-العدد - 34شتاء 1433هـ 2012 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
األمير سلمان ابن عبدالعزيز شخصية منتدى األمير عبدالرحمن السديري لعام 2011م1433-هـ
سيرة وإبداع معالي الدكتور عبد الواحد احلميد
مواجهات دراسات ونقد نوافذ عبدالدامي السالمي د .معجب الزهراني عن رحيل جان ماري لو كليزيو العباد زكريا ّ األديب اجلهيمان صالح السهيمي هيا صالح
ملف العدد:
الشعر بين التراث والحداثة 34
الدهون ,عبدالله السفر ,مالك اخلالدي, مبشاركة :عبدالغني فوزي ,د .إبراهيم ّ محمد جميل أحمد ,د .محمود عبداحلافظ خلف الله,
34
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
من إصدارات اجلوبة
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. -حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.
(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. -٢أن يُ ّ
اجلوف :هاتف - 04 624 5992فاكس - 04 426 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 412 5277 - 01 412 5266فاكس - 01 402 2545ص .ب 10071الرياض 11433 nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org
العدد 34 شتاء 1433هـ 2012 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام
إبراهيم احلميد أسرة التحرير محمود الرمحي ،محمد صوانة أمين السطام ،عماد املغربي اإلخراج الفني خالد الدعاس
املراسالت
توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6263455 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www. aljoubah. com aljoubah@gmail. com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -شتاء 1433هـ
الـمحتويــــات
6....................... منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية يحتفي بصاحب السمو امللكي األمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع
16..................... ملف العدد الشعر بني التراث واحلداثة
88..................... حوار مع أ .د .معجب الزهراني
101.................... سيرة ..وإبداع د .عبدالواحد احلميد لوحة الغالف :أسرار.
للفنانة التشـكيليـة السعودية :يازي الرويلي، من منطقة اجلوف.
االفتتاحية 4 . .................................................... منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته الخامسة 6 . .......................... ملف العدد :الشعر بين التراث والحداثة 16 . .................... دراسات ونقد :تقارب الظواهر الفنية في القصة السعودية - د .عالء الجابري 41 . ........................................... القصيبي الصراع بين الشخصيتين -زكريا العبّاد 45 ........ «حيث ال تسقط األمطار» ألمجد ناصر -هيا صالح48 ...... كينون ُة المصطلحِ -عبدالدائم السالمي 54 ................... «صابون تازة» إلبراهيم الحجري -هشام بنشاوي58 ......... القصة القصيرة جداً في االردن -عمر العامري61 . ........... قصص قصيرة :الثمالة -نادية أحمد محمد 67 . .............. الرحيل -مصطفى إبراهيم شرف69 . ........................ صلواتٌ على روح «يوسف» -زكية نجم 70 . ................... قصص قصيرة جداً -ضاري الحميد 71 . .................... قصص قصيرة جداً -عبير المقبل72 . ....................... لحظات من الزمن الهارب -محمد محقق 73 . ............... اجتيــــاح -نورة عبدالله السفر74 . ............................ شعر :أنا أنثاكَ حتى العظمِ عاشق ٌة -لبنى محاميد75 . ........ ثوب ال يناسب الحفلة -هدى ياسر 76 . ...................... هزني الشوق -عبدالله أحمد األسمري 77 . .................. حديقة الشروق -ليلى الحربي78 . ............................ ال إكراه في الحب -حامد أبو طلعة 79 . ........................ أسرج خيولك - !!!..ثاني الحميد80 . ........................... رسالة إلى رجل غبي -إيمان مرزوق 81 . ..................... مواجهات :حوار مع جان لو كليزيو -سعيد بوكرامي82 . ...... حوار مع أ .د .معجب الزهراني -محمود الرمحي88 ........ حوار مع الكاتب صالح السهيمي -أحمد الدمناتي 92 ....... حوار مع الشاعر أحمد البوق -عمر بوقاسم 98 ............. سيرة ..وإبداع :د .عبدالواحد الحميد -المحرر الثقافي 101 . . نوافذ :الجهيمان ملك األساطير الشعبية -شمس علي 105 . ... على ضفاف الجوبة -صالح الحسيني 111 .................... قصيدة عزلة لـ توماس ترانسترومر -أحمد عثمان112 ....... لوحات زينب السجيني -سعيد نوح 116 ....................... مال واقتصاد :االنكماش االقتصادي -نشأت الحوري 121 . .... قراءات 124 . ..................................................... األنشطة الثقافية 128 . .........................................
اجلوبة -شتاء 1433هـ
3
افتتاحية العدد > إبراهيم احلميد
الكتابة عن ملف العدد حول الشعر العمودي بين التراث والحداثة محفوفة بالمحاذير؛ نظرا ألن الرهان الدائم هو على القصيدة من حيث درجة اإلبداع الذي حملته ..ال من حيث الشكل الذي أتت عليه و اختار لها شاعرها أن يلبسها إياه؛ فالشكل الذي تلبسه القصيدة ال يمكن أن يكون هو المحدد إلبداعيتها ،والدليل أن هناك آالفا من القصائد الشعرية ال تكاد تجد فيها ما يحرك في قارئها أي قبول لها أو تفاعل معها ،فيما تجد هذا التفاعل مع أشكال أخ��رى للقصيدة ،ال تجده في غيرها .والعكس صحيح ،ولهذا ،فإن السجال الذي كان يدور بين الشعراء المبدعين دوما هو على درجة اإلبداع والشعرية في القصيدة ال على الشكل ،ولهذا فقد قال الشاعر الجاهلي منذ زمن بعيد «هل غادر الشعراء من متردم» .وهل لشاعر أن يجرؤ على كتابة قصيدة بعد عنترة ،إذ أن الشاعر المبدع يتردد كثيراً في إعالن قصيدته قبل أن يتأكد من شاعريتها ،ولهذا ..ورغم الشاعرية التي يحملها ع��دد من الشعراء ،إال أنهم يرفضون تصنيفهم كذلك؛ حينما يسترجعون قول عنترة؛ فتصبح القصيدة غيمة ممطرة أو متجاوزة. ومن هنا كان ره��ان الشعراء على القصيدة ال على شكلها ،حتى بعد مرورها بمراحل تطور و تغير في العصور التي تلت عصور الشعر األولى، وفي عهد الخالفة األموية والعباسية واألندلسية وغيرها .ولم يأت السجال على الشكل المغاير تماما إال في العصر الحديث ،مع ب��روز األشكال
4
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وإذ نقدم هذا الملف في الجوبة للحديث حول القصيدة العمودية ،فإننا نبذل جهدنا ف��ي إع �ط��اء ص ��ورة ع��ن ه��ذا ال�ف��ن الشعري األصيل ،آملين أن يعود للقصيدة العمودية وهجها ،وأن تحيي مالمحها صنوف البالغة الشعرية في القصيدة العمودية بعد أن خفتت في كثير من النصوص الشعرية التي يعدها بعضهم ش �ع��را ،ف��ي ال��وق��ت ال ��ذي ال يكتب لها الخلود الستسهال الصعود إلى قامتها. مسلطين الضوء على نواح عديدة منه ،بدءاً باإليقاع بمعناه الواسع الذي يضم العروض واإلي� �ق���اع ال ��داخ� �ل ��ي ،و ت� �ص ��ادي التجارب الشعرية ،وتراسلها ،والتناص ،وعالقة النص بالنصوص األخرى ،كما يرى الدكتور عبدالغني فوزي ،الذي يؤكد أن ممارسة التجريب لدينا اقتصرت -على األرجح -على مقاربة الشكل الشعري ،بوصفه يمثل الحداثة الشعرية أو الكتابة ال�ج��دي��دة ،بينما ف��ي العمق ل��م تزل القيم والعواطف واالنفعاالت هي ذاتها التي أسرت القصيدة التقليدية ،وهو يرى أن التنقل من شكل شعري إلى آخر ال يعني بالضرورة
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
المخالفة للشكل التقليدي للقصيدة ،واتساع عباءتها لتشمل قصائد التفعيلة وقصيدة النثر ،وإن اختلف الكثيرون حول ذلك.
التجديد .أو كما يرى الدكتور إبراهيم الدهون أن استدعاء التراث واستلهامه يتطلب شاعرا موسوعيا لتوظيفه في الجملة الشعرية ،ويرى الناقد عبدالله السفر أن األزمة في القصيدة ليست أزم��ة نص أو منتج ،بل أزم��ة الشاعر المبدع ال��ذي يطوّع النص ،فيما ترى مالك الخالدي أن الثورة على النسق تخلق مدرسة شعرية خالصة ،بينما يرى الشاعر والناقد محمد جميل أحمد أن الرهان على القصيدة ال �ع �م��ودي��ة ال ي�ت�ص��ل ب �ع�لاق��ة ض��دي��ة حيال قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر ،نافيا هيمنة نمط شعري على آخر ،معتبرا أن الرهان على القصيدة هو شكل من أشكال الرهان على الحرية التي تليق بطبيعة الشعر ،وه��ذا ما ينتهي إليه الدكتور محمود عبدالحافظ من عدم استطاعة لون شعري إلغاء اللون الشعري اآلخ��ر ،ألن الشعراء المبدعين ينظرون إلى النص من زوايا متقاربة وليست متنافرة. وف��ي الختام ،يقول الشاعر شوقي بزيع «يتقدم الشاعر إل��ى قصيدته وس��ط غابة شاسعة من الظلمات» ،و يقول صالح ستيتية «ال�ش��اع��ر ه��و ال��رام��ي األع �م��ى ال ��ذي يملك ال �ق��درة -رغ ��م ع �م��اه -للتصويب إل��ى قلب الهدف أو جوهر المعنى»..
اجلوبة -شتاء 1433هـ
5
منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته الخامسة يحتفي بصاحب السمو الملكي األمير
سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع كشخصية للمنتدى إلسهاماته المتميزة في مجاالت اإلدارة المحلية والتنموية > كتب محمد صوانه
احتفت مؤسسة عبدالرحمن السديري بصاحب السمو الملكي األم��ي��ر سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع كشخصية لمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته الخامسة لعام 1433هـ (2011م) ،وذلك خالل الحفل الختامي لفعاليات المنتدى الذي استمر لمدة يومين من 18-17محرم 1433هـ ( 13-12ديسمبر 2011م) ،الذي أقامته المؤسسة في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض ،تقدير ًا لجهود سموه في تأصيل اإلدارة المحلية وتطويرها تخطيط ًا وإشرافاً؛ وشمل المنتدى ندوة بعنوان «اإلدارة المحلية والتنمية» شارك فيها نخبة من الباحثين المتخصصين قدموا أربع أوراق عمل ناقشت جوانب متنوعة في مجال اإلدارة المحلية. وحضر حفل التكريم عدد من أصحاب السمو الملكي األم��راء وأصحاب المعالي الوزراء ،وعدد من سفراء الدول العربية والصديقة في المملكة.
6
اجلوبة -شتاء 1433هـ
م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة االمير سلمان بن عبدالعزيز وإلى يمينه االمير فيصل بن عبدالرحمن السديري وإلى يساره االمير سلطان بن عبدالرحمن السديري
وجاء تكريم سموه تقديراً إلسهاماته المتميزة إمارة منطقة الرياض. في اإلدارة المحلية والتنموية والتخطيط ،التي وأضاف إن هذا المنتدى هو أحد المناشط أس�ه�م��ت ف��ي ت��أص�ي��ل ال�ع�م��ل االداري المحلي المنبرية الدورية التي تقيمها المؤسسة ،وتتوخى وتطويره وإعطائه البعد العالمي الخالق بعيدا م��ن خ�لال �ه��ا ت �ن��اول ب �ع��ض م��وض��وع��ات الوطن عن المحلية ،ومن خالل خبرة سموه في الحكم الجديرة باالهتمام ،مبينا أن المنتدى قد تناول في المحلي التي امتدت على نحو خمسة عقود ،قدم دوراته السابقة مواضيع شملت الهيئات الخيرية خاللها نظرة متقدمة في معالجة قضايا محلية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ووطنية متنوعة ومعقدة ،والتعامل مع مختلف واألزمة المالية العالمية ،والنظام القضائي في فئات المجتمع. المملكة ،والنظام الصحي السعودي.
كلمة رئيس مجلس اإلدارة
وق ��ال :إن هيئة المنتدى اخ �ت��ارت أن تكون «اإلدارة المحلية وال�ت�ن�م�ي��ة» م��وض��وع ال ��دورة الخامسة استشعاراً منها ألهمية هذا الموضوع ف��ي ال �م��رح �ل��ة ال �م �ع��اص��رة م��ن م �س �ي��رة الوطن التنموية ،وق��د ت �ن��اول ه��ذا ال�م��وض��وع بالبحث والطرح والنقاش في ندوة المنتدى مجموعة من المتخصصين.
وألقى األمير فيصل بن عبدالرحمن السديري رئيس مجلس إدارة المؤسسة كلمة في الحفل قال فيها :إن لجنة المنتدى اختارت الشخصية المناسبة للموضوع المطروح في ندوة المنتدى، ولهذا كان المُحْ تَفَى به هو صاحب السمو الملكي األمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض السابق وزيرالدفاع ،لدوره المعروف في اإلدارة وأك��د أننا« :نسعد بأن يكون لهذه المؤسسة المحلِّية من خالل عمله فيها ألكثر من خمسين ش��رف اإلس �ه��ام ف��ي خ��دم��ة ال�ث�ق��اف��ة ف��ي وطننا عاماً ،ولمساهمات سموه الكريم المتميزة في م��ن خ�لال م��ا ت��وف��ره مكتباتها ال�ع��ام��ة ،وتقدمه مجاالت اإلدارة المحلية والتنمية خ�لال تولّيه برامجها للنشر ودعم األبحاث ،وتحييه مناشطها اجلوبة -شتاء 1433هـ
7
كلمة شخصية المنتدى صاحب السمو الملكي األمير سلمان بن عبدالعزيز ،وزير الدفاع بسم الله الرحمن الرحيم.. أيها اإلخوة واألخوات الحضور ،أيها األبناء والبنات.. أن��ا سعيد ه��ذه الليلة أن أل��بّ��ي دع��وة مؤسسة الخال عبدالرحمن السديري التي أقامها أبناؤه البررة ألكون بينكم ،وإنني إن قدمت شيئا لمدينة الرياض أو لمنطقة الرياض أو لبالدي فهو نهج هذه الدولة وتوجيهات ملوك هذه الدولة التي عملت في عهودهم. نحن والحمدلله منذ أقام الملك عبدالعزيز هذه الدولة وخلفه أبناؤه :سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله ،ونحن والحمد لله نعيش في أمن واطمئنان وتعاون، ونعيش والحمدلله أسرة واحدة في هذه البالد .وما تم في هذه البالد والحمد لله هو من فضل الله عز وجل ،وال شك أن اندماجنا الكامل في هذه الدولة بيننا كمواطنين هو بما وصلنا إليه حتى هذه الساعة ،فليس لي فضل في شيء إطالق ًا فهذا واجبي وتوجيهات قادتنا في هذا البلد. أشكر المؤسسة وأبناء الخال عبدالرحمن البررة أن أقاموا هذا الحفل حتى أكون بينكم وأسمع منكم ..والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته. المنبرية» ،مضيفاً «هذه المؤسسة غير الربحية
كلمة هيئة المنتدى
التي تعود جذورها لنصف قرن مضى ،هي من
كما ألقى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عضو هيئة المنتدى كلمة استعرض فيها جوانب من شخصية األمير سلمان بن عبدالعزيز ،مؤكدا أنه «شخصية تتعدد مباحثها وأغوارها ،وتغري من يعشق الرصد والسبر والتحليل» ،ووصفه بأنه «شخصية إداري ��ة متألقة ،جعلت م��ن ممارسة العمل السياسي واألم �ن��ي فنا يمتزج فيه البر والتنمية والثقافة ،وشكلت م��ن روح التواصل االج �ت �م��اع��ي واإلن��س��ان��ي وج �ه��ة ل �ك��ل مكونات المجتمع ،ومثقفيه بخاصة».
بنات فكر مؤسسها –يرحمه الله -ال��ذي تحمل اسمه». وأش��ار السديري إلى أن هناك وجها مشرقا لدولتنا حريّ بنا أن نشيد به ،ونحكي ما تمخض عنه ،ونحفظ مكاسبه ،ونضيف إليه ،فهناك وجه أصيل لثقافتنا يسمو إلى الريادة ،ويش ّع بالنور، ويبعث على األمل ،وقال« :إنه ليشرف المؤسسة أن يكون رج��ل اإلدارة والتنمية بامتياز األمير
8
سلمان أمير منطقة الرياض السابق وزير الدفاع، وأضاف الدكتور عبدالرحمن الشبيلي« :تظل شخصية منتدى األمير عبدالرحمن السديري» ،تجربة العاصمة مع التنمية اإلدارية المحلية بيت موجهاً شكره لسموه على قبول ه��ذا الترشيح ،القصيد في هذا التكريم ،ألنها قصة نادرة فيما وعلى عنايته الدائمة بهذه المؤسسة. نعرفه م��ن ال�ت�ج��ارب ،ملحمة حضارية جمعت اجلوبة -شتاء 1433هـ
م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة
بين األصالة والمعاصرة ،والتاريخ والجغرافيا، والمنارة والعمارة ،والتحديث واالخضرار ،ستظل تجربة ثرية يمتح منها المنظر والخبير في مجال التنمية المحلية ،في سيرة مسؤول أهدى زهرة شبابه لكتابة التاريخ الحديث لهذه العاصمة التي اختارها جده ،وأعزها أب��وه ،وأسلمها إخوته له جانب من الحضور من أجل البناء واإلنسانية ،ثم ناولها ألخيه سطام المحلية السعودية كمنطلق للتطوير. وه��ي على ح��ال م��ن النضج والتكامل تزهو به وك��ان��ت ن��دوة المنتدى ف��ي دورت ��ه الخامسة العواصم والحواضر». بعنوان «اإلدارة المحلية والتنمية» ,هدفت إلى م��ن جهته ،ع��رض الدكتور ع��دن��ان الشيحة، التعريف بواقع اإلدارة المحلية وما يكتنفها من رئ �ي��س ق �س��م اإلدارة ال �ع��ام��ة ب�ج��ام�ع��ة الملك ت�ح�ـ��دي��ات وف ��رص وت�ح��دي��د م�ق��وم��ات نجاحها, سعود ،توصيات ندوة اإلدارة المحلية والتنمية، وتقييم ال �ق��درات الحالية على تفعيلها وبلورة التي بحث الخبراء فيها مفهوم اإلدارة المحلية الخطوات الالزمـة لتطبيقها ،وتعـزيز التوجـه نحو والتجارب الدولية والتحديات الراهنة ،إضافة تطوير اإلدارة المحـلية ألداء دور أكبر في تحـقيق إلى النموذج المقترح لإلدارة المحلية السعودية، تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومستدامة، تتضمن تحليال لإلطار التنظيمي الراهن لإلدارة والتعرف على التجارب واالتجاهات الحـديثة في مجال اإلدارة المحـلية ،واقتراح نموذج لإلدارة المحلية يستند على الثوابت ،ويحـقق الكفاءة وال�ف��اع�ل�ي��ة ،ويستجيب للمستجدات وأنماط االستهالك الجـديدة.
أوراق عمل ندوة اإلدارة المحلية والتنمية
د .عبدالرحمن الشبيلي
وقد أقيمت ندوة اإلدارة المحلية والتنمية ي��وم االثنين 18محرم 1433ه �ـ ( 12ديسمبر 2011م) ,شارك فيها أربعة من خبراء اإلدارة
يعد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية واحد ًا من أبرز فعاليات مؤسسة عبدالرحمن السديري الثقافية ،يقام سنوي ًا بالتناوب بين الجوف والغاط. وقد أقيمت دورته األولى في الغاط عام 2007م ،وتشمل فعالياته ندوة تتناول موضوع ًا ذا أهمية على مستوى الوطن ،يدعى لها مجموعة من المتخصصين في مجالها ،إضافة إلى إقامة معرض إلصدارات المؤسسة ،مع تكريم شخصية لها إسهام واضح في موضوع ندوة المنتدى. وتنظم أعمال المنتدى هيئة مشرفة وفق الئحة معتمدة من قبل مجلس إدارة المؤسسة.
اجلوبة -شتاء 1433هـ
9
المحلية ،ت �ن��اول��وا فيها ع ��ددا م��ن المحاور، توزعت على جلستين. وقد افتتح الدكتور سلمان بن عبدالرحمن ال� �س ��دي ��ري ع��ض��و م �ج �ل��س إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية فعاليات الندوة بكلمة رح ��ب فيها ب��ال�م�ش��ارك�ي��ن والحضور، وأع��رب عن أمله في أن يحقق ه��ذا المنتدى األه��داف التي وضعتها هيئة المنتدى ،والتي تتلخص في تسليط الضوء على موضوع اإلدارة د .سلمان بن عبدالرحمن السديري المحلية والتنمية ،وتمنى أن يخرج المنتدون بنتائج وتوصيات نافعة لكل المهتمين بموضوع مؤسسة ثقافية غير ربحية تعنى بتنمية البعد المنتدى. الثقافي لمجتمعيّ الجوف والغاط من خالل وأش ��ار ال��دك�ت��ور سلمان ال�س��دي��ري إل��ى أن م��رك��زه��ا ال��رئ �ي��س ب��ال �ج��وف ،وف��رع �ه��ا مركز م��ؤس �س��ة ع �ب��دال��رح �م��ن ال �س��دي��ري الخيرية الرحمانية الثقافي بالغاط.
الجلسة األولى مفهوم اإلدارة المحلية والتجارب الدولية والتحديات الراهنة أدارها الدكتور سعود بن محمـد النمر الورقة األولى مفهوم اإلدارة المحلية وتوجهاتها الجديدة ،والتجـارب الدولــية والـدروس المسـتفادة
الدكتور خـالد بن عثمان اليحيى
زميل جامعة هارفارد ،ورئيس برنامج الحوكمة واإلدارة المقارنة بكلية دبي لإلدارة الحكومية، وجامعة والية أريزونا األمريكية
استعرض الدكتور اليحيى في ورقته مجموعة المفاهيم واألط��ر المعرفية المتعلقة باإلدارة المحلية والالمركزية من منظور مقارن .وناقش أهمية التحول إلى نظام اإلدارة المحلية ودوافعه في العديد من ال��دول ،ومحددات النماذج والمداخل المبتكرة لتطبيق منظومة صنع السياسات وال��ق��رارات ،وإدارتها بما يتناسب مع ظروف الدولة االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،ويمكِّ ن المجتمعات من الوصول إلى معادلة مستدامة للحكم واإلدارة ،بمقاييس الزمان والمكان ،تحقق التوافق بين مقتضيات السياسات واألهداف اإلستراتيجية للدولة العصرية من جهة ،ومتطلبات الوفاء بالحاجات والمصالح ذات الصبغة المحلية ،من جهة أخرى.
10
اجلوبة -شتاء 1433هـ
مفهوم اإلدارة والحوكمة المحلية وتطبيقاتها ،وأوجة التشابهواالختالف بينها لدى دول في أوربا وأمريكا و آسيا والشرق األوسط ،وخالصة بعض هذه التجارب. مقومات اإلدارة والحوكمة المحلية. بعض التحديات التى واج�ه��ت وت��واج��ه مخططي التنميةومديري اإلدارة والحوكمة المحلية ،وبخاصة غياب التوافق بين التفكير والتخطيط اإلستراتيجي والتنفيذ اإلستراتيجي في مراحل تطور اإلستراتيجية الوطنية ل�لإدارة المحلية، وتحليل البيئة الخارجية والداخلية لالمركزية.
د .سعود النمر يدير الجلسة األولى
ال �ت �ط��ورات وال�ت��وج�ه��ات ال �ج��دي��دة ف��ي اإلدارة والحوكمةالمحلية.
م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة
كما ,ناقشت الورقة ،بشكل خاص ،العناصر األتية:
د .خالد اليحيى
الورقة الثانية تحــديات اإلدارة الـمـحـلية السـ ــعودية
الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري وكيل إمارة مكة المكرمة
وقد عرض الدكتور الخضيري فيها أهم التحديات التي تواجه العمل اإلداري السعودي اليوم ،وهو تحديد المسئوليات والصالحيات لإلدارة المحلية ،وإعطاؤها الدور التنموي الذي يجب أن تقوم به، ويأتي ذلك نتيجة عدم استيعاب المفاهيم والمصطلحات اإلدارية. وأكد أن المفاهيم والمصطلحات اإلدارية إذا لم يتم استيعاب المقصود منها ودوره��ا والفرق بينها، فإن تداخلها وتعارضها وتصادمها يصبح أمراً حتمياً. وم��ن أه��م المفاهيم اإلداري ��ة األساسية التي يجب فهمها وإدراك معانيها هو الفرق بين مفهوم الحاكم اإلداري والمسئول اإلداري على المستوى المحلي، ومسئوليات وصالحيات كل منهما ،وعالقة كل منهما بالمستويات اإلدارية األعلى. وهذا التداخل في الصالحيات والمسئوليات ينعكس وأك��د أن ال�ت��داخ��ل بين مسئوليات وصالحيات بأثرة السلبي على أداء بقية األجهزة على المستوى الحاكم اإلداري على المستوى المحلي ( )Governorاإلقليمي والمحلي ،ويؤثر بشكل سلبي على العالقة والمسئول اإلداري مثل أمين المدينة أو رئيس البلدية مع األجهزة المركزية.
( )Mayorيؤدي إلى ازدواجية ،وإرباك لألدوار المطلوبة وق��ال الدكتور الخضيري :إن تجربة المملكة في من كل واحد منهما ،ويتسبب في تداخل المسئوليات ،اإلدارة المحلية من خالل العالقة بين الحاكم اإلداري
اجلوبة -شتاء 1433هـ 11
والمسئول اإلداري أصبحت متداخلة ،بشكل أصبح معه العمل غير معروف المرجعية أو المسئولية ،وأُثقِ َل أم��راء المناطق بمسئوليات وأعمال يغلب عليها العمل اإلداري البلدي ،وليس العمل المرتبط بمسئولية الحكم المتضمن تحقيق الرفاهية للمواطن وحماية حقوقه وأمنه التي كفلها النظام له. إن التحديات ال�ت��ي تواجهها اإلدارة المحلية في المملكة العربية السعودية م��ن ه��ذا المنظار تتطلب اإلطالع على كل األنظمة والتعليمات والتغييرات التي ص��درت خ�لال الفترة الماضية ،وبخاصة منذ تاريخ ص��دور نظام المناطق وحتى تاريخه ،للخروج برؤية إداري��ة تنموية محليه تعزز االهتمام بتوطين التنمية وتحقيق االستقرار السكاني والرفاهية االجتماعية، وتضمن حماية حقوق وأمن المواطن والمقيم ،مستفيدة في ذلك من كل التجارب المحلية واإلقليمية والعالمية.
ك�م��ا تتطلب ال �ت �ح��دي��ات اإلداري � ��ة دراس� ��ة متأنية للعالقة اإلدارية بين ما يسمى باإلدارة الرأسية واإلدارة األفقية ،واللتين تتقاطعان في اإلدارة المحلية ،وتؤثران إيجاباً وسلباً عليها وعلى مخرجاتها اإلداري��ة والمالية والتنموية ،وع��دم تكاملهما مع بعضهما يؤثر في أداء اإلدارة المحلية ،ويعزز من استمرار االزدواجية اإلدارية بين األجهزة المحلية والمركزية. وركزت الورقة على إلقاء الضوء على أهم التحديات اإلدارية المحلية في ضوء ما ذُكر ،واقترح الباحث بعض الرؤى والتصورات التي يمكن تطويرها لدعم وتعزيز دور اإلدارة المحلية في المناطق والمحافظات في تحقيق أه ��داف خطط وإس�ت��رات�ي�ج�ي��ات التنمية االقتصادية واالجتماعية واألمنية ،وتعالج بعض التداخالت بين المسئوليات المحلية والمركزية ف��ي مجاليّ اإلدارة والتنمية.
الجلسة الثانية نموذج مقترح لإلدارة المحـلية السعودية أدارها الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد الورقة األولى تحـليل اإلطـار التنظيمي الراهن لإلدارة المحلية السعودية كمنطلق للتطـوير
الدكتور ثامـر بن مـلوح المـطـيري
أمـيـن عــام ال ـلـجـنـة الـعـلـيـا للتنظيم اإلداري ،مــدير مــشروع التنظيم اإلداري لألجهزة الحكومية، وع ـضــو ه ـي ـئــة الـتــدريس بـمـعـهـد اإلدارة العامة
ق��دم الدكتور المطيري تحلي ًال لإلطار التنظيمي ال��راه��ن ل�ل�إدارة المحلية السعودية كمنطلق للتطـوير ،وأش��ار إلى أن التنظيم اإلداري المحلي في المملكة جابه وما يزال جملة من الصعوبات والثغرات المختلفة ،وحالت هذه المعوقات والعقبات دون تحقيق جميع األهداف المبتغاة منه ،األمر الذي تؤكده طبيعة القرارات وحجم اإلنجازات المتحققة عن طريق إمارات المناطق ومجالس المناطق والمجالس المحلية والمجالس البلدية وبقية الوحدات المحلية األخ��رى ،وبوجه خاص في نطاق التنظيم والتخطيط واإلستثمار والمشاريع الخدمية التي لم تعالج معالجة كافية مشاكل المواطنين واحتياجاتهم من حيث الوقوف عليها وإيجاد الحلول الالزمة لها .إن التجربة اإلداري���ة المحلية السعودية لم تحدد بعد معالم طريقها بوضوح ،ما يحتم المضي قدم ًا في معالجتها تدريجي ًا في ضوء التطبيق والممارسة ،وعلى هدي واقع كل بيئة ومنطقة محلية تبع ًا للظروف واألوضاع الخاصة بها.
12
اجلوبة -شتاء 1433هـ
د .عبدالواحد الحميد يدير الجلسة الثانية، وإلى يساره د .ثامر المطيري
م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة
وعليه ،فال بُدّ من مبادرة جادّة وسريعة من الدولة للشروع في وضع القواعد الكفيلة بتقوية دور جميع ال��وح��دات اإلداري��ة المحلية ،وتهيئة ك��اف��ة اإلم�ك��ان��ات ال�ت��ي تعينها على أداء الدور المطلوب منها ،بما يعزز الروابط التي تصل بين المواطن ومجتمعه المحلي ،وتوسيع اختصاصات ومسئوليات مجالس المناطق والمجالس المحلية والمجالس البلدية بعد إتمام تشكيلها اإلنتخابي والمعّين بحيث تُعّبر بحق عن إرادة مجتمعها المحلي في شتى المجاالت ،وال سيما اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والخدمات والمرافق. هذا إضافة إلى وضع وسائل تمويلية كافية في أي��دي وح��دات اإلدارة المحلية من أجل قيامها بالمهام المنوطة بها ،مع إتاحة الفرصة أمام هذه الوحدات لتبنّى نظم اقتصادية واستثمارية مرنة للنهوض بالمصالح المحلية ،واالستفادة في هذا
الشأن أيضاً من الرسوم والغرامات والقروض والسلف والمساعدات والتسهيالت االئتمانية، ال عن المخصص أو اإلع��ان��ة المقررة في فض ً الميزانية العامة ل�ل��دول��ة .والعمل كذلك على تحقيق مبدأ جماعية القيادة المحلية ،وحسن تقسيم العمل بين األجهزة المحلية المعنية كل حسب اختصاصه ،بما يضمن عدم تركيز المهام والصالحيات في جهة محلية واحدة.
الورقة الثانية الـسمات المقترحة للنموذج المناسب للمملكة وأسلوب التطـبيق
د .عدنان بن عبدالله الشيحة
رئيس قس م اإلدارة العامة بكلي ة إدارة األعمال، جامع ة الملك سعود
هدف البحث إلى التعرف على الوضع الراهن والتحديات التي تواجه اإلدارة المحلية السعودية، واقتراح نموذج ينطلق من التراث اإلداري والتطور التاريخي ل�ل�إدارة المحلية للمملكة والثوابت الوطنية والقيم السياسية واالجتماعية ،وفي ال��وق��ت نفسه يستجيب للمتغيرات السكانية وال��ح��ض��اري��ة وال��م��س��ت��ج��دات التقنية وتحديات العولمة ،ويسعى إل��ى رف��ع كفاءة العمل اإلداري د .عدنان الشيحة المحلي ،واالقتراب أكثر نحو تلبية احتياجات السكان المحليين الحاضرة والمستقبلة ،من خالل تمكين المجالس المحلية في جلب وتحريك الموارد لالقتصاد المحلي ،وبناء القدرات وتطويرها، وتحفيز مشاركة جميع مكونات المجتمع المحلي ،ووض��ع تصور مستقبلي ألول��وي��ات التنمية المحلية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 13
فاإلدارة المحلية السعودية تواجه أزمة هوية وضعفاً في األداء ،وتعاني من تعدد المرجعيات وت��داخ��ل ال�م�س�ئ��ول�ي��ات واألدوار ف�ي�م��ا بينها. ويرجع ذلك إلى عدم وجود نظام شامل لإلدارة المحلية ي�ح��دد األدوار والمسئوليات ،ويقنن العالقة فيما بين المجالس المحلية والهيئات المركزية ويمنحها الصالحيات اإلدارية والمالية المطلوبة.
وتحديد األدوار والمسئوليات والصالحيات بين األجهزة المركزية ممثلة ب��ال��وزارات ،والهيئات المحلية ممثلة بمجالس المناطق والمجالس المحلية والبلدية .ويقوم النموذج على تحقيق ال �م��وازن��ة ب�ي��ن ك��ل م ��ن :ال� �ق ��رارات المركزية والمحلية ،المسئوليات والصالحيات ،القرارات الفنية والقرارات السياسية االجتماعية ،التمويل المركزي والتمويل المحلي ،التحول من اإلدارة القطاعية إل��ى اإلدارة ال�ش��ام�ل��ة ،والمنافسة والتكامل بين الوحدات المحلية.
إن المجالس النيابية المحلية تعاني من ضعف الصالحيات واقتصارها على سلطات استشارية غير ن��اف��ذة ،وال تتمتع باإلستقالل إن تحقيق ه��ذه ال �ت��وازن��ات يتطلب قناعة اإلداري وال �م��ال��ي ،وم��ن ث��م ل��م ت��رت��ق أدواره���ا تامة من القيادة السياسية في أن تطوير مهام وصالحياتها إلى مستوى صناعة القرار المحلي ومسئوليات اإلدارة المحلية ومنحها الصالحيات وتوجيه التنمية المحلية. بات أمراً ضرورياً وملحّ اً ،وأولوية تتعلق باألمن وح��اول البحث صياغة نموذج شمولي يضع ال��وط�ن��ي والتنمية االق�ت�ص��ادي��ة واالجتماعية، تصوراً عاماً ي��وازن بين المركزية والالمركزية وال �ع �م��ل ع �ل��ى إي� �ج ��اد آل� �ي ��ات ت�ض�م��ن صناعة ف��ي عملية صنع ال �ق��رار ال �ع��ام ،وكيفية توفير القرارات المحلية محلياً .ويقترح البحث آليات ال �خ��دم��ات وال �م �ش��اري��ع ال �ع��ام��ة ،بالتمييز بين للتطبيق على المدى الطويل ،وأخرى على المدى القرارات الوطنية المركزية والقرارات المحلية ،القصير.
رئيس مجلس اإلدارة والمدير العام ورئيس هيئة النشر يتابعون ندوة المنتدى
14
اجلوبة -شتاء 1433هـ
م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة
صاحب السمو الملكي األمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع خالل زيارته لجناح إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري في المعرض
توصيـ ـ ــات ندوة اإلدارة المحلية خلصت نقاشات المنتدى إلى تأكيد أهمية دور اإلدارة ال�م�ح�ل�ي��ة ف��ي ال�ت�ن�م�ي��ة الوطنية وتحقيق الكفاءة والفاعلية ،واالستجابة الفاعلة الحتياجات المجتمع ،وتخفيف العبء اإلداري وال�م��ال��ي على ال��دول��ة ،وتقليل االع�ت�م��اد على البيروقراطية ،وتحفيز التنمية المحلية ،ورفع
القدرات التنافسية ،وزي��ادة وعي المجتمع من خ�لال ال�م�ش��ارك��ة ف��ي العمل ال �م��دن��يّ ،وتعزيز االنتماء الوطني ،وتنمية الكفاءات والقيادات المحلية ،والتعامل بفاعلية مع التنوع الثقافي واالج� �ت� �م ��اع ��ي ل �ل �م �ن��اط��ق ،وت �ح �ق �ي��ق التنمية المتوازنة.
معرض الصور واللوحات كما تضمنت فعاليات المنتدى معرضا للصور واإلص ��دارات ،شاركت فيه مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،ودارة الملك عبدالعزيز ،وهيئة تطوير مدينة ال��ري��اض ،وأمانة منطقة الرياض، ومؤسسة ت��راث ،والمجموعة السعودية لألبحاث وال �ت �س��وي��ق .اش �ت �م��ل ال �م �ع��رض ع �ل��ى إص� ��دارات
الجهات المشاركة وصور ولوحات من هيئة تطوير مدينة الرياض ،وقد شرّف صاحب السموالملكي األم� �ي ��ر س �ل �م��ان م�ن�ظ�م��ي ال �م �ع��رض بافتتاحه، والتجوّل فيه ،واستعراض اإلص��دارات واللوحات المعروضة .وشهد المعرض إق�ب��االً م��ن ضيوف المنتدى ،واستمر المعرض لمدة أربعة أيام.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 15
الشعر
بني التراث واحلداثة
> إعداد :محمود عبدالله الرمحي
ال شك أن التطوّر سُ نـّة الحياة ،يُصيب كل مناحيها بما فيها األدب ،وال يقول أحدٌ ببقاء المنهج الشعري العربي الذي ساد حياة العـرب منذ العصر الجاهلي على حاله؛ فقد طرأتْ عليه عبر العصور محاوالت مِ ن التجديد ،إذ أبدع َ األندلسيون في ِشعـر التوشيح ،وتأن ـّقَ المَهجريون في تنويع القوافي والصور ،وأجا َد كثير من المعاصرين ِشع َر التفعيلة .ولكنّ ذلك ظلّ في إطار التجديد ،مع المحافظة على العالقة بالتراث الذي يُعدّ الجذور الراسخة للشعـر العربي ،ويمثـّل العالمة البارزة في حياة العـرب ،ولم يصل ذلك حدّ التمرد ،وقطع كل الصالت بالماضي األدبي والتاريخي لألمة العربية. وليس منطقيا رفض النص الشعري أو قبوله الناس في تفسير ما يكتب لقوله: نظرا لـقـِدمه أو حداثته ،فال بد من اعتماد معايير «أن��ام ملء جفوني عن شواردها أخرى ،مِ ن حيث مدى استجابته للشروط األدبية ويسهر الناس جرّاها ويختصموا» األساسية :كاللغة ،والوزن ،والقافية ،والمشاركة فإنّ شعرّه لم يكن مُغلقا وال طلسما .والحال الوجدانية ،وال�ق��درة على التأثير في المتلقي، ومخاطبة عقول الطبقة المثقفة من الناس ألنّ نفسه مع الفرزدق الذي كان يُردّد« :لنا أ ْن نقول الشعـر منذ القِ دم صاحب رسالة وهدف ،فمنذ ولكم أ ْن تتأوّلوا» .والحال ذاته مع أبي تمام الذي العصر الجاهلي ك��ان ال�ش��اع� ُر ساعيا بشعره قيل له« :لماذا تقول ماال يُفهم» ،فيجيب« :ولماذا للدفاع عن قبيلته وال��ذود عن حماها ،كما كان ال تفهمون ما يُقال؟». مُعبّرا بحرارة وصدق عن خلجات قائليه ،فالشع ُر هؤالء هم أعالم الشعر العربي ،ومع ذلك كان بوصلتـ ُه القلبُ وأحاسيسُ ه. ِشعرُهم مقروءًا ومفهومًا لدى طبقة المختصين الشعـر وإذا كان ال بد مِ ن تجنـ ّب المباشرة في ِ وال تصل ح ّد اإلغ��راق في الغموض ،نتحدى به عقلية المتلقي واستثارتها ،فال يخلو النص من إش��ارات ومفاتيح تقود إل��ى المقصود وشوارد المعاني ،وإذا ك��ان المتنبي يستمتع بانشغال
الشعر العربي بين التراث والحداثة د .محمد الجاغوب. (ِ )1
16
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ب��األدب ،وه��ذا أم � ٌر ملموس إل��ى حد كبير لدى كثير من روّاد الشعـر العربي المعاصر ،أمثال بدر شاكر السياب ،ونازك المالئكة ،ومن ترسّ َم خ�ط��اه��م ك�م�ح�م��ود دروي� ��ش ،وس�م�ي��ح القاسم، وفدوى طوقان ،وأمل دنقل وغيرهم(.)1
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
آثار القصيدة القدمية في الشعر املعاصر: جدل وامتداد
> عبدالغني فوزي -املغرب
يغلب ظني ،أن الشعر امتداد في الزمان والحياة أيضا ،بوصفه قيما جمالية ورؤيوية على صلة قوية بالوجدان والخيال .وه��و بذلك حلقات ،يمكن ضبطها إجرائيا ضمن السياقات الثقافية والتاريخية .وحين نستحضر هنا الشعر العربي ،فإننا -بال شك -في ظل ذلك نشير لماضيه وحاضره .وقد يمنحنا هنا النقد األدبي وتاريخ األدب الكثير من المحددات واالصطالحات ،لتأطيره وتصنيفه إلى خانات .في هذا السياق ،نرى أن ثنائية الشعر القديم والمعاصر غالبة في حديثنا عن الشعر العربي .فالشعر القديم يمكن الحديث فيه عن مسيرة حافلة بالتجارب والرؤى ابتداء من الجاهلية ،مرورا بالمرحلة اإلسالمية األولى واألموية إلى العباسية؛ ثم فترة االنحطاط التي عمرت طويال وراوح فيها الشعر مكانه بكامل االجترار والتصنع ...استطرادا ،يمكن اعتبار الشعر الحديث بمدارسه وخياراته المتعاقبة (الكالسيكية ،الرومانسية) وسيطا يربط بين الشعر القديم والمعاصر الذي ظهر كنماذج وانعطافات ،ابتداء من أربعينيات القرن السالف. وحين نستحضر هنا سؤال العالقة بين الشعر المعاصرة ك��إدراك وحساسية مغايرة .وهذا يعني، القديم والمعاصر ،فإننا نقابله بالمواقف النقدية أن الشعر المعاصر في جدل ال يهدأ مع القصيدة للشعراء المعاصرين من ماضيهم الشعري؛ بل من القديمة في نماذجها الراقية ،التي تمثل لكتابات التراث بشكل عام .ومن ثم تتوالد األسئلة من قبيل :شعرية جديرة بهذا االسم ،ليس في التراث العربي ما هو موقف الشاعر العربي المعاصر من التراث فحسب؛ بل في اآلداب اإلنسانية .وهكذا امتد تأثير الشعري العربي؟ كيف يقرأه ويتمثله ضمن سياق الشعر القديم للقصيدة المعاصرة عبر مستويات غاص بالتبدالت والتحوالت السريعة والمتسارعة؟ ع��دي��دة (األف��ق ال�ش�ع��ري ،اللغة ،اإلي �ق��اع ،السبك، وإلى أي حد يحضر النص الشعري القديم كتجليات الصورة .)..الشيء الذي يوقع الباحث في حيرة من ومستويات في القصيدة العربية المعاصرة؟ أمره في كيفية تحديد أثر وآثار القصيدة القديمة
غ �ي��ر خ���اف ع �ل��ى أح� ��د ،أن ال �ش��اع��ر العربي المعاصر تحرر في تعامله وتفاعله مع التراث من وقمنا بفصلها إجرائيا فقط ،لإلحاطة بتعدد األثر. الخنوع والتقديس األعمى؛ وفي المقابل التحرك األفق الشعري على مساحات خالقة من ال�س��ؤال وإع��ادة البناء، على ض��وء تجدد القضايا وت�ع��دد آف��اق القصيدة اخترنا هذا االصطالح ،لنؤطر من خالله ،مكانة في الشعر المعاصر .لهذا اخترنا بعض المستويات،
اجلوبة -شتاء 1433هـ 17
إلى حد االلتباس .الشيء ال��ذي يؤكد أن الشاعر المعاصر بوصفه غريبا ،ووحيدا ،ومطاردا ،ضمن م��دي�ن��ة م��دف��وع��ة ب��االس �ت �ه�لاك ض ��داً ع�ل��ى القيم اإلنسانية التي ينادي بها الشاعر .فإنه يتفاعل مع التراث الشعري ويتمثله (في نماذج الغربة والعزلة)، ثم ينتج شعرا جديدا ليس خاليا من أصداء الساللة الشعرية العربية .يقول الشاعر محمود درويش في نص بعنوان «رحلة المتنبي إلى مصر»(:)2
الشاعر في الكتابة الشعرية .وهناك هوية شعرية، تطرح كصفات لصيقة بالشاعر ،منها اإلحساس الرهيف والدراية الدقيقة باللغة والثقافة الواسعة والرؤيا ..وهي صفات تجعل الشاعر خارج األنساق، وفي مواجهة دائمة للعالم ،نظرا العوجاجه .هنا، يمكن أن نقول بتلك األن��ا الفائضة ع��ن القبضة والموزعة في شرايين القصيدة ،وهي بذلك عصب العملية الشعرية .فـ«الشاعر نص مفتوح أبدا .تتعدد سواحله ،وقراءاته ،وتجاربه ،وجسوره .يغني للحياة كم اندفعت إلى الصهيل أساسا .ومن ثم قد يغني للذات ولآلخرين ،تتعدد فلم أجد فرسا وفرسانا جبهاته ،لكنها جبهات انشغال األلم اإلنساني»(.)1 وأسلمني الرحيل إلى الرحيل من هنا ،نرى امتداد األنا الشعرية كأفق للكثير م��ن ال�ش�ع��راء ال�ع��رب ال�ق��دم��اء ف��ي ذوات وقصائد وال أرى بلدا هناك ش�ع��راء معاصرين .يمكن الحديث هنا مثال عن وال أرى أحدا هناك الشاعر الجاهلي امرؤ القيس ،في بعض صفاته، كما يمكن التوقف في ه��ذا الجانب على تلك كالتيه والهموم والترحل ال��دائ��م ..ومن ثم امتداد الوقفة للشاعر القديم على الديار بعد رحيل األحبة، ه ��ذه ال �ص �ف��ات ف��ي أش �ع��ار وش��ع��راء معاصرين .تاركين ما يدل عليهم .هنا الشاعر مثل لصلة قوية وطرفة بن العبد والنزعة الوجودية والخروج عن لإلنسان بالمكان؛ ما خلق جمالية خاصة ،حوّلت نسق القبيلة ..ومحاولة تحقيق المجد في القصيدة مكان الفقد إلى مكان إنساني .في المقابل يمكن وب �ه��ا .وف��ي ال�ع�ص��ر األم� ��وي ،يمكن ال�ح��دي��ث عن أن نعدد من النماذج الشعرية المعاصرة التي تمثلت معارك جرير والفرزدق (شعر النقائض) .أما في تلك الوقفة في قالب جديد؛ فكانت الديار رديفة المرحلة العباسية ،فقد تعددت النبرات الشعرية للوطن ومكا َن الفقد .وظل الشاعر المعاصر يردد ضمن الشعر المحدث المنفتح على حياة المدينة بعض الرموز المكانية التي رسخها الشعر القديم وقيمها الجديدة مع أبي نواس والبحتري ،والنفس كالنخل وال��رم��ل ..لكنها تحضر اآلن ف��ي سياق التأملي الفلسفي مع أبي العالء ..فكثرت التأمالت شعري آخ��ر؛ فالنخلة ردي�ف��ة وج��ود أم��ة ،وصمود في الخمرة والمرأة والموت. متعدد األصول والفروع. امتدت هذه المواضيع بوصفها سند الشاعر في اللغة الشعرية أي مكان وزمان؛ ألن المبدع الحقيقي يخوض دوما تتعدد حلقات القصيدة التقليدية ونماذجها ،تبعا تلك المواجهة لإلكراهات واالستالبات في شكلها الجماعي وال �ف��ردي .فاستلهم الشاعر المعاصر للمراحل واالتجاهات .لكن الشاعر القديم ..كان تلك المعاني بروح جديدة وليدة العصر .هنا يمكن على وعي حاد باإلطار ال��ذي يبدع ضمنه ،والذي الحديث عن غربة الشاعر المعاصر في عالقته حدد النقاد واللغويون مقوماته في سبعة أبواب (مع بوطنه وبالمدينة ،أو في تأمله للموت الذي تعدد المرزوقي مثال) .وهي:
18
اجلوبة -شتاء 1433هـ
أوردن��ا أب��واب عمود الشعر العربي ،لنظهر أن الشاعر في القديم ك��ان على دراي��ة قوية باإلطار الذي يبدع ضمنه ،فكان نتاجه الشعري محكما في صياغته ..متجانسا في تعدده .وعلى هذا األساس كانت العرب ،كما يقر القاضي الجرجاني ،تُفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن .وفي المقابل.. فالقصيدة المعاصرة ال يعني تغير شكلها وضع قطيعة مع القصيدة القديمة ،إنما ظل الجدل قائما ف��ي مستويات ال �ت��راث ال�ش�ع��ري ال�ق��دي��م ،بوصفه طبقات لغوية على ق��در كبير من النظم والسبك البليغ ..وتعقد األمر في بناء الصورة الشعرية في القصيدة المعاصرة ،نظرا للتوترات اللغوية الوليدة؛ تراكيب االن��زي��اح والخرق بوجوهه العديدة ..كما يثبت جان كوهن في كتابه «بنية اللغة الشعرية». وظ��ل الصدى يتردد في التكثيف وال�ص��ور في الشعر ،كما يقول عبدالله غ��ذام��ي ،كحالة تمثل لغوي راقية ،وتجسيد فني ألبلغ مستويات اإلبداع اللغوي .لكن التجربة الشعرية المعاصرة لم تجادل التراث العربي وحده ،بل انفتحت على االتجاهات الشعرية الغربية إلى حد المطاردة .فولَّد ذلك في الكثير من األحيان نماذج مغلقة يطاردها الغموض وال�ت�ج��ري��ب واالس�ت�ن�س��اخ ال �ش �ع��ري ،ف�غ��دون��ا نقرأ نصوصا شعرية فاقدة للحرارة وسهم البوصلة. ولعل صرخة الشاعر محمود دروي��ش ف��ي مقالة بعنوان «انقذونا من هذا الشعر» خير معبر عن هذا
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
القلق ،إذ يقول« :على الشعراء والنقاد إذا وجدوا، •شرف المعنى وصحته. أن يدخلوا في عملية حساب النفس العسير ،فهذه •جزالة اللفظ واستقامته. •اإلصابة في الوصف. هي فترة النقد الذاتي .إذ كيف يتسنى لهذا اللعب •المقاربة في التشبيه. ال�ع��دم��ي أن ي��وص��ل إل��ى إع ��ادة النظر والتشكيك •التحام أجزاء النظم والتئامها. بكامل حركة الشعر الحديث ،ويغربها عن وجدان •مناسبة المستعار منه للمستعار له. ال�ن��اس إل��ى درج��ة تحوّلت فيها إل��ى سخرية؟ إ ّن •مشاكلة اللفظ للمعنى ،وشدة اقتضائهما تجريدية هذا الشعر قد اتسعت بشكل فضفاض، للقافية حتى ال منافرة بينهما. حتى سادت ظاهرة ما ليس شعرا على الشعر»(.)3 فالسالسة وال�ف�ص��اح��ة وال�ب�ن��اء المحكم كلها خاصيات تأليفية (في القصيدة العربية القديمة)، مصحوبة بترسانة نقدية ولغوية متعددة االصطالح النظري (النظم ،مقتضى الحال ،الفحولة ،الطبقة، ال �ص �ن��اع��ة .)...ف �ق��دَّ م ال�ش�ع��ر ال�ق��دي��م تمظهرات لغوية وتخييلية تمثل للكثير من القيم الجوهرية في الكتابة الشعرية .فكان من الطبيعي االعتراف الدائم للسابقين بهذه المقدرة المتعددة االستعمال ال�ل�غ��وي ال��رص�ي��ن وال�ج�م��ال��ي ال�م��وح��ي .وم��ن دون توافرها كأساسات إبداعية ،ال يمكن الحديث عن أشكال وهياكل.
اإليقاع الشعري �اف ،أن القصيدة ال�م�ع��اص��رة أحدثت غير خ � ٍ تغيرات مهمة ،وبنسب مختلفة في الجانب اإليقاعي؛ فحافظت ع�ل��ى التفعيلة ،م�ك�س��رة ل�ل��وح��دة على مستوى بحور الشعر والقافية والروي .وفي جانب آخ��ر مع قصيدة النثر ..التحرر التام من تفعيلة الخليل بن أحمد ،واالنتصار لإليقاع الداخلي .وفي المقابل ،نتساءل :هل تحررت القصيدة المعاصرة من اإليقاع ككتلة صوتية مالزمة في الشعر القديم؟ األمر ال يسمح هنا بمجادلة طروحات نظرية حول اإليقاع الشعري؛ ولكن أريد التنصيص على بعض المعطيات ،منها: -كون القصيدة القديمة في بعض نماذجها،
اجلوبة -شتاء 1433هـ 19
حققت ج��دارة إيقاعية خليلية وداخلية من دون تضايق ل�غ��وي وش �ع��ري .هنا يمكن ال�ح��دي��ث عن مشاكلة اللغة لإليقاع من دون تنافر .وق��د مثلت بعض القصائد الشعرية المعاصرة ه��ذا الملمح اإليقاعي خير تمثيل« .وإن��ه ليهمنا أن نشير إلى أن حركة الشعر الحر ،بصورتها الحقَّة الصافية، ليست دعوة لنبذ األبحر الشطرية نبذا تاما ،وال هي تهدف إلى أن تقضي على أوزان الخليل وتحل محله ،وإنما كان كل ما ترمي إليه أن تبدع أسلوبا جديدا توقفه إلى جوار األسلوب القديم ،وتستعين به على بعض موضوعات العصر المعقدة .وال أظنه يخفى على المتابعين أن بعض الموضوعات تنتفع باألوزان القديمة أكثر مما تنتفع بالوزن الحر»(.)4 م��ن هنا ،كانت ض��رورة الفصل بين العروض واإليقاع؛ كما أن موسيقى الشعر جزء من تجربة ال �ش��اع��ر .أك �ي��د أن ال�ش�ع��ر ال يمكنه االستغناء ع��ن اإلي� �ق ��اع ك �ج��زء أس��اس��ي م��ن ك�ي�ن��ون�ت��ه؛ وقد انتبه ال�ق��دم��اء ل�لإي�ق��اع ال��داخ�ل��ي ،ب�خ�لاف بعض الدعوات التي ال تلتفت وال تدقق .فهذا ابن سنان الخفاجي في كتابه «سر الفصاحة» ،يلفت النظر للقيم الصوتية واإليقاعية ،وبذلك انتبه إلى سر الموسيقى ال��داخ�ل�ي��ة .كما أن ال�ش��اع��ر أدونيس على الرغم من مغايرته واختالفه الشعري المثير للجدل ،فإنه ينصت لكينونة النص الشعري ،معتبرا اإليقاع شيئا أساسا ،كمكون متضافر مع المكونات األخرى.
التناص الذي ال بد منه وأن��ا أبحث في امتداد القصيدة القديمة في الشعر المعاصر ،كنت دائما أواجَ ��ه بجدل النص المعاصر مع النص القديم .ألن الشاعر يصبح شبكة من التواصل مع الشعر القديم؛ فيكون النص معبرا لنصوص عديدة ،منها النص الشعري .هذه
20
اجلوبة -شتاء 1433هـ
العالقة لم تأت فقط في حديث المعاصرين ضمن ما أسموه بالتناص .وقد أقر النقاد العرب القدماء بذلك في قولهم بالسرقات واالقتباس والتضمين (وهذا حديث آخر) .على أي حال ،فالنص تشكيل إب��داع��ي ج��دي��د ،يطوي على م �ح��اورات وعالقات تذهب في التراث؛ بل في األطر اإلنسانية القبلية الماثلة في الوعي الجمعي ..والذاكرة المشتركة. بهذا الفهم ،يسلك النص الشعري المعاصر ما أسمته جوليا كريستيفا باالمتصاص والحوار. وما يسميه محمد مفتاح بالنص الغائب والتعالق النصي .الشيء ال��ذي يخلق تكثيفا في التجربة اإلبداعية ومنجزها الشعري .ووف��ق ه��ذا الفهم، يمكن الحديث عن تناص متعدد المستويات .نورد هنا تعزيزا بعضا منه. يقول امرؤ القيس: أج���ارت���ن���ا إن�����ا غ���ري���ب���ان ه����ا هنا وك������ل غ����ري����ب ل���ل���غ���ري���ب نسيب ويقول محمود درويش في قصيدة «جدارية»: يا إسمي سوف تكبر حين أكبر سوف تحملني وأحملك الغريب أخ الغريب ه�ن��ا ،يظهر ذاك ال �ت��وازي بين واق��ع اإلنسان ال�م�ع��اص��ر وواق� ��ع ال �ش��اع��ر ال �ج��اه �ل��ي؛ فكالهما ي�ع��رف ع��دم االس�ت�ق��رار وال�ت��رح��ال ال��دائ��م بطرق ومسببات مختلفة .لكن ه �ن��ا ..رب�م��ا ال�ت�ق��اء في مساحة األلم ،وفداحة الخسارة بأبعادها النفسية والوجودية أيضا .وقد تعددت محاورات الشعراء المعاصرين للشعراء األقدمين ،بل التماهي أحيانا م��ع شخوصهم كأقنعة .يمكن هنا أن نستحضر البيت الشهير(الذي ظل يتردد صداه في القصيدة العربية المعاصرة) ألبي العالء المعري:
ف���أي���ن ال���ق���ب���و َر م���ن ع��ه��د ع�����ادِ ؟!
وتراسلها ضمن رحابة إنسانية ،دون اجترار وذوبان
بهذا المعنى فالقصيدة القديمة تمتد في الشعر الخصوصية .ومن ثم حاولنا في هذا األفق التركيز المعاصر كصيغ ومستويات؛ نظرا لجدلها لقضايا ..على اللغة دون التركيز على الهيكل ،وبخاصة ما يتعلق بالكثافة والصورة الشعرية .أما األثر الثالث ولكيفية التصوير. فمحورناه في اإليقاع بمعناه الواسع ،ال��ذي يضم
وختاما..
ال يمكن -في تقديري -االنتهاء من هذه الجولة في الشعر العربي وجدله الداخلي مع الشعر العربي ال�م�ع��اص��ر ل�خ�لاص��ات يقينية ،ن �ظ��را العتبارات متداخلة ،منها تعدد حلقات الشعر العربي قديمه وحديثه؛ وكذا تعدد االتجاهات والحساسيات ،بما أنها إدراكات وتصورات للذات والعالم. ك �م��ا أن ت �ن��اول �ن��ا آلث� ��ار ال �ق �ص �ي��دة ف��ي الشعر ال �م �ع��اص��ر ،ي�ق�ت�ض��ي ال��وع��ي ب��إش �ك��ال �ي��ة القديم والجديد ،في مراعاة تامة للترابطات والحدود بين الشعر والخطابات األخرى من سياسية وتاريخية.. وهو ما يثبت أن الشعر يطوي في تكوينه على قيم جوهرية ،وأخ��رى نسبية خاضعة للتغير والتلون. ومن ثم ،فـ«ممارسة التجريب التي اقتصرت عندنا على األرج��ح على مقاربة الشكل الشعري فقط، بوصفه يمثل الحداثة الشعرية أو الكتابة الجديدة. بينما في العمق من نظرتنا للحياة ..لم تزل القيم وال �ع��واط��ف واالن �ف �ع��االت ه��ي ذات �ه��ا ال�ت��ي أسرت القصيدة التقليدية ،فالتنقل من شكل شعري إلى آخر ..ال يعني بالضرورة التجديد»(.)5
العروض واإليقاع الداخلي؛ وأن القصيدة المعاصرة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
األرض َ ���اح ه���ذي ق��ب��ورن��ا ت��م�لأ ص ِ
وهوية .من هنا ،تحدثنا بإيجاز عن تصادي التجارب
تجادل القصيدة القديمة كممارسة إيقاعية أيضا.
لننهي مشوار هذه الدراسة بالتناص ،دون الضياع
في تعدد االصطالحات ،أو قل باختصار عالقة
النص بنصوص أخرى .ورأينا أن التناص مستويات أيضا؛ ومن ثم فالمحاورة النصية ،تكون متعددة. وه��و م��ا يستلزم ال��رؤي��ا الحاذقة وال��وع��ي المتقد
للشاعر ،ليبدع نصا عميقا وجميال ،ل��ه تموقعه
في الشعرية اإلنسانية بشكل عام كعطاء وإضافة.
وهي الصفة التي يطاردها الشعراء في نصوصهم؛ أعني الشعراء اإلشكاليين الذين يخطون على درب القصيدة الطويل ،كخيارات جمالية ورؤيوية على
قدر كبير من الجدل واالمتداد .لهذا -في تقديري
تحضرنا أبيات شعرية (بقوة لفظها ومعناها)ضمن لحظات معينة حول الموت والفقد والحب والحرب والحرية والقلق الوجودي ...دون النظر إلى
هيكلها؛ نظرا لسبكها وصياغتها المتفردة ..ووقعها على النفس ،بتعدد مستويات التلقي .فالشعر شعر
وليس شيئا آخ��ر؛ وه��و ما يثبت ذاك االم�ت��داد أو
تمتد آثار القصيدة القديمة في الشعر المعاصر االنسياب في وجود القصيدة كتحقق لغوي وشعري ع�ب��ر م�س�ت��وي��ات ،بعضها ي��رت�ب��ط ب��ال�ش��اع��ر كأفق مقيم وخالد (في خلق الله طبعا). () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5
حسن نجمي« ،الشاعر والتجربة» ،دار الثقافة ،الدار البيضاء 1999م ،ص .16 ديوان محمود درويش ،المجلد الثاني ،دار العودة ،بيروت 1994م ،ص .107 محمود درويش« ،أنقذونا من هذا الشعر» مجلة الكرمل ،عدد 6ربيع1982م ،ص.6 نازك المالئكة« ،قضايا الشعر المعاصر» ،دار اآلداب ،بيروت 1962م ،ص .47 محمد الحرز« ،الحداثة :من تاريخ المصطلح إلى تاريخ القصيدة الحديثة» ،مجلة الجوبة ،عدد 26شتاء 2010م.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 21
ّ الشعر؛ استلهام التراث في رؤية وإبداع
الدهون -جامعة اجلوف > د .إبراهيم ّ
الشعر العربي الحديث مصدر إلهام وإيحاء مهم ،ال غنى لشاعر عنه ،ويرتبط يشكلّ التراث في ّ ّص( :المركز) ،والنّصوص الشاعر مع التراث في عالقة وثيقة تنطلق على أساس إلغاء الحدود بين الن ّ ّ نصه الجديد؛ الشاعر إلى تضمينها ّ الوافدة ،أو األحداث التّاريخية والشخصيات األدبيّة التي يعمد ّ ّص الجديد؛ فتفتح آفاق ًا فتأتي تلك النّصوص واالقتباسات واالجترارات موظفةً ومذابةً في الن ّ ّص ذا طبيعة إنتاجيّة وإبداعيّة عظيمة. أخرى متباينة :دينية ،أدبيّة ،تاريخيّة ،عديدة ،ما يجعل الن ّ التراث لغة« :من ورث الشّ يء يرثُه ورثاً ووراثة، �ش��يء ال��ذي لقوم ث� ّم يصير إل��ى آخرين ويكون ال� ّ ()1 بنسب أو سبب» . والتراث اصطالحاً« :ما تراكم خالل األزمنة من تقاليد ،وع��ادات ،وتجارب ،وخبرات ،وفنون، وعلوم ،في شعب من الشّ عوب ،وهو جزء أساس من قوامه االجتماعي ،واإلنساني ،والسياسي، وال�ت��اري�خ��ي ،وال�خ�ل�ق��ي ،ي��و ّث��ق عالئقه باألجيال ال �غ��اب��رة ال �ت��ي عملت ع�ل��ى ت�ك��وي��ن ه��ذا التراث واعتنائه»(.)2 ويُ�ع� ّد استلهام ال�ت��راث األدب��ي مفتاحاً مه ّماً ّص ،وسبر أغواره وبارزاً في الكشف عن شعريّة الن ّ الداخليّة ،إذ يشكّل االستلهام المقصود وغير ّص الشّ عري المقصود سبباً رئيساً في معمارية الن ّ الحديث ،ونقل رؤية الشّ اعر ومبتغاه الذاتي تجاه مفردات الحياة ورموزها إلى المتلقي .وامتداداً لما سبق ..فإننا نجد الشّ عر العربي القديم أرضي ًة خصبةً ،ومنبعاً سخياً يتخذه الشّ اعر محوراً رئيساً إلقامة عالقة مع نصوص أخ��رى ذات حموالت معرفيّة ،وثقافيّة مختلفة ،يستثمرها الشّ اعر نصه قيماً احتجاجيّة وجماليّة تشكّل شبكة لمنح ّ من العالقات القائمة على الثنائية ،وهذه الثنائية تتنوع ما بين المطابقة والتباين.
22
اجلوبة -شتاء 1433هـ
لذلك ،حظي األدب العربي القديم باهتمام ال�ن�ق��اد المحدثين ،فقد أع�ل�ن��وا ض ��رورة العودة إليه بوصفه م��ادة غنيّة ،وأرض�ي��ة خصبة مليئة باإليحاءات والدِّالالت التي تكسب وتمنح التجربة اإلبداعيّة الشّ عريّة تمايزاً ملحوظاً وفريداً ،ومن هنا سنشرع بقراءة الشِّ عر العربي الحديث في ضوء استلهامه للتراث الشّ عري العربي القديم، بوصفها قراءة ذات دالالت أعمق ،ورؤيا أرحب، وإنتاج ألنساق مبتكرة في التعبير والفكر داخل ّص الشّ عري الحديث. الن ّ وتكشف لنا م�ع��ارض��ات ال �ب��ارودي ع��ن قراءة واعية للتراث الشّ عري المشرق من أجل إظهار قيمته وأهميته ومكانته ،وهي في الوقت نفسه ارت��داد بالشّ عر إلى نهره العذب الكبير ،وإعادته إلى سيرته األولى عند شعراء الجاهليّة واإلسالم، من حيث االعتماد في تكوين السّ ليقة على الرواية واالس�ت�ظ�ه��ار ،ث � ّم ال�م��زاول��ة ،وأي �ض �اً م��ن التّعبير الواضح المستقيم عن مشاعر صاحبه(.)3 ومن الواضح أنَّ البارودي يرمي في استلهامه واستيحاء لغة السلف وتقليد أساليبهم الدعوة إل��ى اإلص�لاح ،إص�لاح وض��ع الشّ عر في عصره، والنهوض به وانتشاله وفكّه ممّا ك��ان يكبّله من ق�ي��ود ال�ب��دي��ع ،وت�ف��اه��ة ال�م��وض��وع��ات ،وضحالة المعاني ،وخير مثال يبرز هذه الفكرة قوله(:)4
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
رض��ي ُ��ت م��ن ال��دُّ ن��ي��ا بما ال أودّه وقد يتخذ الشّ عراء من التراث الشّ عري القديم وأي امرئ يقوى على الدّ هر زندُ ُه أس �م��اء ش�ع��رائ��ه دون أن يتجهوا إل��ى استلهام ن�ص��وص��ه أو إع��ادت �ه��ا ،ف �ه��ذا م�ح�م��ود درويش ي�ب��دو ال�ت��أث��ر ج�ل�ي�اً ف��ي اس �ت��دع��اء البارودي يستدعي شخصية المتنبي ،ويجعلها محوراً لقصيدة أب��ي الطيب المتنبي ف��ي م��دح كافور رئيساً ،بنى عليها أسطره الشّ عريّة ،بقوله(:)8 اإلخشيدي والتي يفتتحها بقوله(:)5 أطلّ كشرفة على ما أريد أو ّد م����ن األي��������ام م����ا ال ت������ودّه ............... وأش��ك��و إليها بيننا وه��ي جندُ ُه أطلّ على اسم أبي الطيب المتنبي إنّ تأثر البارودي بشعر المتنبي ،واستدعاءه المسافر من طبريا إلى مصر له يشير إل��ى ق��راءت��ه لمصادر ال�ت��راث العربي ،فوق الحصان النشيد وبحثه الدؤوب في متون التراث ..والتأكيد على يرسم درويش من خالل استلهامه لشخصية هذا التراث وقيمه الجوهرية. المتنبي ص ��ورة م�ش��رق��ة وم�ش��رف��ة لشخصيته ي �ك � ّث��ف ال� �ب ��ارودي دالالت ال �ف �خ��ر القومي ،الطافحة بعناصر استشراف المستقبل ،ورؤية وإحساسه المتضخم بالذات ،من خالل قوله( :)6بالده من مكان واحد في أزمنة متعددة. ولع ّل الشّ اعر استقى ك� ّل ذل��ك من معطيات وإن��ي ام��رؤ ل��وال العوائق أذعنت ش �خ �ص �ي��ة( :ال �م �ت �ن �ب��ي) .وم� ��ن ال �م �ل �ح��وظ أنَّ لسلطانه البدو المغير ُة والحضرُ االس� �ت ��دع ��اء ال��سّ ��اب��ق ت� �ع ��دّ ى االه��ت��م��ام باسم من النفر ال��غُ �� ّر الذين سيوفهم الشّ خصية ..إلى التماهي واالمتصاص بجوهر لها في حواشي كلّ داجية فجرُ تجربة هذه الشخصية ،بوصفها عنصراً رئيساً الصور الشّ عريّة. نلحظ م��ن البيتين السَّ ابقين أنَّ البارودي من ّ يستحضر ألبى فراس الحمداني لحظة افتخاره وف��ي ص��ورة أخ��رى الستلهام ال� ّت��راث العربي ِيوج َد نوعاً من التوازن النفسي والمعادل القديم ،نجد شاعراً يستدعي أحد معاني أبي بنفسه ،ل ِ ال ناطقاً على انتهاء الموضوعي لموقفه الشّ عوري أثناء وقوعه باألسر الطيب المتنبي ،ليكون دلي ً ال�ح�ي��اة ب��ال�م��وت ،ف��ال�م��وت مصير ك � ّل البشرية في بالد الروم ،فيقول(:)7 التي عمّرت األرض ،وسكنت سطحها .كما فعل فال تنكريني ،يا ابنة ال��ع��مّ ،إنّه عبدالوهاب البياتي في قصيدة عنوانها( :مرثية ليعرف من أنكرته البدو والحضرُ إلى عائشة) من مجموعته التي عنوانها« :الموت نصه ألفاظ هذا البيت في الحياة» إذ يقول: لع ّل البارودي قد ضمّن ّ من خالل استلهامه لدالالته ،وبما يالئم غرضه «يموت راعي الضأن في انتظاره ميتة جالينوس أورفيوس ْ الشمس من قول القصيد؛ ليؤكد أهمية الشِّ عر العربي يأكل قرص ّ القديم ت ��ارة ،وم��ا يحمله م��ن مضامين وأبعاد تبكي على الفرات عشتروتْ ��اه��هِ ع��ن خ��ات ٍ��م ض���ا َع وع��ن أغنيةٍ ثقافيّة تارة أخ��رى .كما يبدو أنَّ تلك النّصوص تبحث ف��ي م��ي ِ الشّ عريّة التي وظّ فها البارودي قد أصبحت منفذاً تموتْ » لذاته ،وما كان يعيشه من ذكريات ،وما يختلج في وال �ن��اظ��ر ف��ي األس �ط��ر ال��شّ �ع��ري��ة السّ ابقة، يستطيع أ ْن يلمس انفتاح البياتي على نص أبي وجدانه من مشاعر ،وأحاسيس شخصيّة.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 23
الطيب المتنبي الذي يقول فيه:
قول المعري(:)9
ي��م��وت راع���ي ال��ض��أن ف��ي جهلِ هِ م���ي���ت��� َة ج���ال���ي���ن���وس ف����ي ط���بِ ���هِ
��ب كُ ��لّ��ه��ا ال���ح���ي���ا ُة ف��مّ ��ا أع ـ ـ ت��ع ٌ ����ب ف��ي ازدي����ادِ ���ب إ ّال م��ن راغ ٍ ج ُ
استلهم البياتي نص المتنبي ،ببراعة مثيرة نصه إشارات كثيرة من وطرافة فائقة ،إذ ضمّن ّ نص المتنبي ،نحو( :يموت راعي الضأن) يطابق داللياً ولفظياً( :يموت راع��ي الضأن) و( :ميتة حد كبير( :ميتة جالينوس جالينوس) يقارب إلى ٍ في طبهِ ).
ومن الالفت للنظر أنَّ عبدالسّ الم هاشم يقلب المعنى من العموم عند المعري إلى المخصوص عنده ،فحياته كلّها لهيب وحزن دائمان ،ويتساءل «ما الذي في الدُّنا تراني جنيتُ ؟!» والتأثر المشار إليه هنا نابع من مسحة الحزن المشتركة بينهما، وال يخلو التأثر م��ن اس�ت�خ��دام شاعرنا لنفس النسق اللّغوي عن أبي العالء المعري ،فإذا كان أبو العالء بدأ بيته بقوله( :تعبٌ ) فإنّ عبدالسّ الم اس �ت �خ��دم ن �ف��س ال �ن �س��ق( :ل� �ه ��ب) .ف �ه��و شديد التأثير وال��واق��ع النفسيين ،وب��دالً من (الحياة) في عمومه ،جاءت كلمة( :حياتي) بخصوصيتها الذاتية بالنسبة للشاعر ،وأضاف الشّ عر حرف العطف( :الواو) والمعطوف( :حسي) ليزيد من خصوصية التعبير(.)10
يبيّن النسق السّ ابق أنّ البياتي مفتون بسحر المتنبي ،ومفعم بتلك القدرة اإليقاعيّة واألسلوبيّة نصه الشّ عري ،لذلك نراه يقف التي أضفاها إلى ّ ببسالة وإعجاب إزاء نص المتنبي. ولنتابع أخيراً ،فاعلية استلهام أو استدعاء ال�ت��راث عند الشّ اعر ال��سّ �ع��ودي( :عبد السالم هاشم حافظ) ،حيث إنّ للتراث أث��راً جلياً في شعره. ومن مظاهر ذلك تأثره بأبي العالء المعري، ف �ك��ان��ت م �ع��ان �ي��ه ودالالت� � ��ه ن �ب �ع �اً ث � � � ّراً ،استقى عبدالسالم هاشم منه كثيراً من فلسفته حول الكون والحياة ،إذ يقول: وحسي ما ال ـ ـ ِّ لهب كُ لُّها حياتي ٌ ذي ف��ي ال��دُّ ن��ا ت��رانِ ��ي جَ َني ُْت؟! وقد أخذ عبدالسّ الم هاشم البيت السّ ابق من
وخ�ل�اص ��ة ال � �ق� ��ول :إنَّ اس �ت �ل �ه��ام التراث واستدعاءه والتنقيب عن معانيه ودالالته ،يتطلب شاعراً موسوعياً في المعرفة والثقافة؛ ليقوم بتوظيف األنماط التّعبيرية التراثية على مستوى المفردات والتراكيب واألسلوب ،توظيفاً يخدم رؤية الشّ اعر ومواقفه النفسية .وذلك ألن التراث يشكّل راف��داً جوهرياً من رواف��د صياغة النسق الشعري وبناء تراكيبه ونظم جمله.
( )1ابن منظور ،جمال الدين أبو الفضل :لسان العرب ،دار صادر ،بيروت1995 ،م ،مادة (ورث). ( )2جبور ،عبدالنور :المعجم األدبي ،دار العلم للماليين ،بيروت1979 ،م ،ص.63 ( )3ضيف ،شوقي :البارودي رائد الشّ عر العربي الحديث ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،3د .ن ،ص.100 ( )4البارودي ،محمود سامي :ديوان البارودي ،تحقيق وشرح علي الجارم ومحمد شفيق معروف ،المطبعة األميرية ،القاهرة، 1953م ،ج ،1ص.119 -111 ( )5المتنبي ،أبو الطيب :ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري ،دار المعرفة ،بيروت1979 ،م ،ج ،2ص.30-19 ( )6ديوان البارودي ،مرجع سابق ،ص.33 ( )7الحمداني ،أبو فراس :ديوان أبي فراس الحمداني ،دار صادر ،بيروت1966 ،م ،ص.159 ( )8درويش ،محمود :األعمال الكاملة ،دار العودة ،بيروت ،ط1994 ،1م. ( )9المعري ،أبو العالء المعري(ت445هـ) :شرح اللزوميات ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة1992 ،م ،ج ،3ص.974 ( )10فرحات ،أحمد :التناص في الشّ عر السّ عودي المعاصر ،عبدالسّ الم هاشم حافظ أنموذجاً ،ص.7
24
اجلوبة -شتاء 1433هـ
للقصيدة البيت ّية
> عبدالله السفر -من السعودية
يشير المختصون ،الذين بحثوا مفهوم األزمة وتعريفها ،إلى أنها تمثّل حالة من الخطر والحرج وعدم االستقرار ،وبنية من المعوقات لم تنجم في لحظة واحدة ..أو أنها طلعت من فراغ .ثمة مسيرة محصلته في ّ فترسخت بشكل متتابع ،وبأثرٍ تراكمي تتبدّ ى ّ من القصور عمرُ ها مديد ومستحكم، الواقع المعاش وفي الممارسة العملية. وبالمعاينة ،نجد أن حياتنا العربية تندرج في أزم��ة خانقة ،ومنتشرة بطريقة متنافذة في جميع المجاالت؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.. ما يعني أن األزمة تطاول جميع شؤوننا بما فيها الشأن الثقافي ..وما يتفرّع عنه من عناوين ،وعلى رأسها اإلبداع الذي يشكّل غيابه «جوهر أزمتنا الحضارية» كما يقول د .سعيد توفيق في كتابه «أزمة اإلبداع في ثقافتنا المعاصرة» .وفي الوقت الذي يؤكّد فيه د. توفيق توفّر نماذج إبداعية فنيّة حقيقية وبخاصة في ميدان األدب .إال أنه يخلص إلى أن هذه النماذج ال تجعل بمستطاعنا الحديث «عن مدارس وحركات فنيّة تع ّد نتاجا أو إفرازا لواقعنا الفني الخاص بنا ص .»14نتأدى من هذا الرأي إلى اختفاء البصمة التي تشكّل عالمة أو تيّارا يؤشّ ر على فرادة تحملها ال���ذوات اإلب��داع �ي��ة ،تعبيرا ع��ن صلتها بمحيطها اإلنساني ،وتفاعلها معه على نحوٍ خاص ،وبكيفيّة من اإلض��اف��ة األصيلة التي تؤسس لرؤية جديدة، ولمختبر من األدوات والتجريب ،يقطع مع النسخ جهد وال معاناة وال استبصار. والمضاهاة ،دون ٍ وإذا تتبعنا المنتج اإلبداعي العربي في أشكاله المتعددة ،وألوانه المختلفة من فنون وآداب ،سوف نعثر على ثغرات واسعة ،وشقوق عميقة ،سواء في المسرح أو التشكيل أو الفوتوغرافيا أو السينما أو الشعر أو القصة ...كلّها عن قرب تنضح بأزماتها،
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
األزمة ليست مك ِّونا ً بنيويّا
غير أ ّن التركيز يجري أكثر على الشعر بوصفه ديوان العرب ،والذاكرة الكبيرة التي صاحبتهم منذ مئات السنين .لم يعرف العرب فنّا تجسّ دتْ فيه حياتهم وح �م � َل رؤاه ��م وم��واق�ف�ه��م ون��زع��ات�ه��م مثل الشعر. الهالة الضخمة التي كانت تحيط بالشعر تشعشعت وضعفتْ .ال��دو ُر األوحد المسنود إليه ،نازعتْ ُه فيه أط��راف أخ��رى ،فأخذتْ تقضم من مجده .التعبير المنتظر الذي يتعطّ ش له الجمهور لم يعد كما كان. ثمّة وسائط بعضها غير إبداعي تفوّقت على الشعر في هذا العصر .الرأي العام خرج من عهدة الشعر، وأص�ب��ح ف��ي ذ ّم��ة الصحافة واإلذاع ��ة والتلفزيون، وحتى هذه أضحى من ينظر إليها على أنها في سبيل التراجع لصالح شبكة االتصال الحديثة ،وما تمنحه من تواصل آني وفضاء حر؛ عامريْن بالمعلومة والرأي وبالموقف واالنفعال ..على نحوٍ يجعل مسمّى الديوان الئقا ومستحقا لهذه األدوات الجديدة المستحدثة. هذا الجانب اإلخباري (والوجداني) المالزم لمسيرة داع .ولنا ال وبال ٍ الشعر على م ّر تاريخه؛ أصب َح ناف ً أن نستشهد بواقعة حيّة تد ّل على تراجع الشعر في صورته التقليدية ودوره التاريخي ،قصدنا تحوالت ال��رب�ي��ع ال�ع��رب��ي ف��ي أك�ث��ر م��ن دول ��ة .ففي مسابقة «أمير الشعراء» في دورتها األخيرة ،حاول الشعراء المتسابقون اللحاق بالمشهد وإن��زال��ه تعبيريّا في المحصلة باهتة وباردة ومتجاوزَة، ّ قصائدهم ،إ ّال أن ولم تخ ُل من غمز محكّمي المسابقة .ذلك أن نبض
اجلوبة -شتاء 1433هـ 25
الشارع واصطخابه والدم الذي سال فيه ،لم يستطع شع ُر الذاكرة أن يقاربه ال فنيّا وال دالليّا.
الشيخوخة واالنكسار األول (ص .)151فبعد أن كانت القصيدة تصدر من جوّانية عميقة ممتلك ًة ناصية التأمل والغناء ،أصابها عطبُ الصنعة وتلبي ُة النداء الخارجي المنفصل عن الحاجة الفنية« ،لم يعد الشاعر كما كان فنانا مشغوال بالتأمل والغناء، وإنما أصبح صانعا ماهرا يجيد صناعة الديباجة الشعرية السلفية ويحسن التقليد ،والقصيدة لم تعد منبثقة من داخل الشاعر كقيمة روحية وفنية، وإنما هي صوت خارجي رديء ...ص .»151والكلمة المفتاح المعبّرة عن ه��ذه األزم��ة عند د .المقالح هي «الرتابة» سواء في الشكل أو الخصائص الفنية ال �ق��ارّة ..إض��اف��ة إل��ى «تجاهل التغيير الهائل في أشكال الحياة وأساليبها ص .»144
ه ��ذا ال� ��دور ال ��ذي اُن��ت��زع م��ن ال�ش�ع��ر بصورته التقليدية ،زاده إثخاناً فنٌّ قوليٌّ آخر هو الرواية ،التي أطل َق عليها أحد النقاد ديوان العرب الجديد .صارت الرواية لسا َن حال المجتمعات العربيّة وما تم ّر به من صدوع وتحوالت .المجتمع المصري ،مثالً ،نقرؤه في ٍ روايات نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم .المرجل الذي يختلط فيه المتن والهامش والجمال والقبح والصمود واالنصداع؛ نط ّل عليه في روايات هؤالء الذين حملوا نبض مجتمعهم ،وعبروا عنه فكريا وجماليا ،فيما الذ اآلخ��رون من شعراء ينتظمهم اإليقاع -إ ّم��ا إلى السطح الرومانسي،وإما إلى التجلبب بالغموض ،أو الترميز المغلق ،أو إذا ،أزم��ة القصيدة البيتية أنها انحبست في األسطورة .هي معركة خسرها الشعر ألنه لم يتحوّل قوالب محفوظة ،تُستعاد عند الطلب بمحرّك يأتي يخصه وال يؤثّر فيه .ظ ّل ّ في داخله .كأن الزمن ال م��ن ال �خ��ارج ،ال ع�لاق��ة ل��ه ب��اإلب��داع ،وال باستيفاء في حدود الذاكرة االستعاديّة التكراريّة. اللحظة الفنية ومقوّماتها الجمالية .كما أنها أسيرة الشعر العربي يعيش أزمته الوجوديّة الكيانيّة .الذاكرة بمواقعها القديمة والمغرقة في تقليديّتها، يستوي في هذا قصيدة الوزن المنتمية في أغلبها بتكرار شاقّ ومميت ألشكال ومضامين تنتمي لعصورٍ إلى المجال العام ،وقصيدة النثر التي تسعى إلى خلت .بما يعني أن ه��ذه القصيدة ف��ي مجملها ال االنفصال عن هذا المجال ،وإن اختلفت األسباب تنتمي إلى هذا العصر الذي نعيشه. والدواعي .ويكفي أن نقرأ عنوان هذا المقال الدّال نوضح أن األزم��ة ليست مكوّنا بنيويّا وعلينا أن ّ «قصيدة النثر عجزتْ مث َل أختها العموديّة» للشاعر سامر أبو هواش ،والمنشور في مجلة اآلداب البيروتية للقصيدة البيتية ،وليس من حقّنا أن نصمها بالعقم، (عدد 2008/7م) لنعرف تمدّد األزم��ة وانتشارها ،وأن نستصدر لها شهادة وفاة .األزمة عنوانها المنتِج ال المنتَج .الشاعر المبدع يستطيع أن يطوّع الشكل، وأنها غير مقصورة على الشعر العمودي. لا ل�ص��ال��ح تجربته بحسب وأن ي�ح��دث ف�ي��ه ت�ح��وي� ً ث� ّم��ة ب��اح�ث��ون ال يميلون إل��ى مسمّى القصيدة موهبته ال ذاك��رت��ه ومحفوظاته ،وبحسب ذهنيّته العمودية المنبنية على خصائص معينة ،ليست المنفتحة على الحياة اآلن وهنا؛ الحياة التي لم ح��اض��رة اآلن فيما يُكتب ف��ي ه��ذا ال�ل��ون الوزني، تذبل عروقها ..ولم تتهدل أغصانها ،فهي في حركة ويفضلّون عليه قصيدة البيت أو قصيدة الشطرين. دائبة ومتقلّبة أيضا .ال يق ّر الشاعر المبدع بالناجز، وقد رصد د .عبدالعزيز المقالح قبل ما يزيد على ربع ِخالصات أصبحت ٍ وال يرضى أن يبقى م��أس��وراً ل قرن أزمة القصيدة البيتية في كتابه «أزمة القصيدة إشباع واستنفاد. ٍ تاريخيّة ،لفرط ما نالها من العربية» (دار اآلداب بيروت1985 ،م) ،والتي استهلّت محنتها بولوجها ط��ور التقليد والمحاكاة ،لتعانق
26
اجلوبة -شتاء 1433هـ
«مظفر النواب» أمنوذجا ً
> مالك اخلالدي -السعودية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ثقافة الشاعر العمودي وأثرها في بناء النص..
ال ريب أن لخلفية الشاعر الثقافية أثر ًا بالغ ًا في بناء النص الشعري فني ًا ولغوياً ،إلى درجةٍ يستطيع معها المتلقي قراءة تلك الخلفية األيديولوجية ،والسياسية ،واالجتماعية ،والمعرفية، من خالل النص اإلبداعي ،من دون تقصد في كثيرٍ من األحيان ..وهذا ما أشار إليه المفكر الراحل الدكتور علي الوردي ،في حديثه عن األطر الثقافية لدى اإلنسان بشكل عام ،ولدى المبدع على وجه الخصوص ،حين أشار إلى تأثير األطر الثقافية على رؤيته لألشياء واألحداث ،ومن ثم تأثيرها على نتاجه من حيث ال يعلم ،والثقافة هنا هي بمفهومها العام ،وفي حقولها المتعددة من سياسية، وأيديولوجية ،ومعرفية ،وهذا أيضا ما أشار إليه المفكر الراحل ،حين جعل لإلطار الثقافي ثالثة محاور ،وهي النفسي والحضاري واالجتماعي ،حيث يطبع كلٌ منها النتاج اإلبداعي اإلنساني، بشكل واسع. ٍ ويسهم في تشكيله ال بد من اإلقرار بأن النص اإلبداعي هو مرآة
فإننا نجده يمضي في مراحل متعددة ،تمثل كل
حقيقية وصادقة للمبدع ،ما لم تكتنفه ظروف منها مدرسة ذات مالمح خاصة ،وإن كانت ذات قد تحد من اندياحه أو تجبره على المواربة في مرحلة ما إذا اتفقنا على ما أشار إليه الدكتور علي جعفر العالق ،من أن المبدع دائماً ذو ذاكرة مذعورة ،مثخنة بالقيود النسقية بكافة أشكالها، إال أن ه��ذا األم��ر ال يمكن أن يمضي طويالً، فنجد للمبدع مراحل أخ��رى أشد صدقاً وأكثر
هيكل بنائي واح ��د ،وه ��ذا ب�لا ش��ك ي�ع��ود إلى ٍ شاعر في تجربته ٍ اختالف اإلطار الثقافي لكل الضيقة في فضاء المدرسة الكبيرة ،فليس من العسير أبداً أن تعرف بأن هذين البيتن: أخ���ذ ال��ك��رى ب��م��ع��اق��د األجفان وه��ف��ا ال��س��رى ب��أع��ن��ة الفرسان
عفوية في تجسيد ذاته وثقافته وفكرته ،من دون والليل منشور ال��ذوائ��ب ضارب مواربة أو رمزية مفرطة تقتل ال��ذات الحقيقية له ،وتسرج نصاً بال مالمح واضحة. وحين نأتي على وجه التحديد للشعر العمودي،
ف����وق ال��م��ت��ال��ع وال����رب����ا بجران ب �ك��ل ع�ن�ف��وان�ه��ا وح �م��اس �ه��ا ونسقيتها أنها للشاعر أحمد محرم أحد رواد مدرسة البعث
اجلوبة -شتاء 1433هـ 27
واإلحياء ،كذلك لن تجد صعوبة في معرفة قائل الشعري. هذه األبيات:
رب �م��ا ال ي�خ�ف��ى ع�ل��ى ال�م�ه�ت��م ب � ��األدب ،تلك
هدني السجن وأدمى القيد ساقي ف��ت��ع��اي��ي��ت ب���ج���رح���ي ووث����اق����ي وأضعت الخطو في شوك الدجى
الثقافية العالية ف��ي قصائد «ال� �ن ��واب» ،التي ام �ت��ازت بحدة ال�ص��ور ومتانة اللغة ،كانعكاس حقيقي للفنان والمثقف والشاعر مظفر النواب
والعمى والقيد وال��ج��رح رفاقي من جهة ،والحياة الموغلة بالتشرد والمنافي والمعاناة التي عاشها من جهة أخرى ،ودعوني في سبيل الفجر ما القيت في أفصلها على النحو اآلتي: ّ رح��ل��ة ال��ت��ي��ه وم���ا س���وف أالقي
س�����وف ي��ف��ن��ى ك����ل ق���ي���د وق����وى ك��ل س��ف��اح وع��ط��ر ال��ج��رح باقي بكل شفافيتها وحزنها وجسارتها وروحانيتها أنها للشاعر الكبير عبدالله ال�ب��ردون��ي ،الذي يعد أحد المجددين في الشعر العمودي ،حيث انطلق من بوتقة النظم الحماسي النسقي ،إلى فضاء متسع ذي أبعاد فكرية فلسفية ووجدانية خالبة ،فالبردوني مؤرخ وفيلسوف تجرع مرارات بوح مغاير في السجن والعمى والفقد ،فكان ذا ٍ قالب كالسيكي عمودي. ٍ ولعلِّي أتناول الشاعر العراقي «مظفر النواب»، في قراءة تحليلية مقتضبة لقراءة إطاره الثقافي، وكيفية ومدى تأثيره على البناء الجمالي واللغوي ف��ي ن �ص��وص��ه ،ك��أح��د ال �ش �ع��راء ال �ع��رب الكبار أصحاب التجربة العمودية الفريدة ،إضافة إلى تجربته غير العادية في أل��وان الشعر األخرى، وقصائده العامية التي زلزلت الشارع العراقي آنذاك ،والتي توقف عنها في المنفى العتبارات نفسية أو جغرافية ،أو ربما داللة على نضوجه
28
اجلوبة -شتاء 1433هـ
الثقافة الدينية
مظفر النواب ..سليل أسرة علمية أرستقراطية ع ��راق� �ي ��ة ،ك��ان��ت ت �ع �ق��د ال � �ن� ��دوات واللقاءات واالحتفاالت الدينية والفنية واألدبية في منزلها، مما أسهم في تشكيل ذهنية مظفر ونفسيته، وأرفد الجانب اإلبداعي لديه في جوانب شتى، فكان ش��اع��راً ورس��ام�اً ومثقفاً ،ل��ذا نجد شعره مكتظاً بذكر األحداث التاريخية ،وأسماء المدن والشخصيات ،كما أن��ه ذو فنية مرتفعة جداً، وقد كرّست تلك النشأة في روحه الحس الديني الذي ال يتجاوز تغنّيه بأسماء رموز كـ «الحسين» و«زينب» و»أبي ذر»؛ وهنا نجد مظفراً قد أخلص لشجاعة ه��ذه ال��رم��وز ونضالها ومظلوميتها، وليس لبعدها الديني ،وه��ذا ما يفسر لنا كثرة تكراره لها ..مع توجهه السياسي واأليديولوجي البعيد عن النزعة الدينية. واقرؤوه حين يرثي: دم��اؤك ما زال الحسينُ مقاتال ولحمك ما زالت تذود األشاجعُ
فلسطين لألجيال ما أنت راكعُ
وت��زي��د م��ن ت��وه��ج ال�ق�ص�ي��دة .فحين ت��دل��ف رحاب
كما أن نكوص حال أسرته وتحولها من الترف
الحس ،والجرأة، ّ قصائده ..ستجدك أمام مزيج من
إل��ى ال�ع��وز وه��و ف��ي ص�ب��اه ،كانت ال �ش��رارة األولى وال �ش��راس��ة ،وال �ن �ش��وز ،وال��روح��ان �ي��ة ،والعذابات، والحنين ،وكلها أوجه لحياة متقلبة مملوءة بالكثير لطوفان االلتياع واأللم والنزف في شعره.
التوجه السياسي ّ كان لحياته المدنفة بالتشرد والمنافي ،الدور األبرز في إبعاده عن أي انتماء حزبي أو تنظيمي؛ لذا ،هو لم ينتمِ لغير القضايا العربية التي ينفعل بها بحماسة منقطعة النظير ،ما جعله شاعراً شرساً خارجاً عن كل نسق ،جريئاً بصالفة ..في مناكفة ما ال يؤمن به ،وهذا ما يظهر في السواد األعظم من شعره؛ لذا ،من غير المستغرب أن يوصف بشاعر الغضب القومي وهو القائل: ل��ل��ه م���ا ت��ل��د ال��ب��ن��ادق م���ن قيامة إن جاع سيدها وكف عن القمامة إن ه�����ب ن���ف���ح م����س����اوم����ات ك���ان ق���اح�ل�ا ال م�����اء ف���ي���ه وال عالمة
القيد النفسي القارئ لشعر مظفر النواب ،يلمس بشكل جلِيّ
من التناقضات ،والتداعيات ،واالنكسارات ،واقرؤوه
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وجبهتك الزهراء ترسم في الثرى
يوغل في إشعالها بصورٍ حسية تخفف من توقده..
حين عاد إلى منفاه دمشق بعد غياب: ��دت بال حزني وال فرحي دمشقُ ع ُ شبح ي��ق��ودن��ي ش��ب ٌ��ح م��ض ٍ��ن إل���ى ٍ جسد ٍ أصافحُ الليل مصلوب ًا على ل��م أدرِ أي خ��ف��اي��ا حسنه قدحي دفعت روحي على روحي فباعدني ُ لقح ن��ه��دان ع��ن ج��ن��ةٍ ف��ي م��وس ٍ��م ِ لقد سكرت من الدنيا ويوقظني م��ا ك���ان م��ن ع��ن ٍ��ب فيها وم���ن بلح ت��ه��ر خ��ل��ف��ي ك�ل�اب ال��ح��يّ ناهشةً المنح ِ عظم من أطراف ثوبي على ٍ ضحكت منها ومني فهي يقتلها ُ ُس���ع���اره���ا وأن�����ا ي��غ��ت��ال��ن��ي فرحي هكذا إذاً انثال مظفر مدفوعاً بذهنية الثائر
شراسة المفردة ،وحسية (شهوانية) الصورة لديه على النسق وروح الملتاع المحزون الشريد ،ليرسم في كثير من األحيان ،وال ريب أنها انعكاس لحياة
م��درس��ة ش�ع��ري��ة ق��ائ�م��ة ب��ذات �ه��ا ،م�ت�ف��ردة بسمات
قاسية عاشها «النواب» ،وسبر تجاعيدها ،فاعتادها متماهية رغم تناقضها ،كنتيجة إلطار ثقافي نفسي وخلقت ف��ي نفسه ط��ائ��راً مكلوماً ث��ائ��راً ساخطاً اجتماعي أيديولوجي ،أسهم ف��ي تشكيل إبداعه كثير من المنافي العربية والغربية ،ينازع متشرداً ،في ٍ
الشعري دون أن يستلب وعيه الحاد الذي صاحبه
النسق بشراسة متدفقة ،وسخرية الذع��ة ال تلين،
في كل منعطفاته اإلبداعية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 29
رهانات القصيدة العمودية > محمد جميل أحمد -السودان
ظلت القصيدة العمودية تستجيب للرهانات الكالسيكية في الشعر العربي الحديث ،وسجلت تمرينا نشطا في أسلوب المعارضات الذي قدمه بعض رواد الشعر الكالسيكي ،من أمثال محمود سامي البارودي ،وأحمد شوقي في معارضاته الشهيرة لسينية البحتري ،ونونية ابن زيدون ،وبردة البوصيري ،وغيرها من عيون الشعر الكالسيكي. وكان ذلك النجاح بذاته ضربا من استعادة العافية للقصيدة العربية ،بعد أن ظلت في عهود المماليك والعثمانيين تعاني من مضامين تعبيرية رثة. لكن منذ النصف ال�ث��ان��ي للقرن العشرين ،والذائقة الجديدة المتصلة ب��روح الحداثة ،ما ونتيجة للتفاعالت المتجددة مع الغرب ..وتطور
جعل من إهمال هذا الشكل الشعري في الكتابة
الكتابة الشعرية ،عبر التجارب الرائدة في تغيير العربية الحديثة يبدو أمرا طبيعيا وبال غرابة.
بنية القصيدة العربية وابتداع قصيدة التفعيلة ،ثم قصيدة النثر التي استقرت اليوم كنمط تعبيري شكَّل ذائقة متفردة وغالبة ،ال سيما في االنفجار الكبير الذي شهدته هذه القصيدة في الصحافة
وككثير من طبيعة السجاالت العربية حول ال�ق�ض��اي��ا المختلفة ..ي�ت��وهّ ��م بعضهم الحسم واالنتصار عبر أدواته النسبية ،حيال قضايا قد ال تكون بالضرورة قد حسمت ،أي ال يمكن أن يكون
الثقافية العربية ،وفي ك ِّم اإلص��دارات الهائل ..تجاهلها أو إطراحها فقط ،ألن الكتابة الجديدة حتى أصبح ك ّمًا لو أن هذه التجربة هي النهاية في الشعر تنحو إلى نمط قصيدة النثر. األخيرة لمدونة الشكل التعبيري في الشعرية العربية المعاصرة. وفي ظل سجاالت الساحة النقدية العربية ح� ��ول ال� �ج ��دل ب �ي��ن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر وقصيدة
وال�ح��ال أن ضغط ال��واق��ع الثقافي المتصل بمآزق الثقافة العربية وانحطاطها ،إضافة إلى العديد من الحيثيات األخ��رى ،جعل من إهمال القصيدة العمودية شأنا متعارفا عليه ،كما لو أن ذلك بالضرورة يعني احتمال قناعة ما بذلك
التفعيلة حيال التعبير الشعري ،بدا األم��ر كما لو أن القصيدة العمودية خارج الجدل والسجال الهجر ..دون الحاجة إلى حجاج نقدي ومعرفي. بوصفه -ربما -شكال قديما ال يصلح للتجريب
30
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وكان ذلك ضمن أسباب إطرِّاح نمط الكتابة
وتاريخية ،من يتصل بها في كتابة الشعر يبدو
كمن يعيش خارج زمن الشعرية الحديث.
اختيارات الشاعر ،وبالتالي فإن تفضيل تقنية
ما وشيوعها ..ال يمكن بذاته أن يكون الغيا أو
ب ��داي ��ة ال ب ��د م ��ن ال� �ق ��ول أن ت��رج �ي��ح نمط متجاوزا للتقنيتين األخريتين ،بل ينظر في ذلك شعري عن آخ��ر ..ال يأخذ أرجحيته من مطلق إلى مؤثرات أخرى تعمل على ترجيح تقنية دون تعويمه كنمط متداول بفعل مؤثرات الصحافة
أخرى ..دون أن تكون الغية لها .أي أن المعادلة
الصفرية تظل قائمة ف��ي داللتها الموضوعية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الشعرية العمودية ،وإدراج �ه��ا في خانة تراثية بالضرورة مجازا واحدا للكتابة الشعرية بحسب
الثقافية فحسب ،بل ال بد لذلك الرجحان من منهجيات تختبر هجرانه عبر إع�م��ال معرفة حيال إمكانية األخذ بأحد األشكال الثالثة في نقدية في رصد قدرات العمود الشعري ،وقياس الكتابة الشعرية ،كاختيار حر للشاعر فحسب. الحساسية الموسيقية لذلك العمود ضمن قابلية
هكذا حين نختبر معنى العمود الشعري ،ال
خارج األوزان الخليلية ،إلعادة تعريف الموسيقى
وإنما كتواطؤ كوني للذائقة البشرية حيال الشعر
اإليقاعي عن تلك األوزان الخليلية بحسب ذلك
إنسانية ت��أخ��ذ م��ن تعميمها ذاك معنى عابرا
اإلي�ق��اع ال��ذي يدرجه بعض نقاد قصيدة النثر ككتابة تاريخية في إيقاع الشعر العربي فحسب، الداخلية لقصيدة النثر من ناحية ،ولنفي المعنى التعريف من ناحية ثانية.
في كل األمم القديمة ،سنجد أنفسنا أمام ظاهرة
للزمن ،ومرتبطا في جوهره بالوجود البشري
بيد أن ما يراه كثيرون أسبابا لهجر العمود مثل أي ظاهرة فنية أخرى.
الشعري ..قد ال تصبح بذاتها داللة عليه ،ذلك
ف�م��ا يجعل م��ن أش �ع��ار األم ��م م �ن��درج��ة في
المعنى التاريخي للوزن الخليلي ،كافيا بذاته،
واألزم �ن��ة ،ينحو بذلك اإلي�ق��اع إل��ى دالل��ة عامة
أن ثمة آيدلوجيا نقدية حداثوية تجعل من مجرد
سياقات إيقاعية رغم اختالف اللغات واألمكنة
سببا ل �ت �ج��اوز ال �ع �م��ود ال �ش �ع��ري .وه ��ذا يطرح وهوية موسيقية للشعر ،وبهذا المعنى فإن تلك ب��ال�ض��رورة ردود فعل حجاجية تنحو إل��ى تلك
الطاقة اللحنية التي تخترق عادية اللغة ونثرها
ف��إذا ك��ان من المستحيل تعريف الشعر من
خاصة وغير ع��ادي��ة ،بطريقة ت��وازي معناه في
الدائرة المغلقة في حد الشعر.
خالل الشكل الكتابي لجهة أن الشعر أصال حالة قائمة بالنفس ،وأن الشكل الشعري هو كتابة
باإليقاع ،تكمن في جوهر الشعر باعتباره قدرات الكلمات ون�ظ��ام اللغة .أي أن اإلي�ق��اع هنا في ك�س��ره ل��رت��اب��ة ال�ل�غ��ة ،ه��و بمثابة ال��وج��ه اآلخر
الشعر ورسمه ،وليس الشعر ذات��ه؛ فإن دائرية لمعاني الشعر التي هي حالة تعبير تتولد من اللغة من ناحية أخ��رى ..ستجعل من األشكال عالقة الكلمات ببعضها ،عند إع��ادة خلقها في
الثالثة لتقنية الشعر مانعة من استحداث شكل
رابع ،ومن ثم فإن التسوية بين األشكال الثالثة: ال �ع �م��ود ،وال�ت�ف�ع�ي�ل��ة ،وق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ر ،ستجعل
عالم خاص.
والحال أن هذا االختبار سيكون سببا آخر
لتأكيد المعنى اإلي�ق��اع��ي ذي ال �ج��رس ،كتيمة
اجلوبة -شتاء 1433هـ 31
تختزن الكثير من إمكانات التعبير الشعري في أن يكون عارفا بالعروض.
اللغة ،بطريقة ربما شكلت فرزا حقيقيا يندرج في تحديات الجمالية اإليقاعية واللغوية لمهارة
الشاعر ..حين يمارس اللغة كمادة للشعر ،ال كوسيلة للتعبير فحسب.
وه�ك��ذا ،ف��إن تحديات العمود الشعري هي تحديات تبرز اإليقاع ضمن تلك الغرائبية التي تجعل من الشاعر شخصا مختلفا .وه��ي بهذا المعنى داللة قائمة على قيمة الموسيقى كتيمة
فالتحدي في اإليقاع الوزني إذ يبدو كذلك فنية مطلقة. ل��دى شريحة واس�ع��ة م��ن الشعراء المعاصرين لكن الخلط ال��ذي ينشأ م��ن وه��م االلتباس والشباب ،يعني فيما يعني ،فضاء فنيا الستثمار بين اإلم�ك��ان��ات اإليقاعية ل �ل��وزن ،وال�ت��ي يمكن إيقاعات اللغة في البنية الموسيقية للنص ،وهو اس�ت�ث�م��اره��ا ف��ي ال�ت�ج��رب��ة ال��داخ �ل �ي��ة للشاعر، فضاء يقتضي بالضرورة ضربا من المهارة في والوصول بها إلى حالة إيقاعية كهوية للنص ..كما مادة اللغة ،ال كصناعة باردة -على ما يزعم كثير فعل محمود درويش في استثماراته الالمتناهية من النقاد -وإنما للوصول إلى إيقاعات تخدم لمجزوء بحر المتقارب ،وأبدع من خالله أجمل التجربة من داخلها. نصوص الحداثة الشعرية العربية ،وبين التقليد وإذا ظن بعضهم أن كثرة الصناعة في الشعر البارد لشكالنية العروض الخارجية التي تذكر
الكالسيكي ه��ي نتيجة ل�ع��وائ��ق ال���وزن وقيود بالمنظومات التقليدية. القافية ..فإن ذلك الظن في غير محله ،ألن ما إن عدم القدرة على الفرز في ذلك االلتباس يجعل الشعر رديئا هو عجز الشاعر ،ومحدودية منشؤُه من الواقع الثقافي ،والبنى التي تتحكم م��وه�ب�ت��ه ال �ت��ي ت�ن�ع�ك��س ع �ل��ى ت �ل��ك اإليقاعات فيه ،وال��ذائ�ق��ة العامة المتصلة بذلك الواقع، وتفسدها بالحشو في الكلمات المتممة للقافية. وغ�ي��ره��ا م��ن األس �ب��اب ال�خ��ارج��ة ع��ن الموهبة ثمة زعم آخر لهدر اإليقاع العمودي مفاده :واإلبداع. أن القافية صناعة ت��أت��ي م��ن جهة إت�ق��ان علم
العروض ،ما يجعل إمكانية للنظم لدى كل من
تعلم أص��ول ذل��ك العلم ،لكن ه��ذا الزعم يمكن نقضه بأن الشاعر الحقيقي يكتب بذلك اإليقاع من دون أن ي��درس ال�ع��روض ،نتيجة لحالة من
االهتزاز الداخلي في مشاعره ،تجعل من تلك ال�م��وس�ي�ق��ى ف��ي أذن���ه ح��اس��ة منظمة لفوضى األص��وات في باطنه ،لكونه شخصا مختلفا في قدرته على التقاط األص��وات ،وإع��ادة توزيعها
وإذا كان الشعر بطبيعته مقاربة فردية تتصل بالحرية وال��ذائ�ق��ة ،ف��إن من ال�ض��رورة بمكان.. تأسيس اح �ت��رازات نقدية ص��ارم��ة ت ��وازي بين تقنيات الشعر ال�ث�لاث (ال �ع �م��ودي ،والتفعيلة، وق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر) ،ك��أش �ك��ال م�ت�س��اوي��ة القيمة والمعنى ،مع حرية األخذ بأي منها ال على نقيض األخرى. ول �ه��ذا ،ف��إن دائ��ري��ة ال�ل�غ��ة ،وإم�ك��ان�ي��ة عودة
على ذلك النحو من النظام في الكلمات ..دون الشعر إلى أي من هذه األشكال ،وسيادة شكل
32
اجلوبة -شتاء 1433هـ
في كل االتجاهات ،فغير بعيد أن يعود الشعراء إلى استثمار القافية في زمن ما دون زمن. من جهة أخرى ،ربما كان اإليقاع هوية حضارية
وإذا كان الشعر حاجة إنسانية بطبيعة الحال، ف��إن ات �ص��ال ال �ش��اع��ر ع�ب��ر اإلي �ق��اع العروضي وغيره في استجابته لتلك الحاجة اإلنسانية،
وتاريخية للغة العربية لجهة الجمل اإليقاعية فيها
سيجسر الكثير م��ن ال�ف�ج��وات ال��وج��دان�ي��ة في
ذل��ك أن اللغة العربية م��ن خ�لال نصوصها
تعبيرا ع��ن استجابة ل�م��زاج شعبوي ،ب��ل تأتي
وتراكيبها ،وكذلك مصادرها واشتقاقاتها ،إضافة ذائقة المجتمع ،دون أن يتنازل بالطبع عن رهانه إلى نصها العظيم المتمثل في القرآن الكريم. الجمالي ب��األس��اس ،فليست العالقة هنا تأتي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
على آخر ،رهين بتلك الحركة الحرة التي تتجه ناحية أخرى.
الكبرى ،هي بمثابة لغة موسيقية يمتزج اإليقاع كريادة جمالية وإبداعية في ذلك المجتمع. ببنيتها التركيبية .وهذه الخاصية المتصلة بها ه��ي م��ا يجعل م��ن اإلي �ق��اع ه��وي��ة ذات �ي��ة للشعر العربي .وربما لهذا المعنى التاريخي المتصل بالبنية اإليقاعية للغة العربية ..ق��ال الشاعر الكبير محمود دروي��ش -في حوار مع أسبوعية أخبار األدب القاهرية( -ش��روط تطوّر الشعر العربي يجب أن تنبع من تاريخيّته ،وعالقة هذه التاريخيّة بالشعر العالمي .ليس بالضرورة أن يكون نظام اإليقاع صارمًا كما في السابق ،ولكن ال أفهم لماذا نفرّط بثروتنا اإليقاعيّة تمامًا). ولهذا المعنى أيضا قال شاعر العربية األكبر في األزمنة الحديثة (محمود دروي��ش) أنه (لم يشعر بأن الوزن يقيّده ويحجب عنه حرّيته في المغامرة). ت�ط��رح ره��ان��ات القصيدة ال�ع�م��ودي��ة عالقة أخرى تتصل بذائقة المجتمع وذاكرته أيضا ،ذلك أن الشعر العمودي هو ره��ان ال��ذاك��رة الشعبية
وختاما ف��إن حديثنا ع��ن ره��ان��ات القصيدة العمودية ال يتصل بعالقة ضدية حيال قصيدة التفعيلة ،وقصيدة النثر -فلطالما كتبنا دفاعا عن قصيدة النثر كنمط شعري حقيقي -بل تأتي هذه الكتابة لنفي األوهام التي تنشأ من هيمنة نمط م��ا م��ن أن�م��اط الكتابة الشعرية ،بوسائل الدعاية المختلفة ،على حساب نفي نمط آخر من األنماط الثالثة. بمعنى آخ��ر ..إن تأسيس االح�ت��راز النقدي ال�ص��ارم لضمان المعادلة الصفرية ف��ي حرية األخذ بأحد األنماط الثالثة للكتابة الشعرية ،هو ما ينبغي أن يدركه الشاعر ،وهو يقترح خياراته ال�ح��رة ف��ي الكتابة بما يشاء م��ن تلك األنماط الشعرية. ه �ك��ذا ي�م�ك��ن أن ت �ك��ون ره ��ان ��ات القصيدة ال�ع�م��ودي��ة ش�ك�لا م��ن ره ��ان ال�ح��ري��ة ال�ت��ي تليق
العربية المعاصرة؛ ما يعني أن العالقة المتصلة بطبيعة الشعر وفرديته وتمرده ،وربما تكون هذه
بفضاء التعبير حيال ذلك المجتمع تقترح تماهيا
القصيدة فضا ًء مستعادا للكتابة الشعرية في
مع تلك الذاكرة من ناحية ،وترهينا للتعبير من أزمنة أخرى.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 33
الشعر العمودي
بني األصالة واملعاصرة ..رؤية نقدية > د .محمود عبداحلافظ خلف الله -جامعة اجلوف
هل يعاني النقد في األدب العربي على مر التاريخ من أزم��ة في المصطلح؟ س��ؤال تقريري؛ ألنه يقر حقيقة في مضمونه وداللته .إن غياب تحديد مفهوم متفق عليه لمصطلحي األصالة والحداثة في األدب العربي على مر تاريخه ،قد أوجد مساحات شاسعة من االختالف والتراشق بين المعاصرين ،والتجنّي واالجتراء -أحيانًا -على بعض مَن رحلوا. هل األصالة في الشعر تعني التمسك بالماضي في كل شيء ،وأن يصبح الماضي معيارًا نقبل به الحاضر أو نرفضه؟ وهل الحداثة تعني التحرر من كل شيء مضى والثورة عليه ،بما يحمل في طياته من قيم وتاريخ؟ إن عالقة الماضي بالحاضر هي عالقة احتواء بال ش��ك؛ ألن التحرر من الماضي مطلقًا يعني رفضا للحاضر بشكل ضمني؛ فالحاضر يحمل ً ال محالة -في مفرداته ومعطياته أج��زا ًء منالماضي س��وا ًء أق��ررن��ا ذل��ك أم أبينا ،لكن ..ألن الحاضر مرتبط بالمستقبل ،فينبغي عندما ننظر إل��ى ال�م��اض��ي أن نضع المستقبل ف��ي مساحته المنطقية التي تضمن لنا التطور ،وتحفظ للتراث مكانه الحقيقي.
تحتويه صفحات محدودة؛ فهو مجال لدراسات أدبية متنوعة في مجاالت األدب والنقد والبالغة، إال أنني آثرت أن أطرق هذه القضية بإيجاز أحسبه ليس مخلاً ،عله يحسم في األذهان بعض النقاط التي أصابها التميع نتيجة كثرة التشابك والتعقيد التي خلفت لغطً ا كثيرًا لدى المهتمين باألدب.
وعليه ،فسوف تَتَتَبّع هذه الصفحات ما طرأ على القصيدة العمودية في الشعر العربي من تطوير وتحديث ،وآراء النقاد المحافظين والمحدثين في ف��ال�ح��داث�ي��ون الحقيقيون أو م��ا ب�ع��ده��م ،هم ذلك عبر حقب تاريخية متنوعة. الذين يستطيعون أن ينظروا إلى الماضي من بعد يعد الشعر العربي من النشاطات اإلنسانية مناسب ،وأن يتمثلوه ال صورًا وأشكالاً وقوالب بل جوهرًا وروحً ا؛ ألن الشيء الباقي في تراث أي أمة بطيئة التطور نسبيًا -مقارنة بغيره من اإلنتاج وال يمكن أن يخضع للتقادم مع مرور الزمن -هو اإلن �س��ان��ي -فله ق��واع��ده ال�ت��ي ح��دّت م��ن تطورهالقيمة الروحية واإلنسانية الكامنة فيه. ال �م �ط��ردَ ،و َوس �م �ت��ه بخصوصية وص �ل��ت ب��ه في إن قضية األص��ال��ة وال �م �ع��اص��رة ف��ي الشعر العربي ،وم��ا ط��رأ على القصيدة العمودية عبر حقب تاريخية مختلفة ،والسجال ال��ذي دار وما ي ��زال بين المحافظين وال�ح��داث�ي�ي��ن يصعب أن
34
اجلوبة -شتاء 1433هـ
مرحلة بعينها حد التقديس ،وكانت هذه القواعد هي معيار إبداعية الشعر وإبداع الشاعر ،وبالطبع بات التحرر منها انتفا ًء لشاعرية الشاعر ،وطمسً ا لهوية الشعر.
ورغ��م طموح المجددين األُول غير المحدود؛ إال أنهم لم يتجرأوا على بناء القصيدة وشكلها ال�ت�ق�ل�ي��دي ،وق��داس��ة ب �ح��ور ال�خ�ل�ي��ل وتفعيالته، وان��ح��ص��ر ال �ت �ج��دي��د ف ��ي م ��وض ��وع ��ات الشعر وأغراضه؛ ففي العصر األموي مثلاً ،برز التجديد في غزل عمر بن ربيعة ،حتى صارت مدرسته رمزًا للغزل الحضري ،وعلى الجانب اآلخر من العصر نفسه لحق التطوير في الغزل شعر البادية ،فكانت مدرسة جميل بثينة في الغزل العذري ..إلخ. وق��د ابتدع في العصر نفسه الوليد بن يزيد فن الخمرية في الشعر العربي ال��ذي سبق فيه أبا ن��واس ،ومع تطور الحياة العقلية والخالفات ال�س�ي��اس�ي��ة ،ظ �ه��رت ال �م �ن��اظ��رات وتبعها الشعر السياسي .ولما بدأت الدراسات اللغوية في عصر التقعيد وم��ا بعده في عصر الخالفة العباسية، وأخذت المدرسة اللغوية بالبصرة تؤتي ثمارها، ظ �ه��رت األش �ع��ار التعليمية ع�ل��ى ي��د « رؤب ��ة بن العجاج» وم��ن لحق ب��ه؛ فقد تعمقوا في الغريب والوحشي وشوارد اللفظ ،ولم يكتفوا بذلك ،حيث ساعدتهم ملكتهم الشعرية على النحت واالشتقاق، وتحريف صور األلفاظ وحركاتها.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وم��ع م��رور الوقت ب��دأت بعض مالمح التغيير وال�ت�ط��ور وال�ت�ج��دي��د ،فقد رأى ثلة م��ن الشعراء أن اإلب��داع ال يناقض نفسه ،فكيف يبدع األديب إب��داعً ��ا يكبله بقيود؛ فالقيود تخرج الشعر عن إبداعيته والشاعر عن إبداعه .والقى هذا التطور حتمًا -من يناصره ،وكثيرًا ممن يقاومه ،وظلالشعر بين ثورة المجددين وتشبث المحافظين في مرحلة مخاض متعسر إلى يومنا هذا ،فلم يستطع المجددون أن يصلوا به إلى حد الثورة ،ولم يتمكن الفريق اآلخر من اعتراض الطريق كاملاً .
صاحب «الذخيرة» يستشهد بقول أبي عامر بن شهيد الوزير الكاتب« :وكما أن لكل مقام مقالاً ، فكذلك لكل عصر بيان ،ولكل ده��ر ك�لام ،ولكل طائفة من األمم المتعاقبة نوع من الخطابة ،وضرب من البالغة ال يوافقها غيره ،وال تهش بسواه .وكما أن للدنيا دولاً ،فكذلك للكالم نقل وتغاير في العادة ،أال نرى أن الزمان لما دار كيف أحال بعض الرسم األول في هذا الفن إلى طريقة عبدالحميد، (ويقصد به عبدالحميد الكاتب صاحب مدرسة الكتابة النثرية في العصر العباسي الثاني) وابن المقفع ،وغيرهم من أهل البيان؟ فالصنعة معهم أفسح باعً ا ،وأشد ذراعً ا ،وأنور شعاعً ا ،لرجحان تلك العقول ،واتساع تلك القرائح في العلوم. وكذلك الشعراء انتقلوا عن العادة في الصفة بانتقال الزمان ،وطلب كل ذي عصر ما يجوز فيه، وتهش ل��ه قلوب أه�ل��ه ،فكان م��ن صريع الغواني وبشار وأبي نواس وأصحابهم في البديع ما كان من استعمال أفانينه والزيادة في تفريع فنونه ،ثم ج��اء أب��و تمام فأسرف في التجنيس ،وخ��رج عن العادة ،وطاب ذلك منه ،وامتثله الناس ،فكل شعر ال يكون اليوم تجنيسً ا أو ما يشبهه تمجه اآلذان، وال �ت��وس��ط ف��ي األم ��ر أع� ��دل؛ ل��ذل��ك ف�ض��ل أهل البصرة صريع الغواني على أبي تمام؛ ألنه لبس ديباجة المحدثين( .علي ب��ن بسام الشنتريني، تحقيق إحسان عباس1985 ،م.)287 ،
وكان أميز ما يشهد بالتجديد في شعر بشار بن برد الذي خرج فيه على المألوف في العصر العباسي هو البديع ،فقد أشاد به ابن رشيق في كتابه «العمدة» بقوله« :أول من فتق البديع بين المحدثين في العصر العباسي هو بشار ،وتبعه في ذلك ابن هرمة وابن ميادة» .وقد صار تجديد بشار وألن المبدع متمرد بطبعه ،فقد فطن األوائل في البديع بعد ذلك تقل ًيدًا( .ابن رشيق القيرواني، إلى ض��رورة التجديد ،فذلك ناموس حيوي كائن تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ،د .ت: حيث حل اإلنسان أو ارتحل .لقد ذكر «ابن بسام» )87
اجلوبة -شتاء 1433هـ 35
ومن خالل استقراء كل ما سبق يتضح أن التجديد والتحديث هو هم المبدع منذ القدم ،وأن االنتقاد سيطاله من التقليديين المحافظين؛ فالتغيير حتمًا سيقابل بالهجوم سيما أن النفس البشرية بالفعل إذا اعتادت مذاقًا بعينه ،فمن الصعب أن تستعذب غيره في وقت وجيز؛ فذلك ال شك يحتاج وقتًا طويلاً بالنسبة للجمهور أو بعض النقاد .أما من يقاوم التغيير من الشعراء أنفسهم ،فهم ضرب من صنفين :األول مطبوع على هذا اللون ،فيه تنشط قريحته ،ويقبل التطوير مع اإلبقاء على ما يؤمن به بما يكفل له توقد قريحته وخصوبتها .أما الصنف اآلخر فمصنوع غير مطبوع ال تمكنه قريحته أكثر مما اعتاد عليه ،فذا ليس مكتمل الشاعرية طبعًا، إال أنه شاعر بصنعته. إن التجديد لم ينقطع حبله في هذه الحقبة المزدهرة إال أنه لم يصل مرة واح��دة إلى الثورة على شكل القصيدة وهيكلها؛ ليدع القديم ويبدع جديدًا .لقد ظل الشعر حبيس التطوير في المعنى والمضمون ،أما الشكل فلم يجرؤ عليه أحد قبل شعراء الموشحات في األندلس. ون �ظ �رًا ألن ال�ت�ط��وي��ر ي�ل��زم��ه ت �ح��ررًا ف��ي فكر وأيضا بيئة مغايرة تساعد في أن يتجرد ً المبدع، المبدع من عنصر الزمان والمكان ،ويحلّق حالمًا في واق��ع جديد يجعله يخرج عن قواعد المتون إل��ى تفاصيل حواشي ،عندها فقط -كما يقول األستاذ العقاد -سيرى مساحات شاسعة رغم ضآلة المسام التي خ��رج منها ،هكذا ك��ان بعض الشعراء في األندلس ،فهم أول من ثار على الشكل التقليدى للقصيدة العربية في األوزان والقوافي. إن بدعة الموشحات األندلسية ما كان يجرؤ عليها شاعر في الشرق؛ ألنهم رغم إبداعيتهم الشعرية، إال أن ارت �ب��اط �ه��م بالبيئة وال �م �ك��ان جعلهم في رؤيتهم للتجديد يسيرون في منعطفات قد بدت أحيانًا متسعة في التفكير ،لكنها ليست مفتوحة النهايات.
36
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وعلى الجانب اآلخر فإن الجرأة التي اكتسبها أص�ح��اب الموشحات ل��م تكن رواف��ده��ا شاعرية الشعراء فحسب ،بل كانت شاعرية المكان والحياة أكثر أثرًا أحيانًا .لم ترق الموشحات التي كفرت بالتقليد في األوزان والبحور إلى مستوى الشعر في ذلك الوقت من وجهة نظر النقاد المحافظين، واعتبروها ظاهرة ال يصلح إلقاؤها إال في مجالس اللهو والطرب. إنه لم يخ ُل عصر من التجديد على اإلطالق، ح�ت��ى ع�ص��ر االن �ح �ط��اط إب ��ان ال�ح�ك��م العثماني كما ينعته بعض المؤرخين لم يخل من التطوير والتجديد في الشكل والمضمون .ومع بزوغ العصر الحديث في مطلع القرن العشرين وظهور الشعور القومي ،شرع المثقفون واألدباء يسبرون الماضي، ويجددون به فتوة الشعر ويحيونه بعد م��وات ،إذ وجدوا في الماضي أمجادًا أقوى من أن تطمس؛ لذا ،فقد تسابق اإلحيائيون وعلى رأسهم البارودي، يتبارون في محاكاة األسالف وتقليدهم ،فالتزموا ق��واع��د ال �ش �ع��ر ال �ع �م��ودي ،م��ن ح �ي��ث الصياغة والتراكيب ،واألوزان والقوافي ،والشكل التقليدي للقصيدة ،فبكوا األطالل ،وثنوا بالنسيب. ولم يغفل الشعراء اإلحيائيون المدنية الحديثة والمنجزات العلمية والتكنولوجية الحديثة ،واهتموا بالواقع االجتماعي ونقدوه ،ودعوا إلى اإلصالح؛ مثل أشعار البارودي الثورية ،وشعر حافظ إبراهيم الذي كان يحمل نقدًا الذعً ا في أثواب ساخرة ،فكان ذلك بمثابة التجديد في معاني الشعر العمودي ،إال أن الصور والتراكيب واأللفاظ واألوزان والقوافي ظلت بصورتها التقليدية ،وكانوا يرونها رواسي للشعر القوي األصيل .وكان البارودي هو إمام هذه المدرسة ،وقد تبعه في هذا النهج التقليدي حافظ إبراهيم وإسماعيل صبري ،وأحمد شوقي ،وأحمد محرم ...إلخ. لم يستمر هذا التوجه كثيرًا ،حتى بدأ بعض
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
شعراء هذا الجيل يعيدون النظر في التقيد بالشكل للثورة الفكرية التي نتجت عن الحراك الثقافي التقليدي للقصيدة العمودية؛ فهي لم تتمكن من التي بكل تأكيد ق��د عجزت القصيدة العمودية التعبير الصادق عما يختلج نفوسهم ،كما أن التقيد بشكلها التقليدى أن تحتويها. ب��وح��دة ال��وزن والقافية ق��د قيّد إب��داع�ه��م ،وكبّل إن الشعر العمودي كما تشير الدراسات النقدية مشاعرهم بقيود شكلية ،فظهرت دعوات جديدة الحديثة كان يصلح بقواعده الصارمة قديمًا؛ ألن لتحديث الشعر العمودي شكلاً ومضمونًا ،وكانت الحياة التي نبت منها وفيها كانت بسيطة يغيب جماعة الديوان األدبية التي أصدرت كتابًا نقديًا عنها التعقيد ،وذلك ماال يتفق قطعًا مع مفردات نعتت نفسها باسمه بمثابة الثورة غير المسالمة الحياة التي يعيشها إنسان العصر الحديث بكل التي شنتها على اإلحيائيين .وك��ان العقاد ،ومعه تعقيداتها وتداخلها ،ولعل ذلك هو السبب نفسه عبدالرحمن شكري ،وإبراهيم عبدالقادر المازني الذي قاد إلى الحداثة وما بعدها ،التي اعتمدت (ج�م��اع��ة ال��دي��وان) أول م��ن ث��ار ع�ل��ى القصيدة على التفكيك والتحرر من كل شيء إال من الفكرة العمودية بشكلها القديم الذي احتذاه اإلحيائيون .التي يريد أن يعبر عنها األديب. ودارت معركة ض��روس بين جماعة ال��دي��وان قبل وج���اءت ج�م��اع��ة أب��ول��و األدب �ي��ة ال�ت��ي أسسها انقسامها واإلحيائيين تجاوزت فيها النقد األدبي أحمد زكي أبو شادي لتحمل هذا الفكر الجديد، إلى النقد الشخصي. وتؤكد أنها استقت مبادئها التحررية من اتصالها لقد كان منهج الديوانيين يتمحور حول ضرورة ب��األدب العالمي ،كما ذكر أحد شعرائها إبراهيم أن يعبر الشعر عن الشاعر نفسه وتجاربه ،وأن ن��اج��ي ف��ي مقدمته ل��دي��وان أب��ي ش��ادي «أطياف يتم التحرر من شعر المناسبات والقصيدة متعددة الربيع» .وذلك تأكيد على أن الثورة على القصيدة األغ��راض ذات ال��وزن الواحد ،والقافية الموحدة العمودية التقليدية جاءت نتيجة الحراك الثقافي، ال �ت��ي ت �خ��رج ال�ش�ع��ر ع��ن ص��دق��ه ،وال �ش��اع��ر عن واالحتكاك باألدب العالمي في ذلك الوقت الذي مصداقيته .وعليه ،فإن الديوانيين رأوا أنه ال بأس ما يزال يعد من األسباب الرئيسة لتطوير األدب في سبيل تحقيق ذلك أن يتحرر الشاعر من وحدة والشعر إلى يومنا هذا ،فمن المستحيل في ظل الوزن والقافية .وبالفعل نظم الشاعر عبدالرحمن ه��ذا التفاعل الشديد للثقافات أال يتأثر طرف شكري أكثر من قصيدة حرر فيها القافية ،مثل بآخر. قصائد (كلمات العواطف ،واقع أبي قير ،الساحر لم يكن التحرر لدى الديوانيين أو جماعة أبولو المصري). بشكل كامل ،بل ظلت القصيدة العمودية حاضرة وب ��ذا ي�ك��ون ال��دي��وان �ي��ون وم��ن ان�ت�ه��ج نهجهم ،ف��ي ك�ث�ي��ر م��ن أش �ع��اره��م ،ول �ك��ن ل�ي�س��ت بشكلها هم أول من ثار على القصيدة العمودية بشكلها التقليدى كما انتهجها اإلحيائيون ،بل كان هناك التقليدي في العصر الحديث. تطوير ف��ي الشكل وال�م�ض��ون ،إذ اع�ت�م��دوا على وكما ذكر محمد مندور رحمه الله أن الحراك وح��دة القصيدة وليس وح��دة البيت ،ومنهم من الثقافي ،وال�ح��رك��ات التحررية التي ظهرت في نظم الشعر القصصي والمسرحي. العالم العربي في بدايات القرن الماضي ،وقبله ورغ��م أن جماعة أبولو قد دع��ت إل��ى التحرر ً قليلاً ، وأيضا انتشار الترجمة والصحافة كان له م��ن قيد القافية ال�م��وح��دة والتنويع ف��ي البحور دور كبير في تحرير القصيدة العمودية ،كرد فعل ض�م��ن ال�ق�ص�ي��دة ال ��واح ��دة ،ف��إن المتتبع لشعر
اجلوبة -شتاء 1433هـ 37
ش��ع��راء ه ��ذه ال �ج �م��اع��ة ي �ج��د م�ع�ظ�م��ه ق��د قيد والديوان. نفسه بقافية واح ��دة ،وبعضهم ن �وَّع ف��ي القافية لقد اعتنى شعر المهجر باستحداث أشكال ً لكنه لم يتحرر منها. وأيضا تقيدوا ببحر واحد جديدة من الشعر ،مثل شعر الحكايات التي احتذوا في القصيدة ال��واح��دة ،فلم يجرؤ أي منهم على فيها حكايات الفونتين .وقد عبر إيليا أبو ماضي التحرر من البحور التقليدية ال أن يبتكر تفعيلة عن رؤية الرابطة القلمية للقصيدة الشعرية في أو وزنًا جديدًا ،وذلك يِؤكد أحد شيئين ،األول :أن مطلع قصيدته الجداول: الشعراء أنفسهم كان إيمانهم بالمبادئ الجديدة أك�ب��ر م��ن مستوى نضجهم ال�ش�ع��ري لتطبيق ما ل���س���ت م���ن���ي أن ح��س��ب��ت الشعـ يؤمنون به ،واألمر الثاني هو خوفهم الشديد من ������������اظ������������ا ووزن������������������ا ً ر أل������������ف أن يتم التحرر كاملاً ،حيث لم يكن في ذلك الوقت خ�������ال�������ف�������ت درب�����������������ك درب�����������ي أحد يتخيل أن يقرأ قصيدة محررة تمامًا من كل وان�������ق�������ض�������ى م���������ا ك������������ان م���ن���ا تقاليد الشعر وقواعده المتعارف عليها. فهو يذكر في مطلع قصيدته أن الشعر لديه فأين التجديد مثلاً في أبيات أبي شادي من ال يكون األساس فيه وزنًا موحدًا وقافية مكررة؛ قصيدة «الصعود»: إع�لا ًن��ا منه على ت �م��رده على الشكل التقليدي أس�������فً �������ا أع�����������ود إل���������ى ال���م���س���ا للقصيدة العمودية .ومن المثير للعجب والجدل ء ك�����م�����ا أت������ي������ت ب����ن����ب����ع فني في اآلن نفسه أن معظم أشعار إيليا أبو ماضي ج��اءت على الشكل التقليدي للشعر العمودي، ل��������م أل����������ق ف��������ي دن�������ي�������ا األن��������ا ممثلة في وحدة الوزن والقافية .وذلك يردنا إلى م س������وى ال����م����ه����ازل والتجني ما أنف ذكره ،ل َم لم يستطع شعراء أبولو وأقرانهم في المهجر تمثيل معظم مبادئهم النقدية التي دن������ي������ا ت������ق������وم ع�����ل�����ى ال�����دم�����ا ثاروا بها على الشعر العمودي في شكله التقليدي؟ ء وب�������ال�������دم�������اء ه���������وى تغنى سيما أن شعراء المهجر قد ترعرعت مواهبهم فمن يستقرىء ه��ذه األب �ي��ات يستشعر فيها في ب�لاد مغايرة ،حيث الحرية وال�ج��رأة واألدب التقليد في الشكل والمضمون ،فالفكرة تقليدية األمريكي الذي ترك أثرًا واضحً ا في القضايا التي وأيضا البساطة في اللغة ً مكررة يصف معاناته ومكابدته كبد الحياة ،والتزم تناولوها في أشعارهم، فيه بحرًا واحدًا وقافية موحدة. التي أسقطتهم كثيرًا في هنات لغوية وتسطيح في ول��م يكن ش �ع��راء المهجر بعيدين ك�ث�ي�رًا عن بعض التراكيب اقترب أحيانًا من مستوى العامية.
رومانتيكية أبولو ،إال أن تأثرهم باألدب الغربي كان أكثر وضوحً ا ،فضلاً عن النزعة القوية للتحرر من كل القيود التي كانت تمثل عندهم رمزًا لالستعمار والعبودية التي هربوا منها في المشرق ،وهاجروا للغرب ،حيث الحرية وال�ت�م��رد على ك��ل القيود، فبدت القصيدة العمودية عند جماعة المهجر أكثر تحررًا من خصائصها التقليدية مقارنة بأبولو
38
اجلوبة -شتاء 1433هـ
حين طمح شعراء أبولو وشعراء المهجر إلى كسر حاجز الوزن الواحد والقافية المكررة ،انتهى هذا الطموح عند الموشحات الموزونة على البحور التقليدية والمشطور منها ،فلجأوا إلى المخمس وال�م��زدوج على البحور التقليدية المألوفة ،كما لجأ الكثير منهم إلى النثر الشعري الذي برع فيه جبران ،لكنهم بالفعل على مستوى التجديد الفعلي
ومع انبراء دعاة الحداثة بشكل ملحوظ في منتصف القرن الماضي ،عندما بدأت المنجزات المادية للحداثة تتوطن في العالم العربي رغم الكبوة السياسية ال�ت��ي يعانيها ال�ع��رب��ي ،و ِبدْء ال �ص��راع ال�ع��رب��ي اإلس��رائ �ي �ل��ي ،ف�ق��د ن�ش��أ لغط شديد ،إذ رأى المحافظون أن التمسك بالماضي التليد قد يبعث الحياة العربية بقوتها وبهائها من جديد ،ورأى المحدثون أن ما يراه المحافظون ويؤكد هذا االتجاه الوسطي نجيب البهبيتي ي�ع��د ارت �ك��اسً ��ا ل�ل�م��اض��ي ،ون��وعً ��ا م��ن التغييب والهروب من واقع مرير ،والحل األوحد للخروج بقوله :لو تجرد الحاضر من كل قديم ،ما وجد منه ومواجهته هو االنفتاح على العالم ،والتسليم الحاضر نفسه. بأن الماضي لن يعود ،فالتطور مستمر ما دامت وع��ل��ى االت� �ج ��اه اآلخ� ��ر خ� ��رج المتعصبون الحياة مستمرة. للحداثة ،الذين خطفهم بريقها المتوهج ،فحجب ولكي يستطيع دعاة الحداثة استقطاب أكبر عن عيونهم أي شئ دونها ،فبدأوا يدعون للتحرر عدد من المؤيدين ،راح��وا يلملمون من التراث والتحلل من كل شيء حولهم ،حتى من أنفسهم، العربي بعض الشتات لينسجوا به قاعدة مستوية وكان أدونيس هو أهم من برز في هذا االتجاه، يقفون عليها ،ليدعموا موقفهم ويثبتوا أن الحداثة وك ��ان ك�ت��اب��ه «ال �ث��اب��ت وال �م �ت �ح��ول» ال ��ذي هدف متجذرة في التراث العربي ،وليست دخيلة من من خالله إل��ى زعزعة فكرة النموذج واألصل، الغرب .وقد اعتمدوا في دعواهم هذه على ما والتأكيد على أن الكمال ل��م يعد م��وج��ودًا في كتبه بعض الذين امتلكوا الجرأة والتجديد قديمًا التاريخ أو ال �ت��راث ،فهو ي��رى أن الكمال كامن في حركة اإلبداع المستمرة بمثابة ثورة حقيقية أمثال أبي نواس ومهيار الديلمي ...إلخ. لتجاوز السلف. ورغم الصراع الشديد الذي اندلع بين التيارين، وف �ت��ح ه��ذا االت �ج��اه ال �ب��اب ع�ل��ى مصراعيه إال أن الشعراء الحقيقيين من جيل الحداثة ظلوا على مسافة مقبولة ومنطقية من الشعر العمودي ،لحرب ضروس بين الحداثيين والمحافظين ،ومع بما يؤكد مدى إيمانهم بما يقولون وشاعريتهم مرور الوقت امتدت الحرب لتكون بين الحداثيين الحقة ،فتقول ن��ازك المالئكة :إنني ما دعوت أنفسهم؛ فقد تسببت الدعوة للحداثة بمبادئها ي��و ًم��ا لالقتصار على الشعر الحر بالرغم من المرنة القابلة للتمدد ،لتسلل بعض الدخالء تحمسي له ،وإنني على يقين من عودة الشعراء والمتطفلين على ساحة األدب ،فضربوا بقواعد إلى األوزان الشطرية ،وأن يقصروا الشعر الحر الشعر ع��رض ال�ح��ائ��ط ،وان�س��ال��ت منهم بعض على بعض األغراض المحددودة .ويؤكد السياب الهرطقات المتشذرة فكرًا ولغة وإيقاعً ا ،فطفا أن الموقف ال��ذي يكتب فيه الشاعر قصيدته على السطح غثا ًء تململ منه شعراء الحداثة والحقبة التاريخية التي تصورها هذه القصيدة ،أنفسهم. هي التي تحدد كونها تأخذ الشكل العمودي أو يقول محمود درويش يرحمه الله عن الردئ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
لم يقدموا شيئًا يمثلهم كما أسلفت.
الشكل الحر ،ويؤكد السياب وجهة نظره بقوله: عندما تكتب قصيدة يوم كانت فلسطين للعرب بعد أن حرروها من ال��روم ،فال ضير أن تكون عمودية تحمل فحوى التراث ،وتعبر عن رصانته وقوته ،وأعتقد أنكم تشاركونني القول أن الوضع يكون مختلفًا تمامًا عندما تسلب فلسطين اآلن، ون�ش�ع��ر ب �ه��ذا التخبط وال �ع��واص��ف الداخلية، فيصعب على الشاعر أن يحدب رؤيته ليصكها في قوالب جامدة.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 39
من شعر الحداثة :اآلن بشاعة القصيدة أشد عن القصيدة العمودية في مواجهة شعر الحداثة، إي�لا ًم��ا للنفس م��ن تكدس القمامة ،اآلن نشاذ ولكن ينبغي أن يثور شعراء الحداثة أنفسهم على اإليقاع يجرح النفس أكثر مما تجرحها صافرات كل من أضاع هيبة الشعر وسطّ ح مفهوم الحداثة لدرجة أن بات كل كالم مفككًا أو مبتورًا ينسب اإلنذار المبحوحة. لشعر الحداثة. أم��ا م�ح�م��ود ف��اخ��وري ف��ي ك�ت��اب��ه «موسيقى وع ��ودًا على ب��دء ،فإنه ينبغي أن يتم تحرير الشعر» فإنه يرى أن االفتقار للموسيقى الناعمة يعد من أهم أسباب ضعف شعر الحداثة .وأرى مصطلح األصالة من براثن التقليد األعمى ،وأن يتم أن محمود فاخوري قد أصاب كثيرًا في وصفه ،التفريق بين األصالة والتأصل؛ فليس كل متأصل حيث إن ع ��ددًا ليس بقليل ممن تطفلوا على في تراثنا يعد أصيًال .فاألصالة الحقيقية هي الشعر تحت مظلة الحداثة التي تميع مفهومها التي يصلح البناء عليها ،وهي التي تتمدد دالالتها كما ذك��رت ف��ي ص��در حديثي ل��درج��ة أن��ه سمح لتنتقي من الماضي ما يخدم الحاضر ويستشرف لرويبضة الشعر أن تصول وت�ج��ول ،فلم يفتقر المستقبل .وهذا المفهوم الحقيقي لألصالة هو أيضا، هؤالء إلى علمهم بالعروض فحسب ،بل إن ضعف الذي ال ينكر الحداثة بمفهومها الحقيقي ً ثقافتهم بجميل الشعر العربي قد أفقده رهافة وال يستطيع ف��ي ال��وق��ت نفسه أن يلغي الشعر الحس وهبط بهم ع��ن الحد األدن��ي المقبول ،ال�ع�م��ودي ال��ذي أث�ب��ت بعد ال �ق��رآن الكريم مدى فخرج ما يسمونه شعرًا إلى السرد باسترساله ،إبداعية العربية وجمالها .هذا فضلاً عن أنه ما كان في أوج ازدهاره يومًا دعوى للجمود بقدر ما وبات أقرب ما يكون إلى لغة التخاطب. كان دعوة لإلبداع والتطوير .إن اإلبداع الحقيقي إن اإلفراط في الغموض والتفريط في الوزن هو الذي يولد من تحد فعلي ،وكان التحدي في لبعض شعراء الحداثة قد اختزل من قيمة هذا الشعر العمودي وما يزال في قواعده التي تخرج الفن أكثر مما أض��اف .ألم يشاركني الشعراء أجمل ما لدى الشاعر من موهبة وملكات ،والتي ال�ح�ق�ي�ق�ي��ون م��ن ج �ي��ل ال �ح��داث��ة أن اإلف���راط لم تمنعه من الخروج على هذه الثوابت في حدود والتفريط اللذين نَعَتُّ بهما المتشعرين وليسوا ما يحفظ للشاعر شاعريته ،وللشعر خصائصه شعراء ،قد جعل الكثير ممن عارض الحداثة من ورونقه وبهاؤه .فالشعر العمودي كما اعتمد على التقليديين يقول ما مفاده :ال تحتاج لكي تكون ثوابت ،فإنه لم يمنع المتغيرات في قواعد الوزن شاعرًا في هذا العصر أكثر من ورقة وقلم تخط والقافية من علل وزحاف وخبن وتدوير ،وإبطاء، عليها بعض الكلمات والرموز التي كلما أفرط وخروج على القاعدة النحوية للضرورة الشعرية.. في ع��دم تناسقها وغرابتها وتشذيب حروفها إلخ. ص��رت ش��اع �رًا م�م�ي�زًا؛ ألن��ه بمنتهى البساطة وع �ل �ي��ه ،ف ��إن ال �ش �ع��راء الحقيقيين ه��م من يصعب ن �ق��دك الس�ت�ح��ال��ة ف�ه�م��ك .ك�م��ا يقول ي�ن�ظ��رون إل��ى الشعر ال�ع�م��ودي وش�ع��ر الحداثة أح��د المناهضين لشعر الحداثة مستهزئًا :ال من زوايا متقاربة ،وإن اختلفت المساحات التي عليك ..تستطيع أن تنشر هذه الرموز بأخطائها يشغلها أي منهما في إنتاج الشاعر وقناعاته .أما اإلمالئية والنحوية؛ ألن اإلبداع ليس له سقف من ينشغل بالبحث عما يتوهم أنه يستطيع به يحكمه. أن يلغي اآلخر ،فهو إعالن عن فقر في الموهبة وأود أن أشير هنا أنني لست بصدد الدفاع وضحالة في المعرفة.
40
اجلوبة -شتاء 1433هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
تقارب الظواهر الفنية يف الق�صة ال�سعودية قراءة في قصص العدد احلادي والثالثني من مجلة اجلوبة
> د.عالء اجلابري*
يتورط النقد في أحيان كثيرة في إهمال األعمال الجديدة ،ويقصر عن متابعة الظواهر المستحدثة فيها ع��وض أن يهتم بالتعاطف معها ،والتنظير لما تطرحه، والتبشير – دون تهليل ومبالغة -باألصوات القادمة ،حتى ولو كانت من بعيد ،ولفترة طويلة يظل يجتر القديم منها ،فيبالغ في التركيز عليها بدال من مباشرة دوره األولي واألهم في استشراف مستقبل اإلبداع. وألج��ل ه��ذه المتابعة ،وللتبشير بظواهر ج��دي��دة ..نتوقف أم��ام نصوص القصة القصيرة التي نشرتها «الجوبة» في العدد الحادي والثالثين .ال لمتابعة القصص فحسب ،ولكن لحدس نقدي ج��اءت به تلك النصوص؛ جوهره وج��ود ظواهر جديدة، وتيار عام في نصوص القصة القصيرة السعودية. نشرت «الجوبة» في عددها الحادي لمعاودة البحث م��ع عينة أك�ب��ر ،غير أن
والثالثين سبع قصص ج��اء خمس منها ه��ذه العينة العشوائية (بوجه ما لمعنى
لكتّاب سعوديين ،نحاول في هذه السطور
هذا الوصف) تتيح رصدا مناسبا لظواهر
استكناه ما وجدناه من ظواهر أساسية ربما ال تبتعد كثيرا ،لو اتسعت هذه العينة تشكل خلفية اللوحة التي تعرضها القصص القليلة ،والتي ربما تؤتي نتائج مالئمة الخمس ،آملين أن تكون ثمة فرصة أوسع
ومبشرة من جهة ،وال تحبط همة العين
اجلوبة -شتاء 1433هـ 41
ال��راص��دة م��ن جهة أخ ��رى ،ورب�م��ا ن�خ��رج منها بنتائج مبدئية. ج��اءت عناوين القصص الخمس دال��ة على ال�ق�ص��ة ب��رم�ت�ه��ا ،وت�ع�ط��ي ال �م��ؤش��رات األولى ل �م��دارات ال�ق�ص��ة ،فأتيح للعنوان أن يختزل القصة التي تُقرأ من عنوانها ،وربما كان ذلك من دواع��ي ثقافتنا التي نقرأ الكتاب فيها من عنوانه .نجد ذلك بشكل كبير في قصة «ليلة ال أحبها» للمبدع «السيد موسى البدري» ،والتي تدور حول بعض وقائع ليلة زفاف حبيبته التي لم يرتبط بها لموقف وال��ده الذي «رفض ذلك الطلب؛ ألن��ي ما زل��ت طالبا جامعيا وال أملك شيئا من حطام الدنيا» .يؤهلنا العنوان للوعي بزمان القصة وموقف المؤلف منها ،ويجعلنا نتوقع ال �م��رارة م��ن س��رده ال��ذي يتمحور حول ذاته ،وهو ما يبدو أيضا من العنوان الذي يرصد موقفا ذاتيا بامتياز. يتكرر ملمح العنوان الدال في بقية القصص؛ فتأتي قصة «بطاقة صعود» للمبدع «حسن علي البطران» لتصوب وجهة النظر نحو توقع معين، لنتوقع أن تلعب دورا أساسا ،وهو ما يظهر من تركيز السارد على الحصول على بطاقة الصعود للطائرة ،مفلتا فرصة التواصل مع فتاة تعرفه وال يعرفها ،تتجرأ وتناديه باسمه أثناء وقوفه أمام (كاونتر) إصدار بطاقات الصعود للطائرة. وبرغم انبهاره بجمالها حيث كانت «فتاة في العشرين م��ن ع�م��ره��ا ،وتمتلك أع�ل��ى مراتب الجمال ،ويتحقق فيها كامل مقومات األنوثة،».. وبرغم ذلك ال يتواصل معها ،أو -بمعنى أدق -ال يفلح في إدامة هذا التواصل ،برغم استجابتها لحواره القصير معها ،فال يعرف سوى اسمها «سمر» ،بكل ما في اختيار هذا االسم من داللة،
42
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ولكنه ينصرف إل��ى م��وظ��ف ش��رك��ة الطيران، وغادر كل منهما إلى بوابة سفره ،ونسي -حسب تعبيره -أن يسألها «متى وأين وكيف نلتقي ،ولم يترك كالنا لآلخر وسيلة لذلك اللقاء..؟» .وعلى النسق ذاته تبدو قصة «كيف تنجح في التقاط صورة جميلة »!..إجابة على السؤال الموجود في العنوان وشرحا له. بعد ال�ع�ن��وان يلفت انتباهك م��ا ت�ج��ده من البداية الحاسمة التي ال تعتمد التشويق أو إثارة المتلقي ،ولكنها تهجم عليه منذ السطر األول، لتغلق أمامه أب��واب التفكير في مسار القصة أو احتماالته من جهة ،كما ترغم المتلقي على تبنّي وجهة نظر المؤلف صوب العمل اإلبداعي المطروح .ولما كان العمل المكتوب مشروع عقد ثقافي بين المرسل /المبدع ،والمرسل إليه/ المتلقي ،فقد ج��اءت ه��ذه ال�ب��داي��ة المباشرة لتجعل الرسالة المرادة من العمل واضحة منذ سطره األول .انظر إلى عبدالله الزماي – مثال – يقول «النجاح في التقاط صورة ،يعني النجاح في القبض على الزمن الهارب منا عنوة ..فأي لحظاته أجدر بالقبض عليها وتخليدها..؟ هذا س��ؤال تأملي بعيد الغور ..ربما لست مستعدا لخوض متاهته اآلن» ..؛ إذ تبدو البداية على هذا النحو شارحة لوجهة النظر التي تتفيأها القصة من العالقة بين التكنولوجيا والزمن؛ إذ تستطيع القبض عليه وإرغامه على الثبات ،ناهيك عن رفاهية االختيار منه والوقوف منه -بكل سطوته موقف االختيار والفرز .إنها البداية التي تجبرالمتلقي على توجيه نظره ص��وب وجهة نظر معينة للنظر تجاه العمل المطروح .إن المتلقي – هنا – مجب ٌر على تبني وجهة نظر المبدع وال��دوران في فلكها .وربما شكل هذا خطورة
وي�ب��دو الهجوم على المتلقي معتمدا آلية ال �ش��رح ،وتضييق زاوي� ��ة ال�ن�ظ��ر ،وع ��دم تركه للتفكير في مظان القصة ،وذل��ك ما يبدو في قصة «ليلة ال أحبها» ،وال�ت��ي يستهلها السيد موسى البدري «هذه الليلة التي ال أحبها ..ليلة عقد قران حبيبتي سعاد ..التي أحببتها صغيرا وكنت أعتقد أنها تحبني.».. المظهر الثالث ما نجده من تأثر القصص الواضح بثقافة الصورة وآلياتها ،حيث تعتمد حركية سريعة جدا ،ووصفا مغرقا في اإلسهاب، وت��أم�لا للحظات بسيطة ،بما تشبه معه تلك القصص «ك��ادرات» الكاميرا السينمائية التي تركز وجهة النظر ،كما سبق رصده في الملمح السابق ،وتحيط بالوصف من كل جهاته .يبدو ذلك واضحا بامتياز في قصة «كيف تنجح في التقاط ص��ورة جميلة» لعبدالله الزماي؛ حيث يشرح الموقف شرحا مسهبا ألج��ل الحصول على لقطة ثمينة؛ فليست كل اللقطات سواء، ون �ج��ده ي�ق��ول «ال�ش�م��س تتكسر أشعتها خلف البيت الطيني المواجه ..ويمأل ضياؤها األفق..
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
على المتلقي ،وهو العاقل الرشيد الذي يجب أن نحسن الظن ب��ه ،وه��و خطر يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه ،ولكن األخطر كون هذه المباشرة – منذ البداية – خطرا على اإلبداع ذاته .إن إغالق العمل السردي على احتماالت بسيطة ،ناهيك عن كونه احتماال وحيدا ،يجعل العمل السردي ،بما هو ص��ورة للحياة ،أحادي الجانب .البداية – هنا -بمثابة لوحة إرشادية للعمل بدال من اعتماد تقنية البداية الممهدة التي ترسم جو العمل ،وتمهد له ،فتجعله كائنا حيا يتطور على مدار سطوره ،ويشترك طرفاه (المبدع ،والمتلقي) في تكوينه.
وينعكس على ط��ائ��ري��ن يقفان بشكل متجاور على أس�لاك الكهرباء المقابلة لك تماما،».. كما نرصد قوله «يحلق الطائر على مقربة من الطائر األول ..يقتربان من بعضهما ..وينعطفان سويا بحركة انسيابية ..وعلى ارتفاع مناسب عن البيت الطيني المقابل .»....إنها صورة مرسومة، ال تحتاج كثير عناء في نقلها إلى صورة مرئية، ورب�م��ا ك��ان ذل��ك ألن الثقافة المرئية ،وثقافة الصورة عموما تشكل جزءا كبيرا من مكونات ثقافة المبدع وخلفيته المعرفية حاليا ،شأنه في ذلك شأن كثيرين ،منهم السيد موسى البدري في قصة «ليلة ال أحبها» التي يرصد فيها وقائع تلك الليلة المكروهة عنده ،فيعتمد الحديث عن حضوره المبكر لزفاف حبيبته ،وكونه ثائرا جاهليا ،بما يشعه هذا الوصف ويكفيك مؤونة ألفاظ كثيرة وصفات مختلفة ،ثم يرسم مشهدا صامتا ولكنه معبر للغاية عن تجلده الذي يدعيه «قمت وحملت الدلة بيدي اليسرى ،والفناجين باليد اليمنى ،وأخذت أدور بها على الضيوف».. فتلمس من مرارته البادية دمعة متحجرة في عينه ،على حبيبته التي ل��م يفقدها فحسب، ولكنه مرغم على مشاركته فرحتها. أم ��ا ق�ص��ة «ح ��د ال �س �ي��ف» ل�ل�ك��ات�ب��ة ماجدة ال� �خ ��ال ��دي ف �ه��ي –برغم اع �ت �م��اده��ا السرد الماضي -تبدو نموذجا لهذا التوجه ،فتدهشنا – منذ بدايتها -بقدرة على الرصد الظاهري.. «تطل من نافذة غرفتها واقفة واضعة رأسها على جانب الجدار ،حيث نسمات الهواء اللطيفة تداعب خصالت شعرها المنساب على كتفيها». إنها مشاهد سينمائية تؤهل المتلقي لإلطالل على العالم المحيط بالبطلة خارجيا ،وتؤهل ه ��ذه ال��وح �ي��دة ال �ت��ي ت�س�ت�ش��رف ال �م��رئ��ي عبر
اجلوبة -شتاء 1433هـ 43
حجاب؛ لترصد داخلها المهترئ بفعل تعاقب ال��زواج اإلج�ب��اري والطالق المتوقع (بعد قيام الزواج على غير تفاهم أو تقارب) على حياتها المغرقة في الحزن. تتفرغ سطورنا للنواحي الفنية ،كما وعدت ف��ي عنوانها ،وم��ن ث��م يخرج ع��ن تصورها أن تلتفت إل��ى تيار في القصص المقروءة يتخذ موقف المساءلة -رافضا أو مؤيدا -لمواضعات اجتماعية تبدو على سطحها الظاهري .نريد أن نلمّح إل��ى خ�ف��وت ال �ح��وار ،وال�ت��رك�ي��ز على المونولوج الداخلي ،وربما دفعها إلى ذلك ما يبدو واضحا من اتخاذ الذات الساردة محورا لألحداث ،ومحورا للسرد ذات��ه ،وما استدعاه ذل��ك من ط��رد للحوار واكتفاء بالمونولوج من جهة .وحتى جملة الحوار الوحيدة في قصة «ب �ط��اق��ة ص �ع��ود» ن�ج��ده��ا ت���دور ح ��ول الذات الساردة ،متسائلة عن السبيل الذي عرفت منه الفتاة المبهرة الجمال للشخص السارد واسمه. إن��ه االنكفاء على ال��ذات ال �س��اردة ،واإلصرار على االبتعاد عن استكناه اآلخر .ولعل اإلفراط ف��ي اعتماد ال��وص��ف آلية للسرد يبدو شديد ال��وض��وح ،ف�ض�لا ع��ن م��زج واض ��ح – رب�م��ا ال يحتاج إلى ذكر شواهد – من حضور العامية في الوصف والمونولوج ،واعتماد «كالشيهات» لغوية تزيح التجديد اللغوي بعيدا. يبدو لنا اعتماد المفارقة في نهاية األحداث أب��رز آليات البناء في القصص المنشورة في ال�ع��دد المشار إل�ي��ه م��ن المجلة؛ حيث جاءت النهاية مخالفة لمسار القصة أو إحدى مكوناتها؛ ففي قصة «ليلة ال أحبها» نجد ختامها بصوت * جامعة الطائف
44
اجلوبة -شتاء 1433هـ
األنثى ،تلك الغائبة طوال القصة« ،فجأة سمعت ص��رخ��ة ت�ن��م ع��ن ال �ح��زن وال � �م� ��رارة ..سمعت ام��رأة تقول غضبى :أحدهم صب القهوة على العروس»..؛ تلك األنثى التي ال نجد لها صوتا أو تأثيرا .وجاء ختام القصة على األرض بعيدا عن سطح المنزل ال��ذي شهد األح��داث كلها، وجاء بما يشبه االنتقام من حفل الزفاف كله، والعجيب أنه جاء انتقاما غير مقصود ،تماما كما ج��اء الحب بين البطل والبطلة (الغائبة) قدريا ،والفراق بينهما كان قدريا كذلك ،شأن حضور البطل لحفل زفاف محبوبته. وف��ي قصة «بقايا أل ��وان» للمبدعة ماجدة الخالدي ،تجد القصة تدور حول الفن والجمال والرسم والبطلة ،تلك التي «حلمها أن تصبح رسامة عالمية بفرشاتها الذهبية ،»..واستمر معها حلمها يستبد بها ،فدخلت قسم الفنون، ثم تتخرج على أمل فتح مرسم يليق بها كفنانة واثقة« ....وتمضي األيام والحلم يتالشى حتى استبدلت ب��األل��وان البصل ،وبالفرشاة سكين المطبخ ،فتقول« :فتمسك السكين ..وتقطع البصل ..و ..و.».. ال تزعم سطورنا إحاطة بالمشهد برمته، أو استقراء أفقيا للقصص المنشورة برمتها، ول�ك�ن�ن��ا ات �خ��ذن��ا ال �ن �ص��وص ال �م �ن �ش��ورة عالمة على ظواهر حاضرة بقوة ،من الصعب توهم المصادفة جامعة بينها أو مسببا لها ،وال ينبغي أن ننتظر حتى تتشكل الظاهرة تماما وتستوي يانعة حتى نتوقف أمامها ،وحسبنا إثارة الحوار حول النصوص المنشورة آملين أن تتاح الفرصة في قابل األيام لنتائج أكثر اتساعا.
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
غازي القصيبي
الصراع بني الشخصيتني
العمل ّية والشعرية ،وأثره في شعره العباد* > زكريا ّ
(الظاهرة) و(االستثناء) ،هكذا يوصف عادة الشاعر غازي القصيبي ،وهكذا تمثّل في ضمير النّاس الذين انبهروا بتعدد مواهبه وأدواره ،وغالب ًا ما يبدو ظاهر شخصيته للمتأمّ ل (مركّبةً ) على نحو مثير للدهشة ،عسير على الفهم ،إذ كيف لشخص واحد أن يلمّ شتات األنواع المتفرقة لآلداب والعلوم وأساليب العمل اإلداري والسياسي في إناء شخصية واحدة؟! ..وكأنّ القصيبي شاء أن يضرب ،من خالل شخصيته االستثنائية ،مث ًال للطامحين من األجيال القادمة ،يحفزهم على البناء والتقدّ م، بعدما لعب دور ًا حافز ًا لمسيرة التقدّ م من خالل ضخامة حجم إنجازه وتفرّده. إال أ ّن غازي يخفي في أعماقه جانباً مغايراً لما بما تنطوي عليه من اصطدام بسلبيات الواقع وآفاته، يظهر من ضخامة شخصيته المركبة ،وقد نجح الشعر ويعلن الشاعر في مواقع كثيرة موقفه الشعري المنحاز في إبراز هذا الجانب البسيط والمختلف للشخصية للشعر وللطفولة: المجللة بهيبة ال � ��وزارة وال��س��ف��ارة ..وبأضوائهما أن����������ا ذل����������ك ال�����ط�����ف�����ل ال����غ����ري����ر وصخبهما .ك�م��ا ي �ب �رُز م��ن خ�ل�ال متابعة ش�ع��ره أ ّن رم�������ت�������ه ل�����ل�����دن�����ي�����ا ال�����خ�����ط�����وب ثمة صراعاً يدور في داخله بين هذين الجانبين من شخصيته ،حيث يصطف الشعر والطفولة في جانب ،ت����رك����ت����ه ف������ي ص����خ����ب ال����ج����م����وع ي��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اد ي���خ���ن���ق���ه النحـيب وتقف الجوانب اإلدارية األخرى في الطرف المقابل
اجلوبة -شتاء 1433هـ 45
في العام 1960م ،ولد غازي في األحساء لتغادره ال ه ـ ــذه أرضي وال أمه إلى دار الخلود بعد قدومه بتسعة أشهر ،فينشأ أهلي لديّ وال الحبيب في ظل والد اتسم بالشدة والصرامة ،وجدّة اتسمت أل ّن وطن الشاعر هو األماكن واألشخاص الذين باإلفراط في العاطفة على الطفل اليتيم ،نشأ بينهما يحبهم ،والذين يشعر مع ابتعاده عنهم ..وكأ ّن العيون مقتنعاً بأن «السلطة بال حزم ،تؤدي إلى تسيب خطر ،تنكره وترفضه: وأن الحزم ،بال رحمة ،يؤدي إلى طغيان أشد خطورة»، ومن بين الشخصيتين ظهر غازي اإلداري والشاعر ..أرضي هناك ..مع الشواطئ في ظل فراغ خلَّفه غياب األم التي ترك غيابها معالمه والمزارع ...والسهول من موطن األصداف ..والشمس في لغة الشاعر وصوره الشعرية. المضيئة ...والنخيل من السهل جداً أن نفهم تكون الشخصية الرومانسية أمي هناك ...أبي ..رفاقي البسيطة في البيئة التي نشأ فيها غازي في الريف ،نشوة العيش الظلي ـ ـ ـ ـ ــل وعلى الساحل ،ووس��ط الصحراء المفتوحة ،كما أن حيث الحياة تم ّر صافية ـعط ـ ـ ــرة الذيـ ــول من الممكن تَف ُّه ُم أن تشكِّل معتركات الحياة وتعقيداتها م ّ بناءاً آخر في الشخصية ..مغايراً للبناء الرومانسي وي�ت��واص��ل ظ�ه��ور ال�ش�ع��ور بالحنين إل��ى الطفولة األولي .غير أ ّن الشعر بلحظات صفائه كان قادراً على أن يعيد غازي (معقد التركيب) ،الذي خلقته الحياة ومرابعها ،في مواضع عديدة من شعر القصيبي.. العملية ،أن يعيده مرة أخرى ،إلى طفولة غازي (الطفل بعد ديوانه (أشعار من جزائر اللؤلؤ) ،لتجده بعد ذلك البسيط) وال �م��ره��ف ..حتى وه��و يتناول ف��ي شعره بسنوات يقول في ديوانه (معركة بال راية): حزن أخو ألم القضايا الوطنية والفكرية الكبرى ،التي كان يمزجها أقول :إني أخو ٍ تأصلت في يو ّد لو عاد طف ًال ضجّ وانتحبا بحالة الوجد والشفافية الرومانسية التي ّ داخله ،حتى أصبحت من أبرز مكوناته الشعرية. يج ُد في ال�ح��بّ ،ممتزجاً وتجده ب��ذات الطريقة ِ ويتجلى لقارئ غ��ازي حنينُه الجارف إلى الجزء بالطبيعة ،ملج ًأ يأوي إليه مما يعانيه من قسوة الحياة الشخصي الهادئ والقصي في الطفولة ،والذي أخذته وصخبها: ��رأس ص��در ًا ال يضيق به منه ح�ي��اة العمل واإلن �ج��از واالن �ش �غ��االت الصاخبة ،لو أسل َم ال َ التي يشعر بذاته فيها غريبة عن ذاته األولى الطفلة وراح يشكو إليه السقم والتعب ـ ـ ــا والشاعرة ،وعن النخيل الذي اكتحلت عينه برؤيته مع ���س ب��ق��رب��ي ..نخلة نثرت أوائل األشياء التي أبصرته عيناه ،ما يجعله ،بالرغم وك��ن ِ��ت أم ِ من ذوبانه في هموم وطنه ،يشعر بالغربة عنه كعادة على هجير حياتي الظلّ والرُ طبا ال�ش�ع��راء وال�م�ب��دع�ي��ن ،ال��ذي��ن غ��ال�ب�اً م��ا ينفيهم عن الصحراء :الطبيعة ،األم والمهرب المجتمع شعورهم بالتمايز عنه: إال أن الوطن الرومانسي الذي ينتمي إليه القصيبي أبد ًا تمـ ّر به العيـ ـ ــون تكاد تصرخ :يا غريب! من ذا رماني ريـ ـ ـ ــشةً في الليل تلفظها الدروب؟
46
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ويحنّ إليه ،ال يقتصر على (األحساء) ،الواحة التي ولد فيها ،وال شاطئ الخليج الذي تربى على جوانبه في البحرين وحسب ،بل يض ّم إلى جانبهما الصحراء التي ألهبت خياله بغموضها ،كما ألهبت قبله مخيلة جملة
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
من شعراء العربية منذ ال�ق��دم ،تلك الصحراء التي اكتشف فيها الشاعر بعد تجواله الطويل في اآلفاق، معاني األصالة واإلنسانية التي ذه��ب بعيداً للبحث عنها فلم يجدها ،يقول في قصيدته (يا صحراء): إليك مهموم ًا رجعت ِ ُ الناس ألني لم أجد في ِ بالناس ِ من يؤمن رجعت إليك محروم ًا ُ ألنّ الكون أضالعٌ قلب بال ِ ألفاظ ٌ الحب ّ ألنّ الحب ّ مجردة من رجعت إليك مهزوم ًا ُ ألني خضت معركة الحياة بسيف إحساسي وبالرغم من أنك تلحظ في األبيات السابقة آثار معركة القيم الدامية التي عاد الشاعر منها بالخيبة واإلح �ب��اط ،م��ن ج��دوى س�لاح المشاعر أو (الشعر) في مصارعة الحياة ،وباليأس من الحبّ الذي أصبح مجرد ألفاظ «مجردة من الحبّ » ،إال أنك تجده في النهاية يتقمص دور الطفل مع الصحراء ..ليتوحّ د معها ك ��أمّ ،مثلما فعل م��ع واح��ة النخيل حين كتب في إه��داء قصيدته (أم النخيل) عبارة «إل��ى أمي.. الهفوف» ،ما يشير إلى أن اللجوء إلى الرومانسية في شعره بجانبيها :الحبّ والطبيعة ..ليس سوى تعويض عن تصحّ ر المشاعر في الحياة العملية ،وهو ما يحيل أيضاً إلى أ ّن الحرب المشار إليها في القصيدة هي أيضاً حرب داخلية بين شقين من ذات الشاعر ،ش ٌق رومانسي ينشد الهدوء والسكينة في الحب والطبيعة والجمال ،وشق واقعي يرهق الذات بالرحيل والنضال من أجل التغيير والحق والقيم والبحث عن الحب بين الناس ،لكنه يعترف بأنه لم يجد ضالته في نهاية األمر سوى في الطبيعة:
ألقيت بمرساتي ُ إليك.. وعدتُ ِ الرمل ِ على غسلت الوجه بالطلِّ كأنك عندها ناديتني ِ وهمست في أذني: « رجعتَ إليّ يا طفلي؟ « إليك أجل ..أماه ..عدت ِ طف ًال دائم الحزن تغرّب في بالد الله.. لم يعثر على وكرِ ْه فيك عن عمره يبحث ِ ُ وعاد اليوم وكلّما أوغل الشاعر في الشعر ،كلّما تخلّص من صلته بشخصيته الخارجية القائمة على العمل المرهق وسط العالم الذي ال يربطه به شعورياً سوى اإلحساس بالغربة واأللم ،الذي يأخذ في التخفف من آثاره كلما دنا من عالمه الرومانسي الحالم: وعدتُ إليك يا صحراء.. ألقي جعبة التسيار أغزل ليلك المنسوج من أسرا ْر وأَنشقُ في صبا نجدٍ طيوب عَرا ْر وأحيا فيك لألشعار واألقمارْ.
* كاتب من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 47
«حيث ال تسقط األمطار» ألمجد ناصر:
الحيوات من حجرة الذاكرة انبعاث َ
> هيا صالح*
يَرجع بطل رواي��ة الشاعر والكاتب أمجد ناصر ،إلى «الحامية» ،أو «حيث ال تسقط األمطار» ،واألخيرُ عنوانُ رواي���ة ن��اص��ر األول���ى ال��ص��ادرة ع��ن دار اآلداب ف��ي بيروت، 2010م. إذاً ،يعود البطل إل��ى مسقط رأس��ه ال��ذي غ��ادره باسم «يونس الخطاط» ،حامال اسم ًا جديد ًا هو «أده��م» .ومن هذا المفتتح يتلمس القارئُ االنشطا َر واالنقسا َم الذي أصاب الشخصية الرئيسة في الرواية ،وهو انقسام يتخذ شكلين :خارجياً ،من حيث االنتقال في المكان والزمان ،وتبدُّ ل االسم ،وتغيُّ ر مالمح الشكل .وداخلياً ،إذ يبدو أن العائد «أدهم» لم يعد على صلة وثيقة بنصفه اآلخر «يونس ومحافظ على سنّهِ التي ٌ الخطاط» ،كما يبدو أن «يونس الخطاط» منفصل عن «أدهم»، ال يصغر فيها أو يكبر ،وعلى ما كان في حياته التي قضاها في «الحامية» ..ولم يغادرها كما فعل قرينُه. شخصيتا الرواية وجهان لرجل واحد؛ ف��ي اإلق�ب��ال على الحياة .يسافر «أدهم،
شاعر ،مناضل ومفكر ..وهما تتقاطعان
ويتزوج وينجب طفالً ،ويصبح كاتبَ مقالة
في الذكريات والمواقف ،فيما تنفصالن وينأى عن الشعر ،فيما يظل «يونس» في في الشكل واالسم والرؤى واألفكار ..وحتى «الحامية» ،أسيراً لحبيبته األول��ى «رلى»،
48
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وب �ي��ن ح �ي��اة ع��اش�ه��ا «ي��ون��س ال �خ �ط��اط» في «ال�ح��ام�ي��ة» ،وأخ��رى عاشها قرينه «أده ��م» في المنافي والسفر ام�ت��دت عشرين ع��ام �اً ،يتكئ السرد على منطقة التذكُّر ،بالتركيز على ما م ّر بـ«يونس» من أح��داث يتم النظر فيها وتقييمها ووعي من جانب «أدهم»؛ بمعنى ٍ وتحليلها ،بتر ٍّو أن الرواية فيها الكثير من خبرات «أدهم» التي تتحكم بسرد سيرة «يونس». هنا ،ال ب��د م��ن التوقف عند الضمير الذي استُخدم في الرواية ،وهو ضمير المخاطَ ب الذي استخدمه أمجد ناصر ،ليبتعد عما يوحي به ضمي ُر المتكلم من صبغة سيرية للكاتب ،كما قال حوار معه .هذا الضمي ُر أثق َل على الرواية، ٍ في محاصراً برؤية َ ويتبدى ذلك من أن البطل ظه َر الراوي الذي يراقب كل شاردة وواردة ،وهو يطل على الشخصيات واألحداث ،ويطّ لع على الزمان والمكان من شرفة مراقبته العالية ،أو كأنما هو �رض ال��دائ��ر على منصة يشاهد ال�ع� َ ٍ يجلس في المسرح ،لكنه ال يكتفي بالمشاهدة ،بل يتدخل ويناقش ويبدي ال��رأي ويحاسب ..لذا يستشعر القارئ أن البطل ال يمتلك فعالية أو حرية ،وال يمكنه التحرك ضمن نطاق ال �ح��دث ،إال وفق مشيئة ال ��راوي ال��ذي م��ن خالله ظهرت ضمناً شخصية الكاتب وأفكاره وآراؤه وتحليالته ،وبدا أن التفلّت من استخدام ضمير المتكلم الذي من الممكن أن يحيل إلى تطابق بين الشخصية الرئيسة في الرواية وشخصية الكاتب ،لم يكن كما أراد الكاتب. ومن المقنع أكثر أن الكاتب اختار هذا الضمير لغايات تقنية ،إذ هو غير شائع في السرد عموماً، نظراً لطبيعته المقيِّدة لحرية الشخصيات من
وكان من الممكن لهذا الضمير أن يقود الرواية إلى أزمة الرتابة والرتم المكرر ،لكن الكاتب برع في الهروب من هذا المأزق ،من خالل تقطيع الرواية إلى فصول ال يتجاوز الواحد منها بضع صفحات ،إضافة إلى تقطيع الفقرات داخل تلك الفصول ،كما أن لغة ال��رواي��ة كانت ق��ادرة بما حملته من وضوح ودقة في التعبير والوصف من جهة ،وبحفاظها على الطابع التصويري الشعري �زالق في فخ الشعرية -وبخاصة أن من دون ان� ٍ َّس في األس��اس -من جهة الكاتبَ شاع ٌر مكر ٌ أخ��رى ،على استثمار ه��ذا الضمير وف��ق كثافة عاطفية ،فكرية ،متشككة ،متسائلة ومنطوية على اعتراف أو عتاب أو لوم .هذه اللغة توافقت مع ضمير المخاطَ ب ،فجاء السرد مؤثّراً قادراً على إيصال ما يشعر به البطل من فرح وحزن، أمل وخيبة ،انتصار وانهزام..
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
والشعر موطنه األثير.
جهة ،ونظراً ألنه يقلب الزمن غالباً إلى مضارع، وال �س��رد أح ��وج م��ا ي�ك��ون إل��ى الفعل الماضي، خصوصاً إذا بُني أساساً على التذكُّر واستدعاء األحداث السابقة ومساءلتها من جهة أخرى.
وألن الذاكرة هي المؤثّث األول للنص الروائي، ف �ق��د اس �ت �ع��اظ ه ��ذا ال �ض �م �ي � ُر ع��ن المونولوج وال �ح��وارات الداخلية ،على ق��اع��دة أن ال شيء يخفى على ذل��ك ال��رق�ي��ب ف��ي األع �ل��ى؛ ضمير المخاطَ ب ،ودورُه هنا تفوَّق على دور القاضي الذي يُصدر األحكام؛ يحلّل جريان الزمن وتبدُّل أحوال الشخصيات الدائرة في متونه ،وتحوالت المكان واألفكار والرؤى واآلراء واألحالم. ف�ص� ٌل واح ��د ف��ي ال��رواي��ة ،ج��اء ال �س��رد فيه وف��ق ضمير المتكلم ،هو ذل��ك ال��ذي ك��ان ينظر فيه «يونس» إلى حياة «أدهم» .فقد انطوى هذا الفصل على ذكاء وحنكة سردية ،إذ لم يكن من
اجلوبة -شتاء 1433هـ 49
المتسنّى لـ«يونس» أن يقيّم حياة قرينه ويحاكمها ويحككها؛ فهو ل��م يختبرها ،كما ي��ؤك��د المت ُن ال �س��ردي« :بقي شبحاً ،أو مسخاً ،ال يكبر وال باسم وحياةٍ قُصفا في المهد» ٍ يصغر ،محتفظاً (ص ،)23كما يمنح هذا الضمي ُر «يونس» حري َة التنصل م��ن التقلّبات المختلفة ال�ت��ي واجهها قرينه ،والبقاء وف ّياً لما كان عليه ،وتعليق الذنب كله على شماعة «أدهم» الذي يعرف الكثير عن حياة «يونس» ،بحكم أنه عاش الحياتين؛ داخل «الحامية» ،وخارجها.
وهناك فصل أيضاً يتخذ السرد فيه شك َل ح��وار بين «نصفَي» البطل ،وفيه تتم المواجهة بين «ي��ون��س ال�خ�ط��اط» و»أده� ��م» ال��ذي يكشف في الفصول األخيرة عن اسمه المركّب« :أدهم ج��اب��ر» ،وه ��و االس���م ن�ف�س��ه ال���ذي ي�ط�لَ��ق على شخص ثالث يمارس غواية الكتابة أيضاً .في ه��ذه ال�م��واج�ه��ة ي�ق��وم «أده���م» ب��إج�ب��ار «يونس» لبعض من حكايا ترحاله ،ويكشف ٍ على اإلصغاء ل��ه« :أري� ��دك أن ت�ت��أك��د أن��ك ل�س��ت وح �ي��داً في �اس األم��ور عليّ ال المعاناة .فاضطرابي وال�ت�ب� ُ يقالّن عن معاناتك الخذال َن والهج َر والنسيان. أن تحمل معك شخصاً لم تَ ُع ْدهُ .اسماً ال تُنادَى أمر به بين الناس يظل ملتصقاً بك .ليس مجرد ٍ إج��رائ��يٍّ .هل تفهم؟ ليست القضي ُة ج��وا َز سفر ومعامالت فقط .لو كانت كذلك لما كان هناك موضوع يستحق الحديث» (ص .)227
ل��ذا ،وسّ � َع ضمي ُر المتكلم في ه��ذا الفصل، مدا َر السرد ،وصبغ الحدثَ بوجهة نظر خاصة، وركّز كثيراً على حركة الفعل في الزمن الماضي. �س» ذل��ك «العائدَ» في ه��ذا الفصل يحاكم «ي��ون� ُ ال��ذي سافر تجاه ال�غ��رب وت��رك��ه واآلخ��ري��ن في «الحامية»« :ذكرتُ له أسما ًء فوجئ بها ،وأخرى تذكّرها على الفور .أبديتُ له قسو ًة لم يتوقّعها. إذاً ،انشطا ُر البطل إلى شخصيتين ،استحقا ٌق لعبتُ معه دور محامي الشيطان» (ص .)31أ ْم�ل َ�تُ��ه رؤي � ُة ال��رواي��ة القائمة على ف �رْدِ األوراق هنا ،تواج ُه الذاتُ نفسَ ها ،وليس الراوي هو من ومعاينتها ،قول الحقيقة ،محاسبة ال��ذات عبر يحاكمها؛ إذ يقول «يونس» ل�ح�ظ��ة م��واج �ه��ة حقيقية م�ت�ح��دث�اً ع��ن ق��ري �ن��ه« :إن معها ،إذ« :ال إرج��اء اليوم بقيتْ قطرةٌ من دمي تجري وال تمييع .ال��وق��ت الذي في شرايينه سيعرف أنني ل��م تكن تأبه لدبيبه على ال��وح �ي��د ال� ��ذي ل��ن يكذب األرض والجسد ،له ،اآلن، ع�ل�ي��ه أو ي �ج��ام �ل��ه ،فكيف صوتٌ مسموع» (ص .)14 ي �م �ك��ن ل �ل �م��رء أن يكذب «ي � ��ون � ��س ال� �خ� �ط���اط» على نفسه .طبعاً ،هناك اب� � � ُن ج��ي��ل ت� �ف� � ّت� � َح وعي ُه من يفعل .هناك من يخدع ع �ل��ى ال��ه��زائ��م الموجعة نفسه .لكنّ لحظ َة مواجهة ال �ت��ي ت��وال��ت ع�ل��ى البالد ص��ارم��ة م��ع ال ��ذات تكفي، العربية ،ينخرط في العمل على ما أظن ،ليعرف المرء النضالي مع مجموعة من حقيقة نفسه» (ص – 31 الرفاق ،ويكون أن يف ّر من .)32 أمجد ناصر «ال�ح��ام�ي��ة» بعد أن صدر
50
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وف � ��ي س� �ي ��اق ت��أك��ي��د هذا النمط من العالقة الغريبة التي جمعت بين األب واب�ن��ه ،يُذكر ه�ن��ا أن اس��م «ي��ون��س» ارتبط ب�ـ«ال�خ�ط��اط» ،ف��ي إش��ارة غير خافية إلى حضور والده فيه ،بينما ظل «أدهم» اسماً م�ف��رداً ،حتى النزع األخير من صفحات ال وحيداً منب ّتاً عن العائلة. الرواية؛ رج ً
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
�اس .ي �ع��ود إلى ب�ح�ق��ه ح �ك � ٌم ق� � ٍ عفو ع��ام يشمل مَن دي��اره بعد ٍ وقع عليهم حك ٌم مماثل لحكمه، ال ي�ح�م��ل اس �م �اً ج ��دي ��داً ،وشك ً جديداً فرضه التقدم في سني العمر ،ووعياً ج��دي��داً ،وجسداً مريضاً أق ّل إقباالً على الحياة، وأك� �ث ��ر م��ي�ل�اً ل��ت��أ ُّم��لِ م ��ا فاتَ ومساءلته :كيف؟ ل �م��اذا؟ ماذا ب �ع��د ،وإل ��ى أي ��ن« :ك���دتَ تسأل نفسَ ك :مَن خسر على الطريق اللولبي ،أو الدائري ،المؤدي إلى المكان األول، و َم��ن رب��ح؟ راودك ه��ذا ال �س��ؤال .راودك سؤال َط ،فرصة التبلور في رأسك آخر لم تترك له ،ق ّ أيضاً :هل أخطأت الطريق؟ أسئلة كهذه يصعب أن ال تحضر في مثل حالتك ،رغم أنك تعلمتَ في منفاك الطويل كيف تروّض األسئلة التي ال تعجبك» (ص .)14 – 13
ويخشى من عواقبهما عليك. يمكنك الجزم أن نفحة خاصة من عاطفته األب��و ّي��ة ،ال تعرف سببها بالضبط ،كان يُضمرها لك دون سواك» (ص .)178
في هذه المراجعة ،يعاود «أدهم» ف ْه َم والده ال ��ذي رح��ل ع��ن ال �ح �ي��اة ،وي �ت��م ذل��ك م��ن خالل لوحات األب وخطوطه ،وفيها يكتشف «أدهم» سراً كان معم ّياً عنه في سنوات شبابه ،يكتشف كم كانت روح وال��ده وثّابة ومتحرّرة ،وكم كانت رؤيته لألمور عميقة .مثا ُل ذلك الغيظُ الذي كان يصيب «يونس» بسبب الكلمتين اللتين كتبهما والده بالخط الفارسي على مدخل البيت ،وهما «ناكوجا آباد» ،وكانتا تسببان له الحرج بين رفاقه، ما أغاظه منهما وجعله يظل يلوم والده على هذا االختيار ،ليكتشف في ما بعد أن معناهما هو «مدينة الال أين» ،كأنما اإلنسان في حياته يقوم برحلة تتساوى فيها األماكن والجهات ،األحالم ٍ واألفراح واآلالم والخسارات ،إذ إنها دوماً باتجاه «الال أين» أو «الالمستَقَر».
(يونس/ ُ وم�ن��ذ ب��دء ال��رواي��ة ،يعلن ال �س��ار ُد ال حساب تطال ك ًّ ٍ أده��م) ،أن ما يقدّمه ج��ردةُ من؛ تاريخه ،أفكاره ،آرائه ،مشاعره ،إخفاقاته، ن�ج��اح��ات��ه ،عالقته ب��رف��اق��ه ف��ي ال�م��درس��ة وفي النضال ،وبحبيبته األولى «رلى» ،وعالقته بوالده «الخطاط» التي بدت عالقة مركّبة ،فيها الكثير من التنافر في الرؤى واألفكار والهوايات وطريقة فيوض من المحبة واأللفة ٌ العيش ،وفيها أيضاً، والحنين ،فهو يعترف أن مشكلته مع والده تكمن في تباين خيارَيهما في الحياة« ،أو على نحو أدقّ ،مسلكك الذي سبّب له غيظاً مكتوماً .كان ينفجر ،عندما يطفح به الكيل ،على شكل ثورة ه��ذه المراجعة ه��ي ،بمعنى أشمل ،مراجع ٌة ال يتوقّعها أح��د م��ن رج��ل ه ��ادئ ،منقطع ،بما لمجمل ح �ي��اة ال�ب�ط��ل ،ال ��ذي ب�ل��غ م��ن التجربة يشبه التنسك ،إلى محترفه» (ص ،)177لكنه مبل َغها ،ومن العمر أيضاً ،وما عا َد من المجدي رغم ذلك كان« :يحب فيكَ روح التمرّد والسؤال ،أن يظ ّل ينظر إلى داخله من وراء حجاب.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 51
من هنا تتشعب ال��رواي��ة في خطوط سردية كثيرة ،تستحضر القلي َل من كوابيس «أدهم» في المدينة الرمادية والحمراء (لندن) التي انتشر فيها الوباء ،وخَ �وَتْ على عروشها ،لتقود ذاكرتَ ُه إل��ى استحضار ص��ورة مشابهة لمدينة الحصار والحرب (بيروت) التي تلوثت أجواؤها برائحة الموت والدمار. بالعودة إلى «الحامية» ،يمسك الراوي بتالبيب خيط الزمن؛ الزمن كما تفهمه ال��ذاك��رة وتعيه، وكما يخضع هو الشتراطاتها ،إذ األحداث فيها ال تستقيم وف��ق تسلسل تعاقبي أب��داً -كما في ملفات «م��ؤس�س��ة األم��ن ال��وط�ن��ي» ف��ي الحامية بتسلسل ج��اف -وإنما تخضع لتسلسل ٍ المرتبة نفسي يستجلي م��ا يشع ُر ب��ه البطل ف��ي لحظة زمنية معينة ،بما يشي بحالة من حاالت التأمل في العالم ليس المحيط أو الخارجي وحسْ ب، وإنما العميق الذي يسكن دواخ��ل البطل .كذلك يبدو الزمن ممت ّداً متنوّعاً يتداخل فيه الماضي بالحاضر ويسائل المستقبل ..وبهذا فقط ،يمكن للبطل أن يبعثر أوراق��ه ،ويفتح دفاتره القديمة على اتساعها ،يقول ما له وما عليه ،بما يشبه محاكمة عادلة.
في تبدُّل األم��اك��ن حوله وتغيُّر ال��رؤى واألفكار واألشخاص؛ فصديقه «محمود» الذي انخرط معه في العمل السرّي ،والمَخاطر التي كانت تترصد بهما في «مدينة الحصار والحرب» ،يصبح مسؤوالً كبيراً في دولة «الحامية» ،أما «خلف» الذي ظل كارهاً للكتب وما فيها ،فيترك عمل َه حارساً تابعاً لقيادة «الحامية» ،ليعمل لدى الشركة التي رسا عليها مشرو ُع تطوير «الحامية» .ومن خالل لقائه بصديقه «خلف» يعرف البط ُل أن هناك الكثير من التبدّالت التي طرأت على «الحامية».
تنطوي عالقة ال��راوي مع «خلف» الذي يُقتَل ف��ي م��واج�ه��ة م��ع «ج�ه��ادي�ي��ن» نشطوا ف��ي البؤر العشوائية في «الحامية» ،على محبة وتعاطف وحنين ،وربما تفاهم من نوع محيِّر ،إذ كيف لذلك �روف الكتب ،وانخرط في الذي ابتلعت عيناه ح� َ العمل النضالي ،وط��اف في البلدان ،أن تربطه عالقة بـ«خلف» ال��ذي ابتعد عن الكتب بخيرها وشرِّها ،وورث مهنة والده حارساً لـ«الحامية» ،بل إن «خلف» يمثّل الشخصية الوحيدة التي يبوح لها البطل بنيّته كتابة سيرة «الحامية» .وربما أن مر ّد تلك العالقة الغريبة هو إعجاب بطل الرواية بطيبة قلب «خلف» وبساطته وحفاظه على نفسه هذه المحاكمة تراعي لعبة الزمن المراوغة ،من التغيير. وس�ل ْ�ط�ت��ه ال �ت��ي ال ت�خ�ض��ع ل�لأم��ان��ي وال إلرادة وم��ن ال�م�س��ارات التي يتفاجأ ذل��ك «العائدُ» ال من :صديقه تخص ك ًّ ّ اإلنسان ،وجريانه الذي يمر من دون توقّف ،غير بما آلت إليه ،تلك التي آب ٍِه بمن يعبر بهم وهم آبهون« :إنه قطار ال ي ْؤ ِث ُر «محسن» ال��ذي ي � ْق��دِ م على االن�ت�ح��ار ،ورفيقته محطة على أخ��رى ،حتى لو تلكأ هنا أو أسرع «حنان» التي تتوفى ،ورفيقته «هناء» التي تتزوج هناك .ربما ال يُسمع صفيره إال بعد أن يغادر ،من رجل أعمال ،وصديقه «حسيب» الذي يختفي لكن تمكن رؤيته على الوجوه واألي��دي والقامات وال يعرف أحد مصيره ،و«عقلة اإلصبع» الذي والصور المعلّقة على الجدران» (ص .)21 ي�ق��ود ع�ص��اب��ة ت�ه��ري��ب ،ومعلمه ال�ش�ع��ري األول داعية ديني يجوب ٍ ال��زم��ن ق��اد ٌر على تغيير ك��ل ش��يء .ه��ذه هي «سليمان» ال��ذي يتحول إل��ى الحقيقة التي يدركها بطل الرواية جيداً ،ويراها القرى والبوادي.
52
اجلوبة -شتاء 1433هـ
رغ� � � ��م ات � � �س� � ��اع رق� �ع ��ة �ط المكاني والزماني ال �خ� ّ وال� �ج� �غ ��راف ��ي ل� �ـ«ح� �ي ��ث ال ت �س �ق��ط األم � � �ط� � ��ار» ،فإن ه��ذه ال��رواي��ة تكاد ال تغادر ح��ج��رةَ ال� ��ذاك� ��رة ،ب �م��ا هو مختزن فيها من شخصيات وأح� � � � � � � ��داث وح� � � �ي � � ��وات، مختلطة ومتقاطعة ومركّبة ومتشعّبة ،ت��وض��ع جميعها تحت مجهر ال �س��ؤال« :من أين تبدأ حكايتك الطويلة، يحيل إن�ه��اءُ ال��رواي��ة في أو حكاياتك المطلّة بعضها كبيت عربي قديم؟» (ص .)14 المقبرة مع سعالت البطل التي تنبئ بمرضه ،إلى على بعض ٍ أن الجميع في النهاية يتساوون هنا؛ هنا ينتهي السؤال الكبير الذي تطرحه الرواية بمجملها، كل شيء؛ حَ يوات الشخصيات ،أحالمها ،أفكارها هو س��ؤا ُل جيل اليسار العربي الذي ينتمي إليه ورؤاها ..هنا تنتهي المحاكمة نهاي ًة عادلة ،فليس الكاتب :ما الذي قدّمه ،كيف بدت عالقته بأفكاره ثمة إال قبر وشاهدةٌ عليه .وهنا تتجلى الحقيقة وأحالمه السياسية ،وما الذي علّمته إياه المنافي المؤلمة ،فالزمن يجري من دون توقف ،وال يهمّه والشتات في بقاع األرض؟ مَن بقي ومَن مات ،مَن قاتل ومَن تخاذل ،مَن ظل في ه��ذا الجيل ال��ذي استقبل الحياةَ بعد نكسة موطنه ومَن ش ّتتَتْ ُه المنافي ،مَن حوكم ومَن حكم. وهناك ،يم ّد البط ُل قطع ًة نقدية من جيبه لحارس ح��زي��ران ،وك�ب��ر وع�ي��ه م��ع م��ا ت�لاه��ا م��ن هزائم، الحارس ثم يعيدها إليه متبرّماً ،ب��دأ األم� � ُل بالنصر ي�ع��ود إل�ي��ه م��ع ق�ي��ام الثورة ُ المقبرة ،فيقلّبها وعندما يدقّق البطل في القطعة تكون «مسكوكة الفلسطينية ،غير أنه أجهض في المهد ،لتتوالى لمناسبة اليوبيل الفضي لتنصيب (الحفيد)» (ص االنكسارات العربية التي لم تغير خريطة الوطن الكبير وحسب ،بل أحدثت أثرها أيضاً في األفكار )263الراحل ،حاكماً لـ«الحامية». الكبرى ألبناء هذا الجيل ،وزعزعت قناعاتهم التي وفي المقبرة ،حيث شاهدات القبور المنقوش بدت راسخة في مبت َدئِها ..فمنهم مَن دفع الثمن عليها أسماء الراقدين في بطونها ،يبقى سؤال حياته ،ومنهم َم��ن ع��اش م �ط��ارَداً ف��ي المنافي، الهوية المنشطرة والممزّقة للبطل يؤرقه :ترى أيُّ ومنهم مَن تاجر بِقِ يَمِ ه لصالح مكسب شخصي، اسم له سينقش على شاهدة قبره؟ وبأيّ ٍ ٍ وجه من ومنهم مَن ...ومَن...
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
في خضم هذه العالقات «ال �ق��دي �م��ة» ،ي��رت �ب��ط بط ُل ال��رواي��ة بعالقة وثيقة مع ابن أخيه «يونس الصغير» الذي يمثّل في أحد وجوهه ط �ف��ول � َة ال�ب�ط��ل ن�ف�س��ه ،أو صور ًة ثالثة وربما رابعة له. فثمة« :ي��ون��س الخطاط»، «أده � ��م ج ��اب ��ر» ،والشبيه ب �ـ«أده��م» .وم��ع زي��ارةٍ يقوم بها البطل مصطحباً «يونس ال �ص �غ �ي��ر» إل� ��ى المقبرة، تنتهي الرواية.
وجوه نفسه سيوارى الثرى؟
* كاتبة من األردن.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 53
كينون ُ ة المصطلحِ > عبدالدائم السالمي*
ينهض عليه تلقّ ي العمل اإلبداعيّ عامّ ة، ُ لعلّ ِممّ ا ���راط العقليّة واألدب����يّ منه بالخصوص ،ه��و تبيّنُ أش ِ االجتماعيّة التي احتضنت ميالدَه وأثَّ ��رت في تحديد ��وف على الخاصةِ .إ ْذ يبدو أنّ��ه ال يمكنُ ال��وق ُ ّ مالمحه ِ نص من النصوص اإلبداعيّة األدبيّة إ ّال متى أي ٍّ َالالت ّ د ِ بتاريخ ِ ونسيج عالقاتِ ه ِ إنتاجه، ِ تزوّد قارئُه بثقافة عصرِ األفكار عامّ ةً ،و َتعَرَّ فَ إلى سياق إنتاجه من جهة ،كون الحضاري للقول ،وهو مادّة تُغذّ يه ّ السياق «هو الرصيد ِ بوقودِ حياته وبقائه .وال تكون [الرسالة] بذات وظيفة إ ّال إذا أسعفها السياقُ بأسباب ذلك ووسائله .)...( ،ولكلّ ّ نص أدبيّ سياق يحتويه ،ويُشكّ ل له حال َة انتماء وحالة إدراك»(.)1 غامضا ،أو أعما ًال قابلةً لتفسيرٍ بسيط يعتمد ً ذلك أنّ «األعمال اإلبداعيّة ليست إلهامً ا خاصةٌ في رؤية العالَم بالعقليّة ّ على سيكولوجيّة مؤل ِِّفها ،إنّها أشكالٌ لإلدراك ،وطرائقُ النص والعالقة ّ االجتماعيّة [السائدة]»( ،)2التي تُمكّ ن من فهم اآلليات المتحكّ مة في ألي مجموعة بشريّة، الممكنة بين ماضيه وحاضره .وبهذا ،ترتقي العقليّةُ االجتماعيّةّ ، ُوجه حرك َة األفكارِ فيها وتُثريها بمنظومة من إلى مستوى األيديولوجية العامّ ة التي ت ّ مجال من مجاالت اإلبداع ٍ القي َِم والرموز والمفاهيم والمصطلحات المخصوصة بكلّ ِ ْصب عليها. التي َتن ّ ثقافة ،سواء ٍ وف��ي فكرِ نا أنّ ث��را َء أيِّ ال الخاصةُ؛ ألنّ في إنتاج تلك الرموز دلي ً ّ مألوف ِ أك��ان��ت حديثة أم ق��دي�م�ةً ،يظ ّل ره�ي� َن ما على تعافي الفكر البشريّ من ثقلِ
54
يتوافر فيها من قدرةٍ على تجاوز معقوليتِها
المعيش اليوميِّ وخَ رْقِ ه للمعطى السائد،
معقولية جديدة لها رموزُها ٍ الراهنةِ إلنتاج
عبر التَّأسيس لطرائق في رؤي��ة الواقع،
اجلوبة -شتاء 1433هـ
االجتماعيّة ع��ن ال��وج��ودِ م��ع مجلوبات العصر
صنعة يتميّز بها أفرادُها ،ألنّ المصطلح على ٍ أو
ال �م �ع��رف � ّي��ة .وب��ذل��ك ي� �ت ��زوّد ال �ف �ع � ُل اإلبداعيُّ
حدّ عبارة الجرجانيّ (ت 471هـ) “لفظ مُعيَّن
ب�ط��اق��ة إي �ح��ائ � ّي��ة ،وح �م��ول� ٍ�ة م�ع�ن��و ّي��ة تساعدانه
بين ٍ قوم مُعيَّنين”( ،)4وهو حاص ُل ما يبني ذه ُن
على االنفالت من أغ�لال ذاك المألوف صوبَ
لفظ ارتباط ٍ ِ َالالت ،انطالقًا من المتلقّي من د ٍ
بَ��راحِ التخييل وال��رؤي��ا ،على اعتبار أ ّن��ه «حينما
بمفهوم (مدلول). ٍ (دال)
تحضر الرؤيا تغيب الرؤيةُ ،وتغيب معها إمكانية المباشرة، ِ صورها ارتوائها وتحقيق متعتها عبر ُ لذلك ستمنح الرؤيا للرؤية إمكاني َة تعويض هذا
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
جديدةٍ تتقاطع فيها مكوّناتُ خَ زِ ين التصوّرات
معرفة مَّا، ٍ علم مّا ،أو حدود داخ َل نظامِ مفاهيمِ ٍ ٍ
والظاه ُر أنّ فعل “اصطلح” موجود في اللغة العربية على األقل منذ القرن الثالث الهجري، حيث نُلفي له ذِ ْك �رًا لدى الجاحظ (ت 252هـ)
النقص من خالل تحويالتها الرمزيّة لما يكتنفه
في قوله وه��و يتحدّث عن المتكلِّمين من أنّهم
مصطلحاتِه التي تُسمّيه وتُ�ن� ِب� ُئ ع��ن حضورِ ه،
ال �ه �ج��ريّ ،ظ�ه��رت لفظة “مصطلح” وأورده���ا
()3 العالَم الواقعيُّ » .وال شكّ في أنّه خال َل هذه “اصطلحوا ع �ل��ى ت�س�م�ي��ة م��ا ل��م ي �ك��ن ل��ه في التحويالت يَظهر اإلنتا ُج الرمزيُّ البشريُّ ،ويو ِّل ُد لغة العرب اسم”( .)5وبمجيء القرن السادس
مصطلح من ٍ ُّف على ما لكلٍّ ويصي ُر ممكنًا التعر ُ بمصطلحات أخ��رى ،يتعاض ُد معها في ٍ عالقة ٍ حقل معرفيٍّ معي ٍّن ،إلنتاجِ ٍ نسيج لفظيٍّ داخ��ل ٍ دَالالتِه وتحديد مجاالت اشتغالِه الكبرى.
بعض المصنفين في عناوين مصنّفاتهم العلميّة على غرار كتاب “المقترح في المصطلح” ألبي منصور محمد بن محمد البروي الشافعي (ت 567ه �ـ)( ،)6إ ّال أنّها لم ترد في المعاجم اللغويّة
بحث علميٍّ ينعقِ دُ ،فيما العربية إ ّال متأخرا ،إذ ظهرت في تاج العروس ولئن كان نجا ُح ك ّل ٍ مناخ لمحمد مرتضى الزبيدي ( 1205-1145هـ) في ينعقد عليه ،على ما يو ِّف ُر له الباحثُ من ٍ ()7 �اف إلن �ج��ازِ ه والسيطر ِة على المنهج أواخر القرن الثاني عشر هجر ّيًا ،واكتفت أغلب ف�ك��ريٍّ ص� ٍ ضبط مصطلحاتِه المعاجم القديمة األخرى بتحديد أصل اشتقاق ِ المعتمَدِ فيه؛ ف��إنّ مسأل َة ال رئيسً ا يمن ُع كلَّ ما من شأنه لفظة المصطلح وذِ ك��رِ ِظ�لال معانيها ،من ذلك تُ َع ّد بدورِ ها عام ً
أن ينزا َح بأهدافه عن غاياتِها .وذل��ك من جهة وتخليصها ممَّا قد ِ المصطلحات ِ ك��ونِ تحديدِ ُّرات غير العلميّةِ يُخالِطُ ها من ش��وائ� ِ�ب ال�ت�ص�و ِ
صل َح وصل ُح أنّ ابن منظور أ ْورَد في اللسان أنّ َ
واص �لَ��ح وتَصالح واص��طَ �ل��ح َّ َصلح ْ وأص �لَ��ح واسْ ت ْ ْ يناقض اإلفسا َد . ُ واصالح ،كلّها أفعا ٌل تُفي ُد ما َّ ()8
يجعلها أمين ًة في مفاهيمِ ها ،صادِ ق ًة في اإلنباءِ
وع �ل �ي��ه ،ك� ��ان ال ��وع ��يُ ب�ق�ي�م��ة المصطلح
ينهض تحدي ُد المصطلح إ ّال على ما ُ عنها .وال
ال بالقوّة في التراث الفكريّ متأص ً ِّ وبأهمّيته
دراسات ٍ استنّتْ له المجموع ُة البشر ّي ُة المُحْ دِ ث ُة له من العربيّ ،حتى وإن لم نجد له بالفعلِ
اجلوبة -شتاء 1433هـ 55
ن�ظ��ر ّي� ًة تُعيّن ط��رائ � َق صناعةِ المصطلحات ،المصطلحية ( )La Terminographieتُعنى بالجانب علم التطبيقي من حيث جم ُع المصطلحات ودراستهُا وت �ح��دِّ ُد أهم ّيتَها ف��ي ضبط مفاهيم ك � ّل ٍ م��ن ش�ج��رة ع�ل��وم ال�ع�ص��رِ .وه��و أم�� ٌر نُلفي له ون�ش� ُره��ا ،وك��ان واض��ع ه��ذه التسمية الفرنسي توصيفًا لدى بعضهم بالقول إنّ الم ْ ُصطَ ل ِِحي َن أالن راي العرب القدامى “كانوا في عالقتهم بالمصطلح
(Ray
.)Alianأ ّم� ��ا االصطالحية
()La Terminologie
فتتكفّل ب��دراس��ة الجانب
ِ كالحرَفيِّ في عالقتِه بحرفتِه :تجربتُه وتطبيقُه النظري لعلم المصطلح .وأش��ا َر الزيدي إلى أن أعظ ُم وأمت ُن من علمِ ه النظريِّ بأسرارِ مهنتِه ،االصطالحية والمصطلحية علمان لكل منهما بل ،قل إنّه حرفيٌّ حينما يشتغل بصنعتِه يكون اختصاصه. ُ صامتًا ،وقلَّما يُ��رش� ُدن��ا إل��ى م��ا استلهمَه من تجربتِه مِ ن خبرةٍ نظري ٍّة”(.)9
نخلص إليه اآلن هو أنّ المصطل َح تص ُّو ٌر ُ وما ذهنيٌّ لشيءٍ مُعي ٍَّن يوج ُد في العالَمِ الماديِّ أو
أمّا في العصر الحديث ،فقد تكفّلت مجموع ٌة التخييليِّ ،وهو على ح ِّد تعريف فيلبر
(Hulmut
لمفهوم ٍ من الباحثين بالنظر في تاريخ المصطلحات« :)Felber ،ال ��رم� � ُز ال �ل �غ��وي ال��م��ح��دّ ُد وكيفية نشوئها وعالقاتها بالبيئة اللغويّة التي مصطلح على وُضوحِ ٍ وتنهض د ّق ُة ك ِّل ُ واحد”(.)11 ٍ تُزر ُع فيها .كما بحث هؤالء حرك َة المصطلحات مفهومِ ه داخل نظامِ مفاهيم ِع ٍلم مَّا .وقد غلّب وهي تهاجر من لغة إلى أخرى في الزمان وفي فيلبر ف��ي د ّق ��ةِ المصطلحات مفاهيمَها على ٍ تنهض عليه تلك الحرك ُة من ُ المكان ،وما أسباب رم��وزِ ه��ا اللغويّةِ باعتبار أنّ التفاه َم الناج َح ال ثقافي ٍّة فاعلة في أشكال التواصل البشريّ وأدواتِه يقوم على دقة اللغة ،بل ،يعتمد على دقة تنظيمِ حقل ومتفاعلة م�ع��ه .وم��ن ث � ّم ظهر ِع�ل� ُم المصطلح مفاهيم األشياء التـي نقولُها باللغةِ داخل ٍ ّ ( )Terminologieواكتسب أهميّة بالغة خاص. ٍّ خاصة مع معرفيٍّ تطوّر علوم اللسانِ ،وتنوّع مجاالت اشتغال الفكر البشريِّ الحديث.
وفي فكرنا أنّ المصطلحات كينوناتٌ ،تتخلّق وفق حاجات التواصل البشريّ ،وتستوي ذواتًا
فمجتمعات ،لك ّل واحد منها ٍ الالت وف���ي ه���ذا ال� �ش ��أن ،ت �ت � ّب � َع ال �ب��اح��ث توفيق فقبائ َل من الدَّ ِ ال ��زي ��دي
()10
اشتغال ٍ ت��اري�خ� ّي� َة ظ�ه��ور “المصطلح” عند ُه��و ّي� ٌة تتك ُئ على م��دارِ تخاطُ ٍب وحقلِ
مصطلح فترةُ توهُّ ٍج ،تَهي ُج فيها ٍ الغربيين ،والحظ أن أول استخدام له في الغرب دَالل َييْن .ولك ّل ك��ان ف��ي ال �ق��رن ال�ث��ام��ن عشر عند
(Christian
ص مع أعشاب غيرِ ه عبر تضاف ٍُر وتتناص ُ َ أعشابه
واحد مُهيمِ ٍن ٍ ،)Gottfried Schulyثم ظهر بفرنسا سنة 1801م مدلوليٍّ ،وتعرّش تحت سماءِ دالٍّ لدى ( ،)Sepastin Mercierوبإنجلترا سنة 1837م تمتح منه روا َءه� ��ا ف��ي ال��وق��ت ال��ذي تُغني فيه في كتابات ( .)William Whewellوبيّن الزيدي أنّ
56
اجلوبة -شتاء 1433هـ
كيمياءَه ،وهو ما يشفع لنا بالقول إنّ جنسً ا من
ما يحصل لك ّل ٍ صلب العلم كائن ح��يّ ،فتتراخى ه ّمتُها في المصطلح عنص ٌر أساسيّ يدخل في ُ اإلنباء بمعانيها ،ويعتورها التهرُّم ،وتركن إلى ومنهاجه ،والنقد أسلوب وحركة ،وهو عالم ٌة دالّة منسي ِ ّات اللغة ،فاسح ًة في المجال لجيل من لحقل معرفيّ معيّن ي َِس ُم الخطابَ ويُعلّمه”(.)12 المصطلحات جديداً.
ولعل هذا ما جعل دراسة المصطلحات في الفعل
�اص�ةً ،تحظى وال ش� ��كّ ف ��ي أنّ م ��زي� � َد إح� �ك ��ام مفاهيم اإلب��داع��يّ ع��ا ّم��ة ،والنقديّ منه خ� ّ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
التبصر واليقظة الفكريّة ،فـ“معرفة ّ الدَّ اللةِ قد نبتَ .ث ّم يحصل لتلك المصطلحات بكثير من
علم �ص��رِ ع�لاق��ات�ه��ا البينيّة بكثير اهتمام الباحثين من جهة كونها في ك ّل ٍ ال�م�ص�ط�ل�ح��ات ع�ب��ر ت �ب� ُّ وتعاضدِ ها ونحوِ ها إلى التشكّل في من العلوم “بمنزلة النواة المركزيّة التي يمت ُّد بها ُ وتراشُ ِحها بنية دَاللي ٍّة مَّا ،في أيّ بحث يروم الموضوع ّي َة في مجا ُل اإلشعاعِ المعرفيّ ،ويترسّ ُخ بها االستقطابُ ٍ يساع ُد الباحثَ على ضبط ُعدّته الفكريِّ ” ِ منهاجه ونتائجه،
()13
ودون ذل��ك تختلطُ معاني الكالم
المعرفيّة ويمكّنه من التعمّق في جزئيات عمله ويَعْتوِ رها الترجُّ ُح بين دَالالت ألفاظه. * كاتب من تونس. ( )1عبد الله الغذَّامي :الخطيئة والتكفير ،المملكة العربية السعودية ،النادي األدبيّ الثقافي 1985م ،ص .7 ( )2تيري إيجلتون :النقد واإلديولوجيا ،ترجمة فخري صالح ،بيروت ،المؤسّ سة العربية للدراسات والنشر 1992م ،ص.13 ( )3نور الدين الزاهي :المقدّس اإلسالمي ،الدار البيضاء -المغرب ،دار توبقال للنشر 2005م ،ص .42 ( )4القاضي علي الجرجاني :التعريفات ،تحقيق إبراهيم األبياري ،بيروت ،دار الكتاب العربي 1985م ،ص .45 ( )5أبو عمرو الجاحظ :البيان والتبيين ،ج ،1تحقيق حسن السندوبي ،مصر ،المكتبة التجارية الكبرى 1956م ،ص .139 ( )6أب��و منصور محمد بن محمد البروي الشافعي :المقترح في المصطلح ،تحقيق شريفة بنت علي بن سليمان أيضا عند فخر الدين الرازي (ق6هـ) الحوشاني ،بيروت ،دار الوراق ودار النيرين 2004م .وقد ظهر لفظ “مصطلح” ً في كتابه “المحصول في علم األصول” ،والبلقيني (ق8هـ) في عنوان كتابه“ :محاسن االصطالح” والقزويني (ق8هـ) في «اإليضاح» ،وابن خلدون (ق8هـ) في «المقدمة» ،والجرجاني (ق 9هـ) في «التعريفات» ،وأبو البقاء (ق11هـ) في «الكليات» ،وابن الطيب الشرقي الفاسي (ق 12هـ) في «حاشية القاموس» (مادة ص،ل،ح). ( )7محمد مرتضى الزبيدي :تاج العروس من جواهر القاموس ،تحقيق مصطفى حجازي ،الكويت ،مطبعة حكومة معرِض حديثه عن الدقائق“ :والدقيقة في المصطلح النجومي: ِ الكويت1976 ،م ،ج ،6ص 547وما بعدها .ويقول في جزء من ثالثين جزءا من الدرجة هكذا في العباب ،وقلّده المصنف ،وفيه نظر ،وقد نبّه عليه الشيخ أبو الحسن المقدسي في حواشيه بما نصه :هذا سَ بْ ُق قلم ،إنما هي من ستين جزءا من الدرجة ،ونقله شيخنا ،وصوَّبه”. ( )8ابن منظور :لسان العرب ،تحقيق عبدالله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي ،القاهرة ،دار المعارف 1981م ،مادة (ص،ل،ح). ( )9توفيق قريرة :المصطلح النحوي وتفكير النحاة العرب ،صفاقس ،دار محمد علي للنشر 2003م ،ص .5 ( )10ا ُنظر في الغرض :توفيق الزيدي :جدلية المصطلح والنظرية النقديّة ،تونس ،نشر قرطاج 1998م ،ص ص،15-13: .32-31 (.Helmut Felber: Standardization of Terminology, Infoterm, Vienna 1985, p 17 )11 ( )12صالح بالعيد :في قضايا فقه اللغة العربية ،الجزائر ،ديوان الجامعة 1995م ،ص .97 ( )13عبدالسالم المسدّي :االزدواج والمماثلة في المصطلح النقدي ،المجلّة العربية للثقافة ،عدد ،24مارس 1993م ،ص .54
اجلوبة -شتاء 1433هـ 57
«صابون تازة» إلبراهيم احلجري مرثية الزمن اخلالسي
> هشام بنشاوي*
في روايته الصادرة حديثًا عن دار «رواية» (القاهرة، 2011م) ،سيلفت انتباه القارئ العربي أن عبارة «صابون ت���ازة» وردت م��رة واح���دة ف��ي المتن الحكائي ،مما قد يربكه أكثر ،فالعنوان ذو داللة تطهيرية« ،مستلهم من الخطاب التراثي الشفهي المغربي ،الذي يتداول بقوة هذه العبارة؛ تدليال ساخرً ا على ما يعتمر الواقع من أدران ودنس وتشوّهات ومسوخ ،غير قابلة أبد ًا للمحو أو الغسل ،حتى بصابون تازة الشهير -قديمً ا -بجودته». طاعن في سوداويته ،ولن يجد ٍ قاس واقع ٍ
ف ��ي ه� ��ذه ال� ��رواي� ��ة ،ي �ك �ت��ب إبراهيم ال�ح�ج��ري ال�ت��اري��خ المنسيّ (والمسكوت السارد سوى السخرية -أحيانًا -للتخفيف عنه) لبلدة «قطرينة» ،فتتعدد المحكيات من قتامة المروي ،ال سيما عند كتابة سير وال� ��رواة ،تتشابك المصائر المأساوية ،مجانين دكالة ،الذين اختاروا العيش خارج يلوث المدنس المقدس ،يمتزج التاريخي الزمن الرديء... بالعجائبي ،ويغدو تفتيت السرد استعارة جمالية وسيكولوجية لتشظي ال��ذات في ***
58
اجلوبة -شتاء 1433هـ
يستهل إبراهيم الحجري روايته بحنين ذابح يجتاح والد السارد ،في أيامه األخيرة ،إلى بلدته «قطرينة» ،أورثه إياه أبوه قبل رحيله .يتذكر األب معاناة أهالي القرية في عهد الحماية الفرنسية، ثم اجتياح الوباء للقرية ،فاضطر األب برفقة صديقه عباس إلى مغادرتها في اتجاه البيضاء على متن شاحنة ،مختبئين وسط الخنازير ،وعلى الرغم من الحنين الجارح ،واالغتراب والوحشة، لم يستطع األب العودة إلى القرية مثل صديقه ع �ب��اس« ،ال �ت��ي عشقها وم ��ات وه��و ي�ح��ن إليها بجنون» (ص ،)8 .ألنها تذكره باأليام العصيبة.. األرض السليبة ..والكرامة المهدورة؛ فقد أقسم أال يعود إليها ،ويمعن إبراهيم الحجري في رسم لوحة نوستالجية عذبة ...حتى لو لم يملك شبرًا من األرض في البيضاء ،فقد بقي ف�لاحً ��ا ..إذ يذهب إلى ضواحي المدينة في أيام فراغه راكبًا دراجته الهوائية ،وحين يصل إلى الحقول يجلس القرفصاء ،يسجد ،ثم يقبل األرض ،وربما يبكي ويظل م�م��ددًا على األرض ،وف��ي المساء ،يعود مبتهجً ا ،كأنما زار قريته «قطرينة». هكذا صارت البلدة أسطورة األب ،التي يصر على أن يحكيها لإلبن ،ال��ذي ال يعي أي شيء، بينما يحرمه من حكاياته المسلية ،التي يسردها ألصدقاء المقهى ،وك��ان آخر ما تلفظ به ،وهو يحتضر أن يزور قطرينة ..فأورثه ذلك الحنين و«جرح الذكرى».
سيرة األلم م�ث�ل�م��ا ع��ان��ى األب م ��ن ق �ه��ر المستعمِ ر، سيناضل رب �ي��ع /ال��س��ارد م��ن أج��ل ح �ي��اة حرة كريمة ..مع أقرانه المعطلين ،الذين ت ّم االعتداء عليهم واعتبروا خارقين للقانون ،محرّضين على
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
جرح الحنين
ا لشغب . . هكذا صار ال��وط��ن من منظور ربيع وأق � ��ران � ��ه: «ال حاجة ل��ه ب�ن��ا ولو إبراهيم الحجري اق� � �ت�� ��دن�� ��ا جميعًا إلى الجحيم ،يكفيه هؤالء الذين ينهشون ع�ظ��ام��ه وي �س��وس��ون أح�ص�ن�ت��ه الجميلة صوب الخراب» (ص ،)19 .وبعد اإلفراج عنهم ،يصير م��دج� ًن��ا ،ويتقلب بين ال�م�ه��ن ..يعمل ن ��ادلاً في مقهى ،حارسً ا ليل ّيًا ،ثم بائعًا متجولاً ،وأخيرًا أستاذًا جامع ّيًا لمادة علم االجتماع. وت��ول��د ه��ذه المعاناة ل��دى رب�ي��ع تعاطفًا مع ال��ج��ن��ون ،ح �ي��ث ي �ع��اش��ر ال �م �ج��ان �ي��ن ويستمتع ب�ع��وال�م�ه��م ،وي�ع�ي��ش ج�ن��ون��ه ال��خ��اص« :تجربة متوهمة جعلتني أتحاشى جنونًا حقيق ّيًا وشيكًا، بعد هذه التجربة عدت قويًا ،بعد أن تخلصت من هشاشتي ،ألواجه العالم المقيت» (ص.)25. وفي رحلة البحث عن «ماضي» القرية ،يلتقي ربيع ،صديق وال��ده (ع�ب��اس) ،ال��ذي يتهرب من الماضي ،ويتعرف على المختار ..فقيه القرية، ت�ل��ك الشخصية اإلش �ك��ال �ي��ة ،غ��ري�ب��ة األط� ��وار، الذي يعيش حياتين متناقضتين مع تعاقب الليل والنهار ..وتتعدد حكايا الشيوخ ،فمنهم من يربطها بالسدرة ،حيث كانت تختبئ األفعى ذات الرؤوس السبعة ،أو البستان العاقر ،وثمة من يتحدث عن قرية أحرقت من طرف الفرنسيين ،بعدما رجم أهاليها القائد العميل وط��ردوه منها ...وشيخ آخر يرى أن اسم «كطرينة» تحريف عاميّ السم «كترينا» ،الزوجة الفرنسية للقائد العميل ،التي سيتم اغتصابها من طرف شباب القرية انتقامًا
اجلوبة -شتاء 1433هـ 59
لقهرهم من طرف زوجها.
للموت وجوه أخرى بموت عباس يموت األب موتًا ثانيًا، والذي كان -من قبل -يحتضر ببطء، بعد أن عطبت ذاك��رت��ه ،وال�ك��ات��ب هنا ينعي القيم ...وال يسعى إلى قتل األب، إذ تفضح الرواية العهر بكافة أشكاله (األخ عماد /ربيعة ال��ذي ص��ار وزيرًا، الفقيه العربيد ،الرجل الصالح الذي يحوّل زاويته إلى وكر للدعارة) .هكذا يجتاز إب��راه�ي��م الحجري ح ��ذرًا حقل األلغام (الثالوث المحرّم) انتصارًا للقيم المغتالة ..دون أن يسقط في الفضائحية واالب�ت��ذال ،أو محاولة دغدغة مشاعر رخيصة لدى القارئ بحثًا عن انتشار وهميّ وزائف ،حيث تجد ثلثي أحداث- إن لم تكن جلّها -رواي��ات بعض الكتبة تقع خلف أبواب موصدة! وألن السارد سبح ضد التيّار ،وحاول النقدية ...فتتحول نصوصهم إلى مشانق للقرّاء حماية نفسه من المصير التراجيدي لضيوف ومقاصل... خلوات األضرحة وكهوفها الرهيبة ،فقد انتهى رواية إبراهيم الحجري ترضي قرّاء الروايات به المطاف مجنونًا مثلهم ،و«ذنبه الوحيد أنه أيضا، جاء من بعيد ينقب عن سيرة أهله الغائبين ،وعن الكالسيكية ومحبّي النصوص التجريبية ً وقد استفاد الكاتب من خبرته النقدية ،بخالف تاريخ بلدة التهمها النسيان!» (ص .)109 ن�ق��اد ح��اول��وا ام�ت�ط��اء ص�ه��وة ال��رواي��ة ،فجاءت *** م�ح��اوالت�ه��م مخيبة ل�لآم��ال ،مثيرة للشفقة... «صابون تازة» نص سرديّ تجريبيّ ماتعُ ،كتِب وأجمل ما في «ص��اب��ون ت��ازة» نكهتها الدّ كاليّة بوعي س��ردي وجماليّ ح��اد ،من دون التضحية وب��داوت �ه��ا اآلس� ��رة ،ال�ت��ي نفتقدها ف��ي كتابات ب��ال�ق�رّاء /المجازفة بــ «الحكاية» ،كما يحدث ال�ك�ث�ي��ر م��ن األص ��دق ��اء ،وك��أن �م��ا ق ��در «دكالة» لبعض الروائيين المغاربة ،الذين يتناسون أن (الجديدة ونواحيها) النكران حتى من أبنائها القارئ يهتم بمتعة السرد ولذة النص ،وال تهمه المبدعين ،وه��ي المنطقة المميزة جغرافيًا، ثقافة الكاتب الواسعة ،وإلمامه بكافة التيارات فالحيًا وسياحيًا! * كاتب من المغرب.
60
اجلوبة -شتاء 1433هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
القصة القصيرة جدا ً في االردن
منوذجا لعمار اجلنيدي {خيانات مشروعة} ً ّ > عمر العامري*
“خيانات مشروعة” ،هو عنوان المجموعة القصصية الثانية لعمار الجنيدي ،بعد إصداره المجموعة األولى “الموناليزا ترتدي الحجاب” ،التي تلتها هذه المجموعة ،ثم مجموعتة “أرواح مستباحة” .والمجموعة ،مدار الدرس ،صادرة عن دار أزمنة ،بدعم من وزارة الثقافة ،عام 2003م ،وتقع في اثنتين وثمانين صفحة من القطع المتوسط.
عتبات النص
ب�ق��ول�ن��ا :ه��ذه خ�ي��ان��ات م �ش��روع��ة؛ فتكون
لمبتدئ محذوف تقديره ٍ إذا أردنا أن نلج في أي نص أدبي ،فال «خيانات» خبراً بد من الولوج فيه من بوابته الكبرى ،التي اسم اإلشارة :هذه ،وقد تكون كلمة خيانات
يشرعها المبدع ويتركها في أحايين كثيرة م �ب �ت��دأ ،ف�ث�م��ة م �س��وغ ل�لاب �ت��داء بالنكرة، مواربة ،لكن هذه المواربة تجعلنا ،أحياناً ،ه �ن��ا ،وه ��و أن �ه��ا ج���اءت م��وص��وف��ة بقولنا أكثر اندهاشاً وتشوقاً الكتشاف ما وراءها.
«مشروعة» ،وعلى هذا يمكن تقدير الخبر
وأول ما يلحظ على هذا العنوان« ،خيانات إما شبه جملة ،أو جملة فعلية ،كأن نقول
مشروعة» ،الحذف النحوي والمضموني خيانات مشروعة في مجتمعنا ،أو خيانات فيه ،بحيث يمكن قراءته وتأويل المحذوف مشروعة حدثت.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 61
ويعمد الجنيدي ،من خ�لال ،هذه العتبة إلى
أما العتبات الداخلية وعددها ثالث وثالثون،
إحالتنا على مفارقة وانزياح لغوي داللي يستمران فجلّها يتكون من جمل اسمية حُ ��ذف مبتدؤها، معنا ،رب�م��ا ،ف��ي القصص كلها ،كيف ال وهما وم��ن ت�ل��ك ال�ع�ن��اوي��ن :ال��ره��ان ،األن �ي��ق ،أسماء، (المفارقة واالنزياح) من أهم الميزات اللصيقة
ال �ف��ات �ن��ة ،إغ � ��راء ،ال�م�ه�م��ة ،ال �م �ه��ر ،التريكس،
بالقصة القصيرة جداً ،إلى جانب مالمح أخرى ال �م �ت �م��رد ،ال �ح �ف �ل��ة ،ال� �ح ��زام األس � ��ود ،اللعنة، سنأتي إلى ذكرها .فهو يجمع ،في هذا التركيب
ال �ك��اب��وس ،ال��ن��ورس ،ال �ف��اش��ل ،ال �ج�لاد ،خوف،
اإلسنادي للعنوان ،من خالل معطياته الظاهرة السجين ،وج��وه ،ال�ج�لادون ،اللوحة .وقليل من ال فعلية يخرج على معنى والمحذوفة ،بين أعناق المتنافرات ،فيؤلف بين هذه العتبات جاء جم ً الخيانة ،بوصفها أح��د المعطيات االجتماعية التقريرية التي تفيدها الجمل اإلسمية ،وتنتقل الممقوتة والمرفوضة ،ويعطيها شرعية الوجود إلى التركيز على الحدث والحركة والتنامي .فيما وال�ح��دوث ال��ذي لم نألفه من قبل ،فمتى كانت ج��اء عنوانان م �ص �دّران بأسماء استفهام هما: الخيانات مشروعة تحدث أمام مرأى المجتمع
لماذا بكى المعلم ،ولماذا انتحر سالمة .وهذان
وسمعه ،فيتآلف معها ،وتصبح خ�ب��زاً يومياً ال العنوانان وأمثالهما من العناوين ،تخلق دافعية يمكن االستغناء عنه!
كبيرة لدى المتلقي ،وتبقيه في حالة من التيقظ
وقد نوجه هذا االنزياح توجيهاً آخر ،إذا ما والتشوق والتوتر للعثور على اإلجابة أو ما يحيل ع��ددن��ا “الخيانة” ،ه�ن��ا ،خيانة فنية ال خيانة عليها. اجتماعية؛ بمعنى أن المبدع ،دائماً ،يحس بأن
ومما يلفت النظر ،في عنونة القصص الواردة
اللغة تخونه ،فهي ال تقول ،تماماً ،ما يريد قوله ،ف��ي ه��ذه ال�م�ج�م��وع��ة ،أن ال �ق��اص ت��رك إحدى ال أميناً لما يختلج في النفس قصصه م��ن دون ع�ن��وان ،وت��رك للمتلقي حرّية أو إنها ليست ناق ً م��ن مشاعر وأح��اس�ي��س وان�ف�ع��االت ،ولما يدور اختيار هذه الثريا التي تضيء مساحات النص، فيها م��ن رؤى واس �ت �ش��راف��ات ،تفقد ك�ث�ي��راً من كما يتفق مع الحالة النفسية والشعورية واالنفعالية قيمتها اإليحائية والشعورية أثناء رحلتها ،من التي يتلقى بها النص ،وحسب المنظور الفلسفي عالم النفس العميق ،إلى عالم الحس المتمثل
واإلي��دول��وج��ي لهذا المتلقي .فالجنيدي ،بهذا،
باللغة والكتابة .من هنا ،جاءت محاولة اإلنسان يورّط المتلقي ليسهم في بناء النص القصصي، المبدع في مراوغة اللغة وتخصيبها ،من خالل
ليصبح النص نتاجاً مشتركاً ،تشتبك فيه انفعالت
االنزياحات الداللية ،وانتهاك عالقاتها القارة ،متلقيه بالبنية الكبرى التي يقدمها الناص نفسه. لتتفوق على نفسها ،وتقول ما لم تألف قوله من والجنيدي يعمد إلى مثل هذا في كثير من متون قبل .وبهذا تكون خيانة اللغة هي خيانة مشروعة ،قصصه ،من خ�لال البياضات والفراغات التي ويكون المعنى المراد هو المعنى الطافي على يدعها مفتوحة على ال �ت��أوي��ل ،ف �ي��ورط القارئ السطح ال المعنى الغائر في ما وراء النص.
62
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ويقحمه في تداعيات األحداث وظاللها ،ومن ث َّم
وبنيته ،يسهم ف��ي تنامي األح���داث وتطورها ،استطاع الجنيدي أن يحقق م��ن ه��ذه المالمح
وم��ن ث��م ينشأ ذل��ك التماهي ،وت�ل��ك الحميمية جلَّها ،ولكن بدرجات متفاوتة. بين أطراف الثالوث المشكل للدائرة اإلبداعية: أما اإلدهاش فقد حرص الجنيدي على إرجائه النص ،وال�ن��اص ،والمتلقي ،ال��ذي ي��رى انعكاس إلى نهايات القصص ،فهو يضع القارئ في حالة صورته في إحدى شخصيات القصة ،أو يسقط من التوتر المتنامي ،الذي يأخذ شكل المنحنى ما يحدث في القصة على حكاية واقعية سمعها، الذي ال يعود إلى انفراج العقدة بصورة تدريجية، أو متخيلة أسهَم هو في إنتاجها. وإنما يستخدم الصدمة التي تترك المتلقي في
من مالمح القصة القصيرة جدا
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
يشعر هذا األخير بأنه جزء ال يتجزأ من النص والطرافة ،واإلده��اش ،والجرأة ،والتكثيف ،وقد
حالة من الدهشة واالنشداه ،كاسراً أفق توقعاته،
تعود البذور األولى للقصة القصيرة جدا ،كما وتاركاً إياه يجول في دائرة من الخيبات الجميلة، يرى بعض الدارسين ،إلى فن الخبر في تراثنا كخيبة التوقع ،التي حرص عمار على التزامها األدب��ي ،خاصة تلك األخبار القائمة على ثنائية سمة الزب��ة ال يكاد يفارقها في نهايات قصصه السّ خرية والمفارقة ،كبعض األخبار التي وردت كلها .واألمثلة على ذلك كثيرة ،أذك��ر منها على في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» ،سبيل المثال ال الحصر قصة “الرهان” :حيث
ل�لأب�ش�ي�ه��ي .وم ��ن ه ��ذه ال �ق �ص��ص ،م �ث�ل�اً ،قول يحتدم الغضب وال�ح�ن��ق ف��ي نفس ال�ف�ت��اة التي الناس وجهاً ،أخفقت في استدراج الشاب الجالس في المقهى ِ األصمعي :رأيت بدو ّي ًة من أحسنِ ولها ز ْو ٌج قبيح ،فقلت :يا هذه! أترضي َن أن تكوني ليتبعها ،فتعود إليه وقد عقدت النية على شتمه، تحتَ هذا؟ فقالتْ :يا هذا! لعلَّ ُه أحس َن إلى اللهِ وتوبيخه ،لكنها تصعق ،وتنتابها رغبة في البكاء، في ما بينه وبيْ َن ر ِبّه ،فجعلني ثوَابَه ،وأسأتُ في حين تقترب منه وتدرك أن هذا الشاب الوسيم ما بيني وبين ر ِبّي فجعله عذابي ،أفال أرضى بما الجالس على الكنبة كان بال قدمين.
رضي الل ُه به؟ (المستطرف في كل فن مستظرف،
إن ه���ذه ال �ن �ه��اي��ة ال� �ص ��ادم ��ة ،ن �ج �ح��ت على
األبشيهي ،تحقيق :مفيد محمد قميحة ،دار الكتب مستويين :األول هو الحفاظ على الخيط مشدوداً العلمية ،بيروت ،1986 ،ج:2ص.)57 بين تداعيات القصة والمتلقي ،وهي ثيمة تالزم وي �ك��اد ي�ج�م��ع ال ��دارس ��ون ل�ل�ف�ن��ون السردية األدب األصيل بمختلف أشكاله وأجناسه ،فينبغي ال على المبدع أن يحافظ على المتلقي في منطقة المختلفة على أنه من الصعوبة أن نفصل فص ً
حاداً بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ،المابين ،دائ��راً على ب��ؤرة التوتر التي تنفرج أو فثمة تعالق وتداخل بين هذين النوعين األدبيين ،تنفجر في لحظة معينة ،مشكّلة صدمة تعمل على �ات ه��ي أك�ث��ر التصاقاً هز المتلقي من الداخل ،وتركه يعيش المشهد إال أن ثمة م�لام� َح وس �م� ٍ ووضوحاً ،في القصة القصيرة جداً ،من غيرها ،والفكرة ،لتبقى أصوات اللغة وتداعيات الحدث
أهمها :المفارقة ،واالنزياح ،والترميز ،والسخرية ،دائر ًة في سمعه وبصره ووجدانه.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 63
أما المستوى الثاني الذي حققته هذه النهاية
ل �ق��د اس��ت��ط��اع ال �ج �ن �ي��دي أن ي �ح � ّم��ل نصه
فهو مقدرتها فنياً على تعرية شخصية المرأة أمام ه ��ذا (ال � َم �ه �م��ة) ال �ف �ك��رة وال� �ح ��دث ،م��ن خالل نفسها ،وه��ذه التعرية جعلتها تلتفت إلى ذاتها ،تثبيت الومضة وتأطيرها ،وم��ن خ�لال الحدث وتتصالح م��ع ال�ج��ان��ب الخفي م��ن شخصيتها ،والشخوص والمكان والعقدة الدرامية واإلبهار واالل �ت �ف��ات إل��ى م��ا أن�ع��م ال�ل��ه عليها م��ن صحة وال��ده �ش��ة وال �ج �م��ل ال ��واص� �ف ��ة ..ك��ل ذل ��ك في وج �م��ال ،راح ��ت تستخدمه ف��ي إغ ��واء الشباب كلمات قليلة ومكثفة ومترابطة تشكل على قلتها واالستعراض أم��ام أترابها من الفتيات اللواتي كوناً قصصياً متكامالً ،طرح من خالله ملمحاً كانت في صحبتهن .إن هذه الصدمة كانت بمثابة اجتماعياً ،انتهى بنهاية غير نمطية ،ذات عالقة اليد التي هزت وجدانها من الداخل لتتنبه وتلتفت وطيدة بسياق االتجاه الداللي للحكاية ،تحتمل إلى ذاتها المتعالية ،فتعود لها إنسانيتها ،وتتماثل متابعة ضمنية من قبل المتلقي الذي تتداعى في للبكاء ،ملمحاً إنسانياً يحيل على الندم واألسف ذهنه أح��داث استكمالية مفتوحة على التأويل، والتطهير وااللتفات إلى إنسانية اإلنسان ،وبذرة ومنسجمة م��ع ال�ح��ال��ة النفسية ال �ت��ي يعيشها الخير التي أودعها الله فيه.
المتلقي لحظة تلقيه ال�ح�ك��اي��ة .واس �ت �ط��اع أن
أما التكثيف فقد تبدى في قصة “ال َم َهمّة” ،يقدم ،كذلك ،فكرة انتصار الملمح “اإليروتيكي” وهي قصة لم يتجاوز عدد كلماتها بضعاً وخمسين وانتحاء كل من الرجل والمرأة إلى بعضهما بعضاً،
كلمة .ورغ��م ذل��ك اس�ت�ط��اع ال �ق��اص ،م��ن خالل على الملمح اإلنساني المتمثل في االلتفات إلى االقتصاد اللغوي واالستغناء عن عنصر الزمان ،المريض وتقديم المساعدة له .فالطبيب في هذه أن يقدم مشهداً إيحائياً غنياً بالدالالت ،ومفتوحاً القصة منهمك في مغازلة الممرضة التي تشعره على التأويل الممتد أمام مخيال المتلقي ،وهنا ب��دخ��ول ال�م��ري��ض ال��ذي ت�ع��رض للسعة عقرب،
تكمن الفنية والمقدرة على مراوغة اللغة ،وتكثيف لكن الطريف في األمر أن الطبيب يقوم بإجراء ال��رؤى ،واعتقال اللحظة المشهدية العابرة قبل روتيني ال عالقة له بحالة المريض ،إذ يطلب انقضائها وتالشيها .إن تأطير اللحظات العابرة منه أن يفتح فمه ويمد لسانه ،ليأتيَ التشخيص أي خالف، واقتناصها هو ما يميز القاص الماهر ،ذا العين السريع من الطبيب قائالً“ :ليس بك ّ ُ الذكية ،والبصيرة النافذة ،ليعود ويتأمل هذه ومع ذلك فإنني أنصحك باالمتناع عن التدخين”، اللحظات كاشفاً عن كثافتها الشعورية واإليحائية ،ثم يستأنف الطبيب ،ويعود إلى الممرضة إلتمام
فيأخذ في محاورتها ،وتخصيبها بمعطيات الذات المَهمة. الشعرية وال�ش�ع��وري��ة ،وتلوينها ب��أل��وان النفس،
هنا تكمن أهمية القصة القصيرة ج��داً في
لتخرج متشحة بألوان الداخل والخارج ،مزيجاً مقدرتها الكاشفة ع��ن ح�ق��ول دالل �ي��ة متعددة، من جوانية القاص المتأزمة ،وبرّانيته المغتربة وتساعد المتلقي على إعادة إنتاج الرمز وقراءته وغير المتوائمة مع معطيات الحياة ومنجزاتها.
64
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ق ��راءات مختلفة ،كونه يَ�ق��رأ نصاً قصيراً ،من
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
السهل متابعته وإتمامه في بضع دقائق ،فيتمث ُل
الحكاي َة ويتعايش معها بصورتها الكاملة ،ويعايش
انفعاالتها وتداعياتها جرعة واحدة ،ال كمن يقرأ نصاً روائياً طويالً ،يبتعد فيه عن االستواء النفسي
في جاهزية التلقي ،ومدى التحفز الذهني ،الذي يختلف باختالف الظروف المحيطة بالقارئ ،إذ
تتم القراءة على فترات ربما متباعدة ومتقطعة، تعمل على نكث النسيج البنائي للقراءة ،وربما تعذر حبكته مرة أخرى بالصورة التي ينبغي أن
تكون عليه.
وم ��ن ال �م�لام��ح ال �ت��ي اس �ت �ط��اع ال�ج�ن�ي��دي أن
يحققها ،أيضاً ،هو الترميز؛ ولعل قصة “إغراء”
تمثل ذلك .فهي قصة تحكي حكاية امرأة عجوز
لكنها ث��ري��ة ،يعاكسها ش��اب فتنصاع لرغباتها
الهاجعة ،وتخرج معه في سيارته الفارهة.
إن الفكرة ال �م��ر َّم��زة ف��ي تقديري تكمن في
السطر األخير من القصة“ :ضحكت في سرها، واب�ت�س�م��ت ل��ه .أع�ط�ت��ه ال �ع �ك��از ،ث��م دخ �ل��ت إلى
العجوز الثرية ،وليس شيءٌ غير ثرائها ما دعاه إلى هذه الفعلة. ثم تأتي العبارة التي شكلت بؤرة الفكرة ،وهي:
السيارة ”...إن الضحك المكبوت هو داللة الرغبة “أعطته العكاز”؛ فالعكاز هو الرمز الذي يسند الجامحة التي طالما حل َمت بها هذه العجوز ،حيث قامة العجوز ويمكنها من المشي ،وهو في الوقت
الم��س ه��ذا الشاب مساحة هاجعة من عمرها نفسه قرين الكِ بَر والعجز والتقدم في السن. ونفسها :لم يوقظها ولم يالمسها أحد منذ زمن ولكن العجوز ،في تلك اللحظة التي تتلقى فيها بعيد؛ هذه المالمسة التي من خاللها شعرت بكل الدعوة من الشاب ،تتخلى عنه وتناوله إياه ،إنها هذا الفرح العارم ،والسرور العميم الذي جعلها ببساطة تخلت ع��ن أه��م م�لازم��ات ال�ت�ق��دم في تضحك ،ولكن في سرها ،والضحك في السر ،العمر ،وكأنها تتحايل على الزمن وتسند نفسها هنا ،يبدو مبرراً من قبل المرأة العجوز التي تريد بنفسها ،فالحالة النفسية تستدعي منها أن تعيش
أن تحافظ على هيبتها وحضورها ،ولتبدي له المشهد بكل تجلياته ،مجترة أحالمها القابعة في عدم انكبابها وتهالكها عليه .أما ابتسامها له فهو كهوف النفس وأعماقها المعتمة ،لتنقلها ،شيئاً
عالمة القبول والتواصل والرغبة التي اشعلها فشيئاً ،إلى منطقة مبقعة بالضوء والغبش ،ضمن هذا الشاب الشقي بهذه الدعوة المستهجنة لهذه مشهد مرآوي يحيل على لذاذات الشباب وفورة
اجلوبة -شتاء 1433هـ 65
الحب وبهجة اللقاء .كذلك ف��إن وج��ود الشاب مرآوياً ،بحيث يقوم هذا المنشول بنشل شخص
إلى جانبها جعلها تحس بأن ثمة شيئاً يسندها آخر ،ويقوم هذااآلخر بنشل شخص غيره ،وهكذا أه��م من العكاز ،لكن العجوز لم تتخل ،تماماً ،كلما اكتشف أح��ده�م��ا أن��ه م�ن�ش��ول ،يعمد إلى عنه ،بدليل أنها ناولته للشاب ،ما يوحي بنيّتها استعادته منه ،الحقاً ،حال تخليه عنها ،وكأنها
تدرك في قرارة نفسها أنها ،فقط ،تتحايل على
الزمن :إنها نقلة جعلت المرأة العجوز تعيش في
الفعل نفسه مع شخص آخر حتى تتناسخ الفكرة تناسخاً انشطاريا ال يمكن إيقافه. وبعد ،فقد استطاع عمار الجنيدي أن يقدم،
المابين ،بحيث تطل على الماضي والحاضر بعين من خالل هذه المجموعة ،تجربة قصصية ناجحة، تنم على امتالكه أدوات السرد وفنياته المشفوعة مواربة ،وبمشهدية ضبابية. أم� ��ا ال��ط��راف��ة ف�ت�ش�ي��ع ف ��ي م �ع �ظ��م قصص
ال �م �ج �م��وع��ة ،ول��ع��ل ق �ص��ة “حدث ف ��ي شارع
السينما” تمثل هذه الثيمة خير تمثيل :فالقصة
ب��رؤى عميقة ،واستشرافات بعيدة ،وحساسية
عالية لما ي��دور حوله وي��دور فيه .ومجموعته ه��ذه غنية بالمالمح الفنية والمضمونية ،التي
تحكي حكاية رجل يتعرض للنشل من خالل رجل يمكن طرحها ومناقشتها ،كتناوله المسكوت عنه، موّه عليه بأنه يعرفه ،فيعانقه ثم يعتذر منه بعد وجرأته في الطرح ،وتكرر ثيمة الموت بمختلف أن يكون قد نشل محفظته من دون أن يشعر ،ولم أشكاله وتجلياته ،ولغته الواصفة التي تنتحي يكتشف الرجل المنشول األمر إال عندما أراد أن إلى الشعرية في بعض األحيان ،وتعدد األنماط يدفع ثمن “جاكيت” أراد ش��راءه ،عندها يسرع السردية وتوزعها بين استخدامه ضمير الغائب، إلى أحد الزبائن الواقفين في المحل ويعانقه. حيث ال�س��ارد العليم ال��ذي يعرف ك��ل ش��يء عن وتنتهي القصة عند هذا المشهد ،تاركة للقارئ األحداث وتناميها وتداعياتها ،وضمير المتكلم، إكمال تداعيات النهاية التي فهمت ضمنياً ،بأن وفي أحيان قليلة ضمير المخاطب ،حيث السارد هذا الرجل الذي نُشلت محفظته مارس األسلوب المشارك الذي ال يعرف عن األحداث في القصة نفسه مع الزبون ونشل محفظته. إال بقدر م��ا يعرفه ال �ق��ارئ .ناهيك ع��ن مقدرة إن م�ض�م��ون ه��ذه ال�ق�ص��ة ي �ح��اول أن يعالج الجنيدي على تناول اليومي والهامشي ،واالرتقاء مشكلة اجتماعية خطيرة ،تتجاوز مسألة النشل ب��ه م��ن ال�م��أل��وف إل��ى ال��داه��ش ،وم��ن المحدود أو ال�س��رق��ة ،وت�ت�ع��داه��ا إل��ى توجيه نقد شامل إلى المتعدد المتناسل من خالل امتالكه أدواته لنمط حياة بأكمله ،يضحك الناس فيه بعضهم على بعض ،ويستخدمون األساليب نفسها في السردية ،وانتمائه إل��ى الواقعية ،وابتعاده عن اإليقاع ببعضهم بعضاً .يتضح ذلك بصورة أكبر ال �ت �ج��ري��د ،إض��اف��ة إل ��ى م �ق��درت��ة ع�ل��ى الكشف إذا أرخينا العِ نان لمخيلتنا مجترحين أحداثاً عن ال�ن��وازع النفسية واستجاباتها تجاه الواقع
استكمالية للقصة ،ك��أن نترك ال�ص��ورة تناسخ المعيش.
66
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
الثمالة
> نادية أحمد محمد*
من خلف أهدابها التي احتمت بها من فيض نظراته عادت إليه .،ألول مرة ،يلوح طيف شعورٍ مثل هذا .تضطرب وتتلعثم الحروف على شفتيها ،وتهرب منه حتى ُ لها بعينيها .حدقت فيه ثانية وكأنها لم تره من قبل .وجهه األسمر ،عيناه السوداويتان، وفمه المرسومه حدوده بنضارة ،بذقنه المدببة ،بنهر السكينة المرتسم على محياه! كأنها لم تعرفه من قبل ،أو هكذا ُخيِّل لها ،حديثه اآلن وهو يشبك الحرف بالحرف في ثقة وهدوء ..يقوالن إنها لم تعرفه من قبل ،وإنه زميلها لسنوات طويلة. لكنها اآلن ترى وجهاً لم تره من قبل ،تخشى أن تباغتها يوماً بما ال تطيق.. إنه يحدثها عن أشياء رغم أنها تعرفها.. أثناء النهار يأخذها العمل الذي يمأل إال أن لها مذاقاً آخ��ر ..ومعنىً لم يخطر حياتها رغم مرارته ،ويمدها بحرارة هي على بالها ،فهو مثلها يتجرع الوحدة ،وإن أشد ما تكون حاجة إليها ..تسمع الكلمات، كانت تمتاز عنه بوجود ابنتها وزوجها إلى تذوب فيها سلباً وإيجاباً ،يباغتها الزمالء جوارها ،شقتهما أسفل شقتها ،يقضيان بانتهاء الوقت وضرورة الفراق من جديد، عندها ما يحلو لهما من وقت ،وإذا ما حان الفراق تركاها لجدران شقتها ،تتحسس فتتحرك -على غير عادتها طوال عمرها ح�ف��ره��ا وت�س�ت��دف��ئ م��ن ب��رودت �ه��ا ،تشعل -بتؤدة إلى بيتها ..قديماً ..كانت تراقب األن��وار ط��وال الليل لتستطيع الخلود إلى ع �ق��ارب ال�س��اع��ة ،تصعد بنظراتها فوق النوم ،فالحياة منذ وفاة زوجها تمضى بها عقاربها لتجري بها أسرع فأسرع ،رغبة متشابهة الحدود واألبعاد ،ال يتغير فيها في العودة إلى البيت ،والى زوجها وابنتها، إال مالمح تفاجئها عبر المرآة من يوم إلى كانت منشغلة ،ال تكاد تلتقط أنفاسها من آخر ،مالمح صارت من سرعة تغيرها ..كثرة مشاغلها وضيق الوقت ..إلى أن تخلد
اجلوبة -شتاء 1433هـ 67
للراحة منهكة القوى ،تضع رأسها على الوسادة فتغيب في سبات عميق.. أصبحت تعيش مع ذكرياتها التي ال تفارقها.. وج��ه زوج �ه��ا ال ��ذي ك��ان��ت ت�ن��اج�ي��ه ..تحكي له وتسمع منه ،حتى بعد أن أصبح ص��ورة داخل إطارها المذهب على الجدار بشريطه األسود المحتضن حافته اليسرى ،ولم يعد لها إال بسمة تصادفها على الجدار كلما رفعت عينيها إليه، فقربه باألمس كان حياة تحياها ..بينما اآلن صورته على ال�ج��دار واج��ب تلتزم ب��ه ،صحيح أنها لم ترتبط بغيره ولو بخيالها ،ولم يلفت بعدَه انتباهها أح��د ،لشعورها بأنها تقف في دائرة عمرها المحدودة ،ذات السمات والمالمح التي يجب عليها أن تلتزم بقوانينها ،هامسة لنفسها أن الباقي قليل .وأيضا -وهذا ما لم تعترف به حتى لنفسها أو ربما لم ي ُد ْر في خلدها -أنها حتى اآلن لم تصادف من يحرك ثورة نبضاتها، أو بركان حيرتها ،أو يطوف حتى بسماء خيالها فتهتز له ..كان يعتريها فقط شعور قلب ٍ على ال حافة بئر ،ال مناص له من الغوص فيه عاج ً أو آج�لاً ،شعور بالجمود ،غيبوبة ذات سمات مختلفة ..تعتريها وهي مفتحة العينين ،واعية لما حولها ،تنظر بعين محايدة إلى ما يجرى.. واثقة أنها لم يعد لها من كل ه��ذا إال الرؤية ع��ن ب �ع��د ،ان �ت �ظ��اراً ألم � ٍ�ر ل��ن ي �ط��ول انتظاره، ال وبانتهاء دوره��ا ال��ذي لم يعد له ج��دوى أص ً إال مع ابنتها وزوجها؛ فهذه هي الثمالة الباقية في كأس حياتها ،والتي تشعر أنها تعيش من أجلها ،وت��دور راغ�ب��ة ف��ي فلكها صباح مساء، فهما يعيشان معها تقريباً كل الوقت ،من لحظة عودتها إلى المنزل بعد الظهر ..إلى أن تشعر * كاتبة من مصر.
68
اجلوبة -شتاء 1433هـ
بالنعاس ،فتتحرك نحو سريرها ف��ي تكاسل ه��ادئ ناعم ،دون أن ترفع عينيها كما تعودت لتلقي تحية المساء على زوجها ..وللحق ،فقد حدثها بعض األصدقاء في أمر زواجها ثانية، هامسين أن ه�ن��اك م��ن يناسبها ،ب��ل م��ن هو أصغر منها سناً ..ويقبل بها عن طيب خاطر، فكانت ترفض حتى قبل أن تعرف من هو ..وهل ه��و زميل لها أم ال ،حتى ج��اء محمود اليوم، ال في هدوء تام وتحدث إليها بال مقدمات قائ ً إنه يريد االرتباط بها! يكبرها بسنوات قليلة، تعرفه وتعرف المرحومة زوجته ،لم تتخيله يوماً ينطق بهذا لها أو لغيرها ،لم تكن المفاجأة أنها سمعت هذه الكلمات منه اآلن ،لكن المفاجأة الحقيقية أن قلبها دق له ،وأهدابها ارتعدت، وشعرت بأطرافها تتثلج ،ولم تستطع أن تقول كلمتها األثيرة ال ،أو تعترف بما اعتراها فتجد لديها القدرة على قول نعم ،واكتفت بالتحديق في البالط ومربعاته المحددة ،والتي لم تمنعها حدودها من التواصل فيما بينها. سمعته يقول بلطف وهو يدير ظهره مغادراً: أَتركُ لك الفرصة لتفكري؟ وج��دت نفسها تتحرك ،ولديها ال�ق��درة من جديد على النطق ،تحلق بجناحيها ألعلى ،تعبر السحب والكواكب نحو فضاء جديد لها وحدها، تطير معها فيه طيور بيضاء مرحة ،يلفها نور مالئكي حنون يبعث في النفس سكينة ..ويمنح الروح صفاء ،وتسمع فيه تراتيل نورانية حروفها ن�ق�ي��ة تتغلغل ف��ي خ�لاي��اه��ا م�ن�ع�ش��ة مجددة، وجسدها يتسامى ويعلو ،ومن هناك نادته بقوة: محمود! واستدار إليها..
> مصطفى إبراهيم شرف*
كلهم يتمنون ال َّنَسَ ب إلي ,وينعتون أنفسهم وذويهم بي ,وكثيرا ما يرددون اسمي في مجالسهم وأماكن عملهم ,كما يكتبونه على بعض مقتنياتهم .لكنهم ال يحبون االقتراب مني ,وهذا ما يزعجني كثيرا ,ويجعلني أفكر في أمرهم..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
الرحيل
هل أنا دخيل عليهم؟ ال ,فأنا أتمتع بعراقة يعرفونها جميعا ،وال يعترف بها إال القليل منهم ،ولكن ما يضايقني أن أبانا ال يعدل بيننا ,ففي الوقت الذي يعطيني سهما واح��دا يعطي بعض إخوتي سهمين ,أو ثالثة ،وربما أربعة أو ستة .فأي قسمة هذه؟! أنسيت يا أبانا أني أكبر أبنائك؟ وأنني أول من -عرفك الناس به؟ َفلِم تتجاهلني؟! ألست ابنك؟! أم - أنني ابنك غير الشرعي..؟! ألست القائم على جلسائك ومستقبل ضيوفك؟! ألست أكثر إخواني كسبا للثروة ...ومع ذلك فأنا - أفقرهم؟! فلم تتجاهلني يا أبي وتفضل إخوتي علي؟ ال يا بني :أنا ال أتجاهلك ،ولكن ..لكل منكم دورهفي الحياة. أي دور هذا الذي جعلني أشيب في صباي؟! اخفت صوتك.لم يا أبي؟ لم أعد أخشى أح��دا ،كفاني من الصمت - ما ضيعني!!.. صوت رجل قادم: ِل َم ترفع صوتك على أبيك؟ ال أرفع صوتي ..مجرد نقاش فقط. وأي نقاش يرفع فيه االبن صوته على أبيه؟ لقد طفح الكيل يا عم. و ِلمَ؟ إنها ن�ق��رات ف��ي ال��رأس تصرع ج�س��دي ،وتجعلهيتآكل كما تتآكل أط��راف قطع الصابون المبللة بالماء. -أخشى أن تكون واهماً يا بني.
أبدأ يا عم. وما الذي يجعلك حزينا إلى هذا الحد؟! تجاهل أهلي لي ,وانشغالهم بإخوتي وأبناء عمي. ألهذه الدرجة ترى أهميتك بين قومك؟ نعم .نعم. ومن أين أتتك هذه األهمية؟ أنا من يدير أس��واق أب��ي ,والتجار يأتون إل��يَّ من أقاصي األرض فيجدون عندي أجود أنواع الذهب، وأنا سر كل شيء جميل في هذا الوجود. آه .آه.... ال تحزن يا ولدي .ال تحزن ..دعنا نفكر سويا. لقد قررت يا عم. وماذا قررت؟ الرحيل... الرحيل؟! ولكن قبل أن ترحل قل لي من أنت؟ ال داعي لذلك. أسألك بالله أن تخبرني من أنت؟ أن��ا من أعطاني أب��ي سهما واح��دا وأعطى أخي ستة ،ووضعني أخ��ي ف��ي آخ��ر ال �ق��وم ،فأهملني أبنائي ..سأرحل إل��ى ب�لاد بعيدة؛ يقدرني فيها أهلها ويعرفون مكانتي. اآلن ق��د ع��رف�ت��ك .ف��أن��ت محنة صاحبك منحة غيره.
* معلم في مدارس الرحمانية األهلية للبنين في سكاكا -الجوف.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 69
صلوات على روح «يوسف» ٌ
> زكية جنم*
* « يوسف» كاريزما تشبُهني ..عاش عمر ًا قصير ًا ومات طفالً. ريح عابسة ،وأن أبكيه..شعرت أنني نبتةٌ عارية العنق في وجه ٍ ُ ثمّ ة حزنٌ حرّضني هذا المساء أن الليل جالّدٌ فارع الطول يجرّدني أنفاسي. قلب أشبهُ بصندوق خشبي قديم ..تقبعُ في جوفه ألوان ..يفرغ رأسي من وشوشات األمنيات ،ولي ٌ ويوسف. وحلُم صغير اقتسمتُه ُ شمعُ ..دمىً مهترئة ..أوراقٌ صفراءُ .. ٍ تذكرتُ ركضنا بين أكواخ الصيّادين ،وتلويح ُة الشمس للنوافذ الناعسة ..لم تم ُح أمواج الشواطئ أسرارنا المدفونة تحت رمالها الدافئة..كنا ننث ُر فوق صفحة الماء همومنا قنديل البيضاء ..وفي المساء نقتس ُم فتات الفرح على ضوء ٍ سبات شهيّ قبل أن تُس ُّد ثغرة الجوع. عتيق..ثم نغر ُق في ٍ ذات ش��روق ..ابتاع لي يوسُ ف ق�لاد ًة ب��أل��وان البحر.. أوجعتْ عنقي الصغير حينما ارتديتُها ..لم أكن أعلم أنها آخر ما المستْ ُه يداه قبل أن يرحل ..ولم تكن تعلم أحالمي أن مرآهُ لن يكون بعد اليوم إال عبر نوافذها.. تعاقبٌ س�ن��ويٌّ ب��اه��ت بعثر أزمنتي بعد رح�ي�ل��ه ..كان لقداسة الموت ذلك الوجع الذي استطاع أن يحوّل طفلة إنسان خارج أقواس الحياة. ٍ يافعة إلى شبحِ جمعتُ كل أوراقي الصفراء حين التقيته للمرة األولى ،وهو ينتمي لعالم الضوء ..أشعل يوسف عود ثقاب ..فقلتُ له: « احرق ظلّي ..ال أريد أن يهتدي إليّ المارّة حينما أسي ُر بمحاذاتك وأنت طيفٌ ال تُرى». نظر إل��يّ ب��أس��ىً ..وتمتم في ه��دوء« :جس ُد األرض ال يحمل على ظهره الموتى». سقطتْ م��ن عينيّ غمامتان حزينتان ..ذرفتُهما في صمت ،وأنا أتت ّب ُع هطولهما على انعكاس طيفه فوق المياه الصامتة .طيفٌ لم يعد يعي معنىً للحزن ..وكيف تسقط بقاياه خلفنا حينما نغاد ُر األجساد. * قاصة من السعودية.
70
اجلوبة -شتاء 1433هـ
أحالمك يا صغيرة ..فلتهجري ُمدُن ِ «أتعلمين؟.ستصدأ البكاء». خبّأ بين أصابعي لُفافة بيضاء صغيرة ..وأوصاني أن ال أفتحها حتى أبلغ من العمر منتصفه ..حمل وهجه ورحل.. ت�ج� ّول��تُ ف��ي مساحات األسئلة ال�ف��ارغ��ة ..لع ّل معابر الوقت تنف ُذ بي إلى حيث أريد..كان محظوراً عليّ التجوّل في تلك المنطقة التي شهدت موته ..حتى األزقّة الضيّقة التي تُفضي إليها كانت موصدة ،ويُمنع االقتراب منها .لم يعلموا أن حنين األطفال كان ذو رائحة تجذبُ األرواح ،وأن تلك التفاصيل الطازجة في ذهني الصغير ،بوسعها -رغم كثافة الضباب -أن تهتدي إلى حيث يجهلون.. كبرتُ بعد أزمنة الوجع ..حللتُ أطراف اللفافة ..كان قديم ظ ّل مستيقظاً حتى حُ ل ُماً بطعم الحلوى ..وضوءُ قنديل ٍ أتممتُ منامي تلك الليلة.. وفي الصباح اغتسلتُ بطهر البياض ..كتبتُ من دمي تراتيل خشوع.. بحثتُ عن قنينة فارغة.. فتشتُ جسد األرض ..عبثاً لم أجد.. ان�ت��زع��تُ ق�ل�ب��ي ..أف��رغ�ت��ه م��ن ُرك ��ام األس� ��ى ..أودعت الرسالة في جوفه.. طوّحتُ به إلى ظهر البحر ..ومضيتُ بال قلب..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا ً > ضاري احلميد*
بال عودة
قصر نظر
يسير بسرعة جنونية في شوارع تسودها تصنع طائرتها الورقية بيديها.. الحفر.. وم��ا أن تلعب بها ..حتى تطير منها بال غير مكترث بذلك.. عودة.. حملت زوجته بعد ط��ول انتظار ..لكنها أجهضت عند أول حفرة!!
حدة السمع
يجلس بعيدا.. لكن أذنه تسمع كل ما يقوله اآلخرون!!
حيرة شعرها طويل جداً.. تحتاج المزيد من الماء لغسله ذهبت لتقصره.. فقصته كله!!
قتل نفسه..
جُ � ُّل حديثه ع��ن ال �ش��وارع وحفرها..وما تسببه من حوادث.. تناسى أنه من يقوم على صيانتها.. ي�خ��رج م��ن مجلسه ..ت��داه�م��ه إحداها، فيخر صريعا..
أطول قصة..
يختلي بنفسه ليكتب قصة قصيرة جداً.. ف�ي�ك�ت�ش��ف ان� ��ه ك �ت��ب أط � ��ول ق �ص��ة في حياته!!
* سكاكا -الجوف.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 71
قصص قصيرة جدا ً > عبير املقبل*
رسالة غرامية وصلتها رسالته... أحبت أح��رف�ه��ا ..وأيقنت أن الحب في رسالته.. في كل مساء ..ترقب عبر نافذتها صاحب تلك الرسالة... فلم تجد إال القمر أنيساً لظلمتها!!..
أرحام ع ��ادت لمدرستها ب�ع��د إج���ازة منتصف ال �ع��ام ..وحينما سألتها معلمة الصف عن إجازتها ..أجابت بدمع محتبس :قضيتها مع أرحامي بعد طالق والدتي!!
وطاقات هائلة.. وبعد أول إنجاز... تلقى «لفت نظر» من الشؤون اإلدارية!!
تهنئة مميزة بعد عشر سنوات من العالج.. حملت بابنه.. تنتظر بفارغ الصبر قدومه.. ما هي إال لحظات حتى وصلتها التهنئة له بقدوم مولودة له!!..
دراسة الدبلوم التحقت ببرنامج الدبلوم..
مع أول إنجاز وعندما أنهت متطلباته ..وجدت أنه غير موظف جديد ..لديه ق��درات وإمكانات مؤهل لسوق العمل!! * قاصة من السعودية.
72
اجلوبة -شتاء 1433هـ
> محمد محقق*
طوفان
ينام هادئا في بيته.. يغمره الطوفان فجأة.. وحين يرجو النجاة.. تكون ساعته قد حانت.. على غفلة من توقعاته...
شمس سوداء
في حلبة الحياة.. كانت ترقص برشاقة.. أعجبت الجميع.. وألنها شمس سوداء.. كانت الجائزة من نصيب األخرى...
أمنية
يجلس على مكتب فاخر.. يحرك األوراق بخفة.. يضحك بملء فيه.. هزة أرضية أسقطته عن السرير.. فقط ..كان يحلم...
لحظة عابرة
التقى بها في غفلة من الزمن.. في عز النهار ..ضحكا كثيرا..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
حلظات من الزمن الهارب ولما هاتفها ليال.. عزلته من مدينتها الفاضلة..
عود على بدء
على قارعة الطريق.. قاوم صرخة الرحيل.. وحين أدركت أن صوته مجرد حشرجات بكاء.. تمردت عليه وأنهت الحكاية..
عانس
ألنها ذات مال وجاه.. وال تملك بعال بعد.. طمع الشاب فيها.. اشترت له سيارة فاخرة.. َفرَحاً بها ..قادها بسرعة.. انقلبت به في الشارع...
تعاسة
على جسر الهوى، طلت مشاعره ملتهبة.. وحين التقى حبه.. تناثرت أوراق حياته في نهر األحزان...
* قاص من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 73
اجتيــــاح > نورة عبدالله السفر*
أجبرتنا الحياة على اإلقامة متربصين في المدن .ال يوجد أقسى من االستقرار بالنسبة لغجري. روحه التائهة ال تفتر تبحث عن مكان يبدّ د الضباب الذي يكتنفها ،يعزف الموسيقى ويجعل كمانَه ُ تسلب روحَ ه ..يحكي األساطير والقصص ليكبّل األروا َح بها، ُ رأس السامع بنشوةٍ األسطوري يدوّخ َ لعلّه بذلك يستدلّ على زهرةِ األرواح ..الشمس التي تغزل أرواح ًا مشرقةً تطرد عنه ضباب اللعنة. لم أزل في التاسعة عشرة والصبا حليفي ،مع ذلك أشعر أن صدري مثخ ٌن بالوحشةِ وما من حنين .روحي فاحش ُ مترمّدةٌ والغبار يعلوها نَفَساً بعد نَفَس .قلبي الحب ا ُقتلِع واستُبدِ ل بحجر ،تُرى هل أنا اقتلعته بيديّ أم أ ّن من فعل ذلك هو الرجل األسمر يوم رحلنا عنه؟ إذا كنت أنا الفاعلة فيا لي من غجريّة أصيلة ،نحن الغجر ال حني َن لدينا إال للترحال ،ال تُمثِّل لنا األمكنة وال األزم�ن��ة أو شخوصهما شيئاً .ما ه��ذه التفاصيل بغض النظر عمّا تتنبّأ به أشهر ضباب نخوضه ّ ٍ سوى اإلحساس َ العرّافات .ما يقارب العشر سنين مذ ودّعتُ البشري ،مذ عشر سنين وحنيني له يغزوني في كل حلم مضيُّ وكل أمنية .ذلك الحنين المتفرّد والذي لم يؤثِّر ِ السنين وانسحابها فيه ،كم أتمنّى أن تنتقل عدوى موقد الحبّ لجميع من قابلتهم على م ّر األماكن والدروب التي تنقّلتُ فيها ،فجميعهم وُهِ بوا للنسيان من دون رحمة، حتى طعم الفجيعة لم أذقه ،لم يمسس األل ُم يوماً قلبي ول��و لومضة .الضج ُر ي�م�زّق شراييني ،والعزلة التي فرح يصطدم بي. تعيشها روحي تخنقني مع كل بريق ٍ في تلك األيام ..كانت قوّة احتضاناته تجعلني أحس بأن قلبه؛ بحبه الالمتناهي يحتويني ويصادر أيّ حقٍّ بحبِّ سواه ،كنتُ أرى نفسي في عينيه الطفلة الجميلة المشعّة بالحياة ،أما اآلن ..فأنا على العكس من ذلك تماماً ،فتاة ال مبالية تكـره الحياة؛ إنها تهبنا أجمل * قاصة من السعودية.
74
اجلوبة -شتاء 1433هـ
األشياء ..ثم تسلبها بطعنة في الظهر. لم يالحظ عليّ أح� ٌد بغضي الحياةَ؛ ألني أحطتُ نفسي بسورٍ أخ��ذ يَسْ مُكُ يوماً بعد ي��وم؛ إل��ى أن أتى أحدهم ذات يوم واخترقه في غفلة منّي ،لقد أحدثَ في سوري فتح ًة أضاءت عتمة روحي .ردمتُها ففتـحَ ها ،ثم يأت ...بقيتُ ردمتها ففتـحَ ها ،ثم ردمتـها وانتظرت ..لم ِ في عتمة سوري وحيد ًة ال أعلم إن كان واقفاً ينتظر أن أفتح الكوّة بنفسي أم أنه رحل ..ال أعلم... في لحظات النور رأي��تُ كم جميلة هي الحياة ،وإن كنتُ أعاديها إال أني -تلك اللحظة -اشتقتُ لضمّها، اشتقت لعينين تجردانني من الغشاوة التي أحطتُ بها نفسي ،مرّت تلك اللحظات دون أن أمتلك القدرة على الطيران.. فت َح السور ومنحني جناحين ألتحرر مستقلّ ًة عنه، ووعدني أن قلبه سيكون مفتوحاً لي دوماً ألعود ،قال إني أستطيع الرحيل متى ما شئت ورمى لي ِبنْدَانَتَه.. كنتُ أحس بشوقي له يرمّد قلبي وأنا أردم الكوّة؛ لففتُ ِبنْدَانَتَه على عنقي ..قبلتُ بحبِّه ،مع ذلك أكملتُ ال َّردْم، كان مثلي يملك جناحين يبتعد بهما عنّي ،عندما رأيتهما قلت له :ال أضمن بقاء قلبي مفتوحاً لك؛ ألني ال أحب النظر للخلف ولقاء األحباء القدامى. ك��ذب��تُ ول��م أس �م � ْع بعدها تَ� � � َأ ّوهَ ال��سّ ��ورِ م��ن حَ فْرِ أصابِعِ ه..
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
أنثاك حتى العظمِ عاشق ٌ َ ة أنا > لبنى محمد محاميد* إليك في شغف ٍ إليك َ َ
ولكني أخاف ُ أخاف ُ
يفرُ القلب ُ من جسدي
من بعدك ْ
قلبك ْ إلى
وما ينثال ُ في خلدي
ويسري الحزنُ في صدري
يدور يدور في خلدك ْ
إذا ما م ّر بي يوم ٌ ولم ْ أبك على صدرك ْ وقد يغتالني كَمد ٌ إذا األنفاس ُ ما ثملت ْ عطر ًا فأنت حملتني ِ من الدنيا التي انطفأت ْ وأنت مألتني عشقا ً فصرت ُ أموج في شغف ٍ
وأنت أحلتني روحا ً من األنوار والنجوى وأنت جعلتني أنثى والليلك ْ من الليمون أنا أنثاك حتى العظم عاشقةٌ ولو ملكت ُ كون الله أكملهُ قلبك ْ فلن أبغي سوى
وأنت أحلتني أُنثى
أنا أنثاك فأمرني
تذوب تذوب في حبك ْ
فْ ان القلب لن يهوى
وكم رددت ُ في سري
أمرك ْ سوى
أنا لم ْ أخش من شيء ٍ من الدنيا
سوى أمرك
* شاعرة من األردن.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 75
ثوب ال يناسب احلفلة > هدى ياسر* أن أكون (حَ ب شباب) على وجه ثالثينية تحصى تجاعيدها, هذا ما خطر على بالي عندما دهمتني الوحدة, ومكثت. كأنها صرخة تكومت في جسد شجرة, فتركتها متيبسة /مشروخة. أنا خائفة. من يعصمني من فتنة العزلة؟ أمي؟ مسكينة أمي. تركت لها قلبي, ُ أخشى إن أن تتهشم.. هو هه ,منذ واقعة الصور الفادحة تقوقع, كنت أحبه هكذا قبل هذه المرة ُ تنفست. ُ كان كلما تقلص, أنا خائفة؟ من يعصمني من فتنة العزلة؟ أبدو كـ فتاة ترتدي ثوبًا ال يناسب الحفلة. تصب على نفسها العصير. متمتةً :قليلاً من العيون, يا رب. * شاعرة من السعودية.
76
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
هزني الشوق.. > عبدالله أحمد األسمري*
ج����ئ����ت ح�������������ورا َء ك������ي أش������ك������ َو م������ا بي
راح ع���ه���د ال���ص���ب���ا وع����ه����د التصابي
ج����ئ����ت خ���ل���ف���ي م�����ن ال���س���ن���ي���ن س�����راب
ورح��������ي��������ل مُ ��������طَ ��������عَّ ��������مٌ ب����ال����ص����ع����اب
ج���ئ���ت وال����ع����م����ر ل����م ي������دع ل����ي نصيبا
م������ن ص������ب������اه ،وم��������ن ب����ق����اي����ا ش���ب���اب���ي
ع����ن����د ص���ح���ب���ي أح�������ط ف���ي���ه���ا رح����ال����ي
������ب ..أراه ي���م���ض���ي رك����اب����ي وب������ص������ح ٍ
أح����م����ل ال����ب����ع����د ف�����ي ح����ق����ائ����ب ي���وم���ي
وغ��������دا ال����غ����ي����ب م���ث���خ���ن��� ًا ب���اغ���ت���راب���ي
س���ح���ر وادي��������ك ل����م ي������زل ف����ي عيوني
رغ�������م أن�������ي إل�������ى ال����ج����ب����ال انتسابي
���اض ه�����ا أن������ا ج���ئ���ت ص���ف���ح���ةً م�����ن ب���ي ٍ
����ات ب���وش���م خضابي ف��ان��ق��ش��ي ال����ذك����ري ِ
وان�����ث�����ري ال��������ورد ف�����وق ع�����رش مسائي
واف������رش������ي ب����ال����رب����ي����ع ص����ح����را يبابي
ي����ا اب���ن���ة ال����ري����ف م���وس���م���ي ل���ي���س فيه
م�����ن وع��������ود ال����ح����ي����اة غ����ي����ر ال����س����راب
واألم����ان����ي ال���ت���ي اع��ت��ل��ت س����رج أمسي
غ�������ادرت�������ن�������ي ول����������م ت�����ع�����د ب�������اإلي�������اب
آهِ ح�����������������وراء ..ق�����ص�����ة م�������ن ف����ص����ول
ي�������ا س�����������ؤاال ال ي����ن����ح����ن����ي ل����ل����ج����واب
ي�����ا دي�����������ار ًا ل�����م ت��ك��ت��ش��ف��ه��ا ال���ق���واف���ي
وع������روس������ ًا ت���خ���ت���ال خ���ل���ف ال���س���ح���اب
������ال غ�������دا ال������ه������واء ن����ق����ي����اً.. ف������ي ج������ب ٍ
وأري������������ج ال������ش������ذى وزه����������ر ال������رواب������ي
ف����ي ظ���ل��ال ال���ع���رع���ر ي���ح���ل���و م���ق���ي���لٌ ..
����ن ..ج����انِ ����ب األب�������واب أخ����ض���� َر ال����غ����ص ِ
ْ����ت ج������وادي ه����زن����ي ال����ش����وق ف����اعْ ����تَ���� َل����ي ُ
ع���������ائ���������د ًا ب�����ع�����د ط����������ول غ���������ي���������اب!!..
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 77
ح��دي��ق��ة
ال���ش���روق > ليلى احلربي*
ع�����ي�����ن�����اك زادي ف�������ي ال�����ح�����ي�����اة ووج�����ه�����ك �������ل ف��������ي ال�������ن�������ه�������ار م�����������زاري ق������ن������دي������ل ل�������ي ٍ وم���������راف���������ئ ال�����ق�����ل�����ب ال�����ص�����غ�����ي�����ر م����ح����ط����ةُ ل���������������زوارق���������������ي وزواب���������������ع���������������ي وب���������ح���������اري ي������وم������ا ب����ظ����ه����ر ال�����غ�����ي�����ب ك�����ن�����ت ق����ص����ي����دة وال������������ي������������وم ن�������ه�������ر ب������ال������م������ش������اع������ر ج����������ارٍ (ال أم��������س م������ن ع����م����ر ال�������زم�������ان وال غ����د) أن�������������ت ال��������ح��������ي��������اة ج����������دي����������دة األط����������������وار أن��������������ت ال��������رب��������ي��������ع إذا ت���������ل���������ون زه����������ره وال�������ص�������ي�������ف إن ح������ط������ت ب��������ه أم�������ط�������اري ��������������ت ال�������ش�������ت�������اء إذا ت���������ط���������اول ل���ي���ل���ه ِ أن و ان�����������داح ن����ج����م ال����ش����م����س خ����ل����ف ن����ه����اري ح�������ت�������ى ال��������خ��������ري��������ف وب����������ؤس����������ه ي�����ت�����ب�����دال ي�����ص�����ح�����و ال����������ف����������راش ت�������ؤم�������ه أط�������ي�������اري �������ت إل��������ي��������ه ع������������اد رب����ي����ع����ه ح������ي������ن ال�������ت�������ف ِّ م���������ت���������أل���������ق���������ا ب�����������ت�����������ب�����������ادل
األدوار
ال ت�����ن�����ك�����ئ�����ي ج�������رح�������ي ف�����ت�����ب�����ك�����ي ف�����ق�����ده ذك��������������������راه ن��������ام��������ت ع�������ان�������ق�������ي ت��������ذك��������اري ك�������ون�������ي ك�������ن�������ور ال������غ������ي������ث ال س�����������اق ٍ ل���ه إال ال���������س���������ح���������اب ت�������ح�������ف�������ه أن�������������������واري ي��������ا م�����ن�����ي�����ة ال������ق������ل������ب ال������ش������ج������ي ت����أل����ق����ي ن�������ام�������ي ك�����ع�����ص�����ف�����ور ال������م������س������ا ب�������ج�������واري ي��������ا ن�����ب�����ض�����ة ال�������ح�������ب ال������ط������ه������ور ت����رن����م����ي ك�����������ون�����������ي ب�������ق�������ل�������ب�������ي درة ب������م������ح������ار ه����ي����ه����ات ي����خ����رج����ه����ا ال�������زم�������ان ب����������دون ما ����������ح����������ار. ي������س������ت������ل������ه������ا ب���������أس���������ن���������ة ال����������ب َّ * شاعرة من السعودية.
78
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ف�������م�������ا ذن���������ب���������ي وق��������������د أش�������ع�������ل�������ت ن����������ارا م�������ن ال�������ه�������ج�������ران ت������ن������ذر ب������اح������ت������راق������ي؟! وم�������������ا ق����������ول����������ي؟ وق�������������د ع��������ج��������زت أس����������اة س�����������������وى :ك�����ل�����ا إذا ب�������ل�������غ ال�������ت�������راق�������ي
ال إك����راه ف���ي احل��ب
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
أج������ي������ب������ي������ن������ي :إذا ش������������اخ اش�����ت�����ي�����اق�����ي وض����������اع����������ت ح������ج������ت������ي ع�������ن�������د ال������ت���ل��اق������ي
> حامد أبو طلعة*
وم�����������وت ال������ح������ب – ل�������و ت�������دري�������ن – خير ل�������ن�������ا م�����������ن ع������ي������ش������ه م�������ث�������ل ال������م������ع������اق س�����أس�����ل�����و ع�������ن�������ه ،أق�������ض�������ي ال�����ع�����م�����ر ح�����را ف���������م���������ا أح��������ل��������ا ش�����������ع�����������ور االن�����������ط�����ل�����اق ف����ل����ا ب���������ورك���������ت ُ ،إن الح������������ت ل���ق���ل���ب���ي ��������������ادات وم��������������ا أط�������ل�������ق�������ت س������اق������ي ٌ س��������������ع س������أق������ض������ي ال������ع������م������ر أل�������ه�������و ب�����ال�����غ�����وان�����ي �����������اق إذا م�����������ا زال ف�����������ي األي���������������������ام ب ِ ف�����خ�����ي�����ر ل���������ي ق��������ض��������اء ال������ع������م������ر ل������ه������و ًا ب�������غ�������ان�������ي�������ة ت������ع������ي������ش ع�������ل�������ى ال���������وف���������اق ف�������أخ�������ت ال���������وص���������ل ف���������ي ع�����ي�����ن�����ي أراه�����������ا أح�����������������ب إل�����������������ي م�������������ن أ ِّم ال�����������ف�����������راق وخ������ي������ر ال�������ن�������اس أه����������ل ال�����ص�����ف�����و ع����ن����دي وش������������ر ال������خ������ل������ق ه���������م أه������������ل ال�����ش�����ق�����اق رأي���������ت���������ك ف���������ي ذوي ال�������ق�������رب�������ى ف�����������ؤادا م���������ع ال���������زم���������ن ال������م������غ������ف������ل ف���������ي س�����ب�����اق س�����ئ�����م�����ت�����ك ،ف�������ارح�������ل�������ي وال���������ح���������ب إن������ي ب������ط������ول ال�����ه�����ج�����ر ق��������د ش����������اخ اش����ت����ي����اق����ي ف����ل����ا ف���������ي ال��������ح��������ب إك�����������������������راهٌ ،وه������������ا ق���د ت������ب������ي������ن������ت ال��������ط��������ري��������ق م�����������ن ال������ن������ف������اق * شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 79
أس�������������������رج خ��������ي��������ول��������ك أي����������ه����������ا ال�����ق�����ل�����ب وارك��������������������ض ب�������ه�������ا إن ال����������م����������دى رح�������ب دع�����������ه�����������ا ل�����������ط�����������يِّ ال�������������������������د ِّو ع�����������ادي�����������ةً ������ح������ب ������س ُ َ��������ت أع��������راف��������ه��������ا ال ُّ ق���������د ب��������لَّ��������ل ْ ������ج ل��������ك��������أن��������ه��������ا وال�����������ص�����������ب�����������ح م������ن������ب������ل ٌ ������ض������ب س������ي������ل ت�����������ح�����������دِّ رُه اآلك�������������������امُ وال������ه ُ ���������ت ي�������ض�������ج ب�������خ�������اف�������ق�������ي ش����ج����ن����ا ص���������م ٌ
أسرج خيولك!!!.. > ثاني احلميد*
وال�����������ج�����������رح ت������ب������ك������ي ن��������زف��������ه ال����������هُ ����������دُ ب ه��������������ل غ�������������������������������ادروا ح���������ق���������ا أح������ب������ت������ن������ا أم أن ه���������������ذا ال��������ق��������ل��������ب م�����ض�����ط�����رب ف���������ال���������ي���������وم إن ت���������اه���������ت ب��������ن��������ا س������ب������لٌ َ���������ب ف�����ال�����ف�����ج�����ر ب������ع������د ال������ل������ي������ل مُ ��������� ْرتَ���������ق ُ م�������������ال�������������ي ول��������ل��������أي�����������������ام أن������������د ُبُ������������ه������������ا م�������������ا ن���������ح���������ن إال ع���������������الَ���������������مٌ ُْغ�����������������رب ح������س������ب������ي م����������ن ال��������دن��������ي��������ا بَ������لَ������هْ ������ن������ي������ةٍ ال ل����������������وم ل������������ي ف�������ي�������ه�������ا وال عُ ������ت������ب َ��������ج��������م��������ع ال��������دن��������ي��������ا ت��������ف��������رِّقُ ��������هُ م����������ن ت ْ ال غَ ����������������������رْو!! ي�����ف�����ع�����ل م���������ا ي������ش������ا ال���������رب ت������ق������ض������ي ون�������م�������ض�������ي ن�������ح�������و غ�����اي�����ت�����ن�����ا وع����������ن����������د رب����������������ك تُ������������������قْ ������������������ َر ُأ ال������ك������ت������ب * شاعر من الجوف.
80
اجلوبة -شتاء 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
رسالة إلى رجل غبي.. > إميان مرزوق* ..هزيمتك القديمة
لتعيش على شمعة األمس
كانت ربحاً..
وتذكّر
أما اآلن
أنك أنت من ضيعت الياسمين
فخسارتك حقيقية
وبسببك
وبعد اآلن لن يُ فيدك
شوك أصبح للياسمين ٌ
غباؤك أو حتى خبثك تم َرّغ يا غبي.. في ظالم نورك الدامس يا من يعشش الحمق في مساماتك مللت غباءك واستغباءك ُ ولم تعد تقنعني تبريراتك ***
وتذكر شوق.. عندما يعتريك ٌ طوق.. ويلتف حولك من الضياع ٌ أنك لن تجد تلك العينين الواسعتين اللتين كانتا تمطرانك بأمطار الدفء والحنين وعندها ستكون من النادمين.. ولكن
تذكّر
بعد فوات األوان
أنك أنت من هجرت الشمس
وبعد توحش الياسمين...
* كاتبة من األردن.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 81
البحث عن الالمرئي
•ح��وار مع الحائز على جائزة نوبل ل�لآداب ع��ام 2008م (ج��ان ماري غوستاف لو كليزيو). •(أجرى المقابلة تالميذ الثانوية الفرنسية :كالريس تيستشينكو، حنا كيم ،رومان لو مو ،أندريس إليدجي من طوكيو .وبريسكا كابونال ال فيرالال من سيئول).
> ترجمة سعيد بوكرامي*
ولد في مدينة نيس الفرنسية عام 1940م ،أمضى سنتين من طفولته في نيجيريا، وقام بالتدريس في جامعات بانكوك وبوسطن ومكسيكو سيتي .روائي فرنسي حائز على جائزة نوبل لآلداب عام 2008م .اشتهر عام 1980م بعد نشر رواية «الصحراء» التي تقدم «صورا رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال أفريقيا» ،حسب ما اعتبرته األكاديمية السويدية. وخالل جلسة فريدة في نوعها ،جمعت مجموعة من تالميذ الصف الثانوي المنشغلين بالصحافة والكتابة ،ويهيئون جريدة «آسيا» .عبّر جان م��اري غوستاف لوكليزيو عن قامته األدبية واإلنسانية الكبيرة ،وهو الكاتب المحب للسفر ومعرفة الشعوب ،وهذا ما دفعه طيلة مشواره اإلبداعي كي يحارب بقوة للمحافظة على الخصوصية الثقافية للشعوب المهمشة والمنبوذة ،ضد العولمة وأساليبها الماكرة ،وكأنه يدافع عن حياته الخصوصية. لوكليزيو في هذا الحوار النادر جعل تالميذ الثانوية يحسون بقيمتهم اإلنسانية وحريتهم الفكرية .وربما هذا ما نفتقده أساسا مع أدبائنا العرب البعيدين كل البعد عن الطفل العربي وفضاءاته التعليمية.
82
اجلوبة -شتاء 1433هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
< في السابعة من العمر كتبت نصوصك األولى المخصصة ل��م��وض��وع ال��ب��ح��ر ،وف��ي الثالثة وال��ع��ش��ري��ن ن��ش��رت «ال��م��ح��اك��م��ة الشفهية» ال��ذي حصل على جائزة رون��ودو .وفي خضم الخطوات األولى من حياتك هل تعتقد أنك كنت طفال ناضجا أو شابا مستعجال؟ > كنت على وج��ه الخصوص ضحية العصر؛ ألنها كانت مرحلة عقبت ال�ح��رب العالمية الثانية .مرحلة كان األطفال ال يخرجون فيها ك�ث�ي��را ،ألن�ه��م ك��ان��وا محبوسين ف��ي بيوتهم،
الصعوبات. < ما هو التخصص الذي اخترته في الثانوي، وهل كنت تعرف ما ستفعله بعد البكالوريا؟
ال�خ��ارج ك��ان م��زروع��ا باأللغام .كانت األلغام > تابعت شعبة أدبية ،ألن عالماتي في العلوم لم تكن جيدة .كنت أحب أن أتوجه لدراسة توجد في كل مكان ..وكنا ممنوعين من لعب الكرة في الحقول .وكان من الضروري إشغال وقت الفراغ ..فأشغلته بالكتابة .حتى التلفاز لم يكن متوافراً لنا آن��ذاك .كان أخي يكتب أيضا .وكنا معا نكتب رواياتنا ونتبادلها فيما بيننا .فكانت تلك تسليتنا.
ال�ط��ب .كنت سأحب ه��ذه ال��دراس��ة .تابعت دراس �ت��ي بجامعة ن�ي��س ،وف��ي ال��وق��ت نفسه
تابعت كمستمع حر دروس الطب وعلم النفس. ألنني كنت أعتبرهما مهمين ،رغم أنه لم تكن لدي الكفاءة الالزمة ألصبح طبيبا.
< خ�ل�ال دراس���ت���ك ..م��ا ه��ي ال��م��ادة ال��ت��ي كنت < وأن��ت تلميذ ..هل مارست نشاطات إضافية تفضلها؟ أث��رت كثيرا ف��ي دراس��ت��ك أو مجرى عملك؟ > أحببت كثيرا م��ادة الجغرافية .وك�ن��ت أعد دف��ات��ره��ا بعناية ف��ائ�ق��ة ،وب��أع�لام ك��ل دولة وشعب. < والمادة التي لم تكن تحبها كثيرا؟ > ي �ج��ب أن أق � ��ول ب �خ �ج��ل ك �ب �ي��ر إن� �ه ��ا م ��ادة الرياضيات ،ليس لعدم االهتمام بها ..ولكن بسبب العالمات الكارثية التي كنت أحصل
كالموسيقى أو ال��رس��م ،أو ن��اد سينمائي أو ورشة للكتابة مثال..؟ > لم أم��ارس كل ه��ذه األش�ي��اء ،لكنني مارست ع��رض األف�ل�ام .كنت أم�ل��ك ع��ارض��ا وبعض األف�ل��ام .وك �ن��ت أم� ��ارس ال�ت��وض�ي��ب ،وأقدم عروضا خاصة في شقة جدتي بواسطة هذا العارض القديم .كنت أحب ذلك.
عليها ،كما ل��م يكن ل��دي التفكير المنطقي < في سن السابعة والعشرين أمضيت خدمتك المطلوب ،وم��ع ذل��ك كنت أفكر دائ�م��ا أنني
العسكرية في تايالند كمتعاون ،ثم ُطردتَ
ل ��و ب��ذل��ت م �ج �ه��ودا أك��ب��ر ف��إن �ن��ي سأجتاز
ألن��ك أدن��ت دع���ارة األط��ف��ال .ه��ل يمكنك أن
اجلوبة -شتاء 1433هـ 83
تحدثنا ع��ن ه���ذا ال��م��وق��ف ال��م��ت��م��رد وربما
هل كانت لديك نية كتابة كتاب عند قدومك
نتائجه المصيرية؟
إلى فانواتو ،أم أن اإللهام أتاك بعد إقامتك
> لم يكن األمر سهال .كانت هناك مؤامرة وراء
في أرخبيلنا؟
طردي .صحيح أنني نشرت حواراً أقول فيه > ك �ـ��ان��ت االن �ط�لاق��ة م��ن ال ��والي ��ات المتحدة إن دعارة األطفال تعتبر أكبر جريمة في ذلك
الوقت ،وإنها أكبر مشكلة تعاني منها تايالند. كنت ق��د ُك�لِّ�ف��تُ ب�ت��دري��س ال�ع�ل��وم السياسية بجامعة ت�م��اس��ات ب�ب��ان�ك��وك ،ول �س��وء الحظ ض َّمنْتُ ج��دول ال��دروس رسالة م��او زيدونغ الممنوعة في تايالند ،وبناء عليه قام بعض الطلبة بالوشاية بي .تلك األمور مجتمعة أدت إلى طردي. < حضور آسيا -مقارنة مع باقي القارات -قليل في أعمالك .ما أسباب ذلك؟ > أنا ال أكتب حقيقة عن أسفاري ،لذا أعتقد أن آسيا حاضرة؛ لكن بطريقة أكثر تعرجا وأقل مباشرة ،من خالل بعض المناظر الطبيعية ومشاهد ال �ش��وارع .عشت مثال ف��ي سيئول بكوريا مدة طويلة .أحببت كثيرا تلك المدينة، حتى وإن كانت ال تظهر بشكل مباشر ،وال أس�م�ي�ه��ا ،ف��إن�ن��ي أف �ك��ر ب��اس �ت �م��رار بأزقتها المخترقة ب��أس�لاك الكهرباء وال�م�ط��ر ..كل هذا يدخل في ديكور ما أكتبه. < م���ن آس��ي��ا س��ي��د ل��وك��ل��ي��زي��و ..سننطلق إلى األوس��ي��ان��ي للحاق ب��ف��ان��وات��و ،حيث تالميذ ال��ث��ان��وي��ة ال��ف��رن��س��ي��ة ب��ورف��ي�لا ي��رغ��ب��ون أن يطرحوا عليك أربع أسئلة .سأطرحها عليك نيابة ع��ن بريسكا كابونال ال فير الال ،وهو تلميذ من جزيرة راغ��ا ،ومدير جريدة آسيا.
84
اجلوبة -شتاء 1433هـ
والوصول إلى أوربا ،إنها مغامرة معقدة؛ ألنني كنت قد دعيت على متن باخرة مسافرة .هذه األخيرة كان على متنها تالميذ كثر من الصف ال�ث��ان��وي ،يسافرون عبر العالم م��ن بلد إلى آخر .انطالقا من الواليات المتحدة وصوال إلى أوربا .اقتُرِ ح عليَّ االلتحاق بالباخرة عند نقطة معينة ،فاخترت أن أنطلق من فانواتو؛ ألنني لم أكن أعرفها .فكرت أنه لن تتاح لي في الحياة فرص أخرى كي أزوره��ا بواسطة الباخرة .أحب كثيرا الوصول إلى أي بلد على متن باخرة .األمر مختلف جدا عن الطائرة. ربما هو حب المغامرة .هذه الرحلة نظمتها الموسوعة البريطانية التي مولت جزءا منها.
تفاصيل الرحلة .غششت قليال ألنني عوضاً
البلدان بسوء مصادفة ،ومن دون أن يلتقوا
عن كتابة يومياتي ..تحدثت عن فواناتو فقط،
المجتمعات التي يقصدونها .كانوا يبحثون
ولم أتحدث عن الباخرة.
عن الذهب والعبيد وال�م��واد األول�ي��ة ،لكنهم
< أنت تسافر كثيرا ..فهل أحسست بخصوصية في الحكايات التقليدية لفواناتو؟
لم يدركوا ما يرونه .إذاً ،فقد كانوا عميانا، فليست القارة هي المحجوبة؛ بل هم العميان الذين لم يستطيعوا رؤيتها.
م������������������واج������������������ه������������������ات
على كل المسافرين أن يكتبوا يوميات تحكي
للغزاة الكبار للقارة األمريكية ،قاموا بغزو
> لم أك��ن أعرفها .حالفني الحظ بلقاء راوية مذهلة ،إنها شارلوت وايمتنسوي ،التي حكت < ك���ان���ت ال��ح��ص��ر أو ال��خ��ن��ازي��ر أو أسنانهم الحلزونية -لفترة طويلة -النقود التقليدية في ع��دد من األمسيات حكايات جد مثيرة لالهتمام وجد حية؛ ألنها غير مكتوبة .كانت حكايات يتم تناقلها شفويا إل��ى أن وصلت إليها .خصوصية ه��ذه الحكايات أنها كانت مليئة بالدعابة .هناك دائما موقف طريف
ف��ي ف��وان��ات��و ..وم��ا ت���زال -إل��ى يومنا هذا-
تستعمل في كثير المناسبات .م��اذا سنأمل للجزر الصغيرة كجزيرتنا المنعزلة ،لكن المتأثرة بالعولمة؟
حتى عندما تحكى أم ��ورا م��أس��اوي��ة .هناك > ه��ي ش�ك��ل م��ن أش �ك��ال ال �م �ق��اوم��ة .أظ ��ن أن لحظة من الدعابة ،وهي بالذات ما أحببت
السائل من جزيرة بانتكوت ،التي تدعى أيضا
لدى الفواناتو.
راغا .كانت عملة هذه الجزيرة حصر القصب
< أسميت كتابك «القارة المحجوبة» .لماذا هذا التعبير «ال��ق��ارة المحجوبة» وم��اذا رأي��ت في أرخبيلنا غير المرئي؟ > أسميته القارة المحجوبة؛ ألن البحارة مروا بالقرب منه مدة طويلة من دون أن يشاهدوه.
الرائعة المنسوجة بواسطة النساء .وما يزلن يستعملنها ل�ت�س��دي��د ث�م��ن ب�ع��ض متطلبات حياتهن .مثال دراسة األطفال هن من يدفعن أجره .إذاً يجب مقاومة العولمة ،وهذه إحدى الطرق الجيدة.
وحتى البحارة األوربيين األوائ��ل مثل بيدرو < فلنعد إلى آسيا ،سيدي لوكليزيو ،إلى كوريا ه��ذه المرة .األسئلة التي سأطرحها عليك كويروس الذي بلغ شواطئ فواناتو لم يعرف أ ُِع��دت من طرف أسرة تحرير أسيا بسيئول. ما هي!! ولم يحضر منها أي شيء مهم وقد عممت األمر على البحارة اآلخرين ،كما أن مجمل االكتشافات تمت صدفة من دون أن
ل��م��اذا واف��ق��ت على ت��دري��س األدب الفرنسي بجامعة سيئول ما بين 2007و2008م؟
نقصدها .كرستوبال كولون مثال م َر بجانب > كنت قد أتيت سابقاً عدة م��رات إلى كوريا، أمريكا ،ولم ي��درك أب��دا ما ي��راه ،ولم يتخيل
استجابة لدعوة من مؤسسة دايسان .ساورني
أنه يكتشف أمريكا ،والشيء نفسه بالنسبة
حينها شعور أنه بلد مختلف عن باقي بلدان
اجلوبة -شتاء 1433هـ 85
آسيا التي عرفتها سابقا مثل اليابان والصين > .أنا أتفق معك كليا ،ونتيجة لذلك لم أكتب عن فأحببت أن أت�ع��رف على ه��ذه الخصوصية
كوريا.
المميزة ل�ك��وري��ا .إض��اف��ة إل��ى أن الكوريين < كوريا الجنوبية تنظر إلى المستقبل ..وكوريا أش �خ��اص لطيفون وظ��رف��اء ،ي�ع��رف��ون كيف الشمالية تنظر إلى الماضي :هل هذا التعامد يستمتعون بالحياة .وج��دت إذاً االستضافة
ممتعة ج��دا .عندما تلقيت ع��رض التدريس بجامعة آوه��ا بسيئول ،قبلت من دون تردد، وفكرت أنها ستكون تجربة استثنائية للتعرف جيدا على كوريا ومدينة سيئول.
> ليس سذاجة ،بل هو مأساة؛ ألنه فعال عندما نرى الصور القادمة من كوريا الشمالية-أنا لم
أذهب قط إليها -نحس أن شعبها أسير نوع من
الجنون .هذا الجنون الذي يحاول المحافظة
< هل يمكنك الكتابة عن كوريا من دون الوقوع
على نظام عتيق ورجعي وعسكري ..في عالم
مجتمع وت���اري���خ ،ل��م يستطع أح���د -حتى
ما نتمناه أن تتحقق المصالحة بين الكوريتين،
ض��ح��ي��ة ال���وق���وف ش��اه��دا م��ن ال���خ���ارج على
كل شيء فيه يسير نحو التواصل والتبادل .وكل
الشعب الكوري نفسه المقسم منذ 1945م-
واللقاء بين القسمين من الشعب الكوري الذي
فهمه؟
86
جسارة أم سذاجة؟
اجلوبة -شتاء 1433هـ
له اللغة نفسها والثقافة نفسها.
المعاصرة .كيف تقيم أعمالها؟ > األمر جد معقد .ليست سينما بسيطة .هناك الرديء والممتاز .هناك أفالم عنيفة كأفالم ب ��ارك ش ��ان ووك .وأف �ل�ام صعبة وملتزمة
بقضايا المجتمع كأفالم ال��روائ��ي لي شانغ دون��غ .وبناء عليه ،فأنا أحب هذا التنوع في
السينما .أضف أنني عندما أشاهد أفالماً منتجة م��ن ط��رف م��درس��ة ك��وري��ا للسينما، أخلص إل��ى أن الجيل الجديد موهوب جدا
وواعد .إنها سينما شابة وواعدة.
< لماذا فيلم أوجيتسو مونوغاتاري :حكايات القمر الغائم بعد المطر ل «ميزوغوتشي». كان صدمة جمالية بالنسبة لك؟! > ألنني في ذلك الوقت لم أشاهد فيلما فنيا.
كان عمري أربعة عشر عاما أو خمسة عشر. كنت أعبر األزقة في فرنسا ،وأرى إحدى دور
السينما يعرض ملصق فيلم قديم في ذلك الوقت ،فدخلت حباً في االط�لاع ..ألنني لم
أشاهد من قبل أفالما يابانية .كنت مندهشا
من أن هذه السينما ال تقدم أفالم حركة أو ويسترن أو أفالم حرب أو قصصا موسيقية. فجأة وجدت نفسي أمام سينما تحكي أشياء
عميقة وقوية ،تتحدث عن زمن تاريخي؛ لكن يمكن أن يكون أيضا الحاضر.
< هل تحب أن تتحول كتبك أفالما سينمائية. أو أن تخرج فيلما؟ > إخراج فيلم؟ نعم أحب ذلك .لم أتخلَّ بعد عن
فيلما في كوريا .وبحق ..فأنا أحب الممثلين والممثالت الكوريين ،لهذا أفضل أن أنجز فيلما هنا .لكن نقل رواي��ة إل��ى السينما ال يهمني كثيرا .أعتقد أنهما شكالن تعبيريان مختلفان جدا ،كما أنه يلزم ذلك توفر مخرج
م������������������واج������������������ه������������������ات
< أن���ت ت��ح��ب وت��ع��رف ج��ي��دا السينما الكورية
هذا المشروع .زد على ذلك ..أحب أن أ ُخرِ ج
فائق الموهبة .لم أشاهد قط نقال سينمائيا مقنعا لرواية .مثال مدام بوفاري ،فيلم جميل.. لكن يبدو لي أنه غير متكامل ألنني لم أجد فيه عمق الرواية .رأيت أيضا نقل المحاكمة لكافكا ليس مقنعا .لهذا ال أنتظر شيئا من تحويل فيلم .يجب أن يعيد المخرج إبداع الحكاية. < خ�لال ن���دوة مشتركة بينك وك��ن��زاب��ورو أوي في بيت الفرنسي الياباني .أك��دت أنك «ابن الحرب» كما ذك��رت أهمية نهاية االستعمار. هل تعتقدون أن هذه االزدواجية في القرائن التاريخية ق��د حسمت ف��ي طريقة كتابتك وتفكيرك وحتى في حياتك؟ > ن �ع��م ..بالتأكيد ه��ي ال �ح��رب وه ��ذا ال يقبل الجدل ،فهي من منحتني الحاجة إلى الكتابة، كي أهرب ،وأتحرر من سجن ما بعد الحرب. وح �ت��ى ي��وم�ن��ا ه��ذا ت��وج��د ح ��روب ف��ي بعض البلدان ،ما يدفعني إلى التفكير في األطفال وال�ش�ب��اب ف��ي مثل ع�م��رك��م ،ال��ذي��ن يعيشون ظ��روف��ا صعبة وس��ط القنابل والتفجيرات، كيف سينجون من ذلك؟ هذا األمر ينغصني.. ألنني أتذكر كل هذه األشياء.
* كاتب ومترجم من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 87
الباحث األكاديمي والناقد والروائي أ .د .معجب الزهراني: تعلمت من قريتي في جبال السروات محبة العمل، وتعلمت من باريس محبة الحرية أزعم أن معاناة المثقف الحقيقي وهو ينجز شيئا في بلده ،أفضل وأنبل بكثير من استمتاعه بمنجزات غيره .لهذا فضلت أن تكون العالقة بيني وبين باريس عالقة عشق ال عالقة زواج
> حاوره محمود الرمحي*
يحمل الدكتوراه في األدب المقارن من جامعة السوربون في باريس .يعمل حالي ًا في جامعة الملك سعود بالرياض ،ويعد من رواد ورموز الحداثة في المملكة العربية السعودية ..استضافته مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في منطقة الجوف حيث ألقى فيها محاضرة بعنوان ربيع الرواية السعودية ،التقيناه فيها فكان لنا معه هذا الحوار.. < كيف اخ��ت��رت ال��دراس��ة ف��ي فرنسا ،هل اخترتها أم اختارتك؟ > ي�ب��دو أن ال �ص��دف السعيدة ه��ي التي ح�س�م��ت األم � ��ر ،ف �ع �ق �دَت ب�ي�ن��ي وبين
88
اجلوبة -شتاء 1433هـ
فرنسا -وخاصة باريس -عالقة حب لم تنفصل إلى اآلن .في المرحلة الجامعية ق� ��رأت ال�ك�ث�ي��ر ع��ن األدب الفرنسي، ولكبار األدب��اء العرب الذين ع��ادوا من
م������������������واج������������������ه������������������ات
ف��رن�س��ا ،وت��أث��روا بثقافتها .وحينما راسلت جامعات أمريكية وفرنسية وج��اءن��ي الرد.. < هناك من زمالء البعثة من اختاروا البقاء في فضلت السوربون وباريس على ما سواهما. فرنسا ..هل كان هذا االختيار واردا بالنسبة < كيف وجدت فرنسا بعد أن تعرفت إلى لغتها لك؟ وهل أشبعتك ثقافيا؟ > ال أعرف أحدا بقي هناك من زمالئي .وعلى > لعل أول ما يلفت نظر من يسافر إلى أوروبا أي��ة ح��ال ل��م أفكر ق��ط ف��ي أم��ر ك�ه��ذا ،ألنني من مشرقنا ،هو تلك البيئة المليئة بالخضرة كنت وال زلت مسكونا بهاجس المشاركة في واألنهار والبحيرات ،حتى لكأنها صورة واقعية تنمية الحقل الثقافي الوطني والعربي ولو م��ن ف��ردوس �ن��ا ال�م�ح�ل��وم .ال�ج��ان��ب العمراني بأقل القليل .طبعا كلنا يحلم باإلقامة في مدن والحضاري للمدن الكبيرة والصغيرة هناك غربية منفتحة على كل الحريات والحقوق، هو أيضا الفت للنظر ومثير للدهشة ،حيث لكني أزعم أن معاناة المثقف وهو ينجز شيئا تجد األناقة والجمال يشعان في كل مكان. ف��ي بلده أفضل وأن�ب��ل بكثير م��ن استمتاعه ووجدانه في حاضرة ثقافية كباريس.
بمنجزات غيره .لهذا فضلت أن تكون العالقة ب�ي�ن��ي وب �ي��ن ب��اري��س ع�لاق��ة ع�ش��ق ال عالقة زواج.
في الجانب الثقافي ،ال شك أن اإلقامة في مدينة مثل باريس التي تسمى مدينة النور، وعاصمة لثقافة كونية ،هي بحد ذاتها تجربة ثقافية غنية بكل المعاني .قلت ذات مرة، < في عملك الروائي األول “رقص” كانت الهوية إنني اطلعت على الثقافات العربية والفنون اإلسالمية بشكل جدي في باريس ..فال يكاد يمر ي��وم من دون ع��رس ثقافي نجده تقريبا في كل حي .بناء عليه أزعم أن فضاءات كهذه تفتن أي مثقف وتشبع تطلعاته .وإلى اليوم، كلما أذه��ب إل��ى باريس وأقيم فيها أسبوعا أو أسبوعين ..أك��اد أط��ل على مشهد ثقافي نفتقده طوال عام كامل في الرياض.
< ما هي التحوالت التي مرت بك بعد الدراسة ف��ي ف��رن��س��ا وم���ن ث��م ع��ودت��ك ل��ل��ت��دري��س في الجامعة؟ > قلت ذات مرة ،إنني تعلمت من قريتي في جبال ال �س��روات محبة العمل ،وتعلمت م��ن باريس محبة الحرية .وأظن هذا يكفي دليال على تلك التحوالت المعرفية والفكرية التي يتعرض لها أي شخص يبحث عن ما ينمي عقله وذوقه
اجلوبة -شتاء 1433هـ 89
وأح�لام العودة إل��ى الوطن ش��اغ�لا رئ��ي��س��ا ،ه��ل يمكن تفسير ذلك؟
ال��رؤي��ة الشاعرية إم��ا أن ت��ك��ون محايثة ل��ل��ذات أو ال تكون
> ل� ��دي � �ن� ��ا ن� � �ق � ��اد وش� � �ع � ��راء وصحفيون وأكاديميون تحولوا ف��ي ال �ع �ق��دي��ن األخ �ي��ري��ن إلى روائيين ،بل وإلى رواد للرواية الجديدة في المملكة وأنا واحد منهم .يكفي أن أستحضر اليوم أسماء غازي القصيبي ،وتركي الحمد ،وعلي الدميني ،وعلي ال� �ش ��دوي ،وم�ح�م��د الرطيان، لنتفهم وجاهة ما أشير إليه.
> ف��ي ال��رواي��ة ي�ق��ول الكاتب ما ال يفعل؛ ألنه يُسَ لِّم زمام ال����م����ق����ارب����ات ال���ن���ق���دي���ة ال�م�ب��ادرة لمراكب األحالم المستقبلية ل��ن تشكل وال� �ت� �خ� �ي�ل�ات .ف���ي بداية ع��ن��دي أك��ث��ر م���ن لحظة الرواية يكون هناك صوت اس����ت����راح����ة ب���ي���ن رقصة راو ي��رح��ل وف ��ي ذه �ن��ه أن ٍ وأخرى الحياة الحقيقية في الخارج < كتاباتك تنم عن روح شاعرية ال ف��ي ال��داخ��ل .لكن بقية لديك ..وجاءت روايتك (رقص) ال�ن��ص ه��و رح�ل��ة معاكسة؛ تعكس هذا المفهوم ..فهل الرواية أسهل من ألن الحدث يتمحور حول شخصيتين تلتقيان الشعر أم ماذا؟ صدفة في فرنسا ،فتشتغل ال��ذاك��رة وتشعل فيهما الكثير من الذكريات الحلوة والمرة التي > الرؤية الشاعرية إما أن تكون محايثة للذات تتصل بقرى معزولة في أعالي جبال السراة. أو ال تكون؛ أعني أن من لديه نزعة للعيش < هل بقي لليسار واليمين والتصنيفات الفكرية موقع في عالم اليوم بعد روايتك؟
ف��ي العالم والتفاعل معه بطريقة شاعرية، فسيتسرب الشعر إل��ى ك��ل م��ا يقول ويفعل، حتى وإن لم يكتب شيئا.
> أعتقد أن خطاب التصنيفات هذا انتهى منذ ثالثة عقود ،وإن تبقى منه شيء فلن يكون أكثر < لكم حضوركم القوي في األوساط الثقافية.. فهل ك��ان لرواية رق��ص ذل��ك الحضور القوي من أشباح أو أطياف تسكن ذاكرة البعض ممن المشابه لحضور كاتبها؟0 يتغير العالم وهو يراوح مكانه. < كيف يتحول الناقد إل��ى س��ارد؟ وه��ل وجدت > أع�ت�ق��د أن ح �ض��وري ف��ي ال�م�ش�ه��د الثقافي المحلي والعربي سبق ص��دور «رق��ص» بفترة نفسك أم��ام ه��ذا التحدي أم أن��ك استطعت طويلة ..وأترك بقية اإلجابة لفطنة القارئ. الفصل بين الشخصيتين؟ > حين بدأت الكتابة الروائية لم يحضر الناقد < جاء «الرقص» عنوانا واختيارا لروايتك ..فما الذي يعنيه هذا االختيار؟ في تلك اللحظة ،ول��و حضر لما سمحت له بكتابة سطر واح��د .فعال كنت قد تقمصت > من يقرأ الرواية سيجد في بدايتها أن رقص ًة شخصية أخ��رى أزع��م أنها األق��رب إلى ذاتي شعبية احتفالية ه��ي التي أوق��دت الشرارة العميقة الحميمة. في الروح فبدأت تحكي ،ثم إن في منتصفها
< م��اذا يعني ل��ك تحول النقاد – وأن��ت واحد منهم -إلى روائيين..؟
90
اجلوبة -شتاء 1433هـ
رقصة نسائية تكاد تشكل عالمة تحول في حياة شخصية ال ��راوي ،وف��ي نهايتها رقصة
< ه��ل سيترك ال��زه��ران��ي م��ج��ال النقد تفرغا للرواية ..أم سيجمع بينهما ..أم هي تجربة ليس إال..؟ > النية الراهنة هي التوجه للكتابة الروائية .وإن باشرت بعض المقاربات النقدية مستقبال، فلن تكون أكثر من لحظة استراحة بين رقصة < كيف ترى تحوالت المجتمع السعودي روائيا، وأخرى. وهل استطاع الروائيون معالجتها حتى اآلن؟ < كُ تاب الرواية السعودية كثر ..رجاال ونساء.. أيهما أبلغ وقعا وتأثيرا في الساحة الثقافية..؟ > محاضرتي في دار الجوف للعلوم بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية تجيب عن هذا ولماذا؟ التساؤل ال�م�ش��روع .ول��و لخصتها ف��ي عبارة > الرواية األكثر جرأة في الطرح ،وجمالية في واحدة لقلت :إن الرواية هي األكثر قدرة على اللغة ،وقدرة على الحوار مع أصوات المجتمع، ترجمة هذه التحوالت وفتح المزيد من األفق هي التي ستؤثر أكثر ،وتبقى لفترة أطول في أمامها ،وم��ن هنا عددتها بشارة بربيع أعم المستقبل .هذا يعني أن ال عبرة بجنس الذات وأشمل وأجمل. الكاتبة. < كيف ترى الدور الثقافي للمؤسسات الثقافية < لكم ط��روح��ات نقدية ع��دي��دة تناولت األدب ومنها مؤسسة عبدالرحمن السديري؟ المحلي والعالمي في الرواية والشعر والفن > تلعب المؤسسات الثقافية الحكومية واألهلية دورا التشكيلي والتي يتسع لها أكثر من كتاب..هل جيدا في تنمية الحقل الثقافي بمختلف عناصره، سنرى مؤلفات تجمع تلك النصوص المبعثرة لكن ما ينتظر منها سيظل هو األهم .أعني أننا هنا وهناك؟ نجد في كل منطقة تقريبا جمعيات كهذه ،تكاد
م������������������واج������������������ه������������������ات
ثالثة ت َُص ِّع ُد من معاني الرقص حين يصبح طقسا يصل الذات البشرية بروحها األولى.. أي بالذات اإللهية العليا.
م��ن ي��ود ترجمة رق �ص��ي ..فالمؤكد أن ذلك سيسعدني.
> أول الغيث كتاب عن السرد يقع في أكثر من ( )700صفحة ،سيصدر قريبا ع��ن النادي األدبي في مكة المكرمة ..والباقي في الطريق على ما آمل.
< هل لديك مشروع لترجمة الرواية للفرنسية، خاصة وفيها من فرنسا الكثير.؟ > ال أفكر في هذا األمر ،ألنه ال يعنيني ..وألنني منشغل بكتابات أخ ��رى .أم��ا ل��و ك��ان هناك
تضطلع بمسئوليات ف��وق طاقاتها ،وتنجز ما تستطيع .وهذا ال يعني أن العمل الثقافي المحلي ليس في أوج عطائه ،والمسئولية في ذلك ال تعود إلى هذه المؤسسات والقائمين عليها فقط ،ألن شروط العمل الثقافي كثيرا ما تبدو قليلة أو غير متاحة .ولعل أول وأهم شرط في انطالق الثقافة يتمثل في اتساع مجاالت التفكير الحر والتخيل الحر والتعبير الحر ..وكلنا ندرك أن الحرية تظل هي الغائب المنتظر في كل األقطار العربية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 91
القاص والكاتب السعودي
صالح السهيمي > حاوره :أحمد الدمناتي*
في مقترحه السردي الممتع والملغز ،يجعلك القاص والكاتب السعودي صالح السهيمي أمام قصصه القصيرة ،وكأنك تقف بهدوء أعزال أمام طلقات رصاص خارجة للتو من مسدسه الكاتم للصوت .يجب أن تتحسس أنفاسك جيدا قبل قراءاتها ،أو تنظر للمرآة مليا لتتأكد من أنك لم تتعرض لخسارة في مخيلتك أو في يدك ،وأنت تتصفح مجموعته القصصية (أغنية هاربة) ،وهي مجموعة يتداخل فيها الواقعي بالذاتي، والخيالي باليومي ،ولغته القصصية ضاجة بالحياة والكائنات المحيطة به.
> ال �ك �ت��اب��ة م��ج��ازف��ة ف ��ي ع ��ال ��م أه ��وج مضطرب؛ لذا نحن بحاجة إلى بعض الجنون من أج��ل لعبة نشأنا عليها.. ومن أجل أن نعيش بسالم!...
ع��ب��ده خ��ال ب��ج��ائ��زة ال��ب��وك��ر العالمية ل��ل��رواي��ة ،وف���وز رج���اء ع��ال��م مناصفة مع الشاعر والروائي المغربي محمد األشعري بنفس الجائزة ،كيف تنظر لهذه الحركية الممتعة في بناء هرم الرواية السعودية المعاصرة؟
< ينمو ال��س��رد ال��س��ع��ودي بشكل ملفت للنظر ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��ل��غ��ة والرؤية والتخييل وال��ب��ن��اء ال��ن��ص��ي م��ن��ذ فوز
> السرد السعودي حاضر في المشهد ال�ع��رب��ي منذ س �ن��وات ،وم��ا ف��وز عبده خال ورجاء عالم إال نتيجة كنا نتوقعها
< م��اذا تعني لك الكتابة في عالم فقد السيطرة على أعصابه؟
92
اجلوبة -شتاء 1433هـ
في كل عام ،فاألقالم السعودية حاضرة في المشهد العربي منذ القدم كما أسلفت .وال ينقصنا سوى االعتناء بمثقفينا وبالمبدعين راق؛ فليس نحو صناعة أفضل ،وعمل فني ٍ كل من كتب عمال روائيا ،أو أصدر مجموعة < القصة منفى تُقيم بها الذات المبدعة ،هل قصصية ،أو ديوان شعر مبدعا؛ إنما المبدع تحب هذا المنفى الجميل باستمرار؟ من يأتي بالمغاير الفني المختلف الذي يكسر > بالتأكيد ..ال ي��رف��ض ال�م�ب��دع ه��ذا المنفى به رتابة التراكم األدبي ،وهو من يمتلك ثقافة طالما أنه يدفعه نحو التألق اإلبداعي ،وإن عالية في فنه ،ويحاول أن يتجاوز بمنجزه كان المنفى معنويا هنا ...ولو تأملت معي، ح��دود اإلب��داع الفني إل��ى عوالم جديدة لم لرأيت الكثير من المبدعين في الشعر العربي تطأها قدم. منذ القدم ،وكذلك كتاب القصة ،أنهم كانوا < هل يمكن أن يصبح األدب -يوما ما -في يعيشون في المنفى الحقيقي والمعنوي على عالمنا العربي حرفة أو مهنة كسائر الدول حد سواء .وعلى المثقف الحقيقي أن يختار في أوروبا وأمريكا؟ منفاه باستمرار ،ألنه يأبى أن يكون صامتا > بكل تأكيد ..إ ْن أراد الفعل السياسي منح في مجتمعه. حرية مسئولة ،وكانت هذه الحرية حاضرة < الكتابة هواء المخيلة ورئة الكون ،من هذه لدى المبدع؛ ومن حيث التواصل الفني مع الرئة يعيش الكائن المبدع ،ويتنفس ..أليس متلقيه .وح�ي��ن ت�ت�ج��اور األط �ي��اف بمختلف كذلك؟ توجهاتها في صنع ثقافة منتجة على جميع األص� �ع ��دة .وإ ْن رأي� ��تَ ال �ش �ب��اب واألطفال > هذا السؤال ال يتنافى مع السؤال السابق ،إذ أ َّن الكون والرؤية الكونية لكل مبدع تختلف يتسابقون إلى إصدار أدبي لمبدعينا الذين ع��ن ال ��رؤى األخ���رى ،وق��د تتطابق إل��ى حد يهتمون بهم ..فثق أن اإلب��داع سيكون مثمرا التناسخ؛ فلو تُ�ت��اب��ع معي روائ �ي��ا ع��اش في ومتألقا في التشكل الحضاري ألي أمة. أمريكا الجنوبية ،ستكتشف أن��ه يشبه أحد أم��ا اآلن ف�لا أظ��ن؛ ألننا م��ا زلنا نتعثر في الكتاب في جنوب السعودية أو مصر ...ولو مشينا ن�ح��و ال �ط��ري��ق األم��ث��ل ،وألن �ن��ا حين تتابع معي كاتبا فرنسيا ،ستجد أن معاناته نكتب ...نكتب م��ن أج��ل أن نرضي أنفسنا أق��رب إل��ى كاتب في المغرب ،وه�ك��ذا ،فإن والمذاهب الفكرية التي ننتمي إليها ،فلو رأيت الكتابة الكونية تسري بين الشعوب في تجاور – على سبيل المثال -كاتبا ينتمي إلى مذهب وتضاد. فكري أيديولوجي ،فإنه ال محالة سيقع في فخ إيديولوجيته ...أما الغرب فإنهم يكتبون < هل الجوائز تصنع مُ بدعا؟ اللحظة الممتعة المعاصرة بعيدا عن التأثير > ال .وإنما قد تعطيه بعض االعتراف ألدبه ،لذا ف��إ َّن بعض الجوائز األدبية ال سيما الغربية الطائفي ...وألن الموضوع شائك ،فال بد أن
م������������������واج������������������ه������������������ات
نحيّد الفكر ،وال نغلبه على الفن عندما ننتج عال من عمال إبداعيا ،وأن نكون على قدر ٍ المسؤولية في احترام هذا الفن .وأن ال نقلد أحدا حتى نتحول إلى دمى غبية!!
اجلوبة -شتاء 1433هـ 93
المبدع من يتجاوز بمنجزه حدود اإلبداع الفني إلى عوالم جديدة لم تطأها قدم.
ونفع به – حيث سيترك هذا الدعم أثره في النهوض الحقيقي للثقافة السعودية من حيث اإلنتاجية الثقافية.
وهذا ال يتأتى إال بالجهود الحقيقية المنتمية للثقافة ..م��ن حيث االنتماء الثقافي أوال، والعمل على خلق ح��راك ثقافي ثانيا؛ يقوم على الحوار واإلنتاجية؛ والتي من شأنها أن توصل الصوت السعودي إل��ى أنحاء العالم بأكمله.
اإلب���داع ،إال أ َّن ه��ذا ال ينفي ح��ق اآلخرين الذين يعملون وفق توجهات رائعة ،لتحقيق ال�ه��دف الحقيقي م��ن نشر إن�ت��اج المثقفين السعوديين والعرب ..وعموما ،فإن الحكومة لم تَأ ُل جهدا في دعم مسيرة الفعل الثقافي، بفضل ال��دع��م السخي ال ��ذي ق��دم��ه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أطال الله في عمره
قدمت الجماعة خ�لال ع��دة أع��وام متتالية، ومنذ عام 2003م قراءات في الرواية والفكر والثقافة ،تتخذ كل عام محورا موسميا يدور حوله النقاش والتفاعل؛ ومن تلك المحاور أت��ذك��ر م�ح��ور «خ �ط��اب ال �س��رد ف��ي الرواية النسائية السعودية» ،ومحور «األنا واآلخر في اآلداب والفنون» .و«خطاب التنوير» و«حوار
الكتابة والسفر خطان متوازيان ال يلتقيان إال في الذاكرة
منها ،هي جوائز احتواء وتسيير لآلخرين... فلماذا ال نصنع جوائز عربية بأسماء الرواد العرب في اإلبداع كما نرى في جائزة نجيب < أن���ت ع��ض��و ف���ي ج��م��اع��ة ح����وار ب���ن���ادي جدة م �ح �ف��وظ م �ث�لا ،وج ��وائ ��ز أخ� ��رى ي �ك��ون لها الثقافي ،ماذا أضافت هذه الجماعة للمشهد تأثيرها العربي والعالمي ...ومن هنا أطالب الثقافي السعودي ،وم��ا أجندتها الثقافية األندية األدبية في السعودية أن تؤسس لهذا موسميا ،وشهريا ،وأسبوعيا ...وهل تنسق مع الفعل الحضاري ،وتفتح جوائزها للمبدعين نوادٍ أدبية أخرى داخل المملكة؟ في الشعر والرواية والمسرح ...مع التأكيد إن بعض األندية الثقافية اتجهت إل��ى هذا > جماعة حوار في نادي جدة الثقافي كانت وال ت��زال فاعلة ،واالنتساب إليها شرف أخللت الفعل على اس�ت�ح�ي��اء! وبعضها ل��م يواصل به مؤخرا بسبب دراساتي العليا ،فأنا جزء ذلك ..وتوقف عند منتصف الطريق! منها قبل التأسيس وبعده ،ال سيما من خالل < أعطت النوادي األدبية في المملكة العربية التغطيات اإلعالمية والتقارير الصحفية.. ال��س��ع��ودي��ة ح��رك��ي��ة م��ه��م��ة وغ��ن��ي��ة للمشهد إذ كانت في األس��اس جماعة ن��ادي القصة الثقافي السعودي ،من حيث النشر وإثراء في جمعية الثقافة والفنون في جدة ،مكونة الكتابة اإلبداعية ،أليس كذلك؟ من الدكتور حسن النعمي ،والدكتور سحمي ال �ه��اج��ري ،وع �ب��ده خ���ال ،وع �ل��ي الشدوي، > حقيقة ..إن هذا السؤال مؤلم؛ ألن المتابع وع��ائ��ض ب��ن سعيد ال�ق��رن��ي ،وك��وك�ب��ة أخرى لحركة المشهد الثقافي وحركة النشر ،يجد متألقة... تراكما ف��ي التأليف ..وال يجد ت�ج��اوزا في
94
اجلوبة -شتاء 1433هـ
جماعة حوار قدمت فعال ثقافيا مثريا ليس ع�ل��ى ال�م�س�ت��وى المحلي ف�ح�س��ب ،ب��ل على المستوى العربي أيضا ،كما كان للمشاركات < ف��ي قصصك تحتفي ب��األش��ي��اء والكائنات، والحياة اليومية ،هل هو اختيار آمنت به منذ العربية ال �ح��اض��رة ،واألس �م��اء الكبيرة في البداية؟ المشهد ال�س�ع��ودي ،أث��ر ق��وي لتحريك دور الجماعة في إيصال صوتها الذي ال يعترف > إن االنحياز إلى الثقافة الشعبية مطلب للعديد إال بالحوار ،مهما كانت التوجهات الفكرية.. من الكتاب والروائيين والشعراء منذ فجر ولعل ه��ذا هو سبب تميزها .والحديث عن التأريخ ،واالحتفاء بالمهمش والحياة اليومية الجماعة يستدعي الحديث عن الرجل الذي اح�ت�ف��اء بالمعاصرة وال�ت��أث�ي��ر االجتماعي، تحمّل أعباء كثيرة في النهوض بفكرة تأسيس واحتفاء بألم الكثيرين ،واحتفاء بالمساهمة ال �ج �م��اع��ة وت�ط�ب�ي�ق�ه��ا ع �ل��ى أرض الواقع، الفاعلة الملقاة على أكتاف المثقفين ،ولعل والمتابعات المرهقة ل�لإص��دارات التابعة هذا ليس مطلبا إلزاميا على الكتاب ،ولك ِّل للمحاور ،والتواصل اإلعالمي. موقف إبداعي طريقته في اإلظهار الفني.
م������������������واج������������������ه������������������ات
مع شخصية» ،و«عالقة المثقف بالسلطة في المجتمع العربي».
برغاس يوسا» الكاتب وال��روائ��ي والصحفي ال��ذي ف��از مؤخرا بجائزة نوبل ل�لآداب عام 2010م .وأس�م��اء أخ��رى ح��اض��رة ف��ي ذاكرة اإلعالم الثقافي.
هذه الجماعة حرّضت على العمل الثقافي ف��ي ال �ع��دي��د م��ن ال �ج �م��اع��ات األخ � ��رى في الكثير من األندية الثقافية السعودية ،فكانت ب�ح��ق م �ع �ط��اءة وم �ت��واص �ل��ة ف��ي ال �ع��دي��د من األفكار المثرية .أما سؤالك حول التواصل م��ع ج �م��اع��ات أخ� ��رى ،ف �ه��ذا ال ي�ت�ن��اف��ى مع > ال ..ب��ل ه��ي ك��ذل��ك يعز علينا اصطيادها؛ إستراتيجيات الجماعة ،والمستقبل كفيل بأن وهروبها إلى منطقة (الاليقين) يجعل منها يسجل هذا الحضور. حلما يتأبى على الواقع .أما بالنسبة الختيار < ه��ل ال��ك��ت��اب��ة الصحفية ت��ؤث��ر ع��ل��ى اإلنتاج العنوان فهو بحاجة إلى حساسية عالية من األدبي واإلبداعي للمبدع؟ ال��ذوق اإلب��داع��ي ،ولعل إبراهيم عبدالقادر
< «أغنية هاربة» عنوان مجموعتك القصصية، ل��م��اذا تهرب ه��ذه األغنية م��ن خيمة السرد والقص ،هل هي غير فَرِ حة بوضعها الحالي ل��ك��ي ت��ك��ون ف��ي وج���ه ال���غ�ل�اف؟ وه���ل تختار العنوان بعد نهاية عملك القصصي؟
ال �م��ازن��ي ذك ��ر م ��رة أن ��ه ي�ك�ت��ب ال �ق �ص��ة في ساعتين ،وي �ن��زوي يومين م��ن أج��ل اختيار العنوان.
> الصحافة منجم كبير لإلبداع ،ال سيما في جانب قسم المحليات؛ إذ يحتوي على كثير من القضايا العامة والحياة اليومية ،وقضايا المهمشين حين تكتشف لك عوالم لم تكن < ف��ي قصتك (أغ��ن��ي��ة ه��ارب��ة) ،وظ��ف��ت النص لتعرفها لوال وجودك في هذا الجزء ..واعتقد ال��ق��رآن��ي ف��ي المتخيل ال���س���ردي ،ه��ل هذا أ َّن كثيرا من المبدعين والروائيين في العالم، نوع من تخصيب لغة القصة ،وفتحها على عملوا في اإلع�لام وتألقوا فيه مثل« :ماريو مرجعيات متعددة لالستفادة منها؟
اجلوبة -شتاء 1433هـ 95
> إن االه��ت��م��ام بالنص القرآني كمرجعية لحياة الكاتب واألديب المسلم يجعله أديبا متميزا بال ش��ك ،ف��ال�ق��رآن الكريم ال ي��زال وسيظل يمدنا ب��ال�ع��دي��د م��ن ال�م�ع��ان��ي ال��رائ �ع��ة والجميلة، والقصص القرآني مادة ثرية ومعطاءة للعديد من المبدعين ،من حيث التكثيف واالختزال كما تفضلت في سؤالك.
الشاعرة العربية ما زالت تحبو فوق طريق شائك ،وأمامها الكثير من الحواجز والمعوقات.
وأن ��ا هنا لست ب�ص��دد ش��رح ال �ن��ص ،وإنما سأترك للقارئ تأمل هذا االلتقاء أو االفتراق الذي جاء في التوظيف واالستدعاء.
< «هايدغر» بلمسته السحرية يقول( :اللغة أخ��ط��ر ال ِ��نّ��عَ��م) ،أي��ن تتجلى خطورتها في نظرك؟
> هذا السؤال محرج ج��دا وددت ل��و أن��ي لم أقحم فيه .ولكن عموما هي قصة الحرية
المزعومة لحرية المرأة المثقفة في الوطن العربي ...إذ لمست من بعض الصحفيات أو الكاتبات حرية يناضلن من أجلها لسنوات، إال أنهن ال يمكثن طويال في هذا النضال.. وسرعان ما يخضعن لسلطة الحجر!! وه��ي قضية إشكالية ينبغي لمن يسلك طريقا وواع بحقوق اإلنسان، راق ٍ سليما وفق مجتمع ٍ أن يتمسك بما يراه ويسلكه ..طالما أنه حق
مشروع ومعتدل.
> بل هي أفضل النعم التي يمكن أن نحافظ على سريانها في النصوص الفنية واإلبداعية < ،ماذا يعني لك أن تكون كاتبا اآلن.؟ وهي كما يقول روالن بارت :من يمتلك اللغة > الكتابة م��زي��د م��ن األل��م ف��ي وض��ع سياسي يمتلك النص. واقتصادي واجتماعي معقد ،الكتابة هروب
ومتى امتلك المبدع اللغة، فإنه يمتلك ه��ذه المقاومة في زحزحة أل��م االغتراب، وي�س�ت�ط�ي��ع أن ي �ت��وغ��ل إلى األل��م برفق حتى ينتهي به ال��وص��ول ل��درج��ة االنتصار الذي يريده.
< تبدأ ف��ي قصتك القصيرة (م��ق��ال ال��زج��اج��ة) بسلطة ال�����زج�����اج وه���ش���اش���ت���ه في ال���ك���س���ر ،وت��ن��ت��ه��ي بسلطة ال����ح����ج����ر وص��ل��اب�����ت�����ه ،ما
96
ب��ي��ن ال��س��ل��ط��ت��ي��ن ماذا أراد ال���س���ارد ع��ب��ر هذه ال����رس����ال����ة المشفرة إيصاله للمتلقي؟
اجلوبة -شتاء 1433هـ
م��ن المحيط االجتماعي إليه م��رة أخ��رى ،فالكاتب ال بد أن
يحترق كالشمعة م��ن أج��ل أن يضيء لآلخرين سبل الرشاد. إذ ه��و ص��اح��ب رس��ال��ة وفكر يريد أن يوصلها بسالم دون أن
يزعجه أحد!
< كيف تنظر بعد هذا العمر، إلى ذكرياتك القديمة األولى مع أول قصة ،أو نص كتبته أو نشرته؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
> ن �ظ��رة اع �ت��زاز ب��أن األدوات ت�ت�ط��ور م��ن زمن آلخر ،وأن الفكر يرتقي ،وأن االهتمام بالرسالة > ال� �م ��رأة ال �ع��رب �ي��ة ج �ي��دة ح�ي�ن�م��ا ت�ك�ت��ب النص الفنية لم يكتب ليكون في طريقه قدما ونحو الشعري ...إال أنها لم تصل إلى درجة الفحولة المقدمة.. ال �ت��ي يمكن أن ن�ب��اه��ي ب�ه��ا ش �ع��راء العالم... الشاعرة العربية ما تزال تحبو فوق طريق شائك، < ه����ل ال���س���ف���ر ي��ع��ط��ي��ك م��ت��س��ع��ا أو رغ���ب���ة في وأمامها الكثير من الحواجز والمعوقات. الكتابة.؟ العربي داخل خريطة الشعر العالمي!؟
> بكل تأكيد ..حينما تعي وزارات السياحة العربية < وكيف ينظر النقد العربي إلى القصيدة التي تكتبها امرأة!؟ الموقرة في ابتعاث المثقفين واألدباء والكتاب لتحسين ص��ورة بلدانهم ل��دى ال��دول األخرى > ،ينظر لها من خلف نظارة سوداء كالتي يلبسها ول �م��زي��د م��ن ال �ت��واص��ل ال�ت��رف�ي�ه��ي والتعليمي (اللحام) الذي يلحم الحديد بالحديد خشية أن بين ال��دول الشقيقة والصديقة والتقارب بين تتضرر عيونه! الحضارات اإلنسانية... < يقول «هنري ميشونيك»« :إن مجرد التفكير في ال �س �ف��ر م �م �ت��ع ج� ��دا واس� ��أل� ��وا ال��رح��ال��ة ابن كتابة قصيدة يكفي لقتلها» .إلى أي مدى هذا بطوطة؟! الحكم يكون صحيحا بالنسبة لك؟ ُ
الكتابة والسفر خطان متوازيان ال يلتقيان إال في ال��ذاك��رة؛ ألن المبدع الحقيقي في أغلب األح �ي��ان ال يحب أن يعكر ال �ص��ورة بالكتابة، فيرجئها إلى وقت آخ��ر؛ إذ تبقى في الذاكرة تنتظر «لحظة الصفر» .إال أن هذه اللحظة ربما تحضر في أضيق األوقات في السفر؛ لتقترب من القلم وتبحث عن ورقة وتكتب ذاتها! وهذا ما فعله بعض الكتاب والشعراء في ذكرياتهم وسيرهم الذاتية...
أق��ول ه ��ذا ..ألن الكتابة تتغذى م��ن السفر، والكاتب ال يلجأ إلى السفر إال ألمرين:
أولهما :الهروب من عالم الكتابة.
وثانيهما :البحث ع��ن أف �ك��ار ج��دي��دة وعوالم مختلفة عما هو فيه. < كيف تنظرون إلى القصيدة النسائية في العالم
> ال أع��رف ال�ق��ائ��ل وال المقولة .أع��رف علماء العرب الذين علموا الغربيين وغيرهم أن الشعر العربي ديوان العرب .إذ يقول أحدهم :الشعر صناعة .فلو عدنا إل��ى تراثنا العربي القديم على مستوى اإلبداع والنقد ،لرأينا الشعراء في العصر الجاهلي يطيلون التفكير في القصيدة، ويمكثون عاما من التفكير :كالذي ك��ان يقوم ب��ه زه�ي��ر ،والحطيئة ،وك�ع��ب ،وأوس ب��ن حجر قبلهم ..مدرسة الصنعة ...ونجد حركة شعراء البديع كبشار ومسلم بن الوليد وأبي تمام يعتنون بالقصائد الجميلة.
ال أق��ول هذا تعصبا ونفيا لآلخر بقدر ما هو اعتزاز بما قدمه أسالفنا من نظرات نقدية، تكفي ألن نؤسس المدونات النقدية ،ونحيي الوعي الكتابي والشفاهي ال��ذي كانوا يسعون لتأكيده من زمن آلخر.
* شاعر وناقد من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 97
الشاعر أحمد البوق لـ(اجلوبة):
أكتب أحيانا االستطالعات المصورة وال يفاجئني أن يتنفس الشعر في ثناياها للكلمات أجنحة تحلق بها في سماء الشعر ،وهي تتجدد على مشارف القصيدة بعض الجوائز الشعرية العربية بحاجة إلى إعادة نظر
> حاوره عمر بوقاسم*
الشاعر أحمد إبراهيم البوق ،صافح القارئ بثالث مجموعات شعرية« ،أحاميم»، «منكسر باعتداد»« ،جنة» ..يؤمن بتوثيق التجربة الشعرية ،ويبتعد عن االختيارات العشوائية ،وفضاء الشعر يتصدر اهتماماته .يقول« :أي شكل للكتابة يقصده الشاعر غير القصيدة أشبه بطيور تتعلم الطيران ،تنجح أحيانا وتخفق أحيانا أخرى ،ولكن الشعر المالذ األخير لكلمات الشاعر» ..معه كان لنا هذا الحوار.. < م��ا ج��دي��دك ب��ع��د أن س��ب��ق وأن صافحت < م��ا ال��ف��ض��اء ال���ذي يستوعب كلمتك بعد الساحة الشعرية بثالث إصدارات( :أحاميم الشعر؟ 1994م) ،و(منكسر باعتداد 2003م) ،و(جنة > للكلمات أجنحة تحلق بها في سماء الشعر، 2007م) .وكيف تميز جديدك؟ تتجدد الكلمات على م�ش��ارف القصيدة، > مجموعاتي الشعرية الثالث أفضى بعضها إل��ى ب �ع��ض ،ول� ��ديّ ال�ع��دي��د م��ن القصائد ال �م �ن �ش��ورة وغ �ي��ر ال �م �ن �ش��ورة -ب �ع��د هذه الدواوين -مجموعها يكفي إلصدار ديوان ج��دي��د ،ول�ك��ن تشكيل دي ��وان ليس مجرد تجميع للقصائد كما تعلم .فتجربة الديوان األخ �ي��ر (ج �ن��ة) ال��ذي ص��در ع��ام 2007م، كانت النصوص فيه متماسكة فنيا ولغويا وش�ع��وري��ا ،ويشكّل ف��ي مجمله مرحلة في تجربتي الشعرية ،والعمل الجديد ال بد أن يكون تجربة أفضت إليها التجارب السابقة، ومالمح هذه التجربة تشكلت إلى حد بعيد. أم��ا م��ا يميز ال�ج��دي��د فهو ره��ن التجربة وليس اإلنتاج.
98
اجلوبة -شتاء 1433هـ
وتتناسل في تخومها ،وتتخلق لغة جديدة كلما ذاب ق�ل��ب ال�ش��اع��ر وب �ع��ث ف��ي أتون ال�ن��ص ،أي شكل للكتابة يقصده الشاعر غير القصيدة أشبه بطيور تتعلم الطيران، تنجح أحيانا وتخفق أحيانا أخ��رى ،ولكن الشعر المالذ األخير لكلمات الشاعر .أكتب أحيانا االستطالعات ال�م�ص��ورة ،وكذلك المقالة ،وال يفاجئني أن يتنفس الشعر في ثناياها ،وك��ان ل��ديّ عامود أسبوعي تنقل بين صحيفتي عكاظ والبالد لعدة سنوات، وقمت بتجميع معظم المقاالت في زاوية (خ�ي��ر ي��ا ط�ي��ر) ف��ي ك�ت��اب حمل المسمى نفسه ..صدر عن دار شرقيات في القاهرة عام 2007م.
> المقاالت التي كتبتها ليست ذات طابع آني ،ربما تتميز لغة معظمها بالنفس الشعري ،والتي جاءت في أح��داث كتبت بأسلوب أق��رب للطابع األدبي، ل��ذل��ك ق�م��ت بجمعها وتنقيحها وط�ب��اع�ت�ه��ا في كتاب. < كنت ضيفا في برنامج (أربعة على الخط) على التلفزيون ال��س��ع��ودي القناة الثانية ،أذك���ر أنك الشاعر أحمد البوق ذك��رت اس��م (فيصل ب��ن ع���واد) ،وأن��ه ك��ان صاحب الشرارة األولى لدخولك عالم الشعر .هل لك أن > م�ن��ذ ال�ع�ص��ر ال�ج��اه�ل��ي ،واإلل��ق��اء منبر الشعر، ال�ج�م�ه��ور ال ��ذي يسمع ال�ق�ص�ي��دة يحفظ شكل تسرد علينا شيئا من ذاكرتك في هذا االتجاه؟ الشاعر وحركاته ..ويتشرب صوته ،أين ارتفعت > فيصل بن ع��واد ..كان صديقا لوالدي يرحمهما ن �ب��رة ص��وت��ه ،وأي� ��ن ان �خ �ف �ض��ت ،وأي الكلمات الله ،وكان يحب إلقاء الشعر ومساعه ،وكان يطلب المبحوحة ج��اءت همسا ،وف��ي أي بيت أو سطر مني ذلك ،ويكافئني على القصيدة التي تعجبه بأن اغرورقت عيناه ،فاإللقاء يوصل المعنى أو يشتته، يقوم -نيابة عني -ببعض األعمال التي يكلفني بها إذا ك��ان الشاعر يلقي نصوصه منبريا ،أو على والدي ،وكنت كطفل أسعد بذلك ،رغم أن معظم مجموعة متلقين بأي وسيلة ،فإن اإللقاء شرط م��ا أسمعه م��ن محفوظاتي م��ن الشعر العربي. أساسي إليصال النص ،أم��ا إذا اعتمد على أن وع�ل��ى بساطة ال��رج��ل ال�ش��دي��دة ،إال أن إصغاءه يقرأ فقط ..فربما ليس ضروريا .ولكنني أعتقد ك��ان موحيا ،ويطلب من اآلخرين أن يسكتوا كي شخصيا أن تجويد اإللقاء يعمق المعنى إلذكاء نار ي�ت�ف��رغ ل�س�م��اع ال�ق�ص�ي��دة ،ول��دي��ه ذائ �ق��ة فطرية النص ،أو لتوليد نصوص جديدة ،ومن هنا يكون عالية ،أذكر حين يطلب أن أُسمعه قصيدة يتخير اإللقاء مهما للشاعر والمتلقي ،أنا أتغنى بإلقاء وقتا ومكانا هادئا ..رغم ضجيج السوق ،ينصت الشعر في أسفاري الكثيرة وحيدا ،اإللقاء أشبه بطريقة عجيبة ،يغمض عينيه ،ويضع رأسه بين بالغناء ..يجعلك تتمتع بالمعنى. كفيه ،وقتها أشعر أنه بدأ بالتحليق مع القصيدة، وع�ن��د نهايتها يفتح عينيه ،وي��رف��ع رأس��ه لتبدأ < هل وصل النقاد لقصيدتك؟ وهل تخشى ذلك؟ عبارات اإلط��راء ،وغالبا ما يطلب إعادة إلقائها > ،القصيدة ال�ج�ي��دة تصل لكل ال�ن��اس بمستويات وأعرف من نبرة صوته وثنائه على القصيدة أنه م�ت�ف��اوت��ة ،وال يمكن لريشة ال�ن��اق��د –مهما كان سيطلب سماعها في وقت آخ��ر ،الشعر أع� ّز من حاذقا– أن تُجمِّل نصا قبيحا ،والنقد المتمكن أن يلقى دون طلب ،ولتلقي الشعر آداب ال يتقنها إب��داع في اإلب��داع .في بعض األمسيات الشعرية إال محبوه ،هذا التلقي الراقي كان سببا في إذكاء والجلسات الخاصة ،تأتيك آراء مهمة من نقاد ،أو جذوة الشعر ،أظن أن الشاعر طفال كان أو كهال من عموم المتلقين .وهناك العديد من الدراسات يحتاج إلى هذا الشكل من الرعاية .كشجرة تحتاج عن قصائدي من نقاد أعتز بنقدهم ،كالدكتور إلى من يقصد ظلها. حافظ المغربي ،والدكتور عالي القرشي ،والدكتور < أنت تتمتع بملكة اإللقاء وبطريقة مميزة ،هل تضع اإللقاء شرط ًا يجب أن يحضر في صوت الشاعر؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
< ما سر إصدارك لهذا الكتاب؟
يوسف العارف ،والشاعرة والناقدة فاطمة ناعوت، وأعزاء ال تحضرني أسماؤهم اآلن ،وقبلهم جميعا
اجلوبة -شتاء 1433هـ 99
تكريما لنص هو تتويج لتجربة شعرية ثرية ،لم يطلب أحد من الثبيتي أن يكتب هذا النص ،ولم يفكر أصال للمشاركة به في أي جائزة ،كتبه في سياق تجربته اإلبداعية ،وحاز على اإلعجاب .منذ العصر الجاهلي والقصائد تبدع أوال ثم تقيم في سياق تجربتها ،وحتى جائزة نوبل األخيرة التي منحت للشاعر السويدي توماس ترانسترومر.
رأي الدكتور عبدالله الغذامي منذ األمسية اليتيمة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ،عندما كنت طالبا ف��ي ال�ج��ام�ع��ة .وبطبيعة ال �ح��ال ق��د يكون النقد قراءات متعددة للنصوص ،ما يثري الشاعر والمتلقي معا .وال يمكن للمبدع أن يخشى النقد إن كان بنّاءً .أما ما عدا ذلك فزبد يذهب جفاء. < كيف تقيّم الساحة الشعرية السعودية مقارنة بالساحات الشعرية العربية؟
< الصحافة جذبت الكثير من األسماء اإلبداعية، ألم تكن مغرية لك؟ ولماذا؟
> زمن المركز واألط��راف في اإلب��داع انتهى ،بعض التجارب الشعرية السعودية أكثر تجليا من الكثير من مثيالتها العربية ،من محمد العلي ،ومحمد الثبيتي ،وع�ل��ي الدميني ،وعبدالله الصيخان، ومحمد الحربي ،وعبدالله الزيد ،وعلي بافقيه، وعبدالله باهيثم ،وأشجان هندي ،وقائمة طويلة م��ن ال �ش �ع��راء وال �ش��اع��رات ال�م�ب��دع�ي��ن .حضور الشعراء السعوديين عربيا ..اتسم معظمه بالتميز، كما أن حضور الشعراء العرب في الجنادرية وسوق عكاظ أضفى غنى للمشهد الشعري العربي .مع ثورة االتصاالت واإلنترنت لم يعد للشعر ساحات بقدر ما أصبح للشعر العربي ساحة واحدة تضم كل شعرائه المتميزين.
مضن، ٍ > الصحافة طاحونة المبدعين ،إنها عمل يستهلك وقتك ..والمبدع بحاجة للتأمل ،ومسافة ليرى األشياء بكلياتها ،ثم ينتقي التفاصيل ،ال أن تفرض عليه .ولكن بعض المبدعين استطاعوا أن يخلقوا هذا التوازن ،وأبدعوا كصحافيين كما هم مبدعين أصال ،بل إن بعضهم تجاوز ذلك لتوظيف العمل الصحافي لخدمة القضايا اإلبداعية ،أو انعكس إبداعهم على العمل الصحافي وطوره.
< من المالحظ أن من يحصد الجوائز ،ويصل إلى ساللم التكريم ..هم من أنصاف الشعراء وأنصاف المبدعين ،ماذا تقول في ذلك؟
عملي في البحث الفطري يشغل الكثير من وقتي، ويعطيني فرصة للتأمل من خالل الرحالت البرية، ومراقبة الكائنات الفطرية ،حقيقة ..من الصعب في ظرفي العملي إيجاد وقت لذلك ،أشرفت على إصدار خمسة أعداد فصلية لمجلة (الوضيحي)، التي تصدرها الهيئة السعودية للحياة الفطرية، كنائب لرئيس التحرير التنفيذي ،وك��ان��ت تلك التجربة ثرية إلى أبعد الحدود ،ولكنها أخذتني بعيدا عن البحث العلمي ،ربما في المستقبل.. سيكون العمل في الصحافة العلمية خيارا مغريا لوضع عصا الترحال.
> بعض الجوائز الشعرية العربية بحاجة إلى إعادة نظر ،فمن غير المقبول – إبداعيا على أقل تقدير- أن تحدد لجنة جائزة شعرية موضوع القصيدة وعدد أبياتها وإطارها العام ..وكأن الشاعر ترزي، ث��م تمنح ه��ذا النظم ج��وائ��ز م��ادي��ة عالية ،على < م��ا المواقع التي تنصح المثقف بزيارتها على شبكة اإلنترنت؟ التقييم أن يركز على التجربة ،وليس على النص، أو نص في سياق التجربة ..ومنح الجوائز على > شبكة اإلن �ت��رن��ت ب�ح��ر م�ت�لاط��م م��ن المعلومات مجمل األعمال ،أو كدواوين ،أنفع للشعر والشعراء وال��م��واق��ع ،ال �م �ه��م ال �ب �ح��ث ع��ن م��واق��ع موثوقة وجمهور المتلقين .سأضرب لك مثاال :إن منح للحصول على معلومات أو للمشاركة ،أو مواقع تتبع الشاعر محمد الثبيتي جائزة أفضل قصيدة عن مؤسسات أو أفراد لهم مرجعيتهم ومصداقيتهم، وما عدا ذلك هدر للوقت. (موقف الرمال موقف الجناس) في الجزائر كان 100اجلوبة -شتاء 1433هـ
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
سيرة ..وإبداع
معالي الدكتور عبدالواحد بن خالد احلميد > بقلم :احملرر الثقافي
يمثل معالي الدكتور عبدالواحد الحميد أسطورة ثقافية وعلمية ،امتزج امتزاجا إلنسان ورم ِ��ل ه��ذا ال��وط ِ��ن ،وجبالهِ وسهولهِ ِ وثيقا بوطنه؛ فهو أشبه بأغنية وطنية وشواطئهِ على حد سواء ،ال يمكن نسيانها أو االستغناء عنها ،نتذكرها في كل المواقف و المشاهد. ظل د .الحميد محاربا يحمل الوطن في وجدانه وأفعاله ،يشغله الهمّ العام ..متنقال من جامعة البترول والمعادن بالظهران ،وصوال إلى مقاالته الفكرية التي بدأها بمجلة إقرأ ،وأضاءت صحف اليوم وعكاظ والرياض والجزيرة ،وانتهاء بمسئولياته التي تقلدها في مجلس الشورى ،ومجلس القوى العاملة ،ووزارة العمل ،و لجان العمل الوطنية التي شارك ويشارك فيها.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 101
عندما تجلس معه ،وتستمع إليه ..ستحار فيه
دراسته ،فابتُعِ ث إلى الواليات المتحدة األمريكية
مبدعا و مثقفا موسوعيا ،تحيلك ثقافته الواسعة ليحصل فيها على درجة الدكتوراه في االقتصاد إلى روائي إن تحدث في الرواية ..وإلى سياسي
من جامعة ويسكانسون /ميلواكي .عام 1404هـ
في مجال السياسة ،وإلى قاص إذا تحدث في 1984م .ليعود إلى وطنه مكلال بالنجاح والفالح، القصة ،وناقد إذا تحدث في النقد ،وصحفي جاهزا للعطاء في بلد العطاء والبناء والنماء.
إذا تحدث ف��ي الصحافة ،وخبير إستراتيجي أو اقتصادي إذا تحدث في اإلستراتيجيات أو االقتصاد ،فهو موسوعة علمية ثقافية يزينها التواضع والحكمة. تمث ُل سيرته العلمية والعملية نموذجاً مضيئاً،
رج���������ل إذا ع�������ز ال��������رج��������ال وج�����دت�����ه ق����م����را م��ش��ـ��ـ��ـ��ع��ا ت���ش���ه���د األجي ـ ــال أن�������ى ي���ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ون ف���ف���ع���ل���ـ���ـ���ـ���ه متميز وه������و ال���س���ك���وت وت���ن���ط���ق األف������ع������ال
()1
فهو شخصية طموحة تميزت بالجد والعطاء خبرته العملية وال �ب �ن��اء ،ل�ه��ا بصمتها األك��ادي �م �ي��ة والوظيفية واإلعالمية..
شغل عدة مناصب ..كان آخرها نائبا لوزير العمل حتى أحيل على التقاعد عام 2011م بناء
ولد في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف شمالي على طلبه.
المملكة العربية السعودية.نشأ وت��رع��رع في ربوعها ،وتتلمذ في مدارسها ،حتى حصل على
وقد شغل منصب:
الثانوية العامة ،ي��وم أن ع �زّت ال�ش�ه��ادات على
< نائب وزير العمل.
طالبيها.
< وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير.
انتقل بعدها إل��ى مدينة ج��دة للدراسة في ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ع��زي��ز ،وال �ح �ص��ول على ال �ب �ك��ال��وري��وس ،ح�ي��ث ك��ان��ت ج ��دة ت�ع��ج آنذاك بالحركة الثقافية والدبلوماسية ،وأثناء ذلك.. عمل في مجلة «إقرأ» مع الدكتور عبدالله مناع. ولطموحه ال�م�ت��زاي��د ،ونظرته المستقبلية الوقادة ،لم تشغله الوظائف أو تثنه عن استكمال 102اجلوبة -شتاء 1433هـ
< م��دي��ر ص �ن��دوق تنمية ال��م��وارد البشرية المكلف. < أمين عام مجلس القوى العاملة. < عضو مجلس الشورى. < عضو هيئة ت��دري��س جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
< نائب رئيس تحرير جريدة اليوم. < رئ�ي��س ت�ح��ري��ر مجلة االق �ت �ص��اد ،ومجلة سعودي كوميرس اإلنجليزية. < كاتب عامود يومي بجريدة اليوم. < ثم كاتب عامود يومي بجريدة عكاظ. < ثم كاتب عامود يومي بجريدة الرياض. < يكتب حالياً عاموداً صحفياً بعنوان (على وجه التحديد) في الصفحة السابعة من ج��ري��دة ال �ج��زي��رة أي ��ام ال�س�ب��ت واالثنين واألربعاء.
أم��ا عن أنشطته ..فمتعددة ومتنوعة تمثلت في: < ع�ض��و م�ج�ل��س إدارة ال�م��ؤس�س��ة العامة للتأمينات االجتماعية. < ع��ض��و م �ج �ل��س إدارة ال �ه �ي �ئ��ة العامة
على التعليم هو استثمار في رأس المال البشري، وأن العائد من هذا االستثمار يفوق العائد من االستثمار في إقامة المصانع واآلالت ،مشيراً إل ��ى أن ال�م�ش�ك�ل��ة ت�ت�م�ث� ُل ف��ي أن ال �ع��ائ��د من االستثمار في رأس المال البشري ال يتحقق –
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
أما إعالميا ..فقد شغل منصب:
وفيه يؤكد الدكتور الحميد على أن اإلنفاق
في الغالب – إال في المدى الطويل؛ األمر الذي ي��ؤدي في بعض األحيان إلى «تأجيل» التوسع في اإلن�ف��اق على التعليم ،بسبب االحتياجات االجتماعية الملحّ ة التي يصعب على الحكومات تأجيل مواجهتها .وحذر الحميد من أن ضعف االستثمار البشري يؤدي إلى آثار سلبية وخيمة على األم��ة ،وليس على الفرد وح��ده ،ما يحتم دعم الحكومات لهذا النوع من االستثمار ،بسبب «العائد االجتماعي» المرتفع ،ومن أجل إعادة ال�ت��وازن بين «التكلفة الفردية» التي يتكبدها ال�ف��رد ،و«التكلفة االجتماعية» التي يتحملها
لالستثمار. < عضو اللجنة التحضيرية للمجلس األعلى لشؤون البترول والمعادن. < رئيس هيئة النشر بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية.
مؤلفاته: -1اقتصاديات التعليم :استثمار في أمة. -2السعودة أو ..الطوفان.
اقتصاديات التعليم :استثمار في أمة
اجلوبة -شتاء 1433هـ 103
المجتمع. وأكد الحميد في كتابة على أن التعليم الناجح يقوم على الكيفية والنوعية ،وأن االرتكاز على واع الكم في العملية التعليمية لن يقودَنا إلى جيل ٍ ومبتكر .وقد ركز في نهاية كتابه على الجانب التطبيقي ،حيث تضمن دراسة تطبيقية على تعليم البنين العام في المملكة العربية السعودية.
السعودة أو ..الطوفان ي�ط��رح ال�ك�ت��اب قضية أس��اس�ي��ة م��ن قضايا ال��وط��ن ،رب�م��ا ع��دّ ه��ا بعض المتخصصين في ال �ظ��روف ال��راه�ن��ة قضيته األول ��ى حسب قول الدكتور غ��ازي القصيبي ،وزي��ر العمل السابق
حينما و ّق��ع عليه ..بعد أن ق��رأهُ أكثر من مرّة: «يجب أن يقرأه كل مواطن حريص على مستقبل
-يرحمه الله -في تقديمه للكتاب .الموضوع
هذا الوطن ،أمّا المعنيون بشؤون العمل فيجب
يتعلق بمقارنة عجيبة :وجود الماليين من العمالة
أن يقرأوه أكثر من مرّة».
الوافدة ،في الوقت الذي ال يجد فيه أكثر من ( )300ألف مواطن فرصا للعمل! ويستعرض الدكتور الحميد جذور المشكلة بأسلوب علمي س �ه��ل ..م�ت��درج��ا م��ن أي ��ام ال�ط�ف��رة إل��ى وقتنا ال��راه��ن .كما يقترح الحلول العملية الواقعية
وق��ال عنه الكاتب عبدالحميد العمري في جريدة االقتصادية« :أصدْقكم القول إن هناك الكثير من األفكار والمشاعر الفريدة تنتظركم خاص ًة ّ عند االنتهاء من قراءة هذا الكتاب القيّم،
بمعالجة ماهرة ،ويلحظ القارئ النفس الهادئ
عندما يصل القارئ إلى أقوى وأقسى المشاهد
للمؤلف في طرحه لهذه القضية الشائكة ،التي
الدراماتيكية للكتاب؛ إنها مجموعة من الصور
عانى ويعاني منها العديد من بلدان العالم.
المفزعة لطوفان العمالة الوافدة في الشوارع
ق��ال عنه د .غ��ازي القصيبي -يرحمه الله- ( )1للشاعر محمود الرمحي -سكاكا.
104اجلوبة -شتاء 1433هـ
واألسواق المحلية!».
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
اجلهيمان ملك الأ�ساطري ال�شعبية يغني املكتبة العربية ويرحل بعد قرن من الزمن > شمس علي*
بعدما أغنى المكتبة العربية بالعديد من الكتب والمؤلفات التي تعنى بأدب الرسائل والرحالت والموروث الشعبي في منطقة الخليج ،غادر إلى جوار ربه الكاتب الموسوعي الكبير ،عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان في السابع من محرم عام1433هـ ،عن عمر ناهز المئة سنة؛ وكأن روحه التي طالما شغفت وهامت بالتراث ،وعكفت عقودا على جمعه وتدوينه من دون كلل أو ملل ،آثرت بذلك إال أن تشتم نسائم العام الهجري الجديد قبل أن تركب مطية الرحيل وتفد إلى بارئها.
والدته ونشأته ولد األدي��ب الراحل نحو عام 1332هـ ف��ي ب �ل��دة غسلة ب��ال �ق��رائ��ن ،وع ��اش حياة
أظفاره ،ورغم انفصال والديه أثناء طفولته ال �م �ب �ك��رة ..إال أن ��ه ح�ظ��ي ب�ح�ي��اة أسرية هانئة ،عاشها مشاطرة بين كنف كل من
مفعمة ب��ال�ح�ي��وي��ة وال �ن �ش��اط م�ن��ذ نعومة أسرة أمه وأسرة وال��ده .تمتع في طفولته
اجلوبة -شتاء 1433هـ 105
ب�ح��س ال�م�غ��ام��رة ،إذ ل��م ي�ك��ن ي �ت��ردد ف��ي تسلق نخلة شاهقة ،أو ن��زول بئر عميق ،أو اإلنطالق مع رفاقه بين األحراش لمطاردة حمامة ضالة، أو صيد حيوان صغير شارد ،ما ساعد في بناء شخصيته المستقلة ،وتنمية مداركه وخياله.
جانب من ثلوثية الجهيمان
الجهيمان يتسلم درع مجلة الدرعية
جانب من تكريم األديب عبدالكريم الجهيمان
تكريم الراحل بثقافة الدمام
106اجلوبة -شتاء 1433هـ
تلقى تعليمه األولي كغيره من أبناء جيله في الكتاتيب ،متعلما مبادئ القراءة والكتابة ،ويقول حول الوسائل التي كانوا يعتمدونها في التعليم: «كنا نتعلم القراءة والكتابة على رمالنا النقية، وكنا نصنع أل��واح�اً عريضة تنوب عن األوراق، وكنا نطلي ه��ذه األل ��واح ب�م��ادة جيرية نسميها (الصالوخ)؛ أي القطع التي تنسلخ من الجبل، فنطلي بها األلواح ونكتب عليها ،فإذا حفظنا ما كتب عليها ،محوناه مع الطبقة الجيرية التي طلينا بها األلواح ،ثم نعيد عجنه وطبخه ،حتى ينعقد، ثم نعمل منه أقراصاً نجففها ،ثم نستعملها في الدواة ،والدواة زجاجة ترد إلينا من الخارج ،وقد يكون فيها دواء وقد يكون فيها مادة أخرى»(.)1 وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره ،غادر بلدته إلى مدينة الرياض التي مكث فيها عامين ،درس خاللهما -على يد مشايخها -بعض مبادئ العلوم الدينية والعربية ،بيد أنه ما لبث أن غادرها هي األخرى ،موليا وجهه شطر مكة المكرمة ،وفيها التحق جنديا بسلك الهجانة ،وكان مقرها قلعة أجياد ،ولم يمض فيها أكثر من عام واحد حتى عزم على االلتحاق بركب الدراسة في المعهد العلمي السعودي الذي أمضى فيه ثالثة أعوام، وبعد تخرجه منه ،انخرط في سلك التعليم. ع���اش ف��ي م �ك��ة ن �ح��و خ�م�س��ة ع �ش��ر عاما، أمضاها بين ال��دراس��ة والتدريس ،ثم ع��اد إلى الرياض فترة قصيرة من الزمن ،وتوجه بعدها
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
إل��ى المنطقة ال�ش��رق�ي��ة ..وت��ول��ى فيها رئاسة شركة (مطابع الخط للطباعة والنشر) ،التي كان يمتلكها صديقه عبدالله الملحوق ،وكانت أول شركة للطباعة تنشأ في مدينة الدمام. يعد الجهيمان أول م��ن أن�ش��أ صحيفة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، عرفت بـ«أخبار الظهران» ،وتولى رئاسة تحريرها، وكانت صحيفة نصف شهرية ،وذلك عقب انتقاله للسكن في مدينة الظهران ،كما أنشأ في وقت الح��ق مجلة «المالية واإلق�ت�ص��اد» .عمل مديرا للتفتيش اإلداري في وزارة المعارف ،وبعد إحالته إلى التقاعد ،تفرغ للتأليف والكتابة في الصحف، وكتب خالل تلك الفترة جملة من المؤلفات في التراث الشعبي ،وأدب المقالة ،وأدب الرسائل، وأدب المذكرات ،وبعض من الشعر.
نمو بذرة حب الحكايا في نفسه
فقيد الثقافة يدشن موقعه اإللكتروني
الشيخ عبدالكريم الجهيمان مع الفنانين ناصر القصبي وعبدالله السدحان
نمت بذرة حب الحكايا واألساطير الشعبية في نفس الجهيمان منذ حداثة سنه ،حيث كانت جدته ألمه تُنيِّمه ليال على حكاياها ،في حين كان يسليه والده بسرد القصص عندما يصحبه لإلحتطاب في البراري. الشيخ الجهيمان والشيخ يوسف القرضاوي
اجلوبة -شتاء 1433هـ 107
مؤلفاته تعد موسوعته“ :أساطير شعبية م��ن قلب جزيرة العرب” التي أخرجها في خمسة مجلدات، من أه��م ما زود به المكتبة العربية في مجال األدب الشعبي ،بسبب ما تتضمنه من أساطير وحكايات شعبية ،تصور الحياة االجتماعية في شبه ال�ج��زي��رة العربية ،وم��ا س��اده��ا م��ن أفكار ومفاهيم ومعتقدات شعبية ..بأسلوب يزخر بالخيال وعذوبة القص .إضافة إلى «موسوعة األمثال الشعبية» في عشرة أج��زاء ،وتضم نحو ع�ش��رة آالف م�ث��ل ،وق��د أم�ض��ى ف��ي جمع مادة الكتابين نحو عقدين من الزمن ،وكثيرا ما صرح الجهيمان بأنه يعد الموروث الشعبي أكثر دقة من التاريخ المكتوب في تدوين الحياة اإلجتماعية، صورة قديمة مؤكدا بأنه يحوي تاريخنا الصحيح فيقول« :أما للجهيمان مع األس��اط�ي��ر واألم �ث��ال فإنها ف��ي ن�ظ��ري أدق من صديقه حمد الجاسر التاريخ المكتوب في رسم الحياة االجتماعية، صور للجهيمان في فلكي نتعرف على تاريخ بلد ،ولكي نكوِّن عنه شبابه صورة وافية ،فلن تجد أدق وأصدق من األمثال التي هي زبدة تجارب ذلك المجتمع ،وال أقرب من األساطير التي هي فضاء خياله الرحب وأفق تطلعاته»(.)2 كما أن له عدة مؤلفات أخ��رى منها« :دخان ول�ه��ب» ،مجموعة مقاالت نشرها في صحيفة أخ �ب��ار ال �ظ �ه��ران ،و«أي� ��ن ال �ط��ري��ق» ،مجموعة م�ق��االت نشرها ف��ي مجلة اليمامة ،و«أحاديث وأح��داث» مقاالت نشرها في صحف متفرقة، و«آراء فرد من الشعب» مقاالت نشرها في مجلة القصيم ،وجميعها تشتمل على نقد اجتماعي، كما أص��در كتاب «رسائل لها تاريخ» يضم عدة رسائل من أدباء وشعراء ومسؤولين وإخوان ،كتب 108اجلوبة -شتاء 1433هـ
وك�ت��ب الجهيمان للطفل ال�ع��رب��ي سلسلتين من القصص ،األول��ى بعنوان «مكتبة الطفل في الجزيرة العربية» ،فيما تحمل السلسلة الثانية اس��م «مكتبة أش�ب��ال ال �ع��رب» ،وت�ح��وي كلتاهما عشر قصص ،وتهدف -حسب قوله -إلى معرفة الطفل ..وتنمية مداركه ،موضحا أنها تأتي على ألسنة الحيوانات ،وتحمل شيئا م��ن الخيال.. ترغيبا للطفل في القراءة .ولم يغفل الجهيمان ع��ن ت��دوي��ن ذك ��ري ��ات رح �ل �ت��ه إل ��ى ب��اري��س عام 1370ه��ـ ،التي استمرت ستة أشهر ،وأخرجها في كتاب بعنوان «ذكريات في باريس» ،وله كتاب «دورة مع الشمس» ،تحدث فيه عن رحلة له عام 1390ه� �ـ ،ب��دأت م��ن ال��ري��اض م��رورا بلندن ،ثم أمريكا ،فطوكيو فالصين وانتهاء بالرياض. وهذه حكاية مختارة من كتاب أساطـيـر شعـبيـ ّة من قلب جزيرة العرب:
فتاة بدوية تُ َجن ..وحضري يقرأ عليها كانت إح��دى قبائل البدو قد ضربت بيوتها حول بلدة البكيريه سنة من السنوات صيفاً ،وفي ذات ليلة صرعت ابنة شيخهم ،صرعها الجن، فذهب واح��د من أبناء عمها يبحث عن قارىء يقرأ عليها القرآن ليخرج الجن من الفتاة .ودار ال �ب��دوي ف��ي ال �ب �ل��دة ..وك�ل�م��ا ط�ل��ب م��ن شخص القيام بهذه المهمة اعتذر ..حتى اعتذر له عدة أش �خ��اص ..وأخ �ي��راً وج��د شخصاً ولكنه غير قارىء ..وال فقيه ..وإنما هو عامي ذكي ..فقال أنا أقرأ عليها ولكن بأجر ..فقال البدوي أطلب.. وطلب الحضري أن يُعطى إذا شفيت الفتاة ناقة
ذهب االثنان حتى جاءا تلك الفتاة ،فإذا هي ت�ض��رب نفسها ،وتصيح ص�ي��اح�اً م�ن�ك��راً ،ولها تصرفات ش��اذة وغريبة ..وإذا هي فتاة جميلة فائقة الجمال ...فقال الحضري احجبوا البيت ال حتى ال يحس علي وع�ل�ي�ه��ا ..واب �ت��عِ ��دوا قلي ً الجني بوجودكم حولي ،فإني أريد أن أكلمه... وأن أع��رف أهله وبلده وأس ��راره ..ف��إذا عرفت ذلك سهل إخراجه ..وحُ جب البيت على الفتاة البدويه وعلى القارىء الحضري.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
بعضها بخط اليد ،فيما بعضها اآلخر كتب على يختارها بنفسة من بين اإلب��ل ..وواف��ق البدوي على طلبه.. اآللة الكاتبة لكنها مذيلة بتواقيع.
وق ��ال ال�ح�ض��ري للجني :إن��ي أهنئك على حسن اختيارك ،وأنا لم آت هنا ألقرأ عليك ،أو ألضايقك أو ألناقشك على اختيار فتاة جميلة، وإنما جئت آلخذ أجرتي فقط ..وال��ذي أريده منك أن تخرج منها لفترة من األيام حتى آخذ الناقة وأتصرف فيها ،ثم بعد ذلك أنت وشأنك مع هذه الفتاة ..وتكلم الجني فقال :أنت ألطف حضري صادفتة في حياتي ،ولهذا فأنا إكراماً ل��ك ..ورع��اي��ة لمصلحتك ،س��وف أخ��رج منها وأتركها لمدة أس�ب��وع ث��م أع��ود إليها ..واتفق االثنان على ذلك ،وغرزت الفتاة أصابع رجليها في األرض ،ثم تحركت عدة حركات عنيفة ..ثم هدات قليالً .وبعد ذلك رفعت رأسها ..كأنما
اجلوبة -شتاء 1433هـ 109
أتكفل بضمانها مدى حياتها ،وتشاجر االثنان.. وأخ��ي��راً ات�ف�ق��ا ع�ل��ى أن ي��ذه�ب��ا إل��ى القاضي ويحتكما إليه ...ذهبا إليه ،وجلسا أمامه ،وأدلى البدوي بحجته ،وطالب بأن يقرأ الحضري على الفتاة حتى تشفى أو يعيد الناقة التي أخذها. وقال الحضري :يا فضيلة الشيخ ،لقد اتفقت في زيارة لألديب الراحل عبدالعزيز مشري
معهم على أن أقرأ على الفتاة حتى تشفى بناقة ال حتى شفيت من إبلهم ،وقد قرأت عليها فع ً وسلمتها إليهم سليمة بكامل قواها العقلية ،وقد عاهدني الجني بأن ال يعود إليها ،وقد بقيت ال وه��ي تتمتع بصحة جيدة ..ثم أسبوعاً كام ً صرعت ..وتعلم يا فضيلة القاضي أن الجن أكثر من اإلنس ..وأنا لم أعطهم ضمانة عامة
جثمان الفقيد خالل نقله من جامع الراجحي
استيقظت م��ن س�ب��ات عميق ..ف��أخ��ذ الرجل
بيدها ..وخرج بها إلى أهلها تمشي سليمة كما كانت قبل حدوث ما حدث.
ف��رح أه��ل الفتاة بهذه النتيجة السريعة..
وتركوا الحضري يذهب إلى اإلبل ليختار منها
واح ��دة كما ي �ش��اء .وذه ��ب ال�ح�ض��ري بناقته، فباعها ف��ي ال �س��وق م��ن ال �غ��د ،وأخ��ذ ثمنها..
ع��ن الجن كلهم ،وإن�م��ا تعهدت لهم أن أخرج ذلك الجني الذي خالط عقل الفتاة ألول مرة.. أما ما عداه فلست مسئوالً عنه ،وأنا أريد أن يثبت المدعي أن الجني الذي صرعها اآلن هو ذلك الجني الذي أخرجته منها سابقاً ..فإذا أثبت ذلك فإن عليّ إخراجه ،أو أن أعيد لهم ناقتهم. والتفت الشيخ إل��ى ال �ب��دوي ..وق��ال له هل
وم�ض��ت األي ��ام المتفق عليها ..وع ��اد الجني تستطيع أن تثبت أن الجني الذي صرعها اآلن للفتاة .فصرعت وع��اد إليها جنونها كما كان هو الجني الذي كان صرعها من قبل ..وأجاب سابقاً ..وذه��ب اب��ن عم الفتاة إل��ى الحضري البدوي بأنه ال يستطيع ذل��ك ،وعندئذ أصدر
وأخبره أن حالة الصرع عادت إلى الفتاة ،وطلب القاضي حكمه بأنه ال أساس لدعوى البدوي منه أن يذهب ليقرأ عليها من جديد. على الحضري في هذا الموضوع ..وأن عليه أن وامتنع الحضري ع��ن ال��ذه��اب وق��ال :لقد يتفق مع الحضري من جديد أو أن يبحث عن
قرأت عليها في الماضي حتى شفيت ..وأنا لم قارىء آخر يقرأ على فتاته. ( )2( ،)1موقع عبدالكريم الجهيمان
110اجلوبة -شتاء 1433هـ
> صالح احلسيني -املدينة املنورة*
غريب ٌ أمر هذه المجلة! تقترب من سنيها العشر وال تزال بثوب العروس األبيض المرصع بالآلليء؛ تطل علينا بحلتها المتأللئة ..مع إطاللة كل فصل من فصول السنة..
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
على ضفاف اجلوبة..
(كائنٌ ورَقِ يٌ حي) لم يفقد قدرته على اإلقناع ،أو اإلدهاش، أو اإلمتاع؛ لن أصفه باإلبهار ،إنما بالثبات في القيمة ومالمح الجاذبية من الغالف إلى الغالف؛ نرتقب صدورها لنطلع على جديدها ..وقد عودتنا بالجديد من ملفات ودراس��ات ومقاالت نقدية وإب��داع��ات شعرية وقصصية إل��ى غير ذل��ك من العطاء المتجدد ..لها في رف قلبي ومكتبتي متكأ لم يُخصص لغيرها من قبل ،أقرأها ..ثم أعود لقراءتها ،لشدة تعلقي بها ..أعتز وأنا أكتب عنها ،مُ حلقا ً بما أملك من صدق وانتظار ،وال أستحي أو أخشى من أن أعاتبها دون صوت ,عندما أجد فيها نص ًا إنساني ًا يقل فيه دسم اإلبداع عن ما عهدته فيها ..وتعاتبني إذا كتبت نصا ً تقرير ًا للقارئ العادي ،إيمانا ًمنها باالعتناء باللغة ورسم الصورة معنىً وقيمة ،فأنكسر لعجلتي. مجلة ذكية ج��واب��ة ،تُ��راوح بين ذهبية «استنطقوا لغتي» ،لغتها التثقيفية التي ال األص ��ال ��ة ،وده �ش��ة ال � ُم �ع��اص��رة ،وحلمية تستكين للجاهزية والنمطية.. المستقبل في المطارح والمسارح واللغة تتبعت ذات مرة ما أكتبه وأرسله لها، والنبض والحياة ،وتتغلف بقيمة تشكيلية أو فوجدتها تمر على الحرف ال على المفردة فوتوغرافية من أيادي مبدعين ومبدعات فحسب ،تعدِّلني إذا لغوت في نحويتي أو ب� ��رؤى خ�ل�اق��ة ،ف �ي �ج��يء غ�لاف �ه��ا حام ً ال إمالئيتي .فتيقنت أنها لي ولغيري ..تُعَد مضموناً ال يهمله الخاطر. من بعد تقويم ،فتصدر بصدق وموضوعية أدبية ولغوية ،حفاظا ً على المصداقية.. ولما أ ُسِّ سَ ت عليه مؤسستها ومكتبتها قبل خمسين عاماً.
إنها الجوبة ،الحقيبة الجوابة في عالم الثقافة وال �ح �ي��اة؛ ف��ي ال�ف�ن��ون اإلنسانية الخالدة والتالدة ،في التراث وحياة الشعوب، في األبحاث واالكتشافات والصروح ،في ال �ج��وب��ة« :اس � � ٌم ع�ل��ى ُم �س �م��ى» ..ال تزال القيم والمعاني ،والحواضر والبوادي ،وفي تجوب ..تقطع الدروب ..تجهل الغروب ..لها مع السهل والجبل؛ لكأنها تقول :ال تقرؤوني كل قارئ وقفة ،وتربطها به عالقة وطيدة!.. * كاتب وقاص من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 111
قصيدة عزلة
لـ توماس ترانسترومر > ترجمة :أحمد عثمان*
حاز السويدي توماس ترانسترومر على جائزة نوبل لآلداب عام 2011م« ،ألنه من خالل صور مركزة وواضحة ،يعطينا منفذا جديدا على الواقع». ويعتبر ترانسترومر أحد أبرز وجوه الشعر االسكندنافي األحياء ،بنتاجه الذي يبين العالقة القائمة بين حميميتنا والعالم الذي يحيطنا. كنفساني التكوين ،يشير إلى أن التجربة الشعرية للطبيعة ،تسمح للمرء أن يغوص إلى أعماق الهوية اإلنسانية وبعدها الروحي« .لن ينتهي وجود االنسان حيث تنتهي أنامله» ،كما كتب أحد نقاده السويديين عن تيمات قصائده ،التي وصفها كـ«صلوات روحانية». القصائد.
ترجع شهرته في العالم األنجلوفوني إل��ى صداقته بالشاعر األميركي روبرت ول� ��د ت ��وم ��اس ت��ران �س �ت��روم��ر ف ��ي 15 ب�لاي ،ال��ذي ترجم إل��ى اإلنجليزية جانبا أب��ري��ل /ن �ي �س��ان1931م .ح��از على دبلوم كبيرا م��ن نتاجه ال ��ذي ت��رج��م على وجه البسيكولوجيا ع��ام 1956م ،وعمل فترة العموم إلى ما يقرب من خمسين لغة. ف ��ي «م �ع �ه��د ال �ب �س �ي �ك��وت �ك �ن �ي��ك» بجامعة قصائده غنية باالستعارات والصور: ستوكهولم ،قبل أن يهتم ،منذ عام 1960م، فيعرض مشاهد بسيطة مأخوذة من الحياة بالجانحين في معهد خاص ،ثم بالمعاقين اليومية والطبيعة .وأس�ل��وب��ه استبطاني والمدمنين. «كحالة صوفية ،متغيرة وحزينة» ،تتفجر عندما كان طالبا ،أصدر ديوانه األول مع حياة الشاعر الملتزم نفسه في صراع دائم من أجل عالم أفضل ،وليس فقط عبر « 17ق�ص�ي��دة» ل��دى أك �ب��ر ن��اش��ر سويدي 112اجلوبة -شتاء 1433هـ
«بونيير» ،ال��ذي استمر في التعامل معه لفترة ط��وي �ل��ة م ��ن ال ��زم ��ن .ب��ال�ن�س�ب��ة ل��ن��اش��ره ،شعر ترانسترومر «تحليل دائم ألحجية الهوية الفردية في مواجهة التشعب التيهي للعالم». قبل نشر أكثر من عشرة دواوين ،وتحديدا في عام 1990م ،أصابه نزف فجائي أدى إلى فقدانه القدرة على الكالم َوتَرَك ُه شبه مشلول ،ما غير كثيراً من نشاطاته وعاداته ،ولم يزل يعزف على البيانو ..ولكن بيد واحدة (يده اليسرى) ،ويقضي وقته في االستماع إلى الموسيقى الكالسيكية، كما ذك��رت زوج�ت��ه مونيكا لصحيفة «داغنيس نيهتر» السويدية هذا العام. ب�ع��د س��ت س �ن��وات م��ن ال �ص��راع ال�ط��وي��ل مع هذا المرض ،تمكن بمساعدة زوجته من إصدار «الجندول الحزين» ،الذي ُو ِّز َع منه نحو ()30.000 نسخة ،وهو رقم كبير بالنسبة للشعر .وبعد هذا ال�ن�ج��اح ،ل��م ينشر ترانسترومر أي ش��ئ خالل ثمانية أعوام ،باستثناء مراسالته مع بلي .وفي عام 2004م ،أص��در ديوانه «اللغز الكبير» (45 قصيدة هايكو). في مقدمة «األع�م��ال الكاملة» (بالفرنسية، 1996-1954م) ،كتب الشاعر رونيه ايغو« :يمثل
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
توماس ترانسترومر
(ترانسترومر) تجربة الخاصية المتغيرة للمادة، هذه الحالة التي علمتنا الفيزياء الحديثة أنها الجوهر» .ظاهريا ،القصيدة تحقق الواقع ،تدون في حركة بيانية .خطوة خطوة ،كلمة كلمة ،نجد أن م��ا ه��و م�ط��روح للرؤية واح��د ل��دى الشاعر كما ل��دى ال�ق��ارئ .وف��ي ال��واق��ع ،تكشف قصيدة ترانسترومر ،ف��ي أبياتها ،م��ا ينجينا ،األبيض ون�ق��ائ��ص ال�م�لاح�ظ��ة ،وج��وه��ر ال �ش��يء الكامن تحت السطح .تلمع قصائده ببساطتها وسالسة تراكيبها ،ورقة إحساسها ،وانطباعاتها الحميمية وثرائها االستعاري .كل شئ حاضر ،دوار الوضوح، كثافة الملفوظ ،ابتكارية الصور« :اليقظة قفزة مظلة خارج الحلم» .كما نجد أن «ايف أوغ» كتب في «لومانيته»« :هذا السويدي ،فضال عن كونه رحالة كبير ،رجل الفضاء والزمن ،إنه من هنا واآلن ،مأخوذ بسر العالمات ،الوجود الضخم والعنيد ل�لأش�ي��اءِ ،ظ�� ُّل أف �ع��ال ال �ن��اس .شاعر، يتفاعل واق�ع�ي��ا ب��ال �ص��ورة ،ال�ت��ي ال يستخدمها كثنائية طيفية لألشياء ،ولكن كمسعى يتيح للمرء أن يوجد بين األشياء في العالم ( )...الماضي والمستقبل موجودان معا في الحاضر .األحداث المستقبلية موجودة اآلن أيضا! من الممكن أن نشعر في قصيدة ما «بجمع من الناس يهمسون ما وراء الحواجز» .شهادات هذا الوجود للماضي مثيرة للدهشة ،مثال« :رح��ل غوته إلى إفريقيا ع��ام 1962م مرتديا مالبس جيدة وهناك رأى ك��ل ش��ئ» ،ه��ذه الحالة للتاريخ م��وج��ودة أيضا ف��ي ق�ص�ي��دة ن�ث��ري��ة« :ال��زم��ن ل�ي��س م�س��اف��ة من خط مستقيم ،وحينما يرتكن المرء إلى حائط في المكان المناسب ،يمكنه أن يسمع خطوات سريعة وأص��وات ،يمكنه أن يسمعها تمضي إلى الناحية األخرى ،هناك». ول��ذا ،ف��إن ترانسترومر شاعر من عصرنا،
اجلوبة -شتاء 1433هـ 113
يستقل القطار والمترو ،وينام أحيانا في غرف الفنادق ،ينظر إلى الخارج عبر النافذة ،يرتاد ال�ك�ن��ائ��س ،يسمع ال�م��وس�ي�ق��ى ،ي�ت��أم��ل الطبيعة وي �س��اف��ر ،وم��ع ذل��ك رج��ل ل�ك��ل ال �ع �ص��ور ،رجل ال��دوام فيما يتغير ويتبدل .رج��ل ي��رى تمفصل الزمن ال��ذي يمضي والزمن ال��ذي يخمد ،وكذا التاريخ واألساطير. «حياتي .حينما أفكر في هذه الكلمات ،أرى أمامي شعاعا من النور .وبالنظر من قرب ،أرى أن هذا النور يأخذ شكل المذنب ،وله رأس وذيل. طرفه األكثر إنارة ،الذيل ،طرف الطفولة وسنوات التكوين .ال�ن��واة ،بالتالي ،ج��زؤه األكثر تركيزا، تناسب ال��وض��ع ال�ط�ف��ول��ي ،إذ ت �ح��ددت صفات ال��وج��ود ال�م��وس��وم��ة للغاية .أح ��اول أن أتذكر، أحاول أن أذهب إلى البعيد .ولكنه من الصعب االنتقال في هذا النطاق الكثيف :حتى أنه يتبدى محفوفا بالمخاطر وتمنحني الشعور باالقتراب من الموت .بعيدا ،في الخلف ،المذنب يتحلل في جزئه الطويل .ينتشر ،بدون أن يكف مع ذلك عن الكبر .اآلن أنا بعيد عن ذيل المذنب» ،كما كتب في «الذكريات تراقبني».
في ع��ام 1997م ،ق��ررت مدينة «فستيراس» العمالية-التي أق��ام فيها ثالثين عاما ،قبل أن يضطر لالنتقال إلى ستوكهولم في التسعينيات لظروف مرضه-أن تؤسس جائزة تحمل اسمه «جائزة ترانسترومر». ف��ي ع��ام 1966م ،حصل على ج��ائ��زة بلمان ال �م��رم��وق��ة ،وت �ت��ال��ت ب�ع��ده��ا ال �ج��وائ��ز« :جائزة بترارك» (ألمانيا1981 ،م) ،و«نيوشتادت العالمية» (الواليات المتحدة1990 ،م) ،جائزة األكاديمية السويدية لدول الشمال (1991م) ،جائزة نونينو (إيطاليا 2001م) ،جائزة التاج الذهبي (مقدونيا، 2003م). من دواوينه« :أسرار في الطريق» (1958م)، «ال �س �م��اء ن �ص��ف م�ك�ت�م�ل��ة» (1962م)« ،أنغام وأث��ار» (1966م)« ،رؤية ليلية» (1970م)« ،بحار البلطيق» (1974م)« ،حاجز الحقيقة» (م،)1978 «الذكريات تراقبني» (1993م)« ،قصائد قصيرة» (2002م)« ،اللغز الكبير» (2004م).
عزلة هنا كنت على وشك أن أموت ذات مساء فبرايري. السيارة تنزلق على رقاق الجليد من الناحية الخطرة للطريق. السيارات في االتجاه المعاكس، أنوارها ،تقترب. اسمي ،ابنتاي ،عملي، انفصلت ،بقيت صامتة
لقطة أخرى توماس ترانسترومر
114اجلوبة -شتاء 1433هـ
في الخلف بعيدا. في الخلف بعيدا للغاية .كنت بال اسم
مدرسة محاطة باألعداء.
اجتزت طويال
للسيارات في الطريق العكسي
حقول أوزترغتالند المصقوعة
أنوار قوية.
ال أحد على مرمى البصر ،أبدا.
تنيرني بينما
في أجزاء أخرى من العالم
ألف وألف المقود مأخوذا برعب واضح ،ينساب كبياض البيضة. تكبر الثواني – مانحة الفضاء – كبيرة فجأة كأنها مشاف. من الممكن التوقف ،جزئيا، والتنفس للحظة قبل أن نتهشم .جاء المنقذ: مساعدة حبة رمل أو صفعة ريح رائعة. تحررت السيارة وزحفت عبر الطريق ،سريعا. تبدى عمود وتحطم – ضجة حادة – طار بعيدا في العتمة.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
كصبي في ساحة
كي يرى ما أصابني.
هناك من يولد ،يحيا، يموت قي هرج ومرج مستمر. أن تكون واضحا – تحيا تحت جمع من النظرات – يجب أن تعطي تعبيرا خاصا للوجه. وجه مغطى بالوحل. تتبدى همهاتها وتسقط بينما تنفصل ،وتتوزع السماء ،الظالل ،حبات الرمل. علي أن أكون وحيدا عشر دقائق في الصباح
حتى أصبح كل شئ
وعشر دقائق في المساء.
صامتا .كنت جالسا ،ما أزال
بدون أن أفعل شيئا.
مربوطا،
يصطف كل واحد خلف اآلخر.
رأيت أحدهم يقترب
كثيرون.
تحت الثلج
واحد.
* مترجم من مصر.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 115
زينب السجيني تبحث عن المنسيات في الحارة الشعبية > عرض سعيد نوح*
إنه عالم أنثوي محض ،ذلك الذي تخطه ريشة الفنانة المصرية زينب السجيني ،وجوه لنساء وفتيات صغيرات وشابات ،تنطق أرواحهن بالحنين ،وجوه تشير إلى انحياز الفنانة لكل ما هو أنثوي خالص. مَن يطالع معارضها ولوحاتها يتساءل :هل التواجد الكثيف للمرأة في لوحاتها يشير إلى فكر أيديولوجي يعادي الثقافة الذكورية ،أم أنه اختيار جمالي محض؛ ألن الجسد األنثوي يُكوِّن مادة قادرة على حمل الجماليات التي تريد الفنانة أن توصلها لجمهورها؟ على أي��ة ح��ال ،ربما لن تفيدنا كثيرا اإلج��اب��ة على ه��ذه ال��ت��س��اؤالت ،وك��ل ما يهمنا تلك الجماليات التي تواصل زينب السجيني رصدها بريشتها في شتى معارضها التي تقيمها. تفتحت عيناها على لوحات عمها جمال السجيني -النحات المشهور -ومنحوتاته الفنية الرائعة ،والزمته طوال فترة طفولتها. كانت -حسب م��ا صرحت ب��ه ف��ي أكثر من ح��وار -تجلس بجانبه وه��ي صغيرة ،تتابع 116اجلوبة -شتاء 1433هـ
حركة يديه وهو يقوم بنحت تماثيله ،فتعلمت م�ن��ه ال�ص�ب��ر ع�ل��ى ن�ح��ت م�لام��ح التماثيل، وخاصة الوجوه اإلنسانية ،وعرفت كيف يمكن للنحات أن يقبض على التعبيرات اإلنسانية بصبر وأناة ،وهو يواصل النحت والحفر في
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
وجه إنساني بادي ًة قطع من الحجر ،ليحولها إلى ٍ عليه تعبيرات الفرح والحزن ،واأللم والسعادة. ول��دت بالقاهرة ع��ام 1930م ,وتربت في بيئة التراث والحضارة المصرية «الجمالية والحسين وشارع المعز» .,تأثرت بعائلتها الفنية،بأمها وأبيها ال�ل��ذي��ن اح�ت��رف��ا ال �ف��ن ،وبعمها ال�ن�ح��ات الشهير، وزوجها الرسام ،فتعودت منذ نعومة أظفارها على رؤية األعمال الفنية ,والتواجد في أتيلييه عمها, فكانت تلك الفتاة التي تساعده ،وتجلس الساعات الطويلة أمامه كنموذج له أثناء النحت. دخلت كلية الفنون الجميلة ،وفضلت دراسة التصميم «الديكور» حتى ال تتأثر بأحد ،وتكون لها شخصيتها المستقلة ،وتخرجت منها عام 1956م,
اجلوبة -شتاء 1433هـ 117
ثم درست في المعهد العالي للتربية الفنية وتخرجت م�ن��ه ع��ام 1957م ,وح�ص�ل��ت ع�ل��ى ال��دك �ت��وراه في فلسفة التربية الفنية عام 1978م ,وعملت بالسلك األكاديمي في الكلية ،شغلت منصب رئيسة قسم التصميم بكلية التربية الفنية في جامعة حلوان. أدركت ضرورة البحث عن التميز؛ لتكون بقامة عمها أو زوج �ه��ا ،وأن عليها التعاطي م��ع البيئة الشعبية ،وم��ع المهمشين المسكوت عن عوالهم، الذين نسيتهم السلطة .فتكوَّن عالمها الفني من أولئك النساء المهمشات المنسيات ،الالئي تعلو أصواتهن في اللوحات راف�ض��ات كل أن��واع القهر والظلم واإلق�ص��اء .فانحازت لهنَّ ،وصورتهن في مواضع مختلفة ،فظهر َن في إحدى لوحاتها وهن
118اجلوبة -شتاء 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
يجلسن حول ما يشبه المائدة القصيرة ،أو الطبلية الشعبية ،يرتدين المالبس الشعبية البسيطة التي تشير إل��ى بساطة الحال وضيق ال ��رزق ..يثرثرن ويشربن القهوة أو الشاي. وفي لوحة أخرى ،في حالة من المرح ،جالسات على شاطئ البحر يتسامرن ،وحولهن صغارهن يلهون ويصنعون بيوتهم من الرمل والماء. كذلك يأتي الريف حاضرا وقويا في أكثر من لوحة للفنانة المهمومة بكل المهمشين بتجلياتهم المختلفة ،في القرى والبيئات البينية على أطراف المدن .ناهيك عن األمومة التي تحضر في كثير م��ن ل��وح��ات�ه��ا بشكل ص���ارخ ،أم��وم��ة ع��ذب��ة تجمع دوم��ا بين األم وص�غ��اره��ا ،تمثل الحنان والشغف اللذين يربطانها بهم .فتظهر األم مشاركة بناتها
اجلوبة -شتاء 1433هـ 119
اللعب ,فتحمل معهن الشبكة ,وتقف إلى جانبهن ف��ي ال �ب �ي��وت،أو جالسة على الشاطئ لرعايتهن, فتحتضنهن ،أو تمشط شعرهن., ك��ل ه��ذه المشاعر اإلنسانية تنعكس باأللوان «الزيتية واألكليريك على توال» على لوحاتها ,إنها األم التي تأخذنا دائما برومانسيتها إلى عالم خاص بها ،يصور مشاعر الطفل وروحه الفياضة التي تكاد تنطق بها لوحاتها.. وت �ب��دو لوحاتها تعبيرية رم��زي��ة ،ت�ص��ور وجوه األم�ه��ات واألب �ن��اء بعيونهم ال��واس�ع��ة ،وف��ي حاالت مختلفة ,ما بين صغيرة تحتضن حمارها ،وأخرى تلهو على الشاطئ ،وثالثة تلهو وسط المزارع في الريف بين أخواتها أو صويحباتها ،ورابعة يتسلقن فيها الفتيات الشجر ويلعبن ،وف��ي أخ��رى واحدة تحتضن صغير خرافها ،وهكذا ..صغيرات يبحثن عن البهجة البسيطة في عالمهن الخاص. ال شك أن المكان هو البطل الرئيس في لوحاتها، وربما يأتي الزمان متواريا ..ال يظهر إال من خالل أعمار الصغيرات ،أو النساء متوسطات العمر ،لكن المكان يبقى األكثر حضوراً في لوحاتها ،ويتنوع بتنوع البيئة المصرية ،ما بين حيّ شعبيّ ،وريف، وبيئة ساحلية. 120اجلوبة -شتاء 1433هـ
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
االنكماش االقتصادي > نشأت نايف احلوري*
االن��ك��م��اش االق��ت��ص��ادي المالي ه��و انخفاض في أس��ع��ار السلع وال��خ��دم��ات ف��ي ك��اف��ة ج��وان��ب اقتصاد الدولة ,وهو عكس التضخم المالي. ويحدث عندما يعاني اقتصاد الدولة من كساد أو ركود ،ما يؤدي إلى تراجع النشاط االقتصادي؛ ويعزى ذل��ك إل��ى قلة الطلب على السلع والخدمات ,ويكون أشبه بحالة ال��رك��ود ،وت��وق��ف عجلة االق��ت��ص��اد ،لعدم قدرة المستهلكين على شراء تلك السلع والخدمات, ما يسبب انخفاض السيولة النقدية ،وعجز المصارف عن ضخ المزيد من النقود للتداول؛ ويحدث أحيانا بسبب المنافسة الحادة بين المصانع ومنتجي السلع والخدمات لزيادة المبيعات وانخفاض أسعارها ،ويعد ذلك أساس األزمة الحالية في النظام الرأسمالي في أمريكا وأوروبا بل والعالم أجمع. وفي عام 1930م حصلت أزمة اقتصادية مواسم الجفاف والعواصف على األراضي ف��ي س��وق األس�ه��م وال�ب��ورص��ات ،م��ع زيادة الزراعية في أمريكا الذي عُرف ب(قصعة اإلنفاق الحكومي بنسبة ،%30إال أن إنفاق الغبار).
المستهلكين ق ّل بنسبة ،%10إضافة إلى
وق��د ي �ح��دث االن �ك �م��اش أي �ض��ا عندما
اجلوبة -شتاء 1433هـ 121
ي �ك��ون االق �ت �ص��اد ح ��راً دون رق��اب��ة ،للحد لالعتقاد بحصول انتعاش طفيف للنشاط من نشاط األف ��راد في ميدان االقتصاد؛ في أوروبا ،لكنَّ تلك اآلمال تبددت. فأصحاب رؤوس األموال أحرار في كيفية استثمار أموالهم ,وأصحاب األعمال أحرار فيما ينتجون كما ونوعا في غياب الظل الرقابي ,كما أن إدخال اآللة من شأنه إن يضاعف اإلنتاج ويقلل من األيدي العاملة, وم��ن ث�� َّم ف��ان ف��ائ��ض اإلن �ت��اج ي�ح�ت��اج إلى أسواق للتصريف ،وهنا تحدث الفوضى في غياب الرقابة وع��دم ال�ت��وازن بين العرض والطلب. وفي هذه األلفية ،عانى النظام الرأسمالي م��ن ظ��اه��رة االن�ك�م��اش ع��ام 2008م ،وقد حذر الخبير االقتصادي المستقل “نوريال روبيني”من هذه الظاهرة ،وتوقع هذه المرة أن تمتدَّ لفترة طويلة ،إن لم يتم تخفيض
فقد وص��ل االنكماش ف��ي اليونان إلى %2.8بعد أن توقعت المفوضية نموا يصل إل��ى %1.1في الخريف الماضي .ووصل في البرتغال إلى %3عام 2011م بدال من %1.8كما كان متوقعا في الربيع الماضي. وظاهرة االنكماش أقل من ظاهرة الكساد االقتصادي أو الركود ,فالكساد االقتصادي يعني حالة من التدهور الحاد في مستويات النشاط االقتصادي ،وهو أشد وأطول من االنكماش؛ وأم��ا الركود فهو سمة ظاهرة على االقتصاد بعدم الحركة والسعة في االقتصاد ,ولكن االنكماش يكون بحسب القوة أو الضعف .وتعود أسبابه إلى:
سعر الفائدة وزيادة النفقات العامة ،ليعود -1ظاهرة البطالة. المستهلكون إلى اإلنفاق ،ومن ث َّم ينتعش -2انخفاض األجور. االقتصاد. وقد أشارت التقارير إلى وجود ظاهرة االنكماش في أوروبا بشكل يفوق التصور، وسيكون ثاني انكماش ف��ي ظ��روف ثالث سنوات بعد األزمة المالية عام 2008م ,حيث أعلنت المفوضية األوروب�ي��ة أن االقتصاد العالمي دخل مجددا في منطقة الخطر,
-3زيادة اإلنتاج.
-4انخفاض المبيعات واألرباح. -5زيادة الضرائب. -6قلة اإلنفاق الحكومي. -7غياب الرقابة في التوازن بين العرض والطلب. والصين التي تعد اآلن «مصنع العالم»،
ففي ربيع ه��ذا العام ظنوا أن��ه تم احتواء لم تطمع في جني األرباح ،بقدر رغبتها في أزم��ة ال��دي��ون السيادية .وم��ن جانب أخر ،معالجة ظاهرة االنكماش؛ فهي تزيد في فان مؤشرات الطلب الداخلي كانت تدفع اإلنتاج بأسعار أقل ،وبوجود عمالة وافرة.. 122اجلوبة -شتاء 1433هـ
السيولة النقدية عند المستهلكين مما يؤدي وال�ع�ك��س ف��ي ال�ت�ض�خ��م ،ب�غ��ض ال�ن�ظ��ر عن إلى االنتعاش االقتصادي والقضاء على هذه األس �ب��اب ال �ت��ي أدت إل��ى ذل ��ك .وم��ن هنا الظاهرة.
أيضاً كان االنكماش أم��راً ملحوظاً في كل
ولذا اعترض أصحاب رؤوس األموال من االقتصاديات ،رأسمالية كانت أم اشتراكية الشركات والمصانع على الصين باتباع هذه أم نامية. السياسة ،التي تضر بمصالحها واستثماراتها في العالم ،واتهمت بتصدير االنكماش إلى العالم أجمع .وفي رأي��ي أن الصين تعطي مثال رائ�ع��ا ف��ي النمو االق�ت�ص��ادي بأسعار تنافسية. وعليه ندرك أن ظاهرة االنكماش ناتجة عن أصحاب األطماع الرأسمالية ..ولكن النتائج كانت وخيمة عليهم.
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
م�م��ا ت�ق�ل��ل م��ن ال �ب �ط��ال��ة ،وب��ال �ت��ال��ي توجد االرتفاع نسبة إلى الثاني يحدث االنكماش،
ف��ف��ي ال ��رأس� �م ��ال� �ي ��ة ي �م �ك��ن مالحظة االن �ك �م��اش ،م �ث�لاً ،ع�ن��دم��ا يفقد اقتصاد ال�س��وق ت��وازن��ه بعد بلوغه نقطة التشغيل الكامل بمفهوم االقتصادي البريطاني كينز ،Keynesكما يظهر كلما ارتسمت عالمات ال�ت�ش��اؤم على ال�ح�ي��اة االق�ت�ص��ادي��ة نتيجة إلل �غ��اء اح �ت �م��االت ال��رب��ح أو اإلف�ل�اس في المشروعات ،أو تعطيل عوامل اإلنتاج أو
وق��د ارت�ب��ط مفهوم االن�ك�م��اش بمفهوم زيادة نفقاته. التضخم ارتباطاً وثيقاً ،لكنه بقي ارتباطاً أما االشتراكية ،فيظهر االنكماش فيها وحيد الطرف ،فاالنكماش ح ٌل للتضخم ،في نتيجة تحديد أهداف للخطط االقتصادية حين ال يقول أحد إن االنكماش يجد حلّه قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة، في التضخم ،بل في عودة التوازن. أو ألن اإلنفاق اإلجمالي أقل من قيمة الناتج ومع ذلك ،فإن االنكماش حالة يمكن أن اإلجمالي. تصيب االقتصاد على نحو غير مقصود. وف��ي ال�ب�ل��دان النامية ،يمكن أن يظهر تكمن صعوبة ت�ح��دي��ده ف��ي طبيعته ،وفي كونه مقصوداً أو غير مقصود ،وبخاصة االنكماش كردة فعل للسياسة الهادفة إلى
عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية رف��ع معدالت التنمية بأساليب تضخمية، واالق �ت �ص��ادي��ة .وي�م�ك��ن ح�ص��ره ف��ي حدود م�م��ا ال تستجيب ل��ه ال�ب�ن�ي��ة االقتصادية ال��ع��رض وال �ط �ل��ب :ك�ل�م��ا ن ��زع األول نحو االجتماعية ،فيقع االنكماش. * جامعة الجوف.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 123
الكتاب :القصيدة وحتوالت مفهوم الكتابة
الكتاب :املتحولون
املؤلف :محمد احلرز
املؤلف :مدحت مطر
الناشر :نادي اجلوف األدبي
الناشر :دار سندباد للنشر والتوزيع في القاهرة
ي �ت��أل��ف ال� �ك� �ت ��اب م���ن م �ج �م��وع��ة مقاالت،
صدرت الرواية الرابعة للكاتب «مدحت مطر» ب�ع�ن��وان «ال�م�ت�ح��ول��ون» ع��ن دار س�ن��دب��اد للنشر والتوزيع بالقاهرة ،وج��اءت ال��رواي��ة في ثمانين صفحة من القطع المتوسط ،وتضم اثني عشر ف �ص�لاً ،وال �غ�لاف للفنان أح �م��د ط��ه ،وقدمت الكاتبة والناقدة د .عطيات أبو العينين الرواية على الغالف األخير بكلمة نقدية جاء فيها:
القلق حيناً آخ��ر ،وف��ي كلتا الحالتين ثمة رأفة
سيستمر الصراع بين الماضي والمستقبل، وسيبحث العلم صحة ما نسب لألساطير ،ويلهث ك�ت��اب ال�خ�ي��ال العلمي وراء ال�ج��دي��د واإلث� ��ارة, فتتشابك خيوط اللعبة األدبية ما بين الخيال والعلم والحس األدب��ي ,ولقد جمع الكاتب بين األسطورة والعلم بأسلوب رشيق ..وبكل التشويق, جعلني أتساءل وأدعوكم معي إلى التساؤل:
تتصدرها مقدمة للناقد السعودي الدكتور سعد
البازعي ،أك��د فيها أن« :المقاالت تأتلف حول مؤلفها -محمد الحرز -بقدر ما تأتلف حول
الشعر وال��رؤى النقدية التي تتناوله .وما يميز تلك المقاالت أنها تتناول موضوعها ،أي الشعر، بحميمية تصل حد التوحد حيناً ،وحد االنفصال
بالشعر وخ��وف ع�ل�ي��ه» ،وأوض ��ح ص��اح��ب «قلق المعرفة» ،و«سرد المدن في الرواية والسينما»،
«يخشى الحرز على الشعر من سوء الفهم ،الذي يتهدده ف��ي مشهدنا األدب ��ي؛ يخشى على روح الحداثة فيه أن تذوي لدى الشعراء أنفسهم ،وهو
يرى ما يشي بذلك ،ويخشى من إساءات النقد، وفي المشهد ما يؤكد له أن ذلك خطر حقيقي
أيضاً .ول��و أردن��ا اختصار المسعى ال��ذي يتجه
من هم المتحولون؟!! وما الذي يعتريهم عند تحولهم؟!!
إليه المؤلف ،ناقداً حاضراً وش��اع��راً مستتراً، وهل سينجح مهندسو المشروع من الفرار من لوجدناه في حماية الحداثة الشعرية من الذبول سواء لدى منتجيها من الشعراء أو متلقيها من تلك الغابة الملعونة؟!! النقاد والقراء».
124اجلوبة -شتاء 1433هـ
هذا ما تجيب عليه هذه الرواية؟
املؤلف :الشاعر التونسي املهدي عثمان
املؤلف :أضواء الوابل
الناشر :دار إنانا
الناشر :دار الفكر العربي
يضم ديوان الشاعر المهدي 26نصا شعريا، تبدأ بقصيدة عاطل عن العشق وتنتهي ببيروت مرة أخرى ،والمؤلف شاعر وكاتب تونسي ينشر عمودا أسبوعيا بجريدة الشعب التونسية تحت عنوان «ممنوع من الفرح» .سبق وصدر له «عودة الشعراء» (مسرحية) عام 2002م« ،ذاكرة األلوان» (رواي ��ة) ع��ام 2006م« ،-وصية ال ��وردة» (ديوان ش �ع��ري ص��وت��ي) ،.وه ��ذه م�ق��اط��ع م��ن قصيدة: «مسافة نهر وغياب». أقف مسافة نهر بيني وبينها ال أنا مددت يدي ألقطف عشقها وال هي طاوعتني فمدت خطاها أراها .. تغير عطرها كي أراها
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب « :عاطل عن العشق» شعر
الكتاب :مطوعة نيو لوك
الكتاب أول��ى تجارب الوابل الروائية ،وقد رص ��دت ع �ب��ره ال�ت�غ�ي��رات النفسية والعاطفية واالج �ت �م��اع �ي��ة للمجتمع ال �س �ع��ودي م��ن خالل شخصيات ال��رواي��ة ،مسندة دور البطولة لفتاة متدينة تعمل في الحرم المكي الشريف ،لتنظر من خاللها عبر صفحات الرواية التي بلغت ()127 صفحة من القطع المتوسط إلى تلك المتغيرات، واألسباب التي أدت إليها ،والنتائج التي أفضت إليها .والرواية صادرة عن دار الفكر العربي في المملكة العربية السعودية ،وقدعرضت مؤخرًا في ع��دد م��ن ال�م�ع��ارض ال��دول �ي��ة ،وم��ن أجواء الرواية نستل : «-راح��ة بيضاء افترشت نحري ،نمت بعدها ع �ل��ى م��ص�ل�اي ح �ت��ى دق ن� ��ور ال �س �ح��ر زج ��اج النافذة.».... الماضي يا حبيبي ال يساوي المستقبل..حتى في قواعد اللغات ،هوة سحيقة بينهما،غير أنه في االستطاعة قلب األحوال وفق نظرتنا لها، أراك من نفس الشباك ..بنفس النظرة المطلوبة كي يكون المقبل كما ك��ان آنفاً ،ال أستطيع أن أنظر لألمام دون أن ألتفت ت��ارة أخ��رى للخلف أحاول الجمع بينهما ،لكن .»...
اجلوبة -شتاء 1433هـ 125
طيور بحيرة دومة اجلندل
املؤلف :أ .د .بشير محمود جرار -د .مشرف بن عوض الرويلي الناشر :مؤسسة عبد الرحمن السديري اخليرية السنة 1432 :هـ 2011 -م
يقدم الكتاب توثيقا للطيور المستوطنة والمهاجرة ،التي تتردد على بحيرة دومة الجندل ،معززا بالصور الملونة الجميلة ..على أمل اإلسهام في تحويل بندقية الصياد إلى كاميرا تصوير لتلك الطيور التي تزين سماء البحيرة، وأن يتحول هواة الصيد هناك ليصبحوا هواة لمراقبتها والتمتع بمشاهدتها على ضفافها محلقة مغردة دون أن يلحقوا بها أذى. جهد لفريق بحثي قام بتوثيق للطيور ويأتي إع��داد هذا الكتاب كثمرة ٍ المستوطنة والمهاجرة والشاردة ،التي تتردد على تلك البحيرة ضمن دراسة شاملة لبيئتها خالل عام 2009م ،أنجزت من خالل زيارات أسبوعية ميدانية منتظمة ،أليام مختلفة من األسبوع ،وأوقات متفاوتة لليوم الواحد ..ويتناول الكتاب في صفحاته تعريفا ب��أن��واع الطيور التي رصدتها ه��ذه الدراسة وعددها واحد وأربعون طيرا ،منها ثمانية وعشرون تشاهد على ضفافها أو في سمائها ومائها ،وثالثة عشر طيرا تشاهد في الحقول والمزارع المتاخمة لها. 126اجلوبة -شتاء 1433هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
من القلب
املؤلف :األستاذة الدكتورة أفنان دروزة الناشر :دار فضاءات للنشر والتوزيع السنة 2011 :م صدر مؤخرا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع كتاب «من القلب» للكاتبة الفلسطينية األستاذة الدكتورة أفنان دروزه .يقع الكتاب في ()180 صفحة م��ن القطع ال�م�ت��وس��ط ،وص�م��م غالفه الفنان نضال جمهور. يقول الدكتور زهير إبراهيم أس�ت��اذ األدب العربي في جامعة القدس المفتوحة في تقديمه للكتاب:
الهدم ،والكبت ،والظلم ،وهو يرى بأم عينه كيف يستباح وطنه ،وتنهب مصادر ثروة بالده ،وتفرض عليه القيود في كل مناحي حياته؛ فهو ال يستطيع وال يملك حرية التنقل أو التفكير ،أو العيش الكريم ،فقد ضاقت به السبل وضيّقت الخناق ح��ول عنقه ،ف��ي ك��ل لحظة يعيشها ،حتى في منامه تالحقه الكوابيس لتنغص عليه أحالمه.
وقد ذيلت الغالف الخلفي كلمة الناشر التي إن أول ما يشد انتباه القارئ لمقاالت الدكتورة قال فيها: تحس وك��أن الحرف يغفو على ّ وأن��ت تقرأ.. دروزه عنوان الكتاب «من القلب» ،فمنذ الوهلة األول��ى يشطح بك الخيال لتتساءل :م��اذا تريد أصابعها ،في محاولة منه الصطياد اللحظة، الكاتبة؟ وهل ما جادت به قريحتها هو إحساسها ث � ّم ع��وال��م شفيفة أخ ��اذة تنقلك إليها الكاتبة الصادق بخلجات قلوب أبناء شعبها وأمتها ،التي وهي تنسج من وهج القلب طرقاً تتسع لقدمين يعتصرها األلم والمعاناة مما تكابد من ويالت متعبتين،ث ّم فرح تذريه ليمأل الحضرة ،ودمعة االح�ت�لال الغاشم؟ أم م��ا يربض على صدرها ت�ح��اول أن تمسحها ،ث � ّم م�ف��ردة شقية تشاكس من مكابدتهم للممارسات القهرية ،والضغوط صخبك لتجرك إلى التعبد في ملكوت الحرف النفسية ال�ت��ي يعايشها ك��ل م��واط��ن ف��ي حياته ال�ق��ادر على منحك أكثر مما تنتظر م��ن ورود اليومية ،فتجعله محبطا يائسا ،يترنح من معاول بساتين الكاتبة.
اجلوبة -شتاء 1433هـ 127
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
> إعداد :عماد املغربي
الدكتور الزهراني أثناء إلقاء محاضرته
ضمن النشاط الثقافي بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية لعام 1433/1432ه� �ـ ،أقيمت بقاعة العرض والمحاضرات في دار الجوف للعلوم يوم الثالثاء 1433/1/11ه��ـ محاضرة عن« :تجارب في الرواية السعودية» ،ألقاها الدكتور معجب بن سعيد الزهراني- عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية ،بجامعة الملك سعود، قدم لها األستاذ خالد بن عبدالرحمن العيسى ،عضو النادي األدبي بالجوف. ب��دأه��ا ال�م�ح��اض��ر ب��ال�ع�ن��وان ال ��ذي اق�ت��رح��ه ل�ه��ا( :رب �ي��ع الرواية السعودية ..جاذبية الخطاب الروائي ودالالت��ه) ،مشيراً إلى بعض المعطيات التي تبرر الحديث عن ربيع رواياتنا الوطنية ،كخطاب ثقافي جديد وجذّاب بأكثر من معنى ،وعما حققته الرواية الوطنية من إنجازات ،وما تبشر به من وعود ،وقد حضرها عدد من أعضاء المجلس الثقافي ،وجم ٌع من أهالي المنطقة.
128اجلوبة -شتاء 1433هـ