Phoenician Bird June

Page 1

‫طائر الفينيق‬ ‫‪Special Issue 2018‬‬

‫واقدساه!‬

‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫شاع ُر الضّ ّدين‬

‫د‪.‬هويدا رشيف‬

‫تزف الشاعرة كه زال ابراهيم إىل السامء‬ ‫املالئكة ُّ‬ ‫د‪.‬رياض الدليمي‬

‫كل يشء للشاعر األرمني زاريه خراخوين‬ ‫لنكن كالجموع ‪ -‬ونفعل ّ‬ ‫ترجمة مهران ميناسيان‬

‫دراسة عن الشاعر أمل دنقل ‪ :‬آخر األوراق ‪ ،‬آخر الغوايات‬ ‫د‪.‬نجاح ابراهيم‬

‫عىل أرض فلسطني‬ ‫عيل لفته سعيد‬


‫ا ملحتو يا ت‬ ‫تعايل‬ ‫حميد رساب‬

‫الشاعر األرمني زاريه خراخوين‬ ‫مهران ميناسيان‬

‫رصاخ جزيئة‬ ‫د‪ .‬سجال الركايب‬

‫عىل أرض فلسطني‬ ‫عيل لفته سعيد‬

‫خيوط سائبة‬ ‫عادل قاسم‬

‫شعرية الصورة يف ديوان الشاعرة د‪.‬نجاح‬ ‫ابراهيم (أغنية للبلشون الحزين)‬ ‫د‪.‬غيثاء قادرة‬

‫شهقه املعابر‬ ‫فراس جمعه العمشاين‬ ‫قراءة أدبية يف كتاب العني الثالثة للناقد‬ ‫والشاعر العراقي ناظم نارص القرييش‬ ‫سليمة مليزي‬ ‫آخر األوراق ‪ ،‬آخر الغوايات ‪ ،‬دراسة عن‬ ‫الشاعر امل دنقل‬ ‫د‪ .‬نجاح ابراهيم‬ ‫نزار قباين‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫الكلمة الح ّرة‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫املكان يف رواية طائر الحوم للروايئ حليم‬ ‫بركات‬ ‫محمد حسني‬ ‫عبد القاهر الجرجاين ونظرية النظم‬ ‫عيل أيوب‬ ‫مع الشاعر سليم حيدر يف " خليقته"‬ ‫عمر شبيل‬ ‫الشاعر األرمني كريكور‬ ‫مهران ميناسيان‬

‫املالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم اىل‬ ‫السامء‬ ‫د‪.‬رياض الدليمي‬ ‫مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر‬ ‫ترجمة‪ :‬لطيف هلمت‬ ‫األنوثة املؤلهة عند رياض الدليمي‪ :‬قراءة‬ ‫يف ديوانه ( آخر الناس)‬ ‫د‪.‬أسامء غريب‬ ‫أقواس قزح‬ ‫عمر شبيل‬ ‫ترنيمة حياة أو كلمة يف ديوان‬ ‫د‪.‬جامل حسني زعيرت‬ ‫واقدساه‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬ ‫ظغط الدم املنخفض ورمضان‬ ‫د‪.‬انتظار القييس‬


All rights reserved. Copyright held by HSF Media Inc. 2018. No reproduction, copying or pasting without expressed consent from HSF Media Inc. For permission or writing oppurtunities please contact: submissions@ya7elweenmagazine.com Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat MD Co-Founder: April Khan Chief Content Manager: Dinah Rashid Senior Arts Director: Saood Mukhtar North African Corespondent: Meriem Badji Photographer: Hamouda Ben Jerad Editorial: Reyad Al Dellamy



‫آخر األوراق ‪ ،‬آخر الغوايات‬ ‫دراسة عن الشاعر امل دنقل‬ ‫د‪ .‬نجاح ابراهيم‬ ‫ي تذكر ‪،‬‬ ‫أيّها الجنوب ّ‬ ‫لم يبق في جعبتك األخيرة سوى رماد الذكرى ‪.‬‬ ‫آخر ما في الدّواة من حبر ‪ ،‬آخر الغوايات‪ ،‬التي اقترفها السائل األزرق الغامق‪،‬‬ ‫ليغوي ال ّ‬ ‫شاعر المتهاوي ‪ ،‬آخر األوراق التي حاكتها الغرفة رقم «‪ »8‬آخر األنفاس‬ ‫ي « تلك التي راحت شوارع القاهرة تحفظها وتتلوها – كما‬ ‫‪ ،‬هي قصيدة «الجنوب ّ‬ ‫الرؤية‬ ‫ي‪ ،‬ورأى النقاد فيها ّ‬ ‫قالت زوجته – وأخذ األصدقاء يردّدونها كنشيد وطن ّ‬ ‫المكتملة ‪ ،‬قال عنها يوسف إدريس ‪ »:‬رفضتُ تماما ً أن أقرأ قصيدة الجنوبي األخيرة‬ ‫ّ‬ ‫ولمت مثله ومعه ‪1 ».‬‬ ‫‪ ،‬فقد كنتُ متأكدا ً تماما ً أنني لو قرأتها الكتملت الرؤية ‪،‬‬ ‫صور تتهادى أمام العينين الغائبتين ‪ ،‬فيقف ال ّ‬ ‫شاعر أمام إحداها ‪،‬يحار‪،‬وما‬ ‫بدأت ال ّ‬ ‫أقسى حيرته! هل كانت تلك صورة ذلك الطفل الذي يكونه‪ ،‬أم أنّه طفل سواه ؟‬ ‫الفرس بضربة منها رأسه ‪،‬‬ ‫هو واقف ‪،‬بينما األب جالس تتدلى يداه بارتخاء‪ ،‬لتش ّج‬ ‫ُ‬ ‫فيسي ُل الدّم ليغطي الوجه والصدر‪ .‬صورة مؤلمة حتى العظم ‪،‬ال يستطيع الشاعر أن‬ ‫يستمر في تذكرها‪ ،‬يحاول أن يستبدلها ولكنه يغرق أكثر في الماضي‪ ،‬تنفجر الذاكرة‬ ‫ّ‬ ‫وهو يعيش تجربة الموت كما عاشها الذين رحلوا‪.‬‬ ‫يحدّق ال ّ‬ ‫حس أنّه لم يعد له من عمر ليقضيه ‪ ،‬ليس له إال‬ ‫شاعر الغريب حوله‪ ،‬وهو يُ ّ‬ ‫تنتفض من أعمدة النّعي ‪،‬وبعض الوجوه تطلع له‪ ،‬أما‬ ‫صدى اسمه ‪ ،‬وأسماء بعضهم‬ ‫ُ‬ ‫كانت إحدى رغبتيه رؤية الوجوه الغائبة؟! ها هي تتحقق‪ ،‬فيتذكر وجها ً ‪:‬‬ ‫« خاض حربين بين جنود المظالت‬


‫‪:‬‬ ‫« هل تريد قليالً من البحر ؟ ‪3‬‬ ‫هل يمكن لهذا البحر أن يكون موضع ثقة‪ ،‬فيطهره من ألم االحتضار؟‬ ‫وتجيب نفسه ‪ّ :‬‬ ‫ي الذي يكونه‪ ،‬ال يطمئن إلى اثنين ‪ ،‬هما البحر والمرأة‬ ‫إن الجنوب ّ‬ ‫الكاذبة ‪ ،‬فما يعاني منه سيبقى ‪.‬‬ ‫ي من القنينة التي تحويه ‪ ،‬ويسأل عن‬ ‫ثم يسأل عن الخمر‪ ،‬الذي يتهيّب الجنوب ّ‬ ‫اآللة الحاسبة ‪ ،‬ترى هل سيحسب أياما ً بقيت له في الحياة ‪،‬أم سويعات ؟ ثم يسأل‬ ‫صبر ‪ ،‬عن قليل منه‪ .‬يحار الشاعر عما يتساءل أيضاً‪ ،‬فهذا االضطراب الذي‬ ‫عن ال ّ‬ ‫غرة ‪ ،‬فيجيب‬ ‫يعيش تفاصيله ‪ ،‬إنما مردّه إلى سكرات الموت التي تدهمه على حين ّ‬ ‫عن جملة ما سأل ‪:‬‬ ‫« ال‬ ‫فالجنوبي يا سيّدي يشتهي أن يكون الذي يكنه‬ ‫يشتهي أن يالقي اثنين‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬واألوجه الغائبة ‪1 ».‬‬ ‫يريد الحقيقة ؟!‬ ‫« أبي‪ ..‬ال مزيد‬


‫لم ينخدش‬ ‫واستراح من الحرب‬ ‫عاد ليسكن بيتا ً جديدا ً‬ ‫ويكسب قوتا ً جديدا ً‬ ‫فجأة مات ‪1 ».‬‬ ‫اختلط عليه األمر ‪ ،‬اختلط الوجهان في لحظة ما ‪ ،‬ما الذي يراه اآلن‪ ،‬وجه ذلك‬ ‫الذي خاض الحروب أم وجهه هو ؟! لم يعد يعرف شيئا ً ‪ ،‬فقلبه الضعيف لم يعد‬ ‫يحتمل سريان المخدّر‪ .‬فجأة عاد طفالً يشارك ال ّ‬ ‫شاعر في سريره‪ ،‬وفي كسرة الخبز‬ ‫‪ ،‬والتبغ ‪،‬والسعال‪ ،‬بيد أنّه ال يشاركه في المرارة ‪ ،‬ألن طعم العلقم ال يعرفه إال حلقه‬ ‫!‬ ‫الراحل يحيي الطاهر عبد هللا‪،‬من بين الوجوه الغائبة‬ ‫ثم يطلع إليه وجه صديقه القاص ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫« ليت أسماء تعرف ّ‬ ‫أن أباها صعد ‪ /‬لم يمت ‪/‬‬ ‫هل يموت الذي كان يحيا ‪ّ /‬‬ ‫كأن الحياة أبد !‪2 ».‬‬ ‫وأسماء هي ابنة القاص الغائب‪ ،‬أراد أمل دنقل أن يخبرها أنّه عاش منتصبا ً ‪،‬بينما‬ ‫ينحني القلب بحثا ً عنه ‪ ،‬وليتها تعرف كابنة جميلة أن تخبئه بين أوراقها‪ ،‬وتخبره أن‬ ‫يسير منفلردا ً وال يلتقي بأحد ‪.‬‬ ‫ثم يخاطب ال ّ‬ ‫شاعر نفسه عبر مرآة كانت مركونة بالقرب منه ‪ ،‬فيرى وجهه ‪ ،‬فيسأل‬


‫وكان الب ّد وأن ير ّحب أمل دنقل به وبما يحمل من تبعات‪ّ ،‬‬ ‫ألن ما لديه من القوالة‬ ‫قد خلص ‪،‬وسكتت الحنجرة إلى األبد ‪،‬على الرغم من أنها كانت قليلة الكالم ‪ ،‬ولم‬ ‫يعد هناك سوى بياض الصمت ال ُمطبق‪:‬‬ ‫« أموت في الفراش‪»..‬مثلما تموت العير»‬ ‫أموت والنفير‬ ‫يدق في دمشق‬ ‫أموت في الشارع‪:‬في العطور واألزياء‬ ‫أموت واألعداء‬ ‫تدوس وجه الحق‪1 ».‬‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬ولكن!!‬ ‫ويرحل الشاعر‬ ‫بالرغم من قصر حياته التي انتهت بمرض عضال‪،‬وهو في ريعان الشباب‬ ‫ّ‬ ‫والعطاء‪،‬وبالرغم من ظروفه االجتماعية القاسية ‪،‬ظ ّل يبدع وهو على فراش الموت‬ ‫شعرا ً ناضجا ً عميقاً‪ ،‬تبقى األجيال القادمة تردده و تستنير به‪.‬‬ ‫فما تركه من أثر سيظ ّل في الذاكرة وفي الوجدان العربي‪ ،‬ألنّه شاعر مبدع و‬ ‫مختلف أراد زمنا ً جميالً يليق به وبالجميلين من أمثاله ‪.‬‬


‫أريد أبي عند بوابة القصر‬ ‫فوق حصان الحقيقة‬ ‫منتصبا ً من جديد‪2 ».‬‬ ‫أيّة حقيقة يقصد ؟!‬ ‫هل هي حقيقة ذهول اإلنسان أمام صمت قادم‪،‬كاسح؟ بياض آت سيكسح ك ّل شيء‬ ‫الرجل الحالم الذي‬ ‫الرفض المستمر‪..‬كما يفعل ّ‬ ‫‪،‬أم «هي الحرية اإلنسانية‪،‬أم هي هذا ّ‬ ‫أحالم يقظة‪»..‬‬ ‫يأمل دائما ً في مستقبل وغ ٍد يحقق له‬ ‫َ‬ ‫هاهو يستع ّد ليلفظ آخر األنفاس‪،‬وبعد أن لفظه قد أدرك ما كان يبحث عنه‪، ،‬حقيقة‬ ‫الموت الذي كان بعيدا ً عن تصوراته ‪ ،‬وهاهو يلتقي باألوجه الغائبة‪،‬وجها ً تلو اآلخر‬ ‫‪،‬الوجوه التي لم تعد غائبة ‪ ،‬بل ماثلة أمامه ‪.‬‬ ‫وانتهى الكالم مع سهم الموت‪ ،‬الذي أصابه في نهاية الطواف ‪:‬‬ ‫« لم يبق إال الموت‬ ‫والحطام والدمار‪3 ».‬‬ ‫المكان‪،‬يعرش‪ ،‬فال شيء سوى الخراب والدمار‪،‬فالموت‬ ‫حيث يتمدّد الموت على‬ ‫ّ‬ ‫يصبح موازيا ً لحيز المكان‪،‬يأخذ شكله واتساعه‪،‬وال سبيل إال لرؤيته‪،‬فالشاعر مستسلم‬ ‫في فراشه ال يجيد المقاومة‪.‬‬



‫المكان في رواية طائر الحوم للروائي حليم بركات‬ ‫ •بقلم محمد حسين‪/‬دراسات عليا‬ ‫تمهيد‬ ‫ّ‬ ‫إن الروائيين اهتموا دائما ً باألمكنة التي تقع فيها حوادث رواياتهم وحيث تعيش شخصياتهم‪،‬‬ ‫حتى إن بعض النقاد أخذ عليهم اإلسراف في وصف األمكنة مما يعوق تطور الرواية‪ ،‬في‬ ‫حين اعتبر آخرون المكان مجرد إطار أو زينة ال أهمية لها‪.‬‬ ‫أما اليوم فنجد اهتماما ً بالغا ً بالمكان الروائي‪ ،‬ويعنون بذلك مجموعة العالقات المتعارضة‬ ‫بين األمكنة المختلفة داخل الرواية وال يهملون التفاعل بين الفضاء والشخصيات والرؤية‬ ‫والظروف االجتماعية‪ ،‬ومثال ذلك بروز المكان في جميع روايات إميلي نصرهللا‪ ،‬فالتعلق‬ ‫بالقرية‪ ،‬والهروب‪ ،‬والخوف من المدن الكبرى‪ ،‬واالقتالع‪ ،‬هي مواضيع ثابتة في طيور إيلول‬ ‫والرهينة واإلقالع عكس الزمن والجمر الغافي‪.‬‬ ‫ففي طائر الحوم لحليم بركات‪ ،‬نلحظ تحطيم مفهوم المكان‪ ،‬فالبطل يعيش في عالمين‪ :‬قريته‬ ‫أي مسقط رأسه‪ ،‬ومكان هجرته‪ .‬واالنتقال من المكان يتم فجأة عن انشطار نفس البطل‪.‬‬ ‫وفي بحثنا هذا نعالج المكان في رواية «طائر الحوم» للروائي حليم بركات‪.‬‬ ‫دوائر المكان ومكوناتها شديدة البروز في النص‪ .‬فالدائرة األولى بالنسبة للرواية تمثل المكان‬ ‫األول (الكفرون) الذي ولد ونشأ وترعرع فيه وقضى فيه معظم أيام طفولته ثم ينتقل إلى‬ ‫بيروت المكان الثاني من حياته األولى وهي تشكل الدائرة الثانية أما الدائرة الثالثة فهي أميركا‬ ‫مكان إقامته وعمله‪.‬‬ ‫التقاطبات واجتياز الحدود (بين المتقاطبين)‬ ‫إن التقاطبات كثيرة في الرواية‪ ،‬فهي تبدأ من العنوان «طائر الحوم» حيث إنه إشارة إلى‬ ‫الهجرة واجتياز األمكنة من أقصاها إلى أقصاها‪ ،‬إنه انفالت من القوقعة (القرية‪ /‬الكفرون)‬ ‫ليدخل بطن الحوت (المدينة‪ /‬بيروت)‪.‬‬ ‫الكفرون‪ /‬بيروت‬ ‫سوريا‪ /‬لبنان‬ ‫ريف‪ /‬مدينة‬ ‫أما الهدف من هذا االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش‪.‬‬ ‫وهناك أيضا ً تقاطب آخر في الرواية هو‪:‬‬ ‫بيروت‪ /‬أمريكا‬


‫يكون في مكان ما في واشنطن حتى تعود به الذكريات إلى الزمن األول من حياته في الكفرون‬ ‫«كان يوما ً خريفيا ً رائعا ً تحولت فيه مدينة واشنطن إلى غابة كثيفة من األلوان الزاهية‬ ‫المتموجة المتداخلة بعد صيف حار تماما ً كذلك اليوم الذي شهد فيه مصرع طائر الحوم في‬ ‫الكفرون»(‪.)2‬‬ ‫كما أن الراوي حاول أن يؤكد لنا على فكرة أن سوريا هي الوطن الذي ال بديل عنه حيث‬ ‫يتحدث عن الفتاة األمريكية من أصل سوري‪ ،‬فالحياة في أميركا تهدم اإلنسان بينما السعادة‬ ‫ت إلى أميركا‪ .‬لو بقيت في سوريا‪ .‬ولدت ونشأت‬ ‫هي الحياة في بلده «أتمنى لو أن أمي لم تأ ِ‬ ‫وعشت في قرية سورية قريبة من اإلنسان واألرض‪ .‬أفضل لو كنت حرمة في عائلة على‬ ‫الوحدة القاتلة هنا‪ .‬الحياة تهدم اإلنسان»(‪.)3‬‬ ‫ويعود الراوي مرة أخرى للحديث عن طائر الحوم‪ ،‬فطائر الحوم رمز الجتياز الحدود‬ ‫والهجرة بين قطبين أو بين منطقتين (وهنا يظهر التقاطب المكاني) منطقة الفقر في العالم‬ ‫(الجنوب) ومنطقة الغنى (الشمال) فهو «مهاجر باستمرار بين الجنوب والشمال (بين مخاطر‬ ‫الجنوب والشمال) مدفوعا ً بالعطش والجوع والشبق والدفء‪ .‬كلما عبر عالما ً تك ّ‬ ‫شف له عالم‬ ‫آخر»(‪.)4‬‬ ‫تسيطر الحضارة المادية في الغرب فكل شيء تتحكم به اآللة «فأدركت أن اآللة لم تلفظني‬ ‫خارجا ً وأنني أسعى جاهدا ً ضمن آلة أكبر»(‪.)5‬‬ ‫ولعلنا نجد عند الراوي تقاطبا ً من نوعٍ آخر‪ ،‬تقاطبا ً شعوريا ً بسبب المكان يقول‪« :‬وفيما‬ ‫نخترق كثافات الغيوم البيضاء فوق أميركا‪ ،‬تذكرت أنني في طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم‬ ‫سوداء تضيئها بروق وصواعق متكررة»(‪.)1‬‬ ‫تتكرر التقاطبات المكانية في الرواية» فاضطرت أمي إلى أن تنزح بنا أنا وأخي وأختي‬ ‫إلى مدينة بيروت بعد أن جاهدت عبثا ً في القرية مدة سنة أو أكثر»(‪ .)2‬ويقول‪« :‬ناضلت‬ ‫في بيروت كما ناضلت في القرية»(‪ .)3‬ويتحدث الراوي أيضا ً عن األمكنة التي انتقلت‬ ‫إليها حبيبته مع عائلتها‪« :‬منذ الطفولة رحلت مع أهلها من قرية عيثا الفخار في البقاع إلى‬ ‫بيروت»(‪.)4‬‬ ‫فالتقاطب واضح هنا فبيروت مدينة وعيثا قرية ثم هاجرت العائلة من بيروت إلى أميركا‬ ‫«فشجعته على أن يهاجر إلى أميركا‪ .‬التحق بأهله وأخوته في توليدو أوهايو»(‪.)5‬فبيروت‬ ‫في الشرق وأميركا في الغرب‪ ،‬بيروت تمثل الحضارة الروحية بينما أميركا تمثل الحضارة‬ ‫المادية‪.‬‬ ‫والصراع يظهر نفسية الراوي عند المقارنة بين وطنه األم وبين مكان إقامته في أميركا‪.‬‬ ‫فالمهاجر في بلده «كان يشعر انه سلطان نفسه‪ ،‬وأصبح في أميركا يشعر أنه نملة تجرجر حبة‬ ‫قمح كبيرة (وربما فارغة) وتخاف من وطء األقدام»(‪.)6‬‬ ‫وهناك أيضا ً تقاطب مكاني آخر بين الكفرون وعيثا يقول الراوي «ودخلنا واديا ً تحيط به‬ ‫التالل العارية من جهات ثالث‪ ،‬عيثا الفخار ليست الكفرون ولكن لها جمالها الخاص»(‪.)7‬‬


‫شرق‪ /‬غرب‬ ‫حضارة روحية‪ /‬حضارة مادية‬ ‫والهدف من االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش والتعلم‪.‬‬ ‫إن لكل مكان مفاهيمه الخاصة ففي الكفرون نجد أن الناس تقتل العصافير يقول الرواي‪« :‬بعد‬ ‫هذا الزمن الطويل كخيوط الهم تتجاوب في ذهني طلقات النار دفعة واحدة‪ ،‬ثم متتابعة مثل‬ ‫خفقات قلب مضطرب»(‪ ... )1‬ويقول في مكان آخر‪« :‬تجفل طيور الحوم فتتوزع؛ كل على‬ ‫ِحدة‪ ،‬وجلة في مختلف االتجاهات‪ .‬تطلق صراخا ً حادا ً ويتهاوى بعضها إلى موته الحتمي في‬ ‫أودية عميقة كهموم القلب‪)2(»...‬‬ ‫أما في أميركا فإن اإلنسان يربى على المحافظة على الطيور وعلى حبها «‪ ...‬ربما ما كنت‬ ‫تضحك لو فهمت‪ ،‬فهي تحب العصافير»(‪.)1‬‬ ‫والراوي كطائر الحوم دائم الترحال ال يستقر في مكان فهو مهاجر من إلى مكان آخر «أحلم‬ ‫أن نتحرر من كل المسؤوليات بما فيها العمل‪ ،‬ونسافر إلى مختلف أنحاء العالم»(‪.)2‬‬ ‫كما أن األمكنة تشكل الزمان بالنسبة إلى الراوي‪:‬‬ ‫الكفرون‪ /‬أميركا‬ ‫الشرق‪ /‬الغرب‬ ‫الماضي‪ /‬الحاضر‬ ‫فنسمع حبيبته تقول له‪« :‬إنك تعود إلى أصولك‪ .‬أصبحت تلعب الطاولة وتحمل مسبحة وتريد‬ ‫منقلة‪ .‬مستقبلك أمامك‪ .‬غدا ً تدخن نرجيلة وتلبس سرواالً»(‪.)3‬‬ ‫كما أنه لدينا تقاطب آخر حيث ان الراوي يتحدث عن الحياة البرية أو الحياة الحيوانية ويقارنها‬ ‫مع الحياة اإلنسانية فالحيوانات ال تندفع إلى مساعدة بعضها ‪ ،‬ولكن لماذا اإلنسان العاقل يفعل‬ ‫ما يفعله الحيوان يقول‪« :‬وتهاجم قطيعاً‪ ،‬فجأة‪ ،‬مجموعة من الذئاب تطارد عجالً صغيرا ً‬ ‫قتندفع أمه وحدها للدفاع عنه وانسحبت بقية الثيران واألبقار إلى مكان أمين وراحت تراقب‬ ‫المطاردة‪ ...‬وتمتد المعركة وتطول والثيران الكبيرة تراقب دون تدخل‪ ...‬ويقع العجل فريسة‬ ‫فتعلن األم يأسها وتلتحق ببقية القطيع دون ان تلتفت إلى الوراء»(‪.)4‬‬ ‫أما العرب فيتصرفون كما تتصرف هذه الحيوانات «فلسطين تسقط فريسة‪ .‬بيروت تتساقط‪.‬‬ ‫البصرة مهددة بالسقوط‪ .‬الجنوب اللبناني محتل‪ .‬لماذا األم وحدها تقاوم؟ أيتها العواصم العربية‬ ‫الثيران‪ .‬تشمخين بقرونك مذهولة تراقبين وجلة‪ ،‬تتناطحين‪ ،‬تتناكحين سرا ً في الدهاليز‪ ،‬تأكلين‬ ‫األخضر واليابس‪ ،‬تتمددين خارج التاريخ بكسل بليد‪.‬‬ ‫ما نفع المواجهة؟ آه من المأساة المهزلة»(‪.)1‬‬ ‫ومن أهم التقاطبات تقاطب واشنطن‪ /‬الكفرون وهو تقاطب مكاني حيث أن الراوي مجرد أن‬


‫إن الكفرون ال تفارق الراوي أبدا ً ففي كل فصل من فصول الرواية بل في كل فقرة نراه‬ ‫يأتي على ذكر هذا المكان الذي ولد فيه‪ ،‬يقول‪« :‬ونهرب معا ً إلى الكفرون باتجاه جبال‬ ‫شنندوه الشامخة الخضراء»(‪.)5‬‬ ‫وهذا التقاطب المكاني هو األبرز في الرواية من بدايتها إلى نهايتها‪ .‬ولعل لكل مكان ثقافة‬ ‫معينة‪ ،‬فثقافة أهل القرى واهتماماتهم تختلف عن ثقافة واهتمامات أهل المدن‪ .‬فالتقاطب‬ ‫المكاني (قرية‪ /‬مدينة) بارز ففي حين أن أهل القرية يهتمون بالغناء الشعبي من العتابا‬ ‫والميجانا نرى أن أهل المدن يهتمون بالغناء الكالسيكي األصيل لعبد الوهاب وفريد‬ ‫األطرش‪ ،‬فيقول الراوي‪« :‬على الضفة الجنوبية تجمهر عدد كبير من من أهل الضيعة‬ ‫حول مائدة حافلة بالمازوات والعرق‪ .‬نسيم المسوح يسترسل في غنائه العتابا والميجانا‬ ‫والمعنى والدلعونا‪ ...‬وعلى الضفة األخرى التف جمهور من الشبان ممن عاشوا في المدن‪،‬‬ ‫وأصحابهم‪ ،‬حول جورج الحمصي يعزف على العود ويغني أغنيات لعبد الوهاب وفريد‬ ‫األطرش‪.)1(»...‬‬ ‫كما أن المفردات التي تدل على المكان وتشكل تقاطبا ً مكانيا ً ظاهرة في النص مثالً نراه‬ ‫يقول‪« :‬ودبكنا فكانت أقدامنا الحافية تضرب األرض بتحدٍ‪ .‬ومناديلنا تدور في وجه السماء‬ ‫بانتشاء وكبرياء‪ ...‬نحلّق فوق القمم واألودية‪ ...‬جسدك منفي في أميركا الجنوبية وأنا في‬ ‫أميركا الشمالية»(‪ ،)2‬السماء‪ /‬واألرض – القمم‪ /‬األدوية – الجنوب‪ /‬الشمال ‪ ...‬كلها‬ ‫مفردات على اتجاهات ألماكن مختلفة فتشكل تقاطبات مكانية آخرى في النص‪.‬‬ ‫ولعل التقاطبات المكانية تظهر بوضوح في الفقرة التالية‪« :‬وكما أنتقل أنا في هذه األيام‬ ‫بين واشنطن ونيويورك وبوسطن وديترويت وشيكاغو وسان فرانسيسكو وبروتلند‬ ‫واوستن وبين أميركا وأوروبا والمغرب والمشرق العربيين والجنوب والشمال‪ ،‬كان والدي‬ ‫ينتقل بين الكفرون والمشتى وصافيتا والدريكيش ومرمريتا والمشتاية وبرشين ومحردة‬ ‫والسقيلبية»(‪.)5‬‬ ‫كذلك فإن للتقاطبات المكانية تأثيرا ً في عالقة اإلنسان بالحيوان فيصور الراوي العالقة في‬ ‫أميركا كأنها عالقة فيها رحمة أما العالقة في بالدنا فيشوبها الحذر والقسوة‪ ،‬يقول‪« :‬أول‬ ‫ما لفت نظري حين حضرت إلى أميركا هذه العالقة اإليجابية بين الناس والسنجاب‪ ،‬حتى‬ ‫أن طبيعته تختلف عن طبيعته عندنا‪ .‬أذكرأن السنجاب عندنا شديد الحذر‪ ،‬ال يقترب من‬ ‫الناس ويسكن أعالي أشجار السنديان والجوز الباسقة‪.)1(»...‬‬ ‫ويورد الراوي تقاطبات مكانية للخير والشر فيقول‪« :‬ال مهرب من التاريخ الذي يسجل من‬ ‫يسلك طريق الخير ومن يسلك طريق الشر»(‪.)2‬‬ ‫القوقعات‬ ‫لقد دخل يونان بطن الحوت ولكنه خرج منه‪ ،‬أما الراوي فإنه دخل بطن حوت أكثر وحشة‬ ‫من حوت يونان وحاول كثيرا ً للخروج «طالما سمعت حكايات كنت أعتقد جازما ً أنها‬ ‫ال يمكن أن تحدث حتى حدثت لي فعالً‪ ،‬مثل قصة دخول يونان بطن الحوت وخروجه‬ ‫منه‪ ،‬اعتبرت القصة مجرد خرافة حتى دخلت بطن وحش أكثررهبة من حوت هو مدينة‬


‫ويعود الراوي للمقارنة مرة أخرى بين بيروت وأميركا (هذا التقاطب يتكرر باستمرار في‬ ‫الرواية) فأميركا تمثل االضطراب وعدم الشعور باالستقرار «اشتركنا في نشاطات حركة‬ ‫الحقوق المدنية للسود وحركة االحتجاج ضد حرب أميركا في فيتنام‪ ...‬مهما كان الكفاح‬ ‫سيستمر»(‪ .)1‬وبيروت تمثل االستقرار لكنه انتهى‪« ،‬انتهى زمن االستقرار في بيروت يا‬ ‫خالد وشفيقة‪ .‬أصبحت حياتنا معلقة في سديم بين الضباب والوهج والثلج»(‪.)2‬‬ ‫ونرى الراوي دائما ً يريد الصعود من تحت إلى فوق‪ ،‬في هذا التقاطب المكاني كأنه يريد‬ ‫أن يطير ويتحرر وينعتق من قوقعته كطائر الحوم فيقول‪« :‬ما دمنا ال نستطيع التحرر من‬ ‫المكان‪ ،‬فلنحاول التحرر من األسفل والتفاصيل والجزئيات لنصعد إلى فوق‪ .‬لنصعد بقدر ما‬ ‫يمكن ونطل على األسفل فنشعر أننا نحلق»(‪.)3‬‬ ‫أيضا ً ال بد من اإلشارة إلى أن العرب في بلدانهم يتحدثون لغات أجنبية مختلفة دون أي‬ ‫مشكلة بينما في بالد الغرب على المرء أن يتكلم بلغة الدولة‪ .‬الغرب أكثر وطنية من العرب؟‬ ‫نجد المرأة األميركية تريد المحافظة على لغتها حين تطلب من الراوي التحدث باإلنكليزية‬ ‫«فتتوقف قربنا سيدة أميركية وتقول بغضب‪ :‬تكلموا باإلنكليزية‪ ،‬أنتم في أميركا»(‪.)4‬‬ ‫وتتكاثر التقاطبات المكانية عند الراوي بطريقة رائعة إذ أن هذا المهاجر الدائم حقيقةً وخياالً‬ ‫يحلق في السماء ويلتحف األرض يغط على الجبال ويشهق عندما يرى الوادي‪ .‬إنه كطائر‬ ‫الحوم‪ ،‬يقول «يضرب جناحيه في وجه السماء الواسع‪ ...‬وأحيانا ً كغطاء قطني تلتحفه‬ ‫األرض‪ ...‬يغط على قمم جبال األلب متتبعا ً خطوات هنيبعل‪ ...‬يشهق عندما يطل من «باب‬ ‫النقب» على وادي الكفرون فيغط مطمئنا ً مبهوراً»(‪.)5‬‬ ‫ولعل المكان عند الراوي ال يغير الذكريات‪ ،‬فالتقاطبات المكانية ال تعمل على محو الذاكرة‬ ‫فالراوي وأصدقاؤه هاجروا ك ٌل إلى مكان مختلف ولكن الذكريات (في الكفرون) بقيت كما‬ ‫هي‪ ،‬يقول «تذكرناك كثيرا ً يا فؤاد عندما زارنا أبو صفا مؤخرا ً في واشنطن عجبت كم تتشابه‬ ‫ذكرياتنا رغم فارق العمر بيننا‪ .‬أبو صفا ال يجد في األمر غرابة‪ .‬قال إن ذكرياتنا واحدة ألن‬ ‫األجواء التي عشناها واحدة‪ .‬المياه الرقراقة نفسها‪ ،‬المحيط نفسه‪ ،‬الهواء نفسه‪ ،‬العصافير‬ ‫نفسها‪.)1(»...‬‬ ‫ولعل تقاطبات االتجاه المكانية لها دورها في الرواية «المياه تنرش عن يميني وشمالي‪،‬‬ ‫ويتطاير بعضها إلى وجهي وصدري وكتفي»(‪ .)2‬فاليمين والشمال يدالن على اتجاهين‬ ‫مختلفين لمكانين مختلفين‪.‬‬ ‫ومن التقاطبات المكانية‪ ،‬الحديث عن الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬الماضي الذي يمثل‬ ‫الكفرون والحاضر والمستقبل اللذين يمثالن أميركا «دون تساؤل ظللت أرحل في عينيها‬ ‫باتجاه الماضي والمستقبل وفي أعماق الحاضر»(‪.)3‬‬ ‫ ‪-‬ومثال آخر على ذلك «وجدت نفسي أرحل إلى زمن الطفولة في الكفرون‪.‬‬ ‫ ‪-‬وأنا كنت أستعيد الماضي‪ ،‬مع األسف بضوء الحاضر‪.‬‬ ‫ ‪-‬لماذا ال نتحرر من الماضي والحاضر؟»(‪.)4‬‬


‫لعل الراوي ال يريد أن يخرج من قوقعته فهو شديد التعلق بضيعته «الكفرون» فيقول‪:‬‬ ‫«الذاتية اليمكن‪ .‬أما ما تسميه رواسب فأسميه جذوراً‪ ،‬لذلك أحببت شجرة الصفصاف‬ ‫ليست ألنها تبكي وتهبط دموعها إلى النهر‪ ...‬أحب شجرة الصفصاف ألنها تنكفئ على‬ ‫ذاتها وجذورها‪ .‬كلما كبرت في العمر‪ ،‬انحنت أغصاني نحو جذوري»(‪ .)1‬وهكذا نجد‬ ‫الراوي يتشبه بشجرة الصفصاف التي تنحني على جذورها فهو يريد العودة إلى أصله‬ ‫وجذوره التي شرشت في ضيعته الكفرون‪.‬‬ ‫وهكذا يظهر لنا أن المكان شديد الحضور إذ أنه قوي ومستمر من البداية إلى النهاية‪ ،‬وكان‬ ‫مكرس من أجل تمجيد الكفرون‪ ،‬تلك البلدة التي لم يخلق لها مثيل‪ ،‬كما يراها‬ ‫العمل كله ّ‬ ‫الراوي‪ .‬وهكذا يصبح المكان‪ ،‬الكفرون‪ ،‬مسرحا ً حافالً موارا ً بالحياة والحركة والتغير‪،‬‬ ‫تكون‬ ‫فالينابيع التي تتدفق‪ :‬كرك والشيخ حسن والشير‪ ،‬ليست مجرد ينابيع‪ ،‬إنما شرايين ّ‬ ‫الحياة‪ ،‬تسكب فيها القوة والفرح‪ ،‬ثم تقود المخلوقات‪ ،‬والبشر أيضا ً الكتشاف الجمال واللذة‬ ‫واآلخر‪ ،‬والكتشاف الخطر في نفس الوقت‪.‬‬ ‫فمنذ الهجرة األولى للراوي‪ ،‬منذ ان فقد المكان األول (الكفرون) األليف‪ ،‬أصبح الترحال‬ ‫واالنتقال قدراً‪ ،‬أو ربما عقوبة‪ ،‬خالل التيه المستمر‪ ،‬يصبح التكيف‪ ،‬وبالتالي االقتناع‪ ،‬أن‬ ‫هناك مكانا ً يشبه الكفرون مستحيالً‪ ،‬وهكذا تصبح الكفرون ظالً يرافق المهاجر في كل‬ ‫خطوة‪/ .‬‬


‫نيويورك»(‪.)1‬‬ ‫فمدينة نيويورك تساوي الحوت في نظر الراوي‪ .‬لقد حاول الخروج من هذه القوقعة من‬ ‫بطن الحوت (نيويورك) للمشاركة في مؤتمر ولكن بدل الخروج من قلب الحوت الكبير‬ ‫(نيويورك) انتقلت إلى حوت أصغر في قلب الحوت الكبير (الطائرة)‪ ،‬حتى خرجت ولكن‬ ‫ي الذكريات حتى كأني دخلت بطن حوت‬ ‫إلى أين؟ إلى لقاء صديقة استضافتني وأثارت ف ّ‬ ‫جديد‪ .‬قالت‪« :‬المهم أنك خرجت من بطن الحوت يا يونان الكفروني‪ .‬نخرج من حوت‬ ‫لندخل آخر»(‪.)2‬‬ ‫والقوقعة ترافق الراوي في أحداث الرواية من بدايتها حتى نهايتها‪ ،‬فالراوي وخالل‬ ‫وصوله إلى بيروت عندما كان صغيرا ً نراه يشبه الترام بالحوت‪ ،‬فيقول‪« :‬دخلنا كما دخل‬ ‫يونان بطن الحوت»(‪.)3‬‬ ‫ثم يكرر الحديث عن الحوت مرة أخرى‪ .‬ولعل هذه القوقعة ال تريد أن تفارقه أبداً‪« :‬نتأمل‬ ‫العالم من أسفل ومن علو وفي وسط االزدحام‪ ،‬وداخل بطن الحوت أو في البحار واألجواء‬ ‫الشاسعة»(‪.)4‬‬ ‫محاولة الخروج من القوقعة‬ ‫ما أجمل الرحيل األبدي دون بداية ودون نهاية‪ .‬أظن أنك تشاطرني هذا اإلحساس يا طائر‬ ‫الحوم! هل نحن أسرى عادتنا السرمدية؟(‪.)1‬‬ ‫لعل الراوي يريد أن يبقى دائما ً في رحيل أبدي ال يستقر به المقام في مكان بل يستمر في‬ ‫ترحال دائم كطائر الحوم المهاجر على مدى الزمن في شتى أصقاع األرض‪.‬‬ ‫ولكن الراوي ومع محاولته الخروج من قوقعته ال يلبث أن يعود إليها فنراه يقول‪« :‬فيما‬ ‫يتعلق بي‪ ،‬فقد تظن أنني ال أذكر شيئا ً عن هذه األمور صدقني أذكرها بوضوح كلي‪ .‬كيف‬ ‫ولماذا ال أدري‪ .‬الضيعة وأناسها وينابيعها وتاللها وأوديتها وطيورها وطرقها وأزهارها‬ ‫شرشت في نفسي‪ .‬ال أحد ال شيء يقتلعها من نفسي وكلما‬ ‫وأشواكها وأحزانها وأفراحها ّ‬ ‫ذبلت شجرة حياتي‪ ،‬كلما نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة العميقة»(‪.)2‬‬ ‫ويحاول مرة أخرى أن يخرج من قوقعته فيقول‪« :‬مثلك أرحل دون استقرار عابرا ً‬ ‫القارات‪ .‬أعبر العالم معرضا ً للقنص‪ .‬نعم خسرت الكثير من ريشي ولكن ها هو ينمو لي‬ ‫فأحوم دون وجل فوق األنهر في مختلف القارات»(‪.)3‬‬ ‫ريش جديد‬ ‫ّ‬ ‫ثم يحاول الخروج من جديد «ولكنني أؤمن بتغاريد العصافير في القفص‪ .‬نحن جميعا ً نغرد‬ ‫في القفص‪ .‬تريد أن نتحرر من األقفاص‪ ،‬أن ننطلق في األجواء الفسيحة»(‪.)4‬‬ ‫ويقول في مكان آخر‪« :‬لو أتحول إلى نهر متدفق فاتخذ شكل الهواء‪ ،‬أحتضن الصخور‪ ،‬لو‬ ‫أنطلق نحو البحر فاتحا ً ذراعي مثل جناحي طائر الحوم»(‪.)5‬‬ ‫عدم الخروج من القوقعة‬



‫ن‬ ‫الجرجا� ونظرية النظم‬ ‫عبد القاهر‬ ‫ي‬

‫عل أيوب ‪/‬دراسات عليا‬ ‫ي‬

‫مقدمة‬

‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ـا� مواقــف متباينــة‪،‬‬ ‫يقــف البالغيــون والنقــاد العــرب والمحدثــون‪ ،‬ي� تقويمهــم لنظريــة النظــم عنــد عبــد القاهرالجرجـ ي‬ ‫ه ف� الواقــع امتــداد لمواقفهــم المبدئيــة مــن الـ تـراث العــر� ّ‬ ‫برمتــه‪ ،‬فمنهــم مــن يقــف مــن نظريتــه موقــف الـ ض‬ ‫ـر� واإلعجــاب‬ ‫بي‬ ‫ي ي‬ ‫ّ‬ ‫النقديــة الحديثــة �ف‬ ‫إىل الحــد الــذي يدفعــه إىل وضعهــا عــى قــدم المســاواة مــع أحــدث مــا انتهــت إليــه المــدارس واالتجاهــات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫األد� عـ بـر العصــور‪ ،‬هــذا النقــد‬ ‫الغــرب‪ ،‬إن لــم تقــل بتفضيلهــا عليهــا‪ ،‬ألن لهــا فضــل األســبقية ي� التأســيس ألهــم نظريــات النقــد ب ي‬ ‫القائــم عــى نقــل الكلمــة مــن داللتهــا القاموســية إىل مرحلــة الداللــة عــى معـ نـى ينبعــث مــن رصــف الكلمــات فيحمــل المعـ نـى معـ نـى‬ ‫آخــر خــارج داللــة اللفظــة المجــردة ذات الداللــة المحــدودة والمحــارصة بقاموســيتها ذات الداللــة الســكونية‪.‬من هــذا الفهــم‬ ‫ن‬ ‫ام حاملــة‬ ‫ـكالم عــى تفجـ يـر المعــى المحصــور بداللــة ماديــة أحاديــة إىل آفــاق رحبــة األبعــاد والم ـر ي‬ ‫ـداع لقــدرة النظــم الـ ي‬ ‫اإلبـ ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫هواجــس وإشــارات النفــس ش‬ ‫الب�يــة مــن المكنــون الداخـ يـ� إىل المتل ـق ي الــذي يــرى لغــة ي� اللغــة ومعـ نـى منرسبــا مــن المعـ نـى‪،‬‬ ‫حقـ ًـا إن عبــد القاهــر الجرجـ نـا� هــو بحــق أســتاذ كل المبدعـ ي ن‬ ‫ـ� ف ي� لغتنــا ألنــه أعــى اإلشــارة لنقــل اإلحســاس المتنــوع ف ي� كلمــات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ـ� األلفــاظ مــا ليــس ي� القامــوس‪ ،‬وحـ يـ� توصــل‬ ‫كانــت منحــرة المعــى لــوال تفجـ يـر المعــى بمعــى آخــر عـ بـر صياغــة أدبيــة تعـ ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ـا� بقولهــم‪ « :‬األدب‬ ‫أبــرز النقــاد الغربيـ يـ� إىل وضــع تعريــف حقيـ ي لــأدب وتحديــدا للشــعر لــم يتجــاوزوا عبــد القاهــر الجرجـ ي‬ ‫صياغــة فنيــة لتجربــة ش‬ ‫ب�يــة»‪ ،‬هــذا التعريــف المكثــف والدقيــق ال يمكــن أن يتجــاوز المفهــوم الصيــا�غ ي الــذي أســس لــه‬ ‫الناقــد العــر� الكبـ يـر عبــد القاهــر الجرجـ نـا�‪ .‬وأمــا القســم اآلخــر مــن النقــاد الذيــن أرجعــوا هــذه النظريــة إىل النقــاد الغربيـ ي ن‬ ‫ـ� فقــد‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫األد� والفكــري‪.‬‬ ‫تجاهلــوا عــن قصــد أو بغـ يـر قصــد هــذه الينابيــع الــرة ي� تراثنــا ب ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫ـا� النحــو‪ ،‬والـ ت يـى تنظــر إىل العالقــة‬ ‫ـو� معـ ي‬ ‫لقــد اهتــم عبــد القاهــر الجرجـ ي‬ ‫ـا� بنظريــة النظــم القائمــة عــى حســن الصياغــة وتـ ي‬ ‫بـ ي ن‬ ‫ـ� اللفــظ والمعـ نـى مــن جهــة لغويــة دقيقــة نتيجــة التحامهــا وشــدة ارتباطهــا‪ .‬حيــث نظــر اليهــا نظــرة المتفحــص العــارف بمقــدار‬ ‫ً‬ ‫الــكالم‪ ،‬لذلــك عــرف قيمــة اللفــظ ف� النظــم‪ ،‬وعــرف طريقــة تصويــر المعـ نـا� عــى حقيقتهــا‪ ،‬ثــم جمــع بـ ي ن‬ ‫ـ� اللفــظ والمعـ نـى جمعــا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫إبداعيــا منطلقــا مــن مفهومــه ألثــر الصياغــة ي� خلــق معــى للمعــى نفســه‪ .‬لقــد رأى عبــد القاهــر أن اللفــظ جســد والمعــى روح‬ ‫يعتمــد عــى حســن الصياغــة ودقــة التصويــر الـ تـى نضجــت ف� بحوثــه‪ ،‬وبهــذه الطريقــة انتــى مــن فكــرة الفصــل بـ ي ن‬ ‫ـ� اللفــظ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ـا� مطروحــة ي� الطريــق‪ ،‬ولكــن األدب يبــى ي� القــدرة‬ ‫والمعــى‪ .‬وكان مف ـرا ومضيفــا لمفهــوم الجاحــظ الــذي رأى أن المعـ ي‬ ‫الصياغيــة عنــد األديــب‪.‬‬

‫ن‬ ‫التعريف بنظرية النظم عند عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‬ ‫ي‬

‫عـ ّـرف الشــيخ عبــد القاهــر (النظــم) بأنــه‪“ :‬تعليــق الــكالم بعضــه عــى بعــض “(‪ ،)1‬وقــال ف ي� موضــع آخــر مــن كتابــه‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫أن ليــس النظــم إال أن تضــع كالمــك الوضــع الــذي يقتضيــه علــم النحــو‪ ،‬وتعمــل عــى قوانينــه وأصولــه‪ ،‬وتعــرف مناهجــه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الـ تـ� ُنه َجــت‪ ،‬فــا تزيــغ عنهــا‪ ،‬وتحفــظ الرســوم الـ تـ� رســمت لــك‪ ،‬فــا تخـ ّـل بـ ش‬ ‫ـ�ء منهــا‪ ،‬وذلــك أنــا ال نعلــم شــيئا يبتغيــه‬ ‫ي ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الناظــم بنظمــه غـ يـر أن ينظــر ي� وجــوه كل بــاب وفروقــه‪ ،‬فينظــر ي� الخـ بـر إىل الوجــوه الـ يـ� تراهــا ي� قولــك‪:‬‬ ‫“إعلــم‬

‫زيــد منطلــق”‪ ،‬و”زيــد ينطلــق”‪ ،‬و”ينطلــق زيــد”‪ ،‬و”منطلــق زيــد”‪ ،‬و”زيــد المنطلــق”‪ ،‬و” المنطلــق زيــد”‪ ،‬و” زيــد‬ ‫هــو المنطلــق”‪ ،‬و”زيــد هــو منطلــق”‪.‬‬ ‫‪ 1‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬يب�وت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الط‪1398،‬هـ‪1978 /‬م‪ ،‬تحقيق محمد رشيد رضا‪،‬ص ‪.55‬‬ ‫)( عبد القاهر‬ ‫ي‬


‫ً‬ ‫وبيان عمود تلك البالغة‪ ،‬وبيان جوهره ومفهومه‪ ،‬وتعدد أنماطه ت‬ ‫ينته إىل‬ ‫ال�كيبية والتصويرية‪ ،‬تعددا ال‬ ‫ي‬ ‫غاية‪ ،‬ثم تبيان مرجع المزية والفضيلة األدبية ألي نمط من تلك األنماط‪ ،‬وأن هذا المرجع إنما هو ذو عنارص‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بالمع� والغرض الذي يوضع له الكالم‪،‬‬ ‫والتحب�ي‬ ‫كي� والتصويري‬ ‫والثا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ثالثة‪ ،‬األول‪ :‬يتضمن عالقة النمط ال� ب ي‬ ‫ف‬ ‫والثالث‪ ،‬عىل ت‬ ‫ن‬ ‫والمع�)‪ ،‬وعالقة بعضهما ببعض ي� تحقيق بالغة الخطاب‬ ‫ال�تيب‪ :‬يتضمن عالقة البيان (اللفظ‬ ‫وأدبيته وعىل تبيـ ــان تعـ ــدد وتفـ ــاوت مسـ ـ ــتويات الن ـظ ــم ف ــي مدارج الفضيـ ــلة»(‪.)4‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫تأسيسا عىل كل الذي ض‬ ‫لتتب� أهميته ف� نقد النص األد�‪ ،‬أو بعبارة أخرى ي ن‬ ‫فإن النظم ي ن‬ ‫تتب� أهميته ف ي� النقد‬ ‫م� تبيانه‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫األد� للنص‪ .‬ي ن‬ ‫أش� إىل أن النص يمكن أن تتناوله صنوف من مناهج النقد‪ ،‬ومنها‬ ‫األد� ي‬ ‫وح� أكدت وصف النقد بأنه ب ي‬ ‫بي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫األد�‪ ،‬أي المنهج الذي يعمد إىل تحليل وتأويل ما به يكون النص كله ي� كافة عنارصه ومستوياته أدبا‪ ،‬فإذا‬ ‫منهج النقد ب ي‬ ‫ما تم الوفاء بحق ذلك التحليل والتأويل ألدبية النص كان الوصول إىل وصف ن ز‬ ‫م�له من الجمال أو القبح‪ .‬وذلك الوصول‬ ‫َّ‬ ‫وفس ّ‬ ‫حلل َّ‬ ‫إىل وصف ن ز‬ ‫وأول فقد فتح لك‬ ‫الم�لة مرحلة أرى أن العناية بما يسلم إليها أوىل من العناية بتقريرها؛ ألن من‬ ‫�ق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نز‬ ‫األد�‬ ‫الطريق المعبد المطرق إىل أن تقف بنفسك عىل الوصف الحقي ي لم�لة ذلك النص من الجمال أو القبح‪ ،‬فالنقد ب ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي ن‬ ‫ف� أساسه ي ن‬ ‫األد� إنما هو‬ ‫تبي� وتحليل وتأويل‪ ،‬وما التقدير جماال وقبحا إال الزم ذلك‬ ‫التبي� والتحليل والتأويل‪ ،‬فالنقد ب ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫�ف‬ ‫عمل وص ي ي� المقام األول‪ ،‬معياري فيما بعده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫األد� للنص مقتضيا إخضاع كل عنرص وجانب من عنارص وجوانب بناء النص‬ ‫من هنا كان استثمار النظم ي� النقد ب ي‬ ‫ن‬ ‫بالمع�‬ ‫الكل‪ ،‬والغرض العام المنصوب له الكالم‪.‬ذلك‬ ‫الموضوع‪ ،‬وربط ذلك كله‬ ‫األد� للتحليل والتأويل وللتعليل‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫تبيان معالم الم�وع النقدي لعبد القاهر ي� طوره التصوري النظري له‪ ،‬وهو كما ترى يكاد يبلغ حد النظرية المكتملة‬ ‫ت‬ ‫المس�شدة بتلك النظرية‪ ،‬دون أن يكون هنالك إخضاع قرسي‬ ‫عنارصها‪ ،‬لتب�ق من بعد ذلك الممارسة المعرفية والذوقية‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫العمل‪،‬‬ ‫بمع� أن تكون الممارسة من قبيل النقد‬ ‫للنص‪،‬‬ ‫لحركة الممارسة الذوقية والتحليلية ف ي� النقد‬ ‫التحليل‬ ‫العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وليس من قبيل النقد التطبي�ق ي المهموم برؤية صورة التصور النظري ف ي� مرآة النص‪ ،‬كما نراه‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫النص الذي عمد إىل‬ ‫ال� ارتضاها قائمة ف ي� صفحة‬ ‫عند بعض أهل العلم من سعيهم إىل رؤية النظرية البالغية أو النقدية ي‬ ‫درسه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫العمل مهموم برؤية واقع النص عىل ما هو عليه‪ ،‬سواء كان مقاربا نظرية معرفية وذوقية ما أو‬ ‫والنقد‬ ‫التحليل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التحليل ال يعدو أن يكون أداة ووسيلة ينظر بها الواقع‪ ،‬وليس معيارا يحاكم به واقع‬ ‫مفارقا‪ .‬فالتصور النظري ف ي� النقد‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫النص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ووفاه حسابه‪ ،‬فإننا ي ن‬ ‫ح� نتابع الممارسة‬ ‫كث�ا من حقه‬ ‫وإذا ما كنا قد رأينا اإلمام عبد القاهر قد منح التصور النظري ي‬ ‫ّ‬ ‫ي ن‬ ‫جانب�‪:‬‬ ‫التذوقية التحليلية للنصوص فإنه يحسن بنا أن ننظر إىل صنيعه من‬ ‫ف‬ ‫للنص وتحليله ف� مستوياته ت‬ ‫ّ‬ ‫األد�‬ ‫ال�كيبية عىل اختالف‬ ‫األول‪ :‬مبلغ استثمار ذلك التصور النظري ي� رؤية الواقع ب ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تحوي‬ ‫تفاسحها‪ ،‬بدءا من الصورة الجزئية الماثلة ي� الجملة النحوية‪ ،‬إىل الصورة الكلية الماثلة ي� الجملة البيانية ي‬ ‫ً‬ ‫ه‪.‬‬ ‫داخلها‬ ‫من‬ ‫منبثقة‬ ‫روحية‬ ‫بعالئق‬ ‫تبطة‬ ‫ر‬ ‫والم‬ ‫لسانية‪،‬‬ ‫بأنساق‬ ‫تبطة‬ ‫ر‬ ‫الم‬ ‫النحوية‬ ‫الجمل‬ ‫من‬ ‫عديدا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫األد� عىل‬ ‫واآلخر‪ :‬مدى المجال الذي امتدت إليه الممارسة التحليلية التذوقية‪ ،‬المستثمرة التصور النظري ي� رؤية الواقع ب ي‬ ‫األد�‪.‬‬ ‫المساحة النسيجية للنص ب ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫وتدبرا عمليا‬ ‫إن عبد القاهر تجاهل االشتغال بنقد ونقض مقاالت اآلخرين‪ ،‬وانرصف إىل تشييد نظريته تصويرا نظريا‪،‬‬ ‫ف‬ ‫�ق‬ ‫ش‬ ‫ي ن‬ ‫�ء رصفه ف ي� النقد والنقض لمقاالت‬ ‫المخالف�‪ ،‬فإن لم يبق فإن‬ ‫ي� كافة مستويات النظم‪ ،‬فإن ب ي من العمر والجهد ي‬ ‫ْ‬ ‫ي ن‬ ‫فيما ّأدى حقه الكفاية والغنية لمن كان له قلب أو أل�ق السمع وهو شهيد‪ ،‬أن يبرص من خالله عوار مقاالت‬ ‫المخالف�‬ ‫‪ 4‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص‪93‬‬ ‫() عبدالقاهر‬ ‫ي‬


‫ف‬ ‫ف‬ ‫فيعــرف لـ ٍّ‬ ‫ـكل مــن ذلــك موضعــه‪ ،‬ويــج ي ء بــه حيــث ينبـغ ي لــه‪ ،‬وينظــر ي� الحــروف الـ ت يـ� تشـ تـرك ي� معـ نـى‪ ،‬ثــم ينفــرد‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف ف‬ ‫ن‬ ‫كل واحــد منهــا بخصوصيــة ي� ذلــك المعــى‪ ،‬فيضــع كال مــن ذلــك ي� خــاص معنــاه‪ ،‬نحــو أن يــج ي ء ب ـ (مــا) ي� نـ ي‬

‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫(إن) فيمــا تي�جــح بـ ي ن‬ ‫ـ� أن يكــون وأن ال يكــون‪ ،‬وب ـ (إذا) فيمــا علــم أنــه كائــن‪،‬‬ ‫الحــال‪ ،‬وب ـ (ال) إذا أراد نـف ي االســتقبال‪ ،‬وب ـ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫وينظــر ي� الجمــل الـ ت يـ� تــرد فيعــرف موضــع الفصــل مــن موضــع الوصــل‪ ،‬ثــم يعــرف فيمــا حقــه الوصــل موضــع‬ ‫الــواو مــن موضــع الفــاء‪ ،‬وموضــع الفــاء مــن موضــع (ثــم)‪ ،‬وموضــع (أو) مــن موضــع (أم)‪ ،‬وموضــع (لكــن) مــن موضع(بــل)‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� الحذف والتكرار‪ ،‬واإلضمار واإلظهار‪ ،‬فيصيب‬ ‫والتنك�‪ ،‬والتقديم‬ ‫ويترصف ي� التعريف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والتأخ� ي� الكالم كله‪ ،‬ي‬ ‫بـ ٍّ‬ ‫ـكل مــن ذلــك مكانــه‪ ،‬ويســتعمله عــى الصحــة‪ ،‬وعــى مــا ينبـغ ي لــه “(‪ . )2‬لقــد أجمـ َـل الشــيخ عبــد القاهــر مباحــث النظــم ف ي�‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ـ� أن لـ ٍّ‬ ‫هــذه الفقــرة‪ ،‬وبـ ّي ن‬ ‫ـكل مكانــا يناســبه‪ ،‬واســتعماال يقتضيــه‪ ،‬ومــن هنــا فــإن النظريــة الـ ت يـى احتواهــا كتــاب (الدالئــل) سـ ّـميت‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ـا�‪.‬‬ ‫نظريــة النظــم‪ ،‬وهــو مــا عــرف فيمــا بعــد بعلــم المعـ ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ـا�‪ ،‬متناســبة الــدالالت‪ ،‬عــى حســب مــا يقتضيــه العقــل‪ ،‬وقيــل‪:‬‬ ‫و� االصطــاح ‪ :‬تأليــف الكلمــات والجمــل م�تبــة المعـ ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫األلفــاظ المرتبــة المســوقة المعتـ بـرة داللتهــا عــى مــا يقتضيــه العقــل‪ ،‬ويتبعــه معـ نـى النحــو‪ ،‬حيــث نق ـرأ ف ي� علــم النحــو مثــا أن‬ ‫الفعــل ال بـ ّـد لــه مــن فاعــل‪ ،‬وقــد نــرى الخـ بـر يتقــدم عــى المبتــدأ‪ ،‬والمفعــول يتقــدم عــى الفعــل‪ ،‬وحينمــا نبحــث عــن ّ‬ ‫رس هــذا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التقديــم‪ ،‬فإنــا نجــد أن األمــر ليــس جزافــا‪ ،‬وال بــد مــن غــرض وســبب مــن أجلــه كان هــذا التقديــم للخـ بـر عــى مبتدئــه‪ ،‬وللمفعــول‬ ‫ً‬ ‫ـأي جملــة‪ ،‬ونرّكبهــا مــن كلماتهــا‪ ،‬فــإن هــذا ت‬ ‫عــى فعلــه؛‪ /‬لذلــك يــرى عبــد القاهــر ـ ـ أننــا حينمــا ننطــق بـ ِّ‬ ‫ال�كيــب نـ ش ئ‬ ‫ـا� ـ أوال وقبــل‬ ‫َ‬ ‫كل ش�ء ـ عــن المعـ نـى الــذي ّ‬ ‫هيأنــاه ف ي� نفوســنا‪ ،‬وأردنــا أن نعـ بّـر عنــه بهــذه األلفــاظ فليــس الم ـراد مــن النحــو ـ هنــا ـ الحركــة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫اإلعرابيــة الـ يـى تظهــر عــى الكلمــات بحســب موقعهــا مــن الجملــة‪ ،‬وإنمــا الم ـراد معرفــة أســاليب الــكالم ووجوهــه‪ ،‬ثــم اختيــار‬ ‫ويعط صورة مطابقة لما ف ي� النفس‪ ،‬قال الشــيخ عبد القاهر‪ “ :‬إن األلفاظ إذ كانت أوعية‬ ‫األســلوب الذي يناســب المقام‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ً ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ـا�‪ ،‬فإنهــا ال محالــة تتبــع المعــا� � مواقعهــا‪ ،‬فــإذا وجــب لمعـ ن ً‬ ‫ـى أن يكــون أوال ي� النفــس‪ ،‬وجــب للفــظ الــدال عليــه‬ ‫ي ي‬ ‫للمعـ ي‬ ‫ً ف‬ ‫(‪)3‬‬ ‫أن يكــون مثلــه أوال ي� النطــق”‪.‬‬ ‫المع� الذي نريد التحدث عنه‪ ،‬ثم اللفظ الذي ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫فـالنظم ـ إذن ـ ال بد له من أمرين ي ن‬ ‫المع�‪ ،‬فإذا‬ ‫نع� به عن هذا‬ ‫اثن�‪:‬‬ ‫ب‬ ‫التعب� عنه‪ ،‬فال ّبد أن يختلف اللفظ‪ ،‬ت‬ ‫ن‬ ‫ح� لو كانت مادته واحدة‪ ،‬فهناك الصورة‪،‬‬ ‫المع� الذي نريد‬ ‫اختلف‬ ‫ي‬ ‫والمع� الذي ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المع� تختلف الصورة ‪ ...‬ذلك هو النظم الذي يعنيه‬ ‫نع� عنه بهذه الصورة‪ ... ،‬حينما يختلف‬ ‫ب‬ ‫عبد القاهر ـ رحمه هللا‪.‬‬

‫ف‬ ‫األد�‪:‬‬ ‫أهمية نظرية النظم ي� نقد النص‬ ‫يب‬ ‫ً‬ ‫«تأسيسا عىل الذي ض‬ ‫م� بيانه من مقومات بالغة الخطاب وأدبيته‪ ،‬والطريق إىل تحقيق تلك المقومات‬ ‫ ‪2‬‬ ‫‪ 3‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪81-82‬‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫ني‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص‪54-51-49‬‬ ‫)( عبدالقاهر‬ ‫ي‬


‫وحضارية‪ ،‬ملتبسة بعلوم ومعارف أصيلة تقوم عىل سند ي ن‬ ‫مك� من اللغة والنحو‪ ،‬وأن تحديد مواصفات الكالم البليغ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫والمع�‪ ،‬هذه‬ ‫يستدع العناية بقضية اللفظ‬ ‫يعت� آنذاك سنة جمالية وأدبية‬ ‫انطالقا من هذا اإلطار‪ ،‬وبحسب ماكان ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أساسا ف� كل محاولة عرفها النقد العر� القديم غ‬ ‫ت‬ ‫األد�‪ .‬من هنا يصبح‬ ‫تبت� تأسيس رأي ف ي� بنية النص‬ ‫ال� تمثل‬ ‫يب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القضية ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫والمع� للوفاء ش‬ ‫ن‬ ‫تقص رأيه ف ي� النظم‪.‬‬ ‫ب�وط‬ ‫لزاما االنطالق من فكرة عبد القاهر ف ي� اللفظ‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫الدوال الخارجية مع بنية المدلوالت النفسية الداخلية‪ ،‬فإن دور اللفظ‬ ‫وإذا كان هذا الفهم يؤول إىل �ض ورة تطابق بنية‬ ‫ّ ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يظل مركزا عىل ومض‬ ‫ال�‬ ‫المع� الذي يريد الشاعر اإليحاء به ب‬ ‫ع� نظرية النظم الجرجانية‪ ، ،‬ذلك أن قاعدة التحرك ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� ه خالصة تفاعل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫المع� واللفظ‬ ‫ستضبط لعبد القاهر مساره‬ ‫المتقص بنية النص‪ ،‬ستتحدد بمفهوم الصياغة ي ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ال� علقت بهما طويال‪ ،‬تلك ت‬ ‫سيمكنه من تجاوز الثنائية ت‬ ‫الدالل ف ي�‬ ‫المع�‬ ‫معناها‬ ‫وعىل‬ ‫للفظة‪،‬‬ ‫المفرد‬ ‫عىل‬ ‫تقوم‬ ‫مما‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�كيب الجاهز‪..‬‬ ‫ن‬ ‫جدال ينبسط ف ي� حجج متتالية‪ ،‬يتعقب فيها‬ ‫الف� سيتأسس ف ي� بناء‬ ‫ي‬ ‫فاالنتقال من الشق اللغوي العام إىل المستوى ي‬ ‫ّ‬ ‫ن ف‬ ‫ي ن‬ ‫ي ن‬ ‫اللفظي�‬ ‫المعنوي� الذين يقدمون‬ ‫تول اللفظ العناية األوىل‪ ،‬وكذا حجج‬ ‫عبد القاهر حجج‬ ‫ي‬ ‫المغال� ي� التمسك بشكلية ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ال� ال يكون ال� ي ز‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫للمع�‬ ‫ك� عليها إال إقرارا بالنجاعة األخالقية‬ ‫القول بمعناه المرادف للفائدة المستخلصة من الخطاب ي‬ ‫دون تبيان فصاحته أو بيانه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫مسلمات رأيه المؤسس عىل فكرته ف� النظم القائمة عىل األساس النفس يكون الحكم عىل ت‬ ‫ال�تيب ي ن‬ ‫ب�‬ ‫المعا�‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫واأللفاظ عىل مستوى االكالم متماشيا مع فكرة سبق الكالم النفس للفظ الدال عليه «فإن االعتبار غ‬ ‫ينب� أن يكون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫�ض‬ ‫المعا� معه ال مع السامع‪ ،‬وإذا نظرنا علمنا ورة‬ ‫بحال الواضع للكالم والمؤلف له‪ ،‬والواجب أن ينظر إىل حال‬ ‫ي‬ ‫ً ت ِّ‬ ‫ً‬ ‫أنه محال أن يكون ت‬ ‫ض‬ ‫يقت� ان تكون األلفاظ سابقة‬ ‫ذلك‬ ‫ألن‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫ومكتسبا‬ ‫األلفاظ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ال�تيب فيها تبعا ل�‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المعا� من بعدها وتالية لها بالعكس مما يعلمه كل عاقل إذا هو لم‬ ‫للمعا�‪ ،‬وأن تقع ي� نفس اإلنسان أوال ثم تقع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫يؤخذ عىل نفسه»‪.‬‬ ‫من كل ما سبق يبدو أن النسيج اإلبداع ف� أي نص من النصوص البديعة يعتمد عىل الداللة االنسجامية ي ن‬ ‫ب� داللة‬ ‫ي ي‬ ‫المع� الذي يتولد منه ن‬ ‫ن‬ ‫مع� آخر وفق الصياغة اإلبداعية‪.‬‬ ‫اللفظ وإيحائية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وهذا يؤكد نسبية الحسن الذي يمكن أن يعلق بأية لفظة «فقد اتضح إذن اتضاحا ال يدع مجاال للشك أن األلفاظ‬ ‫ف‬ ‫ه كلم مفردة‪ ،‬وأن األلفاظ تثبت لها الفضيلة وخالفها ي�‬ ‫ه ألفاظ مجردة‪ ،‬وال من حيث ي‬ ‫ال تتفاضل من حيث ي‬ ‫ن‬ ‫ن ت‬ ‫ال� تليها أو ما أشبه ذلك مما ال تعلق له برصيح اللفظ‪ ،‬ومما يشهد لذلك أنك ترى‬ ‫مالءمة مع� اللفظة لمع� ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫‪)7( . ...‬‬ ‫الكلمة تروقك وتؤنسك ي� موضع‪ ،‬ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك ي� موضع آخر »‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫بالمع� وكل وصف للفظ بالمزية إنما يكون تبعا لموقعه ف ي� سياق دال‪ ،‬أمكن اعتبار الصورة‬ ‫وما دامت البالغة عالقة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المعا� تكون تبعا‬ ‫المع� وثراءه ‪ ،‬ذلك أنه لوكانت‬ ‫المع� دليال أسلوبيا آخر يؤكد توالد‬ ‫تغ�‬ ‫اللفظية الدالة المؤدية إىل ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫المعا� واأللفاظ بحالها‪ ،‬إن ّ‬ ‫لأللفاظ ف� ترتيبها‪ ،‬لكان محاال أن َّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المع� وتفريعه مرتبط بقدرة الصياغة اللفظية‬ ‫تغ�‬ ‫تتغ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫للمع� المكنون ي� داخل النفس اإلنسانية‪.‬‬ ‫ ‪6‬‬ ‫‪ 7‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬تحقيق محمد عبدو‪ ،‬يب�وت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪ ،2001 ،3‬ص‪.53‬‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫ني‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪.‬ص‪.53‬‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫ي‬


‫ومعاباتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫آ� كانوا أرسع إىل األخذ بالتصور النظري لدى‬ ‫المهم أن علماءنا ي� ي‬ ‫األد�‪ ،‬ي� باب فقه البيان القر ي‬ ‫غ� باب نقد النص ب ي‬ ‫ّ‬ ‫النص ف ي� كافة مستويات النظم‬ ‫اإلمام عبد القاهر‪ ،‬واستثماره ف ي� مجال عنايتهم ودراستهم‪ ،‬فاستثمرت نظرية نظم‬ ‫وال�كيب ّ‬ ‫وال�تيب والتأليف ت‬ ‫ت‬ ‫النص ف ي� القرآن الكريم‪ ،‬ولم يقترص تدبرهم وتحليلهم عىل بناء الجملة النحوية‪ ،‬بل تجاوز‬ ‫ي‬ ‫ذلك َ‬ ‫بناء الجملة البيانية ذات الجمل النحوية العديدة‪ ،‬إىل بناء المعاقد المشكل بناء النص‪ /‬السورة القرآنية‪ ،‬بل امتد‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� أعالها أحكام‬ ‫ليشمل بناء السياق‬ ‫ي‬ ‫البيا� للقرآن الكريم‪ ،‬القائم عىل أساس اإلحكام ثم التفصيل ي� مستوياته العديدة‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫بيان ن‬ ‫آ� ف ي� سورة أم الكتاب‪ ،‬وتفصيله ف ي� سائر سور القرآن الكريم كله‪ ،‬تفصيال تتناسل عنارصه من‬ ‫معا� الهدي القر ي‬ ‫ي‬ ‫رحم السورة األم‪.‬‬ ‫ش ً‬ ‫ت‬ ‫غ� ش‬ ‫كي�‪ ،‬كمثل ما أنت مبرصه ف ي�‬ ‫المنهاج‬ ‫هذا‬ ‫عىل‬ ‫بناؤه‬ ‫عولج‬ ‫قد‬ ‫ي‬ ‫ب�‬ ‫أو‬ ‫يا‬ ‫وأنت ال تجد بيانا ب�‬ ‫ي‬ ‫التحليل وال� يب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الشكل للبناء السوري وعالقات السور‬ ‫صنيع علماء القرآن الكريم ببيانه الحكيم‪ ،‬وهم ال يعتمدون ي� ذلك عىل النظر‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫بعضها ببعض‪ ،‬بل تجاوز العناية بعالئق فواتح السور بخواتم ما قبلها‪ ،‬وإن كان ذلك ي� نفسه جد كريم‪ ،‬وذا لطائف‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫الكلية ي ن‬ ‫إشارية ليس هنا مجال تجليتها ـ تجاوزوا ذلك إىل فقه العالئق الروحية ي ن‬ ‫ب�‬ ‫والمعا�‬ ‫ب� المقاصد واألغراض‬ ‫ي‬ ‫ي ن‬ ‫وجه�‪:‬‬ ‫السور‪ ،‬بما يكشفون به عن‬ ‫ن‬ ‫البيا� لتلك المقاصد واألغراض المنصوب لها الكالم‪.‬‬ ‫األول‪ :‬الترصيف‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫والمفصل ف ي� سائر‬ ‫آ� المكنونة جرثومته ف ي� سورة «أم الكتاب»‪،‬‬ ‫اخل للمع� القر ي‬ ‫واآلخر‪ :‬تصاعد المقاصد‪ ،‬والنمو الد ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القرآن تفصيال تصاعديا ال تراكميا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫آ� من علمائنا ‪ ،‬ال نجد له‬ ‫هذا االست�اف النبيل الماجد الستثمار نظرية النظم ي� فقه بالغة البيان القر ي‬ ‫ً‬ ‫ً ث ً‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ي ن‬ ‫ون�ا‪ ،‬فضال عن دراسة‬ ‫األد�‪ ،‬شعرا‬ ‫عند‬ ‫األقدم� من علماء البالغة والنقد ما يضارع حركته وامتداده ي� دراسة النص ب ي‬ ‫ّ‬ ‫األد� كانت عىل هدي وقدر عناية‬ ‫ديوان شعر شاعر‪ .‬ولو أن عنايتهم بما اختاروا أن يكون من أهل العلم به من اإلبداع ب ي‬ ‫أقرانهم من علماء بيان القرآن الكريم ـ لو أنهم فعلوا وساروا بمنهاجهم عىل هدى خطا أقرانهم من علماء القرآن الكريم‪،‬‬ ‫نز‬ ‫ه عليه اآلن‪ .‬نقول هذا ألن القرآن كان أهم مفجر لدالالت‬ ‫لكانت ثمار النقد ب ي‬ ‫األد� عندنا أوفر عطاء وأسىم م�لة مما ي‬ ‫ن‬ ‫المع�‬ ‫القاموس للكلمة‪ ،‬فلفظة‬ ‫األلفاظ‪ ،‬وهنا تكمن أهمية التجاوز باستمرار‪ ،‬لقد علمتنا المدرسة القرآنية عىل تجاوز‬ ‫ي‬ ‫الصالة ف ي� القرآن ليست نفس اللفظة ف ي� الجاهلية‪ ،‬وكذلك لفظة الجهاد‪ ،‬ولفظة الزكاة‪ ،‬ومعظم األلفاظ القرآنية ذات‬ ‫ن‬ ‫مع� تجاوزي يخرج اللفظة من قاموسيتها ليعطيها ن‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� إىل استنتاج نظريته‬ ‫مع� أبعد‪ ،‬وهذا ما أرشد عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫الخالدة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫النص الشعري‪ ،‬عىل نحو ما نراه‬ ‫و� عرصنا وما قبله انطلقت «ممارسات نقدية من أصول تلك النظرية ي� قراءة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ين�ه ف� مجلة «شعر»‪ ،‬وفيما ش‬ ‫عند الدكتور عبده بدوي فيما كان ش‬ ‫ي ن‬ ‫محاولت�‬ ‫ن�ه ي� بعض كتبه‪ ،‬وما نراه ي�‬ ‫ي‬ ‫غ� قليل‪ ،‬وكلها‬ ‫زه� وقصيدة حريق «ميت غمر» لحافظ إبراهيم‪ ،‬ي‬ ‫وغ�هم ي‬ ‫للدكتور عبده زايد من قراءة معلقة ي‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫الجرجا� أسسها اللغوية والداللية‪.‬‬ ‫األد�»‪ )5( .‬الذي وضع‬ ‫ي‬ ‫ممارسات تؤكد أهمية نظرية النظم ي� نقد النص ب ي‬

‫ن‬ ‫ت‬ ‫الجرجا�‪:‬‬ ‫ال� عكستها نظرية النظم عند‬ ‫ي‬ ‫النتائج ي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫األد� لها أساسها العقدي المتجذر ف ي� قناعات دينية‬ ‫يمكن أن نسلم مبدئيا بأن نظرية عبد القاهر ي� النص ب ي‬ ‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬ال ط‪1421 ،‬هـ‪،‬‬ ‫() محمود توفيق محمد سعد‪ .‬نظرية النظم وقراءة الشعر عند عبد القاهر‬ ‫‪ 5‬‬ ‫ي‬ ‫ص ‪80-77-76-75-72-70‬‬


‫ن‬ ‫الجرجا� بالبحث ف� تمهيد كتاب “ نقد ث‬ ‫ي ن‬ ‫الن�” لقدامة بن جعفر تحت‬ ‫حس� عبد القاهر‬ ‫وتناول الدكتور طه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي ن‬ ‫عنوان‪ ”:‬البيان العر�”‪ ،‬وهو يرى أنه تم عىل يده التوفيق ي ن‬ ‫العر�‬ ‫واليونا� بل أقر ي� نهاية بحثه‬ ‫البيان�‪:‬‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫“أن من يقرأ “دالئل اإلعجاز” ال يسعه” إال أن ت‬ ‫يع�ف بما أنفق عبد القاهر من جهد صادق خصب‪ ،‬ي� التأليف‬ ‫ف‬ ‫ب� قواعد النحو العر� ي ن‬ ‫ي ن‬ ‫وب� آراء أرسطو العامة ي� الجملة واألسلوب والفصول‪ ،‬وقد وفق عبد القاهر فيما حاول‬ ‫بي‬ ‫العر� حقا فعبد القاهر هو الذي رفع قواعده‬ ‫توفيقا يدعو إىل اإلعجاب‪ .‬وإذا كان الجاحظ هو واضع أساس البيان‬ ‫بي‬ ‫(‪)10‬‬ ‫وأحكم بناءه”‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� مؤلفه “ ي ز‬ ‫الم�ان الجديد”‬ ‫الجرجا� ونظريته ف ي� كتاب” النقد‬ ‫ودرس الدكتور محمد مندور‬ ‫ج ي‬ ‫ي‬ ‫المنه� عند العرب” ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� الحق إن عبد القاهر قد اهتدى ي� العلوم‬ ‫وهو أول من لفت االنتباه إىل األسس اللغوية لمنهج‬ ‫الجرجا� قائال‪ ”:‬ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫النظ�‪ ،‬وعىل‬ ‫اللغوية كلها إىل مذهب ال يمكن أن نبالغ ي� أهميته‪ ،‬مذهب يشهد لصاحبه بعبقرية لغوية منقطعة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� ث‬ ‫الن�‬ ‫العر� عىل السواء”(‪.)11‬‬ ‫العر� والشعر‬ ‫أساس هذا المذهب كون مبادئه ي� إدراك دالئل اإلعجاز ي� القرآن‪ ،‬ي‬ ‫بي‬ ‫بي‬ ‫مذهب عبد القاهر هو أصح وأحدث ما وصل إليه علم اللغة ف ي� أوروبا أليامنا هذه‪ ،‬هو مذهب العالم السويرسي‬ ‫ف‬ ‫الخط� إال طريقة استخدامه‬ ‫تو� سنة ‪ 1913‬م‪ ،‬ونحن ال يهمنا اآلن من هذا المذهب‬ ‫الثبت فردناند دي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سوس� الذي ي‬ ‫“فيولو�” ف ي� نقد النصوص‪ ،‬لقد فطن عبد القاهر إىل أن اللغة ليست مجموعة من األلفاظ‪ ،‬بل‬ ‫كأساس لمنهج لغوي‬ ‫ج ي‬ ‫ف‬ ‫مجموعة من العالقات فقال‪“ :‬إعلم أن هناك أصال أنت ترى الناس فيه ي� صورة من يعرف من جانب وينكر من‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ه من أوضاع اللغة‪ ،‬لم توضع لترصف معانيها ي� أنفسها ولكن ألن يضم بعضها‬ ‫ال� ي‬ ‫آخر‪ ،‬وهو أن األلفاظ المفردة ي‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫إىل بعض فيرصف فيما بينها فوائد‪ ،‬وهذا علم �يف وأصل عظيم‪ ،‬والدليل عىل ذلك أنا إن زعمنا أن األلفاظ ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ه أوضاع اللغة إنما وضعت لتعرف بها معانيها ي� أنفسها‪ ،‬ألدى ذلك إىل ما ال يشك عاقل ي� استحالته‪ ،‬وهو أن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� وضعوها لها لتعرفها بها‪ ،‬ح� كأنهم لو لم يكونوا قالوا”فعل” و”يفعل”‬ ‫يكونوا قد وضعوا لألجناس األسماء ي‬

‫ف‬ ‫الخ� ي� نفسه ومن أصله‪ ،‬ولو لم يكونوا قد قالوا “افعل” لما كنا نعرف األمر من أصله وال نجده‬ ‫لما كنا نعرف ب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وح� لو لم يكونوا قد وصفوا الحروف لكنا نجهل معانيها‪ ،‬فال نعقل نفيا وال نهيا وال استفهاما و ال‬ ‫ي� نفوسنا‪،‬‬ ‫لغ� معلوم‪ ،‬وألن‬ ‫غ� اسم ي‬ ‫استثناء‪ ،‬كيف والمواضعة ال تكون وال تتصور إال عىل معلوم‪ ،‬فمحال أن يوضع اسم أو ي‬ ‫ف‬ ‫المواضعة كاإلشارة‪ ،‬فكما أنك إذا قلت خذ ذاك لم تكن هذه اإلشارة لتعرف السامع المشار إليه ي� نفسه‪ ،‬ولكن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� تراها وتبرصها‪ ،‬كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له‪ ،‬ومن هذا الذي‬ ‫ليعلم أنه المقصود من يب� سائر األشياء ي‬ ‫يشك أنا لم نعرف الرجل و الفرس و ال�ض ب والقتل إال من أساميها؟ لو كان ذلك مصوغا ف� العقل‪ ،‬لكان غ‬ ‫ينب� إذا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫غ� أن تكون قد شاهدته أو ذكر ذلك بصفة‪...‬وإذ قد عرفت هذه‬ ‫قيل “زيد” أن تعرف المسىم بهذا االسم من ي‬ ‫ن‬ ‫ي ن‬ ‫معا� الكالم كلها معان ال تتصور إال فيما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الخ� وإذا أحكمت العلم‬ ‫الجملة فاعلم أن‬ ‫شيئ�‪ ،‬واألصل واألول هو ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ� ت‬ ‫ن‬ ‫مخ� به‬ ‫بهذا‬ ‫ح� يكون ب‬ ‫المع� فيه عرفته ي� الجميع‪ ،‬ومن الثابت ي� العقول والقائم ي� النفوس أنه ال يكون ب‬ ‫�ض‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ .‬وكنت إذا قلت “ا ب”‬ ‫ومخ� عنه‪ ،‬ومن ذلك امتنع أن يكون لك قصد إىل فعل من ي‬ ‫ب‬ ‫غ� أن تريد إسناده إىل ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫لم تستطع أن تريد منه ن‬ ‫�ء مظهر أو مقدر‪ ،‬وكان لفظك به إذ أنت‬ ‫غ� أن تريد ب‬ ‫مع� ي� نفسك من ي‬ ‫الخ� به عن ي‬ ‫(‪)12‬‬ ‫لم ترد ذلك”‬

‫ف‬ ‫و� هذا النص البالغ األهمية نجد فلسفة عبد القاهر اللغوية العميقة‪ ،‬وعن هذه الفلسفة صدرت كل آرائه ف ي� نقد‬ ‫ي‬ ‫النصوص وإن” منهج عبد القاهر يستند إىل نظرية ف� اللغة‪ ،‬أرى فيها ويرى مع من يمعن النظر أنها ش‬ ‫تما� ما وصل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪1 0‬‬ ‫‪ 11‬‬ ‫‪ 12‬‬

‫() قدامة بن جعفر‪ .‬نقد ث‬ ‫ب�وت‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬ال ط‪ ،‬ال ت‪ ،‬ص‪.30‬‬ ‫الن�‪ .‬ي‬ ‫المنه� عند العرب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬الط‪ ،‬الت‪،‬ص‪.334-333‬‬ ‫() محمد مندور‪ .‬النقد‬ ‫ي ج‬ ‫ن‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ .‬ص‪.469‬‬ ‫ي‬


‫المع� تزيح اللفظ عن أن يكون له أهمية ث‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المع� وإمكانات فهمه متعددة بقدر ما تؤكد كون البالغة ف ي�‬ ‫ثف�اء‬ ‫أك�‬ ‫ً‬ ‫المع� المتعدد الصور‪ ،‬ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫و�‬ ‫المعا�‬ ‫عن‬ ‫المجردة‬ ‫األلفاظ‬ ‫من‬ ‫المعارضة‬ ‫انتقاء‬ ‫يؤكد‬ ‫نفسه‬ ‫السياق‬ ‫لهذا‬ ‫حامال‬ ‫من اعتباره‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ترسيخا لمنىح عبد القاهر نفسه ي� تأكيد كون البالغة وم�ادفاتها‪ ،‬إنما هو ي�‬ ‫المع� «ألنه إذا لم يكن ي� القسمة إال‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المعا� واأللفاظ‪ ،‬وكان ال يعقل تعارض ي� األلفاظ المجردة إال ما ذكرت لم يبق إال أن تكون المعارضة معارضة من‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ومتخ� اللفظ حصل من ذلك أن الفصاحة والبالغة‬ ‫المع�‪ ،‬وكان الكالم يعارض من حيث هو فصيح وبليغ‬ ‫جهة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫وتخ� اللفظ عبارة عن خصائص ووجوه تكون‬ ‫معا� الكالم عليها وعن زيادات تحدث ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫(‪)8‬‬ ‫ه ألفاظ فيها بوجه من الوجوه»‪.‬‬ ‫أصول‬ ‫ي‬ ‫المعا�‪ ...‬وأن ال نصيب لأللفاظ من حيث ي‬ ‫ت ّ‬ ‫وي�تب عىل ما سلف أن يكون اعتبار وجوه كالجناس ّ‬ ‫والسجع من فصاحة اللفظ خطأ رغم ارتباطها بالمستوى‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الع�ة‪ ،‬أن الحسن والقبح فيها ال يتعدى اللفظ والجرس‪ ....‬وعىل‬ ‫الصو� لأللفاظ‪ ،‬فقد يتوهم ي� بدء الفكرة‪ ،‬وقبل إتمام ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫حسنا‪ ،‬ت‬ ‫المع� هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه‪.‬‬ ‫ح� يكون‬ ‫الجملة فإنك ال تجد تجنيسا مقبوال‪ ،‬وال سجعا‬ ‫ثم يقصد عبد القاهر آراء ف� ت‬ ‫ال�اث تبدو ظاه ًرا ف� نرصة اللفظ‪ُ ،‬‬ ‫ن‬ ‫والمع� خاصة‬ ‫فيخضعها لتأويل يساير رأيه ف ي� اللفظ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أن فهمها‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫الحر� الظاهري قد يشوش مسار نظريته ويجد فيه «اللفظيون» دعما تراثيا لمقوالتهم‪ ،‬فمن الصفات ي‬ ‫ف‬ ‫تجدهم يجرونها عىل اللفظ ثم ال ت‬ ‫تع�ضك شبهة وال يكون منك توقف ي� أنها ليست لـه ولكن لمعناه فال يكون الكالم‬ ‫يستحق اسم البالغة ت‬ ‫ح� يسابق معناه لفظه ولفظه معناه‪ ،‬وال يكون لفظه أسبق إىل سمعك من معناه إىل قلبك‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المع� وأنه ال يتصور أن‬ ‫المع� عىل‬ ‫وقولهم‪ :‬يدخل ف ي� األذن بال إذن‪ ،‬فهذا مما ال يشك العاقل ف ي� أنه يرجع إىل داللة‬ ‫يراد به داللة اللفظ عىل معناه الذي وضع له ف ي� اللغة ‪ ،‬واألساس الذي يعتمده ف ي� التدليل عىل وجهة نظره ف ي� اعتبار‬ ‫ن‬ ‫تنب� الداللة فيه والمقصد من القول عىل ما‬ ‫الوضع‪ ،‬أصل‬ ‫غ� داللة اللفظ عىل معناه‬ ‫المقصود من العبارة ي‬ ‫بي‬ ‫أسلو� ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المبا� للفظ داال للمدلول المقصود‪ ،‬ويكون التسابق ي ن‬ ‫«مع�‬ ‫ب� المدلول‬ ‫المع�»‪ ،‬إذ يستحيل المدلول‬ ‫أسماه‬ ‫األخ�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ودالِّـه الذي هو مدلول أول‪ ،‬ن ز‬ ‫الصو� كل قيمة ف ي� إحداث أثر ما ف ي� المتل�ق ي ‪ ،‬ومصداق ذلك رأيه‬ ‫وت�ع من اللفظ ف ي� مستواه‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫البص� بجواهر الكالم يستحسن شعرا أو يستجيد ثن�ا‪ ،‬ثم يجعل الثناء عليه من‬ ‫الف� إذ يقول «إذا رأيت‬ ‫ي‬ ‫ي� التذوق ي‬ ‫حيث اللفظ‪ ،‬فيقول‪ :‬حلو رشيق‪ ،‬وحسن أنيق‪ ،‬وعذب‪ ،‬سائغ‪ ،‬وخلوب رائع‪ ،‬فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ترجع إىل أجراس الحروف‪ ،‬وإىل ظاهر الوضع اللغوي بل أمر يقع ي� المرء ي� فؤاده‪ ،‬وفضل يقتدحه العقل من‬ ‫(‪)9‬‬ ‫زناده»‪.‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪:‬‬ ‫الدراسات الحديثة ونظرية النظم عند عبد القاهر‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫ت‬ ‫الجرجا� ونظريته ف ي� النظم‪ ،‬وكم حملت هذه الدراسات آراء‬ ‫ال� تناولت عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كث�ة تلك الدراسات ي‬ ‫متباينة مرة ومتفقة مرات متعددة‪ ،‬وكم تضاربت األفكار حول فكرة النظم منذ أن تنبه الشيخ محمد عبده لكل من‬ ‫واعت�هما أوىل بالدراسة من المتون‬ ‫كتاب‪”:‬دالئل اإلعجاز” و”أرسار البالغة” وأخذ منهما دروسا ف ي� رحاب جامع األزهر‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫و�وحها وحواشيها‪ ،‬لما اتسما به من دراسة عميقة للنصوص األدبية‪ ،‬تقرب القارئ من تذوق البالغة بأسلوب سهل‬ ‫ي ن‬ ‫ي ن‬ ‫مطبوع�‬ ‫مصحح� إىل‬ ‫وبسيط و ال صلة لهما بالجدل العقيم الذي ال نتيجة له‪ ،‬وكان من أثر تدريسهما أن خرجا‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫ ‪8‬‬ ‫‪ 9‬‬

‫ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص‪.46‬‬ ‫(( عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫)( عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬أرسار البالغة ي� علم البيان‪ ،‬تحقيق محمد رشيد رضا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المطبوعات العربية‪ ،‬الط‪ ،‬الت‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫ي‬


‫ف‬ ‫تفك�‬ ‫سيكولو� أعم يطبع الكتاب‬ ‫تأث� الصورة البيانية ي� نفس متذوقها”‪ )21(.‬وهو جزء من‬ ‫“مقياس الجودة األدبية ي‬ ‫ي‬ ‫ي ج‬ ‫ت‬ ‫ال� يسميها المحدثون “التأمل‬ ‫بطابعه عن طريق “ الفحص الباطن” وتأكيد الجانب‬ ‫النفس أي الطريقة النفسانية ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الباط�”(‪ )22‬ويعقد محمد خلف هللا فصال يدرس فيه تأثر عبد القاهر ي ف‬ ‫� بعض ي‬ ‫نواح‬ ‫تفك�ه البال ي�غ و النقدي بالثقافة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫لك يرى إىل أي مدى‬ ‫اإلغريقية وال سيما بحوث أرسطو‪...‬ويوجز أهم‬ ‫ال� تعرض لها كتاباه‪ ”:‬الشعر والخطابة” ي‬ ‫ي‬ ‫النواح ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ين� عن عبد القاهر صفة العالم‬ ‫غ� أن هذا‬ ‫ي‬ ‫تأثر بهما عبد القاهر‪ ،‬ثم يختم بحثه قائال‪ ”:‬ي‬ ‫التأث� ال ي‬ ‫ينا� األصالة‪ ،‬وال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� لم يسبقه سابق إىل عرضها‪ ،‬وتحقيقها‪ ،‬وإفراد موضوعها بالدرس‪ ،‬كما‬ ‫المبتكر‪ ،‬وال يقلل من أهمية نظريته ي‬ ‫ف‬ ‫يفرد العالم الحديث موضوعا معينا للبحث و التنقيب ي� رسالة خاصة‪ ،‬فمنهجه وطريقة تأليفه إذن ‪ ،‬من أبرز‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المعالم ي� الدراسات العربية النقدية‪ ،‬وشخصيته العلمية ي� نظريته واضحة حقا بجانب شخصية “أرسطو” وإن‬ ‫ف‬ ‫(‪)23‬‬ ‫تسخ� العلم ي� كشف أرسار الذوق لدليل عىل أصالته كفيل بخلوده ‪”.‬‬ ‫قدرته عىل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� ف ي� ظل نظرية النظم من خالل‬ ‫المعط عرفة الذوق البال�غ ي لدى عبد القاهر‬ ‫ودرس الدكتور عبد العزيز عبد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫�غ‬ ‫ن‬ ‫الجرجا�” استهله بالحديث عن الذوق البال ي قبل عبد القاهر ثم انتقل‬ ‫مؤلفه “ تربية الذوق البال�غ ي عند عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫�غ‬ ‫الجرجا�‪ ،‬ودرس النظم ووضع يده‬ ‫و� ذلك يقول‪ ”:‬وجاء الشيخ عبد القاهر‬ ‫ألصالة الذوق البال ي مع عبد القاهر ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫عىل موطن الفكر ف� النظم ت‬ ‫وال�تيب‪ ،‬وكشف عن اإلثبات وصوره العجيبة‪ ،‬وحدد دورا أللفاظ‪ ،‬وموقف‬ ‫المعا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫المعا�‪ .‬وتحت ضوء نظريته ي� النظم دفع أخطاء‬ ‫السابق� ي�‬ ‫تفس�‬ ‫ال� بت�ز فيها تلك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشعرية‪ ،‬ومكانة الصور ي‬ ‫(‪)24‬‬ ‫اللفظي�‪ ،‬ي ن‬ ‫ي ن‬ ‫التفس� ووحد موقف منشد النصوص”‪.‬‬ ‫وب� فضل المفرس عىل‬ ‫العر� بعامة وناقش آراء‬ ‫البيان‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫وه تهدف إىل بيان عظمة عبد القاهر بالنسبة‬ ‫تناولت الدرسات الحديثة نظرية النظم عند عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫الجرجا�‪ ،‬ي‬ ‫للدراسات المعارصة من خالل دراسته القيمة ت‬ ‫لل�اث األد�‪ ،‬وتحليله ومناقشته وكيف ترصف المتكلم‪ ،‬فأثبت ون�ف ‪ّ ،‬‬ ‫وقيد‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وشبه‪ ،‬نّ‬ ‫وفضل أداة عىل أخرى‪ ،‬ولفظا عىل آخر‪ ،‬واستعار ّ‬ ‫وأطلق‪ّ ،‬‬ ‫وك� ّ‬ ‫ورصح‪،‬‬ ‫وعرف ونكر‪ ،‬وقدم وأخر‪ ،‬وفصل ووصل‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ليس لها حد ونهاية كما يقول الشيخ نفسه‪ .‬وقد ربط كل هذه‬ ‫وذكر وأضمر‪ ،‬وأوجز وأطنب‪ ،‬إىل آخر تلك الترصفات ي‬ ‫الوجوه والفروق بغرض الشاعر ومدى التحامها به أو قربها أو بعدها منه‪ ،‬كل ذلك بقريحة نفاذة‪ ،‬وذوق بال�غ ي سليم‪،‬‬ ‫ومعرفة واسعة بكالم العرب وطرق القول عندهم‬

‫جمال الصورة االدبية ونظرية النظم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتلها‪،‬‬ ‫“ال تكتمل مزية النظم إال بحسب‬ ‫ال� يوضع لها الكالم‪ .‬وبحسب المواقع ي‬ ‫ي‬ ‫المعا� واألغراض ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ�‬ ‫تنك� لفظة ي� موقع وقد يسوؤنا ي� موقع آخر‪ ،‬وإن راقنا تقديم ب‬ ‫واالستعمال الذي يلحقها‪ ،‬إذ أنه يعجبنا ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫(‪)25‬‬ ‫عىل مبتدأ ي� كالم فإنه لن يروق لنا ي� كل كالم”‪.‬‬ ‫ن‬ ‫المع�‪ .‬لتؤدي غاية األدب‬ ‫وبالتال ليس النظم‪ ،‬عند عبد القاهر‪ ،‬مجرد عملية تأليف بسيطة‪ ،‬تجمع اللفظ إىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫والمعا� قيمة مقصودة لذاتها‪ ،‬بل أصبح الحسن والجودة عليها ي� النظم‪،‬‬ ‫ف ي� التواصل والتخاطب‪ ،‬ولم يعد لأللفاظ‬ ‫ي‬

‫)) محمد خلف هللا أحمد‪ .‬من الوجهة النفسية ي ف‬ ‫� دراسة االدب ونقده‪ .‬القاهرة‪ ،‬المطبعة العالمية‪ ،‬ط‪ ،1970 ،2‬ص‪.133‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫() محمد خلف هللا من الوجهة النفسية ي� دراسة االدب ونقده ص ‪.43- 42‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫)( محمد خلف هللا‪ .‬من الوجهة النفسية ي ف‬ ‫� دراسة االدب ونقده‪ .‬ص ‪.43‬‬ ‫‪ 23‬‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫عل دهمان‪ .‬الصورة البالغية عند عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪.‬دمشق‪ ،‬دار طالس للدراسات وال�جمة والن�‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪،‬‬ ‫‪ 24‬‬ ‫() أحمد ي‬ ‫ي‬ ‫ج‪ ،1‬ص ‪13-12‬‬ ‫ي ن‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.70-69‬‬ ‫‪ 25‬‬


‫إليه علم اللسان الحديث”‪.‬‬

‫(‪)13‬‬

‫ف‬ ‫ن‬ ‫والمع� عند عبد القاهر ويؤكد‬ ‫األد� الحديث «قضية اللفظ‬ ‫ويتناول الدكتور محمد‬ ‫غنيم هالل ي� كتابه « النقد ب ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المع� عىل اللفظ‪ ،‬عىل نحو ما ش�حنا من آرائهم فيما‬ ‫ي� النهاية قائال‪ »:‬ونعتقد أن عبد القاهر لم يقر من رجحوا‬ ‫سبق‪ ،‬بل كان من أنصار الصياغة من حيث داللة هذه الصياغة عىل جالء الصورة األدبية»‪ )14(.‬ثم يتحدث عن‬ ‫ف‬ ‫ي ن‬ ‫الغربي�‬ ‫النظم عند عبد القاهر ويرى أنه « قام ي� هذا الباب بجهد عظيم الخطر‪ ،‬فهو يقصد بالنظم ما يطلق عليه‬ ‫علم ت‬ ‫ال�اكيب‪ ،‬وهو عندهم أهم أجزاء النحو‪ّ ،‬‬ ‫ويعرفه عبد القاهر بأنه‪ :‬وضع «كالمك الوضع الذي يقتضيه علم‬ ‫(‪(15‬‬ ‫النحو»‪.‬‬ ‫الجمال وصلته بالمضمون عند عبد القاهر ويذكر نماذج ف ي� نقد بندتو كروتشيه وآرائه‬ ‫ويتطرق بعد ذلك إىل التقويم‬ ‫ي‬ ‫ف ي� علم الجمال ويقول‪ “ :‬إنما ذكرنا من نقد بندتوكروتشيه ما يتصل اتصاال وثيقا بنقد عبد القاهر‪ ،‬لنوضح فضل‬ ‫ف‬ ‫األد� إىل نتائج عالمية ذات قيمة خالدة ولها صلة بفلسفة الجمال‬ ‫عبقرية عربية انتهت بعمق نظرياتها ي� النقد ب ي‬ ‫ف‬ ‫(‪)16‬‬ ‫ي� النقد الحديث”‪.‬‬ ‫ف‬ ‫األد� عند العرب” تحدث فيه عن االنطالق من فكرة‬ ‫وعقد الدكتور إحسان عباس فصال ي� كتابه “ تاريخ النقد ب ي‬ ‫ن‬ ‫والمع� تحت ضوء نظرية النظم الجرجانية‪،‬‬ ‫اإلعجاز إىل إقرار قواعد النقد والبالغة‪ ،‬ثم بحث ف ي� قضية اللفظ‬ ‫وانتىه إىل أن عبد القاهر ألف كتاب” دالئل اإلعجاز “ أوال ثم بعده كتاب “ أرسار البالغة “فاسمعه يقول‪...”:‬ومن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ي�ء “علم البيان “‪ ،‬ولهذا نستطيع أن نقول إن‬ ‫المع� يتكون “ علم‬ ‫مرحلة‬ ‫المعا� “ ومن مرحلة “ مع� المع� “ ج ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المع�‪ ،‬حاول أن يخصص كتابا لدراسة‬ ‫عبد القاهر بعد أن انتىه من كتابه دالئل اإلعجاز الذي تحدث فيه حول‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫(‪)17‬‬ ‫مع�‬ ‫المع� فكان من ذلك كتابه “ أرسار البالغة “‬ ‫ف‬ ‫األد� أصوله و مناهجه فقال‪ ”:‬لقد حاول أن يضع قواعد‬ ‫وتحدث سيد قطب عن نظرية النظم ي� كتابه “ النقد ب ي‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫الف� ي� كتابه “ دالئل اإلعجاز” كما حاول أن يضع قواعد نفسية للبالغة ي� كتابه “أرسار‬ ‫فنية للبالغة و الجمال‬ ‫ي‬ ‫البالغة”وقد تأثر بالفلسفة اإلغريقية وبالمنطق”‪ )18(.‬بل ذهب أبعد من ذلك فأقر أن عبد القاهر “ أول من قرر‬ ‫ف‬ ‫العر� ويصح أن نسميها نظرية النظم”(‪ )19‬و انتقد سيد قطب إهمال عبد القاهر لدراسة‬ ‫نظرية ي� تاريخ النقد‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كث� مما تحويه نظريته هذه بسبب‬ ‫الجانب‬ ‫و� ذلك يقول‪ ”:‬ومع أننا نختلف مع عبد القاهر ي� ي‬ ‫ي‬ ‫الصو� لأللفاظ ي‬ ‫ق‬ ‫غ�ه‪ ،‬وهو ما ب ّ‬ ‫الموسي�‪ ،‬كما يغفل‬ ‫ع�نا عنه باإليقاع‬ ‫إغفاله التام لقيمة اللفظ الصوتية منفردا ومجتمعا مع ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الف�‪ ...‬مع هذا فإننا نعجب باستطاعته أن ّ‬ ‫ك�ى ف� العمل ن‬ ‫يقرر‬ ‫كث�ة‪ ،‬ولها عندنا قيمة ب‬ ‫الظالل الخيالية ي� أحيان ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬ ‫(‪)20‬‬ ‫كث� مواضيع الكتاب”‪.‬‬ ‫العلم – دون أن يخل بنفاذ حسه‬ ‫نظرية هامة كهذه – عليها الطابع‬ ‫الف� ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واعت� األستاذ محمد خلف هللا ي� كتابه “ من الوجهة النفسية ف ي� دراسة األدب ونقده” كتاب “ الدالئل” بحثا‬ ‫ب‬ ‫ف ي� أسلوب تأليف الكالم ونظمه‪ ،‬وترتيب معانيه‪ ،‬وما يعرض لها من مظاهر معنوية‪ ،‬محاوال أن ينقل االهتمام من‬ ‫ن‬ ‫ويش� إىل أن عبد القاهر متلجلج ف ي� هذه القضية‪ ،‬بينما يقوم “ األرسار” عىل فكرة أن‬ ‫المع�‪،‬‬ ‫جانب اللفظ إىل جانب‬ ‫ي‬

‫‪ 13‬‬

‫المنه� عند العرب‪ .‬ص‪.335-334‬‬ ‫() محمد مندور‪ .‬النقد‬ ‫ي ج‬

‫‪1 4‬‬ ‫‪ 15‬‬ ‫‪ 16‬‬ ‫‪ 17‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫‪ 20‬‬

‫ب�وت‪ ،‬دار الثقافة ودار العودة‪ ،‬ال ط‪1973 ،‬م‪ ،‬ص ‪.268‬‬ ‫() محمد ي‬ ‫االد� الحديث‪ .‬ي‬ ‫غنيم هالل‪ .‬النقد ي ب‬ ‫االد� الحديث‪ .‬ص ‪.277‬‬ ‫() محمد ي‬ ‫غنيم هالل‪ .‬النقد ي ب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫االد� الحديث ص ‪.291‬‬ ‫() محمد ي‬ ‫غنيم هالل النقد ي ب‬ ‫() أحمد أحمد بدوي‪ .‬عبد القاهر سوجهوده ي ف‬ ‫� البالغة‪ .‬القاهرة‪ ،‬المؤسسة المرصية العامة‪ ،‬ط‪ ،2‬ال ت‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫ب�وت‪ ،‬دار ش‬ ‫ال�وق‪ ،‬ط‪1983 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫االد� أصوله ومناهجه‪ .‬ي‬ ‫() سيد قطب‪ .‬النقد ي ب‬ ‫االد� أصوله ومناهجه‪ .‬ص ‪.127‬‬ ‫() سيد قطب‪ .‬النقد ي ب‬ ‫االد�‪ .‬أصوله ومناهجه‪ .‬ص ‪.128‬‬ ‫)) سيد قطب‪ .‬النقد ي ب‬


‫ف‬ ‫ف‬ ‫ي ن‬ ‫الجرجا� مدافعا عن رأيه ي ف‬ ‫� أن هذه األبيات تدل‬ ‫ي� أنفسها بأفاعيل لها خاصة ي� العنق والرأس ‪ .)30(”...‬ويضيف‬ ‫ن‬ ‫المعا� وغزارتها بقوله ‪ ”:‬هل بقيت عليك حسنة تحيل فيها عىل لفظة من الفاظها‪ ،‬ت‬ ‫ح� إن فضل‬ ‫عىل سمو‬ ‫ي‬ ‫ق ف‬ ‫يب� ي� تلك اللفظة ولو ذكرت عىل االنفراد‪ ،‬وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفه‬ ‫الحسنة‬ ‫وترصيفه‪ ...‬ليس هذا بقياس الشعر الموصوف بحسن اللفظ‪ ،‬وإن كان ال يبعد أن يتخيله من ال ينعم النظر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المعا� الحكمية والتشبيهية أيضا‪ ...‬وإن يصل‬ ‫التدب�‪ ،‬بل حق هذا المثل أن يوضع ي� نرصة بعض‬ ‫وال يتم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ب� متدانيات ف� والدة العقول اياها ومتجاورات ف� ن ز‬ ‫(‪)31‬‬ ‫الذكر ي ن‬ ‫ت�يل اإلفهام لها”‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ن‬

‫الجرجا� الجديدة اىل البالغة‪:‬‬ ‫المالمح الجديدة من رؤية النظم عند عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� نظريته ف� النظم بقواعد النحو وأساليبه‪ّ ،‬‬ ‫كث�ا لما اتفق عىل‬ ‫بعد أن ربط‬ ‫شعب أطر هذه النظرية لتشمل ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫وتأخ�‪ ،‬وفصل ووصل‪ ،‬وإسناد‪ ،‬وحذف وإضمار‪ ،‬وايجاز وإعادة وتكرار‪،‬‬ ‫المعا�‪ ،‬من تقديم‬ ‫تسميته – ف ي� أيامنا – بعلم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� نسأل عنها لدى سماعنا شعرا جميال‬ ‫وتعريف‬ ‫ي‬ ‫وتنك�‪ ...‬وقد سىم هذه األوجه تنويعات النظم‪ ،‬وعدها األسس ي‬ ‫ف‬ ‫و� ضوئها نقف عىل مبعث الجمال ورس الجمال ف ي� هذا الشعر‪.‬‬ ‫وإعجابنا به‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ويستعرض ما قاله العلماء ف� ن‬ ‫و� بيان المغزى من هذه العبارات‪،‬‬ ‫مع� الفصاحة والبالغة‪ ،‬والبيان ب‬ ‫وال�اعة ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وتفس� المراد بها‪ ،‬فيجد بعضها كالرمز وااليماء واإلشارة ي�‬ ‫الخ�ء ليطلب ‪ ...‬وتوضع‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫خفاء‪ ،‬وبعضه كالتنبيه عىل مكان ب ي‬ ‫ن‬ ‫لتب� عليها‪ ،‬ويجد «المعول عىل أن ههنا نظما ً وترتيبا ً‪ ،‬وتأليفا ً وتركيبا ً وصياغة ً وتصويرا ً ونسجا ً‬ ‫لك القاعدة ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ت‬ ‫ه حقيقة فيها‪ .‬ويرى أن العلماء‬ ‫وتحب�ا‪ ،‬وإن سبيل هذه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال� ي‬ ‫المعا� ي� الكالم الذي مجاز فيه سبيلها ي� األشياء ي‬ ‫يفاضلون ي ن‬ ‫ب� نظم ونظم وتأليف وتأليف ونسج ونسج‪ ،‬وصياغة وصياغة وتتفاوت مراتب المفاضلة تفاوتا ً‬ ‫ً‬ ‫(‪)32‬‬ ‫ال�ء ش‬ ‫ب� بعض الكالم وبعضه‪ ،‬ويتقدم من ش‬ ‫شديدا‪ ،‬وتشتد المفاضلة أيضا ً ي ن‬ ‫ال�ء»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫الجرجا� ما قاله العلماء وما طبقوه ف ي� علوم الفصاحة والبالغة ويخلص «إىل أن كل ذلك ليس كافيا ً وال‬ ‫ويقوم‬ ‫ي‬ ‫المع� وإن لم يغرقوا ف� ن ز‬ ‫ن‬ ‫ال�ع‬ ‫يغنينا عن الحاجة إىل المدارسة والمتابعة‪ .‬ألن هؤالء وان أقرصوا اللفظ فقد أطالوا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فلقد أبعدوا عىل ذلك ي� المرىم‪ .‬وإنهم ما زادوا عىل أن قاسوا قياسا ً فقالوا‪ :‬نظم ونظم‪ ،‬وترتيب وترتيب ونسج‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ونسج‪ ،‬ثم خلصوا إىل أنه غ‬ ‫ينب� أن تظهر المزية ي� هذه‬ ‫المعا� ههنا حسب ظهورها هناك‪ ،‬وإن يعظم األمر ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ذلك كما عظم ّ‬ ‫(‪)33‬‬ ‫ثم»‪.‬‬ ‫ث‬ ‫األك� أهمية الذي يراه متمثال بتحديد‬ ‫ويقر بصحة ما أداه العلماء‪ ،‬لكنه ليس كافيا ف ي� رأيه‪ ،‬إذ قاموا بالمهم وتركوا‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ويع�‪ .‬ويكشف عن وجهه ي ن‬ ‫ال�ء ي ن‬ ‫ويب�‪ ،‬ويطلب إليهم‬ ‫مكان المزية ي� الكالم ووصفها وذكرها بطريقة بينة كما ينص ي‬ ‫ن‬ ‫مع� الخصوصية ف ي� طريقة النظم‪ ،‬والطريقة المخصوصة ف ي� نسق الكالم بعضها عىل بعض‪ ،‬وذلك ف ي� وصف هذه‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� «ما يقوله‬ ‫الخصوصية وتبينها‪ ،‬وذكر األمثلة لها‪ .‬وإليضاح ما هو مطلوب إىل هؤالء العلماء ف ي� عملهم‪ ،‬ويذكر‬ ‫ي‬

‫الخب� بعمل الديباج المنقش من وصف لهذا العمل يتناول دقة الصفة أو أن نشهده يمارس مهنته معاينة ت‬ ‫ح�‬ ‫لنا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يث� وبم‬ ‫نرى كيف تذهب تلك الخيوط ج ي‬ ‫وت�ء وماذا يذهب منها طوال وماذا يذهب منها عرضا‪ ،‬وبم يبدأ وبم ي‬ ‫(‪)34‬‬ ‫يثلث‪ ،‬وتبرص من الحساب الدقيق‪ .‬ومن عجيب ترصف اليد ما تعلم منه مكان الحذق وموضع اإلستاذية»‪...‬‬ ‫‪3 0‬‬ ‫‪ 31‬‬ ‫‪ 32‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫‪ 34‬‬

‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ ،‬ص ‪.18-17‬‬ ‫ي ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ص ‪.17-18‬‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.29-28‬‬ ‫ي‬ ‫ي ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.29‬‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫ي ن‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.30‬‬


‫ن‬ ‫ت‬ ‫الجرجا�‪ ،‬تآزر الجمل المتآلفة عىل ن‬ ‫مع� ليتحقق للصورة األدبية جمالها ويتم الحسن للنظم‪.‬‬ ‫ويش�ط عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫للداللة عىل ذلك يورد هذا الناقد ثالث أبيات ث‬ ‫ك� ثناء النقاد عليها‪ ،‬الن الفاظها ه‪ ”:‬أحسن ش ئ‬ ‫� مطالع ومخارج‬ ‫ي‬ ‫مع�‬ ‫كب� ن ‬ ‫ومقاطع” وإن كان ليس وراءها ي‬ ‫ ‬ ‫ولما قضينا من منــى كـ ــل حاج ـ ــة‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ومس ـ ـ ـ ـّــح باالركان من هو ماسح‬

‫ ‬ ‫وشدت عىل حدب المطايا رحالنا‬ ‫ ‬ ‫أخذنا بأطراف االح ــاديث بينن ـ ـ ـ ــا‬

‫ولم يبرصالغادي ال ــذي هو رائ ـ ــح‬

‫وسالت بأعناق المط ـ ـ ـ ـ ـ ّـي األباطــح‬

‫(‪)26‬‬

‫ف‬ ‫غ� أن هذه الطالوة عائدة لحسن النظم‬ ‫الكث�‪ ،‬ي‬ ‫ال شك ي� أن هذه األبيات تظهر من طالوة اللفظ ورونقه ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� ممن ال يكون استحسانهم وحمدهم‬ ‫المع� ويؤدي إىل تأليف الصورة المنشودة‪ .‬ويعجب‬ ‫الذي يفيد‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وثناؤهم “ومدحهم متعرفا إال إىل استعارة وقعت موقعها‪ .‬وأصابت غرضها‪ ،‬أو حسن ترتيب تكامل معه البيان‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫(‪)27‬‬ ‫المع� إىل القلب‪ ،‬مع وصول اللفظ إىل السمع‪ ،‬واستقر ي� الفهم مع وقوع العبارة ي� األذن ‪”...‬‬ ‫ح� وصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� يتجه بالدرجة األوىل إىل ابن قتيبة الذي صنف هذه األبيات ف ي� نوع الشعر الذي حسن لفظه‬ ‫إن عجب‬ ‫ي‬ ‫وحال‪ ،‬بينما إذا فتشنا عن فائدة ف ي� معناه لم نجد ضالتنا‪ ،‬ووصف ألفاظه بحسن المخارج والمطالع والمقاطع‪،‬‬ ‫المع� وجدته‪ :‬ولما قطعنا أيام ن‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م�‪،‬‬ ‫و� اإلشارة إىل ضآلة معناها قال ابن قتيبة‪ ”:‬وإن نظرت إىل ماتحتها من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واستلمنا األركان‪ ،‬وعالينا إبلنا األنضاء (الضعاف)‪ ،‬ض‬ ‫وم� الناس الينظر الغادي الرائح‪ ،‬ابتدأنا ي� الحديث‪،‬‬ ‫ف‬ ‫(‪)28‬‬ ‫المط ي� األبطح”‪.‬‬ ‫وسارت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المعا� ف ي� تلك األبيات‪ ،‬حيث‬ ‫الجرجا� موقفا معاكسا‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬ف ي� النظر إىل قيمة‬ ‫و� المقابل يقف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المعا� واألغراض ي ن‬ ‫ح� يقول‪ ”:‬وذلك أول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال‬ ‫يوردها للداللة عىل سمو‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪(:‬ولما قضينا من ن‬ ‫فع� عن قضاء الناس‪ ،‬والخروج من فروضها وسننها‪ ،‬من طريق أمكنه أن‬ ‫م� كل حاجة)‪ .‬ب‬ ‫يقرص معه اللفظ‪ ،‬وهو طريقة العموم‪ ،‬ثم ّنبه بقوله‪( :‬ومسح باألركان من هو ماسح) عىل طواف الوداع‬ ‫المس� الذي هو مقصوده من الشعر‪ ،‬ثم قال‪( :‬أخذنا باطراف األحاديث بيننا)‪.‬‬ ‫الذي هو آخر األمر‪ ،‬ودليل‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫فوصل بذكر مسح األركان‪ ،‬ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان‪ ،‬ثم دل بلفظه “ األطراف “ عىل الصفة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي ن‬ ‫المتطرف� من‬ ‫ال� يختص بها الرفاق ي� السفر‪ ،‬من الترصف ي� فنون القول وشجون الحديث‪ ،‬أو ما هو عادة‬ ‫ي‬

‫اإلشارة والتلويح والرمز وااليحاء‪ ،‬وأنبأ بذلك عن طيب النفوس وقوة النشاط‪ ،‬وفضل اإلغتباط‪ ،‬كما توجبه‬ ‫إلفة األصحاب‪ ،‬وأنسة األحباب وكما يليق بحال من وفق لقضاء العبادة ش‬ ‫ال�يفة ورجا حسن االياب وتنسم‬ ‫ن‬ ‫التها� والتحايا من الخالن واالخوان”‪ )29(.‬ن‬ ‫المط‬ ‫وح� قال‪( :‬وسالت بأعناق ي‬ ‫روائح األحبة واألوطان واستماع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المط بهم كالماء تسيل به األباطح وكان ي� ذلك ما يؤكد‬ ‫س�‬ ‫األباطح)‪،‬أطلق استعارة لطيفة‪،‬إذ جعل سالسة ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫س�ها السهل الرسيع‪ ،‬زاد ذلك ي� نشاط الركبان‪ ،‬ومع ازدياد النشاط‬ ‫قبله‪ ،‬ألن الظهور إذ كانت وطيئة وكان ي‬ ‫يزداد الحديث طيبا‪ .‬ثم قال‪:‬‬

‫‪2 6‬‬ ‫‪ 27‬‬ ‫‪ 28‬‬ ‫‪ 29‬‬

‫ف‬ ‫“بأعناق المط ولم يقل بالمط‪ ،‬ألن الرسعة والبطء يظهران غالبا ف� أعناقها‪ ،‬ي ن‬ ‫ويب� أمرهما ي� هواديها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ويع� عن المرح والنشاط إذا كانا‬ ‫وصدورها‪ ،‬وسائر أجزائها تستند اليها ي� الحركة‪ ،‬وتتبعها ي� الثقل والخفة‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ي ن‬ ‫ب�وت دار المعرفة‪ ،‬ال ط‪1398 ،‬هـ‪ 1978 /‬م‪.‬‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ي‬ ‫ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫ي‬ ‫)( ابن قتيبة‪ .‬الشعر والشعراء‪ .‬مرص‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ال ط‪ 1966 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪67-66‬‬ ‫ي ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ ،‬ص ‪.16-17‬‬ ‫)( عبد القاهر‬


‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫�ء من‬ ‫إال إذا حرص ي� موضع له جوانب تدفع عن االنصباب‪ ،‬وتمنعه عن االنسياب‪ ،‬وليس ي� الكريم والمال ي‬ ‫(‪)40‬‬ ‫هذه الخالل»‪.‬‬ ‫ومثال آخر أقوى من أن يظن حقا ً وصدقا‪ ،‬وهو عىل التخيل قول أ� ّ‬ ‫تمام‪:‬‬ ‫بي‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫«وتكلم عىل عالقة التخييل بالمعقول‪ ،‬بالكذب والصدق وفصل ي ن‬ ‫المع�‬ ‫ب�‬ ‫الحقي� والتخييل‪ ،‬وأشار إىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التخييل الشبيه بالحقيقة بما أصله تشبيه وإىل أن األخذ والرسقة يكوننا ي� التخييل ال المعقول‪ ،‬وذلك مع حسن‬ ‫(‪)41‬‬ ‫بغ� تعليل‪ ،‬وتحدث عن العالقة ي ن‬ ‫ب� االستعارة والتخييل» ‪...‬‬ ‫التعليل أو ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫النقاد العرب القداىم لم يربطوا ي ن‬ ‫ب� الصورة والخيال‪ ،‬الستقالل‬ ‫«ونش� ي� نهاية الكالم عىل التخييل‪ ،‬إىل أن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫االد� الحديث لم يربط بينهما إال منذ عهد قديم‪ .‬وقد تأثر هؤالء النقاد‬ ‫ي‬ ‫مفهوم هذين العنرصين‪ ،‬ح� إن النقد ب ي‬ ‫(‪)42‬‬ ‫وغ�هما»‪.‬‬ ‫بنظرية المحاكاة األرسطوية وعدوها مرادفة للمجاز من استعارة وكناية ي‬ ‫ن‬ ‫الجرجا� ف� نظرية البالغة‪ ،‬ال تنفصل عنها‪ ،‬وال تخرج عن ي ز‬ ‫ح�ها‪ .‬وال تنحرص بالنتيجة‬ ‫أما الفصاحة عند عبد القاهر‬ ‫ي ي‬ ‫ح� يعلق بعضها ببعض‪ ،‬ن‬ ‫ف� الكلمة المفردة أو حروفها‪ ،‬وأصواتها إذ «ال نظم ف� الكلم‪ ،‬وال ترتيب ت‬ ‫ويب� بعضها عىل بعض‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫(‪)43‬‬ ‫وتجعل هذه بسبب من تلك»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� الرد من يستغرب قوله هذا‪ ،‬يرى أن الفصاحة ف ي�‬ ‫المع� دون اللفظ‪ ،‬ويخطئهم ف ي� قولهم‪ :‬هذا لفظ فصيح وهذه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ينب� أن‬ ‫الفاظ فصيحة‪ .‬وال نرى عاقال يقول هذا مع� فصيح‪ ،‬هذه معان فصاح‪ :‬ولو كانت الفصاحة ي� المع� لكان ي‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫�ء يأخذ من الغر مأخذا‪.‬‬ ‫يقال ذاك‪ ،‬كما أنه لما كان الحسن يكون فيه قيل‪ .‬هذا مع� حسن وهذه معان حسنة‪ .‬وهذا ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� من أجلها استحق اللفظ الوصف بأنه فصيح عائدة ي�‬ ‫ويوضح «إن الفصاحة تكون ي� المع� والمزية ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الحقيقة اىل معناه‪ .‬واللفظة تكون ي� غاية الفصاحة ي� موضع ونراها بعينها فيما ال يحىص من المواضع‪ ،‬وليس‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� من أجلها نصف اللفظ بأنه فصيح‪ ،‬مزية تظهر ي� الكلم من بعد‬ ‫فيها من الفصاحة قليل وال ي‬ ‫كث�‪ ،‬ألن المزية ي‬ ‫(‪)44‬‬ ‫أن يدخلها النظم»‪.‬‬ ‫التعب�‪ ،‬وقد يسامح عبد القاهر من يتوهم أن للفظة ف ي� االستعارة‬ ‫إذن‪ ،‬اللفظة ال تلحقها الفصاحة إذا رفعت من سياق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يز‬ ‫غ� االستعارة ال يسامح‪ ،‬وال يصح – ف ي� رأيه – أن يتوهم ذلك إنسان عاقل‪.‬‬ ‫فصاحتها‬ ‫المم�ة‪ ،‬لكن ي� ي‬ ‫وللداللة عىل صحة آراء هذا الناقد ف ي� فصاحة هذه المفردة ف ي�‬ ‫ابلع‬ ‫ي‬ ‫التعب� نسوق تحليله لآلية القرآنية ( وقيل يا أرض ي‬ ‫ن (‪)45‬‬ ‫ماءك ويا سماء اقلع‪ ،‬وغيض الماء‪ ،‬ض‬ ‫الظالم�)‪.‬‬ ‫وق� األمر واستوت عىل الجودي وقيل بعدا للقوم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تبهرنا بأرسارها ي ن‬ ‫ح� نسمعها‪ ،‬وللرد عىل من يشك بأن هذه المظاهر ترجع‬ ‫ي� هذه اآلية ي‬ ‫كث� من مظاهر اإلعجاز ي‬ ‫إىل ارتباط كلمات هذه اآلية بعضها ببعض يقول‪:‬‬ ‫«إن شككت فتأمل هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من ي ن‬ ‫ب� أخواتها وأفردت ألدت من الفصاحة ما تؤديه‬ ‫ف‬ ‫ابلع»‬ ‫اعت�‬ ‫ب‬ ‫غ� أن تنظر إىل ما قبلها وإىل ما بعدها‪ ،‬وكذلك ب‬ ‫واعت�ها وحدها من ي‬ ‫وه ي� مكانها من اآلية؟ قال « ي‬ ‫ي‬ ‫سائر ما يليها‪.‬‬ ‫‪4 0‬‬ ‫‪ 41‬‬ ‫‪ 42‬‬ ‫‪ 43‬‬ ‫‪ 44‬‬ ‫‪ 45‬‬

‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ص ‪.231‬‬ ‫ن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا� ارسار البالغة ص ‪.238‬‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫االد� الحديث‪ .‬ص ‪.162‬‬ ‫النقد‬ ‫هالل‬ ‫غنيم‬ ‫() محمد ي‬ ‫يب‬ ‫ن‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.47-44‬‬ ‫ي‬ ‫ي ن‬ ‫() عبد القاهر‬ ‫الجرجا� دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.339 -309 -307‬‬ ‫)) القرآن الكريم‪.‬سورة هود‪ .‬اآلية‪ ،44‬ص‪226‬‬


‫ف‬ ‫�ف ف‬ ‫الكث� التصاوير‬ ‫إذا ال يك ي ي� معرفة الصناعات الوقوف عند حدود المعرفة العامة كأن نقول ي� معرفة الديباج ي‬ ‫إنه ترتيب للغزل عىل وجه مخصوص‪ ،‬وضم لطاقات االبريسيم بعضها إىل بعض عىل طرق ت‬ ‫ش� ‪ « ...‬وإنما الواجب‬ ‫ب� جودة ومثيلتها وأن ّ‬ ‫أن نعرف الخطأ فيها من الصواب‪ ،‬وأن ّ‬ ‫ب� اإلساءة والجودة‪ ،‬وأن نفاضل ي ن‬ ‫نفرق ي ن‬ ‫نتعرف‬ ‫(‪)35‬‬ ‫بطبقات هذه الجودة»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يك� أن ننصب لها قياسا ما وأن نصفها وصفا مجمال‪ ،‬وإنما‬ ‫«واألمر نفسه ينطبق عىل علم الفصاحة‪ ،‬إذ ال ي‬ ‫ف‬ ‫يجب أن نعرف كيف ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعرض ي� نظم الكالم‪ ،‬وإن نعدها‬ ‫نفصل‬ ‫القول فيما نقول‪ ،‬وأن نضع اليد عىل الخصائص ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي ن‬ ‫البالغي� ليست بسهلة وإنما تتطلب‬ ‫واحدة واحدة ونسميها شيئا شيئا‪ .‬إن هذه المهمة الملقاة عىل عواتق‬ ‫الص�‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫(‪)36‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تقنع إال بالتمام وبلوغ الغاية مهما جشمها ذلك»‪.‬‬ ‫عىل التأمل‪ ،‬والمواظبة عىل‬ ‫ي‬ ‫التدب�‪ ،‬والمهة ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫المع�‪ ،‬ي� أوضح صورة وأجالها‪ .‬وذلك ي� األلفاظ‬ ‫ه وسيلة لتأدية‬ ‫بل‬ ‫لذاتها‪،‬‬ ‫غاية‬ ‫ليست‬ ‫البالغة‬ ‫«إذا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫(‪)37‬‬ ‫المع� طوعا دون إكراه أو تعمل ح� لو خال منها النظم لفسد واختل بيانه» ‪.‬‬ ‫مختارة‪ .‬وهذه البالغة يتطلبها‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ،‬والبالغة ما أتت عفو الخاطر بعيدة عن التكلف والتصنع‪.‬‬ ‫وكأنه ورة الزمة ي� الكالم ي‬

‫ن‬ ‫ي ن‬ ‫عقل‪ ،‬وسبيلها كالم‬ ‫الجرجا� أجزاء البالغة بالبحث والتفصيل‪ ،‬ورأى أن «االستعارة»‪ ،‬ذات أساس‬ ‫وح� تناول‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن� (ص)‪ :‬المؤمن مرآة المؤمن‪ .‬ف ي� هذا القول‬ ‫عقل صحيح‪ .‬وإلثبات هذا األمر يورد قول ب ي‬ ‫محذوف‪ ،‬يلوح منه أمر ي‬ ‫وه كونها سببا للعلم بما‬ ‫استعارة وغايتها ليس إثبات المرآة من حيث الجسم الصقيل لكن من حيث الشبه المعقول ي‬ ‫لوالها لم يعلم‪ ،‬ألن ذلك العلم طريقة الرؤية‪ ،‬وال سبيل إىل أن يرى اإلنسان وجهه إال بالمرآة‪ .‬وما جرى مجراها من‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫وه أن المؤمن ينصح أخاه ويريه الحسن من القبيح‬ ‫األجسام الصقيلة‪ ،‬فقد جمع يب� المؤمن والمرآة ي� صفة معقولة‪ ،‬ي‬ ‫كما ترى المرآة الناظر فيها ما يكون بوجهه من الحسن وخالفه‪ .‬وكذلك قوله (ص)‪ (:‬اياكم وخ�ض اء الدمن)‪« .‬معلوم أن‬ ‫ليس المقصود إثبات ن‬ ‫ي ن‬ ‫اللفظت�‪ ،‬ولكن الشبه الحاصل من مجموعهما وذلك حسن الظاهر مع خبث‬ ‫مع� ظاهر‬ ‫ّ‬ ‫غ� ثابت أصال‪.‬‬ ‫ويدع دعوة صعبة التحقيق‪ ،‬ويصدر قوال‬ ‫األصل»‪ .‬أما التخيل « فهو ما يثبت فيه الشاعر أمرا هو ي‬ ‫ي‬ ‫(‪)38‬‬ ‫يخدع فيه ت‬ ‫ش‬ ‫ب�ء»‪.‬‬ ‫ح� نفسه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وبالتال ليست االستعارة من التخيل ي‬ ‫إن هذا التحديد متأثر بما جاء عند الفالسفة اليونان والعرب‪ ،‬فابن سينا يرى أن الكالم المخيل هو» الذي ينفعل به‬ ‫(‪)39‬‬ ‫غ� فكري‪ ،‬وان كان متيقن الكذب»‪.‬‬ ‫المرء انفعاال نفسانيا ي‬ ‫ن‬ ‫التخييل ف ي� البالغة هو الذي ال يمكن أن يقال‪ :‬إنه صدق‪ ،‬وإنما أثبته ثابت وما نفاه من�ف ي ‪ ...‬ال‬ ‫الجرجا� أن القسم‬ ‫ويؤكد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يكاد يحرص إال تقريبا‪ ،‬وال يحاط به تقسيما وتبويبا‪....‬‬ ‫ومثاله قول أ� ّ‬ ‫تمام‪:‬‬ ‫بي‬

‫« ال تنكري عطل الكريم من ن‬ ‫الغ�‬ ‫فالسيل حرب للمكـ ـ ــان‬ ‫العال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فهذا قد خيل إىل السامع‪ ،‬أن الكريم إذا كان موصوفا بالعلو والرفعة ف� قدره‪ ،‬وكان ن‬ ‫الغ� كالغيث ي� حاجة‬ ‫ي‬ ‫الخلق إليه وعظم نفعه‪ ،‬وجب بالقياس أن ن ز‬ ‫ي�ل عن الكريم‪ ،‬نزول ذلك السيل عن الطود العظيم‪ ،‬ومعلوم أنه‬ ‫قياس تخييل وايهام ال تحصيل وال إحكام‪ ،‬فالعلة أن السيل ال يستقر عىل األمكنة العالية‪ ،‬إن الماء سيال ال يثبت‬

‫‪3 5‬‬ ‫‪ 36‬‬ ‫‪ 37‬‬ ‫‪ 38‬‬ ‫‪ 39‬‬

‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.30‬‬ ‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.31‬‬ ‫ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ص ‪.10‬‬ ‫ي‬ ‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ص ‪.238‬‬ ‫ي ن‬ ‫الجرجا�‪ .‬ارسار البالغة‪ .‬ص ‪.238‬‬ ‫)) عبد القاهر‬


‫ف� هذه األوجه بذاتها بل ه عائدة اليها بفعل ت ز‬ ‫األد�‪ ،‬وانصهارها به”‪.‬‬ ‫بغ�ها من عنارص‬ ‫ام�اجها ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التعب� ب ي‬ ‫ي‬

‫(‪)48‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫امتازت البالغة العربية بعدد من األساليب‪ ،‬فاختلفت بنيتها أو صياغتها تبعا للوظيفة والهدف‪ .‬ولما أكدت هذه‬ ‫ن‬ ‫األساليب اتصال البنية‬ ‫بالمع� )الوظيفة والهدف) كانت تنصهر بالوجدان وعواطف المتكلم والمخاطب عىل السواء‬ ‫�غ‬ ‫ن‬ ‫الف� والفكري‪.‬‏‬ ‫النتظام صالح النسق البال ي ‪ ،‬وثراء فضائه ي‬ ‫ّ‬ ‫ي ن‬ ‫البالغي� العرب القداىم مشدودة إىل الوظيفة البالغية وفق الرؤية الجزئية– إذا استثنينا القليل منهم؛‬ ‫ولما ظلت رؤية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫الخ� واإلنشاء ليغدو أسلوبا نقديا يزود‬ ‫الجرجا�‬ ‫كعبد القاهر‬ ‫والزمخ�ي –خرجنا إىل مفهوم الشمول بدراسة أسلوب ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�غ‬ ‫�غ‬ ‫وه أدوات تشكيل نقدية‪ .‬ومن ثم صار األسلوب البال ي قراءة جمالية‬ ‫النقاد قديما وحديثا بأدوات التشكيل البال ي‬ ‫ي‬ ‫مرتبطة بالبنية وسياقها ووظيفتها وهدفها ف ي� اتفاقها مع روح اللغة وطبيعتها مفيدين من الدراسات اإلعجازية من جهة‬ ‫ومن الدراسات الحديثة بكل أصنافها بالغية ولسانية‪ ،‬أسلوبية ولغوية؛ أدبية وفنية ونقدية من جهة أخرى‪ .‬ولعل ذلك‬ ‫كله قد َّ‬ ‫كون مالمح رؤية نقدية متقاربة للقدماء ف ي� الظاهرة البالغية وإن لم تكن موحدة ‪.‬وعىل الرغم من ذلك لم تأخذنا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫والف� بما قاموا به جميعا فكنا نحلل األسلوب الحقي�ق ي والمجازي‪ ،‬ونجري عليه ف ْحصا فنيا ونقديا‬ ‫دهشة التطور الفكري‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� إطار الموازنة‬ ‫وبالغيا ولغويا لنكشف عن عنارص الجمال فيه‪ .‬فناقشنا ي‬ ‫كث�ا من النظريات واآلراء ي� إطار تاريخيتها‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحس‪ ،‬والفخر‬ ‫مع العديد من التصورات النفسية واالجتماعية كما هو ف ي� عدد من المواضع كالوعد والوعيد والض ْعف‬ ‫ن‬ ‫والتم� والنداء من أغراض اإلنشاء‪.‬‏‬ ‫للخ�؛ وكذلك فعلنا ف ي� أسلوب األمر‬ ‫والتفاخر من األغراض المجازية ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ال� طرحتها المدارس الحديثة ليست إال رؤى متطورة ألساليب البالغة العربية كما‬ ‫واتضح لدينا أن ي‬ ‫كث�ا من اآلراء ي‬ ‫ً‬ ‫جاء لدى (روالن بارت) و(رومان جاكبسون) مثال‪.‬‏‬ ‫ً‬ ‫المتناه‪،‬‬ ‫غ� محايدة؛ علما أنها منفتحة عىل عالم‬ ‫الخ� واإلنشاء؛ باعتباره بنية ي‬ ‫فقد كشفنا عن بنية جمالية ألسلوب ب‬ ‫ٍ‬ ‫ألنها لم تكن إشارات لغوية اعتباطية‪ .‬لهذا كله أكدت أنها بنية جمالية فنية تحمل رسائل إيحائية عديدة‪ .‬فما جاء به‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫وغ�هما سبقوا به نقاد الغرب‪ ،‬وإن ذهب به هؤالء بعيدا بما يوافق أدبهم وفلسفتهم ‪.‬وكذلك‬ ‫الجرجا�‬ ‫والزمخ�ي ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الخ� واإلنشاء وأغراضهما أن أساليبهما كلها كانت ممارسة نقدية ُحرة مرتبطة بوظائف نفسية‬ ‫أثبتت دراسة جمالية ب‬ ‫وموضوعية وفنية عالية‪.‬‏‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و� مفهوم االنزياح عن معيار النحو كان‬ ‫فكل أسلوب ي� بنيته من اللفظ إىل ال�كيب ي‬ ‫و� عملية االستبدال والتوزيع؛ ي‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ت‬ ‫يتهيأ لجمالية خاصة وفريدة عند‬ ‫كي�‪.‬‏‬ ‫ي‬ ‫الجرجا� ي� مفهوم الجوار واالختيار ي� النسق ال� ب ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال� استندت إىل التحليل والف ْحص الدقيق لكل أسلوب هيأت لنا إضافة العديد من األساليب‬ ‫إن دراستنا الجمالية ي‬ ‫ف‬ ‫للخ� كالوعد والوعيد والتبكيت والتوبيخ‬ ‫والنظرات لم يعرفها القدماء كما وقع لدينا خاصة ي� األساليب المجازية ب‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫والتم� واالستفهام‪.‬‏‬ ‫والنه‬ ‫السع والجد‪ ،‬وعدد من أساليب األمر والنداء‬ ‫والضعف والعجز والحث عىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً ً‬ ‫ف‬ ‫الخ� ليس بال�ضَّ ورة أن يحتمل الصدق أو الكذب بشكل دائم ولكنه قد يصبح نمطا فنيا يحتمل‬ ‫وتبينا ي� الوقت نفسه أن ب‬ ‫�ق‬ ‫ن‬ ‫الجمال‬ ‫الف� وبهذا ارتبط المفهوم‬ ‫ي‬ ‫الصدق وحده باعتبار قائله أو باعتبار مقام المخاطب والحال والواقع الحقي ي أو ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يستند إليها كل منهما‪.‬‏‬ ‫البال�غ ي بالمفهوم‬ ‫ي‬ ‫الجمال النقدي‪ ،‬ثم بالوظيفة ي‬ ‫َّ‬ ‫وإذا كان الخطاب اإلله قد ي ز‬ ‫الكث� من األساليب‬ ‫تم� بإعجازه الفريد البديع فإن الدراسات اإلعجازية قدمت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫كث�ة‬ ‫واألفكار إىل اللغة‪ .‬ومن ثم عززت البالغة األدبية‪ ،‬وطورت وجهتها الوظيفية؛ وطبيعتها الفنية‪ ،‬وأغنتها بمفاهيم ي‬ ‫ن‬ ‫والزمخ�ي فردين ي ز‬ ‫ش‬ ‫الجرجا�‬ ‫وال سيما ما يتعلق بالمصطلحات‪ .‬وكان عبد القاهر‬ ‫متم�ين ف ي� هذا المجال ‪..‬وبذلك كله‬ ‫ي‬ ‫صارت البالغة العربية ممثلة لروح اللغة العربية؛ وأداة نقدية ّ‬ ‫فعالة ف ي� استنباطنا لمفاهيم بالغية جديدة ومن ثم تعزيز‬ ‫‪ 48‬‬

‫ن‬ ‫اللبناني�‪ ،‬الط‪ ،‬الت‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫ب�وت‪ ،‬اتحاد الكتاب‬ ‫)) خليل أبو جهجه‪ .‬رؤى نقدية‪ .‬ي‬ ‫ي‬


‫ ‪-‬نوديت األرض ثم أمرت‪.‬‬ ‫ ‪-‬النداء « يا « دون «أي» نحو يا أيتها األرض‪.‬‬ ‫ابلع الماء”‪.‬‬ ‫ ‪-‬إضافة الماء إىل “الكاف” دون أن يقول “ ي‬ ‫ ‪-‬اتبع نداء األرض‪ ،‬وأمرها بما هو شأنها‪ ،‬نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ ‪-‬قيل وغيض الماء “فجاء الفعل عىل صيغة “ ف ِعل‪ ،‬الدالة عىل أنه لم يغض إال بأمر آخر‪ ،‬وقدرة قادر‪.‬‬ ‫ ‪-‬تأكيد ذلك وتقريره‪ ،‬بقوله تعاىل‪ ‬ض‬ ‫ق� األمر‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ ‪-‬ثم ذكر ما هو فائدة هذه األمور وهو ‪ ‬استوت عىل الجودي‪.‬‬ ‫ ‪-‬إضمار السفينة قبل الذكر‪ ،‬كما هو ش�ط الفصاحة والداللة عىل عظمة الشأن‪.‬‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ل�ء من هذه الخصائص تملؤك‪ ،‬باإلعجاز روعة‪،‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫مقابلة قيل ي� الخاتمة مع ما قيل ي� الفاتحة‪ .‬أترى ي‬ ‫�ض‬ ‫وتح ك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ‪ ،‬من حيث هو صوت مسموع‪.‬‬ ‫ن‬ ‫(‪)46‬‬ ‫وحروف تتواىل ف� النطق؟ أم كل ذلك لما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫معا� االلفاظ من االتساق العجيب؟”‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تساؤالت جرجانية تضع السامع ف ي� واجهة أحاسيسه النفسية‪ ،‬والفنية‪ ،‬ليستفتيها من أين تنبع؟ ومن أين تتأجج تلك‬ ‫ت‬ ‫ال� تغمره لدى سماع تلك اآلية أو قراءتها‪.‬‬ ‫الهزة الروحية؟ وتلك الرعشة الداخلية المريحة ي‬ ‫وقد حظيت االستعارة بلفظة إبداعية من عبد القاهر أثناء بحثه لعالقة اللفظ والنظم‪ ،‬ما يتصل بهذه االستعارة يشمل‬ ‫مختلف أنواع البالغة من تشبيه‪ ،‬وتخييل وكناية ومجاز‪....‬‬ ‫ف‬ ‫و� اإلجابة عن سؤال‪ :‬أين تكمن المزية ف ي� اللفظ أم ف ي� النظم؟ يقول‪ ”:‬إن الكالم أنواع ثالثة واحد ما يرجع حسنه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي ن‬ ‫و� هذا النوع‬ ‫للثا� دون األول‪ ،‬وثالث يعود الحسن فيه‬ ‫للفظ دون النظم‪ ،‬وأخر يرجع حسنه‬ ‫األخ�‬ ‫ي‬ ‫لإلثن� معا‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ويتح� المرء ي ن‬ ‫ب� اللفظ والنظم‪ ،‬ويرجح القول إن ي� االستعارة ما ال يمكن بيانه إال من‬ ‫ويك� اإلشكال‪،‬‬ ‫يقع الغلط‪،‬‬ ‫ي‬ ‫العلم بالنظم والوقوف عىل حقيقته ومن خالل تحليله لالستعارة الواردة ف ي� قوله تعاىل‪  :‬واشتعل الرأس شيبا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ي ن‬ ‫المتمثل�‬ ‫يرى أن أهمية االستعارة وقيمتها‪ ،‬ال تعودان لمجرد االستعارة‪ ،‬بل تكمنان ي� نسق ألفاظها ونظم كلمها‬ ‫يل‪:‬‬ ‫بما ي‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫ق‬ ‫الحقي�‪ ،‬إذ االشتعال للشيب لكنه أسند للرأس‪.‬‬ ‫غ� فاعله‬ ‫أاسناد الفعل اىل ي‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫ن‬ ‫معا� الشيب وتوهجه‪ ،‬وإفادة ن‬ ‫بنتج عن هذا اإلسناد زيادة تأكيد‬ ‫مع� الشمول النتشار مظهر الشيب ي�‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫الرأس‪ ،‬وأخذه من جميع نواحيه قد استعر به وعم جملته‪ ،‬ولم يبق منه أي ي‬ ‫تهذه االوصاف والمالمح ال تتوفر لو ي ّ‬ ‫غ�نا نسق الكلمات كأن نقول‪ :‬واشتعل شيب الرأس‪ ،‬أو اشتعل‬ ‫الشيب ف� الرأس أو ال ف‬ ‫يخ� عىل أحد ما تفقد هذه االستعارة من حسن وفخامة وروعة إذ ي ّ‬ ‫غ�نا نسق‬ ‫ي‬ ‫(‪)47‬‬ ‫مفرداتها”‪.‬‬

‫ن‬ ‫التعب� المزخرف‬ ‫الجرجا� إىل “إبطال ثنائية‬ ‫وبنتيجة عرض مجموع هذه االستعارات وتحليلها يصل عبد القاهر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها من االوجه البالغية ليست كامنة‬ ‫والتعب� العاري‪ ،‬ويظهر أن قيمة التشبيه واالستعارة والمجاز والكناية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫‪4 6‬‬ ‫‪ 47‬‬

‫ي ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص ‪.37-36‬‬ ‫ن‬ ‫)) عبد القاهر‬ ‫الجرجا�‪ .‬دالئل االعجاز‪ .‬ص‪.80-78‬‬ ‫ي‬



‫قدرة النقد عىل التحليل‪.‬‏‬ ‫ال� دفعتنا إىل استكناه مفهوم (استعمال لفظ مكان لفظ)؛ ثم ّ‬ ‫ت‬ ‫وجهنا‬ ‫ه ي‬ ‫فلم تعد مجرد وسيلة لتشخيصهما؛ ألنها ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقت� الظاهر وفق ّ‬ ‫ض‬ ‫ي ن‬ ‫المحدث�‪،‬‬ ‫تصور المتكلم توجيها جديدا مفيدين ف ي� ذلك من بعض النقاد‬ ‫خروج أسلوب الكالم عىل‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫فضال عما ُسقناه قبل قليل من قضايا جديدة‪.‬‏‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫آ�‪ ،‬والحديث ش‬ ‫ال�يف‪،‬‬ ‫ولعل المرء ال يغفل ما انتهت إليه جمالية ب‬ ‫الخ� واإلنشاء من االعتماد عىل النص القر ي‬ ‫غ� قليل منها‪ ،‬مع التمثيل لها بكالم ثن�ي من عندنا‬ ‫دد ي‬ ‫والشواهد الشعرية القديمة والحديثة فكنا نشفع كل أسلوب َبع ٍ‬ ‫ً ّ‬ ‫إمعانا منا ف ي� إيضاح األسلوب وإبراز طبيعته ووظيفته وجماليته‪.‬‏‬ ‫يع� ذلك أننا لم نوثقها‪ ،‬ولم نضبط ث‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫أك�ها‪ ،‬وال‬ ‫وإذا كنا عمدنا إىل عدم تخريجها من دواوين أصحابها –لك�تها –فال ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫شكل منها؛ فضال عن أنها مستقاة جميعها من مصادر البالغة ومراجعها من الدواوين والمجموعات الشعرية‪.‬‏‬ ‫سيما الم ِ‬ ‫نش� ف ي� مواضع عدة إىل طبيعة األسلوب‬ ‫إن قراءتنا الجمالية انطلقت من بنية اللغة ذاتها؛ وهذا فرض علينا أن ي‬ ‫اللغوي لنتوصل منه إىل إدراك جماليته البالغية والفنية‪ .‬أي كنا ننتقل من طبيعة اللغة وفضاءاتها إىل فضاءات األساليب‬ ‫ّ ً‬ ‫ح� قرص القدماء عنايتهم ّإما عىل اللغة ّ‬ ‫ردا؛ عىل ي ن‬ ‫وإما عىل البالغة‪ .‬فأهل اللغة كانوا‬ ‫ووظائفها وبمنهج يكاد يكون مط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫�غ‬ ‫يقفون عند اللغة لفظا وتركيبا وأحواال من جهة اإلعراب والبناء‪ .‬وأهل البالغة كانوا يعمدون إىل االتجاه البال ي ي� البنية‬ ‫غ�‪ .‬ولما جمعنا ي ن‬ ‫ب� هذا وذاك لم نتغافل عن البالغة القرآنية‪ ،‬وعن الدراسات األسلوبية والنقدية الحديثة‪.‬‏‬ ‫اللغوية ليس ي‬ ‫‏‬



‫واقدساه !‬

‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‪//‬‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫حدنا‬ ‫هدنا ول ِ‬ ‫الصنا وم ِ‬ ‫القدس بوصلة خ ِ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الشعب العر�ِّ‬ ‫بنبض‬ ‫ينبض‬ ‫القلب‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ما‬ ‫‪،‬‬ ‫أبية‬ ‫عربية‬ ‫القدس‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األصيل ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُ​ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ً ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عقول‬ ‫اب والكهول ِة‬ ‫الطفولة والشب‬ ‫كل َ ِحكاي ِ‬ ‫ات ً ِ‬ ‫محفوظة ي ف� َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫شُ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫تسيل َم َع الدم ْ‬ ‫ْ‬ ‫�اي ي�ن‬ ‫� ش َ‬ ‫َ‬ ‫قلوب ِهم ‪،‬‬ ‫ال�ف ِاء ‪ ،‬منقوشة ِ ي�‬ ‫داخل َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِي‬ ‫َِ‬ ‫ُ َ‬ ‫نَ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ات‪.‬‬ ‫الحكاي ِ‬ ‫اصم ِة ِ‬ ‫المد ِاف ِع ي� عن ع ِ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ‬ ‫والنفاق‬ ‫الدجل‬ ‫سالم‬ ‫عاة‬ ‫يتون ال ينفع مع د ِ‬ ‫غصن ز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الم‬ ‫غصن‬ ‫زيتون سلب ِمنا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عاصمة الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َْ َ َ َ​َ َ‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫الك‬ ‫لتأهيل‬ ‫اآلن‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫اع‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫س‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫يتون‬ ‫ز‬ ‫غصن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ي‬ ‫َ ْ َ‬ ‫السالم َو َن ُ‬ ‫حن م ْن ُد َعاته ‪َ ،‬فب َم َاذا ُنجيبُ‬ ‫ُ‬ ‫يحمل ل َو َاء َّ‬ ‫من كان‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س خارج ُ‬ ‫الش ُع َ‬ ‫وب َب ْعد اآلن؟ ‪ ،‬والقد ُ‬ ‫الح ْس َب ِان ؟‬ ‫ِ‬ ‫ُ​ُ ٌ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وذاتنا‬ ‫ويتنا ِ‬ ‫خذلن ِلألقص وهروب ِمن الو ِاق ِع ‪ ،‬وابتعاد عن ه ِ‬


‫َ ْ َ َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ٌ َ َ‬ ‫اه ُدوا َربَّ‬ ‫س ِرجال ع‬ ‫ِل َلكعب ِة رب يح ِم‬ ‫يها ِمن ِّأفيال َ أبره َة ‪ ،‬و ِللقد ِ‬ ‫َ‬ ‫صت َها َون ْ َ‬ ‫الك ْع َب ِة ِل َن ْ َ‬ ‫صة الد ِي ِن واإلنس ِان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ َ َ‬ ‫و ِقبل ِتنا‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ات‬ ‫� السب ِ‬ ‫حان م ِ‬ ‫وعد وقفة الض ِم ي ِ� بعد كل ِس ِن ي ِ‬ ‫ُ َ َُ َ َُ َ َ ً‬ ‫أح َداث ٌم ْظل َمة َت ُلوحُ‬ ‫كل َ‬ ‫دا ب َم ْن ً‬ ‫أى َع ْن ْ‬ ‫ُّ‬ ‫عي‬ ‫ب‬ ‫ون‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ات‬ ‫ذ‬ ‫يدعو‬ ‫احد‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ ي� اآلفا ِق‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ‬ ‫كل َم َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫تتسع‬ ‫ال‬ ‫خ‬ ‫اري‬ ‫الت‬ ‫ل‬ ‫اب‬ ‫ز‬ ‫مة الع ِار‬ ‫ع‬ ‫بأط‬ ‫ئة‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫الم‬ ‫هم‬ ‫ُوش‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ِ ِ ُّ ُ ِ ِ‬ ‫وط‬ ‫والنذال ِة والسق ِ‬ ‫َ �ض ُّ َ ْ َ ً َ َ ً ُ ً‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫نَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اذل� عىل‬ ‫ل ي ن ُصا ق ِادما مؤزرا من الرحمن وإن طال‪ِ ،‬عواء المتخ ِي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫دس‬ ‫ضي ِاع الق ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫نَ َ َ َ َ ْ ُ ش ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عماء المتخ ِاذ ِل ي� ‪ ،‬فيا لها ِمن بـ�ى سارِة‬ ‫ز ْف‬ ‫َوفاة الز ِ‬ ‫إلينا خ ب� ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُتذلج قل َ‬ ‫وب المقد نَ‬ ‫سي�‬ ‫ِ ي‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ ُ َّ َ‬ ‫ُ ُ ْ َ َ َ َّ‬ ‫هر‪ ,‬وإن أثخنت‬ ‫أنشودة وأ ِ‬ ‫غنية الس َل ِم ت َر ِافق َالقدس أبد َ الد ن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫كو�‬ ‫وجود‬ ‫وال‬ ‫انتماء‬ ‫وال‬ ‫هوية‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫اح‬ ‫بالجر‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫َُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫الم‬ ‫ة‬ ‫المقدسي‬ ‫وح‬ ‫الر‬ ‫دون‬ ‫كائن‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ات‬ ‫ان‬ ‫ي‬ ‫الد‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وفية ‪,‬فال قوة‬ ‫طالبا‬ ‫الحق ِم َخواف وإن كان سالحه الحجر والك ِ‬ ‫ال َّ ً‬ ‫ُ‬ ‫وبأرضه‬ ‫بربه‬ ‫ِ‬ ‫كونية تفوق إيمانه ِ‬ ‫ِ‬



‫ترنيمة حياة‬ ‫أو كلمة في ديوان‬ ‫د‪.‬جمال حسين زعيتر‬ ‫«آذان الح ـكّام لهــا حيطــان»‪ ،‬عنــوان ديــوان الشّ ــاعر عمــر شــبيل األخــر‪ ...‬وهو‪ ‬عنــوان يتق ـ ّدم نــص الديوان‪ ‬املؤلّــف مــن ثــاث مطــوالت‬ ‫شــعريّة‪ ‬ليفتتح مســرة من ـ ّوه‪ ،‬ويح ـ ّدد هويَّتــه‪ ،‬ويك ـ ّر ُس انتــا َءه‪ .‬إنّــه مدخــل عــار ِة النـ ِ‬ ‫ـاح با ِب ـ ِه‪ ،‬وضــو ُء ممراتِ ـ ِه املتشــابكة‪.‬‬ ‫ـص‪ ،‬ومفتـ ُ‬ ‫الســمة‪ ،‬والعالمــة‪ ،‬واألثــر‪ ...‬نسـ ّ‬ ‫ـتدل بــه عــى الــيء بوجــه مــن وجــوه التعريــض ال الترصيــح‪...‬؛ ألنّــه تعريــف‪ ،‬وفصــل‪،‬‬ ‫والعنــوان لغــة هــو ّ‬ ‫وتنويــه‪ ،‬وداللــة‪ ،‬وإظهــار‪ ،...‬أي كشــف محجــوب معنــى الديــوان بطريقــة إيحائيــة‪.‬‬ ‫وهــو عنــوان يصــدم القــارئ مــن الوهلــة األوىل؛ ألنّــه تقريــري مبــارش‪ ،‬مــن ناحية‪ ‬البنيــة الســطحية‪ ،‬ورمــزي يصــل إىل الرسيــايل مــن ناحيــة‬ ‫ـب هــذه املفاهيــم‬ ‫البنيــة العميقــة‪ .‬كــا أنّــه يقلِــب املفاهيــم اللغويــة واملجتمعيــة املتوارثــة مــن حيــث الثقافــة الشّ ــعب ّية‪« :‬الحيطــان لهــا آذان»‪ .‬وقَلْـ ُ‬ ‫يســتج ّر مجموع ـ َة معطيـ ٍ‬ ‫ـات يحملُهــا العنــوان‪ .‬وســأحاول يف هــذه العجالــة أن أحلِّلَهــا مــن خــال فكفكتــه‪ ،‬وربطــه بالقصائــد املوجــودة يف الديــوان‬ ‫حتّــى أعطي‪ ‬فكــر ًة واضحـ ًة عـ َّـا يتض َّم ُنـ ُه بــن دفَّتَيــه‪ .‬لــذا‪ ،‬ســأرشح رمزيــة مصطلحاتــه الثالثــة‪ ،‬أي آذان جمــع أذن‪ ،‬وحـكّام جمــع حاكــم‪ ،‬وحيطــان‬ ‫مبحصلــة وافيــة عــن أهم ّيــة ال ّديــوان‪ ،‬وقيمتــه األدبيــة واالجتامعيــة‪.‬‬ ‫جمــع حائــط حتّــى نســتطيع الخــروج ّ‬ ‫‪ ‬‬

‫رمزية األذن‬ ‫‪ ‬ترمز األذن إىل اإلدراك‪ ،‬واملشاركة يف الحياة االجتامعية‪ .‬وترمز إىل مادية الجسد‪ .‬كام ترمز إىل الرحم‪ ،‬والبشارة‪.‬‬ ‫كل مــا يُحي ـ ُط ِب ـ ِه مــن أصـ ٍ‬ ‫ـوات‪ ،‬و َمه ّمتُهــا مســاعد ُة‬ ‫‪ ‬واألذن حاســة مــن الحــواس الخمــس‪ ،‬تع ـ ُّد مي ـزان الجســمِ ورادا ُر الجسـ ِـد الــذي يلتقــط َّ‬ ‫ـلبي‪ ،‬مبــا أنّهــا عضــو التل ّقــي‪ ،‬باعتبــار أ ّن النطــق (اللســان) هــو رمــز التواصــل‬ ‫اإلنســانِ عــى اشـراكه يف الحيــاة االجتامعيــة‪ .‬وهــي رمـ ُز التّواصــلِ ّ‬ ‫السـ ّ‬ ‫اإليجــايب‪ ،‬مبــا أنّــه عضــو اإلرســال([‪.)]1‬‬ ‫السـ ْمعيّة‪،‬‬ ‫وتــرى الثّقافــات القدميــة‪ ،‬وال ســيام أســاطري قبائــل الدوغــون األفريقيــة‪ ،‬أ ّن األذ َن تعنــي العضـ َو الجنــي األنثــوي مــن خــال القناة َّ‬ ‫وتعنــي العضـ َو الجنــي الذكــري مــن خــال صيــوان األذن‪ .‬وهــذا يعنــي أ ّن األذن ترمــز إىل حيوانيــة الجســد([‪.)]2‬‬ ‫وتُ ثّــل األذن‪ ،‬يف األســاطري الهندوسـيّة القدميــة‪ ،‬القــدرة اإللهيــة؛ فقــوة اإللــه غانيشــا ابــن اإللــه شــيفا تتمثّــل باألذنــن القويتــن اللتــن تنســفان‬ ‫الصحيحــة‪ ،‬والكــال الروحــي‪ ،‬أي الحكمــة‬ ‫ـاب الـ ِ‬ ‫ـكالم الــرديء‪ .‬ولهــذا‪ ،‬تســمح األذنــان يف الثّقافــات اآلســيوية باالنطــاق نحــو املعرفــة ّ‬ ‫الفاســقني‪ ،‬وأصحـ َ‬ ‫والخلــود‪ .‬ولهــذا‪ ،‬أخــذ ال َحلَـ ُـق يف األذن يرمــز‪ ،‬يف بداياتــه‪ ،‬إىل االنتــاء إىل مجموعـ ٍة برشيّـ ٍة معينـ ٍة‪.‬‬ ‫وتــرى الثّقافــة اليهوديــة أ ّن املخلـ َ‬ ‫ـح كلمــة([‪ .)]3‬وتــرى أ ّن األذنــن‪،‬‬ ‫ـوق ال ميكــن أن ينفصـ َـل عــن َّ‬ ‫الس ـ ْمعِ؛ أل َّن األذ َن تعــو ُد باإلنســانِ ليصبـ َ‬ ‫([‪)]4‬‬ ‫والقســم األســفل مــن الوجــه‪ ،‬ترم ـزان إىل األعضــاء التناســلية لــدى املــرأة‪ .‬فاألذنــان ترتبطــان بالفــم كــا يرتبــط املبيــض بالفــرج ‪.‬‬ ‫وتــرى الثّقافــة املســيحية أ َّن األذ َن رمــز إدر ِ‬ ‫اك اإلنســانِ الــكال َم اإللهــي‪ ،‬واالمتثــال والخضــوع لــه؛ أل ّن العــذراء مريــم قــد ســمعت التّبلي ـ َغ‬ ‫([‪)]5‬‬ ‫ـمح للجسـ ِـد‬ ‫ر‪ ،‬واإلصغــا ِء الجيــد‪ .‬فكــا أ ّن األذ َن تسـ ُ‬ ‫باملعنــى املطلــق لــإدراك والتســليم‪ ،‬فولــدت املســيح ‪ .‬ولهــذا‪ُ ،‬يكننــا القــول إ ّن األذ َن رمـ ُز الـ ِّ‬ ‫بســا ِع األصـ ِ‬ ‫ـكالم اإللهــي؛ وأل ّن زكريــا مل يســم ْع الــكال َم اإللهــي‪ ،‬ومل يص ّدقْـ ُه كان عقابُـ ُه من َعـ ُه مــن الــكالم‪.‬‬ ‫ـمح لــه بســا ِع الـ ِ‬ ‫ـوات البرشيــة؛ فإنّهــا تسـ ُ‬ ‫يقــول القديــس لوقــا‪{ :‬فقــال زكريــا للمــاك‪« :‬بـ َم أ ْعـر ُِف هــذا وأنــا شَ ــي ٌخ كبــر‪ ،‬وامــرأيت طاعنـ ٌة يف الســن؟»‪ ،‬فأجابــه املــاك‪« :‬أنــا جربائيـ ُـل القائـ ُم لــدى‬ ‫اللــه‪ ،‬أُ ِ‬ ‫صاب بال َخـ َرس‪ ،‬فــا تســتطي ُع الــكالم إىل يــو َم يحـ ُدثُ ذلــك‪ ،‬ألنّــك مل تؤ ِمـ ْن بأقــوايل‪.)]6[(}»...‬‬ ‫رسـ ُ‬ ‫ـر َك بهــذه األمــور‪َ ،‬‬ ‫وسـتُ ُ‬ ‫ـلت إليــك ألُكلّ َمـ َـك وأُبـ ّ َ‬ ‫ـكالم إىل القلــب([‪ ...)]7‬وهــي رمــز «التي ّقــظ‬ ‫واألذ ُن يف الثّقافــة العربيــة اإلســامية هــي الطّريـ ُـق إىل القلـ ِ‬ ‫ـاب الوحي ـ ُد إليصــا ِل الـ ِ‬ ‫ـب‪ ،‬فهــي البـ ُ‬


‫يعرف كيف يقو ُم‪ ،‬وكيف ميوتُ ‪،‬‬ ‫وال يُصل َْب‪.‬‬ ‫‪..............‬‬ ‫يف يد ِه حج ًرا س ُيعي ُد الل َه إىل املسجد([‪.)]11‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فخذوا من حرشجة الصوت‬ ‫بال ًدا ال يخذلها معنى أن تو َج ْد([‪.)]12‬‬ ‫‪ ‬‬

‫رمزية الحائط‬

‫يرمز الحائط إىل الحامي واملانع‪ .‬ويرمز إىل العقبة‪ ،‬والحاجز‪ .‬كام يرمز إىل الح ّد الفاصل بني عاملني‪ ،‬بني فضائني‪.‬‬

‫ُجســد مســاحة خاصــة محم ّيــة متنــع اآلخريــن مــن دخولهــا‪ ،‬أو معرفــة مــا يجــري فيهــا‪ .‬ولهــذا‪ ،‬يصبــح‬ ‫والحائــط هــو وســيلة ت ّ‬ ‫الحائــط رم ـ ًزا للمنــع‪ ،‬والحجــب‪ ،‬والنــزاع‪ ...‬والنــزاع عــى صعيــد املجتمعــات هــو تصــارع بــن فريقــن‪ :‬منــع وصــد مــن ناحيــة‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫اخــراق مــن الناحيــة الثانيــة‪ ،‬وعــى صعيــد الفــرد تعــارض بــن نــزوات املــرء ومحرمــات املجتمــع‪ :‬الحفــاظ عــى الســلطة‪ ،‬واملكتســبات‬ ‫ر‪...‬‬ ‫مــن ناحيــة‪ ،‬ومحاولــة الحصــول عليهــا أو عــى بعــض منهــا مــن الناحيــة املقابلــة‪ .‬لــذا‪ ،‬ميكننــا القــول إنّ‪ ‬الحائــط ُيثّــل رمزيــة الــ ّ‬ ‫كــا أن الحائــط يرمــز إىل بعــد حــا ٍّيئ‪ ،‬ويُشــر إىل القلعــة التــي تســمح مبقاومــة الحمــات املعاديــة‪ .‬ولك ـ ّن هــذه الحاميــة تفــرض‬ ‫االنحبــاس داخلهــا‪ ،‬أي االنحبــاس يف فضــاء مغلــق‪ ،‬منقطــع عــن العــامل اآلخــر‪ :‬العــامل الخارجــي‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬فهــو يرمــز باملطلــق إىل الحــدود الفاصلــة بــن عاملــن‪ ،‬بــن فضائني‪ .‬ويرمــز إىل الســد املحكــم بــن الســائل واملســؤول‪ .‬ويرمــز إىل‬ ‫الجموديــة‪ ،‬والســكونية‪ ...‬ولكــن قــد يتــآكل هــذا الحائــط بفعــل الزمــن‪ ،‬واســتمرارية الحيــاة‪ ،‬وتفاعالتهــا التغيرييــة‪ .‬إذن‪ ،‬ال بـ ّد مــن أن يفعــل الزمــن‬ ‫ـب الجمــود والســكون‪ ،‬والف ـراغ‪ .‬وإذا جمــد اإلنســان فــرغ مــن مقومــات الحيــاة‪.‬‬ ‫فعلَــه؛ أل َّن الحيــاة ال تحـ ّ‬ ‫ويأخــذ الحائــط يف هــذا الديــوان رمزيــة الحــدود الفارغــة‪ ،‬والــدارشة‪ ،‬رمزيــة اإلحبــاط‪ ،‬واملهانــة؛ ألنّــه ُيثّــل تحـ ّدي الزمــن‪ ،‬وانتفــاء الحاميــة‪،‬‬ ‫وانقطــاع الحيــاة‪ .‬كــا يأخــذ رمزية‪ ‬الهوة‪ ‬التي‪ ‬تف ّرق‪ ‬بني‪ ‬الشــعوب‪ ،‬وبني النــاس؛ ألنّــه وســيلة الفصــل بــن أفــراد املجتمــع‪ ،‬وبــن الحاكــم وعامــة‬ ‫الشــعب‪ .‬يقول الشّ ــاعر‪:‬‬ ‫أخت عليه!!!‬ ‫هل َّ‬ ‫ظل جدا ٌر يك نبيك يا ُ‬ ‫كم ُ‬ ‫أخجل من وطنِ ال جدرا َن له ّإل الكلامتْ‬ ‫‪.......................................‬‬ ‫وملاذا يا وطني يسكنك املوىت‬ ‫أكرث مام يسكنك األحياء([‪.)]13‬‬ ‫ويقول أيضً ا‪:‬‬ ‫ظل جدا ٌر يك نبيك يا قدس عليه‪.‬‬ ‫ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫يصل الل ُه‬ ‫مسجدك املحزونِ ّ‬ ‫يف‬ ‫عىل الشّ هداء‪،‬‬ ‫ويصل الجوع مع الفقراء([‪.)]14‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬‬


‫ـح باإلصغــا ِء‬ ‫السـ ْمعِ العــادي‪ ،‬ورمــز التبـ ّ‬ ‫واالنتظــار والتل ّقــي والفهــم»‪ ،‬باعتبــا ِر َّ‬ ‫ـر واإلدراك واالنســجام باعتبــار ســمع القلــب‪ .‬ولهــذا‪ ،‬فــإ َّن التَّصـ ّوف ينصـ ُ‬ ‫والصمـ ِ‬ ‫ـت‪« :‬خلــق اللــه لــك أذنــن اثنتــن ولســانًا واحـ ًدا لتســمع أكــر مــا تتكلّــم»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـش ك ُْل ِذي َس ـ َم ْع َس ـ ِّمي ْع»‪ .‬كــا ت ُشــر إىل‬ ‫ـدم االك ـراث‪ِ « :‬مـ ْ‬ ‫وترمــز األذن يف الثّقافــة الشــعبية العربيــة إىل الفهــمِ والحكم ـ ِة‪ ،‬أو الجهــلِ وعـ ِ‬ ‫ـش كت ـ ْر بتســم ْع كت ـ ْر»([‪.)]8‬‬ ‫ـاب‪ ،‬والتّعلّــم‪« :‬عيـ ْ‬ ‫القــدرة عــى معاركــة ال ّدهــر‪ ،‬واالكتسـ ِ‬ ‫ـب األصـ ِّم‪ ،‬وال ّدهـ ِر القــايس‪ ،‬واإلحسـ ِ‬ ‫ـاس الخامـ ِـد‪ ،‬والكرامـ ِة املهــدورة‪...‬؛ ألنّهــا ال تتقصــد‬ ‫أ ّمــا يف ديــوان عمــر شــبيل فــإ ّن األذ َن ترمـ ُز إىل القلـ ِ‬ ‫الســاع الجيــد‪ ،‬أياســتعامل هــذه الحاســة ليصــل بهــا اإلنســان إىل مرتبــة اإلنســانية‪ ،‬ومنهــا إىل الكــال‪ .‬بــل بالعكس‪ ،‬تتطــارش‪ ،‬وال تعطــي اهتاممــا أو انتباهــا ملــا يُقــال‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬تحجــب األذن مــا ال تريــد ســاعه‪ ،‬وتصبــح صـ ّـاء كالحائــط؛ يقــول الشّ ــاعر‪:‬‬ ‫الص ِ‬ ‫مت أذا ْن‬ ‫يف َّ‬ ‫لك ْن أين اآلذان؟!!!‬ ‫أنا أخجل من ٍ‬ ‫يس َم ُع ُه‬ ‫صوت ال ْ‬ ‫َّإل األموات‬ ‫‪ ‬‬ ‫الســاع الج ّيــد يُشــر إىل اختــاط األمــور‪ ،‬وطمــس‬ ‫واألذن التــي ال تســتمع تصبــح سـ ًدا يحجــب عــن صاحبهــا الرؤيــا الصحيحــة؛ أل ّن عــدم ّ‬ ‫والنجســية‪ .‬فيصبــح صاحبهــا إل ًهــا‪ ،‬والشّ ــاعر‬ ‫الحقيقــة الواقعــة‪ ،‬ومجانبــة الصــواب الــذي يســعى إليــه املواطــن‪ .‬وهــذا يشــر إىل االعتــداد بال ّنفــس‪ّ ،‬‬ ‫يريــده إنســانًا؛ إذ يقــول‪:‬‬ ‫يا مري ُم نحن نري ُد يسو َع ب َن اإلنسان‪،‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وقــد يصبــح تاجـ ًرا يبيــع عرضــه وكرامتــه للغــازي‪ ،‬أو ثعلبًــا يـراوغ‪ ،‬وميكــر ليتالعــب بالنــاس‪ ،‬ويقتـ َـل فيهــم طريــق الصــاح يك يبقــى الحــال‬ ‫عــى مــا هــو عليــه‪ ،‬ويتن ّعــم هــو مبلــذات الحيــاة‪ ،‬وحــاوة العيــش‪ ،‬والشّ ــخصانية‪:‬‬ ‫يا مري ُم من جاء ليطع َمنا ِعنبًا‬ ‫الثعلب‪،‬‬ ‫كان‬ ‫ْ‬ ‫النخل ليطع َمنا رسق الله([‪.)]9‬‬ ‫من ه ّز َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ويقول أيضً ا‪:‬‬ ‫رش الساس ُة والتجا ُر عىل ِ‬ ‫األرض([‪.)]10‬‬ ‫وانت َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ولك ّن كلمة الحق ستنفذ‪ ،‬وتد ّمر هذه الحيطان؛ أل َّن املخلّص جاء؛ يقول عمر شبيل‪:‬‬ ‫وإذا ما ِ‬ ‫روح القدس‪،‬‬ ‫جاءك ُ‬ ‫لينف َخ ِ‬ ‫فيك ُم َخل َِّصنا‪،‬‬ ‫النخل‬ ‫فخذي بيديك الجذعَ‪ ،‬وه ّزي ْ‬ ‫يَ َّساق ْط بني ِ‬ ‫فلسطيني‬ ‫يديك‬ ‫ٌّ‬


‫جمــود الحركــة‪ ...‬ولكـ ّن هــذا الصـ ّد‪ ،‬وهــذا املنــع هــو يف إطــار أفقــي فقــط‪ ،‬أي جمــود جيــل أكلــه الصــدأ‪ ،‬والعهــر التفــاويض‪ ...‬ولهــذا‪ ،‬عــاد الصــدى‬ ‫را احتالل ًيــا ال دخــل لــه باملــكان‪ .‬وأخــذ الفلســطيني‬ ‫مــع األجيــال الناشــئة‪ ...‬مــع أطفــال فلســطني‪ ...‬علّهــا تحقــق أحالمهــا؛ أل َّن هــذا الجــدار أصبــح عنـ ً‬ ‫يتحـ ّداه ويتحـ ّدى املــوت ليصبــح مدمــاكًا يف جــدار وطنــه فلســطني؛ يقــول الشــاعر‪:‬‬ ‫أ ّما أنتم يا أطفال فلسطني‬ ‫بصدور عارية تتح َد ْون املوت‬ ‫ُ‬ ‫املمسك يف ِيد ِه حج َرا‬ ‫هذا الطفل‬ ‫هم مؤمت ٌر َو ْح َد ُه‬ ‫السكّني‪،‬‬ ‫يشح ُذ بالجر ِح ّ‬ ‫كل املؤمترين‬ ‫خاطب َّ‬ ‫ويُ‬ ‫ُ‬ ‫بعزم ال ينف ْد‬ ‫ٍ‬ ‫فخذوا من حرشجة الصوت‬ ‫بال ًدا ال يخذلُها معنى أن تو َج ْد([‪. )]18‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬يبقــى اإلطــار العمــودي منفت ًحــا عــى األحــام‪ ،‬والتمن ّيــات‪ ،‬والنظــر املســتقبيل‪ ...‬ونحــن نعلــم أ ّن الثــورات تبــدأ بحلــم‪ ،‬ومتـ ٍّن‪ ...‬مــا‬ ‫يرفــد الحيــاة بطاقــة إيجابيــة رغــم الظــام الــذي يش ـكّله الحائــط ببعده‪ ‬الجامعي‪ ‬والتاريخــي‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وبكلمــة نقــول‪ ،‬إ ّن الشــاعر عمــر شــبيل عــرف كيــف يصــوغ عنــوان ديوانــه‪ ،‬ويُخرجــه‪ ،‬ويكثّفــه بشــكل لوحــة ف ّنيــة تـ ّ‬ ‫ـدل عىل‪ ‬براعــة يف‬ ‫الوصــول إىل املطلــوب‪...‬‬


‫ر‬ ‫مســاحة إعالنيــة إعالميــة تس ـطَّر فيهــا الشــعارات الوطنيــة أو صــور الشــهداء وأســاءهم‪ ،‬أو أوقــات املس ـرات واإلرضابــات‪ ،‬إنــه عن ـ ٌ‬ ‫متفاعـ ٌـل مــع األرض واإلنســان يف عمليــة املقاومــة اليوميــة للمحتــل‪.‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬انتقــل الحائــط الــذي كان يحمــي فلســطني إىل حــدود‪ ،‬وســدود تفصــل بــن املواطــن واملســؤول‪ ،‬بني املواطــن والزعيــم‪ ،‬بــن املواطــن‬ ‫واملوظّــف؛ أل ّن املسـ َ‬ ‫ـؤول‪ ،‬والزعيــم‪ ،‬واملوظّــف ينظــرون إىل مصالحهــم الخاصــة‪ ،‬فيذعنــون لألمــر الواقــع‪ ،‬ويستســلمون للغــازي املحتــل‪:‬‬ ‫يا ولدي‪،‬‬ ‫جدران األوطا ْن‬ ‫الساس ُة باإلذعان‪ ،‬وبالطغيان‬ ‫ه ّد َمها ّ‬ ‫يا ولدي‪ ،‬إ ّن الطّغيا َن اب ُن اإلذعان‬ ‫‪ ‬من كرث ِة ما متنا‬

‫([‪)]15‬‬

‫را نفس ـ ًّيا حام ًيــا‪ ،‬واق ًيــا‪ ،‬ولكــن اتضــاع‪ ،‬وانحطــاط‪ ،‬وانقيــاد‪ ،‬وحقــارة‪ ،‬وخضــوع‪ ،‬وخنــوع‪ ،‬ودنــاءة‪ ،‬ورضــوخ‬ ‫ويتجـ ّـى الحائ ـ ُط هنــا عن ـ ً‬ ‫الساســة‪ ،‬ح ّولــوه إىل عكــس امل ُرتجــى منــه إذ هدمــوه بفعــل مالحقتهــم للمقاومــن‪ ،‬والثّ ـ ّوار‪ ،‬فحـ ّـل الكفــن محـ ّـل الحــاط الحامــي‪ ،‬وامل ُخــر أصبــح‬ ‫ّ‬ ‫ـلٍ‬ ‫والســجان أصبــح جــدا َر فصـ بــن املقــاوم‪ ،‬واملحتــل؛ يقــول الشــاعر‪:‬‬ ‫الحاجــز‪ّ ،‬‬ ‫من كرث ِة ما متنا‬ ‫ما عاد لنا أكفا ْن‬ ‫ماذا يجدي وط ٌن!!!‬ ‫والسجانْ‪.‬‬ ‫يحك ُمه امل ُخ ُرب ّ‬ ‫‪.............................‬‬ ‫رص يف‬ ‫يا ولدي‪ :‬ال‪ ،‬لن تب َ‬ ‫هذا الوطن العر ِّيب الواسعِ‬ ‫والسجان‪،‬‬ ‫ّإل املخ َرب ّ‬ ‫‪........................‬‬ ‫السجنِ لنا([‪.)]16‬‬ ‫باب ّ‬ ‫يك َ‬ ‫يفتح َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ـح البعـ ُد ال ّرمــزي للحائــط أشـ ّد قســاوة وعن ًفــا مــن عمليــة منــع العبــور مــن جهــة إىل أخــرى‪ ...‬ألنّــه يغـ ّـر معادلـ َة نظرتِنــا إىل‬ ‫وهكــذا‪ ،‬يصبـ ُ‬ ‫اآلخــر‪ .‬ويجعــل نفسـ َّي َة اإلنســانِ تنظـ ُر إىل الحائـ ِ‬ ‫ـط عــى أنّــه انعــكاس لصــورة الخــوف‪ .‬فيصبــح الحائــط بحــد ذاتــه عامـ ًـا إيجاب ًيــا للمقــاوم‪ ،‬يشــحذ‬ ‫همتّــه إىل عمــل املزيــد‪ ،‬وعامـ ًـا ســلب ًيا للبــاين‪ ،‬يُظهــر خوفــه‪ ،‬وضعفــه؛ مــع أ ّن فعــل بنــاء الحائــط هــو مــن أجــل الحاميــة‪ ،‬والراحــة‪ ،‬والســكينة‪...‬‬ ‫نع ٌم‪ ،‬وأما َم جدا ٍر ال يبيك‪،‬‬ ‫قُ ِت َل «املبىك»‬

‫([‪)]17‬‬

‫يهرب‪.‬‬ ‫قتلو ُه‪ ،‬ومل ْ‬ ‫‪ ‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬يُشــر عمــر شــبيل هنــا إىل عقــم الحيــاة؛ أل ّن بعضنــا يصـ ّد بضعنــا اآلخــر ومينعنــا عــن ولــوج بابهــا‪ ،‬أي بــاب الحيــاة‪ ...‬لنمــوت مــن‬



‫األنوثة ال ُم َؤلَّ َهةُ عند رياض الدليمي‪:‬‬

‫آخر النّاس)‬ ‫قراءةٌ في ديوانه ( ُ‬ ‫د‪ .‬أسامء غريب‬

‫ُ‬ ‫العجيب! من ذا الّذي يعرفُها في ُكم؟ ال أحد‪ .‬إنّ َها ك ُّل ما‬ ‫الكائن‬ ‫األنثَى! يا إلهي‪ ،‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫آن واحدٍ‪ :‬إنّها الخيا ُل‬ ‫ال يم ِكنُ َك أن تتخيّلهُ من التّناقُضات ال ُممكن ِة وال ُمستحيلة في ٍ‬ ‫ّ‬ ‫والط ُ‬ ‫س ُّر والبوح‪،‬‬ ‫ور‬ ‫الحضور‬ ‫والواقع‪،‬‬ ‫ين‪ ،‬ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫والغياب‪ ،‬ال ّ‬ ‫صمتُ والضّجيج‪ ،‬النّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫سكينةُ ّ‬ ‫سال ُم والحرب‪ ،‬الخديعة والوفا ُء‪،‬‬ ‫هار‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والزلزالُ‪ ،‬ال ّ‬ ‫والحقدُ‪ ،‬ال ّ‬ ‫الحب ِ‬ ‫اللّيل والنّ ُ‬ ‫لكن َم ْن من ُك ْم أنصفَها‪ْ ،‬‬ ‫ِب وال ّدهَا ُء‪ ،‬إنّها ك ُّل هذا وأكثر‪ْ ،‬‬ ‫من من ُك ْم‬ ‫ص ْد ُق وال َكذ ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫بل ْ‬ ‫غاص في أسرارها‪ْ ،‬‬ ‫من من ُكم َّ‬ ‫صيَةُ ال ُم ْم ِكنَةُ؛ فيها‬ ‫فك رموزَ هَا؟ ال أحد‪ .‬إنّها ال ُم ْست َ ْع ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وهي ألج ِل هذا‬ ‫الطفلةُ والمرأة ُ النّاضجةُ‪ ،‬وفيها ال ُمرا ِهقَةُ النَّ ِزقَةُ وال ُم ِسنَّةُ الحكيمةُ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حي ْ‬ ‫كبار المف ّكرين والفالسفة حتّى أنّهم سكبوا فيها بحارا ً من الحبر وما وصلوا‬ ‫ّرت َ‬ ‫شر ال ب َّد منه‪ ،‬أو إنّها حليفة إبليس لذا‬ ‫إلى شيءٍ ‪ ،‬بل كانَ من ُهم من قال فيها إنها ٌّ‬ ‫وجبَ ْ‬ ‫ق علي َها‪ ،‬وكبْتُ ك ّل ما فيها من فَ ْورة وثورة‪ ،‬حتّى ال‬ ‫ت محاربتُها وتشدي ُد الخنا ِ‬ ‫المتنورينَ ْ‬ ‫من أهل‬ ‫أمور البال ِد وال ِعباد‪ ،‬وما شذَّ عن هذا الموقف سوى‬ ‫ت وت ُ ْف ِس َد‬ ‫ت ْنفَ ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫هللا وقدروه َّ‬ ‫حق ق ْدره‪ ،‬فقالوا عن المرأة‪ :‬إننا ال‬ ‫الحرف الوضيء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أولئك الّذين عرفُوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ندري حقّا ً من‬ ‫ونواقص وفضائل‪،‬‬ ‫تكون حتّى تأ ِسرنَا هكذا بك ِّل ما تجمعُه من خصائل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فلربّما‬ ‫ذلك حقّاً‪ ،‬إذ ال أح َد مأل َ علينا حياتنَا ووجو َدنا‬ ‫تكون تج ٍّل من ربّنا ونحن ال نعل ُم َ‬ ‫المتنورين ال أستثني ال ّ‬ ‫شعرا َء‬ ‫ومن هؤالء‬ ‫وأنار قلوبَنا‬ ‫ّ‬ ‫ق كما تفع ُل هي! ِ‬ ‫ّ‬ ‫بالحب والعش ِ‬ ‫ْ‬ ‫اسمها‬ ‫الحظ ِر ع ْنها‪،‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬ف َمن غير ُهم كانوا أش َج َع النّاس وأق َدر ُهم على رفع‬ ‫وحذف ِ‬ ‫ِ‬ ‫راف التي ت ُ ُ‬ ‫يوم إلى المذابح‪ ،‬ومن الئح ِة األمالك المنقولة وغير‬ ‫الخ ِ‬ ‫من قائمة ِ‬ ‫ساق ك َّل ٍ‬ ‫الحب‬ ‫تمارس‬ ‫المنقولة‪ ،‬وال ّد ُخو ِل بها وردة ً صوفيّةً على براق المحبّة إلى المدن التي‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ينتقض وضوؤُها!‬ ‫والحرب عالنيةً‪ ،‬وتخشى مصافحةَ المرأة حتى ال‬ ‫سراً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولع َّل رياض الدليمي يُعَ ُّد واحدا ً من هؤالء ال ّ‬ ‫البهاء الّذي‬ ‫المتو ِجين بإكليل‬ ‫شعراء‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ويكشف عن َها‬ ‫صرينَ‬ ‫استطاع أن يض َع هو اآلخر بصمتَه في لوح شعراء األنثى المتبَ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫بعين صوفيّ ٍة ترى‬ ‫الحجاب بعفّ ِة وخشوع العارفين ليُطلعنَا على الجانب المؤلَّ ِه فيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫صالحة‪ ،‬واالبنةَ‬ ‫في المرأةِ السيّدة َ العاشقةَ ال ُم ْل َه َمة وال ُم ْل ِه َمة‪ ،‬واأل َّم الرؤوم ّ‬ ‫والزوجةَ ال ّ‬ ‫واألخت الفاضلة والقديسةَ المب ّجلة التي لوال حضورها بك ّل‬ ‫زهرة الدّنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫َ‬


‫ُ‬ ‫لنهار موعو ٍد‬ ‫نسابق خوفنا‬ ‫ٍ‬ ‫ت ليلة قدري‬ ‫ليلى أن ِ‬ ‫وقصيدتي الموجعة‬ ‫وه ٌم مستديم»‬

‫صغير لهُ‬ ‫ق‬ ‫أجل‪ ،‬هو معَها‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫حقائب ممتلئة باألحالم‪ ،‬ال يمكنُهُ أن يُ َح ِقّقَ َها على ور ِ‬ ‫النص‪ ،‬وهي الكتابةُ‪ ،‬وهي‬ ‫القصي ِد سوى بها أو معها‪ ،‬ألنّها هي القصيدة ُ وهي‬ ‫ُّ‬ ‫صدر ويقو ُد اإلنسانَ إلى مدارات القيامة‬ ‫التّاري ُخ‪ ،‬بل هي الوج ُع الّذي يولَ ُد بال ّ‬ ‫نص)‪:‬‬ ‫واالنبعاث كما يقو ُل رياض نفسه في (قيامة ّ‬ ‫«نص‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫وج ٌع يولد بالصدر‬ ‫يكتمل بالفكر‬ ‫يتخذ من الليل مهدا‬ ‫على فمك قيامة‬ ‫وتنهيدة جفن‬ ‫أهديك إياه‬ ‫حروفا مخملية‬ ‫وسهادا‬ ‫خاليا من األضغاث‬ ‫وسنابل تبر‬ ‫تنظم قالدة سومرية‬ ‫سحرا‬ ‫وعبقا يجن‬ ‫ملحمة بربرية‬


‫أعاصير‬ ‫جردتْها‬ ‫تجلّياتها في أشعاره لظلّ ِ‬ ‫ت القصائ ُد في ديوانه بدونِها كنخل ٍة ش ّما َء ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بئر فيها‪ .‬وك ّل‬ ‫الزمن وتقلّباته من ال ُج ّمار والثّمار‪ ،‬أو كصحراء جردا َء ال واحةَ وال َ‬ ‫وغادر ُ‬ ‫َ‬ ‫شطآنَها‬ ‫حدث‬ ‫كنف المرأة‪ ،‬وإذا‬ ‫شاعر كما رياض يظ ُّل وسيما ً أنيقا ً مادام في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ش ْعر بأسنانه‪ّ ،‬‬ ‫فظةً‬ ‫يكتب ال ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وأصبحت قصائدهُ كمن‬ ‫وفيافي َها شاخ فجأة ً وإلى األبد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قاسيّةً ف ّجةً ال حياة فيها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ليست ضربا ً ِمنَ الوهم أو الخيال‪،‬‬ ‫والكتابةُ عن األنثى في ديوان رياض (آخر النّاس)‬ ‫ع منَ الوعي بالذّات‪ ،‬وبالحضرةِ اإللهيّة‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫فإن المرأة َ ب ِه ومعهُ‬ ‫وإنّ َما هي نو ٌ‬ ‫تتجاوز ِم َحنَ التاريخ الذّكوري‪ ،‬وتخر ُج ْ‬ ‫ُ‬ ‫بعض‬ ‫تلك األقبيّة التي أسكنَها فيها‬ ‫من ك ِّل َ‬ ‫ُ‬ ‫رجال الدّين منذُ األزل وفي ك ّل الثقافاتِ‪ْ ،‬‬ ‫الر ُج ِل المتعالي‬ ‫لتظ َه َر ككينون ٍة ت ُ ْل ِغي زمنَ ّ‬ ‫في تو ُّحده ووحدت ِه الوجوديّة وت ُ ْد ِخلُه في زم ِنها‪ ،‬ألنّ َها وح َدها العارفةَ التي صي ْ‬ ‫ّرت‬ ‫ْ‬ ‫رياضا ً سالكا ً ينه ُل من علومها وغي َّر ْ‬ ‫وقبضت معهُ‬ ‫نظام المجموعة الشمسية‬ ‫ت ب ِه‬ ‫َ‬ ‫على طريق اللبّانة إلى ْ‬ ‫سهُ نجمةً ال تأف ُل ّإل في حضرتِها‪ ،‬وال تشتع ُل‬ ‫أن أصب َح ُه َو نف ُ‬ ‫أنقاض‬ ‫في َها شهوة ُ الكتاب ِة ّإل بوجودِها طوفانا ً جارفاً‪ ،‬وزلزاالً ُم َج ّدِدا ً وبانيا ً على‬ ‫ِ‬ ‫سؤا ِل ال ِ ّ‬ ‫ش ْعر األكبر قائلةً بكل ما فيها من وهجٍ‪:‬‬ ‫الو ْهم أبرا َج الحقيق ِة‪ ،‬و ُمفَ ِ ّجرا ً ل ُ‬ ‫القصيدة ُ أنثى‪ ،‬واألنثى مدرسة‪ ،‬وال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫سالك ل ْم يهت ِد بع ُد إلى حروف الهجاء!‬ ‫اعر فيها‬ ‫ش ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكون المرأة مدرسة‪ ،‬أمر واق ٌع يعي ِه جيّدا ً رياض‪ ،‬لذا تجده يقول في قصيدته (ليلى)‪:‬‬ ‫المنشطر‬ ‫« ليلى أنا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫حلما ً بين السموا ِ‬ ‫وهزائم القرنف ِل‬ ‫ومواسم زيتون جفاء‬ ‫أصلي بعد ك ِّل هزةِ جذعٍ‬ ‫ثمر‬ ‫جني ٍ‬ ‫السوسن‬ ‫خاشع في مهد‬ ‫ِ‬ ‫أَشتع ُل بصفرة اليقطين‬ ‫شتائك‬ ‫لسال ِل‬ ‫ِ‬ ‫ب الصغار الملون ِة‬ ‫وحقائ ِ‬ ‫بأحالمي المجنون ِة‬


‫ألوذُ‬ ‫ألسوار الما ْء‬ ‫ِ‬ ‫إذن‬ ‫بال ٍ‬ ‫مآذن ‪...‬‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫الزور ٌد أفو ُح في كأس ِه المشكاة‬ ‫ٌ‬ ‫فيروز‬ ‫حجر‬ ‫ٌ‬ ‫يُعاذُ ب ِه ك َّل مساءٍ‬ ‫يرقص بدندن ِة خلخال‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫درب َحرير ٌ‬ ‫هي أَحالمي ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫وطن ُه َو‬ ‫ال تُغطيهُ سماء‬ ‫وال زالز ٌل و ُ‬ ‫شح ماء‬ ‫ٌ‬ ‫ال‬ ‫يمر منهُ المسافرونَ‬ ‫مكان ُّ‬ ‫س ٌ‬ ‫لطان يَشي سلطانا‬ ‫وال ُ‬ ‫يشان الحكاي ِة))‪.‬‬ ‫أو يقت ُل مولودا ً ِب ِن ِ‬ ‫‪.......................................‬‬


‫تدون على وسادة فجر‬ ‫عرسا لنص‬ ‫ومتعة لحرف»‬ ‫الموصلة إلى ملكوت البهاء‪ ،‬ورياض ِبها‬ ‫األنثى المؤلّهة هي نبع المحبّة المعراجيّة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي عن ك ّل منظور‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومخروس عن ك ّل منطوق‪ ،‬و ُم ْغلَ ٌق قلبُه ع ّم ْن سواها‪ ،‬ومرم ٌّ‬ ‫معم ٌّ‬ ‫طيف سواها‪ ،‬هي التي يقو ُل فيها‪:‬‬ ‫ب الخيال‪ ،‬مادام ال خيا َل وال‬ ‫قفلُه في غياهب ُج ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫((احسبيها شطحةَ قل ٍ‬ ‫أو مراهقةُ‬ ‫خريف‬ ‫ْ‬ ‫ت حيرى‬ ‫ِل َم أن ِ‬

‫الروح؟‬ ‫وقَ ْد نَذرتُ األعيا َد قربانا ً ِللَيالي‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫أطفئي غ َ‬ ‫َضب البوحِ برف ٍ‬ ‫الهمس‬ ‫وت َ َه َجدي بصالةِ‬ ‫ِ‬ ‫القلب‬ ‫س ّ ِوري‬ ‫َ‬ ‫أَطلقي الي َد وال ت ُ َ‬ ‫ت تحلقينَ في‬ ‫وال تندمي وأن ِ‬ ‫َ‬ ‫سماوات الروحِ‬ ‫وأَنجمي ‪))...‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كون ال أنثى فيه‪ ،‬وهو لهذا يبدو في ديوانه‬ ‫األكوان عند رياض‪ ،‬وال يبقى‬ ‫تتصاغر‬ ‫ُ‬ ‫ت المعرفة األولى باعتبارها داللة‬ ‫س َك بالمرأة كغاي ٍة من غايا ِ‬ ‫اس م ّم ْن تم َّ‬ ‫آخر النّ ِ‬ ‫صانع الّذي يتالشى أمامه ك ُّل شيء مصداقا ً لقوله ج ّل جالله‪ُ (( :‬ك ُّل‬ ‫على صنع ِة ال ّ‬ ‫اإل ْك َر ِام)) (الرحمن ‪ ،)27-26 /‬لذا ّ‬ ‫فإن‬ ‫َم ْن َ‬ ‫علَ ْي َها فَ ٍ‬ ‫ان‪َ ،‬ويَ ْبقَى َو ْجهُ َر ِبّ َك ذُو ْال َجال ِل َو ِ‬ ‫ّبط كما قال رياض في‬ ‫نظر إلى األنثى المؤلَّ َهة ال تتحقّ ُق لديه المعيّة‪ ،‬بالض ِ‬ ‫ك ّل من َ‬ ‫ص ِه (ألوذ إلى أسوار الماء) متحدّثا ً عنها بصيغة التذكير‪ ،‬ألنها هي وحدها من تجمع‬ ‫ن ّ‬ ‫الصفتيْن مادامت هي التجلّي األسمى للحضور اإللهي في أبهى وأرقى صورة‪:‬‬ ‫َالص‬ ‫(( ُهو الخ‬ ‫ُ‬ ‫ملجأ ٌ وحل ٌم ألوذُ إليه‬ ‫ك َّل مساءٍ‬ ‫ِنتهاء صالة‬ ‫بع َد ا ِ‬



‫الحرة‬ ‫الكلمة‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫صدق زهير بن أبي سلمى حين قال‪:‬‬ ‫ونصف فؤاده‬ ‫نصف‬ ‫لسان الفتى‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫فلم يبق إال صورة اللحم والدم‬

‫المــرء نصفــه أداء لســاني ونصفــه االخــر ثــراء داخلــي ‪،‬فمــن قُيّــض لــه أن يجمــع بينهمــا كان مبدعـا ُ ‪،‬وســاهم إبداعــه فــي‬ ‫إثــراء الثقافــة ‪،‬والثقافــة تغتنــي باألفــراد ‪ ،‬وال تقــوم وتزدهــر ّال اذا اندرجــت فــي مشــروع جماعــي يعبّــئ طاقــات الجماعــة‬ ‫ـرة ‪.‬‬ ‫فــي ســبيل هــدف مشــترك ‪،‬وكيــف إذا كان الهــدف هــو الكلمــة ال ّ‬ ‫صحيحــة ‪ ،‬الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ـرة‪،‬‬ ‫فالكلمــة هــي البريــد إلــى القلــب والعقــل ‪ ،‬وســبيل الوصــول إلــى اإلقنــاع والتّفاهــم ‪.‬ولكــن إلــى مــاذا تنتمــي الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ومــا هــو جذرهــا‪ ،‬و َمـ ْ‬ ‫ســك بالكلمــة‬ ‫ـن يتَّخــذ منهــا منهج ـا ً وطريق ـا ً فــي الحيــاة‪ ،‬ومــا هــي النّتائــج التــي تتم ّخــض عــن التم ّ‬ ‫الحــرة ســلوكا ً وفكــراً؟‪ ،‬فــي المقابــل مــن الــذي ال يرغــب بهــا‪ ،‬ويعلــن العــداء لهــا قــوالً وفعـاً‪ ،‬وال يــرى فيهــا شــرطا ً أساسـا ً‬ ‫الســتمرار الحيــاة بصــورة أفضــل‪ ،‬فيناقضهــا‪ ،‬الــى حـدّ العــداء والصــراع المصيــري أيضــا؟‪.‬‬ ‫عنــد اإلجابــة عــن الســؤالين ‪ ،‬البـدّ أن نخــوض فــي عمــق التّناقــض الحاصــل بيــن (الكلمــة الحــرة ونقيضهــا)‪ ،‬حتّــى يمكــن‬ ‫نتوصــل الــى فهــم للجانبيــن المتقابليــن بضديّــة إزاء بعضهمــا اآلخــر‪ ،‬علــى أن يت ـ ّم تف ّحصنــا لألمــر بصــورة مســتقاة‬ ‫أن ّ‬ ‫ـرة تحــت مجهــر التأويــل والتف ّحــص‬ ‫مــن التّجــارب الماضيــة أوال‪ ً،‬وممــا يحــدث فــي الواقــع اآلن‪ ،‬فعندمــا نضــع الكلمــة الحـ ّ‬ ‫أو االســتبطان أو ال ّ‬ ‫الحريــة‪ ،‬وهــذا يؤ ّكــد لنــا ّ‬ ‫شــرح‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـرة‬ ‫ـإن البــادرة االولــى ســوف تذهــب بنــا نحــو مفهــوم‬ ‫أن الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنتمــي دونمــا أدنــى شــك‪ ،‬لمبــدأ عظيــم ومجيــد‪ ،‬قدّمــت البشــرية مــن أجــل ترســيخه مئــات اآلالف بــل المالييــن مــن الضّحايــا‬ ‫ي بيــن أصحــاب الحريــة ودُعاتهــا‪ ،‬وبيــن أصحــاب‬ ‫ي ودمــو ّ‬ ‫واألرواح والممتلــكات النفيســة‪ ،‬وجــرى ذلــك فــي صــراع فكــر ّ‬ ‫الســلطة وســاطينها وتوابعهــا وغوغائيهــا عبــر التّاريــخ‪.‬‬ ‫ـريرة‬ ‫ـرة وعلـ ّـو شــأنها‪ ،‬ودورهــا فــي ترويــض النفــوس والعقــول الشـ ّ‬ ‫ـرف يؤكــد عظمــة الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ولعـ ّل هــذا اإلنتمــاء المشـ ّ‬ ‫ســلطة تبــدأ مــن مؤسســة العائلــة‬ ‫التــي تنتمــي للســلطة بــكل أنواعهــا وأشــكالها‪ ،‬السياســة أو اإلقتصاديــة أو اإلجتماعيــة‪ ،‬فال ّ‬ ‫الصغيــرة‪ ،‬بســلطة األب‪ ،‬وصــوالً وامتــدادا ً الــى ســلطة القائــد األعلــى‪ ،‬ومــا بيــن هاتيــن الســلطتين مئــات األنــواع واألشــكال‬ ‫مــن الســلطات‪ ،‬كلّهــا تنطــوي علــى قطبيــن‪ ،‬األول قطــب العدالــة والمســاواة والخيــر علــى وجــه العمــوم‪ ،‬والثانــي قطــب‬


‫ولكــن يبقــى الســؤال‪ :‬مــن أيــن نبــدأ؟ ســأل أحدهــم االم تيريــزا يومـا ً مــا الــذي نحتــاج اليــه لنغيّــر الكنيســة‪:‬؟ فكانــت إجابتها‪:‬‬ ‫أنت وأنا!‬ ‫صائــب‬ ‫لذلــك أقــول لكــم يــا رســل الكلمــة الصحيحــة ‪،‬نحــن وأنتــم معـا ً لإلبداع‪،‬معـا ً نحــو صولجــان الموضوعيّــة والــرأي ال ّ‬ ‫معـا ً لبنــاء وطــن عــادل‪.‬‬


‫ســبل‪ ،‬هــذه‬ ‫الظلــم والشــر‪ ،‬وك ّل مــا ينضــوي تحــت خيمتــه‪ ،‬ممــا يســيء الــى اإلنســانية بشــتّى األدوات واألســاليب وال ّ‬ ‫ســلطات كلهــا اذا انحرفــت وشـ ّ‬ ‫صــواب‪ ،‬تقــف بالضــد منهــا الكلمــة الحــرة‪ ،‬مــن أجــل التصويــب‪ ،‬ومــن‬ ‫ال ّ‬ ‫ـطت عــن الجــادّة ال ّ‬ ‫ـر‬ ‫أجــل إحقــاق الحــق‪ ،‬حتّــى لــو كانــت التكلفــة غاليــة ونفيســة‪ ،‬وهنــا تبــدأ – كمــا حــدث عبــر التاريــخ‪ -‬عمليــة صــراع ال يقـ ّ‬ ‫ســلطة‬ ‫لهــا قــرار بيــن نقيضيــن ال يمكــن أن يلتقيــا مــع بعضهمــا‪ ،‬الختــاف األهــداف والقيــم واألســاليب‪ ،‬فــإذا كانــت ال ّ‬ ‫المتجبــرة تتوشــح بــرداء الــدم والقتــل والقــوة الغاشــمة‪ ،‬فــإن الكلمــة الحــرة تتوشــح بــرداء الحــق والشــجاعة‪.‬‬ ‫وهكــذا أنتــم ‪،‬يــا رســل الكلمــة الحــرة (الجيــل الصاعــد واالمــل الواعــد) أمــام قطبيــن متضاديــن‪ ،‬أحدهمــا ينتمــي للحريــة‬ ‫بــكل مــا تعنيــه هــذه الكلمــة‪ ،‬واآلخــر ينتمــي الــى الســلطة بــكل مــا يعنيــه هــذا (الشــر) الــذي البــد منــه‪ ،‬ولعــل أصعــب مــا‬ ‫يواجــه البشــرية مــن اختبــارات‪ ،‬تكمــن فــي عــدم قدرتهــا علــى التخلــص مــن الســلطة‪ ،‬بــل لعــل االنســانية تبقــى مــا بقــي‬ ‫االنســان حيّــا يتوالــد علــى االرض‪ ،‬تحتــاج الــى الســلطة كــي ّ‬ ‫تنظــم حياتهــا‪ ،‬ولكــن المــأزق يتمثــل دائمــا بخــروج الســلطة‬ ‫عــن حدودهــا‪ ،‬فغالبــا مــا يكمــن فــي رحــم الســلطة وحــش‪ ،‬يُصعَــب ترويضــه‪ ،‬وفــي الوقــت نفســه ال منــاص لالنســان‬ ‫مــن التعامــل مــع هــذا الوحــش لضــرورات الحيــاة وديمومتهــا‪ ،‬هنــا يكمــن ســاحكم فــي هــذا المجــال ‪،‬هــو الكلمــة الحــرة‬ ‫الشــجاعة الجريئــة مــع االحتفــاظ دائمــا بســمة وصفــة التــوازن‪ ،‬حتــى تبقــى الكلمــة الحــرة فــي مأمــن مــن االنــزالق نحــو‬ ‫االنحــراف والزيــف‪.‬‬ ‫إذا ً يــا اصحــاب الكلمــة الحــرة ودعــاة الحريــة‪ ،‬يــا مــن ترفعــون علــم التقــدم والتطــور واالبــداع‪ ،‬وهــذا حــق مــن حقوقكــم‬ ‫لكــي تصلــوا الــى صنــع حيــاة كريمــة تــوازي قيمــة االنســان وحرمتــه‪ ،‬و غالبــا مــا تكــون هــذه الكلمــة فــي درجــات عاليــة‬ ‫مــن الســمو والقبــول واالحتــرام‪ ،‬فتهفــو لهــا قلــوب النــاس وعقولهــم‪ ،‬وتصطــف معهــا نصــرة ً للحــق والعلــم والحقيقــة‬ ‫والجمــال‪ ،‬عليكــم مواجهــة الطــرف اآلخــر الســلطة المنحرفــة‪ ،‬وادواتهــا‪ ،‬مــن األنانييــن الذيــن ال يعرفــون قيمــة الكلمــة‬ ‫الصحيحــة‪ ،‬فتراهــم يســتميتون للوصــول الــى اهدافــه عبــر التهريــج والتلفيــق وأســاليب أخــرى كثيــرة ترتكــز علــى التســقيط‬ ‫صــراع وهــذا الصــراع موجــود‬ ‫والقمــع وســلب‬ ‫الحريــات كلّهــا‪ ،‬حتــى حريــة الــكالم والــرأي تتــم مصادرتهــا‪ ،‬فينشــأ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويســتمر بيــن طرفيــن لــم يغــب وجودهمــا عبــر التاريــخ والمســار البشــري المتواصــل‪.‬‬ ‫رواد الكلمــة الحــرة دائمــا‪ ،‬ومــن يؤازرهــا ويصطــف بقــوة الــى جانبهــا‪ ،‬مــن أماكنكــم علــى‬ ‫لــذا ال بــد مــن أن تكونــوا مــن ّ‬ ‫مقاعــد الدراســة‪ ،‬لكــي تســتطيعوا فــي المقابــل الوقــوف ومواجهــة الغوغائييــن‪ ،‬فالغلبــة للكلمــة الحــرة ومناصريهــا‪ ،‬ويكــون‬ ‫الخســران والخــذالن للســلطة الجائــرة المنحرفــة‪ ،‬هــذا مــا اخبرتنــا بــه تجــارب التاريــخ البشــري الطويــل‪ ،‬وأفصحــت عنــه‬ ‫االحــداث المنظــورة والقريبــة واآلنيــة‪ ،‬فــا غلبــة للظلــم علــى الحريــة‪ ،‬وليــت يفهــم هــذا ســاطين العصــر الراهــن‪ ،‬أولئــك‬ ‫الســاطين المتجبريــن الذيــن ال يــرون مــن الواقــع إال أنوفهــم ومصالحهــم وســلطانهم‪ ،‬ومــا عــدا ذلــك‪ ،‬فهــم منغمســون فــي‬ ‫صــراع مريــر مــع الحريــة ودعاتهــا‪ ،‬والكلمــة الحــرة‪ ،‬التــي لــم يســتطيع الغوغــاء كبــت صوتهــا علــى مــر التاريخ‪ .‬ألنــه‬ ‫تتقــد فــي قلوبكــم الشــابة‪ ،‬رغبــة فــي بنــاء عالــم افضــل‪.‬‬


.


‫الشاعر األرمني كريكور‬ ‫ترجمة مهران ميناسيان‬ ‫******‬ ‫هذا هو وطني وهو بحجم‬ ‫يمكنني اصطحابه‬ ‫عند ذهابي إلي أمكنة بعيدة‬ ‫إذ إنه صغير كاألم العجوز‬ ‫كالمولود الجديد‬ ‫وأما علي الخارطة‬ ‫فهو دمعة واحدة فحسب‪...‬‬ ‫هذا هو وطني‪ ،‬بحجم يمكنني‬ ‫من أن أحفظه في قلبي‬ ‫كي ال أفقده فجاة‪..‬‬


‫د‪ .‬نجاح ابراهيم‬


‫شعرية الصورة في ديوان الشاعرة د‪ .‬نجاح ابراهيم (أغنية للبلشون الحزين)‬ ‫بقلم د‪ .‬غيثاء قادرة‬ ‫في ديوانها يفوح عبق التاريخ ‪,‬ويتالمح السفر إلى عالم الوجود المأمول ‪,‬وفي‬ ‫صورها تتألق جسور التحدي فوق مسارب النار ‪,‬ويتراءى في باطن العدم آفاق‬ ‫وجود‪.‬‬ ‫يبدو الشعر في ديوانها(أغنية للبلشون الحزين) خلقا ً لغويا ً جماليا ً أخاذاً‪ ,‬تذخر‬ ‫جملها الشعرية بالرؤى واإلشارات المعرفيّة ‪,‬تُهدي الشاعرة (نجاح ابراهيم) في‬ ‫نصوصها حروفا يضوع منها األه ‪..‬وينتثر في ردهات القلب ليرتد صداها حياة‬ ‫وحباً‪ ,‬وحنينا ً ألرض سكنها الغربان السود ‪,‬وأُس ِكنت رغما ً عنا رياض الموت‪.‬‬ ‫جاء ديوانها حافالً باأللم والدموع‪ ,‬فانطلقنا نعبر جسور النار ‪ ,‬نجتاز وغى‬ ‫الحرب ‪ ,‬لتسدل الستارة على رغبة أكيدة بالحياة‪.‬تعددت الحقول الداللية فيت هذه‬ ‫المجموعة ‪,‬لكن الحقل الداللي المهيمن عليها هو حقل الفناء والعدم‪ ,‬بمرادفاته الكثيرة‬ ‫ألف جرحٍ‪,‬الموت‪,‬والقبور‪,‬الرايات السود‪,‬المدن‬ ‫كـ(السبي‪,‬والحريق‪ُ ,‬‬ ‫عقد الوجع‪ُ ,‬‬ ‫المطعونة‪ ,‬الضياع‪ ,‬الغياب‪ ,‬ظعن الخراب‪ ,‬ستائر العتمة‪ ,‬كآبة الجدران‪)....‬وغيرها‬ ‫من المفردات الكثير ‪,‬فحقل الفناء والعدم يتوزع في المجموعة الشعرية على غير‬ ‫مستوى ‪,‬نذكر منها‪:‬مستوى التالشي واألفول‪,‬مستوى الضياع والحيرة‪,‬مستوى‬ ‫الفراغ‪,‬وهي مستويات متكاملة ومترابطة ‪,‬فالضياع يؤدي إلى التالشي‪,‬واألفول‬ ‫‪,‬وبدوره األفول يؤدي إلى الشعور بالفناء والعدم‪,‬وحقل العدم ليس معزوالً عن‬ ‫السياق ‪,‬بل ظهر على مساحة النصوص ‪,‬من خالل الصور الفنية القائمة ‪-‬في‬ ‫مجملها‪-‬على اإليحاء‪ ,‬والمفارقة‪ ،‬واالنزياح‪ ،‬والخيال الفسيح‪ ,‬وتوظيف الرموز‬ ‫ما يبيح للقارئ فضا ًء من التأويل يستقرئ فيه غموض اإلشارات‪,‬أبعادها‪,‬وشعرية‬ ‫الصورة ‪,‬مع األخذ بعين االعتبار أن الحقول الداللية األخرى كحقل‬ ‫(الضياء‪,‬والحياة‪,‬واللقاء‪,‬والفوز)والتي يجمعها حقل الوجود أقل بروزا ً من حقل‬ ‫العدم‪,‬بالرغم من أنها بيّنة الحضور في الديوان‪,‬غير أن حضورها جاء تعبيراًعن‬ ‫قيمة الثنائيات الضدية ‪,‬وأثرها الواضح في بناء شعرية الصورة‪.‬‬ ‫تتصدى الشاعرة في المجموعة الشعرية‪-‬بشكل عام‪ -‬لإلشكالي المعيش في واقع‬


‫ويحضرنا في الديوان بعض الرؤى الميثولوجية التي و َّ‬ ‫شت بها الشاعرة نتاجها‬ ‫الشعري؛ حين َّ‬ ‫وظفت في نصوصها األسطورة ‪,‬كما في أباريق ندى‪ »/ :‬سيزيف»‬ ‫ي أحم ُل البال َد أ ِل ُد أثقالي‪ ,‬عن َد أقرب نقط ٍة إلى هللا‪./‬‬ ‫كنتُ ‪,‬فوق كتف ّ‬

‫تحقق عبارة ‪/‬سيزيف» كنتُ ‪ /‬بثرائها الداللي المفتوح شعرية المعنى ‪ ,‬فهي تتسع‬ ‫لتستوعب الحركة الذهنية بكل تناقضاتها ‪ ,‬وبكل توافقاتها‪ ,‬فسيزيف رمز المعاناة‬ ‫‪./‬ينصب تركيز الذات الشاعرة‬ ‫آن معا ً ‪,‬توقا ً إلى ‪/‬أباريق الندى‬ ‫ُّ‬ ‫واأللم ‪,‬وتحديهما في ٍ‬ ‫في هذه اللوحة على حقيقة جوهرية ‪ ,‬وهي انتصار إرادة الحياة على الموت ‪ .‬لذلك‬ ‫ترتبط الصورة التي ترسمها الذات الضعيفة القوية في آن بالحالة النفسية للشاعرة‪.‬‬ ‫لقد سعت ذات الشاعر إلى خلق إمكانات إبداعية تحدّت من خاللها عملية القهر‬ ‫الذاتي‪ ،‬مصورة سعيها إلى اإلصرار على الثبات أمام عوامل الزمن ؛على الرغم من‬ ‫أن صورة األثقال‪/‬أ ِل ُد أثقالي‪/‬هنا ح َّمالة أوجه ؛ فقد يشي طموحها بالتغلب على سلبية‬ ‫الزمان‪ ,‬وإقامة عالقة تصالحية بينها وبين مفرداته من جانب آخر‪.‬‬ ‫تقوم لغتها الثرية في النصوص على اإلشارة أكثرمن العبارة ‪ ،‬وما تختزن هذه اللغة‬ ‫من إيحاءات تنفتح بفعل التخييل على معان متعددة في أفق القول‪ ،‬وفنيّة المقال‪ ،‬فهي‬ ‫تأخذنا معها في آفاق اللذة الفنية واإلحساس الجمالي‪.‬‏ففي نصها الذي جاء بعنوان ‪/‬‬ ‫مسام‬ ‫الصوت العاري‪ /‬أطلقتُ صوتي ‪,‬رعافا ً يسي ُل في ال َمدى‪,‬حتى الشوك في‬ ‫ِ‬ ‫كوة بين حنجرتي وأناشيدي ال ُخض ِْر‪./‬‬ ‫ّ‬ ‫الروحِ نما!آخر ّ‬ ‫تسهم العبارات في توليد فضاءات دالليّة ‪ ،‬وأبعاد جمالية فتتفاعل الصور في لغتها‬ ‫اإليحائية ؛لتعكس أبعاد األلم وسبل احتضاره داخل الذات الشاعرة‪ ,‬اإلرادة وحدها‬ ‫تطفئ لهيب الروح العطشى إلى الحياة ‪ ,‬وتبرز التوق إلى عالم يغيب عنه األلم إلى‬ ‫عالم النشوة والوجود؛فيحضر نسق الوجود بقوة مناهضا ً نسق العدم‪ ,‬الحاضر في‬ ‫صور الموت المحتم‪ ,‬فشاعرتنا تحقق ‪-‬عبر فنية ‪-‬النص تنقالت خاطفة تتيح لها‬


‫تعرض لتيارات استالب ونفي ‪,‬فخاض رجاالته مقاومة إلطفاء نار األفول‪,‬وإذكاء‬ ‫نور الحياة‪.‬‬ ‫وهانحن مع رؤاها نرحل‪,‬وبين أطواء الصور المتناوبة في إيحاءاتها نطوف؛ فنراها‬ ‫كأمواج البحر تتناوب‪,‬تتهادى تارة فتهدأ ثورتها معلنة ولوجها عالم الذات‪,‬وتتسارع‬ ‫أخرى موحية بانفعاالتها ورفضها رداءة المصير ‪,‬وشجبها عالم االستالب‪.‬‬ ‫يشي العنوان ‪,‬الذي يُع ُّد مفتاحا ً عريضا ً آلفاق داللية ‪,‬وأبعاد إشارية‪ ,‬وتأويلية ال‬ ‫متناهية في بواطن التراكيب‪ ,‬بمفارقة عميقة ‪/‬أغنية للبلشون الحزين‪ /‬والبلشون‬ ‫كماهو معروف –مالك الحزين ‪,‬الطير الصامت في إيقاعه‪ ,‬الهادئ في تهاديه ‪,‬إنه‬‫معادل موضوعي ونفسي لذات أنشدت حزنها وألمها على أرض عيث فيها تخريبا ً‬ ‫وتدميراً‪ .‬فمن نصها‪/:‬مدن الحزن‪ /‬نعبر نفقا ً من الدالالت الكامنة في بُعد المجاز‪,‬‬ ‫ومضمرالصور‪ ,‬وانزياحات اللغة التي تبتغي من ورائها بناء عوالم نفسية‪ ,‬وجودية‬ ‫ال حدود لها‪ ،‬تفر الذات الشاعرة إليها خالصا ً من واقع آسن‪ ،‬انعدمت فيه اإلنسانية‪..‬‬ ‫لستائر العتمة‪./‬تتكثف‬ ‫القادم‬ ‫تقول‪ ,/:‬يا ك َّل هذا‬ ‫المخبوء في داخلي!حفنةَ ضوءٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المعاني في مجاز الصورة؛ لتسهم في خلق رؤية إبداعية تستوعب التجربة‪ ,‬و تبرز‬ ‫براعة الشاعرة التصويرية واضحة‪,‬في تأكيدها اإلحساس بنقص الواقع ‪ ,‬وافتقاره‬ ‫أسانيد الوجود‪ .‬فذات ال ّ‬ ‫شاعرة العطشى إلى الحياة تسعى لالنتقال من عالم الضعف‬ ‫إلى عالم القوة ‪,‬إلى الفعل بحثا ً عن الحرية‪,‬فقليل من النور زاد في غياهب الظالم‪.‬‬ ‫تستدعي الشاعرة عنصر التخيُّل –في معظم نصوصها‪ -‬لتبيح لقارئ النص تحليقا ً‬ ‫يوائم عمق الصورة ‪,‬فيكون أمام مشهدية التضاد ؛إذ يتضاد نسقا التحدي واالستالب‬ ‫‪.‬فــ‪/‬القيعان المظلمة‪- /‬عنوان نص‪-‬تختصر زمان االستالب الوجودي ‪ ,‬ومكانه الذي‬ ‫!‪,‬يذيب ثلو َج‬ ‫عاشته الشاعره إبّان إفراغه من أوجه الحياة‪,‬تقول ‪/‬في ذراعيك دف ٌء‬ ‫ُ‬ ‫شمال يُشع ُل أجنحةَ‬ ‫ال ّ‬ ‫الراقدة ‪./‬‬ ‫الطيور ّ‬ ‫ِ‬ ‫تتوسل الشاعرة بصور شعرية تحمل شحنات رمزية إيحائية في إشاراتها لمعاني‬ ‫الحياة والوجود بعيدا ً عن قحل النفس وعدمها ‪ ،‬ما يؤكد توقها إلى النور الذي يؤرق‬ ‫غيابه الشاعرة‪ ,‬فما بين الذراعين يكون أفق االنتظار‪.‬‬


‫التوحش والنازية الجديدة ‪.‬‬ ‫بلغة اإليحاءات والدالالت التي تزكو قيمتها اإلشارية ‪,‬وتكثيف عمق المعنى‬ ‫الغائر تمضي نجاح إبراهيم في إنجاز نصوصها ‪ ,‬وإتقان نسجها‪ ،‬على نحو ما‬ ‫يتحقق في تراصف وحداتها‪,‬وكثافة تأثيراتها‪ ,‬وتنويع إيقاعاتها ‪.‬ومن النصوص‬ ‫الثرية ذات التكثيف العالي القائم على عالقات شعرية بعيدة الغور ‪ ،‬قصيدة (سبية‬ ‫تقويم‬ ‫مرتين) ‪,‬فعليها سنحط الرحال قارئين ‪ ،‬مبرزين شعرية الصورة ‪ ،‬وصوالً إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ي ٍ يواكب هذا العمل اإلبداعي‪ ،‬ويسهم في دفعه إلى االرتقاء بالتجربة‪.‬‬ ‫نقد ّ‬ ‫ي ٍ موضوع ّ‬ ‫مرتين)‬ ‫( َ‬ ‫سبيّةٌ ّ‬ ‫َح ْيرتي!‬ ‫ت النّخ ِل في البالد‬ ‫تطا ُل هاما ِ‬ ‫لمن أُفضي‬ ‫النابض من‬ ‫بما أثق َل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫غرب ٍة اجترحوا‬ ‫غنائم اقتسموا‬ ‫و ِسيَ ٍر الكوا؟!‬ ‫ْ‬ ‫لمن أُلقي‬ ‫بواب ِل ارتجافي‬ ‫سبيّةُ‬ ‫أنا ال ّ‬ ‫سبي‬ ‫ّ‬ ‫شردوا ن َ‬ ‫ّ‬ ‫ومزقوا ُحلمي‬ ‫وأسقطوا في ك ّل مزا ٍد‬ ‫ت‬ ‫أوراقَ التو ِ‬ ‫عن عطري‬


‫الحضور وإثبات الوجود ‪.‬‬ ‫ومن أهم التقنيات المستخدمة‪ ،‬في نصوصها االقتباس والتضمين ‪,‬ففي نصها ‪/‬‬ ‫سف‪,‬من عباء ِة المسافات‪,‬يم ّ‬ ‫آ ٍ‬ ‫خطو‬ ‫شط‬ ‫ي‪:/‬تقول‪/:‬أكاد!ُ أش ّم فو َح يو ُ‬ ‫ت إل ّ‬ ‫َ‬ ‫الوردِ‪/..‬؛فـ(يوسف) ليس سوى رمز‪ ،‬أو قناع فني ؛ تستتر وراءه دالالت نفسية‬ ‫تؤكدأنّالذات الشاعرة ال تريد اإلقرار بواقع الضعف ؛ فتمضي إلى تخييل قدرتها‬ ‫على تجاوز الصعاب ‪,‬واقتحام األهوال والتحديات ‪ .‬من الواضح أن هذه التعالقات‬ ‫النصية‪ ،‬والمتتابعات الداللية ترسم عالم الشاعرة الداخلي الذاتي الذي تأوي إليه‪،‬‬ ‫صى مدارات الوجود‪ ،‬وتعود إلى كينونتها ليكون األمل متنفَّسها‪ ،‬ومنقذها في‬ ‫فتتق َّ‬ ‫تحققُّها الماهوي‪.‬‬ ‫إن ما تحتويه الصور الفنية ك(الصوتُ أخرس‪ ,‬إالّ ظالل المصابيحِ‪,‬تم ّد رقابَها ليندى‬ ‫انتظاري‬ ‫حقوالً من مذاق القهوة‪/‬من طاقات تعبيرية‪,‬وأبعاد داللية كامنة في مضمر الصورة‬ ‫تؤكد بحث الذات الشاعرة المستمر عن أقانيم وجودية ‪.‬فالمصابيح نور مؤرجح‬ ‫مؤ ّجل ‪,‬يؤجله ظلمة عبَّرت عنها بمذاق القهوة ‪,‬الصورة التي تحمل السواد والمرار‬ ‫آن معاً‪.‬‬ ‫في ٍ‬ ‫رغم براعتها في بسط مساحة من االنزياح بين المعنى ومعنى المعنى ‪ ,‬فإن نجاح‬ ‫إبراهيم تستقي من الواقع بعض أحداث نصوصها‪,‬وصورها ‪,‬فتأتي الصورةمرتبطة‬ ‫بالحالة الشعورية للذات الشاعرة الرافلة في بحيرات من فناء وعدم في مجمل‬ ‫صبرها‬ ‫ع‬ ‫ص َّد ُ‬ ‫النصوص‪ ,‬فهي التملك غير شظايا اآلهات والخيبات وكل األوجاع ‪,‬ي َّ‬ ‫ُ‬ ‫أحياناً‪،‬فال تكف تئن من األرزاء‪ ،‬تتعطش إلي الحرية ‪ ،‬إلى الذات‪ ،‬وأنى لها ذلك ؟‬ ‫‪,‬ففي مشهد يتميز بسموه الداللي تختصر فيه الشاعرة عذابات اإلنسانية في عذابات‬ ‫المرأة اإليزيدية‪,‬تقول في نص ‪/‬بعيدا ً عن اللش‪ /‬الذي توجه فيه رسالة إلى اإلنسانية‬ ‫ْ‬ ‫اقتسم العال ُم عذابَك‬ ‫‪/:/‬إن‬ ‫المهيضة ‪ »/‬أيتها اإلنسانية!‪ :‬طوبى لك‪ ،‬وأنت تتفرجين‬ ‫َ‬ ‫الظهر من الليلة األولى‪/‬تسخر الذات الشاعرة متألمة من فراغ الضمير‬ ‫سيحني‬ ‫َ‬ ‫‪,‬متأوهة‪,‬في ظل صمت مطبق تمارسه اإلنسانية ‪ ,‬ليتداعى الوجود ‪,‬بتداعي رمز‬ ‫الخصب والحياة –المرأة‪,‬التي حولوها سلعة ومتاعا ً على أيدي غربان العصر‪,‬متفقهي‬


‫سهو‬ ‫يفض بكارات ال ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ويَ ُ‬ ‫طعن النوم‬ ‫لي ٍل ّ‬ ‫مروعٍ‬ ‫الر ْ‬ ‫حيل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫يستطيب ّ‬ ‫يا أيّها الممتشق حضورك!‬ ‫ت أصاب َع‬ ‫ها ِ‬ ‫تلمل ُم الدّم َع من الجراح‬ ‫مرتين‬ ‫قد أغرقوا تاريخي ّ‬ ‫إني كما لو كنتُ‬ ‫ألف َم ْح ٍو‬ ‫منذُ ِ‬ ‫ق‬ ‫من أقدم غر ٍ‬ ‫صراخٍ!‬ ‫وجعين!!‬ ‫ربّما أكثر‬ ‫أكثر!‬ ‫سعف!‬ ‫ما عاد ِ‬ ‫ت الذاكرة ُ ت ُ ُ‬ ‫يوشوش‬ ‫النهر كان‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صغير‬ ‫بعض سمكٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ي يغمرها‬ ‫أصاب ُع قدم ّ‬ ‫طب‬ ‫الر ُ‬ ‫الرم ُل ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنا أض ّج باألم ِل اليقين‬ ‫هذا الكون لهذا الشعب‬ ‫ع الما َء بين كتفيه‬ ‫الذي يزر ُ‬


‫فلم يتبقَ إال رائحةُ ّ‬ ‫الزنخِ‬ ‫ُ‬ ‫والوهن!‬ ‫وحيرة ٌ!‬ ‫رؤوس الجبال‬ ‫تداني‬ ‫َ‬ ‫لمن أشتكي؟!‬ ‫الرياء صحراء‬ ‫وهذا ّ‬ ‫ال عين تلتقط ُمطال َع الشروق‬ ‫وال ريح تمحو‬ ‫آثار حوافر‬ ‫َ‬ ‫عاثت في المقدّسات‬ ‫واخترقت بوابةَ الحضارات‬ ‫كسرت مفاتي َح‬ ‫المدن المندهش ِة‬ ‫ِ‬ ‫السر‬ ‫فبانَ‬ ‫ُّ‬ ‫وجسدي الملط ُخ‬ ‫بتال ِل الحصى الواخز‬ ‫ُ‬ ‫وزرد الحدي ِد الالذعة‬ ‫توقّ ُع ازدحاما ً في مسام األنين‬ ‫ال أح َد‬ ‫ْ‬ ‫القتيل‬ ‫المطر إلى عطشي‬ ‫يعي ُد‬ ‫َ‬ ‫إالّك‪...‬‬ ‫خر خوفا ً‬ ‫حين‬ ‫ترتعش وسادة ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫من لي ٍل يَجيء‬


‫سأكون شجرا ً‬ ‫بين يديك‪.‬‬ ‫يع ُّد العنوان ‪ /‬سبية مرتين‪ /‬الجذر النفسي الذي يَعمل في الفضاء الشعري للقصيدة‬ ‫بعمق خاصيّتيه اإلشارية‪،‬والداللية ما يُغني شعرية النص الكامنة في األنساق ‪:‬‬ ‫ص‪ ،‬وما يضمره ‪.‬‬ ‫المضمر منها والبارز‪ ،‬والعالقة الجدلية بين ما يظهره النّ ّ‬ ‫تشي بنية النص الشعري في قصيدة ‪/‬سبية مرتين‪/‬بأبعاد الصراع اإلنساني‬ ‫الوجودي القائم بين نسقي االستالب الوجودي الذي يضمر في ثناياه نسق الذات‬ ‫الخصب ‪ ,‬ونسق البحث عن الذات –الكائنة في صورة المرأة –األرض‪ ,‬رمز‬ ‫ب على يد قوى الغدر الزمنية مع غياب الحرية ‪.‬‬ ‫الوالدة والعطاء الذي است ُ ِل َ‬ ‫تنمو القصيدة بنيويا ً من خالل تدرجها ابتدا ًء من الحيرة التي انتابت الذات الشاعرة‬ ‫بفعل السبي‪/,‬حيرتي تداني رؤوس الجبال‪ /‬الجملة الشعرية التي تُعد بؤرة َ إشعاع‬ ‫دالليّةً‪ ،‬ومنها تتنامى الجمل الشعرية المجسدة ببنيتها ذهول الذات الشاعرة ذهوالً‬ ‫اليُطال‪ ,‬بلغ عمقه مبلغ ذرا‪/‬رؤوس الجبال وهامات النخل ‪..,/‬تتكثف الشعرية هنا في‬ ‫سعي الذات الشاعرة إلى ملء الهوة ‪,‬أو ردم فجوة التوترالكامنة بين العدم والوجود‬ ‫بين االستالب والحضور ‪ ,‬وذلك من خالل تلمسها السمو والرفعة واستحضار شيء‬ ‫من عزة النفس المفقودة بفعل السبي ؛ فليست عبثا ً تلك المقاربة التي قادها إليها‬ ‫اإلحساس بالتالشي ‪.‬و في استفهامها الذي شكل دفقة داللية ابتعدت عن وظيفتها‬ ‫النحوية ‪ ,‬نلج مشهديّةً تخييلية تنفتح على لحظة رحيل الحرية‪ ،‬وتمزق الذات الشاعرة‬ ‫التي تعيش ثقافة استالب الخصب‪ ,‬وتشهد انقالب االستقرار إلى تحول‪.‬‬ ‫‪/‬لمن أُفضي ‪ْ ,‬‬ ‫لمن أُلقي‪,‬لمن أشتكي وهذا الرياء صحراء؟‪,/‬تجسيد له ٍ ّم كبيرماانفك‬ ‫السبي الجس َد‪ ..‬هو تصوير النفس الفاقدة َم ْن‬ ‫ينال من الروح والنفس بعد أن طال‬ ‫ُ‬ ‫رحل‪ ,‬ـ فـ‪/‬لمن‪ /‬ليست سؤاالً تنتظر منه الشاعرة جواباً‪ ,‬إنما أداة استنكاروتعجب‪,‬‬ ‫أوحت بتمزقها‪ ,‬مضفية جوا ً من الحزن ‪ ,‬إذ كشف سؤالها اإلنكاري الذي يضمر‬ ‫القهروالغربة وألم الفراق‪,‬والقلق بإزاء غياب نسق األنوثة ما يعني – في ثقافتها‬ ‫ووعيها ‪ -‬إفناء الخصب وفقد الحياة ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الشروق‬ ‫يتوضأ‬ ‫بين راحتيه‪...‬‬ ‫فجأة‪...‬‬ ‫راعني ُ‬ ‫نار‬ ‫تنين ٍ‬ ‫الته ُم قصري‬ ‫سابقني لهاثي‬ ‫ملتحيان‬ ‫بتره رجالن‬ ‫ِ‬ ‫راوداني عن حياةٍ‬ ‫اللبالب فيها‬ ‫كفيل ٍة ألن يمت َّد‬ ‫ُ‬ ‫آخر حنين‬ ‫إلى ِ‬ ‫الرو َح‬ ‫رميا في‬ ‫النهر ّ‬ ‫ِ‬ ‫خنقا حتى األنين‬ ‫ال أحد!‬ ‫ال أحد!!‬ ‫ي‬ ‫يُحيي ما مات ف ّ‬ ‫إالك‪َ...‬‬ ‫ب‬ ‫هبْني ما يشذّ ُ‬ ‫حزني‪...‬‬ ‫غربتي‪...‬‬ ‫ت الفائتةَ‬ ‫يعي ُد الخطوا ِ‬ ‫دربي المسكين‬ ‫إلى‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫المج َد‬ ‫َ‬ ‫المكسور إل ّ‬ ‫وقتها !‬


‫وفي محاولة من الذات الشاعرة الستيعاب مشهد االستالب من زوايا متعددة ‪,‬‬ ‫صها ال ّ‬ ‫ي بطاقات‬ ‫و تأكيد فكرة استيالد البقاء من رحم الفناء تشحن الشاعرة نّ ّ‬ ‫شعر ّ‬ ‫طب‪. /‬فهي تلتمس الحياة منذ البدء‬ ‫الر ُ‬ ‫الرم ُل ّ‬ ‫ي يغمرها ّ‬ ‫إيحائية جماليّة‪/ ,‬أصاب ُع قدم ّ‬ ‫اجتثاثا ً ألشواك الغدر‪,‬أوليست أصابع القدمين أول الجسم‪ .,‬وقد يتحول الفعل ‪/‬‬ ‫طب ‪/‬بقوته البنائية إلى مولد للطاقة التي تشحن عناصر النص‬ ‫الر ُ‬ ‫الرم ُل ّ‬ ‫يغمرها ّ‬ ‫بالقوة التوالدية ‪,‬مؤكدة توقها إلى فعل الغمر ‪,‬و اإلحاطة والرعاية ‪,‬والتماس الحب ‪.‬‬ ‫تقابل مساحة السواد –في الصورة‪ -‬بوشي من البياض ؛فبعد إعالن الذات الشاعرة‬ ‫عن وقوعها في أجواء الفقد تسعى إلى اجتياز مساحات نفسية واسعة تتعالى فيها‬ ‫أصوات الخراب والموت والشؤم فتشكل لوحة مناهضة تكتنز في مقوالتها مالمح‬ ‫التحدي والتماسك أمالً في الثبات والبقاء وتجاوز المحن ‪/,‬أنا أض ّج باألم ِل اليقين‬ ‫ُ‬ ‫النهر كان‬ ‫الشروق‪,‬‬ ‫ع الما َء بين كتفيه ‪,‬يتوضأ‬ ‫‪,‬هذا الكون لهذا الشعب الذي يزر ُ‬ ‫ُ‬ ‫صغير ‪ ,/‬توظف الشاعرة اإليحاء وصوالً لغرضها بامتهان‬ ‫يوشوش‬ ‫‪,‬بعض سمكٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يؤرق الذات الشاعرة‬ ‫لغوي‪,‬ففي نظرة عجلى لألفعال نستبطن فيها حس الوجود الذي ِ ّ‬ ‫‪/,‬أضج باألمل‪,‬يزرع الماء‪ ,‬يتوضأ الشروق ‪/‬هو األمل بالحياة ‪,‬بالنور ‪,‬بالخصب‪,‬ثم‬ ‫كيف لهذا الشعب أن يزرع الماء بين كفيه؟إنها كناية عن الكرم والعطاء‪,‬وفي ضوء‬ ‫الشروق تطهير النور الذي مافتئ يشتعل ناراً؛فالب ّد من أن تعود للشروق ميزته‪,‬وهي‬ ‫الوالدة البكر لعالم ينضح بالجمال ‪,‬يبدد عتمة الفناء ‪,‬يدعمها السمك الصغيربرعم‬ ‫الحياة في نهر جار ليس إال انعكاسا ً لصورة األرض التي تتدفق عطا ًء‪ .‬فالسمك‬ ‫معادل موضوعي للشاعرة التي تريد أن تنزع عن واقعها الوجودي غطاء الهشاشة‬ ‫والضعف‪.‬‬ ‫وكلما تدرجنا في بواطن النص وأطوائه ننفتح على مشهدية يتكثف فيها الرمز‬ ‫؛ليتعمق تأويل الدالالت‪,‬حين تستفيق الذات الشاعرة ‪-‬من جديد‪ -‬على واقع السبي‬ ‫لمرتين‪.‬فالشيء ينسيها انهزام الحضارات أمام قوافل التتار الجديدة‪ ,‬ومطالع الغروب‬ ‫التي لن تستسلم لها‪,‬وال النكسار المفاتيح ‪,‬وال ُ‬ ‫لزرد الحديد ‪,‬واللوخز الحصى ‪,‬‬ ‫خر‬ ‫ويزيد الصورة داللة على عنفوان الغدروقوته‪ ,‬قولها‪/:‬حين‬ ‫ترتعش وسادة ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫خوفا ً من لي ٍل يَجيء‪/‬؛إذيكمن التعبير في (وسادة الصخر) عن المعنى في أبلغ صورة‬ ‫؛وللصورة –هنا‪ -‬معنى مزدوجاً؛القساوة والقوة‪ ,‬فأن يغدو الصخر وسادة يعني‬ ‫اجتراح الحياة من قلب الممات‪,‬اجتراح قوة الصخر من غيهب الضعف ‪ ,‬إنها القوة‬ ‫التي انتظرتها الذات الشاعرة طويالً في ـكثير من األمكنة التي لها كبير األثر في‬ ‫النفس‪ ,‬ففيها –ربما‪-‬عاشت العطش الوجودي‪ ,‬والتصحر النفسي‪ ,‬والدمار ‪.‬‬


‫سد اإلحساس بالصراع الوجودي في رؤيا الذات الشاعرة المتوترة القلقة‬ ‫ويتج ِ ّ‬ ‫للوجود اإلنساني بفعل اتساع الهوة النفسية بين النسقين ‪ ,‬فيختزن كل نسق منهما‬ ‫عالقة ضديّة بين ما تظهره الصورة من رحيل وفراق ‪ ,‬و ما تخفيه من شعور‬ ‫يؤ ّكد وعي الشاعرة حالة االنفصال عن الذات‪ .‬إذ تُساق األفعال الحمالة لمعنى‬ ‫ي الفاعل في‬ ‫السبي واالستالب الوجودي ‪/‬مزقوا‪,‬شردوا‪,‬أسقطوا‪ /‬تاركة أثرها الدالل ّ‬ ‫ذات القارئ ؛ و السيما أنها وثيقة الصلة بحالة التيه المتنامية التي تؤكدها صورة‬ ‫الرياء صحراء‪ /‬رمز االتساع واالبتالع ‪,‬وهو إقرار‬ ‫الصحراء ‪/‬لمن أشتكي؟!وهذا ّ‬ ‫مبطن بالتعطش إلى الحياة ‪.‬‬ ‫تأبى الروح االستسالم ‪,‬وتسعى للنهوض من بؤر العدم ‪,‬مستحضرة صورا ً تتكثف‬ ‫فيها داللةالحياة ‪/‬أصابع قدمي يغمرها الرمل الرطب ‪/‬فهي تتلمس منعطفات الحياة‬ ‫منذ البدء‪,‬تتلمس الخالص ‪,‬قبل أن تلج ثانية نسق الفناء في ظلمة الغياب ‪/‬راعني‬ ‫تنين نار التهم قصري‪/..‬لتعلن من جديد اجتثاث الحياة في صورة مريرة ‪,‬مشيرة فيها‬ ‫إلى النازيَّة الغازيَّة التي اجتاحت الحرية والحياة وحولتهما إلى عالم من العبودية‬ ‫والفناء‪ .‬فصوت األنا هنا أقدر األصوات على التعبيرواإليحاء بمشاعر اليأس واألسى‬ ‫والشجون ؛إذ توحي اهتزازاته العميقة باالضطرابات النفسية والسحق والتخريب‬ ‫الذاتي‪.‬‬ ‫تنحت نجاح إبراهيم كلماتها من قلب ظامئ أبدا إلى الحرية ‪ ،‬وسؤال يخطرنا‪ ,‬كيف‬ ‫يمكن لهذه الـ»سبية» ‪/‬التي احتطب فرحها في ليل الفجيعة ‪,‬وألقى بفأس نشوتها‬ ‫قرب وشاح الوجع أن تنهض ثانية ؟‪ .‬هنا مكمن اإلبداع؛ إذيسترسل الخطاب الشعري‬ ‫في عملية التشكيل الداللي في صراع الحضور‪/‬الغياب ؛ و الشاعرة في نصها تنتقل‬ ‫بفنية عالية من الصورة البالغية إلى عالم التخييل‪ ،‬حيث جاءت عبارة‪ /‬الشعب‬ ‫ُ‬ ‫لترسم عبر االنتقال المجازي‬ ‫الشروق‪./‬‬ ‫ع الما َء بين كتفيه يتوضأ‬ ‫الذي يزر ُ‬ ‫مشهدية تتف ِ ّجر فيها الدالالت المضمرة و الدالالت الصريحة مؤكدة أن جوهر‬ ‫التضاد قائم في أساسه على فكرة الصراع بين متضادين تمليهما نفسية الشاعرة‬ ‫و عالمها الداخلي‪ ,‬فهي تعمد إلى التغيير ومحو عالم اآلخر الخارجي لبناء عالمها‬ ‫الذاتي ‪.‬‬


‫«ولعل لغة النداء ‪/‬ياأيها الممتشق حضورك هات أصابع تلملم الدمع من الجراح‪/‬‬ ‫تجسد بشكل واضح حقيقة الصوت اإلنساني المنبعث من قلب ضنين بالعالقة‬ ‫اإلنسانية ‪,‬وثبات اآلخر؛ لذا تستحضر صورة أوراق التوت ومطالع الشروق‬ ‫والمطر‪ ,‬رافضة كل ما يهدد استقرارها النفسي ‪.‬‬ ‫تُظهر الشاعرة مقدرة عالية على تطويع الصورة بما تنطوي عليه من مكامن داللية‬ ‫‪,‬‏وعلى تحقيق الشعرية الكامنة في ردم فجوة التوتر بين نسقي الوجود والعدم ‪,‬من‬ ‫خالل فتحها األبواب الموصدة على الوجود‪ .‬فهي بـ‪/‬انتظار الفرج بلهفة‪,‬القلب‬ ‫يشتعل أناشيد ومطراً‪ ,‬هبني مايشذب حزني‪,‬غربتي‪ ,‬وقتها سأكون شجرا ً بين يديك‬ ‫‪ ../‬تأخذنا هذه البنية اللغوية برموزها ودالالتها حيث فعالية تحريك المعنى عن‬ ‫ثباته اللغوي إلى استنتاج (معنى المعنى)أي الخصب المولود من قلب الصحارى‪,‬من‬ ‫لب الصخر؛ لتشفي غليل الضعف بالقوة‪ ,‬وتشفي القوة الساطية بقوة ذاتية َولود‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مايؤكد رغبة الذات الشاعرة بالخوض في ل ّجة الوجود؛ لذا تستجدي بألم دفين‬ ‫دربي‬ ‫ت الفائتةَ ‪,‬إلى‬ ‫ب ‪,‬حزني‪...‬غربتي‪...‬يعي ُد الخطوا ِ‬ ‫مايبدد األحزان‪ /‬هبْني ما يشذّ ُ‬ ‫َ‬ ‫المسكين ‪,‬وقتها !سأكون شجراًبين يديك‪ ./.‬فالشجر رمز من رموز الخصب والحياة‪,‬‬ ‫والوالدة والتجدد‪,‬وهو حلم بالتطهير من أدران العدم‪.‬‬ ‫وختاما ً فإن هذا المستوى الذي توفرت عليه نصوص نجاح‪ ،‬ينضاف إلى‬ ‫المستويات السابقة التي عهدناها في دواوينها الشعرية السابقة ‪ ،‬والسيما في نزوعها‬ ‫نحو العلوارتقا ًء إنسانيا ً وجماليا ً ما يجعل من قصائدها نموذجا ً أعلى للجمال الفني‪.‬‬


‫}]]]]}]‬

‫د‪ .‬غيثاء قادرة ‪ /‬سوريا‬



‫الشاعر األرمني زاريه خراخوني‬ ‫ترجمة مهران ميناسيان‬

‫لنكن كالجموع – ونفعل كل شيء‬ ‫لنصفق مثلهم – لنطعن بأرجلنا معهم هذا او ذاك‬ ‫ولنلق المحاضرات ونتوسط من أجلهم جميعا ولنرفع أصابعنا ونوجه األسئلة بحضور‬ ‫اآلخرين‬ ‫وال نفهم منهم إال الضجيج‬ ‫ومن ثم نجلس ونتأمل وحيدين‬ ‫*** ‪ ‬‬ ‫لنفتح قلوبنا للجميع‬ ‫ونوزع انفسنا لآلخرين كالخبز قطعة قطعة‬ ‫لنتقاسم آالم اآلخرين‪ -‬ونسرد لهم همومنا‬ ‫ونعرض أنفسنا للسعات االبتسامات المهينة‬ ‫لهذا أو ذاك‬ ‫ومن ثم نتألم ونتحمل كل ذلك وحيدين‬


‫……ومن ثم‬ ‫ومن ثم نتوجه إلى الجميع‬ ‫ونصلي‬ ‫وحيدين‬


‫لنفتح أحضاننا للحشود‬ ‫ونلق باأنفسنا في أحضان الجماهير بسرور من‬ ‫يلقي بنفسه في البحر‬ ‫فلنسر ونصرخ معهم‪ -‬لنحس بانفسنا أقوياء‬ ‫مثلهم‪ -‬ونتملقهم ونحن نرتجف‬ ‫وبالكاد نخلص أنفسنا من خطر االنسحاق‬ ‫ومن ثم ننزوي ونبقي وحيدين‬ ‫*** ‪ ‬‬ ‫لنمد أيادينا إلي العالم‬ ‫لنتآخ مع الغريب ن مع اآلتي والعابر‬ ‫لنفتح أبوابنا للقريب والغريب كما تفتح المائدة‬ ‫والروح‬ ‫لنحب ونمنح بإسراف‬ ‫في حين نري أن الكل يريدون المجيء إلينا‬ ‫ليحكموا علينا‬ ‫وحينئذ نحزن ونبكي وحيدين‬ ‫*** ‪ ‬‬



‫المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء‬ ‫كتب ‪ /‬رياض الدليمي‬ ‫الشاعرة الكردية كزال ابراهيم تنعيها الورود وكرات الثلج وشقائق النعمان انها بنت‬ ‫اعشاش العصافير ودمى الحروف ورهافة نسائم الربيع تودع روحها انيسة لطبيعة‬ ‫كردستان مكانا ابديا بجوار نيران كاوه الحداد والشيخ محمود الحفيد وعبدهللا كوران‬ ‫‪ ..‬انها شهيدة الكلمة والعفة والصمت على البلوى والمصائب وضيق الحال ‪ ..‬كانت‬ ‫تصنع الصبر خبزا ألوالدها ولم يشكوا ‪ ..‬بل كانوا يشربون عسل اناملها فصاموا‬ ‫دهورا وهم يشدون بطونهم لكي ال يسمعون امهم كزال ضجرهم وسقمهم من هذا‬ ‫الحال ‪..‬‬ ‫اقول لك ياكزال‬ ‫((أَأ َ‬ ‫األرض‬ ‫ضرب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫أم أَركضها ؟‬

‫ضفائرك‬ ‫ت تقصين‬ ‫وأن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحملينَ الزعفرانَ‬ ‫ْ‬ ‫والتوبة‬ ‫أُ‬ ‫ب ووج ِه‬ ‫طرطش الما َء على جن ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرمان‬ ‫بسياط‬ ‫ع‬ ‫ألذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك اللحظ ِة‬ ‫أصبر‬ ‫ُ‬ ‫وأقهقهُ‬ ‫واألنيس‬ ‫الوقت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واألحالم لئال تهربْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن ِ‬ ‫تمنحينَ حياة ً لمن ال يرغب‬ ‫القصور‬ ‫تتخفين بين‬ ‫ِ‬


‫الكرد لها فماتت ولم تمت اجنحتها وهي ترفرف في سماء العراق ‪ ..‬تفخر بنفسها‬ ‫ألنها امرأة فتقول ‪:‬‬ ‫كانوا يقولون‪:‬‬ ‫حين تبكي المرأة‬ ‫تنتهي البسمات‪،‬‬ ‫وتيبس األرجاء‪،‬‬ ‫وللحظات تصمت الجبال‪...‬‬ ‫للشاعرة الراحلة الكثير من اإلصدارات األدبية بلغت ‪ 24‬ديوانا شعريا باللغة‬ ‫الكردية‪ ،‬منها (شذرات من العشق) و (يدي مآلى بالمطر) اضافة الى االعمال‬ ‫الكاملة‪.‬‬ ‫تُرجمت دواوينها الشعريّة إلى اللغات الفارسية‪ ،‬والالتينية‪ ،‬والعربية‪ ،‬وبعض‬ ‫والروسية‪ ،‬واالسبانية‪.‬‬ ‫قصائدها الى اللغة االنكليزية‪ ،‬واأللمانية‪ّ ،‬‬ ‫لها ديوان شعري مترجم إلى العربية بعنوان “عين للعشق حضن للمحبة”‬ ‫ولها ديوان شعري مترجم الي اللغة الفارسية‪.‬‬ ‫حصلت على العديد من الجوائز واالوسمة وشهادات الشكر والتقدير وقدمت‬ ‫العشرات من رساالت الماجستير والدكتوراه النقدية في جامعات اقليم كوردستان‪.‬‬ ‫وحصلت على المركز األول في الشعر عن ديوان «قصبة قلعةدزة» وتسلّمت‬ ‫الجائزة عن هذا المركز من وزير الثقافة العراقي‪.‬‬ ‫حصلت على المركز السادس في الشعر في دولة مصر‪.‬‬ ‫حلصت‪ ‬على ‪ 110‬جائزة و ّ‬ ‫شهادات تقديريّة في الكثير من الدّول العربيّة‪.‬‬ ‫األول‬ ‫في مجمل المسابقات األدبيّة الّتي شاركت فيها‪ ،‬حصلت ‪ّ 20‬‬ ‫مرة على المركز ّ‬ ‫مرة على المركز‬ ‫مرة على المركز الثالث و‪ّ 12‬‬ ‫مرة على المركز الثاني و ‪ّ 18‬‬ ‫و‪ّ 35‬‬


‫باكيةً صبري‬ ‫وبلواي‬ ‫ّ‬ ‫تجودينَ بالروحِ عني‬

‫ت‬ ‫فتخج ُل ك ّل الفضاءا ِ‬ ‫خلقك اللحظة‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫جدائلك‬ ‫فتمطر على‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫صحف األنبياء‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وعروش الطواغي ِ‬ ‫َ‬ ‫صبري‬ ‫تتوددينَ َ‬ ‫عمرك‬ ‫تد َّخرينَ‬ ‫ِ‬ ‫ضفائر‬ ‫َ‬ ‫وقمحا ً‬ ‫لمرحِ الينابيع‬

‫حروف الروا ِة‬ ‫انسجي‬ ‫َ‬ ‫أسرابا ً من بع ِد‬

‫صبرك‬ ‫أطعميني جرعات‬ ‫ِ‬ ‫شهدا ً‬ ‫وجنات ُخل ٍد ))‬ ‫كزال ابراهيم ابنة ‪ 1‬مارس ‪ 1968‬تكتب للحب والورد والفرح القادم نسجت‬ ‫ألوالدها ومحبيها بيوت احالم وامان بغد اجمل ‪..‬‬ ‫رسمت الوان الجلنار على فم الصباح فكان شهيا للقبل ولذيذ النشوى لكل من يبحث‬ ‫عن الجمال واالمل ‪ ..‬لقد طرزت ايامها محبة لآلخر فكانت الهة جمال وحب‬ ‫وطمأنينة ‪ .‬فتوسدوا دواوينها وركبوا بساط احالمها فتجوا وعبروا كل دروب الكره‬ ‫والفتنة ومسالك القتل التي حالت دون تمزيق وطنها ‪ ..‬انها حمامة سالم وجسر‬ ‫تواصل بين ثقافات بلدها العراق لقد احبها العرب والتركمان وااليزيد بقدر حب‬


‫شوارعه مفعمة برائحة الهلع‬ ‫وأياديه مثقلة برائحة الخيانة‬ ‫والسنته ملئية باألكاذيب‬ ‫وانا أسمي هذا الوطن‬ ‫‪4‬‬ ‫في طفولتي‬ ‫كنت شديدة الكره للعاصفة‬ ‫في احد االيام‬ ‫جاءت عاصفة‬ ‫سرقت مني دميتي‬ ‫ولكني اآلن‬ ‫كلما هبت العواصف‬ ‫أشتهي فرحا ُ‬ ‫اقول ربما هبت من لدنك‬ ‫يترشح منها أريجك‬ ‫‪5‬‬ ‫يقال ان القمر ال يتقن الغناء‬ ‫هذه الليلة أنا والقمر‬ ‫غنينا حتى الصباح‬ ‫هو غنى للنجوم‬ ‫وانا غنيت لعينيك‬


‫الرابع‪.‬‬ ‫مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر‬ ‫ترجمة «لطيف هلمت‬ ‫شعر»كه زال ابراهيم خدر‬ ‫‪1‬‬ ‫حين وجدتك‬ ‫كنت تلة تحولت الى جبل‬ ‫كنت نبعا ً فأصبحت بحرا ُ‬ ‫كنت ليلة قاتمة‬ ‫فأصبحت صبحا منيرا ُ‬ ‫كنت طيرا ُ في قفص‬ ‫عدت الى أعالي أغصان األشجار‬ ‫ألنثر النغمات الحلوة واألغاني‬ ‫‪2‬‬ ‫كالنا‬ ‫أنا وأنت‬ ‫سجينان‬ ‫انت سجين التقاليد‬ ‫وانا سجينة الخوف‬ ‫‪3‬‬ ‫وطني‬


‫لم استطع ان ابلل حنجرتك‬ ‫بقطرات من الحليب‬ ‫انت المتهم‬ ‫ألنك لم تتمكن من تعلم لغة االنهار‬ ‫كي تنقذك من االمواج‬ ‫وتوصلك الى جنبي‬ ‫انا المتهمة‬ ‫ألني من اجل تناول حفنة من السنابل‬ ‫ابعدت الطيور‬ ‫‪8‬‬ ‫ما بأيدينا‬ ‫فأحالمنا الماضية‬ ‫لن تسطيع الطيران‬ ‫والوصول الى أي بستان‬ ‫ودموع الطفولة‬ ‫تجهل العودة الى خاليا الضحك‬ ‫ماذا أفعل بأناملي الذابلة‬ ‫لم تستطع ان تكتب «»كن حبيبي‬ ‫وماذا افعل بشفاهي ولساني‬ ‫لم تجرأ احداهما ان تقول لك «‬ ‫كن عشيقي‬


‫‪6‬‬ ‫هيا استمع الى لوني‬ ‫أنا اتكلم معك بلوني‬ ‫تصفح اوراق الهوى‬ ‫ان سمعي ال يفقه االّ الحب‬ ‫انت تريد أن تغمرني بالسعادة‬ ‫بنظراتك األخيرة أمنياتي‬ ‫اذهب‬ ‫فأنا لن أحلم بك ابدا ُ‬ ‫لن احلم‬ ‫بمن يجهل جلّنار الحب‬ ‫‪7‬‬ ‫كالنا واقفان امام محكمة‬ ‫ألحاكم فيها‬ ‫أي منّا متهم‬ ‫في هذه المواجهة‬ ‫أنت كنت عابر سبيل‬ ‫تجهل الطرقات الجانبية‬ ‫تلك التي توصلك‬ ‫الى مركز القلب‬ ‫وانا كنت راعية‬


‫احول النجوم الى اشعاعات خالدة‬ ‫وامنح الخضرة األبدية لغاية‬ ‫وألملم‬ ‫ضفائر سيدة األنوار‬ ‫‪12‬‬ ‫أنا دمعة‬ ‫وأنت مئات الدموع المتناثرة‬ ‫هاتين العينين اريدهما للحب‬ ‫وليس لرؤية الكوابيس‬ ‫في الليالي المزعجة‬ ‫‪13‬‬ ‫في الحب ولدت‬ ‫ولكني أجهل تعريف الحب‬ ‫نعيش في واقع‬ ‫تساوت فيه الحياة والموت‬ ‫‪14‬‬ ‫ماذا نفعل يا عزيزي‬ ‫حين تذبل الورود‬ ‫لن تتالصق مرة ثانية‬ ‫مع األغصان‬


‫‪9‬‬ ‫عبر أرواح ليلة بيضاء‬ ‫وعبر قلوب نارية‬ ‫وعبر تثاؤب ليلة هادئة‬ ‫خطوت‬ ‫فوصلت بستان قلبك‬ ‫وحلمت بحمامة براعم وردة شفاهك‬ ‫وتحولت الى مساء من مساءات المدينة‬ ‫فجذب انتباهي فنان‬ ‫فتحولت الى ظالل اشجار الطرقات‬ ‫‪10‬‬ ‫تشبه ظالم قمر قلبي القاتم‬ ‫وحين أرى‬ ‫شفتيك المغمورة بالخمر‬ ‫تمتلئ بالضحك والبسمات‬ ‫تتحول احاسيسي الى فراشة‬ ‫وحياتي تتحول الى يراعات تحوم‬ ‫حول اضواء تلك االقواس القزحية المشردة‬ ‫‪11‬‬ ‫بأناملي‬ ‫اكتب ضباب غمزات جراحاتي‬


‫وحين نكتب اآلالم‬ ‫لن تمحيها‬ ‫لذائذ مئات القبالت‬




‫تعال‬ ‫ي‬ ‫حميد رساب‬ ‫تعال ْ‬ ‫لكه ف ي�‬ ‫ي‬ ‫فّ‬ ‫ن‬ ‫بك�‬ ‫وكو�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫حماما وديعا‬ ‫ف‬ ‫بسق�‬ ‫سيلهو‬ ‫ي‬ ‫بلطف‬ ‫ويشدو‬ ‫ِ‬ ‫ويهوي رسيعا‬ ‫شّ‬ ‫ف‬ ‫وعط�‬ ‫لع�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫وقمح‬ ‫وما�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وملح‬ ‫وزادي‬ ‫ي‬

‫سنغدو ربيعا‬ ‫ًّ‬ ‫بهيا بديعا‬ ‫ن‬ ‫وكو�‬ ‫تعال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫الجنون‬ ‫جنون‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الغصون‬ ‫وميس‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وسدا منيعا‬ ‫ّ‬ ‫الحصون‬ ‫قوي‬ ‫ِ‬


‫الخيال‬ ‫بحجم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجمال‬ ‫وسحر‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وكو� غزال‬ ‫ي‬


‫ن‬ ‫وكو�‬ ‫تعال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لشط‬ ‫ضفافا‬ ‫ي‬ ‫وتعط‬ ‫سخاءا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لكه�‬ ‫تعال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فّ‬ ‫بك�‬ ‫ي‬ ‫وص�ي ي‬ ‫ْ‬ ‫سماءا مضيئة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نجوما وضيئة‬ ‫تعال ّ‬ ‫إل‬ ‫ي ي‬ ‫نّ‬ ‫وح� ّ‬ ‫عل‬ ‫ي ي‬ ‫ّ‬ ‫وخل‬ ‫يديك‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ُت َح نّ� يديّ‬ ‫ي‬ ‫ً ّ‬ ‫حنينا وودا‬ ‫ً ّ‬ ‫حسابا وعدا‬ ‫وألف‬ ‫بألف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫لكه�‬ ‫تعال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فّ‬ ‫ن‬ ‫بص�‬ ‫وكو�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حميم‬ ‫يشوق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عميم‬ ‫وتوق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تعال‬ ‫تعال ي‬ ‫ي‬



‫شاعر ال ّ‬ ‫ضدّين‬ ‫ُ‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫مــن بيــن أزقــة دمشــق وجدرانهــا وحاراتهــا‪ ،‬ومــن عبــق ياســمينها وفلّهــا وآســها‪ ،‬ومــن مآذنهــا‬ ‫ـب‬ ‫والرقــة والوجــد‪ ،‬جامعًــا للضديــن بيــن الحـ ّ‬ ‫وكنائســها وأشــجارها‪ ،‬أتــى مح ّم ـاً بــك ّل الحـ ّ‬ ‫ـب ّ‬ ‫والتّمــرد‪ ،‬وبيــن الدّبلوماســية والثّوريــة‪ ،‬وبيــن التّمســك بالجــذور والقيــام على الموروثــات البالية‪،‬‬ ‫فــإن تج ّمــع النقيضيــن فهــذا ليــس باألمــر الســهل‪ ،‬لذلــك أختُلــف فــي أمــر شــاعرنا ‪ ،‬فمنهــم مــن‬ ‫قــال عنــه بأنّــه قديــس ومنهــم مــن جعلــه النّقيــض‪.‬‬

‫وليســت مصادفــة غريبــة أن تتزامــن ذكــرى ميــاد ال ّ‬ ‫شــاعر الراحــل نــزار قبانــي بعيــد االم‬ ‫‪ 21‬مــارس ‪ ،‬فالمــرأة بشــكل عــام تتربــع فــي قلبــه ‪ ،‬وتكلــل قصائــده ‪ ،‬وهــو الــذي أيقــن أن‬ ‫حريــة المــرأة مــن حريــة األوطــان ‪ ،‬وصفــوه بأنــه «شــاعر المــرأة « فجــاءت صياغتــه فلســفة‬ ‫عشــقيّة ‪ ،‬ونظــر للمتلقــي العربــي نظــرة حميميــة فحــرر قصائــده مــن اللوغاريتمــات المبهمــة ‪.‬‬ ‫إنّــه نــزار بــن توفيــق القبانــي‪ ،‬الدبلوماســي والشــاعر الــذي لــم يثُــر قبانــي‬ ‫علــى الديــن بــل ثــار علــى الخرافــة والعبوديــة‪ ،‬فجاهــر بمبادئــه المعاديــة للــذل‪،‬‬ ‫والداعيــة إلــى التمــرد علــى العــادات والتقاليــد التــي تقلــل مــن قيمــة اإلنســان‪.‬‬ ‫ـب فــي العالــم العربــي ســجين وأنــا أريــد تحريــره‪ ،‬أريــد تحريــر‬ ‫هــو مــن قــال فــي الحــب إن الحـ َّ‬ ‫الحــس والجســد العربــي بشــعري‪ ،‬فــإن العالقــة بيــن الرجــل والمــرأة فــي مجتمعنــا غيــر ســليمة‪.‬‬

‫حتّــى أنــه ثــار علــى العروبــة المزيفــة وشــبهها باألرملــة ‪،‬فلــم يعــرف ع ّمــن سيشــكو عــن‬ ‫العروبــة أم العربــا ‪،‬متعجب ـا ً مــن كيفيّــة الكتابــة بحريّــة واألقفــال فــي فــم ك ّل عربــي وك ّل ثانيــة‬


‫يأتيــك ســفاح فقــد حمــل شــعره علــى ظهــره حتــى أتعبــه ‪،‬ومــاذا مــن الشــعر يبقــى حيــن يرتــاح ‪.‬‬ ‫الشــاعر الــذي رســم العالــم والحيــاة بالكلمات‪،‬شــاعر التناقضــات العربيــة ‪،‬الــذي مــأ الدّنيــا‬ ‫وشــغل النّــاس فــي النّصــف الثانــي مــن القــرن العشــرين ولــم تــزل اشــعاره ورســومه وصــوره‬ ‫والوانــه تنتشــر فــي ك ّل أصقــاع المعمــورة واذا كان نــزار قــد رحــل رحلــة نهائيــة ‪ ،‬فــإن تراثــه‬ ‫األدبــي ســيبقى الــى جانــب تاريخــه األدبــي والفكــري علــى طــول ّ‬ ‫الزمــن‪.‬‬




‫ين‬ ‫فلسط�‬ ‫عىل أرض‬ ‫عل لفته سعيد‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تساور� الشكوك‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫حبل؟‬ ‫هل يدك‬ ‫أم ساقاك تركضان بالحجارة؟‬ ‫ّ‬ ‫هل يلفك القطن األبيض المصبوغ بسخام الحرب؟‬ ‫زف�ك حارق؟‬ ‫أم ي‬ ‫ركبتاك من تفاصيل الموت‬ ‫والسماوات ساجدة‬ ‫تدفع العربية يك تقذف روحك‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فتلم األرض نشيدا‬ ‫أقرأ ما ي ن‬ ‫ب� شفتيك‬ ‫ُ‬ ‫جرح‬ ‫رصخة‬ ‫ٍ‬ ‫وعيناك‬ ‫ف‬ ‫تصطادان فعل ّ‬ ‫الصمت ي� حناجرنا‬ ‫يدك الراسمة للرقم ي ن‬ ‫أثن�‬ ‫َ‬ ‫ّ ف‬ ‫وأنت وحدك ترسم ظلك ي� رأسك‬ ‫كيف لعضلة ساعدك األيمن ترسم مالمح الجوع‬ ‫ّ‬ ‫رباط لم يعد للخيل فيها من مأرب‬ ‫وتقوى عىل قذف ما تيس لك من ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫فالتا من ّ‬ ‫ً‬ ‫كف السجون‬ ‫أصبعا‬ ‫ترسل يدك الممدودة‬ ‫أقرأ تفاصيل جيدك وحبل الوريد وصدرك الموبوء بالعشق‬ ‫نّ ّ‬ ‫عي� اتقاء دخان القنابل وأنا البعيد‬ ‫ربما أغمض ي‬ ‫أمسك بيد امر ي ن‬ ‫علم تج‬ ‫أت� من ٍ‬ ‫وسان الطريق‬ ‫لتفسحا السبيل اىل الدعاء‬



‫رصاخ جزيئة‬ ‫كا�‬ ‫د‪ .‬سجال الر ب ي‬

‫ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫لمن أقدم اعتذاري‬ ‫ألرض َك ‪!...‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫رفضت ث َ‬ ‫ين‬ ‫ن� بذار ش ِّ‬ ‫ال�‬ ‫ح�‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫رؤوس‬ ‫فأينعت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هربت ساعة القطاف‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫قلم يحصد قمح َالمحبة‬ ‫ي‬ ‫َ ُ‬ ‫ورد القبالت‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫قدمُ‬ ‫اعتذاري ‪...‬؟‬ ‫ِلمن أ‬ ‫ِ‬ ‫لك‬ ‫َ‬ ‫يان َه ُر ‪...‬؟!‬ ‫تّ َ‬ ‫َ‬ ‫عاتبتك‬ ‫تس�ت‬ ‫ِاألقمار‬ ‫وجئت بالفتية‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ورودا حمر القطوف‬ ‫ُ‬ ‫نذرت خصامك‪...‬‬ ‫والعروق ظمأى‪...‬‬ ‫آه ٍ يا نخلة المنتىه‬ ‫َ‬ ‫يا ُبستان الدموع‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫احرقي�‪...‬‬ ‫ذري�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫امطري�‪...‬‬ ‫ي‬

‫الصخر‬ ‫الرمل ‪ِ ...‬م َن‬ ‫سانهض ‪ ...‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الشط ‪ ...‬من ي ن‬ ‫َالط�‬ ‫سأنهض من‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جزيئة‪ ...‬واثبة ‪ ...‬صارخة‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫فديتك ‪ ...‬فديتك‬



‫أقواس قزح‪:‬‬

‫عمر شبيل‬

‫جذوة من ثلوج جبل الشيخ‬ ‫ق‬ ‫الموسي� ضجيج‪،‬‬ ‫“ من دون الحب كل‬ ‫ك ُّل الرقص جنون‪ ،‬ك ُّل العبادات عبء»‬ ‫موالنا جالل الدين الرومي‬ ‫“‪”1‬‬ ‫حيــن أقــرأ عم ـاً شــعريا ً جمي ـاً أحــس مــع كاتــب هــذا الشــعر معاناتــه ومقــدار صعوب ـ ِة إيجــاد الكلمــات‬ ‫التــي نقرؤهــا نحــن بســهولة فــي شــعره‪ ،‬والتــي كان الشــاعر يطــارد ُم ْع ِوصاتهــا قســراً‪ ،‬وكنــت آنــذاك أرد ُد‬ ‫ئ كلماتــه‪:‬‬ ‫بيتـا ً لنــزار قبانــي يخاطــب بــه قــار َ‬ ‫تمر عليها‬ ‫ت ّ َذك َّْر‪ ،‬وأنتَ ُّ‬

‫عذاب الحروف لكي تو َجدا‬ ‫َ‬

‫ســلَّ ُم ْه»‪ .‬وإذا كانــت الكتابــة‬ ‫ـعر صعـ ٌ‬ ‫ـب وطويـ ٌل ُ‬ ‫وقديمـا ً أدرك «الحطيئــة» هــذه الصعوبــة حيــن قــال‪« :‬الشـ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫والشــجر أقالمــا ً‬ ‫وحراشــا ً بكلمــا ٍ‬ ‫صيَــغ‬ ‫البحــر مــدادا ً لهــا‪،‬‬ ‫ت ال تنتهــي‪ ،‬ولــو كان‬ ‫معانــاة ونزيفــا ً ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تخــط ِ‬ ‫اســتعمالها ودالالتهــا التــي ال تنضــب‪ .‬نعــم‪ ،‬إذا كانــت الكتابــة اإلبداعيــة قريبــة مــن مفهــوم القتــل واالنتحار‪،‬‬ ‫فلمــاذا نقــدم عليهــا‪ ،‬ونحــن نــدري أنهــا أشــبه بجــزر الســاحرات فــي األوذيســة التــي تغــري ســاحراتها‬ ‫البحــارة بغنائهـ ّ‬ ‫ي ِ الــذي ال يُقــاوم‪ ،‬والــذي يقودهــم قســرا ً إلــى هــذه الجزيــرة الملعونــة‪ ،‬ثــم ت ُ َحـ ّـو ُل‬ ‫ـن الشــج ّ‬ ‫الســاحراتُ البحــارة َ وقــودا ً الســتمرار شــجو غنائهــن الســاحر الــذي هــو أكثــر إغــرا ًء مــن الوصــول إلــى‬ ‫“إيتــاكا”‪ .‬وهــذا الشــجو اآلرس نفســه هــو الــذي يجعــل “بعــض الطيــور تغـنّ وه ُت ْح َت ـرضَ ُ ”‪ .‬ويظـ ُّـل اإللحـ ُ‬ ‫ـاح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫مطروحـ ًـا بأبعـ َـد مــن صيغــة الســؤال‪ :‬لمــاذا‪ ،‬ولمــاذا؟‪ .‬واألغــرب أن الشــعر كان‪ ،‬كمــا يبــدو‪ ،‬الموجــود األول ي�‬ ‫ّ‬ ‫إن آدم ث‬ ‫صــدر اإلنســان األول‪ ،‬كمــا تــروي حكايــات األقدمـ ي ن‬ ‫ر� ابنــه‬ ‫ـ�‪ ،‬وليســت أســطورة بســيطة أن يقــال‬ ‫ً‬ ‫“هابيــل” شــعرا عندمــا قتلــه أخــوه “قابيــل”‪ .‬والمهــم هنــا ليــس حقيقــة حصــول هــذا الرثــاء مــن عدمــه‪ ،‬ولكـ ّـن‬ ‫ت‬ ‫ه البدء‪.‬‬ ‫داللة ما ترمز إليه هذه األســطورة لعالقة ال ًشــعر باإلنســان‬ ‫األول‪ ،‬ومنذ الكلمة ي‬ ‫ال� كانت ي‬ ‫األهم َ َ َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬ ‫ـوح نفســه ي�‬ ‫ســواء أحدثــت الروايــة أم لــم ت َحــدث‪ .‬وليــس غريبــا أن نســمع الشــعر ي� بــاد العــرب قبــل الـ ي‬ ‫مراحــل مــا قبــل اإلســام‪ ،‬ونســمع األقدمـ ي ن‬ ‫ـعر حتــى تتــركَ اإلبـ ُل الحنيــن»‪.‬‬ ‫ـ� يقولــون‪“ :‬لــن يتــرك العــرب الشـ َ‬ ‫وقــد حــاول وفــي كل األمــم فــي مــا وصــل إلينــا مــن قديــم الشــعر العربــي أن يجعلــوا للشــعر وحيـا ً يلقّـ ُ‬ ‫ـن‬ ‫الشــعراء ُ‬ ‫ـر َر أشــعارهم‪ ،‬فهوميــروس يفتتــح إلياذتــه بالتوســل بربــة الشــعر لتلهمــه نقــل االحتــدام الوبيــل‬ ‫غـ َ‬ ‫فــي حــرب طــروادة‪ ،‬وتخليــد بطولــة اليونانييــن بشــخصية بطلهــم األســطوري «أخيــل»‪ ،‬ويبــدأ ملحمتــه‬ ‫هكــذا‪:‬‬ ‫بن بيال»‬ ‫ربةَ الشعر عن «أخي َل ِ‬

‫ح ّدِثينا واروي احتداما ً وبيال‬

‫وخلــق العــرب «وادي عبقــر» ليوحــي للشــعراء تنزيلهــم‪ ،‬وجعلــوا لــكل شــاعر شــيطانه الــذي ينـ ِ ّ‬ ‫ـز ُل عليــه‬ ‫الشــعر‪ ،‬يقــول امــرؤ القيــس‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الجن أشعارها‬ ‫تُلَ ِقّنُني‬

‫َّ‬ ‫شعرهن انتقَيْت‬ ‫فما شئتُ من‬

‫وكان الشــاعر يتباهــى بقــوة شــيطانه الــذي ينــزل عليــه الشــعر‪ ،‬ويفضلــه علــى شــيطان شــاعر آخــر‪:‬‬


‫الباكيــن حولــي»‪ .‬نعــم البــكاء هــو شــعر فــي النهايــة‪ .‬فالشــعر بــوح‪ ،‬والبــوح خــروج إلــى الضــوء‪ ،‬وال‬ ‫يكــون ذلــك إال بمقــدار مــا يســتطيع الشــعر أن يغــوص‪ .‬ولــذا فالشــعر هــو معــارك الداخــل مــع كل أســئلة‬ ‫الكــون‪ ،‬والشــاعر الحقيقــي هــو الــذي يشــعر بأنــه ســيموت إن لــم يكتــب‪ ،‬والمــوت هنــا خــروج مــن اآلنــي‬ ‫والعــادي‪ .‬المــوت ليــس فقــط التمــدد فــوق آلــة حدبــاء‪ .‬المــوت حيــن ينصــرف المبــدع عــن إخــراج حرائقــه‬ ‫ليحــرق كل مــا هــو مبتــذل فــي العالــم‪ .‬إن احمــرار الثمــار يحتــاج شمسـا ً حــارة‪.‬‬ ‫وهنــا تجــدر اإلشــارة إلــى أن اإلبــداع مهمــا ســطع فــي النتــاج الشــعري فإنــه يبقــى قاصــرا ً عــن بلــوغ‬ ‫المناطــق القصيــة فــي النفــس البشــرية‪ ،‬وهنــا ألــم آخــر يتعــرض لــه المبــدع‪ ،‬حيــث تظ ـ ُّل كلماتــه مرايــا‬ ‫ـهر الخلـ ُـق ّ‬ ‫للداخــل‪ ،‬وليســت الداخـ َل نفســه‪“ ،‬ويسـ ُ‬ ‫جراهــا ويختصـ ُـم”‪ ،‬حتــى ولــو نــام المتنبي عن شــواردها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـن إلنجــاز روائعــه‪ ،‬لقــد كان يطاردهــا فــي فلــوات روحــه كمــا‬ ‫ـهر طويـ ٍل وم ْ‬ ‫إن نومــه كان ممزوجـا ً بسـ ٍ‬ ‫ضـ ٍ‬ ‫ـر عنهــا بكلمــة‬ ‫يطــارد الصيــاد غــزاالً نافــراً‪ ،‬وهــو المعتــرف بقســوبة وصعوبــة تلــك المطــاردة‪ ،‬والتــي عبّـ َ‬ ‫«قســراً» فــي قولــه‪:‬‬ ‫الشعر قسرا ً‬ ‫أراكض ُم ْع ِوصات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫فأقتلُها وغيري في الطرا ِد‬

‫ويظــل الشــاعر يركــض وراء إدراك ذاتــه‪ ،‬ولكنــه ال يســتطيع‪ ،‬ولــذا تظــل القصيــدة األرقــى عنــد الشــاعر‬ ‫المبــدع هــي القصيــدة التــي لــم يكتبهــا‪ ،‬ويظــل ينتظــر مجيئهــا‪ ،‬ولكنهــا تأتــي وال تأتــي‪ .‬ومــن وجــع الشــعر‪:‬‬ ‫ـ� َمقـ ُ‬ ‫“ إذا القـ ُ‬ ‫ـول قبــل القائلـ ي ن‬ ‫ـول”‬ ‫وكمــا أن لآللــة وقــودا ً يحركهــا‪ ،‬فللشــعر وقــود أيضـاً‪ ،‬وهــو الحــب‪ ،‬فــا شــعر حيــث ال يوجــد حــب‪ ،‬وكلمــا‬ ‫خامــر الحــبّ وجــدان المبــدع تصبــح قطــوف قصائــده دانيــة أكثــر‪ ،‬ونقيــض الحــب كالكراهيــة والنفــور‬ ‫والقهــر ينابيعهــا العميقــة توجــد فــي أرض الحــب‪ْ .‬‬ ‫أن تُق َهــر مــن شــيء فهــو تعبيــر مقلــوب عــن شــدة رغبتــك‬ ‫بامتالكــه أوالنيــل منــه‪ّ .‬‬ ‫إن حــبّ امــرئ القيــس والـ َده أورثــه عــداوة وكراهيــة بنــي أســد الذيــن قتلــوا أبــاه‪،‬‬ ‫ق أ َهــل»‪ ،‬ويســيل‬ ‫وقلَبَــه مــن شــاعر متهتــك يعقــر للعــذارى مطيتــه إلــى شـ ٍ‬ ‫ـاعر ًحزيــن يــأرق «مســا ًء لبــر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ـو اليــوم وال‬ ‫ـى بفعــل الحــب والكراهيــة فــي آن‪“ :‬ضيعـ ن يـ� صغـ يـرا‪ ،‬وحملـ ن يـ� دمــه كبيــراً‪ ،‬ال صحـ َ‬ ‫ـجى وأسـ ً‬ ‫شـ ً‬ ‫سـ ْك َر غــداً»‪ ،‬وهــذا مــا أدخلــه فــي وادي عبقــر ليُ ْعطــى بــه شــعرا ً خالــداً‪ ،‬ال يهــرم وال يدنــو منــه النســيان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـدي حمامـ ِة عســيب‪:‬‬ ‫كل ذلــك بفعــل الحــب والحــزن وعــذاب الرحلــة‪ ،‬والبــكاء بيــن يـ ْ‬ ‫أيا جارتا إنّا غريبان ههنا‬

‫نسيب‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫وك ُّل غري ٍ‬ ‫ب للغري ِ‬

‫مــن أيــن كان ينبــع هــذا الشــجى المؤثــر لــوال معــارك روحــه الداخليــة التــي نقلتــه مــن هــودج عنيــزة إلــى‬ ‫تلــك الــدروب الصعبــة حيــث «بكــى صاحبــه لمــا رأى الــدرب دونــه»‪ .‬الحــب واأللــم والغربــة واألحــزان‬ ‫ـرأة مــن األلــم كمــا يــرى بودليــر‪.‬‬ ‫هــي التــي تخلــق الخوالــد‪ ،‬حيــث ال عبقريــة ُمبَـ َّ‬ ‫“‪“ 2‬‬ ‫عــن طريــق الحــب وجدتنــي ســالكا ً دربـا ً تحــت أقــواس قــزح للشــاعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬وأقــواس قــزح‬ ‫ـوس قــزح يــوم كنــا صغــارا ً فــي قرانــا الطينيــة‬ ‫فــي شــعره تمشــي ويمشــي تحتهــا تحتهــا‪ .‬وكــم كان يخلبنــا قـ ُ‬ ‫التــي لــم تكــن تئــن تحــت قســوة األســفلتُ وقتئ ـذٍ‪ ،‬كان قــوس قــزح يشــبه ثيــاب بنــات قرانــا‪ ،‬وكنــا نمــزج‬ ‫بيــن األلــوان فــي حرمــان جميــل‪ .‬ورغــم هــذا الحرمــان الجميــل‪ ،‬فقــد كنــا نتمنــى أالّ يــزول‪ ،‬ألنــه كان‬ ‫يغرينــا بالحبيبــة والســفر ومجالســة القلــب‪ ،‬كمــا يؤكــد شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن‪“ :‬أنـ ث ُـر الفجـ َـر عــى هــام‬ ‫الزمــان‪ /‬أطلـ ُـق األحـ َ‬ ‫ـام مــن فــوق ســطوح القلــب‪ /‬أقـ َ‬ ‫ـواس قــزح” أقــواس قــزح ص ‪ ،8‬وكان هــذا الحضــور‬ ‫يقيــم عالقــة صوفيــة بيــن الزمــان والمــكان فــي حلــول مملــوء بالوجــد واإلقامــة فــي الذكــرى‪ ،‬وقتهــا يتحــول‬ ‫ممرعـا ً ألنــه يأخــذ خضرتــه مــن وجــدان الشــاعر‪ ،‬وفــي التفاتــة رائعــة‬ ‫القبــح إلــى جمــال‪ ،‬ويغــدو الوعــر ِ‬ ‫َ‬ ‫يلقــي شــاعرنا القبــض علــى الحــال‪ ،‬فيصبــح مســاهما فــي عمليــة خلــق المــكان والزمــان‪“ :‬أقـرأ الوعــر‪/‬‬


‫ـر»‪ .‬وكانــت القبائــل ترســل وفــودا ً لتهنئ ـ ِة قبيلــة نبــغ منهــا شــاعر‪ .‬ولشــدة‬ ‫«شــيطانه أنثــى وشــيطاني ذ َكـ ْ‬ ‫ي للشــعر‪ ،‬واتهمــوا الرســول العربــي بكونــه‬ ‫حضــور الشــعر فــي الــذات العربيــة نســبوا الوحــي القرآنــ َّ‬ ‫ـر وقــرآن‬ ‫شــاعراً‪ ،‬وجــاء فــي القــرآن نفيـا ً لهــذه التهمــة‪« :‬ومــا علَّمنــاه الشــعر ومــا ينبغــي لــه إن هــو إال ذكـ ٌ‬ ‫مبيــن” ســورة يسـ ي ن‬ ‫ـ�‪ .‬ولــم يســتطع اإلســام بــكل حضــوره الـ‬ ‫ـروح أن يل ـغ ي الشــعر مــن النفــس العربيــة‪،‬‬ ‫ي ً‬ ‫ـه�ة‪“ :‬بانــت ســعاد”‪،‬‬ ‫بقصيدتــه الشـ ي‬ ‫وكان الرســول قــد أفــرغ بردتــه عــى الشــاعر “كعــب بــن زهـ يـر” إعجابــا ً‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫والعجيــب أنــه اســتهلها بالمقدمــة الغزليــة الطلليــة رغــم أنــه جــاء بهــا مادحــا النـ ب يـ� الــذي جــاء ليلـ ي الجاهليــة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومعــروف اعتمــاد الرســول عــى شــاعر كبـ يـر هــو “حســان بــن ثابــت األنصــاري” للدفــاع عــن رســالة الســماء‬ ‫التغل�‪ ،‬وهو يذود‬ ‫تأث� �ض بة الســيف عىل النفســية العربية‪ ،‬كما قال األخطل‬ ‫بشــعر شــاعر‪ .‬وكان للشــعر ي‬ ‫بي‬ ‫بشــعره عــن األمويـ ي ن‬ ‫ـ�‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫آو ْوا وهم نصروا‬ ‫بني أميّــــــــةَ قد ناضلـــــتُ دونكــ ُم‬ ‫قوم ه ُم َ‬ ‫أبنا َء ٍ‬ ‫مضض‬ ‫حتى استكانوا وهم مني على‬ ‫ٍ‬

‫والقو ُل ينفذُ مــــــا ال تنفذُ اإلبَ ُر‬

‫وقصــة الحطيئــة معروفــة حيــن ســجنه عمــر بــن الخطــاب بســبب هجائــه الزبرقــان بــن بــدر‪ ،‬ثــم بكــى‬ ‫الخليفــة عمــر حيــن ســمع شــعر الحطيئــة فــي ســجنه‪ ،‬وهــو يقــول مذ ِ ّكــرا ً الخليفــة بجــوع أطفالــه‪:‬‬ ‫ماذا تقو ُل ألطفـا ٍل بذي َم َرخٍ‬ ‫قعر ُمظ ِلم ٍة‬ ‫ألقيتَ كاسبَه ْم في ِ‬

‫شجر‬ ‫ب الحواص ِل ال ما ٌء وال‬ ‫ُز ْغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عمر‬ ‫هللا يا‬ ‫فاغفر عليــكَ سال ُم ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫المــدون‬ ‫لقــد ظــل الشــعر تاريــخ العــرب الحقيقــي‪ ،‬وفيــه تــرى حياتهــم الحقيقيــة‪ ،‬بمنــأى عــن التاريــخ‬ ‫ّ‬ ‫المملــوء بالهــوى والظــن‪ .‬إنــك ال تســتطيع أن تفهــم الحالــة االجتماعيــة فــي العصــر األمــوي مــا لــم تقــرأ‬ ‫شــعر عمــر بــن أبــي ربيعــة‪ ،‬وإذا أردت فهــم روح تاريخهــم السياســي فــي ذلــك العصــر فعليــك أن تقــرأ‬ ‫والط ِر َّمــاح بــن حكيــم الطائــي وعبيــد هللا بــن قيــس الرقيّــات‬ ‫الفــرزدق واألخطــل وجريــرا ً والكميــت بــن زيــد‬ ‫ِ‬ ‫وغيرهــم‪ .‬إن الشــعر هــو التاريــخ الداخلــي للنفــس البشــرية‪ ،‬والــذي انعكــس خارجـا ً علــى الفعــل السياســي‬ ‫واالجتماعــي واالقتصــادي‪ ،‬والروحــي بشــكل أعمــق‪.‬‬ ‫اليونــان حتــى اليــوم يعتبــرون اإلليــاذة التــي خلّــد بهــا هوميــروس بطــوالت اليونانييــن وأمجادهــم فــي حــرب‬ ‫طــروادة كتابَهــم المقــدس‪ .‬والفــرس بنزعتهــم القوميــة يعتبــرون «الشــاهنامة» مــن أهــم خوالــد تاريخهــم‪.‬‬ ‫والفرنســيون يعتــزون بأنشــودة «روالن»‪ ،‬وكل األمــم تعتــز بنوابغهــا الشــعرية ألن الشــعر هــو تعبيــر عــن‬ ‫روح األمــة ونزعتهــا إلــى مــا هــو أبعــد مــن واقعهــا‪.‬‬ ‫ئ مــن راح يُن ّ‬ ‫ـر لمــوت الشــعر‪ ،‬وزوالــه‪ ،‬فالشــعر لصيــق النفــس اإلنســانية وحــا ٌّل فيهــا مـ ْذ وجــدتُ ‪،‬‬ ‫مخطـ ٌ‬ ‫َظـ ُ‬ ‫وســيبقى لــه وجــود وصــدى ومــدى ومـ ٌ‬ ‫ـب فــي الــذات البشــرية مــا دام هنــاك حيــاة تنبــض فــي جسـ ٍد‬ ‫ـكان رحـ ٌ‬ ‫آدمي‪.‬‬ ‫والســؤال الــذي ينبثــق مــن هــذا الــكالم هــو‪ :‬لمــاذا احتــل الشــعر‪ ،‬ولم يـ ْ‬ ‫ـزل محتَـاًّ دواخــل النفس اإلنســانية؟‪.‬‬ ‫وأنــا أرى مــن خــال تجربتــي مــع الحيــاة‪ ،‬واحتكاكــي الخشــن بهــا أن الشــعر هــو الموئــل األخــري لتفريــغ‬ ‫الجســد مــن األوجــاع واآلالم‪ ،‬إنــه البوابــة األبديــة لمغــادرة األحــزان الجاثمــة فينــا‪ ،‬ولنســتمع معـا ً إلــى قيــس‬ ‫بــن الملـ َّـوح‪ ،‬وهــو يقــول‪:‬‬ ‫أشرف اإليفاع إالّ صبابةً‬ ‫فلم‬ ‫ِ‬

‫ولم أنشد األشعار إال تداويا‬

‫قيــس هنــا ينفــرد فــي بريّــة روحــه ويعلــو مــا أيفــع مــن األرض ليــزداد صبابــة ألن الصبابــة هــي مــا يغريــه‬ ‫بالبثــاء‪ ،‬وهــو ينشــد الشــعر ليتــداوى مــن آالمــه‪ .‬المعانــاة شــديدة الحضــور فــي النفــوس الكبيــرة ومــن هنــا‬ ‫تأتــي أهميــة الشــعر‪ ،‬ألنــه بــكاء الــروح التــي ال تصــل إلــى صفائهــا إال بعــد ذرف مكنوناتها»ولــوال كثــرة‬


‫كلــه‪ ،‬وهــذه الــروح هــي الحــب المندلــع مــن معاشــرة المــكان والزمــان‪ ،‬وهمــا يشــكالن معـا ً ثنائيــة تتصــف‬ ‫بالتصاقهمــا مع ـا ً فــي وجــدان يحــاول اســتعادة الزمــان والمــكان مــن قطــار العمــر الميافــر دون توقــف‪،‬‬ ‫ـئ بأصــداء النــداء ال ُمت َ َو ِلّــه الــذي يمتــزج فيــه الذاتــي بالكونــي عبــر مــكان علــى مــدارج جبــل‬ ‫وغيــر عابـ ٍ‬ ‫الشــيخ‪ ،‬وعبــر زمــن يأبــى إالّ أن يصبــح ذكــرى يخترقهــا حــزن جميــل‪ ،‬بمســك بالمــكان والزمــان غــي‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫آن‪/ :‬ينازعـ نـ� الحنـ نُ‬ ‫د� مطمــورة ف� داخــ�‪ /‬فأمـ ُ‬ ‫ـ�‪ /‬إىل ن ً‬ ‫ـال الزمهريــر لعلهــا‪/‬‬ ‫ـارس‬ ‫ًي ً ي‬ ‫ٍ‬ ‫التقيـ ُـب عنهًــا‪ /‬ي� ل نيـ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ـد� قطافــا دانيــا‪ /‬ولعلهــا‪ ،‬وأنــا الــذي‪ ،‬غطيطتهــا زمنــا تغطيـ يـ�‪ /‬أقــواس فــزح ص‬ ‫تــوري زنــادا كابيــا‪ /‬تـ ي‬ ‫ي الزمــان والمــكان فــي هــذه المجموعــة‪ .‬وســنالحظ ترابــط المــكان‬ ‫‪ .90‬ســأحاول بدايـةً الدخــو َل فــي بُعـ َد ْ‬ ‫والزمــان معـاً‪ ،‬فــإذا كان لإلقامــة مــكان‪ ،‬وللغربــة مــكان فــإن الحــب هــو الــذي يجمــع بينهمــا فــي حساســيات‬ ‫المــكان‪ ،‬وتوتــرات خواطــره وانعكاســاتها فــي جميــع قصائــد هــذه المجموعــة‪ .‬وســنالحظ مع ـا ً فــي هــذه‬ ‫المجموعــة أبضـا ً أن الزمــان يأخــذ صفــات المــكان بصفائــه وغيومــه‪ ،‬وبذبولــه وانتعاشــاته‪ .‬مــع مالحظــة‬ ‫ظاهــرة الحــزن المهيمنــة علــى المجموعــة‪ ،‬ولكنهــا ال تصــل إلــى حـ ّد الكآبــة‪ .‬الحــزن فــي هــذع المجموعــة‬ ‫شــفيف‪ ،‬ويحمــل طبيعــة المــكان والزمــان اللذ ْيــن أنتجــاه‪.‬‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫المكان تحت قوس قزح‬ ‫ســنَ المــكان ومخلوقاتــه التــي تشــارك اإلنســان‬ ‫المــكان هنــا فــي هــذه المجموعــة لــم يبــق مكانـاً‪ ،‬وإنمــا تَأ ْن َ‬ ‫امتــاك األرض والعــودة إليهــا‪ .‬إن أنســنة األشــياء تعنــي أننــا نحــن فيهــا‪ ،‬إن حصــان عنتــرة بــن شــداد كان‬ ‫يكمـ ُل اآلخرفــي حالــة تســتدعي‬ ‫يعانــي مــن هــول المعركــة‪ ،‬وكان عنتــرة يحــس معاناتــه‪ ،‬ألن كليهمــا كان ِ‬ ‫التوحــد‪ ،‬وكلمــا ارتفــع تعايــش الحــاالت فــي قضيتيــن تكــون دواعــي المشــاركة أعلــى‪:‬‬ ‫فازور من وقع القنا بلبان ِه‬ ‫َّ‬

‫ي بعبر ٍة وت َ َح ْم ُح ِم‬ ‫وشكا إل ّ‬

‫المــكان فــي شــعر ســليمان زيــن الديــن ليــس خــارج الــذات‪ ،‬وإنمــا تحــول إلــى جغرافيــة داخليــة‪ .‬ولــذا‬ ‫ســنرى المــكان نفســه متكــررا ً فــي كل تفاصيــل المجموعــة‪ ،‬والــذي ينقــذه مــن ظاهــرة التكــرار انســفاح‬ ‫الــذات فيــه لدرجــة اختــاط الجســد بتــراب القريــة وأشــيائها‪ .‬المــكان كائــن يحكــي ويبــث نجــاواه مــن‬ ‫مزاميــر شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن‪.‬‬ ‫كان ســلمان زيــن الديــن يــدرك إن الرســام يســتطيع وصــف تفاصيــل المــكان الطبيعــي أفض ـ َل منــه‪ ،‬ولــذا‬ ‫اســتعاض عــن دقــة وصــف الرســام بإذخــال الطبيعــة القرويــة فــي ذاتــه لتصــدر عنــه محمل ـةً بــه‪ ،‬لنــراه‬ ‫ـب فيهــا‪ .‬لقــد صــارع‬ ‫مســفوحا ً فيمــا يكتــب‪ .‬وبهــذا تتفــوق ريشــة الفنــان علــى دقــة آلــة التصويــر التــي ال قلـ َ‬ ‫القلــم الكاميــرا وتغلــب عليهــا بمقــدار مــا دلــق فــي ريشــة قلمــه مــن أحاسيســه‪ .‬لقــد جعلنــا اإلحســاس الغامــر‬ ‫ـأدق جزئياتــه‪ ،‬لــم تســتطع الكاميــرا مزاحمــة ريشــة‬ ‫نصــرف النظــر عــن الكاميــرا ودقــة نقلهــا المشــهدَ بـ ّ ِ‬ ‫وألــوان «ليونــارد ديفنتشــي»‪ .‬لقــد اســتطاع هــذا الرســام الخالــد أن يدخلنــا إلــى ذاتــه‪ ،‬لنســتجلي كوامنهــا‪،‬‬ ‫ولنغــوص أكثــر غــي قــراءة بــوح «الموناليزا»‪،‬ولنغــوص فــي اســتجالء األحاســيس المنســفحة علــى المــكان‬ ‫الــذي هــو الحبيــب األول‪ ،‬كمــا يقــول أبــو تمــام‪.‬‬ ‫ولكــن األرض عاشــقة شرســة‪ ،‬تقتلنــا كــي تســترج َع حالتهــا األنثــى‪ .‬وتســترجعنا لتثبــت تمل َكهــا‪ ،‬إنهــا تصنــع‬ ‫مــن وحولنــا أعضاءهــا‪ ،‬وتصنــع آلهــة لنعبدهــا مــن لزوجــة طينهــا فــي دورة أبديــة ال تبتــدئ مما نــدرك‪ ،‬وال‬ ‫تنتهــي فيمــا نــدرك‪ .‬هــي أنثــى‪ ،‬الرعــد تعبيــر عــن شــهوتها الخالقــة‪ ،‬ويجــيء البــرق لينقذهــا مــن شــهواتها‬ ‫الدنيــا‪ .‬هــي نحــن تكتمــل حيــن تســتعيدنا لتخرجنــا ثانيــة‪ .‬أريــج أزهارهــا لغتهــا‪ ،‬موتنــا حياتهــا‪ .‬مســتبدة‬ ‫دائمـاً‪ ،‬ومــع ذلــك نعبدهــا‪ .‬فيــا لهــا مــن عاشــقة شرســة‪ .‬شــهوتها لزوجــة مائهــا فــي رحــم الطيــن‪ .‬ويغــوص‬ ‫المــاء فــي رحمهــا لتلــد مخلوقاتهــا ‪ .‬وحلهــا يتكــور خبــزا ألوالدهــا‪ .‬وهــم يضاجعونهــا أحيــا ًء‪ ،‬موتــى‪.‬‬ ‫ورغــم رهبــة المــوت ال يتخلــى شــاعرنا عــن فرحــه بحلولــه فــي ذاتـــه الكبــرى‪ ،‬وتحوالتــه فــي مخلوقاتهــا‬


‫ف ف‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـط‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫وأ‬ ‫ـات‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الذكر‬ ‫ـوز‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ـاه‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ثنا‬ ‫�‬ ‫ـا�‪ /‬أقــواس قــزح ص ‪ ،9‬إنهــا‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫اق‬ ‫ر‬ ‫ـأو‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـاري‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ـجر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫وأخ ـ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫صــورة أ ّخــاذة أن يغطــي الشــاعر عــري أشــجار العمــر بــأوراق الذكريــات التــي هــي الزمــن الحقيقــي‪ ،‬ومــا‬ ‫ممرعـا ً فعليــه أن يخلقــه فــي ذاتــه‪:‬‬ ‫عداهــا مجــاز‪ .‬وكان الشــاعر يــدرك أنــه إذا لُــم يســتطع أن َيجُــد روضـا ً ِ‬ ‫ـ� تحــارص الظلمــات قنديــ�‪ /‬ويجتــاح النعـ ُ‬ ‫‪/‬وحـ ي ن‬ ‫ـاس ذبالتــه‪ /‬فيعــى‪ /‬أشــهر الكلمــات قنديــا‪ /‬أقــواس‬ ‫ي‬ ‫قــزح ص ‪ ./54‬وقبلــه كان إيليــا أبــو ماضــي يقــول‪:‬‬ ‫إذا ما لم أج ْد روضا ً َمريعا ً‬

‫الروض في روحي وذهني‬ ‫خلقت‬ ‫َ‬

‫ـاعر ســمتُه المتحــدرة مــن تكوينــه الروحــي والبيئــي واالجتماعــي‪ ،‬وإذا كان القدمــاء‬ ‫ومــع ذلــك تبقــى لــكل شـ ٍ‬ ‫يقولــون‪« :‬قــد يقــع الخاطــر علــى الخاطــر كمــا يقــع الحافــر علــى الحافــر»‪ ،‬فــإن هــذا القــول يتصــف‬ ‫بالتعميــم غيــر الدقيــق‪ ،‬فليـ ُل امــرئ القيــس فــي معلقتــه غيــر ليــل النابغــة الذبيانــي الطامــع بمالعــق الذهــب‬ ‫علــى موائــد ملــك المنــاذرة النعمــان‪ .‬إنهمــا يلتقيــاان فــي وصــف الليــل‪ ،‬ويختلفــان فــي انعكاســاته الداخليــة‪،‬‬ ‫غامــر كمــوج البحــر‪ ،‬ولشــدة احتبــاس همومــه فــي صــدره يــرى أن الصبــاح ليــس‬ ‫ليــل امــرئ القيــس‬ ‫ٌ‬ ‫بأفضــل مــن الظــام عنــد اإلنســان المملــوء ه ّم ـا ً وغم ـاً‪« :‬ومــا اإلصبــاح منــك بأمث ـ ِل»‪ .‬أمــا ليــل النابغــة‬ ‫فقــد تطــاول ببــطء ســير كواكبــه باتجــاه ممدوحيــه الغساســنة‪ ،‬وليــل النابغــة يدخــل مباشــرة فــي المديــح‪:‬‬ ‫ي لعمــر ٍو نعمــةٌ بعــد نعمــة»‪ .‬فشــتان مــا بيــن ليليــن‪ ،‬أحدهمــا يفضــي إلــى صبــح مظلــم‪ ،‬وليـ ٍل يفضــي‬ ‫«علـ َّ‬ ‫إلــى نعمـ ٍة بعــد نعمــة‪ .‬أردت مــن هــذا الــكالم أن أؤكــد مقولــة الجاحــظ‪ ،‬وهــي أن المعانــي مطروحــة فــي‬ ‫الطريــق‪ ،‬وتبقــى قــوة الشــعرية نابعــة مــن صخــب الــذات فيــي صياغــة الكلمــات‪ .‬إن المتنبــي أخــذ كثيــرا ً‬ ‫ـس صخبــه فــي كلماتــه التــي تشــبه قصــف الرعــد‬ ‫ي ِ الــذي تحـ ُّ‬ ‫مــن ســابقيه‪ ،‬ولكنــه أنقــذ شــاعريته بذلــك الــدو ّ‬ ‫فــي الجبــل العالــي‪ .‬فالشــاعرية تتعلــق بقــدرة ســطوع التجربــة واألحاســيس فــي نتــاج الشــاعر‪ .‬وهــذا رغــم‬ ‫أهميتــه ال يقلــل مــن جــودة المعنــى‪ ،‬ولكــن الصياغــة العاليــة تتــرك تفاوتـا ً عاليـا ً فــي معنــى واحــد يتناولــه‬ ‫شــاعران‪.‬‬ ‫وفــي كل الحــاالت يظــل الشــعر الجيــد جرعــة دواء‪ ،‬ويتفــق شــاعرنا بهــذا مــع قيــس الــذي اهتــدى إلــى‬ ‫التــداوي باألشــعار»ولم أنشــد األشــعار إالّ تداويــا»‪ .‬وهــذا يثبــت أن الكلمــة الخارجــة مــن معامــل النفــس‬ ‫ي‪.‬‬ ‫الداخليــة ليســت ترفـاً‪ ،‬وإنمــا هــي مــادة حيــاة‪ ،‬ولقــد كانــت فــي البــدء لدورهــا فــي صنــع اإلنســان الســو ّ‬ ‫فالكلمــة الجيــدة تشــفي مــن األســى كالدمعــة نفســها‪.‬‬ ‫فالمــوت يكــون أيضـا ً فــي الحيــاة عندمــا تمــوت الكلمــة‪ ،‬والكلمــة ال تمــوت إال بمــوت الذكريــات‪ ،‬ألن الزمــن‬ ‫يغــدو قاحـاً‪ .‬ثــم إن الذكــرى لهــا قــوة خلــق الزمــن اآلخــر‪ ،‬زمــن الحلــم‪ ،‬وحيــن يمــوت الحلــم تبــدأ الغربــة‬ ‫ـب اإلنســان‪ ،‬وهــو الــذي يعطيــه معنــى‬ ‫الحقيقيــة‪ ،‬ويبــدأ المــوت فــي الحيــاة‪ .‬وال ُحلُـ ُم هــو اســتعمار الحــب قلـ َ‬ ‫أن يكــون‪ ،‬فالحــب كالتصــوف‪ ،‬ال يعرفــه إال الــذي يذوقــه‪ ،‬وقديمــا ذاق اإلنســان المكابــدة اللذيــذة فتمنــى‬ ‫اســتمرار المعانــاة‪ ،‬ألنــه كان يتمنــى أن يســتمر فــي الحيــاة‪ ،‬فــا حيــاة خــارج مراتــع الحــب فــي مســالك‬ ‫الحيــاة الوعــرة‪.‬‬ ‫وحيــن قــدَّم لــي صديقــي الشــاعر ســلمان زيــن الديــن مجموعتــه «أقــواس قــزح»‪ ،‬كنــت أدري أننــي‬ ‫ســأعاني وأكابــد‪ ،‬ولكنهــا معانــاة مغريــة‪ ،‬ومكابــدة أحبهــا للدخــول فــي تجربــة نَ َمــت فــي ريفنــا‪ ،‬أمــام‬ ‫صخــب جبــل الشــيخ وكبريائــه‪ ،‬وتعاليــه علينــا‪ ،‬ومحاوالتنــا الصاخبــة لتقليــد هــذا الجبــل الشــيخ المعت ـ ّد‬ ‫ببيــاض شــعره‪ ،‬والــذي يشــهد فــي كل فصولــه علــى تقليــد المنتشــرين علــى قــراه الجميلــة كبريــاءه وصخبــه‬ ‫واحتــدام عواصفــه وزمجــرة رياحــه وأنيــن نايــات رعاتــه الملتاعــة‪ .‬لقــد أعطــى هــذا الجبــل الشــاعر ســلمان‬ ‫زيــن الديــن القــدرة علــى ترجمــة تلــك العواصــف واختــزان أنيــن تلــك النايــات المســافرة باســتمرار حيــث‬ ‫المــدى ال ينتهــي‪ ،‬والحــب ال ينتهــي‪.‬‬ ‫لهــذا كلــه رأيــت أننــي مدفــوع للمشــي مــع ســير أقــواس قزحــه مــن خــال روح غامــرة تهيمــن علــى الكتــاب‬


‫ً‬ ‫ويبقــى الحــب شــرط الوجــود‪ ،‬وشــرط الــوالدة‪“ :‬ومــن آياتــه أن خلــق لكــم مــن أنفســكم أزواجــا لتســكنوا‬ ‫إليهــا‪ ،‬وجعــل بينكــم مــودة ورحمــة‪ ”..‬ســورة الــروم‪ .‬فالحــب هــو نســغ الكينونــة‪ ،‬وال بــد مــن أن ًيحتضنــه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المــكان لينتــج شــعرا جيــدا‪ ،‬وأوســع مــكان ف ي� الكــون الســتيعاب الحــب هــو القلــب‪ً .‬فالقلــب مــكان أيضــا‪ ،‬ولكنــه‬ ‫كل األمكنــة‪ ،‬فهــو جغرافيــة مــا نــرى ومــا ال نــرى‪ .‬وال يكــون قلبــا إذا كان خـ ً‬ ‫مــكان أف ـىض مــن ّ‬ ‫ـواء مــن الحــب‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ـ� وجــوده بانتفــاء الحــب‪ ،‬وبالحــب وحــده يصبــح المــكان هــو الحبيــب‪ ،‬ولــو بغيــاب‬ ‫وكذلــك المــكان ينتـ ي‬ ‫الحبيــب‪ ،‬ألن الحلــول مــادة وجودنــا األول‪ .‬وصلــة وجودنــا باألشــياء‪ .‬فهــل كان قيــس بــن الملـ َّـوح مجنونـا ً‬ ‫ى حيــن يقــول فــي‬ ‫ـيس وأفـ ٍ‬ ‫كمــا يس ـ ّمونه؟ أم كان ُمع ِبّــرا ً عــن أعمــق مــا فــي الــروح مــن أحاسـ َ‬ ‫ـكار ورؤ ً‬ ‫مــكان حلّـ ْ‬ ‫ـت فيــه ليلــى يومـا ً فيــه‪:‬‬ ‫ديار ليلى‬ ‫ْ‬ ‫مررتُ على الديار ِ‬

‫الجدار وذا الجدارا‬ ‫أُقَ ِبّ ُل ذا‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫شغفن قلبي‬ ‫الديار‬ ‫حب‬ ‫وما ُّ‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫سكن الديارا‬ ‫حب من‬ ‫ولكن ُّ‬

‫المــكان فــي أقــواس فــزح يمتــد مــن القريــة إلــى جبــل الشــيخ‪ ،‬الشــاب المنتصــب والشــيخ المكلــل بلحيتــه‬ ‫البيضــاء دائم ـاً‪.‬‬ ‫القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن هــي هــو‪ ،‬كانتْــه فكانهــا‪ ،‬وفيهــا يحــل‪ ،‬حتــى لكأنهــا عقيــدة يمــارس فيها‬ ‫كهنوتــه األرضــي والســمائي فــي ْ‬ ‫آن‪ ،‬والقريــة تحمــل كل صفاتــه فهــي تنمــو معــه‪ ،‬وتنمــو فيــه‪ ،‬وال يســتطيع‬ ‫أن يخلعهــا‪ ،‬ولــو مغترب ـاً‪ ،‬إنهــا ق ـ َد ُره الــذي يحبــه حتــى الحلــول‪ ،‬والقريــة فــي شــعره والدة‪ ،‬ولــذا فهــي‬ ‫تتكلــم‪ ،‬وتغضــب وترضــى وتصحــو وتنــام‪ ،‬وهــذا يجعلهــا عاشــقة مســتهامة‪ ،‬فيمــارس حبــه أمامهــا عاريـا ً‬ ‫إال مــن أحاسيســه المتدفقــة‪ ،‬وشــهوته المســروقة مــن ثمارهــا‪ ،‬وتغــدو تفاصيلهــا امتــدادا ً ألعضائــه‪ .‬يشــاركها‬ ‫نضارتهــا وذبولهــا‪ ،‬وتصخــب علــى ضجيــج ذاتــه المزدحمــة بخَيـ ِل الصبــا‪ .‬إنهــا كتابــه الــذي تعــرف فيــه‬ ‫إلــى لغتهــا الخاصــة‪ ،‬وأتقــن أســماء جســدها‪ ،‬وأشــكال لبوســها‪ ،‬فهــي تحكــي بلغــة ال تحتــاج لترجمــان‪ ،‬إنهــا‬ ‫تدعــوه ليفهــم أســماء مواليدهــا‪ .‬وبالدربــة يحفظهــا عــن ظهــر قلــب‪:‬‬ ‫البري والزوفى وإكلي َل الجبلْ‪/‬‬ ‫الزعتر‬ ‫يته ّجى‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ب‪/‬‬ ‫ويعي عن ظهر قل ٍ‬ ‫للحو ِر‪/‬‬ ‫سر الري ُح‬ ‫ْ‬ ‫ما ت ُ ُّ‬ ‫لألزهار‪/‬‬ ‫وما تفضي به التربة‬ ‫ِ‬ ‫في عرس العبير‪ /‬أقواس قزح ص ‪./16/15‬‬ ‫أبجديــة الريــف تعبــق برائحــة الزوفــى وإكليــل الجبــل‪ .‬وألن الطبيعــة امتــدا ٌد لــه ومقيمــة فيــه كان يحفــظ‬ ‫لغتهــا التــي تظهــر فيــي نجــاوى الريــح مــع الحــور والجبــل والرعــاة والنهــر فــي جوقــة‪ ،‬ألحانهــا كلها تســكن‬ ‫فــي الشــاعر وتســافر فيــه أنّــى ارتحــل‪ .‬وألنــه عاشــق واقــف بيــن يــدي هــذه الطبيعــة العاشــقة المعشــوقة‬ ‫يتحــول عبيــر األزهــار إلــى عــرس‪ ،‬وزواج‪ ،‬فالعبيــر ال يصبــح عبيــرا ً حتــى يختــرق المســافة بيــن الجســد‬ ‫والــوردة‪ .‬إن عالقــة التربــة بالزوفــى وإكليــل الجبــل وعبيــر األزهــار هــي عمليــة والدة لــزواج الشــاعر‬ ‫ـدركُ مــدى تكرارهــا فــي هــذا الوجــود‬ ‫والطبيعــة‪ ،‬والنبثــاق البعــض مــن الــكل فــي مســيرة متكــررة‪ ،‬ال يُـ َ‬ ‫الــذي لــم يحــط بــه عقــل وال تصــور‪.‬‬ ‫“ “‬ ‫أن يــرى الشــاعر تفاصيــل القريــة وهــو غــاف هــو مــن أبــرز األدلــة علــى هيمنــة الطبيعــة علــى وجــدان‬ ‫الشــاعر حضورهــا الدائــم فــي ذاتــه حتــى‪ ،‬فمرحلــة الصحــو فيــه هــي امتــداد لوجودهــا المبكــر فيــه منــذ‬


‫المتكــررة‪:‬‬

‫ف‬ ‫روح‪/‬‬ ‫فردوس‬ ‫�‬ ‫‪/‬وأنا أرتع ي‬ ‫ي‬

‫األين وأوهام األوان‪/‬‬ ‫خارجا ً من شبهة‬ ‫ِ‬ ‫هو يومي مثل أمسي‪/‬‬ ‫وهنا مث ُل هناك‪/‬‬ ‫آن لي ربيع‪/‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫أين لي جنان‪ .‬أقواس قزح‪/‬ص ‪./10/9‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫إن تداخــل الزمــن فــي هــذه األبيــات يرافــق تداخــل المــكان نفســه فــي تصــور فكــري بحــت‪ .‬وفــي رأيــي‬ ‫أن الثقافــة أحيانـا ً كثيــرة تحــاول مزاحمــة اإلحســاس فــي حضورهــا‪ ،‬وهــذا جميــل‪ ،‬ولكــن علــى الثقافــة أن‬ ‫تكــون مؤدبـةً فــي حضــرة الشــعر‪ .‬أنــا مــن القائليــن إن الشــاعر الكبيــر هــو مثقــف كبيــر‪ ،‬ولكــن الوجــدان‬ ‫الشــعري يتمــرد علــى الحضــور الثقافــي ليذهــب بعيــدا ً فــي ســريالية محببــة‪ ،‬تغــري الــرو َح بالمغامــرة‪ ،‬حتى‬ ‫ولــو باتجــاه جــزر الســاحرات‪ ،‬وإغرائهـ َّ‬ ‫ي ِ المحكــوم بالمــوت قبــل الوصــول‬ ‫ـن «أوليــس» بالغنــاء الشــج ّ‬ ‫إلــى «إيتــاكا»‪ ،‬وعنــاق «بينلوبــا» التــي انتظرتــه عشــرين عامـاً‪ ،‬وهــي تطحــن الملــح‪ ،‬وتنقــض غزلهــا كل‬ ‫يــوم‪ .‬إن مقاومــة «أوليــس» كانــت ضروؤيــة للوصــول إلــى قلــب بينلوبــا» المملــوء بالشــعر أيضـاً‪.‬‬ ‫ولكــن شــاعرنا يعتبــر القصيــدة فردوســه متخليـا ً عــن تفــاح آدم وحانــة «ســيدوري»‪ ،‬رغــم غوايــة أطايــب‬ ‫الجنــة وحوائهــا‪ ،‬فالشــعر غايــة‪ ،‬ألنــه الدليــل األبقــى علــى بقــاء الحيــاة‪ ،‬فــرب قصيــدة تومــئ مــن بعيــد‬ ‫لشــاعرها تجعلــه يخــرج مــن جنــة النعيــم ليقضــم تفاحــة حــواء‪ .،‬إن الجنــة الحقيقيــة ســتبقى تحــت قدمــي‬ ‫حــواء‪ ،‬حتــى ولــو غضــب واعــظ القريــة‪:‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ف‬ ‫دم ترىع أيائله‪/‬‬ ‫‪/‬وآدم ي� ي‬ ‫فأقطف من بنات الحرف أطيبها‪/‬‬ ‫وأخسر جنة الفردوس‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫الشعر‪ /‬أقواس قزح ص ‪./21/22‬‬ ‫أربح لعنة‬ ‫ِ‬ ‫ورغــم شراســة حــب األرض فــإن حبهــا يمنحــك التكامــل‪ ،‬وعــدم الخــوف‪ ،‬ألنهــا حاضنتــك حي ـا ً وميت ـاً‪.‬‬ ‫المســرة هنــا ناجمــة مــن أن المــوت ليــس عدمـاً‪ ،‬إنــه بدايــة حيــاة‪ ،‬أول مــا يمــوت فيهــا هــو المــوت نفســه‪.‬‬ ‫وهــذا اإليمــان العميــق بالحلــول والترقــي فــي الكينونــات المتعاقبــة‪ ،‬وهــو الــذي جعــل الحــاج يطــوف بيــن‬ ‫شــوق القلــب ولهفــة الدمــوع‪:‬‬ ‫أنتَ بين الشغاف والقلب تجري مثل جري ِ الدموع من أجفاني‬ ‫المــكان‪ ،‬والقريــة تحديــدا ً هــي التــي كانــت تقيــم فــي شــاعرنا أنّــى ارتحــ َل‪ ،‬وكانــت إذا أصيــب بغربــة‬ ‫المــكان تبعــث فيــه مرســات خفيــة ومثيــرة‪ ،‬فتخلــق فيــه الحساســيات المتحفــزة‪ .‬وت َ َحفُّـ ُ‬ ‫ـز الحساســيات هــو‬ ‫الــذي يعيــد للمــكان حضــوره‪ ،‬وهــي التــي تقتــل العاديــة فيــه‪ .‬والعاديــة هــي عــدو الشــعر األول‪ ،‬والمــكان‬ ‫فــي الشــعر حيــن يصبــح عادي ـا ً يغتــال الشــاعر‪ ،‬ولــذا فالمــكان دائم ـا ً مدهــش فــي وجــدان الشــاعر‪ ،‬وهــو‬ ‫ـب مــا كان فيــه قاحـاً‪ ،‬فــي ثنائيــة تكــون أحاديــة فــي حقيقتهــا ومســيرتها الكونيــة‪ .‬تمامـا ً كالشــجرة‬ ‫مخصـ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ـص ينبو ِعــه‪ .‬إنهــا تســرق النهــر‪ ،‬وتشــرب منــه‪ .‬ولكنهــا‬ ‫التــي يســافر عنهــا النهــر ولكنهــا تحمــل خصائـ َ‬ ‫ـر فيهــا باســتمرار‪.‬‬ ‫تعطيــه معنــى أن يكــون‪ .‬إنــه مض َمـ ٌ‬


‫لــه إالّ األمانــي‪ ،‬فهــل تتحقــق األمــان‪ ،‬ومــاذا يبقــى منهــا إذا تحققـ ْ‬ ‫ـت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫قنديل‪/‬‬ ‫حول‬ ‫طويال‬ ‫‪/‬أين من طافوا‬ ‫ي‬ ‫وطافوا حول بيتي؟‪/‬‬ ‫أترى هل ش ّح زيتي؟ أقواس قزح ص ‪./25‬‬ ‫برحــه الشــوق‪ ،‬والتســاؤل فــي حقيقتــه أبعــد مــن االستفســار لمعرفــة المجهول‬ ‫التســاؤل هــو آخــر مطيــة لمــن ّ‬ ‫أحيــان كثيــرة‪ ،‬فقــد يكــون الســؤال أقســى أنــواع الخبــر‪ ،‬وأكثرهــا قرع ـا ً علــى شــغاف القلــب وهواجــس‬ ‫النفــس اإلنســانية‪ ،‬وكثيــر مــن األســئلة الــواردة فــي القــرآن الكريــم تحمــل أقســى األجوبــة فيمــا ترمــي إليــه‪:‬‬ ‫ـث الغاشــية»‪ ،‬و «ألـ ْم يأتِكـ ْم نذيــر»‪ .‬الســؤال هنــا تقريــع ونذيــر‪ ،‬وقــد يكــون الســؤال بوحـا ً‬ ‫«هــل أتــاك حديـ ُ‬ ‫وجواب ـا ً مريح ـاً‪ .‬وصيــغ الســؤال كثيــرة‪ ،‬ولكنهــا كلهــا تخــرج مــن نفــس تريــد شــيئاً‪ ،‬وكــم كان المتنبــي‬ ‫رائعـا ً يــوم قــال‪:‬‬ ‫ق‬ ‫وكثير من السؤا ِل اشتيا ٌ‬ ‫ٌ‬

‫وكثير من ر ّد ِه تعلي ُل‬ ‫ٌ‬

‫والســؤال قــد يكــون مؤلم ـا ً وهــو يســتنطق الجمــاد‪ ،‬أو ينتظــر منــه جواب ـاً‪ ،‬والظاهــرة الطلليــة فــي الشــعر‬ ‫العربــي القديــم تحمــل فائضــا ً شــعريا ً ال يقــل عــن الجــذب الصوفــي‪ ،‬وكمــا يقــف الصوفــي فــي الحالــة‬ ‫القصــوى مــن الوجــد مجذوبــا إلــى الواجــد‪ ،‬فــإن الشــاعر الجاهلــي كان يقــف أمــام طلــل الحبيبــة الــدارس‬ ‫نافخ ـا ً فيــه مــن روحــه ومســلما ً عليــه‪ ،‬حتــى لكأنــه الحبيبــة نفســها‪ ،‬يقــول امــرؤ القيــس‪:‬‬ ‫أال ِع ْم صباحا ً أيها الطلل البالي‬

‫ص ِر الخالي!!‬ ‫وهل ي ِع َم ْن من كان في العُ ُ‬

‫اســتنطاق الطلــل البالــي ص َّدتْـهُ قســاوة الســؤال العدمــي الفاجــع فــي جــواب الــذات علــى الــذات‪« ،‬وهــل‬ ‫ُ‬ ‫ي ِع َمـ ْ‬ ‫ـن مــن كان فــي العُ ُ‬ ‫صــر الخالــي! ّ!”‪ .‬المــكان هنــا مقفـ ُـر أصـ ّـم أعجــم “أخـىن عليــه الــذي أخـىن عــى ل َبـ ِـد”‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ـ� مــن الذيــن كانــوا‬ ‫ه الـ ت يـ� أيقظتــه‪ ،‬وبثــت فيــه الحياة‪.‬والمــكان اتخــذ صفــة اإلنســان الـ‬ ‫ي‬ ‫ول ُّكــن الذكــرى ي‬ ‫ت‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫ـأ� عليهــم الزمــان‪ .‬ونمــن الصعــب هنــا التفريــق بـ يـ� ليــى الغائبــة والــدار الحــا ة رغــم‬ ‫يحلــون بــه قبــل أن يـ ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و�‬ ‫تحولهــا إىل أطــال‪ ،‬فالبــر والبصـ يـرة هنــا يتعاونــان ي� اســتحضار المضمــر‪ ،‬ويلغيــان‬ ‫عدميــة الحضــور‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ـوم الجمــاد‪ ،‬ويصبــح “منــادى مفــرد علــم”‪ ،‬يخفــق ي� جمــاده إحســاس‬ ‫هــذا ف ٌالمجــال يصبــح المــكان خــارج مفهـ ً‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬ ‫رض‬ ‫ـو� عميــق‪ ،‬ولنســتمع للمجنــون أيضــا‪ ،‬وهـ ًـو ي� ح ـ ة “جبــل التوبــاد”‪ ،‬الــذي كان فيــه قيــس يــرى ليــى‬ ‫فصـ ي‬ ‫ي� طفولتهمــا‪ ،‬وهمــا يرعيــان “غنــم األهــل معــا”‪ ً .‬لقــد عــاد إليــه قيــس بعــد زمــن لـ ي ُـرى ليــى العامريــة الغائبــة‬ ‫الحــا�ض ة فيــه‪ ،‬وقتهــا لــم يعــد الجبــل أصـ َّـم بلقعــا‪ ،‬بــل راح يحــ�‪ ،‬وصــارت ّ‬ ‫حاســة النطــق‪ ،‬وحاســة البــر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫حاســة واحــدة‪ ،‬يقــول قيــس بــن الملـ َّـوح‪:‬‬ ‫وكبَّ َر للرحمن حيــن رآنــــــي‬

‫وأجهشت للتوباد حين رأيتـــُه‬ ‫ْ‬ ‫وأذ َريْتُ د َْم َع ا ْلعَي ِْن لَ َّما َرأ ْيتُــــهُ‬

‫ونادى بأعلى صوتــه ودعاني‬

‫فقلتُ له أين الذيـــــــن عه ْدتُه ْم‬

‫زمان‬ ‫ب‬ ‫حواليكَ في خص ٍ‬ ‫ب وطي ِ‬ ‫ِ‬

‫فقال مضوا واستودعوني بالدهم‬

‫ّثان‬ ‫ومن ذا الذي يبقى على الحد ِ‬

‫ـس نفســه‪ .‬وفــي هــذا الشــعر‬ ‫الحــوار هنــا بيــن اثنيــن‪ ،‬بيــن قيــس وبيــن جبــل التوبــاد‪ ،‬ولكنــه بيــن قيــس وقيـ ٍ‬ ‫يُلغــى الزمــن‪ ،‬ألنــه يهــب للمــكان والزمــان روه ـا ً ويحضــر الصــوت بإيقــاع داخلــي منبجــس مــن أوديــة‬ ‫نفــس اســتطاعت أن تكــون خالقــة‪ .‬فالخلــق هنــا هــو القــدرة علــى صياغــة األشــياء وفــق مقتضــى دواخلنــا‪،‬‬ ‫وتغييرهــا اســتجابة لنــداء ال يمكــن الغــوص إلــى قــراره‪ ،‬فالحــب وحــده يســتطيع أن يتألّـهَ‪ ،‬ألنــه هــو روح‬ ‫هللا‪ .‬لقــد أبــدع الشــاعر بــدوي الجبــل حيــن قــال‪:‬‬


‫تكوينــه الجســدي ولثغتــه األولــى ‪:‬‬ ‫يرص ُد الينبوع في يقظتِ ِه من نوم ِه‪..‬‬ ‫حيوي للغوايات الكثير ْة‬ ‫الحواكير مجا ٌل‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫حين‬ ‫يمتطيها ك َّل ٍ‬ ‫ليلُه فيها امتدا ٌد لنهار ْه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ .....‬ولكم أودعها أرس َاره‬ ‫خبّأ فيها َ‬ ‫كنزهُ‬ ‫السر استوى‬ ‫حتى إذا‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والكنز أعياه الظال ْم‪،‬‬ ‫يغزل اللي َل وشاحا ً وينام‪.‬‬ ‫وغدا ً يأتي إليها‬ ‫كنز ِه‬ ‫باحثا ً عن ِ‬

‫ْ‬ ‫الطفولة‬ ‫كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس‬ ‫س ِه المفقو ِد غير الذكرياتْ‬ ‫لم يعد يملكُ من فردو ِ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/19/17/16/15‬‬ ‫اإللغــاء هنــا يعنــي الوجــود‪ ،‬والوجــود يُلغــى بانتفــاء العالقــة مــع القلــب‪ .‬فــإذا كانــت العبــادة ال تعنــي شــيئا ً‬ ‫إالّ بحضــور القلــب‪ ،‬فالمــكان أبضـا ً ال يكــون مكانـا ً إذا لــم يكــن لصيقـا ً بالحــا ِّل فــي المــكان‪ ،‬لقــد قلـ ٌ‬ ‫ـت فــي‬ ‫ـكان ال أحبُّــه‪:‬‬ ‫قصيــدة لــي وأنــا فــي مـ ٍ‬ ‫لنبع دون ظمأى‬ ‫وال معنى‬ ‫ٍ‬ ‫مكان‬ ‫وال معنى لكو ِنكَ في‬ ‫ٍ‬

‫وليس بها «الصويري»‬ ‫أرض‬ ‫وال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الحضور‬ ‫وقلبُـــــكَ ال يكونُ من‬ ‫ِ‬

‫*****‬ ‫والحب هو الذي يجعل األشياء غير منتهي ٍة أبداً‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الطفل مفتونا بأشياء الحقول‪/‬‬ ‫‪ /‬كان ذاك‬ ‫يرص ُد الينبوع في يقظته من نومه‪.../‬‬ ‫يساورهُ األفول‪/‬‬ ‫لم يكن يشغلُه البحر كما الجدو ُل‪ ،‬والرجعى إليه ‪/‬كان نجما ً لم‬ ‫ْ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/16‬‬ ‫وإذا كان البيــت مكان ـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬فالمــكان قندي ـ ٌل أيض ـاً‪ ،‬وفــي أســى شــفيف يتســاءل‬ ‫الشــاعرعن شــح القنديــل رامــزا ً بــه إلــى شـ ّحِ الحيــاة نفســها التــي لــم يعــد يومــض فيهــا ســوى ضــوء قنديــل‬ ‫تحــوم حولــه فراشــات العمــر بحســرة لــم يســتطع التســاؤل أن يطفــئ أســى الذكريــات االفلــة‪ .‬وقتهــا ال يبقــى‬


‫إنها قدرةٌ ربي‪.‬‬ ‫إنها قدرةُ ربي! أقواس قزح ص ‪/61‬‬ ‫ـرى خيــول الصبــا‪ ،‬يعــود الشــاعر ســلمان زيــن الديــن إلــى المــكان‬ ‫وحيــن تهــدأ عواصــف الشــباب وتُعـ ّ‬ ‫عرتــه معهــا‪ ،‬ولــذا راح يخاطبهــا ببــوح جميـ ٍل يحمــل فاجعــة رحيــل األشــياء‬ ‫حزينـاً‪ ،‬ألن الطبيعــة العاريــة ّ‬ ‫الجميلــة‪:‬‬ ‫األمر‬ ‫ص ّدِقْ ما رأى في بادئ‬ ‫لم يُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ولم يسبقْ له أن شاهد‬ ‫فود ْي ِه ك ُمحت َ ٍ ّل ثقيل‬ ‫الثل َج مقيما ً فوقَ ْ‬ ‫واألخادي ُد استدارتْ حول عين ْي ِه‬ ‫كأثالم الحقو ْل‬ ‫ِ‬ ‫أعراس البريق‬ ‫وخبَتْ في تينك العينين‬ ‫ُ‬ ‫كيف يمشي الكأل ُ‬ ‫ش ْعرا‬ ‫البري َ‬ ‫ُّ‬ ‫ش ْع َر سيفي ِْن‬ ‫كيف ري ُح‬ ‫العمر تذرو َ‬ ‫ِ‬ ‫الغمدين‬ ‫األسر في‬ ‫يضيقان بلي ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدرا‪ .‬أقواس قزح ص ‪99/98‬‬ ‫ ‬ ‫“‬

‫“‬

‫ألوهة الجبل وعبودية العاشق‬ ‫يحضــر «جبــل الشــيخ» فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن حضــورا ً أبعــد مــن ماديــة وانتصــاب جبــل عمــاق‪،‬‬ ‫يلبــس الثلــج‪ ،‬وت ِسـ ُّح مــن ســفوحه األنهــار‪ ،‬تلــك التــي لــم تنضــب رغــم كهولــة الجبــل االشــيخ‪ ،‬وال تصــاب‬ ‫ســفوحه بالجفــاف‪ .‬يحضــر هــذا الجبــل فــي شــعر ســليان زيــن الديــن إلهـا ً جديــرا ً بالعبــادة‪ ،‬وهــذا الحضــور‬ ‫اإللهــي العالــي ومصحوبـا ً بهــذا العطــاء السـ ّحاح يغــري الشــاعر بالتقليــد‪ ،‬فيحــاول أن يصعــد إلــى حضرتــه‬ ‫صعــودا ً محفوفــا ً بالعبــادة واالنحنــاء أمــام مــا فــي هــذا الجبــل مــن شــ َمم وكبريــاء‪ .‬وقبالــة هــذا الجبــل‬ ‫العمــاق ترقــد قريــة الشــاعر محدقــة باســتمرار برغبــة طاغيــة لتكــون «كوكبــة» حقيقيــة خــارج ترابيتهــا‬ ‫فــي صــدر هــذا الجبــل‪ ،‬إنهــا تحــاول أن تغــري هــذا الجبــل بخطبتهــا‪ ،‬وأن يكــون حليلهــا‪ ،‬كمــا أغــرت عشــتار‬ ‫«جلجامــش» لتجعلــه زوجهــا‪ .‬وهنــاك علــى الســفح تــرى فتــى قرويـا ً منحــازا ً لقريتــه‪ ،‬و ُمصليـا ً إللهــه جبــل‬ ‫الشــيخ البــاذخ‪ ،‬يحلــم وهــو فــي حالــة ذهــول أمــام المــدى‪ ،‬وأمــام عجــزه عــن تقليــد هــذا الجبــل‪ ،‬وهــذا‬ ‫ي جــداً‪ ،‬فلــو اســتطاع الســاعي أن يكــون هــو مــا يســعى إليــه لزالــت ألوهــة األعلــى‪ ،‬وهنــا يتجلــى‬ ‫طبيع ـ ٌّ‬ ‫الشــوق األزلــي فــي اإلنســان ليكــون إله ـا ً ولــو أضمــر ذلــك أمــام جبــروت إلهــه‪:‬‬ ‫‪/‬أعو ُد إليك‪/‬‬ ‫يا جبالً تعالى‪/‬‬


‫سرهما‬ ‫الخافقان‪ ،‬وفوقَ‬ ‫الخلق ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سرائرنا‬ ‫كالهما انسكبت فيــــه‬ ‫ُ‬

‫كالهما للخلو ِد‬ ‫ُّ‬ ‫الحب وهللاُ‬ ‫وما شهدناهُ لكنّا عبــدْناهُ‬

‫وألن الحــبّ خالـ ٌ‬ ‫ـق فقــد اســتطاع حــبُّ المــكان أن يصــوغ شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن كمــا يشــاء‪ ،‬حتــى‬ ‫ـرأت فــي أقــواس قزحــه تــراه مهاجــرا ً فــي كل‬ ‫لكأنــه شــيء مــن تفاصيــل المــكان‪ ،‬ولــو بعيــدا ً عنــه‪ .‬وأنَّــى قـ َ‬ ‫ق يصــوغ‬ ‫شــعاب وادي التيــم ومحدقـا ً ب َ‬ ‫شــعر شــيخ الجبــال األبيــض دائمـاً‪ ،‬فالمــكان ُمحت َـ ٌّل بقــدرة قلــب خالـ ٍ‬ ‫المــكان كيفمــا شــاء‪:‬‬ ‫تباشير الوالد ْة‬ ‫مع ِلنا ً بد َء‬ ‫ِ‬ ‫تض ُع الزهرةُ مولودا ً شهيّا ً‬ ‫‪.......‬‬ ‫تمن ُح المولو َد ْ‬ ‫قبلة‬ ‫ق‪،‬‬ ‫تنعس األورا ُ‬ ‫ُ‬ ‫يُغويها الكرى‪،‬‬ ‫وتهب الريحُ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫األصفر في كل الذرا‬ ‫الذهب‬ ‫تذرو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تتعرى الشجر ْة‬ ‫أقواس قزح ص ‪/51‬‬ ‫وتنا ُم الثمر ْة ‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫تحــوالت األشــياء فــي الطبيعــة هنــا هــي تحـ ّـو ٌ‬ ‫الت داخليــة قبــل ك ّل شــيء‪ ،‬وتتخــذ صفــة الضميــر البــارز‬ ‫ســها‪،‬‬ ‫المتصــل‪ ،‬نعــم متصــل بــذات الشــاعر التــي هــي متوحــدة بــك ّل هــذه التفاصيــل‪ ،‬إنــه يخلقهــا كمــا يح ُّ‬ ‫ال كمــا يراهــا‪ .‬إنــه عاشـ ٌ‬ ‫ـق والعاشــق هــو الــذي يخلــق الحبيبــة كمــا يشــاء‪ .‬لقــد دخلـ ْ‬ ‫ـت بثينـةُ علــى الخليفــة‬ ‫ـك بــه‬ ‫ـك شــيئا ً ممــا وصفـ ِ‬ ‫األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان‪ ،‬فلمــا نظــر إليهــا قــال لهــا‪ :‬وهللا‪ ،‬إنــي ال أرى فيـ ِ‬ ‫ب مع َّمر»عاشــقه»‪ ،‬فنظـ ْ‬ ‫ـرت بثينــة إلــى‬ ‫جمي ـ ُل ُ‬ ‫ـك‪ .‬فالشــاعر هــو‬ ‫ـن لــم تكونــا فــي وجهـ َ‬ ‫الخليفــة‪ ،‬وقالــت لــه‪ :‬يــا أميـ َ‬ ‫ي بعينيـ ِ‬ ‫ـر المؤمنيــن‪ ،‬إنــه كان ينظــر إلـ َّ‬ ‫الــذي خلــق الجمــال كمــا أمرتــه بــه ذاتُــه الداخليــة‪ .‬والطبيعــة تخلــق الشــاعر أيض ـا ً وفــق إرادتهــا‪ ،‬كمــا‬ ‫ي الجبــل الــذي راح يتوســل بيــن يديْهــا لتمنحــه الصبــر والهــدوء بعدمــا صنعـ ْ‬ ‫ـت‬ ‫صاغــت الحســناء بــدو َّ‬ ‫ـف وأعاصيــر‪ ،‬إنهــا خالقــة‪:‬‬ ‫وجــوده مــن عواصـ َ‬ ‫ت قلبي من تجلُّ ِد ِه‬ ‫فكيف أهمل ِ‬

‫ت إبداعي وتصويري‬ ‫ل ّما تولّ ْي ِ‬

‫وهل تريدين روحي هدأةً‬ ‫أعاصير‬ ‫ت روحي من‬ ‫وونى‬ ‫فكيف أنشأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬

‫وكذلــك فعلــت طبيعــة «كوكبــة» بشــاعرها حيــن وقــف بيــن يديهــا مستســلما ً ســاكبا ً أحاسيســه بيــن يديهــا‪،‬‬ ‫لــم يجــد بــدا ً مــن التوســإليها‪ ،‬لعلهــا تعيــد خلقــه بــا أحــزان‪:‬‬ ‫العرس شابتْ نارهُ؟‬ ‫كيف ذاك‬ ‫ُ‬ ‫كيف ذوتْ‬ ‫أزهارهُ؟‬ ‫ُ‬


‫مــا نحفــر فــي صخــوره مــن ذكريــات‪.‬‬ ‫*****‬ ‫الزمن المصنوع من ذكريات المكان‬ ‫“ “‬ ‫قبــل كل شــيء أنــا أرى أننــي ال أســتطيع فصــل الزمــن عــن المــكان فــي أي عمــل شــعري دخلــت فــي‬ ‫ناســوته‪ ،‬وبذلــك يغــدو المحســوس والملمــوس ماديـا ً إحساسـا ً وجدانيـا ً خالصـاً‪ .‬إن الزمــن والمــكان فــي أي‬ ‫نتــاج فنــي إبداعــي يشــكالن كينونــة واحــدة‪ ،‬وليــس هــذا حصــرا ً فــي األدب‪ ،‬وإنمــا يمتــد ليشــمل كل مــا‬ ‫يخضــع للرؤيــة اإلنســانية‪ .‬لــو نظــرت إلــى بيــت قــروي قديــم‪ ،‬حجارتــه جــاء عليهــا الزمــن‪ ،‬فإنــك مــن‬ ‫خــال رؤيــة البيــت القديــم سترســم فــي وجدانــك زمنـا ً لــه‪ .‬فالزمــان والمــكان يجمعــان بيــن الرؤيــة والرؤيــا‪.‬‬ ‫وأنــا هنــا لــن أدخـ َل فــي مفهــوم الزمــن كمــا فعــل المفكــرون والفالســفة‪ ،‬ولكنــي ســأحاول اســتجالء كوامــن‬ ‫ـرون‬ ‫الزمــن الوجدانــي الــذي يعيــش فيــه أصحــاب القلــوب‪ ،‬أولئــك الذيــن لهــم أزمنتهــم الخاصــة‪ ،‬الذيــن يصـ ُّ‬ ‫ســه طقوســك‪ .‬ولــو‬ ‫علــى اإلقامــة فيمــا ال يبــرح‪ ،‬وال يتغيــر‪ .‬إن المــكان حيــن يكــون فيــك فإنــك فيــه‪ ،‬وطقو ُ‬ ‫ـر الرقــم الحســابي فيمــا نســميه ســيرورة وانتقــاالً‪ .‬وهــذا الزمــن نســميه شــعريا ً الذكريــات‪ ،‬والتــي كثّفهــا‬ ‫تغيَّـ َ‬ ‫ق‬ ‫ـو� يتنــاول مــن زمــن الذكريــات‬ ‫َ‬ ‫الشــاعر أحمــد شــوقي بقولــه‪« :‬والذكريــات صــدى‬ ‫الســنين الحاكــي”‪ .‬شـ ي‬ ‫ن‬ ‫ـاك”‪ .‬أمــا التعاقــب‬ ‫حضــوره قي‬ ‫اآل� الــذي ال يـ بـرح بتعاقــب األزمنــة‪ ،‬ويبعــث فيــه الحضــور بالصــوت “الحـ ي‬ ‫ـو� “الصــدى”‪ .‬وهــذا الصــدى مقيــم ال يـ بـرح‪ .‬إن الزمــن الشــعري ينتقــل إىل الكلمــة‪ ،‬ألنهــا مــرآة‬ ‫فيســميه شـ ي‬ ‫الــذات والــدرب إليهــا‪.‬‬ ‫يصــر زمنــه علــى‬ ‫يلجــأ الشــاعر ســليمان زيــن الديــن إلــى الزمــن فــي صيغــه الماضيــة‪ ،‬ورغــم ذلــك‬ ‫ّ‬ ‫مــاض وألنــه كينونــة فــي الوقــت ذاتــه‪:‬‬ ‫الحضــور ولــو غائبــاً‪ .‬إنــه يكثــر مــن فعــل «كان» ألنــه‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يوم كنت طفال‪..../‬‬ ‫‪/‬ذات‬ ‫ٍ‬ ‫األرض فؤاشة‪/‬‬ ‫كانت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫لروح‪ /‬أقواس قزح‪ /‬ص‪8/9/‬‬ ‫قمصانا‬ ‫‪....‬كانت األشياء‬ ‫ي‬ ‫ويغمــر الفعــل الماضــي معظــم المســاحات التــي يســير فيهــا شــعره‪ .‬وحضــور الماضــي يهيمــن علــى جســد‬ ‫الشــاعر وروحــه‪ ،‬ويظـ ُّل الفعـ ُل الماضــي حاضــرا ً بقــوة‪:‬‬ ‫من زمان‪/‬‬ ‫ْ‬ ‫الطفولة‪/‬‬ ‫كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس‬ ‫الرمادي بفودي ِه‪/....‬‬ ‫نزل الشيب‬ ‫ُّ‬ ‫كبرالطف ُل وأغوتْه الحياة‪/‬‬ ‫قضم التفاحة المرة حتى‪/‬‬ ‫لم يعد يملك من فردوسه المفقود غير الذكرياتْ ‪ /‬أقواس قزح ص ‪/19/18‬‬

‫ً‬ ‫ـتخدمه مقلوبــا إىل‬ ‫الفعــل الماضــي وحــده هــو الموجــود‪ ،‬وحيــن اســتخدم الفعــل المضـ‬ ‫ـارع «لــم يعــد” ا ضسـ ف‬ ‫ِّ‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الما� ي� شعره يكون‬ ‫الما�‪ .‬ولكن‬ ‫ون� وقلب‪ .‬لقد قلبت الزمن إىل‬ ‫الما�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إن حرف “لم” في‬ ‫ه جزم ض ي‬ ‫�ض‬ ‫ـا� الــذي هــو المــكان‪ /‬القريــة‪ ،‬والــذي لــم يعــد لــه منــه غـ يـر الذكريــات‪ .‬إن‬ ‫نســغ الحــا ‪ ،‬إنــه يعيــش ي� المـ ي‬


‫مدى لجنحي‪/‬‬ ‫وأقطف من ذراك‬ ‫ً‬ ‫ق‪/‬‬ ‫وأعش ُ‬ ‫في شموخكَ وجه ربي‪/‬‬ ‫ق‪/‬‬ ‫وأُشع ُل‪ /‬في هواكَ الشو ً‬ ‫نارا ً مقدسةً‪/‬‬ ‫لها قلبي وقودُ‪ /‬أقواس قزح ص ‪./68/67‬‬ ‫الشــاعر هنــا يحــاول أن يتحــد بالجبــل ليكونــه‪ ،‬وتبقــى ســعادته ليــس بالوصــول إلــى قمــة الجبــل‪ ،‬بــل تكمــن‬ ‫ســعادته الحقيقيــة فــي ذلــك المســعى الحثيــث للوصــول إلــى القمــة‪ .‬وكمــا يبــدو أن التســليم بألوهــة جبــل‬ ‫الشــيخ تهــب الواقــف أمــام جــال كبريائــه وتفــرده غســقا ً صوفي ـا ً عميــق التأثيــر إلــى درجــة يتمنــى فيهــا‬ ‫الشــاعر أن يكــون وقــودا ً مقدسـا ً للحالــة‪ ،‬وتجليــات الجبــل ال تحصــى لــو أر ْدنــا عدَّهــا‪ ،‬فهــو العمــاق الــذي ال‬ ‫يُدانــى‪ ،‬ولــذا يحــاول ســلمان زيــن الديــن أن يقطــف مــن هــذا المــدى الــذي ال يُ َحـدُّ مــدى لجنحــه‪ ،‬وهنــا تبــدو‬ ‫رغبــة الشــاعر فــي الوصــول لقمــة هــذا الجبــل‪ ،‬والــذي تُبديــه عظمــة هــذا الجبــل البــاذخ الط ّمــاح الذؤابــة‪.‬‬ ‫فالشــوق للوصــول فيــه الكثيــر مــن العبــادة‪ ،‬والعبــادة حــبٌّ تفرضــه عظمــة الواجــد علــى الموجــود‪ ،‬ورغــم‬ ‫صغرنــا أمــام جبــروت األلوهــة إالّ أن كل إنســان يضمــر حتــى فــي عبادتــه رغبــة أن يُعبـدَ هــو نفســه‪ ،‬ورغبة‬ ‫أن يتألَّ ـهَ‪ .‬وجبــل الشــيخ هــو المعشــوق الــذي ال يمكــن أن تنالــه‪ ،‬ولــذا ســيبقى ســلمان زيــن الديــن محــاوالً‬ ‫الوصــول إلــى قطــف وردة عشــقه‪ ،‬ولــو كلفــه ذلــك أن يجعــل قلبــه وقــودا ً لهــذه الرحلــة ذات النــار المقدســة‬ ‫كمــا يؤكــد ســلمان‪ ،‬فهــل هنــاك قربــى بيــن طــور موســى وجبــل الشــيخ‪ .‬إن ســلمان زيــن الديــن يؤمــن بذلــك‪،‬‬ ‫ودليلــه النــار المقدســة‪ .‬فهــل كان هــو يحلــم أن يكــون «الكليــم»‪ ،‬كمــا كان جبــل الشــيخ «طــوراً»‪ .‬كيــف‬ ‫يصنــع ذلــك‪ .‬إنــه التحـ ّـول الناتــج عــن فكــرة التقمــص التــي آمــن بهــا جبــران خليــل جبــران فــي «نب ِيّــه»‪،‬‬ ‫وكان يســعي ويتــردد كمــا فــي «مــرداد» ميخائئيــل نعيمــة إلــى أن يصبــح اإلنســان إلهـاً‪ .‬كيــف ذلــك ونحــن‬ ‫محكومــون ومســجونون فــي هيــكل الطيــن الــذي شــكا منــه رهيــن المحبســين‪»:‬وكون النفــس فــي الجســم‬ ‫الخبيــث»‪ .1‬ومــع ذلــك سيســتمر اإلنســان فــي محاولــة التألــه‪ .‬جميــل أن يكــون ابــن األرض مصنوع ـا ً مــن‬ ‫َو ْحـ ٍل وســماء‪ .‬وتســمو هــذه األرض لتصبـ َح أمـا ً وحبيبـةً وقضيــة‪ .‬وبالحــب وحــده نصــل إلــى قلــب هللا‪.‬‬ ‫الجبــل فــي بالدنــا يحمــل صفــات الــدرزي‪ ،‬اإلنســان‪ .‬ولعــل مجــاورة الجبــال والحلــول فيهــا‪ ،‬هــي التــي‬ ‫وهبــت كبرياءهــا وكرمهــا للــدروز الذيــن قــال فيهــم أحمــد شــوقي‪:‬‬ ‫ولكن ذادةٌ وقُراةُ‬ ‫ْ‬ ‫ضيف‬ ‫ٍ‬

‫كينبوع الصفا خشنوا ورقّوا‬

‫نعــم‪ ،‬لقــد كان جبــل الشــيخ قاســيا ً فــي درء عــوادي الزمــن عنــه‪ ،‬وكان كريمــا بــا نضــوب‪ ،‬ومــن كرمــه‬ ‫األنهــار التــي تتدفــق وتنبجــس مــن ســفوحه‪ ،‬كنهــر الحاصبانــي ونهــر األعــوج ونهــر الشــريعة‪ .‬وحيــن أراد‬ ‫الشــاعر القــروي «رشــيد ســليم الخــوري» أن يصــف النهــر المتحدرمــن جبــال لبنــان قــال فــي وصفــه‪:‬‬ ‫طورا ً له زأرةُ‬ ‫الدرزي ِ ثار على‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وتارةً يمأل الوادي ترنُّ ُحهُ‬

‫جالّد ِه وإلى استقالله نفرا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لبنان في أغالل ِه زفرا‬ ‫كأن‬

‫الجبـ�ل فيــ الش��عر روح مســكون باالنفعــاالت‪ ،‬وعواصفــه هــي ترجمــة انفعاالتــه‪ ،‬وال يصبــح المــكان روحـا ً‬ ‫ـدواً‪ ،‬وفــي كلتــا‬ ‫إالّ إذا ح ـ ّل فــي وجــدان إنســان معــذب‪ ،‬وقتهــا قــد يصبــح المــكان صديق ـاً‪ ،‬وقــد يغــدو عـ ّ‬ ‫ي‪ ،‬اســمه ســليمان‬ ‫ـدان فتــى قــرو ٌّ‬ ‫الحالتيــن يكــون ترجمـةً النفعــال‪ .‬وهــو ذلــك الحــي المملــوء روحـا ً فــي وجـ ِ‬ ‫زيــن الديــن‪ .‬وألن المــكان الــذي نحبــه روح فإننــا ندخلــه ونعيــش فيــه ونكلمــه ويكلمنــا‪ .‬إنــه إنسـ ٌ‬ ‫ـان بمقــدار‬


‫لم يز ْل يفتنُ قلبي‬ ‫يدهش عيني‬ ‫ومكان لم يز ْل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أقواس قزح ص‪/26/‬‬ ‫وفــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬تصبــح غربــة العمــر شــكوى مــن اآلخــر‪ ،‬إنــه فعــل الزمــن الــذي يأتــي‬ ‫علــى كل شــيء‪ ،‬فالطبيعــة تتغيــر‪ ،‬والصحــب يتغيــرون‪ ،‬والخريــف يغــزو الداخــل‪ ،‬ويبــدأ رفــاق األمــس‬ ‫يلقلــون حجارتهــم فــي بئــر الماضــي الــذي كان جمي ـاً وكان مــاؤه منه ـاً‪ ،‬فــي الصبــا كان الصحــب‪:‬‬ ‫يغسلون الرو َح بالسحر الحالل‬ ‫البئر عينا ً‬ ‫فتقر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الصحب نفسا ً‬ ‫ويطيب‬ ‫ُ‬ ‫ويجلّون مقام الماء‬ ‫حجر‬ ‫ال يرمون في البئر‬ ‫ْ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/87‬‬ ‫أمــا فــي الخريــف فيتغيــر المــكان واإلنســان والزمــان‪ ،‬وســبب هــذا التغيــر هــو فصــول الجســد‪ ،‬وكــم كان‬ ‫فيرليــن رائعـا ً حيــن قــال‪« :‬إن الجســد لحزيــن»‪ .‬إن حــزن الجســد أفــرغ قتامتــه علــى الطبيعــة والصحــب‬ ‫فــي آن‪:‬‬ ‫وتولّى زمن كان سعيدا ً‬ ‫ت األغصانُ في العود فأمسى‬ ‫قلَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫عريان وحيدا‬ ‫في مهب الريح‬ ‫البئر‬ ‫ونأى الصحب عن ِ‬ ‫رموا أحجارهم فيهان‬ ‫وساموها جحودا‬ ‫أقواس قزح ص ‪88/87‬‬ ‫إن اســتعمال فعــل «أمســى» لــه داللتــه الحــادة‪ ،‬لقــد اســتعمل الشــاعر فعــل «أمســى» ليقــول لنــا‪ :‬إن أوان‬ ‫الغــروب قــد حــان‪ ،‬ولــو اســتعمل فــي هــذا المــكان فعــل «أضحــى» ل َمــا وافــق الــكالم مقتضــى الحــال‪ .‬البــد‬ ‫مــن اســتعمال الكلمــات التــي تحكــي بدقــة مــا يدفــق مــن اإلحســاس‪ ،‬والصياغــة الجميلــة تقــوم علــى توافــق‬ ‫اللفــظ والمعنــى داللـةً وإيقاعـاً‪ ،‬حتــى‪ ،‬ولــو أغربــت الكلمــة فــي داللتهــا بعيــداً‪ ،‬يجــب أن يبقــى عالقــة قربــى‬ ‫بيــن اللفــظ ‪/‬الرمــز والمعنــى الــذي يريــد الشــاعر أن يصــل إليــه‪.‬‬ ‫ـب أفضــى مــكان يتحــرك فيــه الشــاعر‪ ،‬إن الدنيــا علــى ســعتها تضيــق أمــام ســعة القلــب فــي رأي‬ ‫ويبقــى القلـ ُ‬ ‫ســلمان زيــن الدين‪:‬‬ ‫هي الدنيا تحاصرني‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وه دائمــا تتجـ ّـول ف ي� المــكان والزمــان معــا‪ .‬وزمــن قصائــده قــروي أيضــا‬ ‫ـ� ف ي� شــعره‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ـ� وتحـ ي‬ ‫الذكــرى تحـ ي‬ ‫رض‬ ‫كالمــكان‪ .‬وقرويــة المــكان والزمــان تحمــل أبجديــات الواقــع الــذي يحيــط بالشــاعر‪ ،‬فالشــباب أخ ـ ريــان‬ ‫تتخــذ فيــه الطبيعــة ألوانـ ًـا خ ـرض َاء ّ‬ ‫ـول مرات ًــع تمــوج‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫والح‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بألوان‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بعب�‬ ‫ـوح‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫فاألز‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ـ� المخصــب‪ ،‬وكهولــة الجســد تصحبهــا طبيعــة مماثلــة وزمــن شــاحب يشــبه خريفــا يابســا‪ ،‬إال مــن‬ ‫بنباتهــا الـ ي‬ ‫حــزن يحمــل إحســاس النهايــة القاتــم‪ ،‬فالجســد وحــده هــو الكــون‪ .‬وهــو الــذي يجعــل المــكان والزمــان مرايــا‬ ‫لــكل نوازعــه وأحاسيســه الـ ت يـ� هــي فــي حقيقتهــا اســتجابة حتميــة لفصــول الجســد وثمــاره وتقلباتــه التــي‬ ‫تصنعنــا‪ ،‬ونحــن نســميه زمنـاً‪ ،‬ولكنــه فــي حقيقتــه الجســد‪ ،‬الجســد وحــده‪ ،‬فــي ربيــع الجســد تصبــح الطبيعــة‬ ‫ـرى والوامقــة‪:‬‬ ‫خادمــة أمينــة لمكنوناتــه الحـ ّ‬ ‫وإذا الينبوع والجدو ُل‬ ‫ج‬ ‫والساقيةُ المغنا ُ‬ ‫صارت تتبارى‪،‬‬ ‫األنهار‬ ‫تمتطي‬ ‫َ‬ ‫يحدوها حنينُ الفرع لألص ِل‬ ‫وشوق االبن لألهل الحيارى‬ ‫وتح ِيّي ِه بأحلى قُبل ٍة‬ ‫كانت لديها‬

‫أقواس قزح ص ‪/42‬‬

‫ـفر دؤوب‪ ،‬ال‬ ‫ولكنــك ال تســتطيع أن تدخــل فــي نهــر الزمــان ّ‬ ‫مرتيــن‪ ،‬وال فــي النهــر المــكان‪ ،‬إننــا علــى سـ ٍ‬ ‫يلقــي رحالــه‪ ،‬مهمــا اســتب ّد بنــا الونــى‪ ،‬وجنــح بنــا البيــن فــي مرامــي تيهــه وصحــاراه‪ ،‬التــي ال مــاء فيهــا‬ ‫هرم ـةً‪ ،‬وتصبــح الكلمــات مرايــا‬ ‫غيــر ســراب يغــري‪ ،‬ورواحــل يمتطيهــا العمــر‪ ،‬وقتهــا تصبــح الطبيعــة ِ‬ ‫العمــر القاحــل إالّ مــن الذكريــات‪ ،‬وتغــدو الكلمــات غيــر كلمــات األمــس‪:‬‬ ‫الصيف يا لبنى‬ ‫وتولّى‬ ‫ُ‬ ‫وبتنا قاب قوسين من الريح وأدنى‬ ‫وغدا ً حين تهبُّ الريح‬ ‫تذرو ما جمعنا من حصاد‬ ‫أقواس قزح ص ‪/83‬‬ ‫إن مغــادرة القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن صبغــت شــعره بحــزن شــفيف‪ ،‬إنهــا حنيــن إلــى العــودة‪،‬‬ ‫ومغــادرة الحاضــر لإلقامــة فــي الماضــي‪ ،‬والماضــي هــو القريــة‪ ،‬وهــو الفــردوس المفقــود‪ ،‬والزمــان‬ ‫ـور الشــيب الــذي نــزل بفوديــه‪ .‬والشــيب فــي حقيقتــه‬ ‫المفقــود أيض ـاً‪ .‬ويرافــق حــزنَ مغــادرة القريــة حضـ ُ‬ ‫غربــة ثانيــة‪ .‬وإذا كان باســتطاعة الشــاعر العــودة إلــى قريتــه‪ ،‬فإنــه غيــر قــادر أن يعــود إلــى زمــن الشــباب‪.‬‬ ‫ومــن هنــا كانــت أهميــة الذكــرى فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬ألنهــا قنديلــه األخيــر فــي ظــام العمــر‪،‬‬ ‫وألن الذكريــات «صــدى الســنين الحاكــي»‪ .‬وحيــن تــدق نواقيــس الذكريــات فــي صــدر الشــاعر يشــعر أن‬ ‫صوتـا ً يــوري حنينــه‪:‬‬ ‫لزمان‬ ‫ٍ‬


‫هنا أريد أن أشير إلى لقاء وجداني وموقف من تغيرات بين هذه القصيدة للشاعر سلمان زين الدين‬ ‫*****‬ ‫لهم القروي وتأثيره على الحواس‬ ‫مادية ال ُم ِ‬ ‫ـاب األول واألغنــى واألكثــر‬ ‫فــي العمــر القــروي الزراعــي تكــون القريــة وعالمهــا المــادي والروحــي الكتـ َ‬ ‫حضــورا ً وتأثيــرا ً فــي الــذات طــوال مراحــل العمــر اإلنســاني‪ .‬إن القريــة هــي الصانعــة األولــى للشــخصية‬ ‫مكون ـةُ‬ ‫ـى فني ـا ً فــي حياتــه‪ .‬ولعــل مرحلــة الطفولــة هــي ّ ِ‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬وبخاص ـ ٍة لــكل ابــن قري ـ ٍة نحــا منحـ ً‬ ‫العمريــة التــي تليهــا‪ .‬وقتهــا تبــدأ‬ ‫االســتعداد األول لخلــق االنطباعــات المؤثــرة‪ ،‬وباســتمرار علــى المراحــل ْ‬ ‫القريــة بــكل تفاصيلهــا بطباعــة صفحــات كتــاب العمــر‪ ،‬وتصبــح تلــك الصفحــات هــي العمــر الحقيقــي‬ ‫لإلنســان‪.‬‬ ‫وتآزرهــا لنقــل أقصــى مــا يشــعر بــه اإلنســان‪.‬‬ ‫وبتأم ـ ٍل رؤيــوي مــادي نــرى بوضــوح تداخــل الحــواس‬ ‫َ‬ ‫وتحديــدا ً مــاكان لــه حضــور مــادي مؤثــر علــى إنســان القريــة الطفــل‪ .‬وقتهــا النهــر يصبــح حكايــة ال تبــرح‬ ‫الوجــدان‪ .‬وهــا أنــا حتــى اآلن ال أزال أذكــر تلــك الصفحــة فــي كتــاب القــراءة األول فــي مدرســة القريــة‪،‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ألتبعــك‪ /‬أنــا‬ ‫ـر�‬ ‫والتــي كانــت فيهــا صــورة لطفــ ٍل واقــف يخاطــب النهــر‪“ :‬أيهــا‬ ‫النهــر ال ترس‪/‬وانتظـ ي‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ـر� ألتبعــك‪ ./‬إىل اآلن وأنــا ي� الســبعينيات‪ ،‬وقــد مــررت بتجــارب‬ ‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫فانت‬ ‫‪/‬‬ ‫ـك‬ ‫أخـ بـرت والــدي‪ /‬أنـ ن يـ� ذاهــب معـ‬ ‫ي‬ ‫بتأث�اتهــا‪ ،‬ومــع ذلــك مــا زلــت أذكــر تلــك الصــورة‪ ،‬وأردد بحنـ ي ن‬ ‫ـ� غامــر تلــك المناجــاة الحميمــة‬ ‫حياتيــة عجيبــة ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال� يرجو بها الطفل النهر أن ينتظره ليســافر معه‪ ،‬واآلن أســأل‪ :‬ولكن إىل أين!!؟ وكل تفاصيل القرية لها‬ ‫ي‬ ‫تأثـ يـر ذلــك النهــر عــى وجــدان طفــل صغـ يـر‪ ،‬فالشــجرة تغــدو فتــاة مراهقــة متناســبة وناميــة مــع نمــو المراهقــة‬ ‫ف ي� بواكـ يـر حيــاة الطفــل‪ .‬وهــذه المعطيــات تكثفهــا تجربــة الحيــاة‪ ،‬إىل درجــة تعجــز فيهــا حاســة واحــدة عــى‬ ‫اكتنــاه كل تلــك المعطيــات الـ تـ� تراكمهــا التجــارب ف� الوجــدان اإلنسـ ن‬ ‫ـا�‪ .‬وقتهــا تكــون النفــس الشــاعرة أ كـ ثـر‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫ي‬ ‫ًِ‬ ‫ْ ً‬ ‫ز‬ ‫التهامــا لخـ بـ� تلــك الطبيعــة‪ ،‬حيــث يغــدو كل مــا ي� القريــة قمــح حقــول الصبــا‪ ،‬وتغــدو الذكريــات ِمنجــا‬ ‫يحصــد مــا بـق ي بعــد جفــاف العمــر ورحيــل األشــياء‪.‬‬ ‫ـ� ّ‬ ‫ـر الريــح لل َحــور”‪ ،‬وبـ ي ن‬ ‫حاســة‬ ‫إن إزالــة الفواصــل‪ ،‬وتهديــم الجــدران الفاصلــة بيــن الصــوت‪« :‬مــا تتُسـ ُّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الشـ ّـم‪“ :‬مــا تفضــي بــه التربــة لألزهــار”‪ ،‬وبـ ي ن‬ ‫ـ� حاســة البــر‪“ :‬الزعــر الـ بـري والــزو� وإكليــل الجبــل”‪،‬‬ ‫نعــم إن تهديــم الحواجــز بيــن الحــواس المختلفــة «البصــر والشـ ّم والصــوت» هــي تفســير لكثافــة إحســاس‬ ‫الشــاعر فــي حضــرة عشــيقته الطبيعــة التــي تغريــه بوصالهــا وتظــل أبعــد مــن نوالهــا‪ ،‬وذلــك لشــدة هيمنتهــا‬ ‫علــى وجدانــه‪ .‬وقــد اســتعان المشــتغلون بالفنــون كافــة منــذ ال ِقــدم بتهديــم الجــدر بيــن الحــواس للتعبيــر‬ ‫الطاغــي علــى الوجــدان الــذي تعجــز كل الحــواس عــن نقلــه‪ .‬ولكــن الشــاعر الفرنســي «شــارل بودلــي»‬ ‫أفــاض فــي هــذا المجــال بســبب شــدة إلحــاح أحاسيســه علــى ذاتــه‪ ،‬ولنســتمع إليــه‪ ،‬وهــو يقــول محــاوالً‬ ‫الوصــول إلــى أقاصــي حالــة الشــعور التــي يخلقهــا تعــاون الحــواس‪:‬‬ ‫التحو ُل الروحاني‬ ‫أيها‬ ‫ُّ‬ ‫تحو َل حواسي كلها المنصهرة في حاسة واحدة‬ ‫يا ُّ‬ ‫َ‬ ‫سها يُبدع الموسيقى‬ ‫إن نَفَ َ‬ ‫مثلما يو ِلّ ُد صوتُها العطر‪.‬‬ ‫ورغــم شــهرة بودليــر فــي هــذه االســتجابة إللحــاح المشــاعر واألحاســيس علــى التســرب مــن شــقوق‬ ‫الحــواس المختلفــة فــإن شــعرنا العربــي نحــا هــذا المنحــى منــذ بواكيــر وجــوده‪ ،‬فامــرؤ القيــس شــبّه‬


‫دنى أخرى‪،‬‬ ‫فأبحث عن ً‬ ‫تقيم هناك في قلبي‪،‬‬ ‫وتجري في شراييني‪.‬‬ ‫أقواس قزح ص ‪/95‬‬ ‫سـهُ‪ ،‬واألســئلة‬ ‫ـاعر نف ُ‬ ‫ســعة القلــب تجعــل الشــاعر منهمــكأ ً بإلقــاء األســئلة علــى المجــرد اآلخــر الــذي هو الشـ ُ‬ ‫هــي إيجــاد أمكنــة أخــرى فــي القلــب يبعثهــا األســى الــذي هــو الباعــث األكبــر لحضــور الشــعر‪ ،‬و»األســى‬ ‫يبعــث األســى» كمــا يقــول «متمــم بــن نويــرة»‪ .‬والســؤال يعبــر عــن كثافــة الزمــن فــي الــذات اإلنســانية‪،‬‬ ‫ـول الزمــن إلــى ذكــرى‬ ‫وال يمكــن للزمــن أن يتكــون فــي الشــعر إالّ بحضــور المــكان‪ ،‬والمــكان هــو الــذي يحـ ّ ِ‬ ‫تجهــش فــي األعمــاق‪ ،‬ثــم تتحـ ّـول إلــى أســئلة لعلهــا تجــد مخرجـا ً يخفــف االحتقــان‪ ،‬والســؤال كمــا رأينــا هــو‬ ‫ـرد ذاتــه‪ ،‬ليصبــح‬ ‫اشــتياق وتعليــل‪ .‬ولهــذا يصبــح الســؤال فــي الشــعر جوابـاً‪ ،‬كمــا يقــول أبــو تمــام وهــو يجـ ّ‬ ‫المنــادي والمنــادى أمــام ديــار األحبــة‪:‬‬ ‫فاسألَ ْنها‪ ،‬واجع ْل بكاكَ جوابا ً‬

‫تج ِد الدم َع سائالً ومجيبا‬

‫ـب نفســه ال ُم ِل ّحــة‪ ،‬والتــي تفتتــح فــي القلــب أمكنــة‬ ‫ويعتمــد الشــاعر ســلمان زيــن الديــن علــى الســؤال ليجيـ َ‬ ‫كثيــرة باألســئلة‪ ،‬وأســئلته فيهــا كثيــر مــن غمــام الحــزن‪ ،‬وكثيــر مــن بــروق العنــاد‪ ،‬والعنــاد هــو محاولــة‬ ‫جــادة ضــد المــوت‪ ،‬والعنــاد فــي أزمنــة الحــزن لــه ســمة االرتقــاء علــى مــا هــو كائــن‪ .‬ومــن هــذا المنطلــق‬ ‫يكــون العنــاد فــي األزمنــة العبــة فعـاً أخالقيـاً‪ ،‬والدهشــة أمــام تغيــر الجســد هــي مــن أســئلة العنــاد الكبــرى‬ ‫رغــم ز ّخــات الحــزن التــي تهطــل علــى الوجــه أمــام المــرآة‪ .‬ورغــم ذلــك ال يســتطيع الشــاعر أن يخلــع‬ ‫أحزانــه رغــم عنــاده أمــام المــرآة‪:‬‬ ‫كيف تغدو الشفةُ‬ ‫ُ‬ ‫المرجان ذكرى‪،‬‬ ‫ي شَعرا‬ ‫كيف يُمسي الكأل البر ُّ‬ ‫كيف ري ُح العمر تذرو شَعر سيفي ِْن‬ ‫األسر في الغمديْن صدرا‬ ‫يضيقان بليل‬ ‫ِ‬ ‫وانثنى الوجهُ على المرآة مشدوهاً‪،‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫عينيك‬ ‫أين ما خبّأتُ في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫وظالل؟‬ ‫من‬ ‫سحر وماءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أين ما أودعتُكي ِه‬ ‫وقمر؟‬ ‫ونجوم‬ ‫من سماءٍ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أين تلك النظرة ُ‬ ‫السيف‬ ‫ُ‬ ‫وتلك البسمةُ‬ ‫الصيف‬ ‫ُ‬ ‫المطر؟‪.‬‬ ‫وأقواس‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫رغــم أن للزمــن تفســرا ً ال يمكــن حصــره بتعاقــب دقــات الســاعة‪ ،‬وهكذاســنبقى نمــارس ســعينا الــدؤوب فــي‬ ‫رحلــة كونيــة مترقيــة‪ ،‬وحثيثــة الســير صــوب هللا‪.‬‬

‫يجــب أن تحتــوي القافيــة علــى عنصــر المفآجــأة لكــي تحــدث نوعــا مــن المتعــة والتشــويق‪ .‬وليــس بالضرورة‬ ‫أن يكــون األمــر غايــة فــي الغرابــة‪ ،‬يجــب أن يكــون هنالــك تــوازن متــى مــا لــزم اســتخدام غيــر المتوقــع‬ ‫المشــكلة لــدى الشــعراء الناشــئين هــي صعوبــة تصنيفهــم ووضعهــم فــي خانــة محــددة لموهبتهــم الشــعرية‬ ‫وإلنجازاتهــم‪ .‬قــد يــرى بعضهــم أنــه حقــق مــا يشــفع لــه بــأن يكــون شــاعرا‪ ،‬وهــذا التخبــط فــي الســاحة‬ ‫الشـ�عرية هـ�و مـ�ا جعـ�ل الجمهـ�ور يعـ�رض عـ�ن الشـ�عر الحديـ�ث‪.‬‬

‫كان الصهيل حاجة قصوى أمام جبل الشيخ‪ ،‬وال بد من الصهيل أن يصبح جسدا ً يتسلق‪.‬‬

‫‪ .١‬يجــب عــدم االلتفــات إلــى النقــد الصــادر مــن أشــخاص لــم يســبق لهــم أن انتجــوا أعمــاال جليلــة أو نبيلــة‪.‬‬ ‫أنظــر إلــى الفــارق األدبــي الكبيــر بيــن أعمــال اإلغريــق األوائــل مــن شــعراء ومســرحيين وبيــن مــن جــاءوا‬ ‫بعدهـ�م فـ�ي العهـ�د الرومانـ�ي الذيـ�ن كانـ�وا مجـ�رد شـ�ارحين ألعمـ�ال مـ�ن سـ�بقوهم مـ�ن األغريـ�ق العظـ�ام‪.‬‬ ‫‪ .٣‬ذلــك أن بعــض الكتــاب ال يعــي بــأن الشــيء الواقعــي والطبيعــي يحمــل فــي طياتــه مــا يكفــي مــن الرمــز‬ ‫لإلشــارة لشــيء آخــر تجنــب التشــبيهات والتعابيــر التــي تخلــط بيــن المجــاز التجريــدي والواقــع ألنــه يخلــق‬ ‫بعـ�ض الرتابـ�ة‪ .‬وسـ�بب‪.‬‬ ‫‪ .٤‬اجعــل مــن المجــاز التجريــدي عــدوك األول‪ .‬ومــا كتبتــه ببراعــة فــي شــكل نثــري واضــح ال تعــاود‬ ‫صياغتــه بأســلوب شــعري متواضــع المســتوى‪ .‬وال تظــن أن باســتطاعتك خــداع القــارئ الذكــي عــن طريــق‬ ‫الهـ�رب مـ�ن الجمـ�ال األصيـ�ل الممتنـ�ع للفـ�ن النثـ�ري إلـ�ى جمـ�ل شـ�عرية مبتـ�ورة‪.‬‬ ‫‪ .٥‬مــا قــد يمتعــض منــه الناقــد الخبيــر اليــوم ســوف بالتأكيــد لــن ينــال استحســان العامــة مــن القــراء فــي الغــد‪.‬‬ ‫ال تظــن بــأي حــال مــن األحــوال أن فــن الشــعر هــو أكثــر بســاطة مــن الفــن الموســيقي‪ ،‬أو تظــن أنــه بامكانــك‬ ‫إرضــاء الخبيــر بأمــور الشــعر بمجهــود أقــل ممــا يبذلــه العــازف علــى البيانــو الراغــب فــي احتــراف الفــن‬ ‫الموسيقي‪.‬‬ ‫ـش مــن التأثــر بأقصــى عــدد ممكــن مــن الشــعراء والفنانيــن الكبــار‪ ،‬ولكــن تحـ َّل باللياقــة الالزمــة‬ ‫‪ .٦‬ال تخـ َ‬ ‫لالعتــراف بفضلهــم عليــك‪ ،‬أو اجعــل هــذا الفضــل يتماهــى مختفيــا فــي عملــك‪ .‬وال تحصــر هــذا التأثــر فــي‬ ‫اســتخدام المزخرفــات اللفظيــة المأخــوذة مــن شــعرائك المفضليــن‪ ،‬ألنــه آجــا أم عاجــا ســوف يتــم القبــض‬ ‫عليـ�ك بالجـ�رم المشـ�هود‪.‬‬


‫ـيء‬ ‫ـرض فيــه‪« :‬ولي ـ ٍل أقاســي ِه بطـ ِ‬ ‫الليــل بمــوج البحــر‪ ،‬والنابغــة الذبيانــي عانــى مــن الليــل حتــى لكأنــه مـ ٌ‬ ‫ب»‪ .‬أنظــر إلــى لفظــة «أقاســيه»‪ ،‬الليــل هنــا صــار مرضـاً‪ .‬وداللــة قــول بشــار بــن بــرد الشــاعر‬ ‫الكواكـ ِ‬ ‫األعمــى واضحــة فــي تحويــل البصــر إلــى ســمع‬ ‫المحاجر من َمعَ ٍ ّد‬ ‫ودعجاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َّ‬ ‫الجنان‬ ‫ثمر‬ ‫كأن حديثَها ُ‬ ‫ِ‬

‫إن حديــث الفتــاة يصبــح ثمــرا ً مــن ثمــار النــة‪ ،‬وليــس تحويــل الحواســه وحــده هــو الرائــع فــي هــذا الشــعر‪،‬‬ ‫وإنمــا البديــع أيضـا ً هــو جعــل طعــم الــكالم كطعــم ثمــار الجنــة‪ ،‬الــذي هــو أعلــى الثمــار وأطيبهــا‪ .‬وهــذا مــا‬ ‫نــراه أيضـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬وذلــك حيــن يســتيقظ فيــه جمــال الطبيعــة‪ ،‬ويزدحــم الجمــال فــي‬ ‫ســة‪:‬‬ ‫ـف الجمــال ليختــرق أكثــر مــن حا ّ‬ ‫وجدانــه‪ ،‬فيتكثَّـ ُ‬ ‫‪/‬ه األشواق تطلع من قماقمها‪/،‬‬ ‫ي‬ ‫فيتَّس ُع المدى‪/.‬‬ ‫والصوت يزهر في خمائله‪/‬‬ ‫فيشتعل الصدى‪/‬‬ ‫هذا ربي ُع ْ‬ ‫األذ ِن‪/،‬‬ ‫َ‬ ‫ف سمعَكَ‬ ‫الظمآن‪/‬‬ ‫فأر ِه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫األلحان‪ /‬أقواس قزح ص ‪./66/65‬‬ ‫واقطف أعذب‬ ‫ْ‬ ‫ب مــن حاســة إلــى‬ ‫ـر ُ‬ ‫إن ازدحــام الــرؤى واألحاســيس فــي صــدر الشــاعر جعــل حــراش األحاســيس يتسـ ّ‬ ‫أخــرى‪ .‬فاألشــواق المتقــدة فــي صــدر الشــاعر صــارت كالســوائل المعبّــأة فــي قماقمهــا‪ ،‬والصــوت بإيقاعــه‬ ‫ـان ربيعـي ٍ يصبــح الصــوت فيــه مزهــراً‪ ،‬وتصبــح‬ ‫المحبــب يتحــول خميلــة‪ ،‬والصــدى يشــتعل‪ ،‬فــي مهرجـ ٍ‬ ‫ـر بســمع‬ ‫الصــورة أكثــر تأثيــرا ً حيــن يحيلُهــا الشــاعر إلــى وجدانــه بأمـ ٍـر ال يحتمـ ُل التأجيــل‪ ،‬ويُسـ‬ ‫ُ‬ ‫ـتجاب األمـ ُ‬ ‫الشــاعر الظمــآن لشــرب الجمــال‪ ،‬وحيــن يظمــأ الســمع تكــون األعمــاق عطشــى لمطــر يخصــب الــروح‬ ‫ويغنيهــا‪ ،‬وفتهــا تتحــول األصــواتُ الحميمــة إلــى فاكهــة ال تختلــف عــن «ثمــر الجنــان» عنــد بشــار بــن‬ ‫بعضهــا علــى بعــض‪ ،‬وهــذا تفســير لكثافــة الشــعور الــذي‬ ‫بــرد‪ .‬واضـ ٌح فــي هــذا الــكالم انفتــاح الحــواس‪ِ ،‬‬ ‫ـوت‪،‬‬ ‫ال يمكــن نقلــه فــي حاســة واحــدة‪ .‬وتذهــب الصــورة فــي ســريالية جميلــة حيــن يُضــي ُء الصمــتُ الصـ َ‬ ‫ســةٌ واحــدة‪:‬‬ ‫وحيــن تقطــف اللــوزة الوقــت حتــى لــكأن الحــواس جميعهــا حا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لوزة تقطف ت‬ ‫وق�‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫ي‬ ‫أغس ُل العينين فيها‪/‬‬ ‫فيضيء الصوتَ صمتٌ ‪ /‬أقواس قزح‪/‬ص ‪./46‬‬ ‫ـواس‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـإن ماديّــة داللتهــا تتغلــب علــى المضمــر منهــا فتبــرز الحاســة أكثــر‬ ‫وعلــى الرغــم مــن تداخــل الحـ ّ‬ ‫مــن مكونــات الطبيعــة‪ ،‬فنشـ ُّم شــذا الزهــرة أكثــر مــن رؤيتهــا فــي الواقــع‪ ،‬وهــذا مرتبــط بماديــة التــراث‪،‬‬ ‫ومرتبــط بتجســد األحاســيس‪ ،‬وعــدم القــدرة علــى منــع تدفقهــا‪ ،‬ومرتبــط أيضـا ً بطبيعــة البيئــة الريفيــة التــي‬ ‫نهــل ســلمان زيــن الديــن منهــا معارفــه الروحيــة‪ ،‬مــع وضــوح نظريــة وحــدة الوجــود التــي يتداخــل فيهــا‬ ‫العَقَــدي بتأثيــرات قامــوس البيئــة الرؤيــوي‪ .‬إن تداخــل األشــياء ونموهــا معـا ً فــي الداخــل اإلنســاني‪ ،‬وفــي‬ ‫عالمــه الرؤيــوي تجعلــه َمقُــودا ً لإليمــان بتكاثــر المخلوقــات ووحدانيــة الخالــق وســعيها الحثيــث للتوحــد بــه‪.‬‬ ‫إن إزالــة الفواصــل بيــن موجــودات الطبيعــة تحتــم اإليمــان بالحلــول المترقــي فــي مراحــل مــا نســميه زمنـاً‪،‬‬


‫االنضبـ�اط فـ�ي الكتابـ�ة إن مارسـ�ته علـ�ى سـ�بيل التمريـ�ن‪.‬‬


‫‪ .٧‬تجنب الزركشات اللفظية‪ ،‬الجيد منها والرديء‪.‬‬ ‫‪ .٨‬دع قارئــك المحتمــل يمــأ نفســه بأرقــى اإليقاعــات الشــعرية التــي يمكــن أن يكتشــفها فــي نصــك‪ ،‬خاصــة‬ ‫وإن كان هــذا القــارئ ســيقرأ شــعرك بلغــة أجنبيــة‪ .‬وذلــك لكــي ال يشــتت تركيــزه عــن حركــة االيقــاع حينمــا‬ ‫يحــاول معرفــة معنــى الكلمــات‪ .‬مثــال علــى ذلــك بعــض األغانــي الشــعبية‪ ،‬شــعر دانتــي وقصائــد شكســبير‪.‬‬ ‫دعــه يحلــل شــعر غوتــه بــكل هــدوء ورويّــة حتــى يصــل إلــى عمــق المحتويــات القيمــة الصوتيــة واإليقاعيــة‬ ‫للجمــل واألبيــات الشــعرية‪ ،‬مهمــا كانــت قصيــرة أو طويلــة‪ ،‬ســواء بهــا تكثيــف نغمــي أم ال‪ ،‬ويصــل إلــى‬ ‫جـ�ذور الكلمـ�ات حتـ�ى يراهـ�ا بطبيعتهـ�ا اللغويـ�ة البحتـ�ة‪.‬‬ ‫‪ .٩‬ليــس بالضــرورة أن تعتمــد القصيــدة علــى موســيقاها الداخليــة‪ ،‬لكــن إن كان ذلــك هــو الحــال فيجــب أن‬ ‫تكـ�ون تلـ�ك الموسـ�يقى غايـ�ة فـ�ي الجـ�ودة بحيـ�ث تسـ�عد القـ�ارئ الخبيـ�ر‪.‬‬ ‫‪ .١٠‬اجعــل قارئــك الجديــد يشــعر بمعرفتــك فــي أصــول الشــعر وفنونــه مــن محســنات لفظيــة وســجعية‪،‬‬ ‫وتفنــن فــي أســلوب القافيــة وتعــدد األصــوات فــي النــص‪ ،‬فذلــك مــن ضروريــات الكتابــة تمامــا مثــل مــا‬ ‫تتوقــع أنــت أن يعــرف المؤلــف الموســيقي كل شــيء عــن حرفتــه ويتقنهــا‪ .‬كل وقــت هــو مناســب لالهتمــام‬ ‫بمثــل هــذه الجزيئــات ســواء كلهــا مجتمعــة أو كل واحــدة علــى حــدة‪ ،‬حتــى وإن كان الشــاعر ال يســتخدمها‬ ‫بكثـ�رة‪.‬‬

‫‪ .١٣‬عندمــا يتكلــم شكســبير عــن “فجــر ملتــف بعبــاءةٍ خمريــة اللــون” فهــو يبــرز شــيئا ليــس فــي مقــدور فنان‬ ‫الرســم إبــرازه‪ .‬يوجــد فــي هــذا البيــت العدمــي الشــيء المدعــو الوصــف‪ ،‬هــو شــيء تلقائــي‪ ،‬كل مــا علــى‬ ‫شكسـ�بير أو أي شـ�اعر محتـ�رف هـ�و تقديمـ�ه كمـ�ا هـ�و للقـ�ارئ‪.‬‬ ‫ـروج الــذي يحــاول بيــع صابــون‪ .‬فالعالــم ال‬ ‫‪ .١٤‬تعلــم منهــج رجــل العلــوم فــي عملــه عوضــا عــن منهــج المـ ّ‬ ‫ينتظــر أي احتفــاء حتــى يكتشــف شــيئا ذا قيمــة‪ .‬وهــو يبــدأ عملــه بدراســة مــا حققــه العلمــاء مــن قبلــه‪ .‬وهــو‬ ‫ال يعتمــد فــي عملــه علــى شــخصيته الســاحرة وال ينتظــر أن يصفــق لــه زمالئــه وهــو فــي المراحــل األوليــة‬ ‫لعملـ�ه أو عندمـ�ا يحقـ�ق اكتشـ�افات صغيـ�رة‪.‬‬ ‫‪ .١٥‬ال تبتــر نصــك إلــى قطــع مشــوهة عديمــة المالمــح‪ .‬وال تقــف عنــد نهايــة الســطر بصــورة تجعــل الفكــرة‬ ‫غيــر مكتملــة‪ .‬اجعــل بدايــة البيــت الشــعري متناغــم فــي الــوزن مــع ســابقه مــن األبيــات‪ ،‬إال إذا كنــت تريــد‬ ‫خلــق حالــة نفســية معينــة لــدى القــارئ بوقوفــك المفاجــئ‪ .‬وباختصــار تصــرف كأنــك موســيقي موهــوب‪،‬‬ ‫‪ .19‬الصــور الشــعرية التــي تحــث وتثيــر مخيلــة القــارئ لــن تُفقــد مطلقــا حيــن يترجــم الشــعر إلــى لغــة‬ ‫أخـ�رى‪ .‬ولكـ�ن الجـ�زء الـ�ذي يطـ�رب األذن يجـ�ب أن يُقـ�رأ بلغتـ�ه األصليـ�ة‪.‬‬ ‫‪ .20‬يمثــل شــعر (دانتــي) الوضــوح التــام فــي التعابيــر‪ ،‬فــي مقابــل أســلوب (ميلتــون) البالغــي المتعــدد‬ ‫المعانــي‪ .‬لكــي تكســر الرتابــة فــي شــعرك عليــك بقــراءة (وردورث) كثيــرا‪ .‬وإذا أردت أن تســتخلص‬ ‫بواطــن األمــور عليــك بـــ (ســافو) أو (كاتــاالوس) أو (فيلــون) أو (هايــن) فــي أحســن حاالتــه‪ ،‬أو (جاتييــر)‬ ‫عندمــا ال يكــون بــارد المشــاعر‪ .‬وليــس هنالــك أفضــل مــن الشــاعر الكبيــر (تشوســر) إذا أردت أن تكــون‬ ‫متعــدد اللهجــات واألصــوات‪ .‬وال يضــر إن قــرأت نثــرا جيــدا مــن حيــن آلخــر‪ ،‬وهــو األمــر الــذي قــد يعلمــك‬



‫الصائمون ومرض ضغط الدم‬ ‫د‪ .‬انتظار القيسي‬ ‫ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك أود أن أقدم بعض النصائح للصائمين الذين‬ ‫يعانون من اضطرابات في معدالت الضغط الدموي لتجنب الصائم من أية مخاطر‬ ‫في هذا الشهر الفضيل ‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬الضغط المنخفض‬ ‫مع ارتفاع درجات الحرارة وتزامنا مع شهر رمضان نجد الكثير ممن يعانون من‬ ‫أعراض انخفاض ضغط الدم أثناء الصيام كالخمول والدوار والصداع وقد يصل‬ ‫إلى اإلغماء في حالة االنخفاض الشديد للضغط ‪ ،‬لذلك يجب على مرضى ضغط‬ ‫الدم المنخفض اتباع بعض النصائح في الصيام وخاصة في فصل الصيف حيث يفقد‬ ‫الجسم الكثير من األمالح والسوائل‪ .‬اذا اليكم بعض النصائح الغذائية الواجب اتباعها‬ ‫خالل شهر رمضان‬ ‫‪ .1‬زيادة نسبة الملح في الطعام‪.‬‬ ‫ـ‪ .2‬ضرورة تناول كوب من العصير الطازج مع بداية اإلفطار‪.‬‬ ‫‪ .3‬اتباع نظام غذائي متوازن من اإلفطار للسحور فيجب أن يحتوى اإلفطار على‬ ‫كربوهيدرات معقدة وبروتين خال من الدهون وخضروات متنوعة‪.‬‬ ‫‪ .4‬تناول القليل من الشاي والقهوة بعد اإلفطار‪.‬‬ ‫‪ .5‬شرب عصير عرق السوس يساعد على ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪ .6‬تجنب المجهود الزائد والتعرض للشمس أثناء ساعات الصيام‪.‬‬ ‫‪ .7‬اإلكثار من تناول السوائل والعصائر‪.‬‬ ‫‪ .8‬عدم تناول كميات كبيرة من الطعام مما يؤدى إلى اندفاع الدم إلى المعدة ومن ثم‬ ‫انخفاض ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪ .9‬تناول وجبة سحور بها كمية معتدلة من األمالح كشريحة من الجبن الرومي‬ ‫والزيتون وإضافة الملح إلى الفول‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬ارتفاع ضغط الدم‬


‫من يشعر بارتفاع الضغط عليه ان يلتزم بنظام غذائي صحي وكما يلي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬االفطار‬ ‫يجب أن تحتوي على السوائل والمياه وتناول طبق من الحساء ال يضاف له ملح‬ ‫وتناول الفواكه والخضروات ألنها تحتوي على نسبة عالية من األلياف الغذائية مثل‬ ‫الطماطم والبازالء والفاصوليا والملفوف اي اللهانه إلى جانب البروتين الموجود في‬ ‫األسماك مثل سمكة التونة وشريحة من الدجاج منزوعة الجلد‬ ‫ويمكن تناول الكربوهيدرات على أن تختار نوع من الكربوهيدرات المناسبة مثل‬ ‫المعكرونة والرز ‪.‬‬ ‫‪ .2‬السحور‬ ‫تناول في السحور البقوليات مثل الفول اي الباقالء والبروتين مثل الزبادي خالي‬ ‫الدسم اي اللبن الخاثر مع شرائح من خبز النخالة فهو نوع من الحبوب الكاملة الذي‬ ‫يساعدك على الشبع‪.‬‬ ‫يمكن تناول حفنة من المكسرات بحجم كف اليد عند الشعور بالجوع ‪ ،‬وكذلك‬ ‫تناول الفواكه المجففة مثل الخوخ والزبيب أو العنب المجفف والمشمش وتناول‬ ‫الفواكه الطازجة‬




‫شهق ُة املعابر‬ ‫فراس جمعه العمشاني‬ ‫جانب ّ‬ ‫الراك ُد‬ ‫ُخ ْذ‬ ‫ق من فضلك أَيُّها الفضا ُء ّ‬ ‫َ‬ ‫الطري ِ‬

‫ت المشانق وخاتمةً تليق‬ ‫شرايين التراب‬ ‫نشر ضحاياي على‬ ‫للريحِ صيحا ِ‬ ‫ُ‬ ‫وأكتب ّ‬ ‫ِل َ َ‬ ‫ِ‬ ‫باألَناشيد واألُغنيات‬ ‫قب َل أن‬ ‫لحم الصراخِ الرائجِ وقبل أن تخترقَ‬ ‫َ‬ ‫يطهو الغزاة ُ َ‬ ‫وت األنيق كجث ٍة رفعت يديها الضّريرتين للمغتسل‬ ‫ص َ‬ ‫الرصاصاتُ الطائشةُ ذلك ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫مزهوة ً إلى نزه ٍة‬ ‫لتذهب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الغبار الملتصقَ على ِفم طف ٍل تتّبعُها بوصلةً‬ ‫محشوة ً باإلنكسار يتع ّك ُز‬ ‫ع‬ ‫أخير ٍة تُصار ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫بكؤوس المج ِد ّ‬ ‫الطليق لنقتط َع أطرافنَا‬ ‫القسم المستباح‬ ‫يوم شربنا ما َء‬ ‫فيها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنتصار َ‬ ‫للعبور شريطةَ أَن‬ ‫سواتر و أُخرى‬ ‫صالة تارة ً وتارة ً للتدحرجِ على‬ ‫أكفان ال ّ‬ ‫المنذورة َ لل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنام المسدساتُ‬ ‫َ‬ ‫البصر بعدما ُ‬ ‫لحظة إستراح ِة األصابعِ وتتغ ّ‬ ‫ت‬ ‫شى‬ ‫طبعت بصما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫النواظير فوق أَبراجِ‬ ‫أسرة المقابر‬ ‫العصي على جل ِد‬ ‫المحاجر‪ .‬وباتت أرواحنا ال ّ‬ ‫صاعدة بشراه ٍة إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫سكك المعابر‬ ‫الجثث على‬ ‫ولتسترح‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫فلتسترح الجماجم بالثقو ِ‬ ‫العراق‬ ‫‪2018/5/5‬‬



‫مع الشاعر سليم حيدر يف «خليقته»‬

‫عمر شبيل‬ ‫ــ ‪ 1‬ــ‬ ‫‪.‬مل يعتـ ْد هــذا الــرق أن يكـ ّر َم نبغــاءه‪ ،‬وهــم أحيــاء‪ ،‬كان يتجاهلهــم‪ ،‬وهــم يهبونــه معنــى أن يكــون‪ .‬كانــوا ال ميوتــون يــوم موتهــم‪،‬‬ ‫ويتحولــون إىل أضــواء تبــزغ يف الكتــب والعقــول والقلــوب‪ ،‬كانــوا يحاولــون الدخــول يف صميــم األشــياء‪ ،‬وبفقدانهــم كان الــرق‬ ‫يخــر «الرائــد الــذي ال َيكْ ـ ِذ ُب أهلــه»‪ ،‬لكيــا يخدعــه ال ـراب عــن املــاء‪ ،‬وتبتعــد قوافلــه عــن الينابيــع مبقــدار اختــاف الظــأ‬ ‫عــن االرتــواء‪.‬‬ ‫الشــاعر ســليم حيــدر ضــوء مــن أضــواء الــرق التــي اخرتقــت ظلــات املســاحات الراكــدة فينــا‪ ،‬وكان ضــوؤه كاشــفاً يــوم كان‬ ‫الوطــن ُمعرِضـاً عــن فكــره املشــتبك مــع قضايــا الوجــود الكــرى‪ ،‬كان ســليم حيــدر مفكـرا ً عنيــدا ً وشــاعرا ً ُمجيــدا ً‪ .‬نشــأ يف جغرافيــة‬ ‫ـري مبــن تفهمــه كل اللغــات‬ ‫هــي تــوأم الشــعر‪ ،‬يف بقــاعٍ‪ ،‬أعمــدة بعلبكــه تراهــن عــى مــوت املــوت‪ ،‬وتخاطــب الخلــود بلســان حجـ ٍّ‬ ‫حــن تته ّجــى رمــوز هياكلهــا‪ ،‬وتســتنطق‪ ‬صمتهــا املتكلــم‪ .‬نشــأ ســليم حيــدر يف رحــاب «إلــه الشــمس» يعنــي إلــه الضــوء‪ ،‬فأغـراه‬ ‫هــذا اإللــه بالرؤيــة والرؤيــا‪ ،‬وأغ ـراه بإدمــان التحديــق خلــف الشــمس‪ ،‬والــذي ينشــأ يف الضــوء ال ميكــن أن يصــاب بالعمــى‪ ،‬مل‬ ‫يــرب الشــاعر ســليم حيدرمــاء القــرى البعلبكيــة املتدفقــة مــن رشايــن ليطانيهــا وعــروق ص ّنينهــا فحســب‪ ،‬وإمنــا رشب أيضـاً حكايــا‬ ‫قراهــا وجــال غيدهــا اللــوايت ورثــن مــن األعمــدة القــوام وســحر الحضــور ورسمديــة الجــال‪ .‬وعــى تفاصيــل البقــاع وعطاءاتــه‬ ‫التــي امتــدت لتطعــم رومــا‪ ،‬قــرأ الـراث قـراءة وجدانيــة مضيئــة فأعطتــه الحــدس املتولــد مــن ملعــان الداخــل‪ ،‬والشــعر يف بروقــه‬ ‫ـديس يومــض قبــل اللغــة الواضحــة‪ ،‬وبهــذا اللمعــان الحــديس يقــرب الشــعر مــن‬ ‫الخاطفــة يتخلــص مــن رقابــة الوعــي بلمعــان حـ ٍّ‬ ‫النبــوة بإيحائهــا املتولــد مــن صلــة الواجــد باملوجــود‪ ،‬والحــدس الداخــي هــو الــذي يؤســس للعمليــة الشــعرية املبدعــة‪ .‬وهــذا‬ ‫ال يلغــي العقــل حيــث يتصالحــان يف حــرة الضــوء كــا يتجــى يف شــاعرية كل شــاعر مقتــدر‪ .‬إن صعوبــة الرؤيــا تتعــب الكلمــة‬ ‫ر عــى التحديــق باألعــى‪،‬‬ ‫والتعبــر أحيانـاً كثــرة‪ .‬أومل يُص َعــق مــوىس يف حــرة ربــه فخـ ّر ســاجدا ً‪ ،‬فــا يؤثــم شــاعرنا أبــدا ً وهــو يـ ُّ‬ ‫حيــث تتعــب الكلمــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنهــا كانــت يف البــدء‪ ،‬وملّــا تـ ْ‬ ‫ـزل‪ ،‬لســليم حيــدر خاصيتــه يف النســيج الشــعري الصياغــي‬ ‫ســيطرت عليهــا الفكــرة الكــرى‪ ،‬فكــرة التجــوال بــن القلــب والعقــل‪ ،‬وبــن نرثيــة الفكــرة وجــال الرؤيــا املغريــة بالســفر دامئـاً إىل‬ ‫الالهنــاك‪ .‬وهــذا ال يُقلِّـ ُـل مــن حضــور ســليم حيــدر أبــدا ً‪ .‬هــذا يجعــل منــه شــاعرا ً ال يقلِّــد إال ذاتــه الداخليــة الباحثــة ‪ ‬باســتمرار‬ ‫خــارج التأثــر اإللحاقــي‪.‬‬ ‫وعــى الشــاعر ســليم حيــدر التاريــخ وعي ـاً ذاتي ـاً حتــى لكأنــه موجــود يف كل العصــور وســبب ذلــك هــو توثــب وجدانــه املمتلــئ‬ ‫بالحــدس والعقــل يف آن‪ .‬إن التاريــخ يف «خليقــة» ســليم حيــدر لــه صــوت حــارض‪ ،‬حتــى لكأنــك تــرى الحــدث وتســمع تفاصيلــه‪،‬‬ ‫وتنفعــل بــه انفعــاالً منحــازا ً لجهــة دون أخــرى‪ ،‬وهــذا االنحيــاز متولــد مــن إرث أخالقــي رشبــه الشــاعر ســليم حيــدر مــن الـراث‬ ‫واملجتمــع القــروي الجميــل‪ ،‬ومــن عائلــة تــرب الثقافــة كــا تــرب املــاء‪.‬‬ ‫ــ ‪ 2‬ــ‬ ‫تناولــت يف محاولتــي هــذه كتــاب « الخليقــة» الــذي صيــغ شــعرا ً‪ ،‬وتجــاوزت بقيــة نتاجــه الوافــر ألنــه ال ميكــن أن يحــاط بــه مبقــال‬ ‫يف نــدوة‪ ،‬وأريــد أن أؤكــد أن شــاعرنا ســليم حيــدر ليــس مؤرخـاً‪ ،‬وإمنــا هــو شــاعر ومفكــر وحكيــم‪ ،‬وقــد كانــت مصــادر «خليقتــه»‬


‫ــ ‪ 4‬ــ‬ ‫ويف هــذه امللحمــة نســر مــع الشــاعر بانجــذاب بــن رغبــات الطــن وأحــام الــروح التــي هي‪« ‬مــن أمــر ريب»‪ ،‬وألنهــا ليســت مــن‬ ‫ـح التســاؤالت‪ ،‬وتظــل تقــرع عــى أبــواب الغيــب الســتكناه رحلتهــا الكونيــة العجيبــة التــي ال يفــي العقــل بهــا إىل‬ ‫أمرنــا بـرا ً تلـ ُّ‬ ‫نتيجــة‪ ،‬قــال فيهــا أبونــا املتنبــي بتمــزق حــا ٍّد وداعي ـاً إىل االن ـراف عــن إدراك ماهيتهــا‪ ،‬ألنهــا ليســت مــن أمرنــا‪ ،‬وألن العقــل‬ ‫محــدود أمــام ال محدوديــة الكــون‪:‬‬ ‫الناس حتى ال َ‬ ‫الشجب‬ ‫ْف يف‬ ‫ِ‬ ‫اتفاق لهم‪ ‬إالّ عىل ش َج ٍب‪ ،‬وال ُخل ُ‬ ‫تخالف ُ‬ ‫العطب‬ ‫نفس املرء سامل ًة‪ ‬وقيل ترشك جسم املرء يف‬ ‫ِ‬ ‫فقيل ُ‬ ‫تخلص ُ‬ ‫والتعب‬ ‫ومن تفكّ َر يف الدنيا ومهجتـــ ِه‪ ‬أقامه الفك ُر بني العجز‬ ‫ِ‬ ‫وهــذا القلــق الــذي خالــط الحــأ املســنون يف مشــيمته هيمــن عــى القلــوب والعقــول منــذ اللثغــة األوىل حتــى الغرغــرة‪ ،‬لقــد حــار‬ ‫مفكــر كبــر وشــاعر كبــر كاملعــري يف أمــر الــروح‪ ،‬وابتعــد عــن مســالك الوصــول إىل كينونتهــا‪ ،‬الســتحالة ذلــك فقــال‪:‬‬ ‫األقب‬ ‫‪ ‬أرواحنا فينا وليس لنا بها‪ٌ ‬‬ ‫علم فكيف إذا احتوتها ُ ُ‬ ‫ويقول سليم حيدر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات‬ ‫‪ ‬مل أعد أشهد الحقيقة يف نفســــــــــــي فكيف الشهود يف‬ ‫ــ ‪ 5‬ــ‬ ‫تقصيهــم‪ ،‬إنهــم يحاولــون‪ ،‬ولكنهــم‬ ‫إن ال ُح ُجــب املســدلة بــن الــروح وطينهــا الــازب جعــل أصحــاب الفكــر العنيــد مســتمرين يف ّ‬ ‫ينهزمــون باســتمرار‪ ،‬وأروع مــا فيهــم هزامئهــم‪ ،‬ألن هــذه الهزائــم جعلــت العقــل اإلنســاين اقتحاميـاً ال يؤمــن بالرتاجــع‪ ،‬وكان العقــل‬ ‫اإلنســاين يتشــظى ويتمــزق كاملــوج‪ ،‬ولكنــه يتجمــع ثانيــة ليشــكل موجـاً جديــدا ً‪ ،‬ويف ثنايــا هــذه األمــواج أنتجــت البرشيــة حضارتهــا‪،‬‬ ‫وغــزت الوجــود ووســعت املجــال أمــام هزامئهــا املتكــررة‪ ،‬ولكــن أضــواء العقــل التــي ملعــت يف الكتــب تحولــت إىل فعــل إنســاين‬ ‫حضــاري‪ ،‬يضاهــي الخلــق وجــودا ً‪.‬‬ ‫يف «خليقــة» ســليم حيــدر يبــدو الشــك منطلقـاً للمســرة الطويلــة‪ ،‬إنــه يســر بــن ملكــوت الضــوء الغامــر وظلمــوت الشــك الــذي‬ ‫ـوي يف رحلــة رصاع الطــن والــروح‪ .‬شـكُّه عميــق لدرجــة مذهلــة‪ ،‬وإميانــه‬ ‫يقتلــع اســتقرار الــروح ويجعلهــا تجنــف عــن طريقهــا السـ ِّ‬ ‫مســتوطن يف تكوينــه‪ .‬إ ّن «اإلميــان موجــود يف الغرائز»‪ ‬كــا يــرى رهــن املحبســن أبــو العــاء املعــري‪ .‬ويقــول ســليم حيــدر معـرا ً‬ ‫عــن تناثــر كيانــه بــن ظلمــوت الشــك ونــور اإلميــان الكامــن يف تكويــن املخلــوق‪:‬‬ ‫‪ ‬وف َّك ْرتُ فيام وراء الوجود‪ ‬فآمن قلبي وعقيل كف ْر‬ ‫اإلميــان يف الغريــزة والتكويــن األول‪ ،‬والشــك يســتعمر العقــل ويحتــل مســاحاته الشاســعة‪ ،‬وســليم حيــدر يف هــذا التناقــض القائــم‬ ‫عليــه رس وجودنــا يف رحلتنــا الطينيــة يحــاول أن ينتقــل مــن شــك العقــل إىل قلبــه املؤمــن عــر إضــاءات الحــدس‪ ،‬تلــك اإلضــاءات‬ ‫التــي‪ ‬حملهــا الوجــد الصــويف‪ ،‬وعجــز عــن نقلهــا إىل الكلمــة‪ ،‬كــا جــاء يف مواقــف النفري‪« :‬كلــا اتســعت الرؤيــا ضاقــت‬ ‫العبارة»‪ .‬وع ْجـ ُز العبــارة عــن نقــل الرؤيــا ألجــأت الصوفيــن إىل القلــب‪ ،‬وهــم هاربــون مــن ظلــات العقــل‪ ،‬هنــاك يف القلــب أقــام‬


‫األساســية الكتــب املقدســة‪ :‬القــرآن والعهــد القديــم والجديــد‪ .‬وألن هــذه الكتــب املقدســة ليســت كتبـاً تاريخيــة يف غائيتهــا‪ ،‬فقــد‬ ‫تنــاول التاريــخ منهــا تنــاوالً دالليـاً وشــعرياً هادفـاً إىل توضيــح دالالت مســرة البرشيــة عــر تاريخهــا الطويــل‪ ،‬ورصاع الخــر والــر‬ ‫يف ق َدريّــة ال متكــن اإلحاطــة بغائيتهــا النهائيــة‪ ،‬وهــو دامئـاً منحــاز للســر عــى جــادة الخــر مــع تبيــان حضــور الــر يف كل تفاصيــل‬ ‫ـس كآبــة الشــاعر ‪ ،‬وهــو‬ ‫وجودنــا الكــوين منــذ آدم وحتــى آخــر طفــل يــرخ وهــو خــارج مــن رحــم الوجــود‪ .‬وبدقــة ومتعــن تحـ ّ‬ ‫يــرى الــر مهيمن ـاً عليــه يف مــدارات كثــرة‪ ،‬وهــذا أعطــاه موقف ـاً غــر موافــق عــى حكايــة الــر املســتفحلة يف الوجــود الكــوين‬ ‫العابــر‪ ،‬ولــذا تـراه يف «خليقتــه» هــذه مشــفقاً عــى الضعــف البــري‪ ،‬ومعرتضـاً عــى اســتمرارية انتهــاك القيــم العليــا التــي هــي‬ ‫غايــة املســرة اإلنســانية بــن املشــيمة والكفــن‪.‬‬ ‫يف «خليقــة» ســليم حيــدر كان الــدم درب التاريــخ‪ ،‬وقــد حاولــت ِق َي ـ ُم األرض والســاء أن توقــف غــزو الــدم للتاريــخ‪ ،‬ولكنهــا مل‬ ‫تســتطع‪ ،‬عــى الرغــم مــن كونهــا مدعومــة بق ـرار إلهــي‪ ،‬فقــد جــاء يف القــرآن الكريم‪« :‬كتــب اللــه ألغل ـ َّن أنــا ورســي» آيــة ‪/21‬‬ ‫املجادلــة‪ .‬وبتســاؤ ٍل قلِــقٍ راح يســتفرس يف حــرة اللــه عــن حكمتــه يف تــازم الخــر والــر‪ ،‬وهــو يف أعامقــه يــرى أن الــر انتــر‬ ‫يف التاريــخ بالــدم وحــده‪ ،‬يقــول ســليم حيــدر مخاطبـاً ربــه‪ ،‬وهــو يقــرر أ ّن إميانــه حقيقــة دامئــة‪:‬‬ ‫ولست ُّ‬ ‫رش‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫أشك بأنك أنت الـــــوحي ُد املهيم ُن ُّ‬ ‫رب الب ْ‬ ‫رش‬ ‫‪ ‬ولكنني ما فهمت ملاذا‪ ‬تأبط آد ُم خريا ً و ْ‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫‪ ‬إن شــاعرية ســليم حيــد الحقيقيــة توجــد يف ملحمتــه «الخليقــة» التــي هــدف منهــا إىل اإلســهام الفاعــل يف رحلــة العقــل البــري‬ ‫يف مســرته العميقــة‪ .‬وعــى طريقــة املالحــم القدميــة يطلــب ســليم حيــدر مــن خيالــه الحضــور ليم ـ ّده بالضــوء الكاشــف‪ ،‬وهــو‬ ‫يســتبدل آلهــة األوملــب وشــياطني عبقــر بالخيــال الخصــب‪ .‬يقــول يف مطلــع «خليقتــه»‪:‬‬ ‫‪ُ ‬م َّدين يا ُ‬ ‫خيال باإلرشاقِ ‪ ‬إ ْه ِدين يف تج ّه ِم اآلفاقِ‬ ‫ويقول أيضاً‪:‬‬ ‫‪ ‬يا مطايا الخيال ُح ِّل عقايل‪ ‬م ِّزقي بُ ْر َد َّيت فرعاً وأصال‬ ‫وتنصل الروح جذال‬ ‫َ‬ ‫فتضمحل الهيوىل‪ ‬يف كياين‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬إسحقيني‬ ‫وقبله هومريوس طلب يف إلياذته التي يعتربها اليونانيون كتابهم املقدس من ربة الشعر يف األوملب أن تساعده يف إلياذته‪:‬‬ ‫‪ ‬ربّة الشعر عن «أخيلِ » بن «فيال»‪ ‬ح ّدثينا واروي احتداماً وبيال‬ ‫أما امرؤ القيس فقد أعلن أنه يوحى إليه من شياطني عبق َر‪:‬‬ ‫شئت من ِشعره َّن انتقيت‬ ‫‪ ‬تلقنني الج ُّن أشعارها‪ ‬فام ُ‬ ‫األعــال الكــرى يف األدب اإلنســاين تلجــأ أحيان ـاً كثــرة إىل قــوى غيبيــة بعيــدة عــن اإلحاطــة بهــا‪ ،‬لتعطــي العمــل األديب صفــة‬ ‫الدهشــة التــي تتولــد مــن غرابــة الباعــث أحيان ـاً كثــرة‪ ،‬ومــن عنــارص فنيــة أخــرى ال بــد مــن توفرهــا يف أي نتــاج خالــد‪..‬‬


‫يريــد أبــو العــاء املعــري قــي هــذا البيــت القــايس أن يشــر إىل قــوة اإلميــان ورســوخه عنــد البســطاء‪ ،‬وإىل التنكــر القــايس أيض ـاً‬ ‫املتولــد عــن تقــي العقــل‪ ،‬وانهامكــه يف التعليــل املــاورايئ‪ ،‬الــذي هــو خــارج العقــل متامـاً‪ .‬وقصــة الـرازي معروفــة مــع تلــك املــرأة‬ ‫العجــوز‪ ،‬وكان ال ـرازي يســر بــن تالميــذه‪ ،‬وهــم يكتبــون كل مــا يقولــه‪ ،‬ورأت امــرأة عجــوز هــذا املوكــب‪ ،‬فتقدمــت مــن أحــد‬ ‫تالميــذ الـرازي‪ ،‬وســألته‪ :‬مــن هــذا الشــيخ؟‪ ،‬فأجابهــا تلميــذ الـرازي‪ :‬هــذا الــذي أقــام عــى وجــود اللــه ألــف دليــل ودليــل‪ .‬فقالــت‬ ‫العجــوز‪ :‬واللــه لــو مل يكــن يف قلبــه ألــف شــك وشــك ملــا أقــام ألــف دليــل ودليــل‪ .‬وحــن نقــل التلميــذ إىل الـرازي مــا قالتــه املــرأة‬ ‫العجــوز قــال‪ :‬اللهــم إميانـاً كإميــان العجائــز‪.‬‬ ‫ورغــم قتامــة شــك أيب العــاء فــإن قلبــه يعــود لينبــض بحتميــة وجــود مدبــر لهــذا النظــام الكــوين الالنهــايئ‪ ،‬وهــذا الشــك يعــود‬ ‫ليقــدح عــى زنــاد الحــدس فيقــول‪:‬‬ ‫الناس للبقاء فضل َّْت‪ ‬أم ٌة يحسبونهم للنفا ِد‬ ‫‪ُ ‬خلِ َق ُ‬ ‫‪ ‬إمنا ينقلون من دا ِر أعام‪ ‬لٍ إىل دار شقو ٍة أو رشا ِد‬ ‫ثم يعود ليق ّر بالدين تعبريا ً عن حدسه الرايئ‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫‪ ‬دعاكم إىل خريِ األمو ِر محمدٌ ‪ ‬وليس األعايل يف القنا كاألسافلِ‬ ‫وهــذا الشــك الحــادس يرافــق‪ ،‬بــل ويالحــق الشــاعر ســليم حيــدر مــن بدايــة‪ ‬ديوانــه «الخليقــة» إىل نهايتــه‪ .‬إنــه يغلــق ديوانــه يف‬ ‫آخــر شـكِّه ووميضــه‪ ،‬كصديقــه رهــن املحبســن متامـاً‪ ،‬يقــول الشــاعر ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫‪ ‬عدت من رحلتي كأ َين مل ْ‬ ‫ُ‬ ‫أرحل فقلبي ما زال يهوى خفوقهْ‬ ‫‪ ‬قلقي واستكانتي واعتـــاليئ‪ ‬وامتشاقي تساؤاليت العتيق ْة‬ ‫ُّ‬ ‫كأيس حلْـــامً‪ ‬‬ ‫‪ ‬بيدَ أين ُ‬ ‫سأظل الحيا َة أحسو رحيقهْ‬ ‫مألت َ‬ ‫‪ ‬ما أل َّذ األحالم تلمع يف النفــــــــــس خياالً وتستق ُّر حقيقــــ ْة‬ ‫البيــت األخــر يضمــر عذاب ـاً ومتني ـاً إرشاقي ـاً‪ ،‬لــو حصــل الرتــاح صاحبــه مــن مالحقــة الشــك القاتــم واليقــن القلــق‪ .‬إن مناقشــة‬ ‫األســباب والبواعــث غــر مجديــة‪ ،‬حتــى األنبيــاء مل يلجــأوا إىل مناقشــة ق َدريــة الكــون‪ ،‬كــا يــرى ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫البواعث‬ ‫‪ ‬آية األنبياء يف القدر املحتوم أالّ يناقشوا يف‬ ‫لقــد تأثــر ســليم حيــدر بــأيب العــاء املعــري تأث ـرا ً كب ـرا ً حتــى لكأنهــا الشــيخ ومريــده‪ ،‬ولعــل إعجــاب الشــاعر ســليم حيــدر‪ ‬‬ ‫باملعــري متأتيــة مــن موقــف متقــارب مــن قضابــا الحيــاة الفكريــة والروحــي‪ ،‬ومــن هيمنــة الشــك‪ .‬وكــا شــكا أبــو العــاء مــن‬ ‫جنايــة أبيــه عليــه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يل‪ ‬وما‬ ‫جنيت عىل أحدْ‬ ‫‪ ‬هذا جنا ُه أيب ع ّ‬ ‫شكا مثله الشاعر سليم حيدر‪:‬‬


‫ال ـراؤون الكبــار‪ ،‬ولكنهــم عجــزوا يف إيجــاد أجوب ـ ٍة لتســاؤالت العقــل القامتــة واملل ّحــة‪ ،‬هــذه التســاؤالت التــي جعلــت جلجامــش‬ ‫يذهــب عــر ميــاه املــوت املظلمــة إىل جــده «أتونباشــتم» يف رحلــة مضنيــة‪ ،‬مــا ّرا ً بواقعيــة «ســيدوري» وذاهب ـاً إىل قلقــه الكــوين‬ ‫ـي عــى التــايش يف حــواره مــع شــاماش حــن يســأله‪« :‬ملاذا تحــاول املســتحيل يــا جلجامــش‪ ،‬ويجيبــه جلجامــش إذا‬ ‫املســتمر والعـ ِّ‬ ‫ي أال أحــاول فلــاذا خلقــت يفَّ هــذه الرغبــة القلقــة؟»‪.‬‬ ‫كان ع ـ ّ‬ ‫إن أبــا العــاء املعــري كان صديــق ســليم حيــدر يف «خليقتــه»‪ ،‬وكأن الشــاعر ســليم حيــدر كان يحمــل املعــري معــه حيــث ارتحــل‪،‬‬ ‫وتحديــدا ً يف عمــر كتابتــه «الخليقــة»‪ .‬يقــول ســليم حيــدر معـرا ً عــن ظلمــة الرحلــة يف قصيــدة مهــداة إىل أيب العــاء‪:‬‬ ‫‪ ‬من غامض نسعى إىل ٍ‬ ‫غامض‪ ‬فنحن ندنو واملدى يبعدُ‬ ‫‪ ‬فهذه الظلمة ال تنجلـــــــــــي‪ ‬وهذه الجذوة ال تخمدُ‬ ‫يضج فيه الجوهر املفر ُد‬ ‫‪ ‬والفكر إرث العقل‬ ‫مستوضح‪ّ ‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ‬فكلام أوقـــــــــــــــــد فانوسه‪ ‬وسار شوطاً أطفئ املوقدُ‬ ‫‪ ‬زاغت برقص اآلل أبصــاره‪ ‬وقد نأى عن جفنه املِر َو ُد‬ ‫وقبله قال املعري‪:‬‬ ‫عنهم‪ ‬ومل تخربيني يا جه َني سوى الظ ِّن‬ ‫‪ ‬سألت يقيناً يا جهين ُة ُ‬ ‫‪ ‬فإن تعهديني ال أزال مسائالً‪ ‬فإ َين مل أُ َ‬ ‫عط اليق َني فأستغني‬ ‫كالهــا يحــاول أن يــرى‪ ،‬ثــم يصطــدم بســؤال عقلــه‪ :‬هــل رأيــت؟ والرؤيــة كانــت آخــر الوســائل لقتــل الشــك‪ ،‬وقــد عــاىن منهــا‬ ‫جميــع أصحــاب املــدارك العقليــة وأصحــاب األرواح املتلهفــة الخ ـراق الحجــاب‪ ،‬وحتــى األنبيــاء عانــوا مــن محاولــة الوصــول إىل‬ ‫ـم ريب أرين كيــف‬ ‫الرؤيــة لتصــدق الرؤيــا‪ .‬لقــد طلــب النبــي إبراهيــم مــن ربــه أن يريــه كيــف يحيــي املــوىت‪« :‬وإذ قــال إبراهيـ ُ‬ ‫رصه ـ َّن إليــك ثــم اجعــل عــى‬ ‫تحيــي املــوىت‪ .‬قــال‪ :‬أومل تؤم ـ ْن‪ .‬قــال بــى‪ ،‬ولكــن ليطمــن قلبــي‪ .‬قــال‪ :‬فخــذ أربعــة مــن الطــر ف ْ‬ ‫كل جبــل منهـ ّن جــزءاً‪ ،‬ثــم ادعهـ ّن يأتينــك ســعياً‪ ،‬واعلــم أن اللــه عزيــز حكيم»‪ ‬البقــرة‪ ،‬آيــة ‪ .260‬ومثلــه مــوىس طلــب مــن ربــه‬ ‫رب أرين أنظــر إليــك‪ ،‬قــال ل ـراين‪ ،‬ولكــن أنظــر إىل الجبــل فــإن اســتق ّر‬ ‫أن يــرى‪ « :‬وملــا جــاء مــوىس مليقاتنــا‪ ،‬وكلمــه ربــه‪ ،‬قــال ِّ‬ ‫مكانــه فســوف ت ـراين فلــا تجـ ّـى ربــه للجبــل جعلــه دكّاً‪ ،‬وخ ـ ّر مــوىس صعق ـاً‪ ،‬فلــا أفــاق قــال ســبحانك تبــت إليــك‪ ،‬وأنــا أول‬ ‫املؤمنني»‪ ‬األعـراف ‪ .143‬ومشــكلة الرؤيــة شــغلت أصحــاب القلــوب‪ ،‬يقــول موالنــا جــال الديــن الرومــي‪« :‬ال تعبــدوا حتــى تــر ْوا»‬ ‫وكالهــا‪ ،‬أعنــي رهــن املحبســن وســليم حيــدر‪ ،‬كان شــكه‪ ،‬رغــم قتامتــه‪ ،‬مدفوعـاً إىل اإلميــان‪ ،‬أبــو العــاء املعــري أعلــن أنــه ال ميلــك‬ ‫إال الظــن والحــدس‪ ،‬والحــدس يف نهايــة النفــق هــو ضــوء‪ ،‬يقــول أبــو العــاء مستســلامً لـراع الظــن والحــدس‪:‬‬ ‫‪ ‬أما اليق ُني‪ ،‬فال يق َني‪ ،‬وإمنا‪ ‬أقىص اجتهادي أن أظ َّن وأحدسا‬ ‫وينترص الظن فيه أحياناً كثرية فيرصخ متنكرا ً لكل إشعاع‪ ،‬مصدره الدين‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫دين‪ ،‬وآخ ُر َديِّ ٌن ال َ‬ ‫عقل لهْ‬ ‫‪ ‬إثنان أهل األرض‪ ،‬ذو عقلٍ بال‪ٍ ‬‬


‫‪ ‬فامذا تريد بهذا الحساب‪ ‬وماذا يريد بنا املنتظ ْر‬ ‫شئت‪ ‬ورحنا وليس لدينا خ ْرب‬ ‫‪ ‬ونحن أتينا ألنك َ‬ ‫رش‬ ‫رب أشهى وأبهى‪ ‬‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬أما كان يا ِّ‬ ‫وأسلم أالّ يكون الب ْ‬ ‫هــذا القلــق املحمــوم والتســاؤالت املل َّحــة‪ ،‬وعــدم انتصــار الحــق يف معظــم حلقــات التاريــخ البــري جعلــت القلــق ســوداوياً يف‬ ‫شــعر ســليم حيــدر‪ ،‬ونتيجــة لهــذا ســيطر كثــر مــن التشــاؤم عــى مفاصــل «خليقــة» الشــاعر ســليم حيــدر‪ .‬إنــه يــرى الــر متصـاً‬ ‫مــن آدم إلينــا‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫‪ ‬لعنة الل ِه مل تقف عند قاي َني‪ ‬بل الكون كلّهُ ملعونُ‬ ‫وكثري من الشعراء واملفكرين رأوا أن الظلم طبيعة مخلوقة مع اإلنسان‪ ،‬يقول املتنبي‪:‬‬ ‫يظلم‬ ‫‪ ‬والظلم من شيم النفوس فإن تجدْ ‪ ‬ذا ع َّف ٍة فلعل ٍة ال ُ‬ ‫ومثله يقول عمر أبو ريشة‪:‬‬ ‫يجع فوق نهديها ملا ف ُِطام‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫والظلم يف النفس ال ُير َوى له ن َه ٌم‪ ‬لو مل ْ‬ ‫إن النفــس البرشيــة لهــا طقــوس وأنــواء كالطبيعــة نفســها‪ ،‬حينـاً تعصــف فيهــا الشــكوك إىل درجــة ال متكــن إزاحتهــا‪ ،‬وحينــا تلمــع‬ ‫فيهــا بــروق اليقــن‪ ،‬فتــرق بــإذن بارئهــا وتصبــح صافيــة‪ ،‬وهــذه الحــاالت م ـ ّر بهــا األصفيــاء واألوليــاء‪ ،‬فهــذا هــو املســيح اآليت‬ ‫مــن روح اللــه‪ ،‬يســأل أبــاه وهــو عــى الخشــبة‪« :‬ملــاذا تركتنــي؟»‪ .‬وعــى الرغــم مــن هــذه النظــرة الســوداوية يســتنهض الشــاعر‬ ‫ســليم حيــدر النفــس اإلنســانية لرتقــى وتصفــو وتــرق حتــى وهــي محاطــة بالظلــات‪ ،‬وهــذه هــي رســالة األديــب امللتــزم بقضايــا‬ ‫اإلنســان العليــا‪ ،‬وقتهــا يصبــح اإلنســان قســيم اللــه يف وجــوده‪ ،‬يقــول ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫نفس‪ ‬مألتها الخطيئة البك ُر شينا‪ ‬‬ ‫‪ ‬أن نرى النور يف دياجري ٍ‬ ‫‪ ‬لقــد مــر أصحــاب األفــكار العاليــة بصحـراء القلــق‪ ،‬ولكــن شــعارهم كان دامئــا عــدم اليــأس لوثوقهــم بالصانــع األمهــر‪ ،‬يقــول عــي‬ ‫بــن أيب طالــب‪« :‬مــن وثــق مبــا ٍء مل يظــأ»‪ ،‬ومرحلــة الشــك التــي مل تطفــئ النــور مــر بهــا كثــرون‪ .‬قــال صاحــب الطالســم‪ ،‬إيليــا أبــو‬ ‫مــايض‪ ،‬ولكــن عــدم إدراكــه مل يقــده إىل تلــك األســئلة املقهــورة‪:‬‬ ‫صدري يا بح ُر ألرساراً عجابا‪ /‬نزل الس ُرت عليها وأنا كنت الحجابا‪/‬‬ ‫‪ ‬إنّ يف‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬ولذا أزداد بعداً كلام ازددت اقرتابا‪ /‬وأراين كلام أوشكت أدري‪ /‬لست أدري‪/‬‬ ‫وقبلهــا كان عمــر الخيــام يغــوص يف ضبــاب معرفــة املجهــول الــذي عجــزت األفــكار عــن اإلحاطــة بــه بســبب ال نهائيتــه‪ ،‬ف ـراح‬ ‫يعاقــر الخمــرة ليطفــئ لظــى هــذه التســاؤالت التــي ال أجوبــة لهــا‪ ،‬يقــول عمــر الخيــام‪ /‬ترجمــة أحمــد رامــي‪:‬‬ ‫وحرت فيه بني ش ّتى ال ِفكَ ْر‬ ‫ُ‬ ‫ش‪ ‬‬ ‫ِ‬ ‫ثوب‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬لبست َ‬ ‫العيش مل أُس َت َ ْ‬


‫‪ ‬يجني عىل األبناء‬ ‫آباؤهم‪ ‬يف غمر ٍة يشقى بها األسعدُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ ‬ـــ ‪ 6‬ــ‬ ‫والقلــق املســيطر عــى عقــل ســليم حيــدر مصــدره الشــك‪ ،‬وألن الشــك قاتــم فقــد تفــرع منــه احتجــاج قـ ٍ‬ ‫ـاس عــى عــدم اســتقرار‬ ‫عقلــه عــى وســادة قلبــه‪ ،‬وراح يجهــر مبــا مل يحــط بــه عل ـاً‪ ،‬وهــذا الجهــر مبــا يعتمــل يف ذاتــه كان متس ـاً بجــرأة عاليــة‪ ،‬فيهــا‬ ‫عتــاب ومـرارة‪ ،‬وفيهــا أنســنة اللــه يف اإلنســان‪ ،‬لقــد بــدأ يســأل أســئلة تــدل عــى ريــب وشـ ًّـك بالفعــل اإللهــي املتوخــى مــن الخلــق‪،‬‬ ‫إنــه يناقــش ربــه عــى لســان إبليــس‪ ،‬الــذي يعتــر نفســه غــر مســؤول عــن ناريّتــه الطاغيــة‪ ،‬والتــي يصيــب ســعريها أبنــاء آدم‪ ،‬وقــد‬ ‫صــاغ ســليم حيــدر هــذا االحتجــاج الرجيــم بتســاؤالت الرجيــم نفســه‪:‬‬ ‫سكبت يفَّ األذا َة‬ ‫َ‬ ‫جبلت من النــــــــــــار مزاجي‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬أنت ك َّون َتني‬ ‫ثم أطلق َتني أغ ِّر ُر باإلنــــــــــــــــس وح َّذ ْرتَــــه النجا َة النجا َة‬ ‫‪ّ ‬‬ ‫جنيت‪ .‬غ ِّ َْيطباعي‪ِ ‬و ْج َه َة الخريِ أو أحلني مواتا‬ ‫ُ‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫يف هــذا االحتجــاج تســاؤالت تثــر قلق ـاً‪ ،‬مــرده الحــرة‪ ،‬وليــس اســتجابة ملنطــق إبليــس‪ ،‬رمــز الــر املســكوب يف ناريتــه‪ ،‬والــذي‬ ‫يبعــث القلــق أكــر أن اللــه جعــل الشــيطان من‪« ‬املُنظَريــن» بعــد جــدل وكالم بينهــا‪ ،‬إن أبديــة وجــود إبليــس تكمــن فيهــا مأســاة‬ ‫اإلنســان الــذي ظــل محكوم ـاً بهــذه الثنائيــة‪ ،‬ثنائيــة الخــر والــر‪ .‬واملثــر أســئلة أكــر أن اللــه جعــل إبليــس مــن املنظريــن إىل‬ ‫يــوم يبعثــون‪ ،‬وهــو رمــز للــر وإقـراره بذلــك‪ ،‬وهــو يكلــم ربــه‪ ،‬وإعالنــه العصيــان كان ناتجـاً مــن قهــره وانســحاقه أمــام القــوة‬ ‫الكــرى‪ ،‬ووجهــة نظــره أنــه هــو أفضــل مــن آدم املصنــوع مــن حــأ مســنون‪ ،‬ويف القــرآن الكريــم‪ « :‬قــال مــا منعــك أن تســجد‬ ‫إذ أمرتــك‪ ،‬قــال أنــا خــر منــه خلقتنــي مــن نــا ٍر وخلقتــه مــن طــن‪ ،‬قــال فاهبـ ْ‬ ‫ـرج‬ ‫ـط منهــا فــا يكــون لــك أن تتكــر فيهــا‪ ،‬فاخـ ْ‬ ‫إنــك مــن الصاغريــن‪ 13‬قــال أنظــرين إىل يــوم يبعثــون‪ 14‬قــال إنــك مــن املنظريــن ‪ 15‬قــال فبــا أغويتنــي ألقعــدنّ لهــم رصاطــك‬ ‫املســتقيم‪ »16‬ســورة األعـراف‪ .‬هــذا الجــدل ملّــا يـ ْ‬ ‫ـزل ميــأ الوجــدان اإلنســاين بالقلــق واألســئلة الصعبــة‪ ،‬ولعــل أجوبتهــا أبعــد مــن‬ ‫مداركنــا‪ ،‬والذيــن حاولــوا فلســفتها ظلــوا مطا َرديــن بأســئلة ال تشــبع مــن اإللحــاح‪ ،‬بــل هنــاك مــن وقــف مبينـاً قــدرة القهــر حــن‬ ‫يســطع بنــاره وحــن يســتباح بلعنــة أزليــة‪ .‬يقــول املفكــر الفرنــي جــان بــول ســارتر‪« :‬إن الشــيطان املقهــور‪ ،‬الســاقط‪ ،‬املذنــب‪،‬‬ ‫املفضــوح مــن قبــل الطبيعــة كلهــا‪ ،‬القابــع يف الــدرك األســفل مــن مراتــب الكــون‪ ،‬املرهــق بذكــرى الغلطــة التــي ال كفــارة عنهــا‪،‬‬ ‫الــذي تتآكلــه صبــوة غــر مشــبعة‪ ،‬والــذي تخرتقــه نظــرة اللــه التــي تحجــره يف ماهيتــه الشــيطانية‪ ،‬املرغــم عــى أن يتقبــل حتــى يف‬ ‫أعــاق قلبــه بتفــوق الخــر‪ ،‬إن الشــيطان هــذا ليتغلــب عــى اللــه نفســه‪ ،‬ســيده وقاهــره‪ ،‬بأملــه بتلــك الشــعلة مــن عــدم الــرىض‬ ‫الحزيــن التــي تلمــع‪ ،‬يف اللحظــة التــي يقبــل فيهــا بهــذا االنســحاق بالــذات‪ ،‬كتوبيــخ ال تكفــر عنــه‪ .‬إن املقهــور هــو الــذي ينتــر‬ ‫يف النهايــة»‪ ‬جــان بــول ســارتر يف كتابــه‪ /‬بودلــر شــاعرا ً‪ /‬ترجمــة جــورج طرابيــي‪.‬‬ ‫‪ ‬فالجــدل عــايل النــرة‪ ،‬ومصحــوب بأســئلة حــادة مل يســتطع عقلــه أن يجــد لهــا جواب ـاً‪ ،‬يقــول شــاعر «الخليقــة» ســليم حيــدر‬ ‫مخاطب ـاً ربــه‪:‬‬ ‫وعقم القد ْر‬ ‫‪ ‬سئمت عىل عرشك املطمنئ‪ ‬فراغ الوجود‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقلت لها يا شق ّي ُة كونــــــي‪ ‬فكانت وكان الصفا والكد ْر‬ ‫‪َ ‬‬ ‫جحيم سق ْر‬ ‫وقلت‪ :‬جنانٌ ألهل الصالح‪ ‬وللفاسقيـــــــــن‬ ‫‪َ ‬‬ ‫ُ‬


‫‪ ‬ــ‪ 8‬ــ‬ ‫أريــد أن أشــر‪ ،‬يف نهايــة هــذا البحــث املختــر يف شــاعر قــى نصــف قــرن مــن عمــره باحثـاً عــن أرسار خليقتــه‪ ،‬إىل نقــاط أعتربهــا‬ ‫جديــرة بالتبيــان يف هــذا اللقــاء التكرميــي لشــاعر مفكــر اســتطاع أن يقــف بــن الخالديــن بعقلــه وفكــره‪ ،‬وهــي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ــــ إن تفكــر الشــاعر ســليم حيــدر يف كتابــه «الخليقــة» هــو تفكــر إميــا ٌّين بعي ـ ٌد عــن الحرصيــة الدينيــة يف اتجــاه معــن‪ ،‬لقــد‬ ‫تقصيــه وبحثــه عــى القــرآن الكريــم وعــى العهــد القديــم والعهــد الجديــد‪ ،‬وعــى ثقافــة تراثيــة خصبــة‪ ،‬غســلت فكــره‬ ‫اعتمــد يف ّ‬ ‫مــن كل أشــكال التعصــب التــي تعصــف باملجتمعــات املغلقــة‪ ،‬ونحــن اليــوم بحاجــة مل ّحــة لفكــر كهــذا ينتشــل مجتمعاتنــا الغرقــى‬ ‫يف وحــول املذهبيــات والطائفيــات‪ ،‬التــي «أودعتنــا أفانـ َن العداوات»‪ ‬كــا قــال رهــن املحبســن‪ .‬ســليم حيــدر كان أفــى وأوسـ َع‬ ‫مــن أن يتعصــب‪ ،‬وهــو الـرايئ املتطلــع إىل «رب العاملــن»‪ ،‬وليــس إىل رب فئـ ٍة دون أخــرى‪.‬‬ ‫‪ 2‬ــــ القلــق العقــي املســتبد بشــاعرنا مل يرب ْحــه أبــدا ً‪ ،‬وكان دامئـاً يهــرب إىل قلبــه املؤمــن كلــا عصــف بــه القلــق‪ .‬وقلقــه أدى إىل‬ ‫تســاؤالت كبــرة‪ ،‬وهــو يســائل خالقــه ملــاذا‪« :‬تأبــط آد ُم خـرا ً ورش»‪ .‬وصــل الشــاعر ســليم حيــدر إىل التســليم بعجــز العقــل‪ ،‬وهــذا‬ ‫العجــز كان مــن أهــم أســباب اســتمراره يف التســاؤل والنقــد‪ ،‬وهــو كأوكتافيــو بــاث متيقــن أن الزمــن الحديــث «هــو زمــن نقــدي»‪.‬‬ ‫والحداثــة تنتفــي مــن أي زمــن إذا مل يكــن نقديـاً‪ .‬وأعتقــد أنــه كان يســعى دامئـاً إلقامــة صلـ ٍح بــن العقــل والنقــل‪ ،‬ولكنــه مل يســتطع‬ ‫‪ .‬وهــذا شــأن املفكريــن الكبــار‪ .‬يقــول ســليم حيــدر حائـرا ً ومتســائالً مقـ َّرا ً بعجــز العقــل عــن إعطــاء الجــواب النهــايئ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عظات إىل العصور األوايت‬ ‫تحمل العصور الخوايل‪ ‬من‬ ‫‪ ‬ما عىس ُ‬ ‫ِ‬ ‫اإلثبات‬ ‫الجواب البلي ُغ يبقى افرتاضاً‪ ‬ويزو ُغ الكال ُم يف‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫ـفق عــى الضعــف البــري‪ ،‬ومتضايــق جــدا ً النتصــار الــر عــى الخري يف معظــم مراحــل التاريخ‪،‬‬ ‫‪ 3‬ــــ ســليم حيــدر يف «خليقتــه» مشـ ٌ‬ ‫ـم مــن شــيم النفــوس»‪ .‬هــذا الواقــع مــأ ســليم حيــدر‬ ‫وقــد ابتــدأ هــذا بقتــل قابيــل أخــاه هابيــل‪ .‬ومــن يومهــا إىل اليــوم «والظلـ ُ‬ ‫حزنـاً فظهــر ضبــاب الكآبــة يف نتاجــه انحيــازا ً للضعفــاء‪ ،‬وأمـاً بتحقــق اآليــة الكرميــة‪« :‬كتــب اللــهُ ألغلـ َّن أنــا ورســي»‪.‬‬ ‫‪ 4‬ــــ وأخـرا ً أريــد أن أقــول إن التـزام الشــاعر ســليم حيــدر بالــرد التاريخــي جعلــه يف شــعره يهتــم بالفكــرة أكــر مــن الصياغــة‪.‬‬ ‫وهــذه ســمة مــن ســات الــرد التاريخــي الــذي يجــر الشــاعر عــى االهتــام بالحــدث الـ ِّ‬ ‫ـدال أكــر مــن االهتــام بالصياغــة الفنيــة‬ ‫للشــعر‪ .‬وهنــا ال بــد مــن أن أعتــذر مــن شــاعرنا ســليم حيــدر‪ ،‬وأؤكــد أن هــذا ال يقلــل مــن األهميــة الكــرى لكتــاب ظــل يصــوغ‬ ‫أفــكاره مــا يقــارب نصــف القــرن‪ .‬إن هــذا القــول يجعلنــي أتصــور مــن ســيقرؤنا بعــد رحيلنــا مــن هــذه الفانيــة ناقــدا ً لنــا راحـاً‬ ‫ـاس‬ ‫وقاســياً ومنصفـاً وظاملـاً‪ ،‬وأردد املثــل الشــعبي الــذي بــدأ فيــه أديبنــا الكبــر ميخائيــل نعيمــة كتابــه‪« ‬الغربال»‪« :‬مــن غربــل النـ َ‬ ‫ـئ كلــا باضــت جارتُهــا»‪ .‬ألين أؤمــن‬ ‫نخلــوه»‪ ‬وال أريــد أن أردد مــع ميخائيــل نعيمــة نفســه قولــه‪« :‬الناقــد كالدجاجــة التــي تُ َق ْوقـ ُ‬ ‫أن الناقــد الجيــد واملنصــف هــو خالــق آخــر للنــص األديب الــذي ينقــده‪.‬‬ ‫وأقــول أخ ـرا ً‪ :‬علينــا أن نُ َي ِّســر ألطفالنــا وناشــئتنا ق ـراءة الشــاعر ســليم حيــدر لعمــق تفكــره وإميانــه بوحــدة اإلنســان الروحيــة‬ ‫املتنوعــة املســالك يف الوصــول إىل بارئهــا‪ .‬إنــه مــن رواد اإلصــاح الفكــري‪ ،‬وهــذه أهــم صفــة مــن صفــات االلتـزام األديب التــي يجــب‬ ‫أن تتوفــر يف كل مفكــر وأديــب ورا ٍء‪ .‬وقتهــا يصبــح النتــاج األديب جــزءا ً مــن النبــوة ومكمـاً لهــا‪ .‬ويف النهايــة أردد مــع شــاعرنا املفكــر‪،‬‬ ‫والــذي كان بلهفــة يتمنــى إرشاق روحــه الدائــم واخرتاقهــا املبهــات‪:‬‬ ‫متس عيني فتزهو‪ ‬يف حنايا بصرييت األضوا ُء‬ ‫‪ ‬ليت روحي ُّ‬ ‫‪ ‬وتنري املع َّم ِ‬ ‫يات لذهني‪ ‬يف اتساقٍ ما شا َبهُ إقوا ُء‬


‫جئت أين املفر!!‬ ‫الثوب عني ومل‪ ‬أدركْ ملاذا ُ‬ ‫‪ ‬وسوف أنضو‬ ‫َ‬ ‫القلــق الحــاد يف شــعر ســليم حيــدر ظــل يقــرع عــى أبــواب اللــه‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه كان يقــرع بقبضــة مثخنــة بكوامــن نفســه‬ ‫التــي التمعــت يف شــعره عــر غيــوم كثيفــة‪ .‬إن أرسار الكــون ليســت مرتبطــة يف ال نهائياتهــا بقــوة العقــل ونضجــه‪ .‬إنهــا قدريــة‬ ‫غــر خاضعــة ملــا يحــدس بــه العقــل اإلنســاين املحــاط بهيــاكل مــن الطــن العــازل‪ .‬إن قدريــة «لســت أدري» هــي آخــر قــرع عــى‬ ‫أبــواب الغيــب‪.‬‬ ‫‪ ‬ــ ‪ 7‬ــ‬ ‫ولكــن كل الذيــن حــاروا يف تفســر لغــز الكــون ظلــوا خاضعــن ومنجذبــن لتأثــر تلــك القــوة العص ّيــة عــى التفســر واإلحاطــة بهــا‪.‬‬ ‫فقــد قرأنــا لرهــن املحبســن رغــم مناطــق الظــام التــي عــر فيهــا يف عمــره الـرايب‪ :‬أن البــر ينقلــون مــن دار أعــا ٍل إىل دار شــقوة‬ ‫أو رشــاد‪ .‬والخيــام مل يــرك بوحدانيــة اللــه‪ ،‬وكذلــك ســليم حيــدر‪ ،‬ألن تقــي النفــس مجهـ ِ‬ ‫ـوالت الكــون تجعــل اإلنســان يــدرك ســعة‬ ‫الكــون‪ ،‬ويف هــذه الســعة ملعــان ووميــض لحــاالت غــر مفهومــة‪ ،‬تقــذف يف القلــب عق ـاً لــه صفــات القلــب يحــس‪ ،‬وال يحيــط‪،‬‬ ‫متامـاً كــا حــدث مــع مــوىس عندمــا تجــى ربــه للطــور وخـ َّر مــوىس صعقـاً‪ .‬واإلقـرار بهــذه الــذات اإللهيــة تبقــى مهيمنــة حتــى‬ ‫عــى األرواح التــي خذلتهــا الــذات اإللهيــة‪ ،‬وتركتهــا‪ ‬تعــاين قدريتهــا بانســحاق كيل‪ ،‬كاملســيح مصلوبـاً‪ .‬إنــه مل يتخـ َّـل عــن تلــك األبــوة‬ ‫التــي تركتــه ينــزف روحــه مــن جراحــه‪ .‬وكذلــك النبــي يونــس الــذي كان يــرخ‪ ،‬وهــو يف جــوف الحــوت‪« :‬ســبحانك‪ ،‬إين كنــت مــن‬ ‫الظاملــن» ســورة األنبيــاء‪ /‬آيــة ‪ . 87‬الخــوف ال يصنــع اإلرشاق يف النفــس القلقــة‪ ،‬وإمنــا اليقــن املصنــوع مــن الضيــاء الــذي يالحــق‬ ‫قطــع الظــام يف النفــس فيبددهــا‪ .‬يقــول ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫كل ف ِّن‬ ‫‪ ‬ريب سألتك بالجامل مح َّبباً يف ِّ‬ ‫إنس وج ِّن‬ ‫ألقيت من ِع ٍرب عىل ٍ‬ ‫َ‬ ‫رس ما‬ ‫‪ ‬وب ِّ‬ ‫الحق مني‬ ‫أمرت وما َ‬ ‫‪ ‬ومبا َ‬ ‫نهيت وما يريد ُّ‬ ‫‪ ‬ال تُ ْب ِعدَ ِّن عن هواك وأبعد الشيطان عني‬ ‫‪ ‬الشــيطان هنــا ماثـ ٌـل مبحاوالتــه الجافــة والدائبــة وبإغراءاتــه العقيمــة لــرف ســليم حيــدر عــن التحديــق بضــوء قلبــه املؤمــن‪.‬‬ ‫واضــح مبــا ال يقبــل الشــك أن الشــاعر ســليم حيــدر قلبــه مطمــن باإلميــان‪ ،‬وهــو غــر مكـ َر ٍه بذلــك‪ ،‬وليــس مــن فئــة الشــخص الــذي‬ ‫نزلــت فيــه اآليــة الكرميــة ّ‬ ‫‪« :‬إل مــن أُكـ ِرهَ‪ ،‬وقل ُبــه مطمـ ٌن باإلميان»‪ .‬وعقلــه يبحــث يف ماهيــة الكــون‪ ،‬وأخـرا ً أقامــه عقلــه «بــن‬ ‫ـوم قصيّــة‪ ،‬ولكنــه ظــل يحــاول‬ ‫العجــز والتعــب» كــا يقــول أبونــا املتنبــي‪ .‬والشــك هنــا ال يلغــي اإلميــان فقــد وصــل بالغـزايل إىل تخـ ٍ‬ ‫إحيــاء علــوم الديــن بفيــض شــعوري وضّ ــاء‪ .‬والشــك قــاد الخيــام إىل إضاعــة الطريــق‪ ،‬ولكــن ليــس إىل إضاعــة الضــوء الــذي ظــل‬ ‫قنديــل رباعياتــه وخمرياتــه الخالــدة‪ ،‬والشــك قــاد إيليــا أبــا مــايض إىل «لســت أدريــه» املعــرة عــن قلــق العقــل وإضــاءة القلــب يف‬ ‫تلــك املســالك العــذراء الوعــرة‪ ،‬والتــي ظــل الضــوء فيهــا يغــري بالتقــي‪.‬‬ ‫رس «الخليقــة»‪.‬‬ ‫ـني عمــره بحث ـاً عــن ّ‬ ‫‪ ‬هــذا التعــب الحيــدري هــو مضــار شــاعرنا املفكــر ســليم حيــدر‪ ،‬الــذي قــى معظــم سـ ِّ‬ ‫وهــذه اإلقامــة التــي ألزمتــه مــا ال يلــزم جعلتــه اللصيــق الروحــي لصديقــه األثــر رهــن املحبســن أيب العــاء املعــري‪ ،‬وأعتقــد‪،‬‬ ‫مبفهــوم الزمــن االفـرايض‪ ،‬أن الشــاعر ســليم حيــدر لــو كان معــارصا ً رهــن املحبســن ألخــذه معــه يف «رســالة الغفـران» بديـاً لـ»ابــن‬ ‫القــارح»‪ ،‬وطــاف بــه هنــاك يف الجنــة والنــار نائي ـاً بــه عــن إغ ـراءات الجنــة ورهبــة النــار ليحــاوال مع ـاً تفســر بعــض أرسار هــذا‬ ‫الكــون املغلــق‪.‬‬


‫أمامي األسام ُء‬ ‫الوضوح من نبعه الصــــــــايف وتُجىل‬ ‫فأعب‬ ‫َ‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫َ‬

‫‪/‬الصويري‪2017/2/26/‬‬




‫قراءة أدبية في كتاب العين الثالثة للناقد والشاعر العراقي ناظم ناصر القريشي‬ ‫تقديم األديبة‪ .‬سليمة مليزي‬ ‫صدر عن دار ( كتاب للنشر و التوزيع بالقاهرة) ؛ كتاب في النقد االدبي عنوانه {‬ ‫العين الثالثة }للشاعر والناقد العراقي ناظم ناصر القريشي هو عبارة عن قراءات‬ ‫نقدية أدبية في الشعر العربي الحديث ‪ ،‬وذلك ضمن سلسلة ( اشراقات كتاب ) التي‬ ‫أسسها ‪,‬وأشرف عليها الشاعر القدير سعد جاسم‪،‬‬ ‫الكتاب يحتوي على ما يقارب ‪ 44‬قراءة نقدية في الشعر العربي لكتاب وشعراء‬ ‫من مختلف العالم العربي ‪ ،‬ونظرا ألهمية النقد في االدب والذي انتعش في اآلونة‬ ‫االخيرة بشكل ملحوظ من مجموعة من النقاد العرب ‪،‬فيأتي هذا الكتاب ليثري‬ ‫الساحة النقدية بشكل كبير خدمة للمبدع العربي ‪ ،‬والنقد يعتبر اللبنة الحسنة لتقييم‬ ‫اإلبداع بشتى أنواعه حتى يستفيد المبدع من تقييم الناقد لعمله الشعري ‪ ،‬ويعتبر الناقد‬ ‫والشاعر األستاذ ناظم ناصر القريشي من اهم وكبار النقاد في العالم العربي والذي‬ ‫استطاع من خالل هذا الكتاب أن يجمع شتات ذاكرة األديب العربي ويبلورها إلى‬ ‫نصوص أدبية فكرية جمالية تساهم في انتعاش الشعر لما يحمله من أهمية فكرية و‬ ‫حضارية لألديب العربي ‪ ،‬يقول الناقد والشاعر ناصر القريشي في هذا الكتاب ‪.‬‬ ‫يقول هارولد بلوم في كتابه قلق التأثر (نظرية في الشعر) « النقد هو فن معرفة‬ ‫الدروب التي تقود من قصيدة إلى قصيدة « و هذا هو ما سعينا له في قرأتنا النقدية‬ ‫والتي يتضمنها هذا الكتاب والذي أسميناها العين الثالثة التي تكون بين عين الشاعر‬ ‫وعين المتلقي وهي عين الناقد الباحث عن الجمال في النصوص التي يقراها مبينا‬ ‫سحر وجمال ومدلوالت الكتابات األبداعية التي دونها الشعراء ولذا انتهجنا أسلوبا‬ ‫جديدا يقارب بين الكتابة الشعرية و النقدية يمكن أن نعتبره عمال إبداعيا ً يوازي‬ ‫العمل المنقود و ربما يكون منهجا نقديا في المستقبل القريب وهذا ما سيجده القارئ‬ ‫الكريم في صفحات هذا الكتاب‬ ‫معظم القراءات نشرت في العديد من الجرائد الورقية واإللكترونية والمنتديات‬ ‫العربية منها جريدة الشعب الجزائرية وجريدة المستقبل‪ .‬العراقية ‪ ،‬والتي كانت‬ ‫متمثلة في قراءات للشاعرتين الجزائريتين الوحدتين وهما الشاعرة والصحفية سليمة‬ ‫مليزي والشاعرة والقاصة مونية لخذاري ‪ ،‬قراءات في أعمالهما الشعرية وقراءة في‬ ‫نبض من وتر الذاكرة )وقصيدة اخرى ‪،‬‬ ‫ديوان الشاعرة سليمة مليزي (‬ ‫ُ‬


‫يأتي هذا الكتاب في زمن الصحوة الشعرية التي تشهدها الساحة االبداعية في العالم‬ ‫العربي والفضل يعود الى عالم لتكنولوجيات الحديثة خاصة عبر شبكة التواصل‬ ‫االجتماعي التي فتحت مجاال للتعارف والتعاون في هذا المجال بين األدباء العرب ‪.‬‬ ‫نهنئ الناقد والشاعر ناظم ناصر القريشي من العراق الشقيق وأيضا المكتبة العربية‬ ‫بهذا الكتاب القيم في مجال النقد األدبي البناء الذي يخدم المبدع واألدب عموما‪.‬‬




‫ٌ‬ ‫خيوط سائبة‪//‬‬ ‫عادل قاسم‬ ‫****‬

‫ُ‬ ‫تف� ف� َ‬ ‫َي ننُ‬ ‫يوط‪..‬‬ ‫ج‬ ‫مع خ ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬

‫اللعبة السائبة‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫بالمتاهة ت‬ ‫ال�‬ ‫شيا‬ ‫منت‬ ‫ِ ي‬ ‫ُ‬ ‫َترك ُ‬ ‫ض أمامه‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الظالل الميتة‬ ‫خلف‬ ‫وهو يجري‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫متوهما‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َتكمن‬ ‫إن البداية‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫اﻻيقونة اﻻفلة‬ ‫هذه‬ ‫حت‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وسط ُ‬ ‫كام الدخان‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫المساء‬ ‫ذوب‬ ‫ناصية‬ ‫عىل‬ ‫ِ‬

‫ْ‬ ‫بالعصاف�‬ ‫العابقة‬ ‫االكمام‬ ‫ِ‬ ‫يِ‬ ‫ف ُ‬ ‫َُ‬ ‫دلية‬ ‫ي� غصن‬ ‫اﻻيكة المت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َُ‬ ‫ال� كلما‪..‬‬ ‫ي‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫الظالل‬ ‫داهمته شيخوخة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫إغفاءته‬ ‫من‬ ‫إستفاق‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫العاصفة‬ ‫ِ‬ ‫‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫قات‬ ‫ته الط ُر ِ‬ ‫يجوب بصم ِ‬ ‫ف‬ ‫ات‬ ‫ي� مسار ٍ‬


‫َ‬ ‫هم‬ ‫من‬ ‫نظارة الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتعرى لهم‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ماجنة‬ ‫مليكة ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه المسافة القاحلة‬ ‫تلك ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نَ‬ ‫والصاخ‬ ‫ي‬ ‫ب� الصمت ِ‬ ‫َ‬ ‫نافق‬ ‫د‬ ‫لغ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫فيه الغرانيق‬ ‫حلق ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫بأكفان من رماد‬ ‫ٍ‬ ‫‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تلك َ‬ ‫ه الغيمة الساخرة‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ندح ِر ُجها عىل‬ ‫ع ِّ‬ ‫الصباحات‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتقاذفها َرغباتنا البليدة‬ ‫َ‬ ‫إذ رسعان ما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الغبار‬ ‫ُيهشنا‬ ‫شعور‬ ‫دونما‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫بضغينة من الحياة‪!..‬‬ ‫ٍ‬


‫َ ْ‬ ‫ْلم ت ِعد أليفة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وجوه كالحة‬ ‫ف‬ ‫ذاكرة البياض‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ندوب غائرة‬ ‫ُ ف‬ ‫الساعات‬ ‫تنبض ي�‬ ‫ِ‬ ‫َُ‬ ‫المتشظية‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضاحكة‬ ‫من فر ٍاغ و ِحلك ٍة ِ‬ ‫‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’‬ ‫هو يدرك‪ُ.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الموت َ‬ ‫ﻻي ن‬ ‫ع�‬ ‫إن‬ ‫ي‬ ‫ْ َْ ُ َ‬ ‫ض عينيه‬ ‫أن يغ ِم‬ ‫ُ‬ ‫َويك ُ‬ ‫ف قلبه‬ ‫ِ‬ ‫الصهيل‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫ويفقد خطوط المسار ِ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫اءه أﻻليفة‬ ‫ي� صحر ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫درك ُك َل ش‬ ‫�ء‬ ‫هو ي‬ ‫ي‬ ‫وﻻيدرك‬ ‫إذ ْلم ْ‬ ‫يزل‬ ‫ُ‬ ‫مارس طقوسه‬ ‫ُي‬ ‫مة‬ ‫كأي ِر ٍ‬ ‫ِ‬

‫دونما ر ْ‬ ‫أس‬ ‫‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫دث‬ ‫يهرولون عىل ج ٍ‬


‫حد ِ‬ ‫يات إذا بل َغ اإلميانُ درج َة‬ ‫" اإلراد ُة تتغلّ ُب عىل ال َّت ِّ‬ ‫حدي القصوى يف مواجه ِة إغر ِ‬ ‫اءت النفس"‬ ‫ال َّت ِّ‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‪//‬‬ ‫‪Razan Al-Najar‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.