34-Joba(3)

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 34‬شتاء ‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫األمير سلمان‬ ‫ابن عبدالعزيز‬ ‫شخصية منتدى‬ ‫األمير عبدالرحمن‬ ‫السديري لعام‬ ‫‪2011‬م‪1433-‬هـ‬

‫سيرة وإبداع‬ ‫معالي الدكتور‬ ‫عبد الواحد احلميد‬

‫مواجهات‬ ‫دراسات ونقد‬ ‫نوافذ‬ ‫عبدالدامي السالمي د‪ .‬معجب الزهراني‬ ‫عن رحيل‬ ‫جان ماري لو كليزيو‬ ‫العباد‬ ‫زكريا‬ ‫ّ‬ ‫األديب اجلهيمان‬ ‫صالح السهيمي‬ ‫هيا صالح‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الشعر بين التراث والحداثة‬ ‫‪34‬‬

‫الدهون‪ ,‬عبدالله السفر‪ ,‬مالك اخلالدي‪,‬‬ ‫مبشاركة‪ :‬عبدالغني فوزي‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم ّ‬ ‫محمد جميل أحمد‪ ,‬د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله‪,‬‬

‫‪34‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫من إصدارات اجلوبة‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬

‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُ ّ‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 624 5992‬فاكس ‪ - 04 426 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 412 5277 - 01 412 5266‬فاكس ‪ - 01 402 2545‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org‬‬


‫العدد ‪34‬‬ ‫شتاء ‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6263455 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www. aljoubah. com aljoubah@gmail. com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري للدراسات السعودية يحتفي‬ ‫بصاحب السمو امللكي األمير‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع‬

‫‪16.....................‬‬ ‫ملف العدد‬ ‫الشعر بني التراث واحلداثة‬

‫‪88.....................‬‬ ‫حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬معجب الزهراني‬

‫‪101....................‬‬ ‫سيرة‪ ..‬وإبداع‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬ ‫لوحة الغالف‪ :‬أسرار‪.‬‬

‫للفنانة التشـكيليـة السعودية‪ :‬يازي الرويلي‪،‬‬ ‫من منطقة اجلوف‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4 . ....................................................‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات‬ ‫السعودية في دورته الخامسة ‪6 . ..........................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬الشعر بين التراث والحداثة ‪16 . ....................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬تقارب الظواهر الفنية في القصة السعودية ‪-‬‬ ‫د‪ .‬عالء الجابري ‪41 . ...........................................‬‬ ‫القصيبي الصراع بين الشخصيتين ‪ -‬زكريا العبّاد ‪45 ........‬‬ ‫«حيث ال تسقط األمطار» ألمجد ناصر ‪ -‬هيا صالح‪48 ......‬‬ ‫كينون ُة المصطلحِ ‪ -‬عبدالدائم السالمي ‪54 ...................‬‬ ‫«صابون تازة» إلبراهيم الحجري ‪ -‬هشام بنشاوي‪58 .........‬‬ ‫القصة القصيرة جداً في االردن ‪ -‬عمر العامري‪61 . ...........‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬الثمالة ‪ -‬نادية أحمد محمد ‪67 . ..............‬‬ ‫الرحيل ‪ -‬مصطفى إبراهيم شرف‪69 . ........................‬‬ ‫صلواتٌ على روح «يوسف» ‪ -‬زكية نجم ‪70 . ...................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬ضاري الحميد ‪71 . ....................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬عبير المقبل‪72 . .......................‬‬ ‫لحظات من الزمن الهارب ‪ -‬محمد محقق ‪73 . ...............‬‬ ‫اجتيــــاح ‪ -‬نورة عبدالله السفر‪74 . ............................‬‬ ‫شعر‪ :‬أنا أنثاكَ حتى العظمِ عاشق ٌة ‪ -‬لبنى محاميد‪75 . ........‬‬ ‫ثوب ال يناسب الحفلة ‪ -‬هدى ياسر ‪76 . ......................‬‬ ‫هزني الشوق ‪ -‬عبدالله أحمد األسمري ‪77 . ..................‬‬ ‫حديقة الشروق ‪ -‬ليلى الحربي‪78 . ............................‬‬ ‫ال إكراه في الحب ‪ -‬حامد أبو طلعة ‪79 . ........................‬‬ ‫أسرج خيولك‪ - !!!..‬ثاني الحميد‪80 . ...........................‬‬ ‫رسالة إلى رجل غبي ‪ -‬إيمان مرزوق ‪81 . .....................‬‬ ‫مواجهات ‪ :‬حوار مع جان لو كليزيو ‪ -‬سعيد بوكرامي‪82 . ......‬‬ ‫حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬معجب الزهراني ‪ -‬محمود الرمحي‪88 ........‬‬ ‫حوار مع الكاتب صالح السهيمي ‪ -‬أحمد الدمناتي ‪92 .......‬‬ ‫حوار مع الشاعر أحمد البوق ‪ -‬عمر بوقاسم ‪98 .............‬‬ ‫سيرة‪ ..‬وإبداع‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪ -‬المحرر الثقافي ‪101 . .‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الجهيمان ملك األساطير الشعبية ‪ -‬شمس علي ‪105 . ...‬‬ ‫على ضفاف الجوبة ‪ -‬صالح الحسيني ‪111 ....................‬‬ ‫قصيدة عزلة لـ توماس ترانسترومر ‪ -‬أحمد عثمان‪112 .......‬‬ ‫لوحات زينب السجيني ‪ -‬سعيد نوح ‪116 .......................‬‬ ‫مال واقتصاد‪ :‬االنكماش االقتصادي ‪ -‬نشأت الحوري ‪121 . ....‬‬ ‫قراءات ‪124 . .....................................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية ‪128 . .........................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫الكتابة عن ملف العدد حول الشعر العمودي بين التراث والحداثة‬ ‫محفوفة بالمحاذير؛ نظرا ألن الرهان الدائم هو على القصيدة من حيث‬ ‫درجة اإلبداع الذي حملته‪ ..‬ال من حيث الشكل الذي أتت عليه و اختار لها‬ ‫شاعرها أن يلبسها إياه؛ فالشكل الذي تلبسه القصيدة ال يمكن أن يكون‬ ‫هو المحدد إلبداعيتها‪ ،‬والدليل أن هناك آالفا من القصائد الشعرية ال‬ ‫تكاد تجد فيها ما يحرك في قارئها أي قبول لها أو تفاعل معها‪ ،‬فيما تجد‬ ‫هذا التفاعل مع أشكال أخ��رى للقصيدة‪ ،‬ال تجده في غيرها‪ .‬والعكس‬ ‫صحيح‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإن السجال الذي كان يدور بين الشعراء المبدعين دوما‬ ‫هو على درجة اإلبداع والشعرية في القصيدة ال على الشكل‪ ،‬ولهذا فقد‬ ‫قال الشاعر الجاهلي منذ زمن بعيد «هل غادر الشعراء من متردم»‪ .‬وهل‬ ‫لشاعر أن يجرؤ على كتابة قصيدة بعد عنترة‪ ،‬إذ أن الشاعر المبدع‬ ‫يتردد كثيراً في إعالن قصيدته قبل أن يتأكد من شاعريتها‪ ،‬ولهذا‪ ..‬ورغم‬ ‫الشاعرية التي يحملها ع��دد من الشعراء‪ ،‬إال أنهم يرفضون تصنيفهم‬ ‫كذلك؛ حينما يسترجعون قول عنترة؛ فتصبح القصيدة غيمة ممطرة أو‬ ‫متجاوزة‪.‬‬ ‫ومن هنا كان ره��ان الشعراء على القصيدة ال على شكلها‪ ،‬حتى بعد‬ ‫مرورها بمراحل تطور و تغير في العصور التي تلت عصور الشعر األولى‪،‬‬ ‫وفي عهد الخالفة األموية والعباسية واألندلسية وغيرها‪ .‬ولم يأت السجال‬ ‫على الشكل المغاير تماما إال في العصر الحديث‪ ،‬مع ب��روز األشكال‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫وإذ نقدم هذا الملف في الجوبة للحديث‬ ‫حول القصيدة العمودية‪ ،‬فإننا نبذل جهدنا‬ ‫ف��ي إع �ط��اء ص ��ورة ع��ن ه��ذا ال�ف��ن الشعري‬ ‫األصيل‪ ،‬آملين أن يعود للقصيدة العمودية‬ ‫وهجها‪ ،‬وأن تحيي مالمحها صنوف البالغة‬ ‫الشعرية في القصيدة العمودية بعد أن خفتت‬ ‫في كثير من النصوص الشعرية التي يعدها‬ ‫بعضهم ش �ع��را‪ ،‬ف��ي ال��وق��ت ال ��ذي ال يكتب‬ ‫لها الخلود الستسهال الصعود إلى قامتها‪.‬‬ ‫مسلطين الضوء على نواح عديدة منه‪ ،‬بدءاً‬ ‫باإليقاع بمعناه الواسع الذي يضم العروض‬ ‫واإلي� �ق���اع ال ��داخ� �ل ��ي‪ ،‬و ت� �ص ��ادي التجارب‬ ‫الشعرية‪ ،‬وتراسلها‪ ،‬والتناص‪ ،‬وعالقة النص‬ ‫بالنصوص األخرى‪ ،‬كما يرى الدكتور عبدالغني‬ ‫فوزي‪ ،‬الذي يؤكد أن ممارسة التجريب لدينا‬ ‫اقتصرت ‪ -‬على األرجح ‪ -‬على مقاربة الشكل‬ ‫الشعري‪ ،‬بوصفه يمثل الحداثة الشعرية أو‬ ‫الكتابة ال�ج��دي��دة‪ ،‬بينما ف��ي العمق ل��م تزل‬ ‫القيم والعواطف واالنفعاالت هي ذاتها التي‬ ‫أسرت القصيدة التقليدية‪ ،‬وهو يرى أن التنقل‬ ‫من شكل شعري إلى آخر ال يعني بالضرورة‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫المخالفة للشكل التقليدي للقصيدة‪ ،‬واتساع‬ ‫عباءتها لتشمل قصائد التفعيلة وقصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬وإن اختلف الكثيرون حول ذلك‪.‬‬

‫التجديد‪ .‬أو كما يرى الدكتور إبراهيم الدهون‬ ‫أن استدعاء التراث واستلهامه يتطلب شاعرا‬ ‫موسوعيا لتوظيفه في الجملة الشعرية‪ ،‬ويرى‬ ‫الناقد عبدالله السفر أن األزمة في القصيدة‬ ‫ليست أزم��ة نص أو منتج‪ ،‬بل أزم��ة الشاعر‬ ‫المبدع ال��ذي يطوّع النص‪ ،‬فيما ترى مالك‬ ‫الخالدي أن الثورة على النسق تخلق مدرسة‬ ‫شعرية خالصة‪ ،‬بينما يرى الشاعر والناقد‬ ‫محمد جميل أحمد أن الرهان على القصيدة‬ ‫ال �ع �م��ودي��ة ال ي�ت�ص��ل ب �ع�لاق��ة ض��دي��ة حيال‬ ‫قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر‪ ،‬نافيا هيمنة‬ ‫نمط شعري على آخر‪ ،‬معتبرا أن الرهان على‬ ‫القصيدة هو شكل من أشكال الرهان على‬ ‫الحرية التي تليق بطبيعة الشعر‪ ،‬وه��ذا ما‬ ‫ينتهي إليه الدكتور محمود عبدالحافظ من‬ ‫عدم استطاعة لون شعري إلغاء اللون الشعري‬ ‫اآلخ��ر‪ ،‬ألن الشعراء المبدعين ينظرون إلى‬ ‫النص من زوايا متقاربة وليست متنافرة‪.‬‬ ‫وف��ي الختام‪ ،‬يقول الشاعر شوقي بزيع‬ ‫«يتقدم الشاعر إل��ى قصيدته وس��ط غابة‬ ‫شاسعة من الظلمات»‪ ،‬و يقول صالح ستيتية‬ ‫«ال�ش��اع��ر ه��و ال��رام��ي األع �م��ى ال ��ذي يملك‬ ‫ال �ق��درة ‪-‬رغ ��م ع �م��اه‪ -‬للتصويب إل��ى قلب‬ ‫الهدف أو جوهر المعنى»‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية في دورته الخامسة‬ ‫يحتفي بصاحب السمو الملكي األمير‬

‫سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫وزير الدفاع‬ ‫كشخصية للمنتدى إلسهاماته المتميزة‬ ‫في مجاالت اإلدارة المحلية والتنموية‬ ‫> كتب محمد صوانه‬

‫احتفت مؤسسة عبدالرحمن السديري بصاحب السمو الملكي األم��ي��ر سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز وزير الدفاع كشخصية لمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات‬ ‫السعودية في دورته الخامسة لعام ‪1433‬هـ (‪2011‬م)‪ ،‬وذلك خالل الحفل الختامي لفعاليات‬ ‫المنتدى الذي استمر لمدة يومين من ‪ 18-17‬محرم ‪1433‬هـ (‪ 13-12‬ديسمبر ‪2011‬م)‪ ،‬الذي‬ ‫أقامته المؤسسة في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض‪ ،‬تقدير ًا لجهود سموه في تأصيل‬ ‫اإلدارة المحلية وتطويرها تخطيط ًا وإشرافاً؛ وشمل المنتدى ندوة بعنوان «اإلدارة المحلية‬ ‫والتنمية» شارك فيها نخبة من الباحثين المتخصصين قدموا أربع أوراق عمل ناقشت‬ ‫جوانب متنوعة في مجال اإلدارة المحلية‪.‬‬ ‫وحضر حفل التكريم عدد من أصحاب السمو الملكي األم��راء وأصحاب المعالي‬ ‫الوزراء‪ ،‬وعدد من سفراء الدول العربية والصديقة في المملكة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة‬ ‫االمير سلمان بن عبدالعزيز وإلى يمينه االمير فيصل بن عبدالرحمن السديري وإلى يساره االمير سلطان بن عبدالرحمن السديري‬

‫وجاء تكريم سموه تقديراً إلسهاماته المتميزة إمارة منطقة الرياض‪.‬‬ ‫في اإلدارة المحلية والتنموية والتخطيط‪ ،‬التي‬ ‫وأضاف إن هذا المنتدى هو أحد المناشط‬ ‫أس�ه�م��ت ف��ي ت��أص�ي��ل ال�ع�م��ل االداري المحلي المنبرية الدورية التي تقيمها المؤسسة‪ ،‬وتتوخى‬ ‫وتطويره وإعطائه البعد العالمي الخالق بعيدا م��ن خ�لال �ه��ا ت �ن��اول ب �ع��ض م��وض��وع��ات الوطن‬ ‫عن المحلية‪ ،‬ومن خالل خبرة سموه في الحكم الجديرة باالهتمام‪ ،‬مبينا أن المنتدى قد تناول في‬ ‫المحلي التي امتدت على نحو خمسة عقود‪ ،‬قدم دوراته السابقة مواضيع شملت الهيئات الخيرية‬ ‫خاللها نظرة متقدمة في معالجة قضايا محلية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪،‬‬ ‫ووطنية متنوعة ومعقدة‪ ،‬والتعامل مع مختلف واألزمة المالية العالمية‪ ،‬والنظام القضائي في‬ ‫فئات المجتمع‪.‬‬ ‫المملكة‪ ،‬والنظام الصحي السعودي‪.‬‬

‫كلمة رئيس مجلس اإلدارة‬

‫وق ��ال‪ :‬إن هيئة المنتدى اخ �ت��ارت أن تكون‬ ‫«اإلدارة المحلية وال�ت�ن�م�ي��ة» م��وض��وع ال ��دورة‬ ‫الخامسة استشعاراً منها ألهمية هذا الموضوع‬ ‫ف��ي ال �م��رح �ل��ة ال �م �ع��اص��رة م��ن م �س �ي��رة الوطن‬ ‫التنموية‪ ،‬وق��د ت �ن��اول ه��ذا ال�م��وض��وع بالبحث‬ ‫والطرح والنقاش في ندوة المنتدى مجموعة من‬ ‫المتخصصين‪.‬‬

‫وألقى األمير فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫رئيس مجلس إدارة المؤسسة كلمة في الحفل‬ ‫قال فيها‪ :‬إن لجنة المنتدى اختارت الشخصية‬ ‫المناسبة للموضوع المطروح في ندوة المنتدى‪،‬‬ ‫ولهذا كان المُحْ تَفَى به هو صاحب السمو الملكي‬ ‫األمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض‬ ‫السابق وزيرالدفاع‪ ،‬لدوره المعروف في اإلدارة‬ ‫وأك��د أننا‪« :‬نسعد بأن يكون لهذه المؤسسة‬ ‫المحلِّية من خالل عمله فيها ألكثر من خمسين ش��رف اإلس �ه��ام ف��ي خ��دم��ة ال�ث�ق��اف��ة ف��ي وطننا‬ ‫عاماً‪ ،‬ولمساهمات سموه الكريم المتميزة في م��ن خ�لال م��ا ت��وف��ره مكتباتها ال�ع��ام��ة‪ ،‬وتقدمه‬ ‫مجاالت اإلدارة المحلية والتنمية خ�لال تولّيه برامجها للنشر ودعم األبحاث‪ ،‬وتحييه مناشطها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫كلمة شخصية المنتدى‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وزير الدفاع‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم‪..‬‬ ‫أيها اإلخوة واألخوات الحضور‪ ،‬أيها األبناء والبنات‪..‬‬ ‫أن��ا سعيد ه��ذه الليلة أن أل��بّ��ي دع��وة مؤسسة الخال‬ ‫عبدالرحمن السديري التي أقامها أبناؤه البررة ألكون‬ ‫بينكم‪ ،‬وإنني إن قدمت شيئا لمدينة الرياض أو لمنطقة‬ ‫الرياض أو لبالدي فهو نهج هذه الدولة وتوجيهات ملوك‬ ‫هذه الدولة التي عملت في عهودهم‪.‬‬ ‫نحن والحمدلله منذ أقام الملك عبدالعزيز هذه الدولة وخلفه‬ ‫أبناؤه‪ :‬سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله‪ ،‬ونحن والحمد لله نعيش في أمن واطمئنان وتعاون‪،‬‬ ‫ونعيش والحمدلله أسرة واحدة في هذه البالد‪ .‬وما تم في هذه البالد والحمد لله هو من فضل‬ ‫الله عز وجل‪ ،‬وال شك أن اندماجنا الكامل في هذه الدولة بيننا كمواطنين هو بما وصلنا إليه‬ ‫حتى هذه الساعة‪ ،‬فليس لي فضل في شيء إطالق ًا فهذا واجبي وتوجيهات قادتنا في هذا البلد‪.‬‬ ‫أشكر المؤسسة وأبناء الخال عبدالرحمن البررة أن أقاموا هذا الحفل حتى أكون بينكم وأسمع‬ ‫منكم‪ ..‬والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬ ‫المنبرية»‪ ،‬مضيفاً «هذه المؤسسة غير الربحية‬

‫كلمة هيئة المنتدى‬

‫التي تعود جذورها لنصف قرن مضى‪ ،‬هي من‬

‫كما ألقى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عضو‬ ‫هيئة المنتدى كلمة استعرض فيها جوانب من‬ ‫شخصية األمير سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬مؤكدا أنه‬ ‫«شخصية تتعدد مباحثها وأغوارها‪ ،‬وتغري من‬ ‫يعشق الرصد والسبر والتحليل»‪ ،‬ووصفه بأنه‬ ‫«شخصية إداري ��ة متألقة‪ ،‬جعلت م��ن ممارسة‬ ‫العمل السياسي واألم �ن��ي فنا يمتزج فيه البر‬ ‫والتنمية والثقافة‪ ،‬وشكلت م��ن روح التواصل‬ ‫االج �ت �م��اع��ي واإلن��س��ان��ي وج �ه��ة ل �ك��ل مكونات‬ ‫المجتمع‪ ،‬ومثقفيه بخاصة»‪.‬‬

‫بنات فكر مؤسسها –يرحمه الله‪ -‬ال��ذي تحمل‬ ‫اسمه»‪.‬‬ ‫وأش��ار السديري إلى أن هناك وجها مشرقا‬ ‫لدولتنا حريّ بنا أن نشيد به‪ ،‬ونحكي ما تمخض‬ ‫عنه‪ ،‬ونحفظ مكاسبه‪ ،‬ونضيف إليه‪ ،‬فهناك وجه‬ ‫أصيل لثقافتنا يسمو إلى الريادة‪ ،‬ويش ّع بالنور‪،‬‬ ‫ويبعث على األمل‪ ،‬وقال‪« :‬إنه ليشرف المؤسسة‬ ‫أن يكون رج��ل اإلدارة والتنمية بامتياز األمير‬

‫‪8‬‬

‫سلمان أمير منطقة الرياض السابق وزير الدفاع‪،‬‬ ‫وأضاف الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪« :‬تظل‬ ‫شخصية منتدى األمير عبدالرحمن السديري»‪ ،‬تجربة العاصمة مع التنمية اإلدارية المحلية بيت‬ ‫موجهاً شكره لسموه على قبول ه��ذا الترشيح‪ ،‬القصيد في هذا التكريم‪ ،‬ألنها قصة نادرة فيما‬ ‫وعلى عنايته الدائمة بهذه المؤسسة‪.‬‬ ‫نعرفه م��ن ال�ت�ج��ارب‪ ،‬ملحمة حضارية جمعت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة‬

‫بين األصالة والمعاصرة‪ ،‬والتاريخ والجغرافيا‪،‬‬ ‫والمنارة والعمارة‪ ،‬والتحديث واالخضرار‪ ،‬ستظل‬ ‫تجربة ثرية يمتح منها المنظر والخبير في مجال‬ ‫التنمية المحلية‪ ،‬في سيرة مسؤول أهدى زهرة‬ ‫شبابه لكتابة التاريخ الحديث لهذه العاصمة التي‬ ‫اختارها جده‪ ،‬وأعزها أب��وه‪ ،‬وأسلمها إخوته له‬ ‫جانب من الحضور‬ ‫من أجل البناء واإلنسانية‪ ،‬ثم ناولها ألخيه سطام‬ ‫المحلية السعودية كمنطلق للتطوير‪.‬‬ ‫وه��ي على ح��ال م��ن النضج والتكامل تزهو به‬ ‫وك��ان��ت ن��دوة المنتدى ف��ي دورت ��ه الخامسة‬ ‫العواصم والحواضر»‪.‬‬ ‫بعنوان «اإلدارة المحلية والتنمية»‪ ,‬هدفت إلى‬ ‫م��ن جهته‪ ،‬ع��رض الدكتور ع��دن��ان الشيحة‪،‬‬ ‫التعريف بواقع اإلدارة المحلية وما يكتنفها من‬ ‫رئ �ي��س ق �س��م اإلدارة ال �ع��ام��ة ب�ج��ام�ع��ة الملك‬ ‫ت�ح�ـ��دي��ات وف ��رص وت�ح��دي��د م�ق��وم��ات نجاحها‪,‬‬ ‫سعود‪ ،‬توصيات ندوة اإلدارة المحلية والتنمية‪،‬‬ ‫وتقييم ال �ق��درات الحالية على تفعيلها وبلورة‬ ‫التي بحث الخبراء فيها مفهوم اإلدارة المحلية‬ ‫الخطوات الالزمـة لتطبيقها‪ ،‬وتعـزيز التوجـه نحو‬ ‫والتجارب الدولية والتحديات الراهنة‪ ،‬إضافة‬ ‫تطوير اإلدارة المحـلية ألداء دور أكبر في تحـقيق‬ ‫إلى النموذج المقترح لإلدارة المحلية السعودية‪،‬‬ ‫تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومستدامة‪،‬‬ ‫تتضمن تحليال لإلطار التنظيمي الراهن لإلدارة والتعرف على التجارب واالتجاهات الحـديثة في‬ ‫مجال اإلدارة المحـلية‪ ،‬واقتراح نموذج لإلدارة‬ ‫المحلية يستند على الثوابت‪ ،‬ويحـقق الكفاءة‬ ‫وال�ف��اع�ل�ي��ة‪ ،‬ويستجيب للمستجدات وأنماط‬ ‫االستهالك الجـديدة‪.‬‬

‫أوراق عمل ندوة اإلدارة المحلية والتنمية‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬

‫وقد أقيمت ندوة اإلدارة المحلية والتنمية‬ ‫ي��وم االثنين ‪ 18‬محرم ‪1433‬ه �ـ (‪ 12‬ديسمبر‬ ‫‪2011‬م)‪ ,‬شارك فيها أربعة من خبراء اإلدارة‬

‫يعد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية واحد ًا من أبرز‬ ‫فعاليات مؤسسة عبدالرحمن السديري الثقافية‪ ،‬يقام سنوي ًا بالتناوب بين الجوف والغاط‪.‬‬ ‫وقد أقيمت دورته األولى في الغاط عام ‪2007‬م‪ ،‬وتشمل فعالياته ندوة تتناول موضوع ًا ذا‬ ‫أهمية على مستوى الوطن‪ ،‬يدعى لها مجموعة من المتخصصين في مجالها‪ ،‬إضافة إلى إقامة‬ ‫معرض إلصدارات المؤسسة‪ ،‬مع تكريم شخصية لها إسهام واضح في موضوع ندوة المنتدى‪.‬‬ ‫وتنظم أعمال المنتدى هيئة مشرفة وفق الئحة معتمدة من قبل مجلس إدارة المؤسسة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫المحلية‪ ،‬ت �ن��اول��وا فيها ع ��ددا م��ن المحاور‪،‬‬ ‫توزعت على جلستين‪.‬‬ ‫وقد افتتح الدكتور سلمان بن عبدالرحمن‬ ‫ال� �س ��دي ��ري ع��ض��و م �ج �ل��س إدارة مؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية فعاليات الندوة‬ ‫بكلمة رح ��ب فيها ب��ال�م�ش��ارك�ي��ن والحضور‪،‬‬ ‫وأع��رب عن أمله في أن يحقق ه��ذا المنتدى‬ ‫األه��داف التي وضعتها هيئة المنتدى‪ ،‬والتي‬ ‫تتلخص في تسليط الضوء على موضوع اإلدارة‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري‬ ‫المحلية والتنمية‪ ،‬وتمنى أن يخرج المنتدون‬ ‫بنتائج وتوصيات نافعة لكل المهتمين بموضوع مؤسسة ثقافية غير ربحية تعنى بتنمية البعد‬ ‫المنتدى‪.‬‬ ‫الثقافي لمجتمعيّ الجوف والغاط من خالل‬ ‫وأش ��ار ال��دك�ت��ور سلمان ال�س��دي��ري إل��ى أن م��رك��زه��ا ال��رئ �ي��س ب��ال �ج��وف‪ ،‬وف��رع �ه��ا مركز‬ ‫م��ؤس �س��ة ع �ب��دال��رح �م��ن ال �س��دي��ري الخيرية الرحمانية الثقافي بالغاط‪.‬‬

‫الجلسة األولى‬ ‫مفهوم اإلدارة المحلية والتجارب الدولية والتحديات الراهنة‬ ‫أدارها الدكتور سعود بن محمـد النمر‬ ‫الورقة األولى‬ ‫مفهوم اإلدارة المحلية وتوجهاتها الجديدة‪ ،‬والتجـارب الدولــية والـدروس المسـتفادة‬

‫الدكتور خـالد بن عثمان اليحيى‬

‫زميل جامعة هارفارد‪ ،‬ورئيس برنامج الحوكمة واإلدارة المقارنة بكلية دبي لإلدارة الحكومية‪،‬‬ ‫وجامعة والية أريزونا األمريكية‬

‫استعرض الدكتور اليحيى في ورقته مجموعة المفاهيم واألط��ر المعرفية المتعلقة باإلدارة‬ ‫المحلية والالمركزية من منظور مقارن‪ .‬وناقش أهمية التحول إلى نظام اإلدارة المحلية ودوافعه‬ ‫في العديد من ال��دول‪ ،‬ومحددات النماذج والمداخل المبتكرة لتطبيق منظومة صنع السياسات‬ ‫وال��ق��رارات‪ ،‬وإدارتها بما يتناسب مع ظروف الدولة االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬ويمكِّ ن‬ ‫المجتمعات من الوصول إلى معادلة مستدامة للحكم واإلدارة‪ ،‬بمقاييس الزمان والمكان‪ ،‬تحقق‬ ‫التوافق بين مقتضيات السياسات واألهداف اإلستراتيجية للدولة العصرية من جهة‪ ،‬ومتطلبات‬ ‫الوفاء بالحاجات والمصالح ذات الصبغة المحلية‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ مفهوم اإلدارة والحوكمة المحلية وتطبيقاتها‪ ،‬وأوجة التشابه‬‫واالختالف بينها لدى دول في أوربا وأمريكا و آسيا والشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬وخالصة بعض هذه التجارب‪.‬‬ ‫ مقومات اإلدارة والحوكمة المحلية‪.‬‬‫ بعض التحديات التى واج�ه��ت وت��واج��ه مخططي التنمية‬‫ومديري اإلدارة والحوكمة المحلية‪ ،‬وبخاصة غياب التوافق‬ ‫بين التفكير والتخطيط اإلستراتيجي والتنفيذ اإلستراتيجي‬ ‫في مراحل تطور اإلستراتيجية الوطنية ل�لإدارة المحلية‪،‬‬ ‫وتحليل البيئة الخارجية والداخلية لالمركزية‪.‬‬

‫د‪ .‬سعود النمر يدير الجلسة األولى‬

‫ ال �ت �ط��ورات وال�ت��وج�ه��ات ال �ج��دي��دة ف��ي اإلدارة والحوكمة‬‫المحلية‪.‬‬

‫م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة‬

‫كما‪ ,‬ناقشت الورقة‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬العناصر األتية‪:‬‬

‫د‪ .‬خالد اليحيى‬

‫الورقة الثانية‬ ‫تحــديات اإلدارة الـمـحـلية السـ ــعودية‬

‫الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري‬ ‫وكيل إمارة مكة المكرمة‬

‫وقد عرض الدكتور الخضيري فيها أهم التحديات التي تواجه العمل اإلداري السعودي اليوم‪ ،‬وهو‬ ‫تحديد المسئوليات والصالحيات لإلدارة المحلية‪ ،‬وإعطاؤها الدور التنموي الذي يجب أن تقوم به‪،‬‬ ‫ويأتي ذلك نتيجة عدم استيعاب المفاهيم والمصطلحات اإلدارية‪.‬‬ ‫وأكد أن المفاهيم والمصطلحات اإلدارية إذا لم‬ ‫يتم استيعاب المقصود منها ودوره��ا والفرق بينها‪،‬‬ ‫فإن تداخلها وتعارضها وتصادمها يصبح أمراً حتمياً‪.‬‬ ‫وم��ن أه��م المفاهيم اإلداري ��ة األساسية التي يجب‬ ‫فهمها وإدراك معانيها هو الفرق بين مفهوم الحاكم‬ ‫اإلداري والمسئول اإلداري على المستوى المحلي‪،‬‬ ‫ومسئوليات وصالحيات كل منهما‪ ،‬وعالقة كل منهما‬ ‫بالمستويات اإلدارية األعلى‪.‬‬ ‫وهذا التداخل في الصالحيات والمسئوليات ينعكس‬ ‫وأك��د أن ال�ت��داخ��ل بين مسئوليات وصالحيات بأثرة السلبي على أداء بقية األجهزة على المستوى‬ ‫الحاكم اإلداري على المستوى المحلي (‪ )Governor‬اإلقليمي والمحلي‪ ،‬ويؤثر بشكل سلبي على العالقة‬ ‫والمسئول اإلداري مثل أمين المدينة أو رئيس البلدية مع األجهزة المركزية‪.‬‬

‫(‪ )Mayor‬يؤدي إلى ازدواجية‪ ،‬وإرباك لألدوار المطلوبة‬ ‫وق��ال الدكتور الخضيري‪ :‬إن تجربة المملكة في‬ ‫من كل واحد منهما‪ ،‬ويتسبب في تداخل المسئوليات‪ ،‬اإلدارة المحلية من خالل العالقة بين الحاكم اإلداري‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪11‬‬


‫والمسئول اإلداري أصبحت متداخلة‪ ،‬بشكل أصبح‬ ‫معه العمل غير معروف المرجعية أو المسئولية‪ ،‬وأُثقِ َل‬ ‫أم��راء المناطق بمسئوليات وأعمال يغلب عليها العمل‬ ‫اإلداري البلدي‪ ،‬وليس العمل المرتبط بمسئولية الحكم‬ ‫المتضمن تحقيق الرفاهية للمواطن وحماية حقوقه‬ ‫وأمنه التي كفلها النظام له‪.‬‬ ‫إن التحديات ال�ت��ي تواجهها اإلدارة المحلية في‬ ‫المملكة العربية السعودية م��ن ه��ذا المنظار تتطلب‬ ‫اإلطالع على كل األنظمة والتعليمات والتغييرات التي‬ ‫ص��درت خ�لال الفترة الماضية‪ ،‬وبخاصة منذ تاريخ‬ ‫ص��دور نظام المناطق وحتى تاريخه‪ ،‬للخروج برؤية‬ ‫إداري��ة تنموية محليه تعزز االهتمام بتوطين التنمية‬ ‫وتحقيق االستقرار السكاني والرفاهية االجتماعية‪،‬‬ ‫وتضمن حماية حقوق وأمن المواطن والمقيم‪ ،‬مستفيدة‬ ‫في ذلك من كل التجارب المحلية واإلقليمية والعالمية‪.‬‬

‫ك�م��ا تتطلب ال �ت �ح��دي��ات اإلداري � ��ة دراس� ��ة متأنية‬ ‫للعالقة اإلدارية بين ما يسمى باإلدارة الرأسية واإلدارة‬ ‫األفقية‪ ،‬واللتين تتقاطعان في اإلدارة المحلية‪ ،‬وتؤثران‬ ‫إيجاباً وسلباً عليها وعلى مخرجاتها اإلداري��ة والمالية‬ ‫والتنموية‪ ،‬وع��دم تكاملهما مع بعضهما يؤثر في أداء‬ ‫اإلدارة المحلية‪ ،‬ويعزز من استمرار االزدواجية اإلدارية‬ ‫بين األجهزة المحلية والمركزية‪.‬‬ ‫وركزت الورقة على إلقاء الضوء على أهم التحديات‬ ‫اإلدارية المحلية في ضوء ما ذُكر‪ ،‬واقترح الباحث بعض‬ ‫الرؤى والتصورات التي يمكن تطويرها لدعم وتعزيز دور‬ ‫اإلدارة المحلية في المناطق والمحافظات في تحقيق‬ ‫أه ��داف خطط وإس�ت��رات�ي�ج�ي��ات التنمية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية واألمنية‪ ،‬وتعالج بعض التداخالت بين‬ ‫المسئوليات المحلية والمركزية ف��ي مجاليّ اإلدارة‬ ‫والتنمية‪.‬‬

‫الجلسة الثانية‬ ‫نموذج مقترح لإلدارة المحـلية السعودية‬ ‫أدارها الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫الورقة األولى‬ ‫تحـليل اإلطـار التنظيمي الراهن لإلدارة المحلية السعودية كمنطلق للتطـوير‬

‫الدكتور ثامـر بن مـلوح المـطـيري‬

‫أمـيـن عــام ال ـلـجـنـة الـعـلـيـا للتنظيم اإلداري‪ ،‬مــدير مــشروع التنظيم اإلداري لألجهزة الحكومية‪،‬‬ ‫وع ـضــو ه ـي ـئــة الـتــدريس بـمـعـهـد اإلدارة العامة‬

‫ق��دم الدكتور المطيري تحلي ًال لإلطار التنظيمي ال��راه��ن ل�ل�إدارة المحلية السعودية كمنطلق‬ ‫للتطـوير‪ ،‬وأش��ار إلى أن التنظيم اإلداري المحلي في المملكة جابه وما يزال جملة من الصعوبات‬ ‫والثغرات المختلفة‪ ،‬وحالت هذه المعوقات والعقبات دون تحقيق جميع األهداف المبتغاة منه‪ ،‬األمر‬ ‫الذي تؤكده طبيعة القرارات وحجم اإلنجازات المتحققة عن طريق إمارات المناطق ومجالس المناطق‬ ‫والمجالس المحلية والمجالس البلدية وبقية الوحدات المحلية األخ��رى‪ ،‬وبوجه خاص في نطاق‬ ‫التنظيم والتخطيط واإلستثمار والمشاريع الخدمية التي لم تعالج معالجة كافية مشاكل المواطنين‬ ‫واحتياجاتهم من حيث الوقوف عليها وإيجاد الحلول الالزمة لها‪ .‬إن التجربة اإلداري���ة المحلية‬ ‫السعودية لم تحدد بعد معالم طريقها بوضوح‪ ،‬ما يحتم المضي قدم ًا في معالجتها تدريجي ًا في ضوء‬ ‫التطبيق والممارسة‪ ،‬وعلى هدي واقع كل بيئة ومنطقة محلية تبع ًا للظروف واألوضاع الخاصة بها‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد يدير الجلسة الثانية‪،‬‬ ‫وإلى يساره د‪ .‬ثامر المطيري‬

‫م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة‬

‫وعليه‪ ،‬فال بُدّ من مبادرة جادّة وسريعة من‬ ‫الدولة للشروع في وضع القواعد الكفيلة بتقوية‬ ‫دور جميع ال��وح��دات اإلداري��ة المحلية‪ ،‬وتهيئة‬ ‫ك��اف��ة اإلم�ك��ان��ات ال�ت��ي تعينها على أداء الدور‬ ‫المطلوب منها‪ ،‬بما يعزز الروابط التي تصل بين‬ ‫المواطن ومجتمعه المحلي‪ ،‬وتوسيع اختصاصات‬ ‫ومسئوليات مجالس المناطق والمجالس المحلية‬ ‫والمجالس البلدية بعد إتمام تشكيلها اإلنتخابي‬ ‫والمعّين بحيث تُعّبر بحق عن إرادة مجتمعها‬ ‫المحلي في شتى المجاالت‪ ،‬وال سيما اإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية والثقافية والخدمات والمرافق‪.‬‬ ‫هذا إضافة إلى وضع وسائل تمويلية كافية في‬ ‫أي��دي وح��دات اإلدارة المحلية من أجل قيامها‬ ‫بالمهام المنوطة بها‪ ،‬مع إتاحة الفرصة أمام هذه‬ ‫الوحدات لتبنّى نظم اقتصادية واستثمارية مرنة‬ ‫للنهوض بالمصالح المحلية‪ ،‬واالستفادة في هذا‬

‫الشأن أيضاً من الرسوم والغرامات والقروض‬ ‫والسلف والمساعدات والتسهيالت االئتمانية‪،‬‬ ‫ال عن المخصص أو اإلع��ان��ة المقررة في‬ ‫فض ً‬ ‫الميزانية العامة ل�ل��دول��ة‪ .‬والعمل كذلك على‬ ‫تحقيق مبدأ جماعية القيادة المحلية‪ ،‬وحسن‬ ‫تقسيم العمل بين األجهزة المحلية المعنية كل‬ ‫حسب اختصاصه‪ ،‬بما يضمن عدم تركيز المهام‬ ‫والصالحيات في جهة محلية واحدة‪.‬‬

‫الورقة الثانية‬ ‫الـسمات المقترحة للنموذج المناسب للمملكة وأسلوب التطـبيق‬

‫د‪ .‬عدنان بن عبدالله الشيحة‬

‫رئيس قس ‏م اإلدارة العامة بكلي ‏ة إدارة األعمال‪،‬‏ جامع ‏ة الملك سعود‬

‫هدف البحث إلى التعرف على الوضع الراهن‬ ‫والتحديات التي تواجه اإلدارة المحلية السعودية‪،‬‬ ‫واقتراح نموذج ينطلق من التراث اإلداري والتطور‬ ‫التاريخي ل�ل�إدارة المحلية للمملكة والثوابت‬ ‫الوطنية والقيم السياسية واالجتماعية‪ ،‬وفي‬ ‫ال��وق��ت نفسه يستجيب للمتغيرات السكانية‬ ‫وال��ح��ض��اري��ة وال��م��س��ت��ج��دات التقنية وتحديات‬ ‫العولمة‪ ،‬ويسعى إل��ى رف��ع كفاءة العمل اإلداري‬ ‫د‪ .‬عدنان الشيحة‬ ‫المحلي‪ ،‬واالقتراب أكثر نحو تلبية احتياجات السكان المحليين الحاضرة والمستقبلة‪ ،‬من خالل‬ ‫تمكين المجالس المحلية في جلب وتحريك الموارد لالقتصاد المحلي‪ ،‬وبناء القدرات وتطويرها‪،‬‬ ‫وتحفيز مشاركة جميع مكونات المجتمع المحلي‪ ،‬ووض��ع تصور مستقبلي ألول��وي��ات التنمية‬ ‫المحلية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪13‬‬


‫فاإلدارة المحلية السعودية تواجه أزمة هوية‬ ‫وضعفاً في األداء‪ ،‬وتعاني من تعدد المرجعيات‬ ‫وت��داخ��ل ال�م�س�ئ��ول�ي��ات واألدوار ف�ي�م��ا بينها‪.‬‬ ‫ويرجع ذلك إلى عدم وجود نظام شامل لإلدارة‬ ‫المحلية ي�ح��دد األدوار والمسئوليات‪ ،‬ويقنن‬ ‫العالقة فيما بين المجالس المحلية والهيئات‬ ‫المركزية ويمنحها الصالحيات اإلدارية والمالية‬ ‫المطلوبة‪.‬‬

‫وتحديد األدوار والمسئوليات والصالحيات بين‬ ‫األجهزة المركزية ممثلة ب��ال��وزارات‪ ،‬والهيئات‬ ‫المحلية ممثلة بمجالس المناطق والمجالس‬ ‫المحلية والبلدية‪ .‬ويقوم النموذج على تحقيق‬ ‫ال �م��وازن��ة ب�ي��ن ك��ل م ��ن‪ :‬ال� �ق ��رارات المركزية‬ ‫والمحلية‪ ،‬المسئوليات والصالحيات‪ ،‬القرارات‬ ‫الفنية والقرارات السياسية االجتماعية‪ ،‬التمويل‬ ‫المركزي والتمويل المحلي‪ ،‬التحول من اإلدارة‬ ‫القطاعية إل��ى اإلدارة ال�ش��ام�ل��ة‪ ،‬والمنافسة‬ ‫والتكامل بين الوحدات المحلية‪.‬‬

‫إن المجالس النيابية المحلية تعاني من‬ ‫ضعف الصالحيات واقتصارها على سلطات‬ ‫استشارية غير ن��اف��ذة‪ ،‬وال تتمتع باإلستقالل‬ ‫إن تحقيق ه��ذه ال �ت��وازن��ات يتطلب قناعة‬ ‫اإلداري وال �م��ال��ي‪ ،‬وم��ن ث��م ل��م ت��رت��ق أدواره���ا تامة من القيادة السياسية في أن تطوير مهام‬ ‫وصالحياتها إلى مستوى صناعة القرار المحلي ومسئوليات اإلدارة المحلية ومنحها الصالحيات‬ ‫وتوجيه التنمية المحلية‪.‬‬ ‫بات أمراً ضرورياً وملحّ اً‪ ،‬وأولوية تتعلق باألمن‬ ‫وح��اول البحث صياغة نموذج شمولي يضع ال��وط�ن��ي والتنمية االق�ت�ص��ادي��ة واالجتماعية‪،‬‬ ‫تصوراً عاماً ي��وازن بين المركزية والالمركزية وال �ع �م��ل ع �ل��ى إي� �ج ��اد آل� �ي ��ات ت�ض�م��ن صناعة‬ ‫ف��ي عملية صنع ال �ق��رار ال �ع��ام‪ ،‬وكيفية توفير القرارات المحلية محلياً‪ .‬ويقترح البحث آليات‬ ‫ال �خ��دم��ات وال �م �ش��اري��ع ال �ع��ام��ة‪ ،‬بالتمييز بين للتطبيق على المدى الطويل‪ ،‬وأخرى على المدى‬ ‫القرارات الوطنية المركزية والقرارات المحلية‪ ،‬القصير‪.‬‬

‫رئيس مجلس اإلدارة والمدير العام ورئيس هيئة النشر يتابعون ندوة المنتدى‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫م��ن��ت��دى األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال�����س�����دي�����ري ل������ل������دراس������ات ال����س����ع����ودي����ة‬

‫صاحب السمو الملكي األمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع‬ ‫خالل زيارته لجناح إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري في المعرض‬

‫توصيـ ـ ــات ندوة اإلدارة المحلية‬ ‫خلصت نقاشات المنتدى إلى تأكيد أهمية‬ ‫دور اإلدارة ال�م�ح�ل�ي��ة ف��ي ال�ت�ن�م�ي��ة الوطنية‬ ‫وتحقيق الكفاءة والفاعلية‪ ،‬واالستجابة الفاعلة‬ ‫الحتياجات المجتمع‪ ،‬وتخفيف العبء اإلداري‬ ‫وال�م��ال��ي على ال��دول��ة‪ ،‬وتقليل االع�ت�م��اد على‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬وتحفيز التنمية المحلية‪ ،‬ورفع‬

‫القدرات التنافسية‪ ،‬وزي��ادة وعي المجتمع من‬ ‫خ�لال ال�م�ش��ارك��ة ف��ي العمل ال �م��دن��يّ ‪ ،‬وتعزيز‬ ‫االنتماء الوطني‪ ،‬وتنمية الكفاءات والقيادات‬ ‫المحلية‪ ،‬والتعامل بفاعلية مع التنوع الثقافي‬ ‫واالج� �ت� �م ��اع ��ي ل �ل �م �ن��اط��ق‪ ،‬وت �ح �ق �ي��ق التنمية‬ ‫المتوازنة‪.‬‬

‫معرض الصور واللوحات‬ ‫كما تضمنت فعاليات المنتدى معرضا للصور‬ ‫واإلص ��دارات‪ ،‬شاركت فيه مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‪ ،‬ودارة الملك عبدالعزيز‪ ،‬وهيئة‬ ‫تطوير مدينة ال��ري��اض‪ ،‬وأمانة منطقة الرياض‪،‬‬ ‫ومؤسسة ت��راث‪ ،‬والمجموعة السعودية لألبحاث‬ ‫وال �ت �س��وي��ق‪ .‬اش �ت �م��ل ال �م �ع��رض ع �ل��ى إص� ��دارات‬

‫الجهات المشاركة وصور ولوحات من هيئة تطوير‬ ‫مدينة الرياض‪ ،‬وقد شرّف صاحب السموالملكي‬ ‫األم� �ي ��ر س �ل �م��ان م�ن�ظ�م��ي ال �م �ع��رض بافتتاحه‪،‬‬ ‫والتجوّل فيه‪ ،‬واستعراض اإلص��دارات واللوحات‬ ‫المعروضة‪ .‬وشهد المعرض إق�ب��االً م��ن ضيوف‬ ‫المنتدى‪ ،‬واستمر المعرض لمدة أربعة أيام‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪15‬‬


‫الشعر‬

‫بني التراث واحلداثة‬

‫> إعداد‪ :‬محمود عبدالله الرمحي‬

‫ال شك أن التطوّر سُ نـّة الحياة‪ ،‬يُصيب كل مناحيها بما فيها األدب‪ ،‬وال يقول أحدٌ ببقاء المنهج الشعري‬ ‫العربي الذي ساد حياة العـرب منذ العصر الجاهلي على حاله؛ فقد طرأتْ عليه عبر العصور محاوالت مِ ن‬ ‫التجديد‪ ،‬إذ أبدع َ األندلسيون في ِشعـر التوشيح‪ ،‬وتأن ـّقَ المَهجريون في تنويع القوافي والصور‪ ،‬وأجا َد كثير من‬ ‫المعاصرين ِشع َر التفعيلة‪ .‬ولكنّ ذلك ظلّ في إطار التجديد‪ ،‬مع المحافظة على العالقة بالتراث الذي يُعدّ‬ ‫الجذور الراسخة للشعـر العربي‪ ،‬ويمثـّل العالمة البارزة في حياة العـرب‪ ،‬ولم يصل ذلك حدّ التمرد‪ ،‬وقطع كل‬ ‫الصالت بالماضي األدبي والتاريخي لألمة العربية‪.‬‬ ‫وليس منطقيا رفض النص الشعري أو قبوله الناس في تفسير ما يكتب لقوله‪:‬‬ ‫نظرا لـقـِدمه أو حداثته‪ ،‬فال بد من اعتماد معايير‬ ‫«أن��ام ملء جفوني عن شواردها‬ ‫أخرى‪ ،‬مِ ن حيث مدى استجابته للشروط األدبية‬ ‫ويسهر الناس جرّاها ويختصموا»‬ ‫األساسية‪ :‬كاللغة‪ ،‬والوزن‪ ،‬والقافية‪ ،‬والمشاركة‬ ‫فإنّ شعرّه لم يكن مُغلقا وال طلسما‪ .‬والحال‬ ‫الوجدانية‪ ،‬وال�ق��درة على التأثير في المتلقي‪،‬‬ ‫ومخاطبة عقول الطبقة المثقفة من الناس ألنّ نفسه مع الفرزدق الذي كان يُردّد‪« :‬لنا أ ْن نقول‬ ‫الشعـر منذ القِ دم صاحب رسالة وهدف‪ ،‬فمنذ ولكم أ ْن تتأوّلوا»‪ .‬والحال ذاته مع أبي تمام الذي‬ ‫العصر الجاهلي ك��ان ال�ش��اع� ُر ساعيا بشعره قيل له‪« :‬لماذا تقول ماال يُفهم»‪ ،‬فيجيب‪« :‬ولماذا‬ ‫للدفاع عن قبيلته وال��ذود عن حماها‪ ،‬كما كان ال تفهمون ما يُقال؟»‪.‬‬ ‫مُعبّرا بحرارة وصدق عن خلجات قائليه‪ ،‬فالشع ُر‬ ‫هؤالء هم أعالم الشعر العربي‪ ،‬ومع ذلك كان‬ ‫بوصلتـ ُه القلبُ وأحاسيسُ ه‪.‬‬ ‫ِشعرُهم مقروءًا ومفهومًا لدى طبقة المختصين‬ ‫الشعـر‬ ‫وإذا كان ال بد مِ ن تجنـ ّب المباشرة في ِ‬ ‫وال تصل ح ّد اإلغ��راق في الغموض‪ ،‬نتحدى به‬ ‫عقلية المتلقي واستثارتها‪ ،‬فال يخلو النص من‬ ‫إش��ارات ومفاتيح تقود إل��ى المقصود وشوارد‬ ‫المعاني‪ ،‬وإذا ك��ان المتنبي يستمتع بانشغال‬

‫الشعر العربي بين التراث والحداثة د‪ .‬محمد الجاغوب‪.‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫ب��األدب‪ ،‬وه��ذا أم � ٌر ملموس إل��ى حد كبير لدى‬ ‫كثير من روّاد الشعـر العربي المعاصر‪ ،‬أمثال‬ ‫بدر شاكر السياب‪ ،‬ونازك المالئكة‪ ،‬ومن ترسّ َم‬ ‫خ�ط��اه��م ك�م�ح�م��ود دروي� ��ش‪ ،‬وس�م�ي��ح القاسم‪،‬‬ ‫وفدوى طوقان‪ ،‬وأمل دنقل وغيرهم(‪.)1‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫آثار القصيدة القدمية في الشعر املعاصر‪:‬‬ ‫جدل وامتداد‬

‫> عبدالغني فوزي‪ -‬املغرب‬

‫يغلب ظني‪ ،‬أن الشعر امتداد في الزمان والحياة أيضا‪ ،‬بوصفه قيما جمالية ورؤيوية على صلة‬ ‫قوية بالوجدان والخيال‪ .‬وه��و بذلك حلقات‪ ،‬يمكن ضبطها إجرائيا ضمن السياقات الثقافية‬ ‫والتاريخية‪ .‬وحين نستحضر هنا الشعر العربي‪ ،‬فإننا ‪ -‬بال شك ‪ -‬في ظل ذلك نشير لماضيه‬ ‫وحاضره‪ .‬وقد يمنحنا هنا النقد األدبي وتاريخ األدب الكثير من المحددات واالصطالحات‪ ،‬لتأطيره‬ ‫وتصنيفه إلى خانات‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬نرى أن ثنائية الشعر القديم والمعاصر غالبة في حديثنا عن‬ ‫الشعر العربي‪ .‬فالشعر القديم يمكن الحديث فيه عن مسيرة حافلة بالتجارب والرؤى ابتداء من‬ ‫الجاهلية‪ ،‬مرورا بالمرحلة اإلسالمية األولى واألموية إلى العباسية؛ ثم فترة االنحطاط التي عمرت‬ ‫طويال وراوح فيها الشعر مكانه بكامل االجترار والتصنع‪ ...‬استطرادا‪ ،‬يمكن اعتبار الشعر الحديث‬ ‫بمدارسه وخياراته المتعاقبة (الكالسيكية‪ ،‬الرومانسية) وسيطا يربط بين الشعر القديم والمعاصر‬ ‫الذي ظهر كنماذج وانعطافات‪ ،‬ابتداء من أربعينيات القرن السالف‪.‬‬ ‫وحين نستحضر هنا سؤال العالقة بين الشعر المعاصرة ك��إدراك وحساسية مغايرة‪ .‬وهذا يعني‪،‬‬ ‫القديم والمعاصر‪ ،‬فإننا نقابله بالمواقف النقدية أن الشعر المعاصر في جدل ال يهدأ مع القصيدة‬ ‫للشعراء المعاصرين من ماضيهم الشعري؛ بل من القديمة في نماذجها الراقية‪ ،‬التي تمثل لكتابات‬ ‫التراث بشكل عام‪ .‬ومن ثم تتوالد األسئلة من قبيل‪ :‬شعرية جديرة بهذا االسم‪ ،‬ليس في التراث العربي‬ ‫ما هو موقف الشاعر العربي المعاصر من التراث فحسب؛ بل في اآلداب اإلنسانية‪ .‬وهكذا امتد تأثير‬ ‫الشعري العربي؟ كيف يقرأه ويتمثله ضمن سياق الشعر القديم للقصيدة المعاصرة عبر مستويات‬ ‫غاص بالتبدالت والتحوالت السريعة والمتسارعة؟ ع��دي��دة (األف��ق ال�ش�ع��ري‪ ،‬اللغة‪ ،‬اإلي �ق��اع‪ ،‬السبك‪،‬‬ ‫وإلى أي حد يحضر النص الشعري القديم كتجليات الصورة‪ .)..‬الشيء الذي يوقع الباحث في حيرة من‬ ‫ومستويات في القصيدة العربية المعاصرة؟‬ ‫أمره في كيفية تحديد أثر وآثار القصيدة القديمة‬

‫غ �ي��ر خ���اف ع �ل��ى أح� ��د‪ ،‬أن ال �ش��اع��ر العربي‬ ‫المعاصر تحرر في تعامله وتفاعله مع التراث من وقمنا بفصلها إجرائيا فقط‪ ،‬لإلحاطة بتعدد األثر‪.‬‬ ‫الخنوع والتقديس األعمى؛ وفي المقابل التحرك‬ ‫األفق الشعري‬ ‫على مساحات خالقة من ال�س��ؤال وإع��ادة البناء‪،‬‬ ‫على ض��وء تجدد القضايا وت�ع��دد آف��اق القصيدة‬ ‫اخترنا هذا االصطالح‪ ،‬لنؤطر من خالله‪ ،‬مكانة‬ ‫في الشعر المعاصر‪ .‬لهذا اخترنا بعض المستويات‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪17‬‬


‫إلى حد االلتباس‪ .‬الشيء ال��ذي يؤكد أن الشاعر‬ ‫المعاصر بوصفه غريبا‪ ،‬ووحيدا‪ ،‬ومطاردا‪ ،‬ضمن‬ ‫م��دي�ن��ة م��دف��وع��ة ب��االس �ت �ه�لاك ض ��داً ع�ل��ى القيم‬ ‫اإلنسانية التي ينادي بها الشاعر‪ .‬فإنه يتفاعل مع‬ ‫التراث الشعري ويتمثله (في نماذج الغربة والعزلة)‪،‬‬ ‫ثم ينتج شعرا جديدا ليس خاليا من أصداء الساللة‬ ‫الشعرية العربية‪ .‬يقول الشاعر محمود درويش في‬ ‫نص بعنوان «رحلة المتنبي إلى مصر»(‪:)2‬‬

‫الشاعر في الكتابة الشعرية‪ .‬وهناك هوية شعرية‪،‬‬ ‫تطرح كصفات لصيقة بالشاعر‪ ،‬منها اإلحساس‬ ‫الرهيف والدراية الدقيقة باللغة والثقافة الواسعة‬ ‫والرؤيا‪ ..‬وهي صفات تجعل الشاعر خارج األنساق‪،‬‬ ‫وفي مواجهة دائمة للعالم‪ ،‬نظرا العوجاجه‪ .‬هنا‪،‬‬ ‫يمكن أن نقول بتلك األن��ا الفائضة ع��ن القبضة‬ ‫والموزعة في شرايين القصيدة‪ ،‬وهي بذلك عصب‬ ‫العملية الشعرية‪ .‬فـ«الشاعر نص مفتوح أبدا‪ .‬تتعدد‬ ‫سواحله‪ ،‬وقراءاته‪ ،‬وتجاربه‪ ،‬وجسوره‪ .‬يغني للحياة‬ ‫كم اندفعت إلى الصهيل‬ ‫أساسا‪ .‬ومن ثم قد يغني للذات ولآلخرين‪ ،‬تتعدد‬ ‫فلم أجد فرسا وفرسانا‬ ‫جبهاته‪ ،‬لكنها جبهات انشغال األلم اإلنساني»(‪.)1‬‬ ‫وأسلمني الرحيل إلى الرحيل‬ ‫من هنا‪ ،‬نرى امتداد األنا الشعرية كأفق للكثير‬ ‫م��ن ال�ش�ع��راء ال�ع��رب ال�ق��دم��اء ف��ي ذوات وقصائد وال أرى بلدا هناك‬ ‫ش�ع��راء معاصرين‪ .‬يمكن الحديث هنا مثال عن وال أرى أحدا هناك‬ ‫الشاعر الجاهلي امرؤ القيس‪ ،‬في بعض صفاته‪،‬‬ ‫كما يمكن التوقف في ه��ذا الجانب على تلك‬ ‫كالتيه والهموم والترحل ال��دائ��م‪ ..‬ومن ثم امتداد الوقفة للشاعر القديم على الديار بعد رحيل األحبة‪،‬‬ ‫ه ��ذه ال �ص �ف��ات ف��ي أش �ع��ار وش��ع��راء معاصرين‪ .‬تاركين ما يدل عليهم‪ .‬هنا الشاعر مثل لصلة قوية‬ ‫وطرفة بن العبد والنزعة الوجودية والخروج عن لإلنسان بالمكان؛ ما خلق جمالية خاصة‪ ،‬حوّلت‬ ‫نسق القبيلة‪ ..‬ومحاولة تحقيق المجد في القصيدة مكان الفقد إلى مكان إنساني‪ .‬في المقابل يمكن‬ ‫وب �ه��ا‪ .‬وف��ي ال�ع�ص��ر األم� ��وي‪ ،‬يمكن ال�ح��دي��ث عن أن نعدد من النماذج الشعرية المعاصرة التي تمثلت‬ ‫معارك جرير والفرزدق (شعر النقائض)‪ .‬أما في تلك الوقفة في قالب جديد؛ فكانت الديار رديفة‬ ‫المرحلة العباسية‪ ،‬فقد تعددت النبرات الشعرية للوطن ومكا َن الفقد‪ .‬وظل الشاعر المعاصر يردد‬ ‫ضمن الشعر المحدث المنفتح على حياة المدينة بعض الرموز المكانية التي رسخها الشعر القديم‬ ‫وقيمها الجديدة مع أبي نواس والبحتري‪ ،‬والنفس كالنخل وال��رم��ل‪ ..‬لكنها تحضر اآلن ف��ي سياق‬ ‫التأملي الفلسفي مع أبي العالء‪ ..‬فكثرت التأمالت‬ ‫شعري آخ��ر؛ فالنخلة ردي�ف��ة وج��ود أم��ة‪ ،‬وصمود‬ ‫في الخمرة والمرأة والموت‪.‬‬ ‫متعدد األصول والفروع‪.‬‬ ‫امتدت هذه المواضيع بوصفها سند الشاعر في‬ ‫اللغة الشعرية‬ ‫أي مكان وزمان؛ ألن المبدع الحقيقي يخوض دوما‬ ‫تتعدد حلقات القصيدة التقليدية ونماذجها‪ ،‬تبعا‬ ‫تلك المواجهة لإلكراهات واالستالبات في شكلها‬ ‫الجماعي وال �ف��ردي‪ .‬فاستلهم الشاعر المعاصر للمراحل واالتجاهات‪ .‬لكن الشاعر القديم‪ ..‬كان‬ ‫تلك المعاني بروح جديدة وليدة العصر‪ .‬هنا يمكن على وعي حاد باإلطار ال��ذي يبدع ضمنه‪ ،‬والذي‬ ‫الحديث عن غربة الشاعر المعاصر في عالقته حدد النقاد واللغويون مقوماته في سبعة أبواب (مع‬ ‫بوطنه وبالمدينة‪ ،‬أو في تأمله للموت الذي تعدد المرزوقي مثال)‪ .‬وهي‪:‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫أوردن��ا أب��واب عمود الشعر العربي‪ ،‬لنظهر أن‬ ‫الشاعر في القديم ك��ان على دراي��ة قوية باإلطار‬ ‫الذي يبدع ضمنه‪ ،‬فكان نتاجه الشعري محكما في‬ ‫صياغته‪ ..‬متجانسا في تعدده‪ .‬وعلى هذا األساس‬ ‫كانت العرب‪ ،‬كما يقر القاضي الجرجاني‪ ،‬تُفاضل‬ ‫بين الشعراء في الجودة والحسن‪ .‬وفي المقابل‪..‬‬ ‫فالقصيدة المعاصرة ال يعني تغير شكلها وضع‬ ‫قطيعة مع القصيدة القديمة‪ ،‬إنما ظل الجدل قائما‬ ‫ف��ي مستويات ال �ت��راث ال�ش�ع��ري ال�ق��دي��م‪ ،‬بوصفه‬ ‫طبقات لغوية على ق��در كبير من النظم والسبك‬ ‫البليغ‪ ..‬وتعقد األمر في بناء الصورة الشعرية في‬ ‫القصيدة المعاصرة‪ ،‬نظرا للتوترات اللغوية الوليدة؛‬ ‫تراكيب االن��زي��اح والخرق بوجوهه العديدة‪ ..‬كما‬ ‫يثبت جان كوهن في كتابه «بنية اللغة الشعرية»‪.‬‬ ‫وظ��ل الصدى يتردد في التكثيف وال�ص��ور في‬ ‫الشعر‪ ،‬كما يقول عبدالله غ��ذام��ي‪ ،‬كحالة تمثل‬ ‫لغوي راقية‪ ،‬وتجسيد فني ألبلغ مستويات اإلبداع‬ ‫اللغوي‪ .‬لكن التجربة الشعرية المعاصرة لم تجادل‬ ‫التراث العربي وحده‪ ،‬بل انفتحت على االتجاهات‬ ‫الشعرية الغربية إلى حد المطاردة‪ .‬فولَّد ذلك في‬ ‫الكثير من األحيان نماذج مغلقة يطاردها الغموض‬ ‫وال�ت�ج��ري��ب واالس�ت�ن�س��اخ ال �ش �ع��ري‪ ،‬ف�غ��دون��ا نقرأ‬ ‫نصوصا شعرية فاقدة للحرارة وسهم البوصلة‪.‬‬ ‫ولعل صرخة الشاعر محمود دروي��ش ف��ي مقالة‬ ‫بعنوان «انقذونا من هذا الشعر» خير معبر عن هذا‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫القلق‪ ،‬إذ يقول‪« :‬على الشعراء والنقاد إذا وجدوا‪،‬‬ ‫•شرف المعنى وصحته‪.‬‬ ‫أن يدخلوا في عملية حساب النفس العسير‪ ،‬فهذه‬ ‫•جزالة اللفظ واستقامته‪.‬‬ ‫•اإلصابة في الوصف‪.‬‬ ‫هي فترة النقد الذاتي‪ .‬إذ كيف يتسنى لهذا اللعب‬ ‫•المقاربة في التشبيه‪.‬‬ ‫ال�ع��دم��ي أن ي��وص��ل إل��ى إع ��ادة النظر والتشكيك‬ ‫•التحام أجزاء النظم والتئامها‪.‬‬ ‫بكامل حركة الشعر الحديث‪ ،‬ويغربها عن وجدان‬ ‫•مناسبة المستعار منه للمستعار له‪.‬‬ ‫ال�ن��اس إل��ى درج��ة تحوّلت فيها إل��ى سخرية؟ إ ّن‬ ‫•مشاكلة اللفظ للمعنى‪ ،‬وشدة اقتضائهما تجريدية هذا الشعر قد اتسعت بشكل فضفاض‪،‬‬ ‫للقافية حتى ال منافرة بينهما‪.‬‬ ‫حتى سادت ظاهرة ما ليس شعرا على الشعر»(‪.)3‬‬ ‫فالسالسة وال�ف�ص��اح��ة وال�ب�ن��اء المحكم كلها‬ ‫خاصيات تأليفية (في القصيدة العربية القديمة)‪،‬‬ ‫مصحوبة بترسانة نقدية ولغوية متعددة االصطالح‬ ‫النظري (النظم‪ ،‬مقتضى الحال‪ ،‬الفحولة‪ ،‬الطبقة‪،‬‬ ‫ال �ص �ن��اع��ة‪ .)...‬ف �ق��دَّ م ال�ش�ع��ر ال�ق��دي��م تمظهرات‬ ‫لغوية وتخييلية تمثل للكثير من القيم الجوهرية‬ ‫في الكتابة الشعرية‪ .‬فكان من الطبيعي االعتراف‬ ‫الدائم للسابقين بهذه المقدرة المتعددة االستعمال‬ ‫ال�ل�غ��وي ال��رص�ي��ن وال�ج�م��ال��ي ال�م��وح��ي‪ .‬وم��ن دون‬ ‫توافرها كأساسات إبداعية‪ ،‬ال يمكن الحديث عن‬ ‫أشكال وهياكل‪.‬‬

‫اإليقاع الشعري‬ ‫�اف‪ ،‬أن القصيدة ال�م�ع��اص��رة أحدثت‬ ‫غير خ � ٍ‬ ‫تغيرات مهمة‪ ،‬وبنسب مختلفة في الجانب اإليقاعي؛‬ ‫فحافظت ع�ل��ى التفعيلة‪ ،‬م�ك�س��رة ل�ل��وح��دة على‬ ‫مستوى بحور الشعر والقافية والروي‪ .‬وفي جانب‬ ‫آخ��ر مع قصيدة النثر‪ ..‬التحرر التام من تفعيلة‬ ‫الخليل بن أحمد‪ ،‬واالنتصار لإليقاع الداخلي‪ .‬وفي‬ ‫المقابل‪ ،‬نتساءل‪ :‬هل تحررت القصيدة المعاصرة‬ ‫من اإليقاع ككتلة صوتية مالزمة في الشعر القديم؟‬ ‫األمر ال يسمح هنا بمجادلة طروحات نظرية حول‬ ‫اإليقاع الشعري؛ ولكن أريد التنصيص على بعض‬ ‫المعطيات‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -‬كون القصيدة القديمة في بعض نماذجها‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪19‬‬


‫حققت ج��دارة إيقاعية خليلية وداخلية من دون‬ ‫تضايق ل�غ��وي وش �ع��ري‪ .‬هنا يمكن ال�ح��دي��ث عن‬ ‫مشاكلة اللغة لإليقاع من دون تنافر‪ .‬وق��د مثلت‬ ‫بعض القصائد الشعرية المعاصرة ه��ذا الملمح‬ ‫اإليقاعي خير تمثيل‪« .‬وإن��ه ليهمنا أن نشير إلى‬ ‫أن حركة الشعر الحر‪ ،‬بصورتها الحقَّة الصافية‪،‬‬ ‫ليست دعوة لنبذ األبحر الشطرية نبذا تاما‪ ،‬وال‬ ‫هي تهدف إلى أن تقضي على أوزان الخليل وتحل‬ ‫محله‪ ،‬وإنما كان كل ما ترمي إليه أن تبدع أسلوبا‬ ‫جديدا توقفه إلى جوار األسلوب القديم‪ ،‬وتستعين‬ ‫به على بعض موضوعات العصر المعقدة‪ .‬وال أظنه‬ ‫يخفى على المتابعين أن بعض الموضوعات تنتفع‬ ‫باألوزان القديمة أكثر مما تنتفع بالوزن الحر»(‪.)4‬‬ ‫م��ن هنا‪ ،‬كانت ض��رورة الفصل بين العروض‬ ‫واإليقاع؛ كما أن موسيقى الشعر جزء من تجربة‬ ‫ال �ش��اع��ر‪ .‬أك �ي��د أن ال�ش�ع��ر ال يمكنه االستغناء‬ ‫ع��ن اإلي� �ق ��اع ك �ج��زء أس��اس��ي م��ن ك�ي�ن��ون�ت��ه؛ وقد‬ ‫انتبه ال�ق��دم��اء ل�لإي�ق��اع ال��داخ�ل��ي‪ ،‬ب�خ�لاف بعض‬ ‫الدعوات التي ال تلتفت وال تدقق‪ .‬فهذا ابن سنان‬ ‫الخفاجي في كتابه «سر الفصاحة»‪ ،‬يلفت النظر‬ ‫للقيم الصوتية واإليقاعية‪ ،‬وبذلك انتبه إلى سر‬ ‫الموسيقى ال��داخ�ل�ي��ة‪ .‬كما أن ال�ش��اع��ر أدونيس‬ ‫على الرغم من مغايرته واختالفه الشعري المثير‬ ‫للجدل‪ ،‬فإنه ينصت لكينونة النص الشعري‪ ،‬معتبرا‬ ‫اإليقاع شيئا أساسا‪ ،‬كمكون متضافر مع المكونات‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫التناص الذي ال بد منه‬ ‫وأن��ا أبحث في امتداد القصيدة القديمة في‬ ‫الشعر المعاصر‪ ،‬كنت دائما أواجَ ��ه بجدل النص‬ ‫المعاصر مع النص القديم‪ .‬ألن الشاعر يصبح‬ ‫شبكة من التواصل مع الشعر القديم؛ فيكون النص‬ ‫معبرا لنصوص عديدة‪ ،‬منها النص الشعري‪ .‬هذه‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫العالقة لم تأت فقط في حديث المعاصرين ضمن‬ ‫ما أسموه بالتناص‪ .‬وقد أقر النقاد العرب القدماء‬ ‫بذلك في قولهم بالسرقات واالقتباس والتضمين‬ ‫(وهذا حديث آخر)‪ .‬على أي حال‪ ،‬فالنص تشكيل‬ ‫إب��داع��ي ج��دي��د‪ ،‬يطوي على م �ح��اورات وعالقات‬ ‫تذهب في التراث؛ بل في األطر اإلنسانية القبلية‬ ‫الماثلة في الوعي الجمعي‪ ..‬والذاكرة المشتركة‪.‬‬ ‫بهذا الفهم‪ ،‬يسلك النص الشعري المعاصر ما‬ ‫أسمته جوليا كريستيفا باالمتصاص والحوار‪.‬‬ ‫وما يسميه محمد مفتاح بالنص الغائب والتعالق‬ ‫النصي‪ .‬الشيء ال��ذي يخلق تكثيفا في التجربة‬ ‫اإلبداعية ومنجزها الشعري‪ .‬ووف��ق ه��ذا الفهم‪،‬‬ ‫يمكن الحديث عن تناص متعدد المستويات‪ .‬نورد‬ ‫هنا تعزيزا بعضا منه‪.‬‬ ‫يقول امرؤ القيس‪:‬‬ ‫أج���ارت���ن���ا إن�����ا غ���ري���ب���ان ه����ا هنا‬ ‫وك������ل غ����ري����ب ل���ل���غ���ري���ب نسيب‬ ‫ويقول محمود درويش في قصيدة «جدارية»‪:‬‬ ‫يا إسمي سوف تكبر حين أكبر‬ ‫سوف تحملني وأحملك‬ ‫الغريب أخ الغريب‬ ‫ه�ن��ا‪ ،‬يظهر ذاك ال �ت��وازي بين واق��ع اإلنسان‬ ‫ال�م�ع��اص��ر وواق� ��ع ال �ش��اع��ر ال �ج��اه �ل��ي؛ فكالهما‬ ‫ي�ع��رف ع��دم االس�ت�ق��رار وال�ت��رح��ال ال��دائ��م بطرق‬ ‫ومسببات مختلفة‪ .‬لكن ه �ن��ا‪ ..‬رب�م��ا ال�ت�ق��اء في‬ ‫مساحة األلم‪ ،‬وفداحة الخسارة بأبعادها النفسية‬ ‫والوجودية أيضا‪ .‬وقد تعددت محاورات الشعراء‬ ‫المعاصرين للشعراء األقدمين‪ ،‬بل التماهي أحيانا‬ ‫م��ع شخوصهم كأقنعة‪ .‬يمكن هنا أن نستحضر‬ ‫البيت الشهير(الذي ظل يتردد صداه في القصيدة‬ ‫العربية المعاصرة) ألبي العالء المعري‪:‬‬


‫ف���أي���ن ال���ق���ب���و َر م���ن ع��ه��د ع�����ادِ ؟!‬

‫وتراسلها ضمن رحابة إنسانية‪ ،‬دون اجترار وذوبان‬

‫بهذا المعنى فالقصيدة القديمة تمتد في الشعر الخصوصية‪ .‬ومن ثم حاولنا في هذا األفق التركيز‬ ‫المعاصر كصيغ ومستويات؛ نظرا لجدلها لقضايا‪ ..‬على اللغة دون التركيز على الهيكل‪ ،‬وبخاصة ما‬ ‫يتعلق بالكثافة والصورة الشعرية‪ .‬أما األثر الثالث‬ ‫ولكيفية التصوير‪.‬‬ ‫فمحورناه في اإليقاع بمعناه الواسع‪ ،‬ال��ذي يضم‬

‫وختاما‪..‬‬

‫ال يمكن ‪ -‬في تقديري ‪ -‬االنتهاء من هذه الجولة‬ ‫في الشعر العربي وجدله الداخلي مع الشعر العربي‬ ‫ال�م�ع��اص��ر ل�خ�لاص��ات يقينية‪ ،‬ن �ظ��را العتبارات‬ ‫متداخلة‪ ،‬منها تعدد حلقات الشعر العربي قديمه‬ ‫وحديثه؛ وكذا تعدد االتجاهات والحساسيات‪ ،‬بما‬ ‫أنها إدراكات وتصورات للذات والعالم‪.‬‬ ‫ك �م��ا أن ت �ن��اول �ن��ا آلث� ��ار ال �ق �ص �ي��دة ف��ي الشعر‬ ‫ال �م �ع��اص��ر‪ ،‬ي�ق�ت�ض��ي ال��وع��ي ب��إش �ك��ال �ي��ة القديم‬ ‫والجديد‪ ،‬في مراعاة تامة للترابطات والحدود بين‬ ‫الشعر والخطابات األخرى من سياسية وتاريخية‪..‬‬ ‫وهو ما يثبت أن الشعر يطوي في تكوينه على قيم‬ ‫جوهرية‪ ،‬وأخ��رى نسبية خاضعة للتغير والتلون‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فـ«ممارسة التجريب التي اقتصرت عندنا‬ ‫على األرج��ح على مقاربة الشكل الشعري فقط‪،‬‬ ‫بوصفه يمثل الحداثة الشعرية أو الكتابة الجديدة‪.‬‬ ‫بينما في العمق من نظرتنا للحياة‪ ..‬لم تزل القيم‬ ‫وال �ع��واط��ف واالن �ف �ع��االت ه��ي ذات �ه��ا ال�ت��ي أسرت‬ ‫القصيدة التقليدية‪ ،‬فالتنقل من شكل شعري إلى‬ ‫آخر‪ ..‬ال يعني بالضرورة التجديد»(‪.)5‬‬

‫العروض واإليقاع الداخلي؛ وأن القصيدة المعاصرة‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫األرض‬ ‫َ‬ ‫���اح ه���ذي ق��ب��ورن��ا ت��م�لأ‬ ‫ص ِ‬

‫وهوية‪ .‬من هنا‪ ،‬تحدثنا بإيجاز عن تصادي التجارب‬

‫تجادل القصيدة القديمة كممارسة إيقاعية أيضا‪.‬‬

‫لننهي مشوار هذه الدراسة بالتناص‪ ،‬دون الضياع‬

‫في تعدد االصطالحات‪ ،‬أو قل باختصار عالقة‬

‫النص بنصوص أخرى‪ .‬ورأينا أن التناص مستويات‬ ‫أيضا؛ ومن ثم فالمحاورة النصية‪ ،‬تكون متعددة‪.‬‬ ‫وه��و م��ا يستلزم ال��رؤي��ا الحاذقة وال��وع��ي المتقد‬

‫للشاعر‪ ،‬ليبدع نصا عميقا وجميال‪ ،‬ل��ه تموقعه‬

‫في الشعرية اإلنسانية بشكل عام كعطاء وإضافة‪.‬‬

‫وهي الصفة التي يطاردها الشعراء في نصوصهم؛‬ ‫أعني الشعراء اإلشكاليين الذين يخطون على درب‬ ‫القصيدة الطويل‪ ،‬كخيارات جمالية ورؤيوية على‬

‫قدر كبير من الجدل واالمتداد‪ .‬لهذا ‪ -‬في تقديري‬

‫ تحضرنا أبيات شعرية (بقوة لفظها ومعناها)‬‫ضمن لحظات معينة حول الموت والفقد والحب‬ ‫والحرب والحرية والقلق الوجودي‪ ...‬دون النظر إلى‬

‫هيكلها؛ نظرا لسبكها وصياغتها المتفردة‪ ..‬ووقعها‬ ‫على النفس‪ ،‬بتعدد مستويات التلقي‪ .‬فالشعر شعر‬

‫وليس شيئا آخ��ر؛ وه��و ما يثبت ذاك االم�ت��داد أو‬

‫تمتد آثار القصيدة القديمة في الشعر المعاصر االنسياب في وجود القصيدة كتحقق لغوي وشعري‬ ‫ع�ب��ر م�س�ت��وي��ات‪ ،‬بعضها ي��رت�ب��ط ب��ال�ش��اع��ر كأفق مقيم وخالد (في خلق الله طبعا)‪.‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬

‫حسن نجمي‪« ،‬الشاعر والتجربة»‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء ‪1999‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫ديوان محمود درويش‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪1994‬م‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫محمود درويش‪« ،‬أنقذونا من هذا الشعر» مجلة الكرمل‪ ،‬عدد‪ 6‬ربيع‪1982‬م‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫نازك المالئكة‪« ،‬قضايا الشعر المعاصر»‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت ‪1962‬م‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫محمد الحرز‪« ،‬الحداثة‪ :‬من تاريخ المصطلح إلى تاريخ القصيدة الحديثة»‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬عدد ‪ 26‬شتاء ‪2010‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪21‬‬


‫ّ‬ ‫الشعر؛‬ ‫استلهام التراث في‬ ‫رؤية وإبداع‬

‫الدهون‪ -‬جامعة اجلوف‬ ‫> د‪ .‬إبراهيم ّ‬

‫الشعر العربي الحديث مصدر إلهام وإيحاء مهم‪ ،‬ال غنى لشاعر عنه‪ ،‬ويرتبط‬ ‫يشكلّ التراث في ّ‬ ‫ّص‪( :‬المركز)‪ ،‬والنّصوص‬ ‫الشاعر مع التراث في عالقة وثيقة تنطلق على أساس إلغاء الحدود بين الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫نصه الجديد؛‬ ‫الشاعر إلى تضمينها ّ‬ ‫الوافدة‪ ،‬أو األحداث التّاريخية والشخصيات األدبيّة التي يعمد ّ‬ ‫ّص الجديد؛ فتفتح آفاق ًا‬ ‫فتأتي تلك النّصوص واالقتباسات واالجترارات موظفةً ومذابةً في الن ّ‬ ‫ّص ذا طبيعة إنتاجيّة وإبداعيّة عظيمة‪.‬‬ ‫أخرى متباينة‪ :‬دينية‪ ،‬أدبيّة‪ ،‬تاريخيّة‪ ،‬عديدة‪ ،‬ما يجعل الن ّ‬ ‫التراث لغة‪« :‬من ورث الشّ يء يرثُه ورثاً ووراثة‪،‬‬ ‫�ش��يء ال��ذي لقوم ث� ّم يصير إل��ى آخرين‬ ‫ويكون ال� ّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بنسب أو سبب» ‪.‬‬ ‫والتراث اصطالحاً‪« :‬ما تراكم خالل األزمنة‬ ‫من تقاليد‪ ،‬وع��ادات‪ ،‬وتجارب‪ ،‬وخبرات‪ ،‬وفنون‪،‬‬ ‫وعلوم‪ ،‬في شعب من الشّ عوب‪ ،‬وهو جزء أساس‬ ‫من قوامه االجتماعي‪ ،‬واإلنساني‪ ،‬والسياسي‪،‬‬ ‫وال�ت��اري�خ��ي‪ ،‬وال�خ�ل�ق��ي‪ ،‬ي��و ّث��ق عالئقه باألجيال‬ ‫ال �غ��اب��رة ال �ت��ي عملت ع�ل��ى ت�ك��وي��ن ه��ذا التراث‬ ‫واعتنائه»(‪.)2‬‬ ‫ويُ�ع� ّد استلهام ال�ت��راث األدب��ي مفتاحاً مه ّماً‬ ‫ّص‪ ،‬وسبر أغواره‬ ‫وبارزاً في الكشف عن شعريّة الن ّ‬ ‫الداخليّة‪ ،‬إذ يشكّل االستلهام المقصود وغير‬ ‫ّص الشّ عري‬ ‫المقصود سبباً رئيساً في معمارية الن ّ‬ ‫الحديث‪ ،‬ونقل رؤية الشّ اعر ومبتغاه الذاتي تجاه‬ ‫مفردات الحياة ورموزها إلى المتلقي‪ .‬وامتداداً‬ ‫لما سبق‪ ..‬فإننا نجد الشّ عر العربي القديم أرضي ًة‬ ‫خصبةً‪ ،‬ومنبعاً سخياً يتخذه الشّ اعر محوراً رئيساً‬ ‫إلقامة عالقة مع نصوص أخ��رى ذات حموالت‬ ‫معرفيّة‪ ،‬وثقافيّة مختلفة‪ ،‬يستثمرها الشّ اعر‬ ‫نصه قيماً احتجاجيّة وجماليّة تشكّل شبكة‬ ‫لمنح ّ‬ ‫من العالقات القائمة على الثنائية‪ ،‬وهذه الثنائية‬ ‫تتنوع ما بين المطابقة والتباين‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫لذلك‪ ،‬حظي األدب العربي القديم باهتمام‬ ‫ال�ن�ق��اد المحدثين‪ ،‬فقد أع�ل�ن��وا ض ��رورة العودة‬ ‫إليه بوصفه م��ادة غنيّة‪ ،‬وأرض�ي��ة خصبة مليئة‬ ‫باإليحاءات والدِّالالت التي تكسب وتمنح التجربة‬ ‫اإلبداعيّة الشّ عريّة تمايزاً ملحوظاً وفريداً‪ ،‬ومن‬ ‫هنا سنشرع بقراءة الشِّ عر العربي الحديث في‬ ‫ضوء استلهامه للتراث الشّ عري العربي القديم‪،‬‬ ‫بوصفها قراءة ذات دالالت أعمق‪ ،‬ورؤيا أرحب‪،‬‬ ‫وإنتاج ألنساق مبتكرة في التعبير والفكر داخل‬ ‫ّص الشّ عري الحديث‪.‬‬ ‫الن ّ‬ ‫وتكشف لنا م�ع��ارض��ات ال �ب��ارودي ع��ن قراءة‬ ‫واعية للتراث الشّ عري المشرق من أجل إظهار‬ ‫قيمته وأهميته ومكانته‪ ،‬وهي في الوقت نفسه‬ ‫ارت��داد بالشّ عر إلى نهره العذب الكبير‪ ،‬وإعادته‬ ‫إلى سيرته األولى عند شعراء الجاهليّة واإلسالم‪،‬‬ ‫من حيث االعتماد في تكوين السّ ليقة على الرواية‬ ‫واالس�ت�ظ�ه��ار‪ ،‬ث � ّم ال�م��زاول��ة‪ ،‬وأي �ض �اً م��ن التّعبير‬ ‫الواضح المستقيم عن مشاعر صاحبه(‪.)3‬‬ ‫ومن الواضح أنَّ البارودي يرمي في استلهامه‬ ‫واستيحاء لغة السلف وتقليد أساليبهم الدعوة‬ ‫إل��ى اإلص�لاح‪ ،‬إص�لاح وض��ع الشّ عر في عصره‪،‬‬ ‫والنهوض به وانتشاله وفكّه ممّا ك��ان يكبّله من‬ ‫ق�ي��ود ال�ب��دي��ع‪ ،‬وت�ف��اه��ة ال�م��وض��وع��ات‪ ،‬وضحالة‬ ‫المعاني‪ ،‬وخير مثال يبرز هذه الفكرة قوله(‪:)4‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫رض��ي ُ��ت م��ن ال��دُّ ن��ي��ا بما ال أودّه‬ ‫وقد يتخذ الشّ عراء من التراث الشّ عري القديم‬ ‫وأي امرئ يقوى على الدّ هر زندُ ُه أس �م��اء ش�ع��رائ��ه دون أن يتجهوا إل��ى استلهام‬ ‫ن�ص��وص��ه أو إع��ادت �ه��ا‪ ،‬ف �ه��ذا م�ح�م��ود درويش‬ ‫ي�ب��دو ال�ت��أث��ر ج�ل�ي�اً ف��ي اس �ت��دع��اء البارودي‬ ‫يستدعي شخصية المتنبي‪ ،‬ويجعلها محوراً‬ ‫لقصيدة أب��ي الطيب المتنبي ف��ي م��دح كافور‬ ‫رئيساً‪ ،‬بنى عليها أسطره الشّ عريّة‪ ،‬بقوله(‪:)8‬‬ ‫اإلخشيدي والتي يفتتحها بقوله(‪:)5‬‬ ‫أطلّ كشرفة على ما أريد‬ ‫أو ّد م����ن األي��������ام م����ا ال ت������ودّه‬ ‫‪...............‬‬ ‫وأش��ك��و إليها بيننا وه��ي جندُ ُه أطلّ على اسم أبي الطيب المتنبي‬ ‫إنّ تأثر البارودي بشعر المتنبي‪ ،‬واستدعاءه المسافر من طبريا إلى مصر‬ ‫له يشير إل��ى ق��راءت��ه لمصادر ال�ت��راث العربي‪ ،‬فوق الحصان النشيد‬ ‫وبحثه الدؤوب في متون التراث‪ ..‬والتأكيد على‬ ‫يرسم درويش من خالل استلهامه لشخصية‬ ‫هذا التراث وقيمه الجوهرية‪.‬‬ ‫المتنبي ص ��ورة م�ش��رق��ة وم�ش��رف��ة لشخصيته‬ ‫ي �ك � ّث��ف ال� �ب ��ارودي دالالت ال �ف �خ��ر القومي‪ ،‬الطافحة بعناصر استشراف المستقبل‪ ،‬ورؤية‬ ‫وإحساسه المتضخم بالذات‪ ،‬من خالل قوله(‪ :)6‬بالده من مكان واحد في أزمنة متعددة‪.‬‬ ‫ولع ّل الشّ اعر استقى ك� ّل ذل��ك من معطيات‬ ‫وإن��ي ام��رؤ ل��وال العوائق أذعنت‬ ‫ش �خ �ص �ي��ة‪( :‬ال �م �ت �ن �ب��ي)‪ .‬وم� ��ن ال �م �ل �ح��وظ أنَّ‬ ‫لسلطانه البدو المغير ُة والحضرُ‬ ‫االس� �ت ��دع ��اء ال��سّ ��اب��ق ت� �ع ��دّ ى االه��ت��م��ام باسم‬ ‫من النفر ال��غُ �� ّر الذين سيوفهم‬ ‫الشّ خصية‪ ..‬إلى التماهي واالمتصاص بجوهر‬ ‫لها في حواشي كلّ داجية فجرُ تجربة هذه الشخصية‪ ،‬بوصفها عنصراً رئيساً‬ ‫الصور الشّ عريّة‪.‬‬ ‫نلحظ م��ن البيتين السَّ ابقين أنَّ البارودي من ّ‬ ‫يستحضر ألبى فراس الحمداني لحظة افتخاره‬ ‫وف��ي ص��ورة أخ��رى الستلهام ال� ّت��راث العربي‬ ‫ِيوج َد نوعاً من التوازن النفسي والمعادل القديم‪ ،‬نجد شاعراً يستدعي أحد معاني أبي‬ ‫بنفسه‪ ،‬ل ِ‬ ‫ال ناطقاً على انتهاء‬ ‫الموضوعي لموقفه الشّ عوري أثناء وقوعه باألسر الطيب المتنبي‪ ،‬ليكون دلي ً‬ ‫ال�ح�ي��اة ب��ال�م��وت‪ ،‬ف��ال�م��وت مصير ك � ّل البشرية‬ ‫في بالد الروم‪ ،‬فيقول(‪:)7‬‬ ‫التي عمّرت األرض‪ ،‬وسكنت سطحها‪ .‬كما فعل‬ ‫فال تنكريني‪ ،‬يا ابنة ال��ع��مّ ‪ ،‬إنّه‬ ‫عبدالوهاب البياتي في قصيدة عنوانها‪( :‬مرثية‬ ‫ليعرف من أنكرته البدو والحضرُ‬ ‫إلى عائشة) من مجموعته التي عنوانها‪« :‬الموت‬ ‫نصه ألفاظ هذا البيت في الحياة» إذ يقول‪:‬‬ ‫لع ّل البارودي قد ضمّن ّ‬ ‫من خالل استلهامه لدالالته‪ ،‬وبما يالئم غرضه «يموت راعي الضأن في انتظاره ميتة جالينوس‬ ‫أورفيوس‬ ‫ْ‬ ‫الشمس‬ ‫من قول القصيد؛ ليؤكد أهمية الشِّ عر العربي يأكل قرص ّ‬ ‫القديم ت ��ارة‪ ،‬وم��ا يحمله م��ن مضامين وأبعاد تبكي على الفرات عشتروتْ‬ ‫��اه��هِ ع��ن خ��ات ٍ��م ض���ا َع وع��ن أغنيةٍ‬ ‫ثقافيّة تارة أخ��رى‪ .‬كما يبدو أنَّ تلك النّصوص تبحث ف��ي م��ي ِ‬ ‫الشّ عريّة التي وظّ فها البارودي قد أصبحت منفذاً تموتْ »‬ ‫لذاته‪ ،‬وما كان يعيشه من ذكريات‪ ،‬وما يختلج في‬ ‫وال �ن��اظ��ر ف��ي األس �ط��ر ال��شّ �ع��ري��ة السّ ابقة‪،‬‬ ‫يستطيع أ ْن يلمس انفتاح البياتي على نص أبي‬ ‫وجدانه من مشاعر‪ ،‬وأحاسيس شخصيّة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪23‬‬


‫الطيب المتنبي الذي يقول فيه‪:‬‬

‫قول المعري(‪:)9‬‬

‫ي��م��وت راع���ي ال��ض��أن ف��ي جهلِ هِ‬ ‫م���ي���ت��� َة ج���ال���ي���ن���وس ف����ي ط���بِ ���هِ‬

‫��ب كُ ��لّ��ه��ا ال���ح���ي���ا ُة ف��مّ ��ا أع ـ ـ‬ ‫ت��ع ٌ‬ ‫����ب ف��ي ازدي����ادِ‬ ‫���ب إ ّال م��ن راغ ٍ‬ ‫ج ُ‬

‫استلهم البياتي نص المتنبي‪ ،‬ببراعة مثيرة‬ ‫نصه إشارات كثيرة من‬ ‫وطرافة فائقة‪ ،‬إذ ضمّن ّ‬ ‫نص المتنبي‪ ،‬نحو‪( :‬يموت راعي الضأن) يطابق‬ ‫داللياً ولفظياً‪( :‬يموت راع��ي الضأن) و‪( :‬ميتة‬ ‫حد كبير‪( :‬ميتة جالينوس‬ ‫جالينوس) يقارب إلى ٍ‬ ‫في طبهِ )‪.‬‬

‫ومن الالفت للنظر أنَّ عبدالسّ الم هاشم يقلب‬ ‫المعنى من العموم عند المعري إلى المخصوص‬ ‫عنده‪ ،‬فحياته كلّها لهيب وحزن دائمان‪ ،‬ويتساءل‬ ‫«ما الذي في الدُّنا تراني جنيتُ ؟!» والتأثر المشار‬ ‫إليه هنا نابع من مسحة الحزن المشتركة بينهما‪،‬‬ ‫وال يخلو التأثر م��ن اس�ت�خ��دام شاعرنا لنفس‬ ‫النسق اللّغوي عن أبي العالء المعري‪ ،‬فإذا كان‬ ‫أبو العالء بدأ بيته بقوله‪( :‬تعبٌ ) فإنّ عبدالسّ الم‬ ‫اس �ت �خ��دم ن �ف��س ال �ن �س��ق‪( :‬ل� �ه ��ب)‪ .‬ف �ه��و شديد‬ ‫التأثير وال��واق��ع النفسيين‪ ،‬وب��دالً من (الحياة)‬ ‫في عمومه‪ ،‬جاءت كلمة‪( :‬حياتي) بخصوصيتها‬ ‫الذاتية بالنسبة للشاعر‪ ،‬وأضاف الشّ عر حرف‬ ‫العطف‪( :‬الواو) والمعطوف‪( :‬حسي) ليزيد من‬ ‫خصوصية التعبير(‪.)10‬‬

‫يبيّن النسق السّ ابق أنّ البياتي مفتون بسحر‬ ‫المتنبي‪ ،‬ومفعم بتلك القدرة اإليقاعيّة واألسلوبيّة‬ ‫نصه الشّ عري‪ ،‬لذلك نراه يقف‬ ‫التي أضفاها إلى ّ‬ ‫ببسالة وإعجاب إزاء نص المتنبي‪.‬‬ ‫ولنتابع أخيراً‪ ،‬فاعلية استلهام أو استدعاء‬ ‫ال�ت��راث عند الشّ اعر ال��سّ �ع��ودي‪( :‬عبد السالم‬ ‫هاشم حافظ)‪ ،‬حيث إنّ للتراث أث��راً جلياً في‬ ‫شعره‪.‬‬ ‫ومن مظاهر ذلك تأثره بأبي العالء المعري‪،‬‬ ‫ف �ك��ان��ت م �ع��ان �ي��ه ودالالت� � ��ه ن �ب �ع �اً ث � � � ّراً‪ ،‬استقى‬ ‫عبدالسالم هاشم منه كثيراً من فلسفته حول‬ ‫الكون والحياة‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫وحسي ما ال ـ ـ‬ ‫ِّ‬ ‫لهب كُ لُّها حياتي‬ ‫ٌ‬ ‫ذي ف��ي ال��دُّ ن��ا ت��رانِ ��ي جَ َني ُْت؟!‬ ‫وقد أخذ عبدالسّ الم هاشم البيت السّ ابق من‬

‫وخ�ل�اص ��ة ال � �ق� ��ول‪ :‬إنَّ اس �ت �ل �ه��ام التراث‬ ‫واستدعاءه والتنقيب عن معانيه ودالالته‪ ،‬يتطلب‬ ‫شاعراً موسوعياً في المعرفة والثقافة؛ ليقوم‬ ‫بتوظيف األنماط التّعبيرية التراثية على مستوى‬ ‫المفردات والتراكيب واألسلوب‪ ،‬توظيفاً يخدم‬ ‫رؤية الشّ اعر ومواقفه النفسية‪ .‬وذلك ألن التراث‬ ‫يشكّل راف��داً جوهرياً من رواف��د صياغة النسق‬ ‫الشعري وبناء تراكيبه ونظم جمله‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين أبو الفضل‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪ ،‬مادة (ورث)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬جبور‪ ،‬عبدالنور‪ :‬المعجم األدبي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫(‪ )3‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ :‬البارودي رائد الشّ عر العربي الحديث‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،3‬د‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫(‪ )4‬البارودي‪ ،‬محمود سامي‪ :‬ديوان البارودي‪ ،‬تحقيق وشرح علي الجارم ومحمد شفيق معروف‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1953‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.119 -111‬‬ ‫(‪ )5‬المتنبي‪ ،‬أبو الطيب‪ :‬ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.30-19‬‬ ‫(‪ )6‬ديوان البارودي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(‪ )7‬الحمداني‪ ،‬أبو فراس‪ :‬ديوان أبي فراس الحمداني‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‪.159‬‬ ‫(‪ )8‬درويش‪ ،‬محمود‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬ ‫(‪ )9‬المعري‪ ،‬أبو العالء المعري(ت‪445‬هـ)‪ :‬شرح اللزوميات‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.974‬‬ ‫(‪ )10‬فرحات‪ ،‬أحمد‪ :‬التناص في الشّ عر السّ عودي المعاصر‪ ،‬عبدالسّ الم هاشم حافظ أنموذجاً‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫للقصيدة البيت ّية‬

‫> عبدالله السفر‪ -‬من السعودية‬

‫يشير المختصون‪ ،‬الذين بحثوا مفهوم األزمة وتعريفها‪ ،‬إلى أنها تمثّل حالة من الخطر والحرج‬ ‫وعدم االستقرار‪ ،‬وبنية من المعوقات لم تنجم في لحظة واحدة‪ ..‬أو أنها طلعت من فراغ‪ .‬ثمة مسيرة‬ ‫محصلته في‬ ‫ّ‬ ‫فترسخت بشكل متتابع‪ ،‬وبأثرٍ تراكمي تتبدّ ى‬ ‫ّ‬ ‫من القصور عمرُ ها مديد ومستحكم‪،‬‬ ‫الواقع المعاش وفي الممارسة العملية‪.‬‬ ‫وبالمعاينة‪ ،‬نجد أن حياتنا العربية تندرج في‬ ‫أزم��ة خانقة‪ ،‬ومنتشرة بطريقة متنافذة في جميع‬ ‫المجاالت؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية‪..‬‬ ‫ما يعني أن األزمة تطاول جميع شؤوننا بما فيها الشأن‬ ‫الثقافي‪ ..‬وما يتفرّع عنه من عناوين‪ ،‬وعلى رأسها‬ ‫اإلبداع الذي يشكّل غيابه «جوهر أزمتنا الحضارية»‬ ‫كما يقول د‪ .‬سعيد توفيق في كتابه «أزمة اإلبداع في‬ ‫ثقافتنا المعاصرة»‪ .‬وفي الوقت الذي يؤكّد فيه د‪.‬‬ ‫توفيق توفّر نماذج إبداعية فنيّة حقيقية وبخاصة‬ ‫في ميدان األدب‪ .‬إال أنه يخلص إلى أن هذه النماذج‬ ‫ال تجعل بمستطاعنا الحديث «عن مدارس وحركات‬ ‫فنيّة تع ّد نتاجا أو إفرازا لواقعنا الفني الخاص بنا‬ ‫ص ‪ .»14‬نتأدى من هذا الرأي إلى اختفاء البصمة‬ ‫التي تشكّل عالمة أو تيّارا يؤشّ ر على فرادة تحملها‬ ‫ال���ذوات اإلب��داع �ي��ة‪ ،‬تعبيرا ع��ن صلتها بمحيطها‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وتفاعلها معه على نحوٍ خاص‪ ،‬وبكيفيّة‬ ‫من اإلض��اف��ة األصيلة التي تؤسس لرؤية جديدة‪،‬‬ ‫ولمختبر من األدوات والتجريب‪ ،‬يقطع مع النسخ‬ ‫جهد وال معاناة وال استبصار‪.‬‬ ‫والمضاهاة‪ ،‬دون ٍ‬ ‫وإذا تتبعنا المنتج اإلبداعي العربي في أشكاله‬ ‫المتعددة‪ ،‬وألوانه المختلفة من فنون وآداب‪ ،‬سوف‬ ‫نعثر على ثغرات واسعة‪ ،‬وشقوق عميقة‪ ،‬سواء في‬ ‫المسرح أو التشكيل أو الفوتوغرافيا أو السينما أو‬ ‫الشعر أو القصة‪ ...‬كلّها عن قرب تنضح بأزماتها‪،‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫األزمة ليست مك ِّونا ً بنيويّا‬

‫غير أ ّن التركيز يجري أكثر على الشعر بوصفه ديوان‬ ‫العرب‪ ،‬والذاكرة الكبيرة التي صاحبتهم منذ مئات‬ ‫السنين‪ .‬لم يعرف العرب فنّا تجسّ دتْ فيه حياتهم‬ ‫وح �م � َل رؤاه ��م وم��واق�ف�ه��م ون��زع��ات�ه��م مثل الشعر‪.‬‬ ‫الهالة الضخمة التي كانت تحيط بالشعر تشعشعت‬ ‫وضعفتْ ‪ .‬ال��دو ُر األوحد المسنود إليه‪ ،‬نازعتْ ُه فيه‬ ‫أط��راف أخ��رى‪ ،‬فأخذتْ تقضم من مجده‪ .‬التعبير‬ ‫المنتظر الذي يتعطّ ش له الجمهور لم يعد كما كان‪.‬‬ ‫ثمّة وسائط بعضها غير إبداعي تفوّقت على الشعر‬ ‫في هذا العصر‪ .‬الرأي العام خرج من عهدة الشعر‪،‬‬ ‫وأص�ب��ح ف��ي ذ ّم��ة الصحافة واإلذاع ��ة والتلفزيون‪،‬‬ ‫وحتى هذه أضحى من ينظر إليها على أنها في سبيل‬ ‫التراجع لصالح شبكة االتصال الحديثة‪ ،‬وما تمنحه‬ ‫من تواصل آني وفضاء حر؛ عامريْن بالمعلومة والرأي‬ ‫وبالموقف واالنفعال‪ ..‬على نحوٍ يجعل مسمّى الديوان‬ ‫الئقا ومستحقا لهذه األدوات الجديدة المستحدثة‪.‬‬ ‫هذا الجانب اإلخباري (والوجداني) المالزم لمسيرة‬ ‫داع‪ .‬ولنا‬ ‫ال وبال ٍ‬ ‫الشعر على م ّر تاريخه؛ أصب َح ناف ً‬ ‫أن نستشهد بواقعة حيّة تد ّل على تراجع الشعر في‬ ‫صورته التقليدية ودوره التاريخي‪ ،‬قصدنا تحوالت‬ ‫ال��رب�ي��ع ال�ع��رب��ي ف��ي أك�ث��ر م��ن دول ��ة‪ .‬ففي مسابقة‬ ‫«أمير الشعراء» في دورتها األخيرة‪ ،‬حاول الشعراء‬ ‫المتسابقون اللحاق بالمشهد وإن��زال��ه تعبيريّا في‬ ‫المحصلة باهتة وباردة ومتجاوزَة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قصائدهم‪ ،‬إ ّال أن‬ ‫ولم تخ ُل من غمز محكّمي المسابقة‪ .‬ذلك أن نبض‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪25‬‬


‫الشارع واصطخابه والدم الذي سال فيه‪ ،‬لم يستطع‬ ‫شع ُر الذاكرة أن يقاربه ال فنيّا وال دالليّا‪.‬‬

‫الشيخوخة واالنكسار األول (ص ‪ .)151‬فبعد أن‬ ‫كانت القصيدة تصدر من جوّانية عميقة ممتلك ًة‬ ‫ناصية التأمل والغناء‪ ،‬أصابها عطبُ الصنعة وتلبي ُة‬ ‫النداء الخارجي المنفصل عن الحاجة الفنية‪« ،‬لم‬ ‫يعد الشاعر كما كان فنانا مشغوال بالتأمل والغناء‪،‬‬ ‫وإنما أصبح صانعا ماهرا يجيد صناعة الديباجة‬ ‫الشعرية السلفية ويحسن التقليد‪ ،‬والقصيدة لم‬ ‫تعد منبثقة من داخل الشاعر كقيمة روحية وفنية‪،‬‬ ‫وإنما هي صوت خارجي رديء‪ ...‬ص ‪ .»151‬والكلمة‬ ‫المفتاح المعبّرة عن ه��ذه األزم��ة عند د‪ .‬المقالح‬ ‫هي «الرتابة» سواء في الشكل أو الخصائص الفنية‬ ‫ال �ق��ارّة‪ ..‬إض��اف��ة إل��ى «تجاهل التغيير الهائل في‬ ‫أشكال الحياة وأساليبها ص ‪.»144‬‬

‫ه ��ذا ال� ��دور ال ��ذي اُن��ت��زع م��ن ال�ش�ع��ر بصورته‬ ‫التقليدية‪ ،‬زاده إثخاناً فنٌّ قوليٌّ آخر هو الرواية‪ ،‬التي‬ ‫أطل َق عليها أحد النقاد ديوان العرب الجديد‪ .‬صارت‬ ‫الرواية لسا َن حال المجتمعات العربيّة وما تم ّر به من‬ ‫صدوع وتحوالت‪ .‬المجتمع المصري‪ ،‬مثالً‪ ،‬نقرؤه في‬ ‫ٍ‬ ‫روايات نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وصنع الله‬ ‫إبراهيم‪ .‬المرجل الذي يختلط فيه المتن والهامش‬ ‫والجمال والقبح والصمود واالنصداع؛ نط ّل عليه في‬ ‫روايات هؤالء الذين حملوا نبض مجتمعهم‪ ،‬وعبروا‬ ‫عنه فكريا وجماليا‪ ،‬فيما الذ اآلخ��رون من شعراء‬ ‫ ينتظمهم اإليقاع‪ -‬إ ّم��ا إلى السطح الرومانسي‪،‬‬‫وإما إلى التجلبب بالغموض‪ ،‬أو الترميز المغلق‪ ،‬أو‬ ‫إذا‪ ،‬أزم��ة القصيدة البيتية أنها انحبست في‬ ‫األسطورة‪ .‬هي معركة خسرها الشعر ألنه لم يتحوّل‬ ‫قوالب محفوظة‪ ،‬تُستعاد عند الطلب بمحرّك يأتي‬ ‫يخصه وال يؤثّر فيه‪ .‬ظ ّل‬ ‫ّ‬ ‫في داخله‪ .‬كأن الزمن ال‬ ‫م��ن ال �خ��ارج‪ ،‬ال ع�لاق��ة ل��ه ب��اإلب��داع‪ ،‬وال باستيفاء‬ ‫في حدود الذاكرة االستعاديّة التكراريّة‪.‬‬ ‫اللحظة الفنية ومقوّماتها الجمالية‪ .‬كما أنها أسيرة‬ ‫الشعر العربي يعيش أزمته الوجوديّة الكيانيّة‪ .‬الذاكرة بمواقعها القديمة والمغرقة في تقليديّتها‪،‬‬ ‫يستوي في هذا قصيدة الوزن المنتمية في أغلبها بتكرار شاقّ ومميت ألشكال ومضامين تنتمي لعصورٍ‬ ‫إلى المجال العام‪ ،‬وقصيدة النثر التي تسعى إلى خلت‪ .‬بما يعني أن ه��ذه القصيدة ف��ي مجملها ال‬ ‫االنفصال عن هذا المجال‪ ،‬وإن اختلفت األسباب تنتمي إلى هذا العصر الذي نعيشه‪.‬‬ ‫والدواعي‪ .‬ويكفي أن نقرأ عنوان هذا المقال الدّال‬ ‫نوضح أن األزم��ة ليست مكوّنا بنيويّا‬ ‫وعلينا أن ّ‬ ‫«قصيدة النثر عجزتْ مث َل أختها العموديّة» للشاعر‬ ‫سامر أبو هواش‪ ،‬والمنشور في مجلة اآلداب البيروتية للقصيدة البيتية‪ ،‬وليس من حقّنا أن نصمها بالعقم‪،‬‬ ‫(عدد ‪2008/7‬م) لنعرف تمدّد األزم��ة وانتشارها‪ ،‬وأن نستصدر لها شهادة وفاة‪ .‬األزمة عنوانها المنتِج‬ ‫ال المنتَج‪ .‬الشاعر المبدع يستطيع أن يطوّع الشكل‪،‬‬ ‫وأنها غير مقصورة على الشعر العمودي‪.‬‬ ‫لا ل�ص��ال��ح تجربته بحسب‬ ‫وأن ي�ح��دث ف�ي��ه ت�ح��وي� ً‬ ‫ث� ّم��ة ب��اح�ث��ون ال يميلون إل��ى مسمّى القصيدة‬ ‫موهبته ال ذاك��رت��ه ومحفوظاته‪ ،‬وبحسب ذهنيّته‬ ‫العمودية المنبنية على خصائص معينة‪ ،‬ليست‬ ‫المنفتحة على الحياة اآلن وهنا؛ الحياة التي لم‬ ‫ح��اض��رة اآلن فيما يُكتب ف��ي ه��ذا ال�ل��ون الوزني‪،‬‬ ‫تذبل عروقها‪ ..‬ولم تتهدل أغصانها‪ ،‬فهي في حركة‬ ‫ويفضلّون عليه قصيدة البيت أو قصيدة الشطرين‪.‬‬ ‫دائبة ومتقلّبة أيضا‪ .‬ال يق ّر الشاعر المبدع بالناجز‪،‬‬ ‫وقد رصد د‪ .‬عبدالعزيز المقالح قبل ما يزيد على ربع‬ ‫ِخالصات أصبحت‬ ‫ٍ‬ ‫وال يرضى أن يبقى م��أس��وراً ل‬ ‫قرن أزمة القصيدة البيتية في كتابه «أزمة القصيدة‬ ‫إشباع واستنفاد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تاريخيّة‪ ،‬لفرط ما نالها من‬ ‫العربية» (دار اآلداب بيروت‪1985 ،‬م)‪ ،‬والتي استهلّت‬ ‫محنتها بولوجها ط��ور التقليد والمحاكاة‪ ،‬لتعانق‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫«مظفر النواب» أمنوذجا ً‬

‫> مالك اخلالدي ‪ -‬السعودية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ثقافة الشاعر العمودي وأثرها في بناء النص‪..‬‬

‫ال ريب أن لخلفية الشاعر الثقافية أثر ًا بالغ ًا في بناء النص الشعري فني ًا ولغوياً‪ ،‬إلى درجةٍ‬ ‫يستطيع معها المتلقي قراءة تلك الخلفية األيديولوجية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والمعرفية‪،‬‬ ‫من خالل النص اإلبداعي‪ ،‬من دون تقصد في كثيرٍ من األحيان‪ ..‬وهذا ما أشار إليه المفكر الراحل‬ ‫الدكتور علي الوردي‪ ،‬في حديثه عن األطر الثقافية لدى اإلنسان بشكل عام‪ ،‬ولدى المبدع على وجه‬ ‫الخصوص‪ ،‬حين أشار إلى تأثير األطر الثقافية على رؤيته لألشياء واألحداث‪ ،‬ومن ثم تأثيرها على‬ ‫نتاجه من حيث ال يعلم‪ ،‬والثقافة هنا هي بمفهومها العام‪ ،‬وفي حقولها المتعددة من سياسية‪،‬‬ ‫وأيديولوجية‪ ،‬ومعرفية‪ ،‬وهذا أيضا ما أشار إليه المفكر الراحل‪ ،‬حين جعل لإلطار الثقافي ثالثة‬ ‫محاور‪ ،‬وهي النفسي والحضاري واالجتماعي‪ ،‬حيث يطبع كلٌ منها النتاج اإلبداعي اإلنساني‪،‬‬ ‫بشكل واسع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويسهم في تشكيله‬ ‫ال بد من اإلقرار بأن النص اإلبداعي هو مرآة‬

‫فإننا نجده يمضي في مراحل متعددة‪ ،‬تمثل كل‬

‫حقيقية وصادقة للمبدع‪ ،‬ما لم تكتنفه ظروف منها مدرسة ذات مالمح خاصة‪ ،‬وإن كانت ذات‬ ‫قد تحد من اندياحه أو تجبره على المواربة في‬ ‫مرحلة ما إذا اتفقنا على ما أشار إليه الدكتور‬ ‫علي جعفر العالق‪ ،‬من أن المبدع دائماً ذو ذاكرة‬ ‫مذعورة‪ ،‬مثخنة بالقيود النسقية بكافة أشكالها‪،‬‬ ‫إال أن ه��ذا األم��ر ال يمكن أن يمضي طويالً‪،‬‬ ‫فنجد للمبدع مراحل أخ��رى أشد صدقاً وأكثر‬

‫هيكل بنائي واح ��د‪ ،‬وه ��ذا ب�لا ش��ك ي�ع��ود إلى‬ ‫ٍ‬ ‫شاعر في تجربته‬ ‫ٍ‬ ‫اختالف اإلطار الثقافي لكل‬ ‫الضيقة في فضاء المدرسة الكبيرة‪ ،‬فليس من‬ ‫العسير أبداً أن تعرف بأن هذين البيتن‪:‬‬ ‫أخ���ذ ال��ك��رى ب��م��ع��اق��د األجفان‬ ‫وه��ف��ا ال��س��رى ب��أع��ن��ة الفرسان‬

‫عفوية في تجسيد ذاته وثقافته وفكرته‪ ،‬من دون والليل منشور ال��ذوائ��ب ضارب‬ ‫مواربة أو رمزية مفرطة تقتل ال��ذات الحقيقية‬ ‫له‪ ،‬وتسرج نصاً بال مالمح واضحة‪.‬‬ ‫وحين نأتي على وجه التحديد للشعر العمودي‪،‬‬

‫ف����وق ال��م��ت��ال��ع وال����رب����ا بجران‬ ‫ب �ك��ل ع�ن�ف��وان�ه��ا وح �م��اس �ه��ا ونسقيتها أنها‬ ‫للشاعر أحمد محرم أحد رواد مدرسة البعث‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪27‬‬


‫واإلحياء‪ ،‬كذلك لن تجد صعوبة في معرفة قائل الشعري‪.‬‬ ‫هذه األبيات‪:‬‬

‫رب �م��ا ال ي�خ�ف��ى ع�ل��ى ال�م�ه�ت��م ب � ��األدب‪ ،‬تلك‬

‫هدني السجن وأدمى القيد ساقي‬ ‫ف��ت��ع��اي��ي��ت ب���ج���رح���ي ووث����اق����ي‬ ‫وأضعت الخطو في شوك الدجى‬

‫الثقافية العالية ف��ي قصائد «ال� �ن ��واب»‪ ،‬التي‬ ‫ام �ت��ازت بحدة ال�ص��ور ومتانة اللغة‪ ،‬كانعكاس‬ ‫حقيقي للفنان والمثقف والشاعر مظفر النواب‬

‫والعمى والقيد وال��ج��رح رفاقي من جهة‪ ،‬والحياة الموغلة بالتشرد والمنافي‬ ‫والمعاناة التي عاشها من جهة أخرى‪ ،‬ودعوني‬ ‫في سبيل الفجر ما القيت في‬ ‫أفصلها على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫رح��ل��ة ال��ت��ي��ه وم���ا س���وف أالقي‬

‫س�����وف ي��ف��ن��ى ك����ل ق���ي���د وق����وى‬ ‫ك��ل س��ف��اح وع��ط��ر ال��ج��رح باقي‬ ‫بكل شفافيتها وحزنها وجسارتها وروحانيتها‬ ‫أنها للشاعر الكبير عبدالله ال�ب��ردون��ي‪ ،‬الذي‬ ‫يعد أحد المجددين في الشعر العمودي‪ ،‬حيث‬ ‫انطلق من بوتقة النظم الحماسي النسقي‪ ،‬إلى‬ ‫فضاء متسع ذي أبعاد فكرية فلسفية ووجدانية‬ ‫خالبة‪ ،‬فالبردوني مؤرخ وفيلسوف تجرع مرارات‬ ‫بوح مغاير في‬ ‫السجن والعمى والفقد‪ ،‬فكان ذا ٍ‬ ‫قالب كالسيكي عمودي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ولعلِّي أتناول الشاعر العراقي «مظفر النواب»‪،‬‬ ‫في قراءة تحليلية مقتضبة لقراءة إطاره الثقافي‪،‬‬ ‫وكيفية ومدى تأثيره على البناء الجمالي واللغوي‬ ‫ف��ي ن �ص��وص��ه‪ ،‬ك��أح��د ال �ش �ع��راء ال �ع��رب الكبار‬ ‫أصحاب التجربة العمودية الفريدة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تجربته غير العادية في أل��وان الشعر األخرى‪،‬‬ ‫وقصائده العامية التي زلزلت الشارع العراقي‬ ‫آنذاك‪ ،‬والتي توقف عنها في المنفى العتبارات‬ ‫نفسية أو جغرافية‪ ،‬أو ربما داللة على نضوجه‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫الثقافة الدينية‬

‫مظفر النواب‪ ..‬سليل أسرة علمية أرستقراطية‬ ‫ع ��راق� �ي ��ة‪ ،‬ك��ان��ت ت �ع �ق��د ال � �ن� ��دوات واللقاءات‬ ‫واالحتفاالت الدينية والفنية واألدبية في منزلها‪،‬‬ ‫مما أسهم في تشكيل ذهنية مظفر ونفسيته‪،‬‬ ‫وأرفد الجانب اإلبداعي لديه في جوانب شتى‪،‬‬ ‫فكان ش��اع��راً ورس��ام�اً ومثقفاً‪ ،‬ل��ذا نجد شعره‬ ‫مكتظاً بذكر األحداث التاريخية‪ ،‬وأسماء المدن‬ ‫والشخصيات‪ ،‬كما أن��ه ذو فنية مرتفعة جداً‪،‬‬ ‫وقد كرّست تلك النشأة في روحه الحس الديني‬ ‫الذي ال يتجاوز تغنّيه بأسماء رموز كـ «الحسين»‬ ‫و«زينب» و»أبي ذر»؛ وهنا نجد مظفراً قد أخلص‬ ‫لشجاعة ه��ذه ال��رم��وز ونضالها ومظلوميتها‪،‬‬ ‫وليس لبعدها الديني‪ ،‬وه��ذا ما يفسر لنا كثرة‬ ‫تكراره لها‪ ..‬مع توجهه السياسي واأليديولوجي‬ ‫البعيد عن النزعة الدينية‪.‬‬ ‫واقرؤوه حين يرثي‪:‬‬ ‫دم��اؤك ما زال الحسينُ مقاتال‬ ‫ولحمك ما زالت تذود األشاجعُ‬


‫فلسطين لألجيال ما أنت راكعُ‬

‫وت��زي��د م��ن ت��وه��ج ال�ق�ص�ي��دة‪ .‬فحين ت��دل��ف رحاب‬

‫كما أن نكوص حال أسرته وتحولها من الترف‬

‫الحس‪ ،‬والجرأة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قصائده‪ ..‬ستجدك أمام مزيج من‬

‫إل��ى ال�ع��وز وه��و ف��ي ص�ب��اه‪ ،‬كانت ال �ش��رارة األولى وال �ش��راس��ة‪ ،‬وال �ن �ش��وز‪ ،‬وال��روح��ان �ي��ة‪ ،‬والعذابات‪،‬‬ ‫والحنين‪ ،‬وكلها أوجه لحياة متقلبة مملوءة بالكثير‬ ‫لطوفان االلتياع واأللم والنزف في شعره‪.‬‬

‫التوجه السياسي‬ ‫ّ‬ ‫كان لحياته المدنفة بالتشرد والمنافي‪ ،‬الدور‬ ‫األبرز في إبعاده عن أي انتماء حزبي أو تنظيمي؛‬ ‫لذا‪ ،‬هو لم ينتمِ لغير القضايا العربية التي ينفعل بها‬ ‫بحماسة منقطعة النظير‪ ،‬ما جعله شاعراً شرساً‬ ‫خارجاً عن كل نسق‪ ،‬جريئاً بصالفة‪ ..‬في مناكفة ما‬ ‫ال يؤمن به‪ ،‬وهذا ما يظهر في السواد األعظم من‬ ‫شعره؛ لذا‪ ،‬من غير المستغرب أن يوصف بشاعر‬ ‫الغضب القومي وهو القائل‪:‬‬ ‫ل��ل��ه م���ا ت��ل��د ال��ب��ن��ادق م���ن قيامة‬ ‫إن جاع سيدها وكف عن القمامة‬ ‫إن ه�����ب ن���ف���ح م����س����اوم����ات ك���ان‬ ‫ق���اح�ل�ا ال م�����اء ف���ي���ه وال عالمة‬

‫القيد النفسي‬ ‫القارئ لشعر مظفر النواب‪ ،‬يلمس بشكل جلِيّ‬

‫من التناقضات‪ ،‬والتداعيات‪ ،‬واالنكسارات‪ ،‬واقرؤوه‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وجبهتك الزهراء ترسم في الثرى‬

‫يوغل في إشعالها بصورٍ حسية تخفف من توقده‪..‬‬

‫حين عاد إلى منفاه دمشق بعد غياب‪:‬‬ ‫��دت بال حزني وال فرحي‬ ‫دمشقُ ع ُ‬ ‫شبح‬ ‫ي��ق��ودن��ي ش��ب ٌ��ح م��ض ٍ��ن إل���ى ٍ‬ ‫جسد‬ ‫ٍ‬ ‫أصافحُ الليل مصلوب ًا على‬ ‫ل��م أدرِ أي خ��ف��اي��ا حسنه قدحي‬ ‫دفعت روحي على روحي فباعدني‬ ‫ُ‬ ‫لقح‬ ‫ن��ه��دان ع��ن ج��ن��ةٍ ف��ي م��وس ٍ��م ِ‬ ‫لقد سكرت من الدنيا ويوقظني‬ ‫م��ا ك���ان م��ن ع��ن ٍ��ب فيها وم���ن بلح‬ ‫ت��ه��ر خ��ل��ف��ي ك�ل�اب ال��ح��يّ ناهشةً‬ ‫المنح‬ ‫ِ‬ ‫عظم من‬ ‫أطراف ثوبي على ٍ‬ ‫ضحكت منها ومني فهي يقتلها‬ ‫ُ‬ ‫ُس���ع���اره���ا وأن�����ا ي��غ��ت��ال��ن��ي فرحي‬ ‫هكذا إذاً انثال مظفر مدفوعاً بذهنية الثائر‬

‫شراسة المفردة‪ ،‬وحسية (شهوانية) الصورة لديه على النسق وروح الملتاع المحزون الشريد‪ ،‬ليرسم‬ ‫في كثير من األحيان‪ ،‬وال ريب أنها انعكاس لحياة‬

‫م��درس��ة ش�ع��ري��ة ق��ائ�م��ة ب��ذات �ه��ا‪ ،‬م�ت�ف��ردة بسمات‬

‫قاسية عاشها «النواب»‪ ،‬وسبر تجاعيدها‪ ،‬فاعتادها متماهية رغم تناقضها‪ ،‬كنتيجة إلطار ثقافي نفسي‬ ‫وخلقت ف��ي نفسه ط��ائ��راً مكلوماً ث��ائ��راً ساخطاً اجتماعي أيديولوجي‪ ،‬أسهم ف��ي تشكيل إبداعه‬ ‫كثير من المنافي العربية والغربية‪ ،‬ينازع‬ ‫متشرداً‪ ،‬في ٍ‬

‫الشعري دون أن يستلب وعيه الحاد الذي صاحبه‬

‫النسق بشراسة متدفقة‪ ،‬وسخرية الذع��ة ال تلين‪،‬‬

‫في كل منعطفاته اإلبداعية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪29‬‬


‫رهانات القصيدة العمودية‬ ‫> محمد جميل أحمد‪ -‬السودان‬

‫ظلت القصيدة العمودية تستجيب للرهانات الكالسيكية في الشعر العربي الحديث‪ ،‬وسجلت‬ ‫تمرينا نشطا في أسلوب المعارضات الذي قدمه بعض رواد الشعر الكالسيكي‪ ،‬من أمثال محمود‬ ‫سامي البارودي‪ ،‬وأحمد شوقي في معارضاته الشهيرة لسينية البحتري‪ ،‬ونونية ابن زيدون‪ ،‬وبردة‬ ‫البوصيري‪ ،‬وغيرها من عيون الشعر الكالسيكي‪.‬‬ ‫وكان ذلك النجاح بذاته ضربا من استعادة العافية للقصيدة العربية‪ ،‬بعد أن ظلت في عهود‬ ‫المماليك والعثمانيين تعاني من مضامين تعبيرية رثة‪.‬‬ ‫لكن منذ النصف ال�ث��ان��ي للقرن العشرين‪ ،‬والذائقة الجديدة المتصلة ب��روح الحداثة‪ ،‬ما‬ ‫ونتيجة للتفاعالت المتجددة مع الغرب‪ ..‬وتطور‬

‫جعل من إهمال هذا الشكل الشعري في الكتابة‬

‫الكتابة الشعرية‪ ،‬عبر التجارب الرائدة في تغيير العربية الحديثة يبدو أمرا طبيعيا وبال غرابة‪.‬‬

‫بنية القصيدة العربية وابتداع قصيدة التفعيلة‪ ،‬ثم‬ ‫قصيدة النثر التي استقرت اليوم كنمط تعبيري‬ ‫شكَّل ذائقة متفردة وغالبة‪ ،‬ال سيما في االنفجار‬ ‫الكبير الذي شهدته هذه القصيدة في الصحافة‬

‫وككثير من طبيعة السجاالت العربية حول‬ ‫ال�ق�ض��اي��ا المختلفة‪ ..‬ي�ت��وهّ ��م بعضهم الحسم‬ ‫واالنتصار عبر أدواته النسبية‪ ،‬حيال قضايا قد ال‬ ‫تكون بالضرورة قد حسمت‪ ،‬أي ال يمكن أن يكون‬

‫الثقافية العربية‪ ،‬وفي ك ِّم اإلص��دارات الهائل‪ ..‬تجاهلها أو إطراحها فقط‪ ،‬ألن الكتابة الجديدة‬ ‫حتى أصبح ك ّمًا لو أن هذه التجربة هي النهاية في الشعر تنحو إلى نمط قصيدة النثر‪.‬‬ ‫األخيرة لمدونة الشكل التعبيري في الشعرية‬ ‫العربية المعاصرة‪.‬‬ ‫وفي ظل سجاالت الساحة النقدية العربية‬ ‫ح� ��ول ال� �ج ��دل ب �ي��ن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر وقصيدة‬

‫وال�ح��ال أن ضغط ال��واق��ع الثقافي المتصل‬ ‫بمآزق الثقافة العربية وانحطاطها‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫العديد من الحيثيات األخ��رى‪ ،‬جعل من إهمال‬ ‫القصيدة العمودية شأنا متعارفا عليه‪ ،‬كما لو‬ ‫أن ذلك بالضرورة يعني احتمال قناعة ما بذلك‬

‫التفعيلة حيال التعبير الشعري‪ ،‬بدا األم��ر كما‬ ‫لو أن القصيدة العمودية خارج الجدل والسجال الهجر‪ ..‬دون الحاجة إلى حجاج نقدي ومعرفي‪.‬‬ ‫بوصفه ‪ -‬ربما ‪ -‬شكال قديما ال يصلح للتجريب‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫وكان ذلك ضمن أسباب إطرِّاح نمط الكتابة‬


‫وتاريخية‪ ،‬من يتصل بها في كتابة الشعر يبدو‬

‫كمن يعيش خارج زمن الشعرية الحديث‪.‬‬

‫اختيارات الشاعر‪ ،‬وبالتالي فإن تفضيل تقنية‬

‫ما وشيوعها‪ ..‬ال يمكن بذاته أن يكون الغيا أو‬

‫ب ��داي ��ة ال ب ��د م ��ن ال� �ق ��ول أن ت��رج �ي��ح نمط متجاوزا للتقنيتين األخريتين‪ ،‬بل ينظر في ذلك‬ ‫شعري عن آخ��ر‪ ..‬ال يأخذ أرجحيته من مطلق إلى مؤثرات أخرى تعمل على ترجيح تقنية دون‬ ‫تعويمه كنمط متداول بفعل مؤثرات الصحافة‬

‫أخرى‪ ..‬دون أن تكون الغية لها‪ .‬أي أن المعادلة‬

‫الصفرية تظل قائمة ف��ي داللتها الموضوعية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الشعرية العمودية‪ ،‬وإدراج �ه��ا في خانة تراثية بالضرورة مجازا واحدا للكتابة الشعرية بحسب‬

‫الثقافية فحسب‪ ،‬بل ال بد لذلك الرجحان من‬ ‫منهجيات تختبر هجرانه عبر إع�م��ال معرفة حيال إمكانية األخذ بأحد األشكال الثالثة في‬ ‫نقدية في رصد قدرات العمود الشعري‪ ،‬وقياس الكتابة الشعرية‪ ،‬كاختيار حر للشاعر فحسب‪.‬‬ ‫الحساسية الموسيقية لذلك العمود ضمن قابلية‬

‫هكذا حين نختبر معنى العمود الشعري‪ ،‬ال‬

‫خارج األوزان الخليلية‪ ،‬إلعادة تعريف الموسيقى‬

‫وإنما كتواطؤ كوني للذائقة البشرية حيال الشعر‬

‫اإليقاعي عن تلك األوزان الخليلية بحسب ذلك‬

‫إنسانية ت��أخ��ذ م��ن تعميمها ذاك معنى عابرا‬

‫اإلي�ق��اع ال��ذي يدرجه بعض نقاد قصيدة النثر ككتابة تاريخية في إيقاع الشعر العربي فحسب‪،‬‬ ‫الداخلية لقصيدة النثر من ناحية‪ ،‬ولنفي المعنى‬ ‫التعريف من ناحية ثانية‪.‬‬

‫في كل األمم القديمة‪ ،‬سنجد أنفسنا أمام ظاهرة‬

‫للزمن‪ ،‬ومرتبطا في جوهره بالوجود البشري‬

‫بيد أن ما يراه كثيرون أسبابا لهجر العمود مثل أي ظاهرة فنية أخرى‪.‬‬

‫الشعري‪ ..‬قد ال تصبح بذاتها داللة عليه‪ ،‬ذلك‬

‫ف�م��ا يجعل م��ن أش �ع��ار األم ��م م �ن��درج��ة في‬

‫المعنى التاريخي للوزن الخليلي‪ ،‬كافيا بذاته‪،‬‬

‫واألزم �ن��ة‪ ،‬ينحو بذلك اإلي�ق��اع إل��ى دالل��ة عامة‬

‫أن ثمة آيدلوجيا نقدية حداثوية تجعل من مجرد‬

‫سياقات إيقاعية رغم اختالف اللغات واألمكنة‬

‫سببا ل �ت �ج��اوز ال �ع �م��ود ال �ش �ع��ري‪ .‬وه ��ذا يطرح وهوية موسيقية للشعر‪ ،‬وبهذا المعنى فإن تلك‬ ‫ب��ال�ض��رورة ردود فعل حجاجية تنحو إل��ى تلك‬

‫الطاقة اللحنية التي تخترق عادية اللغة ونثرها‬

‫ف��إذا ك��ان من المستحيل تعريف الشعر من‬

‫خاصة وغير ع��ادي��ة‪ ،‬بطريقة ت��وازي معناه في‬

‫الدائرة المغلقة في حد الشعر‪.‬‬

‫خالل الشكل الكتابي لجهة أن الشعر أصال حالة‬ ‫قائمة بالنفس‪ ،‬وأن الشكل الشعري هو كتابة‬

‫باإليقاع‪ ،‬تكمن في جوهر الشعر باعتباره قدرات‬ ‫الكلمات ون�ظ��ام اللغة‪ .‬أي أن اإلي�ق��اع هنا في‬ ‫ك�س��ره ل��رت��اب��ة ال�ل�غ��ة‪ ،‬ه��و بمثابة ال��وج��ه اآلخر‬

‫الشعر ورسمه‪ ،‬وليس الشعر ذات��ه؛ فإن دائرية لمعاني الشعر التي هي حالة تعبير تتولد من‬ ‫اللغة من ناحية أخ��رى‪ ..‬ستجعل من األشكال عالقة الكلمات ببعضها‪ ،‬عند إع��ادة خلقها في‬

‫الثالثة لتقنية الشعر مانعة من استحداث شكل‬

‫رابع‪ ،‬ومن ثم فإن التسوية بين األشكال الثالثة‪:‬‬ ‫ال �ع �م��ود‪ ،‬وال�ت�ف�ع�ي�ل��ة‪ ،‬وق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ر‪ ،‬ستجعل‬

‫عالم خاص‪.‬‬

‫والحال أن هذا االختبار سيكون سببا آخر‬

‫لتأكيد المعنى اإلي�ق��اع��ي ذي ال �ج��رس‪ ،‬كتيمة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪31‬‬


‫تختزن الكثير من إمكانات التعبير الشعري في أن يكون عارفا بالعروض‪.‬‬

‫اللغة‪ ،‬بطريقة ربما شكلت فرزا حقيقيا يندرج‬ ‫في تحديات الجمالية اإليقاعية واللغوية لمهارة‬

‫الشاعر‪ ..‬حين يمارس اللغة كمادة للشعر‪ ،‬ال‬ ‫كوسيلة للتعبير فحسب‪.‬‬

‫وه�ك��ذا‪ ،‬ف��إن تحديات العمود الشعري هي‬ ‫تحديات تبرز اإليقاع ضمن تلك الغرائبية التي‬ ‫تجعل من الشاعر شخصا مختلفا‪ .‬وه��ي بهذا‬ ‫المعنى داللة قائمة على قيمة الموسيقى كتيمة‬

‫فالتحدي في اإليقاع الوزني إذ يبدو كذلك فنية مطلقة‪.‬‬ ‫ل��دى شريحة واس�ع��ة م��ن الشعراء المعاصرين‬ ‫لكن الخلط ال��ذي ينشأ م��ن وه��م االلتباس‬ ‫والشباب‪ ،‬يعني فيما يعني‪ ،‬فضاء فنيا الستثمار‬ ‫بين اإلم�ك��ان��ات اإليقاعية ل �ل��وزن‪ ،‬وال�ت��ي يمكن‬ ‫إيقاعات اللغة في البنية الموسيقية للنص‪ ،‬وهو‬ ‫اس�ت�ث�م��اره��ا ف��ي ال�ت�ج��رب��ة ال��داخ �ل �ي��ة للشاعر‪،‬‬ ‫فضاء يقتضي بالضرورة ضربا من المهارة في‬ ‫والوصول بها إلى حالة إيقاعية كهوية للنص‪ ..‬كما‬ ‫مادة اللغة‪ ،‬ال كصناعة باردة ‪ -‬على ما يزعم كثير‬ ‫فعل محمود درويش في استثماراته الالمتناهية‬ ‫من النقاد ‪ -‬وإنما للوصول إلى إيقاعات تخدم‬ ‫لمجزوء بحر المتقارب‪ ،‬وأبدع من خالله أجمل‬ ‫التجربة من داخلها‪.‬‬ ‫نصوص الحداثة الشعرية العربية‪ ،‬وبين التقليد‬ ‫وإذا ظن بعضهم أن كثرة الصناعة في الشعر البارد لشكالنية العروض الخارجية التي تذكر‬

‫الكالسيكي ه��ي نتيجة ل�ع��وائ��ق ال���وزن وقيود بالمنظومات التقليدية‪.‬‬ ‫القافية‪ ..‬فإن ذلك الظن في غير محله‪ ،‬ألن ما‬ ‫إن عدم القدرة على الفرز في ذلك االلتباس‬ ‫يجعل الشعر رديئا هو عجز الشاعر‪ ،‬ومحدودية‬ ‫منشؤُه من الواقع الثقافي‪ ،‬والبنى التي تتحكم‬ ‫م��وه�ب�ت��ه ال �ت��ي ت�ن�ع�ك��س ع �ل��ى ت �ل��ك اإليقاعات‬ ‫فيه‪ ،‬وال��ذائ�ق��ة العامة المتصلة بذلك الواقع‪،‬‬ ‫وتفسدها بالحشو في الكلمات المتممة للقافية‪.‬‬ ‫وغ�ي��ره��ا م��ن األس �ب��اب ال�خ��ارج��ة ع��ن الموهبة‬ ‫ثمة زعم آخر لهدر اإليقاع العمودي مفاده‪ :‬واإلبداع‪.‬‬ ‫أن القافية صناعة ت��أت��ي م��ن جهة إت�ق��ان علم‬

‫العروض‪ ،‬ما يجعل إمكانية للنظم لدى كل من‬

‫تعلم أص��ول ذل��ك العلم‪ ،‬لكن ه��ذا الزعم يمكن‬ ‫نقضه بأن الشاعر الحقيقي يكتب بذلك اإليقاع‬ ‫من دون أن ي��درس ال�ع��روض‪ ،‬نتيجة لحالة من‬

‫االهتزاز الداخلي في مشاعره‪ ،‬تجعل من تلك‬ ‫ال�م��وس�ي�ق��ى ف��ي أذن���ه ح��اس��ة منظمة لفوضى‬ ‫األص��وات في باطنه‪ ،‬لكونه شخصا مختلفا في‬ ‫قدرته على التقاط األص��وات‪ ،‬وإع��ادة توزيعها‬

‫وإذا كان الشعر بطبيعته مقاربة فردية تتصل‬ ‫بالحرية وال��ذائ�ق��ة‪ ،‬ف��إن من ال�ض��رورة بمكان‪..‬‬ ‫تأسيس اح �ت��رازات نقدية ص��ارم��ة ت ��وازي بين‬ ‫تقنيات الشعر ال�ث�لاث (ال �ع �م��ودي‪ ،‬والتفعيلة‪،‬‬ ‫وق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر)‪ ،‬ك��أش �ك��ال م�ت�س��اوي��ة القيمة‬ ‫والمعنى‪ ،‬مع حرية األخذ بأي منها ال على نقيض‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ول �ه��ذا‪ ،‬ف��إن دائ��ري��ة ال�ل�غ��ة‪ ،‬وإم�ك��ان�ي��ة عودة‬

‫على ذلك النحو من النظام في الكلمات‪ ..‬دون الشعر إلى أي من هذه األشكال‪ ،‬وسيادة شكل‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫في كل االتجاهات‪ ،‬فغير بعيد أن يعود الشعراء‬ ‫إلى استثمار القافية في زمن ما دون زمن‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ربما كان اإليقاع هوية حضارية‬

‫وإذا كان الشعر حاجة إنسانية بطبيعة الحال‪،‬‬ ‫ف��إن ات �ص��ال ال �ش��اع��ر ع�ب��ر اإلي �ق��اع العروضي‬ ‫وغيره في استجابته لتلك الحاجة اإلنسانية‪،‬‬

‫وتاريخية للغة العربية لجهة الجمل اإليقاعية فيها‬

‫سيجسر الكثير م��ن ال�ف�ج��وات ال��وج��دان�ي��ة في‬

‫ذل��ك أن اللغة العربية م��ن خ�لال نصوصها‬

‫تعبيرا ع��ن استجابة ل�م��زاج شعبوي‪ ،‬ب��ل تأتي‬

‫وتراكيبها‪ ،‬وكذلك مصادرها واشتقاقاتها‪ ،‬إضافة ذائقة المجتمع‪ ،‬دون أن يتنازل بالطبع عن رهانه‬ ‫إلى نصها العظيم المتمثل في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الجمالي ب��األس��اس‪ ،‬فليست العالقة هنا تأتي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫على آخر‪ ،‬رهين بتلك الحركة الحرة التي تتجه ناحية أخرى‪.‬‬

‫الكبرى‪ ،‬هي بمثابة لغة موسيقية يمتزج اإليقاع كريادة جمالية وإبداعية في ذلك المجتمع‪.‬‬ ‫ببنيتها التركيبية‪ .‬وهذه الخاصية المتصلة بها‬ ‫ه��ي م��ا يجعل م��ن اإلي �ق��اع ه��وي��ة ذات �ي��ة للشعر‬ ‫العربي‪ .‬وربما لهذا المعنى التاريخي المتصل‬ ‫بالبنية اإليقاعية للغة العربية‪ ..‬ق��ال الشاعر‬ ‫الكبير محمود دروي��ش ‪-‬في حوار مع أسبوعية‬ ‫أخبار األدب القاهرية‪( -‬ش��روط تطوّر الشعر‬ ‫العربي يجب أن تنبع من تاريخيّته‪ ،‬وعالقة هذه‬ ‫التاريخيّة بالشعر العالمي‪ .‬ليس بالضرورة أن‬ ‫يكون نظام اإليقاع صارمًا كما في السابق‪ ،‬ولكن‬ ‫ال أفهم لماذا نفرّط بثروتنا اإليقاعيّة تمامًا)‪.‬‬ ‫ولهذا المعنى أيضا قال شاعر العربية األكبر‬ ‫في األزمنة الحديثة (محمود دروي��ش) أنه (لم‬ ‫يشعر بأن الوزن يقيّده ويحجب عنه حرّيته في‬ ‫المغامرة)‪.‬‬ ‫ت�ط��رح ره��ان��ات القصيدة ال�ع�م��ودي��ة عالقة‬ ‫أخرى تتصل بذائقة المجتمع وذاكرته أيضا‪ ،‬ذلك‬ ‫أن الشعر العمودي هو ره��ان ال��ذاك��رة الشعبية‬

‫وختاما ف��إن حديثنا ع��ن ره��ان��ات القصيدة‬ ‫العمودية ال يتصل بعالقة ضدية حيال قصيدة‬ ‫التفعيلة‪ ،‬وقصيدة النثر‪ -‬فلطالما كتبنا دفاعا‬ ‫عن قصيدة النثر كنمط شعري حقيقي‪ -‬بل تأتي‬ ‫هذه الكتابة لنفي األوهام التي تنشأ من هيمنة‬ ‫نمط م��ا م��ن أن�م��اط الكتابة الشعرية‪ ،‬بوسائل‬ ‫الدعاية المختلفة‪ ،‬على حساب نفي نمط آخر‬ ‫من األنماط الثالثة‪.‬‬ ‫بمعنى آخ��ر‪ ..‬إن تأسيس االح�ت��راز النقدي‬ ‫ال�ص��ارم لضمان المعادلة الصفرية ف��ي حرية‬ ‫األخذ بأحد األنماط الثالثة للكتابة الشعرية‪ ،‬هو‬ ‫ما ينبغي أن يدركه الشاعر‪ ،‬وهو يقترح خياراته‬ ‫ال�ح��رة ف��ي الكتابة بما يشاء م��ن تلك األنماط‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫ه �ك��ذا ي�م�ك��ن أن ت �ك��ون ره ��ان ��ات القصيدة‬ ‫ال�ع�م��ودي��ة ش�ك�لا م��ن ره ��ان ال�ح��ري��ة ال�ت��ي تليق‬

‫العربية المعاصرة؛ ما يعني أن العالقة المتصلة بطبيعة الشعر وفرديته وتمرده‪ ،‬وربما تكون هذه‬

‫بفضاء التعبير حيال ذلك المجتمع تقترح تماهيا‬

‫القصيدة فضا ًء مستعادا للكتابة الشعرية في‬

‫مع تلك الذاكرة من ناحية‪ ،‬وترهينا للتعبير من أزمنة أخرى‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪33‬‬


‫الشعر العمودي‬

‫بني األصالة واملعاصرة‪ ..‬رؤية نقدية‬ ‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله‪ -‬جامعة اجلوف‬

‫هل يعاني النقد في األدب العربي على مر التاريخ من أزم��ة في المصطلح؟ س��ؤال تقريري؛‬ ‫ألنه يقر حقيقة في مضمونه وداللته‪ .‬إن غياب تحديد مفهوم متفق عليه لمصطلحي األصالة‬ ‫والحداثة في األدب العربي على مر تاريخه‪ ،‬قد أوجد مساحات شاسعة من االختالف والتراشق بين‬ ‫المعاصرين‪ ،‬والتجنّي واالجتراء ‪ -‬أحيانًا ‪ -‬على بعض مَن رحلوا‪.‬‬ ‫هل األصالة في الشعر تعني التمسك بالماضي في كل شيء‪ ،‬وأن يصبح الماضي معيارًا نقبل به‬ ‫الحاضر أو نرفضه؟‬ ‫وهل الحداثة تعني التحرر من كل شيء مضى والثورة عليه‪ ،‬بما يحمل في طياته من قيم وتاريخ؟‬ ‫إن عالقة الماضي بالحاضر هي عالقة احتواء‬ ‫بال ش��ك؛ ألن التحرر من الماضي مطلقًا يعني‬ ‫رفضا للحاضر بشكل ضمني؛ فالحاضر يحمل‬ ‫ً‬ ‫ ال محالة ‪ -‬في مفرداته ومعطياته أج��زا ًء من‬‫الماضي س��وا ًء أق��ررن��ا ذل��ك أم أبينا‪ ،‬لكن‪ ..‬ألن‬ ‫الحاضر مرتبط بالمستقبل‪ ،‬فينبغي عندما ننظر‬ ‫إل��ى ال�م��اض��ي أن نضع المستقبل ف��ي مساحته‬ ‫المنطقية التي تضمن لنا التطور‪ ،‬وتحفظ للتراث‬ ‫مكانه الحقيقي‪.‬‬

‫تحتويه صفحات محدودة؛ فهو مجال لدراسات‬ ‫أدبية متنوعة في مجاالت األدب والنقد والبالغة‪،‬‬ ‫إال أنني آثرت أن أطرق هذه القضية بإيجاز أحسبه‬ ‫ليس مخلاً ‪ ،‬عله يحسم في األذهان بعض النقاط‬ ‫التي أصابها التميع نتيجة كثرة التشابك والتعقيد‬ ‫التي خلفت لغطً ا كثيرًا لدى المهتمين باألدب‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فسوف تَتَتَبّع هذه الصفحات ما طرأ على‬ ‫القصيدة العمودية في الشعر العربي من تطوير‬ ‫وتحديث‪ ،‬وآراء النقاد المحافظين والمحدثين في‬ ‫ف��ال�ح��داث�ي��ون الحقيقيون أو م��ا ب�ع��ده��م‪ ،‬هم‬ ‫ذلك عبر حقب تاريخية متنوعة‪.‬‬ ‫الذين يستطيعون أن ينظروا إلى الماضي من بعد‬ ‫يعد الشعر العربي من النشاطات اإلنسانية‬ ‫مناسب‪ ،‬وأن يتمثلوه ال صورًا وأشكالاً وقوالب بل‬ ‫جوهرًا وروحً ا؛ ألن الشيء الباقي في تراث أي أمة بطيئة التطور نسبيًا ‪ -‬مقارنة بغيره من اإلنتاج‬ ‫وال يمكن أن يخضع للتقادم مع مرور الزمن‪ -‬هو اإلن �س��ان��ي‪ -‬فله ق��واع��ده ال�ت��ي ح��دّت م��ن تطوره‬‫القيمة الروحية واإلنسانية الكامنة فيه‪.‬‬ ‫ال �م �ط��رد‪َ ،‬و َوس �م �ت��ه بخصوصية وص �ل��ت ب��ه في‬ ‫إن قضية األص��ال��ة وال �م �ع��اص��رة ف��ي الشعر‬ ‫العربي‪ ،‬وم��ا ط��رأ على القصيدة العمودية عبر‬ ‫حقب تاريخية مختلفة‪ ،‬والسجال ال��ذي دار وما‬ ‫ي ��زال بين المحافظين وال�ح��داث�ي�ي��ن يصعب أن‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫مرحلة بعينها حد التقديس‪ ،‬وكانت هذه القواعد‬ ‫هي معيار إبداعية الشعر وإبداع الشاعر‪ ،‬وبالطبع‬ ‫بات التحرر منها انتفا ًء لشاعرية الشاعر‪ ،‬وطمسً ا‬ ‫لهوية الشعر‪.‬‬


‫ورغ��م طموح المجددين األُول غير المحدود؛‬ ‫إال أنهم لم يتجرأوا على بناء القصيدة وشكلها‬ ‫ال�ت�ق�ل�ي��دي‪ ،‬وق��داس��ة ب �ح��ور ال�خ�ل�ي��ل وتفعيالته‪،‬‬ ‫وان��ح��ص��ر ال �ت �ج��دي��د ف ��ي م ��وض ��وع ��ات الشعر‬ ‫وأغراضه؛ ففي العصر األموي مثلاً ‪ ،‬برز التجديد‬ ‫في غزل عمر بن ربيعة‪ ،‬حتى صارت مدرسته رمزًا‬ ‫للغزل الحضري‪ ،‬وعلى الجانب اآلخر من العصر‬ ‫نفسه لحق التطوير في الغزل شعر البادية‪ ،‬فكانت‬ ‫مدرسة جميل بثينة في الغزل العذري‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫وق��د ابتدع في العصر نفسه الوليد بن يزيد‬ ‫فن الخمرية في الشعر العربي ال��ذي سبق فيه‬ ‫أبا ن��واس‪ ،‬ومع تطور الحياة العقلية والخالفات‬ ‫ال�س�ي��اس�ي��ة‪ ،‬ظ �ه��رت ال �م �ن��اظ��رات وتبعها الشعر‬ ‫السياسي‪ .‬ولما بدأت الدراسات اللغوية في عصر‬ ‫التقعيد وم��ا بعده في عصر الخالفة العباسية‪،‬‬ ‫وأخذت المدرسة اللغوية بالبصرة تؤتي ثمارها‪،‬‬ ‫ظ �ه��رت األش �ع��ار التعليمية ع�ل��ى ي��د « رؤب ��ة بن‬ ‫العجاج» وم��ن لحق ب��ه؛ فقد تعمقوا في الغريب‬ ‫والوحشي وشوارد اللفظ‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬حيث‬ ‫ساعدتهم ملكتهم الشعرية على النحت واالشتقاق‪،‬‬ ‫وتحريف صور األلفاظ وحركاتها‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وم��ع م��رور الوقت ب��دأت بعض مالمح التغيير‬ ‫وال�ت�ط��ور وال�ت�ج��دي��د‪ ،‬فقد رأى ثلة م��ن الشعراء‬ ‫أن اإلب��داع ال يناقض نفسه‪ ،‬فكيف يبدع األديب‬ ‫إب��داعً ��ا يكبله بقيود؛ فالقيود تخرج الشعر عن‬ ‫إبداعيته والشاعر عن إبداعه‪ .‬والقى هذا التطور‬ ‫حتمًا‪ -‬من يناصره‪ ،‬وكثيرًا ممن يقاومه‪ ،‬وظل‬‫الشعر بين ثورة المجددين وتشبث المحافظين في‬ ‫مرحلة مخاض متعسر إلى يومنا هذا‪ ،‬فلم يستطع‬ ‫المجددون أن يصلوا به إلى حد الثورة‪ ،‬ولم يتمكن‬ ‫الفريق اآلخر من اعتراض الطريق كاملاً ‪.‬‬

‫صاحب «الذخيرة» يستشهد بقول أبي عامر بن‬ ‫شهيد الوزير الكاتب‪« :‬وكما أن لكل مقام مقالاً ‪،‬‬ ‫فكذلك لكل عصر بيان‪ ،‬ولكل ده��ر ك�لام‪ ،‬ولكل‬ ‫طائفة من األمم المتعاقبة نوع من الخطابة‪ ،‬وضرب‬ ‫من البالغة ال يوافقها غيره‪ ،‬وال تهش بسواه‪ .‬وكما‬ ‫أن للدنيا دولاً ‪ ،‬فكذلك للكالم نقل وتغاير في‬ ‫العادة‪ ،‬أال نرى أن الزمان لما دار كيف أحال بعض‬ ‫الرسم األول في هذا الفن إلى طريقة عبدالحميد‪،‬‬ ‫(ويقصد به عبدالحميد الكاتب صاحب مدرسة‬ ‫الكتابة النثرية في العصر العباسي الثاني) وابن‬ ‫المقفع‪ ،‬وغيرهم من أهل البيان؟ فالصنعة معهم‬ ‫أفسح باعً ا‪ ،‬وأشد ذراعً ا‪ ،‬وأنور شعاعً ا‪ ،‬لرجحان‬ ‫تلك العقول‪ ،‬واتساع تلك القرائح في العلوم‪.‬‬ ‫وكذلك الشعراء انتقلوا عن العادة في الصفة‬ ‫بانتقال الزمان‪ ،‬وطلب كل ذي عصر ما يجوز فيه‪،‬‬ ‫وتهش ل��ه قلوب أه�ل��ه‪ ،‬فكان م��ن صريع الغواني‬ ‫وبشار وأبي نواس وأصحابهم في البديع ما كان‬ ‫من استعمال أفانينه والزيادة في تفريع فنونه‪ ،‬ثم‬ ‫ج��اء أب��و تمام فأسرف في التجنيس‪ ،‬وخ��رج عن‬ ‫العادة‪ ،‬وطاب ذلك منه‪ ،‬وامتثله الناس‪ ،‬فكل شعر‬ ‫ال يكون اليوم تجنيسً ا أو ما يشبهه تمجه اآلذان‪،‬‬ ‫وال �ت��وس��ط ف��ي األم ��ر أع� ��دل؛ ل��ذل��ك ف�ض��ل أهل‬ ‫البصرة صريع الغواني على أبي تمام؛ ألنه لبس‬ ‫ديباجة المحدثين‪( .‬علي ب��ن بسام الشنتريني‪،‬‬ ‫تحقيق إحسان عباس‪1985 ،‬م‪.)287 ،‬‬

‫وكان أميز ما يشهد بالتجديد في شعر بشار‬ ‫بن برد الذي خرج فيه على المألوف في العصر‬ ‫العباسي هو البديع‪ ،‬فقد أشاد به ابن رشيق في‬ ‫كتابه «العمدة» بقوله‪« :‬أول من فتق البديع بين‬ ‫المحدثين في العصر العباسي هو بشار‪ ،‬وتبعه في‬ ‫ذلك ابن هرمة وابن ميادة»‪ .‬وقد صار تجديد بشار‬ ‫وألن المبدع متمرد بطبعه‪ ،‬فقد فطن األوائل في البديع بعد ذلك تقل ًيدًا‪( .‬ابن رشيق القيرواني‪،‬‬ ‫إلى ض��رورة التجديد‪ ،‬فذلك ناموس حيوي كائن تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬د‪ .‬ت‪:‬‬ ‫حيث حل اإلنسان أو ارتحل‪ .‬لقد ذكر «ابن بسام» ‪)87‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪35‬‬


‫ومن خالل استقراء كل ما سبق يتضح أن التجديد‬ ‫والتحديث هو هم المبدع منذ القدم‪ ،‬وأن االنتقاد‬ ‫سيطاله من التقليديين المحافظين؛ فالتغيير حتمًا‬ ‫سيقابل بالهجوم سيما أن النفس البشرية بالفعل‬ ‫إذا اعتادت مذاقًا بعينه‪ ،‬فمن الصعب أن تستعذب‬ ‫غيره في وقت وجيز؛ فذلك ال شك يحتاج وقتًا‬ ‫طويلاً بالنسبة للجمهور أو بعض النقاد‪ .‬أما من‬ ‫يقاوم التغيير من الشعراء أنفسهم‪ ،‬فهم ضرب من‬ ‫صنفين‪ :‬األول مطبوع على هذا اللون‪ ،‬فيه تنشط‬ ‫قريحته‪ ،‬ويقبل التطوير مع اإلبقاء على ما يؤمن به‬ ‫بما يكفل له توقد قريحته وخصوبتها‪ .‬أما الصنف‬ ‫اآلخر فمصنوع غير مطبوع ال تمكنه قريحته أكثر‬ ‫مما اعتاد عليه‪ ،‬فذا ليس مكتمل الشاعرية طبعًا‪،‬‬ ‫إال أنه شاعر بصنعته‪.‬‬ ‫إن التجديد لم ينقطع حبله في هذه الحقبة‬ ‫المزدهرة إال أنه لم يصل مرة واح��دة إلى الثورة‬ ‫على شكل القصيدة وهيكلها؛ ليدع القديم ويبدع‬ ‫جديدًا‪ .‬لقد ظل الشعر حبيس التطوير في المعنى‬ ‫والمضمون‪ ،‬أما الشكل فلم يجرؤ عليه أحد قبل‬ ‫شعراء الموشحات في األندلس‪.‬‬ ‫ون �ظ �رًا ألن ال�ت�ط��وي��ر ي�ل��زم��ه ت �ح��ررًا ف��ي فكر‬ ‫وأيضا بيئة مغايرة تساعد في أن يتجرد‬ ‫ً‬ ‫المبدع‪،‬‬ ‫المبدع من عنصر الزمان والمكان‪ ،‬ويحلّق حالمًا‬ ‫في واق��ع جديد يجعله يخرج عن قواعد المتون‬ ‫إل��ى تفاصيل حواشي‪ ،‬عندها فقط ‪ -‬كما يقول‬ ‫األستاذ العقاد ‪ -‬سيرى مساحات شاسعة رغم‬ ‫ضآلة المسام التي خ��رج منها‪ ،‬هكذا ك��ان بعض‬ ‫الشعراء في األندلس‪ ،‬فهم أول من ثار على الشكل‬ ‫التقليدى للقصيدة العربية في األوزان والقوافي‪.‬‬ ‫إن بدعة الموشحات األندلسية ما كان يجرؤ عليها‬ ‫شاعر في الشرق؛ ألنهم رغم إبداعيتهم الشعرية‪،‬‬ ‫إال أن ارت �ب��اط �ه��م بالبيئة وال �م �ك��ان جعلهم في‬ ‫رؤيتهم للتجديد يسيرون في منعطفات قد بدت‬ ‫أحيانًا متسعة في التفكير‪ ،‬لكنها ليست مفتوحة‬ ‫النهايات‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫وعلى الجانب اآلخر فإن الجرأة التي اكتسبها‬ ‫أص�ح��اب الموشحات ل��م تكن رواف��ده��ا شاعرية‬ ‫الشعراء فحسب‪ ،‬بل كانت شاعرية المكان والحياة‬ ‫أكثر أثرًا أحيانًا‪ .‬لم ترق الموشحات التي كفرت‬ ‫بالتقليد في األوزان والبحور إلى مستوى الشعر‬ ‫في ذلك الوقت من وجهة نظر النقاد المحافظين‪،‬‬ ‫واعتبروها ظاهرة ال يصلح إلقاؤها إال في مجالس‬ ‫اللهو والطرب‪.‬‬ ‫إنه لم يخ ُل عصر من التجديد على اإلطالق‪،‬‬ ‫ح�ت��ى ع�ص��ر االن �ح �ط��اط إب ��ان ال�ح�ك��م العثماني‬ ‫كما ينعته بعض المؤرخين لم يخل من التطوير‬ ‫والتجديد في الشكل والمضمون‪ .‬ومع بزوغ العصر‬ ‫الحديث في مطلع القرن العشرين وظهور الشعور‬ ‫القومي‪ ،‬شرع المثقفون واألدباء يسبرون الماضي‪،‬‬ ‫ويجددون به فتوة الشعر ويحيونه بعد م��وات‪ ،‬إذ‬ ‫وجدوا في الماضي أمجادًا أقوى من أن تطمس؛‬ ‫لذا‪ ،‬فقد تسابق اإلحيائيون وعلى رأسهم البارودي‪،‬‬ ‫يتبارون في محاكاة األسالف وتقليدهم‪ ،‬فالتزموا‬ ‫ق��واع��د ال �ش �ع��ر ال �ع �م��ودي‪ ،‬م��ن ح �ي��ث الصياغة‬ ‫والتراكيب‪ ،‬واألوزان والقوافي‪ ،‬والشكل التقليدي‬ ‫للقصيدة‪ ،‬فبكوا األطالل‪ ،‬وثنوا بالنسيب‪.‬‬ ‫ولم يغفل الشعراء اإلحيائيون المدنية الحديثة‬ ‫والمنجزات العلمية والتكنولوجية الحديثة‪ ،‬واهتموا‬ ‫بالواقع االجتماعي ونقدوه‪ ،‬ودعوا إلى اإلصالح؛‬ ‫مثل أشعار البارودي الثورية‪ ،‬وشعر حافظ إبراهيم‬ ‫الذي كان يحمل نقدًا الذعً ا في أثواب ساخرة‪ ،‬فكان‬ ‫ذلك بمثابة التجديد في معاني الشعر العمودي‪ ،‬إال‬ ‫أن الصور والتراكيب واأللفاظ واألوزان والقوافي‬ ‫ظلت بصورتها التقليدية‪ ،‬وكانوا يرونها رواسي‬ ‫للشعر القوي األصيل‪ .‬وكان البارودي هو إمام هذه‬ ‫المدرسة‪ ،‬وقد تبعه في هذا النهج التقليدي حافظ‬ ‫إبراهيم وإسماعيل صبري‪ ،‬وأحمد شوقي‪ ،‬وأحمد‬ ‫محرم‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫لم يستمر هذا التوجه كثيرًا‪ ،‬حتى بدأ بعض‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫شعراء هذا الجيل يعيدون النظر في التقيد بالشكل للثورة الفكرية التي نتجت عن الحراك الثقافي‬ ‫التقليدي للقصيدة العمودية؛ فهي لم تتمكن من التي بكل تأكيد ق��د عجزت القصيدة العمودية‬ ‫التعبير الصادق عما يختلج نفوسهم‪ ،‬كما أن التقيد بشكلها التقليدى أن تحتويها‪.‬‬ ‫ب��وح��دة ال��وزن والقافية ق��د قيّد إب��داع�ه��م‪ ،‬وكبّل‬ ‫إن الشعر العمودي كما تشير الدراسات النقدية‬ ‫مشاعرهم بقيود شكلية‪ ،‬فظهرت دعوات جديدة الحديثة كان يصلح بقواعده الصارمة قديمًا؛ ألن‬ ‫لتحديث الشعر العمودي شكلاً ومضمونًا‪ ،‬وكانت الحياة التي نبت منها وفيها كانت بسيطة يغيب‬ ‫جماعة الديوان األدبية التي أصدرت كتابًا نقديًا عنها التعقيد‪ ،‬وذلك ماال يتفق قطعًا مع مفردات‬ ‫نعتت نفسها باسمه بمثابة الثورة غير المسالمة الحياة التي يعيشها إنسان العصر الحديث بكل‬ ‫التي شنتها على اإلحيائيين‪ .‬وك��ان العقاد‪ ،‬ومعه تعقيداتها وتداخلها‪ ،‬ولعل ذلك هو السبب نفسه‬ ‫عبدالرحمن شكري‪ ،‬وإبراهيم عبدالقادر المازني الذي قاد إلى الحداثة وما بعدها‪ ،‬التي اعتمدت‬ ‫(ج�م��اع��ة ال��دي��وان) أول م��ن ث��ار ع�ل��ى القصيدة على التفكيك والتحرر من كل شيء إال من الفكرة‬ ‫العمودية بشكلها القديم الذي احتذاه اإلحيائيون‪ .‬التي يريد أن يعبر عنها األديب‪.‬‬ ‫ودارت معركة ض��روس بين جماعة ال��دي��وان قبل‬ ‫وج���اءت ج�م��اع��ة أب��ول��و األدب �ي��ة ال�ت��ي أسسها‬ ‫انقسامها واإلحيائيين تجاوزت فيها النقد األدبي‬ ‫أحمد زكي أبو شادي لتحمل هذا الفكر الجديد‪،‬‬ ‫إلى النقد الشخصي‪.‬‬ ‫وتؤكد أنها استقت مبادئها التحررية من اتصالها‬ ‫لقد كان منهج الديوانيين يتمحور حول ضرورة ب��األدب العالمي‪ ،‬كما ذكر أحد شعرائها إبراهيم‬ ‫أن يعبر الشعر عن الشاعر نفسه وتجاربه‪ ،‬وأن ن��اج��ي ف��ي مقدمته ل��دي��وان أب��ي ش��ادي «أطياف‬ ‫يتم التحرر من شعر المناسبات والقصيدة متعددة الربيع»‪ .‬وذلك تأكيد على أن الثورة على القصيدة‬ ‫األغ��راض ذات ال��وزن الواحد‪ ،‬والقافية الموحدة العمودية التقليدية جاءت نتيجة الحراك الثقافي‪،‬‬ ‫ال �ت��ي ت �خ��رج ال�ش�ع��ر ع��ن ص��دق��ه‪ ،‬وال �ش��اع��ر عن واالحتكاك باألدب العالمي في ذلك الوقت الذي‬ ‫مصداقيته‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الديوانيين رأوا أنه ال بأس ما يزال يعد من األسباب الرئيسة لتطوير األدب‬ ‫في سبيل تحقيق ذلك أن يتحرر الشاعر من وحدة والشعر إلى يومنا هذا‪ ،‬فمن المستحيل في ظل‬ ‫الوزن والقافية‪ .‬وبالفعل نظم الشاعر عبدالرحمن ه��ذا التفاعل الشديد للثقافات أال يتأثر طرف‬ ‫شكري أكثر من قصيدة حرر فيها القافية‪ ،‬مثل بآخر‪.‬‬ ‫قصائد (كلمات العواطف‪ ،‬واقع أبي قير‪ ،‬الساحر‬ ‫لم يكن التحرر لدى الديوانيين أو جماعة أبولو‬ ‫المصري)‪.‬‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬بل ظلت القصيدة العمودية حاضرة‬ ‫وب ��ذا ي�ك��ون ال��دي��وان �ي��ون وم��ن ان�ت�ه��ج نهجهم‪ ،‬ف��ي ك�ث�ي��ر م��ن أش �ع��اره��م‪ ،‬ول �ك��ن ل�ي�س��ت بشكلها‬ ‫هم أول من ثار على القصيدة العمودية بشكلها التقليدى كما انتهجها اإلحيائيون‪ ،‬بل كان هناك‬ ‫التقليدي في العصر الحديث‪.‬‬ ‫تطوير ف��ي الشكل وال�م�ض��ون‪ ،‬إذ اع�ت�م��دوا على‬ ‫وكما ذكر محمد مندور رحمه الله أن الحراك وح��دة القصيدة وليس وح��دة البيت‪ ،‬ومنهم من‬ ‫الثقافي‪ ،‬وال�ح��رك��ات التحررية التي ظهرت في نظم الشعر القصصي والمسرحي‪.‬‬ ‫العالم العربي في بدايات القرن الماضي‪ ،‬وقبله‬ ‫ورغ��م أن جماعة أبولو قد دع��ت إل��ى التحرر‬ ‫ً‬ ‫قليلاً ‪،‬‬ ‫وأيضا انتشار الترجمة والصحافة كان له م��ن قيد القافية ال�م��وح��دة والتنويع ف��ي البحور‬ ‫دور كبير في تحرير القصيدة العمودية‪ ،‬كرد فعل ض�م��ن ال�ق�ص�ي��دة ال ��واح ��دة‪ ،‬ف��إن المتتبع لشعر‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪37‬‬


‫ش��ع��راء ه ��ذه ال �ج �م��اع��ة ي �ج��د م�ع�ظ�م��ه ق��د قيد والديوان‪.‬‬ ‫نفسه بقافية واح ��دة‪ ،‬وبعضهم ن �وَّع ف��ي القافية‬ ‫لقد اعتنى شعر المهجر باستحداث أشكال‬ ‫ً‬ ‫لكنه لم يتحرر منها‪.‬‬ ‫وأيضا تقيدوا ببحر واحد جديدة من الشعر‪ ،‬مثل شعر الحكايات التي احتذوا‬ ‫في القصيدة ال��واح��دة‪ ،‬فلم يجرؤ أي منهم على فيها حكايات الفونتين‪ .‬وقد عبر إيليا أبو ماضي‬ ‫التحرر من البحور التقليدية ال أن يبتكر تفعيلة عن رؤية الرابطة القلمية للقصيدة الشعرية في‬ ‫أو وزنًا جديدًا‪ ،‬وذلك يِؤكد أحد شيئين‪ ،‬األول‪ :‬أن مطلع قصيدته الجداول‪:‬‬ ‫الشعراء أنفسهم كان إيمانهم بالمبادئ الجديدة‬ ‫أك�ب��ر م��ن مستوى نضجهم ال�ش�ع��ري لتطبيق ما ل���س���ت م���ن���ي أن ح��س��ب��ت الشعـ‬ ‫يؤمنون به‪ ،‬واألمر الثاني هو خوفهم الشديد من‬ ‫������������اظ������������ا ووزن������������������ا‬ ‫ً‬ ‫ر أل������������ف‬ ‫أن يتم التحرر كاملاً ‪ ،‬حيث لم يكن في ذلك الوقت‬ ‫خ�������ال�������ف�������ت درب�����������������ك درب�����������ي‬ ‫أحد يتخيل أن يقرأ قصيدة محررة تمامًا من كل‬ ‫وان�������ق�������ض�������ى م���������ا ك������������ان م���ن���ا‬ ‫تقاليد الشعر وقواعده المتعارف عليها‪.‬‬ ‫فهو يذكر في مطلع قصيدته أن الشعر لديه‬ ‫فأين التجديد مثلاً في أبيات أبي شادي من‬ ‫ال يكون األساس فيه وزنًا موحدًا وقافية مكررة؛‬ ‫قصيدة «الصعود»‪:‬‬ ‫إع�لا ًن��ا منه على ت �م��رده على الشكل التقليدي‬ ‫أس�������فً �������ا أع�����������ود إل���������ى ال���م���س���ا‬ ‫للقصيدة العمودية‪ .‬ومن المثير للعجب والجدل‬ ‫ء ك�����م�����ا أت������ي������ت ب����ن����ب����ع فني في اآلن نفسه أن معظم أشعار إيليا أبو ماضي‬ ‫ج��اءت على الشكل التقليدي للشعر العمودي‪،‬‬ ‫ل��������م أل����������ق ف��������ي دن�������ي�������ا األن��������ا‬ ‫ممثلة في وحدة الوزن والقافية‪ .‬وذلك يردنا إلى‬ ‫م س������وى ال����م����ه����ازل والتجني ما أنف ذكره‪ ،‬ل َم لم يستطع شعراء أبولو وأقرانهم‬ ‫في المهجر تمثيل معظم مبادئهم النقدية التي‬ ‫دن������ي������ا ت������ق������وم ع�����ل�����ى ال�����دم�����ا‬ ‫ثاروا بها على الشعر العمودي في شكله التقليدي؟‬ ‫ء وب�������ال�������دم�������اء ه���������وى تغنى‬ ‫سيما أن شعراء المهجر قد ترعرعت مواهبهم‬ ‫فمن يستقرىء ه��ذه األب �ي��ات يستشعر فيها في ب�لاد مغايرة‪ ،‬حيث الحرية وال�ج��رأة واألدب‬ ‫التقليد في الشكل والمضمون‪ ،‬فالفكرة تقليدية األمريكي الذي ترك أثرًا واضحً ا في القضايا التي‬ ‫وأيضا البساطة في اللغة‬ ‫ً‬ ‫مكررة يصف معاناته ومكابدته كبد الحياة‪ ،‬والتزم تناولوها في أشعارهم‪،‬‬ ‫فيه بحرًا واحدًا وقافية موحدة‪.‬‬ ‫التي أسقطتهم كثيرًا في هنات لغوية وتسطيح في‬ ‫ول��م يكن ش �ع��راء المهجر بعيدين ك�ث�ي�رًا عن بعض التراكيب اقترب أحيانًا من مستوى العامية‪.‬‬

‫رومانتيكية أبولو‪ ،‬إال أن تأثرهم باألدب الغربي كان‬ ‫أكثر وضوحً ا‪ ،‬فضلاً عن النزعة القوية للتحرر من‬ ‫كل القيود التي كانت تمثل عندهم رمزًا لالستعمار‬ ‫والعبودية التي هربوا منها في المشرق‪ ،‬وهاجروا‬ ‫للغرب‪ ،‬حيث الحرية وال�ت�م��رد على ك��ل القيود‪،‬‬ ‫فبدت القصيدة العمودية عند جماعة المهجر‬ ‫أكثر تحررًا من خصائصها التقليدية مقارنة بأبولو‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫حين طمح شعراء أبولو وشعراء المهجر إلى‬ ‫كسر حاجز الوزن الواحد والقافية المكررة‪ ،‬انتهى‬ ‫هذا الطموح عند الموشحات الموزونة على البحور‬ ‫التقليدية والمشطور منها‪ ،‬فلجأوا إلى المخمس‬ ‫وال�م��زدوج على البحور التقليدية المألوفة‪ ،‬كما‬ ‫لجأ الكثير منهم إلى النثر الشعري الذي برع فيه‬ ‫جبران‪ ،‬لكنهم بالفعل على مستوى التجديد الفعلي‬


‫ومع انبراء دعاة الحداثة بشكل ملحوظ في‬ ‫منتصف القرن الماضي‪ ،‬عندما بدأت المنجزات‬ ‫المادية للحداثة تتوطن في العالم العربي رغم‬ ‫الكبوة السياسية ال�ت��ي يعانيها ال�ع��رب��ي‪ ،‬و ِبدْء‬ ‫ال �ص��راع ال�ع��رب��ي اإلس��رائ �ي �ل��ي‪ ،‬ف�ق��د ن�ش��أ لغط‬ ‫شديد‪ ،‬إذ رأى المحافظون أن التمسك بالماضي‬ ‫التليد قد يبعث الحياة العربية بقوتها وبهائها من‬ ‫جديد‪ ،‬ورأى المحدثون أن ما يراه المحافظون‬ ‫ويؤكد هذا االتجاه الوسطي نجيب البهبيتي‬ ‫ي�ع��د ارت �ك��اسً ��ا ل�ل�م��اض��ي‪ ،‬ون��وعً ��ا م��ن التغييب‬ ‫والهروب من واقع مرير‪ ،‬والحل األوحد للخروج بقوله‪ :‬لو تجرد الحاضر من كل قديم‪ ،‬ما وجد‬ ‫منه ومواجهته هو االنفتاح على العالم‪ ،‬والتسليم الحاضر نفسه‪.‬‬ ‫بأن الماضي لن يعود‪ ،‬فالتطور مستمر ما دامت‬ ‫وع��ل��ى االت� �ج ��اه اآلخ� ��ر خ� ��رج المتعصبون‬ ‫الحياة مستمرة‪.‬‬ ‫للحداثة‪ ،‬الذين خطفهم بريقها المتوهج‪ ،‬فحجب‬ ‫ولكي يستطيع دعاة الحداثة استقطاب أكبر عن عيونهم أي شئ دونها‪ ،‬فبدأوا يدعون للتحرر‬ ‫عدد من المؤيدين‪ ،‬راح��وا يلملمون من التراث والتحلل من كل شيء حولهم‪ ،‬حتى من أنفسهم‪،‬‬ ‫العربي بعض الشتات لينسجوا به قاعدة مستوية وكان أدونيس هو أهم من برز في هذا االتجاه‪،‬‬ ‫يقفون عليها‪ ،‬ليدعموا موقفهم ويثبتوا أن الحداثة وك ��ان ك�ت��اب��ه «ال �ث��اب��ت وال �م �ت �ح��ول» ال ��ذي هدف‬ ‫متجذرة في التراث العربي‪ ،‬وليست دخيلة من من خالله إل��ى زعزعة فكرة النموذج واألصل‪،‬‬ ‫الغرب‪ .‬وقد اعتمدوا في دعواهم هذه على ما والتأكيد على أن الكمال ل��م يعد م��وج��ودًا في‬ ‫كتبه بعض الذين امتلكوا الجرأة والتجديد قديمًا التاريخ أو ال �ت��راث‪ ،‬فهو ي��رى أن الكمال كامن‬ ‫في حركة اإلبداع المستمرة بمثابة ثورة حقيقية‬ ‫أمثال أبي نواس ومهيار الديلمي‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫لتجاوز السلف‪.‬‬ ‫ورغم الصراع الشديد الذي اندلع بين التيارين‪،‬‬ ‫وف �ت��ح ه��ذا االت �ج��اه ال �ب��اب ع�ل��ى مصراعيه‬ ‫إال أن الشعراء الحقيقيين من جيل الحداثة ظلوا‬ ‫على مسافة مقبولة ومنطقية من الشعر العمودي‪ ،‬لحرب ضروس بين الحداثيين والمحافظين‪ ،‬ومع‬ ‫بما يؤكد مدى إيمانهم بما يقولون وشاعريتهم مرور الوقت امتدت الحرب لتكون بين الحداثيين‬ ‫الحقة‪ ،‬فتقول ن��ازك المالئكة‪ :‬إنني ما دعوت أنفسهم؛ فقد تسببت الدعوة للحداثة بمبادئها‬ ‫ي��و ًم��ا لالقتصار على الشعر الحر بالرغم من المرنة القابلة للتمدد‪ ،‬لتسلل بعض الدخالء‬ ‫تحمسي له‪ ،‬وإنني على يقين من عودة الشعراء والمتطفلين على ساحة األدب‪ ،‬فضربوا بقواعد‬ ‫إلى األوزان الشطرية‪ ،‬وأن يقصروا الشعر الحر الشعر ع��رض ال�ح��ائ��ط‪ ،‬وان�س��ال��ت منهم بعض‬ ‫على بعض األغراض المحددودة‪ .‬ويؤكد السياب الهرطقات المتشذرة فكرًا ولغة وإيقاعً ا‪ ،‬فطفا‬ ‫أن الموقف ال��ذي يكتب فيه الشاعر قصيدته على السطح غثا ًء تململ منه شعراء الحداثة‬ ‫والحقبة التاريخية التي تصورها هذه القصيدة‪ ،‬أنفسهم‪.‬‬ ‫هي التي تحدد كونها تأخذ الشكل العمودي أو‬ ‫يقول محمود درويش يرحمه الله عن الردئ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫لم يقدموا شيئًا يمثلهم كما أسلفت‪.‬‬

‫الشكل الحر‪ ،‬ويؤكد السياب وجهة نظره بقوله‪:‬‬ ‫عندما تكتب قصيدة يوم كانت فلسطين للعرب‬ ‫بعد أن حرروها من ال��روم‪ ،‬فال ضير أن تكون‬ ‫عمودية تحمل فحوى التراث‪ ،‬وتعبر عن رصانته‬ ‫وقوته‪ ،‬وأعتقد أنكم تشاركونني القول أن الوضع‬ ‫يكون مختلفًا تمامًا عندما تسلب فلسطين اآلن‪،‬‬ ‫ون�ش�ع��ر ب �ه��ذا التخبط وال �ع��واص��ف الداخلية‪،‬‬ ‫فيصعب على الشاعر أن يحدب رؤيته ليصكها‬ ‫في قوالب جامدة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪39‬‬


‫من شعر الحداثة‪ :‬اآلن بشاعة القصيدة أشد عن القصيدة العمودية في مواجهة شعر الحداثة‪،‬‬ ‫إي�لا ًم��ا للنفس م��ن تكدس القمامة‪ ،‬اآلن نشاذ ولكن ينبغي أن يثور شعراء الحداثة أنفسهم على‬ ‫اإليقاع يجرح النفس أكثر مما تجرحها صافرات كل من أضاع هيبة الشعر وسطّ ح مفهوم الحداثة‬ ‫لدرجة أن بات كل كالم مفككًا أو مبتورًا ينسب‬ ‫اإلنذار المبحوحة‪.‬‬ ‫لشعر الحداثة‪.‬‬ ‫أم��ا م�ح�م��ود ف��اخ��وري ف��ي ك�ت��اب��ه «موسيقى‬ ‫وع ��ودًا على ب��دء‪ ،‬فإنه ينبغي أن يتم تحرير‬ ‫الشعر» فإنه يرى أن االفتقار للموسيقى الناعمة‬ ‫يعد من أهم أسباب ضعف شعر الحداثة‪ .‬وأرى مصطلح األصالة من براثن التقليد األعمى‪ ،‬وأن يتم‬ ‫أن محمود فاخوري قد أصاب كثيرًا في وصفه‪ ،‬التفريق بين األصالة والتأصل؛ فليس كل متأصل‬ ‫حيث إن ع ��ددًا ليس بقليل ممن تطفلوا على في تراثنا يعد أصيًال‪ .‬فاألصالة الحقيقية هي‬ ‫الشعر تحت مظلة الحداثة التي تميع مفهومها التي يصلح البناء عليها‪ ،‬وهي التي تتمدد دالالتها‬ ‫كما ذك��رت ف��ي ص��در حديثي ل��درج��ة أن��ه سمح لتنتقي من الماضي ما يخدم الحاضر ويستشرف‬ ‫لرويبضة الشعر أن تصول وت�ج��ول‪ ،‬فلم يفتقر المستقبل‪ .‬وهذا المفهوم الحقيقي لألصالة هو‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫هؤالء إلى علمهم بالعروض فحسب‪ ،‬بل إن ضعف الذي ال ينكر الحداثة بمفهومها الحقيقي ً‬ ‫ثقافتهم بجميل الشعر العربي قد أفقده رهافة وال يستطيع ف��ي ال��وق��ت نفسه أن يلغي الشعر‬ ‫الحس وهبط بهم ع��ن الحد األدن��ي المقبول‪ ،‬ال�ع�م��ودي ال��ذي أث�ب��ت بعد ال �ق��رآن الكريم مدى‬ ‫فخرج ما يسمونه شعرًا إلى السرد باسترساله‪ ،‬إبداعية العربية وجمالها‪ .‬هذا فضلاً عن أنه ما‬ ‫كان في أوج ازدهاره يومًا دعوى للجمود بقدر ما‬ ‫وبات أقرب ما يكون إلى لغة التخاطب‪.‬‬ ‫كان دعوة لإلبداع والتطوير‪ .‬إن اإلبداع الحقيقي‬ ‫إن اإلفراط في الغموض والتفريط في الوزن هو الذي يولد من تحد فعلي‪ ،‬وكان التحدي في‬ ‫لبعض شعراء الحداثة قد اختزل من قيمة هذا الشعر العمودي وما يزال في قواعده التي تخرج‬ ‫الفن أكثر مما أض��اف‪ .‬ألم يشاركني الشعراء أجمل ما لدى الشاعر من موهبة وملكات‪ ،‬والتي‬ ‫ال�ح�ق�ي�ق�ي��ون م��ن ج �ي��ل ال �ح��داث��ة أن اإلف���راط لم تمنعه من الخروج على هذه الثوابت في حدود‬ ‫والتفريط اللذين نَعَتُّ بهما المتشعرين وليسوا ما يحفظ للشاعر شاعريته‪ ،‬وللشعر خصائصه‬ ‫شعراء‪ ،‬قد جعل الكثير ممن عارض الحداثة من ورونقه وبهاؤه‪ .‬فالشعر العمودي كما اعتمد على‬ ‫التقليديين يقول ما مفاده‪ :‬ال تحتاج لكي تكون ثوابت‪ ،‬فإنه لم يمنع المتغيرات في قواعد الوزن‬ ‫شاعرًا في هذا العصر أكثر من ورقة وقلم تخط والقافية من علل وزحاف وخبن وتدوير‪ ،‬وإبطاء‪،‬‬ ‫عليها بعض الكلمات والرموز التي كلما أفرط وخروج على القاعدة النحوية للضرورة الشعرية‪..‬‬ ‫في ع��دم تناسقها وغرابتها وتشذيب حروفها إلخ‪.‬‬ ‫ص��رت ش��اع �رًا م�م�ي�زًا؛ ألن��ه بمنتهى البساطة‬ ‫وع �ل �ي��ه‪ ،‬ف ��إن ال �ش �ع��راء الحقيقيين ه��م من‬ ‫يصعب ن �ق��دك الس�ت�ح��ال��ة ف�ه�م��ك‪ .‬ك�م��ا يقول‬ ‫ي�ن�ظ��رون إل��ى الشعر ال�ع�م��ودي وش�ع��ر الحداثة‬ ‫أح��د المناهضين لشعر الحداثة مستهزئًا‪ :‬ال‬ ‫من زوايا متقاربة‪ ،‬وإن اختلفت المساحات التي‬ ‫عليك‪ ..‬تستطيع أن تنشر هذه الرموز بأخطائها‬ ‫يشغلها أي منهما في إنتاج الشاعر وقناعاته‪ .‬أما‬ ‫اإلمالئية والنحوية؛ ألن اإلبداع ليس له سقف‬ ‫من ينشغل بالبحث عما يتوهم أنه يستطيع به‬ ‫يحكمه‪.‬‬ ‫أن يلغي اآلخر‪ ،‬فهو إعالن عن فقر في الموهبة‬ ‫وأود أن أشير هنا أنني لست بصدد الدفاع وضحالة في المعرفة‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫تقارب الظواهر الفنية يف الق�صة ال�سعودية‬ ‫قراءة في قصص العدد احلادي والثالثني‬ ‫من مجلة اجلوبة‬

‫> د‪.‬عالء اجلابري*‬

‫يتورط النقد في أحيان كثيرة في إهمال األعمال الجديدة‪ ،‬ويقصر عن متابعة‬ ‫الظواهر المستحدثة فيها ع��وض أن يهتم بالتعاطف معها‪ ،‬والتنظير لما تطرحه‪،‬‬ ‫والتبشير – دون تهليل ومبالغة ‪ -‬باألصوات القادمة‪ ،‬حتى ولو كانت من بعيد‪ ،‬ولفترة‬ ‫طويلة يظل يجتر القديم منها‪ ،‬فيبالغ في التركيز عليها بدال من مباشرة دوره األولي‬ ‫واألهم في استشراف مستقبل اإلبداع‪.‬‬ ‫وألج��ل ه��ذه المتابعة‪ ،‬وللتبشير بظواهر ج��دي��دة‪ ..‬نتوقف أم��ام نصوص القصة‬ ‫القصيرة التي نشرتها «الجوبة» في العدد الحادي والثالثين‪ .‬ال لمتابعة القصص‬ ‫فحسب‪ ،‬ولكن لحدس نقدي ج��اءت به تلك النصوص؛ جوهره وج��ود ظواهر جديدة‪،‬‬ ‫وتيار عام في نصوص القصة القصيرة السعودية‪.‬‬ ‫نشرت «الجوبة» في عددها الحادي لمعاودة البحث م��ع عينة أك�ب��ر‪ ،‬غير أن‬

‫والثالثين سبع قصص ج��اء خمس منها ه��ذه العينة العشوائية (بوجه ما لمعنى‬

‫لكتّاب سعوديين‪ ،‬نحاول في هذه السطور‬

‫هذا الوصف) تتيح رصدا مناسبا لظواهر‬

‫استكناه ما وجدناه من ظواهر أساسية ربما ال تبتعد كثيرا‪ ،‬لو اتسعت هذه العينة‬ ‫تشكل خلفية اللوحة التي تعرضها القصص القليلة‪ ،‬والتي ربما تؤتي نتائج مالئمة‬ ‫الخمس‪ ،‬آملين أن تكون ثمة فرصة أوسع‬

‫ومبشرة من جهة‪ ،‬وال تحبط همة العين‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪41‬‬


‫ال��راص��دة م��ن جهة أخ ��رى‪ ،‬ورب�م��ا ن�خ��رج منها‬ ‫بنتائج مبدئية‪.‬‬ ‫ج��اءت عناوين القصص الخمس دال��ة على‬ ‫ال�ق�ص��ة ب��رم�ت�ه��ا‪ ،‬وت�ع�ط��ي ال �م��ؤش��رات األولى‬ ‫ل �م��دارات ال�ق�ص��ة‪ ،‬فأتيح للعنوان أن يختزل‬ ‫القصة التي تُقرأ من عنوانها‪ ،‬وربما كان ذلك‬ ‫من دواع��ي ثقافتنا التي نقرأ الكتاب فيها من‬ ‫عنوانه‪ .‬نجد ذلك بشكل كبير في قصة «ليلة ال‬ ‫أحبها» للمبدع «السيد موسى البدري»‪ ،‬والتي‬ ‫تدور حول بعض وقائع ليلة زفاف حبيبته التي‬ ‫لم يرتبط بها لموقف وال��ده الذي «رفض ذلك‬ ‫الطلب؛ ألن��ي ما زل��ت طالبا جامعيا وال أملك‬ ‫شيئا من حطام الدنيا»‪ .‬يؤهلنا العنوان للوعي‬ ‫بزمان القصة وموقف المؤلف منها‪ ،‬ويجعلنا‬ ‫نتوقع ال �م��رارة م��ن س��رده ال��ذي يتمحور حول‬ ‫ذاته‪ ،‬وهو ما يبدو أيضا من العنوان الذي يرصد‬ ‫موقفا ذاتيا بامتياز‪.‬‬ ‫يتكرر ملمح العنوان الدال في بقية القصص؛‬ ‫فتأتي قصة «بطاقة صعود» للمبدع «حسن علي‬ ‫البطران» لتصوب وجهة النظر نحو توقع معين‪،‬‬ ‫لنتوقع أن تلعب دورا أساسا‪ ،‬وهو ما يظهر من‬ ‫تركيز السارد على الحصول على بطاقة الصعود‬ ‫للطائرة‪ ،‬مفلتا فرصة التواصل مع فتاة تعرفه‬ ‫وال يعرفها‪ ،‬تتجرأ وتناديه باسمه أثناء وقوفه‬ ‫أمام (كاونتر) إصدار بطاقات الصعود للطائرة‪.‬‬ ‫وبرغم انبهاره بجمالها حيث كانت «فتاة في‬ ‫العشرين م��ن ع�م��ره��ا‪ ،‬وتمتلك أع�ل��ى مراتب‬ ‫الجمال‪ ،‬ويتحقق فيها كامل مقومات األنوثة‪،»..‬‬ ‫وبرغم ذلك ال يتواصل معها‪ ،‬أو‪ -‬بمعنى أدق‪ -‬ال‬ ‫يفلح في إدامة هذا التواصل‪ ،‬برغم استجابتها‬ ‫لحواره القصير معها‪ ،‬فال يعرف سوى اسمها‬ ‫«سمر»‪ ،‬بكل ما في اختيار هذا االسم من داللة‪،‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫ولكنه ينصرف إل��ى م��وظ��ف ش��رك��ة الطيران‪،‬‬ ‫وغادر كل منهما إلى بوابة سفره‪ ،‬ونسي ‪ -‬حسب‬ ‫تعبيره ‪ -‬أن يسألها «متى وأين وكيف نلتقي‪ ،‬ولم‬ ‫يترك كالنا لآلخر وسيلة لذلك اللقاء‪..‬؟»‪ .‬وعلى‬ ‫النسق ذاته تبدو قصة «كيف تنجح في التقاط‬ ‫صورة جميلة‪ »!..‬إجابة على السؤال الموجود‬ ‫في العنوان وشرحا له‪.‬‬ ‫بعد ال�ع�ن��وان يلفت انتباهك م��ا ت�ج��ده من‬ ‫البداية الحاسمة التي ال تعتمد التشويق أو إثارة‬ ‫المتلقي‪ ،‬ولكنها تهجم عليه منذ السطر األول‪،‬‬ ‫لتغلق أمامه أب��واب التفكير في مسار القصة‬ ‫أو احتماالته من جهة‪ ،‬كما ترغم المتلقي على‬ ‫تبنّي وجهة نظر المؤلف صوب العمل اإلبداعي‬ ‫المطروح‪ .‬ولما كان العمل المكتوب مشروع عقد‬ ‫ثقافي بين المرسل‪ /‬المبدع‪ ،‬والمرسل إليه‪/‬‬ ‫المتلقي‪ ،‬فقد ج��اءت ه��ذه ال�ب��داي��ة المباشرة‬ ‫لتجعل الرسالة المرادة من العمل واضحة منذ‬ ‫سطره األول‪ .‬انظر إلى عبدالله الزماي – مثال‬ ‫– يقول «النجاح في التقاط صورة‪ ،‬يعني النجاح‬ ‫في القبض على الزمن الهارب منا عنوة‪ ..‬فأي‬ ‫لحظاته أجدر بالقبض عليها وتخليدها‪..‬؟ هذا‬ ‫س��ؤال تأملي بعيد الغور‪ ..‬ربما لست مستعدا‬ ‫لخوض متاهته اآلن‪» ..‬؛ إذ تبدو البداية على هذا‬ ‫النحو شارحة لوجهة النظر التي تتفيأها القصة‬ ‫من العالقة بين التكنولوجيا والزمن؛ إذ تستطيع‬ ‫القبض عليه وإرغامه على الثبات‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫رفاهية االختيار منه والوقوف منه‪ -‬بكل سطوته‬ ‫ موقف االختيار والفرز‪ .‬إنها البداية التي تجبر‬‫المتلقي على توجيه نظره ص��وب وجهة نظر‬ ‫معينة للنظر تجاه العمل المطروح‪ .‬إن المتلقي‬ ‫– هنا – مجب ٌر على تبني وجهة نظر المبدع‬ ‫وال��دوران في فلكها‪ .‬وربما شكل هذا خطورة‬


‫وي�ب��دو الهجوم على المتلقي معتمدا آلية‬ ‫ال �ش��رح‪ ،‬وتضييق زاوي� ��ة ال�ن�ظ��ر‪ ،‬وع ��دم تركه‬ ‫للتفكير في مظان القصة‪ ،‬وذل��ك ما يبدو في‬ ‫قصة «ليلة ال أحبها»‪ ،‬وال�ت��ي يستهلها السيد‬ ‫موسى البدري «هذه الليلة التي ال أحبها‪ ..‬ليلة‬ ‫عقد قران حبيبتي سعاد‪ ..‬التي أحببتها صغيرا‬ ‫وكنت أعتقد أنها تحبني‪.»..‬‬ ‫المظهر الثالث ما نجده من تأثر القصص‬ ‫الواضح بثقافة الصورة وآلياتها‪ ،‬حيث تعتمد‬ ‫حركية سريعة جدا‪ ،‬ووصفا مغرقا في اإلسهاب‪،‬‬ ‫وت��أم�لا للحظات بسيطة‪ ،‬بما تشبه معه تلك‬ ‫القصص «ك��ادرات» الكاميرا السينمائية التي‬ ‫تركز وجهة النظر‪ ،‬كما سبق رصده في الملمح‬ ‫السابق‪ ،‬وتحيط بالوصف من كل جهاته‪ .‬يبدو‬ ‫ذلك واضحا بامتياز في قصة «كيف تنجح في‬ ‫التقاط ص��ورة جميلة» لعبدالله الزماي؛ حيث‬ ‫يشرح الموقف شرحا مسهبا ألج��ل الحصول‬ ‫على لقطة ثمينة؛ فليست كل اللقطات سواء‪،‬‬ ‫ون �ج��ده ي�ق��ول «ال�ش�م��س تتكسر أشعتها خلف‬ ‫البيت الطيني المواجه‪ ..‬ويمأل ضياؤها األفق‪..‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫على المتلقي‪ ،‬وهو العاقل الرشيد الذي يجب‬ ‫أن نحسن الظن ب��ه‪ ،‬وه��و خطر يمكن تجاوزه‬ ‫أو غض الطرف عنه‪ ،‬ولكن األخطر كون هذه‬ ‫المباشرة – منذ البداية – خطرا على اإلبداع‬ ‫ذاته‪ .‬إن إغالق العمل السردي على احتماالت‬ ‫بسيطة‪ ،‬ناهيك عن كونه احتماال وحيدا‪ ،‬يجعل‬ ‫العمل السردي‪ ،‬بما هو ص��ورة للحياة‪ ،‬أحادي‬ ‫الجانب‪ .‬البداية – هنا ‪ -‬بمثابة لوحة إرشادية‬ ‫للعمل بدال من اعتماد تقنية البداية الممهدة‬ ‫التي ترسم جو العمل‪ ،‬وتمهد له‪ ،‬فتجعله كائنا‬ ‫حيا يتطور على مدار سطوره‪ ،‬ويشترك طرفاه‬ ‫(المبدع‪ ،‬والمتلقي) في تكوينه‪.‬‬

‫وينعكس على ط��ائ��ري��ن يقفان بشكل متجاور‬ ‫على أس�لاك الكهرباء المقابلة لك تماما‪،»..‬‬ ‫كما نرصد قوله «يحلق الطائر على مقربة من‬ ‫الطائر األول‪ ..‬يقتربان من بعضهما‪ ..‬وينعطفان‬ ‫سويا بحركة انسيابية‪ ..‬وعلى ارتفاع مناسب عن‬ ‫البيت الطيني المقابل‪ .»....‬إنها صورة مرسومة‪،‬‬ ‫ال تحتاج كثير عناء في نقلها إلى صورة مرئية‪،‬‬ ‫ورب�م��ا ك��ان ذل��ك ألن الثقافة المرئية‪ ،‬وثقافة‬ ‫الصورة عموما تشكل جزءا كبيرا من مكونات‬ ‫ثقافة المبدع وخلفيته المعرفية حاليا‪ ،‬شأنه في‬ ‫ذلك شأن كثيرين‪ ،‬منهم السيد موسى البدري‬ ‫في قصة «ليلة ال أحبها» التي يرصد فيها وقائع‬ ‫تلك الليلة المكروهة عنده‪ ،‬فيعتمد الحديث‬ ‫عن حضوره المبكر لزفاف حبيبته‪ ،‬وكونه ثائرا‬ ‫جاهليا‪ ،‬بما يشعه هذا الوصف ويكفيك مؤونة‬ ‫ألفاظ كثيرة وصفات مختلفة‪ ،‬ثم يرسم مشهدا‬ ‫صامتا ولكنه معبر للغاية عن تجلده الذي يدعيه‬ ‫«قمت وحملت الدلة بيدي اليسرى‪ ،‬والفناجين‬ ‫باليد اليمنى‪ ،‬وأخذت أدور بها على الضيوف‪»..‬‬ ‫فتلمس من مرارته البادية دمعة متحجرة في‬ ‫عينه‪ ،‬على حبيبته التي ل��م يفقدها فحسب‪،‬‬ ‫ولكنه مرغم على مشاركته فرحتها‪.‬‬ ‫أم ��ا ق�ص��ة «ح ��د ال �س �ي��ف» ل�ل�ك��ات�ب��ة ماجدة‬ ‫ال� �خ ��ال ��دي ف �ه��ي –برغم اع �ت �م��اده��ا السرد‬ ‫الماضي‪ -‬تبدو نموذجا لهذا التوجه‪ ،‬فتدهشنا‬ ‫– منذ بدايتها ‪ -‬بقدرة على الرصد الظاهري‪..‬‬ ‫«تطل من نافذة غرفتها واقفة واضعة رأسها‬ ‫على جانب الجدار‪ ،‬حيث نسمات الهواء اللطيفة‬ ‫تداعب خصالت شعرها المنساب على كتفيها»‪.‬‬ ‫إنها مشاهد سينمائية تؤهل المتلقي لإلطالل‬ ‫على العالم المحيط بالبطلة خارجيا‪ ،‬وتؤهل‬ ‫ه ��ذه ال��وح �ي��دة ال �ت��ي ت�س�ت�ش��رف ال �م��رئ��ي عبر‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪43‬‬


‫حجاب؛ لترصد داخلها المهترئ بفعل تعاقب‬ ‫ال��زواج اإلج�ب��اري والطالق المتوقع (بعد قيام‬ ‫الزواج على غير تفاهم أو تقارب) على حياتها‬ ‫المغرقة في الحزن‪.‬‬ ‫تتفرغ سطورنا للنواحي الفنية‪ ،‬كما وعدت‬ ‫ف��ي عنوانها‪ ،‬وم��ن ث��م يخرج ع��ن تصورها أن‬ ‫تلتفت إل��ى تيار في القصص المقروءة يتخذ‬ ‫موقف المساءلة ‪-‬رافضا أو مؤيدا‪ -‬لمواضعات‬ ‫اجتماعية تبدو على سطحها الظاهري‪ .‬نريد‬ ‫أن نلمّح إل��ى خ�ف��وت ال �ح��وار‪ ،‬وال�ت��رك�ي��ز على‬ ‫المونولوج الداخلي‪ ،‬وربما دفعها إلى ذلك ما‬ ‫يبدو واضحا من اتخاذ الذات الساردة محورا‬ ‫لألحداث‪ ،‬ومحورا للسرد ذات��ه‪ ،‬وما استدعاه‬ ‫ذل��ك من ط��رد للحوار واكتفاء بالمونولوج من‬ ‫جهة‪ .‬وحتى جملة الحوار الوحيدة في قصة‬ ‫«ب �ط��اق��ة ص �ع��ود» ن�ج��ده��ا ت���دور ح ��ول الذات‬ ‫الساردة‪ ،‬متسائلة عن السبيل الذي عرفت منه‬ ‫الفتاة المبهرة الجمال للشخص السارد واسمه‪.‬‬ ‫إن��ه االنكفاء على ال��ذات ال �س��اردة‪ ،‬واإلصرار‬ ‫على االبتعاد عن استكناه اآلخر‪ .‬ولعل اإلفراط‬ ‫ف��ي اعتماد ال��وص��ف آلية للسرد يبدو شديد‬ ‫ال��وض��وح‪ ،‬ف�ض�لا ع��ن م��زج واض ��ح – رب�م��ا ال‬ ‫يحتاج إلى ذكر شواهد – من حضور العامية‬ ‫في الوصف والمونولوج‪ ،‬واعتماد «كالشيهات»‬ ‫لغوية تزيح التجديد اللغوي بعيدا‪.‬‬ ‫يبدو لنا اعتماد المفارقة في نهاية األحداث‬ ‫أب��رز آليات البناء في القصص المنشورة في‬ ‫ال�ع��دد المشار إل�ي��ه م��ن المجلة؛ حيث جاءت‬ ‫النهاية مخالفة لمسار القصة أو إحدى مكوناتها؛‬ ‫ففي قصة «ليلة ال أحبها» نجد ختامها بصوت‬ ‫* جامعة الطائف‬ ‫ ‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫األنثى‪ ،‬تلك الغائبة طوال القصة‪« ،‬فجأة سمعت‬ ‫ص��رخ��ة ت�ن��م ع��ن ال �ح��زن وال � �م� ��رارة‪ ..‬سمعت‬ ‫ام��رأة تقول غضبى‪ :‬أحدهم صب القهوة على‬ ‫العروس‪»..‬؛ تلك األنثى التي ال نجد لها صوتا‬ ‫أو تأثيرا‪ .‬وجاء ختام القصة على األرض بعيدا‬ ‫عن سطح المنزل ال��ذي شهد األح��داث كلها‪،‬‬ ‫وجاء بما يشبه االنتقام من حفل الزفاف كله‪،‬‬ ‫والعجيب أنه جاء انتقاما غير مقصود‪ ،‬تماما‬ ‫كما ج��اء الحب بين البطل والبطلة (الغائبة)‬ ‫قدريا‪ ،‬والفراق بينهما كان قدريا كذلك‪ ،‬شأن‬ ‫حضور البطل لحفل زفاف محبوبته‪.‬‬ ‫وف��ي قصة «بقايا أل ��وان» للمبدعة ماجدة‬ ‫الخالدي‪ ،‬تجد القصة تدور حول الفن والجمال‬ ‫والرسم والبطلة‪ ،‬تلك التي «حلمها أن تصبح‬ ‫رسامة عالمية بفرشاتها الذهبية‪ ،»..‬واستمر‬ ‫معها حلمها يستبد بها‪ ،‬فدخلت قسم الفنون‪،‬‬ ‫ثم تتخرج على أمل فتح مرسم يليق بها كفنانة‬ ‫واثقة‪« ....‬وتمضي األيام والحلم يتالشى حتى‬ ‫استبدلت ب��األل��وان البصل‪ ،‬وبالفرشاة سكين‬ ‫المطبخ‪ ،‬فتقول‪« :‬فتمسك السكين‪ ..‬وتقطع‬ ‫البصل‪ ..‬و‪ ..‬و‪.»..‬‬ ‫ال تزعم سطورنا إحاطة بالمشهد برمته‪،‬‬ ‫أو استقراء أفقيا للقصص المنشورة برمتها‪،‬‬ ‫ول�ك�ن�ن��ا ات �خ��ذن��ا ال �ن �ص��وص ال �م �ن �ش��ورة عالمة‬ ‫على ظواهر حاضرة بقوة‪ ،‬من الصعب توهم‬ ‫المصادفة جامعة بينها أو مسببا لها‪ ،‬وال ينبغي‬ ‫أن ننتظر حتى تتشكل الظاهرة تماما وتستوي‬ ‫يانعة حتى نتوقف أمامها‪ ،‬وحسبنا إثارة الحوار‬ ‫حول النصوص المنشورة آملين أن تتاح الفرصة‬ ‫في قابل األيام لنتائج أكثر اتساعا‪.‬‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫غازي القصيبي‬

‫الصراع بني الشخصيتني‬

‫العمل ّية والشعرية‪ ،‬وأثره في شعره‬ ‫العباد*‬ ‫> زكريا ّ‬

‫(الظاهرة) و(االستثناء)‪ ،‬هكذا يوصف عادة الشاعر غازي القصيبي‪ ،‬وهكذا تمثّل في ضمير النّاس‬ ‫الذين انبهروا بتعدد مواهبه وأدواره‪ ،‬وغالب ًا ما يبدو ظاهر شخصيته للمتأمّ ل (مركّبةً ) على نحو مثير‬ ‫للدهشة‪ ،‬عسير على الفهم‪ ،‬إذ كيف لشخص واحد أن يلمّ شتات األنواع المتفرقة لآلداب والعلوم‬ ‫وأساليب العمل اإلداري والسياسي في إناء شخصية واحدة؟!‪ ..‬وكأنّ القصيبي شاء أن يضرب‪ ،‬من‬ ‫خالل شخصيته االستثنائية‪ ،‬مث ًال للطامحين من األجيال القادمة‪ ،‬يحفزهم على البناء والتقدّ م‪،‬‬ ‫بعدما لعب دور ًا حافز ًا لمسيرة التقدّ م من خالل ضخامة حجم إنجازه وتفرّده‪.‬‬ ‫إال أ ّن غازي يخفي في أعماقه جانباً مغايراً لما بما تنطوي عليه من اصطدام بسلبيات الواقع وآفاته‪،‬‬ ‫يظهر من ضخامة شخصيته المركبة‪ ،‬وقد نجح الشعر ويعلن الشاعر في مواقع كثيرة موقفه الشعري المنحاز‬ ‫في إبراز هذا الجانب البسيط والمختلف للشخصية للشعر وللطفولة‪:‬‬ ‫المجللة بهيبة ال � ��وزارة وال��س��ف��ارة‪ ..‬وبأضوائهما‬ ‫أن����������ا ذل����������ك ال�����ط�����ف�����ل ال����غ����ري����ر‬ ‫وصخبهما‪ .‬ك�م��ا ي �ب �رُز م��ن خ�ل�ال متابعة ش�ع��ره أ ّن‬ ‫رم�������ت�������ه ل�����ل�����دن�����ي�����ا ال�����خ�����ط�����وب‬ ‫ثمة صراعاً يدور في داخله بين هذين الجانبين من‬ ‫شخصيته‪ ،‬حيث يصطف الشعر والطفولة في جانب‪ ،‬ت����رك����ت����ه ف������ي ص����خ����ب ال����ج����م����وع‬ ‫ي��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اد ي���خ���ن���ق���ه النحـيب‬ ‫وتقف الجوانب اإلدارية األخرى في الطرف المقابل‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪45‬‬


‫في العام ‪1960‬م‪ ،‬ولد غازي في األحساء لتغادره ال ه ـ ــذه أرضي وال‬ ‫أمه إلى دار الخلود بعد قدومه بتسعة أشهر‪ ،‬فينشأ أهلي لديّ وال الحبيب‬ ‫في ظل والد اتسم بالشدة والصرامة‪ ،‬وجدّة اتسمت‬ ‫أل ّن وطن الشاعر هو األماكن واألشخاص الذين‬ ‫باإلفراط في العاطفة على الطفل اليتيم‪ ،‬نشأ بينهما يحبهم‪ ،‬والذين يشعر مع ابتعاده عنهم‪ ..‬وكأ ّن العيون‬ ‫مقتنعاً بأن «السلطة بال حزم‪ ،‬تؤدي إلى تسيب خطر‪ ،‬تنكره وترفضه‪:‬‬ ‫وأن الحزم‪ ،‬بال رحمة‪ ،‬يؤدي إلى طغيان أشد خطورة»‪،‬‬ ‫ومن بين الشخصيتين ظهر غازي اإلداري والشاعر‪ ..‬أرضي هناك‪ ..‬مع الشواطئ‬ ‫في ظل فراغ خلَّفه غياب األم التي ترك غيابها معالمه والمزارع‪ ...‬والسهول‬ ‫من موطن األصداف‪ ..‬والشمس‬ ‫في لغة الشاعر وصوره الشعرية‪.‬‬ ‫المضيئة‪ ...‬والنخيل‬ ‫من السهل جداً أن نفهم تكون الشخصية الرومانسية أمي هناك‪ ...‬أبي‪ ..‬رفاقي‬ ‫البسيطة في البيئة التي نشأ فيها غازي في الريف‪ ،‬نشوة العيش الظلي ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫وعلى الساحل‪ ،‬ووس��ط الصحراء المفتوحة‪ ،‬كما أن حيث الحياة تم ّر صافية‬ ‫ـعط ـ ـ ــرة الذيـ ــول‬ ‫من الممكن تَف ُّه ُم أن تشكِّل معتركات الحياة وتعقيداتها م ّ‬ ‫بناءاً آخر في الشخصية‪ ..‬مغايراً للبناء الرومانسي‬ ‫وي�ت��واص��ل ظ�ه��ور ال�ش�ع��ور بالحنين إل��ى الطفولة‬ ‫األولي‪ .‬غير أ ّن الشعر بلحظات صفائه كان قادراً على‬ ‫أن يعيد غازي (معقد التركيب)‪ ،‬الذي خلقته الحياة ومرابعها‪ ،‬في مواضع عديدة من شعر القصيبي‪..‬‬ ‫العملية‪ ،‬أن يعيده مرة أخرى‪ ،‬إلى طفولة غازي (الطفل بعد ديوانه (أشعار من جزائر اللؤلؤ)‪ ،‬لتجده بعد ذلك‬ ‫البسيط) وال �م��ره��ف‪ ..‬حتى وه��و يتناول ف��ي شعره بسنوات يقول في ديوانه (معركة بال راية)‪:‬‬ ‫حزن أخو ألم‬ ‫القضايا الوطنية والفكرية الكبرى‪ ،‬التي كان يمزجها أقول‪ :‬إني أخو ٍ‬ ‫تأصلت في يو ّد لو عاد طف ًال ضجّ وانتحبا‬ ‫بحالة الوجد والشفافية الرومانسية التي ّ‬ ‫داخله‪ ،‬حتى أصبحت من أبرز مكوناته الشعرية‪.‬‬ ‫يج ُد في ال�ح��بّ ‪ ،‬ممتزجاً‬ ‫وتجده ب��ذات الطريقة ِ‬ ‫ويتجلى لقارئ غ��ازي حنينُه الجارف إلى الجزء بالطبيعة‪ ،‬ملج ًأ يأوي إليه مما يعانيه من قسوة الحياة‬ ‫الشخصي الهادئ والقصي في الطفولة‪ ،‬والذي أخذته وصخبها‪:‬‬ ‫��رأس ص��در ًا ال يضيق به‬ ‫منه ح�ي��اة العمل واإلن �ج��از واالن �ش �غ��االت الصاخبة‪ ،‬لو أسل َم ال َ‬ ‫التي يشعر بذاته فيها غريبة عن ذاته األولى الطفلة‬ ‫وراح يشكو إليه السقم والتعب ـ ـ ــا‬ ‫والشاعرة‪ ،‬وعن النخيل الذي اكتحلت عينه برؤيته مع‬ ‫���س ب��ق��رب��ي‪ ..‬نخلة نثرت‬ ‫أوائل األشياء التي أبصرته عيناه‪ ،‬ما يجعله‪ ،‬بالرغم وك��ن ِ��ت أم ِ‬ ‫من ذوبانه في هموم وطنه‪ ،‬يشعر بالغربة عنه كعادة على هجير حياتي الظلّ والرُ طبا‬ ‫ال�ش�ع��راء وال�م�ب��دع�ي��ن‪ ،‬ال��ذي��ن غ��ال�ب�اً م��ا ينفيهم عن‬ ‫الصحراء‪ :‬الطبيعة‪ ،‬األم والمهرب‬ ‫المجتمع شعورهم بالتمايز عنه‪:‬‬ ‫إال أن الوطن الرومانسي الذي ينتمي إليه القصيبي‬ ‫أبد ًا تمـ ّر به العيـ ـ ــون‬ ‫تكاد تصرخ‪ :‬يا غريب!‬ ‫من ذا رماني ريـ ـ ـ ــشةً‬ ‫في الليل تلفظها الدروب؟‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫ويحنّ إليه‪ ،‬ال يقتصر على (األحساء)‪ ،‬الواحة التي ولد‬ ‫فيها‪ ،‬وال شاطئ الخليج الذي تربى على جوانبه في‬ ‫البحرين وحسب‪ ،‬بل يض ّم إلى جانبهما الصحراء التي‬ ‫ألهبت خياله بغموضها‪ ،‬كما ألهبت قبله مخيلة جملة‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫من شعراء العربية منذ ال�ق��دم‪ ،‬تلك الصحراء التي‬ ‫اكتشف فيها الشاعر بعد تجواله الطويل في اآلفاق‪،‬‬ ‫معاني األصالة واإلنسانية التي ذه��ب بعيداً للبحث‬ ‫عنها فلم يجدها‪ ،‬يقول في قصيدته (يا صحراء)‪:‬‬ ‫إليك مهموم ًا‬ ‫رجعت ِ‬ ‫ُ‬ ‫الناس‬ ‫ألني لم أجد في ِ‬ ‫بالناس‬ ‫ِ‬ ‫من يؤمن‬ ‫رجعت إليك محروم ًا‬ ‫ُ‬ ‫ألنّ الكون أضالعٌ‬ ‫قلب‬ ‫بال ِ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ٌ‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫ألنّ‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫مجردة من‬ ‫رجعت إليك مهزوم ًا‬ ‫ُ‬ ‫ألني خضت معركة الحياة‬ ‫بسيف إحساسي‬ ‫وبالرغم من أنك تلحظ في األبيات السابقة آثار‬ ‫معركة القيم الدامية التي عاد الشاعر منها بالخيبة‬ ‫واإلح �ب��اط‪ ،‬م��ن ج��دوى س�لاح المشاعر أو (الشعر)‬ ‫في مصارعة الحياة‪ ،‬وباليأس من الحبّ الذي أصبح‬ ‫مجرد ألفاظ «مجردة من الحبّ »‪ ،‬إال أنك تجده في‬ ‫النهاية يتقمص دور الطفل مع الصحراء‪ ..‬ليتوحّ د‬ ‫معها ك ��أمّ‪ ،‬مثلما فعل م��ع واح��ة النخيل حين كتب‬ ‫في إه��داء قصيدته (أم النخيل) عبارة «إل��ى أمي‪..‬‬ ‫الهفوف»‪ ،‬ما يشير إلى أن اللجوء إلى الرومانسية في‬ ‫شعره بجانبيها‪ :‬الحبّ والطبيعة‪ ..‬ليس سوى تعويض‬ ‫عن تصحّ ر المشاعر في الحياة العملية‪ ،‬وهو ما يحيل‬ ‫أيضاً إلى أ ّن الحرب المشار إليها في القصيدة هي‬ ‫أيضاً حرب داخلية بين شقين من ذات الشاعر‪ ،‬ش ٌق‬ ‫رومانسي ينشد الهدوء والسكينة في الحب والطبيعة‬ ‫والجمال‪ ،‬وشق واقعي يرهق الذات بالرحيل والنضال‬ ‫من أجل التغيير والحق والقيم والبحث عن الحب بين‬ ‫الناس‪ ،‬لكنه يعترف بأنه لم يجد ضالته في نهاية األمر‬ ‫سوى في الطبيعة‪:‬‬

‫ألقيت بمرساتي‬ ‫ُ‬ ‫إليك‪..‬‬ ‫وعدتُ ِ‬ ‫الرمل‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫غسلت الوجه بالطلِّ‬ ‫كأنك عندها ناديتني‬ ‫ِ‬ ‫وهمست في أذني‪:‬‬ ‫« رجعتَ إليّ يا طفلي؟ «‬ ‫إليك‬ ‫أجل‪ ..‬أماه‪ ..‬عدت ِ‬ ‫طف ًال دائم الحزن‬ ‫تغرّب في بالد الله‪..‬‬ ‫لم يعثر على وكرِ ْه‬ ‫فيك عن عمره‬ ‫يبحث ِ‬ ‫ُ‬ ‫وعاد اليوم‬ ‫وكلّما أوغل الشاعر في الشعر‪ ،‬كلّما تخلّص من‬ ‫صلته بشخصيته الخارجية القائمة على العمل المرهق‬ ‫وسط العالم الذي ال يربطه به شعورياً سوى اإلحساس‬ ‫بالغربة واأللم‪ ،‬الذي يأخذ في التخفف من آثاره كلما‬ ‫دنا من عالمه الرومانسي الحالم‪:‬‬ ‫وعدتُ إليك يا صحراء‪..‬‬ ‫ألقي جعبة التسيار‬ ‫أغزل ليلك المنسوج‬ ‫من أسرا ْر‬ ‫وأَنشقُ في صبا نجدٍ‬ ‫طيوب عَرا ْر‬ ‫وأحيا فيك لألشعار واألقمارْ‪.‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪47‬‬


‫«حيث ال تسقط األمطار» ألمجد ناصر‪:‬‬

‫الحيوات من حجرة الذاكرة‬ ‫انبعاث‬ ‫َ‬

‫> هيا صالح*‬

‫يَرجع بطل رواي��ة الشاعر والكاتب أمجد ناصر‪ ،‬إلى‬ ‫«الحامية»‪ ،‬أو «حيث ال تسقط األمطار»‪ ،‬واألخيرُ عنوانُ‬ ‫رواي���ة ن��اص��ر األول���ى ال��ص��ادرة ع��ن دار اآلداب ف��ي بيروت‪،‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬يعود البطل إل��ى مسقط رأس��ه ال��ذي غ��ادره باسم‬ ‫«يونس الخطاط»‪ ،‬حامال اسم ًا جديد ًا هو «أده��م»‪ .‬ومن‬ ‫هذا المفتتح يتلمس القارئُ االنشطا َر واالنقسا َم الذي‬ ‫أصاب الشخصية الرئيسة في الرواية‪ ،‬وهو انقسام يتخذ‬ ‫شكلين‪ :‬خارجياً‪ ،‬من حيث االنتقال في المكان والزمان‪ ،‬وتبدُّ ل االسم‪ ،‬وتغيُّ ر مالمح‬ ‫الشكل‪ .‬وداخلياً‪ ،‬إذ يبدو أن العائد «أدهم» لم يعد على صلة وثيقة بنصفه اآلخر «يونس‬ ‫ومحافظ على سنّهِ التي‬ ‫ٌ‬ ‫الخطاط»‪ ،‬كما يبدو أن «يونس الخطاط» منفصل عن «أدهم»‪،‬‬ ‫ال يصغر فيها أو يكبر‪ ،‬وعلى ما كان في حياته التي قضاها في «الحامية»‪ ..‬ولم يغادرها‬ ‫كما فعل قرينُه‪.‬‬ ‫شخصيتا الرواية وجهان لرجل واحد؛ ف��ي اإلق�ب��ال على الحياة‪ .‬يسافر «أدهم‪،‬‬

‫شاعر‪ ،‬مناضل ومفكر‪ ..‬وهما تتقاطعان‬

‫ويتزوج وينجب طفالً‪ ،‬ويصبح كاتبَ مقالة‬

‫في الذكريات والمواقف‪ ،‬فيما تنفصالن وينأى عن الشعر‪ ،‬فيما يظل «يونس» في‬ ‫في الشكل واالسم والرؤى واألفكار‪ ..‬وحتى «الحامية»‪ ،‬أسيراً لحبيبته األول��ى «رلى»‪،‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫وب �ي��ن ح �ي��اة ع��اش�ه��ا «ي��ون��س ال �خ �ط��اط» في‬ ‫«ال�ح��ام�ي��ة»‪ ،‬وأخ��رى عاشها قرينه «أده ��م» في‬ ‫المنافي والسفر ام�ت��دت عشرين ع��ام �اً‪ ،‬يتكئ‬ ‫السرد على منطقة التذكُّر‪ ،‬بالتركيز على ما م ّر‬ ‫بـ«يونس» من أح��داث يتم النظر فيها وتقييمها‬ ‫ووعي من جانب «أدهم»؛ بمعنى‬ ‫ٍ‬ ‫وتحليلها‪ ،‬بتر ٍّو‬ ‫أن الرواية فيها الكثير من خبرات «أدهم» التي‬ ‫تتحكم بسرد سيرة «يونس»‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬ال ب��د م��ن التوقف عند الضمير الذي‬ ‫استُخدم في الرواية‪ ،‬وهو ضمير المخاطَ ب الذي‬ ‫استخدمه أمجد ناصر‪ ،‬ليبتعد عما يوحي به‬ ‫ضمي ُر المتكلم من صبغة سيرية للكاتب‪ ،‬كما قال‬ ‫حوار معه‪ .‬هذا الضمي ُر أثق َل على الرواية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫محاصراً برؤية‬ ‫َ‬ ‫ويتبدى ذلك من أن البطل ظه َر‬ ‫الراوي الذي يراقب كل شاردة وواردة‪ ،‬وهو يطل‬ ‫على الشخصيات واألحداث‪ ،‬ويطّ لع على الزمان‬ ‫والمكان من شرفة مراقبته العالية‪ ،‬أو كأنما هو‬ ‫�رض ال��دائ��ر على‬ ‫منصة يشاهد ال�ع� َ‬ ‫ٍ‬ ‫يجلس في‬ ‫المسرح‪ ،‬لكنه ال يكتفي بالمشاهدة‪ ،‬بل يتدخل‬ ‫ويناقش ويبدي ال��رأي ويحاسب‪ ..‬لذا يستشعر‬ ‫القارئ أن البطل ال يمتلك فعالية أو حرية‪ ،‬وال‬ ‫يمكنه التحرك ضمن نطاق ال �ح��دث‪ ،‬إال وفق‬ ‫مشيئة ال ��راوي ال��ذي م��ن خالله ظهرت ضمناً‬ ‫شخصية الكاتب وأفكاره وآراؤه وتحليالته‪ ،‬وبدا‬ ‫أن التفلّت من استخدام ضمير المتكلم الذي‬ ‫من الممكن أن يحيل إلى تطابق بين الشخصية‬ ‫الرئيسة في الرواية وشخصية الكاتب‪ ،‬لم يكن‬ ‫كما أراد الكاتب‪.‬‬ ‫ومن المقنع أكثر أن الكاتب اختار هذا الضمير‬ ‫لغايات تقنية‪ ،‬إذ هو غير شائع في السرد عموماً‪،‬‬ ‫نظراً لطبيعته المقيِّدة لحرية الشخصيات من‬

‫وكان من الممكن لهذا الضمير أن يقود الرواية‬ ‫إلى أزمة الرتابة والرتم المكرر‪ ،‬لكن الكاتب برع‬ ‫في الهروب من هذا المأزق‪ ،‬من خالل تقطيع‬ ‫الرواية إلى فصول ال يتجاوز الواحد منها بضع‬ ‫صفحات‪ ،‬إضافة إلى تقطيع الفقرات داخل تلك‬ ‫الفصول‪ ،‬كما أن لغة ال��رواي��ة كانت ق��ادرة بما‬ ‫حملته من وضوح ودقة في التعبير والوصف من‬ ‫جهة‪ ،‬وبحفاظها على الطابع التصويري الشعري‬ ‫�زالق في فخ الشعرية ‪ -‬وبخاصة أن‬ ‫من دون ان� ٍ‬ ‫َّس في األس��اس ‪ -‬من جهة‬ ‫الكاتبَ شاع ٌر مكر ٌ‬ ‫أخ��رى‪ ،‬على استثمار ه��ذا الضمير وف��ق كثافة‬ ‫عاطفية‪ ،‬فكرية‪ ،‬متشككة‪ ،‬متسائلة ومنطوية‬ ‫على اعتراف أو عتاب أو لوم‪ .‬هذه اللغة توافقت‬ ‫مع ضمير المخاطَ ب‪ ،‬فجاء السرد مؤثّراً قادراً‬ ‫على إيصال ما يشعر به البطل من فرح وحزن‪،‬‬ ‫أمل وخيبة‪ ،‬انتصار وانهزام‪..‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫والشعر موطنه األثير‪.‬‬

‫جهة‪ ،‬ونظراً ألنه يقلب الزمن غالباً إلى مضارع‪،‬‬ ‫وال �س��رد أح ��وج م��ا ي�ك��ون إل��ى الفعل الماضي‪،‬‬ ‫خصوصاً إذا بُني أساساً على التذكُّر واستدعاء‬ ‫األحداث السابقة ومساءلتها من جهة أخرى‪.‬‬

‫وألن الذاكرة هي المؤثّث األول للنص الروائي‪،‬‬ ‫ف �ق��د اس �ت �ع��اظ ه ��ذا ال �ض �م �ي � ُر ع��ن المونولوج‬ ‫وال �ح��وارات الداخلية‪ ،‬على ق��اع��دة أن ال شيء‬ ‫يخفى على ذل��ك ال��رق�ي��ب ف��ي األع �ل��ى؛ ضمير‬ ‫المخاطَ ب‪ ،‬ودورُه هنا تفوَّق على دور القاضي‬ ‫الذي يُصدر األحكام؛ يحلّل جريان الزمن وتبدُّل‬ ‫أحوال الشخصيات الدائرة في متونه‪ ،‬وتحوالت‬ ‫المكان واألفكار والرؤى واآلراء واألحالم‪.‬‬ ‫ف�ص� ٌل واح ��د ف��ي ال��رواي��ة‪ ،‬ج��اء ال �س��رد فيه‬ ‫وف��ق ضمير المتكلم‪ ،‬هو ذل��ك ال��ذي ك��ان ينظر‬ ‫فيه «يونس» إلى حياة «أدهم»‪ .‬فقد انطوى هذا‬ ‫الفصل على ذكاء وحنكة سردية‪ ،‬إذ لم يكن من‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪49‬‬


‫المتسنّى لـ«يونس» أن يقيّم حياة قرينه ويحاكمها‬ ‫ويحككها؛ فهو ل��م يختبرها‪ ،‬كما ي��ؤك��د المت ُن‬ ‫ال �س��ردي‪« :‬بقي شبحاً‪ ،‬أو مسخاً‪ ،‬ال يكبر وال‬ ‫باسم وحياةٍ قُصفا في المهد»‬ ‫ٍ‬ ‫يصغر‪ ،‬محتفظاً‬ ‫(ص ‪ ،)23‬كما يمنح هذا الضمي ُر «يونس» حري َة‬ ‫التنصل م��ن التقلّبات المختلفة ال�ت��ي واجهها‬ ‫قرينه‪ ،‬والبقاء وف ّياً لما كان عليه‪ ،‬وتعليق الذنب‬ ‫كله على شماعة «أدهم» الذي يعرف الكثير عن‬ ‫حياة «يونس»‪ ،‬بحكم أنه عاش الحياتين؛ داخل‬ ‫«الحامية»‪ ،‬وخارجها‪.‬‬

‫وهناك فصل أيضاً يتخذ السرد فيه شك َل‬ ‫ح��وار بين «نصفَي» البطل‪ ،‬وفيه تتم المواجهة‬ ‫بين «ي��ون��س ال�خ�ط��اط» و»أده� ��م» ال��ذي يكشف‬ ‫في الفصول األخيرة عن اسمه المركّب‪« :‬أدهم‬ ‫ج��اب��ر»‪ ،‬وه ��و االس���م ن�ف�س��ه ال���ذي ي�ط�لَ��ق على‬ ‫شخص ثالث يمارس غواية الكتابة أيضاً‪ .‬في‬ ‫ه��ذه ال�م��واج�ه��ة ي�ق��وم «أده���م» ب��إج�ب��ار «يونس»‬ ‫لبعض من حكايا ترحاله‪ ،‬ويكشف‬ ‫ٍ‬ ‫على اإلصغاء‬ ‫ل��ه‪« :‬أري� ��دك أن ت�ت��أك��د أن��ك ل�س��ت وح �ي��داً في‬ ‫�اس األم��ور عليّ ال‬ ‫المعاناة‪ .‬فاضطرابي وال�ت�ب� ُ‬ ‫يقالّن عن معاناتك الخذال َن والهج َر والنسيان‪.‬‬ ‫أن تحمل معك شخصاً لم تَ ُع ْدهُ‪ .‬اسماً ال تُنادَى‬ ‫أمر‬ ‫به بين الناس يظل ملتصقاً بك‪ .‬ليس مجرد ٍ‬ ‫إج��رائ��يٍّ ‪ .‬هل تفهم؟ ليست القضي ُة ج��وا َز سفر‬ ‫ومعامالت فقط‪ .‬لو كانت كذلك لما كان هناك‬ ‫موضوع يستحق الحديث» (ص ‪.)227‬‬

‫ل��ذا‪ ،‬وسّ � َع ضمي ُر المتكلم في ه��ذا الفصل‪،‬‬ ‫مدا َر السرد‪ ،‬وصبغ الحدثَ بوجهة نظر خاصة‪،‬‬ ‫وركّز كثيراً على حركة الفعل في الزمن الماضي‪.‬‬ ‫�س» ذل��ك «العائدَ»‬ ‫في ه��ذا الفصل يحاكم «ي��ون� ُ‬ ‫ال��ذي سافر تجاه ال�غ��رب وت��رك��ه واآلخ��ري��ن في‬ ‫«الحامية»‪« :‬ذكرتُ له أسما ًء فوجئ بها‪ ،‬وأخرى‬ ‫تذكّرها على الفور‪ .‬أبديتُ له قسو ًة لم يتوقّعها‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬انشطا ُر البطل إلى شخصيتين‪ ،‬استحقا ٌق‬ ‫لعبتُ معه دور محامي الشيطان» (ص ‪ .)31‬أ ْم�ل َ�تُ��ه رؤي � ُة ال��رواي��ة القائمة على ف �رْدِ األوراق‬ ‫هنا‪ ،‬تواج ُه الذاتُ نفسَ ها‪ ،‬وليس الراوي هو من ومعاينتها‪ ،‬قول الحقيقة‪ ،‬محاسبة ال��ذات عبر‬ ‫يحاكمها؛ إذ يقول «يونس»‬ ‫ل�ح�ظ��ة م��واج �ه��ة حقيقية‬ ‫م�ت�ح��دث�اً ع��ن ق��ري �ن��ه‪« :‬إن‬ ‫معها‪ ،‬إذ‪« :‬ال إرج��اء اليوم‬ ‫بقيتْ قطرةٌ من دمي تجري‬ ‫وال تمييع‪ .‬ال��وق��ت الذي‬ ‫في شرايينه سيعرف أنني‬ ‫ل��م تكن تأبه لدبيبه على‬ ‫ال��وح �ي��د ال� ��ذي ل��ن يكذب‬ ‫األرض والجسد‪ ،‬له‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫ع�ل�ي��ه أو ي �ج��ام �ل��ه‪ ،‬فكيف‬ ‫صوتٌ مسموع» (ص ‪.)14‬‬ ‫ي �م �ك��ن ل �ل �م��رء أن يكذب‬ ‫«ي � ��ون � ��س ال� �خ� �ط���اط»‬ ‫على نفسه‪ .‬طبعاً‪ ،‬هناك‬ ‫اب� � � ُن ج��ي��ل ت� �ف� � ّت� � َح وعي ُه‬ ‫من يفعل‪ .‬هناك من يخدع‬ ‫ع �ل��ى ال��ه��زائ��م الموجعة‬ ‫نفسه‪ .‬لكنّ لحظ َة مواجهة‬ ‫ال �ت��ي ت��وال��ت ع�ل��ى البالد‬ ‫ص��ارم��ة م��ع ال ��ذات تكفي‪،‬‬ ‫العربية‪ ،‬ينخرط في العمل‬ ‫على ما أظن‪ ،‬ليعرف المرء‬ ‫النضالي مع مجموعة من‬ ‫حقيقة نفسه» (ص ‪– 31‬‬ ‫الرفاق‪ ،‬ويكون أن يف ّر من‬ ‫‪.)32‬‬ ‫أمجد ناصر‬ ‫«ال�ح��ام�ي��ة» بعد أن صدر‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫وف � ��ي س� �ي ��اق ت��أك��ي��د هذا‬ ‫النمط من العالقة الغريبة التي‬ ‫جمعت بين األب واب�ن��ه‪ ،‬يُذكر‬ ‫ه�ن��ا أن اس��م «ي��ون��س» ارتبط‬ ‫ب�ـ«ال�خ�ط��اط»‪ ،‬ف��ي إش��ارة غير‬ ‫خافية إلى حضور والده فيه‪ ،‬بينما ظل «أدهم»‬ ‫اسماً م�ف��رداً‪ ،‬حتى النزع األخير من صفحات‬ ‫ال وحيداً منب ّتاً عن العائلة‪.‬‬ ‫الرواية؛ رج ً‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫�اس‪ .‬ي �ع��ود إلى‬ ‫ب�ح�ق��ه ح �ك � ٌم ق� � ٍ‬ ‫عفو ع��ام يشمل مَن‬ ‫دي��اره بعد ٍ‬ ‫وقع عليهم حك ٌم مماثل لحكمه‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ي�ح�م��ل اس �م �اً ج ��دي ��داً‪ ،‬وشك ً‬ ‫جديداً فرضه التقدم في سني‬ ‫العمر‪ ،‬ووعياً ج��دي��داً‪ ،‬وجسداً‬ ‫مريضاً أق ّل إقباالً على الحياة‪،‬‬ ‫وأك� �ث ��ر م��ي�ل�اً ل��ت��أ ُّم��لِ م ��ا فاتَ‬ ‫ومساءلته‪ :‬كيف؟ ل �م��اذا؟ ماذا‬ ‫ب �ع��د‪ ،‬وإل ��ى أي ��ن‪« :‬ك���دتَ تسأل‬ ‫نفسَ ك‪ :‬مَن خسر على الطريق‬ ‫اللولبي‪ ،‬أو الدائري‪ ،‬المؤدي إلى المكان األول‪،‬‬ ‫و َم��ن رب��ح؟ راودك ه��ذا ال �س��ؤال‪ .‬راودك سؤال‬ ‫َط‪ ،‬فرصة التبلور في رأسك‬ ‫آخر لم تترك له‪ ،‬ق ّ‬ ‫أيضاً‪ :‬هل أخطأت الطريق؟ أسئلة كهذه يصعب‬ ‫أن ال تحضر في مثل حالتك‪ ،‬رغم أنك تعلمتَ‬ ‫في منفاك الطويل كيف تروّض األسئلة التي ال‬ ‫تعجبك» (ص ‪.)14 – 13‬‬

‫ويخشى من عواقبهما عليك‪.‬‬ ‫يمكنك الجزم أن نفحة خاصة‬ ‫من عاطفته األب��و ّي��ة‪ ،‬ال تعرف‬ ‫سببها بالضبط‪ ،‬كان يُضمرها‬ ‫لك دون سواك» (ص ‪.)178‬‬

‫في هذه المراجعة‪ ،‬يعاود «أدهم» ف ْه َم والده‬ ‫ال ��ذي رح��ل ع��ن ال �ح �ي��اة‪ ،‬وي �ت��م ذل��ك م��ن خالل‬ ‫لوحات األب وخطوطه‪ ،‬وفيها يكتشف «أدهم»‬ ‫سراً كان معم ّياً عنه في سنوات شبابه‪ ،‬يكتشف‬ ‫كم كانت روح وال��ده وثّابة ومتحرّرة‪ ،‬وكم كانت‬ ‫رؤيته لألمور عميقة‪ .‬مثا ُل ذلك الغيظُ الذي كان‬ ‫يصيب «يونس» بسبب الكلمتين اللتين كتبهما‬ ‫والده بالخط الفارسي على مدخل البيت‪ ،‬وهما‬ ‫«ناكوجا آباد»‪ ،‬وكانتا تسببان له الحرج بين رفاقه‪،‬‬ ‫ما أغاظه منهما وجعله يظل يلوم والده على هذا‬ ‫االختيار‪ ،‬ليكتشف في ما بعد أن معناهما هو‬ ‫«مدينة الال أين»‪ ،‬كأنما اإلنسان في حياته يقوم‬ ‫برحلة تتساوى فيها األماكن والجهات‪ ،‬األحالم‬ ‫ٍ‬ ‫واألفراح واآلالم والخسارات‪ ،‬إذ إنها دوماً باتجاه‬ ‫«الال أين» أو «الالمستَقَر»‪.‬‬

‫(يونس‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫وم�ن��ذ ب��دء ال��رواي��ة‪ ،‬يعلن ال �س��ار ُد‬ ‫ال‬ ‫حساب تطال ك ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫أده��م)‪ ،‬أن ما يقدّمه ج��ردةُ‬ ‫من؛ تاريخه‪ ،‬أفكاره‪ ،‬آرائه‪ ،‬مشاعره‪ ،‬إخفاقاته‪،‬‬ ‫ن�ج��اح��ات��ه‪ ،‬عالقته ب��رف��اق��ه ف��ي ال�م��درس��ة وفي‬ ‫النضال‪ ،‬وبحبيبته األولى «رلى»‪ ،‬وعالقته بوالده‬ ‫«الخطاط» التي بدت عالقة مركّبة‪ ،‬فيها الكثير‬ ‫من التنافر في الرؤى واألفكار والهوايات وطريقة‬ ‫فيوض من المحبة واأللفة‬ ‫ٌ‬ ‫العيش‪ ،‬وفيها أيضاً‪،‬‬ ‫والحنين‪ ،‬فهو يعترف أن مشكلته مع والده تكمن‬ ‫في تباين خيارَيهما في الحياة‪« ،‬أو على نحو‬ ‫أدقّ ‪ ،‬مسلكك الذي سبّب له غيظاً مكتوماً‪ .‬كان‬ ‫ينفجر‪ ،‬عندما يطفح به الكيل‪ ،‬على شكل ثورة‬ ‫ه��ذه المراجعة ه��ي‪ ،‬بمعنى أشمل‪ ،‬مراجع ٌة‬ ‫ال يتوقّعها أح��د م��ن رج��ل ه ��ادئ‪ ،‬منقطع‪ ،‬بما لمجمل ح �ي��اة ال�ب�ط��ل‪ ،‬ال ��ذي ب�ل��غ م��ن التجربة‬ ‫يشبه التنسك‪ ،‬إلى محترفه» (ص ‪ ،)177‬لكنه مبل َغها‪ ،‬ومن العمر أيضاً‪ ،‬وما عا َد من المجدي‬ ‫رغم ذلك كان‪« :‬يحب فيكَ روح التمرّد والسؤال‪ ،‬أن يظ ّل ينظر إلى داخله من وراء حجاب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪51‬‬


‫من هنا تتشعب ال��رواي��ة في خطوط سردية‬ ‫كثيرة‪ ،‬تستحضر القلي َل من كوابيس «أدهم» في‬ ‫المدينة الرمادية والحمراء (لندن) التي انتشر‬ ‫فيها الوباء‪ ،‬وخَ �وَتْ على عروشها‪ ،‬لتقود ذاكرتَ ُه‬ ‫إل��ى استحضار ص��ورة مشابهة لمدينة الحصار‬ ‫والحرب (بيروت) التي تلوثت أجواؤها برائحة‬ ‫الموت والدمار‪.‬‬ ‫بالعودة إلى «الحامية»‪ ،‬يمسك الراوي بتالبيب‬ ‫خيط الزمن؛ الزمن كما تفهمه ال��ذاك��رة وتعيه‪،‬‬ ‫وكما يخضع هو الشتراطاتها‪ ،‬إذ األحداث فيها‬ ‫ال تستقيم وف��ق تسلسل تعاقبي أب��داً ‪-‬كما في‬ ‫ملفات «م��ؤس�س��ة األم��ن ال��وط�ن��ي» ف��ي الحامية‬ ‫بتسلسل ج��اف‪ -‬وإنما تخضع لتسلسل‬ ‫ٍ‬ ‫المرتبة‬ ‫نفسي يستجلي م��ا يشع ُر ب��ه البطل ف��ي لحظة‬ ‫زمنية معينة‪ ،‬بما يشي بحالة من حاالت التأمل‬ ‫في العالم ليس المحيط أو الخارجي وحسْ ب‪،‬‬ ‫وإنما العميق الذي يسكن دواخ��ل البطل‪ .‬كذلك‬ ‫يبدو الزمن ممت ّداً متنوّعاً يتداخل فيه الماضي‬ ‫بالحاضر ويسائل المستقبل‪ ..‬وبهذا فقط‪ ،‬يمكن‬ ‫للبطل أن يبعثر أوراق��ه‪ ،‬ويفتح دفاتره القديمة‬ ‫على اتساعها‪ ،‬يقول ما له وما عليه‪ ،‬بما يشبه‬ ‫محاكمة عادلة‪.‬‬

‫في تبدُّل األم��اك��ن حوله وتغيُّر ال��رؤى واألفكار‬ ‫واألشخاص؛ فصديقه «محمود» الذي انخرط معه‬ ‫في العمل السرّي‪ ،‬والمَخاطر التي كانت تترصد‬ ‫بهما في «مدينة الحصار والحرب»‪ ،‬يصبح مسؤوالً‬ ‫كبيراً في دولة «الحامية»‪ ،‬أما «خلف» الذي ظل‬ ‫كارهاً للكتب وما فيها‪ ،‬فيترك عمل َه حارساً تابعاً‬ ‫لقيادة «الحامية»‪ ،‬ليعمل لدى الشركة التي رسا‬ ‫عليها مشرو ُع تطوير «الحامية»‪ .‬ومن خالل لقائه‬ ‫بصديقه «خلف» يعرف البط ُل أن هناك الكثير من‬ ‫التبدّالت التي طرأت على «الحامية»‪.‬‬

‫تنطوي عالقة ال��راوي مع «خلف» الذي يُقتَل‬ ‫ف��ي م��واج�ه��ة م��ع «ج�ه��ادي�ي��ن» نشطوا ف��ي البؤر‬ ‫العشوائية في «الحامية»‪ ،‬على محبة وتعاطف‬ ‫وحنين‪ ،‬وربما تفاهم من نوع محيِّر‪ ،‬إذ كيف لذلك‬ ‫�روف الكتب‪ ،‬وانخرط في‬ ‫الذي ابتلعت عيناه ح� َ‬ ‫العمل النضالي‪ ،‬وط��اف في البلدان‪ ،‬أن تربطه‬ ‫عالقة بـ«خلف» ال��ذي ابتعد عن الكتب بخيرها‬ ‫وشرِّها‪ ،‬وورث مهنة والده حارساً لـ«الحامية»‪ ،‬بل‬ ‫إن «خلف» يمثّل الشخصية الوحيدة التي يبوح‬ ‫لها البطل بنيّته كتابة سيرة «الحامية»‪ .‬وربما أن‬ ‫مر ّد تلك العالقة الغريبة هو إعجاب بطل الرواية‬ ‫بطيبة قلب «خلف» وبساطته وحفاظه على نفسه‬ ‫هذه المحاكمة تراعي لعبة الزمن المراوغة‪ ،‬من التغيير‪.‬‬ ‫وس�ل ْ�ط�ت��ه ال �ت��ي ال ت�خ�ض��ع ل�لأم��ان��ي وال إلرادة‬ ‫وم��ن ال�م�س��ارات التي يتفاجأ ذل��ك «العائدُ»‬ ‫ال من‪ :‬صديقه‬ ‫تخص ك ًّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وجريانه الذي يمر من دون توقّف‪ ،‬غير بما آلت إليه‪ ،‬تلك التي‬ ‫آب ٍِه بمن يعبر بهم وهم آبهون‪« :‬إنه قطار ال ي ْؤ ِث ُر «محسن» ال��ذي ي � ْق��دِ م على االن�ت�ح��ار‪ ،‬ورفيقته‬ ‫محطة على أخ��رى‪ ،‬حتى لو تلكأ هنا أو أسرع «حنان» التي تتوفى‪ ،‬ورفيقته «هناء» التي تتزوج‬ ‫هناك‪ .‬ربما ال يُسمع صفيره إال بعد أن يغادر‪ ،‬من رجل أعمال‪ ،‬وصديقه «حسيب» الذي يختفي‬ ‫لكن تمكن رؤيته على الوجوه واألي��دي والقامات وال يعرف أحد مصيره‪ ،‬و«عقلة اإلصبع» الذي‬ ‫والصور المعلّقة على الجدران» (ص ‪.)21‬‬ ‫ي�ق��ود ع�ص��اب��ة ت�ه��ري��ب‪ ،‬ومعلمه ال�ش�ع��ري األول‬ ‫داعية ديني يجوب‬ ‫ٍ‬ ‫ال��زم��ن ق��اد ٌر على تغيير ك��ل ش��يء‪ .‬ه��ذه هي «سليمان» ال��ذي يتحول إل��ى‬ ‫الحقيقة التي يدركها بطل الرواية جيداً‪ ،‬ويراها القرى والبوادي‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫رغ� � � ��م ات � � �س� � ��اع رق� �ع ��ة‬ ‫�ط المكاني والزماني‬ ‫ال �خ� ّ‬ ‫وال� �ج� �غ ��راف ��ي ل� �ـ«ح� �ي ��ث ال‬ ‫ت �س �ق��ط األم � � �ط� � ��ار»‪ ،‬فإن‬ ‫ه��ذه ال��رواي��ة تكاد ال تغادر‬ ‫ح��ج��رةَ ال� ��ذاك� ��رة‪ ،‬ب �م��ا هو‬ ‫مختزن فيها من شخصيات‬ ‫وأح� � � � � � � ��داث وح� � � �ي � � ��وات‪،‬‬ ‫مختلطة ومتقاطعة ومركّبة‬ ‫ومتشعّبة‪ ،‬ت��وض��ع جميعها‬ ‫تحت مجهر ال �س��ؤال‪« :‬من‬ ‫أين تبدأ حكايتك الطويلة‪،‬‬ ‫يحيل إن�ه��اءُ ال��رواي��ة في‬ ‫أو حكاياتك المطلّة بعضها‬ ‫كبيت عربي قديم؟» (ص ‪.)14‬‬ ‫المقبرة مع سعالت البطل التي تنبئ بمرضه‪ ،‬إلى على بعض ٍ‬ ‫أن الجميع في النهاية يتساوون هنا؛ هنا ينتهي‬ ‫السؤال الكبير الذي تطرحه الرواية بمجملها‪،‬‬ ‫كل شيء؛ حَ يوات الشخصيات‪ ،‬أحالمها‪ ،‬أفكارها هو س��ؤا ُل جيل اليسار العربي الذي ينتمي إليه‬ ‫ورؤاها‪ ..‬هنا تنتهي المحاكمة نهاي ًة عادلة‪ ،‬فليس الكاتب‪ :‬ما الذي قدّمه‪ ،‬كيف بدت عالقته بأفكاره‬ ‫ثمة إال قبر وشاهدةٌ عليه‪ .‬وهنا تتجلى الحقيقة وأحالمه السياسية‪ ،‬وما الذي علّمته إياه المنافي‬ ‫المؤلمة‪ ،‬فالزمن يجري من دون توقف‪ ،‬وال يهمّه والشتات في بقاع األرض؟‬ ‫مَن بقي ومَن مات‪ ،‬مَن قاتل ومَن تخاذل‪ ،‬مَن ظل في‬ ‫ه��ذا الجيل ال��ذي استقبل الحياةَ بعد نكسة‬ ‫موطنه ومَن ش ّتتَتْ ُه المنافي‪ ،‬مَن حوكم ومَن حكم‪.‬‬ ‫وهناك‪ ،‬يم ّد البط ُل قطع ًة نقدية من جيبه لحارس ح��زي��ران‪ ،‬وك�ب��ر وع�ي��ه م��ع م��ا ت�لاه��ا م��ن هزائم‪،‬‬ ‫الحارس ثم يعيدها إليه متبرّماً‪ ،‬ب��دأ األم� � ُل بالنصر ي�ع��ود إل�ي��ه م��ع ق�ي��ام الثورة‬ ‫ُ‬ ‫المقبرة‪ ،‬فيقلّبها‬ ‫وعندما يدقّق البطل في القطعة تكون «مسكوكة الفلسطينية‪ ،‬غير أنه أجهض في المهد‪ ،‬لتتوالى‬ ‫لمناسبة اليوبيل الفضي لتنصيب (الحفيد)» (ص االنكسارات العربية التي لم تغير خريطة الوطن‬ ‫الكبير وحسب‪ ،‬بل أحدثت أثرها أيضاً في األفكار‬ ‫‪ )263‬الراحل‪ ،‬حاكماً لـ«الحامية»‪.‬‬ ‫الكبرى ألبناء هذا الجيل‪ ،‬وزعزعت قناعاتهم التي‬ ‫وفي المقبرة‪ ،‬حيث شاهدات القبور المنقوش بدت راسخة في مبت َدئِها‪ ..‬فمنهم مَن دفع الثمن‬ ‫عليها أسماء الراقدين في بطونها‪ ،‬يبقى سؤال حياته‪ ،‬ومنهم َم��ن ع��اش م �ط��ارَداً ف��ي المنافي‪،‬‬ ‫الهوية المنشطرة والممزّقة للبطل يؤرقه‪ :‬ترى أيُّ ومنهم مَن تاجر بِقِ يَمِ ه لصالح مكسب شخصي‪،‬‬ ‫اسم له سينقش على شاهدة قبره؟ وبأيّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجه من ومنهم مَن‪ ...‬ومَن‪...‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫في خضم هذه العالقات‬ ‫«ال �ق��دي �م��ة»‪ ،‬ي��رت �ب��ط بط ُل‬ ‫ال��رواي��ة بعالقة وثيقة مع‬ ‫ابن أخيه «يونس الصغير»‬ ‫الذي يمثّل في أحد وجوهه‬ ‫ط �ف��ول � َة ال�ب�ط��ل ن�ف�س��ه‪ ،‬أو‬ ‫صور ًة ثالثة وربما رابعة له‪.‬‬ ‫فثمة‪« :‬ي��ون��س الخطاط»‪،‬‬ ‫«أده � ��م ج ��اب ��ر»‪ ،‬والشبيه‬ ‫ب �ـ«أده��م»‪ .‬وم��ع زي��ارةٍ يقوم‬ ‫بها البطل مصطحباً «يونس‬ ‫ال �ص �غ �ي��ر» إل� ��ى المقبرة‪،‬‬ ‫تنتهي الرواية‪.‬‬

‫وجوه نفسه سيوارى الثرى؟‬

‫* كاتبة من األردن‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪53‬‬


‫كينون ُ‬ ‫ة المصطلحِ‬ ‫> عبدالدائم السالمي*‬

‫ينهض عليه تلقّ ي العمل اإلبداعيّ عامّ ة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لعلّ ِممّ ا‬ ‫���راط العقليّة‬ ‫واألدب����يّ منه بالخصوص‪ ،‬ه��و تبيّنُ أش ِ‬ ‫االجتماعيّة التي احتضنت ميالدَه وأثَّ ��رت في تحديد‬ ‫��وف على‬ ‫الخاصةِ ‪ .‬إ ْذ يبدو أنّ��ه ال يمكنُ ال��وق ُ‬ ‫ّ‬ ‫مالمحه‬ ‫ِ‬ ‫نص من النصوص اإلبداعيّة األدبيّة إ ّال متى‬ ‫أي ٍّ‬ ‫َالالت ّ‬ ‫د ِ‬ ‫بتاريخ‬ ‫ِ‬ ‫ونسيج عالقاتِ ه‬ ‫ِ‬ ‫إنتاجه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تزوّد قارئُه بثقافة عصرِ‬ ‫األفكار عامّ ةً ‪ ،‬و َتعَرَّ فَ إلى سياق إنتاجه من جهة‪ ،‬كون‬ ‫الحضاري للقول‪ ،‬وهو مادّة تُغذّ يه‬ ‫ّ‬ ‫السياق «هو الرصيد‬ ‫ِ‬ ‫بوقودِ حياته وبقائه‪ .‬وال تكون [الرسالة] بذات وظيفة إ ّال إذا أسعفها السياقُ بأسباب ذلك‬ ‫ووسائله‪ .)...( ،‬ولكلّ ّ‬ ‫نص أدبيّ سياق يحتويه‪ ،‬ويُشكّ ل له حال َة انتماء وحالة إدراك»(‪.)1‬‬ ‫غامضا‪ ،‬أو أعما ًال قابلةً لتفسيرٍ بسيط يعتمد‬ ‫ً‬ ‫ذلك أنّ «األعمال اإلبداعيّة ليست إلهامً ا‬ ‫خاصةٌ في رؤية العالَم بالعقليّة‬ ‫ّ‬ ‫على سيكولوجيّة مؤل ِ​ِّفها‪ ،‬إنّها أشكالٌ لإلدراك‪ ،‬وطرائقُ‬ ‫النص والعالقة‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعيّة [السائدة]»(‪ ،)2‬التي تُمكّ ن من فهم اآلليات المتحكّ مة في‬ ‫ألي مجموعة بشريّة‪،‬‬ ‫الممكنة بين ماضيه وحاضره‪ .‬وبهذا‪ ،‬ترتقي العقليّةُ االجتماعيّة‪ّ ،‬‬ ‫ُوجه حرك َة األفكارِ فيها وتُثريها بمنظومة من‬ ‫إلى مستوى األيديولوجية العامّ ة التي ت ّ‬ ‫مجال من مجاالت اإلبداع‬ ‫ٍ‬ ‫القي َِم والرموز والمفاهيم والمصطلحات المخصوصة بكلّ‬ ‫ِ‬ ‫ْصب عليها‪.‬‬ ‫التي َتن ّ‬ ‫ثقافة‪ ،‬سواء‬ ‫ٍ‬ ‫وف��ي فكرِ نا أنّ ث��را َء أيِّ‬ ‫ال‬ ‫الخاصةُ؛ ألنّ في إنتاج تلك الرموز دلي ً‬ ‫ّ‬ ‫مألوف‬ ‫ِ‬ ‫أك��ان��ت حديثة أم ق��دي�م�ةً‪ ،‬يظ ّل ره�ي� َن ما على تعافي الفكر البشريّ من ثقلِ‬

‫‪54‬‬

‫يتوافر فيها من قدرةٍ على تجاوز معقوليتِها‬

‫المعيش اليوميِّ وخَ رْقِ ه للمعطى السائد‪،‬‬

‫معقولية جديدة لها رموزُها‬ ‫ٍ‬ ‫الراهنةِ إلنتاج‬

‫عبر التَّأسيس لطرائق في رؤي��ة الواقع‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫االجتماعيّة ع��ن ال��وج��ودِ م��ع مجلوبات العصر‬

‫صنعة يتميّز بها أفرادُها‪ ،‬ألنّ المصطلح على‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬

‫ال �م �ع��رف � ّي��ة‪ .‬وب��ذل��ك ي� �ت ��زوّد ال �ف �ع � ُل اإلبداعيُّ‬

‫حدّ عبارة الجرجانيّ (ت ‪ 471‬هـ) “لفظ مُعيَّن‬

‫ب�ط��اق��ة إي �ح��ائ � ّي��ة‪ ،‬وح �م��ول� ٍ�ة م�ع�ن��و ّي��ة تساعدانه‬

‫بين ٍ‬ ‫قوم مُعيَّنين”(‪ ،)4‬وهو حاص ُل ما يبني ذه ُن‬

‫على االنفالت من أغ�لال ذاك المألوف صوبَ‬

‫لفظ‬ ‫ارتباط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َالالت‪ ،‬انطالقًا من‬ ‫المتلقّي من د ٍ‬

‫بَ��راحِ التخييل وال��رؤي��ا‪ ،‬على اعتبار أ ّن��ه «حينما‬

‫بمفهوم (مدلول)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫(دال)‬

‫تحضر الرؤيا تغيب الرؤيةُ‪ ،‬وتغيب معها إمكانية‬ ‫المباشرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صورها‬ ‫ارتوائها وتحقيق متعتها عبر ُ‬ ‫لذلك ستمنح الرؤيا للرؤية إمكاني َة تعويض هذا‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫جديدةٍ تتقاطع فيها مكوّناتُ خَ زِ ين التصوّرات‬

‫معرفة مَّا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫علم مّا‪ ،‬أو‬ ‫حدود داخ َل نظامِ مفاهيمِ ٍ‬ ‫ٍ‬

‫والظاه ُر أنّ فعل “اصطلح” موجود في اللغة‬ ‫العربية على األقل منذ القرن الثالث الهجري‪،‬‬ ‫حيث نُلفي له ذِ ْك �رًا لدى الجاحظ (ت ‪ 252‬هـ)‬

‫النقص من خالل تحويالتها الرمزيّة لما يكتنفه‬

‫في قوله وه��و يتحدّث عن المتكلِّمين من أنّهم‬

‫مصطلحاتِه التي تُسمّيه وتُ�ن� ِب� ُئ ع��ن حضورِ ه‪،‬‬

‫ال �ه �ج��ريّ ‪ ،‬ظ�ه��رت لفظة “مصطلح” وأورده���ا‬

‫(‪)3‬‬ ‫العالَم الواقعيُّ » ‪ .‬وال شكّ في أنّه خال َل هذه “اصطلحوا ع �ل��ى ت�س�م�ي��ة م��ا ل��م ي �ك��ن ل��ه في‬ ‫التحويالت يَظهر اإلنتا ُج الرمزيُّ البشريُّ ‪ ،‬ويو ِّل ُد لغة العرب اسم”(‪ .)5‬وبمجيء القرن السادس‬

‫مصطلح من‬ ‫ٍ‬ ‫ُّف على ما لكلٍّ‬ ‫ويصي ُر ممكنًا التعر ُ‬ ‫بمصطلحات أخ��رى‪ ،‬يتعاض ُد معها في‬ ‫ٍ‬ ‫عالقة‬ ‫ٍ‬ ‫حقل معرفيٍّ معي ٍّن‪ ،‬إلنتاجِ‬ ‫ٍ‬ ‫نسيج لفظيٍّ داخ��ل‬ ‫ٍ‬ ‫دَالالتِه وتحديد مجاالت اشتغالِه الكبرى‪.‬‬

‫بعض المصنفين في عناوين مصنّفاتهم العلميّة‬ ‫على غرار كتاب “المقترح في المصطلح” ألبي‬ ‫منصور محمد بن محمد البروي الشافعي (ت‬ ‫‪567‬ه �ـ)(‪ ،)6‬إ ّال أنّها لم ترد في المعاجم اللغويّة‬

‫بحث علميٍّ ينعقِ دُ‪ ،‬فيما العربية إ ّال متأخرا‪ ،‬إذ ظهرت في تاج العروس‬ ‫ولئن كان نجا ُح ك ّل ٍ‬ ‫مناخ لمحمد مرتضى الزبيدي (‪ 1205-1145‬هـ) في‬ ‫ينعقد عليه‪ ،‬على ما يو ِّف ُر له الباحثُ من ٍ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫�اف إلن �ج��ازِ ه والسيطر ِة على المنهج أواخر القرن الثاني عشر هجر ّيًا ‪ ،‬واكتفت أغلب‬ ‫ف�ك��ريٍّ ص� ٍ‬ ‫ضبط مصطلحاتِه المعاجم القديمة األخرى بتحديد أصل اشتقاق‬ ‫ِ‬ ‫المعتمَدِ فيه؛ ف��إنّ مسأل َة‬ ‫ال رئيسً ا يمن ُع كلَّ ما من شأنه لفظة المصطلح وذِ ك��رِ ِظ�لال معانيها‪ ،‬من ذلك‬ ‫تُ َع ّد بدورِ ها عام ً‬

‫أن ينزا َح بأهدافه عن غاياتِها‪ .‬وذل��ك من جهة‬ ‫وتخليصها ممَّا قد‬ ‫ِ‬ ‫المصطلحات‬ ‫ِ‬ ‫ك��ونِ تحديدِ‬ ‫ُّرات غير العلميّةِ‬ ‫يُخالِطُ ها من ش��وائ� ِ�ب ال�ت�ص�و ِ‬

‫صل َح وصل ُح‬ ‫أنّ ابن منظور أ ْورَد في اللسان أنّ َ‬

‫واص �لَ��ح وتَصالح‬ ‫واص��طَ �ل��ح َّ‬ ‫َصلح ْ‬ ‫وأص �لَ��ح واسْ ت ْ‬ ‫ْ‬ ‫يناقض اإلفسا َد ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واصالح‪ ،‬كلّها أفعا ٌل تُفي ُد ما‬ ‫َّ‬ ‫(‪)8‬‬

‫يجعلها أمين ًة في مفاهيمِ ها‪ ،‬صادِ ق ًة في اإلنباءِ‬

‫وع �ل �ي��ه‪ ،‬ك� ��ان ال ��وع ��يُ ب�ق�ي�م��ة المصطلح‬

‫ينهض تحدي ُد المصطلح إ ّال على ما‬ ‫ُ‬ ‫عنها‪ .‬وال‬

‫ال بالقوّة في التراث الفكريّ‬ ‫متأص ً‬ ‫ِّ‬ ‫وبأهمّيته‬

‫دراسات‬ ‫ٍ‬ ‫استنّتْ له المجموع ُة البشر ّي ُة المُحْ دِ ث ُة له من العربيّ ‪ ،‬حتى وإن لم نجد له بالفعلِ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪55‬‬


‫ن�ظ��ر ّي� ًة تُعيّن ط��رائ � َق صناعةِ المصطلحات‪ ،‬المصطلحية (‪ )La Terminographie‬تُعنى بالجانب‬ ‫علم التطبيقي من حيث جم ُع المصطلحات ودراستهُا‬ ‫وت �ح��دِّ ُد أهم ّيتَها ف��ي ضبط مفاهيم ك � ّل ٍ‬ ‫م��ن ش�ج��رة ع�ل��وم ال�ع�ص��رِ ‪ .‬وه��و أم�� ٌر نُلفي له ون�ش� ُره��ا‪ ،‬وك��ان واض��ع ه��ذه التسمية الفرنسي‬ ‫توصيفًا لدى بعضهم بالقول إنّ الم ْ‬ ‫ُصطَ ل ِ​ِحي َن أالن راي‬ ‫العرب القدامى “كانوا في عالقتهم بالمصطلح‬

‫(‪Ray‬‬

‫‪ .)Alian‬أ ّم� ��ا االصطالحية‬

‫(‪)La Terminologie‬‬

‫فتتكفّل ب��دراس��ة الجانب‬

‫ِ‬ ‫كالحرَفيِّ في عالقتِه بحرفتِه‪ :‬تجربتُه وتطبيقُه النظري لعلم المصطلح‪ .‬وأش��ا َر الزيدي إلى أن‬ ‫أعظ ُم وأمت ُن من علمِ ه النظريِّ بأسرارِ مهنتِه‪ ،‬االصطالحية والمصطلحية علمان لكل منهما‬ ‫بل‪ ،‬قل إنّه حرفيٌّ حينما يشتغل بصنعتِه يكون‬ ‫اختصاصه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫صامتًا‪ ،‬وقلَّما يُ��رش� ُدن��ا إل��ى م��ا استلهمَه من‬ ‫تجربتِه مِ ن خبرةٍ نظري ٍّة”(‪.)9‬‬

‫نخلص إليه اآلن هو أنّ المصطل َح تص ُّو ٌر‬ ‫ُ‬ ‫وما‬ ‫ذهنيٌّ لشيءٍ مُعي ٍَّن يوج ُد في العالَمِ الماديِّ أو‬

‫أمّا في العصر الحديث‪ ،‬فقد تكفّلت مجموع ٌة التخييليِّ ‪ ،‬وهو على ح ِّد تعريف فيلبر‬

‫(‪Hulmut‬‬

‫لمفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫من الباحثين بالنظر في تاريخ المصطلحات‪« :)Felber ،‬ال ��رم� � ُز ال �ل �غ��وي ال��م��ح��دّ ُد‬ ‫وكيفية نشوئها وعالقاتها بالبيئة اللغويّة التي‬ ‫مصطلح على وُضوحِ‬ ‫ٍ‬ ‫وتنهض د ّق ُة ك ِّل‬ ‫ُ‬ ‫واحد”(‪.)11‬‬ ‫ٍ‬ ‫تُزر ُع فيها‪ .‬كما بحث هؤالء حرك َة المصطلحات مفهومِ ه داخل نظامِ مفاهيم ِع ٍلم مَّا‪ .‬وقد غلّب‬ ‫وهي تهاجر من لغة إلى أخرى في الزمان وفي فيلبر ف��ي د ّق ��ةِ المصطلحات مفاهيمَها على‬ ‫ٍ‬ ‫تنهض عليه تلك الحرك ُة من‬ ‫ُ‬ ‫المكان‪ ،‬وما‬ ‫أسباب رم��وزِ ه��ا اللغويّةِ باعتبار أنّ التفاه َم الناج َح ال‬ ‫ثقافي ٍّة فاعلة في أشكال التواصل البشريّ وأدواتِه يقوم على دقة اللغة‪ ،‬بل‪ ،‬يعتمد على دقة تنظيمِ‬ ‫حقل‬ ‫ومتفاعلة م�ع��ه‪ .‬وم��ن ث � ّم ظهر ِع�ل� ُم المصطلح مفاهيم األشياء التـي نقولُها باللغةِ داخل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )Terminologie‬واكتسب أهميّة بالغة‬ ‫خاص‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫خاصة مع معرفيٍّ‬ ‫تطوّر علوم اللسانِ ‪ ،‬وتنوّع مجاالت اشتغال الفكر‬ ‫البشريِّ الحديث‪.‬‬

‫وفي فكرنا أنّ المصطلحات كينوناتٌ ‪ ،‬تتخلّق‬ ‫وفق حاجات التواصل البشريّ ‪ ،‬وتستوي ذواتًا‬

‫فمجتمعات‪ ،‬لك ّل واحد منها‬ ‫ٍ‬ ‫الالت‬ ‫وف���ي ه���ذا ال� �ش ��أن‪ ،‬ت �ت � ّب � َع ال �ب��اح��ث توفيق فقبائ َل من الدَّ ِ‬ ‫ال ��زي ��دي‬

‫(‪)10‬‬

‫اشتغال‬ ‫ٍ‬ ‫ت��اري�خ� ّي� َة ظ�ه��ور “المصطلح” عند ُه��و ّي� ٌة تتك ُئ على م��دارِ تخاطُ ٍب وحقلِ‬

‫مصطلح فترةُ توهُّ ٍج‪ ،‬تَهي ُج فيها‬ ‫ٍ‬ ‫الغربيين‪ ،‬والحظ أن أول استخدام له في الغرب دَالل َييْن‪ .‬ولك ّل‬ ‫ك��ان ف��ي ال �ق��رن ال�ث��ام��ن عشر عند‬

‫(‪Christian‬‬

‫ص مع أعشاب غيرِ ه عبر تضاف ٍُر‬ ‫وتتناص ُ‬ ‫َ‬ ‫أعشابه‬

‫واحد مُهيمِ ٍن‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،)Gottfried Schuly‬ثم ظهر بفرنسا سنة ‪1801‬م مدلوليٍّ ‪ ،‬وتعرّش تحت سماءِ دالٍّ‬ ‫لدى (‪ ،)Sepastin Mercier‬وبإنجلترا سنة ‪1837‬م تمتح منه روا َءه� ��ا ف��ي ال��وق��ت ال��ذي تُغني فيه‬ ‫في كتابات (‪ .)William Whewell‬وبيّن الزيدي أنّ‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫كيمياءَه‪ ،‬وهو ما يشفع لنا بالقول إنّ جنسً ا من‬


‫ما يحصل لك ّل ٍ‬ ‫صلب العلم‬ ‫كائن ح��يّ ‪ ،‬فتتراخى ه ّمتُها في المصطلح عنص ٌر أساسيّ يدخل في ُ‬ ‫اإلنباء بمعانيها‪ ،‬ويعتورها التهرُّم‪ ،‬وتركن إلى ومنهاجه‪ ،‬والنقد أسلوب وحركة‪ ،‬وهو عالم ٌة دالّة‬ ‫منسي ِ‬ ‫ّات اللغة‪ ،‬فاسح ًة في المجال لجيل من لحقل معرفيّ معيّن ي َِس ُم الخطابَ ويُعلّمه”(‪.)12‬‬ ‫المصطلحات جديداً‪.‬‬

‫ولعل هذا ما جعل دراسة المصطلحات في الفعل‬

‫�اص�ةً‪ ،‬تحظى‬ ‫وال ش� ��كّ ف ��ي أنّ م ��زي� � َد إح� �ك ��ام مفاهيم اإلب��داع��يّ ع��ا ّم��ة‪ ،‬والنقديّ منه خ� ّ‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫التبصر واليقظة الفكريّة‪ ،‬فـ“معرفة‬ ‫ّ‬ ‫الدَّ اللةِ قد نبتَ ‪ .‬ث ّم يحصل لتلك المصطلحات بكثير من‬

‫علم‬ ‫�ص��رِ ع�لاق��ات�ه��ا البينيّة بكثير اهتمام الباحثين من جهة كونها في ك ّل ٍ‬ ‫ال�م�ص�ط�ل�ح��ات ع�ب��ر ت �ب� ُّ‬ ‫وتعاضدِ ها ونحوِ ها إلى التشكّل في من العلوم “بمنزلة النواة المركزيّة التي يمت ُّد بها‬ ‫ُ‬ ‫وتراشُ ِحها‬ ‫بنية دَاللي ٍّة مَّا‪ ،‬في أيّ بحث يروم الموضوع ّي َة في مجا ُل اإلشعاعِ المعرفيّ ‪ ،‬ويترسّ ُخ بها االستقطابُ‬ ‫ٍ‬ ‫يساع ُد الباحثَ على ضبط ُعدّته الفكريِّ ”‬ ‫ِ‬ ‫منهاجه ونتائجه‪،‬‬

‫(‪)13‬‬

‫ودون ذل��ك تختلطُ معاني الكالم‬

‫المعرفيّة ويمكّنه من التعمّق في جزئيات عمله ويَعْتوِ رها الترجُّ ُح بين دَالالت ألفاظه‪.‬‬ ‫* كاتب من تونس‪.‬‬ ‫(‪ )1‬عبد الله الغذَّامي‪ :‬الخطيئة والتكفير‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬النادي األدبيّ الثقافي ‪1985‬م‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪ )2‬تيري إيجلتون‪ :‬النقد واإلديولوجيا‪ ،‬ترجمة فخري صالح‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسّ سة العربية للدراسات والنشر ‪1992‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )3‬نور الدين الزاهي‪ :‬المقدّس اإلسالمي‪ ،‬الدار البيضاء‪ -‬المغرب‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪2005‬م‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫(‪ )4‬القاضي علي الجرجاني‪ :‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪1985‬م‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪ )5‬أبو عمرو الجاحظ‪ :‬البيان والتبيين‪ ،‬ج‪ ،1‬تحقيق حسن السندوبي‪ ،‬مصر‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى ‪1956‬م‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫(‪ )6‬أب��و منصور محمد بن محمد البروي الشافعي‪ :‬المقترح في المصطلح‪ ،‬تحقيق شريفة بنت علي بن سليمان‬ ‫أيضا عند فخر الدين الرازي (ق‪6‬هـ)‬ ‫الحوشاني‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الوراق ودار النيرين ‪2004‬م‪ .‬وقد ظهر لفظ “مصطلح” ً‬ ‫في كتابه “المحصول في علم األصول”‪ ،‬والبلقيني (ق‪8‬هـ) في عنوان كتابه‪“ :‬محاسن االصطالح” والقزويني (ق‪8‬هـ)‬ ‫في «اإليضاح»‪ ،‬وابن خلدون (ق‪8‬هـ) في «المقدمة»‪ ،‬والجرجاني (ق‪ 9‬هـ) في «التعريفات»‪ ،‬وأبو البقاء (ق‪11‬هـ) في‬ ‫«الكليات»‪ ،‬وابن الطيب الشرقي الفاسي (ق ‪12‬هـ) في «حاشية القاموس» (مادة ص‪،‬ل‪،‬ح)‪.‬‬ ‫(‪ )7‬محمد مرتضى الزبيدي‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق مصطفى حجازي‪ ،‬الكويت‪ ،‬مطبعة حكومة‬ ‫معرِض حديثه عن الدقائق‪“ :‬والدقيقة في المصطلح النجومي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الكويت‪1976 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 547‬وما بعدها‪ .‬ويقول في‬ ‫جزء من ثالثين جزءا من الدرجة هكذا في العباب‪ ،‬وقلّده المصنف‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬وقد نبّه عليه الشيخ أبو الحسن‬ ‫المقدسي في حواشيه بما نصه‪ :‬هذا سَ بْ ُق قلم‪ ،‬إنما هي من ستين جزءا من الدرجة‪ ،‬ونقله شيخنا‪ ،‬وصوَّبه”‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق عبدالله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬ ‫المعارف ‪1981‬م‪ ،‬مادة (ص‪،‬ل‪،‬ح)‪.‬‬ ‫(‪ )9‬توفيق قريرة‪ :‬المصطلح النحوي وتفكير النحاة العرب‪ ،‬صفاقس‪ ،‬دار محمد علي للنشر ‪2003‬م‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫(‪ )10‬ا ُنظر في الغرض‪ :‬توفيق الزيدي‪ :‬جدلية المصطلح والنظرية النقديّة‪ ،‬تونس‪ ،‬نشر قرطاج ‪1998‬م‪ ،‬ص ص‪،15-13:‬‬ ‫‪.32-31‬‬ ‫(‪.Helmut Felber: Standardization of Terminology, Infoterm, Vienna 1985, p 17 )11‬‬ ‫(‪ )12‬صالح بالعيد‪ :‬في قضايا فقه اللغة العربية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديوان الجامعة ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫(‪ )13‬عبدالسالم المسدّي‪ :‬االزدواج والمماثلة في المصطلح النقدي‪ ،‬المجلّة العربية للثقافة‪ ،‬عدد ‪ ،24‬مارس ‪1993‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪.54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪57‬‬


‫«صابون تازة» إلبراهيم احلجري‬ ‫مرثية الزمن اخلالسي‬

‫> هشام بنشاوي*‬

‫في روايته الصادرة حديثًا عن دار «رواية» (القاهرة‪،‬‬ ‫‪2011‬م)‪ ،‬سيلفت انتباه القارئ العربي أن عبارة «صابون‬ ‫ت���ازة» وردت م��رة واح���دة ف��ي المتن الحكائي‪ ،‬مما قد‬ ‫يربكه أكثر‪ ،‬فالعنوان ذو داللة تطهيرية‪« ،‬مستلهم من‬ ‫الخطاب التراثي الشفهي المغربي‪ ،‬الذي يتداول بقوة‬ ‫هذه العبارة؛ تدليال ساخرً ا على ما يعتمر الواقع من‬ ‫أدران ودنس وتشوّهات ومسوخ‪ ،‬غير قابلة أبد ًا للمحو أو‬ ‫الغسل‪ ،‬حتى بصابون تازة الشهير ‪ -‬قديمً ا‪ -‬بجودته»‪.‬‬ ‫طاعن في سوداويته‪ ،‬ولن يجد‬ ‫ٍ‬ ‫قاس‬ ‫واقع ٍ‬

‫ف ��ي ه� ��ذه ال� ��رواي� ��ة‪ ،‬ي �ك �ت��ب إبراهيم‬ ‫ال�ح�ج��ري ال�ت��اري��خ المنسيّ (والمسكوت السارد سوى السخرية ‪ -‬أحيانًا‪ -‬للتخفيف‬ ‫عنه) لبلدة «قطرينة»‪ ،‬فتتعدد المحكيات من قتامة المروي‪ ،‬ال سيما عند كتابة سير‬ ‫وال� ��رواة‪ ،‬تتشابك المصائر المأساوية‪ ،‬مجانين دكالة‪ ،‬الذين اختاروا العيش خارج‬ ‫يلوث المدنس المقدس‪ ،‬يمتزج التاريخي‬ ‫الزمن الرديء‪...‬‬ ‫بالعجائبي‪ ،‬ويغدو تفتيت السرد استعارة‬ ‫جمالية وسيكولوجية لتشظي ال��ذات في‬ ‫***‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫يستهل إبراهيم الحجري روايته بحنين ذابح‬ ‫يجتاح والد السارد‪ ،‬في أيامه األخيرة‪ ،‬إلى بلدته‬ ‫«قطرينة»‪ ،‬أورثه إياه أبوه قبل رحيله‪ .‬يتذكر األب‬ ‫معاناة أهالي القرية في عهد الحماية الفرنسية‪،‬‬ ‫ثم اجتياح الوباء للقرية‪ ،‬فاضطر األب برفقة‬ ‫صديقه عباس إلى مغادرتها في اتجاه البيضاء‬ ‫على متن شاحنة‪ ،‬مختبئين وسط الخنازير‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من الحنين الجارح‪ ،‬واالغتراب والوحشة‪،‬‬ ‫لم يستطع األب العودة إلى القرية مثل صديقه‬ ‫ع �ب��اس‪« ،‬ال �ت��ي عشقها وم ��ات وه��و ي�ح��ن إليها‬ ‫بجنون» (ص‪ ،)8 .‬ألنها تذكره باأليام العصيبة‪..‬‬ ‫األرض السليبة‪ ..‬والكرامة المهدورة؛ فقد أقسم‬ ‫أال يعود إليها‪ ،‬ويمعن إبراهيم الحجري في رسم‬ ‫لوحة نوستالجية عذبة‪ ...‬حتى لو لم يملك شبرًا‬ ‫من األرض في البيضاء‪ ،‬فقد بقي ف�لاحً ��ا‪ ..‬إذ‬ ‫يذهب إلى ضواحي المدينة في أيام فراغه راكبًا‬ ‫دراجته الهوائية‪ ،‬وحين يصل إلى الحقول يجلس‬ ‫القرفصاء‪ ،‬يسجد‪ ،‬ثم يقبل األرض‪ ،‬وربما يبكي‬ ‫ويظل م�م��ددًا على األرض‪ ،‬وف��ي المساء‪ ،‬يعود‬ ‫مبتهجً ا‪ ،‬كأنما زار قريته «قطرينة»‪.‬‬ ‫هكذا صارت البلدة أسطورة األب‪ ،‬التي يصر‬ ‫على أن يحكيها لإلبن‪ ،‬ال��ذي ال يعي أي شيء‪،‬‬ ‫بينما يحرمه من حكاياته المسلية‪ ،‬التي يسردها‬ ‫ألصدقاء المقهى‪ ،‬وك��ان آخر ما تلفظ به‪ ،‬وهو‬ ‫يحتضر أن يزور قطرينة‪ ..‬فأورثه ذلك الحنين‬ ‫و«جرح الذكرى»‪.‬‬

‫سيرة األلم‬ ‫م�ث�ل�م��ا ع��ان��ى األب م ��ن ق �ه��ر المستعمِ ر‪،‬‬ ‫سيناضل رب �ي��ع ‪/‬ال��س��ارد م��ن أج��ل ح �ي��اة حرة‬ ‫كريمة‪ ..‬مع أقرانه المعطلين‪ ،‬الذين ت ّم االعتداء‬ ‫عليهم واعتبروا خارقين للقانون‪ ،‬محرّضين على‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫جرح الحنين‬

‫ا لشغب ‪. .‬‬ ‫هكذا صار‬ ‫ال��وط��ن من‬ ‫منظور ربيع‬ ‫وأق � ��ران � ��ه‪:‬‬ ‫«ال حاجة‬ ‫ل��ه ب�ن��ا ولو‬ ‫إبراهيم الحجري‬ ‫اق� � �ت�� ��دن�� ��ا‬ ‫جميعًا إلى الجحيم‪ ،‬يكفيه هؤالء الذين ينهشون‬ ‫ع�ظ��ام��ه وي �س��وس��ون أح�ص�ن�ت��ه الجميلة صوب‬ ‫الخراب» (ص‪ ،)19 .‬وبعد اإلفراج عنهم‪ ،‬يصير‬ ‫م��دج� ًن��ا‪ ،‬ويتقلب بين ال�م�ه��ن‪ ..‬يعمل ن ��ادلاً في‬ ‫مقهى‪ ،‬حارسً ا ليل ّيًا‪ ،‬ثم بائعًا متجولاً ‪ ،‬وأخيرًا‬ ‫أستاذًا جامع ّيًا لمادة علم االجتماع‪.‬‬ ‫وت��ول��د ه��ذه المعاناة ل��دى رب�ي��ع تعاطفًا مع‬ ‫ال��ج��ن��ون‪ ،‬ح �ي��ث ي �ع��اش��ر ال �م �ج��ان �ي��ن ويستمتع‬ ‫ب�ع��وال�م�ه��م‪ ،‬وي�ع�ي��ش ج�ن��ون��ه ال��خ��اص‪« :‬تجربة‬ ‫متوهمة جعلتني أتحاشى جنونًا حقيق ّيًا وشيكًا‪،‬‬ ‫بعد هذه التجربة عدت قويًا‪ ،‬بعد أن تخلصت من‬ ‫هشاشتي‪ ،‬ألواجه العالم المقيت» (ص‪.)25.‬‬ ‫وفي رحلة البحث عن «ماضي» القرية‪ ،‬يلتقي‬ ‫ربيع‪ ،‬صديق وال��ده (ع�ب��اس)‪ ،‬ال��ذي يتهرب من‬ ‫الماضي‪ ،‬ويتعرف على المختار‪ ..‬فقيه القرية‪،‬‬ ‫ت�ل��ك الشخصية اإلش �ك��ال �ي��ة‪ ،‬غ��ري�ب��ة األط� ��وار‪،‬‬ ‫الذي يعيش حياتين متناقضتين مع تعاقب الليل‬ ‫والنهار‪ ..‬وتتعدد حكايا الشيوخ‪ ،‬فمنهم من يربطها‬ ‫بالسدرة‪ ،‬حيث كانت تختبئ األفعى ذات الرؤوس‬ ‫السبعة‪ ،‬أو البستان العاقر‪ ،‬وثمة من يتحدث عن‬ ‫قرية أحرقت من طرف الفرنسيين‪ ،‬بعدما رجم‬ ‫أهاليها القائد العميل وط��ردوه منها‪ ...‬وشيخ‬ ‫آخر يرى أن اسم «كطرينة» تحريف عاميّ السم‬ ‫«كترينا»‪ ،‬الزوجة الفرنسية للقائد العميل‪ ،‬التي‬ ‫سيتم اغتصابها من طرف شباب القرية انتقامًا‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪59‬‬


‫لقهرهم من طرف زوجها‪.‬‬

‫للموت وجوه أخرى‬ ‫بموت عباس يموت األب موتًا ثانيًا‪،‬‬ ‫والذي كان ‪ -‬من قبل‪ -‬يحتضر ببطء‪،‬‬ ‫بعد أن عطبت ذاك��رت��ه‪ ،‬وال�ك��ات��ب هنا‬ ‫ينعي القيم‪ ...‬وال يسعى إلى قتل األب‪،‬‬ ‫إذ تفضح الرواية العهر بكافة أشكاله‬ ‫(األخ عماد‪ /‬ربيعة ال��ذي ص��ار وزيرًا‪،‬‬ ‫الفقيه العربيد‪ ،‬الرجل الصالح الذي‬ ‫يحوّل زاويته إلى وكر للدعارة)‪ .‬هكذا‬ ‫يجتاز إب��راه�ي��م الحجري ح ��ذرًا حقل‬ ‫األلغام (الثالوث المحرّم) انتصارًا للقيم‬ ‫المغتالة‪ ..‬دون أن يسقط في الفضائحية‬ ‫واالب�ت��ذال‪ ،‬أو محاولة دغدغة مشاعر‬ ‫رخيصة لدى القارئ بحثًا عن انتشار‬ ‫وهميّ وزائف‪ ،‬حيث تجد ثلثي أحداث‪-‬‬ ‫إن لم تكن جلّها‪ -‬رواي��ات بعض الكتبة‬ ‫تقع خلف أبواب موصدة!‬ ‫وألن السارد سبح ضد التيّار‪ ،‬وحاول‬ ‫النقدية‪ ...‬فتتحول نصوصهم إلى مشانق للقرّاء‬ ‫حماية نفسه من المصير التراجيدي لضيوف‬ ‫ومقاصل‪...‬‬ ‫خلوات األضرحة وكهوفها الرهيبة‪ ،‬فقد انتهى‬ ‫رواية إبراهيم الحجري ترضي قرّاء الروايات‬ ‫به المطاف مجنونًا مثلهم‪ ،‬و«ذنبه الوحيد أنه‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫جاء من بعيد ينقب عن سيرة أهله الغائبين‪ ،‬وعن الكالسيكية ومحبّي النصوص التجريبية ً‬ ‫وقد استفاد الكاتب من خبرته النقدية‪ ،‬بخالف‬ ‫تاريخ بلدة التهمها النسيان!» (ص ‪.)109‬‬ ‫ن�ق��اد ح��اول��وا ام�ت�ط��اء ص�ه��وة ال��رواي��ة‪ ،‬فجاءت‬ ‫***‬ ‫م�ح��اوالت�ه��م مخيبة ل�لآم��ال‪ ،‬مثيرة للشفقة‪...‬‬ ‫«صابون تازة» نص سرديّ تجريبيّ ماتع‪ُ ،‬كتِب وأجمل ما في «ص��اب��ون ت��ازة» نكهتها الدّ كاليّة‬ ‫بوعي س��ردي وجماليّ ح��اد‪ ،‬من دون التضحية وب��داوت �ه��ا اآلس� ��رة‪ ،‬ال�ت��ي نفتقدها ف��ي كتابات‬ ‫ب��ال�ق�رّاء‪ /‬المجازفة بــ «الحكاية»‪ ،‬كما يحدث ال�ك�ث�ي��ر م��ن األص ��دق ��اء‪ ،‬وك��أن �م��ا ق ��در «دكالة»‬ ‫لبعض الروائيين المغاربة‪ ،‬الذين يتناسون أن (الجديدة ونواحيها) النكران حتى من أبنائها‬ ‫القارئ يهتم بمتعة السرد ولذة النص‪ ،‬وال تهمه المبدعين‪ ،‬وه��ي المنطقة المميزة جغرافيًا‪،‬‬ ‫ثقافة الكاتب الواسعة‪ ،‬وإلمامه بكافة التيارات فالحيًا وسياحيًا!‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫القصة القصيرة جدا ً في االردن‬

‫منوذجا‬ ‫لعمار اجلنيدي‬ ‫{خيانات مشروعة}‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫> عمر العامري*‬

‫“خيانات مشروعة”‪ ،‬هو عنوان المجموعة القصصية الثانية لعمار الجنيدي‪ ،‬بعد‬ ‫إصداره المجموعة األولى “الموناليزا ترتدي الحجاب”‪ ،‬التي تلتها هذه المجموعة‪ ،‬ثم‬ ‫مجموعتة “أرواح مستباحة”‪ .‬والمجموعة‪ ،‬مدار الدرس‪ ،‬صادرة عن دار أزمنة‪ ،‬بدعم من‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬عام ‪2003‬م‪ ،‬وتقع في اثنتين وثمانين صفحة من القطع المتوسط‪.‬‬

‫عتبات النص‬

‫ب�ق��ول�ن��ا‪ :‬ه��ذه خ�ي��ان��ات م �ش��روع��ة؛ فتكون‬

‫لمبتدئ محذوف تقديره‬ ‫ٍ‬ ‫إذا أردنا أن نلج في أي نص أدبي‪ ،‬فال «خيانات» خبراً‬ ‫بد من الولوج فيه من بوابته الكبرى‪ ،‬التي اسم اإلشارة‪ :‬هذه‪ ،‬وقد تكون كلمة خيانات‬

‫يشرعها المبدع ويتركها في أحايين كثيرة م �ب �ت��دأ‪ ،‬ف�ث�م��ة م �س��وغ ل�لاب �ت��داء بالنكرة‪،‬‬ ‫مواربة‪ ،‬لكن هذه المواربة تجعلنا‪ ،‬أحياناً‪ ،‬ه �ن��ا‪ ،‬وه ��و أن �ه��ا ج���اءت م��وص��وف��ة بقولنا‬ ‫أكثر اندهاشاً وتشوقاً الكتشاف ما وراءها‪.‬‬

‫«مشروعة»‪ ،‬وعلى هذا يمكن تقدير الخبر‬

‫وأول ما يلحظ على هذا العنوان‪« ،‬خيانات إما شبه جملة‪ ،‬أو جملة فعلية‪ ،‬كأن نقول‬

‫مشروعة»‪ ،‬الحذف النحوي والمضموني خيانات مشروعة في مجتمعنا‪ ،‬أو خيانات‬ ‫فيه‪ ،‬بحيث يمكن قراءته وتأويل المحذوف مشروعة حدثت‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪61‬‬


‫ويعمد الجنيدي‪ ،‬من خ�لال‪ ،‬هذه العتبة إلى‬

‫أما العتبات الداخلية وعددها ثالث وثالثون‪،‬‬

‫إحالتنا على مفارقة وانزياح لغوي داللي يستمران فجلّها يتكون من جمل اسمية حُ ��ذف مبتدؤها‪،‬‬ ‫معنا‪ ،‬رب�م��ا‪ ،‬ف��ي القصص كلها‪ ،‬كيف ال وهما وم��ن ت�ل��ك ال�ع�ن��اوي��ن‪ :‬ال��ره��ان‪ ،‬األن �ي��ق‪ ،‬أسماء‪،‬‬ ‫(المفارقة واالنزياح) من أهم الميزات اللصيقة‬

‫ال �ف��ات �ن��ة‪ ،‬إغ � ��راء‪ ،‬ال�م�ه�م��ة‪ ،‬ال �م �ه��ر‪ ،‬التريكس‪،‬‬

‫بالقصة القصيرة جداً‪ ،‬إلى جانب مالمح أخرى ال �م �ت �م��رد‪ ،‬ال �ح �ف �ل��ة‪ ،‬ال� �ح ��زام األس � ��ود‪ ،‬اللعنة‪،‬‬ ‫سنأتي إلى ذكرها‪ .‬فهو يجمع‪ ،‬في هذا التركيب‬

‫ال �ك��اب��وس‪ ،‬ال��ن��ورس‪ ،‬ال �ف��اش��ل‪ ،‬ال �ج�لاد‪ ،‬خوف‪،‬‬

‫اإلسنادي للعنوان‪ ،‬من خالل معطياته الظاهرة السجين‪ ،‬وج��وه‪ ،‬ال�ج�لادون‪ ،‬اللوحة‪ .‬وقليل من‬ ‫ال فعلية يخرج على معنى‬ ‫والمحذوفة‪ ،‬بين أعناق المتنافرات‪ ،‬فيؤلف بين هذه العتبات جاء جم ً‬ ‫الخيانة‪ ،‬بوصفها أح��د المعطيات االجتماعية التقريرية التي تفيدها الجمل اإلسمية‪ ،‬وتنتقل‬ ‫الممقوتة والمرفوضة‪ ،‬ويعطيها شرعية الوجود إلى التركيز على الحدث والحركة والتنامي‪ .‬فيما‬ ‫وال�ح��دوث ال��ذي لم نألفه من قبل‪ ،‬فمتى كانت ج��اء عنوانان م �ص �دّران بأسماء استفهام هما‪:‬‬ ‫الخيانات مشروعة تحدث أمام مرأى المجتمع‬

‫لماذا بكى المعلم‪ ،‬ولماذا انتحر سالمة‪ .‬وهذان‬

‫وسمعه‪ ،‬فيتآلف معها‪ ،‬وتصبح خ�ب��زاً يومياً ال العنوانان وأمثالهما من العناوين‪ ،‬تخلق دافعية‬ ‫يمكن االستغناء عنه!‬

‫كبيرة لدى المتلقي‪ ،‬وتبقيه في حالة من التيقظ‬

‫وقد نوجه هذا االنزياح توجيهاً آخر‪ ،‬إذا ما والتشوق والتوتر للعثور على اإلجابة أو ما يحيل‬ ‫ع��ددن��ا “الخيانة”‪ ،‬ه�ن��ا‪ ،‬خيانة فنية ال خيانة عليها‪.‬‬ ‫اجتماعية؛ بمعنى أن المبدع‪ ،‬دائماً‪ ،‬يحس بأن‬

‫ومما يلفت النظر‪ ،‬في عنونة القصص الواردة‬

‫اللغة تخونه‪ ،‬فهي ال تقول‪ ،‬تماماً‪ ،‬ما يريد قوله‪ ،‬ف��ي ه��ذه ال�م�ج�م��وع��ة‪ ،‬أن ال �ق��اص ت��رك إحدى‬ ‫ال أميناً لما يختلج في النفس قصصه م��ن دون ع�ن��وان‪ ،‬وت��رك للمتلقي حرّية‬ ‫أو إنها ليست ناق ً‬ ‫م��ن مشاعر وأح��اس�ي��س وان�ف�ع��االت‪ ،‬ولما يدور اختيار هذه الثريا التي تضيء مساحات النص‪،‬‬ ‫فيها م��ن رؤى واس �ت �ش��راف��ات‪ ،‬تفقد ك�ث�ي��راً من كما يتفق مع الحالة النفسية والشعورية واالنفعالية‬ ‫قيمتها اإليحائية والشعورية أثناء رحلتها‪ ،‬من التي يتلقى بها النص‪ ،‬وحسب المنظور الفلسفي‬ ‫عالم النفس العميق‪ ،‬إلى عالم الحس المتمثل‬

‫واإلي��دول��وج��ي لهذا المتلقي‪ .‬فالجنيدي‪ ،‬بهذا‪،‬‬

‫باللغة والكتابة‪ .‬من هنا‪ ،‬جاءت محاولة اإلنسان يورّط المتلقي ليسهم في بناء النص القصصي‪،‬‬ ‫المبدع في مراوغة اللغة وتخصيبها‪ ،‬من خالل‬

‫ليصبح النص نتاجاً مشتركاً‪ ،‬تشتبك فيه انفعالت‬

‫االنزياحات الداللية‪ ،‬وانتهاك عالقاتها القارة‪ ،‬متلقيه بالبنية الكبرى التي يقدمها الناص نفسه‪.‬‬ ‫لتتفوق على نفسها‪ ،‬وتقول ما لم تألف قوله من والجنيدي يعمد إلى مثل هذا في كثير من متون‬ ‫قبل‪ .‬وبهذا تكون خيانة اللغة هي خيانة مشروعة‪ ،‬قصصه‪ ،‬من خ�لال البياضات والفراغات التي‬ ‫ويكون المعنى المراد هو المعنى الطافي على يدعها مفتوحة على ال �ت��أوي��ل‪ ،‬ف �ي��ورط القارئ‬ ‫السطح ال المعنى الغائر في ما وراء النص‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫ويقحمه في تداعيات األحداث وظاللها‪ ،‬ومن ث َّم‬


‫وبنيته‪ ،‬يسهم ف��ي تنامي األح���داث وتطورها‪ ،‬استطاع الجنيدي أن يحقق م��ن ه��ذه المالمح‬

‫وم��ن ث��م ينشأ ذل��ك التماهي‪ ،‬وت�ل��ك الحميمية جلَّها‪ ،‬ولكن بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫بين أطراف الثالوث المشكل للدائرة اإلبداعية‪:‬‬ ‫أما اإلدهاش فقد حرص الجنيدي على إرجائه‬ ‫النص‪ ،‬وال�ن��اص‪ ،‬والمتلقي‪ ،‬ال��ذي ي��رى انعكاس‬ ‫إلى نهايات القصص‪ ،‬فهو يضع القارئ في حالة‬ ‫صورته في إحدى شخصيات القصة‪ ،‬أو يسقط‬ ‫من التوتر المتنامي‪ ،‬الذي يأخذ شكل المنحنى‬ ‫ما يحدث في القصة على حكاية واقعية سمعها‪،‬‬ ‫الذي ال يعود إلى انفراج العقدة بصورة تدريجية‪،‬‬ ‫أو متخيلة أسهَم هو في إنتاجها‪.‬‬ ‫وإنما يستخدم الصدمة التي تترك المتلقي في‬

‫من مالمح القصة القصيرة جدا‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫يشعر هذا األخير بأنه جزء ال يتجزأ من النص والطرافة‪ ،‬واإلده��اش‪ ،‬والجرأة‪ ،‬والتكثيف‪ ،‬وقد‬

‫حالة من الدهشة واالنشداه‪ ،‬كاسراً أفق توقعاته‪،‬‬

‫تعود البذور األولى للقصة القصيرة جدا‪ ،‬كما وتاركاً إياه يجول في دائرة من الخيبات الجميلة‪،‬‬ ‫يرى بعض الدارسين‪ ،‬إلى فن الخبر في تراثنا كخيبة التوقع‪ ،‬التي حرص عمار على التزامها‬ ‫األدب��ي‪ ،‬خاصة تلك األخبار القائمة على ثنائية سمة الزب��ة ال يكاد يفارقها في نهايات قصصه‬ ‫السّ خرية والمفارقة‪ ،‬كبعض األخبار التي وردت كلها‪ .‬واألمثلة على ذلك كثيرة‪ ،‬أذك��ر منها على‬ ‫في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف»‪ ،‬سبيل المثال ال الحصر قصة “الرهان”‪ :‬حيث‬

‫ل�لأب�ش�ي�ه��ي‪ .‬وم ��ن ه ��ذه ال �ق �ص��ص‪ ،‬م �ث�ل�اً ‪ ،‬قول يحتدم الغضب وال�ح�ن��ق ف��ي نفس ال�ف�ت��اة التي‬ ‫الناس وجهاً‪ ،‬أخفقت في استدراج الشاب الجالس في المقهى‬ ‫ِ‬ ‫األصمعي‪ :‬رأيت بدو ّي ًة من أحسنِ‬ ‫ولها ز ْو ٌج قبيح‪ ،‬فقلت‪ :‬يا هذه! أترضي َن أن تكوني ليتبعها‪ ،‬فتعود إليه وقد عقدت النية على شتمه‪،‬‬ ‫تحتَ هذا؟ فقالتْ ‪ :‬يا هذا! لعلَّ ُه أحس َن إلى اللهِ وتوبيخه‪ ،‬لكنها تصعق‪ ،‬وتنتابها رغبة في البكاء‪،‬‬ ‫في ما بينه وبيْ َن ر ِبّه‪ ،‬فجعلني ثوَابَه‪ ،‬وأسأتُ في حين تقترب منه وتدرك أن هذا الشاب الوسيم‬ ‫ما بيني وبين ر ِبّي فجعله عذابي‪ ،‬أفال أرضى بما الجالس على الكنبة كان بال قدمين‪.‬‬

‫رضي الل ُه به؟ (المستطرف في كل فن مستظرف‪،‬‬

‫إن ه���ذه ال �ن �ه��اي��ة ال� �ص ��ادم ��ة‪ ،‬ن �ج �ح��ت على‬

‫األبشيهي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مفيد محمد قميحة‪ ،‬دار الكتب مستويين‪ :‬األول هو الحفاظ على الخيط مشدوداً‬ ‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ج‪:2‬ص‪.)57‬‬ ‫بين تداعيات القصة والمتلقي‪ ،‬وهي ثيمة تالزم‬ ‫وي �ك��اد ي�ج�م��ع ال ��دارس ��ون ل�ل�ف�ن��ون السردية األدب األصيل بمختلف أشكاله وأجناسه‪ ،‬فينبغي‬ ‫ال على المبدع أن يحافظ على المتلقي في منطقة‬ ‫المختلفة على أنه من الصعوبة أن نفصل فص ً‬

‫حاداً بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا‪ ،‬المابين‪ ،‬دائ��راً على ب��ؤرة التوتر التي تنفرج أو‬ ‫فثمة تعالق وتداخل بين هذين النوعين األدبيين‪ ،‬تنفجر في لحظة معينة‪ ،‬مشكّلة صدمة تعمل على‬ ‫�ات ه��ي أك�ث��ر التصاقاً هز المتلقي من الداخل‪ ،‬وتركه يعيش المشهد‬ ‫إال أن ثمة م�لام� َح وس �م� ٍ‬ ‫ووضوحاً‪ ،‬في القصة القصيرة جداً‪ ،‬من غيرها‪ ،‬والفكرة‪ ،‬لتبقى أصوات اللغة وتداعيات الحدث‬

‫أهمها‪ :‬المفارقة‪ ،‬واالنزياح‪ ،‬والترميز‪ ،‬والسخرية‪ ،‬دائر ًة في سمعه وبصره ووجدانه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪63‬‬


‫أما المستوى الثاني الذي حققته هذه النهاية‬

‫ل �ق��د اس��ت��ط��اع ال �ج �ن �ي��دي أن ي �ح � ّم��ل نصه‬

‫فهو مقدرتها فنياً على تعرية شخصية المرأة أمام ه ��ذا (ال � َم �ه �م��ة) ال �ف �ك��رة وال� �ح ��دث‪ ،‬م��ن خالل‬ ‫نفسها‪ ،‬وه��ذه التعرية جعلتها تلتفت إلى ذاتها‪ ،‬تثبيت الومضة وتأطيرها‪ ،‬وم��ن خ�لال الحدث‬ ‫وتتصالح م��ع ال�ج��ان��ب الخفي م��ن شخصيتها‪ ،‬والشخوص والمكان والعقدة الدرامية واإلبهار‬ ‫واالل �ت �ف��ات إل��ى م��ا أن�ع��م ال�ل��ه عليها م��ن صحة وال��ده �ش��ة وال �ج �م��ل ال ��واص� �ف ��ة‪ ..‬ك��ل ذل ��ك في‬ ‫وج �م��ال‪ ،‬راح ��ت تستخدمه ف��ي إغ ��واء الشباب كلمات قليلة ومكثفة ومترابطة تشكل على قلتها‬ ‫واالستعراض أم��ام أترابها من الفتيات اللواتي كوناً قصصياً متكامالً‪ ،‬طرح من خالله ملمحاً‬ ‫كانت في صحبتهن‪ .‬إن هذه الصدمة كانت بمثابة اجتماعياً‪ ،‬انتهى بنهاية غير نمطية‪ ،‬ذات عالقة‬ ‫اليد التي هزت وجدانها من الداخل لتتنبه وتلتفت وطيدة بسياق االتجاه الداللي للحكاية‪ ،‬تحتمل‬ ‫إلى ذاتها المتعالية‪ ،‬فتعود لها إنسانيتها‪ ،‬وتتماثل متابعة ضمنية من قبل المتلقي الذي تتداعى في‬ ‫للبكاء‪ ،‬ملمحاً إنسانياً يحيل على الندم واألسف ذهنه أح��داث استكمالية مفتوحة على التأويل‪،‬‬ ‫والتطهير وااللتفات إلى إنسانية اإلنسان‪ ،‬وبذرة ومنسجمة م��ع ال�ح��ال��ة النفسية ال �ت��ي يعيشها‬ ‫الخير التي أودعها الله فيه‪.‬‬

‫المتلقي لحظة تلقيه ال�ح�ك��اي��ة‪ .‬واس �ت �ط��اع أن‬

‫أما التكثيف فقد تبدى في قصة “ال َم َهمّة”‪ ،‬يقدم‪ ،‬كذلك‪ ،‬فكرة انتصار الملمح “اإليروتيكي”‬ ‫وهي قصة لم يتجاوز عدد كلماتها بضعاً وخمسين وانتحاء كل من الرجل والمرأة إلى بعضهما بعضاً‪،‬‬

‫كلمة‪ .‬ورغ��م ذل��ك اس�ت�ط��اع ال �ق��اص‪ ،‬م��ن خالل على الملمح اإلنساني المتمثل في االلتفات إلى‬ ‫االقتصاد اللغوي واالستغناء عن عنصر الزمان‪ ،‬المريض وتقديم المساعدة له‪ .‬فالطبيب في هذه‬ ‫أن يقدم مشهداً إيحائياً غنياً بالدالالت‪ ،‬ومفتوحاً القصة منهمك في مغازلة الممرضة التي تشعره‬ ‫على التأويل الممتد أمام مخيال المتلقي‪ ،‬وهنا ب��دخ��ول ال�م��ري��ض ال��ذي ت�ع��رض للسعة عقرب‪،‬‬

‫تكمن الفنية والمقدرة على مراوغة اللغة‪ ،‬وتكثيف لكن الطريف في األمر أن الطبيب يقوم بإجراء‬ ‫ال��رؤى‪ ،‬واعتقال اللحظة المشهدية العابرة قبل روتيني ال عالقة له بحالة المريض‪ ،‬إذ يطلب‬ ‫انقضائها وتالشيها‪ .‬إن تأطير اللحظات العابرة منه أن يفتح فمه ويمد لسانه‪ ،‬ليأتيَ التشخيص‬ ‫أي خالف‪،‬‬ ‫واقتناصها هو ما يميز القاص الماهر‪ ،‬ذا العين السريع من الطبيب قائالً‪“ :‬ليس بك ّ ُ‬ ‫الذكية‪ ،‬والبصيرة النافذة‪ ،‬ليعود ويتأمل هذه ومع ذلك فإنني أنصحك باالمتناع عن التدخين”‪،‬‬ ‫اللحظات كاشفاً عن كثافتها الشعورية واإليحائية‪ ،‬ثم يستأنف الطبيب‪ ،‬ويعود إلى الممرضة إلتمام‬

‫فيأخذ في محاورتها‪ ،‬وتخصيبها بمعطيات الذات المَهمة‪.‬‬ ‫الشعرية وال�ش�ع��وري��ة‪ ،‬وتلوينها ب��أل��وان النفس‪،‬‬

‫هنا تكمن أهمية القصة القصيرة ج��داً في‬

‫لتخرج متشحة بألوان الداخل والخارج‪ ،‬مزيجاً مقدرتها الكاشفة ع��ن ح�ق��ول دالل �ي��ة متعددة‪،‬‬ ‫من جوانية القاص المتأزمة‪ ،‬وبرّانيته المغتربة وتساعد المتلقي على إعادة إنتاج الرمز وقراءته‬ ‫وغير المتوائمة مع معطيات الحياة ومنجزاتها‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫ق ��راءات مختلفة‪ ،‬كونه يَ�ق��رأ نصاً قصيراً‪ ،‬من‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫السهل متابعته وإتمامه في بضع دقائق‪ ،‬فيتمث ُل‬

‫الحكاي َة ويتعايش معها بصورتها الكاملة‪ ،‬ويعايش‬

‫انفعاالتها وتداعياتها جرعة واحدة‪ ،‬ال كمن يقرأ‬ ‫نصاً روائياً طويالً‪ ،‬يبتعد فيه عن االستواء النفسي‬

‫في جاهزية التلقي‪ ،‬ومدى التحفز الذهني‪ ،‬الذي‬ ‫يختلف باختالف الظروف المحيطة بالقارئ‪ ،‬إذ‬

‫تتم القراءة على فترات ربما متباعدة ومتقطعة‪،‬‬ ‫تعمل على نكث النسيج البنائي للقراءة‪ ،‬وربما‬ ‫تعذر حبكته مرة أخرى بالصورة التي ينبغي أن‬

‫تكون عليه‪.‬‬

‫وم ��ن ال �م�لام��ح ال �ت��ي اس �ت �ط��اع ال�ج�ن�ي��دي أن‬

‫يحققها‪ ،‬أيضاً‪ ،‬هو الترميز؛ ولعل قصة “إغراء”‬

‫تمثل ذلك‪ .‬فهي قصة تحكي حكاية امرأة عجوز‬

‫لكنها ث��ري��ة‪ ،‬يعاكسها ش��اب فتنصاع لرغباتها‬

‫الهاجعة‪ ،‬وتخرج معه في سيارته الفارهة‪.‬‬

‫إن الفكرة ال �م��ر َّم��زة ف��ي تقديري تكمن في‬

‫السطر األخير من القصة‪“ :‬ضحكت في سرها‪،‬‬ ‫واب�ت�س�م��ت ل��ه‪ .‬أع�ط�ت��ه ال �ع �ك��از‪ ،‬ث��م دخ �ل��ت إلى‬

‫العجوز الثرية‪ ،‬وليس شيءٌ غير ثرائها ما دعاه‬ ‫إلى هذه الفعلة‪.‬‬ ‫ثم تأتي العبارة التي شكلت بؤرة الفكرة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫السيارة‪ ”...‬إن الضحك المكبوت هو داللة الرغبة “أعطته العكاز”؛ فالعكاز هو الرمز الذي يسند‬ ‫الجامحة التي طالما حل َمت بها هذه العجوز‪ ،‬حيث قامة العجوز ويمكنها من المشي‪ ،‬وهو في الوقت‬

‫الم��س ه��ذا الشاب مساحة هاجعة من عمرها نفسه قرين الكِ بَر والعجز والتقدم في السن‪.‬‬ ‫ونفسها‪ :‬لم يوقظها ولم يالمسها أحد منذ زمن ولكن العجوز‪ ،‬في تلك اللحظة التي تتلقى فيها‬ ‫بعيد؛ هذه المالمسة التي من خاللها شعرت بكل الدعوة من الشاب‪ ،‬تتخلى عنه وتناوله إياه‪ ،‬إنها‬ ‫هذا الفرح العارم‪ ،‬والسرور العميم الذي جعلها ببساطة تخلت ع��ن أه��م م�لازم��ات ال�ت�ق��دم في‬ ‫تضحك‪ ،‬ولكن في سرها‪ ،‬والضحك في السر‪ ،‬العمر‪ ،‬وكأنها تتحايل على الزمن وتسند نفسها‬ ‫هنا‪ ،‬يبدو مبرراً من قبل المرأة العجوز التي تريد بنفسها‪ ،‬فالحالة النفسية تستدعي منها أن تعيش‬

‫أن تحافظ على هيبتها وحضورها‪ ،‬ولتبدي له المشهد بكل تجلياته‪ ،‬مجترة أحالمها القابعة في‬ ‫عدم انكبابها وتهالكها عليه‪ .‬أما ابتسامها له فهو كهوف النفس وأعماقها المعتمة‪ ،‬لتنقلها‪ ،‬شيئاً‬

‫عالمة القبول والتواصل والرغبة التي اشعلها فشيئاً‪ ،‬إلى منطقة مبقعة بالضوء والغبش‪ ،‬ضمن‬ ‫هذا الشاب الشقي بهذه الدعوة المستهجنة لهذه مشهد مرآوي يحيل على لذاذات الشباب وفورة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪65‬‬


‫الحب وبهجة اللقاء‪ .‬كذلك ف��إن وج��ود الشاب مرآوياً‪ ،‬بحيث يقوم هذا المنشول بنشل شخص‬

‫إلى جانبها جعلها تحس بأن ثمة شيئاً يسندها آخر‪ ،‬ويقوم هذااآلخر بنشل شخص غيره‪ ،‬وهكذا‬ ‫أه��م من العكاز‪ ،‬لكن العجوز لم تتخل‪ ،‬تماماً‪ ،‬كلما اكتشف أح��ده�م��ا أن��ه م�ن�ش��ول‪ ،‬يعمد إلى‬ ‫عنه‪ ،‬بدليل أنها ناولته للشاب‪ ،‬ما يوحي بنيّتها‬ ‫استعادته منه‪ ،‬الحقاً‪ ،‬حال تخليه عنها‪ ،‬وكأنها‬

‫تدرك في قرارة نفسها أنها‪ ،‬فقط‪ ،‬تتحايل على‬

‫الزمن‪ :‬إنها نقلة جعلت المرأة العجوز تعيش في‬

‫الفعل نفسه مع شخص آخر حتى تتناسخ الفكرة‬ ‫تناسخاً انشطاريا ال يمكن إيقافه‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فقد استطاع عمار الجنيدي أن يقدم‪،‬‬

‫المابين‪ ،‬بحيث تطل على الماضي والحاضر بعين من خالل هذه المجموعة‪ ،‬تجربة قصصية ناجحة‪،‬‬ ‫تنم على امتالكه أدوات السرد وفنياته المشفوعة‬ ‫مواربة‪ ،‬وبمشهدية ضبابية‪.‬‬ ‫أم� ��ا ال��ط��راف��ة ف�ت�ش�ي��ع ف ��ي م �ع �ظ��م قصص‬

‫ال �م �ج �م��وع��ة‪ ،‬ول��ع��ل ق �ص��ة “حدث ف ��ي شارع‬

‫السينما” تمثل هذه الثيمة خير تمثيل‪ :‬فالقصة‬

‫ب��رؤى عميقة‪ ،‬واستشرافات بعيدة‪ ،‬وحساسية‬

‫عالية لما ي��دور حوله وي��دور فيه‪ .‬ومجموعته‬ ‫ه��ذه غنية بالمالمح الفنية والمضمونية‪ ،‬التي‬

‫تحكي حكاية رجل يتعرض للنشل من خالل رجل يمكن طرحها ومناقشتها‪ ،‬كتناوله المسكوت عنه‪،‬‬ ‫موّه عليه بأنه يعرفه‪ ،‬فيعانقه ثم يعتذر منه بعد وجرأته في الطرح‪ ،‬وتكرر ثيمة الموت بمختلف‬ ‫أن يكون قد نشل محفظته من دون أن يشعر‪ ،‬ولم أشكاله وتجلياته‪ ،‬ولغته الواصفة التي تنتحي‬ ‫يكتشف الرجل المنشول األمر إال عندما أراد أن إلى الشعرية في بعض األحيان‪ ،‬وتعدد األنماط‬ ‫يدفع ثمن “جاكيت” أراد ش��راءه‪ ،‬عندها يسرع السردية وتوزعها بين استخدامه ضمير الغائب‪،‬‬ ‫إلى أحد الزبائن الواقفين في المحل ويعانقه‪.‬‬ ‫حيث ال�س��ارد العليم ال��ذي يعرف ك��ل ش��يء عن‬ ‫وتنتهي القصة عند هذا المشهد‪ ،‬تاركة للقارئ‬ ‫األحداث وتناميها وتداعياتها‪ ،‬وضمير المتكلم‪،‬‬ ‫إكمال تداعيات النهاية التي فهمت ضمنياً‪ ،‬بأن‬ ‫وفي أحيان قليلة ضمير المخاطب‪ ،‬حيث السارد‬ ‫هذا الرجل الذي نُشلت محفظته مارس األسلوب‬ ‫المشارك الذي ال يعرف عن األحداث في القصة‬ ‫نفسه مع الزبون ونشل محفظته‪.‬‬ ‫إال بقدر م��ا يعرفه ال �ق��ارئ‪ .‬ناهيك ع��ن مقدرة‬ ‫إن م�ض�م��ون ه��ذه ال�ق�ص��ة ي �ح��اول أن يعالج‬ ‫الجنيدي على تناول اليومي والهامشي‪ ،‬واالرتقاء‬ ‫مشكلة اجتماعية خطيرة‪ ،‬تتجاوز مسألة النشل‬ ‫ب��ه م��ن ال�م��أل��وف إل��ى ال��داه��ش‪ ،‬وم��ن المحدود‬ ‫أو ال�س��رق��ة‪ ،‬وت�ت�ع��داه��ا إل��ى توجيه نقد شامل‬ ‫إلى المتعدد المتناسل من خالل امتالكه أدواته‬ ‫لنمط حياة بأكمله‪ ،‬يضحك الناس فيه بعضهم‬ ‫على بعض‪ ،‬ويستخدمون األساليب نفسها في السردية‪ ،‬وانتمائه إل��ى الواقعية‪ ،‬وابتعاده عن‬ ‫اإليقاع ببعضهم بعضاً‪ .‬يتضح ذلك بصورة أكبر ال �ت �ج��ري��د‪ ،‬إض��اف��ة إل ��ى م �ق��درت��ة ع�ل��ى الكشف‬ ‫إذا أرخينا العِ نان لمخيلتنا مجترحين أحداثاً عن ال�ن��وازع النفسية واستجاباتها تجاه الواقع‬

‫استكمالية للقصة‪ ،‬ك��أن نترك ال�ص��ورة تناسخ المعيش‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫الثمالة‬

‫> نادية أحمد محمد*‬

‫من خلف أهدابها التي احتمت بها من فيض نظراته عادت إليه‪ .،‬ألول مرة‪ ،‬يلوح‬ ‫طيف شعورٍ مثل هذا‪ .‬تضطرب وتتلعثم الحروف على شفتيها‪ ،‬وتهرب منه حتى‬ ‫ُ‬ ‫لها‬ ‫بعينيها‪ .‬حدقت فيه ثانية وكأنها لم تره من قبل‪ .‬وجهه األسمر‪ ،‬عيناه السوداويتان‪،‬‬ ‫وفمه المرسومه حدوده بنضارة‪ ،‬بذقنه المدببة‪ ،‬بنهر السكينة المرتسم على محياه!‬ ‫كأنها لم تعرفه من قبل‪ ،‬أو هكذا ُخيِّل لها‪ ،‬حديثه اآلن وهو يشبك الحرف بالحرف في‬ ‫ثقة وهدوء‪ ..‬يقوالن إنها لم تعرفه من قبل‪ ،‬وإنه زميلها لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫لكنها اآلن ترى وجهاً لم تره من قبل‪ ،‬تخشى أن تباغتها يوماً بما ال تطيق‪..‬‬ ‫إنه يحدثها عن أشياء رغم أنها تعرفها‪..‬‬ ‫أثناء النهار يأخذها العمل الذي يمأل‬ ‫إال أن لها مذاقاً آخ��ر‪ ..‬ومعنىً لم يخطر‬ ‫حياتها رغم مرارته‪ ،‬ويمدها بحرارة هي‬ ‫على بالها‪ ،‬فهو مثلها يتجرع الوحدة‪ ،‬وإن‬ ‫أشد ما تكون حاجة إليها‪ ..‬تسمع الكلمات‪،‬‬ ‫كانت تمتاز عنه بوجود ابنتها وزوجها إلى‬ ‫تذوب فيها سلباً وإيجاباً‪ ،‬يباغتها الزمالء‬ ‫جوارها‪ ،‬شقتهما أسفل شقتها‪ ،‬يقضيان‬ ‫بانتهاء الوقت وضرورة الفراق من جديد‪،‬‬ ‫عندها ما يحلو لهما من وقت‪ ،‬وإذا ما حان‬ ‫الفراق تركاها لجدران شقتها‪ ،‬تتحسس فتتحرك ‪-‬على غير عادتها طوال عمرها‬ ‫ح�ف��ره��ا وت�س�ت��دف��ئ م��ن ب��رودت �ه��ا‪ ،‬تشعل ‪ -‬بتؤدة إلى بيتها‪ ..‬قديماً‪ ..‬كانت تراقب‬ ‫األن��وار ط��وال الليل لتستطيع الخلود إلى ع �ق��ارب ال�س��اع��ة‪ ،‬تصعد بنظراتها فوق‬ ‫النوم‪ ،‬فالحياة منذ وفاة زوجها تمضى بها عقاربها لتجري بها أسرع فأسرع‪ ،‬رغبة‬ ‫متشابهة الحدود واألبعاد‪ ،‬ال يتغير فيها في العودة إلى البيت‪ ،‬والى زوجها وابنتها‪،‬‬ ‫إال مالمح تفاجئها عبر المرآة من يوم إلى كانت منشغلة‪ ،‬ال تكاد تلتقط أنفاسها من‬ ‫آخر‪ ،‬مالمح صارت من سرعة تغيرها‪ ..‬كثرة مشاغلها وضيق الوقت‪ ..‬إلى أن تخلد‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪67‬‬


‫للراحة منهكة القوى‪ ،‬تضع رأسها على الوسادة‬ ‫فتغيب في سبات عميق‪..‬‬ ‫أصبحت تعيش مع ذكرياتها التي ال تفارقها‪..‬‬ ‫وج��ه زوج �ه��ا ال ��ذي ك��ان��ت ت�ن��اج�ي��ه‪ ..‬تحكي له‬ ‫وتسمع منه‪ ،‬حتى بعد أن أصبح ص��ورة داخل‬ ‫إطارها المذهب على الجدار بشريطه األسود‬ ‫المحتضن حافته اليسرى‪ ،‬ولم يعد لها إال بسمة‬ ‫تصادفها على الجدار كلما رفعت عينيها إليه‪،‬‬ ‫فقربه باألمس كان حياة تحياها‪ ..‬بينما اآلن‬ ‫صورته على ال�ج��دار واج��ب تلتزم ب��ه‪ ،‬صحيح‬ ‫أنها لم ترتبط بغيره ولو بخيالها‪ ،‬ولم يلفت بعدَه‬ ‫انتباهها أح��د‪ ،‬لشعورها بأنها تقف في دائرة‬ ‫عمرها المحدودة‪ ،‬ذات السمات والمالمح التي‬ ‫يجب عليها أن تلتزم بقوانينها‪ ،‬هامسة لنفسها‬ ‫أن الباقي قليل‪ .‬وأيضا ‪ -‬وهذا ما لم تعترف به‬ ‫حتى لنفسها أو ربما لم ي ُد ْر في خلدها ‪ -‬أنها‬ ‫حتى اآلن لم تصادف من يحرك ثورة نبضاتها‪،‬‬ ‫أو بركان حيرتها‪ ،‬أو يطوف حتى بسماء خيالها‬ ‫فتهتز له‪ ..‬كان يعتريها فقط شعور قلب ٍ على‬ ‫ال‬ ‫حافة بئر‪ ،‬ال مناص له من الغوص فيه عاج ً‬ ‫أو آج�لاً‪ ،‬شعور بالجمود‪ ،‬غيبوبة ذات سمات‬ ‫مختلفة‪ ..‬تعتريها وهي مفتحة العينين‪ ،‬واعية‬ ‫لما حولها‪ ،‬تنظر بعين محايدة إلى ما يجرى‪..‬‬ ‫واثقة أنها لم يعد لها من كل ه��ذا إال الرؤية‬ ‫ع��ن ب �ع��د‪ ،‬ان �ت �ظ��اراً ألم � ٍ�ر ل��ن ي �ط��ول انتظاره‪،‬‬ ‫ال‬ ‫وبانتهاء دوره��ا ال��ذي لم يعد له ج��دوى أص ً‬ ‫إال مع ابنتها وزوجها؛ فهذه هي الثمالة الباقية‬ ‫في كأس حياتها‪ ،‬والتي تشعر أنها تعيش من‬ ‫أجلها‪ ،‬وت��دور راغ�ب��ة ف��ي فلكها صباح مساء‪،‬‬ ‫فهما يعيشان معها تقريباً كل الوقت‪ ،‬من لحظة‬ ‫عودتها إلى المنزل بعد الظهر‪ ..‬إلى أن تشعر‬ ‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫بالنعاس‪ ،‬فتتحرك نحو سريرها ف��ي تكاسل‬ ‫ه��ادئ ناعم‪ ،‬دون أن ترفع عينيها كما تعودت‬ ‫لتلقي تحية المساء على زوجها‪ ..‬وللحق‪ ،‬فقد‬ ‫حدثها بعض األصدقاء في أمر زواجها ثانية‪،‬‬ ‫هامسين أن ه�ن��اك م��ن يناسبها‪ ،‬ب��ل م��ن هو‬ ‫أصغر منها سناً‪ ..‬ويقبل بها عن طيب خاطر‪،‬‬ ‫فكانت ترفض حتى قبل أن تعرف من هو‪ ..‬وهل‬ ‫ه��و زميل لها أم ال‪ ،‬حتى ج��اء محمود اليوم‪،‬‬ ‫ال في هدوء تام‬ ‫وتحدث إليها بال مقدمات قائ ً‬ ‫إنه يريد االرتباط بها! يكبرها بسنوات قليلة‪،‬‬ ‫تعرفه وتعرف المرحومة زوجته‪ ،‬لم تتخيله يوماً‬ ‫ينطق بهذا لها أو لغيرها‪ ،‬لم تكن المفاجأة أنها‬ ‫سمعت هذه الكلمات منه اآلن‪ ،‬لكن المفاجأة‬ ‫الحقيقية أن قلبها دق له‪ ،‬وأهدابها ارتعدت‪،‬‬ ‫وشعرت بأطرافها تتثلج‪ ،‬ولم تستطع أن تقول‬ ‫كلمتها األثيرة ال‪ ،‬أو تعترف بما اعتراها فتجد‬ ‫لديها القدرة على قول نعم‪ ،‬واكتفت بالتحديق‬ ‫في البالط ومربعاته المحددة‪ ،‬والتي لم تمنعها‬ ‫حدودها من التواصل فيما بينها‪.‬‬ ‫سمعته يقول بلطف وهو يدير ظهره مغادراً‪:‬‬ ‫أَتركُ لك الفرصة لتفكري؟‬ ‫وج��دت نفسها تتحرك‪ ،‬ولديها ال�ق��درة من‬ ‫جديد على النطق‪ ،‬تحلق بجناحيها ألعلى‪ ،‬تعبر‬ ‫السحب والكواكب نحو فضاء جديد لها وحدها‪،‬‬ ‫تطير معها فيه طيور بيضاء مرحة‪ ،‬يلفها نور‬ ‫مالئكي حنون يبعث في النفس سكينة‪ ..‬ويمنح‬ ‫الروح صفاء‪ ،‬وتسمع فيه تراتيل نورانية حروفها‬ ‫ن�ق�ي��ة تتغلغل ف��ي خ�لاي��اه��ا م�ن�ع�ش��ة مجددة‪،‬‬ ‫وجسدها يتسامى ويعلو‪ ،‬ومن هناك نادته بقوة‪:‬‬ ‫محمود! واستدار إليها‪..‬‬


‫> مصطفى إبراهيم شرف*‬

‫كلهم يتمنون ال َّنَسَ ب إلي‪ ,‬وينعتون أنفسهم وذويهم بي‪ ,‬وكثيرا ما يرددون‬ ‫اسمي في مجالسهم وأماكن عملهم‪ ,‬كما يكتبونه على بعض مقتنياتهم‪ .‬لكنهم‬ ‫ال يحبون االقتراب مني‪ ,‬وهذا ما يزعجني كثيرا‪ ,‬ويجعلني أفكر في أمرهم‪..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫الرحيل‬

‫هل أنا دخيل عليهم؟ ال‪ ,‬فأنا أتمتع بعراقة يعرفونها جميعا‪ ،‬وال يعترف بها‬ ‫إال القليل منهم‪ ،‬ولكن ما يضايقني أن أبانا ال يعدل بيننا‪ ,‬ففي الوقت الذي‬ ‫يعطيني سهما واح��دا يعطي بعض إخوتي سهمين‪ ,‬أو ثالثة‪ ،‬وربما أربعة أو‬ ‫ستة‪ .‬فأي قسمة هذه؟!‬ ‫ أنسيت يا أبانا أني أكبر أبنائك؟ وأنني أول من ‪-‬‬‫عرفك الناس به؟ َفلِم تتجاهلني؟! ألست ابنك؟! أم ‪ -‬‬ ‫ ‬‫أنني ابنك غير الشرعي‪..‬؟!‬ ‫ ‬‫ألست القائم على جلسائك ومستقبل ضيوفك؟!‬ ‫ألست أكثر إخواني كسبا للثروة‪ ...‬ومع ذلك فأنا ‪ -‬‬ ‫ ‬‫أفقرهم؟!‬ ‫ ‬‫فلم تتجاهلني يا أبي وتفضل إخوتي علي؟‬ ‫ ال يا بني‪ :‬أنا ال أتجاهلك‪ ،‬ولكن‪ ..‬لكل منكم دوره‬‫في الحياة‪.‬‬ ‫ ‬‫ أي دور هذا الذي جعلني أشيب في صباي؟!‬‫ ‬‫ اخفت صوتك‪.‬‬‫لم يا أبي؟ لم أعد أخشى أح��دا‪ ،‬كفاني من الصمت ‪ -‬‬ ‫ ‬‫ما ضيعني‪!!..‬‬ ‫ ‬‫صوت رجل قادم‪:‬‬ ‫ ‬‫ ِل َم ترفع صوتك على أبيك؟‬‫ ‬‫ ال أرفع صوتي‪ ..‬مجرد نقاش فقط‪.‬‬‫ ‬‫ وأي نقاش يرفع فيه االبن صوته على أبيه؟‬‫ ‬‫ لقد طفح الكيل يا عم‪.‬‬‫ و ِلمَ؟‬‫ إنها ن�ق��رات ف��ي ال��رأس تصرع ج�س��دي‪ ،‬وتجعله‬‫يتآكل كما تتآكل أط��راف قطع الصابون المبللة‬ ‫ ‬‫بالماء‪.‬‬ ‫‪ -‬أخشى أن تكون واهماً يا بني‪.‬‬

‫أبدأ يا عم‪.‬‬ ‫وما الذي يجعلك حزينا إلى هذا الحد؟!‬ ‫تجاهل أهلي لي‪ ,‬وانشغالهم بإخوتي وأبناء عمي‪.‬‬ ‫ألهذه الدرجة ترى أهميتك بين قومك؟‬ ‫نعم‪ .‬نعم‪.‬‬ ‫ومن أين أتتك هذه األهمية؟‬ ‫أنا من يدير أس��واق أب��ي‪ ,‬والتجار يأتون إل��يَّ من‬ ‫أقاصي األرض فيجدون عندي أجود أنواع الذهب‪،‬‬ ‫وأنا سر كل شيء جميل في هذا الوجود‪.‬‬ ‫آه‪ .‬آه‪....‬‬ ‫ال تحزن يا ولدي‪ .‬ال تحزن‪ ..‬دعنا نفكر سويا‪.‬‬ ‫لقد قررت يا عم‪.‬‬ ‫وماذا قررت؟‬ ‫الرحيل‪...‬‬ ‫الرحيل؟! ولكن قبل أن ترحل قل لي من أنت؟‬ ‫ال داعي لذلك‪.‬‬ ‫أسألك بالله أن تخبرني من أنت؟‬ ‫أن��ا من أعطاني أب��ي سهما واح��دا وأعطى أخي‬ ‫ستة‪ ،‬ووضعني أخ��ي ف��ي آخ��ر ال �ق��وم‪ ،‬فأهملني‬ ‫أبنائي‪ ..‬سأرحل إل��ى ب�لاد بعيدة؛ يقدرني فيها‬ ‫أهلها ويعرفون مكانتي‪.‬‬ ‫اآلن ق��د ع��رف�ت��ك‪ .‬ف��أن��ت محنة صاحبك منحة‬ ‫غيره‪.‬‬

‫* معلم في مدارس الرحمانية األهلية للبنين في سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪69‬‬


‫صلوات على روح «يوسف»‬ ‫ٌ‬

‫> زكية جنم*‬

‫* « يوسف» كاريزما تشبُهني‪ ..‬عاش عمر ًا قصير ًا ومات طفالً‪.‬‬ ‫ريح عابسة‪ ،‬وأن‬ ‫أبكيه‪..‬شعرت أنني نبتةٌ عارية العنق في وجه ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ثمّ ة حزنٌ حرّضني هذا المساء أن‬ ‫الليل جالّدٌ فارع الطول يجرّدني أنفاسي‪.‬‬ ‫قلب أشبهُ بصندوق خشبي قديم‪ ..‬تقبعُ في جوفه ألوان‬ ‫‪ ..‬يفرغ رأسي من وشوشات األمنيات‪ ،‬ولي ٌ‬ ‫ويوسف‪.‬‬ ‫وحلُم صغير اقتسمتُه ُ‬ ‫شمع‪ُ ..‬دمىً مهترئة‪ ..‬أوراقٌ صفراء‪ُ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫تذكرتُ ركضنا بين أكواخ الصيّادين‪ ،‬وتلويح ُة الشمس‬ ‫للنوافذ الناعسة‪ ..‬لم تم ُح أمواج الشواطئ أسرارنا المدفونة‬ ‫تحت رمالها الدافئة‪..‬كنا ننث ُر فوق صفحة الماء همومنا‬ ‫قنديل‬ ‫البيضاء‪ ..‬وفي المساء نقتس ُم فتات الفرح على ضوء ٍ‬ ‫سبات شهيّ قبل أن تُس ُّد ثغرة الجوع‪.‬‬ ‫عتيق‪..‬ثم نغر ُق في ٍ‬ ‫ذات ش��روق‪ ..‬ابتاع لي يوسُ ف ق�لاد ًة ب��أل��وان البحر‪..‬‬ ‫أوجعتْ عنقي الصغير حينما ارتديتُها‪ ..‬لم أكن أعلم أنها‬ ‫آخر ما المستْ ُه يداه قبل أن يرحل‪ ..‬ولم تكن تعلم أحالمي‬ ‫أن مرآهُ لن يكون بعد اليوم إال عبر نوافذها‪..‬‬ ‫تعاقبٌ س�ن��ويٌّ ب��اه��ت بعثر أزمنتي بعد رح�ي�ل��ه‪ ..‬كان‬ ‫لقداسة الموت ذلك الوجع الذي استطاع أن يحوّل طفلة‬ ‫إنسان خارج أقواس الحياة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يافعة إلى شبحِ‬ ‫جمعتُ كل أوراقي الصفراء حين التقيته للمرة األولى‪ ،‬وهو‬ ‫ينتمي لعالم الضوء‪ ..‬أشعل يوسف عود ثقاب‪ ..‬فقلتُ له‪:‬‬ ‫« احرق ظلّي‪ ..‬ال أريد أن يهتدي إليّ المارّة حينما أسي ُر‬ ‫بمحاذاتك وأنت طيفٌ ال تُرى»‪.‬‬ ‫نظر إل��يّ ب��أس��ىً ‪ ..‬وتمتم في ه��دوء‪« :‬جس ُد األرض ال‬ ‫يحمل على ظهره الموتى»‪.‬‬ ‫سقطتْ م��ن عينيّ غمامتان حزينتان‪ ..‬ذرفتُهما في‬ ‫صمت‪ ،‬وأنا أتت ّب ُع هطولهما على انعكاس طيفه فوق المياه‬ ‫الصامتة‪ .‬طيفٌ لم يعد يعي معنىً للحزن‪ ..‬وكيف تسقط‬ ‫بقاياه خلفنا حينما نغاد ُر األجساد‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫أحالمك يا صغيرة‪ ..‬فلتهجري ُمدُن‬ ‫ِ‬ ‫«أتعلمين؟‪.‬ستصدأ‬ ‫البكاء»‪.‬‬ ‫خبّأ بين أصابعي لُفافة بيضاء صغيرة‪ ..‬وأوصاني أن ال‬ ‫أفتحها حتى أبلغ من العمر منتصفه‪ ..‬حمل وهجه ورحل‪..‬‬ ‫ت�ج� ّول��تُ ف��ي مساحات األسئلة ال�ف��ارغ��ة‪ ..‬لع ّل معابر‬ ‫الوقت تنف ُذ بي إلى حيث أريد‪..‬كان محظوراً عليّ التجوّل‬ ‫في تلك المنطقة التي شهدت موته‪ ..‬حتى األزقّة الضيّقة‬ ‫التي تُفضي إليها كانت موصدة‪ ،‬ويُمنع االقتراب منها‪ .‬لم‬ ‫يعلموا أن حنين األطفال كان ذو رائحة تجذبُ األرواح‪ ،‬وأن‬ ‫تلك التفاصيل الطازجة في ذهني الصغير‪ ،‬بوسعها ‪-‬رغم‬ ‫كثافة الضباب‪ -‬أن تهتدي إلى حيث يجهلون‪..‬‬ ‫كبرتُ بعد أزمنة الوجع‪ ..‬حللتُ أطراف اللفافة‪ ..‬كان‬ ‫قديم ظ ّل مستيقظاً حتى‬ ‫حُ ل ُماً بطعم الحلوى‪ ..‬وضوءُ قنديل ٍ‬ ‫أتممتُ منامي تلك الليلة‪..‬‬ ‫وفي الصباح اغتسلتُ بطهر البياض‪ ..‬كتبتُ من دمي‬ ‫تراتيل خشوع‪..‬‬ ‫بحثتُ عن قنينة فارغة‪..‬‬ ‫فتشتُ جسد األرض‪ ..‬عبثاً لم أجد‪..‬‬ ‫ان�ت��زع��تُ ق�ل�ب��ي‪ ..‬أف��رغ�ت��ه م��ن ُرك ��ام األس� ��ى‪ ..‬أودعت‬ ‫الرسالة في جوفه‪..‬‬ ‫طوّحتُ به إلى ظهر البحر‪ ..‬ومضيتُ بال قلب‪..‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫> ضاري احلميد*‬

‫بال عودة‬

‫قصر نظر‬

‫يسير بسرعة جنونية في شوارع تسودها‬ ‫تصنع طائرتها الورقية بيديها‪..‬‬ ‫الحفر‪..‬‬ ‫وم��ا أن تلعب بها‪ ..‬حتى تطير منها بال‬ ‫غير مكترث بذلك‪..‬‬ ‫عودة‪..‬‬ ‫حملت زوجته بعد ط��ول انتظار‪ ..‬لكنها‬ ‫أجهضت عند أول حفرة!!‬

‫حدة السمع‬

‫يجلس بعيدا‪..‬‬ ‫لكن أذنه تسمع كل ما يقوله اآلخرون!!‬

‫حيرة‬ ‫شعرها طويل جداً‪..‬‬ ‫تحتاج المزيد من الماء لغسله‬ ‫ذهبت لتقصره‪..‬‬ ‫فقصته كله!!‬

‫قتل نفسه‪..‬‬

‫جُ � ُّل حديثه ع��ن ال �ش��وارع وحفرها‪..‬وما‬ ‫تسببه من حوادث‪..‬‬ ‫تناسى أنه من يقوم على صيانتها‪..‬‬ ‫ي�خ��رج م��ن مجلسه‪ ..‬ت��داه�م��ه إحداها‪،‬‬ ‫فيخر صريعا‪..‬‬

‫أطول قصة‪..‬‬

‫يختلي بنفسه ليكتب قصة قصيرة جداً‪..‬‬ ‫ف�ي�ك�ت�ش��ف ان� ��ه ك �ت��ب أط � ��ول ق �ص��ة في‬ ‫حياته!!‬

‫* سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪71‬‬


‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫> عبير املقبل*‬

‫رسالة غرامية‬ ‫وصلتها رسالته‪...‬‬ ‫أحبت أح��رف�ه��ا‪ ..‬وأيقنت أن الحب في‬ ‫رسالته‪..‬‬ ‫في كل مساء‪ ..‬ترقب عبر نافذتها صاحب‬ ‫تلك الرسالة‪...‬‬ ‫فلم تجد إال القمر أنيساً لظلمتها‪!!..‬‬

‫أرحام‬ ‫ع ��ادت لمدرستها ب�ع��د إج���ازة منتصف‬ ‫ال �ع��ام‪ ..‬وحينما سألتها معلمة الصف عن‬ ‫إجازتها‪ ..‬أجابت بدمع محتبس‪ :‬قضيتها مع‬ ‫أرحامي بعد طالق والدتي!!‬

‫وطاقات هائلة‪..‬‬ ‫وبعد أول إنجاز‪...‬‬ ‫تلقى «لفت نظر» من الشؤون اإلدارية!!‬

‫تهنئة مميزة‬ ‫بعد عشر سنوات من العالج‪..‬‬ ‫حملت بابنه‪..‬‬ ‫تنتظر بفارغ الصبر قدومه‪..‬‬ ‫ما هي إال لحظات حتى وصلتها التهنئة له‬ ‫بقدوم مولودة له‪!!..‬‬

‫دراسة الدبلوم‬ ‫التحقت ببرنامج الدبلوم‪..‬‬

‫مع أول إنجاز‬ ‫وعندما أنهت متطلباته‪ ..‬وجدت أنه غير‬ ‫موظف جديد‪ ..‬لديه ق��درات وإمكانات مؤهل لسوق العمل!!‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫> محمد محقق*‬

‫طوفان‬

‫ينام هادئا في بيته‪..‬‬ ‫يغمره الطوفان فجأة‪..‬‬ ‫وحين يرجو النجاة‪..‬‬ ‫تكون ساعته قد حانت‪..‬‬ ‫على غفلة من توقعاته‪...‬‬

‫شمس سوداء‬

‫في حلبة الحياة‪..‬‬ ‫كانت ترقص برشاقة‪..‬‬ ‫أعجبت الجميع‪..‬‬ ‫وألنها شمس سوداء‪..‬‬ ‫كانت الجائزة‬ ‫من نصيب األخرى‪...‬‬

‫أمنية‬

‫يجلس على مكتب فاخر‪..‬‬ ‫يحرك األوراق بخفة‪..‬‬ ‫يضحك بملء فيه‪..‬‬ ‫هزة أرضية أسقطته عن السرير‪..‬‬ ‫فقط‪ ..‬كان يحلم‪...‬‬

‫لحظة عابرة‬

‫التقى بها في غفلة من الزمن‪..‬‬ ‫في عز النهار‪ ..‬ضحكا كثيرا‪..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫حلظات من الزمن الهارب‬ ‫ولما هاتفها ليال‪..‬‬ ‫عزلته من مدينتها الفاضلة‪..‬‬

‫عود على بدء‬

‫على قارعة الطريق‪..‬‬ ‫قاوم صرخة الرحيل‪..‬‬ ‫وحين أدركت أن صوته‬ ‫مجرد حشرجات بكاء‪..‬‬ ‫تمردت عليه وأنهت الحكاية‪..‬‬

‫عانس‬

‫ألنها ذات مال وجاه‪..‬‬ ‫وال تملك بعال بعد‪..‬‬ ‫طمع الشاب فيها‪..‬‬ ‫اشترت له سيارة فاخرة‪..‬‬ ‫َفرَحاً بها‪ ..‬قادها بسرعة‪..‬‬ ‫انقلبت به في الشارع‪...‬‬

‫تعاسة‬

‫على جسر الهوى‪،‬‬ ‫طلت مشاعره ملتهبة‪..‬‬ ‫وحين التقى حبه‪..‬‬ ‫تناثرت أوراق حياته‬ ‫في نهر األحزان‪...‬‬

‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪73‬‬


‫اجتيــــاح‬ ‫> نورة عبدالله السفر*‬

‫أجبرتنا الحياة على اإلقامة متربصين في المدن‪ .‬ال يوجد أقسى من االستقرار بالنسبة لغجري‪.‬‬ ‫روحه التائهة ال تفتر تبحث عن مكان يبدّ د الضباب الذي يكتنفها‪ ،‬يعزف الموسيقى ويجعل كمانَه‬ ‫ُ‬ ‫تسلب روحَ ه‪ ..‬يحكي األساطير والقصص ليكبّل األروا َح بها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رأس السامع بنشوةٍ‬ ‫األسطوري يدوّخ َ‬ ‫لعلّه بذلك يستدلّ على زهرةِ األرواح‪ ..‬الشمس التي تغزل أرواح ًا مشرقةً تطرد عنه ضباب اللعنة‪.‬‬ ‫لم أزل في التاسعة عشرة والصبا حليفي‪ ،‬مع ذلك‬ ‫أشعر أن صدري مثخ ٌن بالوحشةِ وما من حنين‪ .‬روحي‬ ‫فاحش‬ ‫ُ‬ ‫مترمّدةٌ والغبار يعلوها نَفَساً بعد نَفَس‪ .‬قلبي‬ ‫الحب ا ُقتلِع واستُبدِ ل بحجر‪ ،‬تُرى هل أنا اقتلعته بيديّ‬ ‫أم أ ّن من فعل ذلك هو الرجل األسمر يوم رحلنا عنه؟‬ ‫إذا كنت أنا الفاعلة فيا لي من غجريّة أصيلة‪ ،‬نحن‬ ‫الغجر ال حني َن لدينا إال للترحال‪ ،‬ال تُمثِّل لنا األمكنة‬ ‫وال األزم�ن��ة أو شخوصهما شيئاً‪ .‬ما ه��ذه التفاصيل‬ ‫بغض النظر عمّا تتنبّأ به أشهر‬ ‫ضباب نخوضه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سوى‬ ‫اإلحساس‬ ‫َ‬ ‫العرّافات‪ .‬ما يقارب العشر سنين مذ ودّعتُ‬ ‫البشري‪ ،‬مذ عشر سنين وحنيني له يغزوني في كل حلم‬ ‫مضيُّ‬ ‫وكل أمنية‪ .‬ذلك الحنين المتفرّد والذي لم يؤثِّر ِ‬ ‫السنين وانسحابها فيه‪ ،‬كم أتمنّى أن تنتقل عدوى موقد‬ ‫الحبّ لجميع من قابلتهم على م ّر األماكن والدروب التي‬ ‫تنقّلتُ فيها‪ ،‬فجميعهم وُهِ بوا للنسيان من دون رحمة‪،‬‬ ‫حتى طعم الفجيعة لم أذقه‪ ،‬لم يمسس األل ُم يوماً قلبي‬ ‫ول��و لومضة‪ .‬الضج ُر ي�م�زّق شراييني‪ ،‬والعزلة التي‬ ‫فرح يصطدم بي‪.‬‬ ‫تعيشها روحي تخنقني مع كل بريق ٍ‬ ‫في تلك األيام‪ ..‬كانت قوّة احتضاناته تجعلني أحس‬ ‫بأن قلبه؛ بحبه الالمتناهي يحتويني ويصادر أيّ حقٍّ‬ ‫بحبِّ سواه‪ ،‬كنتُ أرى نفسي في عينيه الطفلة الجميلة‬ ‫المشعّة بالحياة‪ ،‬أما اآلن‪ ..‬فأنا على العكس من ذلك‬ ‫تماماً‪ ،‬فتاة ال مبالية تكـره الحياة؛ إنها تهبنا أجمل‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫األشياء‪ ..‬ثم تسلبها بطعنة في الظهر‪.‬‬ ‫لم يالحظ عليّ أح� ٌد بغضي الحياةَ؛ ألني أحطتُ‬ ‫نفسي بسورٍ أخ��ذ يَسْ مُكُ يوماً بعد ي��وم؛ إل��ى أن أتى‬ ‫أحدهم ذات يوم واخترقه في غفلة منّي‪ ،‬لقد أحدثَ في‬ ‫سوري فتح ًة أضاءت عتمة روحي‪ .‬ردمتُها ففتـحَ ها‪ ،‬ثم‬ ‫يأت‪ ...‬بقيتُ‬ ‫ردمتها ففتـحَ ها‪ ،‬ثم ردمتـها وانتظرت‪ ..‬لم ِ‬ ‫في عتمة سوري وحيد ًة ال أعلم إن كان واقفاً ينتظر أن‬ ‫أفتح الكوّة بنفسي أم أنه رحل‪ ..‬ال أعلم‪...‬‬ ‫في لحظات النور رأي��تُ كم جميلة هي الحياة‪ ،‬وإن‬ ‫كنتُ أعاديها إال أني ‪-‬تلك اللحظة‪ -‬اشتقتُ لضمّها‪،‬‬ ‫اشتقت لعينين تجردانني من الغشاوة التي أحطتُ بها‬ ‫نفسي‪ ،‬مرّت تلك اللحظات دون أن أمتلك القدرة على‬ ‫الطيران‪..‬‬ ‫فت َح السور ومنحني جناحين ألتحرر مستقلّ ًة عنه‪،‬‬ ‫ووعدني أن قلبه سيكون مفتوحاً لي دوماً ألعود‪ ،‬قال‬ ‫إني أستطيع الرحيل متى ما شئت ورمى لي ِبنْدَانَتَه‪..‬‬ ‫كنتُ أحس بشوقي له يرمّد قلبي وأنا أردم الكوّة؛ لففتُ‬ ‫ِبنْدَانَتَه على عنقي‪ ..‬قبلتُ بحبِّه‪ ،‬مع ذلك أكملتُ ال َّردْم‪،‬‬ ‫كان مثلي يملك جناحين يبتعد بهما عنّي‪ ،‬عندما رأيتهما‬ ‫قلت له‪ :‬ال أضمن بقاء قلبي مفتوحاً لك؛ ألني ال أحب‬ ‫النظر للخلف ولقاء األحباء القدامى‪.‬‬ ‫ك��ذب��تُ ول��م أس �م � ْع بعدها تَ� � � َأ ّوهَ ال��سّ ��ورِ م��ن حَ فْرِ‬ ‫أصابِعِ ه‪..‬‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫أنثاك حتى العظمِ عاشق ٌ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫أنا‬ ‫> لبنى محمد محاميد*‬ ‫إليك في شغف ٍ‬ ‫إليك َ َ‬

‫ولكني أخاف ُ أخاف ُ‬

‫يفرُ القلب ُ من جسدي‬

‫من بعدك ْ‬

‫قلبك‬ ‫ْ‬ ‫إلى‬

‫وما ينثال ُ في خلدي‬

‫ويسري الحزنُ في صدري‬

‫يدور يدور في خلدك ْ‬

‫إذا ما م ّر بي يوم ٌ‬ ‫ولم ْ أبك على صدرك ْ‬ ‫وقد يغتالني كَمد ٌ‬ ‫إذا األنفاس ُ ما ثملت ْ‬ ‫عطر ًا‬ ‫فأنت حملتني ِ‬ ‫من الدنيا التي انطفأت ْ‬ ‫وأنت مألتني عشقا ً‬ ‫فصرت ُ أموج في شغف ٍ‬

‫وأنت أحلتني روحا ً‬ ‫من األنوار والنجوى‬ ‫وأنت جعلتني أنثى‬ ‫والليلك‬ ‫ْ‬ ‫من الليمون‬ ‫أنا أنثاك حتى العظم عاشقةٌ‬ ‫ولو ملكت ُ كون الله أكملهُ‬ ‫قلبك‬ ‫ْ‬ ‫فلن أبغي سوى‬

‫وأنت أحلتني أُنثى‬

‫أنا أنثاك فأمرني‬

‫تذوب تذوب في حبك ْ‬

‫فْ ان القلب لن يهوى‬

‫وكم رددت ُ في سري‬

‫أمرك‬ ‫ْ‬ ‫سوى‬

‫أنا لم ْ أخش من شيء ٍ من الدنيا‬

‫سوى أمرك‬

‫* شاعرة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪75‬‬


‫ثوب ال يناسب احلفلة‬ ‫> هدى ياسر*‬ ‫أن أكون (حَ ب شباب) على وجه ثالثينية تحصى تجاعيدها‪,‬‬ ‫هذا ما خطر على بالي عندما دهمتني الوحدة‪,‬‬ ‫ومكثت‪.‬‬ ‫كأنها صرخة تكومت في جسد شجرة‪,‬‬ ‫فتركتها متيبسة‪ /‬مشروخة‪.‬‬ ‫أنا خائفة‪.‬‬ ‫من يعصمني من فتنة العزلة؟‬ ‫أمي؟‬ ‫مسكينة أمي‪.‬‬ ‫تركت لها قلبي‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫أخشى إن‬ ‫أن تتهشم‪..‬‬ ‫هو‬ ‫هه‪ ,‬منذ واقعة الصور الفادحة تقوقع‪,‬‬ ‫كنت أحبه هكذا قبل هذه المرة‬ ‫ُ‬ ‫تنفست‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان كلما تقلص‪,‬‬ ‫أنا خائفة؟‬ ‫من يعصمني من فتنة العزلة؟‬ ‫أبدو كـ فتاة ترتدي ثوبًا ال يناسب الحفلة‪.‬‬ ‫تصب على نفسها العصير‪.‬‬ ‫متمتةً ‪ :‬قليلاً من العيون‪,‬‬ ‫يا رب‪.‬‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫هزني الشوق‪..‬‬ ‫> عبدالله أحمد األسمري*‬

‫ج����ئ����ت ح�������������ورا َء ك������ي أش������ك������ َو م������ا بي‬

‫راح ع���ه���د ال���ص���ب���ا وع����ه����د التصابي‬

‫ج����ئ����ت خ���ل���ف���ي م�����ن ال���س���ن���ي���ن س�����راب‬

‫ورح��������ي��������ل مُ ��������طَ ��������عَّ ��������مٌ ب����ال����ص����ع����اب‬

‫ج���ئ���ت وال����ع����م����ر ل����م ي������دع ل����ي نصيبا‬

‫م������ن ص������ب������اه‪ ،‬وم��������ن ب����ق����اي����ا ش���ب���اب���ي‬

‫ع����ن����د ص���ح���ب���ي أح�������ط ف���ي���ه���ا رح����ال����ي‬

‫������ب‪ ..‬أراه ي���م���ض���ي رك����اب����ي‬ ‫وب������ص������ح ٍ‬

‫أح����م����ل ال����ب����ع����د ف�����ي ح����ق����ائ����ب ي���وم���ي‬

‫وغ��������دا ال����غ����ي����ب م���ث���خ���ن��� ًا ب���اغ���ت���راب���ي‬

‫س���ح���ر وادي��������ك ل����م ي������زل ف����ي عيوني‬

‫رغ�������م أن�������ي إل�������ى ال����ج����ب����ال انتسابي‬

‫���اض‬ ‫ه�����ا أن������ا ج���ئ���ت ص���ف���ح���ةً م�����ن ب���ي ٍ‬

‫����ات ب���وش���م خضابي‬ ‫ف��ان��ق��ش��ي ال����ذك����ري ِ‬

‫وان�����ث�����ري ال��������ورد ف�����وق ع�����رش مسائي‬

‫واف������رش������ي ب����ال����رب����ي����ع ص����ح����را يبابي‬

‫ي����ا اب���ن���ة ال����ري����ف م���وس���م���ي ل���ي���س فيه‬

‫م�����ن وع��������ود ال����ح����ي����اة غ����ي����ر ال����س����راب‬

‫واألم����ان����ي ال���ت���ي اع��ت��ل��ت س����رج أمسي‬

‫غ�������ادرت�������ن�������ي ول����������م ت�����ع�����د ب�������اإلي�������اب‬

‫آهِ ح�����������������وراء‪ ..‬ق�����ص�����ة م�������ن ف����ص����ول‬

‫ي�������ا س�����������ؤاال ال ي����ن����ح����ن����ي ل����ل����ج����واب‬

‫ي�����ا دي�����������ار ًا ل�����م ت��ك��ت��ش��ف��ه��ا ال���ق���واف���ي‬

‫وع������روس������ ًا ت���خ���ت���ال خ���ل���ف ال���س���ح���اب‬

‫������ال غ�������دا ال������ه������واء ن����ق����ي����اً‪..‬‬ ‫ف������ي ج������ب ٍ‬

‫وأري������������ج ال������ش������ذى وزه����������ر ال������رواب������ي‬

‫ف����ي ظ���ل��ال ال���ع���رع���ر ي���ح���ل���و م���ق���ي���لٌ ‪..‬‬

‫����ن‪ ..‬ج����انِ ����ب األب�������واب‬ ‫أخ����ض���� َر ال����غ����ص ِ‬

‫ْ����ت ج������وادي‬ ‫ه����زن����ي ال����ش����وق ف����اعْ ����تَ���� َل����ي ُ‬

‫ع���������ائ���������د ًا ب�����ع�����د ط����������ول غ���������ي���������اب‪!!..‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪77‬‬


‫ح��دي��ق��ة‬

‫ال���ش���روق‬ ‫> ليلى احلربي*‬

‫ع�����ي�����ن�����اك زادي ف�������ي ال�����ح�����ي�����اة ووج�����ه�����ك‬ ‫�������ل ف��������ي ال�������ن�������ه�������ار م�����������زاري‬ ‫ق������ن������دي������ل ل�������ي ٍ‬ ‫وم���������راف���������ئ ال�����ق�����ل�����ب ال�����ص�����غ�����ي�����ر م����ح����ط����ةُ‬ ‫ل���������������زوارق���������������ي وزواب���������������ع���������������ي وب���������ح���������اري‬ ‫ي������وم������ا ب����ظ����ه����ر ال�����غ�����ي�����ب ك�����ن�����ت ق����ص����ي����دة‬ ‫وال������������ي������������وم ن�������ه�������ر ب������ال������م������ش������اع������ر ج����������ارٍ‬ ‫(ال أم��������س م������ن ع����م����ر ال�������زم�������ان وال غ����د)‬ ‫أن�������������ت ال��������ح��������ي��������اة ج����������دي����������دة األط����������������وار‬ ‫أن��������������ت ال��������رب��������ي��������ع إذا ت���������ل���������ون زه����������ره‬ ‫وال�������ص�������ي�������ف إن ح������ط������ت ب��������ه أم�������ط�������اري‬ ‫��������������ت ال�������ش�������ت�������اء إذا ت���������ط���������اول ل���ي���ل���ه‬ ‫ِ‬ ‫أن‬ ‫و ان�����������داح ن����ج����م ال����ش����م����س خ����ل����ف ن����ه����اري‬ ‫ح�������ت�������ى ال��������خ��������ري��������ف وب����������ؤس����������ه ي�����ت�����ب�����دال‬ ‫ي�����ص�����ح�����و ال����������ف����������راش ت�������ؤم�������ه أط�������ي�������اري‬ ‫�������ت إل��������ي��������ه ع������������اد رب����ي����ع����ه‬ ‫ح������ي������ن ال�������ت�������ف ِّ‬ ‫م���������ت���������أل���������ق���������ا ب�����������ت�����������ب�����������ادل‬

‫األدوار‬

‫ال ت�����ن�����ك�����ئ�����ي ج�������رح�������ي ف�����ت�����ب�����ك�����ي ف�����ق�����ده‬ ‫ذك��������������������راه ن��������ام��������ت ع�������ان�������ق�������ي ت��������ذك��������اري‬ ‫ك�������ون�������ي ك�������ن�������ور ال������غ������ي������ث ال س�����������اق ٍ ل���ه‬ ‫إال ال���������س���������ح���������اب ت�������ح�������ف�������ه أن�������������������واري‬ ‫ي��������ا م�����ن�����ي�����ة ال������ق������ل������ب ال������ش������ج������ي ت����أل����ق����ي‬ ‫ن�������ام�������ي ك�����ع�����ص�����ف�����ور ال������م������س������ا ب�������ج�������واري‬ ‫ي��������ا ن�����ب�����ض�����ة ال�������ح�������ب ال������ط������ه������ور ت����رن����م����ي‬ ‫ك�����������ون�����������ي ب�������ق�������ل�������ب�������ي درة ب������م������ح������ار‬ ‫ه����ي����ه����ات ي����خ����رج����ه����ا ال�������زم�������ان ب����������دون ما‬ ‫����������ح����������ار‪.‬‬ ‫ي������س������ت������ل������ه������ا ب���������أس���������ن���������ة ال����������ب َّ‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ف�������م�������ا ذن���������ب���������ي وق��������������د أش�������ع�������ل�������ت ن����������ارا‬ ‫م�������ن ال�������ه�������ج�������ران ت������ن������ذر ب������اح������ت������راق������ي؟!‬ ‫وم�������������ا ق����������ول����������ي؟ وق�������������د ع��������ج��������زت أس����������اة‬ ‫س�����������������وى‪ :‬ك�����ل�����ا إذا ب�������ل�������غ ال�������ت�������راق�������ي‬

‫ال إك����راه‬ ‫ف���ي احل��ب‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫أج������ي������ب������ي������ن������ي‪ :‬إذا ش������������اخ اش�����ت�����ي�����اق�����ي‬ ‫وض����������اع����������ت ح������ج������ت������ي ع�������ن�������د ال������ت���ل��اق������ي‬

‫> حامد أبو طلعة*‬

‫وم�����������وت ال������ح������ب – ل�������و ت�������دري�������ن – خير‬ ‫ل�������ن�������ا م�����������ن ع������ي������ش������ه م�������ث�������ل ال������م������ع������اق‬ ‫س�����أس�����ل�����و ع�������ن�������ه‪ ،‬أق�������ض�������ي ال�����ع�����م�����ر ح�����را‬ ‫ف���������م���������ا أح��������ل��������ا ش�����������ع�����������ور االن�����������ط�����ل�����اق‬ ‫ف����ل����ا ب���������ورك���������ت ‪ ُ ،‬إن الح������������ت ل���ق���ل���ب���ي‬ ‫��������������ادات وم��������������ا أط�������ل�������ق�������ت س������اق������ي‬ ‫ٌ‬ ‫س��������������ع‬ ‫س������أق������ض������ي ال������ع������م������ر أل�������ه�������و ب�����ال�����غ�����وان�����ي‬ ‫�����������اق‬ ‫إذا م�����������ا زال ف�����������ي األي���������������������ام ب ِ‬ ‫ف�����خ�����ي�����ر ل���������ي ق��������ض��������اء ال������ع������م������ر ل������ه������و ًا‬ ‫ب�������غ�������ان�������ي�������ة ت������ع������ي������ش ع�������ل�������ى ال���������وف���������اق‬ ‫ف�������أخ�������ت ال���������وص���������ل ف���������ي ع�����ي�����ن�����ي أراه�����������ا‬ ‫أح�����������������ب إل�����������������ي م�������������ن أ ِّم ال�����������ف�����������راق‬ ‫وخ������ي������ر ال�������ن�������اس أه����������ل ال�����ص�����ف�����و ع����ن����دي‬ ‫وش������������ر ال������خ������ل������ق ه���������م أه������������ل ال�����ش�����ق�����اق‬ ‫رأي���������ت���������ك ف���������ي ذوي ال�������ق�������رب�������ى ف�����������ؤادا‬ ‫م���������ع ال���������زم���������ن ال������م������غ������ف������ل ف���������ي س�����ب�����اق‬ ‫س�����ئ�����م�����ت�����ك‪ ،‬ف�������ارح�������ل�������ي وال���������ح���������ب إن������ي‬ ‫ب������ط������ول ال�����ه�����ج�����ر ق��������د ش����������اخ اش����ت����ي����اق����ي‬ ‫ف����ل����ا ف���������ي ال��������ح��������ب إك�����������������������راهٌ ‪ ،‬وه������������ا ق���د‬ ‫ت������ب������ي������ن������ت ال��������ط��������ري��������ق م�����������ن ال������ن������ف������اق‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪79‬‬


‫أس�������������������رج خ��������ي��������ول��������ك أي����������ه����������ا ال�����ق�����ل�����ب‬ ‫وارك��������������������ض ب�������ه�������ا إن ال����������م����������دى رح�������ب‬ ‫دع�����������ه�����������ا ل�����������ط�����������يِّ ال�������������������������د ِّو ع�����������ادي�����������ةً‬ ‫������ح������ب‬ ‫������س ُ‬ ‫َ��������ت أع��������راف��������ه��������ا ال ُّ‬ ‫ق���������د ب��������لَّ��������ل ْ‬ ‫������ج‬ ‫ل��������ك��������أن��������ه��������ا وال�����������ص�����������ب�����������ح م������ن������ب������ل ٌ‬ ‫������ض������ب‬ ‫س������ي������ل ت�����������ح�����������دِّ رُه اآلك�������������������امُ وال������ه ُ‬ ‫���������ت ي�������ض�������ج ب�������خ�������اف�������ق�������ي ش����ج����ن����ا‬ ‫ص���������م ٌ‬

‫أسرج خيولك‪!!!..‬‬ ‫> ثاني احلميد*‬

‫وال�����������ج�����������رح ت������ب������ك������ي ن��������زف��������ه ال����������هُ ����������دُ ب‬ ‫ه��������������ل غ�������������������������������ادروا ح���������ق���������ا أح������ب������ت������ن������ا‬ ‫أم أن ه���������������ذا ال��������ق��������ل��������ب م�����ض�����ط�����رب‬ ‫ف���������ال���������ي���������وم إن ت���������اه���������ت ب��������ن��������ا س������ب������لٌ‬ ‫َ���������ب‬ ‫ف�����ال�����ف�����ج�����ر ب������ع������د ال������ل������ي������ل مُ ��������� ْرتَ���������ق ُ‬ ‫م�������������ال�������������ي ول��������ل��������أي�����������������ام أن������������د ُبُ������������ه������������ا‬ ‫م�������������ا ن���������ح���������ن إال ع���������������الَ���������������مٌ ُْغ�����������������رب‬ ‫ح������س������ب������ي م����������ن ال��������دن��������ي��������ا بَ������لَ������هْ ������ن������ي������ةٍ‬ ‫ال ل����������������وم ل������������ي ف�������ي�������ه�������ا وال عُ ������ت������ب‬ ‫َ��������ج��������م��������ع ال��������دن��������ي��������ا ت��������ف��������رِّقُ ��������هُ‬ ‫م����������ن ت ْ‬ ‫ال غَ ����������������������رْو!! ي�����ف�����ع�����ل م���������ا ي������ش������ا ال���������رب‬ ‫ت������ق������ض������ي ون�������م�������ض�������ي ن�������ح�������و غ�����اي�����ت�����ن�����ا‬ ‫وع����������ن����������د رب����������������ك تُ������������������قْ ������������������ َر ُأ ال������ك������ت������ب‬ ‫* شاعر من الجوف‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫رسالة إلى رجل غبي‪..‬‬ ‫> إميان مرزوق*‬ ‫‪ ..‬هزيمتك القديمة‬

‫لتعيش على شمعة األمس‬

‫كانت ربحاً‪..‬‬

‫وتذكّر‬

‫أما اآلن‬

‫أنك أنت من ضيعت الياسمين‬

‫فخسارتك حقيقية‬

‫وبسببك‬

‫وبعد اآلن لن يُ فيدك‬

‫شوك‬ ‫أصبح للياسمين ٌ‬

‫غباؤك أو حتى خبثك‬ ‫تم َرّغ يا غبي‪..‬‬ ‫في ظالم نورك الدامس‬ ‫يا من يعشش الحمق في مساماتك‬ ‫مللت غباءك واستغباءك‬ ‫ُ‬ ‫ولم تعد تقنعني تبريراتك‬ ‫***‬

‫وتذكر‬ ‫شوق‪..‬‬ ‫عندما يعتريك ٌ‬ ‫طوق‪..‬‬ ‫ويلتف حولك من الضياع ٌ‬ ‫أنك لن تجد تلك العينين الواسعتين‬ ‫اللتين كانتا تمطرانك‬ ‫بأمطار الدفء والحنين‬ ‫وعندها ستكون من النادمين‪..‬‬ ‫ولكن‬

‫تذكّر‬

‫بعد فوات األوان‬

‫أنك أنت من هجرت الشمس‬

‫وبعد توحش الياسمين‪...‬‬

‫* كاتبة من األردن‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪81‬‬


‫البحث عن الالمرئي‬

‫ •ح��وار مع الحائز على جائزة نوبل ل�لآداب ع��ام ‪2008‬م (ج��ان ماري‬ ‫غوستاف لو كليزيو)‪.‬‬ ‫ •(أجرى المقابلة تالميذ الثانوية الفرنسية‪ :‬كالريس تيستشينكو‪،‬‬ ‫حنا كيم‪ ،‬رومان لو مو‪ ،‬أندريس إليدجي من طوكيو‪ .‬وبريسكا كابونال‬ ‫ال فيرالال من سيئول)‪.‬‬

‫> ترجمة سعيد بوكرامي*‬

‫ولد في مدينة نيس الفرنسية عام ‪1940‬م‪ ،‬أمضى سنتين من طفولته في نيجيريا‪،‬‬ ‫وقام بالتدريس في جامعات بانكوك وبوسطن ومكسيكو سيتي‪ .‬روائي فرنسي حائز على‬ ‫جائزة نوبل لآلداب عام ‪2008‬م‪ .‬اشتهر عام ‪1980‬م بعد نشر رواية «الصحراء» التي تقدم‬ ‫«صورا رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال أفريقيا»‪ ،‬حسب ما اعتبرته األكاديمية‬ ‫السويدية‪.‬‬ ‫وخالل جلسة فريدة في نوعها‪ ،‬جمعت مجموعة من تالميذ الصف الثانوي المنشغلين‬ ‫بالصحافة والكتابة‪ ،‬ويهيئون جريدة «آسيا»‪ .‬عبّر جان م��اري غوستاف لوكليزيو عن‬ ‫قامته األدبية واإلنسانية الكبيرة‪ ،‬وهو الكاتب المحب للسفر ومعرفة الشعوب‪ ،‬وهذا‬ ‫ما دفعه طيلة مشواره اإلبداعي كي يحارب بقوة للمحافظة على الخصوصية الثقافية‬ ‫للشعوب المهمشة والمنبوذة‪ ،‬ضد العولمة وأساليبها الماكرة‪ ،‬وكأنه يدافع عن حياته‬ ‫الخصوصية‪.‬‬ ‫لوكليزيو في هذا الحوار النادر جعل تالميذ الثانوية يحسون بقيمتهم اإلنسانية‬ ‫وحريتهم الفكرية‪ .‬وربما هذا ما نفتقده أساسا مع أدبائنا العرب البعيدين كل البعد عن‬ ‫الطفل العربي وفضاءاته التعليمية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫< في السابعة من العمر كتبت نصوصك األولى‬ ‫المخصصة ل��م��وض��وع ال��ب��ح��ر‪ ،‬وف��ي الثالثة‬ ‫وال��ع��ش��ري��ن ن��ش��رت «ال��م��ح��اك��م��ة الشفهية»‬ ‫ال��ذي حصل على جائزة رون��ودو‪ .‬وفي خضم‬ ‫الخطوات األولى من حياتك هل تعتقد أنك‬ ‫كنت طفال ناضجا أو شابا مستعجال؟‬ ‫> كنت على وج��ه الخصوص ضحية العصر؛‬ ‫ألنها كانت مرحلة عقبت ال�ح��رب العالمية‬ ‫الثانية‪ .‬مرحلة كان األطفال ال يخرجون فيها‬ ‫ك�ث�ي��را‪ ،‬ألن�ه��م ك��ان��وا محبوسين ف��ي بيوتهم‪،‬‬

‫الصعوبات‪.‬‬ ‫< ما هو التخصص الذي اخترته في الثانوي‪،‬‬ ‫وهل كنت تعرف ما ستفعله بعد البكالوريا؟‬

‫ال�خ��ارج ك��ان م��زروع��ا باأللغام‪ .‬كانت األلغام > تابعت شعبة أدبية‪ ،‬ألن عالماتي في العلوم‬ ‫لم تكن جيدة‪ .‬كنت أحب أن أتوجه لدراسة‬ ‫توجد في كل مكان‪ ..‬وكنا ممنوعين من لعب‬ ‫الكرة في الحقول‪ .‬وكان من الضروري إشغال‬ ‫وقت الفراغ‪ ..‬فأشغلته بالكتابة‪ .‬حتى التلفاز‬ ‫لم يكن متوافراً لنا آن��ذاك‪ .‬كان أخي يكتب‬ ‫أيضا‪ .‬وكنا معا نكتب رواياتنا ونتبادلها فيما‬ ‫بيننا‪ .‬فكانت تلك تسليتنا‪.‬‬

‫ال�ط��ب‪ .‬كنت سأحب ه��ذه ال��دراس��ة‪ .‬تابعت‬ ‫دراس �ت��ي بجامعة ن�ي��س‪ ،‬وف��ي ال��وق��ت نفسه‬

‫تابعت كمستمع حر دروس الطب وعلم النفس‪.‬‬ ‫ألنني كنت أعتبرهما مهمين‪ ،‬رغم أنه لم تكن‬ ‫لدي الكفاءة الالزمة ألصبح طبيبا‪.‬‬

‫< خ�ل�ال دراس���ت���ك‪ ..‬م��ا ه��ي ال��م��ادة ال��ت��ي كنت < وأن��ت تلميذ‪ ..‬هل مارست نشاطات إضافية‬ ‫تفضلها؟‬ ‫أث��رت كثيرا ف��ي دراس��ت��ك أو مجرى عملك؟‬ ‫> أحببت كثيرا م��ادة الجغرافية‪ .‬وك�ن��ت أعد‬ ‫دف��ات��ره��ا بعناية ف��ائ�ق��ة‪ ،‬وب��أع�لام ك��ل دولة‬ ‫وشعب‪.‬‬ ‫< والمادة التي لم تكن تحبها كثيرا؟‬ ‫> ي �ج��ب أن أق � ��ول ب �خ �ج��ل ك �ب �ي��ر إن� �ه ��ا م ��ادة‬ ‫الرياضيات‪ ،‬ليس لعدم االهتمام بها‪ ..‬ولكن‬ ‫بسبب العالمات الكارثية التي كنت أحصل‬

‫كالموسيقى أو ال��رس��م‪ ،‬أو ن��اد سينمائي أو‬ ‫ورشة للكتابة مثال‪..‬؟‬ ‫> لم أم��ارس كل ه��ذه األش�ي��اء‪ ،‬لكنني مارست‬ ‫ع��رض األف�ل�ام‪ .‬كنت أم�ل��ك ع��ارض��ا وبعض‬ ‫األف�ل��ام‪ .‬وك �ن��ت أم� ��ارس ال�ت��وض�ي��ب‪ ،‬وأقدم‬ ‫عروضا خاصة في شقة جدتي بواسطة هذا‬ ‫العارض القديم‪ .‬كنت أحب ذلك‪.‬‬

‫عليها‪ ،‬كما ل��م يكن ل��دي التفكير المنطقي < في سن السابعة والعشرين أمضيت خدمتك‬ ‫المطلوب‪ ،‬وم��ع ذل��ك كنت أفكر دائ�م��ا أنني‬

‫العسكرية في تايالند كمتعاون‪ ،‬ثم ُطردتَ‬

‫ل ��و ب��ذل��ت م �ج �ه��ودا أك��ب��ر ف��إن �ن��ي سأجتاز‬

‫ألن��ك أدن��ت دع���ارة األط��ف��ال‪ .‬ه��ل يمكنك أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪83‬‬


‫تحدثنا ع��ن ه���ذا ال��م��وق��ف ال��م��ت��م��رد وربما‬

‫هل كانت لديك نية كتابة كتاب عند قدومك‬

‫نتائجه المصيرية؟‬

‫إلى فانواتو‪ ،‬أم أن اإللهام أتاك بعد إقامتك‬

‫> لم يكن األمر سهال‪ .‬كانت هناك مؤامرة وراء‬

‫في أرخبيلنا؟‬

‫طردي‪ .‬صحيح أنني نشرت حواراً أقول فيه > ك �ـ��ان��ت االن �ط�لاق��ة م��ن ال ��والي ��ات المتحدة‬ ‫إن دعارة األطفال تعتبر أكبر جريمة في ذلك‬

‫الوقت‪ ،‬وإنها أكبر مشكلة تعاني منها تايالند‪.‬‬ ‫كنت ق��د ُك�لِّ�ف��تُ ب�ت��دري��س ال�ع�ل��وم السياسية‬ ‫بجامعة ت�م��اس��ات ب�ب��ان�ك��وك‪ ،‬ول �س��وء الحظ‬ ‫ض َّمنْتُ ج��دول ال��دروس رسالة م��او زيدونغ‬ ‫الممنوعة في تايالند‪ ،‬وبناء عليه قام بعض‬ ‫الطلبة بالوشاية بي‪ .‬تلك األمور مجتمعة أدت‬ ‫إلى طردي‪.‬‬ ‫< حضور آسيا ‪-‬مقارنة مع باقي القارات‪ -‬قليل‬ ‫في أعمالك‪ .‬ما أسباب ذلك؟‬ ‫> أنا ال أكتب حقيقة عن أسفاري‪ ،‬لذا أعتقد أن‬ ‫آسيا حاضرة؛ لكن بطريقة أكثر تعرجا وأقل‬ ‫مباشرة‪ ،‬من خالل بعض المناظر الطبيعية‬ ‫ومشاهد ال �ش��وارع‪ .‬عشت مثال ف��ي سيئول‬ ‫بكوريا مدة طويلة‪ .‬أحببت كثيرا تلك المدينة‪،‬‬ ‫حتى وإن كانت ال تظهر بشكل مباشر‪ ،‬وال‬ ‫أس�م�ي�ه��ا‪ ،‬ف��إن�ن��ي أف �ك��ر ب��اس �ت �م��رار بأزقتها‬ ‫المخترقة ب��أس�لاك الكهرباء وال�م�ط��ر‪ ..‬كل‬ ‫هذا يدخل في ديكور ما أكتبه‪.‬‬ ‫< م���ن آس��ي��ا س��ي��د ل��وك��ل��ي��زي��و‪ ..‬سننطلق إلى‬ ‫األوس��ي��ان��ي للحاق ب��ف��ان��وات��و‪ ،‬حيث تالميذ‬ ‫ال��ث��ان��وي��ة ال��ف��رن��س��ي��ة ب��ورف��ي�لا ي��رغ��ب��ون أن‬ ‫يطرحوا عليك أربع أسئلة‪ .‬سأطرحها عليك‬ ‫نيابة ع��ن بريسكا كابونال ال فير الال‪ ،‬وهو‬ ‫تلميذ من جزيرة راغ��ا‪ ،‬ومدير جريدة آسيا‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫والوصول إلى أوربا‪ ،‬إنها مغامرة معقدة؛ ألنني‬ ‫كنت قد دعيت على متن باخرة مسافرة‪ .‬هذه‬ ‫األخيرة كان على متنها تالميذ كثر من الصف‬ ‫ال�ث��ان��وي‪ ،‬يسافرون عبر العالم م��ن بلد إلى‬ ‫آخر‪ .‬انطالقا من الواليات المتحدة وصوال‬ ‫إلى أوربا‪ .‬اقتُرِ ح عليَّ االلتحاق بالباخرة عند‬ ‫نقطة معينة‪ ،‬فاخترت أن أنطلق من فانواتو؛‬ ‫ألنني لم أكن أعرفها‪ .‬فكرت أنه لن تتاح لي‬ ‫في الحياة فرص أخرى كي أزوره��ا بواسطة‬ ‫الباخرة‪ .‬أحب كثيرا الوصول إلى أي بلد على‬ ‫متن باخرة‪ .‬األمر مختلف جدا عن الطائرة‪.‬‬ ‫ربما هو حب المغامرة‪ .‬هذه الرحلة نظمتها‬ ‫الموسوعة البريطانية التي مولت جزءا منها‪.‬‬


‫تفاصيل الرحلة‪ .‬غششت قليال ألنني عوضاً‬

‫البلدان بسوء مصادفة‪ ،‬ومن دون أن يلتقوا‬

‫عن كتابة يومياتي‪ ..‬تحدثت عن فواناتو فقط‪،‬‬

‫المجتمعات التي يقصدونها‪ .‬كانوا يبحثون‬

‫ولم أتحدث عن الباخرة‪.‬‬

‫عن الذهب والعبيد وال�م��واد األول�ي��ة‪ ،‬لكنهم‬

‫< أنت تسافر كثيرا‪ ..‬فهل أحسست بخصوصية‬ ‫في الحكايات التقليدية لفواناتو؟‬

‫لم يدركوا ما يرونه‪ .‬إذاً‪ ،‬فقد كانوا عميانا‪،‬‬ ‫فليست القارة هي المحجوبة؛ بل هم العميان‬ ‫الذين لم يستطيعوا رؤيتها‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫على كل المسافرين أن يكتبوا يوميات تحكي‬

‫للغزاة الكبار للقارة األمريكية‪ ،‬قاموا بغزو‬

‫> لم أك��ن أعرفها‪ .‬حالفني الحظ بلقاء راوية‬ ‫مذهلة‪ ،‬إنها شارلوت وايمتنسوي‪ ،‬التي حكت < ك���ان���ت ال��ح��ص��ر أو ال��خ��ن��ازي��ر أو أسنانهم‬ ‫الحلزونية ‪-‬لفترة طويلة‪ -‬النقود التقليدية‬ ‫في ع��دد من األمسيات حكايات جد مثيرة‬ ‫لالهتمام وجد حية؛ ألنها غير مكتوبة‪ .‬كانت‬ ‫حكايات يتم تناقلها شفويا إل��ى أن وصلت‬ ‫إليها‪ .‬خصوصية ه��ذه الحكايات أنها كانت‬ ‫مليئة بالدعابة‪ .‬هناك دائما موقف طريف‬

‫ف��ي ف��وان��ات��و‪ ..‬وم��ا ت���زال ‪ -‬إل��ى يومنا هذا‪-‬‬

‫تستعمل في كثير المناسبات‪ .‬م��اذا سنأمل‬ ‫للجزر الصغيرة كجزيرتنا المنعزلة‪ ،‬لكن‬ ‫المتأثرة بالعولمة؟‬

‫حتى عندما تحكى أم ��ورا م��أس��اوي��ة‪ .‬هناك > ه��ي ش�ك��ل م��ن أش �ك��ال ال �م �ق��اوم��ة‪ .‬أظ ��ن أن‬ ‫لحظة من الدعابة‪ ،‬وهي بالذات ما أحببت‬

‫السائل من جزيرة بانتكوت‪ ،‬التي تدعى أيضا‬

‫لدى الفواناتو‪.‬‬

‫راغا‪ .‬كانت عملة هذه الجزيرة حصر القصب‬

‫< أسميت كتابك «القارة المحجوبة»‪ .‬لماذا هذا‬ ‫التعبير «ال��ق��ارة المحجوبة» وم��اذا رأي��ت في‬ ‫أرخبيلنا غير المرئي؟‬ ‫> أسميته القارة المحجوبة؛ ألن البحارة مروا‬ ‫بالقرب منه مدة طويلة من دون أن يشاهدوه‪.‬‬

‫الرائعة المنسوجة بواسطة النساء‪ .‬وما يزلن‬ ‫يستعملنها ل�ت�س��دي��د ث�م��ن ب�ع��ض متطلبات‬ ‫حياتهن‪ .‬مثال دراسة األطفال هن من يدفعن‬ ‫أجره‪ .‬إذاً يجب مقاومة العولمة‪ ،‬وهذه إحدى‬ ‫الطرق الجيدة‪.‬‬

‫وحتى البحارة األوربيين األوائ��ل مثل بيدرو < فلنعد إلى آسيا‪ ،‬سيدي لوكليزيو‪ ،‬إلى كوريا‬ ‫ه��ذه المرة‪ .‬األسئلة التي سأطرحها عليك‬ ‫كويروس الذي بلغ شواطئ فواناتو لم يعرف‬ ‫أ ُِع��دت من طرف أسرة تحرير أسيا بسيئول‪.‬‬ ‫ما هي!! ولم يحضر منها أي شيء مهم وقد‬ ‫عممت األمر على البحارة اآلخرين‪ ،‬كما أن‬ ‫مجمل االكتشافات تمت صدفة من دون أن‬

‫ل��م��اذا واف��ق��ت على ت��دري��س األدب الفرنسي‬ ‫بجامعة سيئول ما بين ‪ 2007‬و‪2008‬م؟‬

‫نقصدها‪ .‬كرستوبال كولون مثال م َر بجانب > كنت قد أتيت سابقاً عدة م��رات إلى كوريا‪،‬‬ ‫أمريكا‪ ،‬ولم ي��درك أب��دا ما ي��راه‪ ،‬ولم يتخيل‬

‫استجابة لدعوة من مؤسسة دايسان‪ .‬ساورني‬

‫أنه يكتشف أمريكا‪ ،‬والشيء نفسه بالنسبة‬

‫حينها شعور أنه بلد مختلف عن باقي بلدان‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪85‬‬


‫آسيا التي عرفتها سابقا مثل اليابان والصين‪ > .‬أنا أتفق معك كليا‪ ،‬ونتيجة لذلك لم أكتب عن‬ ‫فأحببت أن أت�ع��رف على ه��ذه الخصوصية‬

‫كوريا‪.‬‬

‫المميزة ل�ك��وري��ا‪ .‬إض��اف��ة إل��ى أن الكوريين < كوريا الجنوبية تنظر إلى المستقبل‪ ..‬وكوريا‬ ‫أش �خ��اص لطيفون وظ��رف��اء‪ ،‬ي�ع��رف��ون كيف‬ ‫الشمالية تنظر إلى الماضي‪ :‬هل هذا التعامد‬ ‫يستمتعون بالحياة‪ .‬وج��دت إذاً االستضافة‬

‫ممتعة ج��دا‪ .‬عندما تلقيت ع��رض التدريس‬ ‫بجامعة آوه��ا بسيئول‪ ،‬قبلت من دون تردد‪،‬‬ ‫وفكرت أنها ستكون تجربة استثنائية للتعرف‬ ‫جيدا على كوريا ومدينة سيئول‪.‬‬

‫> ليس سذاجة‪ ،‬بل هو مأساة؛ ألنه فعال عندما‬ ‫نرى الصور القادمة من كوريا الشمالية‪-‬أنا لم‬

‫أذهب قط إليها‪ -‬نحس أن شعبها أسير نوع من‬

‫الجنون‪ .‬هذا الجنون الذي يحاول المحافظة‬

‫< هل يمكنك الكتابة عن كوريا من دون الوقوع‬

‫على نظام عتيق ورجعي وعسكري‪ ..‬في عالم‬

‫مجتمع وت���اري���خ‪ ،‬ل��م يستطع أح���د ‪-‬حتى‬

‫ما نتمناه أن تتحقق المصالحة بين الكوريتين‪،‬‬

‫ض��ح��ي��ة ال���وق���وف ش��اه��دا م��ن ال���خ���ارج على‬

‫كل شيء فيه يسير نحو التواصل والتبادل‪ .‬وكل‬

‫الشعب الكوري نفسه المقسم منذ ‪1945‬م‪-‬‬

‫واللقاء بين القسمين من الشعب الكوري الذي‬

‫فهمه؟‬

‫‪86‬‬

‫جسارة أم سذاجة؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫له اللغة نفسها والثقافة نفسها‪.‬‬


‫المعاصرة‪ .‬كيف تقيم أعمالها؟‬ ‫> األمر جد معقد‪ .‬ليست سينما بسيطة‪ .‬هناك‬ ‫الرديء والممتاز‪ .‬هناك أفالم عنيفة كأفالم‬ ‫ب ��ارك ش ��ان ووك‪ .‬وأف �ل�ام صعبة وملتزمة‬

‫بقضايا المجتمع كأفالم ال��روائ��ي لي شانغ‬ ‫دون��غ‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬فأنا أحب هذا التنوع في‬

‫السينما‪ .‬أضف أنني عندما أشاهد أفالماً‬ ‫منتجة م��ن ط��رف م��درس��ة ك��وري��ا للسينما‪،‬‬ ‫أخلص إل��ى أن الجيل الجديد موهوب جدا‬

‫وواعد‪ .‬إنها سينما شابة وواعدة‪.‬‬

‫< لماذا فيلم أوجيتسو مونوغاتاري‪ :‬حكايات‬ ‫القمر الغائم بعد المطر ل «ميزوغوتشي»‪.‬‬ ‫كان صدمة جمالية بالنسبة لك؟!‬ ‫> ألنني في ذلك الوقت لم أشاهد فيلما فنيا‪.‬‬

‫كان عمري أربعة عشر عاما أو خمسة عشر‪.‬‬ ‫كنت أعبر األزقة في فرنسا‪ ،‬وأرى إحدى دور‬

‫السينما يعرض ملصق فيلم قديم في ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬فدخلت حباً في االط�لاع‪ ..‬ألنني لم‬

‫أشاهد من قبل أفالما يابانية‪ .‬كنت مندهشا‬

‫من أن هذه السينما ال تقدم أفالم حركة أو‬ ‫ويسترن أو أفالم حرب أو قصصا موسيقية‪.‬‬ ‫فجأة وجدت نفسي أمام سينما تحكي أشياء‬

‫عميقة وقوية‪ ،‬تتحدث عن زمن تاريخي؛ لكن‬ ‫يمكن أن يكون أيضا الحاضر‪.‬‬

‫< هل تحب أن تتحول كتبك أفالما سينمائية‪.‬‬ ‫أو أن تخرج فيلما؟‬ ‫> إخراج فيلم؟ نعم أحب ذلك‪ .‬لم أتخلَّ بعد عن‬

‫فيلما في كوريا‪ .‬وبحق‪ ..‬فأنا أحب الممثلين‬ ‫والممثالت الكوريين‪ ،‬لهذا أفضل أن أنجز‬ ‫فيلما هنا‪ .‬لكن نقل رواي��ة إل��ى السينما ال‬ ‫يهمني كثيرا‪ .‬أعتقد أنهما شكالن تعبيريان‬ ‫مختلفان جدا‪ ،‬كما أنه يلزم ذلك توفر مخرج‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫< أن���ت ت��ح��ب وت��ع��رف ج��ي��دا السينما الكورية‬

‫هذا المشروع‪ .‬زد على ذلك‪ ..‬أحب أن أ ُخرِ ج‬

‫فائق الموهبة‪ .‬لم أشاهد قط نقال سينمائيا‬ ‫مقنعا لرواية‪ .‬مثال مدام بوفاري‪ ،‬فيلم جميل‪..‬‬ ‫لكن يبدو لي أنه غير متكامل ألنني لم أجد‬ ‫فيه عمق الرواية‪ .‬رأيت أيضا نقل المحاكمة‬ ‫لكافكا ليس مقنعا‪ .‬لهذا ال أنتظر شيئا من‬ ‫تحويل فيلم‪ .‬يجب أن يعيد المخرج إبداع‬ ‫الحكاية‪.‬‬ ‫< خ�لال ن���دوة مشتركة بينك وك��ن��زاب��ورو أوي‬ ‫في بيت الفرنسي الياباني‪ .‬أك��دت أنك «ابن‬ ‫الحرب» كما ذك��رت أهمية نهاية االستعمار‪.‬‬ ‫هل تعتقدون أن هذه االزدواجية في القرائن‬ ‫التاريخية ق��د حسمت ف��ي طريقة كتابتك‬ ‫وتفكيرك وحتى في حياتك؟‬ ‫> ن �ع��م‪ ..‬بالتأكيد ه��ي ال �ح��رب وه ��ذا ال يقبل‬ ‫الجدل‪ ،‬فهي من منحتني الحاجة إلى الكتابة‪،‬‬ ‫كي أهرب‪ ،‬وأتحرر من سجن ما بعد الحرب‪.‬‬ ‫وح �ت��ى ي��وم�ن��ا ه��ذا ت��وج��د ح ��روب ف��ي بعض‬ ‫البلدان‪ ،‬ما يدفعني إلى التفكير في األطفال‬ ‫وال�ش�ب��اب ف��ي مثل ع�م��رك��م‪ ،‬ال��ذي��ن يعيشون‬ ‫ظ��روف��ا صعبة وس��ط القنابل والتفجيرات‪،‬‬ ‫كيف سينجون من ذلك؟ هذا األمر ينغصني‪..‬‬ ‫ألنني أتذكر كل هذه األشياء‪.‬‬

‫* كاتب ومترجم من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪87‬‬


‫الباحث األكاديمي والناقد والروائي أ‪ .‬د‪ .‬معجب الزهراني‪:‬‬ ‫تعلمت من قريتي في جبال السروات محبة العمل‪،‬‬ ‫وتعلمت من باريس محبة الحرية‬ ‫أزعم أن معاناة المثقف الحقيقي وهو ينجز شيئا في بلده‪ ،‬أفضل وأنبل بكثير من‬ ‫استمتاعه بمنجزات غيره‪ .‬لهذا فضلت أن تكون العالقة بيني وبين باريس‬ ‫عالقة عشق ال عالقة زواج‬

‫> حاوره محمود الرمحي*‬

‫يحمل الدكتوراه في األدب المقارن من جامعة السوربون في باريس‪ .‬يعمل حالي ًا‬ ‫في جامعة الملك سعود بالرياض‪ ،‬ويعد من رواد ورموز الحداثة في المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ..‬استضافته مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في منطقة الجوف حيث‬ ‫ألقى فيها محاضرة بعنوان ربيع الرواية السعودية‪ ،‬التقيناه فيها فكان لنا معه هذا‬ ‫الحوار‪..‬‬ ‫< كيف اخ��ت��رت ال��دراس��ة ف��ي فرنسا‪ ،‬هل‬ ‫اخترتها أم اختارتك؟‬ ‫> ي�ب��دو أن ال �ص��دف السعيدة ه��ي التي‬ ‫ح�س�م��ت األم � ��ر‪ ،‬ف �ع �ق �دَت ب�ي�ن��ي وبين‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫فرنسا ‪-‬وخاصة باريس‪ -‬عالقة حب لم‬ ‫تنفصل إلى اآلن‪ .‬في المرحلة الجامعية‬ ‫ق� ��رأت ال�ك�ث�ي��ر ع��ن األدب الفرنسي‪،‬‬ ‫ولكبار األدب��اء العرب الذين ع��ادوا من‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ف��رن�س��ا‪ ،‬وت��أث��روا بثقافتها‪ .‬وحينما راسلت‬ ‫جامعات أمريكية وفرنسية وج��اءن��ي الرد‪..‬‬ ‫ < هناك من زمالء البعثة من اختاروا البقاء في‬ ‫فضلت السوربون وباريس على ما سواهما‪.‬‬ ‫فرنسا‪ ..‬هل كان هذا االختيار واردا بالنسبة‬ ‫< كيف وجدت فرنسا بعد أن تعرفت إلى لغتها‬ ‫لك؟‬ ‫وهل أشبعتك ثقافيا؟‬ ‫> ال أعرف أحدا بقي هناك من زمالئي‪ .‬وعلى‬ ‫> لعل أول ما يلفت نظر من يسافر إلى أوروبا‬ ‫أي��ة ح��ال ل��م أفكر ق��ط ف��ي أم��ر ك�ه��ذا‪ ،‬ألنني‬ ‫من مشرقنا‪ ،‬هو تلك البيئة المليئة بالخضرة‬ ‫كنت وال زلت مسكونا بهاجس المشاركة في‬ ‫واألنهار والبحيرات‪ ،‬حتى لكأنها صورة واقعية‬ ‫تنمية الحقل الثقافي الوطني والعربي ولو‬ ‫م��ن ف��ردوس �ن��ا ال�م�ح�ل��وم‪ .‬ال�ج��ان��ب العمراني‬ ‫بأقل القليل‪ .‬طبعا كلنا يحلم باإلقامة في مدن‬ ‫والحضاري للمدن الكبيرة والصغيرة هناك‬ ‫غربية منفتحة على كل الحريات والحقوق‪،‬‬ ‫هو أيضا الفت للنظر ومثير للدهشة‪ ،‬حيث‬ ‫لكني أزعم أن معاناة المثقف وهو ينجز شيئا‬ ‫تجد األناقة والجمال يشعان في كل مكان‪.‬‬ ‫ف��ي بلده أفضل وأن�ب��ل بكثير م��ن استمتاعه‬ ‫ووجدانه في حاضرة ثقافية كباريس‪.‬‬

‫ ‬

‫بمنجزات غيره‪ .‬لهذا فضلت أن تكون العالقة‬ ‫ب�ي�ن��ي وب �ي��ن ب��اري��س ع�لاق��ة ع�ش��ق ال عالقة‬ ‫زواج‪.‬‬

‫في الجانب الثقافي‪ ،‬ال شك أن اإلقامة في‬ ‫مدينة مثل باريس التي تسمى مدينة النور‪،‬‬ ‫وعاصمة لثقافة كونية‪ ،‬هي بحد ذاتها تجربة‬ ‫ثقافية غنية بكل المعاني‪ .‬قلت ذات مرة‪،‬‬ ‫ < في عملك الروائي األول “رقص” كانت الهوية‬ ‫إنني اطلعت على الثقافات العربية والفنون‬ ‫اإلسالمية بشكل جدي في باريس‪ ..‬فال يكاد‬ ‫يمر ي��وم من دون ع��رس ثقافي نجده تقريبا‬ ‫في كل حي‪ .‬بناء عليه أزعم أن فضاءات كهذه‬ ‫تفتن أي مثقف وتشبع تطلعاته‪ .‬وإلى اليوم‪،‬‬ ‫كلما أذه��ب إل��ى باريس وأقيم فيها أسبوعا‬ ‫أو أسبوعين‪ ..‬أك��اد أط��ل على مشهد ثقافي‬ ‫نفتقده طوال عام كامل في الرياض‪.‬‬

‫< ما هي التحوالت التي مرت بك بعد الدراسة‬ ‫ف��ي ف��رن��س��ا وم���ن ث��م ع��ودت��ك ل��ل��ت��دري��س في‬ ‫الجامعة؟‬ ‫> قلت ذات مرة‪ ،‬إنني تعلمت من قريتي في جبال‬ ‫ال �س��روات محبة العمل‪ ،‬وتعلمت م��ن باريس‬ ‫محبة الحرية‪ .‬وأظن هذا يكفي دليال على تلك‬ ‫التحوالت المعرفية والفكرية التي يتعرض لها‬ ‫أي شخص يبحث عن ما ينمي عقله وذوقه‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪89‬‬


‫وأح�لام العودة إل��ى الوطن‬ ‫ش��اغ�لا رئ��ي��س��ا‪ ،‬ه��ل يمكن‬ ‫تفسير ذلك؟‬

‫ال��رؤي��ة الشاعرية إم��ا أن‬ ‫ت��ك��ون محايثة ل��ل��ذات أو‬ ‫ال تكون‬

‫> ل� ��دي � �ن� ��ا ن� � �ق � ��اد وش� � �ع � ��راء‬ ‫وصحفيون وأكاديميون تحولوا‬ ‫ف��ي ال �ع �ق��دي��ن األخ �ي��ري��ن إلى‬ ‫روائيين‪ ،‬بل وإلى رواد للرواية‬ ‫الجديدة في المملكة وأنا واحد‬ ‫منهم‪ .‬يكفي أن أستحضر اليوم‬ ‫أسماء غازي القصيبي‪ ،‬وتركي‬ ‫الحمد‪ ،‬وعلي الدميني‪ ،‬وعلي‬ ‫ال� �ش ��دوي‪ ،‬وم�ح�م��د الرطيان‪،‬‬ ‫لنتفهم وجاهة ما أشير إليه‪.‬‬

‫> ف��ي ال��رواي��ة ي�ق��ول الكاتب‬ ‫ما ال يفعل؛ ألنه يُسَ لِّم زمام ال����م����ق����ارب����ات ال���ن���ق���دي���ة‬ ‫ال�م�ب��ادرة لمراكب األحالم المستقبلية ل��ن تشكل‬ ‫وال� �ت� �خ� �ي�ل�ات‪ .‬ف���ي بداية ع��ن��دي أك��ث��ر م���ن لحظة‬ ‫الرواية يكون هناك صوت اس����ت����راح����ة ب���ي���ن رقصة‬ ‫راو ي��رح��ل وف ��ي ذه �ن��ه أن‬ ‫ٍ‬ ‫وأخرى‬ ‫الحياة الحقيقية في الخارج‬ ‫< كتاباتك تنم عن روح شاعرية‬ ‫ال ف��ي ال��داخ��ل‪ .‬لكن بقية‬ ‫لديك‪ ..‬وجاءت روايتك (رقص)‬ ‫ال�ن��ص ه��و رح�ل��ة معاكسة؛‬ ‫تعكس هذا المفهوم‪ ..‬فهل الرواية أسهل من‬ ‫ألن الحدث يتمحور حول شخصيتين تلتقيان‬ ‫الشعر أم ماذا؟‬ ‫صدفة في فرنسا‪ ،‬فتشتغل ال��ذاك��رة وتشعل‬ ‫فيهما الكثير من الذكريات الحلوة والمرة التي > الرؤية الشاعرية إما أن تكون محايثة للذات‬ ‫تتصل بقرى معزولة في أعالي جبال السراة‪.‬‬ ‫أو ال تكون؛ أعني أن من لديه نزعة للعيش‬ ‫< هل بقي لليسار واليمين والتصنيفات الفكرية‬ ‫موقع في عالم اليوم بعد روايتك؟‬

‫ف��ي العالم والتفاعل معه بطريقة شاعرية‪،‬‬ ‫فسيتسرب الشعر إل��ى ك��ل م��ا يقول ويفعل‪،‬‬ ‫حتى وإن لم يكتب شيئا‪.‬‬

‫> أعتقد أن خطاب التصنيفات هذا انتهى منذ‬ ‫ثالثة عقود‪ ،‬وإن تبقى منه شيء فلن يكون أكثر < لكم حضوركم القوي في األوساط الثقافية‪..‬‬ ‫فهل ك��ان لرواية رق��ص ذل��ك الحضور القوي‬ ‫من أشباح أو أطياف تسكن ذاكرة البعض ممن‬ ‫المشابه لحضور كاتبها؟‪0‬‬ ‫يتغير العالم وهو يراوح مكانه‪.‬‬ ‫< كيف يتحول الناقد إل��ى س��ارد؟ وه��ل وجدت > أع�ت�ق��د أن ح �ض��وري ف��ي ال�م�ش�ه��د الثقافي‬ ‫المحلي والعربي سبق ص��دور «رق��ص» بفترة‬ ‫نفسك أم��ام ه��ذا التحدي أم أن��ك استطعت‬ ‫طويلة‪ ..‬وأترك بقية اإلجابة لفطنة القارئ‪.‬‬ ‫الفصل بين الشخصيتين؟‬ ‫> حين بدأت الكتابة الروائية لم يحضر الناقد < جاء «الرقص» عنوانا واختيارا لروايتك‪ ..‬فما‬ ‫الذي يعنيه هذا االختيار؟‬ ‫في تلك اللحظة‪ ،‬ول��و حضر لما سمحت له‬ ‫بكتابة سطر واح��د‪ .‬فعال كنت قد تقمصت > من يقرأ الرواية سيجد في بدايتها أن رقص ًة‬ ‫شخصية أخ��رى أزع��م أنها األق��رب إلى ذاتي‬ ‫شعبية احتفالية ه��ي التي أوق��دت الشرارة‬ ‫العميقة الحميمة‪.‬‬ ‫في الروح فبدأت تحكي‪ ،‬ثم إن في منتصفها‬

‫< م��اذا يعني ل��ك تحول النقاد – وأن��ت واحد‬ ‫منهم‪ -‬إلى روائيين‪..‬؟‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫رقصة نسائية تكاد تشكل عالمة تحول في‬ ‫حياة شخصية ال ��راوي‪ ،‬وف��ي نهايتها رقصة‬


‫< ه��ل سيترك ال��زه��ران��ي م��ج��ال النقد تفرغا‬ ‫للرواية‪ ..‬أم سيجمع بينهما‪ ..‬أم هي تجربة‬ ‫ليس إال‪..‬؟‬ ‫> النية الراهنة هي التوجه للكتابة الروائية‪ .‬وإن‬ ‫باشرت بعض المقاربات النقدية مستقبال‪،‬‬ ‫فلن تكون أكثر من لحظة استراحة بين رقصة‬ ‫< كيف ترى تحوالت المجتمع السعودي روائيا‪،‬‬ ‫وأخرى‪.‬‬ ‫وهل استطاع الروائيون معالجتها حتى اآلن؟‬ ‫< كُ تاب الرواية السعودية كثر‪ ..‬رجاال ونساء‪..‬‬ ‫أيهما أبلغ وقعا وتأثيرا في الساحة الثقافية‪..‬؟ > محاضرتي في دار الجوف للعلوم بمؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية تجيب عن هذا‬ ‫ولماذا؟‬ ‫التساؤل ال�م�ش��روع‪ .‬ول��و لخصتها ف��ي عبارة‬ ‫> الرواية األكثر جرأة في الطرح‪ ،‬وجمالية في‬ ‫واحدة لقلت‪ :‬إن الرواية هي األكثر قدرة على‬ ‫اللغة‪ ،‬وقدرة على الحوار مع أصوات المجتمع‪،‬‬ ‫ترجمة هذه التحوالت وفتح المزيد من األفق‬ ‫هي التي ستؤثر أكثر‪ ،‬وتبقى لفترة أطول في‬ ‫أمامها‪ ،‬وم��ن هنا عددتها بشارة بربيع أعم‬ ‫المستقبل‪ .‬هذا يعني أن ال عبرة بجنس الذات‬ ‫وأشمل وأجمل‪.‬‬ ‫الكاتبة‪.‬‬ ‫< كيف ترى الدور الثقافي للمؤسسات الثقافية‬ ‫< لكم ط��روح��ات نقدية ع��دي��دة تناولت األدب‬ ‫ومنها مؤسسة عبدالرحمن السديري؟‬ ‫المحلي والعالمي في الرواية والشعر والفن‬ ‫> تلعب المؤسسات الثقافية الحكومية واألهلية دورا‬ ‫التشكيلي والتي يتسع لها أكثر من كتاب‪..‬هل‬ ‫جيدا في تنمية الحقل الثقافي بمختلف عناصره‪،‬‬ ‫سنرى مؤلفات تجمع تلك النصوص المبعثرة‬ ‫لكن ما ينتظر منها سيظل هو األهم‪ .‬أعني أننا‬ ‫هنا وهناك؟‬ ‫نجد في كل منطقة تقريبا جمعيات كهذه‪ ،‬تكاد‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ثالثة ت َُص ِّع ُد من معاني الرقص حين يصبح‬ ‫طقسا يصل الذات البشرية بروحها األولى‪..‬‬ ‫أي بالذات اإللهية العليا‪.‬‬

‫م��ن ي��ود ترجمة رق �ص��ي‪ ..‬فالمؤكد أن ذلك‬ ‫سيسعدني‪.‬‬

‫> أول الغيث كتاب عن السرد يقع في أكثر من‬ ‫(‪ )700‬صفحة‪ ،‬سيصدر قريبا ع��ن النادي‬ ‫األدبي في مكة المكرمة‪ ..‬والباقي في الطريق‬ ‫على ما آمل‪.‬‬

‫< هل لديك مشروع لترجمة الرواية للفرنسية‪،‬‬ ‫خاصة وفيها من فرنسا الكثير‪.‬؟‬ ‫> ال أفكر في هذا األمر‪ ،‬ألنه ال يعنيني‪ ..‬وألنني‬ ‫منشغل بكتابات أخ ��رى‪ .‬أم��ا ل��و ك��ان هناك‬

‫تضطلع بمسئوليات ف��وق طاقاتها‪ ،‬وتنجز ما‬ ‫تستطيع‪ .‬وهذا ال يعني أن العمل الثقافي المحلي‬ ‫ليس في أوج عطائه‪ ،‬والمسئولية في ذلك ال تعود‬ ‫إلى هذه المؤسسات والقائمين عليها فقط‪ ،‬ألن‬ ‫شروط العمل الثقافي كثيرا ما تبدو قليلة أو غير‬ ‫متاحة‪ .‬ولعل أول وأهم شرط في انطالق الثقافة‬ ‫يتمثل في اتساع مجاالت التفكير الحر والتخيل‬ ‫الحر والتعبير الحر‪ ..‬وكلنا ندرك أن الحرية تظل‬ ‫هي الغائب المنتظر في كل األقطار العربية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪91‬‬


‫القاص والكاتب السعودي‬

‫صالح السهيمي‬ ‫> حاوره‪ :‬أحمد الدمناتي*‬

‫في مقترحه السردي الممتع والملغز‪ ،‬يجعلك القاص والكاتب السعودي صالح‬ ‫السهيمي أمام قصصه القصيرة‪ ،‬وكأنك تقف بهدوء أعزال أمام طلقات رصاص خارجة‬ ‫للتو من مسدسه الكاتم للصوت‪ .‬يجب أن تتحسس أنفاسك جيدا قبل قراءاتها‪ ،‬أو تنظر‬ ‫للمرآة مليا لتتأكد من أنك لم تتعرض لخسارة في مخيلتك أو في يدك‪ ،‬وأنت تتصفح‬ ‫مجموعته القصصية (أغنية هاربة)‪ ،‬وهي مجموعة يتداخل فيها الواقعي بالذاتي‪،‬‬ ‫والخيالي باليومي‪ ،‬ولغته القصصية ضاجة بالحياة والكائنات المحيطة به‪.‬‬

‫> ال �ك �ت��اب��ة م��ج��ازف��ة ف ��ي ع ��ال ��م أه ��وج‬ ‫مضطرب؛ لذا نحن بحاجة إلى بعض‬ ‫الجنون من أج��ل لعبة نشأنا عليها‪..‬‬ ‫ومن أجل أن نعيش بسالم‪!...‬‬

‫ع��ب��ده خ��ال ب��ج��ائ��زة ال��ب��وك��ر العالمية‬ ‫ل��ل��رواي��ة‪ ،‬وف���وز رج���اء ع��ال��م مناصفة‬ ‫مع الشاعر والروائي المغربي محمد‬ ‫األشعري بنفس الجائزة‪ ،‬كيف تنظر‬ ‫لهذه الحركية الممتعة في بناء هرم‬ ‫الرواية السعودية المعاصرة؟‬

‫< ينمو ال��س��رد ال��س��ع��ودي بشكل ملفت‬ ‫للنظر ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��ل��غ��ة والرؤية‬ ‫والتخييل وال��ب��ن��اء ال��ن��ص��ي م��ن��ذ فوز‬

‫> السرد السعودي حاضر في المشهد‬ ‫ال�ع��رب��ي منذ س �ن��وات‪ ،‬وم��ا ف��وز عبده‬ ‫خال ورجاء عالم إال نتيجة كنا نتوقعها‬

‫< م��اذا تعني لك الكتابة في عالم فقد‬ ‫السيطرة على أعصابه؟‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫في كل عام‪ ،‬فاألقالم السعودية حاضرة في‬ ‫المشهد العربي منذ القدم كما أسلفت‪ .‬وال‬ ‫ينقصنا سوى االعتناء بمثقفينا وبالمبدعين‬ ‫راق؛ فليس‬ ‫نحو صناعة أفضل‪ ،‬وعمل فني ٍ‬ ‫كل من كتب عمال روائيا‪ ،‬أو أصدر مجموعة < القصة منفى تُقيم بها الذات المبدعة‪ ،‬هل‬ ‫قصصية‪ ،‬أو ديوان شعر مبدعا؛ إنما المبدع‬ ‫تحب هذا المنفى الجميل باستمرار؟‬ ‫من يأتي بالمغاير الفني المختلف الذي يكسر‬ ‫> بالتأكيد‪ ..‬ال ي��رف��ض ال�م�ب��دع ه��ذا المنفى‬ ‫به رتابة التراكم األدبي‪ ،‬وهو من يمتلك ثقافة‬ ‫طالما أنه يدفعه نحو التألق اإلبداعي‪ ،‬وإن‬ ‫عالية في فنه‪ ،‬ويحاول أن يتجاوز بمنجزه‬ ‫كان المنفى معنويا هنا‪ ...‬ولو تأملت معي‪،‬‬ ‫ح��دود اإلب��داع الفني إل��ى عوالم جديدة لم‬ ‫لرأيت الكثير من المبدعين في الشعر العربي‬ ‫تطأها قدم‪.‬‬ ‫منذ القدم‪ ،‬وكذلك كتاب القصة‪ ،‬أنهم كانوا‬ ‫ < هل يمكن أن يصبح األدب ‪ -‬يوما ما ‪ -‬في‬ ‫يعيشون في المنفى الحقيقي والمعنوي على‬ ‫عالمنا العربي حرفة أو مهنة كسائر الدول‬ ‫حد سواء‪ .‬وعلى المثقف الحقيقي أن يختار‬ ‫في أوروبا وأمريكا؟‬ ‫منفاه باستمرار‪ ،‬ألنه يأبى أن يكون صامتا‬ ‫> بكل تأكيد‪ ..‬إ ْن أراد الفعل السياسي منح‬ ‫في مجتمعه‪.‬‬ ‫حرية مسئولة‪ ،‬وكانت هذه الحرية حاضرة < الكتابة هواء المخيلة ورئة الكون‪ ،‬من هذه‬ ‫لدى المبدع؛ ومن حيث التواصل الفني مع‬ ‫الرئة يعيش الكائن المبدع‪ ،‬ويتنفس‪ ..‬أليس‬ ‫متلقيه‪ .‬وح�ي��ن ت�ت�ج��اور األط �ي��اف بمختلف‬ ‫كذلك؟‬ ‫توجهاتها في صنع ثقافة منتجة على جميع‬ ‫األص� �ع ��دة‪ .‬وإ ْن رأي� ��تَ ال �ش �ب��اب واألطفال > هذا السؤال ال يتنافى مع السؤال السابق‪ ،‬إذ‬ ‫أ َّن الكون والرؤية الكونية لكل مبدع تختلف‬ ‫يتسابقون إلى إصدار أدبي لمبدعينا الذين‬ ‫ع��ن ال ��رؤى األخ���رى‪ ،‬وق��د تتطابق إل��ى حد‬ ‫يهتمون بهم‪ ..‬فثق أن اإلب��داع سيكون مثمرا‬ ‫التناسخ؛ فلو تُ�ت��اب��ع معي روائ �ي��ا ع��اش في‬ ‫ومتألقا في التشكل الحضاري ألي أمة‪.‬‬ ‫أمريكا الجنوبية‪ ،‬ستكتشف أن��ه يشبه أحد‬ ‫ أم��ا اآلن ف�لا أظ��ن؛ ألننا م��ا زلنا نتعثر في‬ ‫الكتاب في جنوب السعودية أو مصر‪ ...‬ولو‬ ‫مشينا ن�ح��و ال �ط��ري��ق األم��ث��ل‪ ،‬وألن �ن��ا حين‬ ‫تتابع معي كاتبا فرنسيا‪ ،‬ستجد أن معاناته‬ ‫نكتب‪ ...‬نكتب م��ن أج��ل أن نرضي أنفسنا‬ ‫أق��رب إل��ى كاتب في المغرب‪ ،‬وه�ك��ذا‪ ،‬فإن‬ ‫والمذاهب الفكرية التي ننتمي إليها‪ ،‬فلو رأيت‬ ‫الكتابة الكونية تسري بين الشعوب في تجاور‬ ‫– على سبيل المثال‪ -‬كاتبا ينتمي إلى مذهب‬ ‫وتضاد‪.‬‬ ‫فكري أيديولوجي‪ ،‬فإنه ال محالة سيقع في‬ ‫فخ إيديولوجيته‪ ...‬أما الغرب فإنهم يكتبون < هل الجوائز تصنع مُ بدعا؟‬ ‫اللحظة الممتعة المعاصرة بعيدا عن التأثير > ال‪ .‬وإنما قد تعطيه بعض االعتراف ألدبه‪ ،‬لذا‬ ‫ف��إ َّن بعض الجوائز األدبية ال سيما الغربية‬ ‫الطائفي‪ ...‬وألن الموضوع شائك‪ ،‬فال بد أن‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫نحيّد الفكر‪ ،‬وال نغلبه على الفن عندما ننتج‬ ‫عال من‬ ‫عمال إبداعيا‪ ،‬وأن نكون على قدر ٍ‬ ‫المسؤولية في احترام هذا الفن‪ .‬وأن ال نقلد‬ ‫أحدا حتى نتحول إلى دمى غبية!!‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪93‬‬


‫المبدع من يتجاوز بمنجزه حدود‬ ‫اإلبداع الفني إلى عوالم جديدة لم‬ ‫تطأها قدم‪.‬‬

‫ونفع به – حيث سيترك هذا الدعم أثره في‬ ‫النهوض الحقيقي للثقافة السعودية من حيث‬ ‫اإلنتاجية الثقافية‪.‬‬ ‫ ‬

‫وهذا ال يتأتى إال بالجهود الحقيقية المنتمية‬ ‫للثقافة‪ ..‬م��ن حيث االنتماء الثقافي أوال‪،‬‬ ‫والعمل على خلق ح��راك ثقافي ثانيا؛ يقوم‬ ‫على الحوار واإلنتاجية؛ والتي من شأنها أن‬ ‫توصل الصوت السعودي إل��ى أنحاء العالم‬ ‫بأكمله‪.‬‬

‫اإلب���داع‪ ،‬إال أ َّن ه��ذا ال ينفي ح��ق اآلخرين ‬ ‫الذين يعملون وفق توجهات رائعة‪ ،‬لتحقيق‬ ‫ال�ه��دف الحقيقي م��ن نشر إن�ت��اج المثقفين‬ ‫السعوديين والعرب‪ ..‬وعموما‪ ،‬فإن الحكومة‬ ‫لم تَأ ُل جهدا في دعم مسيرة الفعل الثقافي‪،‬‬ ‫بفضل ال��دع��م السخي ال ��ذي ق��دم��ه الملك‬ ‫عبدالله بن عبدالعزيز ‪-‬أطال الله في عمره‬

‫قدمت الجماعة خ�لال ع��دة أع��وام متتالية‪،‬‬ ‫ومنذ عام ‪2003‬م قراءات في الرواية والفكر‬ ‫والثقافة‪ ،‬تتخذ كل عام محورا موسميا يدور‬ ‫حوله النقاش والتفاعل؛ ومن تلك المحاور‬ ‫أت��ذك��ر م�ح��ور «خ �ط��اب ال �س��رد ف��ي الرواية‬ ‫النسائية السعودية»‪ ،‬ومحور «األنا واآلخر في‬ ‫اآلداب والفنون»‪ .‬و«خطاب التنوير» و«حوار‬

‫الكتابة والسفر خطان متوازيان ال‬ ‫يلتقيان إال في الذاكرة‬

‫منها‪ ،‬هي جوائز احتواء وتسيير لآلخرين‪...‬‬ ‫فلماذا ال نصنع جوائز عربية بأسماء الرواد‬ ‫العرب في اإلبداع كما نرى في جائزة نجيب‬ ‫< أن���ت ع��ض��و ف���ي ج��م��اع��ة ح����وار ب���ن���ادي جدة‬ ‫م �ح �ف��وظ م �ث�لا‪ ،‬وج ��وائ ��ز أخ� ��رى ي �ك��ون لها‬ ‫الثقافي‪ ،‬ماذا أضافت هذه الجماعة للمشهد‬ ‫تأثيرها العربي والعالمي‪ ...‬ومن هنا أطالب‬ ‫الثقافي السعودي‪ ،‬وم��ا أجندتها الثقافية‬ ‫األندية األدبية في السعودية أن تؤسس لهذا‬ ‫موسميا‪ ،‬وشهريا‪ ،‬وأسبوعيا‪ ...‬وهل تنسق مع‬ ‫الفعل الحضاري‪ ،‬وتفتح جوائزها للمبدعين‬ ‫نوادٍ أدبية أخرى داخل المملكة؟‬ ‫في الشعر والرواية والمسرح‪ ...‬مع التأكيد‬ ‫إن بعض األندية الثقافية اتجهت إل��ى هذا > جماعة حوار في نادي جدة الثقافي كانت وال‬ ‫ت��زال فاعلة‪ ،‬واالنتساب إليها شرف أخللت‬ ‫الفعل على اس�ت�ح�ي��اء! وبعضها ل��م يواصل‬ ‫به مؤخرا بسبب دراساتي العليا‪ ،‬فأنا جزء‬ ‫ذلك‪ ..‬وتوقف عند منتصف الطريق!‬ ‫منها قبل التأسيس وبعده‪ ،‬ال سيما من خالل‬ ‫< أعطت النوادي األدبية في المملكة العربية‬ ‫التغطيات اإلعالمية والتقارير الصحفية‪..‬‬ ‫ال��س��ع��ودي��ة ح��رك��ي��ة م��ه��م��ة وغ��ن��ي��ة للمشهد‬ ‫إذ كانت في األس��اس جماعة ن��ادي القصة‬ ‫الثقافي السعودي‪ ،‬من حيث النشر وإثراء‬ ‫في جمعية الثقافة والفنون في جدة‪ ،‬مكونة‬ ‫الكتابة اإلبداعية‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫من الدكتور حسن النعمي‪ ،‬والدكتور سحمي‬ ‫ال �ه��اج��ري‪ ،‬وع �ب��ده خ���ال‪ ،‬وع �ل��ي الشدوي‪،‬‬ ‫> حقيقة‪ ..‬إن هذا السؤال مؤلم؛ ألن المتابع‬ ‫وع��ائ��ض ب��ن سعيد ال�ق��رن��ي‪ ،‬وك��وك�ب��ة أخرى‬ ‫لحركة المشهد الثقافي وحركة النشر‪ ،‬يجد‬ ‫متألقة‪...‬‬ ‫تراكما ف��ي التأليف‪ ..‬وال يجد ت�ج��اوزا في‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ ‬

‫جماعة حوار قدمت فعال ثقافيا مثريا ليس‬ ‫ع�ل��ى ال�م�س�ت��وى المحلي ف�ح�س��ب‪ ،‬ب��ل على‬ ‫المستوى العربي أيضا‪ ،‬كما كان للمشاركات < ف��ي قصصك تحتفي ب��األش��ي��اء والكائنات‪،‬‬ ‫والحياة اليومية‪ ،‬هل هو اختيار آمنت به منذ‬ ‫العربية ال �ح��اض��رة‪ ،‬واألس �م��اء الكبيرة في‬ ‫البداية؟‬ ‫المشهد ال�س�ع��ودي‪ ،‬أث��ر ق��وي لتحريك دور‬ ‫الجماعة في إيصال صوتها الذي ال يعترف > إن االنحياز إلى الثقافة الشعبية مطلب للعديد‬ ‫إال بالحوار‪ ،‬مهما كانت التوجهات الفكرية‪..‬‬ ‫من الكتاب والروائيين والشعراء منذ فجر‬ ‫ولعل ه��ذا هو سبب تميزها‪ .‬والحديث عن‬ ‫التأريخ‪ ،‬واالحتفاء بالمهمش والحياة اليومية‬ ‫الجماعة يستدعي الحديث عن الرجل الذي‬ ‫اح�ت�ف��اء بالمعاصرة وال�ت��أث�ي��ر االجتماعي‪،‬‬ ‫تحمّل أعباء كثيرة في النهوض بفكرة تأسيس‬ ‫واحتفاء بألم الكثيرين‪ ،‬واحتفاء بالمساهمة‬ ‫ال �ج �م��اع��ة وت�ط�ب�ي�ق�ه��ا ع �ل��ى أرض الواقع‪،‬‬ ‫الفاعلة الملقاة على أكتاف المثقفين‪ ،‬ولعل‬ ‫والمتابعات المرهقة ل�لإص��دارات التابعة‬ ‫هذا ليس مطلبا إلزاميا على الكتاب‪ ،‬ولك ِّل‬ ‫للمحاور‪ ،‬والتواصل اإلعالمي‪.‬‬ ‫موقف إبداعي طريقته في اإلظهار الفني‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مع شخصية»‪ ،‬و«عالقة المثقف بالسلطة في‬ ‫المجتمع العربي»‪.‬‬

‫برغاس يوسا» الكاتب وال��روائ��ي والصحفي‬ ‫ال��ذي ف��از مؤخرا بجائزة نوبل ل�لآداب عام‬ ‫‪2010‬م‪ .‬وأس�م��اء أخ��رى ح��اض��رة ف��ي ذاكرة‬ ‫اإلعالم الثقافي‪.‬‬

‫ هذه الجماعة حرّضت على العمل الثقافي‬ ‫ف��ي ال �ع��دي��د م��ن ال �ج �م��اع��ات األخ � ��رى في‬ ‫الكثير من األندية الثقافية السعودية‪ ،‬فكانت‬ ‫ب�ح��ق م �ع �ط��اءة وم �ت��واص �ل��ة ف��ي ال �ع��دي��د من‬ ‫األفكار المثرية‪ .‬أما سؤالك حول التواصل‬ ‫م��ع ج �م��اع��ات أخ� ��رى‪ ،‬ف �ه��ذا ال ي�ت�ن��اف��ى مع‬ ‫> ال‪ ..‬ب��ل ه��ي ك��ذل��ك يعز علينا اصطيادها؛‬ ‫إستراتيجيات الجماعة‪ ،‬والمستقبل كفيل بأن‬ ‫وهروبها إلى منطقة (الاليقين) يجعل منها‬ ‫يسجل هذا الحضور‪.‬‬ ‫حلما يتأبى على الواقع‪ .‬أما بالنسبة الختيار‬ ‫ < ه��ل ال��ك��ت��اب��ة الصحفية ت��ؤث��ر ع��ل��ى اإلنتاج‬ ‫العنوان فهو بحاجة إلى حساسية عالية من‬ ‫األدبي واإلبداعي للمبدع؟‬ ‫ال��ذوق اإلب��داع��ي‪ ،‬ولعل إبراهيم عبدالقادر‬

‫< «أغنية هاربة» عنوان مجموعتك القصصية‪،‬‬ ‫ل��م��اذا تهرب ه��ذه األغنية م��ن خيمة السرد‬ ‫والقص‪ ،‬هل هي غير فَرِ حة بوضعها الحالي‬ ‫ل��ك��ي ت��ك��ون ف��ي وج���ه ال���غ�ل�اف؟ وه���ل تختار‬ ‫العنوان بعد نهاية عملك القصصي؟‬

‫ال �م��ازن��ي ذك ��ر م ��رة أن ��ه ي�ك�ت��ب ال �ق �ص��ة في‬ ‫ساعتين‪ ،‬وي �ن��زوي يومين م��ن أج��ل اختيار‬ ‫العنوان‪.‬‬

‫> الصحافة منجم كبير لإلبداع‪ ،‬ال سيما في‬ ‫جانب قسم المحليات؛ إذ يحتوي على كثير‬ ‫من القضايا العامة والحياة اليومية‪ ،‬وقضايا‬ ‫المهمشين حين تكتشف لك عوالم لم تكن < ف��ي قصتك (أغ��ن��ي��ة ه��ارب��ة)‪ ،‬وظ��ف��ت النص‬ ‫لتعرفها لوال وجودك في هذا الجزء‪ ..‬واعتقد‬ ‫ال��ق��رآن��ي ف��ي المتخيل ال���س���ردي‪ ،‬ه��ل هذا‬ ‫أ َّن كثيرا من المبدعين والروائيين في العالم‪،‬‬ ‫نوع من تخصيب لغة القصة‪ ،‬وفتحها على‬ ‫عملوا في اإلع�لام وتألقوا فيه مثل‪« :‬ماريو‬ ‫مرجعيات متعددة لالستفادة منها؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪95‬‬


‫> إن االه��ت��م��ام بالنص‬ ‫القرآني كمرجعية لحياة‬ ‫الكاتب واألديب المسلم‬ ‫يجعله أديبا متميزا بال‬ ‫ش��ك‪ ،‬ف��ال�ق��رآن الكريم‬ ‫ال ي��زال وسيظل يمدنا‬ ‫ب��ال�ع��دي��د م��ن ال�م�ع��ان��ي ال��رائ �ع��ة والجميلة‪،‬‬ ‫والقصص القرآني مادة ثرية ومعطاءة للعديد‬ ‫من المبدعين‪ ،‬من حيث التكثيف واالختزال‬ ‫كما تفضلت في سؤالك‪.‬‬

‫الشاعرة العربية ما زالت تحبو‬ ‫فوق طريق شائك‪ ،‬وأمامها الكثير‬ ‫من الحواجز والمعوقات‪.‬‬

‫وأن ��ا هنا لست ب�ص��دد ش��رح ال �ن��ص‪ ،‬وإنما‬ ‫سأترك للقارئ تأمل هذا االلتقاء أو االفتراق‬ ‫الذي جاء في التوظيف واالستدعاء‪.‬‬

‫ ‬

‫< «هايدغر» بلمسته السحرية يقول‪( :‬اللغة‬ ‫أخ��ط��ر ال ِ��نّ��عَ��م)‪ ،‬أي��ن تتجلى خطورتها في‬ ‫نظرك؟‬

‫> هذا السؤال محرج‬ ‫ج��دا وددت ل��و أن��ي لم‬ ‫أقحم فيه‪ .‬ولكن عموما هي قصة الحرية‬

‫المزعومة لحرية المرأة المثقفة في الوطن‬ ‫العربي‪ ...‬إذ لمست من بعض الصحفيات أو‬ ‫الكاتبات حرية يناضلن من أجلها لسنوات‪،‬‬ ‫إال أنهن ال يمكثن طويال في هذا النضال‪..‬‬ ‫وسرعان ما يخضعن لسلطة الحجر!!‬ ‫وه��ي قضية إشكالية ينبغي لمن يسلك طريقا‬ ‫وواع بحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫راق ٍ‬ ‫سليما وفق مجتمع ٍ‬ ‫أن يتمسك بما يراه ويسلكه‪ ..‬طالما أنه حق‬

‫مشروع ومعتدل‪.‬‬

‫> بل هي أفضل النعم التي يمكن أن نحافظ‬ ‫على سريانها في النصوص الفنية واإلبداعية‪ < ،‬ماذا يعني لك أن تكون كاتبا اآلن‪.‬؟‬ ‫وهي كما يقول روالن بارت‪ :‬من يمتلك اللغة > الكتابة م��زي��د م��ن األل��م ف��ي وض��ع سياسي‬ ‫يمتلك النص‪.‬‬ ‫واقتصادي واجتماعي معقد‪ ،‬الكتابة هروب‬

‫ ‬

‫ومتى امتلك المبدع اللغة‪،‬‬ ‫فإنه يمتلك ه��ذه المقاومة‬ ‫في زحزحة أل��م االغتراب‪،‬‬ ‫وي�س�ت�ط�ي��ع أن ي �ت��وغ��ل إلى‬ ‫األل��م برفق حتى ينتهي به‬ ‫ال��وص��ول ل��درج��ة االنتصار‬ ‫الذي يريده‪.‬‬

‫< تبدأ ف��ي قصتك القصيرة‬ ‫(م��ق��ال ال��زج��اج��ة) بسلطة‬ ‫ال�����زج�����اج وه���ش���اش���ت���ه في‬ ‫ال���ك���س���ر‪ ،‬وت��ن��ت��ه��ي بسلطة‬ ‫ال����ح����ج����ر وص��ل��اب�����ت�����ه‪ ،‬ما‬

‫‪96‬‬

‫ب��ي��ن ال��س��ل��ط��ت��ي��ن ماذا‬ ‫أراد ال���س���ارد ع��ب��ر هذه‬ ‫ال����رس����ال����ة المشفرة‬ ‫إيصاله للمتلقي؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫م��ن المحيط االجتماعي إليه‬ ‫م��رة أخ��رى‪ ،‬فالكاتب ال بد أن‬

‫يحترق كالشمعة م��ن أج��ل أن‬ ‫يضيء لآلخرين سبل الرشاد‪.‬‬ ‫إذ ه��و ص��اح��ب رس��ال��ة وفكر‬ ‫يريد أن يوصلها بسالم دون أن‬

‫يزعجه أحد!‬

‫< كيف تنظر بعد هذا العمر‪،‬‬ ‫إلى ذكرياتك القديمة األولى‬ ‫مع أول قصة‪ ،‬أو نص كتبته أو‬ ‫نشرته؟‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ > ن �ظ��رة اع �ت��زاز ب��أن األدوات ت�ت�ط��ور م��ن زمن‬ ‫آلخر‪ ،‬وأن الفكر يرتقي‪ ،‬وأن االهتمام بالرسالة > ال� �م ��رأة ال �ع��رب �ي��ة ج �ي��دة ح�ي�ن�م��ا ت�ك�ت��ب النص‬ ‫الفنية لم يكتب ليكون في طريقه قدما ونحو‬ ‫الشعري‪ ...‬إال أنها لم تصل إلى درجة الفحولة‬ ‫المقدمة‪..‬‬ ‫ال �ت��ي يمكن أن ن�ب��اه��ي ب�ه��ا ش �ع��راء العالم‪...‬‬ ‫الشاعرة العربية ما تزال تحبو فوق طريق شائك‪،‬‬ ‫< ه����ل ال���س���ف���ر ي��ع��ط��ي��ك م��ت��س��ع��ا أو رغ���ب���ة في‬ ‫وأمامها الكثير من الحواجز والمعوقات‪.‬‬ ‫الكتابة‪.‬؟‬ ‫العربي داخل خريطة الشعر العالمي!؟‬

‫ > بكل تأكيد‪ ..‬حينما تعي وزارات السياحة العربية < وكيف ينظر النقد العربي إلى القصيدة التي‬ ‫تكتبها امرأة!؟‬ ‫الموقرة في ابتعاث المثقفين واألدباء والكتاب‬ ‫لتحسين ص��ورة بلدانهم ل��دى ال��دول األخرى‪ > ،‬ينظر لها من خلف نظارة سوداء كالتي يلبسها‬ ‫ول �م��زي��د م��ن ال �ت��واص��ل ال�ت��رف�ي�ه��ي والتعليمي‬ ‫(اللحام) الذي يلحم الحديد بالحديد خشية أن‬ ‫بين ال��دول الشقيقة والصديقة والتقارب بين‬ ‫تتضرر عيونه!‬ ‫الحضارات اإلنسانية‪...‬‬ ‫< يقول «هنري ميشونيك»‪« :‬إن مجرد التفكير في‬ ‫ ال �س �ف��ر م �م �ت��ع ج� ��دا واس� ��أل� ��وا ال��رح��ال��ة ابن‬ ‫كتابة قصيدة يكفي لقتلها»‪ .‬إلى أي مدى هذا‬ ‫بطوطة؟!‬ ‫الحكم يكون صحيحا بالنسبة لك؟‬ ‫ُ‬ ‫ ‬

‫الكتابة والسفر خطان متوازيان ال يلتقيان إال‬ ‫في ال��ذاك��رة؛ ألن المبدع الحقيقي في أغلب‬ ‫األح �ي��ان ال يحب أن يعكر ال �ص��ورة بالكتابة‪،‬‬ ‫فيرجئها إلى وقت آخ��ر؛ إذ تبقى في الذاكرة‬ ‫تنتظر «لحظة الصفر»‪ .‬إال أن هذه اللحظة ربما‬ ‫تحضر في أضيق األوقات في السفر؛ لتقترب‬ ‫من القلم وتبحث عن ورقة وتكتب ذاتها! وهذا‬ ‫ما فعله بعض الكتاب والشعراء في ذكرياتهم‬ ‫وسيرهم الذاتية‪...‬‬

‫ ‬

‫أق��ول ه ��ذا‪ ..‬ألن الكتابة تتغذى م��ن السفر‪،‬‬ ‫والكاتب ال يلجأ إلى السفر إال ألمرين‪:‬‬

‫ ‬

‫أولهما‪ :‬الهروب من عالم الكتابة‪.‬‬

‫ ‬

‫وثانيهما‪ :‬البحث ع��ن أف �ك��ار ج��دي��دة وعوالم‬ ‫مختلفة عما هو فيه‪.‬‬ ‫< كيف تنظرون إلى القصيدة النسائية في العالم‬

‫> ال أع��رف ال�ق��ائ��ل وال المقولة‪ .‬أع��رف علماء‬ ‫العرب الذين علموا الغربيين وغيرهم أن الشعر‬ ‫العربي ديوان العرب‪ .‬إذ يقول أحدهم‪ :‬الشعر‬ ‫صناعة‪ .‬فلو عدنا إل��ى تراثنا العربي القديم‬ ‫على مستوى اإلبداع والنقد‪ ،‬لرأينا الشعراء في‬ ‫العصر الجاهلي يطيلون التفكير في القصيدة‪،‬‬ ‫ويمكثون عاما من التفكير‪ :‬كالذي ك��ان يقوم‬ ‫ب��ه زه�ي��ر‪ ،‬والحطيئة‪ ،‬وك�ع��ب‪ ،‬وأوس ب��ن حجر‬ ‫قبلهم‪ ..‬مدرسة الصنعة‪ ...‬ونجد حركة شعراء‬ ‫البديع كبشار ومسلم بن الوليد وأبي تمام يعتنون‬ ‫بالقصائد الجميلة‪.‬‬ ‫ ‬

‫ال أق��ول هذا تعصبا ونفيا لآلخر بقدر ما هو‬ ‫اعتزاز بما قدمه أسالفنا من نظرات نقدية‪،‬‬ ‫تكفي ألن نؤسس المدونات النقدية‪ ،‬ونحيي‬ ‫الوعي الكتابي والشفاهي ال��ذي كانوا يسعون‬ ‫لتأكيده من زمن آلخر‪.‬‬

‫* شاعر وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪97‬‬


‫الشاعر أحمد البوق لـ(اجلوبة)‪:‬‬

‫أكتب أحيانا االستطالعات المصورة وال يفاجئني أن يتنفس الشعر في ثناياها‬ ‫للكلمات أجنحة تحلق بها في سماء الشعر‪ ،‬وهي تتجدد على مشارف القصيدة‬ ‫بعض الجوائز الشعرية العربية بحاجة إلى إعادة نظر‬

‫> حاوره عمر بوقاسم*‬

‫الشاعر أحمد إبراهيم البوق‪ ،‬صافح القارئ بثالث مجموعات شعرية‪« ،‬أحاميم»‪،‬‬ ‫«منكسر باعتداد»‪« ،‬جنة»‪ ..‬يؤمن بتوثيق التجربة الشعرية‪ ،‬ويبتعد عن االختيارات‬ ‫العشوائية‪ ،‬وفضاء الشعر يتصدر اهتماماته‪ .‬يقول‪« :‬أي شكل للكتابة يقصده الشاعر‬ ‫غير القصيدة أشبه بطيور تتعلم الطيران‪ ،‬تنجح أحيانا وتخفق أحيانا أخرى‪ ،‬ولكن‬ ‫الشعر المالذ األخير لكلمات الشاعر»‪ ..‬معه كان لنا هذا الحوار‪..‬‬ ‫< م��ا ج��دي��دك ب��ع��د أن س��ب��ق وأن صافحت < م��ا ال��ف��ض��اء ال���ذي يستوعب كلمتك بعد‬ ‫الساحة الشعرية بثالث إصدارات‪( :‬أحاميم‬ ‫الشعر؟‬ ‫‪1994‬م)‪ ،‬و(منكسر باعتداد ‪2003‬م)‪ ،‬و(جنة > للكلمات أجنحة تحلق بها في سماء الشعر‪،‬‬ ‫‪2007‬م)‪ .‬وكيف تميز جديدك؟‬ ‫تتجدد الكلمات على م�ش��ارف القصيدة‪،‬‬ ‫> مجموعاتي الشعرية الثالث أفضى بعضها‬ ‫إل��ى ب �ع��ض‪ ،‬ول� ��ديّ ال�ع��دي��د م��ن القصائد‬ ‫ال �م �ن �ش��ورة وغ �ي��ر ال �م �ن �ش��ورة ‪-‬ب �ع��د هذه‬ ‫الدواوين‪ -‬مجموعها يكفي إلصدار ديوان‬ ‫ج��دي��د‪ ،‬ول�ك��ن تشكيل دي ��وان ليس مجرد‬ ‫تجميع للقصائد كما تعلم‪ .‬فتجربة الديوان‬ ‫األخ �ي��ر (ج �ن��ة) ال��ذي ص��در ع��ام ‪2007‬م‪،‬‬ ‫كانت النصوص فيه متماسكة فنيا ولغويا‬ ‫وش�ع��وري��ا‪ ،‬ويشكّل ف��ي مجمله مرحلة في‬ ‫تجربتي الشعرية‪ ،‬والعمل الجديد ال بد أن‬ ‫يكون تجربة أفضت إليها التجارب السابقة‪،‬‬ ‫ومالمح هذه التجربة تشكلت إلى حد بعيد‪.‬‬ ‫أم��ا م��ا يميز ال�ج��دي��د فهو ره��ن التجربة‬ ‫وليس اإلنتاج‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫وتتناسل في تخومها‪ ،‬وتتخلق لغة جديدة‬ ‫كلما ذاب ق�ل��ب ال�ش��اع��ر وب �ع��ث ف��ي أتون‬ ‫ال�ن��ص‪ ،‬أي شكل للكتابة يقصده الشاعر‬ ‫غير القصيدة أشبه بطيور تتعلم الطيران‪،‬‬ ‫تنجح أحيانا وتخفق أحيانا أخ��رى‪ ،‬ولكن‬ ‫الشعر المالذ األخير لكلمات الشاعر‪ .‬أكتب‬ ‫أحيانا االستطالعات ال�م�ص��ورة‪ ،‬وكذلك‬ ‫المقالة‪ ،‬وال يفاجئني أن يتنفس الشعر في‬ ‫ثناياها‪ ،‬وك��ان ل��ديّ عامود أسبوعي تنقل‬ ‫بين صحيفتي عكاظ والبالد لعدة سنوات‪،‬‬ ‫وقمت بتجميع معظم المقاالت في زاوية‬ ‫(خ�ي��ر ي��ا ط�ي��ر) ف��ي ك�ت��اب حمل المسمى‬ ‫نفسه‪ ..‬صدر عن دار شرقيات في القاهرة‬ ‫عام ‪2007‬م‪.‬‬


‫> المقاالت التي كتبتها ليست ذات طابع آني‪ ،‬ربما‬ ‫تتميز لغة معظمها بالنفس الشعري‪ ،‬والتي جاءت‬ ‫في أح��داث كتبت بأسلوب أق��رب للطابع األدبي‪،‬‬ ‫ل��ذل��ك ق�م��ت بجمعها وتنقيحها وط�ب��اع�ت�ه��ا في‬ ‫كتاب‪.‬‬ ‫ < كنت ضيفا في برنامج (أربعة على الخط) على‬ ‫التلفزيون ال��س��ع��ودي القناة الثانية‪ ،‬أذك���ر أنك‬ ‫الشاعر أحمد البوق‬ ‫ذك��رت اس��م (فيصل ب��ن ع���واد)‪ ،‬وأن��ه ك��ان صاحب‬ ‫الشرارة األولى لدخولك عالم الشعر‪ .‬هل لك أن > م�ن��ذ ال�ع�ص��ر ال�ج��اه�ل��ي‪ ،‬واإلل��ق��اء منبر الشعر‪،‬‬ ‫ال�ج�م�ه��ور ال ��ذي يسمع ال�ق�ص�ي��دة يحفظ شكل‬ ‫تسرد علينا شيئا من ذاكرتك في هذا االتجاه؟‬ ‫الشاعر وحركاته‪ ..‬ويتشرب صوته‪ ،‬أين ارتفعت‬ ‫> فيصل بن ع��واد‪ ..‬كان صديقا لوالدي يرحمهما‬ ‫ن �ب��رة ص��وت��ه‪ ،‬وأي� ��ن ان �خ �ف �ض��ت‪ ،‬وأي الكلمات‬ ‫الله‪ ،‬وكان يحب إلقاء الشعر ومساعه‪ ،‬وكان يطلب‬ ‫المبحوحة ج��اءت همسا‪ ،‬وف��ي أي بيت أو سطر‬ ‫مني ذلك‪ ،‬ويكافئني على القصيدة التي تعجبه بأن‬ ‫اغرورقت عيناه‪ ،‬فاإللقاء يوصل المعنى أو يشتته‪،‬‬ ‫يقوم‪ -‬نيابة عني‪ -‬ببعض األعمال التي يكلفني بها‬ ‫إذا ك��ان الشاعر يلقي نصوصه منبريا‪ ،‬أو على‬ ‫والدي‪ ،‬وكنت كطفل أسعد بذلك‪ ،‬رغم أن معظم‬ ‫مجموعة متلقين بأي وسيلة‪ ،‬فإن اإللقاء شرط‬ ‫م��ا أسمعه م��ن محفوظاتي م��ن الشعر العربي‪.‬‬ ‫أساسي إليصال النص‪ ،‬أم��ا إذا اعتمد على أن‬ ‫وع�ل��ى بساطة ال��رج��ل ال�ش��دي��دة‪ ،‬إال أن إصغاءه‬ ‫يقرأ فقط‪ ..‬فربما ليس ضروريا‪ .‬ولكنني أعتقد‬ ‫ك��ان موحيا‪ ،‬ويطلب من اآلخرين أن يسكتوا كي‬ ‫شخصيا أن تجويد اإللقاء يعمق المعنى إلذكاء نار‬ ‫ي�ت�ف��رغ ل�س�م��اع ال�ق�ص�ي��دة‪ ،‬ول��دي��ه ذائ �ق��ة فطرية‬ ‫النص‪ ،‬أو لتوليد نصوص جديدة‪ ،‬ومن هنا يكون‬ ‫عالية‪ ،‬أذكر حين يطلب أن أُسمعه قصيدة يتخير‬ ‫اإللقاء مهما للشاعر والمتلقي‪ ،‬أنا أتغنى بإلقاء‬ ‫وقتا ومكانا هادئا‪ ..‬رغم ضجيج السوق‪ ،‬ينصت‬ ‫الشعر في أسفاري الكثيرة وحيدا‪ ،‬اإللقاء أشبه‬ ‫بطريقة عجيبة‪ ،‬يغمض عينيه‪ ،‬ويضع رأسه بين‬ ‫بالغناء‪ ..‬يجعلك تتمتع بالمعنى‪.‬‬ ‫كفيه‪ ،‬وقتها أشعر أنه بدأ بالتحليق مع القصيدة‪،‬‬ ‫وع�ن��د نهايتها يفتح عينيه‪ ،‬وي��رف��ع رأس��ه لتبدأ < هل وصل النقاد لقصيدتك؟ وهل تخشى ذلك؟‬ ‫عبارات اإلط��راء‪ ،‬وغالبا ما يطلب إعادة إلقائها‪ > ،‬القصيدة ال�ج�ي��دة تصل لكل ال�ن��اس بمستويات‬ ‫وأعرف من نبرة صوته وثنائه على القصيدة أنه‬ ‫م�ت�ف��اوت��ة‪ ،‬وال يمكن لريشة ال�ن��اق��د –مهما كان‬ ‫سيطلب سماعها في وقت آخ��ر‪ ،‬الشعر أع� ّز من‬ ‫حاذقا– أن تُجمِّل نصا قبيحا‪ ،‬والنقد المتمكن‬ ‫أن يلقى دون طلب‪ ،‬ولتلقي الشعر آداب ال يتقنها‬ ‫إب��داع في اإلب��داع‪ .‬في بعض األمسيات الشعرية‬ ‫إال محبوه‪ ،‬هذا التلقي الراقي كان سببا في إذكاء‬ ‫والجلسات الخاصة‪ ،‬تأتيك آراء مهمة من نقاد‪ ،‬أو‬ ‫جذوة الشعر‪ ،‬أظن أن الشاعر طفال كان أو كهال‬ ‫من عموم المتلقين‪ .‬وهناك العديد من الدراسات‬ ‫يحتاج إلى هذا الشكل من الرعاية‪ .‬كشجرة تحتاج‬ ‫عن قصائدي من نقاد أعتز بنقدهم‪ ،‬كالدكتور‬ ‫إلى من يقصد ظلها‪.‬‬ ‫حافظ المغربي‪ ،‬والدكتور عالي القرشي‪ ،‬والدكتور‬ ‫< أنت تتمتع بملكة اإللقاء وبطريقة مميزة‪ ،‬هل تضع‬ ‫اإللقاء شرط ًا يجب أن يحضر في صوت الشاعر؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫< ما سر إصدارك لهذا الكتاب؟‬

‫يوسف العارف‪ ،‬والشاعرة والناقدة فاطمة ناعوت‪،‬‬ ‫وأعزاء ال تحضرني أسماؤهم اآلن‪ ،‬وقبلهم جميعا‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪99‬‬


‫تكريما لنص هو تتويج لتجربة شعرية ثرية‪ ،‬لم‬ ‫يطلب أحد من الثبيتي أن يكتب هذا النص‪ ،‬ولم‬ ‫يفكر أصال للمشاركة به في أي جائزة‪ ،‬كتبه في‬ ‫سياق تجربته اإلبداعية‪ ،‬وحاز على اإلعجاب‪ .‬منذ‬ ‫العصر الجاهلي والقصائد تبدع أوال ثم تقيم في‬ ‫سياق تجربتها‪ ،‬وحتى جائزة نوبل األخيرة التي‬ ‫منحت للشاعر السويدي توماس ترانسترومر‪.‬‬

‫رأي الدكتور عبدالله الغذامي منذ األمسية اليتيمة‬ ‫في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة‪ ،‬عندما كنت‬ ‫طالبا ف��ي ال�ج��ام�ع��ة‪ .‬وبطبيعة ال �ح��ال ق��د يكون‬ ‫النقد قراءات متعددة للنصوص‪ ،‬ما يثري الشاعر‬ ‫والمتلقي معا‪ .‬وال يمكن للمبدع أن يخشى النقد‬ ‫إن كان بنّاءً‪ .‬أما ما عدا ذلك فزبد يذهب جفاء‪.‬‬ ‫< كيف تقيّم الساحة الشعرية السعودية مقارنة‬ ‫بالساحات الشعرية العربية؟‬

‫< الصحافة جذبت الكثير من األسماء اإلبداعية‪،‬‬ ‫ألم تكن مغرية لك؟ ولماذا؟‬

‫> زمن المركز واألط��راف في اإلب��داع انتهى‪ ،‬بعض‬ ‫التجارب الشعرية السعودية أكثر تجليا من الكثير‬ ‫من مثيالتها العربية‪ ،‬من محمد العلي‪ ،‬ومحمد‬ ‫الثبيتي‪ ،‬وع�ل��ي الدميني‪ ،‬وعبدالله الصيخان‪،‬‬ ‫ومحمد الحربي‪ ،‬وعبدالله الزيد‪ ،‬وعلي بافقيه‪،‬‬ ‫وعبدالله باهيثم‪ ،‬وأشجان هندي‪ ،‬وقائمة طويلة‬ ‫م��ن ال �ش �ع��راء وال �ش��اع��رات ال�م�ب��دع�ي��ن‪ .‬حضور‬ ‫الشعراء السعوديين عربيا‪ ..‬اتسم معظمه بالتميز‪،‬‬ ‫كما أن حضور الشعراء العرب في الجنادرية وسوق‬ ‫عكاظ أضفى غنى للمشهد الشعري العربي‪ .‬مع ‬ ‫ثورة االتصاالت واإلنترنت لم يعد للشعر ساحات‬ ‫بقدر ما أصبح للشعر العربي ساحة واحدة تضم‬ ‫كل شعرائه المتميزين‪.‬‬

‫مضن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫> الصحافة طاحونة المبدعين‪ ،‬إنها عمل‬ ‫يستهلك وقتك‪ ..‬والمبدع بحاجة للتأمل‪ ،‬ومسافة‬ ‫ليرى األشياء بكلياتها‪ ،‬ثم ينتقي التفاصيل‪ ،‬ال أن‬ ‫تفرض عليه‪ .‬ولكن بعض المبدعين استطاعوا أن‬ ‫يخلقوا هذا التوازن‪ ،‬وأبدعوا كصحافيين كما هم‬ ‫مبدعين أصال‪ ،‬بل إن بعضهم تجاوز ذلك لتوظيف‬ ‫العمل الصحافي لخدمة القضايا اإلبداعية‪ ،‬أو‬ ‫انعكس إبداعهم على العمل الصحافي وطوره‪.‬‬

‫< من المالحظ أن من يحصد الجوائز‪ ،‬ويصل إلى‬ ‫ساللم التكريم‪ ..‬هم من أنصاف الشعراء وأنصاف‬ ‫المبدعين‪ ،‬ماذا تقول في ذلك؟‬

‫عملي في البحث الفطري يشغل الكثير من وقتي‪،‬‬ ‫ويعطيني فرصة للتأمل من خالل الرحالت البرية‪،‬‬ ‫ومراقبة الكائنات الفطرية‪ ،‬حقيقة‪ ..‬من الصعب‬ ‫في ظرفي العملي إيجاد وقت لذلك‪ ،‬أشرفت على‬ ‫إصدار خمسة أعداد فصلية لمجلة (الوضيحي)‪،‬‬ ‫التي تصدرها الهيئة السعودية للحياة الفطرية‪،‬‬ ‫كنائب لرئيس التحرير التنفيذي‪ ،‬وك��ان��ت تلك‬ ‫التجربة ثرية إلى أبعد الحدود‪ ،‬ولكنها أخذتني‬ ‫بعيدا عن البحث العلمي‪ ،‬ربما في المستقبل‪..‬‬ ‫سيكون العمل في الصحافة العلمية خيارا مغريا‬ ‫لوضع عصا الترحال‪.‬‬

‫> بعض الجوائز الشعرية العربية بحاجة إلى إعادة‬ ‫نظر‪ ،‬فمن غير المقبول – إبداعيا على أقل تقدير‪-‬‬ ‫أن تحدد لجنة جائزة شعرية موضوع القصيدة‬ ‫وعدد أبياتها وإطارها العام‪ ..‬وكأن الشاعر ترزي‪،‬‬ ‫ث��م تمنح ه��ذا النظم ج��وائ��ز م��ادي��ة عالية‪ ،‬على < م��ا المواقع التي تنصح المثقف بزيارتها على‬ ‫شبكة اإلنترنت؟‬ ‫التقييم أن يركز على التجربة‪ ،‬وليس على النص‪،‬‬ ‫أو نص في سياق التجربة‪ ..‬ومنح الجوائز على > شبكة اإلن �ت��رن��ت ب�ح��ر م�ت�لاط��م م��ن المعلومات‬ ‫مجمل األعمال‪ ،‬أو كدواوين‪ ،‬أنفع للشعر والشعراء‬ ‫وال��م��واق��ع‪ ،‬ال �م �ه��م ال �ب �ح��ث ع��ن م��واق��ع موثوقة‬ ‫وجمهور المتلقين‪ .‬سأضرب لك مثاال‪ :‬إن منح‬ ‫للحصول على معلومات أو للمشاركة‪ ،‬أو مواقع تتبع‬ ‫الشاعر محمد الثبيتي جائزة أفضل قصيدة عن‬ ‫مؤسسات أو أفراد لهم مرجعيتهم ومصداقيتهم‪،‬‬ ‫وما عدا ذلك هدر للوقت‪.‬‬ ‫(موقف الرمال موقف الجناس) في الجزائر كان‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫سيرة‪ ..‬وإبداع‬

‫معالي الدكتور عبدالواحد بن خالد احلميد‬ ‫> بقلم‪ :‬احملرر الثقافي‬

‫يمثل معالي الدكتور عبدالواحد الحميد أسطورة ثقافية وعلمية‪ ،‬امتزج امتزاجا‬ ‫إلنسان ورم ِ��ل ه��ذا ال��وط ِ��ن‪ ،‬وجبالهِ وسهولهِ‬ ‫ِ‬ ‫وثيقا بوطنه؛ فهو أشبه بأغنية وطنية‬ ‫وشواطئهِ على حد سواء‪ ،‬ال يمكن نسيانها أو االستغناء عنها‪ ،‬نتذكرها في كل المواقف‬ ‫و المشاهد‪.‬‬ ‫ظل د‪ .‬الحميد محاربا يحمل الوطن في وجدانه وأفعاله‪ ،‬يشغله الهمّ العام‪ ..‬متنقال‬ ‫من جامعة البترول والمعادن بالظهران‪ ،‬وصوال إلى مقاالته الفكرية التي بدأها بمجلة‬ ‫إقرأ‪ ،‬وأضاءت صحف اليوم وعكاظ والرياض والجزيرة‪ ،‬وانتهاء بمسئولياته التي تقلدها‬ ‫في مجلس الشورى‪ ،‬ومجلس القوى العاملة‪ ،‬ووزارة العمل‪ ،‬و لجان العمل الوطنية التي‬ ‫شارك ويشارك فيها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪101‬‬


‫عندما تجلس معه‪ ،‬وتستمع إليه‪ ..‬ستحار فيه‬

‫دراسته‪ ،‬فابتُعِ ث إلى الواليات المتحدة األمريكية‬

‫مبدعا و مثقفا موسوعيا‪ ،‬تحيلك ثقافته الواسعة ليحصل فيها على درجة الدكتوراه في االقتصاد‬ ‫إلى روائي إن تحدث في الرواية‪ ..‬وإلى سياسي‬

‫من جامعة ويسكانسون‪ /‬ميلواكي‪ .‬عام ‪1404‬هـ‬

‫في مجال السياسة‪ ،‬وإلى قاص إذا تحدث في ‪1984‬م‪ .‬ليعود إلى وطنه مكلال بالنجاح والفالح‪،‬‬ ‫القصة‪ ،‬وناقد إذا تحدث في النقد‪ ،‬وصحفي جاهزا للعطاء في بلد العطاء والبناء والنماء‪.‬‬

‫إذا تحدث ف��ي الصحافة‪ ،‬وخبير إستراتيجي‬ ‫أو اقتصادي إذا تحدث في اإلستراتيجيات أو‬ ‫االقتصاد‪ ،‬فهو موسوعة علمية ثقافية يزينها‬ ‫التواضع والحكمة‪.‬‬ ‫تمث ُل سيرته العلمية والعملية نموذجاً مضيئاً‪،‬‬

‫رج���������ل إذا ع�������ز ال��������رج��������ال وج�����دت�����ه‬ ‫ق����م����را م��ش��ـ��ـ��ـ��ع��ا ت���ش���ه���د األجي ـ ــال‬ ‫أن�������ى ي���ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ون ف���ف���ع���ل���ـ���ـ���ـ���ه متميز‬ ‫وه������و ال���س���ك���وت وت���ن���ط���ق األف������ع������ال‬

‫(‪)1‬‬

‫فهو شخصية طموحة تميزت بالجد والعطاء خبرته العملية‬ ‫وال �ب �ن��اء‪ ،‬ل�ه��ا بصمتها األك��ادي �م �ي��ة والوظيفية‬ ‫واإلعالمية‪..‬‬

‫شغل عدة مناصب‪ ..‬كان آخرها نائبا لوزير‬ ‫العمل حتى أحيل على التقاعد عام ‪2011‬م بناء‬

‫ولد في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف شمالي على طلبه‪.‬‬

‫المملكة العربية السعودية‪.‬نشأ وت��رع��رع في‬ ‫ربوعها‪ ،‬وتتلمذ في مدارسها‪ ،‬حتى حصل على‬

‫وقد شغل منصب‪:‬‬

‫الثانوية العامة‪ ،‬ي��وم أن ع �زّت ال�ش�ه��ادات على‬

‫< نائب وزير العمل‪.‬‬

‫طالبيها‪.‬‬

‫< وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير‪.‬‬

‫انتقل بعدها إل��ى مدينة ج��دة للدراسة في‬ ‫ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ع��زي��ز‪ ،‬وال �ح �ص��ول على‬ ‫ال �ب �ك��ال��وري��وس‪ ،‬ح�ي��ث ك��ان��ت ج ��دة ت�ع��ج آنذاك‬ ‫بالحركة الثقافية والدبلوماسية‪ ،‬وأثناء ذلك‪..‬‬ ‫عمل في مجلة «إقرأ» مع الدكتور عبدالله مناع‪.‬‬ ‫ولطموحه ال�م�ت��زاي��د‪ ،‬ونظرته المستقبلية‬ ‫الوقادة‪ ،‬لم تشغله الوظائف أو تثنه عن استكمال‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫< م��دي��ر ص �ن��دوق تنمية ال��م��وارد البشرية‬ ‫المكلف‪.‬‬ ‫< أمين عام مجلس القوى العاملة‪.‬‬ ‫< عضو مجلس الشورى‪.‬‬ ‫< عضو هيئة ت��دري��س جامعة الملك فهد‬ ‫للبترول والمعادن‪.‬‬


‫< نائب رئيس تحرير جريدة اليوم‪.‬‬ ‫< رئ�ي��س ت�ح��ري��ر مجلة االق �ت �ص��اد‪ ،‬ومجلة‬ ‫سعودي كوميرس اإلنجليزية‪.‬‬ ‫< كاتب عامود يومي بجريدة اليوم‪.‬‬ ‫< ثم كاتب عامود يومي بجريدة عكاظ‪.‬‬ ‫< ثم كاتب عامود يومي بجريدة الرياض‪.‬‬ ‫< يكتب حالياً عاموداً صحفياً بعنوان (على‬ ‫وجه التحديد) في الصفحة السابعة من‬ ‫ج��ري��دة ال �ج��زي��رة أي ��ام ال�س�ب��ت واالثنين‬ ‫واألربعاء‪.‬‬

‫أم��ا عن أنشطته‪ ..‬فمتعددة ومتنوعة‬ ‫تمثلت في‪:‬‬ ‫< ع�ض��و م�ج�ل��س إدارة ال�م��ؤس�س��ة العامة‬ ‫للتأمينات االجتماعية‪.‬‬ ‫< ع��ض��و م �ج �ل��س إدارة ال �ه �ي �ئ��ة العامة‬

‫على التعليم هو استثمار في رأس المال البشري‪،‬‬ ‫وأن العائد من هذا االستثمار يفوق العائد من‬ ‫االستثمار في إقامة المصانع واآلالت‪ ،‬مشيراً‬ ‫إل ��ى أن ال�م�ش�ك�ل��ة ت�ت�م�ث� ُل ف��ي أن ال �ع��ائ��د من‬ ‫االستثمار في رأس المال البشري ال يتحقق –‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫أما إعالميا‪ ..‬فقد شغل منصب‪:‬‬

‫وفيه يؤكد الدكتور الحميد على أن اإلنفاق‬

‫في الغالب – إال في المدى الطويل؛ األمر الذي‬ ‫ي��ؤدي في بعض األحيان إلى «تأجيل» التوسع‬ ‫في اإلن�ف��اق على التعليم‪ ،‬بسبب االحتياجات‬ ‫االجتماعية الملحّ ة التي يصعب على الحكومات‬ ‫تأجيل مواجهتها‪ .‬وحذر الحميد من أن ضعف‬ ‫االستثمار البشري يؤدي إلى آثار سلبية وخيمة‬ ‫على األم��ة‪ ،‬وليس على الفرد وح��ده‪ ،‬ما يحتم‬ ‫دعم الحكومات لهذا النوع من االستثمار‪ ،‬بسبب‬ ‫«العائد االجتماعي» المرتفع‪ ،‬ومن أجل إعادة‬ ‫ال�ت��وازن بين «التكلفة الفردية» التي يتكبدها‬ ‫ال�ف��رد‪ ،‬و«التكلفة االجتماعية» التي يتحملها‬

‫لالستثمار‪.‬‬ ‫< عضو اللجنة التحضيرية للمجلس األعلى‬ ‫لشؤون البترول والمعادن‪.‬‬ ‫< رئيس هيئة النشر بمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬ ‫‪ -1‬اقتصاديات التعليم‪ :‬استثمار في أمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬السعودة أو‪ ..‬الطوفان‪.‬‬

‫اقتصاديات التعليم‪ :‬استثمار في أمة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪103‬‬


‫المجتمع‪.‬‬ ‫وأكد الحميد في كتابة على أن التعليم الناجح‬ ‫يقوم على الكيفية والنوعية‪ ،‬وأن االرتكاز على‬ ‫واع‬ ‫الكم في العملية التعليمية لن يقودَنا إلى جيل ٍ‬ ‫ومبتكر‪ .‬وقد ركز في نهاية كتابه على الجانب‬ ‫التطبيقي‪ ،‬حيث تضمن دراسة تطبيقية على تعليم‬ ‫البنين العام في المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫السعودة أو ‪ ..‬الطوفان‬ ‫ي�ط��رح ال�ك�ت��اب قضية أس��اس�ي��ة م��ن قضايا‬ ‫ال��وط��ن‪ ،‬رب�م��ا ع��دّ ه��ا بعض المتخصصين في‬ ‫ال �ظ��روف ال��راه�ن��ة قضيته األول ��ى حسب قول‬ ‫الدكتور غ��ازي القصيبي‪ ،‬وزي��ر العمل السابق‬

‫حينما و ّق��ع عليه‪ ..‬بعد أن ق��رأهُ أكثر من مرّة‪:‬‬ ‫«يجب أن يقرأه كل مواطن حريص على مستقبل‬

‫‪-‬يرحمه الله‪ -‬في تقديمه للكتاب‪ .‬الموضوع‬

‫هذا الوطن‪ ،‬أمّا المعنيون بشؤون العمل فيجب‬

‫يتعلق بمقارنة عجيبة‪ :‬وجود الماليين من العمالة‬

‫أن يقرأوه أكثر من مرّة»‪.‬‬

‫الوافدة‪ ،‬في الوقت الذي ال يجد فيه أكثر من‬ ‫(‪ )300‬ألف مواطن فرصا للعمل! ويستعرض‬ ‫الدكتور الحميد جذور المشكلة بأسلوب علمي‬ ‫س �ه��ل‪ ..‬م�ت��درج��ا م��ن أي ��ام ال�ط�ف��رة إل��ى وقتنا‬ ‫ال��راه��ن‪ .‬كما يقترح الحلول العملية الواقعية‬

‫وق��ال عنه الكاتب عبدالحميد العمري في‬ ‫جريدة االقتصادية‪« :‬أصدْقكم القول إن هناك‬ ‫الكثير من األفكار والمشاعر الفريدة تنتظركم‬ ‫خاص ًة‬ ‫ّ‬ ‫عند االنتهاء من قراءة هذا الكتاب القيّم‪،‬‬

‫بمعالجة ماهرة‪ ،‬ويلحظ القارئ النفس الهادئ‬

‫عندما يصل القارئ إلى أقوى وأقسى المشاهد‬

‫للمؤلف في طرحه لهذه القضية الشائكة‪ ،‬التي‬

‫الدراماتيكية للكتاب؛ إنها مجموعة من الصور‬

‫عانى ويعاني منها العديد من بلدان العالم‪.‬‬

‫المفزعة لطوفان العمالة الوافدة في الشوارع‬

‫ق��ال عنه د‪ .‬غ��ازي القصيبي ‪-‬يرحمه الله‪-‬‬ ‫(‪ )1‬للشاعر محمود الرمحي ‪-‬سكاكا‪.‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫واألسواق المحلية!»‪.‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫اجلهيمان ملك الأ�ساطري ال�شعبية‬ ‫يغني املكتبة العربية‬ ‫ويرحل بعد قرن من الزمن‬ ‫> شمس علي*‬

‫بعدما أغنى المكتبة العربية بالعديد من الكتب والمؤلفات التي تعنى بأدب الرسائل‬ ‫والرحالت والموروث الشعبي في منطقة الخليج‪ ،‬غادر إلى جوار ربه الكاتب الموسوعي‬ ‫الكبير‪ ،‬عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان في السابع من محرم عام‪1433‬هـ‪ ،‬عن عمر‬ ‫ناهز المئة سنة؛ وكأن روحه التي طالما شغفت وهامت بالتراث‪ ،‬وعكفت عقودا على‬ ‫جمعه وتدوينه من دون كلل أو ملل‪ ،‬آثرت بذلك إال أن تشتم نسائم العام الهجري الجديد‬ ‫قبل أن تركب مطية الرحيل وتفد إلى بارئها‪.‬‬

‫والدته ونشأته‬ ‫ولد األدي��ب الراحل نحو عام ‪1332‬هـ‬ ‫ف��ي ب �ل��دة غسلة ب��ال �ق��رائ��ن‪ ،‬وع ��اش حياة‬

‫أظفاره‪ ،‬ورغم انفصال والديه أثناء طفولته‬ ‫ال �م �ب �ك��رة‪ ..‬إال أن ��ه ح�ظ��ي ب�ح�ي��اة أسرية‬ ‫هانئة‪ ،‬عاشها مشاطرة بين كنف كل من‬

‫مفعمة ب��ال�ح�ي��وي��ة وال �ن �ش��اط م�ن��ذ نعومة أسرة أمه وأسرة وال��ده‪ .‬تمتع في طفولته‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪105‬‬


‫ب�ح��س ال�م�غ��ام��رة‪ ،‬إذ ل��م ي�ك��ن ي �ت��ردد ف��ي تسلق‬ ‫نخلة شاهقة‪ ،‬أو ن��زول بئر عميق‪ ،‬أو اإلنطالق‬ ‫مع رفاقه بين األحراش لمطاردة حمامة ضالة‪،‬‬ ‫أو صيد حيوان صغير شارد‪ ،‬ما ساعد في بناء‬ ‫شخصيته المستقلة‪ ،‬وتنمية مداركه وخياله‪.‬‬

‫جانب من ثلوثية الجهيمان‬

‫الجهيمان يتسلم درع مجلة الدرعية‬

‫جانب من تكريم األديب عبدالكريم الجهيمان‬

‫تكريم الراحل بثقافة الدمام‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫تلقى تعليمه األولي كغيره من أبناء جيله في‬ ‫الكتاتيب‪ ،‬متعلما مبادئ القراءة والكتابة‪ ،‬ويقول‬ ‫حول الوسائل التي كانوا يعتمدونها في التعليم‪:‬‬ ‫«كنا نتعلم القراءة والكتابة على رمالنا النقية‪،‬‬ ‫وكنا نصنع أل��واح�اً عريضة تنوب عن األوراق‪،‬‬ ‫وكنا نطلي ه��ذه األل ��واح ب�م��ادة جيرية نسميها‬ ‫(الصالوخ)؛ أي القطع التي تنسلخ من الجبل‪،‬‬ ‫فنطلي بها األلواح ونكتب عليها‪ ،‬فإذا حفظنا ما‬ ‫كتب عليها‪ ،‬محوناه مع الطبقة الجيرية التي طلينا‬ ‫بها األلواح‪ ،‬ثم نعيد عجنه وطبخه‪ ،‬حتى ينعقد‪،‬‬ ‫ثم نعمل منه أقراصاً نجففها‪ ،‬ثم نستعملها في‬ ‫الدواة‪ ،‬والدواة زجاجة ترد إلينا من الخارج‪ ،‬وقد‬ ‫يكون فيها دواء وقد يكون فيها مادة أخرى»(‪.)1‬‬ ‫وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره‪ ،‬غادر بلدته‬ ‫إلى مدينة الرياض التي مكث فيها عامين‪ ،‬درس‬ ‫خاللهما ‪-‬على يد مشايخها‪ -‬بعض مبادئ العلوم‬ ‫الدينية والعربية‪ ،‬بيد أنه ما لبث أن غادرها هي‬ ‫األخرى‪ ،‬موليا وجهه شطر مكة المكرمة‪ ،‬وفيها‬ ‫التحق جنديا بسلك الهجانة‪ ،‬وكان مقرها قلعة‬ ‫أجياد‪ ،‬ولم يمض فيها أكثر من عام واحد حتى‬ ‫عزم على االلتحاق بركب الدراسة في المعهد‬ ‫العلمي السعودي الذي أمضى فيه ثالثة أعوام‪،‬‬ ‫وبعد تخرجه منه‪ ،‬انخرط في سلك التعليم‪.‬‬ ‫ع���اش ف��ي م �ك��ة ن �ح��و خ�م�س��ة ع �ش��ر عاما‪،‬‬ ‫أمضاها بين ال��دراس��ة والتدريس‪ ،‬ثم ع��اد إلى‬ ‫الرياض فترة قصيرة من الزمن‪ ،‬وتوجه بعدها‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫إل��ى المنطقة ال�ش��رق�ي��ة‪ ..‬وت��ول��ى فيها رئاسة‬ ‫شركة (مطابع الخط للطباعة والنشر)‪ ،‬التي كان‬ ‫يمتلكها صديقه عبدالله الملحوق‪ ،‬وكانت أول‬ ‫شركة للطباعة تنشأ في مدينة الدمام‪.‬‬ ‫يعد الجهيمان أول م��ن أن�ش��أ صحيفة في‬ ‫المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫عرفت بـ«أخبار الظهران»‪ ،‬وتولى رئاسة تحريرها‪،‬‬ ‫وكانت صحيفة نصف شهرية‪ ،‬وذلك عقب انتقاله‬ ‫للسكن في مدينة الظهران‪ ،‬كما أنشأ في وقت‬ ‫الح��ق مجلة «المالية واإلق�ت�ص��اد»‪ .‬عمل مديرا‬ ‫للتفتيش اإلداري في وزارة المعارف‪ ،‬وبعد إحالته‬ ‫إلى التقاعد‪ ،‬تفرغ للتأليف والكتابة في الصحف‪،‬‬ ‫وكتب خالل تلك الفترة جملة من المؤلفات في‬ ‫التراث الشعبي‪ ،‬وأدب المقالة‪ ،‬وأدب الرسائل‪،‬‬ ‫وأدب المذكرات‪ ،‬وبعض من الشعر‪.‬‬

‫نمو بذرة حب الحكايا في نفسه‬

‫فقيد الثقافة يدشن موقعه اإللكتروني‬

‫الشيخ عبدالكريم الجهيمان مع الفنانين ناصر القصبي‬ ‫وعبدالله السدحان‬

‫نمت بذرة حب الحكايا واألساطير الشعبية‬ ‫في نفس الجهيمان منذ حداثة سنه‪ ،‬حيث كانت‬ ‫جدته ألمه تُنيِّمه ليال على حكاياها‪ ،‬في حين‬ ‫كان يسليه والده بسرد القصص عندما يصحبه‬ ‫لإلحتطاب في البراري‪.‬‬ ‫الشيخ الجهيمان والشيخ يوسف القرضاوي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪107‬‬


‫مؤلفاته‬ ‫تعد موسوعته‪“ :‬أساطير شعبية م��ن قلب‬ ‫جزيرة العرب” التي أخرجها في خمسة مجلدات‪،‬‬ ‫من أه��م ما زود به المكتبة العربية في مجال‬ ‫األدب الشعبي‪ ،‬بسبب ما تتضمنه من أساطير‬ ‫وحكايات شعبية‪ ،‬تصور الحياة االجتماعية في‬ ‫شبه ال�ج��زي��رة العربية‪ ،‬وم��ا س��اده��ا م��ن أفكار‬ ‫ومفاهيم ومعتقدات شعبية‪ ..‬بأسلوب يزخر‬ ‫بالخيال وعذوبة القص‪ .‬إضافة إلى «موسوعة‬ ‫األمثال الشعبية» في عشرة أج��زاء‪ ،‬وتضم نحو‬ ‫ع�ش��رة آالف م�ث��ل‪ ،‬وق��د أم�ض��ى ف��ي جمع مادة‬ ‫الكتابين نحو عقدين من الزمن‪ ،‬وكثيرا ما صرح‬ ‫الجهيمان بأنه يعد الموروث الشعبي أكثر دقة من‬ ‫التاريخ المكتوب في تدوين الحياة اإلجتماعية‪،‬‬ ‫صورة قديمة‬ ‫مؤكدا بأنه يحوي تاريخنا الصحيح فيقول‪« :‬أما‬ ‫للجهيمان مع‬ ‫األس��اط�ي��ر واألم �ث��ال فإنها ف��ي ن�ظ��ري أدق من‬ ‫صديقه حمد‬ ‫الجاسر‬ ‫التاريخ المكتوب في رسم الحياة االجتماعية‪،‬‬ ‫صور للجهيمان في فلكي نتعرف على تاريخ بلد‪ ،‬ولكي نكوِّن عنه‬ ‫شبابه‬ ‫صورة وافية‪ ،‬فلن تجد أدق وأصدق من األمثال‬ ‫التي هي زبدة تجارب ذلك المجتمع‪ ،‬وال أقرب‬ ‫من األساطير التي هي فضاء خياله الرحب وأفق‬ ‫تطلعاته»(‪.)2‬‬ ‫كما أن له عدة مؤلفات أخ��رى منها‪« :‬دخان‬ ‫ول�ه��ب»‪ ،‬مجموعة مقاالت نشرها في صحيفة‬ ‫أخ �ب��ار ال �ظ �ه��ران‪ ،‬و«أي� ��ن ال �ط��ري��ق»‪ ،‬مجموعة‬ ‫م�ق��االت نشرها ف��ي مجلة اليمامة‪ ،‬و«أحاديث‬ ‫وأح��داث» مقاالت نشرها في صحف متفرقة‪،‬‬ ‫و«آراء فرد من الشعب» مقاالت نشرها في مجلة‬ ‫القصيم‪ ،‬وجميعها تشتمل على نقد اجتماعي‪،‬‬ ‫كما أص��در كتاب «رسائل لها تاريخ» يضم عدة‬ ‫رسائل من أدباء وشعراء ومسؤولين وإخوان‪ ،‬كتب‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫وك�ت��ب الجهيمان للطفل ال�ع��رب��ي سلسلتين‬ ‫من القصص‪ ،‬األول��ى بعنوان «مكتبة الطفل في‬ ‫الجزيرة العربية»‪ ،‬فيما تحمل السلسلة الثانية‬ ‫اس��م «مكتبة أش�ب��ال ال �ع��رب»‪ ،‬وت�ح��وي كلتاهما‬ ‫عشر قصص‪ ،‬وتهدف ‪-‬حسب قوله‪ -‬إلى معرفة‬ ‫الطفل‪ ..‬وتنمية مداركه‪ ،‬موضحا أنها تأتي على‬ ‫ألسنة الحيوانات‪ ،‬وتحمل شيئا م��ن الخيال‪..‬‬ ‫ترغيبا للطفل في القراءة‪ .‬ولم يغفل الجهيمان‬ ‫ع��ن ت��دوي��ن ذك ��ري ��ات رح �ل �ت��ه إل ��ى ب��اري��س عام‬ ‫‪1370‬ه��ـ‪ ،‬التي استمرت ستة أشهر‪ ،‬وأخرجها‬ ‫في كتاب بعنوان «ذكريات في باريس»‪ ،‬وله كتاب‬ ‫«دورة مع الشمس»‪ ،‬تحدث فيه عن رحلة له عام‬ ‫‪1390‬ه� �ـ‪ ،‬ب��دأت م��ن ال��ري��اض م��رورا بلندن‪ ،‬ثم‬ ‫أمريكا‪ ،‬فطوكيو فالصين وانتهاء بالرياض‪.‬‬ ‫وهذه حكاية مختارة من كتاب أساطـيـر شعـبيـ ّة‬ ‫من قلب جزيرة العرب‪:‬‬

‫فتاة بدوية تُ َجن‪ ..‬وحضري يقرأ عليها‬ ‫كانت إح��دى قبائل البدو قد ضربت بيوتها‬ ‫حول بلدة البكيريه سنة من السنوات صيفاً‪ ،‬وفي‬ ‫ذات ليلة صرعت ابنة شيخهم‪ ،‬صرعها الجن‪،‬‬ ‫فذهب واح��د من أبناء عمها يبحث عن قارىء‬ ‫يقرأ عليها القرآن ليخرج الجن من الفتاة‪ .‬ودار‬ ‫ال �ب��دوي ف��ي ال �ب �ل��دة‪ ..‬وك�ل�م��ا ط�ل��ب م��ن شخص‬ ‫القيام بهذه المهمة اعتذر‪ ..‬حتى اعتذر له عدة‬ ‫أش �خ��اص‪ ..‬وأخ �ي��راً وج��د شخصاً ولكنه غير‬ ‫قارىء‪ ..‬وال فقيه‪ ..‬وإنما هو عامي ذكي‪ ..‬فقال‬ ‫أنا أقرأ عليها ولكن بأجر‪ ..‬فقال البدوي أطلب‪..‬‬ ‫وطلب الحضري أن يُعطى إذا شفيت الفتاة ناقة‬

‫ذهب االثنان حتى جاءا تلك الفتاة‪ ،‬فإذا هي‬ ‫ت�ض��رب نفسها‪ ،‬وتصيح ص�ي��اح�اً م�ن�ك��راً‪ ،‬ولها‬ ‫تصرفات ش��اذة وغريبة‪ ..‬وإذا هي فتاة جميلة‬ ‫فائقة الجمال‪ ...‬فقال الحضري احجبوا البيت‬ ‫ال حتى ال يحس‬ ‫علي وع�ل�ي�ه��ا‪ ..‬واب �ت��عِ ��دوا قلي ً‬ ‫الجني بوجودكم حولي‪ ،‬فإني أريد أن أكلمه‪...‬‬ ‫وأن أع��رف أهله وبلده وأس ��راره‪ ..‬ف��إذا عرفت‬ ‫ذلك سهل إخراجه‪ ..‬وحُ جب البيت على الفتاة‬ ‫البدويه وعلى القارىء الحضري‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫بعضها بخط اليد‪ ،‬فيما بعضها اآلخر كتب على يختارها بنفسة من بين اإلب��ل‪ ..‬وواف��ق البدوي‬ ‫على طلبه‪..‬‬ ‫اآللة الكاتبة لكنها مذيلة بتواقيع‪.‬‬

‫وق ��ال ال�ح�ض��ري للجني‪ :‬إن��ي أهنئك على‬ ‫حسن اختيارك‪ ،‬وأنا لم آت هنا ألقرأ عليك‪ ،‬أو‬ ‫ألضايقك أو ألناقشك على اختيار فتاة جميلة‪،‬‬ ‫وإنما جئت آلخذ أجرتي فقط‪ ..‬وال��ذي أريده‬ ‫منك أن تخرج منها لفترة من األيام حتى آخذ‬ ‫الناقة وأتصرف فيها‪ ،‬ثم بعد ذلك أنت وشأنك‬ ‫مع هذه الفتاة‪ ..‬وتكلم الجني فقال‪ :‬أنت ألطف‬ ‫حضري صادفتة في حياتي‪ ،‬ولهذا فأنا إكراماً‬ ‫ل��ك‪ ..‬ورع��اي��ة لمصلحتك‪ ،‬س��وف أخ��رج منها‬ ‫وأتركها لمدة أس�ب��وع ث��م أع��ود إليها‪ ..‬واتفق‬ ‫االثنان على ذلك‪ ،‬وغرزت الفتاة أصابع رجليها‬ ‫في األرض‪ ،‬ثم تحركت عدة حركات عنيفة‪ ..‬ثم‬ ‫هدات قليالً‪ .‬وبعد ذلك رفعت رأسها‪ ..‬كأنما‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪109‬‬


‫أتكفل بضمانها مدى حياتها‪ ،‬وتشاجر االثنان‪..‬‬ ‫وأخ��ي��راً ات�ف�ق��ا ع�ل��ى أن ي��ذه�ب��ا إل��ى القاضي‬ ‫ويحتكما إليه‪ ...‬ذهبا إليه‪ ،‬وجلسا أمامه‪ ،‬وأدلى‬ ‫البدوي بحجته‪ ،‬وطالب بأن يقرأ الحضري على‬ ‫الفتاة حتى تشفى أو يعيد الناقة التي أخذها‪.‬‬ ‫وقال الحضري‪ :‬يا فضيلة الشيخ‪ ،‬لقد اتفقت‬ ‫في زيارة لألديب الراحل عبدالعزيز مشري‬

‫معهم على أن أقرأ على الفتاة حتى تشفى بناقة‬ ‫ال حتى شفيت‬ ‫من إبلهم‪ ،‬وقد قرأت عليها فع ً‬ ‫وسلمتها إليهم سليمة بكامل قواها العقلية‪ ،‬وقد‬ ‫عاهدني الجني بأن ال يعود إليها‪ ،‬وقد بقيت‬ ‫ال وه��ي تتمتع بصحة جيدة‪ ..‬ثم‬ ‫أسبوعاً كام ً‬ ‫صرعت‪ ..‬وتعلم يا فضيلة القاضي أن الجن‬ ‫أكثر من اإلنس‪ ..‬وأنا لم أعطهم ضمانة عامة‬

‫جثمان الفقيد خالل نقله من جامع الراجحي‬

‫استيقظت م��ن س�ب��ات عميق‪ ..‬ف��أخ��ذ الرجل‬

‫بيدها‪ ..‬وخرج بها إلى أهلها تمشي سليمة كما‬ ‫كانت قبل حدوث ما حدث‪.‬‬

‫ف��رح أه��ل الفتاة بهذه النتيجة السريعة‪..‬‬

‫وتركوا الحضري يذهب إلى اإلبل ليختار منها‬

‫واح ��دة كما ي �ش��اء‪ .‬وذه ��ب ال�ح�ض��ري بناقته‪،‬‬ ‫فباعها ف��ي ال �س��وق م��ن ال �غ��د‪ ،‬وأخ��ذ ثمنها‪..‬‬

‫ع��ن الجن كلهم‪ ،‬وإن�م��ا تعهدت لهم أن أخرج‬ ‫ذلك الجني الذي خالط عقل الفتاة ألول مرة‪..‬‬ ‫أما ما عداه فلست مسئوالً عنه‪ ،‬وأنا أريد أن‬ ‫يثبت المدعي أن الجني الذي صرعها اآلن هو‬ ‫ذلك الجني الذي أخرجته منها سابقاً‪ ..‬فإذا‬ ‫أثبت ذلك فإن عليّ إخراجه‪ ،‬أو أن أعيد لهم‬ ‫ناقتهم‪.‬‬ ‫والتفت الشيخ إل��ى ال �ب��دوي‪ ..‬وق��ال له هل‬

‫وم�ض��ت األي ��ام المتفق عليها‪ ..‬وع ��اد الجني تستطيع أن تثبت أن الجني الذي صرعها اآلن‬ ‫للفتاة‪ .‬فصرعت وع��اد إليها جنونها كما كان هو الجني الذي كان صرعها من قبل‪ ..‬وأجاب‬ ‫سابقاً‪ ..‬وذه��ب اب��ن عم الفتاة إل��ى الحضري البدوي بأنه ال يستطيع ذل��ك‪ ،‬وعندئذ أصدر‬

‫وأخبره أن حالة الصرع عادت إلى الفتاة‪ ،‬وطلب القاضي حكمه بأنه ال أساس لدعوى البدوي‬ ‫منه أن يذهب ليقرأ عليها من جديد‪.‬‬ ‫على الحضري في هذا الموضوع‪ ..‬وأن عليه أن‬ ‫وامتنع الحضري ع��ن ال��ذه��اب وق��ال‪ :‬لقد يتفق مع الحضري من جديد أو أن يبحث عن‬

‫قرأت عليها في الماضي حتى شفيت‪ ..‬وأنا لم قارىء آخر يقرأ على فتاته‪.‬‬ ‫(‪ )2( ،)1‬موقع عبدالكريم الجهيمان‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫> صالح احلسيني‪ -‬املدينة املنورة*‬

‫غريب ٌ أمر هذه المجلة! تقترب من سنيها العشر وال تزال‬ ‫بثوب العروس األبيض المرصع بالآلليء؛ تطل علينا بحلتها‬ ‫المتأللئة‪ ..‬مع إطاللة كل فصل من فصول السنة‪..‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫على ضفاف اجلوبة‪..‬‬

‫(كائنٌ ورَقِ يٌ حي) لم يفقد قدرته على اإلقناع‪ ،‬أو اإلدهاش‪،‬‬ ‫أو اإلمتاع؛ لن أصفه باإلبهار‪ ،‬إنما بالثبات في القيمة ومالمح‬ ‫الجاذبية من الغالف إلى الغالف؛ نرتقب صدورها لنطلع على‬ ‫جديدها‪ ..‬وقد عودتنا بالجديد من ملفات ودراس��ات ومقاالت‬ ‫نقدية وإب��داع��ات شعرية وقصصية إل��ى غير ذل��ك من العطاء‬ ‫المتجدد‪ ..‬لها في رف قلبي ومكتبتي متكأ لم يُخصص لغيرها من قبل‪ ،‬أقرأها‪ ..‬ثم أعود‬ ‫لقراءتها‪ ،‬لشدة تعلقي بها‪ ..‬أعتز وأنا أكتب عنها‪ ،‬مُ حلقا ً بما أملك من صدق وانتظار‪ ،‬وال‬ ‫أستحي أو أخشى من أن أعاتبها دون صوت‪ ,‬عندما أجد فيها نص ًا إنساني ًا يقل فيه دسم‬ ‫اإلبداع عن ما عهدته فيها‪ ..‬وتعاتبني إذا كتبت نصا ً تقرير ًا للقارئ العادي‪ ،‬إيمانا ًمنها‬ ‫باالعتناء باللغة ورسم الصورة معنىً وقيمة‪ ،‬فأنكسر لعجلتي‪.‬‬ ‫مجلة ذكية ج��واب��ة‪ ،‬تُ��راوح بين ذهبية «استنطقوا لغتي»‪ ،‬لغتها التثقيفية التي ال‬ ‫األص ��ال ��ة‪ ،‬وده �ش��ة ال � ُم �ع��اص��رة‪ ،‬وحلمية تستكين للجاهزية والنمطية‪..‬‬ ‫المستقبل في المطارح والمسارح واللغة‬ ‫تتبعت ذات مرة ما أكتبه وأرسله لها‪،‬‬ ‫والنبض والحياة‪ ،‬وتتغلف بقيمة تشكيلية أو فوجدتها تمر على الحرف ال على المفردة‬ ‫فوتوغرافية من أيادي مبدعين ومبدعات فحسب‪ ،‬تعدِّلني إذا لغوت في نحويتي أو‬ ‫ب� ��رؤى خ�ل�اق��ة‪ ،‬ف �ي �ج��يء غ�لاف �ه��ا حام ً‬ ‫ال إمالئيتي‪ .‬فتيقنت أنها لي ولغيري‪ ..‬تُعَد‬ ‫مضموناً ال يهمله الخاطر‪.‬‬ ‫من بعد تقويم‪ ،‬فتصدر بصدق وموضوعية‬ ‫أدبية ولغوية‪ ،‬حفاظا ً على المصداقية‪..‬‬ ‫ولما أ ُسِّ سَ ت عليه مؤسستها ومكتبتها قبل‬ ‫خمسين عاماً‪.‬‬

‫إنها الجوبة‪ ،‬الحقيبة الجوابة في عالم‬ ‫الثقافة وال �ح �ي��اة؛ ف��ي ال�ف�ن��ون اإلنسانية‬ ‫الخالدة والتالدة‪ ،‬في التراث وحياة الشعوب‪،‬‬ ‫في األبحاث واالكتشافات والصروح‪ ،‬في‬ ‫ال �ج��وب��ة‪« :‬اس � � ٌم ع�ل��ى ُم �س �م��ى»‪ ..‬ال تزال‬ ‫القيم والمعاني‪ ،‬والحواضر والبوادي‪ ،‬وفي تجوب‪ ..‬تقطع الدروب‪ ..‬تجهل الغروب‪ ..‬لها مع‬ ‫السهل والجبل؛ لكأنها تقول‪ :‬ال تقرؤوني كل قارئ وقفة‪ ،‬وتربطها به عالقة وطيدة‪!..‬‬ ‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪111‬‬


‫قصيدة عزلة‬

‫لـ توماس ترانسترومر‬ ‫> ترجمة‪ :‬أحمد عثمان*‬

‫حاز السويدي توماس ترانسترومر على جائزة نوبل لآلداب عام ‪2011‬م‪« ،‬ألنه من خالل‬ ‫صور مركزة وواضحة‪ ،‬يعطينا منفذا جديدا على الواقع»‪.‬‬ ‫ويعتبر ترانسترومر أحد أبرز وجوه الشعر االسكندنافي األحياء‪ ،‬بنتاجه الذي يبين‬ ‫العالقة القائمة بين حميميتنا والعالم الذي يحيطنا‪.‬‬ ‫كنفساني التكوين‪ ،‬يشير إلى أن التجربة الشعرية للطبيعة‪ ،‬تسمح للمرء أن يغوص‬ ‫إلى أعماق الهوية اإلنسانية وبعدها الروحي‪« .‬لن ينتهي وجود االنسان حيث تنتهي‬ ‫أنامله»‪ ،‬كما كتب أحد نقاده السويديين عن تيمات قصائده‪ ،‬التي وصفها كـ«صلوات‬ ‫روحانية»‪.‬‬ ‫القصائد‪.‬‬

‫ترجع شهرته في العالم األنجلوفوني‬ ‫إل��ى صداقته بالشاعر األميركي روبرت‬ ‫ول� ��د ت ��وم ��اس ت��ران �س �ت��روم��ر ف ��ي ‪15‬‬ ‫ب�لاي‪ ،‬ال��ذي ترجم إل��ى اإلنجليزية جانبا‬ ‫أب��ري��ل‪ /‬ن �ي �س��ان‪1931‬م‪ .‬ح��از على دبلوم‬ ‫كبيرا م��ن نتاجه ال ��ذي ت��رج��م على وجه‬ ‫البسيكولوجيا ع��ام ‪1956‬م‪ ،‬وعمل فترة‬ ‫العموم إلى ما يقرب من خمسين لغة‪.‬‬ ‫ف ��ي «م �ع �ه��د ال �ب �س �ي �ك��وت �ك �ن �ي��ك» بجامعة‬ ‫قصائده غنية باالستعارات والصور‪:‬‬ ‫ستوكهولم‪ ،‬قبل أن يهتم‪ ،‬منذ عام ‪1960‬م‪،‬‬ ‫فيعرض مشاهد بسيطة مأخوذة من الحياة‬ ‫بالجانحين في معهد خاص‪ ،‬ثم بالمعاقين‬ ‫اليومية والطبيعة‪ .‬وأس�ل��وب��ه استبطاني‬ ‫والمدمنين‪.‬‬ ‫«كحالة صوفية‪ ،‬متغيرة وحزينة»‪ ،‬تتفجر‬ ‫عندما كان طالبا‪ ،‬أصدر ديوانه األول‬ ‫مع حياة الشاعر الملتزم نفسه في صراع‬ ‫دائم من أجل عالم أفضل‪ ،‬وليس فقط عبر «‪ 17‬ق�ص�ي��دة» ل��دى أك �ب��ر ن��اش��ر سويدي‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫«بونيير»‪ ،‬ال��ذي استمر في التعامل معه لفترة‬ ‫ط��وي �ل��ة م ��ن ال ��زم ��ن‪ .‬ب��ال�ن�س�ب��ة ل��ن��اش��ره‪ ،‬شعر‬ ‫ترانسترومر «تحليل دائم ألحجية الهوية الفردية‬ ‫في مواجهة التشعب التيهي للعالم»‪.‬‬ ‫قبل نشر أكثر من عشرة دواوين‪ ،‬وتحديدا في‬ ‫عام ‪1990‬م‪ ،‬أصابه نزف فجائي أدى إلى فقدانه‬ ‫القدرة على الكالم َوتَرَك ُه شبه مشلول‪ ،‬ما غير‬ ‫كثيراً من نشاطاته وعاداته‪ ،‬ولم يزل يعزف على‬ ‫البيانو‪ ..‬ولكن بيد واحدة (يده اليسرى)‪ ،‬ويقضي‬ ‫وقته في االستماع إلى الموسيقى الكالسيكية‪،‬‬ ‫كما ذك��رت زوج�ت��ه مونيكا لصحيفة «داغنيس‬ ‫نيهتر» السويدية هذا العام‪.‬‬ ‫ب�ع��د س��ت س �ن��وات م��ن ال �ص��راع ال�ط��وي��ل مع‬ ‫هذا المرض‪ ،‬تمكن بمساعدة زوجته من إصدار‬ ‫«الجندول الحزين»‪ ،‬الذي ُو ِّز َع منه نحو (‪)30.000‬‬ ‫نسخة‪ ،‬وهو رقم كبير بالنسبة للشعر‪ .‬وبعد هذا‬ ‫ال�ن�ج��اح‪ ،‬ل��م ينشر ترانسترومر أي ش��ئ خالل‬ ‫ثمانية أعوام‪ ،‬باستثناء مراسالته مع بلي‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪2004‬م‪ ،‬أص��در ديوانه «اللغز الكبير» (‪45‬‬ ‫قصيدة هايكو)‪.‬‬ ‫في مقدمة «األع�م��ال الكاملة» (بالفرنسية‪،‬‬ ‫‪1996-1954‬م)‪ ،‬كتب الشاعر رونيه ايغو‪« :‬يمثل‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫توماس ترانسترومر‬

‫(ترانسترومر) تجربة الخاصية المتغيرة للمادة‪،‬‬ ‫هذه الحالة التي علمتنا الفيزياء الحديثة أنها‬ ‫الجوهر»‪ .‬ظاهريا‪ ،‬القصيدة تحقق الواقع‪ ،‬تدون‬ ‫في حركة بيانية‪ .‬خطوة خطوة‪ ،‬كلمة كلمة‪ ،‬نجد‬ ‫أن م��ا ه��و م�ط��روح للرؤية واح��د ل��دى الشاعر‬ ‫كما ل��دى ال�ق��ارئ‪ .‬وف��ي ال��واق��ع‪ ،‬تكشف قصيدة‬ ‫ترانسترومر‪ ،‬ف��ي أبياتها‪ ،‬م��ا ينجينا‪ ،‬األبيض‬ ‫ون�ق��ائ��ص ال�م�لاح�ظ��ة‪ ،‬وج��وه��ر ال �ش��يء الكامن‬ ‫تحت السطح‪ .‬تلمع قصائده ببساطتها وسالسة‬ ‫تراكيبها‪ ،‬ورقة إحساسها‪ ،‬وانطباعاتها الحميمية‬ ‫وثرائها االستعاري‪ .‬كل شئ حاضر‪ ،‬دوار الوضوح‪،‬‬ ‫كثافة الملفوظ‪ ،‬ابتكارية الصور‪« :‬اليقظة قفزة‬ ‫مظلة خارج الحلم»‪ .‬كما نجد أن «ايف أوغ» كتب‬ ‫في «لومانيته»‪« :‬هذا السويدي‪ ،‬فضال عن كونه‬ ‫رحالة كبير‪ ،‬رجل الفضاء والزمن‪ ،‬إنه من هنا‬ ‫واآلن‪ ،‬مأخوذ بسر العالمات‪ ،‬الوجود الضخم‬ ‫والعنيد ل�لأش�ي��اء‪ِ ،‬ظ�� ُّل أف �ع��ال ال �ن��اس‪ .‬شاعر‪،‬‬ ‫يتفاعل واق�ع�ي��ا ب��ال �ص��ورة‪ ،‬ال�ت��ي ال يستخدمها‬ ‫كثنائية طيفية لألشياء‪ ،‬ولكن كمسعى يتيح للمرء‬ ‫أن يوجد بين األشياء في العالم (‪ )...‬الماضي‬ ‫والمستقبل موجودان معا في الحاضر‪ .‬األحداث‬ ‫المستقبلية موجودة اآلن أيضا! من الممكن أن‬ ‫نشعر في قصيدة ما «بجمع من الناس يهمسون‬ ‫ما وراء الحواجز»‪ .‬شهادات هذا الوجود للماضي‬ ‫مثيرة للدهشة‪ ،‬مثال‪« :‬رح��ل غوته إلى إفريقيا‬ ‫ع��ام ‪1962‬م مرتديا مالبس جيدة وهناك رأى‬ ‫ك��ل ش��ئ»‪ ،‬ه��ذه الحالة للتاريخ م��وج��ودة أيضا‬ ‫ف��ي ق�ص�ي��دة ن�ث��ري��ة‪« :‬ال��زم��ن ل�ي��س م�س��اف��ة من‬ ‫خط مستقيم‪ ،‬وحينما يرتكن المرء إلى حائط‬ ‫في المكان المناسب‪ ،‬يمكنه أن يسمع خطوات‬ ‫سريعة وأص��وات‪ ،‬يمكنه أن يسمعها تمضي إلى‬ ‫الناحية األخرى‪ ،‬هناك»‪.‬‬ ‫ول��ذا‪ ،‬ف��إن ترانسترومر شاعر من عصرنا‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪113‬‬


‫يستقل القطار والمترو‪ ،‬وينام أحيانا في غرف‬ ‫الفنادق‪ ،‬ينظر إلى الخارج عبر النافذة‪ ،‬يرتاد‬ ‫ال�ك�ن��ائ��س‪ ،‬يسمع ال�م��وس�ي�ق��ى‪ ،‬ي�ت��أم��ل الطبيعة‬ ‫وي �س��اف��ر‪ ،‬وم��ع ذل��ك رج��ل ل�ك��ل ال �ع �ص��ور‪ ،‬رجل‬ ‫ال��دوام فيما يتغير ويتبدل‪ .‬رج��ل ي��رى تمفصل‬ ‫الزمن ال��ذي يمضي والزمن ال��ذي يخمد‪ ،‬وكذا‬ ‫التاريخ واألساطير‪.‬‬ ‫«حياتي‪ .‬حينما أفكر في هذه الكلمات‪ ،‬أرى‬ ‫أمامي شعاعا من النور‪ .‬وبالنظر من قرب‪ ،‬أرى‬ ‫أن هذا النور يأخذ شكل المذنب‪ ،‬وله رأس وذيل‪.‬‬ ‫طرفه األكثر إنارة‪ ،‬الذيل‪ ،‬طرف الطفولة وسنوات‬ ‫التكوين‪ .‬ال�ن��واة‪ ،‬بالتالي‪ ،‬ج��زؤه األكثر تركيزا‪،‬‬ ‫تناسب ال��وض��ع ال�ط�ف��ول��ي‪ ،‬إذ ت �ح��ددت صفات‬ ‫ال��وج��ود ال�م��وس��وم��ة للغاية‪ .‬أح ��اول أن أتذكر‪،‬‬ ‫أحاول أن أذهب إلى البعيد‪ .‬ولكنه من الصعب‬ ‫االنتقال في هذا النطاق الكثيف‪ :‬حتى أنه يتبدى‬ ‫محفوفا بالمخاطر وتمنحني الشعور باالقتراب‬ ‫من الموت‪ .‬بعيدا‪ ،‬في الخلف‪ ،‬المذنب يتحلل في‬ ‫جزئه الطويل‪ .‬ينتشر‪ ،‬بدون أن يكف مع ذلك عن‬ ‫الكبر‪ .‬اآلن أنا بعيد عن ذيل المذنب»‪ ،‬كما كتب‬ ‫في «الذكريات تراقبني»‪.‬‬

‫في ع��ام ‪1997‬م‪ ،‬ق��ررت مدينة «فستيراس»‬ ‫العمالية‪-‬التي أق��ام فيها ثالثين عاما‪ ،‬قبل أن‬ ‫يضطر لالنتقال إلى ستوكهولم في التسعينيات‬ ‫لظروف مرضه‪-‬أن تؤسس جائزة تحمل اسمه‬ ‫«جائزة ترانسترومر»‪.‬‬ ‫ف��ي ع��ام ‪1966‬م‪ ،‬حصل على ج��ائ��زة بلمان‬ ‫ال �م��رم��وق��ة‪ ،‬وت �ت��ال��ت ب�ع��ده��ا ال �ج��وائ��ز‪« :‬جائزة‬ ‫بترارك» (ألمانيا‪1981 ،‬م)‪ ،‬و«نيوشتادت العالمية»‬ ‫(الواليات المتحدة‪1990 ،‬م)‪ ،‬جائزة األكاديمية‬ ‫السويدية لدول الشمال (‪1991‬م)‪ ،‬جائزة نونينو‬ ‫(إيطاليا ‪2001‬م)‪ ،‬جائزة التاج الذهبي (مقدونيا‪،‬‬ ‫‪2003‬م)‪.‬‬ ‫من دواوينه‪« :‬أسرار في الطريق» (‪1958‬م)‪،‬‬ ‫«ال �س �م��اء ن �ص��ف م�ك�ت�م�ل��ة» (‪1962‬م)‪« ،‬أنغام‬ ‫وأث��ار» (‪1966‬م)‪« ،‬رؤية ليلية» (‪1970‬م)‪« ،‬بحار‬ ‫البلطيق» (‪1974‬م)‪« ،‬حاجز الحقيقة» (م‪،)1978‬‬ ‫«الذكريات تراقبني» (‪1993‬م)‪« ،‬قصائد قصيرة»‬ ‫(‪2002‬م)‪« ،‬اللغز الكبير» (‪2004‬م)‪.‬‬

‫عزلة‬ ‫هنا كنت على وشك أن أموت ذات مساء‬ ‫فبرايري‪.‬‬ ‫السيارة تنزلق على رقاق الجليد‬ ‫من الناحية الخطرة للطريق‪.‬‬ ‫السيارات في االتجاه المعاكس‪،‬‬ ‫أنوارها‪ ،‬تقترب‪.‬‬ ‫اسمي‪ ،‬ابنتاي‪ ،‬عملي‪،‬‬ ‫انفصلت‪ ،‬بقيت صامتة‬

‫لقطة أخرى توماس ترانسترومر‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫في الخلف بعيدا‪.‬‬ ‫في الخلف بعيدا للغاية‪ .‬كنت بال اسم‬


‫مدرسة محاطة باألعداء‪.‬‬

‫اجتزت طويال‬

‫للسيارات في الطريق العكسي‬

‫حقول أوزترغتالند المصقوعة‬

‫أنوار قوية‪.‬‬

‫ال أحد على مرمى البصر‪ ،‬أبدا‪.‬‬

‫تنيرني بينما‬

‫في أجزاء أخرى من العالم‬

‫ألف وألف المقود‬ ‫مأخوذا برعب واضح‪ ،‬ينساب‬ ‫كبياض البيضة‪.‬‬ ‫تكبر الثواني – مانحة الفضاء –‬ ‫كبيرة فجأة كأنها مشاف‪.‬‬ ‫من الممكن التوقف‪ ،‬جزئيا‪،‬‬ ‫والتنفس للحظة‬ ‫قبل أن نتهشم‪ .‬جاء المنقذ‪:‬‬ ‫مساعدة حبة رمل‬ ‫أو صفعة ريح رائعة‪.‬‬ ‫تحررت السيارة‬ ‫وزحفت عبر الطريق‪ ،‬سريعا‪.‬‬ ‫تبدى عمود وتحطم – ضجة حادة –‬ ‫طار بعيدا في العتمة‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫كصبي في ساحة‬

‫كي يرى ما أصابني‪.‬‬

‫هناك من يولد‪ ،‬يحيا‪،‬‬ ‫يموت‬ ‫قي هرج ومرج مستمر‪.‬‬ ‫أن تكون واضحا – تحيا‬ ‫تحت جمع من النظرات –‬ ‫يجب أن تعطي تعبيرا خاصا‬ ‫للوجه‪.‬‬ ‫وجه مغطى بالوحل‪.‬‬ ‫تتبدى همهاتها وتسقط‬ ‫بينما تنفصل‪ ،‬وتتوزع‬ ‫السماء‪ ،‬الظالل‪ ،‬حبات الرمل‪.‬‬ ‫علي أن أكون وحيدا‬ ‫عشر دقائق في الصباح‬

‫حتى أصبح كل شئ‬

‫وعشر دقائق في المساء‪.‬‬

‫صامتا‪ .‬كنت جالسا‪ ،‬ما أزال‬

‫بدون أن أفعل شيئا‪.‬‬

‫مربوطا‪،‬‬

‫يصطف كل واحد خلف اآلخر‪.‬‬

‫رأيت أحدهم يقترب‬

‫كثيرون‪.‬‬

‫تحت الثلج‬

‫واحد‪.‬‬

‫* مترجم من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪115‬‬


‫زينب السجيني‬ ‫تبحث عن المنسيات في الحارة الشعبية‬ ‫> عرض سعيد نوح*‬

‫إنه عالم أنثوي محض‪ ،‬ذلك الذي تخطه ريشة الفنانة المصرية زينب السجيني‪ ،‬وجوه‬ ‫لنساء وفتيات صغيرات وشابات‪ ،‬تنطق أرواحهن بالحنين‪ ،‬وجوه تشير إلى انحياز الفنانة‬ ‫لكل ما هو أنثوي خالص‪.‬‬ ‫مَن يطالع معارضها ولوحاتها يتساءل‪ :‬هل التواجد الكثيف للمرأة في لوحاتها يشير‬ ‫إلى فكر أيديولوجي يعادي الثقافة الذكورية‪ ،‬أم أنه اختيار جمالي محض؛ ألن الجسد‬ ‫األنثوي يُكوِّن مادة قادرة على حمل الجماليات التي تريد الفنانة أن توصلها لجمهورها؟‬ ‫على أي��ة ح��ال‪ ،‬ربما لن تفيدنا كثيرا اإلج��اب��ة على ه��ذه ال��ت��س��اؤالت‪ ،‬وك��ل ما يهمنا‬ ‫تلك الجماليات التي تواصل زينب السجيني رصدها بريشتها في شتى معارضها التي‬ ‫تقيمها‪.‬‬ ‫تفتحت عيناها على لوحات عمها جمال‬ ‫السجيني ‪-‬النحات المشهور‪ -‬ومنحوتاته‬ ‫الفنية الرائعة‪ ،‬والزمته طوال فترة طفولتها‪.‬‬ ‫كانت ‪-‬حسب م��ا صرحت ب��ه ف��ي أكثر من‬ ‫ح��وار‪ -‬تجلس بجانبه وه��ي صغيرة‪ ،‬تتابع‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫حركة يديه وهو يقوم بنحت تماثيله‪ ،‬فتعلمت‬ ‫م�ن��ه ال�ص�ب��ر ع�ل��ى ن�ح��ت م�لام��ح التماثيل‪،‬‬ ‫وخاصة الوجوه اإلنسانية‪ ،‬وعرفت كيف يمكن‬ ‫للنحات أن يقبض على التعبيرات اإلنسانية‬ ‫بصبر وأناة‪ ،‬وهو يواصل النحت والحفر في‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫وجه إنساني بادي ًة‬ ‫قطع من الحجر‪ ،‬ليحولها إلى ٍ‬ ‫عليه تعبيرات الفرح والحزن‪ ،‬واأللم والسعادة‪.‬‬ ‫ول��دت بالقاهرة ع��ام ‪1930‬م‪ ,‬وتربت في بيئة‬ ‫التراث والحضارة المصرية «الجمالية والحسين‬ ‫وشارع المعز»‪ .,‬تأثرت بعائلتها الفنية‪،‬بأمها وأبيها‬ ‫ال�ل��ذي��ن اح�ت��رف��ا ال �ف��ن‪ ،‬وبعمها ال�ن�ح��ات الشهير‪،‬‬ ‫وزوجها الرسام‪ ،‬فتعودت منذ نعومة أظفارها على‬ ‫رؤية األعمال الفنية‪ ,‬والتواجد في أتيلييه عمها‪,‬‬ ‫فكانت تلك الفتاة التي تساعده‪ ،‬وتجلس الساعات‬ ‫الطويلة أمامه كنموذج له أثناء النحت‪.‬‬ ‫دخلت كلية الفنون الجميلة‪ ،‬وفضلت دراسة‬ ‫التصميم «الديكور» حتى ال تتأثر بأحد‪ ،‬وتكون لها‬ ‫شخصيتها المستقلة‪ ،‬وتخرجت منها عام ‪1956‬م‪,‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪117‬‬


‫ثم درست في المعهد العالي للتربية الفنية وتخرجت‬ ‫م�ن��ه ع��ام ‪1957‬م‪ ,‬وح�ص�ل��ت ع�ل��ى ال��دك �ت��وراه في‬ ‫فلسفة التربية الفنية عام ‪1978‬م‪ ,‬وعملت بالسلك‬ ‫األكاديمي في الكلية‪ ،‬شغلت منصب رئيسة قسم‬ ‫التصميم بكلية التربية الفنية في جامعة حلوان‪.‬‬ ‫أدركت ضرورة البحث عن التميز؛ لتكون بقامة‬ ‫عمها أو زوج �ه��ا‪ ،‬وأن عليها التعاطي م��ع البيئة‬ ‫الشعبية‪ ،‬وم��ع المهمشين المسكوت عن عوالهم‪،‬‬ ‫الذين نسيتهم السلطة‪ .‬فتكوَّن عالمها الفني من‬ ‫أولئك النساء المهمشات المنسيات‪ ،‬الالئي تعلو‬ ‫أصواتهن في اللوحات راف�ض��ات كل أن��واع القهر‬ ‫والظلم واإلق�ص��اء‪ .‬فانحازت لهنَّ ‪ ،‬وصورتهن في‬ ‫مواضع مختلفة‪ ،‬فظهر َن في إحدى لوحاتها وهن‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫يجلسن حول ما يشبه المائدة القصيرة‪ ،‬أو الطبلية‬ ‫الشعبية‪ ،‬يرتدين المالبس الشعبية البسيطة التي‬ ‫تشير إل��ى بساطة الحال وضيق ال ��رزق‪ ..‬يثرثرن‬ ‫ويشربن القهوة أو الشاي‪.‬‬ ‫وفي لوحة أخرى‪ ،‬في حالة من المرح‪ ،‬جالسات‬ ‫على شاطئ البحر يتسامرن‪ ،‬وحولهن صغارهن‬ ‫يلهون ويصنعون بيوتهم من الرمل والماء‪.‬‬ ‫كذلك يأتي الريف حاضرا وقويا في أكثر من‬ ‫لوحة للفنانة المهمومة بكل المهمشين بتجلياتهم‬ ‫المختلفة‪ ،‬في القرى والبيئات البينية على أطراف‬ ‫المدن‪ .‬ناهيك عن األمومة التي تحضر في كثير‬ ‫م��ن ل��وح��ات�ه��ا بشكل ص���ارخ‪ ،‬أم��وم��ة ع��ذب��ة تجمع‬ ‫دوم��ا بين األم وص�غ��اره��ا‪ ،‬تمثل الحنان والشغف‬ ‫اللذين يربطانها بهم‪ .‬فتظهر األم مشاركة بناتها‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪119‬‬


‫اللعب‪ ,‬فتحمل معهن الشبكة‪ ,‬وتقف إلى جانبهن‬ ‫ف��ي ال �ب �ي��وت‪،‬أو جالسة على الشاطئ لرعايتهن‪,‬‬ ‫فتحتضنهن‪ ،‬أو تمشط شعرهن‪.,‬‬ ‫ك��ل ه��ذه المشاعر اإلنسانية تنعكس باأللوان‬ ‫«الزيتية واألكليريك على توال» على لوحاتها‪ ,‬إنها‬ ‫األم التي تأخذنا دائما برومانسيتها إلى عالم خاص‬ ‫بها‪ ،‬يصور مشاعر الطفل وروحه الفياضة التي تكاد‬ ‫تنطق بها لوحاتها‪..‬‬ ‫وت �ب��دو لوحاتها تعبيرية رم��زي��ة‪ ،‬ت�ص��ور وجوه‬ ‫األم�ه��ات واألب �ن��اء بعيونهم ال��واس�ع��ة‪ ،‬وف��ي حاالت‬ ‫مختلفة‪ ,‬ما بين صغيرة تحتضن حمارها‪ ،‬وأخرى‬ ‫تلهو على الشاطئ‪ ،‬وثالثة تلهو وسط المزارع في‬ ‫الريف بين أخواتها أو صويحباتها‪ ،‬ورابعة يتسلقن‬ ‫فيها الفتيات الشجر ويلعبن‪ ،‬وف��ي أخ��رى واحدة‬ ‫تحتضن صغير خرافها‪ ،‬وهكذا‪ ..‬صغيرات يبحثن‬ ‫عن البهجة البسيطة في عالمهن الخاص‪.‬‬ ‫ال شك أن المكان هو البطل الرئيس في لوحاتها‪،‬‬ ‫وربما يأتي الزمان متواريا‪ ..‬ال يظهر إال من خالل‬ ‫أعمار الصغيرات‪ ،‬أو النساء متوسطات العمر‪ ،‬لكن‬ ‫المكان يبقى األكثر حضوراً في لوحاتها‪ ،‬ويتنوع‬ ‫بتنوع البيئة المصرية‪ ،‬ما بين حيّ شعبيّ ‪ ،‬وريف‪،‬‬ ‫وبيئة ساحلية‪.‬‬ ‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫االنكماش االقتصادي‬ ‫> نشأت نايف احلوري*‬

‫االن��ك��م��اش االق��ت��ص��ادي المالي ه��و انخفاض في‬ ‫أس��ع��ار السلع وال��خ��دم��ات ف��ي ك��اف��ة ج��وان��ب اقتصاد‬ ‫الدولة‪ ,‬وهو عكس التضخم المالي‪.‬‬ ‫ويحدث عندما يعاني اقتصاد الدولة من كساد أو‬ ‫ركود‪ ،‬ما يؤدي إلى تراجع النشاط االقتصادي؛ ويعزى‬ ‫ذل��ك إل��ى قلة الطلب على السلع والخدمات‪ ,‬ويكون‬ ‫أشبه بحالة ال��رك��ود‪ ،‬وت��وق��ف عجلة االق��ت��ص��اد‪ ،‬لعدم‬ ‫قدرة المستهلكين على شراء تلك السلع والخدمات‪,‬‬ ‫ما يسبب انخفاض السيولة النقدية‪ ،‬وعجز المصارف‬ ‫عن ضخ المزيد من النقود للتداول؛ ويحدث أحيانا بسبب المنافسة الحادة بين المصانع‬ ‫ومنتجي السلع والخدمات لزيادة المبيعات وانخفاض أسعارها‪ ،‬ويعد ذلك أساس األزمة‬ ‫الحالية في النظام الرأسمالي في أمريكا وأوروبا بل والعالم أجمع‪.‬‬ ‫وفي عام ‪1930‬م حصلت أزمة اقتصادية مواسم الجفاف والعواصف على األراضي‬ ‫ف��ي س��وق األس�ه��م وال�ب��ورص��ات‪ ،‬م��ع زيادة الزراعية في أمريكا الذي عُرف ب(قصعة‬ ‫اإلنفاق الحكومي بنسبة ‪ ،%30‬إال أن إنفاق الغبار)‪.‬‬

‫المستهلكين ق ّل بنسبة ‪ ،%10‬إضافة إلى‬

‫وق��د ي �ح��دث االن �ك �م��اش أي �ض��ا عندما‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪121‬‬


‫ي �ك��ون االق �ت �ص��اد ح ��راً دون رق��اب��ة‪ ،‬للحد لالعتقاد بحصول انتعاش طفيف للنشاط‬ ‫من نشاط األف ��راد في ميدان االقتصاد؛ في أوروبا‪ ،‬لكنَّ تلك اآلمال تبددت‪.‬‬ ‫فأصحاب رؤوس األموال أحرار في كيفية‬ ‫استثمار أموالهم‪ ,‬وأصحاب األعمال أحرار‬ ‫فيما ينتجون كما ونوعا في غياب الظل‬ ‫الرقابي‪ ,‬كما أن إدخال اآللة من شأنه إن‬ ‫يضاعف اإلنتاج ويقلل من األيدي العاملة‪,‬‬ ‫وم��ن ث�� َّم ف��ان ف��ائ��ض اإلن �ت��اج ي�ح�ت��اج إلى‬ ‫أسواق للتصريف‪ ،‬وهنا تحدث الفوضى في‬ ‫غياب الرقابة وع��دم ال�ت��وازن بين العرض‬ ‫والطلب‪.‬‬ ‫وفي هذه األلفية‪ ،‬عانى النظام الرأسمالي‬ ‫م��ن ظ��اه��رة االن�ك�م��اش ع��ام ‪2008‬م‪ ،‬وقد‬ ‫حذر الخبير االقتصادي المستقل “نوريال‬ ‫روبيني”من هذه الظاهرة‪ ،‬وتوقع هذه المرة‬ ‫أن تمتدَّ لفترة طويلة‪ ،‬إن لم يتم تخفيض‬

‫فقد وص��ل االنكماش ف��ي اليونان إلى‬ ‫‪ %2.8‬بعد أن توقعت المفوضية نموا يصل‬ ‫إل��ى ‪ %1.1‬في الخريف الماضي‪ .‬ووصل‬ ‫في البرتغال إلى ‪ %3‬عام ‪2011‬م بدال من‬ ‫‪ %1.8‬كما كان متوقعا في الربيع الماضي‪.‬‬ ‫وظاهرة االنكماش أقل من ظاهرة الكساد‬ ‫االقتصادي أو الركود‪ ,‬فالكساد االقتصادي‬ ‫يعني حالة من التدهور الحاد في مستويات‬ ‫النشاط االقتصادي‪ ،‬وهو أشد وأطول من‬ ‫االنكماش؛ وأم��ا الركود فهو سمة ظاهرة‬ ‫على االقتصاد بعدم الحركة والسعة في‬ ‫االقتصاد‪ ,‬ولكن االنكماش يكون بحسب‬ ‫القوة أو الضعف‪ .‬وتعود أسبابه إلى‪:‬‬

‫سعر الفائدة وزيادة النفقات العامة‪ ،‬ليعود ‪ -1‬ظاهرة البطالة‪.‬‬ ‫المستهلكون إلى اإلنفاق‪ ،‬ومن ث َّم ينتعش ‪ -2‬انخفاض األجور‪.‬‬ ‫االقتصاد‪.‬‬ ‫وقد أشارت التقارير إلى وجود ظاهرة‬ ‫االنكماش في أوروبا بشكل يفوق التصور‪،‬‬ ‫وسيكون ثاني انكماش ف��ي ظ��روف ثالث‬ ‫سنوات بعد األزمة المالية عام ‪2008‬م‪ ,‬حيث‬ ‫أعلنت المفوضية األوروب�ي��ة أن االقتصاد‬ ‫العالمي دخل مجددا في منطقة الخطر‪,‬‬

‫‪ -3‬زيادة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -4‬انخفاض المبيعات واألرباح‪.‬‬ ‫‪ -5‬زيادة الضرائب‪.‬‬ ‫‪ -6‬قلة اإلنفاق الحكومي‪.‬‬ ‫‪ -7‬غياب الرقابة في التوازن بين العرض‬ ‫والطلب‪.‬‬ ‫والصين التي تعد اآلن «مصنع العالم»‪،‬‬

‫ففي ربيع ه��ذا العام ظنوا أن��ه تم احتواء لم تطمع في جني األرباح‪ ،‬بقدر رغبتها في‬ ‫أزم��ة ال��دي��ون السيادية‪ .‬وم��ن جانب أخر‪ ،‬معالجة ظاهرة االنكماش؛ فهي تزيد في‬ ‫فان مؤشرات الطلب الداخلي كانت تدفع اإلنتاج بأسعار أقل‪ ،‬وبوجود عمالة وافرة‪..‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫السيولة النقدية عند المستهلكين مما يؤدي وال�ع�ك��س ف��ي ال�ت�ض�خ��م‪ ،‬ب�غ��ض ال�ن�ظ��ر عن‬ ‫إلى االنتعاش االقتصادي والقضاء على هذه األس �ب��اب ال �ت��ي أدت إل��ى ذل ��ك‪ .‬وم��ن هنا‬ ‫الظاهرة‪.‬‬

‫أيضاً كان االنكماش أم��راً ملحوظاً في كل‬

‫ولذا اعترض أصحاب رؤوس األموال من االقتصاديات‪ ،‬رأسمالية كانت أم اشتراكية‬ ‫الشركات والمصانع على الصين باتباع هذه أم نامية‪.‬‬ ‫السياسة‪ ،‬التي تضر بمصالحها واستثماراتها‬ ‫في العالم‪ ،‬واتهمت بتصدير االنكماش إلى‬ ‫العالم أجمع‪ .‬وفي رأي��ي أن الصين تعطي‬ ‫مثال رائ�ع��ا ف��ي النمو االق�ت�ص��ادي بأسعار‬ ‫تنافسية‪.‬‬ ‫وعليه ندرك أن ظاهرة االنكماش ناتجة‬ ‫عن أصحاب األطماع الرأسمالية‪ ..‬ولكن‬ ‫النتائج كانت وخيمة عليهم‪.‬‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫م�م��ا ت�ق�ل��ل م��ن ال �ب �ط��ال��ة‪ ،‬وب��ال �ت��ال��ي توجد االرتفاع نسبة إلى الثاني يحدث االنكماش‪،‬‬

‫ف��ف��ي ال ��رأس� �م ��ال� �ي ��ة ي �م �ك��ن مالحظة‬ ‫االن �ك �م��اش‪ ،‬م �ث�لاً‪ ،‬ع�ن��دم��ا يفقد اقتصاد‬ ‫ال�س��وق ت��وازن��ه بعد بلوغه نقطة التشغيل‬ ‫الكامل بمفهوم االقتصادي البريطاني كينز‬ ‫‪ ،Keynes‬كما يظهر كلما ارتسمت عالمات‬ ‫ال�ت�ش��اؤم على ال�ح�ي��اة االق�ت�ص��ادي��ة نتيجة‬ ‫إلل �غ��اء اح �ت �م��االت ال��رب��ح أو اإلف�ل�اس في‬ ‫المشروعات‪ ،‬أو تعطيل عوامل اإلنتاج أو‬

‫وق��د ارت�ب��ط مفهوم االن�ك�م��اش بمفهوم زيادة نفقاته‪.‬‬ ‫التضخم ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬لكنه بقي ارتباطاً‬ ‫أما االشتراكية‪ ،‬فيظهر االنكماش فيها‬ ‫وحيد الطرف‪ ،‬فاالنكماش ح ٌل للتضخم‪ ،‬في‬ ‫نتيجة تحديد أهداف للخطط االقتصادية‬ ‫حين ال يقول أحد إن االنكماش يجد حلّه‬ ‫قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة‪،‬‬ ‫في التضخم‪ ،‬بل في عودة التوازن‪.‬‬ ‫أو ألن اإلنفاق اإلجمالي أقل من قيمة الناتج‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن االنكماش حالة يمكن أن‬ ‫اإلجمالي‪.‬‬ ‫تصيب االقتصاد على نحو غير مقصود‪.‬‬ ‫وف��ي ال�ب�ل��دان النامية‪ ،‬يمكن أن يظهر‬ ‫تكمن صعوبة ت�ح��دي��ده ف��ي طبيعته‪ ،‬وفي‬ ‫كونه مقصوداً أو غير مقصود‪ ،‬وبخاصة االنكماش كردة فعل للسياسة الهادفة إلى‬

‫عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية رف��ع معدالت التنمية بأساليب تضخمية‪،‬‬ ‫واالق �ت �ص��ادي��ة‪ .‬وي�م�ك��ن ح�ص��ره ف��ي حدود م�م��ا ال تستجيب ل��ه ال�ب�ن�ي��ة االقتصادية‬ ‫ال��ع��رض وال �ط �ل��ب‪ :‬ك�ل�م��ا ن ��زع األول نحو االجتماعية‪ ،‬فيقع االنكماش‪.‬‬ ‫* جامعة الجوف‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪123‬‬


‫الكتاب ‪ :‬القصيدة وحتوالت مفهوم الكتابة‬

‫الكتاب ‪ :‬املتحولون‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد احلرز‬

‫املؤلف ‪ :‬مدحت مطر‬

‫الناشر ‪ :‬نادي اجلوف األدبي‬

‫الناشر ‪ :‬دار سندباد للنشر والتوزيع في القاهرة‬

‫ي �ت��أل��ف ال� �ك� �ت ��اب م���ن م �ج �م��وع��ة مقاالت‪،‬‬

‫صدرت الرواية الرابعة للكاتب «مدحت مطر»‬ ‫ب�ع�ن��وان «ال�م�ت�ح��ول��ون» ع��ن دار س�ن��دب��اد للنشر‬ ‫والتوزيع بالقاهرة‪ ،‬وج��اءت ال��رواي��ة في ثمانين‬ ‫صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬وتضم اثني عشر‬ ‫ف �ص�لاً‪ ،‬وال �غ�لاف للفنان أح �م��د ط��ه‪ ،‬وقدمت‬ ‫الكاتبة والناقدة د‪ .‬عطيات أبو العينين الرواية‬ ‫على الغالف األخير بكلمة نقدية جاء فيها‪:‬‬

‫القلق حيناً آخ��ر‪ ،‬وف��ي كلتا الحالتين ثمة رأفة‬

‫سيستمر الصراع بين الماضي والمستقبل‪،‬‬ ‫وسيبحث العلم صحة ما نسب لألساطير‪ ،‬ويلهث‬ ‫ك�ت��اب ال�خ�ي��ال العلمي وراء ال�ج��دي��د واإلث� ��ارة‪,‬‬ ‫فتتشابك خيوط اللعبة األدبية ما بين الخيال‬ ‫والعلم والحس األدب��ي‪ ,‬ولقد جمع الكاتب بين‬ ‫األسطورة والعلم بأسلوب رشيق‪ ..‬وبكل التشويق‪,‬‬ ‫جعلني أتساءل وأدعوكم معي إلى التساؤل‪:‬‬

‫تتصدرها مقدمة للناقد السعودي الدكتور سعد‬

‫البازعي‪ ،‬أك��د فيها أن‪« :‬المقاالت تأتلف حول‬ ‫مؤلفها ‪ -‬محمد الحرز ‪ -‬بقدر ما تأتلف حول‬

‫الشعر وال��رؤى النقدية التي تتناوله‪ .‬وما يميز‬ ‫تلك المقاالت أنها تتناول موضوعها‪ ،‬أي الشعر‪،‬‬ ‫بحميمية تصل حد التوحد حيناً‪ ،‬وحد االنفصال‬

‫بالشعر وخ��وف ع�ل�ي��ه»‪ ،‬وأوض ��ح ص��اح��ب «قلق‬ ‫المعرفة»‪ ،‬و«سرد المدن في الرواية والسينما»‪،‬‬

‫«يخشى الحرز على الشعر من سوء الفهم‪ ،‬الذي‬ ‫يتهدده ف��ي مشهدنا األدب ��ي؛ يخشى على روح‬ ‫الحداثة فيه أن تذوي لدى الشعراء أنفسهم‪ ،‬وهو‬

‫يرى ما يشي بذلك‪ ،‬ويخشى من إساءات النقد‪،‬‬ ‫وفي المشهد ما يؤكد له أن ذلك خطر حقيقي‬

‫أيضاً‪ .‬ول��و أردن��ا اختصار المسعى ال��ذي يتجه‬

‫من هم المتحولون؟!!‬ ‫وما الذي يعتريهم عند تحولهم؟!!‬

‫إليه المؤلف‪ ،‬ناقداً حاضراً وش��اع��راً مستتراً‪،‬‬ ‫وهل سينجح مهندسو المشروع من الفرار من‬ ‫لوجدناه في حماية الحداثة الشعرية من الذبول‬ ‫سواء لدى منتجيها من الشعراء أو متلقيها من تلك الغابة الملعونة؟!!‬ ‫النقاد والقراء»‪.‬‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬

‫هذا ما تجيب عليه هذه الرواية؟‬


‫املؤلف ‪ :‬الشاعر التونسي املهدي عثمان‬

‫املؤلف ‪ :‬أضواء الوابل‬

‫الناشر ‪ :‬دار إنانا‬

‫الناشر ‪ :‬دار الفكر العربي‬

‫يضم ديوان الشاعر المهدي ‪ 26‬نصا شعريا‪،‬‬ ‫تبدأ بقصيدة عاطل عن العشق وتنتهي ببيروت‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬والمؤلف شاعر وكاتب تونسي ينشر‬ ‫عمودا أسبوعيا بجريدة الشعب التونسية تحت‬ ‫عنوان «ممنوع من الفرح»‪ .‬سبق وصدر له «عودة‬ ‫الشعراء» (مسرحية) عام ‪2002‬م‪« ،‬ذاكرة األلوان»‬ ‫(رواي ��ة) ع��ام ‪2006‬م‪« ،-‬وصية ال ��وردة» (ديوان‬ ‫ش �ع��ري ص��وت��ي)‪ ،.‬وه ��ذه م�ق��اط��ع م��ن قصيدة‪:‬‬ ‫«مسافة نهر وغياب»‪.‬‬ ‫أقف مسافة نهر‬ ‫بيني وبينها‬ ‫ال أنا مددت يدي‬ ‫ألقطف عشقها‬ ‫وال هي طاوعتني‬ ‫فمدت خطاها‬ ‫أراها ‪..‬‬ ‫تغير عطرها‬ ‫كي أراها‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪« :‬عاطل عن العشق» شعر‬

‫الكتاب ‪ :‬مطوعة نيو لوك‬

‫الكتاب أول��ى تجارب الوابل‪ ‬الروائية‪ ،‬وقد‪ ‬‬ ‫رص ��دت ع �ب��ره ال�ت�غ�ي��رات النفسية والعاطفية‬ ‫واالج �ت �م��اع �ي��ة للمجتمع ال �س �ع��ودي م��ن خالل‬ ‫شخصيات ال��رواي��ة‪ ،‬مسندة دور البطولة لفتاة‬ ‫متدينة تعمل في الحرم المكي الشريف‪ ،‬لتنظر‬ ‫من خاللها عبر صفحات الرواية التي بلغت (‪)127‬‬ ‫صفحة من القطع المتوسط إلى تلك المتغيرات‪،‬‬ ‫واألسباب التي أدت إليها‪ ،‬والنتائج التي أفضت‬ ‫إليها‪ .‬والرواية صادرة عن دار الفكر العربي في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬وقدعرضت مؤخرًا‬ ‫في‪ ‬ع��دد م��ن ال�م�ع��ارض ال��دول �ي��ة‪ ،‬وم��ن أجواء‬ ‫الرواية نستل‪ :‬‬ ‫«‪-‬راح��ة بيضاء افترشت نحري‪ ،‬نمت بعدها‬ ‫ع �ل��ى م��ص�ل�اي ح �ت��ى دق ن� ��ور ال �س �ح��ر زج ��اج‬ ‫النافذة‪.»....‬‬ ‫ الماضي يا حبيبي ال يساوي المستقبل‪..‬‬‫حتى في قواعد اللغات‪ ،‬هوة سحيقة بينهما‪،‬غير‬ ‫أنه في االستطاعة قلب األحوال وفق نظرتنا لها‪،‬‬ ‫أراك من نفس الشباك ‪ ..‬بنفس النظرة المطلوبة‬ ‫كي يكون المقبل كما ك��ان آنفاً‪ ،‬ال أستطيع أن‬ ‫أنظر لألمام دون أن ألتفت ت��ارة أخ��رى للخلف‬ ‫أحاول الجمع بينهما‪ ،‬لكن ‪.»...‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪125‬‬


‫طيور بحيرة دومة اجلندل‬

‫املؤلف ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬بشير محمود جرار ‪ -‬د‪ .‬مشرف بن عوض الرويلي‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبد الرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪1432 :‬هـ ‪2011 -‬م‬

‫يقدم الكتاب توثيقا للطيور المستوطنة والمهاجرة‪ ،‬التي تتردد على بحيرة‬ ‫دومة الجندل‪ ،‬معززا بالصور الملونة الجميلة‪ ..‬على أمل اإلسهام في تحويل‬ ‫بندقية الصياد إلى كاميرا تصوير لتلك الطيور التي تزين سماء البحيرة‪،‬‬ ‫وأن يتحول هواة الصيد هناك ليصبحوا هواة لمراقبتها والتمتع بمشاهدتها‬ ‫على ضفافها محلقة مغردة دون أن يلحقوا بها أذى‪.‬‬ ‫جهد لفريق بحثي قام بتوثيق للطيور‬ ‫ويأتي إع��داد هذا الكتاب كثمرة ٍ‬ ‫المستوطنة والمهاجرة والشاردة‪ ،‬التي تتردد على تلك البحيرة ضمن دراسة‬ ‫شاملة لبيئتها خالل عام ‪2009‬م‪ ،‬أنجزت من خالل زيارات أسبوعية ميدانية‬ ‫منتظمة‪ ،‬أليام مختلفة من األسبوع‪ ،‬وأوقات متفاوتة لليوم الواحد‪ ..‬ويتناول‬ ‫الكتاب في صفحاته تعريفا ب��أن��واع الطيور التي رصدتها ه��ذه الدراسة‬ ‫وعددها واحد وأربعون طيرا‪ ،‬منها ثمانية وعشرون تشاهد على ضفافها‬ ‫أو في سمائها ومائها‪ ،‬وثالثة عشر طيرا تشاهد في الحقول والمزارع‬ ‫المتاخمة لها‪.‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫من القلب‬

‫املؤلف ‪ :‬األستاذة الدكتورة أفنان دروزة‬ ‫الناشر ‪ :‬دار فضاءات للنشر والتوزيع‬ ‫السنة ‪2011 :‬م‬ ‫صدر مؤخرا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع‬ ‫كتاب «من القلب» للكاتبة الفلسطينية األستاذة‬ ‫الدكتورة أفنان دروزه‪ .‬يقع الكتاب في (‪)180‬‬ ‫صفحة م��ن القطع ال�م�ت��وس��ط‪ ،‬وص�م��م غالفه‬ ‫الفنان نضال جمهور‪.‬‬ ‫يقول الدكتور زهير إبراهيم أس�ت��اذ األدب‬ ‫العربي في جامعة القدس المفتوحة في تقديمه‬ ‫للكتاب‪:‬‬

‫الهدم‪ ،‬والكبت‪ ،‬والظلم‪ ،‬وهو يرى بأم عينه كيف‬ ‫يستباح وطنه‪ ،‬وتنهب مصادر ثروة بالده‪ ،‬وتفرض‬ ‫عليه القيود في كل مناحي حياته؛ فهو ال يستطيع‬ ‫وال يملك حرية التنقل أو التفكير‪ ،‬أو العيش‬ ‫الكريم‪ ،‬فقد ضاقت به السبل وضيّقت الخناق‬ ‫ح��ول عنقه‪ ،‬ف��ي ك��ل لحظة يعيشها‪ ،‬حتى في‬ ‫منامه تالحقه الكوابيس لتنغص عليه أحالمه‪.‬‬

‫وقد ذيلت الغالف الخلفي كلمة الناشر التي‬ ‫إن أول ما يشد انتباه القارئ لمقاالت الدكتورة قال فيها‪:‬‬ ‫تحس وك��أن الحرف يغفو على‬ ‫ّ‬ ‫وأن��ت تقرأ‪..‬‬ ‫دروزه عنوان الكتاب «من القلب»‪ ،‬فمنذ الوهلة‬ ‫األول��ى يشطح بك الخيال لتتساءل‪ :‬م��اذا تريد أصابعها‪ ،‬في محاولة منه الصطياد اللحظة‪،‬‬ ‫الكاتبة؟ وهل ما جادت به قريحتها هو إحساسها ث � ّم ع��وال��م شفيفة أخ ��اذة تنقلك إليها الكاتبة‬ ‫الصادق بخلجات قلوب أبناء شعبها وأمتها‪ ،‬التي وهي تنسج من وهج القلب طرقاً تتسع لقدمين‬ ‫يعتصرها األلم والمعاناة مما تكابد من ويالت متعبتين‪،‬ث ّم فرح تذريه ليمأل الحضرة‪ ،‬ودمعة‬ ‫االح�ت�لال الغاشم؟ أم م��ا يربض على صدرها ت�ح��اول أن تمسحها‪ ،‬ث � ّم م�ف��ردة شقية تشاكس‬ ‫من مكابدتهم للممارسات القهرية‪ ،‬والضغوط صخبك لتجرك إلى التعبد في ملكوت الحرف‬ ‫النفسية ال�ت��ي يعايشها ك��ل م��واط��ن ف��ي حياته ال�ق��ادر على منحك أكثر مما تنتظر م��ن ورود‬ ‫اليومية‪ ،‬فتجعله محبطا يائسا‪ ،‬يترنح من معاول بساتين الكاتبة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ ‪127‬‬


‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫> إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫الدكتور الزهراني أثناء إلقاء محاضرته‬

‫ضمن النشاط الثقافي بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫لعام ‪1433/1432‬ه� �ـ‪ ،‬أقيمت بقاعة العرض والمحاضرات في دار‬ ‫الجوف للعلوم يوم الثالثاء ‪1433/1/11‬ه��ـ محاضرة عن‪« :‬تجارب‬ ‫في الرواية السعودية»‪ ،‬ألقاها الدكتور معجب بن سعيد الزهراني‪-‬‬ ‫عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية‪ ،‬بجامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫قدم لها األستاذ خالد بن عبدالرحمن العيسى‪ ،‬عضو النادي األدبي‬ ‫بالجوف‪.‬‬ ‫ب��دأه��ا ال�م�ح��اض��ر ب��ال�ع�ن��وان ال ��ذي اق�ت��رح��ه ل�ه��ا‪( :‬رب �ي��ع الرواية‬ ‫السعودية‪ ..‬جاذبية الخطاب الروائي ودالالت��ه)‪ ،‬مشيراً إلى بعض‬ ‫المعطيات التي تبرر الحديث عن ربيع رواياتنا الوطنية‪ ،‬كخطاب‬ ‫ثقافي جديد وجذّاب بأكثر من معنى‪ ،‬وعما حققته الرواية الوطنية‬ ‫من إنجازات‪ ،‬وما تبشر به من وعود‪ ،‬وقد حضرها عدد من أعضاء‬ ‫المجلس الثقافي‪ ،‬وجم ٌع من أهالي المنطقة‪.‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1433‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.