October Ya7elween SPECIAL ISSUE

Page 1

‫يا حلوين‬

‫‪7‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪t‬‬

‫‪c‬‬ ‫‪O‬‬ ‫‪e‬‬

‫‪celebrity l luxury l diversity l aristocracy‬‬

‫‪u‬‬

‫‪s‬‬ ‫‪s‬‬ ‫‪I‬‬ ‫‪l‬‬

‫‪ia‬‬ ‫‪c‬‬ ‫‪e‬‬

‫ساقى نامه‬

‫‪Sp‬‬

‫شعر‪ /‬حافظ الشريازي‬

‫املهم أن تكون إنسانا‬

‫بقلم‪ :‬سعيد بوخليط‬

‫لؤي كاسب وفن النحت عىل البيض ‪..‬‬

‫تقرير‪ :‬أيوب مرعي أبو زور‬

‫أهمية االعالم الرقمي يف تطوير الصحافة اإللكرتونية ‪..‬؟‬ ‫العامل االفرتايض ‪ ..‬وغزة فكرية تحمي االديب واملفكر ‪..‬؟‬ ‫بقلم األديبة والشاعرة الجزائرية سليمة مليزي‬ ‫‪New Horoscopes 2017‬‬ ‫الحب ‪...‬‬

‫تعريف‬ ‫بقلم رئيس التحرير د‪.‬حسن فرحات‬


‫يف العام ‪ 1938‬نرش العالمة عبدالله العالييل كتابه " مقدمة لدرس لغة العرب ‪ ،‬وكيف نصنع املعجم الجديد‬ ‫‪ ،‬وفيه درس فروع العربية فتناول النحو والرصف واإلشتقاق والبالغة ‪.‬وصدره بعبارة تقول ‪" :‬ليس محافظة‬ ‫التقليد مع الخطأ ‪ ،‬وليس خروجاً التصحيح الذي يحقق املعرفة"(‪ .) 1‬وقد جاء الكتاب من عالّمة يف اللغة ليشكل‬ ‫محاولة رائدة لتحديث اللغة العربية ‪ ،‬ووضع اسس لإلشتقاق ‪ ،‬والترصيف لتظل العربية مواكبة للعرص دون‬ ‫أن تقطع مع ماضيها ‪ .‬وبعد ما يقارب الثامنني عاماَ تأيت دراسة خالد كموين " فلسفة الرصف العريب "(‪ ) 2‬لتثري‬ ‫الهموم عينها وتضع الفرضيات وتطرح الخالصات من منطلقات فلسفية ‪ ،‬ابستمولوجية وأونطولوجية‪،‬تربط‬ ‫الرصف بالعقل العريب من جهة وبالواقع املعيش من جهة أخرى ‪.‬‬ ‫وهذه الدراسة تشكل امتدادا ً ملا مياثلها من دراسات تتناول العقل العريب‪ ،‬أو العقل اإلسالمي ومنتجاته من‬ ‫فقه وكالم وفلسفة وعلوم لغوية ‪.‬‬ ‫لقد شاع يف القرن العرشين مصطلح " املنعطف اللغوي يف الفلسفة " حيث برزت الفلسفات اللغوية التي‬ ‫ترى أنه ينبغي النظر اىل املشكالت الفلسفية باعتبارها مشكالت لغوية ‪ ،‬كام هي الحال يف الفلسفة التحليلية‬ ‫واإلتجاهات البنيوية ‪ .‬وتغريت النظرة اإلبستمولوجية اىل العقل ‪ ،‬فتغري البحث من العقل وملكاته اىل العقل‬ ‫بوصفه منتجاً للمعنى ‪.‬وهكذا تحول انشغال الفالسفة من البحث يف ميدان الحقيقة اىل البحث يف ميدان املعنى‬ ‫والداللة اي من البحث يف حقيقة ينبغي اكتشافها ورشوط هذا االكتشاف وحدوده ومرشوعيته اىل الحقيقة التي‬ ‫يتم بناؤها استناد ا ً اىل اللغة والثقافة ‪.‬‬ ‫وألن منتجات العقل ترتبط باللغة والثقافة بات باإلمكان الحديث عن عقل عريب او عقل غريب أو عقل إسالمي او‬ ‫مسيحي ‪ ..‬الخ بعد أن كان العقل يف الفلسفة الحديثة من ديكارت اىل كنط ‪ ،‬بوصفه ملكات أو قدرات معرفية‬ ‫‪ ،‬أعدل األشياء قسمة بني الناس ‪.‬‬ ‫منذ مثانينات القرن العرشين شاعت الدراسات التي تتناول العقل العريب او العقل اإلسالمي إنطالقاً من‬ ‫منتجاته اللغوية والثقافية ويف هذا اإلطار تايت دراسات محمد عابد الجابري ومحمد اركون ونرص حامد او زيد‬ ‫وغريهم حيث نظر اىل النظام اللغوي العريب من خالل ثالثة مرتكزات ‪ :‬العالقة بني اللفظ واملعنى ‪ ،‬والنحو‪،‬‬ ‫والنظم ‪.‬‬ ‫وقد أتت دراسة كموين يف هذا السياق لتذهب عميقاً يف معالجة مسألة الداللة والعالقة بني اللفظ واملعنى‬ ‫وارتباط كل ذلك بالواقع املعيش ‪.‬‬ ‫وقد حدد يف الفصل األول غايته من دراسة ماهية الرصف العريب بأنها " العقل التفكري " بهدف إدراك نوعية‬ ‫العالقة بني اإلنسان ومحيطه بني عنارص الذات وعنارص الواقع ‪ ،‬وأشار اىل أن السعة اللفظية ليست إال داللة‬ ‫عىل انغامس الذات العربية يف بيئتها ‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك وجود مثانني إسامً للمطر ‪ ،‬مخالفاً بذلك رأي‬ ‫الجابري يف " تكوين العقل العريب "‪ 4‬حيث اعتربأن هذه السعة اللفظية او الفائض يف األلفاظ عىل املعاين‬ ‫سببه جمع اللغة من عدد من القبائل كانت تسمي اليشء الواحد بأسامء مختلفة ‪.‬‬


‫فلسفة الرصف العريب ‪:‬‬ ‫محنة اللغة ورضورة التحديث‬

‫د‪ .‬عبده شحيتيل‬


‫اهتاممه بالزمن ومحاولته السيطرة عليه ‪.‬‬ ‫واملنطق الذي يحكم سريورة الرصف العرب هو منطق االشتقتق والزيادة انسجاماً مع الذهنية الشَّ يمية التي‬ ‫ترمى اىل الربط بني وجهات الزمن املعيش واملكان القابل للعيش يف لحظة انبعاثية واحدة ‪.‬‬ ‫الشَّ يمية ‪ ،‬اذن ‪ ،‬يف بعدها الفلسفي ‪ ،‬هي ربط بني الرصف واملعنى والداللة ‪ ،‬وصياغة ذلك يف الزمان واملكان‬ ‫من جهة ‪ ،‬واإلنسان باعتباره ذاتاً فاعلة يف الحارض من جهة أخرى ‪.‬‬ ‫والخالصات التي سعى البحث الوصول إليها هي اآلتية ‪:‬‬ ‫ إن الرصف العريب هو العلم املساوق للنهوض العريب ألن يف بناء الهيئات اللفظية يتشكل ما يسميه "الذخر‬‫املعنوي القادر عىل بث رؤى جديدة للكون" ‪.‬‬ ‫ القاعدة يف الحياة هي الصريورة الدامئة ‪ ،‬األمر الذي يقتيض السعي الدؤوب اىل إثبات حضورنا وحضور‬‫األشياء ‪ ،‬لذلك نحن بحاجة اىل ترصيف دائم ألننا يف حال من التغري الدائم ‪.‬‬ ‫ النظر اىل ظاهرة اإلشتقاق ليس باعتبارها ظاهرة رصفية فحسب بل ظاهرة وجودية شاملة ‪ ،‬ذلك ان أي تقليب‬‫يف مواضع الحرف داخل اللفظ ‪ ،‬ارتبط ‪ ،‬دون شك ‪ ،‬بتجربة معيشة استدعت التعديل ‪.‬‬ ‫ إن الرصف هو علم تحديث عام للعربية ؛ فاالشتقاق طاقة بنائية مطلقة يف العربية ‪ ،‬ولكنه التزم مبا‬‫اشتقته العرب وسارت عليه ‪ ،‬وأصبح قارا ً عىل نحو معروف ‪ ،‬أما الترصيف فهو قابلية منهجية للزيادة والتغيري‬ ‫والتحويل ‪ ،‬فهو قد يكون اشتقاقاً ‪ ،‬وقد يكون إحداثاً لبنية جديدة يف اللفظ استناد ا ً اىل بنية موجودة أصالً ‪.‬‬ ‫إن النامء النوعي يف اللفاظ الذي ينتجه فعل الرصف هو اإلجراء النفعي الذي ميكن اللغة من أن تبقى حاجة‬ ‫مستمرة أي أن تبقى حية ‪.‬‬ ‫ ال تنتقل ألفاظ اللغة كام هي عابرة الزمان واملكان واإلنسان ؛ فاللغة كلها مفهوم راهن ألشياء الكون ‪،‬‬‫لذلك ؛ إن ترصيفها هو امتداد تاريخي لها ‪ ،‬هذا االمتداد بقاءه مرهون باملعرفة اي بإبقاء مفاهيمه يف ساحة‬ ‫الحراك الفكري الدائم ‪.‬‬ ‫ ال بد من القفز اىل األمام يف اللغة ‪ ،‬ولكن ذلك ال يكون بقطيعة معرفية مع تاريخها بل بابتكار الطرائق‬‫والوسائل التي تصل ماضيها بحارضها لضامن مستقبلها‪ ،‬وذلك يقتيض أن يكون هناك جهات مسؤولة تضع‬ ‫ضوابط التوليد ‪ ،‬ليكون الرصف مبثابة املفاعل الحيوي للتجديد اللغوي ‪ .‬ويتم تجاوز ما يسميه كموين ‪،‬‬ ‫املحنة اللغوية الحقيقية ‪ ،‬وذلك يتطلب الجراة يف تطوير علم الرصف واللغة عموماً ليك تتم مطابقة األلفاظ‬ ‫مع الواقع بحيث ال يكون لدينا الفاظ غري رضورية لعيشنا ‪ ،‬بل يكون اللفظ نضحاً لصورة العالقة بني اإلنسان‬ ‫وواقعه املعيش ‪.‬‬


‫واعترب كموين أن العريب ليس لديه ثابت إال ذاته ‪ ،‬وهو ال يقرأ مشهد الوجود ألجل تعرف يشء خارج ذاته بل‬ ‫لتعرف ذاته بإزاء الوجود ؛ ففلسفة الوجود العريب قامئة عىل متوقع الفاعل ( اإلنسان ) بني مفعولني ( األشياء‬ ‫والكلاملت ) ‪ ،‬أما الفعل فهو أداة الحضور التجريب يف العامل ‪.‬وانطلق من فرضية تقول ‪ :‬إن إدراك حجم تأثري‬ ‫اإلنسان العريب حضورياً يف الكون يتم عرب استقراء حضوره يف اللغة ‪.‬وإن الفلسفة العربية ال ينتجها إال التعمق‬ ‫يف بحث اللغة ودراسة بنيتها التنظيمية وتفكيك عنارصها املكونة ‪ ،‬ألن العريب أبدع صورة للكون الذي قطن‬ ‫فيه وللزمان الذي واجهه وللنفس اإلنسانية يف لغته ‪.‬ولغة العرب هي فلسفة العرب ‪ ،‬إذ إن البحث يف هذه‬ ‫اللغة بالنظر اىل قواعدها ونظامها الرصيف والنحوي هو بحث يف سؤال األنطولوجيا نفسه ‪ ،‬ويف عالقته بالكائن‬ ‫واملكان انطالقاً من رؤية وعقل ‪ ،‬أي محاولة دامئة لوضع الكون يف إطار نظام مدرك مجاله هذه اللغة ‪.‬‬ ‫من هنا تأخذ دراسة اللغة بعدين ‪ :‬إبستمولوجي وأونطولوجي ‪ ،‬وتتجاوز مقاصد علامء اللغة الذين يتناولون‬ ‫مسائلها باعتبارها قامئة ومكتفية بذاتها ‪.‬‬ ‫ويف بحثه بهذين البعدين أشار كموين بشكل واضح يف القسم األول من الكتاب اىل أنه وجد عدة البحث يف‬ ‫املنهج الفينومينولوجي بدء ا ً بهورسل وانتها ًء بهيدغر ‪ ،‬ألن اإلنسان كائن معريف ‪ ،‬وهذا الكائن يبدع كينونته ‪،‬‬ ‫فهدفه أبعد من أن يكون مجرد استيعاب ملا هو موجود ؛ فالكائن يبدع ماهيته يف الوجود ألن املاهية ليست‬ ‫محددة مسبقاً ‪.‬فالهدف يبدو عند هيدغر ‪ ،‬كام يالحظ الكاتب ‪ ،‬هو الذات وليس األشياء األخرى املوجودة ‪.‬‬ ‫والذات يف الحارض تجمع الزمان ‪ ،‬فهي تتزمن املايض واملستقبل معاً يف نقطة الحارض ‪.‬‬ ‫وباإلنتقال اىل مسألة الرصف فقد عالجها كموين باعتبارها مظهرا ً للعالقة اإلبداعية بني الفكر والنطق ‪ .‬وافرتض‬ ‫أن فهم الرصف ال يتم إال من خالل فهم العقلية التي أنتجته علامً ليس يف اللغة فقط بل يف الحياة أيضاً‪.‬‬ ‫إن ما يحكم البناء الرصيف العريب هو قواعد علمية أساسها فلسفة الذات العربية ‪ ،‬وما األحكام اللغوية إال‬ ‫رشح لكينونة اإلنسان يف الوجود أي مقتىض وجوده ‪ ،‬ومظهر هذا الوجود يف آن ‪.‬‬ ‫يف صياغة العرب للكلمة ‪ ،‬كام يرى كموين ‪ ،‬تكمن رؤيته اىل الكون عامة ‪ .‬من هنا فإن الرصف العريب طاقة‬ ‫رضورية إلعادة االعتبار لعالقة اإلنسان بالحقيقة والوجود ؛ ففي متكن الذات من لغتها يتجىل اتساع الفهم‬ ‫ملواضيع الوجود ‪ .‬إن الرصف تصور للمعنى يف اللفظ ‪ ،‬والكلمة مجموع من الرؤى املتأرجحة بني الذهن‬ ‫والواقع ‪ .‬والعالقة بني فعلني معرفيني ‪ ،‬التسمية من جهة ‪ ،‬والداللة من جهة أخرى ‪ ،‬هي عالقة جدلية ‪ ،‬إذ إن‬ ‫اشرتاك املسارين يف تحديد بنية املفهوم الرصيف يجعل الترصيف أدا ًء فلسفياً يفرض نفسه عىل اللغة واإلنسان‬ ‫؛ فالرصف وغريه من العلوم التقعيدية ليس إال مظهرا ً للعالقة بني اللغة والواقع ‪ ،‬بني مكونات العقل ومكونات‬ ‫الواقع ‪ .‬وقد ربط كل ذلك باملفهوم الجديد الذي أىت به بعملية ترصيف إبداعية وعرب عنه مبصطلح الشَّ يم‬ ‫؛ فالشَّ يم فعل وجودي عند اإلنسان ‪ ،‬بحث كموين يف مرجعيته التصورية ‪ ،‬فرأى أنه موجود يف كل فعل يقوم‬ ‫به العريب ‪.‬‬ ‫إن مفهوم الشَّ يم ‪ ،‬كام يحدده ‪ ،‬يحتوي إمكان العودة اىل زمن مىض ‪ ،‬وإمكان امللء الكامل للحارض ‪ ،‬وإمكان‬ ‫الرتقب لإلنبعاث يف املستقبل ‪ .‬واألساس يف ذهنية العرب الشيمية غياب التوقف ؛ فالسكون مرحلة بني متحركني‬ ‫‪ ،‬وال سكون إال من أجل الحركة ‪ ،‬وبالنتجة الصل الحقيقي هو التقاء املايض باملستقبل يف لحظة الحارض ‪.‬‬ ‫والشيمية التي يتحدث عنها هي إمكان الكشف عن منتوج الرتقب يف اللفظ ؛ فالطاقة االستيعابية لفعل الشيم‬ ‫تجعله يحمل اإلظهار واإلخفاء ‪ ،‬والتقدير معاً ‪ ،‬وفيه يحرض الذهن العريب يف رحلته الوجودية من خالل‬


‫تحس وجع كلامتها لكرثة ما َح َّملتها من مشاعر‬ ‫الشعر عند حكمت حسن "لَ ْم ٌح تكفي إشارت ُه" كام يقول البحرتي‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫اللمح يجعلك ُّ‬ ‫وأحاسيس‪ ،‬لقد ش َح َن ْت كلامتها بشظايا ذاتها‪ ،‬فكادت الحروف تنئ وتشتيك من لذع الوجدان وضيق أواين الكلامت عن اختزان ما يفور بني‬ ‫سبب إرصارها عىل إطالق كلمة "مسامر" عنواناً ملجموعتها هذه‪ ،‬فاملسامر موج ٌع‪ ،‬وهو يخرتق القلب‪،‬‬ ‫الكلمة والرؤيا‪ ،‬وهذا‪ ،‬كام أرى‪ُ ،‬‬ ‫أحس بهذا الوجع فراح يقول‪ :‬يا أبتي "أب ِع ْد عني هذه الكأس"‪ .‬فهل وجع املسامري جعله يشع ُر أنه يتيم!‪ ،‬ويرصخ‪ :‬ملاذا‬ ‫والس ُّي ُد املسيح ّ‬ ‫يحتاج نزيفاً‬ ‫يا أبتي تركتني‪ .‬وكان يسوع يف أمله يسكن يف تراب ّيته‪ ،‬فاملسامر املسيحي موج ٌع مبقدار ما هو رؤيا‪ ،‬مل يوقف النزيف ألن الفداء‬ ‫ُ‬ ‫أكرث‪ ،‬وما دام يهوذا قامئاً فالنزيف والرؤيا حاجتان إنسانيتان ال ب َّد منهام‪ .‬املسامر عد ُّو القلب‪ ،‬ويعرف كيف ينغرز فيه‪ ،‬ولك َّن عج َز املسامر‬ ‫عن احتواء ما افرز جعلَه يرتك للنزيف مجرى‪ ،‬والذي ال يستطيع إحصاء دمه عليه أن يرتكه ليبحث ع ّمن يحصيه‪ ،‬والذي يحيص دماء حكمت '‬ ‫حسن هو ذلك املسامر القاتل‪ ،‬والذي يشبه القلب بحضوره ونفاذه الشهي‪ ،‬وقدمياً قال العذري جميل بن معمر‪:‬‬ ‫حب قاتله قبيل!!‬ ‫يل فيام عشتام هل رأيتام قتيالً بىك من ِّ‬ ‫خلي َّ‬ ‫"روح ذاتُ شه ّية‪ُ /‬رجِمت حتى املوت‪."..‬وعند حكمت يصبح‬ ‫وحكمت حسن تزداد حضورا ً مبقدار وجع املسامر الذي غدا جزءا ً من القلب‪ٌ :‬‬ ‫نصف حياة‪ /‬أو‬ ‫الوقوف عىل حافة املوت جزءا ً من الحياة‪":‬الحذر عىل حافة املوت‪ /‬أع ُرب ُه‪ /‬ازددتُ حياةً‪ /‬ازددتُ موتاً‪ /‬ليس ما أنا فيه‪َ /‬‬ ‫نصف موتْ ‪ /‬إنه ما يجم ُعهام معاً"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ملاذا "مسامر"؟ لقد ناقشتني الشاعرة حكمت حسن كثريا ً عىل إرصارها عىل "مسامر" عنواناً لهذه املجموعة املتأملة النازفة هذه املرة عىل‬ ‫صليب مل يكشف مدى ما سيسيل عليه من ٍ‬ ‫وجد وتح ُّوالت مصبوغة بدماء تح َّول كلامت‪ ،‬إ ّن كون ّية هذه العقيدة تجعلك أوسع من الطني‬ ‫الذي يتالىش ليجعل املوت حياة‪ ،‬وهكذا يكون املوتُ َر ِح َم الحياة‪ .‬املسامر مؤملٌ‪ ،‬وإرصار حكمت عىل إيقاظ وجع املسامر يثري أسئلة‬ ‫الخالص الوجودي عرب معمودية األمل‪ .‬فالحنني إىل املوت متصل بالوالدة التي تعرب الطني يف رحلة مشتبكة‪ ،‬ال ميكن معها فصل معنى‬ ‫املوت عن معنى الحياة‪ .‬وهذا العبور يجعل الجسم حزيناً‪ ،‬وال بد من الحزن عند أصحاب الرؤى العالية‪ ،‬فليس بالفرح وحده يحيا القلب‪،‬‬ ‫عب عن أمنيته فيها ويف كينونتها التي يريدها أن‬ ‫ورمبا بالعكس يحيا‪ ،‬وقبالً قسا بودلري عىل امرأة ألنها ‪" :‬ال تدري عال َم يبيك املوىت" وألنّه ّ َ‬ ‫تكون فيها "أو ُّد لو تنمو رو ُحها مع جسدها"‪ .‬من أجل هذا كان املسامر يف شعر حكمت حسن مدخالً لقيامة الصليب‪ ،‬وتح ُّو ِل الخشب‬ ‫متس ْسها نار‪ .‬فكيف إذا كانت النار حارضة كالحياة نفسها!!‪ ،‬تقول حكمت مخاطبة ذلك الغائب‬ ‫اليابس إىل أغصان زيونة‪ ،‬تيضء وإن مل َ‬ ‫الحارض‪" :‬صدى‪ /‬أكتب إليك بالجمر" ‪.‬‬ ‫كل يشء يتح ّول يف مصانع النفس الداخلية‪ ،‬وهذا ما يحدث يف وجدان حكمت حسن‪ ،‬حتى الصقيع يتح ّو ُل دفئاً‪ ،‬والظالم يندحر بأضواء ال‬ ‫متصل بفك ٍر‬ ‫ٌ‬ ‫والحب يف شعر حكمت ال يهبط بها‪ ،‬ألنه روح الكون‪ ،‬وألنه‬ ‫تربح قصائدها أبدا ً‪ ،‬والخريف يكون غري الخريف يف حرضة الحب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َحاب األجزاء كلها‪ .‬كل ذلك يحدث يف رحلة الحب‪" :‬منذ رافقتني‪ /‬تباطأ الصقيع‪/‬‬ ‫حلو ٍّيل كوين يرى الكون متواصالً‪ ،‬وتواصل الكون يُن ِتج ت َّ‬ ‫اللهب فيها‪،‬‬ ‫يظل‬ ‫الطليق غ َّر َد‪ /‬وجودان احتالّ زمنين"‪ .‬ويف الصقيع ال يبقى للحزين غري أن يتدفّأَ بآماله العالية التي ُّ‬ ‫الخريفي‬ ‫وعصفوري‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫مندلعاً‪ .‬ويتساءل القارئ‪ :‬كيف يأيت صوت حكمت مبللَّالً بالندى والعطور‪ ،‬وهو يعرب يف أرض الخريف‪ .‬الحب وحده يصنع املعجزة ويعيد‬ ‫أقل وحزنها أكرث‪ .‬ولكن الكلامت حني تكون عائد ًة لصاحبها تصبح كائنات ح ّية‪ .‬وكأ ّن حكمت حسن تقول‬ ‫أمل حكمت ُّ‬ ‫خلق الكون‪ .‬رغم أن َ‬ ‫لنا‪ :‬إننا يف الخريف ولسنا فيه‪ ،‬والحب عم ٌر ثانٍ ال مي ُّر بالخريف أبدا ً‪ .‬وألنها مؤمنة بالحب تظل مؤمنة بوجودها املكابر‪" :‬مل تج ْد إال َّي‬ ‫التفت يف قصائد حكمت‬ ‫وأن‬ ‫مم ّرا ً‪ /‬وحدهام عيناك‪ /‬د ّمرتا املخبوء"‪ .‬والتدمري هنا بناء ألنه اكتشاف‪ ،‬واالكتشاف ال يكون إال يف الضوء‪ّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫تجد ضوءا ً‪" :‬إغ ِم ْد وجو َد َك الالم َع‪ /‬يف وحديت‪ ...‬ومل أك ْن منحنية"‪ .‬والضوء أوضح ما يف حكمت وشعرها‪ ،‬والضوء ال يقود إىل رؤية األشياء‬ ‫كلها بوضوح‪ ،‬إ ْذ ال بد من وجود مناطق غري مأهولة باملعرفة يف النفس اإلنسانية‪ ،‬ال ب َّد من املبهم لتستم َّر النفس يف صناعة الضوء‪ ،‬تقول‬ ‫حكمت‪" :‬ذلك الغامض األخري‪ /‬أضاء ما تبقّى من حيوات"‪ .‬والضوء يلغي املسافات بسبب حضوره املتصل‪ ،‬تقول حكمت‪" :‬أبعد عن‬


‫وجع املسامر‬ ‫" أيتها السيدات‪ ،‬أيها السادة ستسمعون‬ ‫نجمة ميتة منذ مليون عام يف حوصلة طائر"‬ ‫تشارلز سيميك شاعر امرييك‬ ‫بقلم عمر شبيل‬


‫وحواس مسقوفة بالضوء" كثافة األحاسيس هنا واضحة حتى لكأنها مواد يرتاك ُم بعضها فوق بعض‪.‬‬ ‫تالحق جسدا ً غاب‪/‬‬ ‫شذراتٌ من قلب‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫إن كثافة اإلحساس انتقلت إىل الكلمة ليك ال تُتَ َه َم الكلمة بالخيانة‪.‬‬ ‫وإذا كان لحاسة البرص أن تتدخل يف نقل املرتاكم يف ذات حكمت حسن‪ ،‬فإ َّن تدخل هذه الحاسة يكشف بإمياض ما تحاول الشاعرة تبيانه‪،‬‬ ‫يلبس عرياً"‪ .‬ال يشء يستطيع أن مينع اإلحساس من السطوع‪ ،‬وهذا السطوع يتخذ صفة العري التي هي أعمق من الكشف‪،‬‬ ‫تقول‪" :‬عريي ُ‬ ‫أزلت الزوائد عن التمثال‪ .‬وهذا يعني أن‬ ‫رس عمله املبدع‪ ،‬فأجاب‪ :‬أنا فقط ُ‬ ‫فحني أكمل ميكال أنجلو نحت متثال النبي موىس سئل عن ّ‬ ‫عم هو قائ ٌم فيه‪.‬‬ ‫التمثال كان عاريا يف رؤياه ورؤيته‪ .‬وحني تناول الصخر رفع الزوائد ّ‬ ‫الصمت أفصح لغ ٍة يتقنها الحزين املكلوم‪ ،‬ويف الصمت مهارة كالكتابة نفسها‪،‬‬ ‫ولعل هذه الكثافة تقرتب كثريا ً من الصمت‪ ،‬وأحياناً يكون‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مثل سفينة راسي ٍة يف ميناء ومملوءة بصدى البحر‪ ،‬وبأخبار ب ّحار ٍة‬ ‫املمتلئ كالماً َ‬ ‫الصمت موحياً‪ ،‬وقتها يصبح الصامت‬ ‫وبخاصة حني يكون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إدخال كل األصوات إىل سفينتها‬ ‫التعامل مع املوج‪ .‬بهذا اإليحاء املبهم استطاعت حكمت حسن‬ ‫َ‬ ‫يتقنون معرفة مزاج البحر‪ ،‬ويتقنون‬ ‫اح يحمل كثافة‬ ‫الراسية عىل ساحلٍ مساف ْر‪ .‬تقول حكمت حسن‪" :‬أحزاين ال صوتَ لها"‪ ،‬وهذا أعىل األصوات‪ .‬حز ُن حكمت حسن‬ ‫واضح مل ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خت‬ ‫ال تستيطع كتامن االستجابة لنداءاتها القصية الخفية‪ ،‬تقول بشجى مؤثر وحزن ال تستطيع إخفاءه‪" :‬كان هناك‪ /‬شجر ٌة يف السجن‪ /‬أ َّر ْ‬ ‫القلب حني عاد"‪ .‬وهكذا كانت تخاطب هذا العائد ب َولَ ِه الواجد‪:‬‬ ‫يحرسه س ّجان‪ /‬وشجر ٌة بطول عرشين سنة‪ /‬مواسمها قصائد‪ /‬عاد‬ ‫لحنان‪ُ /‬‬ ‫ُ‬ ‫"صدى‪ /‬أكتب إليك بالجمر"‬ ‫ً‬ ‫رض يف "مسامر" حكمت حسن ألنه امتداد حميم لكينونة الحياة‪ ،‬وحكمت ليست مخالف ًة طبيعة الحياة‪ ،،‬ويف شعرها يبتدئ آدم من‬ ‫الرجل حا ٌ‬ ‫تكتمل به‪ ،‬تقول حكمت‪" :‬رأ ْو َك يف عيني‪ /‬وقلبي‪ /‬هتفوا أكميل"‪ .‬مل تستطع أن تنوجد‬ ‫ُ‬ ‫ليصبح تتمة لها‪ ،‬إنها‬ ‫عيني ح ّواء‪ ،‬ثم يستق ُّر يف قلبها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫إال بكامل حضوره يف العني والقلب‪ ،‬والتكامل هنا إعطاء الحياة معنى أن تكون‪ ،.‬حتى االنفصال يأخذ شكل االتحاد‪ ،‬حيث ال كينونة مبنأى عن‬ ‫ثنائية الضدية‪ ،‬وهذه الثنائية تصبح حميمة مبقدار وصول العني إىل سويداء القلب‪ ،‬تقول حكمت‪" :‬أُ ِح ُّبنا هكذا‪ /‬متحديْنِ بكل انفصالنا"‪.‬‬ ‫وحميمية االتحاد تنبع من القلب الذي هو املوقد الذي ت ُطهى فيه كائنات الوجود كلُّها‪ ،‬وال بد من ابتداء الرحلة من القلب يف الضوء‪ ،‬تقول‬ ‫يفضح‬ ‫حكمت‪" :‬ح َّددْتُ مسار القلب شهبا"‪ ،‬والشهب هنا الكتامل الرؤية والرؤيا‪ .‬وألن الشهب مضيئة فقد انبلج مكان الرجل‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫املضم َر من مسار الشهب‪ ،‬تلك التي تبقى يف حكمت محافظة عىل مسارها العلوي‪ ،‬كان ذلك بكل تفاصيله الواضحة واملحجبة‪ ،‬وال معنى‬ ‫إلخفائه أبدا ً‪ ،‬تقول حكمت‪" :‬ال جدوى‪ /‬مجيئي إىل عاملك‪ /‬استغرق فجرا ً"‪ .‬وحني تقاس املسافات بالفجر يكون الجسد عالياً ومنزها‪ ،‬ألنه‬ ‫حواس َك‪ /‬وترتكني أشعل مصباحي‬ ‫الكون نفسه‪ ،‬تقول حكمت‪" :‬أول شعاع‪ُّ /‬‬ ‫كل حج ٍر يرجمني‪ /‬وأدور حولك بربيقي‪ /‬يختفي وجهك‪ /‬تغيب ُّ‬ ‫سامح النارصي‪ ،‬وحني يكون قنديلك غري شاحب الزيت يكون الوصول إىل القمة انتصار املخلص‬ ‫ملقى عليها‬ ‫ُ‬ ‫فوق القمة" الرؤيا هنا مجدلية‪ً ،‬‬ ‫عىل الجلجلة‪ .‬لن يضل من كان قنديله موجودا ً يف مشكاة ذاته‪ .‬وقتها تكون القمة مسرية فجر‪.‬‬ ‫الشغف والضوء يف "مسامر" حكمت حسن يتنازعان جغرافيتها الداخلية‪ .‬وهي ترى شغفها منتفضاً كالعنقاء من رماد النار التي يطفئها العمر‪.‬‬ ‫الشغف وحده قادر عىل بعث العنقاء من رمادها‪ .‬وهنا تكمن قيمة هذا الشعر الخاضع لصريورة مستمرة‪ ،‬تنترص فيها الحياة عىل املوت‪،‬‬ ‫ولكن بوجود الشغف‪ .‬الشغف واحة الرحلة يف صحارى أعامرنا املوحشة‪ .‬الشغف هو سع ُيك أن تدخل يف محفل اآللهة‪ .‬جلجامش كان‬ ‫حارضا ً يف محفل اآللهة أكرث من حانة "سيدوري"‪" :‬ما يفعل الله قل لو مل يكن برش"‪ .‬نحن رضورة حتمية ليك ال ميوت الله‪ ،‬ألنه "خالق‬ ‫األشياء" وهو عينها" كام يقول الشيخ األكرب محي الدين بن عريب‪ .‬فإذا انتهينا ينتهي هو‪.‬‬ ‫ملاذا الشغف‪ ،‬ألنه كان وقود رحلة جلجامش ومجاذيفه يف مياه املوت العميقة‪ .‬الحب وحده ال يكفي‪ ،‬البد من شغف يزجي الحب‪ .‬ضوؤك‬ ‫وإهاب أفعى جلجامش محاولة أخرى للدخول يف محفل اآللهة التي كتبت لنفسها الخلود‪ ،‬واملوت لبني البرش‪ .‬هناك عىل سور "أوروك"‪،‬‬ ‫وهنا يف مقهى " ذا هوست"‪ .‬نحاول معاً أال منوت‪ .‬يقول موالنا جالل الدين الرومي‪" :‬لقد رأيت املوت ساع َة مولدي ِ‬ ‫منك‪ ،‬وكان خويف‬


‫الظل‪ /‬أفتِّ ُش عن أضوا ٍء‪ /‬يف خباياه‪ ...../‬أحتمي بالنو ِر منه‪/‬‬ ‫أدخل َّ‬ ‫الحب مبسافة شعاع‪/‬واقرب من التصاق الضوء‪ /‬بالصوت‪ /‬قارئ ًة‪ُ /‬‬ ‫عن‬ ‫ِّ‬ ‫‪ .‬واالحتامء بالضوء هو خفر الذات من انكشافها‪ ،‬والخفر هنا تعبري عن رغبات يف الذات‪ ،‬تسطع حتى لكأنها‪ ،‬كام قال أبو متام‪" : ،‬عذرا ُء‬ ‫تبدو تار ًة وت َ َخ َّف ُر" وهذا السطوع املتخفي جعل حكمت حسن تقول‪" :‬أنت‪ /‬وأنت‪ /‬ح َّولتني ضامئر مستجابة"‬ ‫كلامت حكمت حسن تحاول أن تؤدي وظيفتها االنفعالية بتفانٍ تعجز عنه الكلامت‪ ،‬ألن الكلمة ظل الشعور‪ ،‬وظل اإلحساس‪ ،‬وليست قادرة‬ ‫عىل نقل القلب إىل الكلمة‪ ،‬وال يستطيع الشاعر أن يحمل قلبه عىل ظهره كالبائع املتجول ليعرض ما فيه عىل الناس‪ .‬ولذا تحاول حكمت‬ ‫االستعانة بالحواس كلها دفعة واحدة لنقل الحال‪ ،‬وهذا يشء صعب‪ ،‬ولكنه ليس مستحيالً‪ ،‬وهذا يحتاج تحطيم الجدران بني جميع‬ ‫الحواس املوكلة بنقل الداخل إىل الخارج‪ ،‬وهذه املحاولة استعان بها الشاعر الفرنيس "شارل بودلري"‪ .‬وتعتمد هذه املحاولة عىل املزج بني‬ ‫الحواس‪ ،‬بني السمع والبرص والذوق واللمس والشم‪ ،‬يف محاولة لترسيب اإلحساس عرب أوسع الوسائل النقلية يف معارج الذات اإلنسانية‪.‬‬ ‫وقتها يتحول فيها العامل‪" :‬مرايا واسعة مبهورة‪ /‬بجميع ما تعكسه"‪ .‬تقول ماري ‪ //‬جان ديزي ــ الناقدة الفرنسية يف مقدمة ترجمة أزهار‬ ‫تغل يف اإلنسان‪ ،‬تترسب عري جسده‪ ،‬ال األحاسيس التي مينحها النظر إىل األشياء‪ ،‬ويلتقطها يف‬ ‫الرش لخليل خوري‪" :‬األحاسيس التي ُّ‬ ‫مسام بإزائها‪،‬‬ ‫ظاهرها‪ .‬والعطور التي تحتله هي بالذات التي تكشف له عن ظهورها وانبثاقها‪" :‬العطور النافذة تبدو يف كل مادة‪ /‬ذاتَ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫رس الكامنِ يف كل مكان‪ ،‬وحيثام كان" ‪ .‬مثل هذا تكتشفه صاحبة‬ ‫حتى يُخ َّي ُل أنها تخرتق الزجاج" إن الرائحة املستنشَ قة ت ُْسلِ ُمه‬ ‫دفقات ال ِّ‬ ‫"مسامر" وصاحبة "خاتم" نفسها الشاعرة حكمت حسن‪ ،‬تقول يف قصيدة‪" :‬ننصاع مرغمني‪ /‬قبل أن يتبعنا عطرها" ‪ ،‬وتخرتق مسامها‬ ‫بعطور نافذة حني تقول‪" :‬يدخل عطر ضائ ٌع‪ /‬ال أقوى عىل استعادته‪ /‬لئال يتهرب مني" ‪ .‬العطر هنا متاماً يخرتق حكمت وينفذ من مسامها‪،‬‬ ‫ويتخذ شكل املادة امللموسة‪ ،‬وهذا التكثيف مبعثه حدة الرؤيا وكثافتهتا يف الوجدان‪ ،‬ولذا استعانت باللمس مستخدمة اللمس مؤتلفة مع‬ ‫حاسة الشم‬ ‫لنقل الحال‪ .‬وسبب كل هذا عجز الكلمة عن نقل الحال‪ .‬ألنه "كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" كام يقول النفري‬ ‫ولعل الروح املهيمنة عىل ما عداها‪ ،‬هي صدى األشياء كلها‪ ،‬بل هي كل يشء‪ ،‬ويرى هوغو‪" :‬إن كل يش ٍء يحيا‪ ،‬كل يش ٍء مملوء بالروح"‪.‬‬ ‫ومن هذا الفهم الروحي للكون تغدو األصوات والعطور واأللوان تكاثرات الروح‪ ،‬والكاشف رسها الكوين املتجيل يف األشياء كلها‪ .‬وهذه النظرة‬ ‫هي الهوتية قبل كل يشء‪ ،‬فإذا كان الوجود رسا ً فإننا نكتشفه بتكاثراته‪ ،‬والتي نقول فيها‪ :‬إنها الروح‪ .‬يقول بودلري يف أزهار رشه‬ ‫أيها التحول الروحاين‬ ‫حواس كلها املنصهرة يف حاسة واحدة‬ ‫يا ت َح ُّو َل ّ‬ ‫إن نفسها يُ ِبدع املوسيقى‬ ‫مثلام يُ َولِّ ُد صوتُها العط َر‬ ‫أما حكمت حسن فهي‪ ،‬وإن كانت ترى األشياء كلها روحا‪ ،‬إال أنها تنطلق من رشقيتها الضاربة الجذور يف الروح‪ ،‬ومح ِّولة كل وجودها إىل ما‬ ‫قلوب‬ ‫عت يف ِ‬ ‫يلمع كالرس الذي ال ندركه إال بتعاون الحواس‪ ،‬ومن أمثلة ذلك يف شعر حكمت حسن‪" :‬وإ ّن العطو َر املكتفية بنفسها‪ُ /‬و ِض ْ‬ ‫سائل لزج يوضع يف أواين النساء‪ ،‬أي قلوبه َّن‪ .‬وهذا االنصهار الكيل بني الحواس يف شعر حكمت حسن يتجىل يف ديوانها‬ ‫نساء"‪ ،‬هنا العطر ٌ‬ ‫خاتم أيضاً حيث تقول‪:‬‬ ‫أيكون اإلحساس خارج األسوار‬ ‫وقولها أيضاً‪:‬‬ ‫نستنبط عاطفة طازجة‬ ‫وقولها‪:‬‬ ‫رأيت صفوفاً مرتاص ًة من املشاعر‬ ‫رش بكرثة ‪ ،‬برشقية عالية التأثر‪ ،‬وروحانية تفيض يف الجسد‪ ،‬وهي وإن كانت غري‬ ‫وهذا التحطيم املستمر يف كتابيها"خاتم" و"مسامر" منت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫"شوق أبيض‪/‬‬ ‫ُم َ َّبأ ٍة من األمل‪ ،‬إال أنها ترفض العدم‪ ،‬ألنها ترى أن الروح ال تفنى‪ .‬والزدحام أحاسيس حكمت تصبح ألواناً معربة عن حال‪:‬‬



‫تجل الله يف الكون‪.‬أما قرأنا معاً يف‬ ‫كنت أنفصل عنك"‪ ،‬علينا أال نخاف ألن املوت ميوت هو يف النهاية‪ ،‬وسنخلد نحن ألننا ّ‬ ‫عظيامً إذ ُ‬ ‫أدونيس"يف الحنني إىل املهد حنني مضم ٌر إىل اللحد"‪ ،‬وتضا ُّدنا هو الذي يعيد توحيدنا ب"العامل األكرب"‪.‬و يف رحلة الحب الكامنة واملنبلجة‬ ‫من قلب امرأة ورجل نبقى نردد مع طاغور‪ " :‬هب يل ذلك الحب الذي يرسبل القلب باألمن"‪.‬‬ ‫ــ ‪ 5‬ــ‬ ‫ملاذا نفضل املوت عىل جفاف حقول أرواحنا؟ وهل يف املوت ما يغري بالحياة؟ وهل الحب س ِّك ٌني أم ضامد؟ وهل الكتابة تضمر نبتة‬ ‫الحياة؟ وهل انتبهنا لتسلل األفعى القادمة من برئ املوت لتنترص لظلم اآللهة؟ وما معنى بقاء إهابها عىل حافة البرئ؟‬ ‫لس َع األسئلة ياحكمت‪ ،‬وهي تخرتق صدورنا بأمل مسامرك الذي يسجن املوت‪ ،‬وال يسمح بهيمنته‪ .‬فهل يقتنع جلجامش ببناء‬ ‫ما أشد ْ‬ ‫"أوروك" بديالً لخلوده؟‪ ،‬وهل تقتنعني بحلقة خامتك ووجع مسامرك بديالً للنهاية التي تهدد شغفنا بالزوال‪ .‬أعتقد أنك ستستمرين برحلة‬ ‫موجعة لذيذة يف مياه الشعر العميقة يا حكمت‪.‬‬



‫أهمية االعالم الرقمي يف تطوير الصحافة اإللكرتونية ‪..‬؟‬ ‫العامل االفرتايض ‪ ..‬وغزة فكرية تحمي االديب واملفكر ‪..‬؟‬

‫بقلم األديبة والشاعرة الجزائرية سليمة مليزي‬

‫ ‬ ‫_ االعالم الرقمي أو الصحافة االلكرتونية لعبت دورا ً مهامً جدا ً يف تسهيل عمل الكاتب و املبدع و الباحث والطالب لنرش‬ ‫أفكاره وأعامله األدبية من خالل املجالت االلكرتونية و املنتديات التي تخدم االديب بصفة عامة ‪ ،‬حيث شهد اإلعالم‬ ‫العريب عىل مستوى تكنولوجيات اإلعالم واالتصال تحوالت معتربة خالل العقدين املاضيني‪ ،‬وكان من أبرز مالمحها ظهور‬ ‫شبكة االنرتنت كوسيلة اتصال تفاعلية أتاحت الفرصة أمام فئات املجتمع املتعلمة واملثقفة ‪ ،‬للوصول إىل املعلومات‬ ‫وبحجم هائل وبرسعة فائقة‪ ،‬ونرش الفكر واألدب بطريقة مل يسبق لها مثيل يف التاريخ‪ ،‬ونظرا للفرص الكبرية املتنوعة‬ ‫واملتعددة األبعاد التي أتاحتها شبكة اإلنرتنت لالتصال استطاع االديب واملبدع والصحفي نرش أعامله االدبية والتواصل‬ ‫مع املبدعني يف أنحاء العامل ‪ ،‬ونرش أعاملهم االدبية والصحافية والبحوث العلمية والفكرية وتبادل اآلراء واألفكار بني‬ ‫املبدعني خاصة من خالل املجموعات االدبية والفكرية التي فتحت لنا فرصة كبرية لالحتكاك باملبدعني العرب والعامل‬ ‫و الصحفيني واإلعالمني مام أتاح لنا فرصة النرش بطريقة سهلة يف شتى الجرائد واملجالت‪ ،‬وحتى الجرائد الورقية كان لنا‬ ‫الحظ أننا نرشنا فيها عن طريق شبكة التواصل االجتامعي التي خلقت خلية ناشطة كالنحل تخدم بعضها البعض ‪ ،‬وخاصة‬ ‫بالنسبة يل كوين صحفية أنرش يف العديد من الجرائد واملجالت الورقية واإللكرتونية سهل يل كثريا ً هذا العامل االفرتايض‬ ‫الذي أعتربه واقعيا ألنه مكننا أن نتواصل ونبدع ونطبع كتبا جامعية ‪ ،‬وهكذا فإن هذه الخلية العلمية وحدتنا فكريا وأدبيا‬ ‫‪..‬‬ ‫والصحافة االلكرتونية باتت تشكل نواة حقيقية منافسة للصحافة التقليدية‪ ،‬والتي صارت تجلب إليها أعدادا كبرية من‬ ‫املستخدمني ممن لهم القدرة الفكرية واملادية واألدبية عىل النفاذ للشبكة العنكبوتية‪ ،.‬ملا تحمله من قوة ورسعة مذهلة‬ ‫للوصول اىل أكرب نقطة يف العامل ‪ ،‬هناك امتياز استحسنه أصحاب هذه املجالت االلكرتونية وهو النرش املجاين بدون‬ ‫حسابات لتوظيف الصحفيني او التفكري يف دفع مبالغ هائلة يف تجهيز املكاتب وأيضا مصاريف الطبع والنرش والتوزيع مثلام‬ ‫يحدث بالنسبة للصحافة الورقية ‪ ،‬مام اتاح الفرصة الكبرية والتشجيع لفتح العديد من املواقع اإللكرتونية ‪ ،‬وهذه من بني‬ ‫أهم تأثريات هذا التطور ما يالحظ من جدل حول املخاطر التي ميكن أن تهدد مستقبل الصحافة الورقية‪ ،‬بسبب ارتفاع‬ ‫تكاليف اإلنتاج والتوزيع وتناقص املوارد اإلعالنية التي تستمد منها الصحف أسباب بقائها وازدهارها‪ ،‬عالوة عىل تراجع‬ ‫مقروئيتها لدى القراء عموما‪ ،‬والشباب منهم بصفة خاصة‪ ،‬بسبب تسهيل التواصل عن طريق النت ‪..‬‬ ‫بالنسبة لتجربتي الفردية وحكايتي مع عامل التكنولوجية ‪ ،‬هذا العامل العجيب والجميل كان له الفضل يف عوديت عىل الساحة‬ ‫االدبية والفكرية بعد غياب طويل لسنوات تفرغت فيها لرتبية ابنايئ ‪ ،‬ففي سنة ‪ 2012‬سافر ابني البكر للدراسة يف باريس‬ ‫وكان عيل التواصل معه بطريقة اسهل وبدون تكاليف فأنشأت صفحة عىل الفيس بوك وأصبحت اتحدث معه كل ليلة عىل‬ ‫السكايب من هنا بدأت عوديت للكاتبة من خالل صفحتي وبعض املجموعات االدبية التي اضافتني اليها بعض الصديقات‬ ‫ومن هنا بدأت انطالقتي اىل عامل رسيع وممتع وفكري رغم انني مل اكن اثق فيه ثقة تامة او باملعنى الصحيح كان فيه‬ ‫نوع من الخوف والغوص يف عامل افرتايض يجمع كل فئات املجتمع ‪ ،‬إال ان عىل االنسان ان يختار االصدقاء املميزين‬ ‫والقريبني من فكره وتربيته مثلام يحدث عىل الواقع ‪ ،‬بدأت رحلتي مع االبداع والنرش يف املنتديات واملجالت اإللكرتونية‬ ‫واملشاركة يف املسابقات العربية حيث منحني الحظ انني خالل ‪ 6‬سنوات فقط انني فزت مبا يقارب ‪ 8‬جوائز عربية بني‬ ‫القصة والشعر وأيضا طبعت ‪ 3‬دواوين شعرية وشاركت يف انطولوجيا االدب العريب عنوانها ( تحت ظل النبض ) وهي‬ ‫انطولوجيا صدرت عن اكادميية الفينيق ملجموعة من االدباء والشعراء العرب الحاصلني عىل أوسمة التميز ‪ ،‬وأتاحت يل‬


‫الفرص للعودة يف العمل يف جريدة الشعب كصحفية‪ ,‬وانرش حاليا يف اربعة جرائد ورقية ‪ ,‬ومنذ سنتني عينت مديرة مكتب‬ ‫مجموعة من الجرائد االلكرتونية عربية ومن مرص الشقيقة خاصة ‪ ،‬وشاركت يف ديوان مشرتك مع مجموعة من الشعراء‬ ‫العرب تحت ارشاف االديبة بتول الديليمي وهي مسؤولة عن املجلة االلكرتونية صدى الفصول ‪ ،‬وشاركت بقراءة ادبية‬ ‫ألعاميل الشعرية بقلم الشاعر والناقد العراقي نارص ناظم القرييش وطبعت هذه القراءة يف كتاب حول النقد االديب ملجموعة‬ ‫من الشعراء العرب ‪ ،‬وكوين ارشف عىل مجموعة العرين جميالت الجزائر للشعر واإلبداع استطعت ان احقق حلم االديبات‬ ‫املهمشات يف الساحة االدبية يف الجزائر بطبع ديوان شعري ضم مجموعة من االديبات والشواعر الجزائريات وهو ديوان‬ ‫( ديوان جميالت الجزائر للشعر واإلبداع ) وأنا بصدد طبع انطولوجيا االدب النسوي يف الجزائر سيكون كتابا ضخام ومميزا‬ ‫يجمع خرية األسامء االدبية والشعرية النسوية الجزائرية ‪...‬هذه التجربة الناجحة جدا ً طبعاً جعلتني أديبة تحرتم من طرف‬ ‫الصحافة واملبدعني العرب ‪ ،‬و فتحت يل فضاء واسع للعمل والخوض يف تجارب متجددة معهم وساعدتنا يف تحقيق‬ ‫حلمنا وزيادة طموحاتنا نحو االفضل ‪..‬‬ ‫لقد أصبحنا اليوم نعيش عرص الصحافة االلكرتونية هذه الصحافة التي فرضت وجودها يف الواقع االفرتايض بدورها يف رصد‬ ‫األحداث وصناعة الخرب‪ .‬وهذا جنبا إىل جنب مع الصحافة التقليدية‪ ،‬ولتتجاوز القيود الجغرافية والسياسية التي تعاين منها‬ ‫نظريتها الورقية التي رمبا بدأ العد العكيس ألفول نجمها مع تقدم عجلة الزمن‪ .‬فالصحافة االلكرتونية تحرز يوما بعد يوم‬ ‫تطورا مذهال يف مواقعها وخدماتها‪ .‬وهذا بفضل استخدامها للوسائط املتعددة التي جعلت منها صحافة الكرتونية تفاعلية‪،‬‬ ‫وهام املصطلحان ( الوسائط املتعددة والتفاعلية ‪،‬التي تواصل االستمرارية يف خوض معركة الصحافة الرقمية التي‬ ‫حتام ستحارب كل ما يتعرض يف طريقها ألنها فتحت فضا ًء علميا واسعا يخدم االدب والثقافة يف عرب العامل الذي‬ ‫اصبح قرية صغرية تتجاوب مع معطيات ومتطلبات العرص ‪.‬‬ ‫ألقيت خالل مشاركة األديبة سليمة مليزي يف الصالون الثقايف للهيئة العامة للثقافة تحت إرشاف إدارة التنمية الثقافية‬ ‫حول( اإلبداع الثقايف يف اإلعالم الرقمي ) ‪..‬ليبيا‬



‫‪ -1‬مفهوم املنظومة الثقافية‪:‬‬ ‫ما نعنيه باملنظومة الثقافية مجموعة األفكار والقيم املتوارثة يف مجتمع ما‪،‬والتي تؤث ّر يف سلوك أفراده ومواقفهم من الحياة‪،‬كام تشمل‬ ‫اللغة التي هي وعاء التعبري عن تلك األفكار والقيم‪ .‬وقد يوسع بعضهم هذه املكونات لتشمل مكونات أخرى لسنا بصددها‪،‬هنا عىل‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫وما نعنيه بكلمة تجديد هو تطوير منظومتها الثقافية العربية وعرصنتها‪،‬ألننا نعاين من تح ّجر يف سلّم قيمنا الثقافية‪،‬وال نعني أبدا‬ ‫القطيعة التامة معها‪.‬تجديد املنظومة الثقافية ال يعني رفضها باملطلق‪،‬كام ال يعني متجيدها وتكريسها من ثوابت األمة باملطلق‪.‬‬ ‫فالقيم هي‪ -‬يف األصل‪ -‬تلبية لحاجات اجتامعية‪،‬ومبا أنها كذلك فمن الطبيعي أن تتطور اىل شكل آخر عندما تتغري الرشوط االجتامعية‬ ‫التي أوجدتها‪،‬أو تنتفي‪ ،‬أي عندما يصبح فاقدها أكرب من عائدها‪.‬ولعل من املفيد التقديم مبالحظات‪:‬‬ ‫‪-1‬إن هذا التجديد أو التطوير واقع ال محالة‪،‬ال سيام بعد ثورة املعلومات واالتصاالت‪،‬ولذا فمن األفضل أن يأيت هذا التطوير يف حينه‬ ‫وبإرادتنا وبرشوطنا بدال من أن يفرض برشوط اآلخر‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن هذا التجديد ال يتم – بحسب تعبري د‪.‬محمد عابد الجابري – باألخذ من هنا وهناك كام تؤخذ البضاعة التجارية‪،‬وإمنا يتم من‬ ‫الداخل بتحريك عوامل التطور الذايت يف ثقافتنا‪.‬‬ ‫‪ -3‬قد يرتاءى للبعض أن هذا املوضوع ليس فيه من الراهنية ما ميس مشكالتنا اليومية‪،‬السياسية واالجتامعية‪.‬‬ ‫أجل‪،‬قد يكون األمر كذلك عند بعضهم‪،‬ولكنه عند البعض اآلخر – والكاتب منهم – هو يف املركز من قضايانا العربية املعارصة‪،‬إن‬ ‫معظم مشكالتنا السياسية واالجتامعية واالقتصادية تعود اىل خلل يف املنظومة الثقافية التي تحكمنا مبارشة أو مداورة‪،‬وتوجه رؤانا‬ ‫وخياراتنا وسلوكنا حكاما ومحكومني‪،‬مواالة ومعارضة‪.‬‬ ‫مشكلتنا يف األصل ثقافية بامتياز‪،‬وباعتقادي أنه ما مل نط ّور منظومتنا الثقافية فسوف نبقى نراوح يف املكان وخارج الزمان‪.‬وإذا‬ ‫كانت األدبيات الفكرية العربية املعارصة تناولت تجديد الفكر السيايس واالقتصادي والتجديد يف الفكر الديني‪،‬فإن التجديد الثقايف‬ ‫هو باألحرى‪.‬‬ ‫‪ -4‬قد يرى بعضهم أن طرح قضية التجديد الثقايف يف هذا الوقت بالذات هو تناغم بريء أو مشبوه مع ما يطرح عىل الساحة العربية‬ ‫من مشاريع ثقافية عومل ّية‪،‬وأن الطرح ال يراعي الرشط الخارجي‪.‬فام طرح مرشوع إصالحي منذ بداية عرص النهضة قبل قرن ونصف إال‬ ‫جوبه مبثل هذا االعرتاض‪،‬ولو أصاخ املصلحون اىل مثل تلك األقاويل لتأجيل كل مرشوع إصالح ثقايف‪،‬كام يؤ ّجل كل مرشوع إصالح‬ ‫سيايس بهذه الحجة‪،‬ألن الرشط الخارجي حارض دامئا‪ ،‬فنحن أمة ق ّدر لها أن تكون يف املواجهة ومحط أنظار اآلخر وأطامعه‪.‬‬ ‫‪ -5‬لسنا – نحن العرب – بدعا يف مواجهة التجديد الثقايف‪،‬فكل األمم ال سيام الغربية كان يف ثقافتها من السلبيات أكرث بكثري مام يف‬ ‫ثقافتنا‪،‬ولكنها خاضت قبلنا هذه املواجهة املعركة يف القرنني السادس عرش والسابع عرش فيام سمي بعرص التنوير أو األنوار‪،‬لكن تلك‬ ‫األمم حسمت املعركة لصالح التطوير والحداثة‪ ،‬أما نحن فال نزال بعد قرنني من الزمان من بداية عرص النهضة العربية الحديثة نردد‬ ‫ثنائياتهم كاألصالة واملعارصة والدين والدولة والعقل أوالنقل‪.‬بل أكاد أجزم بأننا مل نزد شيئا عىل ما طرحه رواد النهضة العربية األوىل‬ ‫كالكواكبي وعبده واألفغاين والتونيس ورضا وأنطون وغريهم ‪ ...‬وأكاد أقول إنهم كانوا أكرث جرأة منا يف طرح مرشوعهم النهضوي ‪...‬‬ ‫ولكن املؤسف أن موجات التنوير يف الثقافة العربية كانت تتكرس وتسود بدلها مشاريع املهادنة والتزمت الديني عىل حد قول بعضهم‪.‬‬ ‫‪ -6‬إذا كنا نتعرض لذكر القيم السلبية يف ثقافتنا‪ ،‬فليس بغرض التشهري أو النيل من هذه الثقافة العريقة التي هي مربيتنا ومرضعتنا‪،‬‬ ‫فال ميكن تنايس ما حفلت به من قيم إيجابية كالشجاعة والكرم والشهادة والروحانية واملروءة‪ ...‬ولكن ثقافتنا هي من القوة بحيث ال‬ ‫تحتاج اىل من ينارصها بالباطل‪.‬‬ ‫‪ -2‬مناحي التجديد الثقايف‪:‬‬ ‫يتطلب التجديد الثقايف إعادة النظر يف منظومة الثقافة العربية التي حددنا مكوناتها‪،‬يف ضوء العرص ومستجداته‪ .‬فثمة قيم سلبية فيها‬ ‫تحتاج اىل تطوير‪،‬أوتغيري إن استعصت عىل التطوير‪.‬وأهم القيم الجديدة التي يجب أن نطور اليها قيمنا القدمية هي‪:‬‬ ‫‪-1‬الجامعة والتعددية بدل الفردية‪:‬‬ ‫لعل من أظهر القيم القدمية التي تحتاج اىل تغيري هي(الفردية)‪،‬التي ميثلها بعفوية فجة ذلك األعرايب الذي كان يطوف حول الكعبة‬ ‫ويدعو‪(:‬اللهم ارحمني وارحم محمدا وال ترحم معنا أحدا‪،)...‬وكام ميثلها موقف ذلك الحاج األعرايب الذي صعد اىل جبل عرفة مبكرا‬ ‫وقال‪(:‬رب اسمع دعايئ واغفر يل قبل أن يدهمك الناس ‪ .)...‬ومبثلها قول شاعرهم‪(:‬إذ مت ظأمنا فال هطل القطر)‪.‬هذه الفردية التي‬ ‫ّ‬ ‫سادت يف ثقافتنا منذ القديم اىل اآلن تض ّخم الذات وتجعلها مركزا‪،‬تصور لصاحبها أن رأيه الصواب املطلق‪،‬وأن الرأي اآلخر هو‬ ‫الخطأ املطلق‪ .‬ثقافة الفردية جعلتنا نختزل التاريخ العريب والحضارة اإلسالمية يف نحو مئة شخصية فقط‪،‬مام جعل تاريخنا تاريخ أفراد‬ ‫التاريخ جامعات‪ ،‬إننا ندرس تاريخنا ونعرفه من خالل أفراد وأرس ال من خالل مؤسسات ومجتمعات‪،‬ننسب املراحل التاريخية يف حياة‬ ‫األمة اىل أسامء كأمية والعباس وحمدان وليس اىل ما مييز تلك املرحلة من إنجاز ثقايف أو حضاري‪.‬‬


‫التجديد الثقايف –نحو منظومة ثقافية‬ ‫جديدة‬ ‫د‪.‬ممدوح خسارة‬



‫حل‬ ‫الفردية هي التي جعلت معظمنا يفتش عن حلول فردية ملشكالته‪،‬ومنها عىل سبيل املثال أ ّن ‪ %55‬من الشبان العرب يرون أن ّ‬ ‫مشكلتهم هي الهجرة من بلدهم‪،‬وواضح أن الهجرة هي سعي نحو الخالص الفردي ال املجتمعي‪.‬‬ ‫نريد ثقافة تؤمن بالجهد الجامعي والعمل الجامعي لإلسهام يف املرشوع الحضاري ثقافة تؤمن بتعدد األفكار وتنوعها‪ ،‬وأن هذا التنوع‬ ‫والتعدد ليس مظهر ضعف وتشتت‪،‬بل مظهر قوة واتحاد يف النهاية‪ ،‬وأن الرأي النمطي الواحد ليس مظهر قوة واتحاد دامئا‪،‬بل مظهر‬ ‫ضعف وتشتت‪،‬وهذا ما يفرس انتصار النظم ذات النهج التعددي عىل النظم ذات النهج الفردي يف حربني عامليتني‪،‬الفردية ضعف‬ ‫ظاهره قوة‪،‬والتعددية قوة ظاهرها ضعف‪.‬‬ ‫وال بد من اإلشارة اىل أن الفردية غلبت علينا هي فردية سلبية من نوع‪(:‬حادت عن ظهري بسيطة‪ ...‬مئة أم تبيك وال أمي وأيضا أمي وال‬ ‫أنا) بخالف الفردية اإليجابية التي تعني استقالل الشخصية يف التفكري‪،‬واملبادرة الذاتية يف العمل واإلنتاج‪،‬والرغبة يف التميّز عن طريق‬ ‫اإلبداع واالبتكار‪،‬والتخفف من سيطرة املجتمع وتقاليده املتكلسة‪ .‬وقد كان للفردية بهذا املعنى اإليجايب أثر كبري يف بناء املجتمعات‬ ‫املتقدمة املعارصة‪.‬‬ ‫‪-2‬العقالنية بدل الغيبية‪:‬‬ ‫ما نعنيه بالعقالنية اتخاذ العقل مرجعية عند معالجة قضايانا ومشكالتنا وصفا وتحليال‪.‬وال نرمي بالعقالنية رفض الغيبية بأهم‬ ‫تجلياتها – االميان والعاطفة – حافز برشي فطري‪،‬ومن يطلب من الناس أن يحيوا دون غيبيات كمن ينشد املحال وهو أشبه مبن‬ ‫يطالب الناس أن يحيوا دون عالقات أب ّوة وأمومة‪،‬بحسب تعبري كرين برنتون يف كتابه تشكل العقل الغريب ولكننا نرمي أن التكون‬ ‫الغيبيات مرجعنا يف تفسري التاريخ‪،‬أو تحليل الواقع‪،‬او تصور املستقبل‪،‬بل أن تكون مالذنا الذي يحمينا باالطمئنان الروحي والنفيس‬ ‫يف مواجهة مصائب الحياة ونوازلها‪.‬‬ ‫كان مرشوع النهضة العربية الحديثة األوىل يف نهاية الدولة العثامنية يرمي اىل شيئني مهمني هام‪ :‬استعادة الهوية الحضارية العقيدة‬ ‫لألمة ثم متثل معطيات الثورة الصناعية وعىل رأسها العقالنية والعلمية والحداثة‪،‬وأن الخالصة التي نخرج بها من آراء كل من محمد‬ ‫عبده وعيل عبد الرزاق والكواكبي تتمثل يف مسألتني‪ :‬األوىل الدور الجوهري للعقل‪،‬والثانية فصل السياسة عن الدين او بتعبري أدق‬ ‫عدم التوظيف السيايس للدين‪ .‬تشكو الثقافة العربية من أنها ثقافة غيبية‪،‬متيل اىل تفسري كل شؤون الحياة وربطها بالنقل واملايض‪،‬ال‬ ‫بالعقل والعرص‪،‬وبالعاطفةوالرغبة ال باملنطق واملمكن‪ .‬خاضت الثقافة العربية منذ القديم معارك ضارية بني أصحاب العقل‬ ‫والنقل‪،‬وما زالت هذه املعركة اىل وقتنا الحارض‪ ،‬ومل تحسم لصالح العقل‪،‬وذلك أن النصوص الدينية التي تحث عىل العقل والتدبّر‬ ‫والنظر قد همشت وغيب عليها ورصف االهتامم عنها اىل غريها‪ ،‬واضطهد أصحاب االتجاه العقيل وحوربوا وأحرقت كتبهم‪،‬مام أغرى‬ ‫بعض أعداء ثقافتنا ألن يصفوها بأنها معادية للعقل‪.‬‬ ‫الغيبية متجذرة يف ثقافتنا عامة السلفية والخلفية حتى ال أقول الرجعية والتقدمية‪.‬الغيبية السلفية ترى أنه ال تصلح أواخر هذه األمة‬ ‫إال مبا صلحت به أوائلها‪،‬وهي تكل اإلصالح اىل قادم موعد سيأيت ليمأل الدنيا عدال بعد ما ملئت جورا‪،‬دون أن تقدم أي إسهام فعال‬ ‫من جانبها يف هذا اإلصالح‪ ...‬يف حني تكل الغيبية الخلفية املعارصة اإلصالح اىل قائد ملهم قومي أويساري ميكنه أن يحل مشكالتنا‬ ‫بجرة قلم أو مبرسوم‪،‬وال تكلف نفسها ما يلزم من الجهد للوصول اىل الحل املنشود‪.‬قائد يسهر لننام‪،‬ويشقى لنسعد!!‬ ‫ومن املؤمل أن النهج الغيبي السلفي منه والخلفي قد ح ّول العامة اىل قوة مادية تقف باملرصاد لكل نهضة عقلية أو حركة إصالحية‪،‬وذلك‬ ‫هو عرص االنحطاط الذي سجل ويسجل استقالة العقل العريب‪،‬وميكن مالحظة الشبه بني ما كانت تقوم به الغيبية الصوفية مثال‬ ‫يف تجييش اتباعها ضد االصالحيني العقالنيني وبني ما تقوم به النظم واألحزاب الشمولية املعارصة من تجييش محازبيها ضد الرأي‬ ‫اآلخر‪.‬أليس من املضحك أن يبحث الغربيون سنتني ملعرفة أسباب إخفاق تجربة فضائية‪،‬يف حني يختزل غيبيونا ذلك الدرس والبحث‬ ‫بر ّد إخفاقهم اىل كفرهم‪ ..‬فإذا عزوا إخفاق الغربيني مرة اىل الكفر فإىل ماذا يعزون نجاحهم مرات ومرات؟؟‬ ‫‪ -3‬املعارصة بدل املاضوية‪:‬‬ ‫نحن أمة نعيش يف املايض‪،‬نلتمس من املايض حلوال للحارض‪،‬ونرى يف عزة املايض بديال من عزة الحارض‪،‬إذا ذكر غرينا إنجازاتهم‬ ‫واسهاماتهم الحضارية املعارصة فزعنا اىل املايض والتاريخ‪.‬املاضوية طبعت ثقافتنا بالرجعية التي ترى أن ما كان خري مام هو كائن‬ ‫ومام هو سيكون‪،‬متجاهلة أن الخط العام للتطوراإلنساين هو صاعد بالتأكيد‪،‬ذلك أن أعظم إنجاز علمي مل يتحقق بعد‪،‬وأن أجمل‬ ‫قصيدة مل تنشد بعد‪،‬وأن أجمل لوحة مل ترسم بعد‪...‬وأن أفضل مجتمع مل يوجد بعد‪...‬االنسانية يف حركة دامئة نحو األفضل‬ ‫وتلك سنة من سن الكون‪.‬‬ ‫يصور املاضويـّون واقعنا عىل أنه كتلة من األخطاء واملوبقات والرشور‪،‬ويجردونه من كل قيمة إيجابية‪،‬يف حني يسبغون عىل املايض‬ ‫صفة الكامل والذهنية‪ ،‬ويسمون جيل املايض بالسلف الصالح‪ ،‬ويقرصون عليه العلم والفهم والرشاد‪،‬علام بأن هذه الصفات‬ ‫مل يخص الله بها عرصا‪،‬فلكل عرص فضائله ورذائله‪،‬واألدعى للعجب أن املاضويني يرون أن الغرب تق ّدم ألنه أخذ بطريقة سلفنا‬ ‫الصالح‪،‬وهذا ما يفرس به بعضهم مقولة محمد عبده‪":‬رأيت يف الغرب إسالما ومل أر مسلمني‪،‬ورأيت يف الرشق مسلمني ومل أر‬ ‫إسالما"‪ .‬مع أن الغرب تقدم نتيجة إصالح ثقايف وديني متخض عنهام ما يسمونه عرص التنوير‪.‬‬


‫ افتقادها التعليم‪،‬فإن نحو‪%07‬من األميني هم من النساء‪.‬‬‫ نسبة فضائلها اىل الصفات الذكورية‪،‬فإذا قامت امرأة بعمل شجاع قيل‪(:‬قامت فالنة بعملية رجولية‪)...‬حتى إن العرب كانت تطلق‬‫عىل املرأة النابهة املميزة(رجلة)‪.‬‬ ‫ حرمانها اجتامعيا من حق اإلرث‪،‬ومع أن الرشع ضمن لها الحق إال أن عقليتنا الذكورية مل تتقبله‪ ،‬فمعظم ريفنا العريب ال يورث‬‫املرأة‪،‬وكأنها مخلوق بال حقوق‪.‬ورمبا يتجىل لنا عمق هذه الثقافة الذكورية وعتوها إذا استحرضنا يف ذاكرتنا كم للنص القرآين من قبول‬ ‫وتسليم وقداسة‪،‬ومع ذلك فلم نستطيع كثقافة أن منثل ذلك الحكم اإللهي‪،‬ورصنا نتحايل عليه بطرق شتّى ليست من املنطقية يف‬ ‫يشء‪.‬‬ ‫قد يكون للقدماء عذرهم يف اتخاذ هذا املوقف الذرائعي من املرأة يف تلك املرحلة التاريخية التي كان الجهد العضيل من مقاييس‬ ‫التفاضل االجتامعي‪،‬ولكن ما عذر املعارصين وهم يرون أن النشاط اإلنساين صار يعتمد عىل الجهد العقيل واملعرفة والعلم الذي‬ ‫يتساوى يف تحصيلها كل من الرجل واملرأة‪ ،‬املطلوب من ثقافتنا الجديدة أن تكون ذات بعد إنساين ال ينتقص فيه املجتمع من حق‬ ‫أمهاته وزوجاته وبناته‪.‬‬ ‫‪ -6‬املعرفة بدل األمية‪:‬‬ ‫نحن األمة الوحيدة التي بدأ كتابها املقدس بالحض عىل القراءة بقوله تعاىل (اقرأ)‪.‬ولكن ما من منظومة ثقافية يف العرص الحديث‬ ‫افتقرت اىل املعرفة كمنظومتنا‪.‬‬ ‫أ‪-‬نسبة األمية التقليدية – أي جهل القراءة والكتابة – يف الوطن العريب هي من أعىل النسب يف العامل‪،‬فهي تزيد يف بعض اإلحصائيات‬ ‫عن ‪ .%43‬وندخل القرن الحادي والعرشين بسبعني مليون أمي معظمهم من النساء‪،‬أما الرجال األميون فمعظمهم يف الجيش‪،‬وال‬ ‫يتوقع أن تندحر األمية يف الوطن العريب قبل عام(‪،)2040‬يف حني احتفلت كثري من األمم بتعليم آخر أمي أو أشارت اىل وفاته‪.‬‬ ‫ب‪ -‬تدىن معدل القراءة واملطالعة الحرة يف ثقافة الفرد‪.‬وانبنى عىل ضعف القراءة‪،‬ضعف حركة التأليف إذ ينتج العرب‪ %0,08‬من الكتب‬ ‫األدبية والفنية و‪ %0.01‬من الكتب العلمية‪،‬مع أن العرب يشكلون ‪ %5‬من سكان العامل‪.‬كام انبنى عليها ضعف حركة الرتجمة‪ ،‬فالوطن‬ ‫العريب يرتجم سنويا (‪)285‬كتابا فقط‪ ،‬يف حني ترتجم تركيا وحدها نحو ألف كتاب وأملانيا(‪)6000‬كتاب‪ ،‬وروسيا (‪ )7000‬كتاب‪ .‬عىل ما‬ ‫وصلت اليه من تقدم قد يغنيها عن ترجمة الكثري‪ .‬ومعظم هذه الرتجامت هي لكتب أدبية وفنية‪،‬أما الكتب العلمية – والتي نحن‬ ‫بأمس الحاجة اليها – فال تزيد نسبتها عن ‪ %15‬من الكتب املرتجمة‪.‬‬ ‫وضعف القراءة أدى اىل ضعف النرش والتوزيع فال يزيد معدل عدد النسخ من الكتب املطبوعة عىل (‪ )1000‬نسخة تباع خالل خمس‬ ‫سنوات‪.‬ومن املؤثر أن أديبا مغربيا رفض استالم جائزة تكرميية وتقديرية له من الدولة ألن الرواية التي ألفها ويكرم من أجلها مل يبع‬ ‫منها أكرث من(‪)500‬نسخة!!‬ ‫ج‪ -‬أما عن نسبة األمية العرصية أي أمية الحاسوب واملعلوماتية‪،‬فتأيت الدول العربية يف ذيل القامئة فيام يخص عدد الحواسيب لكل‬ ‫ألف شخص فهو‪)17‬يف الوطن العريب‪،‬واملعدل العاملي هو(‪ )80‬جهازا‪ .‬وفيام يخص عدد مستخدمي الشبكة العاملية(االنرتنت)‪،‬فالوطن‬ ‫العريب– فبام عدا بعض دول الخليج – تأيت يف ذيل القامئة من حيث انسياب املعلومات اليها‪.‬‬ ‫د‪-‬التعليم‪:‬يشكو تعليمنا مبختلف مستوياته من املشكالت اآلتية‪:‬‬ ‫عدم القدرة عىل استيعاب جميع من هم يف سن التعليم لتلك املرحلة‪.‬‬‫رسب من املدارس‪.‬‬ ‫ الت ّ‬‫ األساليب التعليمية القامئة عىل التلقني والتعليم النظري‪ .‬وبالتايل ضعف القدرات التحليلية واالبتكارية واملهارات‪،‬حلت املعلومة‬‫النظرية يف مؤسساتنا التعلمية محل املهارة العملية‪،‬يحفظ خريج أقسام اللغة العربية ألفية ابن مالك يف النحو وخطب قس بن‬ ‫ساعدة واألحنف بن قس وال يحسن كتابة معروض‪ .‬ويحفظ خريجو كلياتنا الهندسية معظم النظريات الهندسية يف اختصاصهم‪،‬ومع‬ ‫ذلك نستقدم الخربة األجنبية لتوسيع رصيف بحري أو توسيع شبكة هاتف‪.‬‬ ‫تدين املحصول املعريف‪،‬فإن دراسة مقارنة أجريت حول مضمون كتاب يف العلوم لسنة معينة يف بلد عريب وآخر نظري له يف فرنسا تبني‬‫أن املعارف العلمية يف الكتاب العريب هي‪%14‬من املعارف العلمية يف نظريه األجنبي‪.‬‬ ‫ عدم إتقان الخريج اللغات األجنبية ملن يدرس بالعربية مام يعرقل تواصله مع الخارج ومتابعة التعلم الذايت‪،‬وعدم إتقان العربية‬‫ملن يدرس باللغة العربية ملن يدرس باللغة األجنبية مام يضعف تواصله مع البيئة املحلية التي أعد ليسهم يف توعيتها وتنميتها‪.‬‬ ‫إننا أمة نستهلك املعرفة وال ننتجها‪ .‬واملعرفة بدورها أصبحت منتجا غايل الثمن يس ّوق كغريه من املنتجات‪،‬ألن املعرفة تعني العلم‬ ‫وتطبيقاته الصناعية والتقنية‪ .‬لقد أصبحت املعرفة اقتصادا‪،‬إن رشكة تقانية متقدمة تنهض باقتصاد دولة كاملة‪.‬‬


‫من مظاهر املاضوية املوقف التبجييل والتمجيدي من الرتاث‪،‬حتى أصبح موقف العرب من الرتاث(أيديولوجيا) عقائديا وجدانيا مييل‬ ‫لتقديسه‪.‬من الطبيعي والرضوري أن تحافظ األمة عىل تراثها‪،‬وأن تقد ّره حق تقديره‪،‬ولكن يجب أال يغيب عن البال أن النظرة اىل هذا‬ ‫الرتاث يجب أن تكون عقالنية نقدية‪،‬فليس كل ما جاء فيه متقبال وال صحيحا دامئا‪،‬فيه الغث والسمني‪،‬مهمة الرتاث يجب أن نسرتشد‬ ‫أمة يحكمها‬ ‫استسلمنا للرتاث اىل الحد الذي رصنا فيه‬ ‫به يف معالجة مشكالتنا ال ان نستمد منه الحلول الناجزة فهو مل يوضع لزماننا‪.‬لقد‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫األموات ال األحياء‪،‬نبحث يف زوايا الكتب الصفراء وهوامشها لعلنا نظفر عىل حل ملشكالتنا الراهنة‪.‬وعندما تطرأ مشكلة أو يعرض سؤال‬ ‫ال نجتهد يف التحليل واالستقراء والبحث واالستنتاج لحلها بقدر ما نجتهد يف الغوص يف الرتاث‪،‬ألنه رسخ يف أذهان الكثري مقولة(إن‬ ‫القدماء مل يرتكوا للمتأخرين شيئا)‪،‬وما أبطلها من مقولة‪.‬‬ ‫انسحبت املاضوية عىل التأليف والنرش الثقايف‪،‬فإن مبيعات الكتب القدمية والرتاثية تأيت يف املقدمة من مبيعات الكتب عامة‪.‬‬ ‫مل يجز بعض املاضويني يف بلد عريب االعتصام أو التظاهر‪،‬بحجة أنهم مل يجدوا أن السلف قد مارسها‪،‬وبسبب من هذه املاضوية‬ ‫يرفضون حتى استعامل مصطلحات مل ترد عن القدماء كمصطلح حقوق االنسان أو الدميقراطية أو الوطنية‪.‬‬ ‫‪ -4‬االبداع بدل التقليدية‪:‬‬ ‫تتسم ثقافتنا يف تجلياتها القدمية واملعارصة بغلبة الفكر التقليدي عليها‪.‬إن كتابا واحدا يف اللغة أو التاريخ يغنيك عن قراءة العرشات‬ ‫منها‪،‬فكل تلك الكتب يأخذ بعضها من بعض‪،‬مثة علامء كبار أطبقت شهرتهم عىل اآلفاق‪،‬وكل كتاباتهم ال تخرج عن الجمع ألقوال‬ ‫سابقيهم‪.‬‬ ‫هذه التقليدية ليست خاصة بفئة دون أخرى وال باتجاه دون آخر‪،‬فمحافظونا تقليديون ومتحررونا تقليديون‪،‬أحزابنا تقليدية ومؤسساتنا‬ ‫تقليدية‪،‬علمنا تقليدي‪،‬وبحوثنا تقليدية‪.‬‬ ‫وعىل سبيل املثال – وأنا واحد من أنصار التعريب أي تدريس العلوم كلها بالعربية–عندما كنا نتحاور مع أعداء التعريب كاتوا يحتجون‬ ‫بأن التعلّم باللغة األجنبية هو طريق اإلبداع وطريق البحث العلمي‪،‬وأن اللغة العربية تبعدنا عن البحث العلمي‪،‬وكنا نقول لهم ال‬ ‫عالقة لإلبداع بلغة معينة‪،‬بل مل تبدع أمة إال بلغتها‪،‬والدليل عىل ذلك ما جاء يف إحصائية مقارنة عن البحث العلمي يف اسرتاليا ويف‬ ‫مرص والبلدان‪،‬كالهام يدرسان العلوم باالنكليزية‪،‬ومع ذلك فإن ما تنتجه مرص من البحوث العلمية ‪ %1‬مام تنتجه اسرتاليا‪.‬والرس يف‬ ‫ذلك أن ثقافتنا العامة ثقافة تقليدية ومل ننجح يف أن نجعلها ثقافية مبدعة ومن الطبيعي – والحالة هذه – أن تكون العرب يف املؤخرة‬ ‫من حيث براءات االخرتاع‪.‬‬ ‫العداء للجديد متأصل يف ثقافتنا‪،‬فلغويونا ال يعت ّدون برأي املحدثني‪،‬ونقادنا يهاجمون الشعر الحديث‪،‬وأطباؤنا يتوجسون خيفة من‬ ‫كل مامرسة جديدة‪...‬ومن الطريف يف هذا املجال أن مثة مجلة عربية متخصصة مل تغري من شكلها وال من مضمونها وال من طريقة‬ ‫تصنيفها وتوضيبها منذ سبعني عاما‪،‬والقامئون عليها يرصون عىل أن تبقى مالزما مغلقة تفتح باملرشط والسكني يف عرص صارت فيه‬ ‫نقرة عىل الحاسوب تفتح لك ال صفحات مجلة ‪،‬بل أبواب أكرب مكتبات العامل!!‬ ‫إننا مجتمع نخاف من الجديد ونعاديه ألننا نجهله ‪،‬ونحن نخىش أن تكون ثقافتنا قد أصبحت معادية لإلبداع عىل حد تعبري بعض‬ ‫املثقفني العرب‪،‬وذلك بالنظر اىل كرثة الجهات الرقابية الرادعة الرسمية وغري الرسمية‪،‬املرشوعة منها وغري املرشوعة وإذا كانت الرقابة‬ ‫الرسمية تكتفي باملنع فإن الرقابة غري الرسمية كثريا ما تواجه بالعنف‪،‬وما زال فرد متعصب قادرا عىل تجييش اآلالف ضد مفكر مستنري‬ ‫عىل حد تعبري الدكتور عبد العزيز املقالح‪.‬‬ ‫‪ -5‬املساواة اإلنسانية بدل الذكورية‪:‬‬ ‫يدسه‬ ‫بش أحدهم باألنثى ّ‬ ‫ظل وجهه مسو ّدا وهو كظيم" "يتوارى من القوم من سوء ما ّ‬ ‫قال تعاىل‪":‬وإذا ّ‬ ‫بش به‪،‬أميسكه عىل هون أم ّ‬ ‫يف الرتاب‪ ،‬أال سآء ما يحكمون"(النحل‪.)58-57‬‬ ‫وعىل ما للنص القرآين من مكانة وقدسية مل تستطع ثقافتنا أن تتجاوز العقلية الذكورية التي كانت من مستلزمات مجتمع بدوي يقوم‬ ‫عىل حملة العيص والرماح‪.‬غلب عىل ثقافتنا أن النساء ليسوا من القوم‪،‬وأن القوم تطلق عىل الرجال ليس إال‪،‬محتجني عىل ذلك بقوله‬ ‫تعاىل ‪":‬يا أيها الذين آمنو ال يسخر قوم من قوم عىس أن يكونوا خريا منهم وال نساء عىس أن يك ّن خريا منهن" مع أن يف أصل اللغة‬ ‫أن القوم هم الجامعة من الرجال والنساء جميعا‪،‬وأن لآلية آفقا بالغيا رحبا‪.‬‬ ‫ثقافتنا تنظر اىل املرأة نظرة انتقاص اىل حد كبري‪،‬فنادرا ما تعرف املرأة باسمها إال يف السجالت الرسمية‪،‬أما اجتامعيا فهي بنت فالن‬ ‫أو أخت فالن فإذا تزوجت قيل زوجة فالن‪،‬فإذا أنجبت قيل أم فالن‪...‬وحتى يف بطاقات األعراس يتحاشون ذكر اسم العروس‬ ‫فيكتبون(زواج الشاب فالن عىل كرمية فالن‪ )...‬فهي تحرم من ذكر اسمها حتى يف أبرز يوم يف حياتها وهو يوم الزواج‪.‬‬ ‫من مظاهر الذكورية يف ثقافتنا‪:‬‬ ‫تعزيز اعتقاد الرجل بتفوقه‪،‬واعتقاد املرأة بضعفها‪.‬‬‫ تصوير املرأة يف تراثنا القديم بأنها(لحم عىل وضم)‪،‬أي لحم عىل طاولة جزار‪،‬جاهز لألكل‪،‬وكأنها فاقدة اإلرادة أو القدرة عىل حامية‬‫نفسها‪،‬مع أن أنثى الحيوان متلك بغريزتها مثل تلك القدرة‪.‬‬


‫يف بعض األرياف العربية كانت بعض األرس‪ -‬واىل عهد قريب– تعد قبول ابنها يف مدرسة صناعية منقصة لها‪.‬وهذا ما يفرس تدافعنا‬ ‫نحو التعليم العام‪،‬مع أن التعليم الفني واملهني هو أكرث أمناط التعليم التصاقا مبواطن اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪ -9‬التعريب بدل التغريب‪:‬‬ ‫إن أي تجديد ثقايف عريب يجب أن يكون مرتبطا باللغة العربية‪،‬إذ ال وجود لثقافة عربية أو مجتمع عريب دون لغة عربية‪.‬فاللغة العربية‬ ‫هوية‪،‬الدفاع عن اللغة هو دفاع عن الهوية‪.‬هنا تجاوزنا كل القيم السلبية يف ثقافتنا واستبدلنا بها قيام ثقافية إيجابية معارصة‪،‬وانتقلنا‬ ‫اىل حالة حضارية متقدمة ولكن دون لغة عربية‪،‬فمن سنكون عندئذ؟وبالطبع فإننا إذا خرسنا لغتنا قد نكون أي يشء إال أن نكون أمة‬ ‫أو أن نكون عربا‪.‬‬ ‫إذا كان التجديد الثقايف يتطلب كذلك تجديد نظرتنا اىل القيم السلبية يف تراثنا وحارضنا ونقدها‪،‬فإنه يتطلب كذلك تجديد نظرتنا اىل‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬ليس كوعاء لألفكار والقيم بل كرشط وجود‪،‬كام يتطلب إصالح هذه اللغة العربية التي تعاين من الضعف يف األداء بها‬ ‫ما نعاين‪.‬‬ ‫طرق اإلصالح اللغوي يف رأيي هو التعريب‪،‬مبعنى نقل العلوم اىل العربية وجعلها لغة التدريس يف جميع مراحل التعليم ال سيام‬ ‫العايل منه‪.‬ألن هذه العملية سوف تقيض تطوير اللغة العربية لتصبح لغة علمية دقيقة غنية باملصطلحات ميسورة التعليم والتعلم‬ ‫ممكنة الحوسبة والربمجة‪ .‬التعليم بالعربية هو الذي سيخلق لنا لغة عرصية تنأى عن العواطف واملبالغات والزخارف اللفظية‬ ‫وتقرب من الدقة وااليجاز والسهولة‪،‬ومن لغة العرص‪.‬اللغة العلمية هي التي ستعقلن الفكر العريب وتح ّدثه‪،‬وهي التي ستجعل‬ ‫التعليم دميقراطيا متاحا ملعظم أبناء األمة وليس لفئة قليلة ميسورة منه‪،‬مام سيوجد طبقة معرفية وثقافية قد يكون لها أثر بالغ يف‬ ‫تهديد السلم االجتامعي‪.‬ومن املؤمل أن ‪%80‬من جامعاتنا وكلياتنا العربية ما تزال تعلم باللغات األجنبية االمر الذي ينتج عنه ضعف‬ ‫استيعاب املتعلم للامدة العلمية وضعف القدرة عىل االبداع أو املشاركة يف النوعية العلمية املجتمعية‪.‬وقد يرتاءى للبعض أن يف‬ ‫كالمنا هذا تحامال عىل ثقافتنا العربية وحضارتها‪،‬إذ كيف استطاعت تلك الثقافة أن تنجز ما أنجزت يف عصور ازدهارها لو كانت مبثل‬ ‫هذه الصفات التي ذكرناها؟ فأقول‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إن القيم التي هي سلبية يف عرص‪،‬قد تكون إيجابية يف عرص آخر‪ ،‬أو قد ال يكون تأثريها بهذه الح ّدة‪،‬فالفردية والذكورية وحتى‬ ‫االستبداد كان لها ما يسوغها يف بعض املراحل التاريخية‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬إن مجتمعنا العريب يف ذلك الوقت استطاع أن يتجاوز تلك القيم السلبية ويبطل تأثريها‪،‬ولكنه مل يلغها‪.‬وتطالعنا يف التاريخ‬ ‫العريب اإلسالمي حاالت كثرية تدل عىل أن أجدادنا كانوا أكرث تحررا واستقاللية وعقالنية منا نحن املعارصين‪.‬‬ ‫‪ -3‬املثقف والسلطة‪:‬‬ ‫إذا أدركنا ثقل بعض القيم الثقافية التقليدية التي سادت يف عصور متتالية‪ ،‬ومدى تأثريها يف أفراد املجتمع العريب اإلسالمي منذ‬ ‫نتبي السبب يف أن املثقف العريب مل يؤد دورا هاما يف تغيري مجتمعه أو تطويره‪،‬إذ بقي ذلك املثقف يف قبضة‬ ‫القديم‪ ،‬استطعنا أن ّ‬ ‫السلطة السياسية و أويل األمر‪،‬يف حني استطاع مثقفون أوروبيون من العلامء والفالسفة كفولتري ومونتسكيو وكنت ونيوتن وبيكون‪،‬تغيري‬ ‫أفكار مجتمعاتهم وقيمها مبا يف ذلك السلطة السياسية‪.‬‬ ‫انقسم مثقفونا يف العرص الحديث اىل فئات ثالثة‪،‬عىل ما ذكر يف مؤمتر الثقافة العربية يف القاهرة ‪:2003‬‬ ‫املثقف العقدي السلطوي الذي يس ّوغ للنظام أو املعارضة كل مامرستها‪،‬وكأنه نرشة إعالمية‪.‬ولعل هذا ما عناه بعض الباحثني يف‬‫ذلك املؤمتر عندما وصف املثقف العريب بأنه أصبح خائنا وسمسارا‪.‬‬ ‫املثقف الشهيد املتمسك مبواقفه ومبادئه متحررا من التعصب والتقيد‪،‬والذي غالبا ما ينتهي اىل العزلة ماديا ومعنويا‪.‬‬‫املثقف الجرس الذي يسعى لتقليل الفجوة بني السلطة واملعارضة خوفا وطمعا‪،‬والذي غالبا ما يستهدف منه السلطة اىل حني‪،‬ثم‬‫تلقي به عندما تستنزف إمكاناته‪.‬‬ ‫قد يقال‪:‬وما العيب يف أن ينقسم املثقفون العرب اىل هذه الفئات؟‬ ‫أقول‪:‬إن واجب املثقف بصفته ضمري األمة‪،‬أن يكون دامئا يف الصف املقابل للنظام‪،‬يف املعارضة‪،‬ليس املعارضة السياسية املبارشة‬ ‫مبعناها الض ّيق وهو أن يكون يف صفوف أحزاب املعارضة التي قد ال تختلف أحيانا عن أحزاب النظم واملواالة‪ .‬بل املعارضة‬ ‫غري املبارشة التي تجابه وتعارض الفساد والخلل وصوال اىل تغيريه‪.‬والتي تنقد ال لهدمه‪،‬بل طموحا اىل األصلح‪،‬وتنقد الصواب ال‬ ‫لتخريبه‪،‬بل رغبة يف األصوب‪.‬إن كل نظام مهام كان صالحا فإن ركود الصالح والصائب دون تطوير وتجديد سوف يؤدي اىل فساده‪.‬ألن‬ ‫كل نظام مهام كان صالحا فإنه يحمل يف ذاته علة فساده‪،‬فليك ال يفسد متاما وندفع مثن ذلك من حياتنا وحياة أوالدنا‪،‬عىل املثقف أن‬ ‫يتعهده بالتوجيه دامئا نحو األفضل واألصلح‪.‬‬ ‫وبعد‪ ....‬فقد يبدو كالمنا هذا قاسيا وغري مقبول لدى رشيحة من املثقفني ورشائح من السلطويني‪،‬وهذا حقهم‪.‬ولكنني أذكر بأن أعىل‬ ‫القيم االجتامعية والثقافية يف عرصنا والتي ال يختلف عليها معظم بني البرشهي‪(:‬املعرفة والعمل واالبداع‪،‬واملساواة بني الجنسني‬


‫تردي البحث العلمي من مستلزمات مجتمع املعرفة ‪.‬البحث العلمي الذي يأيت فيه الوطن العريب يف آخر القامئة العاملية‪ ،‬ال سيام من‬‫حيث اإلنفاق عليه وعائده‪ ،‬فمن حيث اإلنفاق عليه‪ ،‬ينفق الوطن العريب ما يعادل(‪ 4‬دوالرات)عىل البحث العلمي مقابل كل مواطن‬ ‫فيه‪،‬يف حني تنفق أمريكا(‪1200‬دوالر)‪ ،‬وإرسائيل(‪200‬دوالر) وينفق اليابانيون ‪%2.5‬من دخلهم عىل البحث العلمي وينفق العرب ‪%0.014‬من‬ ‫دخلهم عليه‪.‬أما من حيث العائد فقد سبق القول بأن نسبة براءات االخرتاع يف الوطن العريب هي األدىن عامليا‪.‬‬ ‫ومن الطريف أن نقارن بني املكانة االجتامعية للعامل العريب وغريه فاليابان تضع صورة(فويك زلوا) رائد نهضتها العلمية الحديثة عىل‬ ‫ورقة نقد من فئة(‪)600‬ين‪،‬وتضع صورة أمربطورها عىل فئة(‪ )5‬ين‪ .‬أما نحن فال أحد منا أو من مرص يعرف قرب رفاعة الطهطاوي الرائد‬ ‫النهضوي العلمي العريب نظري (فويك زلوا) الياباين‪...‬‬ ‫لقد ع ّد االمريكيون ضعف مستوى طلبتهم يف الرياضيات والعلوم مام يهدد أمنهم القومي فنهضوا ملعالجته عىل هذا األساس‪،‬وعندما‬ ‫حقق السوفيت السبق يف الوصول اىل الفضاء الخارجي استدعى ذلك أن يغري االمريكيون الكثري من مناهجهم التعليمية‪،‬ألنهم أدركوا‬ ‫أن خلال ما يف بلد أورويب قاد رئيسها حملة شخصية للعودة اىل القراءة‪،‬ونزل بنفسه اىل الحدائق العامة ميارس علنا ذلك الواجب‪.‬‬ ‫‪-7‬الدميقراطية بدل االستبداد‪:‬‬ ‫يف ثقافتنا التالدة والطارفة ميل واضح لإلقرار باالستبداد – والتفرد باالمر‪ -‬قيمة ثقافية‪.‬فمنذ القديم قال شاعرهم‪(:‬إمنا العاجز من‬ ‫ال يستبد)‪.‬كان التفرد بالحكم من فضائل صاحب السلطة عندهم‪،‬ولذا رأينا من شعراء االستبداد من يقول(فاحكم فأنت الواحد‬ ‫القهار)‪،‬مفتتنا عىل القيم الدينية الثابتة‪.‬أورثت هذه الثقافة أن الحاكم ظل الله يف أرضه‪،‬وأنه يستمد سلطته منه ال من الرعية‪،‬وظن كثري‬ ‫من الحكام أنهم خلفاء الله يف األرض‪،‬فكان الخروج عىل الحاكم خروجا عىل الرشع‪.‬س ّوغت هذه الثقافة الظلم باسم الحزم‪،‬والقهر‬ ‫باسم العزمية‪،‬فمجدت شخصيات يقوم معظم رصيدها عىل البطش والقتل‪.‬ومبا أن أي حكم ال يستغني عن الشورى‪،‬لذلك ع ّد‬ ‫أصحاب األمر الشورى معلّمة ال ملزمة‪.‬‬ ‫رست هذه املقولة يف ثقافتنا اىل العرص الحديث‪،‬حيث عرصنها بعض منظري االستبداد والفردية مبقولة (ال يصلح هذا الرشق إال‬ ‫مستب ّد عادل)‪،‬وإن الجمع بني الجد والفهم يف يد املتنبي ال يقل صعوبة عن اجتامع العدل واالستبداد تحت سقف واحد‪ .‬حوربت‬ ‫السلفي رموهابالهرطقة والكفر أحيانا‪،‬وعامة الخلفيني وصموها‬ ‫الدميقراطية بصفتها شورى ملزمة للحاكم من اليمني واليسار‪،‬فعا ّمة‬ ‫ّ‬ ‫باملستوردة والفوضوية‪.‬وليس منا‪ -‬إال من أسهم بشكل أو بأخر ويف زمن ما ‪ -‬يف مقاومة الدميقراطية‪،‬والدعوة للتفرد بالسلطة ملجموعته‬ ‫أو حزبه‪ .‬وما تعانيه األحزاب العربية التي تدعو للدميقراطية من خلل يف عملها مر ّده اىل ثقافة التفرد واالستبداد املتأصلة يف نفوسنا‪.‬‬ ‫لقد منح املواطنون العرب بعض الحكام األفراد من الوالء والطاعة بل واملحبة أحيانا ما ال يحتاج الحاكم معها اىل مزيد‪....‬بأن أولئك‬ ‫الحكام األفراد قدموا إنجازات ال ميكن إنكارها‪،‬ولكن الثمن كان باهظا جدا وجدا‪....‬‬ ‫الدميقراطية التي هي نقيض االستبداد والتفرد باألمر تعني اسهام أكرب كتلة من املواطنني ال الرعايا ومن الرشكاء ال األجراء يف صنيع‬ ‫القرارات التي تهم بلدهم‪.‬ومن نافلة القول الحديث عن الدميقراطية دون أساسها واألصل الذي تجسده وهو الحرية‪.‬‬ ‫عند الحديث عن الدميقراطية يقفز الذهن مبارشة اىل دميقراطية السياسة ويحرصها بها‪.‬لكن ما نعنيه بالدميقراطية يتعدى دميقراطية‬ ‫السياسة اىل دميقراطية املعرفة التي ال تحجر عىل املواطن أن يسأل ماذا وملاذا ومباذا‪،‬أيا كان مضمون ذلك السؤال‪،‬ألن الحضارات‬ ‫اإلنسانية كلها بدأت من سؤال‪ .‬دميقراطية املعرفة تعني أال يحرص حق التعلم يف الفئة امليسورة من املجتمع مام يكّلس الفوارق‬ ‫املادية واالجتامعية بني طبقات املجتمع‪،‬ألن املعرفة صارت اقتصادا من ميتلكها يزداد قوة ومن يفتقدها يزداد ضعفا‪.‬‬ ‫كام تعداها اىل الدميقراطية االجتامعية التي تعني العدالة واملساواة بني فرص العمل واإلنتاج ويف نصيبهم من الدخل الوطني‪،‬ويف‬ ‫التزام القانون ‪،‬كام تعني التحرر من املفاهيم والعالقات غري العقالنية‪،‬كالطائفية والقبلية واملناطقية التي تتناسب عكسا مع الشعور‬ ‫باملواطنة‪،‬ولذلك سميت تلك العالقات – باستحقاق – العالقات ما قبل الوطنية‪.‬‬ ‫يبش بالخري أن قيمة الدميقراطية بدأت تكتسب أولوية عىل بقية القيم ففي دراسة دولية حول(مسح القيم العاملي)نرشها معهد‬ ‫ومام ّ‬ ‫االمناء العريب يف تقرير التنمية اإلنسانية‪ 2003‬تبني أن الدول العربية تأيت يف قمة الرتتيب العاملي يف اعتبار الدميقراطية أفضل نظام‬ ‫حكم‪،‬ويف رفض النظام التسلطي‪،‬أجريت عىل مجموعة من النخبة ال من عامة الشعب وهذا ما مل توضحه الدراسة‪.‬‬ ‫‪-8‬احرتام العمل املهني بدل احتقاره‪:‬‬ ‫من القيم التي تؤث ّر يف توجهاتنا املوقف من العمل اليدوي واملهني عامة‪ .‬فكان مام يعاب به أهل اليمن يف الجاهلية – وهم أكرث حضارة‬ ‫من سواهم من العرب – أنهم (بني ناسج برد ودابغ جلد) ومل تسلم الفالحة والعمل الزراعي من أمثال تلك األحكام الجائزة‪،‬وكثريا‬ ‫ما أزرى العمل املهني بصاحبه بدال من أن يعيل من شأنه‪،‬عىل كرثة النصوص التي تحضن عىل العمل أيا كان نوعه‪.‬‬ ‫ومع أن املجتمع املعارص هو مجتمع عمل باملقام األول فام زالت مجتمعات عربية تسمى الحرفني كالحالّق والجزار(بالخس)‪،‬من‬ ‫الخسة‪،‬وترفض مصاهرتهم واإلصهار اليهم‪.‬واألخطر أن هذا املوقف من العمل اليدوي انسحب عىل العمل عامة‪،‬ولعل هذا من‬ ‫أسباب ضعف إنتاجية العامل العريب‪،‬تقول بعض الدراسات إن إنتاجية العامل يف البالد املتقدمة يزيد ثالثة وعرشين ضعفا عىل‬ ‫إنتاجية العامل العريب‪،‬ورمبا تعود بعض أسباب تدين جودة اإلنتاج اىل هذا املوقف‪ ،‬إذ كيف يتقن إنسان عمال ال يحرتمه يف قرارة‬ ‫نفسه؟‪.‬‬





‫والحرية)‪،‬فأين ثقافتنا الحالية من هذه القيم يف ضوء ما ق ّدمنا‪.‬كام أذكر مبقارنة – قام بها مؤلف كتاب (الثقافة العربية وعرص‬ ‫املعلومات) – بني سامت الفكر العريب املعارص ونظريه الغريب‪،‬فكان مام أدت اليه مقارنته أن الفكر العريب تقليدي ال ابتكاري‪،‬رجعي‬ ‫ال استرشاقي‪،‬فردي ال جمعي‪ ،‬سلبي ال مبادر‪،‬غيبي ال عميل‪...‬‬ ‫ولعل من األفضل أن نقسو عىل أنفسنا من أن يقسو علينا اآلخرون‪.‬فالثقافة الحية – كالدميقراطية – قادرة عىل تصحيح مسارها بذاتها‪.‬‬ ‫ال أدري إن كنت قد وفقت يف إيصال رسالة ومؤداها أن ما نشكو منه من ظواهر الفساد والشمولية والقهر‪،‬إمنا ترضب بجذور اىل‬ ‫ثقافة متخلفة ساعدت عىل تق ّبلها وفشوها‪ .‬وعليه فاإلصالح الثقايف ال ينفصل عن اإلصالح السيايس واالقتصادي‪،‬فهي مجتمعة تشكّل‬ ‫منظومة التق ّدم املعارصة‪.‬‬ ‫ويف النهاية‪ ....‬من أين نبدأ؟‬ ‫"قناعتي – والكالم للدكتور نبيل عيل – أن البداية يف الرتبية‪،‬واملدخل اليها هو اللغة‪،‬والركيزة هي الثقافة‪ ،‬ثقافة تكامل املعرفة‬ ‫وصدق االميان‪،‬وكالهام رهن بتوافر الحرية‪ "...‬أوال وأخريا‬ ‫مصدر اليقني املعتقدات الدينية أو الالهوت املقدس الذي يرتبط بالكنيسة ‪ ،‬وكانت وظيفة الفلسفة تنحرص يف محاولة تفسري‬ ‫هذه املعتقدات والربهنة عليها ألن الفلسفة ليتلقي الغفران دون توسط الكهنة والقديسني واألرسار االلهية ( رس االعرتاف والعامد‬ ‫والتناول والزواج واملوت ‪ ..‬ألخ )‪ .‬وعىل الرغم من أن الربوتستانت املحدثني ما كانوا من الكهنة ‪ ،‬اال أنهم مل يكونوا مستقلني يف‬ ‫تفكريهم كام هي حال الفالسفة املحدثني العلامنيني ‪ .‬لقد طور الفيلسوف الحديث فروضه بحرية ‪ ،‬واضعاً يف اعتباره التطورات‬ ‫العلمية املستجدة وتأثرياتها عىل القضايا التي يبحثها ‪ .‬وقد بلغت هذه الفردية حدا ً بات معه من الصعب إتفاق فيلسوفني متاماً عىل‬

‫املوضوعات املهمة التي تشغل تفكريهام ‪ ،‬وبات كل فيلسوف يفحص شواهده بنفسه وميحصها ليتوصل اىل النتائج الخاصة به بطريقة‬ ‫مستقلة ‪.‬وهكذا ميكن القول إن الفلسفة الحديثة بدات " حيثام بدأ كل شخص يف التفكري بصورة مستقلة عن املعتقدات التي قبلها الناس ‪،‬‬ ‫ونظر يف األمور بنفسه " ‪.‬‬ ‫ النزعة االنسانية ‪ :‬عرص النهضة ما كان ارتدادا ً من العصور الوسطى اىل العصور القدمية كام نفهم من كلمة (الرينيسانس) بل كان باألحرى‬‫حيازة ملا أنتجه الرتاث القديم من أجل استخدامات جديدة ‪ .‬وبهذا املعنى متثل إنسانيو القرن السادس عرش من الرتاث القديم ما يوسع‬ ‫رؤيتهم ويساعدهم يف البدء بداية جديدة يف دراسة العامل واالنسان ‪ ،‬رغم انهم ما استطاعوا التخلص متاماً من خرافات املايض ‪ ،‬فذلك‬ ‫أمر مل يتحقق اال يف عرص التنوير ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فقد أظهر كثري من فالسفة الفرتة االنسانية ومضات من االستبصار كانت تنبىء بوالدة عرص‬ ‫جديد ‪ .‬ورغم ارتكابهم األخطاء بسببب افتقارهم اىل منهج جديد للتفكري‪ ،‬متيز االتجاه االنساين ‪ ،‬يف حركة فكر النهضة ‪ ،‬بالتأكيد عىل نقض‬ ‫الفكر امليتافيزيقي والالهويت الذي ساد يف العصور الوسطى ‪ ،‬والدعوة للعودة اىل الطبيعة االنسانية واعتبار الواقع االجتامعي الذي يعيش‬ ‫فيه االنسان املنبع األسايس ألفكاره‪ .‬وبات االهتامم بالفلسفة نابعاً من اتجاه فكري يبحث عن املتعة الذهنية واألخالقية والجاملية بعيدا ً عن‬ ‫االهتاممات الالهوتية ليصبح إنسان القرن الخامس عرش أكرث انسانية وأكرث برشية ‪،‬اي أكرثعقالنية ‪ ،‬وثقافة ومعرفة بكل ما له قيمة يف الفن‬ ‫واألدب والعلم ‪ ،‬عن طريق دراسة اآلداب الكالسيكية ( الثقافة اليونانية القدمية التي نقلت نصوصها األصلية ) التي عرفت باسم االنسانيات‬ ‫وعرف الباحث الذي يدرسها بطريقة جديدة باسم الباحث االنساين يف مقابل الباحث االسكواليئ ‪.‬‬ ‫منو العلم الحديث ‪:‬‬ ‫مل يبزغ العلم الحديث فجأة يف مطلع القرن السابع عرش ‪ ،‬بل سبقه احياء للرتاث الفيثاغوري القائم عىل فكرة البحث عن الحقيقة عن طريق‬ ‫األعداد ‪ .‬كانت هذه النظرة اىل العلم ومشكالته مختلفة جذريا عن االتجاه االرسطي عند املدرسيني ‪،‬من حيث اعتامدها عىل سلطة علم‬ ‫األعداد وحده وابتعادها عن االعتامد عىل النصوص‪ ،‬ألن "كتاب الطبيعة املجيد مكتوب بلغة الرياضيات " ‪ .‬وهكذا ظهرت الثورة العلمية‬ ‫الكربى بوصفها نزعة تتمسك بالفيثاغورية بدرجات متفاوتة ‪ ،‬وأخذت تتخىل تدريجيا عن األفكار األرسطية يف ميداين الفلك والفيزياء ‪.‬‬ ‫التطور الهائل للحركة العلمية حدث أساسا يف البالد الربوتستانتية بسبب العجز النسبي للكنائس القومية عن فرض سيطرتها عىل أفكار اعضائها‬ ‫‪.‬‬ ‫بدأ النمو املطرد للعلوم الحديثة انطالقا من نظرية كوبرنيكوس(‪ )1473-1543‬رجل الدين البولندي الذي سافر اىل روما حيث درس الرياضيات‬ ‫وتعرف عىل النزعة الفيثاغورية عند علامء الحركة االنسانية االيطاليني ‪ ،‬قبل أن يعود اىل بولندا ويتبنى نظرية مركزية الشمس ‪ .‬هذه النظرية‬ ‫التي تطورت مع كبلر(‪ ، )1571-1630‬وغليلو غلييل (‪ ، )1571-1630‬وصوال اىل نيوتن(‪ )1642-1727‬لينتهي معها كل أثر لآلراء األرسطية املتعلقة‬ ‫بالطبيعة والفلك ‪ ،‬وتبدأ مسرية ظافرة للعلوم النظرية الحديثة التي غريت نظرة االنسان اىل الكون وموقعه فيه ‪.‬‬ ‫وباالضافة اىل العلوم النظرية شهد القرن السابع عرش اكتشفات هائلة منها‪ :‬نظرية جيلربت عن املغناطيسية ‪ ،‬ونظرية هويغنز املتعلقة‬ ‫بالنظرية املوجية للضوء ‪ ،‬واكتشاف وليم هاريف للدورة الدموية ‪ ،‬واكتشافات روبرت بويل التي مهدت للكيمياء الحديثة ‪ ،‬اضافة اىل ابحاث‬ ‫فيسالوس املتعلقة بالترشيح ‪ .‬وقد استتبع هذا التطور العلمي اخرتاع لآلالت (املجهر ‪ ،‬التلسكوب‪ ) ...،‬وتطور تكنولوجي مناظر حقق‬ ‫ألوروبا السيطرة طيلة ثالثة قرون ‪.‬‬ ‫هذا التطور العلمي يعتمد بشكل اسايس عىل املالحظة ‪ ،‬وليس عىل االستقراء األرسطي العقيم ‪.‬ويف هذا االطار جاء كتاب فرنسيس بيكون‬ ‫"تقدم املعرفة " الذي نرش عام ‪ ، 1605‬وكان هدفه توسيع نطاق املعرفة وزيادة سيطرة االنسان عىل ظروفه وبيئته ‪ ،‬األمر الذي يستدعي‬ ‫منهجا جديدا للمعرفة يحل محل القياس ‪ .‬وهو ما اطلق عليه تسمية األورغانون الجديد ‪ ،‬وهو جزء من عمل ضخم نرش عام ‪ ، 1620‬ووضع‬ ‫فيه صيغة جديدة لالستقراء ‪.‬‬ ‫اقرتن اسم بيكون بحركة العلم الحديث ألنه دعا اىل منهج يعتمد عىل الحواس والتجريب ‪ ،‬ويبدا من جزئيات ليخرج بنتيجة كلية هي قانون من‬ ‫قوانني الطبيعة ‪ .‬انه املنهج الذي يستقطب سؤال العرص ‪ ،‬سؤال الطبيعة‪ .‬يصف بيكون الطبيعة باألم الكربى للعلوم ‪ ،‬وهي مملكة املعرفة‬ ‫االنسانية ‪ ،‬وامليدان الوحيد املثمر واملأمول لسيطرة االنسان عن طريق املنهج التجريبي ‪ ،‬بجانبيه االيجايب الذي يختص بقواعد التجريب ‪.‬‬ ‫والسلبي املتعلق بتخليص العقل من األوهام أو األصنام ( اوهام الجنس أو القبيلة ‪ ،‬وأوهام الكهف ‪ ،‬وأوهام املرسح ‪ ،‬وأوهام السوق ) ‪.‬‬


‫ساقى نامه‬

‫شعر‪ /‬حافظ الشريازي‬


‫بيا ساقى آن مى كه حال اورد‬ ‫كرامــــت فزايد كمــــال آورد‬ ‫*****‬ ‫اجلب الخم َر التي تهـَ ُب الرضا وتزي ُد إنسانيـــــَّـــ َة اإلنسانِ‬ ‫ساقي ِ‬ ‫ُ‬ ‫يسمو بنا عن حأمة األدرانِ‬ ‫والكامل‪ ،‬ورشب ُـها‬ ‫فيها الكرام ُة‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫هات اعطني خمرا ً فإين منه َـ ٌك متساق ٌط متجل ْـبـِ ٌب بهوانِ‬ ‫هيـّا اسقنيها‪ ،‬غار قلبي يف األىس وخرستُ عمري‪ ،‬فال َخسا ُر اثنــانِ‬ ‫*****‬ ‫ساقي َ‬ ‫تعال فمن خال ِل زجاجهـــا تحيك لنا الصهبا ُء أخبــــا َر األم ْم‬ ‫لشبـِهــــــا يف كأسها أخبا َر"كيخرسو" و"ج ْم"‬ ‫عجام ُء ناطق ٌة ُّ‬ ‫تقص َ ْ‬ ‫*****‬ ‫عن"كاووس" عرب ِ‬ ‫الكاس‬ ‫ناي أسقـِني أنبئ ْـ َك عن "جمشي َد"‬ ‫مع لحن ٍ‬ ‫َ‬ ‫أحوالهم‪،‬أخبا ُرهم‪ ،‬ومآلـُهـــــــ ْم تـُجىل بتأثريِ ِ‬ ‫الطال يف الر ِاس‬ ‫*****‬ ‫ساقي َ‬ ‫تعال فتلك خمرتك التي يف الفتح صارت كيميا َء الرو ِح‬ ‫أحس بأنني يل كن ُز "قارونٍ " وفرت ُة "نو ِح"‬ ‫أنا حني أرشب ُـها ُّ‬ ‫*****‬ ‫لسك ْـ ٍر ثانِ‬ ‫هي ّـا اعطني هم سوف يفتتحون با َب الحان ثاني ًة ُ‬ ‫فيها تكون هناءيت‪ ،‬والعم ُر يف أرجائها أفىض مع اطمئنانِ‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫هات اعطني خمرا ً من ِ‬ ‫الكأس التي "جمشي ُد" عاق َرها فصار بصريا‬ ‫قد كان عرب زجاجها وشعاعـِها يجلو خفايا الكونِ واملستورا‬ ‫*****‬ ‫وأنا ٍ‬ ‫بتأييد من ِ‬ ‫الكأس التي "جمشي ُد" عاق َرها غدوتُ بصريا‬ ‫رسا ً خافياً مطمورا‬ ‫فكأنني "جمشي ُد" يجلو ما اختفى ويذي ُع ّ‬ ‫*****‬ ‫واقصص حكاي َة ذلك الزمنِ الذي طالت مسريتـُه مع األقدا ِر‬ ‫ْ‬ ‫َوصـِلِ الحديثَ عن ِ‬ ‫امللوك وقد قض ْوا ذهبوا‪ ،‬وما تركوا سوى األخبا ِر‬ ‫*****‬ ‫هو ٌ‬ ‫اب‬ ‫منزل هذا الوجو ُد‪ ،‬وإمنا هو ٌ‬ ‫آيل مهام احتوى لخر ِ‬ ‫ياب"‬ ‫أ ْردتـْه أقدا ٌر ْ‬ ‫فقل يل من رأى بع َد الردى "إيوا َن أفـْ َر ْس ِ‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫بيوم عوانِ‬ ‫أين الكبا ُر بحكمهم وبرأيهم‬ ‫للجيش ج ّرارا ً ِ‬ ‫قل يل إذن أين انتهوا بل أين خنج ُر ذلك الرتيكِّ ذي اللمعانِ‬


‫****‬ ‫ٌ‬ ‫أثام‬ ‫ملك‪ ،‬ومــــا ُم َّس ْت‬ ‫ساقي اعطني خمرا ً يق ِّدم ُـها لنا‬ ‫بــــــأي ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ستظل طاهر ًة مدى األيــــــــّ ِام‬ ‫ُّ‬ ‫اآلن قلبي سوف يشه ُد أنها‬ ‫*****‬ ‫تزيل السيـّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وتجرف‬ ‫ئات‬ ‫هيـّا اعطني خمري ألرج َع طاهرا ً عني ُ‬ ‫م ُـت َـعي أُصع ِّـ ُدها عىل أغوارها وتر ُّد يل طهري ُس ٌ‬ ‫قرقف‬ ‫الف ُ‬ ‫*****‬ ‫أضحت ر ْوض ُة الخ ُـل َـصا ِء يل سك َـناً بدار العال َـ ِم الروحاين‬ ‫أنا حني‬ ‫ْ‬ ‫فلـِ َم ارتباطي بالقيود عىل الرثى وأعو ُد للجسد األسريِ الفاين‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫بكل وضو ِح‬ ‫هات اعطني خمرا ً و َر الح َّظ الذي يبدو عىل وجهي ِّ‬ ‫َ‬ ‫وتعال خ ِّرب ْـني و َر الكن َز الذي هو حكم ٌة خب ّـأت ُـه يف روحي‬ ‫*****‬ ‫الكأس يف كف ّـي أخذتُ وشُ ف ْـت ُـها بصفا ِء‬ ‫أنا ذلك الرايئ إذا ما َ‬ ‫يخفى بهذا الكون من أشيا ِء‬ ‫كل ما‬ ‫رص َّ‬ ‫يف تلكـُ ُم املرآ ِة أب ُ‬ ‫*****‬ ‫السكـْ ِر اللذيذ ُ‬ ‫تسام‬ ‫يروق يل إعال ُن مملكتي ِّ‬ ‫بكل ِ‬ ‫يف لحظ ِة ُ‬ ‫الجام‬ ‫وأكو ُن ذا ح ْو ٍل ألجم َع "خرسوي" واملعد َم العايف بنفس ِ‬ ‫*****‬ ‫مع ذلك السكرانِ ال تسطي ُع أن تخفي جواه َر حكم ٍة يف ِ‬ ‫الذات‬ ‫ِ‬ ‫إنكا ُر َ‬ ‫الكلامت‬ ‫وض ٍح‪ ،‬وإن خفـِيت عىل‬ ‫يجعل األرسا َر يف‬ ‫ذاتك ُ‬ ‫َ‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫النشيد وص ْوغ ِه بذكا ِء‬ ‫وإذا تجلـّى "حافظُ" السكرا ُن يف صنعِ‬ ‫سيل غنا ِء‬ ‫فلسوف تشدو "ال ُزهرةُ" الشع َر الذي قد صاغه ‪ ،‬ويكو ُن ُ‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫النشيد‬ ‫قل يا مغن ِّـي أين صوتُ النه ِر من ذاك‬ ‫ْ‬ ‫"الخرسوي" الرائعِ‬ ‫ِّ‬ ‫ذاك النشي ُد يعي ُد حـُلـْامً نائياً‬ ‫وتأمـُّالً مبصائــــ ٍر ووقائــــــعِ‬ ‫*****‬ ‫ويص َري وجدي حارضا ً بالكاملِ‬ ‫حتى أكو َن مولـَّهاً متش ِّوقاً‬ ‫الرقص انجذاباً للرؤى وبخرقتي ألهو ليسمو داخيل‬ ‫سأمارس َ‬ ‫ُ‬ ‫*****‬ ‫والتاج والح َّظ الذي يعطي بدنيانا عل َّو املنز ِل‬ ‫أعطي الغنى‬ ‫َ‬ ‫شجر الخلو ِد وملكـِ ِه املتأصـِّلِ‬ ‫الكل أعطي ِه بفاكه ٍة عىل‬ ‫َّ‬ ‫*****‬ ‫هو يف أريكتـِه غدا َ‬ ‫كل زمانِ‬ ‫ملك الرثى وبعزم ِه سلطا َن ِّ‬ ‫كل أمانِ‬ ‫قم ٌر عىل بر ِج السعاد ِة والغنى وموف َّـ ٌق يف نيل ِّ‬ ‫*****‬


‫*****‬ ‫والرسداب‬ ‫ظل‬ ‫رص واإليوا ُن وح َدهام وال تابوتـُه قد َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال الق ُ‬ ‫إياب‬ ‫ُّ‬ ‫الكل أدر َاج الرياح غد ْوا وال ي ُـرجى لهم بعد الرحيل ُ‬ ‫*****‬ ‫الجيش والصحرا ُء يف أمدائها يف العاصفات ويف الرخا سي ّـان‬ ‫ُ‬ ‫جيش مل يك ْن إالّ كام البيداء يف التـَيـَهانِ‬ ‫إن ضاع يف البيداء ٌ‬ ‫*****‬ ‫ساقي اعطني خمرا ً َ‬ ‫خالل زجاجها تحيك لنا الصهبا ُء أخبا َر األم ْم‬ ‫يف كأسها أخبا َر"كيخرسو" و"ج ْم"‬ ‫لشبها‬ ‫عجام ُء ناطق ٌة ُّ‬ ‫تقص َ ْ‬ ‫*****‬ ‫أجمل َ‬ ‫رب املا ِل‬ ‫ما َ‬ ‫رب التا ِج ُّ‬ ‫القول الذي قد قاله جمشي ُد ُّ‬ ‫آيل لزوا ِل‬ ‫منيف ٌ‬ ‫رص ٌ‬ ‫ال ليس يفضـُ ُل من شعريٍ حبـّ ًة ق ٌ‬ ‫*****‬ ‫ساقي َ‬ ‫تعال فتلك نا ٌر قد بدتْ يف كأسها وهـّاج ًة ال تخم ُد‬ ‫تحت الرثى زردشت كان يريدها والنا ُر يف صهبائها تتوقد‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫مذهب ملعربدين سكارى‬ ‫تعارض يف‬ ‫هات اسقني خمرا ً فليس‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫رص وراح يعب ُد نارا‬ ‫ما بني من عبدوا الحيا َة وله َوها أو من أ َّ‬ ‫*****‬ ‫تعال َ‬ ‫ساقي َ‬ ‫فذاك مغمو ٌر أىت هو ُمبـْكـِ ٌر يف سعي ِه للحانِ‬ ‫هو ٌ‬ ‫بطيب مكانِ‬ ‫نازل منه‬ ‫سكرا َن كان له مق ٌّر دائ ٌم‬ ‫ِ‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫أجعل سمعتي يف الناس س ّيئ ًة ولن أتراجعا‬ ‫هات اسقني فلسوف ُ‬ ‫أنا خ َّربتني الخم ُر سوف ألومـُها وألو ُم كأساً باإلساء ِة م َرتعا‬ ‫*****‬ ‫ساقي َ‬ ‫عقل سلي ٌم يـُح َر ُق‬ ‫مسها ٌ‬ ‫تعال فتلك ما ٌء‪ ،‬نا ُرها لو َّ‬ ‫وتسحق‬ ‫تشب‬ ‫لو ذاقها أس ٌد ألحرق غاب ًة‬ ‫ُ‬ ‫من نارها فيه ُّ‬ ‫*****‬ ‫ساقي اسقني خمرا ً ليك أتصي َّـ َد األس َد الهصو َر غضنف َر األقدا ِر‬ ‫الذئب املـُ ِس َّن لجعلـِه يف الف ِّخ مأسورا ً بق ّو ِة ناري‬ ‫وأهاج ُم‬ ‫َ‬ ‫*****‬ ‫بشميم مسك ال ُحو ِر يف الجنـّ ِ‬ ‫ساقي َ‬ ‫ات‬ ‫ِعت‬ ‫ِ‬ ‫تعال فتلك خم ٌر أُتـْر ْ‬ ‫ِ‬ ‫صفات‬ ‫سكبوا بتلك الخم ِر خ َري‬ ‫فيها مالئك ٌة بـِعـِل ّـي ِّـيـنه ْم‬ ‫*****‬ ‫طيب ناف ٍح وبخورا‬ ‫هي ّـا اعطني خمرا ً ألشعـِ َل يف اللظى أعوا َد ٍ‬ ‫حتى شذا العقلِ‬ ‫طيب ويبقى يف الوجود دهورا‬ ‫يظل يف‬ ‫الحكيم ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫*****‬ ‫وادخل إىل مستود ِع األروا ِح‬ ‫ْ‬ ‫أصحاب الرؤى‬ ‫أطر ِْب أويل األروا ِح‬ ‫َ‬ ‫فالكل قد ح ُـ ِملوا عىل األلوا ِح‬ ‫ُّ‬ ‫واذك ْر "أب ْروي َز" العظي َم و"با َرب َـ ْد"‬ ‫*****‬ ‫حجاب هذا العال َـ ِم‬ ‫واستو ِح رسامً ــ يا مغني ــ موحياً عم ّـا ورا َء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قاتم‬ ‫وانظ ْر إىل ما راح يروي‬ ‫رس كونٍ ِ‬ ‫مختف بحجاب ِه عن ِّ‬ ‫*****‬ ‫بل هكذا أم ُد ْد بلحنك منشدا ً يا مطرباً واعزف عىل األوتا ِر‬ ‫حتى تش َّد "ال ُزهرةَ" الع ُـليا إىل ٍ‬ ‫رقص عىل لحنٍ من القيثا ِر‬ ‫*****‬ ‫واصدح وب ُـ ْح‪ ،‬لو أ ّن صوفي ّـاً بدا يف نشو ٍة وبحالة ال ِعرفانِ‬ ‫ْ‬ ‫لو راح يحسو نشو َة األلحانِ‬ ‫متـح ِّررا ً يأتيك من ِعرفان ِه‬ ‫*****‬ ‫ِّ‬ ‫األرواح‬ ‫بالدف والصن ِج ابتد ْع لحناً لنا يا مطرباً تهفو له‬ ‫ُ‬ ‫وامزج مع اللحن الغنا َء ِ‬ ‫ترتاح‬ ‫وأعطنا فن ّـاً له أرواح ُـنا ُ‬ ‫ْ‬ ‫*****‬ ‫هذا الوجو ُد يش ُّدنا بخداع ِه يف قص ّـ ٍة جذّاب ٍة بتش ُّوقِ‬ ‫الليل َ‬ ‫طال برس ِد ِه هذي الحكايا وهي مل تتحقـّ ِق‬ ‫فانظ ْر إذا ما ُ‬ ‫*****‬ ‫مللت ف ُر َّد يل شوقي بشد ٍو منك لحناً ثانيا‬ ‫أنا يا مغنـّي قد ُ‬ ‫ْ‬ ‫فاعزف‪ ،‬وباأللحانِ ف ِّرج ما بيا‬ ‫متف ِّردا ً بأدائـــــــــــه وبلحن ِه‬ ‫*****‬ ‫ِ‬ ‫األفالك‬ ‫ذاهل متعج ِّـ ٌب مم ّـا أرى متفك ِّـرا ً يف دور ِة‬ ‫أنا ٌ‬ ‫ما عدتُ أدري ما سيحـْطـُمه الرثى فينا غدا ً ويص ُري ره َن ِ‬ ‫هالك‬ ‫*****‬ ‫ُ‬ ‫الحاذق‬ ‫املجويس اللظى وهو املحنـَّ ُك والذيكُّ‬ ‫أشعل الشي ُخ‬ ‫لو َ‬ ‫ُّ‬ ‫الواثق‬ ‫فإىل متى‬ ‫سواي ُ‬ ‫املصباح يصم ُد ضوؤ ُه أنا لست أدري‪ ،‬هل َ‬ ‫ُ‬ ‫*****‬ ‫الدم‬ ‫يف هذه الدا ِر التي تصحو عىل نرثِ الدما ِء‪ ،‬وال ُّ‬ ‫متل من ِ‬ ‫والكأس ِ‬ ‫ِ‬ ‫املجرم‬ ‫الطال ود ِع اإلساء َة يف الزمان‬ ‫اإلبريق‬ ‫أنرثْ من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫*****‬ ‫مبشا ً‬ ‫أرسل نشيـــــــــدا ً عابقاً بالرا ِح‬ ‫ْ‬ ‫للمنتشني الشاربيــــــــن ِّ‬ ‫وابعثْ سالماً للذين مضوا وقد كانوا األحبة يف الزمانِ املاحي‬ ‫*****‬

‫ترجمة عمر شبيل‬


‫*****‬

‫وبلون ِه‪ ،‬وغدا عظي َم الجا ِه‬ ‫املـُ ُلك منه مجلبـَ ٌب بإبائ ِه‬ ‫ُ‬ ‫األسامك يف األموا ِه‬ ‫والط ُري يف ُوك ُـناتـِها أ ِمن َـ ْت به وكذلك‬ ‫*****‬ ‫للمقبلني إليه يف اسرتشاده ْم هو نو ُر أفئد ٍة وضو ُء عيونِ‬ ‫القلوب مي ُّدها بنعي ِم ِه‪ ،‬وبضوئ ِه املخزونِ‬ ‫أصحاب‬ ‫أرواح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫*****‬ ‫ها أنت يا ط َري السعاد ِة والهنا إذ أسعدتـْ َك بظلـِّها العنقا ُء‬ ‫املالك ٌ‬ ‫أنت ُ‬ ‫اقرتنت بها النعام ُء‬ ‫أخبا ُر َك‬ ‫مبارك إلها ُمه‬ ‫ْ‬ ‫*****‬ ‫كل جواه ِر‬ ‫ال الد ُّر يف أصداف ِه لك مشبـِ ٌه يف الكون إنك فوق ِّ‬ ‫وغدا"فريدونٌ"و"جمشي ٌد" بال خـَلـَ ٍف شبيهـِ َك‪ ،‬أنت فوق اآلخ ِر‬ ‫*****‬ ‫واحرص بأن تبقى زماناً طائالً متمكـِّناً يف موقعِ "اإلسكندرِ"‬ ‫ْ‬ ‫واكشف لنا َ‬ ‫رص‬ ‫حال‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫القلوب‪ ،‬وك ْن بها أدرى‪ ،‬وك ْن يف حال ِة املستب ِ‬ ‫*****‬ ‫ما زال هذا الده ُر مي ّـاالً إىل فـِت َـنٍ ‪ ،‬وينصب يل بها أرشاكا‬ ‫الحبيب هالكا‬ ‫وسكـْري واقعان بفتن ٍة تـُزجي بها ع ُني‬ ‫ِ‬ ‫فأنا ُ‬ ‫*****‬ ‫والدهر أحياناً يج ِّر ُد سيفـَه ليحقـِّ َق اليش َء الذي يبغي ِه‬ ‫املكتوب عن ّـا في ِه‬ ‫ويكون حيناً راسامً له خطَّ ًة يك ينج َز‬ ‫َ‬ ‫*****‬ ‫ْ‬ ‫مذهب يف العاملني جدي ُد‬ ‫فاعزف ــ مغن ّـي ــ اللح َن إ ّن نشي َدنا هو‬ ‫ٌ‬ ‫رس الذي يرسي بجدو ِل لحن ِه ويُعي ُد‬ ‫وارشح‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ألخصام لنا ال َّ‬ ‫*****‬ ‫ستكو ُن عاقبتي انتصارا ً حاسامً ض َّد العد ِّو وكيد ِه وغرو ِر ِه‬ ‫قاتل لرشو ِر ِه‬ ‫يل من السام أ ّن انتصاري ٌ‬ ‫فبشار ٌة‬ ‫ْ‬ ‫هبطت ع َّ‬ ‫*****‬ ‫ونطرب‬ ‫مطرب اللح َن الذي يجتاحنا منه الرسو ُر‬ ‫واصن ْع لنا يا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األنام وتـُخلـَ ُب‬ ‫واجعلـْ ُه يحيك قص َة الغز ِل الذي تهفو له مـُهـَ ُج ِ‬ ‫*****‬ ‫ُ‬ ‫طت من أقدامي‬ ‫أحامل غـمـّي قيـَّدتـْني للرثى فكأنـّني خـُيـِّ ْ‬ ‫ِط ْر يب‪ ،‬ود ْع هذا املكا َن بع ّز ٍة واحف ْظ بذاك مباديئ ومقامي‬ ‫****‬ ‫ِ‬ ‫اصدح بالنشيد مر ِّددا ً‬ ‫وليأت صوت ُـ َك يف خري ِر الجدو ِل‬ ‫مطرب‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫قل ِ‬ ‫الخرسوي األكملِ‬ ‫منشدا ً ْ‬ ‫النشيد‬ ‫واعزف لنا مبهار ٍة لح َن‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫*****‬


‫ يرى الناس أيضا أن ‪:‬‬‫‪ °‬املرأة املتوهمة التي ال تعيش الواقع و تتهرب منه دامئا ليست أنثى ‪.‬‬ ‫‪ °‬و املرأة القوية عىل زوجها ليست أنثى ألنها تحاول فرض إرادتها عليه‪ ،‬فال تقيم لرأيه وزناً أو لكالمه اعتبارا ً و بهذا تكون مسرتجلة ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة التي تظهر مفاتنها يف كل األوقات و للجميع هي امرأة منعدمة األنوثة و غري واثقة من نفسها وال مستأمنة يف عرشتها ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة الساعية لتحطيم صورة النساء األخريات من أجل إظهار صورتها عىل أحسن وجه ‪ ،‬هذه املرأة يف أعني الرجال مجرد فاشلة و‬ ‫ليست أنثى ‪ ،‬ألن الجميع يعلم أن طبع النساء من هذا النوع منشغالت بعيوب األخريات النعدام األنوثة لديهن ‪ ،‬فيحاولن إيجاد عيوب‬ ‫لألخريات ‪ ،‬ألنهن ال يجدن فعل أي يشء سوى االنشغال بغريهن ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة املبتذلة و السوقية ىف كالمها وترصفاتها ‪ ،‬و البعيدة عن اللطف و الحنان و الطيبة و كثرية الرصاخ تعترب ليست أنثى بنسبة لجميع‬ ‫الرجال ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة شديدة الحساسية و كثرية البكاء و التأثر لألحداث الخارجية دون تفكري و بكل بالدة تعترب عند الرجال ساذجة و ال تتمتع بأنوثة ‪.‬‬ ‫كانت هذه بعض الصفات و األفعال التي تجعل من املرأة يف أعني اآلخرين منعدمة األنوثة ‪ ،‬و إذ ندقق يف هذه الصفات و األفعال‬ ‫سنجدها بعيدة عن الرقة و اللطف و الحنان و الواقع لنستنتج بعدها أن األنوثة مرتبطة فعال بالرقة و الطيبة و العقل و الحنان ‪ ،‬و يضيف‬ ‫البعض أيضا شكل املرأة يف جسدها و حركاتها و جاملها ملميزات األنوثة ألنها أمور تلفت االنتباه و تجعل من املرأة مغرية و صاحبة شكل‬ ‫أنثوي بعيد عن الشكل الذكوري ‪.‬‬ ‫ األنوثة كنز ‪ ،‬إن أدركته املرأة ستستمتع بحياتها و متتع أيضا من تغمرهم بأنوثتها معها ‪ ،‬و األنوثة طبع موجود يف داخل كل أنثى ما عليها‬‫إال أن تهتم بنفسها و أن تبتعد عن القسوة و السذاجة لتجد نفسها بعدها قد امتلكت نصف األنوثة و فهمت وظيفتها يف هذه الحياة جيدا‬


‫األنوثة‬

‫مريم باجي‬

‫أنت أنثى عندما نسمعها غالبا تدور يف ذهننا أفكار لطيفة ثم نفرس معناها بأمور مرتبطة بالرقة و الهدوء و السعادة و الجامل ‪ ،‬فاألنوثة‬ ‫يقل حسب املرأة و أفكارها و الوسط الذي عاشت فيه‬ ‫طبع جميل خاص بالنساء يُغرس فيهن منذ والدتهن ‪ ،‬ثم بعد ذلك يزداد توهجا أو ّ‬ ‫‪ ،‬و مع السنوات إما أن تكون املرأة صاحبة أنوثة طاغية أو أن تكون منعدمة األنوثة ‪ ،‬و رغم هذا كثري من النساء ال يعلمون أهمية األنوثة‬ ‫و غري مهتامت بها ‪ ،‬فتنعدم فيهن تدريجيا لدرجة أنها أحيانا تجعل املرأة تكره نفسها بسبب االنتقادات السلبية التي تأيت من املحيطني‬ ‫بها أو من ذاتها خاصة عندما تقارن نفسها مع غريها ‪.‬‬ ‫من بني أسباب انعدام األنوثة للمرأة أو عدم اهتامم املرأة بأنوثتها هو الضغط النفيس أو الرتبية و الوسط املعييش ‪ ،‬هذه األسباب‬ ‫تجعل األنوثة منعدمة أو تجعل املرأة غري مهتمة لها ألنها تؤثر سلبا عىل الشخصية لتجعل املرأة داخليا إما جاهلة باملوضوع أو غري واثقة‬ ‫بنفسها أو غري مهتمة ألنوثتها ألنها بالنسبة لها غري مدرجة يف قامئة أولوياتها حسب تفكريها ‪ ،‬لكن رغم انعدام األنوثة عند بعض النساء‬ ‫إال أنها تبقى طبعا مزروعا يف داخلهن يحتاج فقط لبعض التحفيز و االهتامم بالنفس ‪.‬‬ ‫ كام سبق و قلت لألنوثة أهمية كبرية يف حياة املرأة و عليها أن تحاول دامئا البحث عنها يف داخلها و تعزيزها ‪ ،‬و من بني بعض فوائدها ‪:‬‬‫‪ °‬األنوثة تجعل املرأة مميزة بني الناس ‪.‬‬ ‫‪ °‬األنوثة تجعل املرأة ناجحة يف حياتها الزوجية ‪.‬‬ ‫‪ °‬األنوثة تجلب السعادة دامئا ملن متتلكها و ملن تغمرهم بأنوثتها ‪.‬‬ ‫‪ °‬األنوثة تنتج اإلبداع ‪ ،‬فكلام زاد متتع املرأة بأنوثتها زاد تفكريها يف اإلبداع و التميز و زاد حبها لخلق أجواء رائعة متجددة ‪.‬‬ ‫‪ °‬األنوثة تزيد من ثقة املرأة بنفسها و قد تكون أيضا ذات فائدة عىل الرجل و تزيد من ثقته بنفسه ‪ ،‬ألن الرجل إن اختار زوجة تتمتع بأنوثة‬ ‫طاغية ‪ ،‬سيفكر دامئا يف داخله " أنه رجل مميز ألنه استطاع جعل امرأة مميزة تقع يف حبه " ‪.‬‬ ‫ و لألنوثة فوائد أخرى و كثرية تصب باإليجاب و النفع يف حياة املرأة و تنعكس أيضا باإليجاب عىل حياة املحيطني بها ‪ ،‬و يف الغالب أيضا‬‫تحاول بعض النساء الوصول ألنوثة طاغية قصد محاولة جعل نفسها أجمل من امرأة أخرى أو إلغراء الرجل ‪ ،‬و هذا أمر طبيعي و فطري‬ ‫فاإلنسان خلق داخليا هكذا هو يحاول دامئا إما املنافسة أو جلب االنتباه ‪ ،‬و عليه نجد دامئا النساء املهتامت لألنوثة يسألن السؤال التايل ‪:‬‬ ‫* متى يرانا غرينا غري متمتعات باألنوثة ؟!‬ ‫هذا السؤال مهم جدا ‪ ،‬ألن اإلجابة عليه توضح عدة أمور ‪ ،‬بل و تبني ماهية املرأة و املسار الذي خلقت ألجله و الذي يجب اتباعه ‪.‬‬ ‫تختلف األفكار فيام بيننا فنحن يف النهاية مختلفون من املستحيل أن تكون لنا نفس األفكار ‪ ،‬لكن بالنسبة للجميع تكون املرأة فاقدة ألنوثتها‬ ‫إذا ‪:‬‬ ‫‪ °‬صارت امرأة مسرتجلة ‪ ،‬و هي تلك املرأة التي تخلت عن صفاتها كامرأة واعتمدت صفات ليست لها لتثبت نفسها بالقوة مثل الرجال ‪.‬‬ ‫‪ °‬صارت امرأة كثرية الكالم ‪ ،‬أي أنها ال ترتك مجاال لغريها ليتكلم أو ليبدي رأيه‪ ،‬أو تلك التي تريد دامئا أن تأخذ دور الجميع يف الحديث ‪.‬‬ ‫‪ °‬الرجل يرى املرأة اللعوب ليست أنثى أيضا ‪ ،‬و املرأة اللعوب هي تلك املرأة التي تجمع بني صفات الكذب والخيانة وعدم االلتزام وقلة‬ ‫التعقل ‪ ،‬و ليس لها رأي واحد و تكرث من النفاق و متقلبة املزاج عىل الدوام ‪ ،‬هذه املرأة تكون دامئا يف نظر الرجال مصدر ريب و غري‬ ‫مؤمتنة و ليست أنثى ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة التي ال تعتني بنفسها ‪ ،‬و ال مبظهرها أو بهندامها و نظافتها الشخصية ‪ ،‬يف نظر الجميع هي امرأة ال تتمتع بأنوثة ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة الغبية أو الجاهلة ‪ ،‬وهي التي ليس لديها ما تقوله وال رأي يف ما يقال‪ ،‬حديثها تفاهات و جهلها ال حدود له ‪ ،‬هذه املرأة يراها‬ ‫الجميع مملة و ال تفيد بيشء و أيضا ليست أنثى ‪.‬‬ ‫‪ °‬املرأة املغرورة و كثرية التباهي بنفسها و التي تكره أي يشء ال متتلكه و تحسد غريها هي األخرى يراها الرجال امرأة منعدمة األنوثة ‪.‬‬


‫الحب‬ ‫جريح ّ‬ ‫هيام سليامن‬ ‫وتجاو َز اآلكا َم والسهال‬ ‫وكل همو ِم ِه مثىل‬ ‫صا ٍح ُّ‬ ‫من أجل امنية هي األعىل‬ ‫كت آمالُه الكسىل‬ ‫فتح ّر ْ‬ ‫صل‬ ‫فشكا لها كم صام كم ّ‬ ‫به للذي يحتلُّه أصال‬ ‫مهام ِ‬ ‫فعلت فانّك األغىل‬

‫ديق وجانَ َب األهال‬ ‫الص َ‬ ‫ نيس ّ‬ ‫وجنح الل ّيلِ يُرش ُده‬ ‫ سا ٍر‬ ‫ُ‬ ‫ أقدا ُره راحت ت ُدحر ُجه‬ ‫اب له‬ ‫ٍ‬ ‫ ظام وقد َ‬ ‫الح الرس ُ‬ ‫شمسه ألَقاً‬ ‫ُ‬ ‫ غا ٍو‬ ‫وترسل ُ‬ ‫ هذي حكاي ُة حال ٍة رجعت‬ ‫ يا خ َري ما أرجو ُه من قدري‬


‫القايض‪:‬‬ ‫كفاك تظلامً وارتباكاً ودموعاً‪ ،‬واقسم أن تقول الحق‪ ،‬وال يشء غري الحق‪ - .‬املتهم‪ :‬أقسم‪- .‬‬ ‫القايض‪ :‬ضع يدك عىل الكتاب املقدس‪ ،‬وليس عىل دليل الهاتف دليل الهاتف‪ - .‬املتهم‪ :‬أمرك‬ ‫سيدي‪ - .‬القايض‪ :‬هل كنت بتاريخ كذا‪ ،‬ويوم كذا‪ ،‬تنادي يف الساحات العامة‪ ،‬والشوارع املزدحمة‪،‬‬ ‫بأن الوطن يساوي حذاء؟ ‪ -‬املتهم‪ :‬نعم‪ - .‬القايض‪ :‬وأمام طوابري العامل والفالحني؟ ‪ -‬املتهم‪:‬‬ ‫نعم‪ - .‬القايض‪ :‬وأمام متاثيل األبطال‪ ،‬ويف مقابر الشهداء؟ ‪ -‬املتهم‪ :‬نعم‪ - .‬القايض‪ :‬وأمام‬ ‫مراكز التطوع واملحاربني القدماء؟ ‪ -‬املتهم‪ :‬نعم‪ - .‬القايض‪ :‬وأمام أفواج السياح‪ ،‬واملتنزهني؟‬ ‫ املتهم‪ :‬نعم‪ - .‬القايض‪ :‬وأمام دور الصحف‪ ،‬ووكاالت األنباء؟ ‪ -‬املتهم‪ :‬نعم‪ - .‬القايض‪:‬‬‫الوطن… حلم الطفولة‪ ،‬وذكريات الشيخوخة‪ ،‬وهاجس الشباب‪ ،‬ومقربة الغزاة والطامعني‪،‬‬ ‫واملفتدى بكل غا ٍل ورخيص‪ ،‬ال يساوي بنظرك أكرث من حذاء؟ ملاذا؟ ملاذا؟ ‪ -‬املتهم‪ :‬لقد كنت‬ ‫حافياً يا سيدي‪– .‬‬ ‫محمد املاغوط‬




‫بكل ما فيها من جامل رائع أ ّخاذ امللهم األول للشّ عراء عىل مدى العصور األدب ّية‪ ،‬تق ّدم لهم املا ّدة األول ّية لتشكيل‬ ‫كانت الطبيعة وما زالت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الخاصة يف وصف املشهد بعضهم كان‬ ‫واحد منهم طريقته‬ ‫لكل‬ ‫قصائدهم‪ ،‬وقد برع كثريون منهم يف تناولهم لجامل ّيات الطّبيعة‪ ،‬وكان ّ‬ ‫ّ‬ ‫حس ما ّد ٍّي كالشّ عر القديم‪ ،‬وبعضهم كان يندمج مع الطبيعة‬ ‫يق ّدمه جزئ ًّيا ‪-‬أي املشهد‪ -‬حتى يصل إىل تشكيل صور ٍة ف ّن ّي ٍة متكامل ٍة‪ ،‬ضمن إطا ٍر ّ ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫كالقصة والحكاية‪ ،‬كشعراء املهجر( ) وشعراء جبل عامل‪،‬‬ ‫أدوات فن ّي ًة‪،‬‬ ‫الطبيعي‬ ‫بأحاسيسه وخلجات نفسه مستخد ًما يف تصويره للمشهد الجام ّيل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكأ ّن الشّ اعر يو ّد أن يخلق رابطًا مشرتكًا ما بني الطّبيعة واإلنسان‪.‬‬

‫بحب إىل جاملها وروضها ورونق سامئها‪ ،‬فقد وجد فيها الشّ اعر مرت ًعا لخياله‪،‬‬ ‫لقد َها َم اإلنسان بالطبيعة منذ أن فتح عينيه عىل محاسنها‪ ،‬وتطلّع ٍّ‬ ‫ومقيل ألفكاره وكانت وحي من استلهمها‪ ،‬تنشيه باهتزاز أزهارها وانسياب جداولها وتأللؤ‬ ‫ً‬ ‫ظاللها‪ ،‬فيجود بالكالم الخالد واللوحة الناطقة‪.‬‬

‫وشعر الطبيعة تعبري جديد يف أدبنا‪ ،‬جاءنا من اآلداب الغرب ّية‪ ،‬وكان له فيها أصوله‪ ،‬واتخذ الشّ عراء امليدانيون يف الطّبيعة ميدانًا فسي ًحا لحريّة‬ ‫العمل‪ ،‬وتربة خصبة لنم ّو العواطف اإلنسانية‪ ،‬وموضو ًعا أكرث مالءم ًة لألسلوب القوي الرصيح‪ ،‬وكلّام كان شعر الطبيعة يعرب عن هذه املشاركة‬ ‫وهذا االستغراق‪ ،‬ومص ّور جامل الطبيعة وف ّنها يف شتّى مظاهرها‪ ،‬كان هذا الشّ عر مزده ًرا ومح ّققًا غرض موضوعه‪ .‬وشاعرنا حسن جعفر نور‬ ‫الدين أحد الشّ عراء الّذين انغمسوا يف الطّبيعة وذابوا فيها كث ًريا‪ ،‬ومن هنا وقع الخيار عىل موضوع الطّبيعة يف شعره‪ ،‬ليكون بحثًا جامع ًّيا نحاول‬ ‫نلج إىل خفاياه ومكنوناته‪ ،‬فكيف وصف حسن جعفر نور الدين الطّبيعة؟ وما هو الدور الذي أ ّدته يف قصائده‪ ،‬وهل استطاع من‬ ‫من خالله أن َ‬ ‫خاللها تحقيق أغراضه؟‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات منظم ٍة يف معالجة‬ ‫وقد ارتأيت يف هذا البحث أن أت ّبع املنهج الوصفي‪ ،‬فهو منهج من املناهج العمل ّية يف البحث‪ ،‬ويقوم عىل اتباع‬ ‫الظواهر والقضايا‪ .‬وهو من ٌط من أمناط التفكري العلمي‪ ،‬وطريقة من طرق العمل يعقد من أجل تنظيم العمل العلمي‪ ،‬والدراسة والتحليل لبلوغ‬ ‫األهداف املطلوبة من البحث‪ .‬فاملنهج الوصفي ميتاز عن باقي املناهج بتتّبعه للظاهرة املدروسة باالستناد إىل معلومات تتعلّق بالظّاهرة يف زمنٍ‬ ‫معي‪ ،‬أو فرتات زمن ّية مختلفة‪ ،‬للنظر إليها يف أبعادها املختلفة وتط ّوراتها؛ وذلك من أجل ضامن الوصول إىل نتائج موضوع ّية‪ ،‬ومن األدوات‬ ‫ّ‬ ‫أيضا عىل تجميع الع ّينات املدروسة؛ وذلك بانتقاء مناذج منها‬ ‫يتوسل بها املنهج الوصفي‪ ،‬أسلوب االستقصاء أو املسح‪ .‬ويقوم ً‬ ‫الوصف ّية التي ّ‬ ‫من أجل االختيار والتجريب‪ ،‬وقد يكون االنتقاء من ّو ًعا ال ينحرص عند نقط ٍة واحد ٍة؛ وذلك لتكون النتائج مبن ّي ًة عىل مسح شامل للظواهر‪ ،‬وبعد‬ ‫كل املعلومات الّتي تتعلّق‬ ‫الخاصة لبعض الحاالت؛ أي‪ :‬ات ّخاذ بعض الحاالت منوذ ًجا‪ ،‬وهذا يفيض إىل استقصاء ّ‬ ‫االنتقاء تأيت مرحلة الدراسة‬ ‫ّ‬ ‫بالحالة املدروسة‪ ،‬وتت ّبعها من بني ٍة إىل أخرى‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫وقت إىل آخر‪..‬‬ ‫وفاعل يف دواوين الشاعر حسن نور الدين‪ ،‬ويف خصب عقله ورفاهية حسه وسعة خياله‪ ،‬إنّها املدد الجميل الذي استم ّد منه‬ ‫ً‬ ‫إ ّن للطّبيعة أث ًرا كب ًريا‬ ‫أحب الطبيعة وشغف بها وزاملها‪ ،‬وهو حتّى اآلن يقيض جز ًءا كب ًريا من وقته يف حضنها‪،‬‬ ‫ألحانه‪ ،‬فنظم قصائد جميل ًة م ّيزته عن غريه‪ ،‬مبعنى أنّه ّ‬ ‫مستمت ًعا مبناظرها الخالبة ومشاهدها املوحية‪.‬‬ ‫وما الطبيعة سوى هذا الكون الواسع‪ ،‬وما اشتمل عليه من ينابيع وأنهار‪ ،‬نرتوي من عذب مائها‪ ،‬وهي أشجا ٌر وبساتني وجنائن نتنقل بينها ونتف ّيأ‬ ‫ظاللها‪ ،‬ونأكل من مثارها‪ ،‬ونقطف من أزهارها وفاكهتها ومروجها‪ ،‬ونسوح يف كل ذ ّرة منها‪ ،‬يف الجبال والتالل والهضاب‪ ،‬مستندين إىل قول الله عز‬ ‫وجل ﴿أُولَٰ ِئ َك لَ ُه ْم َج َّناتُ َع ْدنٍ ت َ ْجرِي ِم ْن ت َ ْح ِت ِه ُم ْالَنْ َها ُر﴾‬ ‫وال ّ‬ ‫رصا أساس ًّيا وبارزًا يف الطّبيعة‪ ،‬ففي األنهار يجري‪ ،‬وإىل البحار ينضم ويتدفّق‪ ،‬ومن الينابيع يتف ّجر‪ ،‬ويف اآلبار ينام‪،‬‬ ‫شك أ ّن املاء يُشكّل عن ً‬ ‫وعىل قمم الجبال يتحول إىل ثلوج‪ ،‬وللشّ اعر يف وصف ماء ال ّنهر عبارات وأبيات جميلة تقطر سالسة وتشبيهات واستعارات موفقة‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫أبيات من قصيد ٍة إيقاع ّي ٍة‪:‬‬


‫الطبيعة يف شعر حسن جعفر نور‬ ‫الدين‬ ‫ ‬

‫د‪ .‬محمود خليل‬


‫صو ٍر ف ّن ّي ٍة وبراع ٍة يف التّعبري‪:‬‬ ‫هذا املط ُر‬ ‫ُسالف ُة السام ِء‬ ‫ينهل يف خف ِر‬ ‫ُ‬ ‫ينص ُب كاإلب ِر‬ ‫َّ‬ ‫من عرو ِة الفضا ِء‬ ‫هذا املط ُر‬ ‫أرجوح ُة املسا ِء‬ ‫بأدق تعبريٍ‬ ‫معبا عن أحاسيسه ومشاعره ّ‬ ‫ينظر الشاعر إىل الثلج الذي يُك ِْس ُب الكون لونه األبيض ويوحي بالطّهر والنقاء‪،‬‬ ‫فيحس بالفرح والبهجة‪ً ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأروع تصوير‪:‬‬ ‫َّلج ال َّناص ُع‬ ‫الث ُ‬ ‫ثوب األَ ْعر ِاس األرض َّي ْة‬ ‫ُ‬ ‫بيض‬ ‫ِع َم ُة شي ٍخ َسم ّي َناه َ‬ ‫الجبل األَ َ‬ ‫َو ْه َو عىل األَشجا ِر‬ ‫يواقيت َما س ِّيه‬ ‫ٌ‬ ‫ومصابيح مائي ْة وكراتٌ‬ ‫ٌ‬ ‫طازج‬ ‫من ل ٍنب ْ‬ ‫ث ّم يطلب الشّ اعر من الثّلج البقاء واالستمرار حيث هو ليستمتع أكرث بجامالته ال ّرائعة‪ ،‬ويظهر الثلج هنا بصورة اإلنسان املؤمن التقي الذي ينرث‬ ‫إميانه يف قلوب وعقول الناس‪:‬‬ ‫حل ع ّنا يَا ث ْغ َر الله‬ ‫ال ت ْر ْ‬ ‫وان ْرث لؤل َؤ ث َ ْغر َِك‬ ‫القلب ويف الع ِني ويف‬ ‫ يف ِ‬ ‫األهداب‬ ‫ْ‬ ‫يا وع ًدا منشو ًرا م ْن ثغ ِر الله‬ ‫ِ‬ ‫الغيث‬ ‫و َمرايا بنت‬ ‫ال ّر ِ‬ ‫افد م ْن علم ال ّرحمن‬ ‫أنت اآلن‬ ‫ها َ‬ ‫تسك ُن يف األحداق‬ ‫هنا مزج الشّ اعر بني مشاهد الطبيعة ومشاعر النفس اإلنسانية املتضاربة املك ّونة من ضحك وبكاء وأنني وحنني وتبسم وتجهم ودموع‪ ،‬فأضفى‬ ‫عىل صوره –أي الشاعر‪ -‬مختلف املشاعر اإلنسانية‪ ،‬ووىش أوصافه برضوب من البديع والبيان من دون تكلف‪ ،‬فأدهش وأمتع‪ ،‬ولعل صورة الليل‬ ‫التي عرفها الشّ عراء قد ًميا وحديثًا والتي كانت من أجمل ما تفتقت قرائحهم يف ليايل الهدوء والهجران‪ ،‬ظلت واقعية إىل حد ما‪ ،‬كام جاء يف قول‬ ‫امرئ القيس يف الم ّية طويلة والقافية من املتدارك‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ـــــــــــك بأمـــــــثــــلِ‬ ‫الـــــــطـــــــــــــويـــــــــل أال انـــجــــــــــلِ‬ ‫اإلصباح مــــــــ ْن‬ ‫بـــصب ٍح ومـــــــا‬ ‫ُ‬ ‫أال أيّـــ َهــــــــا الل ُّيل‬ ‫ُ‬ ‫هنا يرسم الشّ اعر صور َة الليل املرعب املخيف الحالك‪ ،‬الذي يُ ِ‬ ‫الليل إنسانًا لهجره الشاعر‬ ‫دخل يف القلوب الخوف والهلع والفزع‪ ،‬فلو كان هذا ُ‬ ‫وهجا ُه وابتعد عنه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الل َُّيل ُ‬ ‫اللصوص‬ ‫رسوال‬ ‫و ِمعص ُم ال َّرغب ِة ال َهوجا ِء‬


‫يَتل ّو ُن ِم َثل َسبِي َك ِة أَمل َِاس‬ ‫يُ ْن ِعشُ َنا ب ُِبو َدت ِه‬ ‫َاب ال َع ْن ِرب‬ ‫يَجرِي ك ُمذ ِ‬ ‫يف األَ ْح ْ‬ ‫داق‬ ‫الصخ ِر‬ ‫يَتل َّوى حي ًنا َ‬ ‫خلف َّ‬ ‫كأَفْ َعى‬ ‫ث ُّم يُتا ِب ُع ِس َري َة عم ِر ْه‬ ‫يَ ْس ِقي البَح َر ويَس ِقينا‬ ‫ما أكر َم ثديي ِه الرقراقني‬ ‫ما أعذبها من ٍ‬ ‫الصور يبدو مج ِّد ًدا‪ ،‬إذ مل يعمد إىل مشابهة جامدة كتشبيه وجه بقمر‪ ،‬وشعر بليل‪ ،‬وجسم بغصنٍ ‪ ،‬إنّ ا عرض‬ ‫الصايف‪ ،‬والشّ اعر بهذه ّ‬ ‫ألفاظ كعذوبة ماء ال ّنهر ّ‬ ‫صورة نابضة بالحياة‪ ،‬تنأى عن التّقليد‪ ،‬وكأ ّن الشّ اعر قد اتّخذ نه َر ال ّزهراين مكانًا ملطالعته ونظم الشعر وترتيلِ أجملِ األلحان‪:‬‬ ‫كم كنت أقطِّ ُع ش ْعري‬ ‫ف ْو َق ميا ِه ِه‬ ‫وبعد غياب الشاعر الطويل عن النهر‪ ،‬يعود إليه عودة املهاجر البعيد عن أهله وأوالده ووطنه‪ ،‬الذي نال منه الفقر والضيم فق ّرر الهجرة‪ ،‬وها هي رياح الحنني والشوق‬ ‫تعيده إىل الوطن‪ ،‬مح ّم ًل بصور املايض الذي مل يغب عن خياله لحظ ًة واحدة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ــــــــــــك الـــــيـــــــــ ْو َم عـَـــــ ْو َد األش َوقِ‬ ‫مـــرحــــبًـــــــــــــا يــــــــا نــــهــــــ ُر قــــــــــ ْد ُعـــــــــــ ْدت إلَـــــى‬ ‫ِضــــــفَّــــــــتَـــــــــيْ‬ ‫ً‬ ‫ـــــــــــــت‬ ‫وتــــطَلَّــــــ ْع‬ ‫طـــــــــــــــــــــويــــــــــــل لَـــــــــــــ ْم أجِــــــ ْد غَـــــ ْيـــــــــــــ َر صـ َـــــــ ْحـرا ٍء بـــِـــــــــل َـــــــــــــونِ الـــشَّ ــفَـــــــــــقِ‬ ‫ُ‬ ‫الـــــصـــــــبَــــــــا فـَـــتـَـالشــَـــــــــــــــى فــــِــــــــــــــي‬ ‫ــــــــاب ذرتـــــــــــــــه‬ ‫ِ‬ ‫حـــــمــــيـــــــــم األفـــــــــــــقِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫و ُحــــــطـــــــــا ُم الــــــغـَ‬ ‫لَـ ْو َحــــــــــ ٍة ع َــــــ ْبــــــــــــ َر خ َـــــي َــــــــــالـِــــــــــــــــــي األزرقِ‬ ‫وســــــــطــــــــــــوب ال َجو ِز َمــــــــــــا عـــــــــــادَتْ ِســـــ َوى‬ ‫ُ‬ ‫هــــــــــــا هــــنـــــــــــــــا كـــــنــــــــــــت أغـــ ِّنــي‬ ‫حــــــالـــــــم حــــــــويل الــــــ ُحـــــــــو ُر وز ْهـــــــــــ ُر الــــــ َحـــــــــــــــــبَــــقِ‬ ‫ً‬ ‫السامء‪ ،‬والتّطلّع إىل ما ترسله من عطايا‪ ،‬بعضها املطر‪ ،‬وهي هنا كأنّها تدعو إىل الفرح بالوجود‪ ،‬مم ِّزقة حجاب الهم والسويداء‪ ،‬ما دفع‬ ‫يبدو أ ّن ال ّناس اعتادوا عىل مراقبة ّ‬ ‫الشّ اعر إىل رفع لفظ ِة املطر إىل مستوى راقٍ ‪ .‬كام نصل مع املناظر الطبيع ّية‪ ،‬األخرى‪ ،‬من مدلولها املعروف إىل مستوى ال ّرمز‪ ،‬ألنّه يحاول من خالل رؤيته الشّ عريّة أن يعطي‬ ‫تفيض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل من املوت‬ ‫والحلم‪ ،‬يجمع املطر ً‬ ‫ببعد ال ّرؤية‬ ‫السيّاب من أكرث الشّ عراء الّذين أشبعوا املطر‬ ‫خاصة وجديدة( )‪ّ .‬‬ ‫بدالالت مبتكر ٍة ُ‬ ‫ِ‬ ‫اللّفظ مدلوالت ّ‬ ‫ولعل بدر شاكر ّ‬ ‫والحياة‪:‬‬ ‫رش‬ ‫جا َء زما ٌن كان فيه الب ُ‬ ‫ِ‬ ‫للمجد‬ ‫يفدون من أبنائهم‬ ‫رب ُعط ٌَّش نحن‪ِ ..‬‬ ‫هات املط ِر‬ ‫يا ُّ‬ ‫ر ّو ال ُعط َ​َّاش منه‪ ،‬ر ّو الشج َر‬ ‫السياب‪ .‬وقد أ ّرخ الشاعر ملا جرى يف خريف‪ 1950‬مع جده الشيخ محمد عيل نعمة يف بلدة حبوش‪ ،‬حيث‬ ‫إن مناداة الشاعر حسن نور الدين للمطر شبيهة مبا ورد عند بدر شاكر ّ‬ ‫انحبس املطر يف السامء‪ ،‬وصار ه ُّم الناس اليومي وشغلهم الشاغل يلوذون بديوان الشيخ يفضون إليه بهمومهم‪ ،‬فأشار إليهم بتأدية صالة االستسقاء مرددين خلفه‪":‬اللهم‬ ‫ارزقنا مطر السامء وارزق بياراتنا بالخريات"‪ .‬لقد تو ّحدت القلوب يف أش ّد لحظات املعاناة‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬وكانت النتيجة تساقط مط ٍر استحوذ قلوب الجميع‬

‫الصفراء‪ ،‬تنبض بالجامل وال ّروعة‪ ،‬مع ما فيها من سار‬ ‫مبشا ضفافه ّ‬ ‫ورضاهم‪ ،‬فضحكت أقالم البيادر وامتألت الحقول بعشّ اقها‪ ،‬وسار ال ّنهر ّ ً‬



‫ل ْو كا َن هذَا الل َُّيل إِنسانًا‬ ‫ل َهج ْرت ُه ونفيتُه‬ ‫الصورة األوىل‪ ،‬حيث أنّه يهيم بالليل ح ًّبا وإميانًا‪ ،‬أل ّن قلبه يذوب أكرث يف هيكل العبادة‬ ‫ثم يطلع علينا الشاعر بصورة مغايرة ومتناقض ٍة متا ًما مع ّ‬ ‫ملهم وحاف ًزا للشعر ومث ًريا للفكر‪ ،‬ومصبا ًحا ينري عتمة الليايل والسنني‪:‬‬ ‫اإللهية‪ ،‬فيصبح الليل ً‬ ‫الظلم ِت‬ ‫يف اللَّيلِ يُ ِض ُء الشِّ ع ُر َ‬ ‫صمت األَفكا ِر‬ ‫ويَقط ُع‬ ‫َ‬ ‫يُن ُري زوايَا األشيا ِء‬ ‫وتَثو ُر بِحا ُر الشِّ ع ِر العرب ِّية‬ ‫وهكذا أرست الطبيعة الشاعر‪ ،‬وحارصت عواطفه‪ .‬والشاعر إنسان له شخصيته الخاصة وكيانه الذايت‪ ،‬وهذه الخصوصية متأتية من كونه قاد ًرا‬ ‫تنظيم ر ّدة الفعل‪ ،‬فهو أقدر عىل اإلحاطة بها إحاطة جزئية أو شاملة‪ ،‬والشاعر بال طبيعة مثله كمثل من يفتقد الضوء فيتل ّمس دون أن يرى‪.‬‬ ‫عىل‬ ‫ِ‬ ‫وقد يجد الشاعر نفسه محاطًا بقوة خفية تسعى للعودة به إىل حضن الطبيعة أو االمتزاج بها‪ ،‬مبعنى آخر‪ ،‬والعودة إىل الطبيعة األم حيث الحرية‬ ‫الحس ّية‪ ،‬وإمنا يقرتب منها اقرتاب‬ ‫واالنطالق وسعة الكون واألفق‪ ،‬والشّ اعر ال يقرتب من الطّبيعة لينقلها لنا ً‬ ‫رشا من دون تفتيت للمدركات ّ‬ ‫نقل مبا ً‬ ‫وجدانيي‪ ،‬للتعبري عام يختلج يف وجدانه من حاالت نفسية‪ ،‬لذلك نجد الطبيعة ذابلة‪ ،‬نتيجة حال ِة الشاعر‬ ‫حديس يقود إىل فهم واستنتاج‬ ‫متاس‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫النفسية‪ ،‬ونجدها متّشح ًة بال ّزهو والخرضة‪ ،‬مض ّمخة بالعبري والعطر الف ّياض نتيجة موقف انرشاح واطمئنان‪ ،‬والشاعر بذلك يتحد معها ويحيا‬ ‫يف داخلها‪ ،‬ويكشف خبايا النفس وأرسارها اإلنسانية ال الطبيعة‪:‬‬ ‫ما ب َني ِ‬ ‫والزهري‬ ‫األبيض واألحم ِر‬ ‫ْ‬ ‫اب ال َح َب ِق ال َّن ْهري ال َّرائِعِ‬ ‫أرس ُ‬ ‫اض‬ ‫ذي ال ِعط ِر ال َف َّي ْ‬ ‫لتعب عن حال ٍة‬ ‫ّبيعي بثّ حالة نفس ّي ًة هادئ ًة مطمئن ًة‪ ،‬غري أن هذه الحالة مل تدم ً‬ ‫طويل ألن الشّ اعر استخدم أداة الربط "لكن" ّ‬ ‫هذا املشهد الط ّ‬ ‫نفس ّي ٍة متفاوت ٍة تفاوتًا ملحوظًا مع سابقتها‪:‬‬ ‫لك َّن الل َ​َّيل عد ُّو ال َّنه ِر‬ ‫َش عن أَنْيابِه‬ ‫يُك ِّ ُ‬ ‫ويُ َصا ِد ُر آخ َر ِم ْت ٍاس للشَّ ِ‬ ‫مس‬ ‫ت َ​َسل َ​َّل من زاوي ِة املِطْحن ِة ال َغرب َّي ْة‬ ‫ومتتزج الطبيع ُة بال ُح ّب عن َد حسن جعفر نور ال ّدين امتزا ًجا الفتًا وواض ًحا‪ ،‬إذ تصبح الطبيعة جز ًءا من لوح ٍة كبري ٍة تشري إىل حقيق ٍة روحي ٍة كربى‬ ‫ُ‬ ‫تستغرق حياة الشّ اعر‪ ،‬ففي قصيدة "ج ّنة املسك" نالحظ أن الشّ اعر ال يلتفت لِ َحال الطبيعة‪ ،‬وااللتفات إليها ليس التفاتًا وصف ًيا‪ ،‬إمنا التفات جزء‬ ‫مأخوذ إىل األمل والحب‪ ،‬بل إنّه يعمد إىل التقليل من املظاهر الطبيع ّية يف محاولة منه للسم ّو بحبيبته حيث يقول‪:‬‬ ‫َسأَص َع ُد َ‬ ‫نحوك‬ ‫يَصع ُد َخلفي الشَّ ج ُر‬ ‫الس َنابلِ‬ ‫أَج ِني الثغو َر وشع َر َّ‬ ‫ُس ُ‬ ‫متوج‬ ‫هول بِالدي ُ‬ ‫بِح ِرب املَعاو ِل‬ ‫ويستغل حسن جعفر نور ال ّدين الحب والطّبيعة ليوظفهام يف بنية تصويرية جديدة‪ ،‬تح ّدد زاوية النظر التي تستغرق حدود الوجدان‪ ،‬وتضفي‬ ‫ّ‬ ‫عليه ظاللً تومئ إىل إلغاء الفواصل بني جزئ ّية من امرأة (خدك‪ ،‬عيونك‪ ،‬شعرك) وبني الطّبيعة‪ ،‬يقول يف قصيدة (حداء ربابه)‪:‬‬ ‫ُعيونُك َسح ُة بح ْر‬ ‫وخ ُدك بَ ُ‬ ‫رق َسحاب ْة‬ ‫شمس مت ُّر‬ ‫وخ ُدك ٌ‬


‫لك َّنها يف آخ ِر األّع َر ِاس‬ ‫تطع ُمنا وتسقيِنا‬ ‫الصورة التي رسمها جربان خليل جربان لألرض يف كتاباته‪:‬‬ ‫وهذه الصورة الواقعية التي رسمها الشاعر لألرض تشبه إىل ح ٍّد كبريٍ ّ‬ ‫رض وما أطو ِل أنَّاتك‬ ‫ما أكر َمك أيَّتُها األَ ُ‬ ‫نضج ِ‬ ‫تضحكني‬ ‫وأنت ْ‬ ‫نحن ُّ‬ ‫نح ُن نج ّد ُف ِ‬ ‫وأنت تُ َباركني‬ ‫وأنت ت ِ‬ ‫نح ُن نثن ِّجس ِ‬ ‫ُقدسني‬ ‫األرض وما أكرثَ انعطافَك‬ ‫ما أوس َع صربِك‪ ،‬أيَّتُها ُ‬ ‫لقد ش ّخص الشاعر األرض وأنسنها وجعلها أنثى‪ ،‬تحنو عىل أوالدها وترعاهم وتحضنهم‪ ،‬تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم‪ ،‬وهي التي تض ّحي مبا‬ ‫ميليه الواجب عليها يف أوقات الفجائع واملآيس‪ ،‬فتوايس أوقات الحزن والفجيعة متا ًما كاألم املفجوعة بأوالدها‪ ،‬وهذا ما فعلته أم املخرتع‬ ‫الكبري رمال رمال‪ ،‬حيث هبت عىل قدميها وهي تشتعل حزنًا عميقًا لتستقبل جثامنه الطاهر العائد من الغربة‪:‬‬ ‫كل األَ ِ‬ ‫رض ه َّب ْت عىل قد َميها‬ ‫ّ‬ ‫تستقبل عيني َها‬ ‫ُ‬ ‫ه َّب ْت‬ ‫رمال ِ‬ ‫ُ‬ ‫عمق ال ُّدنيا‬ ‫الوافد من ِ‬ ‫يرتاح عىل نهديْها‬ ‫ُ‬ ‫قم ًرا‪ ،‬فج ًرا‪ ،‬بر ًجا‬ ‫وكتابًا يبح ُر يف ساق ْيها‬ ‫ثم ميزج الشاعر صورة األرض بصورة أمه فيجعلهام مصدر سعادته وفرحه‪ ،‬مؤكّ ًدا أن ال يشء يفصله عنهام‪ ،‬فهام الحياة كلّها والوجود بأرسه‬ ‫منذ األزل وإىل األبد‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أرض ِ‬ ‫وأنت ال َب ْه َجتان‬ ‫فصل بيننا‬ ‫ال َش َء يَ ُ‬ ‫إلّ مقَادي َر ال َّزما ْن‬ ‫م ْن ِ‬ ‫عهد آد َم ِ‬ ‫أنت ِل‬ ‫ق َدري ِ‬ ‫الصولجا ْن‬ ‫وأنت َّ‬ ‫وهذا التشخيص لألرض نجد له صدى يف أدب إمييل نرص الله‪ ،‬التي ترى أن العالقة حميمة بني املرأة واألرض‪ ،‬وهي عالقة عضوية وليست‬ ‫معنوية فحسب‪ ،‬ومثلام كان رحم املرأة يحضن الحياة ويحفظها من جيل إىل آخر عرب ألوف السنني‪ ،‬كذلك كانت األرض تخبئ يف رحمها عنارص‬ ‫اللهب‪ ،‬وتسلّمها بأمانة‬ ‫الحياة‪ ،‬تحميها من لوثة الصقيع وحمى الربد القارس والزمهرير‪ ،‬وتر ّد عنها هجري الصحراء وفظاظة الح ّر الشديد والقيظ ّ‬ ‫وحرص من جيل إىل جيل‪.‬‬ ‫إذًا األرض هي األمل والرسور‪ ،‬الصحة واملرض‪ ،‬الجامل والخلود‪ ،‬الفناء والبقاء‪ ،‬الشقاء والرخاء‪ ،‬ونرى يف ذلك موقف ولده جامل عندما يطلب‬ ‫منه أن يرتك أرضه ويرحل إىل بالد أكرث أم ًنا واستقرا ًرا‪ ،‬وإذا به ميتنع عن اإلجابة للشمس والقمر يف صورة تشخيصية واضحة‪:‬‬ ‫أبتاه‬ ‫اترك هذي األرض‬ ‫احملنا ففضاء الله فسيح‬ ‫وانرشنا يف أرض‬ ‫وغاب الزهر‬ ‫رض مبرج الرو ِح َ‬ ‫تخ ّ‬ ‫وتركت صغريي‬ ‫ُ‬ ‫يحيك يل حزن األطفا ِل وحز َن الشجر‬


‫الس َمء‬ ‫يل نَعي َم َّ‬ ‫وشع ُرك هيل ع ّ‬ ‫تقوم العنارص التصويرية جميعها عىل املناظر الطبيعية التي تتضاد مع بعضها‪ ،‬لتلتقي موجة البنية الداللية عىل حركة جديدة تتمثل يف أن‬ ‫الخاص والحركة الح ّية وسيلة من وسائل البثّ الشّ عري‪.‬‬ ‫الحب الذي يبعث الحياة‪ .‬وعليه تكون الطّبيعة ذات ال ّنبض‬ ‫ّ‬ ‫ملحبوبته وسيل َة رم ٍز ملعنى ّ‬ ‫رئيسا من عنارص الطّبيعة‪ ،‬نجد أنّها تحتضن اإلنسان‪ ،‬وتغمره وتقدم له كل ما يلزم الستمرار ال ّنسل‬ ‫رصا ً‬ ‫وباالنتقال إىل عامل األرض التي تشكّل عن ً‬ ‫لكل كائنٍ يعيش عىل سطحها‪ ،‬هي الحياة واملوت‪ ،‬املهد واللّحد‪ ،‬البداية‬ ‫والحياة‪ ،‬يزرعها لتخصب فيعطيه ليمأل ال ّدنيا بالخريات‪ ،‬هي أ ّم ّ‬ ‫الكل فيها دون استثناء بخاصة واحدة‪ ،‬وهي الدفاع عنها‪ ،‬وإشباعها بال ّدماء لتبقى وتتط ّور وتزدهر وهذا ما تفعله‬ ‫لكل جسد‪ ،‬يشرتك ّ‬ ‫وال ّنهاية ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬فتقطتع ألنفسها شط ًرا وتقيم عليه‪.‬‬ ‫الحيوانات ً‬ ‫ألجل هذا قدستها الشّ عوب‪ ،‬وأقامت لها آله ًة وأنصابًا تعبدها وتصيل حولها وتق ّدم لها القرابني‪ ،‬فقد كرم اللّيتوانيون األرض‪ ،‬وهي تحمي‬ ‫اإلنسان وعمله‪ ،‬كانوا يرفعون الصالة يف بداية عملهم فيها‪ ) (.‬ويف تراثنا األد ّيب واللّغوي يتامهى مصطلح األرض كث ًريا مع مصطلح األ ّم‪ ،‬فيقول‬ ‫يفس معنى كلمة األرض فيقول‪" :‬األرض هي التي عليها الناس‪ ،‬أنثى وهي اسم جنس‪ ،‬وكان حق الواحدة‬ ‫ابن منظور‪" :‬ال أرض لك ال أم لك"‪ .‬ثم ّ‬ ‫منها أن يقال أرضة ولكنهم مل يقولوا"‪.‬‬ ‫وقد لفت اإلسالم نظر اإلنسان إىل االهتامم باألرض‪ ،‬فقد جاء يف القرآن الكريم ﴿ ُه َو الّذي َج َع َل لَ ُك ْم األَ ْر َض َذلُوال فَا ْمشُ وا ِف َم َناكِ ِب َها وكُلُوا ِم ْن‬ ‫ِر ْز ِق ِه وإِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر﴾ أ ّما األحاديث النبوية املروية عن النبي محمد (ص) والتي تتناول موضوع األرض وحاميتها ورعايتها فكثرية منها‪" :‬ما من مسلم‬ ‫غرسا‪ ،‬أو يزرع زر ًعا‪ ،‬فيأكل منه طري أو إنسان أو بهيمة إال وكان له به صدقة"‪.‬‬ ‫يغرس ً‬ ‫وكان ال ّنبي يحرص عىل استثامر األرض‪ ،‬وهذا ما تجىل يف موقفه مع يهود خيرب حني طلبوا منه عدم إجالئهم عن أرضهم‪ ،‬فقالوا‪" :‬دعنا نكون‬ ‫يف هذه األرض نصلحها ونقوم عليها‪ ،‬فنحن أعلم بها منكم"‪ ،‬فدفعها إليهم ألنه مل يكن عنده غلامن يكفونه مؤونتها‪ ،‬عىل أن يكون للمسلمني‬ ‫حصة يف كل يشء يخرج من مثر أو زرع‪.‬‬ ‫ويرى مصطفى حجازي أن الطبيعة‪ ،‬األرض‪ ،‬الوطن‪ ،‬هي جميعها انعكاس لحنان األم‪ ،‬بينام يقول ميخائيل نعيمة يف كتابه "كان يا ما كان"‪:‬‬ ‫"األرض هي الفاتحة يف مصحف الوجود‪ ،‬من قرأها كان يف غنى عن ما حوته الكتب"‪.‬‬ ‫وعليه تبدو الحياة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باألرض واألم والطبيعة‪ ،‬حيث ال حياة بال أرض‪ ،‬وال أم بال أرض‪ ،‬فاألرض هي البداية والنهاية‪ ،‬وهي‬ ‫الهوية والرمز والقضية‪ ،‬بل هي الوجود بكل ما فيه‪.‬‬ ‫وبناء عىل ما تق ّدم كيف متثل الشاعر حسن نور الدين األرض‪ ،‬وما هي أبرز مالمحها يف شعره؟‬ ‫تشكيل روح ًّيا ووجدان ًّيا‪ ،‬يزخر بالحركة‬ ‫ً‬ ‫اتخذت األرض صو ًرا مثالية وإنسانية‪ ،‬وتجاوز بها الشاعر املساحة الجغرافية املجردة لألماكن إىل كونها‬ ‫مهم من عنارص الطبيعة تتخذ لنفسها يف قصائد‬ ‫رصا ًّ‬ ‫والحياة‪ ،‬فاستنطقها ونقل أحاديثها وأخبارها عرب أشعاره‪ ،‬لذلك ال غرابة أن نجد األرض عن ً‬ ‫الشاعر صو ًرا شتى‪.‬‬ ‫خاصا باعتبارها مخزونًا نفس ًّيا يغذي فينا‬ ‫لقد شكّل حضو ُر األرض يف النص الشعري عند حسن نور الدين عالقة بينة األبعاد‪ ،‬ونالت اهتام ًما ًّ‬ ‫إحساسا قويًا بالكرامة والعزة والعنفوان‪ ،‬ورمبا تصبح األرض األم رم ًزا من رموز االنبعاث والتج ّدد لدى اإلنسان‪ ،‬حيث تتحد األرض باألم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فأحشاء األرض كأحشاء األم تعطي الحياة‪ ،‬وقد ع ّد "يونج" تعلّق اإلنسان باألرض شوقًا لتحقيق االنبعاث بالعودة إىل رحم األم‪ ،‬وانتظار حياة‬ ‫جديدة‪ ،‬لذا يخاف أن يدفن رفاته يف أي مكان غري أرضه‪ ،‬ويرتاح لفكرة العودة إىل االتحاد باألرض واألم‪.‬‬ ‫إذا األرض هي منبع األمل والجامل‪ ،‬مستودع األرسار واألمنيات‪ ،‬ومنبع الحب والحنان‪ ،‬هي متّكأ رؤوسنا عند الشدائد‪ ،‬وملجأ راخنا عند اشتداد‬ ‫املآيس وامللامت‪ ،‬متتص آالمنا وأحزاننا‪ ،‬وتحمل معنا آالمنا وأتراحنا‪ ،‬هي الرجاء والفرح والسعادة‪ ،‬والحامية عند املخاطر‪ ،‬ويرى الشاعر أن الله‬ ‫عز س َّخرها لنا‪ ،‬وأوجدها سبحانه لخدمتنا وراحتنا وسمرنا‪ ،‬فجعلها كالجارية تخدمنا وتطعمنا وتحمل األثقال عنا‪ ،‬نيسء إليها ونلعنها لكنها مقابل‬ ‫ذلك تسخو وتحنو علينا وتباركنا وتقدسنا‪:‬‬ ‫رض َجارِي ٌة نُكاب ُدها‬ ‫األَ ُ‬ ‫ونحف ُرها ونَطع ُنها‬ ‫قتل ساع َة نرتَأي‬ ‫ونَ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فوقَها‬ ‫من‬


‫وتركت سؤاالت صغريي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫للشمس تجيب وللقمر‬ ‫خص أرض الجنوب اللبناين وتراثه بقصائد كثرية‪ ،‬فألرض الجنوب نكهة مميزة‬ ‫ما يثري االنتباه والتوقف عنده أن الشاعر يف حديثه عن األرض فقد ّ‬ ‫يف شعره‪ ،‬وجدلية مليئة مفعمة بالحب والتحدي والعطاء‪ ،‬وال عجب يف ذلك‪ ،‬فالشاعر واحد من أولئك الجنوبيني الذين علّقوا األرض أوسمة‬ ‫بعيونهم‪ ،‬فاخرضت تحت أقدامهم واحم ّر الشفق‪ ،‬من دونهم وبرزت األنجم مكتملة زاهية‪.‬‬ ‫إنها األرض التي ورثها عن آبائه وأجداده فسقاها عرقه ودمه‪ ،‬وتحولت حرارتها براكني ال تطاق‪ ،‬تذوب فيها دروع املحتل الغاصب وأسواره الواقية‪،‬‬ ‫هي األرض التي ه ّبت منتفض ًة ثائرة‪:‬‬ ‫أرض التَّاري ِخ وال ُج ْغراف َيا‬ ‫أرض ُج ُدودي‪ُ ،‬‬ ‫هي ُ‬ ‫السكانِ الشُّ جعان‬ ‫ورواياتُ ُّ‬ ‫هي لألحفا ِد وأحفا ُد األحفا ِد‬ ‫من ِ‬ ‫زند ُج ُدو ِدي من عرقِ ال ُوجدا ْن‬ ‫أَغىل من َولَدي م ْن تَعلَّم‬ ‫الحرب‬ ‫وألجلِ كُراتِها يَر ُخ ُص يف‬ ‫ِ‬ ‫ال ُولْدان‬ ‫األرض وانسابت يف قلبه وأحاسيسه‪ ،‬فاستنشق عبري الحياة الصايف‪ ،‬وتنسم نسيم الحياة والحرية والفخار‪ ،‬واالنطالق من الجمود‬ ‫لقد ُح ِفرت ُ‬ ‫خية‪ ،‬مفعمة‬ ‫إىل الحيوية‪ ،‬ومن العبودية إىل الحرية‪ ،‬إنها طريق العزة والكرامة معززة باملحبة‪ ،‬مفعمة بالكربياء والنضال‪ ،‬لذا‪ ،‬فهي أرض طيبة ّ‬ ‫بالقوة والعنفوان ض ّد الظلم والرببرية‪ ،‬إنها الطريق لحياة حرة كرمية‪:‬‬ ‫رض ِفي َنا ح َّر ٌة مل ت ُرته ْن‬ ‫األَ ُ‬ ‫يو ًما أصالتُها‬ ‫رس أُنُوثتُها‬ ‫ومل تخ ْ‬ ‫ثم يوغل الشاعر بعي ًدا يف ح ّبه لألرض وعشقه لها‪ ،‬إذ يرغب من ولده ّأل يرتكها‪ ،‬ويق ّدم ترابها للغاصبني‪ ،‬ألن الرتاب حسب رأيه مق ّدس‪ ،‬أوليس‬ ‫الصغر‪ ،‬وتنمو معه طيلة‬ ‫الرتاب أصل اإلنسان ومحطّة انطالقه؟ فقدسية الرتاب نزعة إميانية جهادية تنمو يف عقل اإلنسان وقلبه ويترشبها منذ ّ‬ ‫وتأصلت هذه النبتة يف شخصيته حتى غدت من املرتكزات والثوابت التي‬ ‫حياته‪ ،‬وقدسية الرتاب نبتت يف عقيدة الشاعر املتوارثة عن أمه وج ّده‪ّ ،‬‬ ‫تبنى عليها‪ ،‬لذلك راح ينشدها أمام أوالده‪:‬‬ ‫اب األً ِ‬ ‫قديس‬ ‫تر ُ‬ ‫رض ٌ‬ ‫َواشيح‬ ‫عباداتُه ت ُ‬ ‫ظل الظروف الصعبة التي مي ّر فيها وطنه لبنان من خالل اإلعتداءات اإلرسائيلية املتك ّررة عليه‪ ،‬إذ ألحقت بالوطن‬ ‫ويرتفع صوت الشاعر يف ّ‬ ‫وباللّبنانيني خسائر جسيمة باألرض ومن عليها‪:‬‬ ‫وب‬ ‫أرض ال َج ُن ِ‬ ‫ال ور َد يا ُ‬ ‫يضو ُع يف حدقاتِك الخرضا ُء‬ ‫ال‬ ‫اليوم‬ ‫اس بع َد ِ‬ ‫لن تُ ْزه َر األَ ْغر ُ‬ ‫يرحل التَّن ُني عن‬ ‫حتَّى َ‬ ‫ع ُني القُرى‬ ‫كل الويالت والحروب مل ينهزم اللبنانيون ومل يتنازلوا عن ذرة من تراب الوطن‪ ،‬كان عرق الجنوبيني يعانق العشب الجميل‪ ،‬وآثار‬ ‫وعىل الرغم من ّ‬ ‫زنودهم تبوح بها أثالم الحقول الذهبية‪ ،‬وميرغون جباههم وثغورهم بالرتاب الحنون‪:‬‬ ‫إ َّن جمي َع بِال ِدي دو َن استثنا ْء‬



‫سأستح ُّم مبائِك‬ ‫ْ‬ ‫العذب ال َّن ِ ِ‬ ‫الس ِاطع‬ ‫ِ‬ ‫مي َّ‬ ‫تخفق راي ِتي‬ ‫ُّ‬ ‫ستظل ُ‬ ‫يف الج ِّو رغ َم الطَّا ِمع‬ ‫الت ُوس تَ ِيس‬ ‫َ‬ ‫وعل ُّ‬ ‫اب ال َح َم ِم ال َوا ِدع‬ ‫أرس ُ‬ ‫وتط ُري ع َرب سامئِنا م ْن دون‬ ‫أي ُم َنازِع‬ ‫ِّ‬ ‫السهل‬ ‫ُّ‬ ‫رش يف ال ّر َب يف َّ‬ ‫سأظل أن ُ‬ ‫يف األنْها ِر يف الشطآ ْن‬ ‫لو َن أصابِعي‬ ‫وغ ًدا سأ ْح ِظى بامل ُ َنى‬ ‫رحيق منابِعي‬ ‫كوم ال ِغالل ومن ِ‬ ‫أَسبيه من ِ‬ ‫يحاول الشاعر حسن جعفر نور الدين من خالل مقطوعته السابقة أن يحملنا عىل جناحي قلمه إىل حيث الخيال السابح يف ربوع املايض م ّرة‪ ،‬ويف‬ ‫ربوع الطبيعة مرة أخرى‪ ،‬فنغوص يف طيات أفكاره النرية التي استطاع من خاللها أن يرشكنا معه بجامل ماضيه السعيد‪ ،‬بقرب الطبيعة الخالبة‪،‬‬ ‫وما فيها من عنارص مبهجة‪ ،‬ورموز توحي بالسعادة والغبطة والفرح‪.‬‬ ‫ويؤكّد الشاعر ح ّبه لألرض والرتاب يف معظم قصائده مص ِّو ًرا عالقته معها وحياته فيها‪ ،‬ففي قصيدته "الظفرية الخرضاء" كناية عن السهول‬ ‫والوديان العامرة بالخرضة والجامل والعافية‪:‬‬ ‫يا أيُّها ال َوادي‬ ‫عىل صفحاتِك الخرضا ِء يف ظاللِك السمرا ْء‬ ‫بني املا ِء واملط ْر‬ ‫كتبت طفولتي وشْ ًم عىل ال َحج ْر‬ ‫ِّإن ُ‬ ‫كم وسدَّتْ أعشابَك الخرضا َء ِ‬ ‫رأس‬ ‫ّقت قد َماي‬ ‫وتسل ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ات ال َح َباىل‬ ‫أكتاف الشُّ ْ‬ ‫بالنجوم املُث ِ‬ ‫ْقالت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بألف ِق ْنديلٍ من ال َّز ْهر‬ ‫يا ما أصيل امل َ ْ ُت والوزَّال وال ِعرزال‬ ‫الغروب‬ ‫ما أ َحىل ُسويْعات‬ ‫ِ‬ ‫وموكب القَمر‬ ‫ُ‬ ‫السكرى‬ ‫قَ َد َماي يف أرجائِك ّ‬ ‫السارِحات‬ ‫ْ‬ ‫نسجت ُخطاي الذَّا ِهبات َّ‬ ‫بنشو ِة الظَّفْر‬ ‫يعيش هناك ت َ ْعرفُه‬ ‫ص ْو ِت ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫ات التَّي صمدتْ بوجِه ال ِّريح والقَهر‬ ‫الشُّ ْ‬ ‫كل ظَفري ٍة خرضا ْء‬ ‫ويَداي ُّ‬


‫أرضا وبحا ًرا وسام ْء‬ ‫ً‬ ‫الشع َّية وتوار ِ‬ ‫ِيخي و ُج ُدو ِدي‬ ‫ومعي ال ُح َج ُج َّ‬ ‫ومفاتيح األَزمن ِة األُوىل‬ ‫ُ‬ ‫ويتو ّحد الشاعر يف قصيدته "الغالل" تو ّح ًدا تا ًّما‪ ،‬بحيث تصبح األرض مالذًا له وجز ًءا منه أو هو جزء منها‪:‬‬ ‫اغمرِي ِني يا ُذ َرى بال ِغ ْ‬ ‫الل‬ ‫وا ْم ِ‬ ‫سحي و ْجهِي بأَنْ َدا ِء التِّ ْ‬ ‫الل‬ ‫و ُخ ِذي كفِّي بأَ ْح َضانِك ال ّخرضا ْء‬ ‫إل ِقي ِني بأَ ْحضانِ ال َجداو ِل‬ ‫وشّ ِحيني بالشَّ ج ْر‬ ‫قرسي عنها‪:‬‬ ‫ويجمع الشاعر األرض والطبيعة يف قصيدته "عشب األرض"‪ ،‬وهو يصفها ويتح ّدث عنها بشوقٍ بعد غياب‬ ‫ٍّ‬ ‫لا تَلُو ِميني إذا ما‬ ‫َسا‬ ‫ِغ ْبت ق ْ ً‬ ‫َص ِد َمتني ال َحا ِدثاتْ‬ ‫ك ْن ِت شَ الً لق َِصيدي‬ ‫وسطو ًرا يف مآقيها‬ ‫زَر ْع ُت الهمساتْ‬ ‫لَ ْملِمي ص ْويت عن األشجا ِر‬ ‫الص ُخو ْر‬ ‫عن ِ‬ ‫عشب ُّ‬ ‫وا ْج َمعي األَشعا َر من طريِك‬ ‫ّنت جناحيِه‬ ‫ّإن أنا لق ُ‬ ‫القواف الحاملاتْ‬ ‫ِ‬ ‫ِل َد َو ِات ع ْن َد مجرى ال َّن ْه ِر‬ ‫روح‬ ‫يل أَقْال ِمي الح ْمرا ُء ُ‬ ‫الكلامتْ‬ ‫أنا جز ٌء ِ‬ ‫منك‬ ‫بعض‬ ‫ف ْو َق األَ ْر ِض أو ُ‬ ‫ُرفاتْ‬ ‫َسا‬ ‫ال تَلُو ِميني إذا ما ِغ ْبت ق ْ ً‬ ‫ِ‬ ‫رحيق ال ِّذكْ ِريَات‬ ‫لك يف قلْبِي ُ‬ ‫بهذه الروح الجياشة والعاطفة العميقة يستعيد الشاعر ذكرياته وعالقاته مع األرض وعنارصها‪ ،‬املاء والهواء والرتاب والطري والسامء‪ ،‬سمفونية‬ ‫طبيعية مكتظة باأللوان واأللحان‪ .‬ويجمع الشاعر يف قصيدة واحدة معظم عنارص الطبيعة التي أحبها وعاش فيها ومعها‪ ،‬وق ّدم لها غرر‬ ‫قصائده‪ ،‬حيث يقول يف قصيدة "لحن الغدير"‪:‬‬ ‫ظل يا وطَ ِني بقربِك‬ ‫سأَ ُ‬ ‫ْت مرابِعي‬ ‫ق ْد عشق ُ‬ ‫السم ْر‬ ‫ُّ‬ ‫سأظل أنْ ُ‬ ‫بت بالزنو ِد ّ‬ ‫كل مزار ِعي‬ ‫ّ‬



‫قد مشطتُها بأنَا ِميل العرش‬ ‫ِ‬ ‫الحاملات ال ُّغنج‬ ‫الصخ ُو ِر‬ ‫ِّإن حفرتُ عىل ُّ‬ ‫تاريِخي وكتبتُه بأصابِع املط ْر‬ ‫بهذه القصيدة التي جمعت كل عنارص الطبيعة والحياة‪ ،‬واملفعمة بصور البالغة والجامليات‪ ،‬آثرت أن أنهي هذه الدراسة حول الطبيعة يف شعر‬ ‫حسن نور الدين‪ ،‬حيث كان لها حصة األسد يف نتاجه الشعري‪.‬‬ ‫خامتة الدراسة‪:‬‬ ‫لقد حاولنا يف هذه الدراسة أن نل ِّمح إىل قلب الشاعر حسن جعفر نور الدين‪ ،‬وننتقي موضوع الطبيعة عنده‪ ،‬ونعالجه لرناه قد انغمس بالطبيعة‪،‬‬ ‫املحب‪ ،‬حيث غلبت صورة الطبيعة عىل معظم قصائده‪ ،‬وتربعت فوق عرش أشعاره التي شكّلت السواد األعظم يف‬ ‫وهام بها هيام العاشق‬ ‫ّ‬ ‫نظمه‪ ،‬فالطبيعة الخالبة أرسته واستحوذت عىل كيانه‪ ،‬فحاول أن يُرتجم مكنوناته تجاهها شع ًرا‪ ،‬بروح جياشة وعاطفة عميقة‪ ،‬نحو عنارصها كافة‬ ‫(املاء‪ ،‬الهواء‪ ،‬الطري‪ ،‬الرتاب‪ ،‬السامء‪ ،‬األزهار‪ ،‬واألشجار‪ ،‬الربق‪ ،‬والرعد‪ )...‬وقد أبدع شاعرنا يف اختيار ألفاظه وعباراته التي وقفت إىل جانبه يف‬ ‫رسا بينه وبني قارئيه‪ ،‬وبذلك استطاع شاعرنا أن يؤدي غرضه الذي استل من أجله يراعه‪ ،‬وهو وصف الطبيعة وما فيها‪.‬‬ ‫مشواره الشعري‪،‬وكانت ج ً‬

‫السياسة ال ّدول ّية‪ ،‬حتّى اآلن‪ ،‬يف إيجاد تسوية عادلة وحلول حاسمة لها‪ .‬كام‬ ‫مشكالت ترتاكم وأزمات تتفاقم‪ ،‬فشلت ّ‬ ‫يزيل الحجب الكثرية الّتي متنع األجانب من ال ّنفاذ إىل حقيقة العامل العر ّيب‪ ،‬ومن فهم تراثه وحضارته‪،‬ال س ّيام ما ارت ّد‬ ‫منه إىل املايض‪ ،‬ومن إدراك روح األ ّمة العرب ّية يف واقعها الحا ّيل‪.‬ويُسهم يف بناء عالقات حميمة وتفاعالت حضاريّة تق ّرب‬ ‫ايس‪،‬‬ ‫بني األطراف املختلفة‪ ،‬عىل نحو ما شهدته العالقات العرب ّية والفارس ّية والهنديّة يف املرشق إبّان العرص الع ّب ّ‬ ‫األندليس‪ .‬فقد قيل‪َ ” :‬من ‪T‬تعلّم لغة قوم أمن مكرهم“‪.‬‬ ‫والعالقات العرب ّية األوروبّ ّية يف العرص‬ ‫ّ‬ ‫الصالحة له‪ .‬وبالتّايل‪ ،‬ال ميكن الحديث عن‬ ‫أي استثامر قبل الحديث عن توفري األرض ّية ّ‬ ‫لكن‪ ،‬ال ميكن الحديث عن ّ‬ ‫الشوط التّي تجعل عمل ّية التّعليم هذه‬ ‫استثامر يف تعليم اللّغة العرب ّية لل ّناطقني بغريها‪ ،‬قبل الحديث عن توفري ّ‬ ‫الشوط‪ ،‬وضع سياسة استثامريّة وطن ّية شاملة تتخطّى املبادرات الفرديّة‪،‬ويكون لل ّدول‬ ‫صحيحة‪ .‬ومن أبرز هذه ّ‬ ‫اللزمة الّتي‬ ‫ولحكوماتها وللجامعة العرب ّية دور فيها‪ ،‬وتتضافر فيها القوى والخربات‪ ،‬وترسم من خاللها الخطوات ّ‬ ‫تحقّق استثام ًرا ناج ًحا‪ ،‬بد ًءا باالنسان العر ّيب مرو ًرا باللّغة وتعليمها وصولً إىل طرق ترويجها واستثامرها‪.‬وميكن توضيح‬ ‫السياسة ضمن األطر الثّالثة التّالية‪:‬‬ ‫هذه ّ‬ ‫اإلطار األ ّول‪:‬‬ ‫وحضاري يؤ ّهلنا‪ ،‬كمجتمعات عرب ّية‪ ،‬لالنطالق يف مشاريع استثامريّة كهذه‪ ،‬أل ّن الحضارة ”هي ما‬ ‫تحقيق وعي ثقا ّيف‬ ‫ّ‬ ‫نحن‪ ،‬هي ال ّروح العميقة ملجتمعنا“‪.‬وذلك من خالل‪:‬‬ ‫لكل راغب فيها‪ ،‬أن تكون ملك ‪)1‬‬ ‫اقتناعنا بأ ّن لغتنا العرب ّية ليست حك ًرا عىل عرق أو حضارة‪ ،‬وأ ّن بإمكانها أن تكون ّ‬ ‫من يتعلّمها‪ ،‬مف ّرقني بني لغة وعرق وحضارة وغري خالطني بينها‪ .‬فال دليل عىل أ ّن هناك من هو مه ّيأ أكرث من غريه‬ ‫لتعلّم العرب ّية‪ ،‬ال ال ّدم يفيد يف ذلك وال الجنس وال العرق وال التّناسل وال الوراثة‪”.‬ولو كان للّغة خصائص عرق ّية‬ ‫خاصا‪ ،‬ملا وجدنا أ ّن اللّغة الواحدة قد تكون مشا ًعا ألعراق عديدة وأداة لحضارات مختلفة“‪.8‬‬ ‫مع ّينة ال تالئم إلّ عرقًا ًّ‬ ‫السابع‪ ،‬كانت تض ّم بضع مئات من العرب فقط مقابل اآلالف من‬ ‫فالجيوش العرب ّية الّتي افتتحت أوروبا يف بدء القرن ّ‬ ‫األقباط والرببر‪ .‬ومع ذلك اعتمدت اللّغة العرب ّية كلغة ثانية يف البالد املحتلّة‪ ،‬ومل تعتمد‪،‬بالتّايل‪ ،‬اللّغتان القبط ّية‬ ‫أيضا زنوج أمريكا‪ ،‬فهم يتكلّمون اإلنكليزيّة وال يعرفون لغة غريها‪ ،‬والهنود الحمر الّذين هجروا مواطنهم‬ ‫والرببريّة‪.‬كذلك ً‬ ‫وانخرطوا يف الحياة األمريك ّية ال يعرفون لغة غري اإلنكليزيّة‪.‬‬ ‫أفقي يف الذّاكرة والذّكاء‪)2 .‬‬ ‫إرصارنا عىل رضورة الفصل بني اللّغة وال ّدين‪ ،‬ألنّ”اللّغة هي عادة بديه ّية يف اللّسان وتركيز ّ‬ ‫السامء ودعوة عموديّة يف اإلرادة البرشيّة‪ .‬وهام‬ ‫أ ّما ال ّدين‪،‬فهو نظرة إىل الوجود بوساطة القلب‪ ،‬هو شبق‬ ‫عاطفي نحو ّ‬ ‫ّ‬


‫العني يف التشكيل‪ :‬دالالت ورموز‬ ‫الفن السومري والفرعوين وتأثريهام يف عني األيقونة‬ ‫لأليقونة عالقة وثيقة مع حوار الرؤية (العني)‪ ،‬إذ تشكل األيقونة هيكلية خاصة بها‪ ،‬كرتكيب الجملة‪ ،‬أو كاملحادثة التي تعمل عىل دمج‬ ‫العديد من العنارص املختلفة والدقيقة‪ ،‬وفق القواعد اللغوية‪ .‬منت هذا املنطلق‪ ،‬يتناول البحث العالقة بني عنارص الرؤية املرتبطة‬ ‫باإليحاء والتعبري والتشكيل للعني‪ ،‬هذه العالقة التي نجدها يف ف ّني السومريني والفراعنة تحديدا ً‪ ،‬كام يتناول تأثري هذين الف ّنني يف‬ ‫األيقونة املسيحية ضمن مراحلها األوىل خصوصاً‪ .‬وسنتوسع يف الدالالت والرموز واملؤثرات واملوروثات التي هيأت لتشكيل العني يف‬ ‫األيقونة‪.‬‬ ‫يقوم مفهوم رؤية العمل الفني عىل لغة مرئية متطورة‪ ،‬أل َّن إدراكنا للرؤية شامل و ناتج من مسار العني الذي يتنقل ضمن املشهد‬ ‫ليكشف املحور األسايس للعمل الفني‪ .‬هذا املسار اإلنساين هو محاولة الكشف عن اإليحاء و التعبري؛ والستخالص مختلف العالقات‬ ‫بني العنارص التشكيلية واألنساق التعبريية‪ .‬وتتولَّد عن ذلك عملية الغوص يف األثر الفني‪ ،‬بغية استجالء ما تخفيه الدالالت والرموز‬ ‫التي تتحدد من خاللها قناة التواصل بني الباثِّ واملتلقي‪.‬‬ ‫أ َّما اإليحاء فهو انطباع ذهني يُستثار يف اإلنسان من خالل حواسه‪ ،‬وأهمها الرؤية‪ .‬إنه فعل يغرس يف الفكر أو العقل الباطن‪ ،‬حيث‬ ‫تتمحور األحاسيس واالنفعاالت اإلنسانية والروحانية‪.‬‬ ‫أما التعبري فهو موجود يف اإلنسان بشكل فطري؛ ذلك أنه لغة فنية تستخدم مجموعة من األدوات اإلستطيقية (الجاملية) الخاصة‪،‬‬ ‫لتسلط الضوء عىل مكنونات اإلنسان الداخلية‪ .‬فهو استجابة عفوية ملا متليه املواهب من مشاعر وعواطف ورؤى‪ ،‬فضالً عن متتُّعه‬ ‫بالعديد من الدالالت‪ ،‬أهمها الدالالت الجاملية الناجمة عن املؤثرات الفنية‪ ،‬وهي انعكاس ملجموعة األحاسيس اإلنسانية التي تتحقق‬ ‫عرب التأمالت الجاملية أيَّاً كانت أبعادها‪ ،‬تبعاً للموروثات امليتولوجية والعقائدية والدينية واالجتامعية‪.‬‬ ‫فالتشكيل يف العمل الفني‪ ،‬إذا ً‪ ،‬هو انعكاس لكل هذه االمور سالفة الذكر؛ ألنه املرآة التي تعكس حال واقعها البنيوي والجاميل‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫سنتناول تسلسل تطور تشكيل العني‪ ،‬منذ فجر التاريخ حتى ظهور الديانة املسيحية‪ ،‬مع كل ما يحيط بهذا التشكيل من مؤثرات فكرية‬ ‫وفنية هيأت لظهوره‪.‬‬ ‫تُع َّرف العني بالنظر أو بالرؤية أو بالبرص‪ ،‬وهي مرآة النفس ونافذة الروح‪ ،‬وهي حوار بال صوت‪ .‬كام أنها لغة اإليحاء‪ ،‬يف العني‬ ‫الجاذبية والقوة والبؤرة ذات الطاقة املغناطيسية‪ ،‬ولها قدرة كبرية عىل اخرتاق اآلخرين لتصل إىل مكنونات النفوس‪ .‬هي كالبلّور‬ ‫عم يف نفس صاحبها من معانٍ و دالالت‪.‬‬ ‫تكشف َّ‬ ‫وعىل هذا النحو‪ ،‬تربزأهمية تطور تشكيل العني يف الفنون القدمية‪ ،‬هذا التطور الذي أوصل إىل أن تصبح األيقونة ميزة من ميزات‬ ‫الرشق‪ ،‬تقوم يف بنيتها عىل متثيل شخص إلهي أو مشهد ألناس مقدسني من اإلنجيل وتعاليمه‪ ،‬فتتدفق وتنعكس أشعتهم األلوهية‬ ‫عىل األيقونة لتنطلق إىل خارج حدودها‪ .‬كام تصبح هي‪ ،‬بدورها‪ ،‬مصدر قوة ساموية‪ ،‬تحمل املتلقي عىل الشعور بالنور املشع الذي‬ ‫تعب عن الحياة والنور األزيل النابع منها‪ .‬هذه األيقونة‪،‬‬ ‫يخرتقه‪ ،‬فيتكشّ ف له دورها ومغزاها‪ ،‬من خالل جامل الخطوط واأللوان التي ِّ‬ ‫متحل بروح املدقِّق واملتع ِّبد‪ ،‬إال أنها مجردة من شعوره الشخيص" ‪ )1‬تعتمد فقط عىل البعد الروحي يف‬ ‫وإن كانت "من تنفيذ ُمص ِّور ٍّ‬ ‫تركيبتها ويف تنفيذها‪.‬‬ ‫‪.1‬‬ ‫ ‬ ‫العني يف عصور ما قبل التاريخ‬ ‫إذا عدنا إىل العرص األورجنايس‪ ،‬وجدنا رأساً من عاج حيوان املاموث‪ .‬يطلق عليه اسم غادة براسمبوي ‪La dame de brassempouy‬‬ ‫(مقاطعة الند يف جنويب غريب فرنسا‪ ،‬فيام يقارب ‪20.000‬عام قبل املسيح)‪ .‬وهو ميثل رأس فتاة ُصفف الشعر فيه عىل شكل خطوط‬ ‫متقاطعة‪ .‬وقد نجح اإلنسان القديم يف إظهار املعامل الرئيسة فيه‪ ،‬وتج ّنب تحديد التفاصيل‪ ،‬فحجب الفم‪ .‬أما األنف والعينان‬ ‫فقد اكتفى بتخطيطها‪ ،‬فبدا إيحاء العينني كبريتني واسعتني (شكل‪ .)1‬ويف إلهة األمومة (هاسيالرجنوب بالد االناضول‪ ،‬منتصف األلف‬ ‫السادس)‪ ،‬متثال صغري من الطمي املحروق ميثل "اإلخصاب"‪ ،‬غابت فيه تفاصيل الوجه ما عدا حجمي العينني الواسعتني (شكل ‪.)2‬‬ ‫أما يف الحضارات املتعاقبة‪ ،‬فقد اختلف املشهد‪ ،‬وفقاً للمعتقدات والتحوالت االجتامعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫ ‬ ‫العني يف الفن السومري‪ :‬الولوج يف العامل العلوي‬ ‫استطاع السومريون أن يعطوا لتشكيل العني‪ ،‬يف فنونهم الدينية‪ ،‬أهمية خاصة‪ .‬لقد كانوا األوائل يف التاريخ الذين قدموا متاثيل‬ ‫رمزية‪ ،‬ربط فيها مبدعوها بني ما هو مادي وبني ما هو روحي‪ ،‬لتكوين وحدة أسلوبية‪ .‬وتوصلوا الحقاً إىل االستعاضة عن التشبيه‬ ‫املادي‪ ،‬بالروحية والالمادية أو الرمزية‪.‬‬ ‫فقد كانوا ال يطمئنون إىل أخراهم؛ فعاشوا يف دنياهم فزعني هلعني؛ ألنهم خضعوا للمصري الذي تقرره اآللهة‪ .‬فبدت يف الفن العراقي‬ ‫عموماً مسحة من الرصامة والتوتر‪.‬‬


‫العني يف التشكيل دالالت ورموز‬

‫د‪.‬ندى طرابليس‬


‫بالسومريني؛ العتقادهم بالبعث وعودة الروح‪.‬‬ ‫كانت التامثيل تُفتح عيونها وأفواهها حتى تو َهب الحياة وتستطيع الرؤية وتناول الطعام‪ .‬وتقام حول هذه التامثيل شعائر دينية معقدة‬ ‫ورسية‪ ،‬العتقاد املرصيني بأ َّن اإلله ينفخ خاللها شيئاً من روحه يف متثاله‪ ،‬فيتحول من جسم جامد إىل هيكل حي‪ .‬وقد مارس املرصيون‬ ‫القدامى شعرية فتح الفم ليك يستطيع املتوىف أن يأكل ويرشب ويتكلم من جديد ويتلو اآليات الدينية يف العامل اآلخر‪)5( .‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد كانت وجوه التامثيل املرصية دقيقة القسامت‪ ،‬والعيون أقل تجويفاً من العيون املاثلة يف التامثيل السومرية‪ .‬إال أنها اشرتكت‬ ‫عبت العني الفرعونية عن السكينة والهدوء‪ ،‬فكانت عىل الرغم من‬ ‫مع نظرياتها يف ترصيعها باألحجار الكرمية التي تثري فيها الحياة‪ .‬وقد َّ‬ ‫تقنيات التطعيم‪ ،‬متيل نحو اإلستطالة‪ ،‬ملحاولة املرصي التقرب من الشبه‪ ،‬معتقدا ً بأن الروح ال تخلد إال إذا وجدت ما يشبه الجسد‪،‬‬ ‫فوجب أن تكون الصورة مطابقة للشخص يف أوضاعه ومالمحه وصفاته‪ ،‬األمر الذي يدلنا‪ ،‬عموماً‪ ،‬عىل طبيعة اإلنسان املرصي وشكله‬ ‫يف تلك الحقبة‪ .‬كام كان الفنان املرصي يبغي الكامل‪ ،‬فجاء الوجه يف متاثيله‪ ،‬متناسقاً وقورا ً مع عينني شاخصتني نحو آفاق بعيدة‬ ‫ومتجاهلتني ما حولهام‪ ،‬األمر الذي يجعلنا نوغل يف الالنهائية‪ .‬وهذه النظرة املتطلعة نجدها يف الكثري من متاثيل خفرع (شكل‪ )5‬الرامزة‬ ‫إىل أن مثة قوة كامنة يف الجسم ت ُهيِّئه للحياة الثانية‪)6( .‬‬ ‫كام متيزت التامثيل الفرعونية بالعيون املرصعة‪ ،‬بالنظر إىل أهمية الدور الذي تؤديه العني يف التشكيل الفني والديني وامليتولوجي‪ .‬وكان‬ ‫مستوحى من الطبيعة املحيطة بالفنان‪ ،‬هذه الطبيعة التي ألهمته‪ ،‬فل َّون أجساد الرجال باللون األسمر املرشب بالحمرة‪ ،‬كام ل َّون‬ ‫التلوين‬ ‫ً‬ ‫أجساد النساء باللون األصفر الخايب‪ ،‬والشعر باللون األسود‪ ،‬و الحيل يف األكرث باألخرض‪ .‬أما الحدقة أو إنسان العني فقد كانت تجويفاً يف‬ ‫الوجه الخلفي من القرنية ميأل مبادة قامتة اللون جدا ً‪ ،‬مع إحاطة هذا كله بإطار من النحاس‪ .‬وكانت العني تتكون من الحجر األبيض‪،‬‬ ‫يف وسطها بلورة مصقولة تحيط بحدقة سوداء‪)7( .‬‬ ‫وقد ُع ِن َي املرصي‪ ،‬مع تحنيطه الجسم‪ ،‬باملحافظة عىل تجويف العينني مع األرسة الحادية والعرشين‪ ،‬فعمد إىل وضع عيون مصنوعة‬ ‫من الزجاج أو الفخار املحروق املل َّون أو األحجار الكرمية‪ .‬وحقق النحاتون املرصيون تأثريات برصية بارزة‪ ،‬من خالل تطعيم عيون‬ ‫التامثيل بغرس عيون مصنوعة من الكريستال امللون أو األبيسيديان؛ وهو زجاج قاتم أخرض أو أسود‪ ،‬مام يضفي عىل التمثال تأثريا ً‬ ‫واقعياً للغاية‪ :‬كتمثال األمري رع حوتب ومتثال زوجته نفرت من األرسة الرابعة‪ ،‬فعينا هذا األمري مطعمتان مبادة الكوارتزيت‪ ،‬واملقلة‬ ‫مبادة األبسيديان وتتميزان باإلتساع‪ .‬أما زوجته فعيناها واسعتان مطعمتان بالكوارتزيت‪ ،‬ومقلة العني باألبيسيديان (شكل ‪,6‬أ‪,‬ب)‪ .‬أما‬ ‫متثال شيخ البلد؛ نهاية األرسة الرابعة‪ ،‬فعيناه مرصعتان ‪ ،‬وبياضهام من الرخام وقرنيتهام من الحجر املتبلور أما إنسانهام فرأس مسامر‬ ‫من النحاس األحمر‪ ،‬وحافتهام من النحاس األحمر أيضا ‪( )8( .‬شكل ‪)7‬‬ ‫لقد برع املرصي القديم بدراسة أدق وأهم مساحة يف الوجه وهام العينان يف تشكيلهام فنياً‪ ،‬فتنوعت التقنيات املستخدمة والوسائل‬ ‫عم تقتنصه وتعكسه هاتان البؤرتان من طاقات يف الجسم البرشي‪ .‬فاملرصي مل يستطع اإلفالت من قيود املفهومات الدينية‬ ‫املعبة َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وامليتافيزيقية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫ ‬ ‫مراحل األقنعة الجنائزية‬ ‫أ َّدت العينان دورا ً رئيساً يف املعتقد املرصي‪ ،‬لذلك كان يوضع عىل وجه املومياء قناع من الطني يدعى القناع الجنائزي‪ .‬يدهن باأللوان‬ ‫أحياناً‪ ،‬ليكسب مظهرا ً طبيعياً‪ ،‬وأحياناً أخرى يكون من الذهب أو الفضة أو املواد األخرى ليك تتعرفه (الروح ‪ ,‬با ) بسهولة‪ ،‬ويرسم عليه‬ ‫وجه املتوىف‪ .‬ويف هذا اإلطار ترسم العيون دامئا مفتوحة بأبهى حلتها‪.‬‬ ‫و يُرسم القناع‪ ،‬أيضاً عىل منت التابوت‪ ،‬وتضاف إليه التفاصيل الزخرفية املكملة له‪ .‬فيكون املرصي بذلك قد أكّد إبراز العيون مفتوحة‪،‬‬ ‫خالل ثالث مراحل ت َتبع للشكل الواحد والنهايئ‪ ،‬يف سياق دفن امليت وهي ‪:‬‬ ‫‪-1‬يف املومياء نفسها‪،‬‬ ‫‪-2‬عىل القناع الجنائزي‪،‬‬ ‫‪-3‬ثم اعادة رسمها عىل منت التابوت‪.‬‬ ‫‪ .5‬أنواع األقنعة الجنائزية‬ ‫ارتبطت األقنعة الجنائزية بالرتاث العقائدي املرصي القديم‪ .‬وميكن تقسيمها إىل أنواع بحسب تسلسلها الزمني‪:‬‬ ‫‌أ‪.‬الجصية‪ :‬تطورت صناعتها مع فكرة الرأس البديل‪.‬‬ ‫‌ب‪.‬األقنعة الكرتونية‪ :‬صنعت من مادة مقواة عبارة عن طبقات من الكتان تقوى بالجبس السائل وتلقب بالكارتوناج ‪.‬‬ ‫‌ج‪.‬األقنعة الخشبية كأقنعة وجوه الفيوم ‪.‬‬ ‫‌د‪.‬األقنعة املعدنية يف الدولة الحديثة‪ .‬وأهم منوذج لها قناع توت غنخ أمون‪.‬‬ ‫ ‌ه‪.‬األقنعة الفخارية‪ :‬كان يتم الحصول عىل نسخة من وجه املتوىف‪ ،‬بالطني‪ ،‬ثم يتم حرقه للحصول عىل مالمح ثابتة‪.‬‬ ‫إال أ َّن عقيديت املرصيني وسكان بالد الرافدين الدينيتني اختلفتا‪ ،‬بعضهام عن بعض‪ .‬فقد كان الناس يف بالد الرافدين ال يطمئنون إىل‬ ‫آخرتهم؛ فعاشوا دنياهم قلقني فزعني‪ ،‬يف حني كان املرصي ينال من تقريب اآللهة ما يضمن له النعيم يف حياته األخرى‪ .‬ولك َّن التامزج‬


‫كان عىل السومري بلوغ مآربه عن طريق الصالة‪ ،‬إال أنه وقع يف مشكلة عدم قدرته عىل تكريس كامل وقته لألنشطة التي متكنه من أن‬ ‫يحظى بتعاطف اآللهة‪ .‬لذلك فقد جاء بتمثاله الشخيص إىل املعبد‪ ،‬واثقا بأن صورته موجودة بشكل دائم يف بيت اإلله؛ لتقوم بدور‬ ‫الوسيط‪ .‬وتأكيد ورعه دون انقطاع‪ ،‬أل َّن اإلله قادر عىل التع ُّرف عىل عباده ‪ .‬يجدر الذكر هنا أ َّن املثَّال مل يهدف إىل إبراز التشابه‪ ،‬بل‬ ‫يعبعن حضور مادي وروحي‬ ‫يعب عن أكرث من مجرد صورة؛ كان عليه أن ّ‬ ‫هدف إىل إبراز النشاط الذي ميارس ‪ ،‬أي الصالة‪ .‬إذ كان عليه أن ّ‬ ‫أمام الخالق‪.‬‬ ‫تُ ثِّل معظم التامثيل الحجرية اآللهة والتدرج الكهنويت الذي يبدأ من صغار الكهنة حتى يصل إىل الكاهن األكرب‪ ،‬باإلضافة إىل األمراء‬ ‫وصفوة من علية القوم‪ ،‬وصوالً إىل املتعب ِّدين‪ .‬فنحن امام فن ديني يخدم أهدافاً محددة‪ ،‬بحيث يُلجأ يف متاثيل العابدين‪ ،‬إىل تعبري‬ ‫العينني قبل أي يشء آخر‪ .‬وقلَّام اهتم الفنان الرافدي بتناسب أجزاء جسم اإلنسان واتساقها وتفاصيل بنيته الترشيحية‪ ،‬لكنه أنجز‬ ‫املعب يف الصالة هو املثول أمام اإلله‪ .‬ولتعبري العينني متيَّز الرتكيز يف الصالة‬ ‫التامثيل ليربز قوة برصها السحرية‪ .‬فأهم ما يف املوقف ِّ‬ ‫والصلة الروحية مع الخالق‪ .‬فالتامثيل السومرية استطاعت‪ ،‬بعيونها الكبرية املحملقة إىل مكان ما يف األفق البعيد‪ ،‬كأنها معلقة يف الزمن‪،‬‬ ‫أن تثبِّت خطاباَ روحياً وصوفياً يتصل بأعمق مناطق الروح‪ ،‬لتجتازالحالة البرشية وصوالً إىل األبدية (‪( )2‬شكل‪.)3‬‬ ‫ترصع ُمقلُها مبواد خاصة‪ ،‬أو تنحت تلك املُق َُل‬ ‫ومن حيث التشكيل‪ ،‬تتميَّز العيون يف الفن السومري بالحفر أو بالتطعيم‪ .‬وكثريا ً ما كانت َّ‬ ‫يف تجاويف العيون عىل أشكال أقراص‪ .‬كانت العيون مفرطة يف االتساع‪ ،‬مط َّعمة باللون األسود‪ ،‬تبدو كأنها وحدها تأيت من عامل غري‬ ‫عاملنا (‪ .)3‬ومل يكتف السومريون بتشكيل العينني‪ ،‬إمنا أضافوا إىل تجويفها األحجار امللونة الرباقة التي احتلت ثلث أو نصف الوجه‬ ‫تقريباً‪ .‬ويعترب هذا األمر نوعاً من التشفري الذي يرمز إىل أهمية الشخصية‪ .‬ذلك بأن هيمنة العينني وحركة اليدين تكشف عن نوع الخطاب‬ ‫التشكييل الذي ميكن أن يتحول إىل تداول خطاب بني شخصية الكاهن‪ ،‬باعتبارها دالل ًة رمزية‪ ،‬وبني عوامل القوى املاورائية التي ترتقي‬ ‫إىل عامل امليتافيزيقيا‪.‬‬ ‫وأهمية العني‪ ،‬بشكلها الدائري الواسع ذي املحور األسود القاتم‪ ،‬يضع املشاهد أمام حالة من االنجذاب ضمن حقل من الرؤية‬ ‫املغناطيسية التي تتوزع بني قطبني‪ :‬السالب واملوجب‪ ،‬أو املبدع واملتلقي‪ .‬ومن املالحظ أن السومري القديم اكتشف طاقات غريبة‬ ‫صادرة عن العني؛ فوظفها يف حفر العيون أو تطعيمها بحجارة تختلف ألوانها عن لون الجسم‪ .‬فكان بياض العني واضحاً من صدف‬ ‫البحر‪ ،‬وإنسانها من الالزورد يف غالف من الحمر (نوع من القار أو القطران)‪ ،‬يحاىك األهداب‪ ،‬وكذلك البؤبؤ‪ .‬أما الحاجبان فمتصالن‬ ‫يحرصان النظرة الثاقبة‪ .‬وقد استعمل السومريون العاج واألحجار الكرمية ونصف الكرمية‪ ،‬يف تطعيم العيون‪ :‬كالعقيق األحمر‪ ،‬والالزورد‬ ‫األزرق‪ .‬أما األسود فقد كان من مادة قامتة اللون أو معجون مل َّون يغطي البؤبؤ أحياناً‪ ،‬أكان صغريا ً أم كبريا ً‪ ،‬باالضافة اىل الحواجب‬ ‫وخصالت الشعر امللتصقة بالصدغ والرشيط الضام لشعر الرأس‪ .‬ومن املالحظ أ َّن التامثيل الصغرية ‪ -‬التي مل تكن ملحاجر عيونها‬ ‫ترصيعات‪ ،‬واعتمدت عىل التلوين أو النحت الغائر فقط‪ -‬متتعت بقوة التعبري أيضاً (‪.)4‬‬ ‫مثال عىل ذلك ‪ :‬متيزت التامثيل (إيكو شاماغان)‪ ( ,‬ايبيه ايل) و (كاهنة من ماري) بقوة النظرة التي تزرع الخوف يف عيون الزائر ‪(.‬شكل‬ ‫‪ ,4‬أ‪,‬ب‪,‬ج)‪.‬‬ ‫جاءت العني السومرية‪ ،‬يف تشكيلها ‪ ،‬ذات دالالت شديدة التعبري قاسية ثاقبة مؤثرة‪ ،‬وأحياناً مخيفة للمتلقي‪ ،‬خصوصاً العيون املط َّعمة‬ ‫واملك َّحلة التي يسيطر عليها الشكل الدائري غالباً‪ ،‬أو متيل إىل االستطالة أحياناً‪ ،‬أو تكون ذات بؤبؤ كبري أو صغري؛ علامً أن الفنان مل‬ ‫جل االهتامم‬ ‫يبذل جهدا ً للوصول إىل الشبه كام ذكرنا‪ ،‬ألنه ابتعد من مراعاة النسب الواقعية يف ارتفاع الجسم وتقاسيم الوجه‪ ،‬وكان ُّ‬ ‫منصبَّاً عىل تشكيل العيون وتعبريها‪.‬‬ ‫لكننا نستطيع أن نك ِّون فكرة عن طبيعة شكل اإلنسان الرافدي‪ ،‬يف تلك الفرتة الزمنية عموماً‪ ،‬باستثناء املبالغة يف حجم العينني‪ ،‬اللتني‬ ‫هام نقطة االرتكاز‪ ،‬وهام يجسدان الحاسة الوحيدة من بني كل حواس الوجه التي تخاطب املشاهد وتستقطبه‪ .‬ذلك أن إعطاء العيون‬ ‫أهمية ال حدود لها هو مبعث للسيطرة ووسيلة حية لالتصال بعوامل الغيب‪ .‬فالعيون تنطق وترهب مبجرد النظر اليها *‪.‬‬ ‫* يجدر بالذكر أن حضارات بالد ما بني النهرين ‪،‬بدءا ً من حضارة السومريني و انتها ًء بحضارة الكلدانيني ومرورا ً باملراحل األكادية و البابلية‬ ‫واألشورية‪ ،‬قد متيزت بطابعها العلمي‪ ،‬وقد حققت هذه الحضارات إنجازات عظيمة عىل صعيد مختلف العلوم‪ ،‬كالعلوم الطبيعية‬ ‫والرياضيات والفلك‪ .‬أ َّما السحر فقد كان له نفوذ وهيمنة شبه شاملة عىل إنسان هذه الحضارات‪ ،‬حيث اعتمد عىل قدرات ضمن طقوس‬ ‫سحرية وإيهامية‪ ،‬خصوصاً يف تشكيل العني ونوع األحجاراملصنوعة منها‪.‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫ ‬ ‫العني الساكنة و املتأملة يف الفن الفرعوين‬ ‫من املالحظ أ َّن هناك تشابهاً بني حضارة مرص القدمية وحضارة بالد الرافدين‪ .‬ويعود هذا التشابه إىل التامزج الثقايف بني هاتني الحضارتني‪.‬‬ ‫لقد كانت ببلوص "جبيل" خاضعة لنفوذ مرص‪ ،‬وعن طريقها انتقلت األساليب الفنية بني وادي النيل وحوض دجلة والفرات‪ .‬كام كانت‬ ‫مدينة ماري صلة الوصل بني الحضارة الرافدية والحضارة السورية‪ .‬وبذلك كانت هناك تأثريات مشرتكة‪ ،‬للبلدان املجاورة يف املنطقة‬ ‫املحيطة‪ ،‬تتجىل يف االهتامم بدالالت العني ورمزيتها‪ .‬وقد مارس الفراعنة شعرية فتح الفم‪ ،‬واهتموا بتشكيل العينني املفتوحتني أسوة‬


‫وقد اعتُربت وجوه الفيوم نقطة الوصل بني العصور القدمية وبني العصور الوسطى‪ ،‬التي حضنت الفن املسيحي واأليقونة؛ ألنه بالرغم‬ ‫من بساطة تلك الوجوه يف خاماتها وأسلوب تنفيذها‪ ،‬فهي تجمع بني أساليب فنية مختلفة يف تزاوج فريد بني الحضارات‪ .‬فبالنظر إليها‬ ‫نالحظ ُحسن التعبري إىل جانب ما يبدو عىل الوجه ويشع من العينني من تأثري نفساين عجيب‪.‬‬ ‫ونالحظ أ َّن صور الوجوه ذات العيون الواسعة ‪ -‬بشكل غري عادي ‪ -‬هي األكرث تأنقاً واألكرث تأثرا ً بالفن املرصي‪ ،‬بحيث يعود هذا األمر إىل‬ ‫معتقدات الفنان‪ .‬فليست مساحة العني فقط هي التي تعطي الوجه قوته وسحره‪ ،‬وإمنا يشرتك يف توفري هذه القوة وهذا السحر التعبري‬ ‫النابع من العني واتجاه نظرتها املوجهة مبارشة إىل املشاهد‪ .‬فلقد علَّمت التقاليد املرصية فناين الفيوم أهمية العني ورسمها‪ ،‬وحثَّتهم‬ ‫عىل إبداع أكرب قدر من التعبري يف أقل مساحة ممكنة‪.‬‬ ‫ولقد وعى اإلنسان‪ ،‬منذ فجر التاريخ‪ ،‬أهمية تشكيل العني يف أعامله و نتاجه الفني‪ ،‬وشمل هذا األمر الحضارة السومرية‪ ،‬فأعطى الفنان‬ ‫السومري‪ ،‬لتشكيل العني يف منحوتاته‪ ،‬أهمية خاصة‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬كانت هذه الشعوب‪ ،‬التي سبق الحديث عنها‪ ،‬من أوائل من ربط بني تعبري العني وشكلها ورمزيتها‪ ،‬حيث ساد تشكيل العيون‬ ‫املحدقة الواسعة‪ ،‬املطعمة باألحجار الكرمية امللونة‪ ،‬ذات الشكل الدائري املهيمن‪ ،‬نقطة االرتكاز التي تستقطب املشاهد وتأرسه بقوة‬ ‫سيطرتها واتصالها بعوامل الغيب‪.‬‬ ‫ومع انفتاح الحضارات بعضها عىل بعض‪ ،‬انتقلت األساليب الفنية إىل البالد الفرعونية‪ ،‬وأ َّدت العني يف التشكيل الفني دورا ً مهامً؛ فبات‬ ‫التعبري النابع من داخل العني أهدأ وأسكن‪ ،‬ليتطور ويتخذ طابعاً واقعياً مع دخول اإلغريق والرومان مرص‪ ،‬واعتناق قسم كبري منهم‬ ‫عبادة اآللهة الفرعونية‪ ،‬وما تبعها من طقوس وعادات دينية‪ ،‬األمر الذي أنتج حالة فنية مزجت طابعني فنيني‪ ،‬هام الطابع الرشقي والطابع‬ ‫الغريب‪ .‬وقد تبلورت هذه الحالة الفنية يف التامثيل واألقنعة والرسوم‪ ،‬فظهرت العني‪ ،‬ذات النظرة الشاخصة‪ ،‬بعنارصها املميزة من‬ ‫اتساع البؤبؤ الكبري وسواده‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬كانت العيون‪ ،‬يف جميع هذه الفنون‪ ،‬مركزا ً الستقطاب املشاهد؛ ألنها بؤرة تجمع الظاهر و الباطن‪ ،‬املريئ وغري املنظور‪،‬‬ ‫ املعلن والخفي من طاقة نور وحياة وإشعاع من الوجود الكوين‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪.7‬الطاقة واللون يف األحجار الكرمية‬ ‫نستنتج‪ ،‬من هذه الدراسة‪ ،‬أ َّن اإلنسان القديم وعى طاقات قوية وخفية تنبع منه‪ ،‬وتحيط به؛ ألنه شعر بها وعايشها وحاول أن يستغلها‬ ‫ويسخرها لصالحه‪ ،‬فبحث عنها يف الرموز واإلشارات واألحجار الكرمية واأللوان واألشكال‪.‬‬ ‫يتغي يف أمرها عندما تنتقل من‬ ‫فمنذ فجر التاريخ‪ ،‬انشغل اإلنسان بلغز الحياة واملوت‪ ،‬فجميع الكائنات الحية متوت‪ ،‬فام الذي ّ‬ ‫تغي وهمد‪ ،‬والتفكري يقود إىل أن ما غاب هو نوع من الطاقة‪ .‬فام هي هذه الطاقة؟ هي أقرب إىل الطاقة‬ ‫الحياة إىل املوت؟ إ َّن شيئا ما َّ‬ ‫الكهرومغناطيسية‪ ،‬أو طاقة الحياة‪.‬‬ ‫وإذا تناولنا الطاقة الكامنة يف جسم اإلنسان‪ ،‬عموماً‪ ،‬من الناحية العلمية‪ ،‬ويف العني تحديدا ً‪ ،‬نجد أنها تتَّخذ أشكاالً متعددة‪ .‬فقد أثبتت‬ ‫الدراسات أ َّن كل انسان أو حيوان أو نبات يتمتع بالطاقة التي تصلنا من الشمس والنجوم والكون عموماً‪ .‬فالحياة هي القدرة عىل توليد‬ ‫الطاقة واستثامرها‪ ،‬وهي تتوقف عند توقف هذه الطاقة‪ .‬وبذلك تتم ظواهر اإليحاء واالتصال من بعد‪ ،‬باإليحاء الروحي‪.‬‬ ‫الكون كيان واحد يخضع كل ما فيه لتأثري املوجودات من أحياء وجامدات‪ ،‬واإلنسان جزء من هذه املنظومة‪ ،‬وهو ال يستطيع اإلفالت‬ ‫من هذا التأثري‪.‬‬ ‫والكون‪ ،‬أيضاً‪ ،‬وحدة متشابكة ومرتابطة فيه طاقات خفية تجري خالله ال يدركها اإلنسان‪ ،‬وجميعها تؤثر فيه وعىل طاقته‪ .‬إذا ً‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫يعيش يف كون نابض‪ .‬والنبضات أو التموجات تنعكس عىل خالياه‪ ،‬وهي أيضاً تنبض بإيقاع كوين (‪.)11‬‬ ‫هذا‪ ،‬وهناك داخل كل إنسان مولد روحي أو روحاين تصدر عنه ذبذبات فيزيائية روحانية‪ .‬وهذا املولد غري املنظور ذو صفة مزدوجة‪:‬‬ ‫مص ِّدرة والقطة يف آنٍ معاً‪ ،‬خصوصاً العني برتكيبتها العلمية الفيزيائية؛ وهي‪ ،‬يف نظرنا‪ ،‬أشبه بعدسة مكرب تعرتض األشعة الكونية‬ ‫املغناطيسية املوجودة يف اإلنسان‪ ،‬لتستنفرها وتجمعها وتوجهها نحو األشخاص واألشياء (‪ .)12‬نستنتج‪ ،‬من ذلك‪ ،‬أ َّن جسم اإلنسان هو‬ ‫مكمن للطاقة‪ ،‬و مص ِّدر لها‪ ،‬يف منطقة العينني عىل وجه الخصوص‪.‬‬ ‫وقد متيزت حضارة بالد الرافدين بالسبق يف عامل األحجار الكرمية وتجارتها‪ ،‬عىل الرغم من قصور البيئة يف توفريها‪ .‬وكانت هذه األحجار‬ ‫ترافق كبار الكهنة يف املعابد وترحل مع املوىت إىل قبورهم‪ .‬وقد دخلت يف الطقوس واألديان وصنع من بعضها أختام‪ ،‬وأصبحت أداة‬ ‫للمقايضة أو شبيهة بالنقود‪ .‬وإذا عدنا إىل استخدام فنان الرافدين تقنية الرتصيع للعيون باألحجار الكرمية والنصف كرمية‪ ،‬الحظنا أنه‬ ‫اكتشف وجود طاقة كامنه فيها وآمن بهذه الطاقة‪ .‬فلم يكن اختياره لها عبثاً بل كان عن إميان بأ َّن لها دورأ مكمالً ملعتقده يكمن يف انبعاث‬ ‫الذبذبات الخفية (املغناطيسية) الصادرة عنها‪ .‬ويذكر أ َّن الحجارة الكرمية‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬وجدت يف معابد كثرية من معابد الحضارات‬ ‫خاصة املوجودة يف الكريستال‪ ،‬وأحجار كرمية‬ ‫القدمية‪ ،‬وذلك ملا تحمله من طاقات كامنة‪ :‬فللحجر طاقة نور وقدرة روحية ونشاط‪ّ ،‬‬ ‫أخرى تتَّسم بالقدرة عىل العالج‪.‬‬


‫الثقايف بينهام وضع أو أسس بعض نقاط التشابه يف املعتقدات والفنون ‪ .‬فحيناً‪ ،‬كان الفن عموماً يف بالد الرافدين يأخذ طابع القسوة‬ ‫والجمود وعليه مسحة من الرصامة والعنف‪ ،‬استجابة للبيئة والظروف املحيطة به‪ ،‬والحاضنة له‪ ،‬األمر الذي أ َّدى إىل تشكيل تعبري‬ ‫العني بشكل صارم وحاد يوحي بالتوتر‪ .‬وأحياناً أخرى‪ ،‬كان الفن املرصي ينحو منحى مختلفاً؛ فتبدو عليه مسحة من الدعة والسكينة‬ ‫واالطمئنان‪ ،‬تساعد عىل تشكيل تعبري العني بشكل أسلس وأهدأ يوحي باملهابة‪.‬‬ ‫‪ .6‬العني يف رسومات الفيوم‬ ‫ساعد الطقس الجاف يف مرص العليا والوسطى عىل الحفاظ عىل عدد ال حرص له من اآلثار‪ .‬من األمثلة عىل ذلك؛ األقنعة الجنائزية التي‬ ‫وجدت بحالة جيدة‪ .‬وقد كانت أعني هذه األقنعة إما ُمف َّرغة أو مرسومة باأللوان‪ .‬وهي متثل العادات واملعتقدات الدينية املكتسبة من‬ ‫املرصيني يف العرص البطلمي والروماين‪ ،‬التي تعتمد عىل تحنيط الجثامن ووضع األقنعة عىل مومياء املتوىف‪.‬‬ ‫وكانت األقنعة يف العرص الروماين توضع يف املنازل‪ ،‬تخليدا ً لذكرى املتوىف‪ .‬وتطورت هذه األقنعة تطورا ً جذرياً يف األسلوب؛ فلم تعد‬ ‫تعب عن أصحابها مبا تحمله من مالمحها الخاصة‪ ،‬وأصبحت هي األخرى نوعاً من الصور الشخصية‬ ‫تخضع للرتاث الفرعوين‪ ،‬بل اصبحت ٍّ‬ ‫التي تخضع يف خطوطها العامة لتيار الفن الروماين‪.‬‬ ‫وأخذ تشكيل العني ينحو منحى واقعياً‪ ،‬بعد دخول الفن اإلغريقي والروماين عليه؛ فامتزج باألسلوب املرصي املتأثر بالفن السومري‪،‬‬ ‫لينتج تشكيالً جديدا ً للعني يف التامثيل واألقنعة والرسوم‪ُ ،‬جمع فيه كل العنارص املميزة يف الحضارات السابقة‪ ،‬كات ّساع شكل العني وسواد‬ ‫البؤبؤ الكبري ذي النظرة الشاخصة‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬من األسباب التي ساهمت يف ظهور النظرة القوية الثاقبة يف األيقونة‪ ،‬هذا النوع من الفن الذي ولد نحو القرن األول قبل امليالد‪،‬‬ ‫متأثرا ً بالفن الفرعوين والفن السومري‪ ،‬واستمر إىل منتصف القرن الرابع امليالدي؛ وهو يتجىل تحديدا ً يف رسوم الفيوم‪ .‬ظهر هذا الفن‬ ‫يف هذه املنطقة التي احتفظت لنا بكنوز تركتها لنا األجيال التي سكنتها‪ ،‬بدءا ً من األرسة الثانية عرشة حتى نهاية العصور الفرعونية‪،‬‬ ‫مرورا ً بالعرص البطلمي ثم الحكم الروماين‪ ،‬حيث كانت تعج بالنازحني من الجاليات األجنبية‪ .‬لذلك تعترب لوحات الفيوم التي متثل وجه‬ ‫املتوىف الحلقة األخرية من سلسلة تط ُّور العقيدة املرصية للحياة بعد املوت‪ ،‬التي هيمنت عىل عقول املرصيني‪ ،‬من بداية تاريخهم حتى‬ ‫اعتناقهم األديان الساموية‪ .‬ومن املعروف أ َّن اليونانيني مل يعتنقوا فكرة الحياة اآلخرة األبدية نفسها التي اعتنقها املرصيون‪ ،‬وكذلك‬ ‫الرومان من بعدهم (‪.)9‬‬ ‫فقد تشبع فنانو الفيوم بأساليب التصوير اليوناين وطرقه‪ ،‬والس َّيام يف مدرسة اإلسكندرية سليلة الفن اليوناين املقدوين‪ .‬وكانت هذه‬ ‫اللوحات ترسم ألصحابها أثناء حياتهم‪ ،‬ثم يأخذها املحنطون بعد الوفاة لوضعها يف مكانها املعد له فوق وجه املتوىف‪ .‬هذه هي‬ ‫الحلقة األخرية واالمتداد لفكرة متثال (الكا‪ ،‬القرين) والرؤوس البديلة والقناع ولفائف الكتان وما يعلوها من طبقة جص ملونة ملالمح‬ ‫املتويف‪ ،‬كل ذلك ليك تتع ُّرفه (الروح‪،‬با) ضامنا لألبدية والبعث والخلود‪ .‬وكان يَرسم الوجوه فنانون محليون يستخدمون ألواناً من تقنيات‬ ‫قدمية‪ ،‬كاأللوان الرتابية واألكاسيد وزالل البيض والشمع‪ ،‬وقد استخدم الرومان ذلك بديالً من القناع الذي كان يستخدمه الفراعنة بهدف‬ ‫ُلصق بوجه امليت وت ُث َّبت باللفائف الكتانية‪ .‬وقد مت َّيزت هذه اللوحات‬ ‫تع ُّرف الروح عىل املومياء يف العامل اآلخر‪ ،‬حيث كانت هذه املواد ت َ‬ ‫ِ‬ ‫باكتامل رسم تفاصيل الوجه مع العينني الواسعتني جدا ً بشكل غري عادي‪ .‬وقد ُرس َم معظ ُمها عىل الخشب‪ ،‬إذ ص َّورت رجاالً ونساء‬ ‫وأطفاالً يف مختلف املراحل العمرية‪ ،‬يف أبهى مظاهرهم مع تزيينهم بأجمل املالبس والحيل‪.‬‬ ‫وكان الفن اليوناين وكذلك الفن الروماين فن حياة‪ ،‬بينام كان الفن الفرعوين فن موت‪ .‬فاألوالن يهتامن بإظهار التفاصيل والتعبريات‬ ‫املتنوعة عىل الوجوه‪ ،‬وبإظهار اتجاهات نظرات العيون وتأثريات الشفاه وإشارات األصابع‪ ،‬بينام كان الفن الفرعوين يف هذا الوضع‬ ‫خالدا ً‪ .‬فالعقيدة والتقليد فرعونيان‪ ،‬فيام األسلوب يوناين روماين‪ .‬هكذا جاءت وجوه الفيوم مزيجاً من حضارات ثالث‪ :‬فرعونية‪ ،‬ويونانية‪،‬‬ ‫ورومانية‪ .‬وكان الرومان أكرث من أعطى لصور الوجوه (فن البورتريه) أهمية كبرية‪ ،‬باعتبارها وسيلة إلحياء ذكرى املتوىف‪ .‬هذا التالحم بني‬ ‫وجوه الفيوم واملومياءات منحها خاصية روحية غريبة‪ .‬فحتى لو فُصلت عن مومياءاتها التي تصورها‪ ،‬فهي تحتفظ بقوتها امليتافيزيقية‬ ‫كام لو كان البورتريه قد أصبح هو الشخص الذي ميثله وفيه يواصل الحياة يف عامل مختلف‪.‬‬ ‫وبالرغم من مرور عرشات القرون‪ ،‬ما تزال شخصيات تلك الوجوه تفيض بالحياة كأنها تعيش بيننا‪ .‬ومن ينظر إليها يشعر كام لو انها متتلكه‬ ‫وتحتويه‪ ،‬وهي ترمقه بنظراتها الثاقبة‪ .‬وكلام اقرتبنا منها ازدادت غموضاً‪ .‬فاملشاهد يدخل يف اتصال مبارش مع الشخصية املرسومة كام‬ ‫لو كانت يف منطقة وسط بني الحياة واملوت‪ ،‬كأنه واقف يف برزخ بني عاملني‪ .‬فاملوىت يظلون عىل قيد الحياة ‪ ،‬بالرغم من املوت‪ ،‬وامليت‬ ‫يبدو حياً خالدا ً‪ .‬هذا هو بالضبط الهدف الذي من أجله ُص ِّورت هذه الوجوه‪ :‬هدف أصحابها وهدف ُمص ِّوريها‪ .‬فالوجوه تطل علينا من‬ ‫اللوحات تنظر جميعها إىل نقطة الالنهاية‪ ،‬خلف املشاهد‪ .‬نستشعر شخصيتها وصفاتها‪ ،‬وتكاد عيونها ترسل إشعاعاً من الحياة والحيوية‬ ‫الصادقة‪ .‬ومن عالمات التطور يف مجال رسم الوجه‪ ،‬تغيري الرسامني اليونان وضعيته‪ ،‬إذ رسموه كامالً أو يكاد يكون كامالً بنسبة ثالثة‬ ‫جانب فقط؛ بحيث منح هذا التغيري فناين الفيوم إمكانات جديدة ظهرت يف العيون‪ ،‬التي بالغوا‬ ‫أرباع‪ ،‬يف بلد كانت الوجوه فيه ترسم من‬ ‫ٍ‬ ‫يف رسمها‪ ،‬فجاءت أكرث تعبريا ً (‪( .)10‬شكل ‪)8‬‬



‫ولقد عرف املرصيون القدماء الحجارة عىل أنواعها من الفريوز والالزورد والزمرد والزبرجد والعقيق‪ ،‬وآمنوا بأ َّن لها قوى سحرية إىل جوار‬ ‫وظيفتها يف الزينة؛ فاتخذوا منها متائم ألغراض متنوعة‪.‬‬ ‫ويضطلع لون األحجار الكرمية أو نصف كرمية‪ ،‬إذا ً‪ ،‬بدور مهم يف العيون املرصعة‪ ،‬ملا يصدر عنها من ذبذبات وموجات تؤثر يف‬ ‫املتلقي؛ ومن ذلك نستنتج أن اإلنسان القديم حاول حبس الطاقة الكامنة يف التمثال واملومياء ضمن العيون الكبرية الواسعة والتامئم‬ ‫واألحجار الكرمية ورموز الحروف‪ ،‬لضامن بقاء قوتها وسلطتها‪ ،‬ومن ث َم ضامن بعثها‪.‬‬ ‫‪ .8‬رمزية الدائرة يف بؤبؤ العني‬ ‫تدور هذه الدراسة حول رمزية العني ودالالتها عند اإلنسان القديم‪ ،‬وصوالً إىل تشكيل العني يف اإليقونة‪ .‬هذه العني التي أخذ البؤبؤ‬ ‫فيها شكل الدائرة الكاملة التي لن نغفل عن رمزيتها‪ ،‬أل َّن للرمز معاين عدة‪ ،‬فهو قد يكون إميانياً وروحانياً‪ ،‬وقد تدخل فيه أيضاً األعراف‬ ‫والتقاليد واملعتقدات وغريها‪ .‬وتعد الدائرة رمزا ً للكامل واالكتامل‪ ،‬ورمزا ً لقواعد تحكم الكون‪ .‬إنها ترمز إىل الشمس وأفق السامء وإىل‬ ‫الوحدة‪ ،‬كام ترمز إىل البداية والنهاية وإىل االتصال واالنفصال‪ .‬ويف كل نقطة من محيطها‪ ،‬تبدأ وتنتهي أيضاً‪ ،‬متاماً كدورة الحياة التي‬ ‫تتضمن املوت‪ ،‬واملوت الذي تنبعث منه الحياة‪ ،‬إنها املحيط الذي يدور حول املركز‪ ،‬وهي ترمز إىل السامء والخلود‪.‬‬ ‫وعند البحث يف رمزية الدائرة يف الفكر السومري البابيل‪ ،‬نالحظ أ َّن (شار) من اآللهة السومرية القدمية متثلها الكتابة املسامرية بعالمة‬ ‫الدائرة يف األصل‪ ،‬وهي تعني‪ :‬الكل‪ ،‬الكلية مبا يف ذلك السامء واألرض والعامل السفيل‪.‬‬ ‫أما يف مرص القدمية فقد كانت الدائرة ترمز إىل العهد والوفاء وإىل االنسجام والكامل والخط الالنهايئ‪ .‬ومن الدوائر الرمزية الجديرة‬ ‫باالهتامم والواسعة االنتشار‪ ،‬رمز األفعى التي تلتهم نفسها‪ .‬إنها رمز الخلود والكون والدورة واملادة والروح يف الحياة ووحدتها (‪.)13‬‬ ‫‪ .9‬مسرية تطور تشكيل العينني‪ ،‬فن سومري فرعوين بتأثري (إغريقي روماين)‪ ،‬مسيحي قبطي‬ ‫ ‪-‬‬ ‫القواسم املشرتكة ‪:‬‬ ‫من القواسم املشرتكة‪ ،‬بني الفن السومري والفن الفرعوين‪ ،‬تطعيم العيون وتغليف رؤوس التامثيل الخشبية باملعادن‪ ،‬كصفائح النحاس‬ ‫أو الذهب‪ .‬ومعتقد "االسمية" أيضاً (أي‪ :‬ال وجود لشئ دون أن يصحب وجوده اسمه) عرفته مرص والعراق‪ ،‬وتحدث عنه أفالطون‪.‬‬ ‫والتسليم باالسمية ج َّر إىل التسليم مبا لالسم من قوة تأثريية وطاقة كامنة يف الحجر واملعدن والصوت والحرف (‪.)14‬‬ ‫وكان الفن االغريقي يعتمد‪ ،‬يف تشكيل الوجوه‪ ،‬عىل األسلوب التقليدي‪ ،‬الذي ينطوي عىل تقليد املايض مبوضوعاته وتكويناته‪ .‬فاليونان‬ ‫مل تعرف أي صورة لوجه عىل أرضية مذهبة ملختلف أنواع فنونها‪ ،‬قبل غزو اإلسكندر ملرص‪ .‬وقد أ َّدى هذا التطور الفني والثقايف‬ ‫واالجتامعي إىل اندماج اجتامعي وحضاري وديني‪ ،‬تطور بعد سيطرة الرومان عىل البالد الفرعونية؛ فظهرت أساليب فنية جديدة خدمت‬ ‫طقوس جنائزية جديدة يف تحنيط موىت جالية املستوطنني الغزاة‪ ،‬أبرزها تقنيات رسوم وجوه الفيوم‪ ،‬والتي أوصلت فيام بعد إىل فن‬ ‫األيقونات البيزنطية‪.‬‬ ‫مرت وجوه الفيوم يف مرحلتني‪ :‬األوىل رسمها‪ ،‬والثانية تذهيبها وتثبيتها عىل املومياء‪ .‬ففي األوىل تبدو الصورة فناً يونانياً ‪ -‬رومانيا‪ ،‬ويف‬ ‫الثانية تحولت الصورة نفسها إىل فن مرصي الستخدام التذهيب يف الخلفية‪ .‬ظلت كلمة‪ :‬أيقونة‪ ،‬طوال القرن الخامس‪ ،‬تعني صورة‬ ‫لقديس أو ميت‪ .‬ويف القرن السادس ظهرت الكلمة ‪ sihparG‬لتدل عىل صور وجوه دنيوية وح ّية‪ .‬وهكذا‪ ،‬ارتبطت األيقونات بالتصوير‬ ‫الديني‪ .‬تزامن ظهور رسوم وجوه الفيوم مع أوىل األيقونات القبطية‪ ،‬وترافق ظهورها مع األيقونات معاً‪ ،‬حتى اختفت متاماً صور الوجوه‬ ‫املرتبطة باملومياءات‪ .‬إذ كان مصورو الفيوم محاطني بتقاليد قدمية متتد إىل آالف السنني‪ ،‬اضطلعت فيها تقاليد رسم العني بدو ٍر‬ ‫أسايس (‪.)15‬‬ ‫وقد رث رسامو األيقونات القبطية أرسار أساليبهم من أسالفهم املرصيني‪ ،‬فكانت عيون األيقونات الواسعة املشحونة بالروحانية ذات‬ ‫أصول فرعونية سومرية‪ .‬فالعيون الواسعة والطاقة الكامنة النابعة منها‪ ،‬هي إحدى السامت البارزة يف األيقونات املرصية‪.‬‬ ‫بعد دخول الدين املسيحي مرص‪ ،‬أصبح التحوير يف املالمح تقليدا ً جديدا ً ‪ ،‬فلم تعد هناك مباالة مبراعاة تعبريات الوجه أو توازن‬ ‫النسب‪ ،‬باستثناء جحوظ العينني الذي يكاد يطغى عىل الوجه بسعته واتخاذه أشكاالً مستطيلة‪ .‬وبذلك‪ ،‬متيز الفن القبطي برصامة الوجه‬ ‫وبروز العينني‪ .‬ومن ميزات هذا الفن عدم االهتامم بإظهار الشكل الحقيقي وإبراز الصورة الخالدة ‪ .‬فكانت العينان أهم رسالة يف‬ ‫األيقونة؛ فيجب أن تكونا واسعتني تنظران دوماً إىل الناظر إليهام (شكل ‪.)9‬‬ ‫أما العينان يف األيقونة البيزنطية‪ ،‬فهام العنرصان الوحيدان املتميزان بالحيوية‪ .‬ويرى الباحثون أ َّن العيون يف العهد املسيحي األول كانت‬ ‫كبرية ومفتوحة جيدا ً‪ ،‬بعيدة النظر‪ ،‬تسحر الناظر وتفرض نفسها عليه‪ .‬أما الحقاً‪ ،‬وبعد القرن الرابع امليالدي‪ ،‬فقد أصبحت النظرة أهدأ‪،‬‬ ‫مع محافظتها عىل حزمها‪ .‬ففيها ينرسب النظر من تحت الجفنني يف وقار شديد‪ ،‬كأنه صادر من أعامق النفس ليكون أكرثإشعاعاً‪ .‬وميكن‬ ‫القول إن النظرة الصادرة عن الصورة ال تسعى وراء املتعبد فقط‪ ،‬وإمنا تصيبه يف صميمه إصابة مبارشة‪ .‬وقد اعتمدت األيقونة البيزنطية‬ ‫يف تركيبتها عىل النور الذي يحيط بالعينني الواسعتني الداكنتني‪ ،‬وعىل النظرة املستقرة‪ ،‬حيث تكمن نقطة الرتكيز عىل الناظر (‪()16‬شكل‪.)10‬‬



‫وبذلك‪ ،‬تطور تشكيل العني وتعبريها خالل العصور؛ لكنه حافظ عىل مدلوالت روحانية وميتافيزيقية نابضة بالتعبري وااليحاء‬ ‫خامتة ‪ :‬العني تعبري ورسالة‬ ‫بعد أن درسنا املؤثرات والدالالت ورمزيات العني‪ ،‬يف شكلها ومادتها ولونها‪ ،‬وجدنا أ َّن هذا اإلرث الثقايف والحضاري الذي تج َّمع عن‬ ‫مدلوالت العني عىل مدى آالف السنني‪ ،‬بني حضارات بالد الرافدين التي ولَ َعت واهتمت بتشكيل العني الكبرية وتطعيمها‪ ،‬وصوالً إىل أرض‬ ‫الفراعنة التي تب ّنى فنانوها هذا االهتامم وط َّوروه‪ ،‬بإضافة تقنيات جديدة عليه‪ ،‬كالنحاس وأنواع جديدة من األحجار الكرمية والبلّور‪ .‬ولقد‬ ‫أ َّدى هذا اإلرث الثقايف والحضاري إىل وصول هذا الفن املتخصص بتشكيل العني إىل نقطة قريبة من الكامل الروحاين وامليتافيزيقي‪ ،‬يف‬ ‫مرحلة فن األقنعة الرومانية املرصية ورسوم الفيوم‪ ،‬التي مهدت الطريق أمام األيقونتني القبطية والبيزنطية‪.‬‬ ‫وقد ساعدت قوة املعتقد السومري والفرعوين عىل استنباط طاقات كامنة يف األحجار الكرمية ونصف الكرمية؛ وظفتها يف محاجر عيون‬ ‫التامثيل‪ ،‬بحيث توصلت نظرة العيون إىل اقتناص املشاهد وأرسه يف منطقة حقل مغناطييس‪ ،‬تلك الطاقات الكامنة يتنوع فيها سحر‬ ‫األلوان املستخدمة يف الحجارة الكرمية ضمن شكل الدائرة التي تصور البؤبؤ‪ ،‬التي تعكس النور والربيق وتأرس املشاهد بنظرة العني‪.‬‬ ‫ولتلك الحضارات التي ه َّيأت لظهور تشكيل العني الكبرية يف األيقونة أوجه اختالف يف املجالني االجتامعي والديني؛ من حلول املدينة‬ ‫محل القرية عند السومريني‪ ،‬حيث ميارس الكاهن السلطة عىل املدينة باسم اإلله‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬رأى املرصيون أن اإلله اتخذ لنفسه‪ ،‬منذ األزل‪ ،‬طبيعة برشية‪ ،‬وبدا يف سامت امللك‪ ،‬ولذا فهم عبدوا ملوكهم‪ ،‬وحني‬ ‫آمنوا بخلود الروح أخذوا يحنطون الجسد يك تعود الروح إليه‪ ،‬األمر الذي تجىل يف تعبري العني يف تشكيلهم الفني‪ .‬وبينام مت َّيز السومريون‬ ‫بتشكيل العني ذات النظرة املحدقة املتطلعة بانبهار يف الفراغ‪ ،‬فقد كان لتشكيل العني الفني عند الفراعنة مسحة من الدعة والسكينة‬ ‫متيزت بجامل النظرة األبدية السابحة يف الالنهاية‪ .‬إال أ َّن الحضارتني تشاركتا يف تطعيم العيون وتغليف الرؤوس الخشبية بصفائح النحاس‬ ‫والذهب فكانا قاسامً مشرتكاً بينهام‪.‬‬ ‫وكان اإليحاء الروحي النابع من عيون التامثيل واألقنعة والرسوم الخشبية للمومياءات الشغل الشاغل لدى الفنان املدفوع مبعتقداته‪،‬‬ ‫فكانت رسوم وجوه الفيوم تفيض بالحياة‪ ،‬بنظراتها الثاقبة التي تنظر إىل الالنهاية‪ ،‬وكأن عيونها ترسل أو تبث إشعاعاً‪ ،‬وقد أدت هذه‬ ‫املوروثات كلها إىل تكوين فن روحي يعتمد يف أولوياته عىل تعبري العيون وروحانيتها‪ ،‬أال وهو فن األيقونة‪ .‬وأخذ تشكيل العيون يف العهد‬ ‫املسيحي األول طابع الرصامة‪ ،‬إال أنه أصبح أكرث هدو ًءا بعد القرن الرابع امليالدي‪ ،‬مع محافظته عىل قيمة النظرة املعربة‪.‬‬ ‫وألن فن األيقونة فن روحي‪ ،‬فاألمر يحتاج إىل لغة بعيدة عن املحاكاة الطبيعية للحياة‪ ،‬بحيث استلهم هذا الفن كثريا ً من الفنون السابقة‬ ‫عليه‪ ،‬وانطلق من معان إلهية عميقة‪ ،‬إليصال رسالة إنسانية إىل العامل‪ .‬ولذا‪ ،‬يؤكد فن األيقونة تالقي حضارات سبقته‪ ،‬خصوصاً يف مرحلته‬ ‫األوىل حينام احتل الوجه يف العهد املسيحي‪ ،‬قبل القرن الرابع امليالدي‪ ،‬مشاهد الصدارة‪ ،‬واكتسب تصوير العينني الكبريتني أهمية ألنّه‬ ‫يعب عن نظرة تقود إىل ما وراء الكون‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫واستطاع هذا الفن أن يصبح فناً برصياً‪ ،‬العتامده عىل قوة النور واإليحاء البرصي الصادر عنه‪ ،‬والس َّيام استناده إىل تشكيل الوجه الذي‬ ‫احتل الصدارة يف العمل الفني‪ ،‬وأهم ما فيه العينان الكبريتان الناظرتان إىل الالنهاية‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬أجمعت جميع الدالالت والرموز التي ارتكزت عىل خلفية دينية يف تشكيل العيون يف النتاج الفني‪ ،‬منذ العصور القدمية حتى‬ ‫دخول الدين املسيحي املنطقة‪ ،‬عىل أ َّن املوروثات التي تناقلتها الحضارات خالل حقب التاريخ قد اجتمعت يف بوتقة واحدة‪ :‬أال وهي‬ ‫التعبريالروحاين وامليتافيزيقي‪ ،‬النابع من داخل العني‪ ،‬واملتجه إىل املتلقي يف جميع األعامل الفنية والدينية‪.‬‬ ‫غت هذه الفردية حدا ً بات معه من الصعب إتفاق فيلسوفني متاماً عىل املوضوعات املهمة التي تشغل تفكريهام ‪ ،‬وبات كل فيلسوف يفحص‬

‫شواهده بنفسه وميحصها ليتوصل اىل النتائج الخاصة به بطريقة مستقلة ‪.‬وهكذا ميكن القول إن الفلسفة الحديثة بدات " حيثام بدأ كل شخص‬ ‫يف التفكري بصورة مستقلة عن املعتقدات التي قبلها الناس ‪ ،‬ونظر يف األمور بنفسه " ‪.‬‬ ‫ النزعة االنسانية ‪ :‬عرص النهضة ما كان ارتدادا ً من العصور الوسطى اىل العصور القدمية كام نفهم من كلمة (الرينيسانس) بل كان باألحرى‬‫حيازة ملا أنتجه الرتاث القديم من أجل استخدامات جديدة ‪ .‬وبهذا املعنى متثل إنسانيو القرن السادس عرش من الرتاث القديم ما يوسع‬ ‫رؤيتهم ويساعدهم يف البدء بداية جديدة يف دراسة العامل واالنسان ‪ ،‬رغم انهم ما استطاعوا التخلص متاماً من خرافات املايض ‪ ،‬فذلك أمر‬ ‫مل يتحقق اال يف عرص التنوير ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فقد أظهر كثري من فالسفة الفرتة االنسانية ومضات من االستبصار كانت تنبىء بوالدة عرص جديد‬ ‫‪ .‬ورغم ارتكابهم األخطاء بسببب افتقارهم اىل منهج جديد للتفكري‪ ،‬متيز االتجاه االنساين ‪ ،‬يف حركة فكر النهضة ‪ ،‬بالتأكيد عىل نقض الفكر‬ ‫امليتافيزيقي والالهويت الذي ساد يف العصور الوسطى ‪ ،‬والدعوة للعودة اىل الطبيعة االنسانية واعتبار الواقع االجتامعي الذي يعيش فيه االنسان‬ ‫املنبع األسايس ألفكاره‪ .‬وبات االهتامم بالفلسفة نابعاً من اتجاه فكري يبحث عن املتعة الذهنية واألخالقية والجاملية بعيدا ً عن االهتاممات‬ ‫الالهوتية ليصبح إنسان القرن الخامس عرش أكرث انسانية وأكرث برشية ‪،‬اي أكرثعقالنية ‪ ،‬وثقافة ومعرفة بكل ما له قيمة يف الفن واألدب والعلم‬ ‫‪ ،‬عن طريق دراسة اآلداب الكالسيكية ( الثقافة اليونانية القدمية التي نقلت نصوصها األصلية ) التي عرفت باسم االنسانيات وعرف الباحث الذي‬ ‫يدرسها بطريقة جديدة باسم الباحث االنساين يف مقابل الباحث االسكواليئ ‪.‬‬ ‫منو العلم الحديث ‪:‬‬ ‫مل يبزغ العلم الحديث فجأة يف مطلع القرن السابع عرش ‪ ،‬بل سبقه احياء للرتاث الفيثاغوري القائم عىل فكرة البحث عن الحقيقة عن طريق‬ ‫األعداد ‪ .‬كانت هذه النظرة اىل العلم ومشكالته مختلفة جذريا عن االتجاه االرسطي عند املدرسيني ‪،‬من حيث اعتامدها عىل سلطة علم األعداد‬ ‫وحده وابتعادها عن االعتامد عىل النصوص‪ ،‬ألن "كتاب الطبيعة املجيد مكتوب بلغة الرياضيات " ‪ .‬وهكذا ظهرت الثورة العلمية الكربى‬ ‫بوصفها نزعة تتمسك بالفيثاغورية بدرجات متفاوتة ‪ ،‬وأخذت تتخىل تدريجيا عن األفكار األرسطية يف ميداين الفلك والفيزياء ‪.‬‬


‫الحب هو كل ما يعشقه القلب ويرفضه العقل الذي يغيَّب مؤقتاً إلعطاء الفرصة النسياب الشعور والعاطفة الجياشة تجاه‬ ‫من نحب ‪ ،‬حيث أن العقل يحل محلّه ويتحكّم بترصفاتنا وأفعالنا و يتوىل مهمة إعطاء األوامر للجسد السليم واستقبال‬ ‫إشارات الجسد املريض ليك يتوىل القلب من جديد إعادة النظر يف طبيعة ونوعية هذا الحب الذي يُفقد العشاق صوابهم‬ ‫ألن الخوف يسيطر علينا من إمكانية تاليش الحب مع مرور الوقت والغياب الجسدي للحبيب وإن كان حارضا ً روحياً‬ ‫ومعنوياً يف داخل أنفسنا‪.‬‬ ‫حل يزداد قلبي تعلقاٌ بِ َا هو ٍ‬ ‫آت وأعظم‪ ..‬وملاذا عند‬ ‫حبيب ّ‬ ‫وكل‬ ‫ملاذا أيها الحب أنت معذيب ‪ ،‬وملاذا عند كل حبيب عرب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل غيب ٍة قرسي ٍة عن األهل واألحبة يزداد قلبي إدراكاً ملعنى املكوث طويالً بقربهم وعدم مغادرتهم إىل دار الغربة التي مل‬ ‫يل من وطني الحبيب‪.‬‬ ‫أطلبها قط‪ ،‬بل هي من كانت توسوس يف صدري وال تدعني وشأين كأنها أعلم وأح ّن ع ّ‬ ‫تخليت عنه وال عن الحبيب الذي تخىل عن‬ ‫الحب الذي تخىل عني وال الحب الذي‬ ‫الحب ألنه متقّلب وال ألوم‬ ‫أنا ال ألو ُم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حب أعمى وصامت وغري واقعي ‪ ،‬وغري منطقي ‪ ،‬وغري ملموس ‪ ،‬وغري قابل‬ ‫الحب وال عن الحبيب الذي ّ‬ ‫تخل عني من أجل ّ‬ ‫حب ملكو يتّ مل يحن هبوطه من السامء إىل كوكب‬ ‫للتعايش مع حبي الرسمدي الذي ال يشبهه أي حب ‪ ،‬ألن حبي هو ّ‬ ‫األرض ألن الحب الصايف واإلخالص تجاه الحبيب من أجل الحب كحب وليس من أجل غاية وهدف مل أصادفه إىل اآلن ‪ .‬الحب‬ ‫الذي ال يتحمل العذاب ويصرب عىل البعد‪ ،‬وال عىل املرض وال عىل الفراق والذي ال يرافقني إىل لحدي ال يعنيني أبد ا ً ألنه يؤمل‬ ‫روحي ويعذبها ‪ ..‬يقول نزار قباين‪:‬‬ ‫هل ميلك النهر تغيريا ً ملجرا ُه‬ ‫وكيف أهرب منه إنه قدري‬ ‫الحب يف األرض بعض من تخ ُّيلنا لو مل نج ْد ه عليها الخرتعناه‬ ‫ملاذا أيها القلب أنت معذيب ‪ ،‬ملاذا ال تدعني وشأين ‪ ،‬و ملاذا ال ترحمني وملاذا ال تنظم دقاتك عىل وقع أملي ‪ .‬دعني أعش‬ ‫عىل وقع دقاتك املنتظمة وال تستعجل قدري‪ .‬إن لونك األحمر الفاتن والفتي يشبه لون قلبي الريفي‪ ،‬والفطري الذي ملْ‬ ‫يتغي لونه يف غربتي بالرغم من بعد الحبيب وغيابه الطويل ‪ ،‬واألبدي عني ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫أبيض اللونِ ‪ ،‬ألَن لو َن قلبي األرجواين كلون رشايني جسدي الطاهر ودم‬ ‫أال تدري أيها‬ ‫الحب أن قلبي يهوى من قلبه َ‬ ‫ّ‬ ‫الشهداء يف بلدي ال شبيه له‪ .‬إن حبي ال يثق وال ميكن أن يبقى تحت رحمة دقاتك املنتظمة ‪ ،‬ألنه رسعان ما تضطرب‬ ‫دقاتك و تفقدين صوايب ‪ ..‬كام يقول جميل بن معمر العذري‬ ‫فأصمت حتى ال أكاد أجيب‬ ‫وما هو إ الّ أن أراها فجاء ًة‬ ‫أيها القلب أنا لست ملكاً لك وال ملك نفيس وال ملك من أحب وأعشق وال ملك هذه الحياة الخالية من الحب الساموي ‪.‬‬ ‫أيها القلب انا ملك األرض والسامء والقمر والشمس‪ ،‬و ملك من خلقني ومن ل ّو ن قلبي باألحمر‪.‬‬ ‫أيها الحب أين أبحث عنك و أين‬ ‫يعانق حب الحبيب بشغف وحن ّية‬ ‫وحتى االختفاء من حياته ملجرد أنه‬

‫حب‬ ‫حب رسمدي وأبدي أم مج ّرد ٍّ‬ ‫أجدك ؟‪ ،‬وإن وجدتك أهو ٌ‬ ‫ويبادله نفس الشعور بل ق ّد يتفوق عليه من حيث الجودة‬ ‫اخلص للحب الذي ال يعرف الكره أبد ا ً والذي بسببه قد يكرم‬

‫عابر ال نكهة له إن مل‬ ‫واألناقة واإلخالص والوفاء‬ ‫املرء أو يهان ‪..‬‬

‫قلب عرف‬ ‫إنني لن أجد هذا الحب أبد ا ً ألن حبي يسبح يف أعامق املحيطات واألنهار مسيجاً بجدار قلبي الذي ال يخرقه إال ٌ‬ ‫معنى الحب وأجاد الغطس يف أعامق املحيطات وكان ماهرا ً يف اجتياز األنهر الطويلة ‪ ...‬لن أموت أبد ا ً إال بجانب الحبيب‬ ‫الذي اختاره يل ريب وغيبّه ألجلٍ غري مسمى من أجل اختبار حبي البرشي والدنيوي واألصيل ‪ ..‬إن حبي ليس خالصاً إال‬ ‫له ‪ ،‬الذي بعث يف نفيس الحب إىل كل من تع ّرف عيل وعارشين وخاصمني وعاتبني ‪ ،‬وأساء مفهوم حبي وطبيعته وكيف‬ ‫يكون الحب املج ّرد من أية غايات برشية متقلبة بتقلبات أهواء البرش وأهواء من يسيطرون عىل قلوب البرش‪ ،‬ويحولون‬ ‫ٍ‬ ‫كل من أحب وأخلص للحبيب إن كان‬ ‫الحب نفسه ‪ ،‬وعىل ّ‬ ‫وحاقد عىل‬ ‫هذا الحب الربيء بني ليلة وضحاها إىل حب أعمى‬ ‫ّ‬ ‫موجودا جسديا معنا أو روحياً ‪.‬‬


‫ا لحب‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬


‫مدينة الفراغ‬

‫مرينا بريطع‬

‫وظل عىل مسافة منها‪ ،‬قبل أن يتق ّد م قلبه ليصافح قلبها كعادته‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫قلّب صفحات وجهها بحذ ٍر‬ ‫السنوات تعادل ففي العمر لحظ ًة ‪،‬‬ ‫كم طال عمر فراقهام؟؟! ذلك ليس مهامً فعالً‪ ،‬فالعمر ال معيار له‪..‬بعض ّ‬ ‫كل ما يه ّم اآلن أ نّه يقف عينيها‬ ‫ً‪...‬ربا مل يرها منذ ده ٍر أو بعض دهر‪.‬ال فرق‪ّ ،‬‬ ‫وبعض ا لّلحظات تنقيض دهرا ّ‬ ‫املهجورتني كمدينة خاوية فارغ ٍة حتّى من األصداء‪...‬‬ ‫لوهل ٍة ‪ ،‬انتابته رهبة من تطأ قدماه أرضاً غريب ًة أل ّول م ّرة‪ ،‬لك ّن شيئاً ما بداخله دفعه للتّق ّد م دومنا وجل‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪...‬كل تنهيدة‬ ‫حرف ّ‬ ‫كل‬ ‫كل كلم ٍة فيها وأشعل ّ‬ ‫وكل أمني ٍة ‪..‬لقد أضاء ّ‬ ‫كل حلم ّ‬ ‫هذه املدينة ‪..‬يألفها‪،‬يعرف فيها ّ‬ ‫وتحسس نبضها أل ّول م ّرة‪..‬‬ ‫‪،‬كل لهف ٍة ولفتة فيها‪..‬هو من اكتشف معاملها‪،‬‬ ‫وكل ابتسامة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لطاملا جلس عند أقدام أهوائها‪ ،‬يستمع لرقرقة األمل تنساب بخ ّف ٍة دون أن يص ّد ها قد ٌر ‪ .‬لطاملا خ َّط شيئاً من‬ ‫نفسه عىل جذوع قصائدها‪ .‬لطاملا جلس عىل مقاعد أحاديثها املكتظّة بالخياالت‪ ،‬وارتشف معها قليالً من ال ّروايات‬ ‫السحر‪..‬‬ ‫املمزوجة بحالمة ّ‬ ‫هذه املدينة ليست غريب ًة ‪...‬لقد متاهى مع صباحاتها حتّى بات يرشق ويغيب فيها‪ ،‬لكنه يعود ‪..‬كالفجر دوماً‬ ‫يعو د ‪.‬‬ ‫كل يشء فيها‪..‬اعتاد أن يجلس بعيد ا ً‪ ،‬عند‬ ‫هذه املدينه‪ ،‬فيها بعض من أنفاسه وإحساسه وخوفه وجرأته‪..‬اعتاد ّ‬ ‫منعطف ال ّزمن ‪..‬يتأمل قطارات الحياة املزدحمة باالوقات الفارغة و األوقات املسافرة وتلك العائدة‪ ،‬واألخرى‬ ‫ا لتّا ئهة ‪. .‬‬ ‫فكيف غدت تلك املدينة د ّوامة فراغٍ؟؟الصور تز يّن جدران ذاكرتها‪..‬ال أخيلة ‪ ،‬ال أحالم الأماين ال قصائد‪ ،‬ال‬ ‫قطارات زمنٍ ‪...‬ال اآلن‪ ،‬ال غد ا ً‪..‬ال البارحة‪..‬ال هي ‪ ..‬ال هو‪..‬‬ ‫السكون أحكم قبضته عىل املكان‪..‬‬ ‫حاول أن ميسك بزمام صوته‪ ،‬أن يناديها‪ ،‬لك ّن ّ‬ ‫الخواء‪،‬يتحسس معامله للم ّرة األخرية‪.‬‬ ‫حاول أن يالمسها‪ ،‬لك ّنه كان يقرتب من‬ ‫ّ‬ ‫‪CITY EPMTY‬‬


‫ِ‬ ‫نخبك أيتها األهوار‬

‫شعر‪ :‬رياض الدليمي‬

‫البيوت تجهش بالبكاء‬ ‫أنا خجل كيف ألتقي املساء‬ ‫أحمل وردا‬ ‫فيبتسم‬ ‫يظنه حبا‬ ‫كيف هذا وقلبي عاصف بالحزن ؟‬ ‫أعطر األمكنة املليئة بالدم‬ ‫أضع الورد قرب الرأس‬ ‫عىل جسد مسجى ‪ ..‬أثر مفخخة‬ ‫ورصاصة أجهزت عىل طفل‬ ‫ي ّذ كر أبيه أن ال ينىس حقيبة املدرسة ‪..‬‬ ‫انها عجلة القدر ‪ ..‬يا سيدي املساء‬ ‫حصدت أرواحا وأمكنة‬ ‫ونالت من األحالم‬ ‫من العودة للبيوت بسالم‬ ‫هي ليست انتفاضة حب‬ ‫أو كرنفال انتصار‬ ‫تاهت الطرقات‬ ‫خاف الرساب وتقهقر يف حضن الشمس‬ ‫تكدست األشالء عىل أفواه األرصفة‬ ‫الهور مازال يغني مواويله‬ ‫يغني نبوءات املصائب‬ ‫يف حرضة ( أورمنو ) ‪..‬‬ ‫الخريف صار مزيفا‬ ‫بال هوي ٍة‬ ‫يستبدل النسائم‬ ‫بدخان وغبار االرواح‬ ‫ورصخات األمهات ‪..‬‬ ‫تتساقط أوراق السامء عىل الحافالت‬ ‫ا لذ ا هبا ت‬ ‫ا لعا ئد ا ت‬

‫ا ملا كثا ت‬ ‫الحقائب املؤجلة‬ ‫التحاق الصغار باملدارس‬ ‫كانوا منشغلني باملوت ‪..‬‬ ‫باتت الطرق تئد املارين‬ ‫الزجاج املتشظي يشيع الحلم‬ ‫النهايات تكتب عىل‬ ‫جبني الرساب‬ ‫حياتنا املوال‬ ‫أوراق الخريف ‪..‬‬ ‫ابليس يداعب صباح النارصية‬ ‫بحنجرة هضمت ألحان الوداع‬ ‫برصاص امللثمني‬ ‫بأبدية االحزان ‪.‬‬ ‫نخبك أيتها األهوار‬ ‫نخب الفواجع‬ ‫نخب حياتنا الرساب‬ ‫فالكؤوس امتألت برائحة االحباب ‪.‬‬


‫خواطر‪ :‬األفق الجديد‬ ‫الدكتورة هويدا رشيف‬

‫تساؤالت ج ّمة تخطر عىل البال ‪ ،‬وأجوبة ليست بأجوبة ‪،‬يأخذنا نبع الخيال اىل املجهول ‪،‬اىل الالمعلوم اىل الفضاء الواسع‬ ‫الذي يحمل مشكالت الكون وتحدياته ‪،‬يرشح االفكار مع النسيم العليل ‪،‬ليدغد َغ ذاك االفق البعيد الالمتناهي علّها تلتمس‬ ‫االجابة التي لطاملا متنتها النفس البرشية ‪.‬‬ ‫من منا ال يحلم باالفق الجديد؟ بالحرية املطلقة التي تجمع كافة التمنيات؟ وهل هذا االفق محدود عند البعض ؟ ومن‬ ‫هم الذين يسعون لحده؟ ومن يحاسبهم ويقف بوجههم ؟ واين هو القانون الذي يتابع ويحاسب امثالهم ؟‬ ‫إ ّن انسانية االنسان كينونة تتدفق كنهر رسمدي ال ميكن االستغناء عنها ‪ ،‬فمن خاللها نتعرف عىل جوهره وأفكاره‬ ‫وطموحاته ‪ .‬هذه الطموحات التي يسعى االنسان جاهدا ً اىل تحقيقها ‪،‬خصوصاً وأن املادة االولية موجودة ‪،‬اال وهي النية‬ ‫والقدرة والتمني يعني االفق الجديد ‪.‬‬ ‫هذا االفق ليس واحدا عند الجميع بل يختلف باختالف العادات والتقاليد ‪ ،‬التي تعترب من االسس واملرتكزات التي‬ ‫فرب افق ال‬ ‫بنيت عليها املجتمعات ‪ ،‬وهي التي تلعب دورا ً اساسياً عىل ح ّده ‪ ،‬ولكن ال يوجد قانون يتابع او يحاسب ‪ّ ،‬‬ ‫يعرف الحدود ‪ ،‬يكون مج ّنحاً بالرؤى ‪ ،‬الرؤى التي تصقل البرشية بالراحة يف بعض االحيان ‪.‬ويف املقابل يوجد من يقمعها‬ ‫ويحدها ويسعى اىل القضاء عليها ‪.‬‬ ‫إن املجتمع هو نفسه وذاته ‪ ،‬الذي يتألف من البرش هم الذين يسعون اىل تحقيق االفق الجديد الذي يتمنونه وهم الذين‬ ‫يساعرعون قبل غريهم اىل ح ّد أفق غريهم ‪.‬‬ ‫هذه الجدلية الالمتناهية ‪ ،‬ال وجود الجوبة لها سوى أن هذا املجتمع قد نظم وأسس ومنا عىل هذه العادات والتقاليد‬ ‫البالية ‪،‬التي لطاملا سعت اىل تحقيق االفضل اىل اهلها ولكن ال تعرف انها تقيض عليها وعىل هذه الطموحات وبالتايل هذا‬ ‫االفق ‪،‬الذي سيسكب من ااملنفعة عىل البرشية جمعاء ‪،‬الذي سينتشلها من عتامت الظلم والقمع اىل النور النه املشكاة‬ ‫التي فيها مصباح ينري درب البرشية ويؤهلها للعيش بسالم ووئام وحرية إنسانية لطاملا الكل متناها ‪.‬‬ ‫إن االرتقاء يف مجتمعاتنا هو املتمثل بتطبيق الرتبية التي رشبناها منذ نعومة أظفارنا حتى سن الرشد ‪ ،‬والتقدم‬ ‫ممتزج بتلك الروح التي ال تعرف الرفض بل القنوع والخضوع لكل مرتتبات الحياة التي تستعبدها العادات والتقاليد ‪ ،‬نعم‬ ‫‪،‬العادات التي توارثناها من دون أن نعي أهي املخلّص أم السم القاتل ‪ ،‬الذي يقتل كل صاحب فكرة ‪ ،‬كل صاحب دعوة‬ ‫‪،‬كل من لديه افق جديد يحلم ويسعى اىل تجسيده عىل أرض الواقع وأمام الجميع دون أن يخاف من يوم الحساب ‪ ،‬يوم‬ ‫يتم وضع أعامله يف ميزان الحياة التقاليد ومن خالله تقبل أو ترفض‪.‬‬ ‫أين انت ايها القانون الذي يحفظ احالمنا التي ترد عىل الكون املنفعة ‪ ،‬لطاملا حلمنا بك فأنت الذي تسعى اىل انصاف‬ ‫الفكر البرشي كام االنظمة التي وضعت للحامية الجسدية ‪ ،‬أين املشجع الذي سيواجه الكون بأفكاره واملدافع عن االفق ‪.‬‬ ‫فهل سيبقى الحلم حلامً‪،‬أم سيأيت من ينتشل الفكر البرشي من رشنقته وقوقعته ويريه الحقيقة املخبأة يف االفق الجديد‬ ‫سؤال سيبقى مخبأ يف جعبة املستقبل منتظرا ً املخلص؟؟‬



‫جاء مضمون الخرب عىل املنوال التايل‪((:‬هذه الصورة التقطت خالل املجاعة يف السودان سنة ‪،1994‬وحصلت عىل جائزة‬ ‫بولتزر‪،‬حيث يزحف هذا الطفل الذي رضبته املجاعة وأنهكت جسده النحيل‪،‬باتجاه مخيم لألغذية يبعد عنه بكيلومرت‪.‬‬ ‫والنرس‪،‬الذي ال يأكل إال الجيف يقف عىل مقربة منه ينتظر موته حتى يأكله‪.‬هذه الصورة هزت العامل وال يعرف أحد ما‬ ‫حدث للطفل بعد ذلك…‪.‬بعد ثالثة أشهر‪ُ ،‬وجد املصور ''كيفن كارتر''‪،‬منتحرا رمبا متأثرا بهذا املنظر وما يحمله من كآبة‬ ‫وإحباط))‪.‬‬ ‫يف عاملنا العريب‪،‬يظل أشهر مثال‪،‬يعكس هذا النوع النادر من رهافة الحس اإلنساين‪،‬إقدام الشاعر اللبناين خليل حاوي عىل‬ ‫االنتحار‪،‬بحيث خرج إىل رشفة نافذة وأطلق النار عىل نفسه‪ ،‬احتجاجا عىل اجتياح الجيش االرسائيل سنة ‪،1982‬لعاصمة‬ ‫عربية تسمى بريوت‪.‬‬ ‫شهر نوفمرب‪،1965‬انتحر األمرييك نورمان موريسون‪ ،‬بالنار أمام مكتب وزير الدفاع‪،‬معلنا رفضه للحرب التي تخوضها جيوش‬ ‫بلده‪ ،‬ضد الشعب الفيتنامي‪.‬‬ ‫شهر يناير‪،1969‬أقدم طالب فلسفة تشيكوسلوفايك‪،‬يسمى جان باالك عىل إرضام النار يف جسده عالنية‪،‬وسط ساحة‬ ‫''وينسيسالس'' تحولت فيام بعد إىل مزار‪،‬معلنا بطريقته أيضا رفضه القاطع‪،‬أن تقتحم دبابات االتحاد السوفيايت بلده‬ ‫وتقمع ثورة ألكسندر دوبشيك السلمية‪.‬هكذا‪،‬ال ميكن التأريخ لربيع براغ دون الوقوف عند تضحية باالك األسطورية‪.‬‬ ‫يوم ‪ 16‬مارس ‪،2003‬ستسحق عمدا وبطريقة يف غاية الوحشية‪،‬جرافة إرسائيلية‪،‬جسدا نحيفا تسكنه إنسانية هائلة‪،‬لشابة‬ ‫أمريكية تدعى راشيل كوري‪،‬عضوة حركة التضامن العاملي‪،‬سخرت وتهكمت من موت الضمري البرشي‪،‬فشدت الرحيل يك‬ ‫تتضامن مع الفلسطينيني‪،‬عىل أرض الواقع‪،‬خالل انتفاضتهم الثانية ضد االحتالل‪.‬‬ ‫يوم الجمعة ‪17‬ديسمرب‪،2010‬أحرق التونيس محمد البوعزيزي نفسه‪،‬أمام مقر والية سيدي بوزيد‪ ،‬محتجا عىل اغتيال كرامته‬ ‫بعد أن صفعته الرشطية فادية حمدي أمام املأل‪ ،‬وشتمته بالكلمة البذيئة ‪DEGAGE . :‬حريق‪ ،‬سيشعل حرائق مستمرة حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬يف جسد التاريخ والجغرافية العربيتني املعارصتني‪.‬‬ ‫يقال أيضا‪،‬بأن امرأة مجهولة الهوية‪،‬أكرث من تنظريات فولتري وروسو‪ ،‬من أشعل فتيل رشارة الثورة الفرنسية‪،‬حينام أرسعت‬ ‫بالخروج إىل الشارع محتجة‪،‬تطالب بالخبز…‪.‬‬ ‫يكفي أن تكون إنسانا حقا‪،‬يك يبدأ العامل انسيابه اللني‪،‬وإنسانية الفرد تتجىل هكذا‪ ،‬دومنا رضورة إىل هضم قبيل لنظريات‬ ‫أخالقية أو دعاية ألكليشيهات جاهزة‪،‬بل يجدر تحققها عفويا عىل السليقة‪.‬تتسامى‪،‬املسألة عىل كل الرشوط الذاتية‬ ‫واملوضوعية والتصنيفات املعيارية واملواضعات‪.‬هي‪ ،‬حالة تجري مجرى املاء‪ ،‬لقيم الحق والخري والشجاعة والتسامح‬ ‫والنبل واإلباء…‪.‬‬ ‫حينام يستيقظ املرء صباحا‪،‬ويتمىل بأناة شاعرية وجهه يف املرآة‪ ،‬سيالحظ بتفرس‪ ،‬فعل تعرية الزمان املر وما صنعته‬ ‫بفروة سحنته‪.‬سنوات انقضت من عمره وذابت رمبا بني تالبيب ذاكرة النسيان‪،‬ورمبا كذلك‪ ،‬عىل غفلة ودون إدراك‪،‬لحظتها‬ ‫قد يتساءل ‪:‬أين إنسانيتي‪ ،‬من كل هذا؟السيام‪ ،‬ونحن يف فرتة دقيقة‪ .‬ماهي درجات‪ ،‬تبلورها؟كيف يل أن أملس معانيها‬ ‫ودالالتها‪،‬عىل الرغم من كل ما يحول بني املرء ونفسه‪،‬املرء وحقيقته‪،‬املرء وممكناته؟سلوكات‪،‬عىل مقتضيات ومواضعات‬ ‫استيالبية‪،‬تسطو عىل حرية الفرد‪،‬فتضيع آدميته‪.‬‬


‫ ‬

‫املهم أن تكون إنسانا‬

‫ ‬

‫ ‬

‫بقلم‪ :‬سعيد بوخليط‬



‫إن تربية الشعوب وارتقائها‪،‬يبدءان جوهريا‪،‬من النزوع األنطولوجي ألفرادها صوب جعل ذواتهم‪،‬سؤاال النهائيا‪.‬لكن‪،‬يك‬ ‫اليصاب املرء بالقرف والضجر‪،‬حني اختبار ذاته‪،‬باستفهام اعرتايض‪:‬ملاذا أتيت إىل هذا العامل؟ماذا أصنع هنا؟ما املربرات؟‬ ‫بوسعه‪،‬التخلص من هذا التيه‪ ،‬بإشكال مغاير ‪:‬إن الحياة واملوت‪،‬مبثابة رصاع أبدي بني الزمانني الذايت والوجودي‪.‬أين يبدأ‬ ‫املوت‪ ،‬ومتى تنتهي الحياة؟بالتايل‪،‬يستحيل وضع الثنايئ موت‪ -‬حياة‪ ،‬ضمن إطار تعريفي قائم كليا‪ ،‬تحرتم داخله املعايري‪.‬‬ ‫الشك‪ ،‬أن النامذج البرشية االستثنائية‪ ،‬التي أرشت إليها عىل سبيل التمثيل فقط‪ ،‬ال الحرص‪،‬احتفظت وتحتفظ وستحتفظ بها‬ ‫ذاكرة التاريخ دامئا‪ ،‬دومنا ماليني البرش اآلخرين‪،‬ألنهم جسدوا السلوك الذايت النوعي‪ ،‬املؤرش عىل االنسجام املطلق بني‬ ‫الفرد وماهيته الوجودية‪.‬ذوات‪ ،‬مثل النيازك‪،‬تقطر الطبيعة بأحدهم كل مائة سنة رمبا كأدىن تقدير‪،‬يك يردوا لإلنسانية بريقها‬ ‫ووهجها‪ ،‬بعد أن أضاعتهام‪ ،‬وقد تربصت بها أوثان الزيف واملكر والخديعة‪.‬يف هذا السياق‪،‬يقفز إىل األذهان بقوة‪،‬الجدل‬ ‫الالنهايئ بني التاريخ الفردي والكوين‪،‬مبعنى ثان‪،‬هل الفرد مجردا‪ ،‬قادرا عىل صنع التاريخ؟أم الجامعة‪،‬وحدها مؤهلة بامتياز‬ ‫لفعل ذلك؟إن املسألة‪ ،‬يف اعتقادي ال ت ُطرح وفق هذا الفصل املفهومي الصارم‪ ،‬لكن األمر أساسا يروم نحو استبدال‬ ‫قراءة التاريخ‪ ،‬من التدوين الرسمي املؤسسايت النمطي‪،‬نحو ثان فردي‪،‬يلقى به قصدا إىل كَفَن النسيان واإلقصاء‪.‬تفرض‬ ‫املؤسسة برصامة‪،‬منظورها ولغتها وأسلوبها وتحديداتها‪،‬يصعب حقيقة التخلص من تأثريها‪،‬دون توفر املتلقي عىل جرأة‬ ‫السلوك وقوة الشخصية وثقابة الذهن‪،‬ثم األهم‪،‬جعل زمانه الذايت سندا مرجعيا‪،‬يستحرض من خالله اللحظات الوجودية‬ ‫النوعية‪،‬التي أرىس بها هؤالء املقصيون‪ ،‬عمدا‪ ،‬من أرشيفات التاريخ املؤسسايت‪،‬تاريخهم الفردي وقد أضحى تاريخا كونيا‪.‬‬ ‫رفض الصحايف كيفن كارتر‪ ،‬االحتفاء بالتتويج‪،‬مفضال يف املقابل أن يتقاسم مع الطفل السوداين آالم احتضاره جوعا‪،‬ويشنق‬ ‫نفسه إراديا عىل مقصلة الجشع والرش‪،‬اللذين يسكنان ويحركان‪ ،‬نزوعات املتحكمني يف مصري العامل‪.‬طبعا‪،‬هناك خلل‪،‬لذلك‬ ‫ميثل موته‪،‬دحضا وتقويضا عىل طريقته البليغة‪ ،‬لقوانني جائرة‪ ،‬يشهرها اإلنسان يف وجه أخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫أيضا‪،‬وحتى ال يكون املبدع اإلنساين فرانز كافكا‪ ،‬جحيام بأي شكل من األشكال‪،‬فقد قيل الكثري عن وصيته لصديقه ماكس‬ ‫برود‪،‬بأن ت ُحرق جميع كتبه‪،‬يك ال يؤرق‪ ،‬ويلزم شخصا ما‪ ،‬بفكرة من أفكاره‪.‬‬

‫فامذا لو ساجل الواحد منا نفسه‪ ،‬باستمرار؟يحاكم إنسانيته‪،‬عند كل إحساس بالرغبة يف غض الطرف؟يأىب‪ ،‬استساغة البشاعة‬ ‫والقذارة‪،‬منتشال أنانيته السوية‪،‬عن األخرى الخرقاء املريضة‪،‬وقد أخذت معها ضامئرنا مذاق قطعة لحم تتقاذفها كالب‬ ‫جائعة مسعورة‪.‬أظن‪ ،‬حني التامهي بصدق مع شعور كهذا‪،‬عندئذ ستصري حتام للعامل بداية‪.‬‬ ‫وأنت‪ ،‬تلقي بيرس‪ ،‬لقمة طرية يف فمك‪ ،‬تذكر برشا كثريين‪ ،‬يتالشون جوعا خالل اآلن ذاته‪،‬ثم ال يتذوقون أمال‪.‬حينام‪،‬‬ ‫تدير برسعة‪ ،‬قفل باب منزل جميل ونظيف‪ ،‬يقيك أهوال ما يحدث عىل امتداد العراء‪،‬صيفا وشتاء‪،‬فال تنس أبدا أن غريك‬ ‫قد تنكرت لهم بال شفقة جميع الرشائع األرضية‪،‬ومل تقبل بهم غري حفر الجرذان‪ ،‬يك تتقاسم معهم مجاري املياه‪.‬تذكر‬ ‫جيدا‪،‬وأنت تنام حاملا مبلء جفونك‪،‬أن برشا ال يعرفون لحقهم يف النوم سبيال‪،‬مربوطني بسالسل كالدواب إىل جدران‬ ‫زنازين ومستشفيات لألمراض العقلية‪،‬يئنون باستمرار وجعا واحتقارا‪،‬مل ترتق إنسانيتهم إىل حركة دعك أعقاب السجائر‪.‬‬ ‫علّم ذاكرتك‪،‬الوفاء ملن قست عليهم الديار وأهل الديار‪،‬باسم جنونهم‪،‬هكذا لن يجدوا ما يسدون به رمقهم‪،‬يف أفضل‬ ‫أحوالهم‪،‬سوى ما تجود به فجوات مؤخراتهم‪.‬سيقبعون‪،‬يف جوف ظلامت حفر موحشة‪،‬فقط الخفافيش ترق لحالهم‪.‬وأنت‬ ‫تلتهم كالدود حقوق اآلخرين‪،‬بغري وجه حق يذكر‪،‬ج ّرب كل مساء ولو لربهة‪،‬تصفح حكاية من حكايات السابقني‪،‬يك تتيقن‬ ‫أن العظامء هم عظامء ‪،‬بالتايل‪،‬يستحيي الدود االقرتاب من أجسادهم الطاهرة‪.‬باملطلق‪،‬سعادتك من سعادة اآلخرين‪.‬‬ ‫ال تلوث نقاء ذاتك‪ ،‬باختالس أحالم ليست من حقك‪.‬ذات غفلة‪ ،‬منك‪ ،‬ومني‪ ،‬ومنا جميعا‪،‬سترتك هذا العامل وحيدا‪،‬دون‬ ‫رجعة‪ ،‬لكن وحدها سرية آدميتك‪،‬ترشد الناس كل صباح صوب قربك‪.‬‬



‫الفن‬

‫مريم باجي‬

‫الفن هو عصارة اإلبداع اإلنساين الذي يعيش يف داخل كل فرد منا و يعترب أيضا نوعا من أنواع الثقافة كام أنه يعرب عن داخل اإلنسان و أحالمه و‬ ‫أفكاره ‪ ،‬و الفن يف حقيقته هو عبارة عن هواجس داخلية ناتجة من أحالم اإلنسان و ما يؤمن به و ما يحبه و ما يبدع فيه ‪ ،‬ترتجمها أحاسيسه أو‬ ‫تأمالته أو خياله ألمور يجسدها خارجيا عىل شكل فعل ما و تختلف الفنون فيام بينها باختالف األشخاص و اإلبداع و حالة اإلنسان الداخلية ‪.‬‬ ‫لكل منا نوع من أنواع الفن يحبه أو يبدع به ‪ ،‬و هذه امليول لنوع ما من الفن أيضا سببها الهواجس الداخلية و األفكار املتعلقة بنا ففي األخري‬ ‫نحن منيل ملا يعجبنا حسب أفكارنا و ما نحبه أو ما نؤمن به أو نعيشه ‪ ،‬و قد ال نستطيع تفسري سبب هذه امليول انطالقا مام نحس به أو نشعر‬ ‫به لكننا داخليا نجد أنفسنا منيل لحب ف ّن ما ألننا شعرنا بشعور يجذبنا و يحببنا يف ذلك الفن ‪.‬‬ ‫ عند كثري من الشعوب يعترب الفن أمرا رضوريا يف حياة اإلنسان مثله مثل األوكسجني و املاء و الطعام ‪ ،‬و يعتربه البعض مثل غذاء الروح‬‫نفيس ‪ ،‬كام أنه يجعل‬ ‫ألنه مرتبط بداخل اإلنسان و يساعد يف تغيري مزاجه و تحسني حالته النفسية املتدهورة إن كان مي ّر مبشاكل أو ضغط‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان يسبح مبخيلته بعيدا و يبتعد عن التفكري يف بعض الوقائع املؤملة التي تحدث معه ‪ ،‬كل هذا يستطيع الفن فعله ألنه ترجمة ملا يحس‬ ‫به الفرد و يفكر فيه فهو انعكاس لداخل اإلنسان عىل أرض الواقع ‪ ،‬فنجد هذه الشعوب تسعى جاهدة للعناية بالفن و الفنانني ألن الفن له‬ ‫فوائد عديدة لنفسية اإلنسان ‪.‬‬ ‫هناك أنواع عديدة للفن منها ما نستمتع بها بواسطة آذاننا و بعضها اآلخر نستمتع بها بأعيننا و كالهام يعمالن عىل إبهاج الشخص حسب ما‬ ‫اختاره هو و وفقا ملا يحبه ‪.‬‬ ‫الفن الذي نستمتع به بواسطة آذاننا هو املوسيقى و املوسيقى هي األخرى متنوعة و انجذابنا لنوع ما من املوسيقى أو نفورنا منه يأيت حسب‬ ‫ما تحمله ألحانها أو كلامتها من شعور تحييه يف داخلنا سواء أكان جميال أم سيئا ‪ ،‬و هذا الشعور يختلف بيننا ألننا مختلفون بدورنا فكريا و‬ ‫معيشيا و نفسيا ‪ ،‬و قد تختلف اختياراتنا يف املوسيقى بني الحني و اآلخر بسبب ما نعيشه أو ما صادفنا يف حياتنا اليومية ‪ ،‬أما الفن الذي نستمتع‬ ‫به بواسطة أعيننا ميثل كل فن يشكل يف مجسم أو ورقة أو مادة ما ‪ ،‬مثل الرسم أو النحت أو زخرفة أو غريها من األعامل التي يستطيع الفرد‬ ‫تشكيلها بطريقة تبهج النظر ‪.‬‬ ‫للفن فوائد عديدة غري فوائده املعنوية له فوائد مادية ‪ ،‬فهو مصدر دخل مايل للعديد من األشخاص عرب العامل الذين يسمون فنانني ‪ ،‬كام‬ ‫أنه يساعد عدة دول عىل زيادة مداخيلها السنوية عرب السياحة ‪ ،‬ألن الفن هو الذي جعل اإلنسان يبدع يف بناء مناطق سياحية جذابة أو متاثيل‬ ‫و مجسامت تبهج الناظرين أو مبان رائعة تجعل الناس يحبون السفر لها أو متلكها ‪ ،‬حتى ما نشرتيه يف حياتنا اليومية للفن سبب يف إختيارنا له ‪.‬‬ ‫ الفن مزروع يف داخل كل فرد منا سواء أكنا نحن املبدعني أم املستمتعني به ‪ ،‬و قد ال نزاول الفن يف حياتنا اليومية ‪ ،‬أو نستبعد إتقاننا للفن ‪،‬‬‫لكنه داخليا يبقى مزروعا يف داخلنا و كل ما يف األمر أننا مل نتفرغ له و مل نجسده خارجيا لعمل أو فعل إبداعي ما ‪ ،‬و كام سبق و ذكرت للفن‬ ‫فوائد و مميزات عديدة لذلك عىل كل شخص منا التفرغ للفن و محاولة إخراجه من داخلنا و مزاولته يف وقت فراغنا ‪ ،‬ألنه سيبعث يف داخل الفرد‬ ‫شعورا جميال و أيضا من يدري قد يأيت يوم يصبح هذا الفن مصدرا لبهجة غرينا و دليال عىل متيزنا ‪.‬‬


‫لؤي كاسب وفن النحت عىل البيض ‪..‬‬ ‫لؤي كاسب شاب لبناين مبدع من بلدة راشيا الوادي البقاغية‪ ،‬ظهرت موهبته الفريدة يف النحت عىل البيض منذ عرش سنوات وكان‬ ‫عمره حينها اثني عرش ربيعا‪ ،‬ثابر كثريا واجتهد كثريا بالرغم من أنه مل يجد من يشجعه ويقول ‪":‬كان يُنظر ملحاواليت باستخفاف نظرا‬ ‫لصعوبة العمل مع قرشة ذات هشاشة عالية‪ ،‬وأي خطأ صغري يذهب بالعمل نهائيا"‪ .‬لكن ذلك مل يثبط عزميته بل زاده ارصارا عىل‬ ‫النجاح‪ ،‬وها هو اليوم يف الثانية والعرشين من عمره ويف رصيده ما يزيد عن مئة منحوتة‪ ،‬شارك فيها بالعديد من املعارض الفنية‬ ‫املحلية والعربية وصوال إىل الهند‪ ،‬فسطع نجمه وأثبت مكانته بني الفنانني املبدعني عىل مستوى لبنان والعامل العريب‪.‬‬ ‫وعن طريقة تنفيذ منحوتاته يقول لؤي بأنها عملية دقيقة جدا وتحتاج كل منحوتة لعرشين ساعة عمل بالحد األدىن وقد تصل لستني‬ ‫ساعة وذلك بحسب صعوبة تجسيد الفكرة‪ ،‬والخطوة األوىل دامئا ما تكون بثقب البيضة ثقبني صغريين واحد يف أعىل البيضة واآلخر‬ ‫يف أسفلها عىل أن يكونا متقابلني وذلك من أجل إفراغها من محتواها وبعد ذلك يجب تعريضها ألشعة الشمس قبل البدء بعملية الحفر‬ ‫حتى تجف متاما وتصبح صلبة وقادرة عىل تحمل معدات النحت الحديدية‪ .‬ويوضح كاسب أن مرشوع النحت يبدأ فكرة مجردة تنضج‬ ‫وتتبلور يف مخيلته ثم ينفذها عىل البيض بقلم رصاص كخطوة أوىل وعندما تصبح مكتملة يبدأ مبرحلة الحفر مستعمال عدة بدائية‬ ‫بسيطة كالسكني واإلبرة والشفرة‪ .‬ويؤكد بأنه يف بداياته قام بالعديد من املحاوالت تحطمت وتكرست خاللها عرشات سالل البيض‬ ‫وذلك ألن هذا النوع من النحت صعب جدا وتلزمه حرفية فائقة وال ميكن اتقانه إال باملامرسة والنفس الطويل‪.‬‬ ‫و"ألن الفن واقع جاميل تحرري‪ ،‬وألن االنتقال من األمل إىل األمل يحتاج انشقاق وانبعاث من جديد" كام يقول كاسب فقد أطلق عىل‬ ‫منحوتاته أسامء تعربعن طموحاته وتيش بالثورة الفكرية التي تشتعل يف عامله الداخيل والتي يطمح عربها إلحداث خضة يف نفوس‬ ‫الشباب بحسب تعبريه‪ ،‬ومن هذه األعامل‪:‬‬ ‫*منحوتة الخاليا‪ :‬وهي عبارة عن أشكال خاليا متصلة ببعضها البعض‪ ،‬وترمز الخلية لإلنسان يقول كاسب وكلنا مرتابطني يف هذه الحياة‪.‬‬ ‫كل يشء يخلق من أعامق يشء آخر‪.‬‬ ‫*منحوتة رس الحياة‪ :‬وهي عبارة عن منحوتة داخل منحوتة وترمز بحسب كاسب إىل أن ّ‬ ‫*منحوتة األمل‪ :‬وهي منحوتة لولبية الشكل معقدة كان تنفيذها ٍ‬ ‫تحد صعبا بالنسبة لكاسب ولكنه مل يفقد األمل وبعد أن أنهاها‬ ‫أسامها األمل‪.‬‬ ‫*منحوتة املوسيقى‪ :‬وهي منحوتة نرى فيها بوضوح شكل مفتاح "الصول" املوسيقي ضمن نسق جاميل مميز‪.‬‬ ‫*منحوتة الهندسة‪ :‬هذه املنحوتة تجمع أغلب األشكال الهندسية بطريقة فنية متألقة‪.‬‬ ‫وتحدث الفنان التشكييل املبدع أمني عام البيوتات الثقافية يف لبنان الدكتور شوقي دالل ‪ ،‬وهو املرجع العليم مبتطلبات اإلبداع‬ ‫والتميز من خالل ما خربه وعايشه يف مسرية عطائه الطويلة وهو رئيس ومؤسس محرتف الفن التشكييل‪ ،‬عن موهبة لؤي الفريدة‬ ‫وقال‪":‬أن الفن الحقيقي يجب أن يقدم شيئا جديدا حتى ال يصبح تكرارا ممال‪ ،‬واملبدع الحقيقي هو من يؤسس عمال غري مسبوق كام‬ ‫فعل كاسب‪ ،‬وإن أهمية العمل تكمن يف مستوى اإلبداع وتحويل قرشة البيض عىل بساطتها إىل قطعة فنية ذات جاملية وهو عمل‬ ‫فريد من نوعه يف لبنان‪ ،‬ونجح كاسب أن يقدم عربه آداء فنيا عاليا ودقيقا نظرا لحساسية املادة التي يتم النحت عليها"‪.‬‬ ‫بالنهاية ال بد من اإلشارة هنا إىل أن اللبناين املبدع ال يجد دعام وال رعاية من مؤسسات الدولة املعنية الغارقة بالفساد وسوء اإلدارة‪،‬‬ ‫ونأمل أن يكون هناك يف يوم من األيام مؤسسة أو أكادميية رسمية تحضن وتساند املوهوبني ومتد لهم يد العون يف مسريتهم‬ ‫وتفتح أمامهم أبواب اإلنطالق نحو الخارج فالعاملية هدف كل مبدع ومبدعينا ال ينقصهم شيئا إال دعم دولتهم أسوة بغريهم من‬ ‫الجنسيات العربية واألجنبية التي حققت العاملية‪.‬‬

‫تقرير‪ :‬أيوب مرعي أبو زور‬



‫قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوف‪ :‬قد سمعت هذا املثل فارضب يل مثل امللك الذي يراجع من أصابته منه عقوبة من‬ ‫غري جرم أو جفوة من غري ذنب‪ .‬قال الفيلسوف‪ :‬إن امللك لو مل يراجع من أصابته منه جفوة عن ذنب أو عن غري ذنب‪،‬‬ ‫ظلم أومل يظلم ألرض ذلك ويخرب ما عنده من املنافع فإن كان ممن يوثق به يف رأيه وأمانته‪ ،‬فإن امللك حقيق بالحرص‬ ‫عىل مراجعته‪ :‬فإن امللك ال يستطاع ضبطه إال مع ذوي الرأي وهم الوزراء واألعوان إال باملودة والنصيحة‪ ،‬وال مودة وال‬ ‫نصيحة إال لذوي الرأي والعفاف‪ .‬وأعامل السلطان كثرية‪ ،‬والذين يحتاج إليهم من العامل واألعوان كثريون‪ .‬ومن يجمع‬ ‫منهم ما ذكرت من النصيحة والعفاف قليل‪ .‬واملثل يف ذلك مثل األسد وابن آوى‪ .‬قال امللك‪ :‬وكيف كان ذلك؟‬ ‫قال الفيلسوف‪ :‬زعموا أن ابن آوى كان يسكن يف بعض الدحال وكان متزهدا ً متعففاً‪ ،‬مع بنات آوى وذئاب وثعالب‪ .‬ومل‬ ‫يكن يصنع ما يصنعن‪ ،‬وال يغري كام يغرن‪ ،‬وال يهريق دماً وال يأكل لحامً‪ .‬فخاصمه تلك السباع‪ ،‬وقلن ال نرىض بسريتك و‬ ‫ال رأيك الذي أنت عليه من تزهدك‪ :‬مع أن تزهدك ال يغني عنك شيئاً‪ .‬وأنت ال تستطيع أن تكون إال كأحدنا‪ :‬تسعى معنا‪،‬‬ ‫وتفعل فعلنا فام الذي كفك عن الدماء وعن أكل اللحم؟ قال ابن آوى‪ :‬إن صحبتي إياكن ال تؤمثني إذا مل أؤثم نفيس‪ :‬ألن‬ ‫اآلثام ليست من قبل األماكن واألصحاب‪ ،‬ولكنها من قبل القلوب واألعامل‪ .‬ولو كان صاحب املكان الصالح يكون عمله‬ ‫فيه صالحاً‪ ،‬وصاحب املكان اليسء يكون عمله فيه سيئاً‪ ،‬كان حينئذ من قتل الناسك يف محرابه مل يأثم‪ ،‬ومن استحياه يف‬ ‫معركة القتال أثم‪ .‬وإين إمنا صحبتكن بنفيس‪ ،‬ومل أصحبكن بقلبي وأعاميل‪ :‬ألين أعرف مثرة األعامل‪ :‬فلزمت حايل‪ :‬وثبت ابن‬ ‫آوى عىل حاله تلك واشتهر بالنسك والتزهد حتى بلغ ذلك أسدا ً كان ملك تلك الناحية فرغب فيه‪ :‬ملا بلغه عنه من العفاف‬ ‫والنزاهة والزهد واألمانة فأرسل إليه يستدعيه‪.‬‬ ‫فلام حرض كلمه وآنسه فوجده يف جميع األمور وفق غرضه‪ .‬ثم دعاه بعد أيام إىل صحبته وقال له‪ :‬تعلم أن عاميل كثري‬ ‫وأعواين جم غفري وأنا مع ذلك إىل األعوان محتاج‪ .‬وقد بلغني عنك عفاف وأدب وعقل ودين فازددت فيك رغبة‪ .‬وأنا موليك‬ ‫من عميل جسيامً ورافعك إىل منزلة رشيفة وجاعلك من خاصتي‪ .‬قال ابن آوى‪ :‬إن امللوك أحقاء باختيار األعوان فيام يهتمون‬ ‫به من أعاملهم وأمورهم‪ .‬وهم أحرى أال يكرهوا عىل ذلك أحدا ً‪ :‬فإن املكره ال يستطيع البالغة يف العمل‪ .‬وإين لعمل‬ ‫السلطان كاره‪ .‬وليس يل به تجربة وال بالسلطان رفق‪ .‬وأنت ملك السباع وعندك من أجناس الوحوش عدد كثري فيهم أهل‬ ‫نبل وقوة ولهم عىل العمل حرص وعندهم به وبالسلطان رفق‪ :‬فإن استعملتهم أغنوا عنك واغتبطوا ألنفسهم مبا أصابهم‬ ‫من ذلك‪ .‬قال األسد‪ :‬دع عنك هذا‪ :‬فإين غري معفيك من العمل‪.‬‬ ‫قال ابن آوى‪ :‬إمنا يستطيع خدمة السلطان رجالن لست بواحد منهام‪ :‬إما فاجر مصانع ينال حاجته بفجوره ويسلم‬ ‫مبصانعته وإما مغفل ال يحسده أحد‪ .‬فمن أراد أن يخدم السلطان بالصدق والعفاف فال يخلط ذلك مبصانعته وحينئذ قل‬ ‫أن يسلم عىل ذلك‪ :‬ألنه يجتمع عليه عدو السلطان وصديقه بالعداوة والحسد‪ .‬أما الصديق فينافسه يف منزلته ويبغى عليه‬ ‫فيها ويعاديه ألجلها وأما عدو السلطان فيضطغن عليه لنصيحته لسلطانه وإغنائه عنه‪ .‬فإذا اجتمع عليه هذان الصنفان‬ ‫فقد تعرض للهالك‪ .‬قال األسد‪ :‬ال يكونن بغي أصحايب عليك وحسدهم إياك مام يعرض يف نفسك‪ :‬فأنت معي وأنا أكفيك‬ ‫ذلك وأبلغ بك من درجات الكرامة واإلحسان عىل قدر همتك‪ .‬قال ابن آوى‪ :‬إن كان امللك يريد اإلحسان إيل فليدعني يف هذه‬ ‫الربية أعيش آمناً قليل الهم راضياً بعييش من األذى والخوف يف ساعة واحدة ما ال يصل إىل غريه يف طول عمره وإن قليالً‬ ‫من العيش يف آمن وطأمنينة خري من كثري من العيش يف خوف ونصب‪.‬‬ ‫قال األسد‪ :‬قد سمعت مقالتك‪ ،‬فال تخف شيئاً مام أراك تخاف منه‪ .‬ولست أجد بدا ً من االستعانة بك يف أمري‪ .‬قال ابن‬ ‫آوى ‪ :‬أنا إذا أىب امللك إال ذلك فليعجل يل عهدا ً إن بغى عىل أحد من أصحابه عنده‪ ،‬ممن هو فوقي‪ :‬مخافة عىل منزلته‪،‬‬ ‫أو ممن هو دون‪ :‬لينازعني يف منزلتي فذكر عند امللك منهم ذاكر بلسانه‪ ،‬أو عىل لسان غريه ما يريد به تحميل امللك عىل‬


‫باب األسد والشغرب الناسك وهو ابن آوى‬ ‫موذج من كتاب كليلة ودمنة‬

‫بقلم عمر شبيل‬


‫فبينام أم األسد تقص عليه هذه املقالة‪ ،‬إذ دخل عىل األسد بعض ثقاته‪ ،‬فأخربه برباءة ابن آوى‪ .‬فقالت أم األسد‪ ،‬بعد أن‬ ‫اطلع امللك عىل براءة ابن آوى‪ :‬إن امللك حقيق أال ير ّخص ملن سعى به لئال يتجرءوا إىل ما هو أعظم من ذلك بل يعاقبهم‬ ‫عليه ليك ال يعودوا إىل مثله‪ :‬فأنه ال ينبغي للعاقل أن يراجع يف أمر الكفور للحسنى‪ ،‬الجريء عىل الغدر‪ ،‬الزاهد يف الخري‬ ‫الذي ال يوقن باآلخرة‪ .‬وينبغي أن يجزى بعمله‪ ،‬وقد عرفت رسعة الغضب وفرط الهفوة‪ ،‬ومن سخط باليسري مل يبلغ رضاه‬ ‫بالكثري‪ .‬واألوىل لك أن تراجع ابن آوى‪ ،‬وتعطف عليه‪ ،‬وال يوئسنك من مناصحته ما فرط منك إليه من اإلساءة‪ :‬فإن من‬ ‫الناس من ال ينبغي تركه عىل حال من األحوال‪ ،‬وهو من عرف بالصالح والكرم وحسن العهد والشكر والوفاء واملحبة للناس‬ ‫والسالمة من الحسد والبعد من األذى واالحتامل لإلخوان واألصحاب وإن ثقلت عليه منه املؤونة‪ .‬وأما من ينبغي تركه فهو‬ ‫من عرف بالرشاسة ولؤم العهد وقلة الشكر والوفاء والبعد من الرحمة والورع‪ ،‬واتصف بالجحود لثواب اآلخرة وعقابها‪ .‬وقد‬ ‫عرفت ابن آوى وجربته وأنت حقيق مبواصلته‪ .‬فدعا األسد ابن آوى وأعتذر إليه مام كان منه ووعده خريا ً‪ ،‬وقال‪ :‬إين معتذر‬ ‫إليك ورا ّدك إىل منزلتك‪ .‬فقال ابن آوى‪ :‬إن رش األخالء من التمس منعة نفسه برض أخيه‪ ،‬ومن كان غري ناظر له كنظره‬ ‫لنفسه‪ ،‬أو كان يريد أن يرضيه بغري الحق ألجل إتباع هواه‪ .‬وكثريا ً ما يقع ذلك بني األخالء‪ .‬وقد كان من امللك إىل ما علم‬ ‫فال يغلظن عىل نفسه ما اخربه به إين به غري واثق‪ ،‬وإنه ال ينبغي يل أن أصحبه‪ :‬فإن امللوك ال ينبغي أن يصحبوا من عاقبوه‬ ‫أشد العقاب‪ ،‬وال ينبغي لهم أن يرفضوه أصالً‪ :‬فإن ذا السلطان إذا عزل كان مستحقاً للكرامة يف حالة إبعاده واإلقصاء له‪.‬‬ ‫فلم يلتفت األسد إىل كالمه‪ .‬ثم قال له‪ :‬إين قد بلوت طباعك وأخالقك‪ ،‬وجربت أمانتك ووفاءك وصدقك‪ ،‬وعرفت كذب‬ ‫من مت ّحل الحيلة لتحميل عليك‪ .‬وإين منزلك من نفيس منزلة األخيار الكرماء‪ ،‬والكريم تنسيه الخلة الواحدة من اإلحسان‪،‬‬ ‫الخالل الكثرية من اإلساءة‪ .‬وقد عدنا إىل الثقة بك‪ ،‬فعد إىل الثقة بنا‪ :‬فإن لنا ولك بذلك غطة ورسورا ً‪ .‬فعاد ابن آوى إىل‬ ‫والية ما كان ييل‪ ،‬وضاعف له امللك الكرامة‪ ،‬ومل تزده األيام إال تقرباً من السلطان‪.‬‬


‫أال يعجل يف أمر وأن يتثبت فيام يرفع إليه ويذكر عنده من ذلك ويفحص عنه ثم ليصنع ما بدا له‪ .‬فإذا وثقت منه بذلك‬ ‫أعنته بنفيس فيام يحب وعملت له فيام أوالين بنصيحة واجتهاد وحرصت عىل أال أجعل له عىل نفيس سبيالً‪ .‬قال األسد‪ :‬لك‬ ‫ذلك عىل وزيادة‪ .‬ثم واله خزائنه واختص به دون أصحابه وزاد يف كرامته‪5 .‬‬ ‫فلام رأى أصحاب األسد ذلك غاظهم وساءهم؟‬ ‫فأجمعوا كيدهم‪ ،‬واتفقوا كلهم عىل أن يحملوا عليه األسد وكلن األسد قد استطاب لحامً فعزل منه مقدرا ً‪ ،‬وأمره باالحتفاظ‬ ‫به‪ ،‬وأن يرفعه يف أحصن موضع طعامه وحملوه إىل بيت ابن آوى‪ ،‬فخبئوه فيه‪ ،‬وال علم له به‪ ،‬ثم حرضوا يكذبونه إن جرت‬ ‫يف ذلك حال‪ .‬فلام كان من الغد ودعا األسد بغدائه‪ ،‬فقد ذلك اللحم‪ ،‬فالتمسه ومل يجده‪ ،‬وابن آوى مل يشعر مبا صنع يف‬ ‫حقه من املكيدة‪ .‬فحرض الذين عملوا املكيدة‪ ،‬وقعدوا يف املجلس‪ .‬ثم إن امللك سأل عن اللحم‪ ،‬وشدد فيه‪ ،‬وقي املسألة‬ ‫عنه‪ ،‬فنظر بعضهم إىل بعض‪ ،‬فقال أحدهم قول املخرب الناصح‪ :‬إنه ال بد لنا من أن نخرب امللك مبا يرضه وينفعه‪ ،‬وإن‬ ‫شق ذلك عىل من يشق عليه‪ .‬وإنه بلغني أن ابن آوى هو الذي ذهب باللحم إىل منزله‪ .‬قال اآلخر‪ :‬ال أراه يفعل هذا‪ ،‬ولكن‬ ‫انظروا وافحصوا فإن معرفة الخالئق شديدة‪.‬‬ ‫فقال اآلخر‪ :‬لعمري ما تكاد الرسائر تعرف‪ ،‬وأظنكم إن فحصتم عن هذا وجدتم اللحم ببيت ابن آوى‪ ،‬وكل يشء يذكر من‬ ‫عيوبه وخيانته نحن أحق أن نصدقه‪ .‬قال اآلخر‪ :‬لنئ وجدنا هذا حقاً فليست بالخيانة فقط‪ ،‬ولكن مع الخيانة كفر النعمة‪،‬‬ ‫والجراءة عىل امللك‪ .‬قال اآلخر‪ :‬أنتم أهل العدل والفضل‪ ،‬ال أستطيع أن أكذبكم‪ ،‬ولكن سيبني هذا لو أرسل إىل امللك‬ ‫من يفتشه‪ .‬قال اآلخر‪ :‬إن كان امللك مفتشاً منزله فليعجل‪ :‬فإن عيونه وجواسيسه مبثوثة بكل مكان‪ .‬ومل يزالوا يف الكالم و‬ ‫أشباهه‪ ،‬حتى وقع يف نفس األسد ذلك‪ ،‬فأمر بابن آوى فحرض فقال له‪ :‬أين اللحم الذي أمرتك باالحتفاظ به‪ ،‬قال‪ :‬دفعته‬ ‫إىل صاحب الطعام ليقربه إىل امللك‪ .‬فدعا األسد بصاحب الطعام‪ ،‬وكان ممن بايع مع القوم عىل ابن آوى‪ .‬فقال‪ :‬ما دفع‬ ‫إىل شيئاً‪ .‬فأرسل األسد أميناً إىل بيت ابن آوى ليفتشه‪ ،‬فوجد فيه ذلك اللحم‪ ،‬فأىت به األسد‪ .‬فدنا من األسد ذئب مل يكن‬ ‫تكلم يف يشء من ذلك‪ .‬وكان يظهر أنه من العدول الذين ال يتكلمون فيام ال يعلمون‪ ،‬حتى يتبني لهم الحق‪ .‬فقال‪ :‬بعد أن‬ ‫اطلع امللك عىل خيانة ابن آوى فال يعفو َّن عنه‪ :‬فإنه إن عفا عنه مل يطلع امللك بعدها عىل خيانة خائن‪ ،‬وال ذنب مذنب‪.‬‬ ‫فأمر األسد بابن آوى أن يخرج‪ ،‬ويحتفظ به‪ .‬فقال بعض جلساء امللك‪ :‬إين ألعجب من رأي امللك ومعرفته باألمور كيف‬ ‫يخفى عليه أمر هذا‪ ،‬ومل يعرف خبثه ومخادعته؟ وأعجب من هذا أين أراه سيصفح عنه‪ ،‬بعد الذي ظهر منه‪.‬‬ ‫فأرسل األسد بعضهم رسوالً إىل ابن آوى يلتمس منه العذر‪ ،‬فرجع إليه الرسول برسالة كاذبة اخرتعها فغضب األسد من ذلك‬ ‫وأمر بابن آوى أن يقتل‪ .‬فعلمت أم األسد أنه قد ع ّجل يف أمره‪ ،‬فأرسلت إىل الذين أمروا بقتله أن يؤخروه‪ ،‬ودخلت عىل ابنها‪،‬‬ ‫بني ع ّجلت‪ .‬وإمنا يسلم العاقل من الندامة برتك‬ ‫فقالت‪ :‬يا بني بأي ذنب أمرت بقتل ابن آوى؟ فأخربها باألمر‪ .‬فقالت‪ :‬يا َّ‬ ‫العجلة وبالتثبت‪ .‬والعجلة ال يزال صاحبها يجتني مثرة الندامة‪ ،‬بسبب ضعف الرأي‪ .‬وليس أحد أحوج إىل التُّؤدة والتثبت من‬ ‫امللوك‪ :‬فإن املرأة بزوجها‪ ،‬والولد بوالديه‪ ،‬واملتعلم باملعلم والجند بالقائد‪ ،‬والناسك بالدين‪ ،‬والعامة بامللوك‪ ،‬وامللوك‬ ‫بالتقوى‪ ،‬والتقوى بالعمل‪ ،‬والعقل بالتثبت واألناة‪ ،‬ورأس الكل الحزم‪ ،‬ورأس الحزم للملك معرفة أصحابه‪ ،‬وإنزالهم‬ ‫منازلهم عىل طبقاتهم‪ ،‬واتهامه بعضهم عىل بعض‪ .‬فإنه لو وجد بعضهم إىل هالك بعض سبيالً لفعل‪ .‬وقد جربت ابن‬ ‫آوى‪ ،‬وبلوت رأيه وأمانته ومروءته‪ ،‬ثم مل تزل مادحاً له راضياً عنه‪ .‬وليس ينبغي للملك أن يخ ّونه بعد ارتضائه إياه وائتامنه‬ ‫له‪ ،‬ومنذ مجيئه إىل اآلن مل يطلع له عىل خيانة إال عىل العفة والنصيحة‪ .‬وما كان رأي امللك أن يعجل عليه ألجل طابق‬ ‫لحم‪ .‬وأنت أيها امللك حقيق أن تنظر يف حال ابن آوى‪ :‬لتعلم أنه مل يكن ليتع ّرض للحم استودعته إياه‪ .‬ولعل امللك إن‬ ‫فحص عن ذلك ظهر له أن ابن آوى له خصامء هم الذين ائتمروا بهذا األمر‪ .‬وهم الذين ذهبوا باللحم إىل بيته فوضعوه‬ ‫فيه‪ :‬فإن الحدأة إذا كان يف رجلها قطعة لحم اجتمع عليها سائر الطري‪ ،‬والكلب إذا كان معه عظم اجتمع عليه الكالب‪ .‬وابن‬ ‫آوى منذ كان إىل اليوم نافع‪ ،‬وكان محتمالً لكل رضر يف جنب منفعة تصل إليك‪ ،‬ولكل عناء يكون لك فيه راحة‪ ،‬ومل يطو‬ ‫دونك رسا ً‪.‬‬


‫ــ ‪ 1‬ــ‬ ‫‪.‬مل يعت ْد هذا الرشق أن يك ّر َم نبغاءه‪ ،‬وهم أحياء‪ ،‬كان يتجاهلهم‪ ،‬وهم يهبونه معنى أن يكون‪ .‬كانوا ال ميوتون يوم‬ ‫موتهم‪ ،‬ويتحولون إىل أضواء تبزغ يف الكتب والعقول والقلوب‪ ،‬كانوا يحاولون الدخول يف صميم األشياء‪ ،‬وبفقدانهم كان‬ ‫الرشق يخرس "الرائد الذي ال يَك ِْذ ُب أهله"‪ ،‬ليك ال يخدعه الرساب عن املاء‪ ،‬وتبتعد قوافله عن الينابيع مبقدار اختالف‬ ‫الظأم عن االرتواء‪.‬‬ ‫الشاعر سليم حيدر ضوء من أضواء الرشق التي اخرتقت ظلامت املساحات الراكدة فينا‪ ،‬وكان ضوؤه كاشفاً يوم كان الوطن‬ ‫ُمعرِضاً عن فكره املشتبك مع قضايا الوجود الكربى‪ ،‬كان سليم حيدر مفكرا ً عنيدا ً وشاعرا ً ُمجيدا ً‪ .‬نشأ يف جغرافية هي توأم‬ ‫حجري مبني تفهمه كل اللغات حني تته ّجى‬ ‫الشعر‪ ،‬يف بقاعٍ‪ ،‬أعمدة بعلبكه تراهن عىل موت املوت‪ ،‬وتخاطب الخلود بلسان‬ ‫ٍّ‬ ‫رموز هياكلها‪ ،‬وتستنطق صمتها املتكلم‪ .‬نشأ سليم حيدر يف رحاب "إله الشمس" يعني إله الضوء‪ ،‬فأغراه هذا اإلله بالرؤية‬ ‫والرؤيا‪ ،‬وأغراه بإدمان التحديق خلف الشمس‪ ،‬والذي ينشأ يف الضوء ال ميكن أن يصاب بالعمى‪ ،‬مل يرشب الشاعر سليم‬ ‫حيدر ماء القرى البعلبكية املتدفقة من رشايني ليطانيها وعروق ص ّنينها فحسب‪ ،‬وإمنا رشب أيضاً حكايا قراها وجامل غيدها‬ ‫اللوايت ورثن من األعمدة القوام وسحر الحضور ورسمدية الجامل‪ .‬وعى تفاصيل البقاع وعطاءاته التي امتدت لتطعم روما‪،‬‬ ‫قرأ الرتاث قراءة وجدانية مضيئة فأعطته الحدس املتولد من ملعان الداخل‪ ،‬والشعر يف بروقه الخاطفة يتخلص من رقابة‬ ‫حديس يومض قبل اللغة الواضحة‪ ،‬وبهذا اللمعان الحديس يقرتب الشعر من النبوة بإيحائها املتولد من صلة‬ ‫الوعي بلمعان‬ ‫ٍّ‬ ‫الواجد باملوجود‪ ،‬والحدس الداخيل هو الذي يؤسس للعملية الشعرية املبدعة‪ .‬وهذا ال يلغي العقل حيث يتصالحان‬ ‫يف حرضة الضوء كام يتجىل يف شاعرية كل شاعر مقتدر‪ .‬إن صعوبة الرؤيا تتعب الكلمة والتعبري أحياناً كثرية‪ .‬أومل يُص َعق‬ ‫رص عىل التحديق باألعىل‪ ،‬حيث تتعب الكلمة‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫موىس يف حرضة ربه فخ ّر ساجدا ً‪ ،‬فال يؤثم شاعرنا أبدا ً وهو ي ُّ‬ ‫أنها كانت يف البدء‪ ،‬وملّا ْ‬ ‫تزل‪ ،‬لسليم حيدر خاصيته يف النسيج الشعري الصياغي سيطرت عليها الفكرة الكربى‪ ،‬فكرة التجوال‬ ‫بني القلب والعقل‪ ،‬وبني نرثية الفكرة وجالل الرؤيا املغرية بالسفر دامئاً إىل الالهناك‪ .‬وهذا ال يُقل ُِّل من حضور سليم حيدر‬ ‫أبدا ً‪ .‬هذا يجعل منه شاعرا ً ال يقلِّد إال ذاته الداخلية الباحثة باستمرار خارج التأثري اإللحاقي‪.‬‬ ‫وعى الشاعر سليم حيدر التاريخ وعياً ذاتياً حتى لكأنه موجود يف كل العصور وسبب ذلك هو توثب وجدانه املمتلئ بالحدس‬ ‫والعقل يف آن‪ .‬إن التاريخ يف "خليقة" سليم حيدر له صوت حارض‪ ،‬حتى لكأنك ترى الحدث وتسمع تفاصيله‪ ،‬وتنفعل به‬ ‫انفعاالً منحازا ً لجهة دون أخرى‪ ،‬وهذا االنحياز متولد من إرث أخالقي رشبه الشاعر سليم حيدر من الرتاث واملجتمع القروي‬ ‫الجميل‪ ،‬ومن عائلة ترشب الثقافة كام ترشب املاء‪.‬‬ ‫ــ ‪ 2‬ــ‬ ‫تناولت يف محاولتي هذه كتاب " الخليقة" الذي صيغ شعرا ً‪ ،‬وتجاوزت بقية نتاجه الوافر ألنه ال ميكن أن يحاط به مبقال‬ ‫يف ندوة‪ ،‬وأريد أن أؤكد أن شاعرنا سليم حيدر ليس مؤرخاً‪ ،‬وإمنا هو شاعر ومفكر وحكيم‪ ،‬وقد كانت مصادر "خليقته"‬ ‫األساسية الكتب املقدسة‪ :‬القرآن والعهد القديم والجديد‪ .‬وألن هذه الكتب املقدسة ليست كتباً تاريخية يف غائيتها‪ ،‬فقد‬ ‫تناول التاريخ منها تناوالً داللياً وشعرياً هادفاً إىل توضيح دالالت مسرية البرشية عرب تاريخها الطويل‪ ،‬ورصاع الخري والرش‬ ‫يف ق َدريّة ال متكن اإلحاطة بغائيتها النهائية‪ ،‬وهو دامئاً منحاز للسري عىل جادة الخري مع تبيان حضور الرش يف كل تفاصيل‬ ‫تحس كآبة الشاعر ‪ ،‬وهو يرى‬ ‫وجودنا الكوين منذ آدم وحتى آخر طفل يرصخ وهو خارج من رحم الوجود‪ .‬وبدقة ومتعن ّ‬ ‫الرش مهيمناً عليه يف مدارات كثرية‪ ،‬وهذا أعطاه موقفاً غري موافق عىل حكاية الرش املستفحلة يف الوجود الكوين العابر‪،‬‬ ‫ولذا تراه يف "خليقته" هذه مشفقاً عىل الضعف البرشي‪ ،‬ومعرتضاً عىل استمرارية انتهاك القيم العليا التي هي غاية املسرية‬ ‫اإلنسانية بني املشيمة والكفن‪.‬‬


‫مع الشاعر سليم حيدر يف‬ ‫"خليقته"‬

‫عمر شبيل‬


‫ِ‬ ‫الكائنات‬ ‫مل أعد أشهد الحقيقة يف نفســــــــــــي فكيف الشهود يف‬ ‫ــ ‪ 5‬ــ‬ ‫تقصيهم‪ ،‬إنهم يحاولون‪ ،‬ولكنهم‬ ‫إن ال ُح ُجب املسدلة بني الروح وطينها الالزب جعل أصحاب الفكر العنيد مستمرين يف ّ‬ ‫ينهزمون باستمرار‪ ،‬وأروع ما فيهم هزامئهم‪ ،‬ألن هذه الهزائم جعلت العقل اإلنساين اقتحامياً ال يؤمن بالرتاجع‪ ،‬وكان‬ ‫العقل اإلنساين يتشظى ويتمزق كاملوج‪ ،‬ولكنه يتجمع ثانية ليشكل موجاً جديدا ً‪ ،‬ويف ثنايا هذه األمواج أنتجت البرشية‬ ‫حضارتها‪ ،‬وغزت الوجود ووسعت املجال أمام هزامئها املتكررة‪ ،‬ولكن أضواء العقل التي ملعت يف الكتب تحولت إىل فعل‬ ‫إنساين حضاري‪ ،‬يضاهي الخلق وجودا ً‪.‬‬ ‫يف "خليقة" سليم حيدر يبدو الشك منطلقاً للمسرية الطويلة‪ ،‬إنه يسري بني ملكوت الضوء الغامر وظلموت الشك الذي‬ ‫السوي يف رحلة رصاع الطني والروح‪ .‬شكُّه عميق لدرجة مذهلة‪ ،‬وإميانه‬ ‫يقتلع استقرار الروح ويجعلها تجنف عن طريقها‬ ‫ِّ‬ ‫مستوطن يف تكوينه‪ .‬إ ّن "اإلميان موجود يف الغرائز" كام يرى رهني املحبسني أبو العالء املعري‪ .‬ويقول سليم حيدر معربا ً‬ ‫عن تناثر كيانه بني ظلموت الشك ونور اإلميان الكامن يف تكوين املخلوق‪:‬‬ ‫وف َّك ْر ُت فيام وراء الوجود فآمن قلبي وعقيل كف ْر‬ ‫اإلميان يف الغريزة والتكوين األول‪ ،‬والشك يستعمر العقل ويحتل مساحاته الشاسعة‪ ،‬وسليم حيدر يف هذا التناقض القائم‬ ‫عليه رس وجودنا يف رحلتنا الطينية يحاول أن ينتقل من شك العقل إىل قلبه املؤمن عرب إضاءات الحدس‪ ،‬تلك اإلضاءات‬ ‫التي حملها الوجد الصويف‪ ،‬وعجز عن نقلها إىل الكلمة‪ ،‬كام جاء يف مواقف النفري‪" :‬كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة"‪.‬‬ ‫وع ْج ُز العبارة عن نقل الرؤيا ألجأت الصوفيني إىل القلب‪ ،‬وهم هاربون من ظلامت العقل‪ ،‬هناك يف القلب أقام الراؤون‬ ‫الكبار‪ ،‬ولكنهم عجزوا يف إيجاد أجوب ٍة لتساؤالت العقل القامتة واملل ّحة‪ ،‬هذه التساؤالت التي جعلت جلجامش يذهب‬ ‫عرب مياه املوت املظلمة إىل جده "أتونباشتم" يف رحلة مضنية‪ ،‬ما ّرا ً بواقعية "سيدوري" وذاهباً إىل قلقه الكوين املستمر‬ ‫والعيص عىل التاليش يف حواره مع شاماش حني يسأله‪" :‬ملاذا تحاول املستحيل يا جلجامش‪ ،‬ويجيبه جلجامش إذا كان‬ ‫ِّ‬ ‫يل أال أحاول فلامذا خلقت َّيف هذه الرغبة القلقة؟"‪.‬‬ ‫ع ّ‬ ‫إن أبا العالء املعري كان صديق سليم حيدر يف "خليقته"‪ ،‬وكأن الشاعر سليم حيدر كان يحمل املعري معه حيث ارتحل‪،‬‬ ‫وتحديدا ً يف عمر كتابته "الخليقة"‪ .‬يقول سليم حيدر معربا ً عن ظلمة الرحلة يف قصيدة مهداة إىل أيب العالء‪:‬‬ ‫من غامض نسعى إىل ٍ‬ ‫غامض فنحن ندنو واملدى يبع ُد‬ ‫فهذه الظلمة ال تنجلـــــــــــي وهذه الجذوة ال تخم ُد‬ ‫يضج فيه الجوهر املفر ُد‬ ‫مستوضح‬ ‫والفكر إرث العقل‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فكلام أوقـــــــــــــــــد فانوسه وسار شوطاً أطفئ املوق ُد‬ ‫زاغت برقص اآلل أبصــاره وقد نأى عن جفنه املِر َو ُد‬ ‫وقبله قال املعري‪:‬‬ ‫سألت يقيناً يا جهين ُة عنه ُم ومل تخربيني يا جه َني سوى الظ ِّن‬ ‫فإن تعهديني ال أزال مسائالً فإ َين مل أُع َط اليق َني فأستغني‬ ‫كالهام يحاول أن يرى‪ ،‬ثم يصطدم بسؤال عقله‪ :‬هل رأيت؟ والرؤية كانت آخر الوسائل لقتل الشك‪ ،‬وقد عاىن منها جميع‬


‫يف "خليقة" سليم حيدر كان الدم درب التاريخ‪ ،‬وقد حاولت ِق َي ُم األرض والسامء أن توقف غزو الدم للتاريخ‪ ،‬ولكنها مل‬ ‫تستطع‪ ،‬عىل الرغم من كونها مدعومة بقرار إلهي‪ ،‬فقد جاء يف القرآن الكريم‪" :‬كتب الله ألغل َّنب أنا ورسيل" آية ‪ /12‬املجادلة‪.‬‬ ‫ق راح يستفرس يف حرضة الله عن حكمته يف تالزم الخري والرش‪5 ،‬‬ ‫وهو يف أعامقه يرى أن الرش انترص يف التاريخ‬ ‫وبتساؤ ٍل قلِ ٍ‬ ‫بالدم وحده‪ ،‬يقول سليم حيدر مخاطباً ربه‪ ،‬وهو يقرر أ ّن إميانه حقيقة دامئة‪:‬‬ ‫ولست ُّ‬ ‫رش‬ ‫ُ‬ ‫أشك بأنك أنت الـــــوحي ُد املهيم ُن ُّ‬ ‫رب الب ْ‬ ‫رش‬ ‫ولكنني ما فهمت ملاذا‬ ‫تأبط آد ُم خريا ً و ْ‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫إن شاعرية سليم حيد الحقيقية توجد يف ملحمته "الخليقة" التي هدف منها إىل اإلسهام الفاعل يف رحلة العقل البرشي‬ ‫يف مسريته العميقة‪ .‬وعىل طريقة املالحم القدمية يطلب سليم حيدر من خياله الحضور ليم ّده بالضوء الكاشف‪ ،‬وهو‬ ‫يستبدل آلهة األوملب وشياطني عبقر بالخيال الخصب‪ .‬يقول يف مطلع "خليقته"‪:‬‬ ‫ُم َّدين يا ُ‬ ‫خيال باإلرشاقِ إ ْه ِدين يف تج ّه ِم اآلفاقِ‬ ‫ويقول أيضاً‪:‬‬ ‫يا مطايا الخيال ُح ِّل عقايل م ِّزقي بُ ْر َد َّيت فرعاً وأصال‬ ‫وتنصل الروح جذال‬ ‫َ‬ ‫فتضمحل الهيوىل يف كياين‬ ‫َّ‬ ‫إسحقيني‬ ‫وقبله هومريوس طلب يف إلياذته التي يعتربها اليونانيون كتابهم املقدس من ربة الشعر يف األوملب أن تساعده يف إلياذته‪:‬‬ ‫ربّة الشعر عن "أخيلِ" بن "فيال" ح ّدثينا واروي احتداماً وبيال‬ ‫أما امرؤ القيس فقد أعلن أنه يوحى إليه من شياطني عبق َر‪:‬‬ ‫شئت من ِشعره َّن انتقيت‬ ‫تلقنني الج ُّن أشعارها فام ُ‬ ‫األعامل الكربى يف األدب اإلنساين تلجأ أحياناً كثرية إىل قوى غيبية بعيدة عن اإلحاطة بها‪ ،‬لتعطي العمل األديب صفة الدهشة‬ ‫التي تتولد من غرابة الباعث أحياناً كثرية‪ ،‬ومن عنارص فنية أخرى ال بد من توفرها يف أي نتاج خالد‪..‬‬ ‫ــ ‪ 4‬ــ‬ ‫ويف هذه امللحمة نسري مع الشاعر بانجذاب بني رغبات الطني وأحالم الروح التي هي "من أمر ريب"‪ ،‬وألنها ليست من أمرنا‬ ‫تلح التساؤالت‪ ،‬وتظل تقرع عىل أبواب الغيب الستكناه رحلتها الكونية العجيبة التي ال يفيض العقل بها إىل نتيجة‪،‬‬ ‫برشا ً ُّ‬ ‫قال فيها أبونا املتنبي بتمزق حا ٍّد وداعياً إىل االنرصاف عن إدراك ماهيتها‪ ،‬ألنها ليست من أمرنا‪ ،‬وألن العقل محدود أمام‬ ‫ال محدودية الكون‪:‬‬ ‫الناس حتى ال َ‬ ‫الشجب‬ ‫اتفاق لهم إالّ عىل ش َج ٍب‪ ،‬وال ُخل ُْف يف‬ ‫ِ‬ ‫تخالف ُ‬ ‫العطب‬ ‫نفس املرء سامل ًة وقيل ترشك جسم املرء يف‬ ‫ِ‬ ‫فقيل ُ‬ ‫تخلص ُ‬ ‫والتعب‬ ‫ومن تف ّك َر يف الدنيا ومهجتـــ ِه أقامه الفك ُر بني العجز‬ ‫ِ‬ ‫وهذا القلق الذي خالط الحأم املسنون يف مشيمته هيمن عىل القلوب والعقول منذ اللثغة األوىل حتى الغرغرة‪ ،‬لقد حار‬ ‫مفكر كبري وشاعر كبري كاملعري يف أمر الروح‪ ،‬وابتعد عن مسالك الوصول إىل كينونتها‪ ،‬الستحالة ذلك فقال‪:‬‬ ‫األقب‬ ‫أرواحنا فينا وليس لنا بها عل ٌم فكيف إذا احتوتها ُ ُ‬ ‫ويقول سليم حيدر‪:‬‬


‫أصحاب املدارك العقلية وأصحاب األرواح املتلهفة الخرتاق الحجاب‪ ،‬وحتى األنبياء عانوا من محاولة الوصول إىل الرؤية‬ ‫لتصدق الرؤيا‪ .‬لقد طلب النبي إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي املوىت‪" :‬وإذ قال إبراهي ُم ريب أرين كيف تحيي املوىت‪.‬‬ ‫رصه َّن إليك ثم اجعل عىل كل جبل منه ّن‬ ‫قال‪ :‬أومل تؤم ْن‪ .‬قال بىل‪ ،‬ولكن ليطمنئ قلبي‪ .‬قال‪ :‬فخذ أربعة من الطري ف ْ‬ ‫جزءا ً‪ ،‬ثم ادعه ّن يأتينك سعياً‪ ،‬واعلم أن الله عزيز حكيم" البقرة‪ ،‬آية ‪ .260‬ومثله موىس طلب من ربه أن يرى‪ " :‬وملا جاء‬ ‫رب أرين أنظر إليك‪ ،‬قال لرتاين‪ ،‬ولكن أنظر إىل الجبل فإن استق ّر مكانه فسوف تراين فلام‬ ‫موىس مليقاتنا‪ ،‬وكلمه ربه‪ ،‬قال ِّ‬ ‫تجل ربه للجبل جعله دكّاً‪ ،‬وخ ّر موىس صعقاً‪ ،‬فلام أفاق قال سبحانك تبت إليك‪ ،‬وأنا أول املؤمنني" األعراف ‪.143‬‬ ‫ّ‬ ‫ومشكلة الرؤية شغلت أصحاب القلوب‪ ،‬يقول موالنا جالل الدين الرومي‪" :‬ال تعبدوا حتى تر ْوا"‬ ‫وكالهام‪ ،‬أعني رهني املحبسني وسليم حيدر‪ ،‬كان شكه‪ ،‬رغم قتامته‪ ،‬مدفوعاً إىل اإلميان‪ ،‬أبو العالء املعري أعلن أنه ال‬ ‫ميلك إال الظن والحدس‪ ،‬والحدس يف نهاية النفق هو ضوء‪ ،‬يقول أبو العالء مستسلامً لرصاع الظن والحدس‪:‬‬ ‫أما اليق ُني‪ ،‬فال يق َني‪ ،‬وإمنا أقىص اجتهادي أن أظ َّن وأحدسا‬ ‫وينترص الظن فيه أحياناً كثرية فيرصخ متنكرا ً لكل إشعاع‪ ،‬مصدره الدين‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫عقل ل ْه‬ ‫إثنان أهل األرض‪ ،‬ذو عقلٍ بال دينٍ ‪ ،‬وآخ ُر َديِّ ٌن ال َ‬ ‫يريد أبو العالء املعري قي هذا البيت القايس أن يشري إىل قوة اإلميان ورسوخه عند البسطاء‪ ،‬وإىل التنكر القايس أيضاً‬ ‫املتولد عن تقيص العقل‪ ،‬وانهامكه يف التعليل املاورايئ‪ ،‬الذي هو خارج العقل متاماً‪ .‬وقصة الرازي معروفة مع تلك املرأة‬ ‫العجوز‪ ،‬وكان الرازي يسري بني تالميذه‪ ،‬وهم يكتبون كل ما يقوله‪ ،‬ورأت امرأة عجوز هذا املوكب‪ ،‬فتقدمت من أحد تالميذ‬ ‫الرازي‪ ،‬وسألته‪ :‬من هذا الشيخ؟‪ ،‬فأجابها تلميذ الرازي‪ :‬هذا الذي أقام عىل وجود الله ألف دليل ودليل‪ .‬فقالت العجوز‪:‬‬ ‫والله لو مل يكن يف قلبه ألف شك وشك ملا أقام ألف دليل ودليل‪ .‬وحني نقل التلميذ إىل الرازي ما قالته املرأة العجوز قال‪:‬‬ ‫اللهم إمياناً كإميان العجائز‪.‬‬ ‫ورغم قتامة شك أيب العالء فإن قلبه يعود لينبض بحتمية وجود مدبر لهذا النظام الكوين الالنهايئ‪ ،‬وهذا الشك يعود ليقدح‬ ‫عىل زناد الحدس فيقول‪:‬‬ ‫الناس للبقاء فضل َّْت أم ٌة يحسبونهم للنفا ِد‬ ‫ُخ ِل َق ُ‬ ‫إمنا ينقلون من دا ِر أعام ٍل إىل دار شقو ٍة أو رشا ِد‬ ‫ثم يعود ليق ّر بالدين تعبريا ً عن حدسه الرايئ‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫دعاكم إىل خريِ األمو ِر محم ٌد وليس األعايل يف القنا كاألسافلِ‬ ‫وهذا الشك الحادس يرافق‪ ،‬بل ويالحق الشاعر سليم حيدر من بداية ديوانه "الخليقة" إىل نهايته‪ .‬إنه يغلق ديوانه يف آخر‬ ‫شكِّه ووميضه‪ ،‬كصديقه رهني املحبسني متاماً‪ ،‬يقول الشاعر سليم حيدر‪:‬‬ ‫أرحل فقلبي ما زال يهوى خفوق ْه‬ ‫عدت من رحلتي كأ َين مل ْ‬ ‫ُ‬ ‫قلقي واستكانتي واعتـــاليئ وامتشاقي تساؤاليت العتيق ْة‬ ‫كأيس حلْـــامً‬ ‫سأظل الحيا َة أحسو رحيق ْه‬ ‫ُّ‬ ‫بي َد أين ُ‬ ‫مألت َ‬ ‫ما أل َّذ األحالم تلمع يف النفــــــــــس خياالً وتستق ُّر حقيقــــ ْة‬ ‫البيت األخري يضمر عذاباً ومتنياً إرشاقياً‪ ،‬لو حصل الرتاح صاحبه من مالحقة الشك القاتم واليقني القلق‪ .‬إن مناقشة‬ ‫األسباب والبواعث غري مجدية‪ ،‬حتى األنبياء مل يلجأوا إىل مناقشة ق َدرية الكون‪ ،‬كام يرى سليم حيدر‪:‬‬ ‫آية األنبياء يف القدر املحتوم أالّ يناقشوا يف البواعثْ‬



‫ورحنا وليس لدينا خ ْرب‬ ‫شئت‬ ‫ونحن أتينا ألنك َ‬ ‫رش‬ ‫أما كان يا ِّ‬ ‫رب أشهى وأبهى وأسل َم أالّ يكون الب ْ‬ ‫هذا القلق املحموم والتساؤالت املل َّحة‪ ،‬وعدم انتصار الحق يف معظم حلقات التاريخ البرشي جعلت القلق سوداوياً يف‬ ‫شعر سليم حيدر‪ ،‬ونتيجة لهذا سيطر كثري من التشاؤم عىل مفاصل "خليقة" الشاعر سليم حيدر‪ .‬إنه يرى الرش متصالً‬ ‫من آدم إلينا‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫لعنة الل ِه مل تقف عند قاي َني بل الكون كلّ ُه ملعو ُن‬ ‫وكثري من الشعراء واملفكرين رأوا أن الظلم طبيعة مخلوقة مع اإلنسان‪ ،‬يقول املتنبي‪:‬‬ ‫والظلم من شيم النفوس فإن تج ْد ذا ع َّف ٍة فلعل ٍة ال يظل ُم‬ ‫ومثله يقول عمر أبو ريشة‪:‬‬ ‫والظل ُم يف النفس ال يُر َوى له ن َه ٌم لو مل يج ْع فوق نهديها ملا ف ُِطام‬ ‫إن النفس البرشية لها طقوس وأنواء كالطبيعة نفسها‪ ،‬حيناً تعصف فيها الشكوك إىل درجة ال متكن إزاحتها‪ ،‬وحينا تلمع فيها‬ ‫بروق اليقني‪ ،‬فترشق بإذن بارئها وتصبح صافية‪ ،‬وهذه الحاالت م ّر بها األصفياء واألولياء‪ ،‬فهذا هو املسيح اآليت من روح‬ ‫الله‪ ،‬يسأل أباه وهو عىل الخشبة‪" :‬ملاذا تركتني؟"‪ .‬وعىل الرغم من هذه النظرة السوداوية يستنهض الشاعر سليم حيدر‬ ‫النفس اإلنسانية لرتقى وتصفو وترشق حتى وهي محاطة بالظلامت‪ ،‬وهذه هي رسالة األديب امللتزم بقضايا اإلنسان العليا‪،‬‬ ‫وقتها يصبح اإلنسان قسيم الله يف وجوده‪ ،‬يقول سليم حيدر‪:‬‬ ‫أن نرى النور يف دياجري ٍ‬ ‫نفس مألتها الخطيئة البك ُر شينا‬ ‫لقد مر أصحاب األفكار العالية بصحراء القلق‪ ،‬ولكن شعارهم كان دامئا عدم اليأس لوثوقهم بالصانع األمهر‪ ،‬يقول عيل‬ ‫بن أيب طالب‪" :‬من وثق مبا ٍء مل يظأم"‪ ،‬ومرحلة الشك التي مل تطفئ النور مر بها كثريون‪ .‬قال صاحب الطالسم‪ ،‬إيليا أبو‬ ‫مايض‪ ،‬ولكن عدم إدراكه مل يقده إىل تلك األسئلة املقهورة‪:‬‬ ‫صدري يا بح ُر ألرسارا ً عجابا‪ /‬نزل الس ُرت عليها وأنا كنت الحجابا‪/‬‬ ‫إ ّن يف‬ ‫َ‬ ‫ولذا أزداد بعدا ً كلام ازددت اقرتابا‪ /‬وأراين كلام أوشكت أدري‪ /‬لست أدري‪/‬‬ ‫وقبلهام كان عمر الخيام يغوص يف ضباب معرفة املجهول الذي عجزت األفكار عن اإلحاطة به بسبب ال نهائيته‪ ،‬فراح يعاقر‬ ‫الخمرة ليطفئ لظى هذه التساؤالت التي ال أجوبة لها‪ ،‬يقول عمر الخيام‪ /‬ترجمة أحمد رامي‪:‬‬ ‫ثوب ِ‬ ‫وحرت فيه بني شتّى ال ِف َك ْر‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لبست َ‬ ‫العيش مل أُستَ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫جئت أين املفر!!‬ ‫الثوب عني ومل‬ ‫أدرك ملاذا ُ‬ ‫وسوف أنضو َ‬ ‫القلق الحاد يف شعر سليم حيدر ظل يقرع عىل أبواب الله‪ ،‬عىل الرغم من أنه كان يقرع بقبضة مثخنة بكوامن نفسه التي‬ ‫التمعت يف شعره عرب غيوم كثيفة‪ .‬إن أرسار الكون ليست مرتبطة يف ال نهائياتها بقوة العقل ونضجه‪ .‬إنها قدرية غري خاضعة‬ ‫ملا يحدس به العقل اإلنساين املحاط بهياكل من الطني العازل‪ .‬إن قدرية "لست أدري" هي آخر قرع عىل أبواب الغيب‪.‬‬ ‫ــ ‪ 7‬ــ‬ ‫ولكن كل الذين حاروا يف تفسري لغز الكون ظلوا خاضعني ومنجذبني لتأثري تلك القوة العص ّية عىل التفسري واإلحاطة بها‪.‬‬ ‫فقد قرأنا لرهني املحبسني رغم مناطق الظالم التي عرب فيها يف عمره الرتايب‪ :‬أن البرش ينقلون من دار أعام ٍل إىل دار شقوة أو‬ ‫ِ‬ ‫مجهوالت الكون تجعل اإلنسان يدرك سعة‬ ‫رشاد‪ .‬والخيام مل يرشك بوحدانية الله‪ ،‬وكذلك سليم حيدر‪ ،‬ألن تقيص النفس‬


‫لقد تأثر سليم حيدر بأيب العالء املعري تأثرا ً كبريا ً حتى لكأنهام الشيخ ومريده‪ ،‬ولعل إعجاب الشاعر سليم حيدر باملعري‬ ‫متأتية من موقف متقارب من قضابا الحياة الفكرية والروحي‪ ،‬ومن هيمنة الشك‪ .‬وكام شكا أبو العالء من جناية أبيه عليه‪:‬‬ ‫جنيت عىل أح ْد‬ ‫يل وما‬ ‫ُ‬ ‫هذا جنا ُه أيب ع ّ‬ ‫شكا مثله الشاعر سليم حيدر‪:‬‬ ‫يجني عىل األبناء آباؤه ْم يف غمر ٍة يشقى بها األسع ُد‬ ‫ـــ ‪ 6‬ــ‬ ‫والقلق املسيطر عىل عقل سليم حيدر مصدره الشك‪ ،‬وألن الشك قاتم فقد تفرع منه احتجاج ٍ‬ ‫قاس عىل عدم استقرار‬ ‫عقله عىل وسادة قلبه‪ ،‬وراح يجهر مبا مل يحط به علامً‪ ،‬وهذا الجهر مبا يعتمل يف ذاته كان متسامً بجرأة عالية‪ ،‬فيها عتاب‬ ‫ومرارة‪ ،‬وفيها أنسنة الله يف اإلنسان‪ ،‬لقد بدأ يسأل أسئلة تدل عىل ريب ًّ‬ ‫وشك بالفعل اإللهي املتوخى من الخلق‪ ،‬إنه يناقش‬ ‫ربه عىل لسان إبليس‪ ،‬الذي يعترب نفسه غري مسؤول عن ناريّته الطاغية‪ ،‬والتي يصيب سعريها أبناء آدم‪ ،‬وقد صاغ سليم‬ ‫حيدر هذا االحتجاج الرجيم بتساؤالت الرجيم نفسه‪:‬‬ ‫سكبت َّيف األذا َة‬ ‫جبلت من النــــــــــــار مزاجي‬ ‫أنت ك َّونتَني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث ّم أطلقتَني أغ ِّر ُر باإلنــــــــــــــــس وح َّذ ْرتَــــه النجا َة النجا َة‬ ‫جنيت‪ .‬غ ِّ َْيطباعي ِو ْج َه َة الخريِ أو أحلني مواتا‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫يف هذا االحتجاج تساؤالت تثري قلقاً‪ ،‬مرده الحرية‪ ،‬وليس استجابة ملنطق إبليس‪ ،‬رمز الرش املسكوب يف ناريته‪ ،‬والذي‬ ‫يبعث القلق أكرث أن الله جعل الشيطان من "املُنظَرين" بعد جدل وكالم بينهام‪ ،‬إن أبدية وجود إبليس تكمن فيها مأساة‬ ‫اإلنسان الذي ظل محكوماً بهذه الثنائية‪ ،‬ثنائية الخري والرش‪ .‬واملثري أسئلة أكرث أن الله جعل إبليس من املنظرين إىل يوم‬ ‫يبعثون‪ ،‬وهو رمز للرش وإقراره بذلك‪ ،‬وهو يكلم ربه‪ ،‬وإعالنه العصيان كان ناتجاً من قهره وانسحاقه أمام القوة الكربى‪،‬‬ ‫ووجهة نظره أنه هو أفضل من آدم املصنوع من حأم مسنون‪ ،‬ويف القرآن الكريم‪ " :‬قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك‪ ،‬قال‬ ‫فاخرج إنك من الصاغرين‪ 13‬قال‬ ‫أنا خري منه خلقتني من نا ٍر وخلقته من طني‪ ،‬قال فاهب ْط منها فام يكون لك أن تتكرب فيها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫أنظرين إىل يوم يبعثون‪ 14‬قال إنك من املنظرين ‪ 15‬قال فبام أغويتني ألقعد ّن لهم رصاطك املستقيم‪ "16‬سورة األعراف‪.‬‬ ‫هذا الجدل ملّا ْ‬ ‫يزل ميأل الوجدان اإلنساين بالقلق واألسئلة الصعبة‪ ،‬ولعل أجوبتها أبعد من مداركنا‪ ،‬والذين حاولوا فلسفتها‬ ‫ظلوا مطا َردين بأسئلة ال تشبع من اإللحاح‪ ،‬بل هناك من وقف مبيناً قدرة القهر حني يسطع بناره وحني يستباح بلعنة‬ ‫أزلية‪ .‬يقول املفكر الفرنيس جان بول سارتر‪" :‬إن الشيطان املقهور‪ ،‬الساقط‪ ،‬املذنب‪ ،‬املفضوح من قبل الطبيعة كلها‪،‬‬ ‫القابع يف الدرك األسفل من مراتب الكون‪ ،‬املرهق بذكرى الغلطة التي ال كفارة عنها‪ ،‬الذي تتآكله صبوة غري مشبعة‪ ،‬والذي‬ ‫تخرتقه نظرة الله التي تحجره يف ماهيته الشيطانية‪ ،‬املرغم عىل أن يتقبل حتى يف أعامق قلبه بتفوق الخري‪ ،‬إن الشيطان‬ ‫هذا ليتغلب عىل الله نفسه‪ ،‬سيده وقاهره‪ ،‬بأمله بتلك الشعلة من عدم الرىض الحزين التي تلمع‪ ،‬يف اللحظة التي يقبل‬ ‫فيها بهذا االنسحاق بالذات‪ ،‬كتوبيخ ال تكفري عنه‪ .‬إن املقهور هو الذي ينترص يف النهاية" جان بول سارتر يف كتابه‪ /‬بودلري‬ ‫شاعرا ً‪ /‬ترجمة جورج طرابييش‪.‬‬ ‫فالجدل عايل النربة‪ ،‬ومصحوب بأسئلة حادة مل يستطع عقله أن يجد لها جواباً‪ ،‬يقول شاعر "الخليقة" سليم حيدر مخاطباً‬ ‫ربه‪:‬‬ ‫سئمت عىل عرشك املطمنئ فراغ الوجود وعق َم القد ْر‬ ‫َ‬ ‫وقلت لها يا شق ّي ُة كونــــــي فكانت وكان الصفا والكد ْر‬ ‫َ‬ ‫وقلت‪ :‬جنا ٌن ألهل الصالح وللفاسقيـــــــــن جحي ُم سق ْر‬ ‫َ‬ ‫فامذا تريد بهذا الحساب وماذا يريد بنا املنتظ ْر‬


‫الكون‪ ،‬ويف هذه السعة ملعان ووميض لحاالت غري مفهومة‪ ،‬تقذف يف القلب عقالً له صفات القلب يحس‪ ،‬وال يحيط‪ ،‬متاماً‬ ‫كام حدث مع موىس عندما تجىل ربه للطور وخ َّر موىس صعقاً‪ .‬واإلقرار بهذه الذات اإللهية تبقى مهيمنة حتى عىل األرواح‬ ‫يتخل عن تلك األبوة التي تركته‬ ‫التي خذلتها الذات اإللهية‪ ،‬وتركتها تعاين قدريتها بانسحاق كيل‪ ،‬كاملسيح مصلوباً‪ .‬إنه مل َّ‬ ‫ينزف روحه من جراحه‪ .‬وكذلك النبي يونس الذي كان يرصخ‪ ،‬وهو يف جوف الحوت‪" :‬سبحانك‪ ،‬إين كنت من الظاملني" سورة‬ ‫األنبياء‪ /‬آية ‪ . 78‬الخوف ال يصنع اإلرشاق يف النفس القلقة‪ ،‬وإمنا اليقني املصنوع من الضياء الذي يالحق قطع الظالم يف‬ ‫النفس فيبددها‪ .‬يقول سليم حيدر‪:‬‬ ‫كل ف ِّن‬ ‫ريب سألتك بالجامل مح َّبباً يف ِّ‬ ‫ألقيت من ِع ٍرب عىل ٍ‬ ‫إنس وج ِّن‬ ‫رس ما‬ ‫َ‬ ‫وب ِّ‬ ‫الحق مني‬ ‫ومبا َ‬ ‫أمرت وما َ‬ ‫نهيت وما يريد ُّ‬ ‫ال تُ ْب ِع َد ِّن عن هواك وأبعد الشيطان عني‬ ‫ماثل مبحاوالته الجافة والدائبة وبإغراءاته العقيمة لرصف سليم حيدر عن التحديق بضوء قلبه املؤمن‪.‬‬ ‫الشيطان هنا ٌ‬ ‫واضح مبا ال يقبل الشك أن الشاعر سليم حيدر قلبه مطمنئ باإلميان‪ ،‬وهو غري مك َر ٍه بذلك‪ ،‬وليس من فئة الشخص الذي‬ ‫نزلت فيه اآلية الكرمية ‪" :‬إلّ من أُك ِر َه‪ ،‬وقل ُبه مطم ٌنئ باإلميان"‪ .‬وعقله يبحث يف ماهية الكون‪ ،‬وأخريا ً أقامه عقله "بني العجز‬ ‫تخوم قص ّية‪ ،‬ولكنه ظل يحاول إحياء‬ ‫والتعب" كام يقول أبونا املتنبي‪ .‬والشك هنا ال يلغي اإلميان فقد وصل بالغزايل إىل ٍ‬ ‫وضاء‪ .‬والشك قاد الخيام إىل إضاعة الطريق‪ ،‬ولكن ليس إىل إضاعة الضوء الذي ظل قنديل‬ ‫علوم الدين بفيض شعوري ّ‬ ‫رباعياته وخمرياته الخالدة‪ ،‬والشك قاد إيليا أبا مايض إىل "لست أدريه" املعربة عن قلق العقل وإضاءة القلب يف تلك‬ ‫املسالك العذراء الوعرة‪ ،‬والتي ظل الضوء فيها يغري بالتقيص‪.‬‬ ‫رس "الخليقة"‪ .‬وهذه‬ ‫سني عمره بحثاً عن ّ‬ ‫هذا التعب الحيدري هو مضامر شاعرنا املفكر سليم حيدر‪ ،‬الذي قىض معظم ِّ‬ ‫اإلقامة التي ألزمته ما ال يلزم جعلته اللصيق الروحي لصديقه األثري رهني املحبسني أيب العالء املعري‪ ،‬وأعتقد‪ ،‬مبفهوم‬ ‫الزمن االفرتايض‪ ،‬أن الشاعر سليم حيدر لو كان معارصا ً رهني املحبسني ألخذه معه يف "رسالة الغفران" بديالً لـ"ابن القارح"‪،‬‬ ‫وطاف به هناك يف الجنة والنار نائياً به عن إغراءات الجنة ورهبة النار ليحاوال معاً تفسري بعض أرسار هذا الكون املغلق‪.‬‬ ‫ــ‪ 8‬ــ‬ ‫أريد أن أشري‪ ،‬يف نهاية هذا البحث املخترص يف شاعر قىض نصف قرن من عمره باحثاً عن أرسار خليقته‪ ،‬إىل نقاط أعتربها‬ ‫جديرة بالتبيان يف هذا اللقاء التكرميي لشاعر مفكر استطاع أن يقف بني الخالدين بعقله وفكره‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ــ إن تفكري الشاعر سليم حيدر يف كتابه "الخليقة" هو تفكري إميا ٌّين بعي ٌد عن الحرصية الدينية يف اتجاه معني‪ ،‬لقد اعتمد‬ ‫تقصيه وبحثه عىل القرآن الكريم وعىل العهد القديم والعهد الجديد‪ ،‬وعىل ثقافة تراثية خصبة‪ ،‬غسلت فكره من كل‬ ‫يف ّ‬ ‫أشكال التعصب التي تعصف باملجتمعات املغلقة‪ ،‬ونحن اليوم بحاجة مل ّحة لفكر كهذا ينتشل مجتمعاتنا الغرقى يف وحول‬ ‫املذهبيات والطائفيات‪ ،‬التي "أودعتنا أفان َني العداوات" كام قال رهني املحبسني‪ .‬سليم حيدر كان أفىض وأوس َع من أن‬ ‫يتعصب‪ ،‬وهو الرايئ املتطلع إىل "رب العاملني"‪ ،‬وليس إىل رب فئ ٍة دون أخرى‪.‬‬ ‫‪ 2‬ــ القلق العقيل املستبد بشاعرنا مل يرب ْحه أبدا ً‪ ،‬وكان دامئاً يهرب إىل قلبه املؤمن كلام عصف به القلق‪ .‬وقلقه أدى إىل‬ ‫تساؤالت كبرية‪ ،‬وهو يسائل خالقه ملاذا‪" :‬تأبط آد ُم خريا ً ورش"‪ .‬وصل الشاعر سليم حيدر إىل التسليم بعجز العقل‪ ،‬وهذا‬




‫العجز كان من أهم أسباب استمراره يف التساؤل والنقد‪ ،‬وهو كأوكتافيو باث متيقن أن الزمن الحديث "هو زمن نقدي"‪.‬‬ ‫والحداثة تنتفي من أي زمن إذا مل يكن نقدياً‪ .‬وأعتقد أنه كان يسعى دامئاً إلقامة صل ٍح بني العقل والنقل‪ ،‬ولكنه مل يستطع‬ ‫‪ .‬وهذا شأن املفكرين الكبار‪ .‬يقول سليم حيدر حائرا ً ومتسائالً مق َّرا ً بعجز العقل ‪5‬عن إعطاء الجواب النهايئ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عظات إىل العصور األوايت‬ ‫تحمل العصور الخوايل من‬ ‫ما عىس ُ‬ ‫ِ‬ ‫اإلثبات‬ ‫الجواب البلي ُغ يبقى افرتاضاً ويزو ُغ الكال ُم يف‬ ‫ُ‬ ‫مشفق عىل الضعف البرشي‪ ،‬ومتضايق جدا ً النتصار الرش عىل الخري يف معظم مراحل‬ ‫‪ 3‬ــ سليم حيدر يف "خليقته"‬ ‫ٌ‬ ‫التاريخ‪ ،‬وقد ابتدأ هذا بقتل قابيل أخاه هابيل‪ .‬ومن يومها إىل اليوم "والظل ُم من شيم النفوس"‪ .‬هذا الواقع مأل سليم‬ ‫حيدر حزناً فظهر ضباب الكآبة يف نتاجه انحيازا ً للضعفاء‪ ،‬وأمالً بتحقق اآلية الكرمية‪" :‬كتب الل ُه ألغل َّنب أنا ورسيل"‪.‬‬ ‫‪ 4‬ــ وأخريا ً أريد أن أقول إن التزام الشاعر سليم حيدر بالرسد التاريخي جعله يف شعره يهتم بالفكرة أكرث من الصياغة‪ .‬وهذه‬ ‫سمة من سامت الرسد التاريخي الذي يجرب الشاعر عىل االهتامم بالحدث ِّ‬ ‫الدال أكرث من االهتامم بالصياغة الفنية للشعر‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من أن أعتذر من شاعرنا سليم حيدر‪ ،‬وأؤكد أن هذا ال يقلل من األهمية الكربى لكتاب ظل يصوغ أفكاره ما يقارب‬ ‫نصف القرن‪ .‬إن هذا القول يجعلني أتصور من سيقرؤنا بعد رحيلنا من هذه الفانية ناقدا ً لنا راحامً وقاسياً ومنصفاً وظاملاً‪،‬‬ ‫الناس نخلوه" وال أريد أن أردد‬ ‫وأردد املثل الشعبي الذي بدأ فيه أديبنا الكبري ميخائيل نعيمة كتابه "الغربال"‪" :‬من غربل َ‬ ‫قئ كلام باضت جارت ُها"‪ .‬ألين أؤمن أن الناقد الجيد واملنصف هو‬ ‫مع ميخائيل نعيمة نفسه قوله‪" :‬الناقد كالدجاجة التي تُ َق ْو ُ‬ ‫خالق آخر للنص األديب الذي ينقده‪.‬‬ ‫وأقول أخريا ً‪ :‬علينا أن نُ َي ِّسرس ألطفالنا وناشئتنا قراءة الشاعر سليم حيدر لعمق تفكريه وإميانه بوحدة اإلنسان الروحية‬ ‫املتنوعة املسالك يف الوصول إىل بارئها‪ .‬إنه من رواد اإلصالح الفكري‪ ،‬وهذه أهم صفة من صفات االلتزام األديب التي يجب‬ ‫أن تتوفر يف كل مفكر وأديب ورا ٍء‪ .‬وقتها يصبح النتاج األديب جزءا ً من النبوة ومكمالً لها‪ .‬ويف النهاية أردد مع شاعرنا املفكر‪،‬‬ ‫والذي كان بلهفة يتمنى إرشاق روحه الدائم واخرتاقها املبهامت‪:‬‬ ‫متس عيني فتزهو يف حنايا بصرييت األضوا ُء‬ ‫ليت روحي ُّ‬ ‫وتنري املع َّم ِ‬ ‫يف اتساقٍ ما شابَ ُه إقوا ُء‬ ‫يات لذهني‬ ‫أمامي األسام ُء‬ ‫فأعب‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫الوضوح من نبعه الصــــــــايف وتُجىل َ‬


‫‪ 1‬ــ الرمز الديني يف القصيدة مقت َب ٌس من الحديث الرشيف "الجنة تحت أقدام األمهات"‪،‬‬ ‫إن االتكاء عىل الرمز الديني يف هذه القصيدة له دالالت عميقة‪ ،‬وتتجىل هذه الدالالت كام ييل‪ :‬أ ــ قداسة األم تعدل قداسة‬ ‫الجنة‪،‬فالرسول الكريم جعل الجنة تحت أقدام األمهات‪ ،‬وهذا يعني أن األم هي أعىل قداسة عند الله ورسوله من "جنة‬ ‫املأوى"‪ .‬فالجنة تحت قدميها‪ ،‬ويف هذا سم ٌّو ال يُداىن‪ ،‬وشاعرنا ذاق مثار جنة األمومة يوم كان الجوع ميأل القرى‪ ،‬وقتها كان‬ ‫ونصف حنان"‪ .‬كان‬ ‫يشبع من حنانها ورغيفها املعجون بالحب واإليثار‪ ،‬وال عجب فاألم يف نظر شاعرنا‪" :‬نصفها من دموع‪/‬‬ ‫ٌ‬ ‫الحرمان الذي عاىن منه شاعرنا يف محنته يدفعه دفعاً للتفتيش عن جنته املفقودة‪ ،‬فكان استحضار األم دواء لداء الغربة‬ ‫والعزلة‪ .‬وجنة األم يف هذه القصيدة متحركة تبحث عن ابنها الضائع لتسرتجعه ومتد له اليد املنقذة‪.‬‬ ‫ب ــ واستعار شاعرنا رمزية طول عمر نوح للتعبري عن طول طريقه من املنفى إىل الوطن‪ ،‬وأهمية هذه الرمزية أن طول‬ ‫فانتص"‪ .‬إن يف هذا بشارة مبجيء الطوفان ونجاة نوح‪ ،‬ومن ركب السفينة‬ ‫عمر نوح مل يذهب هدرا ً بل دعا ربه "إين‬ ‫ٌ‬ ‫مغلوب ِ ْ‬ ‫معه إىل بر النجاة‪ .‬إن طول عمر نوح أعاد لوجدان الشاعر ظهور املعجزة‪ .‬واملعذبون يف األرض دامئاً يحلمون بظهور‬ ‫املعجزات حني تضيق بهم السبل‪ ،‬وتنس ُّد منافذ الخالص‪ .‬وهذه هي رسالة الشعر يف إيقاظ األمل‪ ،‬وإخراج اإلنسان من‬ ‫جغرافية اليأس املحبطة‪ ،‬وقتئذ تصبح داللة الرمز عالية‪ ،‬ويكون حضورها غاية نبيلة‪ .‬وال غاية للفنون كلها إال خلق األمل‬ ‫يف األمل‪.‬‬ ‫ج ــ إن داللة رمزية يعقوب يف القصيدة واضحة‪ ،‬فقد ابيضت عيناه من الحزن عىل ابنه يوسف‪ ،‬وشكا بثه وجزنه إىل الله‪،‬‬ ‫ولكنه مل ييأس من عودة فقيده الغايل‪ .‬لقد ظل محكوماً باألمل‪ ،‬وهذا ما أراد الشاعر استحضاره‪ ،‬إنه يذكر أمه بأن يعقوب‬ ‫حني ش َّم قميص يوسف ارت ّد بصريا ً‪ .‬وواضح هنا أن دالالت الرموز هنا تدعو إىل عدم اليأس مهام كانت ظروف اإلنسان‬ ‫حالكة وصعبة‪.‬ونالحظ يف رمزية يعقوب التوحد الوجداين بني عاطفة األم وعاطفة األب عىل الولد‪ .‬فكالهام عاىن كثريا ً ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫"ووالد وما ولد"‪.‬‬ ‫املعاناة ظلت محكومة باألمل‪ .‬وشدة العاطفة ورسوخها يف األم واألب هي حصيلة الكينونة‪،‬‬ ‫د ــ وكام اشتاق موىس لرؤية الله‪ ،‬وقال‪" :‬أرين أنظر إليك" اشتاق عمر شبيل لرؤية أمه ألنه يعتربها معراجه إىل الحياة‪:‬‬ ‫أشتاق وجهك مثلام اشتاق الكليم‬ ‫لرؤية الله‪ ،‬استحيت من الرتاب ِ‬ ‫وأنت فيه‪،‬‬ ‫أن يعاتبني الرتاب‪.‬‬ ‫ونتساءل هنا هل يف األم أقباس من األلوهة؟‪ ،‬وأرى أن الله يستجيب ألرادة األمة ألنها أم‪ ،‬وقد قرأنا أن مريم العذراء‬ ‫تدخلت يف اإلرادة يوم أرصت عىل ابنها أن يحول املاء خمرا ً يف عرس قانا الجليل فتح ّول املاء خمرا ً‪ ،‬وإليضاح العالقة نقول‬ ‫إن الله من لألم إجازة التدخ يف مصري األبناء‪ ،‬وهذا واضح يف الحديث‪" :‬الجنة تحت أقدام األمهات"‪ ،‬وجميل أن نذكر‬ ‫العالقة بني الله وقلب األم كام رآها الشاعر القروي" رشيد سليم الخوري" حني قال‪:‬‬ ‫يل حك َم َك بالجحيم‬ ‫العظيم‬ ‫اليوم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫رب يف ِ‬ ‫ولو يا ِّ‬ ‫تلوت ع َّ‬ ‫أثيم‬ ‫فيل ٌ‬ ‫أمل بأن ستعود يوماً وتغفر لإلساءة عن ِ‬ ‫َ‬ ‫قلب أمي‬ ‫فقلبك يستحي من ِ‬ ‫نرى القداسة التي أفرغها الله عىل األم‪ ،‬إنها القداسة التي ترجو الله فينسخ حكمه‪ ،‬ولو رمزا ً‪ ،‬فاألم بهذا املعنى قبس من‬ ‫أقباس األلوهة يف النفس البرشية‪ .‬وشاعرنا عمر شبيل يدرك هذا بعمق حني يقول‪:‬‬ ‫وأعو ُد صوبَ ِك يا التي بدموعها ُتحى الذنوب‬ ‫د ــ لجأ الشاعر إىل الحديد رمزا ً للتعبريعن القيد وشدة تأثريه عىل من اقتيد به‪ ،‬وعن سامكة باب السجن والزنزانة‪ ،‬وضخامة‬


‫املناخات الداللية ايل أقامها الرمز يف‬ ‫قصيدة أمي‪:‬‬

‫بقلم فاطمة البزال‬


‫القفل الحديد‪ ،‬ولجأ شاعرنا إىل هذه الرمزية ليعرب عن بأس الحديد وشدته ورمزية قساوته باإلضافة إىل قساوته املادية‬ ‫املعروفة‪ ،‬وكان يحكم وجدان الشاعر يف تلك األزمنة الصعبة داللة اآلية الرشيفة‪" :‬وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد"‪ ،‬ولكنه‬ ‫ويدي أمه الضاعتني عند الباب‪ ،‬واملمتدتني لخالص األسري‪:‬‬ ‫يستعني عىل التخلص من الحديد وبأسه باللجوء إىل الله‬ ‫ْ‬ ‫"سبحان من خلق الحديد وبأسه" فالتسبيح عند املؤمن وسيلة خالص‪ ،‬وهذا واضح يف قصة النبي يونس يف جوف حوته"‬ ‫فلوال أن كان من املسبحني للبث يف بطنه إىل يوم يبعثون"‪ .‬وكام نرى ‪ ،‬التسبيح أنقذ يونس‪ ،‬وشاعرنا ينهج نفس النهج‬ ‫"سبحان من خلق الحديد"‪.‬‬ ‫‪ 2‬ــ األم مصدر الخصوبة رمز الشاعر إليها باملطر‪ ،‬ويبدو من القصيدة أن أم شاعرنا كانت امرأة قروية‪ ":‬أكل الحقل‬ ‫أقدامها"‪ ،‬وللقروي عالقة باملطر تفوق عالقة ابن املدينة به‪ ،‬وهذا مرتبط مبعارشة الحقل ونتاجه الذي هو كل ما ميلكه‬ ‫القروي يوم كانت القرية قرية ‪ .‬يومها كان املطر بشارة‪ ،‬واألم يف قصيدة شاعرنا عمر شبيل ذات عالقة وثيقة باملطر‪ ،‬حتى‬ ‫لكأنها مطر آخر‪:‬‬ ‫قاحل‬ ‫وإذا بدا يف األفق غي ٌم ٌ‬ ‫أبرصت فيها غيمة ال تنضب األمطار فيها‬ ‫ُ‬ ‫كان يف دمها من التحنان ما يدعو السامء‬ ‫إىل املط ْر‬ ‫وتطل من تحنانها سب ٌع سامن‪.‬‬ ‫األم تبتكر املطر‪ ،‬حني تجف السامء ويصبح الغيم قاحالً‪ ،‬بل هي املطر حيث يطل من تحنانها سب ٌع سامن‪ .‬إنها تعقب‬ ‫الجفاف ألن حنانها يخصب األرض‪ .‬وإذا كان املطر عند أيب العالء رمزا ً لغسل األرض من أدرانها‪:‬‬ ‫تغس ُل‬ ‫األرض للطوفان محتاجة لعلها من مطر َ‬ ‫فاألرض عند شاعرنا عمر شبيل أم ولودة‪ ،‬وقد استقى هذا من حنان قلبها وغزارة مطر تحنانها‪ .‬وإذا كان املطر عند السياب‬ ‫وإليوت ثورة‪ ،‬فإن املطر عند شاعرنا هو خصب األمومة وهطولها عىل املوجودات كلها‪.‬‬



‫ــ ‪ 1‬ــ‬ ‫مل يتعب الشاعر سلامن زين الدين يف رحلته مع الكلمة‪ ،‬ألن الكلمة كانت يف البدء وستبقى‪ ،‬والبقاء يف حياة الكلمة هو امتداد‬ ‫لصلة الكلمة بالله واإلنسان يف آن‪ ،‬ويصبح هذا الحضور اإلبداعي ح ّياً مادامت الروح التي أبدعته متوترة‪ ،‬ومملوءة باألسئلة‬ ‫القلقة‪ ،‬واألجوبة املغلقة‪ ،‬وبني النقيضني ورصاعهام يصبح للكلمة حق البقاء املالزم لوجود اإلنسان‪ ،‬يقول "أوكتافيو باث"‬ ‫كاشفاً الغطاء عن عالقة الفن بوجودنا اإلنساين‪" :‬ال ميكن فصل الفن والشعر عن مصرينا األريض‪ :‬لقد ُوجِد الفن حاملا أصبح‬ ‫اإلنسان إنساناً‪ ،‬وسيستم ُّر إىل أن يختفي اإلنسان"‪ ،‬وبهذا ترتبط رحلتنا الوجودية بوجود الشعر والفنون كافة زادا ً لرحلتنا‬ ‫األرضية القلقة‪ .‬وقلق الرحلة متولد من توتر اإلنسان يف تجربته‪ ،‬واحتكاكه بوعثاء الطريق يف سفره بني املشيمة والكفن‪ .‬إن‬ ‫توتر اللحظة‪ ،‬وازدحام املسرية رشطان لبقاء النتاج املُتَك ِّور يف الكلمة ويف كل أوعية الفنون من الكلمة إىل اإلزميل إىل الصنج‬ ‫والوتر والحداء‪ ،‬واللون الدافق من فم الريشة إىل اللوحة أمام اإلنسان املسكوب فيها‪.‬‬ ‫ــ ‪ 2‬ــ‬ ‫إ ّن تح ُّو َل الدرب إىل دروب يف رحلة سلامن زين الدين الشعرية دليل ازدحام روحه مبغريات السفر الكشفي واالخرتاقي‪،‬‬ ‫والتقص‪ ،‬والذي ال ينتهي بتحول الجسد من حال إىل حال‪ .‬إ ّن مغريات السفر صاخبة رغم إغرائها‪،‬‬ ‫والناتج عن قلق البحث‬ ‫ّ‬ ‫قتام يف قتام‪ .‬ورصاع القتام غايته الوصول إىل النور الساكن يف الكلمة‪ ،‬وهي الله‪.‬‬ ‫وتظل تقرع عىل صدره‪ ،‬وهو يدخل من ٍ‬ ‫واالبتالء بالكلمة هو محاولة عميقة للعبور إىل الصوء‪ ،‬متاماً كام يعرب ضوء الكهرباء األسالك ليسطع يف املصباح‪ .‬تجربة‬ ‫الشاعر سلامن زين الدين خصبة ومغرية بالتقيص‪ ،‬وفيها جرس قائم بني الرتاث واملعارصة يف اإليقاع واملوروث الفكري‬ ‫والروحي‪ .‬وهذا التواصل بني الرتاث واملعارصة يجعل العمل الفني أكرث عمقاً وأش ّد متاسكاً‪.‬‬ ‫ويظل هو غري عابئ باملوت‬ ‫إن القوة اإللهية يف اإلنسان هي وحدها تحدد الدروب التي يسلكها يف مسريته التي تظل تزجيه‪ُّ ،‬‬ ‫عىل دروبها ليقينه أن املوت ليس إلغاء‪ ،‬وليس غوصاً يف ظلامت اللحود‪ .‬عدمية ال تتجاوز هيكل الطني‪ ،‬أما الروح فهي‬ ‫املوت نفسه‪ .‬إنها موت املوت‪ ،‬بهذا يكون املهد واللحد مرآتني لحقيقة واحدة بني‬ ‫جزء من العامل األكرب‪ ،‬وهي امللغية‬ ‫َ‬ ‫مرحلتي املشيمة والكفن‪ .‬إن أنبياء الرشق وأصفياءه والرائني فيه هزموا عقالنية الغرب املوغل يف عدمية قامتة تلغي معنى‬ ‫ْ‬ ‫أن نكون‪ ،‬وتحيل الوجود سأماً‪ ،‬و"سأم ألبري كاميه" هو سأم تجربة الحضارة الغربية كلها‪ .‬إنها حضارة متنكرة للروح مبعناها‬ ‫الضويئ الهادف إىل الرؤيا‪ ،‬إنه تجعل الكون مغلقا بأبوابه املادية السميكة‪ ،‬ومفاتيحها ذات الرصير القايس‪ ،‬وتلغي معنى‬ ‫رؤيوي نكونها ومن ُّر بها يف مرحلة الحأم املسنون‪ ،‬النتفاء غائية الوجود‪ ،‬وتجعل االنتحار باباً وحيدا ً‬ ‫كل كينونة ذات تطلُّعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫لولوج هذه العدمية القامتة التي تجعل اإلنسان غريباً حتى عن ذاته‪ .‬البد لروحانية الرشق من أن تنترص عىل عدمية الغرب‪،‬‬ ‫وماديته املطلقة‪ ،‬ألن هذه الرحانية تؤمن بالدميومة السامية امللغية كل أشكال السأم اإلنساين‪ ،‬وذلك مبا تهب للحياة‬ ‫من توتر يجعلها ذات غاية باستمرار‪ .‬رغم أن هذه الروحانية عانت كثريا ً وتعذبت يف الجسد الرشقي املس َّيج بالقليد البليد‬ ‫بسبب عبورها يف مملكة الظلامت‪ ،‬ولكنها مل متت‪ .‬روحانية الرشق التعترب أن الله سلطة مفصولة عن إرادة الروح‪ ،‬ألنها‬ ‫هي هو‪ ،‬الله يف روحانية الرشق وعرفانيته هو نور ويقني وبداهة‪ ،‬فالرشق يؤمن أن التألُّه موجود يف الغرائز‪ ،‬كام يرى أبو‬ ‫العالء املعري‪ ،‬ولذا تختار الروح معارجها ودروبها يف رحلتها الكونية الالنهائية‪ ،‬ويحق لها االختيار‪ ،‬وهي لتألُّهِها مسؤولة‬ ‫عىل دروبها أمام ضوئها ويقينها وغاياتها التي تسعى إليها‪ .‬وهذا السطوع الروحي نقله الشعر الصويف إىل الكلمة‪ ،‬وألن‬ ‫السطوع اإلرشاقي أفىض من الكلمة‪ ،‬فقد اعترب النقاد أن املتصوفني هم أول من قال بأدب الالوعي‪ ،‬لقد استعاروا اإلرشاق‬ ‫للكشف‪ ،‬واقرتبوا من لغة الوحي املعتمدة عىل التأويل‪ ،‬وبهذا نقلوا الشعر إىل مرحلة الرؤيا‪ ،‬وتجاوزا فكرة املحاكاة التي‬ ‫قال بها أرسطو‪ ،.‬لقد وضع الصوفيون كام يقول موالنا جالل الدين الرومي أذن الروح عىل نافذة القلب فكانت األصوات‬


‫دروب‬

‫بقلم عمر شبيل‬


‫لقد أدرك شاعرنا بعمق أن اصطحاب القلب هو زاد الرحلة‪/ :‬يؤازرين فؤاد عاشق أبدا ً‪ /‬وهو بهذا االصطحاب يتغلب عىل‬ ‫مخاوف الطريق‪ ،‬وبهذا يلتقي مع شاعرنا محمد عيل شمس الدين الذي اصطحب قلبه يف زحمة سريه نحو الله ليسعفه عىل‬ ‫رشدين هذا الدوران‪ /‬وقلبي كالدوالب يدور معي‪ /‬ويعانق من أهوى‪ /‬يوم األحد الواقع‬ ‫تخطي املكابدة‪ ،‬يقول محمد عيل‪ّ /‬‬ ‫فيه صمتي‪ .‬ال رحلة بال قلب مصطخب دامئاً‪.‬‬ ‫ــ ‪ 5‬ــ‬ ‫وهذا الخوف يجعل السالك معرضا للمعاناة ألنه يريد االنعتاق‪ .‬وهذا ما خطا عىل دروبه الصعبة املولهة شاعرنا سلامن‬ ‫عاشق أبدا ً‪/‬‬ ‫أشق‬ ‫الدرب‪ /‬يف الوعر الذي يعىص‪ /‬عىل القدم الكسيح ِة‪ /‬والخطا العجىل‪ /‬يؤازرين فؤا ٌد ٌ‬ ‫زين الدين‪ ،‬يقول‪ :‬وأنا ُّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫إخالص عميق‪ ،‬ألن املكابدة تعني‬ ‫دليل‬ ‫عصاي‪ /‬دروب ص ‪ . 8‬املكابدة يف رحلة السالك إىل املريد األكرب هي ُ‬ ‫وتعضدين‬ ‫ْ‬ ‫املرور عىل "سيكلوب"‪ ،‬وجزر الساحرات‪ ،‬وإغرائه ّن الذي ال يُقا َو ُم‪ ،‬وعبور منطقة بلوتو‪.‬املكابدة ناتجة عن َولَ ِه الوصول‬ ‫للخالص من السجون التي عناها رهني املحبسني بقوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أراين يف الثالثة من سجوين فال ْ‬ ‫النبيث‬ ‫تسأل عن الخ ِرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولزوم بيتي وكونِ‬ ‫الخبيث‬ ‫النفس يف الجسم‬ ‫لفقدي ناظري ِ‬ ‫نفس املعاناة نراها يف دروب سلامن زين الدين‪ ،‬فاأليْ ُن‪ /‬املكان سجن‪ ،‬وال بد من فتح باب السجن ليموت املكانُ‪/‬األي ُن‪،‬‬ ‫وتتحرر الروح‪ ،‬وإذا كان املكان سجناً‪ ،‬فالزمن سج ٌن أيضاً‪ ،‬ع ّرفه رهني املحبسني "بكون النفس يف الجسم الخبيث"‪ ،‬وسلامن‬ ‫ٍ‬ ‫زين الدين يقول‪ :‬األي ُن سج ٌن‪ /،‬واألوان ظالم ليلٍ‬ ‫دامس‪/‬يرخي عىل مهج العباد‪ /‬وأنا سجني األين‪ /‬دروب ‪ /‬شهرياد ص ‪. 11‬‬ ‫وإذا كان األين واألوان قد حارصا شهرياد يف رأي سلامن زين الدين‪ ،‬فألنه أسري الزمن املؤقت‪ .‬إن شهريار كان يسلك باتجاه‬ ‫الجسد وعقم وفائه‪ ،‬وما ينجم عنه من ظالم فإن شهرزاد تحاول أن تنقذه من ترابيته‪.‬‬ ‫تخل عن حصان الجسد‪ ،‬كام يقول‬ ‫ولكن هذه املكابدة ال تهبط بالسالك‪ ،‬ألنها تسري باتجاه النور‪ ،‬فالله يهب جناحني ملن ّ‬ ‫موالنا جالل الدين الرومي‪ ،‬والسالك ال "يستيضء بنار أهل الرشك" يف هذه املكابدة‪ ،‬ألن الرشك انفصام‪ ،‬واملريد األكرب‬ ‫هو "نور الساموات واألرض"‪ .‬يف النهاية السالك يفني برصه يف برص الحبيب‪ .‬يقول شاعرنا سلامن زين الدين رابطاً بني إحراق‬ ‫فمضت تي ِّم ُم شط َرها‪ /‬عطىش إىل النور الزالل‪ /‬لعلها‬ ‫اللهب‪/‬‬ ‫قناديل‬ ‫ُ‬ ‫نفسها لتتح َّو َل ضوءا ً‪ :‬كفراشة أغرت جناح ْيها‪/‬‬ ‫ْ‬ ‫الفراشة َ‬ ‫ْ‬ ‫تفنى به‪ /،‬دروب ال يش َء يدعو للقلق‪ /‬ص ‪ . 50‬علينا أن نالحظ هنا بدقة تحويل النور إىل سائل "زالل"‪ ،‬وهذا يعني أن وميض‬ ‫الضوء حني يغري األرواح الظأمى إليه يصبح ماء زالالً يربئ من الظأم املستب ّد بالرايئ‪ .‬واملكابدة تستمر ما دامت الفراشة‬ ‫غري فانية يف الضوء‪ ،‬وما دام الحجاب مسدالً وغري كاشف نور اليقني‪ .‬ال بد للسالك من عذاب‪ :‬يوقظه من نومه العميق‪/‬‬ ‫دروب ص‪ 9‬كام يرى شاعرنا سلامن زين الدين‪ .‬والرساب يعاين فوق الرمال امللتهبة‪ ،‬ويتمنى أن يصبح ما ًء‪ ،‬وألنه ال يستطيع‬ ‫ويظل يعاين‪ ،‬ويظل يكشف يف معاناته املستمرة عالقتنا بالحرمان الذي يلمع يف الذات وال‬ ‫فإنه يعاين ويتمظهر ما ًء للرايئ‪ّ ،‬‬ ‫يتح ّو ُل حقيقة ملموسة تشفي من الظأم‪ ،‬إن الرساب يعاين‪ ،‬ونعشق معاناته ألنه صورة عن معاناتنا نحن‪ ،‬وكم كان رائعاً‬ ‫الشاعر بدوي الجبل وهو ينقل لنا معاناة الرساب‪ ،‬تلك التي هي معاناتنا نحن‪:‬‬ ‫رصعاه لو علموا األرسا َر ما جزعوا مام يعانون‪ ،‬بل مام يعاني ِه‬ ‫سلمت إالّ ُ‬ ‫طيوف هوانا وحدها في ِه‬ ‫قلبي الدنيا فام‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫محوت من َ‬ ‫ومثله يف الداللة والروعة قول عمر أيب ريشة يف الرساب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الهاجعات عىل الظام‬ ‫اب وج ْدتِ ِه حلُ َم الرما ِل‬ ‫رس الرس ِ‬ ‫إن تهتيك َّ‬


‫تحمل أكرث من معنى‪.‬‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫أردت من هذه املقدمة أن أس ِّو َغ هذه الفردية العالية يف قصائد "دروب" الشاعر سلامن زين الدين‪ ،‬ألن الفردية إذا مل تكن‬ ‫خلق تردم صاحبها وتطمره‪ .‬وقد فرحت كثريا ً ألن فردية سلامن زين الدين كانت ذات َخ َب ٍب باتجاه‬ ‫سام متوتر ّ‬ ‫ذات تطلع ٍ‬ ‫الصفاء الكوين املتوتر والهادف إىل تنقية اإلنسان من بقع الظالم‪ ،‬والسمو به عن حأمة الطني ورغباته املتدنية واملحصورة‬ ‫بالرتاب وحده‪ .‬إنها فردية التتنكر للكلية التي هي العامل األكرب‪ ،‬والذي نحن تجلياته‪ ،‬وبروقه وسحبه املمطرة‪ .‬وحني نقول‬ ‫نحن إلننا نعني الروح التي هي امتداد الله فينا‪ .‬أما الجسد فإنه يشيخ ألنه من صنع الزمن‪ ،‬وال ميكن إيجاد دواء ضد الزمن‬ ‫‪ ،‬أما الروح فيه وليست فيه يف آن‪ ،‬وهي بهذا املعنى كام يقول أوكتافيو باث‪" :‬هذا الهناك الذي ليس هنا" هي تبقى هناك‬ ‫رغم سكناها الجسد‪ ،‬وكان العرب يعتقدون أن القصب يح ّن أبدا ً إىل منبته األصيل‪ ،‬وما أنينه إال شكاة غربته‪.‬‬ ‫فردية قصائد "دروب" يف معظمهاعالية الغاية يف محاولتها التخطي املصطخب يف داخله‪ ،‬وحني نقرؤ هذه القصائد نشعر‬ ‫أننا أمام روح تعرف مسالكها‪ ،‬وتتقرى دروبها بنورها اللامح‪ ،‬املتولد من الحدس الذي يتمرد باستمرار عىل ما ليس ضوءا ً‪،‬‬ ‫فلنستمع إىل هذه النجاوى التي تحمل الصخب العايل عىل الرغم من كونها نجاوى‪ :‬لآلخرين دروبُهم‪ /‬وخطاهم العجىل‪/‬‬ ‫سواي‪ ./‬الفردية هنا رؤيوية‪ ،‬وهذا يعني أنها‬ ‫كل يقلِّد شي َخه‪ /،‬ع َرب الزمان‪ /‬وليس يل شي ٌخ‬ ‫خطاي‪ٌّ /‬‬ ‫عىل تلك الدروب‪ /،‬ويل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫تحمل املفرد يف كونيتها األرحب‪ .‬الفرادة هنا تعلن عن ذاتها خارج التقليد‪ ،‬والطرق امل َوطّأة‪ .‬وإذا كان للعرفاين يف رحلة‬ ‫وجده شيخ ومريد‪ ،‬فهو مقلِّ ٌد و ُم ِ‬ ‫ستد ٌّل بغريه‪ .‬أما سلامن زين الدين فإنه يتلمس دروبه بخطى مأمورة من داخله‪ ،‬و"مريده"‬ ‫يف داخله‪.‬‬ ‫ــ ‪ 4‬ــ‬ ‫ال بد من دليل يف الدروب التي نسلكها‪ .‬والدليل الذي ال ينضب عطاؤه هو القلب‪ ،‬ومن كان قلبه دليله فهو مبأمن من العبور‬ ‫يف مناطق الشبهة والحرية والظلامت‪ .‬ال بد من صحبة القلب يف العبور إىل الله‪ ،‬لقد شكا املتصوف اللورستاين "بابا طاهر‬ ‫عريان" من أن قلبه خذله يف نصف الطريق فوقع يف برئ الشك‪ ،‬كان يرصخ يف حريته الصاخبة‪:‬‬ ‫بَ ِد ْل كفت ْم رفيقي تا ْ‬ ‫مبنزل ندانست ْم رفيقي نيمى راهي‬ ‫ومعناه‪:‬‬ ‫لقد قلت لقلبي ك ْن رفيقي إىل املنزل األخري‪ ،‬وما كنت أدري أنه كان رفيق نصف الطريق‪.‬‬ ‫صعب أن تسري‪ ،‬وقلبك ليس معك يف رحلتك الكونية‪ ،‬ورائع قول الرسول العريب محمد بن عبد الله‪" :‬ال صالة إال‬ ‫وكم هو‬ ‫ٌ‬ ‫بحضور القلب"‪ .‬فإذا كانت الصالة اتصاالً بأصلها‪ ،‬فكيف يتم االتصال وقلبك ليس معك‪.‬‬ ‫إن اصطحاب القلب يف الرحلة يعني الحنني إىل األصل‪ ،‬والحنني يضمر حنني الحياة وملعانها يف املوت‪ .‬يرى موالنا جالل‬ ‫ُطعت منه‪.‬‬ ‫قص َبته التي يخرج منها اللحن تبيك للعودة إىل أصلها يف الغاب الذي ق ْ‬ ‫الدين الرومي أن الناي ينوح ويبيك‪ ،‬ألن َ‬ ‫إنه يبيك النفصاله عن أمه الغابة‪ ،‬وشكواه من انفصاله هي تعبري عن شكوانا املولَّ َهة النفصال املوجود عن الواجد‪ .‬وهذا‬ ‫ناتج عن‬ ‫هو الرس يف أنينه املستمر والباقي "بعد أن يفنى الوجود" كام يقول جربان خليل جربان‪ .‬والحقيقة أ ّن هذا األنني ٌ‬ ‫الخوف واملعاناة‪ ،‬الخوف الذي ينتابنا من لحظة انفصالنا ساعة الوالدة عن ذلك السديم الالنهايئ‪ ،‬ولن يزول الخوف إال‬ ‫بعودة اللحن إىل ريح الغابة التي توزع األلحان يف ريح تجتمع فيها كلية الكون‪ .‬الكون الذي يجعلنا ساعة الوالدة أرسى الزمن‬ ‫املؤقت‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫فالضال يستدل عىل ربه من‬ ‫البديع يظهر دامئاً فيام يبدعه‪ ،‬وقتها ترتبط الغاية املثىل بني الجامل وبني الغاية املرج َّوة منه‪،‬‬ ‫خالل جامل مخلوقاته‪ .‬هناك عالقة وثقى بني البديع وما يبدع‪ .‬إنك ترى الشاعر يف قصيدته إذا كانت بديعة‪ .‬والتاريخ يحدثنا‬ ‫أن عمر بن الخطاب آمن بالله بعدما قرأ سورة "طه" يف بيت أخته‪ ،‬وح ّوله إبداع الصياغة من منتقم إىل مؤمن‪ .‬فالجامل يف‬ ‫مغي للطبيعة اإلنسانية باتجاه األسمى دامئاً‪.‬‬ ‫دخيلة النفس اإلنسانية ليس ترفاً‪ ،‬وإمنا هو ِّ ٌ‬ ‫ــ ‪ 8‬ــ‬ ‫إذا كان الشعر كالدين يدخل يف صياغة اإلنسان‪ ،‬وتغيري طبيعته فإنه يرتكب فعل الخيانة مبعناها التغيريي الجميل‪ ،‬فكل‬ ‫إبداع هو متجاوز ملا هو قائم‪ ،‬فهو يخونه بتجاوزه وعدم السري عىل دروبه امل ّوطّأة‪ .‬فقد كان الشعر والدين خالل تاريخ‬ ‫اإلنسانية أشبه بالكيامء التي تستطيع تحويل كل املعادن ذهباً‪،‬هذا ما يؤكده الشاعر يف قصيدته " األمني الخائن" املهداة إىل‬ ‫"أمني الباشا"‪ .‬كان أمني تجاوزياً فتدخل يف أذواقنا وفعل ما يشاءـ لقد خان ما هو قائم‪ .‬والخيانة يف الشعر من أم ميزاته‪:‬‬ ‫الريح‪ /،‬ال يرسو عىل ب ٍّر‪ /،‬وتغريه الخيانة‪ /,‬األمني الخائن‪ /‬ص‪ ./33 /‬إنها الخيانة األمانة ألنها‬ ‫من زمان‪ /،‬ميتطي هذا األم ُني َ‬ ‫سعي حمي ٌم ومحموم الطياملاد الجامل الذي هو غاية الفن‪ ،‬وهكذا ترتكب الخيانة املبدعة فعل األمانة‪ :‬فإذا ما صفحة‬ ‫ٌ‬ ‫أبكم‪ /،‬حتى إذا ما أيق َظ األنهار‪ /‬واألطيار‬ ‫بيضاء أغوته‪ /،‬تراه ينتيض ريشته‪ /،‬يوري بها زند الجامل‪ /‬املختفي خلف بياض ٍ‬ ‫واألزها َر‪ /‬من غفوتها‪ /‬أ ّدى األمان ْة‪ /‬دروب‪ /‬األمني الخائن‪ /‬ص ‪ ./34‬فإذا كانت القلوب مستودع األرسار‪ ،‬فالشاعر يخون قلبه‬ ‫مجاري ألنها ٍر يف دواخلنا‪ ،‬عليهم كاألنبياء‬ ‫بإذاعة أرساره‪ .‬ونعم الخيانة هذه‪ .‬إن خيانة الشعراء أمانة إذا استطاعوا أن يحفروا‬ ‫َ‬ ‫أن يغريونا باستمرار‪ .‬وأن يتدخلوا يف تكوين طبائعنا‪ ،‬ألن الشعر الجيد ال ينبع إال من آبار القلوب العميقة‪ ،‬والتي غارت فيها‬ ‫األفعى التي رسقت نبتة الحياة من جلجامش‪ ،‬الذي غاص يف مياه املوت العميقة الحتيازها‪ .‬والشاعر الحيقي يغوص يف‬ ‫أعامقه الداخلية بحثاً عن النبتة النابتة من الحرف الصادر من الذات‪ ،‬والشاعر املبدع يبقى حياً ما دام يكتب‪.‬ألن الشاعر‬ ‫قلب الشاعر ألن التوتر واألسئلة الصعبة‬ ‫الحقيقي ال ينصت إالّ لخفقان قلبه‪ ،‬وخفقان القلب وقود الحياة‪ .‬والشعر يستهلك َ‬ ‫تعتلج فيه وتتعبه بإلحاحها‬ ‫وحني يفيض الكالم عن االنفعال يصبح شعرا ً‪ ،‬فاالنفعال مشيمة الشعر والهدوء واالستقرار كفنه‪ .‬وقتها نتقرى اإلبداع يف‬ ‫القصيدة‪ .‬يقول "هولباك"‪" :‬أيها الشعراء كونوا كريهني تكونوا حقيقيني‪ ،‬ال تنتسبوا إىل يشء‪ ،‬أو انتسبوا ثم ارتكبوا ت ّوا ً فعل‬ ‫الخيانة"‪ .‬الداللة العميقة لهذا الرأي أن الشاعر يجب أن يكون ناقدا ً قبل أي يشء‪ ،‬ألن "الزمن الحديث زمن نقدي" كام‬ ‫يقول أوكتافيو باث‪ .‬النقد‪ ،‬وطرح األسئلة‪ ،‬واملغامرة يف ارتياد املناطق القصية من الذات تجعل الشاعر شاعرا ً‪ ،‬وتجعل‬ ‫الرايئ نبياً‪ ،‬كالهام ينطلق من الحدس الذي هو إزاحة الحجاب بني الرايئ واملريئ‪ .‬ال بد للقلب من آلة كام يقول املتني‪ ،‬وآلة‬ ‫القلب إالّ من‬ ‫القلب هو الضوء الذي يحرم القلب من النعاس‪ ،‬ويبقى متقلباً باحثاً عن جذوة تكمل احرتاقه‪ ،‬فليس يعمر‬ ‫َ‬ ‫أجمل شعركم‪ ،‬فأجاب‪ :‬ألننا نقولها‪ ،‬وقلوبنا‬ ‫يخ ّربه‪ .‬وكلام كان القلب مخرباً سطع الشعر فيه أكرث‪" .‬سئل أعرايب‪ :‬ملَ مراثيكم ُ‬ ‫محرتقة"‪ .‬وجبل التوباد لوال قلب قيس بن امللوح ما كان يثرينا‪ ،‬حتى لكأنه هودج امرأة‪.‬‬ ‫ــ ‪ 9‬ــ‬ ‫وحدة الوجود هاجس ك ْوين يف شعر سلامن زين الدين‪ ،‬وهي وإن تأثرت بنزعته التكوينية املؤمنة بالتقمص مرقى إىل االلتحام‬ ‫بالذات املطلقة‪ ،‬فإن هذه النظرية يف جوهرها هي رحلة تعرية اإلنسان من ترابيته خالل الحيوات املتعاقبة‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫دورة الحيوات هادفة إىل تعرية اإلنسان من ترابيته فإنها تتم عرب معارج صعبة‪ ،‬ألن الصعود صعب دامئاً‪ ،‬والتقمص ينقض‬ ‫التناسخ الذي هو باتجاه األدىن‪ .‬والذي يسلكه شعر سلامن بني الخيارين هو االتجاه األعىل الذي عرب عنه بالنور ومراياه عرب‬ ‫الرحلة الكونية إىل "أن يصبح اإلنسان إلهاً" كام يقول جربان خليل جربان‪ ،‬والنور يف شعر سلامن زين الدين منطلق من مشكاة‬ ‫واململق الجس ُد" كام يقول الشاعر بدوي الجبل‪ .‬وبفنائه يف رحلة الوصول إىل الله ال يبقى غ ٌري غ َري‬ ‫الجسد‪ ،‬فـ "الروح ُم ْ ِثي ٌة‬ ‫ُ‬


‫وبأسلوب ش ِّي ٍق مبدع التقط شاعرنا‬ ‫إن اإلبداع يح ّول الجفاف إىل نضارة‪ ،‬كام ح َّول إزميل "ميكال أنجلو" الحجر إىل "موىس"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سلامن زين الدين الحال‪ ،‬وح ّو َل إإلزميل إىل لسان متكلم‪ ،‬مبدع يف قصيدته املهداة إىل الفنان جميل مالعب‪ ،‬يقول شاعرنا‬ ‫سلامن زين الدين يف عبقرية هذا الفنان‪ :‬وهو امل َو َّز ُع بني ريشته‪ /‬الطليقة يف مهب الف ِّن‪ /‬تجرتح الجامل‪ /‬وبني إزميلٍ‬ ‫كل "موىس"‪ /‬ليس ينقصه الكالم‪ /‬دروب‪/‬‬ ‫ضت عن ِّ‬ ‫عنيد‪ ٍ/‬راود األشجار واألحجا َر‪/‬عن أرسار فتنتها‪ /،‬وطارحها الغرام‪ /‬فتم َّخ ْ‬ ‫تشكيل‪ /‬ص ‪. 42‬‬ ‫ــ ‪ 6‬ــ‬ ‫إن الرؤيا العرفانية يف شعر سلامن زين الدين هي محاولة الستعادة الحياة الحقيقية‪ ،‬حياة الزمن الداخيل الذي كان حرا ً من‬ ‫كل القيود التي تك ّبله‪ ،‬وإذا كان مثة حوار يجوس خالل السالك فهو حوار الجسد واملوت‪ ،‬بقول "أدونيس"‪" :‬يف الحنني‬ ‫إىل املهد حنني مضم ٌر إىل اللحد"‪ .‬هام وجهان لحقيقة واحدة‪ ،‬ليس غري‪ .‬والحوار مع الريح صعب‪ ،‬ألنه حوار قائم عىل‬ ‫وصعب السلوك تذكّ َر شاعرنا لذة الوصول في ّمحي التعب‪،‬‬ ‫الدروب املمتدة بني املشيمة والكفن‪ ،‬وكلام ادلهمت الدروب‬ ‫َ‬ ‫وتكون نشوة الوصول ذات روائح لها تأثري سحري عىل إلغاء املسافة بيقني الحلول‪ ،‬وحني ينحرس طني الغربة بنوافج الجامل‬ ‫يستيقظ القلب‪ :‬ال يش َء يشغله‪ /‬سوى عشق الجامل‪ /‬دروب ص ‪ . 9‬وللجامل تجليات تجعل املكابدة أجنحة للوصول‪.‬‬ ‫ــ ‪ 7‬ــ‬ ‫البد من التأكيد عىل أن "دروب" الشاعر سلامن زين الدين هي دروب العملية الشعرية‪ ،‬وهو يطارد شواردها شغفاً ويقيناً‬ ‫منه أن الفن وحده هو ما يبقى من اإلنسان بعد تحلل ترابيته املتحولة‪ ،‬ولذا يستب ّد به يف دروبه تصميمه عىل االنسفاح يف‬ ‫مهب لريح‪ /‬وهو ينام ملء جفونه‪ /‬ال‬ ‫القصيدة‪ ،‬وهذا يتكرر كثريا ً يف "دروبه" ‪ُّ :‬‬ ‫وأحل يف بيت من اإللهام‪ /،‬تغبطه خيا ٌم يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫بعض دخيلتي‪ /،‬وأغوص يف األعامق‪/ ،‬‬ ‫شاهق‪/‬‬ ‫يشء يشغله‪ /‬سوى عشق الجامل‪..... /‬وأنا أ َحل ُِّق يف فضاء‬ ‫ٍ‬ ‫وأشارك األنجا َم َ‬ ‫أقطف د َّرها املكنون‪/‬أنضده عقودا ً من سنا‪ /‬دروب ص ‪. 10‬‬ ‫ُ‬ ‫ويالحظ يف هذه الدروب أن الضوء هو املدخل إىل الجامل‪ ،‬بل وإىل تقويم الخلل الذي يصيب روح الحياة‪ .‬ففي قصيدة‬ ‫"شهرياد"‪ ،‬يكون املوت هو املساء‪ ،‬ورمزه شهريار "امللك غري السعيد"‪ ،‬املغلف بالظالم وبسوء الظن بالبرشية كلها‪ ،‬كان‬ ‫شهرياؤ رمزا ً لكثافة ليله الداخيل‪ ،‬وكان ال بد من شهرزاد لتصنع صباحاً بكالمها الذي كان ميتشق الصباح سيفاً لقتل ظالم‬ ‫شهريار‪ ،‬وكان ال بد من التعبري عن املكابدة التي كان يعاين منها شهريار‪ ،‬وكانت مكاشفته تعبريا ً عن معاناته ونجاته من‬ ‫الظالم‪ :‬شكرا ً جزيالً شهرزاد‪ /‬أيقظتني من نومة الكهف‪ /‬التي أوغلت يف أحالمها‪ .../‬وأنا مريض الوهم يقتلني السواد‪ .../‬هو‬ ‫يدب بني مفاصيل‪ /‬شكرا ً جزيالً شهرزاد‪ ./‬شهرياد‪ /‬ص‪ ./24/23 /‬الضوء أحدث انقالباً يف ذات شهريار‪ ،‬وجعله‬ ‫ذا‬ ‫النعاس ُّ‬ ‫ُ‬ ‫يرى جامل الحياة‪ .‬وبهذا يصبح الجامل خبز الحياة املقدس‪ ،‬ويكون معصوماً عن الزلل‪ .‬ويكون صعباً أن تستمر الحياة إذا‬ ‫انفقد الجامل‪ ،‬ألنه وحده يحتل القلوب‪ ،‬وليس الجيوش‪.‬‬ ‫وبهذا يصبح الجامل غاية‪ ،‬حيث ينقلب إىل دحر ظلامت النفس‪ ،‬وألنه غاية مسكونة بالضوء‪ ،‬ومش ّعة يف الزمن الداخيل‬ ‫اململوء بالصيال والجيال مع صعوبات الرحلةـ والجامل عند شاعرنا سلامن زين الدين يبلغ مداه بالفن وحده‪ ،‬ملاذا الفن؟‪.‬‬ ‫ألنه عمر ثانٍ "وفضول العيش أشغال" كام يقول أبونا املتنبي‪ .‬الفن وحده يلغي الفناء ويح ِّو ُل املكابدة إىل لذة وإرشاق‬ ‫ونجاة من أذى الظالم‪ :‬سوف تبقى يف دياجري الليايل‪ /‬نجمة الف ِّن‪ /‬التي تومي إىل عشق الجامل‪ ./‬األمني الخائن‪ /‬ص ‪39‬‬ ‫وإذا كان الوصول إىل الجامل عىل طريق املعاناة يكون املكابد وقتها كالبلبل الذي يأكل الشوك‪ ،‬ولكنه يذرفه ألحاناً شجية‪،‬‬ ‫ليس فيها من الشوك غري مكابدة أكله‪ .‬إن الغزال ُّ‬ ‫يحك نافجته بالحجر‪ ،‬ويدميها‪ ،‬ولكن هذا الدم يتحول مسكاً‪ ،‬وما كان له‬ ‫بعض دم الغزا ِل"‪ .‬إن‬ ‫أن يتح َّو َل مسكاً لوال احتكاك نافجته بالحجر‪ ،‬وخروج الدم منها‪ ،‬وقدمياً قال املتنبي‪" :‬فإ ّن املسك ُ‬


‫سلامن زين الدين ابن قرية‪ ،‬مساحاتها ليست جائعة للضوء‪ ،‬إنها تشعل قناديلها من ثلوج شيخ الجبال العصية عىل‬ ‫التاليش‪ ،‬والتي تغذي الجهات كلها بالحياة‪ ،‬وهبها شيخ الجبال ضوءا ً لتصبح "كوكبة"‪ ،‬وعىل ضوء ثلوجها‪ ،‬وزئري عواصف‬ ‫شيخ الجبال كان سلامن زين الدين يرسق شعره من هذه العواصف‪ ،‬وكان جبلياً رائع التمدن‪ ،‬وكان ينمو كام تنمو فيها بكارة‬ ‫العطاء وخلود األرض‪ /‬السامء‪.‬‬


‫الله‪ ،‬كام هي حال الحالّج الذي "مل ي َر غري الله غريا ً"‪ .‬يقول سلامن زين الدين متوحدا ً باآلخر عرب النور واملرايا الصقيلة يف‬ ‫قبس من شعلة الروح‪ /‬ومرآ ٌة صقيل ْة‪/‬‬ ‫السري إىل الله‪:‬‬ ‫واقرتب مني قليالً‪ /‬لرتى وجهك يف مرآة وجهي‪ /‬فأنا ُ‬ ‫ْ‬ ‫لست سواك‪ /‬وكالنا ٌ‬ ‫الروح مرايانا‪ /‬فنحيا‪ /‬وتغيب الروح عنها‪ /‬فتغيب‪ /‬حجر‪ /‬ص ‪ /73‬الرحلة هنا عىل خيول النور‪ ،‬وسطوع‬ ‫‪....‬مذ ُوجِدنا‪ /‬تسكن ُ‬ ‫النور يجعل الرحلة أرسع‪ .‬والجميع يسريون إىل مصدر النور‪ ،‬منعكسني يف مرايا مختلفة‪ ،‬وهذه نزعة إميانية عالية الداللة‪،‬‬ ‫جميعنا نتجه للتوحد بالذات الكربى‪ ،‬وفينا رغبات الوصول تزدحم‪ ،‬ولكنها ال تخطئ هدفها‪ ،‬ألن النور يرشدها‪ ،‬ومن سار‬ ‫واصل‪ ،‬يقول سلامن زين الدين‪ :‬واح ٌد مصد ُر ذاك النور‪/‬لك َّن مرايانا التي تعكسه‪ /‬تبقى كثرية‪ /‬حجر ‪ /‬ص ‪.76‬‬ ‫يف النور فإنه ٌ‬ ‫وحدة الوجود يف شعر سلامن زين الدين تجعل الرحيل إياباً‪ ،‬فينتفي املوت‪ ،‬ويغدو اإلنسان هو العامل األكرب‪ :‬ف ُندر ُِك أن‬ ‫َ‬ ‫رحيلك وه ٌم‪ /‬وأن مآل الرحيل اإلياب‪ /‬ص ‪،106‬‬ ‫إن العداوة بني البرش هي من معيقات الوصول‪ ،‬وال تنسجم مع رحلتنا إىل الله‪ .‬وهي مسافة كالحة يف مملكة بلوتواملديدة‬ ‫الظالم‪ ،‬والدعوة إىل السالم هي العودة إىل طريق النور‪ ،‬وال بد أن يعم السالم لحامية أشياء هذا الكون من الدمار الذي‬ ‫يصنعه الظالم‪ .‬إن النور والسالم يوصالن إىل الله‪ ،‬والدعوة للسلم جميلة الداللة يف شعر سلامن زين الدين‪:‬يا أخي يف‬ ‫األرض‪/‬ونحن‪ ،‬اإلخو َة األعدا َء‪ /،‬يُفني بعضنا بعضاً‪../‬‬ ‫الخلق‪ /‬إنّا من تر ٍ‬ ‫اب قد ُخلقْنا‪ /‬وإليه سنعود‪ /‬فلامذا نتفاىن‪..../‬أمنا ُ‬ ‫وغدا ً حني نل ّبي‪ /‬دعو َة األم إىل الحضن الرؤوم‪ /‬وتنادينا مواعي ُد القد ْر‪ /‬لن ينال الواح ُد الفر ُد‪ /‬سوى مرتيْنِ لحدا ً‪ /،‬وحجر‪/‬‬ ‫قصيدة حجر‪ /‬ص ‪ ./78‬وال يجد شاعرنا يف جيبه ماالً لريشو به الدنيا‪ ،‬فيحاول رشوتها بالشعر‪ ،‬وهو كل ما ميلك من ذخائر‬ ‫هذه الدنيا‪ ،‬ولكن كل ذلك ال ينجيه وال ينجينا"من خبب الليايل"‪ .‬نظرة سوداوية يف الرحلة‪ ،‬ولكنها عا ِدي ٌة بأنيابها‪ ،‬وال مف ّر من‬ ‫نخاتل األيا َم‪ /‬نرشوها مبال الفن‪ /‬يك تختار مجراها‪ /‬بعيدا ً عن‬ ‫ُ‬ ‫اإلقرار بها‪ ،‬فيغطيها سلامن زين الدين بشع ٍر حزين‪ :‬ونحن‬ ‫تهب عىل حدائقنا‪ /‬فتقطفنا وتذرونا‪/‬‬ ‫حدائقنا‪ /‬وتنسانا‪ .../‬فرتفض َ‬ ‫عرضنا املغري‪ /‬وت ُعرض عن رشاوانا‪ /‬هي األيام ما زالت‪ُّ /‬‬ ‫وعجيب أن نعاف ما ال ب ّد من رشبه‪.‬‬ ‫عاصفة‪ /‬ص ‪ . /82‬إننا يف عمرنا الرتايب ال نستطيع خلع أحزاننا‪ ،‬وسنبقى بني املوىت‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ولعل ضعف اإلنسان يف ترابيته املضنية يجعله مستحقاً ذلك النور الذي ينتظر بزوغه من مشكاة الجسد املظلمة‪ .‬ال بد من‬ ‫السري باتجاه مصدر نور الساموات واألرض‪.‬‬ ‫ــ ‪ 10‬ــ‬ ‫الخية يف اإلنسان من‬ ‫إن تجديد القوة الروحية لإلنسان يبدأ من إيقاظ الزمن البدايئ فيه‪ ،‬ذلك الزمن الذي يحفز النزعات ِّ‬ ‫خالل توحده بالطبيعة‪ ،‬والتي تبقى األ َّم يف الوالدة‪ ،‬وتبقى الحضن األخري للعودة إليها‪ .‬يف محاريب الطبيعة التكون وحدك‬ ‫حتى ولو كنت وحدك‪ .‬حني يخلو اإلنسان إىل نفسه‪ ،‬وهو متحد بالطبيعة يكون الناس جميعاً فيه‪ ،‬يقول إيليا أبو مايض‪:‬‬ ‫كنت وحيدا ً فإذا الناس كلهم يف ثيايب‬ ‫خلت أين يف الغاب ُ‬ ‫ُ‬

‫يف حرضة الطبيعة يكون الشاعر طفالً مع أمه‪ ،‬فيطلب منها الحلوى واللُّ َعب‪ ،‬ويتمرغ عىل صدرها بحنان ال ينتهي‪ ،‬فإذا‬ ‫السواقي رشايني يف جسده‪ ،‬وإذا الورود فساتني بنات الحي املل َّونة‪ ،‬وإذا النسائم أو العواصف أصوات كل الذين عربوا حياته‪.‬‬ ‫وقتها يرى كل يشء‪ ،‬ويغوص فيه‪ ،‬وتصحو فيه الكائنات كلها‪ ،‬فالطبيعة تكون فيه لقاء‪ ،‬وليست وداعاً‪ .‬وفرح الوجدان‬ ‫البرشي بتوحده بالطبيعة يجعل الطبيعة حاملة كل اشتهاءات الروح البرشية‪ ،‬حتى لكأن املوت يكون رحيل األجساد إىل‬ ‫السامء‪ ،‬أما األرواح فتأىب الهجرة عن ذاتها التي أوجدتها‪ ،‬فالحنني إىل الرحم يظل هو املتحرك فينا كالجنني يف ذات أمه‪.‬‬ ‫يف شعر سلامن زين الدين تغدو الطبيعة مهرجاناً تتحرك فيه املوجوات بروح‪ ،‬وليس بريح‪ :‬الثلج ميحو ما‪ /‬يد اإلنسان‬ ‫الساموي‬ ‫خطته‪ /‬عىل لوح املكان‪ /‬واألبيض األنقى‪ /‬يُلَ ِّون لوحة الدنيا‪ /‬وي ْب َي ُّض الزمان‪ /‬فتبارك الرسام يف عليائه‪ /‬وتبارك الغز ُو‬ ‫ّ‬ ‫الذي يلقي عىل الدنيا‪ /‬مناديل السالم‪ /‬مهرجان‪ /‬ص ‪ . 91‬الثلج هنا ليس قاسياً‪ ،‬وليس معيقاً لحركة الكون‪ ،‬إنه مناديل‬ ‫السالم‪ ،‬مناديل نساء قرانا اللوايت يحملن أمومة األرض يف أرحامه ّن‪ ،‬وفيام يلد َن أيضاً‪.‬‬


‫توقعات نجمه لشهرترشين األول ‪ /‬اكتوبر ‪ – 2017‬برج الحمل‬ ‫(‪ 21‬آذار – ‪ 20‬نيسان)‬ ‫كل جرح يرتك ندبه ‪ ،‬وكل ندبة لها حكاية تقول‪:‬‬ ‫لقد تجاوزت املحنة …‬ ‫شهر االحداث املتنوعة والطارئة‬ ‫يحمل يوما ‪ ٤‬و‪ 5‬أجواء جيدة يف حني يحذرك الفلك من توتر يوم ‪ 7‬وبعض تبعاته يوم ‪. 8‬‬ ‫أفضل أيام الشهر تقع يوم ‪ 9‬و ‪ 10‬و ‪ 11‬كام يومي ‪٩1‬و‪.20‬‬ ‫ابتداء من االربعاء ‪ 9‬ترقّب وضعاً عاطفياً أفض من االيام السابقة وبعض التطورات واللقاءات املناسبة للعازبني‪.‬‬ ‫حافظ عىل سالمتك واستقرار يوما ‪ 7‬و ‪ ، 8‬وبادر اىل جديد بني يوما ‪ 9‬و ‪ ، 10‬فالقمر الجديد يف العذراء كام الكسوف الجزيئ يوم ‪ 13‬يشريان‬ ‫اىل تبدالت وتغيريات يف العمل ‪.‬‬ ‫راجع أجواء الكسوف والخسوف يف ‪ 13‬و ‪ 28‬كام وضحتها اليك يف الفقرة السابقة‪.‬‬ ‫ساتورن العائد اىل القوس يوم ‪ 18‬يشري اىل انفراجات يف حياتك املهنية واالجتامعبة واىل بعض االرتباطات الثقافية والفكرية املميزة كام اىل‬ ‫تقدم يف العمل ابتداء من هذا التاريخ‪.‬‬ ‫ينتقل كوكب مارس اىل العذراء يوم ‪ 25‬فيخف وهجك عىل الصعيد املهني قليالً وترتك االحالم مكانها اىل بعض الوقائع واملالحظات‬ ‫والرتتيبات العملية التي يجب أن تقوم بها‪.‬‬ ‫حرض نفسك يوم ‪ 29‬لجديد ‪ ،‬حيث تكتسب شعبية وتجد نفسك وسط ظروف مميزة ‪ .‬قد تظهر عن قدرات وتحرز إنجازات مهمة‪.‬‬ ‫لشهر‪/‬ترشين األول‪/‬اكتوبر ‪– 2017‬توقعات نجمه برج الثور‬ ‫(‪ 21‬نيسان – ‪ 20‬أيار)‬ ‫استيقظ كل صباح عىل أمل يف أن شيئاً رائعاً سيحدث‬ ‫إرشاق وتألق وثقة بالنفس‬ ‫ال تلق الضوء عىل انجازاتك وأعاملك بني يوما ‪ 3‬و ‪ ، 6‬وكن متحفظاً جدا ً ‪ ،‬وقد ال يعجبك ما يحصل إمنا التكتم وعدم البوح مبا يف داخلك‬ ‫رضوري للنجاح‪.‬‬ ‫يعاود فينوس يوم ‪ 6‬سريه املبارش يف برج األسد ويزيل بعض الشكوك ويفتح األبواب أمام ثقة أكرب بنفسك وباآلخر ‪.‬‬ ‫القمر الجديد يف العذراء بتاريخ ‪ 12‬مع الكسوف يفتح أمامك أبواباً كانت مغلقة ويشري اىل ايجابيات لكنه يطلب إليك الرتوي وتجنب التهور‬ ‫وعدم االستثامر وقد يعني يف االيام املقبلة بعض التغيري يف امليدان املايل ألحد الوالدين‪.‬‬ ‫قد تتناغم مع مشكلة يعاين منها الزوج بني يوما ‪ 17‬و ‪ ، 18‬ويحمل يوم ‪ 22‬و ‪ 23‬وعود جديدة وكذلك يوم ‪ 26‬يوحي بخري مطمنئ ‪.‬‬ ‫ال تعط ثقة الهوائك يوم ‪ 25‬وكن متحفظاً جدا ً ‪.‬‬ ‫مطلوب منك التأين يوم ‪ 28‬وال تترسع يف أي يشء ‪ ،‬وقد سيارتك بهدوء‪.‬‬ ‫توقعات نجمه لشهرترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج الجوزاء‬ ‫(‪ 21‬أيار – ‪ 21‬حزيران)‬ ‫ال تعد الحياة مبرات التنفس‬ ‫ولكن باالوقات املذهلة التي تقطع األنفاس‬



‫(‪ 23‬متوز – ‪ 22‬آب)‬ ‫جميل هو هذا القول‪ :‬عندما ف ّرق الله العقول ‪ ،‬الكل اكتفى‪،‬‬ ‫وعندما ف ّرق الرثوات ‪ ،‬الكل اشتىك‪.‬‬ ‫ثالثة أسابيع ضاغطة جدا ً‬ ‫تبدأ الشهر بيوم واعد هو يوم ‪ ، 1‬حيث تحتفل بجديد مميز ‪ ،‬إال أن يوما ‪ 2‬و ‪ ، 3‬فيحذرانك من عدائية وسوداوية تجتاحك‪ ،‬فترتاجع‬ ‫املعنويات‪.‬‬ ‫قد تعاين من بعض االخطاء الحسابية واملهنية ‪ .‬تتحمس ألحد االشخاص بني يومي ‪ 4‬و ‪ ، 6‬لكنك قد متر بفرتة من القلق بني يومي ‪ 7‬و ‪، 10‬‬ ‫وإعادة النظر ببعض االرتباطات ‪ .‬تصطدم رمبا بسلطة معينة وتعيش انفعاالت كثرية‪ ،‬وانتبه طوال الشهر لصحتك وسالمتك ‪ ،‬كام لسالمة‬ ‫املقربني‪.‬‬ ‫الكسوف الحاصل يوم ‪ 13‬يتحدث عت غياب أو اختفاء أو ضغط أو عن إرث أو خطأ يف بعض العمليات الرشائية أو املالية فحاسب جدا ً ‪.‬‬ ‫واحم نفسك من أصحاب النوايا السيئة ‪.‬‬ ‫قد يشكل يوما ‪ 17‬و ‪ 18‬خطر عليك يف هذا االطار‪ .‬انتبه ألي عقد توقع عليه ِ‬ ‫بني يومي ‪ 14‬و ‪ ، 16‬وقد تعرف لقاء عاطفي مميز أو تقع يف الحب ‪ .‬وقد تتطور هذه العالقة يف الفرتة الالحقة أو بني يومي ‪ 19‬و ‪ ، 21‬ويف هذه‬ ‫التواريخ تطلع عىل جديد يرضيك وتتلقى خربا ً جديدا ً جيدا ً ‪ ،‬وإذا تعرفت اىل حبيب مميز يف االسبوع االول من الشهر ‪ ،‬فإنك تعلن عن ذلك‬ ‫اآلن أو ترسع اىل خطوبة أو زواج‪.‬‬ ‫انتبه لصحتك وراجع الطبيب لدى أي عارض بني يومي ‪ 22‬و ‪ ، 25‬والقمر املكتمل يف الحمل يوم ‪ 28‬مع الخسوف قد يشكل إشارة جيدة‬ ‫بالنسبة إليك لكن ال تقدم عىل سفر يوم ‪ ، 30‬وكن حذرا ً مع بعض املقربني ‪.‬‬ ‫توقعات نجمه لشهر ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج العذراء‬ ‫(‪ 23‬آب – ‪ 22‬أيلول)‬ ‫إن االفكار الخاطئة ليست كلها سيئة‪.‬‬ ‫تدخل دورة فلكية جيدة اعتبارا ً من ‪42‬‬ ‫تناقش أمرا ً مالياً يف بداية الشهر ‪ ،‬يستحوذ عىل تفكريك ‪ ،‬ولكن اتخاذ القرار يبدو صعباً جدا ً ‪ ،‬وتستوعب بني يومي ‪ 2‬و ‪ 3‬بعض املعطيات‬ ‫وتجد حالً إال أن االمور تتعقد بني يومي ‪ 4‬و ‪ ، 5‬فكن حذرا ً جدا ً !‬ ‫يعاود فينوس سريه االمامي يوم ‪ 6‬فيشوش عليك بعض االجواء والعالقات وقد يضللك أحدهم أو تعيش أوهاماً ابتداء من اآلن ‪ ،‬هذه‬ ‫ليست أفضل فرتة متر بها ‪ ،‬ال بل إنها تحمل اليك مفاجآت وضغوطات تحاول أن تعالجها قد االمكان ‪ ،‬لتصل اىل يوم ‪ 31‬مع كسوف يف‬ ‫برجك ‪ ،‬يتحدث عن تغيري وانتفاضة أو حسم أو اتفاق مايل مهم قد يدر عليك باالرباح نظرا ً لتزامنه مع مواقع فلكية أخرى‪.‬‬ ‫مركور املرتاجع ابتداء من يوم ‪ 17‬وساتورن العائد اىل القوس يوم ‪ ، 18‬فقد يولدان معاكسة فلكية تعاين منها وتعيدك اىل اجواء بداية السنة‬ ‫رمبا ‪ ،‬أو اىل ما حدث معك يف الشهر االول ‪ .‬وتضطر أن تسوي وضعاً عالقاً ‪ ،‬وتشعر ببعض االحباط ‪ ،‬خاصة بني يومي ‪ 19‬و ‪ ، 21‬يف حني‬ ‫تبتسم لك االفالك يومي ‪ 22‬و ‪. 23‬‬ ‫ابتداء من يوم ‪ 25‬تدخل دورة فلكية مناسبة فيخف الضغط ‪ ،‬رغم الخسوف يف برج الحمل ‪ .‬تقتحم الساحات واثقاً من نفسك وقد تتحول‬ ‫ابتداء من اآلن آمالك اىل حقائق ‪ .‬قد تحمل إليك االفالك مفاجأة سارة يوم ‪. 30‬‬ ‫توقعات نجمه لشهر ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج امليزان‬ ‫(‪ 23‬أيلول – ‪ 23‬ترشين األول)‬


‫مفاجآت متنوعة‬ ‫يبدأ الشهر بيوم من الحظ يجب أن تستفيد منه لتسوية بعض االمور اال ان يوم ‪ 4‬قد تثري بعض الحساسيات فانتبه!‬ ‫تنطلق واثقاً ابتداء من يوم ‪ 6‬حيث تبدو هذه الفرتة بناءة جدا ً وتوفر لك بعض النتائج االيجابية يف امليدان االكرث اهمية بالنسبة اليك‪.‬‬ ‫قد تفخر بنفسك بني يوما ‪ 9‬و ‪ 11‬وتحقق أمنية إذا كنت من مواليد الدائرة الثانية ‪.‬‬ ‫القمر الجديد كام الكسوف يف برج العذراء قد يخضعك المتحان ويولد بعض االشكاالت العائلية ابتداء من يوم ‪ 13‬وقد يشري اىل انتقال أو‬ ‫تغيري يف االقامة أو سفر أيضاً ورمبا اىل والدة طفل يف العائلة لكن حاذر طوال هذه الفرتة من غضب ورصاعات عائلية‪.‬‬ ‫تتاح لك فرصة جيدة بني يوما ‪ 14‬و ‪ 15‬وذلك لتسوية االمور وإيجاد الحلو ‪ ،‬ويبدأ مركور يوم ‪ 17‬ويجعل القرارات صعبة قليالً ويولد تشويشاً‬ ‫فال تدري إىل أي وجهة تسري ‪ ،‬ويستمر االرباك وخطر املواجهة واالنفصال حتى يوم ‪ 24‬إذ تنعم بيومني من االيجابية وخاصة يوم ‪.25‬‬ ‫ينتقل كوكب مارس اىل يوم ‪ 25‬أرى أن أكرث أيام هذا الشهر دقة وخطر هام يوما ‪ 26‬و ‪.27‬‬ ‫يسجل الفلك خسوف يف الحمل ال يؤثر عليك سلباً إال أنه قد يحمل اليك بعض التجارب التي مير بها االصدقاء أو خالفات مع بعض‬ ‫الجامعات التي تنتمي اليها‪.‬‬ ‫توقعات نجمه لشهر ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج الرسطان‬ ‫(‪ 22‬حزيران – ‪ 22‬متوز)‬ ‫لو ملكت الدنيا وافتقرت إىل القيم واالخالق واملعرفة‪،‬‬ ‫فأنت ال تساوي عندي شيئاً‪.‬‬ ‫أيلول طرفه بالحظ مبلول‬ ‫قد تربز أحقاد يوم ‪ ، 1‬أو قد تضطر اىل مواجهة بعض املحيط أو اىل معالجة مشاكل طارئة وملفات صعبة‪.‬‬ ‫تكون األفكار جيدة يومي ‪ 2‬و ‪ ، 3‬حيث تتزود بحنكة ومهارة ملحارضة النتائج السلبية‪.‬‬ ‫فينوس يعاود سريه االمامي يوم ‪ ، 6‬ويسهل بعض االتصاالت الشخصية والعائلية والعاطفية ‪ .‬قد تصحح اعتبارا ً من هذا الوقت ‪ ،‬مرشوعاً‬ ‫ما أو تعرب عن قدرة الخلق واالبداع عندك بعد فرتة من االحتجاب‪.‬‬ ‫تترصف بعدائية وقد تتصادم مع بعض الزمالء أو إحدى املؤسسات الحكومية أو أحد املراجع يوم ‪. 7‬‬ ‫الكسوف يف العذراء يوم ‪ ، 13‬لن يكون سيئاً بالنسبة اليك ألنه يحدث يف منزلك الثالث ‪ ،‬لكن حاول أن تضبط أعصابك يف هذه الفرتة خاصة‬ ‫إذا شعرت بتغيري يحصل يف بعض املجاالت االدارية ‪ ،‬وقد سيارتك بهدوء!‬ ‫تكون الفرتة الواقعى بني يوم ‪ 14‬و ‪ 16‬هي االكرث دقة فحاذر يف كل يشء واحفظ خط الرجعة ففي تعاطيك مع االخرين ‪ ،‬خاصة إذا كنت من‬ ‫مواليد الدائرة الثانية ‪ ،‬ويسجل يوما ‪ 17‬و ‪ 18‬تقارب ودي جيد ‪ ،‬إال أنك ابتداء من هذا التاريخ قد تعيش حرية ما بني اتجاهني‪.‬‬ ‫يعاود ساتورن سريه نحو القوس يوم ‪ ، 18‬ركز عىل بعض أعاملك خاصة إذا كنت من مواليد الدائرتني االوىل والثانية ‪ ،‬وقد تطل عىل الناس‬ ‫بهالة كبرية وتقدم عمالً فنياً أو سياسياً ‪ ،‬أو تكون محط االنظار وحديث املجتمع ‪.‬‬ ‫تقلق عىل صحتك يف هذا الوقت وخاصة بني يوما ‪ 19‬و ‪ ، 23‬أو تهتم مبقرب يحتاج اىل مساعدة ‪ ،‬وتقبل عىل تغيريات مالية أو مهنية حتى‬ ‫تاريخ ‪. 28‬‬ ‫ينتقل كوكب مارس اىل برج العذراء يوم ‪ 52‬ويهم بدعمك ومساعدتك بعدما وضع العيص يف الدواليب ‪ ،‬وتتبدل الصورة وترى الحظ ينساب‬ ‫اليك وتحقق النجاح بني يوما ‪ 26‬و ‪. 27‬‬ ‫اما الخسوف يف يوم ‪ 28‬فيطالك مبارشة ويتحدث عن طارئ يف عملك ‪ ،‬ويشري اىل تبديل أدوار او مراكز يف عملك ‪ ،‬انتبه لصحتك يف هذا‬ ‫الوقت خاصة ابتداء من يوم ‪ 22‬وخذ اقساطاً من الراحة والنوم‪.‬‬ ‫توقعات نجمة لشهر‪/‬ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج األسد‬


‫توقعات نجمه لشهر‪/‬ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج القوس‬ ‫(‪ 22‬ترشين الثاين – ‪ 20‬كانون األول)‬ ‫السعادة تكمن يف أن تعرف ماذا تريد ‪ ،‬وأنت تريد بشغف وحامسة‪.‬‬ ‫ارسع بإنجاز أعاملك يف النصف االول‬ ‫يطل عليك الشهر يف يوم مثمر حيث يسود التفاؤل واملعنويات العالية يوم ‪.1‬‬ ‫تنهمك يف أعامل كثرية ابتداء من يوم ‪ ١‬واذا كنت من الدائرة االوىل فقد تخىش من بعض الفشل خاصة يومي ‪ 4‬و ‪ 5‬يف عالقة مع طرف آخر ‪.‬‬ ‫أما مركور فيحثك عىل العمل والنجاح ويغذيك بأفكار ناجحة وقدرات عالية يف التواصل خاصة يوم ‪. 6‬‬ ‫قد تتلقى عالمات الحب والصداقة املتينة بني يومي ‪ 9‬و ‪ 10‬أو تحقق بعض املشاريع ‪ ،‬وتتوىل مسؤولية يف هذه االثناء ويكون الحظ اىل‬ ‫جانبك ولكن القمر الجديد يف العذراء يشري اىل بعض االرتباك وخاصة يوم ‪ 13‬فقد ترتاجع عن مرشوع أو تنقطع صالتك مع بعض االطراف ‪.‬‬ ‫يتعاون معك االصدقاء ويقدمون لك دليل عىل محبتهم لك بني يومي ‪ 14‬و ‪ ، 16‬وتتطور صداقة نحو رومانسية يف هذه الفرتة ‪ ،‬وقد يتدخل‬ ‫املايض يف حياتك خاصة بني ‪ 17‬ويوم ‪ ، 18‬وتكون أكرث تحفظ واكرث انزواء ‪.‬‬ ‫لحسن الحظ أن مارس يف برج االسد يشجعك ويحثك عىل االنتصار عىل التشاؤم ويسلط الضوء عىل مرشوع لك بني يومي ‪ 19‬و ‪. 21‬‬ ‫ينتقل كوكب مارس اىل العذراء يوم ‪ 25‬فتدخل مرحلة أكرث دقة ويحذرك الفلك من شجار عقيم يطرأ ابتداء من االن‪ ،‬أما أكرث االيام خطرا ً‬ ‫فهي يومي ‪ 26‬و ‪. 27‬‬ ‫يكتمل القمر يف الحمل يوم ‪ 28‬مام قد يعني تغيريا ً ملصلحتك قد يأيت بصورة رسيعة بني يومي ‪ 28‬و ‪ ، 29‬ورسالة الفلك إليك هي بالترصف‬ ‫بجدية والنظر اىل االمور بعمق ‪ ،‬واحذر فقد تستدرك وضعاً يخص أحد االوالد وقد يحصل يف حياته تغيريات وخيارات جديدة يطرق بابها ‪.‬‬ ‫توقعات نجمه لشهر‪/‬ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج الجدي‬ ‫(‪ 21‬كانون األول – ‪ 19‬كانون الثاين)‬ ‫كلام تكدست الذكريات وكرثة التجارب‬ ‫أدركت أنك قطعت شوطاً طويالً من عمرك‪.‬‬ ‫املناخ هادئ والحظ يعود بقوة ابتداء من ‪25‬‬ ‫ترتبك يف اليوم االول أي يوم ‪ 1‬وتشعر بالغنب أو بالرتاجع النفيس ثم تجد الحلول واملالذ بني يومي ‪ 2‬و ‪ 3‬حيث املزاج ممتاز‪.‬‬ ‫يعاود فينوس سريه االمامي يوم ‪ 6‬فيخف القلق السابق قليالً ‪ ،‬لكن مواجهة مع الرشيك محتملة بني يومي ‪ 7‬و‪ ٨‬فحاذر ‪.‬‬ ‫قد تعيش غرية وشكوك وأزمة مع بعض املقربني بني يومي ‪ 9‬و ‪. 11‬‬ ‫القمر الجديد يف العذراء يوم ‪ 13‬يتزامن مع كسوف يتحدث عن تغيري قد ال يكون بالرضورة سيئاً بل يحمل اليك رحلة أو سفر أو تغيري يف‬ ‫اسرتاتيجية أو يف مؤسسة تربوية أو يف قوانني واجراءات معينة قد تسمع عن غياب أحد املسؤولني يف هذه االثناء أو أحد املراجع وتواجه‬ ‫واقعاً جديدياً يف حياتك أو مسارك‪.‬حاذر من الفرتة الواقعة بني يومي ‪ 14‬و ‪ 16‬وال تصطدم بأي فريق‪.‬‬ ‫تحلو لك اللقاءات العذبة بني يومي ‪ 16‬و ‪ 17‬وقد تدور أحاديث مالية صاخبة واتفاقات وبحث يف عقود او التزامات جديدة بني يومي ‪ 19‬و ‪.21‬‬ ‫يخف الضغط يوم ‪ 25‬وتبدا رحلة جديدة أقل ضغطاً وأكرث وعدا ً ‪ ،‬وتركن اىل صداقة عذبة بني يومي ‪ 26‬و ‪ 27‬اال ان القمر املكتمل يف الحمل‬ ‫مع خسوف يف الربج نفسه قد يؤرش اىل بعض االرباك وذلك يوم ‪. 28‬‬ ‫قد تكشف ارسار عائلية أو قد يحصل ما هو غري متوقع أو تتعرض عالقتك الزوجية أو الغرامية لتجربة قاسية ‪ ،‬انتبه لصحتك أيضاً يف هذه‬ ‫الفرتة وإذا كنت تخضع لعالج فيجب أن تتعاطى مع االمر بجدية ‪.‬‬


‫ان الحياة فرتات أكرثها رقة هو الحب وأقساها الفراق‪.‬‬ ‫أعمقها أملاً هو الوداع وأجملها معاودة اللقاء‪.‬‬ ‫دورة من التجدد واملفاجآت‬ ‫يبدأ الشهر مع جدال قد يطرأ مع رشيك أو زوج ‪ ،‬ونقاش مهم تبدو فيه االكرث قدرة ونفوذا ً ‪ ،‬راهن عىل يومي ‪ 4‬و ‪ 5‬اللذان يهبانك املفاجآت‬ ‫الحلوة عىل الصعيد املهني أو الشخيص ‪.‬‬ ‫تجنب رصاعاً مهنياً بني يومي ‪ 7‬و ‪ ، 8‬كن حذرا ً جدا ً يف مفاوضات مالية أو مهنية ‪ ،‬وحاول أن تضع عىل الورق كل اتفاق وال ترض به شفوياً‬ ‫ولو أن الفلك يتحدث عن أرباح أيضاً قد تطرأ ورمبا قد تحققها بني يومي ‪ 9‬و ‪. 11‬‬ ‫تطل عىل جديد بدون أي شك وبعض مواليد امليزان يعرفون انقالباً ملصلحتهم ‪ ،‬والكسوف الجزيئ يوم ‪ 13‬يتحدث عن تغيريات قد‬ ‫تحصل وعن بعض القرارات التي يجب اتخاذها ‪ ،‬خاصة يف حياتك املهنية‪.‬‬ ‫توقع ابتداء من اليوم حادثاً طارئاً يطال عمالً فنياً سياسياً أو شخصياً ‪ ،‬وقد تأسف لشائعات تستهدفك يوم ‪ 14‬و ‪ ، 18‬أو من محاولة البعض‬ ‫خداعك ‪ ،‬لكن ال تخىش شيئاً ألن الفلك يحميك وقد تكشف القناع عنهم بني يومي ‪ 19‬و ‪. 20‬‬ ‫ابق حذرا ً وابتعد عن أية ارتباطات يومي ‪ 21‬و ‪ ، 22‬إذ قد تولد االفالك بعض الظروف املشوشة ورمبا القلق بشأن أحد املقربني أو أحد‬ ‫االعامل غري الواضحة‪ ،‬وانتبه أيضاً من أعداء مرتبصني بك يف هذا اليوم ومن شائعات تطالك‪.‬‬ ‫تنفرج االسارير بني يومي ‪ 23‬و ‪ 24‬وتطلع عىل جديد مناسب أو يتبني لك أن ما حصل أىت ملصلحتك يف النهاية‪.‬‬ ‫الخسوف يوم ‪ 27‬يف الحمل يعرض عالقة شخصية لك أو مهنية للمساءلة ولبعض الرشوط الجديدة‪ ،‬وتواجه وضع غري اعتيادي أو‬ ‫تستاء من كالم يوجهه أحد الرشكا أو الحلفاء أو املسؤولني أو أحد املقربني‪ ،‬وقد تعيد النظر يف انتامء يف هذا الوقت وتتبدل أمور ‪ ،‬لكن‬ ‫املعنويات ترتاجع يف نهاية الشهر‪.‬‬ ‫نجمه ‪/‬لشهرترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج العقرب‬ ‫(‪ 24‬ترشين األول – ‪ 21‬ترشين الثاين)‬ ‫من الصعب أن ترى الناس الذين تعرفهم‬ ‫يصبحون أشخاصاً كنت تعرفهم!‬ ‫أنت عىل منعطف طريق‬ ‫تجنب الجدال مع جخة منافسة أو مع الزوج أو بعض االطراف الفاعلة بني يومي ‪ 2‬و ‪ ، 3‬يعاود فينوس سريه املبارش يوم ‪ 6‬ما قد يجعلك‬ ‫تعيد النظر اعتبارا ً من هذا اليوم ببعض العالقات ‪.‬‬ ‫تفاجئك التطورات يف الشؤون الشخصية لكن يوم ‪ 7‬و ‪ 8‬يحمالن تطمينات فقد تحصل عىل مبلغ من املال بصورة مفاجئة أو رمبا عىل‬ ‫هدية يف هذين اليومني ‪.‬‬ ‫ال تتوقع االفضل يومي ‪ 9‬و ‪ 10‬فهذان اليومان يحمالن بلبلة وارباكاً وإذا شعرت بأي وهن صحي فيجب أال تهمل هذه العوارض ورمبا تخضع‬ ‫لعملية جراحية يف هذه االثناء ‪ ،‬وتكون النتائج جيدة خاصة إذا أجريتها ابتداء من يوم ‪. 12‬‬ ‫توقع تغيريات تحصل معك يف حياتك الشخصية أو رمبا أحداث تطال اصدقائك‪ ،‬وقد تتعدل قوانني يف هذه املرحلة وتفتح ملفات قدمية‬ ‫بني يومي ‪ 14‬و ‪ ، 15‬فتنتفض عىل بعض االجراءات العامة التي تتخذ ‪ ،‬وتتخلص من ذبذبات كوكب ساتورن وتتحرر من القيود خاصة يوم ‪. 18‬‬ ‫تنكب عىل دراسة مالية مهمة حتى يوم ‪ 21‬كام تتلقى خرب مطمنئ رمبا يوم ‪ ، 22‬والفلك يحذرك من بعض االحداث املقلقة واملشاكل‬ ‫العائلية بني يومي ‪ 24‬و ‪. 25‬‬ ‫تنفرج االسارير ويحمل اليك يوما يومي ‪ 26‬و ‪ 27‬خرب سار وانفراج وخروج اىل الضوء بعد فرتة قامتة ‪ ،‬ولكن الخسوف الحاصل يوم ‪ 28‬يف‬ ‫الحمل يشري اىل طارئ يطال املؤسسة التي تعمل بها ‪ ،‬أو بعض التغيريات يف االدارة ويف موقع القرار وتالحظ ذلك يف االسابيع املقبلة ‪.‬‬



‫توقعات نجمه لشهر‪/‬ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج الدلو‬ ‫(‪ 20‬كانون الثاين – ‪ 18‬شباط)‬ ‫قد تكون النفوس أكرث نبالً من الدم‬ ‫تسقط الحواجزابتداء من ‪25‬‬ ‫كن حذرا ً جدا ً بني يومي ‪ 2‬و ‪ 3‬وال تتورط يف أي مجال ‪ ،‬وابتعد عن الغضب وردات الفعل العقيمة‪.‬‬ ‫تناسبك االجواء يومي ‪ 4‬و ‪ ، 5‬ويعاود فينوس سريه االمامي االحد ويعرضك بني يوم ‪ 9‬و ‪ 11‬لبعض التحديات عىل الصعيد الشخيص أو‬ ‫الزوجي ‪ ،‬وانتبه لرشاكة متعرثة ‪.‬‬ ‫الكسوف يوم ‪ 13‬يولد جو عام دقيق ‪ ،‬وقد تسمع عن غياب يف هذا الوقت أو عن وضع صحي يشغل بالك‪.‬‬ ‫راهن عىل يومي ‪ 14‬و ‪ ، 15‬فقد يحمالن اليك االنفراج أو املواساة ‪ ،‬لكن ابتعد عن االنفعال بني يومي ‪ 16‬و ‪ ، 18‬فهذه الفرتة هي االدق خالل‬ ‫هذا الشهر رمبا ‪ ،‬تستاء خاللها من أخبار ال تروق لك أو من تطورات سلبية ‪ ،‬ويخىش من عقاب أو من سد أحدهم الطريق أمامك‪.‬‬ ‫ترتاح لبعض الصداقات بني يومي ‪ 19‬و ‪ ، 20‬وينتقل كوكب مارس اىل برج العذراء يوم ‪ 25‬فيخف الضغط ابتداء من هذا اليوم ‪ ،‬وتبدا‬ ‫الحواجز بالسقوط‪.‬‬ ‫يكتمل القمر يف برج الحمل يوم ‪ 28‬ويحدث خسوف يف الربج نفسه وقد تسمع عن تغيريات تحصل يف إدارة أو مؤسة أو يف العمل وتهتم‬ ‫بها جدا ً ‪.‬‬ ‫حاذر جدا ً من يوم ‪ 30‬وخاصة من املراوغني وأصحاب النوايات السيئة ‪.‬‬ ‫توقعات نجمه لشهر‪/‬ترشين االول‪/‬اكتوبر‪ – 2017/‬برج الحوت‬ ‫(‪ 19‬شباط – ‪ 20‬آذار)‬ ‫إن كلمة حنونة تصدر عن القلب ت ُدفئ الروح لثالثة مواسم شتاء‬ ‫النصف االول أكرث مالءمة لك‬ ‫كن متأنياً أول الشهر وحاول أن تجتمع باالصدقاء واالفرقاء بني يومي ‪ 2‬و ‪ 3‬ولكن حاذر وال تتورط بقضية شائكة بني يومي ‪ 4‬و ‪ ، 5‬وانتبه‬ ‫لبعض املناورات والكذب واالحتيال وال تصدق إدعاءات مغرضة‪.‬‬ ‫يبتسم الحظ لك بني يومي ‪ 7‬و ‪ 8‬وحاذر من بعض املواجهات يوم ‪ ، 11‬وتكون االجواء أكرث رقة وعذوبة بني يومي ‪ 16‬و ‪. 18‬‬ ‫يعود ساتورن اىل القوس ابتداء من يوم ‪ 18‬ليولد فرتة دقيقة ‪ ،‬فيجب أن تتجنب خاللها املناورين والكاذبني ‪ ،‬وبشكل عام ففي هذه الفرتة‬ ‫الغالبية من مواليد الحوت سيشعرون باالحباط والرتاجع املعنوي وخاصة بني يومي ‪ 19‬و ‪. 20‬‬ ‫تكون االجواء متعاطفة معك يومي ‪ 22‬و ‪.23‬‬ ‫ينتقل مارس اىل العذراء يوم ‪ 25‬فيطرح قضية زوجية أو عاطفية لتدور حولها نقاشات كثرية عائلية وشخصية ‪ ،‬وقد تتخذ قرارات صادمة‬ ‫يف هذه االثناء ‪.‬‬ ‫الخسوف يف الحمل يوم ‪ 28‬يتحدث عن تغيريات يف أوضاعك املالية ‪ ،‬يف زمن الكسوف والخسوف يجب أن تحافظ عىل أمنك وسالمتك وأن‬ ‫تبتعد عن النزاعات ‪.‬‬ ‫تشبه عوامل الكسوف والخسوف عاصفة كبرية تفرض عليك حامية نفسك وإقفال أبوابك جيدا ً حتى ال تتعرض ألي مكروه‬ ‫يحمل يوم ‪ 30‬أجواء مطمئنة‬


‫حبيب ب ُن أ ْو ٍس الطَّا ُّيئ ‪ ،‬ولِ َد يف قريَة ِ‬ ‫بي‬ ‫هو‬ ‫طي ٍء‪.‬‬ ‫"جاسم" عىل الط ِ‬ ‫َ‬ ‫َّريق ما ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫دمشق وطربيَّ َة ‪ .‬ا ْختُلِ َف يف س َن ِة م ْولِ ِده ِ‪َ ،‬و َوق َع الشَّ ُّك يف نَس ِب ِه إىل ْ‬ ‫ِّياب ‪ ،‬ور َاح ‪ ،‬ب ْع َد أ ْن تفتَّ َح ْت قريحتُ ُه الشِّ عريَّ ُة ‪ْ َ ،‬يتَ ِه ُن ِحياكَ َة الشِّ ْع ِر ‪ ،‬وق ْد صقلَها با ْخ ِتال ِفه ِإىل َح ِ‬ ‫لقات‬ ‫وث ُب َت أنَّ ُه ت َ​َرك ِمهنتَ ُه يف ح َياك ِة الث ِ‬ ‫بي املُدن ِواأل ْمصا ِر العرب َّي ِة ما ِد ًحا األ َمرا َء وال ُخلفا َء‪...‬‬ ‫العلْم ِواأل َدب ِ ‪ ،‬وتنقَّله ْ َ‬ ‫فت َة ِ‬ ‫جيل األ ْح ِ‬ ‫الخالفَ ِة ‪ ،‬وتُ ّو َج ْت‬ ‫َول يف شعرِه ِ ت َْس َ‬ ‫الكبى ع ْن َد ال َخليف ِة املُعتَ ِصم ِيف بغدا َد‪ ،‬وفيها ت َّ‬ ‫داث واأل ْعامل التي رافق ْ‬ ‫ْ‬ ‫كانت ُحظْوتُ ُه ْ‬ ‫َت ْ َ‬ ‫بفتْ ِح ِه "ع ُّموريَّة "‪ ،‬وأ ْخ ِذ "امل ُ ِ‬ ‫عتصم " فيها بثَأ ِر امل َ ْرأة ِالعرب َّي ِة التي ا ْعتَدى عل ْيها ال ُّرو ُم يف قري ِتها " ِزبَطْرة َ"الواق َع ِة عىل ُحدو ِد بِال ِد ِهم ‪،‬‬ ‫كانت قَصيد ُة أيب متَّام ٍ يف فتْح ع ُّموريَ َة ‪ .‬وكا َن أ ْن ر َاح يَتَهاداه كِبا ُر رِجا ِل ال َّد ْول ِة‬ ‫هي َة ‪ " :‬وا ُم ْعتَ ِصام ُه "‪ ...‬و ِم ْن هذ ِه الواق َع ِة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقالت ق ْولتَها الشَّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫العص‪.‬‬ ‫‪ ،‬وتَتَوث َُّق عالقتُ ُه ب ْع َد امل ُ ْعتَ ِصم بالخليف ِة الواثِ ِق َوبِكبا ِر‬ ‫الرجاالت يف ذلك ْ ِ‬ ‫أهل املَعاين والفَلس َف ِة‪ ،‬إذ إنَّ ُه كا َن يَ ُ‬ ‫ِأصوله ِ َوفُرو ِعه ِ‪،‬وق ْد أث ْرى بحضار ِة‬ ‫كا َن أبومت ٍَّام ذا ثقافَة ٍ واسع ٍة ‪ ،‬أ ْع َج َب شع ُر ُه َ‬ ‫حذق علْ َم الكالم ِ ب ُ‬ ‫واس ِ‬ ‫تنباط َمعاني ِه؛ وق ْد‬ ‫الع ِ‬ ‫خي متثيل ٍأدبًا ومعرفَ ًة ؛ ثم إنه امتا َز بِح َّد ِة ذكائِه ِ‪ ،‬وبأنَه كان يَشقى يف بنا ِء ِشع ِر ِه ‪ْ ،‬‬ ‫ايس‪ ،‬ومثَّلَها يف ِش ْع ِر ِه ْ َ‬ ‫رصالع َّب ِّ‬ ‫فقال ‪ :‬رأيْ ُت ِ‬ ‫دي الف ْي ِ‬ ‫ِذلك ؟ َ‬ ‫لسوف قولَ ُه ‪ " :‬هذا الفتَى َيوتُ شابًّا ‪ ،‬فق ْي َل لَ ُه ‪ :‬و ِم ْن أيْ َن َحك ْم َت عل ْيه ب َ‬ ‫الح َّد َة والذّكا َء‬ ‫نق َ​َل ال ُّروا ُة عنِ الك ْن ِّ‬ ‫دي ‪،‬‬ ‫كم يَ ُ‬ ‫ْس ال ُّروحان َّي َة ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫جس َد ُه ‪َ ،‬‬ ‫يف غ ْم َد ُه "‪ .‬وكا َن ما توقَّع الك ْن ُ‬ ‫أكل َّ‬ ‫تأكل َ‬ ‫الحس و ُجو َدة ِالخاطر؛ ما علِ ْم ُت أ َّن ال َّنف َ‬ ‫وال ِفطْ َنة َ‪ ،‬م ْع لطافَ ِة ِّ‬ ‫السنني ‪ 232 -190 .‬هجري – ‪ 846 - 806‬ميالدي ‪.‬‬ ‫إ ْذ إِنَّه ماتَ ع ْن عم ٍر ما تع َّدى األ ْربع َني عا ًما ِم َن ِّ‬ ‫الصانِ ُع واملُص ِّو ُر‪..‬‬ ‫أبو تَ َّام َّ‬ ‫وح َيز ُج ُه بالج ِ‬ ‫ِناس والطِّباق واملُشاكَلَ ِة ؛ ويَص ِب ُغه بِألوانِ التَّجسيم ِ والتَّشخيص ِ‪ ،‬ف َ​َتا ُه يُ َج ِّس ُم‬ ‫كا َن أبو متَّام يُع َنى يف ِش ْع ِر ِه بالتَّصويرِ‪َ ،‬في ُ‬ ‫ِ‬ ‫العي ِ"‪ ..‬فال َغرابَ َة إذا ‪ ،‬ل ْو صا َر‬ ‫حس َّية ٍ ‪،‬ك َمنِ التَز َم ت َ‬ ‫َعريف "أرسططاليس"للتّ‬ ‫املَعاين يف ُص َو ٍر ما ِّديَّ ٍة ِّ‬ ‫شخيص ‪":‬بأنّ ُه ق َّو ُة َو ْضعِ األشْ يا ِء ت ْح َت ْ‬ ‫ِ‬ ‫رضبًا ِم ْن ل ْو ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحاذق ‪...‬‬ ‫كالقالئد يَصوغُها الصائ ُغ‬ ‫حات ال َّر َّسام َني ‪ ،‬وصارت قصائ ُده‬ ‫ِشع ُر ُه‪ ،‬ل ِعنايَ ِت ِه بهذ ِه ّ‬ ‫الص ْنع ِة‪ْ ،‬‬ ‫وليس غري ًبا‬ ‫َّ‬ ‫فت أ َّن هذ ِه املَق ِْدر َة ق ْد أل َب َسها ن ْز َع ًة فلسف َّي ًة وثقافَ ًة ‪ ،‬راف َق ُهام ع ْم ٌق و ِدقَّ ٌة‪ ،‬وكلُّها كا َن جلَّلَها غ ٌ‬ ‫والل ُ‬ ‫ِب امل َ ْعنى ‪َ .‬‬ ‫ُموض ف ِّن ٌّي ال يَحج ُ‬ ‫كم و َر َد ‪ ،‬أ َّن أ َح َد ُهم ق ْد َسأل ُه ‪ ،‬وه َو يَسم ُعه ُ يُ ِ‬ ‫َقول ما ال يُف َه ُم ‪ ،‬ف ُيجي ُب ُه عىل ال َبديهة ِ‪ :‬وأنَت لِامذا ال ت َف َه ُم ما يُ ُ‬ ‫نش ُد قَصي َدة ً‪ :‬لِامذا ت ُ‬ ‫قال‬ ‫‪َ ،‬‬ ‫كتاب " الف ّن و َمذاه ُب ُه يف الشِّ عر ِالع َر ِّيب "للدكتور شوقي ضيف ‪ .‬ص ‪َ 219‬وما يَليها ‪.‬‬ ‫؟ يُرا َج ُع يف هذا ِ‬ ‫الباب ُ‬ ‫ُ‬ ‫حب أقرانِه ل َها‬ ‫عصه ِ؟ ْ‬ ‫ونسأل ‪ْ :‬‬ ‫عصه ِ‪ ،‬أو َسب َق ُه ِم ْن غريِ ْ ِ‬ ‫عاص ُه يف ْ ِ‬ ‫وهل سيكو ُن ح ُّب ُه ْ َ‬ ‫هي ْ ُ‬ ‫غي ِّ‬ ‫غيها ع ْن َد َم ْن َ َ‬ ‫هل إ َّن املرأ َة ع ْند أيب مت ٍَّام‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وشوق ‪ ،‬وأمل ٌ‪ ،‬وشَ كوى ‪ ،‬ومت ُّن ٌع‬ ‫بالحبيب ‪ ،‬يراف ُق ُه س َه ٌر ‪،‬‬ ‫ايس غ َريه ُ يف بق َّي ِة ما س َب َق ؟ أ ْم أنَّ ُه ت َعلُّق ٌ‬ ‫؟ ْ‬ ‫ِ‬ ‫الحب يف الع ِ‬ ‫وهل سيكو ُن ُّ‬ ‫رص الع َّب ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات ؟‬ ‫وحس ٌد ؛ أ ْو يُراف ُق ُه لقاءاتٌ وأحاديثٌ ‪ ،‬وما يَستتْب ُع ُهام ِم ْن‬ ‫َ‬ ‫كل ال ُعصو ِر ِ ؟‬ ‫باسم ْيهِام شأ َن ِّ‬ ‫ْ‬ ‫وهل جا َء الشِّ ع ُر ليكو َن ال َّن ُ‬ ‫اطق ْ‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬األقوال والكَل ُم "‪.‬‬ ‫بحب لها‬ ‫_" َض ْ‬ ‫اقت ‪ٍّ ،‬‬ ‫اض ‪ِ ،‬‬ ‫فذكْريَاتٌ ‪.‬‬ ‫‪،‬كم يف ِّ‬ ‫أي وإعر ٌ‬ ‫هي املَرأ ُة يف الع ِ‬ ‫رص ِ الع ّبايس َ‬ ‫كل العصو ِر ‪..‬نَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫وتغص بها العيو ُن ‪ ،‬ول َي ُم ِت‬ ‫َويَبقى ال ُح ُّب و َم َع ُه الكل َُف‬ ‫ِ‬ ‫عارض أ ْم َر الل َه‪ ،‬أو ي ْر ُ‬ ‫بالحبيب ‪ .‬و َم ْن ذا الذي يُ ُ‬ ‫فض ُحك َم ُه ؟ فلت ْهم ِ ال ُّدمو ُع إذا‪َّ ،‬‬ ‫الحب وال َو ْج ُد!!‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫العاشق شَ أ َن َم ْن ماتَ ق ْبلَه ‪ ،‬وق ْد أ ْودى ب ِه ُّ‬ ‫َسقَى الل ُه َم ْن أ ْه َوى ‪ ،‬عىل ب ْع ِد نَأ ِي ِه وإعر ِاض ِه ع ِّني ‪ ،‬وطـ ْول ِ َجـفائِ ِه‬ ‫فأصبحت فيـ ِه راض ًيا بِـقـضائِه ِ‬ ‫َلفت ِب ُح ِّب ِه‬ ‫ُ‬ ‫َأب الله ُ‪ ،‬إِ َّل أ ْن ك ُ‬ ‫كـل جـفْن ٍ بـامئِه ِ‬ ‫وأف َردْتُ ع ْيني بال ّدموع ِ فأص َب َح ْت وق ْد غ ََّص م ْنها ُّ‬ ‫وص َبابَة ٍ فك ْم ِم ْن ُم ِح ٍّب مـاتَ ِمـثيل بِـدائِـه‬ ‫فإ ْن ُّ‬ ‫مت م ْن و ْج ٍد ِب ِه َ‬


‫املرأ ُة يف شع ِر أيب متَّام‬

‫األستاذ عبدالله سكرية‬


‫كل ِ‬ ‫ايس آنَ َ‬ ‫ذاك ‪:‬‬ ‫وليس مثل ُه أ َح ٌد ‪ ،‬وفي ِه تَتلَ َّخ ُص ُّ‬ ‫كم رآها شُ ع َرا ُء ْ ِ‬ ‫آيات الجام ِل ‪َ ،‬‬ ‫بيب ‪َ ،‬‬ ‫حبيب ال يُشْ ِب ُه ُه َح ٌ‬ ‫فهو ٌ‬ ‫العص الع َّب ِّ‬ ‫غص ٌن ‪َ ،‬‬ ‫جال في ِه ما ُؤ ُه‬ ‫أ َز َع ْم َت أ َّن الظَّ ْب َي يَحيك طَ ْرفَه ُ والق َّد ْ‬ ‫وكملُ ُه ‪ ،‬وذَكا ُؤ ُه ‪ ،‬وح َيا ُؤ ُه ؟‬ ‫ْأسك ُْت فأيْ َن ضيا ُؤ ُه وبَ َها ُؤ ُه‬ ‫َ‬ ‫مل تُغْنِ ْأسام ُء املَال َح ِة ِ‬ ‫والح َجى يف َم ْن ِسوا ُه فإنَّها ْأسام ُؤه‬ ‫ولئ كا َن ال َج ُ‬ ‫تاب قائِ ًل ‪:‬‬ ‫ساس ب ِه م ْبعثَ ر َِض ‪ ،‬و َم َّ‬ ‫حل أنْ ٍس؛ ف َها ه َو يف َجام ِل حبيب ِت ِه يَ َأس ويَتَعذ َُّب ‪ ،‬ويَذ َه ُب بال ِع ِ‬ ‫ِْ‬ ‫امل واإل ْح ُ‬ ‫ليس يَفعلُه ِب ِه أ ْعدا ُؤ ُه !؟‬ ‫أ ْحبابَ ُه ‪ ،‬مل تَفعلو َن بقل ِب ِه‬ ‫ما َ‬ ‫العب ِ‬ ‫سم ُؤه ‪.‬‬ ‫ات خ ِّدي أ ْر ُض ُه‬ ‫حتّى َّ‬ ‫اي َ‬ ‫الصباح ‪ ،‬و ُمقلتَ َ‬ ‫مطَ ٌر ِم َن َ‬ ‫والصدو ُد كال ُهام ٍ‬ ‫كاف ل َي َ‬ ‫قول أبُو متَّا َم ‪:‬‬ ‫ث َّم إنَّ ُه يَتَذكَّ ُر ‪ ،‬ويَبيك ‪ ...‬فال ُب ْع ُد ‪ُّ ،‬‬ ‫أنساك للَّذي توقَّ َد ِم ْن نريانِ ذكر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك ْيف قَلْبي ‪..‬‬ ‫ذك ْرت ُِك حتَّى كدْتُ‬ ‫الوفا ُء لل َحبيب‪ِ.‬‬ ‫أي ‪ ،‬ف َها ه َو أبو تَ َّام ٍ يَ َ ِ‬ ‫كانت‬ ‫َّ‬ ‫فت أ َّن الشَّ ا ِع َر‪ ،‬ر ْغ َم ُولو ِع ال َح ِ‬ ‫بيب بص ٍّده ‪ ،‬و ِب َح ٍ‬ ‫عت ُف بأ َّن َمو َّد ًة زُر َع ْت يف َص ِدرِه ِ‪ْ ،‬‬ ‫والل ُ‬ ‫رب عل ْي ِه‪ ،‬وظ ٍّن ب ِه ونَ ٍ‬ ‫خبا ‪ ،‬تَرا َم ْت َحركات ُ ُه ونَظرات ُ ُه ‪ ،‬ل ْو ت َج َّرأَ ورا َح ْت نَظرات ُ ُه ت ْبحث ع ْن أُ ْخرى ‪..‬‬ ‫عليه رقي ًبا أ ْو ق ُْل ُم ِ ً‬ ‫ـب‬ ‫ز َر ْع ُت ل ُه يف َّ‬ ‫الص ْد ِر م ِّني َم َو َّد ًة أقا َم ْت عـىل قلبي َرقي ًبا ِمـ َن ال ُح ِّ‬ ‫غيِه م َن ال َّن ِ‬ ‫اس ‪ ،‬إلَّ َ‬ ‫أنت عىل ذنْ ِب ‪.‬‬ ‫قال ‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫فم َخطَرتْ ْيل نَظْر ٌة ن ْحو ْ‬ ‫بيب ‪ ،‬وإ ْن أبْقى الحبيب يف قل ِب ِه ُحزنًا َو َأس ‪..‬‬ ‫ُّنوب أ ْن يَتَح َّم َل و ْز َر أفْعال ِه ‪ .‬وجزا ُؤ ُه أ ْن يَ ْستَأنِ َس بِذكر ال َح ِ‬ ‫َو َعىل حا ِمل الذ ِ‬ ‫غيب‬ ‫غب‬ ‫تَ ِس َوى ِذكر َِك الذي ال يَ ُ‬ ‫بيش ٍء إذا ْ‬ ‫غ ُري ُمستَأنِس ٍ ْ‬ ‫أنت دو َن ال ُج َّلس ِأنْ ٌس ‪ ،‬وإ ْن ك ْن تَ بعي ًدا فال ُح ْز ُن م ْن َك قريْ ُب ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫سل ! ‪..‬‬ ‫فام أغ َر َب أ ْن يَأنَ َس املَر ُء بال ُحزن يكْ يَتَ َّ‬ ‫ِّئب الجار ُِح الذي سلَّ َم ه ْيبتَ ُه وق َّوتَ ُه لهذا الظ ْب ِي ؛ فح َّو َل الظَّ ْب ُي شاع َرنا إىل ِمساح ٍة ِم َن ال ُحزنِ ‪ ،‬وإىل َم ِ‬ ‫وطنٍ‬ ‫ويَ ْص ُرب أبو تَ َّام ٍويَ ْص ِ ُب ‪ ،‬هذا الذ ُ‬ ‫ذاب ‪،‬ف َيا ل ُه ِم ْن ظ ْبي ٍ قاتِل ٍ! ‪..‬‬ ‫لآلالم ِ وال َع ِ‬ ‫َص َ ْبتُ م ْن َك ْ ٍ‬ ‫كوب‬ ‫عي ٍعىل الخ َّديْنِ َم ْس ِ‬ ‫بصب غريِ َمغلُوب ِ ود ْمعِ ْ‬ ‫صيتَني ُمستَ َق ًرا لل َهوى ‪َ ،‬وط ًنا لل ُح ْزن ِ‪ ،‬يا ُمستَ َق َّر ال ُح ْسنِ والطِّيب ِ!‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫لئ ج َحدت َُك ما الق ْي ُت ف ْي َك ‪ ،‬ف َق ْد ص َّح ْت شهو ُد ت َباريحي ‪َ ،‬وتَعذيبي‬ ‫ِْ‬ ‫كروب‬ ‫بِزفْ َرة ٍ‪ ،‬ب ْع َد أ ْخ َرى ‪،‬طَالَام شَ ِهدَتْ بأنَّها انتُ ِز َع ْت ِم ْن ص ْد ِر َم ِ‬ ‫ِّيب‬ ‫جسمي ف ِب ْن َت ِب ِه يا َم ْن رأى الظَّ ْب َي ع َّدا ًء عىل الذ ِ‬ ‫لك ْن ع َد ْوتَ عىل ْ‬ ‫حب‬ ‫اإلعر ُ‬ ‫الحب ٌّ‬ ‫اض عنِ ِّ‬ ‫الص ِّد واإل ْعر ِ‬ ‫اض ِ !‪.‬‬ ‫وإذا كا َن ٌ‬ ‫بحب لَها ‪ ،‬ف َها ُهو شَ ا ِع ُرنا يَزدا ُد ح ًّبا ِم ْن قبيح ِ ال ِفعال ِ ‪ ،‬ولَئيم ِ َّ‬ ‫جميل ‪ ،‬ق ْد أو َرتْ شَ تي َم ُة بُثي َن َة َ قل َب ُه ‪ٍّ ،‬‬ ‫ْـت ‪ ،‬يَـ ْو ًما ِظلَّ ُه ‪ ،‬فتَ َج َّنبا‬ ‫ت َلقَّا ُه طَ ْيفي‪ ،‬يف ال َك َرى ‪،‬فتَج َّنبا وقـ َّبل ُ‬ ‫وخب ‪ِّ ،‬أن ق ْد َمر ْرتُ بِبابِه ِ ألَخـلِ َس مـ ْنه نَـظْر ًة ‪ ،‬فـتَ َح َّج َبا‬ ‫ِّ‬ ‫يح أ ْو لتَ َعتَّ َبا‬ ‫يح َّ‬ ‫الص َبا ع ْن َد أ ْذنِ ِه بِذكْ َرى َ‬ ‫لس َّب الـ ِّر َ‬ ‫ول ْو م َّرت ِ ال ِّر ُ‬ ‫اض ّإل تَ َح ُّب َبا ‪..‬‬ ‫الـص ُّد واإل ْعر ُ‬ ‫و َما زا َده ‪،‬ع ْندي ‪ ،‬قَب ْي ُح ِفعالِه وال َّ‬ ‫ف َم ْن ذا الذي يَ ْحل ُم ‪ ،‬إذًا ‪،‬عىل مزاجِه ِ؟ َو َم ْن ه َو‪ ،‬هذا امل َ ْع ُ‬ ‫شوق الذي يتَ َّأب حتَّى رؤيَ َة ط ْي ِف الشَّ اعرِ‪ ،‬ويَأنَ ُف أ ْن يُق ِّب َل الشَّ اع ُر‪َ ،‬ولَ ْو‪ ،‬ظلَّ ُه ؟‬ ‫خاض ًعا ‪ِ ،‬‬ ‫َويَ ْبقى الشَّ اع ُر ‪ ،‬مع ما عل ْيها حالُ ُه ِم ْن َص ٍّد ‪ِ ،‬‬ ‫عاشقًا َوصا ِب ًرا !!‬ ‫َجس ٌد ‪ ،‬وألحاظ ٌ ‪ ،‬وعبوديَّ ٌة ‪ ...‬وموتٌ‬ ‫طيب ‪ ،‬ويف ذلك َخ ْو ٌف عىل ال ُعيونِ إذا ما أنْ َعم َال َّنظَ َر‪ُ ،‬‬ ‫فيقول ‪:‬‬ ‫ِيش ٍء ما ‪ ،‬ويُذي ُب ُه م ْنها ْ‬ ‫حس ٌن َو ٌ‬ ‫إنَّها األل َحا ُظ ‪ ..‬تَش ُّده ُ‪ ،‬وتَكا ُد تُ يتُه ب ْ‬ ‫قصنا د ْونَ َك األل َحا َظ خ ْوفًا أ ْن تَذوبَا‬ ‫لق ْد َ ْ‬ ‫كلَّام ِز ْد َ‬ ‫ناك ل ْحظًا ‪ ،‬ز ْدتَنا ُح ْس ًنا َوطي َبا‬



‫ش‬ ‫أص َد َق ال َب َ ِ‬ ‫يا َم ْن إذا قل ُْت ‪ :‬يَا َم ْن ال نَظ َري لَ ُه يف ُح ْس ِنه ‪ ،‬قيل يل يا ْ‬ ‫ما إ ْن أ َرى َو ْج َه َك امل َكنو َن ج ْوه ُره ُ يا أ ْمل َ​َح ال َّناس ِ‪ ،‬إلّ نُس َخ َة ال َق َم ِر‬ ‫وليس ل ُه أ ْن يكو َن ِم ْن طني ٍ؟ تَعالَ ْوا نَق َرأْ‪:‬‬ ‫بيب ِم ْن غريِ ما ك َّو َن الل ُه م ْنه ال َباقي ِم َن ال َب ِ‬ ‫رش ؟ أ ُه َو ِم ْن ما ٍء ونار ٍ؟ َ‬ ‫وماذا ل ْو كا َن ال َح ُ‬ ‫ِالص ْن َع ِة كامل َا ِء ‪،‬ولكنه ل َي َس يَجري‬ ‫باش املا َء ف ُه َو يف رقَّة َّ‬ ‫َ​َ‬ ‫َج َم َش املا ُء جِل َد ُه ال َّرط َْب حتى ِخلتُ ُه الب ًِسا ِغاللَ َة َ َج ْم ِر ‪..‬‬ ‫وهل أ َر ُّق ِم َن املا ِء ؟ ف َها ه َو يُدا ِع ُب جلْ َدها ب ِرقَّة ٍعجيبة ٍ‪،‬ح َولتْه إىل َ‬ ‫اللم َع ِة الحا ِرقَة ِال َّدافئَة ِ‪..‬‬ ‫تلك ال ُح ْم َرة ِ َّ‬ ‫ْ‬ ‫هي ‪:‬‬ ‫ث َّم َ‬ ‫َتيج بَ ْدر ِ‬ ‫قيق َخ ْص ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫َبيل ِر ْدف ٍ‪َ ،‬د ُ‬ ‫َسل ْي ُل شَ ْمس ٍ‪ ،‬ن ُ‬ ‫َقي ثَغْر ِ‬ ‫شيق ق ٍّد‬ ‫بَدي ُع ُح ْسن ٍ‪َ ،‬ر ُ‬ ‫َم ُ‬ ‫ليح َخ ٍّد ‪ ،‬ن ُّ‬ ‫ِم ُ‬ ‫روس ِخ ْدر ِ‪.‬‬ ‫قضيب بان ٍ عليه بَ ْد ٌر‬ ‫ثال ُح ْسن ٍ‪َ ،‬ع ُ‬ ‫ُ‬ ‫كم تَغ َّن ْوا بِجام ِل َحبيباتِهم ؛ زا َد عىل َ‬ ‫ذلك‬ ‫إنَّ ُه‬ ‫ٌ‬ ‫تكثيف يف ْ‬ ‫وص ِف َمال َحة ِال َحبيب ِ؛ وكأ َّن الشَّ ا ِع َر ق ْد ج َم َع فيه ِ ما قالَ ُه شُ عراء َسبقو ُه أ ْو جايَلو ُه ‪ ،‬ور َاح يَتَغ َّنى َ‬ ‫ٍ‬ ‫فهي ُمتَف ِّر َد ٌة ِبطَرافَ ِتها ‪،‬‬ ‫ٍ‪،‬ليس أقلّها هذ ِه التَّوازُناتُ َّ‬ ‫خاص ‪ ،‬وقَّ َع ُه أبو تَ َّام ٍ‬ ‫إعجاب‬ ‫شاعري ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫بإيقاعات داخل َّية َ‬ ‫اللفتَ ُة ‪ .‬وسوا ٌء أكان َْت َص ْن َع ًة أ ْم ت َ​َص ُّن ًعا ‪َ ،‬‬ ‫وإجاملِها َم ِ‬ ‫غي ُه ال ِعط ُر‪.‬‬ ‫حاس َن ال َحبيب ِ‪.‬ز ْد يف التَّف ُّر ِد أ َّن ال ِعطْ َر م ْنها يَتَكلَّم ُ! ولك َّن ُه ْ ُ‬ ‫وقالت ‪ :‬أيَ ْبغي ال ِعطْ ُر ويَ َح ُك ُم ال ِعطرا ؟‬ ‫كت‬ ‫ْ‬ ‫أتَاها بِطيب ٍ أ ْهلُ َها فتَضَ ا َح ْ‬ ‫أ َحاديثُها ُد ٌّر ‪ ،‬و ُد ٌّر كَال ُمها وملْ أ َر ُد ًّرا ‪ ،‬ق ْبلَ ُه ‪ ،‬يَ ْن ِظ ُم ال ُّد َّرا ‪.‬‬ ‫ال كال ِّنساء ‪..‬‬ ‫وهي إ ْن َغ َوتْ ‪ ،‬ت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َحديث‬ ‫ُحس ُن األدا َء ‪ ،‬وتُتْ ِق ُن ال ِغوايَ َة ؛ شَ ْع ٌر ‪ ،‬ونا ِه ٌد ‪ ،‬وث ْو ٌب ‪،‬و ِمش َي ٌة ‪ ،‬مع‬ ‫َوي ْبقَى أ َّن شا ِع َرنا ‪ ،‬ح َّب ُ‬ ‫اب َجامل ٍ‪ ،‬ت َْستَهويه ِامل َرأ ُة ‪ ،‬وتُغوي ِه‪َ .‬‬ ‫و ِرقَة ٍ ؛ ويظنها العاشق سهلة املنال ‪ ،‬قريبة التناول فإذا هي ‪:‬‬ ‫بيضاء يحسب شعرها من وجهها مل َّا بَدا ‪ ،‬أ ْو و ْج ُهها ِم ْن شَ ْع ِر َها‬ ‫ُمتَف ِّن ٌن يف الظَّ ْر ِف ِ‬ ‫باط ُن َص ْدرِها ُمتَف ِن ٌن يف ال ُح ْسن ِ ظا ِه ُر َصد ِر َها‬ ‫تُ ْع َ‬ ‫طيك َم ْن ِط َق َها ‪ ،‬ف ِت ْعلَ ُم أنَّ ُه ل َج َنى ُعذوبَ ِتها ‪ُ َ ،‬ي ُّر ِبثَ ْغ ِر َها‬ ‫خص َها ‪.‬‬ ‫وأظُ ُّن ح ْب َل ِو َصالِ َها مل ُِح ِّب َها أ ْو َهى وأضْ َع ُف قـ َّو ًة ِم ْن ْ ِ‬ ‫ولك ْن ك ْي َف يكو ُن ال َّنقيضانِ الشَّ ْع ُر وال َو ْج ُه ق ْد قُ َّد الواح ُد م ْن ُهام ِم َن اآل َخر‪ ،‬بِغري ما يَرا ُه الشَّ ا ِع ُر ‪ ،‬وه َو أ َّن االثن ِني ق ْد تَشابَها يف ال ُح ْسن ِ‪َ ،‬‬ ‫َقيس‬ ‫ولك أ ْن ت َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فتاح ال َح ِ‬ ‫ديث العذ ِْب ‪َ ،‬‬ ‫ولك‬ ‫ظريف ُمح َّب ٍب وظاه ٍر‬ ‫بي باطن ٍ‬ ‫م ْن ِط َق الشَّ ا ِعر‪ ،‬يف َج ْعلِ َحبيب ِت ِه متف ِّر َد ًة بِنقائِ ِضها ‪َ ْ ،‬‬ ‫لطيف َ‬ ‫حسن ٍ ‪ ،‬ل َيص َري ث َغ ُرها العذ ُْب ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫وهيهات ‪.‬‬ ‫بيب ‪،‬‬ ‫أ ْن تكو َن يف َم ْو ِضع ِ ال َح ِ‬ ‫إبليس والقرآ ُن ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وهل ‪ ،‬لِ َم فيها ِم ْن فتونٍ ِ‬ ‫وسح ٍر وجاذب َّي ٍة ‪َ ،‬و َّد أبُوها ل ْو كا َن َمجوس ًّيا‬ ‫هل تُرا ُه يُس ِّبح ربَّ ُه لِم ْرآها ال َبديع ِ؟ ْ‬ ‫ليس يُ َص ِّل ‪ ،‬أ ْو يَتَق َّرا القرآ َن ؟ ْ‬ ‫َوماذا ل ْو ر َاح إبْ ُ‬ ‫ف َيتز َّو َجها ؟ ‪.‬‬ ‫وكيف ل َها ألَّ تَنتَ ِف َض عىل َساع ِة ال ِفراق ِ وت َثو َر عل ْيها ؟ ‪..‬‬ ‫والسكي َن َة ؟ َ‬ ‫فس الهدو َء َّ‬ ‫ث َّم ك ْي َف ‪ ،‬وإ ْن فا َر َق الحبي َب َة َحبي ُب َها ‪ ،‬أ ْن تَلقَى ال َّن ُ‬ ‫فوس‬ ‫أي س ْيل ٍ ت ُ‬ ‫وس ُّ‬ ‫َسيل في ِه ال ُّن ُ‬ ‫إ َّن يَ ْو َم ال ِفراقِ ي ْو ٌم ع ُب ٌ‬ ‫ميس ؟‬ ‫الخميس‪ ،‬وملْ أ ْد‬ ‫ملْ أز َْل أُبْ ِغ ُض‬ ‫ِر ملاذا حتَّى َدهاين ال َخ ُ‬ ‫َ‬ ‫بِأيب َم ْن إذا َرآها أبُو َها شَ غفًا َ‬ ‫جوس‬ ‫قال ‪ :‬ل ْي َت أنَّا َم ُ‬ ‫ليس ‪..‬‬ ‫ليس ع ْن ل ْحظ ِع ْي َن ْي ها ‪ ،‬تَ َق َّرا ع َبا َد َة إبْ ُ‬ ‫ل ْو تَ َجاىف إبْ ُ‬ ‫عل امل ُ ْؤ ِم َن ال َو ِر َع‬ ‫ِجمالتِها تَ ْج ُ‬ ‫هي امل َ ْرأ ُة حبي َب ُة الشَّ اع ِر تَ ْج َع ُل"‬ ‫إبليس "يَتَش َّب ُه بالق َّراء ِ ‪ ،‬ويَ ْسعى إىل ِحف ِْظه ِشأ َن امل ُؤمن َني َّ‬ ‫هي ل َف ْرط َ‬ ‫َ‬ ‫الصادق َني ‪َ ،‬وها َ‬ ‫فها َ‬ ‫َجوس َ‬ ‫آنذاك ‪..‬‬ ‫يَتم َّنى ل ْو كا َن َمجوس ًّيا ل َيتز َّوج ِم ْن ابن ِته ِ‪ ،‬عىل ما كا َن يَفعلُ ُه امل ُ‬ ‫َوتبقى املرأ ُة الحبيب ُة مثا َر القو ِل ‪َ ،‬ويبقى ُ‬ ‫السبيل للتعبريِ ع ْنها وع ْن‬ ‫ُ‬ ‫واألدب هو‬ ‫القول يف الغ َزل ِ قامئًا حولَها ويبقى الشُّ عرا ُء فيه ُم الر َوا َد والعاشق َني ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫دورِها وأه ِّمي ِت ِه يف الحياة ِ‪.‬‬ ‫بقيت الحيا ُة ذاتُها ‪..‬‬ ‫وكلُّ ُه باق ٍ ما ْ‬


‫مر َِض ْت ألْحا ُظ َع ْي َن ْي َك فأ ْم َر ْض َت القُلوبَا ‪.‬‬ ‫عشق ‪َ ..‬‬ ‫وتلك قَض َّي ٌة ثابتَ ٌة ‪،‬نَقرأُها يف لُغة ِالعيون ِ‬ ‫تسل ُم ويَ ُ‬ ‫وأ ْن تَذبُ َل ال َّنظَراتُ ‪ ،‬ويَ ْعتليها ال َو َس ُن ‪ ،‬ويَرى ال َّرايئ أ َّن ش ْيئًا َما يُذي ُب ُه ويَجعل ُه يَ ْس ْ‬ ‫لمس بَ ْع ُد ؟؟‬ ‫ال َوسي َنة ِ الجميلة ِ ‪ ،‬ويف لغ ِة الشُّ َعرا ِء واألدبا ِء ال ُعشَّ اقِ ‪ ،‬نَق َرأُها ‪ ..‬ولكن ْ ‪..‬ما بالُك ُم ‪ ،‬وق ْد كا َد يَ ُ‬ ‫ذوب ال َج َس ُد بِتام ِم ِه ‪ ،‬و ُه َو ملْ يُ ْ‬ ‫َضيب‬ ‫يا قضي ًبا ال يُ َدانيه‬ ‫ِم َن األنْ ِس ق ُ‬ ‫َثيب‬ ‫ف ْوقَه ال َبا ُن ‪ ،‬و ِم ْن ْ‬ ‫تح ِت ت َث ِّنيه ِ‪ ،‬ك ُ‬ ‫ُوب‬ ‫َوغزالً كل َ​َّم َم َّر‬ ‫تَ َ َّنتْ ُه ال ًقل ُ‬ ‫بوب‬ ‫بي ال َخ ِّد ‪ ،‬يُ ْد‬ ‫ني ِه ِم َن ال ِّري ِح ِ ‪،‬ال ُه ُ‬ ‫َذ َه ُّ‬ ‫ذوب ‪..‬‬ ‫ما مل َ ْسنا ُه َولك ْن‬ ‫كا َد ِم ْن ل ْحظ ٍ يَ ُ‬ ‫وترى الشاعر يعود بالحب إىل املوت فيعرتف ‪:‬‬ ‫مت ف ِم ْن ُح ِّبي أ ُموتُ‬ ‫ولئ ُّ‬ ‫أنا َم ْي ٌت ‪ْ ِ ،‬‬ ‫حب ِم ْن أث َ ِر ِحرمان ٍ‪ ،‬وأمل ٍ ِم ْن َحبيب ٍ ‪َ ،‬في َض بِ َا ق ُِس َم لَ ُه ِم ْن َعذاب ٍ‪.‬‬ ‫وال بَ َ‬ ‫أس ‪ ،‬يف أ ْن َيوتَ امل ُ ُّ‬ ‫َي َنع ُ ال ُق ْبلَ َة َم ْن يَ ْه وا ُه ‪ ،‬والتَّ ْسلي ُم قُ ْوتُ‬ ‫عذاب‬ ‫ِحب َم ْن أ َح َّب ‪َ ،‬‬ ‫فكيف لَ ُه َّأل يَق َب َل بعبوديَّ ٍة تُق ِّربُ ُه ِم ْن ال َحبيب ِ ‪ ،‬وتجعل ُه خا ِد ًما لَ ُه ‪ ،‬عىل ٍ‬ ‫وإذا كا َن للشَّ اع ِر أ ْن َيوتَ ح ًّبا ‪ ،‬ويَقيض ب ِّ‬ ‫م ْنه ُوتَ َ ُّنع ٍ؟ وها ه َو الشَّ اع ُر يُنادي ‪:‬‬ ‫جس َم َك يف ال َه َوى َما ملْ يُ ِط ْق ُه ‪ ،‬فَه َّد ُه‬ ‫ح َّم َ‬ ‫لت ْ‬ ‫وص َّد ُه‬ ‫يا شا ِمتًا يب‪ ،‬إ ْذ َرأى‬ ‫َه ْج َر ال َح ِ‬ ‫بيب ‪َ ،‬‬ ‫َم ْوىل ‪ ،‬يُ َؤ ِّد ُب ع ْب َد ُه ‪..‬‬ ‫ال ت َشْ َم َ َّت ‪ ...‬فإنَّ ُه‬ ‫بأس‪ ،‬ل ْو ِ‬ ‫الس َه َر‪ ،‬وفا َرقَت ُه ه ْدأة ُالليل ِ‪.‬‬ ‫عش َق َّ‬ ‫ق ْد ه َّد ُه الل ْحظ وال َق ُّد وال َخ ُّد‪ ،‬وصا َر َع ْب ًدا ل ُح ْس ِنها وال َ‬ ‫ُمعتَ ِد ِل القا َم ِة وال َق ِّد‬ ‫وفاتنِ األل َح ِاظ وال َخ ِّد‬ ‫صي ُه ع ْبدي ‪.‬‬ ‫صيين عب ًدا ل ُه ْ‬ ‫حس ُن ُه والطَّ ْر ُف ق ْد َّ‬ ‫َّ‬ ‫إىل أ ْن َ‬ ‫يقول ‪:‬‬ ‫الي ‪ ،‬ب ْع َد ال ُق ْر ِب ‪ ،‬ق ْد بَ ُع َدا‬ ‫رأيْ ُت يف ال َّن ْوم ِ أ َّن ُّ‬ ‫لح ق ْد ف َ​َسدا وأ َّن َم ْو َ‬ ‫الص َ‬ ‫لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت َح َزنًا ؟ لِ ْم ملْ أ ُم ْت َأسفًا ؟ لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت َجز ًعا ؟ لِ ْم لَ ْم أ ُم ْت كَ َم َدا ؟‬ ‫س ٌف ألّ أذ ْو َق مـَنا ًما ‪ ،‬بَـ ْع َدها ‪ ،‬أبَـ َدا‬ ‫ق ْد كِدْتُ أَ ْحلِ ُف إلّ أ َّن ذا َ َ‬ ‫الس ُه َدا‬ ‫ْ‬ ‫غي ْي شَ كـا ُّ‬ ‫أص َب ْح ُت ِم ْن َزفَرات ٍ ال أَق ْو ُم لَ َها أشْ كـو ال ُّرقـا َد ‪،‬إذا ْ‬ ‫وماذا لو ِ‬ ‫الساح ُة ؟‬ ‫خلت َّ‬ ‫وهل أ ْحىل ِم ْن أ ْن يَكو َن يف ِعدا ِد ال َخالدي َن ‪ .‬أ َول ْي َس ل ِق َّصة ِ"روميو وجولييت" ط ْع ٌم‬ ‫حب ؟ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وهل ِم ْن َغرابَ ٍة يف َحبيب ٍ تَ َّنى امل ْوتَ فداء مل َ ْن يُ ُّ‬ ‫لف ع ْن طُعوم ِ ال ُعشَّ اقِ اآلخري َن‪ِ ،‬‬ ‫العاشق أبو تَ ٍَّام حيات َه ‪,‬وملْ َ ُي ْت ك َم ًدا و َج َز ًعا‬ ‫طيق‬ ‫الحب إىل امل ْوت ِ؟ َ‬ ‫ُم ْختَ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فكيف إذا يُ ُ‬ ‫وقد انْتهى بِهام ُّ‬ ‫كم َأضا َء غ ُري ُه ‪ ،‬عىل مثْلِ هذ ِه ال ِّنهايَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحب ؟‬ ‫ات يف‬ ‫وأسفًا و َحزنًا ؟ ْ‬ ‫وهل يكو ُن شا ِع ُرنا ق ْد أضا َء ‪ ،‬يف أيَّام ِ ع ِ‬ ‫رصه َ‬ ‫َ‬ ‫أقاصيص ِ ِّ‬ ‫عشوق ‪ ،‬و َما عا َد ِ‬ ‫و َماذا لَ ْو التَقَى ِ‬ ‫العاش ُق وامل َ ُ‬ ‫للح ْرمان َمكا ٌن ‪ ..‬وكانَ ْت ُخلْو ٌة وكا َن ما يَكو ُن يف الخلْ َوة ِ ِم ْن ‪ ..‬؟ ‪ .‬إنَّ ُه ع َبثُ الشَّ َياط ِني ‪.‬‬ ‫ما ك ْن ُت أ ْح َس ُب أ َّن يل ُم ْستَمتَ ًعا يف قُ ْر ِب ِه ‪ ،‬حتَّى بُل ْي ُت ِب ُب ْع ِد ِه‬ ‫ِ‬ ‫وقد ات َّخ ْذتُ ِم َخ َّد ًة ِم ْن َخ ِّده ِ‬ ‫يش َء أ ْح َس ُن م ْن ُه ‪ ،‬ل ْيلَ َة َو ْصلِنا‬ ‫ال ْ‬ ‫َويَدي ت َ َن َّز ُه يف َحدائِ ِق جل ِْده ِ‪.‬‬ ‫وفَمي‪ ،‬عىل ف ِم ِه ‪ ،‬يُسا ِم ُر ريْ َق ُه‬ ‫واق ِ‬ ‫وت َْستك ُني الشَّ ياط ُني ‪ ،‬وت َهدأُ أ َما َم هي َب ِة ال َجام ِل ‪ ،‬وقد أيْقظ َْت َمالحتَ ُه ِذك َرى ه َّب ْت يف عتْ َم ِة ليلٍ فا َرتْ في ِه أشْ ُ‬ ‫فأنت اآل َن م َع‬ ‫العاشقني َ‪َ .‬‬ ‫حبيب ملي ٍح َسمريٍ ‪ ،‬وك ْن ُز َك أ ْن ت َ‬ ‫عباتٌ غَزيْراتٌ ‪ ..‬وكفَى ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َشتاق إلي ِه ‪ ،‬وم َع اشتيا ِق َك َ‬ ‫الس َم ِر‬ ‫نا َد ْم ُت ذك َر ِك ‪ ،‬والظَّلام ُء عاكِ َف ٌة فكا َن يا س ِّي ْ‬ ‫دي‪ ،‬أ ْحـىل ِم َن َّ‬ ‫يشء ٍ ِم َن املَط ِر‬ ‫فل ْو تَرى َع ْ َبيت ‪ ،‬والشَّ ْو ُق يَ ْس َف ُحها ملَا التَف َّ‬ ‫َت إىل ْ‬



‫حوارية املاء والنار يف طني الجسد‬ ‫" ما أجمل ضحكها‪ ،‬ألنه يظهر من خالل فمها قلبها"‬ ‫موالنا جالل الدين الرومي‬ ‫قراءة أوىل لسلوى الخليل األمني يف مجموعتها‬ ‫" ترانيم من بقايا الصمت "‬

‫عمر شبيل‬ ‫إذا كانت البالبل تلعب مع الوردة لعبة العشق فإن لعبة سلوى األمني مع الكلامت‬ ‫أكرث إيالماً حيث تحاول متزيق الوردة لتلتقط الشذى ‪،‬ولذلك تظل عىل طرف املستحيل‬ ‫ومن هنا يبدو جرحها مفتوحاً باستمرارمن خالل النزف الدائم من محاولة اللحاق باملستحيل ‪،‬وهذا ما يفرس يف رأيي خروجها عىل األوزان ‪،‬‬ ‫ولكن ليس بالطبع عن املوسيقى ‪ ،‬وهذا ما يؤكد لنا قول " النفري" ‪ " :‬كلام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة "‬ ‫إن كيمياء الرؤيا ال تنحرص يف أواين الكلامت ‪ ،‬ولهذا البد من البحث عن وسائل أخرى لخلق لغة يف اللغة ‪ ،‬وبذلك يكون العمل الشعري‬ ‫اإلبداعي هجرة مستمرة يف مدن العشق السبع لرؤية قلوب العشاق معلقة عىل بوابات العامل ‪،‬ولدخول بابل عرب بوابة عشتار املتجددة‬ ‫عرب العصور ‪,‬والقابضة عىل ناصية الزمن تكو ِّره وفق مواسم الخصب والجفاف ‪.‬‬ ‫من هنا يطرح الشعر مبعناه اإلبداعي التجاوزي مسألة الحياة واملوت دفعة واحدة ‪ ،‬ملاذا كانت الفنون هاجس اإلنسان عرب رحلته يف‬ ‫املحدود ‪ ،‬ملاذا ذهب كلكامش إىل جده "أتونابشتم" بحثاً عن الخلود بعد وفاة صديقه "أنكيدو" ‪ ،‬وملاذا رسقت األفعى منه وردة الخلود ؟‬ ‫هل العدم هو املنترص الحتمي يف النهاية ‪،‬؟ وإذا كان العدم هو املنترص فام الجدوى من االهتامم باإلنجاز الحضاري وتراكمه عرب تجربة‬ ‫اإلنسان يف عمره الطيني وناسوته الزائل؟ ‪ .‬إن الفن كان يف رأيي جواب اإلنسان عىل العدمية ‪ ،‬وكان محاولة جادة إللغائها ‪ ،‬وهذا ما يفرس‬ ‫تشبث اإلنسانية بالفنون عىل اختالف أشكالها‪ ،‬حيث ترمي يف النهاية إىل محاولة تأليه الزائل ليصبح غري زائل‪ .‬أنظر إىل قلعة بعلبك ‪،‬وانظر‬ ‫إىل عضالت جوبيتري املفتولة واملنقوشة عىل صخورها ‪،‬ماذا ظل من روما ومجدها يف بعلبك غري فنها الخالد الذي كان أقوى من الفاتحني‬ ‫وجيوشهم والذي جعل االستمرارية ممكنة يف تجربة اإلزميل الذي يتحول حديده إىل رشايني وأعصاب ‪.‬عندما تقف أمام أهرامات مرص‬ ‫أالتشعر بعذاب الفرعون الذي حاول أن يكون إلهاً اليحول وال يزول‬ ‫عرب هذا اإلنجاز املستعيص عىل الفناء وكم كان نابوليون ضعيفاً وهو يحاول منازلة أيب الهول ؟ من هنا عظمة الفنون ألنها تجعل الحياة‬ ‫ذات معنى ‪،‬والويل لعرصنا الذي يزحف باتجاه الجفاف وهو يحاول دحر الفنون وتوظيفها يف الرشكات العمالقة التي تدور وتدور لتطحن‬ ‫البرشية برحاها الفوالذية القاسية ‪ .‬كان الفن وال يزال هو املنقذ‪،‬‬ ‫ولذلك حمته البرشية عرب تجربة الحضارة ‪ ،‬من هنا نفهم ما معنى أن تتنازل باريس عن‬ ‫عذريتها وكربيائها أمام جيوش هتلر ‪ ،‬وال تتنازل عن فنونها املحفوظة يف صدرها‪ ،‬أفهم ذلك وقد ال أقبله‪ ،‬ومن هنا ندرك مدى همجية‬ ‫الغزو األمرييك لعاصمة الحضارة الكونية بالد الرافدين ‪ ،‬كم كان هذا الغزو أحمق وسخيفاً وهو يقتل الفنون التي سجلت أول إرهاصات‬ ‫الحضارة الكونية إلعطاء البرشية حلم االستمرار يف الجامل واإلبداع ‪ .‬املقتول يف هذا الغزو األحمق كان كلكامش وعشتار وحمورايب اآلخذ‬ ‫رشيعته من الشمس قبل أن ترى امريكا الشمس ‪ ،‬املقتول كان الثور الساموي املجنح والقيثارة السومرية ‪،‬وقد تقطع يشء كبري عندما قطّع‬ ‫ستجف الحياة‬ ‫يجف الفن‬ ‫ّ‬ ‫الغزو أوتارها‪ .‬فالفن ليس ترفاً كام يظن أصحاب الرشكات ‪ ،‬وإمنا هو نسغ الحياة وخفقة الطني فيها‪ .‬وعندما ّ‬ ‫حتامً‪ ،‬وعندها فقط ستنترص العدمية ‪ ،‬وتصبح الحياة وجه املوت الحقيقي ‪،‬والفن وقتئذ اليكون ترفاً ‪ ،‬بل يكون حضوره رضورياً كحضور‬ ‫الحياة نفسها‪ ،‬وإذا كان هناك خوف عىل الحضارة فلن يكون هذا الخوف إال عندما ننعى الفن ومنيش يف جنازته ونعتربه شيئاً نافالً ميكن‬


‫للص َدفة إذا مل يكن فيها جوهرة ‪ ،‬إذن فالجوهرة صعبة التكوين كالقصيدة ‪،‬وندرتها تسبب غالءها ‪ ،‬والندرة تكون يف‬ ‫وهل هناك قيمة َ‬ ‫متايزها عن األشباه‪ .‬والشاعر املقلد كامدة تلمع ولكنها ليست جوهرا ً ‪.‬‬ ‫الحب عند سلوى عطاء وليس أخذأ َ‬ ‫‪:‬إليك حملت كل حنيني ‪ /‬ودف َء ضلوعي ‪ /‬أعيش بقربك كل املعاين ‪ /‬وأغزل من أماليد الحياة ‪/‬خياماً‬ ‫تقيك وقت املح ْن ‪. /‬‬ ‫سأبحث خارج أسوار عمري‪ /‬عن سنني أخرى ‪ /‬ألفّها برشائط من حرير‪ /‬أهديها إليك‪/‬‬ ‫واملالحظ أن املعرفة وليدة العطاء ‪ ،‬يتعلم واحدنا مبقدار ما يعطي ‪ ،‬وهل الوالدة غري عطاء ‪ ،‬وهل األمومة غري العطاء؟ ! يف هذه الحالة‬ ‫يغدو املعطي هو اآلخذ ‪ ،‬مبعنى أن امتالك قلب الحبيب ال يتم إال بفقدان قلبك ‪ ،‬حيث تتالىش الفوارق ليعيش الحب وحده ويقيم‬ ‫مملكته متاماً إىل جانب عرش الله ‪.‬‬ ‫وألن النور اليتولد إال من الحرائق ‪ ،‬فالحب هو مصدر النور ‪ ،‬ويجب أن تكون هناك عالقة حب بني األرض والشمس ‪ ،‬وعىل العلم أن‬ ‫يكتشف ذلك ‪ ،‬وإال فام معنى تكرار لقائهام كل يوم ‪ ،‬وملاذا حني تحتجب األرض تبيك السامء ؟ !! ونحن نتقبل ظلم الحب حتى لكأنه العدل‬ ‫املطلق ‪ ،‬فام الرس يف هذا ؟ طبعاً ألن الحب هو املعرفة التي يقف العقل عند بابها مستجدياً ‪.‬واملعرفة هنا ليست إضافة ‪ ،‬وإمنا هي‬ ‫شهوة مستفزة ‪:‬‬ ‫يكفيني امتدادي فيك ‪ /‬طقساً من طقوس الجمر ‪.‬إن االمتداد هنا هوالتوحد املطلق وهذا اليتم إال بالحب ‪ ،‬و يغدو الحب يف هذه الحالة‬ ‫إبداعاً ‪،‬حيث يكون الجسد هو املحرقة التي تجعل الطني صالحاً للعبادة ‪ ،‬متاماً ك ُعب ّـاد النار التغفر لهم حتى تتلظى ومت ّد‬ ‫ألسنتها خارج املوقد لتوزع هباتها عىل ُعبـّادها اآلمثني ‪ .‬فهل يجتمع الحب مع اإلثم ؟ يف النهاية ال‪ ،‬ألن الحب يكون مثرة النار التي‬ ‫التعطيك خرضتها إىل أن تقتلع منك كل سفاسف الرتاب الدونية ‪ .‬اليسمو الجسد إال يف حرضة الحب ‪ .‬ويف حرائق الحب‬ ‫يجتمع الطرب مع البالء يف حفنة من تراب إنها ثنائية املاء والنار ‪ ،‬وثنائية الرتاب املولع بالتأله‪ .‬والبالء هنا هو نرفانا الجسد لالقرتاب من‬ ‫قدمي بوذا ‪،‬أ َو ليس العابد يزداد‬ ‫ْ‬ ‫الحب ياأمي‪ /‬وعاء الور ْد ‪ /‬وجمر فوق أعتايب ‪ .‬والذي يقيم العالقة بني النار والورد هو الحب‬ ‫ول َـها ًكلام أضنته العبادة وجافته املضاجع؟ كأن َّ‬ ‫‪ .‬الحارض إال هو ‪ ،‬ففي لحظة اإلمساك بالقدح تكون النار مهيأة للضجيج ‪.‬ويكون الدن مهيأً للحزن مبقدار مايكون الظامء مهيئني للفرح ‪.‬‬ ‫وقتها يلهو العاشق مع سكان السامء وتزول الحجب بني الناسوت والالهوت ‪.‬‬ ‫الشعر عند سلوى يفيض عن حالة االنفعال ‪ ،‬بعيدا ً عن املدارس الشعرية املوقرة‬ ‫وهرباً من نُظـّارها القساة ‪ ،‬يسيل الشعر منها بوجد خال من الصنعة والرتف الصياغي ‪ ،‬ويقرتب الشعر عندها من الغناء حتى يتالصقا ‪،‬‬ ‫ونادرا ً ما تحس عندها صورة متحدرة إليها من اآلخرين ‪ ،‬وبهذا تكون نظيفة من الكالسيكية وموروثها الذي ميسك بأعناق الشعراء عقودا ً ‪.‬‬ ‫وكل ما ال يأيت عن االنفعال الوجود له يف شعر سلوى ‪ .‬أستثني من ذلك الشعر الذي يقال يف املناسبات حيث تتدخل املنربية وسلطة العقل‬ ‫للسيطرة عىل جامح القصيدة ‪ .‬والخلو من الصنعة اليأتلف مع الطبع األنثوي اليف اللباس وال يف املكياج ‪ ،‬ولكن يبدو أن سلوى التزال‬ ‫جنوبية الهوى حيث انتقلت البساطة من األرض إليها رغم كل املفاتن املخملية التي تنسكب فيها أغىل عطورات باريس ‪ ،‬ويبدو أيضاً أن‬ ‫وجع الجنوب يظل حارضا ً فيها يف بريوت ويف كل مدن العشق التي خطرت فيها ‪ .‬ونرى أن الشعر عند سلوى حالة حدسية تقدح الرؤيا فتكتب‬ ‫دومنا ولع بهندسة القصيدة وكأين بها الترغب يف أعادة ترتيبها بعد خلقها ‪،‬وال مترها عىل مصفاة العقل ‪.‬‬ ‫سلوى كام يبدو من شعرها ليست مع أغنية الفم الواحد ‪ ،‬وهذا يجعل مداها أرحب ‪ ،‬ولذاك أمتنى أن يزداد جنون العاصفة يف رحلتها ‪،‬‬ ‫فاملجذاف الذي يعرف موطن الشجرة التي أرضعته اليدع السفينة تغرق أبدا ً ألن يف املجاذيف شوقاً ليس يف‬


‫نسخه والحياة بدونه ‪.‬‬ ‫بهذا املنحى دخلت إىل ناسوت سلوى األمني بنت الجنوب اململوءة بالعصف‪ ،‬واملسكونة مبواويل سكينة ‪،‬والتي يسكنها الجنوب أكرث مام‬ ‫تسكنه هي‪،‬كانت تحاول الهروب من الزمن عربتجربة املكان الجريح واملصاب يف خارصته بطعنة نجالء‪،‬‬ ‫والهروب هنا ليس مبعناه األنثوي الذي قالت فيه فريوز " السألونا وين كنتو ‪ /‬ليش ما كربتو أنتو‪ /‬منقل ْن نسينا" ‪ .‬الهروب من الزمن هنا هو‬ ‫الخوف من إفالت اللحظة من قبضة الفتاة الشاعرة املنهمكة بالحب واملشتبكة معه يف آن ‪.‬‬ ‫الحب هو أوضح ما يف شعر سلوى ‪ ،‬وهي تحاول يف كل ما تكتب أن تفني وجودها يف وجود املحبوب يف ثنائية الوجد الصويف املتمثل بـ "أنا‬ ‫دلييل إليك" هي نفسها بطاقتنا إليها ‪ ،‬وهذا يجعل املحبوب حارضا ً يف كل تفاصيل الوجد املنبعث من األنا والعائد إليها مع اآلخر‪ ،‬واآلخر‬ ‫ميتد من قيس إىل الوطن ‪ ،‬إىل األم املنشطرة فيه حتى لكأنه هو هي‪ ،‬اآلخر املنسجم معها يف محاولة قتل الغربة يف ظلموت التجربة يف‬ ‫النفس املتقدة ‪ .‬الرجل حبيب ‪ ،‬والوطن حبيب وكل ما يف جنوبه يغريها بالنزف حتى مثالة الفناء ‪،‬تحمل الوطن معهايف غربتني قاسيتني ‪ ،‬ويف‬ ‫زمن الهوية فيه إال الحزن والحقيبة إال وفيها ثياب مملوءة بالبكاء ‪ .‬هي من جنوب التفرت فيه األلحان وال بكائيات سكينة ‪ ،‬الزمن فيه مطعون‬ ‫حسيني ينتمي إليه كل من حمل يف‬ ‫واليختلف فيه القاسمية عن الفرات فكالهام شهد مساقط الرجال الذين يدافعون عن قيمهم يف وجد‬ ‫ّ‬ ‫رفضه وجع الشظية ولذتها يف آن قرب نهر اليتقن إال السري جنوباً ‪.‬‬ ‫وإذا كانت رائحة كل حطب تظهر من دخانه ‪،‬فمن حرائق سلوى تعرف الجنوب وتعرف وجع األنثى أيضاً ‪.‬وإذا كان الجنوب هو الذي يهب‬ ‫الحياة يف رأي سلوى فهو يحق له أن يأخذها متى شاء ‪.‬‬ ‫بكائيات سكينة لها حضور يف حب سلوى ‪ ،‬ولكن ليس بقسوة فسلوى تحاول التوفيق بني زمن الجنوب وبريوت الزمن ‪ ،‬وهي يف النهاية أنثى‬ ‫وكل عطور الرشق يف أردانها ‪ ،‬ومع ذلك يبدو الحب لصيقاً بالحزن إىل درجة التوحديف وجدان سلوى ونتاجها ‪ ،‬ولرقة حضورها الجنويب‬ ‫واألنثوي تغدو احياناً كالخيال ‪ /،‬يا كل املدى ‪ /‬مثة ليل يحارصين‪ /‬يرسق الصمت النائم‪ /‬كيف يل أن ألف الشوق‪ /‬ظالل ور ٍد ‪ /‬تعطر صمتي‬ ‫وحنيني إليك‪/‬‬ ‫الحب غدا النغم أكرث اقرتاباً من اللغة الواضحة ‪.‬وللحب‬ ‫األنغام هي من سامت األعامل الخالدة ‪ ،‬واألنغام ال تتولد إال عن حب ‪ ،‬وكلام قسا ّ‬ ‫مزامري رشب داود من لحنها حتى مثل " إن لألنبياء أنغاماً يف باطنهم " وعندما يتعاىل الجيشان يف النفس يكون املزمار مخـلـِّصاً من املوت‬ ‫ولذلك تظل املوسيقى عدوة املوت ومتنافرة معه باستمرار ‪ .‬وإذا كان الجنوب هو الذي أطلق سلوى باتجاه مدن العشق فقد ظلت كالسهم‬ ‫املنطلق الذي ظل يحمل من يد مطلقه الوجهة والهدف ‪ .‬مل تستطع سلوى ان تتخلص من سجن الرتاب رغم أنها تنادم الفضاء بروح‬ ‫متفتحة وقلب عار كالحقيقة ‪ ،‬وما أروع القلب حني يكون عارياً‬ ‫ألنه وحده القادر عىل إدارة العقل بعريه‪.‬وهذا يذكرين بشعر ملوالنا جالل الدين الرومي‬ ‫متزقت ثيابه من العشق ‪ ،‬فإنه يصبح طاهرا ً من الحرص ومن كل العيوب"‬ ‫" وكل من‬ ‫ْ‬ ‫بشفتي حبيبي ‪ ،‬إذن لكنت كالناي أقول ما ينبغي قوله" وكيف لسلوى أن‬ ‫ويكمل جالل الدين يف وجد غامر " آه لو كانت شفتاي تقرتنان‬ ‫ْ‬ ‫تدرك ما وراءها وما أمامها لوال نور حبها الساطع كالشمس يف شعرها ‪ ،‬جنوبية الرثى كونية الهوى هذه الفتاة املسفوحة يف الكلامت ‪ ،‬وبذلك‬ ‫ِ‬ ‫طينك فصنعت منه ذهباً " والجامل الج ّواين يف أي شعر هو صدى ملكوناته الواضحة وغري‬ ‫تقرتب من املفهوم البودلريي‪"،‬لقد أعطي ِتني‬ ‫الواضحة‪ .‬دامئا يقتلنا حبنا ومع ذلك يكون ثروتنا الوحيدة ‪،‬وكنزنا الذي النبيعه بكل متاع الدنيا ‪ .‬وهنا يصبح القتل جميالً كام تدور ارواح‬ ‫الندامى حول الساقي يف غزليات حافظ الشريازي ‪ .‬ومبقدار ما تزيح سلوى الغطاء عن قلبها تهرع إلينا أرسارها ‪ ،‬ولذلك نرى قلبها عارياً كأنها‬ ‫الفرس العارية من رسجها فوق مرج فسيح ‪ .‬وإذا كان اإلحساس محتجباً فإن احتجابه اليطول ألن الخمرة املحبوسة يف دنّها تترسب رائحتها‬ ‫من خالل فدامها‪ .‬والحجر ال يصبح عقيقاً يف املنجم مامل يكن تكوينه من عنارص صافية عرب التحوالت التي مي ّر بها‪ ،‬وليست كل الحجارة‬ ‫تغدو عقيقاً ‪ ،‬البد من التاميز والصفاء ونقاوة العنرص‬



‫الخشب ‪ .‬وحني تتربعم القصيدة يف الوجدان اليحدها إال األنامل الورعة التي تجرب الحروف عىل النطق ‪.‬‬ ‫بكائيات سكينة التسكن كثريا ً يف شعر سلوى ‪ ،‬ألن سلوى شاعرة قضيةرغم‬ ‫ابتعادها عن أغنية الفم الواحد كام أسلفنا ‪ ،‬ولكن شعرها تشف منه كآبة رشقية‬ ‫التبلغ حد البكائيات العاملية ‪ ،‬ولكنها واضحة عىل كل حال ‪ .‬وهي يف حزنها‬ ‫الرشقي تصغي لنبض قلبها وحده ‪ ،‬وتحاول أحياناً أن تجعل من دموعها‬ ‫أحجارا ً كرمية لعنق ينمو عند نهر القاسمية ‪ .‬إنها ليست عىل شاطئ التعاسة ‪،‬‬ ‫وإمنا ترى التعاسة بوضوح وال تقرتب منها أبدا ً ‪ ،‬إنها تبقى يف أرض الشعر‬ ‫وكام يقول طاغور " إن الطفل يجد أمه حني يغادر أحشاءها " فإن الشاعر يجد‬ ‫نفسه حني تغادره القصيدة ‪ ،‬ويف كلتا الوالدتني يكون وجع وفرح ‪ .‬والحزن يف‬ ‫الرشق معلم ألنه يجعل الرشقي يف املنطقة املضيئة دامئاً ‪ ،‬وسلوى ليست بدعاً‬ ‫يف هذا املضامر ‪ .‬وبودلريربط الجامل باألمل بثنائية عجيبة" الأعرف رضباً من‬ ‫الجامل ليس فيه شقاء" ومع ذلك يتجمد القلب إن مل يعشق‪ .‬وبدون الغياب ال تكون‬ ‫لذة للحضور‪ .‬ونبقى نحب ولو عىل نصال السكاكني ‪.‬‬ ‫يبدو أن سلوى تستطيع غالباً أن تضبط صوتها عىل إيقاع إحساسها ‪ ،‬ولذلك التطول عندها القصيدة ‪ ،‬وهي باستمرار تحاول أن تصالح‬ ‫القصيدة والقارئ ‪ .‬ألن قصيدتها‬ ‫غالباً وليدة املعاناة ‪ ،‬والحقيقة إن املعاناة هي أروع كتاب نقرؤه عىل الدوام‪.‬‬ ‫واملعاناة ليست بالرضورة ناتجة عن احتكاك خشن باألشياء ‪ ،‬وإمنا قد تكون فعالً‬ ‫داخلياً يرتك يف النفس آثاره بوضوح ‪.‬‬ ‫أقول إذا كان املوت لحظة فاإلبداع هو الخلود ‪ ،‬وسلوى يف شعرها التعيش يف‬ ‫"بالد التورية" وال يف عرص "األنوار الخاطئة جدا ً"ولذلك هي وعد شعري ‪،‬‬ ‫وهي قطعة من األرض الجنوبية اململوءة بالشهداء والفقراء ‪ .‬إن مادة الخلود‬ ‫متوفرة يف هذه األرض الغاليةتهبنا بغريحساب ‪،‬ولكل عرصه فقد ينتمي واحدنا للجاهلية‬ ‫وهو يف القرن العرشين ‪ ،‬إمنا القضية يف كيفية إدخال مزيد من النور إىل دمائنا عىل‬ ‫حد تعبري رسفانتس ‪ ،‬فاألزمنة القصية اليسافر إليها إال املبدعون ‪ .‬وقتها يجلس‬ ‫أحفادنا عىل قارعة الزمن ويعدون الينابيع التي ر ّوت ترابنا ينبوعاً ينبوعاً ‪.‬‬ ‫دفتي كتاب‬ ‫كان بودي أن أكتب أكرث عن هذه الجنوبية املعتدة بهذه الجهة ‪ ،‬ولكن عرص األنوار الخاطئة يالحقني وأحاول أن أختبئ منه يف ْ‬ ‫ككتاب سلوى" ترانيم من بقايا‬ ‫الصمت" ‪+‬‬ ‫الذي مل يعجبني يف الكتاب يا سلوى هو لجوؤك للكتابة هكذا " السرية الذاتية "‬ ‫يف فهرست الكتاب إنها أصغر من شعرك الجميل وال تليق به ‪.‬‬ ‫مع بالغ تقديري وإعجايب ‪،‬وما أجمل االحتفال بالكلمة حني يكون القلب مشتعالً‬


‫مقال يف رواية‬ ‫"غادة إبراهيم" “قصور ال تدخلها الشمس “‬

‫بقلم د‪ .‬وفاء محمد حسن األيويب‬


‫غادة إبراهيم روائية يف زمن هجني ينكر فيه الحرف أخاه‪ ،‬وتنتحر الكلمة أمام إيقاعات الصورة والرقم !!!‬ ‫هذي الرواية " قصور ال تدخلها الشمس "تحكم عىل نفسها إذ تفلتت من عقال الزمن !!! من ميسك بالكتاب ؟؟!!! من يجلس لساعات‬ ‫وساعات ؟!!! إنَّه عرص الرسعة‪ ،‬عرص النقمة والتم ّرد‪ ،‬كل ما فيه ذو وترية حادة ناقمة عىل الوقت !!!‬ ‫"الوقت كالسيف إن مل تقنصه اغتالك"‪ .‬وقدميًا كان يقال ""الوقت كالسيف‪ ،‬إن مل تقطعه قطعك !‬ ‫ِ‬ ‫والرفيق ساعة الفجرعىل الرشفة ‪ ،‬فنجا ُن قهوة نتشاركه‬ ‫وكتاب وحكايا !‬ ‫لك الله تلك األيام‪ ،‬كان السمري قبل االسرتسال للنوم بضع ُة أسطر‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مع أمتع الروايات ما يأخذنا إىل عوامل نسبح فيها تزيل عن كواهلنا عبء الواقع القاتم !‬ ‫"غادة إبراهيم" مغام َر ٌة استلذَّت امتطاء الصهيل‪ ،‬وبلغتها املتمرسة باقتناص الجامل ركبت األمواج العاتية‪ ،‬ما هابها امليض قد ًما يف روايتها‬ ‫فلريش ِتها ُ‬ ‫مذاق الياسمني الندي الحا ِمل بأقواس قزح ‪.‬‬ ‫ليست هي الرواية األوىل للروائية فهي ما توجهت يف عملها هذا إال استجابة لرغبات مل َّح ٍة من عشَّ اق قصصها أن اكتبي ‪.‬إنها األستاذة املربية‬ ‫التي ما استطاعت خلع جلدتها وتنايس مهمتها " بناء الجيل" !!!‬ ‫ما يطمئنك ويحملك عىل مرافقة الروائية غادة يف رسدها هي تلك اللغة القريبة املنال‪ ،‬املناسبة لحال العامة يف تلقِّي األخبار ومتابعة‬ ‫األحداث‪ ،‬كام املثقف الذي يجد يف فصحاها لغة مأنوسة ما تق َّعرت يف املعاجم‪ ،‬بل عملت الروائية عىل تشذيب عباراتها من أية مفردات‬ ‫عصية أو غريبة ‪ ،‬فبدت مألوفة مستأنسة من قبل طالبنا كام الزمالء ‪.‬‬ ‫وما يستثريك ويحثُّك عىل القراءة يف هذه الرواية لقطاتٌ تحسبها حقيق ًة‪ ،‬لقطاتٌ لصور خالق ٍة تل ِّون بها املؤلفة نسيج الرسد‪ ،‬فيكون املغزل‬ ‫من نور ترافقه كمنج ٌة ناقد ٌة تضغط بإيقاعاتها عندما يرشح األمل يف صورة من صور الواقع الجريح ‪.‬‬ ‫شحناتُها وقَّادة يف تصوير التو ُّحد مع األشياء إذ بلغ غايته و ًدا وحن ًوا ‪ :‬فالطبيب ما أمسكت أنامله السيجارة بل أخذت تداعبها مبحبة وتحنو‬ ‫عليها ألنها يف نصف عمرها ‪.‬‬ ‫(تداعب أنامله سيجارة انقىض نصف عمرها ) ا‬ ‫تعلِّمنا هذه املربية لباق َة التعامل مع اآلخرين‪ ،‬وإن مل نأخذ هذي الدروس من روايتها‪ ،‬من لغتها‪ ،‬من رسدها ‪ ،‬فالعل ُة فينا ال يف املربني‬ ‫وال يف مناهجنا‍!!‬ ‫وتشحن الروائية بعض املواقف برومانسية حاملة تسيطر عىل محربتها الشغوف بالجامل الروحي‪ ،‬الداعي إىل املحبة بني الكائنات كعامل‬ ‫مثايل أ َّخاذ‪ ،‬فتكون الصور الخالَّقة الناضحة بعبق الرتاكيب‪ ،‬ممهور ًة بسحر الخيال األخاذ ‪.‬‬ ‫فكيف للمطر أن يهطل بغزارة يف هذي الرواية ؟!! ال إ َّن حباتِه ما تسارعت اال لتق ِّبل األدي َم ٍ‬ ‫قبالت ضوئي ًة تغمز ملتمع ًة من قناة خفية تصل‬ ‫إىل املجرات ‪.‬‬ ‫(حطَّت العاصفة رحالها‪ ،‬ومللمت أذيالها م ِّخلف ًة وراءها مط ًرا خجوال ق َّبلت ح َّبات ُه األدي َم وتركت عىل صفحته ٍ‬ ‫قبالت ضوئ َّية حاكت بلمعانها‬ ‫وهج غمز ِ‬ ‫ات املجرة حيية ) ‪.‬‬ ‫َ‬



‫و"وردة" الشاعر ُة عازف ٌة‪ ،‬لك َّن ما يربطها باآللة تلك أي البيانو‪ ،‬هي حكاية عشق‪ :‬فاألنامل ال تضغط عىل أزراره بل تنقر مرتاقصة عىل اإليقاعات‪،‬‬ ‫يف ضوء الشموع املغازلة للزوايا ‪ .‬نحتار يف هذي الصور أنحن يف رسد للقاء عاشقني أم الروائية ترسم لحركة جافة بني آلة وإنسان ؟؟؟!!‬ ‫(كانت أناملها ترتاقص عىل مرسحه والشموع تغازل الزوايا ) ‪.‬‬ ‫وما التذوق الفني اال طعا ًما يستسيغه الناشئ يف بيت الفن ذاك‪ ،‬فالفرح يصبح جز ًءا من النبض‪ ،‬ومعانيه تتغلغل يف املسام‪ ،‬وإن هي إال‬ ‫ذاك النسغ املحيي للرشايني يض ُّخ فيها الحياة لثمر مستقبيل لذيذ الطعم هو فنان عظيم هو ذاك الصبي "حليم "‬ ‫(يف هذا الجو الراقي نشأ الطفل " حليم " متنعام بأبهى بوح فني متذ ِّوقًا طعمه الشهي حتى بات الفن جز ًءا من نبضه‪ ،‬تتغلغل معانيه يف‬ ‫مساماته لتسقي بساتني تتحفز لثمر مستقبيل لذيذ الطعم )‬ ‫هذي هي اللغة املربية !! هذي هي أستاذتنا املربية غادة إبراهيم املربية لألجيال !!‬ ‫ال تستطيع خلع إهابها إنَّه التوجيه !!!‬ ‫حب اللغة العربية ؟؟!! كيف سيمتلكونها بالسليقة ؟! كيف نغرس يف نفوسهم عشق‬ ‫ويتساءلون وتتملكهم الحرية ‪ ،‬كيف ِّ‬ ‫نرب أوالدنا عىل ِّ‬ ‫لغتنا والتفاين يف املحافظة عليها وتطويرها وتجنيبها اإلهامل؟؟!! كيف نطمنئ إذ إنَّنا سنسلم لهم دفة القيادة ؟؟!!‬ ‫بهذه اللغة لغة الروائية‪ ،‬الح َّية النابضة بالجامل الفني باإلبداع‪ ،‬نكرس الحاجز املسدود بني الطالب ولغتنا‪ ،‬يعتادها هنا الطالب ويألف‬ ‫تذ ُّوقَها‪ ،‬يعتمل يف نفسه الزه ُو بها ويتَّحد مع حروفها لينسج مشاعره بحروفها الغنية‪ ،‬مزيال كل العوائق املستحدثة املستوردة من الغرب‬ ‫وبالتاث ‪.‬‬ ‫تلك التي تد ِّمر عالقتنا باألصالة ُّ‬ ‫رواية " قصور ال تدخلها الشمس" عنوا ٌن لرواية تبحث عن شمس لقصور حياتنا ‪ .‬فكم من تعاسة ك َّنا سببا فيها !!‬ ‫موضوعاتٌ وهمو ٌم حياتي ٌة حملتها الروائي ُة ‪ ،‬تلقي الضوء فيها عىل مجتمعنا لرتاه مبجهر واعد بعد أن سلَّطت عليه املطر الكاسح للغبش‪،‬‬ ‫يغسل األدران العالقة عىل نسج الحقيقة املرة ‪.‬‬ ‫املوضوع هم أوالدنا‪ ،‬أطفالنا نبض قلوبنا ‪ ،‬مستقبلهم ه ُّمنا األعظم ‪ .‬مل ومل ولن نستطيع التخيل عن دورنا وحرش أنوفنا يف اختيار‬ ‫طريقهم ‪ .‬فالعادة تحكمنا بسياطها‪ ،‬تقتل فينا روح اإلبداع ‪ ،‬فنعيش يف عباءة القبيلة نرتجف خوفًا من الخيارات البديلة ‪:‬‬ ‫"وافقت وردة زوجها الرأي وص َّممت وإيَّاه عىل تطويع أماين وحيدهام " ‪.‬‬ ‫الطبيب ال بد أن يصبح ابنه نسخ ًة عنه طبي ًبا‪ ،‬واملهندس كذلك والتاجر واملزارع كل يرى يف الطفل الوليد رشيانًا آخر يضخ فيه طموحاته‪.‬‬ ‫فبه يكون استمراره عىل املنوال نفسه‪ ،‬وكأ َّن الخيارات األخرى تعبث بنظام التوازن الكوين‪ ،‬بنظام الجاذبية ‪. .‬‬ ‫هو موضوع قديم حديث‪ ،‬هو مشكلتنا فلنرتك دفة القيادة لل َّركب الجديد‪ ،‬ولنمسك بالطرف نوحي أننا نش ُّد ساع َده ليتو َّجه بها َّأن شاء‪،‬‬ ‫فبتغيرياته يكون التطور والتغيري ‪.‬‬ ‫مجتمع فيه من التناقضات ما رسمته الروائية بشفافية مطلقة تشري إىل العلَّة وتدير بوجهها وعينيها إىل الجهة املقابلة‪ ،‬وكأ َّن األمر ال يعنيها‪.‬‬ ‫لباسا‬ ‫فاملجتمع ذكوري ّ‬ ‫أبوي ‪ ،‬األب هو املتسلط يف العائلة‪ ،‬املو ِّجه لقرارات أفرادها‪ ،‬املمسك مبستقبل الجميع مهنة أو حياة أو حتى ً‬ ‫جدي ًدا‪ .‬ال خيار أمام خياراته‪ ،‬ولو كان عىل حساب رغبات وحيده‪ :‬فها هو حليم املنقاد قرسا لرغبة والده يف أن يصبح صورة طبق األصل من‬ ‫والده طبي ًبا يحس أنه " دخل نفقًا مظلام وهو أعزل يتحرق فيه لقبس يكرس غطرسة العتمة" ‪ ،‬عوض أن يشعر بالزهو والغبطة‪ ،‬إذ تحققت‬


‫الطب يُشهره يف وجه املرض ملكافحته وتقديم السعادة للبرشية ‪.‬‬ ‫أحالمه‪ ،‬وبات ذاك الطبيب الحامل لسالح ِّ‬ ‫املقاييس املغلوطة تعالجها الروائية‪ ،‬وجهات النظر املتباينة إىل األمور والعادات املتوارثة والعقلية السائدة املنبثقة عن املجتمع‬ ‫الذكوري األبوي‪ .‬فهي إنارة عىل قضايا املجتمع ومشاكله‪ .‬وإن شئنا أن نع َّدها من باب األدب امللتزم‪ ،‬كان األمر ممك ًنا‪ .‬فالرواية هذه‬ ‫رواية مربية سامية مو ِّجه ٌة مبجهراإلصالح‪ ،‬مضيئ ٌة عىل العيوب املجتمعية يف التفكري‪ ،‬عىل الرغبات اإلنسانية وميولها‪ ،‬وعىل بعض األعراف‬ ‫والتقاليد السائدة‪.‬‬ ‫الطب والف ِّن كام بني املهنة والرتفيه بني العقل والعاطفة‪ .‬فإشكالية اختالل املوازين يف‬ ‫األب طبيب واألم شاعرة عازفة فنانة‪ ،‬واملفارقة بني ِّ‬ ‫التقييم املجتمعي مطروح ٌة كذلك عىل طاولة البحث يف روايتنا هذه ‪.‬‬ ‫أية مهنة سيختار حليم إذا؟ وما موقف الوالد الطبيب وما موقف الوالدة الفنانة ؟؟‬ ‫التقييم الهابط للفن بني املهن إشكالية أخرى طرحتها الروائية ومتثَّلت إذ تحكَّم الوالد مبصري ولده يف تخصصه الجامعي رافضا كل ما ميت‬ ‫بصلة اىل الفن‪ ،‬وكأ َّن الف َّن سوس ٌة ميكنها ان تنخر بنية العائلة ‪ .‬ومن الذي وقف إىل جانبه ؟؟ األم الفنانة األم الشاعرة ؟! ال مل تقف اىل‬ ‫جانبه ‪ ،‬أقنعته أن هذا الخيار هو األفضل حتى ال يخرج عن مشورة والده‪....‬‬ ‫التقويم الهابط للف ّن‪ ،‬فالفن واملهن األخرى يف متايز‪ ،‬والسائد يف مجتمعاتنا إنكار كل قيمة للفن مع أن الفنون إىل تهذيب النفوس واملشاعر‬ ‫أقرب ‪.‬‬ ‫أنا الفن أنا مصهر التجارب وزبدة الحقائق منبوذ منبوذ منبوذ ‪....‬‬ ‫ِ‬ ‫لك الله أيتها الفنون العظيمة ‪ ،‬بك ترقى مشاع ُرنا ّ‬ ‫وترق‪ ،‬ولكن ال مكان لك يف سوق الحياة مقابل العقل والعلم ‪ ،‬فأنت تابع للشهوة والنزوة‪،‬‬ ‫احتُ ِس ْب ِت عىل العاطفة والرغبة بينام كل املهن األخرى مصون ُة الكرامة رفيع ُة القيمة ملساندة املجتمع لها ‪.‬‬ ‫مقاييس مغلوطة مجتمع ذكوري أبوي يتحكم فيه الوالد مبصري ولده ومستقبله ال بل ما زاد الطني بلة تدخل الوالد وتحطيمه آلخر قبس‬ ‫من أمل عند ولده يف تحقيق الذات‪ ،‬أال وهو الزواج من فتاة أحالمه ‪.‬‬ ‫اذا الخيار اآلخر كان سلطويًا ‪ ،‬لقد اختارها الوالد وفق طموحاته‪ ،‬ابنة ذوي األموال دون النظر إىل مواطن التالقي مع رشيك العمر !!‬ ‫وهكذا صورت الروائية انهيار حياة بتنفيذ إعدام لفكر ورأي ورغبة عند كائن إنساين ‪،‬‬ ‫وبالسري وفق العادات والتقاليد واألعراف املوروثة يف أدق أمور الحياة ‪ .‬فال حرية رأي يف اختيار رشيك العمر‪ ،‬وال حرية يف تقرير املصري‬ ‫واختيار املهنة !!‪.‬‬ ‫غادة إبراهيم روايتك" قصور ال تدخلها الشمس" تحتمل الكثري من الدراسات وما ألقيت إال نظرة واحدة‪ ،‬وهي تستحق التم ُّعن والتمحيص‬ ‫لندرس فيها جامليات الرواية‪ ،‬وتقنيات الرسد الروايئ التي برعت فيها كاتبتنا‪ ،‬ناهيك عن املوضوعات النقدية املصاغة يف وعاء من بلورات‬ ‫الحروف املضيئة‪ ،‬يرن وقعها يف آذاننا‪ ،‬فتستسيغ عقولنا أرسها الجميل‪ ،‬وتألف القلوب سطوة دالالتها وبعد إيحاءاتها ‪.‬‬ ‫رواية تقرأها يف جلسة واحدة لكنها تغازل تفكريك لجلسات متتابعة من تفكري !!!‬ ‫بوركت شاعرتنا مليكة القصة‪ ،‬وبورك حرفك الص َّداح املغرد بالفرح‪ ،‬النابض بالعطاء الداعي لبناء اإلنسان ‪ .‬وإىل مزيد من األعامل الرائعة !!!‬



‫قصائد‬

‫حكمت حسن‬


‫عري‬ ‫ٌ‬ ‫عريب يلبس عرياً‬ ‫ترتاءى منهام‬ ‫ٌ‬ ‫ظالل مستكينة‬ ‫ٍ‬ ‫لجسد يتب ّدل‬ ‫كلّام ازدان ال ّنرص‬ ‫بتتوي ٍج للظّاهر‬ ‫واستم ّر إحتاللنا‬ ‫من طاق ٍة متب ّدل ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ووقت زائلٍ‬ ‫ق ّوته ذات سواد‬ ‫*****‬ ‫تداع‬ ‫لينفصل الوقت‬ ‫ويلتحم املكان‬ ‫لتشل الغيوم‬ ‫ّ‬ ‫الصوت‬ ‫يتقهقر ّ‬ ‫ويتوقّف سيل األفكار‬ ‫خلف جدار ال ّنبض‬ ‫حب كبري‬ ‫ّ‬ ‫صاخب‬ ‫مل يولد‬ ‫تب ّناه الدمع‬ ‫فرفض‬ ‫ض ّمته األحزان‬ ‫فثار‬ ‫ومل ينته‬ ‫*****‬ ‫جاذبية‬ ‫تتزاحم األفكار‬ ‫هجينة‬ ‫مشوبة بأشخاص يف الذّاكرة‬ ‫عىل اللّوح ال ّزجاجي‬ ‫صقي ٌع‬ ‫ولهاث ٍ‬ ‫أنفاس‬ ‫يخ ّط طرقات للعابرين‬ ‫يحتشد الوقت عليها‬

‫تنزل عمودياً‬ ‫بتثاقل‬ ‫عربوا سدى‬ ‫إالّك‬ ‫اخرتقت الحارض‬ ‫إىل الحارض‬ ‫ترك البخار آثارهم‬ ‫إالّك‬ ‫*****‬ ‫حاجز‬ ‫ومضيت عىل عجلٍ‬ ‫صوب ذاكريت‬ ‫رسنا‬ ‫أفتّش عن ّ‬ ‫قاومتني األشجار‬ ‫تش ّبثت يب‬ ‫ات ّجاهك خاطئ‬ ‫عودي‬ ‫أسالك الكهرباء‬ ‫جدران البيوت‬ ‫أرست الهواء‬ ‫فال أم ّر‬ ‫كنت‬ ‫َ‬ ‫تذكرة مروري‬ ‫رأوك يف عيني‬ ‫وقلبي‬ ‫هتفوا‬ ‫أكميل‬ ‫*****‬ ‫خصب‬ ‫اص الغيم‬ ‫يرت ّ‬ ‫رمادي المع‬ ‫ّ‬ ‫كل سقوط‬ ‫يتو ّهج مع ّ‬ ‫رميت من عليائك‬ ‫مج ّرة من أفكار‬ ‫قدتني إىل فلك‬ ‫مداراته نقتسمها‬

‫كلّام تراءى لنا‬ ‫إحساس شار ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫بالحب‬ ‫ويوم أُخصبت‬ ‫ّ‬ ‫رصت رجال ًمقتبساً من فك ٍر‬ ‫*****‬ ‫زائر‬ ‫ابتلعت األغصان رصير الربد‬ ‫نكست األطيار أجنحة الغيم‬ ‫متاثلت وعتم الهدوء‬ ‫أتيت‬ ‫مل تجد األي مم ّرا ً‬ ‫وكنت قد أحرقت املسار‬ ‫يك ال أبدأ‬ ‫وحدهام عيناك‬ ‫دمرتا املخبوء‬ ‫واقرتبتا‬ ‫*****‬ ‫ساعات صخرية‬ ‫أجرجر الوقت‬ ‫وقد اختفى األمس‬ ‫بني جفنني‬ ‫فاضا‬ ‫تجنبا الربيق‬ ‫قنعا الحلم‬ ‫هناك‬ ‫ك ّنا كراقصني‬ ‫عىل مالعب حجرية‬ ‫جناحا فراشة‬ ‫وتألّق‬ ‫عزف ارتقى‬ ‫يف األودية غنى‬ ‫يف تجوال أسطوري‬ ‫قالت‬ ‫ذات حقيقة‬ ‫كنا هنا‬ ‫*****‬ ‫ذنب‬

‫يتحول قلبي إىل مهرب‬ ‫يدعي أن إلهه الفكر‬ ‫ألصق به تهمة‬ ‫أبعد عن الحب مبسافة شعاع‬ ‫وأقرب من التصاق الضوء‬ ‫بالصوت‬ ‫رسقك مني‬ ‫ونجا بفعلته‬ ‫*****‬ ‫رمح‬ ‫ضبايب املنري‬ ‫حدود للحزن‬ ‫وغمويض‬ ‫مثة رمح مر‬ ‫مل يلتئم الهواء بعده‬ ‫تجرح صوت‬ ‫مرر جبهته بتأن‬ ‫ندياً أصبح‬ ‫أحمرا‬ ‫من خالله أنظر‬ ‫وأنتظر وصوله‬ ‫*****‬ ‫قارئة‬ ‫أدخل الظل‬ ‫أفتش عن أضواء‬ ‫يف خباياه‬ ‫تلوح يل ساموات مرقّمة‬ ‫وأقامرا ً مرصوفة‬ ‫تنتظر الهداية‬ ‫أحتمي بال ّنور منه‬ ‫يرسم خطوطاً‬ ‫يؤكّد أنّها متّصلة‬ ‫إىل ما ال نهاية‬ ‫والظ ّ​ّل ال شكل له‬ ‫ما حوله يرسم حدودا ً‬ ‫يتو ّدد إليه‬ ‫قبل أن يبتلعه‬


‫يف حرضة اليأس‬

‫زهراء املوسوي‬


‫بع َد الريا ِع التاميس كان مشكلتي‬ ‫دم ِ‬ ‫الكاس‬ ‫أسلَمتُك القلب أنقى من ِ‬ ‫شعرت لِل َوهل ِة األُوىل كَأ َّن دمي‬ ‫ُ‬ ‫يرضب أخاميس بأَسدايس‬ ‫قد صار‬ ‫ُ‬ ‫قد كان حبي بعيدا ً مثل مشكلتي‬ ‫وكم تعذبت من غارات إحسايس‬ ‫يوصد يف‬ ‫طَوعاً ول ُ‬ ‫َجت وكان الباب َ‬ ‫وجهي‪ ،‬وكانت جيوش اله ِّم ُح ّرايس‬ ‫ليت قَلبي الذي بالحب رسبلني‬ ‫و َ‬ ‫ما َّ‬ ‫دق يف العيد للتذكار أجرايس‬ ‫بت وحدي وضا َعت كل مملَكَتي‬ ‫قد ّ‬ ‫الكل جرياين و ُح َّرايس‬ ‫و خانَ ِني ُّ‬ ‫وت بِه‬ ‫و خانَني ِم َنك وجدا ٌن ز َه ُ‬ ‫فها َجرت رِيشَ تي يف بوح ِقرطايس‬ ‫قد صادر الدهر مني تاج مملكتي‬ ‫ويف ِ‬ ‫أعلنت إفاليس‬ ‫بنوك الهوى‬ ‫ُ‬ ‫ف ُك ْن حبيبي‪ ،‬فقد أطلقت أجنحتي‬ ‫طيب أنفايس‬ ‫ألجتني يف فضايئ َ‬ ‫أجن منه غ َري مشكلتي‬ ‫حب ومل ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫يصب الهم يف الر ِاس‬ ‫وحزن ٍ‬ ‫قلب ّ‬ ‫جسدي‬ ‫وكان حبك كالزلزال يف ِ َ‬ ‫الحسا ِد من نايس‬ ‫به أعو ُذ م َن َّ‬ ‫متنيت لو دار الزمان بنا‬ ‫وكم ُ‬ ‫يف صف ِو َع ٍ‬ ‫يش و يف حزنٍ و أعر ِاس‪...‬‬


‫ليل ٌة كُنا‬

‫شعر‪ /‬رياض الدليمي‬


‫قلب‬ ‫اِحسبيها شطح َة ٍ‬ ‫خريف‬ ‫أو مراهق ُة ْ‬ ‫لِ َم ِ‬ ‫أنت حريى‬ ‫وقَ ْد نَذرتُ األعيا َد قرباناً ؟‬ ‫برفق‬ ‫َضب البو ِح ٍ‬ ‫أطفئي غ َ‬ ‫ِ‬ ‫الهمس‬ ‫تَ َه َجدي بصال ِة‬ ‫القلب‬ ‫أَطلقي الي َد وال ت َُس ِّوري َ‬ ‫ال تندمي ِ‬ ‫وأنت تحلق َني يف ساموات الرو ِح‬ ‫وأَنجمي ‪...‬‬ ‫َح ِ‬ ‫سبتك ت ِ‬ ‫َعلمت الدرس ‪!...‬‬ ‫ضت‬ ‫خمسو َن عاماً َم ْ‬ ‫ِ‬ ‫القلب‬ ‫وأنت تُحصن َني‬ ‫َ‬ ‫كل ُح ِ‬ ‫صونك‬ ‫أكل َّ‬ ‫الخريف قد َ‬ ‫ُ‬ ‫وبع ْد ‪،‬‬ ‫أتدرك َني يا سيد َة الخريف‬ ‫أَن َني الرب ِد ؟‬ ‫وثنايا الثلج ‪،‬‬ ‫تحل ُم بدف ِء الليل‬ ‫ِ‬ ‫ونبضك ‪...‬‬ ‫ال خطيئ ٌة‬ ‫وال ذنب‬ ‫ِ‬ ‫هياج الرو ِح ‪ ...‬فلَ ْم ت َ َن ْم من أو ِل فصلٍ‬ ‫إن‬ ‫هدأت َ‬ ‫وشمس ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ساهر ٌة يف َسكر ِ‬ ‫ات الكَرى‬ ‫وموت ‪،‬‬ ‫أفصحي عن مت ّر ِد شغاف الليلِ‬ ‫ونريانِ فَ ْم ؟‬ ‫ِ‬ ‫مازلت تَعدي َن َخطايا الليل !‬ ‫أَم‬ ‫هم وه ْم !‬ ‫وأراجيح العم ِر بني ٍ‬ ‫َعزف أسطور َة َ‬ ‫أوتا ُر أناميل ت ُ‬ ‫تلك الليل ِة ‪،‬‬ ‫غاب فيها العم ُر ‪ ..‬هدأتْ ‪...‬‬ ‫لقد َ‬ ‫وتوقفت دور ُة ِ‬ ‫األرض‬ ‫ْ‬ ‫الشمس غادرتْ زوالها‬ ‫ُ‬ ‫ال ُمستق َر لها‬ ‫وقت ‪.....‬‬ ‫وال ْ‬ ‫هل ِ‬ ‫الرب‬ ‫طلبت أن َ‬ ‫يطيل ُّ‬ ‫خريف فصول القلب ؟‬


‫نابل تَشه ُد‬ ‫الس ُ‬ ‫ـأكتب و َ‬ ‫َس ُ‬ ‫َذبـل‬ ‫ابق يف ُسـهو ِل الح ُـ ِّب ت ُ‬ ‫ـأكتب َحتَّى ال َزنَ َ‬ ‫َس ُ‬ ‫ـأكتب للشَّ ِام لؤلـؤ ُة األوطا ْن‬ ‫َس ُ‬ ‫و عيوين ِم ْن اإلنتظـا ِر تَد َمـ ُع‬ ‫ـت‬ ‫ِعي قرو ِح ال ُغربة تَن ِّب ُ‬ ‫َع َ‬ ‫ىل َمواج ِّ‬ ‫هطل‬ ‫يل يَ ُ‬ ‫و أمطا ُر الشَّ وقِ يف لَي ِّ‬ ‫ـأكتب َحتَّى ال َنسي َم ِف ث َغ ِر الور ِد يَ ّسـك ُر‬ ‫َس ُ‬ ‫و ال َج ُ‬ ‫داول عىل ذرا ِع امل ُدنِ ت َنشِّ ُد‬ ‫ـأكتب للق ِ‬ ‫ُدس‬ ‫َس ُ‬ ‫أَمري ُة الشَّ ـرقِ‬ ‫معص ِمها ك ُُّل األَنبيا ِء ول ُدوا‬ ‫ِم ْن َ‬ ‫َتبخت‬ ‫ىل ِذرا ِعها ك ُُّل ال َع ِ‬ ‫واصم ت َ ُ‬ ‫َع َ‬ ‫و َعىل َصدرها الزمانِ و األديانِ تَتم َّد ُد‬ ‫بأسم ال َّر ِّب‬ ‫و ِ‬ ‫يوم شَ ع ُبها يُقتَ ُل‬ ‫ُّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أكتب عىل كَفنِ الشَّ هي ِّد‬ ‫َس ُ‬ ‫ُهنا َمرقدا ً للعطو ِر‬ ‫ُلوب ت ُر َّد ُد‬ ‫و الق ُ‬ ‫ـأكتب لل َمقهورين‬ ‫َس ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتمزق َدسات َري الظُلم‬ ‫اىل ان‬ ‫وت ُ‬ ‫َنزف أُذ َن املَسـؤليني‬ ‫َسـأنشُّ ُد للفُقرا ِء‬ ‫َحتَّى َيوتُ الذُل بعلّ ِته‬ ‫رص فَ ْو َق‬ ‫و يَسـه ُر ال َن َ‬ ‫وطني‬ ‫َج ِّبي َم ِّ‬


‫ـأكتب‬ ‫س‬ ‫َ ُ‬ ‫خلـود منـذر_ سـوريـة‬


‫الصاحب الجليل‬

‫أنيس عطا‬


‫كنت‬ ‫عند املنايا أنا ياصاحبي ُ‬

‫ماتبت‬ ‫العشق‬ ‫وحق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫إي َّ‬ ‫وأنني ْ‬

‫الصمت‬ ‫أجثو ويقتلني يف صمت ِه‬ ‫ُ‬

‫شواطئي حانتي الغ ّنا ُء سنبلتي‬

‫رض يف ليلٍ يقلّبني‬ ‫ال ُ‬ ‫الكأس يح ُ‬

‫مارمت‬ ‫أهيل وغاني ٌة سمرا ُء‬ ‫ُ‬

‫منت‬ ‫وال النهو ُد عىل آكامها ُ‬

‫هذي الجنا ُن جميعاً ك َّن يف ٍ‬ ‫ترف‬

‫لك َّن يل غص َن ٍ‬ ‫شوك كان يُلهمني‬

‫خفت‬ ‫عىل العيونِ فام‬ ‫أذعنت أو ُ‬ ‫ُ‬

‫بعض الحيا ِة فينأى ذلك املوتُ‬ ‫َ‬

‫ياصاحبي أشتهي والل ِه صحبتَنا‬

‫استعصمت يف زمني‬ ‫علمت كم‬ ‫فهل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫أمت‬ ‫حديثَنا ودروباً مابها ُ‬

‫ٍ‬ ‫خضت‬ ‫عذابات وكم‬ ‫طويت‬ ‫وك ْم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ُ‬ ‫كنت أشبعها‬ ‫أشتاق جلس َة خم ٍر ُ‬

‫نصف سنيني يف منازل ٍة‬ ‫أحرقت َ‬ ‫ُ‬

‫شئت‬ ‫شعرا ً وتشبعني سكرا ً متى ُ‬

‫م َع الحديد يُالويني وقد فزتُ‬

‫ولو‬ ‫أضعت شباباً ر َاح من زمنٍ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫عتي غري أن دمي‬ ‫رس‬ ‫ُّ‬ ‫الحديد ٌّ‬

‫قمت‬ ‫لك َّن يب شغفاً يزهو متى ُ‬

‫الوقت‬ ‫أعتى فقطّ َع قيدا ً عاب ُه‬ ‫ُ‬

‫أخ ْرب حبيبي الذي أهوا ُه من صغ ٍر‬

‫ِ‬ ‫ضفاف دمي‬ ‫زرعت بذر َة ح ِّبي يف‬ ‫ُ‬ ‫فليس يردعني ٌ‬ ‫خوف والج ْب ُت‬ ‫َ‬

‫الشيب عن رأيس إذا ُ‬ ‫عدت‬ ‫ميسح‬ ‫أ ْن َ‬ ‫َ‬

‫األيام أغنيتي‬ ‫ورحت أشدو اىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عشت‬ ‫مرحاك بغدا ُد َّ‬ ‫ياكل الذي ُ‬ ‫أنا ِ‬ ‫فتاك فقويل اي معرتك‬ ‫تنازلني تريني ماردا جئت ُ‬ ‫جميل دو َن توبت ِه‬ ‫الحبيب ٌ‬ ‫فهو‬ ‫ُ‬


‫يا واثِ َقاً ب َعدالَ ِة األَيَّام‬

‫الشاعرة بلقيس ‪ :‬إكرام الجنايب‬


‫يا واثقاً ب َعدالَ ِة األَيَّ ِام‬ ‫ْص ف ِإنَّ ّك يف َح ٍ‬ ‫دام‬ ‫ديث ِ‬ ‫أَق ِ ْ‬ ‫انْظُ ْر ب َع ْ ِي ُمرا ِق ٍب ُمتَ َف ِّح ٍص‬ ‫وام‬ ‫ما أَ ْح َدثَتْ ُه ق َْس َو ُة األَ ْع ِ‬ ‫ُم ْذ َع ْه ِد آد َم والحيا ُة مليئَ ٌة‬ ‫بال َقتْلِ وا ِإلقْصا ِء وا ِإل ْجر ِام‬ ‫شق َْت شَ ْم ٌس عىل أِ ْرجائِها‬ ‫ُم ْذ أَ ْ َ‬ ‫َناسل َْت يف ُع ْمرِها املُرتامي‬ ‫وت َ‬ ‫وشورِها‬ ‫و ْه َي البال بظَال ِمها ُ ُ‬ ‫كام‬ ‫وال َقتْ ُل فيها َس ِّي ُد األَ ْح ِ‬ ‫َع َّم ْت َم ِ‬ ‫فاس ُدها الوِها َد ولَ ْم ت َ ُك ْن‬ ‫إِلَّ أَداة َ ق َِطي َع ٍة ِ‬ ‫صام‬ ‫وخ ِ‬ ‫جل جاللُ ُه ُس ْبحانِ ُه‬ ‫الل ُه َّ‬ ‫َخل َ​َق الدُّىن مل َ َح َّب ٍة و ِوئام‬ ‫وأَحاطَها برعاي ٍة و ِعناي ٍة‬ ‫عام وا ِإلكْر ِام‬ ‫يف ُم ْنتَهى ا ِإلنْ ِ‬ ‫لك َّن َم ْن أُ ْعطي األَمان َة خانَها‬ ‫دام‬ ‫ومىض بَعيدا ً يف ٍ‬ ‫طريق ِ‬ ‫َر َه َن الحياة َ لطَ ْب ِع ِه و ِمزا ِج ِه‬ ‫ظام‬ ‫ش َع ٍة ونِ ِ‬ ‫ُمتَبا ِعدا ً َع ْن ِ ْ‬ ‫وأَدا َرها ب َحامقَ ٍة و َجهالَ ٍة‬ ‫َج َّرتْ ٍ‬ ‫مآس كُلها وطَوام ِ‬ ‫بيل ِم َن األَذى‬ ‫لَ ْم يَ ْسل َِم ال َّر ْه ُط ال َّن ُ‬ ‫ْوام‬ ‫و َعدَتْ علي ِه ق َْس َو ُة األَق ِ‬ ‫اللئيم شَ وا ِه ٌد‬ ‫الس ْف ِر ِ‬ ‫ولنا ِم َن ِّ‬ ‫ْهام‬ ‫ٌ‬ ‫ودالئل ت َْس ُمو َعنِ ا ِإلت ِ‬ ‫الضاللَ ِة وال َعمى‬ ‫َح َك َم ْت به ُز َم ُر َّ‬ ‫غام‬ ‫بسياس ِة التَّ ْجهيلِ وا ِإل ْر ِ‬ ‫ولَ َك ْم طَ َغ ْت وت َ َغ َّول َْت وتَ َف ْر َع َن ْت‬ ‫يالم‬ ‫يف غاية ا ِإليذا ِء وا ِإل ِ‬ ‫السام ِء وأَ ْهلَها‬ ‫واستَ ْه َدف َْت ِق َي َم َّ‬ ‫ْ‬ ‫حام‬ ‫ِم ْن طا ِه ِر األَ ْص ِ‬ ‫الب واألَ ْر ِ‬ ‫نبي و ْه َو َم ْح ُض طَها َر ٍة‬ ‫كَ ْم ِم ْن ٍّ‬ ‫اآلنام‬ ‫ونقا َو ٍة َع ْن سائِ ِر ِ‬ ‫َج َّرتْ عليه نَوا ِزالً وكَوارِثاً‬ ‫اآلالم‬ ‫لَم يَ ْحتَويها ُم ْع َج ِم ِ‬ ‫والنبي َم ْح َّم ٌد‬ ‫يحيى وموىس‬ ‫ُّ‬

‫مبقام‬ ‫و َعدا ُه ُم ِم ْن سا ِم ٍق ِ‬ ‫كؤوس ال َق ْه ِر ُدو َن جِناي ٍة‬ ‫َجر ُعوا َ‬ ‫ش األَشْ با ِه واألَقْز ِام‬ ‫ِم ْن َم ْع َ ِ‬ ‫الصال ِح و َم ْه ُر ُه‬ ‫لك َّن ُه َث ْ ُن َّ‬ ‫يا واثقاً ب َعدالَ ِة األَيَّ ِام‬


‫عىل ظالل الذاكرة‬ ‫شعر‪ /‬خلود منذر‬


‫مع الشمس‪...‬‬ ‫تكرب ظالل البرش‬ ‫تصمت األصوات‬ ‫حني سقوط املطر‬ ‫و عىل بساط العشق‬ ‫يزحف النسيان ‪...‬‬ ‫حتى تتالىش رائحة الشوق‬ ‫من وسائد الصرب‪،‬‬ ‫أنت‪...‬‬ ‫و َ‬ ‫ماز َال ِصدام َص ْ‬ ‫داك‬ ‫يُقارع مغارة الصدر‬ ‫ينسج شال غربتي‬ ‫ُ‬ ‫بألوان رمادية‪،‬‬ ‫يغيب قوس قزح‬ ‫ُ‬ ‫من سامء الطفولة‬ ‫تلفظ األنفاس أخر الحروف‬ ‫ْ‬ ‫بأسمك‪...‬‬ ‫ال شيئ يتعب الذاكرة‬ ‫أكرث من مواويل الخصام‬ ‫صلب الزهر‪...‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫يف أَ ِصيص القحط‬ ‫و قبل والدة الغيث‬ ‫ينعدم الشذا‪،‬‬ ‫ما عا َد ظيل هناك‪...‬‬ ‫اِسأل مرآتك‬ ‫و خاطب عيونك‪...‬‬ ‫حني كانت قصائدك‬ ‫تتمدد عىل جداويل‬ ‫يصل مداد ألوانك‬ ‫إىل املجرة‪...‬‬ ‫كنت تحيا من جديد‬ ‫َ‬ ‫بني ومضة ُحلمي‬ ‫و محربة‪...‬‬ ‫تجمع الندى‬ ‫من جبني ريايض‬ ‫عبثاً‪...‬‬ ‫غادرتَ فضاءايت‬

‫رستَ مع العابرات‪....‬‬ ‫فوق خيوط الجسد‬ ‫تك ّدست الكدمات‬ ‫من قبلة نازفة‬ ‫و مشنقة‪...‬‬ ‫أعلنتها محكمة الوفيات‬ ‫يا َم ْ‬ ‫داك‬ ‫انا يف صمتي نداءات‬ ‫تخترص وجع املسافات‬


‫فريوز‬

‫جوين شباط‬


‫أظ ُّن تَرانا اآلن‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫يحيك عني وعن ُك ُم‬ ‫عاشق‬ ‫يف ذهنِ ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫والضو ُء يف عينيها‬ ‫فوضوي‬ ‫تُخفيه بشَ ع ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫وتُخفي‬ ‫دمعاً ِمن َمر َم ْر‬ ‫الحب‬ ‫وكام ُّ‬ ‫يَس ِب ُق ُه ال ِغوى‬ ‫يَسب ُِق صوت َِك‬ ‫ِ‬ ‫الحامس‬ ‫إرس ٌاف يف‬ ‫َنص للصو ْر‬ ‫وق ٌ‬ ‫الظالم‬ ‫خرج من ذاك ِ‬ ‫‪ ...‬ثم يَ ُ‬ ‫ثوبُ ِك الل َّّمع‬ ‫مسا ًء مرشقاً‬ ‫ْ‬ ‫الظالل‬ ‫شمساً عىل كل‬ ‫ال ِ‬ ‫ينهض الصباح‬ ‫ِ‬ ‫بنجواك‬ ‫إلّ‬ ‫تجولني يف‬ ‫قلب القصور‬ ‫ِ‬ ‫يف قلب األزقَّه‬ ‫يف قلب املقاهي‬ ‫يف قلب األح ّبه‬ ‫ِ‬ ‫نجواك تحيك‬ ‫عن ٍ‬ ‫ناس ُسلِ َخ ْت‬ ‫اب َمواط ِنها‬ ‫عن تر ِ‬ ‫تحيك‬ ‫عن ٍ‬ ‫طيف ٍ‬ ‫عاص عىل الزمن‬ ‫الناي اىل‬ ‫يُ ُ‬ ‫نصت ُ‬ ‫شد ِو ألحانِه‬ ‫ِمن خلف مر ِ‬ ‫اياك‬ ‫الناس عن حالِ ِك ِ‬ ‫اذا ما َ‬ ‫قلت‬ ‫سأل ُ‬ ‫‪ ...‬قد ُم ُّت يو َم ماتْ‬

‫فريوز‬ ‫الصدى‬ ‫مولِ ُد ِك َر ْج ُع َّ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫ِمن ذاك‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫خارج‬ ‫َ‬ ‫قادم ٌة من جيلٍ‬ ‫ال يَشيخ وال يتالىش‬ ‫أَ ِط ّل‬ ‫أُ ُّمنا‬ ‫الت‬ ‫األغاين ما ز ْ‬ ‫تَ ي ُد يف الهوا ِء‬ ‫ملْ ت ُْس ِقطْها‬ ‫ريح وال َسأَ ُم‬ ‫ٌ‬ ‫يا آخ َر ال ِقال ِع‬ ‫الصيف‬ ‫وص ْخ ِب‬ ‫ِ‬ ‫مغيب َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بك الشِّ ع ُر نَط َْق‬ ‫يا ُد َّر ًة‬ ‫الصب ِح‬ ‫ِمن عا ِج ُّ‬ ‫ال ِ‬ ‫الباب خلف َِك‬ ‫توصدي َ‬ ‫بوحي لنا‬ ‫كيف وط ٌن‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ص‬ ‫بصوت يُختَ َ ْ‬


‫روحي تعانقني‬

‫شعر‪ /‬رنا عبد الله‬


‫تزف إىل عيناي دموع الفرح‬ ‫ترسبل قلبي بطرحة مشاعر‬ ‫ناصعة النبض‪..‬‬ ‫تراقصني نبضايت‬ ‫عىل وقع خطى العشق املوعود‪..‬‬ ‫أعتيل أجنحة الفرح‬ ‫يشدوين الحب‬ ‫معزوفة رومانسية النوتات‬ ‫تبدع اوركسرتا العينني‬ ‫يف تلحني الكلامت‬ ‫غارقة كانت‬ ‫منذ زمن‬ ‫يف بحر من سكات ‪..‬‬ ‫أ عاشقة أنا؟!‬ ‫أناي تسأل املرآة‪..‬‬ ‫فينبت الزهر‬ ‫وتتورد الوجنات‪..‬‬ ‫هي ذي انا‬ ‫وجدتني يف بحر تلك النظرات‬ ‫أعلن إبحار مشاعري‬ ‫بإتجاه الحياة‬


‫تشيزوفرينيا الحروف‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬


‫عىل رشفه احزاين‬ ‫منا غصن حبك‬ ‫احرتت‬ ‫ااحلج جذوره‬ ‫ام ارويه مباء عطفك‬ ‫امللم سعاديت‬ ‫عند رؤياك‬ ‫اسكر من لحن‬ ‫صوتك‬ ‫ترنيامت تنسج‬ ‫يف صدرك‬ ‫تطرب اذين‬ ‫عند لقياك‬ ‫ال اشبع من‬ ‫مالمح‬ ‫محياك‬ ‫ال اعلم‬ ‫اانت مرسول القدر‬ ‫ام سعي من مسعاك‬ ‫وبعض تشيزوفرينيا الحروف‬


‫عىل قدر الهوى‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬


‫يأْيت ال ِعتاب‬ ‫ألوم معذِّيب‬ ‫ألو ُم ذايت‬ ‫فاسخطها‬ ‫ويرضيها العذاب‬ ‫استطعت‬ ‫ولو َأن‬ ‫ُ‬ ‫لتبت عنه‬ ‫ُ‬ ‫ولك ْن كيف‬ ‫عن روحي املتاب‬ ‫هو ذايت‬ ‫هو انا‬ ‫هو السلوان والصواب‬ ‫وقلبي جزاؤه‬ ‫انه هوى‬ ‫وهل من يهوى‬ ‫يثاب؟‬ ‫صحوت‬ ‫فانكرت نفيس‬ ‫وفرضت عليها العقاب‬ ‫الن القلب يف يده‬ ‫زمام امري‬ ‫وما اغتضت عن عشق‬ ‫عاشقي‬ ‫فاعدت العهد‬ ‫وامتد العتاب‬ ‫رجوت الخالق‬ ‫ان اعود لرشدي‬ ‫واال عىل الدنيا الرساب‬ ‫فمحبويب وانا مصابان‬ ‫بشيزوفرينيا الحروف دون حجاب‬


‫روحي تعانقني‬

‫بقلم الشاعرة رنا عبد الله‬


‫روحي تعانقني‬ ‫بقلم الشاعرة رنا عبد الله‬ ‫روحي تعانقني‬ ‫تزف إىل عيناي دموع الفرح‬ ‫ترسبل قلبي بطرحة مشاعر‬ ‫ناصعة النبض‪..‬‬ ‫تراقصني نبضايت‬ ‫عىل وقع خطى العشق املوعود‪..‬‬ ‫أعتيل أجنحة الفرح‬ ‫يشدوين الحب‬ ‫معزوفة رومانسية النوتات‬ ‫تبدع اوركسرتا العينني‬ ‫يف تلحني الكلامت‬ ‫غارقة كانت‬ ‫منذ زمن‬ ‫يف بحر من سكات ‪..‬‬ ‫أ عاشقة أنا؟!‬ ‫أناي تسأل املرآة‪..‬‬ ‫فينبت الزهر‬ ‫وتتورد الوجنات‪..‬‬ ‫هي ذي انا‬ ‫وجدتني يف بحر تلك النظرات‬ ‫أعلن إبحار مشاعري‬ ‫بإتجاه الحياة‬



‫أمري فرحات يوم مولده‬ ‫ْاس ُم أمري قــد ت َـزيَّــا س ِّيدا‬ ‫و ْج ُهه ُبيـن املعــاين م ُـفـ َردا‬

‫إ ْن ب َـ َد ْت من ثَغــر ِ أمري بسمة ٌ‬ ‫تفرح ِ ال ُّدنْ َيا وتغــدو أسعــ َـدا‬ ‫السحـ ِر من أدب ٍ لَ ُه‬ ‫وحديــثُ ّ‬ ‫يجلب ُ الشــوق َ إلي ِه ع ُـــ َّودا‬ ‫نهوند ٌ مـن مقامـات ِ الهــوى‬ ‫صوت أمري رقـة ٌ يحيك الهدى‬ ‫ُ‬ ‫لَمس ٌة حنون ٌة ٍ من يديـ ِّه عجيبة ُ‬ ‫كأنها أصفى من خيـا ٍل مـ َـوردا‬ ‫بقلم الشاعرة العراقية بلقيس الجنايب‬


‫ث‬

‫رو ة‬

‫ح‬ ‫ظ‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫يد ا ً‬

‫ميكن أن يكون من نصيبك‬ ‫عليك اإلتصال اآلن بعاملة الفلك نجمه عىل الرقم التايل‬ ‫‪0096171422540‬‬

‫عاملة الفلك (نجمه (‬ ‫لديها خربة اكرث من ‪ 9‬سنوات يف مجال علم الفلك وقراءة الكف والوجه ولغة‬ ‫العيون وتوافق األبراج‬ ‫لديها اكرث من ظهور أعالمي عىل العديد من القنوات التلفزيونية مثل‬ ‫قناة(ملسات العرب) وقناةالبصرية‬ ‫ميكنكم التواصل معها عىل صفحاتها عىل مواقع التواصل االجتامعي او عرب‬ ‫تطبيق (برصيل) لتستفيدوا من خربتها الواسعة يف جميع جوانب الحياة‬

‫بإمكانكم اإلتصال بنا عىل هذا الرقم‬ ‫‪0096171422540‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.