طائر الفينيق Special Issue 2018
واقدساه!
د.حسن فرحات
شاع ُر الضّ ّدين
د.هويدا رشيف
تزف الشاعرة كه زال ابراهيم إىل السامء املالئكة ُّ د.رياض الدليمي
كل يشء للشاعر األرمني زاريه خراخوين لنكن كالجموع -ونفعل ّ ترجمة مهران ميناسيان
دراسة عن الشاعر أمل دنقل :آخر األوراق ،آخر الغوايات د.نجاح ابراهيم
عىل أرض فلسطني عيل لفته سعيد
ا ملحتو يا ت تعايل حميد رساب
الشاعر األرمني زاريه خراخوين مهران ميناسيان
رصاخ جزيئة د .سجال الركايب
عىل أرض فلسطني عيل لفته سعيد
خيوط سائبة عادل قاسم
شعرية الصورة يف ديوان الشاعرة د.نجاح ابراهيم (أغنية للبلشون الحزين) د.غيثاء قادرة
شهقه املعابر فراس جمعه العمشاين قراءة أدبية يف كتاب العني الثالثة للناقد والشاعر العراقي ناظم نارص القرييش سليمة مليزي آخر األوراق ،آخر الغوايات ،دراسة عن الشاعر امل دنقل د .نجاح ابراهيم نزار قباين د.هويدا رشيف الكلمة الح ّرة د.هويدا رشيف املكان يف رواية طائر الحوم للروايئ حليم بركات محمد حسني عبد القاهر الجرجاين ونظرية النظم عيل أيوب مع الشاعر سليم حيدر يف " خليقته" عمر شبيل الشاعر األرمني كريكور مهران ميناسيان
املالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم اىل السامء د.رياض الدليمي مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر ترجمة :لطيف هلمت األنوثة املؤلهة عند رياض الدليمي :قراءة يف ديوانه ( آخر الناس) د.أسامء غريب أقواس قزح عمر شبيل ترنيمة حياة أو كلمة يف ديوان د.جامل حسني زعيرت واقدساه د.حسن فرحات ظغط الدم املنخفض ورمضان د.انتظار القييس
All rights reserved. Copyright held by HSF Media Inc. 2018. No reproduction, copying or pasting without expressed consent from HSF Media Inc. For permission or writing oppurtunities please contact: submissions@ya7elweenmagazine.com Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat MD Co-Founder: April Khan Chief Content Manager: Dinah Rashid Senior Arts Director: Saood Mukhtar North African Corespondent: Meriem Badji Photographer: Hamouda Ben Jerad Editorial: Reyad Al Dellamy
آخر األوراق ،آخر الغوايات دراسة عن الشاعر امل دنقل د .نجاح ابراهيم ي تذكر ، أيّها الجنوب ّ لم يبق في جعبتك األخيرة سوى رماد الذكرى . آخر ما في الدّواة من حبر ،آخر الغوايات ،التي اقترفها السائل األزرق الغامق، ليغوي ال ّ شاعر المتهاوي ،آخر األوراق التي حاكتها الغرفة رقم « »8آخر األنفاس ي « تلك التي راحت شوارع القاهرة تحفظها وتتلوها – كما ،هي قصيدة «الجنوب ّ الرؤية ي ،ورأى النقاد فيها ّ قالت زوجته – وأخذ األصدقاء يردّدونها كنشيد وطن ّ المكتملة ،قال عنها يوسف إدريس »:رفضتُ تماما ً أن أقرأ قصيدة الجنوبي األخيرة ّ ولمت مثله ومعه 1 ». ،فقد كنتُ متأكدا ً تماما ً أنني لو قرأتها الكتملت الرؤية ، صور تتهادى أمام العينين الغائبتين ،فيقف ال ّ شاعر أمام إحداها ،يحار،وما بدأت ال ّ أقسى حيرته! هل كانت تلك صورة ذلك الطفل الذي يكونه ،أم أنّه طفل سواه ؟ الفرس بضربة منها رأسه ، هو واقف ،بينما األب جالس تتدلى يداه بارتخاء ،لتش ّج ُ فيسي ُل الدّم ليغطي الوجه والصدر .صورة مؤلمة حتى العظم ،ال يستطيع الشاعر أن يستمر في تذكرها ،يحاول أن يستبدلها ولكنه يغرق أكثر في الماضي ،تنفجر الذاكرة ّ وهو يعيش تجربة الموت كما عاشها الذين رحلوا. يحدّق ال ّ حس أنّه لم يعد له من عمر ليقضيه ،ليس له إال شاعر الغريب حوله ،وهو يُ ّ تنتفض من أعمدة النّعي ،وبعض الوجوه تطلع له ،أما صدى اسمه ،وأسماء بعضهم ُ كانت إحدى رغبتيه رؤية الوجوه الغائبة؟! ها هي تتحقق ،فيتذكر وجها ً : « خاض حربين بين جنود المظالت
: « هل تريد قليالً من البحر ؟ 3 هل يمكن لهذا البحر أن يكون موضع ثقة ،فيطهره من ألم االحتضار؟ وتجيب نفسه ّ : ي الذي يكونه ،ال يطمئن إلى اثنين ،هما البحر والمرأة إن الجنوب ّ الكاذبة ،فما يعاني منه سيبقى . ي من القنينة التي تحويه ،ويسأل عن ثم يسأل عن الخمر ،الذي يتهيّب الجنوب ّ اآللة الحاسبة ،ترى هل سيحسب أياما ً بقيت له في الحياة ،أم سويعات ؟ ثم يسأل صبر ،عن قليل منه .يحار الشاعر عما يتساءل أيضاً ،فهذا االضطراب الذي عن ال ّ غرة ،فيجيب يعيش تفاصيله ،إنما مردّه إلى سكرات الموت التي تدهمه على حين ّ عن جملة ما سأل : « ال فالجنوبي يا سيّدي يشتهي أن يكون الذي يكنه يشتهي أن يالقي اثنين الحقيقة ،واألوجه الغائبة 1 ». يريد الحقيقة ؟! « أبي ..ال مزيد
لم ينخدش واستراح من الحرب عاد ليسكن بيتا ً جديدا ً ويكسب قوتا ً جديدا ً فجأة مات 1 ». اختلط عليه األمر ،اختلط الوجهان في لحظة ما ،ما الذي يراه اآلن ،وجه ذلك الذي خاض الحروب أم وجهه هو ؟! لم يعد يعرف شيئا ً ،فقلبه الضعيف لم يعد يحتمل سريان المخدّر .فجأة عاد طفالً يشارك ال ّ شاعر في سريره ،وفي كسرة الخبز ،والتبغ ،والسعال ،بيد أنّه ال يشاركه في المرارة ،ألن طعم العلقم ال يعرفه إال حلقه ! الراحل يحيي الطاهر عبد هللا،من بين الوجوه الغائبة ثم يطلع إليه وجه صديقه القاص ّ : « ليت أسماء تعرف ّ أن أباها صعد /لم يمت / هل يموت الذي كان يحيا ّ / كأن الحياة أبد !2 ». وأسماء هي ابنة القاص الغائب ،أراد أمل دنقل أن يخبرها أنّه عاش منتصبا ً ،بينما ينحني القلب بحثا ً عنه ،وليتها تعرف كابنة جميلة أن تخبئه بين أوراقها ،وتخبره أن يسير منفلردا ً وال يلتقي بأحد . ثم يخاطب ال ّ شاعر نفسه عبر مرآة كانت مركونة بالقرب منه ،فيرى وجهه ،فيسأل
وكان الب ّد وأن ير ّحب أمل دنقل به وبما يحمل من تبعاتّ ، ألن ما لديه من القوالة قد خلص ،وسكتت الحنجرة إلى األبد ،على الرغم من أنها كانت قليلة الكالم ،ولم يعد هناك سوى بياض الصمت ال ُمطبق: « أموت في الفراش»..مثلما تموت العير» أموت والنفير يدق في دمشق أموت في الشارع:في العطور واألزياء أموت واألعداء تدوس وجه الحق1 ». ْ ،ولكن!! ويرحل الشاعر بالرغم من قصر حياته التي انتهت بمرض عضال،وهو في ريعان الشباب ّ والعطاء،وبالرغم من ظروفه االجتماعية القاسية ،ظ ّل يبدع وهو على فراش الموت شعرا ً ناضجا ً عميقاً ،تبقى األجيال القادمة تردده و تستنير به. فما تركه من أثر سيظ ّل في الذاكرة وفي الوجدان العربي ،ألنّه شاعر مبدع و مختلف أراد زمنا ً جميالً يليق به وبالجميلين من أمثاله .
أريد أبي عند بوابة القصر فوق حصان الحقيقة منتصبا ً من جديد2 ». أيّة حقيقة يقصد ؟! هل هي حقيقة ذهول اإلنسان أمام صمت قادم،كاسح؟ بياض آت سيكسح ك ّل شيء الرجل الحالم الذي الرفض المستمر..كما يفعل ّ ،أم «هي الحرية اإلنسانية،أم هي هذا ّ أحالم يقظة».. يأمل دائما ً في مستقبل وغ ٍد يحقق له َ هاهو يستع ّد ليلفظ آخر األنفاس،وبعد أن لفظه قد أدرك ما كان يبحث عنه، ،حقيقة الموت الذي كان بعيدا ً عن تصوراته ،وهاهو يلتقي باألوجه الغائبة،وجها ً تلو اآلخر ،الوجوه التي لم تعد غائبة ،بل ماثلة أمامه . وانتهى الكالم مع سهم الموت ،الذي أصابه في نهاية الطواف : « لم يبق إال الموت والحطام والدمار3 ». المكان،يعرش ،فال شيء سوى الخراب والدمار،فالموت حيث يتمدّد الموت على ّ يصبح موازيا ً لحيز المكان،يأخذ شكله واتساعه،وال سبيل إال لرؤيته،فالشاعر مستسلم في فراشه ال يجيد المقاومة.
المكان في رواية طائر الحوم للروائي حليم بركات •بقلم محمد حسين/دراسات عليا تمهيد ّ إن الروائيين اهتموا دائما ً باألمكنة التي تقع فيها حوادث رواياتهم وحيث تعيش شخصياتهم، حتى إن بعض النقاد أخذ عليهم اإلسراف في وصف األمكنة مما يعوق تطور الرواية ،في حين اعتبر آخرون المكان مجرد إطار أو زينة ال أهمية لها. أما اليوم فنجد اهتماما ً بالغا ً بالمكان الروائي ،ويعنون بذلك مجموعة العالقات المتعارضة بين األمكنة المختلفة داخل الرواية وال يهملون التفاعل بين الفضاء والشخصيات والرؤية والظروف االجتماعية ،ومثال ذلك بروز المكان في جميع روايات إميلي نصرهللا ،فالتعلق بالقرية ،والهروب ،والخوف من المدن الكبرى ،واالقتالع ،هي مواضيع ثابتة في طيور إيلول والرهينة واإلقالع عكس الزمن والجمر الغافي. ففي طائر الحوم لحليم بركات ،نلحظ تحطيم مفهوم المكان ،فالبطل يعيش في عالمين :قريته أي مسقط رأسه ،ومكان هجرته .واالنتقال من المكان يتم فجأة عن انشطار نفس البطل. وفي بحثنا هذا نعالج المكان في رواية «طائر الحوم» للروائي حليم بركات. دوائر المكان ومكوناتها شديدة البروز في النص .فالدائرة األولى بالنسبة للرواية تمثل المكان األول (الكفرون) الذي ولد ونشأ وترعرع فيه وقضى فيه معظم أيام طفولته ثم ينتقل إلى بيروت المكان الثاني من حياته األولى وهي تشكل الدائرة الثانية أما الدائرة الثالثة فهي أميركا مكان إقامته وعمله. التقاطبات واجتياز الحدود (بين المتقاطبين) إن التقاطبات كثيرة في الرواية ،فهي تبدأ من العنوان «طائر الحوم» حيث إنه إشارة إلى الهجرة واجتياز األمكنة من أقصاها إلى أقصاها ،إنه انفالت من القوقعة (القرية /الكفرون) ليدخل بطن الحوت (المدينة /بيروت). الكفرون /بيروت سوريا /لبنان ريف /مدينة أما الهدف من هذا االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش. وهناك أيضا ً تقاطب آخر في الرواية هو: بيروت /أمريكا
يكون في مكان ما في واشنطن حتى تعود به الذكريات إلى الزمن األول من حياته في الكفرون «كان يوما ً خريفيا ً رائعا ً تحولت فيه مدينة واشنطن إلى غابة كثيفة من األلوان الزاهية المتموجة المتداخلة بعد صيف حار تماما ً كذلك اليوم الذي شهد فيه مصرع طائر الحوم في الكفرون»(.)2 كما أن الراوي حاول أن يؤكد لنا على فكرة أن سوريا هي الوطن الذي ال بديل عنه حيث يتحدث عن الفتاة األمريكية من أصل سوري ،فالحياة في أميركا تهدم اإلنسان بينما السعادة ت إلى أميركا .لو بقيت في سوريا .ولدت ونشأت هي الحياة في بلده «أتمنى لو أن أمي لم تأ ِ وعشت في قرية سورية قريبة من اإلنسان واألرض .أفضل لو كنت حرمة في عائلة على الوحدة القاتلة هنا .الحياة تهدم اإلنسان»(.)3 ويعود الراوي مرة أخرى للحديث عن طائر الحوم ،فطائر الحوم رمز الجتياز الحدود والهجرة بين قطبين أو بين منطقتين (وهنا يظهر التقاطب المكاني) منطقة الفقر في العالم (الجنوب) ومنطقة الغنى (الشمال) فهو «مهاجر باستمرار بين الجنوب والشمال (بين مخاطر الجنوب والشمال) مدفوعا ً بالعطش والجوع والشبق والدفء .كلما عبر عالما ً تك ّ شف له عالم آخر»(.)4 تسيطر الحضارة المادية في الغرب فكل شيء تتحكم به اآللة «فأدركت أن اآللة لم تلفظني خارجا ً وأنني أسعى جاهدا ً ضمن آلة أكبر»(.)5 ولعلنا نجد عند الراوي تقاطبا ً من نوعٍ آخر ،تقاطبا ً شعوريا ً بسبب المكان يقول« :وفيما نخترق كثافات الغيوم البيضاء فوق أميركا ،تذكرت أنني في طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم سوداء تضيئها بروق وصواعق متكررة»(.)1 تتكرر التقاطبات المكانية في الرواية» فاضطرت أمي إلى أن تنزح بنا أنا وأخي وأختي إلى مدينة بيروت بعد أن جاهدت عبثا ً في القرية مدة سنة أو أكثر»( .)2ويقول« :ناضلت في بيروت كما ناضلت في القرية»( .)3ويتحدث الراوي أيضا ً عن األمكنة التي انتقلت إليها حبيبته مع عائلتها« :منذ الطفولة رحلت مع أهلها من قرية عيثا الفخار في البقاع إلى بيروت»(.)4 فالتقاطب واضح هنا فبيروت مدينة وعيثا قرية ثم هاجرت العائلة من بيروت إلى أميركا «فشجعته على أن يهاجر إلى أميركا .التحق بأهله وأخوته في توليدو أوهايو»(.)5فبيروت في الشرق وأميركا في الغرب ،بيروت تمثل الحضارة الروحية بينما أميركا تمثل الحضارة المادية. والصراع يظهر نفسية الراوي عند المقارنة بين وطنه األم وبين مكان إقامته في أميركا. فالمهاجر في بلده «كان يشعر انه سلطان نفسه ،وأصبح في أميركا يشعر أنه نملة تجرجر حبة قمح كبيرة (وربما فارغة) وتخاف من وطء األقدام»(.)6 وهناك أيضا ً تقاطب مكاني آخر بين الكفرون وعيثا يقول الراوي «ودخلنا واديا ً تحيط به التالل العارية من جهات ثالث ،عيثا الفخار ليست الكفرون ولكن لها جمالها الخاص»(.)7
شرق /غرب حضارة روحية /حضارة مادية والهدف من االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش والتعلم. إن لكل مكان مفاهيمه الخاصة ففي الكفرون نجد أن الناس تقتل العصافير يقول الرواي« :بعد هذا الزمن الطويل كخيوط الهم تتجاوب في ذهني طلقات النار دفعة واحدة ،ثم متتابعة مثل خفقات قلب مضطرب»( ... )1ويقول في مكان آخر« :تجفل طيور الحوم فتتوزع؛ كل على ِحدة ،وجلة في مختلف االتجاهات .تطلق صراخا ً حادا ً ويتهاوى بعضها إلى موته الحتمي في أودية عميقة كهموم القلب)2(»... أما في أميركا فإن اإلنسان يربى على المحافظة على الطيور وعلى حبها « ...ربما ما كنت تضحك لو فهمت ،فهي تحب العصافير»(.)1 والراوي كطائر الحوم دائم الترحال ال يستقر في مكان فهو مهاجر من إلى مكان آخر «أحلم أن نتحرر من كل المسؤوليات بما فيها العمل ،ونسافر إلى مختلف أنحاء العالم»(.)2 كما أن األمكنة تشكل الزمان بالنسبة إلى الراوي: الكفرون /أميركا الشرق /الغرب الماضي /الحاضر فنسمع حبيبته تقول له« :إنك تعود إلى أصولك .أصبحت تلعب الطاولة وتحمل مسبحة وتريد منقلة .مستقبلك أمامك .غدا ً تدخن نرجيلة وتلبس سرواالً»(.)3 كما أنه لدينا تقاطب آخر حيث ان الراوي يتحدث عن الحياة البرية أو الحياة الحيوانية ويقارنها مع الحياة اإلنسانية فالحيوانات ال تندفع إلى مساعدة بعضها ،ولكن لماذا اإلنسان العاقل يفعل ما يفعله الحيوان يقول« :وتهاجم قطيعاً ،فجأة ،مجموعة من الذئاب تطارد عجالً صغيرا ً قتندفع أمه وحدها للدفاع عنه وانسحبت بقية الثيران واألبقار إلى مكان أمين وراحت تراقب المطاردة ...وتمتد المعركة وتطول والثيران الكبيرة تراقب دون تدخل ...ويقع العجل فريسة فتعلن األم يأسها وتلتحق ببقية القطيع دون ان تلتفت إلى الوراء»(.)4 أما العرب فيتصرفون كما تتصرف هذه الحيوانات «فلسطين تسقط فريسة .بيروت تتساقط. البصرة مهددة بالسقوط .الجنوب اللبناني محتل .لماذا األم وحدها تقاوم؟ أيتها العواصم العربية الثيران .تشمخين بقرونك مذهولة تراقبين وجلة ،تتناطحين ،تتناكحين سرا ً في الدهاليز ،تأكلين األخضر واليابس ،تتمددين خارج التاريخ بكسل بليد. ما نفع المواجهة؟ آه من المأساة المهزلة»(.)1 ومن أهم التقاطبات تقاطب واشنطن /الكفرون وهو تقاطب مكاني حيث أن الراوي مجرد أن
إن الكفرون ال تفارق الراوي أبدا ً ففي كل فصل من فصول الرواية بل في كل فقرة نراه يأتي على ذكر هذا المكان الذي ولد فيه ،يقول« :ونهرب معا ً إلى الكفرون باتجاه جبال شنندوه الشامخة الخضراء»(.)5 وهذا التقاطب المكاني هو األبرز في الرواية من بدايتها إلى نهايتها .ولعل لكل مكان ثقافة معينة ،فثقافة أهل القرى واهتماماتهم تختلف عن ثقافة واهتمامات أهل المدن .فالتقاطب المكاني (قرية /مدينة) بارز ففي حين أن أهل القرية يهتمون بالغناء الشعبي من العتابا والميجانا نرى أن أهل المدن يهتمون بالغناء الكالسيكي األصيل لعبد الوهاب وفريد األطرش ،فيقول الراوي« :على الضفة الجنوبية تجمهر عدد كبير من من أهل الضيعة حول مائدة حافلة بالمازوات والعرق .نسيم المسوح يسترسل في غنائه العتابا والميجانا والمعنى والدلعونا ...وعلى الضفة األخرى التف جمهور من الشبان ممن عاشوا في المدن، وأصحابهم ،حول جورج الحمصي يعزف على العود ويغني أغنيات لعبد الوهاب وفريد األطرش.)1(»... كما أن المفردات التي تدل على المكان وتشكل تقاطبا ً مكانيا ً ظاهرة في النص مثالً نراه يقول« :ودبكنا فكانت أقدامنا الحافية تضرب األرض بتحدٍ .ومناديلنا تدور في وجه السماء بانتشاء وكبرياء ...نحلّق فوق القمم واألودية ...جسدك منفي في أميركا الجنوبية وأنا في أميركا الشمالية»( ،)2السماء /واألرض – القمم /األدوية – الجنوب /الشمال ...كلها مفردات على اتجاهات ألماكن مختلفة فتشكل تقاطبات مكانية آخرى في النص. ولعل التقاطبات المكانية تظهر بوضوح في الفقرة التالية« :وكما أنتقل أنا في هذه األيام بين واشنطن ونيويورك وبوسطن وديترويت وشيكاغو وسان فرانسيسكو وبروتلند واوستن وبين أميركا وأوروبا والمغرب والمشرق العربيين والجنوب والشمال ،كان والدي ينتقل بين الكفرون والمشتى وصافيتا والدريكيش ومرمريتا والمشتاية وبرشين ومحردة والسقيلبية»(.)5 كذلك فإن للتقاطبات المكانية تأثيرا ً في عالقة اإلنسان بالحيوان فيصور الراوي العالقة في أميركا كأنها عالقة فيها رحمة أما العالقة في بالدنا فيشوبها الحذر والقسوة ،يقول« :أول ما لفت نظري حين حضرت إلى أميركا هذه العالقة اإليجابية بين الناس والسنجاب ،حتى أن طبيعته تختلف عن طبيعته عندنا .أذكرأن السنجاب عندنا شديد الحذر ،ال يقترب من الناس ويسكن أعالي أشجار السنديان والجوز الباسقة.)1(»... ويورد الراوي تقاطبات مكانية للخير والشر فيقول« :ال مهرب من التاريخ الذي يسجل من يسلك طريق الخير ومن يسلك طريق الشر»(.)2 القوقعات لقد دخل يونان بطن الحوت ولكنه خرج منه ،أما الراوي فإنه دخل بطن حوت أكثر وحشة من حوت يونان وحاول كثيرا ً للخروج «طالما سمعت حكايات كنت أعتقد جازما ً أنها ال يمكن أن تحدث حتى حدثت لي فعالً ،مثل قصة دخول يونان بطن الحوت وخروجه منه ،اعتبرت القصة مجرد خرافة حتى دخلت بطن وحش أكثررهبة من حوت هو مدينة
ويعود الراوي للمقارنة مرة أخرى بين بيروت وأميركا (هذا التقاطب يتكرر باستمرار في الرواية) فأميركا تمثل االضطراب وعدم الشعور باالستقرار «اشتركنا في نشاطات حركة الحقوق المدنية للسود وحركة االحتجاج ضد حرب أميركا في فيتنام ...مهما كان الكفاح سيستمر»( .)1وبيروت تمثل االستقرار لكنه انتهى« ،انتهى زمن االستقرار في بيروت يا خالد وشفيقة .أصبحت حياتنا معلقة في سديم بين الضباب والوهج والثلج»(.)2 ونرى الراوي دائما ً يريد الصعود من تحت إلى فوق ،في هذا التقاطب المكاني كأنه يريد أن يطير ويتحرر وينعتق من قوقعته كطائر الحوم فيقول« :ما دمنا ال نستطيع التحرر من المكان ،فلنحاول التحرر من األسفل والتفاصيل والجزئيات لنصعد إلى فوق .لنصعد بقدر ما يمكن ونطل على األسفل فنشعر أننا نحلق»(.)3 أيضا ً ال بد من اإلشارة إلى أن العرب في بلدانهم يتحدثون لغات أجنبية مختلفة دون أي مشكلة بينما في بالد الغرب على المرء أن يتكلم بلغة الدولة .الغرب أكثر وطنية من العرب؟ نجد المرأة األميركية تريد المحافظة على لغتها حين تطلب من الراوي التحدث باإلنكليزية «فتتوقف قربنا سيدة أميركية وتقول بغضب :تكلموا باإلنكليزية ،أنتم في أميركا»(.)4 وتتكاثر التقاطبات المكانية عند الراوي بطريقة رائعة إذ أن هذا المهاجر الدائم حقيقةً وخياالً يحلق في السماء ويلتحف األرض يغط على الجبال ويشهق عندما يرى الوادي .إنه كطائر الحوم ،يقول «يضرب جناحيه في وجه السماء الواسع ...وأحيانا ً كغطاء قطني تلتحفه األرض ...يغط على قمم جبال األلب متتبعا ً خطوات هنيبعل ...يشهق عندما يطل من «باب النقب» على وادي الكفرون فيغط مطمئنا ً مبهوراً»(.)5 ولعل المكان عند الراوي ال يغير الذكريات ،فالتقاطبات المكانية ال تعمل على محو الذاكرة فالراوي وأصدقاؤه هاجروا ك ٌل إلى مكان مختلف ولكن الذكريات (في الكفرون) بقيت كما هي ،يقول «تذكرناك كثيرا ً يا فؤاد عندما زارنا أبو صفا مؤخرا ً في واشنطن عجبت كم تتشابه ذكرياتنا رغم فارق العمر بيننا .أبو صفا ال يجد في األمر غرابة .قال إن ذكرياتنا واحدة ألن األجواء التي عشناها واحدة .المياه الرقراقة نفسها ،المحيط نفسه ،الهواء نفسه ،العصافير نفسها.)1(»... ولعل تقاطبات االتجاه المكانية لها دورها في الرواية «المياه تنرش عن يميني وشمالي، ويتطاير بعضها إلى وجهي وصدري وكتفي»( .)2فاليمين والشمال يدالن على اتجاهين مختلفين لمكانين مختلفين. ومن التقاطبات المكانية ،الحديث عن الماضي والحاضر والمستقبل ،الماضي الذي يمثل الكفرون والحاضر والمستقبل اللذين يمثالن أميركا «دون تساؤل ظللت أرحل في عينيها باتجاه الماضي والمستقبل وفي أعماق الحاضر»(.)3 -ومثال آخر على ذلك «وجدت نفسي أرحل إلى زمن الطفولة في الكفرون. -وأنا كنت أستعيد الماضي ،مع األسف بضوء الحاضر. -لماذا ال نتحرر من الماضي والحاضر؟»(.)4
لعل الراوي ال يريد أن يخرج من قوقعته فهو شديد التعلق بضيعته «الكفرون» فيقول: «الذاتية اليمكن .أما ما تسميه رواسب فأسميه جذوراً ،لذلك أحببت شجرة الصفصاف ليست ألنها تبكي وتهبط دموعها إلى النهر ...أحب شجرة الصفصاف ألنها تنكفئ على ذاتها وجذورها .كلما كبرت في العمر ،انحنت أغصاني نحو جذوري»( .)1وهكذا نجد الراوي يتشبه بشجرة الصفصاف التي تنحني على جذورها فهو يريد العودة إلى أصله وجذوره التي شرشت في ضيعته الكفرون. وهكذا يظهر لنا أن المكان شديد الحضور إذ أنه قوي ومستمر من البداية إلى النهاية ،وكان مكرس من أجل تمجيد الكفرون ،تلك البلدة التي لم يخلق لها مثيل ،كما يراها العمل كله ّ الراوي .وهكذا يصبح المكان ،الكفرون ،مسرحا ً حافالً موارا ً بالحياة والحركة والتغير، تكون فالينابيع التي تتدفق :كرك والشيخ حسن والشير ،ليست مجرد ينابيع ،إنما شرايين ّ الحياة ،تسكب فيها القوة والفرح ،ثم تقود المخلوقات ،والبشر أيضا ً الكتشاف الجمال واللذة واآلخر ،والكتشاف الخطر في نفس الوقت. فمنذ الهجرة األولى للراوي ،منذ ان فقد المكان األول (الكفرون) األليف ،أصبح الترحال واالنتقال قدراً ،أو ربما عقوبة ،خالل التيه المستمر ،يصبح التكيف ،وبالتالي االقتناع ،أن هناك مكانا ً يشبه الكفرون مستحيالً ،وهكذا تصبح الكفرون ظالً يرافق المهاجر في كل خطوة/ .
نيويورك»(.)1 فمدينة نيويورك تساوي الحوت في نظر الراوي .لقد حاول الخروج من هذه القوقعة من بطن الحوت (نيويورك) للمشاركة في مؤتمر ولكن بدل الخروج من قلب الحوت الكبير (نيويورك) انتقلت إلى حوت أصغر في قلب الحوت الكبير (الطائرة) ،حتى خرجت ولكن ي الذكريات حتى كأني دخلت بطن حوت إلى أين؟ إلى لقاء صديقة استضافتني وأثارت ف ّ جديد .قالت« :المهم أنك خرجت من بطن الحوت يا يونان الكفروني .نخرج من حوت لندخل آخر»(.)2 والقوقعة ترافق الراوي في أحداث الرواية من بدايتها حتى نهايتها ،فالراوي وخالل وصوله إلى بيروت عندما كان صغيرا ً نراه يشبه الترام بالحوت ،فيقول« :دخلنا كما دخل يونان بطن الحوت»(.)3 ثم يكرر الحديث عن الحوت مرة أخرى .ولعل هذه القوقعة ال تريد أن تفارقه أبداً« :نتأمل العالم من أسفل ومن علو وفي وسط االزدحام ،وداخل بطن الحوت أو في البحار واألجواء الشاسعة»(.)4 محاولة الخروج من القوقعة ما أجمل الرحيل األبدي دون بداية ودون نهاية .أظن أنك تشاطرني هذا اإلحساس يا طائر الحوم! هل نحن أسرى عادتنا السرمدية؟(.)1 لعل الراوي يريد أن يبقى دائما ً في رحيل أبدي ال يستقر به المقام في مكان بل يستمر في ترحال دائم كطائر الحوم المهاجر على مدى الزمن في شتى أصقاع األرض. ولكن الراوي ومع محاولته الخروج من قوقعته ال يلبث أن يعود إليها فنراه يقول« :فيما يتعلق بي ،فقد تظن أنني ال أذكر شيئا ً عن هذه األمور صدقني أذكرها بوضوح كلي .كيف ولماذا ال أدري .الضيعة وأناسها وينابيعها وتاللها وأوديتها وطيورها وطرقها وأزهارها شرشت في نفسي .ال أحد ال شيء يقتلعها من نفسي وكلما وأشواكها وأحزانها وأفراحها ّ ذبلت شجرة حياتي ،كلما نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة العميقة»(.)2 ويحاول مرة أخرى أن يخرج من قوقعته فيقول« :مثلك أرحل دون استقرار عابرا ً القارات .أعبر العالم معرضا ً للقنص .نعم خسرت الكثير من ريشي ولكن ها هو ينمو لي فأحوم دون وجل فوق األنهر في مختلف القارات»(.)3 ريش جديد ّ ثم يحاول الخروج من جديد «ولكنني أؤمن بتغاريد العصافير في القفص .نحن جميعا ً نغرد في القفص .تريد أن نتحرر من األقفاص ،أن ننطلق في األجواء الفسيحة»(.)4 ويقول في مكان آخر« :لو أتحول إلى نهر متدفق فاتخذ شكل الهواء ،أحتضن الصخور ،لو أنطلق نحو البحر فاتحا ً ذراعي مثل جناحي طائر الحوم»(.)5 عدم الخروج من القوقعة
ن الجرجا� ونظرية النظم عبد القاهر ي
عل أيوب /دراسات عليا ي
مقدمة
ّ ف ن ـا� مواقــف متباينــة، يقــف البالغيــون والنقــاد العــرب والمحدثــون ،ي� تقويمهــم لنظريــة النظــم عنــد عبــد القاهرالجرجـ ي ه ف� الواقــع امتــداد لمواقفهــم المبدئيــة مــن الـ تـراث العــر� ّ برمتــه ،فمنهــم مــن يقــف مــن نظريتــه موقــف الـ ض ـر� واإلعجــاب بي ي ي ّ النقديــة الحديثــة �ف إىل الحــد الــذي يدفعــه إىل وضعهــا عــى قــدم المســاواة مــع أحــدث مــا انتهــت إليــه المــدارس واالتجاهــات ي ف األد� عـ بـر العصــور ،هــذا النقــد الغــرب ،إن لــم تقــل بتفضيلهــا عليهــا ،ألن لهــا فضــل األســبقية ي� التأســيس ألهــم نظريــات النقــد ب ي القائــم عــى نقــل الكلمــة مــن داللتهــا القاموســية إىل مرحلــة الداللــة عــى معـ نـى ينبعــث مــن رصــف الكلمــات فيحمــل المعـ نـى معـ نـى آخــر خــارج داللــة اللفظــة المجــردة ذات الداللــة المحــدودة والمحــارصة بقاموســيتها ذات الداللــة الســكونية.من هــذا الفهــم ن ام حاملــة ـكالم عــى تفجـ يـر المعــى المحصــور بداللــة ماديــة أحاديــة إىل آفــاق رحبــة األبعــاد والم ـر ي ـداع لقــدرة النظــم الـ ي اإلبـ ي ً ف هواجــس وإشــارات النفــس ش الب�يــة مــن المكنــون الداخـ يـ� إىل المتل ـق ي الــذي يــرى لغــة ي� اللغــة ومعـ نـى منرسبــا مــن المعـ نـى، حقـ ًـا إن عبــد القاهــر الجرجـ نـا� هــو بحــق أســتاذ كل المبدعـ ي ن ـ� ف ي� لغتنــا ألنــه أعــى اإلشــارة لنقــل اإلحســاس المتنــوع ف ي� كلمــات ي ف ن ن ن ن ـ� األلفــاظ مــا ليــس ي� القامــوس ،وحـ يـ� توصــل كانــت منحــرة المعــى لــوال تفجـ يـر المعــى بمعــى آخــر عـ بـر صياغــة أدبيــة تعـ ي ً ن ق ن ـا� بقولهــم « :األدب أبــرز النقــاد الغربيـ يـ� إىل وضــع تعريــف حقيـ ي لــأدب وتحديــدا للشــعر لــم يتجــاوزوا عبــد القاهــر الجرجـ ي صياغــة فنيــة لتجربــة ش ب�يــة» ،هــذا التعريــف المكثــف والدقيــق ال يمكــن أن يتجــاوز المفهــوم الصيــا�غ ي الــذي أســس لــه الناقــد العــر� الكبـ يـر عبــد القاهــر الجرجـ نـا� .وأمــا القســم اآلخــر مــن النقــاد الذيــن أرجعــوا هــذه النظريــة إىل النقــاد الغربيـ ي ن ـ� فقــد ي بي ف ث األد� والفكــري. تجاهلــوا عــن قصــد أو بغـ يـر قصــد هــذه الينابيــع الــرة ي� تراثنــا ب ي ن ن خ ـا� النحــو ،والـ ت يـى تنظــر إىل العالقــة ـو� معـ ي لقــد اهتــم عبــد القاهــر الجرجـ ي ـا� بنظريــة النظــم القائمــة عــى حســن الصياغــة وتـ ي بـ ي ن ـ� اللفــظ والمعـ نـى مــن جهــة لغويــة دقيقــة نتيجــة التحامهــا وشــدة ارتباطهــا .حيــث نظــر اليهــا نظــرة المتفحــص العــارف بمقــدار ً الــكالم ،لذلــك عــرف قيمــة اللفــظ ف� النظــم ،وعــرف طريقــة تصويــر المعـ نـا� عــى حقيقتهــا ،ثــم جمــع بـ ي ن ـ� اللفــظ والمعـ نـى جمعــا ي ي ً ً ف ن ن ن إبداعيــا منطلقــا مــن مفهومــه ألثــر الصياغــة ي� خلــق معــى للمعــى نفســه .لقــد رأى عبــد القاهــر أن اللفــظ جســد والمعــى روح يعتمــد عــى حســن الصياغــة ودقــة التصويــر الـ تـى نضجــت ف� بحوثــه ،وبهــذه الطريقــة انتــى مــن فكــرة الفصــل بـ ي ن ـ� اللفــظ ي ي ً ً ف ف ن ق ن ـا� مطروحــة ي� الطريــق ،ولكــن األدب يبــى ي� القــدرة والمعــى .وكان مف ـرا ومضيفــا لمفهــوم الجاحــظ الــذي رأى أن المعـ ي الصياغيــة عنــد األديــب.
ن التعريف بنظرية النظم عند عبد القاهر الجرجا� ي
عـ ّـرف الشــيخ عبــد القاهــر (النظــم) بأنــه“ :تعليــق الــكالم بعضــه عــى بعــض “( ،)1وقــال ف ي� موضــع آخــر مــن كتابــه: ْ أن ليــس النظــم إال أن تضــع كالمــك الوضــع الــذي يقتضيــه علــم النحــو ،وتعمــل عــى قوانينــه وأصولــه ،وتعــرف مناهجــه ّ ً الـ تـ� ُنه َجــت ،فــا تزيــغ عنهــا ،وتحفــظ الرســوم الـ تـ� رســمت لــك ،فــا تخـ ّـل بـ ش ـ�ء منهــا ،وذلــك أنــا ال نعلــم شــيئا يبتغيــه ي ِ ي ي ف ف ف ت الناظــم بنظمــه غـ يـر أن ينظــر ي� وجــوه كل بــاب وفروقــه ،فينظــر ي� الخـ بـر إىل الوجــوه الـ يـ� تراهــا ي� قولــك: “إعلــم
زيــد منطلــق” ،و”زيــد ينطلــق” ،و”ينطلــق زيــد” ،و”منطلــق زيــد” ،و”زيــد المنطلــق” ،و” المنطلــق زيــد” ،و” زيــد هــو المنطلــق” ،و”زيــد هــو منطلــق”. 1
ن الجرجا� .دالئل االعجاز .يب�وت ،دار المعرفة ،الط1398،هـ1978 /م ،تحقيق محمد رشيد رضا،ص .55 )( عبد القاهر ي
ً وبيان عمود تلك البالغة ،وبيان جوهره ومفهومه ،وتعدد أنماطه ت ينته إىل ال�كيبية والتصويرية ،تعددا ال ي غاية ،ثم تبيان مرجع المزية والفضيلة األدبية ألي نمط من تلك األنماط ،وأن هذا المرجع إنما هو ذو عنارص ن ت ن بالمع� والغرض الذي يوضع له الكالم، والتحب�ي كي� والتصويري والثا� ي ي ثالثة ،األول :يتضمن عالقة النمط ال� ب ي ف والثالث ،عىل ت ن والمع�) ،وعالقة بعضهما ببعض ي� تحقيق بالغة الخطاب ال�تيب :يتضمن عالقة البيان (اللفظ وأدبيته وعىل تبيـ ــان تعـ ــدد وتفـ ــاوت مسـ ـ ــتويات الن ـظ ــم ف ــي مدارج الفضيـ ــلة»(.)4 ً َّ تأسيسا عىل كل الذي ض لتتب� أهميته ف� نقد النص األد� ،أو بعبارة أخرى ي ن فإن النظم ي ن تتب� أهميته ف ي� النقد م� تبيانه بي ي األد� للنص .ي ن أش� إىل أن النص يمكن أن تتناوله صنوف من مناهج النقد ،ومنها األد� ي وح� أكدت وصف النقد بأنه ب ي بي ً ف األد� ،أي المنهج الذي يعمد إىل تحليل وتأويل ما به يكون النص كله ي� كافة عنارصه ومستوياته أدبا ،فإذا منهج النقد ب ي ما تم الوفاء بحق ذلك التحليل والتأويل ألدبية النص كان الوصول إىل وصف ن ز م�له من الجمال أو القبح .وذلك الوصول َّ وفس ّ حلل َّ إىل وصف ن ز وأول فقد فتح لك الم�لة مرحلة أرى أن العناية بما يسلم إليها أوىل من العناية بتقريرها؛ ألن من �ق ّ ّ نز األد� الطريق المعبد المطرق إىل أن تقف بنفسك عىل الوصف الحقي ي لم�لة ذلك النص من الجمال أو القبح ،فالنقد ب ي ً ً ي ن ف� أساسه ي ن األد� إنما هو تبي� وتحليل وتأويل ،وما التقدير جماال وقبحا إال الزم ذلك التبي� والتحليل والتأويل ،فالنقد ب ي ي ف �ف عمل وص ي ي� المقام األول ،معياري فيما بعده. ً ف األد� للنص مقتضيا إخضاع كل عنرص وجانب من عنارص وجوانب بناء النص من هنا كان استثمار النظم ي� النقد ب ي ن بالمع� الكل ،والغرض العام المنصوب له الكالم.ذلك الموضوع ،وربط ذلك كله األد� للتحليل والتأويل وللتعليل بي ي ي ف ش تبيان معالم الم�وع النقدي لعبد القاهر ي� طوره التصوري النظري له ،وهو كما ترى يكاد يبلغ حد النظرية المكتملة ت المس�شدة بتلك النظرية ،دون أن يكون هنالك إخضاع قرسي عنارصها ،لتب�ق من بعد ذلك الممارسة المعرفية والذوقية ّ ن العمل، بمع� أن تكون الممارسة من قبيل النقد للنص، لحركة الممارسة الذوقية والتحليلية ف ي� النقد التحليل العمل ي ي ي وليس من قبيل النقد التطبي�ق ي المهموم برؤية صورة التصور النظري ف ي� مرآة النص ،كما نراه ّ ت النص الذي عمد إىل ال� ارتضاها قائمة ف ي� صفحة عند بعض أهل العلم من سعيهم إىل رؤية النظرية البالغية أو النقدية ي درسه. ً العمل مهموم برؤية واقع النص عىل ما هو عليه ،سواء كان مقاربا نظرية معرفية وذوقية ما أو والنقد التحليل ي ي ً ً التحليل ال يعدو أن يكون أداة ووسيلة ينظر بها الواقع ،وليس معيارا يحاكم به واقع مفارقا .فالتصور النظري ف ي� النقد ي ّ النص. ّ ً ّ ووفاه حسابه ،فإننا ي ن ح� نتابع الممارسة كث�ا من حقه وإذا ما كنا قد رأينا اإلمام عبد القاهر قد منح التصور النظري ي ّ ي ن جانب�: التذوقية التحليلية للنصوص فإنه يحسن بنا أن ننظر إىل صنيعه من ف للنص وتحليله ف� مستوياته ت ّ األد� ال�كيبية عىل اختالف األول :مبلغ استثمار ذلك التصور النظري ي� رؤية الواقع ب ي ي ً ف ف ت ال� قد تحوي تفاسحها ،بدءا من الصورة الجزئية الماثلة ي� الجملة النحوية ،إىل الصورة الكلية الماثلة ي� الجملة البيانية ي ً ه. داخلها من منبثقة روحية بعالئق تبطة ر والم لسانية، بأنساق تبطة ر الم النحوية الجمل من عديدا ي ف األد� عىل واآلخر :مدى المجال الذي امتدت إليه الممارسة التحليلية التذوقية ،المستثمرة التصور النظري ي� رؤية الواقع ب ي األد�. المساحة النسيجية للنص ب ي ً ً ّ ً ً وتدبرا عمليا إن عبد القاهر تجاهل االشتغال بنقد ونقض مقاالت اآلخرين ،وانرصف إىل تشييد نظريته تصويرا نظريا، ف �ق ش ي ن �ء رصفه ف ي� النقد والنقض لمقاالت المخالف� ،فإن لم يبق فإن ي� كافة مستويات النظم ،فإن ب ي من العمر والجهد ي ْ ي ن فيما ّأدى حقه الكفاية والغنية لمن كان له قلب أو أل�ق السمع وهو شهيد ،أن يبرص من خالله عوار مقاالت المخالف� 4
ن الجرجا� .دالئل االعجاز .ص93 () عبدالقاهر ي
ف ف فيعــرف لـ ٍّ ـكل مــن ذلــك موضعــه ،ويــج ي ء بــه حيــث ينبـغ ي لــه ،وينظــر ي� الحــروف الـ ت يـ� تشـ تـرك ي� معـ نـى ،ثــم ينفــرد ً ف ف ف ف ن كل واحــد منهــا بخصوصيــة ي� ذلــك المعــى ،فيضــع كال مــن ذلــك ي� خــاص معنــاه ،نحــو أن يــج ي ء ب ـ (مــا) ي� نـ ي
ْ ُ (إن) فيمــا تي�جــح بـ ي ن ـ� أن يكــون وأن ال يكــون ،وب ـ (إذا) فيمــا علــم أنــه كائــن، الحــال ،وب ـ (ال) إذا أراد نـف ي االســتقبال ،وب ـ ُ ف وينظــر ي� الجمــل الـ ت يـ� تــرد فيعــرف موضــع الفصــل مــن موضــع الوصــل ،ثــم يعــرف فيمــا حقــه الوصــل موضــع الــواو مــن موضــع الفــاء ،وموضــع الفــاء مــن موضــع (ثــم) ،وموضــع (أو) مــن موضــع (أم) ،وموضــع (لكــن) مــن موضع(بــل) ف ف ف و� الحذف والتكرار ،واإلضمار واإلظهار ،فيصيب والتنك� ،والتقديم ويترصف ي� التعريف ي ي والتأخ� ي� الكالم كله ،ي بـ ٍّ ـكل مــن ذلــك مكانــه ،ويســتعمله عــى الصحــة ،وعــى مــا ينبـغ ي لــه “( . )2لقــد أجمـ َـل الشــيخ عبــد القاهــر مباحــث النظــم ف ي� ً ً ـ� أن لـ ٍّ هــذه الفقــرة ،وبـ ّي ن ـكل مكانــا يناســبه ،واســتعماال يقتضيــه ،ومــن هنــا فــإن النظريــة الـ ت يـى احتواهــا كتــاب (الدالئــل) سـ ّـميت ُ ن ـا�. نظريــة النظــم ،وهــو مــا عــرف فيمــا بعــد بعلــم المعـ ي ف ن ت ـا� ،متناســبة الــدالالت ،عــى حســب مــا يقتضيــه العقــل ،وقيــل: و� االصطــاح :تأليــف الكلمــات والجمــل م�تبــة المعـ ي ي ً األلفــاظ المرتبــة المســوقة المعتـ بـرة داللتهــا عــى مــا يقتضيــه العقــل ،ويتبعــه معـ نـى النحــو ،حيــث نق ـرأ ف ي� علــم النحــو مثــا أن الفعــل ال بـ ّـد لــه مــن فاعــل ،وقــد نــرى الخـ بـر يتقــدم عــى المبتــدأ ،والمفعــول يتقــدم عــى الفعــل ،وحينمــا نبحــث عــن ّ رس هــذا ً ّ ّ التقديــم ،فإنــا نجــد أن األمــر ليــس جزافــا ،وال بــد مــن غــرض وســبب مــن أجلــه كان هــذا التقديــم للخـ بـر عــى مبتدئــه ،وللمفعــول ً ـأي جملــة ،ونرّكبهــا مــن كلماتهــا ،فــإن هــذا ت عــى فعلــه؛ /لذلــك يــرى عبــد القاهــر ـ ـ أننــا حينمــا ننطــق بـ ِّ ال�كيــب نـ ش ئ ـا� ـ أوال وقبــل َ كل ش�ء ـ عــن المعـ نـى الــذي ّ هيأنــاه ف ي� نفوســنا ،وأردنــا أن نعـ بّـر عنــه بهــذه األلفــاظ فليــس الم ـراد مــن النحــو ـ هنــا ـ الحركــة ي ت اإلعرابيــة الـ يـى تظهــر عــى الكلمــات بحســب موقعهــا مــن الجملــة ،وإنمــا الم ـراد معرفــة أســاليب الــكالم ووجوهــه ،ثــم اختيــار ويعط صورة مطابقة لما ف ي� النفس ،قال الشــيخ عبد القاهر “ :إن األلفاظ إذ كانت أوعية األســلوب الذي يناســب المقام، ي ً ف ف ن ن ّ ـا� ،فإنهــا ال محالــة تتبــع المعــا� � مواقعهــا ،فــإذا وجــب لمعـ ن ً ـى أن يكــون أوال ي� النفــس ،وجــب للفــظ الــدال عليــه ي ي للمعـ ي ً ف ()3 أن يكــون مثلــه أوال ي� النطــق”. المع� الذي نريد التحدث عنه ،ثم اللفظ الذي ّ ن ن فـالنظم ـ إذن ـ ال بد له من أمرين ي ن المع� ،فإذا نع� به عن هذا اثن�: ب التعب� عنه ،فال ّبد أن يختلف اللفظ ،ت ن ح� لو كانت مادته واحدة ،فهناك الصورة، المع� الذي نريد اختلف ي والمع� الذي ّ ن ن المع� تختلف الصورة ...ذلك هو النظم الذي يعنيه نع� عنه بهذه الصورة ... ،حينما يختلف ب عبد القاهر ـ رحمه هللا.
ف األد�: أهمية نظرية النظم ي� نقد النص يب ً «تأسيسا عىل الذي ض م� بيانه من مقومات بالغة الخطاب وأدبيته ،والطريق إىل تحقيق تلك المقومات 2 3
ن الجرجا� .دالئل االعجاز .ص 81-82 )) عبد القاهر ني الجرجا� .دالئل االعجاز .ص54-51-49 )( عبدالقاهر ي
وحضارية ،ملتبسة بعلوم ومعارف أصيلة تقوم عىل سند ي ن مك� من اللغة والنحو ،وأن تحديد مواصفات الكالم البليغ ً ن والمع� ،هذه يستدع العناية بقضية اللفظ يعت� آنذاك سنة جمالية وأدبية انطالقا من هذا اإلطار ،وبحسب ماكان ب ي ً أساسا ف� كل محاولة عرفها النقد العر� القديم غ ت األد� .من هنا يصبح تبت� تأسيس رأي ف ي� بنية النص ال� تمثل يب ب ي ي القضية ي ي ً والمع� للوفاء ش ن تقص رأيه ف ي� النظم. ب�وط لزاما االنطالق من فكرة عبد القاهر ف ي� اللفظ ي
ّ الدوال الخارجية مع بنية المدلوالت النفسية الداخلية ،فإن دور اللفظ وإذا كان هذا الفهم يؤول إىل �ض ورة تطابق بنية ّ ً ن ت يظل مركزا عىل ومض ال� المع� الذي يريد الشاعر اإليحاء به ب ع� نظرية النظم الجرجانية ، ،ذلك أن قاعدة التحرك ي ّ ن ت ال� ه خالصة تفاعل ي ن ب� المع� واللفظ ستضبط لعبد القاهر مساره المتقص بنية النص ،ستتحدد بمفهوم الصياغة ي ي ي ّ ً ن ال� علقت بهما طويال ،تلك ت سيمكنه من تجاوز الثنائية ت الدالل ف ي� المع� معناها وعىل للفظة، المفرد عىل تقوم مما ال� ي ي ي ت ال�كيب الجاهز.. ن جدال ينبسط ف ي� حجج متتالية ،يتعقب فيها الف� سيتأسس ف ي� بناء ي فاالنتقال من الشق اللغوي العام إىل المستوى ي ّ ن ف ي ن ي ن اللفظي� المعنوي� الذين يقدمون تول اللفظ العناية األوىل ،وكذا حجج عبد القاهر حجج ي المغال� ي� التمسك بشكلية ي ً ت ال� ال يكون ال� ي ز ن ت للمع� ك� عليها إال إقرارا بالنجاعة األخالقية القول بمعناه المرادف للفائدة المستخلصة من الخطاب ي دون تبيان فصاحته أو بيانه. ّ ن مسلمات رأيه المؤسس عىل فكرته ف� النظم القائمة عىل األساس النفس يكون الحكم عىل ت ال�تيب ي ن ب� المعا� من ي ي ي ً واأللفاظ عىل مستوى االكالم متماشيا مع فكرة سبق الكالم النفس للفظ الدال عليه «فإن االعتبار غ ينب� أن يكون ي ي ن �ض المعا� معه ال مع السامع ،وإذا نظرنا علمنا ورة بحال الواضع للكالم والمؤلف له ،والواجب أن ينظر إىل حال ي ً ت ِّ ً أنه محال أن يكون ت ض يقت� ان تكون األلفاظ سابقة ذلك ألن عنه، ومكتسبا األلفاظ ب ت ال�تيب فيها تبعا ل� ي ً ف ن ن المعا� من بعدها وتالية لها بالعكس مما يعلمه كل عاقل إذا هو لم للمعا� ،وأن تقع ي� نفس اإلنسان أوال ثم تقع ي ي ()6 يؤخذ عىل نفسه». من كل ما سبق يبدو أن النسيج اإلبداع ف� أي نص من النصوص البديعة يعتمد عىل الداللة االنسجامية ي ن ب� داللة ي ي المع� الذي يتولد منه ن ن مع� آخر وفق الصياغة اإلبداعية. اللفظ وإيحائية ً ً وهذا يؤكد نسبية الحسن الذي يمكن أن يعلق بأية لفظة «فقد اتضح إذن اتضاحا ال يدع مجاال للشك أن األلفاظ ف ه كلم مفردة ،وأن األلفاظ تثبت لها الفضيلة وخالفها ي� ه ألفاظ مجردة ،وال من حيث ي ال تتفاضل من حيث ي ن ن ت ال� تليها أو ما أشبه ذلك مما ال تعلق له برصيح اللفظ ،ومما يشهد لذلك أنك ترى مالءمة مع� اللفظة لمع� ي ف ف )7( . ... الكلمة تروقك وتؤنسك ي� موضع ،ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك ي� موضع آخر » ً ن بالمع� وكل وصف للفظ بالمزية إنما يكون تبعا لموقعه ف ي� سياق دال ،أمكن اعتبار الصورة وما دامت البالغة عالقة ً ً ً ن ن ن المعا� تكون تبعا المع� وثراءه ،ذلك أنه لوكانت المع� دليال أسلوبيا آخر يؤكد توالد تغ� اللفظية الدالة المؤدية إىل ي ي ً ّ المعا� واأللفاظ بحالها ،إن ّ لأللفاظ ف� ترتيبها ،لكان محاال أن َّ ن ن المع� وتفريعه مرتبط بقدرة الصياغة اللفظية تغ� تتغ� ي ي ي ي ف ن للمع� المكنون ي� داخل النفس اإلنسانية. 6 7
ن الجرجا� .دالئل االعجاز .تحقيق محمد عبدو ،يب�وت ،دار المعرفة ،ط ،2001 ،3ص.53 () عبد القاهر ني الجرجا� .دالئل االعجاز.ص.53 )) عبد القاهر ي
ومعاباتها. ّ ف ف ن ّ آ� كانوا أرسع إىل األخذ بالتصور النظري لدى المهم أن علماءنا ي� ي األد� ،ي� باب فقه البيان القر ي غ� باب نقد النص ب ي ّ النص ف ي� كافة مستويات النظم اإلمام عبد القاهر ،واستثماره ف ي� مجال عنايتهم ودراستهم ،فاستثمرت نظرية نظم وال�كيب ّ وال�تيب والتأليف ت ت النص ف ي� القرآن الكريم ،ولم يقترص تدبرهم وتحليلهم عىل بناء الجملة النحوية ،بل تجاوز ي ذلك َ بناء الجملة البيانية ذات الجمل النحوية العديدة ،إىل بناء المعاقد المشكل بناء النص /السورة القرآنية ،بل امتد ف ن ت ال� أعالها أحكام ليشمل بناء السياق ي البيا� للقرآن الكريم ،القائم عىل أساس اإلحكام ثم التفصيل ي� مستوياته العديدة ،ي ً ن بيان ن آ� ف ي� سورة أم الكتاب ،وتفصيله ف ي� سائر سور القرآن الكريم كله ،تفصيال تتناسل عنارصه من معا� الهدي القر ي ي رحم السورة األم. ش ً ت غ� ش كي� ،كمثل ما أنت مبرصه ف ي� المنهاج هذا عىل بناؤه عولج قد ي ب� أو يا وأنت ال تجد بيانا ب� ي التحليل وال� يب ي ف الشكل للبناء السوري وعالقات السور صنيع علماء القرآن الكريم ببيانه الحكيم ،وهم ال يعتمدون ي� ذلك عىل النظر ي ْ ف بعضها ببعض ،بل تجاوز العناية بعالئق فواتح السور بخواتم ما قبلها ،وإن كان ذلك ي� نفسه جد كريم ،وذا لطائف ن ّ الكلية ي ن إشارية ليس هنا مجال تجليتها ـ تجاوزوا ذلك إىل فقه العالئق الروحية ي ن ب� والمعا� ب� المقاصد واألغراض ي ي ن وجه�: السور ،بما يكشفون به عن ن البيا� لتلك المقاصد واألغراض المنصوب لها الكالم. األول :الترصيف ي َّ ن ّ ن والمفصل ف ي� سائر آ� المكنونة جرثومته ف ي� سورة «أم الكتاب»، اخل للمع� القر ي واآلخر :تصاعد المقاصد ،والنمو الد ي ً ً ً القرآن تفصيال تصاعديا ال تراكميا. ف ن ش آ� من علمائنا ،ال نجد له هذا االست�اف النبيل الماجد الستثمار نظرية النظم ي� فقه بالغة البيان القر ي ً ً ث ً ف ّ ي ن ون�ا ،فضال عن دراسة األد� ،شعرا عند األقدم� من علماء البالغة والنقد ما يضارع حركته وامتداده ي� دراسة النص ب ي ّ األد� كانت عىل هدي وقدر عناية ديوان شعر شاعر .ولو أن عنايتهم بما اختاروا أن يكون من أهل العلم به من اإلبداع ب ي أقرانهم من علماء بيان القرآن الكريم ـ لو أنهم فعلوا وساروا بمنهاجهم عىل هدى خطا أقرانهم من علماء القرآن الكريم، نز ه عليه اآلن .نقول هذا ألن القرآن كان أهم مفجر لدالالت لكانت ثمار النقد ب ي األد� عندنا أوفر عطاء وأسىم م�لة مما ي ن المع� القاموس للكلمة ،فلفظة األلفاظ ،وهنا تكمن أهمية التجاوز باستمرار ،لقد علمتنا المدرسة القرآنية عىل تجاوز ي الصالة ف ي� القرآن ليست نفس اللفظة ف ي� الجاهلية ،وكذلك لفظة الجهاد ،ولفظة الزكاة ،ومعظم األلفاظ القرآنية ذات ن مع� تجاوزي يخرج اللفظة من قاموسيتها ليعطيها ن ن الجرجا� إىل استنتاج نظريته مع� أبعد ،وهذا ما أرشد عبد القاهر ي الخالدة. ف ّ ف ّ النص الشعري ،عىل نحو ما نراه و� عرصنا وما قبله انطلقت «ممارسات نقدية من أصول تلك النظرية ي� قراءة ي ف ف ين�ه ف� مجلة «شعر» ،وفيما ش عند الدكتور عبده بدوي فيما كان ش ي ن محاولت� ن�ه ي� بعض كتبه ،وما نراه ي� ي غ� قليل ،وكلها زه� وقصيدة حريق «ميت غمر» لحافظ إبراهيم ،ي وغ�هم ي للدكتور عبده زايد من قراءة معلقة ي ِّ ف ن ّ الجرجا� أسسها اللغوية والداللية. األد�» )5( .الذي وضع ي ممارسات تؤكد أهمية نظرية النظم ي� نقد النص ب ي
ن ت الجرجا�: ال� عكستها نظرية النظم عند ي النتائج ي
ّ ّ ً ّ ف ّ األد� لها أساسها العقدي المتجذر ف ي� قناعات دينية يمكن أن نسلم مبدئيا بأن نظرية عبد القاهر ي� النص ب ي ن الجرجا� .دمشق ،اتحاد الكتاب العرب ،ال ط1421 ،هـ، () محمود توفيق محمد سعد .نظرية النظم وقراءة الشعر عند عبد القاهر 5 ي ص 80-77-76-75-72-70
ن الجرجا� بالبحث ف� تمهيد كتاب “ نقد ث ي ن الن�” لقدامة بن جعفر تحت حس� عبد القاهر وتناول الدكتور طه ي ي ف ن ي ن عنوان ”:البيان العر�” ،وهو يرى أنه تم عىل يده التوفيق ي ن العر� واليونا� بل أقر ي� نهاية بحثه البيان�: ب� ي بي بي ف “أن من يقرأ “دالئل اإلعجاز” ال يسعه” إال أن ت يع�ف بما أنفق عبد القاهر من جهد صادق خصب ،ي� التأليف ف ب� قواعد النحو العر� ي ن ي ن وب� آراء أرسطو العامة ي� الجملة واألسلوب والفصول ،وقد وفق عبد القاهر فيما حاول بي العر� حقا فعبد القاهر هو الذي رفع قواعده توفيقا يدعو إىل اإلعجاب .وإذا كان الجاحظ هو واضع أساس البيان بي ()10 وأحكم بناءه”. ف ن و� مؤلفه “ ي ز الم�ان الجديد” الجرجا� ونظريته ف ي� كتاب” النقد ودرس الدكتور محمد مندور ج ي ي المنه� عند العرب” ي ف ف ن و� الحق إن عبد القاهر قد اهتدى ي� العلوم وهو أول من لفت االنتباه إىل األسس اللغوية لمنهج الجرجا� قائال ”:ي ي ف النظ� ،وعىل اللغوية كلها إىل مذهب ال يمكن أن نبالغ ي� أهميته ،مذهب يشهد لصاحبه بعبقرية لغوية منقطعة ي ف ف ف و� ث الن� العر� عىل السواء”(.)11 العر� والشعر أساس هذا المذهب كون مبادئه ي� إدراك دالئل اإلعجاز ي� القرآن ،ي بي بي مذهب عبد القاهر هو أصح وأحدث ما وصل إليه علم اللغة ف ي� أوروبا أليامنا هذه ،هو مذهب العالم السويرسي ف الخط� إال طريقة استخدامه تو� سنة 1913م ،ونحن ال يهمنا اآلن من هذا المذهب الثبت فردناند دي ي ي سوس� الذي ي “فيولو�” ف ي� نقد النصوص ،لقد فطن عبد القاهر إىل أن اللغة ليست مجموعة من األلفاظ ،بل كأساس لمنهج لغوي ج ي ف مجموعة من العالقات فقال“ :إعلم أن هناك أصال أنت ترى الناس فيه ي� صورة من يعرف من جانب وينكر من ف ت ه من أوضاع اللغة ،لم توضع لترصف معانيها ي� أنفسها ولكن ألن يضم بعضها ال� ي آخر ،وهو أن األلفاظ المفردة ي ش ت ال� إىل بعض فيرصف فيما بينها فوائد ،وهذا علم �يف وأصل عظيم ،والدليل عىل ذلك أنا إن زعمنا أن األلفاظ ي ف ف ه أوضاع اللغة إنما وضعت لتعرف بها معانيها ي� أنفسها ،ألدى ذلك إىل ما ال يشك عاقل ي� استحالته ،وهو أن ي ت ت ال� وضعوها لها لتعرفها بها ،ح� كأنهم لو لم يكونوا قالوا”فعل” و”يفعل” يكونوا قد وضعوا لألجناس األسماء ي
ف الخ� ي� نفسه ومن أصله ،ولو لم يكونوا قد قالوا “افعل” لما كنا نعرف األمر من أصله وال نجده لما كنا نعرف ب ف ت وح� لو لم يكونوا قد وصفوا الحروف لكنا نجهل معانيها ،فال نعقل نفيا وال نهيا وال استفهاما و ال ي� نفوسنا، لغ� معلوم ،وألن غ� اسم ي استثناء ،كيف والمواضعة ال تكون وال تتصور إال عىل معلوم ،فمحال أن يوضع اسم أو ي ف المواضعة كاإلشارة ،فكما أنك إذا قلت خذ ذاك لم تكن هذه اإلشارة لتعرف السامع المشار إليه ي� نفسه ،ولكن ت ن ال� تراها وتبرصها ،كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له ،ومن هذا الذي ليعلم أنه المقصود من يب� سائر األشياء ي يشك أنا لم نعرف الرجل و الفرس و ال�ض ب والقتل إال من أساميها؟ لو كان ذلك مصوغا ف� العقل ،لكان غ ينب� إذا ي ي غ� أن تكون قد شاهدته أو ذكر ذلك بصفة...وإذ قد عرفت هذه قيل “زيد” أن تعرف المسىم بهذا االسم من ي ن ي ن معا� الكالم كلها معان ال تتصور إال فيما ي ن ب� الخ� وإذا أحكمت العلم الجملة فاعلم أن شيئ� ،واألصل واألول هو ب ي ف ف ف خ� ت ن مخ� به بهذا ح� يكون ب المع� فيه عرفته ي� الجميع ،ومن الثابت ي� العقول والقائم ي� النفوس أنه ال يكون ب �ض ش �ء .وكنت إذا قلت “ا ب” ومخ� عنه ،ومن ذلك امتنع أن يكون لك قصد إىل فعل من ي ب غ� أن تريد إسناده إىل ي ف ش لم تستطع أن تريد منه ن �ء مظهر أو مقدر ،وكان لفظك به إذ أنت غ� أن تريد ب مع� ي� نفسك من ي الخ� به عن ي ()12 لم ترد ذلك”
ف و� هذا النص البالغ األهمية نجد فلسفة عبد القاهر اللغوية العميقة ،وعن هذه الفلسفة صدرت كل آرائه ف ي� نقد ي النصوص وإن” منهج عبد القاهر يستند إىل نظرية ف� اللغة ،أرى فيها ويرى مع من يمعن النظر أنها ش تما� ما وصل ي ي ي 1 0 11 12
() قدامة بن جعفر .نقد ث ب�وت ،المكتبة العلمية ،ال ط ،ال ت ،ص.30 الن� .ي المنه� عند العرب ،القاهرة ،دار النهضة ،الط ،الت،ص.334-333 () محمد مندور .النقد ي ج ن () عبد القاهر الجرجا� .دالئل اإلعجاز .ص.469 ي
المع� تزيح اللفظ عن أن يكون له أهمية ث ن ن المع� وإمكانات فهمه متعددة بقدر ما تؤكد كون البالغة ف ي� ثف�اء أك� ً المع� المتعدد الصور ،ف ن ن و� المعا� عن المجردة األلفاظ من المعارضة انتقاء يؤكد نفسه السياق لهذا حامال من اعتباره ي ي ً ف ف ف ت ن ترسيخا لمنىح عبد القاهر نفسه ي� تأكيد كون البالغة وم�ادفاتها ،إنما هو ي� المع� «ألنه إذا لم يكن ي� القسمة إال ف ن المعا� واأللفاظ ،وكان ال يعقل تعارض ي� األلفاظ المجردة إال ما ذكرت لم يبق إال أن تكون المعارضة معارضة من ي ّ ن ومتخ� اللفظ حصل من ذلك أن الفصاحة والبالغة المع� ،وكان الكالم يعارض من حيث هو فصيح وبليغ جهة ي ف ن وتخ� اللفظ عبارة عن خصائص ووجوه تكون معا� الكالم عليها وعن زيادات تحدث ي� ي ي ن ()8 ه ألفاظ فيها بوجه من الوجوه». أصول ي المعا� ...وأن ال نصيب لأللفاظ من حيث ي ت ّ وي�تب عىل ما سلف أن يكون اعتبار وجوه كالجناس ّ والسجع من فصاحة اللفظ خطأ رغم ارتباطها بالمستوى ف ت الع�ة ،أن الحسن والقبح فيها ال يتعدى اللفظ والجرس ....وعىل الصو� لأللفاظ ،فقد يتوهم ي� بدء الفكرة ،وقبل إتمام ب ي ً ً ً ً ن حسنا ،ت المع� هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه. ح� يكون الجملة فإنك ال تجد تجنيسا مقبوال ،وال سجعا ثم يقصد عبد القاهر آراء ف� ت ال�اث تبدو ظاه ًرا ف� نرصة اللفظُ ، ن والمع� خاصة فيخضعها لتأويل يساير رأيه ف ي� اللفظ ي ي ً ً ف ت أن فهمها ال� ي الحر� الظاهري قد يشوش مسار نظريته ويجد فيه «اللفظيون» دعما تراثيا لمقوالتهم ،فمن الصفات ي ف تجدهم يجرونها عىل اللفظ ثم ال ت تع�ضك شبهة وال يكون منك توقف ي� أنها ليست لـه ولكن لمعناه فال يكون الكالم يستحق اسم البالغة ت ح� يسابق معناه لفظه ولفظه معناه ،وال يكون لفظه أسبق إىل سمعك من معناه إىل قلبك. ن ن المع� وأنه ال يتصور أن المع� عىل وقولهم :يدخل ف ي� األذن بال إذن ،فهذا مما ال يشك العاقل ف ي� أنه يرجع إىل داللة يراد به داللة اللفظ عىل معناه الذي وضع له ف ي� اللغة ،واألساس الذي يعتمده ف ي� التدليل عىل وجهة نظره ف ي� اعتبار ن تنب� الداللة فيه والمقصد من القول عىل ما الوضع ،أصل غ� داللة اللفظ عىل معناه المقصود من العبارة ي بي أسلو� ي ي ً ش ن ن المبا� للفظ داال للمدلول المقصود ،ويكون التسابق ي ن «مع� ب� المدلول المع�» ،إذ يستحيل المدلول أسماه األخ� ي ت ودالِّـه الذي هو مدلول أول ،ن ز الصو� كل قيمة ف ي� إحداث أثر ما ف ي� المتل�ق ي ،ومصداق ذلك رأيه وت�ع من اللفظ ف ي� مستواه ي ً ً ف ن البص� بجواهر الكالم يستحسن شعرا أو يستجيد ثن�ا ،ثم يجعل الثناء عليه من الف� إذ يقول «إذا رأيت ي ي� التذوق ي حيث اللفظ ،فيقول :حلو رشيق ،وحسن أنيق ،وعذب ،سائغ ،وخلوب رائع ،فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ف ف ترجع إىل أجراس الحروف ،وإىل ظاهر الوضع اللغوي بل أمر يقع ي� المرء ي� فؤاده ،وفضل يقتدحه العقل من ()9 زناده».
ن الجرجا�: الدراسات الحديثة ونظرية النظم عند عبد القاهر ي
ن ت الجرجا� ونظريته ف ي� النظم ،وكم حملت هذه الدراسات آراء ال� تناولت عبد القاهر ي ي كث�ة تلك الدراسات ي متباينة مرة ومتفقة مرات متعددة ،وكم تضاربت األفكار حول فكرة النظم منذ أن تنبه الشيخ محمد عبده لكل من واعت�هما أوىل بالدراسة من المتون كتاب”:دالئل اإلعجاز” و”أرسار البالغة” وأخذ منهما دروسا ف ي� رحاب جامع األزهر، ب ّ ش و�وحها وحواشيها ،لما اتسما به من دراسة عميقة للنصوص األدبية ،تقرب القارئ من تذوق البالغة بأسلوب سهل ي ن ي ن مطبوع� مصحح� إىل وبسيط و ال صلة لهما بالجدل العقيم الذي ال نتيجة له ،وكان من أثر تدريسهما أن خرجا الوجود. 8 9
ن الجرجا� .دالئل االعجاز .ص.46 (( عبد القاهر ي ف ن )( عبد القاهر الجرجا� .أرسار البالغة ي� علم البيان ،تحقيق محمد رشيد رضا ،القاهرة ،دار المطبوعات العربية ،الط ،الت ،ص.3 ي
ف تفك� سيكولو� أعم يطبع الكتاب تأث� الصورة البيانية ي� نفس متذوقها” )21(.وهو جزء من “مقياس الجودة األدبية ي ي ي ج ت ال� يسميها المحدثون “التأمل بطابعه عن طريق “ الفحص الباطن” وتأكيد الجانب النفس أي الطريقة النفسانية ي ي ن الباط�”( )22ويعقد محمد خلف هللا فصال يدرس فيه تأثر عبد القاهر ي ف � بعض ي نواح تفك�ه البال ي�غ و النقدي بالثقافة ي ي ت لك يرى إىل أي مدى اإلغريقية وال سيما بحوث أرسطو...ويوجز أهم ال� تعرض لها كتاباه ”:الشعر والخطابة” ي ي النواح ي ف ف ين� عن عبد القاهر صفة العالم غ� أن هذا ي تأثر بهما عبد القاهر ،ثم يختم بحثه قائال ”:ي التأث� ال ي ينا� األصالة ،وال ي ت ال� لم يسبقه سابق إىل عرضها ،وتحقيقها ،وإفراد موضوعها بالدرس ،كما المبتكر ،وال يقلل من أهمية نظريته ي ف يفرد العالم الحديث موضوعا معينا للبحث و التنقيب ي� رسالة خاصة ،فمنهجه وطريقة تأليفه إذن ،من أبرز ف ف المعالم ي� الدراسات العربية النقدية ،وشخصيته العلمية ي� نظريته واضحة حقا بجانب شخصية “أرسطو” وإن ف ()23 تسخ� العلم ي� كشف أرسار الذوق لدليل عىل أصالته كفيل بخلوده ”. قدرته عىل ي ن الجرجا� ف ي� ظل نظرية النظم من خالل المعط عرفة الذوق البال�غ ي لدى عبد القاهر ودرس الدكتور عبد العزيز عبد ي ي �غ ن الجرجا�” استهله بالحديث عن الذوق البال ي قبل عبد القاهر ثم انتقل مؤلفه “ تربية الذوق البال�غ ي عند عبد القاهر ي ن ف �غ الجرجا� ،ودرس النظم ووضع يده و� ذلك يقول ”:وجاء الشيخ عبد القاهر ألصالة الذوق البال ي مع عبد القاهر ي ي ن عىل موطن الفكر ف� النظم ت وال�تيب ،وكشف عن اإلثبات وصوره العجيبة ،وحدد دورا أللفاظ ،وموقف المعا� ي ي ن ف ف ن ت المعا� .وتحت ضوء نظريته ي� النظم دفع أخطاء السابق� ي� تفس� ال� بت�ز فيها تلك ي ي ي الشعرية ،ومكانة الصور ي ()24 اللفظي� ،ي ن ي ن التفس� ووحد موقف منشد النصوص”. وب� فضل المفرس عىل العر� بعامة وناقش آراء البيان ي بي ن وه تهدف إىل بيان عظمة عبد القاهر بالنسبة تناولت الدرسات الحديثة نظرية النظم عند عبد القاهر ي الجرجا� ،ي للدراسات المعارصة من خالل دراسته القيمة ت لل�اث األد� ،وتحليله ومناقشته وكيف ترصف المتكلم ،فأثبت ون�ف ّ ، وقيد بي ّ ّ ّ ّ وشبه ،نّ وفضل أداة عىل أخرى ،ولفظا عىل آخر ،واستعار ّ وأطلقّ ، وك� ّ ورصح، وعرف ونكر ،وقدم وأخر ،وفصل ووصل، ت ال� ليس لها حد ونهاية كما يقول الشيخ نفسه .وقد ربط كل هذه وذكر وأضمر ،وأوجز وأطنب ،إىل آخر تلك الترصفات ي الوجوه والفروق بغرض الشاعر ومدى التحامها به أو قربها أو بعدها منه ،كل ذلك بقريحة نفاذة ،وذوق بال�غ ي سليم، ومعرفة واسعة بكالم العرب وطرق القول عندهم
جمال الصورة االدبية ونظرية النظم: ّ ن ت ت ال� تحتلها، “ال تكتمل مزية النظم إال بحسب ال� يوضع لها الكالم .وبحسب المواقع ي ي المعا� واألغراض ي ف ف خ� تنك� لفظة ي� موقع وقد يسوؤنا ي� موقع آخر ،وإن راقنا تقديم ب واالستعمال الذي يلحقها ،إذ أنه يعجبنا ي ف ف ()25 عىل مبتدأ ي� كالم فإنه لن يروق لنا ي� كل كالم”. ن المع� .لتؤدي غاية األدب وبالتال ليس النظم ،عند عبد القاهر ،مجرد عملية تأليف بسيطة ،تجمع اللفظ إىل ي ف ن والمعا� قيمة مقصودة لذاتها ،بل أصبح الحسن والجودة عليها ي� النظم، ف ي� التواصل والتخاطب ،ولم يعد لأللفاظ ي
)) محمد خلف هللا أحمد .من الوجهة النفسية ي ف � دراسة االدب ونقده .القاهرة ،المطبعة العالمية ،ط ،1970 ،2ص.133 21 ف . . () محمد خلف هللا من الوجهة النفسية ي� دراسة االدب ونقده ص .43- 42 22 )( محمد خلف هللا .من الوجهة النفسية ي ف � دراسة االدب ونقده .ص .43 23 ت ن ش عل دهمان .الصورة البالغية عند عبد القاهر الجرجا�.دمشق ،دار طالس للدراسات وال�جمة والن� ،ط1986 ،1م، 24 () أحمد ي ي ج ،1ص 13-12 ي ن () عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .70-69 25
إليه علم اللسان الحديث”.
()13
ف ن والمع� عند عبد القاهر ويؤكد األد� الحديث «قضية اللفظ ويتناول الدكتور محمد غنيم هالل ي� كتابه « النقد ب ي ي ف ن المع� عىل اللفظ ،عىل نحو ما ش�حنا من آرائهم فيما ي� النهاية قائال »:ونعتقد أن عبد القاهر لم يقر من رجحوا سبق ،بل كان من أنصار الصياغة من حيث داللة هذه الصياغة عىل جالء الصورة األدبية» )14(.ثم يتحدث عن ف ي ن الغربي� النظم عند عبد القاهر ويرى أنه « قام ي� هذا الباب بجهد عظيم الخطر ،فهو يقصد بالنظم ما يطلق عليه علم ت ال�اكيب ،وهو عندهم أهم أجزاء النحوّ ، ويعرفه عبد القاهر بأنه :وضع «كالمك الوضع الذي يقتضيه علم ((15 النحو». الجمال وصلته بالمضمون عند عبد القاهر ويذكر نماذج ف ي� نقد بندتو كروتشيه وآرائه ويتطرق بعد ذلك إىل التقويم ي ف ي� علم الجمال ويقول “ :إنما ذكرنا من نقد بندتوكروتشيه ما يتصل اتصاال وثيقا بنقد عبد القاهر ،لنوضح فضل ف األد� إىل نتائج عالمية ذات قيمة خالدة ولها صلة بفلسفة الجمال عبقرية عربية انتهت بعمق نظرياتها ي� النقد ب ي ف ()16 ي� النقد الحديث”. ف األد� عند العرب” تحدث فيه عن االنطالق من فكرة وعقد الدكتور إحسان عباس فصال ي� كتابه “ تاريخ النقد ب ي ن والمع� تحت ضوء نظرية النظم الجرجانية، اإلعجاز إىل إقرار قواعد النقد والبالغة ،ثم بحث ف ي� قضية اللفظ وانتىه إىل أن عبد القاهر ألف كتاب” دالئل اإلعجاز “ أوال ثم بعده كتاب “ أرسار البالغة “فاسمعه يقول...”:ومن ن ن ن ن ي�ء “علم البيان “ ،ولهذا نستطيع أن نقول إن المع� يتكون “ علم مرحلة المعا� “ ومن مرحلة “ مع� المع� “ ج ي ي ن المع� ،حاول أن يخصص كتابا لدراسة عبد القاهر بعد أن انتىه من كتابه دالئل اإلعجاز الذي تحدث فيه حول ن ن ()17 مع� المع� فكان من ذلك كتابه “ أرسار البالغة “ ف األد� أصوله و مناهجه فقال ”:لقد حاول أن يضع قواعد وتحدث سيد قطب عن نظرية النظم ي� كتابه “ النقد ب ي ف ن ف الف� ي� كتابه “ دالئل اإلعجاز” كما حاول أن يضع قواعد نفسية للبالغة ي� كتابه “أرسار فنية للبالغة و الجمال ي البالغة”وقد تأثر بالفلسفة اإلغريقية وبالمنطق” )18(.بل ذهب أبعد من ذلك فأقر أن عبد القاهر “ أول من قرر ف العر� ويصح أن نسميها نظرية النظم”( )19و انتقد سيد قطب إهمال عبد القاهر لدراسة نظرية ي� تاريخ النقد بي ف ف ت كث� مما تحويه نظريته هذه بسبب الجانب و� ذلك يقول ”:ومع أننا نختلف مع عبد القاهر ي� ي ي الصو� لأللفاظ ي ق غ�ه ،وهو ما ب ّ الموسي� ،كما يغفل ع�نا عنه باإليقاع إغفاله التام لقيمة اللفظ الصوتية منفردا ومجتمعا مع ي ي ف الف� ...مع هذا فإننا نعجب باستطاعته أن ّ ك�ى ف� العمل ن يقرر كث�ة ،ولها عندنا قيمة ب الظالل الخيالية ي� أحيان ي ي ي ن ف ()20 كث� مواضيع الكتاب”. العلم – دون أن يخل بنفاذ حسه نظرية هامة كهذه – عليها الطابع الف� ي� ي ي ي ف واعت� األستاذ محمد خلف هللا ي� كتابه “ من الوجهة النفسية ف ي� دراسة األدب ونقده” كتاب “ الدالئل” بحثا ب ف ي� أسلوب تأليف الكالم ونظمه ،وترتيب معانيه ،وما يعرض لها من مظاهر معنوية ،محاوال أن ينقل االهتمام من ن ويش� إىل أن عبد القاهر متلجلج ف ي� هذه القضية ،بينما يقوم “ األرسار” عىل فكرة أن المع�، جانب اللفظ إىل جانب ي
13
المنه� عند العرب .ص.335-334 () محمد مندور .النقد ي ج
1 4 15 16 17 18 19 20
ب�وت ،دار الثقافة ودار العودة ،ال ط1973 ،م ،ص .268 () محمد ي االد� الحديث .ي غنيم هالل .النقد ي ب االد� الحديث .ص .277 () محمد ي غنيم هالل .النقد ي ب . . االد� الحديث ص .291 () محمد ي غنيم هالل النقد ي ب () أحمد أحمد بدوي .عبد القاهر سوجهوده ي ف � البالغة .القاهرة ،المؤسسة المرصية العامة ،ط ،2ال ت ،ص .101 ب�وت ،دار ش ال�وق ،ط1983 ،2م ،ص .126 االد� أصوله ومناهجه .ي () سيد قطب .النقد ي ب االد� أصوله ومناهجه .ص .127 () سيد قطب .النقد ي ب االد� .أصوله ومناهجه .ص .128 )) سيد قطب .النقد ي ب
ف ف ي ن الجرجا� مدافعا عن رأيه ي ف � أن هذه األبيات تدل ي� أنفسها بأفاعيل لها خاصة ي� العنق والرأس .)30(”...ويضيف ن المعا� وغزارتها بقوله ”:هل بقيت عليك حسنة تحيل فيها عىل لفظة من الفاظها ،ت ح� إن فضل عىل سمو ي ق ف يب� ي� تلك اللفظة ولو ذكرت عىل االنفراد ،وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفه الحسنة وترصيفه ...ليس هذا بقياس الشعر الموصوف بحسن اللفظ ،وإن كان ال يبعد أن يتخيله من ال ينعم النظر، ً ف ن المعا� الحكمية والتشبيهية أيضا ...وإن يصل التدب� ،بل حق هذا المثل أن يوضع ي� نرصة بعض وال يتم ي ي ب� متدانيات ف� والدة العقول اياها ومتجاورات ف� ن ز ()31 الذكر ي ن ت�يل اإلفهام لها”. ي ي
ن
الجرجا� الجديدة اىل البالغة: المالمح الجديدة من رؤية النظم عند عبد القاهر ي ً ن الجرجا� نظريته ف� النظم بقواعد النحو وأساليبهّ ، كث�ا لما اتفق عىل بعد أن ربط شعب أطر هذه النظرية لتشمل ي ي ي ن وتأخ� ،وفصل ووصل ،وإسناد ،وحذف وإضمار ،وايجاز وإعادة وتكرار، المعا� ،من تقديم تسميته – ف ي� أيامنا – بعلم ي ي ً ّ ت ال� نسأل عنها لدى سماعنا شعرا جميال وتعريف ي وتنك� ...وقد سىم هذه األوجه تنويعات النظم ،وعدها األسس ي ف و� ضوئها نقف عىل مبعث الجمال ورس الجمال ف ي� هذا الشعر. وإعجابنا به ،ي ف ويستعرض ما قاله العلماء ف� ن و� بيان المغزى من هذه العبارات، مع� الفصاحة والبالغة ،والبيان ب وال�اعة ي ي ف وتفس� المراد بها ،فيجد بعضها كالرمز وااليماء واإلشارة ي� الخ�ء ليطلب ...وتوضع ي ٍ خفاء ،وبعضه كالتنبيه عىل مكان ب ي ن لتب� عليها ،ويجد «المعول عىل أن ههنا نظما ً وترتيبا ً ،وتأليفا ً وتركيبا ً وصياغة ً وتصويرا ً ونسجا ً لك القاعدة ي ً ف ن ف ت ه حقيقة فيها .ويرى أن العلماء وتحب�ا ،وإن سبيل هذه ي ي ال� ي المعا� ي� الكالم الذي مجاز فيه سبيلها ي� األشياء ي يفاضلون ي ن ب� نظم ونظم وتأليف وتأليف ونسج ونسج ،وصياغة وصياغة وتتفاوت مراتب المفاضلة تفاوتا ً ً ()32 ال�ء ش ب� بعض الكالم وبعضه ،ويتقدم من ش شديدا ،وتشتد المفاضلة أيضا ً ي ن ال�ء». ي ي ن ّ الجرجا� ما قاله العلماء وما طبقوه ف ي� علوم الفصاحة والبالغة ويخلص «إىل أن كل ذلك ليس كافيا ً وال ويقوم ي المع� وإن لم يغرقوا ف� ن ز ن ال�ع يغنينا عن الحاجة إىل المدارسة والمتابعة .ألن هؤالء وان أقرصوا اللفظ فقد أطالوا ي ف فلقد أبعدوا عىل ذلك ي� المرىم .وإنهم ما زادوا عىل أن قاسوا قياسا ً فقالوا :نظم ونظم ،وترتيب وترتيب ونسج ف ف ن ونسج ،ثم خلصوا إىل أنه غ ينب� أن تظهر المزية ي� هذه المعا� ههنا حسب ظهورها هناك ،وإن يعظم األمر ي� ي ي ذلك كما عظم ّ ()33 ثم». ث األك� أهمية الذي يراه متمثال بتحديد ويقر بصحة ما أداه العلماء ،لكنه ليس كافيا ف ي� رأيه ،إذ قاموا بالمهم وتركوا ف ش ويع� .ويكشف عن وجهه ي ن ال�ء ي ن ويب� ،ويطلب إليهم مكان المزية ي� الكالم ووصفها وذكرها بطريقة بينة كما ينص ي ن مع� الخصوصية ف ي� طريقة النظم ،والطريقة المخصوصة ف ي� نسق الكالم بعضها عىل بعض ،وذلك ف ي� وصف هذه ن الجرجا� «ما يقوله الخصوصية وتبينها ،وذكر األمثلة لها .وإليضاح ما هو مطلوب إىل هؤالء العلماء ف ي� عملهم ،ويذكر ي
الخب� بعمل الديباج المنقش من وصف لهذا العمل يتناول دقة الصفة أو أن نشهده يمارس مهنته معاينة ت ح� لنا ي ن يث� وبم نرى كيف تذهب تلك الخيوط ج ي وت�ء وماذا يذهب منها طوال وماذا يذهب منها عرضا ،وبم يبدأ وبم ي ()34 يثلث ،وتبرص من الحساب الدقيق .ومن عجيب ترصف اليد ما تعلم منه مكان الحذق وموضع اإلستاذية»... 3 0 31 32 33 34
ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة ،ص .18-17 ي ن الجرجا� .ارسار البالغة .ص .17-18 )) عبد القاهر ن )) عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .29-28 ي ي ن الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .29 )) عبد القاهر ي ن () عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .30
ن ت الجرجا� ،تآزر الجمل المتآلفة عىل ن مع� ليتحقق للصورة األدبية جمالها ويتم الحسن للنظم. ويش�ط عبد القاهر ي للداللة عىل ذلك يورد هذا الناقد ثالث أبيات ث ك� ثناء النقاد عليها ،الن الفاظها ه ”:أحسن ش ئ � مطالع ومخارج ي مع� كب� ن ومقاطع” وإن كان ليس وراءها ي ولما قضينا من منــى كـ ــل حاج ـ ــة
ومس ـ ـ ـ ـّــح باالركان من هو ماسح
وشدت عىل حدب المطايا رحالنا أخذنا بأطراف االح ــاديث بينن ـ ـ ـ ــا
ولم يبرصالغادي ال ــذي هو رائ ـ ــح
وسالت بأعناق المط ـ ـ ـ ـ ـ ّـي األباطــح
()26
ف غ� أن هذه الطالوة عائدة لحسن النظم الكث� ،ي ال شك ي� أن هذه األبيات تظهر من طالوة اللفظ ورونقه ي ن ن الجرجا� ممن ال يكون استحسانهم وحمدهم المع� ويؤدي إىل تأليف الصورة المنشودة .ويعجب الذي يفيد ي ّ وثناؤهم “ومدحهم متعرفا إال إىل استعارة وقعت موقعها .وأصابت غرضها ،أو حسن ترتيب تكامل معه البيان، ف ف ن ت ()27 المع� إىل القلب ،مع وصول اللفظ إىل السمع ،واستقر ي� الفهم مع وقوع العبارة ي� األذن ”... ح� وصل ّ ّ ن الجرجا� يتجه بالدرجة األوىل إىل ابن قتيبة الذي صنف هذه األبيات ف ي� نوع الشعر الذي حسن لفظه إن عجب ي وحال ،بينما إذا فتشنا عن فائدة ف ي� معناه لم نجد ضالتنا ،ووصف ألفاظه بحسن المخارج والمطالع والمقاطع، المع� وجدته :ولما قطعنا أيام ن ف ن م�، و� اإلشارة إىل ضآلة معناها قال ابن قتيبة ”:وإن نظرت إىل ماتحتها من ي ف واستلمنا األركان ،وعالينا إبلنا األنضاء (الضعاف) ،ض وم� الناس الينظر الغادي الرائح ،ابتدأنا ي� الحديث، ف ()28 المط ي� األبطح”. وسارت ي ف ن ن المعا� ف ي� تلك األبيات ،حيث الجرجا� موقفا معاكسا ،البن قتيبة ،ف ي� النظر إىل قيمة و� المقابل يقف ي ي ي ن المعا� واألغراض ي ن ح� يقول ”:وذلك أول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال يوردها للداللة عىل سمو ي ّ ّ (:ولما قضينا من ن فع� عن قضاء الناس ،والخروج من فروضها وسننها ،من طريق أمكنه أن م� كل حاجة) .ب يقرص معه اللفظ ،وهو طريقة العموم ،ثم ّنبه بقوله( :ومسح باألركان من هو ماسح) عىل طواف الوداع المس� الذي هو مقصوده من الشعر ،ثم قال( :أخذنا باطراف األحاديث بيننا). الذي هو آخر األمر ،ودليل ي ّ فوصل بذكر مسح األركان ،ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان ،ثم دل بلفظه “ األطراف “ عىل الصفة ف ف ت ي ن المتطرف� من ال� يختص بها الرفاق ي� السفر ،من الترصف ي� فنون القول وشجون الحديث ،أو ما هو عادة ي
اإلشارة والتلويح والرمز وااليحاء ،وأنبأ بذلك عن طيب النفوس وقوة النشاط ،وفضل اإلغتباط ،كما توجبه إلفة األصحاب ،وأنسة األحباب وكما يليق بحال من وفق لقضاء العبادة ش ال�يفة ورجا حسن االياب وتنسم ن التها� والتحايا من الخالن واالخوان” )29(.ن المط وح� قال( :وسالت بأعناق ي روائح األحبة واألوطان واستماع ي ي ف المط بهم كالماء تسيل به األباطح وكان ي� ذلك ما يؤكد س� األباطح)،أطلق استعارة لطيفة،إذ جعل سالسة ي ي ف س�ها السهل الرسيع ،زاد ذلك ي� نشاط الركبان ،ومع ازدياد النشاط قبله ،ألن الظهور إذ كانت وطيئة وكان ي يزداد الحديث طيبا .ثم قال:
2 6 27 28 29
ف “بأعناق المط ولم يقل بالمط ،ألن الرسعة والبطء يظهران غالبا ف� أعناقها ،ي ن ويب� أمرهما ي� هواديها ي ي ي ّ ف ف ويع� عن المرح والنشاط إذا كانا وصدورها ،وسائر أجزائها تستند اليها ي� الحركة ،وتتبعها ي� الثقل والخفة. ب ي ن ب�وت دار المعرفة ،ال ط1398 ،هـ 1978 /م. () عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة .ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة ،ص .16 ي )( ابن قتيبة .الشعر والشعراء .مرص ،دار المعارف ،ال ط 1966 ،م ،ج ،1ص 67-66 ي ن الجرجا� .ارسار البالغة ،ص .16-17 )( عبد القاهر
ّ ف ف ش �ء من إال إذا حرص ي� موضع له جوانب تدفع عن االنصباب ،وتمنعه عن االنسياب ،وليس ي� الكريم والمال ي ()40 هذه الخالل». ومثال آخر أقوى من أن يظن حقا ً وصدقا ،وهو عىل التخيل قول أ� ّ تمام: بي ق ن «وتكلم عىل عالقة التخييل بالمعقول ،بالكذب والصدق وفصل ي ن المع� ب� الحقي� والتخييل ،وأشار إىل ي ف التخييل الشبيه بالحقيقة بما أصله تشبيه وإىل أن األخذ والرسقة يكوننا ي� التخييل ال المعقول ،وذلك مع حسن ()41 بغ� تعليل ،وتحدث عن العالقة ي ن ب� االستعارة والتخييل» ... التعليل أو ي ّ ف النقاد العرب القداىم لم يربطوا ي ن ب� الصورة والخيال ،الستقالل «ونش� ي� نهاية الكالم عىل التخييل ،إىل أن ي ت االد� الحديث لم يربط بينهما إال منذ عهد قديم .وقد تأثر هؤالء النقاد ي مفهوم هذين العنرصين ،ح� إن النقد ب ي ()42 وغ�هما». بنظرية المحاكاة األرسطوية وعدوها مرادفة للمجاز من استعارة وكناية ي ن الجرجا� ف� نظرية البالغة ،ال تنفصل عنها ،وال تخرج عن ي ز ح�ها .وال تنحرص بالنتيجة أما الفصاحة عند عبد القاهر ي ي ح� يعلق بعضها ببعض ،ن ف� الكلمة المفردة أو حروفها ،وأصواتها إذ «ال نظم ف� الكلم ،وال ترتيب ت ويب� بعضها عىل بعض ي ي ()43 وتجعل هذه بسبب من تلك». ف ن و� الرد من يستغرب قوله هذا ،يرى أن الفصاحة ف ي� المع� دون اللفظ ،ويخطئهم ف ي� قولهم :هذا لفظ فصيح وهذه ي ف غ ن ن ينب� أن الفاظ فصيحة .وال نرى عاقال يقول هذا مع� فصيح ،هذه معان فصاح :ولو كانت الفصاحة ي� المع� لكان ي ش ن �ء يأخذ من الغر مأخذا. يقال ذاك ،كما أنه لما كان الحسن يكون فيه قيل .هذا مع� حسن وهذه معان حسنة .وهذا ي ف ف ن ت ال� من أجلها استحق اللفظ الوصف بأنه فصيح عائدة ي� ويوضح «إن الفصاحة تكون ي� المع� والمزية ي ف ف الحقيقة اىل معناه .واللفظة تكون ي� غاية الفصاحة ي� موضع ونراها بعينها فيما ال يحىص من المواضع ،وليس ف ت ال� من أجلها نصف اللفظ بأنه فصيح ،مزية تظهر ي� الكلم من بعد فيها من الفصاحة قليل وال ي كث� ،ألن المزية ي ()44 أن يدخلها النظم». التعب� ،وقد يسامح عبد القاهر من يتوهم أن للفظة ف ي� االستعارة إذن ،اللفظة ال تلحقها الفصاحة إذا رفعت من سياق ي ف يز غ� االستعارة ال يسامح ،وال يصح – ف ي� رأيه – أن يتوهم ذلك إنسان عاقل. فصاحتها المم�ة ،لكن ي� ي وللداللة عىل صحة آراء هذا الناقد ف ي� فصاحة هذه المفردة ف ي� ابلع ي التعب� نسوق تحليله لآلية القرآنية ( وقيل يا أرض ي ن ()45 ماءك ويا سماء اقلع ،وغيض الماء ،ض الظالم�). وق� األمر واستوت عىل الجودي وقيل بعدا للقوم ي ي ي ف ت ال� تبهرنا بأرسارها ي ن ح� نسمعها ،وللرد عىل من يشك بأن هذه المظاهر ترجع ي� هذه اآلية ي كث� من مظاهر اإلعجاز ي إىل ارتباط كلمات هذه اآلية بعضها ببعض يقول: «إن شككت فتأمل هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من ي ن ب� أخواتها وأفردت ألدت من الفصاحة ما تؤديه ف ابلع» اعت� ب غ� أن تنظر إىل ما قبلها وإىل ما بعدها ،وكذلك ب واعت�ها وحدها من ي وه ي� مكانها من اآلية؟ قال « ي ي سائر ما يليها. 4 0 41 42 43 44 45
ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة .ص .231 ن . . () عبد القاهر الجرجا� ارسار البالغة ص .238 ي . االد� الحديث .ص .162 النقد هالل غنيم () محمد ي يب ن () عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .47-44 ي ي ن () عبد القاهر الجرجا� دالئل االعجاز .ص .339 -309 -307 )) القرآن الكريم.سورة هود .اآلية ،44ص226
ف �ف ف الكث� التصاوير إذا ال يك ي ي� معرفة الصناعات الوقوف عند حدود المعرفة العامة كأن نقول ي� معرفة الديباج ي إنه ترتيب للغزل عىل وجه مخصوص ،وضم لطاقات االبريسيم بعضها إىل بعض عىل طرق ت ش� « ...وإنما الواجب ب� جودة ومثيلتها وأن ّ أن نعرف الخطأ فيها من الصواب ،وأن ّ ب� اإلساءة والجودة ،وأن نفاضل ي ن نفرق ي ن نتعرف ()35 بطبقات هذه الجودة». ف يك� أن ننصب لها قياسا ما وأن نصفها وصفا مجمال ،وإنما «واألمر نفسه ينطبق عىل علم الفصاحة ،إذ ال ي ف يجب أن نعرف كيف ّ ت ال� تعرض ي� نظم الكالم ،وإن نعدها نفصل القول فيما نقول ،وأن نضع اليد عىل الخصائص ي ً ً ي ن البالغي� ليست بسهلة وإنما تتطلب واحدة واحدة ونسميها شيئا شيئا .إن هذه المهمة الملقاة عىل عواتق الص� ب ّ ()36 ت ال� ال تقنع إال بالتمام وبلوغ الغاية مهما جشمها ذلك». عىل التأمل ،والمواظبة عىل ي التدب� ،والمهة ي ً ف ن ف المع� ،ي� أوضح صورة وأجالها .وذلك ي� األلفاظ ه وسيلة لتأدية بل لذاتها، غاية ليست البالغة «إذا ي ت ن ()37 المع� طوعا دون إكراه أو تعمل ح� لو خال منها النظم لفسد واختل بيانه» . مختارة .وهذه البالغة يتطلبها ف �ض ن الف� ،والبالغة ما أتت عفو الخاطر بعيدة عن التكلف والتصنع. وكأنه ورة الزمة ي� الكالم ي
ن ي ن عقل ،وسبيلها كالم الجرجا� أجزاء البالغة بالبحث والتفصيل ،ورأى أن «االستعارة» ،ذات أساس وح� تناول ي ي الن� (ص) :المؤمن مرآة المؤمن .ف ي� هذا القول عقل صحيح .وإلثبات هذا األمر يورد قول ب ي محذوف ،يلوح منه أمر ي وه كونها سببا للعلم بما استعارة وغايتها ليس إثبات المرآة من حيث الجسم الصقيل لكن من حيث الشبه المعقول ي لوالها لم يعلم ،ألن ذلك العلم طريقة الرؤية ،وال سبيل إىل أن يرى اإلنسان وجهه إال بالمرآة .وما جرى مجراها من ف ن وه أن المؤمن ينصح أخاه ويريه الحسن من القبيح األجسام الصقيلة ،فقد جمع يب� المؤمن والمرآة ي� صفة معقولة ،ي كما ترى المرآة الناظر فيها ما يكون بوجهه من الحسن وخالفه .وكذلك قوله (ص) (:اياكم وخ�ض اء الدمن)« .معلوم أن ليس المقصود إثبات ن ي ن اللفظت� ،ولكن الشبه الحاصل من مجموعهما وذلك حسن الظاهر مع خبث مع� ظاهر ّ غ� ثابت أصال. ويدع دعوة صعبة التحقيق ،ويصدر قوال األصل» .أما التخيل « فهو ما يثبت فيه الشاعر أمرا هو ي ي ()38 يخدع فيه ت ش ب�ء». ح� نفسه. ي وبالتال ليست االستعارة من التخيل ي إن هذا التحديد متأثر بما جاء عند الفالسفة اليونان والعرب ،فابن سينا يرى أن الكالم المخيل هو» الذي ينفعل به ()39 غ� فكري ،وان كان متيقن الكذب». المرء انفعاال نفسانيا ي ن التخييل ف ي� البالغة هو الذي ال يمكن أن يقال :إنه صدق ،وإنما أثبته ثابت وما نفاه من�ف ي ...ال الجرجا� أن القسم ويؤكد ي ي يكاد يحرص إال تقريبا ،وال يحاط به تقسيما وتبويبا.... ومثاله قول أ� ّ تمام: بي
« ال تنكري عطل الكريم من ن الغ� فالسيل حرب للمكـ ـ ــان العال ي ف فهذا قد خيل إىل السامع ،أن الكريم إذا كان موصوفا بالعلو والرفعة ف� قدره ،وكان ن الغ� كالغيث ي� حاجة ي الخلق إليه وعظم نفعه ،وجب بالقياس أن ن ز ي�ل عن الكريم ،نزول ذلك السيل عن الطود العظيم ،ومعلوم أنه قياس تخييل وايهام ال تحصيل وال إحكام ،فالعلة أن السيل ال يستقر عىل األمكنة العالية ،إن الماء سيال ال يثبت
3 5 36 37 38 39
ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .30 ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .31 ن )) عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة .ص .10 ي ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .ارسار البالغة .ص .238 ي ن الجرجا� .ارسار البالغة .ص .238 )) عبد القاهر
ف� هذه األوجه بذاتها بل ه عائدة اليها بفعل ت ز األد� ،وانصهارها به”. بغ�ها من عنارص ام�اجها ي ي ي التعب� ب ي ي
()48
الخاتمة: ً امتازت البالغة العربية بعدد من األساليب ،فاختلفت بنيتها أو صياغتها تبعا للوظيفة والهدف .ولما أكدت هذه ن األساليب اتصال البنية بالمع� )الوظيفة والهدف) كانت تنصهر بالوجدان وعواطف المتكلم والمخاطب عىل السواء �غ ن الف� والفكري. النتظام صالح النسق البال ي ،وثراء فضائه ي ّ ي ن البالغي� العرب القداىم مشدودة إىل الوظيفة البالغية وفق الرؤية الجزئية– إذا استثنينا القليل منهم؛ ولما ظلت رؤية ً ً ن ش الخ� واإلنشاء ليغدو أسلوبا نقديا يزود الجرجا� كعبد القاهر والزمخ�ي –خرجنا إىل مفهوم الشمول بدراسة أسلوب ب ي ً ً �غ �غ وه أدوات تشكيل نقدية .ومن ثم صار األسلوب البال ي قراءة جمالية النقاد قديما وحديثا بأدوات التشكيل البال ي ي مرتبطة بالبنية وسياقها ووظيفتها وهدفها ف ي� اتفاقها مع روح اللغة وطبيعتها مفيدين من الدراسات اإلعجازية من جهة ومن الدراسات الحديثة بكل أصنافها بالغية ولسانية ،أسلوبية ولغوية؛ أدبية وفنية ونقدية من جهة أخرى .ولعل ذلك كله قد َّ كون مالمح رؤية نقدية متقاربة للقدماء ف ي� الظاهرة البالغية وإن لم تكن موحدة .وعىل الرغم من ذلك لم تأخذنا ّ ً ً ً ً َ ن والف� بما قاموا به جميعا فكنا نحلل األسلوب الحقي�ق ي والمجازي ،ونجري عليه ف ْحصا فنيا ونقديا دهشة التطور الفكري ي ً ً ً ف ف و� إطار الموازنة وبالغيا ولغويا لنكشف عن عنارص الجمال فيه .فناقشنا ي كث�ا من النظريات واآلراء ي� إطار تاريخيتها ،ي َّ ّ والتحس ،والفخر مع العديد من التصورات النفسية واالجتماعية كما هو ف ي� عدد من المواضع كالوعد والوعيد والض ْعف ن والتم� والنداء من أغراض اإلنشاء. للخ�؛ وكذلك فعلنا ف ي� أسلوب األمر والتفاخر من األغراض المجازية ب ي ً ت ال� طرحتها المدارس الحديثة ليست إال رؤى متطورة ألساليب البالغة العربية كما واتضح لدينا أن ي كث�ا من اآلراء ي ً جاء لدى (روالن بارت) و(رومان جاكبسون) مثال. ً المتناه، غ� محايدة؛ علما أنها منفتحة عىل عالم الخ� واإلنشاء؛ باعتباره بنية ي فقد كشفنا عن بنية جمالية ألسلوب ب ٍ ألنها لم تكن إشارات لغوية اعتباطية .لهذا كله أكدت أنها بنية جمالية فنية تحمل رسائل إيحائية عديدة .فما جاء به ً ن ش وغ�هما سبقوا به نقاد الغرب ،وإن ذهب به هؤالء بعيدا بما يوافق أدبهم وفلسفتهم .وكذلك الجرجا� والزمخ�ي ي ي ّ الخ� واإلنشاء وأغراضهما أن أساليبهما كلها كانت ممارسة نقدية ُحرة مرتبطة بوظائف نفسية أثبتت دراسة جمالية ب وموضوعية وفنية عالية. ف ف ف ت و� مفهوم االنزياح عن معيار النحو كان فكل أسلوب ي� بنيته من اللفظ إىل ال�كيب ي و� عملية االستبدال والتوزيع؛ ي ف ن ف ت يتهيأ لجمالية خاصة وفريدة عند كي�. ي الجرجا� ي� مفهوم الجوار واالختيار ي� النسق ال� ب ي َ ت ال� استندت إىل التحليل والف ْحص الدقيق لكل أسلوب هيأت لنا إضافة العديد من األساليب إن دراستنا الجمالية ي ف للخ� كالوعد والوعيد والتبكيت والتوبيخ والنظرات لم يعرفها القدماء كما وقع لدينا خاصة ي� األساليب المجازية ب َّ ن والتم� واالستفهام. والنه السع والجد ،وعدد من أساليب األمر والنداء والضعف والعجز والحث عىل ي ي ي ً ً ف الخ� ليس بال�ضَّ ورة أن يحتمل الصدق أو الكذب بشكل دائم ولكنه قد يصبح نمطا فنيا يحتمل وتبينا ي� الوقت نفسه أن ب �ق ن الجمال الف� وبهذا ارتبط المفهوم ي الصدق وحده باعتبار قائله أو باعتبار مقام المخاطب والحال والواقع الحقي ي أو ي ت ال� يستند إليها كل منهما. البال�غ ي بالمفهوم ي الجمال النقدي ،ثم بالوظيفة ي َّ وإذا كان الخطاب اإلله قد ي ز الكث� من األساليب تم� بإعجازه الفريد البديع فإن الدراسات اإلعجازية قدمت ي ي َّ كث�ة واألفكار إىل اللغة .ومن ثم عززت البالغة األدبية ،وطورت وجهتها الوظيفية؛ وطبيعتها الفنية ،وأغنتها بمفاهيم ي ن والزمخ�ي فردين ي ز ش الجرجا� وال سيما ما يتعلق بالمصطلحات .وكان عبد القاهر متم�ين ف ي� هذا المجال ..وبذلك كله ي صارت البالغة العربية ممثلة لروح اللغة العربية؛ وأداة نقدية ّ فعالة ف ي� استنباطنا لمفاهيم بالغية جديدة ومن ثم تعزيز 48
ن اللبناني� ،الط ،الت ،ص .60 ب�وت ،اتحاد الكتاب )) خليل أبو جهجه .رؤى نقدية .ي ي
-نوديت األرض ثم أمرت. -النداء « يا « دون «أي» نحو يا أيتها األرض. ابلع الماء”. -إضافة الماء إىل “الكاف” دون أن يقول “ ي -اتبع نداء األرض ،وأمرها بما هو شأنها ،نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصه. ُ ّ -قيل وغيض الماء “فجاء الفعل عىل صيغة “ ف ِعل ،الدالة عىل أنه لم يغض إال بأمر آخر ،وقدرة قادر. -تأكيد ذلك وتقريره ،بقوله تعاىل ض ق� األمر. ي -ثم ذكر ما هو فائدة هذه األمور وهو استوت عىل الجودي. -إضمار السفينة قبل الذكر ،كما هو ش�ط الفصاحة والداللة عىل عظمة الشأن.
ف ف ش ل�ء من هذه الخصائص تملؤك ،باإلعجاز روعة، - مقابلة قيل ي� الخاتمة مع ما قيل ي� الفاتحة .أترى ي �ض وتح ك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ ،من حيث هو صوت مسموع. ن ()46 وحروف تتواىل ف� النطق؟ أم كل ذلك لما ي ن ب� معا� االلفاظ من االتساق العجيب؟”. ي ي تساؤالت جرجانية تضع السامع ف ي� واجهة أحاسيسه النفسية ،والفنية ،ليستفتيها من أين تنبع؟ ومن أين تتأجج تلك ت ال� تغمره لدى سماع تلك اآلية أو قراءتها. الهزة الروحية؟ وتلك الرعشة الداخلية المريحة ي وقد حظيت االستعارة بلفظة إبداعية من عبد القاهر أثناء بحثه لعالقة اللفظ والنظم ،ما يتصل بهذه االستعارة يشمل مختلف أنواع البالغة من تشبيه ،وتخييل وكناية ومجاز.... ف و� اإلجابة عن سؤال :أين تكمن المزية ف ي� اللفظ أم ف ي� النظم؟ يقول ”:إن الكالم أنواع ثالثة واحد ما يرجع حسنه ي ف ن ي ن و� هذا النوع للثا� دون األول ،وثالث يعود الحسن فيه للفظ دون النظم ،وأخر يرجع حسنه األخ� ي لإلثن� معا ،ي ي ّ ف ث ويتح� المرء ي ن ب� اللفظ والنظم ،ويرجح القول إن ي� االستعارة ما ال يمكن بيانه إال من ويك� اإلشكال، يقع الغلط، ي العلم بالنظم والوقوف عىل حقيقته ومن خالل تحليله لالستعارة الواردة ف ي� قوله تعاىل :واشتعل الرأس شيبا. ف ي ن المتمثل� يرى أن أهمية االستعارة وقيمتها ،ال تعودان لمجرد االستعارة ،بل تكمنان ي� نسق ألفاظها ونظم كلمها يل: بما ي - - -
ق الحقي� ،إذ االشتعال للشيب لكنه أسند للرأس. غ� فاعله أاسناد الفعل اىل ي ي
ف ن معا� الشيب وتوهجه ،وإفادة ن بنتج عن هذا اإلسناد زيادة تأكيد مع� الشمول النتشار مظهر الشيب ي� ي ش �ء. الرأس ،وأخذه من جميع نواحيه قد استعر به وعم جملته ،ولم يبق منه أي ي تهذه االوصاف والمالمح ال تتوفر لو ي ّ غ�نا نسق الكلمات كأن نقول :واشتعل شيب الرأس ،أو اشتعل الشيب ف� الرأس أو ال ف يخ� عىل أحد ما تفقد هذه االستعارة من حسن وفخامة وروعة إذ ي ّ غ�نا نسق ي ()47 مفرداتها”.
ن التعب� المزخرف الجرجا� إىل “إبطال ثنائية وبنتيجة عرض مجموع هذه االستعارات وتحليلها يصل عبد القاهر ي ي وغ�ها من االوجه البالغية ليست كامنة والتعب� العاري ،ويظهر أن قيمة التشبيه واالستعارة والمجاز والكناية ،ي ي 4 6 47
ي ن )) عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص .37-36 ن )) عبد القاهر الجرجا� .دالئل االعجاز .ص.80-78 ي
قدرة النقد عىل التحليل. ال� دفعتنا إىل استكناه مفهوم (استعمال لفظ مكان لفظ)؛ ثم ّ ت وجهنا ه ي فلم تعد مجرد وسيلة لتشخيصهما؛ ألنها ي ً ً مقت� الظاهر وفق ّ ض ي ن المحدث�، تصور المتكلم توجيها جديدا مفيدين ف ي� ذلك من بعض النقاد خروج أسلوب الكالم عىل ً ْ فضال عما ُسقناه قبل قليل من قضايا جديدة. ّ ن آ� ،والحديث ش ال�يف، ولعل المرء ال يغفل ما انتهت إليه جمالية ب الخ� واإلنشاء من االعتماد عىل النص القر ي غ� قليل منها ،مع التمثيل لها بكالم ثن�ي من عندنا دد ي والشواهد الشعرية القديمة والحديثة فكنا نشفع كل أسلوب َبع ٍ ً ّ إمعانا منا ف ي� إيضاح األسلوب وإبراز طبيعته ووظيفته وجماليته. يع� ذلك أننا لم نوثقها ،ولم نضبط ث ث ن أك�ها ،وال وإذا كنا عمدنا إىل عدم تخريجها من دواوين أصحابها –لك�تها –فال ي ً ُ شكل منها؛ فضال عن أنها مستقاة جميعها من مصادر البالغة ومراجعها من الدواوين والمجموعات الشعرية. سيما الم ِ نش� ف ي� مواضع عدة إىل طبيعة األسلوب إن قراءتنا الجمالية انطلقت من بنية اللغة ذاتها؛ وهذا فرض علينا أن ي اللغوي لنتوصل منه إىل إدراك جماليته البالغية والفنية .أي كنا ننتقل من طبيعة اللغة وفضاءاتها إىل فضاءات األساليب ّ ً ح� قرص القدماء عنايتهم ّإما عىل اللغة ّ ردا؛ عىل ي ن وإما عىل البالغة .فأهل اللغة كانوا ووظائفها وبمنهج يكاد يكون مط ً ً ً ف �غ يقفون عند اللغة لفظا وتركيبا وأحواال من جهة اإلعراب والبناء .وأهل البالغة كانوا يعمدون إىل االتجاه البال ي ي� البنية غ� .ولما جمعنا ي ن ب� هذا وذاك لم نتغافل عن البالغة القرآنية ،وعن الدراسات األسلوبية والنقدية الحديثة. اللغوية ليس ي
واقدساه !
رئيس التحرير د .حسن فرحات// َ َ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ َ حدنا هدنا ول ِ الصنا وم ِ القدس بوصلة خ ِ ٌ ٌ َّ َ ُ ُ ُ الشعب العر�ِّ بنبض ينبض القلب ال ز ما ، أبية عربية القدس بي ِ ِ األصيل . ِ ُّ َ ُُ َ َّ ً ف َ َ عقول اب والكهول ِة الطفولة والشب كل َ ِحكاي ِ ات ً ِ محفوظة ي ف� َ ِ ِ َّ شُ ف ُ ْ تسيل َم َع الدم ْ ْ �اي ي�ن � ش َ َ قلوب ِهم ، ال�ف ِاء ،منقوشة ِ ي� داخل َ ِ ِ ِ ِ ِي َِ ُ َ نَ َ ْ َ َ ات. الحكاي ِ اصم ِة ِ المد ِاف ِع ي� عن ع ِ ُ ُ َ ُ َ ْ ُ والنفاق الدجل سالم عاة يتون ال ينفع مع د ِ غصن ز ٍ ِ ِ ِ َ َ ُ َ َّ ُ َّ الم غصن زيتون سلب ِمنا ِ ٍ عاصمة الس ِ ُ ُ ُ َ َْ َ َ َْ َ َ ََ َ ْ س الك لتأهيل اآلن د ع ب اع د ل ف ، س ك ن ا يتون ز غصن ٍ ِ ِ ِ ِ ي َ ْ َ السالم َو َن ُ حن م ْن ُد َعاته َ ،فب َم َاذا ُنجيبُ ُ يحمل ل َو َاء َّ من كان ِ َ ِ َ ِ ِ ِ ُ َ ْ ُ َ س خارج ُ الش ُع َ وب َب ْعد اآلن؟ ،والقد ُ الح ْس َب ِان ؟ ِ ُُ ٌ َ ْ ْ ُ َْ ٌ َ ٌ َ ْ َ َ َ َ وذاتنا ويتنا ِ خذلن ِلألقص وهروب ِمن الو ِاق ِع ،وابتعاد عن ه ِ
َ ْ َ َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ٌ َ َ اه ُدوا َربَّ س ِرجال ع ِل َلكعب ِة رب يح ِم يها ِمن ِّأفيال َ أبره َة ،و ِللقد ِ َ صت َها َون ْ َ الك ْع َب ِة ِل َن ْ َ صة الد ِي ِن واإلنس ِان ِ ِ
َ َ َ و ِقبل ِتنا َْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ ِّ ُ َ ن ات � السب ِ حان م ِ وعد وقفة الض ِم ي ِ� بعد كل ِس ِن ي ِ ُ َ َُ َ َُ َ َ ً أح َداث ٌم ْظل َمة َت ُلوحُ كل َ دا ب َم ْن ً أى َع ْن ْ ُّ عي ب ون ك ي ك ل ه ات ذ يدعو احد و ٍ ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ ي َ ف ِ ي� اآلفا ِق ُ َ َ َّ ُ َْ ْ كل َم َ َ ُّ َ ات ر ذ ق ل تتسع ال خ اري الت ل اب ز مة الع ِار ع بأط ئة ل ت م الم هم ُوش ر ك ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ َ َ ِ ِ ُّ ُ ِ ِ وط والنذال ِة والسق ِ َ �ض ُّ َ ْ َ ً َ َ ً ُ ً ْ َ ْ َ ُ ُ َ نَ َ َ ْ َ َ اذل� عىل ل ي ن ُصا ق ِادما مؤزرا من الرحمن وإن طالِ ،عواء المتخ ِي َ ْ دس ضي ِاع الق ِ ُ َ َ َ نَ َ َ َ َ ْ ُ ش ْ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ عماء المتخ ِاذ ِل ي� ،فيا لها ِمن بـ�ى سارِة ز ْف َوفاة الز ِ إلينا خ ب� ْ ِ ُ ُ ُ ُتذلج قل َ وب المقد نَ سي� ِ ي ِ
ُ ُ ُ َ ُ ُ َّ َ ُ ُ ْ َ َ َ َّ هر ,وإن أثخنت أنشودة وأ ِ غنية الس َل ِم ت َر ِافق َالقدس أبد َ الد ن ِ َ َ ِّ كو� وجود وال انتماء وال هوية ال ف ، اح بالجر ي ِ ِّ َ َ َُْ َ َ ْ َ َّ ُ ْ ة ث ع ب ن الم ة المقدسي وح الر دون كائن ذ ن م ات ان ي الد د ه م ِ ِ ِ ُ ِ ِ ألي ٍ ِ ُ َّ ُ ً ً ٌ ْ َ َّ َ َ َ ُ وفية ,فال قوة طالبا الحق ِم َخواف وإن كان سالحه الحجر والك ِ ال َّ ً ُ وبأرضه بربه ِ كونية تفوق إيمانه ِ ِ
ترنيمة حياة أو كلمة في ديوان د.جمال حسين زعيتر «آذان الح ـكّام لهــا حيطــان» ،عنــوان ديــوان الشّ ــاعر عمــر شــبيل األخــر ...وهو عنــوان يتق ـ ّدم نــص الديوان املؤلّــف مــن ثــاث مطــوالت شــعريّة ليفتتح مســرة من ـ ّوه ،ويح ـ ّدد هويَّتــه ،ويك ـ ّر ُس انتــا َءه .إنّــه مدخــل عــار ِة النـ ِ ـاح با ِب ـ ِه ،وضــو ُء ممراتِ ـ ِه املتشــابكة. ـص ،ومفتـ ُ الســمة ،والعالمــة ،واألثــر ...نسـ ّ ـتدل بــه عــى الــيء بوجــه مــن وجــوه التعريــض ال الترصيــح...؛ ألنّــه تعريــف ،وفصــل، والعنــوان لغــة هــو ّ وتنويــه ،وداللــة ،وإظهــار ،...أي كشــف محجــوب معنــى الديــوان بطريقــة إيحائيــة. وهــو عنــوان يصــدم القــارئ مــن الوهلــة األوىل؛ ألنّــه تقريــري مبــارش ،مــن ناحية البنيــة الســطحية ،ورمــزي يصــل إىل الرسيــايل مــن ناحيــة ـب هــذه املفاهيــم البنيــة العميقــة .كــا أنّــه يقلِــب املفاهيــم اللغويــة واملجتمعيــة املتوارثــة مــن حيــث الثقافــة الشّ ــعب ّية« :الحيطــان لهــا آذان» .وقَلْـ ُ يســتج ّر مجموع ـ َة معطيـ ٍ ـات يحملُهــا العنــوان .وســأحاول يف هــذه العجالــة أن أحلِّلَهــا مــن خــال فكفكتــه ،وربطــه بالقصائــد املوجــودة يف الديــوان حتّــى أعطي فكــر ًة واضحـ ًة عـ َّـا يتض َّم ُنـ ُه بــن دفَّتَيــه .لــذا ،ســأرشح رمزيــة مصطلحاتــه الثالثــة ،أي آذان جمــع أذن ،وحـكّام جمــع حاكــم ،وحيطــان مبحصلــة وافيــة عــن أهم ّيــة ال ّديــوان ،وقيمتــه األدبيــة واالجتامعيــة. جمــع حائــط حتّــى نســتطيع الخــروج ّ
رمزية األذن ترمز األذن إىل اإلدراك ،واملشاركة يف الحياة االجتامعية .وترمز إىل مادية الجسد .كام ترمز إىل الرحم ،والبشارة. كل مــا يُحي ـ ُط ِب ـ ِه مــن أصـ ٍ ـوات ،و َمه ّمتُهــا مســاعد ُة واألذن حاســة مــن الحــواس الخمــس ،تع ـ ُّد مي ـزان الجســمِ ورادا ُر الجسـ ِـد الــذي يلتقــط َّ ـلبي ،مبــا أنّهــا عضــو التل ّقــي ،باعتبــار أ ّن النطــق (اللســان) هــو رمــز التواصــل اإلنســانِ عــى اشـراكه يف الحيــاة االجتامعيــة .وهــي رمـ ُز التّواصــلِ ّ السـ ّ اإليجــايب ،مبــا أنّــه عضــو اإلرســال([.)]1 السـ ْمعيّة، وتــرى الثّقافــات القدميــة ،وال ســيام أســاطري قبائــل الدوغــون األفريقيــة ،أ ّن األذ َن تعنــي العضـ َو الجنــي األنثــوي مــن خــال القناة َّ وتعنــي العضـ َو الجنــي الذكــري مــن خــال صيــوان األذن .وهــذا يعنــي أ ّن األذن ترمــز إىل حيوانيــة الجســد([.)]2 وتُ ثّــل األذن ،يف األســاطري الهندوسـيّة القدميــة ،القــدرة اإللهيــة؛ فقــوة اإللــه غانيشــا ابــن اإللــه شــيفا تتمثّــل باألذنــن القويتــن اللتــن تنســفان الصحيحــة ،والكــال الروحــي ،أي الحكمــة ـاب الـ ِ ـكالم الــرديء .ولهــذا ،تســمح األذنــان يف الثّقافــات اآلســيوية باالنطــاق نحــو املعرفــة ّ الفاســقني ،وأصحـ َ والخلــود .ولهــذا ،أخــذ ال َحلَـ ُـق يف األذن يرمــز ،يف بداياتــه ،إىل االنتــاء إىل مجموعـ ٍة برشيّـ ٍة معينـ ٍة. وتــرى الثّقافــة اليهوديــة أ ّن املخلـ َ ـح كلمــة([ .)]3وتــرى أ ّن األذنــن، ـوق ال ميكــن أن ينفصـ َـل عــن َّ الس ـ ْمعِ؛ أل َّن األذ َن تعــو ُد باإلنســانِ ليصبـ َ ([)]4 والقســم األســفل مــن الوجــه ،ترم ـزان إىل األعضــاء التناســلية لــدى املــرأة .فاألذنــان ترتبطــان بالفــم كــا يرتبــط املبيــض بالفــرج . وتــرى الثّقافــة املســيحية أ َّن األذ َن رمــز إدر ِ اك اإلنســانِ الــكال َم اإللهــي ،واالمتثــال والخضــوع لــه؛ أل ّن العــذراء مريــم قــد ســمعت التّبلي ـ َغ ([)]5 ـمح للجسـ ِـد ر ،واإلصغــا ِء الجيــد .فكــا أ ّن األذ َن تسـ ُ باملعنــى املطلــق لــإدراك والتســليم ،فولــدت املســيح .ولهــذاُ ،يكننــا القــول إ ّن األذ َن رمـ ُز الـ ِّ بســا ِع األصـ ِ ـكالم اإللهــي؛ وأل ّن زكريــا مل يســم ْع الــكال َم اإللهــي ،ومل يص ّدقْـ ُه كان عقابُـ ُه من َعـ ُه مــن الــكالم. ـمح لــه بســا ِع الـ ِ ـوات البرشيــة؛ فإنّهــا تسـ ُ يقــول القديــس لوقــا{ :فقــال زكريــا للمــاك« :بـ َم أ ْعـر ُِف هــذا وأنــا شَ ــي ٌخ كبــر ،وامــرأيت طاعنـ ٌة يف الســن؟» ،فأجابــه املــاك« :أنــا جربائيـ ُـل القائـ ُم لــدى اللــه ،أُ ِ صاب بال َخـ َرس ،فــا تســتطي ُع الــكالم إىل يــو َم يحـ ُدثُ ذلــك ،ألنّــك مل تؤ ِمـ ْن بأقــوايل.)]6[(}»... رسـ ُ ـر َك بهــذه األمــورَ ، وسـتُ ُ ـلت إليــك ألُكلّ َمـ َـك وأُبـ ّ َ ـكالم إىل القلــب([ ...)]7وهــي رمــز «التي ّقــظ واألذ ُن يف الثّقافــة العربيــة اإلســامية هــي الطّريـ ُـق إىل القلـ ِ ـاب الوحي ـ ُد إليصــا ِل الـ ِ ـب ،فهــي البـ ُ
يعرف كيف يقو ُم ،وكيف ميوتُ ، وال يُصل َْب. .............. يف يد ِه حج ًرا س ُيعي ُد الل َه إىل املسجد([.)]11 فخذوا من حرشجة الصوت بال ًدا ال يخذلها معنى أن تو َج ْد([.)]12
رمزية الحائط
يرمز الحائط إىل الحامي واملانع .ويرمز إىل العقبة ،والحاجز .كام يرمز إىل الح ّد الفاصل بني عاملني ،بني فضائني.
ُجســد مســاحة خاصــة محم ّيــة متنــع اآلخريــن مــن دخولهــا ،أو معرفــة مــا يجــري فيهــا .ولهــذا ،يصبــح والحائــط هــو وســيلة ت ّ الحائــط رم ـ ًزا للمنــع ،والحجــب ،والنــزاع ...والنــزاع عــى صعيــد املجتمعــات هــو تصــارع بــن فريقــن :منــع وصــد مــن ناحيــة ،ومحاولــة اخــراق مــن الناحيــة الثانيــة ،وعــى صعيــد الفــرد تعــارض بــن نــزوات املــرء ومحرمــات املجتمــع :الحفــاظ عــى الســلطة ،واملكتســبات ر... مــن ناحيــة ،ومحاولــة الحصــول عليهــا أو عــى بعــض منهــا مــن الناحيــة املقابلــة .لــذا ،ميكننــا القــول إنّ الحائــط ُيثّــل رمزيــة الــ ّ كــا أن الحائــط يرمــز إىل بعــد حــا ٍّيئ ،ويُشــر إىل القلعــة التــي تســمح مبقاومــة الحمــات املعاديــة .ولك ـ ّن هــذه الحاميــة تفــرض االنحبــاس داخلهــا ،أي االنحبــاس يف فضــاء مغلــق ،منقطــع عــن العــامل اآلخــر :العــامل الخارجــي. لذلــك ،فهــو يرمــز باملطلــق إىل الحــدود الفاصلــة بــن عاملــن ،بــن فضائني .ويرمــز إىل الســد املحكــم بــن الســائل واملســؤول .ويرمــز إىل الجموديــة ،والســكونية ...ولكــن قــد يتــآكل هــذا الحائــط بفعــل الزمــن ،واســتمرارية الحيــاة ،وتفاعالتهــا التغيرييــة .إذن ،ال بـ ّد مــن أن يفعــل الزمــن ـب الجمــود والســكون ،والف ـراغ .وإذا جمــد اإلنســان فــرغ مــن مقومــات الحيــاة. فعلَــه؛ أل َّن الحيــاة ال تحـ ّ ويأخــذ الحائــط يف هــذا الديــوان رمزيــة الحــدود الفارغــة ،والــدارشة ،رمزيــة اإلحبــاط ،واملهانــة؛ ألنّــه ُيثّــل تحـ ّدي الزمــن ،وانتفــاء الحاميــة، وانقطــاع الحيــاة .كــا يأخــذ رمزية الهوة التي تف ّرق بني الشــعوب ،وبني النــاس؛ ألنّــه وســيلة الفصــل بــن أفــراد املجتمــع ،وبــن الحاكــم وعامــة الشــعب .يقول الشّ ــاعر: أخت عليه!!! هل َّ ظل جدا ٌر يك نبيك يا ُ كم ُ أخجل من وطنِ ال جدرا َن له ّإل الكلامتْ ....................................... وملاذا يا وطني يسكنك املوىت أكرث مام يسكنك األحياء([.)]13 ويقول أيضً ا: ظل جدا ٌر يك نبيك يا قدس عليه. ما ّ ِ يصل الل ُه مسجدك املحزونِ ّ يف عىل الشّ هداء، ويصل الجوع مع الفقراء([.)]14 ّ
ـح باإلصغــا ِء السـ ْمعِ العــادي ،ورمــز التبـ ّ واالنتظــار والتل ّقــي والفهــم» ،باعتبــا ِر َّ ـر واإلدراك واالنســجام باعتبــار ســمع القلــب .ولهــذا ،فــإ َّن التَّصـ ّوف ينصـ ُ والصمـ ِ ـت« :خلــق اللــه لــك أذنــن اثنتــن ولســانًا واحـ ًدا لتســمع أكــر مــا تتكلّــم». ّ ـش ك ُْل ِذي َس ـ َم ْع َس ـ ِّمي ْع» .كــا ت ُشــر إىل ـدم االك ـراثِ « :مـ ْ وترمــز األذن يف الثّقافــة الشــعبية العربيــة إىل الفهــمِ والحكم ـ ِة ،أو الجهــلِ وعـ ِ ـش كت ـ ْر بتســم ْع كت ـ ْر»([.)]8 ـاب ،والتّعلّــم« :عيـ ْ القــدرة عــى معاركــة ال ّدهــر ،واالكتسـ ِ ـب األصـ ِّم ،وال ّدهـ ِر القــايس ،واإلحسـ ِ ـاس الخامـ ِـد ،والكرامـ ِة املهــدورة...؛ ألنّهــا ال تتقصــد أ ّمــا يف ديــوان عمــر شــبيل فــإ ّن األذ َن ترمـ ُز إىل القلـ ِ الســاع الجيــد ،أياســتعامل هــذه الحاســة ليصــل بهــا اإلنســان إىل مرتبــة اإلنســانية ،ومنهــا إىل الكــال .بــل بالعكس ،تتطــارش ،وال تعطــي اهتاممــا أو انتباهــا ملــا يُقــال. لذلــك ،تحجــب األذن مــا ال تريــد ســاعه ،وتصبــح صـ ّـاء كالحائــط؛ يقــول الشّ ــاعر: الص ِ مت أذا ْن يف َّ لك ْن أين اآلذان؟!!! أنا أخجل من ٍ يس َم ُع ُه صوت ال ْ َّإل األموات الســاع الج ّيــد يُشــر إىل اختــاط األمــور ،وطمــس واألذن التــي ال تســتمع تصبــح سـ ًدا يحجــب عــن صاحبهــا الرؤيــا الصحيحــة؛ أل ّن عــدم ّ والنجســية .فيصبــح صاحبهــا إل ًهــا ،والشّ ــاعر الحقيقــة الواقعــة ،ومجانبــة الصــواب الــذي يســعى إليــه املواطــن .وهــذا يشــر إىل االعتــداد بال ّنفــسّ ، يريــده إنســانًا؛ إذ يقــول: يا مري ُم نحن نري ُد يسو َع ب َن اإلنسان، وقــد يصبــح تاجـ ًرا يبيــع عرضــه وكرامتــه للغــازي ،أو ثعلبًــا يـراوغ ،وميكــر ليتالعــب بالنــاس ،ويقتـ َـل فيهــم طريــق الصــاح يك يبقــى الحــال عــى مــا هــو عليــه ،ويتن ّعــم هــو مبلــذات الحيــاة ،وحــاوة العيــش ،والشّ ــخصانية: يا مري ُم من جاء ليطع َمنا ِعنبًا الثعلب، كان ْ النخل ليطع َمنا رسق الله([.)]9 من ه ّز َ ويقول أيضً ا: رش الساس ُة والتجا ُر عىل ِ األرض([.)]10 وانت َ ولك ّن كلمة الحق ستنفذ ،وتد ّمر هذه الحيطان؛ أل َّن املخلّص جاء؛ يقول عمر شبيل: وإذا ما ِ روح القدس، جاءك ُ لينف َخ ِ فيك ُم َخل َِّصنا، النخل فخذي بيديك الجذعَ ،وه ّزي ْ يَ َّساق ْط بني ِ فلسطيني يديك ٌّ
جمــود الحركــة ...ولكـ ّن هــذا الصـ ّد ،وهــذا املنــع هــو يف إطــار أفقــي فقــط ،أي جمــود جيــل أكلــه الصــدأ ،والعهــر التفــاويض ...ولهــذا ،عــاد الصــدى را احتالل ًيــا ال دخــل لــه باملــكان .وأخــذ الفلســطيني مــع األجيــال الناشــئة ...مــع أطفــال فلســطني ...علّهــا تحقــق أحالمهــا؛ أل َّن هــذا الجــدار أصبــح عنـ ً يتحـ ّداه ويتحـ ّدى املــوت ليصبــح مدمــاكًا يف جــدار وطنــه فلســطني؛ يقــول الشــاعر: أ ّما أنتم يا أطفال فلسطني بصدور عارية تتح َد ْون املوت ُ املمسك يف ِيد ِه حج َرا هذا الطفل هم مؤمت ٌر َو ْح َد ُه السكّني، يشح ُذ بالجر ِح ّ كل املؤمترين خاطب َّ ويُ ُ بعزم ال ينف ْد ٍ فخذوا من حرشجة الصوت بال ًدا ال يخذلُها معنى أن تو َج ْد([. )]18 ولهــذا ،يبقــى اإلطــار العمــودي منفت ًحــا عــى األحــام ،والتمن ّيــات ،والنظــر املســتقبيل ...ونحــن نعلــم أ ّن الثــورات تبــدأ بحلــم ،ومتـ ٍّن ...مــا يرفــد الحيــاة بطاقــة إيجابيــة رغــم الظــام الــذي يش ـكّله الحائــط ببعده الجامعي والتاريخــي. وبكلمــة نقــول ،إ ّن الشــاعر عمــر شــبيل عــرف كيــف يصــوغ عنــوان ديوانــه ،ويُخرجــه ،ويكثّفــه بشــكل لوحــة ف ّنيــة تـ ّ ـدل عىل براعــة يف الوصــول إىل املطلــوب...
ر مســاحة إعالنيــة إعالميــة تس ـطَّر فيهــا الشــعارات الوطنيــة أو صــور الشــهداء وأســاءهم ،أو أوقــات املس ـرات واإلرضابــات ،إنــه عن ـ ٌ متفاعـ ٌـل مــع األرض واإلنســان يف عمليــة املقاومــة اليوميــة للمحتــل. ولهــذا ،انتقــل الحائــط الــذي كان يحمــي فلســطني إىل حــدود ،وســدود تفصــل بــن املواطــن واملســؤول ،بني املواطــن والزعيــم ،بــن املواطــن واملوظّــف؛ أل ّن املسـ َ ـؤول ،والزعيــم ،واملوظّــف ينظــرون إىل مصالحهــم الخاصــة ،فيذعنــون لألمــر الواقــع ،ويستســلمون للغــازي املحتــل: يا ولدي، جدران األوطا ْن الساس ُة باإلذعان ،وبالطغيان ه ّد َمها ّ يا ولدي ،إ ّن الطّغيا َن اب ُن اإلذعان من كرث ِة ما متنا
([)]15
را نفس ـ ًّيا حام ًيــا ،واق ًيــا ،ولكــن اتضــاع ،وانحطــاط ،وانقيــاد ،وحقــارة ،وخضــوع ،وخنــوع ،ودنــاءة ،ورضــوخ ويتجـ ّـى الحائ ـ ُط هنــا عن ـ ً الساســة ،ح ّولــوه إىل عكــس امل ُرتجــى منــه إذ هدمــوه بفعــل مالحقتهــم للمقاومــن ،والثّ ـ ّوار ،فحـ ّـل الكفــن محـ ّـل الحــاط الحامــي ،وامل ُخــر أصبــح ّ ـلٍ والســجان أصبــح جــدا َر فصـ بــن املقــاوم ،واملحتــل؛ يقــول الشــاعر: الحاجــزّ ، من كرث ِة ما متنا ما عاد لنا أكفا ْن ماذا يجدي وط ٌن!!! والسجانْ. يحك ُمه امل ُخ ُرب ّ ............................. رص يف يا ولدي :ال ،لن تب َ هذا الوطن العر ِّيب الواسعِ والسجان، ّإل املخ َرب ّ ........................ السجنِ لنا([.)]16 باب ّ يك َ يفتح َ ـح البعـ ُد ال ّرمــزي للحائــط أشـ ّد قســاوة وعن ًفــا مــن عمليــة منــع العبــور مــن جهــة إىل أخــرى ...ألنّــه يغـ ّـر معادلـ َة نظرتِنــا إىل وهكــذا ،يصبـ ُ اآلخــر .ويجعــل نفسـ َّي َة اإلنســانِ تنظـ ُر إىل الحائـ ِ ـط عــى أنّــه انعــكاس لصــورة الخــوف .فيصبــح الحائــط بحــد ذاتــه عامـ ًـا إيجاب ًيــا للمقــاوم ،يشــحذ همتّــه إىل عمــل املزيــد ،وعامـ ًـا ســلب ًيا للبــاين ،يُظهــر خوفــه ،وضعفــه؛ مــع أ ّن فعــل بنــاء الحائــط هــو مــن أجــل الحاميــة ،والراحــة ،والســكينة... نع ٌم ،وأما َم جدا ٍر ال يبيك، قُ ِت َل «املبىك»
([)]17
يهرب. قتلو ُه ،ومل ْ وبالتايل ،يُشــر عمــر شــبيل هنــا إىل عقــم الحيــاة؛ أل ّن بعضنــا يصـ ّد بضعنــا اآلخــر ومينعنــا عــن ولــوج بابهــا ،أي بــاب الحيــاة ...لنمــوت مــن
األنوثة ال ُم َؤلَّ َهةُ عند رياض الدليمي:
آخر النّاس) قراءةٌ في ديوانه ( ُ د .أسامء غريب
ُ العجيب! من ذا الّذي يعرفُها في ُكم؟ ال أحد .إنّ َها ك ُّل ما الكائن األنثَى! يا إلهي ،هذا ُ آن واحدٍ :إنّها الخيا ُل ال يم ِكنُ َك أن تتخيّلهُ من التّناقُضات ال ُممكن ِة وال ُمستحيلة في ٍ ّ والط ُ س ُّر والبوح، ور الحضور والواقع، ين ،ال ّ ُ والغياب ،ال ّ صمتُ والضّجيج ،النّ ُ ُ سكينةُ ّ سال ُم والحرب ،الخديعة والوفا ُء، هار، ُّ والزلزالُ ،ال ّ والحقدُ ،ال ّ الحب ِ اللّيل والنّ ُ لكن َم ْن من ُك ْم أنصفَهاْ ، ِب وال ّدهَا ُء ،إنّها ك ُّل هذا وأكثرْ ، من من ُك ْم ص ْد ُق وال َكذ ُ وال ّ بل ْ غاص في أسرارهاْ ، من من ُكم َّ صيَةُ ال ُم ْم ِكنَةُ؛ فيها فك رموزَ هَا؟ ال أحد .إنّها ال ُم ْست َ ْع ِ َ ّ وهي ألج ِل هذا الطفلةُ والمرأة ُ النّاضجةُ ،وفيها ال ُمرا ِهقَةُ النَّ ِزقَةُ وال ُم ِسنَّةُ الحكيمةُ، َ حي ْ كبار المف ّكرين والفالسفة حتّى أنّهم سكبوا فيها بحارا ً من الحبر وما وصلوا ّرت َ شر ال ب َّد منه ،أو إنّها حليفة إبليس لذا إلى شيءٍ ،بل كانَ من ُهم من قال فيها إنها ٌّ وجبَ ْ ق علي َها ،وكبْتُ ك ّل ما فيها من فَ ْورة وثورة ،حتّى ال ت محاربتُها وتشدي ُد الخنا ِ المتنورينَ ْ من أهل أمور البال ِد وال ِعباد ،وما شذَّ عن هذا الموقف سوى ت وت ُ ْف ِس َد ت ْنفَ ِل َ ّ َ هللا وقدروه َّ حق ق ْدره ،فقالوا عن المرأة :إننا ال الحرف الوضيء، َ ِ أولئك الّذين عرفُوا َ ُ ندري حقّا ً من ونواقص وفضائل، تكون حتّى تأ ِسرنَا هكذا بك ِّل ما تجمعُه من خصائل َ ُ فلربّما ذلك حقّاً ،إذ ال أح َد مأل َ علينا حياتنَا ووجو َدنا تكون تج ٍّل من ربّنا ونحن ال نعل ُم َ المتنورين ال أستثني ال ّ شعرا َء ومن هؤالء وأنار قلوبَنا ّ ق كما تفع ُل هي! ِ ّ بالحب والعش ِ ْ اسمها الحظ ِر ع ْنها، طبعاً ،ف َمن غير ُهم كانوا أش َج َع النّاس وأق َدر ُهم على رفع وحذف ِ ِ راف التي ت ُ ُ يوم إلى المذابح ،ومن الئح ِة األمالك المنقولة وغير الخ ِ من قائمة ِ ساق ك َّل ٍ الحب تمارس المنقولة ،وال ّد ُخو ِل بها وردة ً صوفيّةً على براق المحبّة إلى المدن التي َّ ُ ينتقض وضوؤُها! والحرب عالنيةً ،وتخشى مصافحةَ المرأة حتى ال سراً، ّ َ َ ولع َّل رياض الدليمي يُعَ ُّد واحدا ً من هؤالء ال ّ البهاء الّذي المتو ِجين بإكليل شعراء ِ َّ ويكشف عن َها صرينَ استطاع أن يض َع هو اآلخر بصمتَه في لوح شعراء األنثى المتبَ ِ ّ َ بعين صوفيّ ٍة ترى الحجاب بعفّ ِة وخشوع العارفين ليُطلعنَا على الجانب المؤلَّ ِه فيها، َ ٍ صالحة ،واالبنةَ في المرأةِ السيّدة َ العاشقةَ ال ُم ْل َه َمة وال ُم ْل ِه َمة ،واأل َّم الرؤوم ّ والزوجةَ ال ّ واألخت الفاضلة والقديسةَ المب ّجلة التي لوال حضورها بك ّل زهرة الدّنيا واآلخرة، َ
ُ لنهار موعو ٍد نسابق خوفنا ٍ ت ليلة قدري ليلى أن ِ وقصيدتي الموجعة وه ٌم مستديم»
صغير لهُ ق أجل ،هو معَها ُ ٌ حقائب ممتلئة باألحالم ،ال يمكنُهُ أن يُ َح ِقّقَ َها على ور ِ النص ،وهي الكتابةُ ،وهي القصي ِد سوى بها أو معها ،ألنّها هي القصيدة ُ وهي ُّ صدر ويقو ُد اإلنسانَ إلى مدارات القيامة التّاري ُخ ،بل هي الوج ُع الّذي يولَ ُد بال ّ نص): واالنبعاث كما يقو ُل رياض نفسه في (قيامة ّ «نص ٌ هو وج ٌع يولد بالصدر يكتمل بالفكر يتخذ من الليل مهدا على فمك قيامة وتنهيدة جفن أهديك إياه حروفا مخملية وسهادا خاليا من األضغاث وسنابل تبر تنظم قالدة سومرية سحرا وعبقا يجن ملحمة بربرية
أعاصير جردتْها تجلّياتها في أشعاره لظلّ ِ ت القصائ ُد في ديوانه بدونِها كنخل ٍة ش ّما َء ّ ُ ّ بئر فيها .وك ّل الزمن وتقلّباته من ال ُج ّمار والثّمار ،أو كصحراء جردا َء ال واحةَ وال َ وغادر ُ َ شطآنَها حدث كنف المرأة ،وإذا شاعر كما رياض يظ ُّل وسيما ً أنيقا ً مادام في ِ ٍ َ ش ْعر بأسنانهّ ، فظةً يكتب ال ِ ّ ْ وأصبحت قصائدهُ كمن وفيافي َها شاخ فجأة ً وإلى األبد، ُ قاسيّةً ف ّجةً ال حياة فيها. ْ ليست ضربا ً ِمنَ الوهم أو الخيال، والكتابةُ عن األنثى في ديوان رياض (آخر النّاس) ع منَ الوعي بالذّات ،وبالحضرةِ اإللهيّة ،لذلك ّ فإن المرأة َ ب ِه ومعهُ وإنّ َما هي نو ٌ تتجاوز ِم َحنَ التاريخ الذّكوري ،وتخر ُج ْ ُ بعض تلك األقبيّة التي أسكنَها فيها من ك ِّل َ ُ رجال الدّين منذُ األزل وفي ك ّل الثقافاتِْ ، الر ُج ِل المتعالي لتظ َه َر ككينون ٍة ت ُ ْل ِغي زمنَ ّ في تو ُّحده ووحدت ِه الوجوديّة وت ُ ْد ِخلُه في زم ِنها ،ألنّ َها وح َدها العارفةَ التي صي ْ ّرت ْ رياضا ً سالكا ً ينه ُل من علومها وغي َّر ْ وقبضت معهُ نظام المجموعة الشمسية ت ب ِه َ على طريق اللبّانة إلى ْ سهُ نجمةً ال تأف ُل ّإل في حضرتِها ،وال تشتع ُل أن أصب َح ُه َو نف ُ أنقاض في َها شهوة ُ الكتاب ِة ّإل بوجودِها طوفانا ً جارفاً ،وزلزاالً ُم َج ّدِدا ً وبانيا ً على ِ سؤا ِل ال ِ ّ ش ْعر األكبر قائلةً بكل ما فيها من وهجٍ: الو ْهم أبرا َج الحقيق ِة ،و ُمفَ ِ ّجرا ً ل ُ القصيدة ُ أنثى ،واألنثى مدرسة ،وال ّ ٌ سالك ل ْم يهت ِد بع ُد إلى حروف الهجاء! اعر فيها ش ُ ُ وكون المرأة مدرسة ،أمر واق ٌع يعي ِه جيّدا ً رياض ،لذا تجده يقول في قصيدته (ليلى): المنشطر « ليلى أنا ُ ت حلما ً بين السموا ِ وهزائم القرنف ِل ومواسم زيتون جفاء أصلي بعد ك ِّل هزةِ جذعٍ ثمر جني ٍ السوسن خاشع في مهد ِ أَشتع ُل بصفرة اليقطين شتائك لسال ِل ِ ب الصغار الملون ِة وحقائ ِ بأحالمي المجنون ِة
ألوذُ ألسوار الما ْء ِ إذن بال ٍ مآذن ... و ٍ الزور ٌد أفو ُح في كأس ِه المشكاة ٌ فيروز حجر ٌ يُعاذُ ب ِه ك َّل مساءٍ يرقص بدندن ِة خلخال ي ٌ ُ درب َحرير ٌ هي أَحالمي ... ٌ وطن ُه َو ال تُغطيهُ سماء وال زالز ٌل و ُ شح ماء ٌ ال يمر منهُ المسافرونَ مكان ُّ س ٌ لطان يَشي سلطانا وال ُ يشان الحكاي ِة)). أو يقت ُل مولودا ً ِب ِن ِ .......................................
تدون على وسادة فجر عرسا لنص ومتعة لحرف» الموصلة إلى ملكوت البهاء ،ورياض ِبها األنثى المؤلّهة هي نبع المحبّة المعراجيّة ِ ي ي عن ك ّل منظور، ٌ ومخروس عن ك ّل منطوق ،و ُم ْغلَ ٌق قلبُه ع ّم ْن سواها ،ومرم ٌّ معم ٌّ طيف سواها ،هي التي يقو ُل فيها: ب الخيال ،مادام ال خيا َل وال قفلُه في غياهب ُج ّ َ ب ((احسبيها شطحةَ قل ٍ أو مراهقةُ خريف ْ ت حيرى ِل َم أن ِ
الروح؟ وقَ ْد نَذرتُ األعيا َد قربانا ً ِللَيالي ْ ق أطفئي غ َ َضب البوحِ برف ٍ الهمس وت َ َه َجدي بصالةِ ِ القلب س ّ ِوري َ أَطلقي الي َد وال ت ُ َ ت تحلقينَ في وال تندمي وأن ِ َ سماوات الروحِ وأَنجمي ))... ٌ ُ كون ال أنثى فيه ،وهو لهذا يبدو في ديوانه األكوان عند رياض ،وال يبقى تتصاغر ُ ت المعرفة األولى باعتبارها داللة س َك بالمرأة كغاي ٍة من غايا ِ اس م ّم ْن تم َّ آخر النّ ِ صانع الّذي يتالشى أمامه ك ُّل شيء مصداقا ً لقوله ج ّل جاللهُ (( :ك ُّل على صنع ِة ال ّ اإل ْك َر ِام)) (الرحمن ،)27-26 /لذا ّ فإن َم ْن َ علَ ْي َها فَ ٍ انَ ،ويَ ْبقَى َو ْجهُ َر ِبّ َك ذُو ْال َجال ِل َو ِ ّبط كما قال رياض في نظر إلى األنثى المؤلَّ َهة ال تتحقّ ُق لديه المعيّة ،بالض ِ ك ّل من َ ص ِه (ألوذ إلى أسوار الماء) متحدّثا ً عنها بصيغة التذكير ،ألنها هي وحدها من تجمع ن ّ الصفتيْن مادامت هي التجلّي األسمى للحضور اإللهي في أبهى وأرقى صورة: َالص (( ُهو الخ ُ ملجأ ٌ وحل ٌم ألوذُ إليه ك َّل مساءٍ ِنتهاء صالة بع َد ا ِ
الحرة الكلمة ّ د .هويدا شريف صدق زهير بن أبي سلمى حين قال: ونصف فؤاده نصف لسان الفتى ٌ ٌ
فلم يبق إال صورة اللحم والدم
المــرء نصفــه أداء لســاني ونصفــه االخــر ثــراء داخلــي ،فمــن قُيّــض لــه أن يجمــع بينهمــا كان مبدعـا ُ ،وســاهم إبداعــه فــي إثــراء الثقافــة ،والثقافــة تغتنــي باألفــراد ،وال تقــوم وتزدهــر ّال اذا اندرجــت فــي مشــروع جماعــي يعبّــئ طاقــات الجماعــة ـرة . فــي ســبيل هــدف مشــترك ،وكيــف إذا كان الهــدف هــو الكلمــة ال ّ صحيحــة ،الكلمــة الحـ ّ ـرة، فالكلمــة هــي البريــد إلــى القلــب والعقــل ،وســبيل الوصــول إلــى اإلقنــاع والتّفاهــم .ولكــن إلــى مــاذا تنتمــي الكلمــة الحـ ّ ومــا هــو جذرهــا ،و َمـ ْ ســك بالكلمــة ـن يتَّخــذ منهــا منهج ـا ً وطريق ـا ً فــي الحيــاة ،ومــا هــي النّتائــج التــي تتم ّخــض عــن التم ّ الحــرة ســلوكا ً وفكــراً؟ ،فــي المقابــل مــن الــذي ال يرغــب بهــا ،ويعلــن العــداء لهــا قــوالً وفعـاً ،وال يــرى فيهــا شــرطا ً أساسـا ً الســتمرار الحيــاة بصــورة أفضــل ،فيناقضهــا ،الــى حـدّ العــداء والصــراع المصيــري أيضــا؟. عنــد اإلجابــة عــن الســؤالين ،البـدّ أن نخــوض فــي عمــق التّناقــض الحاصــل بيــن (الكلمــة الحــرة ونقيضهــا) ،حتّــى يمكــن نتوصــل الــى فهــم للجانبيــن المتقابليــن بضديّــة إزاء بعضهمــا اآلخــر ،علــى أن يت ـ ّم تف ّحصنــا لألمــر بصــورة مســتقاة أن ّ ـرة تحــت مجهــر التأويــل والتف ّحــص مــن التّجــارب الماضيــة أوال ً،وممــا يحــدث فــي الواقــع اآلن ،فعندمــا نضــع الكلمــة الحـ ّ أو االســتبطان أو ال ّ الحريــة ،وهــذا يؤ ّكــد لنــا ّ شــرح ،فـ ّ ـرة ـإن البــادرة االولــى ســوف تذهــب بنــا نحــو مفهــوم أن الكلمــة الحـ ّ ّ تنتمــي دونمــا أدنــى شــك ،لمبــدأ عظيــم ومجيــد ،قدّمــت البشــرية مــن أجــل ترســيخه مئــات اآلالف بــل المالييــن مــن الضّحايــا ي بيــن أصحــاب الحريــة ودُعاتهــا ،وبيــن أصحــاب ي ودمــو ّ واألرواح والممتلــكات النفيســة ،وجــرى ذلــك فــي صــراع فكــر ّ الســلطة وســاطينها وتوابعهــا وغوغائيهــا عبــر التّاريــخ. ـريرة ـرة وعلـ ّـو شــأنها ،ودورهــا فــي ترويــض النفــوس والعقــول الشـ ّ ـرف يؤكــد عظمــة الكلمــة الحـ ّ ولعـ ّل هــذا اإلنتمــاء المشـ ّ ســلطة تبــدأ مــن مؤسســة العائلــة التــي تنتمــي للســلطة بــكل أنواعهــا وأشــكالها ،السياســة أو اإلقتصاديــة أو اإلجتماعيــة ،فال ّ الصغيــرة ،بســلطة األب ،وصــوالً وامتــدادا ً الــى ســلطة القائــد األعلــى ،ومــا بيــن هاتيــن الســلطتين مئــات األنــواع واألشــكال مــن الســلطات ،كلّهــا تنطــوي علــى قطبيــن ،األول قطــب العدالــة والمســاواة والخيــر علــى وجــه العمــوم ،والثانــي قطــب
ولكــن يبقــى الســؤال :مــن أيــن نبــدأ؟ ســأل أحدهــم االم تيريــزا يومـا ً مــا الــذي نحتــاج اليــه لنغيّــر الكنيســة:؟ فكانــت إجابتها: أنت وأنا! صائــب لذلــك أقــول لكــم يــا رســل الكلمــة الصحيحــة ،نحــن وأنتــم معـا ً لإلبداع،معـا ً نحــو صولجــان الموضوعيّــة والــرأي ال ّ معـا ً لبنــاء وطــن عــادل.
ســبل ،هــذه الظلــم والشــر ،وك ّل مــا ينضــوي تحــت خيمتــه ،ممــا يســيء الــى اإلنســانية بشــتّى األدوات واألســاليب وال ّ ســلطات كلهــا اذا انحرفــت وشـ ّ صــواب ،تقــف بالضــد منهــا الكلمــة الحــرة ،مــن أجــل التصويــب ،ومــن ال ّ ـطت عــن الجــادّة ال ّ ـر أجــل إحقــاق الحــق ،حتّــى لــو كانــت التكلفــة غاليــة ونفيســة ،وهنــا تبــدأ – كمــا حــدث عبــر التاريــخ -عمليــة صــراع ال يقـ ّ ســلطة لهــا قــرار بيــن نقيضيــن ال يمكــن أن يلتقيــا مــع بعضهمــا ،الختــاف األهــداف والقيــم واألســاليب ،فــإذا كانــت ال ّ المتجبــرة تتوشــح بــرداء الــدم والقتــل والقــوة الغاشــمة ،فــإن الكلمــة الحــرة تتوشــح بــرداء الحــق والشــجاعة. وهكــذا أنتــم ،يــا رســل الكلمــة الحــرة (الجيــل الصاعــد واالمــل الواعــد) أمــام قطبيــن متضاديــن ،أحدهمــا ينتمــي للحريــة بــكل مــا تعنيــه هــذه الكلمــة ،واآلخــر ينتمــي الــى الســلطة بــكل مــا يعنيــه هــذا (الشــر) الــذي البــد منــه ،ولعــل أصعــب مــا يواجــه البشــرية مــن اختبــارات ،تكمــن فــي عــدم قدرتهــا علــى التخلــص مــن الســلطة ،بــل لعــل االنســانية تبقــى مــا بقــي االنســان حيّــا يتوالــد علــى االرض ،تحتــاج الــى الســلطة كــي ّ تنظــم حياتهــا ،ولكــن المــأزق يتمثــل دائمــا بخــروج الســلطة عــن حدودهــا ،فغالبــا مــا يكمــن فــي رحــم الســلطة وحــش ،يُصعَــب ترويضــه ،وفــي الوقــت نفســه ال منــاص لالنســان مــن التعامــل مــع هــذا الوحــش لضــرورات الحيــاة وديمومتهــا ،هنــا يكمــن ســاحكم فــي هــذا المجــال ،هــو الكلمــة الحــرة الشــجاعة الجريئــة مــع االحتفــاظ دائمــا بســمة وصفــة التــوازن ،حتــى تبقــى الكلمــة الحــرة فــي مأمــن مــن االنــزالق نحــو االنحــراف والزيــف. إذا ً يــا اصحــاب الكلمــة الحــرة ودعــاة الحريــة ،يــا مــن ترفعــون علــم التقــدم والتطــور واالبــداع ،وهــذا حــق مــن حقوقكــم لكــي تصلــوا الــى صنــع حيــاة كريمــة تــوازي قيمــة االنســان وحرمتــه ،و غالبــا مــا تكــون هــذه الكلمــة فــي درجــات عاليــة مــن الســمو والقبــول واالحتــرام ،فتهفــو لهــا قلــوب النــاس وعقولهــم ،وتصطــف معهــا نصــرة ً للحــق والعلــم والحقيقــة والجمــال ،عليكــم مواجهــة الطــرف اآلخــر الســلطة المنحرفــة ،وادواتهــا ،مــن األنانييــن الذيــن ال يعرفــون قيمــة الكلمــة الصحيحــة ،فتراهــم يســتميتون للوصــول الــى اهدافــه عبــر التهريــج والتلفيــق وأســاليب أخــرى كثيــرة ترتكــز علــى التســقيط صــراع وهــذا الصــراع موجــود والقمــع وســلب الحريــات كلّهــا ،حتــى حريــة الــكالم والــرأي تتــم مصادرتهــا ،فينشــأ ال ّ ّ ويســتمر بيــن طرفيــن لــم يغــب وجودهمــا عبــر التاريــخ والمســار البشــري المتواصــل. رواد الكلمــة الحــرة دائمــا ،ومــن يؤازرهــا ويصطــف بقــوة الــى جانبهــا ،مــن أماكنكــم علــى لــذا ال بــد مــن أن تكونــوا مــن ّ مقاعــد الدراســة ،لكــي تســتطيعوا فــي المقابــل الوقــوف ومواجهــة الغوغائييــن ،فالغلبــة للكلمــة الحــرة ومناصريهــا ،ويكــون الخســران والخــذالن للســلطة الجائــرة المنحرفــة ،هــذا مــا اخبرتنــا بــه تجــارب التاريــخ البشــري الطويــل ،وأفصحــت عنــه االحــداث المنظــورة والقريبــة واآلنيــة ،فــا غلبــة للظلــم علــى الحريــة ،وليــت يفهــم هــذا ســاطين العصــر الراهــن ،أولئــك الســاطين المتجبريــن الذيــن ال يــرون مــن الواقــع إال أنوفهــم ومصالحهــم وســلطانهم ،ومــا عــدا ذلــك ،فهــم منغمســون فــي صــراع مريــر مــع الحريــة ودعاتهــا ،والكلمــة الحــرة ،التــي لــم يســتطيع الغوغــاء كبــت صوتهــا علــى مــر التاريخ .ألنــه تتقــد فــي قلوبكــم الشــابة ،رغبــة فــي بنــاء عالــم افضــل.
.
الشاعر األرمني كريكور ترجمة مهران ميناسيان ****** هذا هو وطني وهو بحجم يمكنني اصطحابه عند ذهابي إلي أمكنة بعيدة إذ إنه صغير كاألم العجوز كالمولود الجديد وأما علي الخارطة فهو دمعة واحدة فحسب... هذا هو وطني ،بحجم يمكنني من أن أحفظه في قلبي كي ال أفقده فجاة..
د .نجاح ابراهيم
شعرية الصورة في ديوان الشاعرة د .نجاح ابراهيم (أغنية للبلشون الحزين) بقلم د .غيثاء قادرة في ديوانها يفوح عبق التاريخ ,ويتالمح السفر إلى عالم الوجود المأمول ,وفي صورها تتألق جسور التحدي فوق مسارب النار ,ويتراءى في باطن العدم آفاق وجود. يبدو الشعر في ديوانها(أغنية للبلشون الحزين) خلقا ً لغويا ً جماليا ً أخاذاً ,تذخر جملها الشعرية بالرؤى واإلشارات المعرفيّة ,تُهدي الشاعرة (نجاح ابراهيم) في نصوصها حروفا يضوع منها األه ..وينتثر في ردهات القلب ليرتد صداها حياة وحباً ,وحنينا ً ألرض سكنها الغربان السود ,وأُس ِكنت رغما ً عنا رياض الموت. جاء ديوانها حافالً باأللم والدموع ,فانطلقنا نعبر جسور النار ,نجتاز وغى الحرب ,لتسدل الستارة على رغبة أكيدة بالحياة.تعددت الحقول الداللية فيت هذه المجموعة ,لكن الحقل الداللي المهيمن عليها هو حقل الفناء والعدم ,بمرادفاته الكثيرة ألف جرحٍ,الموت,والقبور,الرايات السود,المدن كـ(السبي,والحريقُ , عقد الوجعُ , المطعونة ,الضياع ,الغياب ,ظعن الخراب ,ستائر العتمة ,كآبة الجدران)....وغيرها من المفردات الكثير ,فحقل الفناء والعدم يتوزع في المجموعة الشعرية على غير مستوى ,نذكر منها:مستوى التالشي واألفول,مستوى الضياع والحيرة,مستوى الفراغ,وهي مستويات متكاملة ومترابطة ,فالضياع يؤدي إلى التالشي,واألفول ,وبدوره األفول يؤدي إلى الشعور بالفناء والعدم,وحقل العدم ليس معزوالً عن السياق ,بل ظهر على مساحة النصوص ,من خالل الصور الفنية القائمة -في مجملها-على اإليحاء ,والمفارقة ،واالنزياح ،والخيال الفسيح ,وتوظيف الرموز ما يبيح للقارئ فضا ًء من التأويل يستقرئ فيه غموض اإلشارات,أبعادها,وشعرية الصورة ,مع األخذ بعين االعتبار أن الحقول الداللية األخرى كحقل (الضياء,والحياة,واللقاء,والفوز)والتي يجمعها حقل الوجود أقل بروزا ً من حقل العدم,بالرغم من أنها بيّنة الحضور في الديوان,غير أن حضورها جاء تعبيراًعن قيمة الثنائيات الضدية ,وأثرها الواضح في بناء شعرية الصورة. تتصدى الشاعرة في المجموعة الشعرية-بشكل عام -لإلشكالي المعيش في واقع
ويحضرنا في الديوان بعض الرؤى الميثولوجية التي و َّ شت بها الشاعرة نتاجها الشعري؛ حين َّ وظفت في نصوصها األسطورة ,كما في أباريق ندى »/ :سيزيف» ي أحم ُل البال َد أ ِل ُد أثقالي ,عن َد أقرب نقط ٍة إلى هللا./ كنتُ ,فوق كتف ّ
تحقق عبارة /سيزيف» كنتُ /بثرائها الداللي المفتوح شعرية المعنى ,فهي تتسع لتستوعب الحركة الذهنية بكل تناقضاتها ,وبكل توافقاتها ,فسيزيف رمز المعاناة ./ينصب تركيز الذات الشاعرة آن معا ً ,توقا ً إلى /أباريق الندى ُّ واأللم ,وتحديهما في ٍ في هذه اللوحة على حقيقة جوهرية ,وهي انتصار إرادة الحياة على الموت .لذلك ترتبط الصورة التي ترسمها الذات الضعيفة القوية في آن بالحالة النفسية للشاعرة. لقد سعت ذات الشاعر إلى خلق إمكانات إبداعية تحدّت من خاللها عملية القهر الذاتي ،مصورة سعيها إلى اإلصرار على الثبات أمام عوامل الزمن ؛على الرغم من أن صورة األثقال/أ ِل ُد أثقالي/هنا ح َّمالة أوجه ؛ فقد يشي طموحها بالتغلب على سلبية الزمان ,وإقامة عالقة تصالحية بينها وبين مفرداته من جانب آخر. تقوم لغتها الثرية في النصوص على اإلشارة أكثرمن العبارة ،وما تختزن هذه اللغة من إيحاءات تنفتح بفعل التخييل على معان متعددة في أفق القول ،وفنيّة المقال ،فهي تأخذنا معها في آفاق اللذة الفنية واإلحساس الجمالي.ففي نصها الذي جاء بعنوان / مسام الصوت العاري /أطلقتُ صوتي ,رعافا ً يسي ُل في ال َمدى,حتى الشوك في ِ كوة بين حنجرتي وأناشيدي ال ُخض ِْر./ ّ الروحِ نما!آخر ّ تسهم العبارات في توليد فضاءات دالليّة ،وأبعاد جمالية فتتفاعل الصور في لغتها اإليحائية ؛لتعكس أبعاد األلم وسبل احتضاره داخل الذات الشاعرة ,اإلرادة وحدها تطفئ لهيب الروح العطشى إلى الحياة ,وتبرز التوق إلى عالم يغيب عنه األلم إلى عالم النشوة والوجود؛فيحضر نسق الوجود بقوة مناهضا ً نسق العدم ,الحاضر في صور الموت المحتم ,فشاعرتنا تحقق -عبر فنية -النص تنقالت خاطفة تتيح لها
تعرض لتيارات استالب ونفي ,فخاض رجاالته مقاومة إلطفاء نار األفول,وإذكاء نور الحياة. وهانحن مع رؤاها نرحل,وبين أطواء الصور المتناوبة في إيحاءاتها نطوف؛ فنراها كأمواج البحر تتناوب,تتهادى تارة فتهدأ ثورتها معلنة ولوجها عالم الذات,وتتسارع أخرى موحية بانفعاالتها ورفضها رداءة المصير ,وشجبها عالم االستالب. يشي العنوان ,الذي يُع ُّد مفتاحا ً عريضا ً آلفاق داللية ,وأبعاد إشارية ,وتأويلية ال متناهية في بواطن التراكيب ,بمفارقة عميقة /أغنية للبلشون الحزين /والبلشون كماهو معروف –مالك الحزين ,الطير الصامت في إيقاعه ,الهادئ في تهاديه ,إنهمعادل موضوعي ونفسي لذات أنشدت حزنها وألمها على أرض عيث فيها تخريبا ً وتدميراً .فمن نصها/:مدن الحزن /نعبر نفقا ً من الدالالت الكامنة في بُعد المجاز, ومضمرالصور ,وانزياحات اللغة التي تبتغي من ورائها بناء عوالم نفسية ,وجودية ال حدود لها ،تفر الذات الشاعرة إليها خالصا ً من واقع آسن ،انعدمت فيه اإلنسانية.. لستائر العتمة./تتكثف القادم تقول ,/:يا ك َّل هذا المخبوء في داخلي!حفنةَ ضوءٍ ِ ِ ِ المعاني في مجاز الصورة؛ لتسهم في خلق رؤية إبداعية تستوعب التجربة ,و تبرز براعة الشاعرة التصويرية واضحة,في تأكيدها اإلحساس بنقص الواقع ,وافتقاره أسانيد الوجود .فذات ال ّ شاعرة العطشى إلى الحياة تسعى لالنتقال من عالم الضعف إلى عالم القوة ,إلى الفعل بحثا ً عن الحرية,فقليل من النور زاد في غياهب الظالم. تستدعي الشاعرة عنصر التخيُّل –في معظم نصوصها -لتبيح لقارئ النص تحليقا ً يوائم عمق الصورة ,فيكون أمام مشهدية التضاد ؛إذ يتضاد نسقا التحدي واالستالب .فــ/القيعان المظلمة- /عنوان نص-تختصر زمان االستالب الوجودي ,ومكانه الذي !,يذيب ثلو َج عاشته الشاعره إبّان إفراغه من أوجه الحياة,تقول /في ذراعيك دف ٌء ُ شمال يُشع ُل أجنحةَ ال ّ الراقدة ./ الطيور ّ ِ تتوسل الشاعرة بصور شعرية تحمل شحنات رمزية إيحائية في إشاراتها لمعاني الحياة والوجود بعيدا ً عن قحل النفس وعدمها ،ما يؤكد توقها إلى النور الذي يؤرق غيابه الشاعرة ,فما بين الذراعين يكون أفق االنتظار.
التوحش والنازية الجديدة . بلغة اإليحاءات والدالالت التي تزكو قيمتها اإلشارية ,وتكثيف عمق المعنى الغائر تمضي نجاح إبراهيم في إنجاز نصوصها ,وإتقان نسجها ،على نحو ما يتحقق في تراصف وحداتها,وكثافة تأثيراتها ,وتنويع إيقاعاتها .ومن النصوص الثرية ذات التكثيف العالي القائم على عالقات شعرية بعيدة الغور ،قصيدة (سبية تقويم مرتين) ,فعليها سنحط الرحال قارئين ،مبرزين شعرية الصورة ،وصوالً إلى ٍ ي ٍ يواكب هذا العمل اإلبداعي ،ويسهم في دفعه إلى االرتقاء بالتجربة. نقد ّ ي ٍ موضوع ّ مرتين) ( َ سبيّةٌ ّ َح ْيرتي! ت النّخ ِل في البالد تطا ُل هاما ِ لمن أُفضي النابض من بما أثق َل َ ُ غرب ٍة اجترحوا غنائم اقتسموا و ِسيَ ٍر الكوا؟! ْ لمن أُلقي بواب ِل ارتجافي سبيّةُ أنا ال ّ سبي ّ شردوا ن َ ّ ومزقوا ُحلمي وأسقطوا في ك ّل مزا ٍد ت أوراقَ التو ِ عن عطري
الحضور وإثبات الوجود . ومن أهم التقنيات المستخدمة ،في نصوصها االقتباس والتضمين ,ففي نصها / سف,من عباء ِة المسافات,يم ّ آ ٍ خطو شط ي:/تقول/:أكاد!ُ أش ّم فو َح يو ُ ت إل ّ َ الوردِ/..؛فـ(يوسف) ليس سوى رمز ،أو قناع فني ؛ تستتر وراءه دالالت نفسية تؤكدأنّالذات الشاعرة ال تريد اإلقرار بواقع الضعف ؛ فتمضي إلى تخييل قدرتها على تجاوز الصعاب ,واقتحام األهوال والتحديات .من الواضح أن هذه التعالقات النصية ،والمتتابعات الداللية ترسم عالم الشاعرة الداخلي الذاتي الذي تأوي إليه، صى مدارات الوجود ،وتعود إلى كينونتها ليكون األمل متنفَّسها ،ومنقذها في فتتق َّ تحققُّها الماهوي. إن ما تحتويه الصور الفنية ك(الصوتُ أخرس ,إالّ ظالل المصابيحِ,تم ّد رقابَها ليندى انتظاري حقوالً من مذاق القهوة/من طاقات تعبيرية,وأبعاد داللية كامنة في مضمر الصورة تؤكد بحث الذات الشاعرة المستمر عن أقانيم وجودية .فالمصابيح نور مؤرجح مؤ ّجل ,يؤجله ظلمة عبَّرت عنها بمذاق القهوة ,الصورة التي تحمل السواد والمرار آن معاً. في ٍ رغم براعتها في بسط مساحة من االنزياح بين المعنى ومعنى المعنى ,فإن نجاح إبراهيم تستقي من الواقع بعض أحداث نصوصها,وصورها ,فتأتي الصورةمرتبطة بالحالة الشعورية للذات الشاعرة الرافلة في بحيرات من فناء وعدم في مجمل صبرها ع ص َّد ُ النصوص ,فهي التملك غير شظايا اآلهات والخيبات وكل األوجاع ,ي َّ ُ أحياناً،فال تكف تئن من األرزاء ،تتعطش إلي الحرية ،إلى الذات ،وأنى لها ذلك ؟ ,ففي مشهد يتميز بسموه الداللي تختصر فيه الشاعرة عذابات اإلنسانية في عذابات المرأة اإليزيدية,تقول في نص /بعيدا ً عن اللش /الذي توجه فيه رسالة إلى اإلنسانية ْ اقتسم العال ُم عذابَك /:/إن المهيضة »/أيتها اإلنسانية! :طوبى لك ،وأنت تتفرجين َ الظهر من الليلة األولى/تسخر الذات الشاعرة متألمة من فراغ الضمير سيحني َ ,متأوهة,في ظل صمت مطبق تمارسه اإلنسانية ,ليتداعى الوجود ,بتداعي رمز الخصب والحياة –المرأة,التي حولوها سلعة ومتاعا ً على أيدي غربان العصر,متفقهي
سهو يفض بكارات ال ّ ُّ ويَ ُ طعن النوم لي ٍل ّ مروعٍ الر ْ حيل ال ُ يستطيب ّ يا أيّها الممتشق حضورك! ت أصاب َع ها ِ تلمل ُم الدّم َع من الجراح مرتين قد أغرقوا تاريخي ّ إني كما لو كنتُ ألف َم ْح ٍو منذُ ِ ق من أقدم غر ٍ صراخٍ! وجعين!! ربّما أكثر أكثر! سعف! ما عاد ِ ت الذاكرة ُ ت ُ ُ يوشوش النهر كان ُ ُ صغير بعض سمكٍ ٍ َ ي يغمرها أصاب ُع قدم ّ طب الر ُ الرم ُل ّ ّ أنا أض ّج باألم ِل اليقين هذا الكون لهذا الشعب ع الما َء بين كتفيه الذي يزر ُ
فلم يتبقَ إال رائحةُ ّ الزنخِ ُ والوهن! وحيرة ٌ! رؤوس الجبال تداني َ لمن أشتكي؟! الرياء صحراء وهذا ّ ال عين تلتقط ُمطال َع الشروق وال ريح تمحو آثار حوافر َ عاثت في المقدّسات واخترقت بوابةَ الحضارات كسرت مفاتي َح المدن المندهش ِة ِ السر فبانَ ُّ وجسدي الملط ُخ بتال ِل الحصى الواخز ُ وزرد الحدي ِد الالذعة توقّ ُع ازدحاما ً في مسام األنين ال أح َد ْ القتيل المطر إلى عطشي يعي ُد َ إالّك... خر خوفا ً حين ترتعش وسادة ال ّ ُ ص ِ من لي ٍل يَجيء
سأكون شجرا ً بين يديك. يع ُّد العنوان /سبية مرتين /الجذر النفسي الذي يَعمل في الفضاء الشعري للقصيدة بعمق خاصيّتيه اإلشارية،والداللية ما يُغني شعرية النص الكامنة في األنساق : ص ،وما يضمره . المضمر منها والبارز ،والعالقة الجدلية بين ما يظهره النّ ّ تشي بنية النص الشعري في قصيدة /سبية مرتين/بأبعاد الصراع اإلنساني الوجودي القائم بين نسقي االستالب الوجودي الذي يضمر في ثناياه نسق الذات الخصب ,ونسق البحث عن الذات –الكائنة في صورة المرأة –األرض ,رمز ب على يد قوى الغدر الزمنية مع غياب الحرية . الوالدة والعطاء الذي است ُ ِل َ تنمو القصيدة بنيويا ً من خالل تدرجها ابتدا ًء من الحيرة التي انتابت الذات الشاعرة بفعل السبي/,حيرتي تداني رؤوس الجبال /الجملة الشعرية التي تُعد بؤرة َ إشعاع دالليّةً ،ومنها تتنامى الجمل الشعرية المجسدة ببنيتها ذهول الذات الشاعرة ذهوالً اليُطال ,بلغ عمقه مبلغ ذرا/رؤوس الجبال وهامات النخل ..,/تتكثف الشعرية هنا في سعي الذات الشاعرة إلى ملء الهوة ,أو ردم فجوة التوترالكامنة بين العدم والوجود بين االستالب والحضور ,وذلك من خالل تلمسها السمو والرفعة واستحضار شيء من عزة النفس المفقودة بفعل السبي ؛ فليست عبثا ً تلك المقاربة التي قادها إليها اإلحساس بالتالشي .و في استفهامها الذي شكل دفقة داللية ابتعدت عن وظيفتها النحوية ,نلج مشهديّةً تخييلية تنفتح على لحظة رحيل الحرية ،وتمزق الذات الشاعرة التي تعيش ثقافة استالب الخصب ,وتشهد انقالب االستقرار إلى تحول. /لمن أُفضي ْ , لمن أُلقي,لمن أشتكي وهذا الرياء صحراء؟,/تجسيد له ٍ ّم كبيرماانفك السبي الجس َد ..هو تصوير النفس الفاقدة َم ْن ينال من الروح والنفس بعد أن طال ُ رحل ,ـ فـ/لمن /ليست سؤاالً تنتظر منه الشاعرة جواباً ,إنما أداة استنكاروتعجب, أوحت بتمزقها ,مضفية جوا ً من الحزن ,إذ كشف سؤالها اإلنكاري الذي يضمر القهروالغربة وألم الفراق,والقلق بإزاء غياب نسق األنوثة ما يعني – في ثقافتها ووعيها -إفناء الخصب وفقد الحياة .
ُ الشروق يتوضأ بين راحتيه... فجأة... راعني ُ نار تنين ٍ الته ُم قصري سابقني لهاثي ملتحيان بتره رجالن ِ راوداني عن حياةٍ اللبالب فيها كفيل ٍة ألن يمت َّد ُ آخر حنين إلى ِ الرو َح رميا في النهر ّ ِ خنقا حتى األنين ال أحد! ال أحد!! ي يُحيي ما مات ف ّ إالكَ... ب هبْني ما يشذّ ُ حزني... غربتي... ت الفائتةَ يعي ُد الخطوا ِ دربي المسكين إلى َ ي المج َد َ المكسور إل ّ وقتها !
وفي محاولة من الذات الشاعرة الستيعاب مشهد االستالب من زوايا متعددة , صها ال ّ ي بطاقات و تأكيد فكرة استيالد البقاء من رحم الفناء تشحن الشاعرة نّ ّ شعر ّ طب. /فهي تلتمس الحياة منذ البدء الر ُ الرم ُل ّ ي يغمرها ّ إيحائية جماليّة/ ,أصاب ُع قدم ّ اجتثاثا ً ألشواك الغدر,أوليست أصابع القدمين أول الجسم .,وقد يتحول الفعل / طب /بقوته البنائية إلى مولد للطاقة التي تشحن عناصر النص الر ُ الرم ُل ّ يغمرها ّ بالقوة التوالدية ,مؤكدة توقها إلى فعل الغمر ,و اإلحاطة والرعاية ,والتماس الحب . تقابل مساحة السواد –في الصورة -بوشي من البياض ؛فبعد إعالن الذات الشاعرة عن وقوعها في أجواء الفقد تسعى إلى اجتياز مساحات نفسية واسعة تتعالى فيها أصوات الخراب والموت والشؤم فتشكل لوحة مناهضة تكتنز في مقوالتها مالمح التحدي والتماسك أمالً في الثبات والبقاء وتجاوز المحن /,أنا أض ّج باألم ِل اليقين ُ النهر كان الشروق, ع الما َء بين كتفيه ,يتوضأ ,هذا الكون لهذا الشعب الذي يزر ُ ُ صغير ,/توظف الشاعرة اإليحاء وصوالً لغرضها بامتهان يوشوش ,بعض سمكٍ ُ ٍ َ يؤرق الذات الشاعرة لغوي,ففي نظرة عجلى لألفعال نستبطن فيها حس الوجود الذي ِ ّ /,أضج باألمل,يزرع الماء ,يتوضأ الشروق /هو األمل بالحياة ,بالنور ,بالخصب,ثم كيف لهذا الشعب أن يزرع الماء بين كفيه؟إنها كناية عن الكرم والعطاء,وفي ضوء الشروق تطهير النور الذي مافتئ يشتعل ناراً؛فالب ّد من أن تعود للشروق ميزته,وهي الوالدة البكر لعالم ينضح بالجمال ,يبدد عتمة الفناء ,يدعمها السمك الصغيربرعم الحياة في نهر جار ليس إال انعكاسا ً لصورة األرض التي تتدفق عطا ًء .فالسمك معادل موضوعي للشاعرة التي تريد أن تنزع عن واقعها الوجودي غطاء الهشاشة والضعف. وكلما تدرجنا في بواطن النص وأطوائه ننفتح على مشهدية يتكثف فيها الرمز ؛ليتعمق تأويل الدالالت,حين تستفيق الذات الشاعرة -من جديد -على واقع السبي لمرتين.فالشيء ينسيها انهزام الحضارات أمام قوافل التتار الجديدة ,ومطالع الغروب التي لن تستسلم لها,وال النكسار المفاتيح ,وال ُ لزرد الحديد ,واللوخز الحصى , خر ويزيد الصورة داللة على عنفوان الغدروقوته ,قولها/:حين ترتعش وسادة ال ّ ُ ص ِ خوفا ً من لي ٍل يَجيء/؛إذيكمن التعبير في (وسادة الصخر) عن المعنى في أبلغ صورة ؛وللصورة –هنا -معنى مزدوجاً؛القساوة والقوة ,فأن يغدو الصخر وسادة يعني اجتراح الحياة من قلب الممات,اجتراح قوة الصخر من غيهب الضعف ,إنها القوة التي انتظرتها الذات الشاعرة طويالً في ـكثير من األمكنة التي لها كبير األثر في النفس ,ففيها –ربما-عاشت العطش الوجودي ,والتصحر النفسي ,والدمار .
سد اإلحساس بالصراع الوجودي في رؤيا الذات الشاعرة المتوترة القلقة ويتج ِ ّ للوجود اإلنساني بفعل اتساع الهوة النفسية بين النسقين ,فيختزن كل نسق منهما عالقة ضديّة بين ما تظهره الصورة من رحيل وفراق ,و ما تخفيه من شعور يؤ ّكد وعي الشاعرة حالة االنفصال عن الذات .إذ تُساق األفعال الحمالة لمعنى ي الفاعل في السبي واالستالب الوجودي /مزقوا,شردوا,أسقطوا /تاركة أثرها الدالل ّ ذات القارئ ؛ و السيما أنها وثيقة الصلة بحالة التيه المتنامية التي تؤكدها صورة الرياء صحراء /رمز االتساع واالبتالع ,وهو إقرار الصحراء /لمن أشتكي؟!وهذا ّ مبطن بالتعطش إلى الحياة . تأبى الروح االستسالم ,وتسعى للنهوض من بؤر العدم ,مستحضرة صورا ً تتكثف فيها داللةالحياة /أصابع قدمي يغمرها الرمل الرطب /فهي تتلمس منعطفات الحياة منذ البدء,تتلمس الخالص ,قبل أن تلج ثانية نسق الفناء في ظلمة الغياب /راعني تنين نار التهم قصري/..لتعلن من جديد اجتثاث الحياة في صورة مريرة ,مشيرة فيها إلى النازيَّة الغازيَّة التي اجتاحت الحرية والحياة وحولتهما إلى عالم من العبودية والفناء .فصوت األنا هنا أقدر األصوات على التعبيرواإليحاء بمشاعر اليأس واألسى والشجون ؛إذ توحي اهتزازاته العميقة باالضطرابات النفسية والسحق والتخريب الذاتي. تنحت نجاح إبراهيم كلماتها من قلب ظامئ أبدا إلى الحرية ،وسؤال يخطرنا ,كيف يمكن لهذه الـ»سبية» /التي احتطب فرحها في ليل الفجيعة ,وألقى بفأس نشوتها قرب وشاح الوجع أن تنهض ثانية ؟ .هنا مكمن اإلبداع؛ إذيسترسل الخطاب الشعري في عملية التشكيل الداللي في صراع الحضور/الغياب ؛ و الشاعرة في نصها تنتقل بفنية عالية من الصورة البالغية إلى عالم التخييل ،حيث جاءت عبارة /الشعب ُ لترسم عبر االنتقال المجازي الشروق./ ع الما َء بين كتفيه يتوضأ الذي يزر ُ مشهدية تتف ِ ّجر فيها الدالالت المضمرة و الدالالت الصريحة مؤكدة أن جوهر التضاد قائم في أساسه على فكرة الصراع بين متضادين تمليهما نفسية الشاعرة و عالمها الداخلي ,فهي تعمد إلى التغيير ومحو عالم اآلخر الخارجي لبناء عالمها الذاتي .
«ولعل لغة النداء /ياأيها الممتشق حضورك هات أصابع تلملم الدمع من الجراح/ تجسد بشكل واضح حقيقة الصوت اإلنساني المنبعث من قلب ضنين بالعالقة اإلنسانية ,وثبات اآلخر؛ لذا تستحضر صورة أوراق التوت ومطالع الشروق والمطر ,رافضة كل ما يهدد استقرارها النفسي . تُظهر الشاعرة مقدرة عالية على تطويع الصورة بما تنطوي عليه من مكامن داللية ,وعلى تحقيق الشعرية الكامنة في ردم فجوة التوتر بين نسقي الوجود والعدم ,من خالل فتحها األبواب الموصدة على الوجود .فهي بـ/انتظار الفرج بلهفة,القلب يشتعل أناشيد ومطراً ,هبني مايشذب حزني,غربتي ,وقتها سأكون شجرا ً بين يديك ../تأخذنا هذه البنية اللغوية برموزها ودالالتها حيث فعالية تحريك المعنى عن ثباته اللغوي إلى استنتاج (معنى المعنى)أي الخصب المولود من قلب الصحارى,من لب الصخر؛ لتشفي غليل الضعف بالقوة ,وتشفي القوة الساطية بقوة ذاتية َولود. ّ مايؤكد رغبة الذات الشاعرة بالخوض في ل ّجة الوجود؛ لذا تستجدي بألم دفين دربي ت الفائتةَ ,إلى ب ,حزني...غربتي...يعي ُد الخطوا ِ مايبدد األحزان /هبْني ما يشذّ ُ َ المسكين ,وقتها !سأكون شجراًبين يديك ./.فالشجر رمز من رموز الخصب والحياة, والوالدة والتجدد,وهو حلم بالتطهير من أدران العدم. وختاما ً فإن هذا المستوى الذي توفرت عليه نصوص نجاح ،ينضاف إلى المستويات السابقة التي عهدناها في دواوينها الشعرية السابقة ،والسيما في نزوعها نحو العلوارتقا ًء إنسانيا ً وجماليا ً ما يجعل من قصائدها نموذجا ً أعلى للجمال الفني.
}]]]]}]
د .غيثاء قادرة /سوريا
الشاعر األرمني زاريه خراخوني ترجمة مهران ميناسيان
لنكن كالجموع – ونفعل كل شيء لنصفق مثلهم – لنطعن بأرجلنا معهم هذا او ذاك ولنلق المحاضرات ونتوسط من أجلهم جميعا ولنرفع أصابعنا ونوجه األسئلة بحضور اآلخرين وال نفهم منهم إال الضجيج ومن ثم نجلس ونتأمل وحيدين *** لنفتح قلوبنا للجميع ونوزع انفسنا لآلخرين كالخبز قطعة قطعة لنتقاسم آالم اآلخرين -ونسرد لهم همومنا ونعرض أنفسنا للسعات االبتسامات المهينة لهذا أو ذاك ومن ثم نتألم ونتحمل كل ذلك وحيدين
……ومن ثم ومن ثم نتوجه إلى الجميع ونصلي وحيدين
لنفتح أحضاننا للحشود ونلق باأنفسنا في أحضان الجماهير بسرور من يلقي بنفسه في البحر فلنسر ونصرخ معهم -لنحس بانفسنا أقوياء مثلهم -ونتملقهم ونحن نرتجف وبالكاد نخلص أنفسنا من خطر االنسحاق ومن ثم ننزوي ونبقي وحيدين *** لنمد أيادينا إلي العالم لنتآخ مع الغريب ن مع اآلتي والعابر لنفتح أبوابنا للقريب والغريب كما تفتح المائدة والروح لنحب ونمنح بإسراف في حين نري أن الكل يريدون المجيء إلينا ليحكموا علينا وحينئذ نحزن ونبكي وحيدين ***
المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء كتب /رياض الدليمي الشاعرة الكردية كزال ابراهيم تنعيها الورود وكرات الثلج وشقائق النعمان انها بنت اعشاش العصافير ودمى الحروف ورهافة نسائم الربيع تودع روحها انيسة لطبيعة كردستان مكانا ابديا بجوار نيران كاوه الحداد والشيخ محمود الحفيد وعبدهللا كوران ..انها شهيدة الكلمة والعفة والصمت على البلوى والمصائب وضيق الحال ..كانت تصنع الصبر خبزا ألوالدها ولم يشكوا ..بل كانوا يشربون عسل اناملها فصاموا دهورا وهم يشدون بطونهم لكي ال يسمعون امهم كزال ضجرهم وسقمهم من هذا الحال .. اقول لك ياكزال ((أَأ َ األرض ضرب ُ َ
أم أَركضها ؟
ضفائرك ت تقصين وأن ِ ِ تحملينَ الزعفرانَ ْ والتوبة أُ ب ووج ِه طرطش الما َء على جن ِ ُ الرمان بسياط ع ألذ ُ ِ ِ تلك اللحظ ِة أصبر ُ وأقهقهُ واألنيس الوقت َ َ واألحالم لئال تهربْ َ ت أن ِ تمنحينَ حياة ً لمن ال يرغب القصور تتخفين بين ِ
الكرد لها فماتت ولم تمت اجنحتها وهي ترفرف في سماء العراق ..تفخر بنفسها ألنها امرأة فتقول : كانوا يقولون: حين تبكي المرأة تنتهي البسمات، وتيبس األرجاء، وللحظات تصمت الجبال... للشاعرة الراحلة الكثير من اإلصدارات األدبية بلغت 24ديوانا شعريا باللغة الكردية ،منها (شذرات من العشق) و (يدي مآلى بالمطر) اضافة الى االعمال الكاملة. تُرجمت دواوينها الشعريّة إلى اللغات الفارسية ،والالتينية ،والعربية ،وبعض والروسية ،واالسبانية. قصائدها الى اللغة االنكليزية ،واأللمانيةّ ، لها ديوان شعري مترجم إلى العربية بعنوان “عين للعشق حضن للمحبة” ولها ديوان شعري مترجم الي اللغة الفارسية. حصلت على العديد من الجوائز واالوسمة وشهادات الشكر والتقدير وقدمت العشرات من رساالت الماجستير والدكتوراه النقدية في جامعات اقليم كوردستان. وحصلت على المركز األول في الشعر عن ديوان «قصبة قلعةدزة» وتسلّمت الجائزة عن هذا المركز من وزير الثقافة العراقي. حصلت على المركز السادس في الشعر في دولة مصر. حلصت على 110جائزة و ّ شهادات تقديريّة في الكثير من الدّول العربيّة. األول في مجمل المسابقات األدبيّة الّتي شاركت فيها ،حصلت ّ 20 مرة على المركز ّ مرة على المركز مرة على المركز الثالث وّ 12 مرة على المركز الثاني و ّ 18 وّ 35
باكيةً صبري وبلواي ّ تجودينَ بالروحِ عني
ت فتخج ُل ك ّل الفضاءا ِ خلقك اللحظة من ِ جدائلك فتمطر على ِ ُ صحف األنبياء ُ ت وعروش الطواغي ِ َ صبري تتوددينَ َ عمرك تد َّخرينَ ِ ضفائر َ وقمحا ً لمرحِ الينابيع
حروف الروا ِة انسجي َ أسرابا ً من بع ِد
صبرك أطعميني جرعات ِ شهدا ً وجنات ُخل ٍد )) كزال ابراهيم ابنة 1مارس 1968تكتب للحب والورد والفرح القادم نسجت ألوالدها ومحبيها بيوت احالم وامان بغد اجمل .. رسمت الوان الجلنار على فم الصباح فكان شهيا للقبل ولذيذ النشوى لكل من يبحث عن الجمال واالمل ..لقد طرزت ايامها محبة لآلخر فكانت الهة جمال وحب وطمأنينة .فتوسدوا دواوينها وركبوا بساط احالمها فتجوا وعبروا كل دروب الكره والفتنة ومسالك القتل التي حالت دون تمزيق وطنها ..انها حمامة سالم وجسر تواصل بين ثقافات بلدها العراق لقد احبها العرب والتركمان وااليزيد بقدر حب
شوارعه مفعمة برائحة الهلع وأياديه مثقلة برائحة الخيانة والسنته ملئية باألكاذيب وانا أسمي هذا الوطن 4 في طفولتي كنت شديدة الكره للعاصفة في احد االيام جاءت عاصفة سرقت مني دميتي ولكني اآلن كلما هبت العواصف أشتهي فرحا ُ اقول ربما هبت من لدنك يترشح منها أريجك 5 يقال ان القمر ال يتقن الغناء هذه الليلة أنا والقمر غنينا حتى الصباح هو غنى للنجوم وانا غنيت لعينيك
الرابع. مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر ترجمة «لطيف هلمت شعر»كه زال ابراهيم خدر 1 حين وجدتك كنت تلة تحولت الى جبل كنت نبعا ً فأصبحت بحرا ُ كنت ليلة قاتمة فأصبحت صبحا منيرا ُ كنت طيرا ُ في قفص عدت الى أعالي أغصان األشجار ألنثر النغمات الحلوة واألغاني 2 كالنا أنا وأنت سجينان انت سجين التقاليد وانا سجينة الخوف 3 وطني
لم استطع ان ابلل حنجرتك بقطرات من الحليب انت المتهم ألنك لم تتمكن من تعلم لغة االنهار كي تنقذك من االمواج وتوصلك الى جنبي انا المتهمة ألني من اجل تناول حفنة من السنابل ابعدت الطيور 8 ما بأيدينا فأحالمنا الماضية لن تسطيع الطيران والوصول الى أي بستان ودموع الطفولة تجهل العودة الى خاليا الضحك ماذا أفعل بأناملي الذابلة لم تستطع ان تكتب «»كن حبيبي وماذا افعل بشفاهي ولساني لم تجرأ احداهما ان تقول لك « كن عشيقي
6 هيا استمع الى لوني أنا اتكلم معك بلوني تصفح اوراق الهوى ان سمعي ال يفقه االّ الحب انت تريد أن تغمرني بالسعادة بنظراتك األخيرة أمنياتي اذهب فأنا لن أحلم بك ابدا ُ لن احلم بمن يجهل جلّنار الحب 7 كالنا واقفان امام محكمة ألحاكم فيها أي منّا متهم في هذه المواجهة أنت كنت عابر سبيل تجهل الطرقات الجانبية تلك التي توصلك الى مركز القلب وانا كنت راعية
احول النجوم الى اشعاعات خالدة وامنح الخضرة األبدية لغاية وألملم ضفائر سيدة األنوار 12 أنا دمعة وأنت مئات الدموع المتناثرة هاتين العينين اريدهما للحب وليس لرؤية الكوابيس في الليالي المزعجة 13 في الحب ولدت ولكني أجهل تعريف الحب نعيش في واقع تساوت فيه الحياة والموت 14 ماذا نفعل يا عزيزي حين تذبل الورود لن تتالصق مرة ثانية مع األغصان
9 عبر أرواح ليلة بيضاء وعبر قلوب نارية وعبر تثاؤب ليلة هادئة خطوت فوصلت بستان قلبك وحلمت بحمامة براعم وردة شفاهك وتحولت الى مساء من مساءات المدينة فجذب انتباهي فنان فتحولت الى ظالل اشجار الطرقات 10 تشبه ظالم قمر قلبي القاتم وحين أرى شفتيك المغمورة بالخمر تمتلئ بالضحك والبسمات تتحول احاسيسي الى فراشة وحياتي تتحول الى يراعات تحوم حول اضواء تلك االقواس القزحية المشردة 11 بأناملي اكتب ضباب غمزات جراحاتي
وحين نكتب اآلالم لن تمحيها لذائذ مئات القبالت
تعال ي حميد رساب تعال ْ لكه ف ي� ي فّ ن بك� وكو� ي ي ً حماما وديعا ف بسق� سيلهو ي بلطف ويشدو ِ ويهوي رسيعا شّ ف وعط� لع� ي ي ئ وقمح وما� ي ي وملح وزادي ي
سنغدو ربيعا ًّ بهيا بديعا ن وكو� تعال ي ي َ الجنون جنون ِ َ الغصون وميس ِ ّ وسدا منيعا ّ الحصون قوي ِ
الخيال بحجم ِ ِ الجمال وسحر ِ ن وكو� غزال ي
ن وكو� تعال ي ي ً ّ لشط ضفافا ي وتعط سخاءا ي ف لكه� تعال ي ي فّ بك� ي وص�ي ي ْ سماءا مضيئة ْ َ نجوما وضيئة تعال ّ إل ي ي نّ وح� ّ عل ي ي ّ وخل يديك ِ ي ُت َح نّ� يديّ ي ً ّ حنينا وودا ً ّ حسابا وعدا وألف بألف ِ ٍ ف لكه� تعال ي ي فّ ن بص� وكو� ي ي حميم يشوق ِ ٍ عميم وتوق ِ ٍ تعال تعال ي ي
شاعر ال ّ ضدّين ُ د .هويدا شريف مــن بيــن أزقــة دمشــق وجدرانهــا وحاراتهــا ،ومــن عبــق ياســمينها وفلّهــا وآســها ،ومــن مآذنهــا ـب والرقــة والوجــد ،جامعًــا للضديــن بيــن الحـ ّ وكنائســها وأشــجارها ،أتــى مح ّم ـاً بــك ّل الحـ ّ ـب ّ والتّمــرد ،وبيــن الدّبلوماســية والثّوريــة ،وبيــن التّمســك بالجــذور والقيــام على الموروثــات البالية، فــإن تج ّمــع النقيضيــن فهــذا ليــس باألمــر الســهل ،لذلــك أختُلــف فــي أمــر شــاعرنا ،فمنهــم مــن قــال عنــه بأنّــه قديــس ومنهــم مــن جعلــه النّقيــض.
وليســت مصادفــة غريبــة أن تتزامــن ذكــرى ميــاد ال ّ شــاعر الراحــل نــزار قبانــي بعيــد االم 21مــارس ،فالمــرأة بشــكل عــام تتربــع فــي قلبــه ،وتكلــل قصائــده ،وهــو الــذي أيقــن أن حريــة المــرأة مــن حريــة األوطــان ،وصفــوه بأنــه «شــاعر المــرأة « فجــاءت صياغتــه فلســفة عشــقيّة ،ونظــر للمتلقــي العربــي نظــرة حميميــة فحــرر قصائــده مــن اللوغاريتمــات المبهمــة . إنّــه نــزار بــن توفيــق القبانــي ،الدبلوماســي والشــاعر الــذي لــم يثُــر قبانــي علــى الديــن بــل ثــار علــى الخرافــة والعبوديــة ،فجاهــر بمبادئــه المعاديــة للــذل، والداعيــة إلــى التمــرد علــى العــادات والتقاليــد التــي تقلــل مــن قيمــة اإلنســان. ـب فــي العالــم العربــي ســجين وأنــا أريــد تحريــره ،أريــد تحريــر هــو مــن قــال فــي الحــب إن الحـ َّ الحــس والجســد العربــي بشــعري ،فــإن العالقــة بيــن الرجــل والمــرأة فــي مجتمعنــا غيــر ســليمة.
حتّــى أنــه ثــار علــى العروبــة المزيفــة وشــبهها باألرملــة ،فلــم يعــرف ع ّمــن سيشــكو عــن العروبــة أم العربــا ،متعجب ـا ً مــن كيفيّــة الكتابــة بحريّــة واألقفــال فــي فــم ك ّل عربــي وك ّل ثانيــة
يأتيــك ســفاح فقــد حمــل شــعره علــى ظهــره حتــى أتعبــه ،ومــاذا مــن الشــعر يبقــى حيــن يرتــاح . الشــاعر الــذي رســم العالــم والحيــاة بالكلمات،شــاعر التناقضــات العربيــة ،الــذي مــأ الدّنيــا وشــغل النّــاس فــي النّصــف الثانــي مــن القــرن العشــرين ولــم تــزل اشــعاره ورســومه وصــوره والوانــه تنتشــر فــي ك ّل أصقــاع المعمــورة واذا كان نــزار قــد رحــل رحلــة نهائيــة ،فــإن تراثــه األدبــي ســيبقى الــى جانــب تاريخــه األدبــي والفكــري علــى طــول ّ الزمــن.
ين فلسط� عىل أرض عل لفته سعيد ي ن تساور� الشكوك ي ٌ حبل؟ هل يدك أم ساقاك تركضان بالحجارة؟ ّ هل يلفك القطن األبيض المصبوغ بسخام الحرب؟ زف�ك حارق؟ أم ي ركبتاك من تفاصيل الموت والسماوات ساجدة تدفع العربية يك تقذف روحك ً ّ فتلم األرض نشيدا أقرأ ما ي ن ب� شفتيك ُ جرح رصخة ٍ وعيناك ف تصطادان فعل ّ الصمت ي� حناجرنا يدك الراسمة للرقم ي ن أثن� َ ّ ف وأنت وحدك ترسم ظلك ي� رأسك كيف لعضلة ساعدك األيمن ترسم مالمح الجوع ّ رباط لم يعد للخيل فيها من مأرب وتقوى عىل قذف ما تيس لك من ٍ َ ً فالتا من ّ ً كف السجون أصبعا ترسل يدك الممدودة أقرأ تفاصيل جيدك وحبل الوريد وصدرك الموبوء بالعشق نّ ّ عي� اتقاء دخان القنابل وأنا البعيد ربما أغمض ي أمسك بيد امر ي ن علم تج أت� من ٍ وسان الطريق لتفسحا السبيل اىل الدعاء
رصاخ جزيئة كا� د .سجال الر ب ي
ُ ِّ ُ لمن أقدم اعتذاري ألرض َك !... ِ ُ رفضت ث َ ين ن� بذار ش ِّ ال� ح� ِ َ ٌ رؤوس فأينعت َ ُ هربت ساعة القطاف... ُ قلم يحصد قمح َالمحبة ي َ ُ ورد القبالت َ ُ ّ قدمُ اعتذاري ...؟ ِلمن أ ِ لك َ يان َه ُر ...؟! تّ َ َ عاتبتك تس�ت ِاألقمار وجئت بالفتية ِ ً ورودا حمر القطوف ُ نذرت خصامك... والعروق ظمأى... آه ٍ يا نخلة المنتىه َ يا ُبستان الدموع ن ن احرقي�... ذري� ي ي ن امطري�... ي
الصخر الرمل ِ ...م َن سانهض ...من ِ ِ ِّ ُ الشط ...من ي ن َالط� سأنهض من ِ ً ً ً جزيئة ...واثبة ...صارخة ُ َ ُ َ فديتك ...فديتك
أقواس قزح:
عمر شبيل
جذوة من ثلوج جبل الشيخ ق الموسي� ضجيج، “ من دون الحب كل ك ُّل الرقص جنون ،ك ُّل العبادات عبء» موالنا جالل الدين الرومي “”1 حيــن أقــرأ عم ـاً شــعريا ً جمي ـاً أحــس مــع كاتــب هــذا الشــعر معاناتــه ومقــدار صعوب ـ ِة إيجــاد الكلمــات التــي نقرؤهــا نحــن بســهولة فــي شــعره ،والتــي كان الشــاعر يطــارد ُم ْع ِوصاتهــا قســراً ،وكنــت آنــذاك أرد ُد ئ كلماتــه: بيتـا ً لنــزار قبانــي يخاطــب بــه قــار َ تمر عليها ت ّ َذك َّْر ،وأنتَ ُّ
عذاب الحروف لكي تو َجدا َ
ســلَّ ُم ْه» .وإذا كانــت الكتابــة ـعر صعـ ٌ ـب وطويـ ٌل ُ وقديمـا ً أدرك «الحطيئــة» هــذه الصعوبــة حيــن قــال« :الشـ ُ ُّ والشــجر أقالمــا ً وحراشــا ً بكلمــا ٍ صيَــغ البحــر مــدادا ً لهــا، ت ال تنتهــي ،ولــو كان معانــاة ونزيفــا ً ِ ُ ُ تخــط ِ اســتعمالها ودالالتهــا التــي ال تنضــب .نعــم ،إذا كانــت الكتابــة اإلبداعيــة قريبــة مــن مفهــوم القتــل واالنتحار، فلمــاذا نقــدم عليهــا ،ونحــن نــدري أنهــا أشــبه بجــزر الســاحرات فــي األوذيســة التــي تغــري ســاحراتها البحــارة بغنائهـ ّ ي ِ الــذي ال يُقــاوم ،والــذي يقودهــم قســرا ً إلــى هــذه الجزيــرة الملعونــة ،ثــم ت ُ َحـ ّـو ُل ـن الشــج ّ الســاحراتُ البحــارة َ وقــودا ً الســتمرار شــجو غنائهــن الســاحر الــذي هــو أكثــر إغــرا ًء مــن الوصــول إلــى “إيتــاكا” .وهــذا الشــجو اآلرس نفســه هــو الــذي يجعــل “بعــض الطيــور تغـنّ وه ُت ْح َت ـرضَ ُ ” .ويظـ ُّـل اإللحـ ُ ـاح ي ي ف مطروحـ ًـا بأبعـ َـد مــن صيغــة الســؤال :لمــاذا ،ولمــاذا؟ .واألغــرب أن الشــعر كان ،كمــا يبــدو ،الموجــود األول ي� ّ إن آدم ث صــدر اإلنســان األول ،كمــا تــروي حكايــات األقدمـ ي ن ر� ابنــه ـ� ،وليســت أســطورة بســيطة أن يقــال ً “هابيــل” شــعرا عندمــا قتلــه أخــوه “قابيــل” .والمهــم هنــا ليــس حقيقــة حصــول هــذا الرثــاء مــن عدمــه ،ولكـ ّـن ت ه البدء. داللة ما ترمز إليه هذه األســطورة لعالقة ال ًشــعر باإلنســان األول ،ومنذ الكلمة ي ال� كانت ي األهم َ َ َ ف ف ٌ ـوح نفســه ي� ســواء أحدثــت الروايــة أم لــم ت َحــدث .وليــس غريبــا أن نســمع الشــعر ي� بــاد العــرب قبــل الـ ي مراحــل مــا قبــل اإلســام ،ونســمع األقدمـ ي ن ـعر حتــى تتــركَ اإلبـ ُل الحنيــن». ـ� يقولــون“ :لــن يتــرك العــرب الشـ َ وقــد حــاول وفــي كل األمــم فــي مــا وصــل إلينــا مــن قديــم الشــعر العربــي أن يجعلــوا للشــعر وحيـا ً يلقّـ ُ ـن الشــعراء ُ ـر َر أشــعارهم ،فهوميــروس يفتتــح إلياذتــه بالتوســل بربــة الشــعر لتلهمــه نقــل االحتــدام الوبيــل غـ َ فــي حــرب طــروادة ،وتخليــد بطولــة اليونانييــن بشــخصية بطلهــم األســطوري «أخيــل» ،ويبــدأ ملحمتــه هكــذا: بن بيال» ربةَ الشعر عن «أخي َل ِ
ح ّدِثينا واروي احتداما ً وبيال
وخلــق العــرب «وادي عبقــر» ليوحــي للشــعراء تنزيلهــم ،وجعلــوا لــكل شــاعر شــيطانه الــذي ينـ ِ ّ ـز ُل عليــه الشــعر ،يقــول امــرؤ القيــس: ُّ الجن أشعارها تُلَ ِقّنُني
َّ شعرهن انتقَيْت فما شئتُ من
وكان الشــاعر يتباهــى بقــوة شــيطانه الــذي ينــزل عليــه الشــعر ،ويفضلــه علــى شــيطان شــاعر آخــر:
الباكيــن حولــي» .نعــم البــكاء هــو شــعر فــي النهايــة .فالشــعر بــوح ،والبــوح خــروج إلــى الضــوء ،وال يكــون ذلــك إال بمقــدار مــا يســتطيع الشــعر أن يغــوص .ولــذا فالشــعر هــو معــارك الداخــل مــع كل أســئلة الكــون ،والشــاعر الحقيقــي هــو الــذي يشــعر بأنــه ســيموت إن لــم يكتــب ،والمــوت هنــا خــروج مــن اآلنــي والعــادي .المــوت ليــس فقــط التمــدد فــوق آلــة حدبــاء .المــوت حيــن ينصــرف المبــدع عــن إخــراج حرائقــه ليحــرق كل مــا هــو مبتــذل فــي العالــم .إن احمــرار الثمــار يحتــاج شمسـا ً حــارة. وهنــا تجــدر اإلشــارة إلــى أن اإلبــداع مهمــا ســطع فــي النتــاج الشــعري فإنــه يبقــى قاصــرا ً عــن بلــوغ المناطــق القصيــة فــي النفــس البشــرية ،وهنــا ألــم آخــر يتعــرض لــه المبــدع ،حيــث تظ ـ ُّل كلماتــه مرايــا ـهر الخلـ ُـق ّ للداخــل ،وليســت الداخـ َل نفســه“ ،ويسـ ُ جراهــا ويختصـ ُـم” ،حتــى ولــو نــام المتنبي عن شــواردها، ّ ـن إلنجــاز روائعــه ،لقــد كان يطاردهــا فــي فلــوات روحــه كمــا ـهر طويـ ٍل وم ْ إن نومــه كان ممزوجـا ً بسـ ٍ ضـ ٍ ـر عنهــا بكلمــة يطــارد الصيــاد غــزاالً نافــراً ،وهــو المعتــرف بقســوبة وصعوبــة تلــك المطــاردة ،والتــي عبّـ َ «قســراً» فــي قولــه: الشعر قسرا ً أراكض ُم ْع ِوصات ُ ِ
فأقتلُها وغيري في الطرا ِد
ويظــل الشــاعر يركــض وراء إدراك ذاتــه ،ولكنــه ال يســتطيع ،ولــذا تظــل القصيــدة األرقــى عنــد الشــاعر المبــدع هــي القصيــدة التــي لــم يكتبهــا ،ويظــل ينتظــر مجيئهــا ،ولكنهــا تأتــي وال تأتــي .ومــن وجــع الشــعر: ـ� َمقـ ُ “ إذا القـ ُ ـول قبــل القائلـ ي ن ـول” وكمــا أن لآللــة وقــودا ً يحركهــا ،فللشــعر وقــود أيضـاً ،وهــو الحــب ،فــا شــعر حيــث ال يوجــد حــب ،وكلمــا خامــر الحــبّ وجــدان المبــدع تصبــح قطــوف قصائــده دانيــة أكثــر ،ونقيــض الحــب كالكراهيــة والنفــور والقهــر ينابيعهــا العميقــة توجــد فــي أرض الحــبْ . أن تُق َهــر مــن شــيء فهــو تعبيــر مقلــوب عــن شــدة رغبتــك بامتالكــه أوالنيــل منــهّ . إن حــبّ امــرئ القيــس والـ َده أورثــه عــداوة وكراهيــة بنــي أســد الذيــن قتلــوا أبــاه، ق أ َهــل» ،ويســيل وقلَبَــه مــن شــاعر متهتــك يعقــر للعــذارى مطيتــه إلــى شـ ٍ ـاعر ًحزيــن يــأرق «مســا ًء لبــر ٍ ّ ـو اليــوم وال ـى بفعــل الحــب والكراهيــة فــي آن“ :ضيعـ ن يـ� صغـ يـرا ،وحملـ ن يـ� دمــه كبيــراً ،ال صحـ َ ـجى وأسـ ً شـ ً سـ ْك َر غــداً» ،وهــذا مــا أدخلــه فــي وادي عبقــر ليُ ْعطــى بــه شــعرا ً خالــداً ،ال يهــرم وال يدنــو منــه النســيان، ُ ـدي حمامـ ِة عســيب: كل ذلــك بفعــل الحــب والحــزن وعــذاب الرحلــة ،والبــكاء بيــن يـ ْ أيا جارتا إنّا غريبان ههنا
نسيب ب ُ وك ُّل غري ٍ ب للغري ِ
مــن أيــن كان ينبــع هــذا الشــجى المؤثــر لــوال معــارك روحــه الداخليــة التــي نقلتــه مــن هــودج عنيــزة إلــى تلــك الــدروب الصعبــة حيــث «بكــى صاحبــه لمــا رأى الــدرب دونــه» .الحــب واأللــم والغربــة واألحــزان ـرأة مــن األلــم كمــا يــرى بودليــر. هــي التــي تخلــق الخوالــد ،حيــث ال عبقريــة ُمبَـ َّ ““ 2 عــن طريــق الحــب وجدتنــي ســالكا ً دربـا ً تحــت أقــواس قــزح للشــاعر ســلمان زيــن الديــن ،وأقــواس قــزح ـوس قــزح يــوم كنــا صغــارا ً فــي قرانــا الطينيــة فــي شــعره تمشــي ويمشــي تحتهــا تحتهــا .وكــم كان يخلبنــا قـ ُ التــي لــم تكــن تئــن تحــت قســوة األســفلتُ وقتئ ـذٍ ،كان قــوس قــزح يشــبه ثيــاب بنــات قرانــا ،وكنــا نمــزج بيــن األلــوان فــي حرمــان جميــل .ورغــم هــذا الحرمــان الجميــل ،فقــد كنــا نتمنــى أالّ يــزول ،ألنــه كان يغرينــا بالحبيبــة والســفر ومجالســة القلــب ،كمــا يؤكــد شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن“ :أنـ ث ُـر الفجـ َـر عــى هــام الزمــان /أطلـ ُـق األحـ َ ـام مــن فــوق ســطوح القلــب /أقـ َ ـواس قــزح” أقــواس قــزح ص ،8وكان هــذا الحضــور يقيــم عالقــة صوفيــة بيــن الزمــان والمــكان فــي حلــول مملــوء بالوجــد واإلقامــة فــي الذكــرى ،وقتهــا يتحــول ممرعـا ً ألنــه يأخــذ خضرتــه مــن وجــدان الشــاعر ،وفــي التفاتــة رائعــة القبــح إلــى جمــال ،ويغــدو الوعــر ِ َ يلقــي شــاعرنا القبــض علــى الحــال ،فيصبــح مســاهما فــي عمليــة خلــق المــكان والزمــان“ :أقـرأ الوعــر/
ـر» .وكانــت القبائــل ترســل وفــودا ً لتهنئ ـ ِة قبيلــة نبــغ منهــا شــاعر .ولشــدة «شــيطانه أنثــى وشــيطاني ذ َكـ ْ ي للشــعر ،واتهمــوا الرســول العربــي بكونــه حضــور الشــعر فــي الــذات العربيــة نســبوا الوحــي القرآنــ َّ ـر وقــرآن شــاعراً ،وجــاء فــي القــرآن نفيـا ً لهــذه التهمــة« :ومــا علَّمنــاه الشــعر ومــا ينبغــي لــه إن هــو إال ذكـ ٌ مبيــن” ســورة يسـ ي ن ـ� .ولــم يســتطع اإلســام بــكل حضــوره الـ ـروح أن يل ـغ ي الشــعر مــن النفــس العربيــة، ي ً ـه�ة“ :بانــت ســعاد”، بقصيدتــه الشـ ي وكان الرســول قــد أفــرغ بردتــه عــى الشــاعر “كعــب بــن زهـ يـر” إعجابــا ً غ َ والعجيــب أنــه اســتهلها بالمقدمــة الغزليــة الطلليــة رغــم أنــه جــاء بهــا مادحــا النـ ب يـ� الــذي جــاء ليلـ ي الجاهليــة، ٌ ومعــروف اعتمــاد الرســول عــى شــاعر كبـ يـر هــو “حســان بــن ثابــت األنصــاري” للدفــاع عــن رســالة الســماء التغل� ،وهو يذود تأث� �ض بة الســيف عىل النفســية العربية ،كما قال األخطل بشــعر شــاعر .وكان للشــعر ي بي بشــعره عــن األمويـ ي ن ـ� ،يقــول: آو ْوا وهم نصروا بني أميّــــــــةَ قد ناضلـــــتُ دونكــ ُم قوم ه ُم َ أبنا َء ٍ مضض حتى استكانوا وهم مني على ٍ
والقو ُل ينفذُ مــــــا ال تنفذُ اإلبَ ُر
وقصــة الحطيئــة معروفــة حيــن ســجنه عمــر بــن الخطــاب بســبب هجائــه الزبرقــان بــن بــدر ،ثــم بكــى الخليفــة عمــر حيــن ســمع شــعر الحطيئــة فــي ســجنه ،وهــو يقــول مذ ِ ّكــرا ً الخليفــة بجــوع أطفالــه: ماذا تقو ُل ألطفـا ٍل بذي َم َرخٍ قعر ُمظ ِلم ٍة ألقيتَ كاسبَه ْم في ِ
شجر ب الحواص ِل ال ما ٌء وال ُز ْغ ِ ُ عمر هللا يا فاغفر عليــكَ سال ُم ِ ْ ُ
المــدون لقــد ظــل الشــعر تاريــخ العــرب الحقيقــي ،وفيــه تــرى حياتهــم الحقيقيــة ،بمنــأى عــن التاريــخ ّ المملــوء بالهــوى والظــن .إنــك ال تســتطيع أن تفهــم الحالــة االجتماعيــة فــي العصــر األمــوي مــا لــم تقــرأ شــعر عمــر بــن أبــي ربيعــة ،وإذا أردت فهــم روح تاريخهــم السياســي فــي ذلــك العصــر فعليــك أن تقــرأ والط ِر َّمــاح بــن حكيــم الطائــي وعبيــد هللا بــن قيــس الرقيّــات الفــرزدق واألخطــل وجريــرا ً والكميــت بــن زيــد ِ وغيرهــم .إن الشــعر هــو التاريــخ الداخلــي للنفــس البشــرية ،والــذي انعكــس خارجـا ً علــى الفعــل السياســي واالجتماعــي واالقتصــادي ،والروحــي بشــكل أعمــق. اليونــان حتــى اليــوم يعتبــرون اإلليــاذة التــي خلّــد بهــا هوميــروس بطــوالت اليونانييــن وأمجادهــم فــي حــرب طــروادة كتابَهــم المقــدس .والفــرس بنزعتهــم القوميــة يعتبــرون «الشــاهنامة» مــن أهــم خوالــد تاريخهــم. والفرنســيون يعتــزون بأنشــودة «روالن» ،وكل األمــم تعتــز بنوابغهــا الشــعرية ألن الشــعر هــو تعبيــر عــن روح األمــة ونزعتهــا إلــى مــا هــو أبعــد مــن واقعهــا. ئ مــن راح يُن ّ ـر لمــوت الشــعر ،وزوالــه ،فالشــعر لصيــق النفــس اإلنســانية وحــا ٌّل فيهــا مـ ْذ وجــدتُ ، مخطـ ٌ َظـ ُ وســيبقى لــه وجــود وصــدى ومــدى ومـ ٌ ـب فــي الــذات البشــرية مــا دام هنــاك حيــاة تنبــض فــي جسـ ٍد ـكان رحـ ٌ آدمي. والســؤال الــذي ينبثــق مــن هــذا الــكالم هــو :لمــاذا احتــل الشــعر ،ولم يـ ْ ـزل محتَـاًّ دواخــل النفس اإلنســانية؟. وأنــا أرى مــن خــال تجربتــي مــع الحيــاة ،واحتكاكــي الخشــن بهــا أن الشــعر هــو الموئــل األخــري لتفريــغ الجســد مــن األوجــاع واآلالم ،إنــه البوابــة األبديــة لمغــادرة األحــزان الجاثمــة فينــا ،ولنســتمع معـا ً إلــى قيــس بــن الملـ َّـوح ،وهــو يقــول: أشرف اإليفاع إالّ صبابةً فلم ِ
ولم أنشد األشعار إال تداويا
قيــس هنــا ينفــرد فــي بريّــة روحــه ويعلــو مــا أيفــع مــن األرض ليــزداد صبابــة ألن الصبابــة هــي مــا يغريــه بالبثــاء ،وهــو ينشــد الشــعر ليتــداوى مــن آالمــه .المعانــاة شــديدة الحضــور فــي النفــوس الكبيــرة ومــن هنــا تأتــي أهميــة الشــعر ،ألنــه بــكاء الــروح التــي ال تصــل إلــى صفائهــا إال بعــد ذرف مكنوناتها»ولــوال كثــرة
كلــه ،وهــذه الــروح هــي الحــب المندلــع مــن معاشــرة المــكان والزمــان ،وهمــا يشــكالن معـا ً ثنائيــة تتصــف بالتصاقهمــا مع ـا ً فــي وجــدان يحــاول اســتعادة الزمــان والمــكان مــن قطــار العمــر الميافــر دون توقــف، ـئ بأصــداء النــداء ال ُمت َ َو ِلّــه الــذي يمتــزج فيــه الذاتــي بالكونــي عبــر مــكان علــى مــدارج جبــل وغيــر عابـ ٍ الشــيخ ،وعبــر زمــن يأبــى إالّ أن يصبــح ذكــرى يخترقهــا حــزن جميــل ،بمســك بالمــكان والزمــان غــي ف َ آن/ :ينازعـ نـ� الحنـ نُ د� مطمــورة ف� داخــ� /فأمـ ُ ـ� /إىل ن ً ـال الزمهريــر لعلهــا/ ـارس ًي ً ي ٍ التقيـ ُـب عنهًــا /ي� ل نيـ ي ي ي ّ ً ً ّ ن ْ ـد� قطافــا دانيــا /ولعلهــا ،وأنــا الــذي ،غطيطتهــا زمنــا تغطيـ يـ� /أقــواس فــزح ص تــوري زنــادا كابيــا /تـ ي ي الزمــان والمــكان فــي هــذه المجموعــة .وســنالحظ ترابــط المــكان .90ســأحاول بدايـةً الدخــو َل فــي بُعـ َد ْ والزمــان معـاً ،فــإذا كان لإلقامــة مــكان ،وللغربــة مــكان فــإن الحــب هــو الــذي يجمــع بينهمــا فــي حساســيات المــكان ،وتوتــرات خواطــره وانعكاســاتها فــي جميــع قصائــد هــذه المجموعــة .وســنالحظ مع ـا ً فــي هــذه المجموعــة أبضـا ً أن الزمــان يأخــذ صفــات المــكان بصفائــه وغيومــه ،وبذبولــه وانتعاشــاته .مــع مالحظــة ظاهــرة الحــزن المهيمنــة علــى المجموعــة ،ولكنهــا ال تصــل إلــى حـ ّد الكآبــة .الحــزن فــي هــذع المجموعــة شــفيف ،ويحمــل طبيعــة المــكان والزمــان اللذ ْيــن أنتجــاه. ــ 3ــ المكان تحت قوس قزح ســنَ المــكان ومخلوقاتــه التــي تشــارك اإلنســان المــكان هنــا فــي هــذه المجموعــة لــم يبــق مكانـاً ،وإنمــا تَأ ْن َ امتــاك األرض والعــودة إليهــا .إن أنســنة األشــياء تعنــي أننــا نحــن فيهــا ،إن حصــان عنتــرة بــن شــداد كان يكمـ ُل اآلخرفــي حالــة تســتدعي يعانــي مــن هــول المعركــة ،وكان عنتــرة يحــس معاناتــه ،ألن كليهمــا كان ِ التوحــد ،وكلمــا ارتفــع تعايــش الحــاالت فــي قضيتيــن تكــون دواعــي المشــاركة أعلــى: فازور من وقع القنا بلبان ِه َّ
ي بعبر ٍة وت َ َح ْم ُح ِم وشكا إل ّ
المــكان فــي شــعر ســليمان زيــن الديــن ليــس خــارج الــذات ،وإنمــا تحــول إلــى جغرافيــة داخليــة .ولــذا ســنرى المــكان نفســه متكــررا ً فــي كل تفاصيــل المجموعــة ،والــذي ينقــذه مــن ظاهــرة التكــرار انســفاح الــذات فيــه لدرجــة اختــاط الجســد بتــراب القريــة وأشــيائها .المــكان كائــن يحكــي ويبــث نجــاواه مــن مزاميــر شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن. كان ســلمان زيــن الديــن يــدرك إن الرســام يســتطيع وصــف تفاصيــل المــكان الطبيعــي أفض ـ َل منــه ،ولــذا اســتعاض عــن دقــة وصــف الرســام بإذخــال الطبيعــة القرويــة فــي ذاتــه لتصــدر عنــه محمل ـةً بــه ،لنــراه ـب فيهــا .لقــد صــارع مســفوحا ً فيمــا يكتــب .وبهــذا تتفــوق ريشــة الفنــان علــى دقــة آلــة التصويــر التــي ال قلـ َ القلــم الكاميــرا وتغلــب عليهــا بمقــدار مــا دلــق فــي ريشــة قلمــه مــن أحاسيســه .لقــد جعلنــا اإلحســاس الغامــر ـأدق جزئياتــه ،لــم تســتطع الكاميــرا مزاحمــة ريشــة نصــرف النظــر عــن الكاميــرا ودقــة نقلهــا المشــهدَ بـ ّ ِ وألــوان «ليونــارد ديفنتشــي» .لقــد اســتطاع هــذا الرســام الخالــد أن يدخلنــا إلــى ذاتــه ،لنســتجلي كوامنهــا، ولنغــوص أكثــر غــي قــراءة بــوح «الموناليزا»،ولنغــوص فــي اســتجالء األحاســيس المنســفحة علــى المــكان الــذي هــو الحبيــب األول ،كمــا يقــول أبــو تمــام. ولكــن األرض عاشــقة شرســة ،تقتلنــا كــي تســترج َع حالتهــا األنثــى .وتســترجعنا لتثبــت تمل َكهــا ،إنهــا تصنــع مــن وحولنــا أعضاءهــا ،وتصنــع آلهــة لنعبدهــا مــن لزوجــة طينهــا فــي دورة أبديــة ال تبتــدئ مما نــدرك ،وال تنتهــي فيمــا نــدرك .هــي أنثــى ،الرعــد تعبيــر عــن شــهوتها الخالقــة ،ويجــيء البــرق لينقذهــا مــن شــهواتها الدنيــا .هــي نحــن تكتمــل حيــن تســتعيدنا لتخرجنــا ثانيــة .أريــج أزهارهــا لغتهــا ،موتنــا حياتهــا .مســتبدة دائمـاً ،ومــع ذلــك نعبدهــا .فيــا لهــا مــن عاشــقة شرســة .شــهوتها لزوجــة مائهــا فــي رحــم الطيــن .ويغــوص المــاء فــي رحمهــا لتلــد مخلوقاتهــا .وحلهــا يتكــور خبــزا ألوالدهــا .وهــم يضاجعونهــا أحيــا ًء ،موتــى. ورغــم رهبــة المــوت ال يتخلــى شــاعرنا عــن فرحــه بحلولــه فــي ذاتـــه الكبــرى ،وتحوالتــه فــي مخلوقاتهــا
ف ف ّ ت ـط ـ غ وأ ـات/ ـ ي الذكر ـوز ـ ن ك ـاه ـ ي ثنا � ـا� /أقــواس قــزح ص ،9إنهــا ـ ي ح اق ر ـأو ـ ب ـاري ـ ع ال ـجر ـ ش ال وأخ ـ ي ي ي ي صــورة أ ّخــاذة أن يغطــي الشــاعر عــري أشــجار العمــر بــأوراق الذكريــات التــي هــي الزمــن الحقيقــي ،ومــا ممرعـا ً فعليــه أن يخلقــه فــي ذاتــه: عداهــا مجــاز .وكان الشــاعر يــدرك أنــه إذا لُــم يســتطع أن َيجُــد روضـا ً ِ ـ� تحــارص الظلمــات قنديــ� /ويجتــاح النعـ ُ /وحـ ي ن ـاس ذبالتــه /فيعــى /أشــهر الكلمــات قنديــا /أقــواس ي قــزح ص ./54وقبلــه كان إيليــا أبــو ماضــي يقــول: إذا ما لم أج ْد روضا ً َمريعا ً
الروض في روحي وذهني خلقت َ
ـاعر ســمتُه المتحــدرة مــن تكوينــه الروحــي والبيئــي واالجتماعــي ،وإذا كان القدمــاء ومــع ذلــك تبقــى لــكل شـ ٍ يقولــون« :قــد يقــع الخاطــر علــى الخاطــر كمــا يقــع الحافــر علــى الحافــر» ،فــإن هــذا القــول يتصــف بالتعميــم غيــر الدقيــق ،فليـ ُل امــرئ القيــس فــي معلقتــه غيــر ليــل النابغــة الذبيانــي الطامــع بمالعــق الذهــب علــى موائــد ملــك المنــاذرة النعمــان .إنهمــا يلتقيــاان فــي وصــف الليــل ،ويختلفــان فــي انعكاســاته الداخليــة، غامــر كمــوج البحــر ،ولشــدة احتبــاس همومــه فــي صــدره يــرى أن الصبــاح ليــس ليــل امــرئ القيــس ٌ بأفضــل مــن الظــام عنــد اإلنســان المملــوء ه ّم ـا ً وغم ـاً« :ومــا اإلصبــاح منــك بأمث ـ ِل» .أمــا ليــل النابغــة فقــد تطــاول ببــطء ســير كواكبــه باتجــاه ممدوحيــه الغساســنة ،وليــل النابغــة يدخــل مباشــرة فــي المديــح: ي لعمــر ٍو نعمــةٌ بعــد نعمــة» .فشــتان مــا بيــن ليليــن ،أحدهمــا يفضــي إلــى صبــح مظلــم ،وليـ ٍل يفضــي «علـ َّ إلــى نعمـ ٍة بعــد نعمــة .أردت مــن هــذا الــكالم أن أؤكــد مقولــة الجاحــظ ،وهــي أن المعانــي مطروحــة فــي الطريــق ،وتبقــى قــوة الشــعرية نابعــة مــن صخــب الــذات فيــي صياغــة الكلمــات .إن المتنبــي أخــذ كثيــرا ً ـس صخبــه فــي كلماتــه التــي تشــبه قصــف الرعــد ي ِ الــذي تحـ ُّ مــن ســابقيه ،ولكنــه أنقــذ شــاعريته بذلــك الــدو ّ فــي الجبــل العالــي .فالشــاعرية تتعلــق بقــدرة ســطوع التجربــة واألحاســيس فــي نتــاج الشــاعر .وهــذا رغــم أهميتــه ال يقلــل مــن جــودة المعنــى ،ولكــن الصياغــة العاليــة تتــرك تفاوتـا ً عاليـا ً فــي معنــى واحــد يتناولــه شــاعران. وفــي كل الحــاالت يظــل الشــعر الجيــد جرعــة دواء ،ويتفــق شــاعرنا بهــذا مــع قيــس الــذي اهتــدى إلــى التــداوي باألشــعار»ولم أنشــد األشــعار إالّ تداويــا» .وهــذا يثبــت أن الكلمــة الخارجــة مــن معامــل النفــس ي. الداخليــة ليســت ترفـاً ،وإنمــا هــي مــادة حيــاة ،ولقــد كانــت فــي البــدء لدورهــا فــي صنــع اإلنســان الســو ّ فالكلمــة الجيــدة تشــفي مــن األســى كالدمعــة نفســها. فالمــوت يكــون أيضـا ً فــي الحيــاة عندمــا تمــوت الكلمــة ،والكلمــة ال تمــوت إال بمــوت الذكريــات ،ألن الزمــن يغــدو قاحـاً .ثــم إن الذكــرى لهــا قــوة خلــق الزمــن اآلخــر ،زمــن الحلــم ،وحيــن يمــوت الحلــم تبــدأ الغربــة ـب اإلنســان ،وهــو الــذي يعطيــه معنــى الحقيقيــة ،ويبــدأ المــوت فــي الحيــاة .وال ُحلُـ ُم هــو اســتعمار الحــب قلـ َ أن يكــون ،فالحــب كالتصــوف ،ال يعرفــه إال الــذي يذوقــه ،وقديمــا ذاق اإلنســان المكابــدة اللذيــذة فتمنــى اســتمرار المعانــاة ،ألنــه كان يتمنــى أن يســتمر فــي الحيــاة ،فــا حيــاة خــارج مراتــع الحــب فــي مســالك الحيــاة الوعــرة. وحيــن قــدَّم لــي صديقــي الشــاعر ســلمان زيــن الديــن مجموعتــه «أقــواس قــزح» ،كنــت أدري أننــي ســأعاني وأكابــد ،ولكنهــا معانــاة مغريــة ،ومكابــدة أحبهــا للدخــول فــي تجربــة نَ َمــت فــي ريفنــا ،أمــام صخــب جبــل الشــيخ وكبريائــه ،وتعاليــه علينــا ،ومحاوالتنــا الصاخبــة لتقليــد هــذا الجبــل الشــيخ المعت ـ ّد ببيــاض شــعره ،والــذي يشــهد فــي كل فصولــه علــى تقليــد المنتشــرين علــى قــراه الجميلــة كبريــاءه وصخبــه واحتــدام عواصفــه وزمجــرة رياحــه وأنيــن نايــات رعاتــه الملتاعــة .لقــد أعطــى هــذا الجبــل الشــاعر ســلمان زيــن الديــن القــدرة علــى ترجمــة تلــك العواصــف واختــزان أنيــن تلــك النايــات المســافرة باســتمرار حيــث المــدى ال ينتهــي ،والحــب ال ينتهــي. لهــذا كلــه رأيــت أننــي مدفــوع للمشــي مــع ســير أقــواس قزحــه مــن خــال روح غامــرة تهيمــن علــى الكتــاب
ً ويبقــى الحــب شــرط الوجــود ،وشــرط الــوالدة“ :ومــن آياتــه أن خلــق لكــم مــن أنفســكم أزواجــا لتســكنوا إليهــا ،وجعــل بينكــم مــودة ورحمــة ”..ســورة الــروم .فالحــب هــو نســغ الكينونــة ،وال بــد مــن أن ًيحتضنــه ً ً المــكان لينتــج شــعرا جيــدا ،وأوســع مــكان ف ي� الكــون الســتيعاب الحــب هــو القلــبً .فالقلــب مــكان أيضــا ،ولكنــه كل األمكنــة ،فهــو جغرافيــة مــا نــرى ومــا ال نــرى .وال يكــون قلبــا إذا كان خـ ً مــكان أف ـىض مــن ّ ـواء مــن الحــب. ف ـ� وجــوده بانتفــاء الحــب ،وبالحــب وحــده يصبــح المــكان هــو الحبيــب ،ولــو بغيــاب وكذلــك المــكان ينتـ ي الحبيــب ،ألن الحلــول مــادة وجودنــا األول .وصلــة وجودنــا باألشــياء .فهــل كان قيــس بــن الملـ َّـوح مجنونـا ً ى حيــن يقــول فــي ـيس وأفـ ٍ كمــا يس ـ ّمونه؟ أم كان ُمع ِبّــرا ً عــن أعمــق مــا فــي الــروح مــن أحاسـ َ ـكار ورؤ ً مــكان حلّـ ْ ـت فيــه ليلــى يومـا ً فيــه: ديار ليلى ْ مررتُ على الديار ِ
الجدار وذا الجدارا أُقَ ِبّ ُل ذا َ
َ شغفن قلبي الديار حب وما ُّ ِ
َ سكن الديارا حب من ولكن ُّ
المــكان فــي أقــواس فــزح يمتــد مــن القريــة إلــى جبــل الشــيخ ،الشــاب المنتصــب والشــيخ المكلــل بلحيتــه البيضــاء دائم ـاً. القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن هــي هــو ،كانتْــه فكانهــا ،وفيهــا يحــل ،حتــى لكأنهــا عقيــدة يمــارس فيها كهنوتــه األرضــي والســمائي فــي ْ آن ،والقريــة تحمــل كل صفاتــه فهــي تنمــو معــه ،وتنمــو فيــه ،وال يســتطيع أن يخلعهــا ،ولــو مغترب ـاً ،إنهــا ق ـ َد ُره الــذي يحبــه حتــى الحلــول ،والقريــة فــي شــعره والدة ،ولــذا فهــي تتكلــم ،وتغضــب وترضــى وتصحــو وتنــام ،وهــذا يجعلهــا عاشــقة مســتهامة ،فيمــارس حبــه أمامهــا عاريـا ً إال مــن أحاسيســه المتدفقــة ،وشــهوته المســروقة مــن ثمارهــا ،وتغــدو تفاصيلهــا امتــدادا ً ألعضائــه .يشــاركها نضارتهــا وذبولهــا ،وتصخــب علــى ضجيــج ذاتــه المزدحمــة بخَيـ ِل الصبــا .إنهــا كتابــه الــذي تعــرف فيــه إلــى لغتهــا الخاصــة ،وأتقــن أســماء جســدها ،وأشــكال لبوســها ،فهــي تحكــي بلغــة ال تحتــاج لترجمــان ،إنهــا تدعــوه ليفهــم أســماء مواليدهــا .وبالدربــة يحفظهــا عــن ظهــر قلــب: البري والزوفى وإكلي َل الجبلْ/ الزعتر يته ّجى َ َّ ب/ ويعي عن ظهر قل ٍ للحو ِر/ سر الري ُح ْ ما ت ُ ُّ لألزهار/ وما تفضي به التربة ِ في عرس العبير /أقواس قزح ص ./16/15 أبجديــة الريــف تعبــق برائحــة الزوفــى وإكليــل الجبــل .وألن الطبيعــة امتــدا ٌد لــه ومقيمــة فيــه كان يحفــظ لغتهــا التــي تظهــر فيــي نجــاوى الريــح مــع الحــور والجبــل والرعــاة والنهــر فــي جوقــة ،ألحانهــا كلها تســكن فــي الشــاعر وتســافر فيــه أنّــى ارتحــل .وألنــه عاشــق واقــف بيــن يــدي هــذه الطبيعــة العاشــقة المعشــوقة يتحــول عبيــر األزهــار إلــى عــرس ،وزواج ،فالعبيــر ال يصبــح عبيــرا ً حتــى يختــرق المســافة بيــن الجســد والــوردة .إن عالقــة التربــة بالزوفــى وإكليــل الجبــل وعبيــر األزهــار هــي عمليــة والدة لــزواج الشــاعر ـدركُ مــدى تكرارهــا فــي هــذا الوجــود والطبيعــة ،والنبثــاق البعــض مــن الــكل فــي مســيرة متكــررة ،ال يُـ َ الــذي لــم يحــط بــه عقــل وال تصــور. “ “ أن يــرى الشــاعر تفاصيــل القريــة وهــو غــاف هــو مــن أبــرز األدلــة علــى هيمنــة الطبيعــة علــى وجــدان الشــاعر حضورهــا الدائــم فــي ذاتــه حتــى ،فمرحلــة الصحــو فيــه هــي امتــداد لوجودهــا المبكــر فيــه منــذ
المتكــررة:
ف روح/ فردوس � /وأنا أرتع ي ي
األين وأوهام األوان/ خارجا ً من شبهة ِ هو يومي مثل أمسي/ وهنا مث ُل هناك/ آن لي ربيع/ كل ٍ أين لي جنان .أقواس قزح/ص ./10/9 كل ٍ إن تداخــل الزمــن فــي هــذه األبيــات يرافــق تداخــل المــكان نفســه فــي تصــور فكــري بحــت .وفــي رأيــي أن الثقافــة أحيانـا ً كثيــرة تحــاول مزاحمــة اإلحســاس فــي حضورهــا ،وهــذا جميــل ،ولكــن علــى الثقافــة أن تكــون مؤدبـةً فــي حضــرة الشــعر .أنــا مــن القائليــن إن الشــاعر الكبيــر هــو مثقــف كبيــر ،ولكــن الوجــدان الشــعري يتمــرد علــى الحضــور الثقافــي ليذهــب بعيــدا ً فــي ســريالية محببــة ،تغــري الــرو َح بالمغامــرة ،حتى ولــو باتجــاه جــزر الســاحرات ،وإغرائهـ َّ ي ِ المحكــوم بالمــوت قبــل الوصــول ـن «أوليــس» بالغنــاء الشــج ّ إلــى «إيتــاكا» ،وعنــاق «بينلوبــا» التــي انتظرتــه عشــرين عامـاً ،وهــي تطحــن الملــح ،وتنقــض غزلهــا كل يــوم .إن مقاومــة «أوليــس» كانــت ضروؤيــة للوصــول إلــى قلــب بينلوبــا» المملــوء بالشــعر أيضـاً. ولكــن شــاعرنا يعتبــر القصيــدة فردوســه متخليـا ً عــن تفــاح آدم وحانــة «ســيدوري» ،رغــم غوايــة أطايــب الجنــة وحوائهــا ،فالشــعر غايــة ،ألنــه الدليــل األبقــى علــى بقــاء الحيــاة ،فــرب قصيــدة تومــئ مــن بعيــد لشــاعرها تجعلــه يخــرج مــن جنــة النعيــم ليقضــم تفاحــة حــواء .،إن الجنــة الحقيقيــة ســتبقى تحــت قدمــي حــواء ،حتــى ولــو غضــب واعــظ القريــة: ُ ُ ف دم ترىع أيائله/ /وآدم ي� ي فأقطف من بنات الحرف أطيبها/ وأخسر جنة الفردوس/ ُ الشعر /أقواس قزح ص ./21/22 أربح لعنة ِ ورغــم شراســة حــب األرض فــإن حبهــا يمنحــك التكامــل ،وعــدم الخــوف ،ألنهــا حاضنتــك حي ـا ً وميت ـاً. المســرة هنــا ناجمــة مــن أن المــوت ليــس عدمـاً ،إنــه بدايــة حيــاة ،أول مــا يمــوت فيهــا هــو المــوت نفســه. وهــذا اإليمــان العميــق بالحلــول والترقــي فــي الكينونــات المتعاقبــة ،وهــو الــذي جعــل الحــاج يطــوف بيــن شــوق القلــب ولهفــة الدمــوع: أنتَ بين الشغاف والقلب تجري مثل جري ِ الدموع من أجفاني المــكان ،والقريــة تحديــدا ً هــي التــي كانــت تقيــم فــي شــاعرنا أنّــى ارتحــ َل ،وكانــت إذا أصيــب بغربــة المــكان تبعــث فيــه مرســات خفيــة ومثيــرة ،فتخلــق فيــه الحساســيات المتحفــزة .وت َ َحفُّـ ُ ـز الحساســيات هــو الــذي يعيــد للمــكان حضــوره ،وهــي التــي تقتــل العاديــة فيــه .والعاديــة هــي عــدو الشــعر األول ،والمــكان فــي الشــعر حيــن يصبــح عادي ـا ً يغتــال الشــاعر ،ولــذا فالمــكان دائم ـا ً مدهــش فــي وجــدان الشــاعر ،وهــو ـب مــا كان فيــه قاحـاً ،فــي ثنائيــة تكــون أحاديــة فــي حقيقتهــا ومســيرتها الكونيــة .تمامـا ً كالشــجرة مخصـ ٌ ِ ـص ينبو ِعــه .إنهــا تســرق النهــر ،وتشــرب منــه .ولكنهــا التــي يســافر عنهــا النهــر ولكنهــا تحمــل خصائـ َ ـر فيهــا باســتمرار. تعطيــه معنــى أن يكــون .إنــه مض َمـ ٌ
لــه إالّ األمانــي ،فهــل تتحقــق األمــان ،ومــاذا يبقــى منهــا إذا تحققـ ْ ـت: ً قنديل/ حول طويال /أين من طافوا ي وطافوا حول بيتي؟/ أترى هل ش ّح زيتي؟ أقواس قزح ص ./25 برحــه الشــوق ،والتســاؤل فــي حقيقتــه أبعــد مــن االستفســار لمعرفــة المجهول التســاؤل هــو آخــر مطيــة لمــن ّ أحيــان كثيــرة ،فقــد يكــون الســؤال أقســى أنــواع الخبــر ،وأكثرهــا قرع ـا ً علــى شــغاف القلــب وهواجــس النفــس اإلنســانية ،وكثيــر مــن األســئلة الــواردة فــي القــرآن الكريــم تحمــل أقســى األجوبــة فيمــا ترمــي إليــه: ـث الغاشــية» ،و «ألـ ْم يأتِكـ ْم نذيــر» .الســؤال هنــا تقريــع ونذيــر ،وقــد يكــون الســؤال بوحـا ً «هــل أتــاك حديـ ُ وجواب ـا ً مريح ـاً .وصيــغ الســؤال كثيــرة ،ولكنهــا كلهــا تخــرج مــن نفــس تريــد شــيئاً ،وكــم كان المتنبــي رائعـا ً يــوم قــال: ق وكثير من السؤا ِل اشتيا ٌ ٌ
وكثير من ر ّد ِه تعلي ُل ٌ
والســؤال قــد يكــون مؤلم ـا ً وهــو يســتنطق الجمــاد ،أو ينتظــر منــه جواب ـاً ،والظاهــرة الطلليــة فــي الشــعر العربــي القديــم تحمــل فائضــا ً شــعريا ً ال يقــل عــن الجــذب الصوفــي ،وكمــا يقــف الصوفــي فــي الحالــة القصــوى مــن الوجــد مجذوبــا إلــى الواجــد ،فــإن الشــاعر الجاهلــي كان يقــف أمــام طلــل الحبيبــة الــدارس نافخ ـا ً فيــه مــن روحــه ومســلما ً عليــه ،حتــى لكأنــه الحبيبــة نفســها ،يقــول امــرؤ القيــس: أال ِع ْم صباحا ً أيها الطلل البالي
ص ِر الخالي!! وهل ي ِع َم ْن من كان في العُ ُ
اســتنطاق الطلــل البالــي ص َّدتْـهُ قســاوة الســؤال العدمــي الفاجــع فــي جــواب الــذات علــى الــذات« ،وهــل ُ ي ِع َمـ ْ ـن مــن كان فــي العُ ُ صــر الخالــي! ّ!” .المــكان هنــا مقفـ ُـر أصـ ّـم أعجــم “أخـىن عليــه الــذي أخـىن عــى ل َبـ ِـد”. ْ ـ� مــن الذيــن كانــوا ه الـ ت يـ� أيقظتــه ،وبثــت فيــه الحياة.والمــكان اتخــذ صفــة اإلنســان الـ ي ول ُّكــن الذكــرى ي ت �ض ن ـأ� عليهــم الزمــان .ونمــن الصعــب هنــا التفريــق بـ يـ� ليــى الغائبــة والــدار الحــا ة رغــم يحلــون بــه قبــل أن يـ ي ف ف ُ َ و� تحولهــا إىل أطــال ،فالبــر والبصـ يـرة هنــا يتعاونــان ي� اســتحضار المضمــر ،ويلغيــان عدميــة الحضــور ،ي ف ـوم الجمــاد ،ويصبــح “منــادى مفــرد علــم” ،يخفــق ي� جمــاده إحســاس هــذا ف ٌالمجــال يصبــح المــكان خــارج مفهـ ً ف ٌ رض ـو� عميــق ،ولنســتمع للمجنــون أيضــا ،وهـ ًـو ي� ح ـ ة “جبــل التوبــاد” ،الــذي كان فيــه قيــس يــرى ليــى فصـ ي ي� طفولتهمــا ،وهمــا يرعيــان “غنــم األهــل معــا” ً .لقــد عــاد إليــه قيــس بعــد زمــن لـ ي ُـرى ليــى العامريــة الغائبــة الحــا�ض ة فيــه ،وقتهــا لــم يعــد الجبــل أصـ َّـم بلقعــا ،بــل راح يحــ� ،وصــارت ّ حاســة النطــق ،وحاســة البــر ي َ حاســة واحــدة ،يقــول قيــس بــن الملـ َّـوح: وكبَّ َر للرحمن حيــن رآنــــــي
وأجهشت للتوباد حين رأيتـــُه ْ وأذ َريْتُ د َْم َع ا ْلعَي ِْن لَ َّما َرأ ْيتُــــهُ
ونادى بأعلى صوتــه ودعاني
فقلتُ له أين الذيـــــــن عه ْدتُه ْم
زمان ب حواليكَ في خص ٍ ب وطي ِ ِ
فقال مضوا واستودعوني بالدهم
ّثان ومن ذا الذي يبقى على الحد ِ
ـس نفســه .وفــي هــذا الشــعر الحــوار هنــا بيــن اثنيــن ،بيــن قيــس وبيــن جبــل التوبــاد ،ولكنــه بيــن قيــس وقيـ ٍ يُلغــى الزمــن ،ألنــه يهــب للمــكان والزمــان روه ـا ً ويحضــر الصــوت بإيقــاع داخلــي منبجــس مــن أوديــة نفــس اســتطاعت أن تكــون خالقــة .فالخلــق هنــا هــو القــدرة علــى صياغــة األشــياء وفــق مقتضــى دواخلنــا، وتغييرهــا اســتجابة لنــداء ال يمكــن الغــوص إلــى قــراره ،فالحــب وحــده يســتطيع أن يتألّـهَ ،ألنــه هــو روح هللا .لقــد أبــدع الشــاعر بــدوي الجبــل حيــن قــال:
تكوينــه الجســدي ولثغتــه األولــى : يرص ُد الينبوع في يقظتِ ِه من نوم ِه.. حيوي للغوايات الكثير ْة الحواكير مجا ٌل ُ ٌّ حين يمتطيها ك َّل ٍ ليلُه فيها امتدا ٌد لنهار ْه ُ َ .....ولكم أودعها أرس َاره خبّأ فيها َ كنزهُ السر استوى حتى إذا ُّ ُ والكنز أعياه الظال ْم، يغزل اللي َل وشاحا ً وينام. وغدا ً يأتي إليها كنز ِه باحثا ً عن ِ
ْ الطفولة كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس س ِه المفقو ِد غير الذكرياتْ لم يعد يملكُ من فردو ِ أقواس قزح ص /19/17/16/15 اإللغــاء هنــا يعنــي الوجــود ،والوجــود يُلغــى بانتفــاء العالقــة مــع القلــب .فــإذا كانــت العبــادة ال تعنــي شــيئا ً إالّ بحضــور القلــب ،فالمــكان أبضـا ً ال يكــون مكانـا ً إذا لــم يكــن لصيقـا ً بالحــا ِّل فــي المــكان ،لقــد قلـ ٌ ـت فــي ـكان ال أحبُّــه: قصيــدة لــي وأنــا فــي مـ ٍ لنبع دون ظمأى وال معنى ٍ مكان وال معنى لكو ِنكَ في ٍ
وليس بها «الصويري» أرض وال ٍ َ الحضور وقلبُـــــكَ ال يكونُ من ِ
***** والحب هو الذي يجعل األشياء غير منتهي ٍة أبداً: ً ُ الطفل مفتونا بأشياء الحقول/ /كان ذاك يرص ُد الينبوع في يقظته من نومه.../ يساورهُ األفول/ لم يكن يشغلُه البحر كما الجدو ُل ،والرجعى إليه /كان نجما ً لم ْ أقواس قزح ص /16 وإذا كان البيــت مكان ـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن ،فالمــكان قندي ـ ٌل أيض ـاً ،وفــي أســى شــفيف يتســاءل الشــاعرعن شــح القنديــل رامــزا ً بــه إلــى شـ ّحِ الحيــاة نفســها التــي لــم يعــد يومــض فيهــا ســوى ضــوء قنديــل تحــوم حولــه فراشــات العمــر بحســرة لــم يســتطع التســاؤل أن يطفــئ أســى الذكريــات االفلــة .وقتهــا ال يبقــى
إنها قدرةٌ ربي. إنها قدرةُ ربي! أقواس قزح ص /61 ـرى خيــول الصبــا ،يعــود الشــاعر ســلمان زيــن الديــن إلــى المــكان وحيــن تهــدأ عواصــف الشــباب وتُعـ ّ عرتــه معهــا ،ولــذا راح يخاطبهــا ببــوح جميـ ٍل يحمــل فاجعــة رحيــل األشــياء حزينـاً ،ألن الطبيعــة العاريــة ّ الجميلــة: األمر ص ّدِقْ ما رأى في بادئ لم يُ َ ِ ولم يسبقْ له أن شاهد فود ْي ِه ك ُمحت َ ٍ ّل ثقيل الثل َج مقيما ً فوقَ ْ واألخادي ُد استدارتْ حول عين ْي ِه كأثالم الحقو ْل ِ أعراس البريق وخبَتْ في تينك العينين ُ كيف يمشي الكأل ُ ش ْعرا البري َ ُّ ش ْع َر سيفي ِْن كيف ري ُح العمر تذرو َ ِ الغمدين األسر في يضيقان بلي ِل ِ ِ صدرا .أقواس قزح ص 99/98 “
“
ألوهة الجبل وعبودية العاشق يحضــر «جبــل الشــيخ» فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن حضــورا ً أبعــد مــن ماديــة وانتصــاب جبــل عمــاق، يلبــس الثلــج ،وت ِسـ ُّح مــن ســفوحه األنهــار ،تلــك التــي لــم تنضــب رغــم كهولــة الجبــل االشــيخ ،وال تصــاب ســفوحه بالجفــاف .يحضــر هــذا الجبــل فــي شــعر ســليان زيــن الديــن إلهـا ً جديــرا ً بالعبــادة ،وهــذا الحضــور اإللهــي العالــي ومصحوبـا ً بهــذا العطــاء السـ ّحاح يغــري الشــاعر بالتقليــد ،فيحــاول أن يصعــد إلــى حضرتــه صعــودا ً محفوفــا ً بالعبــادة واالنحنــاء أمــام مــا فــي هــذا الجبــل مــن شــ َمم وكبريــاء .وقبالــة هــذا الجبــل العمــاق ترقــد قريــة الشــاعر محدقــة باســتمرار برغبــة طاغيــة لتكــون «كوكبــة» حقيقيــة خــارج ترابيتهــا فــي صــدر هــذا الجبــل ،إنهــا تحــاول أن تغــري هــذا الجبــل بخطبتهــا ،وأن يكــون حليلهــا ،كمــا أغــرت عشــتار «جلجامــش» لتجعلــه زوجهــا .وهنــاك علــى الســفح تــرى فتــى قرويـا ً منحــازا ً لقريتــه ،و ُمصليـا ً إللهــه جبــل الشــيخ البــاذخ ،يحلــم وهــو فــي حالــة ذهــول أمــام المــدى ،وأمــام عجــزه عــن تقليــد هــذا الجبــل ،وهــذا ي جــداً ،فلــو اســتطاع الســاعي أن يكــون هــو مــا يســعى إليــه لزالــت ألوهــة األعلــى ،وهنــا يتجلــى طبيع ـ ٌّ الشــوق األزلــي فــي اإلنســان ليكــون إله ـا ً ولــو أضمــر ذلــك أمــام جبــروت إلهــه: /أعو ُد إليك/ يا جبالً تعالى/
سرهما الخافقان ،وفوقَ الخلق ُّ ِ ِ سرائرنا كالهما انسكبت فيــــه ُ
كالهما للخلو ِد ُّ الحب وهللاُ وما شهدناهُ لكنّا عبــدْناهُ
وألن الحــبّ خالـ ٌ ـق فقــد اســتطاع حــبُّ المــكان أن يصــوغ شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن كمــا يشــاء ،حتــى ـرأت فــي أقــواس قزحــه تــراه مهاجــرا ً فــي كل لكأنــه شــيء مــن تفاصيــل المــكان ،ولــو بعيــدا ً عنــه .وأنَّــى قـ َ ق يصــوغ شــعاب وادي التيــم ومحدقـا ً ب َ شــعر شــيخ الجبــال األبيــض دائمـاً ،فالمــكان ُمحت َـ ٌّل بقــدرة قلــب خالـ ٍ المــكان كيفمــا شــاء: تباشير الوالد ْة مع ِلنا ً بد َء ِ تض ُع الزهرةُ مولودا ً شهيّا ً ....... تمن ُح المولو َد ْ قبلة ق، تنعس األورا ُ ُ يُغويها الكرى، وتهب الريحُ، ُّ األصفر في كل الذرا الذهب تذرو َ َ تتعرى الشجر ْة أقواس قزح ص /51 وتنا ُم الثمر ْة / ُ تحــوالت األشــياء فــي الطبيعــة هنــا هــي تحـ ّـو ٌ الت داخليــة قبــل ك ّل شــيء ،وتتخــذ صفــة الضميــر البــارز ســها، المتصــل ،نعــم متصــل بــذات الشــاعر التــي هــي متوحــدة بــك ّل هــذه التفاصيــل ،إنــه يخلقهــا كمــا يح ُّ ال كمــا يراهــا .إنــه عاشـ ٌ ـق والعاشــق هــو الــذي يخلــق الحبيبــة كمــا يشــاء .لقــد دخلـ ْ ـت بثينـةُ علــى الخليفــة ـك بــه ـك شــيئا ً ممــا وصفـ ِ األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان ،فلمــا نظــر إليهــا قــال لهــا :وهللا ،إنــي ال أرى فيـ ِ ب مع َّمر»عاشــقه» ،فنظـ ْ ـرت بثينــة إلــى جمي ـ ُل ُ ـك .فالشــاعر هــو ـن لــم تكونــا فــي وجهـ َ الخليفــة ،وقالــت لــه :يــا أميـ َ ي بعينيـ ِ ـر المؤمنيــن ،إنــه كان ينظــر إلـ َّ الــذي خلــق الجمــال كمــا أمرتــه بــه ذاتُــه الداخليــة .والطبيعــة تخلــق الشــاعر أيض ـا ً وفــق إرادتهــا ،كمــا ي الجبــل الــذي راح يتوســل بيــن يديْهــا لتمنحــه الصبــر والهــدوء بعدمــا صنعـ ْ ـت صاغــت الحســناء بــدو َّ ـف وأعاصيــر ،إنهــا خالقــة: وجــوده مــن عواصـ َ ت قلبي من تجلُّ ِد ِه فكيف أهمل ِ
ت إبداعي وتصويري ل ّما تولّ ْي ِ
وهل تريدين روحي هدأةً أعاصير ت روحي من وونى فكيف أنشأ ِ َ ِ ً
وكذلــك فعلــت طبيعــة «كوكبــة» بشــاعرها حيــن وقــف بيــن يديهــا مستســلما ً ســاكبا ً أحاسيســه بيــن يديهــا، لــم يجــد بــدا ً مــن التوســإليها ،لعلهــا تعيــد خلقــه بــا أحــزان: العرس شابتْ نارهُ؟ كيف ذاك ُ كيف ذوتْ أزهارهُ؟ ُ
مــا نحفــر فــي صخــوره مــن ذكريــات. ***** الزمن المصنوع من ذكريات المكان “ “ قبــل كل شــيء أنــا أرى أننــي ال أســتطيع فصــل الزمــن عــن المــكان فــي أي عمــل شــعري دخلــت فــي ناســوته ،وبذلــك يغــدو المحســوس والملمــوس ماديـا ً إحساسـا ً وجدانيـا ً خالصـاً .إن الزمــن والمــكان فــي أي نتــاج فنــي إبداعــي يشــكالن كينونــة واحــدة ،وليــس هــذا حصــرا ً فــي األدب ،وإنمــا يمتــد ليشــمل كل مــا يخضــع للرؤيــة اإلنســانية .لــو نظــرت إلــى بيــت قــروي قديــم ،حجارتــه جــاء عليهــا الزمــن ،فإنــك مــن خــال رؤيــة البيــت القديــم سترســم فــي وجدانــك زمنـا ً لــه .فالزمــان والمــكان يجمعــان بيــن الرؤيــة والرؤيــا. وأنــا هنــا لــن أدخـ َل فــي مفهــوم الزمــن كمــا فعــل المفكــرون والفالســفة ،ولكنــي ســأحاول اســتجالء كوامــن ـرون الزمــن الوجدانــي الــذي يعيــش فيــه أصحــاب القلــوب ،أولئــك الذيــن لهــم أزمنتهــم الخاصــة ،الذيــن يصـ ُّ ســه طقوســك .ولــو علــى اإلقامــة فيمــا ال يبــرح ،وال يتغيــر .إن المــكان حيــن يكــون فيــك فإنــك فيــه ،وطقو ُ ـر الرقــم الحســابي فيمــا نســميه ســيرورة وانتقــاالً .وهــذا الزمــن نســميه شــعريا ً الذكريــات ،والتــي كثّفهــا تغيَّـ َ ق ـو� يتنــاول مــن زمــن الذكريــات َ الشــاعر أحمــد شــوقي بقولــه« :والذكريــات صــدى الســنين الحاكــي” .شـ ي ن ـاك” .أمــا التعاقــب حضــوره قي اآل� الــذي ال يـ بـرح بتعاقــب األزمنــة ،ويبعــث فيــه الحضــور بالصــوت “الحـ ي ـو� “الصــدى” .وهــذا الصــدى مقيــم ال يـ بـرح .إن الزمــن الشــعري ينتقــل إىل الكلمــة ،ألنهــا مــرآة فيســميه شـ ي الــذات والــدرب إليهــا. يصــر زمنــه علــى يلجــأ الشــاعر ســليمان زيــن الديــن إلــى الزمــن فــي صيغــه الماضيــة ،ورغــم ذلــك ّ مــاض وألنــه كينونــة فــي الوقــت ذاتــه: الحضــور ولــو غائبــاً .إنــه يكثــر مــن فعــل «كان» ألنــه ٍ ً َ ُ يوم كنت طفال..../ /ذات ٍ األرض فؤاشة/ كانت ُ ً لروح /أقواس قزح /ص8/9/ قمصانا ....كانت األشياء ي ويغمــر الفعــل الماضــي معظــم المســاحات التــي يســير فيهــا شــعره .وحضــور الماضــي يهيمــن علــى جســد الشــاعر وروحــه ،ويظـ ُّل الفعـ ُل الماضــي حاضــرا ً بقــوة: من زمان/ ْ الطفولة/ كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس الرمادي بفودي ِه/.... نزل الشيب ُّ كبرالطف ُل وأغوتْه الحياة/ قضم التفاحة المرة حتى/ لم يعد يملك من فردوسه المفقود غير الذكرياتْ /أقواس قزح ص /19/18
ً ـتخدمه مقلوبــا إىل الفعــل الماضــي وحــده هــو الموجــود ،وحيــن اســتخدم الفعــل المضـ ـارع «لــم يعــد” ا ضسـ ف ِّ ض ف ض الما� ي� شعره يكون الما� .ولكن ون� وقلب .لقد قلبت الزمن إىل الما�، ي ي ي إن حرف “لم” في ه جزم ض ي �ض ـا� الــذي هــو المــكان /القريــة ،والــذي لــم يعــد لــه منــه غـ يـر الذكريــات .إن نســغ الحــا ،إنــه يعيــش ي� المـ ي
مدى لجنحي/ وأقطف من ذراك ً ق/ وأعش ُ في شموخكَ وجه ربي/ ق/ وأُشع ُل /في هواكَ الشو ً نارا ً مقدسةً/ لها قلبي وقودُ /أقواس قزح ص ./68/67 الشــاعر هنــا يحــاول أن يتحــد بالجبــل ليكونــه ،وتبقــى ســعادته ليــس بالوصــول إلــى قمــة الجبــل ،بــل تكمــن ســعادته الحقيقيــة فــي ذلــك المســعى الحثيــث للوصــول إلــى القمــة .وكمــا يبــدو أن التســليم بألوهــة جبــل الشــيخ تهــب الواقــف أمــام جــال كبريائــه وتفــرده غســقا ً صوفي ـا ً عميــق التأثيــر إلــى درجــة يتمنــى فيهــا الشــاعر أن يكــون وقــودا ً مقدسـا ً للحالــة ،وتجليــات الجبــل ال تحصــى لــو أر ْدنــا عدَّهــا ،فهــو العمــاق الــذي ال يُدانــى ،ولــذا يحــاول ســلمان زيــن الديــن أن يقطــف مــن هــذا المــدى الــذي ال يُ َحـدُّ مــدى لجنحــه ،وهنــا تبــدو رغبــة الشــاعر فــي الوصــول لقمــة هــذا الجبــل ،والــذي تُبديــه عظمــة هــذا الجبــل البــاذخ الط ّمــاح الذؤابــة. فالشــوق للوصــول فيــه الكثيــر مــن العبــادة ،والعبــادة حــبٌّ تفرضــه عظمــة الواجــد علــى الموجــود ،ورغــم صغرنــا أمــام جبــروت األلوهــة إالّ أن كل إنســان يضمــر حتــى فــي عبادتــه رغبــة أن يُعبـدَ هــو نفســه ،ورغبة أن يتألَّ ـهَ .وجبــل الشــيخ هــو المعشــوق الــذي ال يمكــن أن تنالــه ،ولــذا ســيبقى ســلمان زيــن الديــن محــاوالً الوصــول إلــى قطــف وردة عشــقه ،ولــو كلفــه ذلــك أن يجعــل قلبــه وقــودا ً لهــذه الرحلــة ذات النــار المقدســة كمــا يؤكــد ســلمان ،فهــل هنــاك قربــى بيــن طــور موســى وجبــل الشــيخ .إن ســلمان زيــن الديــن يؤمــن بذلــك، ودليلــه النــار المقدســة .فهــل كان هــو يحلــم أن يكــون «الكليــم» ،كمــا كان جبــل الشــيخ «طــوراً» .كيــف يصنــع ذلــك .إنــه التحـ ّـول الناتــج عــن فكــرة التقمــص التــي آمــن بهــا جبــران خليــل جبــران فــي «نب ِيّــه»، وكان يســعي ويتــردد كمــا فــي «مــرداد» ميخائئيــل نعيمــة إلــى أن يصبــح اإلنســان إلهـاً .كيــف ذلــك ونحــن محكومــون ومســجونون فــي هيــكل الطيــن الــذي شــكا منــه رهيــن المحبســين»:وكون النفــس فــي الجســم الخبيــث» .1ومــع ذلــك سيســتمر اإلنســان فــي محاولــة التألــه .جميــل أن يكــون ابــن األرض مصنوع ـا ً مــن َو ْحـ ٍل وســماء .وتســمو هــذه األرض لتصبـ َح أمـا ً وحبيبـةً وقضيــة .وبالحــب وحــده نصــل إلــى قلــب هللا. الجبــل فــي بالدنــا يحمــل صفــات الــدرزي ،اإلنســان .ولعــل مجــاورة الجبــال والحلــول فيهــا ،هــي التــي وهبــت كبرياءهــا وكرمهــا للــدروز الذيــن قــال فيهــم أحمــد شــوقي: ولكن ذادةٌ وقُراةُ ْ ضيف ٍ
كينبوع الصفا خشنوا ورقّوا
نعــم ،لقــد كان جبــل الشــيخ قاســيا ً فــي درء عــوادي الزمــن عنــه ،وكان كريمــا بــا نضــوب ،ومــن كرمــه األنهــار التــي تتدفــق وتنبجــس مــن ســفوحه ،كنهــر الحاصبانــي ونهــر األعــوج ونهــر الشــريعة .وحيــن أراد الشــاعر القــروي «رشــيد ســليم الخــوري» أن يصــف النهــر المتحدرمــن جبــال لبنــان قــال فــي وصفــه: طورا ً له زأرةُ الدرزي ِ ثار على ْ ّ وتارةً يمأل الوادي ترنُّ ُحهُ
جالّد ِه وإلى استقالله نفرا َ ّ لبنان في أغالل ِه زفرا كأن
الجبـ�ل فيــ الش��عر روح مســكون باالنفعــاالت ،وعواصفــه هــي ترجمــة انفعاالتــه ،وال يصبــح المــكان روحـا ً ـدواً ،وفــي كلتــا إالّ إذا ح ـ ّل فــي وجــدان إنســان معــذب ،وقتهــا قــد يصبــح المــكان صديق ـاً ،وقــد يغــدو عـ ّ ي ،اســمه ســليمان ـدان فتــى قــرو ٌّ الحالتيــن يكــون ترجمـةً النفعــال .وهــو ذلــك الحــي المملــوء روحـا ً فــي وجـ ِ زيــن الديــن .وألن المــكان الــذي نحبــه روح فإننــا ندخلــه ونعيــش فيــه ونكلمــه ويكلمنــا .إنــه إنسـ ٌ ـان بمقــدار
لم يز ْل يفتنُ قلبي يدهش عيني ومكان لم يز ْل ُ ٍ أقواس قزح ص/26/ وفــي شــعر ســلمان زيــن الديــن ،تصبــح غربــة العمــر شــكوى مــن اآلخــر ،إنــه فعــل الزمــن الــذي يأتــي علــى كل شــيء ،فالطبيعــة تتغيــر ،والصحــب يتغيــرون ،والخريــف يغــزو الداخــل ،ويبــدأ رفــاق األمــس يلقلــون حجارتهــم فــي بئــر الماضــي الــذي كان جمي ـاً وكان مــاؤه منه ـاً ،فــي الصبــا كان الصحــب: يغسلون الرو َح بالسحر الحالل البئر عينا ً فتقر ُّ ُ الصحب نفسا ً ويطيب ُ ويجلّون مقام الماء حجر ال يرمون في البئر ْ أقواس قزح ص /87 أمــا فــي الخريــف فيتغيــر المــكان واإلنســان والزمــان ،وســبب هــذا التغيــر هــو فصــول الجســد ،وكــم كان فيرليــن رائعـا ً حيــن قــال« :إن الجســد لحزيــن» .إن حــزن الجســد أفــرغ قتامتــه علــى الطبيعــة والصحــب فــي آن: وتولّى زمن كان سعيدا ً ت األغصانُ في العود فأمسى قلَّ ِ َ عريان وحيدا في مهب الريح البئر ونأى الصحب عن ِ رموا أحجارهم فيهان وساموها جحودا أقواس قزح ص 88/87 إن اســتعمال فعــل «أمســى» لــه داللتــه الحــادة ،لقــد اســتعمل الشــاعر فعــل «أمســى» ليقــول لنــا :إن أوان الغــروب قــد حــان ،ولــو اســتعمل فــي هــذا المــكان فعــل «أضحــى» ل َمــا وافــق الــكالم مقتضــى الحــال .البــد مــن اســتعمال الكلمــات التــي تحكــي بدقــة مــا يدفــق مــن اإلحســاس ،والصياغــة الجميلــة تقــوم علــى توافــق اللفــظ والمعنــى داللـةً وإيقاعـاً ،حتــى ،ولــو أغربــت الكلمــة فــي داللتهــا بعيــداً ،يجــب أن يبقــى عالقــة قربــى بيــن اللفــظ /الرمــز والمعنــى الــذي يريــد الشــاعر أن يصــل إليــه. ـب أفضــى مــكان يتحــرك فيــه الشــاعر ،إن الدنيــا علــى ســعتها تضيــق أمــام ســعة القلــب فــي رأي ويبقــى القلـ ُ ســلمان زيــن الدين: هي الدنيا تحاصرني
ً ً ً وه دائمــا تتجـ ّـول ف ي� المــكان والزمــان معــا .وزمــن قصائــده قــروي أيضــا ـ� ف ي� شــعره. ي ـ� وتحـ ي الذكــرى تحـ ي رض كالمــكان .وقرويــة المــكان والزمــان تحمــل أبجديــات الواقــع الــذي يحيــط بالشــاعر ،فالشــباب أخ ـ ريــان تتخــذ فيــه الطبيعــة ألوانـ ًـا خ ـرض َاء ّ ـول مرات ًــع تمــوج ـ ق والح ـا، ـ ه بألوان ـري ـ غ وت ، ـا ـ ه بعب� ـوح ـ ب ت ـار ـ ه فاألز ـة، ـ ن ا ري ي ً ـ� المخصــب ،وكهولــة الجســد تصحبهــا طبيعــة مماثلــة وزمــن شــاحب يشــبه خريفــا يابســا ،إال مــن بنباتهــا الـ ي حــزن يحمــل إحســاس النهايــة القاتــم ،فالجســد وحــده هــو الكــون .وهــو الــذي يجعــل المــكان والزمــان مرايــا لــكل نوازعــه وأحاسيســه الـ ت يـ� هــي فــي حقيقتهــا اســتجابة حتميــة لفصــول الجســد وثمــاره وتقلباتــه التــي تصنعنــا ،ونحــن نســميه زمنـاً ،ولكنــه فــي حقيقتــه الجســد ،الجســد وحــده ،فــي ربيــع الجســد تصبــح الطبيعــة ـرى والوامقــة: خادمــة أمينــة لمكنوناتــه الحـ ّ وإذا الينبوع والجدو ُل ج والساقيةُ المغنا ُ صارت تتبارى، األنهار تمتطي َ يحدوها حنينُ الفرع لألص ِل وشوق االبن لألهل الحيارى وتح ِيّي ِه بأحلى قُبل ٍة كانت لديها
أقواس قزح ص /42
ـفر دؤوب ،ال ولكنــك ال تســتطيع أن تدخــل فــي نهــر الزمــان ّ مرتيــن ،وال فــي النهــر المــكان ،إننــا علــى سـ ٍ يلقــي رحالــه ،مهمــا اســتب ّد بنــا الونــى ،وجنــح بنــا البيــن فــي مرامــي تيهــه وصحــاراه ،التــي ال مــاء فيهــا هرم ـةً ،وتصبــح الكلمــات مرايــا غيــر ســراب يغــري ،ورواحــل يمتطيهــا العمــر ،وقتهــا تصبــح الطبيعــة ِ العمــر القاحــل إالّ مــن الذكريــات ،وتغــدو الكلمــات غيــر كلمــات األمــس: الصيف يا لبنى وتولّى ُ وبتنا قاب قوسين من الريح وأدنى وغدا ً حين تهبُّ الريح تذرو ما جمعنا من حصاد أقواس قزح ص /83 إن مغــادرة القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن صبغــت شــعره بحــزن شــفيف ،إنهــا حنيــن إلــى العــودة، ومغــادرة الحاضــر لإلقامــة فــي الماضــي ،والماضــي هــو القريــة ،وهــو الفــردوس المفقــود ،والزمــان ـور الشــيب الــذي نــزل بفوديــه .والشــيب فــي حقيقتــه المفقــود أيض ـاً .ويرافــق حــزنَ مغــادرة القريــة حضـ ُ غربــة ثانيــة .وإذا كان باســتطاعة الشــاعر العــودة إلــى قريتــه ،فإنــه غيــر قــادر أن يعــود إلــى زمــن الشــباب. ومــن هنــا كانــت أهميــة الذكــرى فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن ،ألنهــا قنديلــه األخيــر فــي ظــام العمــر، وألن الذكريــات «صــدى الســنين الحاكــي» .وحيــن تــدق نواقيــس الذكريــات فــي صــدر الشــاعر يشــعر أن صوتـا ً يــوري حنينــه: لزمان ٍ
هنا أريد أن أشير إلى لقاء وجداني وموقف من تغيرات بين هذه القصيدة للشاعر سلمان زين الدين ***** لهم القروي وتأثيره على الحواس مادية ال ُم ِ ـاب األول واألغنــى واألكثــر فــي العمــر القــروي الزراعــي تكــون القريــة وعالمهــا المــادي والروحــي الكتـ َ حضــورا ً وتأثيــرا ً فــي الــذات طــوال مراحــل العمــر اإلنســاني .إن القريــة هــي الصانعــة األولــى للشــخصية مكون ـةُ ـى فني ـا ً فــي حياتــه .ولعــل مرحلــة الطفولــة هــي ّ ِ اإلنســانية ،وبخاص ـ ٍة لــكل ابــن قري ـ ٍة نحــا منحـ ً العمريــة التــي تليهــا .وقتهــا تبــدأ االســتعداد األول لخلــق االنطباعــات المؤثــرة ،وباســتمرار علــى المراحــل ْ القريــة بــكل تفاصيلهــا بطباعــة صفحــات كتــاب العمــر ،وتصبــح تلــك الصفحــات هــي العمــر الحقيقــي لإلنســان. وتآزرهــا لنقــل أقصــى مــا يشــعر بــه اإلنســان. وبتأم ـ ٍل رؤيــوي مــادي نــرى بوضــوح تداخــل الحــواس َ وتحديــدا ً مــاكان لــه حضــور مــادي مؤثــر علــى إنســان القريــة الطفــل .وقتهــا النهــر يصبــح حكايــة ال تبــرح الوجــدان .وهــا أنــا حتــى اآلن ال أزال أذكــر تلــك الصفحــة فــي كتــاب القــراءة األول فــي مدرســة القريــة، َ ْ ن ُ ْ ألتبعــك /أنــا ـر� والتــي كانــت فيهــا صــورة لطفــ ٍل واقــف يخاطــب النهــر“ :أيهــا النهــر ال ترس/وانتظـ ي ْ ٌ َ ْ ف ن ـر� ألتبعــك ./إىل اآلن وأنــا ي� الســبعينيات ،وقــد مــررت بتجــارب ـ ظ فانت / ـك أخـ بـرت والــدي /أنـ ن يـ� ذاهــب معـ ي بتأث�اتهــا ،ومــع ذلــك مــا زلــت أذكــر تلــك الصــورة ،وأردد بحنـ ي ن ـ� غامــر تلــك المناجــاة الحميمــة حياتيــة عجيبــة ي َ ت ال� يرجو بها الطفل النهر أن ينتظره ليســافر معه ،واآلن أســأل :ولكن إىل أين!!؟ وكل تفاصيل القرية لها ي تأثـ يـر ذلــك النهــر عــى وجــدان طفــل صغـ يـر ،فالشــجرة تغــدو فتــاة مراهقــة متناســبة وناميــة مــع نمــو المراهقــة ف ي� بواكـ يـر حيــاة الطفــل .وهــذه المعطيــات تكثفهــا تجربــة الحيــاة ،إىل درجــة تعجــز فيهــا حاســة واحــدة عــى اكتنــاه كل تلــك المعطيــات الـ تـ� تراكمهــا التجــارب ف� الوجــدان اإلنسـ ن ـا� .وقتهــا تكــون النفــس الشــاعرة أ كـ ثـر ي ف ي ي ًِ ْ ً ز التهامــا لخـ بـ� تلــك الطبيعــة ،حيــث يغــدو كل مــا ي� القريــة قمــح حقــول الصبــا ،وتغــدو الذكريــات ِمنجــا يحصــد مــا بـق ي بعــد جفــاف العمــر ورحيــل األشــياء. ـ� ّ ـر الريــح لل َحــور” ،وبـ ي ن حاســة إن إزالــة الفواصــل ،وتهديــم الجــدران الفاصلــة بيــن الصــوت« :مــا تتُسـ ُّ ف ّ الشـ ّـم“ :مــا تفضــي بــه التربــة لألزهــار” ،وبـ ي ن ـ� حاســة البــر“ :الزعــر الـ بـري والــزو� وإكليــل الجبــل”، نعــم إن تهديــم الحواجــز بيــن الحــواس المختلفــة «البصــر والشـ ّم والصــوت» هــي تفســير لكثافــة إحســاس الشــاعر فــي حضــرة عشــيقته الطبيعــة التــي تغريــه بوصالهــا وتظــل أبعــد مــن نوالهــا ،وذلــك لشــدة هيمنتهــا علــى وجدانــه .وقــد اســتعان المشــتغلون بالفنــون كافــة منــذ ال ِقــدم بتهديــم الجــدر بيــن الحــواس للتعبيــر الطاغــي علــى الوجــدان الــذي تعجــز كل الحــواس عــن نقلــه .ولكــن الشــاعر الفرنســي «شــارل بودلــي» أفــاض فــي هــذا المجــال بســبب شــدة إلحــاح أحاسيســه علــى ذاتــه ،ولنســتمع إليــه ،وهــو يقــول محــاوالً الوصــول إلــى أقاصــي حالــة الشــعور التــي يخلقهــا تعــاون الحــواس: التحو ُل الروحاني أيها ُّ تحو َل حواسي كلها المنصهرة في حاسة واحدة يا ُّ َ سها يُبدع الموسيقى إن نَفَ َ مثلما يو ِلّ ُد صوتُها العطر. ورغــم شــهرة بودليــر فــي هــذه االســتجابة إللحــاح المشــاعر واألحاســيس علــى التســرب مــن شــقوق الحــواس المختلفــة فــإن شــعرنا العربــي نحــا هــذا المنحــى منــذ بواكيــر وجــوده ،فامــرؤ القيــس شــبّه
دنى أخرى، فأبحث عن ً تقيم هناك في قلبي، وتجري في شراييني. أقواس قزح ص /95 سـهُ ،واألســئلة ـاعر نف ُ ســعة القلــب تجعــل الشــاعر منهمــكأ ً بإلقــاء األســئلة علــى المجــرد اآلخــر الــذي هو الشـ ُ هــي إيجــاد أمكنــة أخــرى فــي القلــب يبعثهــا األســى الــذي هــو الباعــث األكبــر لحضــور الشــعر ،و»األســى يبعــث األســى» كمــا يقــول «متمــم بــن نويــرة» .والســؤال يعبــر عــن كثافــة الزمــن فــي الــذات اإلنســانية، ـول الزمــن إلــى ذكــرى وال يمكــن للزمــن أن يتكــون فــي الشــعر إالّ بحضــور المــكان ،والمــكان هــو الــذي يحـ ّ ِ تجهــش فــي األعمــاق ،ثــم تتحـ ّـول إلــى أســئلة لعلهــا تجــد مخرجـا ً يخفــف االحتقــان ،والســؤال كمــا رأينــا هــو ـرد ذاتــه ،ليصبــح اشــتياق وتعليــل .ولهــذا يصبــح الســؤال فــي الشــعر جوابـاً ،كمــا يقــول أبــو تمــام وهــو يجـ ّ المنــادي والمنــادى أمــام ديــار األحبــة: فاسألَ ْنها ،واجع ْل بكاكَ جوابا ً
تج ِد الدم َع سائالً ومجيبا
ـب نفســه ال ُم ِل ّحــة ،والتــي تفتتــح فــي القلــب أمكنــة ويعتمــد الشــاعر ســلمان زيــن الديــن علــى الســؤال ليجيـ َ كثيــرة باألســئلة ،وأســئلته فيهــا كثيــر مــن غمــام الحــزن ،وكثيــر مــن بــروق العنــاد ،والعنــاد هــو محاولــة جــادة ضــد المــوت ،والعنــاد فــي أزمنــة الحــزن لــه ســمة االرتقــاء علــى مــا هــو كائــن .ومــن هــذا المنطلــق يكــون العنــاد فــي األزمنــة العبــة فعـاً أخالقيـاً ،والدهشــة أمــام تغيــر الجســد هــي مــن أســئلة العنــاد الكبــرى رغــم ز ّخــات الحــزن التــي تهطــل علــى الوجــه أمــام المــرآة .ورغــم ذلــك ال يســتطيع الشــاعر أن يخلــع أحزانــه رغــم عنــاده أمــام المــرآة: كيف تغدو الشفةُ ُ المرجان ذكرى، ي شَعرا كيف يُمسي الكأل البر ُّ كيف ري ُح العمر تذرو شَعر سيفي ِْن األسر في الغمديْن صدرا يضيقان بليل ِ وانثنى الوجهُ على المرآة مشدوهاً، وقال: عينيك أين ما خبّأتُ في ِ ْ وظالل؟ من سحر وماءٍ ٍ أين ما أودعتُكي ِه وقمر؟ ونجوم من سماءٍ ْ ٍ أين تلك النظرة ُ السيف ُ وتلك البسمةُ الصيف ُ المطر؟. وأقواس ْ ُ
رغــم أن للزمــن تفســرا ً ال يمكــن حصــره بتعاقــب دقــات الســاعة ،وهكذاســنبقى نمــارس ســعينا الــدؤوب فــي رحلــة كونيــة مترقيــة ،وحثيثــة الســير صــوب هللا.
يجــب أن تحتــوي القافيــة علــى عنصــر المفآجــأة لكــي تحــدث نوعــا مــن المتعــة والتشــويق .وليــس بالضرورة أن يكــون األمــر غايــة فــي الغرابــة ،يجــب أن يكــون هنالــك تــوازن متــى مــا لــزم اســتخدام غيــر المتوقــع المشــكلة لــدى الشــعراء الناشــئين هــي صعوبــة تصنيفهــم ووضعهــم فــي خانــة محــددة لموهبتهــم الشــعرية وإلنجازاتهــم .قــد يــرى بعضهــم أنــه حقــق مــا يشــفع لــه بــأن يكــون شــاعرا ،وهــذا التخبــط فــي الســاحة الشـ�عرية هـ�و مـ�ا جعـ�ل الجمهـ�ور يعـ�رض عـ�ن الشـ�عر الحديـ�ث.
كان الصهيل حاجة قصوى أمام جبل الشيخ ،وال بد من الصهيل أن يصبح جسدا ً يتسلق.
.١يجــب عــدم االلتفــات إلــى النقــد الصــادر مــن أشــخاص لــم يســبق لهــم أن انتجــوا أعمــاال جليلــة أو نبيلــة. أنظــر إلــى الفــارق األدبــي الكبيــر بيــن أعمــال اإلغريــق األوائــل مــن شــعراء ومســرحيين وبيــن مــن جــاءوا بعدهـ�م فـ�ي العهـ�د الرومانـ�ي الذيـ�ن كانـ�وا مجـ�رد شـ�ارحين ألعمـ�ال مـ�ن سـ�بقوهم مـ�ن األغريـ�ق العظـ�ام. .٣ذلــك أن بعــض الكتــاب ال يعــي بــأن الشــيء الواقعــي والطبيعــي يحمــل فــي طياتــه مــا يكفــي مــن الرمــز لإلشــارة لشــيء آخــر تجنــب التشــبيهات والتعابيــر التــي تخلــط بيــن المجــاز التجريــدي والواقــع ألنــه يخلــق بعـ�ض الرتابـ�ة .وسـ�بب. .٤اجعــل مــن المجــاز التجريــدي عــدوك األول .ومــا كتبتــه ببراعــة فــي شــكل نثــري واضــح ال تعــاود صياغتــه بأســلوب شــعري متواضــع المســتوى .وال تظــن أن باســتطاعتك خــداع القــارئ الذكــي عــن طريــق الهـ�رب مـ�ن الجمـ�ال األصيـ�ل الممتنـ�ع للفـ�ن النثـ�ري إلـ�ى جمـ�ل شـ�عرية مبتـ�ورة. .٥مــا قــد يمتعــض منــه الناقــد الخبيــر اليــوم ســوف بالتأكيــد لــن ينــال استحســان العامــة مــن القــراء فــي الغــد. ال تظــن بــأي حــال مــن األحــوال أن فــن الشــعر هــو أكثــر بســاطة مــن الفــن الموســيقي ،أو تظــن أنــه بامكانــك إرضــاء الخبيــر بأمــور الشــعر بمجهــود أقــل ممــا يبذلــه العــازف علــى البيانــو الراغــب فــي احتــراف الفــن الموسيقي. ـش مــن التأثــر بأقصــى عــدد ممكــن مــن الشــعراء والفنانيــن الكبــار ،ولكــن تحـ َّل باللياقــة الالزمــة .٦ال تخـ َ لالعتــراف بفضلهــم عليــك ،أو اجعــل هــذا الفضــل يتماهــى مختفيــا فــي عملــك .وال تحصــر هــذا التأثــر فــي اســتخدام المزخرفــات اللفظيــة المأخــوذة مــن شــعرائك المفضليــن ،ألنــه آجــا أم عاجــا ســوف يتــم القبــض عليـ�ك بالجـ�رم المشـ�هود.
ـيء ـرض فيــه« :ولي ـ ٍل أقاســي ِه بطـ ِ الليــل بمــوج البحــر ،والنابغــة الذبيانــي عانــى مــن الليــل حتــى لكأنــه مـ ٌ ب» .أنظــر إلــى لفظــة «أقاســيه» ،الليــل هنــا صــار مرضـاً .وداللــة قــول بشــار بــن بــرد الشــاعر الكواكـ ِ األعمــى واضحــة فــي تحويــل البصــر إلــى ســمع المحاجر من َمعَ ٍ ّد ودعجاء ِ ِ
َّ الجنان ثمر كأن حديثَها ُ ِ
إن حديــث الفتــاة يصبــح ثمــرا ً مــن ثمــار النــة ،وليــس تحويــل الحواســه وحــده هــو الرائــع فــي هــذا الشــعر، وإنمــا البديــع أيضـا ً هــو جعــل طعــم الــكالم كطعــم ثمــار الجنــة ،الــذي هــو أعلــى الثمــار وأطيبهــا .وهــذا مــا نــراه أيضـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن ،وذلــك حيــن يســتيقظ فيــه جمــال الطبيعــة ،ويزدحــم الجمــال فــي ســة: ـف الجمــال ليختــرق أكثــر مــن حا ّ وجدانــه ،فيتكثَّـ ُ /ه األشواق تطلع من قماقمها/، ي فيتَّس ُع المدى/. والصوت يزهر في خمائله/ فيشتعل الصدى/ هذا ربي ُع ْ األذ ِن/، َ ف سمعَكَ الظمآن/ فأر ِه ْ ْ ْ األلحان /أقواس قزح ص ./66/65 واقطف أعذب ْ ب مــن حاســة إلــى ـر ُ إن ازدحــام الــرؤى واألحاســيس فــي صــدر الشــاعر جعــل حــراش األحاســيس يتسـ ّ أخــرى .فاألشــواق المتقــدة فــي صــدر الشــاعر صــارت كالســوائل المعبّــأة فــي قماقمهــا ،والصــوت بإيقاعــه ـان ربيعـي ٍ يصبــح الصــوت فيــه مزهــراً ،وتصبــح المحبــب يتحــول خميلــة ،والصــدى يشــتعل ،فــي مهرجـ ٍ ـر بســمع الصــورة أكثــر تأثيــرا ً حيــن يحيلُهــا الشــاعر إلــى وجدانــه بأمـ ٍـر ال يحتمـ ُل التأجيــل ،ويُسـ ُ ـتجاب األمـ ُ الشــاعر الظمــآن لشــرب الجمــال ،وحيــن يظمــأ الســمع تكــون األعمــاق عطشــى لمطــر يخصــب الــروح ويغنيهــا ،وفتهــا تتحــول األصــواتُ الحميمــة إلــى فاكهــة ال تختلــف عــن «ثمــر الجنــان» عنــد بشــار بــن بعضهــا علــى بعــض ،وهــذا تفســير لكثافــة الشــعور الــذي بــرد .واضـ ٌح فــي هــذا الــكالم انفتــاح الحــواسِ ، ـوت، ال يمكــن نقلــه فــي حاســة واحــدة .وتذهــب الصــورة فــي ســريالية جميلــة حيــن يُضــي ُء الصمــتُ الصـ َ ســةٌ واحــدة: وحيــن تقطــف اللــوزة الوقــت حتــى لــكأن الحــواس جميعهــا حا ّ ٌ لوزة تقطف ت وق�/ / ي أغس ُل العينين فيها/ فيضيء الصوتَ صمتٌ /أقواس قزح/ص ./46 ـواس ،فـ ّ ـإن ماديّــة داللتهــا تتغلــب علــى المضمــر منهــا فتبــرز الحاســة أكثــر وعلــى الرغــم مــن تداخــل الحـ ّ مــن مكونــات الطبيعــة ،فنشـ ُّم شــذا الزهــرة أكثــر مــن رؤيتهــا فــي الواقــع ،وهــذا مرتبــط بماديــة التــراث، ومرتبــط بتجســد األحاســيس ،وعــدم القــدرة علــى منــع تدفقهــا ،ومرتبــط أيضـا ً بطبيعــة البيئــة الريفيــة التــي نهــل ســلمان زيــن الديــن منهــا معارفــه الروحيــة ،مــع وضــوح نظريــة وحــدة الوجــود التــي يتداخــل فيهــا العَقَــدي بتأثيــرات قامــوس البيئــة الرؤيــوي .إن تداخــل األشــياء ونموهــا معـا ً فــي الداخــل اإلنســاني ،وفــي عالمــه الرؤيــوي تجعلــه َمقُــودا ً لإليمــان بتكاثــر المخلوقــات ووحدانيــة الخالــق وســعيها الحثيــث للتوحــد بــه. إن إزالــة الفواصــل بيــن موجــودات الطبيعــة تحتــم اإليمــان بالحلــول المترقــي فــي مراحــل مــا نســميه زمنـاً،
االنضبـ�اط فـ�ي الكتابـ�ة إن مارسـ�ته علـ�ى سـ�بيل التمريـ�ن.
.٧تجنب الزركشات اللفظية ،الجيد منها والرديء. .٨دع قارئــك المحتمــل يمــأ نفســه بأرقــى اإليقاعــات الشــعرية التــي يمكــن أن يكتشــفها فــي نصــك ،خاصــة وإن كان هــذا القــارئ ســيقرأ شــعرك بلغــة أجنبيــة .وذلــك لكــي ال يشــتت تركيــزه عــن حركــة االيقــاع حينمــا يحــاول معرفــة معنــى الكلمــات .مثــال علــى ذلــك بعــض األغانــي الشــعبية ،شــعر دانتــي وقصائــد شكســبير. دعــه يحلــل شــعر غوتــه بــكل هــدوء ورويّــة حتــى يصــل إلــى عمــق المحتويــات القيمــة الصوتيــة واإليقاعيــة للجمــل واألبيــات الشــعرية ،مهمــا كانــت قصيــرة أو طويلــة ،ســواء بهــا تكثيــف نغمــي أم ال ،ويصــل إلــى جـ�ذور الكلمـ�ات حتـ�ى يراهـ�ا بطبيعتهـ�ا اللغويـ�ة البحتـ�ة. .٩ليــس بالضــرورة أن تعتمــد القصيــدة علــى موســيقاها الداخليــة ،لكــن إن كان ذلــك هــو الحــال فيجــب أن تكـ�ون تلـ�ك الموسـ�يقى غايـ�ة فـ�ي الجـ�ودة بحيـ�ث تسـ�عد القـ�ارئ الخبيـ�ر. .١٠اجعــل قارئــك الجديــد يشــعر بمعرفتــك فــي أصــول الشــعر وفنونــه مــن محســنات لفظيــة وســجعية، وتفنــن فــي أســلوب القافيــة وتعــدد األصــوات فــي النــص ،فذلــك مــن ضروريــات الكتابــة تمامــا مثــل مــا تتوقــع أنــت أن يعــرف المؤلــف الموســيقي كل شــيء عــن حرفتــه ويتقنهــا .كل وقــت هــو مناســب لالهتمــام بمثــل هــذه الجزيئــات ســواء كلهــا مجتمعــة أو كل واحــدة علــى حــدة ،حتــى وإن كان الشــاعر ال يســتخدمها بكثـ�رة.
.١٣عندمــا يتكلــم شكســبير عــن “فجــر ملتــف بعبــاءةٍ خمريــة اللــون” فهــو يبــرز شــيئا ليــس فــي مقــدور فنان الرســم إبــرازه .يوجــد فــي هــذا البيــت العدمــي الشــيء المدعــو الوصــف ،هــو شــيء تلقائــي ،كل مــا علــى شكسـ�بير أو أي شـ�اعر محتـ�رف هـ�و تقديمـ�ه كمـ�ا هـ�و للقـ�ارئ. ـروج الــذي يحــاول بيــع صابــون .فالعالــم ال .١٤تعلــم منهــج رجــل العلــوم فــي عملــه عوضــا عــن منهــج المـ ّ ينتظــر أي احتفــاء حتــى يكتشــف شــيئا ذا قيمــة .وهــو يبــدأ عملــه بدراســة مــا حققــه العلمــاء مــن قبلــه .وهــو ال يعتمــد فــي عملــه علــى شــخصيته الســاحرة وال ينتظــر أن يصفــق لــه زمالئــه وهــو فــي المراحــل األوليــة لعملـ�ه أو عندمـ�ا يحقـ�ق اكتشـ�افات صغيـ�رة. .١٥ال تبتــر نصــك إلــى قطــع مشــوهة عديمــة المالمــح .وال تقــف عنــد نهايــة الســطر بصــورة تجعــل الفكــرة غيــر مكتملــة .اجعــل بدايــة البيــت الشــعري متناغــم فــي الــوزن مــع ســابقه مــن األبيــات ،إال إذا كنــت تريــد خلــق حالــة نفســية معينــة لــدى القــارئ بوقوفــك المفاجــئ .وباختصــار تصــرف كأنــك موســيقي موهــوب، .19الصــور الشــعرية التــي تحــث وتثيــر مخيلــة القــارئ لــن تُفقــد مطلقــا حيــن يترجــم الشــعر إلــى لغــة أخـ�رى .ولكـ�ن الجـ�زء الـ�ذي يطـ�رب األذن يجـ�ب أن يُقـ�رأ بلغتـ�ه األصليـ�ة. .20يمثــل شــعر (دانتــي) الوضــوح التــام فــي التعابيــر ،فــي مقابــل أســلوب (ميلتــون) البالغــي المتعــدد المعانــي .لكــي تكســر الرتابــة فــي شــعرك عليــك بقــراءة (وردورث) كثيــرا .وإذا أردت أن تســتخلص بواطــن األمــور عليــك بـــ (ســافو) أو (كاتــاالوس) أو (فيلــون) أو (هايــن) فــي أحســن حاالتــه ،أو (جاتييــر) عندمــا ال يكــون بــارد المشــاعر .وليــس هنالــك أفضــل مــن الشــاعر الكبيــر (تشوســر) إذا أردت أن تكــون متعــدد اللهجــات واألصــوات .وال يضــر إن قــرأت نثــرا جيــدا مــن حيــن آلخــر ،وهــو األمــر الــذي قــد يعلمــك
الصائمون ومرض ضغط الدم د .انتظار القيسي ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك أود أن أقدم بعض النصائح للصائمين الذين يعانون من اضطرابات في معدالت الضغط الدموي لتجنب الصائم من أية مخاطر في هذا الشهر الفضيل . أوال :الضغط المنخفض مع ارتفاع درجات الحرارة وتزامنا مع شهر رمضان نجد الكثير ممن يعانون من أعراض انخفاض ضغط الدم أثناء الصيام كالخمول والدوار والصداع وقد يصل إلى اإلغماء في حالة االنخفاض الشديد للضغط ،لذلك يجب على مرضى ضغط الدم المنخفض اتباع بعض النصائح في الصيام وخاصة في فصل الصيف حيث يفقد الجسم الكثير من األمالح والسوائل .اذا اليكم بعض النصائح الغذائية الواجب اتباعها خالل شهر رمضان .1زيادة نسبة الملح في الطعام. ـ .2ضرورة تناول كوب من العصير الطازج مع بداية اإلفطار. .3اتباع نظام غذائي متوازن من اإلفطار للسحور فيجب أن يحتوى اإلفطار على كربوهيدرات معقدة وبروتين خال من الدهون وخضروات متنوعة. .4تناول القليل من الشاي والقهوة بعد اإلفطار. .5شرب عصير عرق السوس يساعد على ارتفاع ضغط الدم. .6تجنب المجهود الزائد والتعرض للشمس أثناء ساعات الصيام. .7اإلكثار من تناول السوائل والعصائر. .8عدم تناول كميات كبيرة من الطعام مما يؤدى إلى اندفاع الدم إلى المعدة ومن ثم انخفاض ضغط الدم. .9تناول وجبة سحور بها كمية معتدلة من األمالح كشريحة من الجبن الرومي والزيتون وإضافة الملح إلى الفول. ثانيا :ارتفاع ضغط الدم
من يشعر بارتفاع الضغط عليه ان يلتزم بنظام غذائي صحي وكما يلي : .1االفطار يجب أن تحتوي على السوائل والمياه وتناول طبق من الحساء ال يضاف له ملح وتناول الفواكه والخضروات ألنها تحتوي على نسبة عالية من األلياف الغذائية مثل الطماطم والبازالء والفاصوليا والملفوف اي اللهانه إلى جانب البروتين الموجود في األسماك مثل سمكة التونة وشريحة من الدجاج منزوعة الجلد ويمكن تناول الكربوهيدرات على أن تختار نوع من الكربوهيدرات المناسبة مثل المعكرونة والرز . .2السحور تناول في السحور البقوليات مثل الفول اي الباقالء والبروتين مثل الزبادي خالي الدسم اي اللبن الخاثر مع شرائح من خبز النخالة فهو نوع من الحبوب الكاملة الذي يساعدك على الشبع. يمكن تناول حفنة من المكسرات بحجم كف اليد عند الشعور بالجوع ،وكذلك تناول الفواكه المجففة مثل الخوخ والزبيب أو العنب المجفف والمشمش وتناول الفواكه الطازجة
شهق ُة املعابر فراس جمعه العمشاني جانب ّ الراك ُد ُخ ْذ ق من فضلك أَيُّها الفضا ُء ّ َ الطري ِ
ت المشانق وخاتمةً تليق شرايين التراب نشر ضحاياي على للريحِ صيحا ِ ُ وأكتب ّ ِل َ َ ِ باألَناشيد واألُغنيات قب َل أن لحم الصراخِ الرائجِ وقبل أن تخترقَ َ يطهو الغزاة ُ َ وت األنيق كجث ٍة رفعت يديها الضّريرتين للمغتسل ص َ الرصاصاتُ الطائشةُ ذلك ال ّ ّ مزهوة ً إلى نزه ٍة لتذهب َ ّ الغبار الملتصقَ على ِفم طف ٍل تتّبعُها بوصلةً محشوة ً باإلنكسار يتع ّك ُز ع أخير ٍة تُصار ُ ّ َ بكؤوس المج ِد ّ الطليق لنقتط َع أطرافنَا القسم المستباح يوم شربنا ما َء فيها ُ ِ ِ اإلنتصار َ للعبور شريطةَ أَن سواتر و أُخرى صالة تارة ً وتارة ً للتدحرجِ على أكفان ال ّ المنذورة َ لل ّ ِ ِ تنام المسدساتُ َ البصر بعدما ُ لحظة إستراح ِة األصابعِ وتتغ ّ ت شى طبعت بصما ِ ُ ِ النواظير فوق أَبراجِ أسرة المقابر العصي على جل ِد المحاجر .وباتت أرواحنا ال ّ صاعدة بشراه ٍة إلى ّ ِ ُ سكك المعابر الجثث على ولتسترح ب ْ ْ ِ فلتسترح الجماجم بالثقو ِ العراق 2018/5/5
مع الشاعر سليم حيدر يف «خليقته»
عمر شبيل ــ 1ــ .مل يعتـ ْد هــذا الــرق أن يكـ ّر َم نبغــاءه ،وهــم أحيــاء ،كان يتجاهلهــم ،وهــم يهبونــه معنــى أن يكــون .كانــوا ال ميوتــون يــوم موتهــم، ويتحولــون إىل أضــواء تبــزغ يف الكتــب والعقــول والقلــوب ،كانــوا يحاولــون الدخــول يف صميــم األشــياء ،وبفقدانهــم كان الــرق يخــر «الرائــد الــذي ال َيكْ ـ ِذ ُب أهلــه» ،لكيــا يخدعــه ال ـراب عــن املــاء ،وتبتعــد قوافلــه عــن الينابيــع مبقــدار اختــاف الظــأ عــن االرتــواء. الشــاعر ســليم حيــدر ضــوء مــن أضــواء الــرق التــي اخرتقــت ظلــات املســاحات الراكــدة فينــا ،وكان ضــوؤه كاشــفاً يــوم كان الوطــن ُمعرِضـاً عــن فكــره املشــتبك مــع قضايــا الوجــود الكــرى ،كان ســليم حيــدر مفكـرا ً عنيــدا ً وشــاعرا ً ُمجيــدا ً .نشــأ يف جغرافيــة ـري مبــن تفهمــه كل اللغــات هــي تــوأم الشــعر ،يف بقــاعٍ ،أعمــدة بعلبكــه تراهــن عــى مــوت املــوت ،وتخاطــب الخلــود بلســان حجـ ٍّ حــن تته ّجــى رمــوز هياكلهــا ،وتســتنطق صمتهــا املتكلــم .نشــأ ســليم حيــدر يف رحــاب «إلــه الشــمس» يعنــي إلــه الضــوء ،فأغـراه هــذا اإللــه بالرؤيــة والرؤيــا ،وأغ ـراه بإدمــان التحديــق خلــف الشــمس ،والــذي ينشــأ يف الضــوء ال ميكــن أن يصــاب بالعمــى ،مل يــرب الشــاعر ســليم حيدرمــاء القــرى البعلبكيــة املتدفقــة مــن رشايــن ليطانيهــا وعــروق ص ّنينهــا فحســب ،وإمنــا رشب أيضـاً حكايــا قراهــا وجــال غيدهــا اللــوايت ورثــن مــن األعمــدة القــوام وســحر الحضــور ورسمديــة الجــال .وعــى تفاصيــل البقــاع وعطاءاتــه التــي امتــدت لتطعــم رومــا ،قــرأ الـراث قـراءة وجدانيــة مضيئــة فأعطتــه الحــدس املتولــد مــن ملعــان الداخــل ،والشــعر يف بروقــه ـديس يومــض قبــل اللغــة الواضحــة ،وبهــذا اللمعــان الحــديس يقــرب الشــعر مــن الخاطفــة يتخلــص مــن رقابــة الوعــي بلمعــان حـ ٍّ النبــوة بإيحائهــا املتولــد مــن صلــة الواجــد باملوجــود ،والحــدس الداخــي هــو الــذي يؤســس للعمليــة الشــعرية املبدعــة .وهــذا ال يلغــي العقــل حيــث يتصالحــان يف حــرة الضــوء كــا يتجــى يف شــاعرية كل شــاعر مقتــدر .إن صعوبــة الرؤيــا تتعــب الكلمــة ر عــى التحديــق باألعــى، والتعبــر أحيانـاً كثــرة .أومل يُص َعــق مــوىس يف حــرة ربــه فخـ ّر ســاجدا ً ،فــا يؤثــم شــاعرنا أبــدا ً وهــو يـ ُّ حيــث تتعــب الكلمــة ،عــى الرغــم مــن أنهــا كانــت يف البــدء ،وملّــا تـ ْ ـزل ،لســليم حيــدر خاصيتــه يف النســيج الشــعري الصياغــي ســيطرت عليهــا الفكــرة الكــرى ،فكــرة التجــوال بــن القلــب والعقــل ،وبــن نرثيــة الفكــرة وجــال الرؤيــا املغريــة بالســفر دامئـاً إىل الالهنــاك .وهــذا ال يُقلِّـ ُـل مــن حضــور ســليم حيــدر أبــدا ً .هــذا يجعــل منــه شــاعرا ً ال يقلِّــد إال ذاتــه الداخليــة الباحثــة باســتمرار خــارج التأثــر اإللحاقــي. وعــى الشــاعر ســليم حيــدر التاريــخ وعي ـاً ذاتي ـاً حتــى لكأنــه موجــود يف كل العصــور وســبب ذلــك هــو توثــب وجدانــه املمتلــئ بالحــدس والعقــل يف آن .إن التاريــخ يف «خليقــة» ســليم حيــدر لــه صــوت حــارض ،حتــى لكأنــك تــرى الحــدث وتســمع تفاصيلــه، وتنفعــل بــه انفعــاالً منحــازا ً لجهــة دون أخــرى ،وهــذا االنحيــاز متولــد مــن إرث أخالقــي رشبــه الشــاعر ســليم حيــدر مــن الـراث واملجتمــع القــروي الجميــل ،ومــن عائلــة تــرب الثقافــة كــا تــرب املــاء. ــ 2ــ تناولــت يف محاولتــي هــذه كتــاب « الخليقــة» الــذي صيــغ شــعرا ً ،وتجــاوزت بقيــة نتاجــه الوافــر ألنــه ال ميكــن أن يحــاط بــه مبقــال يف نــدوة ،وأريــد أن أؤكــد أن شــاعرنا ســليم حيــدر ليــس مؤرخـاً ،وإمنــا هــو شــاعر ومفكــر وحكيــم ،وقــد كانــت مصــادر «خليقتــه»
ــ 4ــ ويف هــذه امللحمــة نســر مــع الشــاعر بانجــذاب بــن رغبــات الطــن وأحــام الــروح التــي هي« مــن أمــر ريب» ،وألنهــا ليســت مــن ـح التســاؤالت ،وتظــل تقــرع عــى أبــواب الغيــب الســتكناه رحلتهــا الكونيــة العجيبــة التــي ال يفــي العقــل بهــا إىل أمرنــا بـرا ً تلـ ُّ نتيجــة ،قــال فيهــا أبونــا املتنبــي بتمــزق حــا ٍّد وداعي ـاً إىل االن ـراف عــن إدراك ماهيتهــا ،ألنهــا ليســت مــن أمرنــا ،وألن العقــل محــدود أمــام ال محدوديــة الكــون: الناس حتى ال َ الشجب ْف يف ِ اتفاق لهم إالّ عىل ش َج ٍب ،وال ُخل ُ تخالف ُ العطب نفس املرء سامل ًة وقيل ترشك جسم املرء يف ِ فقيل ُ تخلص ُ والتعب ومن تفكّ َر يف الدنيا ومهجتـــ ِه أقامه الفك ُر بني العجز ِ وهــذا القلــق الــذي خالــط الحــأ املســنون يف مشــيمته هيمــن عــى القلــوب والعقــول منــذ اللثغــة األوىل حتــى الغرغــرة ،لقــد حــار مفكــر كبــر وشــاعر كبــر كاملعــري يف أمــر الــروح ،وابتعــد عــن مســالك الوصــول إىل كينونتهــا ،الســتحالة ذلــك فقــال: األقب أرواحنا فينا وليس لنا بهاٌ علم فكيف إذا احتوتها ُ ُ ويقول سليم حيدر: ِ الكائنات مل أعد أشهد الحقيقة يف نفســــــــــــي فكيف الشهود يف ــ 5ــ تقصيهــم ،إنهــم يحاولــون ،ولكنهــم إن ال ُح ُجــب املســدلة بــن الــروح وطينهــا الــازب جعــل أصحــاب الفكــر العنيــد مســتمرين يف ّ ينهزمــون باســتمرار ،وأروع مــا فيهــم هزامئهــم ،ألن هــذه الهزائــم جعلــت العقــل اإلنســاين اقتحاميـاً ال يؤمــن بالرتاجــع ،وكان العقــل اإلنســاين يتشــظى ويتمــزق كاملــوج ،ولكنــه يتجمــع ثانيــة ليشــكل موجـاً جديــدا ً ،ويف ثنايــا هــذه األمــواج أنتجــت البرشيــة حضارتهــا، وغــزت الوجــود ووســعت املجــال أمــام هزامئهــا املتكــررة ،ولكــن أضــواء العقــل التــي ملعــت يف الكتــب تحولــت إىل فعــل إنســاين حضــاري ،يضاهــي الخلــق وجــودا ً. يف «خليقــة» ســليم حيــدر يبــدو الشــك منطلقـاً للمســرة الطويلــة ،إنــه يســر بــن ملكــوت الضــوء الغامــر وظلمــوت الشــك الــذي ـوي يف رحلــة رصاع الطــن والــروح .شـكُّه عميــق لدرجــة مذهلــة ،وإميانــه يقتلــع اســتقرار الــروح ويجعلهــا تجنــف عــن طريقهــا السـ ِّ مســتوطن يف تكوينــه .إ ّن «اإلميــان موجــود يف الغرائز» كــا يــرى رهــن املحبســن أبــو العــاء املعــري .ويقــول ســليم حيــدر معـرا ً عــن تناثــر كيانــه بــن ظلمــوت الشــك ونــور اإلميــان الكامــن يف تكويــن املخلــوق: وف َّك ْرتُ فيام وراء الوجود فآمن قلبي وعقيل كف ْر اإلميــان يف الغريــزة والتكويــن األول ،والشــك يســتعمر العقــل ويحتــل مســاحاته الشاســعة ،وســليم حيــدر يف هــذا التناقــض القائــم عليــه رس وجودنــا يف رحلتنــا الطينيــة يحــاول أن ينتقــل مــن شــك العقــل إىل قلبــه املؤمــن عــر إضــاءات الحــدس ،تلــك اإلضــاءات التــي حملهــا الوجــد الصــويف ،وعجــز عــن نقلهــا إىل الكلمــة ،كــا جــاء يف مواقــف النفري« :كلــا اتســعت الرؤيــا ضاقــت العبارة» .وع ْجـ ُز العبــارة عــن نقــل الرؤيــا ألجــأت الصوفيــن إىل القلــب ،وهــم هاربــون مــن ظلــات العقــل ،هنــاك يف القلــب أقــام
األساســية الكتــب املقدســة :القــرآن والعهــد القديــم والجديــد .وألن هــذه الكتــب املقدســة ليســت كتبـاً تاريخيــة يف غائيتهــا ،فقــد تنــاول التاريــخ منهــا تنــاوالً دالليـاً وشــعرياً هادفـاً إىل توضيــح دالالت مســرة البرشيــة عــر تاريخهــا الطويــل ،ورصاع الخــر والــر يف ق َدريّــة ال متكــن اإلحاطــة بغائيتهــا النهائيــة ،وهــو دامئـاً منحــاز للســر عــى جــادة الخــر مــع تبيــان حضــور الــر يف كل تفاصيــل ـس كآبــة الشــاعر ،وهــو وجودنــا الكــوين منــذ آدم وحتــى آخــر طفــل يــرخ وهــو خــارج مــن رحــم الوجــود .وبدقــة ومتعــن تحـ ّ يــرى الــر مهيمن ـاً عليــه يف مــدارات كثــرة ،وهــذا أعطــاه موقف ـاً غــر موافــق عــى حكايــة الــر املســتفحلة يف الوجــود الكــوين العابــر ،ولــذا تـراه يف «خليقتــه» هــذه مشــفقاً عــى الضعــف البــري ،ومعرتضـاً عــى اســتمرارية انتهــاك القيــم العليــا التــي هــي غايــة املســرة اإلنســانية بــن املشــيمة والكفــن. يف «خليقــة» ســليم حيــدر كان الــدم درب التاريــخ ،وقــد حاولــت ِق َي ـ ُم األرض والســاء أن توقــف غــزو الــدم للتاريــخ ،ولكنهــا مل تســتطع ،عــى الرغــم مــن كونهــا مدعومــة بق ـرار إلهــي ،فقــد جــاء يف القــرآن الكريم« :كتــب اللــه ألغل ـ َّن أنــا ورســي» آيــة /21 املجادلــة .وبتســاؤ ٍل قلِــقٍ راح يســتفرس يف حــرة اللــه عــن حكمتــه يف تــازم الخــر والــر ،وهــو يف أعامقــه يــرى أن الــر انتــر يف التاريــخ بالــدم وحــده ،يقــول ســليم حيــدر مخاطبـاً ربــه ،وهــو يقــرر أ ّن إميانــه حقيقــة دامئــة: ولست ُّ رش ُ أشك بأنك أنت الـــــوحي ُد املهيم ُن ُّ رب الب ْ رش ولكنني ما فهمت ملاذا تأبط آد ُم خريا ً و ْ ــ 3ــ إن شــاعرية ســليم حيــد الحقيقيــة توجــد يف ملحمتــه «الخليقــة» التــي هــدف منهــا إىل اإلســهام الفاعــل يف رحلــة العقــل البــري يف مســرته العميقــة .وعــى طريقــة املالحــم القدميــة يطلــب ســليم حيــدر مــن خيالــه الحضــور ليم ـ ّده بالضــوء الكاشــف ،وهــو يســتبدل آلهــة األوملــب وشــياطني عبقــر بالخيــال الخصــب .يقــول يف مطلــع «خليقتــه»: ُ م َّدين يا ُ خيال باإلرشاقِ إ ْه ِدين يف تج ّه ِم اآلفاقِ ويقول أيضاً: يا مطايا الخيال ُح ِّل عقايل م ِّزقي بُ ْر َد َّيت فرعاً وأصال وتنصل الروح جذال َ فتضمحل الهيوىل يف كياين َّ إسحقيني وقبله هومريوس طلب يف إلياذته التي يعتربها اليونانيون كتابهم املقدس من ربة الشعر يف األوملب أن تساعده يف إلياذته: ربّة الشعر عن «أخيلِ » بن «فيال» ح ّدثينا واروي احتداماً وبيال أما امرؤ القيس فقد أعلن أنه يوحى إليه من شياطني عبق َر: شئت من ِشعره َّن انتقيت تلقنني الج ُّن أشعارها فام ُ األعــال الكــرى يف األدب اإلنســاين تلجــأ أحيان ـاً كثــرة إىل قــوى غيبيــة بعيــدة عــن اإلحاطــة بهــا ،لتعطــي العمــل األديب صفــة الدهشــة التــي تتولــد مــن غرابــة الباعــث أحيان ـاً كثــرة ،ومــن عنــارص فنيــة أخــرى ال بــد مــن توفرهــا يف أي نتــاج خالــد..
يريــد أبــو العــاء املعــري قــي هــذا البيــت القــايس أن يشــر إىل قــوة اإلميــان ورســوخه عنــد البســطاء ،وإىل التنكــر القــايس أيض ـاً املتولــد عــن تقــي العقــل ،وانهامكــه يف التعليــل املــاورايئ ،الــذي هــو خــارج العقــل متامـاً .وقصــة الـرازي معروفــة مــع تلــك املــرأة العجــوز ،وكان ال ـرازي يســر بــن تالميــذه ،وهــم يكتبــون كل مــا يقولــه ،ورأت امــرأة عجــوز هــذا املوكــب ،فتقدمــت مــن أحــد تالميــذ الـرازي ،وســألته :مــن هــذا الشــيخ؟ ،فأجابهــا تلميــذ الـرازي :هــذا الــذي أقــام عــى وجــود اللــه ألــف دليــل ودليــل .فقالــت العجــوز :واللــه لــو مل يكــن يف قلبــه ألــف شــك وشــك ملــا أقــام ألــف دليــل ودليــل .وحــن نقــل التلميــذ إىل الـرازي مــا قالتــه املــرأة العجــوز قــال :اللهــم إميانـاً كإميــان العجائــز. ورغــم قتامــة شــك أيب العــاء فــإن قلبــه يعــود لينبــض بحتميــة وجــود مدبــر لهــذا النظــام الكــوين الالنهــايئ ،وهــذا الشــك يعــود ليقــدح عــى زنــاد الحــدس فيقــول: الناس للبقاء فضل َّْت أم ٌة يحسبونهم للنفا ِد ُ خلِ َق ُ إمنا ينقلون من دا ِر أعام لٍ إىل دار شقو ٍة أو رشا ِد ثم يعود ليق ّر بالدين تعبريا ً عن حدسه الرايئ ،فيقول: دعاكم إىل خريِ األمو ِر محمدٌ وليس األعايل يف القنا كاألسافلِ وهــذا الشــك الحــادس يرافــق ،بــل ويالحــق الشــاعر ســليم حيــدر مــن بدايــة ديوانــه «الخليقــة» إىل نهايتــه .إنــه يغلــق ديوانــه يف آخــر شـكِّه ووميضــه ،كصديقــه رهــن املحبســن متامـاً ،يقــول الشــاعر ســليم حيــدر: عدت من رحلتي كأ َين مل ْ ُ أرحل فقلبي ما زال يهوى خفوقهْ قلقي واستكانتي واعتـــاليئ وامتشاقي تساؤاليت العتيق ْة ُّ كأيس حلْـــامً بيدَ أين ُ سأظل الحيا َة أحسو رحيقهْ مألت َ ما أل َّذ األحالم تلمع يف النفــــــــــس خياالً وتستق ُّر حقيقــــ ْة البيــت األخــر يضمــر عذاب ـاً ومتني ـاً إرشاقي ـاً ،لــو حصــل الرتــاح صاحبــه مــن مالحقــة الشــك القاتــم واليقــن القلــق .إن مناقشــة األســباب والبواعــث غــر مجديــة ،حتــى األنبيــاء مل يلجــأوا إىل مناقشــة ق َدريــة الكــون ،كــا يــرى ســليم حيــدر: ْ البواعث آية األنبياء يف القدر املحتوم أالّ يناقشوا يف لقــد تأثــر ســليم حيــدر بــأيب العــاء املعــري تأث ـرا ً كب ـرا ً حتــى لكأنهــا الشــيخ ومريــده ،ولعــل إعجــاب الشــاعر ســليم حيــدر باملعــري متأتيــة مــن موقــف متقــارب مــن قضابــا الحيــاة الفكريــة والروحــي ،ومــن هيمنــة الشــك .وكــا شــكا أبــو العــاء مــن جنايــة أبيــه عليــه: ُ يل وما جنيت عىل أحدْ هذا جنا ُه أيب ع ّ شكا مثله الشاعر سليم حيدر:
ال ـراؤون الكبــار ،ولكنهــم عجــزوا يف إيجــاد أجوب ـ ٍة لتســاؤالت العقــل القامتــة واملل ّحــة ،هــذه التســاؤالت التــي جعلــت جلجامــش يذهــب عــر ميــاه املــوت املظلمــة إىل جــده «أتونباشــتم» يف رحلــة مضنيــة ،مــا ّرا ً بواقعيــة «ســيدوري» وذاهب ـاً إىل قلقــه الكــوين ـي عــى التــايش يف حــواره مــع شــاماش حــن يســأله« :ملاذا تحــاول املســتحيل يــا جلجامــش ،ويجيبــه جلجامــش إذا املســتمر والعـ ِّ ي أال أحــاول فلــاذا خلقــت يفَّ هــذه الرغبــة القلقــة؟». كان ع ـ ّ إن أبــا العــاء املعــري كان صديــق ســليم حيــدر يف «خليقتــه» ،وكأن الشــاعر ســليم حيــدر كان يحمــل املعــري معــه حيــث ارتحــل، وتحديــدا ً يف عمــر كتابتــه «الخليقــة» .يقــول ســليم حيــدر معـرا ً عــن ظلمــة الرحلــة يف قصيــدة مهــداة إىل أيب العــاء: من غامض نسعى إىل ٍ غامض فنحن ندنو واملدى يبعدُ فهذه الظلمة ال تنجلـــــــــــي وهذه الجذوة ال تخمدُ يضج فيه الجوهر املفر ُد والفكر إرث العقل مستوضحّ ٌ فكلام أوقـــــــــــــــــد فانوسه وسار شوطاً أطفئ املوقدُ زاغت برقص اآلل أبصــاره وقد نأى عن جفنه املِر َو ُد وقبله قال املعري: عنهم ومل تخربيني يا جه َني سوى الظ ِّن سألت يقيناً يا جهين ُة ُ فإن تعهديني ال أزال مسائالً فإ َين مل أُ َ عط اليق َني فأستغني كالهــا يحــاول أن يــرى ،ثــم يصطــدم بســؤال عقلــه :هــل رأيــت؟ والرؤيــة كانــت آخــر الوســائل لقتــل الشــك ،وقــد عــاىن منهــا جميــع أصحــاب املــدارك العقليــة وأصحــاب األرواح املتلهفــة الخ ـراق الحجــاب ،وحتــى األنبيــاء عانــوا مــن محاولــة الوصــول إىل ـم ريب أرين كيــف الرؤيــة لتصــدق الرؤيــا .لقــد طلــب النبــي إبراهيــم مــن ربــه أن يريــه كيــف يحيــي املــوىت« :وإذ قــال إبراهيـ ُ رصه ـ َّن إليــك ثــم اجعــل عــى تحيــي املــوىت .قــال :أومل تؤم ـ ْن .قــال بــى ،ولكــن ليطمــن قلبــي .قــال :فخــذ أربعــة مــن الطــر ف ْ كل جبــل منهـ ّن جــزءاً ،ثــم ادعهـ ّن يأتينــك ســعياً ،واعلــم أن اللــه عزيــز حكيم» البقــرة ،آيــة .260ومثلــه مــوىس طلــب مــن ربــه رب أرين أنظــر إليــك ،قــال ل ـراين ،ولكــن أنظــر إىل الجبــل فــإن اســتق ّر أن يــرى « :وملــا جــاء مــوىس مليقاتنــا ،وكلمــه ربــه ،قــال ِّ مكانــه فســوف ت ـراين فلــا تجـ ّـى ربــه للجبــل جعلــه دكّاً ،وخ ـ ّر مــوىس صعق ـاً ،فلــا أفــاق قــال ســبحانك تبــت إليــك ،وأنــا أول املؤمنني» األعـراف .143ومشــكلة الرؤيــة شــغلت أصحــاب القلــوب ،يقــول موالنــا جــال الديــن الرومــي« :ال تعبــدوا حتــى تــر ْوا» وكالهــا ،أعنــي رهــن املحبســن وســليم حيــدر ،كان شــكه ،رغــم قتامتــه ،مدفوعـاً إىل اإلميــان ،أبــو العــاء املعــري أعلــن أنــه ال ميلــك إال الظــن والحــدس ،والحــدس يف نهايــة النفــق هــو ضــوء ،يقــول أبــو العــاء مستســلامً لـراع الظــن والحــدس: أما اليق ُني ،فال يق َني ،وإمنا أقىص اجتهادي أن أظ َّن وأحدسا وينترص الظن فيه أحياناً كثرية فيرصخ متنكرا ً لكل إشعاع ،مصدره الدين ،ويقول: دين ،وآخ ُر َديِّ ٌن ال َ عقل لهْ إثنان أهل األرض ،ذو عقلٍ بالٍ
فامذا تريد بهذا الحساب وماذا يريد بنا املنتظ ْر شئت ورحنا وليس لدينا خ ْرب ونحن أتينا ألنك َ رش رب أشهى وأبهى َ أما كان يا ِّ وأسلم أالّ يكون الب ْ هــذا القلــق املحمــوم والتســاؤالت املل َّحــة ،وعــدم انتصــار الحــق يف معظــم حلقــات التاريــخ البــري جعلــت القلــق ســوداوياً يف شــعر ســليم حيــدر ،ونتيجــة لهــذا ســيطر كثــر مــن التشــاؤم عــى مفاصــل «خليقــة» الشــاعر ســليم حيــدر .إنــه يــرى الــر متصـاً مــن آدم إلينــا ،يقــول: لعنة الل ِه مل تقف عند قاي َني بل الكون كلّهُ ملعونُ وكثري من الشعراء واملفكرين رأوا أن الظلم طبيعة مخلوقة مع اإلنسان ،يقول املتنبي: يظلم والظلم من شيم النفوس فإن تجدْ ذا ع َّف ٍة فلعل ٍة ال ُ ومثله يقول عمر أبو ريشة: يجع فوق نهديها ملا ف ُِطام ُ والظلم يف النفس ال ُير َوى له ن َه ٌم لو مل ْ إن النفــس البرشيــة لهــا طقــوس وأنــواء كالطبيعــة نفســها ،حينـاً تعصــف فيهــا الشــكوك إىل درجــة ال متكــن إزاحتهــا ،وحينــا تلمــع فيهــا بــروق اليقــن ،فتــرق بــإذن بارئهــا وتصبــح صافيــة ،وهــذه الحــاالت م ـ ّر بهــا األصفيــاء واألوليــاء ،فهــذا هــو املســيح اآليت مــن روح اللــه ،يســأل أبــاه وهــو عــى الخشــبة« :ملــاذا تركتنــي؟» .وعــى الرغــم مــن هــذه النظــرة الســوداوية يســتنهض الشــاعر ســليم حيــدر النفــس اإلنســانية لرتقــى وتصفــو وتــرق حتــى وهــي محاطــة بالظلــات ،وهــذه هــي رســالة األديــب امللتــزم بقضايــا اإلنســان العليــا ،وقتهــا يصبــح اإلنســان قســيم اللــه يف وجــوده ،يقــول ســليم حيــدر: نفس مألتها الخطيئة البك ُر شينا أن نرى النور يف دياجري ٍ لقــد مــر أصحــاب األفــكار العاليــة بصحـراء القلــق ،ولكــن شــعارهم كان دامئــا عــدم اليــأس لوثوقهــم بالصانــع األمهــر ،يقــول عــي بــن أيب طالــب« :مــن وثــق مبــا ٍء مل يظــأ» ،ومرحلــة الشــك التــي مل تطفــئ النــور مــر بهــا كثــرون .قــال صاحــب الطالســم ،إيليــا أبــو مــايض ،ولكــن عــدم إدراكــه مل يقــده إىل تلــك األســئلة املقهــورة: صدري يا بح ُر ألرساراً عجابا /نزل الس ُرت عليها وأنا كنت الحجابا/ إنّ يف َ ولذا أزداد بعداً كلام ازددت اقرتابا /وأراين كلام أوشكت أدري /لست أدري/ وقبلهــا كان عمــر الخيــام يغــوص يف ضبــاب معرفــة املجهــول الــذي عجــزت األفــكار عــن اإلحاطــة بــه بســبب ال نهائيتــه ،ف ـراح يعاقــر الخمــرة ليطفــئ لظــى هــذه التســاؤالت التــي ال أجوبــة لهــا ،يقــول عمــر الخيــام /ترجمــة أحمــد رامــي: وحرت فيه بني ش ّتى ال ِفكَ ْر ُ ش ِ ثوب ُ لبست َ العيش مل أُس َت َ ْ
يجني عىل األبناء آباؤهم يف غمر ٍة يشقى بها األسعدُ ْ ـــ 6ــ والقلــق املســيطر عــى عقــل ســليم حيــدر مصــدره الشــك ،وألن الشــك قاتــم فقــد تفــرع منــه احتجــاج قـ ٍ ـاس عــى عــدم اســتقرار عقلــه عــى وســادة قلبــه ،وراح يجهــر مبــا مل يحــط بــه عل ـاً ،وهــذا الجهــر مبــا يعتمــل يف ذاتــه كان متس ـاً بجــرأة عاليــة ،فيهــا عتــاب ومـرارة ،وفيهــا أنســنة اللــه يف اإلنســان ،لقــد بــدأ يســأل أســئلة تــدل عــى ريــب وشـ ًّـك بالفعــل اإللهــي املتوخــى مــن الخلــق، إنــه يناقــش ربــه عــى لســان إبليــس ،الــذي يعتــر نفســه غــر مســؤول عــن ناريّتــه الطاغيــة ،والتــي يصيــب ســعريها أبنــاء آدم ،وقــد صــاغ ســليم حيــدر هــذا االحتجــاج الرجيــم بتســاؤالت الرجيــم نفســه: سكبت يفَّ األذا َة َ جبلت من النــــــــــــار مزاجي َ أنت ك َّون َتني ثم أطلق َتني أغ ِّر ُر باإلنــــــــــــــــس وح َّذ ْرتَــــه النجا َة النجا َة ّ جنيت .غ ِّ َْيطباعيِ و ْج َه َة الخريِ أو أحلني مواتا ُ أي يش ٍء َّ يف هــذا االحتجــاج تســاؤالت تثــر قلق ـاً ،مــرده الحــرة ،وليــس اســتجابة ملنطــق إبليــس ،رمــز الــر املســكوب يف ناريتــه ،والــذي يبعــث القلــق أكــر أن اللــه جعــل الشــيطان من« املُنظَريــن» بعــد جــدل وكالم بينهــا ،إن أبديــة وجــود إبليــس تكمــن فيهــا مأســاة اإلنســان الــذي ظــل محكوم ـاً بهــذه الثنائيــة ،ثنائيــة الخــر والــر .واملثــر أســئلة أكــر أن اللــه جعــل إبليــس مــن املنظريــن إىل يــوم يبعثــون ،وهــو رمــز للــر وإقـراره بذلــك ،وهــو يكلــم ربــه ،وإعالنــه العصيــان كان ناتجـاً مــن قهــره وانســحاقه أمــام القــوة الكــرى ،ووجهــة نظــره أنــه هــو أفضــل مــن آدم املصنــوع مــن حــأ مســنون ،ويف القــرآن الكريــم « :قــال مــا منعــك أن تســجد إذ أمرتــك ،قــال أنــا خــر منــه خلقتنــي مــن نــا ٍر وخلقتــه مــن طــن ،قــال فاهبـ ْ ـرج ـط منهــا فــا يكــون لــك أن تتكــر فيهــا ،فاخـ ْ إنــك مــن الصاغريــن 13قــال أنظــرين إىل يــوم يبعثــون 14قــال إنــك مــن املنظريــن 15قــال فبــا أغويتنــي ألقعــدنّ لهــم رصاطــك املســتقيم »16ســورة األعـراف .هــذا الجــدل ملّــا يـ ْ ـزل ميــأ الوجــدان اإلنســاين بالقلــق واألســئلة الصعبــة ،ولعــل أجوبتهــا أبعــد مــن مداركنــا ،والذيــن حاولــوا فلســفتها ظلــوا مطا َرديــن بأســئلة ال تشــبع مــن اإللحــاح ،بــل هنــاك مــن وقــف مبينـاً قــدرة القهــر حــن يســطع بنــاره وحــن يســتباح بلعنــة أزليــة .يقــول املفكــر الفرنــي جــان بــول ســارتر« :إن الشــيطان املقهــور ،الســاقط ،املذنــب، املفضــوح مــن قبــل الطبيعــة كلهــا ،القابــع يف الــدرك األســفل مــن مراتــب الكــون ،املرهــق بذكــرى الغلطــة التــي ال كفــارة عنهــا، الــذي تتآكلــه صبــوة غــر مشــبعة ،والــذي تخرتقــه نظــرة اللــه التــي تحجــره يف ماهيتــه الشــيطانية ،املرغــم عــى أن يتقبــل حتــى يف أعــاق قلبــه بتفــوق الخــر ،إن الشــيطان هــذا ليتغلــب عــى اللــه نفســه ،ســيده وقاهــره ،بأملــه بتلــك الشــعلة مــن عــدم الــرىض الحزيــن التــي تلمــع ،يف اللحظــة التــي يقبــل فيهــا بهــذا االنســحاق بالــذات ،كتوبيــخ ال تكفــر عنــه .إن املقهــور هــو الــذي ينتــر يف النهايــة» جــان بــول ســارتر يف كتابــه /بودلــر شــاعرا ً /ترجمــة جــورج طرابيــي. فالجــدل عــايل النــرة ،ومصحــوب بأســئلة حــادة مل يســتطع عقلــه أن يجــد لهــا جواب ـاً ،يقــول شــاعر «الخليقــة» ســليم حيــدر مخاطب ـاً ربــه: وعقم القد ْر سئمت عىل عرشك املطمنئ فراغ الوجود َ َ وقلت لها يا شق ّي ُة كونــــــي فكانت وكان الصفا والكد ْر َ جحيم سق ْر وقلت :جنانٌ ألهل الصالح وللفاسقيـــــــــن َ ُ
ــ 8ــ أريــد أن أشــر ،يف نهايــة هــذا البحــث املختــر يف شــاعر قــى نصــف قــرن مــن عمــره باحثـاً عــن أرسار خليقتــه ،إىل نقــاط أعتربهــا جديــرة بالتبيــان يف هــذا اللقــاء التكرميــي لشــاعر مفكــر اســتطاع أن يقــف بــن الخالديــن بعقلــه وفكــره ،وهــي: 1ــــ إن تفكــر الشــاعر ســليم حيــدر يف كتابــه «الخليقــة» هــو تفكــر إميــا ٌّين بعي ـ ٌد عــن الحرصيــة الدينيــة يف اتجــاه معــن ،لقــد تقصيــه وبحثــه عــى القــرآن الكريــم وعــى العهــد القديــم والعهــد الجديــد ،وعــى ثقافــة تراثيــة خصبــة ،غســلت فكــره اعتمــد يف ّ مــن كل أشــكال التعصــب التــي تعصــف باملجتمعــات املغلقــة ،ونحــن اليــوم بحاجــة مل ّحــة لفكــر كهــذا ينتشــل مجتمعاتنــا الغرقــى يف وحــول املذهبيــات والطائفيــات ،التــي «أودعتنــا أفانـ َن العداوات» كــا قــال رهــن املحبســن .ســليم حيــدر كان أفــى وأوسـ َع مــن أن يتعصــب ،وهــو الـرايئ املتطلــع إىل «رب العاملــن» ،وليــس إىل رب فئـ ٍة دون أخــرى. 2ــــ القلــق العقــي املســتبد بشــاعرنا مل يرب ْحــه أبــدا ً ،وكان دامئـاً يهــرب إىل قلبــه املؤمــن كلــا عصــف بــه القلــق .وقلقــه أدى إىل تســاؤالت كبــرة ،وهــو يســائل خالقــه ملــاذا« :تأبــط آد ُم خـرا ً ورش» .وصــل الشــاعر ســليم حيــدر إىل التســليم بعجــز العقــل ،وهــذا العجــز كان مــن أهــم أســباب اســتمراره يف التســاؤل والنقــد ،وهــو كأوكتافيــو بــاث متيقــن أن الزمــن الحديــث «هــو زمــن نقــدي». والحداثــة تنتفــي مــن أي زمــن إذا مل يكــن نقديـاً .وأعتقــد أنــه كان يســعى دامئـاً إلقامــة صلـ ٍح بــن العقــل والنقــل ،ولكنــه مل يســتطع .وهــذا شــأن املفكريــن الكبــار .يقــول ســليم حيــدر حائـرا ً ومتســائالً مقـ َّرا ً بعجــز العقــل عــن إعطــاء الجــواب النهــايئ: ٍ عظات إىل العصور األوايت تحمل العصور الخوايل من ما عىس ُ ِ اإلثبات الجواب البلي ُغ يبقى افرتاضاً ويزو ُغ الكال ُم يف ُ ـفق عــى الضعــف البــري ،ومتضايــق جــدا ً النتصــار الــر عــى الخري يف معظــم مراحــل التاريخ، 3ــــ ســليم حيــدر يف «خليقتــه» مشـ ٌ ـم مــن شــيم النفــوس» .هــذا الواقــع مــأ ســليم حيــدر وقــد ابتــدأ هــذا بقتــل قابيــل أخــاه هابيــل .ومــن يومهــا إىل اليــوم «والظلـ ُ حزنـاً فظهــر ضبــاب الكآبــة يف نتاجــه انحيــازا ً للضعفــاء ،وأمـاً بتحقــق اآليــة الكرميــة« :كتــب اللــهُ ألغلـ َّن أنــا ورســي». 4ــــ وأخـرا ً أريــد أن أقــول إن التـزام الشــاعر ســليم حيــدر بالــرد التاريخــي جعلــه يف شــعره يهتــم بالفكــرة أكــر مــن الصياغــة. وهــذه ســمة مــن ســات الــرد التاريخــي الــذي يجــر الشــاعر عــى االهتــام بالحــدث الـ ِّ ـدال أكــر مــن االهتــام بالصياغــة الفنيــة للشــعر .وهنــا ال بــد مــن أن أعتــذر مــن شــاعرنا ســليم حيــدر ،وأؤكــد أن هــذا ال يقلــل مــن األهميــة الكــرى لكتــاب ظــل يصــوغ أفــكاره مــا يقــارب نصــف القــرن .إن هــذا القــول يجعلنــي أتصــور مــن ســيقرؤنا بعــد رحيلنــا مــن هــذه الفانيــة ناقــدا ً لنــا راحـاً ـاس وقاســياً ومنصفـاً وظاملـاً ،وأردد املثــل الشــعبي الــذي بــدأ فيــه أديبنــا الكبــر ميخائيــل نعيمــة كتابــه« الغربال»« :مــن غربــل النـ َ ـئ كلــا باضــت جارتُهــا» .ألين أؤمــن نخلــوه» وال أريــد أن أردد مــع ميخائيــل نعيمــة نفســه قولــه« :الناقــد كالدجاجــة التــي تُ َق ْوقـ ُ أن الناقــد الجيــد واملنصــف هــو خالــق آخــر للنــص األديب الــذي ينقــده. وأقــول أخ ـرا ً :علينــا أن نُ َي ِّســر ألطفالنــا وناشــئتنا ق ـراءة الشــاعر ســليم حيــدر لعمــق تفكــره وإميانــه بوحــدة اإلنســان الروحيــة املتنوعــة املســالك يف الوصــول إىل بارئهــا .إنــه مــن رواد اإلصــاح الفكــري ،وهــذه أهــم صفــة مــن صفــات االلتـزام األديب التــي يجــب أن تتوفــر يف كل مفكــر وأديــب ورا ٍء .وقتهــا يصبــح النتــاج األديب جــزءا ً مــن النبــوة ومكمـاً لهــا .ويف النهايــة أردد مــع شــاعرنا املفكــر، والــذي كان بلهفــة يتمنــى إرشاق روحــه الدائــم واخرتاقهــا املبهــات: متس عيني فتزهو يف حنايا بصرييت األضوا ُء ليت روحي ُّ وتنري املع َّم ِ يات لذهني يف اتساقٍ ما شا َبهُ إقوا ُء
جئت أين املفر!! الثوب عني ومل أدركْ ملاذا ُ وسوف أنضو َ القلــق الحــاد يف شــعر ســليم حيــدر ظــل يقــرع عــى أبــواب اللــه ،عــى الرغــم مــن أنــه كان يقــرع بقبضــة مثخنــة بكوامــن نفســه التــي التمعــت يف شــعره عــر غيــوم كثيفــة .إن أرسار الكــون ليســت مرتبطــة يف ال نهائياتهــا بقــوة العقــل ونضجــه .إنهــا قدريــة غــر خاضعــة ملــا يحــدس بــه العقــل اإلنســاين املحــاط بهيــاكل مــن الطــن العــازل .إن قدريــة «لســت أدري» هــي آخــر قــرع عــى أبــواب الغيــب. ــ 7ــ ولكــن كل الذيــن حــاروا يف تفســر لغــز الكــون ظلــوا خاضعــن ومنجذبــن لتأثــر تلــك القــوة العص ّيــة عــى التفســر واإلحاطــة بهــا. فقــد قرأنــا لرهــن املحبســن رغــم مناطــق الظــام التــي عــر فيهــا يف عمــره الـرايب :أن البــر ينقلــون مــن دار أعــا ٍل إىل دار شــقوة أو رشــاد .والخيــام مل يــرك بوحدانيــة اللــه ،وكذلــك ســليم حيــدر ،ألن تقــي النفــس مجهـ ِ ـوالت الكــون تجعــل اإلنســان يــدرك ســعة الكــون ،ويف هــذه الســعة ملعــان ووميــض لحــاالت غــر مفهومــة ،تقــذف يف القلــب عق ـاً لــه صفــات القلــب يحــس ،وال يحيــط، متامـاً كــا حــدث مــع مــوىس عندمــا تجــى ربــه للطــور وخـ َّر مــوىس صعقـاً .واإلقـرار بهــذه الــذات اإللهيــة تبقــى مهيمنــة حتــى عــى األرواح التــي خذلتهــا الــذات اإللهيــة ،وتركتهــا تعــاين قدريتهــا بانســحاق كيل ،كاملســيح مصلوبـاً .إنــه مل يتخـ َّـل عــن تلــك األبــوة التــي تركتــه ينــزف روحــه مــن جراحــه .وكذلــك النبــي يونــس الــذي كان يــرخ ،وهــو يف جــوف الحــوت« :ســبحانك ،إين كنــت مــن الظاملــن» ســورة األنبيــاء /آيــة . 87الخــوف ال يصنــع اإلرشاق يف النفــس القلقــة ،وإمنــا اليقــن املصنــوع مــن الضيــاء الــذي يالحــق قطــع الظــام يف النفــس فيبددهــا .يقــول ســليم حيــدر: كل ف ِّن ريب سألتك بالجامل مح َّبباً يف ِّ إنس وج ِّن ألقيت من ِع ٍرب عىل ٍ َ رس ما وب ِّ الحق مني أمرت وما َ ومبا َ نهيت وما يريد ُّ ال تُ ْب ِعدَ ِّن عن هواك وأبعد الشيطان عني الشــيطان هنــا ماثـ ٌـل مبحاوالتــه الجافــة والدائبــة وبإغراءاتــه العقيمــة لــرف ســليم حيــدر عــن التحديــق بضــوء قلبــه املؤمــن. واضــح مبــا ال يقبــل الشــك أن الشــاعر ســليم حيــدر قلبــه مطمــن باإلميــان ،وهــو غــر مكـ َر ٍه بذلــك ،وليــس مــن فئــة الشــخص الــذي نزلــت فيــه اآليــة الكرميــة ّ « :إل مــن أُكـ ِرهَ ،وقل ُبــه مطمـ ٌن باإلميان» .وعقلــه يبحــث يف ماهيــة الكــون ،وأخـرا ً أقامــه عقلــه «بــن ـوم قصيّــة ،ولكنــه ظــل يحــاول العجــز والتعــب» كــا يقــول أبونــا املتنبــي .والشــك هنــا ال يلغــي اإلميــان فقــد وصــل بالغـزايل إىل تخـ ٍ إحيــاء علــوم الديــن بفيــض شــعوري وضّ ــاء .والشــك قــاد الخيــام إىل إضاعــة الطريــق ،ولكــن ليــس إىل إضاعــة الضــوء الــذي ظــل قنديــل رباعياتــه وخمرياتــه الخالــدة ،والشــك قــاد إيليــا أبــا مــايض إىل «لســت أدريــه» املعــرة عــن قلــق العقــل وإضــاءة القلــب يف تلــك املســالك العــذراء الوعــرة ،والتــي ظــل الضــوء فيهــا يغــري بالتقــي. رس «الخليقــة». ـني عمــره بحث ـاً عــن ّ هــذا التعــب الحيــدري هــو مضــار شــاعرنا املفكــر ســليم حيــدر ،الــذي قــى معظــم سـ ِّ وهــذه اإلقامــة التــي ألزمتــه مــا ال يلــزم جعلتــه اللصيــق الروحــي لصديقــه األثــر رهــن املحبســن أيب العــاء املعــري ،وأعتقــد، مبفهــوم الزمــن االفـرايض ،أن الشــاعر ســليم حيــدر لــو كان معــارصا ً رهــن املحبســن ألخــذه معــه يف «رســالة الغفـران» بديـاً لـ»ابــن القــارح» ،وطــاف بــه هنــاك يف الجنــة والنــار نائي ـاً بــه عــن إغ ـراءات الجنــة ورهبــة النــار ليحــاوال مع ـاً تفســر بعــض أرسار هــذا الكــون املغلــق.
أمامي األسام ُء الوضوح من نبعه الصــــــــايف وتُجىل فأعب َ ُّ َ
/الصويري2017/2/26/
قراءة أدبية في كتاب العين الثالثة للناقد والشاعر العراقي ناظم ناصر القريشي تقديم األديبة .سليمة مليزي صدر عن دار ( كتاب للنشر و التوزيع بالقاهرة) ؛ كتاب في النقد االدبي عنوانه { العين الثالثة }للشاعر والناقد العراقي ناظم ناصر القريشي هو عبارة عن قراءات نقدية أدبية في الشعر العربي الحديث ،وذلك ضمن سلسلة ( اشراقات كتاب ) التي أسسها ,وأشرف عليها الشاعر القدير سعد جاسم، الكتاب يحتوي على ما يقارب 44قراءة نقدية في الشعر العربي لكتاب وشعراء من مختلف العالم العربي ،ونظرا ألهمية النقد في االدب والذي انتعش في اآلونة االخيرة بشكل ملحوظ من مجموعة من النقاد العرب ،فيأتي هذا الكتاب ليثري الساحة النقدية بشكل كبير خدمة للمبدع العربي ،والنقد يعتبر اللبنة الحسنة لتقييم اإلبداع بشتى أنواعه حتى يستفيد المبدع من تقييم الناقد لعمله الشعري ،ويعتبر الناقد والشاعر األستاذ ناظم ناصر القريشي من اهم وكبار النقاد في العالم العربي والذي استطاع من خالل هذا الكتاب أن يجمع شتات ذاكرة األديب العربي ويبلورها إلى نصوص أدبية فكرية جمالية تساهم في انتعاش الشعر لما يحمله من أهمية فكرية و حضارية لألديب العربي ،يقول الناقد والشاعر ناصر القريشي في هذا الكتاب . يقول هارولد بلوم في كتابه قلق التأثر (نظرية في الشعر) « النقد هو فن معرفة الدروب التي تقود من قصيدة إلى قصيدة « و هذا هو ما سعينا له في قرأتنا النقدية والتي يتضمنها هذا الكتاب والذي أسميناها العين الثالثة التي تكون بين عين الشاعر وعين المتلقي وهي عين الناقد الباحث عن الجمال في النصوص التي يقراها مبينا سحر وجمال ومدلوالت الكتابات األبداعية التي دونها الشعراء ولذا انتهجنا أسلوبا جديدا يقارب بين الكتابة الشعرية و النقدية يمكن أن نعتبره عمال إبداعيا ً يوازي العمل المنقود و ربما يكون منهجا نقديا في المستقبل القريب وهذا ما سيجده القارئ الكريم في صفحات هذا الكتاب معظم القراءات نشرت في العديد من الجرائد الورقية واإللكترونية والمنتديات العربية منها جريدة الشعب الجزائرية وجريدة المستقبل .العراقية ،والتي كانت متمثلة في قراءات للشاعرتين الجزائريتين الوحدتين وهما الشاعرة والصحفية سليمة مليزي والشاعرة والقاصة مونية لخذاري ،قراءات في أعمالهما الشعرية وقراءة في نبض من وتر الذاكرة )وقصيدة اخرى ، ديوان الشاعرة سليمة مليزي ( ُ
يأتي هذا الكتاب في زمن الصحوة الشعرية التي تشهدها الساحة االبداعية في العالم العربي والفضل يعود الى عالم لتكنولوجيات الحديثة خاصة عبر شبكة التواصل االجتماعي التي فتحت مجاال للتعارف والتعاون في هذا المجال بين األدباء العرب . نهنئ الناقد والشاعر ناظم ناصر القريشي من العراق الشقيق وأيضا المكتبة العربية بهذا الكتاب القيم في مجال النقد األدبي البناء الذي يخدم المبدع واألدب عموما.
ٌ خيوط سائبة// عادل قاسم ****
ُ تف� ف� َ َي ننُ يوط.. ج مع خ ِ ي ِ
اللعبة السائبة ِ ُ َ ً بالمتاهة ت ال� شيا منت ِ ي ُ َترك ُ ض أمامه ِ َ ْ َ الظالل الميتة خلف وهو يجري ِ ُ َ ً متوهما َّ ُ َتكمن إن البداية َ ْ َ َ اﻻيقونة اﻻفلة هذه حت ت ِ ِ ‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ُ َ وسط ُ كام الدخان ر ِ َي ُ ُ المساء ذوب ناصية عىل ِ
ْ بالعصاف� العابقة االكمام ِ يِ ف ُ َُ دلية ي� غصن اﻻيكة المت ِ ِ ت َُ ال� كلما.. ي َُ َ ْ الظالل داهمته شيخوخة ِ َ إغفاءته من إستفاق ِ ْ العاصفة ِ ‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ُ َ َ ْ قات ته الط ُر ِ يجوب بصم ِ ف ات ي� مسار ٍ
َ هم من نظارة الو ِ ِ تتعرى لهم ْ َ ٌ ماجنة مليكة ِ ُ ُ ه المسافة القاحلة تلك ي ْ َ نَ والصاخ ي ب� الصمت ِ َ نافق د لغ ٍ ٍ ُ ُ ُ فيه الغرانيق حلق ِ ت ِ َ ْ بأكفان من رماد ٍ ‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ُ ْ َ تلك َ ه الغيمة الساخرة ي ْ ندح ِر ُجها عىل ع ِّ الصباحات ري ِ ِ ُ ُ ُ تتقاذفها َرغباتنا البليدة َ إذ رسعان ما ُ ُ الغبار ُيهشنا شعور دونما ٍ ْ بضغينة من الحياة!.. ٍ
َ ْ ْلم ت ِعد أليفة ٌ ٌ وجوه كالحة ف ذاكرة البياض � ي ِ ٌ ٌ ندوب غائرة ُ ف الساعات تنبض ي� ِ َُ المتشظية َ َ ْ ُ ضاحكة من فر ٍاغ و ِحلك ٍة ِ ‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ هو يدركُ. َّ َ الموت َ ﻻي ن ع� إن ي ْ َْ ُ َ ض عينيه أن يغ ِم ُ َويك ُ ف قلبه ِ الصهيل عن ِ ُ َ َ ات ويفقد خطوط المسار ِ َ ف اءه أﻻليفة ي� صحر ِ َ ُ درك ُك َل ش �ء هو ي ي وﻻيدرك إذ ْلم ْ يزل ُ مارس طقوسه ُي مة كأي ِر ٍ ِ
دونما ر ْ أس ‘’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ َ ُ َ دث يهرولون عىل ج ٍ
حد ِ يات إذا بل َغ اإلميانُ درج َة " اإلراد ُة تتغلّ ُب عىل ال َّت ِّ حدي القصوى يف مواجه ِة إغر ِ اءت النفس" ال َّت ِّ د.حسن فرحات// Razan Al-Najar