء لل َحبيبِ. أي ،ف َها ه َو أبو تَ َّام ٍ يَ َ ِ كانت َّ فت أ َّن الشَّ ا ِع َر ،ر ْغ َم ُولو ِع ال َح ِ بيب بص ٍّده ،و ِب َح ٍ عت ُف بأ َّن َمو َّد ًة زُر َع ْت يف َص ِدرِه ِْ ، والل ُ رب عل ْي ِه ،وظ ٍّن ب ِه ونَ ٍ خبا ،تَرا َم ْت َحركات ُ ُه ونَظرات ُ ُه ،ل ْو ت َج َّرأَ ورا َح ْت نَظرات ُ ُه ت ْبحث ع ْن أُ ْخرى .. عليه رقي ًبا أ ْو ق ُْل ُم ِ ً ـب ز َر ْع ُت ل ُه يف َّ الص ْد ِر م ِّني َم َو َّد ًة أقا َم ْت عـىل قلبي َرقي ًبا ِمـ َن ال ُح ِّ غيِه م َن ال َّن ِ اس ،إلَّ َ أنت عىل ذنْ ِب . قال َ : َ فم َخطَرتْ ْيل نَظْر ٌة ن ْحو ْ بيب ،وإ ْن أبْقى الحبيب يف قل ِب ِه ُحزنًا َو َأس .. ُّنوب أ ْن يَتَح َّم َل و ْز َر أفْعال ِه .وجزا ُؤ ُه أ ْن يَ ْستَأنِ َس بِذكر ال َح ِ َو َعىل حا ِمل الذ ِ غيب غب تَ ِس َوى ِذكر َِك الذي ال يَ ُ بيش ٍء إذا ْ غ ُري ُمستَأنِس ٍ ْ أنت دو َن ال ُج َّلس ِأنْ ٌس ،وإ ْن ك ْن تَ بعي ًدا فال ُح ْز ُن م ْن َك قريْ ُب .. َ سل ! .. فام أغ َر َب أ ْن يَأنَ َس املَر ُء بال ُحزن يكْ يَتَ َّ ِّئب الجار ُِح الذي سلَّ َم ه ْيبتَ ُه وق َّوتَ ُه لهذا الظ ْب ِي ؛ فح َّو َل الظَّ ْب ُي شاع َرنا إىل ِمساح ٍة ِم َن ال ُحزنِ ،وإىل َم ِ وطنٍ ويَ ْص ُرب أبو تَ َّام ٍويَ ْص ِ ُب ،هذا الذ ُ ذاب ،ف َيا ل ُه ِم ْن ظ ْبي ٍ قاتِل ٍ! .. لآلالم ِ وال َع ِ َص َ ْبتُ م ْن َك ْ ٍ كوب عي ٍعىل الخ َّديْنِ َم ْس ِ بصب غريِ َمغلُوب ِ ود ْمعِ ْ صيتَني ُمستَ َق ًرا لل َهوى َ ،وط ًنا لل ُح ْزن ِ ،يا ُمستَ َق َّر ال ُح ْسنِ والطِّيب ِ!. َّ لئ ج َحدت َُك ما الق ْي ُت ف ْي َك ،ف َق ْد ص َّح ْت شهو ُد ت َباريحي َ ،وتَعذيبي ِْ كروب بِزفْ َرة ٍ ،ب ْع َد أ ْخ َرى ،طَالَام شَ ِهدَتْ بأنَّها انتُ ِز َع ْت ِم ْن ص ْد ِر َم ِ ِّيب جسمي ف ِب ْن َت ِب ِه يا َم ْن رأى الظَّ ْب َي ع َّدا ًء عىل الذ ِ لك ْن ع َد ْوتَ عىل ْ حب اإلعر ُ الحب ٌّ اض عنِ ِّ الص ِّد واإل ْعر ِ اض ِ !. وإذا كا َن ٌ بحب لَها ،ف َها ُهو شَ ا ِع ُرنا يَزدا ُد ح ًّبا ِم ْن قبيح ِ ال ِفعال ِ ،ولَئيم ِ َّ جميل ،ق ْد أو َرتْ شَ تي َم ُة بُثي َن َة َ قل َب ُه ٍّ ، ْـت ،يَـ ْو ًما ِظلَّ ُه ،فتَ َج َّنبا ت َلقَّا ُه طَ ْيفي ،يف ال َك َرى ،فتَج َّنبا وقـ َّبل ُ وخب ِّ ،أن ق ْد َمر ْرتُ بِبابِه ِ ألَخـلِ َس مـ ْنه نَـظْر ًة ،فـتَ َح َّج َبا ِّ يح أ ْو لتَ َعتَّ َبا يح َّ الص َبا ع ْن َد أ ْذنِ ِه بِذكْ َرى َ لس َّب الـ ِّر َ ول ْو م َّرت ِ ال ِّر ُ اض ّإل تَ َح ُّب َبا .. الـص ُّد واإل ْعر ُ و َما زا َده ،ع ْندي ،قَب ْي ُح ِفعالِه وال َّ ف َم ْن ذا الذي يَ ْحل ُم ،إذًا ،عىل مزاجِه ِ؟ َو َم ْن ه َو ،هذا امل َ ْع ُ شوق الذي يتَ َّأب حتَّى رؤيَ َة ط ْي ِف الشَّ اعرِ ،ويَأنَ ُف أ ْن يُق ِّب َل الشَّ اع ُرَ ،ولَ ْو ،ظلَّ ُه ؟ خاض ًعا ِ ، َويَ ْبقى الشَّ اع ُر ،مع ما عل ْيها حالُ ُه ِم ْن َص ٍّد ِ ، عاشقًا َوصا ِب ًرا !! َجس ٌد ،وألحاظ ٌ ،وعبوديَّ ٌة ...وموتٌ طيب ،ويف ذلك َخ ْو ٌف عىل ال ُعيونِ إذا ما أنْ َعم َال َّنظَ َرُ ، فيقول : ِيش ٍء ما ،ويُذي ُب ُه م ْنها ْ حس ٌن َو ٌ إنَّها األل َحا ُظ ..تَش ُّده ُ ،وتَكا ُد تُ يتُه ب ْ قصنا د ْونَ َك األل َحا َظ خ ْوفًا أ ْن تَذوبَا لق ْد َ ْ كلَّام ِز ْد َ ناك ل ْحظًا ،ز ْدتَنا ُح ْس ًنا َوطي َبا
ش أص َد َق ال َب َ ِ يا َم ْن إذا قل ُْت :يَا َم ْن ال نَظ َري لَ ُه يف ُح ْس ِنه ،قيل يل يا ْ ما إ ْن أ َرى َو ْج َه َك امل َكنو َن ج ْوه ُره ُ يا أ ْمل ََح ال َّناس ِ ،إلّ نُس َخ َة ال َق َم ِر وليس ل ُه أ ْن يكو َن ِم ْن طني ٍ؟ تَعالَ ْوا نَق َرأْ: بيب ِم ْن غريِ ما ك َّو َن الل ُه م ْنه ال َباقي ِم َن ال َب ِ رش ؟ أ ُه َو ِم ْن ما ٍء ونار ٍ؟ َ وماذا ل ْو كا َن ال َح ُ ِالص ْن َع ِة كامل َا ِء ،ولكنه ل َي َس يَجري باش املا َء ف ُه َو يف رقَّة َّ ََ َج َم َش املا ُء جِل َد ُه ال َّرط َْب حتى ِخلتُ ُه الب ًِسا ِغاللَ َة َ َج ْم ِر .. وهل أ َر ُّق ِم َن املا ِء ؟ ف َها ه َو يُدا ِع ُب جلْ َدها ب ِرقَّة ٍعجيبة ٍ،ح َولتْه إىل َ اللم َع ِة الحا ِرقَة ِال َّدافئَة ِ.. تلك ال ُح ْم َرة ِ َّ ْ هي : ث َّم َ َتيج بَ ْدر ِ قيق َخ ْص ٍ ن ُ َبيل ِر ْدف ٍَ ،د ُ َسل ْي ُل شَ ْمس ٍ ،ن ُ َقي ثَغْر ِ شيق ق ٍّد بَدي ُع ُح ْسن ٍَ ،ر ُ َم ُ ليح َخ ٍّد ،ن ُّ ِم ُ روس ِخ ْدر ِ. قضيب بان ٍ عليه بَ ْد ٌر ثال ُح ْسن ٍَ ،ع ُ ُ كم تَغ َّن ْوا بِجام ِل َحبيباتِهم ؛ زا َد عىل َ ذلك إنَّ ُه ٌ تكثيف يف ْ وص ِف َمال َحة ِال َحبيب ِ؛ وكأ َّن الشَّ ا ِع َر ق ْد ج َم َع فيه ِ ما قالَ ُه شُ عراء َسبقو ُه أ ْو جايَلو ُه ،ور َاح يَتَغ َّنى َ ٍ فهي ُمتَف ِّر َد ٌة ِبطَرافَ ِتها ، ٍ،ليس أقلّها هذ ِه التَّوازُناتُ َّ خاص ،وقَّ َع ُه أبو تَ َّام ٍ إعجاب شاعري ٌّ ٌّ ٌ بإيقاعات داخل َّية َ اللفتَ ُة .وسوا ٌء أكان َْت َص ْن َع ًة أ ْم ت ََص ُّن ًعا َ ، وإجاملِها َم ِ غي ُه ال ِعط ُر. حاس َن ال َحبيب ِ.ز ْد يف التَّف ُّر ِد أ َّن ال ِعطْ َر م ْنها يَتَكلَّم ُ! ولك َّن ُه ْ ُ وقالت :أيَ ْبغي ال ِعطْ ُر ويَ َح ُك ُم ال ِعطرا ؟ كت ْ أتَاها بِطيب ٍ أ ْهلُ َها فتَضَ ا َح ْ أ َحاديثُها ُد ٌّر ،و ُد ٌّر كَال ُمها وملْ أ َر ُد ًّرا ،ق ْبلَ ُه ،يَ ْن ِظ ُم ال ُّد َّرا . ال كال ِّنساء .. وهي إ ْن َغ َوتْ ،ت ِ ٍ َحديث ُحس ُن األدا َء ،وتُتْ ِق ُن ال ِغوايَ َة ؛ شَ ْع ٌر ،ونا ِه ٌد ،وث ْو ٌب ،و ِمش َي ٌة ،مع َوي ْبقَى أ َّن شا ِع َرنا ،ح َّب ُ اب َجامل ٍ ،ت َْستَهويه ِامل َرأ ُة ،وتُغوي ِهَ . و ِرقَة ٍ ؛ ويظنها العاشق سهلة املنال ،قريبة التناول فإذا هي : بيضاء يحسب شعرها من وجهها مل َّا بَدا ،أ ْو و ْج ُهها ِم ْن شَ ْع ِر َها ُمتَف ِّن ٌن يف الظَّ ْر ِف ِ باط ُن َص ْدرِها ُمتَف ِن ٌن يف ال ُح ْسن ِ ظا ِه ُر َصد ِر َها تُ ْع َ طيك َم ْن ِط َق َها ،ف ِت ْعلَ ُم أنَّ ُه ل َج َنى ُعذوبَ ِتها ُ َ ،ي ُّر ِبثَ ْغ ِر َها خص َها . وأظُ ُّن ح ْب َل ِو َصالِ َها مل ُِح ِّب َها أ ْو َهى وأضْ َع ُف قـ َّو ًة ِم ْن ْ ِ ولك ْن ك ْي َف يكو ُن ال َّنقيضانِ الشَّ ْع ُر وال َو ْج ُه ق ْد قُ َّد الواح ُد م ْن ُهام ِم َن اآل َخر ،بِغري ما يَرا ُه الشَّ ا ِع ُر ،وه َو أ َّن االثن ِني ق ْد تَشابَها يف ال ُح ْسن َِ ، َقيس ولك أ ْن ت َ ٍ ٍ فتاح ال َح ِ ديث العذ ِْب َ ، ولك ظريف ُمح َّب ٍب وظاه ٍر بي باطن ٍ م ْن ِط َق الشَّ ا ِعر ،يف َج ْعلِ َحبيب ِت ِه متف ِّر َد ًة بِنقائِ ِضها َ ْ ، لطيف َ حسن ٍ ،ل َيص َري ث َغ ُرها العذ ُْب ُم َ ِ وهيهات . بيب ، أ ْن تكو َن يف َم ْو ِضع ِ ال َح ِ إبليس والقرآ ُن .. ُ وهل ،لِ َم فيها ِم ْن فتونٍ ِ وسح ٍر وجاذب َّي ٍة َ ،و َّد أبُوها ل ْو كا َن َمجوس ًّيا هل تُرا ُه يُس ِّبح ربَّ ُه لِم ْرآها ال َبديع ِ؟ ْ ليس يُ َص ِّل ،أ ْو يَتَق َّرا القرآ َن ؟ ْ َوماذا ل ْو ر َاح إبْ ُ ف َيتز َّو َجها ؟ . وكيف ل َها ألَّ تَنتَ ِف َض عىل َساع ِة ال ِفراق ِ وت َثو َر عل ْيها ؟ .. والسكي َن َة ؟ َ فس الهدو َء َّ ث َّم ك ْي َف ،وإ ْن فا َر َق الحبي َب َة َحبي ُب َها ،أ ْن تَلقَى ال َّن ُ فوس أي س ْيل ٍ ت ُ وس ُّ َسيل في ِه ال ُّن ُ إ َّن يَ ْو َم ال ِفراقِ ي ْو ٌم ع ُب ٌ ميس ؟ الخميس ،وملْ أ ْد ملْ أز َْل أُبْ ِغ ُض ِر ملاذا حتَّى َدهاين ال َخ ُ َ بِأيب َم ْن إذا َرآها أبُو َها شَ غفًا َ جوس قال :ل ْي َت أنَّا َم ُ ليس .. ليس ع ْن ل ْحظ ِع ْي َن ْي ها ،تَ َق َّرا ع َبا َد َة إبْ ُ ل ْو تَ َجاىف إبْ ُ عل امل ُ ْؤ ِم َن ال َو ِر َع ِجمالتِها تَ ْج ُ هي امل َ ْرأ ُة حبي َب ُة الشَّ اع ِر تَ ْج َع ُل" إبليس "يَتَش َّب ُه بالق َّراء ِ ،ويَ ْسعى إىل ِحف ِْظه ِشأ َن امل ُؤمن َني َّ هي ل َف ْرط َ َ الصادق َني َ ،وها َ فها َ َجوس َ آنذاك .. يَتم َّنى ل ْو كا َن َمجوس ًّيا ل َيتز َّوج ِم ْن ابن ِته ِ ،عىل ما كا َن يَفعلُ ُه امل ُ َوتبقى املرأ ُة الحبيب ُة مثا َر القو ِل َ ،ويبقى ُ السبيل للتعبريِ ع ْنها وع ْن ُ واألدب هو القول يف الغ َزل ِ قامئًا حولَها ويبقى الشُّ عرا ُء فيه ُم الر َوا َد والعاشق َني . ُ دورِها وأه ِّمي ِت ِه يف الحياة ِ. بقيت الحيا ُة ذاتُها .. وكلُّ ُه باق ٍ ما ْ
مر َِض ْت ألْحا ُظ َع ْي َن ْي َك فأ ْم َر ْض َت القُلوبَا . عشق َ .. وتلك قَض َّي ٌة ثابتَ ٌة ،نَقرأُها يف لُغة ِالعيون ِ تسل ُم ويَ ُ وأ ْن تَذبُ َل ال َّنظَراتُ ،ويَ ْعتليها ال َو َس ُن ،ويَرى ال َّرايئ أ َّن ش ْيئًا َما يُذي ُب ُه ويَجعل ُه يَ ْس ْ لمس بَ ْع ُد ؟؟ ال َوسي َنة ِ الجميلة ِ ،ويف لغ ِة الشُّ َعرا ِء واألدبا ِء ال ُعشَّ اقِ ،نَق َرأُها ..ولكن ْ ..ما بالُك ُم ،وق ْد كا َد يَ ُ ذوب ال َج َس ُد بِتام ِم ِه ،و ُه َو ملْ يُ ْ َضيب يا قضي ًبا ال يُ َدانيه ِم َن األنْ ِس ق ُ َثيب ف ْوقَه ال َبا ُن ،و ِم ْن ْ تح ِت ت َث ِّنيه ِ ،ك ُ ُوب َوغزالً كل ََّم َم َّر تَ َ َّنتْ ُه ال ًقل ُ بوب بي ال َخ ِّد ،يُ ْد ني ِه ِم َن ال ِّري ِح ِ ،ال ُه ُ َذ َه ُّ ذوب .. ما مل َ ْسنا ُه َولك ْن كا َد ِم ْن ل ْحظ ٍ يَ ُ وترى الشاعر يعود بالحب إىل املوت فيعرتف : مت ف ِم ْن ُح ِّبي أ ُموتُ ولئ ُّ أنا َم ْي ٌت ْ ِ ، حب ِم ْن أث َ ِر ِحرمان ٍ ،وأمل ٍ ِم ْن َحبيب ٍ َ ،في َض بِ َا ق ُِس َم لَ ُه ِم ْن َعذاب ٍ. وال بَ َ أس ،يف أ ْن َيوتَ امل ُ ُّ َي َنع ُ ال ُق ْبلَ َة َم ْن يَ ْه وا ُه ،والتَّ ْسلي ُم قُ ْوتُ عذاب ِحب َم ْن أ َح َّب َ ، فكيف لَ ُه َّأل يَق َب َل بعبوديَّ ٍة تُق ِّربُ ُه ِم ْن ال َحبيب ِ ،وتجعل ُه خا ِد ًما لَ ُه ،عىل ٍ وإذا كا َن للشَّ اع ِر أ ْن َيوتَ ح ًّبا ،ويَقيض ب ِّ م ْنه ُوتَ َ ُّنع ٍ؟ وها ه َو الشَّ اع ُر يُنادي : جس َم َك يف ال َه َوى َما ملْ يُ ِط ْق ُه ،فَه َّد ُه ح َّم َ لت ْ وص َّد ُه يا شا ِمتًا يب ،إ ْذ َرأى َه ْج َر ال َح ِ بيب َ ، َم ْوىل ،يُ َؤ ِّد ُب ع ْب َد ُه .. ال ت َشْ َم َ َّت ...فإنَّ ُه بأس ،ل ْو ِ الس َه َر ،وفا َرقَت ُه ه ْدأة ُالليل ِ. عش َق َّ ق ْد ه َّد ُه الل ْحظ وال َق ُّد وال َخ ُّد ،وصا َر َع ْب ًدا ل ُح ْس ِنها وال َ ُمعتَ ِد ِل القا َم ِة وال َق ِّد وفاتنِ األل َح ِاظ وال َخ ِّد صي ُه ع ْبدي . صيين عب ًدا ل ُه ْ حس ُن ُه والطَّ ْر ُف ق ْد َّ َّ إىل أ ْن َ يقول : الي ،ب ْع َد ال ُق ْر ِب ،ق ْد بَ ُع َدا رأيْ ُت يف ال َّن ْوم ِ أ َّن ُّ لح ق ْد ف ََسدا وأ َّن َم ْو َ الص َ لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت َح َزنًا ؟ لِ ْم ملْ أ ُم ْت َأسفًا ؟ لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت َجز ًعا ؟ لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت كَ َم َدا ؟ س ٌف ألّ أذ ْو َق مـَنا ًما ،بَـ ْع َدها ،أبَـ َدا ق ْد كِدْتُ أَ ْحلِ ُف إلّ أ َّن ذا َ َ الس ُه َدا ْ غي ْي شَ كـا ُّ أص َب ْح ُت ِم ْن َزفَرات ٍ ال أَق ْو ُم لَ َها أشْ كـو ال ُّرقـا َد ،إذا ْ وماذا لو ِ الساح ُة ؟ خلت َّ وهل أ ْحىل ِم ْن أ ْن يَكو َن يف ِعدا ِد ال َخالدي َن .أ َول ْي َس ل ِق َّصة ِ"روميو وجولييت" ط ْع ٌم حب ؟ ْ ْ وهل ِم ْن َغرابَ ٍة يف َحبيب ٍ تَ َّنى امل ْوتَ فداء مل َ ْن يُ ُّ لف ع ْن طُعوم ِ ال ُعشَّ اقِ اآلخري َنِ ، العاشق أبو تَ ٍَّام حيات َه ,وملْ َ ُي ْت ك َم ًدا و َج َز ًعا طيق الحب إىل امل ْوت ِ؟ َ ُم ْختَ ٌ ُ فكيف إذا يُ ُ وقد انْتهى بِهام ُّ كم َأضا َء غ ُري ُه ،عىل مثْلِ هذ ِه ال ِّنهايَ ِ ِ الحب ؟ ات يف وأسفًا و َحزنًا ؟ ْ وهل يكو ُن شا ِع ُرنا ق ْد أضا َء ،يف أيَّام ِ ع ِ رصه َ َ أقاصيص ِ ِّ عشوق ،و َما عا َد ِ و َماذا لَ ْو التَقَى ِ العاش ُق وامل َ ُ للح ْرمان َمكا ٌن ..وكانَ ْت ُخلْو ٌة وكا َن ما يَكو ُن يف الخلْ َوة ِ ِم ْن ..؟ .إنَّ ُه ع َبثُ الشَّ َياط ِني . ما ك ْن ُت أ ْح َس ُب أ َّن يل ُم ْستَمتَ ًعا يف قُ ْر ِب ِه ،حتَّى بُل ْي ُت ِب ُب ْع ِد ِه ِ وقد ات َّخ ْذتُ ِم َخ َّد ًة ِم ْن َخ ِّده ِ يش َء أ ْح َس ُن م ْن ُه ،ل ْيلَ َة َو ْصلِنا ال ْ َويَدي ت َ َن َّز ُه يف َحدائِ ِق جل ِْده ِ. وفَمي ،عىل ف ِم ِه ،يُسا ِم ُر ريْ َق ُه واق ِ وت َْستك ُني الشَّ ياط ُني ،وت َهدأُ أ َما َم هي َب ِة ال َجام ِل ،وقد أيْقظ َْت َمالحتَ ُه ِذك َرى ه َّب ْت يف عتْ َم ِة ليلٍ فا َرتْ في ِه أشْ ُ فأنت اآل َن م َع العاشقني ََ . حبيب ملي ٍح َسمريٍ ،وك ْن ُز َك أ ْن ت َ عباتٌ غَزيْراتٌ ..وكفَى . ٍ َشتاق إلي ِه ،وم َع اشتيا ِق َك َ الس َم ِر نا َد ْم ُت ذك َر ِك ،والظَّلام ُء عاكِ َف ٌة فكا َن يا س ِّي ْ دي ،أ ْحـىل ِم َن َّ يشء ٍ ِم َن املَط ِر فل ْو تَرى َع ْ َبيت ،والشَّ ْو ُق يَ ْس َف ُحها ملَا التَف َّ َت إىل ْ
حوارية املاء والنار يف طني الجسد " ما أجمل ضحكها ،ألنه يظهر من خالل فمها قلبها" موالنا جالل الدين الرومي قراءة أوىل لسلوى الخليل األمني يف مجموعتها " ترانيم من بقايا الصمت "
عمر شبيل إذا كانت البالبل تلعب مع الوردة لعبة العشق فإن لعبة سلوى األمني مع الكلامت أكرث إيالماً حيث تحاول متزيق الوردة لتلتقط الشذى ،ولذلك تظل عىل طرف املستحيل ومن هنا يبدو جرحها مفتوحاً باستمرارمن خالل النزف الدائم من محاولة اللحاق باملستحيل ،وهذا ما يفرس يف رأيي خروجها عىل األوزان ، ولكن ليس بالطبع عن املوسيقى ،وهذا ما يؤكد لنا قول " النفري" " :كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة " إن كيمياء الرؤيا ال تنحرص يف أواين الكلامت ،ولهذا البد من البحث عن وسائل أخرى لخلق لغة يف اللغة ،وبذلك يكون العمل الشعري اإلبداعي هجرة مستمرة يف مدن العشق السبع لرؤية قلوب العشاق معلقة عىل بوابات العامل ،ولدخول بابل عرب بوابة عشتار املتجددة عرب العصور ,والقابضة عىل ناصية الزمن تكو ِّره وفق مواسم الخصب والجفاف . من هنا يطرح الشعر مبعناه اإلبداعي التجاوزي مسألة الحياة واملوت دفعة واحدة ،ملاذا كانت الفنون هاجس اإلنسان عرب رحلته يف املحدود ،ملاذا ذهب كلكامش إىل جده "أتونابشتم" بحثاً عن الخلود بعد وفاة صديقه "أنكيدو" ،وملاذا رسقت األفعى منه وردة الخلود ؟ هل العدم هو املنترص الحتمي يف النهاية ،؟ وإذا كان العدم هو املنترص فام الجدوى من االهتامم باإلنجاز الحضاري وتراكمه عرب تجربة اإلنسان يف عمره الطيني وناسوته الزائل؟ .إن الفن كان يف رأيي جواب اإلنسان عىل العدمية ،وكان محاولة جادة إللغائها ،وهذا ما يفرس تشبث اإلنسانية بالفنون عىل اختالف أشكالها ،حيث ترمي يف النهاية إىل محاولة تأليه الزائل ليصبح غري زائل .أنظر إىل قلعة بعلبك ،وانظر إىل عضالت جوبيتري املفتولة واملنقوشة عىل صخورها ،ماذا ظل من روما ومجدها يف بعلبك غري فنها الخالد الذي كان أقوى من الفاتحني وجيوشهم والذي جعل االستمرارية ممكنة يف تجربة اإلزميل الذي يتحول حديده إىل رشايني وأعصاب .عندما تقف أمام أهرامات مرص أالتشعر بعذاب الفرعون الذي حاول أن يكون إلهاً اليحول وال يزول عرب هذا اإلنجاز املستعيص عىل الفناء وكم كان نابوليون ضعيفاً وهو يحاول منازلة أيب الهول ؟ من هنا عظمة الفنون ألنها تجعل الحياة ذات معنى ،والويل لعرصنا الذي يزحف باتجاه الجفاف وهو يحاول دحر الفنون وتوظيفها يف الرشكات العمالقة التي تدور وتدور لتطحن البرشية برحاها الفوالذية القاسية .كان الفن وال يزال هو املنقذ، ولذلك حمته البرشية عرب تجربة الحضارة ،من هنا نفهم ما معنى أن تتنازل باريس عن عذريتها وكربيائها أمام جيوش هتلر ،وال تتنازل عن فنونها املحفوظة يف صدرها ،أفهم ذلك وقد ال أقبله ،ومن هنا ندرك مدى همجية الغزو األمرييك لعاصمة الحضارة الكونية بالد الرافدين ،كم كان هذا الغزو أحمق وسخيفاً وهو يقتل الفنون التي سجلت أول إرهاصات الحضارة الكونية إلعطاء البرشية حلم االستمرار يف الجامل واإلبداع .املقتول يف هذا الغزو األحمق كان كلكامش وعشتار وحمورايب اآلخذ رشيعته من الشمس قبل أن ترى امريكا الشمس ،املقتول كان الثور الساموي املجنح والقيثارة السومرية ،وقد تقطع يشء كبري عندما قطّع ستجف الحياة يجف الفن ّ الغزو أوتارها .فالفن ليس ترفاً كام يظن أصحاب الرشكات ،وإمنا هو نسغ الحياة وخفقة الطني فيها .وعندما ّ حتامً ،وعندها فقط ستنترص العدمية ،وتصبح الحياة وجه املوت الحقيقي ،والفن وقتئذ اليكون ترفاً ،بل يكون حضوره رضورياً كحضور الحياة نفسها ،وإذا كان هناك خوف عىل الحضارة فلن يكون هذا الخوف إال عندما ننعى الفن ومنيش يف جنازته ونعتربه شيئاً نافالً ميكن
للص َدفة إذا مل يكن فيها جوهرة ،إذن فالجوهرة صعبة التكوين كالقصيدة ،وندرتها تسبب غالءها ،والندرة تكون يف وهل هناك قيمة َ متايزها عن األشباه .والشاعر املقلد كامدة تلمع ولكنها ليست جوهرا ً . الحب عند سلوى عطاء وليس أخذأ َ :إليك حملت كل حنيني /ودف َء ضلوعي /أعيش بقربك كل املعاين /وأغزل من أماليد الحياة /خياماً تقيك وقت املح ْن . / سأبحث خارج أسوار عمري /عن سنني أخرى /ألفّها برشائط من حرير /أهديها إليك/ واملالحظ أن املعرفة وليدة العطاء ،يتعلم واحدنا مبقدار ما يعطي ،وهل الوالدة غري عطاء ،وهل األمومة غري العطاء؟ ! يف هذه الحالة يغدو املعطي هو اآلخذ ،مبعنى أن امتالك قلب الحبيب ال يتم إال بفقدان قلبك ،حيث تتالىش الفوارق ليعيش الحب وحده ويقيم مملكته متاماً إىل جانب عرش الله . وألن النور اليتولد إال من الحرائق ،فالحب هو مصدر النور ،ويجب أن تكون هناك عالقة حب بني األرض والشمس ،وعىل العلم أن يكتشف ذلك ،وإال فام معنى تكرار لقائهام كل يوم ،وملاذا حني تحتجب األرض تبيك السامء ؟ !! ونحن نتقبل ظلم الحب حتى لكأنه العدل املطلق ،فام الرس يف هذا ؟ طبعاً ألن الحب هو املعرفة التي يقف العقل عند بابها مستجدياً .واملعرفة هنا ليست إضافة ،وإمنا هي شهوة مستفزة : يكفيني امتدادي فيك /طقساً من طقوس الجمر .إن االمتداد هنا هوالتوحد املطلق وهذا اليتم إال بالحب ،و يغدو الحب يف هذه الحالة إبداعاً ،حيث يكون الجسد هو املحرقة التي تجعل الطني صالحاً للعبادة ،متاماً ك ُعب ّـاد النار التغفر لهم حتى تتلظى ومت ّد ألسنتها خارج املوقد لتوزع هباتها عىل ُعبـّادها اآلمثني .فهل يجتمع الحب مع اإلثم ؟ يف النهاية ال ،ألن الحب يكون مثرة النار التي التعطيك خرضتها إىل أن تقتلع منك كل سفاسف الرتاب الدونية .اليسمو الجسد إال يف حرضة الحب .ويف حرائق الحب يجتمع الطرب مع البالء يف حفنة من تراب إنها ثنائية املاء والنار ،وثنائية الرتاب املولع بالتأله .والبالء هنا هو نرفانا الجسد لالقرتاب من قدمي بوذا ،أ َو ليس العابد يزداد ْ الحب ياأمي /وعاء الور ْد /وجمر فوق أعتايب .والذي يقيم العالقة بني النار والورد هو الحب ول َـها ًكلام أضنته العبادة وجافته املضاجع؟ كأن َّ .الحارض إال هو ،ففي لحظة اإلمساك بالقدح تكون النار مهيأة للضجيج .ويكون الدن مهيأً للحزن مبقدار مايكون الظامء مهيئني للفرح . وقتها يلهو العاشق مع سكان السامء وتزول الحجب بني الناسوت والالهوت . الشعر عند سلوى يفيض عن حالة االنفعال ،بعيدا ً عن املدارس الشعرية املوقرة وهرباً من نُظـّارها القساة ،يسيل الشعر منها بوجد خال من الصنعة والرتف الصياغي ،ويقرتب الشعر عندها من الغناء حتى يتالصقا ، ونادرا ً ما تحس عندها صورة متحدرة إليها من اآلخرين ،وبهذا تكون نظيفة من الكالسيكية وموروثها الذي ميسك بأعناق الشعراء عقودا ً . وكل ما ال يأيت عن االنفعال الوجود له يف شعر سلوى .أستثني من ذلك الشعر الذي يقال يف املناسبات حيث تتدخل املنربية وسلطة العقل للسيطرة عىل جامح القصيدة .والخلو من الصنعة اليأتلف مع الطبع األنثوي اليف اللباس وال يف املكياج ،ولكن يبدو أن سلوى التزال جنوبية الهوى حيث انتقلت البساطة من األرض إليها رغم كل املفاتن املخملية التي تنسكب فيها أغىل عطورات باريس ،ويبدو أيضاً أن وجع الجنوب يظل حارضا ً فيها يف بريوت ويف كل مدن العشق التي خطرت فيها .ونرى أن الشعر عند سلوى حالة حدسية تقدح الرؤيا فتكتب دومنا ولع بهندسة القصيدة وكأين بها الترغب يف أعادة ترتيبها بعد خلقها ،وال مترها عىل مصفاة العقل . سلوى كام يبدو من شعرها ليست مع أغنية الفم الواحد ،وهذا يجعل مداها أرحب ،ولذاك أمتنى أن يزداد جنون العاصفة يف رحلتها ، فاملجذاف الذي يعرف موطن الشجرة التي أرضعته اليدع السفينة تغرق أبدا ً ألن يف املجاذيف شوقاً ليس يف
نسخه والحياة بدونه . بهذا املنحى دخلت إىل ناسوت سلوى األمني بنت الجنوب اململوءة بالعصف ،واملسكونة مبواويل سكينة ،والتي يسكنها الجنوب أكرث مام تسكنه هي،كانت تحاول الهروب من الزمن عربتجربة املكان الجريح واملصاب يف خارصته بطعنة نجالء، والهروب هنا ليس مبعناه األنثوي الذي قالت فيه فريوز " السألونا وين كنتو /ليش ما كربتو أنتو /منقل ْن نسينا" .الهروب من الزمن هنا هو الخوف من إفالت اللحظة من قبضة الفتاة الشاعرة املنهمكة بالحب واملشتبكة معه يف آن . الحب هو أوضح ما يف شعر سلوى ،وهي تحاول يف كل ما تكتب أن تفني وجودها يف وجود املحبوب يف ثنائية الوجد الصويف املتمثل بـ "أنا دلييل إليك" هي نفسها بطاقتنا إليها ،وهذا يجعل املحبوب حارضا ً يف كل تفاصيل الوجد املنبعث من األنا والعائد إليها مع اآلخر ،واآلخر ميتد من قيس إىل الوطن ،إىل األم املنشطرة فيه حتى لكأنه هو هي ،اآلخر املنسجم معها يف محاولة قتل الغربة يف ظلموت التجربة يف النفس املتقدة .الرجل حبيب ،والوطن حبيب وكل ما يف جنوبه يغريها بالنزف حتى مثالة الفناء ،تحمل الوطن معهايف غربتني قاسيتني ،ويف زمن الهوية فيه إال الحزن والحقيبة إال وفيها ثياب مملوءة بالبكاء .هي من جنوب التفرت فيه األلحان وال بكائيات سكينة ،الزمن فيه مطعون حسيني ينتمي إليه كل من حمل يف واليختلف فيه القاسمية عن الفرات فكالهام شهد مساقط الرجال الذين يدافعون عن قيمهم يف وجد ّ رفضه وجع الشظية ولذتها يف آن قرب نهر اليتقن إال السري جنوباً . وإذا كانت رائحة كل حطب تظهر من دخانه ،فمن حرائق سلوى تعرف الجنوب وتعرف وجع األنثى أيضاً .وإذا كان الجنوب هو الذي يهب الحياة يف رأي سلوى فهو يحق له أن يأخذها متى شاء . بكائيات سكينة لها حضور يف حب سلوى ،ولكن ليس بقسوة فسلوى تحاول التوفيق بني زمن الجنوب وبريوت الزمن ،وهي يف النهاية أنثى وكل عطور الرشق يف أردانها ،ومع ذلك يبدو الحب لصيقاً بالحزن إىل درجة التوحديف وجدان سلوى ونتاجها ،ولرقة حضورها الجنويب واألنثوي تغدو احياناً كالخيال /،يا كل املدى /مثة ليل يحارصين /يرسق الصمت النائم /كيف يل أن ألف الشوق /ظالل ور ٍد /تعطر صمتي وحنيني إليك/ الحب غدا النغم أكرث اقرتاباً من اللغة الواضحة .وللحب األنغام هي من سامت األعامل الخالدة ،واألنغام ال تتولد إال عن حب ،وكلام قسا ّ مزامري رشب داود من لحنها حتى مثل " إن لألنبياء أنغاماً يف باطنهم " وعندما يتعاىل الجيشان يف النفس يكون املزمار مخـلـِّصاً من املوت ولذلك تظل املوسيقى عدوة املوت ومتنافرة معه باستمرار .وإذا كان الجنوب هو الذي أطلق سلوى باتجاه مدن العشق فقد ظلت كالسهم املنطلق الذي ظل يحمل من يد مطلقه الوجهة والهدف .مل تستطع سلوى ان تتخلص من سجن الرتاب رغم أنها تنادم الفضاء بروح متفتحة وقلب عار كالحقيقة ،وما أروع القلب حني يكون عارياً ألنه وحده القادر عىل إدارة العقل بعريه.وهذا يذكرين بشعر ملوالنا جالل الدين الرومي متزقت ثيابه من العشق ،فإنه يصبح طاهرا ً من الحرص ومن كل العيوب" " وكل من ْ بشفتي حبيبي ،إذن لكنت كالناي أقول ما ينبغي قوله" وكيف لسلوى أن ويكمل جالل الدين يف وجد غامر " آه لو كانت شفتاي تقرتنان ْ تدرك ما وراءها وما أمامها لوال نور حبها الساطع كالشمس يف شعرها ،جنوبية الرثى كونية الهوى هذه الفتاة املسفوحة يف الكلامت ،وبذلك ِ طينك فصنعت منه ذهباً " والجامل الج ّواين يف أي شعر هو صدى ملكوناته الواضحة وغري تقرتب من املفهوم البودلريي"،لقد أعطي ِتني الواضحة .دامئا يقتلنا حبنا ومع ذلك يكون ثروتنا الوحيدة ،وكنزنا الذي النبيعه بكل متاع الدنيا .وهنا يصبح القتل جميالً كام تدور ارواح الندامى حول الساقي يف غزليات حافظ الشريازي .ومبقدار ما تزيح سلوى الغطاء عن قلبها تهرع إلينا أرسارها ،ولذلك نرى قلبها عارياً كأنها الفرس العارية من رسجها فوق مرج فسيح .وإذا كان اإلحساس محتجباً فإن احتجابه اليطول ألن الخمرة املحبوسة يف دنّها تترسب رائحتها من خالل فدامها .والحجر ال يصبح عقيقاً يف املنجم مامل يكن تكوينه من عنارص صافية عرب التحوالت التي مي ّر بها ،وليست كل الحجارة تغدو عقيقاً ،البد من التاميز والصفاء ونقاوة العنرص
الخشب .وحني تتربعم القصيدة يف الوجدان اليحدها إال األنامل الورعة التي تجرب الحروف عىل النطق . بكائيات سكينة التسكن كثريا ً يف شعر سلوى ،ألن سلوى شاعرة قضيةرغم ابتعادها عن أغنية الفم الواحد كام أسلفنا ،ولكن شعرها تشف منه كآبة رشقية التبلغ حد البكائيات العاملية ،ولكنها واضحة عىل كل حال .وهي يف حزنها الرشقي تصغي لنبض قلبها وحده ،وتحاول أحياناً أن تجعل من دموعها أحجارا ً كرمية لعنق ينمو عند نهر القاسمية .إنها ليست عىل شاطئ التعاسة ، وإمنا ترى التعاسة بوضوح وال تقرتب منها أبدا ً ،إنها تبقى يف أرض الشعر وكام يقول طاغور " إن الطفل يجد أمه حني يغادر أحشاءها " فإن الشاعر يجد نفسه حني تغادره القصيدة ،ويف كلتا الوالدتني يكون وجع وفرح .والحزن يف الرشق معلم ألنه يجعل الرشقي يف املنطقة املضيئة دامئاً ،وسلوى ليست بدعاً يف هذا املضامر .وبودلريربط الجامل باألمل بثنائية عجيبة" الأعرف رضباً من الجامل ليس فيه شقاء" ومع ذلك يتجمد القلب إن مل يعشق .وبدون الغياب ال تكون لذة للحضور .ونبقى نحب ولو عىل نصال السكاكني . يبدو أن سلوى تستطيع غالباً أن تضبط صوتها عىل إيقاع إحساسها ،ولذلك التطول عندها القصيدة ،وهي باستمرار تحاول أن تصالح القصيدة والقارئ .ألن قصيدتها غالباً وليدة املعاناة ،والحقيقة إن املعاناة هي أروع كتاب نقرؤه عىل الدوام. واملعاناة ليست بالرضورة ناتجة عن احتكاك خشن باألشياء ،وإمنا قد تكون فعالً داخلياً يرتك يف النفس آثاره بوضوح . أقول إذا كان املوت لحظة فاإلبداع هو الخلود ،وسلوى يف شعرها التعيش يف "بالد التورية" وال يف عرص "األنوار الخاطئة جدا ً"ولذلك هي وعد شعري ، وهي قطعة من األرض الجنوبية اململوءة بالشهداء والفقراء .إن مادة الخلود متوفرة يف هذه األرض الغاليةتهبنا بغريحساب ،ولكل عرصه فقد ينتمي واحدنا للجاهلية وهو يف القرن العرشين ،إمنا القضية يف كيفية إدخال مزيد من النور إىل دمائنا عىل حد تعبري رسفانتس ،فاألزمنة القصية اليسافر إليها إال املبدعون .وقتها يجلس أحفادنا عىل قارعة الزمن ويعدون الينابيع التي ر ّوت ترابنا ينبوعاً ينبوعاً . دفتي كتاب كان بودي أن أكتب أكرث عن هذه الجنوبية املعتدة بهذه الجهة ،ولكن عرص األنوار الخاطئة يالحقني وأحاول أن أختبئ منه يف ْ ككتاب سلوى" ترانيم من بقايا الصمت" + الذي مل يعجبني يف الكتاب يا سلوى هو لجوؤك للكتابة هكذا " السرية الذاتية " يف فهرست الكتاب إنها أصغر من شعرك الجميل وال تليق به . مع بالغ تقديري وإعجايب ،وما أجمل االحتفال بالكلمة حني يكون القلب مشتعالً
مقال يف رواية "غادة إبراهيم" “قصور ال تدخلها الشمس “
بقلم د .وفاء محمد حسن األيويب
غادة إبراهيم روائية يف زمن هجني ينكر فيه الحرف أخاه ،وتنتحر الكلمة أمام إيقاعات الصورة والرقم !!! هذي الرواية " قصور ال تدخلها الشمس "تحكم عىل نفسها إذ تفلتت من عقال الزمن !!! من ميسك بالكتاب ؟؟!!! من يجلس لساعات وساعات ؟!!! إنَّه عرص الرسعة ،عرص النقمة والتم ّرد ،كل ما فيه ذو وترية حادة ناقمة عىل الوقت !!! "الوقت كالسيف إن مل تقنصه اغتالك" .وقدميًا كان يقال ""الوقت كالسيف ،إن مل تقطعه قطعك ! ِ والرفيق ساعة الفجرعىل الرشفة ،فنجا ُن قهوة نتشاركه وكتاب وحكايا ! لك الله تلك األيام ،كان السمري قبل االسرتسال للنوم بضع ُة أسطر ُ ٌ مع أمتع الروايات ما يأخذنا إىل عوامل نسبح فيها تزيل عن كواهلنا عبء الواقع القاتم ! "غادة إبراهيم" مغام َر ٌة استلذَّت امتطاء الصهيل ،وبلغتها املتمرسة باقتناص الجامل ركبت األمواج العاتية ،ما هابها امليض قد ًما يف روايتها فلريش ِتها ُ مذاق الياسمني الندي الحا ِمل بأقواس قزح . ليست هي الرواية األوىل للروائية فهي ما توجهت يف عملها هذا إال استجابة لرغبات مل َّح ٍة من عشَّ اق قصصها أن اكتبي .إنها األستاذة املربية التي ما استطاعت خلع جلدتها وتنايس مهمتها " بناء الجيل" !!! ما يطمئنك ويحملك عىل مرافقة الروائية غادة يف رسدها هي تلك اللغة القريبة املنال ،املناسبة لحال العامة يف تلقِّي األخبار ومتابعة األحداث ،كام املثقف الذي يجد يف فصحاها لغة مأنوسة ما تق َّعرت يف املعاجم ،بل عملت الروائية عىل تشذيب عباراتها من أية مفردات عصية أو غريبة ،فبدت مألوفة مستأنسة من قبل طالبنا كام الزمالء . وما يستثريك ويحثُّك عىل القراءة يف هذه الرواية لقطاتٌ تحسبها حقيق ًة ،لقطاتٌ لصور خالق ٍة تل ِّون بها املؤلفة نسيج الرسد ،فيكون املغزل من نور ترافقه كمنج ٌة ناقد ٌة تضغط بإيقاعاتها عندما يرشح األمل يف صورة من صور الواقع الجريح . شحناتُها وقَّادة يف تصوير التو ُّحد مع األشياء إذ بلغ غايته و ًدا وحن ًوا :فالطبيب ما أمسكت أنامله السيجارة بل أخذت تداعبها مبحبة وتحنو عليها ألنها يف نصف عمرها . (تداعب أنامله سيجارة انقىض نصف عمرها ) ا تعلِّمنا هذه املربية لباق َة التعامل مع اآلخرين ،وإن مل نأخذ هذي الدروس من روايتها ،من لغتها ،من رسدها ،فالعل ُة فينا ال يف املربني وال يف مناهجنا!! وتشحن الروائية بعض املواقف برومانسية حاملة تسيطر عىل محربتها الشغوف بالجامل الروحي ،الداعي إىل املحبة بني الكائنات كعامل مثايل أ َّخاذ ،فتكون الصور الخالَّقة الناضحة بعبق الرتاكيب ،ممهور ًة بسحر الخيال األخاذ . فكيف للمطر أن يهطل بغزارة يف هذي الرواية ؟!! ال إ َّن حباتِه ما تسارعت اال لتق ِّبل األدي َم ٍ قبالت ضوئي ًة تغمز ملتمع ًة من قناة خفية تصل إىل املجرات . (حطَّت العاصفة رحالها ،ومللمت أذيالها م ِّخلف ًة وراءها مط ًرا خجوال ق َّبلت ح َّبات ُه األدي َم وتركت عىل صفحته ٍ قبالت ضوئ َّية حاكت بلمعانها وهج غمز ِ ات املجرة حيية ) . َ
و"وردة" الشاعر ُة عازف ٌة ،لك َّن ما يربطها باآللة تلك أي البيانو ،هي حكاية عشق :فاألنامل ال تضغط عىل أزراره بل تنقر مرتاقصة عىل اإليقاعات، يف ضوء الشموع املغازلة للزوايا .نحتار يف هذي الصور أنحن يف رسد للقاء عاشقني أم الروائية ترسم لحركة جافة بني آلة وإنسان ؟؟؟!! (كانت أناملها ترتاقص عىل مرسحه والشموع تغازل الزوايا ) . وما التذوق الفني اال طعا ًما يستسيغه الناشئ يف بيت الفن ذاك ،فالفرح يصبح جز ًءا من النبض ،ومعانيه تتغلغل يف املسام ،وإن هي إال ذاك النسغ املحيي للرشايني يض ُّخ فيها الحياة لثمر مستقبيل لذيذ الطعم هو فنان عظيم هو ذاك الصبي "حليم " (يف هذا الجو الراقي نشأ الطفل " حليم " متنعام بأبهى بوح فني متذ ِّوقًا طعمه الشهي حتى بات الفن جز ًءا من نبضه ،تتغلغل معانيه يف مساماته لتسقي بساتني تتحفز لثمر مستقبيل لذيذ الطعم ) هذي هي اللغة املربية !! هذي هي أستاذتنا املربية غادة إبراهيم املربية لألجيال !! ال تستطيع خلع إهابها إنَّه التوجيه !!! حب اللغة العربية ؟؟!! كيف سيمتلكونها بالسليقة ؟! كيف نغرس يف نفوسهم عشق ويتساءلون وتتملكهم الحرية ،كيف ِّ نرب أوالدنا عىل ِّ لغتنا والتفاين يف املحافظة عليها وتطويرها وتجنيبها اإلهامل؟؟!! كيف نطمنئ إذ إنَّنا سنسلم لهم دفة القيادة ؟؟!! بهذه اللغة لغة الروائية ،الح َّية النابضة بالجامل الفني باإلبداع ،نكرس الحاجز املسدود بني الطالب ولغتنا ،يعتادها هنا الطالب ويألف تذ ُّوقَها ،يعتمل يف نفسه الزه ُو بها ويتَّحد مع حروفها لينسج مشاعره بحروفها الغنية ،مزيال كل العوائق املستحدثة املستوردة من الغرب وبالتاث . تلك التي تد ِّمر عالقتنا باألصالة ُّ رواية " قصور ال تدخلها الشمس" عنوا ٌن لرواية تبحث عن شمس لقصور حياتنا .فكم من تعاسة ك َّنا سببا فيها !! موضوعاتٌ وهمو ٌم حياتي ٌة حملتها الروائي ُة ،تلقي الضوء فيها عىل مجتمعنا لرتاه مبجهر واعد بعد أن سلَّطت عليه املطر الكاسح للغبش، يغسل األدران العالقة عىل نسج الحقيقة املرة . املوضوع هم أوالدنا ،أطفالنا نبض قلوبنا ،مستقبلهم ه ُّمنا األعظم .مل ومل ولن نستطيع التخيل عن دورنا وحرش أنوفنا يف اختيار طريقهم .فالعادة تحكمنا بسياطها ،تقتل فينا روح اإلبداع ،فنعيش يف عباءة القبيلة نرتجف خوفًا من الخيارات البديلة : "وافقت وردة زوجها الرأي وص َّممت وإيَّاه عىل تطويع أماين وحيدهام " . الطبيب ال بد أن يصبح ابنه نسخ ًة عنه طبي ًبا ،واملهندس كذلك والتاجر واملزارع كل يرى يف الطفل الوليد رشيانًا آخر يضخ فيه طموحاته. فبه يكون استمراره عىل املنوال نفسه ،وكأ َّن الخيارات األخرى تعبث بنظام التوازن الكوين ،بنظام الجاذبية . . هو موضوع قديم حديث ،هو مشكلتنا فلنرتك دفة القيادة لل َّركب الجديد ،ولنمسك بالطرف نوحي أننا نش ُّد ساع َده ليتو َّجه بها َّأن شاء، فبتغيرياته يكون التطور والتغيري . مجتمع فيه من التناقضات ما رسمته الروائية بشفافية مطلقة تشري إىل العلَّة وتدير بوجهها وعينيها إىل الجهة املقابلة ،وكأ َّن األمر ال يعنيها. لباسا فاملجتمع ذكوري ّ أبوي ،األب هو املتسلط يف العائلة ،املو ِّجه لقرارات أفرادها ،املمسك مبستقبل الجميع مهنة أو حياة أو حتى ً جدي ًدا .ال خيار أمام خياراته ،ولو كان عىل حساب رغبات وحيده :فها هو حليم املنقاد قرسا لرغبة والده يف أن يصبح صورة طبق األصل من والده طبي ًبا يحس أنه " دخل نفقًا مظلام وهو أعزل يتحرق فيه لقبس يكرس غطرسة العتمة" ،عوض أن يشعر بالزهو والغبطة ،إذ تحققت
الطب يُشهره يف وجه املرض ملكافحته وتقديم السعادة للبرشية . أحالمه ،وبات ذاك الطبيب الحامل لسالح ِّ املقاييس املغلوطة تعالجها الروائية ،وجهات النظر املتباينة إىل األمور والعادات املتوارثة والعقلية السائدة املنبثقة عن املجتمع الذكوري األبوي .فهي إنارة عىل قضايا املجتمع ومشاكله .وإن شئنا أن نع َّدها من باب األدب امللتزم ،كان األمر ممك ًنا .فالرواية هذه رواية مربية سامية مو ِّجه ٌة مبجهراإلصالح ،مضيئ ٌة عىل العيوب املجتمعية يف التفكري ،عىل الرغبات اإلنسانية وميولها ،وعىل بعض األعراف والتقاليد السائدة. الطب والف ِّن كام بني املهنة والرتفيه بني العقل والعاطفة .فإشكالية اختالل املوازين يف األب طبيب واألم شاعرة عازفة فنانة ،واملفارقة بني ِّ التقييم املجتمعي مطروح ٌة كذلك عىل طاولة البحث يف روايتنا هذه . أية مهنة سيختار حليم إذا؟ وما موقف الوالد الطبيب وما موقف الوالدة الفنانة ؟؟ التقييم الهابط للفن بني املهن إشكالية أخرى طرحتها الروائية ومتثَّلت إذ تحكَّم الوالد مبصري ولده يف تخصصه الجامعي رافضا كل ما ميت بصلة اىل الفن ،وكأ َّن الف َّن سوس ٌة ميكنها ان تنخر بنية العائلة .ومن الذي وقف إىل جانبه ؟؟ األم الفنانة األم الشاعرة ؟! ال مل تقف اىل جانبه ،أقنعته أن هذا الخيار هو األفضل حتى ال يخرج عن مشورة والده.... التقويم الهابط للف ّن ،فالفن واملهن األخرى يف متايز ،والسائد يف مجتمعاتنا إنكار كل قيمة للفن مع أن الفنون إىل تهذيب النفوس واملشاعر أقرب . أنا الفن أنا مصهر التجارب وزبدة الحقائق منبوذ منبوذ منبوذ .... ِ لك الله أيتها الفنون العظيمة ،بك ترقى مشاع ُرنا ّ وترق ،ولكن ال مكان لك يف سوق الحياة مقابل العقل والعلم ،فأنت تابع للشهوة والنزوة، احتُ ِس ْب ِت عىل العاطفة والرغبة بينام كل املهن األخرى مصون ُة الكرامة رفيع ُة القيمة ملساندة املجتمع لها . مقاييس مغلوطة مجتمع ذكوري أبوي يتحكم فيه الوالد مبصري ولده ومستقبله ال بل ما زاد الطني بلة تدخل الوالد وتحطيمه آلخر قبس من أمل عند ولده يف تحقيق الذات ،أال وهو الزواج من فتاة أحالمه . اذا الخيار اآلخر كان سلطويًا ،لقد اختارها الوالد وفق طموحاته ،ابنة ذوي األموال دون النظر إىل مواطن التالقي مع رشيك العمر !! وهكذا صورت الروائية انهيار حياة بتنفيذ إعدام لفكر ورأي ورغبة عند كائن إنساين ، وبالسري وفق العادات والتقاليد واألعراف املوروثة يف أدق أمور الحياة .فال حرية رأي يف اختيار رشيك العمر ،وال حرية يف تقرير املصري واختيار املهنة !!. غادة إبراهيم روايتك" قصور ال تدخلها الشمس" تحتمل الكثري من الدراسات وما ألقيت إال نظرة واحدة ،وهي تستحق التم ُّعن والتمحيص لندرس فيها جامليات الرواية ،وتقنيات الرسد الروايئ التي برعت فيها كاتبتنا ،ناهيك عن املوضوعات النقدية املصاغة يف وعاء من بلورات الحروف املضيئة ،يرن وقعها يف آذاننا ،فتستسيغ عقولنا أرسها الجميل ،وتألف القلوب سطوة دالالتها وبعد إيحاءاتها . رواية تقرأها يف جلسة واحدة لكنها تغازل تفكريك لجلسات متتابعة من تفكري !!! بوركت شاعرتنا مليكة القصة ،وبورك حرفك الص َّداح املغرد بالفرح ،النابض بالعطاء الداعي لبناء اإلنسان .وإىل مزيد من األعامل الرائعة !!!
قصائد
حكمت حسن
عري ٌ عريب يلبس عرياً ترتاءى منهام ٌ ظالل مستكينة ٍ لجسد يتب ّدل كلّام ازدان ال ّنرص بتتوي ٍج للظّاهر واستم ّر إحتاللنا من طاق ٍة متب ّدل ٍة ٍ ووقت زائلٍ ق ّوته ذات سواد ***** تداع لينفصل الوقت ويلتحم املكان لتشل الغيوم ّ الصوت يتقهقر ّ ويتوقّف سيل األفكار خلف جدار ال ّنبض حب كبري ّ صاخب مل يولد تب ّناه الدمع فرفض ض ّمته األحزان فثار ومل ينته ***** جاذبية تتزاحم األفكار هجينة مشوبة بأشخاص يف الذّاكرة عىل اللّوح ال ّزجاجي صقي ٌع ولهاث ٍ أنفاس يخ ّط طرقات للعابرين يحتشد الوقت عليها
تنزل عمودياً بتثاقل عربوا سدى إالّك اخرتقت الحارض إىل الحارض ترك البخار آثارهم إالّك ***** حاجز ومضيت عىل عجلٍ صوب ذاكريت رسنا أفتّش عن ّ قاومتني األشجار تش ّبثت يب ات ّجاهك خاطئ عودي أسالك الكهرباء جدران البيوت أرست الهواء فال أم ّر كنت َ تذكرة مروري رأوك يف عيني وقلبي هتفوا أكميل ***** خصب اص الغيم يرت ّ رمادي المع ّ كل سقوط يتو ّهج مع ّ رميت من عليائك مج ّرة من أفكار قدتني إىل فلك مداراته نقتسمها
كلّام تراءى لنا إحساس شار ٌد ٌ بالحب ويوم أُخصبت ّ رصت رجال ًمقتبساً من فك ٍر ***** زائر ابتلعت األغصان رصير الربد نكست األطيار أجنحة الغيم متاثلت وعتم الهدوء أتيت مل تجد األي مم ّرا ً وكنت قد أحرقت املسار يك ال أبدأ وحدهام عيناك دمرتا املخبوء واقرتبتا ***** ساعات صخرية أجرجر الوقت وقد اختفى األمس بني جفنني فاضا تجنبا الربيق قنعا الحلم هناك ك ّنا كراقصني عىل مالعب حجرية جناحا فراشة وتألّق عزف ارتقى يف األودية غنى يف تجوال أسطوري قالت ذات حقيقة كنا هنا ***** ذنب
يتحول قلبي إىل مهرب يدعي أن إلهه الفكر ألصق به تهمة أبعد عن الحب مبسافة شعاع وأقرب من التصاق الضوء بالصوت رسقك مني ونجا بفعلته ***** رمح ضبايب املنري حدود للحزن وغمويض مثة رمح مر مل يلتئم الهواء بعده تجرح صوت مرر جبهته بتأن ندياً أصبح أحمرا من خالله أنظر وأنتظر وصوله ***** قارئة أدخل الظل أفتش عن أضواء يف خباياه تلوح يل ساموات مرقّمة وأقامرا ً مرصوفة تنتظر الهداية أحتمي بال ّنور منه يرسم خطوطاً يؤكّد أنّها متّصلة إىل ما ال نهاية والظ ّّل ال شكل له ما حوله يرسم حدودا ً يتو ّدد إليه قبل أن يبتلعه
يف حرضة اليأس
زهراء املوسوي
بع َد الريا ِع التاميس كان مشكلتي دم ِ الكاس أسلَمتُك القلب أنقى من ِ شعرت لِل َوهل ِة األُوىل كَأ َّن دمي ُ يرضب أخاميس بأَسدايس قد صار ُ قد كان حبي بعيدا ً مثل مشكلتي وكم تعذبت من غارات إحسايس يوصد يف طَوعاً ول ُ َجت وكان الباب َ وجهي ،وكانت جيوش اله ِّم ُح ّرايس ليت قَلبي الذي بالحب رسبلني و َ ما َّ دق يف العيد للتذكار أجرايس بت وحدي وضا َعت كل مملَكَتي قد ّ الكل جرياين و ُح َّرايس و خانَ ِني ُّ وت بِه و خانَني ِم َنك وجدا ٌن ز َه ُ فها َجرت رِيشَ تي يف بوح ِقرطايس قد صادر الدهر مني تاج مملكتي ويف ِ أعلنت إفاليس بنوك الهوى ُ ف ُك ْن حبيبي ،فقد أطلقت أجنحتي طيب أنفايس ألجتني يف فضايئ َ أجن منه غ َري مشكلتي حب ومل ِ ٌّ يصب الهم يف الر ِاس وحزن ٍ قلب ّ جسدي وكان حبك كالزلزال يف ِ َ الحسا ِد من نايس به أعو ُذ م َن َّ متنيت لو دار الزمان بنا وكم ُ يف صف ِو َع ٍ يش و يف حزنٍ و أعر ِاس...
ليل ٌة كُنا
شعر /رياض الدليمي
قلب اِحسبيها شطح َة ٍ خريف أو مراهق ُة ْ لِ َم ِ أنت حريى وقَ ْد نَذرتُ األعيا َد قرباناً ؟ برفق َضب البو ِح ٍ أطفئي غ َ ِ الهمس تَ َه َجدي بصال ِة القلب أَطلقي الي َد وال ت َُس ِّوري َ ال تندمي ِ وأنت تحلق َني يف ساموات الرو ِح وأَنجمي ... َح ِ سبتك ت ِ َعلمت الدرس !... ضت خمسو َن عاماً َم ْ ِ القلب وأنت تُحصن َني َ كل ُح ِ صونك أكل َّ الخريف قد َ ُ وبع ْد ، أتدرك َني يا سيد َة الخريف أَن َني الرب ِد ؟ وثنايا الثلج ، تحل ُم بدف ِء الليل ِ ونبضك ... ال خطيئ ٌة وال ذنب ِ هياج الرو ِح ...فلَ ْم ت َ َن ْم من أو ِل فصلٍ إن هدأت َ وشمس ، ْ ساهر ٌة يف َسكر ِ ات الكَرى وموت ، أفصحي عن مت ّر ِد شغاف الليلِ ونريانِ فَ ْم ؟ ِ مازلت تَعدي َن َخطايا الليل ! أَم هم وه ْم ! وأراجيح العم ِر بني ٍ َعزف أسطور َة َ أوتا ُر أناميل ت ُ تلك الليل ِة ، غاب فيها العم ُر ..هدأتْ ... لقد َ وتوقفت دور ُة ِ األرض ْ الشمس غادرتْ زوالها ُ ال ُمستق َر لها وقت ..... وال ْ هل ِ الرب طلبت أن َ يطيل ُّ خريف فصول القلب ؟
نابل تَشه ُد الس ُ ـأكتب و َ َس ُ َذبـل ابق يف ُسـهو ِل الح ُـ ِّب ت ُ ـأكتب َحتَّى ال َزنَ َ َس ُ ـأكتب للشَّ ِام لؤلـؤ ُة األوطا ْن َس ُ و عيوين ِم ْن اإلنتظـا ِر تَد َمـ ُع ـت ِعي قرو ِح ال ُغربة تَن ِّب ُ َع َ ىل َمواج ِّ هطل يل يَ ُ و أمطا ُر الشَّ وقِ يف لَي ِّ ـأكتب َحتَّى ال َنسي َم ِف ث َغ ِر الور ِد يَ ّسـك ُر َس ُ و ال َج ُ داول عىل ذرا ِع امل ُدنِ ت َنشِّ ُد ـأكتب للق ِ ُدس َس ُ أَمري ُة الشَّ ـرقِ معص ِمها ك ُُّل األَنبيا ِء ول ُدوا ِم ْن َ َتبخت ىل ِذرا ِعها ك ُُّل ال َع ِ واصم ت َ ُ َع َ و َعىل َصدرها الزمانِ و األديانِ تَتم َّد ُد بأسم ال َّر ِّب و ِ يوم شَ ع ُبها يُقتَ ُل ُّ كل ٍ أكتب عىل كَفنِ الشَّ هي ِّد َس ُ ُهنا َمرقدا ً للعطو ِر ُلوب ت ُر َّد ُد و الق ُ ـأكتب لل َمقهورين َس ُ ُ تتمزق َدسات َري الظُلم اىل ان وت ُ َنزف أُذ َن املَسـؤليني َسـأنشُّ ُد للفُقرا ِء َحتَّى َيوتُ الذُل بعلّ ِته رص فَ ْو َق و يَسـه ُر ال َن َ وطني َج ِّبي َم ِّ
ـأكتب س َ ُ خلـود منـذر_ سـوريـة
الصاحب الجليل
أنيس عطا
كنت عند املنايا أنا ياصاحبي ُ
ماتبت العشق وحق ِ ُ إي َّ وأنني ْ
الصمت أجثو ويقتلني يف صمت ِه ُ
شواطئي حانتي الغ ّنا ُء سنبلتي
رض يف ليلٍ يقلّبني ال ُ الكأس يح ُ
مارمت أهيل وغاني ٌة سمرا ُء ُ
منت وال النهو ُد عىل آكامها ُ
هذي الجنا ُن جميعاً ك َّن يف ٍ ترف
لك َّن يل غص َن ٍ شوك كان يُلهمني
خفت عىل العيونِ فام أذعنت أو ُ ُ
بعض الحيا ِة فينأى ذلك املوتُ َ
ياصاحبي أشتهي والل ِه صحبتَنا
استعصمت يف زمني علمت كم فهل ُ َ
أمت حديثَنا ودروباً مابها ُ
ٍ خضت عذابات وكم طويت وك ْم ُ ُ
ُ كنت أشبعها أشتاق جلس َة خم ٍر ُ
نصف سنيني يف منازل ٍة أحرقت َ ُ
شئت شعرا ً وتشبعني سكرا ً متى ُ
م َع الحديد يُالويني وقد فزتُ
ولو أضعت شباباً ر َاح من زمنٍ ُ
ِ عتي غري أن دمي رس ُّ الحديد ٌّ
قمت لك َّن يب شغفاً يزهو متى ُ
الوقت أعتى فقطّ َع قيدا ً عاب ُه ُ
أخ ْرب حبيبي الذي أهوا ُه من صغ ٍر
ِ ضفاف دمي زرعت بذر َة ح ِّبي يف ُ فليس يردعني ٌ خوف والج ْب ُت َ
الشيب عن رأيس إذا ُ عدت ميسح أ ْن َ َ
األيام أغنيتي ورحت أشدو اىل ِ ُ ِ عشت مرحاك بغدا ُد َّ ياكل الذي ُ أنا ِ فتاك فقويل اي معرتك تنازلني تريني ماردا جئت ُ جميل دو َن توبت ِه الحبيب ٌ فهو ُ
يا واثِ َقاً ب َعدالَ ِة األَيَّام
الشاعرة بلقيس :إكرام الجنايب
يا واثقاً ب َعدالَ ِة األَيَّ ِام ْص ف ِإنَّ ّك يف َح ٍ دام ديث ِ أَق ِ ْ انْظُ ْر ب َع ْ ِي ُمرا ِق ٍب ُمتَ َف ِّح ٍص وام ما أَ ْح َدثَتْ ُه ق َْس َو ُة األَ ْع ِ ُم ْذ َع ْه ِد آد َم والحيا ُة مليئَ ٌة بال َقتْلِ وا ِإلقْصا ِء وا ِإل ْجر ِام شق َْت شَ ْم ٌس عىل أِ ْرجائِها ُم ْذ أَ ْ َ َناسل َْت يف ُع ْمرِها املُرتامي وت َ وشورِها و ْه َي البال بظَال ِمها ُ ُ كام وال َقتْ ُل فيها َس ِّي ُد األَ ْح ِ َع َّم ْت َم ِ فاس ُدها الوِها َد ولَ ْم ت َ ُك ْن إِلَّ أَداة َ ق َِطي َع ٍة ِ صام وخ ِ جل جاللُ ُه ُس ْبحانِ ُه الل ُه َّ َخل ََق الدُّىن مل َ َح َّب ٍة و ِوئام وأَحاطَها برعاي ٍة و ِعناي ٍة عام وا ِإلكْر ِام يف ُم ْنتَهى ا ِإلنْ ِ لك َّن َم ْن أُ ْعطي األَمان َة خانَها دام ومىض بَعيدا ً يف ٍ طريق ِ َر َه َن الحياة َ لطَ ْب ِع ِه و ِمزا ِج ِه ظام ش َع ٍة ونِ ِ ُمتَبا ِعدا ً َع ْن ِ ْ وأَدا َرها ب َحامقَ ٍة و َجهالَ ٍة َج َّرتْ ٍ مآس كُلها وطَوام ِ بيل ِم َن األَذى لَ ْم يَ ْسل َِم ال َّر ْه ُط ال َّن ُ ْوام و َعدَتْ علي ِه ق َْس َو ُة األَق ِ اللئيم شَ وا ِه ٌد الس ْف ِر ِ ولنا ِم َن ِّ ْهام ٌ ودالئل ت َْس ُمو َعنِ ا ِإلت ِ الضاللَ ِة وال َعمى َح َك َم ْت به ُز َم ُر َّ غام بسياس ِة التَّ ْجهيلِ وا ِإل ْر ِ ولَ َك ْم طَ َغ ْت وت َ َغ َّول َْت وتَ َف ْر َع َن ْت يالم يف غاية ا ِإليذا ِء وا ِإل ِ السام ِء وأَ ْهلَها واستَ ْه َدف َْت ِق َي َم َّ ْ حام ِم ْن طا ِه ِر األَ ْص ِ الب واألَ ْر ِ نبي و ْه َو َم ْح ُض طَها َر ٍة كَ ْم ِم ْن ٍّ اآلنام ونقا َو ٍة َع ْن سائِ ِر ِ َج َّرتْ عليه نَوا ِزالً وكَوارِثاً اآلالم لَم يَ ْحتَويها ُم ْع َج ِم ِ والنبي َم ْح َّم ٌد يحيى وموىس ُّ
مبقام و َعدا ُه ُم ِم ْن سا ِم ٍق ِ كؤوس ال َق ْه ِر ُدو َن جِناي ٍة َجر ُعوا َ ش األَشْ با ِه واألَقْز ِام ِم ْن َم ْع َ ِ الصال ِح و َم ْه ُر ُه لك َّن ُه َث ْ ُن َّ يا واثقاً ب َعدالَ ِة األَيَّ ِام
عىل ظالل الذاكرة شعر /خلود منذر
مع الشمس... تكرب ظالل البرش تصمت األصوات حني سقوط املطر و عىل بساط العشق يزحف النسيان ... حتى تتالىش رائحة الشوق من وسائد الصرب، أنت... و َ ماز َال ِصدام َص ْ داك يُقارع مغارة الصدر ينسج شال غربتي ُ بألوان رمادية، يغيب قوس قزح ُ من سامء الطفولة تلفظ األنفاس أخر الحروف ْ بأسمك... ال شيئ يتعب الذاكرة أكرث من مواويل الخصام صلب الزهر... يَ ْ يف أَ ِصيص القحط و قبل والدة الغيث ينعدم الشذا، ما عا َد ظيل هناك... اِسأل مرآتك و خاطب عيونك... حني كانت قصائدك تتمدد عىل جداويل يصل مداد ألوانك إىل املجرة... كنت تحيا من جديد َ بني ومضة ُحلمي و محربة... تجمع الندى من جبني ريايض عبثاً... غادرتَ فضاءايت
رستَ مع العابرات.... فوق خيوط الجسد تك ّدست الكدمات من قبلة نازفة و مشنقة... أعلنتها محكمة الوفيات يا َم ْ داك انا يف صمتي نداءات تخترص وجع املسافات
فريوز
جوين شباط
أظ ُّن تَرانا اآلن ٍ بصوت يحيك عني وعن ُك ُم عاشق يف ذهنِ ِّ كل ٍ والضو ُء يف عينيها فوضوي تُخفيه بشَ ع ٍر ٍّ وتُخفي دمعاً ِمن َمر َم ْر الحب وكام ُّ يَس ِب ُق ُه ال ِغوى يَسب ُِق صوت َِك ِ الحامس إرس ٌاف يف َنص للصو ْر وق ٌ الظالم خرج من ذاك ِ ...ثم يَ ُ ثوبُ ِك الل َّّمع مسا ًء مرشقاً ْ الظالل شمساً عىل كل ال ِ ينهض الصباح ِ بنجواك إلّ تجولني يف قلب القصور ِ يف قلب األزقَّه يف قلب املقاهي يف قلب األح ّبه ِ نجواك تحيك عن ٍ ناس ُسلِ َخ ْت اب َمواط ِنها عن تر ِ تحيك عن ٍ طيف ٍ عاص عىل الزمن الناي اىل يُ ُ نصت ُ شد ِو ألحانِه ِمن خلف مر ِ اياك الناس عن حالِ ِك ِ اذا ما َ قلت سأل ُ ...قد ُم ُّت يو َم ماتْ
فريوز الصدى مولِ ُد ِك َر ْج ُع َّ ِ الوقت ِمن ذاك ِ الوقت خارج َ قادم ٌة من جيلٍ ال يَشيخ وال يتالىش أَ ِط ّل أُ ُّمنا الت األغاين ما ز ْ تَ ي ُد يف الهوا ِء ملْ ت ُْس ِقطْها ريح وال َسأَ ُم ٌ يا آخ َر ال ِقال ِع الصيف وص ْخ ِب ِ مغيب َّ َ ِ بك الشِّ ع ُر نَط َْق يا ُد َّر ًة الصب ِح ِمن عا ِج ُّ ال ِ الباب خلف َِك توصدي َ بوحي لنا كيف وط ٌن َ ٍ ص بصوت يُختَ َ ْ
روحي تعانقني
شعر /رنا عبد الله
تزف إىل عيناي دموع الفرح ترسبل قلبي بطرحة مشاعر ناصعة النبض.. تراقصني نبضايت عىل وقع خطى العشق املوعود.. أعتيل أجنحة الفرح يشدوين الحب معزوفة رومانسية النوتات تبدع اوركسرتا العينني يف تلحني الكلامت غارقة كانت منذ زمن يف بحر من سكات .. أ عاشقة أنا؟! أناي تسأل املرآة.. فينبت الزهر وتتورد الوجنات.. هي ذي انا وجدتني يف بحر تلك النظرات أعلن إبحار مشاعري بإتجاه الحياة
تشيزوفرينيا الحروف د .هويدا رشيف
عىل رشفه احزاين منا غصن حبك احرتت ااحلج جذوره ام ارويه مباء عطفك امللم سعاديت عند رؤياك اسكر من لحن صوتك ترنيامت تنسج يف صدرك تطرب اذين عند لقياك ال اشبع من مالمح محياك ال اعلم اانت مرسول القدر ام سعي من مسعاك وبعض تشيزوفرينيا الحروف
عىل قدر الهوى د.هويدا رشيف
يأْيت ال ِعتاب ألوم معذِّيب ألو ُم ذايت فاسخطها ويرضيها العذاب استطعت ولو َأن ُ لتبت عنه ُ ولك ْن كيف عن روحي املتاب هو ذايت هو انا هو السلوان والصواب وقلبي جزاؤه انه هوى وهل من يهوى يثاب؟ صحوت فانكرت نفيس وفرضت عليها العقاب الن القلب يف يده زمام امري وما اغتضت عن عشق عاشقي فاعدت العهد وامتد العتاب رجوت الخالق ان اعود لرشدي واال عىل الدنيا الرساب فمحبويب وانا مصابان بشيزوفرينيا الحروف دون حجاب
روحي تعانقني
بقلم الشاعرة رنا عبد الله
روحي تعانقني بقلم الشاعرة رنا عبد الله روحي تعانقني تزف إىل عيناي دموع الفرح ترسبل قلبي بطرحة مشاعر ناصعة النبض.. تراقصني نبضايت عىل وقع خطى العشق املوعود.. أعتيل أجنحة الفرح يشدوين الحب معزوفة رومانسية النوتات تبدع اوركسرتا العينني يف تلحني الكلامت غارقة كانت منذ زمن يف بحر من سكات .. أ عاشقة أنا؟! أناي تسأل املرآة.. فينبت الزهر وتتورد الوجنات.. هي ذي انا وجدتني يف بحر تلك النظرات أعلن إبحار مشاعري بإتجاه الحياة
أمري فرحات يوم مولده ْاس ُم أمري قــد ت َـزيَّــا س ِّيدا و ْج ُهه ُبيـن املعــاين م ُـفـ َردا
إ ْن ب َـ َد ْت من ثَغــر ِ أمري بسمة ٌ تفرح ِ ال ُّدنْ َيا وتغــدو أسعــ َـدا السحـ ِر من أدب ٍ لَ ُه وحديــثُ ّ يجلب ُ الشــوق َ إلي ِه ع ُـــ َّودا نهوند ٌ مـن مقامـات ِ الهــوى صوت أمري رقـة ٌ يحيك الهدى ُ لَمس ٌة حنون ٌة ٍ من يديـ ِّه عجيبة ُ كأنها أصفى من خيـا ٍل مـ َـوردا بقلم الشاعرة العراقية بلقيس الجنايب
ث
رو ة
ح ظ ا ً س ع يد ا ً
ميكن أن يكون من نصيبك عليك اإلتصال اآلن بعاملة الفلك نجمه عىل الرقم التايل 0096171422540
عاملة الفلك (نجمه ( لديها خربة اكرث من 9سنوات يف مجال علم الفلك وقراءة الكف والوجه ولغة العيون وتوافق األبراج لديها اكرث من ظهور أعالمي عىل العديد من القنوات التلفزيونية مثل قناة(ملسات العرب) وقناةالبصرية ميكنكم التواصل معها عىل صفحاتها عىل مواقع التواصل االجتامعي او عرب تطبيق (برصيل) لتستفيدوا من خربتها الواسعة يف جميع جوانب الحياة
بإمكانكم اإلتصال بنا عىل هذا الرقم 0096171422540