ملف العدد:
رحيل رجل العلم واإلدارة ..الدكتور عارف بن مفضي المسعر
د .زياد د .عبدالواحد الحميد السديري
معاشي ذوقان
أ .د .أحمد السالم
د .نايف المعيقل
فــواز صــالح عبدالرحمن د .محمود خلف الله الدرعان الجــعفر
فارس أ .د .سلطان العويضة الروضان
30
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. ( أ ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة.
حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية:
إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. -٢أن يُ ّ
اجلوف :هاتف - 04 624 5992فاكس - 04 426 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 412 5277 - 01 412 5266فاكس - 01 402 2545ص .ب 10071الرياض 11433 nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation.org
العدد 30 شتاء 1432هـ 2011 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail.com www. aljoubah. com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا.
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -شتاء 1432هـ
الـمحتويــــات
6....................... رحيل رجل العلم واإلدارة والتسامح ..د .عارف املسعر
73..................... رحلة البدء واملنتهى د .عبدالعزيز خوجة
83..................... املفكر التونسي د .كمال عمران
94..................... حوار مع الشاعر بسام السالمة الغالف :لوحة بريشة الفنان عمر البدور.
االفتتاحية4............................................................. ملف العدد :رحيل رجل العلم واإلدارة والتسامح الدكتور عارف بن مفضي المسعر 6..................................................... دراسات :الخيال األدبي واأليديولوجية العرقية -محمد مشبال 33.... حول أصول التحقيق والنشر -رامي أبو شهاب 41................. اإلعجاز التاريخي في سورة «يوسف» -علي عفيفي 46............ قصص قصيرة :أشياء تشبه الحياة -صالح الحسيني51........... قصص قصيرة -مريم الحسن53................................... عندما تنتحر «جوف» -إلهام عقال البراهيم 54.................... المِ َعلّم -طاهر البهي56............................................. ويمضي الخوف -محمد صباح الحواصلي57...................... شعر :أغنية في وجه الخناجر -شتيوي الغيثي 60................... بكائية آلخر الليل -د .يوسف العارف 61........................... دائرة البوح -حمدي هاشم حسانين62............................. في حرائق ِالجراح ِ تـتـفجَّ ـ ُر األسئلة -عبدالله األقزم 63............ ميالد حب -نجاة الماجد64........................................ أرحلت..؟! -نسرين الحميد 65..................................... ِ إلى عمر الخيام ..أغنية ورسالة -سليمان العتيق 66.............. نقد« :عندما تطمح المرأة» للروائي الزعابي -هيثم حسين68...... لذة االكتشاف في مجموعة «نصف رجل» -سمير الشريف71..... مرافئ ..من ديوان (رحلة البدء والمنتهى) -فريال الحوار 73...... قراءة ..ألعمال الفنان السعودي -فهد خليف -ليلى جوهر75..... مواجهات :الشاعر وديع سعادة -حاوره محمد بنيس 80............ المفكر التونسي د .كمال عمران -حاوره :عبدالدائم السالمي83... الشاعر بسام السالمة -حاوره ضاري الحميد 94.................. نوافذ :قصيدة المرأة في السعودية -هيا صالح 102................ ابن شهيد الالئذ بعالم الجن -محمد البشير 106.................. مأساة العقل العربي برحيل مفكريه -ناصر العُمري 110........... صور ..ولعلها رسائل -أيمن السطام 114........................... األدب :هل يؤثر فعال على اآلخرين؟ -عبدالرحيم الخصار116.... مال واقتصاد :الفقر بين اإلسالم والرأسمالية -نشأت الحوري120... قراءات126............................................................
اجلوبة -شتاء 1432هـ
3
الدكتور عارف ..رائحة الشمس > إبراهيم احلميد
ال نكتشف مقدار الحب الذي نكنه لبعض أحبابنا حتى نفارقهم ،وننسى الحديث «أحبب من شئت فإنك مفارقه» ،وهكذا وجدنا أنفسنا فجأة من دون الدكتور عارف؛ ذلك الرجل الذي ال يحل أو ينزل في مكان إال وحلت السكينة والسالم معه .وكنا نعتقد خاطئين أن الرجل الطيب ،والمعلم الفاضل ..سيبقى طويال بين أناس هم أيضا ال يعلمون متى تنقضي آجالهم، لكنهم لم يأبهوا كثيرا لوجوده واعتيادهم عليه ،حتى أنه عندما يغيب لبعض الوقت في القاهرة ،أو الرياض ،أو عمان ،فإن الجميع يسأل عن موعد عودته وافتقادهم له ..وكأنه أب رحيم ،أو أخ عزيز. كيف نرثي رجال ال يمكنه أن يغيب عن مشهدنا ألعوام طويلة لمن كتب له العيش لبعض الزمن اآلتي! وكيف لنا أن ننسى قمرا طالما أضاء ليلنا البهيم بلطفه و حسن معشره ..ورقة لغته ورصانة كتابته؟! وكيف نرثي فيه رائحة الشمس تتقاطر من ابتسامته لتعانق أفق الصحراء والنفود والبساتين؟! وكيف ننساه وقد تعب القلب ،ولم يعد يقوى على حمل األس��ى ..فآثر أن ينطفئ في محيطنا ،ليشتعل نورا بروحه التي ارتفعت ،لتضيء للسائرين دروبهم في الدياجي ،لتعلم الناس الصفاء والتسامح واالبتسام ،وهكذا فقد نقش اسمه في لغة الصبح ،وموج الزرقة ،وفي دعاء المحبين. عندما نعود إليه في سيرته اإلدارية ،نتذكر مراحل هذه السيرة بدءاً من تعيينه مديرا للتعليم ،وكان التعليم في وقت إدارته يعيش عصرا ذهبيا من التسامح والقوة ،وقد كان المدير القريب من معلميه ومن طالبه ،وحتى تعيينه في منصب أمين عام مجلس منطقة الجوف ،حيث بقي الرجل أمينا ألهله ومنطقته ..وك��ان شفافا في ع��رض مشاكل المنطقة على اللجان المتعاقبة التي أرسلها ولي األمر لتفقد أح��وال المنطقة ،ومنها التقرير
4
اجلوبة -شتاء 1432هـ
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
الشهير الذي قدمته أمانة مجلس المنطقة إلى هذه اللجان ..حيث قام الدكتور عارف بكتابته بنفسه. في سيرته العلمية ،نجد أن الراحل أنجز عددا من األعمال الثقافية في ربع قرن ،منها كتبه حول الفلسفة والتوجيه اإلسالمي للنشء ،وكتابه عن الجوف في سلسلة هذه بالدنا ،ومشاركته في كتاب الجوف وادي النفاخ لألمير عبدالرحمن السديري ،و كتابه األخير عن الشيخ فيصل المبارك. ولعل في هذه الكتب والفسحة الزمنية لكتابة الراحل ما يمنح الباحثين والراغبين في دراسة فكره ،ومدى تأثيره في طالبه ومريديه و في المنطقة بشكل عام. لقد كان الدكتور عارف رحمه الله رجل إدارة وعلم ،خدم وطنه بكل تفان وإخالص ،كما كان يسير في حاجة الناس ،ويقضي حوائجهم ،وكان صاحب بصيرة ورؤية تتميز بالحلم والصبر واألناة ،ممتثال التسامح والحب للجميع، ولذلك فإنك تجد أن الله قد زرع له الحب في جميع أنحاء المنطقة ،من القريات إلى صوير ،ومن سكاكا إلى دومة الجندل .وقد كنا نتمنى أن يتمكن الدكتور عارف من كتابة مذكراته مثلما أنجز كتبه السابقة ،خاصة بداياته التعليمية التي جعلت منه شاهدا على فترة زمنية غير مكتوبة ..إال أن األجل كان أسرع ،وأملنا في تالميذه وأصدقائه أن يكملوا مسيرته. والجوبة ال يسعها إال أن تقدم هذا الملف كوقفة ذكرى ودعاء للدكتور عارف رحمه الله ،حيث نعتز فيه بمشاركة بعض ممن أحبو الراحل الكبير، متيقنين من أن عدد المحبين الذين يودون الكتابة عنه أكبر من أن تسعهم صفحات الملف ،بمساحتها المحدودة. اجلوبة -شتاء 1432هـ
5
رحيل رجل العلم واإلدارة والتسامح
الدكتور عارف بن مفضي المسعر > إعداد :محمود الرمحي قبل أسابيع ..وتحديدا يوم الثالثاء 1431/11/25هـ ،الموافق 2010/11/2م ،رحل عنا علم من أعالم منطقة الجوف ،ورمز تعليمي قلَّ نظيره ..رمز خالدة ذكراه ما بقي الجوف خالدا .نُقِ ش اسمه معلم من معالمها تقديرا لمشواره المحفور في ذاكرة الجوف وأهلها« ..مدرسة عارف مفضي على ٍ المسعر المتوسطة».
سيرته الذاتية من مواليد سكاكا عام 1358هـ ،حصل على: •بكالوريوس في اآلداب – قسم اللغة العربية من جامعة الرياض عام 1390/89هـ. •ماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1980م. •دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1984م.
6
اجلوبة -شتاء 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
المناصب التي تقلدها •مدرس في المرحلة االبتدائية عام 1374هـ. •رئيس قسم األرشيف في إدارة النشر والشئون العامة بوزارة المعارف عام 1385هـ. •مفتش إداري في إدارة التعليم بالجوف عام 1390هـ. •مدير التعليم بالجوف عام 1393هـ. •مدير عام التعليم بمنطقة الجوف عام 1398هـ. •أمين عام مجلس منطقة الجوف عام 1417هـ. •عضو ن��ادي الجوف األدب��ي ،ومؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،وعدد من الجمعيات الخيرية في المنطقة.
مؤلفاته كانت ل��ه –يرحمه ال��ل��ه -إس��ه��ام��ات وم��ش��ارك��ات كثيرة في الندوات والفعاليات الثقافية ،أثمرت عن تأسيس دار معارف العصر للنشر والتوزيع بالجوف ،التي ضمت في ركن من أركانها مكتبة خاصة ،هيأها المؤسس لمن أراد البحث واالستزادة من الباحثين والمثقفين .ومن مؤلفاته: التوجيه اإلسالمي للنشء في فلسفة الغزالي (رسالةماجستير). المنقول والمعقول في التفسير الكبير لفخر الدينالرازي (رسالة دكتوراه). الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك «مدرسة ذاتمنهج» بحث في التوجيه التربوي :أهميته ،مفهومه ،أهدافه. منطقة الجوف (ضمن سلسلة :هذه بالدنا). شارك في تأليف كتاب (الجوف وادي النفاخ) لألميرعبدالرحمن بن أحمد السديري. شارك في كتاب «فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال،عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف. اجلوبة -شتاء 1432هـ
7
هكذا عرفته > د .زياد بن عبدالرحمن السديري
مدير عام مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية
عرفته -يرحمه ال��ل��ه -منذ ت��م تأسيس مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،وم��ن خ�لال مشاركته بإعداد كتاب الجوف -وادي النفاخ ،ومن ثم من خالل زمالتي له في المجلس الثقافي للمؤسسة ،وإسهاماته في اقتراح المناشط الثقافية ،ومتابعة بعضها حتى مراحل التنفيذ ،وعنايته بضيوف المؤسسة م��ن الشخصيات األدبية والثقافية ومشاركته في استقبالهم ،ومرافقتهم، واستضافتهم أثناء وجودهم في الجوف. ال وإيجابياً في كل لقد كان -يرحمه الله -دائماً الرجل ذات��ه :رصيناً ومتأم ً أحواله .إذا طرح موضوع للنقاش ..أسهم برأيه بصدق واقتضاب ووض��وح ،فإذا انتهى النقاش رضي برأي الجماعة أياً كان .ال يستأثر النقاش ،وال يلحِّ بالرأي .وكان في عنايته بضيوف المؤسسة كما هو في نقاشه لمواضيع المجلس ،فيكسب و ّد الجميع بهدوئه ،وطيب معشره وكرم أخالقه ودماثته. رحم الله أبا عبدالسالم ،وأسكنه فسيح جناته.
د .عارف المسعر أثناء إلقاء كلمته في أحد أسابيع الجوف
8
اجلوبة -شتاء 1432هـ
> د .عبدالواحد بن خالد احلميد نائب وزير العمل
حين أح���اول أن أك��ت��ب ع��ن ال��دك��ت��ور ع���ارف المسعر بمناسبة رحيله ال��م��ؤل��م ،ال ب��د أن يختلط ال��ذات��ي بالموضوعي؛ فهناك ،الجانب العام لشخصية الدكتور عارف ،بوصفه شخصية عامة عرفها المجتمع من خالل مواقعه الوظيفية وعطاءاته العامة؛ ولكن هناك أيضا الجانب الخاص، بحكم العالقة الشخصية التي ربطتني وربطت آخرين ب��ه .وم��ع ذل��ك ال يمكن للعالقة الشخصية أن تؤثر على حيادية الحديث عن الجانب العام لشخصية الدكتور عارف ،إذ أن هذا الجانب معروف من الناس ،وال يمكن للعاطفة الشخصية أن تغير فيه شيئاً؛ فهو نتاج عالقة طويلة مع المجتمع ،وهو مسجل ومحفوظ
في الذاكرة االجتماعية .وأذكر أنني كتبت مقاالً ق��ب��ل س��ن��وات بمناسبة ت��ق��اع��د ال��دك��ت��ور عارف المسعر ،وقلت إن ال��ن��اس ف��ي منطقة الجوف عندما يتحدثون ع��ن ه��ذا ال��رج��ل ،ال يشعرون بالحاجة لذكر اسمه بالكامل ،وإنما يكتفون بلقبه
العلمي واسمه األول ..فيقولون "الدكتور عارف"؛ ألن الجميع يعرف في الحال من هو المقصود،
باعتبار الدكتور عارف شخصية عامة معروفة.
ال��ج��وف ،لتقديم ال��ع��زاء ألس��رة الفقيد العزيز، فإذا بي أتلقى مكالمة من أحد أشقائي بالجوف ليخبرني بوفاة شقيقتي أم أحمد ،وبقرار العائلة بأن يتم اإلسراع بالدفن ،وأن تكون الصالة عليها مع الدكتور عارف في مسجد واحد بعد صالة العصر من يوم 1431/11/25ه���ـ .وفي المساء كنت ق��د وص��ل��ت إل��ى ال��ج��وف بعد أن ت��م دفن الفقيدين في المقبرة نفسها ،بعد أن انطلقت الجنازتان من المسجد نفسه ،وفي الوقت ذاته، فكانت المصيبة مصيبتين والفاجعة فاجعتين.
الموافق 2010/11/2م ،تضمنت خبراً مفجعاً
هكذا ،إذاً ،كان رحيل الدكتور ع��ارف ..لقد جاء صاعقاً ومفاجئاً ،وفي أجواء مثقلة بالحزن الشديد ال��ذي أح��اط بي من كل مكان .فحزني الكبير على رحيل الدكتور عارف وعلى شقيقتي التي رحلت هي األخ��رى بشكل مفاجئ ،تاركة وراءه��ا أيتاماً صغارا لم يبلغ بعضهم العاشرة من العمر ،كان أقوى من االحتمال لوال التسليم بالقضاء والقدر.
لكي أس��اف��ر ف��ي ال��ي��وم التالي م��ن ال��ري��اض إلى
ل��م أك��ن أعلم أن الدكتور ع��ارف قبل وفاته
رح��ي��ل ال��دك��ت��ور ع���ارف فاجأني عبر رسالة
ب��ال��ه��ات��ف ال���ج���وال ،وصلتني ال��س��اع��ة الواحدة
والنصف ظهر ي��وم ال��ث�لاث��اء 1431/11/25ه�����ـ
من سطر ونصف" :وفاة الدكتور عارف المسعر رح��م��ه ال���ل���ه" ..ث��م ت��وال��ت ب��ع��د ذل���ك الرسائل
والمكالمات .ووس��ط صدمتي وذه��ول��ي ..كنت
أح��اول أن أتدبر االنتهاء من التزاماتي العملية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الدكتور عارف املسعر ..أستاذ األجيال
اجلوبة -شتاء 1432هـ
9
بأيام ك��ان قد أدخ��ل المستشفى بالجوف ،ولم أك��ن أع��رف أن��ه مريض ،وكنت قبل نحو أسبوع من وفاته قد تلقيت منه مكالمة هاتفية امتدت طويالً ،وكان موضوعها الكتب األخيرة للدكتور غازي القصيبي ،وقد تشعب الحديث عن اإلنتاج األدب���ي وال��ف��ك��ري للدكتور القصيبي ،فوعدت الدكتور عارف أن أرسل له بعض كتب القصيبي التي طلبها. كانت تلك المكالمة عن أدب القصيبي آخر ما جرى بيننا من تواصل ،وقد بعثت بالكتب للدكتور عارف ،لكن إرادة الله فوق كل شيء ،فقد رحل إل��ى ال��رف��ي��ق األع��ل��ى قبل أن ي��ق��رأ الكتب التي أرسلتها إليه ،في الوقت ال��ذي كنت أتطلع إلى مكالمة منه لمعرفة انطباعاته عنها. ومثلما أن آخ��ر م��ا يتبقى ف��ي ال��ذاك��رة عن عالقتي الطويلة والبعيدة مع الدكتور عارف، ه��و تلك المكالمة التي ق��ال عنها ف��ي ختامها إنها بمثابة ندوة ثقافية عن أدب القصيبي ،فإن أول ما تستدعيه ال��ذاك��رة من تلك العالقة هو ما ذكرته في مقال سابق ،بأنني عرفت الدكتور ع���ارف ف��ي فصل دراس���ي ،عندما كنت تلميذا صغيرا في المدرسة االبتدائية ،وكان هو معلماً، وجاء ليشرح لنا مادة دراسية ،كانت هي بداية معرفتي لمسرحيات توفيق الحكيم ..وسلسلة روايات الهالل المصرية!
الشعر والجغرافيا ،تفاعل معها ..وناقشني في بعض ما جاء فيها ،فكان لتشجيعه أجمل األثر في النفس .وبين خيوط البداية لعالقة طويلة م��ع الدكتور ع���ارف ،وحتى استمرارها (وليس انتهائها) برحيله ،ك��ان هناك ما ال يحصى من اللقاءات ،وكان الحديث دائماً في قضايا ثقافية وفكرية ،ونادراً ما كان عن أمور شخصية. يمكن أن نختار ما نشاء من األوص��اف التي تنطبق على شخصية الدكتور عارف ،لكن أقرب م��ا يتبادر إل��ى ذهني ه��و صفة أج��د أنها تليق بهذا الرجل ،وتعبر عنه ..وهي صفة "اإلنسان ال��م��ح��ت��رم"؛ ك��ان ال��دك��ت��ور ع���ارف يحترم نفسه ويحترم اآلخرين ،ولهذا كان شديد األدب ،وأقرب إلى الحياء المحمود ..ال يؤذي أحداً ،وال يدخل مع اآلخرين في مهاترات أو مشادات .كانت له مواقفه التي يعبر عنها بوضوح وبالغة ،ولكنه لم يكن يتشنج أو يزايد .ال أذكر أنني رأيته صاخباً أو غاضباً. وعلى امتداد حياته ..حقق نجاحات كبيرة وك��ث��ي��رة ،فقد عُ���رف بالنباهة والفصاحة منذ صغره ..عندما كان يتلقى العلم الشرعي على يد الشيخ فيصل المبارك ،ودخل معترك الحياة الوظيفية بتأهيل بسيط ..في ظ��روف لم يكن التعليم الحديث متاحاً ،فعمل في حقل التدريس معلماً في مدرسة ابتدائية ،وشق طريقه يمارس العمل والتحصيل الدراسي في آن واح��د ،حتى حصل على أعلى المؤهالت العلمية.
وت��ت��ق��اط��ع ه���ذه ال��ذك��ري��ات أي��ض��ا م��ع ذكرى ثقافية أخرى أشرت إليها في مكان آخر ،عندما ويعدّ الدكتور ع��ارف أستاذا ومعلما ألجيال قلت إن الدكتور عارف قد لبى دعوة مدرسة ابن القيم الثانوية في سكاكا ..عندما كان في موقع متعاقبة ،تتلمذت على ي��دي��ه ،وانطلقت تخدم قيادي في إدارة التعليم بالجوف ،لحضور فعالية ال��وط��ن ف��ي م��واق��ع م��ؤث��رة ف��ي منطقة الجوف ثقافية شاركت فيها مع زمالئي الطلبة ،وكان وخارجها ،منذ أن بدأ التدريس في عام 1374هـ،. نصيبي من تلك المشاركة ،كلمة عن العالقة بين فقد عمل في الحقل التربوي على مدى عقود من
10
اجلوبة -شتاء 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تم تكريم الدكتور بإطالق اسمه على مدرسة في الجوف
ال من موقع إلى آخر ،إلى أن أصبح الزمن ،متنق ً مديراً عاماً للتعليم في منطقة الجوف ،قبل أن ينتقل إلى مجال آخر في خدمة منطقته ،حيث عمل أميناً عاماً لمجلس المنطقة ..كآخر محطة في العمل الحكومي الرسمي ،قبل أن يتقاعد ويتفرغ لمشروعه الثقافي الخاص ،وهو إنشاء «دار معارف العصر للنشر والتوزيع بالجوف».
منها :كتابه عن منطقة الجوف في سلسلة هذه بالدنا ،و«المنقول والمعقول في التفسير الكبير للفخر الرازي» ،و«التوجيه اإلسالمي للنشء في فلسفة ال��غ��زال��ي» ،و«التوجيه التربوي :أهميته ومفهومه وأه��داف��ه» ،وكتابه عن الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك "مدرسة ذات منهج". إضافة إلى تعاونه في تأليف وتحرير فصول من كتب أخرى بالمشاركة مع مؤلفين آخرين.
ولم تقتصر عطاءاته على المجال الحكومي ال��رس��م��ي ،ف��ق��د أس��ه��م ف��ي ال��م��ج��ال التطوعي لقد ترك الدكتور عارف المسعر رحمه الله الخيري؛ فعمل أميناً عاماً لجمعية البر الخيرية برحيله ال��ذي أوج��ع القلوب ،ف��راغ��اً كبيراً في بالجوف ،ونائباً لرئيس لجنة رعاية المعاقين محيط محبيه ،وعارفيه ،وأهل منطقته؛ وسوف بالجوف ،ورئيساً للجنة رعاية السجناء والمفرج نفتقد أبا عبد السالم كثيراً في مجالس الفكر عنهم وأس��ره��م بالجوف .كما أسهم ف��ي إثراء والثقافة ،وفي المنتديات والفعاليات االجتماعية. الحياة الثقافية من خالل عضويته في مجلس إن عزاءنا هو ما تركه هذا الرجل الفاضل من إدارة جمعية الناشرين السعوديين ،وعضوية ع��ط��اءات ث��رة لمجتمعه ..تلك ال��ع��ط��اءات التي المجلس الثقافي بدار الجوف للعلوم ،ومشاركاته نلمسها في كل مكان ،ونراها على وجوه أجيال ال��ع��دي��دة ف��ي ال���ن���دوات والملتقيات الثقافية ،ع��دي��دة م��ن تالمذته وم��ري��دي��ه ال��ذي��ن يخدمون والنشاطات المنبرية المختلفة. وط��ن��ه��م ال��ي��وم ف��ي ش��ت��ى ال��م��ج��االت .رح���م الله أم���ا ن��ش��اط��ه ال��ت��أل��ي��ف��ي ،فيشمل ع���دة كتب الدكتور عارف المسعر ،وأسكنه فسيح جناته.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 11
قضى عمره في البخور > عبدالرحمن الدرعان أديب وقاص من الجوف
بني أن تصدق خبر موت عاهل ومر املذاق كهذا املوت ..أنه لم يكن حلما َمنامِ َّيا ،وال شائعة أو احتماال قابال للتكذيب ،وبني أن تضعك احلقيقة على ح ِّد مراياها القاسية ..أحتاج إلى وقت ألفيق من حالة االرتباك التي وطدت صلتي بالرعد وال��ب��رق ،بحيث حتولت إل��ى شخص ممتلئ بالهشاشة ،أَ ْش َب ُه ٍ بقصبة ال حتسن إال البكاء ..وتتناثر األسئلة الذاهلة ألجدني أقف إزاء املرآة.. ً ُ أتكلم مع شخص كنته قبل قليل ..م��ح��اوال العثور على ش��رف ٍ��ة ال تطل على السواد بدون جدوى :ضباب يغطي الكلمات واجلهات جتمعت وانكسرت بداخلي دفعة واحدة.
بيني وبني أحد األصدقاء رسائل هاتفية ،نتبادل من خاللها هواجسنا كتعويض عن حالة القطيعة التي ال طاقة لنا بقبولها .في ذل��ك الصباح (وال عينان تغيمان ف��ي ال��ت��أم��ل ..شموس تصاهر أع��رف أي سبب لذلك) كتبت رسالة قصيرة هذا جفنيه وعلى يديه سيماء الكتب.. نصها(( :اليوم لم يخطر ببالي املوت)) ..وقبل ثوان ال تكاد جت��ده إال بجوار ابتسامته اخلضراء.. من إرسالها وجدتني (ول��م أع��رف أي سبب لذلك كما لو أن كل احلدائق تلوذ بأكمامه.. أيضا) أمحوها ..كما لو أن صوتا طالعا من جهة سأقول للموت ال��ذي انقض كالطائر األعمل، غامضة دفعني مرة للكتابة ،ومرة للمحو .ولم تكد متضي بضع دقائق حتى جاءت رسالته مثل سهم وأطبق براثنه على قلبك :يكفي أن تنتدب فراشة أخ��ف من رشقة األق��ح��وان ،لترفرف ف��وق صدره، مراش بزفير طائر مختنق. وتقطف نبضه العاري حتت أي ذريعة. وش��ه��ق��ت م���ع ال��ش��اع��ر مب���لء م���ا أس��ت��ط��ي��ع وال كان ميكن أن متهله حتى نعد عزاء الئقاً مببخرته لكأن كتيبة من الغربان هوت أستطيع من الفجيعةَّ ، التي أصبحت فجأة أرملة ووحيدة.. فوق رأسي.. هادئا يحدق في أفق يتناءى كأمنا يصغي لنداء خفي..
وكي نواسي نخلة شاهقة تنتظر حفيف خطواته ((ه��ل م��ت حقا؟ أم غفت سهوا على جفنيك قبل املغيب كالعروس ،ونشاطرها وحشتها.. نايات الزمان!!)). وحتى جتد الربابة قوسها الباكي.. كيف ميوت ال��ذي ترعرع في بياض األقحوان،
وأقول إني رأيت عيون احلصى تترقب أجفانه وقضى عمره في البخور..؟! ه��ل نبكي امل��وت��ى؟ أم ن��رى امل��وت ف��ي اجلثمان وهو ينعس في األعالي.. وأن سنبلة سهرت تناجيه ..حتى أه��ال عليها األخير ونخشى مباغتاته احملتملة؟ أم نبكي بساتني اخلريف ذبولها.. أرواحنا التي أودى الذبول بها مع من نُ ِحب؟ صامتا ذلك الصمت الذي يعلو فوق الكالم.. أنيقا كما لو انه يتأهب للسفر في أية حلظة..
12
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ولكنه لم ميت!!..
لقد أخطأته احلياة ..ولكنه لم ميت!!..
> د .محمود عبداحلافظ خلف الله كلية التربية جامعة الجوف
من أشد المواقف صعوبة أن يكتب اإلنسان عمن يحب ..ألن الكتابة
حينها ستكون محفوفة بالمنزلقات والمهاوي التي ستوجدها حتمًا العاطفة؛
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
عارف املسعر ..اإلنسان املعلم ،الرائد
إال إنني في ه��ذه الحالة أكتب وأن��ا في مأمن حقيقي ،فلست وح��دي من
أحببت هذا الرجل ،فأنا واحد من جم أولئك الذين أحبوه.
فرغم قصر المدة التي عايشتها في معرفة أوالً :عارف المسعر ..النشأة والتعليم
ع��ارف المسعر (ب�لا ل��ق��ب) ،فقد ك��ان أكبر من اللقب في منطقة ال��ج��وف ،وغيرها في أنحاء المملكة ،ممن عرفوا هذا الرجل وعاملوه عن ق��رب أو بعد ..إال أنني قد رأي��ت منه ما يجلو شخصيته وق��ي��م��ه ،وم��ا ي��ب��رر مكانته وموقعه، ويوضح ريادته وفضله ،ليس في مجال التعليم فحسب ..بل في شتى مجاالت الحياة بمفهومها الواسع في منطقة الجوف؛ وربما ذلك من أهم األسباب التي تشكل صعوبة لمن يكتب عن هذا الرجل؛ فما ترك مجاالً إنسانيًا إال وريّش إليه سهامه.
حين ت��ن��زل ب��ال��زم��ن إل��ى ع��ام 1358ه����ـ ،تجد مدينة سكاكا تبتهج بمولد ع���ارف ب��ن مفضي المسعر ..ويسعى بعد أن يشب عن الطوق إلى حفظ القرآن الكريم ،إذ تتلمذ على يد العالمة الشيخ فيصل اب��ن ال��م��ب��ارك ،وق��د أظ��ه��ر نبوغاً وتميزًا منقطع النظير؛ ما أهَّ له ألن يصبح معلِّماً بعد االنتهاء من دراسة الصف السادس االبتدائي. وألن��ه مجبول على محبة العلم ،مؤمن برسالته تجاه وطنه ..فقد واصل دراسته حتى حصل على بكالوريوس اآلداب في قسم اللغة العربية ،بجامعة الرياض عام 1390ه��ـ ،ثم واص��ل مسيرة البحث العلمي في مصر ،فحصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس عام 1980م ،وفي الجامعة نفسها واصل مسيرة الدراسة ،فحصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها عام 1984م.
إنه كقطعة البلور المتعددة الجوانب ،تسحرك من أي ناحية تنظر إليها ،فحتماً سوف ترى في كل زاوية من زواياها لوناً من ألوان الطيف؛ فهو اإلن��س��ان اإلن��س��ان ،والمعلم الفاضل ،واإلداري المتميز ،والمتحدث الحكيم ،والصامت البليغ، والقدوة الحسنة ،والرائد بال منازع.. ثانيً ا :عارف المسعر ..اإلنسان والقيم
لذا ،سوف يدور حديثي في إطار ثالثة محاور ات��ف��ق علماء النفس على أن لكل شخصية فقط ،بما يتسع له المقام هنا؛ فمآثره أكبر من مفتاحاً ،ومفتاح شخصية هذا الرجل هو القوة أن تحظى بها مثل هذه الصفحات؛ فهي تحتاج والبساطة ..كان في كل ما يسند إليه من مهام أن يخصص لها كتاب أو أكثر. قويًا أمينًا؛ قويًا في شخصيته ..في قراراته ،في
اجلوبة -شتاء 1432هـ 13
عمله ،في حجته ،في كالمه ..بل حتى في مشيته ،عُ��رف عن ه��ذا الرجل أن��ه وض��ع شيئًا في غير يتريث في حركاته ..يتهادى في خطواته ..ويتكلم موضعه ،وما ضيع شيئًا يمكن أن تجمع من ورائه بثقة العالم المتمكن مما يقول.. أشياء ..وقد كان مع هذا ،كريم الضيافة؛ فبيته لكثر من داخل المملكة ،وخارجها. وإل��ى جانب ه��ذا تميزت شخصيته بصفات كان قبلة ٍ أخرى ،أهمها: منظومة القيم :هناك منظومة من القيم التواضع :فعلى كثرة ما حباه الله به من نعم، فقد ك��ان شديد التواضع ،ليّن الجانب ..يقدّر الضعف اإلنساني ويستجيب لمطالبه ،ويؤمن بأن من يستطيع التسامح وجب عليه أن يكونه. كان شديد اإلصغاء لمن يسمع له حتى يتملك م��ح��اوره شعور الصدق في المحبة واالهتمام، وبعدها يقدم له النصيحة في موضعها بمدى الصدق واألمانة؛ لذا ،كان بيته مالذًا للضعفاء، ووجهة للوجهاء ،فكلٌّ يجد ضالته عند من صدق فعله اسمه ،عند من تمثلت فيه مقولة« :كل له من اسمه نصيب» .ومما يضاف إلى ذلك إنكاره لذاته ،وعدم نسب أي نجاح لنفسه؛ فما عُرف عنه رغم نجاحاته المتكررة أنه قال فعلت ،بل يسند النجاح لفضل ال��ل��ه سبحانه وتعالى ثم تعاون من يعملون معه.
التي كانت توجه فكر ع��ارف المسعر وسلوكه، فمنها م��ا ك��ان ي���ردده ف��ي بعض ال��م��واق��ف التي استوجبت منه تبرير وجهة نظره بذكر الحكمة م��ن ذل���ك ،وبعضها اآلخ���ر استنبط م��ن أفعاله ولباقته في إدارة بعض المواقف ..حتى صارت هذه القيم المتمثلة في إدارت��ه للمواقف حكمًا يتمثلها اآلخرون في حياتهم .ومن هذه الحكم: •من السهل أن تخدع الناس ،ومن الصعب أن تخدع نفسك ،ومن المستحيل أن تخدع الله. •من الممكن االستغناء عن ف��رد من البشر، وسيظل الكون يسير. •من شُ كر الله على نعمة العقل استخدامه. •التعليم رسالة ،وإن كان وظيفة يتقاضى عليها أجراً.
حسن اخللق :تميز عارف المسعر بالخلق الجمّ؛ فلم يذكر أنه ذكر أحدًا قط بسوء ،إذ كان يفصل بحكمة بالغة بين العالقات اإلنسانية• ،التريث في األحكام عصمة للمرء. واخ��ت�لاف وج��ه��ات النظر ف��ي العمل؛ فقد كان •توجيه النصح س��رًا نصيحة ،وتقديمه علنًا يحسن الظن في نية كل من يخطئ ،ويلتمس له فضيحة. األع��ذار .كان في عمله اإلداري يفصل بين نقد •م��ن األف��ض��ل أن ينتقم الله ل��ك ب��دالً م��ن أن الفكرة الخطأ ،ومقارعة الباطل وإيضاح حجة تنتقم لنفسك. الحق ،وبين إساءة الظن بالمخالف؛ فكان همّه الدائم البحث عن الحقيقة ،بعيدًا عن الخوض •الطالب الجيد انعكاس لمعلم ج��ي��د ،ودور المعلم أهم من المنهج. في قضايا شخصية أو النيل من اآلخرين. •الضعيف أولى بالرعاية حتى يقوى.
ترشيد اإلنفاق :يقولون في بعض تعريفات •صنفان من الموظفين ال يتقدمان :من ال يعمل ما يكلف به ،ومن يعمل ما يكلف به فقط. الظلم أن��ه وض��ع الشيء في غير موضعه ،وما
14
اجلوبة -شتاء 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
•س��ل��وك��ك ف��ي ب��ل��دك شخصي ينتسب إليك، •المتعلم الجيد قد يُ َعلِّم المعلم كيف يُعلم. وسلوكك خارج بلدك وطنية ينتسب إليها. •الفضل في التعامل مع المخطئين أول��ى من •م��ن يقبل مهنة التعليم ،ف�لا ب��د أن يضحي العدل أحيانًا. بجزء من حريته. •الكفاءة في تمثل الثقافة التي تعجبنا ال مجرد •ليست األصالة أن تتمسك بالماضي فقط، معرفتها. ولكن أن تكون نفسك أيضاً. •ينبغي احترام ثقافة اآلخرين ،وإن لم نقبلها.
منطقُه ليس نُطقه. •التعصب بغير ح��ق دليل قاطع على ضعف •ما يزين اإلنسان ِ الشخص. ثالثً ا :عارف المسعر القدوة والمثل •حظ المتهم بقاضيه خير من حقه بمحاميه.
يقصد بالقدوة والمثل هنا توافر الصفات التي تجعل من عارف المسعر قدوة ومثالً ،فقد ك��ان رحمه الله مدرسة متحركة ،ولعل أه��م ما ميزه كقدوة ومثل يحتذى به ،ما يأتي: ال��وف��اء والعرفان ألساتذته :فقد كان في كثير من جلساته يسبح في ذكرياته ،ويتحدث عن أساتذته ،ويذكر أنهم أصحاب فضل عليه. ل��ق��د ك���ان ألس��ات��ذت��ه م��وق��ع متميز ف��ي وجدانه وعقله ،وعلى رأس��ه��م الشيخ فيصل المبارك، والدكتور عز الدين إسماعيل ،أستاذ الدراسات األدبية بجامعة عين شمس ،رحم الله الجميع. ولم يقتصر عرفانه بالجميل على أساتذته فقط، بل تعدى إلى كل معارفه في الماضي والحاضر، ف��دائ��م��اً ك��ان ي���ردد أن��ه��م أص��ح��اب فضل عليه، وأكبر دليل على وفائه ألساتذته كتابه عن الشيخ فيصل المبارك ،إنه وفاء فريد في زمن قلَّ فيه التفرد؛ لقد كان يُعزي الفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى أساتذته ،وزمالئه في العمل ..بل إلى تالميذه أيضاً .رحمك الله يا من عرفته فعرفت فيه العلم والخلق والقيم والوفاء ،فصرتَ قدوة ونموذجً ا يحتذى حيًا وميتًا.
صور تذكارية في مناسبات مختلفة
حرية الفكر والتنوير :كان واسع األفق، م��رن التفكير ،ال يقبل االن��غ�لاق ف��ي معالجته
اجلوبة -شتاء 1432هـ 15
لألمور والمواقف ،يحكّم عقله في كل ما يتلقاه؛ فكان من المستحيل أن يقبل فكرة ال تستقيم أركانها ..أو تتعارض مكوناتها ،وكان يكره الجنوح والتطرف في كل شيء. تقديسه للعمل :كان رحمه الله إذا كلف بشيء ال يهدأ له بال حتى ينجزه ،وأسر عنه أنه كان يقول في النجاح «كلما أدرك��ت أنك نجحت سابقك ال��زم��ن»؛ ف��ك��ان ي��ؤم��ن بالعمل الدءوب المستمر ،وكان دائمًا يقدم من أفعاله أمثلة حية على ذلك.
مع مدير عام التعليم بمنطقة الجوف
شمولية ثقافته :ك��ان رحمة الله عليه يأخذ من كل علم بطرف ،ولعل ذل��ك ما أسبغ َمن ِْطقَه بالحكمة ،وقوة التأثير في اآلخرين. منطقية الفكر :لقد كان ع��ارف المسعر يُعمل فكره في كل ش��يء يعرض عليه ،فيتأنى في دراسته قبل أن يصدر الحكم عليه ،فتأتي أف��ك��اره مُحكمة البناء ..منطقية ال��ع��رض؛ فقد امتلك منهجية في العرض ال يقل تأثيرها عن جودة األفكار ،وقد تمثلت منهجية البحث العلمي في كل سلوكيات حياته التي كانت بمثابة مدرسة نموذجية في جده وهرجه. فن الدعابة :تمتع رحمه الله بحس رفيع في الدعابة ..فدائماً كانت تسعفه بديهته في خلق كوميديا الموقف التي تنم بكل تأكيد عن خفة الظل ،والذكاء الحاد في الوقت نفسه؛ فمن السهل ابتذال نكته أو فكاهة ..لكن من الصعب بمكان أن تسعف المرء بديهته في موقف معين، ووقت معين ،في حالة نفسية معينة لمستمعيه أن ينسج فكاهة من خيوط أخالط ،ويلقيها على الحضور فتكون مؤثرة.
في إحدى المناسبات المدرسية
أثناء تكريمه من النادي األدبي بالجوف
حاولت بجهدي المتواضع أن أتصدر للكتابة عن شخصية تحتاج في عد مآثرها إلى كتب ،وفي فهم طبيعتها إلى دراسات ،لكن لعل ما يغفر لي زلاّ تي هو حبي الشديد ،وحماستي ألن أكتب عن هذا الرجل ،الذي أسرني خلقه وطيبه وتواضعه وحبه لمصر. رحمك الله يا رائد العلم والتنوير في جوف
ه���ذا ق��ل��ي��ل م���ن ك��ث��ي��ر ،وإج���م���ال لتفاصيل ،المملكة الحبيبة.
16
اجلوبة -شتاء 1432هـ
> أ .د .أحمد بن عبدالله السالم
قدر الله وما شاء فعل
جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية
رحل عنَّا قبل أيام سعادة الدكتور عارف بن مفضي المسعر عليه رحمة ال��ل��ه .وه��و األخ ال��ك��ري��م ،واألس��ت��اذ ال��ق��دي��ر ،واإلداري ال��ن��اج��ح ،والمربي الفاضل ..ولعلي أستشهد في هذا المقام ببيتين سابقين لي:
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أبا عبدالسالم :رحل جسمك ولم يرحل ذكرك
وأخيراً عمل مديراً عاماً للتعليم فيها ،وك��ان مثاالً يحتذى في كل ما تصدى له من أعمال .له بصمته فيها وتأثيره عليها إلى اليوم. ختم فقيد المنطقة رحمه الله أعماله اإلدارية أميناً لمجلس منطقة الجوف ،وهذا يدل على نجاحه في أعماله اإلداري��ة التي سبقت تعيينه أميناً ،وكان إب��ان ه��ذه الفترة من خ�لال ما نسمع مثاالً يحتذى في الحكمة وحسن إعداده لجداول أعمال المجلس، والمشاركة الفعالة في حواراته. وألنه كان قريباً من الثقافة والتعليم والتنوير ،فقد اختار أن يكون عمله التجاري قريباً من هذا المجال إن لم يكن قنطر ًة تسير عليها عجلة الثقافة -أالوهو المطبعة التي مارس من خاللها العمل التجاري، وكلنا يعلم ما للمطابع من دور مهم في نشر الثقافة والعلم. أم��ا ع��ن عالقتي ب��ه ،فهي وإن ل��م تكن عالقة صداقة بالمعنى الدقيق للصداقة ،وإنما هي أخوَّة دائمة ،لقربنا من بعضنا وجداناً ،وإن طال بنا المنتأى زماناً أو مكاناً؛ كنت وال زلت أحفظ له قدره ،وقد كان رحمه الله كذلك ،مع أنَّ أخوته تلك متحققة له مع جميع من يعرف. رحم الله الفقيد ..وأسكنه فسيح جناته ..وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان..
عـ ـ ـ ــزاؤك أنَّ النـ ـ ـ ـ ــاس ٍآت وراح ـ ـ ـ ــلٌ وم���ن ط��ـ��ـ��ال مُ ــكث ـ ًا فهـو للمــوت صــائــر هــو ال��م��ـ��وت مـن ينجو غ��ـ��دا منـه مـا نجا فبـعـ ـ ــد غـ ـ ـ ٍـد تـحنــى علي ــه األظـ ــاف ــر أبو عبدالسالم ذرع األرض ذراعاً ذراعاً في طلب العلم والفضل واألدب ..من الجوف إلى الرياض إلى مصر وغيرها من البالد. كما أ َّن��ه عمل ف��ي مناصب كثيرةٍ ،أكسبته حبَّ جد الناس؛ والناس ال يحبون إال من أحبهم .عمل بكل ٍ وإخالص ..فكانت نتيجة ذلك محبة الناس جميعاً. لم يكن رحمه الله على شاكلة كثير من سالفيه من المتقاعدين الذين يتركهم الناس ،ويتوارون عنهم بمجرد تركهم للعمل. ك��ان ال��ن��اس متواصلين معه رحمه ال��ل��ه ،بالقدر الذي كانوا عليه معه أثناء عمله ،وذلك عائد بالدرجة األولى إلى طيب معشره ،ودماثة خلقه. لقد ك��ان يرحمه ال��ل��ه وف��يّ��اً م��ن خ�لال أحاديثه عن شيخه فيصل المبارك رحمه الله ،ال��ذي درس عليه ال��ق��رآن وع��ل��وم ال��دي��ن ف��ي حلقته ،ف��ي المنزل والمسجد .وقد درس معه وقبله وبعده خل ْق كثير من أهالي منطقة الجوف ،لكنه من أكثرهم وفا ًء له ،إذ كان كثير الثناء عليه ،خصص وقتاً ثميناً من وقته لدراسة شخصية شيخه الذي ال ينفك عن الحديث عنه في ك َّل مجلس وحلقه. وعزاؤنا فيه قول الشاعر: بجهد ٍ الدكتور ع��ارف المسعر رحمه الله أسهم يذكر فيشكر في دف��ع مسيرة التعليم في منطقته ومـ ــا المــالُ واألهــلون إال ودائــعُ وال بــدَّ يــوم ـ ًا أن ت ـُ�� ��ـ�� َر َد الــودائــعُ «الجوف» من خالل تدريسه في مدارسها وإدارتها..
اجلوبة -شتاء 1432هـ 17
تأمالت نفسية في شخصية الدكتور عارف بن مفضي املسعر > أ .د .سلطان بن موسى العويضة أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود
لقد استدخل الراحل الدكتور عارف عشق المعالي منذ بواكير الصبا؛ فطفولته كانت مختلفة ،إذ أحيط بشكل مباشر برجلين عمال على تشكل مالمح شخصيته ،والده مفضي الذي تنزع شخصيته إلى الغموض ..وتلمح في تعابير وجهه الجدية والحزم والنزعة العملية؛ وعمه فياض ذو اللحية الكثيفة والشخصية المُتدينة والمرحة ،التي كان لها حضور اجتماعي واض��ح .فنشأ الصبي ،إذاً ،في مناخ نفسي ك��ان أب��رز معالمه ما لهاتين الشخصيتين من انعكاسات؛ فنجد «ال��ت��دي��ن» ،و«ال��ح��زم» ،و«الغموض»، و«الجدية» ،و«المرح» ،و«االجتماعية» ،و«العمل». وشبّ عن الطوق ،فبرع في دراسته النظامية ،يتعلق بسمة العمق ،إذ أن لديه نزعة واضحة
وفي دراسته للقرآن الكريم على يد شخصية ثالثة لعدم التسطيح والغوصِ ،لكُنهِ المسائل التي هو عملت على تشكُّل بنائه النفسي ،وهي شخصية بصدد تناولها. معلمه الشيخ فيصل المبارك ،الذي درّسه القرآن
أم��ا فيما يتصل ببنائه النفسي ال��ع��ام ،فقد
الكريم حتى حفظه ،وشجعه بطريقة تربوية ظل برزت للعيان سمات نفسية واضحة ظلت تالزمه وفياً لها ،متمث ً ال لها سلوكا ونهجا آلخر يوم في إلى أن انتقلت روحه إلى بارئها ،ومنها:
حياته.
احل��ل��م :فقد عُ���رف بحلمه المتمثل ف��ي عدم
والمتأمل ف��ي شخصيته يلمح ف��ي قسمات رفع صوته ،واإلنصات لمحدثه وعدم مقاطعته، وجهه «ال��ج��دي��ة» ،و«ال��ع��م��ق»؛ إذ عُ��رف بجديته وقدرته على تجاوز هفوات مَن حوله بحلم وأناة. في تناول ما يُعرض عليه من أمور ..سواء على املرونة :فلم يكن متصلبا في رأي ،وال متعصبا المستوى الرسمي ،أو االجتماعي .وكذلك فيما للفئوية أي��اً ك��ان شكلها ،وك��ان لديه االستعداد لتغيير وج��ه��ة ن��ظ��ره إن اقتنع بغيرها .وكذلك
نزعته للتعلم المستمر ،واالنفتاح على اآلخر، واإلط��ل��اع ع��ل��ى م��ج��ري��ات األح�����داث المحلية
والوطنية والدولية.
النضج االنفعالي :فقد كان متزنا انفعاليا، صورة تجمعه مع والده يرحمهما الله
18
اجلوبة -شتاء 1432هـ
يبتسم لسماع خبر حسن ،يُقدم واج��ب العزاء
ب��ت��ؤدة ،ل��م تكن ل��دي��ه ان��ف��ع��االت مفلتة ح��زن��ا أو
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد أثناء زيارة معالي وزير الشؤون اإلسالمية السابق واألمين العام لرابطة العالم اإلسالمي حالياً د .عبدالله التركي
كما لم يكن انطوائياً بالمعنى الحرفي للمصطلح، فرحا ،فقد قّيدها تحت سلطان إرادته وعقله. التواضع :عُرف بتواضعه الذي لم يُذب هيبته ،وف��ي نفس ال��وق��ت ل��م يكن انبساطيا بالمطلق فكان تواضعه تواضعاً بشموخ ال تقزي َم للذات كذلك. فيه. العفاف :وتجسدت واضحة في غضه لبصره،
وتجنبه للمعاصي ،وعمله بشرف ونزاهة ،كذلك مال أو ولد. عدم افتتانه بجاهٍ أو ٍ التفاؤل :فلم ير َو عنه أنه كان نزّاعا للتشاؤم
إطالقا؛ فدائما كان يبث األمل واإلصرار فيمن حوله.
أثناء افتتاح المعسكر الكشفي في المنطقة على مستوى المملكة
االعتدال والوسطية :كان من الشخصيات المعتدلة في مخبره ،ومظهره ،ومسكنه ،ومكتبته، وفي كل أمور حياته ..إذ لم يكن متقشفاً زاهداً، وال ب��اذخ��اً م��س��رف��اً ،وه���ذا ي��ص��دق على مخبره كذلك ..إذ لم يُر متعنتاً لرأي أو متصلباً لشيعة.
أثناء حضوره إحدى المناسبات بدار الجوف للعلوم
اجلوبة -شتاء 1432هـ 19
من الذاكرة عن املرحوم الدكتور عارف بن مفضي املسعر > د .نايف بن صالح املعيقل
األستاذ المشارك بجامعة الجوف ورئيس المجلس البلدي ألمانة منطقة الجوف
انتقل إلى رحمة الله األخ الفاضل الدكتور عارف بن مفضي المسعر يوم الثالثاء 1431/11/25هـ الموافق 2010/11/2م عن عمر يناهز الثمانين عاماً ،وهو في طائرة اإلخالء الطبي ،متجهاً إلى الرياض ..إثر تعرضه لنوبة قلبية حادة أدت إلى وفاته ،وبرحيله فقدت الجوف واحداً من أبنائها المخلصين البررة ،الذين أثروا مجتمعهم باألعمال التعليمية والثقافية واالجتماعية والخيرية واإلنسانية. وم���ا س��أك��ت��ب��ه ع��ن ذك��ري��ات��ي م��ع ال���راح���ل أبي عبدالسالم ما هو إال يسير من كثير ..لعل الذاكرة تساعدني في نقله من خ�لال ه��ذه السطور .فقد خسرت الجوف برحيله مربياً فاضالً ،وأديباً ومثقفا ُ متميزاً ،وإداري���ا ناجحاً ،ورج��ل خير يعمل لجميع أبناء منطقته دون كلل أو ملل .لقد كان يرحمه الله واح��داً من الرجال الذين عرفتهم ..مخلصاً لدينه ووط��ن��ه م��ن خ�لال أعماله الكثيرة على المستوى بعد ذلك بأربع سنوات ،طُ لب ترشيح عدد من ال��رس��م��ي واالج��ت��م��اع��ي واإلن��س��ان��ي ،أع��م��ال��ه التي حملة البكالوريوس ،لالبتعاث للحصول على درجة الماجستير ،للعمل كمحاضرين بالكلية المتوسطة بالجوف ،التي افتتحت في العام ( 1401هـ) ،وكانت تتبع إدارة التعليم ،فتم ترشيحي لبعثة الواليات المتحدة األمريكية للحصول على درجة الماجستير في الكيمياء خالل الفترة( 1406 - 1403هـ) .بعدها عملت محاضراً بالكلية المتوسطة التي كانت تتخذ من مدرسة ابن سينا االبتدائية مقراً لها ،وأتذكر لقطه تجمع الفقيد د .عارف المسعر واألمير سلطان أن��ه بعد ازدي����اد أع���داد ال��ط�لاب بالكلية ،وأصبح السديري وأ .حمود المشعل وكاتب المقال في المكان ال يتسع لهم ،اتصل به األخ حمود المشعل حفل تخرج الدفعة األولى من الحاصلين على درجة عميد الكلية آن���ذاك -للبحث ع��ن مكان آخر،البكالوريوس من كلية المعلمين بالجوف في العام فوجه رحمه الله بالسماح النتقال الكلية إلى مبنى ال يمكن حصرها عبر ه��ذه السطور .لقد عرفته يرحمه الله منذ عام 1399هـ عندما تخرجت بدرجة البكالوريوس م��ن جامعة الملك س��ع��ود (الرياض سابقاً) عند توجيهي للعمل مدرساً لمادة العلوم في متوسطة ابن القيم في مدينة سكاكا .فقد كان نعم الموجه والمدير والمشرف الذي يحب الخير لكافة أبناء منطقته.
الدراسي 1413 – 1412هـ في دار الجوف للعلوم.
20
اجلوبة -شتاء 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أثناء زيارة الدكتور زغلول النجار للنادي األدبي بالجوف
أوسع ،من حيث عدد القاعات الدراسية والمعامل، وتم انتقالها إلى حي المحمدية ،وقد تم استغالل مبنيين متجاورين لسد احتياج الكلية من القاعات الدراسية والمعامل والورش والمالعب ،وقد تم ذلك بسالسة تامة ،تؤكد إيمان الراحل بأهمية العمل على تكامل المؤسسات التربوية في المنطقة .وكان حريصاً رحمه الله على تطوير تلك الكليات ،والرفع من مستوى خريجيها ،انطالقا من إدراك��ه -وهو المسئول األول عن التعليم في المنطقة في ذلك الوقت -بأهمية تطوير برامج إعداد المعلمين الذين هم أساس نجاح العملية التعليمية. لقد تم اختياري عضواً بجائزة األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للتفوق العلمي للعام (1410هـ)، وك��ان رحمه الله أميناً ع��ام��اً للجائزة ،وق��د كلفنا أنا وزميلي المشرف التربوي مبارك سليم الهذيل ب��ال��ذه��اب إل���ى ج���دة ،إلع����داد وت��ن��ف��ي��ذ مطبوعات الجائزة التي كانت ناجحة بكل المقاييس ،وبشهادة
كل من حضر تلك المناسبة ،كل هذا النجاح ينسب إل��ى المرحوم الدكتور ع��ارف بن مفضي المسعر، ال��ذي كان يتابع معنا كل صغيرة وكبيرة حتى آخر لحظة. أتذكر أنه وأثناء عملي عميداً لكلية المعلمين سابقاً (التربية حالياً) ولمدة ثماني سنوات ،كان رحمه الله على رأس وأول الحريصين على حضور اح��ت��ف��االت ال��ت��خ��رج ال��ت��ي أق��ي��م��ت ف��ي ال��ف��ت��رة من 1428 – 1420هـ ،كما كان حريصا ُ على حضور كل الفعاليات الثقافية واالجتماعية التي تقام بالكلية خالل تلك الفترة. ل��ق��د ع��م��ل��ت م��ع��ه ف���ي ل��ج��ن��ة ال��ت��ع��ل��ي��م المطور بالمنطقة ،ولجنة اختيار أم��ي ٍ��ن للغرفة التجارية بالمنطقة وغيرها من اللجان ،واستفدت كثيرا من حكمته وحنكته وخبرته اإلدارية ،وحصيلته الثقافية، إض��اف��ة إل���ى س��ؤال��ه ال���دائ���م ع��ن األه���ل واألق����ارب والجماعة في كل لقاء معه ،وهذا يدل على خصلةٍ ..
اجلوبة -شتاء 1432هـ 21
وصفةٍ طيبة كان يتصف بها رحمه الله ،وهي الرأفة والرحمة والتسامح والتعاون مع الجميع.
د .عارف مع معلمه في االبتدائية أ .أحمد مصطفى بديوي الذي دعاه لحضور محاضرته في النادي األدبي بالجوف
آخ���ر مناسبة ع��ام��ة جمعتني بفقيدنا الغالي هي حضوره لندوة أقامها النادي األدب��ي بالجوف بمناسبة اليوم الوطني ..مساء يوم الخميس الموافق 14ش��وال 1431ه���ـ ،وأتذكر أن��ه طلب مني وزميلي األستاذ الدكتور أحمد السالم الذي شارك معي في ال��ن��دوة ..أن يعمل لقاء مع قناة الثقافية عن اليوم الوطني ،فكان أح��د المتحدثين في تلك المقابلة، حيث ح��رص يرحمه الله على التأكيد على ثوابت هذا الوطن ،والحفاظ على مكتسباته. لقد ك��ان نعم األخ الموجه ،والمربي الحكيم، واإلداري الناجح ،رجل األعمال اإلنسانية..المحب ل��ل��خ��ي��ر ،ال��م��ت��واص��ل م���ع م��ج��ت��م��ع��ه ف���ي أفراحهم وأتراحهم.
أثناء إحتفالية النادي باليوم الوطني
أدعو الله له بالرحمة الواسعة وأن يسكنه جنات النعيم ،ويلهمنا جميعاً بفقده الصبر والسلوان ..إنه جواد كريم.
أثناء إحتفال النادي باليوم الوطني بالمملكة
22
اجلوبة -شتاء 1432هـ
> فــواز بن صــالح اجلــعفر
مساعد مدير عام التربية والتعليم بالجوف
يعد األثر التربوي والتعليمي للدكتور عارف –رحمه الله -األب��رز في حياته المليئة بالعطاء ،فقد تدّ رج في السلك التعليمي معلِّماً ثم مفتشاً ثم مديراً للمعارف (التربية والتعليم آن��ذاك) ألكثر من عقدين من الزمن، ك��أط��ول م��دة يقضيها مدير تعليم ف��ي منطقة ال��ج��وف ،وه��ذا يعني أنه –بالتأكيد -يتمتع بحنكة إدارية عالية ،وسعة أفق ،ورحابة صدر مكّنته من قيادة هذا المزيج االجتماعي بكفاءة ،ونشر التوسع التعليمي في مدن المنطقة وقراها ،في وقت لم تكن القناعة كافية بأن التعليم أولى من السعي خلف لقمة العيش. وه��ذا العمر المديد في التربية والتعليم يعني أيضاً –بالضرورة-أن له «أبوة تربوية» -إذا صح التعبير-لكثير من أبناء المنطقة الذين شقوا طريقهم ،فتسلموا مراكز قيادية وأكاديمية عالية داخ��ل المنطقة وخ��ارج��ه��ا ،ب��ل أكثر م��ن ذلك.. نستطيع القول إن له أبوة على التعليم بالمنطقة بأكمله ،ويستحق لقب «األب الروحي للتعليم» بمنطقة ال��ج��وف .ولقد أحسنت وزارة التربية والتعليم بتخليد اسمه على إح��دى المدارس، فهي ب��ذل��ك ال ت��ق��وم بحق التكريم فقط لهذه ال��ق��ام��ة ال��ت��رب��وي��ة ..ب��ل ت��ب��رز أن��م��وذج��اً معطا ًء لألجيال القادمة ،وتعلي من شأن أهل التعليم قاطبة. إن المآثر التربوية للدكتور عارف -رحمه الله- ال تقف عند اإلط��ار النظري في نشر المعرفة، ودع���م ال��ث��ق��اف��ة أو اإلط����ار اإلداري ف��ي تنظيم التوسع التعليمي وتأسيسه فحسب؛ بل تتجاوزه (إل���ى األه����م) ،وه��و تمثل ه��ذا ال��زخ��م التربوي والثقافي واقعاً ملموساً في رقي أخالقي واضح، وسمو نفسي بارز ،وابتسامة يلقاها الصغير قبل
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
مآثره التربوية ال تندثر
الكبير ،وحكمة تتلقى الجاهل قبل العالم .هذا الدمج بين المدرسة المعرفية واألخالقية -فيما يبدو ل��ي -هي بعض سمات التعليم اإلسالمي األصيل والمتوارث عبر األجيال ..والذي يبدأ من المسجد ،ويمتد إلى جوانب الحياة المختلفة. ويخطئ مَ��ن يقصر ص��ورة ه��ذا التعليم على التلقين النمطي ،وال يتطرق لمنهجية «النمذجة» التربوية ذات األثر النفسي والسلوكي الكبير. ول��ع��ل م��ا تلقاه د .ع���ارف –رحمه الله-من سمت تربوي ،في وقت مبكر من عمره ،على يدي العالم الفاضل الشيخ فيصل المبارك ،ذي األثر الواسع والممتد في منطقة الجوف ،لدليل على أن هذا النوع من التربية والتعليم الذي تميزت به األمة منذ بداياتها ،يتجاوز الجانب المعرفي إلى الناتج السلوكي ،مع البدء بالعلوم المباركة ذات األثر المنهجي .وقد أكد د .عارف –رحمه الله- هذه المسألة ،حين عنون كتابه عن حياة شيخه بقوله :الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك «مدرسة ذات منهج»؛ فهو ينص على أن المعلم (الشيخ هنا) مدرسة سلوكية ،وبطابع منهجي م��ت��وارث .ويوصلنا في الوقت نفسه إل��ى نتيجة ج��دي��رة بالنظر م��ن قبل ال��دارس��ي��ن والباحثين،
اجلوبة -شتاء 1432هـ 23
عند المقارنة بين المدارس اإلنسانية التي تنشد األخذ ،وإن الزائفة هي األخذ دون العطاء ،وذلك التقدم الحضاري. آخر ما انتهت إليه فلسفة األخالق»! إن التوهّ ج التربوي للفقيد-رحمه الله-ازداد ح��ت��ى ب��ع��د ت��ق��اع��ده م��ن ال��ع��م��ل ال��ح��ك��وم��ي ،فهو يؤمن بالعطاء إلى آخر لحظة ..ليموت واقفاً ال قاعداً! فقد شارك في أغلب اللجان على مستوى المنطقة ،سواء كانت تأسيسية أو تطويرية ،وأنشأ أول دار نشر وتوزيع في المنطقة ،وألف وكتب وحاضر ونشر .كان حضوره الثقافي واالجتماعي ملفتاً؛ حتى يخيل إليك أن العطاء أصبح منهجية لديه ،فهو ال يكتفي بتمثله ..بل يسارع بدعوة اآلخ���ري���ن ل���ه ،ول��ق��د شعرت ب��ذل��ك حين كنت أحادثه ف���ي أح����د األي������ام –وأنا التلميذ بين يديه -وأسأله ع��ن داره للنشر والتوزيع (م��ع��ارف ال��ع��ص��ر) وسير ال��ط��ب��اع��ة وال��ن��ش��ر فيها، فخرج عن الموضوع إلى األه���م ،وحمّلني أم��ان��ة ال أنساها حين ق���ال :وأنت أين نتاجك الفكريِ ،ل َم ال نراه مطبوعا؟! ه��ك��ذا ،ف��ي ح��ن��و أبوي يرفع من شأن تلميذه ،ونظر م��س��ت��ق��ب��ل��ي ي���ح���رص على ب��ث ال��وع��ي ف��ي مجتمعه، وع���ط���اء ت���رب���وي تعليمي ال ي��ن��ق��ط��ع! وح����رص على إسعاد اآلخرين بما يجلب سعادتي الدنيا واآلخرة، وف��ق��اً لما أك���ده الرافعي: «إن ال��س��ع��ادة اإلنسانية الصحيحة في العطاء دون
24
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ومضة يتمثل أه��� ُل ال��ج��وف قاطبة وأس���رة التربية والتعليم خاصة مرثية الزبيري: ج���زي���ت ج�����زاء ال��م��ح��س��ن��ي��ن مضاعف ًا ك��م��ا ك���ان ج����دواك ال��ن��دى المتضاعف ح���ب���ي���ب إل�����ى اإلخ���������وان ي��������رزون ماله وآت ل��م��ا ي���أت���ي ام�����رؤ ال���ص���دق ع���ارف ب����ك����ت داره م������ن ب���ع���ـ���ـ���ـ���ده وت���ن���ك���رت م��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ال��م م����ن آف���اق���ه���ا ومعـ ـ ــارف
أثناء إلقاء محاضرته في النادي األدبي عن الشيخ فيصل بن مبارك يرحمهما الله
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الدكتور زغلول النجار يتوسط األخوين
الدكتور عارف املسعر
رحلة عطاء تتجاوز نصف قرن من الزمن معاشي بن ذوقان العطية لواء ركن متقاعد
عاش حياة حافلة بالعطاء الوطني المخلص ،والتفاعل االجتماعي الحكيم، لم يكن رجال عاديا ليمر في حياتنا مروراً عابراً من دون أثر ،كان واحداً من رواد التربية والتعليم في منطقة الجوف ،استطاع أن يضع بصمة بالغة األهمية على خريطة منطقة الجوف كجزء عزيز من الخريطة العامة للمملكة .بدأ م��ش��واره معلماً بالمرحلة االبتدائية ع��ام 1374ه���ـ ،ف��ي المدرسة الشمالية االبتدائية التي أطلق عليها بعد ذلك اسم مدرسة فلسطين ،وك��ان المسعر شغوفاً ب��دراس��ة العلوم الدينية ،وم��ن المتميزين الذين درسوا القرآن الكريم وعلوم الدين على يد واح����د م���ن أب����رز رج����ال ال��ق��ض��اء ال���ذي���ن عرفهم المجتمع الجوفي ،وه��و الشيخ فيصل المبارك، لكنه في ذلك الوقت لم يكن يحمل المؤهل العلمي الذي يرضي طموحه ،وألنه كان يشعر برغبة كبيرة ف��ي استكمال رحلة المعرفة بصورتها النظامية
األكاديمية ،فقد اتخذ القرار المصيري الذي غيّر ح��ي��ات��ه ،ف��ق��د غ���ادر منطقة ال��ج��وف م��ت��ج��ه��اً إلى العاصمة ال��ري��اض ال��ت��ي ب��دأ منها ص��ع��ود السلم العلمي ..من خ�لال االنتظام في صفوف التعليم ال��رس��م��ي ف��ي ال���م���دارس ال��ل��ي��ل��ي��ة ،اج��ت��ه��د بدافع اإلنسان الذي يبحث عن موقع مميز في منظومة المجتمع .وبعد سنوات من التحصيل المعرفي،
اجلوبة -شتاء 1432هـ 25
والتأهيل العلمي ،عاد إلى واجهة المجتمع الجوفي للعمل ف��ي م��ج��ال التربية والتعليم ،وت���درج حتى أصبح م��دي��راً للتعليم بالمنطقة .وألن��ه شخصية تتسم باإلصرار على تحقيق النجاح تلو النجاح ،لم يكتف بما وصل إليه؛ فكان على يقين بأن مشوار ِ المعرفة ال يمكن أن يتوقف عند حدود معينة ،وال يمكن أن يكون الموقع الوظيفي المرموق هو نهاية ال��م��ط��اف؛ ل��ذل��ك واص���ل رح��ل��ت��ه المعرفية بدأب شديد ..واجتهاد مخلص ،فحصل على البكالوريوس في اآلداب ،من قسم اللغة العربية بجامعة الرياض عام 1390-89هـ ،وعلى درجة الماجستير في اللغة ال��ع��رب��ي��ة وآداب���ه���ا ..م��ن ج��ام��ع��ة ع��ي��ن ش��م��س عام 1980م ،وم��ن الجامعة نفسها حصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها عام 1984م. وخالل مشوار حياته العملية ،تدرج في الكثير من المواقع الوظيفية ،منها: رئيس قسم األرشيف ب��إدارة النشر والشؤون العامة بوزارة المعارف عام 1385هـ ،ورئيس قسم ال��ع��ق��ود ب����وزارة ال��م��ع��ارف ،ومفتش إداري بإدارة التعليم بالجوف عام 1390هـ ،ومدير تعليم الجوف عام 1393ه��ـ ،ثم مدير عام تعليم منطقة الجوف للفترة 1398ه��ـ1416-ه��ـ انتقل بعدها للعمل في إمارة منطقة الجوف ،ليصبح أميناً عاماً لمجلس منطقة الجوف عام 1417هـ. وإذا كانت ه��ذه ه��ي ص��ورت��ه ف��ي مجال العلم والتربية والتعليم ،فإنها تعد ج��زءاً من الكل ،ألن صورته العامة فيها الكثير من األج��زاء والمالمح األخ��رى ،فإلى جانب ريادته في المجال التربوي والتعليمي ،استطاع أن يترك بصمات مميزة في المجاالت الثقافية واالجتماعية؛ ولعل حضوره المميز ف��ي واق���ع الحياة المجتمعية ف��ي منطقة الجوف ،هو ال��ذي جعل المسئولين يتوسمون فيه عطا ًء أكبر وأشمل لخدمة المنطقة ،بحكم خبرته وتمرسه وحكمته المعهودة في معالجة األمور؛ ومن
26
اجلوبة -شتاء 1432هـ
هنا ،ج��اء ق��رار انتقاله للعمل ف��ي (إم���ارة منطقة ال��ج��وف) ،وف��ي منصب أمين ع��ام مجلس منطقة الجوف ليضع بصمة مختلفة في مكان مختلف. وه��و المنصب ال��ذي ظ��ل مرتبطاً باسمه إل��ى أن وصل إلى مرحلة التقاعد . وق��د أث���رى ال��دك��ت��ور المسعر ال��ح��ي��اة الثقافية والعلمية بمجموعة م��ن الكتب ،ال��ت��ي وض��ع على صفحاتها خالصة تجاربه العلمية ،وسجل فيها رؤاه وخبراته ،إضافة إلى إسهاماته ومشاركاته في الندوات والفعاليات الثقافية ،وتأسيس دار معارف العصر للنشر والتوزيع بالجوف. وتقديرا لمشواره الحافل بالعطاء ،استحق كواحد من رجال التربية والتعليم أن تحمل إحدى مدارس المنطقة اس��م��ه ،ف��ي ص���ورة م��ن ص��ور االعتراف الوطني من الدولة برجالها الذين يبذلون الغالي والنفيس في خدمة وطنهم من أي موقع يعملون فيه ،وقد كانت مبادرة وزير التربية والتعليم بإطالق اسمه على إحدى المدارس المتوسطة في الجوف (مدرسة عارف المسعر المتوسطة) تحقيقاً لمطلب اجتماعي يدرك قيمة الرجل ،ويؤمن بمدى تأثيره في مجال التربية والتعليم في المنطقة ،منذ تكليفه بمهمة إدارة التعليم ع��ام 1393ه���ـ ،أي قبل نحو ثمانية وثالثين عاماً من اآلن ،بذل خاللها جهوداً كبيرة في تطوير العملية التعليمية ،وتطوير مفاهيم العمل االجتماعي الذي يعود بمردود إيجابي على كل أبناء منطقة الجوف وسكانها .
سيرة الدكتور عارف في المدخل الرئيسي للمدرسة
> فارس الروضان مدير مكتب جريدة الرياض بالجوف
ينتابني حزن عميق ..وتنتابني غصة كلما تذكرت أن عارف المسعر لم يعد بيننا!!..
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وداعا أبا عبدالسالم
ع��ارف المسعر ..االس��م ال��ذي ارتبط بمعرفة الجوف ..حباه الله من السمات االستثنائية التي يصعب أن تجتمع في رجل واحد.. لم أشاهده في حياتي عابساً ..أو شاكياً.. ول��م أسمعه م��رة واح��دة يتحدث عن الناس إال بالخير ..وبقدر معرفته العظيمة ،إال أن��ه أقل الناس حديثاً ..ودود ومتواضع لدرجة أنك تسأل نفسك وأنت في حضرته ..هل حقاً أنا أجالس عارف المسعر العمالق؟! زرت��ه قبل وفاته بأيام ..فكان كما هو ،حتى وهو يتألم ..بشوشاً ،ضحوكاً ،وفياً .وألنه شام ٌخ في حياته ،كان شامخاً كذلك حتى وهو يفارق، وتفيض روحه لبارئها في الفضاء ..ال على أسرة المستشفيات!!
وأفتخر شخصياً أنني كتبت له في حياته ما يستحقه من ثناء ،يليق به كمعلم وعمالق جوفي ن�����ادر ..وح��ي��ن ك���ان ي��ق��رأ ح���روف���ي المتواضعة، يفاجئني باتصال أب��وي ،يجعلني أشعر بالتقصير أمام ما أجده في شخصيته الخلوقة.. وم���ن األش���ي���اء ال��ت��ي ت��س��ت��ح��ق ال��ت��ن��وي��ه أن أبا عبدالسالم رحمه الله كان كحلوة الجوف وزيتونه وآثاره الشامخة ..فقد كُنا نُسأل عنه حين نلتقي بالناس خارج المنطقة ،ويعلمون أننا من الجوف، كما نُ��س��أ ُل عن قلعة زع��ب��ل ..وكنت أفخر وأتلذذ بالحديث عنه وأسعد ..كون هذا الرجل بسمعته العطرة منحنا رفعة تحسب له..
أب���و ع��ب��دال��س�لام رح��م��ة ال��ل��ه ع��ل��ي��ه ..يحمل رحل أبو عبدالسالم ..وانطفأت شمعة حاربت أولويات عظيمة في المنطقة ،وكلي أمل أن يتبنى أبناؤه الكرام كتاباً يُوثِّق انجازات الراحل التي الظالم عشرات السنين .وليس لنا اآلن إال الدعاء تعد مفخرة لألجيال ..وتعد -وهذا هو المهم -بأن يرحمه الله رحمة واسعة ،وأن يجمعه مع النبيين والصديقين والشهداء وحَ سُ ن أولئك رفيقا.. أسساً يتعلم منها من يريد أن يتعلم.. أسأل الله أن يعينني على الوفاء له ،ولكل مَن ويعد الفقيد الغالي من الناس القالئل الذين وجدوا االحتفاء المباشر بهم في حياتهم ..فتسمية هُ��م مثله ،ليعلم ك��ل م��ن ل��م يتشرف بمعرفته أن مدرسة باسمه كانت خطوة وفيّة من رجال أوفياء ..الجوف أنبتت عارف المسعر ..عارف المفخرة.. رجل وفيٍّ بذ َل لجوفه كل ما يمكن أن يقوم به االسم الذي يصعب أن يتناوله النسيان.. بحق ٍ رجل مخلص..
وداعا أبا عبدالسالم..
اجلوبة -شتاء 1432هـ 27
قراءة في كتاب التوجيه اإلسالمي للنشء في فلسفة الغزالي للدكتور عارف مفضي املسعر يرحمه الله
> احملرر الثقافي نظراً لما يحظى به اإلمام أبو حامد الغزالي من مكانة مرموقة بين مفكري اإلسالم ،والداعين إلى التوجيه اإلسالمي للناشئين ،على هدى الشريعة اإلسالمية ،إذ يعد من أئمة اإلسالم البارزين ،الذين كانت لهم ريادة موفقة في مجال التربية األخالقية على وجه الخصوص ..ولما نعايشه في العصر الحاضر من دع��وة متزايدة إلى االهتمام بالرجوع إلى تراثنا اإلسالمي األصيل ،فيما يتعلق بالتوجيه األخالقي للنشء، شعورا بالحاجة إلى االستهداء بذلك التراث ..فقد وجد المؤلف في تحليل فكر أبي حامد الغزالي ،فيما يختص بهذه الناحية ،ما يمكن أن يصل به إل��ى ق��در مناسب من التوضيح ألساليب التوجيه اإلسالمي للنشء ،وما تقوم عليه تلك األساليب من اعتبارات تختص بها النفس البشرية ،حسبما يرى الغزالي، وما يمكن أن نلم به من معالم حددها كمنهج تعليمي ،ووسائل عينها للتوجيه وتهذيب األخالق.. األص���ول التاريخية لفلسفة تربية ال��ن��شء عند ال��غ��زال��ي ..حيث ناقش ف��ي الفصل األول مدى اعتماد الغزالي على مصادر الشريعة اإلسالمية من القرآن الكريم واألحاديث النبوية الشريفة، وأثرها على األطر التي حددها كأساس للتوجيه اإلسالمي للنشء.
وقد أراد المؤلف بذلك أن يوفق في الوصول إلى توضيح مفهوم الغزالي لتربية النشء بكامل أبعاد ذلك المفهوم ،.وأن يحدد معالم فلسفته في التوجيه اإلسالمي للنشء ،من خالل أفكاره التي عالج بها ه��ذا الموضوع ..لالستفادة منها بما يالئم األساليب التربوية لعصرنا الحاضر ،مع بيان وجوه المقارنة في المواقف التي تستدعي وبحث في الفصل الثاني مدى استفادة الغزالي ذلك ..بين ما نادى به الغزالي من أسس توجيهية م��ن ال��م��ص��ادر األج��ن��ب��ي��ة كالفلسفة اليونانية، إس�لام��ي��ة ،وم��ا ت��دع��و إل��ي��ه ال��ن��ظ��ري��ات التربوية والثقافة الفارسية ،ومصادر الدين المسيحي. المعاصرة. الباب الثالث :وقد تضمن خمسة فصول ..تعلق وق���د اش��ت��م��ل ال��ك��ت��اب ع��ل��ى م��ق��دم��ة وأربعة الفصل األول بمفهوم الغزالي للطفولة..وتناول أبواب.. في الفصل الثاني فكرة الثواب والعقاب كأحد الباب األول :ويتكون من ثالثة فصول ،خصصها أساليب توجيه الطفل عند الغزالي .وتعرض في المؤلف للحديث عن الغزالي ومكانته الفكرية في الفصل الثالث إلى دور المعلم كما يراه الغزالي، تاريخ الثقافة اإلسالمية. م��ن ح��ي��ث ن��ظ��رت��ه للمعلم ك��ق��دوة وم��رش��د ،كما الباب الثاني :ويتكون من فصلين ،بحث فيهما تعرض لواجبات المعلم (وظائفه) التي حددها
28
اجلوبة -شتاء 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
في مزرعته بمدينة سكاكا
ال��غ��زال��ي بثماني وظ��ائ��ف ،تمثل م��ؤه�لات يرى ضرورة توافرها في المعلم. وخصص الفصل الرابع لبحث أثر البيئة على الطفل م��ن وجهة نظر ال��غ��زال��ي ،م��ن الناحيتين البدنية والمسلكية .أما الفصل الخامس فقد تعلق باألهداف التربوية للتعليم في فلسفة الغزالي.
تبيان سمات نظرية المعرفة ،وم��رات��ب اإليمان ع��ن��ده ،م��ع ال��ت��ط��رق إل��ى تلك األس���س النفسية، كظروف عصره ،وتعدد علومه ،وإلمامه بمحتوى القرآن الكريم والسنة ،وإيمانه بالغيب ،ومحبته لله ،ومغزى ذلك في التوجيه اإلسالمي للنشء في فلسفته.
أما الخاتمة فقد حرص فيها على أن تتضمن ال��ب��اب ال���راب���ع :اخ��ت��ص ب���دراس���ة النظريات النفسية في تربية النشء عند الغزالي ويتكون أهم النتائج التي انتهى إليها البحث ،مع اإلشارة إل��ى أث��ر فكر ال��غ��زال��ي األخ�لاق��ي وال��ت��رب��وي في من فصلين.. الدارسين من بعده في مجال التوجيه اإلسالمي ناقش في الفصل األول مفهوم النفس عند للنشء. ال��غ��زال��ي ..وم��ا أطلقه عليها م��ن أل��ف��اظ أربعة (قلب ،وروح ،وننفس ،وعقل) مع ذكر معنى كل لفظ ع��ن��ده ..وس��ر أهمية القلب عند الغزالي كأساس لمعرفة النفس ،وف��وارق تعريف النفس عند اإلن��س��ان والحيوان والنبات ،وكذلك تعدد قوى اإلدراك عند اإلنسان. وفي الفصل الثاني بحث ما يتعلق باألسس النفسية لنظرية المعرفة عند الغزالي ،من حيث
صورة تذكارية في مدينة االسكندرية
اجلوبة -شتاء 1432هـ 29
د .عارف في عيون الشعراء د .عارف ..لن ننساك > محمود الرمحي
من قلب يعتصر ألما على فراقك ..ويفيض دعاء لك بالرحمة من رب العالمين أقول:
30
ب���م���اذا أب����دأ الش ـ ـ ـ ـ ــع َر بمــاذا؟!
رث��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اءً أم م��دي��ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا أم بماذا؟!
�������رت ي����ا ص���ح���ب���ي وح�����ارت ف����إن����ي ح ُ
���ط ٍ���ب كه ــذا ق��واف��ي الشـ ــعر ف��ي خَ ْ
ل��س��انُ الش ـ ـ ــعرِ ل��ن ي��وف��ي��ه حقـ ـ ًا
م��ع��اذ ال��ل��ه – ي���ا ع��ـ��ـ��ارف – معاذا
ل��ع��م��ـ��ـ��ـ��ـ��ري م���ا رأي��ـ��ـ��ـ��ت ل���ه مثيـ ـ ـ ـ ًال
����درب اجتذاذا َ��ج��ذُّ ال��ص��ع��بَ ف��ي ال ِ ي ُ
فبسـ ـ ـ ــمةُ ف��ي��ه��ـ��ـ��ـ ِ��ه دوم���� ًا علي ـ ـ ــهِ
ـول م��ا عن ـ ــهُ لِ ���واذا وص��ـ��ـ��دقُ القـ ـ ـ ِ
وأَ ْو َك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لَ أم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر ُه ل��ل��ه دومـ ـ ـ ـ ًا
ـيطان ك���ان ق��د اسـ ـ ــتعاذا م��ن الشـ ِ
إذا ذُ كِ ������� َر ال����ك����رامُ غ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دا مثا ًال
وك����ان بحلمـ ــهِ
الم ـ ــالذا
ب��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل ٍ��م ق���د ت��ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��ى ث���م نهـ ـ ــج
��ب ..ث���م مـ ــاذا وح��ـ��ـ��ـ��ـ ٍّ ـ�لاق ُ وأخ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ٍ
وص����ار المن ـ ـ ـ ــهجَ ال��ب��ن��ا َء فينـ ــا
وم��رج��ـ��ـ��ـ�� َع ب��ح��ث��ن��ـ��ا ..م��ط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ًا رذاذا
��وف فيه ��س ق��ب��لَ ال��ج��ـ��ـ ِ ُأع�����زِّي ال��ن��ف َ
����وف ن���ن���س���اهُ ...مع ـ ـ ــاذا وه���ل ي��ا ج ُ
��س��كِ ��نُ��هُ جنانـ ـ ـ ـ ــا س��ـ��ـ��ـ��أل ُ��ت ال���ل��� َه يُ ْ
وي��ش��ـ��ـ��ـ��ـ��م��لُ ع��ف��ـ��ـ��وُ ُه ع��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د ًا كه ــذا
اجلوبة -شتاء 1432هـ
َله ـُ ـ ــمُ
م َ ف ّ عر س َ إلى روح أخي الدكتور عارف ُ ضي امل ِ ْ د .عبدالبديع عراق -القاهرة َ������ط������هْ ������رِ ال����نّ����ج����ـ����ومِ قَ�����ض����� ْي�����ـ�����تَ ن����ق���� ّي����ـ���� ًا ك ُ َرح������ـ������ي������لُ������ك أَدم���������ـ���������ى ق���������������را َر ال������ف������ـ������ؤادِ فَ�������م�������نْ ل����ل����ف����ق����ي����ـ����رِ ي�����زي�����ـ�����حُ ال�����هُ �����م�����ـ�����ومَ؟ �����ك ال�����ق�����ي�����ـ�����ودَ؟ ومَ ��������ـ��������نْ ل�����ل�����مُ �����عَ�����نّ�����ى يُ �����ف�����ـ ّ ومَ ��������������نْ ل�����ل�����ع�����ل�����ومِ يُ �����ب�����ي�����ـ�����نُ ال����م����ع����ان����ـ����ي؟ ومَ ���������������نْ ل�����ل�����ص�����داق�����ة ي����س����ق����ي ف������روع������ـ������اً؟
��������ض��������وء ال�����قَ�����مَ �����ـ����� ْر ����������ش����������ت رق������ي������ق������ ًا ك ُ و َِع ْ وش��������������لَّ ال���������ع���������ق���������ولَ ،وح�������������������ارتْ فِ ������ َك������ـ������ ْر ����ف يُ ������ق������ي������لُ ال�����عَ����� َث�����ـ�����رْ؟ ومَ ��������������نْ ل����ل����ض����ع����ي ِ وي�������� ْأس��������و ال����������ج����������راحَ ،ي�������زي�������لُ ال�����خ�����طَ �����رْ؟ �������ك ال����������رم����������وزَ ،يُ �����ط�����ي�����ـ�����لُ ال����� ّنً�����ظَ �����ـ����� ْر ي�������فُ ُّ �����ص�����ح�����ـ�����اب ي��������������رُ ُّش ال���������زَّ ه���������رْ؟ ومَ ��������������نْ ل�����ل ّ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أَ ٌ خ لم تَلِ ْده ُ أُمي
*** حَ �����������فَ�����������رتَ ال�������ص�������خ�������و َر ب������ن������ي������تَ ال����ع����ـ��ل�ا ش������قَ������قْ ������تَ ط�����ري�����ق�����ـ����� ًا يُ ��������ـ��������دلُّ ال�����بَ�����شَ �����ـ����� ْر �����ع�����لْ�����م أِ ْح������ل������ى ال������������دُّ َر ْر ������ص������لْ������تَ ف�����ي ال ِ وح����������������زْت ال����ف����خ����ار وحَ َّ ���������ه���������رْتَ ال�����ل�����ي�����ال�����ي ُ س ِ ������ظ������فَ������ ْر ������اس ذُ خ����������ـ����������راً ،وت��������ـ��������ا َج ال ّ �������ل ف������خ������ر ًا ول������ل������ن ِ وك�������ـ�������ان�������ت ح�������ي�������اتُ�������ك ل���ل���أه�������ـ ِ وك������������������انَ ج����������ه����������ادُ ك ح��������رب��������ا ض������ـ������روس������ ًا و َز َّي�������������ـ�������������نَ َد ْر ب���������ـَ���������كَ :ك���������ـ���������رٌّ َوف���������ـَ��������� ّر �����اب وكُ ��������ن��������تَ ال�����ن�����ج�����يَ�����ب األص��������ي��������لَ األَغَ ��������ـ�������� ّر َ����������ت ل�����سَ �����عْ �����ي�����ك ك�����ـ�����ل ال�����ص�����ع�����ـ ِ ف����������دان ْ
*** ������س������يَ������ ْر أَخ������ان������ا ال����ح����ب����يَ����بَ ال�����ص�����دي�����قَ ال������ص������دوقَ رف�����ي�����ـ����� َع ال�����م�����ق�����ـ�����ام ،حَ �����م�����ي�����ـ����� َد ال ّ َ ألث���������ـ��������� ْر ������ص������ي������امِ ق�����ل�����ي�����ـ�����لَ ال��������ك��������ـ����ل���امِ ع�����م�����ي�����ـ�����ق ا َ ������س������ج������ـ������ود ك�����ث�����ي����� َر ال ّ ط�������وي�������لَ ال ّ َ������ص������ ْر ��������ض ال������ب َ �����ض ح�������ي�������ـ�������اءً ،ت��������غُ ُّ رح��������ي��������ـ�������� َم ال����������ف����������ـ����������ؤادِ ك����������ـ����������أ ّم ٍرؤومٍ ت�����ف�����ي�����ـ ُ ������ان ع������ط������ـ������وف������ ًا َو َب��������ـ�������� ّر ��������ف ال������ل������س������ـ ِ ن�������ق�������يَّ ال��������س��������ري��������رة ص������ـ������اف������ي ال����م����ح����ب����ة عَ ��������ـ َّ ْ������ف أوفِ ���������ـ���������ي؟ وأي��������ـ��������نَ ال�����م����� َف�����ـ�����رّ؟! ����ث ف������كَ������ي َ أي��������ادي��������ـ��������ك كُ �����������ثْ�����������رٌ ،وخ���������ي���������رك غ����ي����ـ ٌ �����ف اص�����ط�����ـ�����ف�����اك ِط���������������والَ ال�����عُ �����مُ ����� ْر ��������رف ق����ل����ب����ي وك�����ي�����ـ َ ��������س��������ب��������ي ب�������أن�������ـ�������ك ت��������ع��������ـ ُ وح ْ �����ل عَ ������ َب������ـ������ ْر �����ف ج�����م�����ي�����ـ ٍ ����ل���ا ب����ح����س����ـ����ب ال����س����ن����ي����ن وك�������ن�������ـ�������تَ ك�����ط�����ي�����ـ ٍ ������ش������ن������ا ط��������وي ً وع ْ ()1 �������ت نُ������������������ذُ ْر ������ت خ�������وف������� ًا وشَ ������� َّب�������ـ ْ ������س ُ وك���������ـ���������انَ ال��������������������وداعُ ح�����دي�����ث�����ـ����� ًا ق�����ص�����ي�����ر ًا ت������وج ْ ���������������������ذت ب�����رب�����ي وص���������بَّ���������رت نَ��������فْ ��������س��������ي..وج��������اء ال������خَ ������بَ������ ْر ُ وغ���������ام���������ت ع�������ي�������ون�������ي ،وعُ �������������������ت ال����������س����������ـ����������وا َد ب������ك������ـ������ل ات�������ج�������ـ�������اهٍ وهَ �������������������دَّ ك��������ي��������ان��������ي ،وغ��������ام��������ـ��������ت ُص���������������� َو ْر ُ رأي �����ص�����ـ����� ْر أَح���������قّ ��������� ًا ف�����ق�����د ُت�����ـ�����ك؟ ي�����اوي�����ـ�����ح ن����ف����س����ي!! أح��������ق�������� ًا ي��������ك��������ونُ ال��������ف��������ـ��������راقُ ْان�����ت َ وح���������ـ���������مَّ ال���������قَ��������� َد ْر وم����������ا ك������������انَ ظَ ���������نّ���������ي :ت�����غ�����ي�����ـُ�����ب وأَبْ��������ق��������ى ول�������ك�������نْ سَ �������ب�������ـ�������قْ �������تَ ُ .. �����خ�����ض�����ـ�����رِ ال����م����ع����ان����ي ف������ح������ ّب������ـُ������ك ف����ي����ن����ـ����ا نَ������م������ـ������ا واس������تَ������ق������ـَ������ ّر س����ت����ب����ق����ى وت�����ح�����ي�����ا ب ُ ����������رب أَمَ ����������ـ���������� ْر ّ ع�������������������زاءُ ف�������������������ؤادي وت���������ري���������ـ���������اق ح�����زن�����ي ب���������ـ���������أن ال�����������������ر ُّج�����������������و َع ل����������ـ ��������د وف�����ي�����ه�����ـ�����ا نَ������ َه������ـ������ ْر ������ات ُخ�������� ْل��������ـ ٍ ����ب ب������ج������ن������ـ ِ وأنَ ال�����������ج�����������وا َر ج����������ـ����������وا َر ال����ح����ب����ي����ـ ِ �����س����� َف�����ـ����� ْر وأنّ����������������ا ج�����م�����ي�����ع�����ـ����� ًا س������ن������رحَ ������ـ������لُ ي�����وم�����ـ����� ًا ف������ه������ذا ال�����م�����ص�����ي�����رُ ط������ـ������ري������قُ ال َّ ْ������ع������ـ������ َم ال����م����قَ���� ّر س���������ـ����ل����ام ع������ل������ي������ـ������ك م�������ـ�������ع األن������ب������ي������ـ������اء م������ع ال�����ص�����ال�����ح�����ـ�����ي�����نَ ..ون ِ ال يوم األحد ،وكان حديث الوداع!! ( )1هاتفني من المستشفي لي ً
اجلوبة -شتاء 1432هـ 31
َ سوف تغفو الشمس > مالك اخلالدي
ورحل والدنا وأديبنا الدكتور «عارف المسعر» بعد أن أفاضنا فكر ًا وعلم ًا وعطاءً ، له ن��زف حروفنا ودع��وات��ن��ا ..فكم ده��قَ أرضنا بعطاءاته المتواترة ،رحمك الله أبا عبدالسالم ..ولروحك الطيبة قصيدتي هذه: أت��ي��ن��ا إل����ى ال���دن���ي���ا ع��ل��ى ح��زن��ن��ا ن َْحبوا
���ف أو نكبوا ن���ن���اج���ي أم���ان���ي���ن���ا ف���ن���ق���ط ُ
أت�����ي�����ن�����ا ي����غ����نّ����ي����ن����ا ال���������زم���������انُ ق����ص����ي����د ًة
ف���ن���ك���ب���رُ أزه������������ار ًا وف������ي ح���س���ن���ن���ا نصبوا
ل���ن���م�ل�أ ه�����ذي األرض م����ن ب���ع���د جدبها
ت����ران����ي���� َم ض�������وءٍ ث����م ف����ي دم���ع���ن���ا نخبوا
نعم س��وف تغفو الشمس م��ن بعد ضوئها
�����رب وي���ح���ض���ن���ه���ا ب����ع����د اس���ت���ط���ال���ت���ه���ا غ ُ
ب�������ذا ن����م����س����حُ ال����ن����ف����س ال���ك���ل���ي���م���ة كلما
القلب ُ ت������راوده������ا األح�����������زانُ أو ي����دم����عُ
ل��������ذك��������را ُه ت�����ن�����ث�����الُ ال����م����ع����ال����ي ح���ك���اي���ةً
���وف م���ن دم��ع��ه��ا ِس�����ر ُْب وف������وقَ م���آق���ي ال���ج ِ
وداع����������������� ًا أب����������ا ع������ب������دال������س���ل��امِ ف����إن����ن����ا
����ب ����ش����هْ ُ س����ن����ذك����رُ أط����ي����اف���� ًا ت���ع���ان���ق���ه���ا ال ُ
وداع������������� ًا أب�������ا ع����ب����دال����س��ل�ام ف������أن������تَ في
�����رب ������ك ال�����قُ ُ ت���ف���اص���ي���ل���ن���ا ت����ج����ري وي������ذرف َ
وداع�������������� ًا أب��������ا ع�����ب�����دال�����س��ل��ام وم��������ا خبا
ُس���م���ي���دع���ن���ا( )1وال���ع���ل���م م���ن ف��ي��ض��هِ عقْ ُب
�����ك األي����������������امُ ف����ي����ن����ا م������ن������ار ًة س�����ت�����رس�����م َ
درب ف����أن����تَ ل���ب���اغ���ي ال���ف���ك���ر ي����ا وال��������دي ُ
أب��������ان��������ا أب����������ا ع������ب������دال������س���ل��ام ت����رك����ت����ن����ا
ف���غ���نّ���ى ل���ن���ا م����ن ب���ع���د م��ب��س��م��ك ال����ك����ر ُْب
������وض������اء ف���ي���ن���ا ول������م ي���زل ���������ورك ال ّ َ ن���ع���م ن
���ب �������رف ل����ك����ن ف�����ق�����دُ وال�������دن�������ا ص���ع ُ ي�������رف ُ
����ارف ����ن ك����ع ٍ وم������ن أي������ن ل���ل���ج���وف ال����ح����زي ِ
والشعب ُ ل�����ذا س�����وف ت��ب��ك��ي��ك ال����ح����ج����ار ُة
وداع��������� ًا ك����ري����م ال����ق����وم ي����ا ف���ي���ض جوفنا
����ب ����خ ُ ف�����أن�����تَ ل����ك����ل ال���ع���اط���ش���ي���ن ه����ن����ا ن ْ
وداع������������� ًا ف����ق����د أت�������رع�������تَ أف�����ك�����ارن�����ا وك����م
����دب م���ح���ض���تَ ن���واح���ي���ن���ا ف����غ����ادرن����ا ال����ج ُ
���ك دائ���م��� ًا ����وف ت���ه���ذي َ �������أرض ال����ج ِ ُ وداع�������� ًا ف
أرض ال�����ج�����زي�����رةِ وال������عُ ������ر ُْب وت���ت���ب���ع���ه���ا ُ
( )1السميدع :الكريم العزيز في قومه.
32
اجلوبة -شتاء 1432هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
اخليال األدبي واأليديولوجية العرقية > محمد مشبال *
ال شك أن إدراك النص األدبي بوصفه تجربة تحدث في العالم بعالقاته وصراعاته ورؤاه؛ أي النظر إليه بوصفه خطابا جماليا أيديولوجيا ،أو تجربة جمالية تاريخية ..يقتضي من الناقد األدب��ي أن يعيد النظر في مفهومي استقالل األدب واستقالل النقد األدبي .لقد حملت دعوة الرومانسيين إلى أدب خال من الخطابة مدخال نحو تصور مثالي غير واقعي لمفهوم التجربة األدبية ،ثم جاءت النظرية األدبية الحديثة مع الشكالنيين والبنيويين والنقاد الجدد وغيرهم ،لترفع شعار «األدبية» ..معلنة استقالل المقاربة األدبية عن بقية المقاربات «الخارجية». كانت الغاية تحويل النقد األدب��ي إلى علم ذي موضوع مستقل؛ فالناقد مطالب
عن بالغة النص الروائي ربما كان من األنسب القول في سياق
ب��ال��ت��ح��ول إل���ى ع��ال��م ي��ك��ت��ش��ف القوانين
تأمل تصورات ما يسمى بالنقد الثقافي،
والنتيجة الطبيعية لذلك إسقاط الوظيفة
واإلثني-وهو اإلطار النقدي الواسع الذي
وال���ب���ن���ي���ات؛ وع��ل��ي��ه ف���ي ه����ذه ال���ح���ال أن ون���ق���اد م���ا ب��ع��د االس��ت��ع��م��ار وال���دراس���ات يتخلى ع��ن ذات���ه ال��وج��دان��ي��ة والتاريخية ،األف��ري��ق��ي��ة األم��ري��ك��ي��ة ،وال��ن��ق��د النسائي االجتماعية واأليديولوجية للناقد األدبي
يمكن أن نضع فيه مقاربة طوني موريسون
أو التقييم الجمالي للنص األدبي.
العصور الكالسية حتى اليوم ،لم يقم-في
الذي سينحصر دوره في التوصيف التقني ،للرواية األمريكية( - )1إن تطور األدب منذ
اجلوبة -شتاء 1432هـ 33
ال��واق��ع الفعلي -على االن��س�لاخ التدريجي عن األيديولوجيا ،بقدر ما قام على حذق كتاب األدب في إخفائها ،وإيهام القراء بأنهم غير مرتبطين بظروفهم المباشرة ،أو بأنهم ال يحملون أهدافا عملية ،وال يخدمون أغراضا معينة.
تأثير عملي في المتلقي .باختصار تلتقي البالغة اليوم بمعظم األفكار التي يمكن أن نجدها عند باحث في األدب والثقافة ..مثل إدوارد سعيد الذي يصنف اليوم بوصفه أحد رواد الدراسات الثقافية ونقد ما بعد االستعمار ،على نحو ما تلتقي بنمط المقاربة التي تقترحها علينا طوني موريسون في كتابها المشار إليه.
ب��اخ��ت��ص��ار ،ق���ام م��ف��ه��وم األدب م��ن��ذ صعود الرومانسيين حتى ال��ي��وم على وه��م استقالل ()1 يمكننا اآلن تقديم أبرز هذه األفكار التي ال العمل األدبي عن ظروفه التاريخية واالجتماعية والسياسية ،ثم بعد ذلك استقالله عن صاحبه ،نراها غريبة عن التصور البالغي للنص: وقد ترسخ هذا الوهم مع تصاعد حركات أدبية م��وض��وع النقد ليس ال��ن��ص األدب���ي بوصفه ال جماليا أو بنية شكلية ،وليس أيضا النص ونقدية ،ترفع شعار الفن للفن ،أو االكتفاء في شك ً دراسة العمل األدبي بما يصنع أدبيته. األدبي بوصفه نسيجاً من النصوص المتداخلة، وال ش���ك أن ش��ي��وع م��ث��ل ه����ذه التصورات ولكنه النص األدب���ي بوصفه خطابا أو تمثيال واالتجاهات النقدية في النظرية األدبية الحديثة ،ثقافيا.
ك���ان أح���د األس���ب���اب ال��ت��ي أس��ه��م��ت ف��ي تقلص البالغة بمفهومها الشامل للخطاب ،وتحولها إل��ى مجال ضيق خ��اص بدراسة األس��ل��وب .ولم تستعد البالغة حيويتها وقدرتها على النظر إلى النص بوصفه خطابا تواصليا فعاال وليس نظاما داخليا منغلقا على ذاته ،إال مع إنجازات النظرية اللسانية التداولية ،ونظرية الحجاج باتجاهاتها وظيفة الناقد تحليل الخطاب ونقده ،وذلك المختلفة ،وتراجع البنيوية أمام صعود ما بات ب��رب��ط��ه ب��ال��س��ي��اق��ات ال��ت��اري��خ��ي��ة والخطابات يعرف بما بعد البنيوية التي استفاد منها نقاد ما األيديولوجية واألنساق الثقافية؛ أي وضعه في بعد االستعمار ..في صياغة أفكارهم عن النص العالم ال��دن��ي��وي ال��ذي ص��در عنه وتشكل فيه، األدبي. بدل االعتكاف على دراسة أدبيته التي قد توحي تملك البالغة اليوم كل ال��ظ��روف المالئمة بانعزاله أو باستقالله وربما بإنسانيته وبراءته ل�لإس��ه��ام ف��ي ب��ن��اء ت��ص��ور ع��ن ال��ن��ص األدب����ي ،وروحانيته .الناقد مطالب إذن بالتعامل مع النص ينسجم مع التصورات واالتجاهات النقدية التي األدب���ي على أس���اس وظيفيته؛ أي توجهه إلى نادت بضرورة إرجاع هذا النص إلى سياقه الذي المتلقي ،للتأثير الفعلي فيه وتشكيل معتقداته، انبثق عنه ،والنظر إليه بوصفه خطابا ال يكتفي وليس مجرد نظام أو بناء جمالي محكم ،يعيد بوصف العالم وتصويره ،ولكنه يروم أيضا إحداث تمثيل ال��ع��ال��م إلن��ت��اج دالالت غ��ي��ر م��ح��ددة وال ي��رت��ب��ط ال��ن��ص األدب����ي بمناسبته وبظروفه التاريخية والسياسية ،وبالكاتب وبالثقافة .إنه باختصار يحيل إلى الواقع وإلى العالم ،وال يمكن تصوره مكتفيا بذاته مهما سلَّمنا بوجود سياق داخ��ل��ي يصطنعه األدب وي��م��ي��زه ع��ن الخطاب اليومي.
34
اجلوبة -شتاء 1432هـ
لقد صغت هذه األفكار باختصار ألجل التنبيه إل��ى العالئق القائمة بين مثل ه��ذه التصورات، وب��ي��ن ال��م��ق��ارب��ة ال��ب�لاغ��ي��ة ع��ل��ى ن��ح��و م��ا أعيد صياغتها ..في ظل إنجازات النقد األيديولوجي، والنظرية التداولية ،ونظرية الحجاج وغيرها من االتجاهات اللسانية والنقدية والفلسفية. فالنظرية البالغية اليوم ،تسمح بتصور للنص األدبي ،يعيد له روابطه الحية مع السياق الذي أنشئ فيه( :في أي زمن كتب؟ وفي أي مكان؟ وما هي مناسبة القول وظروفه؟ وما هو النوع الذي ينتمي إليه النص؟) ،ومع قائله( :من هو صاحب النص؟ ما هي صفاته ومواقفه وجنسه وجنسيته وأيديولوجيته ..وغيرها من الخصائص المرتبطة بكاتب النص) ،ومع المخاطَ ب الذي يتوجه إليه (من هو المتلقي المقصود في النص؟ وما هي خصائصه وصفاته والمقومات المحددة له؟ وما هي االنفعاالت واألهواء التي يراد استثارتها فيه؟ وما هي المواقف والمعتقدات التي يسعى النص إلى تثبيتها أو تغييرها عنده؟).
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
نهائية .فهذا الفهم يلغي مبدأ ارت��ب��اط النص وتأثيره ف��ي المتلقي .إنها غير معنية بوصف األدب���ي ب��ال��واق��ع ،ويحيله إل��ى عالمه الداخلي الوسائل األسلوبية والسردية والشعرية للنص ،أو المكتفي ب��ذات��ه .إن ال��ن��ق��د م��ط��ال��ب ك��م��ا يقول بتأويل معانيه الجمالية واإلنسانية ،ولكنها معنية إدوارد سعيد ب��أن يجعل م��وض��وع��ه النصوص في المقام األول بالكشف عن مقاصده أو معانيه في دنيويتها ،أو في ارتباطها بمفهومات القوة التداولية ..التي ي��روم بها إح��داث أث��ر خارجي والسلطة والتملك وفرض الهيمنة ،وما تستدعيه وفعلي .إن العمل الذي يقوم به البالغي ينبغي أن م��ن أش��ك��ال ال��ص��راع وال��م��ق��اوم��ة .وباختصار ..تتحكم فيه إستراتيجية مفادها أن كل ما يتقوم به فالنقد مطالب بالكشف عن الوظيفة الثقافية النص هو في خدمة أغراض تداولية وحجاجية؛ واأليديولوجية للنصوص األدبية ،بدل العكوف فالبالغة ليست في النهاية سوى تأويل قائم على على فحص قيمه الجمالية. (.)3 مبدأ المقاصد تلتقي المقاربة البالغية ،إذاً ،في اتجاهها
الذي أشرت إليه ،مع األفكار النقدية التي نادى بها إدوارد س��ع��ي��د ..ألج��ل تشييد وع��ي نقدي
مغاير للخطاب النقدي الحداثي الذي قاد إلى عزل النص عن عالمه ،وحوّله إلى مجموعة من البنيات واألساليب ،على نحو ما تلتقي مع مقاربة
طوني موريسون التي سعت إلى الكشف عن تأثير األيديولوجية العرقية في خيال الكتّاب البيض.
لقد حدث هذا التالقي على الرغم من التباين القائم بين السياقين المعرفيين واأليديولوجيين..
لكل م��ن النظرية البالغية ،ون��ظ��ري��ات م��ا بعد
االستعمار أو النقد النسوي أو اإلثني.
وإذا كان الغرض هنا ليس الخوض في أوجه
التشابه واالختالف بين هذه المقاربات ،ولكن ال��غ��رض ال��ق��ول إن المقاربة البالغية تملك ما يمكنها أن تقدمه ف��ي م��ج��ال ت��أوي��ل النصوص
األدبية وإثبات محتواها األيديولوجي ،بل والحوار
معها والكشف عن مغالطاتها أو ثغراتها .وهي
ق��وام المقاربة البالغية التعامل م��ع النص تملك ذل��ك ليس بسبب إطارها النظري فقط، األدبي بوصفه حدثا تواصليا أو أيديولوجيا؛ أي ولكن بسبب ما يسمح به التفاعل مع النصوص إنها تدعونا إلى تحليل النص من زاوية فعاليته عادة من حرية وإبداع.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 35
بالغة الرواية أو تالزم التصوير واأليديولوجية.
وتجربة يتوجه إلى نص مرتبط بسياق تاريخي
وبمؤلف ذي رؤية وأيديولوجية .فمن البدهي إذاً
ال تخفي طوني موريسون أن مقاربتها قامت أن تهتم ناقدة زنجية بتأمل صورتها ،أو صورة على «رسم خريطة للجغرافية النقدية واستعمالها األف��ارق��ة األمريكيين ف��ي األدب ال���ذي صاغه لالكتشاف والمغامرة الفكرية والفحص الدقيق»؛ الكتّاب البيض ،بدل أن تنصرف إلى دراسة أدبية فال يوجد في كتابها منهج نقدي محدد ،بقدر خالصة تعيد فيها إنتاج أسئلة النقد والنظرية ما توجد مساحة من اإلبداع النقدي .وتروي لنا األدبية ،أو أن تقتصر على دراس��ة شكلية ذات الكاتبة في المقدمة قصة اهتدائها إلى الموضوع نزعة علمية موضوعية. النقدي الذي تعالجه في كتابها ،وهو ما أثبتت لقد أظهرت مقاربة طوني موريسون أن الناقد به أن التفكير النقدي ال يتولد بالضرورة من ل��ي��س م��ج��رد ذخ��ي��رة م��ن ال��ن��ص��وص األدب��ي��ة أو أسئلة نظرية جاهزة ،بقدر ما يمكن أن يتولد األدوات النقدية المكتسبة ،ولكنه ذات ،وتجربة م��ن معايشة ال��ن��ص��وص األدب��ي��ة وإدم����ان النظر تاريخية .إن القارئ غير األوربي وغير األمريكي فيها ،ومن معايشة قضية اجتماعية أو عرقية أو للرواية األوربية والرواية األمريكية ،بما يمتلكه سياسية أو إنسانية. م��ن سياق مغاير مطبوع باالضطهاد والتمييز
وال ش��ك أن ت��واص�لا إن��س��ان��ي��ا م��ع األعمال واإلقصاء ،يستطيع أن يرى في التراث الروائي األدبية ،ال يمكنه إال أن يفضي إلى هذا النمط ما تجاهله القارئ األوربي أو األمريكي؛ يستطيع من المقاربة التي يمتزج فيها ما هو أدب��ي بما كما ق��ال إدوارد سعيد أن يستخلص «م��ا هو هو أيديولوجي أو ثقافي .فالناقد بوصفه ذاتاً صامت أو موجود هامشيا أو مقموع عقائديا..
36
اجلوبة -شتاء 1432هـ
األمريكي .وفي هذا السياق ،وصف إدوارد سعيد كتاب موريسون بأنه تميز بالقدرة الرائعة والدقيقة على «إق��ام��ة تكامل بين ال��ت��ج��ارب والنقاشات األدبية التي لطالما تخلت عن تلك التجارب دون أن تعترف بها» .وعلى الرغم من أن الباحث يؤكد ما أثبتته الكاتبة في قولها إن مشروعها هو «نتاج ما أعرفه عن طرق الكتاب في تحويل مظاهر خلفيتهم االجتماعية إلى مظاهر اللغة» ،إال أنه يرى أن التركيز في كتابها ليس على مظاهر اللغة «بقدر ما هو على الخلفية االجتماعية التي تولد
على الرغم من إيمان الباحثة بأن األيديولوجية العرقية تؤثر سلبا في البناء ال��روائ��ي ،وه��و ما كشفت عنه بدقة في تحليلها لرواية ويال كاثر «س��اف��ي��را واآلم�����ة» ،إال أن اهتمامها األساس ف��ي ه��ذا الكتاب ل��م ينحصر ف��ي ه��ذا اإلشكال الجمالي ،كما أن��ه لم ينحصر في الكشف عن دونية السود في الرواية األمريكية ..وحضورهم النادر والثانوي ،بل اتسع ليشمل االهتمام برؤية ما تحدثه األيديولوجية العرقية في ذهن األسياد وخيالهم وسلوكهم ،وذلك بواسطة تأملها في صيغ
ولعل هذا ما اضطلعت به الكاتبة في مقاربتها للرواية األمريكية .لم تقرأ الباحثة هذه الرواية معتمدة على كفايتها األدب��ي��ة بوصفها أستاذة لألدب ..أو كاتبة روائية ذات خبرة بأسرار اإلبداع الروائي فقط ،ولكنها قرأتها بوصفها ذاتاً أنثوية إفريقية أمريكية .لقد فتح ه��ذا السياق أمام عينيها كنوزا في الرواية األمريكية لم يكتشفها النقاد من قبل .تقول في خاتمة كتابها بشكل وال���ح���ق أن ت��ح��دي��ده��ا ل��م��وض��وع مقاربتها مجازي ال يخلو من سخرية« :إننا نحرم جميعا، قراء وكتابا ،عندما يظل النقد في غاية التهذيب النقدية في التأويل األدبي للحضور األفريقانية والفزع بحيث ال يالحظ الظلمة الممزقة أمام ف���ي ال���رواي���ة األم��ري��ك��ي��ة ،وض��ع��ه��ا ب��م��ع��زل عن الخطاب األيديولوجي المباشر .تقول« :أعتقد عينيه». إن م��زي��ة م��ق��ارب��ة ط��ون��ي م���وري���س���ون ..هي أن الدراسات عن األفريقانية األمريكية ينبغي أن أنها لم تقتصر على وضع األعمال األدبية في تكون تحريات عن الطرق التي يُبنى بها ويبتدع سياق التجربة التاريخية لعالقة البيض بالسود الحضور األفريقاني والشخوص األفريقانية غير في المجتمع األمريكي ،ولم تتوغل في مقاربة البيضاء في ال��والي��ات المتحدة ،كما ينبغي أن جمالية تقنية تنسيها وظيفتها بوصفها زنجية تكون تحريات عن االستخدامات األدب��ي��ة التي وأنثى .هذا التوازن بين مطالب المقاربة األدبية نهض عليها هذا الحضور المبتدع .وال أقصد ومطالب ال���ذات الجنسية وال��ت��اري��خ��ي��ة ،ه��و ما ب��أي شكل التحري عما يمكن أن يسمى األدب يميز طبيعة النقد الذي مارسته موريسون على العنصري واألدب الالعنصري ،وال أتخذ موقفا أعمال قصصية وروائية معتمَدة في تاريخ األدب منهما».
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وتوسيعه وتأكيده ،واإلفصاح عنه».
التواءات وتشوهات في اللغة» .وإذا كان إدوارد سعيد ي��ق��رأ ك��ت��اب م��وري��س��ون ف��ي س��ي��اق نقده لالتجاهات األدبية الشكلية ،ودعوته إلى التخلي عنها ف��ي ال��م��م��ارس��ة ال��ن��ق��دي��ة؛ ف���إن موريسون نفسها أك��دت أنها ال تقتصر في مقاربتها على أدوات النقد األدبي ،على الرغم من حديثها عما يبدو توجها جماليا في مقاربتها ،عندما أشارت إلى انجذابها إلى «الطرق التي يسلكها الكتاب في التخييل» وفي تصوير شخصياتهم.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 37
هذا الحضور ودالالته التخييلية واأليديولوجية. هذا التأمل الذي أرادت به أن ترد على المباالة النقاد وتغافلهم عن حضور السود في األعمال الروائية التقليدية المعترف بها .إن��ه الحضور ال���ذي ش��ك��ل أس��اس��ا لتحديد خ��ص��ائ��ص األدب األمريكي والشخصية األمريكية.
ل���ق���د ت�����ج�����اوزت م����وري����س����ون ف����ي قراءتها
إستراتيجية فحص ال��ح��ض��ور ال��ث��ان��وي للسود
والسواد في الرواية األمريكية ،أو وصف صوره السلبية بمفهومها الجمالي أو األيديولوجي معا،
إلى الكشف عن وظيفته في بناء العمل الروائي وأيديولوجيته ،أو الكشف عن اإلستراتيجيات
تقول الباحثة« :لقد كانت افتراضاتي المبكرة ال��ل��غ��وي��ة واألدب���ي���ة ال��ت��ي ي��ع��ده��ا ال��ك��ت��اب عندما بوصفي قارئة ،تقوم على أن السود ال يعنون سوى يتخيلون اآلخر ،األفريقاني؛ تقول« :لقد اعتنيت الشيء القليل ،أو ال يعنون شيئا في خيال الكتاب منذ وقت طويل بالطريقة التي يلهب بها السود األمريكيين البيض .ف���إذا استثنينا حضورهم اللحظات الحاسمة لالكتشاف والتحول والتأكيد بوصفهم هدفا لنوبة عارضة من حمى المالريا ،ف��ي األدب ال��ذي ل��م يتولوا كتابته« .فقد شكَّل وكونهم يوفرون اللون المحلي ،أو يضفون بعض هذا الحضور في عديد من النصوص الروائية ل��م��س��ات ال��ص��دق (أو االح��ت��م��ال) ،أو يشبعون والقصصية التي وقفت عليها الباحثة وظيفة الحاجة إلى إيماءة أخالقية ،وإلى الظرف ،وإلى تخييلية حاسمة ،بل ووظيفة أيديولوجية تمثلت شيء من الشفقة ،فال حضور لهم عدا ذلك على في أن تحديد الرجل األمريكي األبيض لهويته كان وجه اإلطالق .لقد اعتقدت أن هذا كان انعكاسا يتوقف على هذا الحضور األسود .فهذا الرجل ال لتأثير السود الهامشي في حياة شخوص العمل يصبح ذاتاً حرة ومحبوبة وقوية وتاريخية وبريئة، األدبي ،وفي الخيال اإلبداعي للكاتب أيضا. إال بافتراض وجود هذا الحضور األسود .فهاري غير أنني توقفت بعد ذلك عن القراءة بوصفي ف��ي رواي����ة هيمنغواي «أن تملك أوال تملك»، قارئة ،ألستأنفها بوصفي كاتبة ..لقد بدأت أرى يكتسب ق��وت��ه وف��ح��ول��ت��ه وش��ج��اع��ت��ه وقانونيته كيف يتصرف األدب الذي حظي بتقديري واألدب وتفوقه وحريته وأخالقيته بالمقارنة مع الزنجي. الذي اشمأززت منه ،في اصطدامه باأليديولوجية فقد كشفت الباحثة عن أهمية إقامة االختالف، العرقية ،ولم يكن لألدب األمريكي سبيل لتحاشي وت��أم��ل ف��ق��دان��ه ف��ي تحديد س��م��ات الشخصية هذا الصدام الذي حدد شكله .نعم ،لقد توخيت ال��ب��ي��ض��اء ف��ي ه���ذه ال���رواي���ة؛ ف��ف��ي م��ش��ه��د من تشخيص تلك ال��ل��ح��ظ��ات ..عندما ك��ان األدب األمريكي شريكا في جريمة صناعة العنصرية ،الرواية ،يصور الكاتب كيف أن الحضور األسود غير أنني توخيت بقدر مماثل من األهمية أن من خالل الكالم الذي أس َّر به زنجي إلى ماري أرى األدب عندما يتولى تسفيهها والنيل منها .زوجة ه��اري ..بينما كان يتمشيان في الحديقة والحق أن ه��ذه الشواغل لم تمثل شيئا ذا بال العامة بهافانا ،شكَّل حضورا عدوانيا نتج عنه بالقياس إلى األهمية التي خصصناها لتأمل دور رغبة ماري في تبييض شعرها ،وما أحدثه ذلك الشخوص األفريقانية والسرد واللغة في تحريك في نفسَ يِّ الزوجين من إثارة جنسية« .يرد ذكر النص وإغنائه بطرق واعية بذاتها». هذه الرغبة الجنسية في أعقاب مشهد االقتحام
38
اجلوبة -شتاء 1432هـ
أن «األفريقانية تستخدم بوصفها تقنية روائية اآلتية:
جوهرية في بناء الشخصية»؛ فالشخص األبيض (أ) النقد عند طوني موريسون ذو وظيفة ثقافية المتفوق والقانوني والفحل سمات يدركها القارئ أو أيديولوجية بقدر ما هو ذو وظيفة جمالية.
بواسطة المقارنة التي يجريها النص مع شخص فهي لم تتص َد لنصوص الرواية األمريكية إلظهار أس��ود مشوه السمعة ،وعلى ه��ذا النحو –كما قيمتها الجمالية ،ولكنها تصدت لها للدفاع عن تقول الباحثة« -ل��م تصبح األفريقانية وسيلة ذاتها وتاريخها وإنسانيتها بوصفها أنثى وزنجية؛ ل��ع��رض السلطة ف��ق��ط ،ولكنها ف��ي واق���ع األمر فقد استطاعت أن تثبت أن حضور السود في
تشكل مصدرا لها».
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الجنسي من قبل الرجل األس��ود» ،وهو ما يعني األم��ري��ك��ي��ة ب���اإلش���ارة إل���ى م��رت��ك��زات��ه��ا النقدية
نصوص هذه الرواية –على الرغم من أنه حضور
لقد انتهت الباحثة في تأملها وتحليلها لصور مقهور -ض��روري وم�لازم لتحديد هوية الذات السواد أو ما تسميه باألفريقانية ،إلى أن تصوير األمريكية وسماتها .من هنا ،جاز لنا القول إن
الشخصية األفريقانية لم يكن إال وسيلة لتأمل أدوات النقد األدب��ي الجمالي التي استخدمتها الشخصية األمريكية في ذاتها؛ فإذا كانت صور الباحثة سواء في الكشف عن عيوب البناء الفني
ال��س��واد «حاملة لكل صفات ال���ذات المناقضة في بعض ال��رواي��ات ،أو في وصفها لجملة من اإلستراتيجيات اللغوية واألدب��ي��ة كاالستبدال لذاتها»؛ «شريرة ووقائية ،متمردة ومتسامحة، الكنائي ،والتمثيل المجازي ،والقوالب الجاهزة، مخيفة ومرعبة» ،فإن البياض في خيال الكتاب والتكثيف الميتافيزيقي ،وال��ت��ق��دي��س األعمى األمريكيين ال يدل في ذاته وفي وضعه المنفرد لألشياء ،وأنماط اللغة المتفجرة وغيرها ،أو في أو المعزول إال «على الشيء الصامت ال��ذي ال تأويلها لبعض صور الرواية من مجازات وأفعال معنى ل��ه وال يمكن أن يسبر غ��وره وب�لا هدف وشخصيات وغيرها من مكونات العمل الروائي، ومتجمد ومحجب ومستور وم��ف��زوع وب�لا حس لم تكن مسخرة لغاية نقدية أو جمالية ،بقدر وغير متسامح». ما كانت وظيفتها إبراز الفكرة التي تدافع عنها ب��اخ��ت��ص��ار إن م��ف��ه��وم ال������ذات األمريكية الباحثة في كتابها ،وهي أهمية حضور السود وخصائصها مرتبطان باألفريقانية؛ فبواسطتها في الخيال األدب��ي .لقد كانت الوظيفة النقدية تدرك حريتها وقوتها وتاريخيتها وبراءتها .ولم األدبية في مقاربة موريسون في خدمة الوظيفة تصبح موضوعات االستقاللية والسلطة والجدة الثقافية واأليديولوجية التي تشكل ج��زءا من واالختالف والقوة المطلقة ممكنة ومشكَّلة في ذاتها وهويتها األفريقية األمريكية. األدب األمريكي إال بواسطة أفريقانية توحي
بالعراء والوحشية؛ هذه األفريقانية التي كانت
ميدانا «لبناء الهوية األمريكية الجوهرية».
(ب) األع��م��ال األدب��ي��ة ف��ي ض��وء ه��ذه المقاربة
مجال للتواصل اإلنساني بأوسع معانيه وأغناها.
ولما كانت األعمال الروائية التي قامت الكاتبة
يمكننا فهم مقاربة طوني موريسون للرواية بتأويلها ،ميدانا لعرض السلطة والقوة والتملك
اجلوبة -شتاء 1432هـ 39
واإلقصاء؛ فإن وظيفة النقد في مثل هذه الحال التصدي لهذه األعمال والكشف عن أيديولوجيتها
ومقاومتها.
(ج) النص ال��روائ��ي عند طوني موريسون ليس
شكال منغلقا ،أو بناء جماليا يمكن توصيفه في عالمه الداخلي ،والكشف عن معانيه اإلنسانية
توضيح أن النقد األدبي في تعاطيه النصوص األدبية ..بوصفها مجموعة من األساليب ،أو سلسلة من الصور والتقنيات ،أو باعتبار قيمتها الجمالية ،دون ال��ت��س��اؤل ع��ن معناها ،وعن وج��وده��ا في العالم ،وع��ن عالقتها بالتجربة اإلنسانية والتاريخية ،ال يمكن أن يفضي سوى
المحتملة ،وعن أساليبه وتقنياته الغنية ،ولكنه خطاب عن اإلن��س��ان في فضاء جغرافي معين إل��ى خطاب تقني يحتفي ب���األدوات ..ويرسخ ومرحلة تاريخية؛ فقراءتها للرواية األمريكية المفاهيم النظرية المفيدة ف��ي م��ج��ال بناء بقدر ما قامت على فحص اإلمكانات التعبيرية للنصوص ،قامت أيضا على استثمار التجربة
التاريخية للمجتمع األمريكي القائم على التمييز العرقي .ألج��ل ذل��ك انصب تحليلها للنصوص
المعرفة والعلم .ولئن كان هذا النقد هو الذي ساد منذ صعود االتجاهات العلمية في النظرية األدبية المعاصرة؛ فإن صعود اتجاهات نقدية ونصية مخالفة في النظرية األدبية األوربية
ال��روائ��ي��ة بوصفها خ��ط��اب��ات م��ت��ورط��ة ف��ي هذه التجربة ،غير أنها لم تحصر هذا التحليل في وغير األوربية ،أعادت إلى الواجهة الحديث عن الكشف عن صور القهر والدونية التي أسبغها النص بوصفه تجربة إنسانية أو تاريخية .من خيال الكتاب على السود أو األفارقة األمريكيين ،هنا ،أهمية كتاب طوني موريسون الذي يقترح بل اعتنت بتأويل هذه الصور واستجالء وظائفها علينا مقاربة أفلحت ف��ي أن تحقق التكامل التخييلية واأليديولوجية.
*** لقد سعيت ف��ي الصفحات السابقة إلى *
المنشود في الدراسات األدبية ،وال��ذي تجلى في االستجابة لجوهر األعمال األدبية ،بوصفها مجاال يتالزم فيه التخييل واأليديولوجية.
كاتب من المغرب
(Toni Morrison, Playing in the Dark - Whiteness and the Literary Imagination Vintage Books )1 .Edition, New York,1993
( ) 2اعتمدت في استخالص بعض هذه األفكار على كتابات إدوارد سعيد: االستشراق :المعرفة ،السلطة ،اإلنشاء ،ترجمة كمال أبوديب ،مؤسسة األبحاث العربية ،الطبعة الثانية .1984 الثقافة واإلمبريالية ،ترجمة كمال أبو ديب ،دار اآلداب-بيروت ،الطبعة األولى .1997 تأمالت حول المنفى ومقاالت أخرى ،ترجمة ثائر ديب ،دار األداب-بيروت ،الطبعة األولى .2004 العالم والنص والناقد ،ترجمة عبدالكريم محفوض ،منشورات اتحاد كتاب الغرب ،دمشق .2000 وينظر أيضا كتاب تودوروف :األدب في خطر ،ترجمة عبدالكبير الشرقاوي ،دار توبقال ،الطبعة األولى .2007 (A. Kibédi Varga, Rhétorique et production du texte, in Théorie Littéraire, Presses universitaires )3 de France 1989
40
اجلوبة -شتاء 1432هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
حول أصول التحقيق والنشر رؤية محمد مندور
> رامي أبو شهاب*
تعد عملية تحقيق النصوص بما تحتويه من منهجية وآلية، من األمور المهمة التي ينبغي للمحقق أن يكون على علم ودراية كبيرة بها؛ وبناء على ذل��ك ،فقد ُوض��ع لهذه العملية العديد من التنظيرات ،في محاولة إيجاد أسس وقواعد منهجية ،تحكم هذه العملية بغية الوصول إلى هدف نبيل ،أال وهو نشر التراث. ينظر هذا البحث في فصل يعرض له بتحقيق كتاب قوانين الدواوين. الدكتور محمد مندور؛ ضمن كتابه الميزان الجديد ،ويندرج هذا الفصل تحت عنوان «حول أصول النشر» .وفيه يدرس مندور تحقيق الدكتور عزيز سوريال عطية لكتاب «ق��وان��ي��ن ال���دواوي���ن» ل�لأس��ع��د ب��ن مماتي المتوفى سنة 606ه��ـ .ويقدم لنا الدكتور م��ن��دور ع��ل��ى ه��ام��ش تعليقه ع��ل��ى عملية التحقيق بعض قواعد التحقيق والنشر عبر مناقشة وتحليل بعض الجوانب المتعلقة
يقوم ع��رض الدكتور مندور على عدة مستويات وم��ح��اور ،تتداخل فيما بينها، والس��ي��م��ا ال��ج��ان��ب ال��ن��ظ��ري ال���ذي يخص ع��م��ل��ي��ة ال��ت��ح��ق��ي��ق ،وال��ج��ان��ب التطبيقي الخاص بجهد الدكتور عطية ،في محاولة منه للخروج ببعض القواعد العامة لعملية التحقيق والنشر. ينطلق ه���ذا ال��ب��ح��ث لتحقيق هدف
اجلوبة -شتاء 1432هـ 41
محدد ،هو بيان أسس التحقيق التي نظّ ر لها خالل جمع المخطوطات المختلفة جمعا ماديا ال��دك��ت��ور م��ن��دور وت��ح��دي��ده��ا ،ب��االع��ت��م��اد على
للمخطوط نفسه ،أو تصويره ،أو استنساخه،
دراسته لكتاب (قوانين الدواوين) .وقد ارتأينا ومن ثم تصنيف المخطوطات حسب تسلسلها تقديم هذا البحث من خالل ثالثة محاور هي: ال��م��ح��ور األول :ال��ج��ان��ب ال��ت��ن��ظ��ي��ري لعملية التحقيق والنشر. المحور الثاني :الجانب التطبيقي (مالحظات مندور على تحقيق عزيز سوريال عطية). المحور الثالث :رؤية أخيرة.
وأهميتها ،وقسمها إلى ثالثة أقسام: •ت��ح��ري��رات ال��ك��ت��اب ال��م��خ��ت��ل��ف��ة :وهي م���ا ي���ق���وم ب���ه ال���م���ؤل���ف���ون م���ن تعديل وتنقيح لنصوصهم ،والتمييز بين هذه التعديالت من ناحية زمنية. •مجموعات الكتاب المختلفة ،ويقصد بها ال��ح��االت التي ال يصل إلينا فيها
المحور األول
الكتاب كما حرره مؤلفه كالمختصرات
نعرض في هذا المحور المبادئ العامة لعملية التحقيق والنشر ،كما يراها الدكتور مندور، ونص عليها في كتابه الميزان الجديد( .)1وتقوم هذه المبادئ على ثالثة أركان ،إذ يرى محمد مندور أنّ على المحقق أو الناشر مراعاتها، وهذه األركان هي:
أوال :دراسة أصول النصوص: أ -التعريف ب��األص��ول :وه��ي التي أسماها م��ن��دور ال��م��ص��ادر ،وق��د قسمها إل��ى قسمين:
والمعلقات الشعرية. •النسخ المختلفة :ويقصد بها النسخ التي ج��اءت بخط المؤلف أو النساخ، وم�لاح��ظ��ة تسلسل ه��ذه النسخ التي نسخت عن نسخة واحدة. ج -دراسة المصادر غير المباشرة :وينص ال��دك��ت��ور م��ن��دور على دراس���ة ه��ذه المصادر، واس��ت��خ��دام��ه��ا ب��ط��ري��ق��ة ص��ح��ي��ح��ة م���ن خالل االعتماد عليها في عملية تصحيح النص.
المصادر المباشرة ،والمصادر غير المباشرة .ثانيا :دراسة النص: وع��رف المصادر المباشرة بأنها مخطوطات الكتاب ،والتي اصطلح عليها بأنها المخطوطة األم ،وهي أعلى النصوص
(،)2
وعرف المصادر
غير المباشرة« :بأنها الفقرات التي أخذها ال��م��ؤل��ف��ون ال�لاح��ق��ون ع���ن ال��ن��س��خ��ة األم أو المخطوط األصلي»
(.)3
وهذه العملية أطلق عليها مندور مسمى قراءة النصوص( ،)4ويعرفها آخرون بأنها« :تحقيق متن الكتاب»( .)5وهنا يؤكد مندور على أهمية إخراج النص المحقق بطريقة تجعله مفهوما للقارئ؛ وبناء على ذل��ك ،فإنه يبيح للمحقق التصرف بالنص من حيث اإلص�لاح والتصويب للخطأ،
ب -دراسة األصول :وتقوم هذا العملية من وع���دم اع��ت��ب��ار ال��ن��ص ح��ال��ة م��ق��دس��ة ،إال في
42
اجلوبة -شتاء 1432هـ
وبالتالي يكون دليال على درجة المؤلف وثقافتة ،اآلخرين
(.)8
وم��ا دون ذل��ك ف��إن أي خطأ يقع على عاتق النسّ اخ .وهكذا فإن من واجب المحقق تصويب ه��ذا الخطأ باالعتماد على ع��دد من النسخ، والمقابلة فيما بينها من خالل القراءة؛ لذلك،
المحور الثاني: الجانب التطبيقي (مالحظات مندور) لقد حاولنا في المحور السابق الوقوف على
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
حالة واحدة ،هي وصول النص بخط المؤلف ،إظ��ه��ار ج��ه��ده واالع���ت���راف ب��م��ج��ه��ودات العلماء
فإننا نجده يميز بين نوعين من القراءات للنص المبادئ العامة التي جاء بها مندور ،فيما يخص المُحقق ،األولى أسماها القراءة السهلة ،ويدعو عملية التحقيق والنشر ،وق��د توصلنا لها من
فيها المحقق إلى عدم قبولها اعتمادا على أن خالل التتبع لنقد الدكتور مندور لعمل الدكتور التحريف كان نتيجة النساخ ،وعائ ُد ذلك عدم عزيز سوريال عطية؛ ومن هنا ،كان واجبا علينا الفهم .أما النوع الثاني من القراءة ،فإن على اإلش��ارة إل��ى ه��ذه المالحظات من خ�لال ثالثة المحقق اللجوء فيها إلى التخمينات وإثباتها ،مستويات: إم��ا بين قوسين في المتن ،أو في الهوامش، وذلك بعد استقراء جميع القراءات
(.)6
حقق: بالم ِ ثالثا :أمور تتعلق ُ إذا كنا ف��ي النقطتين السابقتين ،ق��د تركز
المستوى األول :منهجية التحقيق المستوى الثاني :المادة العلمية للتحقيق المستوى الثالث :الروح العلمية للمحقق
حديثنا عن قواعد عامة على المحقق اتباعها في المستوى األول (المنهجية): عملية التحقيق ،فإننا في هذه الجزئية ننظر فيما
تتمثل مآخذ الدكتور مندور على تحقيق عزيز
جاء به مندور فيما يخص المحقق ،وقد اقترح سوريال عطية في عدة مظاهر منهجية هي: للمحقق أن يعتمد على نوعين من المعلومات،
أوال :دراسته للمصادر :فقد أخذ مندور على
األولى معرفة لغة الكتاب معرفة فقهية علمية ،المحقق عدم دراسته للمصادر وتسلسلها ،فقد والثانية معرفة م��ادة الكتاب معرفة تخصص ،أش��ار إلى التسلسل الخاطئ ال��ذي اعتمد عليه وذلك لتالفي نشر النص بأخطائه ،حفاظا على عطية ،وعدم االنتباه لتحرير الكتاب مرتين ،مرة (.)7 أسلوبه األثري كما يقول في عهد ص�لاح الدين وم��رة في عهد خليفته، ومن األمور التي يجب أن يتحلى بها المحقق ولذلك ،ف��إن من واج��ب المحقق االعتماد على كما يرى مندور الروح العلمية ،والتي تنص على التحرير األخير الذي نقحه المؤلف ،وبالتالي، التواضع ،وإعطاء العلماء السابقين والمعاصرين فإن مقياس المفاضلة الذي اعتمده عزيز سوريال حقوقهم .فالمحقق ،كما يرى مندور ،من الواجب عطية بناء على المخطوط األق��دم خاطئ؛ ألن أن يظهر تواضعه في عمله ،وعدم المبالغة في النسخة م��وج��ودة ع��ن تحريرين مختلفين ،ولو
اجلوبة -شتاء 1432هـ 43
كانت النسخ من تحرير واحد ،لكانت مفاضلته المستوى الثاني :المادة العلمية: صحيحة؛ ومن ثَمَّ ،كان من الواجب عليه االعتماد
أخ��ذ ال��دك��ت��ور م��ن��دور على ال��دك��ت��ور عطية،
على النسخة األخيرة ،أو الجمع بين النسختين افتقاره لعدد من المميزات التي يجب أن يمتاز المختلفتين .وقدم لنا الدكتور مندور أمثلة تسبب بها المحقق ،وه��ذه المميزات تمثلت بمعرفة
بها اعتماد المحقق على النسخة األق��دم ،منها لغة الكتاب معرفة فقهية وعلمية ،ومعرفة مادة ع��دد المستخدمين ،إذ نجد فرقا في عددهم الموضوع معرفة متخصصة ،وقد ساق لنا أمثلة
بين النسختين .ومع أن االختالف قد وقع ،لكن تسبب بها جهل المحقق ب��ه��ذه األش��ي��اء ،ومن لم ينص عليه المحقق في الحاشية ،ومنه أيضا األمثلة على عدم تمكنه في اللغة العربية ،الخطأ حديث مندور عن حراج (بهنسة)
(.)9
ثانيا :أخذ مندور على عزيز سوريال عطية عدم دراسته للمصادر غير المباشرة ،وخاصة ف��ي م��ق��دم��ة ك��ت��اب��ه ،وع���دم االس��ت��ف��ادة م��ن هذه المصادر في تصحيح النص ،وقدم لنا مثاال على ذل��ك نصا تركه المحقق غير مفهوم ،وك��ان من الممكن تالفي هذه المشكلة ،لو أنه عاد ألحد
الذي وقع فيه عند ترجمته البن المماتي ،إضافة
للنقل الخاطئ ألشعار ابن مماتي نفسه ،وعدم استقامة ال��وزن .ويبدو أن عدم معرفة المحقق م��وض��وع م��ادت��ه ،ق��د ق��اده إل��ى إع��ف��اء نفسه من الشرح والتعليق على الموضوعات الفنية ،وذلك واضح كما جاء في مقدمته( ،)11ما أوجد عدداً من األخطاء ،منها عدم معرفته لكلمة (مركوش)، و(خ��زان��ة ال��ب��ن��ود) ،وع��دم المفاضلة بين بعض
المصادر غير المباشرة ،وهو (صبح األعشى) ،الكلمات ال��واردة في الفهرس ،ومثال على ذلك ومن خالله يتمكن من تصحيح وتصويب النص .لفظة (الشلندي).
ث��ال��ث��ا :أخ��ذ م��ن��دور على عطية ت��رك��ه للنص المستوى الثالث :الروح العلمية للمحقق:
المحقَق دون تصحيح ،بحجة المحافظة على النص األصلي ،وقد كان رد مندور أن األخطاء ال تصحح في حالة وصول النص بخط مؤلفه،
ركز الدكتور مندور في هذا المستوى على ما يجب على المحقق أن يتحلى به من صفات ،وروح علمية افتقر لها الدكتور عطية ،وذلك من خالل
وع����دم اع��ت��ب��ار ال��ن��ص ح��ال��ة م��ق��دس��ة ،إذا كان ع��دم تواضعه ،والقيام بتضخيم ج��ه��وده ،وقدم النص من نسخ النُسّ اخ ،لذا ،كان من المفترض لنا مندور أدلة على ذلك ،حديث المؤلف نفسه
من المحقق ،إصالح أخطاء النساخ ،باالعتماد في مقدمته عن مجهوده في التنقيب والبحث ترجمة الب��ن مماتي ،مع أنها واردة ..وفي ٍ على المقابلة بين ال��ق��راءات والمفاضلة بينها ،عن
واالعتماد على التخمينات ،حين ال يكون النص متناول األيدي( ،)12ودوره في شرح بعض األلفاظ
غير مفهوم ،ووضع هذا التخمين بين قوسين في المستعصية ،ووض��ع��ه��ا ف��ي ف��ه��رس ،م��ع أنها
المتن ،أو وضعه في الحاشية
(.)10
44
اجلوبة -شتاء 1432هـ
مشروحة وم��ذك��ورة .وف��ي النهاية ع��دم اإلشارة
ومن أمثلة ذلك اعتماده الكبير على (رمزي بك وحاشية النص ،وم��ن ثم عملية إخ��راج النص، الكبير) ،وخاصة في الباب الثالث ،والذي شكل
وف��ي النهاية ال��روح العلمية التي على المحقق
ثلث الكتاب ،وعدم اإلشارة إلى جهد الرجل كما
أن يضعها أمامه ..من خالل تعامله مع عملية
ينبغي ،أو كما فعل سالفه (عمر طوسون).
التحقيق بصورتها الكلية ،بهدف إخ��راج النص
المحور الثالث:
بصورته ال��واض��ح��ة الشاملة ،م��ع التأكيد على
المالحظات الخاصة – رؤية أخيرة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
واالعتراف بجهود العلماء اآلخرين كما ينبغي ،ت��ق��وم ب��دوره��ا على ج��زأي��ن ،ه��م��ا :متن النص،
أن ه��ذه المبادئ التي وضعها م��ن��دور ال تتسم بالشمولية الكاملة ،أو االتفاق الكلي عند جمهور
ت��ق��وم ه���ذا ال��م�لاح��ظ��ات ع��ل��ى ب��ي��ان النقاط المحققين؛ فكما هو معلوم فإن مدارس التحقيق ال��م��ح��وري��ة ال��ب��ارزة ال��ت��ي وق��ف عليها التقرير، والتعليق عليها ،فنحن كما بينا س��اب��ق��ا ،فإن
متعددة ،ولكل مدرسة أسلوب ومنهج يميزها عن المدارس األخرى ،فنحن على سبيل المثال نجد
مالحظات م��ن��دور ق��د شكلت بيانا عاما حول
أن بعض المدارس تفضل عدم تصحيح الخطأ
ق��واع��د التحقيق والنشر ،وق��د انطلق الدكتور
ال��وارد في النص مهما ك��ان ،ونجد في المقابل
مندور في تنظيره لهذه المادة من خالل ثالث
بعض ال��م��دارس تتخفف م��ن ه��ذه المسؤولية
مرجعيات؛ شكلت صلب عملية التحقيق ،وهذه
بالسماح بتصحيح بعض األخ��ط��اء ،وك��م��ا قلنا
المرجعيات تأخذ شكل التسلسل الزمني ،مع
فإن تناول مندور لهذه القضية هو بمثابة وضع
عدم نفي تداخلها ،فالدكتور مندور ينطلق بداية خطوط عامة ،وليست شاملة وثابتة ،ولكنها قابلة م��ن المخطوط ،أو النص المحقق ..ودراسته للنقاش مع التأكيد على بعض األصول المهمة، من حيث األصل والمصادر وتسلسلها ،ومن ثم والتي يمثلها التأكد من نسبة النص ،ونسبة النص ينطلق إلى آلية التحقيق الواجب إتباعها ،والتي للمؤلف وغيرها. () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12
انظر محمد مندور في الميزان الجديد ،دار نهضة مصر ،القاهرة ،ص .206 عبدالسالم هارون ،تحقيق النصوص ونشرها ،ط ،1دار النهضة العربية ،بيروت ،ص.3 محمد مندور ،مرجع سابق ،ص .206 المرجع نفسه ،ص .211 عبدالسالم هارون ،مرجع سابق ،ص .5 محمد مندور ،مرجع سابق ،ص .211 المرجع نفسه.212 ، نفسه ،ص .216 نفسه ،ص .209 نفسه ،ص .212 نفسه ،ص .213 نفسه ،ص .216
اجلوبة -شتاء 1432هـ 45
اإلعجاز التاريخي في سورة «يوسف» > علي عفيفي علي غازي*
تؤكد اآليات القرآنية الواردة في نهايات القصص القرآني التاريخي مثل «فاعتبروا يا أولي األبصار» (الحشر :اآلية ،)2و«لقد كان في قصصهم عبرة ألولى األلباب» (يوسف: اآلية ،)111على أن القصص لم يأت إال للعبرة والعظة ،متضمنًا الدعوة للناس جميعً ا بالبحث والتأمل في األح��داث الماضية ،ليجدوا لها تفسيرً ا في حاضرهم يبصرهم بمستقبلهم .ويرشد لهذا المعنى قول الحق سبحانه وتعالى «قل سيروا في األرض فانظروا كيف ب��دأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة اآلخ��رة إن الله على كل ش��يء قدير» أشخاصا لهو خير دليل ً (العنكبوت :اآلية .)20ولعل إبهام القصص مكانًا وزمانًا وأحيانًا على أن الهدف منه ليس إال تعلم ال��درس .ولكن رغم ذلك لم يخل القرآن الكريم من اإلعجاز التاريخي ،الذي يعد مصاحبًا لإلعجاز اللغوي واإلعجاز العلمي. وف��ي ه��ذا ال��م��ق��ال س��وف ن��ت��ن��اول هذا
األعجاز في سورة «يوسف» عليه السالم،
م���رة ،م���رة ف��ي س���ورة األن���ع���ام ،اآلي���ة ،84
وثانية في سورة غافر ،اآلية ،34أما الـ25
الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم؛ مرة الباقية فقد وردت في سورة يوسف، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .وهي سورة كاملة ال تتحدث إال عنه ،وتبدأ وقبل أن نخوض في تفاصيل ذلك اإلعجاز ،ب��ق��ول��ه ت��ع��ال��ى «ن��ح��ن ن��ق��ص عليك أحسن
نود أن نذكر أن اسم يوسف عليه السالم،
القصص بما أوح��ي��ن��ا إل��ي��ك ه��ذا القرآن
قد ورد في القرآن الكريم سبعًا وعشرين وإن كنت من قبله لمن الغافلين» ,ويظهر
46
اجلوبة -شتاء 1432هـ
اللفظي :االختصار أو اإليجاز ،وتعدد المعاني ،وقالوا اشتريناه من أصحاب الماء ،مخافة أن بمعنى تضمين اللفظ الواحد عدة معاني ،وعدة يشاركهم فيه أح��د ،وبعد ذل��ك باعوه وه��م فيه احتماالت .وهذان النوعان من اإلعجاز اللفظي من الزاهدين ،يريدون التخلص منه بأي وسيلة، للقرآن يدفعان المرء إلى إعمال الفكر والتدبر وبأي ثمن ،ألنهم التقطوه ،ومن التقط شيئاً ،فهو في اآليات ،امتثاال لقوله عز وجل «كتاب أنزلناه متهاون فيه وال يبالي بكم سيبيعه ،ألنه يخاف أن إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا األلباب» (ص :يعرض له مستحقه فينزعه منه ،ومن ثم عجلوا
اآلية ،)29أي ليتدبروا آياته.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
بوضوح في السورة نوعين من اإلعجاز اللغوي مستبشرًا به ،وأسره الواردون من بقية القافلة،
ببيعه ،ب��دراه��م م��ع��دودة ،كناية ع��ن القلة ،ألن
وأول م��ا يطالعنا ،ه��و ق��ول ال��ح��ق سبحانه الكثير كان يوزن في ذلك الزمن.
«وش��روه بثمن بخس دراه��م معدودة» وهي دليل
وج��اء يوسف إل��ى مصر ،وك��ان عمره وقتها
على انتشار تجارة ال��رق انتشارًا واسعًا لدرجة ح��وال��ي خمسة عشر ع��امً��ا ،وق��د اش��ت��راه عزيز انتشار سرقة الغلمان بهدف بيعهم ،وهي تجارة مصر من تجار الرقيق ،ثم ذه��ب به إل��ى بيته، كانت مربحة ج��دًا ،وظلت قائمة إلى أن ألغيت وقال المرأته «أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو باتفاقية إلغاء تجارة الرقيق 1899م .كما تحمل نتخذه ول��دًا» وذل��ك لما توسمه فيه من الخير. في ثناياها إيضاح أن العمالت المعدنية كانت ول���و ت��أم��ل��ن��ا ق���ول ال��ح��ق س��ب��ح��ان��ه «وق����ال الذي مستخدمة ،وأن ال��دراه��م كانت تسك وتتم بها اش��ت��راه م��ن مصر» (ي��وس��ف :اآلي��ة )21لوقفنا
عملية البيع والشراء في ذلك العصر .ويتضح أمام إعجاز تاريخي للقرآن الكريم في قوله «من من السرد القصصي أن قوافل التجارة كانت تمر مصر» ولم يقل «المصري» الذي اشتراه ،ألن من في منطقة بئر سبع ببادية الشام كثيرًا ،ذلك أنه اشتراه في الحقيقة لم يكن مصرياً ،ولم يكن من بعدما ألقوه في البئر ،تشبث يوسف عليه السالم أصل مصري ،بل إنه هبط مصر في وقت كان براعونة البئر حتى صعد فوقها ،وه��ي صخرة يحكمها فيه الهكسوس نحو 725قبل الميالد، توجد في وسط قاع البئر ،إذا قل الماء في البئر ،والهكسوس من أصول آسيوية بدأوا يتسللون إلى
ً أنزلوا شخصا يقف فوقها ،ليمأل الدالء ،وبعد أن مصر فيما بين األسرة الثانية عشر التي بدأت يستقي الجميع يرفعونه ثانية. حكمها سنة 2000ق .م بالملك أمنمحات األول، وفي ظل تلك الظلمة أوحى الله إليه «لتنبئنهم ثم سنوسرت الثاني ال��ذي حكم في الفترة من بأمرهم ه��ذا وه��م ال يشعرون» (ي��وس��ف :اآلية 1888-1904ق .م ،وشهد عهده زي��ارة إبراهيم
.)15فبقي ف��ي الجب ليلة ،وقيل ثالثة أيام ،عليه ال��س�لام إل��ى م��ص��ر ،ع��ام 1898ق .م .ثم ثم م��رت قافلة ،وكما سبق ،كانت القوافل تمر تتابع بعده ملوك األسرة ،وأعقبتها األسرة الثالثة في هذا المكان من أهل مدين في طريقها من عشر ،فاستمر تدفق الهكسوس على مصر حتى
دمشق إل��ى مصر ،عبر شمال سيناء ،فأرسلوا نجحوا ف��ي السيطرة على ك��ل مصر فيما بين وارده���م يستقي لهم ال��م��اء ،فأخرجه من البئر عامي ( 1570-1776ق .م ،).بفضل ما بأيديهم
اجلوبة -شتاء 1432هـ 47
من أدوات حربية ،تطورت على ما بيد المصريين وه��ب��ه ال��ح��ق ج��ل وع�ل�ا ع��ل��م ت��أوي��ل األحاديث، من أسلحة كانت عتيقة.
وقد اختلف المؤرخون في موطن الهكسوس
ه���ؤالء ،فمنهم م��ن يذهب إل��ى أنهم م��ن ساللة آرية كان موطنها وسط آسيا ،وذهب آخرون إلى
أنهم من أعراب شبه الجزيرة العربية ،بينما رأى فريق ثالث أنهم طائفة من اليهود ،ورأى فريق
من أصحاب هذا ال��رأي أنهم ربما كانوا أقرباء لليهود ،وليسوا يهودًا.
أي األح��ل�ام ،فأحبه س��ي��ده ووث���ق ف��ي��ه ،وجعله
المتصرف في بيته ،وعاد حسن تصرفه بالنفع
على سيده ،فزاد ثقة فيه ،وتمر السنون ،ويوسف يتوانى في خدمة سيده ،فيزداد تقديره له .وكان
ي��وس��ف عليه ال��س�لام ح��س��ن ال���ص���ورة ،وحسن المنظر ،وكلما كبر واكتمل شبابه ،ازدادت امرأة ال��ع��زي��ز إع��ج��ا ًب��ا ب��ه ،ول��م تعد تنظر إل��ي��ه نظرة
البراءة ،نظرة األم لطفلها ،بل أصبحت تنظر إليه كرجل ،وهي كأنثى ،وتسلل هذا الشعور الجديد
ويؤكد صدق األح��داث التاريخية هنا ،تكرار إلى نفسها ،ومع اكتمال رجولته ،وشبابه وحيويته، لفظ «م��ل��ك» وليس «ف��رع��ون» ،مثلما ف��ي قوله كان يزداد شيئًا فشيئًا ،فبدأت تلمح له تلميحات تعالى «وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي» مستترة ،ثم بالغت في الرقة ،فظنت أنه يتعفف (يوسف :اآلية ،)54وكان الوضع مختلفاً عندما عنها ألنها سيدته ،وزوج��ة سيده ،فدبرت أمرًا
كان الحديث عن كليم الله موسى عليه السالم ،ليكونا في خلوة وحدهما ،ولكن يوسف الصديق إذ دعاه ربه «اذهب إلى فرعون إنه طغى» (طه :كان يعلم أن عين الله الساهرة ترقبه ،وأنه مهما اآلية ،)24ألن فرعون موسى ،إما هو رعمسيس كان متخفيًا عن أنظار البشر ،فعين الله تنظر الثاني (1224–1290ق .م) ،أو مرنبتاح ( –1224إليه ،وال تخفى عليه خافية «وراودت���ه التي هو
1214ق .م) ،وكالهما من أصول فرعونية خالصة في بيتها عن نفسه ،وغلقت األبواب ،وقالت هيت من طيبة في عهد اإلمبراطورية المصرية الثانية .لك ،قال معاذ الله إنه رب��ي ،أحسن مثواي ،إنه
أما ملك يوسف عليه السالم فهو «سوبك حتب ال يفلح الظالمون» (يوسف :اآلية .)23أي تحثه (1730–1740ق .م »).من األسرة الثالثة عشر ،على اإلقبال ،ولكن خوفه من ربه ،وأمانته لسيده،
وه��ن��اك اخ��ت�لاف ف��ي أن��ه ع��اص��ر ملكين ،فكان يدفعانه إلى اإلدبار ،ونجاه الله من هذا الموقف هناك من شهد نزوله مصر ،وه��و «نفر حوتب ببرهان ،ألن عباد الله المخلصين ال خوف عليهم األول» ،وك��ان الملك «س��وب��ك حتب» ه��و الملك وال هم يحزنون. الذي جعله أمينًا على خزائن األرض .وهذا يدل ونجاه الله بشهادة شاهد من أهلها ،وقيلت على اختالف نوع الحكم في العهدين. فيه أق��اوي��ل كثيرة :قيل رج��ل حكيم من أهلها، وب��دخ��ول ي��وس��ف بيت العزيز ب���دأت مرحلة وقيل ابن عمها ،وقيل بعض أهلها الذين يسكنون ج��دي��دة ف��ي ح��ي��ات��ه ،وه��ي ب��داي��ة لما ك��ان يعده معها ،وقيل طفل صغير كان معهما في الغرفة
الله له من مكانة ومنزلة ،وهذا هو التمكين في ول��م تشعر ب��ه ،وتيقن العزيز م��ن حقيقة براءة األرض الذي أشار إليه القرآن الكريم ،وكذلك يوسف ،فطلب منهما «يوسف أعرض عن هذا،
48
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ال متنقلين ،فماذا (يوسف :اآلية .)29غير أن نبأ الحادث سرعان إلى أنهم كانوا بدوا رعا ًة رح ً
ما انتشر إلى الباقين من أهل القصر ،ثم إلى ك��ان األم��ر ل��دى المصريين الفراعين أنفسهم، عامة الناس ،وخاصة النساء ،فهن مولعات بمثل وه��م أرف��ع شأنًا وأكثر تمدنًا ،وأص��ح��اب أقدم هذه األخبار واألح��ادي��ث ..ويكثرن من ترديدها حكومة مركزية عرفها تاريخ البشرية ،وكانوا
وإذاعتها ،ف��رددوا أنها شغفت حباً بفتاها ،أي أول من اكتشف ال��زراع��ة واستوطن بجوار نهر
مملوكها ،فقد قيل إن زوجها قد وهبه لها ،كنوع النيل ،وحرثوا وزرعوا وحصدوا ،وشادوا المقابر
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
واس��ت��غ��ف��ري ل��ذن��ب��ك إن���ك ك��ن��ت م��ن الخاطئين» حكام مصر الهكسوس ،الذين تذهب بعض اآلراء
م��ن إظ��ه��ار ال��ف��رق الطبقي ال���ذي بينهما ،فهي الضخمة ،واأله���رام العظام ،العجيبة الوحيدة سيدة البيت ،وه��و خ��ادم بالبيت ،ف���رددوا أنها الباقية م��ن عجائب ال��دن��ي��ا السبع ف��ي العالم تنازلت عن كبريائها ،وبدأت بمغازلته ،وأنه رفض القديم.
مسايرتها ،وفي هذا جرح لكبريائها ،وإهانة لها،
وي���ا ل��ي��ت ذل���ك أس��ك��ت ألسنتهن ،ب��ل إنهن
��ض��ا ف��ي��م��ا ك��ان��ت ت��ط��م��ع ف��ي��ه امرأة وف��ي ترديدهم ه��ذا تشفي فيها ،فقد قيل إنها ط��م��ع��ن أي ً كانت تتكبر عليهن بجمالها وسطوة زوجها ،فكان العزيز ،فلجأ إلى ربه «رب السجن أحب إلي تدبيرها أن أع��دت لهن المقاعد المريحة ذات مما يدعونني إليه ،وإال تصرف عني كيدهن المساند وال��وس��ائ��د ،وق��دم��ت لهن الطعام ،في أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين» (يوسف :اآلية
اختبار لتأثير حسنه عليهن.
.)33وانتشر خبر الوليمة ،وتحوّل الهمس إلى
ه���ذا وت��ش��ي��ر اآلي����ة ال��ك��ري��م��ة «ف��ل��م��ا سمعت أق��وال صريحة علنية ،ووصلت األق��اوي��ل إلى
بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت مسامع العزيز وأص��ح��اب��ه ،ف���أراد أن يُخرس كل واحدة منهن سكينًا ،وقالت أخرج عليهن فلما األل��س��ن��ة ،ف��ق��رر وض��ع��ه ف��ي ال��س��ج��ن رغ���م أن رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلنا حاشا لله ما التحقيق قد أثبت براءته ،فتموت اإلشاعات،
هذا بشرا إن هذا إال ملك كريم» (يوسف :اآلية وبذلك تبرأ ساحة زوجته ،ويبرأ شرفه ،فقضى )31إل��ى م��دى ال��ت��رف وال��ب��ذخ والرفاهية التي يوسف عليه السالم في السجن بضع سنين،
كان يعيش فيها أبناء الطبقة الراقية العليا في وصاحبه فيها غالمان أحدهما خباز الملك، مصر م��ن أب��ن��اء الملوك وال����وزراء والكهنة ،من واآلخ��ر صاحب شرابه ،حيث قيل إن جماعة إعداد المتكئات والوسائد والحشايا ،واستعمال من األم��راء المصريين حكام المقاطعات قد
السكاكين في تقطيع الطعام ،ويؤخذ من هذا استمالوهم ل��وض��ع ال��س��م للملك ف��ي طعامه أن ال��ح��ض��ارة ف��ي مصر ق��د بلغت درج��ة كبيرة وشرابه ،فرأيا رؤيتين توضحان براءة الساقي، م��ن ال��رق��ي وال��ت��ق��دم ،وأن ال��ت��رف ف��ي القصور وإعدام الخباز ،وبالفعل تحققت تأويالت يوسف
كان عظيمًا ،فإن استعمال السكاكين في تناول عليه السالم لهما ،ومرت السنوات ونُسي أمر الطعام قبل هذه اآلالف من السنين له قيمته في ام��رأة العزيز ،ورأى الملك رؤي��ا ،عجز الكهنة
تصوير الترف بين أبناء الحضارة المصرية من والعلماء وغيرهم عن وضع توضيح لها ،وقالوا
اجلوبة -شتاء 1432هـ 49
ما نحن بتأويل األحالم بعالمين ،وهنا ،تذكّره الطبيعية اكتساب المصريين التجربة وحسن
ساقي الملك.
التدبير ،إذ كانوا يدخرون غلة األرض من أيام
وعندما ظهرت ب��راءة يوسف عليه السالم ،الري أليام الجفاف ،ومن رخائهم لشدتهم ،وكانت ق��� ّرب���ه إل��ي��ه ال��م��ل��ك ،ل��م��ا رآه ف��ي��ه م���ن األمانة حكمة الملوك وحكام األقاليم تقتضي حسن تدبر والحكمة والعلم ،وحسن التصرف وعزة النفس منهم ،وحسن اختيارهم ألمين مخازن األرض، وإم���ارات ال��س��ي��ادة ،فتشاء إرادة الله تعالى أن ح��ت��ى يخفف ع��ن ال��رع��ي��ة أي���ام ال��ش��دة والفقر يصبح على خزائن األرض أمينًا ،وهي ما تشبه والحاجة عند انخفاض منسوب فيضان النيل، وزارة التموين في عصرنا الحاضر ،وبذلك مكنه وف��ي ذل��ك دالالت ومعجزات تاريخية نلتمسها
الله في األرض ،تصديقًا لقوله تعالى «وكذلك م��ن فيض س���ورة ي��وس��ف الكريمة ال��ت��ي حملت م ّكنّا ليوسف في األرض يتبوأ منها حيث يشاء» ،بين طياتها كافة صور اإلعجاز العلمي واللغوي أي أصبح سيدًا على كل األرض المزروعة في والقصصي التاريخي.
مصر ..يأكل ويحمل ويمتلك منها أيها شاء .وفي ذلك إعجاز تاريخي عظيم.
ول��م يكن اخ��ت��ي��ار ملك مصر ليوسف عليه
السالم ليصبح أمينًا على خزائن األرض ،إال لما
كما أن مصر كانت عرضة دائمًا للمجاعات لمسه فيه من العلم ،وما توسمه فيه من الحكمة، ولفترات التدهور في اإلنتاج الزراعي والحيواني وما رآه فيه من التبشير واإلعجاز .فعندما رأى على مر العصور ،وكان ذلك في أغلب األحيان الملك الرؤية «وقال الملك إني أرى سبع بقرات بسبب اضطرابات النيل وعدم انتظام فيضانه ،سمان يأكلهن سبع عجاف ،وسبع سنبالت خضر
وان��خ��ف��اض م��ائ��ه ،م��ا ي���ؤدي إل��ى ن��ض��وب موارد وأخر يابسات يا أيها المأل أفتوني في رءياي إن الدولة .ويقدم لنا التاريخ أمثلة كثيرة النخفاض كنتم للرؤيا تعبرون» (يوسف :اآلية ،)43وعندما النيل قبل وب��ع��د عصر ال��ص��دي��ق ي��وس��ف عليه فسّ ر يوسف ال��رؤي��ة وأولّ��ه��ا حمل البشرى في ال���س�ل�ام ،وم���ن أم��ث��ل��ة ذل���ك م��ا ح���دث ف��ي عهد معجزة كما يحكي القرآن الكريم «قال تزرعون
الفرعون زوسر صاحب الهرم المدرج بسقارة من سبع سنين دأب��ا فما حصدتم ف��ذروه في سنبله األسرة الثالثة (2680–2780ق .م) ،فقد شهدت إال قليال مما ت��أك��ل��ون .ث��م ي��أت��ي م��ن بعد ذلك
مصر في عهده سنوات الجفاف السبع بسبب سبع ش��داد يأكلن ما قدمتم لهن إال قليال مما نقص فيضان النيل ،دون أن يكون هناك أمل في تحصنون .ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث زوال تلك الغمة وانكشاف تلك الكربة ،ومثلما الناس وفيه يعصرون» (يوسف :اآليات .)49-47 حدث كذلك في أيام الثورة االجتماعية (-2280
إنها محاولة للوقوف على بعض صور اإلعجاز
2052ق .م) األسرات من السابعة إلى العاشرة ،القرآني من خالل إيضاح اإلعجاز التاريخي في
وما نتج عن ذلك من كوارث كبيرة ،فكانت النتيجة سورة يوسف. * باحث بمركز قطر الفني
50
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
أشياء تشبه احلياة.. > صالح احلسيني* ..من كل مكان يأتيني الماء.. يأتي ..بااارد القلب.. من كل صوب وحدب.. أح����او ُل دف��ع�� ُه ع��ن ف��م��ي ..أب����دا ..دون
جدوى!
عاجز حتى عن دفع ماء!!!.. يتراءى لي اآلن وجه ابني الصغير.. أ ُخبط بكلتي يدي.. تزداد فوضاي في نفسي؛ حتى قدماي
عن التجديف إلى األعلى عاجزة.. ضعف يعتريني؟! ٍ ياااااه ..أيُ
عالقة بما يشب ُه شبك حديدي كثيف..
يموج ..يُمسك به ربما حجر ..هذا ما أشعر
به !..ربما شعابٌ مرجانية ..تتخطفني ..ال
أعرف!
باتساع غريب ..هذا الذي ٍ ينفتح فمي
ل��م أع��ه��ده ق��د تجلى ب��ه��ذه المساحة في حياتي..
ابتلع كمية كبيرة من المياه ..دُوار ال قِ ب َل
لي به ..يُقدِ م ،أشياءٌ تشبه الحياة ،تعبر.. تمور بي المياه مورا..
تعلو من أعماقي القصيّة ..صرخة..
ك��ف��ي��ل��ة ب��إي��ق��اظ ن���ائ���م ي���غ���طُ ف���ي أقصى
اجلوبة -شتاء 1432هـ 51
األرض..
يلهو مع آخرين
أشعر بالصرخة ..تضج في المجرة،
تعود الدوامة..
ترتد..؛
أشهق..
فكأنها لم تخرج من كوني وحدي ..حزينة ال
أحد يسمعها.
ي��ت��ك��ئ��ون ع��ل��ى ط���رف ال���ش���اط���ئ ..يتبادلون
الضحكات الفارهة المبللة باألنس؛
عيناي ت��ح��اوالن سرقة ش��يء من الحياة من
بين لحظاتهم..
انخفض إلى األسفل رغما.. وجه أمي يلوح لي كبيرا جدا في األفق... إن��ي أراه��ا اآلن بمعطفها الحريري اللؤلؤي
الالمع ..يأتي وجهها ويختفي كوميض.. يجلسون بعيداً ..بعيداً جداً عني.. ليتني الرصيف..
ال���س���ي���ارات م���ن خ��ل��ف��ه��م ت��م��ر ع��ل��ى الطريق
وتمضي..
تسحبني األعماق إليها ..كوحش ليلي يجر برجل فريسة.. شعري المبلل يغطي نصف الجزء العلوي من وجهي والعينين.. أه����داب����ي ..ب��ف��ع��ل ال���م���اء ملتصقة ببعضها بحميمية ن��ادرة ،وبين المنفصالت منها غشاء ٍ مائي هالميٌ شفيف.. شفتاي متوترتان كقلب رضيع حديث الوالدة أخ��افَ��ه ال��ج��وع ،شفتاي بين شهيق أش��ب��ه بريح عاتية ،وزفير أسخن من انبعاثات فوهة بركان.. م ّل التثاؤب.. خوف ٌ ال��ق��ل��بُ ف��ي ف��وض��ىً ع���ارم���ة ..ي��ك��ب��ل�� ُه كارثيّ ..
الك ُل منشغ ٌل بمصافحة الحياة..
يا سعيد ....سعي ....س..
بيني وبينهم أآلف األميال من الشوق..
يمر سعيد ..بجانب الساحل م��ع صديق..
بصوت.. ٍ رفيقة العمر :..اهدي لي بنظرة..
بأنّة..
ال��م��اءُ م��رة أخ���رى ..ه��ا ه�� َو يقابلني بوجهه
الحجري..
ال تتضح لي الرؤية..
ي��رم��ي بنظرة ت��ج��اه��ي ..واف��ق��ت النظرة لحظة انغماس رأسي في الماء ..ظن أنني أتمتع.. لحظة مدافعتي للمياه باحثا عن قفزة صوب السطح؛ توارى ..لم ينتبه.. مُنذ ذلك الحين وأن��ا ال أ ُصافح البحر ..إال
كأني ألمح المنقذ بزِ يه البرتقالي المعهود ..نظرا. *
52
كاتب وقاص من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
> مرمي احلسن*
عقوق يتناول سكيناً كبيرة ،يقطع بها لحماً.. يناوله أخته: أختاه ..اطبخيه لنا..تتقاطر دموعها ألماً -لماذا تقطع ساق والدي..؟!
داء العشق يناديها من خلفها ..بدون مقدمات: أحبك.. تنظر إليه بقلبها الذي عانق قلبه.. تطفر دمعتها ،تمسحها.. فتجد كفها غارقة بالدماء..
خائن يدخل قاعته ..يتقدم لألمام.. ينظرون إليه في إجالل.. نظراتهم رحيمة.. لكن قلوبهم سوداء.. يحملون كؤوس الشراب بأصابع مقطعة، يخدمهم.. فيمتص دماءهم...
ذبول ينتظر طيفها عبر األثير.. تسمو في السماء غيمة فرح.. *
تختلج نفسيته بمزيج من مشاعر..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة
يهتف بأعلى صوته:
أحبك يا زهرتي الجميلة.. تخيب آمالها:
الزهرة الجميلة مصيرها الذبول..
يمتنع عن الرد ..فلم يشاهد يوماً زهوراً لها عمر مديد.
عجز ينادي بصوت عميق..
ال يسمعه أحد ..يفقد األمل..
يغمض جفنيه ينتظر الخالص..
من كل صوب يأتيه الفرج..
ينعم بحياة رغيدة..
يخط الشيب راسماً عدد السنين..
يبدأ العد التنازلي..
فيبكي الطفل طالباً حنان األم.
تطهر تقف تحت شالل من مياه الجبال
تنحدر عليها بسهولة...
تتدفق بغزارة ..باردة كالثلج.. نقية كأمطار السماء..
علها تطهر نفساً أثقلتها الذنوب.. فتغادرها بمالبس جافة..
قاصة من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 53
عندما تنتحر «جوف» > إلهام عقال البراهيم*
المجهول ..كلمة نخاف منها ونخشاها ..ما هو الغد؟ هل نخشاه؟! ول��م��اذا؟! قد يكون الغد مشرقا ..فبالتأكيد ..وقد يكون هنالك مجال للحب والعطاء والتضحيات الالمحدودة ..ولكن لنبعث الفرصة ألنفسنا لنحيا.. كان يقود سيارته بتوتر ملحوظ ،يداه تتشبتان بالمقود بقوة كبيرة ..كيف وص��ل إل��ى هنا؟ سأل نفسه هذا السؤال مرارا وتكرارا ..إلى أي حد أراد أن يصل؟!
رحمة وبعدين. ع��اد ال��ص��وت وخفت م��ن ج��دي��د ..رك��ز السمع جيدا.. ال ..ال ..ما أق��در ..وش أستفيد؟ خايفة يارحمة خايفة ..ما أبيه ..ما أبيه..
ينظر من النافذة ..وكأن ال شيء أمامه سوى ابنته الوحيدة شموخ ..يبدو أن الزمن حكم عليهم فكر فواز طويال ..ما هو الشيء الذي ال تريده؟ ب��ال��ض��ي��اع!! وق��ف على متجر صغير ،أخ��ذ بعض سمع ص��وت بكائها من خلف الستارة ..تمنى أن ال��ح��ل��وي��ات ،وح��م��ل ب��ال��ون (ل��ول��وك��االت��ي) ،وخرج يراها ..وفي هذه األثناء استيقظت ابنته ..فقال لسيارته ..وصل إلى المستشفى ،وسار في ممراته وهو يقبلها: الضيقة ..نظر إل��ى ال��ب��اب ..إن��ه��ا غ��رف��ة ابنته.. أخيرا صحت األميرة!! أزاح الستارة ودخ��ل ..كانت ابنته تغط في سبات قالت الطفلة بتملل.. عميق.. جلس يتأملها ..لقد طالت مدة االنتداب ،وهذه الطفلة المسكينه ..ما ذنبها؟! ولكنه ساءل نفسه.. ما ال��ذي تقولينه يا شموخ ..هل أجبرك أحد م��ن لها بالقصيم أص�ل�ا؟؟ ل��م يستطع أن يدعها على القفز والشيطنة..؟؟ ه��ن��اك ..ف�لا أح��د يثق ب��ه .ال ب���أس ..فمدرستها فتحت شموخ كيس الحلوى وبدأت تلتهم منه.. قريبة من مقر عمله ..وشموخ ليست طفله ..إنها فقال لها والدها مبتسما: بالسنة الثانية في المدرسة ..هكذا قال ..ما أقسى من التي معك في الغرفة؟ الحياة ،لقد أخذت منه كل جميل حتى زوجته التي قالت غير مبالية وه��ي تنزع ال��ورق من حلوى أحبها ..لقد رحلت ..لم يكن يعلم.. قطع عليه حبل أفكاره صوت رقيق ..من السرير حمراء بيدها: -بابا ..مللت ..أرغب العودة للمدرسة..
ا لمجاور..
54
اجلوبة -شتاء 1432هـ
من؟ جوف!!
-نعم ..يا حرام ..كل يوم تصرخ وتصيح.
لن يوافق أخوي..
لماذا؟
لماذا؟؟
ال أدري..
صمتت طويال ثم قالت:
بقيت الطفلة تعبث بحلواها وبالونها الوردي الزاهي ..ع��اودت ف��واز أمنية رؤيتها ..كان هناك قال وهو يمسح دمعة مجروحة تحاول الهروب: ثقب صغير في الستارة ..ومنه لمح وجهها ..كانت لماذا لم تفصحي بذلك ونحن على الخط؟؟ تشرد بعيدا ..وجهها أبيض صغير ..فمها صغير.. أنفها أخنس جميل ..شعرها أسود كث إلى ذقنها لماذا تسليت بي؟! لماذا ..أهذا جزائي «!! تمنيت أن يكون لي ول��د ..ول��د منك أن��ت ب��س ..منك يا تماما. «جوف» ..لكن.. بدأ يراقب تصرفاتها يوميا ..وأراد أن يجرب بلع ريقه ثم قال: حظه ،فبعث لها بورقة مع ابنته الصغيرة ..فقبلت عرضه.. مع السالمة.. -قبيلتنا يا فواز ال تتزوج من قبيلتكم..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
اسمها جوف!!
قالت وهي تغمض عينيها..
ازدادت عالقتهما ..فكان يجلس معها ..وكأنها وصل إلى القصيم هو وابنته ..وفي قلبه ألف فرد من أفراد أسرته ..أحبت «جوف» فوازاً وتعلقت جرح وجرح ..قالت له ابنته عندما دخال المنزل: به ..لم تكن تريد أن تستفيق أبدا ..جاءها ذات يوم أبي هذا المغلف لك.. وهو متضايق فقالت له بحب: نظر إل��ى المغلف ..وفتحه بأنامل مرتجفة.. ما بك..؟؟ وبدأ يقرأ: أجابها بغضب: (فواز.. خالص ..ما في شيء.. أن���ا أح��ب��ك ..أق��س��م ل��ك إن��ن��ي أح��ب��ك ..ولكن طال صمتها ..فقالت أخيرا بصوت قوي: األق��دار تقف دوما في وجهي ..ها هي ظروفي.. عادي.. كنت تتمنى طفال مني ..لقد كذبت عليك بشأن القبائل ..فقبيلتك هي قبيلتي ..ولكن أعلم أن في نظر إليها ثم قال متعجبا: جوفي ورم بشع ينمو في رحمي ويكبر ..ال أستطيع ع��ادي ..يا جوف؟ وأن��ا؟؟ وعالقتنا؟؟ وحبنا؟؟ أن أمنحك أي شيء ..أتمنى لك السعادة مع امرأة وأحالمنا؟؟ وشموخ؟؟ أين هذا كله؟؟!! تمنحك كل ما تحتاج إليه ..ال تعد ..العملية بعد قالت مبتسمة: يومين ..فقد أكون في عداد األموات ..أنت الشيء أعندك حل؟؟ الوحيد في حياتي ..أحبك ..جوف). أجابها وهو يحدق عينيه بعينيها مباشرة.. أغ��م��ض ف���واز عينيه ..ت��ارك��ا دمعهما ينسكب *
نتزوج ..وتذهبين معي للقصيم.
ليغسل جوفه الذي قتلته جوف..
قاصة من السعودية -الجوف.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 55
ع ّلم امل ِ َ > طاهر البهي* انتابت (المِ علم) صاحب المقهى فرحة غير عادية ،بزبائن غير عاديين من المشاهير ،الذين ال يراهم إال على شاشات التليفزيون ،وعلى صفحات الصحف التى يتباهى بأنه من قرائها.
مجرد أفكار
دخ���������ل ال�������رج�������ل على ال��ط��ب��ي��ب ال��ن��ف��س��ي ليحكي م��ش��ك��ل��ت��ه ،ش��ي�� ًئ��ا (م����ا) كان أراد المعلم أن يكون احتفاؤه بزبائنه الجدد يجعل الطبيب يميل برأسه الالمعين ،الئقًا بهم ،فبدأ يهرول بجثته الضخمة ،بعيدًا عن الشاب وهو يتكلم، وطولـه الفارع ،وشاربه الكَثّ ؛ لتوضيب (القاعدة) وحركة ال شعورية جعلته يضع أصابع يده بالقرب بنفسه. من أنفه. بدأ يشخط وينطر في صبيانه وعمالـه من أجل سألـه الطبيب :م َّم تشتكي؟ سرعة تلبية أوامر البكوات. قال الشاب بكل ثقة: ور ّدًا للتحية المبالغ فيها ،طلب منه المشاهير مجرد أفكار (خاطئة) يا دكتور ،أحيانًا يتهيأ لي أن يشاركهم (القعدة). بأن شكلي وحش ..وأحيانًا يتهيأ لي بأن (رائحتي) من فرحته جلس على أق��رب مقعد ،ولكنه لم كريهة.... ينتبه إلى أن أحد صبيانه كان قد حرّكه قليالً.. قاطعه الطبيب منفعالً: فسقط المِ علّم ..وضاع (البريستيج)!
إال واحدة! دَخَ لت العيادة النفسية متوجسة.. صاح الجميع فى وجهها: أخرجى برّه! إال واحدة.. ألحّ ت فى أن تُفسح لـها مكانًا ..بل أن تمنحها مكانها ..اطمأنت لـها وجلست.. فوجئت بالفتاة تجلس على ركبتيها وتحتضنها فى لطف وتغمرها بوابل من القبل! *
56
قاص من مصر.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ال يا بني ..أؤكد لك ،بأنك لست مريضاً!..
لمعــة قال المدير لسكرتيرته: هل تتزوجيني يا عسل؟ ثم ق��ال -وه��و يصف عينيها لحظة سماعها للنبأ :-إن عينيها كانتا تلمعان (فرحً ا). وب��ع��د خ��م��س س��ن��وات م��ن ال����زواج اك��ت��ش��ف أن عينيها كانتا تلمعان (طمعًا). وبعد عشر سنوات (دمعت) عيناه ندما!..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
وميضي اخلوف > محمد صباح احلواصلي*
ما إن غربت شمس القرى البعيدة ،حتى اجتاحت الظلمة قرية «قلدون» التي تهجع نائية وراء المدى المنسي ،بعيدا عن الطريق العام الذي يصل دمشق بالنبك .ظلمة هادئة لم آلفها في مدينتي دمشق .وهذا ما زاد من قلقي وخوفي على أخي ماجد الذي خرج مع إبراهيم ابن العم عطا إلى البرية من باكورة الصباح. قلت للعم عطا وكان قد وصل لتوه من الكرم: «ماجد وإبراهيم لم يعودا من البرية!»
أن يكون في كالمه الكثير من الصحة والصدق. تبعته وهو يُدخل حماره الحظيرة ،وجعلت أرقبه
وه���و ي��ف��ك س��رج��ه ال��م��ه��ت��رئ ،وق���د ام��ت�لأ أنفي
لم يب ُد عليه القلق ،بل اكتفى بأن أشار بيده برائحة التبن وروث ال��دواب .قال لي وهو يدفع بحركة متعبة قائال: السرج من على ظهر الحمار: «حيرجعوا ..ما تنشغل». «أنا خائف عليهما من الليل والذئاب». «الليل ال يخيف ..والدرب آمنة». ن��ث��ر ك�ل�ام ال��ع��م ع��ط��ا ف��ي ن��ف��س��ي ش��ي��ئ��ا من االطمئنان ،فهو فالح خبر قريته وليلها ،وال بد
«ال��ل��ي��ل ال يخيف .أن��ت��م فقط أه��ل المدينة
تجعلونه مخيفا .نحن الفالحين ال نخاف من ال��ل��ي��ل؛ ألن��ن��ا ن��ع��رف��ه ج��ي��دا وأل��ف��ن��ا ظلمته .أما
أنتم فتخافون من الليل؛ ألنكم ال تعرفونه .لقد بددتموه ب��األن��وار ..فأصبحتم ال تعرفونه على
حقيقته ،وع��ن��دم��ا تلقونه ف��ي ال��ق��ري��ة بظلمته
اجلوبة -شتاء 1432هـ 57
«لننتظر مجيء ماجد وإبراهيم كي يتعشيا وهدوئه ،تحسبونه وحشاً سيفترسكم. كنت ف��ي س��ن أس��م��ع فيه ك��ث��ي��را ،وأت��ق��ب��ل ما معنا». «سيعودان قبل أن تنتهي أم إبراهيم من إعداد أسمع ،وما أقل ما أقول .وأنا اآلن عندما أعود بذاكرتي إلى الطفولة أجد تلك الليلة القروية العشاء». ماثلة أمامي بوضوح محرِّض ..وكأنها تتباهى عجبت لوثوق العم عطا من عودتهما .وثوق بسلطانها على طفولتي ،وبتميزها عن كثير من يدل على أنه ال مكانة للقلق في صدره ..فتمنيت الذكريات. أن أكون مثله ،رجال ال يخاف الليل وال يقلقه. ُعرف جعلت أق��ل��ب ك�لام ال��ع��م ع��ط��ا ،ال���ذي ي ُ بين أهلي بالبساطة والسذاجة أحيانا ،فوجدته معلما نادر المثال .لقد تعلمت منه كيف أتغلب على الخوف ..وأن الليل جميل وآمن .كنت أنصت إليه بامتثال ،وهو يحدثني عن الظالم .وعندما أسترج ُع كلماته اآلن أشعر بفرادتها ،وأعجب كيف ت��ص��در ع��ن ق���روي بسيط .ك��ان��ت تجربته الخالصة هي التي تنطق فيه .فالعم عطا يقول ما يجرب ويرى ويحس ..فالح خبر الليل ودروبه، واه��ت��دى بقمره ونجومه ..وأدرك بأعماقه أنه أليف وآمن. «ولماذا نخاف الليل يا ولدي؟» قلت له وكان واضحا أنني ألتمس منه إجابة تبدد خوفي من الليل: «ألن الجان تخرج في الليل».ضحك ال��ع��م عطا م��لء ش��دق��ي��ه ،وق���ال وهو ينظر إليَّ مستنكرا بعينين صقريتين ..بيد أنهما مترعتان بالحب والبساطة: « يا بني ..وماذا ستفعل الجان بالفالحينالبسطاء؟ إننا نتعب ونشقى طوال النهار لنحصل على لقمة العيش ،فماذا تريد الجان منا؟ «ثم ضحك وأمسك بيدي ون��ادى « :يا أم إبراهيم.. أعدِّي العشاء ،فضيفنا جائع».
58
اجلوبة -شتاء 1432هـ
دخ���ل ال��ع��م ع��ط��ا ال��ح��ج��رة ،ف��وج��دت نفسي وحيدا في عتمة حوش ال��دار الذي تسرب إليه نور مصباح الكاز من نافذة الحجرة ،نور ضئيل يكاد ال يبين ،بيد أنه يؤنس النفس ويشيع فيها االطمئنان .بلغت باب الحوش الخارجي وجعلت أرم��ق��ه ب��ت��ردد .بلعت ري��ق��ي ورف��ع��ت ن��ظ��ري إلى السماء .كانت النجوم تبرق واضحة ..وقد بدا القمر وكأنه يترقب مني أن أقوم بالخطوة التالية. ويشق صوت العم عطا سكون الليل: ���ش ح����ول ال�����دار ري��ث��م��ا ينتهي «أخ�����رج وت���م َّ العشاء». التفتُّ إلى مصدر الصوت وقلت بنبرة تتظاهر بالشجاعة: «حاضر يا عم عطا ..سأفعل». دفعت رتاج الباب الخشبي وخرجت .صدمتني ظلمة حالكة .أمعنت النظر في الديجور ..فتملكني إحساس أن ال محيد عن الخوف .عجبت كيف ٌ أن العم عطا ال يخاف الليل .أت��راه ك��ان يهذي عندما حدثني عن أم��ن الليل وه��دوئ��ه؟ هدوؤه بالذات يضاعف إحساسي بالخوف ،فلو كان ثمة حركة آدمية من حولي لما خفت خوفي هذا .لكن هذا كله لم يمنعني من أن أقوم بالخطوة التالية.. وقد أرهفت سمعي تأهبا ألي مباغتة تنشب في
الظالم .ظللت أتقدم إلى أن غرقت في العتمة. كنت أسمع خطوات قدمي وهما تدوسان تراب األرض المحصاة .كانت خطواتي أنيسي الوحيد. كل خطوة فيها من اإلقدام والشجاعة ما ال عهد لي به من قبل .لم أكف عن التقدم ،وكان خوفي ح��اول��ت أن أرف���ع ق��دم��ي ف��ل��م أس��ت��ط��ع .لقد يتعاظم ،وكنت أنتظر اللحظة التي سينعدم فيها أمسيت عاجزاً عن أن أتقدم خطوة واحدة .ولكن الخوف في داخلي ،لهذا كنت أردد كلمات العم عليَّ أ ّال أستسلم .يجب أن أخطو بكل شجاعة عطا ..أردده���ا ألنني آمنت بها ،ول��و كنت غير ول��و ك��ان ه�لاك��ي .ب��ل يجب أن أرك��ض ف��ي قلب مؤمن بها لما عرَّضت نفسي لهذه المجازفة. الليل ،ولن أتنازل عن هذه التجربة العظيمة التي لقد تجاوزت قلقي على أخي وإبراهيم .وكيف ستجعلني رجال. ال أتجاوزه وقد أصبحت بنفسي مطوقاً بالخوف. وفعال خَ ��طَ ��وت ..بل هَ مَمت أن أرك��ض! وما شعرت وكأنني قد قضيت وقتا طويال في أعماق أروع تلك اللحظة التي بدا األمر فيها في غاية الليل ،وأن��ن��ي ال ب��د أن أك��ون ق��د ابتعدت كثيرا السهولة .ركضتُ وعانقتُ الليل بانتشاء! أحسستُ عن ال��دار .التفت خلفي ألرى بوابة الحوش ال أنني فُ��زتُ بالرجولة ..فغنيتُ ..غنيت بصوت تبتعد عني إال بضعة أمتار .أخذت نفسا عميقاً ،عال .ثم جاءت اللحظة التي كنت منصرفاً عنها ووطدت العزم على أن أثابر على تحدي الخوف على الرغم من أنني كنت أنتظرها بفارغ الصبر.. م��ن ال��ظ�لام .ال��ل��ي��ل ك��م��ا ق���ال ل��ي ال��ع��م ع��ط��ا ال فقد تناهى إليَّ من بعيد صوت ماجد وإبراهيم يخيف ..إنما نحن الذين نجعله مخيفاً. وهما يغنيان.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
وتسمرت قدماي في األرض من شدة الخوف. كادت تنهار خطواتي كلها التي بذلتها في شرخ الخوف ،ومع ذلك كان ما يزال في أعماقي صوت غير هياب يحثني على أن أتجلد.
جعلت أتقدم خطوات أكثر جرأة ،وال أخفيكم ركضت ص��وب ال��ص��وت وأن��ا أناديهما بفرح أنني كنت خائفاً حتى ال��م��وت ،بيد أنني بدأت عامر: أمقت خوفي ،وانتابتني رغبة صادقة بأن أتحرر «ماجد ..إبراهيم.». منه .كنت أشجع نفسي وأمنيها األماني العراض، وجعلت أردد معهما أغنية الصباح ،واتحدت بأنني لو تغلبت على الخوف من الليل ،فإنني ال أصواتنا النحيلة في عمق العتمة. محالة سأصبح أكثر صبيان الحارة شجاعة. ومن بعيد -من بعيد حقا -جاءنا نداء العم وصرف ٌ وجعلت أغني ..ففي الغناء مؤانس ٌة للخوف .وجدت نفسي أردد أغنية كنا أنا وماجد عطا: وإب��راه��ي��م نغنيها عند الصباح ال��ب��اك��ر ..ونحن «يا أوالد ..تعالوا للعشاء». ممتطون ظهر حمار عطا قاصدين أشجار الجوز وبصوت واحد صرخنا ثالثتنا: عند م��ش��ارف ال��ق��ري��ة .وبغتة تناهى إل���يَّ عواء «إننا قادمون». ذئب تبعه نباح كالب ،فانقطع الغناء في حلقي، *
قاص من سوريا.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 59
أغنية في وجه اخلناجر > الشاعر شتيوي الغيثي* ح���دّ ث���ي���ن���ي ع�����ن ال�����ه�����وى حدثيني �������ع خ����دّ ي وازرع���������ي قُ ���ب���ل���ةً ع���ل���ى دم ِ وأع�����ي�����ري ال����م����س����اء ل����ون���� ًا ج����دي����د ًا جميل ٍ واج��ع��ل��ي��ن��ي أص���ح���و ك��ط��ف��ل ����د) أن�����ا س���أح���ي���ا طوي ًال م���ث���ل (ن����ج ٍ ������ت أح���ل���ى قِ ����دِّ ي����س����ةٍ ف����ي حياتي أن ِ ����ك �������أي ش�����يء أن����ادي ِ ����ت أدري ب ِّ ل����س ُ ��������ت ف�����ي خ��ل�اي����ا ف�������ؤادي ق�����ط�����رةٌ أن ِ �������ت ف�����ي رم�������ال ضميري ن���خ���ل���ةٌ أن ِ أن������ت أن�������دى ق���ص���ي���دة ف����ي ح���روف���ي ب���ي���ن ع���ي���ن���ي���ك واح��������ة م�����ن ض���ي���اءٍ أب����ح����ر ال����ح����ب ن���ح���و م���ي���ن���اء قلبي ف���ي ص��خ��ور ال���ه���وى ن��ق��ش ُ��ت حروفي ك�����ل ع����ص����رٍ غ����نّ����ى ب���ح���ب���ك ش����ع����ر ًا ع��لّ��م��ي��ن��ي ك��ي��ف ال��ع��ص��اف��ي��ر تبكي؟! خ��ن��ق��وا ال��ب��ل��ب��ل ال�����ذي ف���ي لساني ذب����ح����ون����ي (رب�����ع�����ي) ب��ل�ا أي ُج������رمٍ �����ي ال�����ه�����وى أن����������ا ..غ����ي����ر أنّ�����ي ع�����رب ُّ ����ح ��������ي أن����������ا ل�����س�����ان�����ي ف����ص����ي ٌ ع��������رب ٌّ َض���يّ���عَ���تْ���ن���ي ال���ح���ي���ا ُة ش����رق���� ًا وغ���رب��� ًا ����د ح���ي���ن ت��ب��ق��ى ال���ح���ي���اة أح����ج����ار رن ٍ ���ن (دَثّ ������رِ ي������ن������ي) ف��������إنّ ق���ل���ب���ي ح���زي ٌ ���ض ك�����ت�����بَ ال�����ل�����ه أن ن�����ك�����ون ل���ب���ع ٍ *
60
شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
السنين ِ ي����ا ح��ن��ي��ن��ي وي������ا ح���ن���ي���ن ازرع������ي������ه������ا ل����ي����س����ت����ري����ح ج���ن���ون���ي الجفون ِ ف��ال��م��س��اءُ ال��ج��م��ي��ل ف����وق غ����س����ل����وا وج�����ه�����ه ب�����م�����اء ال���ح���ن���ي ِ���ن ح��ي��ن ف���ي ال���ح���ب دائ���م��� ًا تمطريني ف���اس���ك���ن���ي ف����ي ق���ص���ي���دت���ي وعيوني ���ون؟! ب����زه����ر ال����ح����ي����اة ،أم ب���ال���غ���ص ِ ������������������زال ي�����ح�����ت�����ل ك��������ل ع����ري����ن����ي ٌ وغ �����ون ف�����اس�����ت�����ق�����ري ك�����غ�����اب�����ة ال�����زي�����ت ِ ���زون أن�����ت ل���ح���ن ف����ي ص���وت���ي ال���م���ح ِ ����ون �������اك ع�����ط�����رٌ م������ن ال����ل����ي����م ِ وش�������ف ِ ف���ل���م���اذا ال ت��ص��ب��ح��ي��ن سفيني؟! ك�������لُّ ن����ق����ش ت���������ذوب ف����ي����ه سنيني ����رون ه����و ع����ص����ري وع����ص����ر ك����ل ال����ق ِ ���ن ف������أن������ا ب�����ي�����ن ن�����اس�����ن�����ا ك���س���ج���ي ِ وع�����ل�����ى ج�������ذع ح���ل���م���ن���ا صلبوني ف���ل���م���اذا ي�����ا(ع�����زوت�����ي) ذب���ح���ون���ي؟! ب�����ال�����رم�����اح ال����ت����ي م����ع����ي طعنوني ف����ل����م����اذا م�����ن أرض�����ن�����ا ط�����ردون�����ي؟! و َْح������������ َد ُه ق���ل���بُ���ك ال�������ذي يحتويني بالمجنون ِ ي���س���ت���وي ال����ع����اق����ل����ون وأن�����ا ال����ح����زنُ ف���ي ع���ي���ون ال���ح���زي���ن ِ ف���ت���ع���ال���ي ي������ا م���ن���ي���ت���ي عانقيني
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
بكائية آلخر الليل > د .يوسف العارف* ( ...)1وكم من الوقت يمضي
وأغصان قلب نمت باتجاه
ونحن نجدد أنفاسنا في الهزيع األخير..
المواجع،
قول من الليل ،في النسق اآلفل ذاتَ ٍ وف��ي اللغة – إل –كانت بريدا بيننا ،في آخر الليل، وأول هذا المساء المتفرد.. بالوجع األليم!! ( ..)2
وكم من الوقت شاخ؟!.
حتى طواها األفول!! ( ..)3وكم ظل ينسجنا الوقت في غيِّهِ .. فاستحالت رؤانا بكاءً .. يدوزنه آخر الليل ،تحكيه آالمنا.. في الهزيع األخير..
وشاخت سنابله ،ذلك الوقت
وتحمله أوجاعنا كي نغيب..
المتاح ألسئلة الوجع الليلكي!!
ولكننا ال نغيب!!
وشاخت بنا مفردات التأمل ،حتى غدت هذه المفردات حطاما، وشاخت بالبل كانت تجيء صباحا فيورق منها الهديل...
( ...)4هزيع أخير ،ونحن نلملم أوجاعنا.. نكتبها خلسة.. علَّ فيض ًا من الله يحملنا..
ولكنها لم تعد تُموسقُ ذاك..
للفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء
الهديل على شجر الروح..
الرحيب!!
*
شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 61
دائرة البوح > حمدي هاشم حسانني* ال أنت ريح وال
وشادية الحمام
عيناك مدخل بهجتي
في مزارات البنفسج
قدبُحت قبلك للبراح
أنت جالسة
جلست ممتلئا هوى
فهال تفتحين الباب..
وزفرت وجدا دافئا
كي يأتي المحب
وحكيت قصتنا معا فاخضر ريحان األسى وتبدل الغيم العقيم فصار يمطر في شعابي ما أشاء.. أنا أحبك.. لم يعد في العمر غير نُسيمة و ُبعَيض أنفاس ٍ أحبك
حتى أرى رقص العبير على الغدير.. تبسمي ّ كي تضحك األشجار لي.. أرجوك.. ال ..ال ترحلي.. فمواكب الشمس استعدت
آخر الكلمات عندي
كي تبثك نبض لهفتها
فاشهدي ميالد بوحي
أجيبي
وارقبي لحظات فرحي
أنت ريح
وادخلي صرحي ونامي
أم نسيم
أنت مرفأ لهفتي الجذلى
غاب عني ثم عاد
*
62
تحركي..
شاعر من مصر.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
في حرائق ِاجلراح ِ تـتـفجـر ُ األسئلة َّ > عبدالله األقزم* لماذا
فوقَ أسئلتي
صراخها الدَّ امي ِ وخلف َ
في حصار الجوع ِ
تفاصيلَ الشذا اآلتي
َـت قد ُخـن ِـق ْ
الغرس ِ لها في
عت تجمَّ ِ
فلسطينُ
تمكين ٌ
لماذا
وتوطينُ
كلُّ ما فيها
لها في كلِّ قافلةٍ
مساجينُ
منَ الينبوع ِ
لماذا
سواعد األبطال ِ ِ فوقَ
فلمْ تـُسحَ قْ
فوقَ كـفـَّيها
وتدوين ٌ تلوين ٌ
عت تـق َّـط ِ
وتلحينُ
بعاصفةٍ
الشرايينُ َّ
فلسطين ٌ
الصبرُ يزرعُ ها لماذا َّ
معي نهران ِ
الفقري ِّ وفوقَ عمودِ ها
قدْ ُج ِمعَا على قلبي
أما َم الخطوةِ األولى
عت قد زُرِ ْ
وما لهما
سـتـُشرقُ
سكاكينُ
العشاق ِ َّ بغير تالوةِ
لماذا
األحضان ِ في
سياط القمع ِ ِ ِمنْ
سياط القمع ِ ِ في
تدريب ٌ
لمْ تـُطفأ لها قيمٌ
وتمرينُ
ولمْ يُ خمدْ
لقطات صولتِ ها ِ وفي
لها دينُ
َّحت تـفـتـ ِ
ستبقى
الرَّ ياحينُ
*
الماليينُ عالمها وكلُّ جراح ِ نبضات قاحلةٍ ِ على بساتينُ
ـقت ومن ألوانِ ها انبث ْ ِ دواوينُ
أسئلة ٌ وفي األخرى إجابات ٌ وبـينهما فلسطينُ
شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 63
ميالد حب > جناة املاجد* م����ن ب���ع���د م����ا وج�����د ال�����ف�����ؤاد ال����ف����ارس أض���ح���ى ظ��ل�ام ال��ل��ي��ل ع���ن���دي مشمسا وغ�����������دوت أن�����ظ�����م ف������ي ه����������واه ق����ل���اد ًة ي���ن���س���اب م���ن���ه���ا ال����ح����ب زه�������را أملسا أن�������ا ي�����ا ح���ب���ي���ب���ي ك���ل���م���ا ه�����ب الصبا ول��م��ح��ت ط��ي��ف��ك ص����ار ق��ل��ب��ي أخرسا أرن���������و إل�����ي�����ك وأب����ت����غ����ي����ك لمهجتي ي�����ا م�����ن ه��������واه ك���س���ا ف���������ؤادي ملبسا أل���ج���م���ت ع���ق���ل���ي ب����ال����غ����رام وص���اب���ن���ي س���ه���م ال����ع����ي����ون ال������ذاب���ل��ات الناعسة ف���ت���ع���ط���ل���ت ل����غ����ة ال�����ك��ل��ام وأص���ب���ح���ت ع���ي���ن���اي ت��ن��ط��ق وال����ح����واج����ب هامسة دع�����ن�����ي ب����ق����رب����ك ل���ح���ظ���ة ي������ا آس������ري دع����ن����ي أرف��������رف ف����ي س���م���ائ���ك ن���ورس���ا دع����ن����ي أص�����وغ�����ك ب���ال���م���ع���ان���ي روض�����ة دع��ن��ي أح��ب��ك ف��ي ال��ص��ب��اح وف���ي المسا دع����ن����ي وخ�����ذن�����ي ف�����ي ي���م���ي���ن���ك زه�����رة ث����م اس���ق���ن���ي م����ن ن���ه���ر ح���ب���ك ملمسا ف���ي دفء ح��ض��ن��ك أس��ت��ط��ي��ب إقامتي ي�����ا م�����ن غ��������دوت ل���ن���ش���وت���ي متنفسا دع����ن����ي ح���ب���ي���ب���ي ف�����ي رح�����اب�����ك ساعة تُ��ج��ل��ي ال���ه���م���وم تُ��م��ي��ط أس������وار األس���ى إن ج���ئ���ت ن���ح���وي ص�����ار ق��ل��ب��ي مثمرا وإذا رح�����ل�����ت ي���ص���ي���ر ق���ل���ب���ي يابسا *
64
شاعرة من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ِ أرحلت..؟! > الدكتورة نسرين ثاني احلميد* ي�����ا «أم أح�������م�������د»( )1ك���ل���م���ا م������رت بنا
ذك���������راك ف������اض ال���ق���ل���ب م�����ن ذك������راك
أرح������ل������ت؟! ح����اض����رة ه����ن����اك وأينما
ت����خ����ط����و خ�����ط�����ان�����ا ال ن���������رى إالك
م��ل�أ امل����ك����ان ح����ض����ور ف����ق����دك مثلما
م����ل���أت ع�����ي�����ون احل�����اض�����ري�����ن رؤاك
�����ر ِبح ِّينا ب����األم����س ع���ي���د ال���ف���ط���ر م َّ �����د م����رن����ا؟! ف����ال����ي����وم ال ن��������دري أع�����ي ٌ
وال������ي������وم ج�������اء ال����ع����ي����د ك�����ي ينعاك أم ش����ب����ه ع����ي����د ح���ي��ن ال ن����ل����ق����اك!
ن��س��ي��ت م���راك���ب���ن���ا ش�����واط�����يء عيدها
مب���������������رارة وال������ع������ي������د ل��������ن ي����ن����س����اك
آث������رت ذك�����ر ال���ل���ه ف����ي ج���ن���ح ال���دج���ى
وأج�������ب�������ت ب�������ارئ�������ك ال�����������ذي ن���������اداك
وف������راش������ك امل����ك����ل����وم ي���ن���ت���ظ���ر امل���س���ا
آي ال������ه������دى ت����ت����ل����و ب����ه����ا ش���ف���ت���اك
وح���ط���ام ط��ف��ل ل���م ي��ج��د م���ن موقظ
ل������ص���ل��اة ف�����ج�����ر ح���ي���ن غ���������اب ن�������داك
���ك ج����ارف ال����ي����وم ف�����اض ح���ن�ي�ن ط���ف���ل ِ
ي�����ب�����ك�����ي ..مت�����ن�����ى خ����ل����س����ة ل���ق���ي���اك
خ���ل���ص���ت ب����ه األش���������واق ب���ع���د ت���ق���اذف
جل���������وار ق�����ب�����رك ي���ح���ت���م���ي ب���ح���م���اك
ورم�����ى ب��ه��ي��ك��ل��ه ال��ص��غ��ي��ر ع��ل��ى الثرى
أم�����ل����ا ب����������أن حت�����ي��ي��ن أو ي����ل����ق����اك
وت���ق���اس���م���ت ش�����ك�����واه ح����ب����ات ال���ث���رى
ف����ان����س����اب����ت ال����ك����ث����ب����ان دم�����ع�����ا ب���اك���ي
ورن���������ا ب�����ط�����رف دام���������ع ن����ح����و السما
ل�����ي�����راك ك���ال���ق���ن���دي���ل ف�����ي األف���ل���اك
وه����ن����اك م����ن س���ه���ر ال���ل���ي���ال���ي داع���ي���ا
ب�����ج�����ن�����ان ف���������������ردوس حل����ي���ن ل����ق����اك
�������س ح���م���ائ���م رحمة ط�������ارت ع���ل���ى رم ٍ
وس�����ق�����ى ال����غ����ف����ور ب���ف���ض���ل���ه م����ث����واك
وجت�����������اوز ال�����رح�����م�����ن ع����ن����ك ب���ع���ف���وه
ل����ت����ن����ال ب�����ي َ ����ف يمُ����ن����اك �����ض ص����ح����ائ ٍ
* شاعرة من الجوف -أكاديمية في جامعة األميرة نورة بالرياض. ( ) 1القصيدة قيلت رثا ًء للمغفور لها بإذن الله بدرية بنت خالد الحميد (أم أحمد).
اجلوبة -شتاء 1432هـ 65
إلى عمر اخليام ..أغنية ورسالة > سليمان عبد العزيز العتيق*
1ـ ـ األغنية ل��و ف��ي س��م��اءِ العاشقينَ غمامة ٌ نثرتْ م��دام�� َع وج ِ��ده��ا ف��وقَ الزه ْر ل��و ف��ي ف����ؤادِ ك تستظلُ ح��م��ام��ة ٌ ��ات من الشج ْر وتحط ف��وقَ ال��وارف ِ ُ ل���و أن ب��س��ت��ا َن ال���ت���وك ِ���ل والرضا قد عانقتْك غصونُه تحتَ المط ْر ل��و أن وه���جَ الشمس ِ ش��عْ ضياؤه ��ات أن�����وارِ القم ْر ���ت س��ب��ح ُ و َت���دف���ق ْ ل����و أن ق���ل���ب���ك رت����ل����ت خفقاتُه س��ب��ح��ان خ��ال��ق ك���ل ش���ئ ف���ي قد ْر ��ات الرجا القلب دوح ُ ِ لنمت بذاك ْ ���ت آم���ال���هُ ���ا أح���ل���ى الثم ْر وألي���ن���ع ْ
2ـ ـ الرسالة يا حاملَ المصباح ِ العواصف يا عم ْر ِ قلب في ِ هل في الرياح ِ ذبالة ٌ السرى درب ُ تهديك في ِ في كوةِ الليل ِ وفي ظلماتِ ه باب المُ نحد ْر أو عند ِ الريحُ واألمواج ... والليلُ البهيمُ متاهة ٌ وأراك يا خيامُ يُ ثقلك الضج ْر سكرا َن ال تبَغي من الدُ نيا ِسوى
66
اجلوبة -شتاء 1432هـ
كأس ِ الحميا والسهر ألقت بك األهواءُ في غَ مراتِ ها ْ آهات الغوايةِ والكد ْر مابين ِ الموت يقتُ لك الظمَ ى ِ بباب قمتَ ِ وسؤالُك الحيرانُ يُ ِلقمُ ك الحج ْر القلب ْ انظر بعين ِ وعين ِ العقلْ وانظ ْر وأمعن بالنظ ْر أوقف رحالَك عند واجهةِ البحر ْ كم تحتَ هذا الماءِ من غيب ٍ طوى وبرقصةِ األمواج ِ سرٌ مُ ستتر يلقاك القم ْر َ األفالك ِ وبدورةِ يسري كوجهِ مليحة ٍ عامت على سطح ِ النه ْر ْ وسط السكونْ أنصت لوقعْ خطا ُه في ِ ْ يضفي ردا َء النور ِ في سبحاته ِ السهوب ْ فوقَ فوقَ التاللْ فوقَ الجبالْ والحزُ ون فوقَ الروابي ُ بدايات الده ْر ِ متدفقا ً منذُ وانظ ْر وأمعنْ بالنظ ْر للشمس ِ تمَ ضي تجدلُ األيا َم في خطواتِ ها مداءات السنينْ ِ عب َر وبلُجةِ األزمان ِ تُمعن بالسف ْر وشاحها ِ َلف دُ نيانا بنورِ وت ُ
* شاعر من السعودية ** سورة القمر
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
وبحضنِ ها الدافي تضمُ العالمين ُ عشقا ً تدفقَ ضوؤها والتمنُ وال تخونْ وبجوفِ ها النائي جحيم ٌ يستع ْر وانظ ْر لذاتِ ك آية ً كل العب ْر تُغنيك عن ِ للقلب يخفقُ بالحنينْ ِ لسمعك والبص ْر ِ وانظ ْر وانظ ْر لناعسة ِ العيونْ والجيد ِ والخد ِ المورد ِ والنح ْر قد صاغها الخالقُ من ماءٍ مَ هين الترائب والظه ْر ِ بين خفقات طينْ ِ ثم بَراها اللهُ من فانظ ْر وأمعنْ بالنظر للماء ِ يجري حامال ً س َر الحياة إلى الشجر َراري للوحش ِ يرتعُ في الب ْ والطير ِ يَشدو بالسحر َض ْت للعاصفات تَراك َ ِ الحزونْ بين الفجاج ِ وفي ُ عانقت ْ وللفراشة ِ أزها َر وارفة ِ الغُ صون وانظر وأمعن بالنظر في كل ِ فج ٍ أنتَ سالِ كُ ه ُ وبكل ناحية ٍ وحين خاطرة ٍ تمر وبكل ِ تَلقاكَ يا خيامُ آية ُ حكمةٍ ُتنْبِ يك عن صدق ِ الخبر ما كنتَ حيرانَ ولكن الهوى اللذات دأبُك يا عمر ِ وتعجلَ
هل تَعتذر لك ال عذ َر ْ الفلك ْ دارات أألنَ عقلك قد تَسك َع في مَ ِ وأقمت دهرا ً تطرقُ البابَ الذي أذهلك ْ قد متاهات الغَوى ِ وأضعْ تَ صبرَك في َ أعجلك ! ْ ما لك ال عذر ْ كأس مُ دامة ٍ هل كان َ لك النظ ْر كف غانية ٍ تُبادِ َ في ِ أشعَلك قد ْ في روضةِ العشاق قالت للهوى أجملك ْ يا صاحبي ما يا عاشقي ما أعذبك ّكت العشب قالت وات ْ ِ فوق فراش لك إني أحبُك َهيتَ ْ إليك بدلِ ها وداللِ ها َ أوحت ْ ذات المالحةِ والحو ْر ُ أن تعتذرْ؟ ال تعتذ ْر ال عذ َر كونَ الس ِّر عن غلك أش ْ وجدك ْ خطرات ِ ِ انظر وأمعن بالنظر َعابث ما كان هذا الكونُ لعبة ٍ بساعات السمر ِ يلهو شرقت ْ بل آية ٌ قد أ أفحمت ْ قد ألهمت قد العقول بصنعها ِ أذهلت كلَ ْ قد (وكلُ أمر ٍ مستقرْ)** فل َتنْتظ ْر فل َت ْنتَظ ْر
اجلوبة -شتاء 1432هـ 67
«عندما تطمح املرأة»
اإلماراتي سلطان الزعابي للروائي ّ ّ > هيثم حسني*
تشهد الرواية الخليجيّة انتعاش ًا بيّناً ،يتوافق مع انتعاش المجتمع ،وتغيّر نمط المَعيشة ،ي��ؤكّ��د ه��ذا ال��ت��ق��دّ م ظهور ع��دد م��ن ال��روائ��يّ��ي��ن الشباب ف��ي مختلف الدول الخليجيّة .يبرز في اإلمارات الروائيّ الشابّ سلطان الزعابيّ الذي يتبدّ ى ملتزم ًا في طروحاته ورؤاه الروائيّة.. ي���ح���اول ال����روائ����يّ اإلم����ارات����يّ سلطان عندما تطمح المرأة..؟ هل يمكن الحديث الزعابيّ في روايته «عندما تطمح المرأة» ،عن أيّ تغيير منشود ،من دون أن يكون هذا (م��ؤسّ��س��ة م��ح��مّ��د ب��ن راش����د آل مكتوم ،التغيير مرفوقاً ومتوازياً بإفساح المجال ثقافة للنشر ،اإلم���ارات) ،مقاربة جوانب للمرأة كي تحقّق طموحاتها ،ومساعدتها
من حياة المجتمع في اإلمارات ،عبر عدّة على ذل��ك ،والسيّما في المجتمعات التي
شخصيّات تتنقّل في أمكنة مختلفة؛ من تدأب في البحث عن تق ّدم مأمول..؟ هل يحط ّ هذه الشخصيّات الفاعلة« :حميد ،دانة ،يمكن للمرأة أن تطمح في مجتمع شذى ،منى ،سلطان ،عبيد ،محمّد ،خالد،
شيخة ،عبدالله ،علياء .»...يقدّم الزعابيّ مقترحات روائيّة على أسئلة كثيرة ،تدور
68
من قيمتها وشأنها ،وال يترك لها ح ّريّة
اختيار ما يتوافق مع إمكانيّاتها وطموحاتها وطاقاتها..؟
في أذهان الناس ،من قبيل :ما الذي يحدث
نقرأ في الفصل األوّل مساجلة بين خالد
عندما تطمح ال���م���رأة..؟ م��ا ال���ذي يتغيّر
ومحمّد؛ الزوجين اللذين ينتظران قدوم
اجلوبة -شتاء 1432هـ
وت�������دور ال���م���س���اج���ل���ة حول
ال��م��ج��ت��م��ع ب��ك��ام��ل��ه مسهماً
الرغبة ف��ي ق��دوم طفلة أم
ف��ي عملية ال��ب��ن��اء ،أي أنّ
ال؛ تنتهي المساجلة لصالح
المجتمع بحاجة إلى طاقات
محمّد الذي يقنع خالداً أنّ
جميع أفراده ،رجاالً ونساء،
المرأة هي العمود الفقريّ
إذ ي���دع���و ال����ك����ات����ب ،عبر
ل��ل��م��ج��ت��م��ع ،وي���ح���ثّ���ه على
القصص ال��م��ع��روض ،وفي
التسليم ب��ال��م��ق��دَّ ر ل���ه ،وأن
خلفيّة الحوارات التي تحمل
يكون قنوعاً بما هو نصيبه،
وتستبطن جوانب فكريّة في
يقنعه اعتماداً على النصوص
الكف عن ّ غاية األه ّميّة ،إلى
المق ّدسة ،يخلق عنده تفاؤالً
النظر إلى المرأة على أنّها
بالمستقبل .بالفعل يقتنع
ضلع أعوج ،أو كائن قاصر،
صديقه برأيه ،ويتنازل عن بعض آرائه المتخلّفة،
أو مخلوق ضعيف ...إلى آخر تلك األقاويل ،التي
لكنّه يتفاجأ بعد دقائق بصديقه غير موجود حيث
للحط من أيّ عمل تقوم به ،أو يمكن ّ تحاك حولها،
كان ،وحين يسأل عنه ،يكتشف أنّه قد خرج من
أن تقوم به ،كما أنّ��ه ال يغفل التركيز والتذكير
المشفى من دون أن يُعلمه بذلك ،ما خلق عنده
بسياسة الدولة القائمة على اإلع�لاء من شأن
التساؤالت حول مبادرته تلك ،وظلّت التساؤالت
المرأة ،نقرأ ما يصرّح به عبدالله بسخط حول
تعصف بعقله إلى أن أدرك عدم جدواها طالما
تعيين دانة رئيساً لوحدة تقنيات المعلومات ،بناء
أنّه يجهل الظروف التي دفعته إلى أخذ زوجته
على تعليمات المدير العامّ« :هذا ما كان ينقصنا،
إلى مستشفى آخر ،بحسب ما قيل له.
ام��رأة تلقي علينا محاضرة مطوّلة في التاريخ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
مولوديهما في المستشفى،
أيّ ش��يء من دون أن يكون
العريق ألحوال المرأة ،ومسئول شؤون موظّ فين
يركّز الكاتب على فعل ال��والدة ،تكون الوالدة هي الدائرة الصغيرة التي تخلق دوائر تكبر شيئاً أبله يدعمها بحماسة ..وكأنّها تحفة من هذا فشيئاً ،ذلك أنّ فعل الخلق والتكوين هو األساس ال��زم��ان» .ص .69حيث أنّ السخط الممزوج الذي يت ّم البناء عليه .وال��والدة الفيزيقيّة تقابل وت���وازَى وتتشابك مع والدة رم��زيّ��ة لدولة تقرّر أن يكون لها شأنها الكبير في المنطقة والعالم. وه��ذا ال��ش��أن المشتهى ال يتأتّى م��ن ف���راغ ،بل يحتاج إلى تكاتف وتعاون وعناد في سبيل إنجاز المراد إنجازه ،والمخطّ ط له .وال يمكن إنجاز
ب��ام��ت��ع��اض ي��ح��م��ل ال��ك��ث��ي��ر م���ن وج���ه���ات النظر الفحوليّة التي تحصر المرأة في جوانب بعينها،
لكنّ الدولة تقف في وجه معادي المرأة ،وتنتصر للمرأة في معركة الحياة ..وما استهالل الكاتب بمقولة للشيخ زايد حول حقوق المرأة ،إ ّال إيماناً بما يدعو إليه ،وتعزيزاً لما يؤمن به ،إذ يقول« :إنّ المرأة هي نصف المجتمع ،وهي ربّة البيت ،وال
اجلوبة -شتاء 1432هـ 69
ينبغي لدولة تبني نفسها أن تبقي المرأة نصف
المتواتر إي��ق��ا ٌع بطيء م��وزون بتفصيل وتدقيق
مجتمعها غارقة في ظالم الجهل ،أسيرة ألغالل
على ك ّل حركة أو فكرة ،إذ أنّ الفصول الالحقة
القهر ،مقيّدة مشلولة الحركة». ف��ي رواي����ة «ع��ن��دم��ا تطمح ال���م���رأة» تتقاطع المصائر ،تتطوّر األحداث ،تتغيّر الذهنيّات ،تبلغ المرأة مستويات رفيعة ،تغيّر العالم المحيط بها، ذلك كلّه بفضل طموحها الكبير الساعي لتحقيق ذاتها وكينونتها ،كي تكون منسجمة مع نفسها، مفيدة لمجتمعها ،قادرة على القيام بواجباتها في مجتمع يكفل لها حقوقها وواجباتها ،وال يتهاون مع مَن ينال منها ،أو يسيء إليها. تنتهي ال��رواي��ة نهاية منشودة مشتهاة ،وهي تدبير منحة دراسيّة لدانة كي تستكمل دراساتها
«مجموع الفصول تسعة وأربعون فصالً» تحمل رسائل الكاتب حول الواقع المعالَج المقدَّ م على المتماس مع ّ صفحات الرواية ،الواقع الروائيّ الواقعيّ ،المتقاطع معه ،ذلك أنّ الكاتب يسعى مفصلة عن تطوّر المكان عبر ّ إلى تقديم لقطات سيَر شخصيّات ول��دت وكبرت في هذا المكان الذي ينفتح على كثير من األمكنة ،يحتويها كما يحتوي األشخاص المختلفين المتوجّ هين إليه، الراغبين في االلتذاذ بخيراته. ت��ح��ف��ل ال����رواي����ة ال��ض��خ��م��ة « 344صفحة
العليا ،نظراً لتميّزها وسجلّها الحافل ،بعد سلسلة م��ن القطع الكبير» بالكثير م��ن الموضوعات من العراقيل التي كانت توضع في طريقها .تنظر والوقائع حول جوانب من الحياة االجتماعيّة في دان��ة إل��ى حميد في ت��أثّ��ر ،تشعر بسعادة كبرى اإلمارات .وال يخفى أنّ الروائيّ سلطان الزعابيّ
خاصة ،يهت ّم ّ عندما يطلق عليها «دك��ت��ورة» ،تبتسم بعذوبة ،يولي التفاصيل المدروسة عناية تمدحه بأجمل ما فيه ،ألنّه يغدو كامل الرجولة بها إلى أبعد ح�� ّد ،كأنّه بصدد التحضير لعمل حين إقراره بحقوق المرأة كاملة ،لتكتمل الدائرة، دراميّ ،يخرجه بالمشاهد المكتوبة ،يخلق عند وتحظى المرأة المتمثّلة بدانة المبدعة بفرصة القارئ صورة عمّا يصوّره في روايته ،ما يضفي إلث��ب��ات ذات��ه��ا ،واإلس��ه��ام ف��ي خدمة مجتمعها، على كتابته المصداقيّة والعفويّة ،ويقدّمه روائ ّياً وتقوية نفسها بالعلم والمعرفة ،دون أن يخدش تفوّقها األكاديميّ العلميّ كبرياء الرجل الذي ملتزماً ينه ّم للقضايا العامّة ،بالتوازي مع الحاالت تتغيّر نظرته لألمور بالتقادم والتجارب.. ي�لاح��ظ االن��ت��ق��ال ال��زم��ن��يّ ال��س��ري��ع م��ن قبل ال��ك��ات��ب ف��ي ال��ف��ص��ول األول����ى« ،ال��ف��ص��ل األوّل
1978م ،الفصل الثاني 1986م ،الفصل الثالث 1998م» ،ح��ي��ث ي��ق��اب��ل ه���ذا اإلي���ق���اع الزمنيّ *
70
كاتب من سوريا.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
الفرديّة المتع ّددة التي يق ّدمها في روايته ،هذا على الرغم من بعض المباشرة التي حرص على
تغليفها في ثنايا الحوارات -الحروب الدائرة، وعلى ألسنة شخصيّاته الباحثة عن ذاتها في خض ّم بحر من التغيّرات والتوازنات..
لـ «سارة األزوري»
> سمير أحمد الشريف*
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
لذة االكتشاف في مجموعة «نصف رجل»
تمتح كتابات القاصة «سارة األزوري» من نسغ الواقع، ف��ت��ت��ذوق خ�ل�ال رح��ل��ت��ك م���ع ن��ص��وص��ه��ا م���ذاق���ا خاصا، فاالكتشاف يتيح لك وجبة معرفية بالغوص في أعماق ال��ش��خ��ص��ي��ات ،م��رت��ف��ع��ة ب���ك إل���ى ذرى ال���رم���ز واإليحاء والغرائبية. رحلتك مع نصوص مجموعة «نصف رجل» ،تأخذ بيدك لمعرفة خباياك ..ودقائق حنايا اآلخر ،فترتقي بوعيك. ب��رش��اق��ة ت��أخ��ذك ح���روف ن��ص��وص «نصف زواي���ا تغيبها عتمة التجاهل ،وتغطيها أتربة رجل» لدواخل المخبوء ،وتضيء المسكوت عنه النسيان ،وتساعده في بناء جسر تواصل مع بال افتعال ،لتصل إلى جذور الوجع المدهون النص وكاتبه. بفرشاة الفلسفة التي ترصد الحراك البشري مع نصها «يا ليل طول شوية» ,نجد الكاتبة دون��م��ا م��ب��اش��رة ،ب��ل تترك ل��ك هامشا إلمعان تتفوق ف��ي توظيف ان��زي��اح المعنى المعروف، الفكر والمشاركة في التحليل ..وإعطاء الرأي ب��اس��ت��خ��دام تقنية ال��ح��ل��م ..وم����زج اللقطات وتقليبه ع��ل��ى أك��ث��ر م��ن وج���ه .وب��ع��دس��ة فنية وتداخلها ،وتقنية الفالش باك ،ليصل بنا النص حساسة ترصد ،ممسكة بمحطات التحول التي نهاية مفتوحة ،بعد أن أوحى لنا عنوانه بأمر تالمس الواقع منعكسة على الذات التي يظهر عاطفي ..نراه يالمس قضية اضطراب الطلب، إحساسها المتفرد بالعالم. وقلقه ،وتشتته بين ال��دراس��ة وال��ح��ب ،وخالل
ت��ت��ج��اوز ن��ص��وص «ن��ص��ف رج����ل» تقليدية ال��ط��رح ال��س��ردي إل��ى حركية الفعل وتناميه، عبر مشاهد أق��رب لتقنية السينما ،موظفة عناوين النصوص لتعطي دالالت على فضاء النص الكامل ..مع أنسنة األشياء ،مانحة النص آفاقا تأويلية ،وزوايا نظر متباينة ،واتساع في إمكانات التفسير ،وتضيء في أعماق المتلقي
فترة عمرية حرجة خطيرة ومهمة في تحديد مستقبل الطالب ،ه��ذا الطالب ال��ذي يقضي وقته أسير أحالم اليقظة ،واستذكار الحبيبة، ف��ي��ك��ت��ش��ف ت��ب��خ��ر ال���وق���ت ،وع�����دم استعداده ل�لام��ت��ح��ان ..فيتذكر أس��ت��اذه ال���ذي ال يكتب األسئلة إال ليلة االمتحان ،ويرمي بمسودات ما كتب في حاوية القمامة ،فينطلق مسابقا الريح..
اجلوبة -شتاء 1432هـ 71
يبعثر محتويات الحاوية ،ويتوقف فجأة فاغرا فاه :دهشة وحزنا على عدم وجود م��ا ت��م��ن��ى ..أم ف��رح��ة ب��وج��ود االمتحان كامال؟ هذا ما يتركه النص ليمعن فيه المتلقي تفكيرا.
اإلط����ار ال��ك��اري��ك��ات��وري المضحك درجة الرثاء للمرأة بكل ما في النص من نقد وتهكم وسخرية ،تلك المرأة ال��ت��ي ن��زل��ت ال���س���وق ،واستوقفتها بشاعة صورة ام��رأة ظهرت أمامها فجأة ،فغضبت لمالزمتها لها أينما ذهبت وتحركت ،حتى صحت أخيرا ع��ل��ى ص����وت أح����د زب���ائ���ن المحل يلكمها قائال :يا خالة ،هذه صورتك في المرآة.
جدلية العالقة بين المرأة والرجل، نجدها مبسوطة في نص «نصف رجل»، ل��ن��س��م��ع ص��رخ��ة األن���ث���ى ال��ت��ي ل���م تجد مكافئا لها في ال��زواج ،فتحترق بنيران نذالته وتفاهته« ..هذا النصف رجل ..ال عالم الجن والغرائبية والكوابيس والمسخ ،تتجسد يجيد التعامل مع النساء ،ال مع الروح ..وال مع الجسد، كأني مبولة يفرغ فيها نجاساته» ،لكن الرجل الذي قرر في نص «المسكون» ونص «العيان» ..وإن كان األخير أن يتخلص من زوجته بحرقها ،وجدت جثته في اليوم أكثر رعبا لمالمسة آث��ار الحسد واإلص��اب��ة بالعين التالي خارج المدينة ،وحوله خطوات هالمية شكلت بتوظيف تقنية االسترجاع. دائرة ،في نهاية مفتوحة وسؤال ظل معلقا :من الذي في قسم الكتاب الثاني /القصة القصيرة جدا، قتل الرجل؟ الفن الذي ما زال قابال لمزيد من المناقشة والتقعيد، التعريض بالسحر وال��ش��ع��وذة ونقد متعاطيهما ،وأصبح يفرض نفسه على السرد اإلبداعي التجريبي، محور النص الثالث «كنز العرمجية» لينتهي النص هذا الفن ما زال محتاجا لرأي وخبرة كل من امتلك بمفارقة سوء فهم قاد لسوء فهم آخر ..ولتأتي النهاية أدوات اإلبداع الفنية واللغوية ليضيف جديدا ،حيث لم يقل النقد بعد كلمته النهائية ،ولن يقول ..ما دام هناك مضحكة للمتلقي ،ومخيفة محزنة للخادمة. إبداع وتأليف وتجديد. يطرح نص «عزيز» ثيمة التفكك األسري وخالف في نصوص األس��ت��اذة «س���ارة» تتفاوت النصوص الزوجين بقوة ،وانعكاسات ذلك على األبناء ،موظفا أساليب االستباق واالسترجاع والمونولوج الداخلي ،ط��وال ،لكن عين المتلقي ل��ن تخطئ ذل��ك الغموض وتقنية القصة الدائرية والتشويق والصدمة ،وانزياح الجميل ف��ي نصها «ف��ك��رة» ،وال رم��زي��ة ال��ط��رح في المعنى للعالقة الغامضة ..للعالقة بين حبيبين ،لتكون نصها «تاج» ،وال غرائبية التوظيف المتقن في نصها المفارقة أن اللقاء كان بين أم وابنها الذي ال يستطيع «تالشي». زيارة أمه المتزوجة من غير والده إال في غياب زوج تقودنا هذه السياحة لعوالم كثيرة تستوقفنا في األم الذي ال يرحب بزيارة االبن ألمه في بيته. مجموعة «ن��ص��ف رج���ل» ،وال��ص��ادرة حديثا ع��ن دار م��ع أن ال��ن��ه��اي��ة المفتوحة وال��م��ف��ارق��ة عنصران تشترك فيهما غالبية نصوص مجموعة الكاتبة «سارة األزوري» القصصية ،إال أن السخرية والتهكم لهما نصيب كما يتبدى في نص «حظ المالح» الذي أظهر *
72
كاتب من األردن.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
المفردات للنشر والتوزيع بالرياض 2010م ،لكن ما يقف في المقدمة منها تلك اللذة اآلس��رة من متعة االك��ت��ش��اف ال��ت��ي تخصب وع��ي��ن��ا ،وت��رت��ق��ي بذائقتنا، وتضيف لنا الكثير.
> فريال احلوار*
يقول محمد الفيتوري :إن الشاعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة أشبه بتلك الكائنات المالئكية التي نشاهدها في أحالمنا. من وحي الشعر ،وألق الفكر ،وشذى الورود ..يخرج قنديل أخضر جميل يحمل عنوان (رحلة البدء والمنتهى) ،ديوان جامع ألجمل م��ا كتبه الشاعر د .عبدالعزيز خ��وج��ة .وهو يحمل أسمى المشاعر ،وأنبل ما يجيش بهِ فكر ,وأرقُّ ما يحلم به وج��دان وخيال ،إنه يستمد منابعه من أش��واق قلب حالم وثري بالعاطفة ..جذوره ممتدة في الطبيعة الحالمة بالنورّ ، الملهمة للشعر والشعراء.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
مرافئ ..من ديوان (رحلة البدء واملنتهى)
الشاعر عبدالعزيز خوجة
ف���ي م��رف��أ ال��ع��ش��ق م���ن (رح���ل���ة البدء والمنتهى) ،ننصت ألنغام من الخلد كأنها أ ُِحب ُِك حب ًا فيثرى الوجودُ حنان ًا وسرا من مزامير داوود ،للصورة فيها والكلمة وحرا رأيت الجمال بهي ًا أب ّي ًا ُ ففيك ُ ِ وال���ف���ك���رة وال��ش��ك��ل وال��ع��اط��ف��ة والخيال وعطرا وفيك نَشَ قْ ُت الحياة عبيرا زكي ًا ِ ِ وال��م��ض��م��ون ن��ص��ي��ب م��ن اح��ت��ف��اء ويقظة وشعْ را وفيك َن َهل ُْت الفنو َن لحون ًا ُت َغنّىِ .. ِ الفنان المبدع ،ال��ذي يتجلى في قصيدة ال من وعندما يعيش معاناة ما ..يعود طف ً «قولي نعم»: َ ُك ،تنبعُ األنها ُر في الصخرِ قولي :أُحب َ األصم جديد ،يرتمي بين أحضان من تحبه وتحنو دب ال َعدَم بك ،تورق األزها ُر من حَ ِ قولي :أ ُُّح َ عليه ،وتبقي على ذكره ،هي المرأة/المثال، العاشقة المنتظرةُ في مرفأ الوفاء دائماً، *** ُعطيك باقي العمرِ ال أشكو ال َندَم هي من يلجأ إليها ويقف في محرابها يبث ِ قوليَ :نعَم ،أ نجواه في «اعتراف طفل» يقول: ق��ص��ي��دة رائ���ع���ة ت��ج��ل��ى ف��ي��ه��ا تصوير أُعطي حياتي كي أُصالحها عِ شقاً ،بال شَ ٍك وال ري َِب الشاعر ،وج�لال إحساسه الفني ،وروعة الهرب عبث األنواء ،ال أقوى على ِ هذا أنا ،كالغصن في ِ ت��ع��ب��ي��ره ..ك��أن��ه وش����ي ال���ح���ري���ر ،ونسيج الطرب ِطفل أنا ،في خاطري اجتمعتْ كل المنى في أُفقِ ها ِ البحتري ب��ع��ذوب��ت��ه .وق��د ت��وق��ف الشاعر أنت الوحيد ُة من ألو ُذ بها إن ضَ اقت األيا ُم بالكُ ر َِب ِ ف��ي م��راف��ئ ال��غ��زل ال��م��ت��ع��ددة ليمطرها إن شاعرنا من رجال الفن ال من رجال بذلك الطَّ ل اللطيف ال��ذي يغوي األذواق والمشاعر ،يقول في قصيدة/أ ُحب ُِك:/
اجلوبة -شتاء 1432هـ 73
ال���م���رأة ،ورب��م��ا كانت ال���م���رأة ع��ن��ده جماالً وفناً ،ومعيناً للعبقرية ال إلى واإللهام ،ال سبي ً العبث واللهو ،وبمثل هذه اللذة ينعم رجال الفن ،وبمثل هذا كان الشعراء فوق الناس.
ك��ي تعبر ال��م��رف��أ .ف��ي قصيدة «س��ن��دب��اد» يبحر بنا الشاعر بشراع ال يُعرَفُ منتهاه ،وقلق تعيشه الذات غربة روح ،حيث يقول: تُ��هْ ��تَ ف��ي اإلب��ح��ار ي��ا قلبي طويال وش���راع���ي أخ���ط���أَ ا ُألف������قَ الجميال ك���ل���م���ا َض�������جَ اش���ت���ي���اق���ي ه�����زت ال���ـ ـ���غُ ���ر َب���ة وج���دان���ي ال��ت��ي��اع�� ًا وذه����وال ����رب كَ���مْ خ���ب���روه���ا ع���ن ه����وى مُ ����غْ ���� َت ٍ َب����ع���� َث���� َر ال����عُ ����م���� َر ض���ي���اع��� ًا ورح���ي�ل�ا
*** الصباح ل��و أنَّ���هُ ���مْ ج����اؤوكَ الن�� َب��ل��ج َّ ��وج��هَ��ت��هِ ��مْ رياحْ فيهم ،وم��ا ع��اثَ��تْ بِ ْ
وقد سألتُه يوماً عن الحزن الذي يغلب على شعره! ما دعا األدي��ب الغائب عبدالله الجفري يطلق عليه لقب (شاعر الصهيل الحزين) .فأجاب ق��ائ�لاً :لعل سبب ذلك أنني أتطلب الكمال في الحياة واألشياء، وأبحث عن جمال ال حدود له .وحين ال أجد ما أريد.. أشعر بالخيبةِ ،وأع ُد القضية قضيتي الشخصية .إذاً فبواعث الحزن الذي يتسم به معظم نتاجه ،ليس في الحرمان ،أو الحب الضائع ،وال في فكرة الموت ،إنما هو حزن فكري ..نشأ عن تأمل في أحوال اإلنسانية، ثم انتقل ه��ذا التأمل إل��ى صعيد الحس ،فحفر في القلب جروحاً ال تندمل ،أخذت من بعد ذلك تتدفق آه��ات وأح��زان��اً ..وتلك هي رواي��ة إحساسه المرهف وشاعريته.
أم��ا ف��ي م��رف��أ القلق فتستقبلنا عناوين كبيرة :ال��زوال والخوف والبقاء.. وعلى ال��رغ��م م��ن أن الشاعر عبدالعزيز خوجة إنه الفضاء الكلي الذي تتفاعل فيه الذات اإلبداعية ال يستقر في مكان ،إال أنه يطيل المكوث في مرفأ للشاعر ،مع كل مظهر من الفضاء الكلي الذي تتفاعل الحزن ،في قصيدته «أراد القدر» يقول: فيه الذات اإلبداعية للشاعر ،مع كل مظهر من مظاهره قلب ،حزناً.. المجسدة والتجريدية ،قلق يجعل من الذات المتفاعلة ويمضي بنا العُ مْ رُ يا ُ بمظاهر الكون ذاتاً تتس ُم بشساعة مجال التفاعل وال وقُ لنا أراد ال َق َد ْر «سفْرالخالص»: نهائيته ،حيث يقول في ِ وفي قصيدة «الصهيل الحزين» يقول: ل�����و أ َن������هُ ������م ج������������اؤوُكَ م�����ا شَ ��������دّ وا �����خ�����ط�����ىَ ���������ت م�������ه�������زوم ال ُ وه���������رب ُ ���ض���ي���اع رح�����الَ�����هُ �����مُ إل������ى ج�����هَ�����ةِ ال َّ م��������ا ب�����ي�����ن شَ ��������كِّ ��������ي وال�����ي�����ق�����ي�����نْ ل����و أنّ������هُ ������مْ ...م����ا ت�����اه َربَّ���������انٌ لهم ل������������ك������������نَّ������������هُ ف���������������ي داخ����������ل����������ي أو ض���������ل ف���������ي يَ���������������مٍّ ِش���������������را ْع ن����������ا َح ال����ص����ه����ي����لُ م�������� َع األن�����ي�����نْ
وليس لربان (رحلة البدء والمنتهى) مرفأ يرسو فيه ليستقر ،وال وجهة محددة يقصد إليها دون غيرها. فهو على إب��ح��ار دائ���م ،ي��ط��وف ب��ات��ج��اه��ات متعددة، مدفوعاً بالرغبة المستمرة في البحث المتواصل عن اآلفاق البديلة ،إنه حين يخرج من موطنه األصلي.. يريد وطناً ال متناهياً ،غير خاضع ألي حد أو حيز، وطناً إنسانياً وشمولياً قد يكون أرضاً أو ماء ،ولكنه يظل في كل تحديد داللي خارج التحديد .إنه الفضاء الكلي الذي تتفاعل فيه الذات اإلبداعية ،فترحل إلى كل الجهات كي تتجاوز الجهة ،وتستقر بكل المرافئ *
74
كاتبة من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
قراءة نقدية
في أعمال الفنان السعودي -فهد خليف (وجه وطائر)
> ليلى جوهر*
((تداعيات فهد خليف التصويرية)) ..جعل من الطائر ثنائي ًا مع ذات��ه ..يجادله ويتغنى به ،ويسرد له حكايته.. يشكل اإلنسان جميال ،يظهره مستكينا وديعا ،ويصوره مزهرية وسمكة وتفاحة وأوراق شجر مجهولة االنتماء ..وحينما يجمله يحيله إلى إطار لونيّ يحيط بأعماله .بدأ بالواقعية وانتهى به المطاف عند التعبيرية ودالالتها تصويرا. م��ا يجعلني أت��رق��ب وج���وه ف��ه��د خليف
ه��و ذات���ه اإلن��س��ان ف��ي ك��ل ال��ع��ص��ور يتزين
تعبيرا مختلط الهواجس يخالج شعوري ,ثمة ويتجمل ..فهو خُ لق جميال ،وال��ل��ه جمي ٌل ما يستدعيني لكي أصافح تلك األيادي في يحب الجمال! محاولة للكشف عن مغزاها ,لكنها منشغلة
وج����وه ف���ي ال���زح���ام ت��ت��ق��اس��م المالمح
بالتوجّ س ،تقترب لتتالمس ..ومن ثم ترتخي والتعابير ،ورؤوس مثقلة على هامتها سالل بينما ٍ أيد ترفض االرتخاء ,مبسوطة أكفها تظهر محتواها بقليل من التفاح والبرتقال
لتصافح ..وأي���اد منشغلة بالزينة ،تتحلى واألج�����اص .وأت���س���اءل دوم����ا ل��م��اذا سالل بالحلي ال��رائ��ع��ة ،صنعتها ريشة الفنان..
خليف ال تحمل غير الفاكهة؟! يحط الطائر
وجسدت من خاللها جماليات لموروثات حيثما يحلو له على شخوصه ،ون��راه تارة وأيد ،فقط ..يأخذ التلوين بيئته المحلية ،وحضارة اإلنسان العريق ،يحط على أذرع ٍ وبدائيته خليط من حاضر وم ٍ ��اض فقط ،مكانه ،ويحدد مسارات التكوينات باألعمال
اجلوبة -شتاء 1432هـ 75
من خالل ترتيبات الفنان ..فهو يحرص على أن والمشاهد عبر تلك األع��م��ال الفنية التي عبر تجود مسطحاته بما تستدعيه خياالته عبر ما يم ُّر فيها عن نفسه» ..فارزا الفنان للصورة الفنية إلى بذهنه من صور واقعية ،يحيلها إلى رموز ودالالت ،حيز الوجود ،إن تلك الصور التي أشعرته بالغبطة
راب���ط���اً ع��ن��اص��ره ب��ح��ق��ائ��ق م��ب��اش��رة .ت��ن��اول في حين نجح في إنجازها ,هي تلك الصورة نفسها معرضه السابق تصويراً تعبيريا مجردا ..الكرسي التي اغتبط لرؤيتها اآلخرون .وكأن غبطة اإلبداع والخيل والمرأة ،إلى جانب تجريده للوجه ،وبعض قد استحالت إلى غبطة تذوق ،والحق أننا إذا كنا الرموز الخطية ،والسمكة ،ووريقات الشجر ،وال نفهم عمل الفنان ونتذوقه ،فألن ثمة وحدة أصيلة
يمكن أن يخلو من تصويره للكعبة المشرفة في في المشاعر تجمع بين البشر جميعا .فمن رأي بعض أعماله ..ما يؤكد على روحانيته ،وارتباطه «كروتشة» أن المتأمل للعمل الفني يستطيع أن
المباشر بكونه ينتمي لعقيدته كمسلم ..فالكعبة يستعيد في ذهنه الخياالت التي طافت بذهن المشرفة حاضرة بأجمل وأقدس مكانة تبرز من الفنان»( .والخالصة أن «كروتشة» ينفي وجود
خالل تصويرها معاني االنتماء الفطري للمعبود الجميل وج���ودا حقيقيا) ،فالموضوع الجمالي ع���ن���ده ل��ي��س إال م���ج���رد م���وض���وع سيكلوجي.. بخالقه عز وجل. يتوقف على نشاط وفاعلية ال��ذات إزاء األشياء نضجت تجربة فهد خليف في معرضه (وجه ووعينا الجمالي ،أما سلوك المتذوق ..فيوصف وطائر) نضوجا كان متوقعا ،فكونه مثابراً وحريصاً بالطريقة نفسها التي يوصف بها سلوكه اإلدراكي على أن يتناول تجاربه الفنية من خالل انشغاله أو الخلقي .وبالرجوع إلى رأي الفيلسوف «باش» بالفن تصوير (اكريليك) على خامة القماش.. نقف عند اعتقاده إذ رأى (أن اإلدراك الجمالي أو وبألوان ترابية وبرتقالية وزرقاء وصفراء وسوداء التأمل ،هو الموضوع الرئيس لعلم الجمال كله، للخطوط .وبعرضه الدائم ضمن مجموعات أو ففي رأيه أن المهم في التجربة الفنية الجمالية م��ع��رض شخصي بسنواته المتتالية ..م��ا يؤكد إنما هو «الذات» وليس «الموضوع» حيث إن الفعل لنا ذروة نشاطه المتوافقة م��ع بحثه وتجريبه الجمالي ع��ن��ده وال���ذي ينعكس أث��ن��اء استجابة المستمر ،واطِّ �لاع��ه للتجديد ،فهو ال يغفل عن المتذوق للموضوع الجمالي يستلزم توقف الذات اكتساب مهارات اآلخرين من زمالء الفن ،كما أن من أجل االستغراق في التأمل ,ولكون الفنان منح له رسامين موهوبين من الشباب يتبعون أسلوبه تجربته الفنية الحياة ،فقد أكسبها جاذبية على رسما. نحو يجبر العين على التوقف من أجل المتعة في ي��ؤك��د ك��روت��ش��ه على ال��داف��ع ال��ذات��ي للنشاط الرؤية ,أو يجبر اآلذان على االستماع ,واالستغراق
الفني ،ومن رأيه «أن كل من يتذوق الفن إنما يدير يعني االهتمام ف��ي التأمل (األستيطيقي) نحو بصره نحو تلك الجهة التي يدله عليها الفنان ،إدراك ال���م���وض���وع ..وم��م��ا ي��ج��ع��ل ع��م�لا يصور ولكي ينظر م��ن النافذة ألتي أع��ده��ا ل��ه الفنان موضوعا عاديا مثل كرسي (لفان جوخ) موضوعا
76
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ال��م��ت��ذوق إل���ى االس��ت��غ��راق في
منعزل عن الطبيعة (الزمكانية)
الموضوع حين يعجب به لذاته.
ل�لأش��ي��اء ف��ف��ي رأي���ه إن الفنان
وق���د ذك���ر ال��دك��ت��ور محسن
بإمكانه أن يتوصل إلى تحقيق
عطية ف��ي مؤلفه (غ��اي��ة الفن) دراس��ة فلسفية ونقدية ,تتميز لحظات االستمتاع ف��ي تجربة المتذوق في رب��ط اللحظة بين
ذلك عندما يتجاوز إحساسات ال���ف���رح واألل�����م وال���رع���ب لذلك تتبع أعمال كانديسكي المذهب
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
لالنتباه والتأمل ..هو ما يجذب
ك��ان��دي��س��ك��ي يتطلع إل���ى جمال
التجريدي التعبيري للوحة.
الحاضر والماضي والمستقبل,
وب����رج����وع����ي إل������ى أع���م���ال
فيستبعد االستغراق في تأمل كل
ال��ف��ن��ان ف��ه��د خ��ل��ي��ف لمعرضه
شيء ما عدا الموضوع الجمالي
(وج��ه وطائر) تؤكد لي أعماله
من مجال اإلدراك ،ولكونه يتمتع
المعروضة بصالة «أتيلية» جدة
بتكوين ظاهري لكي نستمتع به..
للفنون الجميلة مفهوم الطابع
ال بد أن نركز النظر نحو شكله
الجمالي ،حيث أضفى برؤيته
ومظهره على أنه «ظاهرة» وليس
الفنية لمواضيعه ترجمة بصرية
وحينئذ سيصبح ٍ حقيقة واقعية,
عالية اإلحساس ،مدركا ما يجعل
أي م��وض��وع ف��ي ع��م��ل ف��ن��ي ل��ي��س م��ج��رد إشارة من أعماله مميزة بالغرابة تجريده لألشكال في لرغبة عملية (أي الجلوس عليه كمقعد) ..إنما لوحاته :الطائر ،الوجه ،السمكة ،المزهرية ،بعض يصبح جزءاً ونقطة في تكوين .وشكال ذا مغزى أعضاء الجسد :األذرع ،الكف ،األصابع ،الوجه, تصويري ،فيتحول إلى شيء يستحق النظر إليه ما ساعدني كمتذوقة استعادة الصور واألشكال كموضوع تصويري ،وليس حدثا فقط أو أداة أو تلك ممثلة قوى حية تشع منها الحياة .إن تجربتة إشارة لحالة انفعالية ،أو نزوة وربما لحظة مفعمة الجمالية م��ا ه��ي إال خليط م��ن المعرفة فنيا بالحيوية وممتلئة بالنظام ،بهية والنظر إليها وبتصوف تم فيها االمتزاج بين الذات والموضوع، متعة .ثمة عبارة (لموندريان) يقول فيها :إن نقاء مع جزمي أن كل من شاهد المعرض لخليف ال بد التشكيل ..ال يتفق مع األحاسيس الموضوعية وال أن يشعر عند تأمل اللوحات تمتعها بقوة الخط مع اإلدراك؛ فالتشكيل الخالص هو التأليف بين واإليقاع ،ما يجعلنا نألف ونحس بالحركة أثناء عناصر البناء ،وتنظيمها كهدف للفن ولتحديد ذل��ك ،فنستغرق ذاتيا جماليا ,بكل مدركنا من قيمته .ويعني به (التنظيم الشكلي) ال��ذي يقوم خالل الصور كما في لوحته المتصدرة للمعرض ع��ل��ى ت��ج��ري��د ض���روب االن��س��ج��ام .وك���ان فاسلي الجدارية كشاهد ،مشبعة بالفرح واألحاسيس،
اجلوبة -شتاء 1432هـ 77
اللوحة ومساحاتها .ويؤطر أعماله حسب نظم جمالية العمل في تجربته الفنية المتضمنة لفكر الفنان خليف؛ فتلك التقسيمات للجداريات نلحظ أطرا متداخلة متراصة تُرصد بداخلها الوجوه، ويتصدر من خاللها الطير الحكايا مقتبسا من حيث نلمس القيمة ب��دالالت زخرفية مرجعيتها روحانيته برمزيته ألقاصيص تربط بين الفعل الجمالية بروز جماله الخطي مجردا التراث في والخيال كان وما زال يقرأها ..حيث أن الطير هنا هندسية التشكيل مرجعية ثقافية للبناء المتوازن؛ ما هو إال وجه آخر من أوجه الحياة يتوق للغناء وهي تحصرها الوجوه والمنحشرة بجانب بعضها والمرح واأللفة ،كما تتوق هذه األيادي الحتضان
بعضاً ،وم��ن م�لاءم��ة تلك التكوينات المنقوشة الطبيعة وعناصرها الفارة من عالم خليف ..إلى والمشتغلة ب��األي��دي وال��م��زه��ري��ات م��ن سياقه عناقيد من األن���وار في مصابيح كهربائية تشع
الحضاري لبيئته المثلثات والخطوط المتوازية من خاللها أل��وان بشرية بسحناتها األرجوانية المستقيمة ،تقاطعها رموز للنقش على الحوائط الشفقية المستوحاة من ال��غ��روب .إن االندماج أو بعض الملبوسات العريقة تعاطاها اإلنسان بين عناصر أع��م��ال خليف ي��ع��ززه ال��ت��وازن بين ال��ب��دائ��ي ف��ي ح��ض��ارت��ه كلغة تعبيرية ،وتوارثها الثقل للشكل الدائري المتمظهر في إناء بداخله اإلنسان المعاصر بثقافته كموروث ،مع وظيفتها شكل دائري أصغر حجما أثقل كتلة لفاكهة زهيدة
الطبيعية كعناصرمشتقة م��ن الطبيعة للشجر العدد على رأس شخوص الفنان ،وأيضا نجده ورق���ا أو النبتة ،وكأضلع السمكة ت���ارة متعرية في استدارة المزهرية من حافتها ،يوازنها طائره سوى من هيكلها ،وتارة كتصوير تجريدي ،ولدى األبيض ،يقف بهرمونيته ككفي ميزان ،بالجزء خليف مع المزهرية حكايات وحكايات سابقة الوسطي للوحة الجدارية ,بينما نشاهد طيورا عرضها تصويرا بأعماله منذ البدء مميزة أعماله تكرر تصويرها في أكثر من ج��زء للعمل ,وثمة
وطرحه ،تتميز فرشاة الفنان فهد خليف بالرسم يد تحمل بكفها طائراً يستحوذ بشكله حيزا من الدقيق المتأني وإنفعالته المستكينة ،ال يستعجل التأمل ومن خالل خلفيته» رسم الوجوه Portrait في الوصول للنهاية طالما هو في احتياج للترتيب متراجعا بعنصره اللوني .نشاهد ذلك في الجزء بنظام معقول ،يوازن من خالله تكويناته الشكلية السفلي للعمل حيث في أعماله تتوارى الحقائق ليحافظ على فكرته مقتنصا اللحظة األخيرة ,خلف مظهرية العمل وتجلياته الجمالية بحشد
فحين يشتغل يحبذ الصمت واالستفراد بوجوهه تكرار المشهد وتكرار األل��وان ،وتجزيء مساحة
وط��ي��وره وس��م��ك��ه ون��س��ائ��ه ول��ح��ظ��ات استشراق المسطح بنحو يؤطر الصورة داخليا كرسم على
ومواصلة للصعود بفكرته إل��ى أن تشع بمنجزه نحو مفتعل مقتصد بهدف مِ لء الفراغ ،تحكمه جماليات التكوين التعبيري تغمر ك��ل تفاصيل م��س��ارات نظمها الفنان بنظامه غير المألوف؛
78
اجلوبة -شتاء 1432هـ
وم���ادت���ه���ا ت��ن��ص��ه��ر ك��ل��ي��ا حيال
بالمعطيات كما ف��ي مجموعة
ح��ق��ائ��ق ت��ج��رب��ت��ه م��ف��ص��ح��ا عن
أع����م����ال����ه
المقاسات
مهارته ف��ي نقل مظاهره تلك،
ال��ص��غ��ي��رة ن��س��ب��ة للجداريات،
وب��ن��ائ��ه ل��م��وض��وع��ات��ه المجردة
وأعمال أخرى متفاوتة المقاس
والمتشبعة بالخيال القصصي
والتي صور فيها وجوهاً أنيقة
لعالم أسطوري عريق ،وبأجواء
ترتدي قبعات نترك للفنان سر
طبيعته المنطلقة نحو تفسير
مالزمتها لشخوصه ،وإن كانت
ال����ظ����واه����ر؛ م��س��ت��خ��ل��ص��ا من
وج��وه��اً تعكس ص����وراً بشرية
فلسفته الذاتية غاية اإلنسان
تبحث لها عن مرايا في الحياة
وع�لاق��ت��ه ع��ل��ى وج����ه م����ا! وما
ت��م��رق م��ن��ه��ا ل��ل��ع��ال��م بنظراتها
مِ لء فراغ وج��وده من مخلوقات
ال��م��ب��ه��م��ة ال��س��اه��م��ة! يتقصد
م���ك���م���ل���ة ل������دورت������ه الحياتية
الفنان خليف المبالغة من حيث
«كسيكلوجية» روح��ان��ي��ة دافئة
ال��ن��س��ب ف��ي اس��ت��ط��ال��ة لألنف
الحنين فالخطوط واألبجديات
والعنق واس��ت��دارة أو استطالة
العربية وجمالية التكوين لعناصر
ت��ل��ك ال���وج���وه ،وزم���ت���ه للشفاة
أشكال متماسكة بعمقها اللوني
الصامتة وتركيز فرشاته على
وإن كان نسقا لحرف وخطوط
نظرات أعين نسائه السارحة؛
قام عليها فنه «إستطيقا شكلية»
ي��س��رق��ن��ا ج���م���ال رس��م��ه��ا من
يخلقها الفنان أثناء التلوين بفرز
التفكير ف��ي ق���راءة معانيها..
ذات
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
فالمتضادات تتألف عناصرها،
ص����������ورا ت����ع����ب����ي����ري����ة زاخ��������رة
طاقته حين انجازه ،ما أعطى الحركة؛ وأن حدته ب��م��ع��رض��ه (وج���ه وط���ائ���ر) وال��م��ح��ال��ة م��ع عمقه االنسيابية بأثر تلك التقاسيم والتجزء للمساحة
التجريبي إلى حقيقة تترجم لنا أن الفن ال يصنع
وتحكُم قسري للتوزيع الخطي ومساره المحكم باألفكار ،ولكنه يجسد شكال منسجما وإيقاعا تعبيرا لمضمون األع��م��ال ،ما له أث��ر على رؤية متناغما لوجوه وس��ط دوام��ة الحياة وجدليتها، المتلقي المتتبع بالمعرض في محاولته لحصر حيث اإلنسان يسرد حكايته لطائر فهد خليف. متعته الجمالية بصريا على الرغم من المباشرة ،وغدا أسلوبه جسر عبوره وانطالقته إلى عوالم ال إال أن التكلف ف��ي ذل��ك الحشد ال��ص��وري بات نهاية لسردها؛ ألنها تسير اتجاه التحرر بمساره مقبوال ومريحا بعد أن خضع للطالقة الفنية
الذاتي بعد أن جاهد في الخالص على مسطحه
تسيرها نفسية الفنان ،وات��خ��اذه م��ن الماديات فترة من الزمن سفيرا لمواصلة إبداعه. *
فنانة تشكيلية من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 79
الشاعر اللبناني وديع سعادة ��ي ،وف��ي شعري، > مرحلة الطفولة التي عشتها ف��ي قريتي ،صقلت ف َّ بشكل عام ،تيمات الغربة والغياب والموت. > لكل شاعر صوته ال��خ��اص ال��ذي يميزه بصرف النظر ع��ن الشعراء الذين تأثر بهم ..والجيل الشعري العربي الجديد له خصائصه أيضا مهما كان تأثير الشعراء اآلخرين عليه. > حاوره بالقاهرة :محمد أحمد بنيس*
أحد الشعراء العرب الذين تحظى نصوصهم الشعرية بانتشار ملحوظ ،خاصة بين أوساط الشعراء الجدد .شاعر يجافي التنظير ،ويتمسك بالشعر كمحاولة الستعادة الجمال الغائب على حد قوله .بعد فترة عمل في الصحافة اللبنانية والعربية في بيروت ولندن وباريس ونيقوسيا ،اختار اإلقامة منذ سنة 1988م في سيدني بأستراليا .صدر له العديد من األعمال الشعرية ،شكلت في مجملها إضافة مميزة والفتة لمنجز قصيدة النثر العربية ،نذكر منها: «ليس للماء أخوة «1981م« ،الميـاه الميـاه « 1983م « ،رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات « 1985م« ،مقعد راكب غادر الباص 1987م« ،بسبب غيمة على األرجح» 1992م « ،نص الغياب» 1999م« ،رتق الهواء « 2006م « ،تركيب آخر لحياة وديع سعادة». 2006م .صدرت أعماله الشعرية الكاملة عام 2008م عن دار النهضة العربية ببيروت .وتم تكريمه مؤخرا كضيف شرف في الملتقى العربي األخير لقصيدة النثر الذي انعقد في العاصمة المصرية القاهرة.
80
اجلوبة -شتاء 1432هـ
< أنا ابن قرية وادعة في شمالي لبنان تسمى «شبطين» .وعيت منذ سنواتي األول��ى على
الشعر.
> لماذا هذا الحضور الدال للذات في شعرك؟
ب��راءة هذه القرية ،وب��راءة سكانها الطيبين < .أرى أنه حينما أتحدث عن ذاتي في نصوصي ك���ان ه��ن��اك وئ���ام دائ���م ب��ي��ن ه���ؤالء السكان الشعرية ،أكون بذلك أتحدث عن اآلخرين. وبين الطبيعة بكل ما فيها .ربما أتيت إلى
ف��ذات��ي وذوات اآلخ��ري��ن متشابهة إل��ى حد
عن طريق الحلم .بعد مغادرتي لتلك القرية،
أتكلم به هو أيضا ضمير المخاطب والغائب.
متفرقة .فمن بيروت انتقلت إلى سيدني ثم
خاصة فحسب .إنه سيرة ذاتية عامة .كما أن
أحط الرحال مرة أخرى في مدينة سيدني
في كتابتي الشعرية هو نتيجة للواقع العام
األول����ى ،مرحلة الطفولة ال��ت��ي عشتها في
مكانا حقيقيا لذاته .لقد تبدد المكان في
تيمات الغربة والغياب والموت.
حيز يمكن أن يكون مكانا له.
الكتابة لكي أحافظ على تلك ال��ب��راءة ،ولو
كبير .من هنا فضمير األنا /المتكلم ،الذي
عشت تجربة االغتراب والترحال بين أماكن
ل��ذل��ك أعتقد أن ش��ع��ري ليس س��ي��رة ذاتية
فرنسا وبريطانيا واليونان وقبرص ،قبل أن
هناك مسألة أخرى ،وهي أن حضور الذات
بأستراليا .هذا االغتراب عن مرحلة البراءة
الذي نحياه .إنه واقع أرى أنه لم يترك ألحد
قريتي ،صقلت فيَ ،وفي شعري ،بشكل عام،
الحياة المعاصرة ،بشكل فقد الفرد معه كل
> لماذا الغياب؟ < ال��واق��ع فجائعي ف��ع�لا ،وال��ج��م��ال والسعادة
م������������������واج������������������ه������������������ات
> كيف بدأت الكتابة؟
قبح ..هو الذي يشكل الدافع الرئيس لكتابة
> هل يمكن أن نقول إن للشعر وظيفة ما في الحياة؟
والسالم هي أحالم غائبة باستمرار .أعتقد أن < الشعر ال يغير العالم وال الواقع .هذا أكيد. الحضور الدائم للغياب في نصوصي الشعرية إنه فقط يغير في الشاعر اللحظة التي يكتب هو محاولة الستيالد هذا الغائب أو استعادته
فيها .إنه تغيير مؤقت لحظوي فقط ،سواء
األوه��ام .وربما يكون وهما كبيرا .لكن كيف
بد من اإلش��ارة إليها ،وهو أن الشعر بمثابة
األوه���ام؟ أظ��ن أن��ه سيصبح ظالما ال يمكن
االستدعاء وهميا ،وال يستند إلى أساس في
ذاهب إلى الغياب ،إن لم يكن قد غاب فعال
ما كما قلت لك قبل قليل .تصور مثال كيف
إن الشعر بهذا المعنى هو محاولة استعادة
ال بد من هذا الوهم للمحافظة على جمال
إلى حظيرة الواقع .أعرف أن هذا وهم من
بالنسبة للشاعر أو القارئ .مسألة أخرى ال
سيصبح هذا العالم إن لم نحافظ على هذه
استدعاء الجمال الغائب .فحتى لو كان هذا
تحمّله على اإلطالق .أنا أرى أن اإلنسان ذاته
الحياة الواقعية ،يجب أن نحافظ عليه بشكل
بالمعنى اإلنساني العميق لكلمة «اإلنسان».
يمكن أن يكون العالم في غياب هذا الوهم.
هذا الغياب .أظن أن رفض ما في الواقع من
وهمي لهذا العالم ال��ذي أنهكته الخسارات
اجلوبة -شتاء 1432هـ 81
والخيبات المتواصلة. > في نظرك ما هي حدود العالقة بين الموهبة والمعرفة في الكتابة الشعرية؟ < بما أن الشعر جزء من الحياة والواقع ،فال بد للشاعر من أن يكون مدركا ومستوعبا لكل ما في هذه الحياة وهذا الواقع .بمعنى يجب أن يكون مثقفا ومطلعا .أرى أن كل الشعر
هو سياسة .بمعنى السياسة ذات المغزى العميق ،والتي تختزل نظرة وموقف الشاعر
م��ن الحياة والعالم واألش��ي��اء .فكيف يمكن
أن تكون «سياسيا عميقا» بهذا المعنى إن
لم تكن مثقفا وم��درك��ا لما ي��دور حولك من أحداث ووقائع ،وقادرا في الوقت نفسه على
فهمها.
> يتميز ش��ع��رك بصفاء ل��غ��وي واض���ح يجعل ال��دالل��ة ف��ي ح��رك��ة دائ��م��ة .ك��ي��ف تعمل عل تدبير العالقة بين اللغة والمعنى؟ < في رأيي ،الشعر ليس مسألة لغوية بالدرجة األول�����ى .ول��ي��س ب�لاغ��ة ب��ال��ت��أك��ي��د .إن���ه ،من
الناحية اللغوية ،البساط ُة المحملة بما هو
أبعد وأعمق منها .يمكن برأيي رس��م آفاق
بالمرة .إنها في مجملها ال تتجاوز الشكليات.
فما يكتب اليوم من شعر هو تعبير عن رؤية
الشاعر لواقعه الذي يعيشه هو ،وليس لواقع اآلخ��ري��ن .ه��ن��اك حركية كبيرة ف��ي الكتابة
الشعرية العربية ح��ال��ي��ا .وأع��ت��ق��د أن هذه
الكتابة تتجاوز اليوم كل الجدل الذي يظهر أحيانا بخصوص شرعية قصيدة النثر .يجب
أن ننظر إل��ى المستقبل وأال نبقى حبيسي
ال��م��اض��ي .ال��ي��وم ه��ن��اك ات��ج��اه ن��ح��و تجاوز ال��ح��دود م��ا بين األن���واع األدب��ي��ة ،بمعنى أن
ال��ش��ع��ر ص���ار يستوعب أو يحمل الفلسفة
والسينما وال��ف��ن التشكيلي وفنونا أخرى. يجب على العرب أن يكونوا أكثر استيعابا
لمتغيرات العصر المختلفة.
> يحظى منجزك الشعري بانتشار الفت في أوساط التجارب الشعرية العربية الجديدة. ما رأيك؟ < ربما يكون شعري قد أثر ،بشكل ما ،في بعض أصوات الجيل الشعري العربي الجديد .لكن م��ع ذل���ك ،أعتقد أن��ه علي دائ��م��ا أن أتعلم
وأستفيد من الشعراء الذين يأتون من بعدي،
ب��ع��ي��دة ول���و بقلم رص����اص .ول��ذل��ك أرى أن
وال أكتفي بقولهم إنهم تأثروا بي .فالمسألة
دائما متحركة ومتوثبة وقادرة على النفاذ إلى
األجيال والتجارب .لكل شاعر صوته الخاص
وهواجسها المختلفة.
تأثر بهم هو .والجيل الشعري العربي الجديد
ال��دالل��ة أق��وى ف��ي الشعر م��ن المعنى .فهي
هي عالقة تفاعل حيوية ومستمرة بين كل
عمق األش��ي��اء ،من خ�لال اإلن��ص��ات لنبضها
الذي يميزه بصرف النظر عن الشعراء الذين
> كيف تنظر إلى النقاشات التي تعرفها الساحة
له خصائصه أيضا مهما كان تأثير الشعراء
الثقافية العربية أحيانا حول قصيدة النثر؟ *
82
< برأيي إن هذه النقاشات عقيمة وغير مفيدة
شاعر وكاتب من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
اآلخرين عليه.
م������������������واج������������������ه������������������ات
املفكر التونسي الدكتور كمال عمران:
•كل دين إذا فُ هِ َم على غير مقصده أصبح عقال غير قادر على إنتاج المعرفة. •الثقافة اإلسالمية إزاء اختيارين إما التطور والحياة وإما التحنّط والمعاناة. •الرأي عندي أن تكون اليقظة ذاتية وأن يكون اإلصالح من الداخل. > حاوره :عبدالدائم السالمي*
أحد األسماء الالّمعة في الجامعة التونسية من حيث ِج��دّ ُة ال��دّ روس التي يُلقي على طلبته ،ومن حيث الحضور الساحة الثقافية ،بل يكاد يكون من الجامعيين القالئل في ّ الذين لم يكتفوا بالحرم الجامعي إط��ارًا لنشر المعرفة، وإنّما انفتحت مشاركاتُه على جميع ميادين الثقافة في تونس نقدً ا ومتابعةً وإبداعً ا. وتدريسا ً الحضاري بحثًا ومُ عالجةً ّ ولعلّ اهتمامه بالشأن جعله َمر ِْجعً ا يعود إليه كلّ باحث في عناصر الحضارة العربية اإلسالمية ..من شعر ودين ومذاهب فقهية ولغوية ،ولم يمنعه درسه الجامعيّ من أن يسهم بفعالية في اإلشراف مؤسسات المجتمع يعض َد جهود بعض ّ المؤسسات اإلعالمية التونسية ،وأن ُ ّ على بعض المدنيّ . > اإلس�ل�ام مُ تّهم م��ن قبل غ�لاة مفكري الغرب بتفريخ اإلره��اب ،هل يعود هذا إل��ى اعتماد الخطاب األص��ول��ي الذي ًي َروِّجً له اآلن بعض «المقاولين زعماء ال��ح��رك��ات األص���ول���ي���ة» ك��م��ا يسميهم
محمد أرك����ون ع��ل��ى ال��ق��وة اإللزامية ال��ت��خ��ي��ي��ل��ي��ة ل��ت��ق��دي��س م����ا ل����م يكن مقدسا ،وتحويل الدّ نيا إلى دين ،أو إلى ك َِّف المفكرين المسلمين عن التعامل م��ع اإلس�ل�ام بوصفه خطابا منفتحا
اجلوبة -شتاء 1432هـ 83
ع��ل��ى األح�����داث والسيرورة الزمنية؟ < للظاهرة الدينية في تركيبة ال��ذه��ن ال��ب��ش��ري خصائص ي��ج��در ال��وق��وف عندها وإ ْن لمامًا ،وأبرز خاصية هي ما يطلق عليه امتالك الحقيقة، وهي ذاتها راجعة إلى أنماط عليا تنحدر عنها األنساق ثم السلوكات الثقافية؛ وعلى هذا المعنى ..فإن كل دين ،على اإلطالق ،قابل متى فُهِ َم على غي ــر مقصده األصيل وهو نشر الخير لينحرف إلى اإلرهاب .اإلرهاب من َ وتجسيمه هذه الزاوية حالة مرضية تستوجب العالج. وليس اإلسالم مخصوصا بها ..على أنه اليوم مناط تهمة ذائعة عند المفكرين وعامة الناس َ في الغرب ،وليس الوجه كيل التهمة بالتهمة وإنها الغاية القادرة على االستفادة من نقد اآلخ��ر أو من انتقاده .ه��ذه العقلية ضرورية ليمتلك الفكر اإلس�لام��ي ناصية المراجعة الذاتية بدل التمجيد والمفاخرة. > وال شك في أن الخطاب « األصولي « الراجع إلى ما يعبر عنه باإلسالم الحركي ،هو نفسه وضع مَ رضي ،وحالة من الجهل قامت على اإلفراط والتفـريط في آن واحد .وأذهب إلى أن هذا التفكير ينطلق من مرجعية تحتاج إلى التدقيق ألنها تجسيم للنشاز الحضاري، وتعبير ع��ن ان��زي��اح فظيع ع��ن اإلس�ل�ام في منابته األصلية ،وهل يمتلك الفكر األصولي اآلليات العقلية المؤدية إلى الفهم الصحيح الضروري لإلسالم؟
84
اجلوبة -شتاء 1432هـ
< إن أبرز ما تتميز به الحركات األص��ول��ي��ة ال��ت��ق��ل��ي��د ،وه���و في االص��ط�لاح األخ��ذ عن الرجال دون حُ جّ ة أو دليل من القرآن والسنة ،وهذا يعني أن الحركات األصولية قد اصطنعت أصناما من ال ُم َقلِّ َد ِة (الرجال من نَ َقل َةِ ال���ع���ل���م ال����ش����رع����ي) ،وفرضت
الفهم والتفسير على مقتضى اإلدراك البشري ،وص��ادف أن البيئة الفكرية والثقافية لتلك المرجعيات متميزة بالتخلف المعرفي والديمغرافي. وك��ي��ف للفهم اإلن��س��ان��ي المقيد بالزمن أن يُ��� َو ّفْ��� َر ال���رؤى المالئمة للتطور العمراني؟ إن مسألة المرجعية على درج��ة كبيرة من األهمية ..ف��إن نهلت من الظاهرة القرآنية (وه����ي ت��ش��م��ل ال��س��ن��ة ال��ص��ح��ي��ح��ة) ،فإنها تكتسب القدرة على التعامل الموضوعي مع الواقع التاريخي المتقلب ..إذ إن مرتكز هذه الظاهرة االجتهاد وإعمال العقل .والنتيجة من هذه الوضعية الغريبة قلب القيم ،وليس غريبا أن تتراكم ال��م��ق��دس��ات ..وأن تنغلق األب����واب ..وأن يتغذى الته ُّي ُؤ للصراعات. وآية ذلك ما طرأ على الثقافة اإلسالمية من انسداد األف��ق إلى درج��ة أصبح فيها العقل اإلسالمي عقال مستعارا غير قادر على إنتاج المعرفة .والجدير باالنتباه االستعدا ُد إلى المنهج النقدي إبطاال للمعيارية والتمجيد والمفاخرة. ال��خ�لاص��ة ل��ه��ذا ال��م��دخ��ل ض���رورة التصدي للتطرف على كل المستويات ،وما يهمنا في
ألن مضارّها تُفسد على الثقافة اإلسالمية
االجتهاد .فالكالم على االجتهاد ال يمكن أن
الفرصة للتشنيع .وال يمكن أن يُثْمر االجتها ُد
الشاملة الحافة به ،وال يمكن بداهة أن يثمر
> يتص ــف العقل الحديث بقدرته على تنويع
المسألة من تحت إل��ى ف��وق وليس العكس؛
في انتشال عامة الناس من داء األصولية؛
اعتراها الوهن ..فآل األمر إلى جفاف مَعِ ين
اعتدالَها ،وت�� َه��بُ لغالة المفكرين الغربيين
يقتصر على معالجة اآللية ،بل على العناصر
في البيئة المنغلقة.
االجتهاد في البيئة المنغلقة .ووُجِّ َه النّظ ُر في
التأويالت لكل الظاهرات اإلنسانية ،ورفض أَح��ادي��ة الرؤية إليها بسعيه إل��ى ن��زع أغالل ال��س��ح��ر وال��ت��ق��دي��س ع��ن وج���ه ال��ع��ال��م ،أال ت��رون أن ان��غ�لاق ب��اب االجتهاد ف��ي األصول التشريعية منذ القرن الثاني الهجري ،ساعد على تعزيز مواقع المناوئين للدين اإلسالمي من مستشرقين وأصوليين سلفيين؟ < مسألة انغالق باب االجتهاد محفوفة باللُّبْس؛ ألنّ ل��ه��ا م��ن ال��م��داخ��ل م��ا يجعلها خطيرة
األبعاد .وقد جرت األفكار تاريخيا في هذا
المجال على االنتقال من مرحلة االجتهاد
إل��ى مرحلة اال ِّت�� َب��اع( ،وق��د ا ُعْ ��تُ��بِ�� َر محمودا) إل��ى مرحلة التقليد (وق��د ا ُعْ تبر مذموما)، وقد ساد التقليد ..ودل على أن خط تاريخ
األفكار في الثقافة اإلسالمية قد غلب عليه
التدحرج والتدهور؛ فبدل أن يؤسس المنهج االجتهادي نسقا يشت ّد عوده بتطور الزمن، تفاقم أم��ر التقليد .وي��رى المتشائمون أن ب��داي��ة التقليد انطلقت م��ع ال��ق��رن الخامس
ال��ه��ج��ري ،وي���رى المتفائلون أن��ه انطلق مع القرن السابع الهجري ،وقد لخّ ص الشوكاني
في كتابه «البدر الطالع في محاسن القرن السابع» ه��ذه اإلشكالية .والب��ن خلدون في
المقدمة لطيفة ملخصها أن االج��ت��ه��اد لم
م������������������واج������������������ه������������������ات
التصدي المواجه ُة بالعلم والمعرفة واالجتهاد
يغلق ،بل سُ دَّ وأحيل إلى البيئة الثقافية وقد
ال��تّ��ح��ت ه���و ال��ت��ف��ك��ي��ك ل�لأس��ب��اب الثقافية
والديمغرافية والسياسية واالجتماعية التي أدت إل��ى سد االجتهاد ،وال��ف��وْق هو التعلق
بالنظري واإلس��راع إلى المواقف الجاهزة، وف��رض الحلول التي أوج��ده��ا السلف على المعضالت التي يتعرض لها الخلف .وليس شأن العقل الحديث وحده أن يُنَ ِّو َع التأويالت،
إن المهمة منوطة بالعقل على وجه اإلطالق،
ألن العقل مجبول على هذه العملية .فليس اإلش��ك��ال متصال باآللة بل بالمحيط ،فإذا
ت��ل��وّث المحيط تعطّ لت اآلل���ة .ول��ع��ل األمر
في الثقافة اإلسالمية أشّ��د ..ألنه يصطدم
بمفارقة ُمبْتَنَاهَ ا على أن البدايات تميزت
بإعمال العقل ،وهل من مزيد عن قول بعض
رموز الثقافة اإلسالمية القديمة «إنما األمر أنف» ،والمعنى أن الحقيقة تصير وتستأنف..
وال يتسنى االكتفاء بالموروث على التوهُّ مِ أن
المعرف َة منوطة بفكر بشر مهما عال شأنه. وال وج��ه للتنكيب عن ال�� ّرم��وز المعرفية ،أو عن الموروث على أن التقديس ال مجال له
البتة فوجب الكالم على المعادلة ،طرف فيها معــرفة ال��م��وروث حق المعرفة دون ذوبان،
وطرف ثان معرفة الراهن واألخذ بأسبابه..
بل التفقه في علومه بكل فروعها.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 85
قد يقال هذا الكالم كعفو البديهة معروف..
م َِحيد عن التواصل بين المجتمعات واألفراد.
ينبجس وم��ؤداه :أل ْم يتسنَّ للفكر اإلسالمي
الهوية .على أن اإلشكال كامن حول الهُوية.
وأن��ه أصبح كاالبتذال ،على أن س��ؤاال آخــر
وأن الثقافة الذاتية لكل مجتمع حق يضمن
أن يصوب النظر إل��ى المنهج النقدي (وال
نقول جلد ال��ذات) ،وقوامه على العقالنية،
معلوف) وقد تكون منفتحة ،ومعنى االنفتاح
واللين ،وكلها من مقومات جمالية السلوك
وب��ل��وغ درج���ة االم��ت�لاء ال��م��ؤه��ل للتعامل مع
وعلى القيم األصلية ،وهي السماحة والعفو
االك��ت��م��ال ف��ي خصائص الهوية الداخلية..
عند النبي (ص) .وال سبـيل إل��ى الموالفة
اآلخرين على قاعدة التكافؤ.
بين المسلمين والعصر إال باالجتهاد الشامل،
وهو ليس اآللية من أصول التشريع فحسب، ب��ل ه��و استنبات ألس��س ثقافية ت��ق��وم على
الفاعلية والنجاعة ونشر قيم الخير ،بل إنه أيضا اعتياض عن ذهنية التوهم أن التقدم يكون نحو األسوأ بعقلية التقدم نحو األفضل
(وهو جوهر اإلسالم).
ف��ي ال��ق��رآن الكريم آي��ة ف��ي س��ورة الرحمان ��ص��تْ ع��ل��ى ال��ح��رك��ة ال��ت��ي ال تنقطع وهي ن َّ َ��ان ويبقى وجه قوله تعالى {كل من عليها ف ٍ رب��ك ذو ال��ج�لال واإلك����رام} ،وآل��ي��ة الحركة
تقتضي الصيرورة ال الثبات بالنسبة إلى كل
المخلوقات .في القرآن الكريم الدعوة إلى الفعل وإلى العمل (بالمعنى الشامل) ،وهذا
> أليس اإلسالم محتاجا اليوم أشد الحاجة إلى
يستوجب أن المفاهيم وال��م��ع��رف��ة والعلم
عالمة على شاكلة لوثر كينغ أو الفرنسي
وعلى التطور؛ فطبيعة الفكر – في األصل
ق���ادرة على االن��ت��ص��ار للحداثة وللتحديث
األنساق الثقافية المالئمة للظروف المتغيـرة،
< لكل ثقاف ــة ف��ي نظرنا خصوصيات وليس
ي��رع��ب ه��ذه األن��س��اق – أل��م ت��س��رع الثقافة
تثوير مفاهيمه الحضارية من قبل طليعة
ض��م��ن ال��ظ��واه��ر كلها ج��اري��ة ع��ل��ى التجدد
ألفريد ل��وازي حتى تصير منزوعة األغالل
– الحركة والتقدم نحو التراكم المؤدي إلى
المجتمعي؟
وليس من وَجْ ��ه أ ْن تحدُث التحوالت بشكل
من سبيل – موضوعيا – إلى نقل الحلول، وإال تحولت المسألة إلى األشباه والنظائر،
وهي في عمقها نوع من إق��رار التفاوت بين الحضارات والثقافات .وال يعني هذا الموقف
رفض المثاقفة بل؛ يعني االزورار عن الهيمنة
أو عن رس��م المثال بالذوبان .ال��وض��وح في ه��ذا ال��ش��أن ض���روري ألن ال��م��زال��ق كثيرة..
وقد تصبح األض��داد أن��دادا .وال��رأي عندنا أن التعامل بين أهل الحضارات ضروري وال
86
فقد تكون الهُوِ يَّات قاتلة (على تعبير أمين
اجلوبة -شتاء 1432هـ
اإلسالمية إلى االنزياح نحو الجاهز والثابت
والمقدس غير األصيل؛ فاصطدمت بالواقع
التاريخي المختلف ،وأزعجها االنتقال من المركزية اإلسالمية إلى المحورية الغربية..
إذ قبعت األولى في التقليد وازدهرت الثانية
بالحداثة .وعلى هذا النحو نفهـم اإلصالح على ي��دي لوثر األلماني وكلفان الفرنسي؛
إذ كانت المسيحية عهدئذ ق��د اصطدمت بالتحنّط ..فتمحّ ض اإلصالح؛ ألن المنظومة
اإلسالمية فهي -كمـا ذكرنا آنفا على سبيل
اإللماع -متضمنة ل��دالالت الحركة .وإنما ال��ت��ح��نّ��ط ف��ي ث��ق��اف��ة المسلمين إل���ى درجة
يتسنى أن نقول إن الشفرة الثقافية
(A D
)Nعليلة ،وليس الكالم من باب التمجيد؛ بل
ثمة قراءته قراءة تاريخية تأخذ في االعتبار أس��ب��اب ال��ن��زول ،ال ق���راءة إيمانية عجائزية تسعى إلى التأويالت األيديولوجية للنص القرآني ،وتمنعه من أن يتماشى وضاغطات عصرنا المعولم؟
من قبيل الدعوة إلى المنهج النقدي وقوامه
< ثمة مسائل تاريخية عويصة ال يمكن فك
الطرق المناسبة لإلبداع (من أيّ جهة كانت،
في السؤال متعلقا بالقرآن الكريم وبالخطاب
هذا السياق) .السبيل إلى التحديث ممكنة
ال��ح��اف��ة بالمشكلة ،ف��إن ط��رق التعامل مع
مستجدات المعرفة والعلم والتكنلوجيات
الخط األول علمي يسعى إلى مساءلة التاريخ
األصلية التي تضمنها الثقافة اإلسالمية في
إلى توخي طريقة «الحياد المنهجي» ،وهو
العصر ،رغ��م العولمة والتطور التكنلوجي،
التأسيس للظواهر؛ ولهذا الخط العلمي دور
وكذا في االتصال اإلعالم (..)Infoethique
اإلس�لام��ي��ة ،وال فكاك م��ن ه��ذا ال���دور؛ ألن
رف��ض المسلمات ،ونبذ التقليد ،واكتساب
التعقيد منها بيسر .ومن هذه المسائل ما طرح
والعلوم اإلنسانية المعاصرة كلها مفيدة في
ال��ق��رآن��ي .وب��ص��رف النظر ع��ن المالبسات
على ق��اع��دة المنهج النقـدي والتعامل مع
تاريخية اإلشكال يمكن أن توجز في خطين:
ال��م��ت��ط��ورة ،تعامال نفعيا ي��رق��ى إل��ى القيم
بعقل منتج ،وبمنهج نقدي صارم ،قد يلتجئ
صورتها المنتجة المستنيرة .وأحسب أن أزمة
افتعال التفكيك لتركيب العناصر الفاعلة في
أزمة قيم كذا في البـيولوجيا ()Bioethique
في إح��راج الطمأنينة السكونية في الثقافة
وخالصة القول إن الثقافة اإلسالمية إزاء
الفوائد المرجوّة منه تؤدي إلى التمكن في
اختيارين ،إما التطور والحياة وإما التحنط
والمعاناة.
التجربة العلمية والقرآن الكريم
الثقافة ال إل��ى الهشاشة ،وق��د تلوح النتائج العلمية ذات قسوة لمن يحمل زادا ثقافيا ع��اط��ف��ي��ا ،أو ل��م��ن ي��ج��ت�� ّر رواس������بَ فكرية سطحية ،إال أنها للمتأني ..ولمن يرجو الخير
> أال يعد طمس حقيقة «الخطاب» القرآني
للثقافة اإلسالمية حيرة ال يمكن أن تفضي
مع المقام ،منذ أن أعلنت السلطة الرسمية
وعلى اطمئنان موضوعي أن المرجعية في
واح���د ،ه��و مصحف عثمان ،وإع���دام النسخ
فإن المنزع العلمي يفهم وال ينتقد ،ويفسر
بما تعنيه لفظة الخطاب من تالحم النص
إال إلى اليقين القائم على تجـدد المعرفــة،
مصحف ناجزٍ ٍ (مؤسسة الخالفة) اعتمـاد
الثقافة اإلسالمية َولُو ٌد – وعلى هذا المعنى
األخ���رى ل��ه (نسخة اب��ن مسعود م��ث�لا) ،هو ال���ذي أب��ع��دن��ا ال��ي��وم ع��ن ال��ت��وص��ل إل��ى فهم
م������������������واج������������������ه������������������ات
نفسها ع��اط��ل��ة أو تعطلت .أم���ا المنظومة
أكثر أمانة للخطاب النبوي الشفوي ،ومن
وال يسقط ،وي��ؤول وال يتعسف ،وه��و يدرك م��ا للتاريخ م��ن م��رت��ك��زات ..ويتعامل معها
اجلوبة -شتاء 1432هـ 87
على أس��اس التفكيك والتأليف ،وه��و يحيل
االي��دي��ول��وج��ي��ا ..فهل ج��رب ال��م��ف��ك��رون في
ال��ش��أن م��ع��ادل��ة .ال��ط��رف األول يستند إلى
مع القرآن الكريم؟
إل��ى النتائج بطريقة مخبرية ه��ي ف��ي هذا
الثقافة اإلسالمية التجربة العلمية الصرفة
فهم تاريخية المصحف بالتضاريس الحافة > يذهب بعض المفكرين إلى القول :إن انتصار بها؛ وال��ط��رف الثاني التعامل م��ع الظاهرة بعض المفكرين (ك��اب��ن تيمية والغزالي)،
على قاعدة الفاعلية ومؤداها أن «المصحف المنجز» مقترن بعوامل منها ما هو نقلي {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ،ومنها ما هو عقلي ،وهو خالصة التفكيك العلمي،
وال يجوز أن يخ ّل العلم ويوقع بمن يكتسب خصال العلم .والخط الثاني أيديولوجي ،وهو
يبيح لنفسه النسف وفرض الشك المذهبي، وك�����أن ال��ن��ظ��ر ع��ن��د أص���ح���اب ه����ذا الخط
الطعن في الثوابت واتهام الظاهرة الدينية
من جذورها .وقد يصل هذا الخط إلى أن المصحف العثماني مختلف ع��ن األصل.
وال��س��ؤال المطروح :ما الفائدة العملية من
هذه النتيجة؟ وهل هي الفاتحة على التقدم؟
على التيار الفكري التأويلي المنفت ــح (ابن رشد مثال) جعل أكثرية جمهور المسلمين ت��ع��ت��ب��ر ال���ن���ص ال��دي��ن��ي م��ح��ت��وي��ا ع��ل��ى كل الحقائق العلمية ما ظهر منها وم��ا سوف يظهر ،ه��و ال��ذي جعل ث���ورات ال��غ��رب تنحو ص��وب المستقبل إلحاللها ِم ْخيالَ التقدم محلّ المخيال الديني ..ذاك الذي صار اآلن ال يدعو إل��ى جنة وال يزجر عن ن��ار ،وجعل ثوراتنا الفكرية العربية تنحدر عميقا إلى الماضي؟ < الجواب عن السؤال يحوج إلى مداخل اخترنا منها عالمات نوجزها في مصطلح السنة ،وهو
يوجد حديث يؤكد أن «ال��ق��رآن يحشر يوم
في هذا االستعمال غير األص��ل التشريعي،
النصوص القديمة ،وهو أن القرآن ال تنقضي
مجموع ًة م��ن السُّ نن نريد أن نشير إليها.
(التونسي) في كتاب له موسوم بـ «الرسالة
عناصر جوهرية ،وه��ي االنتصار للتصوف
– واقعيا وعمليا – مفتوح إلن��ت��اج المعرفة
رف��ض أصناف الطلب األخ��رى كعلم الكالم
ال تتصل بالنص القرآني ..بل بنسيج الثقافة
أن الدنيا مزرعة لآلخرة وأن الحديث (؟)
أكيدة إلى معالجة األم��راض حتى ال نتوهم
َاص ٌل للمعرفة ،فيصبح الذوق واالنكشاف ُمو ِ
القيامة بكرا» ،وهو متصل بفكرة تتردد في
إن���ه ال��ط��ري��ق��ة وال��ت��م��ث��ل للثقافة اإلسالمية
عجائبه ،وق��د وق��ف أب��و الحسن القابسي
َم َّث َل أبو حامد الغزالي سُ ّن ًة ثقافية مؤداها
المفصلة» إلى مثل هذه المعاني ،فالمجال
بوصفه (ع��ن��ده) الطريق إل��ى الحقيقة (مع
على القرآن الكريم .والمشكلة في تقديري
والفلسفة) ،ومجال الحقيقة اعتبار الغزالي
اإلسالمية وقد أصابه المرض ،وكأن الحاجة
«من عمل بما علم أورث��ه الله علم ما يعلم»
أنها كامنة في مواضع أخرى .الخالصة ،هي
المطية للنجاة ،ولعل ه��ذه السُ نة هي التي
الحاجة إلى العلم واللجوء إلى درء مفاسد
88
ال��ذي��ن ي��ق��رؤون ال��ق��رآن الكريم ف��ي حرفيته
اجلوبة -شتاء 1432هـ
س���ادت ،وه��ي ال��ت��ي نحتت جانبا كبيرا من
منها استشراء الطرقية – فتآزر التقليد مع الطرقية وانسدت األفق.
ال��خ�لاص��ة ،أن تتحمل ال��ث��ق��اف��ة اإلسالمية
َو َم َّث َل ابن رشد سنة ثقافية أخرى ملخصها
مسؤولية إنتاج المعنى والمعرفة والعلم ،وال
في رسالة معناها فصل المقال في ما بين
أن تحتمي بالشعارات كالتوهّ م أن القرآن
الشريعة والحكمة من االت��ص��ال؛ فهي سنة
الكريم ينطوي على الحقائق العلمية ..وقد
سبق لطنطاوي جوهري أن زينت له النفس
بين الشريعة والفلسفة – ول��م تثمر هذه
العلمية.
استعادت موقفا توفيقيا بين الوحي والعقل،
السنة إال ق��ل��ي�لا ..وأس��ب��اب الفشل راجعة
إلى الطريقة في السياسة وفي الثقافة وفي التعليم ،وليس غريبا في ضوء هذه المعطيات
أن يتقرب أم��راء األندلس إل��ى العامة بقتل الفالسفة حسب الخبر الذي أورده المقري
في نفح الطيب.
ومثل ابن خلدون سنة ثقافية أخرى قوامها
على التمييز المرجعي بين العلوم الشرعية والعلوم العقلية .فالوحي يقتضي التسليم (وهو
عنده منظومة ال تخلد إلى إبطال العقل ،بل تنطق عن درجات متفاوتة ليس للعقل طاقة
على استكمالها أو امتالك زمامها) ،والعقل يستوجب الخبر والسؤال والتقصي .وكأن ابن خلدون قد فتح بابًا وأغلقه ..ألن الثقافة زمن
ابن خلدون (توفي 808هـ) قد أترعت تقليدا.
نحن بحاجة إلى دراسة هذا االختالف على أن���ه ت��اري��خ أف��ك��ار ال سلطة م��ف��روض��ة على
المخيال اإلسالمي بصفة مطلقة .ونحن– المنتمون إل��ى الثقافة اإلس�لام��ي��ة الراهنة
– بحاجة إل��ى ص��ون ال��م��وروث إضافة إليه، وإلى المحافظة على الهوية باكتساب آليات
التفكير الحداثي ،وإل��ى اإلخ�لاص لألجداد بالتأسيس للطرق الكفيلة برسوخ األقدام في
م������������������واج������������������ه������������������ات
المخيال اإلسالمي أدى إلى منعرجات وعرة
الحاضر ..وباإلعداد العقالني للمستقبل.
ذلك ،فأصبح تفسيره عاريا من المصداقية
الراضي بالسكون يتحول إلى طعم من جنس غثاء السيل > العقل ال��ح��داث��ي والعقل السلفي يعيشان أزم��ة عامة ..ولكن أسبابها مختلفة ،فأزمة األول س��ب��ب��ه��ا ح��ي��وي��ت��ه ال���دائ���م���ة ،وسعيه المتجدد إلى تفكيك كل ال ُبنَى التقليدية، الشك في كل يقينياته ..مانعا عنها ّ وإل��ى التصــلب والدوغمائية .وأزمة الثاني ناجمة وتحجره وانغالقه على معانيه ّ عن جموده في هالة من القداسة والتهويل .هل تعدون هذه المفارقة سببا مُ حَ دِّ دً ا لنمط التواصل الفكري والسياسي الحاصل اآلن بين الشرق والغرب؟ < األزمة – على األغلب – نوعان :نوع هيكلي بنيوي ..ون��وع إشكالي منهجي .أم��ا العقل
الحداثي ،فاألزمة فيه – إن جاز الكالم على األزم��ة – منهجيـة؛ ألنَّ من أع��وان الحداثة ( )Les agents de la modernitéالعقالني َة وهي
ال تقبل المسلمات ..فالحركة والصيرورة
من الشّ يم المالزمة لها .فالعقل الحداثي فاع ٌل بداهةً .وأما العقل السلفي (وإذ كانت
المفاهيم تحتاج إل��ى التدقيق) ،فهو مناط
اجلوبة -شتاء 1432هـ 89
أزم��ة هيكلية تنفذ إل��ى أع��م��اق بنيته .ومن
ولعل المفارقة تطرح بشكل مختلف ،جانب
ثابتة مطلقة .ومن عالمات األزم��ة التسليم
المعلوماتي؛ ألن التكنلوجيا متوافرة ضمن
عالمات األزمة اإلقرار بأن الحقيقة واحدة بسلطة الرجال (العلماء بأصنافهم) ..لتمثل الثقافة ،وك��أن فهم ال��ق��رآن الكريم والسنة
توقف عند أفهام القدامى ..وتلك من الطريق إل���ى االن���غ�ل�اق .ل��ق��د س��ب��ق ل��ب��اح��ث فرنسي األب لويس ق��اردي
(Gardet
)Louisأن بين
في كتاب له عنوانه رج��االت اإلس�لام de l’islam
«Les
»Hommesأن تاريخ المسلمين
وتاريخ األوروبيين معكوس ،بدأ األوروبيون بالتوحش ثم بالقرون الوسيطة ثم النهضة..
وصوال إلى الحضارة الغربية المتطورة ،وكان
فيها أول ه��و سهولة ال��وص��ول إل��ى اإلجراء ما يعبر عنه اقتصاد العالم ،وجانب ثان هو
أن الراضي بالسكون سيتحول إلى طعم من
جنس غثاء السيل الذي أشار إليه الحديث النبوي .تتمثل الخالصة في تجنب الحلول الجزئية والطرق المحدودة واالل��ت��زام بروح
التأليف والنظر الشامل والمنهج النقدي.
الخطوة الصعبة أن يمثل العرب كيانا متكامال يمكن له أن يكون مخاطبا كفئ ًا للغرب
المسلمون ق��د ع��رف��وا النهضة ث��م السكون > ثمة حرب أيديولوجية قائمة خالل العقود األخ���ي���رة ،ب��ي��ن ال���ع���رب ب��وص��ف��ه��م أصحاب فالتخلف .فمسألة ال��م��ق��ارن��ة ب��ي��ن الشرق دي��ن يمثل ف��زاع��ةً مُ خيفةً ،وال��غ��رب بوصفه وال��غ��رب م��ع��ق��دة ..وه��ي أح���وج إل��ى التأني. ول��ي��س ال��وج��ه ف��ي ن��ظ��رن��ا االك��ت��ف��اء بعنصر واح���د إلق��ام��ة ال��دل��ي��ل ع��ل��ى ال��ف��روق��ات بين
الشرق والغرب ،إن المنهج العلمي يقتضي استحضار ك��ل العناصر ال�لازم��ة للمقارنة،
ومنها السياسي واالجتماعي واالقتصادي
التوسعية ،هل تعتقدون أنه ما يزال باإلمكان إيجاد مجال للتفاهم بين الغرب والعرب ،وما هي اآلليات التي ترونها تمثل قناة صالحة للتحاور في هذا المناخ العدائي؟
والثقافي والمعرفي والفني .وهي تستدعي
< ال�����رأي أن ال��م��ع��ض��ل��ة ال��ك��ب��رى راج���ع���ة إلى
العلمية .وقد تشعبت األح��وال بشكل فظيع
م��رج��ع��ي��ت��ي��ن ،ال��م��رج��ع��ي��ة االنثروبولوجية
فرضت منظومة اتصالية متطورة ،والظاهرة
هي كل النشاط المادي والذهني لدى الفرد
األع���م���ال ال��م��خ��ب��ري��ة ل��ل��وص��ول إل���ى النتائج
اإلش��ك��ـ��ال ال��ث��ق��اف��ي .ون��ف��ه��م ال��ث��ق��اف��ة على
في السنوات األخيرة ،ألن الثورة المعلوماتية
والمرجعية البيولوجية .الثقافة انثروبولوجيا
السيبرنيتية ( )Cybernitiqueجعلت من
االف��ت��راض��ي ( )Virtuelسبيال إل��ى اختراق ال��ح��واج��ز دون المعرفة ال��م��ت��ط��ورة .وليس
م��ن سبيل إل��ى استثناء الثقافة اإلسالمية
إال إذا رام��ت القبوع في حضيض الجهالة.
90
الشيطانَ األكبر بآالته العسكرية وبسياساته
اجلوبة -شتاء 1432هـ
وال��ج��م��اع��ات .ال��س��ؤال هنا ه��ل إن السلوك الثقافي العربي (إجماال وال تعميما) فاعل،
وما هي نسبة اإلنتاجية ونسبة األمية على سبيل المثال بين العرب والغرب ،فإذا قارنَّا
وجب اعتبار الممكن والملموس ال النظري
التحت ستكون االستنتاجات مغلوطة .أما
إلى معالجة اإلشكال من زاوية أخرى ..وهي
ف��ي بيئة ..ف��إذا أسرعنا إل��ى ال��ف��وق وتركنا
بيولوج ّيًا فأكتفي باإلشارة إلى أن الهندسة
الوراثية بيّنت أنه ال صون للنواة في الخلية
ط��رح ال��س��ؤال :لماذا يتدرج الوضع العربي إل��ى الوهن واالس��ت�لاب (عموما دون النظر
إال بفاعلية المحيط أو السيتوبالزم ،والتوازي
في االستثناءات وهي قليلة)؟ هل الدين هو
فرضية جارية في البحوث والتطبيقات في
هو العلة أم المحتوى الثقافي هو الدافع إلى
والسؤال :هل النواة وهي الموروث في الثقافة
األكبر» بل إن القيم مالزمة عنده للحضارة،
المتالحقة) ف��اع��ل أو س��اك��ن؟ ن��رى الغرب
لتوهّ م العداء ،بل األجدر التعامل مع الغـ ــرب
المكتشفات المذهلة ،وموطن التقدم المبين،
ال��ت��واص��ل م��ع العقالء الغربيين ذوي القيم
قطع عنه التأثير في الراهن وفي المستقبل
اليهود كانوا شتاتا وقد اضطهدوا في الغرب
أم���ا ال���ع���رب ،ف��ال��س��ؤال م��ط��روح ب��ح��دة عن
وبين الغرب على أكمل ص��ورة والبحث عن
ب��ي��ن ال��س��ن��ن ال��ب��ي��ول��وج��ي وال��س��ن��ن الثقافي
السبب؟ أو صفة التدين هي الداء؟ هل النص
المؤسسات العلمية في البلدان المتقدمة.
الوضع الراهن؟ وليس كل الغرب «الشيطان
العربيـة محفوفة بمحيط (ثقافة األجيال
وإ ْن ه��ي ذات مرجعية مختلفة ،ف�لا وجه
يعمل ويكد وينتج بنسق متسارع ..فهو قبلة
بمنطق النجاعة والمصلحة المشتركة ،وربط
وهو يحافظ على موروثه بأن وضع له إطارا
األصلية ،وقد بين لنا التاريخ المعاصر أن
على أنه احترمه احتراما عظيما.
أبشع اضطهاد؛ واليوم أصبحت العالقة بينهم
عالقتهم بالموروث وبالدين بصفة خاصة. ف��ه��ل يحيطون ب��ه ع��ل��ى ق��اع��دة الفاعلية..
ومعناها أن صون حقيقة الدين ال تكون إال
بالثقافة المنتجة (االجتهاد – العقالنية –
اإلبداع).
وه��ذا ال يعني الرضى بما ن��رى؛ بل يقصد
وإذا نظرنا ف��ي النتائج ،فطبيعي أن يغزو
الغرب العالم ،ألن المصلحة تابعة لمصادر القوة ،وقد فعلت نظرية التطور الالمتكافئ
(ان��ظ��ر سمير أم��ي��ن ف��ي ه��ذا ال��ص��ـ��دد) في وق���ت غ��ي��ر ب��ع��ي��د ،وت��ف��ع��ل ال��ع��ول��م��ة م��ا تريد
اليوم ،والغرب جا ّد في جلب المصالح إليه.
ومنطق التاريخ يدل على التالزم بين القوة
والمصلحة .فالسياسات التوسعية نتيجة
م������������������واج������������������ه������������������ات
وااليديولوجي ،ألن هذين المظهرين يولدان
حتمية ل��ك��س��ب األس���ب���اب ال��م��ؤدي��ة إليها..
األسباب مزدوج الفائدة ،إنه يوفر المسالك
ل��ن��ح��ت ال��ع�لاق��ات ال��م��ت��ده��ورة استصالحا ل��ه��ا ن��ح��و األف��ض��ل ،وي��ؤك��د أن ال��ت��ك��اف��ؤ في
التعامل ممكن على شرط توفير المقومات، ومنها االرتقاء إلى مستوى الحضارة ال في
المظاهر بل في عمق الكيان .وه��ل يتسنى
هذا للعرب وهم متفرقون؟ أليست الخطوة (الصعبة) أن يمثل العرب كيانا متكامال (ال
نذهب إلى الكالم على الوحدة وقد أصبحت كالحلم العصي) يمكن له متى تحقق أن يكون
العرب مخاطبا كفئاً إزاء الغرب؟
ال��ح��ري��ة ال��ي��وم أق��ن��وم م��ن األق��ان��ي��م الالزمة
لإلنسان بموجب ح ــقوق أممية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 91
> ه��ل اإلص�ل�اح���ات ال��ت��ي ت��دع��و إل��ي��ه��ا أمريكا وتنافخ من أجل فرضها على سكان مشرقنا
اللزوميات تعبير عن وعي حاد أن العقل قد
العربي في شتى مجاالت حياتهم ..ستدفعهم
غار وأ ُهْ مِ َل يقول:
إلى عبادة الحرية ،أو هي ستزيد من إصرارهم على االلتزام بالشريعة؟
وإذا الرئاسة لم ُتعَنْ بسياسة السائس ُ الصوابَ عقلية خَ ِطئَ َّ
< ه��ل التضاد ك��ام��ن بين الحرية والشريعة؟ أل����م ي����أت اإلس���ل��ام ل��ت��ح��ري��ر اإلن���س���ان من
والشريعة ..بل األجدى المقارنة بين الحرية
الحقيقين عباد الرحمان ،أي البشر المنوط
األبواب دون العقل المنتج تحت إطار الشريعة.
مظاهرها الحرية؟ وليس الكالم تمجيدا ،إنه
الشريعة ..ألن االصطالح قد يبدو واضحا،
المسلمين ب��أح��داث جسيمة غيرت مجرى
النقدي كفيل بذلك؛ إذ في الشريعة جانبان:
أن نصطفي مظهرين يفسران ذل��ك ولهما
ل��م ي��ت��ح��رك ال��ت��ل��ق��ي ف���ان ال��ج��ان��ب األول قد
الخالفة منصبا دينيا ..والبن خلدون موقف
وسوء التطبيق .ولشيخ تونسي من نهاية القرن
الراشدين استثناء ،وأن الخالفة اإلسالمية
وه��و محمد بيرم األول موسومة بالسياسة
���ك .فالتسمية خ�لاف��ـ��ـ��ة والمسمى إل���ى مُ���ل ْ ٍ
مجاالت االجتهاد الكبيرة .الموضوع يحتـاج
األحكام السلطانية المالئمة لذلك؛ فوجب
حال نفسية متوازنة حتى تصغي إلى المواقف
الثاني ،هو تبنّي فكرة ساسانية انتشرت مع
أصبحت الحرية ال��ي��وم أقنوما م��ن األقانيم
اإللهي» ،فتغيرت الخالفة من خالفة رسول
ومهما كانت الممارسات قريبة من التجسيم أو
عن إرادة الله ،ومن يرجع إلى كتب التاريخ
حقوق اإلن��س��ان .وال محيص عن تحقق هذه
ال ن����رى وج���ه���ا ف���ي ال��م��ق��اب��ل��ة ب��ي��ن الحرية
أشكال االستعباد فسمى القرآن المسلمين
واالس��ت��ب��داد ال���ذي وص��ل ب��ه ال��ج��ور إل��ى سد
بهم نشر الرحمة ف��وق األرض ،وم��ن أبسط
ومن الملفات المهمة التي يجب فتحها ملف
اإلحالة إلى النص بالضرورة .لقد تأثر تاريخ
أما المفهوم فهو أحوج إلى المراجعة ،والمنهج
النسق األصيل إلى انحرافات فظيعة ،ويمكن
الجانب اإللهي وجانب التلقي البشري ..وإذا
عالقة بالسياسة؛ المظهر األول توهّ م منصب
تطمس حقائقه ..وقد يؤدي إلى سوء الفهم،
جليل في ه��ذا السياق ،ملخصه أن خالفة
السابع عشر الميالدي رسالة في هذا الشأن،
ب��دأت مع األمويين عندما انقلبت الخالفة
ال��ش��رع��ي��ة ،وال��ن��اظ��ر ف��ي��ه��ا يتمكن م��ن فهم
ملك عضوض ..وقد أسس فقهاء السياسة
إلى األناة واألريحية ،وإلـى عقلية نقدية ،وإلى
االعتبار بالتاريخ بمنهج نقدي دقيق .المظهر
ما توافق عليه وما ترده على حد السواء .لقد
دول��ة البرامكة وملخصـها في «ح��ق الملوك
ال�لازم��ة ل�لإن��س��ان ب��م��وج��ب ح ــقوق أممية.
الله إل��ى خالفة الله وأصبح الحاكم صورة
بعيدة ..فإن الشعوب تجنح إلى الحرية وإلى
يفهم هذا التغير .والمظهران تكريس للجور
المعاني في كل العالم مهما نأت المدة الزمنية
واالستبداد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا
92
وثقافيا .ولعل صرخة أبي العالء المعري في
اجلوبة -شتاء 1432هـ
وتعقد الوصول إليها .وال نرى سبيال إلى أن
أو التعصب المريض ..وك��ل ذل��ك في نظرنا
بالرقيّ ؟ الوجه في نظري أن نبصر في حال
أبرز العوامل المغذّية للحرية الظاهرة الدينية
اآلخرين .غير المتمكن يمتلك أسباب فرض
الحرية من اختيار عقيدته ..على أنه ال مجال
أم��ا األن���ا /النحن ف��ي المشرق العربي فما
هي ح��االت مرضية ..وأب��رز مقاومة لها هي
اإلنسانية .هل تكفي المواد الخام والخيرات
اإلنسانية إال ف��ي إط���ار الذهنية الماضوية
هل يُ ْمل َى اإلصالح على واقع حضاري متميز
ممارسة غالطة وخ��ي��ارات سخيفة .وإنّ من
المشرق قبل أن نصوّب النظر أو التهم إلى
ع��ن��دم��ا تُ��ؤخ��ذ م��أخ��ذا عقليا؛ ألن لإلنسان
الذات والهيمنة بها وهذا ال يحتاج إلى دليل.
لعقائد تؤدي إلى القتل واإلجرام واإلرهاب ،إذ
هي المنجزات المؤدية إل��ى إث��راء الحضارة
السبيل المعرفية ،ولن تستطيع األطروحات
المادية لتكتسب المجتمعات المنزلة الرفيعة؟
المتعصبة أن ت��ق��ف أم���ام ال��ع��ل��م والمعرفة،
ونقصد بالعلـم المنهجية العلمية في الدرجة
األولى وقوامها على العقالنية .وإنّ من أبرز ثمار تح ّمــل اإلنسان مسؤولية وجوده أن يختار بعقله ،وأن يريد بعقله ..والثقافة اإلسالمية
ف��ي جوهرها استصالح ل��ه��ذه المسؤولية.. فكان اإلسالم هاديا إلى هذه المعاني؛ ولعل
هذا ما يفسر أن أعظم معجزة للنبي (صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم ،ولم نجد ال لها من خوارق من كان قبله .فالنصوص مثي ً القديمة بحاجة إلى االستثمار الواعي.
وألمريكا أن تقترح وأن تفرض اإلصالحات ..
ألن المناخ مالئم ،والفراغ الثقافي يستدعي
مثل ه��ذه اإلج�����راءات ،ونقصد بالثقافة ما أشرنا إليه آنفا ..فالسياسة ثقافة ،وكذلك
االج��ت��م��اع واالق��ت��ص��اد .ط���رح ال��س��ؤال يمكن أن يتخذ مسلكا آخر مختلفا وهو الذي أراه من صلب النهج النقدي .الواقع اليوم يبوئ
أم��ري��ك��ا درج���ة السلطان على األرض ،فهل
وج��دت أمريكا في المشرق العربي من قوة األفكار ،وقوة المناهج ،وقوة المقاربات ،وقوة
م������������������واج������������������ه������������������ات
ي��ت��ص��دى ال��ف��ك��ر ال��دي��ن��ي اإلس�لام��ي للحقوق
ال��م��ع��ارف ،وق��وة ال��ع��ل��وم؛ م��ا يجعلها تتساءل
ال���رأي ع��ن��دي ،أن ت��ك��ون اليقظة ذات��ي��ة ،وأن
يكون اإلصالح من الداخل ،وال ينقص العرب والمسلمين األدم��غ��ة المفكرة ال��ق��ادرة على اإلبداع .ألم تبرهن األدمغة العربية على كفاءات
عالية عندما هاجرت إلى الغرب وأسهمت في
االرتقاء بعلومه ومعارفه ومناهجه؟! إن أمريكا والغرب يستوجبان المخاطب الكفءَ ،القادر
في دياره على أن يحقق التقدم ،وعلى أن يزرع الثقافة المتحركة وأدن��اه��ا اس��ت��رج��اع قيمة
الوقت وقيمة العمل.
الجواب عن السؤال في الخالصة كامن في تحريك السواكن واإلب��ان��ة ع��ن النضج ،وقد
يقال إن ال��غ��رب يعرقل التكامل بين العرب
والمسلمين ،وال��س��ؤال وجيه على أن��ه يحط الرحل في سؤال آخر :أليست للعرقلة أسباب،
أهمها المناخ المالئم وقبول الهيمنة؟ وليس األم��ر كالحلقة المفرغة ..إنه ينتظر اإلدارة
القوية ،ولنا في التاريخ المعاصر مجتمعات كانت مقهورة أو مستضعفة ،ثم حظيت بالتمكن
بإنجاز من الذات ال بالمنة من اآلخر.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 93
الشاعر بسام السالمة > حاوره ضاري بن حمود احلميد*
يقدر المرء أن يكون عظيم ًا في الحزن ،بل قل بطالً ،ولكنه في السعادة وحدها يكون المنتهى؛ هكذا يقول الشاعر بسام السالمة ،الذي يؤكد أنه حتى النبيل اإلغريقي الذي كان يعرف جيد ًا كيف يصور الشخصيات البطولية ..لم يتردد في جعل أبطاله يبكون عند مقاساتهم األلم؛ فكان يقول :كرام هم الرجال الذين يستطيعون البكاء ..دعوني وشأني. يع ـّرف بسام الشعر بهذه الطريقه: « إنما الشعر لسان القلب مذ كان به فيض مشاعر، ورسول لبنات الفكر صداح متى جالت خواطر، بلسم تسمو به الروح إذا اجتاز الحناجر»
الشاعر بسام السالمة
يهتم بسام بالكيف وليس بالكم ،يميل إلى شعر التفعيلة.. وال يتوقف عنده ،يبحث عن المعنى وجمالية المفردة وخصوصية األسلوب.. يقول: وحللت اليوم ضيفا عند ينبوع الجمال ها هنا بين الروابي في ذرى سحر التالل في سكاكا زهرة الجوف وبستان الشمال.. ويقول :أنتم يا ذوي القلوب اليابسة والعيون ،إنني ألعن السعيد الذي ال يكون الشقي له سوى مشهد. يجمع المشهد الشعري عند بسام السالمة بين الدراما والغناء ،بين المأساة والتفاؤل، وقد حاورناه عقب أمسية شعرية أحياها في النادي األدبي بمنطقة الجوف ،فتحدث بعفوية عن بداياته ،وعن الذين شجعوه ،وعن المزج بين الشعري والغنائي لديه ..وعن أمور أخرى.
94
اجلوبة -شتاء 1432هـ
< رغبتي في ظهور أعمالي من خالل جهة ذات اختصاص تهتم في ع��رض ن��واجت املوهوبني كفعل ثقافي في املقام األول ..وليس ألجل الربح املادي ،هو ما جعلني ال استسلم ،وبوادر هذه اجلهات هو نادي اجلوف األدب��ي الذي أرى بأنه سيكون مالذاً أمناً جلميع املواهب واألسماء في املنطقة.
م������������������واج������������������ه������������������ات
> ذك��رت في أمسية لك في النادي األدب��ي في الجوف أن لديك خمس مجموعات شعرية: لماذا لم تطبع أي منها حتى اآلن؟
< بدأ اهتمامي بالشعر من سن عشر سنوات ح�ين أنهيت ق���راءة مجلد عنتره ب��ن شداد والذي لفت مخيلتي إلى الصورة الشعرية-وك��ذل��ك ق��ص��ة ال��زي��ر س��ال��م ،ك���ان ذل���ك في الصف الرابع االبتدائي ،وأذك��ر أنني بدأت بالكتابة ال��ت��ي حت��اك��ي أش��ع��اره��م منذ ذلك الوقت ،غير أن هذا أصبح واقعاً صحيحاً في عام 1403هــ. وبدون شك ما يستهويني ومتيل إليه نفسي هو الشعر الفصيح ،وحتديداً شعر التفعيلة.
> كيف كانت تحوالت القصيدة لديك ،ومتى > كيف ترى الذائقة الشعرية اليوم ،وما الذي أدى إل���ى ش��ي��وع ال��ذائ��ق��ة ال��ع��ام��ي��ة ونكوص تكتب القصيدة ،وكيف يتحدد شكلها؟ الذائقة الفصيحة؟ < ال��ق��ص��ي��دة ق��ب��ل تمَ�� ُّك��ن��ي م��ن أدوات���ه���ا كانت تكتبني ..وتختار هي زمنها وحالتها ،أما اآلن < ي��ا س��ي��دي ك��ل ش���يء ت��غ��ي��ر ال���ي���وم ،واحلياة أصبحت أكثر ازدحاماً ،ولهذا فاإلنسان اليوم فأنا اكتبها بشكل احترافي ،وأسعى ملستوى ي��واج��ه خصومة ال��وق��ت ،ل��م يعد الشعر هو اإلبداع في التعبير ،لهذا استطيع القول إنني املستحوذ على الذائقة ،ولهذا على الشعراء ال أنتظر وفقط ،ولكنني أملك ناصية اخليار بذل جهد اكبر ليستعيدوها من سواها ،وذيوع في تطويعها. الذائقة النبطية هي لسهولة هذا النوع من > تتنقل في الشعر ما بين العمودي والتفعيلة مستعص ،وبالتالي الشعر الذي قد يبدو غير ٍ وصوال إلى القصيدة الغنائية النبطية :هل فالفصحى ستصبح للنخبة ،وه���ذا برأيي أدى هذا التعدد إلى تشتت تجربتك الشعرية، أفضل. أم إلى إثرائها؟ < إلى إثرائها وإثراء جتربتي أيضا ،جتربة صيغ > هل ت��رى أن الشعر النبطي أكثر ق��درة على اح���ت���واء ال���ص���ور ال��ش��ع��ري��ة م���ن القصيدة مختلفة ه��و إض��اف��ة ،إذا م��ا جت��اوزن��ا مأزق الفصيحة تفعيلة أو عمودية؟ املقارنات وأفعال التفضيل ،ولكن حتماً هو يخلق نوعا من التشتت بالنسبة للمتلقي ،ولك < الشعر النبطي ه��و ب��األس��اس خليلي ،ولكن ملحون ،هكذا بدأ ،ولهذا هو ال ميلك القدرة أن تتخيل أن قصيدة غنائية واحده مت تداولها بشكل اك��ب��ر م��ن الفصيح ،فالفصيح أوسع بشغف من الكويت إلى املغرب العربي ،هذا وأك��ث��ر ق��درة على التعبير ف��ي ك��ل األحوال، يشكل إضافه محببة. ولهذا هو األبقى. > متى بدأت كتابة الشعر ،وما هو اللون األقرب > أن��ت فنان تشكيلي وشاعر ،وع��ازف وملحن، منه إلى نفسك؟
اجلوبة -شتاء 1432هـ 95
ك��ي��ف أث����رت ه����ذه ال���م���واه���ب ف���ي تجربتك اإلبداعية ،وه��ل انتقلت ه��ذه المواهب إلى أبنائك؟
هي اجلهة التي قامت بترشيحي للمشاركة في أمسيات الشعر ملهرجان اجلنادرية ،وبعد افتتاح النادي األدبي وجمعية الثقافة والفنون اعتقد أن دوره��ا األدب��ي والفني يتكامل مع هذه املؤسسات ،إضافة إلى جامعة اجلوف ودورها اخليري العظيم.
< م��ن��ذ ال���ب���داي���ات ك��ن��ت م���درك���اً أن��ن��ي موهبة متكاملة ،وهذا تاريخ ،وبدون شك فإن هذه التجربة املتكاملة والشمولية ساعدتني في الوصول إلى صيغ إبداعية للتعبير في مختلف > مَ ن ِمن مثقفي الجوف أثّ ��ر فيك ..وك��ان له مجاالته ،وتداخل هذه املجاالت ساعد إلى دور في تشجيعك وإعطائك الثقة في نفسك حد ما في اكتمال التعبير املنشود سواء في أثناء عنفوانك؟ النص أو اللون أو النغم ،مخاطبة أكبر قدر < احلركة الكشفية وليس املثقفون ..هي من من احلواس أفضل بكثير من مخاطبة حاسة رعت مواهبي كاملة وقدمتها ،اساتذتي منذ واح��ده فقط .جميع أبنائي وه��م صغار من الصغر ك��ان لهم الفضل الكبير ف��ي تنمية امل��وه��وب�ين ف��ي القصة م��واه��ب��ي ال���ظ���اه���ره ،فقد والشعر والرسم ..وفي ول��������������دت ش�����������اع�����������راً ،وه��������ذا حظيت منذ الصغر برعاية املدرسة هم في فصول ي�����رج�����ع إل�������ى األرض ال���ت���ي واه��ت��م��ام ودالل -إذا جاز امل���وه���وب�ي�ن ،ويدرسون ول����������دت ع���ل���ي���ه���ا «ال������ج������وف» ال��ت��ع��ب��ي��ر -امل��س��ئ��ول�ين في ضمن منهج خاص ،وأنأ امل��ن��ط��ق��ة .رح���م ال��ل��ه فقيد ً ً اب���ذل ج��ه��دا ك��ب��ي��را في دور ال���م���ث���ق���ف���ي���ن وال�����ن�����ادي امل��ن��ط��ق��ة ال���دك���ت���ور عارف التوجيه ،ونقل خالصة األدب���������ي ب��م��ن��ط��ق��ة ال���ج���وف ب��ن م��ف��ض��ي امل��س��ع��ر الذي جت���رب���ت���ي وجوانبها ك�����ان ال ي���رع���ى وف���ق���ط.. زاد ف���ي اآلون������ة األخ���ي���رة بل اإليجابية لهم. ب��ل يتابع وي��وص��ي اجلميع
وت������ف������رد ع������ن س�����اب�����ق ع���ه���دة
> ك��ي��ف ت���رى دور مكتبة دار ال����ج����وف للعلوم ومؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية؟
< دار اجلوف للعلوم مؤسسة أدت أدواراً عظيمة في زمنها فيما يخص الندوات واألمسيات واإلصدارات ،وكانت تسهم بكل األدوار ،وأنا تعاونت معها لفترات طويلة من الزمن ،وأقمت من خاللها أول أمسية جماعية للشباب في املنطقة ،وكذلك في ن��دوات خاصة بالطلبة وق��دم��ت م��ن خاللها قصائد ف��ي احتفاالت ع��دي��دة أهمها اجل��ائ��زة ال��زراع��ي��ة ،كما أنها
96
اجلوبة -شتاء 1432هـ
ب�����االه�����ت�����م�����ام بشخصي وم��وه��ب��ت��ي ب��ش��ك��ل الف���ت، وتشجيعه كان من أهم عوامل جناحي ،كما ال أنسى أيضا األستاذ ممدوح السلطان -في رعاية الشباب -وال��ذي كان له ال��دور نفسه وبالقدر ذاته ..وفي النادي ال ميكن أن أنسى دور امل��رب��ي الفاضل األس��ت��اذ سلمان جمعه العرسان ،الذي قدمني للمسرح بجرأة كبيرة، ورعى موهبتي في الرسم ،وأدرج لوحاتي منذ الصف الرابع االبتدائي في معارض النادي آنذاك.
< بالتأكيد أنا متابع حلركة النقد ..فهي مهمه. ولكنني في اآلونة األخيرة اكتفيت بدراسات الناقد األستاذ حمد العيسى ..نظراً لشمولية كتاباته عن الشعر حول العالم ،وهو يخصني باستمرار بهذه الكتابات.
> <
>
<
م������������������واج������������������ه������������������ات
> ه��ل تتابع ح��رك��ة نقد ال��ش��ع��ر ..وك��ي��ف يرى النقاد تجربتك؟
والشرف ،أول ما سمعت من القصائد كان للمتنبي ،ثم قرأت لعبدالله البردّوني وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وبدر شاكر السياب وسعد الحميدين وغازي القصيبي .كل هذه ال��ق��راءات شكلت جملتي الشعرية الغزلية والمأساوية ،فأنا أجمع بين السعادة والشقاء، بين اليأس والرجاء ،بين التفاؤل والتشاؤم، بين ثنائيات الحياة.
أما جتربتي ،فنقدها يعتمد على النشر ،وأنا > م���اذا ت��ق��ول ف��ي قضية االل��ت��زام ف��ي األدب.. مقل في هذا لدواعي عدم التعرض للسرقات خاصة في الشعر والقصة وال��رواي��ة ..أقصد األدب��ي��ة ..وف��ي بداياتي حني كنت انشر في االلتزام بالمعنى األخالقي لألدب؟ الصحف ،كنت استمتع بقراءة صياد الفوارس في اجلزيرة ،وال��ذي ق َّيم بداياتي على أنها < يجب أن نفصل بين األخالق كعلم واألخالق ك��س��ل��وك .أن���ا ل��س��ت ض��د األخ��ل�اق كعلم أو م��ن أه���م امل���واه���ب ال��ش��ع��ري��ة ال��ق��ادم��ة ،وال سلوك ..لكن األدب يعتمد على الكلمة ،وحرية تفوتني اشادة األمير بدر بن عبداحملسن عن الكلمة يجب أن تعطى للمبدع حتى يبدع ،فال جتربتي في شعر النبط واألغنية ،وكذلك آراء قيود على الكلمة ،وما دامت األلفاظ مطروحة أصدقائي الناقدة .ويبقى الناقد له منطلقاته على الطريق يعرفها العجمي والعربي ،فلم في الرؤية والتناول ..والتي قد تختلف عن ما التقيد بالقوالب الجاهزة ،والحكم على داللة ينطلق منه الشاعر ،وهذا مهم. األلفاظ مسبقاً. هناك من يرى أن َنفَس أحمد مطر موجود أع��ط األدي��ب الحرية فهو ي��رى العالم بغير في قصائدك ..هل يزعجك ذلك؟ عين اآلخرين. ه���ذا ص��ح��ي��ح ف���ي ش��ع��ر ال��ت��ف��ع��ي��ل��ة ،وه���و ال > يا أهل الكالم – وأنت منهم -أقصد الشعراء يضايقني ،ولكن م��ن المهم معرفة أن هذا والقاصين وال���رواة ..هل منكم من يظن أن النفس ل��ه جانب غير م��ت��داول للمتلقي من الكلمة فخ؟ وهذا مؤذٍ للمتلقي .فهل هناك أش���ع���اري ،وم���ت���داول بالنسبه لشعر أحمد خوف على عقلية السامع والقارئ؟ مطر. < ال خ���وف م��ا دم��ن��ا ن��ؤم��ن ب����دور ال��ك��ل��م��ة في أن��ت شاعر غنائي ..قصائدك تقرأ وتغنى، االختيار للداللة ،فإذا كانت الكلمة صادقة، فكيف السبيل إل��ى م��واج��ه��ة شافية تخرج ستصل صادقة وتؤدي دوره��ا .أما إذا كانت منها بعافية بين القراءة والغناء؟ الكلمة ك��اذب��ة ،فإنها تفسد ذوق المتلقي. حقيقة أنا ول��دت ش��اع��راً ..وه��ذا يرجع إلى وحسب ظني أن ال��ص��دق يكون ف��ي السياق األرض التي ول��دت عليها –الجوف -حيث وكيفية مالءمة الكلمة للسياق الداللي لها، ال��ه��دوء والسكينة وال��ك��رم والنجدة واألصل ومعرفة أسرارها البعيدة والقريبة ،وما تؤديه؛
اجلوبة -شتاء 1432هـ 97
فالكلمة التزام وتفعل ماال يفعله السيف. > أنت تجمع دائم ًا رؤية ثنائية «الحياة والموت»، «الظالم والنور»« ،الحرية والعبودية»« ،المرأة والرجل» فلم هذا الجمع؟ < أن��ا دائ��م��اً ه��ك��ذا ..حتى ف��ي األل���وان ،أختار ال بين الكلمة الثاني دائ��م��اً ،فأنا أجمع مث ً واللحن ،بين الشعر والموسيقى ،بين الوظيفة والحرية .أنا دائما هكذا ..فاألشياء تعرف بالتضاد والتناقض .فما معنى الحرية إذا لم يعرف اإلنسان معنى العبودية والتسلط .وما معنى الجمال إن لم يعرف اإلنسان القبح في األشياء .فأنت ال تحس باألشياء من حولك إال إذا عرفت نقيضها. > غنت قصائدك الفنانة أسماء المنور وراشد الماجد وغيرهما ..فهل أض��اف لك الغناء ش��ي��ئ��اً..خ��اص��ة إذا أج��ت��م��ع ال��ل��ح��ن والشعر والوجه الحسن؟ < أش���ك���رك ع��ل��ى ه����ذا ال����س����ؤال ..أن����ا دائماً أتمتع لكلمة الرضا .فالرضا فلسفة جميلة ومريحة ،فأنا أحس أن داخلي ناقداً ،فأول ما أعرض عليه القصيدة إذا رضي «شيطاني الشعري» .رضيت أنا .فالقصيدة عندي تولد بالموسيقى أوالً ،ثم تأتي الكلمة بالحروف واألوزان.
ل���ذا ،يشرفني دائ��م��اً أن��ن��ي س��ع��ودي أحمل من التاريخ اإليماني والبطولي ما يجعلني أف��ت��خ��ر دائ���م���اً ب���ذل���ك .وه����ذا واج����ب ديني ووطني واجتماعي.الوطن وخطه األمني من ال��م��ق��دس��ات وال��م��ح��رم��ات ال��ت��ي يجب أن ال يفرط فيها اإلنسان.
> الوطن .األم .الحبيبة المعشوقة ،ما داللة > ما تقييمك لدور المثقفين في المنطقة؟ هذه األشياء عندك؟ < أنا جوفي المولد ..جوفي اإلقامة ..جوفي < ربما في اعتقادي يجمع هذه األشياء شيء واحد هو مجموع كلمة «ال مـ مـ لـ كـ ـة – الـ عـ ـر بـ يـ ـة الـ سـ عـ ـوديـة».
98
ه����ذا ال��ت�لاش��ي ف���ي ال����ح����روف ,أق���ص���د أن السعودية هي األم والوطن والمعشوقة لدي.
اجلوبة -شتاء 1432هـ
الحياة ..حتى لو عشت خارج المنطقة.
وحقاً ،يقال إن دور المثقفين والنادي األدبي بمنطقة الجوف زاد في اآلون��ة األخيرة ،بل وت��ف��رد ع��ن س��اب��ق ع��ه��ده ،فالمنطقة تشهد حراكا ثقافيا غير عادي من أمسيات ومعارض
في سيرة ذاتية للشاعر:
ت��داول��ه��ا ب��ش��غ��ف م��ن الكويت إل�����������ى ال�������م�������غ�������رب ال�����ع�����رب�����ي ال��ش��ع��ر ال��ف��ص��ي��ح أوس����ع وأكثر ق���������درة ع����ل����ى ال���ت���ع���ب���ي���ر من ال��ن��ب��ط��ي ،ول���ه���ذا ه���و الباقي
م��ن ق��ص��ي��دة «أج��م��ل العمر» يقول: تجلت غيوم فذابت هموم وغابت شجون وجاءت أخر وطاحت نجوم على مبسمين
م������������������واج������������������ه������������������ات
وندوات ومحاضرات، وك��ت��ب ت��ط��ب��ع ،وغير ذل���ك ف��ال��ن��ادي يقوم ب��دورة خير قيام من دون مجاملة.
ق����ص����ائ����دي ال���غ���ن���ائ���ي���ة يتم
نماذج من شعره
تضاحك من فعلهن القمر
بسام حمد السالمه من مواليد سكاكا الجوف، مشاعر الحت بشتى الصور يحمل الماجستير ف��ي ال��ت��رب��ي��ة ،ويعمل معلما خيال يداعب محض خيال للتربيه الفنية. ونحمل منه بقايا أثر ش��اع��ر وف���ن���ان م��ت��ع��دد ال���م���واه���ب ،ش����ارك في زمان تولى أما نشتهيه؟ العديد من األنشطة الفنية واألدبية والرياضية بلى ،أجمل العمر ما قد عبر!! والكشفية. وفي قصيدة «مبغض وحبيب» قال: حاصل على :جائزة التصوير الفوتوغرافي على عدمت غياث الناس مذ كان سلعة مستوى المملكة ،وج��ائ��زة التمثيل المسرحي بعيدٌ يمنّ عليّ بها وقريب؟ كذلك. فما كنت أرجوها وقد كان لي صبا م��ثّ��ل منتخب ال��ج��ام��ع��ة ف��ي م��ه��رج��ان جامعات مشيب؟ ُ فكيف بحالي والجديد الخليج المسرحي ،وحصل على أحسن العب ففي الناس أجناس تميل مع الهوى لصغار السلة. وحبيب.. ُ وما الناس اال مبغض والعضو المثالي لبيوت الشباب في المملكة ،ومثل وقال للعيد: المملكة في العديد من المناسبات الخارجية. وجاء العيد يحمل كل بشرى شارك في أمسيات شعرية أقامتها دار الجوف البعيد ِ وأمنية من الزمن للعلوم ون���ادي القلعة ومهرجان ال��ج��ن��ادري��ة .له وقلبي فيه طفل راح يلهو اهتمام بالموسيقى والتلحين ،وتغنى بأشعاره جديد ِ ثوب عديد من المطربين في السعودية والوطن العربي مع األفراح في ٍ منهم :أسماء المنور من المغرب ،وعبدالمحسن فهذا القلب باألشواق يدنو السعيد. ِ المهنا من الكويت ..يكتب الشعر بأنواعه الفصيح لذكرى بهجة العيد والنبطي والغنائي .لديه مجموعات شعرية تحت وفي قصيدة «شاعر» قال: الطبع. شاعرٌ يرمي بدنياه، وأذكى هوانا النقي القديم
اجلوبة -شتاء 1432هـ 99
فإن شئت خذيها وارتحال ِ حل واذرعيها بين ٍ إن يجد غيث من الصدق تهامى ونسامى وفعال ِ سحر فكر ال تبالي أنت في حضرة من ربما ال تدركيه الرجال.. ِ بين آالف وفي قصائد مختلفه قال: وضـّـاءة القسمات من بالله يسعده قلبي المروّع إذ دهته مفاتنك اللطاف؟ يا أم صبح ما دنت إال ويبعده عنها ومنها حسن ٍ قتلها إياه من حسن مضاف؟! ٌ وال لست أكذب غير أن العمر أجدبَ
مذ المس ظهري يحاول بكل قوه أال تعبق!؟ لكن شهيقي الهامس بشده، صادق المسامات فتضمخت زفراتي آهــةً آه ـ ــه!
-4-
لم يعد ذاك المهذب لم تعد أوقاته
كتب أول قصيده في رثاء القصيبي:
بالصدق أعذب!؟
ما غاب بد ٌر إذ تغ ـيـّب نوره،
كل ما حولي
تغيب.. ُ باق والبدو ُر النور ٍ
وكذاب وأكذب!!؟ ٌ كذاب ُ اتكأت ورائحةٌ إنسانية تسللت، كان الجدا ُر 100اجلوبة -شتاء 1432هـ
-5أنشودتي أنغامها تاهت
هنا في زحمة األوجاع
يذوي المدى
لم أسمع لها صوت ًا
في عين
وال ذكرى
من كانت شجاعتهُ :
ترانيم ابتهال؟!
أن ال يبالي مر ًة
وإذا بعمري
هول الدروب القاحل ـ ـ ــه،
ضائعٌ
من قصيدة «بياض الحياة»: ب����ي����اض ال����ح����ي����اة ول������ي أم����ن����ي����ات ك���ذا مسرفات يجدن في هذا الزمان البخيل وي������أخ������ذن������ن������ي ن�����ح�����و م��������ا أش����ت����ه����ي إذا ان����ف����ل����ق ال����ص����ب����ح أو ج������ن ليل رداء ال�����م�����س�����اء ووج�����������ه ال����ص����ب����اح ن��������واف��������ذ ل����ل����ص����ب����ر وال����م����س����ت����ح����ي����ل أم�����������د ل������ه������ا ك��������ف ه�����������ذا ال�����خ�����ي�����ال وأرح�������������ل م����ن����ه����ا ب������ع������ذب ال����رح����ي����ل إل���������ى واح�����������ة ال������ح������ب وال����م����ل����ت����ق����ى ب����������ج����������دول م�������������اء وظ�������������ل ظ����ل����ي����ل ون���������اص���������ي���������ة رح������������ب������������ةً ال ت����م����ل أمّ ���������������ر ب������ه������ا ع�����������اب�����������ر ًا ل���ل���س���ب���ي���ل ف�����إن ض�����اق م���ن���ه���ا ال���م���ك���ان الفسيح أغ��������������ادر م����ن����ه����ا ل�������درب�������ي ال����ط����وي����ل ه������ن������اك ع�����ل�����ى ض�����ف�����ة م�������ن س�������راب م������ع������ط������رة ب�����ال�����ن�����س�����ي�����م ال����ع����ل����ي����ل ت�����ه�����ب ع�����ل�����ى ب�����������������اردات ال�����س�����ح�����اب وت�����رس�����ل�����ن�����ي م�������زن�������ه ال���س���ل���س���ب���ي���ل ف���ي���ن���ت���ع���ش ال����ع����ش����ب م������ن طلعتك وي�������ن�������دا ال�����ق�����رن�����ف�����ل وال����زن����ج����ب����ي����ل ف�����ه�����ذي ال�����ح�����ي�����اة أن������������ا ..وه��������ي بي ول��������و أن�����ن�����ي ك����ن����ت ف����ي����ه����ا ال���ض���ئ���ي���ل ف�������إن�������ي م�����ل�����ك�����ت ب�������ي�������اض ال�����ح�����ي�����اة ف��������م��������اذا م�����ل�����ك�����ت ب�������ه�������ذا ال����ق����ل����ي����ل أم���������ان���������ي ب������ي������ض������ ًا ح��������ب��������اال ث�����ق�����اال ت�������ج�������ود وه�������������ذا ال���������زم���������ان ب���خ���ي���ل
من فقدها كإجابةً طويت بمطلعها ولم تجد السؤال!؟
-6هل ترى الكون؟ وأغمضت عيوني! هل شعرت؟ سمعت؟ هل حوتك المشكالت؟؟ وتراجفت قلي ًال فرط إحساسي وفعل المضحكات المبكيات!؟ كنت وحدي لم تضللني الغمامُ تسربلت لهاث ًا ُ في تجاعيد فالة!؟ فأعاد الضجة الكبرى = صديقي = ما ترانا اآلن؟ تنهدت قلي ًال بل كثير ًا ورمقت، قلت شيئ ًا ع ـلـ ّــه: ما أرى إال شتات ًا في شتات!؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
-7-
اجلوبة -شتاء 1432هـ 101
قصيدة املرأة في اململكة العربية السعودية > هيا صالح*
شهدت العقود األخيرة في المملكة العربية السعودية، حضور ًا واضح ًا لشعر المرأة ،جاء ضمن سياق تطلعاتها الثقافية واالج��ت��م��اع��ي��ة ،وفاعليتها ف��ي م��س��ارات الوعي الكتابي النسوي ،بعد أن كان وجودها األدبي ضئي ًال وشبه هامشي ،من ثَمَّ ظل نتاجها األدبي محدود االنتشار ،حتى تمكنت من تجاوز العرف االجتماعي الذي ينظر إلى ما تنتجه على أنه شكل من أشكال ثقافة العيب. ف��ي كتابه «ق��ص��ي��دة امل���رأة ف��ي اململكة
العربية السعودية» ،يقارب الشاعر والناقد واألك���ادمي���ي األردن�����ي د .راش����د عيسى،
مجموعة من التجارب الشعرية النسوية
����اس م��ع م��ب��دع��ي��ه��ا ..خ��اص��ة في ع��ل��ى مت ّ مجال الشعر ،ما ك ّون لديه خلفية خصبة ثرية ،استفاد منها في إجناز هذا الكتاب النوعي.
في اململكة خالل الفترة (2006 – 1960م)، في تقدميه لشعر املرأة في السعودية، متحركاً ضمن منطقة كثيراً ما اختبرها يقترح عيسى رؤى تنحو نحو االجتهاد في على أرض الواقع ،إذ عمل في السعودية ،تغطية الشعر النسوي في اململكة (مساراً وكتب في صحافتها الثقافية ،وشارك في ومالم َح فنية) ،مستنداً ،غالباً ،إلى املنهج أمسيات شعرية وندوات أدبية فيها ،وكان التحليلي الفني ،واملنهج التاريخي الذي 102اجلوبة -شتاء 1432هـ
وق���د وسّ����ع ع��ي��س��ى ف���ي ك��ت��اب��ه ال���ص���ادر عن مؤسسة االنتشار العربي ،بيروت 2010م ،مفهوم «الشعرية» ،وح ّمله مرونة أكبر ليستوعب سائر أمن���اط ال��ش��ك�لان��ي��ة ف��ي ال��ن��ص ،س���واء املعايير ال��ك�لاس��ي��ك��ي��ة ال��ث��اب��ت��ة ل��ل��ق��ص��ي��دة ،أو املظاهر احلداثية اجلديدة لقصيدة النثر ،وهي مظاهر- كما يرى الباحث -منزلقة وغير محسومة ،إال أنها سائدة ضمنياً ،ولعل أبرزها :جودة التصوير الفني ،ونباهة االنفعال اللغوي ،وهما معياران ميكنهما تعويض خ��س��ارة املوسيقى الشعرية، ومنح قصيدة النثر صفة (الشعرية) ،خاصة في ظل انتشار قصيدة النثر على نطاق واسع ،حتت دعاوى حرية التجريب اإلبداعي. ي��ق��ول عيسى ف��ي ه���ذا ال��س��ي��اق« :إن��ن��ي من املعتقدين بأن رهان النجاح والتميز في قصيدة النثر هو الرهان نفسه على القصيدة الكالسيكية، ويعود إلى مقدار الصدق الفني فيها ،وهو صدق ال يتأتى إال إلى املوهبة املتميزة ذات اخلصوصية النابعة من مفهوم األصالة اإلبداعية في التجربة»، وهذا االعتقاد هو ما قاد الباحث إلى أن تتجاوز رؤاه ما يسمى «الشعرية األنثوية» ..على اعتبار أن اخلصوصية في الشعر كنسق ثقافي إبداعي تكمن ف��ي «األن��وث��ة» ،إل��ى تبني معيار التشكيل الفني وجتلياته اجلمالية ،ويوضح عيسى منهجه ه��ذا بقوله« :ال خصوصية لقصيدة ال��رج��ل أو امل��رأة إال مبا توحي به القصيدة من جماليات ومالمح فنية تقع ضمن معيار (الشعرية) ،وبغير تلك الشعرية س��ت��زداد قصيدة النثر انفالشاً،
حملت اسما مستعاراً هو «اخلنساء» ،ما يؤشر على حجم «املغامرة» واإلجناز اجلريء حينذاك لتلك ال��ش��اع��رة ..ال��ذي تعزز بنشأتها ف��ي بيت ثقافة وع��ل��م ،وإل��ى مكانة أسرتها االجتماعية ويسرها امل��ادي ،وهو األم��ر ال��ذي يشير إلى أن شاعرات أخريات كتنب في تلك الفترة ،غير أن ظروفهن االجتماعية وسيادة ثقافة العيب وقتها، أم��ور حالت دون نشر كتاباتهن ،فبقيت حبيسة األوراق ،أو جرى نشرها حتت أسماء مستعارة ،إذ كتبت هيا العريني بأسماء منها« :سمراء البدائع» و«غجرية الريف» و«غيداء املنفى» ،فيما قدمت فاطمة القرني منجزها باسم «وفاء السعودية».
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ب���رز بشكل واض���ح ف��ي ال��ص��ف��ح��ات األول����ى من وتتالشى قضية التجنيس النصي». الكتاب ،بهدف التعريف بأبرز األصوات الشعرية يقرأ عيسى ضمن السياق التاريخي لشعر ال��ن��س��ائ��ي��ة ال��ت��ي ح��اول��ت االش��ت��ب��اك باخلطاب امل�����رأة ف���ي ال��س��ع��ودي��ة ،أول م��ج��م��وع��ة شعرية ال��ش��ع��ري امل��ع��اص��ر ،التقليدي منه والرمزي ..مطبوعة ل��ش��اع��رة س��ع��ودي��ة ف��ي ال��ع��ام 1956م، املجدد والتجريدي أيضاً. وهي «عبير الصحراء» لسلطانة السديري ،التي
وح���ت���ى ال���ع���ام 1990م -وف�����ق إحصائيات ال��ب��اح��ث -ل��م ي��ك��ن ع���دد اإلص�����دارات الشعرية النسوية ،يزيد على عشر مجموعات ،وه��و ما أبعد شعر املرأة السعودية عن أقالم النقاد ،ودليل ذلك أن أول كتاب تناول شعر املرأة العربية كان للناقد د .رجا سمرين ،وهو أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان «شعر املرأة العربية املعاصرة 1970 – 1945م» ،ول��م يلتفت فيه ألي شاعرة سعودية ،وكذلك الباحث أحمد الدوسري الذي قدم أطروحة باللغة الفرنسية حول «اجتاهات الشعر العربي احلديث في اجلزيرة العربية» ،ولم يتناول فيه أي شاعرة سعودية ،فيما تناولت ليلى صالح في كتابها «أدب املرأة في اخلليج العربي» شاعرة واحدة هي فوزية أبو خالد التي كانت قد سجلت حضوراً جيداً لها في لبنان ،وفي بعض دول اخلليج العربي.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 103
ض��� ّم ك��ت��اب د .راشد عيسى الذي قدم له الناقد د .محمد صالح الشنطي، م�����ق�����ارب�����ات شكالنية ت���ت���وخ���ى االل���ت���ف���ات إلى أمن��اط البنية الفنية في قصيدة امل��رأة السعودية، وم��ن��ه��ا :ال��ب��ن��ي��ة الغنائية ال��ت��ق��ل��ي��دي��ة ،ال��ت��ي تناول فيها عيسى الشاعرات: سلطانة السديري ،ومرمي ال��ب��غ��دادي ،ورق��ي��ة ناظر، وإن��ص��اف ب��خ��اري ،وهيام ح���م���اد ،وم��ن��ت��ه��ى قريش ون����ورة اخل��اط��ر ،خالصاً إل���ى أن ال��ق��ي��م اجلمالية عند شاعرات القصيدة الرومانسية التقليدية كانت قليلة ،وجاءت جل القصائد صدى لقصائد أخ��رى ومحاكاة للمالمح الرومانسية السائدة، إلى جانب تغليب الغنائية املفرطة عليها ،والبوح األح����ادي ال��ذات��ي ،وط���رح امل��ض��ام�ين املطروقة، مشيراً أن شاعرات البنية الغنائية التقليدية، أس��س بعضهن للقفزة الشعرية عند شاعرات الرمزية امل��ج��ددة ،وحت ّملن مكابدات التجريب مطرداً كما يرى الباحث أن ثمة تنامياً فنياً ّ ومعاناة حضورهن األدبي في املجتمع. في شعر هندي وثقافتها التراثية التي توظفها كما سلط الباحث الضوء على البنية الرمزية بنجاح في قصائدها املوزونة ،كذلك جتربة قاري، املتجددة في أعمال الشاعرات :ثريا العر ّيض ،فشعريتها خصبة حتى إنها جربت في إصدارها وخديجة العمري ،وغيداء املنفى ،ولطيفة قاري« ،هديل العشب واملطر» كتابة قصيدة النثر وفق وأشجان هندي ،وفاطمة القرني ،وبديعة كشغري ،بناء فني جميل ،أما كشغري فيرى الباحث أنها وآم��ال بيومي .وي��رى عيسى أن أغلب شاعرات كان من املمكن أن تقدم قصيدة التفعيلة بشكل الرمزية املجددة حققن نسبة جيدة من مالمح ناجح لوال أنها انصرفت في أغلب نتاجها األخير التطور الفني في القصيدة احلديثة ،واستطعن نحو قصيدة النثر ،فيما حققت القرني حضوراً أن يكتنب نصوصاً ناجحة من شعر التفعيلة جنباً مميزاً في الشعر العمودي. إل��ى جنب م��ع الشعراء، وبخاصة في الثمانينيات م��ن ال��ق��رن امل��ن��ص��رم ،إذ اه��ت��م��ت امل����رأة الشاعرة بطرح موضوعات ترتبط باملكان واجل��رح العربي، وعالقتها باآلخر والوطن، وامل����ع����ان����اة م����ن أمن����اط االس����ت��ل�اب واحل����ص����ار، وك��ذل��ك عالقة الشاعرة ب���ذات���ه���ا ..ح��ي��ث صورت العريض في شعرها آماالً وآالم����اً وط��ن��ي��ة ،وأبرزت صوت املرأة اجلديدة في رحلة بحثها عن كينونتها االجتماعية واإلنسانية، ض��م��ن أب��ن��ي��ة فنية متسقة م��ع طبيعة قصيدة التفعيلة ،فيما أكدت العمري متيزها بالتشكيل الفني ف��ي ال��ق��ص��ي��دة ،فلغتها الشعرية حافلة بأساليب البيان العربي اجلديد ،وصورها الفنية متقدمة ،ودرايتها بالنظام املوسيقي التفعيلي كبيرة ،وهي تقدم إلى ذلك رؤيا جريئة بترميز مدروس ..وفضاء وجداني حميم.
104اجلوبة -شتاء 1432هـ
مسجوعة ،لكنه نص فقير إلى التجليات اجلمالية التي تلزم القصيدة ،فال هو نثر محض وال شعر خالص ،إمن��ا تداعيات عاطفية وب��وح وجداني غ��ي��ر مستند إل���ى ل��غ��ة ش��ع��ري��ة ف��ات��ن��ة أو صورة فنية متجاوزة ،فض ً ال عن فقره إل��ى املوسيقى الشعرية.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
وفي اجل��زء اخل��اص بالبنية التجريدية يقرأ امل��ت��ل��ق��ي ال���ش���اع���رات :ف��وزي��ة أب���و خ��ال��د ،هدى الدغفق ،لولو بقشان ،س��ارة اخل��ث�لان ،وهيلدا إسماعيل .ويشير عيسى إلى أن فوزيةأبو خالد وال��دغ��ف��ق متيزتا مب��ق��درة فنية لكتابة قصيدة التفعيلة ،وذلك وفق ما تؤكده نصوصهن األولى املنشورة في مجلة «اليمامة» ،مشيراً إلى أنهما مع بقشان آثرن قصيدة النثر ،كما انحازت إليهن بديعة كشغري ولطيفة ق���اري بعد مجموعتها األولى ،وانضمت لهن كوكبة أخرى من الشاعرات مثل سارة اخلثالن وصاحلة السفياني ،لكن هيلدا إسماعيل حققت شهرة أوسع بسبب قصائدها التفعيلية األولى ..ولغتها الشعرية اخلارجة على التراكيب العربية النمطية في نصوصها النثرية التي نحت نحو الفكرة أو املعنى ،فيما متيزت نصوص الدغفق وبعض نصوص بقشان مبالمح الشعرية الالزمة لقصيدة النثر.
خمائر شعرية من بعض تشبيهات وصور وقواف
ويصنف عيسى منجز ع��زة شاكر على أنه «خواطر شعرية» وليس قصائد ،موضحاً وجهة نظره بقوله« :إن مجمل املقطوعات نثائر أدبية حتمل اخلميرة الشعرية ،أو هي قطع من البوح الوجداني الشفيف املصوغ في قوالب خواطرية.. واملعطر برذاذ الشعر ،فقد افتقدت هذه النثائر إلى عنصر املوسيقى ،فال هي مبتناة على نسق الشعر العمودي ..وال على مداميك التفعيلة ،وال
ويوضح عيسى وجهة نظره حول األسباب التي على وحدات إيقاعية مدروسة» .ويواصل عيسى جعلت «النمطية» سمة معظم نصوص كاتبات توضيح موقفه من اختيار مثل هذه التسمية إلى قصيدة النثر ،مع غياب الفرادة اإلبداعية ،وهي أن بعض هذه «املقطوعات» احتوت جم ً ال قصيرة أن العديد من الكاتبات وجدن الباب مفتوحاً لكل متناثرة ذات إيقاع داخلي متواضع في مفرداتها، جتريب ،ووجدن من يشجعهن بال قيود من قبيل وكأنها قطع أدبية مترجمة تتدانى من التنغيم االعتقاد بحرية الكتابة والقفز على مسؤولية اخلافت ،كما أن الوقفات اجلزئية داخل القطعة «التجنيس» والزعم بالنص األدبي املفتوح ،خاصة الواحدة اعتمدت على سجع الكلمات. أن مصطلح «قصيدة النثر» ما يزال إشكالياً ومن يُ َع ّد هذا الكتاب ،إضافة نوعية في مجاله، دون معايير حاسمة. نظراً لقلة الدراسات التي تناولت شعر املرأة في ف���ي اجل�����زء ال�����ذي أف������رده ع��ي��س��ى ملوضوع السعودية ،دراس��ة وحتلي ً ال ،من جهة ،وللقيمة «اخل���واط���ري���ة ال��ش��ع��ري��ة» ث��م��ة دراس����ة ح���ول ما قدمته الشاعرتان :عزة شاكر ،وهدى الرفاعي .البحثية االستقصائية ،والقراءة املتأنية للنصوص وهنا ،ي��رى الباحث ،أن ثمة كاتبات سعوديات ال��ش��ع��ري��ة ،وال��ق��ض��اي��ا املفصلية ال��ت��ي احتواها يكتنب اخلاطرة الشعرية ،وهي نص يحتوي على الكتاب. *
كاتبة من األردن.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 105
ابن شهيد الالئذ بعالم اجلن > محمد البشير*
لطالما ضيقت الحقيقة على بنيها الخناق ،فوجد قلة منهم في الخيال فكاك ًا من نير الحقيقة ،أو وسيلة لِ لَعْ نِ ها دون التنصيص ،خوف ًا وهرب ًا من أرساف أكبر وأكثر، فوجدوا ضالتهم في الهروب إلى عوالم الغاب والماورائيات ،فلهم في ذلك مالذ ومهرب. ومن هؤالء أبو عامر بن شهيد األندلسي (426 – 382هـ) ،سليل ذي الوزارتين في عهد الخليفة األموي الناصر عبدالرحمن الثالث ،فابن شهيد لم يحقق منصب ًا كجد أبيه، ولم يُعترف بقدرته وبراعته الشعرية والنثرية ،وعاش وهو يرى أنه جدير بالكثير دون أن ينصفه مجتمعه ،ففر إلى عالم الجن في رسالته «التوابع والزوابع» ،وقد سوّل له صديقه أبو بكر بن حزم ذلك ،ففي مقدمته يتقول على لسان صديقه( :كيف أوتي الحكم صبي فاساقط عليه رطب ًا جنياً؛ أما إن به شيطان ًا يهديه، (يعني نفسه) وهز بجذع نخلة الكالم ّ وأقسمُ أنَّ له تابعة تنجدُ ه ،وزابعة تؤيده) استهوته تلك الفكرة ،سير ًا وشيصبان ًا يأتيه! ِ في درب سابقيه من الشعراء الذين اتخذ كل واحد منهم شيطاناً ،فأبو النجم العجلي على سبيل المثال يقول: ������اع������رٍ ِم��������نَ ال����بَ����شَ ���� ْر إِ نّ���������ي وَكُ �����������لُّ ش ِ
106اجلوبة -شتاء 1432هـ
شَ ���ي���ط���انُ���هُ ُأن����ثَ����ى وَشَ ���ي���ط���ان���ي َذكَ������ ْر
بغيته ،وق��د وج��ده��ا؛ ففي رسالته حتقيق ذاته عيينة عتبة بن أرقم صاحب اجلاحظ ،فأخبره فض ً ال على حفظ شعره ومقطوعاته النثرية ،بالطاعنني عليه تلميحا ،وأت��ى التصريح على فال يكاد يذكر اب��ن شهيد إال وذك��رت «التوابع لسان أبي عيينة وأبي هبيرة صاحب عبداحلميد وال���زواب���ع» ،فما ظنك مبصير ش��ع��ره لوالها؟ الكاتب بقولهما( :إل��ى أبي محمد تشير ،وأبي فهل حتولت رواية الشعر من حفظه ونقله راوية القاسم وأبي بكر) ،وتخصيص ابن شهيد ألبي
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الذ ابن شهيد بعالم اجلن كأسالفه؛ لعله يجد األندلسي عندما قابل في رحلته اخليالية أبا
عن آخر واحتمال حتريف ذلك الشعر وتبديله ،محمد بن حزم بقوله (أما أبو محمد فانتضى فلجأ من وصل إلى عصر التدوين وما بعده إلى ع��ل َّ��ي ل��س��ان��ه ع��ن��د امل��س��ت��ع�ين ،وس��اع��دت��ه زرافة
وسيلة أخرى مبتكرة حلفظ الشعر غير تلك التي استهواها من احلاسدين). ورثوها عن أسالفهم؟
حظي ابن شهيد بعداوات أهل زمانه ،فكان
ال��ن��ث��ر وع����اء ال��ش��ع��ر احل��ص�ين ،ف��م��ا تدونه هروبه فض ً ال عن ما أماله عليه الزمان واملكان، األق�لام أثبت وأوث��ق مما تعيه القلوب ،فيموت بغية التعريض بهؤالء إما تصريحاً كفعلته في
مبوتها ،أو تأتي عليه ع��وادي النسيان في زمن أبي محمد بن حزم وأبي القاسم اإلفليلي الذي لم يتخذ احلفظ وسيلته للرواية ،وإمن��ا سلك سلح ابن شهيد في هجائه نثراً ..ابتداء بتعريضه طرقاً أخرى تناسب الزمان واملكان ،وبإيعاز كبير بعظم أن��ف��ه ،وتسمية صاحبه بأنف الناقة بن منهما ،فالقالقل السياسية إ ّبان حياة ابن شهيد معمر ،ووصفه (جني أشمط ربعة وارم األنف
كفيلة بتحرزه الشديد من سلك درب التلميح يتظالع في مشيته ،كاسراً لطرفه وزاوياً ألنفه)، دون التصريح ،فمنذ زوال الدولة العامرية مبوت وتلميحاً كفعله ف��ي بغلة أب��ي عيسى واإلوزة عبدالرحمن الناصر عام 399هـ ،وحتى موت ابن األدي��ب��ة أم خفيف تابعة شيخ في اللغة ،فتلك شهيد عام 426هـ ،وتوالي دول وحكام من شأنه البغلة تعرفه ويعرفها ،ول��ذا تسأله عن األحبة
ع��دم استقرار ح��ال مبدع كابن شهيد ،وتقدمي بعدها ،فيجيب( :شب الغلمان ،وشاخ الفتيان، والئه ألحدهم دون نقمة من بعده ،ال سيما وأن وتنكرت اخل�لال ،ومن إخوانك من بلغ اإلمارة،
الدسائس لعبت لعبتها؛ فألقت به في غياهب وانتهى إلى ال��وزارة) ،وحسبك بتلك اإلجابة من السجون في عصر اب��ن حمود ،وق��د ص��رح ابن تصريح بتنكر أهل زمانه له ،وتقليله من شأنهم َّ ً شهيد بأمنوذج من تلك الدسائس في رسالته ..بنسبتهم إخوانا لتلك البغلة مع ما وصلوا إليه معرضاً بحادثة لدى اخلليفة األم��وي املستعني من إمارة ووزارة!
سليمان بن احلكم ،ودسيسة أبي محمد بن حزم
هذا ما فرضه الزمان وأهله ،فما دور املكان
اجلوبة -شتاء 1432هـ 107
في هروبه إلى ذلك العالم؟
كل شخصية وما يقال على لسانها ،فهو مطبق
متيز ابن شهيد بتعلقه بقرطبة مسقط رأسه ،بفطرته اإلبداعية ما يقوله عبدالفتاح كليطو في فلم يؤثر فراقها رغم ما فعلته به ،ومع يقينه بأن كتابه «الكتابة والتناسخ» من اختيار األسلوب
ال وتوقفه على ص���ورة الشخصية ال��ت��ي ي��ري��د أن فراقه لها سبب سعده لم يلحق باملؤمتن مث ً حني غادر قرطبة إلى بلنسية ،فكاتبه ابن شهيد يسند إليها ال��ك�لام ،وحتقيق مسألة املالءمة، يريد منه العودة الستعادة ملكه .دون أن يرخص فابن شهيد مبدع ناقد في آن كما سنعرف.
هو بقرطبة ليلحق به فيلقى حظوته لديه؛ فابن
وف��ي ه��روب��ه إل��ى عالم اجل��ن -وه��و الناقد
شهيد هام بقرطبة العجوز -على حد تعبيره -فض ً ال عن قدرته اإلبداعية النثرية والشعرية - وه��و ي��ع��رف أن��ه��ا معضلته ال��ك��ب��رى ،فمن قوله سبيل إلى قراءة ذاتية لشعره ونثره بعني الناقد، فيها:
ومتريرها كأفضل منجز مقارن بأعمدة الشعر
ع����ج����وزٌ ،ل��ع��م��ر ال���ص���ب���ا فانيه
من أمثال( :ام��رئ القيس – طرفة بن العبد –
ل����ه����ا ف�����ي ال����ح����ش����ا ص����������ور ُة ال���غ���ان���ي���ه قيس بن اخلطيم – أبي متام – البحتري – أبي ����ال ع���ل���ى سنِّها زن������ت ب����ال����رج ِ
نواس – أبي الطيب) ،ومن أرباب النثر وسادته
ف������ي������ا ح�������ب�������ذا ه���������ي ِم��������������نْ زان������ي������ه كاجلاحظ وعبداحلميد الكاتب وبديع الزمان، فهذه العجوز التي قتلته ش��اب��اً ف��ي األربعة ف��إن ض َّ��ن عليه نقاد زمانه بنقد يليق مبقامه،
واألرب��ع�ين من عمره ،لم يستطع أن يتفلت من فحسبه إج����ازة عتبة ب��ن ن��وف��ل ص��اح��ب امرئ أيديها حقيقة ،ففر مبخياله إل��ى أرض اجلن القيس ،وإجازة عنتر بن العجالن صاحب طرفة لعله يسلى حني خارت قواه عن فراقها ،فقاربها مسبوقة بقوله( :لله أنت!) ،وإجازة أبي اخلطار مبخيال لم يبتعد عن واقعه إال اسماً ال رسماً .صاحب قيس بن اخلطيم ،وتوصيف عتاب بن فمتتبع املكان في رسالة ابن شهيد يجده جتسيداً حبناء صاحب أبي متام حلاله بقوله( :ما أنت ألماكن شخصياته ،بعيداً عن شطحات الفنتازية إال محسن على إساءة زمانك) ،أو ما أخذه من وامل��اورائ��ي��ة ،ف��ص��ور أمكنة ال��رس��ال��ة ت��واف��ق مع إجازة قسراً ..كتلك التي أخذها من أبي الطبع
مخزونه الثقافي عن تلك األماكن التي عرفها عن صاحب البحتري حني ص��اح به زهير بن منير شخصياته في أشعارهم ..كسقط اللوى وحومل صاحب ابن شهيد( :أأجزته؟) فقال أبو الطبع: لجل المرئ القيس ،وجبل دير حنة ألبي (أجزته ،ال بورك فيك من زائر ،وال في صاحبك ودارة ُج ُ ن��واس ،فرسم أماكن شخصياته كما رسم تلك أبي عامر!) ،أو شهادة تفوقه على لسان حسني الشخصيات رسماً موافقاً ملا يعرفه ،والءم بني ال��دن��ان صاحب أب��ي ن��واس قبل إج��ازت��ه بقوله: 108اجلوبة -شتاء 1432هـ
ب��ن املغلس ص��اح��ب أب��ي مت��ام بقوله (إن امتد
النثر ت��ع�� ُّد س��ب��ق��اً ،فهو م��ن ط��رق خلق توابع
به العمر ،فال بد أن ينفث ب��درر ،وم��ا أراه إال للكتاب قياساً على ال��ش��ع��راء ،فاختلق توابع سيحتضر ب�ين ق��ري��ح��ة ك��اجل��م��ر ،وه��م��ة تضع ألشهر الكتاب ،ومنهم أخ��ذ إج��ازت��ه معتمدة أخمصه على مفرق البدر) وتلطف اب��ن شهيد
باستحسان أب��ي عيينة تابع اجل��اح��ظ ،وأبي
بإجازة املتنبي له لدعابته وهو يعلم قدر املتنبي.
هبيرة تابع عبداحلميد ،واندحار زبدة احلقب
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
(هذا والله شيء لم نلهمه نحن) ،أو تنبؤ حارثة
وإن ك��ان أجيز ف��ي الشعر ..فإجازته في
ولم يكتف بتلك التنقالت بني الشعراء ،فواصل صاحب بديع الزمان أمام نثر ابن شهيد وجودة مسيرته إل��ى مجلس م��ن مجالس ن��ق��اد اجلن ،وصفه ،فما كان منه إال أن ف َّر من أمامه دون
وأظهر ابن شهيد آراءه النقدية في شعر غيره ،أن يعلق ح�ين (ض���رب زب���دة احل��ق��ب األرض مبناقشة نقدية اختلق فيها شمردل السحابي برجله ،فانفرجت له مثل ب��ره��وت ،وتدهدى إلظهار بعض اآلراء من خالل الرد عليه ،وشاعر إليها ،واجتمعت عليه ،وغابت عينه ،وانقطع آخر أسماه فاتك بن الصقعب يبز احلاضرين ،أثره) ،ويريد ابن شهيد ترسيخ مفهوم اندحار
ويظهر للباحث بعدها أن ما يستشهد به فاتك معارضيه وحاسديه ،فإن لم يصرح بإجازته
وينسبه لنفسه ما هو إال شعر ابن شهيد ،وفي بديع الزمان ،فحسبه باندحاره إج��ازة ،ومثل في أبي الطبع قسراً ،وما ذلك مزية سبق فيها ابن شهيد من قبله ،فإن كان ذلك ما استله من ِّ
كل شاعر يدعي تابعاً له من اجلن ،فابن شهيد عرفناه من اعتراف فرعون بن اجل��ون قب ً ال، يجعل له تابعاً يسميه زهير بن منير كما علمنا ،ويضيف ابن شهيد في حادثة فرعون مدل ً ال وآخ��ر ال يجعله تابعاً ل��ه ،وإمن��ا يتمثله شاعراً على قلة شأن من ينتقده أو يباريه ومياريه، ناقداً من اجلن ال يقل عن زهير إطالقاً ،ومن فيقول بعد مقولة فرعون بن اجلون واعترافه خالله ال يكتفي بأن يتفوق على شعراء اإلنس ،بعراقة ك�لام اب��ن شهيد ،فيصف اب��ن شهيد وإمن���ا ي��ت��ج��اوز ذل��ك إل��ى األخ���ذ ب��إج��ازة شعراء اندحار فرعون قائ ً ال( :ثم َّ قل واضمحل ،حتى
اجلن ،وتثبيت مكانته األدبية التي لها جذورها إن اخلنفساء لتدوسه ،فال يشغل رجليها) وهو الضاربة في الزمن باستشهاد جني اسمه فرعون من هو من مكانة حتى إن زهير يقول عنه (تابعة بن اجلون بأبيات لوالد ابن شهيد وأخيه وعمه رجل كبير منكم) .وهنا نعود ثانية للتلميح دون وج��ده وج��د أب��ي��ه ،واع��ت��راف ف��رع��ون ب��ن اجلون التصريح الذي يخشاه ابن شهيد ،ومن أجله بتفوقه حني قال( :والذي نفس فرعون بيده ،ال فر إلى هذه العوالم ليقول قولته ،وليفهمها من عرضت لك أبداً ،إني أراك عريقاً في الكالم).
بعده من يفهمها.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 109
مأساة العقل العربي برحيل مفكريه العمري* > ناصر محمد ُ
األنهار التي تغذي الفكر العربي تبدو قليلة ج��داً ،وه��ا هو أح��د األنهار المعرفية الكبرى يجف برحيل الجزائري ((محمد أركون)) على بُعد مسافة قصيرة جد ًا من رحيل عدد من المفكرين العرب الذين تساقطوا كحبات الكرز؛ ويأتي رحيله عن دنيانا الفانية بعد رحلة عامرة بالعطاء اإلنساني المثير للكثير من الجدل ..ليكمل مسلسل جفاف األنهار المعرفية المتدفقة ،بعد أن رحل قبله المغربي محمد عابد الجابري ،والمصري نصر حامد أبو زيد ،والدكتور غازي القصيبي ..وبوفاتهم فقدت الثقافة العربية أعالمها الكبار واحدا تلو اآلخر. ال��ك��ث��ي��ر م��ن��ا ي��ت��خ��ذ م���وق���ف الضد ..التعاطي مع هذا االختالف. أو يختلف على أق��ل تقدير م��ع أركون، وال����ج����اب����ري ،وال����ب����غ����دادي ،وأب�����و زي���د، وال��ق��ص��ي��ب��ي ..وم����ن ق��ب��ل��ه��م اب����ن حزم،
وتحضرني هنا مقولة جميلة للشيخ علي الطنطاوي سمعتها منه -يرحمه الله -في موقفه من كتاب ((طوق الحمامة)) ،عندما
واب����ن رش����د ،واب����ن ع���رب���ي ،والكواكبي،
قال :من أراد أن يقرأه كقطعة أدبية ،فعليه
والتوحيدي ..بل حتى مصطفى محمود،
به ..فهو في هذا المجال ((مرجعية أدبية
وأبو حامد الغزالي ،الذين شهد طرحهم
يرتهن إل��ي��ه��ا)) ...وه��و ذات ال��رأي الذي
كثيراً م��ن الشد وال��ج��ذب واالختالف ..أطلقه المفكر الكبير سلمان العودة عندما ونحن هنا ،سنستعير مقوالت متزنة في 110اجلوبة -شتاء 1432هـ
قال بعد وفاة الجابري :إن اإلنسان ليس
والفكر أي فكر يتمرحل وينمو ،ويمر بمنعرجات حقيقة تقول: عدة ،وليس من الحكمة أن نتخذ موقف الضد
إن أركون أرتكز على إرث معرفي هائل ،كان
لمجرد م��وق��ف أو ن��ت��اج بعينه ،أو ف��ي مرحلة نتاجا النفتاحه الفكري والمعرفي على مختلف عمرية معينة. النتاجات المعرفية في مختلف حقول المعرفة وبعيداً عن موافقة ((أرك���ون وغ��ي��ره)) فيما اإلنسانية ،حتى وإن أتاحت له الحياة في الغرب
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
جمادا وال حجراً ينشأ ويفنى بتغيرات طفيفة ،فترة ما ،فذلك شأنه .لكننا سنجد أنفسنا أمام
خلصوا إل��ي��ه م��ن ن��ت��ائ��ج ،وم��ا أف����اءوا ب��ه علينا فرصة المعايشة لكثير من المعارف والنظريات من نتاج ،فإنه من المهم أن نركز على أثر باق والمناهج النقدية ،وشروطها وظروف نشأتها، لهؤالء ..ألنهم أسسوا لطرائق تفكير ،ومسافات وهذا ما أتاح له فرصة االنفتاح المعرفي غير حضارية ،ومساقات ومساريب فكرية عميقة ،المشروط على مختلف المعارف. ورس��م��وا خطوطا عريضة لما يمكن فعله من أجل الغد الذي نترقبه.
هذا اإلرث الهائل من المعرفة أهّ ل أركون وبجدارة ،أن يكون اسما حاضرا على المستوى
على أرض ال��واق��ع يظل أرك���ون واح���داً من العالمي ،وأستاذا للفكر اإلسالمي بالسوربون؛ أبرز المفكرين اإلسالميين في العصر الحديث ،بل ذهب إلى أبعد من ذل��ك ،وط��ور اختصاصاً الذين كانوا عالمات كبرى -حتى وإن أختلفنا يدرِّسه هو «اإلسالميات التطبيقية». معهم في بعض أو كثير من الجزئيات -ويكفي أنه
ويُ��ح��س��ب ألرك����ون أن���ه م��ن ال��ق�لائ��ل الذين
أحد أبرز رواد الدعوة إلى الحوار بين األديان .تشعر أنهم حاولوا جادين أن يجعلوا الصرامة
وقد نصب نفسه واحداً من ألمع أساتذة تاريخ المنهجية والبحث العلمي مرتهناً ،وفصال في الفكر اإلسالمي ،وأحد رواد التنوير اإلسالمي الخطاب المختلف عليه ،ورغم هذا شعرت -وأنا في العصر الحديث.
أتابعه في إضاءات -مع تركي الدخيل ،وكذلك
وب��ت��أم��ل س��ي��رت��ه ال��ت��ي تمثل أن��م��وذج��اً في في إحدى محاضراته في الكويت أنه واحد من م��ج��االت ال���دأب وال��ع��م��ل ال��ج��اد ،وال��ج��رأة في القالئل الذين يحاولون جهدهم ((جعل المعرفة
الطرح واالستنجاد بكل منجز إنساني في سبيل شأنا شعبياً ومفهوماً من الجميع ،رغم الوجبات الوصول للغاية ،سنجد أنه لم يبلغ هذا الشأو المعرفية الثقيلة التي يشتغلون عليها)) ،ونلحظ الكبير لمجرد أنه ((كان ضد الدين اإلسالمي هذا بعمق وهو يتحدث عن المعرفة اإلنسانية، ف��ق��ط – ك���ان داع��ي��ة ل��ك��ل م��ا ه��و غ��رب��ي -كما
وعن أهمية إعالء شأنها ،بأن يتم النظر لنتاج
يُ����روج ..))-وحتى وإن فعل شيئاً من ذل��ك في ك��ل البشر دون استثناء ،وأن ن��ح��اول جاهدين
اجلوبة -شتاء 1432هـ 111
جعل التأمل والتفكير مشترك لكل الناس وعادة وتأمالته الفكرية ،ومكّنته من الحفر عميقا في حياتية يمارسها الجميع .وأن نوسع المعرفة ،بنية الفكر اإلس�لام��ي ،األم��ر ال��ذي جعل آراءه ونعمق العلمية ،لتضييق المساحات أمام نشوء وأط��روح��ات��ه ومحاضراته ،تغوص ف��ي بحر من الخرافات واألساطير .وأن ال تقتصر المراجعات المعارف ،وتحظى بكثير من الجدل .وهو بهذه
والتأمالت والحوارات الناضجة على النخبة ،مع الممارسة يرسم منهجاً وطريقة تصلح مرتكزاً ضرورة التركيز على أهمية ممارسات المساءلة ،لكل باحث. ونشر وإشاعة ثقافة إثارة األسئلة ..كمدخل نحو
الفهم الواعي ،وهذه مناهج منطقية جداً وبدهية، بل هي غايات معرفية ودينية ال تعارضها األديان، بل تدعو إليها ،وتجعل منها عبادة متى تأدبت مع الخالق. أركون وحامد نصر والجابري كانوا يحفرون بعمق في التراث العربي ،ويسائلونه ،كما كانوا يحفرون في بنية العقل اإلسالمي ..لكنه كان حفراً بأزميل حاد ،وبصرامة ال تعترف سوى بالعلمية والمنهجية ..وقد يكون هذا مأخذاً عليهم .وإن
أركون في مختلف أطروحاته ال يغفل أي علم، أو دين ،أو معرفة إنسانية ..فهو ممن يحترمون المعرفة اإلن��س��ان��ي��ة على اخ��ت�لاف مصادرها. كما يستحضر الشروط المختلفة سيسولوجيا وأن��ث��روب��ول��وج��ي��ا بمختلف أدوات��ه��ا ف��ي تأمالته ومراجعاته النقدية ،وه��ذا األم��ر غير متعارف عليه في مراحل سابقة قبل أركون ،األمر الذي جعل من فكره يبدو غريباً ،وش��روط��ه النقدية تبدو شديدة الجرأة. ُع��ـ��ـ��رف ع��ن أرك����ون ن��ق��ده للعقل اإلسالمي
بدا ((أركون)) في لقاءاته ومحاضراته في الخليج على وجه التحديد ،أقل صرامة ..وكان ظهوره القائم حاليا ،وك��ان يدعو إلى بناء منظومة من يراعي كثيرا الرؤية السائدة رغم موقفه النقدي المراجعات الفكرية لكل ما هو قائم .وكان هذا الذي يرفع فيه القدسية عن كل ما حولنا. ه����ؤالء ال��م��ف��ك��رون ف��ي ن��ق��ده��م المعرفي.. اعتمدوا على أدوات متعددة تستحضر الشرط التاريخي ،وتستعين ب��أدوات التحليل والتفكيك والتأويل ،وتسخير المعارف الغنية بعلوم حديثة، كاللسانيات واألن��س��ن��ة واإلن��ث��روب��ول��وج��ي��ا وعلم النفس ومناهجه واستفادته من العلوم الحديثة
من أجل الوصول إلى معرفة صحيحة ال تتأثر بمؤثرات قد تكون مضللة من وجهة نظره ..ومثل
هذا الطرح مدعاة للتأمل والمراجعة ،حاله حال أي منتج آخر د ُِعيَ لمراجعته ومطارحته فكريا، ب��ش��رط أن ت��ك��ون ال��م��راج��ع��ة مبنية على أسس منهجية ،ووفق معايير علمية وعقلية وأخالقيه. والحال نفسه ينطبق على تأكيد أرك��ون على
ومنتجاتها وأدوات���ه���ا .وأع��ان��ت ه��ذه التوجهات أن القدسية للنصوص التأويلية خطأ تاريخي أرك���ون -ت��ح��دي��داً -ع��ل��ى ب��ن��اء مناهجه النقدية ومنهجي ..ودع��وت��ه إل��ى مراجعة كل التأويالت 112اجلوبة -شتاء 1432هـ
ظنية التأويل ،وقابلة للمراجعة الفكرية باستخدام أخالقية ومعرفية ورؤيوية يؤمن بها أركون تقوم أدوات تتسم بكونها تجمع بين المنهجية والحداثة ،على احترام شديد للعامل المعرفي وتؤكد على وتفيد من الفكر اإلنساني والمعرفة اإلنسانية إسهام جميع الناس في إثرائها ..فهذا التوجه بوجه عام ،فكل هذه األطروحات ليست أقواال تحتم علينا قبولها كما قال بها أركون. والمراجعات الفكرية التي طرقها ال تمثل سوى لبنة لممارسة أعمق ،تنطلق من االشتغال المنهجي على الطرح ال��ذي ق��ال ب��ه ،والمعرفة
هو -م��ن وجهة نظري -أه��م ما تركه لنا ،وما خلفه من إرث معرفي وفكري تكون األمة اليوم
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
تنطلق من رؤية يعتنقها ،تقول بأن كل النصوص
معينة م��ن ال��ن��اس منطلقاً ي��ؤك��د رس���وخ قيمة
في أمس الحاجة إليه. وتأتي دع��وات أرك��ون المتكررة إلى تدريس
التي أنتجها ،والرؤية التي خل ُص إليها ،وبهذا ..ع��ل��وم األنسنة والفلسفة واللسانيات ،وعلوم
فهو ي��ق��دم للعقل العربي خ��دم��ة عظيمة .فهو
األن��ث��روب��ول��وج��ي وم��ن��اه��ج ال��ت��ح��ل��ي��ل النفسي،
يؤسس النفتاح معرفي ،واإلعالء من شأن النقد وإسقاطات الالوعي وتفسيراته ..انطالقا من العقالني المكتمل الشروط ،وبناء مفاهيم تُعين قناعات مترسخة لديه ،تهدف إلى بناء معرفة على الفهم وتوصل إليه ،وحياته الفكرية تبدو أكثر ثراء ،وبناء عقلية موسوعية منفتحة ،قادرة لبنة صلبة لممارسة تدعو إل��ى الشغف بالنقد على الفهم والتأويل والتعاطي مع الحياة ..وهذه والمراجعة والتأمالت المنفتحة على كل العلوم وال��ب��ي��ئ��ات واألس���م���اء ال��ف��ك��ري��ة والفلسفية من مختلف العصور واألديان والحضارات اإلنسانية، وهذه الفلسفات التي ينتجها بممارساته هي أهم مما أنتجه فعلياً. ورغ��م أن ألرك��ون م��ح��اوالت كثيرة لتأسيس منظومة معرفية وثقافية تستلهم رؤاه ومناهجه النقدية ف��ي بعض ال���دول ،وإل��ق��اؤه كما كبيرا
المنعطفات والمحطات التي عاشها أركون هي (مرتكزات صلبة) لبناء الغد المعرفي العربي. وهذه المنعرجات ال تقل أهمية -بأي حال من األح��وال -عما تركه من نتاج معرفي مختل َف عليه ،ومن إرث معرفي م��دوّن قابل للمراجعة وال��ت��أمّ��ل ..ب��ل إن األه���م ،والمعترك الحقيقي ل�لأم��ة ..ه��و كيفية العمل على ب��ن��اء منظومة
م��ن ال��م��ح��اض��رات ،وط��رح��ه ع���ددا ك��ب��ي��را من فكرية تفيُد من رؤي��ة وممارسات هذا الجيل،
المراجعات الفكرية ،ودعوته إلى شيوع ثقافة حتى وإن اختلفنا مع الطرح والنتاج والنتيجة المراجعة الفكرية ،وع���دم قصرها على فئة التي خلصوا إليها. *
كاتب من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 113
صور ..ولعلها رسائل > أمين السطام* بالعودة إل��ى القامات األنيقة (Braun – Nadar
)- Demachyالذين يعدّ ون أوائ��ل من نقلوا التصوير من شكله الذي بدىء به كأداة توثيق لواقع ما ،أو مهنة للتكسب المادي إلى وسيلة إلظهار الحياة بشكل أكثر عمقاً؛ لعله على األقل كما نراه في عصرنا الحاضر.. فكيف بتلك الفترة من الزمن ،حيث يظهر كل شيء ب��دائ��ي�� ًا أو بسيطا -إن ص��ح التعبير -فمن البديهي ج���دا ،ب��ل ولعلي ال أج��د م��ع��ارض��ة ب��أن خلف الصورة الفوتوغرافية تكمن رسالةٌ ما؛ أي ًا كان فحواها ووجهتها؛ بـيد أني سأجد من يخالفني في ذلك ويسأل :هل ندع قراءة الرسالة للمتلقي دون فك رموزها؟ أم على المصور أن يتعاون في وضع النقاط على الحروف؟ ال أج���زم ب��أن ك��ل م��رت��ادي المعارض
ب��ال��م��غ��ي��ب؛ إذا بعينيه ت��ق��ع��ان ع��ل��ى تلك
التشكيلية بأنواعها قد تصلهم الرسائل السوداء الصغيرة المدرعة ..تتسلق وبكل �لا رملياً أنهكه المطر؛ فبدا غير نفسها ،التي أراد الفنان إيصالها ،فهي همّة ت ً ك��ل��م��ة م����رور ذات ح��ج��م ع��ائ��ل��ي؛ تتباين متعاون لدفعها للوصول إلى أعاله؛ فهاله ٍ شواردها وخواطرها من متلق آلخر. وأبهره ذل��ك الجهد المضني ال��ذي بذلته ذات ي����وم؛ وع��ن��دم��ا ب����دأت الشمس لتلحق بركب صويحباتها أعلى التل قبل 114اجلوبة -شتاء 1432هـ
ال��م��غ��ي��ب .ي���ا ل��ه��ا من خ���ن���ف���س���اء -ح�����ادث نـفسه -من أين يتأتى لها ه��ذا اإلص����رار إال فطرة من الله سبحانه وتعالى؟ وكأنها رسالة ل��ه ب���أ ْن ت��ل��ك الحشرة ال���ص���غ���ي���رة ال���ت���ي قد تطؤها بقدمك تبذل كل ما في وسعها لتنال م���ا ت���ري���د ..ف��م��ا أنت ف��اع�� ٌل أيها اإلنسان؟! حتى قابلته؛ ال يعرف ل��ـِ�� َم ل��� ْم ت���رق الرسالة ألح����ده����م ح���ي���ن ب����ادر بعدسة أيمن السطام ب��س��ؤال��ه ع��مّ��ا إذا كان إض����اف���� ًة إل�����ى أن فهم ما يريد ،فقد حالفه الحظ ،بأن وقف تلك العقبة التي كثيراً ما تواجه بعضهم هي العراك اللحظة وأخرجها من سياق الزمن. ال��داخ��ل��ي ح��ول م��ا إذا ك��ان��ت ال��ص��ورة تتناسب قال :ال أرى بهذه الصورة أي معنى أو رسالة.. (خنفسا وناطـّـة الطعس) ماذا تعني؟
ولم يجتهد كثيراً صديقه الواقف بجانبه كي يشم رائحة السخرية تغلّف االبتسامة التي أبانها صاحبه!! بعد ذل���ك ،ل��م ي��ت��ردد ..ب��ل عقد ال��ع��زم على المشاركة بهذا العمل في أقرب معرض؛ وحصل ما أراد ،والقت استحسان الجمهور الستيعابهم الرسالة كاملة .ولسان حاله قول الجواهري: ����ت أق����ول ل��ه��ا وق����د خ�����درتْ والن ْ تحدَّ ْي من يريدك أن تُعاقي . ()1
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
م�����ن ذل������ك كله، أردت إلخ�����وت�����ي وأخ���������وات���������ي ممن ي��خ��ط��ون خطواتهم األول����������ى ف�����ي ه����ذا ال��ف��ن ،ب��أن ال يكبـ ّل ان���ط�ل�اق���ت���ه���م نق ٌد ل������م ي����ك����ن ل����ي����ق����وّم ال��ع��م��ل .ب��ل السعي ال���ح���ث���ي���ث للتعرف ع���ل���ى المختصين وال������ض������ال������ع������ي������ن «ال��ص��ادق��ي��ن» فيه.. ل��ل��اس�����ت�����ف�����ادة من تجاربهم.
وال��ه��دف ال��ذي التقطت ل��ه ،وه��ل ستجد قبوالً ل���دى ال��م��ت��ل��ق��ي��ن؟ وأي��ه��م��ا أج�����در ..المخاطرة باسمك الفني واإلص��رار على عرض العمل ،أم قتله بوضعه على الرف؟ وال أنسى اإلشارة إلى توجس بعض الموهوبين خيفة من سماع كلمات التهميش أو النقد غير البنـّـاء؛ وه��ؤالء أحيلهم إلى أنفسهم بأن تعرفوا على الناقد بداخلكم؛ فالمـُـحبطون حولنا أكثر من غيرهم. ولإلجابة أو اإلفادة عن األفضل ..أرى أن ذلك يعود للمصور نفسه ،وكيفية تعامله مع شخصية العمل الذي ينتجه.
* كاتب من السعودية. ( ) 1من قصيدة له في المنفى مطلعها: سهرتُ وطال شوقي للعراقِ وهل يدنو بعي ٌد باشتياقِ
اجلوبة -شتاء 1432هـ 115
األدب :هل يؤثر فعال على اآلخرين؟ > عبدالرحيم اخلصار*
كان فرانتس كافكا يردد هذه الجملة الشهيرة« :كل ما ليس أدبا يقلق راحتي ،وأشعر تجاهه بالكراهية» ،هل ك��ان كافكا مهووسا ب��األدب إل��ى ه��ذه ال��درج��ة؟ هل ك��ان إيمانه ترسخ لديه أن األدب قد يكون معادال موضوعيا للحياة بالكتابة أعلى من الجميع؟ هل ّ أو بديال عنها؟ بعبارة أكثر عمقا :هل كانت الحياة عند كافكا هي األدب؟ إن الجواب عن سؤال كهذا يبدو أكثر وضوحا كلما تذكرنا أن كافكا لم يترك رفّ ا من الكتب ،لم يغن خزانة العالم بمؤلفات كثيرة ،وإنما بصفحات ال تتجاوز الثالثمائة ،صار كافكا أسطورة القرن الماضي والحاضر. وإذا كان كافكا عميق اإليمان باألدب ،فهل والقصائد؟ وهل كانت الحياة ستغدو مستحيلة ك��ان يؤمن أيضا بتأثير ه��ذا األدب؟ م��ا كتبه بدون أدب؟» هو وما كتبه كبار وصغار الكتّاب في الجهات سنعود إلى الماضي القريب لنجد تعريفا األرب��ع لهذا العالم هل أث��ر في الكائنات التي للكاتب المصري أحمد هيكل األكاديمي الذي تتلقاه؟ هذا الحشد من الروايات والمسرحيات سبق له أن شغل منصب وزير الثقافة في مصر، واألش��ع��ار ،ه��ل غ��ي��رت شيئا ف��ي عالمنا؟ هل يقول مؤلف (تطور األدب الحديث في مصر): غيرت مشاعر الناس وأفكارهم؟ ما تأثير األدب «ليس األدب مجرد كالم جميل ،مختار اللفظ، في حياة من يتلقى األدب؟ محكم ال��ع��ب��ارة بليغ ال��ص��ي��اغ��ة ،وإن��م��ا األدب
لعل الكثيرين سيطرحون هذا السؤال« :ماذا تعبير جميل بالكلمات ع��ن ت��ج��رب��ة صادقة، كان سيقع للعالم لو لم تكتب كل هذه القصص ق�����ادرة ع��ل��ى ال��ت��ج��اوز إل���ى اآلخ����ري����ن» .طبعا 116اجلوبة -شتاء 1432هـ
ال ي��م��ك��ن إج���م���اال أن ن��ن��ف��ي عن األدب وظيفته التأثيرية ،فمنذ عهد ه��وم��ي��روس وال��ش��ع��ر -أع���رق أشكال األدب -يمارس هذا السحر ،إن قصائد صاحب اإللياذة واألوديسة كانت تركز على البعد الدرامي للكتابة؛ وبالتالي فهي كانت تحرك المناطق الهادئة في الوجدان اإلنساني ،فلطالما رأى كل واح��د ممن ق��رأ ملحمتي هوميروس أن��ه ص��ار عليه ل��زام��ا أن يصير أحد أبطالهما. وف��ي األدب الحديث ال يستطيع قارئ زوربا لنيكوس كازانتزاكيس أن يمر على الرواية دون أن تخلف فيه تأثيرا واض��ح��ا ،لكن درج��ات التأثير –طبعا -ستختلف حسب سياق التلقي، وحسب المكونات النفسية لكل قارئ،
بابلو نيرودا
الكسندر بوشكين
غارسيا لوركا
ميشيل فوكو
إن أعماال أدبية كثيرة حوّلت وعي الناس وغيرت قناعاتهم ،ويكفي أن نقف مثال عند األدب ال��روس��ي في فترته األكثر توهجا ،إن تأثير هذا األدب امتد إلى العالم برمته ،وأسهم في تحريك عجلة تقدم هذا العالم عبر تحفيزه نحو اإلع�لاء من قيمة اإلنسان ،وجعله يطرح أسئلة جديدة ل��م ي��ك��ن ي��ط��رح��ه��ا م��ن ق��ب��ل ،تتعلق بمصيره وب��ج��دوى حياته وبوظيفته داخل هذه الحياة.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
تعريف كهذا ال يخلو من ذلك الطابع الكالسيكي ال��ذي يجعل هذه النظرة ل�لأدب نظرة متجاوزة ،ف��األدب ليس بالضرورة كالما جميال؛ فعدد هائل من الروايات الحديثة تحاول التملص من الوقوع في (الكالم الجميل مختار اللفظ) ،وبالتالي سيصعب حسب هذا التعريف تصنيف رواية جاك كيرواك «على الطريق» في خانة األدب ،لكن عبارة دقيقة توجد في هذا التحديد لمفهوم األدب (التجاوز إلى اآلخرين). إن رواية «على الطريق» -التي لم يكن كاتبها يختار األلفاظ التي يكتب بها- ستؤثر بشكل كبير في الحياة الواقعية ب��أم��ري��ك��ا ،إن��ه��ا س��ت��رف��ع م��ن مبيعات م�لاب��س ال��ج��ي��ن��ز ،وس��ت��ج��ع��ل ماليين األمريكيين يتخلون عن كل السراويل التي ليست جينزا.
فقد تذكي في نفس أحدنا قيم الخير والتعمق في فهم ال��ذات ،وقد تدفع آخر إلى اعتزال العالم والتوحد في خلوة تشبه خلوة كاتب زوربا في جبل أثيوس باليونان.
ن���ص���وص ك���ث���ي���رة أث������رت بشكل مباشر ف��ي م��ن يتلقاها ،نستحضر مثال الكتابات ذات الطابع النضالي والتحريضي وما يندرج ضمن مسمّى «أدب ال��م��ق��اوم��ة» ،ك��ق��ص��ائ��د بابلو ن��ي��رودا ،وكاميليو ،ول��وي��س أراغون، ومحمود دروي���ش ،ومظفر النواب، وناظم حكمت ،وأرنستو كاردينال، وفريديريكو غارسيا لوركا ،وغيرهم. ستركض سلطات ميتاكاس في اليونان سنة 1936م ،وراء قصيدة «ال��م��رث��ي��ة» ل��ي��ان��ي��س ري��ت��س��وس من أج��ل إحراقها ومنعها م��ن الوصول إل��ى ال��ن��اس ،لقد كانت تعرف مدى تأثيرها فيهم ،فقصيدته جاءت كر ّد على النيران التي أطلقها الفاشيون ع��ل��ى ع��م��ال ال��ت��ب��غ ال��م��ض��رب��ي��ن في تيسالونيكا.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 117
إن قصائد ألكسندر بوشكين مثال ومسرحياته كانت تصل إلى قلوب الناس قبل كلمات القيصر ،وكانت تفعل فيهم م��ا ال يفعله ط��اب��ور ط��وي��ل م��ن الجنود، إن روايته «دوبرفسكي» التي ال تتجاوز مئة صفحة ،والتي تصنف ك��واح��دة من أهم التحف في خزانة األدب الروسي، أسهمت بشكل واسع في تحويل الهادئ والراكد في النفس البشرية إلى جَ يَشان؛ لقد جعلت شباب روسيا يعيد النظر إلى عالقته بالطبقة اإلقطاعية ،وإلى التفكير في إعادة ترتيب أثاث الغرفة الروسية.. وتغيير بنية هذا المجتمع المغلف بالظلم واالستبداد. ول��ذل��ك ،ح��ي��ن ب���دا ل�لإم��ب��راط��ور أن بوشكين سيجعل الشعب يثور ضد نظامه القمعي ..فكر ف��ي نفيه إل��ى سيبيريا، وتدخل وسطاء ومقربون ليحولوا دون هذا النفي ،غير أنه سيتم التخلص من بوشكين عبر ال��م��ؤام��رة الشهيرة التي دُبرت له سنة 1838م. ثمة أمثلة كثيرة لشعراء وكتاب كان مصيرهم ال��م��وت أو السجن أو النفي بسبب الخوف من كلماتهم ،والخوف أكثر من تأثير هذه الكلمات. دع��ون��ا ن��ع��ود إل���ى ك��اف��ك��ا ،ب��ع��ي��دا عن األدب ال����ذي ك���ان ي��وج��د ف���ي مواجهة السياسة ..ثمة أدب مهمته هي مواجهة اآلخ��ر« ،رس��ال��ة إل��ى ال��وال��د» هي واحدة م��ن رواي�����ات ك��اف��ك��ا ينتقد فيها تسلط األب ،وي��ح��اك��م��ه ل��ك��ون��ه س��ب��ب��ا ف���ي ما يحمله من عقد وأم���راض داخلية ،فهو الذي جعله يشعر دائما بالفشل والعجز والضعف والدونية ،إن قارئ هذا العمل 118اجلوبة -شتاء 1432هـ
سيستحضر ب���ال���ض���رورة تاريخ ع�ل�اق���ت���ه ب��ال��م��ؤس��س��ة األب����وي����ة، وس��ت��ك��ون ب��ال��ت��ال��ي «رس���ال���ة إلى ال��وال��د» سببا في ث��ورة الكثيرين على آبائهم وأفكارهم الميتة.
إدوارد سعيد
محمود درويش
أرنستو كاردينال
أنييس نن
هذه الرواية ستساعدنا على ف��ه��م رواي����ة أخ���رى للكاتب أكثر ش��ه��رة منها-أقصد طبعا عمله الرهيب «مسخ» -التي كتبها في ع��ام��ه ال��ث��ال��ث وال��ع��ش��ري��ن ،والتي ي���ري���د ف��ي��ه��ا ال��ب��ط��ل غريغوري س��ام��س��ا أن ي��ت��ح��ول إل���ى حشرة، لقد ص��ارت الرغبة ف��ي التحول إل���ى ح��ش��رة م��وض��ة ورغ���ب���ة فئة كبيرة من شباب العالم في القرن ال����م����اض����ي ،ب��س��ب��ب اإلح���س���اس بالالجدوى جرّاء ما يعانيه الفرد من إهمال وتخ ّل وتهميش ونكران من طرف الجماعة. إن رواي�����ة «ال��م��ط��ر األس����ود» للكاتب الياباني ماسوجي إيبوزي ع���ن ه��ي��روش��ي��م��ا س��ت��ك��ون أكثر ت��أث��ي��را ف��ي النفس البشرية من كل التقارير الصحفية التي كتبت ع��ن ه��ذه الكارثة اإلنسانية ،إذا استثنينا طبعا ما كتبه الصحافي األم��ري��ك��ي ج���ون ه��ي��رس��ي الذي اس��ت��ف��اد ف��ي ك��ت��اب��ة تحقيقه من تقنيات السرد. تحكي رواية «المطر األسود» قصة الفتاة «ياسوكو» التي اعتقد أهلها أنها نجت من إشعاع القنبلة بسبب وج��وده��ا بعيدا ع��ن مكان الحدث ،غير أن أمطارا مسمومة
إن وظيفة األدب حسب أنطونيو غرامشي هي التأثير في اآلخر ،وحين يتوقف ه��ذا األدب ع��ن مهمة التأثير يتوقف عن كونه أدبا ،وسيتبنى النظرية الغرامشية مفكرون ج��اءوا بعده أمثال ديفيد هارفي ،وإدوارد سعيد ،وميشيل فوكو ،ونعوم تشومسكي. م��ه��م��ة ال��م��ث��ق��ف ح��س��ب النظرية الغرامشية هي االلتحام ب «الجماهير» وت��ب��نّ��ي قضاياها ،غير أن ه��ذا األمر سيجعل الكاتب يرتدي لباسا فضفاضا عليه ،ذل��ك أن مهمة المثقف ل��م تعد بالضرورة هي التكلم باسم الجماعة، لقد ص��ار الكاتب ف��ي األدب الجديد ص��وت��ا ي��م��ث��ل ن��ف��س��ه ف��ح��س��ب ويمتلك مشروعيته من فردانيته ،ويعمل جاهدا ع��ل��ى أن يمحو ع��ن��ه ك��ل ط��اب��ع جمعي أو مهمة تنويرية ،لكن يوكيو ميشيما بالمقابل ك��ان ي��ق��ول «لنؤثر قليال في التاريخ» ،إنه هنا يتجاوز عتبة التأثير في اآلخر ،ويدرك أن األدب قادر أحيانا على التأثير في مجرى نهر العالم ،ربما تكون نظرة طوباوية ،لكنّ العيون التي كانت تصدر منها هذه النظرة لم تكن عينا كاتب ع���ادٍ ،ف��ـ «ميشيما» ك��ان له دور كبير في تعميق إيمان اليابانيين ب��ض��رورة ال��ع��ودة إل��ى ال��ج��ذور اليابانية وعدم الذوبان في النموذج الغربي الراهن. *
نيكوس كازنتزاكيس
فرانز كافكا
ناظم حكمت
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ستنزل على القرية بعد فترة م��ن سقوط القنبلة.. ستحول حياة ياسوكو وعائلتها إلى جحيم ،ثمة أحداث موجعة وأسلوب مؤثر ال يبيح لقارئ الرواية أن ينتهي منها دون تعميق روح الكراهية والرفض لكل القوى التدميرية في هذا العالم.
وتعود بنا الكاتبة األمريكية «أناييس ناين» إلى ه��واء كافكا األول «ك��ل م��ا ليس أدب��ا يقلق راحتي»، حيث سنجدها تقول« :يحتاج اآلخ���رون إل��ى الثياب والموسيقى واللعب على القيثارات والرسم بأقالم الفحم أو األلوان المائية ،يحتاجون إلى اللعب بالكلمات وممارسة أل��ع��اب ال��ف��ن ،يحتاجون إلى الخبز ،ولكنني في الواقع أريد التخلي عن كل المتع التي نلتها في ح��ي��اة ال��ت��رف ،أري���د ال��ت��ن��ازل عنها مقابل المتع الرائعة التي توفرها لي حياة اإلبداع والمنجزات الفنية التي تؤطر حياتي». إن األدب ه����و ال������ذي يصنع إطارا لهذه الكاتبة ويحدد مسالك حياتها ،إن الكتابة هي التي تعطيها مشروعية الوجود وج��دواه ،وعليه ف��ال��ت��أث��ي��ر ه��ن��ا ف�����ردي ،إن حياة ال��ع��دي��د م��ن ال��ك��تّ��اب ت��غ��ي��رت فور وصولهم إل��ى أرض الكتابة ،وإن هذه الكلمة الساحرة «أدب» جعلت من كل كائن ابتلي به «سد هارتا» مستقال ،ودرويشا زاهدا ال يتطلب م��ن ال��خ��ارج أكثر مما يتطلب من ذات��ه ،ج��ددت ل��دى بعضهم إيمانه ب��ال��ح��ي��اة ،وم��ل�أت غ����رف آخرين بالمتع ،وجعلت الكثيرين يكتشفون كنوزهم الداخلية ،وقادت الكثيرين أيضا إلى االنتحار. إن األدب إن لم يغير العالمَ ،وإن لم يؤثر في اآلخ��ري��ن ،إن لم يؤثر في قارئه فهو على األقل يؤثر في كاتبه.
كاتب وشاعر من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 119
الفقر ومحاربته بني اإلسالم والرأسمالية (أمنوذجاً)
> نشأت نايف احلوري*
يعيش العالم اليوم في خضم الفيضان الهائل ,الذي أغ��رق جميع األس��واق العالمية من شتى أن��واع الصناعات والسلع والخدمات التي ال تحصى ,بصرف النظر عن الكم البشري من الجياع والعطشى العراة. انتهت االشتراكية ،وت��ه��اوت صروحها ،وتفتت كيانها، وانمحى نظامها ,وتعرت هذه األسطورة ،التي كانت تدغدغ عواطف المستضعفين ،وال��ذي انخدع ببريقها الماليين من البشر ,فكانت وبا ًال عليهم ،فقاموا بهدمها بعد أن لم تغنهم من فقر ،ولم تشبعهم من جوع. ث����م ع�����اد ع���ل���ى أن���ق���اض���ه���ا (النظام حفنة م��ن رج���ال ال��دي��ن ,وح��ص��روا هذه
ال��رأس��م��ال��ي) ،بعد غ��ي��اب ط��وي��ل ,بسبب العقيدة الروحية في سراديب الكنائس, انتشار االشتراكية وقوتها وزحفها على وت��ف��رغ��وا للحياة ال��دن��ي��ا وان��س��اق��وا وراء العالم ,وفرضية تطبيق نظامها الغاشم ملذاتها وشهواتها. الظالم .وترتكز فكرة (الرأسمالية) على
ف���ب���رز م��ن��ه��م ع��ل��م��اء ك���ث���ر ،ووضعوا
لقيادتها ،وزجوا بعقيدة الماليين منهم-
ودراس�����ات عميقة ل��ح��ل مشكلة الفقر،
فصل الدين عن الحياة ،فآمنوا واستسلموا
ال��ن��ظ��ري��ات ال��م��ت��ع��ددة ،وق��ام��وا بأبحاث
العقيدة النصرانية -ووضعوها في أيدي وإع���ادة االق��ت��ص��اد إل��ى أق���وى ق��وت��ه على 120اجلوبة -شتاء 1432هـ
ومن أشهر منظري هذا النظام (آدم سميث) التناسل أكبر من ق��درة األرض على إنتاج ما يلزم لبقائه). و(ريكاردو) و(مارشال) و(مالتوس) وآخرون. إذاً ،هم يرون اللجوء إلى اتخاذ اإلجراءات
تناولوا اإلنسان من ظاهرة المادية فقط، فحصروا حاجاته في تحقيق القيمة المالية ,السلبية مشاركة في عالج المشكلة االقتصادية, وأهملوا القيم الروحية والخلقية واإلنسانية .ب��خ��وض ال���ح���روب ،وال�����زواج ال��م��ت��أخ��ر لتقليل
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
الساحة ,ليتفشى الغنى ،ويتحقق م��ن خالله ثاني ًا :ازدياد السكان ,يقول (مالتوس) صاحب السعادة ،ألن «المال عصب الحياة». ال��ن��ظ��ري��ة ال��ش��ه��ي��رة( :إن ق���درة اإلن��س��ان على
وانصبت دراساتهم وأبحاثهم من خ�لال هذه النسل ،وت��وزي��ع م��وان��ع الحمل وغ��ي��ره��ا ،حتى الدراسات على أن مشكلة الفقر واقعة في عدة أنه يعد الكوارث الطبيعية ،من زالزل وبراكين أسباب:
األولى :أن الموارد االقتصادية المتوافرة لدى
مجتمع ال تفي بحاجاته المتعددة ،وما تسمى (بالندرة النسبية) بسبب ع��دم كفاية الموارد
وفيضانات ع��وام��ل مساعدة ف��ي ح��ل مشكلة
الفقر ،من خالل موت أعداد هائلة بسبب هذه الكوارث.
إذ يقول مالتوس ،المتطرف ،بلجوء اإلنسان
وال��ح��اج��ات ،وي��ك��ون ذل��ك فيما يسمى بالسلع إلى إشباع غريزة الجنس من غير زواج ،هروباً االقتصادية ،ذل��ك أن حاجات اإلن��س��ان تزداد من التناسل ،مع أنه تزوج وأنجب ابنتين وولدا في درج��ة ع��دم تحديدها .والحاجة بالمعنى (1834 – 1766م) ولجأوا إل��ى حرية التملك
االقتصادي هي :كل رغبة تجد ما يشبعها من فإنها تعني :إزال��ة القيود التي تنظم التملك، وحرية التملك ،وحرية العمل ال بالضوابط التي مورد من الموارد االقتصادية.. تنظم كيفية التملك. والحاجات ليست فقط األولية (األساسية) إن بناء االق��ت��ص��اد على ه��ذه الحرية حتى من مأكل ومشرب ومسكن ,بل تتعدى في أن
تتعدد في أنواع وأشكال حاجاته ورغباته غير أص��ب��ح��ت ال��خ��ط ال��ع��ري��ض ،ورم����زاً لمعالمها األس��اس��ي��ة م��ن وس��ائ��ل ال��ت��رف وغ��ي��ره��ا ,حتى وحضارتها وهي ما تسمى (بالحريات العامة)، تصبح حاجاته بال ح��دود ,وبالتالي يجب أن أخ��ذت ه��ذه النظرية من مفكري ه��ذا النظام يزداد الدخل األهلي لحاجة اإلنسان ورغباته ،اب���ت���داء م���ن (آدم س��م��ي��ث) و(ري�����ك�����اردو) إلى وتزداد الموارد لحل المشكلة االقتصادية ،ألن عمالقة ال��م��ال ال��ذي��ن يمسكون ال��ي��وم بقبضة السكان يزدادون بسرعة البرق مقارنة باإلنتاج ،حديدية أزمة مختلف القطاعات االستثمارية, وهنا ،تبقى مشكلة الفقر قائمة وال حل لها ,صناعية ,وتجارية ،ومشاريع عمرانية وزراعية,
ول��ذل��ك ان��ص��ب��ت ج��ه��وده��م ع��ل��ى تكثير السلع كما يتحكمون في أسواق المال ,ويتغنون فنون وال��خ��دم��ات واإلن��ت��اج ،لتكون متناول الجميع ،المضاربات في أسواق البورصات ،فهم صيادون
بغض النظر أن يتناولها الكل أو البعض.
مهرة ،يجيدون مطاردة الفرائس ,ثم اقتناصها
اجلوبة -شتاء 1432هـ 121
وامتصاص دمائها.
أم����ري م��ا اس��ت��دب��رت ألخ����ذت ف��ض��ول أموال
وأقول إن الرأسماليين حاولوا وبكل جهد أن األغ��ن��ي��اء فجعلتها ف��ي ف��ق��رائ��ه��م» ،ي��ق��ول الله يوجدوا حلوالً اقتصادية ناجحة وناجعة ,وذلك تعالى{ :كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم}
بالتقليل من الفقر وتخفيف الفارق بين األغنياء الحشر ،7ويقول العالم الكبير ابن حزم رحمه والفقراء ,ولكن هذه الحلول كالمسكّنات تخدر الله في المحلى« :فرض على األغنياء في كل
المريض ولكنها ال تذهب بالمرض.
لقد وضعت الرأسمالية (أنموذجاً) ال أقول
هشا وضعيفا ,بل هو من وضع البشر القاصر، ولكن الميزة بيننا وبينهم أننا استقينا حياتنا
وأوضاعنا وأحكامنا ودستورنا من خالق البشر {ال��ذي خلق فسوى وال��ذي قدر فهدى} ،قال تعالى{ :صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} البقرة ,138وق��ال تعالى{ :أال يعلم من خلق
وهو اللطيف الخبير} الملك.14
وه��ذا األن��م��وذج م��ث��ا ٌل يحتذى ب��ه ..لندرك
بلد أن يقوموا بفقرائهم ،وتجبرهم السلطات على ذلك».
ه��ا ه��ي المسؤولية االجتماعية ,والتكافل
االجتماعي في اإلسالم ,مع وجود قواعده أيضاً
متينة ورصينة من أحكام الله تعالى ,إلقامة
مجتمع بعيد عن الفقر ،في الوقت نفسه بعيداً
ع��ن الظلم وال��ج��ور ..وتتلخص ه��ذه القواعد بالنقاط اآلتية:
أوالً :تحريم الربا الربا في اصطالح الفقهاء ه��و :أخ��ذ مال
معالم ديننا اإلسالمي ونعمته؛ فنظرة الخالق بمال من جنس واحد متفاضلين ،وال يكون إال إلى البشر نظرة اجتماعية ،قال تعالى{ :إنما في بيع أو قرض أو سلم ،وأكثر ما يذكر الربا
ال��م��ؤم��ن��ون إخ����وة} ال��ح��ج��رات ،10ف��ق��د أمر على األموال ..وما يطلق عليه اليوم «بالفائدة». اإلسالم الخلق إلى التآلف والتعارف ,ونهاهم وق��د وردت النصوص القرآنية بتحريم الربا عن التناكر والتخالف ,وبينت اآلي��ات القرآنية تحريماً قاطعاً ,قال تعالى{ :الذين يأكلون الربا المسؤوليات العامة وال��خ��اص��ة تجاه األفراد ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان والمجتمع.
المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ّ من
ق��ال الله مخاطباً األغنياء{ :وأنفقوا مما وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة .275وقال جعلكم مستخلفين فيه} الحديد ,7وقال تعالى :تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما
{وآتوهم من مال الله ال��ذي آتاكم} النور ،33بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا وأن السلطة أو الدولة هي المسئولة عن هذه فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم المسؤوليات ,وتفرضها على المجتمع واألفراد رؤوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون} البقرة
إن ل��زم األم���ر ،ك��ف��رض ال��ض��رائ��ب ,ومصادرة .279 – 278 األم��وال وق��ت األزم���ات ,يقول عمر رض��ي الله
ففي هذه اآلي��ات حرم الله الربا ,ألنه أكل
عنه في قحط ع��ام ال��رم��اد« :ل��و استقبلت من أموال الناس وجهدهم بالباطل والزور والبهتان, 122اجلوبة -شتاء 1432هـ
ذلك إال لحاجة ماسة ال يجوز استغالله بهذه الفقير...
الصورة وهذا الشكل.
نعم إن بقاء األم��وال مكدسة تشكل خطراً
يقول سيد قطب رحمه الله عن أثر الربا ،جسيماً على االقتصاد ،فالمال يجلب المال, «وينشأ من الربا مرضان اجتماعيان :تضخم وبالقضاء على االكتناز تندفع جميع األموال الثروات إلى غير حد ,وتفريق الطبقات علواً إلى السوق ,فيتجدد النشاط ،وت��زداد الثروة, �لا بغير ق��ي��د؛ ث��م وج���ود طبقة متعطلة ويُقضي على البطالة. وس��ف ً
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
وذل��ك ألن المرابي (المقترض) ال يقدم على ال���ت���داول ،م��ع��وال ال��رأس��م��ال��ي��ة ,وح����رب على
مترهلة مترفة ال تعمل شيئاً ,وتحصل على كل ث��ال��ث�� ًا :منع ال��غ��ش وال��غ��ب��ن واالح��ت��ك��ار بكافة شئ ،وكأنما المال الذي في يديها فخاخ لصيد أشكاله وص���وره .يقول النبي [« :م��ن غشنا
المال ،دون أن تتكلف حتى الطعم لهذه الفخاخ ،فليس منا» رواه مسلم .وح��رم اإلس�لام الغبن إنما يقع فيها المحتاجون عفواً ،ويساقون إليها واالحتكار ..يقول [ «وال يحتكر إال خاطئ» بأقدامهم تدفعهم الضرورات.»...
رواه مسلم ،وخاطئ هنا بمعنى آثم ،وقد جعل
الربا بمثابة التضخم ،واألزمات االقتصادية ..الفقهاء للحاكم م��ص��ادرة أم���وال المحتكرين وال أدل على ذلك من األزمة الحالية التي وقع من باب السياسة الشرعية ,ومنعهم من الربا
فيها العالم اليوم ,وعزاها خبراء الغرب أساساً الفاحش واالس��ت��غ�لال ,يقول [ «م��ن احتكر إلى الفوائد (الربا) ،حتى إن بعضهم أشار إلى الطعام أربعين يوماً فقد برئت منه وبرئ الله تحريم الربا ،أو على حد قولهم إن الفائدة يجب منه».
أن تكون بنسبة صفر .%وقد انعقد في السابق
راب��ع�� ًا :منع الغصب وال��س��رق��ة والرشوة،
مؤتمر الكنائس العالمي في فينا الذي انتهى والغصب هو االستيالء على مال اآلخرين بغير بإصدار قراره بالتحريم القاطع للربا. حق ،وقد أجمع المسلمون على تحريمه ,لقوله
ثاني ًا :منع اكتناز النقود :قال تعالى{ :والذين تعالى{ :وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل البقرة ,88 الله فبشرهم ب��ع��ذاب أل��ي��م .ي��وم يحمى عليها
ويقول [« :من أخذ شبراً من األرض ظلماً
ف��ي ن��ار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم طوقه من سبع أرضين» وأما السرقة :فهي أخذ وظهورهم هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما المال خفية من ح��رزه ,ق��ال تعالى{ :السارق كنتم تكنزون} التوبة .35 – 34
والسارقة فاقطعوا أيديهما ج��زا ًء بما كسبا}
والكنز في االص��ط�لاح :جمع المال بعضه المائدة .38
فوق بعض لحاجة يقرها الشرع ،يقول أستاذنا
وأم����ا ال���رش���وة :ف��ه��ي م��ا يعطيه الشخص
الكبير ال��دك��ت��ور عبدالعزيز الخياط ع��ن كنز للمسئول ليحكم ل��ه ،أو يحمله على ما يريد, األم���وال :ه��ذه األم���وال المكدسة ،المحبوسة قال تعالى{ :ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
اجلوبة -شتاء 1432هـ 123
وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال القيم رحمه الله« :إن النبي [ عزر بحرمان الناس باإلثم وأنتم تعلمون} البقرة ,88ويقول النصيب م��ن السلب ،وأخ��ب��ر ع��ن تعزير مانع [« :لعن رسول الله [ الراشي والمرتشي» الزكاة بأخذ شطر ماله». رواه البزار. ي��ق��ول أس��ت��اذن��ا ال��خ��ي��اط :ب��ل وج��ع��ل للدولة خامس ًا :تحديد الملكيات ..وتقسم الملكية حق إع�لان الحرب إذا منع المسلمون الزكاة، في اإلسالم إلى ثالثة أقسام:
ألم يعلنها أبو بكر من أجلها وقد آمن الناس
أ – الملكية الخاصة :وهي ما تسمى بالملكية باإلسالم وصلوا وأدوا واجباتهم إال الزكاة؟ لقد ال��ف��ردي��ة ب��أح��ك��ام شرعيه ت��ح��دد للفرد ما صاح صيحة قوية في وجه عمر رضي الله عنه ي��م��ت��ل��ك وي��ن��ت��ف��ع ب��ه��ا دون أن ت��ط��غ��ى على «أجبّار في الجاهلية خ��وّار في اإلس�لام؟» إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ،أينقص وأنا حي، الملكيات األخرى. والله ألقتلن من فرق بين الصالة والزكاة ,والله ب -الملكية العامة :وه��ي األح��ك��ام الشرعية لو منعوني عقاالً كانوا يؤدونه لرسول الله [ المتعلقة بحق اشتراك الجماعة في االنتفاع لقاتلتهم عليه» .ومن ثم عقد أبو بكر رضي الله باألشياء كالمرافق العامة والمعادن واألنهار عنه أحد عشر لوا ًء لحرب مانعي الزكاة دفاعاً والبحار. عن حق الفقير. ج -ملكية الدولة :وهي األحكام الشرعية التي فإذا أخذنا من أموال األمة اإلسالمية وأديت حددت األموال ,والتي جعلت التصرف فيها موقوفاً على رأي اإلمام ,كأموال الضرائب زكاتها ما نظن أن تبقى المجاعات في الدول والخراج والجزية والفئ وما شاكلها .بخالف النامية والفقيرة!.. الرأسمالية التي أطلقت العنان للفرد في سابع ًا :أموال الغنائم والفيء :يقول الله تعالى: تملكه ما يشاء ،حتى ولو طغت إلى الملكية {واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسة العامة والدولة. وللرسول ول��ذي القربى واليتامى والمساكين
سادس ًا :وجوب الزكاة ،قال تعالى( :وأقيموا وابن السبيل} ،هذه الغنائم .أما الفيء فيقول الصالة وآت��وا ال��زك��اة) ويقول عز وج��ل( :إنما الله تعالى{ :ما أفاء الله على رسوله من أهل الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها القرى فلله وللرسول ول��ذي القربي واليتامى والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي والمساكين وابن السبيل كي ال يكون دولة بين سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله األغنياء منكم} الحشر ,7هذه اآليات أشارت إلى أن األموال تقسم على الفقراء والمساكين. عليم حكيم) التوبة .60 والزكاة تؤخذ من الغني وتدفع للفقير ،وإذا ثامن ًا :الصدقات وال��ك��ف��ارات وغيرها ،هي امتنع الغني يجبر في هذه الحالة ويعزر على إع��ان��ة للفقراء والمحتاجين م��ن وج��ه نظرة ه��ذا االمتناع بمصادرة نصف ماله ,ق��ال ابن الدين الحنيف ,منها صدقة الفطر لقول ابن 124اجلوبة -شتاء 1432هـ
زك��اة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت وطعمة للمساكين» ،وأم��ا الصدقات األخرى منهم ذمة الله) ،يقول ابن حزم رحمه الله :وال
فتأتي من باب األجر والثواب قال تعالى{ :مثل يعتبر المسلم مضطراً ألكل لحم الميتة أو لحم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة خنزير وهو يجد طعاماً فيه فضل عند صاحبه أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله المسلم أو ال��ذم��ي ،ألن��ه ف��رض��اً على صاحب يضاعف لمن يشاء} 261البقرة. الطعام إط��ع��ام الجائع ف��إذا ك��ان ذل��ك كذلك،
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
عباس رضي الله عنهما «فرض رسول الله [ والمحروم} ال��ذاري��ات ,19ويقول [( :أيما
وأما الكفارات ومنها كفارة اليمين ..فيقول فليس بمضطر إلى الميتة وال إلى لحم الخنزير، عز وج��لَّ { :إطعام عشرة مساكين من أوسط وله أن يقاتل عن ذلك فإن قتل فعلى قاتله القود ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم} المائدة ( ،89الدية) ،وإن قتل المانع فإلى لعنة الله ،ألنه منع وك��ف��ارة قتل الصيد ف��ي اإلح���رام فيقول الله حقاً ,وهو طائفة باغية ,قال تعالى{ :فإن بغت تعالى{ :أو كفارة إطعام مساكين} المائدة ,95إحداهما على األخرى فقاتلوا التي تبغي حتى وكفارة من يفطر في رمضان لمرض أو شيوخة تفيء إلى أمر الله} الحجرات ،9ويقول ابن وال يستطيع القضاء {طعام مسكين} البقرة حزم أيضاً( :فرض على األغنياء من أهل بلدان
,184وهناك أحكام كثيرة قد دلت على إعانة يقوموا بفقرائهم ،ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ،فيقام لهم مما يأكلون المحتاجين والفقراء. من القوت الذي ال بدَّ منه ،ومن اللباس للصيف تاسع ًا :الحث على العمل وعدم التسول ،يقول والشتاء بمثل ذلك ،وبمسكن يقيهم من المطر النبي [« :إن اش��رف الكسب كسب الرجل والصيف والشمس وعيون المارة). من يده» ،ويقول [« :إلن يأخذ أحدكم حبله وه���ذا (أن���م���وذج) م��ن ال��ق��واع��د اإلسالمية فيحتطب على ظهره فيبيعه خير له من أن يسأل
الناس اعطوه أو منعوه» أما منع التسول ,فيقول للقضاء على الفقر ,ناهيك عن القواعد العديدة فيه [« :ما فتح عبد باب مسألة إال فتح الله من نظام وتشريع اإلسالم ،والكتب االقتصادية عليه باب الفقر ،ومن يستضعف يضعفه الله ،مليئة وفائضة من هذه القواعد وأس القواعد ومن يستغن يغنه الله» ،وقد دعا عمر رضي الله (التكافل االجتماعي). عنه الفقراء إلى العمل وعدم السؤال فقال« :يا
إذاً ،هذا هو المبدأ الصحيح ,فلنكن أنصاره
معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم واتجروا ،فقد وأع��وان��ه ,ون��دع دع��وى الرأسمالية وترهاتها، وضح الطريق ،وال تكونوا عياالً على الناس» ..يقول عز وجل{ :وأن هذا صراطي مستقيماً عاشراً :الحث على إعانة المحتاجين والفقراء .فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله يقول الله تعالى{ :وف��ي أموالهم حق للسائل ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.. *
كلية التربية -جامعة الجوف.
اجلوبة -شتاء 1432هـ 125
تخطيط املدينة املنورة
في العهد النبوي واخلالفة
الراشدة ,دراسة حضارية في ضوء املصادر التاريخية
املؤلف :د .حصة بنت عبيد بن صويان الشمري الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 1427 :هـ 2006 -م يقع الكتاب في ( 344صفحة) ،ويتضمن خمسة فصول ،ومقدمة ،وتمهيداً للدراسة التي قُدمت استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في قسم اآلثار والمتاحف بكلية اآلداب بجامعة الملك سعود بالرياض .وأجيزت بتاريخ 1425/2/17هـ.. يناقش الكتاب الموضوعات المتعلقة بتخطيط المدينة المنورة في العهد النبوي ،منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ،والبدء في بناء المسجد النبوي، والحجرات الشريفة ،وعالقتها بالمسجد النبوي ،وخطط األنصار والمهاجرين. استعرضت المؤلفة نمو المدينة وتطورها في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ..كما تناولت مرافق المدينة المنورة العمرانية كالمنازل ،ومساجد الخطط، والطرقات واألزق��ة ،والمرافق العامة بأنواعها المتعددة .كما استعرضت أثر تخطيط المدينة المنورة على المدن اإلسالمية المبكرة :كالبصرة ،والكوفة ،والفسطاط ،والقيروان، وواسط .وقد احتوى الكتاب على ثبت بأهم المصطلحات الواردة في الدراسة ،إضافة إلى ملحق للخرائط والرسوم التوضيحية. ومؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إذ تقدم هذا الكتاب من تأليف باحثة من بنات الجوف لتأمل في أن يجد فيه الباحث والقارئ – على حد سواء -الفائدة المرجوة. 126اجلوبة -شتاء 1432هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
حماقات السلمون :كتابة العصيان ولواء اجلنون
املؤلف :محمد تنفو الناشر :دار كيوان السورية للطباعة والنشر والتوزيع السنة :الطبعة األولى ،دمشق2010 ،م > أحمد الدمناتي* ال��ك��ت��اب ال����ذي ي��ح��م��ل ع��ن��وان��ا داال «حـماقــات الـ ـ ـسـ ـل ـمـون :كتابة العصيان ولواء الجنون» ،ويصدر ف���ي ط��ب��ع��ة ج��م��ي��ل��ة ف���ي ( )120ص��ف��ح��ة م���ن القطع المتوسط ،تتصدرها لوحة معبرة للفنان المغربي ال���راح���ل ع��ب��اس ص��ل�ادي ،ي��ض��م ب��ي��ن دف��ت��ي��ه إهداء وتقديما أو استهالال للكاتب ،وخمسة مباحث هي على التوالي :في الحج إلى الينابيع/الحج إلى بيت الحكمة، عن تأليه المحبة/تأليه األم ،بصدد إقامة الفوضى الجميلة والسخرية الالذعة/إقامة الحزن على الوطن، عن العري والشر/العمى والحلم (اليد الحالمة والعين الكاتبة) ،في التحريض والسؤال .وعلى سبيل الختم يكتب الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام شهادة عميقة حول الكتاب بعنوان« :قراءة تفتح الحواس» ،يقول فيها على الخصوص «ه��ذه ال��ق��راءة التي ق��ام بها األستاذ الباحث محمد تنفو لديوان «حماقات السلمون» تسير في اتجاه ال��ق��راءة الثقافية؛ فهي قد حلَّلت خطاب ال��ش��اع��ري��ن :محمد بلمو وع��ب��دال��ع��اط��ي جميل من الوجهة الموضوعية ،وجسدت خلفياته ،وكشفت عن انهماماته المركزية ،ووجهت مسار العالقة وطن /قهر
إلى وجهة أخرى محلوم بها ،يكون فيها أبناء الوطن البسطاء س��ع��داء غير مشبوهين ومثيرين للريبة. ومن خالل كل هذا ندرك حكمة الشعر ،وأهميته في إشعارنا بالوجود الحي ،فهو كالغيم محكوم بالتوالد، وما دام الغيم قائما ،فإن األسئلة ستظل قائمة ،ألن كل غيمة لها طفولتها التي تنكتب بها ،وتقاوم بها خناجر السلطات .ويبقى للمتلقي االختيار بين حكمة الشعر وبين لغة السلطات المقنعة». ويختم شهادته بقوله« :عند انتهاء القارئ من هذا العمل سيشعر بالفعل أنه بدأ يهبط إلى وديان الصحو الثقافي ،وبأن ذاته تتحول وتصعد إلى أعالي النور كما الفراش .وسيتعلم منه أن قدر الشاعر هو قلب العالم رأسا على عقب ،فهو مثل الحرية غير قابل للتنازالت والمفاوضات .ونحن في األرض الثالثة نعاني نقصا مهلكا وفتاكا في الحرية والخيال ،فمخيلتنا هي مخيلة قمعية إقصائية تحديدية كما مخيلة السلطة .وال إنقاذ لنا من هذا إال بمثل هذه األعمال التي تفتح الحواس لتعي تعدد األشياء ،وتعلم الفرق بين الحكمة والمعرفة وبين خطابات التقنيع في هذا الزمن المستبد».
اجلوبة -شتاء 1432هـ 127
اإلشعاع الذري ..ودراسة غاز
الرادون مبساكن منطقة اجلوف
املؤلف :أ .د .محمد بن إبراهيم اجلار الله الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 1428 :هـ 2007 -م صدر الكتاب في ( )134صفحة من القطع المتوسط جاءت في بابين: تحدث في الباب األول عن اإلش��ع��اع ال��ذري ويشتمل على ستة فصول :المقدمة تركيب المادة -اإلشعاع ال��ذري ،اإلشعاع الذري الطبيعي ويتحدث فيه عن اإلشعاعالكوني وإشعاع المصادر األرضية واإلشعاع في الجسم.. وتحدث الفصل الخامس عن اإلشعاع المصنع ويتعرض فيه إلى المصادر المصنعة لإلشعاع ثم المصادر الحالية لإلشعاع المصنع .أم��ا الفصل السادس فيتحدث عن االستخدامات السلمية والعسكرية لإلشعاع الذري. وقد خصص الباب الثاني لدراسة غاز الرادون بمساكن منطقة الجوف ،ويشمل ثمانية فصول هي المقدمة – األهداف – التعريف بغاز الرادون -طريقة القياس– الجدول الزمني -نتائج البحث -الخالصة -المصادر ،ثم الترجمة االنجليزية للبحث.
128اجلوبة -شتاء 1432هـ
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية