33-Joba

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 33‬خريف ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫سيرة وإبداع‬ ‫الطبيب والفيلسوف‬ ‫البروفيسور‬ ‫نايف الروضان‬

‫مواجهات‬ ‫دراسات ونقد‬ ‫شعر‬ ‫طالل الطويرقي‬ ‫هشام بنشاوي‬ ‫سليمان العتيق‬ ‫ماهر الرحيلي عالء الدين حسن حسن الزهراني‬ ‫بثينة العيسى‬ ‫موسى البدري إبراهيم الدهون‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الترجمة‪ ..‬جسر بين الثقافات‬ ‫‪33‬‬

‫مبشاركة‪ :‬أحمد عثمان‪ ،‬نوره هادي السعيد‪ ،‬محمد سعيد الريحاني‪،‬‬ ‫مالك اخلالدي‪ ،‬عبدالله الطيب‪ ،‬خلف القرشي‪ ،‬مرسي طاهر‪ ،‬حسن السبع‬

‫‪33‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫من إصدارات اجلوبة‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬

‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬

‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُ ّ‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 624 5992‬فاكس ‪ - 04 426 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 412 5277 - 01 412 5266‬فاكس ‪ - 01 402 2545‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation.org‬‬


‫العدد ‪33‬‬ ‫خريف ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6263455 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.aljoubah.com aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪4 . ....................................................‬‬

‫‪6.......................‬‬ ‫الترجمة‪..‬‬ ‫جسر بني الثقافات‬

‫ملف العدد‪ :‬الترجمة‪ :‬جسر بين الثقافات ‪6 . ..................‬‬

‫دراسات ونقد‪ :‬قلق الهوية ‪ -‬د‪ .‬خالد فهمي ‪44 . .................‬‬ ‫وحب ‪ -‬عَ الء الدِّين حسَ ـن ‪50 . ............‬‬ ‫ٌّ‬ ‫نِزار قبَّاني‪ ..‬شـع ٌر‬ ‫رواية الثوب لطالب الرفاعي ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬صبري مسلم ‪57 . .......‬‬ ‫ال تبيعوا أغصاني للخريف ‪ -‬د‪ .‬إبراهيم الدّهون‪61 . .........‬‬ ‫ديوان الشاعر محمد بنطلحة ‪ -‬عبدالغني فوزي ‪64 . .........‬‬ ‫«ساق الغراب» ليحيى أمقاسم ‪ -‬هشام بنشاوي‪66 ................‬‬

‫قصص قصيرة‪ :‬قصص قصيرة جدا ‪ -‬عبدالله المتقي ‪69 . ...‬‬ ‫تجليد أزرق ‪ -‬محمد صباح الحواصلي ‪71 . ...................‬‬

‫‪50.....................‬‬

‫ذبول وردة ‪ -‬ليلى الحربي ‪72 . .................................‬‬

‫نزار قباني‪ ..‬شعر وحب‬

‫قصة حب واقعية جدا ‪ -‬سعيد أحباط ‪73 . ...................‬‬ ‫قصتان ‪ -‬مريم محمد اللحيد‪75 . .............................‬‬

‫شعر‪ :‬رثاء وأمل ‪ -‬سليمان العتيق ‪76 . .........................‬‬ ‫اسطنبول‪ ..‬والذكريات ‪ -‬ماهر الرحيلي ‪78 . ..................‬‬

‫الجوف ‪ -‬موسى البدري ‪79 . ..................................‬‬

‫‪87.....................‬‬ ‫حوار مع الشاعر حسن الزهراني‬

‫تمتمات الخزامى ‪ -‬حسن الزهراني ‪80 . ......................‬‬

‫مواجهات‪ :‬حوار طالل الطويرقي ‪ -‬عمر بوقاسم‪81 . ..........‬‬ ‫حوار مع الشاعر حسن الزهراني ‪ -‬مصطفى شرف ‪87 . .....‬‬ ‫حوار مع الروائية بثينة العيسى‪ :‬أحمد الدمناتي ‪93 . .........‬‬

‫س��ي��رة وإب�����داع‪ :‬الطبيب وال�ف�ي�ل�س��وف ال�ب��روف�ي�س��ور نايف‬ ‫الروضان ‪ -‬المحرر الثقافي‪98 . ...............................‬‬

‫نوافذ‪ :‬أنسى الحاج والرقمية ‪ -‬السيد نجم‪103 . ................‬‬ ‫فضاء المعنى للصقعبي ‪ -‬سمير الشريف ‪106 . ................‬‬

‫‪98.....................‬‬

‫قصائد من الهايكو الياباني ‪ -‬ترجمة سعيد بوكرامي ‪109 . ....‬‬ ‫رحيل شاكر الشيخ ‪ -‬شمس علي ‪111 . .........................‬‬

‫الطبيب والفيلسوف‬ ‫البروفيسور نايف الروضان‬

‫رحيل خيري شلبي ‪ -‬د‪ .‬محمود خلف الله‪113 . ................‬‬

‫الغالف‪ :‬ل�����وح�����ة وج���������وه وم��ل��ام�����ح‪،‬‬ ‫لألستاذة‪ /‬آمنة الضويحي‪.‬‬

‫قراءات‪122 . .....................................................:‬‬

‫فنانة تشكيلية سعودية من سكاكا باجلوف‪.‬‬

‫م���ال واق���ت���ص���اد‪ :‬ال�ح��وك�م��ة ف��ي ال �م �ص��ارف اإلس�لام �ي��ة ‪-‬‬ ‫د‪ .‬حسين سمحان ‪117 . ...........................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية‪128 . ....................................... :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫يعاني العالم العربي من ظواهر النكوص التنموي والتخلف التقني‬ ‫والعلمي‪ ،‬ومن أبرز نتائج هذا التخلف‪ ،‬تأخر الترجمة‪ ،‬ونقل المعرفة في‬ ‫هذا العالم‪ ،‬وال��ذي بقي يعاني رغم ازدي��اد وتيرة التقدم العلمي وتسارع‬ ‫االكتشافات في الدول المحيطة‪ ،‬حيث أصبحت الترجمة ضرورة ملحة‬ ‫تحشد ال��دول من أجلها الطاقات واإلمكانات‪ ،‬لتعزيز نفوذها القومي‪،‬‬ ‫والحفاظ على كيانها اللغوي وهويتها‪.‬‬ ‫وبالرغم من ب��روز ظاهرة العولمة‪ ،‬وتحول العالم إل��ى قرية صغيرة‪،‬‬ ‫وسهولة الحصول على المعلومات نتيجة االنفجار المعرفي والتقني‪ ،‬إال أن‬ ‫حركة الترجمة من اللغات األجنبية إلى اللغة العربية بقيت دون المأمول‪،‬‬ ‫رغم مضي عقود طويلة من سنوات النهضة العربية‪ ،‬نتيجة للفشل الذي‬ ‫مثلته السياسات الحكومية للدول العربية في مختلف مناحي الحياة‪،‬‬ ‫بالرغم من أن األدبيات الثقافية ألمتنا وأولها القرآن الكريم‪ ،‬والحضارة‬ ‫العربية القديمة كانت تحض على القراءة وطلب العلم ومخاطبة الناس‬ ‫بلغاتهم!‬ ‫وتختزن الذاكرة دار الحكمة في بغداد ومركز الترجمة فيها‪ ،‬حيث بقيت‬ ‫دار الحكمة تشع على الشرق اإلسالمي بالمعرفة والعلوم المترجمة‪ ،‬حيث‬ ‫كان الخليفة المأمون ومن بعده يخصصون األعطيات المجزية للمترجمين‬ ‫والعلماء في دار الحكمة وغيرها تشجيعا لهم على عملهم‪ ،‬حتى اجتاح‬ ‫المغول بغداد سنة (‪656‬هـ‪1258/‬م)‪ ،‬ليعيش العالم العربي بعدها نكوصا‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫في مجال الترجمة‪ ،‬وبقيت تجربة دار الحكمة المثخنة بالنكوص في حديث الترجمة ونقل‬ ‫تجربة فريدة لم تتكرر منذ ذلك الحين‪ ،‬حتى المعرفة‪.‬‬ ‫بروز جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة‬ ‫وبالرغم من ال�ص��ورة المعتمة للترجمة‪،‬‬ ‫ال �ت��ي تعتبر ال �ي��وم أك �ب��ر وأض �خ��م ال�ج��وائ��ز حيث يغيب االهتمام الرسمي إلى حد كبير‪،‬‬ ‫العالمية في ميدان الترجمة حسب ما صرح‬ ‫إال أن ج �ه��ود المترجمين ال��ذات �ي��ة تضيء‬ ‫به وزير التعليم العالي‪ ،‬إضافة إلى ما يرافقها‬ ‫الجانب اآلخ��ر للصورة‪ ،‬حيث يقوم العديد‬ ‫من احتفالية باذخة تعطي للفائزين بها مكانة‬ ‫من المترجمين العرب بجهود مضنية لتقديم‬ ‫عالمية مرموقة‪ ،‬حيث يتم اإلعالن عن أسماء‬ ‫ترجمات تليق ب��ال�ق��راء ال�ع��رب وم��ن ه��ؤالء‪:‬‬ ‫الفائزين بها في مهرجان الجنادرية‪ ،‬ثم يتم‬ ‫صالح علماني‪-‬كامل يوسف إدريس ‪ -‬أحمد‬ ‫تسليم ج��وائ��زه��ا الح�ق��ا ف��ي مقر المنظمة‬ ‫الصمّعي ‪ -‬إلياس فركوح ‪ -‬م��اري ط��وق ‪-‬‬ ‫العالمية للثقافة والتربية والعلوم – اليونيسكو‬ ‫ي��وس��ف عبدالفتاح ف��رج ‪ -‬أس��ام��ه أس�ب��ر ‪-‬‬ ‫ بباريس سنويا‪ ،‬برعاية واهتمام من خادم‬‫سهيل نجم ‪ -‬سكينة إبراهيم ‪ -‬الراحل سهيل‬ ‫الحرمين الشريفين وح�ض��ور سمو األمير‬ ‫إدري��س ‪ -‬عبدالقادر عبدلّي ‪ -‬محمد علي‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب‬ ‫اليوسفي ‪ -‬سامي خشبة ‪ -‬سامي الموصلي‬ ‫وزي��ر الخارجية وعضو مجلس إدارة مكتبة‬ ‫ مصطفى ه��اش��م ‪ -‬عبدالكريم ناصيف‬‫ال�م�ل��ك ع�ب��دال�ع��زي��ز ال�ع��ام��ة ورئ �ي��س مجلس‬ ‫ الراحل بسام حجار ‪ -‬أسامة منزلجي ‪-‬‬‫أم�ن��اء ال�ج��ائ��زة‪ ،‬وتتأكد أهمية الجائزة من‬ ‫صالح نيازي ‪ -‬كاظم جهاد ‪ -‬عفيف دمشقية‬ ‫تحفيزها للباحثين والعلماء لترجمة مختلف‬ ‫ طلعت شاهين – حمد العيسى‪.‬‬‫أشكال الثقافة والعلوم الجديدة‪ ،‬إذا ما علمنا‬ ‫ومن األهمية بمكان أن تنشأ حركة ترجمة‬ ‫حالة الفقر الذي تعيشه المكتبة العربية في‬ ‫الترجمة‪ ..‬ففي بلد كالمملكة وط��وال (‪ )75‬واسعة في المملكة وفي العالم العربي بشكل‬ ‫سنة من عمر المملكة العربية السعودية؛ أي ع��ام‪ ،‬يتم دعمها وتوفير جميع اإلمكانات‬ ‫من عام ‪1930‬م إلى عام ‪2005‬م‪ ،‬لم يترجم الحكومية وال �خ��اص��ة ل �ه��ا‪ ،‬ل�ل�ح��اق بالركب‬ ‫س��وى (‪ )1260‬ك�ت��اب حسب دراس ��ة بحثية العلمي والثقافي العالمي لجبر الهوة الثقافية‬ ‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬بينما تترجم دولة والعلمية التي يعيشها عالمنا العربي‪ ..‬ولهذا‬ ‫واح��دة في االتحاد األورب��ي أكثر من عشرة ت�خ�ص��ص ال �ج��وب��ة م�ل��ف ه ��ذا ال �ع��دد ل��رؤى‬ ‫أالف كتاب سنويا‪ ،‬ومن هنا يتوقع أن تضيف وأفكار عدد من المهتمين والمختصين في‬ ‫هذه الجائزة العالمية باستفزازها لمختلف مجاالت الترجمة‪ ،‬إدراكا منها لدور الترجمة‬ ‫الطاقات في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية وأهميته في تقدم األمم اليوم‪ ،‬وتواصال مع‬ ‫والثقافية‪ ،‬أالف العناوين المترجمة سنويا‪ ،‬ال��دور ال��ذي تقوم به جائزة خ��ادم الحرمين‬ ‫حيث يؤمل أن تتجاوز بلداننا العربية سنواتها الشريفين الدولية للترجمة‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫الترجمة‪..‬‬

‫جسر بني الثقافات‬ ‫> إعداد‪ :‬محمود عبدالله الرمحي‬

‫تعد الترجمة من اللغة العربية وإليها واحدة من أهم قضايانا الثقافية المعاصرة‪،‬‬ ‫وهي أداة رئيسة في تفعيل االتصال ونقل المعرفة‪ ،‬وإث��راء التبادل الفكري‪ ،‬ورفد‬ ‫لفهم التجارب اإلنسانية واإلفادة منها‪ .‬والمتتبع لحركة الترجمة في البالد العربية‬ ‫يلحظ ‪ -‬مع األسف ‪ -‬أنها لم تحظ باالهتمام الذي تستحقه‪ ،‬إضافة إلى التراجع‬ ‫الكبير في األعمال المترجمة‪.‬‬ ‫ومن المؤسف حقا أن كافة اإلح��ص��اءات تشير إلى ذلك التراجع في عالمنا‬ ‫العربي مقارنة باآلخرين‪ ،‬وبما كنا عليه في سابق عهدنا عبر تاريخنا الحضاري‪..‬‬ ‫وقد بدا ذلك جليا خالل القرن الماضي‪ ،‬رغم العديد من المحاوالت الفردية‬ ‫والرسمية‪ ،‬ومنها مشروع األلف كتاب في مصر‪ ،‬ومشروع وزارة اإلعالم الكويتية في‬ ‫ترجمة المسرح العالمي‪ ..‬وغيرهما‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ورغم أهمية تلك املجهودات واملبادرات‪ ..‬إال‬ ‫أنها ل��م تسد احل��اج��ة الفعلية بقدر م��ا حققت‬ ‫ح��اج��ة م��رح�ل�ي��ة‪ ،‬وس���دت ج� ��زءاً م��ن ف���راغ في‬ ‫مكتباتنا‪ .‬وإذا كانت اليابان ‪-‬وهي دولة واحدة‪-‬‬ ‫وإدراكا منها ألهمية الترجمة ودورها في ثقافة‬ ‫الشعوب‪ ،‬تقوم بترجمة مئات الكتب يوميا من‬ ‫مختلف اللغات إلى اللغة اليابانية‪ ..‬فمن املفترض‬ ‫أن تترجم آالف الكتب إلى العربية يوميا في كل‬ ‫األقطار العربية‪ ،‬ولديها ما لديها من اإلمكانات‬ ‫املادية والبشرية ما يؤهلها لذلك‪ ..‬وبخاصة أن‬ ‫اللغة العربية ال ميكن مقارنتها بأي لغة أخرى؛‬

‫كونها أهم مقومات الوحدة العربية‪ ،‬ووعاء الدين‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ومكمن اإلعجاز فيه‪،‬‬ ‫‪ ‬وان� �ط�ل�اق� �اً م���ن رؤي� � ��ة خ� � ��ادم احل��رم�ي�ن‬ ‫الشريفني امللك عبدالله بن عبدالعزيز ‪ -‬حفظه‬ ‫الله – ألهمية الترجمة‪ ،‬والدعوة إلى مد جسور‬ ‫التواصل الثقافي بني الشعوب‪ ،‬وتفعيل االتصال‬ ‫املعرفي بني احل �ض��ارات‪ ،‬فقد ص��درت موافقة‬ ‫مجلس إدارة مكتبة امل�ل��ك عبدالعزيز العامة‬ ‫بإنشاء جائزة عاملية للترجمة‪ ،‬حتمل اسم «جائزة‬ ‫خادم احلرمني الشريفني عبدالله بن عبدالعزيز‬ ‫العاملية للترجمة»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫جائزة خادم احلرمني الشريفني‬

‫عبدالله بن عبدالعزيز العاملية للترجمة‬ ‫رسالة الجائزة‬

‫انطالقاً من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬في الدعوة‬ ‫إلى مد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب وتفعيل االتصال المعرفي بين الحضارات‪ ،‬صدرت موافقة‬ ‫مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة بإنشاء جائزة عالمية للترجمة تحمل اسم «جائزة خادم‬ ‫الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة»؛ تكريماً للتميز في النقل من اللغة العربية‬ ‫وإليها‪ ،‬واحتفاء بالمترجمين‪ ،‬وتشجيعاً للجهود المبذولة في خدمة الترجمة‪ .‬وتسعى الجائزة ‪ -‬مستعينة‬ ‫برؤى خادم الحرمين الشريفين‪ -‬إلى الدعوة إلى التواصل الفكري والحوار المعرفي والثقافي بين األمم‪،‬‬ ‫وإلى التقريب بين الشعوب‪ ،‬حيث أن الترجمة تعد أداة رئيسة في تفعيل االتصال ونقل المعرفة‪ ،‬وإثراء‬ ‫التبادل الفكري‪ ،‬وما لذلك من تأصيل لثقافة الحوار‪ ،‬وترسيخ لمبادئ التفاهم والعيش المشترك‪ ،‬ورفد‬ ‫لفهم التجارب اإلنسانية واإلفادة منها‪ .‬وتتخطى جائزة خادم الحرمين الشريفين بعالميتها كل الحواجز‬ ‫اللغوية والحدود الجغرافية‪ ،‬موصلة رسالة معرفية وإنسانية‪ ،‬ومسهمة في تحقيق أهداف سامية مرومة‬ ‫احتضنتها مملكة اإلنسانية‪ ،‬وترجمتها جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز‬ ‫ومبادراته الراعية للسالم والداعية للحوار والتآخي بين األمم‪.‬‬

‫نشأة الجائزة‬ ‫صدرت موافقة مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بإنشاء جائزة عالمية للترجمة من اللغة‬ ‫العربية وإليها باسم جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في التاسع‬ ‫من شوال عام ‪1427‬هـ الموافق ‪ 31‬أكتوبر ‪2006‬م‪ ،‬ومقرها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض‪ ،‬وهي‬ ‫جائزة تقديرية عالمية تمنح سنوياً لألعمال المتميزة‪ ،‬والجهود البارزة في مجال الترجمة‪.‬‬

‫أهداف الجائزة‬ ‫‪ -1‬اإلسهام في نقل المعرفة من اللــغات األخرى إلى الــلغة العربية‪ ،‬ومن اللغة العربية إلى اللغات‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫‪ -2‬تشجيع الترجمة في مجال العلوم إلى اللغة العربية‪.‬‬ ‫‪ -3‬إثراء المكتبة العربية بنشر أعمال الترجمة المميزة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تكريم المــؤسسات والـــهيئات التي أسـهمت بجـــهود بارزة في نقل األعمال العلمية من اللغة العربية‬ ‫وإليها‪.‬‬ ‫‪ -5‬النهوض بمستوى الترجمة وفق أسس مبنية على األصالة والقيمة العلمية وجودة النص‪.‬‬ ‫ويرأس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة‪ :‬صاحب‬ ‫السمو الملكي األمير‪ /‬عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز‪ ،‬نائب وزير الخارجية‪ ،‬عضو مجلس إدارة‬ ‫المكتبة‪.‬‬


‫ال‬

‫> ترجمة‪ :‬أحمد عثمان‪ -‬مصر‬ ‫شهرة‪ ،‬الكتابة الهيروغليفية التي حل شامبوليون‬ ‫(‪)1‬‬ ‫رموزها في بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬بفضل‬ ‫تحتل الترجمة في الفكر والثقافة العربيين‬ ‫الترجمة اإلغريقية‪ .‬وم��ن دون ه��ذه االستعانة‬ ‫مكانة متفردة منذ فجر العصر العربي‪-‬اإلسالمي‬ ‫الباهرة بالترجمة‪ ،‬فإن كثيراً من الكتابات التي‬ ‫الذي غطى أكثر من مرحلة‪ ،‬أسماها المؤرخون‬ ‫لم تحل رموزها بعد‪-‬مثل كتابة اإلنكا (حضارة‬ ‫العصور الوسطى‪ ،‬التي بلغت ألف عام تقريبا‪.‬‬ ‫بيرو)‪ -‬ظلَّ حروفا ميتة‪.‬‬ ‫ق� ��ام ه� ��ذا ال� �ن� �ش ��اط‪ ،‬ال �ك �ث �ي��ف ع��ل��ى وج��ه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ال �خ �ص��وص‪ ،‬ت �ح��دي��دا خ�ل�ال ال �ق��رن �ي��ن ال�ث��ام��ن‬ ‫والتاسع الميالديين‪ ،‬ب��دور رائ��د في المحافظة‬ ‫دعا النبي [ إلى مخاطبة الناس بألسنتهم‪،‬‬ ‫على نتاج الثقافة القديمة‪ ،‬اإلغريقية تحديدا‪ ،‬ومع الوقت‪ ،‬أصبح قوله نموذجا يحتذى به‪ .‬يبين‬ ‫ونقل هذه الثقافة من الشرق إلى الغرب‪ ،‬وقد التقليد بدقة أن النبي [ ك��ان يقابل مندوبي‬ ‫أسهمت هذه الثقافة بصورة أساسية في تكوين القبائل ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ال�ق��ادم�ي��ن ليغترفوا م��ن نبع‬ ‫«عصر النهضة» في أوروبا‪ ،‬وبتعبير أكثر دقة في الرسالة اإللهية الجديدة‪ ،‬بلغاتهم (لهجاتهم)‪.‬‬ ‫تطور الحضارة الكوكبية الحديثة‪.‬‬ ‫وإلى جانب اللهجات العربية‪ ،‬يُضاف اختالف‬ ‫ه��و ذا ن�ش��اط ي��ؤس��س‪ ،‬ف��ي ال��واق��ع‪ ،‬التطور‬ ‫ال�م�ش�ه��دي ل�ن�ش��اط غ��اي��ة ف��ي ال �ق��دم‪ ،‬م�م��ارس‬ ‫طبيعيا وعفويا‪ ،‬لتسهيل االتصاالت والتواصل‬ ‫بين الشعوب وال��دول في زم��ن السالم كما في‬ ‫زمن الحرب‪.‬‬ ‫النقوش الثنائية اللغة أو حتى الرباعية اللغة‪،‬‬ ‫الراجعة إلى العصور القديمة‪ ،‬شاهدة في كافة‬ ‫دول ال �ش��رق األوس���ط‪ ،‬وبفضلها ت��م ح��ل رم��وز‬ ‫كثير م��ن ال�ك�ت��اب��ات ال�غ��ام�ض��ة‪ .‬وال�م�ث��ال األكثر‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الترجمة في التقاليد العربية‪ ..‬الطيب بكوش‬

‫لغات الشعوب األخ��رى التي اعتنقت اإلس�لام‬ ‫حديثا‪ ،‬وتحديدا الفرس الذين عرفوا حضارة‬ ‫المعة ثرية بمختلف إسهاماتها الثقافية‪ ،‬ومن‬ ‫ضمنها الحضارة اإلغريقية منذ عصر اإلسكندر‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وحتى الهندية (كانوا يدرسون في جنديشابور‬ ‫العلوم الهندية واإلغريقية)‪ .‬وهكذا ترجم مفكر‬ ‫عربي‪-‬فارسي «ابن المقفع» (القرن الثامن عشر‬ ‫الميالدي)‪ ،‬حكايات هندية خرافية من الفارسية‬ ‫إلى العربية‪ ،‬وأطلق عليها اسم «كليلة ودمنة» كما‬ ‫ترجم «الشاهنامة»(‪.)2‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫بعد مرحلة من التذبذب والتردد في حركة‬ ‫ال�ت��رج�م��ة‪ ،‬زم��ن الخليفة ال�ث��ان��ي ع�م��ر (ال�ق��رن‬ ‫ال�س��اب��ع ال �م �ي�لادي)‪ ،‬ال �م �ح��ددة ف��ي ال�م�ج��االت‬ ‫التطبيقية (اإلدارة)‪ ،‬ج��رت بعض ال�م�ب��ادرات‬ ‫الفردية‪ ،‬قام بها بعض من غير العرب‪ ،‬غير أنه‬ ‫سرعان ما لحقتها سياسات حقيقية للترجمة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫ترتكن على أهل الذمة الذين اختار الخلفاء من على اعتبار أنه المعلم الثاني‪.‬‬ ‫بينهم أطباءهم وبعض كبار موظفيهم‪ .‬وكان أول‬ ‫(‪)6‬‬ ‫كتاب تُرجم إلى العربية‪ -‬زمن األمويين‪ -‬كتاباً‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ورث هذا التقليد العربي‪-‬اإلسالمي‬ ‫فارسياً عن الطب‪.‬‬ ‫تقليدا يهوديا‪-‬مسيحيا‪ .‬في ذاك الوقت‪ ،‬كانت‬ ‫(‪)4‬‬ ‫هناك م��دارس ترجمة حقيقية‪ .‬من الممكن أن‬ ‫بيد أن نشاط الترجمة لم يعرف أي انطالقة نذكر المدرسة النسطورية السيريانية بنصيب‪..‬‬ ‫جديرة باالهتمام‪ ،‬إال إبّان العصر العباسي في التي تترجم على وجه الخصوص عن اليونانية‬ ‫بغداد‪ ،‬من خالل الفرس‪ ،‬وبخاصة تحت رعاية مباشرة‪ .‬والمدرسة اليعقوبية السيريانية في‬ ‫كيسيرين (سوريا)‪ ،‬ومدرسة الصابئة في حران‬ ‫الخليفة ال�م��أم��ون ال��ذي أس��س بيت الحكمة‪..‬‬ ‫«هيلينوبوليس»(‪ .)5‬وكانت العالقات بين اإلغريق‬ ‫واستمال المترجمين إليه‪ ،‬في المجالين العلمي‬ ‫والسيريانيين وثيقة‪ ،‬إذ أن الكنيسة الشرقية‬ ‫والفلسفي‪ .‬وي�ق��ال إن��ه ك��ان يكافئ المترجمين‬ ‫تستخدم اللغتين‪.‬‬ ‫وز َن ما يترجمونه ذهبا‪ .‬عائالت حقيقية عرفت‬ ‫إذاً‪ ،‬لم يكن تصور المدرسة غريبا عن التقليد‬ ‫طريق الشهرة(‪.)3‬‬ ‫العربي‪ ،‬محتواها فقط هو الذي تبدل‪ .‬لم تكن‬ ‫كان المنطق اإلغريقي يعرب في بادئ األمر ال �م��دارس العربية متخصصة ف��ي ال�ل�غ��ات‪ ،‬أو‬ ‫بدءا من الفارسية‪ ،‬ثم السيريانية قبل أن يترجم في المجاالت النوعية‪ ،‬وإنما تميزت بمقاربتها‬ ‫مباشرة من اليونانية‪.‬‬ ‫المنهج المستخدم في الترجمة‪.‬‬ ‫وأصبحت الترجمة‪ ،‬بالتالي‪ ،‬مهنة حقيقية‬ ‫ت�م��ارس ف��ردي��ا‪ ،‬وحتى ضمن فريق عمل‪ .‬أحد‬ ‫تبلورت مدرستان‪ ،‬كل واح��دة منهما‪ ،‬حسب‬ ‫أب��رز ه��ؤالء المترجمين‪« ،‬حنين بن إس�ح��ق»(‪،)4‬‬ ‫ال �ص �ف��دي(‪ ،)6‬ت��رج��ع إل��ى معلم لقحها بمنهجه‬ ‫الملقب «بمعلم المترجمين في اإلس�لام»‪ ،‬الذي‬ ‫الشخصي‪:‬‬ ‫هيمنت م��درس �ت��ه ع�ل��ى ال �س��اح��ة ط ��وال ال�ق��رن‬ ‫المنهج األول‪ ،‬منهج «يوحنا بن البطريق»(‪،)7‬‬‫التاسع الميالدي‪ ،‬وتَرجمت غالبي َة النصوص عن‬ ‫«ابن ناعمة»(‪ )8‬وغيرهما‪ ،‬تتأسس على النظر إلى‬ ‫اليونانية‪.‬‬ ‫معنى كل كلمة يونانية بصورة منفردة‪ ،‬وبمعزل‬ ‫(‪)5‬‬ ‫عن بقية الكلمات‪ ،‬واقتراح كلمة عربية مقابلة‪،‬‬ ‫من الممكن أن نقول إذاً‪ ،‬إن الترجمة مرت وهكذا حتى نهاية النص المراد ترجمته‪.‬‬

‫(‪)7‬‬

‫وي�ن�ت�ق��د ال �ص �ف��دي ه ��ذا ال�م�ن�ه��ج ال�م�ت��واض��ع‬ ‫ب�م��رح�ل�ت�ي��ن ك �ب �ي��رت �ي��ن‪ :‬م��رح �ل��ة ال �ت��رج �م��ة غير‬ ‫المباشرة‪ ،‬إذ كانت الفارسية واليونانية هما لسببين‪:‬‬ ‫الوسيط‪ ،‬ثم مرحلة تمت ترجمة الكتب المكتوبة‬ ‫أ – ال ي��وج��د ف��ي العربية معنى ي �ع��ادل كل‬ ‫بالسنسكريتية واليونانية للعربية مباشرة‪ ،‬ومن الكلمات اليونانية‪ ،‬ما جعله يلجأ إلى االستعارة‬ ‫دون لغة وسيطة‪.‬‬ ‫من اليونانية‪.‬‬ ‫وك ��ان االه �ت �م��ام مُنصبا ع�ل��ى ال��ري��اض�ي��ات‪،‬‬ ‫ب – يتعلق السبب الثاني بالنوعيات التركيبية‬ ‫والفلك‪ ،‬وال�ط��ب‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬إذ ك��ان ينظر إلى ال�ت��ي ت�ك��ون ب�ن��اء الجملة‪ ،‬ال�ع�لاق��ات اإلسنادية‬ ‫أرسطو بوصفه المعلم األول‪ ،‬وشارحه الفارابي وال��وظ��ائ��ف االس�ت�ع��اري��ة غير متطابقة ف��ي كل‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫المنهج الثاني‪ ،‬منهج «حنين‬‫ب���ن إس � �ح� ��ق»‪« ،‬ال � �ج� ��وه� ��ري»‬ ‫وغيرهما‪ ،‬يعمل على التعامل مع‬ ‫الجملة ككل‪ ،‬النظر إلى معناها‬ ‫ال�ش��ام��ل‪ ..‬ث��م ترجمتها كليا من‬ ‫دون األخذ في الحسبان الكلمات‬ ‫المنفردة‪.‬‬

‫(‪)9‬‬

‫وع ّد الصفدي هذا المنهج هو‬ ‫األفضل‪ ،‬وهذا ما يفسر‪ ،‬حسب‬ ‫وجهة نظره‪ ،‬أن ترجمات «حنين‬ ‫بن إسحق» ال يلزمها إعادة صياغة‬ ‫سوى في العلوم الرياضية‪ ،‬حيث‬ ‫كان أقل كفاءة عن العلوم الطبية‬ ‫أو المنطق(‪.)10‬‬

‫(‪)8‬‬ ‫م��ع نهاية العصور الوسطى‪،‬‬ ‫توقفت حركة الترجمة إل��ى حد‬ ‫ك� �ب� �ي ��ر(‪ .)11‬وه��ن��ا ن �ح �ي��ا ظ��اه��رة‬ ‫ج ��دي ��دة ل �ل �م �ح �م��ول ال �ت��اري �خ��ي‬ ‫ال �ك �ب �ي��ر‪ .‬أَن � �ش � �أَت ال �ت��رج �م��ات‬ ‫المتراكمة بالعربية وشروحها‪،‬‬ ‫والنتاجات التي تفرعت عنها‪..‬‬ ‫تُتَرجم بدورها في أوروبا‪ ،‬بداية‬ ‫عبر وسيط اللغة الالتينية‪ ،‬ثم‬ ‫إل ��ى ال �ل �غ��ات ال�م�ح�ل�ي��ة‪ .‬م��درس��ة‬ ‫طليطلة‪-‬كمثال‪ -‬قامت بدور مهم‬ ‫للغاية‪ ،‬ب ��دءاً م��ن ال �ق��رن الثاني‬ ‫عشر الميالدي‪.‬‬

‫(‪)9‬‬ ‫ب��ال �ت��أك �ي��د‪ ،‬ك��ان��ت ال�ص��دم��ة‬ ‫األول � � � � ��ى ع� �س� �ك ��ري ��ة (غ � � ��زوة‬ ‫ب��ون��اب��رت)‪ ،‬وال�ف��ائ��دة ترجع في‬ ‫المقام األول إل��ى الترجمة في‬ ‫خدمة الجيش‪ ،‬وكانت المدارس‬ ‫ال�ح��دي�ث��ة األول� ��ى‪ ،‬ف��ي ال��واق��ع‪،‬‬ ‫م��دارس عسكرية (مثل مدرسة‬ ‫باردو في تونس)‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫اللغات‪.‬‬

‫ستكون من أهم مظاهر الترجمة‬ ‫الجديدة‪.‬‬

‫ش� �ه ��دت م� ��درس� ��ة األل� �س ��ن‬ ‫م��ول��ده��ا ف��ي م�ص��ر‪ ،‬لكي تقوم‬ ‫بتكوين المترجمين‪ ،‬ب ��دءا من‬ ‫الفرنسية بشكل خاص‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال النصف ال�ث��ان��ي من‬ ‫ال�ق��رن العشرين‪ ،‬عرفت لبنان‬ ‫مكثف في خدمة‬ ‫ٍ‬ ‫ترجمة‬ ‫ٍ‬ ‫نشاط‬ ‫َ‬ ‫ال�ص�ح��اف��ة وال�ت�ع�ل�ي��م‪ .‬ف��ي ه��ذا‬ ‫المجال األخير‪ ،‬نوهت الجامعة‬ ‫اآلن �ج �ل��و‪-‬أم �ي��رك �ي��ة ب��ال�ت��رج�م��ة‬ ‫العلمية والجامعة الفرنكفونية‪،‬‬ ‫سان‪-‬جوزيف‪ ،‬بالترجمة الدينية‬ ‫واألدبية‪.‬‬ ‫وفي لبنان‪ ،‬ظهرت نخبة من‬ ‫المترجمين المكونين بصورة‬ ‫مثلى في الغرب‪.‬‬

‫إل � � ��ى ج� ��ان� ��ب ال� �ف ��رن� �س� �ي ��ة‬ ‫واإلن � �ج � �ل � �ي� ��زي� ��ة‪ ،‬اس��ت��خ��دم��ت‬ ‫اللغة اإلي�ط��ال�ي��ة وق �ت��ذاك بقوة‬ ‫بدأت انطالقة أوروبا ونزعتها‬ ‫ف��ي ال�ب�ح��ر ال�م�ت��وس��ط‪ ،‬لفائدة‬ ‫التوسعية في العالم العربي مع‬ ‫وصول فيالق نابليون بونابرت إلى مصر(‪ ،)12‬التي المبادالت التجارية النشطة مع إيطاليا‪.‬‬ ‫أنتجت صدمة معتبرة بحق‪ ..‬مثل صدمة األداة‬ ‫غير أن اللغة العربية‪ ،‬التي ركدت وتراجعت‬ ‫التي تفصل بين قسمي اآللة في بداية حركات تحت السيطرة العثمانية‪ ،‬عرفت تطورا جديدا‬ ‫النهضة في القرن التاسع عشر‪ ،‬وشكلت حركة بفضل الترجمة عن اللغات األوروبية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪11‬‬


‫وق� � �ت � ��ذاك‪ ،‬ت �م��وض��ع‬ ‫ن� � �ق � ��اش ح� � � ��يّ ق� �ب ��ال ��ة‬ ‫المثقفين المنزعجين‬ ‫م��ن ال �ت��راج��ع ال�م�ت��راك��م‬ ‫للغة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬فطالبوا‬ ‫بتشجيع الكالم بها كلغة‬ ‫رس�م�ي��ة‪ ،‬ع�ل��ى غ ��رار ما‬ ‫فعلته أوروبا خالل عصر‬ ‫ال��ن��ه��ض��ة‪ ،‬وه� ��م أي �ض��ا‬ ‫من ق��ووا مكانتهم‪ ،‬بارتباطهم بالبعد المقدس‬ ‫والتوحيدي للعربية الفصحى‪ ،‬عبر آثار الترجمة‬ ‫وتجديد حيويتها‪.‬‬

‫مرحلة من مراحل تاريخ‬ ‫الحضارات القائمة‪.‬‬ ‫ف ��ي ه� ��ذه ال �ل �م �ح��ة‪،‬‬ ‫م��ن الممكن أن نطرح‬ ‫س � � ��ؤاال‪ :‬ل � �م� ��اذا ك��ان��ت‬ ‫الترجمة عامال محددا‬ ‫في إشعاعات الحضارة‬ ‫العربية‪-‬اإلسالمية‪ ..‬ثم‬ ‫ف��ي ال�ح�ض��ارة األوروب �ي��ة‬ ‫خ�لال العصور الحديثة؟ ول�م��اذا لم تكن كافية‬ ‫حتى يتم بلوغ نهضة عربية منذ القرن التاسع‬ ‫عشر الميالدي؟‬

‫في الحالتين األوليتين‪ ،‬من الضروري أن يتعلق‬ ‫(‪)10‬‬ ‫األم��ر بترجمة المنتوج الكامل لحضارة م��ا‪ ،‬كفت‬ ‫ه��ذه ال �ق��راءة السريعة لتطور الترجمة إلى‬ ‫عن التطور من خالل اإلبداع المتواصل‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫العربية‪ ،‬يمنحنا فكرة المكانة الجوهرية التي‬ ‫وبدوره‪ ،‬من الالزم دمج هذا المنتوج واستغالله في‬ ‫احتلتها في تطور الثقافة والحضارة العربية‪-‬‬ ‫حركة التجاوز واإلبداع‪.‬‬ ‫اإلس�ل�ام� �ي ��ة خ �ل�ال ال �ع �ص��ور ال��وس �ط��ى ك�ل�ه��ا‪،‬‬ ‫في الحالة األخيرة‪ ،‬تثب الترجمة على منتوج نافذ‬ ‫وبالتحديد في االتصال والنقل الثقافي كما في‬ ‫ومنتشر‪ ،‬يتطور ويتقدم بإيقاع أكثر سرعة عن إيقاع‬ ‫مولد وإحياء الحضارات‪.‬‬ ‫الترجمة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬هذه الحركة التحديثية‪،‬‬ ‫ال ي �ت �ب �ق��ى ل �ن��ا إال أن ن� �ع ��رف ال �م �س��اه �م��ة‬ ‫التي بدأت أوائل القرن العشرين‪ ،‬على وجه التحديد‬ ‫المحفوظة للكلمة التي يستخدمها العرب للتعبير‬ ‫ف��ي مصر وس��وري��ا ولبنان وت��ون��س‪ ،‬شهدت وثبتها‬ ‫على الترجمة لإلمساك لغويا بهذا البعد‪:‬‬ ‫تحطماً من قبل الكولونيالية التي أحلت الفرنسية‬ ‫الجذر الخاص بكلمة «ترجمة» في العربية واإلنجليزية محل العربية‪ ،‬وأصبحتا لغتين ناقلتين‪،‬‬ ‫مشتق من ج��ذر «ت��رج��م»‪ ،‬المأخوذ من اللفظة في مجالي الثقافة والتعليم‪ .‬وهنا‪ ،‬فقدت الحاجة‬ ‫المستعارة عن اآلرام�ي��ة «ترجمونو» التي تعين إلى الترجمة وجهودها حدتها األساسية‪.‬‬ ‫«ترجمان» (مترجم)‪ ،‬وهي لفظة عتيقة‪ ،‬بيد أنها‬ ‫لم تتوصل «حركات التحرر القومية» إلى حل‬ ‫لم تزل محل استعمال‪.‬‬ ‫هذه المعادلة‪ ،‬إلى التأكيد على االزدهار الحقيقي‪،‬‬ ‫هذه الصيغة هي التي منحت الصور المختلفة والتطور الكامل لضمان خ��روج الشعوب العربية‬ ‫للكلمة التي نقابلها في النصوص األوروبية‪ ،‬على م��ن م��رح �ل��ة ال� ��دول ال �س��ائ��رة ع �ل��ى ط��ري��ق النمو‬ ‫وجه الخصوص الصيغتان‪« :‬ترجمان» ‪ Drogman‬و االقتصادي‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬ ‫‪ Dragoman‬مثل الكلمة الفرنسية لها ‪Truchement‬‬ ‫ظهرت الترجمة في هذه الحالة كظرف ضروري‪،‬‬ ‫ال��ذي يحفظ أح��د المعاني األكثر قدما لمعرفة وإنما غير كاف‪ ..‬ألنها عامل مساعد لدى الحضارات‬ ‫«الوسيط»‪ .‬يشهد بقاء هذه الكلمات على كثافة الناشئة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬امتلكت الترجمة وظيفة الربط‬ ‫االت�ص��االت الثقافية التي شجعتها الترجمة في بين الشرق والغرب من ناحية أولى‪ ،‬وبين العصور‬ ‫كافة المجاالت واإلس�ه��ام��ات المهيمنة‪ ،‬ف��ي كل القديمة واألزمنة الحديثة من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫(‪ )1‬‬ ‫(‪ )2‬‬

‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬

‫(‪ )5‬‬

‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫(*) ‬

‫‪Taïeb Baccouche, La traduction dans la‬‬ ‫‪tradition arabe, Meta: Translators Journal,‬‬ ‫‪.vol 45, nr. 3, 2000, p.395-399‬‬ ‫جنديشابور‪ ،‬مدينة فارسية‪ ،‬كان الشاه الساساني شهبور‬ ‫األول يجمع فيها األسرى اإلغريق‪ .‬تمثل مركزا ثقافيا مهماً‪،‬‬ ‫وأثرت في النشاط الثقافي والعلمي (الطبي تحديدا)‪.‬‬ ‫ترجم ابن المقفع سيرة ملوك إي��ران في كتاب عرف بـ‬ ‫«ال��ش��اه��ن��ام��ة» (ك��ت��اب ال��م��ل��وك)‪ ،‬وف �ق��دت ه��ذه الترجمة‪،‬‬ ‫وهي على األرجح غير “شاهنامة” الفردوسي‪ ،‬الشهيرة‪.‬‬ ‫(المترجم)‬ ‫نذكر آل بختيشوع‪ ،‬عائلة من األطباء من جنديشابور‪ ،‬بنو‬ ‫المنجم (عائلة بغدادية)‪ ،‬وهناك مترجمون آخرون نشطوا‬ ‫في القيروان (تونس) وقرطبة (إسبانيا)‪.‬‬ ‫حنين بن إسحق العبادي‪ ،‬طبيب مسيحي (‪808‬م–‪873‬م)‪،‬‬ ‫لقبه الخليفة المأمون برئيس المترجمين‪ .‬ترجم إلى‬ ‫العربية والسيريانية أف�لاط��ون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬ديسكوريدوس‪،‬‬ ‫غ��ال��ي �ن��وس‪ ...‬اب�ن��ه إس��ح��ق (‪911‬م) شهير أي��ض��ا‪ .‬طبيب‬ ‫وفيلسوف نسطوري‪ ،‬ترجم إلى العربية بعض الدراسات‬ ‫الفلسفية والرياضية‪ ،‬كما المترجمات السيريانية التي‬ ‫قام والده بها‪ ،‬تحديدا كتاب المقوالت ألرسطو واألصول‬ ‫إلقليدس‪.‬‬ ‫في بداية الحكم العباسي‪ ،‬كان بها أهم مدرسة للترجمة‬ ‫يديرها المترجم الشهير ثابت بن ق��رة‪ .‬قامت بترجمة‬ ‫كبير من كتب الرياضيات والفلك عن اليونانية‪ ،‬غير‬ ‫عدد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن أهم كتب الفلك المترجمة الخاصة بالمدرسة‪ ،‬كانت‬ ‫هندية وبابلية وكالدينية‪.‬‬ ‫صالح الدين الصفدي‪ ،‬م��ؤرخ عربي من القرن الخامس‬ ‫عشر الميالدي‪( .‬المترجم)‬ ‫يوحنا بن البطريق‪ ،‬عاش في أي��ام المنصور‪ .‬وك��ان ممن‬ ‫يقرأ عليهم كتاب إقليدس‪ ،‬وغيره من كتب الهندسة‪ .‬ذكره‬ ‫القفطي فقال‪« :‬كان أمينا على الترجمة‪ ،‬حسن التأدية‬ ‫للمعاني‪ ،‬ألكن اللسان في العربية‪ ،‬وكانت الفلسفة أغلب‬ ‫عليه من الطب‪ ،‬وهو تولى ترجمة كتب أرسطو خاصة‪،‬والذي‬ ‫ندين له بهذه النسخة المترجمة لكتاب السياسة ألرسطو‪،‬‬ ‫وترجم من كتب بقراط مثل حنين وغيره‪ ،‬ومن الكتب التي‬ ‫نقلها كتاب األربعة في علم النجوم (استخرجه في أيام‬ ‫المنصور‪ ،‬ثم نقله ثانية إبراهيم بن الصلت‪ ،‬وأصلح هذه‬ ‫النسخة حنين ب��ن إس��ح��ق)‪ .‬وك��ذا وض��ع يوحنا ترجمة‬ ‫عربية لمؤلف في التنجيم لبطليموس‪ ،‬وقد كتب عمر بن‬ ‫الفرخان المتوفى حوالي ‪ 815‬م تعليقا على هذا الكتاب‪،‬‬ ‫وشرحه محمد بن جابر بن سنان ‪929‬م‪( .‬المترجم)‪.‬‬

‫(‪ )8‬ابن ناعمة الحمصي (ت ‪835‬م)‪ ،‬واسمه عبدالمسيح بن‬ ‫عبداللّه الحمصي الناعمي‪ ،‬طبيب ومترجم عن اليونانية‬ ‫إلى العربية‪ ،‬كان متوسط النقل وهو إلى الجودة أميل‪،‬‬ ‫كما تذكر المراجع العربية عنه‪( .‬المترجم)‬ ‫(‪ )9‬العباس بن سعيد الجوهري‪ ،‬عالم رياضيات من بغداد‪،‬‬ ‫كان يعمل في بيت الحكمة‪ ،‬كما عمل لوقت قصير في‬ ‫دمشق‪ ،‬حيث سجل مالحظات فلكية‪ .‬أعظم أعماله هو‬ ‫تعليقه على كتاب العناصر إلقليدس‪ ،‬ومحاولة إلثبات‬ ‫مسلمة التوازي‪( .‬المترجم)‬ ‫(‪ )10‬كما ج��اء في النص األصلي‪ ،‬يذكر البهاء العاملي في‬ ‫(الكشكول)‪ ،‬نقال عن الصالح الصفدي‪ ،‬أنه كان في عهد‬ ‫المأمون «للترجمة ف ��ي النقل طريقان أحدهما طريق‬ ‫يوحنا بن البطريق وابن ناعمة الحمصي وغيرهما‪ ،‬وهو‬ ‫أن ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما‬ ‫تدل عليه من المعنى‪ .‬فيأتي الناقل بلفظة مفردة من‬ ‫الكلمات العربية‪ ،‬ترادفها في الداللة على ذلك المعنى‬ ‫فيثبتها وينتقل إلى أخرى‪ ،‬كذلك حتى يأتي على جملة ما‬ ‫يريد تعريبه‪ .‬وهذه الطريقة رديئة لوجهين‪:‬‬ ‫ أحدهما أنه ال يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل‬ ‫جميع كلمات اليونانية‪ ،‬ولهذا وق��ع في خ�لال التعريب‬ ‫الكثير م��ن األل��ف��اظ اليونانية على ح��ال��ه��ا‪ .‬ال��ث��ان��ي أن‬ ‫خ��واص التراكيب والنسب اإلسنادية ال تطابق نظيرها‬ ‫من لغة أخرى دائما؛ وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال‬ ‫المجازات وهي كثيرة في جميع اللغات‪.‬‬ ‫ ال�ط��ري��ق ال��ث��ان��ي ف ��ي ال��ت��ع��ري��ب ط��ري��ق حنين ب��ن إسحق‬ ‫والجوهري وغيرهما‪ ،‬هو أن يأتي الجملة فيحصل معناها‬ ‫في ذهنه ويعبر عنها من اللغة األخرى بجملة تطابقها‪..‬‬ ‫سواء ساوت األلفاظ أم خالفتها‪ .‬وهذا الطريق أجود‪ ،‬ولهذا‬ ‫لم تحتج كتب حنين بن إسحق إلى تهذيب إال في العلوم‬ ‫الرياضية؛ ألن��ه ل��م يكن قيّما بها‪ ،‬بخالف كتب الطب‬ ‫والمنطق والطبيعي واإلل��ه ��ي‪ ،‬ف��ان ال��ذي عربه منها لم‬ ‫يحتج إلى إصالح”‪( .‬المترجم)‬ ‫(‪ )11‬باستثناء الترجمات الدينية من اللغة الالتينية إلى اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬خالل القرن السادس عشر‪ ،‬من قبل مسيحيي‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )12‬ال��ح��م �ل��ة ال �ف��رن��س �ي��ة ع��ل ��ى م��ص��ر (‪1789‬م–‪1801‬م)‪.‬‬ ‫(المترجم)‪.‬‬ ‫(‪ )13‬في الماضي وقبل اعتماد كلمة مستعارة من التعبير‬ ‫الالتيني ‪ ،Traducteur‬كانت تشير إلى مترجم البالط‪،،‬‬ ‫بينما يشير التعبير نفسه‪ ،‬في استعماله المعاصر‪ ،‬إلى‬ ‫ممثل ولسان حال‪( .‬المترجم)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪13‬‬


‫دور الترجمة في العوملة‬

‫ال‬

‫> د‪ .‬نوره هادي السعيد ‪ -‬جامعة اجلوف السعودية‬ ‫الترجمة ف��ي المعاجم اللغوية‪ :‬نقل الكالم ال �ت��راث ال�ع��ال�م��ي م��ن ال�ض�ي��اع وال �ت �ل��ف‪ ،‬بسبب‬ ‫من لغة إلى أخرى‪ ،‬أو تفسيره بلسان آخر‪ .‬وفي كثرة الحروب والمنازعات‪ ،‬والعوامل الطبيعية‬ ‫المعاجم العلمية‪ :‬عملية نقل – بحيث ال تتغير المدمرة‪ .‬لذلك عُدت حركتها بمثابة فعل جواري‬ ‫محاور المنقول وال يتغير‪ ‬جوهره – ال اتجاها دائم بين القوى البشرية ذات الثقافات المتنوعة‬ ‫وال ق� ��درا‪ ،‬وال ش�ك�لا وال ف �ح��وى‪ .‬وم ��ن هذين القادرة على التفاعل اإليجابي‪ ،‬من موقع حوار‬ ‫المفهومين‪ ،‬يتبدى لنا أن عملية الترجمة‪ ‬تنطوي األنداد بين ثقافات حيَّة‪.‬‬ ‫على نقل يشمل الطبيعة االجتماعية والخلفية‬ ‫وت �ب��رز أه�م�ي��ة ال�ت��رج�م��ة م��ن خ�ل�ال توحيد‬ ‫الثقافية والتقنية والبيئية والمناخية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫دالالت المصطلحات والمفاهيم‪ ،‬بهدف نشر‬ ‫المفهوم‪ ،‬أو المفاهيم اللغوية‪ ،‬من دون تحريف‬ ‫ثقافة إنسانية مشتركة‪ ،‬تُقارب ما بين الشعوب‪،‬‬ ‫أو تشويه‪.‬‬ ‫وال تزيد من حدة التباعد والتنافر فيما بينها‬ ‫إذاً‪ ،‬الترجمة عمل ثقافي ينتج عنه تثاقف على خلفية ثقافاتها المحلية‪.‬‬ ‫طويل األم��د على صعيد األف��راد والجماعات‪،‬‬ ‫ال ي �ق��ل ع �م��ر ال �ت��رج �م��ة ك �ث �ي��را ع ��ن ع�م��ر‬ ‫وه��ي تعبّر ع��ن أب �ع��اد ح�ض��اري��ة قابلة للتعميم‬ ‫واالنتشار‪ ،‬عبر تفاعل الثقافات‪ ..‬في إطار من اإلن�س��ان�ي��ة‪ ،‬فقد استغلها اإلن �س��ان لنقل تراثه‬ ‫العالقات المبنية على التبادل الثقافي الحر‪ ،‬ال�ع�ل�م��ي وال �ح �ض��اري وت �ط��وي��ره‪ ،‬ح �ت��ى وص�ل��ت‬ ‫واإلبداع بين مختلف الشعوب والقوميات‪ .‬وهي خالصة تجاربه العلمية والحضارية إلى عصرنا‬ ‫حوار ضمني بين تجارب الشعوب الثقافية عبر الحاضر‪ .‬ولم ينشأ فكر في العالم‪ ..‬ولم يتطور‪،‬‬ ‫الكلمة الفاعلة‪ .‬وبقدر ما تبتعد عن االستعالء ول��م ي��رت��ق إل��ى ال�م�ص��اف اإلن�س��ان�ي��ة بعيدا عن‬ ‫الثقافي‪ ،‬بقدر ما تنجح في نشر ثقافة االنفتاح الترجمة‪ .‬وإذا أ ُريد ألي فكر أن يتطور ويرتقي‪،‬‬ ‫وال �ت��واص��ل ال �ح��ر‪ ،‬وي�ن�غ��رس تأثيرها اإليجابي فمن ال �ض��روري أن يستوعب الفكر العالمي‪،‬‬ ‫عميقا في وجدان المتلقي لتصبح جزءا من تراثه بل ويتجاوزه في مرحلة الحقة ومتقدمة‪ .‬وفي‬ ‫الثقافي‪ .‬وه��ي بالمدلول الثقافي والحضاري عصرنا‪ ،‬عصر االنفجار المعرفي‪ ،‬عصر القرية‬ ‫للمفهوم‪ ،‬ليست مجرد نقل كلمة أو فكرة من لغة الكونية‪ ،‬وع�ص��ر شبكة المعلومات‪ ،‬والتلفزة‪،‬‬ ‫إلى أخرى‪ ،‬بل هي‪ ،‬في الدرجة األولى‪ ،‬فعل ثقافة واألقمار الصناعية‪ ،‬وعصر ح��وار الحضارات‪،‬‬ ‫حية قادرة على تحويل موارد المجتمع إلى قوى وع �ص��ر االع �ت �م��اد االق �ت �ص��ادي ال �م �ت �ب��ادل بين‬ ‫محركة للطاقات اإلبداعية فيه‪ ،‬ولديها القدرة ال��دول‪ ،‬اكتسبت الترجمة أهمية قصوى‪ ،‬وبـُعداً‬ ‫على تحويل الثقافة إلى فعل حضاري‪ ،‬ودينامية إستراتيجيا فرضه واقع العصر على جميع دول‬ ‫قوية لتغيير المجتمع‪ ،‬بعد أن أصبح العالم كله العالم‪ ،‬غنيها وفقيرها‪ ،‬بل إنها صارت ضرورة‬ ‫مساحة ثقافية واحدة في عصر العولمة‪ ،‬تعيش تنموية ملحة للدول‪ ،‬الستيعاب معطيات التقدم‬ ‫نوعا من التفاعل اليومي والمباشر بين مختلف العلمي والتقني‪ ،‬ولوضعه ف��ي خ��دم��ة التنمية‬ ‫الوطنية بجميع أشكالها وأبعادها‪.‬‬ ‫أشكال الثقافات‪ ‬واللغات والشعوب‪.‬‬ ‫وقد سبق لها أن لعبت دورا أساسا في حفظ‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫وألن ال�ت��رج�م��ة ت�ح�م��ل ف �ك��رة ال �ت �ق��ارب بين‬


‫تنهض حركة الترجمة األدبية في العالم بدور‬ ‫مهم في التنمية الثقافية‪ ،‬بوصفها مقوما أساسا‬ ‫من مقومات ال�ح��وار الثقافي بين دول العالم‪.‬‬ ‫وبقدر ما يكبر دور الترجمة األدب�ي��ة‪ ،‬بقدر ما‬ ‫تكبر مسؤولية نقدها‪ ،‬وهو النقد المـ ُطالب بأن‬ ‫ال ومقيمًا ومرشدًا‪ ،‬من دون‬ ‫يواكبها دارسً ا ومحل ً‬ ‫وصاية أو تعصب أو ادعاء‪.‬‬ ‫لقد كانت ظاهرة الترجمة‪ ،‬وما تزال‪ ،‬مالزمة‬ ‫لتاريخ اإلن �س��ان؛ ألن تعدد الشعوب واألق ��وام‪،‬‬ ‫واختالف اللغات التي برزت نتيجة المناخ والبيئة‬ ‫والغذاء والتناسل‪ ،‬كلها عوامل جعلت الترجمة‬ ‫األداة الوحيدة لسد حاجة التواصل بين البشر‪،‬‬ ‫فرادى وجماعات‪ ،‬وفي كل أنواع التبادل‪ .‬تساوي‬ ‫الترجمة التفتح على الحضارة العالمية‪ ،‬واإلسهام‬ ‫في الحضارة اإلنسانية‪ ،‬واكتساب القدرة الذاتية‪،‬‬ ‫من طريق التعاون القائم على االختيار الواعي‬ ‫لمصادر القدرة العالمية‪ ،‬واستيعابها‪ ،‬وعضونتها‬ ‫في نسيج الحياة لتصبح قدرة إبداعية جديدة‪،‬‬ ‫حتى ال يكون التعاون تقليدا عقيما ي��ؤدي إلى‬ ‫تعميق التبعية وي��وث��ق ل�ه��ا‪ .‬إن عملية ترجمة‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الشعوب‪ ،‬فإننا ال نستطيع أن نترجم ونحن نسبح‬ ‫ض��د التيار الحديث م��ن العلوم وال�ف�ن��ون؛ فهي‬ ‫اعتراف بالتعددية‪ ،‬ومن ثمَّ‪ ‬فإنها مجال حيوي‬ ‫لتحقيق الهوية المنفتحة على اآلخ��ري��ن‪ .‬وهي‬ ‫بنت الحضارة‪ ،‬ورفيقتها الدائمة عبر الزمان‬ ‫وال �م �ك��ان‪ ،‬وه��ي م��وج��ودة؛ ألن البشر يتكلمون‬ ‫لغات مختلفة‪ .‬وتتعاظم أهميتها نتيجة لالنفجار‬ ‫المعرفي والتقدم التكنولوجي‪ .‬فهي تمثل عملية‬ ‫«محو أمية» في سياق الثورة المعلوماتية‪ ،‬التي‬ ‫أصبحت فيها أحادية اللغة مرادفة لألمية‪ .‬وتع ّد‬ ‫الترجمة النافذة التي تفتحها الشعوب المختلفة‬ ‫ل�ت�س�ت�ن�ي��ر ب��ن��ور غ �ي��ره��ا‪ ،‬وه� ��ي ت �ش �ك��ل ج�س��را‬ ‫للتواصل بين مختلف الثقافات وال�ح�ض��ارات‪.‬‬ ‫كما تعد إح��دى أب��رز ال��وس��ائ��ل لنقل المعارف‬ ‫والعلوم واآلداب‪ .‬وهي من أهم رواف��د الثقافة‪،‬‬ ‫التي أح��رزت انتشارا واسعا ومتنوعا‪ ،‬وأوجبت‬ ‫الضرورات القيام بها ومتابعتها‪.‬‬

‫نصوص من نظام ثقافي معين إل��ى نظام آخر‬ ‫ال حياديًا‪ ،‬أو بريئًا‪ ،‬أو شفافًا‪ .‬إنها‬ ‫ليست عم ً‬ ‫نشاط مشحون بقوة‪ ،‬وعمل اقتحاميّ ‪ .‬كما أن‬ ‫سياساتها تستحق اهتمامًا أك�ب��ر مما حظيت‬ ‫ب��ه ف��ي ال �م��اض��ي؛ إذ ق��ام��ت ب� ��دور رئ �ي��س في‬ ‫التغيير الثقافي‪ .‬وحين ندرس العمليات الثنائية‬ ‫لممارسة الترجمة‪ ،‬يمكننا أن نتعلم الكثير عن‬ ‫وضع الثقافات المستقبلية في عالقتها بثقافات‬ ‫نصوص المصدر‪.‬‬ ‫الترجمة ه��ي متن ال�م��واك�ب��ة‪ ،‬وش��اه��د عدل‬ ‫على عالقة متقدمة‪ ‬بين عقول أهل األرض‪ ،‬على‬ ‫اختالف أممهم ومللهم ونحلهم‪ .‬فمن طريقها‬ ‫تتناسق األفكار‪ ،‬والمعطيات العلمية‪ ،‬والتيارات‬ ‫األدبية والفلسفية واأليديولوجية‪ ،‬بعضها إلى‬ ‫ب�ع��ض‪ ،‬ل�ت�ك�وِّن ف �ك �رًا أو مصطلحً ا م�ت�ق��ار ًب��ا أو‬ ‫واحدا في نهاية األمر‪ .‬لذلك‪ ،‬اقترنت كل نهضة‬ ‫قومية خالل التاريخ بحركة ترجمة نشطة تكون‬ ‫ال من عواملها‪ ،‬وثمرة من ثمراتها‪ ..‬بوصفها‬ ‫عام ً‬ ‫الممر ال��ذي تعبر منه ثقافة األمم‪ ،‬بعضها إلى‬ ‫بعض‪ ،‬فتزيد المعرفة‪ ،‬وتعمق متعة الحياة في‬ ‫هذا العالم‪ .‬ذلك بالنظر إلى أنها وسيلة من أهم‬ ‫وسائل التقدم والنهضة‪ ‬في كل بلد تخلّف عن‬ ‫ركب الحضارة لسبب أو آلخر‪ ،‬إنها الرمز والطابع‬ ‫لحضارة العصر الذي تمثله كل أمة ناهضة‪.‬‬ ‫لقد كانت الترجمة في كل الحضارات وسيلة‬ ‫دالة على عظمة االختالف وروعة التنوع‪ ،‬وسبيال‬ ‫هاديا إلى الثراء واالغتناء‪ ،‬ومَعبرا واصال بين‬ ‫األمم والثقافات‪ .‬وكانت‪ ،‬وما تزال‪ ،‬حيزا مثبتا‬ ‫لكل جغرافية الوجود اإلنساني‪ ،‬ومكانا جامعا‬ ‫لكل لغات ه��ذا الوجود وأع��راق��ه وتنوع أطيافه‬ ‫ع�ل��ى ام �ت��داد ال��زم��ان‪ .‬وي �ع��ود ال �س��ر ف��ي نشوء‬ ‫الوحدات الكبرى (لغة‪ ،‬وثقافة‪ ،‬وفكرًا) إلى قيام‬ ‫ال لكل‬ ‫هذه الوحدات على التعدد‪ ،‬واتخاذه أص ً‬ ‫توحد‪ ،‬ومعيارا لكل تفرد‪ .‬وجعلت هذه الوحدات‬ ‫من الترجمة كائنها الواصل لوجودها المتمدد‪،‬‬ ‫وكينونتها وثقافتها ولغاتها المتعددة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪15‬‬


‫الترجمة جسر عبور بني تقدمي الذات والتعريف باآلخر‬

‫ال‬

‫> محمد سعيد الريحاني‪ -‬املغرب‬

‫إذا كانت بعض التنظيرات الفلسفية الجديدة قد أدت دور المُ بَشر النطالق‬ ‫«عولمة الهيمنة»‪ ،‬وأسهمت إلى حد بعيد في إعطائها السند الفكري والمبرر‬ ‫الموضوعي‪ ،‬فإن الترجمة‪ ،‬على الجهة النقيض‪ ،‬أدّت وال تزال تؤدي أدوارا‬ ‫طالئعية في حماية التنوع والتعدد الثقافي‪ ،‬وتدعيم فلسفة «المثاقفة»‬ ‫والتقارب والتعايش بين الشعوب والحضارات‪.‬‬ ‫لقد كانت الترجمة دائما ما توفر األرضية‬ ‫الصلبة لالنطالق واإلقالع الحضاري‪ ،‬من خالل‬ ‫تأسيس األرضية المعرفية‪ ،‬وتحديد الحد األدنى‬ ‫م��ن المعارف التي ال يُقبل ال�ن��زول تحتها إلى‬ ‫مستويات الجهل واالستهتار المعرفي‪ .‬فاألمم ال‬ ‫تبدأ من فراغ‪ ،‬بل من االستفادة من المترجمات‬ ‫التي ليست شيئا آخ��ر غير تجارب السابقين‬ ‫ومعارفهم وخبراتهم محفوظة بين دفتي كتاب‪.‬‬ ‫فقد ترجم اليونانيون كنوز العلم والتنجيم‬ ‫وال� �ف ��ن وال��ري��اض��ي��ات ع ��ن ح� �ض ��ارات ق��دي�م��ة‬ ‫ج��اورت �ه��م‪ ،‬ك��ال �ح �ض��ارة ال �ف��ارس �ي��ة وال�م�ص��ري��ة‬ ‫القديمة‪ ،‬كما انتعشت الثقافة العربية اإلسالمية‬ ‫بفضل الدماء الجديدة التي سُ كبت في شرايينها‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال ترجمة ال �ت��راث ال�ه�ن��دي وال�ف��ارس��ي‬ ‫واليوناني القديم‪ ،‬كما انتفضت أوروبا في القرن‬ ‫ال�خ��ام��س ع�ش��ر م�ب��اش��رة ب�ع��د ت��رج�م��ة ال �ت��راث‬ ‫األندلسي الوافد من الغرب اإلسالمي‪ ،‬وكنوز‬ ‫المعرفة الوافدة من بيزنطة اآلفلة‪ .‬والترجمة‬ ‫هي الطريق نفسها التي مرت منها اليابان التي‬ ‫بعثت أواخر القرن التاسع عشر ببعثات طالبية‬ ‫إل ��ى أوروب � ��ا‪ ،‬واك�ب�ت�ه��ا ح��رك��ة ت��رج�م��ة لنفائس‬ ‫اإلنتاجيات الفكرية والعلمية األوروبية‪...‬‬

‫حضاري‪ ،‬فإنها في المقابل تلعب دور تيرمومتر‬ ‫قياس ال��دورة الحضارية‪ ،‬من خ�لال ازدهارها‬ ‫أو ان�ح��داره��ا أو انحطاطها؛ فحيثما ضعفت‬ ‫الترجمة وفترت وغابت‪ ،‬علت في األجواء رائحة‬ ‫االنحطاط واالستبداد واالستعالء العرقي‪...‬‬ ‫وحيثما ازده ��رت الترجمة‪ ،‬ارتفعت ال ��واردات‬ ‫ال�م�ع��رف�ي��ة وال �ع �ل �م �ي��ة‪ ،‬وت�ض�خ�م��ت ال� �ص ��ادرات‬ ‫الفكرية والفنية واألدبية‪ ،‬وانتفت مشكلة ضعف‬ ‫الشهية ال�ق��رائ�ي��ة ل��دى ال �ق��راء‪ ..‬م��ع إغ ��راءات‬ ‫العناوين الالمحدودة في المجاالت الالمحدودة‬ ‫بالمقاربات الالمحدودة‪...‬‬ ‫لقد كانت الثقافة اإلنسانية وال تزال وستبقى‬ ‫ملكا للجميع‪ ،‬فيما ستبقى ب��اق��ي الثقافات‬ ‫الفرعية والمحلية روافد لها تغنيها وتغتني بها‪،‬‬ ‫عبر الترجمة التي ستصبح ‪-‬باستعارة عبارة‬ ‫«فرانتشيسكو ليجيو»‪ -‬شكالُ من أشكال اقتسام‬ ‫ال�ث��روة المعرفية‪ ،‬وشكال م��ن أش�ك��ال ممارسة‬ ‫الحق في المعرفة والعلم والفكر والمعلومة‪..‬‬

‫الترجمة وسيلة تواصل بين الشعوب‪ ،‬من خالل‬ ‫اإلسهام في ترويج الفكر اإلنساني عبر نقله إلى‬ ‫لغات غير لغته‪ .‬كما أنها عامل إنقاذ للثقافة من‬ ‫ال�غ��رق وال �ح��رق واإلت�ل�اف وال�ض�ي��اع والتهميش‬ ‫وإذا ك��ان��ت ال �ت��رج �م��ة ض� ��رورة ل �ك��ل إق�ل�اع واإلق��ص��اء‪ ،‬م��ن خ�لال إي��داع�ه��ا ب�ن��وك المعرفة‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫وع �ل �ي��ه‪ ،‬ف��ال �ت��رج �م��ة ليست‬ ‫م �ج��رد ف�ع��ل ل �غ��وي يعنى بنقل‬ ‫ن �ص��وص م��ن «ص �ن��دوق ل�غ��وي»‬ ‫ووض �ع �ه��ا ف��ي «ص��ن��دوق لغوي‬ ‫آخ��ر»‪ ،‬إنها أيضا فعل معرفي‬ ‫وث �ق��اف��ي وف �ك��ري وح� �ض ��اري‪..‬‬ ‫وجهته المصالحة م��ع ال��ذات‪،‬‬ ‫وال� �ت� �ق ��ري ��ب ب� �ي ��ن ال� �ش� �ع ��وب‪،‬‬ ‫وال �ت �ع��اي��ش ف �ي �م��ا ب �ي �ن �ه��ا‪ .‬كما‬ ‫تبقى الترجمة الحجر األساس‬ ‫لكل انطالقة حقيقية‪ ،‬ومفتاح‬ ‫ال ��دخ ��ول إل ��ى ث �ق��اف��ة ال�ع�ص��ر‪:‬‬ ‫«ثقافة التقارب والتعايش»‪.‬‬ ‫ل�ق��د ك��ان��ت ال�ت��رج�م��ة دائ�م��ا‬ ‫ج�س��راً للتواصل بين الشعوب‬ ‫والحضارات على م� ِّر التاريخ‪،‬‬ ‫ت � �ع� ��زز ال � �ت �ل�اق� ��ي وال� �ت�ل�اق���ح‬ ‫الحضاريين‪ ،‬وت��رع��ى التقارب‬ ‫الثقافي بين الشعوب‪ ،‬وتدحض‬ ‫الصدام‪ ،‬وتدعم الحوار والتبادل‬ ‫ال�ث�ق��اف�ي�ي��ن ب �ي��ن أم ��م األرض‪،‬‬ ‫وت�س�ه��ل ال �ت��واص��ل ب�ي��ن األم ��م‪،‬‬ ‫وتفتح ال�ن��واف��ذ على الثقافات‬ ‫األخ ��رى للشعوب األخ���رى‪ ،‬ما‬ ‫دام��ت معرفة اآلخ��ر تقود تدريجيا إل��ى معرفة‬ ‫ال��ذات عن طريق «المقارنة» و«التواصل»‪ ،‬كما‬ ‫كانت تغني اللغات وتجعلها «حية» على الدوام‪،‬‬ ‫وتوفر األرضية للبحث واإلب��داع‪ ..‬ليقف عليها‬

‫ول � �ق� ��د أس � �ه� ��م ال� �ت� �ق ��ارب‬ ‫ال�ث�ق��اف��ي‪ ،‬وش �ي��وع تكنولوجيا‬ ‫ال��ق��رب‪ ،‬ودي �ن��ام �ي��ة السياحة‬ ‫وم�ت�ط�ل�ب��ات ال�ع�م��ل ب��ال �خ��ارج‪،‬‬ ‫وق� � �ه � ��ر ال � �ع� ��زل� ��ة ال � �ف� ��ردي� ��ة‬ ‫وال� �ج� �م ��اع� �ي ��ة‪ ،‬إض� ��اف� ��ة إل��ى‬ ‫التعرف على إنتاجات اآلخر‪،‬‬ ‫واالستفادة منها (=معرفة)‪ ،‬أو‬ ‫االستمتاع بها (=ف �ن��ون)‪ ،‬في‬ ‫تنمية الوعي بقيمة الترجمة‬ ‫وبدورها وفعاليتها‪...‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫اإلن �س��ان �ي��ة وال �ت��اري��خ ال�ث�ق��اف��ي؛‬ ‫فلوال الترجمة العبرية ألعمال‬ ‫الفيلسوف ال�ع��رب��ي اب��ن رش��د‪،‬‬ ‫ل�ض��اع��ت «الفلسفة ال��رش��دي��ة»‬ ‫إلى األبد‪.‬‬

‫أهل البحث العلمي واإلب��داع‪،‬‬ ‫ق �ب��ل ال� �ش ��روع ف��ي أب�ح��اث�ه��م‪،‬‬ ‫أو ب �ن��اء ن�ظ��ري��ات�ه��م‪ ،‬أو نشر‬ ‫إبداعاتهم‪...‬‬

‫لكن‪ ،‬إلى أي حد انخرطت‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة ف��ي فلسفة‬ ‫«المثاقفة» و«التثاقف»؟ وإلى‬ ‫أي حد مارست الثقافة العربية‬ ‫فعلها التأثيري في الدفع قُدما‬ ‫بــ«التقارب اإلنساني» إلى أبعد‬ ‫م� ��داه؟ وإل ��ى أي ح��د تمكنت‬ ‫ال �ت��رج �م��ة م ��ن ت �غ �ي �ي��ر وج �ه��ة‬ ‫الثقافة العربية م��ن التقوقع‬ ‫حول الذات إلى االنفتاح على‬ ‫اآلخر؟‬

‫ضعف الترجمة‬ ‫من اللغات الحية إلى‬ ‫العربية‬ ‫أشار تقرير لمنظمة (اليونسكو) التابعة لألمم‬ ‫المتحدة حول القراءة في العالم العربي‪ ،‬إلى أن‬ ‫المواطن فيها ال يصرف أكثر من ست دقائق في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪17‬‬


‫القراءة في العام‪ ،‬ويشير تقرير التنمية البشرية‬ ‫ع��ام ‪2003‬م إل��ى أن متوسط ال �ق��راءة السنوية‬ ‫للمواطن العربي هو عشر دقائق فقط‪.‬‬ ‫وهناك أيضا إحصائيات أعلنتها وزارة الثقافة‬ ‫المغربية‪ ،‬تشير إل��ى أن م�غ��ارب��ة ال �ق��رن ال��واح��د‬ ‫والعشرين يقرأون كتابين ونصف (‪ )2.5‬في السنة‬ ‫فقط‪ ،‬في حين أن (‪ )1‬من أصل (‪ )10‬من المغاربة‬ ‫المتعلمين ال يقرأون الكتب على اإلطالق‪...‬‬

‫الكتب المترجمة إل��ى العربية من نحو (‪)175‬‬ ‫عنوانا سنويا في بداية السبعينيات‪ ،‬إلى نحو‬ ‫(‪ )330‬كتابا عند نهاية القرن العشرين‪ ،‬وهو ال‬ ‫يتعدى رب��ع ما تترجمه دول��ة صغيرة كاليونان‪،‬‬ ‫ويعادل تقريبا كتابا واحدا لكل مليون من السكان‬ ‫في السنة‪ ،‬بينما يبلغ (‪ )920‬كتابا في إسبانيا‬ ‫لكل مليون من السكان‪.‬‬

‫ضعف الترجمة‬ ‫من العربية إلى اللغات الحية‬

‫وأم� ��ام ه ��ذه اإلح �ص��ائ �ي��ات ال �ص��ادم��ة التي‬ ‫تنشرها التقارير الدولية والوطنية‪ ،‬نتساءل‪:‬‬ ‫ه �ن��اك م��ا ي�ن��اه��ز (‪ )3000‬ل�غ��ة ف��ي ال��زم��ن‬ ‫«لمن يترجم المترجمون»؟‬ ‫الراهن‪ ..‬منها (‪ )78‬لغة فقط لها أدب مكتوب‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذه اللغات ال� �ـ(‪ )78‬لغة‪ ،‬ثمة أرب��ع لغات‬ ‫ثم تتهاطل األجوبة باألرقام‪:‬‬ ‫ •ح�ي��ن ينتهي ال �ع��رب م��ن ت��رج�م��ة كتاب ح� ّي��ة ال غ�ي��ر‪ ..‬تتوافر على مقومات الصمود‬ ‫واح��د ت�ك��ون ال�ي��اب��ان ق��د أن�ه��ت ترجمة واالستمرارية على المدى البعيد‪:‬‬ ‫(‪ )9000‬كتاب(‪!)1‬‬

‫ •العرب ال يترجمون أكثر من (‪ )330‬كتاباً‬ ‫في السنة(‪.)2‬‬ ‫ •البلدان العربية كلها تترجم‪ %4.3‬مما‬ ‫تترجمه ألمانيا(‪!)3‬‬

‫‪1 .1‬اللغة الصينية كلغة ربع سكان األرض‪.‬‬ ‫‪2 .2‬اللغة اإلنجليزية كلغة التقنية والعلوم‪.‬‬

‫‪3 .3‬اللغة اإلسبانية كلغة ل�ل�أدب الحديث‬ ‫على امتداد قارتين‪.‬‬ ‫‪4 .4‬ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة ال �ت��ي تجمع ب�ي��ن اللغة‬ ‫ال�ت��واص�ل�ي��ة وال �ط��اب��ع ال �ق��دس��ي‪ ،‬نظرا‬ ‫لكونها لسان رسالة دينية‪ ..‬لكن رغم‬ ‫ال��وض��ع المتميز للغة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬يمكن‬ ‫تسجيل مالحظتين‪:‬‬

‫والحصيلة الكلية لما ترجم إلى اللغة العربية‬ ‫منذ عصر الخليفة المأمون إلى القرن الواحد‬ ‫والعشرين‪ ،‬حسب تقرير التنمية البشرية لعام‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬ه��و عشرة آالف ك�ت��اب؛ وه��ي تساوي‬ ‫حصيلة م��ا تترجمه إسبانيا ف��ي سنة واح��دة‪،‬‬ ‫امل�لاح��ظ��ة األول����ى‪ ،‬إن ع ��ددا غير يسير‬ ‫وما تترجمه الواليات المتحدة خالل شهر واحد‬ ‫فقط‪ .‬ومعنى هذا أن إسبانيا تتقدم العرب كل من األدباء العرب (السوري رفيق الشامي الذي‬ ‫سنة بعشرة قرون‪ ،‬فيما تبتعد الواليات المتحدة يكتب باأللمانية‪ ،‬واللبناني نبيل معلوف الذي‬ ‫يكتب بالفرنسية‪ ،‬والمغربي محمد الصيباري‬ ‫عن العرب كل شهر بعشرة قرون!!‬ ‫الذي يكتب باإلسبانية)‪ ..‬يهاجرون من الكتابة‬ ‫كما أشار تقرير التنمية البشرية لعام ‪2003‬م‪،‬‬ ‫باللغة العربية إلى الكتابة بلغة أخرى‪ ،‬ألسباب‬ ‫إل��ى وج��ود حالة من الخمول في حق الترجمة‬ ‫مغايرة لتلك التي دفعت األديبين النيجيريين‬ ‫ال ��واردة إل��ى اللغة العربية‪ .‬فرغم ارت�ف��اع عدد‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫أورت في صنعاء (اليمن) بتاريخ ‪2005/5/16‬م‪،‬‬ ‫نقرأ واقع الكتاب العربي المترجم إلى اللغات‬ ‫الحية عموما‪ ،‬واللغة األلمانية خصوصا‪ ،‬باألرقام‬ ‫والمعطيات والتواريخ‪:‬‬ ‫ففي البلدان الناطقة باأللمانية (ألمانيا‪،‬‬ ‫سويسرا والنمسا)‪ ،‬ثمة نحو (‪ )500‬كتاب أدبي‬ ‫لكتّاب عرب باللغة األلمانية‪ .‬إال أن ما تُرجم منها‬ ‫عن اللغة العربية هو نحو (‪ )200‬كتاب فقط‪،‬‬ ‫أم��ا بقية الكتب وه��ي (‪ )300‬كتاب‪ ،‬فمعظمها‬ ‫مترجمة عن الفرنسية‪ ،‬وألفها كتّابها بالفرنسية؛‬ ‫كونها اللغة التي يكتبون بها‪ ،‬كما هو الحال لدى‬ ‫العديد من األدب��اء في بلدان المغرب العربي‪.‬‬ ‫وقد يعود ذلك إلى ثالثة أسباب‪:‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫«وول سوينكا‬ ‫و«ت��ش��ي��ن��وا أش �ي �ب��ي ‪Chinua‬‬ ‫‪ ،»Achebe‬للهجرة م��ن لغات‬ ‫محلية صغيرة ك إيغبو ‪Igbo‬‬ ‫ويوروبا ‪ Yoruba‬النيجيريتين‪..‬‬ ‫إلى الكتابة باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫أو ت�ل��ك ال �ت��ي دف �ع��ت ال��روائ��ي‬ ‫الكيني «ن�غ��وغ��ي ‪ »Ngugi‬إلى‬ ‫الهجرة من اللغة السواحلية‪،‬‬ ‫إلى الكتابة باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫أو تلك التي كانت وراء هجرة الشاعر السينغالي‬ ‫السبب ال �ث��ان��ي‪ :‬إن ال��ذي��ن يهتمون ب��األدب‬ ‫«ليوبولد س�ي��دار س�ن�غ��ور» نحو الكتابة باللغة العربي في البلدان الناطقة باأللمانية‪ ،‬معظمهم‬ ‫الفرنسية‪...‬‬ ‫يقرؤونه بسبب وجود صلة تربطهم بالشرق‪ ،‬أي‬ ‫امل�لاح��ظ��ة ال��ث��ان��ي��ة‪ ،‬ت�ت�ل�خ��ص ف��ي ع��دم أنهم كانوا قد عاشوا أو اشتغلوا في بلد عربي‪،‬‬ ‫اكتراث اآلخر باإلنتاجات المكتوبة بهذه اللغة‪ -‬أو يحبون الوطن العربي من وجهة نظر سياحية‪،‬‬ ‫أو يصادقون عرباً‪ ..‬وما إلى ذلك‪ ،‬ونادراً ما نجد‬ ‫اللغة العربية‪.‬‬ ‫ففي محاضرة بعنوان «ترجمة األدب العربي إلى قارئاً ألمانياً يبحث عن أدب عربي من دون وجود‬ ‫اللغة األلمانية» ألقاها المترجم األلماني جونتر دافع شخصي معيّن من النوع الذي ذكرناه‪.‬‬ ‫‪soyinka‬‬

‫‪،»wole‬‬

‫السبب األول‪ :‬سهولة عملية‬ ‫الترجمة م��ن لغة أوروب �ي��ة إلى‬ ‫لغة أوروب �ي��ة ث��ان�ي��ة‪ ،‬كما يعود‬ ‫ذلك إلى عامل ثان ه��ام‪ ..‬وهو‬ ‫الحرية التي يتمتع بها الكاتب‬ ‫العربي الذي يكتب بلغة أجنبية‪،‬‬ ‫وه��و ف��ي م�ن��أى ع��ن الرقابتين‬ ‫ال� �ن� �ظ ��ام� �ي ��ة وال� �ج� �م ��اه� �ي ��ري ��ة‬ ‫المسلطتين على األق�ل�ام في‬ ‫بلدانهم األصلية‪.‬‬

‫ال �س �ب��ب ال �ث��ال��ث‪ :‬ف �ق��د ي �ك��ون ه ��ذا ال�ع��ام��ل‬ ‫«الحرية»‪ ،‬وراء ضعف االهتمام بترجمة اإلبداع‬ ‫وال�ف�ك��ر العربيين‪ .‬ففي أل�م��ان�ي��ا‪ ،‬ع��دد النسخ‬ ‫المطبوعة لكل كتاب عربي مترجم إلى األلمانية‬ ‫ال يزيد عادة عن ثالثة آالف نسخة‪ ،‬وقلما يصل‬ ‫إلى عشرة آالف‪ ،‬ولم يصل إلى ذلك المستوى إال‬ ‫أعمال نجيب محفوظ بعد نيله جائزة نوبل في‬ ‫عام ‪1988‬م‪ .‬بينما يبقى كتاب عربي واحد دائماً‬ ‫في مقدمة الكتب األكثر مبيعاً في ألمانيا‪ ،‬وهو‬ ‫«ألف ليلة وليلة»‪ ،‬فعندما صدرت ترجمة ألمانية‬ ‫جديدة له سنة ‪2004‬م‪ ،‬تحدثت وسائل اإلعالم‬ ‫األلمانية عن ذلك فترة طويلة‪ ،‬و ُع��رض الكتاب‬ ‫للبيع في آالف المكتبات في ألمانيا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪19‬‬


‫صحيح أن الطلب محدد مهم‬ ‫للعرض‪ ،‬لكن ثمة معايير أخرى‬ ‫سابقة على العرض والطلب‪ ،‬بل‬ ‫هي صانعة العرض والطلب معا‪،‬‬ ‫ومنها الترويج للصورة اإليجابية‬ ‫للثقافة العربية‪ ،‬والترويج لرموز‬ ‫ث �ق��اف �ي��ة ع��رب��ي��ة ذات إش��ع��اع‬ ‫إنساني‪ .‬وه��و ما يمكن تسميته‬ ‫ب�ـ�ـ«ص�ن��اع��ة ال��ص��ورة اإلي�ج��اب�ي��ة‬ ‫ألعمال معينة‪ ..‬أو رموز ثقافية‬ ‫محددة أو ثقافة بعينها»‪.)4(...‬‬

‫الترجمة وصناعة الصورة‬ ‫اإليجابية عن الذات‬ ‫ال �ت��رج �م��ة ل�ي�س��ت ف �ق��ط «ك��م‬ ‫ال� ��واردات م��ن ن�ص��وص اآلخ��ر»‪.‬‬ ‫إن� �ه ��ا أي� �ض ��ا «ك � � � ُّم ال � �ص� ��ادرات‬ ‫م��ن ال �ن �ص��وص ال �ت��ي أنتجناها‬ ‫واخترناها لتمثلنا ل��دى القارئ‬ ‫اآلخ� ��ر»‪ .‬ول��ذل��ك فالحديث عن‬ ‫ال ��واردات الترجمية تحيلنا إلى‬ ‫«الصادرات الترجمية»‪.‬‬ ‫كما تسهم الترجمة في التعرف‬ ‫ع �ل��ى اآلخ� ��ر ف ��ي ث �ق��اف �ت��ه وبيئته‬ ‫وشروط وجوده من خالل ترجمته‬ ‫واس� �ت� �ي ��راده‪ ،‬ف ��إن ل�ل�ت��رج�م��ة دور‬ ‫ف �ع��ال ف��ي ت��رج�م��ة أع �م��ال ال��ذات‬ ‫لـ«تصديرها» بغية ت��روي��ج ص��ورة‬ ‫«إيجابية» ع��ن ال ��ذات‪ .‬ولقد كان‬ ‫االت � �ح� ��اد ال �س��وف �ي��ات��ي يخصص‬ ‫م �ي��زان �ي��ات ف��ي ح �ج��م م�ي��زان�ي��ات‬ ‫التسلح لرسم صورته‪ ،‬عن طريق‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ت��رج �م��ة األدب � �ي� ��ات ال �م��ارك �س �ي��ة‪،‬‬ ‫وأشكال تدبير الحكم على النمط‬ ‫السوفييتي إل��ى كل لغات العالم‪.‬‬ ‫كما كانت وال ت��زال اليابان ودول‬ ‫االت � �ح� ��اد األوروب� � � ��ي وال� ��والي� ��ات‬ ‫المتحدة تفعل الشيء نفسه أيضا‪.‬‬ ‫فـ«من ال ص��ورة له‪ ،‬ال وج��ود له»‪.‬‬ ‫و«م��ن صنعت له ص��ورت��ه‪ ،‬صنعت‬ ‫له معها أدواره»‪ .‬و«من صنعت له‬ ‫أدواره‪ ،‬أضاع فرصته في الحياة»‪.‬‬

‫اقتراحات للنهوض‬ ‫بالترجمة عربيا‬ ‫ وضع خطة إستراتيجية وطنية‬‫للنهوض بالترجمة والتعريب‪.‬‬ ‫ رص��د واق��ع الترجمة (هواية‪،‬‬‫احترافية‪ ،‬تطوع‪ ،‬مؤسسية‪.)...‬‬ ‫ استشراف المستقبل (تقديم‬‫صورة إيجابية عن الذات وفرض‬ ‫احترام اآلخر)‪.‬‬ ‫ نقل الترجمة من الهواية إلى‬‫االحترافية‪.‬‬ ‫ جعل الترجمة عتبة االنطالق‪،‬‬‫وب��واب��ة ال �ح��وار‪ ،‬وع��دس��ة تقديم‬ ‫صورتنا‪.‬‬ ‫ تنسيق الدول العربية وتحملها‬‫المسؤولية‪ ،‬وتعهد كل دولة منها‬ ‫بترجمة ألف كتاب سنويا كخطوة‬ ‫أول��ى وبسيطة‪ ،‬لتقفز العناوين‬ ‫ال�م�ت��رج�م��ة ف��ي ال �ع��ال��م ال�ع��رب��ي‬ ‫سنويا إلى (‪ )22‬ألف عنوان‪..‬‬


‫ما من لغة إال وترعرع فيها حب الذات‪ ،‬والفخر‬

‫ تنمية الترجمة بأشكالها الثالثة‪ :‬الترجمات بالذات‪ ،‬واالعتزاز بالذات‪ .‬فاللغة العربية هي لغة‬‫ال�ص��ادرة‪ ،‬والترجمات ال ��واردة‪ ،‬والترجمات الضاد‪ ،‬واإلسبانية هي لغة فونيتيكية‪ ،‬واإلنجليزية‬ ‫المحلية‪.‬‬ ‫لغة التقنية‪ ،‬والصينية لغة المقطع اللغوي‪..‬‬ ‫ف��ال�ت��رج�م��ات ال��ص��ادرة (وه ��ي المترجمات‬ ‫وأم� ��ام ه ��ذا ال �م��د ال �ت �ب��اع��دي ل �ل �غ��ات‪ ،‬تظهر‬ ‫ال�م�ن�ق��ول��ة إل��ى ل �غ��ات أخ� ��رى)‪ :‬ت��رج�م��ة أع�م��ال‬ ‫الترجمة بوظيفة مغايرة‪« ،‬وظيفة التقريب بين‬ ‫الكتاب المحليين الذين يكتبون باللغة العربية‬ ‫اللغات والثقافات» من خالل التقريب بين طرائق‬ ‫إل��ى ل�غ��ات أخ���رى‪ ،‬ل�ك��ن ه��ذا ال�م�ج��ال ال ي��زال‬ ‫حكرا على الروائيين‪ ،‬والشعراء‪ ،‬وأهل الكتابة التعبير واألساليب اللغوية في الثقافات اإلنسانية‪..‬‬ ‫واإلبداع بلغة أجنبية‪ ،‬كالروائي الطاهر بنجلون ما دام الجوهر والمضمون واحداً‪.‬‬ ‫ال��ذي ترجم أع�م��ال محمد ش�ك��ري‪ ..‬والشاعر‬ ‫فاللغة ما هي إال بوابة لثقافتها وحضارتها‪،‬‬ ‫عبداللطيف اللعبي الذي ترجم درويش وأدونيس فترجمتها هي ترجمة لتلك الثقافة‪ ،‬وتملك لتلك‬ ‫وغيرهما‪...‬‬ ‫ال�ح�ض��ارة‪ ،‬وه��دم لكل األس ��وار ال�ت��ي ت�ع��وق هذا‬ ‫وال �ت��رج �م��ات ال� � ��واردة (وه� ��ي ال�م�ت��رج�م��ات التقارب‪ .‬فحيثما تقاربت اللغات‪ ،‬تقاربت الثقافات‪.‬‬ ‫المنقولة إلى اللغة العربية)‪ :‬المشروع اإلماراتي وه��ذه هي غاية الترجمة األسمى‪ :‬التقريب بين‬ ‫«كلمة» لترجمة الشعر‪ ،‬مشروع مصر لترجمة الثقافات س��واء على مستوى المضمون‪ ،‬أو على‬ ‫ألف كتاب‪...‬‬ ‫مستوى الشكل‪ ،‬م��ع إض�ف��اء ط��اب��ع الخصوصية‬ ‫وال��ت��رج��م��ات ال �م �ح �ل �ي��ة (وه� ��ي م�ت��رج�م��ات ع�ل��ى ال��م��واد ال�م�ت��رج�م��ة‪ ..‬ق�ص��د تأصيلها في‬ ‫ألعمال كتاب مغاربة وع��رب إلى العربية‪ ..‬إذا بيئتها الثقافية الجديدة‪ ،‬فيصبح الكثير من هذه‬ ‫كانت كتاباتهم بلغات أجنبية‪ ،‬ومن أهم األقالم المترجمات أو أجزاء منها «قوال مأثورا» في هذه‬ ‫ال �ت��ي تخصصت ف��ي ه��ذه ال�ت��رج�م��ة ال��روائ �ي��ة الثقافة‪ ،‬أو «حكما» في تلك‪..‬‬ ‫المغربية الزهرة رميج‪ ،‬التي ترجمت مسرحيات‬ ‫الترجمة قيمة م��ن قيم ال�ت�ق��ارب والتعايش‬ ‫عبداللطيف اللعبي «ت �م��اري��ن ف��ي التسامح»‪،‬‬ ‫و«قاضي الظل»‪ ،‬ورواية نفيسة السباعي «نساء واإلنصات لآلخر‪ ..‬وإفادته واالستفادة منه‪ .‬كما‬ ‫في الصمت»)‪ ...‬وهذا النوع من الترجمة يبقى أن�ه��ا س�لاح ث��اب��ت الفعالية ض��د «التمركز حول‬ ‫شكال من أشكال المصالحة مع الذات‪.‬‬ ‫الذات»‪ ،‬دفاعا عن ثقافة «االنفتاح» على اآلخر‪.‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ ض ��رورة التفكير ف��ي ال��رق��ي بالترجمة إل��ى‬‫مستوى االحترافية والجودة‪.‬‬

‫وفي الختام‪..‬‬

‫مجلة «زهرة الخليج»‪ ،‬مقال للروائية الجزائرية أحالم مستغماني‪( ،‬العدد ‪.)1118‬‬ ‫تقرير «التعليم العالي في البلدان العربية»‪2008 ،‬م‪.‬‬ ‫جريدة الحياة‪ ،‬عدد ‪2006/02/02‬م‪.‬‬ ‫محاضرة بعنوان «ترجمة األدب العربي إل ��ى اللغة األل��م��ان��ي��ة» ألقاها جونتر أورت ف ��ي صنعاء (ال��ي��م��ن) بتاريخ‬ ‫‪2005/5/16‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪21‬‬


‫الترجمة‪ ..‬الوسيط التاريخي األبرز في عملية املثاقفة‬

‫ال‬

‫> مالك أخلالدي– السعودية‬

‫«اللغة اإلنجليزية تشبه طريق ًا سه ًال واسع ًا يؤدي إلى حدائق العلوم والتمدن واإلصالح»‪.‬‬ ‫«خليل أبو سعد»‬ ‫للترجمة دوره ��ا األب ��رز ف��ي ال�ت�ب��ادل الثقافي‬ ‫وال�ت�م��ازج ال�ح�ض��اري بين شعوب العالم قاطبة‪،‬‬ ‫ف��إن كانت التقنية الحديثة ه��ي وسيلة التبادل‬ ‫الثقافي الهائل في عالم اليوم‪ ،‬فالمعرفة والثقافة‬ ‫ه��ي ال �م��ادة ال �خ��ام‪ .‬والترجمة أداة فاعلة لخلق‬ ‫عقول مستنيرة ذات خصوصية في رحاب متعدد‬ ‫الثقافات‪ ،‬إذاً فالترجمة وسيط ثقافي تاريخي‬ ‫مهم أسهم كثيراً في المثاقفة الحضارية؛ فهي‬ ‫عملية أزلية ابتدأت مع اإلنسان بشكل مقصود أو‬ ‫غير مقصود‪ ،‬حيث تعود للقرن الخامس عشر قبل‬ ‫الميالد‪ .‬وقد ثبت ذلك مع وجود رسائل مكتوبة‬ ‫باللغتين األكادية والمصرية القديمة‪ ،‬كما ذكر ذلك‬ ‫الدكتور الباحث محمد العبداللطيف‪ .‬ما يعكس‬ ‫لنا ق��دم عملية المثاقفة (ال�ت�ب��ادل‬ ‫الثقافي)‪ ،‬وظهورها مع ظهور اللغات‬ ‫والحضارات‪.‬‬ ‫وال يغيب عن الباحث أن الحضارة‬ ‫اإلسالمية بشقيها الفكري والمادي‬ ‫ وإن انبثقت في محيط عربي ‪ ،-‬إال‬‫أنها ليست حضارة عربية محضة‪،‬‬ ‫وه���ذا م��ا ينسحب ع�ل��ى ال�ح�ض��ارة‬ ‫العربية كحضارة قومية‪ ،‬فهي مزيج‬ ‫ثقافي ف��ي إط ��ار ع��رب��ي‪ ،‬وه ��ذا من‬ ‫دون ش��ك ق��در اللغة العربية كلغة‬ ‫دي��ن سماوي لكل األع��راق‪ ،‬فمالمح‬ ‫ال� �ح� �ض���ارات األخ� � � ��رى‪ ،‬وب �خ��اص��ة‬ ‫الفارسية والهندية واليونانية‪ ،‬تبدو‬ ‫جلية في كل جوانبها‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫َولَ َعلّي أشير إلى أن الترجمة ابتدأت في العهد‬ ‫بشكل مقصود ومنهجي على يدي هارون‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمي‬ ‫الرشيد‪ ،‬حين أنشأ بيت الحكمة‪ ،‬ورص��د جوائز‬ ‫قيمة للمؤلفين والمترجمين‪ ،‬ومضى ابنه المأمون‬ ‫فيما ابتدأه والده‪ ،‬ولعل تأخر الترجمة في العهد‬ ‫اإلسالمي األول يعود إلى انشغال المسلمين في‬ ‫إرس��اء دعائم الدين‪ ،‬وخشية تأثير ال��رؤى والقيم‬ ‫ال��واف��دة على عقائد المسلمين الغضة آن��ذاك‪..‬‬ ‫إال أن ب�ي��ت الحكمة ك �س��رت ال �ت��وج��س‪ ،‬وردم��ت‬ ‫الهوة‪ ،‬وساعد في ذلك التوجهات الفكرية المرنة‬ ‫للمأمون‪.‬‬ ‫وقد تُرجم الكثير من كتب المنطق والفلسفة‬ ‫ال �ي��ون��ان �ي��ة إل� ��ى ال �س �ي��ري��ان �ي��ة‪ ،‬ث��م‬ ‫إل��ى ال�ع��رب�ي��ة وال �ف��ارس �ي��ة‪ ،‬واشتغل‬ ‫بالترجمة في ذلك العصر النساطرة‬ ‫النصارى‪ ،‬بسبب روابطهم الدينية‬ ‫والثقافية م��ع ال�ي��ون��ان‪ ،‬وي�ع��زو كثير‬ ‫من الباحثين ترجمة كتب الفلسفة‬ ‫اليونانية إلى انتشار الجدل اللغوي‬ ‫والمذهبي والديني والفلسفي‪ ،‬الذي‬ ‫أت��اح��ه ال�م�ن��اخ ال�ف�ك��ري والفلسفي‬ ‫ال�م�ت�س��ام��ح ف��ي ال�ع�ص��ر ال�ع�ب��اس��ي‪،‬‬ ‫وب� �خ ��اص ��ة ف� ��ي ع��ص��ر ال� �م ��أم ��ون‪،‬‬ ‫ف��اس �ت �ع��ان ال��ن��س��اط��رة ب��ال�ف�ل�س�ف��ة‬ ‫اليونانية وآراء حكماء اليونان‪ ،‬في‬ ‫ال��دف��اع ع��ن النصرانية ف��ي جدلهم‬ ‫الفلسفي مع المعتزلة والمتكلمين‪،‬‬ ‫ووج ��دت الفلسفة اليونانية قبوالً‬


‫وحين نأتي للمثاقفة بجانبها‬ ‫األدب��ي‪ ..‬علينا أن نقر بأن األدب‬ ‫الفارسي من أكثر اآلداب تأثيراً‬ ‫ف��ي األدب ال �ع��رب��ي ف��ي العصور‬ ‫اإلس�لام �ي��ة‪ ،‬ب��ل نستطيع ال�ق��ول‬ ‫بأنه أسهم في تشكّل بعض مالمح‬ ‫األدب ال �ع��رب��ي اإلس �ل�ام� ��ي‪ ،‬إال‬ ‫أن حركة ه��ذا التأثير انحسرت‬ ‫جداً في العصور األخيرة فبقيت‬ ‫نتائجها‪ ،‬كما أن العكس صحيح؛‬ ‫فالترجمة عملية تفاعلية إرفادية‬

‫وال ت �خ �ف��ى ع��ل��ى أح� ��د ت�ل��ك‬ ‫األس��ب��اب ال�س�ي��اس�ي��ة وال��دي�ن�ي��ة‪،‬‬ ‫التي جعلت من الحقبة العباسية‬ ‫فترة لفورة الترجمة وانتعاشها‪،‬‬ ‫وق ��د ك ��ان ك �ت��اب «ك�ل�ي�ل��ة ودم �ن��ة»‬ ‫ال��ذي ترجمه عبدالله بن المقفع‬ ‫من الفارسية إلى العربية لهدف‬ ‫سياسي واجتماعي‪ ،‬من الروائع‬ ‫األدب� �ي ��ة ال �ت��ي ك ��ان ل �ه��ا ت��أث�ي��ره��ا‬ ‫األك��ب��ر واألب � ��رز ع �ل��ى ال�م�س��اح��ة‬ ‫األدبية واللغوية والفكرية كذلك‪..‬‬ ‫ل �ي��س ف��ي ال �ع��رب �ي��ة ف �ح �س��ب‪ ،‬بل‬ ‫امتد لغيرها من اللغات إلى يومنا‬ ‫هذا‪ .‬ولعلنا نعده هو وكتاب «ألف‬ ‫ل�ي�ل��ة ول �ي �ل��ة» م��ن أك �ث��ر األع �م��ال‬ ‫المترجمة أثراً وامتداداً‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يحيد بنا عن ذكر أعمال ضخمة‬ ‫تُرجمت من الفارسية إلى العربية‬ ‫ك��ـ «ال �ش��اه �ن��ام��ة» ل �ل �ف��ردوس��ي‪..‬‬ ‫ورباعيات الخيام‪ ،‬فما تزاال محط‬ ‫اهتمام الباحثين من كافة اللغات‪،‬‬ ‫كما أن بصمتهما في اللغة العربية‬ ‫وآدابها جلية‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ل��دى اللغويين ال�ن�ح��وي�ي��ن‪ ،‬وح��از‬ ‫بعض المترجمين آن ��ذاك شهرة‬ ‫ال�ك� ّت��اب ال�ع�ظ��ام‪ ،‬مثل إس�ح��ق بن‬ ‫حنين واب�ن��ه حنين‪ ،‬وقسطا لوقا‬ ‫واألع� �س ��م(‪ ،)1‬ف�ظ�ه��رت ال�م��ذاه��ب‬ ‫الفكرية الفلسفية‪ ،‬وتبلورت على‬ ‫أي� ��دي م�ج�م��وع��ة م��ن ال�م�ف�ك��ري��ن‬ ‫كالفارابي وابن سيناء والغزالي‪..‬‬ ‫فخرجوا م��ن جلبات النسق إلى‬ ‫ف� �ض ��اء ف� �ك ��ري أرح� � ��ب‪ ،‬ي �ت �ن��اول‬ ‫المفاهيم والتصورات المرتبطة‬ ‫بالطبيعة اإلن �س��ان �ي��ة وال�م�ع��رف��ة‬ ‫وال �ق �ي��م ع �ل��ى ق��اع��دة إس�لام �ي��ة؛‬ ‫وهذا يعد بال شك إضافة للعقلية‬ ‫العربية والفكر اإلسالمي‪ .‬ويشير‬ ‫إل��ى ذل��ك المفكر العربي الكبير‬ ‫محمد عابد الجابري بقوله‪( :‬إن‬ ‫التصور الداخلي للحياة الفكرية‬ ‫العربية في العصر الجاهلي‪ ،‬أبعد‬ ‫م��ا ي �ك��ون أن ي �ف��رز ب�م �ف��رده ذل��ك‬ ‫التنوع‪ ،‬والغنى في اآلراء‪ ،‬والرؤى‬ ‫واالس�ت�ش��راق��ات وال�م��ذاه��ب التي‬ ‫شهدها المجتمع العربي بعد قرن‬ ‫من ظهور اإلسالم)(‪.)2‬‬

‫للجانبين‪ ،‬ويكفي أن يعلم القارئ‬ ‫أن اللغة الفارسية الحديثة تُكتب‬ ‫بالحروف العربية‪ ،‬كما أن هناك‬ ‫كثير من مفردات‬ ‫تناصا كامال بين ٍ‬ ‫اللغتين‪.‬‬

‫إال أن الترجمة من الفارسية‬ ‫إل��ى العربية خبت م��ؤخ��راً‪ ،‬إن لم‬ ‫نقل انعدمت‪ ،‬إذ انتعشت الترجمة‬ ‫م��ن اإلن �ج �ل �ي��زي��ة ح �ت��ى اج�ت��اح��ت‬ ‫مسرحيات شكسبير وبرنارد شو‬ ‫ورواي ��ات أجاثا كريستي وأشعار‬ ‫ج���ون ك �ي��ت ال �م �س��اح��ة الشعبية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪23‬‬


‫العربية‪ ،‬حتى أننا ق��د نجد اليوم‬ ‫ق��ارئ �اً ع��رب�ي�اً ي�ع��رف أج��اث��ا وينكر‬ ‫الروائي عالء األسواني على سبيل‬ ‫المثال؛ في حين تجد سمات األدب‬ ‫اإلنجليزي ب��دت ظاهرة على كثير‬ ‫من الضروب الكتابية األدبية‪ ،‬منذ‬ ‫أن ازدهرت الترجمة من اإلنجليزية‬ ‫وال �ف��رن �س �ي��ة ف ��ي ال� �ق ��رن ال �ت��اس��ع‬ ‫ع�ش��ر‪ ،‬على ي��د ال�م��رب��ي المصري‬ ‫رف��اع��ة ال �ط �ه �ط��اوي‪ -‬ح�ي��ن ابتعث‬ ‫إل��ى هناك‪ -‬ف��أدرك حاجة العرب‬ ‫لكثير مما لديهم‪ ،‬بل إننا نستطيع‬ ‫القول إن ال��رواي��ة العربية والشعر‬ ‫الحر‪ ،‬اندلقا من نافذة الترجمة من‬ ‫اللغات األوربية‪.‬‬ ‫وال شك أن اإلنجليزية هي صوت‬ ‫األمة األقوى‪ ،‬لذا نشطت الترجمة‬ ‫منها وإل�ي�ه��ا ف��ي ال�ع�ق��ود األخ �ي��رة‪،‬‬ ‫وب �خ��اص��ة ف��ي ال �ج��وان��ب العلمية‬ ‫والتقنية‪ ،‬إذ أصبحت لغة التخاطب‬ ‫ال��دول��ي والعلوم وال�م�ع��ارف‪ ،‬فكان‬ ‫حقيقاً ب��دول العالم العربي إنشاء‬ ‫م���راك���ز م �ت �خ �ص �ص��ة ب��ال �ت��رج �م��ة‪،‬‬ ‫وظهرت الجمعيات إلرفاد الترجمة‬ ‫بكافة أشكالها‪ ،‬وتعزيز المثاقفة‬ ‫ال � �ح � �ض� ��اري� ��ة‪ .‬وم� � ��ن أب � � ��رز ه ��ذه‬ ‫الجمعيات على المستوى المحلي‪..‬‬ ‫الجمعية السعودية العلمية للغات‬ ‫وال� �ت ��رج� �م ��ة‪ ،‬ال� �ت ��ي ان �ب �ث �ق��ت م��ن‬ ‫جامعة اإلم��ام بالرياض‪ ،‬إذ قطعت‬ ‫بجهودها الحثيثة خطوات مهمة في‬ ‫زيادة وتيرة الترجمة‪ ،‬ورفع جودتها‬ ‫عبر ط��رح األوراق البحثية‪ ،‬وعقد‬ ‫(‪ )1‬الترجمة رؤية في الواقع العربي للدكتور محمد العبداللطيف‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تكوين العقل العربي للمفكر محمد عابد الجابري‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫المؤتمرات‪ ،‬ورصد الجوائز‪.‬‬ ‫ويبدو استجالب المعرفة عبر‬ ‫الترجمة جل ّياً في عالم اليوم‪ ،‬إال‬ ‫أننا يجب أن نشير إل��ى أن الكتب‬ ‫العلمية المترجمة ليست متناسبة‬ ‫م ��ع االن��ف��ج��ار ال �ع �ل �م��ي وال �س �ط��وة‬ ‫الغربية على جوانب حياتنا‪ ،‬ويعود‬ ‫ذل� ��ك إل� ��ى إج�� ��ادة المتخصصين‬ ‫والباحثين للغة اإلنجليزية‪ ،‬الذين‬ ‫يستفيدون من الكتب بلغتها‪ ،‬تجنباً‬ ‫ل �ل�إرب� ��اك ال � ��ذي ق ��د ي �ح �ص��ل مع‬ ‫اخ�ت�لاف الترجمات‪ ،‬والتباين في‬ ‫تعريب المصطلحات‪ ،‬ما أدى إلى‬ ‫ان�ح�س��ار الترجمة العلمية‪ ..‬وقد‬ ‫بقيت المعرفة المتسارعة بين يدي‬ ‫النخبة المُجيدين للغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫فبقيت سطوة التأثير ل��دى العامة‬ ‫ع �ل��ى أس��ل��وب ال�م�ع�ي�ش��ة ل�لأس��ف‪،‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫إضافة للجانب األدبي‪ ،‬ولكن‬ ‫�س ال �ش��رق عن‬ ‫أق ��ل‪ ،‬فحين ت �ق��اع� َ‬ ‫ترجمة المعرفة‪ ..‬نشط الغرب في‬ ‫بث سلعهم وموضاتهم للعرب‪.‬‬ ‫َولَ � َع �لّ��ي أخ �ل��ص إل ��ى ال �ق��ول أن‬ ‫الترجمة وس�ي��ط مهم وف��اع��ل في‬ ‫عملية المثاقفة بين ال�ح�ض��ارات‪,‬‬ ‫وما من لغة خلت من تأثير أو تأثر‬ ‫ب��أخ��رى على ام�ت��داده��ا التاريخي‪،‬‬ ‫بصرف النظر عن مراحل االزدهار‬ ‫والركود في مؤشر الترجمة‪ ،‬إذ أن‬ ‫لغة وحضارة شعب ما‪ ..‬ال يمكن أن‬ ‫تسير منفردة دون تبادل أو تمازج‬ ‫خ�ل�اق‪ ،‬ي�ض�ي��ف وي� �ث ��ري‪ ..‬دون أن‬ ‫يطمس خصوصية هذا الشعب‪.‬‬


‫ال‬

‫> د‪ .‬عبدالله الطيب ‪ -‬السعودية‬

‫قد تبدأ عملية الترجمة بتكليف المترجم من جهة ما بترجمة نص معين‪،‬‬ ‫وربما يكون الدافع من المترجم نفسه‪ ،‬الختيار نص معين لترجمته‪ ،‬لغرض‬ ‫اإلث���راء المعرفي‪ ،‬أو لسبب اق��ت��ص��ادي‪ ،‬دي��ن��ي‪ ،‬سياسي‪ ،‬أو غ��ي��ره‪ .‬وف��ي جميع‬ ‫األحوال‪ ،‬فإن الغرض عادة هو ترجمة النص‪ ..‬وليس إلبداء الرأي أو التأثير فيه‬ ‫بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫األدب والمجتمع‪ .‬وعملية إعادة الكتابة هذه تتطلب‬ ‫الترجمة ناقل مستأمن‬ ‫كلمة الترجمة باللغة اإلنجليزية‬ ‫‪ Translation‬هي في أصلها الالتيني‬ ‫تعني «يحمل ع �ب��ر»‪ .‬ففي المفهوم‬ ‫الغربي القديم‪ ،‬تعد الترجمة عملية‬ ‫ت��واص��ل ونقل م��واد بين الحضارات‬ ‫وال �ث �ق��اف��ات المختلفة‪ .‬وم ��ع ت��وال��ي‬ ‫ال � � �ق� � ��رون‪ ،‬ت� ��م ح� �ص ��ر اس� �ت� �خ ��دام‬ ‫المصطلح بعملية نقل الكلمات بين‬ ‫اللغة المصدر واللغة المستهدفة‪،‬‬ ‫وه��ك��ذا ت��م ال �ح �ف��اظ ع �ل��ى ال �ت��راث‬ ‫اإلغريقي عن طريق نقله عبر اللغات‬ ‫على مر العصور إلى العالم كله‪ .‬وقد‬ ‫ذكر األديب والمترجم السوري «أدهم‬ ‫وهيب مطر» في تناوله لتأثير الترجمة‬ ‫في اإلبداع الفكري أن الترجمة‪ ،‬بما‬ ‫ت�ح�ت��وي��ه م��ن م �ع��ارف وع �ل��وم وآداب‬ ‫المجتعمات األخرى‪-‬والتي تراكمت‬ ‫عبر العصور واألزمنة‪ -‬تشكل األرض‬ ‫ال �خ �ص �ب��ة ال �ت��ي ت�م�ك��ن ال �م �ب��دع من‬ ‫االس�ت�ف��ادة منها‪ ،‬للتحليق ف��ي آف��اق‬ ‫إبداعية جديدة مختلفة ومتنوعة‪.‬‬ ‫وباختصار شديد‪ ،‬ف��إن الترجمة‬ ‫ف��ي ع��ال��م األدب‪ ،‬ه��ي إع���ادة كتابة‬ ‫ال�ن��ص األص�ل��ي باللغة المستهدفة‪،‬‬ ‫وب��ذل��ك تسهم الترجمة ف��ي تطوير‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫حوار الثقافات في اإلبداع الفكري املترجم‬

‫تصرفاً وتالعباً بالنص األصلي حسب‬ ‫م��ا ي���راه ال�م�ت��رج��م م �ن��اس �ب �اً‪ ،‬وذل��ك‬ ‫بحسب ثقافته‪.‬‬

‫األيديولوجية فكر أم‬ ‫إحتياج؟‬ ‫ظ�ه��ر م��ؤخ��را االه �ت �م��ام بظاهرة‬ ‫تأثير األي��دي��ول��وج�ي��ة على الترجمة‬ ‫وأس� � �ل � ��وب ال� �م� �ت ��رج ��م ال �م �ف �ض��ل‪،‬‬ ‫وأص �ب �ح��ت األي��دي��ول��وج �ي��ة م �ح��ورا‬ ‫رئ �ي �س��ا ف��ي ال���دراس���ات المختصة‬ ‫بالترجمة‪ ،‬ولكن التركيز ك��ان دوما‬ ‫حول الموضوعات األدبية والدينية‪.‬‬ ‫ولكن ال تُدرك تعقيدات الترجمة إال‬ ‫من خالل التعرف على األيديولوجية‬ ‫ودورها في الترجمة‪.‬‬ ‫ع� �ل ��م األي� ��دي� ��ول� ��وج� ��ي أو ع �ل��م‬ ‫األف��ك��ار‪ ،‬ع �ل � ٌم ح��دي��ث ن�س�ب�ي��ا‪ ،‬وق��د‬ ‫عرفه الفيلسوف الفرنسي أنطوان‬ ‫دي تراسي في بداية القرن التاسع‬ ‫ع �ش��ر‪ ،‬وك� ��ان أول م ��ن م �ن �ح��ه ه��ذا‬ ‫االسم‪ .‬واأليديولوجية هي مجموعة‬ ‫األف��ك��ار واالف� �ت ��راض ��ات الضمنية‪،‬‬ ‫والمعتقدات ال�ت��ي تعكس االحتياج‬ ‫االجتماعي والتطلعات لشخص أو‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪25‬‬


‫جماعة أو حضارة‪ .‬فالمترجم لديه خلفيته الثقافية‬ ‫التي تشكل معتقداته وأف�ك��اره؛ ولذلك‪ ،‬نجد أنه‬ ‫ف��ي معظم األع �م��ال المترجمة يخضع المترجم‬ ‫أليديولوجيته التي تؤثر على ترجمته‪ ،‬بل وتتحكم‬ ‫في اختياره للنصوص والكلمات‪ ،‬وبالتالي يصبح‬ ‫ال مؤثراً في المجتمع المستهدف‪.‬‬ ‫عام ً‬ ‫ومن خالل الترجمة يستطيع الباحث المدقق‬ ‫أن يستشف إيديولوجية المترجم‪ .‬فكل قرار يتخذه‬ ‫المترجم بشأن الترجمة ‪-‬بدءاً من اختيار النصوص‬ ‫لترجمتها‪ ،‬واختيار الكلمات‪ ،‬وحذف بعض كلمات‬ ‫أو ع �ب��ارات ال �ن��ص‪ ،‬وإض��اف��ة ك�ل�م��ات أو ع�ب��ارات‬ ‫جديدة‪ -‬يلقي الضوء على تاريخ المترجم وثقافته‬ ‫ال لن يتعرض لترجمة‬ ‫وأيديولوجيته‪ .‬فرجل دين مث ً‬ ‫كتاب أو نص يتعارض مع دينه لغرض ربحي أو‬ ‫تجاري؛ وفي هذا المثال‪ ،‬يتجلى تحكم األيديولوجية‬ ‫في اختيار النص تبعا لخلفية المترجم الدينية‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى الثقافة‪ ،‬فإن من الصعب على مترجم‬ ‫من خلفية ثقافية عربية‪ ،‬أن يتعرض في ترجمته‬ ‫ال على‬ ‫لنص أجنبي ينعت المقاومة الفلسطينية مث ً‬ ‫أنها إرهابية كما تتهمها الكثير من الكتب الغربية‪،‬‬ ‫فذلك يتعارض مع معتقداته وأفكاره‪ ،‬بل وخلفيته‬ ‫السياسية أيضا‪ .‬وقد خلص بعض الباحثين مثل‬ ‫المؤلفة األسبانية الدكتورة «ماريا كالزادا بيريز»‬ ‫إلى أن كل استخدامات اللغة‪ ،‬بما ذلك الترجمة‪،‬‬ ‫هي استخدامات أيديولوجية‪.‬‬

‫النقل الثقافي‬ ‫ترتبط الثقافة ارتباطا وثيقا باأليديولوجية‪،‬‬

‫باألدب‪ ،‬فهي مرتبطة أيضاً بالترجمة؛ ألن األدب‬ ‫ليس موجوداً فقط داخل وعاء اللغة‪ ،‬ولكنه أيضاً‬ ‫داخ��ل إط��ار الثقافة‪ .‬ول��ذل��ك حين نترجم األدب‬ ‫فإننا بذلك نترجم الثقافة‪ .‬فالترجمة عملية نقل‬ ‫بين ثقافتين قد تكونا متشابهتين من ناحية‪ ..‬وهذا‬ ‫يعرف بعالمية الثقافة‪ ،‬أو متباينتين م��ن ناحية‬ ‫أخرى‪ ..‬وهذا ما يعرف بنسبية الثقافة‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫تبرز الترجمة كعامل مركزي في النظام الثقافي‬ ‫للمجتمع‪ .‬وق��د تطرقت ل��ذل��ك ال��دك �ت��ورة «س��ارة‬ ‫المهندي» ‪-‬من منسوبي جامعة قطر‪ -‬في مقالتها‬ ‫عن الترجمة واأليديولوجية‪ ،‬إذ ذكرت بعض األمثلة‬ ‫مثل عبارة «اإلستعمال المفرط للقوة ‪excessive use‬‬ ‫‪ »of force‬والتي غالبا ما تستخدم في المجتمعات‬ ‫الغربية حين التحدث ع��ن ال�ش��أن الفلسطيني‪/‬‬ ‫اإلسرائيلي‪ ..‬وذلك تبعا لثقافتهم وأيديولوجيتهم‪،‬‬ ‫بينما يستخدم العرب والمسلمون عبارة «التصعيد‬ ‫العسكري ‪ »military escalation‬للتعبير عن الموقف‬ ‫نفسه‪ .‬لذلك فإن للترجمة تأثير كبير ومباشر في‬ ‫تغيير المجتمعات المتلقية لتلك الترجمات‪.‬‬ ‫وه �ن��اك ش�ب��ه إج �م��اع ف��ي غ��ال�ب�ي��ة ال��دراس��ات‬ ‫المتعلقة بالترجمة‪ ،‬على أنها ليست فقط عملية‬ ‫نقل بين اللغات‪ ،‬ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك‪،‬‬ ‫وربما احتوت على حوار بين حضارة وثقافة النص‬ ‫المصدر‪ ..‬وبين حضارة وثقافة اللغة المستهدفة‪،‬‬ ‫بل ربما أدت الترجمة إلى تصادم أو صراع فكري‪.‬‬ ‫وب��ذل��ك ت�ع��د ال�ت��رج�م��ة م�ك��ان��ا مثاليا للصراعات‬ ‫والتحديات‪ ،‬وحتى اللقاءات األيديولوجية‪.‬‬

‫فالثقافة تعنى ضرور ًة باألشخاص داخل مجتمع ما‪ ،‬إستراتيجيات الترجمة‪ ..‬خيارات مقيدة‬ ‫إذ ترتبط قدرة الشخص على التعرف على العالم‬ ‫بالمعايير الثقافية المتعارف عليها في مجتمعه‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فإن المترجم في كثير من األحيان يتصرف‬ ‫ف��ي النص األص�ل��ي حذفا وإض��اف��ة تبعا لخلفيته‬ ‫الثقافية‪ ،‬دون أن يجد حرجا من ذل��ك‪ ،‬أو يعده‬ ‫مخالفا لقواعد الترجمة‪ .‬والثقافة كما هي مرتبطة‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫اختيار إستراتيجية الترجمة عادة ليس عملية‬ ‫عشوائية أو اختياراً شخصياً بحتاً‪ ،‬فالقليل فقط‬ ‫من المترجمين يختارون استراتجيات الترجمة‬ ‫بإرادتهم الحرة‪ ،‬ورغبتهم الشخصية‪ .‬وق��د سبق‬ ‫أن ذكرنا أن األيديولوجية تتحكم في اختيارات‬ ‫المترجم وإستراتيجياته‪ ..‬بل في الترجمة نفسها‬


‫ •غ��رض ووظيفته النص‬ ‫المراد ترجمته‪.‬‬ ‫ •م�ك��ان��ة ال�ن��ص المترجم‬ ‫في النظام األدبي‪.‬‬ ‫ •م ��دى إم�ك��ان�ي��ة معالجة‬ ‫الصراع أو الصدام بين‬ ‫الثقافتين‪.‬‬ ‫ك �م��ا ي �ت �ح �ك��م ف ��ي االخ �ت �ي��ار‬ ‫أيديولوجية الناشر والحكومة‪،‬‬ ‫وم �ق��دار السلطة المخولة لديهم‪ ،‬س��واء بصورة‬ ‫مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬ولنأخذ مثال على ذلك‬ ‫اغ �ت �ي��ال األس �ت��اذ ال�ج��ام�ع��ي وال�م�ت��رج��م ال�ي��اب��ان��ي‬ ‫“هيتوشي إجاراشي” ال��ذي ترجم رواي��ة “آيات‬ ‫شيطانية” ل�ل�ك��ات��ب “سلمان رشدي” ف��ي ع��ام‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬في مكتبه بجامعة “تسوكوبا” اليابانية‪.‬‬ ‫وعلى إثر ذلك ترددت دور النشر اليابانية األخرى‬ ‫في نشر الترجمة‪.‬‬ ‫كذلك تتدخل ق��درة المترجم على الترجمة‪..‬‬ ‫أي تمكنه من لغة المصدر‪ ،‬واللغة المستهدفة‪،‬‬ ‫ومكانته في المجتمع الثقافي المستهدف في جودة‬ ‫الترجمة‪ ،‬وقدرتها على الحصول على القبول أو‬ ‫االستحسان‪.‬‬

‫ارتبط مصطلح األيديولوجية‬ ‫م��ؤخ��راً بالمعتقدات السياسية‬ ‫ل�لأش �خ��اص أو ال �ج �م��اع��ات‪ .‬ما‬ ‫أدى إلى إضافة نوع من السلبية‬ ‫للمصطلح‪ ،‬وولدت تيارات مضادة‬ ‫أو معادية له‪ .‬واأليديولوجية التي‬ ‫تخدم األغ ��راض السياسية‪ ..‬ال‬ ‫شك أنها تتحكم بشكل كبير في‬ ‫اختيار النصوص المراد ترجمتها‪،‬‬ ‫وأس�ل��وب ترجمتها‪ ،‬ونشرها في‬ ‫األوس ��اط المعنية‪ .‬لذلك ينبغي‬ ‫في تدريس الترجمة‪ ،‬التنبيه على‬ ‫أن المترجمين يواجهون قرارات‬ ‫حاسمة‪ ،‬نظرا لما للترجمة من‬ ‫تأثير ثقافي وسياسي واجتماعي‬ ‫في الحياة العامة‪ .‬والسؤال الذي‬ ‫يجب التركيز عليه هو من يترجم؟‬ ‫وماذا ولمن؟ وألي غاية؟‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ك �ع �م��ل م��ت��ك��ام��ل‪ .‬ك��م��ا ت�خ�ض��ع‬ ‫اختيارات المترجمين للنصوص‬ ‫األدب� �ي ��ة ل �ل �ق �ي��ود االج �ت �م��اع �ي��ة‪،‬‬ ‫فالنصوص األدب �ي��ة س ��واء منها‬ ‫األص �ل �ي��ة أو ال �م �ت��رج �م��ة‪ ،‬ت��وف��ر‬ ‫ق��دراً كبيراً من المعلومات حول‬ ‫ال��ع�ل�اق��ات ب �ي��ن األي��دي��ول��وج �ي��ة‬ ‫والسلطة والحوارات‪ ،‬تماماً مثل‬ ‫النصوص غير األدب �ي��ة‪ .‬وهناك‬ ‫عدة عوامل تتحكم في االختيار‬ ‫منها‪:‬‬

‫تأثير األيديولوجية‬

‫وت��وظ �ي��ف األي��دي��ول��وج �ي��ة في‬ ‫الترجمة موجود‪ ،‬كما هو متواجد‬ ‫ف��ي أغ �ل��ب أش��ك��ال ال��ت��واص��ل‪ ،‬وال ي�م�ك��ن فصل‬ ‫األيديولوجية عن الترجمة بأي حال‪ .‬فاأليديولوجية‬ ‫نفسها متجذرة ف��ي التعابير اللغوية‪ ،‬والترجمة‬ ‫حين تنقل األدب من لغة إلى أخ��رى‪ ،‬تعتبر بذلك‬ ‫أداة فاعلة في العملية األيديولوجية‪ ..‬كما تقول‬ ‫الدكتورة التايوانية «شيه شونج لنج»‪.‬‬ ‫والترجمة األدبية أداة قوية للتعامل المعرفي؛‬ ‫ألن ال �ش �ع��ر ب� ��أوزان� ��ه ال �م��وس �ي �ق �ي��ة‪ ،‬وال �ق �ص��ص‪،‬‬ ‫والروايات بحبكتها‪ ..‬تستطيع أن تستوعب المواعظ‬ ‫األي��دي��ول��وج�ي��ة وال�ن�ص��ائ��ح‪ ،‬وإي�ص��ال�ه��ا بشكل غير‬ ‫مباشر‪ .‬وفي الغالب‪ ،‬يحتوي األدب المترجم على‬ ‫ع�لاق��ات ق��وي��ة بين السياسة والثقافة والسلطة‪،‬‬ ‫وجميعها تتفاعل بشكل كبير م��ع األيديولوجية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪27‬‬


‫والترجمة األدب �ي��ة تعكس األيديولوجية‪ ،‬وتضفي‬ ‫عليها الشرعية أي�ض�اً‪ ،‬كما تعد الترجمة األدبية‬ ‫م �ص��دراً غ�ن�ي�اً ب��ال�م�ع�ل��وم��ات للباحثين ف��ي مجال‬ ‫األيديولوجية‪.‬‬ ‫وتتغلغل األيديولوجية في العمل المترجم بشكل‬ ‫سلس وتلقائي‪ ،‬وفي كثير من األحيان‪ ،‬من دون أن‬ ‫يشعر ب��ذل��ك المترجم ال��ذي ق��د ت�ش��رب المعايير‬ ‫األي��دي��ول��وج �ي��ة ل�م�ج�ت�م�ع��ه‪ ،‬وأص �ب �ح��ت ج� ��زءا من‬ ‫شخصيته وهويته‪ .‬نجده يتفادى العبارات التي تعد‬ ‫غير مقبولة في مجتمعه‪ ،‬ويستبدلها بأخرى أكثر‬ ‫مالءمة لثقافته‪ ،‬وللجمهور المتلقي للترجمة‪ ،‬ويعود‬ ‫السبب إلى سعي المترجم للحصول على القبول في‬ ‫مجتمعه‪ ..‬ول��دى قرائه‪ .‬ولكننا أحيانا ن��رى بعض‬ ‫المترجمين يخرجون عن هذا النمط‪ ،‬وذلك عائد‬ ‫بالدرجة األول��ى إلى أغ��راض محددة‪ ،‬تقودهم إلى‬ ‫التضاد مع أيديولوجية الثقافة المستهدفة‪.‬‬ ‫وي�ب��دأ تأثير أيديولوجية المترجم م��ن لحظة‬ ‫اختياره للنص األصلي‪ ،‬فهذا االختيار يعتمد على‬ ‫نظرة المترجم إلى ثقافة النص األصلي‪ .‬فإذا كانت‬ ‫نظرة المترجم إلى ثقافة المصدر نظرة استعالء؛‬ ‫بمعنى أن المترجم منحاز للثقافة المستهدفة‪ ،‬حينها‬ ‫ستحفل الترجمة بالكثير من التدجين والترويض‬ ‫للنص‪ ،‬والتعديل بالحذف واإلضافة‪ ،‬لجعل الترجمة‬ ‫ق��ري�ب��ة م��ن ال�ث�ق��اف��ة ال�م�س�ت�ه��دف��ة‪ .‬وه �ن��ا تحكمت‬ ‫أيديولوجية المترجم في إخراجه للترجمة‪ ،‬والتي‬ ‫عادة ما تفتقر لكثير من ميزات النص األصلي‪.‬‬ ‫وعلى النقيض‪ ..‬عندما يعجب المترجم بثقافة‬ ‫المصدر‪ ،‬فإنه ينحاز إليها‪ ..‬وتأتي الترجمة حينها‬ ‫على مستوى عال من الميزات الثقافية األجنبية‪ ،‬مع‬ ‫المحافظة على الصور والتعابير األدبية األجنبية‪،‬‬ ‫ويكون التصرف في النص بالحذف أو اإلضافة‬ ‫أو التدجين شبه منعدم‪ .‬وبذلك تسهم الترجمة‬ ‫في نقل ونشر أيديولوجية المترجم‪ .‬وقد يتعمد‬ ‫المترجم بتأثير سياسي أو اجتماعي‪ ،‬أو بغرض‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫حماية ثقافته المحلية ونزعته القومية‪ ،‬الستبدال‬ ‫بعض المفردات الثقافية في النص األصلي بأخرى‬ ‫م��ن ثقافته‪ ،‬وب�ه��ذا يتحقق للمترجم تقليل تأثير‬ ‫الثقافة األجنبية على ق��رائ��ه ومجتمعه‪ ،‬إضافة‬ ‫إل��ى تعزيز ثقافة المترجم وقيمها‪ ،‬وه��ذا يعرف‬ ‫بالوطنية الثقافية‪ .‬وق��د يسهم مثل ه��ذا الفعل‬ ‫وه��و توحيد العناصر الثقافية وجعلها متقاربة‬‫مع تلك المتعارف عليها في البيئة المستهدفة‪-‬‬ ‫ف��ي جعل ال�ن��ص المترجم أك�ث��ر س�لاس��ة‪ ،‬وأق��رب‬ ‫للقارئ‪ ..‬حيث تتوارى الثقافة األجنبية‪ .‬لكن ذلك‬ ‫في المقابل‪ ،‬يحرم القراء فرصة تعلم بعض القيم‬ ‫الثقافية الموجودة في األدب األجنبي‪ ،‬ويقلل من‬ ‫أهمية العناصر الثقافية األجنبية بالمقارنة مع تلك‬ ‫الوطنية‪ .‬هذا التوحيد األيديولوجي يسهم في بناء‬ ‫شكل من أشكال الوحدة بين األفراد‪ ،‬وتعزيز الهوية‬ ‫ٍ‬ ‫الجماعية في البيئة المستهدفة‪ .‬والتصرف في‬ ‫ال‬ ‫النصوص يمكن أن يكون حتى في العنوان‪ ،‬فمث ً‬ ‫قصة األط �ف��ال اإلنجليزية المشهورة «‪Sleeping‬‬ ‫‪ Beauty‬أو “الجمال النائم”‪ ..‬تم تغيير العنوان‬ ‫في األدب العربي وأصبح األميرة النائمة‪ .‬والحال‬ ‫نفسه في الترجمة إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ولنأخذ‬ ‫على سبيل المثال القصة العربية الشهيرة “ألف‬ ‫ليلة وليلة”‪ ،‬حين ترجمت إل��ى اللغة اإلنجليزية‬ ‫أصبح عنوانها هو “الليالي العربية أو ‪The Arabian‬‬ ‫‪ .”Nights‬وهذه األمثلة تدل على تدخل مباشر في‬ ‫الترجمة‪ ،‬لجعلها أكثر مالءمة للبيئة المستهدفة‪.‬‬

‫إعادة كتابة األدب‬ ‫ح �ي��ن ي �ك��ون ال �غ��رض م��ن ال �ت��رج �م��ة األدب� �ي ��ة هو‬ ‫التنوع الثقافي والتبادل الثقافي‪ ،‬نجد أن الترجمة‬ ‫تحاول بشكل كبير المحافظة على السمات األصلية‬ ‫وال �م �ف��ردات والقيم الثقافية األجنبية‪ ،‬م��ع إضافة‬ ‫مالحظات هامشية تمكن القارئ من فهم النص بشكل‬ ‫أفضل‪ .‬وف��ي ه��ذا النوع من الترجمة‪ ،‬يتبين التميز‬ ‫بشكل جلي بين ثقافة المصدر وثقافة المستهدف‪،‬‬ ‫ويتسلط ال�ض��وء على االخ�ت�لاف��ات بين الثقافتين‪.‬‬


‫وإذا نظرنا إلى األدب العربي‪ ،‬نجده فناً موجها‬ ‫نحو التواصل الشفهي بين الجماعات واألفراد‪ ،‬ولذلك‬ ‫نجد أن ترجمته إلى اللغات الغربية تشكل تحديا كبيراً‬ ‫للمترجم‪ ،‬في محاولة نقل التقاليد األدبية العربية أو‬ ‫األنماط والقوافي‪ .‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬وإنما أيضاً‬ ‫ال ي �م �ك��ن ع���زل األدب ال �م �ت��رج��م ع ��ن ال�ث�ق��اف��ة‬ ‫تعايش اللغة العربية الفصحى واللغة العربية العامية‬ ‫جنباً إل��ى جنب في نفس المجتمع‪ ،‬ما يفرض على المستهدفة واألدب المحلي للغة المستهدفة؛ ألن‬ ‫المترجم ضرورة التصرف والتالعب بالنص األصلي‪ .‬األدب المترجم مثله مثل األدب المحلي‪ ،‬يخضع‬ ‫وبالنسبة إل��ى ترجمة الشعر اإلنجليزي فقد تم لضغوط األوض��اع االجتماعية والسياسية للمجتمع‬ ‫إدخال القصيدة النثرية كنوع جديد من األدب‪ ،‬مزاحماً المستهدف‪ ،‬كما ذك��رت ال��دك �ت��ورة التركية «ري�ه��ان‬ ‫بذلك القصيدة التقليدية‪ .‬لكن بعض المترجمين في إيريل» في بحثها المنشور عن الترجمة األدبية‪ .‬وفي‬ ‫ترجماتهم للشعر الغربي‪ ،‬تكلفوا وضعه في قوالب ذات الوقت يخبرنا األدب المترجم الكثير عن ثقافة‬ ‫شعرية عربية موزونة‪ ..‬وأحياناً مقفاة‪ ،‬والمثال على المصدر وأيديولوجيته وخصائص مجتمعه‪ .‬والكثير‬ ‫ذلك بعض الترجمات المنتشرة لسوناتة “شكسبير” من المثقفين واألدب��اء يعتبرون ترجمة األدب عملية‬ ‫وال�ت��ي ج��اءت مقفاة وم��وزون��ة‪ ،‬لتتناسب م��ع المزاج إعادة كتابة له‪ ،‬أو عملية خلق نص موازٍ للنص األصلي؛‬ ‫الشعري العربي‪.‬‬ ‫ألن جعل النصين المترجم والمصدر متطابقين‪ ،‬هي‬ ‫إن معظم الترجمات األدب�ي��ة إل��ى اللغة العربية‪ ،‬عملية شبه مستحيلة‪ ..‬مهما كانت براعة المترجم‬ ‫وجدت في أساسها ألجل االرتقاء بالثقافة المستهدفة وأمانته واجتهاده‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫فحين يحتوي األدب المترجم على معلومات وقيم‬ ‫ثقافية أجنبية‪ ،‬فإن ذلك يساعد القراء على التثاقف‬ ‫والتأقلم مع اآلخر بطريقة غير مباشرة‪.‬‬

‫وت�ط��وي��ره��ا‪ ،‬بينما ك��ان ال �ه��دف األوح ��د م��ن غالبية‬ ‫ترجمات النصوص العربية إلى اللغات األجنبية‪ ،‬هو‬ ‫‪1 .1‬الترجمة‪ :‬بين اإلبداع الفكري والمفهوم األيديولوجي‪ .‬أدهم‬ ‫تحسين صورة العرب في المجتمع الغربي‪ ،‬وتعريفهم‬ ‫وهيب مطر (‪2008‬م)‪.‬‬ ‫ب��األدب العربي‪ ..‬والمالحظ هنا أن تلك الترجمات ‪2 .2‬الترجمة واأليدلوجية‪ .‬سارة المهندي (‪2008‬م)‪.‬‬ ‫قام بها مترجمون عرب‪.‬‬ ‫‪3 .3‬م ��ا ي �ت��ع �ل��ق ب��األي��دي��ول��وج ��ي‪ :‬دراس� � ��ات ف ��ي ال �ت��رج �م��ة ‪-‬‬

‫المراجع‬

‫األيديولوجيات في دراسات الترجمة‪ .‬ماريا كالزادا بيريز‬ ‫(‪2003‬م)‪.‬‬ ‫‪4 .4‬مداخالت األيديولوجية في الترجمة‪ :‬إستراتيجيات ترجمة‬ ‫المصادر الثقافية‪ .‬شيه شونج لنج (‪2010‬م)‪.‬‬ ‫‪5 .5‬مقاربة تحليل الخطاب النقدي لترجمات المحرمات في‬ ‫النصوص األدب �ي��ة داخ��ل السياق التاريخي واالجتماعي‬ ‫والسياسي التركي‪ .‬ريهان فوندا اسبوجا‪-‬إيريل (‪2007‬م)‪.‬‬ ‫‪6 .6‬ه��ل الترجمة إع ��ادة كتابة ن��ص أص��ل ��ي؟ توموكو إنابا‬ ‫(‪2009‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪29‬‬


‫الترجمة احلاسوبية‪ ..‬عون املترجم أم نهايته!‬

‫ال‬

‫> خلف سرحان القرشي‪ -‬السعودية‬

‫تمهيد‪:‬‬ ‫يرى كثيرون أن الحاسب اآللي مجرد معين لإلنسان‪ ،‬ولن يحل محله بالكامل‬ ‫ف��ي أي مهنة‪ ،‬السيما تلك التي تتطلب إع��م��اال للعقل‪ .‬وأن��ص��ار ه��ذا ال��رأي‬ ‫يستشهدون بعجز الحاسب عن الفوز في لعبة الشطرنج على بطل العالم‬ ‫الروسي (كاسباروف) عدة سنوات متتالية‪.‬‬ ‫ول �ك��ن‪ ،‬وب�ع��د أن تمكّن ال�ح��اس��ب م��ن هزيمة‬ ‫(ك ��اس� �ب ��اروف)‪ ،‬ف��ي م�ش�ه��د ت��رق�ب��ه وت��اب �ع��ه عبر‬ ‫النت مئات الماليين ف��ي مختلف أن�ح��اء العالم‬ ‫ع��ام ‪1997‬م‪ ،‬تراجع بعضهم عن رأي��ه‪ ..‬وب��دؤوا‬ ‫يذكرون أنفسهم وغيرهم بأن كثيرا من المنجزات‬ ‫البشرية كانت حلما بعيد المنال‪ ،‬بل ضربا من‬ ‫الخيال‪ ..‬كالسيارة‪ ،‬والطائرة‪ ،‬والقطار‪ ،‬والهواتف‪،‬‬ ‫والمذياع‪ ،‬والتلفاز‪.‬‬ ‫وع� ��اد ال� �س ��ؤال م� �ج ��ددا ل�م�ه�ن��دس��ي ال�ل�غ��ات‬ ‫تحديدا‪ ..‬وغيرهم عموما‪ :‬هل بوسع الحاسب‬ ‫ترجمة نص من لغة إلى أخرى بمساعدة اإلنسان‬ ‫أم بدونها‪ ،‬وهل هناك قواسم مشتركة؛ (ذهنية)‬ ‫ على األق��ل ‪ -‬بين لعبة الشطرنج وبين عملية‬‫الترجمة؟ وهل يشكل الحاسب حاليا ومستقبال‬ ‫عونا للمترجم ال�ب�ش��ري‪ ..‬أم تهديدا ل��ه وقطعا‬ ‫لرزقه؟‬

‫لماذا الترجمة؟‬ ‫ب��دأت حاجة اإلن �س��ان إل��ى الترجمة منذ أن‬ ‫احتاج إلى التواصل مع غيره من البشر من غير‬ ‫بني لغته‪ ،‬وك��ان��ت الترجمة وم��ا ت��زال م��ن أنجح‬ ‫وسائل التالقح الحضاري بين األم��م والشعوب‪،‬‬ ‫ألن�ه��ا ال�ن��اق��ل للفكر والثقافة والمعرفة والعلم‬ ‫واألدب من لغة إلى أخرى‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫وما قامت حضارة في العالم قديما أو حديثا‪،‬‬ ‫إال وأخذت واقتبست من الحضارات األخ��رى‪...‬‬ ‫وظلت الترجمة واحدة من أهم الطرق إلى ذلك‪،‬‬ ‫وما كان الخليفة العباسي المأمون ليعطي المترجم‬ ‫وزن ما ترجمه ذهبا‪ ..‬إال لقناعته بأهمية الترجمة‬ ‫ودورها الكبير في مسلسل الحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫ما المقصود بالترجمة الحاسوبية؟‬ ‫نعني بالترجمة اآللية أو اإللكترونية‪ ،‬كل عملية‬ ‫ترجمة نص من لغة طبيعية إلى أخرى باستخدام‬ ‫اآللة – الحاسوب – غالبا‪ ،‬بشكل كلي أو جزئي‬ ‫في عملية الترجمة‪ ،‬لذا بوسعنا أن نطلق عليها‬ ‫مصطلح (الترجمة الحاسوبية) أيضا‪.‬‬

‫الحاجة إلى الترجمة الحاسوبية‬ ‫مع ازدياد الكم المعرفي والمعلوماتي‪ ،‬الصادر‬ ‫من شتى بقاع األرض وكذلك السماء المتثل في‬ ‫الفضائيات‪ ،‬الذي يزداد يوما بعد آخر ‪ -‬السيما‬ ‫ف��ي عصر تفجر المعلومات وث��ورة االت�ص��االت‪،‬‬ ‫متمثال ف��ي العولمة وتداعياتها وأدوات �ه��ا‪ ،‬مثل‬ ‫اإلنترنت وال�ق�ن��وات الفضائية‪ ،‬التي جعلت من‬ ‫عالمنا الواسع األرج��اء قرية صغيرة تنوء بحمل‬ ‫م��ا فيها م��ن م �ع��ارف وأف��ك��ار‪ ،‬م��ع ازدي� ��اد ذل��ك‬ ‫الكم‪ ،‬ازدادت الحاجة إلى الترجمة والمترجمين‬


‫ول �ت �ت �ض��ح ال � �ص� ��ورة أك��ث��ر‪،‬‬ ‫فالحاجة حاليا ماسة للترجمة‬ ‫م ��ن اإلن �ج �ل �ي��زي��ة وإل� �ي� �ه ��ا‪ ،‬في‬ ‫ظل االنتشار السرطاني لهذه اللغة‪ ..‬وهيمنتها‬ ‫المتزايدة يوما بعد يوم‪ .‬فآخر اإلحصاءات تشير‬ ‫إلى أن المتحدثين بها كلغة أولى يصل إلى (‪)380‬‬ ‫مليون نسمة‪ ،‬وثلثي هذا العدد يتحدثون بها كلغة‬ ‫ثانية‪ ،‬ويتوقع علماء اللغة أنه بحلول عام ‪2050‬م‪،‬‬ ‫ف��إن نصف س�ك��ان ال�م�ع�م��ورة على األق ��ل سوف‬ ‫يتعاملون مع هذه اللغة بشكل أو بآخر‪ .‬وهناك‬ ‫غ�ي��ر اإلن�ج�ل�ي��زي��ة‪ -‬لغة (ال �م��ان��دري��ن) الصينية‬‫التي تفوق اإلنجليزية في عدد متحدثيها‪ ،‬حيث‬ ‫يتجاوز عددهم أل (‪ )835‬مليون شخص‪ ،‬ويتوقع‬ ‫لها مزيدا من الذيوع واالنتشار‪ ،‬السيما مع ظهور‬ ‫ماليين المواقع الصينية على الشبكة العنكبوتية‪،‬‬ ‫وازدهار االقتصاد الصيني بعد أن انطلق المارد‬ ‫الصيني من قمقمه كما يقال‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫المتخصصين في شتى مجاالت‬ ‫ال�ع�ل��م وال�م�ع��رف��ة‪ ،‬وزاد ال�ع��بء‬ ‫الملقى على عاتق المترجمين‪،‬‬ ‫وص� � َّع ��ب ع �ل �ي �ه��م م�لاح �ق��ة ما‬ ‫تلفظه دور ال�م�ط��اب��ع وال�ن�ش��ر‬ ‫وم��راك��ز األب �ح��اث‪ ،‬وم��ا يصدر‬ ‫ع��ن م�خ�ت�ل��ف ال �م��ؤس �س��ات من‬ ‫نتاج مقروء ومسموع ومُشَ اهَ ٍد‬ ‫يستحق ال�ت��رج�م��ة‪ ،‬ل��درج��ة أن‬ ‫اليابان وجدت نفسها مضطرة‬ ‫لترجمة (‪ )1700‬ك�ت��اب علمي‬ ‫في العام الواحد‪ ،‬ودول االتحاد‬ ‫األوروبي تنفق سنويا نحو ‪%40‬‬ ‫م��ن ميزانياتها على الترجمة‪.‬‬ ‫ويتوقع خبراء في االقتصاد أن‬ ‫ص�ن��اع��ة ال�ت��رج�م��ة س��وف تنمو‬ ‫وتصل إلى المليار دوالر بحلول‬ ‫عام ‪2015‬م‪.‬‬

‫وم ��ن ه �ن��ا‪ ،‬ظ �ه��رت وت�ن��ام��ت‬ ‫ال�ح��اج��ة إل��ى االس�ت�ع��ان��ة ب��اآلل��ة‬ ‫ممثلة في عملية الترجمة‪ ،‬لعلها‬ ‫تخفف من العبء‪ ،‬وتوفر الوقت‬ ‫وال �ج �ه��د وال� �م ��ال‪ ،‬وب���دأ الحلم‬ ‫ي��راود اإلنسان‪ ..‬وإن شئت فقل‬ ‫القلق‪( -‬فـما يكون طعاما لزيد‪،‬‬ ‫ق��د ي �ك��ون س � ّم��ا ل �ع �م��رو)‪ -‬في‬ ‫أن ي�ح��ل ال�ح��اس��ب اآلل ��ي محل‬ ‫ال�م�ت��رج��م ال �ب �ش��ري ف��ي عملية‬ ‫ال�ت��رج�م��ة ألي ن���ص‪ ..‬وم ��ن أي‬ ‫لغة وإليها‪ .‬وعزّز من هذا األمر‬ ‫التطور المذهل فيما وصلت إليه‬ ‫التكنولوجيا الحاسوبية‪ ،‬مسخرة‬ ‫بذلك تقنيات الذكاء الصناعي‪.‬‬

‫أنماط الترجمة‬ ‫الحاسوبية‬ ‫ه � �ن� ��اك ع� � ��دة أن� � �م � ��اط م��ن‬ ‫الترجمة الحاسوبية أبرزها‪:‬‬ ‫ •الترجمة لمجرد أخ��ذ فكرة‬ ‫عامة عن المادة المطلوب ترجمتها‪ ،‬وهنا‬ ‫تكون دق��ة الترجمة وأسلوبها وصحتها‬ ‫في المضمون واللغة أم��ورا غير مهمة‪،‬‬ ‫وه��ذا النوع من الترجمة يصلح لترجمة‬ ‫محتوى بعض م��واق��ع اإلن�ت��رن��ت‪ ،‬وكذلك‬ ‫رسائل البريد اإللكتروني والمحادثات‬ ‫الفورية عبر الشبكة (الشات)‪ .‬وفي هذا‬ ‫الصدد نجد أن الترجمة اآللية حققت‬ ‫قفزة هائلة في ه��ذا المجال‪ ،‬وم��ا كثرة‬ ‫مستخدمي خدمة الترجمة اآللية التي‬ ‫يقدمها الموقع العالمي الشهير (جوجل‬ ‫‪ )Google‬إال شاهد على ذلك‪.‬‬ ‫ •الترجمة الدقيقة لمحتوى النص المراد‬ ‫نقله للغة أخ��رى‪ ،‬حيث تكون التفاصيل‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪31‬‬


‫ع� �ل ��ى ق � ��در ك �ب �ي��ر م��ن‬ ‫األه�م�ي��ة‪ ..‬مثل ترجمة‬ ‫ن��ص ع�ل�م��ي أو ت�ق��ري��ر‬ ‫طبي أو قطعة أدبية‪..‬‬ ‫وهذا النوع من الترجمة‪،‬‬ ‫م��ا ي ��زال تحقيقه عبر‬ ‫الحاسوب– حتى اآلن‬ ‫– أم� ��را ب �ع �ي��د ال �م �ن��ال‬ ‫على األقل‪.‬‬

‫محطات تاريخية‬ ‫ب��دأت بواكير التنفيذ لفكرة‬ ‫الترجمة اآللية مع مطلع القرن‬ ‫السابع عشر‪ ،‬إذ ظهرت معاجم‬ ‫لغوية آلية بدأها (كيف بيك) عام‬ ‫‪1657‬م‪ ،‬وكذلك (انستاسيوس‬ ‫كيرشر) عام ‪1663‬م وغيرهما‪،‬‬ ‫وخففت هذه المعاجم من العمل‬ ‫اليدوي بعض الشيء في عملية‬ ‫الترجمة‪.‬‬ ‫أم��ا ف��ي ع��ام ‪1933‬م‪ ،‬فقد‬ ‫اب�ت�ك��ر (ب�ي�ت��ر س�م�ي��رن��وف) أول‬ ‫جهاز للترجمة اإللكترونية‪ ،‬وفي‬ ‫عام ‪1941‬م تمكن (تروبانسكي)‬ ‫من تشغيل آلة لطباعة الكلمات‬ ‫وترجمتها من لغة إل��ى أخ��رى‪،‬‬ ‫ول���م ي �ك��ن ح �ظ �ه��ا م ��ن ال �ن �ج��اح‬ ‫كبيرا‪ ،‬وظهرت بعد ذلك أجهزة‬ ‫ال�ح��اس��ب اآلل ��ي اب �ت��داء بجهاز‬ ‫(مارك)‪ .‬واستمرت الجهود نحو‬ ‫تحقيق ال�ه��دف‪ ،‬مع ظهور تلك‬ ‫األجهزة التي كانت تعد فتحا مبينا آنذاك‪.‬‬

‫االل��ت��ف��ات إل� ��ى م��وض��ع (أم� ��ر)‬ ‫استخدام الحاسب في الترجمة‪،‬‬ ‫وتم وضع برنامج طموح لذلك‪.‬‬ ‫أما في عام ‪1952‬م‪ ،‬فقد عقد‬ ‫أول م��ؤت�م��ر ت�م��ت ف�ي��ه ت�ج��ارب‬ ‫عملية للترجمة اآلل �ي��ة‪ ،‬وذل��ك‬ ‫ف ��ي م �ع �ه��د (م��اس��ات �ش��وس �ت��س)‬ ‫ل �ل �ت �ك �ن��ول��وج �ي��ا ف� ��ي ال� ��والي� ��ات‬ ‫المتحدة األمريكية‪ ،‬وف��ي عام‬ ‫‪1954‬م ت � � ّم أول ع� ��رض حي‬ ‫لجهاز ترجمة آلية ف��ي جامعة‬ ‫(جورج تاون) بالواليات المتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬حيث ت ّم ترجمة (‪)49‬‬ ‫جملة من اللغة الروسية إلى اللغة‬ ‫اإلنجليزية‪ .‬وتبنت عدة جامعات‬ ‫أم��ري �ك �ي��ة م �ش��روع��ات مختلفة‬ ‫لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬استمرت‬ ‫إل ��ى م�ن�ت�ص��ف ال�س�ت�ي�ن�ي��ات من‬ ‫دون نتائج مشجعة‪ .‬كما ظهرت‬ ‫ف��ي ال��والي��ات المتحدة نفسها‬ ‫وان �ج �ل �ت��را وف��رن��س��ا وأل �م��ان �ي��ا‬ ‫وت �ش �ي �ك��وس �ل��وف��اك �ي��ا وغ �ي��ره��ا‬ ‫مجموعات بحثية كثيرة‪ ،‬قامت‬ ‫ع �ل��ى ت �ط��وي��ر ن �ظ��م ل�ل�ت��رج�م��ة‬ ‫اإلل�ك�ت��رون�ي��ة‪ ،‬وك ��ان ه��دف تلك‬ ‫المجموعات في الغالب تزويد‬ ‫محللي ال�م�خ��اب��رات بمعلومات‬ ‫علمية وتكنولوجية ع��ن ال��دول‬ ‫المنافسة‪.‬‬

‫وف� ��ي ال � �غ� ��رب‪ ،‬ت ��رك ��زت كل‬ ‫ال�ج�ه��ود تقريبا على الترجمة‬ ‫من الروسية إل��ى اإلنجليزية إب��ان فترة الحرب‬ ‫وفي عام ‪1949‬م‪ ،‬اقترح (وارين ويفر) ‪-‬الذي الباردة‪ ،‬وتحقق للجهات المخابراتية آنذاك جزءٌ‬ ‫ك��ان يشغل منصب ن��ائ��ب ال��رئ�ي��س ف��ي مؤسسة مما تريده في ه��ذا الصدد‪ ،‬إذ أنها في الغالب‬ ‫(روكلفر) لألبحاث بالواليات المتحدة األمريكية‪ -‬كانت تبحث بسرعة عن أفكار عامة للموضوعات‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫توقفت بعد ه��ذا التقرير معظم المشاريع‪،‬‬ ‫و ُقلِّصت المصروفات على بعضها‪ ،‬وإلى حد كبير‬ ‫في الواليات المتحدة‪ .‬أما في اإلتحاد السوفيتي‬ ‫ودول أوروبا الشرقية فقد تواصل بعضها‪ ،‬ولكن‬ ‫ببطء شديد‪ ..‬ودونما نتائج مشجعة‪.‬‬ ‫ورغ ��م إي �ق��اف ال�ح�ك��وم��ة األم��ري�ك�ي��ة لدعمها‬ ‫لمشروعات الترجمة‪ ،‬إال أن القطاع الخاص أخذ‬ ‫على عاتقه المهمة مجددا‪ ،‬وقامت عدة شركات‬ ‫ببذل جهود ملحوظة في هذا الجانب‪ ،‬ومع ظهور‬ ‫الجيل الخامس م��ن أج�ه��زة الحاسب اآلل��ي في‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬وم��ع ازدي ��اد االح�ت�ي��اج��ات العلمية‬ ‫والتقنية والمكتبية والتجارية ف��ي المجتمعات‬ ‫الحديثة‪ ،‬ع��اد الحلم ي��راود مهندسي اللغويات‪،‬‬ ‫وم�ص�م�م��ي ال �ن �ظ��م‪ ،‬وق�ب�ل�ه��م أص �ح��اب وم��دي��ري‬ ‫المؤسسات المختلفة‪ ،‬وما يزال العمل جاريا حتى‬ ‫اليوم‪ ..‬وفي ظني أنه سيتواصل بطرائق وتقنيات‬ ‫وآليات مختلفة‪.‬‬ ‫ف ��ي م �ن �ت �ص��ف ال �ت �س �ع �ي �ن �ي��ات‪ ،‬ظ� �ه ��رت ألول‬ ‫م��رة ب��رام��ج للترجمة اإللكترونية ف��ي األس��واق‪،‬‬ ‫أعقبها بفترة وجيزة ظهور مواقع على الشبكة‬ ‫العالمية (اإلنترنت)‪ ،‬تقدم خدمة الترجمة اآللية‬ ‫لمستخدميها‪ .‬وقد حقق بعض تلك النظم درجة‬ ‫وتوصل إلى ترجمة تصل نسبة‬ ‫َّ‬ ‫عالية من النجاح‪،‬‬ ‫الدقة فيها إلى ما يزيد عن ‪ ،%90‬وهذه النسبة‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫المترجمة‪ ،‬دون أن تهمها دقة الترجمة في كثير‬ ‫من األحوال‪ .‬ولكن تقريرا صدر عام ‪1966‬م‪ ،‬عن‬ ‫لجنة مكونة من عدة جهات ذات عالقة بأبحاث‬ ‫الترجمة اآللية‪ ،‬كاد أن يحبط الحلم‪ ،‬ويقوض من‬ ‫أرك��ان كل تلك المشاريع‪ ..‬إذ جاء فيه‪« :‬بالرغم‬ ‫من أن عملية الترجمة اآللية تمثل تحديا لقدرات‬ ‫اإلنسان‪ ،‬من شأنه أن يحفزه على العمل لتحقيق‬ ‫�رض�ي��ة ف��ي المستقبل‬ ‫ه��ذه األغ���راض ب�ص��ورة ُم� ِ‬ ‫القريب‪ ،‬غير أن النتائج المتحققة تعد فرصا‬ ‫ضئيلة إال في مجاالت ضيقة جدا»‪.‬‬

‫تختلف باختالف طبيعة ال�م��وض��وع المترجم‪..‬‬ ‫ولغتي المصدر والهدف‪ .‬ويبقى عجز الحاسب عن‬ ‫تحديد موضع النسبة المشكوك في دقتها عائقا‬ ‫كبيرا؛ ألن ذل��ك يقتضي م��ن المترجم البشري‬ ‫مراجعة دقيقة لكامل النص‪ ،‬ليتعرف على مواضع‬ ‫القصور ويعالجها‪ ،‬وهذا يستغرق وقتا وجهدا‪..‬‬ ‫ي��رى بعض المترجمين أن��ه يكاد ي�ق��ارب الوقت‬ ‫والجهد المبذول في الترجمة التقليدية لذلك‬ ‫الموضوع‪.‬‬

‫اآللية التي تقوم عليها الترجمة الحاسوبية‬ ‫تتمثل اآللية التي تقوم عليها الترجمة اآللية‬ ‫في وج��ود قاموس أو أكثر‪ ،‬تكون مخزنة داخل‬ ‫النظام‪ ..‬يرجع إليها عندما يُعطى أم� ٌر بترجمة‬ ‫أي نص‪ ،‬وإلى جانب القواميس المخزنة‪ ..‬هناك‬ ‫عدد من القواعد اللغوية مع قواعد بيانات بأكثر‬ ‫المعاني شيوعا‪ ،‬وكذلك بالمعاني االصطالحية‪..‬‬ ‫وغير ذلك‪ .‬وتقوم تلك النظم عادة بتقسيم الجمل‬ ‫إل��ى أج��زاء لتحديد المعنى ال�م��راد‪ ،‬وبعض هذه‬ ‫النظم يستفيد من خاصيات الذكاء االصطناعي‬ ‫المحاكية للطرائق التي يتعامل بها العقل البشري‬ ‫مع األمور‪ ،‬ومنها بناء النظم بطريقة تجعلها قادرة‬ ‫على التعلم ال��ذات��ي من النصوص المدخلة لها‪،‬‬ ‫ومن التعديالت التي تُجرى على الترجمة من قبل‬ ‫المترجم البشري‪ ..‬لإلفادة منها في الترجمات‬ ‫القادمة‪ ،‬وهو ما يعرف بذاكرات الترجمة اآللية‪.‬‬

‫الصعوبات التي تواجه الترجمة الحاسوبية‬ ‫معظم الصعوبات التي واجهت القائمين على مثل‬ ‫هذه المشروعات‪ ،‬وحالت بينهم وبين تحقيق الحلم‪ ..‬هي‬ ‫من جنس تلك الصعوبات التي تواجه المترجم البشري‪،‬‬ ‫وه��ي صعوبات نابعة من طبيعة اللغة نفسها‪ .‬فاللغة‬ ‫خاصية إنسانية يصعب وض��ع ق��واع��ده��ا‪ ،‬وتراكيبها‪،‬‬ ‫واش�ت�ق��اق��ات�ه��ا‪ ،‬وأس��ال�ي�ب�ه��ا‪ ،‬وم �ف��ردات �ه��ا‪ ،‬وم��ا ب�ه��ا من‬ ‫استعارات ومجازات واصطالحات‪ ،‬في قواعد وقوالب‬ ‫منطقية رياضية‪ ..‬ليتسنى معالجتها آليا‪ .‬ثم إن اللغات‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪33‬‬


‫متباينة فيما بينها‪ ،‬فالصفة تتبع الموصوف في العربية‪،‬‬ ‫وتسبقه في اإلنجليزية‪ ..‬وف��ي العربية تذكير وتأنيث‬ ‫يختلفان في التعامل معهما في اإلنجليزية وغيرها‪ ،‬وفي‬ ‫العربية (مثنى) إضافة إلى المفرد والجمع‪ ،‬بينما تفتقده‬ ‫اإلنجليزية وغيرها؛ كما أن اللغة العربية تعتمد على‬ ‫التشكيل (الفتح والكسر والضم والتسكين) إضافة إلى‬ ‫(التنوين)‪ ..‬بخالف كثير من اللغات‪ ،‬وق��س على ذلك‬ ‫كثيراً‪ .‬والمفردة الواحدة تعني عدة معان حسب النص‬ ‫والسياق ال��ذي وردت فيه‪ .‬واإلحاطة بكل هذه األمور‬ ‫ليس باألمر المستطاع حتى على اآلل��ة نفسها‪ .‬ث ّم إن‬ ‫عجزنا كبشر عن الفهم التام للكيفية التي يتصرف بها‬ ‫عقله مع اإلنسان في تعامله مع اللغة إنتاجا واستيعابا‬ ‫وترجمة‪ ،‬هو السبب الرئيس في إعاقة كثير من الجهود‬ ‫المبذولة من أجل التوصل إلى الترجمة اآللية الدقيقة‪،‬‬ ‫م��ا ح��دا ب��أح��د ال�خ�ب��راء ف��ي ه��ذا المجال للقول‪( :‬إن‬ ‫الصخرة التي تحطمت عليها سفينة‬ ‫الترجمة اآللية ليست فنون الترجمة‪،‬‬ ‫ولكنها تتمثل في عجزنا عن فهم ما‬ ‫ينتجه العقل البشري بصفة عامة‪،‬‬ ‫وق� �ص ��ور م �ع��رف �ت �ن��ا ب �ط��ري �ق��ة عمله‬ ‫وقدراته اللغوية بصفة خاصة‪ ،‬وهذا‬ ‫هو السبب الرئيس الذي يدعو لليأس‬ ‫في قدراتنا على مجابهة التحديات‬ ‫التي تفرضها عملية الترجمة اآللية‬ ‫الكاملة)‪.‬‬

‫خصوصية اللغة العربية‬ ‫إن م��ا تطرقنا إل �ي��ه س��اب�ق��ا من‬ ‫صعوبات ينطبق على جميع اللغات‬ ‫دون اس�ت�ث�ن��اء‪ ،‬ول�ك��ن اللغة العربية‬ ‫تواجهها إضافة إل��ى ذل��ك صعوبات‬ ‫خ��اص��ة ف��ي ه��ذا ال �ج��ان��ب‪ ،‬ل�ع��ل من‬ ‫أب� ��رزه� ��ا‪ :‬ك� ��ون ال �ن �ظ��م واألج� �ه ��زة‬ ‫والبرمجيات صممت في دول أجنبية‪،‬‬ ‫وتقوم بخدمة لغات تلك الدول ابتداء‪،‬‬ ‫وكان حظ اللغة العربية منها القليل‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ولعل مرد ذلك هو وضع العالم العربي حاليا من الناحية‬ ‫السياسية واالقتصادية والتكنولوجية‪ ..‬مقارنة بغيره من‬ ‫أقطار العالم‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن هناك جوانب في‬ ‫اللغة العربية تختلف بها عن غيرها من كثير من اللغات‪،‬‬ ‫كاعتمادها على (التشكيل) للتفريق بين معاني الكلمات‪،‬‬ ‫ما يجعلها تحتاج إلى معالجة آلية من نوع خاص‪ ،‬وإلى‬ ‫بحوث ودراسات ونظم تختلف في بنيتها وهيكلها شكال‬ ‫ومضمونا‪ ،‬عن تلك المتوافرة في المتاجر الحاسوبية‪..‬‬ ‫وفي مواقع النت المعنية بالترجمة‪.‬‬ ‫والحق يقال‪ ،‬إن هناك جهودا ملحوظة تقوم بها‬ ‫مؤسسات وش��رك��ات حكومية وتجارية وأف ��راد وهبوا‬ ‫أنفسهم لخدمة دينهم ولغتهم‪ ،‬وبعض هذه الجهود أتت‬ ‫أكلها ومكّنت من التعامل اآللي مع اللغة العربية‪ ،‬وعلى‬ ‫ضوئها ظهرت برامج قوية للقرآن الكريم وتفاسيره‪،‬‬ ‫وكتب منشورة إلكترونيا للحديث الشريف وما يتصل‬ ‫به من متون‪ ،‬وكذلك للفقه وغيره‬ ‫من العلوم‪ ،‬كما ظهرت عدة معاجم‬ ‫وق��وام�ي��س أح��ادي��ة وثنائية اللغة‪،‬‬ ‫وأصبحت تحت تصرف الراغبين‬ ‫في مطالعتها بمجرد ضغطة زر‪.‬‬ ‫وع�ل��ى صعيد الترجمة اآللية‬ ‫م��ن العربية وإل�ي�ه��ا‪ ،‬ه�ن��اك جهود‬ ‫ج� �ب ��ارة ب��ذل��ت وم� ��ا ت� ��زال ت �ب��ذل‪،‬‬ ‫وب�خ��اص��ة م��ع ب ��زوغ فجر الشبكة‬ ‫العالمية (اإلنترنت)‪ ،‬وولوج الدول‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ع��ال�م�ه��ا ل�لاس �ت �ف��ادة من‬ ‫خدماتها المتعددة‪ ،‬وال ت��زال هذه‬ ‫النظم خاضعة لمزيد من التحسين‬ ‫وال�ت�ط��وي��ر والتنقيح وال�م��راج�ع��ة‪،‬‬ ‫بغية ال��وص��ول بها إل��ى مستويات‬ ‫ع��ال�ي��ة ت�ت�ن��اس��ب م��ع م�ك��ان��ة اللغة‬ ‫العربية وأهميتها للعالمين العربي‬ ‫واإلسالمي‪ ،‬بوصفها حاملة لكتاب‬ ‫ال �ل��ه ع��ز وج� ��ل‪ ،‬ودي��ن��ه ال��خَ ��ا ِت��م‪،‬‬ ‫ورسالته الهادية للبشرية جمعاء‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫النتائج المتحققة‬ ‫رغ��م ك��ل ال�ع��وائ��ق ال�ت��ي تقف ف��ي ط��ري��ق الترجمة‬ ‫ال�ح��اس��وب�ي��ة‪ ،‬إال أن ال�ب�ح��وث وال ��دراس ��ات ف��ي مجال‬ ‫الهندسة اللغوية قد حققت بعض النتائج المشجعة‪..‬‬ ‫وإن لم تصل إلى تحقيق الحلم تماما‪ ،‬ولعل من أبرز ما‬ ‫أسهم به الحاسوب من خدمات في مضمار الترجمة‬ ‫يمكن إيجازه في اآلتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬مكَن الحاسب المترجم البشري من التعامل مع‬ ‫النصوص بواسطة برامج معالجات الكلمات‪ ،‬التي‬ ‫كثير من عقبات الترجمة اآللية المباشرة‪ ،‬وتعطي‬ ‫تتيح ل��ه تحرير ال�ن��ص وتنسيقه والتعديل عليه‪،‬‬ ‫للمترجم في النهاية ترجمة مقبولة في وقت يسير‪.‬‬ ‫واإلضافة والحذف بيسر وسهولة لم تكن متاحة له‬ ‫لو اضطر إلى تحريره كتابة بيده‪ ،‬أو باآللة الطابعة‬ ‫خاتمة‬ ‫ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة‪ .‬ث��م إن ال�ح��اس�ب��ات الشخصية توفر‬ ‫إن ق�ي��ام الحاسب اآلل��ي بعملية الترجمة‪ ،‬وكونه‬ ‫للمترجم نصوصا جاهزة‪ ،‬يختار منها ما يرغب في‬ ‫ترجمته‪ ،‬ومواقع النت مليئة بهذا‪ ،‬وكذلك األقراص سيحل محل المترجم البشري‪ ،‬كان وما يزال حلما يراود‬ ‫المدمجة‪ ،‬وبذلك توفر للمترجم وقتا كان سيصرفه الكثيرين‪ ،‬وقلقا ينتاب آخرين‪ ،‬وال نتوقع تحققه قريبا‬ ‫على إدخال النص (المصدر) آليا‪.‬‬ ‫على األقل ‪ -‬مع أن هناك من يخالفنا هذا الرأي – ال‬ ‫‪ -2‬مكَنت الحواسيب (ع �ت��ادا وب��رم�ج�ي��ات) المترجم سيما في ظل العتاد الحاسوبي والبرمجيات والنظم‬ ‫م��ن استخدام القواميس والمعاجم االلكترونية‪ ،‬المتوافرة حاليا‪ .‬ولكننا‪ ..‬م��ع م��ن ي��رى أن الحاسب‬ ‫ما سهّل له عملية البحث عن معنى كلمة م��ا‪ ،‬أو اآللي كان وما يزال وسيظل معينا ومساعدا للمترجم‬ ‫داللة مصطلح معين في قاموس أو عدة قواميس‪ ،‬البشري‪ ،‬وت��زداد الخدمات التي يقدمها له يوما بعد‬ ‫ولو بقيت هذه العملية تتم بالطريقة التقليدية؛ أي آخر‪ ،‬وما ينجزه خمسة مترجمين قد ينجزه اثنان منهم‬ ‫بالبحث في القواميس الورقية‪ ..‬الستغرقت وقتا بواسطة الحاسب اآلل��ي‪ ،‬وه��ذا في حد ذات��ه إنجاز ال‬ ‫وجهدا بإمكان المترجم توظيفه في الترجمة التي يستهان به‪ ،‬وما ال يدرك كله ال يترك جله‪.‬‬ ‫بين يديه‪.‬‬

‫المراجع‬

‫‪ -3‬أت ��اح ال�ح��اس��ب ف��رص��ة للمترجم ليستخدم بعض‬ ‫النظم في ترجمة بعض النصوص البسيطة‪ ،‬التي‬ ‫دي��داوي – دار المعارف للطباعة والنشر – سوسة ‪ -‬تونس‬ ‫ال تحتوي على كثير من المصطلحات أو التشبيهات‬ ‫‪1992‬م‪.‬‬ ‫واالستعارات واألساليب البالغية‪ ،‬ونجحت الترجمة‬ ‫‪ .2‬كتاب (العرب وعصر المعلومات) تأليف الدكتور نبيل علي‬ ‫بنسب مقبولة‪ .‬وظهرت بعض نظم البرمجة التي‬ ‫– سلسلة عالم المعرفة‪ .‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬ ‫تمكن المترجم من الترجمة باستخدام الحاسب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واآلداب‪ .‬الكويت ‪1994‬م‪.‬‬ ‫وتتطلب منه التدخل أثناء القيام بعملية الترجمة‪،‬‬ ‫وذلك بطرح بعض األسئلة المتعلقة بالنص المراد ‪ .3‬مجموعة دراسات (الترجمة – قضايا ومشكالت وحلول) إعداد‬ ‫مجموعة خبراء الهندسة االجتماعية بمكتب التربية العربي‬ ‫ترجمته‪ ..‬وبمجرد عملية (تحرير) طفيفة يتحقق‬ ‫لدول الخليج ‪1985‬م‪.‬‬ ‫للمترجم م��راده‪ ،‬وه��ذه الطريقة يفضلها كثير من‬ ‫اللغويين والمترجمين‪ ،‬ألنها تساعد اآللة في تخطي ‪ .4‬مجلة الحرس الوطني العدد ‪( 236‬فبراير) ‪2002‬م‪.‬‬ ‫‪ .1‬كتاب (علم الترجمة بين النظرية والتطبيق) تأليف محمد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪35‬‬


‫ترجمة كتب األطفال وأهميتها في التواصل احلضاري‬ ‫> مرسي طاهر‪ -‬األمني املسئول مبكتبة دار اجلوف للعلوم‬

‫ال‬

‫الترجمة لفظ ًا تعني نقل الكالم من لغة إلى أخرى‪ ،‬فإذا كان اتجاه النقل‬ ‫ذا اتجاهين‪ ..‬فهو نقل من اللغة وإليها‪ ،‬أما فيما يتعلق باللغة العربية فالنقل‬ ‫إليها تعريب‪ ،‬والنقل منها تعجيم‪ .‬والترجمة اصطالح ًا هي إيصال فكرة‪ ،‬أو‬ ‫تبليغها‪ ،‬أو تحويل التبليغ إلى لغة أخرى‪ ،‬وإعطائه شك ًال مكتوباً‪ ،‬أو مسموعاً‪،‬‬ ‫أو وضع صيغة مطابقة للصيغة في لغة النقل‪.‬‬ ‫وت�ع��ددت المصطلحات في إنتاجنا الفكري‬ ‫وتعريفاتها بين النقل والترجمة والتعريب‪..‬الخ‪،‬‬ ‫من المصطلحات التي يمكن الخروج منها بتعريف‬ ‫واضح وشامل للترجمة بأنها «فعل ثقافي لغوي‬ ‫حضاري ورابط بين الحضارات»‪.‬‬

‫‪2 .2‬ال��ت��واص��ل م ��ع اآلخ� ��ري� ��ن‪ ..‬وال � ��ذي من‬ ‫أساسياته حصولهم على ك ٍّم من المعلومات‬ ‫واألفكار‪ ،‬تتناسب مع خصائص المراحل‬ ‫ال �ع �م��ري��ة ل �ه��م‪ ،‬وت �ح �ق��ق ال��ت��واص��ل مع‬ ‫العالم الخارجي‪ ،‬والتحاور مع الثقافات‬ ‫المختلفة‪ ،‬بل والتعامل معها‪.‬‬

‫‪1 .1‬فتح أبواب الحوار مع اآلخرين من خالل‬ ‫التعرف على ثقافتهم‪.‬‬

‫ •ص �ن��اع��ة ال �ك �ت��ب ال�م�ت��رج�م��ة (إن�ت��اج�ه��ا‬ ‫ونشرها)‪.‬‬

‫وال�ت��رج�م��ة تعني ال �ح��وار وال �ت��واص��ل وفهم‬ ‫ويمكن صياغة ما تمثله الترجمة لألطفال‬ ‫األخر‪ ،‬كما تُعد من أهم وسائل االنتقال الفكري‬ ‫والمعرفي بين مختلف شعوب العالم على مر في ثالث كلمات‪ :‬حوار‪ ..‬فهم‪ ..‬تواصل‪.‬‬ ‫العصور‪ ،‬كما تمثل الوسيلة األساسية للتعريف‬ ‫وف ��ي س�ب�ي��ل ت�ح�ق�ي��ق ذل� ��ك‪ ..‬ك��ان��ت ترجمة‬ ‫ال حاسماً‬ ‫ب��ال�ع�ل��وم والتكنولوجيا ون�ق�ل�ه��ا‪ ،‬وع��ن طريقها الوسائط المكتوبة وأهمها الكتب عام ً‬ ‫نتمكن من مواكبة الحركة الثقافية والفكرية في في بناء وتكوين شخصية الطفل العربي؛ ومن‬ ‫هنا‪ ،‬كانت تحديات ترجمة كتب األطفال‪ ،‬ودورها‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫ال�م�ن�ش��ود ف��ي دع��م عملية ال �ت��واص��ل الثقافي‬ ‫أهمية الترجمة لألطفال‬ ‫والحضاري‪ .‬ولعل أبرز التحديات واإلشكاليات‬ ‫أصبحت الترجمة لألطفال قضية ذات أهمية التي تحدد مستوى اإلف��ادة من حركة الترجمة‬ ‫فائقة‪ ،‬لما تمثله من ضمانة ألبسط حقوق الطفل لألطفال تتمثل في‪:‬‬ ‫في التواصل الحضاري‪ ..‬مع عالم يتسم بثورة‬ ‫ •إشكالية المضمون‪ :‬بمعنى ماذا نترجم‬ ‫هائلة في وسائل االتصال والمعلومات تصل إلى‬ ‫ألطفالنا؟‬ ‫حد االنفجار‪ ،‬وبات فيه قرية صغيرة‪.‬‬ ‫ •إشكالية األسلوب‪ :‬بمعنى كيف نترجم‬ ‫فالترجمة تساعد األطفال على‪:‬‬ ‫ألطفالنا؟‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إذا م��ا ت��م التعامل م��ع هذه‬ ‫المحاور الثالثة؛ المضمون‪..‬‬ ‫األس� �ل ��وب‪ ..‬ال �ص �ن��اع��ة‪ ..‬وف��ق‬ ‫إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ش��ام�ل��ة وواع �ي��ة‪،‬‬ ‫ف� �س ��وف ي �ت �ح �ق��ق ال� �ه ��دف من‬ ‫ال� �ت ��رج� �م ��ة‪ ..‬وه� ��و ال��ت��واص��ل‬ ‫الثقافي والحضاري لألطفال‪.‬‬ ‫وال �س �ط��ور ال�ت��ال�ي��ة تتعرض‬ ‫بشيء من اإليجاز لهذه المحاور‪،‬‬ ‫لعلها تضع إطار عمل‪ ،‬أو خارطة‬ ‫طريق‪ ،‬لما يجب أن تكون عليه‬ ‫كتب األطفال المترجمة‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬المضمون‪:‬‬ ‫ماذا نترجم ألطفالنا؟‬ ‫يتعلق ه��ذا المحور بعملية‬ ‫االخ�ت�ي��ار واالق�ت�ن��اء‪ ،‬وم��ا يجب‬ ‫علينا عند اختيار المضامين‬

‫التي تالئم الطفل من حيث الفكرة‬ ‫المطروحة‪ ،‬والقيم المتضمنة‪،‬‬ ‫وال�م��رح�ل��ة السنية ال�ت��ي نترجم‬ ‫لها‪ ،‬واألع��راف والتقاليد والقيم‬ ‫المجتمعية‪.‬‬ ‫كما قد تؤثر ترجمة كتب األطفال‬ ‫سلباً أو إيجاباً على أطفالنا طبقا‬ ‫لنوعية ال�م�ض�م��ون ال�م�ت��رج��م‪ ،‬ما‬ ‫يستلزم معها الوعي عند االنتقاء‬ ‫واالخ�ت�ي��ار‪ ،‬فمثال سلسلة «ه��اري‬ ‫بوتر» الشهيرة للكاتبة البريطانية‬ ‫رولنج‪ ،‬والتي تحكي حكاية الصبي‬ ‫الساحر ه��اري بوتر منذ طفولته‬ ‫حتى بلوغه السابعة عشرة‪ ،‬وأفعاله‬ ‫السحرية وسعيه للقضاء على لورد‬ ‫ف��ول��دم��ورت «س�ي��د ال �ظ�لام»‪ ،‬هذه‬ ‫السلسلة ترجمت إلى معظم اللغات‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪37‬‬


‫العالمية ومنها العربية‪ ..‬وحققت‬ ‫ن�ج��اح��ات ه��ائ�ل��ة م�ن��ذ ص��دوره��ا‪،‬‬ ‫فقد بي َع منها عشرة ماليين نسخة‬ ‫عشية صدورها‪ ،‬إال أنها ال تتناسب‬ ‫مع ثقافة الطفل العربي وعقليته‪..‬‬ ‫وكذلك ترجمة بعض الشخصيات‬ ‫ال�خ�ي��ال�ي��ة م �ث��ل س��وب��رم��ان‪،‬وب��ات‬ ‫مان‪،‬الرجل األخضر‪ ،‬تُعلم الطفل‬ ‫عدم االكتراث بالقانون‪ ،‬وتُضعف‬ ‫إحساسه بالنظام‪ ،‬وبالتالي فهي‬ ‫من حيث المضمون غير مناسبة‬ ‫له‪.‬‬

‫وي��دخ��ل ف��ي ه��ذا ترجمة روائ��ع‬ ‫أدب األطفال العالمي (كما حدث‬ ‫في مشروع غوتنبرغ)‪ ،‬وترجمة‬ ‫كتب ال�خ�ي��ال العلمي المكتوبة‬ ‫بأسلوب مفيد ومشوق للطفل‪،‬‬ ‫وال�ت�ج��ارب اإلنسانية المثمرة‪.‬‬ ‫وك��ذل��ك فالترجمة ف��ي مجاالت‬ ‫العلوم مفيدة؛ ألن العلم ليس له‬ ‫جنسية‪ .‬كما ينبغي التركيز على‬ ‫الترجمات التي ال تتحيز لثقافة‬ ‫معينة‪ ،‬والبعد عن األحداث التي‬ ‫قد ترسخ مفاهيم العنصرية‪.‬‬

‫وع� �ل ��ى ال� �ط���رف األخ�� ��ر م��ن‬ ‫ال�ت��واص��ل ال �ح �ض��اري‪ ..‬نجد أن‬ ‫من أكثر الكتب التي استمد منها‬ ‫الطفل األجنبي ثقافته عن العالم‬ ‫العربي «رحالت أيسوبــ»‪ ..‬والتي‬ ‫تظهر العرب على أنهم مخادعون‬ ‫وهمج‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬إن صياغة‬ ‫م�ض�م��ون ال�ت��رج�م��ات وف��ق ه��ذه‬ ‫االعتبارات يساعد الطفل كثيراً‬ ‫على التواصل الحضاري‪.‬‬

‫ومن ثم يجب التنبه إلى المخاطر التي تنجم‬ ‫عن الترجمات الخاطئة في مضمونها لمعايير‬ ‫المجتمع العربي‪ ،‬وط��رق تفكيره وقيمه‪،‬أو تلك‬ ‫التي يحدث منها غزو فكري وثقافي سلبي‪ ،‬أو‬ ‫حتى الترجمات التي ال تقدم مضمونا هادفاَ‪،‬‬ ‫وت�ص�ي��ب ال�ط�ف��ل ب��ال��رك��ود‪ ،‬وت�س�ل��ب م�ن��ه دواف��ع‬ ‫اإلبداع والتواصل‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬األسلوب‪:‬‬ ‫كيف نترجم ألطفالنا؟‬ ‫هناك ف��ارق بين ترجمة كتب األطفال وبين‬ ‫ت��رج�م��ة ال�ك�ت��ب ل�لأط �ف��ال‪ ،‬ف��اإلش�ك��ال�ي��ة تتعلق‬ ‫ب��األس �ل��وب وال �م �ف��ردات ال�ل�غ��وي��ة المستخدمة‪،‬‬ ‫والتي تتطلب شخصاً تتوافر فيه الدراية التامة‬ ‫بخصائص مرحلة الطفولة النفسية واالجتماعية‬ ‫واالنفعالية والمعرفية‪.‬‬

‫وهنا نتساءل‪ :‬هل يجب أن يكون الشخص الذي‬ ‫يتصدى لعملية ترجمة كتب األط�ف��ال متمرساً‬ ‫وينبغي االتفاق في هذا الصدد على االختيار‬ ‫في أصول الترجمة‪ ..‬وليس كاتبا لألطفال؟ أم‬ ‫مجد للترجمة‪ ،‬كتقديم‬ ‫واالنتقاء‪ ،‬وتقديم كل ما هو ٍ‬ ‫هو كاتب أطفال يتقن اللغة المترجم عنها دون‬ ‫تراث المجتمعات األخرى للطفل العربي‪ ،‬من أجل‬ ‫التمرس في أصول الترجمة؟‬ ‫زي��ادة ثقافته ووعيه بعلوم اآلخرين ومعارفهم‪،‬‬ ‫وفي كلتا الحالتين لن يتم تقديم ترجمة جيدة‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫للطفل‪ ،‬وهذه إشكالية يتطلب‬ ‫ح�ل�ه��ا وج���ود م�ت��رج��م ي�م��ارس‬ ‫ال �ك �ت��اب��ة ل�لأط �ف��ال‪ ،‬أو ك��ات��ب‬ ‫لألطفال متمرس في الترجمة‪،‬‬ ‫فغالبا م��ا نجد االختصاصي‬ ‫ال �م �ت �م �ك��ن‪ ،‬وال ن �ج��د ال�ل�غ��وي‬ ‫المتمرس‪ ،‬ف�لا ب��د أن تجتمع‬ ‫في الشخص اللغة والتخصص‬ ‫أيضاً‪ ..‬لكي يتيح شيئاً جديداً‬ ‫بأسلوب سلس‪ ،‬وكلمات واضحة‬ ‫وم��ف��ه��وم��ة‪ ،‬ف �ن �ج��د م �ث�ل�ا أن‬ ‫األطفال قد أحبوا شخصيات‬ ‫غ��رب�ي��ة وم�ت��رج�م��ة ل�ي��س فقط‬ ‫لمحتواها ومضمونها‪ ..‬وإنما‬ ‫لعدة عوامل منها‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬البساطة‪ :‬فالشخصيات‬ ‫بسيطة لدرجة السهل‬ ‫الممتنع‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مخاطبة العقل‪ :‬احترام‬ ‫عقلية الطفل‪ ،‬وتحديد‬ ‫ال � �م� ��رح � �ل� ��ة ال��س��ن��ي��ة‬ ‫وخصائصها‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬صناعة ال�ف�ك��رة‪ :‬نجد‬ ‫ع� �ن ��ده ��م ب� ��راع� ��ة ف��ي‬ ‫صناعة األفكار‪ ،‬فعندما‬ ‫ن� �ش ��اه ��د م� � �ط � ��اردات‬ ‫ت��وم وج�ي��ري‪ ،‬أو ميكي‬ ‫وب �ط��وط‪ ،‬نجد العديد‬ ‫من األفكار المبتكرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪39‬‬


‫المحور الثالث‪:‬‬ ‫الصناعة‪ :‬إنتاج الكتب‬ ‫المترجمة ونشرها‬ ‫ب� �ع���د ع� �م� �ل� �ي ��ة االخ� �ت� �ي���ار‬

‫م� �ث���ل األص�� � � � ��وات واألش� � �ي � ��اء‬

‫الملموسة‪ ،‬يجعل الكتاب لعبة‬

‫وكتاباً معاً‪ ،‬وبالتالي يحدث أثراً‬

‫أكبر لدى الطفل‪.‬‬

‫واالنتقاء‪ ،‬ثم أسلوب لغوي يالئم‬

‫وم �م��ا س �ب��ق‪ ,‬ي�ت�ض��ح ل�ن��ا أن‬

‫تأتي مرحلة الصناعة والمظهر‬

‫ح �ض��اري��ة وث �ق��اف �ي��ة‪ ،‬ك �م��ا تعد‬

‫م���ن ح��ي��ث ت �ص �م �ي��م ال��غ�ل�اف‬

‫بين الشعوب وال�ح�ض��ارات‪ ،‬ما‬

‫وص���والً إل��ى ن��اش��ر متخصص‬

‫‪-‬ك �ج��زء م��ن مهمتها الوطنية‬

‫نظرنا في الخارج لعرفنا سر‬

‫الشعوب األخ ��رى‪ ،‬وال ش��ك أن‬

‫نشر تنشر كتاباً للطفل‪ ،‬لديها‬

‫في مجال األطفال‪ -‬يمثل صراع‬

‫الطفل وخصائصه‪ ،‬وف��ي هذا‬

‫المعاصر‪.‬‬

‫فكر الطفل العربي وثقافته‪..‬‬

‫الترجمة جزء مهم من منظومة‬

‫العام الذي سيخرج به الكتاب‪،‬‬

‫اح� ��د أه� ��م أدوات ال �ت��واص��ل‬

‫والرسوم الداخلية‪ ،‬واإلخراج‪..‬‬

‫يلقي على عاتق ال��دول العربية‬

‫ف��ي إن �ت��اج كتب األط �ف��ال‪ .‬ولو‬

‫وال� �ح� �ض ��اري ��ة‪ -‬ال� �ت ��واص ��ل مع‬

‫ن�ج��اح�ه��م‪ ،‬وي�ك�ف��ي أن ك��ل دار‬

‫إنتاج الكتب المترجمة‪-‬السيما‬

‫محرر خاص على دراي��ة بأدب‬

‫ال��وج��ود الحضاري ف��ي عالمنا‬

‫السياق‪ ..‬وللوصول إل��ى منتج‬

‫جيد‪ ،‬ينبغي التأكيد على‪:‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فاألرقام تدل على‬

‫وج��ود ف��ارق كبير بين ال �ع��رب وال �غ��رب‪ ،‬بحيث‬

‫‪1 .1‬تحقيق التوازن بين النص والرسم واإلخراج ت�ش�ي��ر إح���دى ال �ت �ق��اري��ر ال� �ص ��ادرة ع��ن منظمة‬ ‫والطباعة‪.‬‬ ‫األم��م المتحدة أن إسرائيل مثال تقوم بترجمة‬ ‫كتاب سنوياً إل��ى اللغة العبرية‪،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫‪2 .2‬ض��رورة اإلن�ف��اق على إنتاج كتب األطفال‪)15.000( ،‬‬ ‫ف�لا ينبغي أن يبخل الناشر عليها‪ ..‬فهو حين ال يزيد عدد الكتب التي تقوم الدول العربية‬ ‫يحتاج إلى فصل ألوان جيد‪ ،‬وطباعة جيدة‪ ،‬مجتمعة بترجمتها إل��ى اللغة العربية أكثر من‬ ‫(‪ )330‬كتاباً سنوياً‪ ،‬ناهيك عن الفارق الشاسع‬ ‫ورسوم جيدة‪.‬‬

‫‪3 .3‬األخذ من األفكار العالمية‪ ،‬وتطويعها لما‬ ‫يناسب الفكر والذوق العربي‪.‬‬

‫مع الدول الغربية التي أدركت أن الترجمة من لغة‬ ‫إلى أخرى‪ ،‬تعني خلق نوع من المثاقفة بينهما‪،‬‬

‫من شأنه أن يسهم إسهاماً كبيراً في التقريب بين‬

‫‪4 .4‬االس�ت�ع��ان��ة بتقنيات الكمبيوتر وب��رام�ج��ه الشعوب واألم��م‪ ،‬وهذا يؤدي ب��دوره إلى تواصل‬ ‫المتطورة؛ فإدخال بعض التقنيات الحديثة المجتمعات فيما بينها والسيما األطفال‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ال‬

‫> حسن السبع‪ -‬السعودية‬

‫ال يحتاج المترجمون إلى من يفتري عليهم‪ ،‬أو يؤلف حولهم النوادر‬ ‫والنكات‪ ،‬فهم الذين يصنعون نوادر المهنة‪ .‬وهي عبارة عن أخطاء مضحكة‬ ‫ناتجة عن االلتباس‪ ،‬وسوء الفهم لروح النص المترجم‪ .‬وقد أصبحت نوادر‬ ‫بعض المترجمين مادة دسمة للكتابة‪ ،‬وأكثر إضحاكا من نوادر ابن الجوزي‬ ‫عن الحمقى من النحاة والمعلمين‪ .‬وغالبا ما يحدث االلتباس بسبب ضعف‬ ‫ثقافة المترجم وقلة اطالعه‪ ،‬وعدم معرفته ببيئة النص الثقافية‪ .‬إال أنه‬ ‫ال ينبغي اإللقاء بالالئمة دائما على المترجمين‪ ،‬فقد يقع بعضهم‪-‬رغم‬ ‫كفاءتهم العالية‪ -‬في حيص بيص‪ ،‬عند ترجمتهم لبعض النصوص الزاخرة بالزخارف اللفظية‪،‬‬ ‫واألحاجي اإلنشائية التي يتعذر ترجمتها إلى لغة أخرى‪.‬‬ ‫ت��روي اإلعالمية خديجة ب��ن قنه طرفة من‬ ‫ط��رائ��ف ال�ت��رج�م��ة ف �ت �ق��ول‪ :‬ك ��ان ال��دك �ت��ور عمر‬ ‫عبدالكافي يلقي محاضرة دينية في كندا باللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وبعد أن انتهى سأل جَ معا تحلَّق حوله‬ ‫من غير الناطقين بالعربية عن الترجمة‪ ،‬وهل‬ ‫أوص �ل��تْ ك��لَّ م��ا ق��ال��ه صحيحا أم�ي�ن��ا م��ن دون‬ ‫تحريف؟ فرد أحدهم قائال‪« :‬ال لم تكن الترجمة‬ ‫أمينة يا شيخ‪ ،‬فقد ضحك الناطقون بالعربية‬ ‫ثالث م��رات‪ ،‬ونحن ضحكنا مرة واح��دة فقط»‪.‬‬ ‫ويعكس هذا التعليق‪ ،‬برغم ما اختزنه من دعابة‪،‬‬ ‫عجز المترجم عن ترجمة (المضحك) أحيانا‪.‬‬ ‫فالنكتة‪ ،‬على افتراض أن ذلك المضحك نكتة‪،‬‬ ‫قد تفقد شيئا من بريقها أو روحها بالترجمة‪.‬‬ ‫وي��زداد األمر تعقيدا حين تلعب اللغة أو الشكل‬ ‫دور البطولة‪ ،‬كما هي الحال في بعض النكات أو‬ ‫النصوص الشعرية‪.‬‬ ‫وربما أوقع المترجم غير المتمكن المؤسسة‬ ‫التي يعمل لها في مأزق‪ .‬وبالفعل فقد أدت بعض‬ ‫مأساوية غير متوقعة‪ .‬لقد‬ ‫ٍ‬ ‫الترجمات إلى نتائ َج‬ ‫ض��رب��تْ هيروشيما ون�ج��ازاك��ي بسبب الترجمة‬ ‫ُ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫بعض مآزق الترجمة‬

‫الخاطئة‪ .‬استجابت اليابان في الحرب العالمية‬ ‫الثانية إلنذار الحلفاء‪ ،‬وأعلن رئيس وزرائها خالل‬ ‫مؤتمر صحفي أن بالده «موكو ستاتسو» أي تأخذ‬ ‫بعين االعتبار إن��ذار الحلفاء‪ .‬لكن المترجمين‬ ‫الذين فصلوا الكلمة عن سياقها‪ ،‬قلبوا المعنى‬ ‫رأس��ا على عقب‪ ،‬ففهم العالم منهم أن اليابان‬ ‫ال تقيم أي اعتبار إلنذار الحلفاء‪ .‬وتعطلت بعد‬ ‫ذلك لغة الكالم‪ ،‬وخاطب الحلفاء خصمهم العنيد‬ ‫بقنبلتين ما يزال اليابانيون يعانون آثارهما حتى‬ ‫يومنا هذا‪.‬‬ ‫ال بد من اإلشارة في هذا السياق إلى أهمية‬ ‫ثقافة المترجم‪ ،‬وتمكنه من اللغتين‪ ،‬وقدرته على‬ ‫قراءة روح النص وما وراء الكلمات‪ ،‬وكذلك الجو‪،‬‬ ‫والبيئة الثقافية‪ ،‬والظرف السياسي‪ ،‬واالجتماعي‪،‬‬ ‫واالق�ت�ص��ادي‪ ،‬والفترة الزمنية التي كتب فيها‪،‬‬ ‫وال�م��ؤث��رات التي أحاطت بالنص ومؤلفه‪ .‬ذلك‬ ‫أن اخ�ت�لاف معاني ال�م�ف��ردات ودالالت �ه��ا النابع‬ ‫من اختالف المرجعية التاريخية‪ ،‬أو الثقافية‬ ‫للمفردة هو ما يمأزق المترجم أحيانا‪ .‬خذ على‬ ‫سبيل المثال كلمة (وطن) أو (قومية)‪ ..‬تجد أنه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪41‬‬


‫وبالرغم م��ن ات�ف��اق المعاجم على معنى هاتين‬ ‫المفردتين‪ ،‬فإن ما تثيرانه لدى المثقف الغربي‬ ‫من ردة فعل مغايرة لردة فعل المثقف في جهات‬ ‫أخرى من العالم‪ ,‬وتعود هذه الحساسية المفرطة‬ ‫إزاء هاتين المفردتين إلى النتائج المدمرة التي‬ ‫أدت إليها العواطف الوطنية والقومية المتأججة‪،‬‬ ‫فقد كان نمو تلك النزعات في أوربا أحد األسباب‬ ‫التي أشعلت أكبر حربين عرفهما تاريخ العالم‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫وم ��ع أن ت��رج�م��ة ال �ن��ص األدب� ��ي ب�ش�ك��ل ع��ام‬ ‫تشكل تحديا كبيرا حتى للمترجم المتمرس في‬ ‫مجال الترجمة‪ ،‬إال أن ترجمة الشعر‪ ،‬والموزون‬ ‫منه بشكل خ��اص‪ ،‬تشكل تحديا أكبر‪ .‬فترجمة‬ ‫الموزون والمقفى تفقد النص ج��زءا من جماله‬ ‫المتمثل ف��ي اإلي �ق��اع‪ .‬لذلك ف��إن النص النثري‬ ‫أق��ل عطباً‪ ،‬بعد الترجمة‪ ،‬من النص ال�م��وزون‪.‬‬ ‫ول��و ق��ارن��تَ بين نصين أحدهما م��وزون واآلخ��ر‬ ‫منثور بعد ترجمتهما إلى لغة أخرى‪ ،‬لوجدتَ أن‬ ‫النص المنثور ال يفقد بفعل الترجمة من جماله‬ ‫إال الشيء اليسير‪.‬‬ ‫وفي محاضرة للدكتور أنتوني كالدربانك في‬ ‫نادي المنطقة الشرقية األدبي‪ ،‬تحدث فيها عن‬ ‫صعوبة ترجمة األعمال اإلبداعية شعرا ونثرا‪،‬‬ ‫استشهد بالبيت ال�ق��ائ��ل‪« :‬وأم �ط��رتْ ل��ؤل��ؤاً من‬ ‫وعضتْ على العنّاب بالبرد»!‬ ‫َّ‬ ‫نرجس وسَ قَتْ ورداً‬ ‫ٍ‬ ‫فبالرغم من جمال هذا البيت‪ ،‬إال أنه يفقد كل‬ ‫تلك الهالة الجمالية لو تُرج َم إلى لغة أخرى‪ .‬ولو‬ ‫ترجم إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫فسوف يبدو للقارئ اإلنجليزي بال معنى‪ .‬فأية‬ ‫ترجمة لهذا البيت‪ ،‬وأي��ا كانت براعة المترجم‪،‬‬ ‫سوف تجرده من ذلك اإليقاع الناجم عن تجاور‬ ‫المفردات‪ ،‬وما تولده من صور جميلة‪ ،‬وستخلع‬ ‫عنه ذلك الرداء اللغوي المخملي الباذخ‪ ،‬وستبدو‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ال �ص��ور ب��اه�ت��ة‪ .‬ك�ي��ف يمكن ن�ق��ل ذل��ك الجمال‬ ‫المتمثل في الوزن‪ ،‬وفي تجاور المفردات‪ ،‬وجرس‬ ‫المفردة‪ ،‬واالنسجام بين الصور‪ ،‬إلى لغة أخرى‬ ‫دون المساس بشيء من ذلك كله؟ إن استقبال‬ ‫القارئ الغربي لهذا البيت بعد الترجمة سيكون‬ ‫استقباال فاترا‪ .‬كما أن التأثير ال��ذي يتركه في‬ ‫نفس القارئ العربي‪ ..‬ال يشبه ذلك التأثير بعد‬ ‫ترجمته إلى لغة أخرى‪.‬‬ ‫ف��ي ان�ط��ول��وج�ي��ا األدب ال �س �ع��ودي ال�ح��دي��ث‬ ‫المعنون (خلف الكثبان)‪ ،‬أو وراء الكثبان‪ ..‬تُرجم‬ ‫لي نصان شعريان أحدهما موزون واآلخر نثري‪.‬‬ ‫كان عنوان النص النثري (قمر)‪ ،‬وهو عبارة عن‬ ‫مقطع م��ن قصيدة عنوانها (فالمنكو المحطة‬ ‫األخيرة)‪ .‬وقد ترجمت كلمة (قمر) إلى اإلنجليزية‬ ‫‪ ..moon‬مع أن النص ال يتحدث عن (القمر)‬ ‫بل عن (قمر) الشاعرة األندلسية‪ .‬وهي شاعرة‬ ‫عاشت في أشبيلية في القرن الثالث الهجري‪،‬‬ ‫وق��د كانت تشكل مزيجا م��ن الجمال والظرف‬ ‫واألدب ورق��ة العبارة‪ .‬ورغ��م ه��ذا االلتباس في‬ ‫الترجمة‪ ،‬إال أن النص لم يفقد كثيرا من جماله‬ ‫لكونه نصاً نثريا‪ ،‬بخالف نظيره النص الموزون‬ ‫الذي جنت الترجمة عليه جناية نكراء‪.‬‬ ‫تعترف إديث هاملتون‪ ،‬وهي مترجمة أمريكية‪،‬‬ ‫ب�ص�ع��وب��ة ع �م��ل ال �م �ت��رج��م‪ ،‬ل��ذل��ك ت �ص��ف ن��اق��ل‬ ‫األعمال اإلبداعية بأنه “مترجم يحاول أن ينقل‬ ‫جماالً يأبى النقل‪ ..‬مع ذلك‪ ,‬ما لم نحاول بحق‪,‬‬ ‫سوف يختفي من الوجود أدب فريد ال يُضاهى‪،‬‬ ‫اللهم إال داخ��ل مكتبات حفنة من محبي الكتب‬ ‫الشغوفين بالمعرفة”‪ .‬ومعنى قولها هذا أن “ما‬ ‫ال يدرك جلّه‪ ،‬ال يترك أقلّه”‪.‬‬ ‫وح� � ��ده ال �م��وس �ي �ق��ي وال � ��رس � ��ام وال��م��ص��ور‬ ‫الفوتوغرافي الذي ال يحتاج إلى وسيط لغوي‪/‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إديث هاملتون (‪1867‬م‪1963-‬م)‬

‫مترجم بينه وبين المتلقي من ثقافة‬ ‫أخ� ��رى ل�ت��رج�م��ة ع�م�ل��ه اإلب ��داع ��ي‪،‬‬ ‫لذلك تحافظ تلك األعمال الفنية‬ ‫على وهجها أو روحها أينما عرضت‪.‬‬ ‫فنحن لسنا بحاجة إلى تعلم اليابانية‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬كي نستمتع بالنظر إلى لوحة‬ ‫أو منحوتة أو نستمع إلى مقطوعة‬ ‫موسيقية يابانية‪.‬‬ ‫ي �ت �ح��دث األدي� � ��ب األرج �ن �ت �ي �ن��ي‬ ‫آرنستو ساباتو عن عالقته بالترجمة‬ ‫والمترجمين فيقول‪ :‬عالقتي بهذه‬ ‫ال �م �س��أل��ة ل �ي �س��ت م��ري �ح��ة‪ .‬أت��ذك��ر‬ ‫ترجمة لرواية سانت اكزوبري (أرض‬ ‫البشر)‪ ،‬كانت سيئة بدءاً من العنوان‬ ‫(أرض ال��رج��ال)‪ .‬ويشترط ساباتو‬ ‫لنجاح ترجمة األعمال األدبية توافر‬ ‫المعرفة العميقة باللغتين‪ ،‬وأن يكون‬ ‫المترجم بالغ التواضع‪ ..‬فال يحاول‬ ‫تحسين النص األص �ل��ي‪ ،‬ك�ع��ازف البيانو الجيد‬ ‫الذي يجب أال يجعل من شومان أشد رومانسية‬ ‫مما كان‪.‬‬ ‫يتهم المترجمون بالخيانة‪ ،‬وهي خيانة ال يمكن‬ ‫قبولها عندما يكون النص عقد إيجار‪ ،‬أو صك‬

‫آرنستو ساباتو‬

‫تمليك‪ ،‬أو اتفاقية سالم بين بلدين‬ ‫متحاربين‪ .‬لكن الترجمة بتصرف‬ ‫خيانة جميلة ال مناص من اقترافها‬ ‫في مدارات المجاز‪ ،‬وفضاء اإلبداع‪.‬‬ ‫فالمترجم‪ ،‬وال �ح��ال ه ��ذه‪ ،‬يمارس‬ ‫“الخيانة م��ن أج��ل الصيانة”‪ ..‬أي‬ ‫أنه يخون اللفظ ليصون المعنى‪.‬‬ ‫وبعد‪ :‬يقال إن كل أمّة تتكلم كما‬ ‫تفكر‪ ،‬وتفكر كما تتكلم‪ .‬كما أن كل‬ ‫ثقافة تخزن في لغتها تجاربها‪ ،‬بما‬ ‫فيها من عناصر الصواب أو الخطأ‪،‬‬ ‫ك �م��ا ت �خ��زن ال �ت �ص��ور ال��خ��اص بها‬ ‫للعالم‪ ،‬ولو اتفقت المعاجم اللغوية‬ ‫جميعا على تفسير مفردة ما‪ ،‬فإن‬ ‫الدالالت والمعاني التي توحيها تلك‬ ‫المفردة‪ ،‬ال يمكن أن تكون متطابقة‬ ‫تمام التطابق في كل الثقافات‪ ،‬فكل‬ ‫م�ف��ردة م��ن م �ف��ردات اللغة محاطة بسلسلة من‬ ‫المرجعيات التاريخية‪ ،‬خاصة بالجماعة الناطقة‬ ‫بتلك اللغة‪ .‬وع�ل��ى المترجم‪ ،‬وال �ح��ال ه��ذه‪ ،‬أن‬ ‫يقرأ بعض فصول التاريخ‪ ،‬لكي يصل إل��ى روح‬ ‫بعض النصوص اإلبداعية قبل أن ينقلها إلى لغة‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪43‬‬


‫قلق الهوية‬

‫قراءة فى ديوان الشاعر ياسر أنور‬

‫«آخر أخبار ليلى العامرية»‬ ‫> د‪ .‬خالد فهمي*‬

‫(‪)1‬‬ ‫«أنا واحد غيري»‬ ‫إن واح ��دا مما يميز ت��اري��خ الشعرية‬

‫العربية كامن فى العراقة‪ ،‬بكل ما يسكن‬ ‫ه��ذه ال �م �ف��ردة م��ن االم��ت��داد ف��ى أع�م��اق‬ ‫الزمن؛ ولذلك فليس غريبا أن يولد على‬

‫ج�غ��راف�ي��ة اللحظة ال �ت��ى نعيشها دي��وان‬

‫موصول بآباء الشعراء العظام‪.‬‬

‫ه��ذا الشعور بعراقة اإلرث الشعرى‬

‫ال�ع��رب��ى ي�ن�س��رب ف��ى ش��راي�ي��ن القصيدة‬

‫عند ياسر أنور‪ ..‬ظاهر لديه ظهورا جليا‪،‬‬ ‫وهو بعض أسلحته فى مواجهة هواجس‬

‫عاصفة يثيرها قلق الهوية‪.‬‬

‫وه��و الشعور ال��ذى طفى على لسانه‬

‫حين قال‪:‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ال وردة ستجئ فى شفتي‬ ‫وال طفل سيغرس فى دمي وجع النخيل‬ ‫أن����ا واح�����د غ���ي���ري ت��ج��م��د داخ���ل���ي مطر‬ ‫اشتهائي للجنون‬ ‫وللصهيل‪.‬‬ ‫وليس يصح االستسالم لهذا االعتراف‪،‬‬

‫أو الخضوع لما يظهر على صفحة سطحه؛‬ ‫ألن��ه اع �ت��راف م� ��راوغ م��ن جهتين‪ :‬جهة‬

‫الرفض لصورة التعامل المعاصر معه‪،‬‬ ‫وهي صورة تخدش نبله القديم‪ ،‬وكبرياءه‬ ‫الذي ال يمكن نسيانه‪ ،‬وال التفريط فيه؛‬ ‫وجهة الغرور اإليجابي الذي يسكن قلب‬

‫كثير من التعابير الشعرية‪ ..‬في عدد من‬ ‫لدرجة ينفلت فيها صوت‬ ‫ٍ‬ ‫قصائد الديوان‪،‬‬

‫الشعر عن عمد‪ ..‬ليقرر ذلك التعالي الذي‬ ‫يحيط شخصية الشاعر‪ ،‬حين يقول‪:‬‬


‫وتحدى الجميع باأللغاز‬ ‫‪.........‬‬ ‫قال لي منذ أن أتيت قديما‬ ‫أنت يا أيها الفتى إنجازي‬ ‫إن الشاعر هنا واحد غيره‪ ،‬بمنطق التاريخ‬

‫المجيد الذى يستشعر أنه موصول به‪ ،‬ولكن فقده‬

‫وسط ركام التراجعات‪ ،‬والهزائم المعاصرة‪.‬‬

‫وه��و أوح��د غ�ي��ره‪ ،‬بحكم م��ا وص��ل إليه من‬

‫ميراث أج��داد عظام كتبوا ألمته مجدا تليدا‪،‬‬ ‫فرط فيه أهله المعاصرون‪.‬‬

‫وه��و أوح��د غيره بحكم ال�ب��راءة التى كانت‪،‬‬

‫ث��م طمرتها غ�ب��رة االن �ك �س��ارات‪ ،‬والتفريطات‬ ‫المتوالية‪ ،‬لقد كان‪ ..‬ثم آل إلى ما يجلب حزنا‬

‫مقيما؛ ألن لسان حاله يقرر‪:‬‬ ‫معي ابتسامة طفل‬

‫وتمتد هذه البراءة المفقودة فى رحلة البحث‬ ‫عنها لتطال مستويات مختلفة ومتنوعة‪ ،‬حتى أن‬ ‫الشاعر يتحسسها‪ ،‬ويشتمها فى مالبسه وبقايا‬ ‫ذكرياته‪:‬‬ ‫ليس لي مثلكم مالبس أخرى‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫وطني قد أجاز غير المجاز‬

‫فمن الذى يحتاج مَ نْ يا طفلتي؟‬

‫بدوي وأرتدي جلبابي‬ ‫وعقالي القديم لفته أمى هكذا‪..‬‬ ‫فى طفولتى وشبابي‬ ‫ويبحث عنها فى األشياء من حوله‪:‬‬ ‫في مثل‪ :‬دمية ربما هى المنتهى‬ ‫‪......‬‬ ‫فى يدي طفلة‬ ‫وق��د آزر ص��ورة الطفل ال�ت��ي تخايل وج��وه‬ ‫بعض القصائد صورة العذراء‪ ،‬وهي تنضم مع‬ ‫عدد من المفردات‪ ،‬لتدعم مالمح البراءة التي‬

‫أي معي وطن‬

‫كانت تسكن روح الشاعر‪ ،‬ثم فارقته مؤقتا‪ ،‬وهو‬

‫من سطور قصائده‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫الصباح‬

‫هي ال تنام اآلن أيقظها الفتى‬

‫الحجرة العذراء داعبها اختمار القلب‬

‫وه��ذه ال�ب��راءة الملقاة تحت عجالت الزمن مهموم بالبحث عنها‪ ،‬في وجوه كثيرة من مثل‪:‬‬ ‫الراهن‪ ،‬هي بعض ما يفسر مداعبة الطفل لعدد ال��ج��رة ال��ع��ذراء تصحو م��ع أذان الفجر تبتكر‬

‫واستل طفل الوقت من بين المقاعد‬ ‫وف��ى مثل ه��ذا ال �ت��ردد ال��ذي يعكس سكون‬

‫الوعي الباطن بأحالم البراءة المسئولة‪ ،‬على‬

‫ما يظهر فى قوله‪:‬‬

‫وتلعثم الكلمات مدفأتي ومروحتي‬ ‫أب‪ ..‬طفل‬

‫حتى يصل إلى البوح بأمنية صريحة عندما‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫طفلتي كلما بكت أخذت ما فى يدي‬ ‫‪......‬‬ ‫ليت أننى كنت طفال‬ ‫ألج��ل ذل ��ك‪ ،‬ف��إن ك��آب��ة ن��ات��ج ال�م�ف��ارق��ة بين‬

‫ويعذرنى الخجل‬

‫ب��راءة المجد ال��ذى ك��ان‪ ،‬وشحوب م��رآة زمانه‬

‫‪......‬‬

‫اآلن‪ ..‬دعته إلى أن يقرر فى مفتتح قراءة هذا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪45‬‬


‫الديوان‪:‬‬ ‫أنا واحد غيري‬

‫(‪)2‬‬ ‫مالمح القلق من المعجم إلى الفكرة‬ ‫الكشف عن أبعاد الهيمنة‬ ‫ف��ى دي� ��وان ي��اس��ر أن���ور (آخ���ر أخ �ب��ار ليلى‬ ‫العامرية) هيمنة ظاهرة لصوت المرأة‪ ،‬ولصورة‬ ‫األنثى بدرجة أكثر من معبرة‪.‬‬ ‫وأرج��و أن نتفق منذ البداية أن المرأة فى‬ ‫شعر ياسر هنا‪ ،‬ليست إال مجازا بامتياز‪.‬‬ ‫وال�م��رأة كذلك فى أشعار الشعراء؛ تتبدى‬

‫ت �ك��اد تخلو ق�ص�ي��دة م��ن م �ف��ردة م��ن م�ف��ردات��ه‬ ‫واشتقاقاته‪:‬‬

‫ال تبحثي عن فارس األمس النبيل‪.‬‬ ‫ما عاد يقلقه تورط وردة‬ ‫فى أن تكون‬ ‫رسالة الحلم النحيل‬ ‫ما عاد يقلقه انتظارك للندى‬ ‫قلق أنا من رنة فى الصبح‬ ‫أو من رنة فى ساعة متأخرة‬ ‫‪.........‬‬ ‫قلق أنا من رنة‬ ‫تأتي بال قلب‬

‫جميلة ومشرقة حين تتبدى‪ ،‬وه��ى تشير إلى قالت تقارير المباحث‬ ‫ش��يءٍ آخ��ر‪ ،‬وال �م��رأة فى أشعار الشعراء حين لم تمت ليلى‬

‫تقض مضاجع التواقين للراحة‪ ،‬وتبعث بأرصدة اطمئن (قرينة وجود القلق فعال)‬ ‫الهموم إل��ى قلوبهم‪ ،‬وت��ؤج��ج ن�ي��ران الفكر فى وعندها زاد القلق‬

‫عقولهم‪ ،‬وتفجر أحالم الحالمين‪ ..‬ال يمكن أن يمر بين القرى فى عينه قلق‬ ‫ما عاد يسمع أصوات الخالخيل‬ ‫تكون إال مجازاً بامتياز‪.‬‬ ‫قلق جدار البيت‬ ‫فإذا اتفقنا‪ ،‬ونحن متفقون إن شاء الله‪ ،‬كان‬ ‫يرهق ناظره‬ ‫ذلك بدء الولوج إلى عالم ياسر أنور فى رحلة‬ ‫قلق‬ ‫عنوانها الزاهي‪ :‬قلق الهوية‪.‬‬ ‫يحدق فى الوراء لكى يرى‬ ‫فى ديوان الشاعر صورة رجل يرى نبل هويته هى ال تنام اآلن (من ناتج القلق والتوتر)‬ ‫الراسخة منذ زمان طويل بعيد‪ ..‬وقد نال منه فر من السرير‬ ‫ري��ب ال��زم��ان القائم‪ ،‬ففجر براكين القلق في النوم‪ ،‬والقلق ارتمى فوق الوسائد‬ ‫جوانحه‪ ،‬فأصابت منه ما يوشك أن يهزه هزا‬ ‫عنيفا‪ ،‬يفقده وجوده‪.‬‬

‫وليس يصح ألحد أن يقرر أن ذلك التواتر‬

‫كاف لإلعالن عما يسكن قلب‬ ‫لكلمة القلق‪ ،‬ليس ٍ‬

‫ولعل ما يصدق ذلك‪ ،‬ويرجحه هذا التواتر الديوان من رهق التوتر والقلق على تلك الهوية‪،‬‬

‫ال �ب��ادي كثيفا لمعجم ال�ق�ل��ق‪ ،‬حتى غ��دا هذا التي توشك أن تذوب أو تضيع إلى األبد؛ ذلك‬ ‫المعجم واح ��دا م��ن مفاتيح ال��دي��وان؛ حتى ال أن حقال كامال يدعم من قريب ومن بعيد‪ ..‬هذه‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫الكلمة المحور‪ ،‬حيث تدور في مداراتها ألفاظ‬ ‫الرومانسية المحزنة‪ ،‬وال�م�ع��ذب��ة‪ ،‬والمؤلمة‪،‬‬

‫والباكية‪ ،‬وال�م�ت��رددة‪ ،‬والمتلفتة يأكلها القلق‪،‬‬

‫والسهر‪ ،‬والضنى‪ ،‬والهواجس!‬

‫من أجل عينيك القوافي تسهر‬ ‫ووسادتي‬ ‫قلق الجنين المقمر‬ ‫الصبح في حلقي يعد هواجسه‬ ‫‪......‬‬ ‫والليل مصلوب النجوم!‬ ‫السماء ملبدة الكالم‬ ‫تتكاثف أحرفه فى الزحام‬ ‫أن���ا ال أري����د زم��ان��ي ال��ع��ص��ب��ي أس��ت��ج��دي زم��ان‬ ‫فراشة‬ ‫طارت شريدة‬

‫فيها الزمان يسطر‬ ‫يا بنت مصر‬ ‫لك الحضارة طرزت‬

‫وليس يصح من جديد أن يتغافل أح��د عن فستانها‬ ‫ه��ذه الهوية‪ /‬األم��ة وه��ي تتزيا‪ ..‬وتتخلق فى‬ ‫والمتأمل فى جوانب الديوان ال يسعه إال أن‬ ‫صورة امرأة حازت شروط الجمال‪ ،‬واستجمعت‬ ‫يخضع خضوع االستسالم لصورة المرأة‪ ،‬وهي‬ ‫في قسمات وجهها كل مالمح الحسن األصيل‪،‬‬ ‫تتبدى مجازا كلها‪ ،‬وتشرق مجازا كلها‪ ،‬وتتخايل‬ ‫وج �م��ع ل�ه��ا محبوها ع�ل��ى ام �ت��داد ال��زم��ان كل‬ ‫كبدر التمام‪ ،‬تحيط اإلنسان فى الديوان‪ ،‬وتشكل‬ ‫ع�لام��ات ال��زي �ن��ة‪ ،‬ول��م ال؟! أل�ي�س��ت ه��ي التي‬ ‫وجدانه وعقله‪ ،‬وبناءه كله‪ ،‬حتى تغدو هي وعيه‪،‬‬ ‫دوما‪:‬‬ ‫وهويته‪ ،‬وصميم كينونته‪.‬‬ ‫عاشت مدللة المالبس كالبنات‬ ‫إن الذين يشغبون على هذا الذى يتبدى من‬ ‫وخدها ما بين والدة ووالد‬ ‫ول�ي��س ه��ذا ال �ت��أوي��ل م��ن ق�ه��ر ال� ��دالالت أو‬

‫اع�ت�س��اف�ه��ا ف��ى ال���دي���وان‪ ،‬وه ��ا ه��و ذا ينطق‬ ‫ك��ال �ص��وف��ي‪ ،‬طفحت الحقيقة م��ن قلبه على‬

‫لسانه‪:‬‬

‫يا وجه معجزة تطل على المدى‬ ‫كمسلة‬

‫وراء التعابير التي تحيط باألنثى فى الديوان‪..‬‬ ‫مطالبون بأن يجيبوا عن السؤال الذي يقول‪ :‬أيّ‬ ‫امرأة تلك التي يقول فيها الشاعر‪:‬‬ ‫ووالدتي من تخبز الوقت عادة‬ ‫حكايات حب فوق صنم من الخشب‬ ‫ويقول أيضا‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪47‬‬


‫م����ا ال������ذي أع���ج���ل���ه ع����ن دم��ي��ة‬ ‫وال��خ��ط��ا ك��ان��ت ك��غ��ي��م مبطئه‬ ‫خلف أنثى أشعلت فيه المدى‬ ‫وأط�����اح�����ت ب����ال����ذي ق����د ه��ي��أه‬ ‫ك����ان وج���ه���ا م���وغ�ل�ا ف���ى عشبه‬ ‫وس�����ح�����اب م�����ن ض����ي����اء وض�����أه‬ ‫ح��س��ن��ه��ا ك����ان ي������وارى ض��اح��ك��ا‬ ‫م�����ا أع�����دت�����ه ف����خ����اخ ال��س��ي��ئ��ه‬

‫ومدعومة بفكرة تتبدى شفيفة من خلف قناع‬ ‫المرأة الجميلة‪ ،‬الماجدة‪ ،‬الكريمة‪ ،‬المقاومة!‬

‫ومما يزيد من ج�لال الرؤية الطامحة نحو‬

‫اس�ت�ع��ادة ال�ه��وي��ة‪ ..‬كاملة م��ن ب��راث��ن خلق قاتل‬

‫فاتك يتهدد مستقبلها‪ ،‬بسبب من وهن اللحظة‬ ‫الراهنة‪ ،‬لجوء الشاعر إلى التكافل (أو ما يسمى‬

‫بالتناص)‪ ،‬مع شاعر البحث عن الهوية العربية‬ ‫األكبر‪ ،‬أبى الطيب المتنبي‪.‬‬

‫كان الراحل العظيم مصطفى ناصف يملي‬

‫فإن ظل باب االرتياب يصطفق أحيانا جيئة‬

‫علينا أن في شعر أبي الطيب صورة رجل نبيل‬

‫فى أمر المرأة في الديوان‪ ،‬عليه أن يقف طويال‬

‫تاريخ مجيد‪ ،‬تصارع الزمان‪ ،‬لكن الزمان يوشك‬

‫األنثى‪ ،‬حين يقول الشاعر‪:‬‬

‫القديم‪ ،‬ويقاوم عن طريقه السقوط‪.‬‬

‫وذهابا‪ ،‬انفتاحا وانغالقا‪ ،‬فإن القارئ المرتاب‬

‫في ماضيه‪ ..‬مهين في حاضره‪ ،‬يتمسك بأهداب‬

‫أمام هذه اللوحة‪ ،‬التي تكشف الستر عن رمزية‬

‫أن يغلبه وي�ص��رع��ه‪ ،‬لكنه يتمسك ببعض نبله‬

‫أق��س��م��ت ي��ا رب���ي وي���ا رب الفلق‬ ‫أقسمت يا ليلى بمن حق ًا خلق‬ ‫أنت الحقيقة والشريعة والنسق‬

‫وأنت واجد فى دي��وان ياسر إع��ادة استحياء‬

‫لصورة هذا النبل الذى ما غاب‪ ،‬والذي ما فتئ‬

‫يبكي غربة األي��ام وسيول األح��زان‪ ،‬وهو يسكن‬

‫أن��ت ال��ك�لام إذا تلخبط واتسق روح أبى الطيب بعض قصائده عندما يقول‪:‬‬

‫وإذا كان هذا الذي غلب على لسان الشاعر‪،‬‬ ‫وهتك ما استكن في ضميره الشعري هكذا‪..‬‬ ‫كان أمرا سائغا أن يقرر‪:‬‬

‫ي���ا س��اق��ي أن��ب��ل ف���ي كئوسكما‬ ‫أم في كئوسكما شتى مواويلي‬ ‫واالت �ك��اء على ب�يْ��ن المتنبي‪ ،‬المكتنز ب��آالم‬

‫لكن ليلى لن تخون قالدتي‬

‫الغربة فى أرفع ميادين الفرحة‪ ..‬مشعر بحجم‬

‫عهدي بها يوما وثق‬

‫لمجد كان‪ ..‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫الهوية‪ ،‬وهواجس مخاتلة الزمان‬

‫ليلى التي‬ ‫ما زلت انتظر القوافل فى المدى‬ ‫فلعل هودجها‬ ‫يجئ مع الشفق‬

‫بسبب من قلق‬ ‫ٍ‬ ‫التمزق الذى يصيب نفس الشاعر‬

‫تبددت معالمه اآلن‪.‬‬

‫ال �ش��اع��ران ك�لاه�م��ا ي��رث�ي��ان ام���رأة يخاتلها‬

‫الواقع الخائن‪ ،‬يريد أن يسرق منها ما ال يعوض‪،‬‬

‫هذه الروح المهيمنة على الديوان‪ ،‬مدعومة وهي تقاوم بما تملك من بقايا المجد القديم‪،‬‬

‫بمعجم‪ ،‬منسربة ف��ي أبنية القصائد جميعا‪ ،‬واألصل العريق‪ ،‬والمروءة التى تقاوم بقيتها غدر‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫مثل (الحجاز‪ /‬ومصر‪ /‬والنيل‪ ...‬إلخ)‪.‬‬ ‫وعندما يغلف الديوان فيزياء من ألوان تدعم‬ ‫أجواء التوتر والقلق‪ ،‬وعبس الرؤية الذي ينتجه‬ ‫انتشار الغمام‪ ،‬والغيم‪ ،‬وتواتر األحالم‪ ،‬وهجوم‬ ‫بسبب من التشكيل‬ ‫ٍ‬ ‫المساءات‪ ،‬وارتفاع الجدران‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫استدعاء أماكن تمأل حنايا الديوان بالجالل من‬

‫صنع من كلمة (ج��دار)‪ ..‬جدارا‬ ‫الطباعي الذي ُ‬ ‫حاجزا مائال يوشك مع اإلصرار أن ينهار‪ ،‬وربما‬ ‫بسبب من السحابة الحبلى التي توشك أن تسفر‬ ‫ٍ‬ ‫عن صحو بعد أن تضع حملها!‬ ‫وعندما تنتشر حروف المد واللين‪ ..‬صانعة‬ ‫الزمان‪ ،‬وتزاحم اللئام‪.‬‬ ‫فى ديوان ياسر أنور صورة امرأة‪ ،‬تعرف هي‪..‬‬ ‫ويعرف كل من رآه��ا وخبر أمرها – طهارتها‪،‬‬ ‫وزكى جسدها‪ ،‬يغالبها الخداع مريدا إسقاطها‬

‫نوعا من بطء الحركة التي تغل حركة الحزين‪،‬‬ ‫القلق المسكون بالهواجس‪.‬‬ ‫وعندما يبدو الشاعر م��اه��راً في استعمال‬ ‫تقنية التضاد والطباق‪ ،‬خالقاً بها إيقاعا داعما‬ ‫للقلق ال ��ذى ي�غ�م��ره‪ ،‬وي�س�ك��ن ن�ف�س��ه‪ ،‬ويكسره‬

‫م��ن عليائها‪ ،‬وه��ي ت��أب��ى عليه إال أن تسترد خطوه‪..‬‬ ‫براءتها‪ ،‬وطهارتها وعفتها وجمالها البدوي غير‬ ‫وع�ن��دم��ا ي ��زدان كثير م��ن القصائد ببالغة‬ ‫المصطنع!‬ ‫الوصل‪ ،‬عن طريق العطف الذي يصنع المفارقة‬

‫(‪)3‬‬

‫بقية من عناصر داعمة‬ ‫ومن وجهة أخرى‪ ،‬فإن ثمة مالمح فنية فى‬ ‫جسم الديوان تؤكد هذا ال��ذي رمناه من خلف‬ ‫قراءتنا‪.‬‬

‫والمخالفة بطبيعة كينونته‪ ،‬لتتأكد سطوة القلق‬ ‫على الهوية فى الديوان‪.‬‬ ‫لقد ب��دا الشاعر‪ ،‬وق��د استولت عليه فكرة‬ ‫ال��ري��ادة التى فجرت قلق ال�ه��وي��ة‪ ،‬وه��ي ال��روح‬ ‫التي ال تركن إلى التأصيل والتعميق‪ ،‬وإنما تطير‬

‫إن عددا من الصور‪ ،‬مع االعتراف بتراجعها مستعملة تقنية التحليق‪ ،‬مهمومة بمس القضايا‬ ‫إحصائيا‪ ..‬تؤكد ما تذهب إليه القراءة‪ ،‬وال سيما جميعا‪ ،‬شغوفة بالتقاط كل ما من شأنه أن يعجل‬ ‫عندما يقرر (أرضعتني صمودا) وعندما يلح في باستعادة الغائب المنتظر الذى ينبغى أن يئوب!‬ ‫* كلية اآلداب ‪ /‬جامعة المنوفية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪49‬‬


‫وحب‬ ‫ٌّ‬ ‫نِزار قبَّاني‪ ..‬شـعر ٌ‬ ‫حسـن*‬ ‫> َعالء ِّ‬ ‫الدين َ‬

‫تحصل على الشهادة‬ ‫َّ‬ ‫في أحد أحياء دمشق القديمة ُول��د ن��زار قبـاني عـام ‪1923‬م‪.‬‬ ‫الثانوية‪ ،‬ثم التحق بكليّة الحقوق بالجامعة السـوريَّة‪ ،‬وتخرَّ ج منها عام ‪1945‬م‪.‬‬ ‫تزوَّج مرَّ تين‪ ..‬األولى من «زهـرة» السورية‪ ،‬والثانيـة من «بلقيس ال��راوي»‪ ،‬العراقية‪،‬‬ ‫التي قُ تلت في انفجار السفارة العراقيـة ببيروت عام ‪1982‬م‪ ،‬وترك رحيلها أثر ًا نفسـي ًا‬ ‫عميق ًا عند نزار‪ ،‬ورثاها بقصيدة شـهيرة تحمل اسمها‪..‬‬

‫الشـعر‬ ‫قصة معَ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ب ��دأ ن���زار ي�ك�ت��ب ال�ش�ع��ر وع �م��ره ست‬ ‫عشرة سنة‪ ،‬وأصدر أوَّل دواوينه «قالت لي‬

‫�س دار نشر‬ ‫م��ا ه��و ال �ش �ع��ر‪ .»...‬كما أسَّ � َ‬ ‫ألعماله في بيروت تحمل اسم‪« :‬منشورات‬ ‫نزار قباني»‪.‬‬

‫السمراء» عام ‪1944‬م‪ ،‬وكان طالباً في كليّة الشـعر‪ ..‬الماهيَّ ة واأللق‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الحقوق‪ ،‬وطبعه على نفقته‬ ‫له ع��دد كبير من دواوي��ن الشعر تصل‬

‫عن ماهيَّة الشعر يقول نزار‪:‬‏‬ ‫«ل� �ي ��س ل �ل �ش �ع��ر ص � ��ورة ف��وت��وغ��راف �ي��ة‬

‫إلى خمسـة وثالثين ديواناً‪ ،‬كتبها على مدى معروفة‪ ،‬وليس له عمر معروف‪ ،‬أو أصل‪..‬‬ ‫ما يزيد على نصف قرن‪ ،‬أه ّمهـا‪« :‬الرسم وال أح��د يعرف من أي��ن أت��ى‪ ،‬وب��أي جواز‬

‫بالكلمات‪ ،‬قصـائد‪ .»...‬وله عـدد كبير من سفر يتنقل‪..‬؟ المعمّرون يقولون‪ :‬إنَّه هبط‬ ‫الكتب النثرية أهمهـا‪« :‬قصتي مع الشعر‪ ،‬من مغارة في رأس الجبـل واشترى خبزاً‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ول��و أردن ��ا ال�ح��دي��ث ع��ن األل ��ق ال�ش�ع��ري‪ ،‬أو‬ ‫عن الومضة في شعره؛ الستطعنا القول‪ :‬إنَّها‬ ‫متوافرة بكثرة الفتة في شعره بعامَّة‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫بمستغرب عند نزار قباني‪ ،‬لعدَّ ة عوامل‪:‬‏‬ ‫‪1‬ـ إنَّ الشعر اإلبداعي‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬ما‬ ‫هو إال انعكاس وارتداد لتلك االضطرابات أو‬ ‫االنفعاالت الصامتة من األحاسيس العاطفية‬ ‫المتولدة في ذات الشاعر‪ ،‬نتيجة الصطدام‬

‫صدر ورقة بيضاء‪ ،‬فلماذا أبحث عن فنادق‬ ‫أخرى»؟‬

‫‪3‬ـ صمَّم نزار منذ خطواته الشـعرية األولى على‬

‫أن يكون لشعره وظيفته المهمة‪ ،‬وقد أنجز ما‬

‫صمم عليه عبر النوعية المتميزة‪ ،‬والتأثير‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫وقهوة وكتباً وجرائد من المدينة‪ ..‬ثم اختفى‪.»..‬‬

‫ملك حقيقي‪ ،‬وما دمت أستطيع أن أنام على‬

‫الكبير الذي تركه شعره في أذهان الناس‪..‬‬

‫‏ سلطان الشـعر‬ ‫قد نختلف مع نزار في كثير من قصـائده‪ ..‬وفي‬

‫تلك الذات مع المحيط اإلنساني الخارجي‪،‬‬

‫بعض الموضوعات واألشكال والصفات‪ ،‬وهذا‬

‫التي ال تهدأ حتى تقوم بإعادة صياغة نفسها‬

‫بعد رحيل ن��زار بأنَّه سلطان الشعر المعاصر‪،‬‬

‫وقد أشـار الناقد محيي الدِّين صبحي إلى‬

‫ال تقل عن نصف ق��رن‪ ،‬وق��د وص��ل إليه الشعر‬

‫ون� ��زار ق�ب��ان��ي واح ��د م��ن ال��ذي��ن يسكن في أمر طبيعي‪ ،‬ونحن في عصر والدة القارئ‪ ،‬كما‬ ‫وجدانهم ذل��ك النوع العالي من االنفعاالت يرى الناقد الفرنسي روالن بارت‪ ،‬ولكن نعترف‬

‫على الورق بوساطة قلم مبدع‪.‬‏‬ ‫ ‬

‫مثل ذلك في كتابه النقـدي «الكون الشعري»‪:‬‬ ‫«إنَّ إي �ق��اع ال�ت�ع�ب�ي��ر ل ��دى ان �ف �ع��ال ال�ش��اع��ر‬ ‫بالجمال‪ ،‬ال يخضع ل�ط��راز واح��د م��ن طرز‬

‫استطاع أن يحافظ على عرشه الشعري مدة‬

‫العربي طائعاً مختاراً‪ ،‬وسلمه مفاتيحه ومقاليد‬ ‫الحكم‪ ،‬واطمأن إلى قيادته الحكيمة‪ ،‬وقد وجد‬

‫ضالته في هذا الشاعر‪...‬‬

‫االنفعال؛ بل تختـلف أنماط االنفعال والتعبير‬

‫وي� ��رى ب �ع��ض ال �ن �ق��اد أنَّ ال �م�لام��ح األول���ى‬

‫الفني‪ ..‬وه��و إضافة إل��ى ذل��ك شاع ُر تذوق‬

‫يعبر عنها شعرياً‪ ،‬تتطلب وضعها في سياقها‬

‫الكلمات‪ ،‬وفتنة تشكيل الصور الجميلة في‬

‫مع الطروحات التي كانت تقدمها الرومانسية‬

‫‪2‬ـ إنَّ ن ��زار قبّـاني ط��اق��ة ش�ع��ري��ة‪ ،‬ن��ذر نفسه‬

‫التخلُّص من لغة التفخيم والجزالة واالقتراب من‬

‫لديه اختالفاً بيناً‪ ،‬يخضع لقاعدة التجويد‬

‫لشعرية نزار قباني واألفكار المتعلقة بها‪ ،‬والتي‬

‫وتأمل وانفعال فني‪ ،‬يُخضع مرئياته لسحر‬

‫التاريخي والفكري والجمالي؛ من حيث اتصالها‬

‫ذاتها»‪.‬‏‬

‫في تلك المرحلة‪ ،‬والتي كانت تسعى فيها إلى‬

‫وح�ي��ات��ه لقضية ال�ش�ع��ر‪ ،‬وو َّف ��ى ب �ن��ذره تمام‬

‫لغة الحياة وكثافتها الحسية‪..‬‬

‫ال��وف��اء‪ ،‬وق��د نهج ف��ي حيـاته نهجاً واح��داً‪،‬‬

‫وعلى الرغم من أنَّ نزاراً لم ينتمِ إلى أي جهة‬

‫«ما دام معي قلم وورقة وفكرة تشغلني‪ ،‬فأنا‬

‫للوصول إلى الشهرة‪ ،‬كما هي الحال لدى معظم‬

‫أخلص له إخالصـاً قلَّ نظيره‪ ،‬يجسده قوله‪:‬‬

‫سياسية أو تنظيم‪ ،‬ليكون متك ًأ أو مشجباً أو سلَّماً‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪51‬‬


‫الشعراء‪ ،‬فقد استطاع بجهوده وثقافته الواسعة‬

‫والماء يبدأ من دمشق‪ ..‬فحيثما‬

‫أن يدير مملكة الشعر؛ بل عزَّز سلطان أسلوبه‬ ‫األخاذ ولغته الخاصة‪ ،‬وظلَّ ينظر إلى الشـعراء‬ ‫عل؛ فكان صـوته ثورة عارمة في تاريخ الشعر‬ ‫من ٍ‬ ‫العربي المعاصر‪...‬‬

‫أس��ن��دت رأس���ك‪ ،‬ج���دول ينساب‪،‬‬ ‫وحسـبنا روعة في التعبير عن هيامه للشَّ ـام قوله‪:‬‬ ‫فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا‬ ‫ُ‬ ‫فيا دمشـق! لماذا نبـدأ العتبـا؟‬

‫ضمير أمَّ ـة‬

‫حبيبتي أن��ت فاسـتلقي كأغنية‬

‫إنَّ نزاراً مثَّل ضمير األمة‪ ،‬فغنَّى لدمشق كما‬ ‫لم يغنِّ شاعر من قبل؛ فهي في شعره أم الدنيا‪،‬‬ ‫ومدينة الطيب‪ ،‬ومركز الفتوحات‪ ،‬وأم البطوالت‬ ‫والتضحيات والجمال‪ ،‬وهو جزء ال يتجزأ منها؛‬ ‫فهي موطنه وأرض أجداده‪ ،‬وفيها مالعب طفولته‬ ‫وصباه وشبابه‪:‬‏‬

‫على ذراعي وال تستوضحي السببا‬ ‫أنت النساء جميع ًا ما من امرأة‬ ‫أحببـت قبلك‪ ،‬إال ِخلْتُ هـا كذبا‬ ‫ل��م يتوقف ن�ـ��زار لحظة ع��ن ال�ش�ـ��وق الكبير‬

‫إل��ى الشـام‪ ..‬وإل��ى ليالي دمشـق‪ ..‬وإل��ى سماء‬ ‫قاسـيون‪ ..‬وإل��ى م��آذن األم�ـ��وي‪ ..‬وإل��ى ياسمين‬

‫الدروب المتـرعة بعطر الحالـمين‪..‬‬

‫قمـر دم��ش��ق��ي يسـافر ف��ي دم��ي‬ ‫وب��ل�اب����ل وس���ـ���ن���اب���ل‪ ..‬وق����ب����اب‏‬ ‫ال��ف��ـ��لّ يبـدأ م��ن دمشـق بياضه‬

‫‏يا شـام يا شامة الدُّ نيا‪ ،‬ووردتها‬ ‫يا من بحسنك أوجعت اإلزميال‏‬ ‫وددت ل��و زرع��ون��ي ف��ي��ك مئذنة‬

‫وب��ع��ط��ره��ا ت��ت��ط��ي��ب األط��ي��ـ��اب‏‬

‫مدينة دمشق‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫أو علقوني على األبواب قنديـال‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫‏ يا شام إن كنت أخفي ما أكابده‬

‫غداً‪ ..‬غد ًا سيزهر الليمون‏‬

‫فأجمل الحبِّ حبٌّ ­بع ­ُد ما قيال وتفرح الســنابل الخضــراء والغصون‏‬ ‫لقد بقيت دمشق أبجديته‪ ،‬وبقي ه��و ذلك‬

‫الطفل الذي حمل في حقيبته كل ما في حدائق‬ ‫دمشق‪ ..‬من فل وياسمين مغموراً بعطر تربتها‪..‬‬

‫‏ أمَّا أرض الكنانة مصر‪ ،‬فكان يحبُّها أيضا‬

‫ل��درج��ة العشق‪« ،‬أن���ا وم��ص��ر ت��وأم��ان م��ن توائم‬ ‫العشق والشعر والحرية‪ ،‬وكل محاولة للفصل‬ ‫بيني وبينها محاولة مستحيلة»‪ ،‬هكذا كانت‬ ‫مصر منذ خلقها الله جسداً مزداناً بالورد والنار‬ ‫والياقوت والتوابل واألمطار االستوائية‪ ..‬كما كان‬

‫رفيقاً لمدينة بيروت الفاتنة‪.‬‏‬

‫وتضـح ــك العـيـ ــون‪..‬‏‬

‫معجم متفرد‏‬ ‫استطاع نزار أن يكون معجماً شعرياً خاصاً‬ ‫ب��ه‪ ،‬فقد ك��ان انتقائياً ف��ي استخدام مفرداته‪،‬‬ ‫واستطاع بعدد قليل من األلفاظ أن يصنع مجداً‬ ‫شعرياً ال يزول؛ بل استطاع أن يقف بقامتـه إلى‬ ‫جانب الشـعراء المشهورين في العـالم أمثـال‬ ‫«ج ��اك بريفـير» و«ن� �ي ��رودا» و«ل��وي��س أراغ���ون»‬ ‫و«لوركا» وسواهم؛ بل استطاع أن يبرهن أنَّ اللغة‬ ‫العربية من أكثر اللغات شـاعرية‪ ،‬وأن العجز‬

‫ينس نزار القدس الجريحـة‪ ،‬فغنى لها الذي نراه ونتلمسه في الشـاعر ال في اللغة‪ ،‬وفي‬ ‫‏ ولم َ‬ ‫غناء ممزوجاً بالحسرة على واقعها‪ ،‬ولكنه كان معجمـه الشعري ألفاظ مألوفـة وكثيرة الدوران‪،‬‬ ‫ال بمسـتقبلها‪ ،‬فهو ي��درك ويؤمـن بأنَّها‬ ‫متفائ ً‬

‫ستشفى من أوجاعها‪ ،‬ولذلك طمأنها قائالً‪:‬‬ ‫يا قدس يا حبيبتي‪..‬‬

‫وفيه ألفاظ لم تسـتخدم من قبل‪...‬‏‬

‫تتميَّز قصـائد نزار ونثره بالدهشة والطفولة‪،‬‬ ‫وهو الذي حطَّ م صورة المرأة الجارية‪ ..‬والوطن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪53‬‬


‫ال �ض �ع �ي��ف وال� �م� �ج� �ـ ��زأ‪ .‬وك ��ان‬

‫يربح ثقـة ال�م��رأة التي يجلس‬ ‫م�ع�ه��ا‪ ..‬ب�م��ا يحمل م��ن أف�ك��ار‬ ‫جديدة‪ ،‬ومشاهدات وق��راءات‬ ‫متنـوعة‪..‬‏‬

‫سينقرض‪ ،‬والكثير من األسماء‬

‫‏ ال �م��رأة األول ��ى ال�ت��ي تعلَّق‬ ‫بها نزار كانت أمُّه‪ ،‬ولم يخفف‬ ‫من هذا التعلق بها تقدمه في‬ ‫السن‪ ،‬أثرت في إبداعه األدبي‪،‬‬

‫شـعره انقالبياً‪ ،‬ولذلك يصح‬ ‫فيه قول جبرا إبراهيم جبرا‪:‬‬ ‫«الكثير من شعر ه��ذا العصر‬ ‫ال�لام �ع��ة ف�ي��ه س�ت�ن�س��ى‪ ،‬ول�ك��نَّ‬ ‫اسماً واح�ـ��داً من السهل على‬ ‫ال�م��رء أن ي�ج��زم ببقائه‪ :‬ن��زار‬ ‫قباني»‪.‬‏‬

‫قضية كبرى‬ ‫ال� �م ��رأة ع �ن��د ن� ��زار وسيلة‬ ‫من وسائل التطوير والتحرير‪،‬‬ ‫يربط قضيتها بقضية التحرير‬ ‫االج �ت �م��اع��ي ل�ل��رج��ل وللحرية‬ ‫ع �ل��ى ال� �س ��واء‪ .‬ك ��ان ي��ري��د من‬ ‫ال �م��رأة ال �خ��روج م��ن قوقعتها‬ ‫ل�ت�ك��ون ام ��رأة تعطي وت�م�ن��ح‪..‬‬ ‫وت �ق��ف م��ع ال��رج��ل وال تستتر‬ ‫خ �ل �ف��ه؛ وي ��ري ��ده ��ا أن تكسر‬ ‫وتدمر عالم الجواري وتتوازن‬ ‫م��ع ال �ع �ص��ر‪ ،‬وك� ��ان ي �ك��رر في‬ ‫مقابالته أ َّن��ه ح �وَّل المرأة في‬ ‫شعره إلى زهرة حديقة‪.‬‏‬

‫أخذ منها مخزونها الفلكلوري‬ ‫الحافل بفيض من ذكرياتها عن‬ ‫عمها أبي خليل القباني‪ ،‬مبدع‬ ‫ال�م�س��رح ف��ي مصر وال �ش��ام‪..‬‬ ‫الذي ابتكر صيغة فنية جديدة‬ ‫ل��م يسبقه إليها أح��د‪ ،‬وبقيت‬ ‫صورة أمه في مخيلته بوجهها‬ ‫الطيب‪ ..‬وابتسامتها الحانية‪..‬‬ ‫ول�م�س�ت�ه��ا ال ��داف� �ئ ��ة‪ ..‬م�ص��در‬ ‫إلهام له‪ .‬وقد كتب عند وفاتها‬ ‫عام ‪1976‬م‪:‬‬ ‫«ب���م���وت أم���ي ي��س��ـ��ق��ط آخ��ر‬ ‫ق���م���ي���ص ص�������وف أغ����ط����ي ب��ه‬ ‫ج��س��دي‪ ..‬آخ��ر قميص حنان‪،‬‬ ‫آخر مظلة مطر‪.»...‬‬

‫‏ ال� �م ��رأة ك��ان��ت م ��رف� � ًأ من‬ ‫‏‏‏ يصف نزار المرأة المثقفة‬ ‫مرافئ رس��ا فيها ن��زار قباني‪،‬‬ ‫ب��أ َّن �ه��ا ه��ي ال �ت��ي تستطيع أن‬ ‫ولم تكن أبداً كل تلك المرافئ‪..‬‬ ‫تدخل في ح��وار شمولي لمدة‬ ‫وأم� ��ا ال� �م ��رأة ال �ت��ي تستهويه‬ ‫ساعات مع الرجـل‪...‬‬ ‫أك�ث��ر‪ ..‬فتلك التي تكسر كل أل��واح ال��زج��اج في‬ ‫المرأة المثقفـة هي التي ال تتصرف كجارية‪ .‬قلبه وتمضي‪ ..‬كما كانت نظراته للمرأة مبعثرة‬ ‫أما الرجل المثقف برأيه‪ ،‬فهو الذي يحاول أن في أكثر من ثالثة آالف قصيدة‪ ..‬ولو كان شعره‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫ع��ائ��داً الم ��رأة واح� ��دة‪ ...‬لكتب قصيدة واح��دة‬ ‫واستقال من مملكة الشعر‪..‬‬ ‫لقد جعل من العالقة اإلنسانية بين الرجل‬ ‫والمرأة طقساً احتفائياً‪ ،‬مختلفاً تماماً عن ذاك‬ ‫الكالم الماجن ال��ذي تفنن به بعض العابثين‪..‬‬ ‫وجعل من الحبِّ قضية كبرى‪ ،‬وذلك حين أزاح‬ ‫الستار عن حجم المعاناة التي يئن تحت وطأتها‬ ‫المجتمع‪ ،‬إال أن بعضهم أخذوا عليه جرأته على‬ ‫كشف المستور‪...‬‬ ‫م����ـ����ن ت���ك���ون���ي���ن أي�������ا أغ��ن��ي��ـ��ـ��ـ��ة‬ ‫دف���ؤه���ا ف����وق اح���ت���م���ال ال���وت���ر؟‬ ‫أن�����ت ي����ا وع�������د ًا ب��ص��ح��و م��ق��ب��ل‬ ‫ب��ع��ط��اي��ا ف�����وق وس��ـ��ـ��ـ��ع ال��ب��ي��در‬

‫التنـاص‬ ‫يشكِّل القرآن الكريم الرافد األول للتناص‬ ‫لدى نزار‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫تغلغل اليهود في ثيابنا‬

‫وم��ا ينبغي أن يشار إليه هو أنَّ ن��زاراً دافع ونحن راجعون‬ ‫عن المرأة بما ملك من براعة‪ ..‬وانتقل من هذه‬ ‫ناموا على فراشنا‬ ‫المقدرة الهائلة إلى التعبير عن آالم األمَّة‪ ،‬حتى‬ ‫ونحن راجعون‬ ‫خبز يومي‪ ..‬شعره‬ ‫صار شعره السياسي بمثابة ٍ‬ ‫وكلُّ ما نملك أن نقوله‪:‬‬ ‫السياسي– بحسب األستاذ يوسف القرضاوي‪:‬‬ ‫إنَّا إلى الله لراجعون‬ ‫محل إعجاب كبير؛ ألنَّ واجب الشاعر أن يحافظ‬ ‫على إيقاد جذوة إحساس األمَّة‪ ،‬ويستثير همَّتها‬ ‫في الدفاع عن ترابها‪.‬‬

‫وهنا تناص م��ع اآلي��ة الكريـمة‪{ :‬ا َّل��ذي��ن إذا‬ ‫أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون}‪.‬‬ ‫ويقول نزار في قصيدة هوامش‪:‬‬ ‫جلودنا ميتة اإلحساس‬ ‫أرواحنا تشكو من اإلفالس‬ ‫أيامنا تدور بين الزار والشطرنج والنعاس‬ ‫هل نحن خير أمَّ ة أُخرجت للناس؟!‬ ‫والعبارة األخيرة مقتبسة من قول الله سبحانه‪:‬‬ ‫{كنتم خير أم ٍَّة أ ُخرجت للنَّاس‪.}..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪55‬‬


‫التجـديد‬ ‫ول�ع��لَّ أه��م م��ا ج��اء ب��ه ن��زار ف��ي ق�ص��ائ��ده‪ ..‬ه��و أ َّن��ه ترك‬ ‫خمساً وثالثين مجموعة على م��دى أربعة وخمسين عاما‬ ‫من الكتابة واللعب بالكلمات‪ ..‬ونحن إذ نتفقد هذه األعمال‬ ‫نجد تجديداً في لغة الشعر وشكله ومضمونه؛ فقد استطاع‬ ‫نزار أن يبسـط اللغة لتكون وسـطاً بين الفصحى وشيء من‬ ‫العامية‪ ..‬إنَّها لغة تقترب من لغة الحوار اليومي‪ ،‬فكسر بذلك‬ ‫حدود الحـروف‪ ،‬وعرف كيف يجعل من القصيدة ناراً‪ ،‬أو قل‪:‬‬ ‫بركاناً يتقد كل حين‪..‬‬ ‫وإذا كان الشاعر قد مات‪ ،‬فإ َّن شعره أحدث­ثورة‪ ،‬فقد كان‬ ‫شاعراً متجدداً‪ ،‬وبحسب الراحل الكبير محمود درويش‪« :‬كان‬ ‫ن��زار قباني عابراً للمدارس واالتجاهات؛ كأنه خط يخترق‬ ‫تاريخ الشعر‪..‬كان ش��اع��راً م�ج��دداً‪ ،‬أدخ��ل الشعر في نسيج‬ ‫ال شاعراً آخر يعيد‬ ‫الحياة االجتماعية وبسطه‪ ،‬وسننتظر طوي ً‬ ‫الشعر إلى المكانة العامة التي وضعه فيها نزار قباني»‪ .‬وإذا‬ ‫قلنا مع نزار‪ :‬ليس هناك نظرية للشعر؛ قلنا أيضاً‪ :‬لقد حمل‬ ‫نزار نظريته معه‪ ...‬وبرحيله فقدت القصيدة أحـد أعمدتهـا‪.‬‬

‫أه ُّـم المَ راجـع‬ ‫‪ -1‬نزار والمواقف العربية – محمود هنـدي – القاهرة –‬ ‫دار قبـاء ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشعر العـربي الحديث – ميشيل جحا – دار العودة –‬ ‫بيروت ‪1999‬م‪.‬‬ ‫‪ –3‬تاريخ الشعر العربي – أحمد قبش – مؤسسة النوري‬ ‫بدمشق ‪1971‬م‪.‬‬ ‫‪ –4‬التجربة الشـعريَّة – عبدالعزيز ش�ـ��رف – القاهرة‬ ‫‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪ –5‬من أوراقي المجهولـة – نزار قبـاني – بيروت ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪ –6‬الكون الشـعري عند نزار – محي الدين صبحي‪..‬‬ ‫‪ –7‬عـدد من الصحف والدوريات واللقـاءات‪...‬‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫للروائي طالب الرفاعي‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫تقنيات سردية في رواية الثوب‬ ‫> أ‪ .‬د‪ .‬صبري مسلم*‬

‫ثمة أكثر من تقنية سردية في رواية الثوب للروائي‬ ‫الكويتي طالب الرفاعي؛ فهي في ظاهرها تحيل إلى‬ ‫أجواء السيرة الذاتية‪ ..‬نظرا لتماهي شخصية المؤلف‬ ‫مع شخصية السارد في هذه الرواية‪ ،‬وهو ليس السارد‬ ‫العليم بكل تفاصيل الحدث وخفايا الشخصيات‪ ،‬وإنما‬ ‫هو نمط آخر من السارد‪ ،‬يدعى السارد المشارك الذي‬ ‫ال يختلف عن بقية الشخصيات‪ ..‬من حيث معرفته‬ ‫بما سيحصل من أح��داث الحقة؛ إضافة إل��ى اإلش��ارة‬ ‫ال��م��ب��اش��رة إل���ى ال��ف��ض��اء ال���روائ���ي بجناحيه ال��زم��ان��ي‬ ‫والمكاني‪ ..‬وبشكل دقيق؛ وكأن قوام هذا العمل الروائي‬ ‫يوميات كتبها السارد‪ ،‬وأخرجها على هيئة رواية‪ .‬واليوميات تقنية روائية معروفة‪ .‬بيد أن‬ ‫محاور أخرى تتداخل مع فن السيرة‪ ،‬وهي تشير إلى أن رواية الثوب تسعى إلى أن ترود‬ ‫تقنيات روائية ليست على هامش الرواية‪ ..‬وإنما هي من صميمها‪.‬‬ ‫ولعل المحور األوضح في رواية الثوب‪،‬‬ ‫هو تعدد األصوات المنبعثة من داخل النص‬ ‫الروائي‪ ،‬والمنسوبة إلى شخصيات‪ ..‬هي‬ ‫في معظمها شخصيات واقعية كشخصية‬ ‫السارد (المؤلف)‪ ،‬وبعضها اآلخر ابتكرته‬ ‫مخيلة النص‪ ،‬كشخصية عليان التي ظهرت‬ ‫وكأنها جزء من شخصية السارد المؤلف‪،‬‬

‫إذ ال تتناقض معها تماما‪ .‬فهي إذاً ليست‬ ‫على غرار ثنائي دكتور جيكل وأدوارد هايد‬ ‫للكاتب اإلنجليزي روبرت لويس ستيفنسون‪،‬‬ ‫وإن أفادت من هذه التقنية‪ ..‬ولكنها تبدو‬ ‫نسقا مختلفا‪ ،‬إذ ظهرت شخصية عليان‬ ‫وكأنها إضافة طريفة لشخصية السارد‪،‬‬ ‫الس�ي�م��ا أن��ه رس�م�ه��ا ع�ب��ر ح��دث غرائبي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪57‬‬


‫ال �م��ؤل��ف رؤي ��ة واق �ع �ي��ة ل�ل�ح�ي��اة وال�م�ج�ت�م��ع في‬

‫ال�ك��وي��ت‪ ،‬ورب �م��ا لمح ال�ج��ان��ب السياسي لمحا‬

‫خفيفا‪ ،‬يرد على لسان خالد خليفة‪“ :‬ما علينا‪،‬‬

‫جامعة الكويت وقتها كانت تعيش واحدة من أهم‬

‫وأجمل فترات تطورها وانفتاحها‪ ،‬قائمة الوسط‬ ‫الديمقراطي ممسكة ب��زم��ام االت �ح��اد الوطني‬

‫للطلبة‪ :‬محاضرات وعالقات جميلة بين الطالب‬ ‫والطالبات وصداقات ورحالت شبابية وحفالت‪،‬‬ ‫المجتمع الكويتي بأسره في تلك الفترة كان يعيش‬ ‫واح��دة م��ن أجمل ف�ت��رات ازده� ��اره‪ ..‬أعتقد أن‬

‫تغير مجتمعنا لم يكن نحو األفضل‪ ،‬أهل الكويت‬ ‫يتحسرون على أيام السبعينيات‪..‬البعض سعيد‬

‫بالوضع القائم‪ ،‬التيار الديني والتيار القبلي “‬ ‫ص‪147‬‬

‫يخفف األج��واء الواقعية الواضحة في الرواية‪.‬‬ ‫يرد على لسان والدة السارد‪ “ :‬ولكن حين رفعت‬

‫أرادت رواية الثوب أن تعكس حقيقة ال تخفى‬

‫على أحد ‪ -‬وهي تنطبق على الشعوب كافة ‪-‬‬

‫رأسي أنظر إليكما‪ ،‬أخافني الشبه التام بينكما‪ ،‬وب��أس �ل��وب ال �ف��ن ال ��روائ ��ي‪ ..‬وه��ي أن االن �غ�لاق‬ ‫وتساءلت‪ :‬كيف سأفرق بينكما؟ ولحظتها شعرت االجتماعي ال يمكن أن يفضي إال إلى مزيد من‬ ‫بيد أم��ي تهزني‪ ،‬رأي��ت الطفل اآلخ��ر يتحرك‪ ،‬االنقطاع والكراهية بين طبقات المجتمع الواحد‪،‬‬ ‫يلتصق بك حتى ليختفي‪ ،‬ففزعت وصرخت أنبه وهي النهاية المؤلمة التي عاشها بطل الرواية‬

‫أم��ي‪ ..‬طفلي الثاني‪ ،‬ف��ردت أم‪ :‬يا بنتي أذكري خالد خليفة‪ ،‬في حين أن االنفتاح االجتماعي‬ ‫هو الذي أثمر عالقة الحب الحميمة بين خالد‬ ‫الله‪ ،‬أنت ولدت طفال واحدا والحمد لله‪ ...‬بقيت‬ ‫ال منهما‬ ‫خليفة وعواطف‪ ،‬على الرغم من أن ك ًّ‬ ‫أنظر إليك وأنت تتحرك والطفل اآلخر يختفي‬ ‫يمثل طبقة اجتماعية مختلفة‪.‬‬ ‫مندسا في جسدك وكأنه يذوب فيك‪ ”.‬ص ‪62‬‬ ‫وال شك في أن شخصية المؤلف السارد تمثل‬ ‫وثمة شخصية (خالد خليفة)‪ ..‬رجل األعمال‬ ‫الشريحة المثقفة وفئة الكتاب والمؤلفين‪ .‬وأما‬ ‫المعروف داخل النص‪ ،‬وزوجه الثرية (عواطف‬ ‫عليان فهو وجه آخر من وجوه السارد‪ ،‬ال سيما‬ ‫العبد اللطيف)‪ ،‬وهما شخصيتان رئيستان‪..‬‬ ‫أنه قد يسمي األشياء بأسمائها الصحيحة‪ ،‬حين‬ ‫ربما رمز المؤلف بهما إلى طبقتين مهمتين في‬ ‫يحاول السارد تبرير بعض سلوكه داخل النص‬ ‫المجتمع الكويتي المعاصر‪.‬‬ ‫“كأني أسمع وشوشة عليان في قلبي‪ :‬كيف تكتب‬ ‫وع �ل��ى وج���ه ال �ع �م��وم‪ ,‬ف �ق��د ع �ك��س ال �س��ارد رواية مدفوعة الثمن تلمع فيها تاجرا؟ ستسيء‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫إلى نفسك‪ .‬أعمالك السابقة تسير في قناعة‬ ‫ودرب مختلفين‪ .‬سيكون انحرافا ح��ادا منك‪..‬‬

‫الجميع سيعلم أنك تقاضيت مبلغا‪ ”.‬ص ‪.36‬‬

‫وه��ذا س�ل��وك ي��رم��ز ب��ه ال �س��ارد إل��ى الطبقة‬

‫المثقفة‪ ،‬وحاجتها ال�م��ادي��ة‪ ،‬وإمكانية اختراق‬ ‫قيمها م��ن ه��ذا الجانب تحديدا‪ ،‬وعلى النحو‬ ‫ال��ذي كشفته لنا شخصية ال�س��ارد “ أعادتني‬

‫ش��روق (زوج ��ة ال �س��ارد) بانفعالها‪ ،‬وق��د مست‬ ‫الحرقة حسها‪ :‬نحن نعيش عمرا واحدا‪ ،‬وألقل‬

‫لك بصراحة‪ :‬لقد مللت عيشة الكفاف‪ ،‬نعمل‬

‫طوال الشهر لتسديد األقساط وإيفاء الديون”‬ ‫ص‪.52‬‬

‫وعلى الرغم من موافقة السارد على أن يكتب‬

‫سيرة حياة رج��ل األع�م��ال داخ��ل النص‪ ،‬إال أن‬ ‫المسافة بينهما(المثقف والتاجر) تظل كبيرة‪..‬‬

‫وفيما يشبه الهوة‪ ،‬السيما أن المثقف لم يستسغ‬ ‫الفكرة‪ ،‬بل غالبا ما يندم عليها‪ .‬وحين نحاول أن‬

‫نتلمس الصلة بين المثقف والتاجر‪ ،‬فإننا قد ال‬ ‫نجدها على صعيد الواقع؛ إذ ال يمكن للتاجر أن‬

‫يرى المثقف إال على أنه سلعة لها ثمن محدد‪،‬‬

‫ولكننا وج��دن��اه��ا ف��ي رواي ��ة ال�ث��وب وف��ي سياق‬

‫الروائي طالب الرفاعي‬

‫االقتران بالزواج الذي يتيح لهذه الطبقة أن تصل‬ ‫إلى أهدافها‪ .‬بيد أن هذه الطبقة‪ ..‬وعلى الرغم‬ ‫من أنها قد نجحت في ال��وص��ول إل��ى ما تبغيه‬ ‫من نجاح م��ادي‪ ،‬إال أنها لم تستطع أن تتخلص‬ ‫من إحساسها المرير بالنقص‪ ،‬وأنها كانت طبقة‬ ‫متسلقة ووصولية حسب المعيار االجتماعي‪،‬‬ ‫ورؤية السارد داخل النص‪ .‬يرد على لسان خالد‬

‫شيق ومقنع‪ ،‬مما يعكس قناعة ال�س��ارد وثقته خليفة “كل مجتمع مرهون بتقسيماته الفئوية‬ ‫بأن األدب ال غنى ألحد عنه‪ ،‬وأنه مؤثر وممتد والطبقية المعروفة‪ ،‬قد يترقى إنسان في الغنى‪،‬‬ ‫في المجتمع‪ .‬وهو طموح انطوت عليه الرواية أو في المركز الوظيفي‪ ،‬لكن من الصعب عليه أن‬ ‫استشرافا لمعادلة صحيحة طرفاها المثقف‬

‫والتاجر‪.‬‬

‫ويمكن لشخصية خالد خليفة أن تشع بأكثر‬

‫من معنى‪ ،‬فهي على الصعيد االجتماعي تجسد‬ ‫ط�م��وح طبقة ح��اول��ت أن تتخطى واق�ع�ه��ا‪ ،‬وأن‬

‫ترقى إل��ى طبقة اجتماعية أخ��رى‪ ،‬وع��ن طريق‬

‫يترقى في فئته االجتماعية‪ ،‬ويتجاوزها منتقال‬

‫إلى فئة أعلى‪ ،‬أبناء الفئة األعلى يقاتلون على‬ ‫ح��دود طبقتهم‪ ،‬يستبسلون ف��ي ط��رد أي ق��ادم‬ ‫يرغب بالدخول إلى مملكتهم‪ ”.‬ص ‪208‬‬ ‫وخالد خليفة إذ يكتشف هذه الحقيقة المرة‪،‬‬ ‫وهي أن الطبقة التي ظن أنه واحد من أفرادها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪59‬‬


‫تلفظه بقسوة‪ ،‬فإنه في الوقت ذاته أضاع جذوره‬

‫وعلى الصعيد الرمزي‪ ..‬فإن األزمة الصحية‬

‫ف��ي طبقته ال �ت��ي ان�ط�ل��ق م�ن�ه��ا‪ ،‬ح�ت��ى أن��ه فقد التي ألمت بخالد خليفة‪ ،‬حدثت وبشكل مباشر‬ ‫حميمية أس��رت��ه‪ ،‬وح��ب أق��رب الناس إليه‪ ،‬ولم بعد طلب الطالق الذي قدمته له زوجه عواطف‪،‬‬ ‫يبق أمامه إال هذا االغتراب واإلحساس بالضياع ما يؤكد هذه الفكرة ويعززها‪ ،‬وإال‪ ..‬ما معنى أن‬ ‫وفقدان الهوية‪ ،‬وقد قاده هذا إلى أن يسعى إلى ينهار إثر تخلي زوجه عنه؟‬

‫ما يؤكد ذاته‪ ،‬وينصفه من هذا اإلحساس العارم‬ ‫بالظلم‪ ،‬وعبر الحدث المشار إليه‪ ،‬في محاولة‬

‫وحسنا فعل مؤلف رواية الثوب طالب الرفاعي‪،‬‬ ‫حين لم يغلق الرواية على خاتمة حاسمة‪ ،‬بل ترك‬

‫خالد خليفة أن يؤرخ النتصاراته برواية تسجل‬ ‫سيرته الذاتية‪ ،‬وإنجازاته الشخصية في مجال الخاتمة تتشكل في ذهن المتلقي‪ ،‬وعلى الوجه‬ ‫العمل وال�ت�ج��ارة؛ صحيح أن خالد خليفة بدأ الذي يؤول فيه مستقبل هذه الطبقة‪ ،‬ويستنتج‬ ‫متكئا على أم��وال زوج��ه عواطف‪ ،‬بيد أنه رجل‬

‫ما يراه مناسبا ومنسجما مع رؤيته‪.‬‬

‫عصامي استطاع أن يتفوق في مجال عمله‪ ،‬وأن‬

‫ي��رد من خ�لال وع��ي المؤلف ال �س��ارد‪ ..‬وفي‬

‫ي��رد على ل�س��ان بطل ال��رواي��ة خ��ال��د خليفة‬

‫تاريخه الشخصي‪ ،‬عالقته وزواج ��ه‪ ،‬ج��زء من‬

‫يحرز االنتصار تلو اآلخر بذكائه ومهارته وجلده الصفحة األخيرة من الرواية ذات المائتين وثمان‬ ‫وقدرته على الكسب المادي الوفير‪.‬‬ ‫وسبعين صفحة‪« :‬من الصعوبة كتابة خالد دون‬ ‫“هل تعلم أنني صرفت على عواطف أضعاف ما‬

‫صرفت هي عليَّ في بدء زواجنا‪ ،‬أهديتها هدايا‬

‫تفوق عشرات المرات ما قدمته لي‪ ،‬لكن‪ ...‬ما‬

‫زلت أقرأ نظرات اإلدانة في عيون بعضهم وكأنهم‬

‫يستكثرون علي ما وصلت إليه” ص ‪ ,175‬بيد أن‬ ‫خالد خليفة‪ ..‬وقبل أن ينفذ مشروعه الطريف‬ ‫ف��ي تسجيل س�ي��رت��ه‪ ..‬م��ن خ�لال رواي ��ة يكتبها‬

‫له السارد المؤلف‪ ،‬يعاجله المرض؛ بمعنى أن‬

‫إحساسه بالنقص متجذر في ذاته‪ ،‬وهو يطارده‬ ‫حتى آخ��ر لحظاته‪ ،‬وربما عكس ح��دث مرضه‬

‫أيضا أن ه��ذه الطبقة غ��ارب��ة‪ ،‬ألنها لم تستطع‬

‫أن تؤسس لها تقاليد‪ ،‬أو أن تكون لها شخصية‬ ‫مستقلة؛ بمعنى أن هذه الطبقة ال يمكنها إال أن‬

‫تكون اتكالية متسلقة حسب رؤية النص‪.‬‬

‫* أكاديمي عراقي يقيم في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫تاريخه وتاريخ آخرين مثله‪ .‬ق��ال لي والحسرة‬ ‫بحسه‪ :‬أريد رواية يقرأها أهل الكويت ويتعرفون‬ ‫على حقيقة تجربتي‪ ،‬وق��ال‪ :‬ال يمكن أن يمتزج‬ ‫الزيت بالماء‪ ».‬ص ‪278‬‬ ‫فيتأكد لنا أم ��ران‪ ،‬أولهما أن المؤلف يعي‬ ‫هدفه‪ ..‬وهو يشير هنا بوضوح إلى أن الهدف‬ ‫ليس خالد خليفة فقط‪ ،‬وإنما ثمة آخرون مثله‬ ‫على ح��د تعبير ال��رواي��ة‪ ،‬واآلخ ��ر أن االن�غ�لاق‬ ‫االج �ت �م��اع��ي ال يمكنه إال أن ي �ك��رس ال �ف��وارق‬ ‫الطبقية‪ ،‬وه��ذا م��ا يمكن أن نستدل عليه من‬ ‫خالل الزيت والماء اللذين ال يمكن أن يمتزجا‪،‬‬ ‫وكما عبر خالد الذي يقتسم بطولة رواية الثوب‬ ‫مع طالب الرفاعي‪.‬‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫قراءة نقديّة‬ ‫فـي‬

‫«ال تبيعوا أغصاني للخريف»‬ ‫ملالك اخلالدي‬

‫الدهون*‬ ‫> د‪ .‬إبراهيم ّ‬

‫جاءت المجموعة في (‪ )78‬صفحة متوسطة القطع‪ ،‬تضمّ نت‬ ‫نص ًا أدب ّياً‪ ،‬أصدرتها مؤخر ًا‬ ‫قصص ًا قصيرة جداً‪ ،‬بلغ عددها (‪ّ )30‬‬ ‫دار رواية للنشر ب ـ (لندن)‪ ،‬في طبعة أنيقة‪ ،‬وغالف جميل‪.‬‬ ‫ات��ك��أت ال��خ��ال��دي ف��ي ب��اك��ورة إنتاجها القصصي « ال تبيعوا‬ ‫تجسدت في تسليط الضوء‬ ‫أغصاني للخريف» على محاور ثالثة؛ ّ‬ ‫على شخصية المثقف العربي‪ ،‬والمعاناة التي يتعرّض لها في‬ ‫طريقه‪ ،‬من خالل نشر الثقافة والمعرفة والتنوير‪.‬‬ ‫ال عن مواجهتها‬ ‫ت��رص��د ال�ك��ات�ب��ة ف��ي ق�ص��ص‪(:‬ب�ل�ط�ج��ي‪ ،‬ارت��داد السّ هام عليه‪ ،‬فض ً‬ ‫اب�ت�س��ام��ة ص��ف��راء‪ ،‬ث � ّم��ة م �ف��اج��آت‪ ،‬غ��رب��ة) ب� �ت ��رس ال��ق��ل��م وف� �ك ��ر ال�� �دِّالل� ��ة وال �م �ع �ن��ى‬ ‫ص��وراً من مواجهات المثقف مع المجتمع‪ ،‬القويمين‪.‬‬ ‫الصعبة التي يالمسها في حمل‬ ‫والظروف ّ‬ ‫وت�س�ت�ح��وذ ف �ك��رة ال� �ق ��راءة ع�ل��ى مخيلة‬ ‫راية الثقافة‪ ،‬ما يدفع بها إلى تأسيس فكرة الخالدي‪ ،‬حتّى نجد أنفسنا أننا إزاء أزمة‬ ‫القراءة والمثاقفة الخفيّة‪ ،‬خوفاً من لحظة ق� ��راءة‪ ،‬وأزم� ��ة اع �ت��راف ب��ال�م�ث�ق��ف‪ ،‬ورك��ود‬ ‫التنكيل والتّعذيب للعقل البشري‪.‬‬ ‫المشهد الثقافي البائس‪ ،‬فالمبدع يتكبّد‬ ‫فالقارئ أو الكاتب – في نظر الخالدي‪ -‬عنا ًء كبيراً إلخراج عمله‪ ،‬وعصارة فكره‪ ،‬من‬ ‫الذي أحبطه الواقع المرير‪ ،‬ال ب ّد أ ْن يتقبل دون أ ْن يلقى اهتماماً أو تقديراً يُذكر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪61‬‬


‫فاألديب يفرّغ ما في صدره من خلجات وثيمات‬ ‫تطفح ب�ع��وال��م تنبئ ب��ال�ب��وح ال��شّ � ّف��اف‪ ،‬والمعاني‬ ‫�ص��ور ال�م�ب�ت�ك��رة‪ ،‬فيحترق م��ن دون‬ ‫ال �م��ؤث��رة‪ ،‬وال� ّ‬ ‫القدرة على تدعيمها وتكريسها من ال��واق��ع؛ أل ّن‬ ‫اآلخر يصلبه على سواري الجفاء بعدم االعتراف‬ ‫ونبذه‪ ،‬وكأ ّن شيئاً لم يحدث‪.‬‬ ‫وإذا تركنا المحور األوّل‪ ..‬ودلفنا إلى المحور‬ ‫ال �ث��ان��ي‪ ،‬ن�ج��د أ ّن�ه�م��ا م�ت�ص�لان م �ع �اً‪ ،‬إذا انتقلت‬ ‫ال �ق��اص��ة ف�ي��ه إل ��ى ال�ك�ش��ف ع��ن ح�ق��ائ��ق وط�ب��ائ��ع‬ ‫المجتمع ومثالبه السّ لبية‪ ،‬من أجل كشف مواطن‬ ‫الخلل والتخلص منها‪ .‬ويتّضح ذلك من‪( :‬ال تبيعوا‬ ‫أغصاني للخريف‪ ،‬انطفاء‪ ،‬زيد‪ ،‬وجه القرية‪ ،‬قلعة‬ ‫مثاليات‪ ،‬بال دموع‪ ،‬الزقاق القديم‪ ،‬مدينة القلق)‪.‬‬ ‫إِنَّ المتأمّل للنّصوص األدبيّة السّ ابقة يلحظ‬ ‫اصطباغ المفردة بالنقد الالذع لسلوكيات مرفوضة‪،‬‬ ‫التصقت ببعض أبنائه؛ كالحسد المنبوذ‪ ،‬والغيبة‬ ‫المنتنة‪ ،‬ممّا جعل للكتابة وظيفة اجتماعيّة متقاربة‬ ‫ّص األد ّب��ي‪.‬‬ ‫مع وظيفتها اإلبداعيّة في إنجاز الن ّ‬ ‫لذا‪ ،‬تلجأ الكاتبة إلى األزمنة الماضية القصيرة؛‬ ‫ألنّها تمتلئ فرحاً وسعادة‪ ،‬فرح البراءة البعيد عن‬ ‫تكاليف الحياة‪ ،‬وتبعاتها المتناقضة‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ومن واقع التّجربة اليوميّة للخالدي‪،‬‬ ‫تأتي مجموعتها القصصيّة موسومة بـــ(ال تبيعوا‬ ‫أغصاني للخريف)‪ ،‬لتعكس مشاعر القلق‪ ،‬ونسيج‬ ‫العالقات االجتماعيّة بين أف��راد المجتمع الذي‬ ‫أخذ بالخلل والتفكك في ظل زحف قوالب الماديّة‪،‬‬ ‫وتراجع منظومة القيم‪ ،‬وغياب التّواصل اإلنسانيّ‬ ‫بين أفراد األسرة الواحدة‪.‬‬ ‫وفي ملمح مهم من مالمح العنوان للمجموعة‪،‬‬ ‫نقرأ ثنائية المضمون والدِّاللة؛ فاألغصان حملت‬ ‫بطياتها عناصر النّماء والحياة‪ ..‬مقابل الجفاف‬ ‫ال� ��ذي ت ��رك ب �ص �م � ًة واض� �ح� � ًة ت �ج �لّ��ت ب�ت��داع�ي��ات‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫التالشي واألف��ول‪ .‬وهي بذلك تشير إلى تموجات‬ ‫ال ��ذات اإلن�س��ان� ّي��ة بين الصفا واالض��ط��راب‪ ..‬أو‬ ‫الفرات واألجاج‪.‬‬ ‫وتأسيساً على م��ا سبق‪ ،‬يمكن ال�ق��ول إ ِّن في‬ ‫القصص تبويباً واعياً وقصدية للقصص المنتقاة‪،‬‬ ‫والمدرجة تحت مسمّى خاص‪ ،‬اتكا ًء على عنوان‬ ‫رئيس شكّل ع�م��وداً فقرياً‪ ،‬ونقطة ارت�ك��از لفكرة‬ ‫عامّة مشتركة بين القصص المدرجة تحته‪.‬‬ ‫ولع ّل ه��ذه القصديّة والتّوجيه في التسمية‪..‬‬ ‫�وص إل��ى دالالت كبيرة ف��ي المعنى‬ ‫ق��ادت ال� ّن�ص� ّ‬ ‫والمغزى والقيم الفكريّة والجماليّة‪ ،‬انطالقاً من‬ ‫الصغيرة الحجم‪ ،‬المستندة على الكثافة‬ ‫ّصوص ّ‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫وإف�لات المعنى‪ ،‬ما حوّلها إل��ى نصوص مشفّرة‬ ‫تتضمّن ق��درات هائلة‪ ،‬وتقنيات عالية‪ ،‬ورم��وزاً‬ ‫ك�ث�ي��رة‪ ..‬السيما ولوجنا إل��ى ك��وة القصص التي‬ ‫تكشف عوالم القيم التي تنخر كيان المجتمع‪.‬‬ ‫وإذا ما التفتنا إلى المحور الثالث عند الخالدي‪،‬‬ ‫يتبين لنا أ ّن األمل المرج ّو والعالم المشرق يمثّل‬ ‫ثالوثاً آخر‪ ،‬جعل القصص اآلتية‪( :‬أكبر من الجرح‪،‬‬ ‫حكاية الله مع الضعفاء‪ ،‬بال ضوء‪ ،‬هالل‪ ،‬سذاجة‬ ‫مواز لواقع‬ ‫قلب‪ ،‬للجوف مطر)‪ .‬تتحرك وفق إيقاع ٍ‬ ‫المآسي واألل��م‪ ،‬واختالالت المجتمع‪ ،‬وتجاوزات‬ ‫أف ��راده ومعاناتهم داخ��ل نسيج معقد للعالقات‬ ‫اإلنسانيّة واالجتماعيّة‪.‬‬ ‫رغم انشغالها بمعالجة الهموم االجتماعيّة في‬ ‫القصص السّ ابقة‪ ،‬ورغم أنّها تلجأ إلى رسم صورة‬ ‫الواقع المرّ‪ ،‬إ ّال أنّها أيضاً تمتاز بحس اإلشراق‪،‬‬ ‫وترتكز على رؤي��ا تنقل فيها ال�ق��ارئ إل��ى عوالم‬ ‫النّجاح واإلصرار على حقوقه‪ ،‬واألمل في تحقيق‬ ‫أهدافه‪.‬‬ ‫وب �ج��رأة ال�ق�ل��م‪ ،‬وق ��وة ال �ح��رف تجعل صاحب‬ ‫ال �ك��رس��ي ال �م �ت �ح��رك أن �م��وذج �اً ف ��ري ��داً للتحدي‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫والمواجهة مع الواقع في قصة‪(:‬أكبر من الجرح)‪.‬‬ ‫وت��رس��م م��ن خاللها ل��وح��ة فنيّة تكتظ بالسّ موق‬ ‫والعطاء‪ ،‬ممزقة بذلك مفردات اليأس واإلحباط‬ ‫المريرين‪ .‬هكذا بقي عالم األحرار‪ ،‬وأبناء المجتمع‬ ‫ف��ي ح��رف ال�ك��ات�ب��ة‪ ،‬تنبض بفكرهم‪ ،‬وت�ع� ّب��ر عن‬ ‫مشاعرهم‪.‬‬ ‫وم��ن يع ْد ق ��راءة القصص م �رّة تلو األخ ��رى‪..‬‬ ‫يجدها نابضة بالممارسة الحقيقية للمثاقفة وعالم‬ ‫المعرفة العظيم‪ .‬كما أ ّن��ه يشعر بخفقات األمل‬ ‫والتغيير السليم للسلوكيات المنبوذة‪ ،‬واالختالالت‬ ‫العديدة‪ ،‬مبثوثة في ح��روف المفردات وعناوين‬ ‫القصص‪.‬‬ ‫لقد كانت الخالدي في باكورة إنتاجها إنسانة‬ ‫مسكونة بالهم الجمعي‪ -‬إال ف��ي م��واط��ن قليلة‪-‬‬ ‫فلم تقيدها(األنا) ولم تشغلها خواطرها الذاتيّة‪،‬‬ ‫فغدت أديبة تمارس الكتابة الحقيقية في التّعبير‬ ‫عن مشاعرها النفسيّة‪ ،‬ومواقفها الفكريّة بحرية‬ ‫الكلمة‪ ،‬وطالقة الحرف‪.‬‬

‫ملكتها الشِّ عريّة المنفلتة في نظم القصيدة‪ ،‬على‬ ‫نحو ما نراه في (صمت يشبه الكالم)‪ .‬فطقوس‬

‫الكتابة عند الخالدي محمّلة بلغة شعريّة‪ ،‬نابضة‪،‬‬ ‫تعزف على وتر االنتماء بالحياة‪ ،‬مسكونة بهاجس‬

‫التّغيير الذي يعلنه منجزها القصصي‪ ،‬فقد أخذت‬

‫وقد كان طبيع ّياً أ ْن ترتفع وتيرة النَّقد االجتماعي منه رؤيا إشراقيّة‪ ،‬وتجربة ابتكارية تجاه التّحول‬ ‫في مجموعتها‪ ،‬كيف ال وهي تعايش أبناء جلدتها والتّجديد‪.‬‬ ‫همومهم‪ ،‬وتشاطرهم‪ ،‬وترصد حركاتهم‪ ،‬إلدراكها‬ ‫المحصلة‪ ..‬ن�ق��ول إ ّن تجربة الخالدي‬ ‫ّ‬ ‫وف��ي‬ ‫أ ّن اإلب���داع وظيفة نبيلة‪ ،‬م��ؤداه��ا تجميل حياة‬ ‫النّاس ماد ّياً ومعنو ّياً؛ فهي أديبة بارة لثقافة أهلها القصصيّة‪ ،‬صورة معبّرة ألحوال الواقع المحلي‪،‬‬ ‫ومعارفهم‪ ..‬لكن‪ -‬أحياناً – تجد انسراب أرضية وال ��ذات اإلنسانيّة‪ ،‬نابعة م��ن إحساسها بكونها‬ ‫القصة‪ ،‬مثقفة‪ ،‬ذات رس��ال��ة إن�س��ان� ّي��ة تتكئ على القيم‬ ‫ّ‬ ‫ال�خ��اط��رة ال��ذات �ي��ة‪ ،‬فتغلب على مفهوم‬ ‫الفاضلة‪ ،‬والشّ مائل العالية‪.‬‬ ‫ويتجلّى استثمارها لذلك بـ(نحيب)‪.‬‬ ‫القصة الرحيب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إنّها رحلة حقيقيّة في عالم‬

‫ول �ع � ّل م��ا ي �ج��در اإلش � ��ارة إل �ي��ه ب �ش��أن إب ��داع‬ ‫ال�خ��ال��دي القصصي‪ ،‬ع��دم ت�ح��رره��ا م��ن سطوة وتجربة جديدة‪ ،‬امتزجت فيها لغة القصيدة مع‬ ‫ال عن البوح النبيل‬ ‫الشّ عر وق�ي��وده‪ ،‬فكانت تلبس قصتها – أحياناً‪ -‬أيقونات السّ رد الجميل‪ ..‬فض ً‬ ‫ثوب الشّ عر‪ ،‬وهذا في الوقت ذاته داللة أكيدة على المستيقظ من أعماق اإلنسان‪.‬‬ ‫* جامعة الجوف‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪63‬‬


‫ديوان «قليال أكثر»‬ ‫للشاعر محمد بنطلحة‬ ‫الندرة املكتنزة باألسئلة‬

‫> عبدالغني فوزي*‬

‫الشاعر المغربي محمد بنطلحة صوت سبعيني من‬ ‫القرن السالف في منجز القصيدة المغربية المعاصرة‪،‬‬ ‫يمارس توهّ جه الشعري في كل ديوان يصدر له‪ ،‬بل في كل‬ ‫قصيدة من دون كلل أو تراجع‪ .‬وألنه أكثر إصغاءً للنص‬ ‫وسلطته‪ ،‬فقد تحرّر منذ البدء على الرغم من صخب‬ ‫المرحلة المحشو باإلرغامات اإليديولوجية التي تسقط‬ ‫القصيدة في التسطيح والتبسيط‪ ،‬تحت الفهم المباشر‬ ‫لعالقة األدب بالواقع‪ .‬لهذا‪ ،‬تجده في كل إصدار شعري‬ ‫له‪ ،‬مقدما لحلقة شعرية جديدة‪،‬تنضح باألسئلة وإعادة النظر لألشياء والتشكيالت من‬ ‫زوايا متخلقة باستمرار‪.‬‬ ‫بعد سلسلة إصداراته الشعرية بالتتالي‬

‫وت �ت �ك��ون م��ن أرب� ��ع وت�س�ع�ي��ن ص�ف�ح��ة من‬ ‫الحجم المتوسط‪ ،‬بوبت إلى عناوين (قدر‬ ‫إغريقي‪ ،‬ماذا سأخسر‪ ،‬المرحلة الزرقاء‪،‬‬ ‫جنيالوجيا‪ ،‬نجوم في النهار)‪ ،‬كل عنوان‬ ‫يحتوي على قصائد تبلور تيمة معينة‪:‬‬ ‫المعنى‪ ،‬الذات والموت‪ ،‬الشعر‪ ،‬الطبيعة‪،‬‬ ‫الحياة‪...‬‬

‫أكثر»‪ ،‬صدرت عن دار الثقافة في المغرب‪،‬‬

‫ب�ه��ذا التوصيف ال�ف��وت��وغ��راف��ي‪ ،‬يمكن‬

‫اب �ت��داء م��ن س�ن��ة ‪1989‬م (ن�ش�ي��د البجع‪،‬‬

‫غيمة أو حجر‪ ،‬س��دوم‪ ،‬ليتني أعمى) عن‬ ‫دور نشر مغربية وعربية‪ .‬ها هو الشاعر‬ ‫محمد بنطلحة يرمي بأحجاره الشعرية‬ ‫ال�ك��ري�م��ة ف��ي ب��رك��ة الحقيقة‪ ،‬م��ن خ�لال‬

‫مجموعة شعرية اخ�ت��ار لها اس��م «قليال‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫ق��د يستقيم ع��ود القصيدة‬ ‫القول إن الشاعر يضيف حلقة‬ ‫بيد الشاعر بنطلحة كأداة بحث‪،‬‬ ‫أخرى للمشهد الشعري المغربي‬ ‫تنتصر للمجاز ال ��ذي يهندس‬ ‫والعربي‪ ،‬حلقة مكتظة باألسئلة‬ ‫العالم و«ال�خ�ل��ق» م��ن زاوي ��ة ما‬ ‫على تنوعها‪ ،‬والتي يعيد بناءها‬ ‫ك��ال�ج�س��د ‪ -‬ب��ال�م�ع�ن��ى العميق‬ ‫في الشعر وبه‪ ،‬وبكامل محصلته‬ ‫للكلمة ‪ -‬الذي ينفض جسده من‬ ‫ال�ث�ق��اف�ي��ة ال �م �ت �ع��ددة ال ��رواف ��د؛‬ ‫ك��ل األش �ي��اء والتشكيالت التي‬ ‫ف �ب��دت ال�ق�ص�ي��دة ي�ق�ظ��ة‪ ،‬غنية‬ ‫ت�ك��وره وتصنعه على المقاس‪.‬‬ ‫ب �ت �ن��اص �ه��ا م ��ن دون أن تفقد‬ ‫وت �ح �ق��ق ذل� ��ك ع �ل��ى إث� ��ر حس‬ ‫مربعها ال�ش�ع��ري‪ .‬كأنها بذلك‬ ‫رؤي���وي دق�ي��ق ي��رص��د المرحلة‬ ‫(أي القصيدة) أهل ألي حوارمن‬ ‫خارج المنظومات واألنساق على‬ ‫م��وق��ع «ال��رائ��ي» على الطريقة‬ ‫الطريقة الشعرية‪ ،‬وذاك قدر الشاعر‪ .‬يقول في‬ ‫االنفرادية‪ ،‬وال��ذي ال كرسي له إال حفنته التي‬ ‫قصيدة بعنوان‪:‬‬ ‫تسع كل المساحات في ذاك القليل المتخلق‪...‬‬ ‫«في زرقاء اليمامة « ص‪:41‬‬ ‫ثمة على م��دار ه��ذا ال��دي��وان ضربات ذاتية زارتني هذه الليلة‬ ‫ع�م�ي�ق��ة ال �غ��ور وواس� �ع ��ة األف� ��ق‪ ،‬ت �ح��ول��ت معها ولم تعثر علي‬ ‫ال�ق�ص��ائ��د إل��ى م �س��اح��ات س�ف��ر ن��اض�ح��ة بعرق في جسدي‬ ‫البحث المشبع بالقلق الجميل‪ ،‬القلق العابث أين كنت‪:‬‬ ‫بواسطة الصورة الشعرية التي تتشكل ككينونة بين قطارين؟‬ ‫مرتعشةـ بالحقائق المترسبة في الذاكرة والوعي أم في نزاع معي‬ ‫الجمعيين‪ .‬وبالتالي‪ ،‬إعادة قلب الثنائيات التي‬ ‫الشاعر بنطلحة يبني نصه على نار هادئة‪،‬‬ ‫تنبني عليها تصورات وحقائق‪ ،‬فينهار العالم‪ ،‬بحكمة األن�ب�ي��اء‪ ،‬بعيدا ع��ن األض ��واء وتدجين‬ ‫طبعا ف��ي ال��وه��م ال �ش �ع��ري‪ .‬ي�ق��ول ف��ي قصيدة المؤسسة بألوانها المختلفة‪ ،‬وبعد ذلك يرمي‬ ‫بعنوان «تحت لوحة زيتية» ص‪:12‬‬ ‫بثماره‪ ،‬أعني أوراقه‪ ،‬وينصرف إلى حيث هو ‪/‬‬ ‫متخفيا كما الشعر‪ .‬والجميل‪ ،‬أن الشاعر محمد‬ ‫األحياء يلهون‬ ‫بنطلحة يكتب القصيدة‪ ،‬ويكتب عنها‪ ،‬منشغال‬ ‫بينما الموتى‬ ‫باألسئلة الحقيقية للحياة والوجود‪ .‬وهو بذلك‬ ‫سرعان ما سئموا حياة اللهو‬ ‫يتموقع في نقطة المواجهة الدائمة بين الشاعر‬ ‫وعادوا‬ ‫والعالم‪ .‬وهنا‪ ،‬يغدو الشعر سبكا ومعرفة‪ ،‬وليس‬ ‫كل إلى ثكنته‬ ‫فطرة غافلة وعاطفة عمياء‪.‬‬ ‫أقصد‪ :‬إلى جسده‬ ‫* شاعر وكاتب من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ محمد بنطلحة‪« ،‬قيال أكثر» شعر‪ ،‬عن دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ .‬سنة ‪.2009‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪65‬‬


‫«ساق الغراب» ليحيى أمقاسم‪:‬‬ ‫مرثـية للزمن الغـنـائي‬

‫> هشام بنشاوي*‬

‫اختار الروائي السعودي الشاب (يحيى أمقاسم) في عمله الروائي البكر والالفت‪»:‬ساق‬ ‫رئيسا‪ ،‬ويتمثل المكان في قرية «عصيرة» بــ»وادي‬ ‫الغراب» أن يجعل مسرح األحداث بطال ً‬ ‫الحسيني» جنوب غربي المملكة‪ ،‬وال يخفى على قارئ الرواية تلك النزعة النوستالجية‬ ‫لدى الكاتب‪ ،‬وهو يتتبّع ‪ -‬بلغة شاعرية عذبة تؤسطر الناس واألشياء‪ -‬اندثار زمن القبيلة‬ ‫الرعوي بقيمه العفوية وأعرافه المتوارثة‪ ،‬وتراجعه أمام الزحف الكاسح لزمن اإلمارة‬ ‫(المقنّع بالسلطة الدينية)‪ ،‬بقيمه الجديدة التي تدجن كل شيء‪ ،‬تقزّم دور المرأة في‬ ‫الحياة‪ ،‬وتغتال ذلك التالحم الشفاف بين إنسان القبيلة والطبيعة‪.‬‬ ‫رغ��اء جمله في سماء المكان حزنًا على فقد‬ ‫زوج ��ة ص��اح�ب��ه (ب�ش�ي�ب��ش)‪ ،‬وال���ذي س�ي��دل��ه ‪-‬‬ ‫ال�ج�م��ل‪ -‬على ق�ب��ره��ا‪ ،‬ال ��ذي دف�ن��ت فيه دون‬ ‫ع�ل�م��ه‪ ..‬وأش��رك �ت��ه خ��ال�ت��ه‪ /‬األم ص��ادق�ي��ة في‬ ‫الحصاد‪ ،‬إلب�ع��اده عن «القايم» حتى ال ينبش‬ ‫قبرها‪.‬‬

‫ت�ب��دأ أح ��داث ال��رواي��ة باستعداد (الشيخ‬ ‫عيسى) للحرب‪ ،‬ض��د ال�غ��رب��اء‪ ،‬ال��واف��دي��ن من‬ ‫الشمال لغزو وادي الحسيني‪ ،‬وحاولت (األم‬ ‫صادقية) ثنيه عن المغامرة غير مأمونة العواقب‪،‬‬ ‫لكن عبثا‪ ،‬وأوص��ى الشيخ ابنه (حمود الخير)‬ ‫بإيصال جدته مع األطفال والعجزة إلى تخوم‬ ‫جبال «ساق الغراب»‪ ،‬وحذرت (األم صادقية)‬ ‫وبسبب مشاداته الكالمية مع (عبود)‪ ،‬حين‬ ‫األهالي من هجر بيوتهم‪ ،‬لكنهم غادروا سهول طالب (بشيبش) بحجة أرض منحتها خالته‬ ‫قراهم تجنبًا لألغراب المغيرين‪.‬‬ ‫للطفلة اليتيمة (شريفة)‪ ،‬والتي ناهز عمرها‬ ‫وف��ي مستقرهم ال�ج��دي��د «ال �ق��اي��م» ول��دت الست س �ن��وات‪ ،‬ورف��ض االع �ت��راف بها كابنة‪،‬‬ ‫(شريفة) ابنة (بشيبش)‪ ،‬وف��ي غيابه‪ ..‬وعال ألن�ه��ا ك��ان��ت ال�س�ب��ب ف��ي إزه���اق روح زوج�ت��ه‪،‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫وألن ت �ه��ور (ح �م��ود) ي�ع��د خ��روجً ��ا على‬ ‫أعراف القبيلة وقوانين اإلم��ارة‪ ،‬سارع األب‬ ‫بإخفائه عن األن�ظ��ار المتربصة ب��ه‪ ،‬وكانت‬ ‫اإلمارة تتولى ختان البالغين‪ ،‬وتعاقب بالقتل‬ ‫من يقوم بعملية التطهير بنفسه‪ ،‬وللتمويه‬ ‫دعا األب أمير صبياء لحضور حفل الختان‬ ‫الوهمي‪ ،‬بيد أن األمير أرسل نائبًا عنه‪ ،‬وكان‬ ‫األمير يعلم بأمر الخدعة‪ ،‬ووحده (بشيبش)‬ ‫م��ن انتبه إل��ى أن�ه��ا ‪ -‬اإلم� ��ارة‪ -‬ق��د فطنت‬ ‫لألمر‪ ،‬حيث داوم على اقتفاء أثر أحد الوشاة‪ ،‬الذي‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫ف ��ر ّب� �ي ��ت ف���ي ك�ن��ف‬ ‫(األم صادقية)‪ ،‬قام‬ ‫(عبود) بختان نفسه‬ ‫بنفسه خلسة‪ ،‬حين‬ ‫أه ��ان ��ه (ب �ش �ي �ب��ش)‬ ‫وع � � ّي� ��ره ب��رج��ول �ت��ه‬ ‫ال�ن��اق�ص��ة‪ ..‬مشيرًا‬ ‫إل ��ى أن ال ق ��در له‬ ‫بين الحضور إال بعد‬ ‫أن ي�ع�ت�ل��ي م�ص��اف‬ ‫ال � � � ��رج � � � ��ال‪ ،‬ل��ك��ي‬ ‫ي�ن��اص�ب��ه ال �ت �ح��دي؛‬ ‫وب ��ال� �ت ��ال ��ي‪ ،‬ف��ه��و غ��ي��ر م��ؤه��ل‬ ‫للحديث م �ع��ه؛ وك��ان��ت أع��راف‬ ‫القبيلة تنص على أن يظل من‬ ‫في مثل سنه بال ختان إل��ى أن‬ ‫يصيروا في رتب الشباب‪ ،‬وكان‬ ‫عمره ال يتعدى السادسة عشر‪..‬‬ ‫وب �س �ب��ب ه ��ذا ال� �ح ��ادث اع �ت��زل‬ ‫(بشيبش) المجالس باعتكافه‬ ‫داخل عشته نهارًا أو تحت سرير‬ ‫خالته العمياء ليال‪ -‬والتي كانت‬ ‫تقيّده خشية أن يترك القبيلة‪-‬‬ ‫محتضنًا بندقيته التي ال تفارقه‪ ،‬لكنه اختار‬ ‫الرحيل‪ ،‬وخسرت القبيلة محاربها األول‪.‬‬

‫كان يقضي نهاره بين األهالي المحتفلين بختان‬ ‫(ح�م��ود)‪ ،‬ويتوجه س � ّرًا ليال إل��ى اإلم ��ارة‪ ،‬وانتقم‬ ‫(بشيبش) منه بربطه إل��ى بندقيته‪ ،‬وشدها من‬ ‫طرفها إل��ى ال�س�ق��ف‪ ،‬وأض ��رم ال �ن��ار ف��ي مسجد‬ ‫اإلمارة‪ ،‬وقد اختار هذا المكان ألنه ال يُـقتل فيه إال‬ ‫من كان مشبوهً ا‪ ،‬وبعد ذلك أعلن لخالته صادقية‬ ‫قراره ترك القبيلة‪ ،‬فال تمانع‪ ،‬حيث تتذكر أن حبله‬ ‫السري مدفون في قاع الوادي‪.‬‬ ‫كقارئين للقرآن الكريم حضر بعض الغرباء‪،‬‬ ‫بثياب بيض ولحى مشذبة‪ ،‬واكتفوا بالسالم عند‬ ‫ال�ت�ح�ي��ة م��ن دون م�ص��اف�ح��ة أح ��د أو‬ ‫م�ب��ارك��ة‪ ،‬واخ��ت��اروا إم��ا ًم��ا ع�ن��د أداء‬ ‫ال �ص�لاة‪ ،‬فانتبه أه��ال��ي القبيلة إلى‬ ‫أنهم يطيلون ف��ي السجود وال��رك��وع‪،‬‬ ‫يخف الغرباء استياءهم من صالة‬ ‫ولم ِ‬ ‫بعض األهالي‪.‬‬ ‫في ختام الحفل وصلت رسالة من‬ ‫األمير يطلب فيها من األهالي االستماع‬ ‫إلى المقرئ (محمد المصلح)‪ ،‬والذي‬ ‫فرض عدة شروطه أهمها أال تحضر‬ ‫مجلسه ام��رأة‪ ،‬ونبّههم إلى أن مكان‬ ‫النساء هو البيت‪ ،‬وليس‬ ‫ال� �ع� �م ��ل ف � ��ي ال� �ح ��رث‬ ‫وال � ��رع � ��ي واألف� � � � ��راح‪،‬‬ ‫وك��أن �م��ا األم� �ي ��ر ينظر‬ ‫إل�ي�ه��م «ك �خ��ارج �ي��ن عن‬ ‫سنن الدين‪ ،‬منخرطين‬ ‫في قوانين الطبيعة»‪.‬‬ ‫وب��رح�ي��ل (بشيبش)‬ ‫ت �ت��وال��ى غ �ي��اب��ات ك�ب��ار‬ ‫ال �ق �ب �ي �ل��ة م �س �ت��أذن �ي��ن‬ ‫ال �ش �ي��خ ب �ت��رك ال �ق��ري��ة‪،‬‬ ‫ك ��أن� �م ��ا أدرك�� � � ��وا ع ��دم‬ ‫قدرتهم على التأقلم مع‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪67‬‬


‫الزمن الجديد‪ ...‬يغيبون رحيال أو‬ ‫موتًا‪ ،‬وب��دأت القبيلة في التفكك‪،‬‬ ‫وازداد تغلغل اإلم��ارة‪ ،‬بينما تتولى‬ ‫(ش��ري��ف��ة) اإلش� � ��راف ع �ل��ى أم ��ور‬ ‫القبيلة الفالحية‪ ،‬في حين يغرق‬ ‫(حمود) في أهوائه ونزواته‪.‬‬ ‫وبتقدم عمر (األم صادقية)‬ ‫وم � ��رض اب �ن �ه��ا ال��ش��ي��خ‪ ،‬ان�ح�س��ر‬ ‫ن �ف��وذه �م��ا‪ ،‬وت �ق��وض��ت مكانتهما‬ ‫ال��رم��زي��ة‪ ،‬وب� ��رز دور (ال �م �ق��رئ)‪،‬‬ ‫م�ن��دوب اإلم ��ارة‪ ،‬التي تسير أم��ور‬ ‫القبيلة‪ ،‬ب��إغ��راء األه��ال��ي بالمال‬ ‫وتجنيدهم ووعظهم‪ ..‬وحث المقرئ‬ ‫أتباعه على ع��دم السماح للنساء‬ ‫بمغادرة منازلهم‪ ،‬بعدما أشيع أن‬ ‫غريبًا يتربص بهن‪ ،‬فجلل السواد‪،‬‬ ‫بعد أيام‪ ،‬كل نساء القرية‪ ،‬باستثناء‬ ‫شريفة والمزارعات‪...‬‬

‫ل�ل�غ��رب��اء‪ ،‬ي�ك��دح��ون ف��ي ال�ح�ق��ول‪،‬‬ ‫و»ي ��ؤدون ال��زك��اة للغرباء بأجساد‬ ‫ن �س��ائ �ه��م‪ ،‬أم �ل�ا ف ��ي ال� �غ� �ف ��ران»‪،‬‬ ‫وهجرت (شريفة) القرية متجهة‬ ‫ن �ح��و مملكتها األب ��دي ��ة ف��ي قمة‬ ‫الجبل‪ ،‬وارتقت الكرسي لتنتحر‪،‬‬ ‫حتى ال تجد نفسها تنتهي كسائر‬ ‫نساء القبيلة‪« ،‬قبل أن تقبض على‬ ‫جسدها حاجة قذرة ال يقضيها لها‬ ‫س��وى ال�غ��رب��اء»‪ ،‬وأجلت خالصها‬ ‫ع�ن��د اك�ت�ش��اف�ه��ا للكنز المخبوء‬ ‫بانهيار السقف‪.‬‬ ‫وف� ��ي ن �ف��س ال� �م� �ك ��ان‪ ،‬رأت‬ ‫(حمود الخير) معلقًـا‪ ،‬لينفذ وصية‬ ‫أبيه بوضع حد لحياته حين تنبذه‬ ‫القرية‪ ،‬ولم تحاول ثنيه عن ذلك‪،‬‬ ‫ألن��ه متخاذل متهاون‪ ،‬ل��م يحاول‬ ‫الحفاظ على روح القبيلة‪ .‬ونظرت‬ ‫م��ن ع� ٍ�ل إل��ى النبات ال��واص��ل بين‬ ‫الجبل وقرية «عصيرة» السليبة‪...‬‬ ‫ترنو إليه كدرب أمل!‬

‫وإل�� ��ى ج ��ان ��ب اح� �ت� �ف ��اء «س ��اق‬ ‫الغراب» بتفاصيل الحياة اليومية‪،‬‬ ‫يحضر ملمح أس�ط��وري في المتن‬ ‫الروائي‪ ،‬ويتجلى في لجوء (األم صادقية) إلى الجبال‬ ‫«س��اق ال �غ��راب» رواي ��ة حنين قاتل إل��ى المجتمع‬ ‫مناشدة ال�س�م��اء‪ ،‬ليفي ال��رج��ال ال�خ��ارق��ون بعهدهم األمومي وزمنه الغنائي‪ ،‬بعد أن غيّرت اإلمارة التاريخ‬ ‫القديم لها بالدفاع عن ال��وادي‪ ،‬والذين اتفقت معهم الميثولوجي للقبيلة وحوّلته إلى تاريخ ديني‪ ،‬وحلّت‬ ‫قبل أربعين سنة أن يدفن زوجها في «وادي الحسيني» المواعظ والفتاوى محل الحكايا واألناشيد‪.‬‬ ‫مقابل أن تبقى طيلة عمرها كفيفة‪ ،‬فال ترى إال بهم‪،‬‬ ‫ه��ذه ال��رواي��ة إض��اف��ة نوعية للمدونة السردية‬ ‫وال تتخذ أي قرار إال برأي رسل الجبال‪ ..‬فحملوا جثة‬ ‫ابنها (الشيخ عيسى) ‪ ،‬وعمت العواصف واألمطار السعودية والعربية‪ ،‬على حد سواء‪ ،‬لهذا تستحق أن‬ ‫أيضا ‪ -‬كل هذه الحفاوة‬ ‫وأشيع أن ذلك من كرامات المؤيدين بنصر الله على تقرأ أكثر من مرة‪ ،‬وتستحق ‪ً -‬‬ ‫النقدية‪ ،‬التي قوبلت بها‪ ،‬وال يفوتني أن أشير إلى أنها‬ ‫األم‪...‬‬ ‫طبعت أربع مرات‪ ،‬وفي أربعة بلدان مختلفة‪ ،‬وهو أمر‬ ‫يبلغ تدهور القرية ذروته‪ ،‬حين صارت نساء القبيلة‬ ‫نادر الحدوث‪ ،‬حتى مع كبار الكتّاب!‬ ‫مجرد أدوات متعة لدى الغرباء (أعوان المقرئ)‪ ،‬بعد‬ ‫فطوبى لألدب السعودي‪ ..‬هذا اإلنجاز‪.‬‬ ‫أن أصيب كل رجال القرية بالعنة‪ ،‬وتحولوا إلى خدم‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬ ‫> عبدالله املتقي*‬

‫غياب‬ ‫إلى أ‪ .‬الرحماوي‪،‬‬ ‫بتلك المقهى المنسية‪ ..‬رجل في الخمسين تماما‪..‬‬ ‫يحتسي صمته‪ ،‬وقهوته الساخنة‪.‬‬ ‫ثم ينتبه فجأة للجريدة‬ ‫(يقرأ موته في صفحة الوفيات‪،‬‬ ‫ثم يجهش ببكاء مدجج بالمرارة؛‬ ‫ألنه لم يحضر جنازته)‬ ‫***‬

‫مظلة الحب‬ ‫أرملة على شرفة شقة تحتسي الشاي‪،‬‬ ‫وتطل على الشارع من خلف زج��اج مبلل‪،‬‬ ‫تتأمل حبيبات المطر‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬يطأ شتاءها منظر شاب وفتاة‬ ‫ملتصقين تحت مظلة س��وداء‪ ،‬ويسرعان‬ ‫الخطو‪.‬‬ ‫تتنهد األرملة‪ ،‬وتختفي في مراهقتها؛‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪69‬‬


‫كي تتذكرها والمرحوم يسيران تحت المطر بال‬

‫هي‪:‬‬

‫مظلة‪.‬‬

‫تعود‪ ‬منتصف الليل تماما‪ ،‬وكأنك كنت في‬

‫في انتظار األوتوبيس‪ ،‬كانا يعيشان الحب حفل السندريال؟‬ ‫بكل تفاصيله دون التفات لآلخرين‪.‬‬ ‫(يختفي الشاب والفتاة من الشارع‪..‬‬

‫(المهم انتبه للحذاء)‬

‫رصيف أعمى‬

‫تختفي األرملة من الشرفة‪..‬‬ ‫ووحدها حبيبات المطر تبلل النافذة وسقف‬ ‫المظلة)‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫هبط من القطار‪ ،‬استقل بتي طاكسي‪ ،‬وفي‬ ‫الغرفة خلع مالبسه‪..‬‬

‫نهايات‬ ‫ف��ي إح��دى ليالي الشتاء ال�ق��ارص��ة‪ ،‬جلست‬ ‫خلف نافذة مهترئة‪ ،‬تتفرج على خيوط المطر‪،‬‬

‫‪2‬‬ ‫نسي الموعد‪ ،‬وكان البن يغلي في اإلبريق‪..‬‬

‫‪3‬‬

‫وي��داه��ا تلعبان بضفيرتها ال �ش �ق��راء؛ السماء‬ ‫حزينة‪ ،‬والشارع تخلص من أحذية المارة‪.‬‬ ‫ف��ي ال��وق��ت نفسه‪ ،‬ك��ان زوج�ه��ا يحتضر في‬

‫في المحطة‪ ،‬نزلت أنيقة من الحافلة‪ ،‬و‪..‬‬ ‫انتظرته في المقهى‪..‬‬

‫‪4‬‬

‫س ��ري ��ره‪ ،‬وم �م��رض��ة ن��اص �ع��ة ال �ب �ي��اض تنصت‬ ‫لموسيقى الراب‪.‬‬ ‫وفي العاشرة صباحا‪،‬‬

‫في غرفة الفندق‪ ،‬نامت بمالبسها‪ ،‬ونسيت‬ ‫الشباك مفتوحا‪.‬‬

‫(ك��ان هناك م��وت بشقة ب ��اردة‪ ،‬لم يحترمه‬ ‫أحد‪)...‬‬

‫بحث عنها كثيرا‪ ،‬وحين عثر عليها‪ ،‬فقدها‬

‫حكاية أخرى‬ ‫هو‪:‬‬ ‫تمنى أن تكتب له غدا‪ ،‬وأن يجد رسائلها في‬ ‫صندوقه حين يعود متأخرا‪ ‬إلى الشقة‪.‬‬ ‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪70‬‬

‫‪5‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ثانية في الزحام‪..‬‬

‫‪6‬‬ ‫بحثت عنه كثيرا‪ ،‬وحين عثرت عليه‪ ،‬كان‬ ‫رجال آخر على رصيف أعمى‪.‬‬


‫> محمد صباح احلواصلي*‬

‫عادة أشتري ربع متر مربع من ورق التجليد األزرق‪ ،‬ألجلد كتاب ًا أو دفتر ًا لمدرسة‪ .‬ربع متر يكفي‬ ‫وزيادة‪ ،‬فما حاجتنا إلى هذه الكميات الهائلة من التجليد إذاً؟‬ ‫يا إلهي! تصوروا أننا سنجلد بها كتبا؟‬ ‫«ماذا سنفعل بكل هذا التجليد يا أبي؟»‬ ‫أعلمنا أننا سنلصقه على زجاج النوافذ‪ ،‬على‬ ‫ك��ل بقعة يمكن أ ْن ت�س�رِّبَ ال�ض��وء إل��ى الخارج‬ ‫خالل الليل‪.‬‬ ‫«لماذا؟»‬ ‫«لكي ال ت��رى ط��ائ��راتُ ال�ع��دو ال �ض��و َء خالل‬ ‫الغارة‪».‬‬ ‫«وماذا ستفعل إ ْن رأت الضوء؟»‬ ‫«ستلقي بقنابلها فوق المكان الذي يخرج منه‬ ‫الضوء‪».‬‬

‫نسأل عبر الظالم‪ ،‬بصوت خفيض‪ ،‬كنا نسأل‪،‬‬ ‫وكنا نطمئن‪ ..‬ألنَّ اإلجابة كانت تأتي من أبي‬ ‫الذي كان قريبا منا‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫جتليد أزرق‬

‫«بابا‪ ..‬من هو العدو؟»‬ ‫يجيبني‪:‬‬ ‫«إسرائيل وفرنسا وإنجلترا‪».‬‬ ‫أسأله‪:‬‬ ‫«كلهم أعداؤنا؟»‬ ‫بنبرة واثقة‪ ،‬تلمست فيها صرامة‪ ،‬يجيبني‪:‬‬ ‫«من يريد أن يلقي علينا القنابل فهو عدونا‪».‬‬

‫وعندما يخرج صوت اإلنذار ثانية معلناً عن‬ ‫«تلقي بقنابلها!»‬ ‫انتهاء الغارة‪ ..‬لم نكن نسرع إلى زر النور؛ فقد‬ ‫أس��رع�ن��ا إل��ى ل�ص��ق التجليد األزرق‪ ،‬بدقة آنسنا العتمة والسكينة والترقب‪ ،‬وبعضنا لم يكن‬ ‫شديدة‪ .‬أذكر أنني لم أترك سنتمترا واحدا من هناك‪ ،‬بل ك��ان غارقاً في ن��وم أحالمه غير كل‬ ‫زجاج النوافذ دون أن أغطيه بالتجليد‪ ،‬وكل بقعة األحالم التي خبرناها‪.‬‬ ‫أغفل عن تغطيتها تلوح لي من ورائها عين طيار‬ ‫نُحمَل إل��ى أس��رت�ن��ا‪ ،‬المصفوفة إل��ى جانب‬ ‫العدو وهي تتوعدني‪ .‬كنت أنظر إلى أبي كيف بعضها‪ ،‬بيضاء اللون‪ ،‬نظيفة‪ ،‬كل سرير منها له‬ ‫يلصقها‪ ،‬فأفعل مثله‪ .‬قضينا وقتا طويال حتى جانبان كي ال نقع ونحن نائمون‪ .‬حملني أبي‪،‬‬ ‫جعلنا البيت غارقا في قتامة تعكس اللون األزرق فشققت عيني للحظات وأنا ما أزال غارقا في‬ ‫خالل النهار‪ .‬وعندما يأتي الليل حرصنا أال نشعل نعيم ال �ن��وم‪ ،‬ش�ع��رت بساعديه الدافئين وهما‬ ‫النور‪ .‬أما عندما نسمع زامور اإلنذار وهو يدوّي يحمالني‪ ،‬وبأنفاسه ذات الشهيق العميق‪ ،‬وكنت‬ ‫في أرج��اء المدينة‪...‬كنا نطفئ األن��وار‪ ،‬ونركن أشم رقبته التي غطت وجهي‪ ،‬إنها الرائحة نفسها‬ ‫ملتحمين ببعضنا‪ ،‬عيوننا مترقبة‪ ،‬ال ترمش‪ ،‬التي كانت تزودني دائما بإحساس األمان‪ ،‬وبأن‬ ‫نصغي للصمت الذي كان يزحم باالحتماالت‪ ،‬كنا العدو وطائراته أمام أمان أبي مجرد خرافة‪...‬‬ ‫* قاص من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪71‬‬


‫ذبول وردة‪..‬‬ ‫> ليلى احلربي*‬

‫هناك جهاز في يديها‪ ..‬وآخر على صدرها‪ ،‬وثالث يلقمها الهواء‪ ..‬وتحت هذا الكوم يرقد جسد‬ ‫تمدد‪ ..‬وصبر تبدد‪ ..‬وألمٌ يضج بال حياء‪ ..‬هناك بريق في عينيها‪ ،‬به وحده تتواصل مع روحي‪..‬‬ ‫بقربها كتاب كنا اشتريناه في رحلتنا سوياً إلى‬ ‫المكتبة‪ ،‬حملته‪ ..‬قرأت لها منه‪ ..‬تترقرق العينان‬ ‫بالدمع‪ ،‬فأتوقف‪..‬‬

‫ص��رخ��ت بهم ف��ي أع�م��اق��ي‪ ،‬إن�ه��ا س���ارة!! يا‬ ‫م��ن تغلفونها ب��األس�م��ال‪ ..‬وت �ن��ادون عليها برقم‬ ‫السرير‪..‬إنها ذلك الحلم الوردي الذي لم يكتمل‬ ‫بعد‪..‬‬

‫صديقتي‪ ..‬تحبين رائ�ح��ة البخور‪..‬أشعلت‬ ‫جمرة كقلبي‪ ،‬ونثرت البخور عليها‪ ..‬ما أدراك‬ ‫وف��ي ج��وف ه��ذا الجسد المسجّ ى أكثر من‬ ‫أيها الدخان األبله أننا على أعتاب الوداع؟! فلقد دورة دموية‪ ..‬وأجهزة هضمية‪..‬وأخرى تنفسية‪..‬‬ ‫تفوهتَ بألف طيف ارتسم في زوبعتك الرمادية‪ ..‬في داخلها‪ ،‬يتربع الكون‪ ..‬منتظراً أن تحياه‪..‬‬ ‫ولقد خَ بت جمرتك الحمقاء فاستحالت رماداً‪..‬‬ ‫في داخلها كل األماني‪..‬‬ ‫صديقتي‪ ،‬في جبينك ارتسم الصبا‪ ..‬وفي‬ ‫انطفأ في عينيها ذياك البريق‪ ..‬وتمدد الخط‬ ‫كفيك ما زال الخضاب‪..‬‬ ‫بوهن‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫األحمر في تلك الشاشة البليدة‪ ،‬ناديتها‬ ‫قومي إل��يَّ وعانقيني‪..‬وشدي عباءتي كي ال سارة؟!‬ ‫أفكر في الرحيل‪ ..‬جميلتي‪ ،‬أين الجمال؟!‬ ‫ما عادت روحها قربي!‬ ‫خصالت شعرك المصبوغ تحاول الفرار من‬ ‫صديقتي‪..‬‬ ‫ذاك الغطاء الورقي‪..‬‬ ‫ي��ا ك��وك��ب�� ًا م��ا ك���ان أق��ص��ر عمره‬ ‫ماذا يفعلون؟!‬ ‫وك�����ذا ت���ك���ون ك���واك���ب األس���ح���ار‬ ‫هل أن��ت نبتة يزرعونها في ه��ذا السرير‪..‬؟‬ ‫يثقبونها ب��اإلب��ر‪..‬وي��رش��ون زه��وره��ا بالعقاقير عَ جلُ الخسوف عليه قبل أوانه‬ ‫العقيمة‪ ..‬أال يعلمون من هي سارة؟!‬ ‫ف��م��ح��اه ق��ب��ل م��ظ��ن��ة اإلب������دار‪..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصة حب واقعية جدا‬ ‫> سعيد أحباط*‬

‫لم يعد هناك مطر يتساقط‪..‬كأنما أعلنت السماء هدنة من جانب واحد مع األرض‪.‬‬ ‫لكن المطر المجتمع في الطرقات يزيد عمقه على بعد سنتمترات‪ ..‬وهو عمق خطير‬ ‫الشأن بالنسبة لي على األقل‪ ،‬ألن هذا العمق اللعين يتغلب على آثار اإلصالح «الهيكلي»‬ ‫في نعل حذائي وواجهته األمامية األسطورية الشكل‪ .‬وسيتسلل بخبث ودهاء إلى قدمي‪،‬‬ ‫فيجعل منهما بحيرتين‪ .‬ومع هذا‪ ،‬وجدت ما يستوجب الشكر والحمد مع توقف المطر‬ ‫من السقوط‪ ،‬وإال وجدت نفسي بين نارين‪ .‬لكن وميض البرق المتصل بين النار والماء‪..‬‬ ‫هو الذي يضلل أفكاري‪ ،‬ويجعلني أخلط بين الماء والنار‪.‬‬ ‫رغم هذه المتاعب‪ ،‬تناولت بيسراي حقيبتي العالقة به‪ ،‬ومن أوراق الشجر الجافة‪.‬‬ ‫التي أضع فيها وجبة غذائي وأوراقي وكتبي‪..‬‬ ‫ولعلكم ت�ت�س��اءل��ون اآلن عما يدفعني الى‬ ‫ولي فيها مآرب أخرى‪ .‬وبيمناي تناولت مظلتي‪ ..‬اإلطالة في الحديث عن مظلة تافهة القيمة‪،‬‬ ‫وأسرعت إلى محطة الحافالت‪ .‬ويقتضي واجب والسبب يكمن ف��ي أن ه��ذه المظلة البئيسة‪،‬‬ ‫األم��ان��ة‪ ،‬أن أبصر ال�ق��راء بحقيقة أخشى أن كانت سببا في تعارفي يوما ما مع تلك الحسناء‬ ‫تفوتني‪ ..‬فيخالونني مخادعا ولفاقا‪ ،‬فأنا حين الفاتنة‪ ،‬والتي ستكون بطلة قصتي‪ ..‬والمظلة‬ ‫أق��ول مظلتي ال ينبغي أن ترتسم في أذهانكم البئيسة إذ ت�ش��ارك بطلتي الحسناء الفاتنة‬ ‫الصورة المألوفة للمظلة الواقية‪ ،‬فهي ال تستمد‬ ‫وظيفة البطولة‪ ،‬فألني ال أبالي أن تكون مظلتي‬ ‫أحقيتها إال م��ن تاريخها العتيد‪ ،‬فقد كانت‬ ‫مألى بالثقوب‪ ،‬وال أرضى أن يكون من أخالقي‬ ‫مظلة فعليا‪ ،‬منذ سنوات خلت‪ ،‬أما اآلن فتبدو‬ ‫ما يجعل شخصيتي تبدو بمنتهى الدماثة‪.‬‬ ‫لعينَي الرائي ما يشبه المظلة‪ .‬أما إذا فتحت‬ ‫لكن‪ ،‬دعنا م��ن مظلتك وع�ق��دة احترامك‪،‬‬ ‫فستبدو في النور الواضح حقيقة مجردة‪ ،‬فيها‬ ‫العديد من الثقوب‪ ..‬ما يجعلها أشبه بمصفاة وحدثنا عن الحسناء الفاتنة والتي تزعم أنها‬ ‫مقلوبة يتوسطها ح��ام��ل م��ن ال�ح��دي��د‪ ،‬ينتهي بطلة قصتك‪...‬‬ ‫م �ع��ذرة‪..‬ي��ؤس �ف �ن��ي أن أط �ل��ت ع�ل�ي�ك��م أم��ر‬ ‫بمقبض خشبي‪ .‬ولهذه المصفاة فائدة ليس‬ ‫من الخساسة إنكارها‪ ،‬ألنها إن كانت ال تقيني انتظارها‪ ،‬ولكن ثقوا بي أن انتظاري كان أثقل‬ ‫من المطر‪ ..‬فهي على األقل تنقيه من الشوائب وط��أة ف��ي ذاك المساء الممطر‪ ،‬عند محطة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪73‬‬


‫الحافالت‪ ،‬فقد بقيت ساعة من ال��زم��ن‪ ..‬ول��م تأت أن يذوب السكر بنغماته‪:‬‬ ‫الحافلة‪ ،‬ف��ي عتمة الغسق رأيتها تمشي الهوينا‪..‬‬ ‫كيف لي أن أشكرك على هذا اللطف والكرم‪ ،‬فلو‬ ‫واألمانة تقتضي أن أقول‪ ،‬لقد سبق أريج عطرها في‬ ‫لم تبادر بتقديم ه��ذه الخدمة أيها السيد المحترم‬ ‫ذل��ك الغسق مرآها قبل أن تراها عيني‪ ..‬أو تسمع‬ ‫النبيل‪ ،‬لتبللت بالمطر حتى أخمص القدمين‪..‬‬ ‫وقع خطاها أذن��ي‪ ،‬لقد كان عطرها أخ��اذا وسحريا‪،‬‬ ‫وج��دت�ه��ا ف��رص��ة ل�ت�ب��ادل ال�ح��دي��ث‪ ،‬فسألتها عن‬ ‫فيه أريج األنفاس وريق الياسمين‪ ..‬ما دفعني إلى أن‬ ‫أدير رأسي‪ ..‬وجدتها بجانبي‪ ..‬تكاد تلمسني بكتفها‪ ،‬عملها‪ ،‬فأجابت‪..‬‬ ‫وضعت على ظهرها شاال شفافا رقيقا أخضر اللون‪،‬‬ ‫في وسعك أيضا أن تسمي ما أشتغل به عمال على‬ ‫وتأبطت حقيبة جلدية خضراء‪ ،‬وألنني رجل محترم نحو ما؟ أنت حرٌّ في تحديده بخيالك‪..‬‬ ‫ومترفع‪ ..‬التزمت الصمت بعض الوقت‪ ،‬إلى أن أرسلت‬ ‫ال أخفي عليكم كم وددت من كل قلبي أن أسألها‬ ‫السماء‪-‬وشكرا لها‪ -‬بقطرة واحدة كبيرة كانت مبررا عن اسمها وعنوانها‪ ،‬و‪ ..‬و‪ ..‬وأحصل منها على موعد‬ ‫كافيا كي أفتح معها الحديث عن قلة المطر‪ ،‬فالتفتت لقاء آخر‪ ،‬ولكن عقدة لساني واحترامي المبالغ فيه‪،‬‬ ‫إليَّ بوجهها‪ ..‬حينها سقط الضوء‪ ،‬فاختلج شيء ما جعالني أصمت‪ ..‬واكتفيت بأن قلت لها‪:‬‬ ‫في صدري‪ ،‬وأنا أرى من وهج وجنتيها وشفتيها ثمار‬ ‫طابت ليلتك‪..‬‬ ‫الخوخ الناضجة‪ ..‬وفي الوقت الذي زاد شعوري حدة‬ ‫انصرفت وأن��ا م��رت��اح؛ ألنني ال أستغل الظروف‬ ‫بمالبسي القديمة‪ .‬وأنا أشع وطأة تحت صهيب عينيها‬ ‫البراقتين‪ ،‬وقد عمق شعوري حدة‪ ..‬سوء حال حذائي‪ ،‬استغالال انتهازويا ال يليق برجل محترم مثلي‪ ،‬وكانت‬ ‫وإهمال لحيتي‪ ،‬وسمرة وجهي الداكنة‪ .‬فطويت الكالم حالة النشوة المسيطرة علي تحول بيني وبين عودتي‬ ‫في حلقي‪ ..‬ولم أستطع النظر إليها‪ ،‬إلى أن تعطفت ال��ى ال �م �ن��زل‪ ،‬ح�ي��ث ال�ح�ج��رة ال�ح�ق�ي��رة المتوحشة‪،‬‬ ‫السماء وأرسلت ‪-‬إمعانا في تشجيعي‪ -‬ثالث قطرات فاتجهت ال��ى أح��د المقاهي المقابلة لمحل سكني‪،‬‬ ‫احتسيت فنجانا م��ن ال �ش��اي المنعنع‪ ،‬وف��ي لحظة‬ ‫كبيرة دفعة واحدة‪ ..‬استقرت فوق صلعتي‪.‬‬ ‫س�ف��ري ال��ى ع��وال��م أخ ��رى‪ ،‬ت�ن��اول��ت مظلتي وهممت‬ ‫بعد دقيقة فتحت السماء صنابيرها‪ ،‬وصار هناك‬ ‫باالنصراف‪ ..‬فإذا بالنادل يصيح خلفي‪..‬‬ ‫مبرر قوي جدا إلظهار مروءتي الالمحدودة بالتدخل‬ ‫ماذا عن ثمن المشروب ياسيدي؟!‬ ‫لحماية هذه المخلوقة الجميلة‪ ،‬عندما رفعت بصرها‬ ‫إلي‪ ،‬اكتشفت أن نظرتها خالية تماما من كل ازدراء‪..‬‬ ‫احم ّر وجهي خجال ولعنت ش��رودي‪ ،‬فماذا سيظن‬ ‫فهل يا ت��رى كنت واهما؟ وأن��ا أراه��ا تبتسم لي هذه هذا النادل الوقح‪ ،‬هل شك في منظري فظنني متسوال‬ ‫االبتسامة العذبة‪ .‬لم أكن واهما البتة‪ ،‬ألن صوتها كان أو ن �ص��اب��ا؟! وض�ع��ت ي��دي ف��ي ج�ي��ب معطفي‪ ،‬كانت‬ ‫عذبا كابتسامتها‪ ..‬حتى أنه أوشك على الذوبان وهي المفاجأة أني لم أجد محفظة نقودي‪ ،‬ورنت في أذني‬ ‫تقول لي‪:‬‬ ‫نبرات توشك أن تذوب رقة وعذوبة‪« ..‬أشكرك كثيرا‪..‬‬ ‫في وسعك أن تسمي ما أشتغل به عمال‪ »..‬لكني طردت‬ ‫لماذا ال تفتح مظلتك؟‬ ‫الفكرة من مخيلتي‪ ..‬فهي على كل حال حسناء فاتنة‪،‬‬ ‫مددت يدي الى المظلة‪ ،‬فتحتها تم قلت‪:‬‬ ‫وأن��ا بعد كل ش��يء رج��ل ذو مبادئ مترفع‪ ،‬وستقولون‬ ‫آه‪ ..‬طبعا المظلة‪..‬‬ ‫عني أني مصاب بعقدة االحترام‪ .‬ولكن‪ ،‬ال يهم‪..‬‬ ‫وفي لحظة شرودي‪ ..‬سمعت صوتها الذي يوشك‬ ‫ال يهم إطالقا‪..‬‬

‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫> مرمي محمد اللحيد*‬

‫اغتراب‬ ‫عندما أصعد الحافلة أطيل النظر في وجوه‬ ‫المارة‪ ..‬علني أبعثر غربتي!‬ ‫نكست رأس��ي‪ ..‬لست أدري أبكيت أم ال؟ كل‬ ‫ما أعرفه أنني أسبلت دمعة‪ ،‬فقد شرد ذهني بين‬ ‫وحشة الطريق وبين الغربة التي ما انفكت تالزمني‬ ‫مثل ظلي‪ ..‬حتى تركت في مالمحي شيئا منها‪،‬‬ ‫أغمضتُ عيني‪ ،‬أرجعتُ رأسي للخلف‪ ..‬فارتطم‬ ‫بحافة المقعد‪ ،‬لم تكن الضربة قوية‪ ،‬فقد ذقت‬ ‫ما هو أقسى منها!‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصتان‬ ‫بصوت غير مسموع ما كتبت سوزان عليوان‪:‬‬ ‫لنبدأ بفراشة‪ :‬فراشة تبكي‪..‬‬ ‫في حضن زهرة‬ ‫وتعترف‬ ‫لصرصار لئيم‬ ‫متربص في العشب‪:‬‬ ‫«نعم أنا ‪-‬أيضا‪ -‬حشرة!»‪.‬‬

‫لقيطة‬

‫ب��األم��س ك��ي أط� ��رد األرق‪ ،‬ر ّوج� ��ت إش��اع��ة‬ ‫نومي‪ ..‬وبيني وبين نفسي نشرتُ الخبر‪ ،‬مع أنني‬ ‫عدتُ أقلّب بصري بين مقاعد تجلس فوقها في الحقيقة لم أنم‪ ،‬فقد حدثت بيني وبين النوم‬ ‫مرغمة أج�س��اد ف��ارق��ت األه��ل بحثا ع��ن علم‪ ..‬جفوة‪.‬‬ ‫وربما عن عمل‪ ،‬سائق ترافقه زوجته يتحدثان‬ ‫هو‪ ،‬قرر أن يهجرني‪ ..‬وأنا ب��دوري‪ ،‬لم أكلف‬ ‫طيلة ال�ط��ري��ق‪ ،‬بلغة ل��م أفهم منها شيئا‪ ،‬وبين‬ ‫فتيات أخذ التعب منهن مأخذاً واضحاً‪ ،‬قررن نفسي عناء التوسل له‪ ..‬فذهب كل منا في حال‬ ‫إض��اع��ة ال��وق��ت حتى ال��وص��ول؛ ف��واح��دة تستمع سبيله‪ ،‬وتالطمت أم��واج األفكار في داخلي ثم‬ ‫ألغنية ح��زي�ن��ة‪ ،‬وأخ ��رى يطربها س�م��اع ال�ق��رآن كتبت‪:‬‬ ‫ال �ك��ري��م‪ ،‬وث��ال �ث��ة ت �ح��دق ط��وي�لا ف��ي ص���ورة بال‬ ‫(مسكينة هي «اإلشاعة»‪ ،‬أعترف بأنها أنثى‬ ‫أل��وان‪ ..‬ورابعة أغمضت عينيها‪ ،‬ترى هل نامت سيئة غير مرغوب فيها‪ ،‬فهي ليست حبيبة أحد‪،‬‬ ‫أم ستنام؟! وخامسة تضحك مع أن الشارع كان أعتقد أنها مظلومة‪ ،‬بل مطرودة‪..‬على الرغم من‬ ‫يوحي لنا بالبكاء!‬ ‫تعدد عشاقها ومروجيها‪ ..‬ال أحد منهم يتبناها‪..‬‬ ‫هن بنات هذا الوطن‪ ..‬فلماذا ازدراهن اليوم‬ ‫شخص بنظرة تقول‪ :‬أنتن بال وطن؟ لم يلتفتن له‪..‬‬ ‫وسارت الحافلة في الطريق نفسه‪ ،‬لكنني رددت‬

‫فتولد يتيمة بال أم وب�لا أب!! قدرها أن تكون‬ ‫«لقيطة» يتناقلها الجميع‪ ..‬ولكنها دائما تنسب‬ ‫إلى مجهول)‪.‬‬

‫* قاصة من الجوف‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪75‬‬


‫رثاء وأمل‬

‫إلى زوجتي التي رحلت‬ ‫> سليمان عبدالعزيز العتيق*‬

‫‪76‬‬

‫بيني وبين لقاك ِ يا مكحولة َالعينين‬

‫ويا نبعي الذي أ ُطفي به ظمئي‬

‫ِراض‬ ‫آكامٌ وأودية ٌ عـ ْ‬

‫غاض‬ ‫ْ‬ ‫وماءُ النبع ِ‬

‫ُوصلـُني إل��ى لـ ُقياك ِ وال��ذك��رى تهزُ‬ ‫ال دربَ يـ ِ‬

‫كلُ البحار الطاميات ِ وكلُ أبعادِ السهوب‬

‫تماسـكـِي‬ ‫ُ‬

‫ودورة ُاألفالك ِ واألزمان ِ فيما بيننا‬

‫والفقدُ يوجعُ مُ هْ ـجتي‬

‫ِالظ‬ ‫وتيهُ وِ هْ ـدَان ٍ غـ ْ‬

‫فاض‬ ‫ْ‬ ‫والدمعُ من عينيَّ‬

‫وخلف ليل ِ الفقد‬ ‫َ‬ ‫وخلف آماد الشتات ِ‬ ‫َ‬

‫سحابة ُالحزن ِ التي سالت على وجنات ِ أيامي‬

‫يرف لي بين سجوف ِ الحزن ِ بالبـُشرى‬ ‫ُ‬

‫ألما ًودمعا ًساخن ًا‬

‫ويوقظ كلَ آمالي‬

‫ومرارة ًفيما أ ُِسـيْـغ ُوال اعتراض‬

‫شغاف قلبي‬ ‫ِ‬ ‫بوعد الله بينَ‬ ‫ِ‬ ‫َرق‬ ‫ب ٌ‬

‫بيني وبينـ َك ِ يا بساتيني ويا سَ كني‬

‫َاض‬ ‫في ليل ِ أحزاني أنـ ْ‬

‫ويا بدري المنير بخافقي‬

‫وأحـتـَفـِي‬ ‫وهناك ألقاك ِ على تلك الرحاب ِ ْ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫مخاوف الفقد ِ المُ ـشـ ِِّت‬ ‫ُ‬ ‫ال تعتريه ِ‬

‫إليك هديتي‬ ‫وأحملُ األحلى ِ‬

‫امتعاض‬ ‫ْ‬ ‫وال يكدر ُه‬

‫قصائ َد الغزل ِ الرقاقْ‬

‫وروضات وزهرُ خمائل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫رَوحٌ وريحانٌ‬

‫لِ تضحَ ـكي ولـِتعْ ـجَ ـبي م��ن ك��ل ِه��ذا الحب ِفي‬

‫ومعينُ نهر ٍ ٍ‬

‫قلبي‬

‫شواطـئِ ـهِ وتركـُضين‬ ‫ِ‬ ‫تمرحين على‬

‫وكل ِ هذا الشوق ِ في روحي‬

‫خلف الفراشات ِ وخلف غزالة ِ المسك ِ التي مرتْ‬ ‫َ‬

‫وكل ِ هذا التوق ِ نح َو االنعتاقْ‬

‫غنت‬ ‫وخلف العصافير ِ التي ْ‬ ‫َ‬

‫أمضي بدربي في الحياة ي ُـشـدني شـَجـ َني‬

‫وتفرحين َضحـُوكـ َة ً‬

‫وتـُوعـِدني َصالتي‬

‫َالرياض‬ ‫ْ‬ ‫وسط‬

‫وأحتضنُ األماني كي تـُهـ َدْ هـِدُ ني‬

‫أحكي عليك وتسمعين حكايتي‬

‫ويـُظـِلني ِ في ظل نجواك ِ الحنانْ‬

‫يا عذبة َ النجوى‬

‫قد كنت ِ في الدنيا معينَ سعادتي‬

‫ارتعاشات التوهج ِ وابتهاجات ِ اللقا‬ ‫ِ‬ ‫بعد‬

‫وفرحة َخاطري‬

‫العـناقْ‬ ‫وبعد مُ ـشتـ َبك ِ ِ‬

‫ونعيم َأشواقي‬

‫أ ُلقي إليك ِ بما جرى‬

‫فكيف لو كنا بروضات ِ الجنانْ‬

‫حكاية َالحزن ِ الذي قد هزني‬

‫وكنت ِ يا ذات َالعيون الناعسات ِ بجان ِـبـي‬

‫وكل َلوعات ِ الفراقْ‬

‫فأفرش اإلستبرق األغـْلى‬ ‫ُ‬

‫ل ِـتـ َعْ ـلمي يا حلوة َاللمحات ِ عـن كم مرة ٍ أبكيتني‬

‫وتـَتـْكئـِينَ على ذراعيْ‬

‫حب مـُترع ٍ أسقـَيْـت ِـنـِي‬ ‫كم كأس ِ ٍ‬

‫والجنى في الجنتين ِ دانْ‬

‫كم قد زرعـت في شغاف ِ القلب من شجر ِ الرضا‬

‫ويفيض في قلبي برادُ الحب‬ ‫ُ‬

‫ورَعيتـِهِ وسـ َقيتـِهِ من فيض ِ ُحـبك ِ فاستوى‬

‫تفيض بناظري وبخاطري‬ ‫ُ‬ ‫والنـُعمى‬

‫في القلب ِ بستانَ اشتياقْ‬

‫وتستجيش مشاعري بسعادتي‬ ‫ُ‬

‫يمو ُر في بالي بأن ألقي بقارعة ِ الطريق ِ مَ ـتاعـبـِي‬

‫ويضمني دِ فءُ األمان‬ ‫ُ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫بحرارةِ اللقـْيا وبالقـُرب ِ الذي‬

‫ومَ ـحَ ـازني‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪77‬‬


‫اسطنبول‪ ..‬والذكريات‬ ‫> ماهر الرحيلي*‬

‫����ك ي����ا اس���ط���ن���ب���ولُ‬ ‫ع�������ا َد ال�����ف�����ؤادُ إل����ي ِ‬

‫�����������وق ح�������ال�������مٌ وس������ي������ولُ‬ ‫ٌ‬ ‫ي�������ح�������دوه ش‬

‫������اؤك‬ ‫ق�������ال�������وا ت�����ج�����ددت�����ي وزاد ب������ه ِ‬

‫ل������ك������ن ق�����ل�����ب�����ي ل�����ل�����ق�����دي�����م ي����م����ي����لُ‬

‫����د يُ ���دع���ى‬ ‫���ك م����ن م����زي ٍ‬ ‫م����ا ف�����وق ح���س���ن ِ‬

‫وه��������و األص�������ي�������لُ ف����م����ا أراه ي��������زولُ‬

‫الزال ح����ب����ك ف������ي ف�����������ؤادي ع�����ام�����ر ًا‬

‫ل�����ك�����ن ع������م������ري ق�������د ع������������راه أف����������ولُ‬

‫ع����ش����رٌ م�����ن ال����س����ن����وات م���ن���ذ وداع����ن����ا‬

‫وال���������ي���������وم ذك���������راه���������ا إل������������يّ ت����������ؤولُ‬

‫���ت زرت�����ك ف���ي ال���م���واض���ي ث���ائ���ر ًا‬ ‫إن ك���ن ُ‬

‫وب�������ري�������ق ع����ي����ن����ي ل����ل����ش����ب����اب دل�����ي�����لُ‬

‫الش�������يء ع����ن����دي ي��س��ت��ح��ي��ل ح��ص��ول��ه‬

‫وال�����ف�����ك�����ر غ��������ال ٍ وال��������م��������زاد ق���ل���ي���لُ‬

‫ف��ل��ق��د ك��س��ت��ن��ي ال��ع��ش��ر م���ن ل��ف��ح��ات��ه��ا‬

‫م�����ا ال�����ق�����ول ف�����ي أوص����اف����ه����ن ي���ط���ولُ‬

‫ول���ق���د ع���ف���ا ذاك ال���ب���ري���ق وص������ار ف��ي‬

‫ع����ي����ن����يّ م������ن ت����ع����ب ال�����ح�����ي�����اة ذب�������ولُ‬

‫ل���ك���ن���ن���ي راض ٍ ب����م����ا أن��������ا ح����ائ����زٌ‬

‫ول�������و أن س���ي���ف���ي ق�����د ع�����رت�����ه ف����ل����ولُ‬

‫أنّ��������ى ل�����ي ال����ش����ك����وى وق���ل���ب���ي م��ف��ع��مٌ‬

‫���������������اك ع���ل���ي���ل‬ ‫ِ‬ ‫ي������م���ل��أه ج����������وٌ م��������ن رب‬

‫ه������و ذاك ق���ل���ب���ي ال ي����م����س ه�����ن�����اء ًة‬

‫������������������د ل������ل������س������ق������ام ت������ط������ولُ‬ ‫ٍ‬ ‫إال وأي‬

‫ه�����و دي��������دن ال����ش����ع����راء أن ي���ت���ذك���روا‬

‫وق����ت ال���س���ع���ادة م���ا ال���ج���روح ت���ق���ول ُ!!‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫اجلـــــوف‬ ‫> موسى بن عبدالله بوكر البدري*‬ ‫ي�����ا ج�������وف ط�������ال ال�����ش�����وق وال����س����ف����رُ‬

‫�����ارك ل�����ي ه�����و ال�����ق����� َدرُ؟‬ ‫ف���ه���ل ان�����ت�����ظ ِ‬

‫�����ارك ل��ي‬ ‫ي�����ا ج�������وف إن ك�������ان ان�����ت�����ظ ِ‬

‫������ت أن����ت����ظ����رُ‬ ‫ش�����غ�����ف����� ًا ف������إن������ـّ������ي ل������س ُ‬

‫ي������ا ج��������وف زي������ت������ون ال������ش������آم م��ض��ى‬

‫ن�����ح�����و ال������س������م������اء وراح ي���ع���ت���ص���رُ‬

‫وي������ج������ود ن����ض����ج���� ًا ق�������اه�������ر ًا س���أم���ي‬

‫������ف ف�������ي درب�����������ه ال�������خ������� َو ُر‬ ‫ل������مّ ������ا ي������ق ْ‬

‫ي���م���ض���ي ع���ل���ى ش���ي���خ���وخ���ت���ي مَ ����رح���� ًا‬

‫ع�����ج�����ب����� ًا ل�������ه�������ذا! ك�����ي�����ف ي�����ق�����ت�����درُ؟‬

‫ف������������أرى ش������ب������اب������ ًا ِم��������������ل َء ص����ب����وت����ه‬

‫������ب ب�������ي م�������ا ع���������اد ي����ب����ت����د ُر‬ ‫وال������ش������ي ُ‬

‫ت����ل����ك ال����ص����ب����يّ����ة ق��������ال م���وق���ف���ه���ا‪:‬‬

‫�����ض�����رُ‬ ‫ح������يّ������ي������تَ أل�������ف������� ًا أيّ�������ه�������ا ال�����ن ِ‬

‫ل������و ال ال�����ح�����ي�����اءُ ون������س������وة ٌ م��ع��ه��ا‬

‫ط���������ال ال�����ط�����ري�����ق والتَ ت���خ���ت���م���رُ‬

‫����ك؟ ل���ي���ت ت��خ��ب��رن��ي‬ ‫م�����ا س������رُّ ح����س����ن َ‬

‫������������ك ال����خ����ط����رُ‬ ‫ذاك ال�����ش�����ب�����اب وذل َ‬ ‫َ‬

‫ال��������ج��������وف س�������يّ�������دت�������ي ج������راءت������ه������ا‬

‫ك����������ال����������ورد ف����������� ّز ول�������ي�������س ي����ن����ت����ه����رُ‬

‫ول�����ه�����ا س�����م����� ّو ال������رم������ح ذي عَ �����ل�����م ٍ‬

‫وب�����������ه ال�������ع���ل���ا ل������ل������ده������ر ت����ف����ت����خ����رُ‬

‫أم�����ج�����اده�����ا م����������ل َء ال�����س�����ج�����لِّ ف��م��ن‬

‫َ�������ص�������رُ‬ ‫ع�����ن�����ه�����ا ي�������ض�������لُّ إذا ل��������ه ب َ‬

‫����ب ع����ل����ى ال������ده������ور وال‬ ‫ّ������ت‪ ,‬ت����ش ُّ‬ ‫ش������ب ْ‬

‫ت����ه����ن ال����ع����زي����م����ة‪ ،‬ل����ي����س ت���ح���ت���ض���رُ‬

‫������ج������د س������اي������ره������ا‪ ،‬أن������������اخ ل���ه���ا‬ ‫ال������م ْ‬

‫ق������م������م������ ًا ف����ل���ا ض�������ي�������مٌ وال ض��������ر ُر‬

‫ل�����مّ �����ا رأتْ ح��������ال ال�����ق�����ف�����ار ض��ن��ى‬

‫�������ت ف���س���ع���ى ل���ه���ا ال����ق���� َد ُر‬ ‫ح���ق���ب���اً؛ دع ْ‬

‫وأج���������اب���������ه���������ا ربّ�����������������ي ب����ح����ك����م����ت����ه‬

‫�����ت ص������� َو ُر‬ ‫����ت م������واس������مُ وان�����ج�����ل ْ‬ ‫ف����ح����ل ْ‬

‫ي������ا ج��������وف ه������ل م������ن زورةٍ ل��ف��ت��ى‬

‫ول����������ه����������انَ ف���������ي أش����������ع����������اره غ������������ َر ُر‬

‫ي��������ه��������وى وص���������������ال ح�����ب�����ي�����ب�����ه ول������ه‬

‫ف��������ي ي������ان������ع األث���������م���������ار م��������ا ي����ص����رُ‬

‫�������������������ازل ول�������ه‬ ‫ٌ‬ ‫ف����������ي ع�������ي�������ن م�������ك�������ة ن‬

‫ن����������ور ال�����م�����دي�����ن�����ة إذ ع���ل���ا َوط����������رُ‬

‫ف��������إن اس�����ت�����ط�����ال ال�����ب�����عْ �����د س���يّ���دت���ي‬

‫ف�������أت�������ي إل��������������يَّ وس��������������وف أن�����ت�����ظ�����رُ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪79‬‬


‫متتمات اخلزامى‬ ‫> حسن الزهراني*‬

‫أس���م���ع���ي���ن���ي م�����ن ث����غ����رك األن����غ����ام����ا‬

‫وأم����ي����ط����ي ع�����ن وج���ن���ت���ي���ك ال���لّ���ث���ام���ا‬

‫ِس����ح����رُ ع��ي��ن��ي��ك أث���م���ل ال���ق���ل���ب ح��ت��ىَ‬

‫���ت ق��ل��ب��ي ي��س��ق��ي ال����ع����روق م��دام��ا‬ ‫ِخ���ل ُ‬

‫واسكبي لي من عطفك العذب شهد ًا‬

‫ّ���س���ي���ن���ي ت������اج ال�����ه�����وى‪ -‬وال���غ���رام���ا‬ ‫ل���ب ِ‬

‫واق��ط��ف��ي ل��ي م��ن روض خ��ديّ��ك ورد ًا‬

‫���ات ال���خ���زام���ى‬ ‫ع���لّ���م���ي ال���ع���ط���ر ت���م���ت���م ِ‬

‫����ت ي����وم���� ًا ي����ا م��ه��ج��ت��ي ف����ب����دا ل��ي‬ ‫غ����ب ِ‬

‫ذل����ك ال���ي���وم م���ن ل��ظ��ى ال���ش���وق ع��ام��ا‬

‫����ب‬ ‫ك�������ل ش����������يء لَ�������مّ �������ا ن������أي������ت ك����ئ����ي ٌ‬

‫�����ت‪ .‬وال����ض����ي����اء أض����ح����ى ظ�لام��ا‬ ‫ب�����اه ٌ‬

‫����س ول��ي��ل��ى)‬ ‫ح���دث���ون���ا ع����ن ح����ب (ق����ي ٍ‬

‫ف����ظ����ن����ن����ا م��������ا ح��������دث��������وا أوه�������ام�������ا‬

‫ال�����ت�����ق�����ي�����ن�����ا أن������������ا وأن���������������ت ف����ك����نّ����ا‬

‫����������ف ل���ي���ل���ى ه���ي���ام���ا‬ ‫����س وأل َ‬ ‫��������ف ق����ي ٍ‬ ‫أل َ‬

‫وأع��������دن��������ا ل����ل����ح����ب م�������ج�������د ًا ت�����ولّ�����ى‬

‫وب����ن����ي����ن����ا ف���������وق ال�����ن�����ج�����وم خ���ي���ام���ا‬

‫�����������روض‬ ‫ٍ‬ ‫وغ����������دون����������ا ف������راش������ت������ي������ن ب‬

‫�������ال ن�����س�����اب�����ق األح���ل��ام������ا‬ ‫م�������ن خ�������ي ٍ‬

‫����س ُط���ه���رٍ‬ ‫ُح����بّ����ن����ا ي�����ا غ����زال����ت����ي ش����م ُ‬

‫م����ا ش���رب���ن���ا م����ن راح����ت����ي����ه ال���ح���رام���ا‬

‫يُ ���ث���م���ر ال���ش���ع���ر ف����ي غ���ص���ون جَ ���نَ���ان���ي‬

‫ح����ي����ن ي���س���ق���ي���ه وج�����ه�����ك اإلل����ه����ام����ا‬

‫* شاعر من السعودية‪ -‬رئيس النادي األدبي في الباحة‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫طالل الطويرقي لـلجوبة‪ ..‬الكتابة‬

‫اإلبداعية مقدمة على النقد زمنا ً وكتابة‬

‫> عمر بوقاسم*‬

‫الشاعر طالل الطويرقي‪ ..‬صوت جاد ومتميز في الساحة الشعرية‪« .‬ليس مهما» هذا عنوان‬ ‫مجموعته الشعرية الصادرة عن نادي الطائف األدبي عام ‪2007‬م‪ ،‬وهو أحد األسماء الشبابية‬ ‫ال��ب��ارزة‪ ،‬منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬له حضور منبري‪ ..‬يدهشك بتسلقه إلى‬ ‫ذائقتك بشاعريته الجميلة‪ ،‬وجرأته التي تستوعب المغامرة في فضاء النص‪ ..‬المغامرة التي‬ ‫ال تتناقض مع ملكته وعشقه لكتابة القصيدة العمودية‪ ..‬مغامرته تمتد إلى أبعد من الشعر‪..‬‬ ‫إلى الرواية‪ !!..‬وهنا نقف معا ونحاوره‪..‬‬ ‫< عام ‪2007‬م‪ ،‬أصدرت مجموعتك “ليس‬ ‫مهما‪ ”..‬األولى والوحيدة حتى اآلن‪..‬‬ ‫وه����ي م���ن إص�������دارات ن�����ادي ال��ط��ائ��ف‬ ‫األدب��ي‪ ،‬كيف تقرأ‪ ،‬أن��ت‪ ،‬تجربتك من‬ ‫خالل هذه المجموعة؟‬

‫> ب�خ�ص��وص ال�ت��رت�ي��ب ال��زم �ن��ي للكتابة‪،‬‬ ‫فهذه المجموعة تُعد الرابعة في ترتيبها‬ ‫الزمني‪ ،‬فثمة مجموعات سابقة لم أتمكن‬ ‫من طبعها‪ ..‬ليس لشيء إال ألني فقدت‬ ‫التعاطف معها‪ -‬رغ��م م��ا ف��ي ذل��ك من‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪81‬‬


‫قسوة‪ -‬فكما تعرف أن األلفة تفقدك جماليات‬ ‫األشياء‪ ،‬وهذا ما حدث مع مجموعاتي السابقة‬ ‫لمجموعتي (ليس مهمّا)؛ فقد فقدت تعاطفي‬ ‫كليا ‪-‬ح�ي�ن�ه��ا‪ -‬م��ع ت�ل��ك ال �ن �ص��وص‪ ،‬م��ع زخ��م‬ ‫التدفق الكتابي الذي كان يقودني إلى الجديد‬ ‫دائما‪ ،‬في رحلة متواترة مع الكتابة الدائمة‪ ..‬ال أعتقد أني جنيت بشكل ما على تجربتي‬ ‫والقراءة المستمرة‪ ،‬ومن هنا تحديدا‪ ..‬أشعر‬ ‫العمودية‪ ،‬لكني أهملتها زمنا على صعيد‬ ‫أن مجموعتي (ليس مهما) خضعت لمسألة‬ ‫الكتابة والنشر‪ ،‬وها أنا أع��ود لها وأقرؤها‬ ‫حس نقدي واضح‪،‬‬ ‫انتقائية بحتة‪ ،‬يقودني فيها ٌّ‬ ‫بعد كل هذا الزمن‪ ،‬وأجد المتعة والبهجة‪،‬‬ ‫فقد أقصيت الكثير من النصوص المنشورة في‬ ‫وأكتب الجديد أيضا‪ ،‬وسيصدر لي دي��وان‬ ‫أزمنة متفاوتة‪ ،‬وأبقيت النصوص القريبة إلى‬ ‫عمودي قريباً‪.‬‬ ‫نفسي مما يشكل نكهة مختلفة وجوا واحدا‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فأنا أرى أ ْن ليس علي قراءة تجربتي ثم إني أكره مسألة التصنيف؛ ذلك أن الثقافة‬ ‫فعل تراكمي ف��ي األص��ل‪ ،‬ومسألة التجاور‬ ‫الكتابية‪ ،‬بل يدخل ذلك ضمن اهتمامات النقاد‬ ‫متعلق‬ ‫ٍ‬ ‫والتداخل‪ ..‬أعتقد أنها مسألة وع� ٍ�ي‬ ‫أص�لا‪ .‬وإن كان لي بعدها أن أق��رأ تجربتي‪..‬‬ ‫بالثقافة في الدرجة األولى‪ ،‬واآلراء األحادية‬ ‫فأعتقد أن�ه��ا ت�ج��رب��ة م�ت�ف��ردة ن��وع��ا م��ا فيما‬ ‫واليقينية ال تترك إال إجابات مُرة تموت معها‬ ‫ص��در ضمن الساحة المحلية‪ ،‬وه��ذا ما أس ّر‬ ‫األسئلة فينا‪ ،‬لنتحول إلى خراب من الجمل‬ ‫به مجموعة من الشعراء لي بشكل شخصي‪..‬‬ ‫ال �ي �ق �ي �ن �ي��ة ال��ت��ي ف��ق��دت ج ��دوى‬ ‫ولم تسعفهم الشجاعة للكتابة‬ ‫ال��غ��ذام��ي‪ ،‬وال��س��ري��ح��ي‪ ،‬التساؤل التي تلهب بدورها جذوة‬ ‫عنها‪ ،‬وال أعرف مبررا لذلك‪.‬‬ ‫وال��ب��ازع��ي‪ ..‬ه���ؤالء رغم اإلبداع‪ ،‬وأكبر دليل على ذلك أن‬ ‫< وأن���������ت ت���ت���ق���ن ال���ق���ص���ي���دة ج��م��ال��ه��م ال���ب���اذخ ال���ذي التساؤل أم��ام ال�ت��راث قادنا إلى‬ ‫ال��ع��م��ودي��ة‪ ،‬ح��ي��ث صافحت ق��دم��وه لنا توقفوا عند فعل تجديدي أف��رز ه��ذا التجدد‬ ‫الساحة الشعرية بعدد منها‬ ‫ال��دائ��م‪ ،‬ف�لا تطفئوا فينا ج��ذوة‬ ‫مرحلتهم‬ ‫في بداياتك‪ ،‬في المنتصف‬ ‫التساؤل تلك!‬ ‫الثاني من تسعينيات القرن األلفة تفقدك جماليات‬ ‫< هل يزعجك الناقد؟‬ ‫ال��م��اض��ي‪ ،‬ل��م��اذا غ��اب��ت تلك األش��ي��اء‪ ،‬وه��ذا ما حدث‬ ‫ال��ق��ص��ائ��د ع���ن مجموعتك مع مجموعاتي الشعرية > ال يزعجني أب ��دا‪ ،‬ب��ل ربما‬ ‫«ليس مهما‪»..‬؟‬ ‫أك� ��ون م��زع �ج��ا ل��ه م��ن خ�ل�ال ما‬ ‫السابقة‬ ‫أكتب‪ ،‬فثمة فئة من النقاد‪ ،‬حين‬ ‫> أعتقد أن غيابها ل��م يكن إال‬ ‫لسبب وحيد‪ ،‬وقناعة شخصية ال أعتقد أني جنيت على ي �ت �ن��اول��ون م�ج�م��وع��ات ص� ��ادرة‪..‬‬ ‫تتلخص في أني ال أحب الخلط تجربتي العمودية‪ ،‬لكني ي�ت�ن��اول��ون�ه��ا ب�ك�ت��اب��ة تنطبق على‬ ‫بين تجاربي المختلفة‪ ،‬فحين أهملتها زمنا على صعيد م �ج �م��وع��ات م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬ت��ن��اوال ال‬ ‫الكتابة والنشر‬ ‫يتواصل مع عمق التجربة بقدر‬ ‫أق��دم��ت على طباعة دي��وان��ي‬

‫األول‪ ،‬أحببت أن يكون تفعيليا‪ ..‬كوني قضيت‬ ‫زمنا طويال في هذه التجربة‪ ،‬وأنفقت عليها‬ ‫الكثير من الجهد والتعب‪ ،‬وأهملت ما عداها‪،‬‬ ‫فاستحقت بذلك أن يكون لها قدم السبق في‬ ‫الطباعة ليس إال‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ ‬

‫عموما‪ ..‬أوقن أن الكتابة اإلبداعية مقدمة‬ ‫على النقد زمناً وكتابة‪ ،‬فالشعر أسبق من‬ ‫النقد‪ ،‬بل أشعر بشكل أكثر دق��ة أن الناقد‬ ‫ليس إال مبدعا فاشال‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ما يتواصل مع قشورها‪ ،‬وفئة‬ ‫أخ��رى ال تفرق بين النصين‬ ‫التفعيلي وال �ن �ث��ري‪ ،‬بعيدين‬ ‫عن الشعور باإليقاع أصال‪،‬‬ ‫وي�ت�ن��اول��ون�ه�م��ا ك�ن��ص واح ��د؛ م��س��أل��ة ال��ت��ن��ظ��ي��م بين‬ ‫ول ��ذا‪ ،‬أش�ع��ر أن نصي يكون ال����ق����راءة وال��ك��ت��اب��ة في > ليس ثمة س��ر ي��ا صديقي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مشكال لهذه الفئة من النقاد‪ .‬أوقات محددة‪ ،‬يحرضك ك ��ل م ��ا ف ��ي األم � ��ر أن ال �ك �ت��اب��ة‬ ‫وقلة قليلة من يحق علينا أن ع����ل����ى ال�������ذه�������اب إل����ى ب���أي ش �ك��ل ت �ع��د ف �ن��ا م �ت �ج��اورا‪،‬‬ ‫نطلق عليهم هذا المسمى‪ ..‬النص!!‬ ‫وم��ا بعد ال�ح��داث��ة ت�ق��ول بتجاور‬ ‫أم� �ث���ال ال ��دك� �ت ��ور ع �ب��دال �ل��ه‬ ‫ال�ف�ن��ون وان �ت �ه��اء ال �ح��واج��ز فيما‬ ‫ال �غ��ذام��ي‪ ،‬وال��دك �ت��ور سعيد علينا أن نأخذ بمعطيات‬ ‫بينها‪ ،‬فالمسرح يستخدم الشعر‬ ‫ال�س��ري�ح��ي‪ ،‬وال��دك �ت��ور سعد ال���ع���ص���ر ف����ي ال��ت��ع��ام��ل‬ ‫والتصوير والموسيقى‪ ،‬والرواية‬ ‫ال �ب��ازع��ي‪ ،‬ل �ك��ن ه� ��ؤالء رغ��م م��ع ال��ك��ت��اب��ة‪ ..‬وال ب��أس‬ ‫أي �ض��ا ي��دخ�ل�ه��ا ال �ش �ع��ر‪ ،‬والشعر‬ ‫جمالهم الباذخ ال��ذي قدموه أن تكون ش��اع��را نِ تِّيا أو‬ ‫يدخله السرد وهكذا‪ ..‬ومن هنا‬ ‫ل �ن��ا‪ ،‬ت��وق �ف��وا ع�ن��د مرحلتهم ورقياً‪.‬‬ ‫فالفنون ت�ت�ج��اور وتتقاطع فيما‬ ‫تلك‪ ،‬وعند مجايليهم‪ ..‬ولم‬ ‫بينها‪ ،‬صحيح أن ه��ذا م��ا قيل‬ ‫يكن للشباب مكان شاغر فيما كتبوا‪ ،‬وبذلك‬ ‫فيما بعد الحداثة‪ ..‬لكني أرى أن ذلك قيل‬ ‫كان فعلهم النقدي الزما لمرحلتهم ال يتعداها‪،‬‬ ‫قبل ذلك بزمن طويل‪ ،‬فحين نقرأ المعلقات‬ ‫وهذا مؤسف بالفعل‪.‬‬ ‫– معلقة ام��رئ القيس مثال – نجد السرد‬ ‫اآلراء األحادية واليقينية‬ ‫ال تترك إال إجابات مُ رة‬ ‫تموت معها األسئلة‪!!..‬‬

‫< سمعت أنك تخوض تجربة‬ ‫الكتابة الروائية‪ ،‬هل لنا أن نعرف‬ ‫سرَّ وجودك في هذا الفضاء‪ ،‬أم أن‬ ‫هذا الزمن يليق بالرواية أكثر من‬ ‫الشعر؟‬

‫ماثال‪ ..‬لكأنَّ رواي��ة أو مسرحية ت��دور أمام‬ ‫عينيك وأن��ت تقرؤها‪ ،‬ومن هنا لم يكن لما‬ ‫بعد الحداثة ف��ي ه��ذا إال فضل ال�ق��ول في‬ ‫تجاور الفنون الذي كان موجودا أصال منذ‬ ‫ذلك الزمن الموغل في القدم‪.‬‬

‫< هل هناك فضاءات أخرى لكلمتك؟‬ ‫> الفضاءات شاسعة وفسيحة‪ ،‬وال ت��دري أين‬ ‫يهطل مطرك‪ ..‬وال على أية أرض‪ ،‬لكن الفن‬ ‫جميل بعمومه‪ ،‬وال تحده ح��دود‪ ..‬وال تقيده‬ ‫قيود‪ ،‬ومن هنا لن أتردد‪ ..‬متى وجدت أرضا‬ ‫يهطل عليها مطري لننبت معا حلما جديدا‬ ‫وأنيقا وباسقا ونديا‪ .‬فالفن شاسع ‪-‬يا عمر‪-‬‬ ‫والفضاء رحب كم تعرف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪83‬‬


‫< ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ت��ت��ص��در ال��م��ش��ه��د ال��ش��ع��ري‬ ‫العربي‪ ،‬أليس ه��ذا دليال على قدرتها على‬ ‫االستمرار واح��ت��واء ما عجزت عنه قصيدة‬ ‫التفعيلة؟‬

‫النقاش والجدل‪ ،‬ومن هنا ستموت األسئلة‪..‬‬ ‫ويبقى ج��واب الشكل جوابا واح��دا ووحيدا‪،‬‬ ‫وتنتهي ألوان الطيف‪ ،‬وهذا سيقود إلى لون‬ ‫أسود ليس من ألوان الطيف أصال‪.‬‬

‫ > لن أكون حكما هنا‪ ،‬لكني أقول إن لكل فضاء < متى تكتب القصيدة؟‬ ‫ع �ش��اق��ه‪ ،‬ول �ك��ل ت�ج��رب��ة م�ح�ب��وه��ا‪ ،‬وم�س��أل��ة > كنت أؤمن أن الكتابة إلهام ينتظر‪ ،‬لكني بعد‬ ‫ال�ت�ص��در ه��ذه ليست م�س��أل��ة مهمة ب��رأي��ي‬ ‫تجربة‪ ..‬أشعر أن الكتابة ليست أكثر من دربة‬ ‫ال�ش�خ�ص��ي‪ ،‬ل�ك��ن ال�م�ه��م م��ا ي �ق��دم ف��ي ه��ذا‬ ‫دائ�م��ة‪ ،‬وتهيؤ متعمد يأخذ بعد ذل��ك شكل‬ ‫الديمومة‪ ،‬وستجد النص بعد ذلك ممسكا‬ ‫الفضاء أو ذاك‪ ،‬بهذا الشكل أو بغيره‪ ..‬وكل‬ ‫بتالبيبك يشدك إليه‪ ،‬ول��و حاولت التهرب‬ ‫ما يحكم ذلك الفن‪ ..‬والفن فقط‪.‬‬ ‫منه سيركلك وهو يقول لك‪ :‬سنلتقي غدا يا‬ ‫ فكما يوجد من يحب قصيدة النثر‪ ..‬هناك‬ ‫صديقي‪.‬‬ ‫من يحب النص العمودي‪ ،‬وآخر يفضل النص‬ ‫التفعيلي‪ ..‬وهكذا‪ ،‬وليس من العقل والحكمة مسألة التنظيم بين القراءة والكتابة في أوقات‬ ‫محددة‪ ،‬يجعلك ال تنتظر النص حتى يهطل‬ ‫أن نوحد ال��رؤى في شكل بعينه دون آخر‪،‬‬ ‫عليك‪ ..‬بل عليك أن تذهب إليه وتكتبه‪ ،‬وال‬ ‫وعلى كل شخص أن يجد ما يمتعه ويحبه بين‬ ‫تنتظر أن يكتبك‪ .‬وقد وجدت ذلك حقا‪.‬‬ ‫يديه‪ ..‬بعيدا عن مسألة اإلقصاء التي تقود‬ ‫المشهد إل��ى تقليدية مقيتة‪ ،‬ورأي ال يقبل < شعراء الستينيات والسبعينيات وكذلك شعراء‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫< هناك اآلن م��ا يمكن أن يطلق عليه (شعر‬ ‫أو شعراء النت)‪ ،‬هل هناك خصائص فنية‬ ‫لقصيدة النت؟‬

‫الثمانينيات‪ ،‬يتحدثون ع��ن تجاربهم بأنها‬ ‫األح��ق بالبقاء‪ ،‬وأن األجيال التي تلتهم‪ ،‬لم‬ ‫تأت بشيء جديد يستحق الوقوف عليه‪ ،‬هل‬ ‫هذا صحيح؟ وماذا يقول الطويرقي في ذلك؟‬

‫> أعتقد أن النص ليس له مسمى‪ ،‬وال يتعلق‬ ‫بمكان كتابته‪ ،‬وشعراء النت أو النص النتي‬ ‫أخذ مسماه من مكان كتابته ليس إال‪ ..‬وهذا‬ ‫غير منطقي‪ .‬لكني أعتقد –أيضا‪ -‬أن كتابة‬ ‫الشعر حين تكون في النت‪ -‬بشكل مباشر‪-‬‬ ‫ستكون أشبه بعملية السلق السريع التي ال‬ ‫تدل على عمق واضح في التعامل مع النص‪/‬‬ ‫الطبخة‪.‬‬ ‫ ‬

‫صحيح أن علينا أن نأخذ بمعطيات العصر‬ ‫في التعامل مع الكتابة‪ ،‬لكن يجب أن تخضع‬ ‫تلك الكتابة إل��ى عملية واعية في التعامل‬ ‫معها‪ ،‬وإل��ى ق��در م��ن الحساسية المرتفعة‬ ‫ليكون النص نصا جيدا‪ ،‬وال بأس حينها أن‬ ‫تكون شاعرا نتيا أو ورقيا‪.‬‬

‫> حتما ليس صحيحا‪ ،‬لسبب واحد يتمثل في‬ ‫أن اإلب ��داع ال يتوقف وال ينضب‪ ،‬ب��ل يبقى‬ ‫نهرا متجددا في الحياة‪ ،‬ول��ذا‪ ..‬من يقول‬ ‫ذلك يجد أن نهره الشخصي بدأ يتوقف في‬ ‫بداية لرحلة نضوب وشيكة‪ ،‬وسيتحول هذا‬ ‫القائل إلى بِركة آسنة ال تسمع فيها إال نقيق‬ ‫الضفادع‪.‬‬ ‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫غير رجعة‪.‬‬

‫< أشك أن شعراء اليوم‪ ،‬يملكون أدوات لقراءة‬ ‫قصيدة التراث‪ ،‬هذا ما ألمسه من كتاباتهم‬ ‫وأحاديثهم‪ ،‬فكيف ترى ذلك؟‬

‫صحيح أن شعراء المراحل التي ذكرت قدموا‬ ‫شيئا ج �ي��دا‪ ،‬لكن النقد ك��ان م��واك�ب�اً جيدا‬ ‫لتجاربهم م��ا جعلهم نجوما ل�ه��ذا السبب‪،‬‬ ‫وسبب آخر يتعلق بالصراع الذي كان قائما ‬ ‫حينها بين القديم والحديث‪ ،‬ونشوة الصحوة‪،‬‬ ‫وبزوغ الحداثة‪ ،‬وبسبب هذا الصراع في تلك‬ ‫المرحلة بزغت نجوم كثيرة‪ ..‬ذبل منها الكثير‬ ‫اآلن بسبب قناعته بتوقف نهر اإلبداع ببابه‪..‬‬ ‫فيما النهر يمضي بعيدا عنه ملوّحا له إلى‬

‫> يمكنني القول ببساطة مطلقة إن الشعراء‬ ‫الذين ال يملكون أدوات لقراءة التراث العربي‬ ‫عموما‪ ،‬أشبه بنباتات الزينة التي ال جذور‬ ‫لها‪ ..‬وعمرها قصير‪.‬‬ ‫وحين نعود إلى حقيقة الشعراء الذين شكلوا‬ ‫بصمة واض �ح��ة‪ ،‬نجد أن لهم ج��ذورا تمتد‬ ‫بعمق كبير في أرض تراثهم‪ -‬أي��ا ك��ان هذا‬ ‫التراث‪ -‬ما مكّن أشجار شعرهم من النمو‬ ‫وال��دي�م��وم��ة‪ ..‬ومنحت ظ�لاال كثيرة ليجلس‬ ‫تحتها ك��ل م��ن ال ج ��ذور ل��ه‪ ،‬ول��م يجد ظله‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪85‬‬


‫��ت م���دام���عُ ���هُ‬ ‫الشخصي موصوما بعالمة فارقة من التقليد ‪‎‬ظ���م���آنُ ل���و ض��ح��ك ْ‬ ‫ال تفارقه‪.‬‬ ‫‪‎‬حتمـا سيطفرُ منهما العسلُ‬ ‫�������رح ت���غ���ام���ـ���زُ ُه‬ ‫ أتذكر‪ ،‬حين كنت في بداياتي‪ ..‬أقرأ التراث ‪‎‬وي����س����ي����لُ ف�����ي ف ٍ‬ ‫ال�ع��رب��ي ع�م��وم��ا‪ ،‬وك�ن��ت أح�ف��ظ ج��زءا كبيرا‬ ‫������ذوب ف��ـ��ي أحداقِ نا‪ ‬ال��غ��زلُ‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬وي‬ ‫م��ن المعلقات والقصائد العربية العظيمة‬ ‫للشعراء الصعاليك‪ ،‬التي لو عاد بها الزمن ‪‎‬أق�������م�������ا ُرهُ‪ ‬ت���ش���ك���و‪ ‬ب��ل��ا ض���ج���رٍ‬ ‫�������اق م��ح��ت��مَ ��لُ‬ ‫‪‎‬مـا ال َح ف���ي اآلف ِ‬ ‫اآلن‪ ،‬ألصبحت نصوصا حديثة كأنها تكتب‬ ‫اآلن‪ ،‬أتذكر الكثير من ال �ق��راءات التي كان‬ ‫����ح����ـ����ـ����هُ‬ ‫‪‎‬خ���������وخٌ ت�����ذك�����رُ ن�����ي روائ ُ‬ ‫يعاضدها الكثير من الجهد والتعب الجميل‪،‬‬ ‫‪‎‬أي���ـ���ـ���امَ ���ن���ا األول�����ـ�����ى وت���رت���ح���لُ‬ ‫وكنت أكللها بقراءة عيون الشعر العربي عبر‬ ‫أزمنته المختلفة‪ .‬وكنت أيضا في فترات تالية ‪‎‬ع���ام���ـ���ان ق����د م�������� َرّا وم�����ا ع��رف��ا‬ ‫أقرأ المختارات أيضا كمختارات البارودي‪،‬‬ ‫ـحك وال��� َنّ���دى ثملُ‬ ‫‪‎‬وا َلّ���ل���و ُز يض ُ‬ ‫ومختارات الليبي خليفة التليسي التي امتدت‬ ‫‪‎‬ج���س���دٌ ت�لاح��قُ ��ن��ـ��ـ��ي ب��ش��اش��تُ ��هُ‬ ‫من الجاهلية إلى العصر الحديث‪ ،‬لقد قرأت‬ ‫������روح م��ك��ت ِ��م��ـ��لُ‬ ‫‪‎‬ونعيمُ ـهُ ف���ي ال ِ‬ ‫حتى النثر العربي‪ ..‬وتوقفت عند الجاحظ‬ ‫كثيرا‪ ،‬وحتى اليوم ال زلت أعيد قراءته في ‪‎‬وأن��������ا ع���ل���ى أوت����������ارِ ب��ه��ـ��ـ��ج��تِ ��هِ‬ ‫أوق��ات متفاوتة‪ ،‬خصوصا رسائل الجاحظ‬ ‫‪‎‬ف�������رحٌ ي�����ج�����ولُ وق����ب����ل����ةٌ ت��ص��ـ��لُ‬ ‫األدبية والسياسية‪.‬‬ ‫�����راح�����هِ ض��ج��ري‬ ‫�����ت م����ن أف ِ‬ ‫‪‎‬أ ّ َث�����ث ُ‬ ‫ أعتقد أن التراث ما يزال أرضاً بكراً‪ ،‬فرغم‬ ‫‪‎‬ومدامــعي ب���ال���وص ِ���ل ت��ك��ت��ح��لُ‬ ‫كل ما قيل ويقال‪ ..‬إال أنك تجد أن فضاءات‬ ‫‪‎‬ومباهجي ال��خ��ج��ل��ى ي��ط ِ��وّقُ ��ه��ا‬ ‫النص التراثي تتفتح بين يديك‪.‬‬ ‫ـائد حينَ تحتفلُ‬ ‫‪‎‬حجلُ القصـ ِ‬ ‫ < ما المواقع التي تزورها على اإلنترنت؟‬ ‫���ات رج���ف���تِ ���هِ‬ ‫���ت ف����ي ب���ـ���اق ِ‬ ‫> أزور الكثير من المواقع‪ ،‬وفي فضاء رحب ‪‎ -‬أش���ع���ل ُ‬ ‫�����ل يعتملُ‬ ‫��ول وظ ّ َ‬ ‫‪‎‬قلقَ ال��ف��ص��ـ��ـ ِ‬ ‫حوّل العالم إلى قرية بين يديك ‪ -‬يستحيل‬ ‫أن تحدد مواقع معينة‪ ،‬لكني أزور كل موقع‬ ‫���ح���هُ‬ ‫‪‎‬م����رت����اب����ةٌ أم����س����ت م�ل�ام���ـ���ـ ُ‬ ‫يمكن أن يضيف شيئا إلى معارفي وخبراتي‬ ‫حلمــها ال��م��ق��لُ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬وتك ّ َدست ف��ي‬ ‫وتجاربي‪.‬‬ ‫‪‎‬رم���������انُ ن����ش����وتِ ����هِ ع���ل���ـ���ـ���ى ق���ب ٍ���ل‬ ‫وفيما يلي إحدى قصائده (غيم) التي تنشر‬ ‫‪‎‬مبثوثةٌ ف��ـ��ي م��ائِ ��ـ��ـ��ـ��ه��ا ال��قُ ��بَ��لُ‬ ‫ألول مرة‪ ،‬وقد خص بها الشاعر مجلة الجوبه‪:‬‬ ‫������ل وخ����انَ����هُ ال��خ��ج��ـ��لُ‬ ‫‪‎‬غ���ي���مٌ أط ّ َ‬ ‫����ق����هِ ال��قُ ��ب��لُ‬ ‫ـمت ف���ي أف ِ‬ ‫‪‎‬وتراكـ ْ‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫��دن‬ ‫‪‎‬ل���ك���أ َنّ���ن���ي أط���ف���و ع���ل���ى م��ـ��ـ ٍ‬ ‫‪‎‬مـن غ��ي ِ��م��ـ��ـ��ه��ا ي��ت��ق��اط��رُ ال��وج��لُ‬


‫الشعر فطرة منذ تكوين اإلنسان نفسه‪،‬‬ ‫وجوهر الشعر ما نبع من الوجدان‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫في حوار مع الشاعر السعودي حسن الزهراني‪:‬‬

‫> حاوره مصطفى شرف*‬

‫م��ن م��وال��ي��د ق��ري��ة(ال��ق��سَ ��م��ة) بمنطقة ال��ب��اح��ة‪ ،‬يحمل‬ ‫ال��ب��ك��ال��وري��وس ف��ي اآلداب – ج��غ��راف��ي��ا‪ ،‬ودب��ل��وم��ا ف��ي اإلدارة‬ ‫ال��م��درس��ي��ة‪ .‬ي��ت��رأس ال��ه��رم الثقافي بالباحة (ن���ادي الباحة‬ ‫األدبي)‪.‬‬ ‫يمتاز شعره بقوة النص‪ .‬وقد حظي بشهادة أغلب النقاد‪..‬‬ ‫صدرت له عدة دواوي��ن شعرية منها‪ ..‬أنت الحب ‪ 1409‬هـ‪،‬‬ ‫فيض المشاعر‪1412‬هـ‪ ،‬صدى األشجان ‪1418‬هـ‪،‬ريشة من جناح‬ ‫الذل ‪ 1420‬هـ‪ ،‬قبلة في جبين القِ بلة ‪1423‬هـ‪ ،‬تماثل (‪)1425‬هـ‪.‬‬ ‫الشغاف‪ ،‬وله ديوانان آخران معدان للطبع ومجموعة قصصية سترى النور قريبا‪.‬‬ ‫وقطاف ِ‬ ‫فاز ديوانه (فيض المشاعر) بجائزة أبها األدبية ‪1412‬ه��ـ‪ ،‬كما فاز هو بجائزة (باشراحيل‬ ‫لإلبداع الشعري سنة ‪1431‬ه��ـ)‪ ،‬واختيرت قصيدته (دان��ة األح�لام) من بين أجمل قصيدة في‬ ‫الشعر العربي اإلسالمي في العصر الحديث‪ ،‬أما قصيدته (قُ بلة في جبين الوطن) فقد اختيرت‬ ‫لتدريسها ضمن منهاج النصوص في الصف الثالث المتوسط‪.‬‬ ‫كان شاعرنا –كعادته‪ -‬شفافا في لقائه‪ .‬فلم يراوغ أو يتصنع اإلجابة‪..‬طغت عفويته على‬ ‫اللقاء‪ ..‬فجاء رائعا كروعة الزهراني نفسه‪..‬‬ ‫< ت��خ��ص��ص ف���ي ال��ج��غ��راف��ي��ا وج������ودة بل‬ ‫عبقرية في الشعر لدرجة أنه أطلق عليك‬ ‫بحتري الباحة وعندليب الجنوب‪ ..‬كيف‬ ‫تأتى لحسن الزهراني ذلك؟‬

‫> الشعر فطرة‪ ..‬والجغرافيا تخصص‪،‬‬ ‫وال يشترط أن ي�ك��ون ال�ش��اع��ر خريج‬ ‫أحد أقسام اللغة العربية!‬

‫< لعناوين دواوينك وإخراجها الفني وقع‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪87‬‬


‫الشاعر الزهراني أثناء أمسيته الشعرية في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬

‫خاص على المتلقي‪ ،‬مثل «صدى األشجان‪،‬‬ ‫القبلة‪ ،‬ريشة‬ ‫أوصاب السحاب‪ ،‬قُ بله في جبين ِ‬ ‫من جناح الذل‪ ،‬قطاف الشغاف»‪ .‬ما السر في‬ ‫ذلك؟‬

‫كالجدول ال��رق��راق‪ ،‬وب�ق��در وعيه ومخزونه‬ ‫اللغوي وتجربته‪ ،‬يرتب هذا الدفق الشعوري‬ ‫ليخرج على هيأة قصيدة يلفت بها األنظار‪،‬‬ ‫أو تكون محل تهكم وعدم الرضا‪.‬‬

‫> اختيار العنوان أمر مُحير‪ ،‬واألكثر منه لوحة‬ ‫الغالف‪ ،‬لذلك تجدني أقف طويال قبل طباعة‬ ‫أي ديوان‪ ،‬الختيار العنوان ولوحة الغالف‪..‬‬ ‫وك��م سرني أن نالت منك رض��ا‪ ..‬ف�ع��ادة ما‬ ‫يكون الشاعر غير راض عن العناوين وأغلفة‬ ‫دواوينه‪.‬‬

‫القبلة) كثرة‬ ‫< نلحظ في ديوان (قُ بلة في جبين ِ‬ ‫ذكر األماكن واألشخاص بشكل ملفت للنظر‬ ‫مثل‪ :‬البيت العتيق‪ ،‬مكة‪ ،‬طيبة‪ ،‬الطائف‪،‬‬ ‫نجد‪ ،‬القصيم‪ ،‬حائل‪ ،‬الهدا والشفا‪ ..،‬الخ‪.‬‬ ‫وام��ت��د ذل���ك إل���ى خ����ارج ال��وط��ن‪..‬وم��ع��روف‬ ‫أن ذل��ك يضعف الشعر‪ ..‬ولكنك استطعت‬ ‫توظيفها توظيف ًا زاد من قوة شعرك‪ ،‬فكيف‬ ‫تمكنت من ذلك؟‬

‫القبلة)‪،‬‬ ‫ < المدقق في قصيدة (قُ بلة في جبين ِ‬ ‫والتي تحمل اسم أحد دواوي��ن��ك‪ ،‬يرى فيها‬ ‫> قلت في اإلجابة السابقة‪ :‬إن خبرة الشاعر‬ ‫ل��وح��ة فنية تكاملت فيها عناصر الصوت‬ ‫ومخزونه اللغوي ومهارته في الصياغة‪ ،‬هي‬ ‫وال��ل��ون وال��ح��رك��ة‪ ،‬فهل لعبت ص��دف��ة ال��وزن‬ ‫ال�ت��ي تجعل ق�ص��ائ��ده م�م�ي��زة‪ ،‬وه��ذا ينطبق‬ ‫والقافية دورها في ذلك أم ُخ ِّطط مسبق ًا لها‬ ‫على ما يرد في ذكر أماكن وأسماء غالبا ما‬ ‫من قبلكم‪..‬؟؟!‬ ‫تكون عامال في ضعف القصيدة‪ .‬والشاعر‬ ‫> ال�ش�ع��ر إل �ه��ام ي�ن�س��اب ف��ي مخيلة الشاعر‬ ‫المتشبع بالشاعرية هو الذي يجعل من هذه‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫< نجد ف��ي قصيدة (م��ن ل��ؤل��ؤة ال��ج��ن��وب إلى‬ ‫حبيب القلوب)‪ ،‬والتي ألقيت بين يدي سمو‬ ‫األمير سلطان بن عبدالعزيز أثناء زيارته‬ ‫لمنطقة الباحة‪ ،‬ما يسمى بأثر البيئة في‬ ‫النص كقولك‪:‬‬ ‫ه���ذا ط��ري��ق ال���م���وت‪ ،‬ش���رب دم��و‬

‫> ال�ش�ع��ر ف �ط��رة ت�ت�ك��ون م�ن��ذ ت�ك��وي��ن اإلن �س��ان‬ ‫نفسه‪ ،‬ولكن من ال��ذي يكتشفها وينميها؟!‬ ‫فتلك الموهبة التي تحتاج إلى رعاية مبكرة‪،‬‬ ‫وإلى كثيف قراءة وإطالع‪ ،‬وسعة أفق‪ ،‬ورحابة‬ ‫صدر‪ ،‬وانعتاق من كل القيود التي تكبح جماح‬ ‫الشاعر‪0‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫األماكن واألسماء شاعرية أيضا ‪0‬‬

‫الشعراء؟‬

‫< ي��س��ت��خ��دم ال���ش���ع���راء ال��ل��غ��ة ف���ي أك���ث���ر من‬ ‫عنا ودمـ ـ ـ ــائنا في شرعه إدم ــان‬ ‫ه����دف‪ ،‬وي��ع��ت��م��دون ع��ل��ى ال��خ��ي��ال اع��ت��م��ادً ا‬ ‫< فما الذي دفعك إلى ذلك؟‬ ‫كبيرً ا‪ ،‬والشعر ال��ص��ادق أحاسيس تنبع من‬ ‫> ه��ذه القصيدة لها ق�ص��ة‪ ،‬فقد ك��ان محر ٌم‬ ‫الوجدان‪ .‬فمـ ــاذا عن لغــة الشعر‪ ،‬والخيــال‪،‬‬ ‫علينا أن نطلب ف��ي القصائد أي ش��ي من‬ ‫والمضم ــون ال ــوجداني لدى الشاعر حسن‬ ‫احتياجات المنطقة‪ ،‬وإنما الترحيب والثناء‬ ‫محمد الزهراني؟‬ ‫والوصف فقط‪ ..‬ولكنني راوغت المشرفين‬ ‫> أن��ت تتحدث ع��ن ج��وه��ر الشعر ال��ذي ينبع‬ ‫على قصائد الزيارة الميمونة‪ ،‬وصممت على‬ ‫من الوجدان‪ ..‬فلق الشاعر وصوره وأخيلته‪،‬‬ ‫التغيير‪ ..‬وألقيت القصيدة التي ذكرتها‪..‬‬ ‫وتقنية الكتابة‪ ،‬وص��دق الشعر‪ ،‬والتجارب‬ ‫ونالت إعجابا كبيرا من الحاضرين‪ ،‬وقاطعني‬ ‫الوجدانية‪ ..‬هي التي تصنع القصيدة‪ ،‬وأنا‬ ‫الجمهور مرارا تصفيقا حارا‪ ..‬وكانت مغامرة‬ ‫استجمع هذه المكونات بعد أن تلمع الفكرة‪،‬‬ ‫م�ن��ي‪ ،‬لكن األم �ي��ر سلطان ‪-‬أط ��ال ال�ل��ه في‬ ‫وينهمر اإللهام‪.‬‬ ‫عمره‪ -‬قطع على كل من يتربص الطريق‪،‬‬ ‫وناداني بعد إلقائي للقصيدة‪ ،‬وحياني‪ ،‬وقال‪ < :‬إذا قلنا‪ :‬إن فنون الشعر العربي الحديث هي‪:‬‬ ‫ال��دي��ن��ي‪ ،‬ال��وط��ن��ي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬ال��وج��دان��ي‪،‬‬ ‫((هذه ملحمة وطنية رائعة سأنقلها إلى خادم‬ ‫التمثيلي‪ ،‬الملحمي‪ .‬فإلى أي منها ينسب‬ ‫الحرمين الشريفين وولي عهده األمين‪ ،‬وبإذن‬ ‫الزهراني قصائده؟‬ ‫الله يتحقق ما طلبت))‪ .‬وقد نُشر هذا إذ ذاك‬ ‫في الصفحات األولى من صفحاتنا المحلية‪ > ،‬هذا ما يقرره النقاد أنفسهم‪ ..‬أما الشاعر‬ ‫وتلقيت ات �ص��االت ورس��ائ��ل ث �ن��اء م��ن أب�ن��اء‬ ‫الذي يضع نفسه في قالب مُعين‪ ،‬ويقول أنا‬ ‫المنطقة على الجرأة‪ ،‬والتحدث باسمهم‪ ،‬وقد‬ ‫تحت ه��ذا ال�ن��وع‪ ..‬فهو يقتل نفسه وشعره‪،‬‬ ‫تحقق بحمد الله كل ما طلبته في القصيدة‪،‬‬ ‫ويجب أن يكون الشاعر ف��راش��ة ال تعترف‬ ‫أما حضور البيئة‪ ..‬فمن الطبيعي أن تحضر‬ ‫بالحدود والحواجز والتصنيفات‪.‬‬ ‫في قصيدة تجسد احتياجات أبناء المنطقة < هل حاول الزهراني خوض الشعر الملحمي‬ ‫أمام أمير اإلنسانية سلطان بن عبدالعزيز‪.‬‬ ‫كما فعل شوقي‪ ،‬وأبو ريشة‪ ،‬وبولس سالمة‪،‬‬ ‫< ه��ل الشعر دراس���ة وت��ع��ل��م‪،‬أم ه��و ف��ط��رة لدى‬

‫وخالد الفرج‪ ،‬وغيرهم‪..‬؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪89‬‬


‫> لكل زمان ظروفه ومجتمعه وطريقته في التلقي‪ ،‬وأنا ال اعتقد‬ ‫أن الشعر الملحمي في عصرنا ه��ذا‪ ..‬سيكون له قبول‪ ،‬ألن‬ ‫المتلقي اآلن يبحث عن القصائد القصيرة‪ ،‬بل قد تحول األمر‬ ‫إلى خروج الشعراء ‪-‬بناء على رغبات المتلقين والنقاد‪ -‬إلى‬ ‫الشعر الفلسفي الذي يستغرق في الفكر أكثر من الشعر‪.‬‬ ‫< للشعر إي��ق��اع يميزه دائ��م��ا ع��ن ال��ن��ث��ر‪ ..‬ويتمثل ف��ي األوزان‬ ‫والقوافي والعالقات الصوتية بين الحروف والكلمات‪ ،‬وهو‬ ‫ما يسمى «باإليقاع الداخلي»‪ .‬فكيف يختار الزهراني أوزانه‬ ‫وقوافيه وإيقاعه الداخلي؟‬ ‫> عندما تحاصرك القصيدة‪ ،‬ليس بوسعك اختيار أي شيء‪،‬‬ ‫وليس أمامك إال أن تستجيب لهذا الهتان الجميل‪ ،‬وتفتح له كل‬ ‫أبوابك‪ ،‬وتنصت ألنغام بالبل الروح‪ ..‬وتغني معها بقلمك‪0‬‬ ‫< ماذا عن تجربتك في إدارة النادي األدبي بالباحة؟‬ ‫> إنها معاناة مريحة وم ��رارة ل��ذي��ذة‪ ..‬ل�م��اذا؟ ألننا نجمع بين‬ ‫نقيضين‪ :‬إدارة وم�ب��دع أو مثقف‪ ..‬والمثقف المبدع تُلزمه‬ ‫بشيء‪ ،‬لذا يجب على رئيس النادي األدبي في أي زمان ومكان‬ ‫أن يضع كل هذا نصب عينه‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪90‬‬

‫والحقيقة‪ ..‬لوال أنني مع نخبة في مجلس إدارة نادي الباحة‪،‬‬ ‫تمتلك قدرا كبيراً من الوعي‪ ،‬وتؤمن دائماً بأن االختالف يجب‬ ‫أال يؤدي إلى الخالف‪ ،‬وأن عملنا في النادي هو بمثابة رسل‬ ‫سالم‪ ،‬وأن العمل في الثقافة واجبٌ وطنيٌ ‪ ..‬يجب أن نتحمل‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫< تتسم معظم قصائدك بعاطفة غامرة تجاه‬ ‫الوطن‪ .‬فما قولك في ذلك‪..‬؟!‬

‫ > الوطن هو نحن‪ ..‬وعندما أكتب عن الوطن‬ ‫أكتب عن روح��ي‪ ..‬عن أمي‪ ،‬وعن أبي‪ ،‬وعن‬ ‫حبيبتي‪ ،‬وعن أبنائي‪ ..‬عن شربة الماء الباردة < ح��ق��ق��ت��م ف����وزا ف���ي م��ي��ادي��ن ك��ث��ي��رة ك��ف��وزك��م‬ ‫ب��ج��ائ��زة ب��اش��راح��ي��ل ل�لإب��داع ال��ش��ع��ري ع��ام‬ ‫على ظمأ‪ ..‬عن سنبلة مليئة بالخير‪ ،‬عن نخلة‬ ‫‪1431‬ه����ـ‪ ،‬وج��ائ��زة أب��ه��ا األدب��ي��ة ع��ام ‪1412‬ه���ـ‬ ‫باسقة‪ ...‬عن _عن_ عن‪ ..‬فكيف ال تتدفق‬ ‫ع��ن دي��وان��ك��م «ف��ي��ض ال��م��ش��اع��ر»‪ ،‬واخ��ت��ي��ار‬ ‫العواطف صادقة تجاه كل ذلك‪..‬؟!‬ ‫قصيدة (قُ بلة في جبين الوطن) لتدريسها‬ ‫< ما موقع الشعِّ ر في المملكة في ظل الحضور‬ ‫ض��م��ن م��ن��ه��اج ن��ص��وص الثالث‬ ‫الطاغي للفنون السردية‪.‬‬ ‫ال��م��ت��وس��ط‪ ،‬واخ��ت��ي��ار قصيدة‬ ‫وما رأيك في من يقول إن‪:‬‬ ‫(دان��ة األح�لام) من بين أجمل‬ ‫«الرواية هي ديوان العرب «؟‬ ‫ق��ص��ي��دة ف���ي ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي‬ ‫وم��اذا عن الشعر الخليجي‬ ‫اإلسالمي في العصر الحديث‪.‬‬ ‫وال���ش���ع���ر ال���ع���رب���ي ب��ص��ف��ة‬ ‫ما هو شعوركم بهذا االنجاز؟‬ ‫عامة؟‬ ‫> ع� �ن���دم���ا تُ � �خ � � ِل� ��ص ل �ف �ن��ك‬ ‫> أعتقد أن الشعر في المملكة‬ ‫ورسالتك‪ ..‬تأكد أنك ستنجح‪،‬‬ ‫في ذروة تألقه‪ ،‬ولدينا من‬ ‫وأن م � ��ا ت� �ق���دم���ه س �ي �ق��اب��ل‬ ‫ال� �ش� �ع ��راء ال �م �ب��دع �ي��ن من‬ ‫بالتقدير‪ ..‬فوالله لم أحلم يوماً‬ ‫ي �س �ت �ح �ق��ون ال �ت �ق��دي��ر على‬ ‫ب��واح��دة م��ن ك��ل ه��ذه الجوائز‬ ‫إبداعهم‪ ،‬ورغم حضور فنون‬ ‫واألوس�� �م� ��ة‪ ،‬ول �ك �ن �ن��ي ك��رس��ت‬ ‫السرد التي ذك��رت‪ ..‬إال أن‬ ‫اه �ت �م��ام��ي ل�ل�إب ��داع وال �ج �م��ال‬ ‫للشعر نكهته وخصوصيته‬ ‫والحب‪ ،‬فوجدت ثمرة ذلك ما‬ ‫التي لن تتغير في يوم ما‪.‬‬ ‫ذكرتَه والحمد لله‪0‬‬ ‫ أم� ��ا ع ��ن دي�� ��وان ال� �ع ��رب‪..‬‬ ‫< سبق أن اع��ت��ذرت ع��ن َّشعر‬ ‫فيجب أن نبحث عن معنى‬ ‫ال���م���ن���اس���ب���ات‪ ،‬ف��ي��م��ا أس��م��ي��ت��ه‬ ‫ك�ل�م��ة دي � ��وان‪ ،‬ل�ن�ط�ل��ق على‬ ‫(ال��ش��عَّ ��ر وال����م����زاد)‪ .‬م���ا ال���ذي‬ ‫ال �ف��ن ال� ��ذي يمثله ف��ي كل‬ ‫يعنيه الزهراني بهذا العنوان؟‬ ‫زم���ن‪ .‬أم ��ا ع��ن ال�ش�ع��ر في‬ ‫> قبل ه��ذه ال�ق�ص�ي��دة‪ ..‬كنت‬ ‫ال�خ�ل�ي��ج وال ��وط ��ن ال �ع��رب��ي‪،‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫من أجله كل مشقة‪ .‬أق��ول‪ ..‬لوال أنهم بهذا‬ ‫المستوى‪ ،‬لما نجحتُ في رئاسة النادي‪..‬‬

‫فقد ك��ان لفقد كبار الشعراء أث��ره الكبير‪،‬‬ ‫ولكن ‪ -‬والحمد الله‪ -‬ما يزال هناك شعراء‬ ‫يحفظون للشعر هيبته ومكانته‪ ،‬وأعتقد أن‬ ‫ه��ذه االلتفاتة ف��ي الخليج وال��وط��ن العربي‬ ‫للجوائز والمسابقات‪ ،‬ستجعل للشعر ثورة‬ ‫تعيد لألذهان الشعر الحقيقي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪91‬‬


‫< العناوين التالية عناوين لبعض قصائدك‪.‬‬ ‫ماذا يعني كل منها بالنسبة لك‪:‬‬ ‫> الشمعة‪ :‬أمي يرحمها الله‪.‬‬ ‫بلبل المحراب‪ :‬جدي يرحمه الله‪.‬‬ ‫مواجع السفر‪ :‬ابنتي سحر‬ ‫يا ترى من تكون‪ :‬ولدي محمد‪.‬‬ ‫عذرا بُني‪ :‬ولدي عبدالعزيز‪.‬‬ ‫غبار الدموع‪ :‬ولدي فيصل‪.‬‬ ‫الساكن المسكون‪ :‬بيتنا القديم‪.‬‬ ‫يا من سكنت دمي‪ :‬قريتي «القسمة»‪.‬‬

‫أت �ع��رض للكثير م��ن اإلح � ��راج ب�س�ب��ب طلب‬ ‫قصائد مناسبات‪ ،‬حتى أن بعض المسئولين‬ ‫معافى من رحلته العالجية؟‬ ‫واألصدقاء يغضب من ذلك‪ ،‬ويفسر اعتذاري‬ ‫بالتعالي و‪..‬و‪ ..‬وال�م��زاد عندما يطلب أحد > ع��ادت بعودتك القلوب إلينا‬ ‫المسئولين قصيدة لحفل إدارت��ه‪ ،‬ومن أكثر‬ ‫يا صاحب القلب ال��ذي يحوينا‬ ‫م��ن ش��اع��ر‪ ..‬وك��أن الشعر ي�ع��رض ل�ل�م��زاد‪..‬‬ ‫وأنت تعلم أن الكثير من قصائد المناسبات < وماذا تقول في الجوف؟‬ ‫ربما تحسب على الشاعر ال له‪0‬‬ ‫أم�����ا س���ك���اك���ا ف���م���ه���وى م��ه��ج��ت��ي وك��ف��ى‬ ‫< تكررت كلمة (ل��ي�لاي) في قصيدة‪( :‬م��ا زلت‬ ‫الجوف قد عكفا‬ ‫ِ‬ ‫جوف هذا‬ ‫ِ‬ ‫الجوف في‬ ‫ملهمتي) ث��م��ان م����رات‪ .‬ف��م��ن ال��م��ق��ص��ود بـ‬ ‫ت���ح���ي���ت���ي ي�����ا ش����م����ال ال����������روح ع���اب���ق���ةٌ‬ ‫(ليالي)؟‬ ‫< ماذا قلت في عودة خادم الحرمين الشريفين‬

‫> ه��ذا ال �س��ؤال أحيله إل��ى المجنون قيس بن‬ ‫الملوح‪.‬‬ ‫< ابن هانيء األندلسي شاعر معروف‪ ،‬ولكنك‬ ‫كذبته‪ .‬فلم كان ذلك؟‬ ‫> ابن هانئ مدح المعز لدين الله الفاطمي‪ ،‬وأنا‬ ‫أثنيت على الله على وزن القصيدة وقافيتها‬ ‫وغرضها‪.‬‬

‫ب����ص����ادق ال�������و ّد تُ���س���ق���ي ال����غ����ادي����ات وف���ا‬ ‫أت��ي��ت��ك��م م���ن ج���ن���وب ال��ش��ع��ر ب��وص��ل��ت��ي‬ ‫��ت ف���ي ل��ق��ي��اك��م ال��ش��رف��ا‬ ‫ق��ل��ب��ي‪ .‬وق���د ن��ل ُ‬ ‫������ت ق���اف���ي���ت���ي م����ص����ب����اح ق���اف���ل���ت���ي‬ ‫أت������ي ُ‬

‫* معلم في مدارس الرحمانية األهلية للبنين في سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫وج�����اء ن��ب��ض��ي ل��ك��م ب��ال��ف��ض��ل م��ع��ت��رف��ا‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الكاتبة والروائية الكويتية بثينة العيسى‪:‬‬

‫أمتنى أن ينتبه العالم إلى اإلنتاج السردي‬

‫اخلليجي بعد أن تغاضى عنه مبا فيه الكفاية‬ ‫> حاورها‪ :‬أحمد الدمناتي*‬

‫كاتبة تعطيك الفرصة لتنصت عميقا للحياة والكون والكائنات‪ ،‬من خالل تجربة الكتابة‪.‬ال‬ ‫تبحث عن مجد أو شهرة‪ .‬في نصها تؤسس مجد النص البهيّ ‪ ،‬الشهيّ ‪ ،‬الطريّ ‪ ..‬كموزة طازجة في‬ ‫يد طفل مشاكس‪.‬في قصتها تتأسس عتبات البحث عن الخفي والسري في الذات والعالم‪.‬وفي‬ ‫روايتها تعثر على الزمن الهارب‪ ،‬والمكان المفتقد‪ .‬لكن اللغة بمكرها األنيق تسترجع كل ذلك‬ ‫بال رتوش‪ ،‬وال مساحيق‪ .‬الصدق دليلها في التسلل بدعوة رسمية إلى قلب القارئ(ة) باحثة عن‬ ‫ضيافة أبدية في مخيلة المتلقي المفترض‪ ..‬وفي المعنى أيضا‪ .‬معها كان لنا هذا الحوار‪..‬‬ ‫< كتاب قيس وليلى والذئب كتاب غرائبي‬

‫دهشتها وغبطتها‪ ،‬كيف سيكون في‬ ‫نظرك مصير المتلقي إذاً؟‬

‫ال���س���ردي���ة ال���ب���اذخ���ة م���ن خ��ل�ال كلمة‬

‫> هذا هو المقصود من وضع هذا النص‬ ‫تحديداً على الغالف‪ ،‬عندما كتبتُ «قيس‬ ‫وليلى والذئب»‪ ،‬شعرتُ بأنني أتوغل في‬ ‫أحشاءِ غابة الكتابة‪ ،‬كانت المنعطفات‬ ‫في جميع الجهات‪ ،‬ال خارطة وال بوصلة‬ ‫وال ط��ري �ق �اً م�س�ت�ق�ي�م�اً‪ ،‬ال�ت�ق�ي��تُ ذئ��اب �اً‬ ‫وأشجاراً وأزه��اراً برية‪ ،‬وثماراً محرمة‬ ‫تسممنا بالمعرفة‪ .‬رأيت أغصان العالم‬ ‫متداخلة بشكل مفرط‪ ..‬فال تعرف متى‬

‫ع��ج��ائ��ب��ي م��م��ت��ع أدخ��ل��ن��ا ف���ي غابتك‬ ‫الغالف التي هي‪:‬‬ ‫ ‬

‫«فتحت ليلى ال��ك��ت��اب ف��وج��دت غابة‪،‬‬ ‫تحسستها بأصابعها‪ .‬تنشقت عبقها‬ ‫وأغمضت عينيها طويالً‪ ،‬طويالً‪ ..‬ما‬ ‫زالوا يفتشون عن الفتاة التي اختفت‬ ‫داخل كتاب‪.‬‬

‫ ‬

‫وم��ا دام���ت الفتاة اختفت م��ن فائض‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪93‬‬


‫تبدأ الشجرة وجودها‪ ،‬ومتى تكف‪..‬؟!‬ ‫ ‬

‫أن تكون في الغابة‪ ..‬يعني أن تكون مهيئاً‬ ‫تماماً ألن يتم اب�ت�لاع��ك‪ ،‬وه��ذه ال�ق��وة التي‬ ‫تبتلعك ليست شيئاً تستطيع التصدّي له؛‬ ‫فالنداء الذي ينبثق من داخلك‪ ،‬لكي تركض‬ ‫خلف ذلك األرنب‪ ،‬أو تقفز داخل تلك الحفرة‪،‬‬ ‫أو ت�ت��رك الطريق ال�م��رس��وم على الخارطة‬ ‫�اق مشبوه في زاوي��ة مظلمة‪،‬‬ ‫عمداً ألجل زق� ٍ‬ ‫هذا النداء ‪ /‬هذا الصوت‪ ،‬هو بداية الرحلة‬ ‫التي لن تعود منها كما كنتُ ‪ ،‬وهكذا ‪ -‬في‬ ‫نظري ‪ -‬تكون الكتابة‪ ،‬والقراءة أيضاً‪.‬‬ ‫< هل المرآة في مجموعة قيس وليلى والذئب‬ ‫تحمي اإلنسان من شيخوخة محتملة؟‬

‫ل�ي�ل��ى‪ ،‬ف��أن��ا أق �ص��د جملة اإلي� �ح ��اءات التي‬ ‫يستجلبها ه��ذا االس��م في ال�م��وروث العربي‬ ‫واإلنساني‪ ..‬فهي الطفلة بالغة الفضول‪ ،‬التي‬ ‫تتجول في الغابة وتسائل قوانين العالم‪..‬‬ ‫وهي أيضاً تلك المعشوقة التي تثي ُر زوبعة‬ ‫من القصائد أينما حلت‪ ،‬الملهمة التي يدعي‬ ‫لا بها‪ ،‬وه��ي حلقة الوصل بين‬ ‫الجميع وص� ً‬ ‫الذئب‪ /‬الخطيئة‪ ،‬وقيس‪ /‬الشاعر‪.‬‬

‫ > ال شيء يحمي اإلنسان من الشيخوخة‪ ،‬وهي‬ ‫برأيي حتمية وليست محتملة‪ ،‬فنحن نشي ُخ بقدر‬ ‫ما نبقى أطفاالً‪ ،‬اآلن وأنا على بوابة الثالثين‬ ‫�س ب��ال��وج��ود ال �ق��ويّ ل��زم�ن�ي��ن ف��ي داخ �ل��ي‪،‬‬ ‫أح � ّ‬ ‫الروح سحيقة في قدمها‪ ،‬وهي أيضاً نقية في‬ ‫طفولتها‪ ..‬عندما تناولتُ فكرة الشيخوخة في‬ ‫كتابي‪ ..‬كنتُ أريد مصالح ًة القارئ (ومصالحة‬ ‫< في العنوان‪ ..‬لغناه الرمزي‪ ،‬يتداخل الحب‬ ‫نفسي) مع ه��ذه المرحلة الحتمية من نموه‪..‬‬ ‫واألل��ف��ة (قيس وليلى) م��ع المكر والحيلة‬ ‫الشيخوخة متطلّب يجب علينا أن نخوض فيه‬ ‫(الذئب)‪ .‬هل يمكن لقارئةٍ بريئةٍ أن تجلس‬ ‫لكي تصقل أرواحنا كما ينبغي‪.‬‬ ‫ع��ل��ى ط��اول��ة واح����دة م��ع ال����وردة وال��م��س��دس‬ ‫< أثارني العنوان بوصفه البوابة السحرية التي‬ ‫إلتمام الحكاية في جو ممطر ممتع؟‬ ‫يدخلها ال��ق��ارئ أع��زال إال م��ن نهم ال��ق��راءة‬ ‫المتعطشة‪ ،‬وال��ذي تم اختياره بعناية‪،‬كيف > الكتابة ب��رأي��ي ه��ي أن تجبر األض ��داد على‬ ‫التواجد في مكان واح��د‪ ،‬أن تعرّف الشيء‬ ‫حضر ه��ذا ال��ع��ن��وان لمخيلتك‪ ..‬ف��ي نهاية‬ ‫على نقيضه‪:‬‬ ‫ال��ع��م��ل أم ف��ي ال��ب��داي��ة‪،‬أم ه��و ع��ن��وان داخ��ل‬ ‫ ال��وردة والمسدس‪ ،‬النطفة والجثة‪ ،‬الطفولة‬ ‫المجموعة؟‬ ‫والكهولة‪ ،‬األخضر واألس��ود‪ ..‬الكتابة التي ال‬ ‫> ال�ع�ن��وان ج��ا َء أخ �ي��راً‪ ،‬ج��اء بسيطاً وعفوياً‪،‬‬ ‫توقظ احتدام األضداد ليست كتاب ًة كاملة‪..‬‬ ‫ونتيجة حتمية للتجربة‪ .‬ليلى كانت الشخصية‬ ‫المحورية لمعظم النصوص‪ ،‬وعندما أقول ‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫وبمناسبة ال �س��ؤال‪ ،‬أن��ا أعتقد بأننا نحمِّل‬


‫ < لكل مبدع طقوس معينة في الكتابة‪ ،‬فمنهم‬ ‫من يتعطر بأناقة ويجلس إلى طاولة الكتابة‪ < ،‬ت��ع��د ال��ع��ت��ب��ات ال��ن��ص��ي��ة (ال���غ�ل�اف‪ ،‬اإله�����داء‪،‬‬ ‫ومنهم من يكون في غرفة صامتة ومضاءة في‬ ‫ال��م��ق��دم��ة‪ )...‬ف��ي ال��ع��م��ل اإلب���داع���ي موجها‬ ‫وق��ت متأخر من الليل‪ ،‬وآخ���رون في الصباح‬ ‫حقيقيا للمتلقي في قراءة النص‪ ،‬ماذا قصدت‬ ‫الباكر‪ ..‬ما هي طقوس المبدعة بثينة العيسى‬ ‫(إل��ى هديل الحضيف‪...‬في الغرفة الخلفية‬ ‫في الكتابة؟‬ ‫من العالم‪).‬؟‬ ‫> ال أملك أي طقوس‪ ،‬فإذا كانت لحظة الكتابة‬ ‫> قصدتُ ‪ ،‬ألول مرة منذ خمس إص��دارات‪ ،‬أن‬ ‫دائ �م �اً مباغتة‪ ،‬ف�ه��ذا يعني أن�ن��ي دائ �م �اً غير‬ ‫أصنع نصاً كامالً‪ ،‬يتداخ ُل مع الفن التشكيلي‪/‬‬ ‫جاهزة‪ ،‬ولكنني أضع شئوني اليومية جانباً‪،‬‬ ‫ف��ي ل��وح��ة ال �غ�لاف ال �ت��ي رسمتها الصديقة‬ ‫مهما ك��ان��ت أهميتها‪ ،‬ألج��ل أن أق�ب��ض على‬ ‫الشاعرة سوزان عليوان‪ ،‬ويتداخل مع نصوص‬ ‫ال �ف �ك��رة ق�ب��ل أن ت �ف � ّر م��ن ق�ب�ض�ت��ي‪ ..‬مرحلة‬ ‫اآلخر ‪ /‬في اإلهداء الموجه إلى الكاتبة الراحلة‬ ‫الكتابة األولية ال تخضع ألي تخطيط مسبق‪،‬‬ ‫فهي تجيء ه�ك��ذا‪ ،‬عفوية وفطرية ووحشية‬ ‫جداً‪ ،‬ولكنني غالباً ما أكرّس صباحات نهاية‬ ‫األس�ب��وع لمراجعة إنتاجي‪ ،‬وتعديله وصقله‬ ‫وبتر زوائده‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ال��ذئ��ب ف��وق م��ا يحتمل‪ ،‬وب��أن�ن��ا نلومه دائ�م�اً‬ ‫على أخطائنا‪ ،‬وقد حاولتُ في كتابي أحياناً‬ ‫أن أب��رئ الذئب من التهم الجاهزة المسددة‬ ‫صوبه‪ ..‬لمجرد أنه ولد ذئباً‪ ،‬بقدر ما حاولتُ‬ ‫أن ألوم «قيس» على تقاعسه‪ ،‬وأن أفضح زيف‬ ‫الحب أحياناً‪..‬‬

‫ومشاريع التصنيف‪ ،‬وأصنف نفسي على أنني‪:‬‬ ‫ثوب روائي‪ ،‬وليس األمر أنني أ ُداري‬ ‫شاعرة في ٍ‬ ‫حقيقتي‪ ،‬أو أتحايل عليها‪ ،‬ولكنني ببساطة‬ ‫اخترتُ أن أكتب الشعر من خالل السرد‪ ،‬وكل‬ ‫النصوص السردية التي كتبتها‪ ،‬كانت ألجل‬ ‫القصيدة الصغيرة التي أزعم أنها‪ ..‬غافية في‬ ‫بطنها‪.‬‬

‫< أص��درت م���ؤخ���را(‪2011‬م) كتاب “قيس وليلى‬ ‫والذئب”‪ ،‬وفيه مزج بين أجناس إبداعية مثل‬ ‫الشعر وال��س��رد‪ ،‬م��اذا يمثل ل��ك ه��ذا الكتاب‪،‬‬ ‫ول��م��ن تنتصرين ف��ي ال��ح��ق��ي��ق��ة‪ ..‬للشعر أم‬ ‫للسرد؟‬ ‫> ه��ذا ال�ك�ت��اب يتضمن مجموعة م�خ�ت��ارة من‬ ‫نصوصي التي كتبتها منذ العام ‪2003‬م‪ ،‬وحتى‬ ‫سنوات من النصوص المتراوحة‬ ‫ٍ‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬سبع‬ ‫وال�م�ت��أرج�ح��ة م��ا ب�ي��ن ال �س��رد وال �ش �ع��ر‪ .‬وأن��ا‬ ‫أنتصر لهذه النصوص‪ ،‬المتعالية على القوالب‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪95‬‬


‫(والغالية جداً على قلبي) هديل الحضيف‪.‬‬ ‫ ‬

‫هذه المرة شعرتُ بأن الغالف جزء من النص‪،‬‬ ‫�ص داخ��ل ال�ن��ص‪ ،‬وج�� ٌه م��ن وج��وه الحقيقة‬ ‫ن� ٌ‬ ‫الشعرية الباطنة خلف كل تلك الكلمات‪.‬‬

‫ ‬

‫وإهداء الكتاب إلى كاتب يكرّس االنتماء للكتابة‬ ‫كفعل وجود‪ ،‬حتى لو كان هذا الكاتب قد فارق‬ ‫الحياة‪ ..‬كان هذا قصدي‪.‬‬ ‫< ما العالقة التي كانت تربطك بالكاتبة الراحلة‬ ‫هديل الحضيف يرحمها الله؟ وهل لك من ذكريات‬ ‫معها ما تزال طرية في القلب والروح معا؟‬ ‫ > نظن بسذاجة أن األصدقاء سيكونون هناك‬ ‫دائماً‪ ،‬من أجلنا ومن أجل أنفسهم‪ ،‬من أجل‬ ‫الحياة وانتصاراً لها‪ .‬نظن بأننا لن نفقدهم‬ ‫أبداً‪ ،‬وبأننا لو غبنا‪ ،‬لو أمعنا بالغياب بحجة أو‬ ‫الخليجي بعد أن تغاضى عنه بما يكفي‪.‬‬ ‫من دون حجة‪ ،‬فسنعود ذات يوم ونجدهم ما‬ ‫يزالون في المكان ذاته‪ ..‬كان رحيلها ‪ -‬يرحمها < هل اختيار لوحة الغالف للشاعرة والفنانة‬ ‫التشكيلية اللبنانية المبدعة س��وزان عليوان‬ ‫الله ‪ -‬مباغتاً وغير قابل للتصديق‪ ،‬هديل كانت‬ ‫كان أمرا مقصودا منذ البداية؟‬ ‫صديقة جميلة‪ ،‬عرفتها في الفضاء السيبيري‪،‬‬ ‫ورأي ��ت فيها روح� �اً وث��اب��ة ونقية‪ ،‬مواقفها ال > أن��ا ال أنشر كتاباً قبل أن تقرأه س��وزان‪ .‬إذا‬ ‫تنسى‪ ،‬البطاقة ال�ت��ي أرسلتها ل��ي بالبريد‪،‬‬ ‫أعجبها أق��ول لنفسي‪ ..‬أن� ِ�ت بأمان ومستعدة‬ ‫بمناسبة ميالدي‪ ،‬بخط يدها الجميل‪ ،‬أزين‬ ‫للنشر‪ ،‬وإذا لم يعجبها (ولم يحدث ذلك حتى‬ ‫بها مكتبتي وأَم � ُّر بها كل ي��وم‪ ..‬رحيلها خلّف‬ ‫اآلن)‪ ،‬أقول لنفسي ألقِ بالنص بعيداً وابحثي‬ ‫ثقباً كبيراً في قلبي‪ ،‬وأتحسر كل يوم تقريباً‬ ‫ع��ن م�ش��روع آخ��ر‪ ..‬أث��ق ف��ي س��وزان القارئة‪،‬‬ ‫على فرص تواصل كانت متاحة أثناء حياتها‪..‬‬ ‫بقدر ما أثق في سوزان الشاعرة‪ ،‬فهي تقرأني‬ ‫طبت حية‬ ‫ولم أقم باستغاللها على أتم وجه‪ِ .‬‬ ‫من زاوية الشعر‪ ،‬وترى فيّ ما ال أرى‪.‬‬ ‫وميتة‪ ،‬يا حمامة‪ ،‬يا جميلة‪ ،‬يا هديل!‬ ‫ ف��ي ب��داي��ات��ي‪ ..‬عندما ع � ّرف��ت بنفسي كقاصة‬ ‫< ف���وز ال���روائ���ي ال��س��ع��ودي ع��ب��ده خ���ال بجائزة‬ ‫ومشروع روائية كانت تقول لي‪ :‬أن� ِ�ت شاعرة يا‬ ‫البوكر للرواية العربية‪ ،‬جعلت األنظار تتجه‬ ‫بثينة‪ ،‬وأن��ا أسألها بحيرة‪ :‬كيف أك��ون شاعرة‬ ‫للمتخيل السردي الخليجي‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫ي��ا س ��وزان‪ ..‬ك�ي��ف؟! فأنا ل��م أكتب قصيدة في‬ ‫حياتي!‬ ‫> ولو! عبده خال ورجاء عالم أيضاً‪ ،‬الله يزيدهم!‬ ‫أتمنى أن ينتبه العالم إل��ى اإلن�ت��اج السردي ‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫اآلن‪ ،‬وبعد م��رور ثماني سنوات تقريباً‪ ،‬عرفتُ ما‬


‫< ماذا يعني لك‪..‬‬

‫تعنيه؛ فالشعر هو جوهر الفن كما يقول هيدغر‪،‬‬ ‫وهو الجوهر الذي ينبثق منه نصي‪ ..‬أيا كان شكله‪.‬‬ ‫ ‬

‫عندما عرضتُ على سوزان تجربتي في «قيس‬ ‫وليلى والذئب» وقوبلت بحماستها الكبيرة‪ ،‬وهي‬ ‫تردد عليَّ ما كانت تقوله لي منذ ثماني سنوات‪:‬‬ ‫أنت شاعرة يا بثينة! شجعتني لكي أطلب منها‬ ‫ِ‬ ‫لوحة غالف‪ ،‬ولو كنت أكثر جرأة لطلبتُ منها‬ ‫أن ترسم كل قصة ‪ /‬قصيدة في الكتاب! وها‬ ‫أنا اآلن‪ ،‬سعيدة‪ ..‬أتباهى بأجمل أغلفة كتبي‬ ‫على اإلطالق‪ .‬شكراً سوزان!‬

‫< أعلن مؤخرا في احتفالية بأبي ظبي عن فوز‬ ‫الشاعر وال��روائ��ي المغربي محمد األش��ع��ري‪،‬‬ ‫والكاتبة والروائية السعودية رجاء عالم بجائزة‬ ‫البوكر للرواية العربية مناصفة‪،‬كيف تلقيت‬ ‫هذا الخبر‪ ،‬وهل السرد العربي تفرق دمه بين‬ ‫المغرب والمشرق؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫> ال أع���رفُ محمد األش��ع��ري‪ ،‬وس��أج�ت�ه��د لكي‬ ‫أتعرف عليه قريباً‪ ،‬ولكن فيما يخص فوز رجاء‬ ‫عالم‪ ،‬فقد أسعدني الخبر إلى أبعد حد‪ ،‬ألنني‬ ‫حتماً معجبة بتجربتها ونضج نصها الروائي‪،‬‬ ‫وأراها جديرة بهذا الفوز وأكثر‪..‬‬ ‫الغربة‬ ‫إرثٌ حتمي لمن يدخل عالم الكتابة‪.‬‬ ‫الليل‬ ‫السراني والمخبوء والجدير باالكتشاف‪.‬‬ ‫البحر‬ ‫مرآة السماء على األرض‪.‬‬ ‫األم‬ ‫المبتدأ دائماً‪ ،‬والمنتهى إن أسعفنا الحظ‪.‬‬ ‫الصداقة‬ ‫حج ٌر نادر‪.‬‬ ‫الحب‬ ‫بوابة التعافي من مصائب الدنيا‪..‬‬ ‫السفر‬ ‫قراءة في جسد المكان‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫وطن‪.‬‬ ‫القصة‬ ‫فكرة ذكية أو ال شيء‪.‬‬ ‫الموت‬ ‫وجه الحياة اآلخر‪..‬‬ ‫الطفولة‬ ‫ال�ب�ي��اض ال�ب��دئ��ي‪ ،‬ال�ق�م��اط القطني‪ ،‬ب��ودرة‬ ‫األط� �ف ��ال‪ ،‬ال�ح�ل�ي��ب ف��ي ال��زج��اج��ة‪ ،‬ال�ن�ق��اء‬ ‫ال �م �ت �ق��ن‪ ..‬ال �ط �ف��ول��ة ه��ي م�ل�ه�م�ت��ي دائ��م��اً‪،‬‬ ‫ومعلمتي أبداً‪.‬‬

‫* شاعر وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪97‬‬


‫الطبيب والفيلسوف‬

‫البروفيسور نايف الروضان‬

‫رائد تقنية اتصال دماغ اإلنسان بالكمبيوتر‪ ،‬وطبيب جراحة األعصاب‬ ‫الخلوية والتكنولوجيا (المايوكلينك وييل وهارفارد) وكبير الباحثين‬ ‫في الجيوستراتيجيا بجنيف‪ ،‬والعضو ال��ب��ارز في جامعة أكسفورد‪.‬‬ ‫> بقلم‪ :‬احملرر الثقافي‬

‫بعض الشخصيات الثقافية والعلمية كالشمس تضيء الكون‪ ،‬وتغمره بما تقدمه‬ ‫لإلنسانية وللعالم‪ ،‬حيث يتعدى الشخص ذاتيته وشخصيته‪ ..‬ليقدم نفسه للبشرية‬ ‫جمعاء‪ ،‬فضال عما يقدمه لمحيطه وبالده من انجازات يشهد بها القاصي والداني‪.‬‬ ‫ومن ه��ؤالء الذين ب��رزوا في خدمة بالدهم أوال‪ ،‬وخدمة البشرية في جميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬البروفيسور الدكتور نايف بن رزق بن فارس الروضان ‪ ،Nayef R. F. Al-Rodhan‬ابن‬ ‫الجوف والمملكة العربية السعودية‪ ،‬وأبرز طبيب عرفته المملكة‪ ،‬رئيسا للفريق الطبي‬ ‫الذي أشرف على عالج الملك فهد بن عبد العزيز ‪-‬يرحمه الله‪ -‬ابتداء من العام ‪1995‬م‬ ‫– ‪1415‬هـ‪ ،‬ولعدة سنوات بعد ذلك‪ ،‬ومن ثم خبيرا وباحثا في أبرز مستشفيات ومراكز‬ ‫األبحاث في أمريكا‪ ،‬وصوال إلى تقديم أفكاره الفلسفية والجيوستراتيجية عبر سلسة‬ ‫من الكتب التي ألفها‪ ،‬ويتم تداولها في أوروبا وأمريكا‪ ،‬وتعد من أبرز الكتب التي يتم‬ ‫تسويقها عبر موقع الكتب العالمي «أمازون» في مجالها‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫بمناسبة ح��ص��ول��ه ع��ل��ى درج���ة ال��دك��ت��وراه‬ ‫ف��ي ج��راح��ة ال��م��خ واألع���ص���اب‪ ،‬وت���م منحه‬ ‫جائزة معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫ال��س��دي��ري وح��ض��ر ال��ح��ف��ل ح��ي��ن��ه��ا ك���ل من‬ ‫رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫أول تكريم للدكتور نايف بن رزق بن فارس‬ ‫ال���روض���ان ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��م��م��ل��ك��ة ال��ع��رب��ي��ة‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫احتفلت المنطقة بالدكتور نايف الروضان‪،‬‬

‫السديري الخيرية فيصل بن عبدالرحمن‬ ‫السديري‪ ،‬والمدير العام للمؤسسة الدكتور‬

‫السعودية والعالم العربي ك��ان ف��ي منطقة‬

‫زي����اد ب���ن ع��ب��دال��رح��م��ن ال���س���دي���ري‪ ،‬ووال���د‬

‫الجوف عام ‪1409‬هـ‪1989 -1988/‬م‪ ،‬برعاية‬

‫ال��دك��ت��ور ال���روض���ان األس��ت��اذ رزق ب��ن ف��ارس‬

‫وحضور معالي أمير منطقة الجوف األستاذ‬

‫ال���روض���ان‪ ،‬وس���ط ح��ش��د م��ن أه��ال��ي منطقة‬

‫سلطان ب��ن عبدالرحمن ال��س��دي��ري‪ ،‬حيث‬

‫الجوف ومسئوليها‪..‬‬

‫ب��دأ الدكتور نايف ال��روض��ان مسيرته العلمية في وجراحة األعصاب الجزيئية‪ ،‬تحت إش��راف الدكتور‬ ‫عالم طب األع�ص��اب‪ ،‬ك��أي الشهير وتتلمذ على يدي دينيس سبنسر‪.‬‬ ‫بروفسور األعصاب الشهير اللورد جون والتون‪ ،‬وتدرب‬ ‫في عام ‪1994‬م‪ ،‬أصبح زميال في قسم جراحة المخ‬ ‫ف��ي ج��راح��ة األع �ص��اب‪ ،‬وأج ��رى ال�ع��دي��د م��ن أب�ح��اث‬ ‫واألعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام في كلية‬ ‫األع �ص��اب ف��ي مستشفى م��اي��و كلينيك‪ ،‬بروشستر‪،‬‬ ‫مينيسوتا في الواليات المتحدة‪ ،‬حتى أصبح الرئيس الطب بجامعة ه��ارف��ارد‪ ،‬حيث كان يعمل على دراسة‬ ‫المقيم لطب جراحة األعصاب‪ ..‬متأثرا بالعديد من نيوروببتيد‪ ،‬علم ال��وراث��ة الجزيئي‪،)neuropeptides( ،‬‬ ‫العلماء في مجاله‪ ،‬حتى حصل على الدكتوراه من خالل وفي عام ‪1995‬م‪ ،‬تم تعيينه عضوا في هيئة التدريس‬ ‫في كلية الطب بجامعة هارفارد‪ ،‬وفي الوقت ذاته في‬ ‫أبحاثه حول (‪.)Neurotensin‬‬ ‫في عام ‪1993‬م‪ ،‬حصل على الزمالة من الكونغرس مستشفى ماساتشوستس العام‪ ،‬في الوقت الذي كان‬ ‫لجراحي األعصاب‪ ،‬وانضم إلى قسم جراحة األعصاب قد أسس برنامج (‪ )Neurotechnology‬مع الفائز بجائزة‬ ‫في كلية الطب بجامعة ي��ال‪ ،‬كزميل في طب الصرع نوبل الدكتور جيمس مولر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪99‬‬


‫عمل مع الدكتور روبرت مارتوزا‪ ،‬فأسس مختبرات‬ ‫لجراحة المخ واألعصاب‪ ،‬وجراحة األعصاب الخلوية‬ ‫والتكنولوجيا في قسم جراحة المخ واألع�ص��اب في‬ ‫مستشفى ماساتشوستس العام‪ ،‬بكلية هارفارد الطبية‪.‬‬ ‫منذ عام ‪2002‬م– ‪1422‬هـ‪ ،‬حوّل البروفيسور نايف‬ ‫الروضان تركيزه العلمي إلى التفاعل بين علم األعصاب‬ ‫والعالقات الدولية‪ ،‬من خالل العديد من المنشورات‪،‬‬ ‫الدكتور نايف الروضان والسيد غاي مدير نادي الصحافة‬ ‫إذ أصبح رائ��دا في تطبيق علم األع�ص��اب والعواقب‬ ‫في جنيف الصحفي ورئيس برلمان جنيف‬ ‫العصبية السلوكية للكيميائية العصبية‪ ،‬واآلل �ي��ات‬ ‫‪Meninger‬؛ وجائزة المقيم السنوي للكونغرس لجراحي‬ ‫الخلوية التي ترتكز عليها ال�ع��واط��ف‪ ،‬الالأخالقية‪،‬‬ ‫األعصاب؛ وجائزة المحقق الشاب للجمعية األميركية‬ ‫(األن��ان �ي��ة‪ ،‬ال �خ��وف‪ ،‬الطمع‪ ،‬والهيمنة)‪ ،‬وإل��ى تحليل‬ ‫لجراحي األعصاب‪ ،‬وجائزة الزمالة السنوية للكونغرس‬ ‫وتصور االتجاهات المعاصرة في الجغرافيا السياسية‪،‬‬ ‫لجراحي األعصاب‪.‬‬ ‫واألم��ن العالمي‪ ،‬األم��ن الوطني عبر الثقافات‪ ،‬األمن‬ ‫وت �ش �م��ل اه��ت��م��ام��ات ال �ب��روف �ي �س��ور ال� ��روض� ��ان‪:‬‬ ‫والحرب والسالم‪.‬‬ ‫الجيوستراتيجية والتنمية المستدامة لألمن القومي‬ ‫في عام ‪2006‬م‪ ،‬انضم البروفيسور نايف الروضان‬ ‫إلى مركز جنيف للسياسات األمنية في جنيف‪ -‬سويسرا‪ ،‬والعالمي‪ ،‬ودور تكنولوجيا العلوم والفضاء والجغرافيا‬ ‫وأص�ب��ح باحثا كبيرا ف��ي الجيوستراتيجية‪ ،‬وم��دي��را السياسية واإلستراتيجية في مصير اإلنسان‪ ،‬المخاطر‬ ‫للجغرافيا السياسية العابرة للحدود الوطنية‪ .‬ويعد الكونية المتتالية‪ ،‬اإلستراتيجية العالمية؛ العدالة‬ ‫البروفيسور الروضان كبير باحثي الجيوستراتيجية‪ ،‬العالمية‪ ،‬وك��رام��ة اإلن �س��ان وت ��آزر ال�ث�ق��اف��ات؛ فلسفة‬ ‫ومدير البرنامج بشأن اآلث��ار الجيوسياسية للعولمة الحكم الرشيد‪ ،‬وفلسفة الطبيعة البشرية‪ ،‬وفلسفة‬ ‫العابرة للحدود الوطنية واألم ��ن‪ .‬وف��ي ع��ام ‪2009‬م‪ ،‬ال�ت��اري��خ واالن �ت �ص��ار ال�ح�ض��اري ال�ج�م��اع��ي ف��ي ت��اري��خ‬ ‫أصبح عضواً بارزاً في كلية سانت أنطونيو في جامعة األفكار‪ ،‬والمؤسسات الكيميائية العصبية والخلوية‪،‬‬ ‫والميول للطبيعة البشرية ودالالتها في التعاون المعنوي‬ ‫أكسفورد في المملكة المتحدة‪.‬‬ ‫ال��دك �ت��ور ن��اي��ف ال ��روض ��ان‪ ..‬ال�ف�ي�ل�س��وف‪ ،‬وطبيب والسياسي والدولي‪.‬‬ ‫ابتكر العديد من المفاهيم الجديدة في الفلسفة‪،‬‬ ‫وج� ��راح وع��ال��م ال �م��خ واألع� �ص���اب‪ ،‬وال �ح��اص��ل على‬ ‫دكتوراه في الطب‪ ،‬والدكتوراه في جراحة األعصاب‪ /‬واألم ��ن العالمي والجيوستراتيجية والسياسة التي‬ ‫بحوث علم األع�ص��اب في مايو كلينيك‪ ،‬وجامعة ييل تشمل ثمان وثالثين مفهوما منها‪:‬‬ ‫وجامعة ه��ارف��ارد‪ ،‬أوج��د برنامج (‪)neurotechnology‬‬ ‫البلوجز أو ال �م��دون��ات بوصفها سلطة خامسة‪،‬‬ ‫أو (تقنية اتصال دم��اغ اإلنسان بالكمبيوتر)‪ ،‬وأسس‬ ‫انتصار الحضارة الجماعية‪ ،‬الحماسة الثقافية‪ ،‬تعريف‬ ‫مختبراً لجراحة األع�ص��اب الخلوية واألع �ص��اب في‬ ‫العولمة‪ ،‬األنانية العاطفية غير األخالقية‪ ،‬المصلحة‬ ‫معهد «‪ »MGH‬للتكنولوجيا بجامعة ه��ارف��ارد‪ ،‬وك��ان‬ ‫العاطفية ال��ذات�ي��ة‪ ،‬األب�ع��اد الخمسة لألمن العالمي‪،‬‬ ‫عض َو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة هارفارد‪،‬‬ ‫أهمية التعليم واألمن العالمي وغيرها‪.‬‬ ‫ونشرت بحوثه على نطاق واس��ع في علم األعصاب‪،‬‬ ‫نُ� ِ�ش��ر ل��ه تسعة ع�ش��ر ك�ت��اب��ا ف��ي الفلسفة واألم��ن‬ ‫وفاز بعدد كبير من الجوائز منها‪ :‬جائزة السير جيمس‬ ‫سبنس؛ جائزة جيب؛ جائزة فاركوهار‪ ،‬موراي‪ ،‬وجائزة العالمي والجيوستراتيجية والعالقات الدولية وكلها‬ ‫الجمعية األميركية للجراحة العصبية (مرتين)‪ ،‬وجائزة باللغة االنجليزية‪ ،‬وعددها ‪ 19‬كتاباً‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬ 1‫‏‬. THE POLITICS OF EMERGING STRATEGIC TECHNOLOGIES: Implications for Geopolitics, Human Enhancement and Human Destiny (St Antony's Series); 2‫‏‬. SUSTAINABLE HISTORY AND THE DIGNITY OF MAN: A Philosophy of

4‫‏‬. NEO-STATECRAFT AND META-

GEOPOLITICS: Reconciliation of Power, Interests and Justice in the 21st Century;

5‫‏‬. EMOTIONAL AMORAL EGOISM: A Neurophilosophical Theory of Human Nature and its Universal Security Implications;

History and Civilisational Triumph;

6‫‏‬. POTENTIAL GLOBAL STRATEGIC

3‫‏‬. CRITICAL TURNING POINTS IN THE

Transnational Responsibilities and

MIDDLE EAST: 1915 - 2015;

CATASTROPHES: Balancing

Burden-sharing with Sovereignty and Human Dignity;

101 ‫هـ‬1432 ‫ خريف‬- ‫اجلوبة‬


7‫‏‬. SYMBIOTIC REALISM: A Theory of

13‫‏‬. POLICY BRIEFS ON THE

International Relations in an Instant and

TRANSNATIONAL ASPECTS OF

an Interdependent World;

SECURITY AND STABILITY;

8‫‏‬. THE THREE PILLARS OF SUSTAINABLE NATIONAL SECURITY IN A TRANSNATIONAL WORLD; 9‫‏‬. THE FIVE DIMENSIONS OF GLOBAL SECURITY: Proposal for a Multi-sum Security Principle; 10‫‏‬. THE ROLE OF EDUCATION IN GLOBAL SECURITY; 11‫‏‬. MULTILATERALISM AND TRANSNATIONAL SECURITY: A Synthesis of Win-Win Solutions;

14‫‏‬. THE EMERGENCE OF BLOGS AS a Fifth Estate AND THEIR SECURITY IMPLICATIONS; 15‫‏‬. THE GEOPOLITICAL AND GEOSECURITY IMPLICATIONS OF GLOBALIZATION; 16‫‏‬. A PROPOSAL FOR INCLUSIVE PEACE AND SECURITY; 17‫‏‬. STABILITY OF STATES: The Nexus Between Transnational Threats, Globalization, and Internal Resilience;

12. POLICY BRIEFS ON THE

18‫‏‬. PILLARS OF GLOBALIZATION;

TRANSCULTURAL ASPECTS OF

19‫‏‬. GLOBAL BIOSECURITY: Towards a

SECURITY AND STABILITY;

New Governance Paradigm

‫هـ‬1432 ‫ خريف‬- ‫ اجلوبة‬102


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أُنسي احلاج والرقمية‬ ‫> السيد جنم*‬

‫أدهشتني مقدمة كتاب «خواتم» للشاعر «أنسى الحاج»‪ ،‬وسرُّ دهشتي «مقدمة» الكتاب الذي‬ ‫صد َر وكُ تبت في «بيروت عام ‪1991‬م»‪.‬‬ ‫لقد أثار الشاعر الكبير قضية لم تثر إال خالل الفترات القريبة‪ ،‬وربما القريبة جدا‪ ،‬أال وهي‬ ‫«عالقة الشعر بــ«الكلمة» التي تحتضر‪ ..‬أو لعلها ماتت‪ .‬لم يكن شائعا الحديث عن الثقافة‬ ‫الرقمية ومعطياتها‪ ،‬حيث تغلبت «الصورة» مع التقنيات الرقمية المعاصرة‪ ،‬سواء في أجهزة‬ ‫الكمبيوتر أو الحاسبات‪ ،‬وأيضا في التليفزيون‪ ..‬وحتى في أجهزة الهاتف المحمول‪ .‬وهو ما قيل‬ ‫معه تقهقر مكانة «الكلمة»‪ ،‬وغلبة «الصورة» عليها‪ .‬ونشير هنا إلى أن التوظيف التقني آلليات‬ ‫اإلبداع كان على الترتيب‪ :‬الكلمة ثم الصوت ثم اللون ثم الحركة ثم الصورة‪ ..‬بينما باتت بعد‬ ‫التقنيات الجديدة‪ :‬الصورة ثم الصوت ثم اللون ثم الحركة ثم الكلمة!‬ ‫فيما أظن أن الكثير مما قاله «الحاج»‪،‬‬ ‫وما سنعرض له‪ ..‬أعيد صياغته‪ ،‬وال نقل‬ ‫تم إلغاؤه أو نفيه‪ ،‬فقط نقول أصبح أكثر‬ ‫ال للتحليل‪ ،‬مثلما هو قابل‬ ‫موضوعية وقاب ً‬ ‫للحذف أو اإلضافة‪ ،‬في ضوء الممارسات‬ ‫الحيّة للتقنيات الرقمية وشيوعها‪.‬‬

‫والتكنولوجيا والمدنية السمعية البصرية‪،‬‬ ‫واالنحطاط العضوي الذي يفترس اللغة‪،‬‬ ‫إذ كثير من اللغات‪ ،‬يشهد تضاؤال مطردا‬ ‫في مفرداته (كميا)‪ ،‬واضمحالال نوعيا‪،‬‬ ‫حيث فقدت الكلمة ما كان لها من حيوية‬ ‫وفعل‪.‬‬

‫ي�ق��ول الشاعر ف��ي مقدمته (بتصرف‬ ‫ويُخشى يوم ال تعود فيه أذ ُن اإلنسان‬ ‫بسيط لالختصار)‪:‬‬ ‫تسمع من كالم «شعري» غير ذلك المقدم‬ ‫«أل� ��م ت �ع��د ال �ك �ل �م��ات ت �ب �ل��ور ال�ح�ق��ائ��ق‬ ‫ف��ي اإلع�ل�ان��ات‪ ،‬التليفزيوني منها بنوع‬ ‫وتبدعها؟ ه��ل حلت الرياضيات محلها؟‬ ‫خاص‪.‬‬ ‫واإلحصاء‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والحفظ االلكتروني؟‪.‬‬ ‫هل من حل؟ هل هناك باب‪ ،‬طريق‪..‬؟‬ ‫بين األمية الجديدة‪ ،‬المقنعة بحجج السرعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪103‬‬


‫م �ف �ت��اح س �ح��ر ال �ق �ل��ب‪ ،‬م �ف �ت��اح إع� ��ادة ال�ح��ق‬ ‫هل نقبل؟ هل نموت مع الحياة الجديدة؟ هل‬ ‫والسلطة إلى الرغبة والمتعة والتأمل والخيال‪.‬‬ ‫ندع الحياة الجديدة تخون أحالمنا ونقبل؟‬ ‫س��أظ��ل أح� �ل ��م‪ ،‬م �ه �م��ا ص��ح��وت ع �ل��ى ك��ذب‬ ‫كيف ننقذ األدب؟ الفن‪ ،‬اللغة‪ ،‬الكلمة؟ بإنهاء‬ ‫أحالمي‪ ،‬بشجرة جديدة تنمو‪..‬‬ ‫لغة واستنباط لغة جديدة؟‬ ‫ح�ي��ث ال م ��وت‪ ،‬للكلمة أو ل�ل�ع��ال��م‪ ،‬إال ك��ان‬ ‫قيامة»‪.‬‬

‫ما يُرعب ليس تخيّل عالم يموت فيه الشعر‬ ‫(وك��ل فن «داخ�ل��ي»)‪ ،‬بل تخيّل عالم يسوده نظام‬ ‫برمجة المشاعر واألفكار والغرائز‪ .‬نظام اللغة‬ ‫واآلن ترى ما الذي فعله الشاعر في مواجهة‬ ‫االلكترونية بعد الدماغ االلكتروني‪.‬‬ ‫ما يعتقده من مصير مظلم للكلمة (في حينه)؟‬ ‫نتعمد بالصمت‪ ،‬وننمو في الثرثرة‪.‬‬ ‫يقول‪« :‬في الرواية والمسرح يأخذ المؤلف‬

‫كم أحتاج إلى الندم ال على كل كلمة زائدة‪،‬بل لنفسه حق قتل أبطاله‪ ،‬وكلما أمات أحدا منهم‬ ‫عاش معه تجربة الموت‪ .‬ليس للشعر واألفكار‪،‬‬ ‫على كل كلمة‪.‬‬ ‫ألن هذه السطور ليست تقديما ل»خواتم» بل وال للكتابة م��ن ن��وع «خ��وات��م»‪ ،‬أش�خ��اص يمكن‬ ‫هي خواطر متممة ل»خواتم» حول مصير الكلمة التالعب بمصائرهم‪.‬‬ ‫الكتابة هنا تغدو ش�ه��ادة م �ج��ردة‪ ،‬ممارسة‬ ‫والصمت‪ ،‬ونهايات عصر وعالم‪ ..‬وبدايات عصر‬ ‫مجردة‪ ،‬استشرافا للموت بال طقوس‪ ،‬ممزوجا‬ ‫وعالم‪ ،‬فألحاول الوصول إلى آخر الطريق‪.‬‬ ‫بذهب البداية ووحل األم‪ ،‬ال انتحار الهارب‪ ،‬بل‬ ‫يتأزم الزمن فتصفو الكلمة‪.‬‬ ‫احتراق الفراشة»‪.‬‬ ‫يتأزم الزمن والكلمة فماذا يصفو؟‬ ‫فقال الشاعر «أنسى الحاج» (مقتطفات من‬ ‫لنقل‪ :‬الجوهر‪.‬‬ ‫«خواتم»)‪:‬‬ ‫لنقل ذلك رغم ما يجول‪.‬‬ ‫‪« ..‬الحياء مرغوب دليال الرتكاب الخطيئة»‬

‫أشعر بأن إرث العجز هذا لم يكن لي‪ ،‬ألم بى‬ ‫‪« ..‬لماذا أتوب عن هذياني الجنسي وهو أكثر‬ ‫مذ انكسرت اللغة‪.‬‬ ‫ما يعيدني إلى الفردوس؟»‬ ‫تدوسني ق��دم ال��رق��م واآلل ��ة‪ ،‬ت�غ��رز ف��ي صدر‬ ‫‪« ..‬م ��ن ال �س �م��ات ال�م�ش�ت��رك��ة ب�ي��ن التجربة‬ ‫ال��روح؟ حسنا‪ ،‬فلتواصل تقدمها حتى تقف‪ !..‬ال الشعرية وال�ت�ج��رب��ة الجنسية‪ ،‬أنهما كلتاهما‬ ‫من التعب بل من نهاية الطريق‪ .‬فالطريق سرعان تعززان بصمات دامغة على لحظة لم تكن تريد‬ ‫ما تنتهي لمن ليس له ظل‪.‬‬ ‫أن يدمغها شيء»‬

‫ل��ن يدخل إل��ى العالم‪ ،‬إل��ى الطبيعة وال�ك��ون‪،‬‬ ‫السلطة وال�ع�لاق��ات‪ ،‬الحياة وال �م��وت‪ ،‬ل��ن يدخل‬ ‫دخول الصلح ال دخول الفتح وحده‪ ،‬دخول العيد ال‬ ‫دخول االغتصاب‪ ،‬إال بالمفاتيح السحرية‪ :‬مفتاح‬ ‫الهيام‪ ،‬مفتاح إزال��ة الكسر بين ال��روح والعالم‪،‬‬ ‫مفتاح تغيير ظروف الحياة نحو السعادة والحرية‪.‬‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫‪« ..‬يجددنا الحب م��ن أش�ي��اء ال وج��ود لها‪،‬‬ ‫ويميتنا من حيث يحيينا»‬ ‫‪« ..‬سأسكت وأنا أموت‪ ..‬لكن وجهي سيظل‬ ‫يسأل‪ :‬لماذا؟»‬ ‫‪« ..‬كان في البدء الكلمة أم النظرة‬


‫وهو األخير»‬ ‫‪« ..‬دائما حفرت قبري بيدي‪ .‬بحنيني وشغفي‪.‬‬ ‫وما زلت أحفر‪.‬‬

‫‪ ...‬وأن تكون في مستوى ما يختارك‪»...‬‬ ‫والسؤال هو‪:‬‬

‫هل حقا «خواتم» (ومنها النماذج السابقة)‪،‬‬ ‫عبرت عن مقوالت «أنسى الحاج» في مقدمته‪..‬‬ ‫وكلما حفرت أعمق وجدت سماء أروع‪»..‬‬ ‫وب�خ��اص��ة ع�ن��دم��ا ق ��ال‪« :‬ه ��ذه ال�س�ط��ور ليست‬ ‫‪« ..‬أكثر ما شعرت بصدق محدثي عندما قال‬ ‫تقديما‪ ،‬ه��ي خ��واط��ر متممة ل �ـ«خ��وات��م»‪ ،‬حول‬ ‫لي‪:‬‬ ‫م�ص�ي��ر ال�ك�ل�م��ة‪ ،‬ف�ل�أح��اول ال��وص��ول إل ��ى آخ��ر‬ ‫ال تبك‪.‬‬ ‫الطريق»‪!..‬‬ ‫مع أنه كان يرى أنى ال أبكي»‬

‫‪« ..‬المرعب حين تكتشف‪ ،‬بعد عمر‪ ،‬أنك‬ ‫كنت تعلم اآلخرين في أمور تجهلها»‬ ‫‪« ..‬نجتر التجديد ونجتر التقليد‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫لعل بالغ العين هو األول‬

‫كلفت‪ .‬بل وال تدع شيئا‪.‬‬

‫ب ��داي ��ة‪ ..‬أن ي �ع��رض ال �ش��اع��ر ال�ك�ب�ي��ر تلك‬ ‫ال�م�ق��والت الخاصة بالكلمة ع��ام ‪1991‬م‪ ،‬أمر‬ ‫الف��ت‪ ،‬ويعني انتباه المثقف العربي للمتغيرات‬ ‫العالمية‪ ،‬وبشكل خاص جانبها الثقافي المتصل‬ ‫بالجانب التقني‪.‬‬

‫ن �ج �ت��ر ال��ده��ش��ات ال �ب��ائ �س��ة واالل �ت �م��اع��ات‬ ‫‪ ..‬أظ��ن أن تلك المقوالت (الخاصة بموت‬ ‫القشرية‪ ،‬ونجتر الرمادي والمنطفئ والذليل‪.‬‬ ‫الكلمة) أصبحت أقل حدة‪ ،‬وعمليا لم تمت الكلمة‪،‬‬ ‫نجتر أمجادنا ونجتر أحفادنا‪ ،‬وما أحقر هذه وإن غلبتها «الصورة» والمعطيات الرقمية!‬ ‫وما أتفه تلك»‬ ‫‪ ..‬وح��ده الشاعر‪ /‬الكاتب أكثر المخلوقات‬

‫‪« ..‬أنا اثنان‪ :‬واحد يسقط وآخر ينفصل عنه التصاقا بالكلمة‪ ،‬وهي سر الحزن الدفين الذي‬ ‫تبدى في كل معطيات الكتاب (خواتم)‪.‬‬ ‫يقرعه‪ ،‬ينوح عليه‪ ،‬أو يقهقه منه‪.‬‬ ‫وأكون وحيدا وحيدا عندما يتحد االثنان‪».‬‬

‫‪ ..‬ع�ن��دم��ا س�ع��ى ال�ش��اع��ر م�س�ع��اه ك��ي ينجو‬ ‫بالكلمة ومعها‪ ..‬اعتمد على «اإليجاز»‪.‬‬

‫‪« ..‬أشعر أمام بعض الجمل أنه حرام أن تكتب‬ ‫‪ ..‬ب ��دت م��ح��اور «خ���وات���م»‪ ،‬ف��ي «ال �ج �ن��س»‬ ‫إال وحدها‪ ،‬مفردة‪ ،‬كبيرة‪ ،‬تعلق في السماء‪ ،‬تغيب‬ ‫بمعطياته الوجودية وليست البيولوجية‪ ..‬في‬ ‫ثم تشرق في أعيادها»‬ ‫«األل��وه�ي��ات وال�ت�ص��وف» بمعطياتها الوجدانية‬ ‫‪« ..‬أشعر أحيانا أنى أكتب من وراء الكتابة‬ ‫وأنها ال�م�لاذ‪ ..‬في «الشعر والكلمة» بدعمها‪،‬‬ ‫كصوت من ينطق من وراء الموت»‬ ‫والبحث فيها‪ ،‬وأنها المالذ‪.‬‬ ‫‪« ..‬ينتظرك الشعر ف��ي موعد م��ا ليستعير‬ ‫وال حيلة أمامنا إال ال��وق��وف أم��ام مثل تلك‬ ‫صوتك‪.‬‬ ‫األعمال اعتزازا بجهد أصحابها‪ ،‬كرواد للثقافة‬ ‫ال تجعل تدخلك م��ؤذي��ا‪ .‬وال ت��دع أكثر مما التي هي جوهر التقدم الحقيقي لهذه األمة‪.‬‬

‫* كاتب من مصر‬ ‫ ‬ ‫ (هذه القراءة بمناسبة نشر األعمال الكاملة للشاعر أنسى الحاج‪ ،‬عن هيئة قصور الثقافة‪-‬القاهرة)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪105‬‬


‫فضاء املعنى‬

‫في مجموعة فراغات للصقعبي‬ ‫> سمير أحمد الشريف*‬

‫القصة القصيرة نوع أدبي جديد على أدبنا العربي‪ ،‬والقصة القصيرة جدا‪ ،‬فن من التوقيعات‬ ‫دخل ساحة األدب حديثا‪.‬‬ ‫القصة القصيرة باب مشرع لكتابات تجريبية كثيرة‪ ،‬وولوج عالمه السهل الممتنع‪ ،‬وإن لم‬ ‫يقعّ د بشكل نهائي‪ ..‬األمر الذي أتاح لكثير من المبدعين أن يدلوا بدالئهم‪.‬‬ ‫«إدغار ألن بو»‪ ..‬يعتبر القصة القصيرة‬

‫والنقاد يذهبون مذاهب شتى في تفسيره‬

‫اإلن �ج �ل �ي��زي «ه��ي��دس��ون» ي�ح��اك�م�ه��ا على‬

‫وما يزال رغم كل ما قيل يعامل كنص مفتوح‬

‫الناقد اإلنجليزي «أوك �ن��ر»‪ ..‬تقترب من‬

‫فيه الشعري بالنثري‪ ،‬والتداعي بالحوار‪،‬‬

‫تفجيرا يحيط بخالصة الماضي‪ ،‬وانبثاق‬

‫الماضي مع تشابكات اللحظة‪ ،‬ويظل األمر‬

‫م ��ا ي��ق��رأ ف ��ي ج �ل �س��ة واح� � ��دة‪ ،‬وال �ن��اق��د ومحاولة وضع األطر العامة التي تحدده‪،‬‬

‫اعتبار ما فيها من وحدة فنية‪ ،‬وهي عند على فضاءت كثيرة قابلة للتفسير‪ ،‬يتداخل‬ ‫جوهر الشعر‪ ،‬ومن تفجير اللحظة الزمنية وال �س��ردي بالقطع السينمائي‪ ،‬تداعيات‬

‫الحاضر‪ ،‬وبؤرة المستقبل‪.‬‬

‫م ��ا ي � ��زال م �ف �ه��وم ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة‬

‫والقصيرة جدا مجاال رحبا لألخذ والرد‪،‬‬

‫وم��ا ي��زال أص�ح��اب ال��رأي م��ن المبدعين‬ ‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫مسالة ذائقة شخصية‪ ..‬يحاول كل مجتهد‬ ‫أن يعكس ذاته على ما يقرأ‪.‬‬

‫ب�ه��ذه األدوات ن��دخ��ل ف �ض��اءات «عبد‬

‫العزيز الصقعبي»‪ ،‬نستشرف فراغاته‪،‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ونح ّل أطياف أقواسه‪.‬‬

‫وتخنق أنفاسنا‪.‬‬

‫يقول الصقعبي بملء الفم‪« :‬إننا منفيون داخل‬ ‫ه��ذه ال�ف��راغ��ات ال�ت��ي تمثل نقوشا يرسمها‬ ‫الكاتب‪ ،‬يرثي بها حالة فردية أو عامة‪ ،‬وهي أجسادنا‪ ،‬وضائعون وراء جدر الوهم السميكة‬ ‫محطة يتوقف معها الهثا من إيقاع العصر‪ ،‬يدفع العالية‪ ،‬الهثون وراء سراب األمل»‪.‬‬ ‫من خاللها رسالة حارقة يلقيها بوجوهنا‪ ،‬يبكي‬ ‫ج�م��ع ال �م��ؤل��ف ب��إح�س��اس��ه ال �م��ره��ف‪ ،‬ودق��ة‬ ‫آماال عظيمة‪ ،‬ويهجو خيبات كثيرة مما التصق مالحظته‪ ،‬كومة المرارات‪ ،‬ونثرها ضمن سياقات‬ ‫بحيواتنا‪.‬‬ ‫مختزلة جدا‪ ،‬وعميقة‪ ،‬ومشبعة بالدالالت‪ ،‬وكلها‬ ‫يكتب «ال�ص�ق�ع�ب��ي» ف��ي ف��راغ��ات��ه مضامين تشير إلى ضرورة التأمل العميق الذي يصل حد‬ ‫كبيرة‪ ،‬بجمل معبرة‪ ،‬متكلما عن ظواهر عميقة القسوة‪.‬‬ ‫يقف متلقي نصوص الصقعبي أم��ام خطاب‬ ‫بمفردات تنطلق من بؤرة حدث عام هو الفراغ‪.‬‬ ‫يرصد بعين الطفل آن �اً‪ ،‬وبعين الكهل أحيانا‪ ..‬جديد‪ ،‬تجاوز نمطية الجملة القصصية السردية‬ ‫عبر شهادات ينثرها هنا وهناك‪ ،‬حيّة نابضة المملة‪ ،‬وخلّف وراءه المفردة الوعظية‪.‬‬ ‫باللحظة ال �ح��اض��رة‪ ،‬أو ال��ذك��رى ال��دف�ي�ن��ة في‬ ‫ف��ي ف��راغ��ات الصقعبي‪ ،‬ث�م��ة ق�ص��ص أكثر‬ ‫تالفيف الشعور‪.‬‬ ‫اشتعاال أمام الهزيمة الوجدانية أو االجتماعية‬

‫في هذه الوخزات القصيرة جدا‪ ،‬يضع الكاتب أو النفسية‪ ..‬مما يصفعنا كل يوم‪.‬‬ ‫خطوطا أمام النغمة النشاز في مقطوعة حياتنا‪،‬‬ ‫ثمة رغبة في الصمت‪ ،‬ما وقف بنا على حافة‬ ‫وي��رس��م ع�لام��ات استفهام كبرى ح��ول لحظات الحكايات بهذه االختزالية الذكية‪ ،‬التي ترصد‬ ‫أعمارنا التي تضيع سدى‪ ،‬يبتلعها الجحيم من وتلتقط تفاصيل التفاصيل‪ ،‬جاعلة منها هماً‬ ‫ال�ف��راغ��ات التي تطلسم رؤان ��ا‪ ،‬وتكبّل خطونا‪ ،‬عاماً‪ ،‬بدالالت عميقة كبيرة واسعة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪107‬‬


‫بين ثرثرة مدروسة وصمت‬ ‫واع‪ ..‬ي�ع�ل�ق�ن��ا ال �ك��ات��ب على‬ ‫مشانق فراغاته المزروعة في‬ ‫نصوصه‪ ،‬نمعن ف��ي اللحظة‪،‬‬ ‫ن�س�ت��ذك��ر م��ا ج� ��رى‪ ،‬يطحننا‬ ‫قلق الخوف‪ ،‬ويحرقنا انتظار‬ ‫سقوط المقصلة‪.‬‬ ‫م ��ع واح � ��د م ��ن ت��وق �ي �ع��ات��ه‬ ‫(ب ��در)‪ ..‬الشخص ال��ذي يحيا‬ ‫فراغا نفسيا قاتال في طفولته‬ ‫وفي رجولته‪ ،‬الفراغ شامل وال‬ ‫يحتاج المتلقي لكبير عناء في‬ ‫الوصول إليه‪ ،‬عبر مراحل مختلفة‪ ،‬تختلط األمور‬ ‫على البطل الذي لم يعد منسجما مع نفسه‪ ،‬هل‬ ‫يحيا رجولته حقا؟ لماذا يعود الى طفولته؟‬ ‫يختلط األم ��ر ع�ل��ى «ب� ��در»‪ ،‬وي�ن�س�ح��ب على‬ ‫المتلقي‪ ،‬والسبب هذا الفراغ الذي شل ّتفكيرنا‪،‬‬ ‫ففقدنا القدرة على إدراك اآللية التي تسير بها‬ ‫األشياء من حولنا‪.‬‬ ‫يقترف الكاتب لعبة التعمية‪ ،‬مساهما في‬ ‫توريطنا في مزيد من التيه بوضعه عنوان قصته‬ ‫(طفل)‪.‬‬ ‫«بدر»‪ /‬أفاق ذات يوم من نوم دام فترة طويلة‪،‬‬ ‫وجد أنه طفل صغير يلعب في الحي‪./‬‬

‫أنه رجل‪.‬‬ ‫ال �م �ف��ارق��ة أن ال��رج��ل في‬ ‫ب��داي��ة القصة ت�ق�زّم ال��ى طفل‬ ‫يلعب في الحي‪ ..‬هذا الطفل‪،‬‬ ‫وخالل ممارسته اللعب‪ ..‬يتمنى‬ ‫أن ي �ك��ون رج�ل�ا ب �ش��ارب ك��ث‪،‬‬ ‫وذقن صغيرة‪ ،‬لكنه في الواقع‬ ‫م��ج��رد رج� ��ل ك �ب �ي��ر ال ي�ع��رف‬ ‫غير الهروب من الفراغ‪ ،‬الذي‬ ‫يحيط به إلى اللجوء لطفولته‬ ‫ال��ت��ي ي� �م ��ارس ف �ي �ه��ا أح�لام��ه‬ ‫البعيدة عن الواقع البشع‪.‬‬ ‫يَعبُر الصقعبي على ق��ارب من لغة وحنين‪،‬‬ ‫ليرسم وشماً في الذاكرة‪ ،‬في فقرات تتمفصل‬ ‫فيها أنا السارد‪ ،‬وأنا الكاتب التي تبعث للمتلقي‬ ‫إيحاءات غنية‪ ..‬ليختفي الطفل‪ ،‬ويظهر الرجل‬ ‫بكل ما يمور في داخله من أفراح وأحزان‪ ،‬تستعيد‬ ‫بها الطفولة نبضها‪ ..‬مما انطبع على حدقة‬ ‫العين‪ ،‬أو ارتسم على شغاف القلب‪ ،‬بتفصيل‬ ‫م��وج��ع‪ ،‬وانتقائية م�ق�ص��ودة‪ ..‬ن��رى م��ن خاللها‬ ‫ما يجب أن يُ��رى‪ ،‬ونسمع ونشم كل ما يالمس‬ ‫حواسنا من أصوات ومذاقات‪ ،‬عبر مراحل سجل‬ ‫فيها الكاتب عوالم الطفولة ومالمحها‪ ،‬مبعثرة‬ ‫على خريطة ال�ك�ب��ار‪ ،‬ليظل أح��ده�م��ا مسكونا‬ ‫باآلخر حد السؤال‪ :‬من منهما يكتب اآلخر؟!‬

‫«بدر» وكما يستشف من السياق‪ ،‬رجل كبير‪،‬‬ ‫ه��ل نلعب ب �ه��ذه ال�ن�ص��وص م��اض�ي�ن��ا‪ ،‬أم أن‬ ‫نام وغرق في أحالم طفولته المذبوحة‪ ،‬التي لم حاضرنا اضطرنا لهذه العودة القسرية؟‬ ‫يجد لها مكانا عندما كان طفال‪ ،‬وها هو يفرج‬ ‫مثل ه��ذه اإلب��داع��ات ق��ادرة على وضعنا في‬ ‫عن محبوساته ودفائنه النفسية على صورة حلم‪.‬‬ ‫زاوية الفن واألدب الحقيقي‪ ،‬وهو الذي يقودنا‬ ‫يستمر ال �م��ؤل��ف ف��ي ل�ع�ب�ت��ه‪/‬ال�ح��ي‪ ،‬ب �ي��وت‪ ..‬لكل ما هو ثمين وغني وجوهري‪.‬‬ ‫دكاكين‪ ..‬أزقة‪ ..‬ناس‪ ..‬يلعب صغيرا‪ ،‬ظاناً نفسه‬ ‫* كاتب من األردن‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫قصائد من الهايكو الياباني‬ ‫> ترجمة سعيد بوكرامي*‬

‫في إشارة إلى الهايكو‪ ،‬قال الشاعر الياباني المعروف كيوشي‬ ‫طكهاما‪ :‬إن الهايكو هو التعبير العفوي عن المشاعر والحياة‪..‬‬ ‫من خالل فصول الطبيعة األربعة‪ .‬فالهايكو إذ ًا مستمد من‬ ‫الطبيعة‪ ،‬ومستلهم من التأمل في اللحظة الراهنة‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني أن شعر الهايكو خال من أي فلسفة ذهنية‬ ‫أو روحية؛ ألن قارئه ملزم بإعمال فكره وحدسه؛ للوصول إلى‬ ‫ما بين السطور والرموز واإليحاءات‪ .‬فبعد سنوات من قراءة‬ ‫الشعر‪ ..‬كان شعر الهايكو مفاجأة جمالية وذهنية بالنسبة لي‪،‬‬ ‫أحببت أن أتقاسمها مع القارئ العربي‪ ..‬من خالل ترجمتي الجديدة لتاريخ الهايكو‪.‬‬

‫سيهو أوانو‬

‫فوق عدستي‪:‬‬

‫الغراب في مهب الريح‬

‫فكانت قطرة الندى‬

‫قال لي‬

‫في سري‬

‫هراء‬

‫افتقد الربيع‬

‫سقطت ندفة ثلج‬

‫ألني هرمت‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪109‬‬


‫نيجي فويونو‬

‫عاقدا يديه‬

‫بيدي‬

‫فوق جذور مُ رَّ ة تنمو بسرعة‬

‫أغري غرابا حائما‬

‫آه يا زهرة شجرة البرقوق!‬

‫نحو بحر من اليرعات‬

‫كم نذبل‬

‫الربيع يتأمل‬

‫داخل المكتبة‬

‫إيدا دكوتسو‬ ‫ليلة تحت ضوء القمر‬ ‫ظل جبل فوجي الهائل يظهر‬ ‫يا له من صقيع!‬

‫أق���ط���ف أزه������ار ال��س��ح��ل��ب في‬ ‫فصل الربيع‬ ‫وألقيها‬ ‫بين الغمام‬

‫ساي إيماي‬

‫تموج تحت مكتبي‪.‬‬ ‫فراشة بيضاء تنبثق‬

‫الربيع هنا‪.‬‬

‫م����ن ب���ي���ن خ���ط���وط ال��ح��م��ار‬

‫أسمع صوت األمواج‬

‫الوحشي‬

‫طاي كاكيموتو‬

‫فال أرى شيئا‬ ‫لجين‬

‫يمضي الصيف‬

‫أقدام مضمخة بالوحل‬

‫أزيح الستارة‬

‫إنه نهر الربيع‬

‫تشوسون كاطو‬

‫بال قبر لألموات‬ ‫حشرة راقدة‬ ‫أتمنى أن يكون للموت‬ ‫هذا الوجه‬ ‫مريض في الفراش‬ ‫شجرة الشتاء‬ ‫ما يأسر بصري‪.‬‬

‫داخل النار‬ ‫ستنتهي هذه النملة‬ ‫التي تسير وتسير‬ ‫نوارس الشتاء‬ ‫بال مأوى لألحياء‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الفتى املكي‪ ..‬شاكر الشيخ‪ ..‬يقرع‬ ‫األجراس ويرحل‬

‫> شمس علي*‬

‫ترك خبر رحيل الكاتب والشاعر وأح��د رم��وز اإلع�لام في المنطقة الشرقية‪ ،‬شاكر‬ ‫الشيخ‪ ،‬في «‪13‬يوليو ‪ »2011‬األسى على وجوه العديد من المتعاطين مع الشأن الثقافي‬ ‫في المملكة‪ ،‬وفي المنطقة الشرقية بشكل خاص؛ لما لعبه الراحل من دور ثقافي ريادي‬ ‫فيها‪ ،‬بعد أن ق َِدم إليها من مكة المكرمة‪ ،‬قبل ما يربو على األربعة عقود‪ ،‬شابا فتيا‪ ،‬يرزح‬ ‫تحت وطأة حمل مسؤولية أسرة كبيرة تضم أربع شقيقات وشقيقين‪ ،‬إضافة إلى والدتهم‬ ‫بعد أن رحل عنهم األب والكفيل‪ .‬وعمل شاكر في بداياته في تلفزيون الدمام‪ ،‬كما انضم‬ ‫للعمل موظفا في وزارة البترول والثروة المعدنية‪ ،‬متقلبا بعدها في عدة وظائف في‬ ‫إمارة المنطقة الشرقية حتى وصل إلى منصب «أمير سلوى» بالتكليف‪ ،‬وذلك قبل صدور‬ ‫نظام المناطق وتحول سلوى من إمارة إلى مركز‪.‬‬ ‫وف��ي الشأنين الثقافي واإلع�لام��ي‪،‬‬

‫ان �ش �غ��االت��ه ال �خ �ط��اب ال �ت �ن��وي��ري‪ ،‬الع�ب��ا‬

‫تنوعت أدواره واهتماماته‪ ،‬بين الشعر‪ ،‬دورا م��ؤث��را ف��ي الساحة؛ إذ ش��ارك في‬ ‫والمسرح‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬والنص الشعبي‪ ،‬تأسيس وإدارة جمعية الفنون الشعبية في‬ ‫وم� ��زاول� ��ة ال��ص��ح��اف��ة‪ ،‬م�ت�ب�ن�ي��ا ف ��ي كل‬

‫األحساء» جمعية الثقافة والفنون حاليا»‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪111‬‬


‫مع عبدالرحمن الحمد‪ ،‬وعدد من الفنانيين وترعرع فيها‪ ،‬إال أنه أمضى الشطر األكبر‬

‫عام ‪1971‬م‪ ،‬وبعد استجابته إلغراء سيدة من حياته في الدمام‪ ،‬وتوسد ترابها‪ ،‬و من‬ ‫الجاللة‪ ،‬ترك العمل الحكومي خلفه ليلحق‬

‫بركب الصحافة يوم كانت في مدينة الدمام‬

‫المفارقات أيضا‪ ،‬أنه رغم أن أبا بدر رحل‬

‫مخلفا طبيبة أس�ن��ان‪ ،‬وط��ال��ب ماجستير‪،‬‬

‫ال تتعدى حزمة م��ن ال��وري�ق��ات الصفراء‪ ،‬وموظفا‪ ،‬وطفال لم يتجاوز العاشرة‪ ،‬فمن‬ ‫وعندما سنحت له الفرصة فيما بعد عمد المؤسف أنه لم يترك وراءه مؤلفا مكتوبا‪،‬‬

‫إلى احتضان العديد من الطاقات الشابة وبقيت أعماله وقصائده أوراقا مبعثرة في‬ ‫المثقفة ليلعب طوال مشواره الصحفي دور أرشيف عدد من الصحف الورقية والمواقع‬ ‫األب الروحي والموجه لهم من خالل منبر‬

‫اإللكترونية‪ ،‬أو حبيسة أدراج مكتبه تنعي‬

‫اإلخراج‪ ،‬متقلدا فيها فيما بعد منصب إدارة‬

‫البكر بدر على نفسه‪ ،‬بجمع شتات قصيده‬

‫إضافة إلى تحمله مسؤولية اإلشراف على‬

‫حول نيّة صديق دربه الشاعر علي الدميني‬

‫الشيخ كمن قرع أجراس الوعي والتنوير في‬

‫أصدقائه‪.‬‬

‫جريدة اليوم‪ ،‬التي ولج أبوابها عبر قسم‬

‫رحيله‪ ،‬وإن ك��ان ال��وع��د ال��ذي قطعه ابنه‬

‫تحريرها‪ ،‬وكذلك رئاسة قسمها الثقافي‪،‬‬

‫ف��ي دي� ��وان‪ ..‬وع�ل��ى صعيد آخ��ر‪ ،‬م��ا ت��ردد‬

‫ملحقها األسبوعي «المربد»‪ ،‬ليبدو بذلك‬

‫اإلشراف على كتابة سيرته الذاتية بمعاونة‬

‫الساحة‪ ،‬تاركا خيار اإلستجابة لمن أراد‪.‬‬ ‫لينتهي به المطاف للتقاعد من الجريدة‬

‫ع��ام ‪2003‬م‪ ،‬متفرغا بعدها لنظم الشعر‬

‫بعد انقطاع عنه دام نحو عقدين من الزمن‪،‬‬ ‫وكان قد أخذ في نظمه منذ ستينيات القرن‬

‫الماضي‪.‬‬

‫يقول «الشيخ» ف��ي رس��ال��ة رد بها على‬

‫كاتبة طلبت منه ما يعينها على كتابة أسئلة‬ ‫ح��وار صحفي كانت تنوي أن تجريه معه‬ ‫ع��ام ‪2007‬م‪ ،‬وذل��ك ف��ي ب��داي��ة انطالقتها‬ ‫الصحافية‪« :‬أما حول طلبك تزويدك بأشياء‬

‫ع�ن��ي‪ ..‬ف��أن��ا ال أحتفظ ب��أي ش��ي غير ما‬

‫وقد شكلت فترة رئاسته لمجلة الشرق كتبته من شعر محكي خالل الثالث سنوات‬ ‫ع��ام ‪1985‬م ‪ -‬رغ��م ق�ص��ر م��دت�ه��ا وع��دم الماضيه فقط‪ ،‬وال شيء قبله‪ ..‬وتختزنه‬ ‫تجاوز عمرها الزمني العام ونيف‪ -‬أفضل‬

‫ذاكرة الكمبيوتر‪ ..‬أما األشياء األخرى فقد‬

‫ال�ك��ات��ب قينان ال�غ��ام��دي رئ�ي��س تحريرها‬

‫وليس هناك الكثير الذي يستحق العناء‪..‬‬

‫طريقها للصدور‪.‬‬

‫المدينة وقع خاص في داخلي ال تعادله إال‬

‫حقبة مرت بها المجلة في تاريخها بحسب‬

‫تجديها في ما تختزنه ذاك��رة األصدقاء‪..‬‬

‫الحالي‪ ،‬بعد أن تم تحويلها إلى صحيفة في‬

‫كما شدتني كتابتك ع��ن األح �س��اء فلهذه‬

‫ورغم أن شاكر ولد في مكة عام ‪1948‬م‬ ‫* كاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫مكة المكرمة مدينتي األولى»‪.‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫في رحيل‬

‫األديب والروائي والناقد خيري شلبي‬ ‫عا أيقونة التفرد‬ ‫ودا ً‬

‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله*‬

‫ليس صوابًا أن لكل أدي��ب بصمة؛ ألن البصمة األدبية هي التي‬ ‫تصنع أثرًا مغايرًا من متلق آلخر‪ ،‬بل لدى المتلقي نفسه من وقت‬ ‫آلخر؛ و عليه‪ ،‬فإن األدباء الذين يصنعون هذا ليسوا كثر‪ ،‬تسليمً ا بأنه‬ ‫ليس كل كاتب أديبًا‪ ،‬وليس كل قارئ مستقرئًا‪ .‬هكذا كان خيري شلبي‬ ‫ذا بصمة إبداعية من نوع فريد‪.‬‬ ‫لقد نبتت موهبة خيري شلبي الفذة في ‪31‬‬ ‫يناير ‪1938‬م‪ ،‬من أعماق تربة قرية «شباس‬ ‫عمير» بمحافظة كفر الشيخ في دلتا مصر‪،‬‬ ‫فاجتمعت لها أصالة الوادي والدلتا معًا‪ ،‬وكأن‬ ‫مياه النيل قد اختزلت فيها كل معالم الشخصية‬ ‫المصرية م��ن ري��ف وح�ض��ر‪ ،‬واستودعتها كل‬ ‫أسرار الخلود‪ ،‬فكانت معينًا ال ينضب‪ ..‬تتفاعل‬ ‫مع الحدث‪ ،‬وتتوحد مع الشخوص بوشائج قوية‬ ‫تتشابك بخيوط حريرية بالغة الدقة والنعومة؛‬ ‫فال يشعر القارئ وهو في حضرة موهبة خيري‬ ‫شلبي بتعاريج أو نتوءات تخل بنشوة التالحم‬ ‫بين األديب وشخوصه في كل حدث‪.‬‬

‫إن تماس خيري شلبي منذ نشأته األول��ى‬ ‫إل��ى سن الشباب مع الطبقة الكادحة لدرجة‬ ‫الموت إب��ان ذلك الوقت في الريف المصري‪،‬‬ ‫والطبقة المهمشة ف��ي ال�م��دي�ن��ة‪ ..‬ق��د أنضج‬ ‫موهبته في سن مبكرة‪ ،‬وجعله ال يهدر وقتًا في‬ ‫االقتراب المصطنع من هذه البيئة‪ .‬لقد كانت‬ ‫شخوصه‪ .‬حيّة أمامه‪ ،‬يعايشها لحظة بلحظة‪،‬‬ ‫ويسبر أغوارها‪ ،‬ثم يتقمصها‪ ،‬فيشعرك أنه كل‬ ‫شخوصه‪ ،‬وقد يكتشف في الشخصية الروائية‬ ‫مالم تعرفه الشخصية الحقيقية عن نفسها‪،‬‬ ‫ومثال ذلك ما حدث إثر نشر بعض رواياته مع‬ ‫الشخوص الحقيقيين الذين مثلهم في رواياته‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪113‬‬


‫وأيضا رواية‬ ‫مثل رواية» منامات عم أحمد السباك»‪ً ،‬‬ ‫«وكالة عطية» فقد فوجئ بطال الروايتين بتفسيرات‬ ‫لبعض السلوكيات التي كانا يقومان بها في الواقع من‬ ‫دون معرفة السبب‪.‬‬ ‫إن ه��ذه الموهبة الفذة‪ ،‬هي التي نحتت لخيري‬ ‫شلبي مكانة خاصة ومختلفة عن جيل الستينيات‪ ،‬الذي‬ ‫كتب عن طبقة المهمشين‪ ..‬ابتدا ًء من يوسف إدريس‬ ‫ال��ذي بدأها بمجموعته القصصية «أرخ��ص ليالي»‬ ‫إل ��ى م�ح�م��د م �س �ت �ج��اب‪ ،‬وي��وس��ف‬ ‫القعيد‪ ،‬فقد تناول معظمهم هذه‬ ‫الفئة المهمشة من زاوي��ة بعينها‪،‬‬ ‫م�ث��ل ال �ص��راع ال�ط�ب�ق��ي أو سطوة‬ ‫البرجوازية‪...‬إلخ‪ .‬أما خيري شلبي‬ ‫فكانت رؤيته شمولية‪ ..‬ق��رأ فيها‬ ‫األب �ع��اد االج�ت�م��اع�ي��ة والسياسية‬ ‫واالقتصادية والثقافية والنفسية‬ ‫لهذه الطبقة‪ ،‬جعلته يستحق من دون‬ ‫منافس لقب ( أمير المهمشين)‪.‬‬ ‫لم يكن نجيب محفوظ مجاملاً‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫أو دبلومسيًا عندما سئل عن سبب ع��دم كتابته عن‬ ‫ال�ق��ري��ة ال�م�ص��ري��ة‪ ،‬ف��أج��اب ك�ي��ف أك�ت��ب ع��ن القرية‬ ‫المصرية وعندنا خيري شلبي‪ .‬إنها رؤية األديب الحق‬ ‫ال��ذي يعلم قيمة الموهبة‪ ..‬غالبًا أكثر من كثير من‬ ‫النقاد ؛ ألن الناقد عندما يقرأ النص‪ ،‬إنما يخضعه‬ ‫لقواعد علمية توسم بالصرامة‪ ،‬ويغيب عنها أحيانًا‬ ‫االنفعال الحقيقي بالموهبة وما وراءها‪ ،‬أما األديب‪..‬‬ ‫فهو يرى بقريحته وحواسه وشعوره‪ ،‬فتكون رؤيته أكثر‬ ‫صدقًا‪.‬‬ ‫ومن األدلة القاطعة على براعة‬ ‫خيري شلبي في قراءة الشخصية‬ ‫جيدًا‪ ،‬براعته في رسم البورتريه‬ ‫بالكلمة‪ ،‬ف�ك��ان يصف الشخصة‬ ‫م��ن ال� �خ ��ارج وال ��داخ ��ل بصياغة‬ ‫أدب �ي��ة دق�ي�ق��ة‪ ،‬يعجز ع��ن التعبير‬ ‫عنها نحات وفنان تشكيلي وطبيب‬ ‫ن�ف�س��ي ش ��اء ال��ق��در أن يسكنهم‬ ‫جسدًا واح �دًا‪ .‬لقد استطاع رسم‬ ‫بورتريها لنحو (‪ )250‬شخصية‪..‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬ ‫ليس بدافع شك من عدم تداولها بين المثقفين مقارنة‬ ‫جمعها في عدة كتب أشهرها»عناقيد النور»‪.‬‬ ‫وكما يقول علماء النفس‪ ،‬إن مكونات الموهبة هي بأعماله فحسب‪ ،‬لكنه تحريض مقصود على تأملها‬ ‫مزيج بين استعدادات وراثية ومكتسبات بيئية‪ ،‬بينها وسبرها‪...‬‬ ‫قنوات اتصال يتم فيها التفاعل بين هذه المكونات‪،‬‬ ‫من أولويات الدين أن تجتهد في قضاء دَينك لله‬ ‫وتتمدد الموهبة أو تنكمش حسب تعدد تلك القنوات في كل لحظة‪.‬‬ ‫واتساعها ؛ ف��إذا كثرت واتسعت‪ ..‬ت��رك ذل��ك حتمًا‬ ‫األدي��ب الحق هو ال��ذي يمضغ األل��م حتى تتحول‬ ‫ظ�لالاً ممثلة في موسوعية ال��رؤي��ة‪ ،‬وعمق التحليل‪،‬‬ ‫مرارته إلى لذة‪ ،‬عندها يبدأ الكتابة‪.‬‬ ‫ومرونة التناول‪ ،‬وأصالة الفكرة‪ ،‬وحداثة الصياغة‪.‬‬ ‫ترهل الحضارة هو ال��ذي يخلق الزيف في القيم‬ ‫لقد تجلّت معظم هذه الخصائص إن لم يكن جميعها‬ ‫فتحيا هيكلاً مفرغً ا من المضمون‪.‬‬ ‫في كتابات خيرى شلبي وآرائه‪.‬‬ ‫ال�ش��اع��ر ال�ح��ق ه��و ال ��ذي ال يستلف ت �ج��ارب من‬ ‫إال أن كتاباته بلغت من الصيت ما يجعل سردها‬ ‫ت�ك��رارًا ال فضل فيه‪ ،‬أم��ا آراؤه فيحسن ذك��ر بعضها التاريخ أو من غيره‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪115‬‬


‫الشعر الحقيقي الذي يحوي قدرًا معينًا من الحشو عام ‏‪2005‬‏م‪ -‬رشحته مؤسسة «إمباسادورز» الكندية‬ ‫ليظهر به جمال الصورة الحقيقية؛ فالذهب إن لم للحصول على ج��ائ��زة ن��وب��ل ل�ل�آداب ‪ -‬ت��ول��ى رئاسة‬ ‫يضف عليه قليل من النحاس ال يمكن تشكيله‪.‬‬ ‫تحرير مجلة الشعر (وزارة اإلع�لام) لعدة سنوات ‪-‬‬ ‫الحداثة هي مجموعة من القيم الفنية الحديثة تولى رئاسة تحرير سلسلة‪ :‬مكتبة الدراسات الشعبية‬ ‫ال �ص��ادرة ع��ن الهيئة ال�ع��ام��ة لقصور ال�ث�ق��اف��ة(وزارة‬ ‫التي ال يشترط فيه شكل بعينه للشعر‪.‬‬ ‫الثقافة)‪.‬‬ ‫هناك تراسل لجميع الفنون في شعر الحداثة‪.‬‬ ‫من رواياته‪ :‬السنيورة‪ ،‬األوب��اش‪ ،‬الشطار‪ ،‬الوتد‪،‬‬ ‫رح��م الله خيري شلبي أيقونة التفرد ف��ي سماء‬ ‫ال �ع��راوى‪ ،‬فرعان من الصبار‪ ،‬م��وال البيات والنوم‪،‬‬ ‫اإلب� ��داع‪ ،‬رح��ل ج �س �دًا وستظل كلماته تهمي عطا ًء‬ ‫ثالثية األمالي (أولنا ولد ‪ -‬وثانينا الكومى ‪ -‬وثالثنا‬ ‫لألبد‪.‬‬ ‫الورق)‪ ،‬بغلة العرش‪ ،‬لحس العتب‪ ،‬منامات عم أحمد‬ ‫السماك‪ ،‬موت عباءة‪ ،‬بطن البقرة‪ ،‬صهاريج اللؤلؤ‪،‬‬ ‫نعناع الجناين‪ ،‬صالح هيصة ‪ -‬نسف األدمغة ‪ -‬زهرة‬ ‫الخشخاش ‪-‬وك��ال��ة عطية ‪ -‬ص �ح��راء المماليك ‪-‬‬ ‫اسطاسية‪.‬‬ ‫من مجموعاته القصصية‪ :‬صاحب السعادة اللص‪،‬‬ ‫المنحنى الخطر‪ ،‬س��ارق الفرح‪ ،‬أسباب للكى بالنار‪،‬‬ ‫ال��دس��اس‪ ،‬أش �ي��اء تخصنا‪ ،‬ق ��داس ال�ش�ي��خ رض ��وان‪،‬‬ ‫خيري شلبي‬ ‫ومن مسرحياته‪ :‬صياد اللولي‪ ،‬غنائية سوناتا األول‪،‬‬ ‫كاتب وروائ��ي مصري‪ ,‬ولد بمحافظة كفر الشيخ المخربشين‪.‬‬ ‫بمصر‪ .‬في (‪ 31‬يناير ‪ – 1938‬وتوفي في ‪ 9‬سبتمبر‬ ‫وم��ن م��ؤل�ف��ات��ه ودراس ��ات ��ه‪ :‬محاكمة ط��ه حسين‪:‬‬ ‫‪.)2011‬‬ ‫تحقيق في ق��رار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي‪،‬‬ ‫حصل على جائزة الدولة التشجيعية في اآلداب‬ ‫عام ‪1981/1980‬م ‪ -‬حاصل على وسام العلوم والفنون‬ ‫من الطبقة األول��ى ‪1981/1980‬م ‪ -‬وجائزة أفضل‬ ‫رواي��ة عربية عن رواي��ة «وكالة عطية» ع��ام ‪1993‬م‪-‬‬ ‫كما حصل على الجائزة األولى إلتحاد الكتاب للتفوق‬ ‫ع��ام ‪2002‬م ‪ -‬وج��ائ��زة نجيب محفوظ من الجامعة‬ ‫األمريكية بالقاهرة عن رواية وكالة عطية ‪2003‬م‪.‬‬

‫أعيان مصر (وجوه مصرية)‪ ،‬غذاء الملكات (دراسات‬ ‫ن�ق��دي��ة)‪ ،‬م��راه�ن��ات الصبا (وج��وة م�ص��ري��ة)‪ ،‬لطائف‬ ‫اللطائف (دراسة في سيرة اإلمام الشعراني)‪ ،‬أبو حيان‬ ‫التوحيدي (بورتيره لشخصيته)‪ ،‬دراسات في المسرح‬ ‫العربي‪ ،‬عمالقة ظرفاء‪ ،‬فالح في بالد الفرنجة (رحلة‬ ‫روائية)‪ ،‬رحالت الطرشجي الحلوجي‪ ،‬مسرح األزمة‬ ‫(نجيب سرور) وغير ذلك‪.‬‬

‫وهو رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية‬ ‫وك��ذل��ك حصل على ج��ائ��زة أف�ض��ل ك�ت��اب عربى‬ ‫من معرض القاهرة للكتاب عن رواية صهاريج اللؤلؤ المعاصرة‪ ،‬وتعد روايته (رحالت الطرشجى الحلوجى)‬ ‫ع��ام ‪2002‬م‪ -‬وج��ائ��زة ال��دول��ة التقديرية في اآلداب عمال فريدا في بابها‪.‬‬ ‫* كلية التربية ـ جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫احلوكمة في املصارف اإلسالمية‬ ‫> د‪ .‬حسني سمحان*‬

‫الحوكمة في النظام المصرفي ليست ضرورية فحسب‪ ،‬وإنما تشكل منهاجا وأسلوبا يجب‬ ‫االلتزام به لتخلية المسؤوليات قدر اإلمكان‪ ،‬ولخلق الطمأنينة لدى اآلخرين‪ ..‬وبخاصة لدى‬ ‫أولئك الذين يتعاملون مع البنوك؛ وذلك إلعطاء فرصة ألصحاب المصالح‪ ،‬كل حسب دوره‬ ‫وأهميته في وقف أي عملية جنوح نحو الممارسات الخاطئة‪ .‬وزاد من أهمية الحوكمة في‬ ‫المصارف إصدار لجنة بازل لمبادئ حوكمة‪ ،‬يؤدي التزام المصرف بها إلى تحسين صورته بشكل‬ ‫عام‪ ،‬وزيادة ثقة الجهات المختلفة به‪ ،‬وتحسين تصنيفه أيضا‪.‬‬ ‫ولضمان االلتزام بمبادئ الحوكمة؛ التي‬ ‫تعد من متطلبات االلتزام بما صدر عن لجنة‬ ‫ب��ازل‪ ..‬ك��ان ال بد من االمتثال لجميع هذه‬ ‫المتطلبات‪ .‬تم استحداث وظيفة االمتثال‬ ‫في البنوك‪ ،‬وت��م إنشاء دائ��رة مستقلة عن‬ ‫مفهوم الحوكمة‬ ‫إدارة المخاطر مؤخرا في معظم البنوك‪،‬‬ ‫ي��ع��د م �ص �ط �ل��ح ال� �ح ��وك� �م ��ة‪ ،‬ال �ت��رج �م��ة‬ ‫مهمتها األساسية مراقبة امتثال المصرف‬ ‫للقوانين المختلفة التي يخضع لها المصرف المختصرة التي راجت للمصطلح ‪Corporate‬‬ ‫في أدائه ألعماله؛ مثل قانون البنوك‪ ،‬وقانون ‪ ،Governance‬أم��ا الترجمة العلمية لهذا‬ ‫التجارة‪ ،‬وقانون الشركات المساهمة‪ ،‬إضافة المصطلح‪ ،‬والتي اتفق عليها‪ ،‬فهي‪« :‬أسلوب‬ ‫إلى مراقبة امتثال المصرف لتعليمات البنك ممارسة سلطات اإلدارة الرشيدة»‪.‬‬ ‫وق��د ت�ع��ددت التعريفات المقدمة لهذا‬ ‫المركزي‪ ،‬وغيرها من األمور التي تؤدي إلى‬ ‫تحسين تصنيفه وزيادة ثقة جميع األطراف‬ ‫ب��ه‪ .‬وه��ذا عمل ف��ي غ��اي��ة األه�م�ي��ة‪ ،‬ويجب‬ ‫إتقانه بسبب الويالت التي قد يتعرض لها‬ ‫المصرف بسبب عدم االمتثال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪117‬‬


‫المصطلح‪ ،‬بحيث ي��دل ك��ل مصطلح ع��ن وجهة‬ ‫تراض منكم}‪ .‬النساء‪.29:‬‬ ‫ٍ‬ ‫النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‬ ‫فتعرف مؤسسة التمويل الدولية ‪ IFC‬الحوكمة وتدلوا بها إلى الحكام‪ ،‬لتأكلوا فريقاً من أموال‬ ‫بأنها‪ “ :‬النظام الذي يتم من خالله إدارة الشركات الناس باإلثم وأنتم تعلمون}‪ .‬البقرة‪.188:‬‬ ‫والتحكم في أعمالها «(‪.)1‬‬ ‫ثانيا‪ :‬من السنة النبوية المطهرة‪:‬‬

‫كما تعرفها منظمة التعاون االقتصادي والتنمية‬ ‫ال‬ ‫قوله [‪« :‬إن الله يحب إذا عمل أحدكم عم ً‬ ‫‪ OECD‬بأنها‪« :‬مجموعة من العالقات فيما بين أن يتقنه»(‪ .)5‬فال شك أن إتقان العمل ال بد أن يمر‬ ‫القائمين على إدارة الشركة ومجلس اإلدارة وحملة عبر الحوكمة‪ ،‬ألنها من أهم الضمانات الضامنة‬ ‫األسهم وغيرهم من المساهمين»(‪.)2‬‬ ‫إلتقانه‪.‬‬ ‫وهناك من يعرفها بأنها‪« :‬مجموع قواعد اللعبة»‬ ‫ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم للرقابة‬ ‫لا م��ن أش �ك��ال الحوكمة‪،‬‬ ‫التي تستخدم إلدارة الشركة من الداخل‪ ،‬ولقيام اإلداري� ��ة ال�ت��ي تعد ش�ك� ً‬ ‫مجلس اإلدارة باإلشراف عليها لحماية المصالح ومن ذلك حديث ابن اللتبية‪ ،‬وفيه أن النبي [‬ ‫والحقوق المالية للمساهمين»(‪.)3‬‬ ‫استعمله على صدقات قومه من األزد‪ ،‬فلما جاء‬ ‫وبمعنى أخ��ر‪ ،‬ف��إن الحوكمة تعني النظام‪ ،‬أي حاسَ بَه‪ ،‬فقال‪ :‬ه��ذا لكم وه��ذا أه��دي إل��ي‪ ،‬فقال‬ ‫وجود نظم تحكم العالقات بين األطراف األساسية النبي [‪ :‬فهال جلست في بيت أمك وأبيك حتى‬ ‫التي تؤثر في األداء‪ ،‬كما تشمل مقومات تقوية تأتيك هديتك إن كنت صادقاً‪ ،‬ثم قام النبي فخطب‬ ‫المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول في الناس فقال‪“ :‬فإني استعمل الرجل منكم على‬ ‫والمسئولية‪.‬‬ ‫العمل فيما والني الله فيأتيني فيقول‪ :‬هذا مالكم‬ ‫وهذا هدية أهديت إليّ ‪ ..‬أفال جلس في بيت أبيه‬ ‫الحوكمة من منظور شرعي‬ ‫وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً(‪.)6‬‬ ‫مشروعية الحوكمة(‪.)4‬‬ ‫ي�ك�ف��ي ان ت��ق��ارن ه ��ذه ال �ن �ص��وص ال�ش��رع�ي��ة‬ ‫هناك نصوص شرعية كثيرة‪ ،‬تحث على أداء الواضحة بمبادئ ومعايير الحوكمة لتعرف أن ما‬ ‫األم��ان��ة وع��دم ال�ظ�ل��م‪ ،‬واالب �ت �ع��اد ع��ن أك��ل أم��وال جاء في هذه النصوص يشمل جميع تلك المبادئ‪،‬‬ ‫الناس بالباطل‪ ،‬وال�ص��دق واإلخ�ل�اص في العمل بل ويزيد‪..‬‬ ‫وحسن الخلق‪...‬الخ‪ .‬وهذه األخالق إضافة إلى ما‬ ‫جاء بخصوص المال والرقابة عليه‪ ..‬تشكل أهم مفهوم الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي‪:‬‬ ‫مقومات الحوكمة في العلوم اإلداري��ة المعاصرة‪،‬‬ ‫اختالف مفهوم الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي‬ ‫ومما يدل على مشروعية الحوكمة‪:‬‬ ‫عنه في االقتصاد التقليدي‪ ،‬ينبع من أن العمل‬ ‫اإلداري في اإلسالم له مقومات عقدية قائمة على‬ ‫أوال‪ :‬من القران الكريم‪ ،‬وهي كثيرة منها‪:‬‬ ‫العقيدة اإلسالمية‪ ،‬تضع له قيودا ومحددات تحكم‬ ‫قوله تعالى في صفات المؤمنين‪« :‬والذين هم سلوك اإلدارة والعاملين في عالقتهم بمحيطهم‬ ‫ألماناتهم وعهدهم راعون»‪ .‬المعارج‪32 :‬‬ ‫ال�خ��ارج��ي‪ ،‬وعالقتهم ببعضهم بعضاً وذل��ك من‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬ي��ا أيها ال��ذي��ن آم�ن��وا ال تأكلوا خالل وجوب التزامهم بأحكام الشريعة اإلسالمية‬ ‫أم��وال�ك��م بينكم بالباطل إال أن تكون ت�ج��ارة عن في العبادات والمعامالت واألخالق‪.‬‬ ‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫التزام إدارة المنشاة في كافة مستوياتها بأحكام‬ ‫إن ت �ح��دي��د ال �م �س��ؤول �ي��ة ب��دق��ة ف ��ي ال �ن �ظ��ام‬ ‫الشريعة اإلسالمية (مبادئ الحوكمة في اإلسالم االق �ت �ص��ادي اإلس�لام��ي أم��ر م�ه��م‪ ،‬وق��د حددتها‬ ‫– إن صح التعبير‪ )-‬من أجل ضبط العالقة بين كل الشريعة بشكل دق�ي��ق‪ ،‬ويساند ذل��ك عند الفرد‬ ‫األطراف بشكل يعالج تعارض المصالح‪.‬‬ ‫المسلم الدافع الديني؛ ألن أيّ مسؤولية يتحملها‬ ‫المسلم بناء على تعاقد مع غيره‪ ،‬ال يكون مسئوال‬ ‫أسس ومبادئ الحوكمة في االقتصاد‬ ‫فقط أم��ام من تعاقد معه‪ ..‬إنما هو مسئول أوالً‬ ‫اإلسالمي‬ ‫أمام الله‪ ،‬ع ّز وجل‪ ،‬الذي أمر بالوفاء بالعقود‪.‬‬ ‫ي�لاح��ظ ال�م�ت�ف�ح��ص ل �م �ب��ادئ ال�ح��وك�م��ة التي‬ ‫وهي تعني أن يكون المدير أو الحاكم أو اإلمام‬ ‫ج��اءت بها منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪،‬‬ ‫واإلرش� � ��ادات ال �ت��ي ج ��اءت ب�ه��ا لجنة ب ��ازل بهذا مسئوال أم��ام الله ثم أم��ام الناس عن استخدامه‬ ‫ال�خ�ص��وص‪ ،‬م��ن اج��ل إص�ل�اح منشآت األع �م��ال‪ ،‬للسلطات التي منحت ل��ه‪ .‬يقول تعالى (ي��ا أيها‬ ‫والقضاء على السلبيات التي قد تنشا من خالل الذين امنوا ال تخونوا الله وتخونوا أماناتكم وأنتم‬ ‫ما يسمى بتضارب المصالح‪ ،‬أو من خالل فصل تعلمون) وق��ال صلى الله عليه وسلم‪« :‬كلكم راع‬ ‫اإلدارة عن الملكية‪ ،‬ال تخرج عن تعاليم اإلسالم وكلكم مسئول عن رعيته»(‪ .)7‬وهذا كله يعني وجوب‬ ‫ال�ح�ن�ي��ف المستنبطة م��ن ال �ك �ت��اب وال �س �ن��ة‪ ،‬ألن تحديد مسؤولية كل طرف بدقة‪ ،‬وأن يؤديها بكل‬ ‫اإلصالح مطلب إسالمي في األصل‪ ،‬ومن أهم هذه صدق وأمانة‪.‬‬ ‫التعاليم (المبادئ) ما يلي‪:‬‬ ‫وت �ج��در اإلش� ��ارة هنا إل��ى أن المسؤولية في‬ ‫اإلسالم ال تنتهي بقرار تم اتخاذه في ضوء ظروف‬ ‫العدل‪:‬‬ ‫معينة‪ ،‬بل تمتد هذه المسؤولية لتشمل نتائج اتخاذ‬ ‫تعتبر العدالة من المنظور اإلسالمي من أهم ذلك القرار‪.‬‬ ‫األس ��س ال�ت��ي ت�ق��وم عليها ال�ع�ق��ود ف��ي الشريعة‬ ‫اإلسالمية‪ ..‬وخاصة عقود المعامالت‪ .‬قال تعالى د‪ -‬المساءلة‪:‬‬ ‫وت �ع �ن��ي ض� � ��رورة م �ح��اس �ب��ة ال �م �س �ئ��ول �ي��ن عن‬ ‫(يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء‬ ‫التزاماتهم‪ ،‬بحيث تتم معاقبة المقصرين ومكافأة‬ ‫لله) النساء‪.135 :‬‬ ‫المجيدين‪ .‬وق��د وضعت الشريعة اإلسالمية في‬ ‫الشورى‪:‬‬ ‫تنظيمها لعقود المعامالت أسسً ا لمحاسبة كل‬ ‫ف�لا يمكن للحاكم أو المدير أن يكون ع��ادال طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات‬ ‫إال إذا كان النظام اإلداري‪ ،‬أو حتى نظام الحكم في العقد‪ ،‬وقررت عقوبات حاسمة لمن يخ ّل بها؛‬ ‫قائما على الشورى‪ .‬فاإلنسان يبقى ضعيفا غير واألمر ال يقتصر على الجزاء الشرعي أو اإلداري‬ ‫ق��ادر على اإلل �م��ام بجميع األم ��ور والتخصصات أو القضائي‪ ،‬بل يستشعر المسلم الجزاء من الله‪،‬‬ ‫والمعلومات‪...‬الخ‪ ،‬مهما اتصف بصفات الكمال عز وجل‪ ،‬وبخاصة في الحاالت التي يتمكّن فيها‬ ‫والذكاء‪ .‬لذا فهذا القائد أو المدير‪ ..‬مجبر على اإلنسان من اإلف�لات من رقابة البشر والعقوبات‬ ‫االستعانة بغيره إذا أراد أن يحقق مبدأ العدالة اإلداري��ة‪ ،‬وهو ما يسمى «بالمحاسبة أو المساءلة‬ ‫الذاتية»‪.‬‬ ‫الذي ذكرناه سابقا‪.‬‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫أي أن الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي تعني ج‪ -‬المسؤولية‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪119‬‬


‫هـ ‪ -‬الصدق واألمانة‪:‬‬ ‫م��وق��ف اإلس �ل��ام م��ن ق �ي��م ال��ص��دق واألم��ان��ة‬ ‫والحث عليهما بشكل ع��ام‪ ،‬وم��ن الكذب وشهادة‬ ‫الزور معروف‪ ،‬خاصة وان شهادة الزور (التقارير‬ ‫المزورة) تعد من الكبائر‪.‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•تحديد أنشطة المجلس‬ ‫•تشكيل لجان المجلس‪.‬‬ ‫•توصيف بيئة الضبط والرقابة الداخلية‪.‬‬ ‫•العالقة مع المساهمين‪.‬‬ ‫•الشفافية واإلفصاح‪.‬‬

‫والصدق واألمانة يقابلهما مصطلح الشفافية أهداف تطبيق الحوكمة في المصارف‬ ‫الذي تحث عليه مبادئ الحوكمة المعاصرة‪ ،‬وفي والمصارف اإلسالمية‪:‬‬ ‫اإلس �ل��ام‪ ..‬ي�ج��ب ت�ح�لّ��ي اإلدارة بصفة ال�ص��دق‬ ‫واألم��ان��ة ف��ي ك��ل م��ا ت��م توكيلها ب��ه م��ن أع �م��ال‪،‬‬ ‫بالشكل الذي يؤدي إلى العدالة وتحقيق مصالح‬ ‫جميع األط��راف‪ ،‬من دون مراعاة مصلحة طرف‬ ‫على آخ��ر‪ ،‬وه��ذا أيضا يتطلب من اإلدارة العمل‬ ‫على إيجاد أنظمة محاسبية وإدارية‪ ،‬تضمن تقديم‬ ‫المعلومات الدقيقة والشاملة عن أعمال المنظمة‬ ‫لجميع األطراف‪ ،‬وبخاصة أولئك الذين ال تمكنهم‬ ‫ظ��روف �ه��م م��ن اإلش � ��راف ال �م �ب��اش��ر ع �ل��ى أع �م��ال‬ ‫منشآتهم‪.‬‬ ‫وب �ش �ك��ل ع� ��ام‪ ،‬ف� ��إن م ��ا ج� ��اءت ب ��ه ال�ش��ري�ع��ة‬ ‫اإلسالمية في حفاظها على المقاصد – والمال‪..‬‬ ‫يعد أح��د المقاصد الخمسة التي يجب حفظها‬ ‫وحمايتها بكل الطرق والسبل المشروعة‪ -‬يتفق مع‬ ‫معنى الحوكمة‪.‬‬

‫المرتكزات األساسية لدليل الحوكمة‬ ‫في مصرف إسالمي‪:‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•ال�� �ت� ��زام م �ج �ل��س اإلدارة ب��ال �ح��اك �م �ي��ة‬ ‫المؤسسية‪.‬‬ ‫•تحديد وظائف مجلس اإلدارة‪.‬‬ ‫•ف �ص��ل م �ه��ام رئ �ي��س ال�م�ج�ل��س وال �م��دي��ر‬ ‫العام‪.‬‬ ‫•تحديد دور رئيس المجلس‪.‬‬ ‫•تشكيلة المجلس‪.‬‬ ‫•تنظيم أعمال المجلس‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫ •ت �ح �ق �ي��ق ال �ش �ف��اف �ي��ة ال �م �ط �ل��وب��ة إلدام� ��ة‬ ‫الشركات والمؤسسات المالية‪ ،‬وتمكينها‬ ‫من القيام بأنشطتها االستثمارية في إطار‬ ‫من النزاهة والموضوعية واالحتراف‪.‬‬ ‫ •زي ��ادة الثقة ف��ي ال�ش��رك��ات والمؤسسات‬ ‫ال �ت��ي تطبق معايير ال�ح��وك�م��ة‪ ،‬وتحتكم‬ ‫إل��ى قواعدها ومبادئها وآلياتها‪ ،‬فذلك‬ ‫يشيع جواً من الثقة في الشركة ولوائحها‬ ‫وأنشطتها‪.‬‬ ‫ •ضبط العالقات اإلداري ��ة بين األط��راف‬ ‫ذات العالقة في الشركات والمؤسسات‪،‬‬ ‫والمتمثلة ف��ي م�ج��ال��س اإلدارة وحملة‬ ‫األس �ه��م‪ ،‬واألق��س��ام وال�ه�ي��اك��ل اإلداري� ��ة‪،‬‬ ‫المتفرعة عن جسم الشركة الرئيس إلى‬ ‫غير هؤالء‪ ..‬ممن تهمهم أنشطة الشركة‬ ‫واستثماراتها‪ ،‬بعد إح��داث ال �ت��وازن بين‬ ‫المصالح‪ ،‬التي ق��د تبدو متعارضة بين‬ ‫أطراف العمليات اإلنتاجية أو االستثمارية‪،‬‬ ‫التي تمارسها تلك المؤسسات‪ ،‬بحيث يتم‬ ‫رعاية جميع المصالح وحمايتها‪ ،‬دون أن‬ ‫يتغول بعضها على بعض‪.‬‬ ‫ •العمل على جذب االستثمارات واستقطابها‪،‬‬ ‫ف��إن ال�ش��رك��ة أو ال�م��ؤس�س��ة ال �ت��ي تطبق‬ ‫قواعد الحوكمة ومعاييرها‪ ..‬تكون أقدر‬ ‫م��ن غ �ي��ره��ا ع �ل��ى ج ��ذب االس �ت �ث �م��ارات‪،‬‬


‫ •ح�م��اي��ة أم� ��وال المساهمين ع�ب��ر توفير‬ ‫معلومات صحيحة وشفافة ع��ن أنشطة‬ ‫الشركة والوضع المالي لها‪ ..‬بما يمكن‬ ‫المساهمين الحاليين والمتوقعين من‬ ‫ات �خ��اذ ق��رارات��ه��م‪ ،‬ب �ن��ا ًء ع �ل��ى م��ا يظهر‬ ‫م��ن ال��وض��ع ال �م��ال��ي ل�ت�ل��ك ال �ش��رك��ات أو‬ ‫المؤسسات‪.‬‬

‫ •تحقيق األه��داف التي تكون في مصلحة‬ ‫عمالء المصرف ومساهميه ضمن األطر‬ ‫القانونية والشرعية‪.‬‬

‫ •زيادة تنافسية الشركة التي تطبق معايير‬ ‫الحوكمة‪ ،‬وتمكينها من االستحواذ على‬ ‫أك�ب��ر ق��در ممكن م��ن ال �س��وق ف��ي مجال‬ ‫أنشطتها‪ ،‬ألن الحوكمة تعمل على رفع‬ ‫وإضافة إلى ذلك‪ ..‬تهدف المصارف اإلسالمية‬ ‫سوية الشركة؛ وبالتالي زيادة قدرتها على من تطبيق الحوكمة إلى تحقيق مزايا أخرى مثل‪:‬‬ ‫المنافسة‪ ،‬األمر الذي يستتبع في الغالب‬ ‫ •ت �ف �ص �ي��ل ال� �ع� �ق ��ود‪ ،‬وت� �ح ��دي ��د ش��روط �ه��ا‬ ‫زيادة حصتها في السوق‪.‬‬ ‫وأحكامها بدقة‪ ،‬بما يبتعد عن أي تدليس‬ ‫ •مكافحة الفساد المالي واإلداري في تلك‬ ‫أو جهالة أو غرر‪.‬‬ ‫الشركات‪ ،‬من خالل تطبيق مبادئ اإلفصاح‬ ‫ •تحقيق المعاملة العادلة لحملة األسهم‪،‬‬ ‫والشفافية‪ ،‬ومن خالل تطبيق وتفعيل نظم‬ ‫وأص� �ح ��اب ال �ح �س��اب��ات وال �ع��ام �ل �ي��ن في‬ ‫الرقابة المالية واإلداري ��ة؛ تلك القواعد‬ ‫المصارف اإلسالمية إلثبات حقوقهم‪.‬‬ ‫وتلك النظم التي يؤدي تطبيقها إلى تقليل‬ ‫الفساد وتحجيمه فوق ما ي��ؤدي إليه من‬ ‫ •ال �ت��أك��د م ��ن ك� �ف ��اءة ت�ط�ب�ي��ق اإلج� � ��راءات‬ ‫تقليل األخطاء واالنحرافات‪ ،‬سوا ًء كانت‬ ‫التشغيلية وفق أحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫تلك األخطاء متعمدة أم غير متعمدة‪.‬‬ ‫وبمعزل عن المصالح الشخصية‪.‬‬

‫ •م�ن��ع ق �ي��ام مجلس اإلدارة م��ن اإلض ��رار‬ ‫بمصالح المساهمين م��ن خ�لال تحديد‬ ‫صالحيات م�ح��ددة لهم‪ ،‬بحيث ال ت��ؤدي‬ ‫تصرفاتهم إلى اإلضرار باألطراف األخرى‬ ‫ذات العالقة بأنشطة الشركة‪ ،‬كالعمالء‬ ‫والدائنين أو المقرضين وغيرهم‪.‬‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫لما تشيعه م��ن الثقة وال�م�ص��داق�ي��ة في‬ ‫تعامالتها‪ ،‬األمر الذي يولّد بدوره طمأنينة‬ ‫تجاه تلك الشركة وأنشطتها وممارساتها‪.‬‬

‫ •تدعيم الشركات والمؤسسات المطبقة‬ ‫لمعايير الحوكمة لمراكزها المالية‪ ،‬عبر‬ ‫تحقيق معدالت عالية من الربحية‪ ،‬مما‬ ‫يسهم في تقوية المركز المالي للشركة‪،‬‬ ‫ويجعلها أكثر ق��درة وقابلية على التطور‬ ‫وتوسيع مجال وحقل أنشطتها‪.‬‬

‫ •ت�ح�ق�ي��ق م �ق��وم��ات أخ�ل�اق �ي��ات األع �م��ال‬ ‫المصرفية من ثقة وصدق وأمانة‪.‬‬ ‫ •تمكين المساهمين وأص�ح��اب حسابات‬ ‫االستثمار من أن يراقبوا ‪-‬بشكل صحيح‬ ‫وفاعل‪ -‬أداء إدارة المصرف رغم محددات‬ ‫اإلفصاح والشفافية‪.‬‬ ‫ •تمكين المحكمين م��ن الحكم ب��إدان��ة أو‬ ‫براءة المصرف اإلسالمي من التعدي أو‬ ‫التقصير‪.‬‬

‫* جامعة الزرقاء ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪121‬‬


‫الرحالة األوروبيون‬

‫في منطقة اجلوف‬ ‫‪1922-1845‬م‬

‫املؤلف ‪ :‬الدكتور عوض البادي‬ ‫الناشر ‪ :‬النادي األدبي باجلوف‬ ‫السنة ‪1432 :‬هـ ‪2011 -‬م‬ ‫ي�ع��د ك�ت��اب (ال��رح��ال��ة األورب��ي��ون ف��ي شمال‬ ‫الجزيرة العربية ‪ -‬منطقة ال�ج��وف ‪-1845 -‬‬ ‫‪1922‬م) للدكتور ع��وض ال �ب��ادي‪ ،‬أب��رز الكتب‬ ‫المرجعية المهمة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة‬ ‫تاريخ منطقة الجوف والمناطق المجاورة‪ ،‬وتاريخ‬ ‫شمالي شبه ال�ج��زي��رة العربية‪ ،‬حيث يتضمن‬ ‫جهد المؤلف الكبير الذي بذله في سبيل تعقب‬ ‫ودراس� ��ة أالف ال��وث��ائ��ق وال �م��راج��ع ال�ت��ي كتبها‬ ‫الرحالة األجانب عن الجزيرة العربية‪ ،‬ومنطقة‬ ‫الجوف تحديدا‪..‬‬ ‫ح �ي��ث ي �ح �ت��وي ال �ك �ت��اب أح ��د ع �ش��ر ف�ص�لا‪،‬‬ ‫خصص كل فصل منها ألحد الرحالة األجانب‬ ‫الذين زاروا منطقة الجوف‪ ،‬ابتداء من الرحالة‬ ‫جورج أوغست والن عام ‪1262‬هـ ‪1845 -‬م الذي‬ ‫كان يقول «إن تمور الجوف من أحسن األصناف‪،‬‬ ‫ويفضل طعمه طعم تمور البصرة وبغداد‪ ،‬وقد‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬

‫أساس طعامي‪ ،‬بل معظمه طوال‬ ‫َ‬ ‫شكلت التمور‬ ‫إقامتي التي امتدت نحو ثالثة أشهر‪ .‬وأعترف‬ ‫أني لم أضجر منها‪ ،‬وهناك مثل يقول « ال تمر‬ ‫مثل تمر الجوف وتيماء»‪ ..‬مشيرا إلى أنه الحظ‬ ‫ما ال يقل عن خمسة عشر نوعا كلها ذات نوعية‬ ‫راقية‪»..‬‬ ‫ وليم جيفورد بلغريف ‪1862‬م ال��ذي يقول‬‫«إن بساتين الجوف مشهورة جدا‪ ..‬وهي تستحق‬ ‫هذه الشهرة‪ ..‬فهي أكثر إنتاجا وتنوعا من بالد‬ ‫جبل شمر وعالية نجد‪ ،‬وه��ي أكثر إنتاجا من‬ ‫أرض الحجاز وما جاورها‪ ...« ،»..‬أما المشمش‬ ‫وال �خ��وخ والتين وال�ع�ن��ب‪ ،‬فتزخر بها ال �م��زارع‪،‬‬ ‫ويتفوق ثمرها في النكهة واإلنتاج على بساتين‬ ‫دمشق‪ ،‬وجبال سورية وفلسطين‪ ،‬وفي المساحات‬ ‫بين البساتين يزرع القمح والبقول‪ »..‬ويقول‪..»-:‬‬ ‫إن أعظم سمة لسكان الجوف هي كرمهم‪ ،‬ولن‬


‫ك��ارل��و غ��وارم��ان��ي ‪1864‬م ‪ -‬ال�ل�ي��دي آن بلنت‬ ‫‪1878‬م ‪ -‬تشارلز هوبر ‪1880‬م ‪ -‬يوليوس أويتنج‬ ‫‪1883‬م ‪ -‬البارون إدوارد نولده ‪1893‬م ‪ -‬أرتشيبالد‬ ‫ف ��وردر ‪1900‬م‪ ،‬ال��ذي ي �ق��ول»‪ ...‬وع��دد كبير من‬ ‫الرجال والصبيان يجيدون القراءة بطالقة‪ ،‬وعدد‬ ‫كبير منهم يمتلك ساعات‪ - »..‬إس‪.‬إس بتلر ‪1908‬م‬ ‫ ألويس موسيل ‪ 1908‬م – ‪1909‬م‪ ،‬حتى الرحالة‬‫سانت جون فيلبي ‪1922‬م‪ ،‬كما يورد في هوامش‬ ‫الكتاب وصفا للجوف أورده بعض الرحالة اآلخرين‬ ‫ومنهم كارستن نيبور (‪1815 -1733‬م) والذي أورد‬ ‫ذكر جوف السرحان ومنها دومة وسكاكا‪ ،‬والرحالة‬ ‫يوهان لودفيج بوركهارت (‪1817-1784‬م) الذي‬ ‫ذكر أن « أهل الجوف مشهورون بمواهبهم الشعرية‬ ‫والموسيقية‪ ،)..‬حيث يشير الدكتور عوض البادي‬ ‫أنه أورد أقدم معلومات حول منطقة الجوف سبق‬ ‫فيها كافة الرحالة األوربيين اآلخرين الذين زاروا‬ ‫المنطقة‪ ،‬وص ��وال إل��ى ال��رح��ال��ة أورل �ي��خ سيتزن‬

‫ويقدم الكتاب الرحالة األوربيون الذين زاروا‬ ‫ُعرّف‬ ‫منطقة الجوف ونصوصهم حولها‪ ،‬حيث ي ِ‬ ‫بالرحالة وخلفيته وأهداف رحلته‪ ،‬ثم يورد النص‬ ‫المعرب ال��ذي قدمه الرحالة وتحقيقه م��ن دون‬ ‫تدخل في معنى النص أو مبناه؛ إذ يضم بين دفتيه‬ ‫كل ما كتبه هؤالء الرحالة عن منطقة الجوف في‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫تجد هذا في أي مكان في الجزيرة العربية‪ ،‬حيث‬ ‫تتم استضافة الضيف ومعاملته بالحسنى‪ ،‬وإكرامه‬ ‫لدرجة عرض اإلقامة عليه‪ ،‬وتقريبه حتى يصبح‬ ‫بالتدريج واحدا منهم‪ .‬أما الشجاعة فال يستطيع‬ ‫أحد أن ينزعها منهم»‪.‬‬

‫(‪1811 – 1767‬م)‪.‬‬

‫قلعة مارد (فوردر‪1901 ،‬م)‬

‫قصر خزام (فوردر‪1901 ،‬م)‬

‫بلدة سكاكة (هولت‪1922 ،‬م)‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪123‬‬


‫ي�ق��ع ال �ك �ت��اب ف��ي (‪ )570‬ص�ف�ح��ة م��ن القطع‬

‫الكبير‪ ،‬وي��أت��ي ضمن إص� ��دارات ال �ن��ادي األدب��ي‬ ‫بالجوف لعام ‪2011‬م‪ ،‬متضمنا عشرات الوثائق‬ ‫والصور والخرائط الجديدة‪ ،‬وال غنى ألي باحث‬ ‫أو مهتم بتاريخ منطقة الجوف والمملكة العربية‬ ‫السعودية عن اقتنائه‪.‬‬

‫وتتحدث دار النيل والفرات لتسويق الكتب عن‬

‫مشروع الدكتور البادي‪« :‬يأتي هذا الكتاب كجزء من‬ ‫مشروع عملي بدأه الباحث الدكتور «عوض البادي»‬

‫منذ سنوات عدة‪ ،‬يهدف إلى جمع وترجمة كل ما‬ ‫كتبه الرحالة األوروبيون عن مناطق الجزيرة العربية‬

‫كافة باللغات األجنبية على اختالفها‪ ،‬القتناعه‬ ‫أرتشيبالد فوردر‬

‫باألهمية العلمية لهذه النصوص‪ ،‬وضرورة توفيرها‬

‫باللغة العربية للباحثين وال��دارس�ي��ن والجمهور‪،‬‬

‫الفترة من ‪1922 -1845‬م محتويا على موضوعات‪ :‬وبمنهج ميسر يتضمن التعريف بالرحالة وأهدافه‬ ‫الرحالت‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬وتفصيال لألوضاع وأهمية ما قدمه ثم يورد النص الخاص بالمنطقة‬

‫االج�ت�م��اع�ي��ة واالق �ت �ص��ادي��ة وال�س�ي��اس�ي��ة بمنطقة المعنية‪ ،‬وأن يبدأ بأول رحالة زار المنطقة وينتهي‬ ‫ال �ج��وف‪ ،‬لفترة تمتد إل��ى نحو م��ائ��ة ع��ام سبقت بآخر رحالة زاره��ا ضمن اإلط��ار الزمني المحدد‬

‫انضمام منطقة الجوف إلى الدولة السعودية‪.‬‬

‫لكل منطقة»‪.‬‬

‫تشارلز هوبر‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫امللك‬ ‫خالد بن عبدالعزيز آل سعود‬ ‫خطب وكلمات‬

‫الناشر ‪ :‬دارة امللك عبدالعزيز‬ ‫السنة ‪1431 :‬هـ‪2010 /‬م‬ ‫يتضمن هذا الكتاب نخبة مختارة من الخطب والكلمات التي ألقاها الملك خالد بن عبدالعزيز‬ ‫آل سعود – رحمه الله ‪ -‬في مختلف المناسبات المحلية والدولية‪..‬والتي تعد تعبيرا صادقا عن‬ ‫شخصية إمام مخلص لبلده وأبناء وطنه‪ ،‬وهي شخصية رسمها اإليمان واإلخالص والصدق في‬ ‫القول والعمل‪.‬‬ ‫وقد عبرت كلماته – رحمه الله – عن مسئوليته التاريخية في قيادة هذه البالد‪ ،‬وترجمة‬ ‫لمواقفه التي تدعو دائما إلى تطوير البالد ودعم القضايا العربية واإلسالمية والدولية‪.‬‬ ‫كما تضمنت كلماته – رحمه الله – تطلعات المحب ألمته‪ ،‬الحامل لهمومها‪ ..‬والممثل آلمالها‪،‬‬ ‫داعية إلى التضامن العربي واإلسالمي وإلى الوحدة وعدم االختالف‪ ،‬وإلى اإلخ��اء واالئتالف‬ ‫لمواجهة التحديات التي تحيط باألمة العربية واإلسالمية‪ .‬إل��ى جانب ما اشتملت عليه من‬ ‫توجيهات صادقة ألبنائه المواطنين بما يعود عليهم بالنفع والفائدة‪.‬‬

‫من أقوال الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود‬ ‫< إن مسؤوليتنا عظيمة تجاه أمتنا اإلسالمية والعربية بل وتجاه اإلنسانية أجمع‪ ،‬وإننا نعتز‬ ‫بحمل هذه المسؤولية‪ ،‬وقد أثبتنا ولله الحمد في شتى المجاالت ومنذ أن أسس هذه المملكة‬ ‫الملك عبدالعزيز‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬أننا نتصرف إن شاء الله على هدى من هذه الشريعة الغراء‪.‬‬ ‫< كان حرصنا عظيما على أن تضع حكومة المملكة العربية السعودية كل ما تملك من موارد‬ ‫وإمكانات في خدمة المواطن‪ ،‬والحفاظ على قيمه الدينية والخلقية التي من دونها ال تقوم‬ ‫لنا كلمة‪ ،‬والتي نحرص على تعميقها حتى تظل المشعل ال��ذي ينير لنا ال��دروب في الدنيا‬ ‫واآلخرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪125‬‬


‫استخدامات الهاتف اجلوال‬ ‫كوسيلة اتصالية إعالمية‬ ‫في املجتمع السعودي‬

‫املؤلف ‪ :‬شذى بنت عبدالواحد احلميد‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪1432 :‬هـ‪2011 /‬م‬ ‫> محمد صوانه‬ ‫يأتي اإلص��دار الجديد لبرنامج النشر في‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ليناقش‬ ‫قضية م�ع��اص��رة متصلة ات �ص��االً وث�ي�ق�اً بحياة‬ ‫الناس المعاصرة واهتماماتهم المتجددة في‬ ‫عصر أصبحت السمة المميزة له هي السرعة‬ ‫والتقنية الرقمية‪.‬‬

‫ه��ذه الوسيلة االتصالية اإلعالمية التي تمتاز‬ ‫بسهولة االستخدام وسرعة تقدمها واستثمارها‬ ‫لكثير م��ن االخ �ت��راع��ات التقنية ال �ت��ي وظفت‬ ‫لترسيخ أهميتها وترسيخ تعلق الناس بها؛ لما‬ ‫تحققه ل�ه��ا م��ن إش �ب��اع وخ��دم��ات‪ ،‬أص �ب��ح من‬ ‫الصعب تخيّل الحياة من دونها!‬

‫وقد أقامت المؤلفة دراستها الميدانية على‬ ‫عينة من سكان العاصمة الرياض فأثمرت هذا‬ ‫المؤلَف النافع ال��ذي يواكب اهتمامات الناس‬ ‫ويرتبط باحتياجاتهم التواصلية فيما بينهم من‬ ‫جهة ومع العالم من حولهم من جهة أخرى‪.‬‬

‫قُسمت الدراسة إلى ثالثة فصول واحتوت‬ ‫على نحو (‪ )28‬جدوالً إحصائياً أثرت مضمون‬ ‫الدراسة ببيانات إحصائية عن عينة الدراسة‪.‬‬ ‫ت�ن��اول��ت المؤلفة ف��ي الفصل األول‪ :‬المقدمة‬ ‫المنهجية للبحث‪ ،‬فعرضت فيها أهمية الدراسة‪،‬‬ ‫وأهدافها‪ ،‬وتساؤالتها‪ ،‬ومجتمع الدراسة وعينتها‪,‬‬ ‫وع��رض�اً للدراسات السابقة‪ ،‬وق��د استخدمت‬ ‫الباحثة أسلوب الدراسات المسحية‪.‬‬

‫ه��دف��ت ال��دراس��ة إل��ى ال�ت�ع��رف ع�ل��ى حجم‬ ‫استخدام المجتمع السعودي للهاتف الجوال‬ ‫وأنماطه‪ ,‬ودوافعه‪ ,‬ومدى اإلشباع المتحقق منه‪،‬‬ ‫وتناولت في الفصل الثاني‪ :‬اإلطار النظري‬ ‫وهي خطوة تواكب اهتمامات الفرد والمؤسسات‬ ‫في المجتمعات المعاصرة‪ ،‬لما نشهده من تزايد ف ��ي م �ب �ح �ث �ي��ن‪ ،‬ت� �ن ��اول األول م �ف �ه��وم ن�ظ��ري��ة‬ ‫االهتمام بالتطورات التقنية الهائلة التي تواكب االستخدامات واالشباعات‪ ,‬وفي الثاني تناولت‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


‫أما الفصل الثالث‪ :‬فيعرض الجانب الميداني‬ ‫العملي‪ ،‬إذ شمل عرضاً تفصيلياً لنتائج الدراسة‬ ‫الميدانية التي قامت الباحثة بتطبيقها لإلجابة‬ ‫على تساؤالت الدراسة‪ ،‬من خالل ستة مباحث‪،‬‬ ‫عرضت الباحثة ف��ي المبحث األول اإلج ��راءات‬ ‫ال�م�ي��دان�ي��ة ل �ل��دراس��ة ومجتمع ال ��دراس ��ة‪ ،‬وذل��ك‬ ‫(ال��ذي ت�ك�وّن م��ن ‪ 400‬مستجيباً م��ن المواطنين‬ ‫السعوديين في مدينة ال��ري��اض)‪ ،‬وعينتها وأداة‬ ‫الدراسة (االستبانة)‪ ،‬وإجراءات الصدق والثبات‪،‬‬ ‫والمعالجات اإلحصائية؛ وعرضت في المبحث‬ ‫الثاني استخدامات الهاتف الجوال؛ وفي الثالث‬ ‫دواف��ع استخدامات الهاتف الجوال؛ وفي الرابع‬ ‫اإلشباعات المتحققة من استخدام الهاتف الجوال؛‬ ‫وفي الخامس العوامل المؤثرة في استخدام أفراد‬ ‫المجتمع ال �س �ع��ودي ل�ل�ه��ات��ف ال��ج��وال ودواف �ع��ه‬ ‫وإشباعاته‪ ،‬وفي المبحث السادس عرضت أهم‬ ‫النتائج والتوصيات‪ .‬وتتمثل في‪:‬‬

‫ب �ن �س��ب ض �ع �ي �ف��ة م �ن �ه��ا «إرس�� � ��ال ال �م �ق��اط��ع‬ ‫اإلخبارية»‪ ,‬و«الرسائل الدعوية»‪.‬‬

‫ استخدام «كاميرا ال �ج��وال» ج��اء ف��ي مقدمة‬‫االس �ت �خ��دام��ات‪ ،‬ي�ل�ي��ه «ال �ت��ذك �ي��ر بالمواعيد‬ ‫وجدولتها»‪ ،‬ثم « البالك بيري»‪ ،‬بينما حلَّت‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الهاتف الجوال وظهوره‪ ،‬وتطور النظام العالمي‬ ‫لالتصاالت‪ ،‬وتطور تقنيات الجوال عبر السنوات‪،‬‬ ‫واس�ت�خ��دام��ات��ه‪ ،‬وخ��دم��ات اإلع�ل�ام الجديد عبر‬ ‫الجوال‪.‬‬

‫بينما جاءت االستخدامات األخ��رى للبلوتوث‬

‫في المرتبة األخيرة‪ ،‬وبنسبة متدنية «مشاهدة‬

‫القنوات التلفزيونية»‪.‬‬

‫ دافع «التواصل مع األهل واألق��ارب» جاء في‬‫المقدمة‪ ،‬يليه «معرفة أخبار الزمالء»‪ ،‬و«توفير‬

‫األم��ان في ح��ال ع��دم وج��ود وسائل اتصال»‪،‬‬

‫ثم دافع «متابعة متطلبات األسرة عند الوجود‬ ‫خارج المنزل»‪ .‬بينما جاء دافع «متابعة األخبار‬ ‫ال�ع��ام��ة»‪ ,‬و داف��ع «ب�ن��اء ع�لاق��ات عاطفية مع‬

‫الجنس اآلخر» بنسبة متدنية جداً‪.‬‬

‫ أه��م ال �ع��وام��ل ال �م��ؤث��رة ف��ي اس �ت �خ��دام أف��راد‬‫المجتمع ال �س �ع��ودي ل�ل�ج��وال ه��ي متغيرات‪:‬‬

‫العمر‪ ،‬والجنس‪ ،‬والمستوى التعليمي‪.‬‬

‫ ‪ -‬ان�ع��دام استخدام العينة للمكالمات المرئية‬ ‫وال�م�ك��ال�م��ات الجماعية‪ ،‬بينما ظهر حرص الواسعة االنتشار ‪ -‬ال تزال تفتقر إلى مزيد من‬ ‫الغالبية على تعميم الجوال أثناء السفر‪ .‬وكان‬ ‫الدراسات العلمية المتعمقة‪ ،‬التي تتناول دوافع‬ ‫استخدام العينة لخدمة (‪ )call me‬وخدمة‬ ‫االس �ت �خ��دام وم ��دى اإلش �ب��اع المتحقق م�ن��ه‪ ،‬بما‬ ‫(م��وج��ود اك �س �ت��را) وخ��دم��ة (ال�م�ك��ال�م��ة على‬ ‫يتواءم مع أهمية هذه التقنية وخطورتها؛ ويخدم‬ ‫حساب اآلخر) بنسب ضعيفة‪.‬‬ ‫ه��ذا القطاع االتصالي المهم في حياة عصرية‬ ‫ ان ��زع ��اج غ��ال �ب �ي��ة ال �ع �ي �ن��ة م ��ن رس ��ائ ��ل ‪sms‬‬‫اإلعالنية‪ ،‬بينما يحرصون على إعادة إرسال تتسم بالتسارع المضطرد في مجاالت االبتكارات‬ ‫ما يردهم من رسائل مميزة‪ ،‬وجاء في مؤخرة الرقمية‪ ،‬التي تتداخل فيها مختلف فنون العلم‬ ‫وال �ص �ن��اع��ة واالب��ت��ك��ار‪ ،‬وت�ت�ن��اف��س ف�ي�ه��ا ال�ع�ق��ول‬ ‫االستخدامات «إرسال األخبار العامة»‪.‬‬ ‫ ج��اء «ت �ب��ادل ال �م��واد السمعية والمرئية» في المبدعة من مختلف دول العالم‪ ،‬لتحقيق سبق‬‫وخ �ت��ام �اً‪ ،‬ف��إن اس�ت�خ��دام��ات ه��ذه الوسيلة ‪-‬‬

‫مقدمة استخدامات العينة الخاصة بالبلوتوث‪،‬‬ ‫يليها «إرس��ال المقاطع الطريفة المضحكة»‪,‬‬

‫ابتكاري يمنح رعاته سيادة هذا القطاع والتفرد‬

‫بإنتاج تقنياته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ ‪127‬‬


‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫> إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫البعثات وبرنامج خادم احلرمني الشريفني‬

‫أقيمت يوم الثالثاء ‪1432/04/17‬هـ محاضرة عن‪« :‬البعثات وبرنامج خادم الحرمين الشريفين‬ ‫للبعثات»‪ ،‬ألقاها األستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى‪ ،‬وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون‬ ‫البعثات‪ ،‬بحضور وكيل إمارة منطقة الجوف األستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ‪ ،‬والمدير العام رئيس‬ ‫المجلس الثقافي بالمؤسسة الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور سلمان بن عبدالرحمن‬ ‫السديري‪ ،‬واألستاذ علي الراشد‪ ،‬وحشد من أهالي منطقة الجوف‪ ،‬قدم لها الدكتور طارش بن مسلم‬ ‫الشمري‪ ،‬وكيل جامعة الجوف‪.‬‬ ‫وقد ألقى مدير عام المؤسسة‪ ..‬رئيس المجلس الثقافي الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري‬ ‫كلمة ترحيبية بهذه المناسبة‪ ،‬ثمّن فيها جهود وزارة التعليم العالي بضم أبناء المؤسسة المبتعثين إلى‬ ‫برنامج خادم الحرمين الشريفين لالبتعاث‪ ،‬مرحّ باً بالدكتور عبدالله الموسى‪ ،‬وشكره على جهوده‪.‬‬ ‫تجدر اإلشارة إلى أن هذه المحاضرة نقلت إلى القسم النسائي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة‪.‬‬

‫زراعة الزيتون في اجلوف‬

‫نواف ذويبان الراشد ود‪ .‬الهاشمي المهري‬

‫جانب من الحضور‬

‫تزامناً مع مهرجان الزيتون الرابع المقام في منطقة الجوف‪ ،‬وفي الساعة الرابعة والنصف‬ ‫من عصر يوم السبت ‪1432/3/2‬ه �ـ‪ ،‬أقيمت في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم‪،‬‬ ‫بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية محاضرة عن‪« :‬زراعة الزيتون في منطقة الجوف» ألقاها‬ ‫الخبير التونسي األستاذ الدكتور الهاشمي المهري – كبير خبراء مشروع تطوير الزيتون بمنظمة‬ ‫األغذية والزراعة (الفاو)‪ .‬وقدم لها نواف ذويبان الراشد مدير بنك التسليف السعودي في الجوف‪.‬‬ ‫وقد حضرها حشد من مثقفي المنطقة وأهاليها وبخاصة المهتمين منهم بزراعة الزيتون وإنتاجه وتسويقه‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1432‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.