طائر الفينيق جوهرة اإلنسان د.حسن فرحات
س ّجل
د.هويدا رشيف
وداعاً يا حمد عمر شبيل
إدارة مكافحة اإلرهاب بني الفاعلية واملسؤولية
د.ماغي عبيد
كشف املسار الغامض لوباء الكولريا يف اليمن
شمسه القحطاين
األول من يناير األمازيغي وأسطورة العجوز سليمة مليزي
70 ينابيع الذات ..ينابيع القصيدة «أي خبز فيك يا هذا قراءة يف «مجموعة عمر شبيل الشعريّة ّ املطر» د .محمد محي الدين 74 وداعاً يا حمد بقلم عمر شبيل 102 س ّجل د .هويدا رشيف 108 غافياتٌ جفوين All rights reserved. Copyright held by HSF Media Inc. د.رياض الدليمي 2019. No reproduction, copying or pasting without expressed consent from HSF Media Inc. For permission 112 @or writing oppurtunities please contact: submissions العمر املعتّق ya7elweenmagazine.com فاطمة البزال Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat MD Co-Founder: April Khan 116 Chief Content Manager: Dinah Rashid إىل ظبي ُة الظبيات Senior Arts Director: Saood Mukhtar رشا طالب رئيس التحرير :الدكتور حسن فرحات 118 لساميئ نجوى نبال رعد /بدنايل 120 ثوب الحياة زينة الجوهري 124 ظالل املساء أمية الوزاين* 126 كشف املسار الغامض لوباء الكولريا يف اليمن بقلم الكاتبة :شمسه القحطاين ( اإلمارات العربية املتحدة) 132
جوهرة اإلنسان د .حسن فرحات رئيس التحرير 4 إدارة مكافحة اإلرهاب بني الفعالية واملسؤولية. الربوفسرية :ماغي حسن عبيد\ لبنانية. أستاذة وباحثة جامعية\ كلية االداب والعلوم اإلنسانية_الفرع الرابع. 8 الفلسقة التحليلية :خواء امليتافيزيقا والعالج اللغوي د.عبده شحيتيل 18 الوجود والعدم.. جدلية عاشها شعراء ماقبل اإلسالم..يف أشعارهم د.غيثاء عيل قادرة* 38 الخطيئة لنرسين بلوط ...خطيئة التاريخ والحارض د .دريّة كامل فرحات 42 هي األغنية الحزينة املنسية د .هويدا رشيف 46 االول من يناير االمازيغي و أسطورة العجوز ..؟ بقلم سليمة مليزي* 50 نصوص الكشف وأنساق املأساة قراءة يف نصوص الشاعر حامد خضري الشمري جبار الكواز 56 شجرة معتكفة يف أرض الحب والشعر من مق ّدمة «إيقاعات متم ّردة» -دراسة بقلم الشّ اعرعمر شبيل 66 لوال القرشة لفسد اللب
ا مل ح
ت و اي
ت
جوهرة اإلنسان
ا ف تتا
ح ةي
د .حسن فرحات رئيس التحرير كل ما الحت في األفق بوادر األمل في نفوس المؤمنين والمخلصين يعمد الذين ال يملكون ضميرا ً حيا ً إلى التقليل من هذا الشأن الذي ال شك أنه إذا سلك طريقه السليم إلى القلوب المفعمة بالحب للحياة وللذات ولآلخرين ،عندها يصبح األمل هو حبل النجاة من المآسي واآلالم التي تعصف في عالمنا الواسع والشاسع ّ ولكن هناك شيئا ً واحدا ً مشتركا ً بين سكان هذا والذي يحتوي على كل التناقضات والتجاذبات البشرية الكون أال وهو العقل الذي يبقى هو األساس في تحديد ك ِّل شيء نفعله في حياتنا اليومية بإدراك منَّا أو بدونه . حلّي بالصبر عند مواجهة الصعاب ،وأن ال نتخذ قرارات متسرعة وخاطئة دون علينا دائما ً الت َّ ِ ي ِ ومتسر ّ عِ وبعي ٍد إفساح المجال للعقل لكي يطلع عليها ويحللها قبل الشروع بإصدار رأي عفو ّ ك ّل البعد عن المنطق ،والحقيقة الواحدة التي ال تتجزأ بحكم هذا العقل الذي يشكل حبل النجاة من محصن الظلمات التي تحيط بِنَا والتي قد تشوش فكر اإلنسان ال شعوريا ً وخاصة إذا كان هذا الكائن غير ٍ ثقافيا ً وفكريا ً وأخالقيا ً وإنسانيا َ وإيمانيا ً ،وهو عرضة لكل أساليب الخداع المتنوعة والكثيرة في عالمنا المتطور في كل شيء إال في نشر الوعي المعنوي والثقافة الثابتة والدقيقة والشاملة التي من شأنها جعل هذا العنصر البشري ْ من يحددُ خياراته اليومي والمستقبلية دون ضغوطات خارجية غير واقعية وغير منطقية والبعيدة ك َّل البعد عن جوهر الثقافة العامة والمستقلة بذاتها عن أية تأثيرات سلبية تنبعث من غزارة المعلومات المتوفرة في عالم المعلوماتية وعدم توفر الرقابة المستقلة عليها . علينا دائما قدر المستطاع أن ال نحكم على الظاهر ،بل علينا محاولة الغوص عميقا ً في عقول اآلخرين لالطالع على ما يجول في داخلها حتى ال نخطئ في إرسال رسالتنا ،وإلى مدى تقبل هذه العقول لألفكار التي نحملها إلى اآلخر الذي نجهله ويجهلنا في أغلب األحيان . إن عدم التواصل مع اآلخرين من خالل األفكار التي نحملها والتي يحملها اآلخر ال يو ِلّد رؤية واضحة وواقية للمستقبل الذي علينا جميعا ً إظهاره بالشكل األفضل والمناسب لنا ولألجيال ،حيث أن إظهار سلب منها عمدا ً أو عن غير قص ٍد من جمالية الكون المستقبلية تبعث األمل في النفوس المتعطشة له النه ُ أجل تمرير أفكار ورؤى غير واقعية وغير منطقيه وغير إيمانية بل كلها مجرد أفكار مبعثرة ومشتتة ال تقيم وزنا ً لآلخر وال إلى عقله الذي تغزوه هذه األفكار وتجعله مشتتا ً بين عقله الذي لم يدرك مرحلة الوعي الكافي إلدراكه األمور وتحليلها علميا ً وبين األفكار التي تأتيه دون رقابة عليها ،فتجعل منه كائنا ً عالقا ً بينها وبين أفكاره التي لم تبلغ مرحلة النضوج الفكري والعلمي واإليماني ...
ال أريد إطالة الكالم عن أهمية وماهية العقل البشري في تحديد أمور الحياة وتصويبها باالتجاه الصحيح ، حيث ّ علم وال علم دون عقل..إذا رجعنا إلى أن العقل مواز للعلم ،إذا ليس هناك عق ٌل دون ٍ ٍ نظريات العقل عند الفالسفة ،نرى ْ ع في كيفية تصنيف العقل وكيف يعمل .إذا رجعنا أن ليس هناك أجما ٌ إلى فالسفة اليونان القدامى كأرسطو الذي حدد معنى العقل بأنّه جوهر قائم بنفسه ،وهو أنواع متعددة مثل :العقل الهيوالني ( القوة) ،والعقل الفعَّال ،والعقل بالفعل ( النفس الناطقة ) ،وهناك العقل المستفاد والعقل المطلق ... سم العقول إلى ثالثة أنواع :العقول البرهانية ،والعقول المنطقية ،والعقول الني تستجيب أما أبن رشد فـقد ق ّ فيرد على الفالسفة منكرا ً عليهم هذا التصنيف المعطى للوعظ واألدلة الخطابية ..أما أبو بكر العربي ّ للعقول ،مستطردا ً أن األشياء والمدركات تس َّمى في نظره علما ً ال عقال :حيث قال تعالى ّ »-: إن في ذلك آلية لقوم يعلمون « ،كما أطلق عليها عقالً بقوله ؛ :إن في ذلك آلية لقوم يعقلون « وقد ورد عن اإلمام علي ( ع) قوله في هذا المجال من ّ ع« ع ومطبو ٌ أن العقل عقالن ،مسمو ٌ ث واستنتا ٌج لمفهوم العقل أقول َّ الربانية التي أودعها هللا في داخل خالصةُ البح ِ سر العلوم َّ إن العقل هو ُ الربانيّة والمكتسبة ،إذا ً ليس هناك الدماغ البشري حتى يدرك اإلنسان الخالق َ من خالل هذه العلوم ِ ّ علم وال عل ٌم دون عق ٍل . عق ٌل سلي ٌم دون ٍ وأختتم مقالي في التأكيد على ضرورة تحكيم العقل في حياتنا اليومية وتهيئة العناصر الضرورية له ي للدماغ ، واكتساب المعرفة من خالل العقل المتطور ي والنق ّ من جسم سليم وقلب يضخ الدم الصاف ّ ق ،إ ْق َرأْ سان ِ م ْن َ والعلوم ، قال هللا تعالى في سورة العلق « :إ ْق َرأْ ِ الن َ باسم َ علَ ٍ ر ِبّ َك الَّذِي َ خلَقَ َ ،خلَقَ ْ ِ َو َرب َُّك ْ سان َما لَ ْم يَ ْعلَ ْم « لكي يأخذَ العق ُل على عاتقته إدارة ً معرك ِة علَّ َم با ِْلقَلَمَ ، ال ْك َرم ُ ،الَّذِي َ الن َ علَّ َم ْ ِ النفس والمحيط ..علينا أالّ نفقد األمل وأختتم مقالي بهذا القول الشهير من قصيدة « المية الصراعِ بين ِ العجم» للطغرائي:
النفس باآلما ِل أرقبُها «أع ِلّ ُل َ
العيش لوال فسحةُ األم ِل» أضيق ما َ َ
إدارة مكافحة اإلرهاب بين الفعالية والمسؤولية.
البروفسيرة :ماغي حسن عبيد\ لبنانية.
أستاذة وباحثة جامعية\ كلية االداب والعلوم اإلنسانية_الفرع الرابع.
ف ل س
فة
تكمن فائدة الفلسفة في كونها تعلم الوعي باهلل والذات والوجود،إذ إن في حضورها حضور للعقل والمقاومة والحرية؛ ـاءل متســائل ِلـ َـم تغــزو حــركات اإلرهــاب عالمنــا العربــي اليــوم؟ لعــل وفــي غيابهــا حضــور للتخلــف والهمجيــة واإلرهــاب؛ قــد يتسـ َ الســبب فــي ذلــك يرجــع إلــى أن بعضـاً مــن الــدول العربيــة كانــت قــد عمــدت إلــى إلغــاء تعليــم مــادة الفلســفة مــن مناهجهــا التعليميــة التربويــة علــى اعتبــار أن الفلســفة زندقــة ،والزندقــة كفــر ،وكل كفــر ضــال وكل ضــال إلــى النــار متناســين أن الشــعب الــذي ال يتفلســف هــو شــعب إلــى المــوت أقــرب ،واألمــة التــي ال تنتــج فالســفة مصيرهــا الــزوال والفنــاء .ونحــن فــي عالمنــا العربــي ،مــا أحوجنــا اليــوم إلــى فلســفة نتخــذ فيهــا العقــل هاديـاً ومرشــداً ليخلصنــا مــن العنــف والعبوديــة ،الجهــل واألميــة ،التعصــب والطائفيــة! فنعمــل بوحــي التفكيــر الفلســفي الــذي يحررنــا مــن المذهبيــة والقبليــة والعشــائرية ،وينقذنــا مــن الذهنيــة الميليشــيوية بحيــث نصبــح أســياد أنفســنا ال عبيداً مســتزلمين لقائد أو زعيم.
مــا أحوجنــا لفلســفة تنقذنــا مــن حروبنــا وتعيــد إلينــا ســامنا ،ومــا أحوجنــا لفالســفة يعيــدون لألمــة العربيــة مظهرهــا ـدي الحضــاري وحضورهــا المنتــج والفاعــل .مــن هنــا ،وإيمان ـاً منــي بأهميــة الفلســفة كضــرورة حتميــة فــي مجتمعاتنــا توّلــد لـ ّ التســاؤل اآلتــي :كيــف لنــا أن نعمــل علــى إدارة مكافحــة اإلرهــاب بيــن الفعاليــة والمســؤولية؟ ،وســنحاول ولــوج هــذه اإلشــكالية مــن خــال العناويــن اآلتيــة: أوالً :مســوغات البحــث :تكمــن أهميــة هــذا البحــث فــي كونــه يســليط الضــوء علــى كيفيــة إدارة أزمــة اإلرهــاب ومكافحتــه لــذا ،ال بــد مــن لفــت انتبــاه العامليــن والمنظريــن ،واألكاديمييــن والعســكريين وكل مــن يهمــه الموضــوع إلــى أن ال خــاص مــن اإلرهــاب إال بالتغييــر الــذي يتطلــب فنـاً فــي كيفيــة التفكيــر ،وبــأن يكــون لنــا منهجيــة فلســفية واضحــة المعالــم تعمــل علــى تفكيــك أزمــة اإلرهــاب وتقويضهــا ،مســتندين فــي ذلــك إلــى المنهجيــن التحليلــي والجدلــي ،بغيــة تفكيــك األزمــة وإخضاعهــا للد ارســة التفصيليــة ،وعــدم إهمــال أســبابها ،والوصــول إلــى نتائجهــا. أوالً_ إشــكالية الالتعريــف والتعريــف باإلرهــاب :تكثــر اآلراء فــي تعريــف اإلرهــاب ،تتفــق حين ـاً وتختلــف حين ـاً ،وتبقــى الواليــات المتحــدة األمريكيــة الباعــث األول علــى الوقــوف فــي وجــه أي تعريــف مقبــول علــى الســاحة الدوليــة ،فقــد أمــاط اللثــام روبــرت فريدالنــر Robert Friedlanderعــن أنــه طيلــة فت ـرة عهــد ريغــان التــي جعلــت مكافحــة اإلرهــاب حجــر الزاويــة فــي سياســتها الخارجيــة ومنــذ اليــوم األول لــإدارة فــي الحكــم ،كان موقــف و ازرة العــدل ،ومكتــب التحقيقــات الفيد ارلــي ،ومكتــب المستشــار القانونــي فــي و ازرة الخارجيــة موقــف المعــارض بشــدة إلدخــال أي تعريــف لإلرهــاب ،محلي ـاً أو دولي ـاً ،فــي صلــب القانــون. وقــد تـ ّـم هــذا الموقــف الرســمي للواليــات المتحــدة علــى نحــو آخــر مــن قبــل القاضــي أب ارهــام د.صوفيــرAbraham D. Sofaerالمستشــار القانونــي لــدى و ازرة الخارجيــة حينمــا مثــل أمــام اللجنــة الفرعيــة الدســتورية فــي مجلــس الشــيوخ بتاريــخ 5 تشـرين الثانــي مــن عــام ،1985وذلــك رداً علــى سـؤال الذع مــن قبــل الســناتور أوريــن ج .هاتــش Orin G.Hatchممثــل واليــة أوتــاوه Utahإذ اعتــرف بــكل ص ارحــة أن و ازرتــه لــم تكــن راغبــة فــي تطويــر التعريــف ،وفــي مقالــه المنشــور تحــت عنـوان «اإلرهــاب والقانــون» ينتقــي صوفيــر دول العالــم الثالــث معتب ـ اًر إياهــا الســبب الوحيــد لهــذا النقــص واإلنح ـراف( )1كمــا أن ممارســات الــدول األكثــر قــوة مثــل الواليــات المتحــدة األمريكيــة والمملكــة المتحــدة البريطانيــة ،وإسـرائيل هــي التــي تجعــل وضــع أي تعريــف لإلرهــاب أمـ اًر غيــر ممكــن ،فطبقـاً لممارســة الواليــات المتحــدة يعنــي اإلرهــاب أي عنــف مثيــر للرهبــة ُيرتكــب مــن قبــل غيــر مواطنــي الواليــات المتحــدة أو مــن أجنبــي غيــر مقيــم فيهــا بشــكل دائــم ،وبطريقــة مشــابهة ،كمــا يلفــت ألفــرد روبيــن Alfred Rubinنظرنــا إليهــا بــذكاء فــي »:إيرلنــدا الشــمالية ،اســتعملت الســلطات البريطانيــة مصطلــح اإلرهــاب ليطبــق عمليـاً علــى أي عنــف تحركــه بواعــث سياســية ممــا ينطبــق عليــه قانــون إيرلنــدا الشــمالية :إنــه يحمــل معــه نتائــج قانونيــة خاصــة طبق ـاً لفــرع القانــون الجنائــي البريطاني...وفــي إس ـرائيل يبــدو بــأن مصطلــح اإلرهــاب ُيطبــق عملي ـاً علــى منظمــة التحريــر الفلســطينية وأعضائهــا فــي أنشــطتهم دون أي معيــار آخــر .ومهمــا يكــن مــن أمــر حينمــا ال ينطــوي األمــر علــى تســليم المجرميــن إلــى إسـرائيل ،يبــدو بــأن قانــون إسـرائيل الداخلــي يحتــوي علــى بــاب خــاص باإلرهابييــن مشــابه للقانــون البريطانــي فــي إيرلنــدا الشــمالية ،يميزهــم عــن المجرميــن العادييــن .فــإذا كان روبيــن يعنــي أن لمصطلــح اإلرهــاب معنــى مزدوجـاً فــي ممارســة الواليــات المتحــدة القانونيــة ،فــإن هــذا أمــر مقبــول بالتالــي )2(».وعليــه تكمــن المشــكلة الرئيســية فــي جرمتهــا تعريــف اإلرهــاب بدرجــة معينــة مــن الوضــوح والدقــة فــي أنــه ،كمــا يشــير ليليــش Lillichقائـاً »:جملــة مــن األفعــال ّ
اللبنانــي والعربــي والعالمــي الــذي يصــر علــى وصــف أمريــكا وإسـرائيل بالــدول اإلرهابيــة ،وبخاصــة األخيـرة التــي تحتــل األ ارضــي العربيــة مــن فلســطين إلــى الجـوالن والجنــوب اللبنانــي ،حيــث أن إسـرائيل هــي مــن تبــادر إلــى افتعــال الحــروب والمعــارك وفتــح الجبهات فاإلرهاب اإلسـرائيلي هو شــكل من أشــكال الحروب التي تمارســها إسـرائيل ضد العالم العربي ،وهي تســتخدم عنفها، مهــددة بافتعــال الحــروب بغيــة تحقيــق أهدافهــا اإلســتراتيجية والسياســية ،مســتخدم ًة القتــل العمــد والمنظــم الــذي يهــدد األبريــاء مــن الفلســطينيين واللبنانييــن ،ملحقـاً األذى بهــم ،لكــن اإلشــكالية تبقــى أنــه علــى الرغــم مــن أن إسـرائيل هــي التــي تفتعــل الحــروب وتبــادر إلــى العــدوان إال أنهــا تجنــد بعــض وســائل اإلعــام الغربــي لوصــف العمليــات الثوريــة الفدائيــة اللبنانيــة والفلســطينية مــن أجــل التحريــر والتغييــر بصفــة العمليــات اإلرهابيــة ،وهــذا مــا يكشــف لنــا البعــد اإليديولوجــي الكامــن وراء مفاهيــم وتعريفــات وأشــكال اإلرهــاب. ثاني ـاً_ جدليــة اإلرهــاب والمقاومــة :فــي خضــم ضجيــج الحملــة حــول اإلرهــاب واإلرهــاب المضــاد ،ترســم الجمعيــة العامــة لألمــم التحــدة خطـاً فاصـاً بيــن المقاومــة أو مــا ُيعــرف بالنضــال السياســي والعســكري الــذي تخوضــه حــركات المقاومــة وحــركات التحــرر الوطنــي مــن جهــة ،وبيــن اإلرهــاب مــن جهــة أخــرى. إن النضــال المس ـّلح ضــد اإلحتــال أو الســيطرة األجنبيــة أو العنصريــة ،باعتبــاره مظه ـ اًر للحــق الثابــت فــي تقريــر مكرس في قوانين إتفاقية جنيف لعامي 1949و،1977 المصير ،هو نضال مشروع من وجهة نظر القانون الدولي كما هو ّ وعــل عكــس ذلــك فــإن أيــة مســاعدة تقدمهــا دولــة أو دول أخــرى لــدول ظالمــة ،أو محتلــة ،أو مســيطرة أو معتديــة هــو عمــل غيــر مشــروع مــن أعمــال التواطــؤ أو المشــاركة فــي الجريمــة هــذا مــا ألمــح إليــه المشـ ِّـرع والقانونــي رئيــس مجلــس النـواب اللبنانــي دولــة األخ الرئيــس نبيــه بـ ّـري مؤكــداً »:إذن ،خيــط رفيــع أيهــا األخــوة بيــن اإلرهــاب والمقاومــة يجــب أن ال نتجــاوزه ،ولنــا مــن تعاليــم ديننــا العظيــم الهدايــة والهــدى فــي التمييــز وســلك الصـراط المســتقيم ،ولتعلــم إسـرائيل أننــا ســنقاتلها بــكل مــا ملكــت أيدينــا وأول ذلــك إيماننــا بأنهــا غاصبــة وأن قتالهــا ديــن بحــد ذاتــه )11(».فبالنســبة للرئيــس بـ ّـري إن الجيــش اإلس ـرائيلي، وحتــى فــي الماضــي القريــب قبــل تحريــر الجنــوب اللبنانــي كان يقــوم بــكل األعمــال التــي تتنافــى مــع الشــرع واألعـراف والقوانيــن الدوليــة ،فمــن تحريــض جيــش لبنــان الجنوبــي الخاضــع للســيطرة اإلس ـرائيلية علــى ارتــكاب الفظائــع والتعــرض للمدنييــن ،إلــى عمليــات القصــف التــي كانــت تطــال المدنييــن وتحــدث الخســائر الفادحــة فــي حقوقهــم ،إلــى عمليــات القصــف التــي كانــت تســتهدف المخيمــات الفلســطينية أو العمليــات التــي كانــت تســتهدف المؤسســات العامــة مــن محطــات كهربــاء ومستشــفيات وجســور وطرقــات ،وتســعى إسـرائيل جاهــدة إلــى تهديــد األمــن الوطنــي واإلقليمــي والدولــي دون رقيــب أو حســيب ،وفــي كل هــذا كانــت إسـرائيل وحلفاؤهــا الواليــات المتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا تعتبــر هــذه األعمــال مــن قبيــل الحــق المشــروع فــي الدفــاع عــن النفــس والوجــود. تغيــر مــن نفــوس ولعــل المقاومــة بــدأت مــع ســقراط الــذي لــم يكــن متمــرداً وال ثائـ اًر علــى اآللهــة والمدينــة إذ إن الثــورة لــم ّ وعقــول النــاس شــيئاً ،وهــدف ســقراط ليــس األشــخاص فــي حــد ذاتهــم إنمــا عقولهــم لــذا هــو يتوجــه إلــى كل النــاس وبخاصــةٍ ّ أولئــك الذيــن يحاكمونــه ،ألنــه يؤمــن أكثــر منهــم جميعـاً ولكــن بمعنــى آخــر ،فالمقاومــة الســقراطية تتخــذ بعــداً آخــر مــع ســقراط، وهــو مــا يعنــي تجــاوز المقاومــة العفويــة الســاذجة والدوغمائيــة إلــى مقاومــة فلســفية تتأســس علــى منظومــة قيميــة ســقراطية تنتهــج الحـوار مبــدأ للتفكيــر ،وهــذا يعنــي أن ممارســة العنــف يتناقــض مــع مقتضيــات التفكيــر أو مقتضيــات الرســالة الفلســفية الســقراطية وشــعارها المعرفة الذاتية « أيها اإلنســان إعرف نفســك بنفســك» ،وبهذا المعنى فالمقاومة عند ســقراط ال يختلف مفهومها عما هــو عنــد الفيلســوف األلمانــي كنــط إنمــا فــي إطــار إبســتيمية أخــرى ،إنهــا إبســتيمية جوهرهــا األنـوار ورهاناتهــا خــروج اإلنســان عــن قصــوره عبــر التجــرؤ علــى اإلســتخدام الذاتــي للعقــل دون إرشــاد الغيــر ،وهــو اســتخدام يســتلزم التــدرب والتــدرج وإن حصلــت بعــض األخطــاء فــي المحــاوالت األولــى فــإن القــدرة علــى التفكيــر الذاتــي ممكنــة رغــم كل شــيء ،بغيــة تحويــل كل فــرد إلــى مواطــن فــي دولــة عالميــة تشــمل البشـرية بأكملهــا ،أو فــي تحقيــق اتحــاد فد ارلــي يجمــع الــدول صغيرهــا وكبيرهــا ،وفكـرة الفدراليــة هــي التــي ســتقود حتمـاً إلــى تحقيــق الســام األبــدي(.)12
يرفــض كنــط أحقيــة الفــرد فــي مقاومــة الســلطة السياســية إالّ ...»:حيــن تكــون النظــم فاســدة ،فإنــه يكــون مــن حــق الشــعب إصالحهــا بالقــوة ،وارتــكاب الظلــم مـّـرة واحــدة ،إبتغــاء تأســيس العدالــة علــى نحــو وطيــد وجعلهــا تزدهــر،)13(». ألنــه ال يمكــن فعلي ـاً أن يتضمــن الدســتور أي بنــد يســمح لســلطة بــأن تقــاوم القائــد األعلــى للدولــة فــي صــورة خرقــه للقوانيــن التشـريعية ،وفــرض قيــود عليــه ،ونتيجــة ذلــك أن الوضعيــة القانونيــة تطــرح مشــكالً فــي إطــار الدولــة القانونيــة ،فليــس ثمــة أيــة
القوانيــن الوطنيــة لمعظــم الــدول ،إضافــة إلــى أفعــال معينة...جرمتهــا إتفاقيــات دوليــة علــى وجــه التخصيــص .هكــذا ،وخالفـاً ّ لمــا هــو عليــه الحــال بالنســبة لعــدد متزايــد مــن القوانيــن الوطنيــة حيــث ُيعتبــر اإلرهــاب جريمــة بحــد ذاتــه ،فــإن الحــال ليــس كذلــك فــي القانــون الدولــي حيــث يبــدو اإلرهــاب مجــرد تســمية أو مظلــة ينضــوي تحتهــا عــدد مــن الجرائــم المعرفــة المحصلــة العامــة ،مــاذا يعنــي غيــاب تعريــف لإلرهــاب علــى صعيــد العالقــات الدوليــة؟. تمام ـاً )3(».وفــي ّ
أليــس مــن الســهل علــى الواليــات المتحــدة األمريكيــة أن تعلــن مثـاً أن قواتهــا العســكرية قــد اشــتبكت مــع وحــدة إرهابيــة فــي مــكان مــا ،وأنــه قــد تـ ّـم تصفيــة هــذه الوحــدة اإلرهابيــة؟ يبقــى السـؤال مــن هــي هــذه الوحــدة اإلرهابيــة؟ ومــا األعمــال الجرميــة ـاء علــى أي معيــار تـ ّـم توصيــف هــذه األعمــال؟ التــي اقترفتهــا؟ وبنـ ً
الج ـواب ليــس ضروري ـاً ،إذ إنــه فــي هــذا الحــل تكمــن مصلحــة الواليــات المتحــدة األمريكيــة أو س ـواها فــي الالتعريــف واإلستنســاب ،كمــا أنــه تتأمــن مصلحــة القــوى الكبــرى فــي التحــرك حيــث يســهل إلقــاء التهــم وتوجيــه اإلدعــاءات ج ازف ـاً .وفــي غيــاب المصلحــة وتطبيق ـاً للقانــون ،ومــن أجــل القانــون ال بــد مــن التطــرق لماهيــة اإلرهــاب. نلحــظ شــكوى عامــة لــدى جميــع المؤلفيــن ممــن انكبـوا علــى د ارســة هــذه الظاهـرة مفادهــا أن مصطلحــات «اإلرهــاب» و «اإلرهابــي» تعانــي مــن الغمــوض كمــا تفتقــر إلــى التحديــد واليقيــن.
يذهــب أرنولــد Arnoldإلــى »:أن اإلرهــاب ظاهــرة وصفهــا أســهل مــن تعريفهــا )4(».فــي حيــن أن القاضــي باكســتر Baxterكان صريحـاً حيــن قضــى بأنــه »:ليــس لدينــا ســبب يدعونــا إلبــداء األســف ألن مفهومـاً قانونيـاً لإلرهــاب يفــرض فــي وقــت مــن األوقــات فالمصطلــح تعــوزه الدقــة ،كمــا أنــه غامــض واألهــم مــن ذلــك كلــه أنــه ال يخــدم غرضـاً قانونيـاً فاع ـاً.)5(».إن مثــل هــذه المقاربــات ال تجــد لهــا ســنداً فــي أيــة د ارســة علميــة حــول الوضــع الحقوقــي والقانونــي لإلرهــاب الــذي يجــب توصيفــه كظاه ـرة فــي صميــم القانــون الجنائــي وطني ـاً كان أم دولي ـاً ،ولعــل القاضــي ســتيوارت Stewartهــو مــن أولئــك الذيــن برهنـوا عــن عجزهــم فــي توصيــف هــذه الظاهـرة بالقــول »:نعــرف الشــيء عندمــا نراه...قــد ال يكــون المــرء قــاد اًر علــى تعريــف اإلرهــاب ولكنــه يعرفــه حيــن يـراه )6(».كذلــك بــرزت النزعــة عينهــا لــدى الكــور الــذي عّلــق بالقــول »:إن ســنوات مــن النقــاش الدائــر حــول علــوم النمــاذج الشــخصية والتعريفــات لــم تــزد معرفتنــا بالموضــوع بدرجــة محسوســة وهــذا كاف لإلســتنتاج بأنــه يمكــن لدراســة اإلرهــاب أن تنجــح فــي تحقيــق الغــرض الــذي ترمــي إليــه ،بحــد أدنــى مــن برأيــه مبــرر ٍ النظريــة .)7(».القــول إذاً بــأن مصطلــح اإلرهــاب ليــس لــه مضمــون قانونــي محقــق أو دقيــق ،أو أنــه ال يوجــد تعريــف قانونــي أو حتــى سياســي مقبــول بوجــه عــام هــو إقـرار بالواقــع ،ولكــن هــذا الواقــع هــو الــذي يجــب أن يكــون باعثـاً للمؤسســات العلميــة علــى القيــام ببحــث أكثــر شــموالً وعمق ـاً مــن أجــل التوصــل إلــى فهــم هــذه الظاه ـرة وإلــى تعريــف اإلرهــاب ،كمــا أنــه ال يوجــد ســبب يدعــو لإلطــاع بوضــع دليــل بحــث مــن الطـراز األول لإلرهــاب فــي المســتقبل المنظــور؛ فــإن آخريــن وبخاصـ ٍـة المؤلفيــن الموجهيــن علميـاً مــن أمثــال بســيوني وغيـره يجــد أنــه مــن الضــرورة بمــكان الوصــول إلــى تعريــف أو إلــى فهــم مشــترك لمضمــون مصطلــح اإلرهــاب. يــرى ش ـريف بســيوني وهــو أحــد رواد علــم القانــون فــي حقــل اإلرهــاب أن »:اإلرهــاب هــو اســتراتيجية عنــف محــرم دوليـاً ،تحفزهــا بواعــث عقائديــة ،وتتوخــى إحــداث عنــف مرعــب داخــل شــريحة خاصــة مــن مجتمــع معيــن لتحقيــق الوصــول إلــى الســلطة أو للقيــام بدعايــة لمطلــب أو لمظلمــة بغــض النظــر عمــا إذا كان مقترفــو العنــف يعملــون مــن أجــل أنفســهم ونيابــة عنهــا أم نيابــة عــن دولــة مــن الــدول )8(».إن تعريــف بســيوني لإلرهــاب قريــب جــداً مــع مــا ورد ذك ـره عنــد عبــد العزيــز ســرحان الــذي اشــتمل تعريفــه لإلرهــاب علــى اإلســتعمال غيــر المشــروع للقــوة ،وهــو كل اعتــداء علــى األرواح واألمـوال والممتلــكات العامــة أو الخاصــة بالمخالفــة ألحــكام القانــون الدولــي العــام بمصــادره المختلفــة ،بمــا فــي ذلــك المبــادئ األساســية لمحكمــة العــدل الدوليــة ،والعمــل اإلرهابــي ب أريــه يأخــذ الطابــع الدولــي س ـواء قــام بــه فــرد أو جماعــة أو دولــة ،ويشــمل العمــل اإلرهابــي التفرقــة العنصريــة التــي تباشــرها بعــض الــدول وال ُيعــد الفعــل إرهابـاً وال يعاقــب عليــه القانــون الدولــي إذا كان الباعــث عليــه الدفــاع عــن الحقــوق المقــررة لألفـراد ،وحقــوق اإلنســان أو الشــعوب ،وحــق تقريــر المصيــر ،والحــق فــي تحريــر األ ارضــي المحتلــة ومقاومــة اإلحتــال ،ألن هــذه األفعــال تقابــل حقوقـاً يقررهــا القانــون الدولــي لألفـراد والــدول حيــث يكــون اإلرهــاب متعلقـاً باســتعمال مشــروع للقــوة طبق ـاً ألحــكام القانــون الدولــي اإلتفاقيــة والعرفيــة( )9هــذا التعريــف ليــس ببعيــد عمــا ورد ذك ـره عنــد المفكــر اللبنانــي أدونيــس العكــرة الــذي اعتبــر »:اإلرهــاب ظاهــرة سياســية قوامهــا ن ـزاع عنيــف يرمــي الفاعــل بمقتضــاه، وبواســطة الرهبــة الناجمــة عــن العنــف إلــى تغليــب رأيــه السياســي أو إلــى فــرض ســيطرته علــى المجتمــع أو الدولــة مــن أجــل المحافظــة علــى عالقــات إجتماعيــة عامــة أو مــن أجــل تغييرهــا أو تدميرهــا )10(».هــذا مــا يتوافــق وواقــع المجتمــع
علــى الصعيــد الداخلــي لــدى األجهــزة المختصــة :تدريــب جهــاز متخصــص لمكافحــة اإلرهــاب ،تطويــر مفهــوم اإلســتعالم ،تأميــن الحمايــة لكاشــفي المعلومــات ،تطويــر األنظمــة المؤسســاتية لمواكبــة العصــر بالثقافــة الحديثــة ،إدارة ربــط اإلرهــاب بالجريمــة المنظمــة ،تأميــن اآلليــات اإلداريــة والماليــة والبش ـرية والقانونيــة لتنظيــم المواجهــة وتفعيــل المســؤولية. أ_ أســلوب إدارة أزمــة اإلرهــاب :الهــدف اإلرهابــي هــو الصــورة المثاليــة لألزمــة إذ إنــه ينطبــق انطباقـاً تامـاً علــى تعريــف األزمــة ،مــن حيــث كونــه الحــدث المفاجــىء ،والــذي ُيعتبــر الســمة الجوهريــة للعمــل اإلرهابــي ولنجاحــه بنســبة 90فــي المئــة، إذ لــو افتقــد هــذا العمــل لعنصــر المفاجــأة ألمكــن إجهــاض العمليــة اإلرهابيــة بســهولة تامــة ،وتمــر األزمــة اإلرهابيــة بم ارحــل ثــاث :مرحلــة مــا قبــل األزمــة ،مرحلــة إدارة األزمــة ومرحلــة مــا بعــد األزمــة ،وســيقتصر كالمنــا علــى المرحلتيــن األولــى والثانيــة لضيــق الوقــت. األولــى :مرحلــة مــا قبــل األزمــة :او مــا ُيعــرف بالمرحلــة الوقائيــة وقــد عرضنــا لكيفيــة مكافحتهــا وتجنبهــا بتوافــر العناصــر اآلنفة الذكر. الثانيــة :مرحلــة إدارة األزمــة :وتتطلــب وســائل وأدوات إلدارتهــا ومعالجتهــا بأحــدث الوســائل( تفــاوض ،معلومــات، الوقــت ،الســيطرة علــى الموقــف) ،كمــا تتطلــب لجــان ( لجنــة عليــا تضــع السياســات العامــة ،لجنــة دائمــة وتعمــل كســكريتاريا للجنــة العليــا ،وق ـوات خاصــة مدربــة تدريب ـاً خاص ـاً ) ،لهــذا ال بــد مــن اإلعتمــاد علــى الخط ـوات اآلتيــة: _1إدارة األزمــات :تكمــن خطــورة األزمــات فــي كونهــا تشــكل تهديــداً مباشـ اًر ،وخطـ اًر جســيماً هــذا مــن جهــة ،فــي حيــن أنهــا مــن جهــة ثانيــة ،تحمــل فرص ـاً إلعــادة اكتشــاف مكامــن الضعــف ومحاولــة إطــاق القــدرات اإلبداعيــة واإلبتكاريــة لحــل المشــكالت التــي تط ـرأ ،فتبــدو والحــال هــذه كأنهــا مســار أو ســاح ذو حديــن ،قاتلــة بســلبياتها ،ومنتجــة باســتثمار إيجابياتهــا، وهــذا مــا يحصــل علــى صعيــد مجتمعاتنــا التــي تعانــي أزمــة اإلرهــاب الحقيقيــة ،وتتطلــب ح ـاً ،لهــذا ال بــد مــن العمــل علــى وضــع خطــة علميــة شــاملة ومدروســة ،متكاملــة المناحــي ومحيطــة ،تحــدد اإلمكانيــات الضروريــة لتنفيذهــا مــن خــال تدريــب األف ـراد والمجموعــات للقيــام بأدوارهــم فــي مواجهــة أزمــة اإلرهــاب ،حيــث أن التطــور الحاصــل فــي العلــوم وأســاليب التخطيــط تســاعدنا علــى التقليــل مــن هــذه األزمــة واإلســتعداد لمواجهتهــا( .)20وتتطلــب هــذه المرحلــة تحليــل العناصــر المشـ ِّـكلة لألزمــة، اءات مــن خــال اإلســتفادة مــن التجــارب بغيــة تحقيــق أعلــى درجــات الحيطــة وتقديــر اإلمكانيــات المتوفـرة ،وبالتالــي تحديــد اإلجـر َ والحــذر ،وتجنــب الوقــوع فــي مشــاكل أكبــر .وللوصــول إلــى النتائــج المرجــوة ال بــد لنــا مــن خطــة عمالنيــة تتمثــل فــي عمليــة إدارة ســليمة ،إذ إن فشــل معالجــة األزمــة قــد يتجلــى فــي عــدم األخــذ بعناصــر العمليــة اإلداريــة الســليمة القائمــة علــى التخطيــط، التنظيــم ،التنســيق ،واتخــاذ القـرار ومــن ثــم خلــق البدائــل ،فــي حــال لــم تنجــح الخطــة. ب_ التخطيــط :تكمــن أهميــة التخطيــط فــي كــون فشــله ســيقود حتمـاً إلــى تخطيــط للفشــل لــذا ،لــم يكــن عبثيـاً أن تعمــد بعــض الــدول إلــى إنشــاء و ازرات متخصصــة للقيــام بمهمــة التخطيــط ،وهــذا مــا حــدا ببعــض المفكريــن إلــى التعريــف بــه علــى أنــه »:التخطيــط عمــل ذهنــي ،موضوعــه الترتيبــات التــي يفكــر فيهــا المــرء فــي حاضــره لكــي يواجــه بهــا ظــروف مســتقبله فــي ســبيل هــدف ينبغــي الوصــول إليــه .فهــو بهــذه الصفــة عمــل تحكمــي يرمــي إلــى تطويــع المســتقبل المجهــول إلرادة اإلنســان مــا اســتطاع إلــى ذلــك ســبيال ،مقلـاً بذلــك مــن أثــر عوامــل الصدفــة والحــظ فــي محاولــة لتشــكيل الحيــاة بالصــور التــي توافــق آمالــه وتطلعاتــه وبمــا يجعــل األمــور تســير وفق ـاً لمــا يبتغيــه ويرتضيــه ...فيقــود الح ـوادث بنفســه وال تقــوده المصادفــات إليهــا .)21(».يتطلــب التخطيــط مبــادىء ال بــد مــن مراعاتهــا ،واإللت ـزام بهــا عنــد إعــداد الخطــة ،بهــدف تحقيــق نجاحهــا ،وأولــى هــذه الخطـوات تتمثــل فــي: _1مبدأ العلمية :لعل التصدي األول ألزمة اإلرهاب تتمثل في محاولة تفعيل عمل المؤسسات للقيام بأدوارها؛ من خــال المســاهمة المنتجــة والفاعلــة ،إذ إن المنطــق العلمــي يفتــرض إحــداث تغييــر أساســي فــي أهــداف المؤسســات ومنطلقاتهــا اءاتهــا وطــرق عملهــا ،وفــي موازنتهــا ،بمــا وسياســتها اإلســتراتيجية العامــة واإلجرائيــة ،وحتــى فــي برامجهــا ومهامهــا ،وفــي إجر َ اءمــة ،التطويــع والنظــر إلــى المســتقبل ،كمــا أنــه ال بــد مــن التنبــؤ بالمتغيـرات المحتملــة ،والتقلبــات الطارئــة، يكفــل ّ التكيــف والمو َ مــن خــال توفيــر المنــاخ المالئــم واإلســتجابة الدائمــة ،والتلقائيــة الالزمــة للتغييــر ،كذلــك التشــجيع علــى اإلبتــكار واإلبــداع فــي إحــداث التغييــر ومواجهــة ،ومعالجــة آثــاره الســلبية .ويتطلــب التغييــر أيض ـاً ،التوجيــه :حيــث أنــه ينبغــي التغييــر فــي النمــط القيادي الذي يتولى رأس الهرم في كل مؤسســة ،وينبغي أن يتصف بقدرته على الكشــف بما يدور حوله من تغيرات ،محاوالً وضــع التصــورات والخطــط البعيــدة المــدى ألفــكار تطويريــة جديــدة ،ومراجعــة مقتضياتهــا مــع كل طــارئ ومســتجد. -2مبــدأي المركزيــة واإللزاميــة :حيــث أن مركزيــة التخطيــط قــد تنحــو نحــو المركزيــة التنفيــذ ،وبالتالــي ينبغــي علــى كل العامليــن فــي إدارة عمليــات أزمــة اإلرهــاب اإللتـزام الكامــل بتنفيــذ الخطــة بحذافيرهــا.
مقاومــة للشــعب ضــد الحاكــم المشـ ّـرع للدولــة تكــون مطابقــة للحــق ،إذ ال يمكــن إقامــة دولــة قانونيــة إال بالخضــوع إلرادتــه الكليــة المشــرعة وبهــذا المعنــى ليــس ثمــة حــق عصيــان ،وبدرجــة أقــل ليــس ثمــة حــق تمــرد ،بــل أن كنــط فــي إطــار دولــة القانــون التــي تتأســس علــى اإلرادة الكليــة يعتبــر أبســط محاولــة فــي هــذا الشــأن هــي خيانــة عظمــى. بمقابــل كنــط يقـ ّـر لــوك Lockeبحــق المواطنيــن فــي مقاومــة الطغيــان فــي إطــار تصــور للعقــد اإلجتماعــي يختلــف عــن تصــور هوبــز Hobbesبالنســبة ألطـراف العقــد ،وفــي هــذا الخصــوص يختلــف لــوك عــن هوبــز تصــور آخــر لهــذا العقــد ،وهــو ّ فــي أن هــذا األخيــر كان قــد ذهــب إلــى أن األف ـراد تنازل ـوا للحاكــم عــن كل حقوقهــم ال عــن جــزء منهــا مؤكــداً علــى أن ...»: القانــون الطبيعــي ،الــذي يحــدد واجبــات اإلنســان ،مســتمد مــن حقــه الطبيعــي فــي المحافظــة علــى نفســه ،وهــو حــق مطلــق بينمــا ســائر الواجبــات نســبية مشــروطة .ولمــا كان النــاس متســاوين فــي رغبتهــم فــي المحافظــة علــى أنفســهم ،فــإن النــاس بطبعهــم متســاوون :ولهــذا ال يوجــد تــدرج طبيعــي بيــن النــاس فــي طبقــات .ومــن هنــا فــإن الحاكــم هــو مجــرد شــخص ينــوب عــن الباقــي فــي المحافظــة علــى النــاس )14(».وإذا مــا كان الحاكــم طرفـاً فــي العقــد عنــد لــوك ال أجنبيـاً عنــه ،فإنــه يلتــزم قبــل األفـراد بحمايــة الجــزء اآلخــر مــن الحقــوق المحتفظيــن بهــا وعــدم المســاس بهــا ،فضـاً عــن إقامــة العــدل بيــن األفـراد. أمــا عــن آثــار العقــد فقــد ذهــب لــوك إلــى وجــوب احتـرام اإللت ازمــات الموقعــة مــن قبــل أطـراف العقــد .فعلــى األفـراد يقــع واجــب الطاعــة ويقــع علــى الحاكــم واجــب الحمايــة والمحافظــة علــى الحقــوق ،فــإذا أخـ ّـل الحاكــم باإللت ازمــات انفســخ العقــد ،وجــاز لــكل طــرف الرجــوع إلــى حالتــه قبــل التعاقــد ،فيحــق بذلــك لألف ـراد مقاومــة الحاكــم بــل وعزلــه عــن ســلطة الحكــم .وعلــى هــذا، أجــاز لــوك حــق مقاومــة الحــكام إذا مــا جــاوزوا ســلطانهم حســبما يقضــي بــه مضمــون العقــد .لــذا أبــاح لــوك العنــف فــي مواجهــة الحــكام ،بمعنــى أن تكــون المقاومــة عنفيــة « ومــن هنــا كانــت نظريــة لــوك فــي القانــون الطبيعــي هــي األصــل فــي النظريــة الرأســمالية )15(».وهــذا مــا يتفــق فــي جانــب مــن جوانــب أفــكاره وماركــس حيــث أنــه فــي إطــار فلســفته يجيــز العنــف الثــوري الــذي تمارســه الطبقــة الكادحــة ،علــى اعتبــار أن تاريــخ المجتمعــات هــو تاريــخ صراعهــا الطبقــي( )16هــو ص ـراع بيــن الغنــى والفقــر ،اإلســتعمار واإلســتغالل ،إنــه ص ـراع التناقضــات وصــدام الثقافــات والحضــارات والسياســات التــي يحركهــا اإلقتصــاد، المتجــاوزة مــن قبــل الديمقراطيــة ،كذلــك أكــد عليــه ماركــس بالقــول ...»:فكمــا أن التيوقراطيــة حلــت محــل الموناركيــة، هــذا مــا ّ َ األمــر بالنســبة للديمقراطيــة التــي حلــت محــل البرجوازيــة والمدعــوة ألن تختفــي بدورهــا فــي البروليتاريــا . )17(»...تراوحــت إشــكالية المقاومــة لــدى الفالســفة بيــن مــن شـ ّـرعها فــي حالــة اســتعباد اإلنســان شـريطة أن تكــون تحــت طائلــة القانــون ،وبيــن مــن أوصــد البــاب أمــام هــذا الخيــار خشــية الفتنــة التــي ال تــؤدي إالّ إلــى الهــاك .مــن هنــا ،كان ال بــد مــن فلســفة لإلرهــاب تبــرز منطلقاتهــا وأهدافهــا عّلهــا تســاهم فــي رفــع الحيــف عــن الشــعوب المظلومــة واإلنســانية المع ّذبــة .ويبقــى السـؤال مــا هــي الســبل اآليلــة لمكافحــة اإلرهــاب؟. ثالثاً:كيفية إدارة مكافحة اإلرهاب :تتمثل آليات مكافحة اإلرهاب في: علــى الصعيــد المفاهيمــي :تأميــن تعريــف موحــد لإلرهــاب ،وإيجــاد تمايــز بينــه وبيــن حــق الشــعوب فــي تقريــر المصيــر، ِ نؤمــن يســتند إلــى فعاليــة النصــوص المتالئمــة مــع خصوصيــة المجتمعــات ،ونظــام الدولــة ومبــررات المصلحــة العامــة ،وبذلــك ّ التصنيــف بيــن إرهــاب الدولــة واإلرهــاب المعاقــب عليــه فــي قوانيــن العقوبــات الوطنيــة. علــى الصعيــد اإلعالمــي :توحيــد الــرؤى حــول المفاهيــم ،إســقاط الشــائعات ،التوجيــه الممنهــج لمجابهــة مخاطــر اإلرهــاب وأدواتــه وصــوره ،وإنشــاء ب ارمــج توعويــة تســلط الضــوء علــى مخاط ـره ،وبنــاء سياســة اســتراتيجية( )19لمنعــه وتأميــن أطــر مواجهتــه ومجابهــة تحدياتــه. علــى الصعيــد التربــوي :تعزيــز الثقافــة الوطنيــة وحــق التنــوع ،إدارة اإلختــاف وتأميــن أســس ومناهــج المواطنــة والتأهيــل المســتمر لتأمين مســارات الالعنف والمســاواة ومندرجات الخير العام. علــى الصعيــد اإلجتماعــي :تكويــن آليــات مجتمعيــة مــن النخــب والمثقفيــن وأصحــاب الخبـرات ،لتأميــن ميثــاق اجتماعــي وحدوي ورؤيوي ،ترســم فيه اآلليات لصناعة الضمانات المجتمعية المؤسســة لمجابهة اإلرهاب من خالل النبذ المجتمعي. علــى الصعيــد القضائــي :تأميــن قضــاة متخصصيــن فــي وحــدات قضائيــة إســتثنائية مــع توفيــر آليــات التبــادل فــي الخبـرات مــع الــدول ،وتطويــر نظــام اإلســترداد القضائــي ،مــع توفيــر آليــات قانونيــة ألحــكام مشــددة ،ومســارات معرفيــة لتصنيــف النتائــج. علــى صعيــد التعــاون الدولــي :حضــور المؤتم ـرات ،تبــادل الخب ـرات ،توفيــر التنســيق المؤسســاتي ،إيجــاد وحــدات تعــاون متخصصــة ،تبــادل المعلومــات.
ج_ التنظيــم ُ :ينظــر إلــى التنظيــم علــى أنــه أحــد أهــم عناصــر العمليــة المؤسســة للفكــر اإلنســاني ،إذ فيــه تتمثــل المعاييــر السياســية والقانونيــة ،القضائيــة والعســكرية ،اإلداريــة واإلقتصاديــة ،اإلجتماعيــة والعمرانيــة ،لهــذا فالتنظيــم الجيــد هــو المفتــاح الحقيقــي لنجــاح أي جامعــة ،أو مؤسســة ،أو فكـرة فــي تحقيــق أهدافهــا ،وإدارة أزمــة اإلرهــاب أحــوج مــا تكــون إلــى تنظيــم وفعــال .وللتنظيــم مبــادئ ال بــد مــن مراعاتهــا: محكــم ،واضــح ّ وبنــاء ،يعمــل علــى تيســير تنفيــذ المهــام بشــكل منتــج مــرن ّ
_1وحــدة اآلمــر وتنويــع الهــدف والتفريــع فــي التخصــص :واختصــار خــط الســلطة بقصــد العمــل دون حواجــز ومعوقــات ،إضافــة إلــى مبــدأ اإلشـراف الوظيفــي ،وتفويــض الســلطة اللذيــن يســهالن عمــل إدارة األزمــة ،إذ تســتلزم إدارة أزمــة ّ اإلرهــاب أوالً وقبــل كل شــيء ،معلومــات وافيــة ومحيطــة ،وتصــورات مبتك ـرة ،حيــث أن الخب ـرات المعرفيــة هــي التــي تجعــل المؤسســة علــى د اريــة بــإدارة األزمــة مــن خــال الفريــق العامــل فيهــا ،كمــا أنهــا تخولهــا قــدرة التغلــب علــى أوهــام عــدم احتمــال التعــرض( ،)26وخب ـرات احترافيــة إداريــة ،فنيــة ومهنيــة وتخصصيــة عاليــة ،األمــر الــذي يجعــل إدارة أزمــة اإلرهــاب تنبنــي وتتأســس علــى العمــل الجماعــي المســؤول الغنــي بالمبــادرات الفرديــة والجماعيــة القيمــة ،مــع مــا يترتــب علــى ذلــك مــن تداخــل نشــاطات ألجه ـزة متعــددة ومتنوعــة ،وت اركــم أفــكار مبعث ـرة غيــر مؤط ـرة. تتطلــب عمليــة إدارة أزمــة اإلرهــاب ضــرورة اإلعتمــاد علــى معاييــر تنظيميــة جوهريــة يرتكــز عليهــا البنيــان التنظيمــي المالئــم ،وهــذه المعاييــر التنظيميــة تتمثــل فــي:
_2المعاييــر السياســية والقانونيــة :وتقــوم هــذه المعاييــر علــى مبــادئ ،لعــل مــن أبرزهــا :مبــدأ اإلنتمــاء للوطــن ،والـوالء للدولــة ،والوحــدة الوطنيــة ،والفصــل بيــن الســلطات ،ووحدانيــة المرجعيــة ،والتـوازن بيــن الســلطة والمســؤولية ،وشــمولية الخدمــة العامــة ،واإلنتشــار الجغ ارفــي ،وتســهيل المعامــات ،واحتـرام الدســتور ،واإلنســجام التشـريعي ووحدتــه ،والمســاواة بيــن المواطنيــن في الحقوق والواجبات ،وســمو الدســتور في التسلســل بالتشـريعات من الدســتور ،إلى القانون ،فالمرســوم اإلشــتراعي ،فالمرســوم الجمهــوري ،فالــوزاري ،وهكــذا دواليــك .إضافــة إلــى احتـرام الكفــاءة فــي اإلختــاف بــاآلراء واألفــكار. _3المعاييــر اإلقتصاديــة واإلداريــة :وتتمثــل فــي مبــدأ اعتمــاد الوفــر اإلقتصــادي مــن خــال تخفيــف الروتيــن اإلداري فــي التواصــل بيــن الضواحــي والم اركــز ،وتأميــن التنميــة المحليــة المتمثلــة بالصالحيــات اإلقتصاديــة للســلطات المحليــة ،المرونــة فــي التخطيــط والتنفيــذ بمشــاركة كل الهيئــات المركزيــة والالمركزيــة ،إيجــاد المرجعيــة العليــا للتنميــة اإلقتصاديــة ،الفصــل فــي مــا بيــن األداء القيــادي واألداء التنفيــذي اإلج ارئــي ،اإلســتناد إلــى بيئــة حاضنــة عامــة تتســم بالتناســب واإلنســجام فــي بنيانهــا التنظيمــي لــإدارة العامــة المنفــذة المتســقة مــع البيئــة القائمــة ،اإلعتمــاد علــى الهيكليــة المتكاملــة لتســيير العمــل وتنظيــم حســن أدائــه ،باللجــوء إلــى المســتندات ،والمخططــات ،والمصــادر والم ارجــع ،والنمــاذج ،وتحديــد اإلجـراءات والطــرق واألدوات والخط ـوات الواجــب اتباعهــا .كمــا أنــه ال بــد مــن التركيــز علــى مبــدأ التنــوع والتعــدد والتكامــل ،ونوعيــة األداء المســتند إلــى المكننــة واألتمتــة ،اإلتصــاالت والمعلوماتيــة ،والحمايــة المعلوماتيــة ،ومواكبــة مســتلزمات التحســين المســتمر مــن خــال تعدديــة مركــز التخطيــط والرقابــة والمتابعــة ،وال مركزيــة البرمجــة والتنســيق والتوجيــه اإلج ارئــي ،والتعدديــة فــي مســتويات العمــل تكمــن فــي النســق القيــادي ،أو البيروق ارطــي ،أو التكنوق ارطــي ،علــى أنــه يبقــى للتشــارك دوره فــي وضــع األهــداف ،والتخطيــط والتنفيــذ، وص ـوالً إلــى اإلبتــكار واإلبــداع واتخــاذ الق ـ اررات ،وتعديــل الخطــط ،وســمو فعاليــة اإلنســان. _4المعاييــر اإلجتماعيــة والعمرانيــة والفنيــة وغيرهــا :والتــي تُعتبــر مبانــي مؤسســة معرفيــة ومســاعدة تتكامــل مــع مــا ورد ذكـره ،وتؤمــن بطروحــات المنفذيــن الفاعليــن للخطــة ،لكــن ضيــق الوقــت وحجــم البحــث يمنعنــا مــن شــرحها والتفصيــل فيهــا. د_ التنســيق :يشــكل التنســيق المفتــاح أو البــاب لتطويــق أي أزمــة ،حيــث أن التعليمــات واألوامــر التــي تنظــم العمــل، وتحــدد أولوياتــه ،وحــدوده ،ومســؤولية كل فــرد عــن أعمالــه ،واســتعمال عمليــات الضبــط فــي األداء ،والتوقيــت لــكل مرحلــة مــن الم ارحــل لــذا؛ ُينظــر إليــه علــى أنــه األســاس الجوهــري فــي إدارة األزمــة ،وتكمــن أهميتــه فــي تحديــد المهــام ،وإ ازلــة اللبــس والغمــوض ،وتنســيق المعلومــات ،وســرعة األداء ،وتقليــل اللغــط والغلــط ،وتخفيــف الخســائر ،وضمــان توحيــد الجهــود لمتابعــة إنهــاء األزمــة ،والمتابعــة الدقيقــة لمجرياتهــا ،وجمــع كافــة المعلومــات ،وتصنيفهــا ،وتحليلهــا ،وتحديــد أســلوبها األمثــل ،وتنســيق الكيفيــة فــي أســلوبها ،وطلبهــا ،وتداولهــا ،والعناصــر المكونــة ،وتنســيق التعــاون بيــن عناصــر التخطيــط والتحليــل والجمــع بمــا ـاءم وترتيــب أهدافهــا ،وضمــان جــودة فاعليتهــا اإلحصائيــة. يتـ َ وعمليــة التنســيق تضــع فــي ســلم أولوياتهــا ضمــان توحيــد الجهــود للتعامــل مــع األزمــة بمــا يكفــل التقليــل مــن مخاطرهــا، وتقييمهــا ،وتعديلهــا بمــا يتســق والموقــف الطــارئ والمســتجد.
تتطلــب عمليــة التنســيق تضافــر جميــع العامليــن المنفذيــن والمتعاونيــن داخــل فريــق العمــل والمؤسســة وخارجهــا ،وهــو مطلــوب فــي مرحلــة التخطيــط لضمــان نجــاح خطــة العمــل ،واتخــاذ القـ اررات الســليمة إلدارة األزمــة مــن خــال اســتثمار جمــع
-3المرونــة والواقعيــة :ينبغــي علــى النمــط القيــادي اإلهتمــام بالمعلومــات ،ومــن ثــم اعتمــاد المرونــة فــي اختيــار األفــكار ،والتيقــظ للفــرص المالئمــة لإلبتــكار ،موقن ـاً بالفروقــات فــي مــا بيــن التخطيــط وإدارة األزمــة حيــث »:أن هنــاك فرق ـاً بيــن التخطيــط وإدارة األزمــة تمامـاً كالفــرق بيــن اإلســتراتيجية والتكتيــك فــي المجــال العســكري .فالخطــة عامــة ..أمــا مواجهــة األزمــات إداري ـاً تحتــاج إلــى مرونــة وتفاعــل مــع األحــداث المســتجدة ،ومحاولــة وضــع الحلــول بمــا يتوافــق بشــكل عــام واإلســتراتيجية( .)22التخطيــط بمثابــة التنظيــر العقلــي العــام والشــامل ،فــي حيــن أن إدارة األزمــة تفتــرض المرونــة فــي التعامــل مــع كل طــارئ ومســتجد. _4اإلســتمرارية والمشــاركة :علــى التخطيــط أن يتســم باإلســتم اررية ال أن يكــون عارض ـاً ،طارئ ـاً أو مؤقت ـاً بحيــث ـاءات واإلجتماعــات التــي يتطلــب األخــذ بــكل اآلراء ّ ـاءة لمختلــف الخب ـراء الذيــن سـ ُـيناط بهــم تنفيــذ الخطــة مــن خــال اللقـ َ البنـ َ ســيتم فيهــا د ارســة األزمــة بمختلــف جوانبهــا وجزئياتهــا ،وصـوالً إلــى تشــجيع المنفذيــن لهــا لتطبيقهــا بجديــة وإخــاص وتفـ ٍ ـان ،مــع فتــح بــاب دائــم إلــى مناقشــتها العامــة. تتطلــب العمليــة أيض ـاً ،التدريــب المكثــف المســتمر للعامليــن دون اســتثناء مــع م ارعــاة التغيي ـرات األساســية للعامليــن ومواكبــة التشــجيع والتحفيــز المســتمرين لتقديــم اقت ارحــات؛ بمــا يســمح بزيــادة فــرص التنميــة الذاتيــة المســتمرة مــن خــال تفعيــل أدوات اآلداء اإلداري والعســكري القائــم علــى الق ـ اررات اإلداريــة ،واإلتصــاالت والمعلومــات. _5التوقيــت :تُعتبــر إدارة الوقــت مــن القضايــا المهمــة والفعالــة ،التــي تســاهم فــي التخطيــط الجيــد الــذي يتطلــب توقيتـاً مناســباً لبلــوغ الخطــة هدفهــا المنشــود فــي الموعــد المحــدد. _6اإلحتمــاالت :وتبقــى اإلحتمــاالت أيضـاً ،مــن العوامــل األساســية لنجــاح أيــة خطــة إذ إن اختيــار البدائــل وأقدرهــا فــي أقصــر وقــت ممكــن وأقــل تكلفــة ممكنــة( .)23وفــي عمليــة التخطيــط ،ال بــد مــن م ارعــاة منظومــة القيــم والمبــادئ اإلداريــة التــي تُكتســب بفعــل التطــور اإلنســاني ،وشــروط فعاليــة النظــام الكلــي للتخطيــط .ولبلــوغ الخطــة نتائجهــا المرجـّـوة ،ال بــد مــن التركيــز علــى عناصــر عــدة: ويعتبــر النظــام البشــري المتغيــر األصيــل _1النظــام البشــري :حيــث أن البشــر يشــكلون المــورد األهــم إلدارة أزمــة اإلرهــابُ ، والمركــزي الــذي ينجــذب نحــوه النظاميــن الفنــي والبيئــي لــذا؛ ال بــد مــن تداخــل وتكامــل العناصــر التــي تربــط اإلدارييــن بالعامليــن، حيــث أنــه ينبغــي اختيــار العامليــن فــي إدارة األزمــة باإلتفــاق بيــن مديــر إدارة األزمــة ورؤســاء الوحــدات لــذا؛ علــى المديريــن والقــادة أن يتســموا باإلبــداع فــي أدائهــم ،والســعة فــي تصرفاتهــم ،والمرونــة فــي خططهــم( .)24ولعــل الطريقــة الثنائيــة قــد تســاهم فــي دقــة اختيــار العامليــن لهــذه المهمــة الجســيمة( .)25وبذلــك يتــم اختيــار العامليــن علــى أســس علميــة ،ســليمة وموضوعيــة، مــع مــا ترتبــه تلــك العالقــة علــى الخطــة واألزمــة معـاً. وعلــى العامليــن الذيــن ســينفذون الخطــة أن يتصف ـوا :بالوعــي واإلنضبــاط ،وبالرغبــة فــي أداء العمــل علــى وجهــه األكمــل ،مــع م ارعــاة الرقابــة الذاتيــة قبــل الخارجيــة علــى أدائهــم ،وتقييمهــم المســتمر ،وإبـراز التعــاون واإللمــام بالتفاصيــل وصـوالً إلــى التغلــب علــى المخــاوف التــي ســتواجههم فــي تنفيــذ خطتهــم ،كذلــك تمكنهــم مــن إعــادة ترتيــب وتصميــم وتحديــد مواصفــات العمــل واألداء ،وتوثيــق حركــة العمــل ،ورفدهــا بنظــام المعلومــات الكفــوء الــذي يضبــط البيانــات التصوريــة والتوثيقيــة ،وجمعهــا وتحويلهــا إلــى مســتندات تســاعد المديريــن علــى اتخــاذ الق ـ اررات الصائبــة بمــا يضمــن صالحياتهــا واختيارهــا ،كمــا أنــه ال بــد مــن التركيــز علــى التنميــط والبرمجــة ،وعلــى اإلجـراءات الوقائيــة والتصحيحيــة ،وتطويــر العمليــات وتحديــد المســؤوليات لصنــع مبانــي تأسيســية محــددة واستشـرافية. :_2خلــق البيئــة المناســبة :بمعنــى وجــود بيئــة حاضنــة لهــذه الخطــة تتشــكل مــن الفالســفة والمفكريــن ،والقــادة العســكريين، وأهــل الجامعــات واإلخصاصــات فــي شــتى المياديــن وتتمثــل برســم عالقــات مــع البيئــة الكليــة والخارجيــة ،مــع المؤسســات الفكريــة والحكومــات المتعاونــة ،والجمهــور المتكامــل مــن العامليــن فيهــا وخارجهــا ،ومــع العالــم أجمــع. ولتحقيــق هــذه البيئــة ال بــد مــن إدخــال تكنولوجيــا المعلومــات واإلتصــاالت واإللكترونيــات فــي عمــل فريــق عمــل األزمــة إلطــاع الــكل علــى المســتجدات الحاصلــة بغيــة تأميــن فــرص الحـوار والمناقشــة فيهــا :مــن تخطيــط وتنظيــم ،توجيــه ومتابعــة، تحســين مســتمر ،إضافــة إلــى إدارة للتفتيــش والفحــص والمطابقــة للمعاييــر ،ونظــام للمتابعــة والتنظيــم ،والمراقبــة واإلحصائيــات، حيــث أن توفيــر المنــاخ اإلداري والتصــوري الســليم ســيقود حتم ـاً إلــى التغييــر المنتــج والفعــال فــي إدارة األزمــات ومكافحــة اإلرهــاب. ال بد من التركيز على ضرورة التعاون والتضامن ،التوافق واإللتحام في ما بين ،والمؤسسات العسكرية والحكومية والجامعات ،أكانت في إطار البيئة المحلية ،اإلقليمية أو العالمية الدولية.
واختيــار البدائــل ،واللجــوء إلــى التـوازن فــي مــا بيــن الســلطة والديمقراطيــة ،ولــن يكــون ذلــك إال باعتمــاد منهجيــات خاصــة بنــا كمســؤولين ،نحــن مــن نســاهم بإنتاجهــا تتســم باإلعتــدال والمرونــة لذا؛يبقــى علينــا معرفــة إدراك اإلنســان بجوهـره التكاملــي معرفــة جيــدة ،وتعليمــه تعليم ـاً جيــداً ،وص ـوالً إلــى د ارســة آليــات النهايــات الجيــدة التــي تؤهلــه اإلحتفــاظ بمــكان صالــح لــه ولألجيــال القادمــة. المصادر والمراجع : ( )1محمد عزيز شكري ،اإلرهاب الدولي دراسة قانونية نافذة ،ط ،1بيروت ،دار العلم للماليين1991 ،م ،ص.50 ( )2المرجع السابق ذكره ،ص.51 ( )3المرجع نفسه ،الصفحة نفسها. (.T.E. Arnold, The Violence Formula: Why People Lend Sympathy And Support To Terrorism, Lexington Books, 1988, P2 )4 (.R. Baxter, A Skeptical Look At The Concept Of Terrorism, 7Akron Law Rev, 380, 1974, P11 )5 ( )6محمد عزيز شكري ،اإلرهاب الدولي دراسة قانونية نافذة ،مرجع سابق ذكره ،ص .47 ( )7المرجع نفسه ،الصفحة نفسها. (.M.C. Bassiouni, et Al, Intrnational Terrorism and Political Crimes, Springfield, Charles C, Thomas Publishers, 1975, P485 )8 ( )9عبدالعزيــز محمــد ســرحان ،حــول تعريــف اإلرهــاب الدولــي وتحديــد مضمونــه مــن واقــع القانــون الدولــي وقـ اررات المنظمــات الدوليــة ،المجلــة المصريــة للقانــون الدولــي، مــج ،29ال.ط1973 ،م ،ص.174-173 ( )10أدونيس العكرة ،اإلرهاب السياسي_بحث في أصول الظاهرة وأبعادها اإلنسانية ،ط ،2بيروت ،دار الطليعة ،ص.83 ( )11نبيه بري ،أوراق في تراب المقاومة ،ط ،1بيروت ،دار األندلس1989 ،م ،ص.136 ( (Emmanuel Kant, Vers La Paix Perpetuelle, Traduction Par Gean-Francois Porier et Francoise Proust, Paris, GF Flammar�)12 .ion, 1991, P92 ( )13عبد الرحمن بدوي ،أمانويل كنت ،فلسفة القانون والسياسة ،الكويت ،وكالة المطبوعات1979 ،م ،ص.198 ( )14المرجع نفسه ،ص.9 ( )15المرجع نفسه ،الصفحة نفسها. ( )16ماركس_إنجلس ،بيان الحزب الشيوعي ،موسكو ،دار التقدم ،ص.37_36 (.Piettré, André, Marx Et Marxisme,1er édition, Paris, Presses Universitaires de France, 1973, P16 )17 ()18محمــد ابراهيــم الطراونــة ،التصــدي للفكــر اإلرهابــي والحــد مــن تجنيــد الشــباب ،أســاليب مكافحــة اإلرهــاب ،الريــاض ،مركــز الد ارســات والبحــوث ،قســم النــدوات واللقــاءات العلميــة2011 ،م ،ص.16 (Abdulrahman A. Higan, Crisis and Risk Management Paper Presented To International Institute Of Administrative )19 . Science XXII.Congres Of Adm Sciences Viennal, July, 1992, P5 ( )20محمود عساف ،أصول اإلدارة ،القاهرة ،دار الناشر العربي1975 ،م ،ص.150 (E.L, Quarantelli-Disaster Crisis Management : A Summary Of research findings. Journal of management studies 25: 4 july)21 .1988, P374-375 ( )22محمود عساف ،أصول اإلدارة ،مصدر سابق ذكره ،ص.207-206 (Abdul Rahman Higan, Crisis And Risk Management, A Paper Presented To International Institute Of Administrative Sci� )23 .ences xxii International Confèrence Of Administrative Sciences. Vienna, July, 1992, P12 (.Rober F. Littlejohn. When The Crisis Is Terrorism, Security Management, August, 1986, P39)24 (Anne H. Reilly, Preparing For The Worst: The Process Of Effective Crisis Management, Industrial & Envirommental Crisis)25 .Quarterly, Vol 7, N02, 1993, P139 (Thievy C. Pauchant And Ian I. Mitroff, Crisis Prone Versus Crisis Avoiding Organazations. Is Your Company’s Culture Its)26 .Own Worst Enemy In Creating Crises? Industrial Crisis Quarterly, Vol 2, N0 1, 1988, P53 (.Victor H.Vroom And P.W.Yeton, Leadership And Decision Making, University Of Pittsburg Press, 1973, P10)27
المعلومــات ،وتصنيفهــا ،وتحليلهــا ،وتحديــد األســلوب األمثــل لهــا ،ومــن ثــم العمــل علــى تنســيقها وطلبهــا ،وتــداول المســؤوليات ِّ المكونــة للمركــز فيهــا ،حيــث أن «مفهــوم الــذات»( .)27يشــكل العامــل الرئيســي فــي التوجــه اإلســتراتيجي إلدارة والعناصــر األزمــات ،وبالتالــي تنســيق أســلوب التعــاون بيــن التخطيــط والتحليــل. ولضمــان جــودة العمــل ،ال بــد مــن ضمــان توحيــد الجهــود اإلنســانية ،وفــي كافــة األجهـزة فــي أثنــاء إدارة األزمــة سـواء داخــل العمــل الفريقــي والمؤسســة أو خارجهــا ،بمــا يضمــن حضــور المعلومــات واألنشــطة الخاصــة ،والمتابعــة الدقيقــة والموقوتــة لضمــان خط ـوات تنفيــذ خطــة العمــل فــي مواجهــة األزمــة س ـواء فــي المؤسســة أو خارجهــا بمرونــة ،مــع جهوزيــة اإلســتعداد لتنســيق تدفــق الجهــود اإلضافيــة لمنــع تضــارب اإلختصاصــات فــي أثنــاء إدارة األزمــة. كمــا أنــه ال يخفــى علــى أحــد ،أنــه حتــى بعــد اإلنتهــاء مــن األزمــة ،ال بــد مــن تنســيق تــداول المعلومــات الجديــدة بمــا يضمــن عمليــات التقويــم وتعديلهــا ،وبمــا يتناســب والواقــع المســتجد لتفــادي نتائــج اســتيالد أزمــات جديــدة. ويبقــى اتخــاذ الق ـرار هــو الدليــل الســاطع علــى اإلدارة الناجحــة والســليمة ،الســيما وأن عمليــة اتخــاذ الق ـ اررات تُعتبــر مــن أصعــب األمــور التــي تواجــه المنفذيــن ،وبخاصــة فــي زمــن تحــول األزمــات وتنميطهــا ،حيــث التدخــات والضغــوط الداخليــة والخارجيــة ،والوقــت ،وعــدم وضــوح الرؤيــة ،بخاصــة وأن فــي الق ـرار نظــام ابتــداع البدائــل ،واإلختيــار قــد يقــع بيــن بديليــن أو أكثــر ،وهــذا اإلختيــار الــذي قــد ينتــج عنــه آثــار إيجابيــة أو ســلبية قــد تفــوق المشــكلة األساســية موضــوع القـرار لــذا؛ ال بــد مــن إيجــاد خيــارات مقبولــة لحــل األزمــة بمســؤولية الوعــي فيهــا وبهــا ،حيــث أن الســبب الرئيســي فــي المشــاكل يكمــن فــي ابتــكار أدوات حلولهــا ،وهــذا مــا يتطلــب أيضـاً إيجــاد البدائــل الســليمة وتقييمهــا ،ويتمثــل ذلــك فــي إشـراك كافــة القطاعــات والمؤسســات المعنيــة للتشــاور فــي حــل المشــكلة وتســويتها ،وضــرورة مشــاركة المرؤوســين هــذا مــا أكــد عليــه علــم النفــس وبخاصــة الســلوكية لمــا لهــم مــن أهميــة فــي حــل المشــاكل وفــي اتخــاذ القـ اررات( .)28وإليجــاد البدائــل فــي حــل األزمــة ال بــد مــن البحــث عــن التفكيــر اإلبتــكاري القــادر علــى الخلــق واإلبــداع والتســويق .حيــث أنــه مــن المعيــب أن نحــل المشــكلة بنفــس منهجيــة التفكيــر التــي قادتنــا إليهــا ،والتــي قــد نكــون ســبباً فــي نتائجهــا. الخاتمة :مستقبل البشرية وعن أي إنسان نبحث؟ تتطلب إدارة األزمة موقفاً وتضامناً مشتركاً من اإلنسانية عامة ،ومن أبناء البلد خاصة ،ومن المثقفين واألكاديميين والعســكريين ،القــادة واألفـراد ،ومــن األمــة جميعهــا ألن التحديــات واحــدة ،حيــث أن البعــض منهــم لــم يستشــعر حجــم المخاطــر الناتجــة عــن هــذه القضيــة لهــذا ،ال بــد مــن التــآزر فــي تفســيراتهم ،واتفاقهــم علــى الحديــث بلغــة مشــتركة ،أضــف إلــى ذلــك ـاءل عــن ذلــك العقــل العربــي الــذي مــأ التاريــخ أيــن هــو اليــوم؟ إشــكالية العولمــة المتفلتــة مــن كل قيــد أخالقــي .مــن هنــا نتسـ َ وهــل بتنــا عاجزيــن عــن حــل أزماتنــا وبخاصــة اإلرهــاب ومكافحتــه؟ المســؤولية مســؤوليتنا ،نحــن مــن نصنــع مشــاكلنا وأزماتنــا ،ونحــن مــن علينــا حّلهــا وعــدم تجاهــل أثــر النظــام الدولــي علينــا لــذا؛ مشــكلة العالــم العربــي بمجملــه تتمثــل فــي افتقادنــا لقاعــدة معلومــات نحتاجهــا للبنــاء عليهــا ،كمــا أننــا نعانــي مــن أن اإلنســان فــي بالدنــا الــذي يمــارس أنشــطة عــدة بــدءاً بالتفكيــر ،مــرو اًر بالــكالم والحديــث ،وصـوالً إلــى العمــل ،هــذه األنشــطة تتســم فــي عالمنــا باإلنفصــال ،فتــرى المفكــرون ال ُيتــاح لهــم فــرص التكلــم والتحــدث بكفايــة ،وال فرصــة التنفيــذ ،والمتحدثــون بشــكل عــام ال يفكــرون ،وال يعملــون ،والذيــن يعملــون وينفــذون ال وقــت لديهــم ليفكــروا ألنهــم يلهثــون وراء لقمــة العيــش ،هــذا اإلنفصــام بيــن هــذه األنشــطة الثالثــة ينبــئ بخطــر ،ولعــل مــا نـراه نتيجــة مــن نتائجــه. السؤال إلى أي إنسان نتوجه؟ .وأي عالم إنساني معرفي نريد؟ .وهل أن الحديث بالنظريات الفلسفية والعقلية يؤطر كمــال معالجــة أســباب األزمــات ويؤمــن الحلــول؟ .وهــل أن المعرفــة اإلنســانية الشــاملة تســوق مكانتهــا فــي عقولنــا بمســؤولية العارفيــن ،المدركيــن ،الملتزميــن ،األمينيــن ،والمســؤولين بالتكامــل مــع المجتمــع؟ .وبالتالــي مــا هــي الفاعليــة المنتجــة والمتقدمــة ـاء للمتباريــن بمســؤولية إدارة مكافحــة اإلرهــاب ،فــي ظــل متغيــر تطــور الظــروف علــى شــأنيتها وذاتيتهــا بأزمــة الس ـؤال؟ .بنـ ً علــى مــا تقــدم ،ركــز البحــث علــى تصــورات رؤيويــة هادفــة وتكامليــة فــي مناهــج مختلفــة ،تؤمــن بمســؤولية إدارتــه للجوانــب المعرفيــة ،المؤسســية لمنطلقاتــه وإشــكالياته المتعــددة ،بقصــد ضمــان توفيــر المبانــي واآلليــات الممكنــة لمعالجــة منطلقــات إدارة مكافحــة اإلرهــاب بفعاليــة األطــر وضمــان اإلبتــكار ،واختيــار البدائــل ،والتنســيق المعرفــي المنهجــي والمؤسســاتي ،بهــدف تأميــن مواجهــة التحـوالت والتحديــات ،وآليــات مواكبــة لتغيــر الظــروف والوقائــع والتحـوالت علــى مفهــوم ســامة المعرفــة ،وأثرهــا في إدارة مكافحــة اإلرهــاب .صحيــح أننــا نتحــدث بنظريــات فلســفية وعقليــة ،إنمــا مــن ســيقوم بالعمــل؟ .هــل هــم األميــون؟ .نبــدو وكأننــا شــعب داخــل شــعب ،فئــة مــن المثقفيــن الذيــن يتحــاورون ويقيمــون المؤتمـرات والنــدوات ،إنمــا فــي نهايــة األمــر ال نصــل لشــيء عملــي واقعــي ،وال إلــى قــوة منفــذة وحقيقيــة لمــا نفكــر فيــه مــن إنقــاذ مجتمعاتنــا اإلنســانية مــن أزماتهــا لــن يكــون إال بمنهجيــة إدارة أزمات فلســفية واضحة الفكر والمعالم ،والمدارك والمســؤوليات والمناهج ،بأولوية التخطيط ،والتنظيم ،والتنســيق ،والتنفيذ
الفلسقة التحليلية :خواء الميتافيزيقا والعالج اللغوي د.عبده شحيتلي
الفلسفة التحليلية أسلوب ال مذهب:اهتمــت الفلســفة التحليليــة بالوضــوح فــي عــرض األفــكار ،لتفــادي الغمــوض واعتمــاد أســاليب تتميــز بالقــدر األعلــى مــن الدقــة فــي تقديــم األدلــة . تســعى الفلســفة التحليليــة إلــى الدقــة ،وهــذا مــا يســتدعي صياغــات رياضيــة ،دون أن يعنــي ذلــك التوغــل فــي المعــارف المتقدمــة لعلم الرياضيات ،وبهذا المعنى تشــكل الفلســفة التحليلية أســلوباً فلســفياً. مــن المألــوف وضــع الفلســفة التحليليــة فــي موقــع متعــارض مــع الفلســفة األوروبيــة التــي تعــود لفالســفة فرنســيين وألمــان عاشـوا فــي القرنيــن التاســع عشــر والعش ـرين نذكــر منهــم :هيغــل وكيركيغــارد ونيتشــه وهايدغــر وســارتر وميشــيل فوكــو . ..الذيــن يعتمــدون أســلوبا فــي الكتابــة يتخــذ شــكالً أدبي ـاً . تختلــف الفلســفة التحليليــة التــي تعتبــر أن مجــال البحــث فــي الفلســفة هــو التحليــل اللغــوي ،باعتبــاره الوســيلة الوحيــدة لمعالجــة المشــكالت الفلســفية ،عن الفلســفة التقليدية التأملية .يتب أر فالســفة التحليل من االدعاء أن الفلســفة تكشــف عن حقائق الكون .إن العلمــاء ،وحدهــم ،بمــا يمتلكونــه مــن وســائل تعينهــم علــى المشــاهدة وإجـراء التجــارب هــم المعنيــون بمحاولــة الكشــف عــن مختلــف جوانــب الحقائــق الكونيــة ،بينمــا الفيلســوف التحليلــي المعاصــر ال يزعــم لنفســه شــيئا ســوى تنــاول عبــارات اللغــة بهــدف توضيــح العناصــر الغامضــة فيهــا مــن خــال التحليــل المنطقــي ؛ فالفلســفة التحليليــة المعاصـرة «تــدور كلهــا حــول ألفــاظ اللغــة وعباراتهــا اعتبــا اًر منهــا أن مهمتهــا الوحيــدة التــي ال مهمــة سـواها هــي أن تطمئــن إلــى وضــوح مــا ينطــق بــه النــاس ،علماؤهــم وعامتهــم علــى السـواء ،وأمــا الحقيقــة الشــيئية فموكولــة إلــى رجــال العلــم علــى اختالفهــم «()1 والفلســفة التحليلــة ترتبــط بالبلــدان األنكلــو ساكســونية حيــث نشــأت ،ولكننــا يمكــن أن نجــد لهــا أصـوالً فــي الفلســفة اليونانيــة ، وكذلــك عنــد ديــكارت وغي ـره مــن الفالســفة الذيــن اعتمــدوا المنهــج التحليلــي .لذلــك بــدالً مــن القــول بالتعــارض بيــن الفلســفة التحليليــة والفلســفة األوروبيــة يمكــن النظــر إلــى األمــر مــن زاويــة اعتمادهمــا اســلوبين مختلفيــن فــي ممارســة الفلســفة ،لــكل منهمــا حســناته وســيئاته ،ولكــن يبقــى مــن الضــروري األخــذ بعيــن االعتبــار أن فيهمــا الكثيــر مــن األفــكار التــي تســتحق التقديــر ،عــاوة علــى أن تعايــش األســلوبين اللذيــن يعتمدانهمــا فــي التفكيــر الفلســفي يعبــر عــن تنــوع وغنــى ثقافــي يقــودان إلــى القــول بالتكامــل بيــن التيــارات الفلســفية الــذي ينفــي التناقــض واإللغــاء . إن الفلســفة التحليليــة هــي مــن أكثــر التيــارات الفلســفية التــي تتميــز بالتنــوع والبعــد عــن المذهبيــة .ولكــن األســاس الجامــع لمختلــف تياراتهــا هــو اعتبــار تحليــل اللغــة الممارســة الفلســفية األكثــر أهميــة ؛ لذلــك كان هدفهــا البحــث فــي العالقــة بيــن األشــياء التــي تحــدث فــي العالــم مــن جهــة ،ومــا يحــدث فــي ذهــن مســتخدم اللغــة الــذي يحــاول أن يفهــم البنــاء الواقعــي للعالــم مــن جهــة أخــرى ،ليغــدو السـؤاالن :كيــف نعنــي ؟ ومــاذا نعــرف ؟ 2محــور الممارســة التحليليــة . انطلقــت هــذه الفلســفة مــن كتابــات فريغــه و ارســل المتعلقــة بأســس الرياضيــات ،لذلــك رأى بعــض الباحثيــن أنهــا ال تعالــج إال مشــكالت ذات عالقــة بالعلــم ونظريــة المعرفــة ،وهــذه فكـرة خاطئــة ،ألن مــا ينطبــق علــى لغــة الرياضيــات عنــد فريغــه ينطبــق علــى لغتنــا بشــكل عــام. ومشــكالت الداللــة التــي دافــع عنهــا رســل ال تتعلــق بالرياضيــات أكثــر مــن تعلقهــا باالبيســتمولوجيا ،وبلغتنــا بشــكل عــام .3 باالضافــة إلــى ذلــك ،فــإن ارســل كان مــن كبــار المنطقييــن وفالســفة المعرفــة ،ولكــن ذلــك لــم يمنعــه مــن الكتابــة فــي األخــاق ،واالهتمــام بأحــداث العصــر السياســية .وايضــا فتغنشــتين الــذي يعتبــر مــن األعمــدة المؤسســة للفلســفة التحليليــة ،وفالســفة الوضعيــة الجديــدة التــي تمثــل مدرســتهم واحــدة مــن التيــارات التحليليــة الهامــة ،كان ـوا علمييــن ،اال أنهــم اهتم ـوا ،أيضــا ، بالجماليــات واألخــاق والحقــوق مثلمــا اهتم ـوا بنظريــة المعرفــة وفلســفة العلــوم . محمود ،د .زيك نجيب .موقف من امليتافيزيقا ،ط ، 2دار الرشوق ،بريوت ، 1983ص . 141 1 .679 PUF, P,12 2end edition, tome ,Encyclopedie Universalis - 2 - :Olbani, melik,Philosophie de la connaissanceet des sciences, www. Rationalites-contemporaines 3 . Paris4 Sorbone.fr.
إن مهمــة الفلســفة ليســت تحصيــل الحقائــق ،كمــا هــي الحــال فــي العلــوم ،وانمــا البحــث فــي المســائل التــي لــم تقــدم العلــوم حتــى اآلن جوابــا عنهــا ،كمــا يــرى رســل الــذي قــدم للفلســفة منهجـاً جديــداً هــو «منهــج التحليــل المنطقــي» أو الذريــة المنطقيــة ،اعتمــد فيــه علــى المنطــق الرياضــي ألنــه ،باعتقــاده « ،وحــده الكفيــل بتزويدنــا بــاألداة الالزمــة لحــل المشــاكل الفلســفية « .تبنــى رســل الـرأي القائــل :إن جميــع المشــاكل الفلســفية هــي ،فــي واقــع األمــر مشــاكل منطقيــة .وســعى إلــى وضــع فلســفة علميــة تلتــزم بالمنطــق الرياضــي ،الــذي أســماه :المنطــق الفلســفي . فــي بدايــة عالقتــه بالفلســفة تأثــر رســل بالمثاليــة األلمانيــة متجســدة بفلســفة كنــط وبرادلــي وهيغــل بشــكل خــاص ،حيــث أن المســرح الفلســفي في انجلت ار ،كما يقول «كانت تســيطر عليه في الجزء األخير من القرن التاســع عشــر المثالية التي انتقلت إليــه مــن داخــل القــارة :ففــي بريطانيــا يأتــي المطــر مــن أيرلنــدة وتاتــي المثاليــة مــن المانيــا « . 8ولكنــه مــا لبــث أن انقلــب علــى هــذه المثاليــة ليتبنــى نقيضهــا أي الفلســفة التجريبــة التــي تنســجم مــع المــد التجريبــي الــذي أحدثتــه العلــوم فــي نهايــة القــرن التاســع عشــر وبدايــة القــرن العشـرين .وعندمــا وجــد أن هــذه التجريبيــة فــي شــكلها التقليــدي (مــن لــوك وهيــوم إلــى جــون ســتيوارت مــل) تتســم بشــيء مــن الواقعيــة الســاذجة ،ســعى إلــى تأســيس نــوع جديــد مــن التجريبيــة هــو مــا يعــرف بالتجريبيــة المنطقيــة ،واعتقــد أن هــذه الفلســفة الجديــدة تتميــز بكونهــا علميــة وتحليليــة . لقــد « كان منــذ البدايــة يأمــل فــي أن يجمــع بيــن النزعــة العقليــة المثاليــة كمــا تتجســد فــي المنطــق والرياضيــات ،والنزعــة الحســية كمــا تتمثــل فــي التجريبيــة ليصــل إلــى أطــار تتــاءم داخلــه المكتشــفات الثوريــة للعلــم « ، 9وســعى إلــى تفجيــر الثــورة التحليليــة فــي مطلــع القــرن العشـرين بمشــاركة صديقــه جــوج ادوارد مــور( ) 1958-1873وتلميــذه فتغنشــتين ( .) 1951 -1889 واذا كان مــور قــد ثــار علــى المثاليــة االلمانيةالتــي طغــت فــي كامبــردج انســجاماً مــع المــد التجريبــي ،فــإن رســل ثــار عليهــا ألنهــا ال تتفــق مــع المعرفــة القائمــة علــى أســاس المنطــق الرياضــي . أكــد مــور أن غايــة الفلســفة ليســت اكتشــاف الحقائــق التــي لــم تعــرف مــن قبــل بــل ايضــاح مــا نعرفــه مــن خــال تحليــل اللغــة .فــي مقــال كتبــه بعنـوان :تفنيــد المثاليــة عــام 1903اعتبــر مــور أن المشــكالت الفلســفية تعــود إلــى أن الفالســفة عمــدوا إلــى االجابــة عــن األســئلة التــي طرحوهــا قبــل ان يدققـوا فــي حقيقتهــا .ولــو حــاول الفالســفة اكتشــاف المعنــى الحقيقــي لألســئلة التــي يطرحونهــا عــن طريــق تحليلهــا قبــل أن يشــرعوا فــي اإلجابــة عليهــا لــكان ذلــك كافيـاً الختفــاء معظــم المشــاكل الخادعــة والخالفــات الفلســفية ،فغمــوض المعنــى هــو مصــدر االضطـراب فــي البحــث الفلســفي. والتحليــل عنــد مــور يعنــي ترجمــة عبــارة معينــة إلــى عبــارة أخــرى أوضــح منهــا ومرادفــة لهــا .ومــن أجــل معرفــة م ارمــي الفيلســوف ،والحكــم علــى صحــة أو فســاد القضايــا التــي يقررهــا البــد مــن إظهــار األنمــاط المختلفــة للقضايــا أو المســائل التــي هــي موضــوع البحــث ،وتوضيــح األســباب التــي تفيــد فــي يأييــد أو تفنيــد قضيــة مــا .والمعيــار الــذي يســتند إليــه مــور فــي ذلــك هــو مــا يســميه اإلحســاس العــام أو الفهــم المشــترك ، ) )common sensفببداهــة الفهــم المشــترك « نعــرف أن العالــم المــادي موجــود ،وأن فيــه أناسـاً غيرنــا ،وأنــه مالبــث موجــودا منــذ ســنين عـ ّـدة ..الــخ ،وليــس بنــا حاجــة إلــى ميتافيزيقــا تبرهــن ذلــك .هــذا مــن جهــة ، ومــن جهــة اخــرى فلــو كان هنــاك مــن المعرفــة مــا ليــس يأتينــا بــه الفهــم المشــترك بفطرتــه ،وال العلــم بمشــاهداته كالقــول بخلــود الــروح مثــا ،فســتعجز الميتافيزيقــا كذلــك عــن إمدادنــا بهــذه المعرفــة .بعبــارة أخــرى :مــا نعرفــه عــن طريــق الفهــم المشــترك والعلــوم ال حاجــة بنــا إلــى الميتافيزيقــا لتزيــد معرفتنــا بــه ،ومــا ال نعرفــه عــن ذلــك الطريــق ليــس فــي وســع الميتافيزيقــا أن تحيطنــا 10 علمــا بــه «. يــرى مــور أن اللغــة العاديــة تفيدنــا فــي تحديــد مــا يعتقــده ويؤيــده اإلحســاس العــام ،لذلــك يتخــذ منهــا معيــا اًر لمعنــى القضايــا .ومــا علينــا بعــد االعتمــاد علــى الفهــم المشــترك فــي إدراك حقائــق الموجــودات إال االهتمــام بتحليــل العبــارات التــي نقولهــا بهــدف « الزيــادة فــي الوضــوح بإبـراز العناصــر الخبيئــة فــي العبــارة المـراد تحليلهــا « ، 11أي أن التحليــل ال يعنــي تعريفــا لأللفــاظ والحــدود ،أو ترجمــة عبــارة إلــى عبــارة أخــرى بــل إبـراز العناصــر التــي تنطــوي عليهــا العبــارة المـراد تحليلهــا . تأثــر رســل ،فــي المرحلــة الواقعيــة مــن تفكيـره التــي جــاءت كــردة فعــل علــى المثاليــة بــآراء مــور معتقــدا أن اللغــة العاديــة قــادرة علــى التعبيــر عــن قضايــا الفلســفة .وأن تحليــل عبــارات اللغــة ،اســتناداً إلــى معيــار اإلحســاس العــام ،كفيــل بتحديــد المعنــى . وكمثــال علــى ذلــك ؛ تحليــل عبــارة «ملــك فرنســا الحالــي أصلــع « ،التــي يرددهــا رســل .فــي اللغــة العاديــة تكتســب هــذه الجملــة معناهــا مــن معانــي األلفــاظ الـواردة فيهــا :ملــك أي صاحــب المنصــب األعلــى فــي الســلطة ،فرنســا أي البلــد األوروبــي الــذي 8 9 10 11
رسل برتراند ،حكمة الغرب ،ج ، 2املجلس الوطني للثقافة والفنون واالداب ،ص . 269 الخويل ،د مينى طريف ،فلسفة العلم يف القرن العرشين ،م .س ،ص . 285 محمود ،د .زيك نجيب ،موقف من امليتافيزيقا ،م .س ،ص . 143 -م ،ن ،ص . 148
ان مــا يجمــع الفالســفة التحليلييــن ،علــى اختالفهــم ،ارادة تطبيــق منهــج دقيــق مســتوحى مــن التحليــل والنزعــة المنطقيــة ، ويهــدف إلــى عــدم االنـزالق نحــو اللغــو والــكالم الفــارغ ،أو األفــكار ذات الطابــع االيديولوجــي التــي ال تعبــر عــن أيــة حقيقــة واقعيــة . رسل :منهج التحليل والذرية المنطقيةدرس برت ارنــد ارســل ( )1970 -1872الرياضيــات فــي كمبــردج ،وعنــد انتهائــه مــن آخــر امتحاناتــه فــي نهايــة ســنته الثالثــة ،أقســم ،كمــا يقــول فــي كتابــه العقــل والمــادة ،أال ينظــر بعدهــا إلــى الرياضيــات ،وحيــن كان يعيــش هــذه الحالــة النفســية والعقليــة واجهتــه « الفلســفة بــكل البهجــة التــي يبتهــج بهــا الهــارب مــن نفــق إلــى واد مزدهــر فســيح « ، 4فتحــول إلــى د ارســة الفلســفة وتاثــر إلــى حــد بعيــد بالمثاليــة األلمانيــة التــي تنظــر إلــى العالــم باعتبــاره حقيقــة كليــة واحــدة ،ومــا التعــدد والكثـرة فيــه اال مجــرد مظهــر لهــذه الحقيقــة التــي نعرفهــا بواســطة العقــل .وقــد عـ َّـرف فــي كتابــه ( مشــاكل الفلســفة) المذهــب المثالــي بأنــه المذهــب الــذي ال يــرى فــي كل مــا يوجــد أو فــي كل مــا نعــرف وجــوده إال كونــه مجــرد تصــور للذهــن أو مجــرد فكــر ،فالحقيقــة الكونيــة واحــدة والتعــدد والكثـرة مظهــر لهــا ،ومصدرنــا الوحيــد لمعرفــة هــذه الحقيقــة هــو العقــل .وبتأثيــر مــن اســتاذيه (مكتغــارت) و(ســتاوت) أعجــب إلــى حــد كبيــر بالهيغليــة ،وكان يعتقــد فــي الفتـرة التــي تلــت تخرجــه مــن كمبــردج أن الميتافيزيقــا كفيلــة بحــل مشــاكل الكــون شــرط اعتمادهــا علــى العقــل وابتعادهــا عــن الديــن ،وهــذه هــي حــال الميتافيزيقــا فــي المثاليــة األلمانيــة .وبعــد قيامــه بتدريــس فلســفة ليبنتــز فــي كمبــردج وجــد أن الميتافيزيقــا المثاليــة الواحديــة ترتكــز إلــى المنطــق األرســطي الحملــي ،منطــق الجوهــر وأع ارضــه ،وهــو مــا ينبغــي االطاحــة بــه كمــا يقــول فــي كتابــه الــذي خصصــه لنقــد فلســفة ليبنتــز ،ألن هــذا النــوع مــن المنطــق غيــر قابــل التعبيــر عــن العالقــات ،مؤكــدا ،بذلــك ،أهميــة القضايــا العالئقيــة مقابــل قضايــا الموضــوع والمحمــول . وقــد تحــول فيمــا بعــد ( )1898عــن المثاليــة وهاجمهــا بعــد أن قـ أر كتــاب المنطــق األكبــر لهيغــل و الحــظ أن مــا يقولــه عــن الرياضيــات فــي هــذا الكتــاب هــو لغــو ناتــج عــن رأس مشوشــة ، 5وفــي هــذه الفتـرة تأثــر بجــورج ادوارد مــور (1958-1873 ) صاحــب مذهــب مــا يعــرف بالواقعيــة الجديــدة . وبعــد اندفاعــه باتجــاه الواقعيــة عــاد للت ارجــع عنهــا بعــد تعرفــه علــى انتــاج جوزيــه بيانــو ( ) 1932-1858فــي ميــدان العلــوم الرياضيــة ،أثنــاء حضــوره مؤتمـ ار دوليــا للفلســفة فــي باريــس عــام 1900حضـره كبــار الفالســفة وعلمــاء المنطــق والرياضــات ،ومنهــم (وايتهــد) ( ،فريغــه) و (بيانــو) .بعــد هــذا المؤتمــر وضــع كتابــه مبــادئ الرياضيــات ،وفيمــا بعــد عمــل مــع صديقه(وايتهــد) علــى إصــدار كتــاب برانكيبــا ماتيماتيــكا ( )1910فــي ثالثــة عشــر جــزءا حيــث بينــا معـاً أن المبــادئ الرياضيــة يمكــن أن تســتنبط مــن قضايــا منطقيــة . لكــن اهتماتــه لــم تقتصــر علــى المنطــق والرياضيــات ،فقــد أصــدر العديــد مــن المؤلفــات تنــاول فيهــا موضوعــات العدالــة والبنــاء االجتماعــي والــزواج وألخــاق والديــن ...وســافر إلــى الصيــن واالتحــاد الســوفياتي ونيويــورك حيــث مــارس نشــاطات فكريــة وسياســية أبــرز مــن خاللهــا مواقــف مميـزة فــي أمــور الحــرب والســام .وفــي عــام 1942عــاد ليمــارس التدريــس فــي كمبريــدج ،وفــي ســنة 1950حصــل علــى جائـزة نوبــل لــآداب بصفتــه ناطقـاً باســم التفكيــر الحــر والعقــل واإلنســانية. 6 تنوعــت مؤلفاتــه مــن الرياضيــات والمنطــق (مبــادئ الرياضيــات1903؛ أُســس كتــاب الرياضيــات الــذي ألفــه مــع وايتهــد ( ،) 1913 -1910إلــى األبيســتمولوجيا ونظريــة المعرفــة ( معرفتنــا للعــام الخارجــي 1914؛ تحليــل الفكــر 1921؛تحليــل المــادة 1927؛ المعنــى والحقيقــة ، )1940وإلــى المســائل السياســية والدينيــة واألخالقيــة (مبــادئ االصــاح االجتماعــي 1926؛األخــاق والمبــادئ األخالقيــة 1929؛ التربيــة والنظــام االجتماعــي 1932؛ تأثيــر العلــم علــى المجتمــع 1952؛ جريمــة حــرب فيتنــام ،)1967وأخي ـ ار الكتــب التــي تتنــاول تاريــخ الفلســفة أو الســيرة الذاتيــة ( تاريــخ الفلســفة 1945؛ تاريــخ أفــكاري الفلســفية 1959؛الســيرة الذاتيــة ل ارســل.)1969-1967 أتــى رســل إلــى الفلســفة عــن طريــق الرياضيــات ،وقــام بأهــم تطويــر للمنطــق بعــد أرســطو ،فربــط ربط ـاً وثيق ـاً بيــن المنطــق والرياضيــات ،وأكــد أن الفلســفة فــي جانبهــا النظــري تســعى إلــى فهــم العالــم « ،أمــا فــي جانبهــا الوجدانــي فتضــع قيمــا وغايــات للحيــاة « ، 7وهــذه المهــام التــي تقــوم بهــا الفلســفة ال تختلــف باختــاف العصــور. الخويل ،دمينى طريف .فلسفة العلم يف القرن العرشين ،عامل املعرفة ، 264املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب 4 الكويت ،كانون األول ، 2000ص . 2715 م.ن ،ص . 277 5 . www. SOS . Philosophie.free.fr/Russel.php- 6 الخويل ،م .س ،ص 11 7
وفيهــا أيضــا يســمي أســماء العلــم مــا نســميه اليــوم الحــدود المفــردة أي التعابيــر اللغويــة التــي تــدل علــى شــيء واحــد ( مثــل قولنــا الكاتــب األشــهر فــي المدينــة ،أو الطالــب األول فــي الصــف . )....وقــد أكــد أن لــكل اســم علــم معنــى ( ) sensوداللــة ( .17) denotationداللــة االســم هــي الشــيء الــذي يشــير إليــه ،أمــا المعنــى فهــو « الطريقــة التــي تبعــا لهــا يقــدم هــذا الشــيء « بواســطة االســم ،ويمكــن تصــوره كمحتــوى معرفــي يتــم ربطــه باالســم وبفضلــه تكــون لــه هــذه الداللــة .وهــذا يقــود إلــى تعابيــر لغويــة متعــددة لــكل منهــا مكوناتهــا اللغويــة ،ولكنهــا تتعــادل مــن حيــث الداللــة ،ألنهــا تشــير إلــى الشــيء نفســه (.مثــل تعابيــر :ملكــة انكلت ـ ار الحاليــة ،واليزابيــت الثانيــة ،وأم زوج ديانــا سبنســر الســابقة ..ألــخ ).لــكل مــن هــذه التعابيــر داللتــه ( وهــي االســم المفــرد نفســه ) وطريقتــه الخاصــة فــي الداللــة أي المعنــى. لقــد أثــرت آراء فريغــه هــذه فــي تأســيس فك ـرة الذريــة المنطقيــة فــي الفلســفة التحليلــة عنــد رســل ،وفتغنشــتين الــذي امتــد تاثي ـره إلــى الوضعيــة المنطقيــة .اســتند رســل إلــى أعمــال فريغــه المتعلقــة بالمعنــى والداللــة وطورهــا بطريقــة تركــت تاثيـ اًر كبيـ اًر علــى الرســالة المنطقيــة الفلســفية لفتغنشــتين ،وذلــك مــن خــال :التمييــز بيــن الشــكل النحــوي والشــكل المنطقــي للعبــارة ،واســترجاع الشــكل المنطقي وراء المظهر اللغوي ،واعتبار أن الجملة المحللة ،أي التي تُؤخذ تحت شــكلها المنطقي ،هي ،جوهرياً، عمليــة وصــل بيــن أســماء تــدل مباشـرة علــى أفـراد أو خصائــص . ولكــن طريقــة فريغــه المعقــدة بالتدويــن منعتــه ،كمــا يقــول رســل ،مــن ممارســة تأثيــر كبيــر فــي المنطــق الرمــزي ،بينمــا نبهــت مشــكلة المفارقــات التــي أوضحهــا هــذا المنطــق الفالســفة إلــى « الحاجــة الشــديدة إلــى التدقيــق فــي طريقــة تركيــب الجمــل ،وفــي األلفــاظ المســتخدمة فيهــا «. 18 كان المنطــق التقليــدي يقــوم علــى اعتبــار الحــدود العناصــر األساســية التــي ينبغــي ان تــدرس العالقــات القائمــة بينهــا ،بينمــا المنطــق الــذي أسســه ارســل مــع وايتهــد قلــب هــذه الطريقــة فــي التفكيــر ،فأصبحــت العالقــات هــي العناصــر األساســية التــي ينطلــق منهــا التفكيــر المنطقــي المتعلــق بالحــدود التــي تشــكلها هــذه العالقــات .فالمنطــق لــم يعــد تفســي اًر لقوانيــن الفكــر ،وانمــا نظريــة فــي اللــزوم والتضميــن ،وعمليــة حســاب. وقــد دافــع رســل عــن الذريــة المنطقيــة التــي تقــول بــأن العالــم يبــدو كمركــب منطــق( . )complex logiqueالوقائــع مســتقلة إحداهــا عــن األخــرى والعالقــات بينهــا هــي عالقــات خارجيــة . 19وكل مــا هــو مركــب يتألــف مــن عناصــر بســيطة ،وكل واقعــة يمكــن تمثيلهــا بجملــة بســيطة هــي الجملــة الذريــة .والجمــل المركبــة ليســت ســوى دمــج منطقــي لهــذه الجمــل البســيطة . لكي نعرف ما إذا كانت جملة ما صحيحة أم خاطئة ينبغي إذاً تحليلها ،أي تفكيكها إلى ذرات منطقية . يؤكــد رســل 20أنــه تبنــى الفلســفة الذريــة المنطقيــة فــي العاميــن 1900-1899واصفــا هــذا التبنــي بالثــورة التــي أدت إلــى قطيعــة فكريــة عنــده فصلــت مــا قبلهــا عمــا بعدهــا واصفــا تفكيـره الالحــق لهــا بأنــه ليــس اال مجــرد تطويــر للذريــة المنطقيــة . القضايا في المنطق الرمزي ،كما يرى رسل ،ثالثة أنواع : القضايا الذرية ،وهي النمط الرئيسي في القضايا ،مثل سقراط انسان .القضايا الجزيئية وهي قضابا ذرية اال أنها ربطت بأدوات ( اذا ،أو ،اال اذا ،واو العطف ) ... القضايا العامة أو الكلية مثل :كل انسان فان (هي حقائق عامة إما بينة بذاتها وإما مستنتجة من حقائق أخرى).إن المنطــق الجديــد هــو منطــق للعالقــات ،ال لحقائــق األشــياء المتعلقــة بهــا .العالقــات الداخليــة تتطلــب وجــود خاصــة ذاتيــة للحــد أو الطــرف فــي العالقــة .ولكــن هــذه العالقــات الداخليــة كعالقــة الحــب والكراهيــة مثـاً « ال تصلــح إطالقـاً فــي التعبيــر عــن العالقــات التــي ترســم بنيــة العالــم خصوصـاً عالقــة الالتماثــل ،فحيــن تكــون العالقــة بيــن (أ ) و (ب) عالقــة قبــل أو بعــد ،أو ( أ ) أســبق مــن ( ب) ،أو ( أ ) أكبــر مــن (ب) ،فهــذه العالقــة ال يمكــن أن تكــون خاصــة ل( أ ) ألنهــا ال تتحــدد إال مــن الخــارج ،وعلــى ضــوء العالقــة بطــرف آخــر مثــل (ب) .هــذه العالقــات ال يمكــن أن تكــون كيفيــات حمليــة أو خصائــص ذاتيــة ،وال يمكــن أن تكــون إال وقائــع عالقيــة وعالقــات خارجيــة» .21وهــذا معنــاه ،كمــا يــرى رســل ،أن علينــا تلمــس حقائــق Marconi ,Diego.La philosophie du langage au vingtieme siecle,www.lyber-eclat.net p5 - 17 .Chapitre 5(la philosophie du langage de Frege), p 2 رسل ،برتراند ،حكمة الغرب ،م .س ،ص258 18 .www. SOS .Philosophie. free. Fe/Russel,p3 - 19 رسل ،فلسفتي كيف تطورت ،م.س ،ص . 3 20 الخويل ،د .مينى طريف .جدل املثالية والواقعية عند برتراند رسل ،عامل الفكر ، 30 ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ، 21
لــه موقــع جغ ارفــي محــدد وعاصمتــه باريــس ،الزمــن الحاضــر ،األصلــع أي مــن فقــد شــعر أرســه .اللغــة العاديــة المســتندة إلــى اإلحســاس العــام تتيــح لنــا فهــم معنــى مكونــات هــذه العبــارة ،والنحــو هــو وســيلة لفهــم معانــي األلفــاظ داخــل اللغــة ذاتهــا . فــي كتابــه مبــادئ الرياضيــات اعتمــد برت ارنــد رســل علــى رأي مــور وذهــب إلــى القــول :إن كل مايــرى اإلحســاس العــام ،بعيــدا عــن الفلســفة والالهــوت ،أنــه واقعــي ،فهــو واقعــي .ولكنــه عــدل عــن هــذا الموقــف الســاذج ألن اللغــة العاديــة عاطفيــة وانفعاليــة وال تعبــر بدقــة عــن التفكيــر المنطقــي ،ليتبنــى الـرأي القائــل إن اإلحســاس العــام هــو شــكل فــج مــن المعرفــة العلميــة خــال مــن كل نقــد ،وليؤكــد أن مهمــة الفلســفة هــي التحليــل الــذي يســتهدف توضيــح األفــكار . ـول االنتبــاه اهتــم رســل اهتمامـاً بالغـاً بمســألة اللغــة وعالقتهــا بالمنطــق ،وأكــد أن «تاثيــر اللغــة فــي الفلســفة كان عميقـاً ولــم ُيـ َ الكافــي» ،لكنــه رفــض مــا ذهــب إليــه مــور فــي اعتبــار اللغــة العاديــة معيــا اًر لمعنــى القضايــا .يقــول « :أنــا مقتنــع تمامــا أن التشــبث العنيــد باللغــة العاديــة فــي أفكارنــا الخاصــة هــو واحــد مــن المصاعــب األساســية فــي ســبيل التقــدم فــي الفلســفة .وأن كثيـ ار 12 من النظريات الحالية ال يمكن أن يعبر عنها بأية لغة دقيقة .وأحسب أن هذا هو السبب في عدم شيوع مثل هذه اللغة « اللغــة العاديــة إذاً غيــر قــادرة علــى التعبيــر عــن الفكــر العلمــي بدقــة ،واللغــة تضللنــا بألفاظهــا وتراكيبهــا لهــذا ينبغــي أن نأخــذ حذرنــا منهــا .وال بــد مــن أن نميــز بيــن الشــكل النظمــي للجملــة ( )syntactical formوشــكلها المنطقــي مــن جهــة أخــرى ، ألن األول ال يناظــر الثانــي ،وأكثــر مــن ذلــك كثيـ اًر مــا يضللنــا الشــكل األول ويولــد لدينــا ألوانـاً مــن التشــويش الفكــري والخلــط المنطقــي .إن اهتمــام رســل باللغــة يقــوم علــى اعتقــاده بــأن التحليــل المنطقــي للغــة يــؤدي إلــى معرفتنــا بالصــورة الحقيقيــة للواقــع ،وبهــذا المعنــى يختلــف التحليــل الفلســفي عــن التحليــل األلســني أو اللغــوي. 13 فــي اللغــة يمكــن وضــع كل جملــة علــى شــكل مؤلــف مــن موضــوع ومحمــول ،تربــط بينهمــا رابطــة مــا ،ونســتنتج أن كل واقعــة تقــوم علــى امتــاك شــيء لصفــة مــا .وهكــذا فــان رد كل قضيــة إلــى هــذه الصــورة :موضــوع +رابطــة +محمــول قــد أدى ، كمــا يــرى رســل ،إلــى الكثيــر مــن المشــاكل الزائفــة فــي الفلســفة . إن الكثيــر مــن األفــكار الفلســفية قائــم علــى الخلــط بيــن الشــكل النحــوي والشــكل المنطقــي للفظــة ،والتمييــز بينهمــا ينتــج عنــه أنــه ليــس مــن الضــروري أن تكــون القضيــة إمــا صادقــة أو كاذبــة بــل يمكــن أيضــا أن تكــون خاليــة مــن المعنــى . إن اللغــة العاديــة تخلــط بيــن الشــكل النحــوي والشــكل المنطقــي ،ومــن هنــا كانــت مصــد اًر مســتم اًر للخلــط والغمــوض والتشــويش فــي األمــور التــي تتناولهــا .وللتحررمــن ذلــك ينبغــي أن تضــع الفلســفة لنفســها لغــة ســليمة يتطابــق فيهــا الشــكالن .وهــذا ال يعنــي أن رســل يدعــو إلــى ابتــكار نــوع مــن اللغــة المثاليــة الخاصــة بالفلســفة ،فهــو يقــول « :لــم أقصــد إلــى القــول :إنــه ينبغــي 14 ابتــكار مثــل هــذه اللغــة ،إال فــي بعــض المياديــن ومــن أجــل بعــض المســائل « . لقد اســتخدم الفالســفة المنطق في حل المشــاكل الفلســفية ،ولكن القياس األرســطي عقيم ،واالســتقراء ،الذي اعتمده فرنســيس بيكــون وجــون اســتيوارت مــل ،يعجــز عــن حــل مشــكلة ِ العِّلَّيــة المطــردة فــي الطبيعــة ،والجــدل الهيغلــي يخلــط مــا بيــن المنطــق والميتافيزيقــا ،أمــا المنطــق الرياضــي ،فهــو وحــده ،كمــا يــرى رســل ،األداة المناســبة لحــل المشــكالت الفلســفية . يؤكــد رســل أنــه بعــد اطالعــه علــى كتابــات عالــم المنطــق والرياضيــات األلمانــي «فريغــه» كان أول مــن لفــت األنظــار إليهــا ، وتبنــى انطالقــا منهــا رأي فريغــه القائــل بــأن «الرياضيــات مــا هــي إلــى امتــداد للمنطــق « ، 15فمنــذ ايــام كانــط الــذي كان يــرى ان المنطــق تــام وكامــل ،حدثــت تغيـرات هائلــة فــي د ارســة النظريــة المنطقيــة واســتحدثت بوجــه خــاص طــرق جديــدة لمعالجــة البراهيــن المنطقيــة بصيــغ رياضيــة ،وكان فريغــه أول مــن قــدم عرضـاً منهجيـاً لهــذه الطريقــة الجديــدة فــي المنطــق . أدت طريقــة فريغــه فــي معالجــة الرياضيــات ،كمــا يــرى رســل ،إلــى التمييــز « بيــن معنــى أيــة جملــة وإشــارتها ،وهــو أمــر الزم لتفســير حقيقــة أن المعــادالت ليســت مجــرد تكـ اررات فارغــة ،فطرفــا المعادلــة يشــيران إلــى نفــس الشــيء ،ولكنهمــا يختلفــان فــي المعنــى «. 16 كان فريغــه أول مــن أشــار إلــى التعابيــر التــي تــدل علــى معنــى األوصــاف المحــددة (مثــل ملــك فرنســا ،أو مؤلــف الجمهوريــة ،أو أســتاذ االســكندر ، ) ...والتعابيــر التــي تــدل علــى ســياقات تتعلــق بالمواقــف الشــخصية ( مثــل يعتقــد س أن ....و س يريــد أن يعــرف مــااذا . ) ...وقــد عــرض القســم األكبــر مــن أفــكاره المتعلقــة بداللــة اللغــة بيــن عامــي 1891و. 1892
1 2 13 14 15 16
رسل ،برتراند .فلسفتي كيف تطورت ،ترجمة عبد الرشيد صادق ،مراجعة زيك نجيب محمود ،مكتبة االنجلو مرصية ،ط ،1القاهرة ، 1960ص . 212 بدوي ،د .عبد الرحمن .ملحق موسوعة الفلسفة،ط، 1املؤسسة العربية للدراسات والنرش ،بريوت ، 1996ص . 254 م.ن ،ص . 254 رسل ،برتراند ،حكمة الغرب ،ص . 255 -م.ن ،ص . 255
تحليــل الجملــة عنــد رســل يبــدأ أوالً بتمييــز مكوناتهــا بعضهــا مــن بعــض لتحليــل كل منهــا علــى حــدة ،حتــى اذا مــا تــم لنــا ذلــك عدنــا إلــى العبــارة كلهــا نحــاول فهمهــا علــى ضــؤ ذلــك التحليــل . 28فالتحليــل يركــز اذن علــى األلفــاظ ،وطــرق بنــاء العبــارات ،والتمييــز بيــن الصــورة النحويــة التــي تتخذهــا العبــارة ،والقضايــا المنطقيــة التــي تتضمنهــا . وقــد اهتــم رســل اهتمام ـاً خاص ـاً بتحليــل العبــارة الوصفيــة التــي حددهــا فــي كتابــه مقدمــة للفلســفة الرياضيــة قائــا « :العبــارة الوصفيــة قــد تكــون أحــد نوعيــن فهــي إمــا خاصــة أو عامــة ،فأمــا العامــة فهــي مــا دل علــى فكـرة ،وأمــا الخاصــة فهــي مــا دلــت علــى فــرد بذاتــه» .29وأكــد أن العبــارات الوصفيــة العامــة تــدل علــى مــدرك عقلــي وليــس علــى أفـراد حقيقييــن ينتمــون إلــى العالــم الواقعــي أي عالــم األشــياء ،وأن الجملــة المحتويــة علــى عبــارة وصفيــة عامــة هــي «دالــة قضيــة « ال « قضيــة « ،وهــذا يعنــي أنهــا « ال تتحــدث عــن شــيء وال تتحــول قضيــة متحدثــة عــن شــيء اال اذا أحللنــا اســم علــم مــكان الكلمــة ذات المعنــى الكلــي « . 30انطالقـاً مــن هــذا التحديــد
2 8 29 30
محمود ،زيك .نجيب .موقف من امليتافيزيقا ،م .س ،ص . 163 م .ن ،ص .164 -م ،ن ،ص . 168
األشــياء فــي طــرق بنائهــا ،وليــس فــي جواهــر أنواعهــا ،أي تلمــس الحقائــق فــي العالقــات التــي تربــط بيــن األطـراف أكثــر مــن األطـراف المرتبطــة بتلــك العالقــات .وهنــا تســتطيع الرياضيــات أن تلعــب الــدور الحاســم فعالقــة الجمــع مثــا :س +ص = ع تمثــل معادلــة تربــط بيــن حــدود ،بغــض النظــر عــن األشــياء التــي يمكــن أن ترتبــط بهــذه العالقــة الرياضيــة .يــرى رســل أن عالــم الرياضيــات هــو الرجــل الــذي ال يعــرف عمــا يتحــدث ،ويعتبــر أن العالقــة وثيقــة مــا بيــن المنطــق والرياضيــات ؛ فالمنطــق ِ صبــا الرياضيــات ،والرياضيــات رجولــة المنطــق 22.وقــد قــاده االعتمــاد علــى المنطــق الرياضــي إلــى اعتبــار نفســه فيلســوف الذريــة المنطقيــة .يقــول « :التعريــف الوحيــد الــذي أرتضيــه لنفســي ،هــو تعريــف الذريةالمنطقيــة « ، 23ويفســر معنــى هــذا التعريــف بالقــول « :إن الطريقــة التــي تصــل بهــا إلــى معرفــة طبيعــة أي موضــوع مــن موضوعــات البحــث هــو التحليــل ،وذلــك بــأن تظــل تحلــل فــي الموضــوع مرتــداً بــه إلــى عناصـره األوليــة التــي ال يمكــن تحليلهــا إلــى مــا هــو أقــل منهــا ،هــذه العناصــر األوليــة هــي الــذرات المنطقيــة ،وأنــا أســميها ذرات منطقيــة ألنهــا ليســت جزئيــات صغيـرة مــن المــادة ،وانمــا هــي أفكارنــا عــن المــادة التــي يتألــف منهــا الشــيء «.24 لقــد جــاء تبنــي رســل لمــا أســماه الذريــة المنطقيــة فــي عصــر باتــت فيــه الــذرة محــور الد ارســة فــي الفيزيــاء ،والخليــة محــور الد ارســة فــي البيولوجيــا ،فــكان بذلــك منســجما مــع علــوم عص ـره ،وســعى ألن تتبنــى الفلســفة منهج ـاً دقيق ـاً يجعــل منهــا فلســفة علميــة مــن خــال الربــط بيــن التفكيــر والمنطــق واللغــة ،فوجــد ضالتــه فــي الفكـرة بوصفهــا ذرة منطقيــة ترتبــط بعالقــة مــع ذرة أخــرى لتنشــأ عنهــا جزيئيــة منطقيــة ،والجزيئيــات تت اربــط فيمــا بينهــا لكــي تشــكل مختلــف القضايــا التــي نعبــر عنهــا بواســطة الــكالم . وهكــذا ؛ فــان الخطــأ فــي التفكيــر مــرده إلــى خلــط االنســان بيــن ماهــو فــرد ومــا هــو مجموعــة ؛ فالحديــث عــن األشــياء الواقعــة ال يمكــن أن يكــون عــن مجموعــات ،ألن األشــياء الواقعــة ال يمكــن أن تكــون إال مفــردات ،وكالم المتكلــم عــن مجموعــات البــد مــن رده إلــى صــورة لفظيــة تشــير إلــى مفــردات لكــي تتــاح إمكانيــة التقابــل بيــن البنــاء اللفظــي وبنــاء الواقــع الخارجــي ؛ فــا بــد إذاً مــن « تحليــل الــكالم المجمــل إلــى ذ ارتــه لتتمكــن مــن مراجعــة كل ذرة فكريــة علــى الواقعــة المفــردة التــي جــاءت تلــك الــذرة الفكريــة لتصفهــا ،أمــا أن تتــرك الــكالم علــى إجمالــه ،ثــم يخيــل إليــك أنــك قــادر علــى الحكــم بصوابــه أو بطالنــه ،فذلــك هــو المنزلــق الــذي يــؤدي إلــى الضــال .....،واذا وجــدت أن الــكالم المجمــل العــام يســتعصي علــى الــرد إلــى ذرات فرديــة فــي دنيــا اللفــظ وفــي دنيــا الواقــع ،فاعلــم أن أرجــح الـرأي عندئــذ هــو أنــك بــازاء كالم بغيــر معنــى « .25 كان التصــور الكالســيكي للحقيقــة يقــوم علــى التطابــق بيــن اعتقــاد مــا وواقعــة معينــة ،ولكننــا ،كمــا يــرى رســل ،لــن نكــون متأكديــن مــن واقعــة معينــة إال عنــد امتالكنــا لتجربــة مباشـرة مرتبطــة بهــا ،مثــل قولنــا «أنــا أشــعر بالعطــش» ،أو «أرى البحــر األزرق أمــام نافذتــي» . يســتند اليقيــن ،كمــا يــرى رســل إلــى المعطيــات الحســية التــي تكــون تجربتنــا أو خبرتنــا الشــخصية ؛ فالمظاهــر الحســية هــي عالمــي الخــاص فــي مكانــي الخــاص ،والعالــم هــو نظــام مــن المظاهــر أو المنظــورات ( ، ) perspectivesوهــذا مــا يتيــح لنــا التفكيــر بأنــه توجــد أشــياء فيزيائيــة ثابتــة ودائمــة فــي مــكان معلــوم ،حتــى لــو لــم تكــن معطيــات لــإدراك .26 وهكــذا ؛ مثلمــا يفــكك رســل الجمــل المركبــة إلــى جمــل بســيطة ،فانــه يفــكك اإلدراك الكلــي للعالــم الخارجــي إلــى معطيــات حســية تشــكل كل منهــا «واقعــة ذريــة « ،بهــدف الدقــة التــي تتطلــب القيــام بعمليــة انتخــاب بيــن مــا يعطــى لنــا بوضــوح بواســطة حواســنا الخمــس ،ومــا ليــس إال مســتنتجاً مــن الــذات المدركــة ويفتقــد إلــى اليقيــن .لقــد ســعى ألن يخــرج إلــى النــور تشــابهاً بنيويـاً بيــن الجمــل الذريــة والوقائــع الذريــة ،بيــن المنطــق والواقــع الحســي ،ليتــم اســتناداً إلــى ذلــك حــل بعــض المشــكالت التقليديــة التــي طرحتهــا الفلســفة االمبيريــة ،والبرهنــة أن المشــكالت األخــرى مثــل مشــكلة وجــود هللا مثــا هــي غيــر قابلــة للحــل . وعنــده ؛ مــا عــاد المنطــق أساســا للرياضيــات فقــط ،وإنمــا للفلســفة ،أيضــا .يقــول « :كل مشــكلة فلســفية يتــم إخضاعهــا للتحليــل والتوضيــح الضــروري نجــد أنهــا إمــا ليســت مشــكلة فلســفية إطالقــا ،أو مشــكلة منطقيــة « .27 تحليل الجملة والعبارة الوصفية :الكويت ،يوليو-سبتمرب ، 2001ص. 24 .3 SOS. Philosophie, ibid,p - 22 رسل برتراند ،محاورات برتراند رسل . 15 ، 23 م.ن ،ص . 16 24 محود ،د .زيك نجيب ،نافذة عىل فلسفة العرص ،كتاب العريب الكويت 15ابريل ، 1990ص . 75 25 .SOS Philosophie.fr \ Russel,ibid,p 4- 26 ibid , p 4 - 27
(تحقيقــات فلســفية ) فقــد بــدأ بتحريـره ســنة ، 1936ويبــدو أنــه حــرر الجــزء الثانــي انطالقــا مــن العــام ، 1947لكــن الكتــاب لــم يصــدر اال ســنة ، 1953بعــد وفاتــه بســنتين . وضــع فيتغنشــتين كتابــه األول رســالة منطقيــة فلســفية بفعــل اتصالــه برســل وق ـراءة أعمالــه المتعلقــة بأســس الرياضيــات والمنطــق الرياضــي .وقــد بــدأ هــذا الكتــاب بعبــارات عــن العالــم والوقائــع تقــول : -العالم هو كل موضوع البحث والدراسة . -العالم هو مجموع الوقائع ال مجموع األشياء. -ينقسم العالم إلى وقائع . يبــدو لنــا ،كمــا يــرى فتغنشــتين ،أن العالــم يتكــون مــن اشــياء .هــذه هــي وجهــة نظــر الحــس المشــترك التــي ال تــرى فــي العالــم أكثــر مــن مجمــوع األشــياء .القائمــة التــي تضــم اســماء جميــع األشــياء ال تعطينــا ســوى فكـرة غيــر دقيقــة عمــا يمكــن هــذا العالــم أن يكــون .ان حقيقــة العالــم هــي ان ثمــة وقائــع وليــس ثمــة أشــياء ؛ فالعالــم هــو األشــياء وطــرق تنظيمهــا فــي اآلن نفســه « . يوجــد عــدد كبيــر مــن العوالــم الممكنــة التــي نســتطيع انشــاءها مــن األشــياء التــي يتكــون منهــا هــذا العالــم الحاصــل بالفعــل ،ألنــه مــن الممكــن تنظيــم هــذه األشــياء فــي طــرق متباينــة « 35؛ فالعالــم اذن هــو مجمــوع الوقائــع ال مجمــوع األشــياء ،ألنــه ذو أبعــاد زمانيــة ومكانيــة وليســت أبعــاده مكانيــة فقــط (،عالــم األشــياء هــو عالــم األبعــاد المكانيــة فقــط ) ،ولذلــك يمكــن الحديــث عــن وقائــع هــذه الحــرب أو تلــك ،أو عــن واقعــة شــرب ســقراط للســم ،ومــا إلــى ذلــك مــن وقائــع العالــم المختلفــة . ان الواقعــة هــي مجموعــة مــن األشــياء المنظمــة والمؤتلفــة علــى نحــو معيــن (مثــا :الحصــان المفتــرش للعشــب فــي الحديقــة ) .والعالــم هــو مجمــوع الوقائــع ،وهــذه األخي ـرة كمــا يــرى فتغنشــتين شــديدة التعقيــد ،ولكنهــا تشــتمل علــى مــا هــو اقــل منهــا تعقيــدا ،وهكــذا فإنهــا يمكــن أن تنحــل إلــى مــا هــو ابســط منهــا لكــي نصــل فــي نهايــة التفكيــك إلــى الوقائــع الذريــة ».إن الوقائــع الذريــة هــي البنيــة النهائيــة لهــذا العالــم بمعنــى أن العالــم ينقســم فــي النهايــة إلــى تلــك الوقائــع .وتلــك هــي ابســط األشــياء التــي تقــوم بنفســها والتــي يمكــن أن توجــد بذاتهــا فــي انعـزال «. 36 بــدا لفتغنشــتين فــي الرســالة ،كمــا يؤكــد برت ارنــد ارســل « ،أن مــن الممكــن تحليــل جميــع القضايــا إلــى مكونــات نهائيــة بســيطة ال تقبــل مزيــدا مــن التجــزيء .ومــن ثــم كان يطلــق علــى هــذه النظريــة أحيانــا اســم الذريــة المنطقيــة «. 37 يتبنــى فتغنشــتين ،فــي الرســالة ،موقفــا مــن عالقــة اللغــة بالواقــع ال يختلــف عــن موقــف اســتاذه برت ارنــد ارســل ؛ فــكل قضيــة صادقــة تســتمد صدقهــا مــن كونهــا تصــور واقعــة معينــة .وكل قضيــة إمــا أن تكــون ذريــة أو جزيئيــة ،فتكــون القضيــة الذريــة صادقــة إذا كانــت تتناســب مــع واقعــة أوليــة بســيطة ،امــا اذا كانــت جزيئيــة فــان صدقهــا مســتمد مــن صــدق مكوناتهــا الذريــة والروابــط التــي بينهــا .ولهــذا الســبب فــان القضايــا الصحيحــة التــي تعبــر عــن وقائــع هــي ذات شــكل تصويــري ،أي انهــا قضايــا تصــور بنيــة العالــم .والشــيء المشــترك بيــن « القضيــة « و»الواقعــة « هــو « الصــورة المنطقيــة « التــي يعتبرهــا فتغنشــتين بنيــة مشــتركة بيــن القضيــة ومــا تمثلــه . يقــول فــي الرســالة « :القضايــا تصــف هيــكل العالــم « . 38العالــم مكــون مــن وقائــع أوليــة ووقائــع مركبــة قابلــة ألن تتفــكك إلــى وقائــع بســيطة أو أوليــة .واللغــة تتكــون مــن القضايــا الذريــة والقضايــا الجزيئيــة أو المركبــة .لذلــك فــان العالقــة بيــن اللغــة والعالــم ينبغــي أن تكــون عالقــة تطابــق ،وهكــذا فــان القضايــا ،عندمــا تكــون ذات معنــى ،تظهــر ،كمــا يــرى فتغنشــتين ،الصــورة المنطقيــة للوجــود الخارجــي ،اي أنهــا تعــرض وقائــع قابلــة للتحقــق منهــا تجريبيــا أو منطقيــا . اللغــة كمــا يحددهــا فتغنشــتين 39هــي مجمــوع القضايــا ،والعالــم هوجميــع مــا هنالــك ،أي مجمــوع الوقائــع وليــس األشــياء . هنــاك تـواز بيــن مــا هــو منطقــي ومــا هــو فيزيائــي انطالقــا منــه تصبــح الكلمــات تســمية لألشــياء ،وكل شــيء يمكــن تســميته هــو واقعــة ذريــة أوليــة يعبــر عنهــا بقضيــة ذريــة أوليــة . وتحليــل اللغــة يأخــذ عنــد فتغنشــتين اتجاهيــن متكامليــن :األول هــو اعتبــار اللغــة وســيلة نتعــرف مــن خاللهــا علــى األشــياء ، والثانــي اعتبارهــا تعبيـ ار عــن األفــكار فــي الذهــن .وبذلــك يكــون وضــوح أفكارنــا ودقتهــا مرتبطيــن بمعرفــة مــدى مطابقتهــا للواقــع 3 5 36 37 38 39
الديدي ،عبد الفتاح .االتجاهات املعارصة يف الفلسفة ،ط ، 2الهيئة املرصية العامة للكتاب ،1985ص . 269 م .ن ،ص . 270 رسل ،برتراند .حكمة الغرب ،ج ، 2م .س ،ص . 302 فتغنشتني ،لودفيغ .رسالة منطقية – فلسفية ،ص . 148 -م .ن ،ص . 82
تصبــح العبــارات الميتافيزيقيــة بالنســبة لرســل عبــارات وصفيــة عامــة تعتمــد الكليــات واأللفــاظ الكليــة ،وتتيــح لنــا التحــدث عــن موضوعــات ال وجــود لهــا بــأي معنــى مــن المعانــي ولكنهــا تشــترك فــي الصــورة النحويــة مــع العبــارات التــي تشــير فعــا إلــى أشــياء واقعيــة ( .أريــت شــجرة ،و أريــت غـوال ،عبارتــان لهمــا نفــس الصــورة النحويــة ولهمــا ايضــا نفــس الصــورة المنطقيــة فــي المنطــق التقليــدي ،ولكــن صورتهمــا النحويــة واحــدة بينمــا الصــورة المنطقيــة مختلفــة بينمهــا بالنســبة للمنطــق الحديــث ) .وألن الصــورة المنطقيــة للعبــارات الميتافيزيقيــة تبيــن لنــا انهــا عبــارات وصفيــة عامــة لذلــك هــي ال يمكــن ان يحكــم عليهــا بانهــا صادقــة او كاذبــة فتكــون فارغــة مــن المعنــى ،اي هــي ال تفيــد اي نــوع مــن أنـواع المعرفــة . هنــاك جانبــان للمعرفــة عنــد رســل « :معرفــة باالتصــال المباشــر ومعرفــة بالوصــف « . 31المعرفــة باالتصــال المباشــر هــي إدراك دون اســتدالل (هــذه الشــجرة الخضـراء امامــي ،هــذه الموســيقى التــي اســتمتع بســماعها ، ) ...أمــا المعرفــة بالوصــف فهي معرفة الشــيء دون الحاجة إلى االتصال به اتصاالً مباشـ اًر (مثال :رأيت اســداً ،صادفت فناناً ، )...وبفضلها نجاوز حــدود خبرتنــا االحســية المباشـرة لننتفــع بخبـرات اآلخريــن .وكل عبــارة وصفيــة ال يمكــن فهمهــا اال اذا كانــت ممكنــة التحويــل إلــى جزئيــات يمكــن معرفتهــا باالتصــال المباشــر ،واال كانــت بغيــر معنــى .يقــول رســل فــي كتابــه مشــكالت الفلســفة « :مــا أقــول عنــه إنــه معــروف بالوصــف يمكــن تحويلــه بالنهايــة إلــى معرفــة باالتصــال المباشــر « ، 32فالمبــدأ األساســي فــي نظريــة المعرفــة الــذي يتــم االعتمــاد عليــه فــي تحليــل القضايــا هــو أن أي قضيــة يمكننــا فهــم معناهــا ال بــد ان تتالــف جميــع أجزائهــا مــن مكونــات قابلــة للمعرفــة الحســية المباشـرة .يحــدد رســل المعرفــة المباشـرة بأنهــا تلــك التــي تتكــون لدينــا « عندمــا نعــي مباشـرة شــيئاً مــا دون واســطة مــن أيــة عمليــة اســتدالل عقليــة « 33ويؤكــد ضــرورة هــذه المعرفــة المباش ـرة فــي تحديــد المعنــى ،ذلــك أن « كل قضيــة نفهــم معناهــا ينبغــي أن تتكــون كليــة مــن مكونــات نعرفهــا مباشـرة « . 34وهــذه المعرفــة المباشـرة أنـواع منهــا: معرفــة المعطيــات الحســية الخارجيــة لألشــياء ،ومعرفــة الحــاالت الداخليــة للمــدرك عــن طريــق االســتبطان ،والفهــم أي معرفــة التصــورات الكليــة مباشـرة عــن طريــق التجريــد المســتند إلــى االتصــال المباشــر باألشــياء الجزئيــة المفــردة . لقــد شــكلت وجهــة نظــر رســل هــذه المحــور الــذي تــدور حولــه كل الفلســفة التحليليــة المعاص ـرة التــي جعلــت هدفهــا الوصــول إلــى الحــد األقصــى مــن الدقــة والوضــوح مــن خــال تحليــل ألفــاظ اللغــة وعبارتهــا لتمييــز مــا كان منهــا ذا معنــى ومــا كان فاقــداً للمعنــى ،وقــد كان فتغنشــتين ،تلميــذ رســل أول مــن تابــع اســتاذه فــي هــذا االتجــاه الفلســفي. فيتغنشتين والذرية المنطقية:اء .أبــوه كان صناعيــا فــي ميــدان الســاح ولــد لودفيــغ فتغنشــتين فــي 26نيســان 1889فــي إحــدى األســر النمســاوية األكثــر ثـر ً والفـوالذ .درس هندســة الطيـران ،واثنــاء د ارســته اجتذبتــه الرياضيــات واهتــم بأصولهــا .أرشــده اســاتذته إلــى كتــاب «برنكيبــا ماتيماتيــكا» ل ارســل وهوايتهــد ،ودرس اضافــة إلــى ذلــك أعمــال فريغــه .ســافر إلــى المانيــا حيــث التقــى بفريغــه وناقــش معــه أصــول الرياضيــات ،وكانــت نصيحــة فريغــه لــه أن يتابــع د ارســته فــي كامبريــدج علــى يــد برت ارنــد ارســل ،وهــذا مــا فعلــه . تطــوع للخدمــة العســكرية فــي الحربيــن العالميتيــن األولــى والثانيــة ،ومــارس التعليــم االبتدائــي ووضــع كتابــا عــن هــذه التجربــة لقــي بعــض الــرواج .كان مولعـاً بالموســيقى إلــى حــد الهــوس ،واهتــم أيضــا بالسياســة. كتــب اثنــاء وقوعــه فــي األســر علــى الجبهــة االيطاليــة فــي الحــرب العالميــة األولــى مــا يعــرف باليوميــات ،وأصــدر فــي أوائــل العش ـرينات كتابــه األول (رســالة منطقيــة فلســفية) .وهــو الكتــاب الوحيــد الــذي نشــر فــي حياتــه .وفــي الفت ـرة مابيــن 1933و 1935وضــع مــا يعــرف بالك ارســة الزرقــاء والك ارســة البنيــة حــاول فيهمــا االجابــة علــى السـؤال االساســي فــي فلســفته : مــا هــي العالقــة بيــن األلفــاظ واألشــياء التــي تشــير إليهــا ؟ يفتتــح الك ارســة البنيــة بتحليــل نظريــة القديــس أوغســطين حــول عالقــة األســماء بالمســميات .ويبتــدئ الك ارســة الزرقــاء بالسـؤال األهــم :مــا هــو معنــى اللفظــة ،وهــو نفــس السـؤال الــذي ســيفتتح فيــه كتابــه األهــم (تحقيقــات فلســفية ) فيمــا بعــد . كان يكتــب مالحظاتــه علــى بطاقــات يجمعهــا فــي علبــة ،وال ي ـزال المهتمــون بفك ـره يطلعــون علــى مــا كتــب فيهــا وينشــرونها علــى الرغــم مــن مــرور نصــف قــرن علــى وفاتــه .ومــن الكتــب التــي نشــرت بعــد وفاتــه (مالحظــات فلســفية ، )1954امــا كتــاب
م .ن ،ص . 180 31 م .ن ،ص . 181 32 . Russel, B. Probleme de la philosophie, 17eme edition payot France 1972,p 57 - 33 .67 ibid p - 34
مــن خــال تحليــل اللغــة. وهكــذا فــان الفلســفة ال تضيــف شــيئا إلــى معرفتنــا ،ومهمتهــا تنحصــر فــي تحديــد معنــى التعبيـرات اللغويــة مــن أجــل فهــم األفــكار والتحقــق مــن صدقهــا ،ألنــه بــدون الفلســفة تبقــى األفــكار غامضــة ،ولتفــادي هــذا الغمــوض ال بــد للفلســفة مــن القيــام بمهمتهــا المتمثلــة بتوضيــح القضايــا الفلســفية . إن القضيــة ذات المعنــى ،كمــا يــرى فتغنشــتين ،هــي صــورة لواقعــة فــي العالــم ،والتحديــد الدقيــق لمعنــى العبــارات اللغوبــة يهــدف إلــى ربــط مــا تعنيــه الكلمــات بالواقــع ،لذلــك كانــت العبــارات الميتافيزيقيــة خاليــة مــن المعنــى . إن القضايــا التــي التصــور الوقائــع هــي امــا كاذبــة أو فارغــة مــن المعنــى ،والفلســفة بوصفهــا اداة لتحليــل اللغــة والتوضيــح المنطقــي لألفــكار عليهــا أن تقــوم بعمليــة تحليــل تســعى مــن خاللهــا للوصــول إلــى مــا يســميه فتغنشــتين فــي الرســالة :القضيــة المفــردة أو القضيــة األوليــة . تتكــون القضيــة األوليــة مــن شــيئين بســيطين يدخــان فــي عالقــة كقولنــا :الحصــان أمــام العربــة .هــذه القضيــة تتألــف مــن شــيئين :الحصــان ،والعربــة ،وعالقــة قائمــة بينهمــا .وعلــى النحــو نفســه تت اربــط األشــياء فــي الواقــع مــن خــال عالقــات مثــل :فــوق ،تحــت ،أمــام ،خلــف ،إلــى اليســار ،إلــى اليميــن ....وجميــع هــذه العالقــات يمكــن التعبيــر عنهــا بواســطة اللغــة ؛ وهكــذا فــان القضيــة اللغويــة تكــون صحيحــة عندمــا « تصــور األشــياء والعالقــة القائمــة بينهمــا كمــا هــي فــي الواقــع ،فعمليــة التصويــر اللغــوي مــا هــي اال انعــكاس لصــورة الواقــع « .40ان « البنــاء المنطقــي للعالــم « كمــا يـراه فتغنشــتين هــو تلــك البنيــة 41 المشــتركة التــي تتكــون مــن األشــياء فــي العالــم والعالقــات القائمــة بينهــا ،وبهــذا يمكــن القــول ان «المنطــق يتخلــل العالــم» والعالقــات القائمــة بيــن األشــياء فــي العالــم تنعكــس فــي منطــق اللغــة التــي تعبــر عنهــا . ويؤكد فتغنشــتين ،في الرســالة المنطقية الفلســفية أن معظم المشــكالت الميتافيزيقية والفلســفية الكبرى ،أذا أخضعت للتحليل يتبيــن أنهــا محيـرة للعقــول ألنهــا بــا معنــى .لذلــك علــى الفلســفة أن تزيــل الغمــوض الناتــج عــن ســوء اســتخدام اللغــة معتمــدة فــي ذلــك علــى المنطــق الرياضــي .وعلــى الفلســفة أن تبتعــد عــن محاولــة تفســير الطبيعــة والحيــاة لتكتفــي بالتحليــل اللغــوي فقــط ؛ فــاذا كانــت وظيفــة العلــم هــي تفســيرظاهرة معينــة مــن ظواهــر العالــم والوجــود ،فــان وظيفــة الفلســفة هــي تحليــل اللغــة أي تحليــل العبــارات والقضايــا المنطقيــة المركبــة إلــى مــا هــو أبســط منهــا ،للتمييــز مــا بيــن القضايــا وأشــباه القضايــا ،اي الجمــل الســليمة نحويــا ولكنهــا ال يعبــر عــن أيــة واقعــة محــددة .وبذلــك فــان الفلســفة ممارســة أو فاعليــة أو نشــاط يمارســه الفيلســوف بهــدف تحديــد القضايــا ذات المعنــى ،أي المرتبطــة بالواقــع ،واســتبعاد القضايــا الفارغــة مــن المعنــى .والقضايــا الميتافيزيقيــة مــن هــذا النــوع األخيــر . ان القضايــا ،كمــا يحددهــا فتغنشــتين ،42نوعــان :قضايــا العلــم الطبيعــي التــي تكــون صادقــة أو كاذبــة ألنهــا تمثــل أشــياء واقعيــة ،والقضايــا المنطقيــة الرياضيــة ،وهــي صادقــة بالضــرورة ألنهــا تحصيــل حاصــل .أمــا القضايــا الميتافيزيقيــة ،فهــي أشــباه قضايــا ال مرجــع حقيقــي تســتند إليــه ليكــون لهــا معنــى ،ويحكــم عليهــا انطالقــا منــه بأنهــا صحيحــة أو خاطئــة .إن القــول الميتافيزيقــي هــو قــول خــال مــن المعنــى « ،فهــو غيــر قابــل للتحقــق منــه ،أي أنــه غيــر قابــل للتأييــد وال التفنيــد ،مــا دام ال يصــور شــيئا « تســعى العلــوم الطبيعيــة إلــى تفســير الظواهــر مــن خــال األســباب المحدثــة لهــا ،وتســعى العلــوم األنســانية إلــى تفســير المســائل المتعلقــة بالفــرد والمجتمــع ،وكل ذلــك حاولتــه الفلســفة عبــر تاريخهــا الطويــل مــن خــال المذاهــب الفلســفية المختلفــة ،لكــن العلــوم انفصلــت عــن الفلســفة وعرفــت تطــو ار كبيـ ار بعــد القــرن الثامــن عشــر ،ومــا بقــي للفلســفة نتيجــة لذلــك اال تحليــل اللغــة . وألن تحليــل اللغــة ،كمــا يؤكــد فتغنشــتين فــي الرســالة ،هــو تحليــل للفكــر يهــدف للوصــول إلــى الدقــة والوضــوح ،فــان هــدف الفلســفة ومهمتهــا هــو التوضيــح المنطقــي لألفــكار و القضايــا الفلســفية .
الجسمي ،د .عبدالله .املنطق وتصور فتجنشتني للفلسفة ،عامل الفكر ،املجلد ، 29العدد األول ،املجلس الوطني للثقافة 40 والفنون واآلداب ن الكويت يوليو سبتمرب ، 2000ص . 143 م .ن ص . 144 41 فتغنشتني .رسالة منطقية فلسفية ،ترجمة عزمي إسالم ،مكتبة األنجلو مرصية ، 1968ص 91 42
انطالقا من اآلراء التي تبناها في الرســالة ،يبدو فتغنشــتين حاســما في تأكيده أن هناك مشــكالت في العلم والدين واألخالق ولكن ال توجد في الفلســفة اال مشــكلة واحدة هي ســوء فهم اللغة التي تتحدث عنها. وقــد ارجــع هــذه اآلراء فــي كتابــه تحقيقــات فلســفية ،ليعتــرف بأنــه ارتكــب «أخطــاء فادحــة فــي هــذا الكتــاب األول» ، 43واضعــا أمامــه مهمــة جمــع أفــكاره القديمــة مــع أفــكاره الجديــدة ألنهــا ،كمــا يقــول « ،لــن تفهــم كمــا ينبغــي مــا لــم تقــع مقابلتهــا بطريقــة 44 تفكيــري القديمــة «. فتغنشتين الثاني :نقد الرسالة المنطقية -الفلسفية لــم يكــن تفكيــر فتغنشــتين ،فــي ايــة مرحلــة مــن م ارحــل تفكيـره محــددا بوصفــه فلســفة لغــة بالمعنــى الدقيــق للكلمة،فقــد كان علــى الــدوام منشــغال بمشــاكل الفلســفة بشــكل عــام . تشــتمل الرســالة علــى نظريــة فــي اللغــة إال أنهــا لــم تكــن هدفــا نهائيــا لهــا .وانطالقــا مــن األعـوام مــا بيــن 1929و 1933تحــرر فتغنشــتين تدريجيــا مــن فكـرة وضــع نظريــة عامــة فــي اللغــة باعتبارهــا شــرطا مســبقا للتحليــات الفلســفية . تحــوي كتاباتــه التــي يعــود تاريخهــا إلــى مــا بعــد العــام 1929آالف المالحظــات المحــددة والدقيقــة حــول مختلــف الظواهــر اللغويــة ،ولكنــه يقتــرح ،فــي هــذا المرحلــة ،اســتبدال األســئلة حــول المعنــى ،والتــي يعبــر عنهــا بصيغــة :مــاذا يعنــي « س « 45 ،بأســئلة حــول تفســير المعنــى يعبــر عنهــا بصيغــة :كيــف نفســر معنــى « س « . ان التناســب بيــن االســم ومــا يــدل عليــه ،وفكـرة أن الوحــدات اللغويــة الحقيقيــة هــي كلهــا أســماء علــم ،أي تعابيــر تــدل علــى أشــياء مفــردة ،هــي عناصــر أساســية لإلطــار النظــري للتراكتاتــوس( ، )tractatus logico- philosiphicusوقــد بــدأ فتغنشــتين منذ الثالثينات بانتقاد هذه األفكار ،ليؤكد أننا ال يمكن أن نؤســس داللة اللغة ،فقط ،على العالقة بين األشــياء الواقعيــة واألســماء التــي تــدل عليهــا . بــات فتغنشــتين فــي هــذه المرحلــة يعتبــر فك ـرة داللــة اللغــة علــى اشــياء واقعيــة نوع ـاً مــن التعســف واالخت ـزال الفلســفي المبالــغ فبــه ،اذ مــن غيــر المعقــول معالجــة الكلمــات كأنهــا اســماء ،واعتبــار العالقــة بيــن أســماء العلــم وموصوفاتهــا نموذجــا مثاليــا للداللــة ذات المعنــى . ان مماثلــة الكلمــات باألســماء ،وكل وظائــف اللغــة بداللــة الكلمــات علــى أشــياء واقعيــة ،هــي واحــدة مــن المصــادر الرئيســية لألخطاء الفلســفية ،كما يرى فتغنشــتين الثاني .فهذه المماثلة تقود إلى اعتبار المفردات الســيكولوجية ،مثل (فكر ) و(فهم ) و(اســتوعب ) ،كأنهــا مجوعــة مــن األســماء ،واالفتـراض أن لــكل منهــا حالــة أو عمليــة عقليــة تقابلهــا. إن قســما هامــا مــن «تحقيقــات فلســفية « خصصــه فتغنشــتين للبرهنــة علــى أن كلمــات مــن هــذا النــوع ال تعمــل أبــدا فــي اللغــة بوصفهــا أســماء لحــاالت أو عمليــات عقليــة . وقــد طــال نقــد فتغنشــتين للتراكتاتــوس ايضــا نظريــة الجمــل وعالقاتهــا حيــث أهمــل ،انطالقــا مــن الثالثينيــات ،فك ـرة الجملــة األوليــة أو الذريــة .وأكــد أن نظريــة الجملــة األوليــة شــكلت جــزءا مــن فلســفة اللغــة التــي أعطــت امتيــا از فيــه الكثيــر مــن المبالغــة 46 ،للوظيفــة الوصفيــة . ولكــن هــذه الوظيفــة باتــت فــي « تحقيقــات فلســفية « واحــدة مــن بيــن وظائــف أخــرى للغــة نجــد فيهــا عــددا ال حصــر لــه مــن أن ـواع الجمــل .يتســاءل فتغنشــتين فــي هــذا الكتــاب عمــا اذا كانــت أصنــاف الجمــل تقتصــر علــى اإلق ـرار والس ـؤال واألمــر ، ليؤكــد أن هنــاك عــدداً ال يحصــى مــن أصنــاف االســتعماالت المختلفــة لمــا يســمى عالمــات ،وجمــل « .وهــذه الوفـرة فــي العــدد ليســت ثابتــة أي أنهــا ليســت معطــى نهائيــا ،بــل ان أصنافـاً جديــدة مــن اللغــات وألعابــا لغويــة جديــدة ،ان أمكــن القــول ،تظهــر للوجــود ،وأخــرى تبلــى وتنســى ] ،ويدعونــا فــي كتابــه تحقيقــات فلســفية إلــى اعتبــار [ عــدد األلعــاب اللغويــة التــي تحــوي هــذه األمثلــة وغيرهــا :األمــر والتصــرف بمقتضــى األمــر – وصــف شــيء انطالقــا مــن شــكله الخارجــي أو مقاييســه – نقــل حادثــة – التكهــن بحادثــة – تكويــن فرضيــة وتجربتهــا – اســتنباط حكايــة وقراءتهــا – تأديــة دور فــي المســرح – ترجمــة مــن لغــة إلــى فتغنشتني ،تحقيقات فلسفية ،ترجمة د .عبد الرزاق بنور ،املنظمة العربية للرتجمة ،ص 115 43 م.ن ،ص . 115 44 Marconi ,Diego.La philosophie de langage, ibidem , p19 - 45 ibid , p20- 46
عليهــا الســتعمال اللغــة» . 56والقواعــد ال تعنــي هنــا الصــرف والنحــو واالشــتقاق أي كل مــا يعنــى بــه علمــاء اللغــة ،وانمــا قواعــد الســيمانتيك والســينتاتيك؛ الســيمانتيك يتنــاول التحليــل المنطقــي لــدالالت األلفــاظ ،والســينتاتيك يتنــاول التحليــل المنطقــي لبنيــة اللغــة والتراكيــب النحويــة .وهمــا معــا يشــكالن مــا يســميه فتغنشــتين :مــا بعــد المنطــق .وهــذه المباحــث تؤكــد أن أيــة لغــة ال تعــدو أن تكــون رمــو از دالــة وقواعــد لتركيبهــا ( .بغــض النظــر عــن أيــة لغــة معينــة :عربيــة أو فرنســية أو انكليزيــة . )... هكــذا ؛ بعــد أن كانــت وظيفــة اللغــة فــي الرســالة «تصويــر العالــم أصبحــت فــي تحقيقــات التواصــل مــع اآلخريــن ،ولذلــك هــي نشــاط جمعــي مثــل المباريــات الرياضيــة ينبغــي تعلمهــا تمامــا كمــا نتعلــم قواعــد المباريــات الرياضيــة « . 57إن االســتخدام الفعلــي لجــرء معيــن مــن اللغــة هــو أشــبه بلعبــة كالشــطرنج مثــا (كان دي سوســير قــد ســبق فتغنشــتين فــي هــذا التشــبيه ) ،هــذه اللعبــة لهــا قواعــد معينــة ينبغــي أن يراعيهــا كل مــن يمارســها ،وهنــاك قيــود عليــه أن يلتــزم بهــا . اللغــة لعبــة ،إذاً ،فهــي تتضمــن القواعــد تمــام مثــل ايــة لعبــة مــن األلعــاب .ولكنهــا ليســت كاأللعــاب األخــرى التــي تســتهدف التســلية ،ألنهــا ،فــي واقــع األمــر الفاعليــة االجتماعيــة األم ،واألكثــر أهميــة .وهــذه القواعــد ال يمكــن أن تكــون مــا لــم يوجــد توافــق عــام عليهــا ،اذ ال يمكــن لشــخص واحــد أن يمتثــل للقاعــدة .فالقاعــدة تتضمــن التكـرار واالنتظــام ،ألنــه ال وجــود النتظــام أو نظــام دون اعــادة ،فالشــيء الــذي يقــع مـرة واحــدة ال يعــد قاعــدة ،وال يمكــن أن يقــع اعتبــاره ضمــن النظــام . 58 واللغــة تتكــون مــن األلفــاظ مثلمــا تتكــون اللعبــة مــن قطــع واشــكال ،وهــي نظــام تكتســب كل قطعــة فيــه أو شــكل قيمتهــا مــن القطــع األخــرى .وأخيـ ار فــان اللعبــة مؤسســة اجتماعيــة ال يمكــن تصورهــا خــارج عمليــات التبــادل ،فهــي تنتمــي إلــى تاريخنــا الطبيعــي ،تاريــخ تعاملنــا ،وتجــارب اســتعمال العبــارات واأللفــاظ .وتكمــن اهميــة األلعــاب اللغويــة فــي أنهــا ال تتوقــف عــن االشــتغال ابــدا ،باعتبارهــا ال تخضــع لتقييــدات منطــق ثنائــي ال يعتــرف إال بالمقابلــة بيــن الص ـواب والخطــأ . 59وهــي أيضــا ذات طابــع تنافســي ،وتتطلــب مهــارات متفاوتــة ،وال هــدف نهائــي لهــا . إننــا نتعلــم قواعــد الســيمناتيك والســينتاتيك كمــا نتعلــم قواعــد مبــاراة « ،وعــن طريــق هــذه القواعــد يتــم تمييــز المعرفــة العلميــة واســتبعاد الميتافيزيقيــات التــي يتســع لهــا النحــو بينمــا هــي خاليــة مــن المعنــى « . 60علــى الفيلســوف ،كمــا يــرى فتغنشــتين فــي تحقيقــات ،أن يعــود بنــا إلــى األلعــاب اللغويــة التــي تمثــل األشــكال البدائيــة البســيطة للتواصــل « 61وبذلــك تبقــى مهمــة الفلســفة فــي تحقيقــات كمــا كانــت فــي الرســالة االهتمــام بالتكوينــات اللغويــة بهــدف الدقــة والتوضيــح ،واســتبعاد اللغــو. علــى الفيلســوف أن يعــود بنــا إلــى األلعــاب اللغويــة التــي تمثــل األشــكال البدائيــة البســيطة للتواصــل « فللفلســفة وظيفــة عالجيــة هدفهــا مــداواة ســوء الفهــم والتعقيــد الناتــج عــن ســوء اســتعمال اللغــة اليوميــة .إن ســبب المشــاكل الفلســفية هــو ســوء فهــم ينبغــي 62 إزاحتــه «بتوضيــح القواعــد التــي ســنطبقها فــي اســتعمال األلفــاظ. هكــذا اذن ؛ بــات فتغنشــتين مقتنعــا تمامــا بالفكـرة القائلــة بــأن مدلــول اللفظــة ال يتعلــق بشــيء آخــر غيــر اســتعمالها فــي اللغــة ،وأن توضيــح اللغــة التــام يرتبــط بتوضيــح مختلــف أشــكال األلعــاب اللغويــة ؛ وفــي ذلــك تتحــدد المهمــة األساســية للفلســفة . دائرة فيينا :))Le cercle de vienneعرفــت دائـرة فيينــا أو حلقــة فيينــا مــن خــال البيــان الــذي اعلنتــه عــام 1929وأطلقــت عليــه تســمية «التصــور العلمــي للعالــم». يتكــون هــذا االعــان مــن مقدمــة وأربعــة أجـزاء ،ويبــدأ بعــرض موجــز للظــروف الحديثــة العهــد التــي أســهمت فــي تطــور التصــور العلمــي للعالــم .ثــم ينتقــل فــي الجزئيــن الثانــي والثالــث إلــى شــرح البرنامــج المتعلــق بأســس العلــوم ،أمــا الجــزء ال اربــع فهــو سياســي ويتنــاول أمــو اًر مســتقبلية. يبيــن االعــان أن مصــادر تفكيــر حلقــة فيينــا ترتبــط ،بشــكل أساســي بفكــر األنـوار واألبحــاث المضــادة للميتافيزقــا التــي انتشــرت فــي أوروبــا وتركــت آثــا ار قويــة علــى المســتويات السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والفكريــة والعلميــة .علــى المســتوى السياســي أدت 5 6 57 58 59 60 61 62
الخويل ن،مينى طريف ،فلسفة العلم يف القرن العرشين،م.س ،ص . 266 م.ن ،ص . 267 عبد الرزاق ،مقدمة تحقيقات فلسفية ،م .س ، ،ص . 51 م .ن . 53 الخويل .فلسفة العلم يف القرن العرشين ،م .س ،ص. 268 عبد الرزاق ،تقيقات فلسفية ،م .س ،ص . 47 -م .ن ،ص . 70
أخــرى – التمــاس ،شــكر ،لعــن ،تحيــة ،تعبــد ….47 ». وهكــذا؛ فــان نظرتــه إلــى اللغــة باتــت هنــا بعيــدة تمامــا عــن فكـرة الجمــل األوليــة ،وباتــت وظائــف اللغــة تتجــاوز تمامــا تســمية األشــياء الــذي ينــدرج فــي اطــار وصــف الواقــع ،لتحتــل فكـرة األلعــاب اللغويــة الموقــع المركــزي فــي فلســفة اللغــة عنــده . مــن تصويــر العالــم إلــى ألعــاب اللغــة :تبنــى فتغنشــتين فــي الفتـرة المتأخـرة مــن كتاباتــه الفلســفية الفكـرة التــي تقــوم علــى اعتبــار« أن معنى أية كلمة هو طريقة اســتخدامها» ، 48وهي تشــكل أســاس ما يســمى األلعاب اللغوية . المعنــى الواضــح كمــا يحــدده فتغنشــتين فــي تحقيقــات فلســفية ،هــو االســتعمال الواضــح .واالســتعمال يتحــدد « انطالقــا مــن وصــف قصــد المتكلــم ،ومــن الغــرض الــذي يرمــي إلــى تحقيقــه مــن وراء قولــه ،وليــس مــن وصــف الصــورة المنطقيــة للقضيــة «. 49 حيــن نتعلــم كيــف نلعــب عــددا مــن األلعــاب اللغويــة المتنوعــة ،نكتســب معنــى الكلمــات عــن طريــق اســتخدامها ومــن خــال هــذا االســتخدام .وفــي بعــض األحيــان نعبــر عــن ذلــك بطريقــة أخــرى فنقــول إننــا نتعلــم النحــو أو المنطــق الخــاص بكلمــة معينــة ، وهــو تعبيــر أصبــح شــائعا علــى نطــاق واســع فــي التحليــل اللغــوي .وهكــذا فــان اثــارة المشــكالت الميتافيزيقيــة ينجــم عندئــذ عــن نقــص فــي ادراك النحــو الخــاص بالكلمــات ،ذلــك أننــا بمجــرد أن نفهــم القواعــد فهمــا صحيحــا ،ال تظــل لدينــا رغبــة فــي طــرح 50 مثــل هــذه األســئلة ،بعــد أن يكــون العــاج اللغــوي قــد شــفانا مــن هــذه الرغبــة . والنحــو ،عنــد فتغنشــتين ،يختلــف فــي معنــاه عــن النحــو عنــد النحــاة ،اذ انــه ال يســتخدمه فــي معنــاه العــام أو اللســاني ،بــل بمعنــى يقتــرب مــن علــم الداللــة ، 51فالنحــو عنــده يرتبــط بألفــاظ مثــل «قواعــد» و»لعبــة لغويــة « وال ســيما بلفــظ نظــام ألن النظــام هــو الحبــل الــذي يربــط بيــن مختلــف مكونــات اللغــة التــي ال توجــد بدونــه .والجملــة ،كمــا يــرى ،تأخــذ معناهــا فــي نطــاق اللغــة أو نظــام العالمــات الــذي تنتمــي إليــه . 52 يقــول فــي تحقيقــات « :ال يقــول النحــو شــيئا عــن الكيفيــة التــي يجــب أن تبنــى بهــا اللغــة ،حتــى تحقــق الغــرض منهــا ]… [.هــو يصــف اســتعمال العالمــات فقــط دون أن يفســرها بأيــة طريقــة « . 53 ان معنــى كلمــة مــا هــو مــا تعبــر عنــه الكلمــة أو تشــير أو ترمــز إليــه .هــذا المعنــى يصــح لكلمــات مثــل شــجرة أو قلــم أو كتــاب ..ولكنــه ال يصــح بالنســبة إلــى كلمــات مثــل :اثنــان ،لهــذا ،ليــس ...الــخ ؛ هــذه الكلمــات األخيـرة مــن الخطــا أن نســأل عــن معنــاه ،وانمــا ينبغــي أن نســأل :كيــف تســتعمل هــذه الكلمــات ؟ المعنــى ،اذا ،كمــا يؤكــد فتغنشــتين فــي تحقيقــات فلســفية ، هــو عمليــة ســلوك لغــوي ؛ فالمعنــى هــو االســتعمال ،يقــول « فكــر فــي األدوات الموجــودة فــي صنــدوق أدوات :ان فيــه مطرقــة ،وكماشــة أو منشــار ،وبريمــا ،ومســطرة ،وغـراء ،وقــدر غـراء ،ومســامير ،وقــاووظ ...وظائــف الكلمــات تختلــف كمــا تختلــف وظائــف هــذه األدوات « .54ويضيــف مثــا آخــر عــن األدوات التــي تســتخدم فــي قيــادة قاطـرة حيــث نــرى مقابــض لهــا نفــس الشــكل تقريبــا «ولكــن شــتان بيــن مقبــض يمكــن تحريكــه باســتمرار(ألنه يعــدل فتحــة صمــام ) ،ومقبــض غلــق لــه وضعــان وظيفيــان فقــط :فهــو امــا نــازل للغلــق أو مرفــوع للفتــح ؛ ومقبــض ثالــث يكــون جــزءا مــن الف ارمــل ،كلمــا جذبتــه بقــوة ،كانــت الفرملــة أقــوى ،و اربــع هــو مقبــض مضخــة :ال تشــتغل المضخــة اال اذا حركنــاه يمنــة ويس ـرة « .ومثلمــا هــو حــال الكلمــات كذلــك حــال الجمــل ،فهــي تختلــف مــن حيــث االســتعمال لذلــك ال يمكــن تحويــل شــكل منهــا إلــى الشــكل اآلخــر (كتحويــل جملــة مــن صيغــة االقـرار إلــى صيغــة السـؤال مثــا). وللتأكيــد علــى الصيــغ العديــدة جــداً الســتعمال الجمــل يدعونــا فتغنشــتين للتفكيــر فــي صيحــات مثــل :مــاء! اذهــب! آه ! النجــده ! جميــل ! كال! 55لنعــرف أن األلفــاظ والجمــل لهــا وظائــف ال يمكــن حصرهــا فــي تســمية األشــياء أو وصفهــا والــكالم عنهــا . في كتابه تحقيقات فلسفية لم يعد فتغنشتين ،إذاً ،ينطلق مما ذهب إليه في الرسالة وهو أن العبارات اللغوية ال بد أن ترتبط بوقائــع العالــم التجريبــي ،فقــد تجــاوز هــذه الفكـرة ليؤكــد «أن العبــارات اللغويــة تعتمــد أوال وأخيـ ار علــى القواعــد التــي اصطلحنــا
4 7 48 49 50 51 52 53 54 55
فتغنشتني .تحقيقات ،م .س ،ص . 138 رسل ،حكمة الغرب ،ص. 312 فتغنشتني تحقيقات ،عبد الرزاق يف املقدمة ،م .س ،ص . 63 رسل ،حكمة الغرب ،ج،2م .س ،ص . 213 عبد الرزاق ،مقدمة تحقيقات ،م .س ،ص . 71 م .ن ،ص . 73 فتغنشتني ،تحقيقات ،م .س ،ص . 228 م ،ن .ص . 127 -م .ن ،ص . 140
اذا كانــت صحيحــة « ،65ويفهــم منهــا مــا يؤكــد أن قـوال مــا يتــم تحديــد صحتــه أو خطئــه بالتناســب مــع التجربــة ،أي أن يتــم الحقــق منــه أمبيريــا . قابليــة التحقــق األمبيــري هــي ،اذن ،بالنســبة للوضعييــن الجــدد معيــار المعنــى ؛ يقــول شــليك « :تحديــد معنــى لقــول مــا يعــادل تحديــد القواعــد التــي يســتخدم هــذا القــول وفقــا لهــا ،وهــذا بــدوره يعــود لتحديــد الطريقــة التــي تتيــح لــه أن يثبــت أو يتــم التحقــق منــه .ان معنــى قــول مــا هــو طريقــة التحقــق منــه « ، 66واذا كان هنــاك قــول غيــر قابــل للتحقــق منــه أمبيريــا ،وهــو فــي الوقــت نفســه ليــس حقيقــة منطقيــة أو رياضيــة ،فانــه يكــون حينئــذ قـوالً فاقــداً للمعنــى . لقــد اســتخدم الوضعيــون الجــدد معيــار قابليــة التحقــق التجريبــي (، ) le critere de la verification empiriqueكأداة فــي صراعهــم المضــاد للميتافيزيقــا ؛ فبالنســبة لهــم األقـوال الميتافيزيقيــة ليســت خاطئــة ،وانمــا علــى العكــس مــن ذلــك هــي تفتقــد للمعنــى ،إمــا ألنهــا صيغــت ســنتيكيا بشــكل ســيء ،أو ألنهــا تســتخدم رمــو از لغويــة أو عالمــات فاقــدة للمعنــى . تكــون العالمــة فاقــدة للمعنــى اذا كان معيــار تطبيقهــا غيــر معيــن أو محــدد ،أعطــى كارنــاب عــام 1932مثــا عــن محمــول هــو كلمــة (بابيــك ، ) babiqueوافتــرض أن أحــدا مــا يقتــرح ادخالهــا فــي اللغــة فتطلــق بوصفهــا صفــة علــى بعــض األشــياء ،فنقــول اســتنادا إليهــا :هنــاك أشــياء بابيــة ،وأخــرى ليســت كذلــك .ولكــن ،يقــول كارنــاب ،ال يوجــد كيفيــات أو خصائــص أمبيريــة تحــدد البابيــة ( ، ) la babiciteوبالتالــي فــان كلمــة زائفــة ( ، ) pseudo-motكهــذه ،ال معيــار تطبيــق لهــا ،وهــي بالتالــي فاقــدة للمعنــى ،واســتخدامها ال يكــون جائـ از حتــى لــو أتــى مــن يؤكــد لنــا أن اســتخدامها يشــير إلــى شــيء مــا . ســعت الوضعيــة المنطقيــة لتحويــل الفلســفة إلــى علــم مــن خــال االهتمــام باللغــة التــي تســتخدمها .إن العبــارات التــي يســتخدمها الفالسفة نوعان عبارات ذات معنى ،وعبارات خالية من المعنى .والعبارات ذات المعنى هي اما عبارات تحليلية أو قضايا تركيبيــة .المقصــود بالعبــارات التحليليــة قضايــا الرياضيــات والمنطــق أي العلــوم الصوريــة ،أمــا القضايــا التركيبيــة فهــي قضايــا العلــوم االخباريــة .وأيــة قضايــا خــارج أطــار هذيــن النوعيــن هــي لغــو ،وكالم ال معنــى لــه ؛ وبذلــك فــان الوضعيــة المنطقيــة تطابــق بيــن المعنــى والعلــم ،فحيــث ال علــم ال معنــى . القضايــا التحليليــة ليــس لهــا مضمــون اخبــاري عــن الواقــع ،وصدقهــا أو كذبهــا يعــرف مــن خــال تحليلهــا تحليــا منطقيــا لغويــا »،والتحليــل فيهــا هــو نــوع مــن إثبــات الهويــة كقولنــا :األرملــة ام ـرأة مــات زوجهــا .أو للمربــع أربعــة أضلــع ،فصــدق هــذا النــوع مــن القضايــا يعتمــد علــى الضــرورة المنطقيــة التــي تعنــي اســتحالة النقيــض .ان القضيــة التحليليــة اذا كانــت صادقــة ، كانــت ضروريــة ،واذا كانــت كاذبــة كانــت متناقضــة ذاتيــا ،والضــرورة هنــا تســتمد مــن قوانيــن الفكــر واللغــة وليــس مــن الواقــع .امــا القضايــا التركيبيــة فهــي إخباريــة ذات محتــوى معرفــي كمــا هــي حــال القضايــا فــي العلــوم الطبيعيــة .والتحليــل المنطقــي لهــذا النــوع مــن القضايــا يردهــا إلــى سلســلة مــن القضايــا الذريــة ( ،يبــدو تأثيــر رســل وفنغنشــتين جليــا هنــا ) ،ثــم ينتهــي تحليــل الوضعييــن إلــى سلســلة مــن المعطيــات الحســية المرتبطــة بالواقعــة الذريــة ،ليصبــح المرجــع فــي الحكــم بصــدق القضايــا أو 67 كذبهــا خبـرة الحـواس . ان القضيــة التركيبيــة هــي ،إذاً ،تجريبيــة اســتقرائية محــك الصــدق أو الكــذب فيهــا خبـرة الحـواس .وأي قضيــة ال تكــون تركيبيــة ،أو تحليليــة بالمعنــى الســابق ذكـره هــي لغــو فــارغ مــن المعنــى .ان الميتافيزيقــا ،كمــا يــرى أصحــاب اتجــاه الوضعيــة المنطقيــة ،لــم تحقــق أي تقــدم منــذ أرســطو حتــى القــرن العشـرين ،ولذلــك ال بــد مــن تقويــض دعائمهــا وازاحتهــا مــن هــذا العالــم لكــي ينفــرد بــه العلــم وحــده .فقضايــا الميتافيزيقــا ليســت تحليليــة ألنهــا ال تكتفــي بمجــرد اثبــات الهويــة وال تقــوم علــى الخبـرة الحســية ،لذلــك هــي ليســت تركيبيــة أيضــا ،وهكــذا فــان اللغــة الميتافيزيقيــة غيــر واضحــة وال مفهومــة ومــرد ذلــك إلــى اســتخدامها مصطلحــات مثــل المطلــق والجوهــر والطبيعــة والعقــل والنفــس .إن األقـوال الميتافيزيقــة ،الفاقــدة للمعنــى ،ألنهــا غيــر قابلــة للتحــق منهــا هــي ،فــي واقــع األمــر ،مثلمــا هــي حــال األقـوال الشــعرية ،أقـوال عــن اللغــة ،وليســت عــن وقائــع العالــم ،وال يمكــن أن تطبــق عليهــا قيمــة الحقيقــة المتناســبة مــع الوقائــع األمبيريــة . يــرى كارنــاب أن جمــا ميتافيزيقيــة تبــدو فــي ظاهرهــا أونطولوجيــة مثــل « :العالــم يتكــون مــن معطيــات حســية « ،أو « العالــم مكــون مــن أشــياء ماديــة « توهمنــا بأنهــا تخبــر شــيئا عــن العالــم بينمــا هــي ال تمثــل اال اختيــارت لغويــة لكلمــات ال تشــير إلــى أيــة واقعــة ،مــا يجعلهــا أق ـواال عــن اللغــة .ولتميــز المعرفــة العلميــة مــن غيــر العلميــة وضعــت الوضعيــة المنطقيــة مــا يســمى بمعيــار التحقــق الــذي بــات األســاس الــذي تقــوم عليــه فلســفتهم . خالصــة معيــار التحقــق أن كل قضيــة تركيبيــة ال بــد أن تكــون تجريبيــة ،وبالتالــي يمكــن التحقــق منهــا بواســطة الخبـرة الحســية
ibid , p12 - 65 ibid , p - 66 الخويل ،د .مينى ،فلسفة العلم يف القرن العرشين ،م .س ،ص . 267 67
هيمنــة الليبراليــة ومذهــب المنفعــة والتبــادل الحــر إلــى خلــق بيئــة فكريــة غنيــة ومتنوعــة بفعــل الوفـرة فــي األعمــال العلميــة ،وتوفــر العــدد الكبيــر مــن العلمــاء فــي مختلفاالختصاصــات .وعلــى المســتوى االجتماعــي ،كان لفكــر األنـوار فــي فيينــا انعكاســات هامــة علــى التعليــم تمثلــت بتوفــر مؤسســات جديــدة للتعليــم الشــعبي ،واصــاح التعليــم بطريقــة فعلــت التفكيــر العلمــي .وعلــى المســتوى الفكــري والعلمــي ســاد اتجــاه فــي العلــوم المختلفــة (الفيزيــاء ،االقتصــاد ،االجتمــاع ) للتحــرر مــن أي تأثيــر ميتافيزيقــي . في هذه الظروف تولى علماء مثل (أرنســت ماخ) ،و(بولتزمان) كرســي فلســفة العلوم االســتقرائية التي اســتحدثت في جامعة فيينــا (عــام )1895مــن أجــل أرنســت مــاخ تحديــدا .وقــد أثــرت أمبيريــة مــاخ مباشـرة فــي حلقــة فيينــا مــن خــال الموقــع الــذي شــغله فــي هــذه الجامعــة . إن مجمــل هــذه العوامــل يفســر كيــف ان فيينــا كانــت مركـ از لهــذا الحشــد مــن العلمــاء والمفكريــن الذيــن شــرعوا فــي حـوارات تتعلــق بمشــكالت العلــم األمبيــري ونظريــة المعرفــة .ففــي هــذه األج ـواء اســتدعت جامعــة فينــا عــام ( 1922موريــس شــليك) ليشــغل المقعــد الــذي ســبق ان شــغله (أرنســت مــاخ) .وشــليك هــو عالــم فيزيــاء نــال درجــة الدكتــوراه تحــت اشـراف (ماكــس بالنــك) ، وكان واســع اإللمــام بالفلســفة وتاريخهــا . وقــد تشــكلت حلقــة فيينــا مــن العلمــاء والفالســفة الذيــن تجمعـوا حــول شــليك وكان مــن بينهــم علمــاء رياضيــات (غــودل ،هانــز هــان ) وفيزيائيــون (فيليــب ف ارنــك ) ،وعلمــاء اجتمــاع ( أوتــو تيــوراث ) ،وفالســفة (كارنــاب ،ك ارفــت ) ،وطــاب للفلســفة (فردريــك فايســمان ،هربــرت فيغــل ) . فــي نفــس الفتـرة تقريبــا ( )1928تأســس فــي برليــن « التجمــع مــن أجــل الفلســفة األمبيريــة « وضــم مجموعــة مــن العلمــاء الذيــن تحلقـوا حــول (هانــز ريشــنباخ) ،ومنهــم (كارل غوســتاف همبــل) ،و(دافيــد هيلبــرت) ،و(كــورت غريلنــغ) ،وكانـوا متعاطفيــن إلــى اقصــى حــد مــع االتجــاه الــذي ســاد فــي حلقــة فيينــا . اضافــة إلــى برنامجهــا النظــري الــذي عبــرت عنــه فــي «التصــور العلمــي للعالــم» ،حــددت حلقــة فيينــا لنفســها هدفـاً هــو معالجــة مــا يســميه االعــان «مشــاكل الحيــاة « ،والمقصــود بذلــك تنظيــم العالقــات االقتصاديــة واالجتماعيــة ،واصــاح المدرســة والتعليم ،وتوحيد اإلنســانية ،ونشــر األبحاث المتعلقة بهذه الموضوعات لتصل إلى القســم األكبر من العامة باالعتماد على مؤسســة (أرنســت مــاخ) .وهكــذا فــإن الحلقــة وضعــت لنفســها هدف ـاً اليقتصــر علــى تغييــر األدوات الفكريــة المتعلقــة بالعلــم ، انمــا أيضــا تغييــر طــرق الحيــاة مــن خــال التنظيــم الواعــي للعالقــات االقتصاديــة واالجتماعــي .وبعــد اغتيــال شــليك فــي جامعــة فيينــا عــام ، 1936والغــزو النــازي تفككــت هــذه الدائ ـرة تمامــا ،ولكــن االتجــاه الفكــري الــذي رســخته تحــت عن ـوان الوضعيــة المنطقيــة أنتشــر حيــث تــوزع روادهــا فــي انكلتـ ار واميــركا واســتراليا . كانــت حلقــة فيينــا ،قبــل كل شــيء آخــر ،مكان ـاً للح ـوار بيــن علمــاء وفالســفة ،غيــر متفقيــن تمام ـاً فــي اعتقاداتهــم ،وهــي تمثــل ،كمــا يقــول ارســل 63مذهب ـاً وضعي ـاً ألنهــا اعتبــرت أن « العلــم هــو الــذي يزودنــا بجميــع معارفنــا « ،وليــس هنــاك مــا يمكــن معرفتــه وراءالتجربــة . فــي بيــان عــام 1929عرضــت حلقــة فيينــا طروحاتهــا الرئيســية ،ومنهــا أنــه ال يوجــد ،كمــا زعــم كانــط أحــكام تركيبيــة قبليــة . واســتطرادا الميتافيزيقــا ال يمكــن أن تكــون علمـاً .وكل قضيــة او قــول إمــا أن يكــون تحليليــا أو تركيبيــا بعديــا ،وقابــا للتحقــق منــه بالتجربــة .وباتــت األقـوال األخالقيــة والميتافيزيقيــة ،باعتبارهــا ادراكيــة ،وليســت وصفيــة وقابلــة للتحقــق منهــا ،خاليــة مــن المعنــى .وبذلــك أرســت الوضعيــة المنطقيــة الجديــدة تمايـ از وتفرعــا ثنائيــا بيــن الوقائــع ( ، )faitsوالقيــم (. )valeurs ق أر فالسفة الوضعية الجديدة ،أو ما يعرف بحلقة فيينا ،الرسالة المنطقية -الفلسفية لفتغنشتين بإمعان ،والبعض منهم ما استســاغوا القســم األخيــر منهــا المتعلــق باألخــاق والتصــوف .ولكــن الجميــع توافقـوا بشــكل أساســي علــى فلســفة اللغــة والمنطــق .وقــد التقــى شــليك وكارنــاب شــخصيا بفتغنشــتين فــي األع ـوام مــا بيــن 1929و ، 1932وكان انطباعهــم أن اللغــة التــي يعتمدهــا التراكتاتــوس هــي لغــة مثاليــة ،تشــبه اللغــة المســتخدمة فــي العلــوم .وقامـوا بقراءتــه قـراءة أمبيريــة تقــوم علــى ارجــاع حقيقة الجمل أوالقضايا إلى حقيقة الجمل األولية ســعيا لتأســيس عمارة العلم على قاعدة من األقوال المســتندة إلى التجربة . يعتبــر كارنــاب أن « كل قــول فــي العلــم ،هــو فــي التحليــل النهائــي ،قــول يتعلــق بالعالقــات التــي تبقــى ثابتــة بيــن االختبــارات األوليــة ،بحيــث أن كل معرفــة ذات محتــوى ترجــع إلــى التجربــة ( مــا لــم تكــن صوريــة خالصــة ) «. 64 يســتند كارنــاب إلــى جملــة وردت فــي التراكتاتــوس ،حيــث يقــول فتغنشــتين « :أن نفهــم جملــة معنــاه معرفــة مــاذا يحصــل راسل ،برتراند ،حكمة الغرب ،م .س ،ص . 305 63 12 Marconi , Diego, ibidem,p - 64
والموســيقى ،علــى ،عكــس الميتافيزيقــا ،ليــس هنــاك ادعــاء بعــرض نظريــات .إن التصــور العلمــي للعالــم ،هــو اذن بالضــرورة ،مضــاد للميتافيزيقــا . العلم ليس النشــاط الفكري الوحيد الذي يقوم به االنســان ،فهناك نشــاطات أخرى مثل الفن والدين « ،والمذاهب الفلســفية ما هــي اال صــور مختلطــة غامضــة مســتمدة مــن المياديــن الثالثــة :الميتافيزيقــا ،الديــن ،الفــن ، 71 ».تمثــل الميتافيزيقــا تعبيـ ار عــن الشــعور بالحيــاة ،وهــذا التعبيــر يتناســب مــع خلــق اعمــال فنيــة .ولكنــه كمــا يــرى كارنــاب تعبيــر غيــر واف عــن الشــعور بالحيــاة ،فالميتافيزيقيــون موســيقيون بغيــر موهبــة موســيقية ،أو شــعراء يفتقــدون إلــى الملكــة الشــعرية . يــرى كارنــاب ،فــي بحــث لــه بعنـوان :التغلــب علــى الميتافيزيقــا بواســطة التحليــل المنطقــي للغــة ،أن العبــارات الميتافيزيقيــة ليســت أكثــر مــن لغــو « ،ومــن امثلــة هــذا اللغــو الميتافيزيقــي تلــك العبــارة التــي يتحــدث فيهــا هيدغــر عــن العــدم فــي محاض ارتــه المنشــورة المعنونــة باســم :مــا الميتافيزيقــا ؟ « . 72عبــارة هيدغــر الشــهيرة « :إن العــدم نفســه يعــدم « تحتــوي ،بـرأي كارنــاب ،علــى خطــأ مــزدوج اذ تحــوي لفظـاً ال معنــى لــه هــو يعــدم ،وعلــى خطــأ فــي نظــم العبــارة مجتمعــة يتمثــل فــي اســتخدام لفــظ العــدم باعتبــاره اســماً . 73حكــم كارنــاب ،والوضعيــون المناطقــة ،علــى اللغــة الميتافيزيقيــة بانهــا لغــو ال معنــى لــه انطالقــا مــن معيــار التحقــق األمبيــري ،وقــد كان هــذا المعيــار محــط كثيــر مــن الجــدل والنقــاش فيمــا بينهــم ،وأثــار فــي مواجهتهــم اعت ارضــات جوهربــة ،اذ كيــف يعتمــدون معيــا ار يقيســون بــه الحقائــق و يكــون هــو نفســه غيــر قابــل للتحقــق منــه أمبيريــا ،ومــا دام كذلــك ، فانــه يصبــح بغيــر معنــى ،ألننــا ال نســتطيع اثبــات صحتــه أو خطئــه .ولعــل الــرد المناســب الــذي يعتمــده اصحــاب الوضعيــة المنطقيــة يتمثــل فــي مــا أورده فتغنشــتين فــي آخــر التراكتاتــوس حيــث يقــول « :ان مــا قــد أوردتــه مــن قضايــا يــدل علــى ان مــن يفهمنــي ســيرى فــي النهايــة أن تلــك القضايــا ليســت بــذات معنــى ،وذلــك بعــد ان يكــون قــد صعــد علــى درجاتهــا ،واصبــح فوقهــا (فيجــب أن يقــذف بالســلم – ان صــح التعبيــر – بعــد ان يفــرغ مــن اســتخدامه لصعــوده « . 74وهكــذا يمكــن حــذف أي كالم يقولــه اصحــاب الوضعيــة المنطقيــة لكــي ال يبقــى منــه اال قضايــا الرياضــة والعلــوم الطبيعيــة بينمــا يصبــح كل كالم آخــر فارغــا وبغيــر معنــى . ان الفلســفة ،بعــد أن باتــت خاضعــة عنــد ه ـؤالء الفالســفة ،لمعيــار التحقــق األمبيــري ،واســتبعدت منهــا الميتافيزيقــا بشــكل جــازم أصبحــت ظــا باهتــا للعلــم ،وغــدت نوعــا مــن فلســفة العلــم القائمــة علــى التخصــص والدقــة واالحتـراف ؛ وهــم فــي ذلــك قزم ـوا طموحــات الفلســفة لتصبــح ممارســة تقتــات ممــا تتركــه لهــا العلــوم ،وتتخلــى عــن اكثــر األهــداف األخالقيــة واالنســانية التــي ســعت إليهــا لتتــرك االهتمــام فيهــا للديــن والفــن. ولعــل اهميــة هـؤالء الفالســفة تكمــن فــي أنهــم كانـوا تنويرييــن ال يقبلــون األقـوال الخرافيــة ،وال العقــل المنطلــق دون ضوابــط . وحارب ـوا االسترســال فــي األق ـوال الفضفاضــة ،وأجبــروا الفالســفة علــى اعتمــاد التعبيــر الدقيــق والواضــح ،فأســهموا بذلــك فــي ابعــاد لغــة الفلســفة عــن االبهــام والغمــوض ،لتلتــزم الدقــة الصارمــة فــي اســتخدام األلفــاظ والعبــارات. مصادر ومراجع البحث : - 1محمود ،د .زكي نجيب .موقف من الميتافيزيقا ،ط ، 2دار الشروق ،بيروت .1983 -2لخولي ،ديمنى طريف .فلسفة العلم في القرن العشرين ،عالم المعرفة ، 264المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب الكويت ،كانون األول . 2000 -3رسل برتراند ،حكمة الغرب ،ترجمو دز فؤاد زكريا ج، 2عالم المعرفة 72المجلس الوطني للثقافة والفنون واالداب الكويت .1983 ، - 4رسل ،برتراند .فلسفتي كيف تطورت ،ترجمة عبد الرشيد صادق ،مراجعة زكي نجيب محمود ،مكتبة االنجلو مصرية ،ط ،1القاهرة 1960 -5بدوي ،د .عبد الرحمن .ملحق موسوعة الفلسفة،ط، 1المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت 1996 7 1 72 73 74
بدوي ،د .عبد الرحمن ،موسوعة الفلسفة ،ج ، 2م .س ،ص . 251 محمود ،زيك نجيب ،موقف من امليتافيزيقا ،م .س ،ص . 16 بدوي ،د .عبد الرحمن ،موسوعة الفلسفة ،ج ، 2م.س ،ص . 250 -محمود ،زيك نجيب .موقف من امليتافيزيقا ،م .س ،ص . 28
.ويترتــب علــى هــذا « أن كل قضيــة تركيبيــة ال يمكــن تحديــد صدقهــا أو كذبهــا مــن مالحظــات حســية هــي جملــة بغيــر معنــى « . 68والتحقــق ينطبــق علــى القضايــا مثلمــا ينطبــق علــى المفاهيــم والكلمــات « ألن العبــارة لــن تقبــل التحقــق اال اذا كانــت المفاهيــم الـواردة فيهــا ذات معنــى ومرتبطــة بعالقــات منطقيــة ارتباطـاً ســليماً « . 69وقــد ذهــب شــليك إلــى حــد القــول بضــرورة « أن نســتطيع االشــارة بأصابعنــا إلــى مدلــول الكلمــة ليكــون التحقــق منــه نهائيــا « . 70وينصــح كارنــاب بقبــول معيــار التحقــق علــى أســاس قريــب مــن البرجماتيــة أي قبولــه ألنــه يمكننــا مــن تحقيــق الهــدف ،وهــو تمييــز المعرفــة العلميــة واســتبعاد الميتافيزيقــا . إن التصــور العلمــي للعالــم هــو ،اذن ،أمبيــري ووضعــي ،وتحليــل الجمــل أو األق ـوال يتيــح اظهــار الحــدود بيــن تللــك التــي تطلــق ،فــي التحليــل النهائــي علــى معطيــات أمبيريــة ،وتلــك الفاقــدة للمعنــى والداللــة .ان جملــة تقــول « يوجــد إلــه واحــد « ال تطلعنــا علــى أيــة معرفــة .ولكنهــا تعبــر عــن شــعور فــي الحيــاة ،والشــعر والموســيقى هــي األكثــر مالءمــة لهــذا النــوع مــن المشــاعر .ولكــن فــي الشــعر
68 6 9 70
م .ن ،ص . 300 م ،ن ،ص . 301 -م .ن ،ص . 301
الوجود والعدم.. جدلية عاشها شعراء ماقبل اإلسالم..في أشعارهم د.غيثاء علي قادرة*
بعيداً عن التصورات الســلبية االستشـراقية التي قاســت طبيعة الوجود العربي بحياة البداوة في القرنين الثامن عشــر والتاســع عشــر ,وانطالقـاً مــن الرؤيــة الـظـاهـ ارت ــية التــي تســتبطن الظاهـرة وصـوالً إلــى ماهيتهــا كان الســفر فــي مجاهيــل الوجــود والعــدم عنــد عــرب ماقبــل اإلســام الــذي عــاش تداخــل الوجــود والعــدم تــارة ,وانفصالهمــا تــارة أخــرى ,عــاش ص ارعـاً متواصـاً بيــن طرفيــن متباعــدان ال يلتقيــان إال ليتصارعــا حــول أحقيــة وجــود األول فــي نفــي الثانــي .فمــن جدليــة الصـراع الوجــودي فــي بيئــة فرضــت ـدرك ,وهــو الوجــود الــذي يســبق المـ َ معطياتهــا نمطيــن مــن الحيــاة كان اللجــوء إلــى النظريــة الوجوديــة ,واالنطــاق مــن الوجــود ُ بأهميــة وجــود الفــرد اإلنســاني و الماهيــة علــى وفــق مــا أكدتــه فلســفة»الوجودية» ,التــي ظهــرت فــي القــرن العشـرين ,ونــادت َ الوجوديــة جــاءت َّ ردة فعــل علــى ماخلفتــه ثالثينيــات وأربعينــات القــرن الماضــي .ويمكــن اإلق ـرار بــأن قيمتــه ،وانتشــرت فــي َ َ العالميــة مــن دمــار وفنــاء . الحــرب َ
تكرس الوجودية اإلنسان بوصفه فرداً يقوم بتكوين جوهر لحياته ومعنى ,وتوضح أن غياب التأثير المباشر لقوة خارجية (اإللــه) يعنــي بــأن الفــرد حــر بالكامــل ,وهــو مســؤول عــن أفعالـ ِـه ,وعــن خيا ارتــه ,وأفــكاره ,وتكويــن معتقداتــه بعيــداً عــن أي نظــام. وهــذه الطريقــة الفرديــة للتعبيــر عــن الوجــود الذاتــي الحــر هــي الكفيلــة للنهــوض فــوق الحالــة المفتقـرة للمعنــى .
وإلــى الوجوديــة احتكــم بعــض الوجودييــن فــي تحديــد وجــود الموجــود الــذي يصــدق عليــه تحديــد مفهــوم الوجــود بإمكانيــة تجــاوز ذاتــه ,أمــا الموجــودات األخــرى ؛ فهــي إمــا موجــودات ال نعــرف كنــه وجودهــا »,كاهلل والمالئكــة والعالــم» ،وإمــا مجــرد كائنــات كالحيوانــات والجمــادات ،وكالهمــا اليمتلــك تجــاوز ذات ــه باســتمرار كاإلنســان ,لذلــك خــص معظــم الـوجـودي ــين الـوج ــود باإلنســان الماهيــة الحقيقيــة لوجــود اإلنســان تكمــن فــي تجــاوز ذات ــه المســتمر ,دائمـاً, وح ــده .وهــو مــا ُســمي بالـوج ــود الماهــوي ,أي أن َّ ويســمى :الوجــود األصيــل ,والوجــود الحقيقــي هــو معيــار تحقيــق الوجــود فــي تحقيــق الــذات .انطلــق هيدغــر نحــو الممكــنُ ، فــي تعريــف «الوجوديــة» مــن أص ــل الفعــل (يوجــد ) ,وهــو فــي الالتينيــة «التمــرد علــى الواقــع ,والثــورة عليــه ,واالنبثــاق مــن جديــد» ،و حـ ّـدد معنــى الوجــود اعتمــاداً علــى مقولة(الوقــوف خــارج ال ــذات) أي قــدرة ال ــذات علــى تجــاوز نفســها دائمـاً ,وتجددهــا ,وإلقائهــا فــي حيــز الممكــن األفـض ــل ،وع ــدم الثبــات والســكون والـوق ــوف علــى هيئــة واحــدة . يرى هيدغر أن للـوجـود الزمني معنيين« :الوجود هناك» ؛ أي وجود اإلنـسـان مرَغماً ,من غير إرادة منه ,في كل ما هو حوله من ظروف ,و «الوقوف هنا» ؛ أي ضرورة التجاوز بالذات نحو الممكن ,وعدم االستسالم وصوالً إلى الوجود الماهوي وإنسانيته .وهذا ما يسميه الوجوديون «التعالي»؛ أي تجاوز الذات الفعلي والمستمر لذاتها نحو ما يسميه . «نيتشه» اإلنسان المتمِّيز (السوبرمان)
عنــد «هيدغــر» ينكشــف الوجــود علــى أنــه حضــور وغيــاب معـاً ,وانكشــاف واحتجــاب معـاً « «( ). يميــز الموجــود لذاتــه هــو انفصالــه عــن ذاتــه ,وخلقــه 13-12 :وعنــد ســارتر »:أن العــدم نســيج الوجــود اإلنســاني ,و ّ أن مــا ّ لنفســه بنفســه( الوجــود والعــدم ,)9ويــرى أن الحرّيــة ليســت ســوى تعبيــر عــن حقيقــة أن « الموجــود لذاتــه هــو انبثــاق حـ ّـر ,فيــه . يخلــق اإلنســان نفســه بنفســه .و ينتقــل مــن حــال اإلمــكان إلــى حــال التحقيــق ,ف ـ «الحرّيــة هــي الصفــة األولــى لوجــود الــذات « ويــرى «يســبرز» أن العــدم ثغ ـرة الوجــود , ,فالعــدم داخــل فــي نســيج الوجــود ,و وجــه آخــر لــه ,وهــو األصــل فــي الحرّيــة ؛ أن قيــام الــذات اإلنســانية ،بالفعــل وممارســة بوصفــه عمليــة داخلــة فــي نســيج الوجــود ,ومكـّـون أســاس مــن مكوناتــه ؛ مايؤكــد ّ يميزهــا عــن عمــا تجهــل ،واتخــاذ القـ اررات بحريــة وإرادة هــو مــا ّ عمــا تريــد ،والتســاؤل ّ الحقــوق ,واختيــار األشــياء ،واإلفصــاح ّ بالتأمــل الباطــن المباشــر الجوهــر الباطــن غيرهــا .واإلرادة -وفــق شــوبنهور « -جوهــر وجــود اإلنســان ،ففيهــا يجــد اإلنســان ّ الفلســفة الوجوديــة ,زكريــا ابراهيــم
-6الخولي ،د .يمنى طريف .جدل المثالية والواقعية عند برتراند رسل ،عالم الفكر ، 30 ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،يوليو-سبتمبر .2001 -7محود ،د .زكي نجيب ،نافذة على فلسفة العصر ،كتاب العربي الكويت 15ابريل 1990. -8الديدي ،عبد الفتاح .االتجاهات المعاصرة في الفلسفة ،ط ، 2الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1985 -9فتغنشتين ،لودفيغ .رسالة منطقية – فلسفية ،ترجمة عزمي إسالم ،مكتبة األنجلو مصرية , 1968 -10الجسمي ،د .عبدهللا .المنطق وتصور فتجنشتين للفلسفة ،عالم الفكر ،المجلد ، 29العدد األول ،المجلس الوطني للثقافة ،والفنون واآلداب ن الكويت يوليو سبتمبر .2000 -11فتغنشتين ،تحقيقات فلسفية،ترجمة عبد الرزاق بنور ،المنظمة العربية للترجمة ،مركز دراسات الوحدة العربية ن بيروت , 2007 -12توفيق ،د .سعيد .في ماهية اللغة وفلسفة التأويل ،مؤسسة الدراسات الجامعية ،بيروت 2002. .13-Encyclopedie Universalis, 2end edition, tome 12,PUF Olbani, melika,Philosophie de la connaissance et des sciences, www. Rationa� 14- . lites-contemporaines , .Paris4 Sorbone.fr . www. SOS . Philosophie.free.fr/Russel.php -15 . Marconi ,Diego.La philosophie du langage au vingtieme siecle,www.lyber-eclat.net- 16 . 17-www. SOS .Philosophie. free. Fe/Russel,p3 .Russel, B. Probleme de la philosophie, 17eme edition payot France 1972 18-
الخاصــة فــي تفســير مــا يحــدث لــه ،وإحالــة األســباب لتلــك القـّـوة الغامضــة المنعوتــة بالدهــر .بدليــل أحــد أهــم انطباعــات الشــاعر ّ رد علــى أصحــاب الدهريــة «قالـوا ماهــي إال حياتنــا الدنيــا ،نمــوت ونحيــا ومــا يهلكنــا ّال الدهــر”. ـص القرآنــي مــن ّ تضمنــه النـ ّ مــا ّ َّ (الجاثيــة ..)24,بــرز العــدم فــي مشــاهد المــوت واإلحســاس بالفنــاء ،مــن خــال صــور الغربــة والشــيب والشــيخوخة ،وصــور الليــل الم ْهِلــك. المْفنــي و ُ والسـّـيل الــذي رمــز للدهــر ُ
الس ـؤال الــذي شــغل العقــل الجاهلــي ,هــو :هــل هنــاك حيــاة أخــرى مــا بعــد المــوت ؟ بــل مــا جــدوى الحيــاة التــي يعيشــها إذا مــا كان المــوت بانتظــاره ؟! .المــوت هــو الهاجــس الــذي ال يهــدأ إالّ بالقضــاء علــى محاولــة التفكيــر بــه ,فــكان الحــل األمثــل الســعي وراء الملــذات ,وإثبــات الــذات بالبطولــة ,فهمــا الســبيل إلــى الــذي رآه بعــض الجاهلييــن ,وآمنـوا بــه للهــروب مــن آثــاره ّفبالســعي إلــى البطولــة يخلــد ذكــر المــرء ,والخلــود لديــه – الجاهلــي – اقتصــر علــى مــا يتركــه المــرء نســيان المــوت ,مؤقتـاً ؛ ّ بعــده مــن أفعــال تخّلــده ,بهــا ينتصــر علــى حتميــة المــوت ,وبهــا يمنــح حياتــه الحزينــة بارقــة مــن أمــل الوجــود.
أكاديمية سورية*
«(
الحقيقــي لإلنســان ،الــذي ال يمكــن أن يفنــى ،وهــي البــذرة الحقيقيــة غيــر القابلــة للفنــاء عنــد اإلنســان ,وهــي مبــدأ الحيــاة فيــه أن الوجــود -بالنســبة إلــى الــذات -إنمــا يعنــي أن تخلــق موســوعة الفلســفة ،عبــد الرحمــن بــدوي . )34 /2 :أمــا جبرييــل مارســل ,فيــرى» ّ الــذات نفســها بنفســها ،وتحــاول أن تعلــو علــى نفســها ،بوصفهــا « مشــروع وجــود» ،أو إرادة ال تألــو جهــداً فــي العمــل علــى تفردهــا ,واســتقاللها عــن غيرهــا مــن الـ ّذوات ,بــل مــا لديهــا مــن قــدرة علــى التعبيــر ماهيتهــا ّ . «إن مــا ّ اكتســاب ّ يميــز الــذات ليــس ّ عــن نفســها أمــام اآلخريــن ,ومــا تتصــف بــه مــن قــدرة علــى مواجهــة شــتى الظــروف ,فالـ ّذات حزمــة مواهــب البــد مــن العمــل علــى اســتثمارها «( الفلســفة الوجوديــة ,زكريــا ابراهيــم .)55, ومن الفالسفة الوجوديين الذين تناولوا الوجود في عالقته بالقلق الوجودي (كانت ونيتشه ,وهيغل,وشوبنهاور) ،وهم بالحرية ،والوجود المبتذل الذي جميعاً يرون أن األنا الموجودة استقرت على نمطي الوجود ؛ الوجود األصيل المرتبط ّ انغمست األنا فيه إلثبات الوجود بكل ماهو زائف ،وهو ما أطلق عليه أصحاب المذهب الوجودي مابعد الحداثي بموت بالحرية ،فكل تلك التبدالت الدراماتيكية اإلنسان .وفي تلك الحركة بروز لمظاهر العدم المتصارع مع الوجود المرتبط ّ الحيز الحر إلى ّ في قراءة الوجود اإلنساني ارتبطت بالواقع االجتماعي وحركته التاريخية ،التي نقلت الصراع من التأمل ّ المدمرة للحروب واللهاث خلف الثروة، المباح بفعل التناقضات الوجودية لإلنسان ،والتي أسهمت في صناعتها اآلثار ّ ظري اإلحباط هو الفيلسوف مما أنتج حالة اليأس الوجودي وثقافة مابعد الحداثة .إن أكثر فالسفة التشاؤم األوروبيين ومن ّ تصو اًر وفكرة للصراع مع الموت والفناء ،فال شيء –برأيه -يوقف «آرثر شوبنهاور» ( )١٨٦٠_١٧٨٨الذي وجد العالم ّ آالم البشرية سوى الموت .ولم تقف نزعات التشاؤم في حضور الذات البشرية ضمن جدلية الوجود والعدم على أصحاب ركزت على اإلنسان كموجود فاعل في الوجود ،بل لقد سار في موازاتها والصراع معها أصحاب موت النظرة الذاتية التي ّ اإلنسان ،والذين وجدوا الظروف المحيطة باإلنسان هي العامل الحاسم في تحديد مصير البشرية ،حيث ألغي دور الذات ميزت في معظمها بين الفاعلة ,وتنوعت الفلسفات العدمية بين ميتافيزيقية ومعرفية ووجودية وأخالقية وسياسية ،حيث ّ اإللحاد الوجودي القائم على نفي وجود اإلله (جان بول سارتر) والعدمي الذي ال يعنيه األمر وال يجد في مساجلته فائدة تذكر ،ألنه ال يعطي لإلنسان قيمة .ومن منظري العدمية الناقد والشاعر جوتفريد بن ( )١٩٥٦_١٨٦٦الذي اعتبر العدمية مواجهة صريحة لحقائق الحياة ،ومثله الكاتب الروماني إميل سيوران ( )١٩٩٥_١٩١١في كتابه (المياه كلها بلون المعبر األول الغربي عن العدمية في أعماله األدبية هو الفرنسي جوستاف فلوبير ( )١٨٨٠_١٨٢١وبين العرب الغرق) ،و ّ . المعري بالعدمية ()١٠٥٧_٩٧٣ هناك من نعت الفيلسوف أبو العالء ّ
يـؤكـد الـوجـوديـون –إذن-أن القيمة لـوجـود اإلنسان بعيداً عن الحرية ؛ فالوجود والحرية متالزمان ال ينفصالن ,والمـوجـود إإلنـسـان ــي األصـي ــل الـ ــذي يمتلــك الحريــة يســعى دائمـاً إل ــى بنــاء ذات ــه المتفــردة ويجهــد لتحقيــق أنــاه الخاصــة ,ومــن هنــا كان ســعي اإلنســان علــى مـ ِّـر التاريــخ إلــى امتــاك الحريــة ؛ ألنــه رأى فيهــا عيــن الوجــود ,فبهــا يكمــن االنتقــال مــن الممكــن إلــى الواقــع ,ومــن الشــعور بالعزلــة إلــى الشــعور بالــذات وســط المجمــوع ؛ َّ ألن غايــة الموجــود أن يجــد ذاتــه وســط الوجــود. النسبي عن باقي تحررها من قيود الجماعة؛ وولوجها حيز الفردية ,وانفصالها ّ يكمن وجود ال ّذات اإلنسانية –إذن -في ّ . فالفردية ومن ورائها الحرّية مؤشران ضروريان على الوجود ال ّذوات , ّ
ماانفـ َّ طر مســاعي اإلنســان إلــى امتــاك الحريــة ؛ ألنهــا أثمــن مــا فــي الوجــود ,فبهــا يشــعر المــرء بذاتــه ـك تاريــخ البش ـرية يس ـ ِّ الفاعلــة ,وبهــا يكمــن االنتقــال مــن الممكــن إلــى الواقــع ,ومــن الشــعور بالعزلــة إلــى الشــعور بالوجــود ,فغايــة الموجــود أن يجــد ذاتــه وســط الوجــود .إن تعطــش عــرب ماقبــل اإلســام إلــى الوجــود فــي زمــن باتــت لغــة العنــف فيــه األقــوى دليــل ســعيه إلــى االنتصــار علــى تجليــات الفنــاء المتباينــة إثباتـاً للوجــود ودحـ اًر للشــعور بالعــدم .
تنوعــت تنــوع الم ارحــل فنيــة َّ رســم الخطــاب الشــعري الجاهلــي لوحــات تجلــي عمليــات الصـراع بيــن الوجــود والعــدم ،فــي صــور ّ االجتماعيــة المعيشــة . فالــذات الموجــودة الح ـرة هــي المبتغــى ,واإلرادة ســبيل بلــوغ الهــدف ,وجســر العبو إرلــى الفعــل والمقاومــة .صــارع الشــاعر الجاهلــي الزمــن ،وســعى إلــى التغلــب علــى مفاعيلــه ؛ بالرحيــل تارة,بحث ـاً عــن الــذات الضائعــة فــي غياهــب المجهــول تــارة أخــرى. فــإرادة الجاهلــي فــي البقــاء ومواجهــة العــدم كانــت واضحــة ,نــزع –مــن خاللها-الشــاعر الجاهلــي إلــى محــاكاة الوجــود عبــر الخلــود ،فأعمــل فك ـره فيمــا يتركــه مــن أثــر يضمــن لــه الوجــود بعــد المــوت. إن المنطــق العقلــي الــذي الزم الشــاعر مــن خــال إحاالتــه المعانــاة إلــى مفاهيــم ميتافيزيقيــة ،جعلــت قـ ّـوة مماثلــة للخالــق هــي
الخطيئة لنسرين بلوط ...خطيئة التاريخ والحاضر
درية كمال فرحات دكتورة ّ
ا ألد
العادي. إن األديب إنسان مـرهف اإلحساس ،يملك موهبة تجعله قاد اًر على رصد المـواقف المختلفة في مجتمعه ،ويتميز بذلك من اإلنسان ّ ّ
ب
يعبر ووراء هذا األديب تكمن شخصية متميزة ،وتظهر مؤثرات تحركه .ومن هذه المؤثّرات كل إنسانّ ، ّ الوطنية أو المواطنةّ ...إنه شعور ينمو في وجدان ّ عنه بطريقته وأسلوبه ،واألديب أكثر قدرة على التّعبير عن هذه المشاعر ،وأقدر على التّأثير بغيره.
السّيال الذي لبنانية ونسرين بلوط أديبة تتميز بالحس المرهف ،والقلب ّ ّ ّ الصادقة ،والمالحظة الدقيقة ،واليراع ّ الشّفاف ،والكلمة ّ مرة ثائرة فتبدو ات، و النز و اطف و الع مجمل عن لنا ر تعب أنامل من انطلق الكلمة، مع ووئام ة محب عالقة وشعرا ،فكانت له نثر أبدع ًا ّ ّ ّ ً محبة. قيقة ر هادئة ة ومر دة، متمر ّ ّ غاضبة ّ زمنية من تاريخ لبنان شهد نعم ّإنها نسرين بلوط التي أخرجت من مكنوناتها خطيئة من خطايا الزمن الذي يعود بنا إلى حقبة ّ فتؤرخ لفتنة 1840و.1860 فيها جولة من جوالت الحرب ّ األهلية المقيتةّ ،
يخية ،تنقل فيها أحداث ذلك الزمن ،أم ّأنها عمل فني من نسج خيالها؟ فهل ما كتبته نسرين بلوط وثيقة تار ّ ّ الرواية على البطلة مي ار في دير للنسك تابع لدير فك ّ إشكالية أولى نقف عندها ،لنجد ّ اليشيفرة بين ّ الرواية ،حيث تنفتح ّ طيات ّ مار أنطونيوس المشرف على جبل الباروك ،وتنطلق الكاتبة في تبيان ما لهذا الدير من حكايا وأساطير وتاريخ ال ُينسى ،وال يتوّقف يخية ولواقع اجتماعي فتعرض العرض عند هذا الدير ،بل تغ ّ للرواية مساحات كبيرة تعرض فيه الكاتبة ألحداث تار ّ الصفحات األولى ّ طي ّ لعادات وتقاليد كانت سائدة ،منها ما له عالقة بالزواج أو اللباس وصوًل إلى تعليم البنات ،وتحرص على سرد توثيقي لحوادث تاريخية
وقعت في منتصف القرن التاسع عشر.
مؤرًخا ،هي رواية يمتزج فيه التاريخ بالخيال ،تهدف إلى تصوير عهد من العهود أو حدث ومع ذلك ،فالخطيئة ليست تار ً يخا ،وال نسرين بلوط ّ من األحداث الضخام بأسلوب روائي سائغ مبني على معطيات التاريخ ،ولكن من غير تقيد بها أو التزام لها في كثير من األحيان ،هي تاريخ في قالب طبقات النماذج التي تـحركهـا شخوصـاً ،وتـرسم صورة الحياة أما العنصر االجتماعية ،وال ّ االجتماعي فنـجـده يـصـطخب في ّ ّ روائي هدفه تصوير المجتمعّ ، ّ القائمة في المجتمع.
الشــاب الــدرزي، مارونيــة ابنــة عائلــة الروايــة هــي فتــاة ـب عابــد ّ ّ ّ إقطاعيــة مــن زحلــة ،ترّبــت فــي بيــت قـ ّـدم لهــا الغنــج والـ ّـدالل ،تقــع فــي حـ ّ وميـ ار بطلــة ّ ن الشــائكة ـات ـ ق العال ـذه ـ ه ـو ـ ك فت ـا، ـ م منه ـأي ـ ب ـاط ـ ب ت ر اال ـتطيع ـ س ت ـن ـ ل ـي ـ ه ف ـك ـ ل ذ ـع ـ م و ـى»، ـ «مت ـا ـ ه ت ل م ـن ـ ب ا ـا ـ ه أحب ـي ـ ت ال ـي ـ ه و ـه، ـ ل ـها ـ س نف م ل ـ س وتنجــرف معــه إلــى ان ت ّ ّ ّ ّ ّ اإلقطاعيــة ،وصــوًل إلــى أزمــة البــاد مــع المحتـ ّـل الغاشــم أي االحتــال العثمانــي. و ـة ـ ائفي ط ّ مدخـ ًـا لرســم األبعــاد ال ّ ّ تقــول بلــوط فــي روايتهــا »:ولكـ ّـن العــدل فــي بالدهــا ُيبكــي الحجــر فالغنــي ظـ ٌّـل للمحتـ ّـل الغاشــم والفقيــر يتبــع الغنــي واألرض تثــور مــن ثقــل الغ ـزاة ّ المحتليــن وتتلــوى تحــت أقــدام الســادة وتبكــي تحــت معــاول الفالحيــن وهــم يروونهــا بــدل المــاء مــن دمائهــم فتشــفق عليهــم وترســم عروقهــا مــن تضاريــس جســدها الشــعوب ،فالمــادة هــي األســاس لتكـ ّـون كأنهــم أوالدهــا فعــاالً فــي حيــاة ّ الصامــت ..وتحضنهــم ّ ـادي يـ ّ ّ ـؤدي دو اًر ّ الحقيقيــون» ،واقــع اقتصـ ّ قــارة آلالمهــم ونحيبهــم ّ
الشــعوب ،فلــم تكــن ثــورة العبيــد إالّ للتّخلــص مــن اإلقـط ــاع ون ــيل الحريــة ،ومــن مطالــب المجتمعــات ،ورفــض اإلقطــاع كان متوارثـاً فــي كل الحضــارات ومــع كل ّ النبــاء .وهكــذا كانــت الثــورة فــي روايــة الخطيئــة هــي ثــورة الفالحيــن علــى اإلقطــاع التــي قادهــا الثّــورة الفرنسـ ّـية الحريــة والمســاواة واإلخــاء للقضــاء علــى تســلط ّ الروايــة بطــرس شــاهين ،وفــي المقلــب اآلخــر كان عابــد مــن الثائريــن علــى اإلقطــاع عنــد الــدروز. طانيــوس شــاهين ،أو كمــا أســمته الكاتبــة فــي ّ
الش ــعب الحيــاة وال ــبقاء ،وإذا عجــز عــن الشــعوب فــي كل عصــر م ــن عصوره ــا تـواج ــه قضيــة كبــرى تســترعي انتباههــا ،وتتطّلــب حــاًّ عاجـاً إذا أراد ّ و ّ الحل المطلوب بالظروف االع ــتيادية ،لجأ إل ــى الثّـ ــورة سبـي ـاً إلى تغـي ــير األوضاع ،وتفجير الق ــوى الكامنة لبلوغ ال ــهدف. إيجاد ّ الطائفيــة ّأدت دورهــا فــي إثــارة الفتنــة التــي طرقــت أبـواب تغيــر وجــه المنطقــة ،لكـ ّـن البعــد اآلخــر أي المذهبيــة و ّ فثــورة شــاهين ثــورة مهمــة كانــت يمكــن أن ّ أجنبيــة وتشــجيع مــن العثمانييــن ،فوقعــت الفتنــة بيــن أبنــاء مّلــة عابــد وأبنــاء مّلــة ميـ ار فكانــت مجــزرة زحلــة. اللبنانييــن ،وبتشــجيع مــن دول ّ األول عاطفتهــا الجياشــة نحــو عابــد وهــي عالقــة مرفوضــة الختــاف الطائفــة ،وعاطفــة متّــى القويــة نحوهــا وهكــذا وقعــت ميـ ار فــي الروايــة بيــن شــاقوفين ّ األول أغرمــت بــه وانجرفــت بعالقتهــا معــه إلــى أن ـن، ـ ي حبيب ـن ـ ي ب ـت ـ ع وق ـا ـ ه أن ـا ـ أيض ـا ـ ه أزمت ـرز ـ ب وت ـم. ـ ه ألنــه فــاح يعمــل بخدمت ً ّ والتــي كانــت مرفوضــة مــن والدهــا ّ ّ ـزوج فتــاة مــن مّلتــه وكان الحـ ّـل ـ ت و ـا ـ ه وجنين ر ا ـ ي م ـن ـ ع ـى ـ ل فتخ ته ر ـ س أ ـد ـ ي وتقال ـه ـ ت عائل ـة ـ ه اج و م ـتطع ـ س ي ـم ـ ل و ـا ـ ه مع ـه ـ ت عالق ـى ـ ل ع لكنــه لــم يســتطع الحفــاظ ّ حملــت منــه ّ ّ الرصاصــة التــي أحبهــا ودافــع عنهــا أمــا الثانــي فقــد ّ وضحــى بنفســه وتلقــى ّ ّ لديــه بإعطــاء ثمـرة عالقتــه مــع ميـ ار إلــى عائلــة مســلمة فــي قريــة أنصــار الجنوبيــة ّ .
الروايــة أن فــاز بميـ ار وقــد أحضــر لهــا ابنهــا الــذي تربــى بكنــف عائلــة مســلمة .خليــط طائفــي وجهــت صــوب ميـ ار أثنــاء هجــوم الــدروز علــى زحلــة .فــكان ختــام ّ ّ
بالنيــات. ـأن الديــن واحــد بيــن الجميــع وال تفرقــة بيــن ديــن وآخــر ّإل ّ يدفــع ميـ ار أن تصــرخ بأعلــى صوتهــا بـ ّ
ألنهــا تقــوم علــى تضــاد بالديــن أو تضــاد بالطبقــات ـب متناقضــة ّ ويمكــن القــول بـ ّ الروايــة عالقــات حـ ّ ـأن حبكــة روايــة الخطيئــة تقــوم علــى التّناقــض ،فترســم ّ أو بالقــوة والضعــف .فنــرى حكايــة بطــرس شــاهين الفــاح مــع الفتــاة الغنيــة التــي أحبهــا لنعــرف الحقــا ّأنهــا والــدة مي ـرا ،فتكــون هــذه العالقــة هــي المحـ ّـرك لثــورة بطــرس ،ونتعـ ّـرف
أحبــت مسـ ًـلما وهربــت معــه. إلــى نمــوذج آخــر بحكايــة كاميليــا التــي ّ
ألنهــا عاشــت حياتيــن متناقضتيــن جعــا منهــا معــا ،للخطيئــة والغفـران ّ وقــد يبــرز التناقــض فــي الحيــاة التــي عاشــتها ميـرا ،فهــي تصّلــي للنــور والظــام ً ـز عــن تحقيــق أســس لكنــه كان عاجـ ًا مـ ً أحبــت ّ ـاكا وشـ ً تزوجــت بمــن ّ ـيطانا فــي فتـرة مــا .أو قــد نــرى التّناقــض بيــن القــوة والضعــف ضعــف عمــة ميـ ار (ســعدى) التــي ّ الدفــاع عــن نفســها ولــم تجحــد امامهــا ّإل االنتحــار ،فمــا ـعدى ـ س ـتطع ـ س ت ـم ـ ل و ـا، ـ ه يت ر عذ ـا ـ ه بفقجان ـا ـ ه ايا ـا ـ م مته ـاف ـ ف ز ال ـة ـ ح صبي ـي ـ ف ـا ـ ه أهل ـى ـ ل إ ـعدى ـ س ـاد ـ ع فأ اج الـ ّـزو ّ ّ لكنهــا تكــون األقــوى وتهــرب منــه معلنــة بـراءة ســعدى. ـه، ـ ت فضيح ـن ـ ع ـكت ـ س لت ـال ـ م بال ـا ـ ه ي ر يغ ة ر ـ ي فق ـة ـ ح فال ح ـزو ـ ت ي أن إل ـه ـ ن م كان ّ ّ ّ
ـببية ،واألديــب هــو القــادر علــى التّفاعــل السـ ّ ويطــول الحديــث عــن حـبك ــة ّ الروايــة فهــي سلســلة مــن الحـوادث التــي تجــري فيهــا ،مرتبطــة عــادة ب اربــط ّ فالروايــة ال تُعنــى بمــا يطفــو علــى ســطح الحيــاة مــن زبــد الح ـوادث و لكنهــا بمجتمعــه وبيئتــه ،وهــو القــادر علــى إظهــار مجريــات األمــور وتفاعــل األح ـ ّـداثّ ، ـوي الصغي ـرة ة ـاني ـ س اإلن ـة ـ ع المجمو ـاء ـ ض أع ـن ـ ي ب اه ر ـ ع ـل ـ ص تت ـذي ـ ل ا ـ ي الح اع الص ـر ّ ّ ّ تتعمــق إلــى مختلــف العواطــف ،وتســتبطن أل ـوان المشــكالت ،وتعكــس صــور ّ التــي اختارهــا األديــب .
ّ ّ دائمــا وهــي متفاعلــة مــع الحـوادث ،متأثـرة إن حــوادث الروايــة ال تجــري منفصلــة عــن ّ الشــخصياتّ ، فالروائــي يعــرض علينــا شــخصياته ً ب ــها ،وال يفصلهــا عنهــا بوجــه مــن الوجــوه .ويأتــي الكاتــب بشــخصياته مــن مالحظات ــه المباشـرة فــي الحيــاة المحيطــة بــه ،أو قــد يســمع عنهــا ،أو يقـ أر عنهــا ،وقــد تكــون وليــدة الخيــال المحــض .ولكــن علــى الكاتــب أن يكــون قــاد اًر علــى تحريــك أبطالــه حركــة األحيــاء الذيــن نعرفهــم ويجــب أن يحافظـوا علــى مثــل هــذه الحركــة
الروايــة ،وأن يظّل ـوا أحيــاء فــي ذاكرتنــا.. ط ـوال ّ
وهكــذا كانــت أديبتنــا فــي روايتهــا ،قــادرة علــى حبــك الحـوادث بسلســلة متكاملــة مترابطــة ،ارســمة لشــخصياتها الناميــة والمســطحة صــورة متجانســة مــع الروايــة واألمثلــة علــى ذلــك كثيـرة مــع اعتمــاد ســير األحــداث القائمــة ،وال نغفــل مهــارة الكاتبــة بصــوغ روايتهــا بأســلوب فنــي راق تناثــرت شــاعريتها عبــر صفحــات ّ الشــخصيات ،التــي نســجتها مــن خيالهــا وأســقطتها علــى الســاري فــي الروايــة ،مــع إبــداع الكاتبــة فــي رســم ّ الســرد والحـوار والوصــف ووحــدة الحــدث والعمــل ّ تقنيــات ّ هــذا الواقــع.
هي األغنية الحزينة المنسية د .هويدا شريف مــن جديــد النوســتالجيا تهجــع هجعتهــا الكبــرى ،فيمـ ُّـر بــي قطــار أميـرة الحــزن مغسـوالً بأمطــار دافعــة ،أي
منــذ كانــت هــذه الفتــاة البيضــاء ،صاحبــة المالمــح الرقيقــة والتقاطيــع الدقيقــة ،الغضــة البضــة ،نقــاء وصفــاء، ويضــيء مــن شــعرها الذهبــي ســناء وضيــاء ،وفــي بســمتها إشـراقة الطفولــة ،خفيفــة رشــيقة كأنهــا ف ارشــة ،فهــي ـج مــن مســك الغـزال وعطــر الحجــال. مزيـ ٌ ـف حولــه جـُّـو العلــم ،قانونــه يمنــع تقطـ ُـن فــي منــزل متواضــع ،يمــاؤه الســكينة واإللفــة ،يحيــط بــه األمــان ويلتـ ُّ
أي ولــد يهجـره إال وقالدتــه العلميــة معلقــة علــى جــداره ،ألن ثرياتــه وتحفــه وأنتيكاتــه هــي تلــك الشــهادات. هذه الفتاة ،أغنية حزينة منسية ،تغني والحياة على مسامع كل أنثى ،لتتخذها عبرة لها.
فــي الســن الرابعــة عشـرة ،كانــت أولــى زياراتهــا إلــى الضيعــة ،ألنهــا لــم تعــرف القريــة! إال فــي زيــارات قصيـرة،
فقد ولدت وترعرعت في المدينة ،بعيداً عن الحقوق والحشــائش واألعشــاب والبســاتين.
قصهــا كان الوقــت فــي القريــة ينتهــي سـريعاً كحلــم ســعيد ،فــكان ال بـ ّـد لصاحبتنــا أن تجعــل هــذا الحلــم الــذي ّ
ـول ،وأخي ـ اًر وجــدت الحـ ّـل ،فقــد تعرفــت علــى أقربــاء لهــا، كالســنبلة علــى حـ ّـد منجــل الذكريــات ،يمتـ ُّـد زمن ـاً أطـ َ ـاب فــي العش ـرين أعجــب باألغنيــة الحزينــة المنســية ،وأصبــح يعبــر لهــا عــن أحســت معهــم بطــول العمــر ،شـ ٌ ّ
وحبــه الفاتــك ،ولكــن مــا لبــث أن لعــب القــدر دوره فــي تفريقهمــا – ولكــن لــم تمـ ّـر هــذه الحادثــة ببســاطة مشــاعره ّ أبــداً ،بــل كانــت ســبباً قويـاً فــي جمعهــا مــع شــاب آخــر ،قــد أخــذت حكايتــه ضــد العــدو الغاشــم ،تنتشــر فــي أرجــاء
الضيعــة كانتشــار النــار فــي الهشــيم.
جذبتهــا بطوالتــه ،قبــل رؤيتــه ،و ارحــت الحشـرية تلوكهــا بأســنانها الجهنميــة ،للتعـ ّـرف علــى شــخصيته عــن كثــب ،وعلــى ســبيل الصدفــة ،تالقيــا ،إنهــا لعنــة اإلعجــاب قــد الحقتهــا حتــى فــي تفاصيــل حياتهــا .ويــا ليتهــا لــم تكــن! لقــد أصبحــت تكـره جميــع الصــدف ألنهــا تجمعهــا فــي كل مـ ّـرة مــع صدفـ ٍـة عجيبـ ٍـة أفظــع مــن األخــرى. الســنون ،وفــي طياتهــا صدفــة اإلعجــاب تثمــر عطايــا وقضايــا ،فقــد تزوجــا وأنجبــا أربعــة توالــت األيــام و ّ
أطفـ ٍ ـال ،اهتمــت بتربيتهــم واألســى الــاذع يرافقهــا فــي كل خطــوة ،تحملــت الحرمــان وتزاحمــت األوجــاع فعشــقت
الوحــدة والعــذاب ،حتــى باتــت األف ـراح بينهــا وبيــن األيــام حجــاب. اســتفاقت علــى غربــة تســتقبلها بح ـ اررة صفعـ ٍـة ،ضمتهــا إلــى صدرهــا المفــروش بالمســامير ،طافــت بهــا بيــن
ـتقر فــي وكرهــا الهــادئ بيــن أســنان منشــار الحــزن والهجــر. المباهــج المفخخــة ثــم دعتهــا تسـ ُّ
هــذا الشــاب العاشــق الــذي أوهمهــا بذلــك ،وجدتــه مجب ـوالً بالخبــث واللــؤم فقــد عشــق كل النســاء إال تلــك
البيضــاء ،إال تلــك األغنيــة الحزينــة ،فقــد ظهــرت حقيقتــه المـ ّـرة أمــام المــأ وعلــى مســامع العلــن ،وتبدلــت الصــورة،
صــورة المجاهــد ،لترتســم أمامهــم مالمــح الرجــل اللئيــم الــذي يســرق لغــة الدراويــش ليتلــو علــى البســطاء أســطورة منهــا يخدعهــم بهــا.
كل األيــام ولليالــي فقــد تســللت هاربــة مــن نهــارات انهيارهــا ،تلــك هــي أمي ـرة الحــزن وقــد محــا بتصرفاتــه ّ والحكايــات والماضــي وكذلــك األغنيــة الحزينــة المنســية ،ليخلــق امـرأة قــد كســبت أشــخاصاً يعادلــون مــا خسـرته
ـارة كالريــاح اإلســتوائية. ـب فــي أعماقهــا حـ ّ ـتظل البيضــاء يهـ ّ كل مــا كان ،ومــا ســيكون سـ ّ فــي حياتهــا كّلهــا ،ورغــم ّ هــم أطفالهــا الذيــن اســتبعدوا عنهــا قسـ اًر.
االول من يناير االمازيغي و أسطورة العجوز ..؟
بقلم سليمة مليزي*
تحتفل شعوب االمازيغ في الجزائر وكل المغرب العربي الكبير االول من يناير 2968 الموافق للسنة الميالدية 12تشرين /جانفي ، 2019يعود تاريخ البربر إلى 950قبل الميالد. على التقويم الميالدي ،وتسبق اللغة والثقافة البربرية بكثير الفتوحات العربية في شمال أفريقيا في القرن الثامن الميالدي. وهناك أكثر من 13مليون أمازيغي في الجزائر ،وهو ما يمثل حوالي ثلث مجموع السكان. كانت هناك جهود لقمع أي عودة للثقافة البربرية منذ زمن ،ولكن اليوم ،تعترف الحكومة باللغة األمازيغية (لغة البربر) قصة يناير بناير أو جانفي أو ناير بحسب اختالف اللهجات األمازيغية والمغاربية في شمال أفريقيا هو أحد الشهور األمازيغية ،فهو الشهر األول من السنة األمازيغية ،ويتزامن حلوله مع اليوم الثاني عشر من بداية السنة الميالدية .والسنة األمازيغية تبدأ من سنة تسعمائة وخمسين قبل الميالد ،وبالتالي فان التقويم األمازيغي يزيد تسعمائة وخمسين سنة عن التأريخ الميالدي، فمثال توازي السنة األمازيغية 2968السنة 2029الميالدية .لقد ارتبط يناير بمعتقدات ضاربة في القدم ،فمثال يعتقد األمازيغ أن من يحتفل بيناير سيحظى بسنة سعيدة وناجحة، يعود بداية التقويم األمازيغي الى سنة 950قبل الميالد ،انتصرت إرادة الشعب األمازيغي عندما نجح الملك األمازيغي «شيشونك او شاشناق « في معركة دارت وقائعها على ضفاف نهر النيل على الفراعنة ،وبالتالي تولى األمازيغ سدة الحكم في تلك المنطقة من{ ثامزغا}، والتأسيس لبداية عودة اإلنسان األمازيغي للمصالحة مع ذاته ومحيطه ،وبناء تجربة سياسية تاريخية عرفت برقيها الحضاري وازدهار اقتصادي ويختلف شكل االحتفال من قبيلة إلى أخرى ،ومن بلد الى آخر ،أمازيغ مصر كانوا يحتفلون به على اساس سنة الخير الوفير ويقسمون السنة الى ثالثة مراحل على اربعه اشهر ،كل شهر له أهميته كالحصاد والزرع مثال ،وحتى فيضان النيل له طقوسه وتبقى أربعة أيام لشكر اآللهة ، واالحتفال بانتصار اإلنسان على قوى الطبيعة القاسية ،أما في منطقة المغرب العربي يقسمون السنة الى أربعة فصول ،كل فصل مرتبطة باألرض أي الزراعة حيث تعتبر المنطقة خصبة وفيها ماء وفير وزراعة متنوعة الن اإلنسان القديم كانت عالقته مع األرض عالقة وطيدة كونها هي مصدر رزقهم ،لذألك يحتفلون بحلول السنة االمازغية األول من يناير الموافق ل 12جانفي الميالدي ،ويعتبر التقويم االمازيقي أقدم تقويم عرفته البشرية ،هذا دليل على حضارة وتطور اإلنسان االمازيغي الذي استطاع أن يضع أسس الحياة من خالل هذا التقويم المهم ،حيث عرفت منطقة المغرب العربي الكبير ،بالعديد من اإلنجازات كالبنيان حيث كان االمازيغ يعيشون في قصور مبنية من الحجر والطوب ،وأيضا ً تطور المنهج الفالحي
في المنطقة ،ومن بين هذه األشياء التقليدية التي التزال ضاربة عبر االزمنة إلى يومنا هذا ،والعادات والتقاليد أكالت مختلفة ومتنوعة ،من بينها (أوركيمن والكسكس ) {،تكربابني } إحدى الوجبات الهامة في ذلك االحتفال ،وتجدر اإلشارة إلى أن الكسكس وجبه عالمية أمازيغية األصل ،ذات اعتبار متميز لدى المغاربة األمازيغ ،بل حتى إن المغاربة يتناولون الكسكس في يوم الجمعة باعتباره سببا لألجر وقربة هللا.
أسطورة العجوزة...
هناك أساطير عديدة تحكى عن قصة العجوزة ،وتختلف من منطقة واخرى ،وحسب المعتقدات األمازيغية ،فقد استهانت امرأة عجوز بقوى الطبيعة فاغترت بنفسها لصمودها ضد الشتاء القاسي ،حيث مكثت طيلة شهر يناير في البيت مع عنزاتها ولم تجد ما تطعمهن ، نظرا لقسوة الشتاء الذي ياتي بثلوجه وبرده القارس ،خاصة في منطقة القبائل بأعالي جبال جرجرة ،ولم تشكر السماء ، ،وعندما انتهى شهر يناير تحسن الطقس فخرج العجوزة بعنزاتها للبحث عن الكالء ،وطيلة طريقها وهي غاضة وتصب غضبها على قسوة الشتاء القاسي ،فغضب يناير فطلب من (فرار ) { فبراير} أن يقرضه يوما اويومين حتى يعاقب العجوز على جحودها( ،قال يناير لفرار (سلفلي نصف ونهار نغلق فم العجوزة والعا ر) في لحظة تغير الجو وتلبدت السماء بالغيوم السوداء ،وبدأت االمطار تتساقط والرياح تعصف ،حتى جرفت السيول العجوزة وعنزاتها . قصة تعتبر من األساطير المعروفة عند سكان األمازيغ ،يقول اهل األمازيغ لذلك شهر( فرار) فبراير فيه فقط 28يوما ،الن يناير /جانفي قرض منه يومين ولم يعدهما له .؟ وإلى يومنا هذا يستحضر بعض األمازيغ ،يوم العجوزة ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر، ويفضل عدم الخروج للرعي خوفا من العواصف الشديدة ...وقصة أخرى تقول بان العجوز تحرص على أن ال يجوع أحد في بلدتها وإال الرب سيغضب منهم .،وتمر في الليل وتتفقد كل األطفال حتى تتأكد ّ أن ليس هناك أحدُ بَ ِقي جوعان. ويحكى أن من أسس هذا التقويم األمازيغي هو { الليوس القصير} في عهد الرومان ،منذ سنة ..2968ومنذ ذلك الوقت بقيت سنة تقويمية لألمازيغ واالحتفال بهذه السنة من أجل سنة زراعية وافرة الخير ،و من أجل موسم حصاد وافر ..وموسم القمر والشمس ،وهذه كلها ظواهر تدل على تطور اإلنسان االمازيغي القديم الذي كان متطورا ،يحافظ على البيئة والحديث مع الحيوانات ويقول لها ال تخافي ،سيمر الشتاء بسالم بفضل الحب ..وفي تقاليد األمازيغ باالحتفال بيناير حتى النملة والطير في الشجر لهم نصيب من الطعام حتى ال تجوع طيلة الشتاء وتقوم نساء القرية بترك الطعام أمام غار النمل وفوق التالل رغم قساوة الطبيعة التي تتميز بها مناطق المغرب العربي الكبير ،وهذه القصة يحتفل بها معظم دول البحر األبيض المتوسط أيضا ً ..وتختلف الطقوس من منطقة إلى أخرى في االحتفال بالمناسبة، وعند ‘’التوارڤ’’ في أقصى الصحراء ،يقوم أمازيغ الجنوب بإعداد سبعة أطباق من أصناف المأكوالت احتفاال بالمناسبة التي تعد بالنسبة لهم بداية لعام جديد وكلهم أمل في تحسين
األوضاع وفتح أبواب الرزق. وفي منطقة تيزي وزو :يعتبر يناير عام األمازيغ ولذلك يأملون أن يعود عليهم باليمن والبركات والعيش السعيد ومن بين عادات يناير إطعام الحشرات حتى ال تأكل الزرع، واالمتناع عن الحياكة مع ضرورة األكل حتى الشبع ليضمن اإلنسان أن يشبع باقي السنة ،كما تقوم بعض األمهات في هذه المناسبة بإعداد وجبات خاصة للعائلة من مأكوالت تقليدية قوامها اللحم والمكسرات التي توزع في أكياس على األطفال .وقصة أخرى تقول إن االحتفال بيناير اقترن أساسا باألسطورة الشهيرة التي تقول أن شهر ‹›يناير›› قد طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيّامه بعد أن تحدّته عجوز شمطاء بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهو طعامها خارج البيت في ّ عز برده وصقيعه ،فما كان منه إال أن قال لعمه فبراير ‹›يا عم فبراير أعرني ونهارا ،كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار والتي أرادت أن تتحداني›› .وكان له ذلك بتخلي ليلة ً فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي ج ّمد العجوز وعنزاتها { ،ربما لذلك كل اربعة سنوات يأتي فبراير ب 29يوما فقط } وإلى اآلن يقول أجدادنا أنه توجد بمنطقة جرجرة صخرة تدعى ‘’صخرة العجوز والعنزات’’ حيث بالنظر إلى تلك الصخرة الضخمة يمكن مالحظة عجوزا تحلب معزاتها ،وبقربها بعض صغار الماعز.. إال أن هذا حسب المختصين الجيولوجيين ‹›صدفة جيولوجية›› ال غير مترتبة عن الطبيعة، ويتحدّث كثيرون عن ‹›خدعة في النظر›› لنتوء صخري طبيعي.. بين هذا أو ذاك ،وهكذا بقي االمازيغ يحتفلون بهذا اليوم المبارك ،وفق تقويمهم الخاص ،سواء تحب التزلج على الجليد! ولإلشارة يقدر عدد صنعته سيوف ‹›شاشناق’’ أوحماقة عجوز ّ سكان األمازيغ بنحوعشرة ماليين نسمة ،يتوزعون على شكل قبائل تضم تيزي وزو ،الشاوية، الطوارق في الصحراء ،اإلباضيين بوادي ميزاب وسط الجزائر ،إضافة إلى سكان جبل شنوة أو ما يعرف بالشلوح القاطنين غرب العاصمة .ومن العادات أمازيغية في الجزائر أن العائالت ال يجب التقشف في يناير ولكل إنسان أو حيوان الحق في األكل ومحرم على كل الناس أن يبيت مخلوق جائعا في ذلك اليوم .. تقول األسطورة الجميلة أن العجوز تمر في الليل على كل البيوت وتراقب اذا أكل األطفال ، وافر بالخير ..وتقول األسطورة أيضا ً إن المثل الشعبي الذي وال أحد ينام جائعا ً حتى يأتيهم عا ٌم ٌ يقول { الذي في بطنه التبن ال يخاف من النار } والتي ربما كانت فهما خاطئا ً عند البعض وهي تفسر أن من ينام شبعانَ في ليلة يناير ال تأكله النار وال يغضب عليه الرب هذا دليل على أن األمازيغ االحرار كانوا يؤمنون باهلل ..دليال على شهامة وطيبة وكرم األمازيغ ...ومن العادات التي بقيت إلى حد اآلن هي {التويزة } وتعني التضامن في ليلة رأس السنة حيث في كل قرية يقوم أهلها بذبح الماشية وتوزيعها بالتساوي على الفقراء والمحتاجين. صور مقدمة من الكاتبة واألديبة الجزائرية*
نصوص الكشف وأنساق المأساة قراءة في نصوص الشاعر حامد خضير الشمري جبار الكواز
يضع الشاعر ( حامد خضير الشمري ) نفسه في مختبر الشعرية الغامض الذي يفيض بكل ما هو غرائبي وآسر ملتبس في توقع واع تحكمه رؤيته الفكرية والمعرفية ورؤاه التي تنطلق من مشاهده الخاصة واكتشافه للواقع العاري ومحاولة بناء واقع ثان ٍ على أنقاضه .وهو يتوخى من خالل نصوصه اشتغاال خطابيا يفعل حركة القارئ عبر جر النصوص إلى منطقة الفعل القرائي وإحداث جدل مراوغ بين الفهم والتأويل .وإذا كانت نصوصه وبتأثير غواياتها تغور الستكناه البنى الداخلية لالشتغال قيد القراءة فتغدو عملية التأويل تمهيدا النتقالة تفسيرية يتلقاها متلق ٍ تال ٍفتتجلى الكتابة فعال إجرائيا ينتقل من الذات إلى الموضوع .ويتحول الشاعر الشمري في نصوصه من األنوية إلى الجمعية ،وتلك هي أ ّم بؤرة نصوص الشمري التي بين يدي ،ومن خالل قراءتي لنصوص مختارة من شعره أتاحت قراءتي هذه لي أن أوزعها على محورين أساسيين يشكالن عالمتين مميزتين في اشتغاله الشعري الذي ينطلق من الموضوع أوال ليؤثثه بتكوينه اللغوي وبمقدرته الفائقة على روح اإليقاع واسترجاعاته المشرقة للتاريخ اإلنساني واإلسالمي والعربي واألساطير التي دونت وروايات الشفاهية العربية عبر األمثال المتداولة والمنقولة إضافة إلى وثائق برقية يعتمدها كركائز لفضح الواقع الذي يعيشه. أوال :نصوص االتصال الروحي بين الذات والجماعة وهي: ( ما رواه النجدي عن مملكة األجالف ) و ( سجادة إبليس ) و ( أي لثام يخفي قرن اإلرهابي ؟) و ثانيا :نصوص الكشف الروحي بين الذات والذات بوصفها خلقا ثانيا ومتكررا للذات األولى وهي نصوص: ( تشاؤل) ( .أبهاء المرايا ) و ( نبضات ) و ( تداعيات أبي دنس ) و تشكل نصوص المجموعة األولى االتصالية نسقا معلنا للمشهد العربي والعراقي اليومي وكشفا مدانا لطبيعة هذا المشهد مستثمرا من خالل نصوصه التاريخ: هذا ما أسرد للتاريخ بحق ال محض حكاية(
يا أبتي قد كادوا لي) فعالم سأكتم رؤياي) ..... و ( يخشى عبد مناة وعبد الالت الثاني )... ....... و ( بكل كالب الحوأب ومسوخ حروراء) و ظاهر القول استثمار لمعركة الجمل ومعارك الخوارج .وهو يستثمر األسطورة التي يخفي خلف ألفاظها انزياحات كاشفة وناقلة عبر جسر المعاني بين الماضي الموغل في الظالم والحاضر المدلهم بنار المفخخات وشظايا القنابل وأشالء القتلى: فاحلم علك تنسى الحال األقبح” لكن إياك وأن تجهر فالحلم جناية» من هنا تأتي األسطورة بوصفها حلما ثانيا لبناء الواقع “ :فهنالك من ينصت للموتى كي يوفي الجالد بما يسمع « أو “ إن جاء الملكان وباح الجسد المقموع بألف شكاية ( « ما رواه النجدي )... أو « عينان من حجر ودم دلف الضياء إليهما وارتد يسبح بالضرم ومسدس الجالد محشو بدم كم جذ أعناق األريج وكم التهم» وهنا صورة أسطورية لكلب الجحيم أو يا سحر هاروت وماروت” و يا ارث األمم في أي ديجور ستنكفئ اللحود وتستفيق بها الرمم ؟»
لكن من يضمن لي طهر التاريخ « )..ما رواه النجدي» يالحظ في هذا النص أن ( النجدي ) كلي العلم والراوي المحيط بزوايا الحياة اليومية يظل البطا خلف الجملة في حركة دائمة يحاول فيها كشف الزيف الذي أحاط تاريخنا الدامي ،وهو بهذا يشكل العامل الموضوعي البديل ألفق دام ٍ و مظلم في آن واحد. إن التاريخ في هذا النص يجري فوق األلفاظ ليؤكد معاني مسكوتا عنها تشكل النسق المضمر لنصوص هذه المجموعة .وعلينا نحن الشاهدين والشهداء أن نصنع عبر هذه الرؤية الفاضحة حياة جديدة برؤى نابضة .ولهذا فالتاريخ ركيزته الواعظة والفاضحة في آن. فالسلطة حتما سوف تؤول (من كف معاوية بن أبي دوالر إلى كف يزيد )... وهو في ( سجادة إبليس ) يعتمد األسلوب نفسه ( فارتفعي فوق المصاحف يا سيوف و يا أسنة) .في إشارة إلى معركة صفين مثال ورق ورق ورق أحد .... ال مال بعدك يا بلد ال مال بعدك يا بلد يا عراق هللا يا أحلى بلد فلتحترق سجادة الشيطان دونك لألبد) وفيه استثمار قرآني مقدس كاشف لطبيعة العالقات الزائفة التي تمور في واقعنا اليومي في إشارة الى خلود العراق رغم مؤامرات الشيطان الدائمة .وفي ( أي لثام يخفي قرن اإلرهابي ؟ ) يستهلها باستثمار تاريخي وديني من خالل سورة يوسف :
ملحا تساقط ساخنا فوق الفسائل والطيور الراجفة لن يذبحوك فإن في صلب العراق يمور نسل العاصفة) ) من الموت والذبح على الهوية والقتل العشوائي سيشرق العراق من اللهيب خالدا أبداً. ولو جئنا الى قصائد القسم الثاني :نصوص الكشف الروحي بين الذات والذات بوصفها خلقا ثانيا ومتكررا للذات األولى نجد أن نسق الخطاب الشعري فيها يعتمد على الشفرات المسببة للحزن .هذه الشفرات تدفعنا إلى مدلوالت االحتجاج بهتاف عال وخلق مبررات كشف روحي ال يهدأ إزاء عاصفة الرزايا إال أن المعالجة الشعرية لهذه النصوص تعتمد لسان الداللة عبر شفرات الكمد خلف كل مفردة وأمام كل عبارة وهذا ال يعني تخلي الشمري عن طبيعة شكل نصه المتميز به إال أنه يعتمد هما آلية جديدة في صياغة شعرية قادرة عبر االنزياح على تأجيج رؤاها المخفية خلف رماد األلفاظ .إنه هنا يناجي ذاته بذاته متواصال بين الضفتين لخلق ذات مغتربة عن واقعها لكنه اغتراب انتماء ال اغتراب انقطاع .وعلى هذا فهو يمزج بين ذواته المتشظاة من ذاته ليشكل رمزية الذات العراقية الجديدة .ويشكل نص ( ثالثة ) استثمارا مميزا لما قلت آنفا فهو نص عاج باإلدانة /يكشف عري الواقع /يعتمد المفارقة المضمونية الكلية /يمتح من بئر الخيبة /ويشكل قيما أصيلة عبر إغراق القيم الزائفة .والنص أنقله كامال ليكون واضحا للقارئ: (وصاحباي أظرف صاحبين كأنهما خارجان من تخوم الخرافة فلم يحفظا جدول الضرب أو سورة الفاتحة وكانا يصران على أن المفعول به مرفوع باإلضافة وكانا يخفان للكرخ خلف الظباء ويقتسمان الكأس عند جسر الرصافة وكنت أنكب على الدرس كل النهار وأقنت هلل
وهنالك كثرة كاثرة من االستشهادات األسطورية التي تأتي عبر اسم علم او إشارة لحادثة أو مستند وثائقي .والغاية من ذلك كله بناء واقع ثان على أنقاض الواقع المأساوي الذي يعيشه العراق بعامة. ويعتمد في ذلك البناء أيضا على التهكم الستشراق صورة المأساة وهو تهكم من نوع خاص قائم على فضائحية معلنة تشد عبر مكانها وزمانها الراهن إلى وقائع ال إنسانية عاشها العراقي في رحلته السرمدية مع ظالميه من مثل: (وضباع الزنديقاوي وأسامة بن ال دنيا أو دين أو ( يتقدمهم فيل تتأرجح لحيته فوق الخرطوم ) أو (جبته الموطوءة « دوعار “ وعمامته « الشيقل “ والليرة بنت لاير ) أو ( هذا من فتوى « العرس « بقتل الترس ) وكل ذاك يصب في الهدف الذي وصفه الشاعر الشمري إليصال رسالته الفاضحة للواقع الى قارئه لتشكل زخما مضافا لتمتين أواصر الوحدة بين مجاهدي كشف الرزايا عن العراق .وقصائد المجموعة األولى أيضا تنبئ عن خيبة أمل وحلم مضاع في نسقها المضمر فيبدو الشاعر وكأنه في خضم هذه المصائب في دأب خالد لدرء الوصايا السود التي وأدت الحلم العراقي بعد نيسان . 2003ولهذا فهو يحاول أن يرسم صورة جديدة للمشهد العراقي بإعالنه الرائع: ( شيعيا كان رسول هللا ي سنيا كان) وعل ّ وهو اختصار لحل مشرق إلشكالية الفصل العنصري والقتل على الهوية ومسارب الحرب الطائفية التي كادت تودي بالوطن، وما زالت براثنها تكشف عن لؤم هنا وهناك .إن خيبته وضياع حلمه تأتي بلسان صريح مفعم باألمل الجديد: (صهلت رمالك يا فرات وحمحمت وعذوق نخلك راعفة
يربض البحر على خاصرتي عند األفول) ويمد البحر لي سجادة فوق السديم فأرى الناسخ والمنسوخ والنسخ أمامي وأرى المسخ القديم) والمسخ القديم هو أل ّد أعداء الشمري في أوبته الشمولية لتاريخنا المزيف واالستبدادي ولواقعنا المظلم : فانشزي يا ريح في الفجر عظامي( وأريني في المدى أي بصيص فأنا النابض في ملحودة الغدر وما لي من محيص) إن نص ( أبهاء المرايا ) محاولة ناجحة لكسر التوقع الذي يجلبه العنوان بوضع المرايا بأبهائها الى رؤيا جديدة لمرايا ال تقول ما تعكس وإنما تقول ما تحس وما يمور في لججها. وإذا كان الشمري قد ختم نصوصه بنص ( تشاؤل ) فانه يشير إلى إحساسه الحقيقي الذي يعيشه عبر المأساة ،فالتشاؤل وسط بين التشاؤم والتفاؤل .والشعوب التي مرت في ظروف أخف من ظروف وطننا عاشت حالة التشاؤل هذه حالة من يقول نصف القدح ماء وال يقول نصف القدح خال من الماء : (ضحكت كان الدمع ينهمر من شفتي وحين بكيت سمعت قهقهة أجفاني) هذا المفتتح يختصر الحالة التشاؤلية التي نعيشها جميعا .فالشمري هنا صار الجسر الذي ربط ذاته بذاته لخلق ذات جديدة حيوية ومكررة هي بمثابة العود األبدي الذي يرى في الموجودات دورة حياتية ال تتكرر إال عبر اإلحياء والتجديد والخلق وقتال للجمود والتحجر والببغاوية: (هرب الميت من جثته فطارده الحراس وأطلقوا النار عليه حتى أردوه حيا).
في الليل فرط المخافة وكانا يسخران مني ومن كل شيء وكانا على حق فبعد عقود من الزمان التقينا إذا بي ارتق جوعي بطيف رغيف وأحثو التراب على راسي وابكي على كومة من عظام لبرعم غاله الوحش بكل صالفة هكذا كنت وكان صاحباي يقيمان جنب األمير بقصر الخالفة). يعاضد هنا النص نصوصه القصيرة في ( نبضات ): 1نزاهة ( لم يبع ضميره /فقد كان إيجاره مجزيا ) 2كفاءة ( ما أقصر حبل الكذب /لكنه كاف لاللتفاف على رقاب عدة ) 3طبيب ( لم يفلح إال في استئصال الرحمة من قلبه ) هذه النصوص مع ( ثالثة ) تقوم على ركائز الكشف الروحي /النسق المعلن /بناء واقع ثان /واقعية سحرية /أنسنة للطبيعة /ارتداد إلى المستقبل /وعودة إلى الغد . أما نص ( أبهاء المرايا ) الذي ما زالت روح الشمري ماكثة في كل زواياه فانه اشتغال خارج نسق النصوص التي بين يدي ،خارج في لغته وعالقاتها المتشابكة والملتبسة : تصهل الريح وتلقي في المتاهات السروج( والمرايا مزجت قيعانها خوف التشظي فلماذا ينثر الصمت بذور األسئلة) ) هذا المفتتح ينقلنا إلى عالقات جديدة تشكل صياغة استثنائية تنبي عن شعرية مرهفة ومصنوعة وفق خبرة لغوية ومعرفية ومخيالية:
ملحق ي لتوصلنا إلى سمات فنية عامة لها فهي ولو ألقينا نظرة تحليلية شاملة لمجمل النصوص التي بين يد ّ نصوص قراءة تأويلية ال تلقينية استماعية تعتمد الداللة متجاورة في نسقها الالبط فيها مع ركيزة غنائية توفر للجملة وللنص أفقا من التقبل النغمي الرصين خاصة باعتماد الشاعر على القافية أو السجع من خالل لغة عالية التقنية تحمل إحساسها الحي بأواصر الموضوع الذي تبحثه باختياره لمفردات جزلة وفخمة تذكرنا بديباجة النص العربي القديم والمحدث الذي يعتمد األصول مع شبكة منن العالقات الحداثوية التي تؤجج شعرية خاضعة الشتراطات اإلدراك واالنطالق المشرق منذ الخطوة األولى في استيالد المضامين تحت خيمة من بناء شكلي رصين وخيال واسع ومخيال ركائزه األفق األسطوري والديني والتاريخي والواقعي.. إن هذه النصوص تؤكد دائما إن شاعرها يخطط لها مسبقا ويفكر فيها كثيرا ويراجعها قبل أن يعلنها للمأل وتلك هي صفة الشعر الحقيقي الذي ينطلق من مرجعياته المتنوعة ال الشعر لذي يكتب عفو الخاطر فيكون كهبة ريح سرعان ما تأكلها اآلفاق.. إن شعر حامد الشمري شعر فيه أصالة وحداثة وتجدد .وهو بهذا مسك جذوة الفعل الشعري الحقيقي تهر كل حين وهي تجلد المارين في شوارعهم الى وسيبقى حراس بوابة الجحيم العراقي مع كالبهم التي ّ البيوت في نظرة شرر منها ،ستظل تطاردنا دائما نحن الذين سرقنا شعلة اإلبداع من بروميثيوس إليقاظ صمت العالم الفاني عبر الكلمة الخالدة .وسنبقى في قتال مع كالب الوهم والجحيم و الحوأب وسربروس لنحقق معاني الحياة الجميلة عبر حمامات الدم والعذاب ولقد قالها الشمري: أو تدرون بان الشيعي يصلي خمسا أيضا( ويصوم كذلك في رمضان ويحج ...ويزكي ويجاهد فرط اإليمان فلماذا حللتم ذبحه ولماذا حرمتم أكل التمرة في بستان؟!)
تحية للشمري في سعيه اإلبداعي األصيل
شجرة معتكفة في أرض الحب والشعر متمردة» -دراسة من مقدّمة «إيقاعات ّ بقلم
الشّاعرعمرشبلي
ليندا نصار فتاة تجهش للحب فيجهش بين يديها الشعر ،إنها أسيرة ،وتحاول أن تتمرد على قيدها وس ّجانها ،س ّجانها وتماسك مبرر وجو ِد أثير كالحرية نفسها ،إن في الحبّ عبوديةً ال ترقى لها الحرية ،ألن الحب وح َده هو ِ الذي هو عندها ٌ ُ المتمرد على الموت التصاله باهلل« :كالهما للخلود ،الحبُّ وهللاُ» كما هذا الكون ،وهو وحده الجدير بالحياة ،وهو وحده ِّ يقول بدوي الجبل ،فكالهما ،هللا والحب ،تنسكب فيه سرائرنا بفيض وحلول دون أن نراه ،ولكننا نعيش فيه .وفي هذه االنتصار بانكساراتها ال تملك ليندا نصار سوى تلك اإليقاعات الداخلية التي تتمرد ،كما تتمرد المحنة اللذيذة التي تفوق َ ضمـ ِّها ،وقتها يكون البحر في الخارج ،وفي الداخل أيضاً ،وتكون الموجة لغة الموجة المزدحمة بقوة البحر على ِخ َ البحريْنَ « ،م َر َج البحرين يلتقيان» في ليندا نصار ،ولكنها تستسلم عند صخرة القضاء البكماء الرابضة على الساحل ي ،كما هر ٌم مستبدٌّ /بأحجاره والخلود /وأما غير آبهة بازدحام الموج ونثاره المسكون بهزيمتها أمام قدرها ،تقول« :عص ٌّ ْ دروس بقسوتها مستبدَّة ./هذه أسكن دمي ووجودي /وفي قلبك المستب ّد الذي هو زنزانتي/ رجوتـُك أنا /فأغرق فيك/ ْ ٌ هي الشاعرة الواعدة ليندا نقوال نصار ،إنها تحاول التمرد ،ولكن قوتها العليا تكون باستسالمها اللذيذ لق َدرها الحامل ك َّل أسرار البحر ،وأسرار هزائمها ،غير آبهة بأشالئها المتناثرة كأمتعة قلبها على زبد الموجة الالحقة حاملة عناد «أوليس» انكسر/ صدر السفينة /ويبقى يض ُّج إذا ما ودموع «بينلوبا» الوامقة المنتظرة عند شاطئ اليأتي« ،وللموج طب ٌع يعانيه ْ ُ ُّ يجن /وحين يُ ِص ّر» ولكن الشاطئ ال بد أن يأتي ،هكذا تتنبـَّأ ليندا ،وإنها العَ ّرافة .لم تستطع صخور ويا حيرة الموج حين كهف السيكلوب الضخمةُ باب النجاة ،وال غناء الساحرات الشجي من َع البحر عن مسيرته باتجاه «إيتاكا»، الموصدة ُ َ ِ قاس« :أرجوكَ أن تروح /وأن تفكَّ أعني «أوليس» ،وأعني رحلة «ليندا» باتجاه «إيتاكا» المتكورة في قلب حبيب ٍ ِّ القي َد عن /روحي التي ما عاد فيها روح» .إن هذا العشق بكل ما فيه من نهم وانكسار نوع من األسر السماوي . أخف وقعا ً على تمرداتها الخائفة من طول الرحلة وعدم لمعان «إيتاكا»، ربما كانت صخور السيكلوب التي تالحقها َ ألن ليندا تُز َجى بالحب وحده وهي تح ّدِق بالشاطئ الذي سوف يأتي .فإذا لم يهرم الحب فإن الوصول حتمي .والمراكب التي تحمل رائحة األوطان ال يمكن أن تبتلعَها البحار ،كيف تغرق سواحل ليندا ولها عنوان! ،تقول« :عنوانُ الحب ِّ ي ألن الحبّ لم يهرم في قلب ليندا ،وألن نسيانـَها الحب القلب/ سيبقى ْ ُ والقلب سيبقى كنز الحب» .إذن فالوصول حتم ٌّ الخضر ما فتئتْ /وذكراكَ مبر َر للوجود سوى الحب ،تقول ليندا« :أأنساك؟! /وألحانـُك يعني نسيانَ وجودها ،فال ِ ّ ُ ٌ اشتياق أيضا ً كما يقول ي ،والسؤا ُل ي كنبض فؤادي/أأنساك؟ /إذن ،سوف أنسى وجودي /السؤا ُل هنا ٌ استنكار ونف ٌّ ف َّ ذوت األمنية فسوف تبقى ٌ المتنبي»:وكثير من السؤال اشتياقٌ» ،وتظل األماني هي األغلى ما دمنا لم نخلعها ،ومهما َ ٌ ً وقود الرحلة في هذه الحياة ،فقد تـُلغي بنفسجة بنفح عبيرها صحرا َء ،ويمأل غابة عصفور .والزنبق في صحرائه يكتفي «بندى الفجر وأنسام المغيب» كما يقول عمر أبو ريشة. وإذا كان الحرمان وقود نار العشق فهو تعبير عن الفقدان ،والفقدان في النهاية هو نوع من الموت« :ففيك اشتعالي/ وفيك انطفائي» ،وإذا كان االنطفاء هنا هو تحول الجمرة إلى رماد ،فال بد أن يظل الموقد مشتعالً ،وهنا تكمن معجزة الحب ،صانعِ كل شيء ،فهل تبقى أسرار الجمر في جثام الرماد؟ من يدري! أولم ْ يقل بودلير« :إنها ال تدري عالم يبكي الموتى» ،فإذا كان الموت نتيجة حتمية للجسد ،فإن الروح تح ّدِق من عالها إلى جسد قد فارقته .وبهذا يغدو الموت صالتنا بكل شيء ،وفقدت الحياة مبرر مرحلة من مراحل الحياة ،وال يكون عدماً ،فالموت لو كان عدما النقطعت ِ سه ليندا وجودها .وإذا كان الرماد جنازة الجمرة فإن البقاء في الجمرة ولذعها أفضل من الموت إذا كان نهاية ،وهذا ما تح ُّ بفطرتها الهاجمة على الحب والحياة ،تقول « :فالنشوة قبل القطف ألذُّ»« ،وإذا ماتت آما ُل القلب /فالعمر ُمحال». كلمات ليندا وعيناها دائما ً تبحثان عن الشاطئ ،وإذا كان الوصول صعباً ،فاللهفة أشد عنادا ً والموجة ستصل ولو متالشية ،إذن ال بد من الوصول ،ولكن هل الوصول نهاية؟ ربما ،ولذا تغرق ليندا في خضمها مكسوة بقوة اندفاع الموجة ،وليكن من بعدها ما يكون ،ألن التوق هو رؤية هللا في النهاية إذا فلتستمر الرحلة إلى الحبيب األقصى ولو بعيداً، تقول« :أتوق رغم غضبي إليك /كما يتوق العابد الدرويش /لرؤية هللا وقد تب ّخر المكان» هذا التوق يؤكد الحرق اللذيذ تصور الوصول ،و»من كانت بدايته محرقة فنهايته مشرقة» ،ال بد من الرحلة في عيني من نحب ،وكذا تفعل ليندا ألنه ُّ رغم إدراكها ما يعني اللذع والحرق« :وأنا أبحث في عينيك عن عمري المديد/إنما أهرب خوفا ً من لظاك /أيها الساكن
تكشفها األنوار» ألسرار العشق طعم النبيذ المعتق ،والسر هنا يتذكر ويزدحم كقارورة عطر بودلير التي تتذكر. ليندا نصار شاعرة واعدة آمل أن تدخل في محفل دولة الشعر ،وآمل أن يستمر تدفقها الواجد المشحون باألحاسيس الصادقة ،وأن تظل عيناها مفتوحتين على الشعر باستمرار ،فالعشق والشعر فعل أخالقي ألنهما يثيران لهبا ً مقدسا ً تأوي إليه أرواح الظماء إلى النور .إنها اآلن في شفق الفجر ،ويبدو من خالل إصرارها على الشعر أنها ال تستطيع أن تنتهي، وهي من الشاعرات اللواتي تظل أرواح نصوصهن حاضرة بعد إغالق الكتاب .إنها في معركة حبها تحتمي بحرمة الحب ،وسالحها الشعر وهزائمها العشقية انتصارات شعريـّة.
كالنار بصدري» إنه الهروب إلى العودة ،وكلما استيقظ في عزلة ليندا ما هو كامن في أعماقها تصرخ بتلذذ المشتبك في هيكل وثني مع رؤيته ورؤاه. إن ليندا نصار تدعي بشيء من التحدي ملكية كلمة السر ،ولكن عبثا ً ،فتعود لتسلم مفاتيح روحها لمن زعمت أنها تملك مفاتيح روحه»:مفاتي ُح روحي معك» .وتعود ثانية للغوص في محاوالتها لالكتشاف المستغرق عمرا ً كامالً ،والذي هو بحاجة لمالّح مثل «أورشنابي» الذي عبر بـ»جلجامش» مياه الموت العميقة ليصل إلى جده «أوتونباشتم» ،فهل تستمر ليندا نصار بتكسير مجاذيفها في رحلة الحب المجنونة ،لقد قبلت هذا وراحت تنزف شعرا ً معبرا ً عن مأساة أنثى حولها الحبُّ شعراً ،وال راحة لها إال في بالد الحب ،وأعني النوم أو الموت على صدر الحبيب« :وفي حضنك الدافئ حب في زمان العتم ينمو؟! .إن ي ٍّ المستبد/عرفت الوسادة :»/تقول ليندا أيضاً« :يبعث األشبا َح في صدري غموض ُْك /أ ُّ هذا السؤال المقهور ،يهب ليندا لغة حدْسية مذهلة ومضيئة ،وهكذا يصبح الحزن مضيئا ً على شعاع ما تذرفه العيون من دموع .ولكن الحب ينمو في الظالم لشدة حضوره ،وما الغموض الذي يمأل صدر ليندا باألشباح ،إالّ قربى وشيجة من لف الليل الطبيعة بأسراره المتسربة منه إلى الليل ،يقول بودلير في «أزهار الشر» ظلمات بودلير الذي يرى سعادته كلما ّ كنت تُسعدني أيها الليل لوال نجومك التي يتكلم ضياؤها لغة معروفة». « :لـَكـ َ ْم َ إن النقيضين (الحزن وضوء الدموع) هنا هما منتجا شعر ليندا نصار .فهل نعرف أن التناقض هو سبب استمرار وجود هذا الكون بكل تفاصيله .وتعود ليندا أمام الحب مرغمة لالعتراف بروعة الغموض وقساوة الغياب ولذته في آن، تقول »:أشهى ما في عينيك /غربة عينيك »/هذه الشهوة القاسية ،وألنها تو ّد االمتالك تقسو كثيرا ً على قلب فتاة لم تزل في الصفحة األولى من كتاب الهوى على حد تعبير نزار قباني ،تقول ليندا « :صهي ُل ظنونك في خاطري /ظنونك تصهل مثل الخيول» ،في هذا عذاب منهمر من قلب تعرف إلى الحب فأصابه بسهام جارحة . وللدمع شيمه الخالقة ،إنه يتمادى في غزارته ليحمل همـّا ً أخالقياً ،إنه يصفّي النفس مما اعتكر فيها ،تقول ليندا: «فمن شيمة الدمع مس ُح الغرور» ،وهكذا يغدو الدمع معلما ً ومرشدا ً عند العاشقين الكبار .والدمع في شعر ليندا يصقل الوجدان ويجعل ذارفه رائيا ً بامتياز ،وقد تتحطم المرايا ،ولكن ضوء الدمع يصبح وفاء خالصاً ،تقول ليندا« :وطبعت وفائي في مرآتي /فلتنكسر المرآة /وليبقَ وفائي ،»/ولكن الوفاء الناتج عن الحب ال يتمرد على الحبيب ،إنه يحاول تقويمه ،ويُح ِس ُن ثِقافـَه ،بالشعر طبعاً .وأحيانا ً يحمل لغة قاسية ،وتهديدا ً بالنأي ،إن نهم العاطفة يجيش ويصطخب في صدر ليندا إلى درجة تحريض الحبيب ،ولكنه تحريض غير مبتذل ،ألنه أرفع من نزوة عابرة وانفالت جسدي عابر، والحب ال يصبح مبتذالً أبداً ،ألن الموانئ المفتوحة الستقبال سفن الحب تظل واعية معاناة الرحلة ،وذاكرة تلك المناديل تمر ُد ليندا هو اقتراب أكثر من االستسالم، الوامقة المبللة بالدموع ،والتي تكاد تصبح أشرعة للسفن التي تعاندها الرياحُّ ، ْ معك /سأبقى ْ /تمردْ /أنا في النضال ْ معك،»/ تقول ليندا« :مللتُ موانئك الساكنة /غرستك في كل شيء /وما كنت شيئا ً َّ تفاتحنا ليندا بالملل من الموانئ الساكنة ،وهذا حقها ،ولكنها تخشى مغادرة هذه الموانئ ،ولو ساكنة ،فتجعل رياحها تهب على صاحب الميناء ،وهو صاحب قلبها ،تريده عاصفا ً متمرداً ،ورائ ٌع حين يتحول العاشق إلى عاصفة . الن َهم واالستسالم والتمرد نقائض في شعر ليندا ،ولكنها نقائض الضرورات التي يطلقها الجسد والروح في آن ،تحاول ليندا التمرد كما تتمرد الموجة لتتمزق متناثرة ومستسلمة على صخور الشاطئ القاسية القلب ،ولكنها محاولة التراجيديا اإلنسانية أمام هزائم اإلنسان أمام ظلم آلهة األولمب المستبدة حتى بنار الفقراء ،وندري ما فعلت الصخرة بكاهل «سيزيف» وهو يسرق النار لمساعدة البشر ،تقول ليندا« :صارت هواياتي الوصو َل إلى جنونك /كي ِ ّ أمزقـَه وأعبث بالجنون/وأنتوحدكسوفتدركمنأكون.»/أنهتمردالمرأةولكنهتمر ٌدقويبضعفه،وهذهأعلىدرجاتالقوة . في شعر ليندا نصار ما يأخذنا إلى عوالم «بودلير» القصية ،فقد حاول بودلير الوصول إلى حال الحلول الكلي في سه األشياء التي عذبته وجذبته إليها بقدسية ممزوجة بلعنة بودليرية ق َدرية ،فلجأ إلى تحطيم ال ُجدُر والفواصل بين حوا ِ ّ ٌ ألحان خضراء كالمزمار ،ويرى بودلير ليرى أكثر وأعمق ،فانزياح الفواصل يجعل الحواس كلها حاسة واحدة ،فهناك تحو َل حواسي كلها أكثر ما يرى في حاسة واحدة هي مجموعة الحواس ،يقول بودلير« :أيها التحول الروحاني /يا ُّ سها يبدع الموسيقى /مثلما يولـِّد صوتـُها العطر ...../وأحيانا ً تعثر على قارورة عطر المنصهرة في حاسة واحدة /إن نفَ َ ٌ قديمة تتذكر /تنبثق منها عائدة ً رو ٌح حيّة كلياً» ،وهناك في شعر ليندا ما ينحو هذا المنحى البودليري ،فهل وصلت أزمة عشقها إلى مرحلة تفجير الجدران بين حواسها؟ سؤال سيجيب عليه مستقبلها الشعري .تقول ليندا« :ورجعتُ ألمل ُم عطرك أثر بودليري واضح ،ولكن ذلك ال غجري عن ثوبي /وأض ُّم العطر وألثمهُ/ صدركَ ،أرحل فيه »/في هذا الشعر الجميل ٌ ُ ٌّ ينفي فرادة الصوت عند ليندا نصار ،ألن كثافة أحاسيسها تقودها قودا ً إلى رؤيا اختراقية تهدم الجدران والفواصل بين أحاسيسها.ولنقرأ هذا الشعر الجميل في قول ليندا« :ونبيذ األسرار لذيذ الطعم /لكني أخشى أن يخطر في البال /أخشى أن
اللب لوال القشرة لفسد ّ زينب فايز راضي ت ُ َح ِ ّدثُني عن القشور متسائالً عن جدواها ،متعاليا ً عليها ،مستصغرا ًقدرها ،ال يا صديقي فلوال اللب ،و لطالما كانت القشرة بوابة العبور،واإلناء الناضح بالمكنون و الخبر لما القشرة لفسد ّ سيكون. لست على عجالة من أمري ،فالدفاع عن القشور قضية صفحتي ،فإذا كان قدر القشور ان ترمى – جلّها -فال يجب ان نجعل جزاءها اإلهانة و التحقير إنما العرفان بالجميل . و جميل القشور يبدأ بالقشور التي فطرتها الطبيعة و صنعتها ايدي المبدع األول ،فكانت ملتصقة بما يالزمها متعشقة بأصلها ال تفارقه اال بعنوة حد مسنون ،أعني بها ما نعرف و ما ال نعرف من ثمار و خضار و إنتاج أرض .وليس أسهل من أن نحكم على جودة ما نأكل من اللب «. خالل قشوره فالقشرة بداية و حماية و لوال « القشرة لفسد ّ أعرج على القشور صنيعة االنسان ،و المستقدمة بمهارة المصانع ،و التي سرعان ما تزول و ّ و تؤول الى المنفى و العدم ناكرين لها حسن صنيعها فهي تحمي و تستر و تصون أعني بها كل غالفات الناس و البيوت و المنتجات ،وقدر هذه القشور أنها الى حين و ترمى و هذا عيبنا و ليس عيبها. ّ تأخذن القشور على محمل التهكم و السخرية و الدونية ،إذ للقشور مقامها و عملها. إذا ال ً فلإلنسان قشوره ليس انتهاء بالثياب إنما ابتداء باللسان قشرة الفكر طالما لسان الفتى نصف و نصف فؤاده. سأسهل عليك األمر:أليس من قشرتك – أعني جلدك – نعرف صحتك ما بين اصفرار و احمرار و برودة و سخونة. أليس من قشرتك نعرف عرقك ما بين أسود و أبيض و بقية األلوان. و دعني أقول :أليس ما أول ما يلفتك بالمرأة جمالها وهو قشور!
أليس أول ما يلفتك في البناء شكله وهو قشور! أليس ما يلفتك من مدينة مظاهرها وهي قشور! أليس غالف الكتاب و عنوانه قشورا؟! أليس لون البحر األزرق قشرة أعماقه؟! أليست النجوم و السماء قشورا ً لما وراء؟! ألم يزيّن الخالق حياتنا بالورود و الفاكهة و أحسن التقويم و كل ذلك قشور! أليست حواسنا قشور دواخلنا؟! أليست حدودك قشرة وجودك؟! بل أليس الوجود قشرة الواجد؟! و أيضا ً أليست الدنيا قشور اآلخرة و العاجلة قشور اآلجلة؟! اللب ،و لوال رجا ًء ال تحدثني ثانيةً عن القشور ,فالقشور بوابة العبور و “لوال القشرة لفسد ّ الحب”ّ ، الن سالم أحمد شوقي هو قشرة ذلك اللقاء .و أذكرك قائلةً لطالما أكلنا الكلمة لمات ّ القشور و رمينا النواة و التمرة شاهدة...
ينابيع الذات ..ينابيع القصيدة
«أي خبز فيك يا هذا المطر» قراءة في «مجموعة عمر شبلي ّ الشعرية ّ توطئة
عندمــا تنطلــق الــذات الملتاعــة مــن رحــاب مخزونهــا الثقافــي والمعرفــي واإلنســاني ،فــي رحلــة ّ ّ ّ األمــة وحضارتهــا ،وهــي فــي مراحــل مضنيــة مــن التمـّـزق واألوجــاع واالغتـراب ،مســتلهمة أصالــة ّ
ـرية، مــن التقهقــر والتشـ ّتت والغيــاب .هنــا ،تمضــي تلــك الــذات بــك بعيــداً فــي مجاهيــل النفس البشـ ّ متحيـ اًر أمــام توقهــا الغنــي باألسـرار، ـت ومكنوناتهــا العصيــة علــى الســبر واالكتنــاه .وإذا مــا وقفـ َ ّ ّ ّ ـتعال ال ينطفــىء؛ لتدخــل فــي عوالـ َـم أشـ ّـد غرابــة وأبعــد غــو اًر ،تحتــاج فإّنــك تخــرج مــن لهــب اشـ ٍ وتتبــع نوازعهــا التــي ال تعــرف الحــدود. لتلمــس معالمهــا المتح ّفــزةّ ، إلــى كـٍّـد ومشـّـقة بالغيــن؛ ّ
ورحلتــك فــي عوالــم الشــعر ،مــع الشــاعر عمــر شــبلي ،فــي حرائقــه واشــتعاالته ،وكشــوفاته المتالحقــة ،تدفــع بــك إلــى مرافقتــه فــي تالويــن رحلــة المعانــاة ،وبــوح الــروح التــي ال تعــرف الراحــة والســكينة .وصــدق أبــو تمــام حيــن قــال: «بصرت بالراحةالكبرى فلم َترها َ
ِ التعب». جسر من نال ّإل على ٍ ُت ُ
«أي خبـ ٍـز فيــك يــا هــذا المطــر»، لجـ ُ ـأت يومـاً إلــى دوح القصيــدة فــي مجموعــة عمــر شــبليّ : هربـاً مــن قيــظ (الشــيخ الزمــان) واســتبداده ،وتخّلصـاً مــن الــركام المزمن ،والقحــط والجفاف ،باحثاً جمالياتــه .وجدتنــي عنــد انبثــاق الينابيــع عــن مزايــا الشــعر األصيــل ،وعــن ألـوان اإلبــداع وأفيــاء ّ ـل فــي اســتخدام األســاطير واســتثمارها ،بعضـاً التــي ُتعيــد إلــى المــدارات رجـ َ ـع براءتهــا األولــى ،ولعـ ّ مــن هــذا الرجــع ،أو هــو الوقــوف علــى أط ـراف الكــون ،فــي عالــم بائــس ،بيــن العــدم والخلــود. يكــون لهــذا األخيــر غيــر وجــه وغيــر ســبيل ،ال يعــرف مســالكها ّإل الشــعراء الكبــار .أمــا كان ـق عندمــا قــال: ّ المتنبــي علــى حـ ّ «ذر النفس تأخ ْذ وسعها قبل ِ ِ العمر»؟ ق جاران دارهما بينها فمفتر ٌ ُ ُ َ َ الشعرية حول المجموعة ّ حقــه ،واإلحاطــة ببعــض المالمح أســعى فــي هــذه الصفحــات إلــى إيفــاء هــذا الشــاعر بعــض ّ تضمنتهــا قصائــد المجموعــة .والشــعر يصــدر دائمـاً عــن أرض خصبــة ،هــي أرض الــروح التــي ّ التــي ال تعــرف اليبــاس والجفــاف ،يرفدهــا الحنيــن إلــى ينبــوع الضــوء .وعندمــا تثــور عواصــف المثقــف المتمـّـرد ،وقــد ازدحــم الوعــي والحــدس ربانـاً لروحــه الملتاعــة ،وهــو ّ الــذات تجــد الشــاعر ّ ـعرية ،فــي تلــك الــروح الثائــرة أبــداً ،تنازعهــا صــوت اإلنســان مــن جهــة ،وصــوت المناضــل والشـ ّ
للمجموعــة كّلهــا. اإليقاعية في البنى ّ اإلبداعيــة ،يتكامــل مــن خــال دراســة وتقصــي أبعادهــا ـعرية شــاعر مــا، ّ البحــث فــي شـ ّ ّ جماليــة الشــعر ،إلــى األهمّيــة فــي تحقيــق اإليقاعيــة فــي القصيــدة ،ولإليقــاع دور كبيــر البنيــة ّ ّ ّ جانــب الرؤيــة والتراكيــب والتصويــر الفّنــي .يؤّكــد هــذا القــول مــا نقـ أر مــن إشــارة للشــاعر نفســه ّ ـإن الشــعر لغــة وموســيقى». فــي ّ مقدمــة الكتــاب ،إذ يقــول« :وإذا كانــت الموســيقى لغــة ،فـ ّ ـإن هــذا األخيــر «هــو تأليــف ومــع إمكانيــة تحديــد طبيعــة االنتظــام واال ّتســاق فــي اإليقــاع ،فـ ّ ّ بيــن مجموعــة مــن العناصــر ،يجمــع بيــن النســق والخــروج علــى هــذا النســق ،ويقيــم بيــن هــذه العناصــر عالقــة أو عالقــات ،فــإذا خلــت العناصــر مــن النســق ومــن العالقــات ،فهــي كذلــك خاليــة مــن اإليقــاع» ،بعــض النقــاد» .ومــا يمكــن الوصــول إليــه ،فــي مجــال اإليقــاع فــي الشــعر ،هــو العاديــة .فهــل نجــح عمــر فــي إعــادة تنظيــم اللغــة؟ إن لغــة الشــعر هــي إعــادة تنظيــم اللغــة القــول ّ ّ أن عمــر شــبلي جعــل مــن اإليقــاع عامـاً مســهماً فــي إنتــاج الداللــة؛ قــد نســتطيع التوكيــد ّ أهمّيــة فــي إمــداد الــكالم بأســباب أل ّنــه لــم يعــد ظاهــرة ّ حياديــة ،إّنمــا غــدا مــن أكثــر العناصــر ّ ـاعرية. الشـ ّ إيقاعي ـاً فــي شــعر عمــر ،إذ نجــد ثالث ـاً وثالثيــن قصيــدة مختلفــة الطــول، تنوع ـاً ّ نلحــظ ّ ُبنيــت علــى النســق اإليقاعــي (فعولـ ٌـن) .يتكـ ّـون هــذا النســق مــن مقطعيــن طويليــن ،فــي مقابــل ّ أن الغلبــة الواضحــة للمقاطــع الطويلــة تتــاءم مقطــع واحــد قصيــر ،فمــا داللــة هــذا؟ أغلــب الظـ ّـن ّ مــع الحــال النفسـّـية للشــاعر ،وتكشــف عــن المنــاخ الــذي يحــاول الشــاعر إرســاءه ،وهــذا مرتبــط بالهمــوم والمشــكالت التــي واجههــا عمــر. وإذا مــا أغفلنــا دراســة النبــر والتنغيــم ،والتدويــر والتضميــن ،مــع مــا لهــذه العوامــل مــن دور ـعرية ،بسالســة وعذوبــة ينــدر وجودهمــا فــي كثيــر فاعــل فــي اإليقــاع ،فـ ّ ـإن تتابــع األنســاق الشـ ّ ممــا نق ـرأ ،وهــذا ُيظهــر تم ّكــن الشــاعر مــن اللغــة ،ترفدهــا الموهبــة األصيلــة والخبــرة الطويلــة. ّ (فعولــن) ينطبــق علــى نســق آخــر اســتخدمه الشــاعر ،هــو ومــا قيــل عــن النســق اإليقاعــي ٌ ّ (فاعالتــن) المتكـ ّـون مــن ثالثــة مقاطــع طويلــةـ فــي مقابــل مقطــع واحــد قصيــر ،وهــذا النســق ـتبدت بالشــاعر ،مــن غيــر أن تطمــس شــعاع األمــل .وال يخــرج النســق يوحــي باألحـزان التــي اسـ ّ تؤديــه المقاطــع الطويلــة .وقــد ينســحب هــذا اإليقاعـ ـي (مســتفعلن أو متفاعلــن) عــن الــدور الــذي ّ ّ علــى قصائــد المجموعــة كّلهــا ،وقــد اسـ ُـتخدم فيهــا أنســاق (الكامــل والمتقــارب والخبــب) ،إلــى جانــب المقطوعــات التــي ُبنيــت علــى الشــعر المــوزون المق ّفــى ،مــن غيــر أن تتخّلــى عــن الرؤيــة العامــة للشــاعر ،بــل توافقــت معهــا. ّ
القوميــة ،مــن جهــة أخــرى. المخلــص ـانية و ّ لقضيتــه اإلنسـ ّ ّ ـعرية الشــاعر ومــن الممكــن تحديــد زاويــة الرؤيــة التــي تم ّكننــا مــن النظــر ،بد ّقــة ،إلــى شـ ّ أن مــا يــراه مــن العالــم عمــر شــبلي ،مــا شــعرية الشــاعر ّإل فرادتــه التــي تم ّكــن ثقافتــه مــن ّ ّ ـادة شــعره .إّنــه كشــف عــن أعمــاق هــذا العالــم المرجعــي ،ال كمــا ي ـراه اآلخــرون، المرجعـ ـي مـ ّ ّ ّ خصوصيــة الرؤيــة عنــد عمــر ،فــي هــذه المجموعــة، بســبب مــن اختــاف الــرؤى .حــرّي بنــا تعـّـرف ّ تبيــن علــى وجــه الخصــوص عندمــا ّ قضيــة اإلنســان ،وقــد الزمتــه فــي غيــر مجموعــة مــن مجموعاتــه لنــا عمــق رؤيتــه إلــى ّ النقديــة المتعـ ّـددة. ـعرية التــي ش ـ ّكلت عالمــة نهــوض ،كمــا الزمتــه فــي قراءاتــه ّ الشـ ّ وقــارىء هــذه المجموعــة ،يجــد نفســه أمــام خارطــة «ذات أفــق واســع ممتـ ّـد مــن التاريــخ اثيــة ،وصـوالً إلــى الفّنــي والذاتــي»( ،)1مــع تركيــز مك ّثــف علــى المضاميــن والحضــارة والثقافــة التر ّ ّ ّ بحــق ،عربــي الهــوى والمنــى األخالقيــة .وعمــر هــو شــاعر اإلنســانية و القوميــة و ّ ّ الوطنيــة و ّ ّ ّ ّ والفـؤاد .نلحــظ نــار وجــده المســتعرة أبــداً ،يســترجع صفحــات مــن التاريــخ؛ ويعــود إلــى ومضاتــه مبدعـاً ومجـّـدداً فــي آن معـاً .وتجــده فــي تد ّفقــه ،وآالمــه التــي ال تعــرف الفتــور ،وكأّنــه ينبــع مــن ـادة ـعرية عمــر فــي كونــه جعــل نفســه منتدبـاً؛ لتحويــل ّأيــة مـ ّ ـطورية ،وتتبـّـدى مالمــح شـ ّ جبــال أسـ ّ ـاص. متنوعــة ومتعـ ّـددة ،إلــى دمــه الخـ ّ مــن مـو ّاد إبداعــه ،وهــي ّ سيمائية العنوان في ّ (أي)، يتكــون عنــوان المجموعــة الشــعرية «مــن ّ ّ ّ ســت مفــردات ،بــدأ باســم االســتفهام ّ االســمية .ويتبعــه المضــاف إليــه للســؤال عــن شــيء مفقــود ،وهــو المســند إليــه فــي الجملــة ّ ـادة الحيــاة ،بالنســبة إلــى المجتمــع (خبـ ٍـز) المرتبــط بالحيــاة ،فــي المفهــوم االجتماعـ ـي ،بوصفــه مـ ّ ّ العربــي .وهــذه المفــردة تســتحضر الجــوع الــذي لـ ّـون حيــاة الجماهيــر المســحوقة بأل ـوان القهــر ّ الجــار والمجــرور (فيك)؛لتعّلقهمــا بالمســند المحــذوف (كائــن أو موجــود)، والمعانــاة .ويأتــي ّ طــب ،وجهـاً لوجــه ،للداللــة يتبعــه حــرف النــداء (يــا) والمنــادى مفــردة (هــذا) هــي الحاضــر المخا َ ويضمــر اإلشــارة إلــى الخبــز الــذي ُيشــبع الجائــع ،الشــاعر أم الجماعــة التــي ينتمــي علــى الرجــاءُ ، إليهــا .ويأتــي البــدل مــن (هــذا)( :المطــر) ،وارتبــاط حــرف (الــكاف) بحــرف الجـّـر ،يكشــف عــن العالقــة الوثيقــة التــي تجمــع مــا بيــن الخبــز والعطــاء والخصوبــة والنمــاء ،إلــى جانــب مــا فــي المطــر مــن إيحــاءات ودالالت .فهــل المطــر هــو مطــر الــذات فــي تف ّتحهــا علــى المســتحيل ،أم هــو التعجــب (!) فــي الحضاريــة التــي عصــف بهــا تراكــم المعانــاة؟ ومــا وضــع عالمــة مطــر الــروح ّ ّ ـث روح التفــاؤل التــي يحــرص الشــاعر علــى تناميهــا .وأطعــام نهايــة العنـوان ّإل عالمــة علــى بـ ّ الطريــق ،مهمــا طــال الزمــن .وشــ ّك فلت المفردتــان (خبــز ،المطــر) مفاتيــح الجيــاع هــو بدايــة ف
ن الثا� ،ك 1 عل مهدي زيتون :قراءة ي� مجموعة الشاعر أحمد حافظ “ال ضوء إال ي� أحداق الذئاب” .المنافذ الثقافية ،العدد ي ( )1ي ،2013 ،2ص .66
البحر أنثى!! كيف صار ُ قارب»(.)4 ثم صار َّ ُ الحوت ْ ـؤدي الحــرف الشــديد (البــاء) مــع ي ّتحــد اإليقــاع بالتعبيــر ،ترفدهمــا القافيــة والــرو ّي ،ويـ ّ محببــة إلــى النفــس ،فــي إطــار مــن السالســة والعذوبــة؛ الحــرف المعتــدل الشـّـدة (الميــم) جماليــة ّ ّ تأملهــا أكثــر مــن لتســهم جميعـاً فــي نقــل الرؤيــة التــي رمــى إليهــا الشــاعر .والنمــاذج التــي يمكــن ّ أن ُتحصــى. في المستوى التركيبي ّ
ـعرية ،ونلحــظ علــى مســتوى ـؤدي المســتوى التركيبــي دو اًر كبيــر يـ ّ األهمّيــة فــي إنتــاج الشـ ّ ّ ّ التركيــب ،وجــود ســبعة مــن أســماء الفاعليــن ،ثالثــة منهــا مرتبطــة بقــوى الشــر والظــام ّ (الظالمــون ،اآلكلــون ،القاتلــون) ،ترتبــط األســماء الباقيــة بممّثلــي المعانــاة والســعي الــى التغييــر ـام. .وهــذا ُيظهــر جانب ـاً مــن رؤيــة الشــاعر إلــى الص ـراع الدائــر ،علــى المســتوى العـ ّ ـل فــي الزيــادة فــي جمــوع التكســير ( 12اســماً فــي القصيــدة) ،مــا يشــير إلــى اختــال ولعـ ّ نوعيــة األســماء الداّلــة علــى فــي الواقــع ،وهــذا مــا يؤلــم الشــاعر ،فهــو ينعكــس علــى اختــال فــي ّ ـدي بيــن الخيــر والشـّـر ،النــور والظالم...الــخ. الجمــع ،تعبيـ اًر عــن وجــه مــن أوجــه الصـراع األبـ ّ يؤيــد هــذا القــول ،فــإذا كان عــدد األفعــال وربمــا يكــون فــي توزيــع األفعــال الصحيحــة والمعتّلــة مــا ّ ّ أن الصحيحــة اثنيــن وســبعين فعـاً ،فعــدد األفعــال المعتّلــة اثنــا عشــر فعـاً .والالفــت فــي األمــر ّ يؤشــر إلــى حجــم معانــاة الشــاعر النفسـّـية، أغلــب هــذا النــوع مــن األفعــال ينتهــي بـ(يــاء) ،وهــذا ّ هــذه المعانــاة التــي تتبـ ّـدى مالمحهــا فــي غيــر ســطر مــن أســطر القصيــدة. ـاعرية الشــاعر وباالمــكان القــول ّ إن هــذا األنمــوذج مــن التراكيــب قــد ســلط الضــوء علــى شـ ّ الضاربــة فــي أعمــاق اإلبــداع والموهبــة. «إمــا للتعبيــر عــن قــد يلجــأ الشــاعر إلــى تكـرار مفــردات بعينهــا ،لغايــة مقصــودة ،ويكــون ّ إمــا للتلـ ّذذ ،أو التعظيــم ،أو مــا شــاكل ذلــك»( .)5يــدرك هـ ٍّـم وحاجــة متعّلقيــن بالكلمــة المكـّـررة ،و ّ أهمّيــة التك ـرار فــي القصيــدة ،لذلــك نجــده يســتخدمه فــي غيــر قصيــدة لــه .مــن الشــاعر عمــر ّ نماذجــه قولــه فــي قصيــدة «أشــعار عنــد مدخــل الزنزانــة»: ِ ولكن قبض ٌة ظّل ْت البابْ ، «أُغل َق ُ تدق. على الباب ُّ
أمي ّ ربما قبض ُة ّ 4 5
) م .ن .ص ( .35 عل مهدي زيتون :النص الشعري المقاوم في لبنان .ص ( .236 ) ي
اإليقاعيــة فــي القصيــدة الواحــدة ،غيــر مـّـرة ،وهــذا عمــد عمــر إلــى التنويــع فــي األنســاق ّ معــروف عنــد شــعراء الحداثــة ،كمــا فــي بعــض قصائــد أســتاذ الحداثــة (بــدر شــاكر الســياب). إيقاعييــن( :فعولــن، (أمــي) مــن مقطعيــن طويليــن ،وقــد ُبنيــت علــى نســقين ّ تشـ ّكلت قصيــدة ّ متفاعلــن) ،وتكـ ّـون النســق الثانــي مــن خمســة وسـ ّتين نســقاً ،فيهــا مئــة وخمســة وتســعين مقطعـاً يؤشــر إلــى التفــاؤل الــذي يطغــى علــى قصي ـ اًر ،فــي مقابــل مئــة وثالثيــن مقطع ـاً طوي ـاً .هــذا ّ ـام للقصيــدة قائــم علــى األحـزان واآلالم : القســم الثانــي مــن القصيــدة ،مــع ّ أن المنــاخ العـ ّ قاحل غيم ٌ «وإذا بدا في اإل ْف ِق ٌ تنضب أبصرت فيها غيم ًة ال األمطار فيها»(.)2 ُ ُ ُ
ـلبياً ،مــن خــال المقارنــة بالمقطــع الثانــي، األول مــن القصيــدة مناخ ـاً سـ ّ ُيرســي القســم ّ وإذا مــا كان النســق (فعولــن) يتكـ ّـون مــن مقطعيــن طويليــن ،فــي مقابــل مقطــع قصيــر واحــد، ـإن الرتابــة التــي يبعــث بهــا هــذا النســق ،مــن خــال تكـراره ،تكشــف عــن حجــم معانــاة الشــاعر، فـ ّ ـعرية ،إلــى جانــب اإليقــاع: األم .وتتبـ ّـدى المفارقــة فــي الصــورة الشـ ّ وإحساســه بالفجيعــة لفقــدان ّ ومشانق». مشاجب «نشقى ،وتزهر في القصور ٌ ٌ يمكــن التوّقــف أمــام قصيــدة «أنــا والذئــب والريــاح»( )3ومراقبــة الــدور الــذي ّأدتــه الجمــل ـائية، الخبريــة فــي ويظهــر اإلحصــاء وجــود ثالثيــن جملــة إنشـ ّ ّ ـائية و ّ اإلنشـ ّ تنغيميــة القصيــدةُ . وتوزعــت هــذه األخيــرة أســاليب خبريــة ،أي مــا يعــادل الضعفيــنّ . فــي مقابــل أربــع وسـ ّتين جملــة ّ ـص اإلخبــار والشــرط واالســتدراك والنفــي .وتفـ ّـوق هــذا النــوع مــن الجمــل يؤّكــد للقــارىء ّ أن النـ ّ الوجدانيــة، يعبــر عــن سـ َـور االنفعــال والــذات ّ ممــا ّ وتأملهــا ،أكثــر ّ قائــم علــى صــوغ التجربــةّ ، واالنســياق وراءهــا. إيقاعيــة الشــعر ،وفــي األهمّيــة فــي يؤديــان دو اًر كبيــر إن القافيــة والــرو ّي ّ مــن نافــل القــول ّ ّ ّ جماليتــه .وهــذا مــا فطــن إليــه أغلــب شــعراء الحداثــة ،فنراهــم يحرصــون تحقيــق جــزء كبيــر مــن ّ علــى اســتخدام القافيــة والــرو ّي ،واالكثــار منهمــا أحيانـاً .ولــم يشـ ّذ عمــر شــبلي عــن هــذا التوجــه، بجماليــة رفيعــة يهمــه هــو نقــل الرؤيــة والتعبيــر عــن الفكــرة، ّ إذ يرفــض التصّنــع والتزييــن ،ومــا ّ جماليــات اســتخدام القافيــة والــرو ّي قــول الشــاعر: المســتوى .ومــن ّ أحس البحر ِ قاد ْم ولكن عندما أبكي ُّ «أنا ال أدريْ ، َ قادم وأرى زور َق عمري فوق ظهر ِ الموج ْ هل أتاكم نبأُ البحر وذي النون المغاضب!!! ْ
2 3
) عمر شبلي :أي خبز فيك يا هذا المطر .ص ( .104 ) م .ن .ص ( .155
التضــاد ،يجــد األمــر نفســه فــي شــعر عمــر ،مــن خــروج علــى النظــام َمــن يقــف عنــد ّ اللغــو ّي .يقــول فــي القصيــدة ذاتهــا: «كان قلبي دائماً يغفو على الباب ويصحو
ناط اًر ما ليس يأتي
يعود وإذا ناديته ح ّتى ْ كان يأبى».
التضــاد مــا بيــن الغفــو والصحــو ،وتماثــا فــي االنتظــار .الفعــان فــي صيغــة أُســقط ّ المضــارع ،وهمــا معتـاّ ن ،يكشــفان عــن تمـّـرس الشــاعر بالمعجــم اللغــو ّي ،وإدراك معاني مفرداته. وكذلــك األمــر بالنســبة إلــى الفعلين(يعــود ،يأبــى) .ومــع مــا بينهمــا مــن اختــاف ،يتوافقــان فــي انتظــار مــا ليــس يأتــي ،وهــو فعــل القلــب الــذي يقــول فــي القصيــدة عينهــا: مسافه «أعطني حزناً فأعطيك ْ
عام». ٍ باب خلف ٍ موصد عشرين ْ
أن الحــزن قــد غــدا ،وهــو خلــف البــاب تــرى ،هــل ســاوى الشــاعر بيــن الحــزن والمســافة؟ أم ّ الموصــد ،ســبيالً إلــى الرؤيــة التــي تقــرع باب المســتحيل. غنيــة بالنك ـرات المنثــورة فــي أســطر القصائــد ،كـ(شــوق ،زمــزم، ـعرية ّ مجموعــة عمــر الشـ ّ شــرق ،خصــب ،زنزانــة ،كالم ،قبضــة ،طفــل ،مســافة ،أســرى ،صحــراء ،بــاب ،صخــرة ،).. عامــة ،ولتنكيرهــا داللــة ،هــي وضعهــا فــي وعشـرات مــن األســماء غيرهــا .هــي أســماء لمسـ ّـميات ّ دل هــذ ـام .وإن ّ مرتبــة دون مرتبــة اإلنســان والحيــاة اللذيــن جــاءت كلماتهمــا معرفــة ،بشــكل عـ ّ أن اإلنســان والحيــاة همــا القيمــة التــي ال تعدلهــا ّأيــة قيمــة ،وعلــى ـدل علــى ّ علــى شــيء ،فإّنمــا يـ ّ أساســهما تتحـ ّـدد المواقــف والخيــارات. ثمــة أمــر آخــر ،يتم ّثــل فــي حـوار أقامــه الشــاعر مــع نفســه أو مــع اآلخــر ،يتمحمــور حــول ّ الشــعرية أن المجموعــة الروحيــة و طبيعــة اإلنســان ،وحاجاتــه النفســية و ّ المادّيــة ،وهــذا يعنــي ّ ّ ّ ّ نتفيــأ ظاللهــا .ويجــد القــارئ الثقافيــة و تحــاور أســئلة طرحتهــا المرحلــة التاريخيــة التــي مــا زلنــا ّ ّ ّ نفســه فــي عالــم علــى مســافة مــن العالــم الواقعــي ،يقــوم علــى رؤيــة الشــاعر ،وانفعالــه الــذي ّ تأســس علــى مــا عنــد الشــاعر عمــر مــن همــوم واهتمامــات. ّ الفنية ودالالتها الصور ّ جماليــة الشــعر، تؤديــه الصــور الفّنّيــة فــي تحقيــق لــم يغــب عــن بــال عمــر الــدور الــذي ّ ّ لذلــك حفلــت قصائــد المجموعــة بغيــر صــورة مبتكــرة ،ومــع وجــود بعــض التشــابيه ،والكنايــات، كان لالســتعارة نصيــب وافــر منهــا.
سجن ربما قبض ُة ٍ يقبل أن ُي َ ّ طفل كان ال ُ ح ّتى في الرياح
ربما قبضة َمن كان على البيدر يعطيني الرغيف ّ ينام ّ ربما قبض ُة َمن ليس ْ باب المستحيل»(.)6 ربما الرؤيا التي ُ ّ تقرع َ ْ كـ ّـرر الشــاعر مفــردة (قبضــة) خمــس مـ ّـرات فــي هــذه األســطر ،وحضــور هــذه المفــردة عمــا تعنيــه ،فــي معناهــا القاموســي، بهــذه الوتيــرة هــو حضــور اسـ ـتثنائي ،يتطّلــب درســه بمعــزل ّ ّ ّ ـياقية .تخــرج عمــا فعلتــه التراكيــب فــي داللــة هــذه المفــردة ،مــن الناحيــة السـ ّ وبصــرف النظــر ّ بأهمّيــة قــرع البــاب ،وإص ـرار (القبضــة) مــن مجـّـرد جمــع األصابــع والكـ ّ ـف ،لتغــدو حدس ـاً يشــي ّ كيفيــة التخّلص القــارع علــى فتحــه ،ورغبتــه فــي االنفتــاح علــى العالــم الخارجـ ـي .ومعرفــة الشــاعر ّ ّ ـب علــى هاجــس االصـرار علــى مــن ســلطة المعجــم المتعّلقــة بهــذه الكلمــة ،جعلــت التركيــز ينصـ ّ التغييــر .لقــد كان التك ـرار واضــح الوظيفــة فــي القصيــدة ،كمــا هــو واضــح فــي مقاومــة ســلطة اللغــة ،ويخــرج إلــى تصنيــف متناســب مــع ذات الشــاعر ،ورؤيتهــا إلــى الوجــود والكــون. أن يـ ّ دالليـاً يشــابه دور التكـرار ،فــي أثنــاء وروده فــي القصيــدةُ .يلحــظ ّ ـؤدي التـرادف دو اًر ّ ـاد ،فــي قصيــدة « أشــعار عنــد مدخــل الزنزانــة» .يقــول الشــاعر عمــر قــد أفــاد مــن التـرادف والتضـ ّ الشاعر: «كيف تمحموني وتدري، أّنني ما زلت من شيء الحضور؟»(.)7 األول إزالــة مــا وجهــي المحــو والحضــور ،فــي ّ ألغــى الشــاعر جوانــب االختــاف مــا بيــن َ (أن) ،فانتفــى أن الثانــي إثبــات ،أ ّكــده اســتخدام (الحــرف المشـّـبه بالفعــل ّ هــو موجــود ،فــي حيــن ّ التناقــض الحاصــل. فــي هــذا خــروج علــى النظــام اللغــو ّي ،بقواعــده ،ودخــول فــي النظــام الســيمائي .هــي ّ شــاعرية حّقــة ال تخفــى علــى دارس شــعر عمــر .وفــي مقطــع آخــر مــن القصيــدة ذاتهــا يقــول: ّ الطويل الليل ْ «يا صديقيّ ،أيها ُ أنام؟». لم ال ُ أقدر ليالً أن ْ َ
األول م ّتســع مــن الوقــت مـّـرة أخــرى ،اختفــى االختــاف مــا بيــن الليــل والنــوم ،مــع ّ أن فــي ّ أي إنســان. لتحقيــق الثانــي الــذي يتطّلبــه جســد ّ
6 7
) عمر شبل :أي ب ز خ� فيك يا هذا المطر .ص ( .23-24 ي ) م .ن .ص ( .25
الذاتيــة التــي تم ّكــن مــن تحقيــق القــوة ّ والوحشــة ،أو االنطــاق فــي مرحلــة جديــدة ،قوامهــا ّ الغايــات المرجـ ّـوة.. وفي قصيدة أخرى يقول: «ونحن لنا جوعنا سنمزق أرغفة الظالمين ،وما نسجوا من رياء»(.)12 ّ تعبــر عــن غيــظ وغضب، ادي ،يمارســه اإلنســان بمــا يشــبه ّ ردة الفعــل التــي ّ التمزيــق فعــل إر ّ أن وتمزيــق أرغفــة الظالميــن تومــىء إلــى كنايــة عــن الرغبــة فــي التعويــض عــن الجــوع ،فــي حيــن ّ هويــة جديــدة .وعلــى هــذا« ،تبقــى الصــورة عصــب المعطــوف يشــير إلــى اســتعارة أكســبت الريــاء ّ اإليحائيــة ،إلــى دخــول عالــم القصيــدة، الشــعر؛ أل ّنهــا قــادرة علــى قيــادة القــارىء ،بفضــل طاقتهــا ّ وتاليـاً ،عالــم الشــاعر الشــعرّي»( .)13ومــن الصــور المدهشــة قــول عمــر: «متى يشح ُذ الجائعون نواجذهم للصالة على ج ّثة الجوع؟»(.)14 ـل إذا كان فعــل شــحذ األدوات المعدنيــة مــن أجــل القطــع ،فـ ّ ّ ـإن نواجــذ الجائعيــن قــد حلــت محـ ّ هويتهــا توافقـاً تغيــرت ّ هــذه األدوات ،ولكــن ليــس مــن أجــل القطــع ،إّنمــا مــن أجــل الصــاة التــي ّ كل ماخــذ .وتشــييء الجــوع يشــير إلــى إحــداث التغيي ـرات مــع الجماعــة التــي أخــذ بهــا الجــوع ّ التــي يأمــل الشــاعر حصولهــا .هــي صــورة فّنّيــة ناجحــةُ ،تظهــر براعــة الشــاعر ،وحرصــه علــى الجماليــة فــي الشــعر. تحّقــق ّ األساطير والرموز ودالالتها اســتثمر الشــاعر عمــر المنهــج األســطورّي فــي قصائــده ،كــون األســطورة مصــدر إلهــام، جوهريــاً فــي حيــاة اإلنســان .واألســطورة فــي لــه ولغيــره مــن الشــعراء الذيــن أروا فيهــا عامــاً ّ بمخيلــة الشــعوب ،كمــا فعاليــة منهــا فــي عصــور خلــت؛ أل ّنهــا ترتبــط ّ الحضــارة الحديثــة أكثــر ّ ـاس مــع الكــون. ترتبــط بالب ـراءة األولــى ،يــوم كان اإلنســان البدائـ ـي علــى تمـ ّ ّ تفهــم الشــاعر روح األســاطير ،وتجّلــى ذلــك الفهــم فــي التعبيــر عــن روح أســطورّي .وقــد ّ يكــون ذلــك لصنــع أســاطير العصــر ،مــا يســاعدهم هــو االســتعداد الدائــم لالســتجابة لألشــياء ـطورية. وبطريقــة أسـ ّ رمزيــة، تجّلــت فــي نفــس الشــاعر عوالــم مختلفــة ،فعــاد ليش ـ ّكلها، ويطورهــا فــي أشــكال ّ ّ 12 1 3 14
) م .ن .ص ( .158 ي ن البستا� :الصورة الشعرية .ص ( .35 صبح ) ي أي ز خ� فيك يا هذا المطر .ص ( .160 شبل: ب ) عمر ي
نعثر على بعض التشابيه الجميلة ،كقوله: أتوض ْأ «أيها القهر بطهر اإلث ِم دعني ّ ّ ُ يوجد كاإلث ِم سماء»(.)8 في دمي ُ ْ غيرهــا مــا بيــن اإلثــم والســماء عالقــة تنافــر وتناقــض ،وقــد يعنــي هــذا ّ هويــة اإلثــم قــد ّ أن ّ التشــبيه؛ لتشــير إلــى االرتقــاء الــذي أحدثتــه التحـ ّـوالت العميقــة ،وهــذا يؤّكــد الــدور الــذي ّأداه التشــبيه فــي التعبيــر عــن انفعــال الشــاعر. ويقول عمر عن المنازل التي لم تفارقه في غربته: ِ الطريق ال على «ح ّتى المنازل ال تز ُ كأّنها تمشي إلينا كّلما جعنا إليها
هربت مثل أمني ٍة فإن راودتها ْ َ وألغاها السراب»(.)9
كل مــن المشـّـبه والمشـّـبه بــه ،لقــد شـ ّخص المنــازل وهــي أحــدث الشــاعر تغييـ اًر فــي ّ هويــة ّ المشـّـبه ،وهــذا وجــه مــن أوجــه االســتعارة ،يكشــف فيهــا عــن ارتباطــه بالمــكان| الوطــن .والمشـّـبه ـدل علــى موهبــة شــاعر ،أدرك الــدور الــذي بــه هــو األمنيــة التــي شـ ّخصها أيضـاً ،وهــذا التغييــر يـ ّ جماليــة الشــعر وثـراء الفكــر ،ووســيلة لرســم الواقــع ،أو رســم رؤيــة يؤديــه التشــبيه فــي تحقيــق ّ ّ أن عنــه ،بمعنــى رؤيــة العالــم .وســياق القصيــدة «هــو الــذي ُيكســب التشــبيه مجازيتــه ،بفعــل ّ أن أفــكاره ال تكــون بالضــرورة عناصــر ـص ،و ّ تركيبــه يجعلــه شــيئاً مضافــا 0إلــى موةضــوع النـ ّ الموضــوع المطروحــة ،وإّنمــا هــي مــن خــارج الموضــوع ،تســاعد فقــط علــى توضيحــه»(.)10 تكاملية ،كما في قول الشاعر: ونلحظ الترابط بين الصور في عالقة ّ «وطني ينأى ،وعندي كان ما يكفي من الحز ِن،
لكن لتفسير صهيل الريح حول «الكم ِب»ْ ، ْ َمن سيعطينا الخيول؟»(.)11
8 9 10 11
ينطــوي الســطر األول علــى اســتعارة ،تتبعهــا كنايــة فــي الســطر األخيــر .وإذا كان الصهيــل هويــة جديــدة، هويتهــا مــن صفــات الخيــول ،فـ ّ األصليــةُ ،ليكســبها ّ ّ ـإن الشــاعر أخــرج الريــح عــن ّ كنائيــة ،تقــوم علــى المعنــى البعيــد الــذي ُيظهــر مــن خاللهــا حجــم معاناتــه .ينتقــل إلــى صــورة ّ الحقيقيــة ،بــل الوســيلة التــي تم ّكنــه مــن مغــادرة الســجن يرمــي إليــه ،فهــو ال يقصــد الخيــول ّ
) عمر شبل :أي ب ز خ� فيك يا هذا المطر .ص ( .52 ي ) م .ن .ص ( .182 ) عدنان بن ذريل :اللغة والبالغة .ص ( .131 ) عمر شبلي :أي خبز فيك يا هذا المطر ..ص ( .25
ـؤدي إلــى القــول بمحاولــة الشــاعر إضفــاء وفــي مــدركات وصـ َـو ٍر مــن التعبيــر مجازيــة ،وهــذا يـ ّ ّ اإلنســان علــى تجربتــه فــي مجملهــا الشــكل الخيالــي والداللــة. ّ
رمزيــة ،هــي أقــدم صــورة مــن صــور يســعى الشــاعر إلــى تقديــم تجربتــه ،مــن خــال صــورة ّ التعبيــر ،وأصدقهــا .والشــاعر الحقيقــي يســتثمر األســاس الــذي تقــوم عليــه األفــكار .يمكــن أن ّ ـفياً؛ أل ّنهــا تضــرب تكــون األســطورة صــورة عريضــةُ ،تكســب وقائــع الحيــاة العاديــة مضمونـاً فلسـ ّ ّ ـل النشــاط األســاس لحركــة اإلنســان كّلهــا. عميقـاً فــي أعمــاق النفــس البشـ ّ ـرية ،وتظـ ّ الروحيــة ،عــن طريــق األســطورة ،مــن جهــة، قــد يتم ّكــن الشــاعر مــن إرضــاء حاجاتــه ّ وكذلــك حاجتــه إلــى الت ـوازن مــع المجتمــع ،مــن جهــة أخــرى .علــى هــذا ،يعمــل الشــاعر علــى إخضــاع غيــر المــدرك ،وإدخالــه فــي نطــاق المــدرك .وقيمــة الشــعر ال تكمــن فــي مشــاعرنا ،ولكــن فــي مــا نصنــع مــن صـ َـور .ويمكــن التســاؤل :هــل اســتطاع الشــاعر تحقيــق التكامــل بيــن الــروح ـادة ،بيــن الشــعر والحيــاة؟ والمـ ّ
اإللــه أبكي على خبز ْ
أبكي على الطين اإللــهي المسور.)16(».. ّ ّ
قـّـدم الشــاعر الفكــرة بأســلوب رمــزّي ،ينهــل مــن األســطورة مــا ال ينضــب ،كشــف بوســاطته عــن معاناتــه وهمومــه ،واســتطاع أن يقنــع القــارىء بصـواب رؤيتــه. انبثاق الضوء ـاغ إلــى مصــدر الضــوء ،واالهتــداء بــه فــي ظلمــات الســجن فــي شــعر عمــر شــبلي حنيــن طـ ٍ والغربــة ،كمــا فــي زمــن االنهيــارات الكبــرى .والضــوء فــي شــعر عمــر شــبلي شــديد الســطوع؛ أل ّنــه مأخــوذ مــن التـراب .يعثــر الــدارس علــى ورود مفــردة (الضــوء) ،مــع مــا يتفـّـرع منهــا ،ويرتبــط بهــا، أن تك ـرار مفــردة (الظــام) ،ومتعّلقاتهــا ،وردت خمســين مـّـرة، ثمانيــة وخمســين مـّـرة ،فــي حيــن ّ مرتبطــة بالمعانــاة المزمنــة ،وبسلســلة مــن التراجعــات الموجعــة ،علــى مســتوى الفــرد والجماعــة. األمــة علــى تجــاوز المحــن، دل هــذا علــى شــيء ،فإّنمــا ّ وإن ّ يــدل علــى ثقــة الشــاعر بقــدرة ّ الجوانــي هــو األســاس ،وهــو البيــن ّ ـل مــن ّ أن عالــم الشــاعر ّ والنهــوض بعــد كبـوات وكبـوات .ولعـ ّ المنطلــق الــذي يهــب الضــوء للــذات ،بــل هــو النبــع الــذي يضــيء: «أيها القلب القديم ّ مرًة أخرى أمامك ْ ّ
سوف أخبو و أضيء»(.)17 ْ
هــي نــوع مــن إضــاءة للعالــم الخارجــي المظلــم ،للوجــود الــذي يحمــل عالمــة علــى عالمنــا ّ ـل يومــض ح ّتــى وإن كان محتجب ـاً .ومــا اإلضــاءة ّإل عالمــة المدمــى بالمآســي ،ومــع ذلــك ،يظـ ّ ّ علــى التشـّـبث باألمــل ،والثقــة بمســتقبل أفضــل .نتســاءل :هــل هــو مســعى روحانــي جائــع دائمـاً، ّ أم هــي رؤيــا ر ٍاء علــى دروب األشــاء المبعثــرة؟ يقــول الشــاعر: أكن وحدي هناك. «كنت وحدي ،غير أّني لم ْ ُ ورجال آخرو ْن ضوء، عيني كان في َّ ٌ ٌ يعبرون الحصار»(.)18 أسالك الموت والمنفى و َ َ ْ هنــا بعــض مــن تفــاؤل وبعــض مــن أمــل ،والعبــور قيامــة ،وتلــوح فــي األفــق بــروق الثــورة المصطبغــة بالــدم ،فــي فلســطين وغيــر فلســطين .والضــوء ينبــوع الثقــة بالقــادم مــن الزمــن ،مهمــا طــال االنتظــار. 1 6 17 18
ّ ز خ� فيك يا هذا المطر .ص ( .117 شبل :أي ب ) عمر ي ) م .ن .ص ( .51 ) م .ن .ص ( .24
نجــح الشــاعر عمــر فــي تحقيــق هــذا التكامــل ،عندمــا خــرج علــى اللغــة المســتهلكة ،وكتــب ألن بلغــة أصيلــة ،تكمــن فــي أغ ـوار النفــس ،مــن خــال لغــة الرمــوز التــي أتقــن اســتخدامها ّ يتحقــق معنــى اإلبــداع فــي الشــعر. قيمــة الرمــز فــي وجــوده ،حيــث ّ ـطورية التي أحســن الشــاعر عمر اســتثمارها يجد الدارس مجموعة كبيرة من الرموز األسـ ّ خاص ـاً بعالــم المجموعــة ،تغـ ّذى مــن لبانهــا؛ ح ّتــى اســتوى فــي مجموعتــه ،ونجــد منهــا مــا كان ّ ـوياً ،وبعضهــا ضــارب فــي المــوروث الدينــي والثقافــي والتاريخــي ..وغيرهــا. دالليـاً سـ ّ كائـ ًـن ّ ّ ّ ّ
الدينيــة ،كأنبيــاء مثــل (موســى، اســتثمر الشــاعر األســاطير التــي ت ّتكــىء علــى المضاميــن ّ يوســف ،يونــس ،يعقــوب ..وغيرهــم) .أفــاد عمــر مــن التاريــخ العربــي القديــم ،فاســتخدم رمــو اًز كـــ ّ (كليــب ،بنــي هــال ،وروايــات ألــف ليلــة وليلــة) ،وال ينســى عمــر األســاطير القديمــة ،كأســطورة (جلجامــش ،أوليــس) ،وعــرف كيــف يسـ ّخرها جميعـاً فــي خدمــة غرضــه الشــعرّي. ـعرية ناجحــة ،فــي شــعر عمــر ،تجــد فــي هــذه الرمــوز مــا يعثــر ّ المتلقــي علــى رمــوز شـ ّ الحســي ،ويتـ ّـم التعبيــر عنــه يجمــع بيــن الصيــرورة والكينونــة :األولــى هــي صيــرورة المظهــر ّ ّ المجازيــة .والمقصــود بالثانيــة كينونــة بالنشــاط التخييلــي الــذي يتم ّثــل فــي الصــور واإلشــارات ّ ّ األول. األشــياء بتســميتها علــى مــا هــي عليــه ،عبــر التو ّغــل فــي لبابهــا وأساســها ّ توّقــف عمــر أمــام استســقاء النبــي موســى (ع) ،ومناجــاة هللا علــى الطــور ،والنــار التــي (آنسـ ّ ـها)،إل أّنــه أجــرى تعديــات تتوافــق مــع رؤيتــه ،مــن غيــر أن يفقــد الرمــز األســطورّي شــيئاً توهجــه وتأّلقــه .يقــول عمــر: مــن ّ «وكان رعاة قدامى بصدري
ِ السقاء، وبنت ٍ ُ (شعيب) تريد ّ وجئت أذود السقا َة عن البئر، ُ
ِ القدس»(.)15 عت مئذن َة لكّنني وضي ُ ضي ُ عت بئريّ ، اليوم ّ َ
يحمــل الرمــز مــا يتــاءم مــع ســياق القصيــدة ،بعــد أن أجــرى مــا يجــده اســتطاع عمــر أن ّ مناســباً مــن تعديــل ،وفــي هــذا فّنّيــة ال تخفــى علــى القــارىء .ويســتثمر أســطورة (جلجامــش)، فيقــول: «جلجامش نسي الحياة بحلق أفعى، ٌ
انهمرت وراءها و ُ 15
ز خ� فيك يا هذا المطر .ص ( .198 شبل :أي ب ) عمر ي
عنــده نزيــف موجــع ،ومــا ذلــك إالّ أل ّنــه صــادق فــي مــا يكتــب ،وصــادق مبــدع فــي مــا يصــوغ مــن متلونـاً قصائــد .أراه رائيـاً فــي مــا يختــزن مــن مواجــد ،ومشـ ّ ـكلية نتاجــه هــي مــع تلــك الــروح ،تـراه ّ بالحــزن واألســى. ـل وردت مفــردة الحــزن ،ومــا يتعّلــق بهــا ،تســعاً وأربعيــن مـّـرة ،عبــر قصائــد المجموعــة ،ولعـ ّ هــذا العــدد الكبيــر مرتبــط بالحــال النفسـّـية التــي اســتحكمت بالشــاعر ،واألمــر األقــرب إلــى التعليــل ـؤدي إلــى الحــزن، ـتمرت عقــوداً مــن الزمــن .فاالنكســار يـ ّ هــو عمــق المعانــاة ّ وحدتهــا ،وقــد اسـ ّ وكذلــك مواطــن التخّلــف واالســتئثار بالســلطة ،والوقــوف فــي وجــه حركــة التاريــخ التــي ال تعــرف متعرجــة. التراجــع ،ح ّتــى وإن كانــت المســيرة ّ ـب عشــقاً ،ال يبقــى مجــال للكراهيــة ،وهــذا ملمــح إنســاني شــديد عندمــا يغــدو ســطوع الحـ ّ ّ ـان فجرينــا هنــا ،ياســيدي ،مختلفـ ْ الوضــوح فــي شــعر عمــرّ : «إن َ هك»(.)20 رغم هذا ،فأنا لن أكر ْ
20
) م .ن .ص ( .42
لقــد وعــى الشــاعر روح التاريــخ وحركتــه ،وعندمــا رأى الدمــوع تســيل مــن مآقــي األنهــار نتلمــس االنفعــال الســاطع فــي شــعره ،وهــل يكــون الشــعر شــع اًر إذا لــم والفقـراء ،كان ّ طبيعيـاً أن ّ ـدياً ،جعلتــه ينصــت لنبضــات قلبــه، الحقيقيــة، يكــن صــاد اًر عــن االنفعــال؟ والمعانــاة روحيـاً وجسـ ّ ّ ّ وجعلــت روحــه خصبــة خصوبــة ســهل البقــاع ،وكريمــة كــرم «الصويــرة». وقرويتــه ،علــى مــدى عقــود مــن الزمــن ،مــا زال ـعريته ّ والشــاعر عمــر شــبلي ،القــادم مــن شـ ّ ـعريته الجميلــة ...علــى بيــادر الزمــان ،يكيــل الحنطــة مفتونـاً و»مســكوناً بصويرتــه الفاتنــة وشـ ّ ـل للفقـراء» ،كمــا يقــول عنــه الدكتــور علــي مهــدي زيتــون .ومــع القهــر والســجن والظــام ،لــم يتخـ ّ الشــاعر عــن شــعريته وصويرتــه ،بــل راح يغتــرف مــن ينابيــع ذاتــه المتأّلقــة بالضــوء والرؤيــا، كالمتنبــي وحافــظ الشــيرازي وطاغــور ،تعبي ـ اًر عــن موقــف ثقافــي كبيــر ،ح ّتــى فــي وكان شــعره، ّ ّ ـل األزمــة المديــدة التــي هـ ّـددت كيانــه بالتالشــي والفنــاء. ظـ ّ ـل خــوض معــارك ـانية و ّ لــم ُتشــغل األزمــة الشــاعر عــن الثقافــة ،بأبعادهــا اإلنسـ ّ القوميــة ،ولعـ ّ ـعرية ،وهــي تحمــل رؤيــة الشــاعر إلــى العالــم ،انطالق ـاً مــن الحيــاة ،لــم ُيبعــده عــن فرادتــه الشـ ّ ـوعية عميقــة ،تضــرب البرانــي ،بارتكازهــا علــى مــا تراكــم عنــده مــن ثقافــة موسـ ّ الجوانــي و ّ العالميــن ّ َ بجذورهــا فــي أعمــاق التـراث العربــي واإلنســاني الفســيحين ،ترفدهــا قناعــات وهمــوم واهتمامــات، ّ ّ الثقافيــة التــي ال تشــاكلها بصمــة أخــرى .ورؤيــة الشــاعر عمــر وهــذه كّلهــا ،تشــ ّكل بصمتــه ّ ذاتي ـاً المتميــزة تجعــل األشــياء غيــر األشــياء ،والعالقــات غيــر العالقــات ،ويغــد ذلــك كّلــه فّنّي ـاً ّ ّ بامتيــاز. ـص احتمالــي األبعــاد ،قابــل للقـراءات المتعـ ّـددة ،تكمــن ّ ـص الشــعرّي قـراءة لنـ ّ إن قـراءة النـ ّ ّ فــي بنيتــه الفّنّيــة تلــك المفاتيــح التــي تفضــي إلــى مــا يريــد قولــه .هــا هــو يقــول أيضـاً: الليل هنا يا سيدي ّ «ربما ُ وزمان مكان أي ٍ ْ ُ أفضل من ّ
الضوء ليالً في د ِم اإلنسان يؤذي»(.)19 يصير هكذا حين ُ ُ لســنا هنــا أمــام مفاضلــة مــا بيــن الليــل والضيــاء ،ولكّننــا أمــام بريــق ســاطع ،منبتــه الــذات تغيــر فــي حقيقــة األحــداث الجســام تتلمــس ســبل الرجــاء ،وهــي فــي تحديقهــا باألعلــى ّ التــي راحــت ّ التــي تمــور بهــا الــروح .وإذا لــم يكــن األمــر كذلــك ،فكيــف يمكــن تفســير الحضــور الكثيــف بحتميــة الثــورة ،ىــإذ ال للضيــاء ،والعطــاء واإليمــان بالثــورة والتغييــر المرتقــب؟ هــو فعــل إيمــان ّ مهمــة لمخلــص ،غيــر إنجــاز حضــوره الهــادف إلــى محاربــة الظلــم ،وبنــاء اإلنســان علــى مــدارج ّ الضــوء اإللهــي الســاكن فيهــا ،كمــا يقــول عمــر نفســه. ّ 19
الالفــت للنظــر فــي مجموعــة عمــر شــبلي ،هــو أّنــه يضــع روحــه فــي مــا يكتــب ،فالكتابــة
) م .ن .ص ( .42
ِ وهات الطريق»(.)23 ِ اميــة ح ّتــى االشــباع ،كمــا ّ إن تك ـرار مفــردة (هــات) فــي القصيــدة يشــير إلــى المفارقــة الدر ّ يحمــل إشــارة إلــى مقــدار القمــع الــذي يعانيــه الشــاعر فــي الغربــة واألســر ،وهــو مــا يعانيــه خاصــة ،وتغــدو المواطــن العربـ أهمّيــة ّ ـي أينمــا حـ ّ ـل فــي بــاده .وقــد تكــون الكلمــة المكـّـررة ذات ّ ّ الجزئيــة فــي القصيــدة .وإذا مــا كان الحلــم بالعــودة هــو مــا يشــغل محــو اًر تــدور حولــه األفــكار ّ فــإن فقــدان المفاتيــح والريــاح والغيــوم والمطــر والشــجر والطريــق ،باتــت هــذه بــال الشــاعرّ ، ـاد كّلهــا دروب للعــودة المرتقبــة .والعــودة إلــى قصائــد المجموعــة ُتظهــر عنايــة الشــاعر بالتضـ ّ الثنائيــات النهائيــة التــي تقــوم علــى الصــراع بيــن والمفارقــة ،كونهــا تعكــس وظيفــة األدب ّ ّ ـادة ،كالــذات والموضــوع ،والداخــل والخــارج ،والحيــاة والمــوت ...الــخ .هــي خيــر مــا يعطــي المتضـ ّ األدب قيمتــه الفّنّيــة ،بهــا نــدرك سـ ّـر التنافــر والتناقــض. الروح المتفائلة أن مفــردة مــرة ،فــي حيــن ّ وردت مفــردة (الخبــز) ،مــع مــا يتعّلــق بهــا أربعــة وعشــرين ّ ـدل هــذا ،مــع مــا بينهمــا مــن (المطــر) قــد وردت ســبع عشــرة مـّـرة فــي قصائــد المجموعــةّ . وربمــا يـ ّ بحتميــة التغييــر المطلوبــة« :ومــا عليــك ســوى العنــاد ،فســوف ينبلــج تواشــج ،علــى ثقــة الشــاعر ّ 24 األيــام .ويعــود إلــى تصويــر حجــم المعانــاة، الصبــاح»( ) .هــذه هــي ثقــة الشــاعر بالقــادم مــن ّ جمعيــة: فرديــة كانــت أم ّ ّ لدي «ولما خبز َّ دخلت المدين َة ما كان ٌ ُ ّ ِ الحذاء سوى رمل ذاك
غيف تصير السير حين أصعب وما الرمال الر َ ُ َ َ ُ غير التعب»(.)25 ُ مشيت وال زَاد ُ ما عالقة الخبز والرغيف بالحذاء والرمال؟
2 3 24 25
) م .ن .ص ( .169 ) م .ن .ص ( .122 ) م .ن .ص ( .123
وعندمــا ال يكــون الرائــي مغلقـاً ،وهــذا شــأن عمــر فــي شــعره ،يجعلــه التاريــخ مفتوحـاً علــى كل مــا هــو مشــرق ومضــيء: ّ التاريخ، «سالك قلبي ،وزادي ج ّثة ِ ٌ ِ النهر ظل على والعشب الذي ّ كل أهلي والذي مات عليه ّ وسأبقى صاحب الصوت األخير
خبز مستحيل(.)21 طالما في األرض ٌ ْ كونيـاً ،مــن ومــع ّ ـل عمــر إنســاناً ّ أن الجــرح بهــره ،وتغلغــل فــي مفاصلــه ح ّتــى النخــاع ،ظـ ّ أن إمكاناتــه أصغــر مــن أمانيــه ،وعندمــا ال أمتــه ،وهــو يــدرك ّ خــال إصـراه علــى تضميــد جـراح ّ يحمــل فــي قلبــه نبتــة ّبرّيــة فــي رمــال القحــط والشــلل والعقــم ،تجــده مســكوناً بالجــرح المضــيء: «كّنا نف ّتش عن أهلنا في الحقول ى الغيم وهم يحرثون الثر ،ومحاريثهم تزرع َ في أرضنا لحصاد الرغيف»(.)22
إذا مــا أصغــى عمــر لألص ـوات القادمــة مــن التاريــخ ،فهــو ال يغــرق فيهــا ،وال يجثــم فــي قضيتــه ،أكبــر تفاصيلــه ،بــل يقتبــس حضــور الكشــف وكثافــة اإلحســاس .وإيمــان عمــر بعدالــة ّ الحقيقيــة المتمّثلــة فــي عظمــة القضايــا قوتــه ّ مــن إيمانــه بنجاحهــا وانتصارهــا ،وهنــا تكمــن ّ الكبــرى ،ولــو كانــت مهزومــة. ـاد ـتجدة أنماطـاً تعبيريــة جديــدة ،وقــد تكــون المفارقــة أو التضـ ّ تفتــرض طبيعــة الحيــاة المسـ ّ ّ ـاد شــيئاً مــن التـوازن فــي الحيــاة والوجــود .ولــم يغــب عــن مــن بيــن هــذه األنمــاط ،إذ يخلــق التضـ ّ ـاد ،ومــن نماذجــه قولــه: يؤديــه التضـ ّ بــال عمــر الــدور الحيــو ّي الــذي ّ استبد الجدار «بروحي وجسمي ّ تستبد السماء!! فهل ّ
هات المفاتيحِ ، فيا صاحب السجن ِ هات الرياح
ِ ِ وهات المطر وهات الغيوم ِ وهات الشجر 2 1 22
) م .ن .ص ( .49 ) م .ن .ص ( .84-85
ـص وفضاءاتــه البعيــدة ،حيــث يبــرع عمــر فــي هنــاك معًنــى خفـ ٌّ ـي يقبــع فــي أعمــاق النـ ّ أن للســياق الــدور وممــا ال شـ ّ ـك فيــه ّ التقــاط المشــاهدُ ، ويحســن توظيفهــا فــي الســياقات المتعـّـددةّ . ـاد ،واألمــر نفســه مــا بيــن الرغيــف والرمــال ،وتأتــي صيغــة األبــرز ،فمــا بيــن الحــذاء والخبــز تضـ ّ ـاد ،داخــل إطــار درامــي شــديد الوضــوح .هــذا (مــا أفعـ َـل) التعجبيــة؛ للداللــة علــى المفارقــة والتضـ ّ ّ ّ نوعيــة ال يتقنهــا ّإل الشــعراء الكبــار. هــو التعبيــر الفنـ ـي عــن المعنــى المـراد ،فــي نقــل ّ ّ ّ الحب والداللة قيم ّ
ـب ،ودرب هــذا األخيــر ال ينتهــي ،مهمــا ال يقــود الرؤيــا نحــو مســاراتها ّ الحقيقيــة ّإل الحـ ّ يمــر ّإل عبــر هــذا الــدرب .اختــار عمــر ّ تتوعــت المشـ ّـقات وتعـ ّـددت .والطريــق إلــى ّ أم القــرى ال ّ ـب للوطــن واألهــل: ســلوك هــذه الطريــق الوعــرة ،وكابــد مــا كابــد ،فــي شــعر عمــر حـ ّ أحاول يا سيدي، أظل « ...وسوف ُّ ُ أعشاب قريتنا»(.)26 أمي و أشم روائح أهلي أن َّ َ َ ومنديل ّ تغيــره الشــدائد ،هــو وجــه مــن أوجــه الهـ ّـم الكبيــر الــذي حملــه عقــوداً هــو االنتمــاء الــذي لــم ّ وتحــول ارتباطــه بــه أيقونــة ال ُتنســى وال حــب األهــل والوطــن إلــى وجــد، ّ مــن الزمــنّ . تحــول ّ ـب إطــا اًر ـب الحلــم /الرؤيــا عنــد عمــر ،ويجعــل مــن الحـ ّ يرميهــا فــي ظلمــات الســجون .يرتبــط الحـ ّ ـب بالوطــن واالنتمــاء: للعــودة المرتقبــة فــي أثنــاء ســجنه ،ولكّنــه يبقــى حريصـاً علــى ّ توحــد الحـ ّ ِ البحر اطمئّني «يا آخر ام أر ٍة توّل ْت إمرَة
الوطن أخت ذاكرُة ْ إن ذاكرة السفينة نفسها يا ُ ّ ِ للعبور ما زال وجهك صالحاً يوم العواصف
الموج .)27(».. مثل وها أنا ُّ ِ أرتج َ
ـب بالعبــور إلــى المناطــق الرحبــة فــي إطــار رمــزّي متعـ ّـدد األبعــاد ،والســفينة يندمــج الحـ ّ والمــوج عامــان صالحــان للتعبيــر عــن مكنونــات النفــس ،وعــن الحنايــا المخبــوءة فــي النفــس عصيــة علــى الســبر. تقصــي تلــك المناطــق المجهولــة التــي ال تـزال ّ البشـ ّ ـرية ،وال يســتطيع أحــد ّ يتهجــى مالمــح الوجــه األنثــو ّي ،يبــوح بمــا يتجاذبــه مــن مشــاعر. والشــاعر العاشــق الــذي ّ الحب ،إذ نجده يقول: ّ وتتبدى نظرة الشاعر عمر إلى حقيقة المرأة و ّ الغجري ُة سافرًة «وتلك اشتهاءتاك ّ
2 6 27
الثغر ألواَنها يعلن ُ
) م .ن .ص ( .68 ) م .ن .ص ( .118
والرؤيــة فــي الغرفــة المطفــأة هــي رؤيــة مــا فــي داخــل الــذات مــن أوجــاع وآالم .وطالمــا ـرية ،وترجمان ـاً ألحاســيس ّ ـانية ،ســيبقى قابع ـاً فــي الــذات البشـ ّ أن الشــعر لصيــق بالنفــس اإلنسـ ّ اإلنســان ،وصــدى الــذات فــي الكلمــات. ومــا بيــن الجنــون والصــاة عالقــة تناقــض وتبايــن ،وجنــون المـرأة أشــبه بجــزر الســاحرات ليتحول ـوا إلــى التــي تغــري ســاحراتها ،بالغنــاء الشــجي ،فيقودهــم تأ ّثرهــم إلــى الجزيــرة الملعونــة؛ ّ ّ ـتمر فــي شــعر عمــر؟ وقــود الســتمرار الشــجو ،فهــل مــا زال هــذا الشــجو مسـ ّاً إن الصــاة علــى الجمــر ،جمــر المـرأة أو جمــر الغرفــة المطفــأة ،مــا هــي ّإل محاولــة لتفريــغ ّ ـل الشــاعر قاصـ اًر عــن الجســد مــن األوجــاع ،شــأنها فــي هــذا شــأن الشــعر ،ويكــون هــذا عندمــا يظـ ّ ـرية. بلــوغ المجاهيــل القصيــة فــي النفس البشـ ّ ّ وإذا مــا وقعــت الكعبــة والشــياطين علــى طرفــي نقيــض ،فــي بعــد إيمانــي شــديد الحضــور ّ بحبــات القلــب ،وهــو أغلــى مــا يملــك ،وأكثــر ـعرية ،فـ ّ ـإن رجــم الشــياطين ّ فــي مجموعــة عمــر الشـ ّ آن معـاً .هــو يشــفع للشــاعر إرادة جنــون المـرأة .وإذا مــا اختفــت مناطقــه غموضـاً وشــفاية ،فــي ٍ الحــب طريــق الســفر مــن الطيــن إلــى الرغبــة ،فقــد تســامت عواطــف الشــاعر؛ ليضــيء لــه ّ ـإن عمــر قريــب إلــى هللا بتســاميه، المطلــق .وإذا مــا خــرج النبـ ـي آدم (ع) مــن الجّنــة بطينــه ،فـ ّ ّ ألن توبــة اآلثــم هــي أقــرب التوبــات إلــى هللا .هــل هــذا ـر ّ بوصفــه حـّاً تخفــف مــن الطيــن واألدران؛ ّ هــو سـّـر خلــود األشــياء المصنوعــة مــن األمنيــة: جسد يقول: «ٌ ...
صاحب الخصب الجميل، أنا ُ أحسب أّنني شجر بروضتها، أدنو وأدنو حيث ُ
ويخذلني مداها،
وتظل نائية وفي جنبي أراها»(.)30 ّ
فــي تتابــع هــذه األســطر شــيء مــن الحــزن الشــفيف ،هــو حــزن الجســد؛ هــو يــدرك أّنــه ـب الــذي ليــس لــه وجــود فـ ٍ ـان ،فــي حيــن ّ ـل دائم ـاً آتيــة ،ومــن أدوات مجيئهــا الحـ ّ أن الــروح تظـ ّ ـل المـرأة نائيــة «فــي بغيــر المـرأة .والدنـ ّـو مــن المـرأة ذات الخصــب الجميــل محكــوم بالخــذالن ،وتظـ ّ ابيتنــا الفانيــة» ،كمــا يقــول عمــر نفســه .وبيــن فضــاء الطيــور الروحيــة التــي نـ ّ ـود حيازتهــا بتر ّ ّ الدنـ ّـو والنــأي تباعــد ينقــل إلــى الحيــرة التــي تجعــل القــارىء علــى موعــد مــع الحلــم واألمنيــة. محدوديتهــا ،وقتهــا ،تمتلــك قـ ّـوة ال حضــور المـرأة فــي بعــض قصائــد عمــرُ ،يخرجهــا مــن ّ يمكــن مقاومتهــا .ومــا بيــن وجودهــا المشــتعل ونأيهــا فــي فضائهــا الكونــي ،يجعــل مــن الم ـرأة ّ 30
) م .ن .ص ( .178
وصدرِك والحز ُن والكبرياء ُ ِ وكنت الغوايةَ،
ِ اء ،أم أنت تفاحة سرقتها هل أنت ّ حو ُ توزعها في د ِم الشعراء؟ األفاعي ،وراحت ّ ِ خلود ِك وما طردوك من الخلد لوال ُ
بيدر الجائعين لخبز الحياة»(.)28 يا َ
بيــن االشــتهاء والغوايــة عالقــة تكامــل وطيــدة ،وإذا مــا أعلــن الثغــر ألوان تلك االشــتهاءات، ألن هــذا الصــدر هــو ان مــا يمــور بــه الصــدر مــن حــزن وكبريــاء ،فــي آن معــاً؛ ّ يرفــد األلــو َ بالغجريــة ّإل دليــل علــى منبــع العواطــف الم ّتقــدة ومحـّـرك تفاعالتهــا .ومــا وصــف االشــتهاءات ّ ـجيتها. كل قيــد ،وتوغــل الــذات فــي عفويتهــا وسـ ّ ّ انطالقتهــاّ ، وتحررهــا مــن ّ يــورد الشــاعر أســطورة (حـ ّـواء) ،المـرأة التــي بغوايتهــا أُخرجــت مــن الجّنــة ،وأخرجــت معهــا ألهمّيــة العالقــة القائمــة علــى التكامــل واالنســجام. (آدم) ،مــع مــا فــي هــذا الموقــف مــن كشــف ّ ثـ ّـم يــورد أســطورة األفعــى المعروفــة ،ونبتــة الحيــاة ،وليــس توزيعهــا علــى الشــعراء ّإل تكريم ـاً لهـؤالء الذيــن يســعون إلــى الخلــود ،بمــا يخّلفــون مــن آثــار ال يطالهــا الفنــاء. كل زمــان ومــكان ،بــل هــي ّ ويتوضــح موقــف الشــاعر مــن الحـ ّ ـب ،تلــك العاطفــة الخالــدة فــي ّ ـتبدت بــه المعانــاة ،وتكــون هــذه األخيــرة شــديدة ـمو واالرتقــاء ،بكبريــاء اإلنســان الــذي اسـ ّ السـ ّ الحضــور فــي النفــوس الكبيــرة .يقــول عمــر: مطفأه الذهاب إلى غرفة «أريد ُ ْ َ بكل وضوح. كل ٍ وفيها أرى َّ شيء ّ الشباب بها ،وجنو َن امر ْأه، أريد ُ َ أريد الصال َة على جمرها، اف بكعبتها ُ أريد الطو َ
بحبات قلبي»(.)29 ورجم الشياطين فيها ّ َ
2 8 29
أن الكلمــة معجونــة بعيــداً مــن الــدالالت القاموســية للكلمــات فــي هــذه األســطر ،نلحــظ ّ ّ وتوجهاتهــا .ويمكــن القــول ـرية ّ بــذات الشــاعر ،علــى هــذا ،يكــون تأثيرهــا أعمــق فــي النفــس البشـ ّ إن األشــياء المتعـّـددة هنــا ،هــي عالمــات ،أي رمــوز لمــا هــو أبعــد مــن داللتهــا القريبــة .وكلمــات ّ الشــاعر المصوغــة وفــاق رؤيتــه ،تغــدو مرايــا للداخــل العصــي علــى الكشــف واالســتبطان. ّ
) م .ن .ص ( .135 ) م .ن .ص ( .137
ات على قتل «قانا الجليل» ولم تقدر الطائر ُ مستحيل صعدت إلى جبل وفيها ٍ ُ ُّ يحد السماء»(.)32
المتأصلــة فــي نفــس الشــاعر، إن إطــاق صفــة القداســة علــى البــاد يكشــف عــن مكانتهــا ّ ّ الدينيــة حين ـاً ،وبالحــدث التاريخــي حين ـاً آخــر ،ومــا الصعــود إلــى جبــل ويرتبــط هــذا باألســطورة ّ ّ مســتحيل ّإل تطهيــر للنفــس مــن أدرانهــا وشـوائبها ،واالرتقــاء بهــا إلــى مســتوى األنبيــاء وكبــار الرائيــن: المستحيل الذي ليس يأتي، «فيا وطني ُ تظل بعيداً؟ لماذا ُّ اك»؟(.)33 اك ولست أر َ لماذا أر َ
يــرى الشــاعر وطنــه فــي قلبــه ،بروحــه المع ّذبــة التــي كتبــت سـ ّـر خلودهــا علــى مطــارح اللهفــة واالشــتياق ،كمــا كتبتــه علــى أشــاء الحنيــن المشــتعل ،وأشـ ّـعة الضيــاء المنبعــث مــن الممزقــة التــي ال تعــرف غيــر الصمــود والكبريــاء .يقــول عمــر: أعمــق اشــتات الــروح ّ ِ الموت خارج «وها أنت يا وطني دائماً َ تحب الحياة، أصعب وما الموت حين ُّ َ َ الوطن، اك ْ وحين ير َ
وأنت على فرس الريح تأتي ِ ترتديه»(.)34 لكي الوطــن عنــد عمــر يســتعصي علــى المــوت؛ أل ّنــه يؤمــن بحركــة التاريــخ الــذي ال يقبــل بالفــراغ ،وأحاســيس عمــر المتد ّفقــة كالنهــر الــذي ليــس علــى ض ّفتيــه ســوى الظامئيــن ،ومــا منــاداة األف ـواه واألص ـوات ّإل عالمــات علــى الثقــة بالوطــن القــادم علــى فــرس الريــح ،وإشــارات الحرّيــة ،وتعبيــر عــن قـ ّـوة الوجــود. ـتمر الــذي يجتــاز الحواجــز ،وص ـوالً إلــى ّ إلــى النضــال المسـ ّ تنوعهــا ومصادرهــا ،بمــا فيهــا مــن مشــاهد اســتحضر الشــاعر بعــض األســاطير ،علــى ّ أن األســطورّي فــي شــعر ويلحــظ ّ تؤاخــي الحقيقــة والواقــع ،كمــا تؤاخــي المجــاز ،وتتجــاوزه أحيانـاًُ ، ـف الواقــع عــن األســطورّي الــذي يكمــن ـادي الم ّتســم بالقلــق ،وفــي الوقــت ذاتــه يشـ ّ عمــر يشـ ّ ـف العـ ّ ـانية. فــي أعمــاق الــذات اإلنسـ ّ 3 2 33 34
) م .ن .ص ( .66 ) م .ن .ص ( .73 ) م .ن .ص ( .141
ابيــة المتمـّـردة أبــداً. مشــكاة فــي تفاصيــل التر ّ المـرأة فــي شــعر عمــر ،فــي هــذه المجموعــة ،أشــبه مــا تكــون بالمجــاز الســاكن فــي الجســد المثقــل بالمعانــاة ،وهــي ،فــي نأيهــا ،أبعــد مــن منــال الكلمــات .والمـرأة التــي تخــادع دمهــا ،مــن غيــر أن تعلــن لظاهــا ،هــي أشــبه باألنثــى المتد ّفقــة مــن الحضــور إلــى الحضــور ،مــن غيــر أن ـمو واالرتقــاء ،وحيــن تتخّلــى عــن دورهــا فــي جعــل اإلنســان خارطــة للمــكان ،علــى أعتــاب السـ ّ كل جــوع غــذاء االمحــاء ،فيكــون فــي ّ يجــد الشــاعر أّنــه ،مــع الم ـرأة ،متالصقــان ح ّتــى حــدود ّ لروحــه المحّلقــة ح ّتــى المنتهــى. فيوضات الذات فــي شــعر عمــر الــذي يفــوض مــن الــذات بشــكل عــارم ،نجــده باحث ـاً عــن بــاده ،بوجــد ي ّتصــل بالــذات الكبــرى ،وغيابهــا ليــس ّإل حضورهــا الدائــم .ال تفــارق صــورة بــاده عينيــه ،فــي المنافــي أو فــي الســجون ،فــي أقســى ســاعات الحــزن واأللــم .وتنطــوي قصائــد المجموعــة علــى حيــز واســع مــن اإلشــارات إلــى الوطــن ،بمــا فيــه مــن أهــل وأماكــن .تنبــع بــاده مــن الضيــاء ّ المنبعــث مــن روحــه ،فهــي تســكنه قبــل أن يتعرفهــا ،وتفاصيلهــا تســتعصي علــى التأويــل والتفســير ،لقــد ســكنته بــاده مــع القصيــدة، ّ وقضية اإلنســان المقهور، وتـراءت مالمحهــا فــي روحــه ،وألغــت الفواصــل والحواجــز بيــن افنســان ّ إلــى درجــة تــزول فيهــا المســافة بيــن الحيــاة والمــوت .هكــذا يغــدو الوطــن فينــا ،ونحــن فيــه، ربمــا قبــل أن تتنــاوش الشــاعر األحـزان قضيــة اإلنســان المقهــور ،أينمــا كان ،وهــذا ّ دفاعـاً عــن ّ والمنافــي ،فــي الضيــاء المنبثــق مــن أعمــاق الظلمــات : هناك. أكن وحدي ْ «كنت وحدي ،غير أّني لم ْ ُ ورجال آخرون ضوء، عيني كان في َّ ٌ ٌ
يعبرون الحصار»(.)31 أسالك الموت والمنفى و َ َ ْ ـت) إلــى (لــم أكـ ْـن) هــو انتقــال تتبـ ّـدى ثقــة الشــاعر بالقــادم مــن األيــام ،واالنتقــال مــن (كنـ ُ مــن الظلمــة إلــى أشـ ّـعة األمــل والتفــاؤل ،والضــوء والرجــال صنـوان .ومــا مفاعيــل الفعــل (يعبــرون)
المتتابعــة ّإل عالمــة علــى مكانــة الوطــن عنــد هـؤالء الرجــال ،واالســتعداد للتضحيــة فــي ســبيله، وهــو معهــم ،بقلبــه وعواطفــه ،وإن كان فــي غياهــب الســجون. ويسّلط عمر الضوء على أبناء وطنه ،في شيء من الفخر واالعتزاز: 31
الماء خم ار رد ِت مقدسة ّ «بالدي ّ َ
) م .ن .ص ( .24
اآلخــرُ .تــرى ،هــل تلــك الينابيــع هــي األعنــاق التــي تتحـّـدى الســكاكين والغـزاة ،وتلتصــق بأعنــاق عمليــة إيقــاظ آلذان الفجــر الــذي أخــرى ،نــذرت نفســها لمقارعــة الســكاكين ،ولــو بالجــرح ،أم هــي ّ طــال انتظــاره؟ ســفينة عمــر مرتبطــة بـــ (مجمــع البحريــن) ،ولديــه اليقيــن بالوصــول ،أل ّنهــا تمـُّـر (فــي جفــن نائم): الــردى وهــو ُ «وتفتح شارعاً في البحر
إّنا و اصالن»(.)35 ْ
إمكانيــة الوصــول إلــى المبتغــى ،وفــي هــذا دليــل علــى ثقــة يحمــل هــذا القــول توكيــداً علــى ّ ـتدت الصعــاب. الشــاعر بالقــادم مــن ايــذام ،مهمــا شـ ّ كلمة أخيرة محبيــه فــي عمــق ا ّتحــدت همــوم الشــاعر عمــر بقضايــا النــاس ،وتجــده يغمــس أيــدي ّ ـل الشــاعر قــد ســعى إلــى نقــل الداخــل إلــى الخــارج ،وهنــا تعجــز الكلمــات عــن المعرفــة والوفــاء .لعـ ّ ترتيــب الــرؤى .وإذا مــا عانــى لهيــب النــار علــى مرمــى الزمــان ،كمــا عانــى ظــام الســجون والغربــة ـل محّلــه الجيشــان الــذي يعتمــل فــي نفســه ،ويضــع و ّ التوحــد مــن قبــل ،هنــا يتراجــع الصمــت؛ ليحـ ّ ـفن تســير إلــى الــوراء!!!) .ويســتعين جدليــة الزمــن واالبحــار (آه مــن سـ ٍ القــارىء فــي مواجهــة ّ ـجو األحاســيس المترعــة، بعصــا (موســى)؛ لتلقــف الموتــى .هنــا ،ال بـّـد مــن الرمــز الــذي يحمــل شـ َ وألـوان الطيــف ،ومرايــا النــار التــي ال تنطفــىء ،فــكان ال بـّـد مــن البــوح والشــجو. أن شــاعرنا محمــول علــى ـعرية ناجمــة عــن قلــق معرفـ ـي جديــدُ ،تظهــر ّ المجموعــة الشـ ّ ّ ســبر للثقافــة القائمــة؛ ح ّتــى فــي أماكــن أهــم مــا تطلبــه الشــعرية ،مــن ٍ ّ أجنحــة الريــح ،لديــه ّ ـل طــرح األســئلة ،بهــدف إنتــاج مناخــات جديــدة ،يتطّلبهــا فهــم تشـّققها فــي أعمــاق أسـرارها .ويظـ ّ المرحلــة الحاضــرة. اإليقاعيــة ،مــع مســتويات التركيــب والتصويــر الفّنــي والرمــوز؛ لتســهم تضافــرت البنــى ّ ّ ـعرية الشــاعر ،تلــك الرؤيــة التــي وضعــت اإلنســان فــي الموقــع الالئــق جميعـاً فــي الكشــف عــن شـ ّ بــه. اإليقاعيــة التــي تترقــرق مفــردات القصائــد فيهــا، فــرادة فــي الرؤيــة ،فــرادة فــي البنــى ّ عبــرت عــن موهبــة أصيلــة. كميــاه الينابيــع الشــجية ،وفـرادة فــي الصــور الفّنّيــة ،والتراكيــب التــي ّ تحيــة للــذات المتأّلقــة فــي ـاعرية عمــر شــبليّ . ولتظهــر فرادتــه فــي الرؤيــة ،تلــك هــي مالمــح شـ ّ حولهــا رياضـاً ـانيةّ ، ميــدان االبــداع الشــعر واإلنسـ ّ تحيــة للمطــر الــذي إن أصــاب األرض الجا ّفــة ّ 35
) م .ن .ص ( .176
نعدهــا أســطورة مــن أســاطيرنا فــي العصــر ـعرية ،يمكــن أن ّ ّ إن مجموعــة عمــر شــبلي الشـ ّ معمقــة لواقعنــا الحالــي .هــي دليــل عافيــة ،تفتــح أمــام أعيننــا األب ـواب الحديــث ،إذ تم ّثــل ق ـراءة ّ ّ لــكأن المفتــوح مســكون بمخاطــر االنغــاق ،وفيهــا شــيء مــن الشــفاء مــن المغلقــة ،ح ّتــى ّ األوهــام ،كمــا أراد لهــا عمــر أن تكــون ،وهــو ،فــي هــذا كّلــه ،ينطلــق مــن الثقافــة التــي هــي عيــن عقدتــه ،وكذلــك مــن اهتماماتــه التــي هــي عيــن همومــه. «أي خبــز فيــك يــا هــذا المطــر ،هــو كمــن يغــوص قــارىء مجموعــة عمــر شــبلي الشــعرية ّ متقدمـاً فــي التـراث العربــي ،وكذلــك ـانية فــي أبهــى تجّلياتهــا ،يجــد وعيـاً ّ إلــى اعمــاق الــذات اإلنسـ ّ ّ ـادة لتجــاوز مــا فيــه مــن منحــدرات ،وإزالــة القشــور التــي خنقــت اإلنسـ ـاني ،كمــا يجــد محاولــة جـ ّ ّ تفجــرت مــن الشــرق ،حاولــت المزاوجــة مــا بيــن الت ـراث الروحــي هــذا الت ـراث .والينابيــع التــي ّ ّ والت ـراث العقلــي .فــي شــعر عمــر إلغــاء للكراهيــة ،وإيمــان باإلنســان الــذي «انطــوى فيــه العالــم ّ كل الجهــات. األكبــر» ،وكذلــك فيــه انفتــاح علــى الضــوء اآلتــي مــن ّ راح عمــر شــبلي ،ولمـّـدة طويلــة ،يبحــث عــن كنــزه المفقود/الضــوء ،فوجــده فــي ذاتــه التــي تختــزن الكثيــر الكثيــر .تجــاوز عمــر الينابيــع والمــوت ،ومــا انتفــاء فكــرة العــدم عنــده ّإل دليــل علــى أّنــه شــاعر كبيــر ،أســهمت جملــة مــن العوامــل فــي خلــق مــا انطــوى عليــه شــعره مــن أبــداع. تجــاوز عمــر الدنويــو ّي المتشـ ّـبث باألقنعــة ،وباألماكــن المحاصــرة ،فــي الداخــل والخــارج، ـتخف بحفنــة الطيــن التــي لــم تســتطع اســتدراجه إلــى االنحــدار .تجــاوز عمــر فســحة مــن كمــا اسـ ّ وكل مــا فينــا مــن تأّل ـ ٍه وحم ـٍإ الزمــان والمــكان خلــف المــوت ،عندمــا تجــاوز الســجن والسـ ّ ـجانّ ، مســنون. دنيويتــه .أدرك الضــوء يغــري بقــدر مــا يطــرح األســئلة ،وهــذا مرتبــط بالزمــن الغــارق فــي ّ طــر الكينونــة الخالقــة والمخلوقــة ،فــي أبعــاد ـاعرية أصيلــة ،مــا معنــى الحضــور الــذي يؤ ّ عمــر ،بشـ ّ حميميــة العمــر المتفّلــت مــن الضوابــط. رؤيويــة تــدرك مــا خلــف ّ ّ ليــس يعنــي عمــر الخــروج مــن الوجــود فــي شــيء ،طالمــا أّنــه مــا زال يطــرق بــاب الخلــود، وأنــا علــى يقيــن أّنــه ال ُيفتــح ّإل للكبــار ،وهــو منهــم ،بمــا تراكــم عنــده مــن تفـّـرد وموهبــة ،وإيمــان ليبشــر باالنبعــاث بقضيــة اإلنســان أينمــا ُوجــد .يســتطع عمــر العــودة بـ(نبتــة الحيــاة) ،ولكّنــه عــاد ّ ّ بعــد جفــاف ،وهــذا يشـ ّكل نقيضـاً للعقــم واليبــاب والخـواء ،وهــو توكيــد النتصــار القيــم الجميلــة. «أي خبــز فيــك يــا هــذا المطــر» ،فيــدرك عندمــا يطالــع القــارىء الحـ ّ ـب والحــزن والضــوء فــي ّ أن هــذا كّلــه يتســاقط مــن غيمــة واحــدة ،ليؤّكــد وجــود الينابيــع. ّ أن المواعيــد مــع الضيــاء ال ُتلغــى ،بــل هــي علــى تواصــل وأنــت تقـ أر فــي شــعر عمــر ،تجــد ّ ـتتفجر ،ح ّتــى وإن ارتفعــت الســدود ،مــن أجــل صنــع الزمــن العربــي دائــم مــع الينابيــع التــي سـ ّ ّ
محبــة وتقديــر للشــاعر الكبيــر عمــر شــبلي. تحيــة ّ غّنــاءّ .
د .محمد محي الدين .تشرين الثاني 2018
فهرس الموضوعات توطئة 1................................................ حول المجموعة الشعرية 2.............................. في سيمائية العنوان 4.................................. في البنى اإليقاعية 5................................... في المستوى التركيبي 10............................... الصور الفنية ودالالتها 15............................. األساطير والرموز ودالالتها 18......................... انبثاق الضوء 22...................................... الروح المتفائلة 30..................................... الحب :القيم والداللة 31................................ فيوضات الذات 37..................................... كلمة أخيرة 44.........................................
وداعا ً يا حمد إلى الفقيد الغالي حمد سليمان
بقلم عمر شبلي يوم يولَـــ ُد ألمـوتُ فيــنـا كــ َّل ٍ وقديـ ُمـهُ فيـنـا يقولُ :أنا الغَ ُد فاعجبْ لمولودٍ ،وليس فطا ُمهُ ـر لـديْـ ِه وال يـ ُد يدنـو ،وال ث ْغ ٌ واعجبْ لموجو ٍد من اآلبـادِ،ال درى ورا َء حـدو ِد ِه ما يوج ُد يُ َ يـدنـو وينـأى ،إنمـــا في نأيـ ِه القريب األبع ُد ال يختفي ،وهو ُ ذئـب ،وك ُّل العالميـن قطيـعُــهُ ٌ الرعــاةُ ،وعيـنُهُ ال ت َ ْرقُـ ُد نام ُ َ الزمام لنا لنرت َع ،إنّمــا يُرخي َ ق ِم ْق َـو ُد يـ ُدهُ لهـا في كـ ِّل ُ ع ْنـ ٍ ب ،فلن ترى ع ْد يا ُ ُ تراب إلى الترا ِ ُم ْلكا ً يدو ُم وال عروشا ً تصم ُد ونحار كيف عقولُنا ورغابُـنــا ُ تتـر َّمــ ُد من بـعـ ِد طو ِل ت َ َوقُّـ ٍد َ َح َمدُ ،الحياة ُ عزيزةٌ ،وتركتَها ْ صيَـ ُد لكن، َ ي األ ْ وأنت بها األب ُّ تدوم ِسنِيُّها فَ ْلنُ ْع ِطها هي لن َ ما قد يطو ُل به البقا ُء ويُح َمــ ُد أمام صدقِ َك واحدا ً وتظ ُّل َ أنت َ ْ ليست تُزَ ْخ ِرفُ َك الحياة ُ وتُف ِس ُد
ش ع ر
ت ال تخشى وال تتــردّد فق َح ْم َ وعلى طري ِق َك ال تزا ُل ِعصابـــةٌ ُ الطريق وتجه ُد تمشي ويخذلُها ُ الطريق فهل لنا َف هَبْ أنّهُ َجن َ إالّ العروبةُ في المسيرةِ ُم ْر ِش ُد أنا يا رفيقي لستُ أخل ُع صاحبي ال يرحــــ ُم التاريــ ُخ من يتر َّد ُد المذاهب ّ َّ مز ْ قت أرحا َمنـــــا إن َ إن العروبةَ ّ مذهب هو أوحـــ ُد ٌ ال ب َّد مهمـا نُ ِ ّك ْ ست راياتُــنــــــا من راي ٍة ش ّما َء ترفعُـــــها يـــ ُد والجر ُح مهما طا َل ْ ف دمائ ِه نز ُ ض َّم ُد ال ب َّد يومـــــــا ً بالجراحِ يُ َ
مضرجا ً قريش صقر ِك يا ما با ُل َّ ُ ِ بدم الفراتِ ،ألم يَ ِح ْن له موعـ ُد ِ الفرات ونصفُـهُ عبر َ ِ باألمس قد َ في الضفّة األخرى تمزقُه يــ ُد تصميـم ِه دم ِه سوى ِ ال شي َء في ِ َّ إن الوجو َد له ي ٌد ولـــــــــه غـ ُد ُّ عام والفـــراتُ يئـن من من ألف ٍ العبـــــور وحزنُهُ يتج َّد ُد ِ و َجعِ
واقف الرثاء الصمتُ إ ْذ أنا أعلى ِ ٌ ُ شاي ويُزبِ ُد والحزن يُرغي في َح َ ُج ْد لي بصوتِ َك كي أجــــو َد بمث ِل ِه فجنــــــــازتي بك يا أخي تَتج َّد ُد بيوم َك من صهي ِل مشاعري أشقى ِ المشاعر يا صديقي ُمج ِه ُد َب صخ ُ ِ
متد ِث ّ ٌر بالموت تحت صفيح ٍة ص ٌ يت يثورعلى الفناء ويطر ُد ِ َح ّد ْ فلست من الذين وفاتُهم ِث َ تمحو سناه ْم ّ ذكر َك فرقـــ ُد إن َ ذكره ْم تغيب ال لن َ فلست ممن ُ َ الزمان ويهم ُد مر يخبو على ِ ّ ِ أنت من جي ِل الذين دماؤه ْم بل َ ق مياهَ دجلةَ ترف ُد فوق العرا ِ وألَنت من بردى سلي ُل أميّ ٍة نبيك ماذا ْأو َجدوا غرناطةٌ ت ُ َ نبيك َّ أن سيوفَه ْم وجبا ُهه ْم ت ُ َ سؤْ َد ُد وخيولَه ْم كم سال منها ُ حمدُ ،العروبةُ ال تزا ُل رهينةً س ُد ار تُبــــا ُ ع وتَك ُ ق ت ُ ّج ٍ في سو ِ َّ صدوره ْم إن العروبةَ في الذين ُ الرصاص كأنـــــّها تَتَعَ َّم ُد تلقى َ هي للذين بـ»طيبةٍ» و»كفر كال» سدوا َ تو َّ شيت» ثرى الجنو ِ وبـ « ُجبّ ِ ب َ تهربــــوا يوم الجمي ُع َّ ولبستَها َ
غار تَقلَّـــدوا منها ْ وأو ِسمةُ ال َ ص ِ من كان مثلَ َك مستقيما ً لم ْ يمت ُ والتكاذب ينفَــــ ُد فالصدق يغلو ُ وجلّ ٌق َ تبكيك بغدا ُد الرشيــــــــ ِد ِ ي ٍ تو َج ُد وبك ِّل قلــــــــــــ ٍ ب يعرب ّ يا ابنَ البقاعِ ،ولم ْ تزل «بدناي ٌل» هي للثقاف ِة والعروبــــــ ِة مور ُد كم أرضعتْ َك عروبةً من صدرها
َح َمدُ ،القصائ ُد ال تعـــــــا ِد ُل دمعةً يوما ً علــــــى ج َد ٍ نج ُد ث يض ُّم َك ت ُ ِ ع ِّ َّ ط ْ لت َ ـــــــك ُ يوم موتِ إن القصائ َد َ ض ُد ِع ْقــــ ٌد تنـــــــاثر من يَلُ ُّم ويَ ْن ِ َ أن كنّا معـــــــــا ً أنا ما عه ْدت ُ َك منذُ ْ وأنت عنّا تبع ُد إليك َ ندنــــــــــو َ ضريح َك مثلما يحنو الغما ُم على ِ ف الغزا ُل األغيَ ُد الخ ْش ِ يحنو على ِ التراب فإنَّنــــــي أنا عندما أرثي َ ب ُمخَلَّـــ ُد أرثي الذي هو في الترا ِ األرض في «بدناي ٍل» نَ ْم يا ابنَ هذي ِ س ُد تتو َّ نع ْنم المهـــــــــــا ُد ون ْع َم ما َ
ّ سجل
د .هويدا شريف أنا في ّ مهب الورق ّ أخ�شى الشتاء
مالك ذو أجنحة اقتلعني من األرض فحلقت من أوج العشق نحو ّ السماء هل في وسعي أن أختار أحالمي ألطير كشال مع ّ الريح وتكون البداية ال االنتهاء أريد أن ّ أسل من عدمي وجودي ّ كالطائر أنبعث من ّ الرماد فأنا حوار الحاملين عزفت عن جسدي ونف�سي ألكمل رحلتي الى املعنى نحو الفضاء لكن في كل مرة يحرقني أصبح الغياب ّ أصبح ّ السماوي الطريد ً الذي يعطي دروسا في الوفاء كم أبذل جهدي ألكتب ما يقنع قلبي بالنبض عندي
تنفث الكره يف األجواء رجل عاشق أنا ٌ لروحك... لتفاصيلك... وكيل رجاء بأن ألتقي بعيونك يوماً جهرا ً أمام الناس ال أسفاً عىل كل بالء... انت ضائعتي، ماليك يا امرأة!!! انصفي قلبي الذي بحبك صار دماً وأشالء حرويف ال تخالطها تشيزوفرينيا وال ميسها يف حبك هم ٌز وال مل ٌز وال عناء***
وال ّروح بالعيش بعدي ويف وسع باقة غاردينيا أن تج ّدد عمري بالوالء س ّجل أنا امرأة سامؤها فكرة تتقن أساليب البعد دون استحياء شديدة الرباءة مريضة جوى هيامها حضنك فيه الشفاء يا حنني شيزوفرينيا الحروف *** الرد عىل القصيدة د .هويدا رشيف باقة العمر أنت باقة العمر أنت ... ال أبالغ... انت روحي دايئ والدواء انا سجني حبك واملواريثُ ، عاداتُ جهلٍ
غافياتٌ جفوني د.رياض الدليمي حلوتي شقية بنت العراق محاويلية تغار منها الطواويس عروس البحر تسرق كحلها والزهر من شفتيها الذت لمغارتها المرجانية أرقب تلك الشقية ترقص على ايقاع النبض مقهقة تفر من بين يدي ّ سمكة تتغنج على الموج ليتني أصطاد عطرها ملمس حرير فستانها نظراتها الشاردة عني. حمرة خديها أرى ّ أي غمازتين تسحقا قلبي تنتفض بي جنوني البربري . كم مرة أقسم أن تموت لهفتي
لن أتوق لتلك الشقية والشفاه النرجسية ، يحتال شعرها كمعتوه يشدني يصرخ بي : اصح أيها العجوز سجاياك الطفولية . من َ أيتها المحاويلة ذاتك االلهية كم أعشق ِ ما خلق هللا من حسن قبلك ِ أضحى العشق فيك عبادة ً يغفر ع َّل هللا ّ عشقك ، صالة ً لم أقمها على سجادة ِ أقول فيك الشعر ي، وما عسرت قواف ّ ك ُّل قبلة من بعدها ألف ألف تسبيحة دعاء . وترتيلة ِ غافيات جفوني تحت الجدائل َّ هن بساتين خضر دوحة دجلة ومدينة الرقاد .
العمر المعتّق فاطمة البزال
ُ وسنان يهفو للمدى طائر هل ٌ صبحِ بات ُمقيّدا لو أن جن َح ال ُّ أغرف ْ ثغرهُ ُ فنهر الوج ِد يلثـ ُ ُم َ ْ من كانَ في فِ ْق ِه الهوى ُمتع ِبّدا ما ّ انفك قيدُ ّ ذكرهُ الروحِ يسمو ُ ف في األرواحِ كان ال ُمبتدا والع ْ ص ُ ما َّ هز ُ غصنَ الجو ِد إال من نوى بض حتى يبردا إيدا َ ع ك ّل النّ ِ طائرا كم شاقَهُ سق ُ ط الجنى يا ً األغمار يكسوهُ النّدى ب في وال َح ُّ ِ ب ّ مان فإنّهُ ال تشكُ من صخ ِ الز ِ يغفو على وقعِ النّوى ُمتع ِ ّمدا
الحتوف ُهنيهةً بحر ِ يا عابِ ًرا َ الرجا متهجدا غار ّ ك ْم كنت في ِ ك ْم باعدَ ْ العناء ب ِ ت أسفارنا ُح ُج ُ ْ ُ سكين ال ِعدا وقامرت بال ُجرحِ حو في ِّ ال ت ْس َّ دن ال ِغوى كبن ال ّ ص َ دام ُملبَّدا ُ والعمر في ِ كأس ال ُم ِ
إلى ظبيةُ الظبيات رشا طالب
ستكبر فرحةُ عمري رشا ُ
ً منزال في الحشا وأبني لها
أخاف على الدرب أن تعطشا ويدفق نب ٌع بقلبي لها ُ وقالوا :الغزالةُ تُدعى رشا فقلتُ :حبيبةُ قلبي رشا وأدعو لها في صالة الصباح ستبقينَ نبتةَ عمري الذي
وأدعو لها في صالة ال ِعشا باي عليه نما وانتشى ِ ص َ
سواك علي ِه مشى ب عمري وليس كما شئ ِ ِ ت فامشي على در ِ رشاي ارتشى بحب الناس بالما ِل يوما ً فقلبي إذا ما ارتشى ِّ ُ َ ْ مشت في حديق ِة ور ٍد إذا ما إذا حاو َل الموتُ سرقةَ عمري
بها ك ُّل ور ٍد لور ٍد وشى ي رشا تر ُّد الحياة َ إل َّ
لسمائي نجوى نبال رعد /بدنايل
أرى فيك الجمال ينطق حبا وعشقا، أرى الليل يزدان ودا ورفقا ، بك يأخذني الهوى فأصير برقا، بك يجتاحني الحنين فأزداد حرقا. *** ال تسلني كم من الهوى أهواك فأنا للعاشقين أبذل من هواك صرت ما رأوا إالك أنا لو ُ ع ِ أنا لو فُ ِت ّ ْشتُ ما وجدوا سواك *** إليك يطيب الهروب فانت الملجأ وأنت ّ الطبيب الذي ما أخطأ سني كنتُ أبرأ أنت بلسم لو م َّ سا وعلى متنك قلبي اتكأ فأ ْس ِل ُم نف ً ***. في ك ّل أوقاتي انت الحاضر كأنّك اللطف الخفي ّ الظاهر تدنو فيزهر عمري وتنمو المشاعر تغدو فأقسم انّك الحاضر اآلمر *** إعصار تغزوني كانّك في الهوى ُ مدار وتحتويني كأنّي كوكب وانت ُ أحتار بك أفهم الهوى وبحبك ُ
ّ ار كأن روحي جمرة ٌ وأنت أنت النّ ُ *** عناد أظن ّ ّ ان االمر معقود بيد األقدار تصنع فينا أسطورة دون قرار لن أبحث عن أسباب التيه في اتون الهوى سأعيش الحب نارا تكوي ،تذيب الحشا وسأفرح مع ك ّل وجع يحفره الجوى سأظ ّل أمسك أقالمي ارسم بالشعر أحالمي سأظل أحبّك ما دام قلبي لقربك ظامي ***
من أنا ؟ أنا بين الضجيج وحيدة ال أسمع أنا في الوحدة ضجيج ال يُسمع أنا غيمة يدانيها الشعاع فتلمع أنا نسمة ترنو الى وجنة فتُطب ُع ّ وبت ال أرى أنا قد قتلت ف في الموت إال لحن قرب يُعزَ ُ ّ يتفط ُر فما بال قلب في الهوى يا راحلين الى الخفاء أما لنا ّ ٌ يعطف زمان يرق قلب أو ُ سحر ما بال أفكاري كانّها أنسام ٍ ف. تنف ُخ في ّ تعص ُ سرنا و ِ
ثوب الحياة زينة الجوهري
أيها املنسوج من خيوط العمر يا وجعا» تعالت به الصيحات» يا سجنا يعتقل اآلهات كن..عباءيت كن إكسري حيايت لتهدأ الرصخات كن حريتي ألطلق النشوة القصوى... سافر يف دمي ألحيا حياة األبدية يك تليق كتابة الشعر عىل وجهك آيات تغسله... ألرشب ماءه فتتجدد عندي الحياة يا من طعنت حريف بسكاكني األمل فأنهكته عواصف الزمن دعني البس ثوب الحياة وأرسق عن قامشته أبيات شعري ألطوف بني املجرات
ظالل المساء أمية الوزاني* يا لهذا المساء لكأن حمرته ؛ جمر لهيب أقداري كلما حل أوغل في الروح وحشة لمن غادروا الديار!.. أتطلع باشتياق أليام خلت أتطلع ، و بين أخذ ، و رد ، و آهات ، أطوي المسافات ال شيء يهزم خيبتي تالزمني كما ظلي ، تسكنني ، بمرارتها
كلهم سواء يزرعون الشوك و يتبرأون من البالء فال تغرنك هالة ضوء تخفي خلفها قلوب سوداء
تتباهى بالفضيلة و تنسج لنفسها من الوقار رداء أمعن النظر في الغشاش أختنق حد البكاء فأطوق... إلى بسمة صبح في عيون أطفال بريئة الى همسة ود في قلوب صادقة الى قطرة ندى من رذاذ
أحتضنها بثبات ، و رعشة يد الغيب تحكم قبضتها على رقبتي حد اللهات
سأحكي لهن ، عاشقات المساء سأحكي .و أحكي و اكتب وصيتي لكل النساء سأحكي ، حكاية الشاطر حسن حين استهان بيفظنة األميرة و أوحى له شيطانه أن يظفر بقلب الصغيرة ليتوج بطال على أبناء العشيرة ال استثناء في وطني المحموم كلهم جنوح
سراب الحقيقة الى حضنك أمي في لحظات انكساري و انا أصارع السقوط في بؤر الخطيئة.../. مراكش/المغرب* 6/2/2017
كشف المسار الغامض لوباء الكوليرا في اليمن
خ ا ص
دراسة تكشف عن أصول الوباء المتفشي في اليمن وترسم خريطة النتقالها وتحدد نوعية المضادات الحيوية المناسبة لدرئها
Credit: Prisma by Dukas Presseagentur GmbH / Alamy Stock Photo
يعيــش اليمــن واحــدة ً مــن أكبــر األزمــات اإلنســانية فــي العصــر الحديــث؛ إذ يتكالــب عليــه ثالــوث مرعــب ،أضالعــه الفقــر والمــرض والدمــار ،وهــو أمــر أجبــر منظمــات اإلغاثــة العالميــة ومؤسســات الصحــة األمميــة علــى تقديــم ُمســاعدات عاجلــة عــا عنيفًــا قوامــه الســلطة والنفــوذ ،وفق موقع اللجنــة الدوليــة للصليــب األحمــر للقاطنيــن فــي تلــك البــؤرة التــي تشــهد صرا ً علــى اإلنترنــت. ـرا ،تعاونــت مجموعــة دوليــة مــن الباحثيــن فــي محاولــة إللقــاء مزيــد مــن الضــوء علــى مشــكلة كبيــرة تواجههــا تلــك ومؤخـ ً الدولــة التــي تقــع جنــوب غــرب شــبه الجزيــرة العربيــة ،بعــد أن قامــوا بالكشــف عــن مصــدر أكبــر حــوادث انتشــار وبــاء الكوليــرا فــي العصــر الحديــث ،وهــو األمــر الــذي يُتوقــع لــه أن يُسـ ِهم فــي الســيطرة علــى موجــات تف ِ ّ شــي المــرض في المســتقبل. في الدراسة المنشــورة فــي دوريــة «نيتشــر» ( ،)Natureقــام الباحثــون بتحليــل وتتبُّــع وبــاء الكوليــرا باليمــن ،وتوصلــوا إلــى نتائــج مكنتهــم من دراســة التطــور الســالي لها ،ونشــوء المــرض ،ورســم خريطــة لمســارات انتقالهــا وتتبُّــع تطورهــا وتحديــد نوعيــة ال ُمضــادات الحيويــة التــي يُمكــن اســتخدامها لمواجهــة هــذا الوبــاء ،وذلــك عبــر فحــص الخريطــة الجينيــة ووضــع التسلســل الجينومــي لعينــات مــن بكتيريــا «ضمــة الكوليــرا» Vibrio choleraالمعزولــة مــن مناطــق موبــوءة فــي اليمــن. قالــت النتائــج إن كل العينــات التــي ُجمعــت مــن اليمــن خــال الفتــرة الزمنيــة لتف ِ ّ شــي الوبــاء تنتمــي إلــى ســالة واحــدة مــن الكوليــرا تُســمى .T13 ـرا عــن ســالة الكوليــرا التــي انتشــرت فــي الشــرق األوســط إبــان وأظهــر تحليــل الخريطــة الجينيــة لذلــك النــوع اختالفًــا كبيـ ً ـرا فــي شــرق أفريقيــا فــي ك ٍّل مــن كينيــا وتنزانيــا الحــرب علــى العــراق ،فيمــا تطابقــت تلــك الســالة مــع ســالة انتشــرت مؤخـ ً وأوغنــدا بيــن عامــي 2015و.2016 وأفضــى تحليــل هــذه البيانــات إلــى أن «كوليــرا اليمــن» -التــي تحتــوي علــى جيــن -ctxB7بــدأت فــي األســاس فــي جنــوب آســيا ،وتحدي ـدًا فــي الهنــد مــن عــام ،2006ثــم انتقلــت فــي ثــاث موجــات مختلفــة علــى األقــل لغــرب أفريقيــا فــي ،2008 وهايتــي فــي ،2010وشــرق أفريقيــا فــي 2013و.2014
وارتفعــت معــدالت اإلصابــة بوبــاء الكوليــرا بيــن المدنييــن فــي اليمــن لتزيــد مــن معاناتهــم؛ إذ تعيــش البــاد ويــات حــرب مســتمرة منــذ ثــاث ســنوات بيــن القــوات المواليــة للرئيــس «عبــد ربــه منصــور هــادي» ،المدعومــة مــن قــوات التحالــف بقيــادة المملكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات ،وحركــة الحوثييــن ،المدعومــة مــن إيــران.
دراسات مرجعية فحــص الباحثــون 116حالــة ،ضمن الســياق التطــوري الســالي لمجموعة عالميــة تضــم 1087عين ـةً معزول ـةً مــن البكتيريــا المســببة للوبــاء الســابع.
ضــا مــن اليمــن أصيبــوا بالعــدوى فــي عامــي 2016و ،2017منهــم 39مــن ثــاث محافظــات وشــملت الحــاالت 42مري ً رئيســية و 3حــاالت مــن معســكر لجــوء بالحــدود الســعودية ،عــاوة علــى 73حالــة تــم جمعهــا مــن دراســات مرجعيــة لبعــض الــدول التــي أصيــب ســكانها بالكوليــرا ،وتنقســم تلــك الحــاالت إلــى ُ 6مصابيــن مــن فرنســا ،وُ 11مصابًــا مــن العــراق و14 ُمصابًــا مــن جنــوب الســودان ،و 10مــن كينيــا و 3مــن الســعودية و 29مــن الهنــد. ووفــق منظمــة الصحــة العالميــة ،هاجمــت «الكوليــرا» اليمــن علــى موجتيــن منفصلتيــن أحدثتــا تفشـيًا وبائيًّــا ،وقعــت األولــى بيــن ـان أســفر أكتوبــر 2016وإبريــل ،2017وتســببت فــي وفــاة 129حالــة وإصابــة 25800حالــة ،ثــم تــا تلــك الموجــة تفـ ٍ ّ ـش ثـ ٍ عــن إصابــة 1.33مليــون حالــة و 2.641حالــة وفــاة حتــى نوفمبــر الماضــي.
نظام مراقبة عالمي نجــح الباحثــون فــي تحديــد نــوع الســالة الحاليــة مــن الكوليــرا فــي اليمــن ،مشــيرين إلــى أنهــا «نــوع واحــد ،وقالــوا إن مصدرهــا هــو شــرق أفريقيــا ،المرتبــط باليمــن عــن طريــق حــركات الهجــرة والتجــارة المســتمرة».وقالت الدراســة إن ســوء األوضــاع الصحيــة فــي اليمــن أدى إلــى انتشــار الوبــاء القــادم مــن شــرق القــارة الســمراء بشــكل ســريع.
وعــاوة علــى تحديــد مصــدر الكوليــرا ،نجــح الباحثــون فــي تحديــد نــوع ال ُمضــادات الحيويــة التــي يُمكــن اســتخدامها لمحاربــة فاشــية الكوليــرا اليمنيــة ،وقالــوا إن ســالة الكوليــرا فــي اليمــن أظهــرت ُمقاومــة لثالثــة أنــواع مــن ال ُمضــادات الحيويــة: عــا مــن المضــادات الحيويــة فــي القضــاء نيتروفيورانتويــن ،فيبروســتاتيك ،O/129وحمــض الناليديكســيك ،فيمــا نجــح 17نو ً علــى البكتيريــا ال ُمســببة للمــرض ،أبرزهــا (البوليمكســين ب ،)Polymyxin Bوهــو نــوع مــن المضــادات الحيويــة رخيــص الســعر وذو فاعليــة كبيــرة فــي محاربــة البكتيريــا والفطريــات والتهابــات الســحايا.
يقــول «فرانســوا كزافييــه ويــل» ،الباحــث فــي مجــال األوبئــة بمعهــد باســتير الفرنســي ،والمؤلــف األول للدراســة« :إن النتائــج قدمــت إعــادة بنــاء للمســار الــذي انتشــرت مــن خاللــه ســالة الكوليــرا التــي ضربــت اليمــن خــال األعــوام الماضيــة». ويضيــف فــي تصريحــات لـ»للعلــم» :إن الدراســة تهــدف إلــى التوصــل إلــى «فهــم أفضــل للكيفيــة التــي تنتشــر بهــا ُمســببات الكوليــرا حــول العالــم» ،مؤك ـدًا أن فهــم طريقــة انتشــار البكتيريــا سيُســهم فــي الحــد مــن اإلصابــات مسـ ً ـتقبل. اســتغرق العمــل فــي الدراســة 3ســنوات كاملــة ،وشــارك فيهــا باحثــون مــن مصــر والســعودية والواليــات المتحــدة األمريكيــة واليمــن والهنــد ،ويقــول «فرانســوا» إن نتائجهــا جــاءت ضمــن مبــادرة عالميــة تهــدف إلــى إقامــة نظــام مراقبــة عالمــي للكوليــرا، «تنطلــق فيــه مكافحتهــا علــى أســاس معرفــة تسلســلها الجينــي عبــر عــزل فاشــيتها المرضيــة» ،وتشــترك فيهــا منظمــة الصحــة العالميــة ويونيســف ومنظمــة أطبــاء بــا حــدود والعديــد مــن الهيئــات الصحيــة األخــرى.
تستجيب ساللة الكوليرا اليمنية للعالج بالبوليمكسين بسبب وجود طفرة في حمضها النووي نجم عنها تغير في تسلل األحماض األمينية )Credit:Naturevolume 565 (2019 ووفق تقديرات منظمــة الصحــة العالميــة ،تُعــد الكوليــرا أحــد أنــواع العــدوى المعويــة الحــادة التــي تُســببها بكتيريــا تُعــرف باســم «الضمــة الكوليريــة» ،وتنتقــل تلــك البكتيريــا عبــر الطعــام أو المــاء الملــوث ،ويُمكــن أن تــؤدي اإلصابــة بهــا إلــى الجفــاف الحــاد ال ُمســبب للوفــاة حــال عــدم تل ِقّــي العــاج الــازم. تنــاول أدويــة الجفــاف ،وإعطــاء المضــادات الحيويــة وفــي العــادة ،يُمكــن عــاج الكوليــرا باســتخدام تدابيــر بســيطة ،منهــا ُ المناســبة لســالة المــرض ،ورغــم ســهولة العــاج ،إال أن الحصــول عليــه فــي مناطــق الصــراع –كاليمــن -يظــل عصيًّــا ،وهــو مــا يــؤدي إلــى زيــادة نســب الوفــاة الناجمــة عــن اإلصابــة بذلــك المــرض.
صــا ووفــق «فرانســو» ،لــن تُســهم نتائــج الدراســة فــي الوقــت الحالــي فــي أي تغييــر فــي وضــع انتشــارها فــي اليمــن ،خصو ً فــي ظــل تفاقــم األوضــاع الصحيــة األخــرى ،وتدميــر نســبة ال بــأس بهــا مــن المرافــق الصحيــة نتيجــة االقتتــال األهلــي هنــاك. وتقــول منظمــة الصحــة العالميــة إن %45مــن المرافــق الصحيــة فــي اليمــن تعمــل بكامــل طاقتهــا ،فيمــا دُ ِ ّمــرت تما ًمــا ،%17 وتعمــل %38منهــا بشــكل جزئــي.
ويشــير تقرير صادر عــن المنظمــة إلــى أن نحــو 4.5مالييــن شــخص يحتاجــون إلــى خدمــات صحيــة متعلقــة بســوء التغذيــة، ووصــف رؤســاء الهيئــات الصحيــة الثــاث التابعــة لألمــم المتحــدة (يونيســف وبرنامــج األغذيــة العالمــي ومنظمــة الصحــة العالميــة) الوضــع فــي اليمــن بأنــه «مزيــج فــي غايــة القســاوة».
ووفق بيــان صحفي صــادر عــن اليونيســف« :إن البــاد علــى حافــة الوقــوع فــي مجاعــة؛ إذ يعيــش أكثــر مــن 60فــي المئــة مــن الســكان فــي حالــة عــدم يقيــن حــول وجبتهــم القادمــة ،كمــا يعانــي حوالــي مليونــي طفــل مــن ســوء التغذيــة الحــاد الــذي يجعلهــم أكثــر عرض ـةً لإلصابــة بالكوليــرا ،فيمــا تــؤدي األمــراض إلــى زيــادة ســوء التغذيــة».
ـرا جســي ًما ،يقــول التقريــر ذاتــه إن األمــل ال يــزال موجــودًا ،فأكثــر مــن %99مــن وعلــى الرغــم مــن أن الوضــع يشــكل خطـ ً األشــخاص المشــتبه فــي إصابتهــم بمــرض الكوليــرا يســتطيعون الحصــول علــى الخدمــات الصحيــة ،إال أن المنظمــات األمميــة تدعــو إلــى «بــذل الجهــود المســتدامة لوقــف انتشــار الكوليــرا فــي اليمــن».
موجة ثالثة محتملة ووفق موقع اللجنــة الدوليــة للصليــب األحمــر ،يُعَــد اليمــن اليــوم «أكبــر مأســاة إنســانية فــي العالــم ،إذ هنــاك أكثــر مــن 20 مليــون شــخص بحاجــة إلــى المســاعدة ويواجهــون تحديًــا مــع الزمــن فــي ظــل اســتمرار الحــرب فــي اليمــن».
وتقــول اللجنــة إن دمــار البنيــة التحتيــة بلــغ ح ـدًّا جســي ًما «نجــم عنــه حرمــان ذوي األمــراض المزمنــة مــن الحصــول علــى العــاج المنقــذ للحيــاة» ،مشــيرة ً إلــى أن انقطــاع الميــاه عــن بعــض المــدن أدى إلــى «ظهــور الكوليــرا وتكاثرهــا» ،مؤكــدة ً أن نحــو 14.8مليــون شــخص يمنــي يفتقــرون إلــى الحــدود الدنيــا مــن الرعايــة الصحيــة فــي الوقــت الراهــن.
ونقلــت وكالــة «رويتــرز» عــن المديــر التنفيــذي لبرنامــج الطــوارئ الصحيــة فــي منظمــة الصحــة العالميــة «بيتــر ســامة» قولــه« :إن اليمــن ربمــا يكــون علــى شــفا موجــة ثالثــة كبيــرة مــن وبــاء الكوليــرا». وقالــت الوكالــة في تقريرها المنشــور أغســطس الماضــي إن اليمــن لــم يشــهد قَــط حملــة للتطعيــم ضــد الكوليــرا عــن طريــق الفــم ،ووفــق «بيتــر» :إن التفشــي علــى ذلــك النطــاق الهائــل «ربمــا يكــون قــد ســاعد علــى تقويــة المناعيــة مــن الكوليــرا بيــن الســكان» ،إال أنــه عــاد وأكــد أن «أنظمــة المناعــة لــدى اليمنييــن ضعفــت بســبب أمــراض أخــرى ،إضافــة إلــى ســوء التغذيــة»، مؤكـدًا أن المســتقبل «لــن يشــهد فحســب زيــادة فــي عــدد الحــاالت ،بــل ســتزيد معــدالت الوفيــات بيــن حــاالت اإلصابــة بالكوليرا؛ ألن النــاس لــم يعــد لديهــم المزيــد مــن المــوارد الماديــة التــي تم ِ ّكنهــم مــن محاربــة المــرض».
بقلم الكاتبة :شمسه القحطاني ( اإلمارات العربية المتحدة)
ِ باألشخاص ليس ْت ضامن ُة األوطانِ َ العابري َن ،بل بالضَ َمئِر الخَالِ َدة" د.حسن فرحات