36 مجلة الجوبة العدد aljoubah 36

Page 1

‫مواجهات‬

‫خالد اليوسف‬ ‫علي القاسمي‬ ‫حمد الفقيه‬

‫دراسات ونقد‬

‫د‪ .‬محمود عبداحلافظ‬ ‫د‪ .‬ماهر الرحيلي‬ ‫سيرة وإبداع‬ ‫معالي الدكتور‬ ‫فهاد احلمد‬

‫نوافذ‬

‫شعر‬

‫عبدالله السمطي عبدالهادي صالح‬ ‫هويدا صالح‬

‫فريال احلوار‬

‫قصص‬ ‫عبدالله السفر‬ ‫هشام بن شاوي‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫القصة القصيرة في السعودية‬ ‫مبشاركة‪ :‬جميل حمداوي‪ ،‬عبدالرحمن الدرعان‪ ,‬شيمة الشمري‪ ،‬عمران عز الدين‪ ،‬إبراهيم الدهون‪،‬‬ ‫حسن البطران‪ ،‬محمد جميل‪ ،‬مالك اخلالدي‪ ،‬إبراهيم احلجري‪ ،‬عبدالباقي خلف‬

‫‪36‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬

‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 624 5992‬فاكس ‪ - 04 426 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 412 5277 - 01 412 5266‬فاكس ‪ - 01 402 2545‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org‬‬


‫العدد ‪36‬‬ ‫صيف ‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاكس‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www. aljoubah. org aljoubah@gmail. com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ‬ ‫املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام ‪1383‬هـ‬ ‫املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم‬ ‫البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما‬ ‫أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬وفي عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م)‬ ‫أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها‬ ‫التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف‪ ،‬بوقف مستقل‪ ،‬من أسرة املؤسس‪ ،‬للصرف على‬ ‫هذا املركز ‪ -‬الفرع‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪4 . ...................................................‬‬

‫‪6.......................‬‬ ‫القصة القصيرة في السعودية‬

‫‪98.....................‬‬ ‫حوار مع الشاعر حمد الفقيه‬

‫ملف العدد‪ :‬القصة القصيرة في السعودية بمشاركة‪ :‬جميل ‪6‬‬ ‫حمداوي‪ ،‬عبدالرحمن ال��درع��ان‪ ,‬شيمة الشمري‪ ،‬عمران‬ ‫عز الدين‪ ،‬إبراهيم الدهون‪ ،‬حسن البطران‪ ،‬محمد جميل‪،‬‬ ‫مالك الخالدي‪ ،‬إبراهيم الحجري‪ ،‬عبدالباقي خلف ‪. .....‬‬ ‫دراسات ونقد‪« :‬ذاكرة بال وشاح» لحسنة القرني ‪ -‬د‪ .‬عماد ‪54‬‬ ‫الخطيب ‪. ...................................................‬‬ ‫ألني أشتاق إليك ‪ -‬سناء أبو شرار ‪ -‬هيا صالح‪60 ...........‬‬ ‫إشكالية الحداثة وما بعدها في الرواية العربية ‪ -‬د‪ .‬محمود ‪64‬‬ ‫عبدالحافظ‪...............................................‬‬ ‫وقفة تأملية مع «الرائيّة» قصيدة حمزة شحاتة في ابنته ‪70 -‬‬ ‫د‪ .‬ماهر بن مهل الرحيلي‪.................................‬‬ ‫ريشة تغويها الجهات ‪ -‬عبدالله ‪75‬‬ ‫ٍ‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬الدرس في‬ ‫السفر‪. ......................................................‬‬ ‫رائحتها المميزة ‪ -‬إبراهيم شيخ ‪76 ...........................‬‬ ‫طيف من الطفولة ‪ -‬بوشعيب عطران‪77 ......................‬‬ ‫إدوارد العاشق ‪ -‬محمد سعيد الريحاني‪79 ...................‬‬ ‫للحزن أسباب أخرى‪ - !..‬هشام بنشاوي ‪80 ..................‬‬

‫شعر‪ :‬قصيدتان ‪ -‬عبدالهادي صالح ‪82 . .......................‬‬ ‫مصافحة طيف ‪ -‬ليلى الحربي ‪84 ............................‬‬

‫‪103 ...................‬‬ ‫سيرة وإبداع معالي الدكتور فهاد‬ ‫بن معتاد احلمد‬

‫رمضان أنت المرتجى ‪ -‬جاك صبري شماس ‪85 .............‬‬ ‫للرائحة شكل البيت ‪ -‬المهدي عثمان ‪86 .....................‬‬ ‫في مقام الجمال ‪ -‬فريال الحوار ‪87 ..........................‬‬

‫مواجهات‪ :‬حوار مع خالد اليوسف ‪ -‬هدى الدغفق ‪88 . .......‬‬ ‫حوار مع علي القاسمي ‪ -‬د‪ .‬سناء الشعالن ‪92 ...............‬‬ ‫حوار مع الشاعر حمد الفقيه ‪ -‬عمر بوقاسم ‪99 .............‬‬

‫سيرة وإبداع‪ :‬معالي الدكتور فهاد الحمد ‪ -‬المحرر الثقافي‪104 ...‬‬

‫‪107....................‬‬

‫ن���واف���ذ‪ :‬أم�ك�ن��ة ال��وج��دان ع�ب��دال�ع��زي��ز خ��وج��ة ‪ -‬عبدالله ‪108‬‬ ‫السمطي ‪..................................................‬‬ ‫الشعر العذري مدرسة الحب العفيف ‪ -‬حمدي حسانين ‪114 ...‬‬

‫عبدالعزيز خوجه وجماليات‬ ‫املكان‪ -‬عبدالله السمطي‬

‫الخطاب النسوي بين السعي الروحي والسعي االجتماعي ‪118 -‬‬ ‫هويدا صالح ‪..............................................‬‬ ‫شهادة في حق مجلة الجوبة ‪ -‬هشام حــــراك ‪122 .............‬‬

‫للفنانة البندري الشمري من اجلوف‬

‫األنشطة الثقافية ‪128 .......................................‬‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫قراءات ‪124 ....................................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫تُعد القصة القصيرة من الفنون األدبية الحديثة‪ ،‬التي عرفها األدب‬ ‫العربي منذ وق��ت طويل‪ ،‬وإن ك��ان هناك من يرجع جذورها األول��ى إلى‬ ‫بعض الفنون األدبية القديمة‪ ،‬الشتراكها معها في بعض المالمح؛ وفي‬ ‫هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل‪( :‬وأما القصة القصيرة فهي‬ ‫حديثة العهد في الظهور‪ ،‬وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر األنواع‬ ‫األدبية رواجاً)‪.‬‬ ‫و تكمن أهمية القصة في السعودية منذ بداياتها األولى في أربعينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬كما يشير الدكتور منصور الحازمي‪ ،‬في إخالصها الشديد‬ ‫لعنصر الحكاية و«التكنيك» السردي‪ ،‬وفي انفتاحها المفصلي المتواصل‬ ‫القص‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫على التجديد الفني‪ ،‬المنفتح بدوره على روح‬ ‫والملفت في القصة السعودية‪ ،‬أنها سرعان ما حفرت عميقاً في المدوّنة‬ ‫السردية العربية؛ مستفيدة من فنيات القصة القصيرة المعاصرة‪ ،‬العربية‬ ‫والعالمية على حد س��واء‪ .‬وذلك ما يمكن مالحظته في ق��راءة القصص‬ ‫المنشورة في مجموعات قصصية‪ ،‬أو من خ�لال ال��دوري��ات والمحافل‬ ‫السعودية والعربية‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى‪ ،‬نجد أن القصة القصيرة ال تبحث عن مشروعية مفقودة‪،‬‬ ‫فهي لم تكن غائبة عن سماء األدب في أي وقت‪ ،‬منذ أن برزت كإحدى‬ ‫الفنون اإلبداعية الراقية‪ ،‬للتعبير عن مختلف الحاالت اإلنسانية والفكرية‬ ‫التي يعيشها المبدع؛ إال أن هناك من يحاول أن يجحد جهد صف طويل‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫من المبدعين الذين كانوا أوفياء لهذا النوع من الكتابة األدبية‪ ،‬مؤمنين بأنه الوسيلة المناسبة‬ ‫لنقل أفكارهم ورؤاهم وصورهم التي يروونها على شكل قصص سردية‪ ،‬تأتي في إطارات‬ ‫مختلفة‪ ،‬يكتنزها إطار القصة القصيرة‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬تبقى القصة القصيرة أصيلة ومتألقة رغم كل المحاوالت التي تحاول تجاوزها‬ ‫إلى الرواية‪ ،‬رغم االختالف الكبير بينهما‪ ,‬ورؤى النقاد حول كتابتهما‪ ,‬ومشروعية العبور‬ ‫للرواية عبر القصة القصيرة؛ ذلك أن فن القصة القصيرة يحمل هويته المتفردة‪ ،‬والتي‬ ‫مراقب سيرى ازده��اراً وانتشاراً واسعاً لفن القصة‬ ‫ٍ‬ ‫تكفل استمراره ونجاحه؛ وأي ناقدِ أو‬ ‫على مستوى اإلب��داع والنشر والنقد‪ .‬فقد ظهرت نماذج قصصية في السعودية‪ ,‬تستجيب‬ ‫للسرد المتطور وفنياته الحديثة‪ ،‬وتبرز تجارب العديد من المبدعين‪ ،‬منهم‪ :‬جارالله الحميد‪،‬‬ ‫وعبدالرحمن الدرعان وآخرون من الذين يعتبرون أيقونات في سماء القصة القصيرة‪..‬‬ ‫وإذا كانت الجوبة تثير األسئلة في ملفها حول القصة القصيرة‪ ،‬فإن مشاركي الملف أتوا‬ ‫ليؤكدوا أن هذا الفن األدبي‪ ،‬ق َّدم لألدب وللثقافة مخزوناً وثراءً‪ ،‬ال يقل عن أي فن أدبي آخر‪،‬‬ ‫وأن االنحياز يجب أن يكون لإلبداع‪ ،‬أيّا كان شكله ومنه القصة القصيرة‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬يأتي الدكتور جميل حمداوي ليتحدث عن بالغة الصورة في القصة السردية بالمملكة‬ ‫الملف عبدالرحمن الدرعان بمقاربته حول القصة القصيرة في‬ ‫َّ‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬ويثري‬ ‫المملكة العربية السعودية في عصر الرواية‪ ،‬وتكتب شيمة الشمري حول االتجاهات الفنية‬ ‫في القصة القصيرة في السعودية‪ ،‬ويأتي عمران عز الدين ليتحدث عن واقع وآفاق القصة‬ ‫القصيرة في المملكة‪ ،‬وإبراهيم الدهون ليتحدث عن اللغة السردية فيها‪ ..‬متحدثا عن نماذج‬ ‫لعبدالرحمن الدرعان وفهد الخليوي وجبير المليحان‪.‬‬ ‫ويتحدث حسن البطران عن الشعرية في القصة القصيرة في السعودية‪ ،‬ومحمد جميل‬ ‫ليكتب بين القصة والرواية‪ ،‬ومالك الخالدي التي تكتب عن التوليد والتلقي في القصة‪،‬‬ ‫وإبراهيم الحجري عن القصة والسينما‪ ،‬ثم يقدم عبدالباقي خلف قراءة في قصص نسائية‬ ‫سعودية كخاتمة للملف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫القصة القصيرة‬ ‫في السعودية‬ ‫> إعداد وتقدمي‪ :‬محمود عبدالله الرمحي‬

‫القصة القصيرة جنس أدبي حديث‪ ،‬يمتاز بقصر الحجم‪ ،‬واإليحاء المكثف‪ ،‬والنزعة‬ ‫القصصية الموجزة؛ وغالبا ما تركز القصة القصيرة على شخصية واحدة في موقف‬ ‫واحد في لحظة واحدة في مكان معين‪ ،‬وتصور حادثة أو حوادث مترابطة من حوادث‬ ‫تقصيها‪ ،‬والنظر إليها من جوانب متعددة‪ ،‬ليكسبها قيمة‬ ‫الحياة؛ يتعمق القاص في ّ‬ ‫إنسانية خاصة‪ ،‬مع االرتباط بزمانها ومكانها‪ ،‬وتسلسل الفكرة فيها‪ ،‬وعرض ما يتخللها‬ ‫من صراع مادي أو نفسي‪ ،‬وما يكتنفها من مصاعب وعقبات‪ ،‬بطريقة مشوقة تنتهي إلى‬ ‫غاية معينة‪.‬‬ ‫وقد أطلق على هذا المولود الجديد مصطلحات عدة من بينها‪ :‬القصة القصيرة‬ ‫جدا‪ ،‬وومضات قصصية‪ ،‬وقصص قصيرة‪ ،‬وخواطر قصصية‪ ،‬وقصص‪ ،‬وإيحاءات‪ ،‬والقصة‬ ‫القصيرة الخاطرة‪ ،‬والقصة القصيرة الشاعرية‪ ،‬والقصة القصيرة اللوحة…‬ ‫وتعد القصة القصيرة من الفنون األدبية األولى إلى بعض الفنون األدبية القديمة‪،‬‬ ‫الحديثة‪ ،‬التي عرفها األدب العربي في هذا الشتراكها معها في بعض المالمح؛ لكن‬ ‫العصر‪ ،‬وإن كان هناك من يرجع جذورها حقيقة األمر أن القصة القصيرة بشروطها‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫العربي ف�ق��ط‪ ،‬ول�ك��ن حتى ف��ي اآلداب الغربية المملكة ق��د يبدو أكثر م��ن نصيبهن ف��ي بعض‬ ‫األخرى‪ ،‬إذ لم يظهر هذا الفن إال منذ نحو قرن البالد العربية‪ ،‬وقد شهدت المرحلة المعاصرة‬ ‫تقريباً‪ .‬وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين‬

‫ازدهاراً وانتشارا واسعا لفن القصة على مستوى‬

‫إسماعيل‪( :‬وأم��ا القصة القصيرة فهي حديثة اإلبداع والنشر والنقد‪.)2(..‬‬ ‫العهد ف��ي الظهور‪ ،‬ورب�م��ا أصبحت ف��ي القرن‬ ‫أما الدكتور الحازمي فيحدد مراحل القصة‬ ‫العشرين أكثر األنواع األدبية رواجا)(‪.)1‬‬ ‫في المملكة بثالث مراحل أولها البدايات من‬ ‫يبلغ عمر القصة القصيرة في المملكة تاريخيا‬ ‫‪1946 - 1926‬م‪ ،‬ووصفها بالمتعثرة‪ ،‬وشهدت‬ ‫نحو نصف قرن‪ ،‬ولعل سر تأخر ظهورها يكمن‬ ‫م �ح��اوالت متفرقة ال ت�ك��رس ال�ك��ات��ب منقطعا‬ ‫في سيطرة االتجاه المحافظ في األدب والنقد‬ ‫لفن القصة‪ ،‬إذ نجد أغلب األدب��اء السعوديين‬ ‫من ناحية‪ ،‬ثم السيطرة القوية لفن الشعر‪ ،‬التي‬ ‫ق��د ح ��اول ك�ت��اب��ة ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة ف�ض�لا عن‬ ‫ك��ان��ت وال ت ��زال طاغية حتى ال �ي��وم م��ن ناحية‬ ‫التفاوت الزمني في النشر‪ ،‬ثم مرحلة الريادة‬ ‫أخرى‪ ،‬كما أن معظم الكتّاب لم يعطوا فن القصة‬ ‫الفنية وامتدت من ‪1977 - 1946‬م‪ ،‬وقد صدرت‬ ‫العناية األدبية الجديرة بها‪ ،‬كما هو الحال في‬ ‫بقية البالد العربية األخرى‪ ،‬بل إن معظمهم كان فيها المجاميع القصصية وتضمنت قضايا‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الفنية المعروفة هي فن جديد‪ ،‬ليس في األدب الكبرى الرواية‪ ،‬بل ان نصيب الكاتبات اليوم في‬

‫يتعامل مع الصحافة بشكل دائ��م أو مؤقت؛ ما التحوالت في المجتمع وقتئذ‪ ،‬وأخيرا مرحلة‬ ‫يؤكد لنا دور الصحافة اليومية وال��دوري��ة في النضج الفني واالزدهار والتنوع وحددها بالفترة‬ ‫تأسيس هذا الفن الجديد والترويج له‪.‬‬

‫ويقول الدكتور طه وادي في دراسته الوافية‬

‫من ‪2000- 1977‬م‪ ،‬وقد اكتسبت هذه المرحلة‬ ‫نجاحا كبيرا‪ ،‬وأخ��ذت مكانا متميزا في تجربة‬ ‫القصة عربياً‪ .‬وذكر الحازمي أن مجموعة محمد‬

‫عن تطور القصة القصيرة في المملكة العربية‬ ‫السعودية في كتابه «القصة السعودية المعاصرة»‪ :‬علوان «الخبز والصمت» كانت فارقا مهما في‬ ‫إن القصة طويلة كانت أم قصيرة ل��م تلق في ت��اري��خ القصة ال�س�ع��ودي��ة؛ فهي أول مجموعة‬ ‫مرحلة البداية عناية كبرى من الكتاب والنقاد‪ ،‬تلقى اهتماما كبيرا من نقاد الوطن العربي‪ .‬كما‬ ‫وبالتالي من القراء‪ ..‬وعليه‪ ،‬فإن مرحلة البداية أبرزت هذه الحقبة وبخاصة الثمانينيات أسماء‬ ‫لم تكن باالزدهار الفني المطلوب‪ ،‬إال أن األمر مهمة بقيت على فنها حتى األلفية الجديدة‪ ،‬كما‬ ‫اختلف في المرحلة المعاصرة‪ ،‬فلقيت القصة امتازت مرحلتهم بالتجاور الفني وتعدد التجريب‬ ‫القصيرة إقباال الفتا للنظر أكثر من شقيقتها لديهم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬القصة القصيرة‪ ..‬عناصرها وشروطها ‪ -‬خليل الفزيع‪.‬‬ ‫(‪« )2‬القصة السعودية المعاصرة» كتاب للدكتور طه وادي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬عن محاضرة «القصة السعودية في القرن العشرين» ضمن البرنامج الثقافي السعودي في معرض بيروت للكتاب ‪55‬‬ ‫(‪1433/01/17‬هـ)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫بالغة الصورة السردية في القصة‬ ‫القصيرة باململكة العربية السعودية‬ ‫> د‪.‬جميل حمداوي‬

‫توطئـ ــة‪ :‬إذا كان لجنس الشعر صوره البالغية التي تتمثل في التشبيه‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬والمجاز‬ ‫بنوعيه‪ :‬العقلي والمرسل‪ ،‬إضافة إلى الكناية والرمز واألسطورة‪ .‬أو بتعبير آخر‪ ،‬تتضمن القصيدة‬ ‫الشعرية ‪ -‬بالغيا ‪ -‬ثالثة أنواع من الصور‪ :‬صورة المشابهة (التشبيه‪-‬االستعارة)‪ ،‬وصورة المجاورة‬ ‫(المجاز المرسل ‪-‬الكناية)‪ ،‬وص��ورة الرؤيا (الرمز واألسطورة)‪ ،‬فإن الخطابات السردية بما فيها‬ ‫الرواية‪ ،‬والقصة القصيرة‪ ،‬والقصة القصيرة جدا‪ ،‬والقصة الشذرية‪ ،‬لها صورها البالغية الخاصة‬ ‫بها‪ ،‬والتي تستمدها من خصوصيات كتابتها حكيا وخطابا وتشكيال وتجنيسا‪ .‬ويعني ه��ذا أن‬ ‫الدراسات النقدية التي تعنى بمقاربة الصورة البالغية قد بدأت في توسيع مفهوم الصورة الفنية‬ ‫والجمالية‪ ،‬لتشمل مقومات الكتابة السردية وآلياتها‪ ،‬على مستوى التحبيك والتخطيب والتقصيد‪.‬‬ ‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬فلقد أصبحنا اليوم نتحدث عن مجموعة من الصور السردية؛ كصورة الفضاء‪،‬‬ ‫وصورة الشخصية‪ ،‬وصورة اللغة‪ ،‬وصورة االمتداد‪ ،‬وصورة اإليقاع‪ ،‬وهلم جرا‪ ...‬وقد آن األوان إلدخال‬ ‫بالغة السرد ضمن مقرراتنا التعليمية والجامعية‪ ،‬وتدريسها في ضوء المناهج النقدية المستجدة‪،‬‬ ‫مستعينين في ذلك بالمعارف العلمية الحديثة والمعاصرة‪ ،‬مثل‪ :‬اللسانيات‪ ،‬والتداوليات‪ ،‬ولسانيات‬ ‫النص‪ ،‬والسيميوطيقا‪ ،‬والشعرية البنيوية‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والمنطق الحجاجي‪..‬‬ ‫وم��ن ث��م‪ ،‬ف�ق��د ارت��أي �ن��ا أن نخصص القصة الصورة السردية في هذه الدراسة النقدية أكثر‬

‫ال�ق�ص�ي��رة بالمملكة ال�ع��رب�ي��ة ال �س �ع��ودي��ة بهذه ات�س��اع��ا ورح��اب��ة م��ن مفهوم ال �ص��ورة الشعرية‬ ‫الدراسة النقدية التصنيفية‪ ،‬بغية رصد بالغة‬

‫الضيّق‪ .‬ويعني هذا أن كثيرا من سمات القصة‬

‫وتصنيفاً‪ ،‬وتوجيهاً‪.‬‬

‫إل��ى ص��ور س��ردي��ة بالمفهوم ال��ذه�ن��ي الموسع‬

‫ال �ص��ورة ال �س��ردي��ة‪ :‬ق���راءة‪ ،‬وت�ح�ل�ي�لاً‪ ،‬وتقويماً‪ ،‬ومكوناتها الفنية والجمالية والتشكيلية تتحول‬

‫أشك ــال الص ــور البالغي ــة‪:‬‬ ‫تتضمن القصة القصيرة بالمملكة العربية‬

‫للصورة‪ .‬ون��ذك��ر م��ن بين ه��ذه ال�ص��ور السردية‬ ‫األشكال اآلتية‪:‬‬

‫السعودية مجموعة م��ن ال�ص��ور ال�س��ردي��ة التي صـ ــورة النقيض ــة‪:‬‬ ‫ترتبط بخصوصية ه��ذا الجنس األدب ��ي حكيا‬

‫تعتمد ص���ورة ال�ن�ق�ي�ض��ة أو ص���ورة الطباق‬

‫وخطابا ومقصدية‪ .‬وينبغي أن نعلم أن مفهوم على إيراد لفظتين متطابقتين أو متعاكستين أو‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫متناقضتين إيجاباً وسلباً‪ .‬وقد أدرج البالغيون‬ ‫ال��ع��رب ال �ق��دام��ى ال �ط �ب��اق ض �م��ن المحسنات‬ ‫البديعية‪ ،‬ولكنه – في الحقيقة ‪ -‬ص��ورة فنية‬ ‫جمالية دالل�ي��ة وحجاجية‪ ،‬تقوم على التطابق‬ ‫الذهني والفكري والجمالي‪ .‬بمعنى أن الطباق‬ ‫صورة فكرية وذهنية قائمة على منطق الحجاج‬ ‫واالستدالل والبرهنة‪ .‬وتحضر هذه الصورة في‬ ‫قصة‪« :‬احتفاء على تخوم الحشرجة» للكاتب‬ ‫السعودي طاهر الزارعي‪ ،‬حينما يشير إلى مربّي‬ ‫الحمام داخل السوق األسبوعية‪ ،‬وهم يقارنون بين‬ ‫الحمامات الجميلة ذات القيمة الكبيرة‪ ،‬وحمامات‬ ‫منافسيهم التي يصفونها بشتى العيوب والعاهات‬ ‫والنقائص؛ محاولين إقناع زبائن السوق بجودة‬ ‫بضاعتهم‪ ،‬مع ذكر رداءة بضاعة منافسيهم‪« :‬كنت‬ ‫أطعمها جيدا‪ ،‬وأبلل ريشها بالماء‪ ،‬بل أحرص‬ ‫جيدا على تنظيف منقارها‪ ،‬وأختار منها األجود‪،‬‬ ‫كالحمام الحساوي والقالبي‪ ،‬حتى أتمكن من‬ ‫بيعها بثمن جيد في سوق الخميس ال��ذي يمثل‬ ‫لي خروجا عن روتين القرية الممل حينما انطلق‬ ‫إليه صباحاً‪ ،‬حتى إذا ما وصلت هناك فسأجد‬ ‫المنافسة الكبيرة مع نخبة من مربيي الحمام‪،‬‬ ‫يمتلئ بهم السوق‪ ،‬كل واحد منهم يزعق بصوته‬ ‫المألوف‪ :‬الزوين عندنا والشين حولنا»(‪.)1‬‬

‫القصصي ال�س�ع��ودي‪ ،‬بوصفها ال �ص��ورة األكثر‬ ‫ان�ت�ش��ارا ف��ي الشعر ال�ع��رب��ي‪ ،‬إل��ى ج��ان��ب صورة‬ ‫االس�ت�ع��ارة وص ��ورة التشخيص‪ .‬ويعني ه��ذا أن‬ ‫السرد القصصي السعودي ما ي��زال يتكئ على‬ ‫التصوير البالغي الشعري في ما يخص توظيف‬ ‫بالغة المشابهة‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬صورة التشبيه‬ ‫ل��دى الطاهر ال��زارع��ي‪ ،‬فهي تتأرجح بين أداة‬ ‫ال�ك��اف وأداة م�ث��ل‪« :‬نهضت م��ن س�ف��رة الطعام‬ ‫كالمفزوع‪ ،‬تتخبط قدماي بثوبي‪ ،‬صعدت بخفة‬ ‫غزال متجها نحو السطح‪ ،‬رأيت حماماتي تتطاير‬ ‫في القفص الكبير‪ ،‬والخوف يحتضن أعينها‪ .‬تلك‬ ‫القطط الشاردة طالما تتلذذ بحمامة أو حمامتين‬ ‫كل أسبوع‪ ،‬فقد كانت ترتكب خطيئة كبيرة بحق‬ ‫هذه الحمامات!»(‪.)2‬‬ ‫ت��رص��د ص� ��ورة ال�ت�ش�ب�ي��ه ف��ي ه ��ذا المقطع‬ ‫السردي حالة خوف السارد على حماماته الوديعة‬ ‫فوق السطح‪ ،‬وتصور أيضا مدى استعداده الكامل‬ ‫للدفاع عنها‪ ،‬حينما يحدق بها خطر القطط‪ .‬وكان‬ ‫دف��اع السارد هو ال��ردع والطرد ليس إال‪« :‬أمي‬ ‫تقول لي‪ :‬انتبه ال تموت القطط راح تسكن في‬ ‫نارها‪ .‬هذا التحذير جعلني خائفا جدا‪ ،‬وحينما‬ ‫أجد القطط تعتلي السطح لشن هجوم مباغت‬ ‫على الحمام أكتفي بردعها وطردها»(‪.)3‬‬

‫تؤشر ص��ورة الطباق (ال��زي��ن عندنا والشين‬ ‫حولنا) على تناقض المواقف‪ ،‬واختالف وجهات‬ ‫النظر‪ ،‬وصراع القيم التي تتحكم فيها المصالح‬ ‫وال �م �ن��اف��ع واأله� � � ��واء‪ ،‬ع �ل��ى ح �س��اب الحقيقة‬ ‫والمصداقية واليقين؛ واختالف معيار التقويم‬ ‫من شخص إلى آخر إيجابا وسلبا‪ ،‬ع�لاوة على‬ ‫سلبية ص��ورة اآلخ��ر في منظور األن��ا‪ ،‬وذل��ك في‬ ‫الص ــورة الميتي ــة‪:‬‬ ‫فضاءات القيم المادية والكمية والتبادلية‪.‬‬ ‫تنبني ال�ص��ورة الميتية أو الميثولوجية على‬ ‫ص ــورة التشبي ــه‪:‬‬ ‫ال�ت�خ��ري��ف واألس� �ط ��رة وال�ت�خ�ي�ي��ل ال�م�ج� ّن��ح في‬ ‫تستعمل ص ��ورة التشبيه ب�ك�ث��رة ف��ي السرد التجريد والطقوسية؛ وم��ن ث��م‪ ،‬تكشف كثيراً‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬ت�ح�ض��ر ص���ورة ال �خ��وف م��ن خالل‬ ‫تجليات صورة التشبيه‪ ،‬لتبين لنا مدى إحساس‬ ‫الشخصية الرئيسة بحماماته الوديعة التي كان‬ ‫يهتم بها فوق سطح المنزل اهتماما عاطفيا كبيرا‪،‬‬ ‫تدل على رحابة إنسانيته األخالقية‪ ،‬وتؤشر أيضا‬ ‫على مروءته العملية والسلوكية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫من القصص القصيرة بالمملكة‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة ال �س �ع��ودي��ة‪ ،‬وذل� ��ك من‬ ‫خ�لال ص��وره��ا الميتية الفكرية‬ ‫والتخييلية والعملية‪ ،‬طبيعة الذهن‬ ‫صـ ــورة االستع ــارة‪:‬‬ ‫اإلن �س��ان��ي ال �ع��رب��ي ف��ي التعامل‬ ‫ت �س �ت �ع �ي��ن ال �ق �ص��ة القصيرة‬ ‫مع ال��واق��ع الموضوعي‪ ،‬وتكشف‬ ‫السعودية بصورة االستعارة مثل‬ ‫طريقة تفسير األم ��ور وتحليلها‬ ‫القصيدة ال�ش�ع��ري��ة؛ ن�ظ��را لكون‬ ‫ومعالجتها؛ لذا‪ ،‬يتداخل الالهوت‬ ‫االستعارة من أقدم الصور البالغية‬ ‫م ��ع ال �م �ي �ث��ول��وج �ي��ا واألس � �ط� ��ورة‬ ‫التي عرفها اإلنسان‪ ،‬فقد ارتبطت‬ ‫والخرافة في التعامل مع الظواهر‬ ‫هذه الصورة باألسطورة والنزعة‬ ‫الحياتية لدى اإلنسان السعودي‪،‬‬ ‫اإلحيائية ف��ي تجسيد الطبيعة؛‬ ‫وبخاصة ال�ب��دوي منه‪ .‬وه��ذا إن‬ ‫أنسنة وإح �ي��اء وتشخيصا‪ .‬ومن‬ ‫دل على ش��يء‪ ،‬فإنما ي��دل على‬ ‫ث���م‪ ،‬ت�ت�خ�ط��ى ص� ��ورة االستعارة‬ ‫م ��دى ت�ش�ب��ث اإلن��س��ان بالتفكير‬ ‫عوالم الحقيقة الكائنة إلى عوالم‬ ‫الخرافي في التفاعل مع كثير من‬ ‫مجازية خيالية وافتراضية قائمة‬ ‫أمور الحياة‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق‬ ‫على المشابهة‪ ،‬والتقاط ترسبات‬ ‫بمداواة األمراض؛ كما يتبين ذلك‬ ‫ال���ذاك���رة وال�ل�اش� �ع ��ور والتناص‬ ‫جليا في هذه الصورة الخرافية‪:‬‬ ‫األنتروبولوجي‪ .‬وقلما نجد كاتبا‬ ‫«بعد أيام تأتي إلى أمي تبشرني‬ ‫قصصيا ال يشغل صورة االستعارة‬ ‫ب ��أن إح���دى م�ع��ارف�ه��ا ق��د طلبت‬ ‫منها شراء حمامتين لتذبحهما على ابنتها التي ذات البعد االن��زي��اح��ي والتضميني‪ ،‬كما يظهر‬ ‫تشتكي من آالم رأسها المتواصل‪ ،‬وكنت أرضخ لنا ذل��ك واض �ح �اً ف��ي ه��ذه ال �ص��ور االستعارية‬ ‫لهذا الطلب بصعوبة بالغة‪ ،‬فمظهر ال��دم يثير الموحية‪« :‬القرية هذا اليوم تنقش الفرح على كل‬ ‫خ��وف��ي واش �م �ئ��زازي‪ ،‬فكيف إذا ك��ان يسيل من شبر فيها‪ ،‬على ترابها وجدرانها ونخيلها‪ ،‬وتسيل‬ ‫حماماتي التي أرهقت نفسي في تربيتها‪ ،‬لكن من فمي ضحكات كثيرة كنت افتقدها منذ مدة‪،‬‬ ‫يبقى ه��ذا ق��دره��ا اللعين‪ ،‬ق��دره��ا ال �ق��ادم نحو وعريس القرية صديق لي سأكافئه كما كافأت‬ ‫كل العرسان من قبله‪ ،‬سأهدي له خمس حمامات‬ ‫الموت والفناء»(‪.)4‬‬ ‫وثالثة أكياس صغيرة من الشعير‪ ،‬وسأحرص‬ ‫هكذا‪ ،‬يصبح طقس التضحية وإسالة الدم من‬ ‫كعادتي على أن أفرج عن كل حماماتي في صباح‬ ‫الظواهر األنتروبولوجية التي تعود عليها اإلنسان‬ ‫زواج��ه‪ ،‬وأطيرها لتحتفل في السماء حتى إذا‬ ‫منذ القديم ف��ي التعامل م��ع ظ��واه��ر الطبيعة‪،‬‬ ‫ما قرب المساء أفتح لها قفصها الكبير لتدخل‬ ‫ومواجهة الكوارث واألم��راض واألوب�ئ��ة‪ .‬واآلتي‪،‬‬ ‫مطمئنة تلملم ما تبقى من حريتها»(‪.)5‬‬ ‫إن ه��ذه ال�ط�ق��وس أصبحت ظ��واه��ر اجتماعية‬ ‫يبدو أن ه��ذا المقطع السردي يعج بالصور‬ ‫وإنسانية وثقافية‪ ،‬تعبّر عن مرحلة األسطورة من‬ ‫جهة‪ ،‬ومرحلة الالهوت من جهة أخ��رى‪ ،‬لينتقل المجازية‪ ،‬والسيما الصور االستعارية منها‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫اإلنسان – بعد ذلك‪ -‬إلى مرحلة‬ ‫الوضعية القائمة على العلم والعقل‬ ‫والتجربة‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ت�ع�ت�م��د ال� �ص���ورة ال �ت �ن��اص �ي��ة ع �ل��ى اإلحالة‬ ‫المرجعية‪ ،‬والمعرفة الخلفية‪ ،‬واستدعاء الذاكرة‬ ‫الواعية وغير الواعية‪ ،‬وذلك في شكل ترسبات‬ ‫ثقافية ومعرفية‪ ،‬من أجل تطعيم النص السردي‬ ‫تعضيدا وإسنادا وتقوية له‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا‬ ‫في هذه الصورة التناصية التي تسترجع قصة نوح‬ ‫عليه السالم عند الكاتب السعودي فهد الخليوي‬ ‫في مجموعته القصصية‪« :‬مساء مختلف»‪ ،‬وقد‬ ‫استحضر المؤلف السارد هذه الصورة التناصية‬ ‫للتأشير ع�ل��ى ط��ول ال��زم��ن ال ��ذي ع��اش��ه نوح‪،‬‬ ‫وتتمنى الشخصية الرئيسة المتقاعدة لو أوتيت‬ ‫ع�م��را ط��وي�لا مثل ه��ذا النبي المعمر‪« :‬مضت‬ ‫األشهر المتبقية بسرعة الثواني‪ ،‬وخرج من بوابة‬ ‫اإلدارة وهو يحمل حقيبة صغيرة‪ ،‬وضع بداخلها‬ ‫أوراق ��ه الخاصة‪ ،‬وورق��ة تحولت‬ ‫كسهم جارح نفذ لمشاعره بقوة‪،‬‬ ‫إنها م��ذك��رة ط��ي ق�ي��ده‪ ..‬ي��ا لها‬ ‫م��ن ورق��ة م��ؤث��رة قلبت موازين‬ ‫كيانه‪ ،‬وفتحت صفحة جديدة‬ ‫موجعة لما بقي من عمر قصير‬ ‫سيتالشى بعد س �ن��وات قليلة‪،‬‬ ‫تذكر قصة نوح الذي عاش ألف‬ ‫عام‪ ،‬قرأ هذه القصة مرارا في‬ ‫كتب األولين وبمختلف الروايات‬ ‫التي روى بعضها أن نوحا عاش‬ ‫أل �ف��ا وس�ب�ع�ي��ن ع��ام��ا‪ ،‬حاصره‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫تسيل من فمي ضحكات‪ -‬لتحتفل في السماء سؤال صعب‪:‬‬ ‫– تلملم م��ا تبقى م��ن حريتها‪ .‬وت �ق��وم ك��ل هذه‬ ‫ لماذا ال تطول أعمار البشر أسوة بعمر نوح‪،‬‬‫الصور على خاصية التشخيص والحركة والنزعة طالما هناك قوة خفية تستطيع فعل ذلك؟‬ ‫اإلحيائية اإلن�س��ان�ي��ة‪ .‬بمعنى أن الطبيعة بكل‬ ‫تواردت في خاطره كثير من األسئلة الصعبة‬ ‫تجلياتها تشارك عريس القرية فرحته وسعادته‬ ‫كهذا السؤال الذي لن يجد له إجابة مقنعة‪ ،‬في‬ ‫العارمة‪.‬‬ ‫ظل الثوابت السائدة التي درج معظم البشر على‬ ‫الصـ ــورة التناصيـ ــة‪:‬‬ ‫اإليمان بها منذ آالف السنين»(‪.)6‬‬ ‫وه �ك��ذا‪ ،‬تحيل ه��ذه ال �ص��ورة التناصية على‬ ‫إشكالية ال��زم��ن ف��ي تفاصيلها الميتافيزيقية‬ ‫واإلن �س��ان �ي��ة‪ ،‬ك�م��ا ت��رص��د ل�ن��ا رغ�ب��ة الشخصية‬ ‫القصصية في أن يطول عمرها مثل ن��وح عليه‬ ‫السالم‪ ،‬لتبعد عنها مؤقتا شبح الموت التراجيدي‬ ‫الذي يهدد مصير كل إنسان‪ ،‬ويهزم كل اللذات‬ ‫الدنيوية‪.‬‬

‫صـ ــورة االستبط ــان‪:‬‬ ‫ن �ع �ن��ي ب� �ص ��ورة االس��ت��ب��ط��ان ت �ل��ك الصورة‬ ‫الوجدانية القائمة على االنفعاالت والمشاعر‬ ‫الداخلية المستبطنة في أعماق الذات الشعورية‬ ‫والالشعورية‪ ،‬وتعبّر عن الحالة النفسية التي‬ ‫تكون عليها الشخصية داخل المتن الحكائي‪ ،‬كما‬ ‫في هذه الصورة السردية المعبرة‬ ‫ع��ن ح��ال��ة ال �م��وظ��ف المتقاعد‬ ‫الذي يعاني من اإلحباط واليأس‬ ‫واالنهيار النفسي‪« :‬أخذ يتصنع‬ ‫االب �ت �س��ام��ة ع �ل��ى م �ح �ي��اه أمام‬ ‫زم�ل�ائ��ه أث��ن��اء ح�ف�ل��ة التوديع‪،‬‬ ‫تظاهر وكأنه في غابة السعادة‬ ‫واالب�ت�ه��اج‪ ،‬لكن مشاعر الحزن‬ ‫واالكتئاب ظلت تغلي من داخله!‬ ‫ها هو يدخل مرغما إلى عالم‬ ‫ال�م�ت�ق��اع��دي��ن‪ ..‬إن��ه ع��ال��م يشبه‬ ‫القبر المفتوح‪ ،‬حيث يصبح المرء‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪11‬‬


‫وهو بداخله‪ ،‬وكأنه أقرب للموت من الحياة‪ ،‬عالم‬ ‫يصبح فيه العد تنازليا نحو النهاية األليمة»(‪.)7‬‬ ‫تعكس ه��ذه ال �ص��ور ال �س��ردي��ة االستبطانية‬ ‫مجموعة من األحاسيس والمشاعر واالنفعاالت‬ ‫الداخلية التي يستضمرها البطل اإلشكالي الذي‬ ‫يتعرض للموت البطيء؛ وذلك من جراء تسريحه‬ ‫من عمله اليومي‪ ،‬وإبعاده عن نشاطه الدؤوب‪،‬‬ ‫وذلك توديعا وإعالنا لنهايته المؤلمة‪.‬‬

‫الص ــورة الوصفيــة‪:‬‬ ‫ت� �ق ��وم ال�� �ص� ��ورة ال ��وص� �ف� �ي ��ة ع� �ل ��ى تشغيل‬ ‫الموصوفات النعتية والحالية والصور المجازية‬ ‫لتتبع ال�م��وص��وف خ��ارج�ي��ا أو داخ�ل�ي��ا‪ ،‬وتتعدى‬ ‫الصورة الوصفية طابعها التزييني أو التقبيحي‬ ‫إلى طابعها الداللي والوظيفي والحجاجي‪ ،‬كما‬ ‫في هذه الصورة الوصفية االستهاللية التي ترصد‬ ‫لنا شخصية «أب��و مستور» في مجمل مالمحها‬ ‫المظهرية والنفسية واألخالقية واالجتماعية‪:‬‬ ‫«أراه يوميا جالسا في الشارع المؤدي إلى منزلي‪،‬‬ ‫يفترش سجادة عتيقة‪ ،‬مسندا ظهره إلى جدار‬ ‫منزله الشعبي الصغير‪ ،‬يحتسي قهوته وحيداً‪،‬‬ ‫م�ع�ظ��م ال ��وق ��ت‪ ،‬مكتفيا ب��ال�ت�ح��دي��ق ف��ي وجوه‬ ‫العابرين‪ ،‬ومكررا جملته الترحيبية المعتادة لكل‬ ‫عابر يلقي عليه السالم‪:‬‬

‫تتكئ على الحركة المعبرة‪ ،‬وتحمل في طياتها‬ ‫دالالت نفسية وأخالقية واجتماعية وإنسانية‬ ‫متميزة‪.‬‬

‫الصـ ــورة الميتاسردية‪:‬‬

‫تستند الصورة الميتاسردية إلى فضح لعبة‬ ‫ال�ق��ص‪ ،‬وتبيان آلياتها ال�س��ردي��ة متناً وخطاباً‬ ‫ورؤي��ة‪ ،‬وتكسير اإليهام الواقعي عن طريق خلق‬ ‫حكايات تخييلية‪ ،‬كما يظهر ذلك بيِّنا في هذه‬ ‫الصورة السردية الميتاسردية التي تتداخل مع‬ ‫أح��داث القصة‪ ،‬ضمن ما يسمى بالقصة داخل‬ ‫القصة‪« :‬يعتصر أبو مستور ذاكرته بالكثير من‬ ‫ حياك الله‪ ،‬اتقهوى!‬‫الحكايات التي يستمتع بسردها أم��ام ضيفه‪،‬‬ ‫ذات يوم استجبت لدعوته استضافني بحفاوة حيث تنبسط أسارير وجهه وتظل أقل انكماشا‬ ‫بالغة‪ ،‬وكأنه يعرفني منذ زمن طويل‪ ،‬تناول دلته عندما يحكي‪.‬‬ ‫الصفراء الالمعة‪ ،‬وسكب لي من فوهتها النحيلة‬ ‫ت �ت �غ �ي��ر ت �ج��اع �ي��د وج� �ه ��ه‪ ،‬ب �ح �س��ب أح� ��داث‬ ‫المنسابة فنجانا من قهوته الساخنة التي أعدها القصة التي يرويها‪ ،‬فتجد عالمات الحزن هي‬ ‫بمزاج رائق وإتقان محكم»(‪.)8‬‬ ‫الطاغية على محياه‪ ،‬وهو يحكي بألم عن عقمه‬ ‫تنضح هذه الصورة بأوصاف إنسانية حية‪ ،‬المستعصي على العالج‪ .‬وكيف صرف الكثير مما‬ ‫وتزخر بنبضات اللقطة السينمائية المتحركة‪ .‬يملك لألطباء والسحرة والمشعوذين على أمل‬ ‫بمعنى أن هذه الصورة الوصفية لقطة سينمائية‪ ،‬أن ينجب طفال يطلق عليه اسم مستور تخليدا‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫أح�ب�ه��ا‪ ..‬ال ي��زال عطرها ينبعث ف��ي زوايا‬‫المكان‪ ،‬ومالمحها ال تبرح مخيلتي‪ ،‬لم أتوقع أن‬ ‫فاطمة ستعاملني بهذه القسوة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫لذكرى أبيه‪ ،‬وم��ا تكبّده من ح��زن وم��رارة جراء‬ ‫هروب زوجته إلى بيت أبيها‪ ،‬عندما فقدت أمل‬ ‫اإلنجاب منه‪ ،‬وتركته يعاني من وحشة الوحدة‬ ‫وعذابات الفراق‪ ..‬تنهّد بأسى قائال‪:‬‬

‫ال�ه��روب نحو ع��وال��م افتراضية خ��ارق��ة‪ ،‬قوامها‬ ‫االس�ت�م�ت��اع ب��ال�ح��ري��ة‪ ،‬واألخ ��ذ بمنطق اإلباحة‪،‬‬ ‫وتحقيق الرغبات الدفينة والمكبوتة على مستوى‬ ‫الالشعور النفسي أو الحلمي‪ ،‬كما يظهر ذلك‬ ‫واضحا في قصة «بدر» المأخوذة من مجموعة‪:‬‬ ‫«عبق النافذة» للكاتب السعودي محمد البشير‪:‬‬ ‫«البدر في هذه الجزيرة (التايالندية) أكبر‪ .‬الكل‬ ‫يرقص الكتمال القمر‪ .‬والعرق ينز من األجساد‬ ‫المرمرية‪ ،‬ليصدر رائحة توسطت ما بين العطور‬ ‫الباريسية والكحول ال��روس�ي��ة‪ .‬ويكسبها ألوانا‬ ‫قزحية بفعل ضوء القمر‪ .‬رقصت بطاقة عجيبة‬ ‫ت �س��اوي ج�ه��د ع�م��ري ال�م�ن�ص��رم‪ .‬وك�ل�م��ا ظمئت‬ ‫زدت طين جسدي من بلل (البيرة) وزدت شعلة‬ ‫سيجارتي عالمة كرمي الحاتمي‪.‬‬

‫ينتقل أبو مستور من حكاية إلى حكاية‪ ،‬وال‬ ‫يعطيك فرصة لمقاطعته‪ ،‬بل يفرض عليك أن‬ ‫تظل منصتا وتستمع إليه‪ ،‬تشعر أن الحكي يبدد‬ ‫همومه المتراكمة‪ ،‬وكأن الصمت يؤلم قلبه ويزيد‬ ‫من كآبة وحدته‪ ،‬تتنوع حكايات أبو مستور في‬ ‫مضامينها وأحداثها‪ ،‬تارة يحكي قصة من عمق‬ ‫تفاصيل ح�ي��ات��ه‪ ،‬وت� ��ارة أخ ��رى يحكي قصصاً‬ ‫قبل طلوع الفجر‪ ،‬فعلت بي الكأس فعلتها‪.‬‬ ‫عاصرها وعايشها‪ ،‬يرويها كشاهد على عصر‬ ‫حلقت ف��ي ال�ف�ض��اء وان�ع��دم��ت ال�ج��اذب�ي��ة؛ فخر‬ ‫مضى»(‪.)9‬‬ ‫القمر تحت قدمي‪ ،‬وفرت األرض حسناء مذعورة‬ ‫يلتجئ ال �م��ؤل��ف ال��س��ارد ف��ي ه ��ذا المقطع لتستلقي بين ذراع��ي‪ .‬وعلم ب�لادي يرفرف في‬ ‫ال�س��ردي إل��ى تشغيل الصور الميتاسردية التي السماء‪ .‬ق��رأت اسمي على ظهر أح��د الفتيات‬ ‫ت�ك�س��ر ن�ظ��ري��ة اإلي��ه��ام ب��ال��واق �ع �ي��ة‪ ،‬وذل���ك عبر ضمن رواد الفضاء‪.‬‬ ‫ممارسة التخييل‪ ،‬وفضح طقوس الكتابة التي هي‬ ‫استيقظت على صوت هاتفي‪:‬‬ ‫في الحقيقة حكاية متخيلة ليس إال‪ ،‬يراد منها‬ ‫(‪)10‬‬ ‫كيف حالك يا ولدي؟» ‪.‬‬ ‫التعبير عن ال��ذات أو رصد الواقع الموضوعي‬ ‫بفنيات جمالية وتخييلية متنوعة‪.‬‬ ‫تعبر هذه الصورة الفانطاستيكية على سفر‬

‫الصـ ــورة الفانطاستيكية‪:‬‬

‫مخيالي خ ��ارق‪ ،‬ي�ت�ج��اوز ف�ض��اء البسيطة بكل‬ ‫معالمه السفلية الدنيئة‪ ،‬وذلك نحو عوالم فضائية‬ ‫عجيبة محيّرة‪ ،‬لتحقيق كل الرغبات الممنوعة‬ ‫على مستوى الهو أو الالشعور النفسي؛ وإن كان‬ ‫ه��ذا السفر المخيالي لم يكن في الحقيقة إال‬ ‫حلما لذيذا‪ ،‬أو تخيال بشريا ناتجا عن مفعول‬ ‫السكر والهذيان السريالي‪.‬‬

‫ت�ش�غ��ل ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة ال �س �ع��ودي��ة ضمن‬ ‫محكياتها ال �س��ردي��ة ال �ص��ورة الفانطاستيكية‬ ‫ال �ق��ائ �م��ة ع �ل��ى ال �ت �غ��ري��ب م��ن ج �ه��ة‪ ،‬والتعجيب‬ ‫م��ن جهة أخ ��رى‪ .‬كما تنبني ه��ذه ال �ص��ورة على‬ ‫مجموعة م��ن ال�ت�ح��والت ال�خ��ارق��ة لالنتقال من‬ ‫ع��ال��م العقل واألل �ف��ة والمنطق والحقيقة‪ ،‬إلى‬ ‫عالم الغرابة واالفتراض والتخييل؛ للتدليل على ص ــورة المتخيل‪:‬‬ ‫تتضمن بعض القصص القصيرة متخيالت‬ ‫رفض العالم السفلي بكل قيوده المشروطة‪ ،‬مع‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪13‬‬


‫دالل �ي��ة وم��وض��وع��ات �ي��ة م �ت �ن��وع��ة‪ ،‬ت�ت�خ�ل��ل ذاك ��رة‬ ‫الشخصيات القصصية بشكل م��ن األشكال؛‬ ‫كمتخيل الباب الذي يشكل بؤرة داللية وفضائية‬ ‫في قصة فهد المصبح‪« :‬الباب في مهمة خاصة»‪:‬‬ ‫«الكل في المدرسة يدرك مدى ذكائها‪ ،‬على الرغم‬ ‫من حداثة سنها‪ ،‬طفلة في العاشرة‪ ،‬وهبها الله‬ ‫النبوغ وقراءة األفكار‪ ،‬ولكنهم ال يتوقعونها بهذا‬ ‫الفقر المدقع‪ ،‬فسجاياها غطت كل بؤس طبع‬ ‫يحس أحد بحالها دون أن تفصح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أسرتها‪ ،‬تود لو‬ ‫فطلبات الدراسة أرهقت والدها‪ ،‬الذي ال يتوانى‬ ‫عن توفيرها مضحيا بكل ما يملك‪.‬‬ ‫تمتلك الكثير من األجوبة‪ ،‬لكنها اليوم تسأل‬ ‫أباها بإلحاح عن ب��اب بيته‪ ،‬فيخبرها أن��ه عند‬ ‫النجار ليصلحه‪ ،‬وتنتظر‪ ..‬وال يأتي الباب‪ ،‬ما‬ ‫جعل أباها يعمد إلى سد الفتحة بأعواد ولحاف‬ ‫سميك‪.‬‬ ‫لعوز مفاجئ‪ ،‬باع أبوها الباب دون أن يخبر‬ ‫أسرته بذلك‪ .‬فأحدث ذلك فراغا في مخيلتها‪،‬‬ ‫ف�ص��ارت يوميا‪ -‬وق�ب��ل ذهابها إل��ى المدرسة‪-‬‬ ‫تتوقف عند مدخل بيتهم لترى آثاره وتتخيل شكله‪،‬‬ ‫فكتبت عنه سطورا ضمنتها خلجات عشق غريب‪،‬‬ ‫يشرح مكانة الباب في حياة سكان الدار‪.)11(»..‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬يصبح الباب متخيال شاعريا وصورة‬ ‫فضائية‪ ،‬تؤثر بطريقة من الطرائق على الشخصية‬ ‫المحورية داخل القصة؛ ألن الباب جزء ال يتجزأ‬ ‫م��ن ه ��ذه الشخصية ف��ي م��اض�ي�ه��ا وحاضرها‬ ‫ومستقبلها؛ نظراً المتدادات صورة هذا المتخيل‬ ‫في ذاكرة الشخصية حدثا وزمانا ومكانا‪.‬‬

‫الصورة الشاعرية‪:‬‬

‫أن القصة يتقاطع فيها السرد مع الشعر‪ ،‬فتتحول‬ ‫ص��ور الملفوظات ال�س��ردي��ة إل��ى ص��ور شاعرية‬ ‫موحية‪ ،‬تعبق باالستعارات والمجاز واالنزياح‬ ‫وال �ت �ك��رار وال� �ت ��وازي‪ ،‬وت�ت��دف��ق بنبضات اإليقاع‬ ‫الداللي واللفظي والصوتي؛ كما يبدو ذلك جليا‬ ‫في هذه الصور الشاعرية لدى الكاتب السعودي‬ ‫خالد المرضي الغامدي في قصته‪« :‬كرات ثلجية»‬ ‫ال �م��أخ��وذة م��ن مجموعته القصصية‪« :‬ضيف‬ ‫العتمة»‪« :‬حليمة تناغي عرائسها‪ ،‬تصفق‪ ،‬ترقص‬ ‫العرائس‪ ...‬تجردها‪ ...‬تلبسها‪ ،‬شعورهن تنظمه‬ ‫جدائل‪ ...‬حليمة والعرائس واألفق سواد‪ ...‬شياه‬ ‫حليمة تجتر العشب‪ ...‬تنحدر‪ ،‬هناك يجري الماء‬ ‫زجاجيا صافيا‪ ،‬تغمس أفواهها‪ ...‬الشياه‪ ...‬تبتلع‬ ‫العشب‪ ..‬تبتلعه هنيئا‪ ،‬تتعطر برائحة الحبق‪...‬‬ ‫وح�ل�ي�م��ة ت��راق �ص �ه��ا‪ ...‬ال��ع��رائ��س‪ ،‬ملونات‪...‬‬ ‫فاتنات‪،‬‬ ‫ف��ي ملتقى السماء ب��األرض أش�ج��ار العرعر‬ ‫ك�ث�ي�ف��ة م� �س ��ودة‪ ،‬س �ح��ب م�ت�غ�ض�ن��ة‪ ..‬ج �ب��اال من‬ ‫ب��رد‪ ،‬أيضا في ملتقى السماء ب��األرض ظلمات‬ ‫ورع��د وب���رق‪ ...‬سياط م��ن ل �ه��ب‪ ...‬متعرجة‪...‬‬ ‫متربصة‪ ،‬ض��وء يخطف وج��ه حليمة‪ ...‬يخطف‬ ‫العرائس»(‪.)12‬‬ ‫ت �ت �م �ي��ز ه� ��ذه ال� �ص ��ور ب �ط��اب �ع �ه��ا الشاعري‬ ‫الرومانسي الذي يختلط بالسرد القصصي‪ ،‬وإن‬ ‫كانت الشاعرية هي الطاغية على صياغة هذه‬ ‫القصة‪ ،‬وذلك بحقولها الداللية التي تنتمي إلى‬ ‫عوالم ذاتية سحرية‪ ،‬مصنوعة بالمجاز والتكرار‬ ‫والتجريد الشاعري‪.‬‬

‫ص ــورة الت ــدرج‪:‬‬

‫نعني بصورة التدرج تصاعد الملفوظات عددياً‬ ‫تتحول المقاطع السردية في بعض القصص وكمياً‪ ،‬إما بشكل تزايدي وإما بشكل تناقصي‪.‬‬ ‫القصيرة السعودية إلى محكيات شاعرية‪ ،‬تختلط وتعبّر هذه الصورة عن الرؤية الكمية لألشياء في‬ ‫فيها الوظيفة الشعرية بالوظيفة السردية‪ .‬بمعنى عالقتها بالشخصيات واألحداث‪ ،‬كما يبدو ذلك‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫«ل��م أص��دق وال ��دي حين ق��ال ل��ي‪ :‬وحدها‪..‬‬ ‫ق �ط��رة ال�م�ط��ر ف��وق وادي العقيق تطفئ لظى‬ ‫ظمئك‪ ..‬ظننته ي�ه��ذي‪ ..‬فلم أص��دق��ه‪ ..‬والزلت‬ ‫ظامئا‪.»..‬‬ ‫‪-2-‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫واضحاً في قصة «حل الخريف» للكاتب السعودي‬ ‫جمعان الكرت‪« :‬همست في أذن شقيقها األصغر‬ ‫الذي يتلصص من خلف الباب لرؤية خالد بهذه‬ ‫البدلة األنيقة‪ ..‬قالت استمع إلى حديث خالد‪..‬‬ ‫قفز وليد وكان يتوارى خجال‪ ..‬تقدم‪ ..‬خطوة‪..‬‬ ‫خ�ط��وت�ي��ن‪ ..‬جلس ف��ي م�ك��ان غير ب�ع�ي��د‪ ..‬وبدأ‬ ‫يتفرس خ��ال��دا ال��ذي راح يتحدث بكل ثقة عن‬ ‫الدراسة في الخارج‪ ،‬والصعوبات التي واجهته‬ ‫ف��ي ب��ادئ األم ��ر‪ ..‬فيما راح وال ��ده سفر وعمه‬ ‫فاضل وال��د أم��ل‪ ..‬وإخ��وان��ه ينصتون للحديث‪،‬‬ ‫سفر يشعر من ثنايا حديث خالد‪ ..‬ب��أن هناك‬ ‫أخبارا غير سارة سوف يفصح عنها»(‪.)13‬‬

‫‪-1-‬‬

‫«آه‪ ..‬ك��م كنت أح��ب أم ��ي‪ ..‬ورائ �ح��ة «شيلة»‬ ‫أمي‪ ..‬وحدها أمي كانت تعرف ذلك‪ ..‬واآلن‪ ..‬لم‬ ‫يبق لي سوى شيلة أمي‪ ..‬ورائحة أمي‪.»..‬‬ ‫‪-3-‬‬

‫«في نهار وداعها األخير‪ ..‬أذكر أنها قالت لي‪:‬‬ ‫تعبر صورة‪« :‬خطوة‪ ...‬خطوتين» عن التدرج سعيد‪ ..‬أنا من اختار لك هذا االسم يا ولدي‪..‬‬ ‫ال�ع��ددي ال��ذي يعكس تقدم ول�ي��د‪ ،‬المدفوع من فال تبك‪ ..‬التجعلني أبدو كاذبة أمام الله‪..‬‬ ‫قبل أمل لترصد أخبار العائلة القريبة‪ ،‬وتبيان‬ ‫ابتسمت‪ ..‬فابتسمت!»‬ ‫أحاديثها المتشعبة‪ ،‬والسيما في ما يتعلق بزواج‬ ‫‪-4‬‬‫خالد بأمل‪ ،‬التي انتظرته طويال حتى يستكمل‬ ‫«في نهار وداعها األخير‪ ..‬أذكر أنها قالت لي‪:‬‬ ‫عشيقها دراسته في الخارج‪ ،‬ليعقد عليها – بعد‬ ‫ذلك‪ -‬القران الشرعي؛ نظرا للحب الجميل الذي أرجوك‪ ..‬ال تبك‪ ..‬فالله ال يأخذ على جواره إال‬ ‫كان يجمعهما معا قبل ذل��ك‪ .‬بيد أن خالد عاد الطيبين‪..‬‬ ‫بزوجة أجنبية شقراء ليست من طينته‪ ،‬وال هو‬ ‫أقسمت لها بكل مقدس‪ ..‬أن أصبح ولدا‪..‬‬ ‫من طينتها؛ ما أثار حفيظة أمل‪ ،‬وهيج غضبها طيبا‪ ..‬بكت!»(‪.)14‬‬ ‫الداخلي واالنفعالي‪.‬‬ ‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬تكثر الصور الشذرية‬

‫الص ــورة الش ــذرة‪:‬‬ ‫نعني بالصورة الشذرة أو الصورة الومضة تلك‬ ‫القبسات القصصية المختصرة بدقة‪ ،‬وهي تجمع‬ ‫في طياتها عصارة الحياة بدقة وإحكام وإتقان‪،‬‬ ‫وتستند إلى بالغة اإلضمار والتكثيف واالختزال‬ ‫واإلي�ح��اء واالن��زي��اح‪ ،‬كما نالحظ ذل��ك جليا في‬ ‫قصة‪« :‬ومضات‪ »!!..‬للكاتب السعودي سعيد بن‬ ‫عبدالله الدوسري‪:‬‬

‫أو ال�ص��ور الومضية‪ ،‬ضمن جنس أدب��ي جديد‬ ‫يسمى بالقصة الشذرية‪ ،‬تلك القصة التي تقوم‬ ‫على ت��وال��ي المقاطع‪ ،‬وتكاثر ال�ص��ور السردية‬ ‫تكثيفا وت��رك �ي��زا وإض� �م ��ارا وت�ج�م�ي�ع��ا وتواليا‬ ‫وتعاقبا‪ .‬بمعنى أن الصورة الشذرة تقول الكثير‬ ‫والكثير‪ ،‬على الرغم من قصر حجمها‪ ،‬وتطرح‬ ‫أسئلة كبيرة في كلمات قليلة ومعدودة ومحدودة‪.‬‬ ‫ويعني هذا أن الصورة الومضة هي صورة موحية‬ ‫ومجازية وانزياحية‪ ،‬دال��ة سيميائيا‪ ،‬من خالل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪15‬‬


‫ملفوظاتها المفتوحة والمكوّمة تراكماً واتساقاً‬ ‫وانسجاماً‪ ،‬على الرغم من انفصالها عن باقي‬ ‫ال وتوالداً‬ ‫الصور والمقاطع السردية األخرى تناس ً‬ ‫وتعاقباً‪.‬‬

‫ص ــورة التذويــت‪:‬‬

‫تكرير الكلمات أو إع��ادة الملفوظات والعبارات‬ ‫التركيبية نفسها‪ ،‬إم��ا للتثبيت والتأكيد‪ ،‬وإما‬ ‫لخلق ن��وع من اإلي�ق��اع الهرموني داخ��ل النسيج‬ ‫القصصي‪ ،‬وإما لتوفير التماسك النصي اتساقا‬ ‫وان�س�ج��ام��ا؛ كما ي�ب��دو ذل��ك واض�ح��ا ف��ي قصة‪:‬‬ ‫«نمل الكلمات» للقاص السعودي ضيف فهد‪:‬‬ ‫«أسمعها‪ ،‬أسمعها؛ تركض كسلسلة م��ن النمل‬ ‫األس��ود القوي‪ ،‬كمخلوقات هائلة لديها القدرة‬ ‫على المثابرة‪ .‬تتسلق أرجل السرير‪ ،‬وتنتثر على‬ ‫ال�ل�ح��اف‪ ،‬وت�ت�ج��ول باحثة ع��ن أذن���ي‪ ..‬وم��ع أني‬ ‫حاولت فعل كل شيء ألدلها على الطريق‪ ،‬إال أنها‬ ‫تتوه في النهاية»(‪.)19‬‬

‫تحيل ص ��ورة ال �ت��ذوي��ت ع�ل��ى خ �ط��اب الذات‬ ‫بكل انفعاالتها الوجدانية‪ ،‬وتأمالتها الجوانية‪،‬‬ ‫ومشاعرها المستبطنة‪ ،‬التي غالبا ما تختفي‬ ‫وراء ضمير المتكلم؛ إفصاحا وإع�لان��ا وبوحا‬ ‫وانسيابا‪ ،‬كما يتجلى ذلك واضحا عند القاصة‬ ‫السعودية نورة عبد الله السفر‪« :‬في تلك األيام‪..‬‬ ‫كانت ق��وة احتضاناته تجعلني أح��س ب��أن قلبه‬ ‫تعتمد ه��ذه ال �ص��ورة ال�ت�ك��راري��ة على تكرار‬ ‫بحبه الالمتناهي يحتويني ويصادر أي حق بحب كلمة «أسمعها» مرتين‪ ،‬لتثبيت متخيل السمع‪،‬‬ ‫سواه‪ .‬كنت أرى نفسي في عينيه الطفلة الجميلة والتشديد على هذه الحاسة التي تذكرنا بقصة‬ ‫المشعة بالحياة‪ .‬أم��ا اآلن‪ ..‬فأنا على العكس ال �ن �ب��ي س�ل�ي�م��ان ع�ل�ي��ه ال��س�ل�ام ت �ن��اص��ا وإيحاء‬ ‫م��ن ذل��ك ت�م��ام��ا‪ .‬ف�ت��اة ال مبالية ت�ك��ره الحياة؛ واستدعاء‪.‬‬ ‫إنها تهبنا أجمل األشياء‪ ..‬ثم تسلبها بطعنة في‬ ‫الص ــورة االفتراضي ــة‪:‬‬ ‫الظهر‪.)15(»..‬‬ ‫تنبني الصورة االفتراضية على آليات الشرط‬ ‫ويالحظ أن أغلب القصص النسائية تطغى‬ ‫عليها صورة التذويت‪ ،‬وتتحول المقاطع السردية الحجاجي أو آل�ي��ات التمني وال��رج��اء والتوقع‪،‬‬ ‫إلى رسائل ذاتية مسترسلة‪ ،‬وإنشاءات عاطفية كما يبدو ذل��ك جليا في قصة‪« :‬مغلق بإحكام»‬ ‫وانفعالية‪ ،‬بعيدة كل البعد عن مقومات القصة لناصر بن محمد العمري‪ ،‬حيث يعنى بمتخيل‬ ‫القصيرة‪ ،‬حيث تغيب الحبكة السردية‪ ،‬وآليات الباب‪ ،‬بطريقة فنية قائمة على الصراع الداخلي‬ ‫ال �س��رد تحبيكا وتخطيبا‪ .‬واآلت���ي‪ ،‬أن�ه��ا مجرد والموضوعي‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال ممارسة منطق‬ ‫االفتراض التصوري والمنطقي والحجاجي‪ ،‬مع‬ ‫خواطر شاعرية وكتابات إنشائية ذاتية ليس إال‪.‬‬ ‫التلذذ بمراقبة اآلخ��ر‪« :‬يحمل بين يديه معوال‬ ‫وينطبق ه��ذا بشكل م��ن األش �ك��ال على قصص‬ ‫قديما مهترئا‪ ،‬يحاول به فك الباب المغلق‪ ،‬حاول‬ ‫بعض الكاتبات السعوديات‪ ،‬مثل‪ :‬قصة‪« :‬ذبول‬ ‫به حتى خارت ق��واه‪ .‬يجلس على األرض‪ .‬يسند‬ ‫وردة» لليلى الحربي(‪ ،)16‬وقصة‪« :‬قصتان» لمريم‬ ‫ظهره إلى الباب المغلق‪ ،‬يغرق في نوبة من جنون‪.‬‬ ‫محمد ال �ل �ح �ي��د(‪ ،)17‬وق �ص��ة‪« :‬أك �ب��ر م��ن الجرح»‬ ‫يحدث نفسه بصوت مسموع‪:‬‬ ‫لمالك الخالدي(‪..)18‬‬ ‫أوش ��ك أن اغتنم ال �ف��رص��ة‪ ..‬ألب�ك��ي وأولول‬ ‫ص ــورة التك ــرار‪:‬‬ ‫كما لم أفعلها من قبل‪ ،‬أعلم أن الكل يراقبني‪،‬‬ ‫تعتمد صورة التكرار على ترديد الحروف أو تدهشهم أسمالي‪ ،‬تغرقهم الضحكات من حالي‪..‬‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫يثرثرون‪:‬‬ ‫أم كان فضاء عتبة‪ ،‬يحيل على الشوارع واألزقة‬ ‫والفضاءات الواقعة بين بين‪ ،‬بين الداخل والخارج‪،‬‬ ‫((أداته ال تصلح لهذه المهمة))؛‬ ‫بين المنغلق والمنفتح‪ .‬وتعد الصورة الفضائية‬ ‫((النقطة التي اختارها لكي تكون مكانا للثقب‬ ‫أه��م ص��ورة مهيمنة ف��ي قصة‪« :‬ال�ب�ئ��ر» للقاص‬ ‫خاطئة))؛‬ ‫ال�س�ع��ودي زك��ري��ا ال�ع�ب��اد‪« :‬ح�ي��ن أعيتهم الحيلة‬ ‫لو أنه يرتدي حذاء لكان أجمل‪..‬‬ ‫الستخراج الذين سقطوا في البئر‪ ،‬أخبرني أحد‬ ‫إخوتك بأنهم كانوا ينوون تنظيف البئر القديمة‪،‬‬ ‫لو أن على رأسه كابا لكان أقوى‪..‬‬ ‫وإع ��ادة تشغيلها؛ فسقط فيها أح��ده��م‪ ،‬وعلق‬ ‫لو أن أظافره أطول‪ ..‬لو لو لو لو‬ ‫الثاني وهو يحاول إخراجه‪ ،‬وتوقفت محاوالتهم‬ ‫ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن ك��ون��ي م�ت�ي�ق�ن��ا م ��ن أنهم حين كان مصير الثالث صاحبه‪.‬‬ ‫سينصرفون بعد أن تنتهي طقوس شهواتهم‪..‬‬ ‫ خ��ذون��ي إل�ي�ه��م‪ ،‬يمكنني إخ��راج �ه��م‪ ،‬لقد‬‫شهوة النظر‪..‬‬ ‫حفرت البئر بيدي‪.‬‬ ‫شهوة الكالم‪..‬‬ ‫ربطت الحبل السميك المجدول من الليف‬ ‫في وسطي‪ .‬ونزلت بعد أن أعطيتهم نهاية الحبل‬ ‫شهوة االنتقاد‪ ..‬وشهوة االنقياد‪..‬‬ ‫إال أنني أكاد أموت حنقا؛ فهذا الباب الحقير الثاني‪ .‬وأمرتهم أن يسحبوه حين آمرهم‪.‬‬ ‫محكم ب��إغ�لاق‪ ،‬وق��واي خ��ارت‪ ..‬وه��م يمارسون‬ ‫في قاع البئر كان الهواء شبه منعدم‪ .‬ولم يكن‬ ‫الغباء»(‪.)20‬‬ ‫بإمكاني أن أرى شيئا‪ ،‬أخذت أبحث برجلي في‬

‫يتبين لنا أن ال �ص��ورة االف�ت��راض�ي��ة ف��ي هذا‬ ‫المقطع السردي تقوم على لفظة «لو» التي تدل‬ ‫على التمني من جهة‪ ،‬والشرط من جهة أخرى‪،‬‬ ‫ولكنها تحمل في طياتها دالالت منطقية مبنية‬ ‫على االشتراط واالفتراض واالستلزام االقتضائي‬ ‫والحواري والجزائي‪.‬‬

‫الصـ ــورة الفضائية‪:‬‬ ‫تنبني ب�ع��ض ال�ق�ص��ص ال�ق�ص�ي��رة السعودية‬ ‫على تثبيت صورة الفضاء‪ ،‬وتأكيدها في مخيلة‬ ‫المتلقي‪ ،‬بوصفها ص��ورة محورية وبؤرية داخل‬ ‫ال�ع�م��ل ال�ق�ص�ص��ي؛ ف��ال�ف�ض��اء ه��و ال ��ذي يحوي‬ ‫األحداث والشخصيات في الزمان والمكان‪ .‬وكم‬ ‫من قصة مرتبطة بفضاء مكاني معين‪ ،‬سواء أكان‬ ‫ذلك الفضاء حميما‪ ،‬كالمنزل أو العش‪ ،‬أم كان‬ ‫فضاء عدوانيا‪ ،‬كالسجن والمعتقل والزنزانة‪،‬‬

‫الماء إلى أن تعثرت قدماي برأس آدمي‪ ،‬رفعته‬ ‫برجلي‪ ..‬وتحسست ع��روق عنقه‪ ،‬فعرفت بأنه‬ ‫ف��ارق الحياة‪ .‬حين عثرت على الثاني ك��ان هو‬ ‫اآلخر قد مات‪ ،‬تركته ألبحث عن الثالث‪ ..‬فلربما‬ ‫أدركته قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة‪ .‬كانت عروق‬ ‫عنقه ال تزال تنبض‪ ،‬ربطته بالحبل وأمرتهم أن‬ ‫يسحبوه‪ ،‬ويعيدوا الحبل ألرفع الرجلين‪.‬‬ ‫حين أخرجوني من البئر‪ ،‬كان ول��دك محمد‬ ‫وأخ��وه أحمد ممددين إل��ى جانب فوهة البئر‪،‬‬ ‫وك��ان ال��رج��ال يركبون أخ��اك (ع�ل��ي) ف��ي إحدى‬ ‫السيارات‪ ..‬ويهرعون به إلى المستشفى‪ .‬وفي‬ ‫س �ي��ارة أخ ��رى أرك �ب��وا ول��دي��ك‪ ،‬ف��ي المستشفى‬ ‫تأكدوا بأنهما فارقا الحياة كما أخبرتهم‪.‬‬ ‫رب�م��ا ك��ان��ا ي �ح��اوالن إخ ��راج لبنتك المضيئة‬ ‫ورميها في الظالم‪ ..‬فسقطا‪ .‬وربما كانا يحاوالن‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪17‬‬


‫إعادة مياه البئر‪ .‬لكن بعد أن فات األوان‪ .‬ذهب األق��رب إلى السينما وال��درام��ا‪ ،‬من اقترابها إلى‬ ‫ول� ��داك‪ .‬وب �ق��ي ع �ل��ي‪ .‬ع�ي�ن��اه ت�ش�ب�ه��ان عينيك‪ .‬األدب ذي الطابع اللغوي والوصفي والتجريدي‪.‬‬ ‫أتذكرك كلما نظرت إليهما»(‪.)21‬‬ ‫يعد البئر متخيل هذه الصورة الفضائية‪ ،‬ويعني‬ ‫ه��ذا أن ال�ف�ض��اء ق��د يتحول إل��ى ص��ورة بالغية‬ ‫سردية‪ ،‬حينما يكون بؤرة محورية داخل النسيج‬ ‫القصصي تحبيكا وتخطيبا وتخييال‪.‬‬

‫الص ــورة السينارستية‪:‬‬ ‫تستند ال �ص��ورة ال�س��ردي��ة السينارستية إلى‬ ‫توظيف مقومات السيناريو السينمائي‪ ،‬وذلك‬ ‫ب�ت�ح��وي��ل ال�م�ق��اط��ع ال �س��ردي��ة إل ��ى ص ��ور حركية‬ ‫بصرية‪ ،‬أو تحويلها إلى إرش��ادات ركحية درامية‬ ‫قابلة للتشخيص المرئي‪ ،‬أو قابلة لتحويلها إلى‬ ‫لقطات سينمائية متحركة؛ كما يظهر ذلك واضحا‬ ‫في قصة‪« :‬حفلة تنكر» للقاصة السعودية شمس‬ ‫علي‪« :‬فتح عينيه‪ ..‬ب��ادره ص��وت ناعم بالقول‪:‬‬ ‫الحمد لله على سالمتك»‪.‬‬ ‫أجال النظر في أرجاء الغرفة‪ ،‬البياض يحيطه‬ ‫من كل م�ك��ان‪ ..‬ال �ج��دران‪ ..‬الستائر‪ ..‬األبواب‪..‬‬ ‫السرير‪ ..‬األغطية‪ ..‬هل أنا في حلم؟‬ ‫بدت مستغرقة في قراءة تقريره الطبي عندما‬ ‫تأملها مليا‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬رفع صوته‪ ،‬عفوا‪ ..‬لو سمحت‪..‬‬ ‫هل لي بطلب؟ أدارت رأسها نحوه‪ ،‬وبحركة ال تخلو‬ ‫من رشاقة‪ ،‬أسرعت ب��دس ميزان ال�ح��رارة تحت‬ ‫لسانه متمتمة‪« :‬دعني أقيس حرارتك أوال‪ ،‬ومن‬ ‫ثم أحضر لك ما تريد»(‪.)22‬‬ ‫م��ن يتأمل ه��ذه ال �ص��ور ال�س��ردي��ة داخ��ل هذا‬ ‫المقطع القصصي‪ ،‬فيالحظ بأنها قد صيغت برؤية‬ ‫بصرية مرئية‪ ،‬وذلك من خالل تتابع األفعال في‬ ‫شكل صور حركية ديناميكية‪ ،‬تبين اإلطار العام أو‬ ‫الجو الذي ستجري فيه أحداث القصة‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫فصور المقطع يغلب عليها الطابع السينارستي‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫تقوي ــم وتوجي ــه‪:‬‬

‫يالحظ أن القصة القصيرة بالمملكة العربية‬ ‫السعودية توظف ‪ -‬على غ��رار القصص العربية‬ ‫األخرى ‪ -‬مجموعة من الصور البالغية السردية‪،‬‬ ‫بيد أن أه��م ال�ص��ور الموظفة تلك ال�ص��ور التي‬ ‫تعتمد عليها بالغة الشعر‪ ،‬مثل‪ :‬صورة التشبيه‪،‬‬ ‫وصورة االستعارة‪ ،‬وصورة الكناية‪ ،‬وصورة المجاز‬ ‫ال�م��رس��ل‪ ،‬وص��ورة ال��رم��ز‪ ،‬وال �ص��ورة الميثية‪ .‬زد‬ ‫على ذلك الصورة الوصفية‪ ،‬والصورة الفضائية‪،‬‬ ‫وص��ورة الشخصية‪ ،‬وال�ص��ورة الحدثية‪ ...‬لكنها‬ ‫في حاجة ماسة إلى تشغيل صور سردية أخرى‬ ‫لالهتمام بها بطريقة م��ن ال �ط��رائ��ق‪ ،‬كالصورة‬ ‫الميتاسردية‪ ،‬وصورة التضمين‪ ،‬والصورة األيقون‪،‬‬ ‫والصورة السيميائية‪ ،‬والصورة الفانطاستيكية‪،‬‬ ‫وال�ص��ورة الحلمية‪ ،‬وال�ص��ورة البصرية‪ ...‬ويعني‬ ‫ه��ذا أن القصة القصيرة السعودية ما ت��زال في‬ ‫عمومها قصة كالسيكية تقليدية تحبيكا وتخطيبا‬ ‫ورؤية‪ ،‬وهي في حاجة إلى تنويع صورها السردية‪،‬‬ ‫وأنماطها التعبيرية‪ ،‬وسجالتها الكالمية‪ ،‬وتجريب‬ ‫قوالب أخرى؛ إما ذات طابع تأصيلي تراثي‪ ،‬وإما‬ ‫ذات طابع غربي حداثي‪ .‬ولن يتم ذلك فعال إال من‬ ‫خالل االطالع على الموروث البالغي العربي من‬ ‫جهة‪ ،‬واالنفتاح على البالغة الغربية الجديدة من‬ ‫جهة أخرى‪ .‬ويالحظ كذلك أن كثيرا من القصص‬ ‫النسائية ليست قصصا سردية بالمفهوم الحقيقي‬ ‫للقصة؛ ألن�ه��ا تسقط ف��ي اإلن�ش��ائ�ي��ة‪ ،‬والذاتية‬ ‫االنفعالية‪ ،‬واالنسياب الشاعري‪ ،‬واالقتراب من‬ ‫أدب الخواطر من ناحية‪ ،‬أو من أدب الرسائل من‬ ‫ناحية أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تهيمن على هذه الكتابات‬ ‫ما يسمى بصورة التذويت القائمة على االنفعال‬ ‫الوجداني‪ ،‬واستبطان الذات والكيان الداخلي‪.‬‬


‫تركي ـ ـ ــب‪:‬‬ ‫تلكم‪-‬إذاً‪ -‬نظرة مختصرة حول مفهوم الصورة‬ ‫ال �س��ردي��ة ب �ك��ل أب �ع��اده��ا ال �ب�لاغ �ي��ة‪ ،‬ومالمحها‬ ‫القصصية‪ ،‬ومقاصدها التداولية‪ ،‬وذلك بالمقارنة‬ ‫مع الصورة الشعرية مشابهة ومجاورة ورؤيا‪ .‬وتلكم‬ ‫ك��ذل��ك ن�ظ��رة مقتضبة ح��ول أه��م أش �ك��ال بالغة‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪) 13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )20‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )22‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وعليه‪ ،‬أدعو كتاب القصة السعوديين ‪ -‬ذكورا‬ ‫وإن��اث��ا‪ -‬إل��ى استخدام ص��ور سردية أكثر حداثة‬ ‫وتجريبا وعمقا‪ ،‬وذلك بتنويع األشكال والسجالت‬ ‫والقوالب الفنية والجمالية‪ ،‬مع استلهام صور السرد‬ ‫العربي القديم‪ ،‬من جهة‪ ،‬واسترفاد صور البالغة‬ ‫الغربية الجديدة‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬وتمثل آراء نظرية‬ ‫ميخائيل باختين البوليفونية ف��ي مجال تشكيل‬ ‫الصور السردية لغة وأسلوبا‪ ،‬من جهة ثالثة‪.‬‬

‫الصورة السردية في القصة القصيرة بالمملكة‬ ‫العربية السعودية؛ تحبيكا وتخطيبا وتشكيال‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬تتأرجح الصور السردية في القصة القصيرة‬ ‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وذل��ك على مستوى‬ ‫التوظيف واالستثمار واإلبداع‪ ،‬بين ثبات األشكال‬ ‫التصويرية من جهة‪ ،‬والبحث عن المستجد من‬ ‫ال�ص��ور البالغية تجريبا وتحديثا وتجديدا من‬ ‫جهة أخ��رى‪ ،‬وبالضبط م��ن خ�لال االنفتاح على‬ ‫مستجدات النقد العربي الحديث والمعاصر تارة‪،‬‬ ‫واالستفادة من الموروث السردي العربي القديم‬ ‫تارة أخرى‪ .‬ولكن القصة القصيرة السعودية في‬ ‫عمومها الفني والجمالي ما تزال في حاجة ماسة‬ ‫إلى التطوير‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والتنويع‪ ،‬والتحديث على‬ ‫مستوى بالغة الصورة السردية‪ ،‬وذلك إن حكيا‪،‬‬ ‫وإن خطابا‪ ،‬وإن خياال‪ ،‬وإن رؤية‪.‬‬

‫طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬فراديس للنشر والتوزيع‪ ،‬البحرين‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12-11:‬‬ ‫طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬ ‫فهد الخليوي‪ :‬مساء مختلف‪ ،‬النادي األدبي بالرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫فهد الخليوي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.61-60:‬‬ ‫فهد الخليوي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.65:‬‬ ‫فهد الخليوي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.66-65:‬‬ ‫محمد البشير‪ :‬عبق النافذة‪ ،‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪ ،‬الدمام‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1428‬هـ‪ ،‬ص‪.36-35:‬‬ ‫فهد المصبح‪( :‬الباب في مهمة خاصة)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،23 :‬ربيع‪1430‬هـ الموافق لسنة ‪2009‬م‪،‬‬ ‫ص‪.46:‬‬ ‫خالد المرضي الغامدي‪ :‬ضيف العتمة‪ ،‬النادي األدبي بالباحة‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.100:‬‬ ‫جمعان الكرت‪( :‬حل الخريف)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،17:‬صيف‪2007‬م‪1428 /‬هـ‪ ،‬ص‪.35:‬‬ ‫سعيد بن عبد الله الدوسري‪( :‬ومضات‪ ،)!!..‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،17:‬صيف‪2007‬م‪1428 /‬هـ‪ ،‬ص‪.36:‬‬ ‫نورة عبد الله السفر‪( :‬اجتياح)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،34:‬شتاء ‪2012‬م‪1433/‬هـ‪ ،‬ص‪.74:‬‬ ‫ليلى الحربي‪( :‬ذبول وردة)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،33 :‬السنة ‪2011‬م‪1432/‬هـ‪ ،‬ص‪.72:‬‬ ‫مريم محمد اللحيد‪( :‬قصتان)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،33 :‬السنة ‪2011‬م‪1432/‬هـ‪ ،‬ص‪.75:‬‬ ‫مالك الخالدي‪( :‬أكبر من الجرح)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،29:‬السنة ‪2010‬م‪1431/‬هـ‪ ،‬ص‪.71:‬‬ ‫ضيف فهد‪( :‬نمل الكلمات)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪2010 ،26:‬م‪1431 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.48:‬‬ ‫ناصر بن محمد العمري‪( :‬مغلق بإحكام)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،26 :‬السنة ‪2010‬م‪1431/‬هـ‪ ،‬ص‪.53-52:‬‬ ‫زكريا العباد‪( :‬البئر)‪ ،‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،29:‬السنة ‪2010‬م‪1431/‬هـ‪ ،‬ص‪.72:‬‬ ‫شمس علي‪( :‬حفلة تنكر‪ ،)..‬مجلة الجوبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬العدد‪ ،29:‬السنة ‪2010‬م‪1431/‬هـ‪ ،‬ص‪.75 :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪19‬‬


‫القصة القصيرة في اململكة‬

‫العربية السعودية في عصر الرواية‬

‫> عبدالرحمن الدرعان‪ -‬من السعودية‬

‫أود قبل مقاربة الموضوع‪ ،‬اإلشارة إلى أكثر من مسألة‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن الباعث لهذا السؤال مهما كانت درجة شرعيته هو القلق على مستقبل‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬التي ال يختلف اثنان على انحسارها‪ ،‬إزاء الرواية‪ ،‬وهو قلق يظهر‬ ‫في الغالب على هيئة استصراخ أو استنهاض‪ ،‬أو ربما نقول بال مبالغة على هيئة رثاء‬ ‫مبكر لفن لم يحالفه الحظ بالصمود‪ ،‬غير إنه في كل حاالته يمتثل لسطوة الذهنية‬ ‫الواحدية التي تطبع الشخصية العربية عموما‪ ،‬والتي ال ترى على األرجح إال بعد ًا‬ ‫واحداً‪ ،‬وال تستطيع استيعاب أن المساحة واسعة الستيعاب كل األشكال التعبيرية‪ ،‬من‬ ‫دون الحاجة إلى صراع يفرض تقويض شكل ما لحساب شكل آخر‪.‬‬ ‫وم��ن هنا‪ ،‬ن��رى كيف تتعالى األص ��وات وفقا‬

‫بأنه عصر الصورة‪ ،‬وهو توصيف سيكون أكثر دقة‬

‫ل �ل �م��زاج ال �ن �ق��دي ب��أول��وي��ة ال �ف��ن ال ��روائ ��ي مثال‪،‬‬

‫وواقعية والسيما في واق��ع ما ت��زال تتفشى فيه‬

‫وانطفاء فن القصة القصيرة التي كانت صدى‬

‫األمية‪ ،‬فمن يتأمل سقوط النخبة وبروز الشعبي‬

‫لمقولة الناقد المصري جابر عصفور‪« :‬إن الرواية‬

‫وفق تعبير الدكتور عبدالله الغذامي‪ ..‬فإنه سيجد‬

‫أصبحت هي ديوان العرب»‪.‬‬

‫أن األدب بشكل خاص سيكون مكانه األرشيف ما‬

‫وفي بداية السبعينيات الميالدية‪ ،‬كان الشاعر لم يجترح هذه الوسائط الحديثة التي أصبحت‬ ‫والناقد أدونيس يراهن على زمن الشعر‪ ،‬ويقصد في هذا العصر المتحول لغة العالم‪.‬‬ ‫ب��ه حركة الشعر الجديد التي تبشر بمستقبل‬

‫أستطيع الجزم بأن االمتثال لهذه المقوالت‬

‫القصيدة الخارجة على مألوف البناء الكالسيكي؛ التي تريد القبض على التاريخ واحتكاره على فن‬ ‫شكال وبناء ورؤيا‪.‬‬

‫الرواية مثال‪ ..‬إنما تراهن في الوقت ذات��ه على‬

‫وإذا ما أصغينا قليال‪ ،‬لتناهى إلى أسماعنا موت الرواية‪.‬‬ ‫خ���ارج ه ��ذا ال�ح�ق��ل ب ��أن ث�م��ة م��ن ي�ص��ف عصر‬

‫إن الفنون التعبيرية بعامة تنتسب للتاريخ‬

‫الميديا والفضاء السيبيري والتقنية اإللكترونية والزمن المفتوح حتى حينما يطغى لسبب أو آخر‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫وإذا م ��ا ت�ت�ب�ع�ن��ا تاريخ‬ ‫ال� �ق� �ص���ة ال� �ق� �ص� �ي���رة في‬ ‫السعودية‪ ،‬فسوف نجدها‬ ‫ك ��ان ��ت ال� �ف ��ن األق�� ��ل حظا‬ ‫لقصر ع�م��ره��ا ف��ي مقابل‬ ‫ال �ش �ع��ر ال� ��ذي ي �ت��وف��ر على‬ ‫تاريخ طويل‪ ،‬ولعدم مواكبة‬ ‫النقد األدب��ي ال��ذي يساهم‬ ‫ف��ي تحريكها‪ ،‬األم��ر الذي‬ ‫جعلها متخلفة وغير مؤهلة‬ ‫لمنافسة الشعر منذ بداية‬ ‫ازده� � ��اره� � ��ا‪ ،‬ع� �ل ��ى أي� ��دي‬ ‫م�ج�م��وع��ة م��ن ال �ك �ت��اب في‬ ‫منتصف السبعينيات‪ ،‬الذين‬

‫ الرهان الحقيقي يكمن في‬‫درج���ة اإلخ�ل�اص للفن أيا‬ ‫كان نسبه‪.‬‬ ‫ ال����ف����ن ال���ح���ق���ي���ق���ي ل�����ه كل‬‫األزمنة‪.‬‬ ‫ ال����ش����خ����ص����ي����ة ال����ع����رب����ي����ة‬‫خاضعة لسطوة الذهنية‬ ‫الواحدية التي ال ترى إال‬ ‫بُ عد ًا واحداً‪.‬‬ ‫ اس���ت���ي���ع���اب ك�����ل األش����ك����ال‬‫التعبيرية ال يحتاج لصراع‬ ‫ي���ق���وض ش��ك��ل م���ا لحساب‬ ‫آخر‪.‬‬

‫ل�ي�ظ�ه��ر ف��ي ص� ��ورة رواي� ��ة‪،‬‬ ‫نظرا لكونها القالب األكثر‬ ‫م�ل�اءم��ة‪ ،‬وه �ك��ذا ك ��ان قدر‬ ‫القصة القصيرة أن تكون‬ ‫الشمعة التي ض��اع وهجها‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أحدها على اآلخر‪.‬‬

‫ ال ي���خ���ت���ل���ف اث�����ن�����ان على‬‫ان��ح��س��ار ال��ق��ص��ة القصيرة‬ ‫إزاء الرواية‪.‬‬

‫الطريق للمكبوت االجتماعي‬

‫بين أكثر من شمس‪.‬‬ ‫واآلن س � ��وف ن � ��رى أن‬ ‫ال� �ق� �ص ��ة ال� �ق� �ص� �ي ��رة جدا‬ ‫ب��دأت تتسلل كشاهد أخير‬ ‫ي��ري��د إع�ل�ان وف���اة القصة‬ ‫القصيرة‪.‬‬ ‫وب�ع�ي��دا ع��ن المراهنات‬ ‫واستنطاق المستقبل الذي‬ ‫تضج به ساحتنا الثقافية كما‬ ‫يحدث في سوق البصارات‪،‬‬

‫كانت أصواتهم متناغمة مع‬

‫النصوص القصصية في الوطن العربي‪ .‬وما أن فإن الرهان الحقيقي يكمن في درجة اإلخالص‬

‫بدأت تحتل موقعها خالل العقود القليلة الماضية للفن أيا كان نسبه‪.‬‬ ‫حتى اصطدمت باالنفتاح اإللكتروني‪ ..‬الذي فتح‬

‫عبدالله الغذامي‬

‫ولعلي حينما أطالع شغف الكتّاب والشعراء‬

‫جابر عصفور‬

‫أدونيس‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪21‬‬


‫والصحفيين أحيانا بالهجرة‬

‫ المقوالت التي تريد القبض‬‫على التاريخ واحتكاره على‬ ‫فن الرواية مثال إنما تراهن‬ ‫في الوقت ذات��ه على موت‬ ‫الرواية‪.‬‬

‫م��ا ك��ان إال حبرا على ورق‬

‫ ال����ق����ص����ة ال����ق����ص����ي����رة في‬‫ال���س���ع���ودي���ة ك����ان����ت ال��ف��ن‬ ‫األقل حظا‪ ،‬لقصر عمرها‬ ‫في مقابل الشعر‪.‬‬

‫إل��ى حقل ال��رواي��ة أستطيع‬ ‫ال �ت��أك �ي��د ع �ل��ى أن جُ � � � َّل ما‬ ‫نزفته دور النشر لم يكن إال‬ ‫من خالل استثناءات قليلة‬ ‫(بالمعنى الحرفي للكلمة)‪.‬‬ ‫إن �ه��ا لعبة ك��ان اإلعالم‬ ‫ب �ش �ت��ى ص � ��وره ه ��و البطل‬ ‫فيها‪ ،‬ويكفي من يستعرض‬ ‫ب �ع��ض ال �ع �ن��اوي��ن ف��ي سوق‬ ‫الرواية أنه سيكتشف بدون‬ ‫ع �ن��اء أن �ه��ا ل �ه��اث إعالمي‪،‬‬ ‫واق� ��رأ ع�ل��ى س�ب�ي��ل المثال‬ ‫ال الحصر عناوين‪( :‬بنات‬

‫ (ب�����ن�����ات ال�������ري�������اض‪ ،‬ن���س���اء‬‫المنكر‪ .‬ال يوجد مصور في‬ ‫عنيزة‪ ،‬يوميات خادمة في‬ ‫ال��خ��ل��ي��ج‪ ،‬ش��ب��اب ال��ري��اض)‪،‬‬ ‫عناوين يمكن استساغتها‬ ‫كتحقيقات صحفية‪.‬‬

‫ل�م��ا ت�ن�ط��وي عليه م��ن ب ٍُعد‬ ‫يتعلق ب��ال��راه��ن اإلعالمي‪،‬‬ ‫وبما تتطلبه السوق ال أكثر‪،‬‬ ‫وهي أحيانا ليست أكثر من‬ ‫إع ��ادة صياغة لقصاصات‬ ‫م� ��ن ال� �ص� �ح ��ف مشفوعة‬ ‫بمساحيق لغوية وليس أكثر‪،‬‬ ‫وأظ ��ن أن ه��ذا س�ب��ب كاف‬ ‫حتى في حال نجاح بعضها‬ ‫م��ؤق�ت��ا بانطفائها كفقاعة‬ ‫أفرزتها موجة ضالة‪.‬‬ ‫وأخ �ي��راً أستطيع القول‬ ‫ب � ��أن ال� �ف ��ن ال �ح �ق �ي �ق��ي له‬ ‫ك��ل األزم� �ن ��ة‪ ،‬إن المتنبي‪،‬‬ ‫وبودلير‪ ،‬وإدغار ألن بو‪ ،‬وأبو‬

‫الرياض‪ ،‬نساء المنكر‪ .‬ال يوجد مصور في عنيزة‪ ،‬تمام‪ ،‬وألف ليلة وليلة‪ ..‬مهما نأى الزمن بها‪ ،‬فإنه‬ ‫يوميات خادمة في الخليج‪ ،‬شباب الرياض)‪ ،‬إنها يظل يصقلها من جديد ((ما ينفع الناس يمكث في‬ ‫عناوين يمكن استساغتها كتحقيقات صحفية األرض أما الطبول فتطفو على جلدها زبدا))‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫في القصة القصيرة السعودية‬

‫> شيمة الشمري ‪ -‬من السعودية‬

‫ُكسرُ‬ ‫بخالف الرواية‪ ،‬ت ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الفصول مع قارئِ ها‪ ،‬وصور ُة ذلك أنّها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قصةً طويل َة‬ ‫للقصة القصيرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫يبدو أنّ‬ ‫السردِ ؛ فال تقول المعنى في تفاصيله واختالف حاالته‪ ،‬وإنّما تكتفي باإلشارة إليه فحسب‪ ،‬أو‬ ‫عمو َد ّ‬ ‫بألفاظها‪ ،‬حاضرً ا فيها غائبًا معً ا‪ .‬وبين حضور المعنى‬ ‫ِ‬ ‫أرضها مُ ْلت ًَّفا‬ ‫تسحبُه من صمتِ ه؛ وت ُْجريه في ِ‬ ‫وغيابه‪ ،‬تُورّط القصةُ قارئَها في فعل تأويلها‪ ،‬وإ ْذ تُورّطه‪ ،‬ترتقي به من حَ يّز االنفعال بها إلى حيز‬ ‫ويرقب مسيرتَها ويُنمّ يها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عون من أعوان حكايتِ ها‪ ،‬يحميها‬ ‫الفاعلية فيها‪ ،‬حتى يصي َر بمكانةِ ٍ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫االجتاهات الفنية‬

‫وشخوصها‬ ‫ِ‬ ‫وليس من وظيفةِ القصة القصيرة أن تتكفّ َل بسردِ الحكايات‪ ،‬وأن تُن ّو َع من أفضيتِ ها‬ ‫تمتص عا َل َم‬ ‫ُّ‬ ‫ُوجزُ فيه‪ ،‬حتى لكأنّها‬ ‫وأحداثِ ها؛ ألنّها بالكادِ تحكي حكايتَها؛ ولكنّها تُقترُ في سردِ ها‪ ،‬وت ِ‬ ‫وقول‬ ‫ملمح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْصب عليه‪ ،‬راسمةً منه الدّ الَ فيه؛ من‬ ‫تباغ ُت الشي َء ل َتن ّ َ‬ ‫القارئ رحيقً ا كثيفً ا‪ .‬ذلك أنها ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحركةٍ وفضاءٍ ‪ .‬وفي خالل انصبابِ ها‪ ،‬تَعِ دُ بالمعنى‪ ،‬وال تتحمّ لُ وِ ْز َر الوفاءِ به؛ ألنّها ال تريدُ أن تتعدّ ى‬ ‫القارئ‪ ،‬في أن يتخ ّي َر من وعودِ ها ما يُحقّ ق أُفُ قَ انتظاراته منها‪ ،‬وال تبتغي له أن ي ُْح َر َم‬ ‫ِ‬ ‫على ُحرمةِ‬ ‫الكاتب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الخلق‪ :‬خَ ل ِْق معانيه في موازاةٍ مع معاني‬ ‫ِ‬ ‫من لذّ ةِ‬ ‫القص َة‬ ‫ّ‬ ‫ول �ع � ّل ف��ي ه��ذه ال � َم �يْ �زَات م��ا ج�ع��ل‬ ‫القصيرةَ تحت ُل مكانًا مرموقاً من حدائقِ السردِ ‪،‬‬ ‫حيث كثُ َر كتّابُها منذ بدايات القرن العشرين‪،‬‬ ‫وتعدّ دت فيها الدّ راساتُ الساعي ُة إلى تأصيلِها‬ ‫�اس األدب� �ي ��ةِ ‪ ،‬وت �ن � ّوع��ت فيها‬ ‫ف��ي تُ��رب ��ةِ األج� �ن � ِ‬ ‫اتجاهاتُها الفني ُة والدّ الليةُ‪ .‬وهو أم� ٌر نُلفي له‬ ‫القصة القصيرة بالسعودية؛ حيث‬ ‫ّ‬ ‫ص��ور ًة في‬ ‫�ش � َف��تْ عن‬ ‫ش �ه��دتْ ان�ت�ع��اش��ا كميا وف �ن �ي��ا‪ ،‬وت �ك� َّ‬ ‫م��واه��بَ ق ��ادرةٍ على ح�ك� ِ�ي واقعها بأساليبِها‪،‬‬ ‫وع�ل��ى ج ��رأة التعبيرِ ال �م �ت �ن� ِ�وّعِ ع��ن هواجسها‬ ‫وأفكارها ورؤاها؛ تعبيرًا يتجلّى فيه الفر ُد حَ َمّاالً‬ ‫النتظارات مجموعته االجتماعيّةِ ‪ ،‬وتتجلّى فيه‬ ‫اختالجات األرواحِ في‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫المجموع ُة م��رآ ًة تعكِ ُ‬ ‫ِإ ْف��رادِ ه��ا‪ .‬وعلى ه��ذا‪ ،‬تنوّعت اجتهاداتُ كتّاب‬

‫القصة القصيرة في السعودية من حيث بناؤُها‬ ‫الفني ومن حيثُ محامل ُها ال َّدالليةُ‪ ،‬وأبانوا عن‬ ‫ُّ‬ ‫السردي مراقيَ‬ ‫ِّ‬ ‫سعيِهم إلى الترقّي بهذا الفنّ‬ ‫الشعريّةِ ‪ ،‬ونجح أغلبُهم في تحقيق التناغُمِ بين‬ ‫والعام منها‪ ،‬وجاوز‬ ‫ِّ‬ ‫انشغاالت الواقعِ‬ ‫ِ‬ ‫الخاص من‬ ‫ِّ‬ ‫ما يُقا ُل في القصةِ إلى ما يجبُ أن يُقا َل من دون‬ ‫مني‪ ،‬وتجمّلت‬ ‫بالض ِ ّ‬ ‫الجلي ِ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ضجيج؛ فامتزج بذلك‬ ‫ٍ‬ ‫القصة عندهم‬ ‫ّ‬ ‫االستعاراتُ برموزِ ها؛ حتى لكأنّ‬ ‫الشعْرِ ‪.‬‬ ‫بعضا من ِ ّ‬ ‫ً‬ ‫باتتْ‬ ‫وقد تنوّعت االتجاهاتُ الفنية للقصة القصيرة‬ ‫السعودية بين الواقعي واالجتماعي والسياسي‬ ‫والذاتي والخيالي والرومانسي والرمزي‪ .‬وهي‬ ‫كاتب وطبيع ُة ذائقته‬ ‫اتجاهاتٌ أملتها ثقاف ُة ك ّل ٍ‬ ‫الفنيةِ ‪ ،‬وتص َوّراتُه عن وظيفةِ الكتابةِ ذاتِها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪23‬‬


‫الواقعي‪ ،‬تسعى‬ ‫ِّ‬ ‫ففي بُعْدِ ها‬

‫القاص‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الجدات‪ .‬ولع ّل في اتّكاءِ‬

‫وظيفة تواصلية مع كل الفئات‬

‫�ري م��ا يزيد من‬ ‫ال �م��وروث ال�خ�ب� ِ ّ‬

‫القصة القصيرة إل��ى تحقيق‬ ‫االج �ت �م��اع �ي��ة؛ إ ْذ ت �ب��دو كتاب ًة‬

‫م�ل�ت�ص�ق��ة ب��ال �ي��وم��ي البسيط‬ ‫والمع َقّد والمه َمّش‪ .‬ويبرز هذا‬

‫االت�ج��اه ف��ي القصة السعودية‬

‫ع �ن��د أغ �ل��ب ال �م �ب��دع �ي��ن‪ ،‬ومن‬ ‫ص ��ور ذل ��ك م�ج�م��وع��ة القاص‬

‫جمعان الكرت المعنونة بـ (سطور سروية)‪،‬‬ ‫فلو بدأنا بلوحةِ الغالف لوجدنا فيها انتشارًا‬

‫بالمألوف من المعيش اليوميّ‬ ‫ِ‬ ‫لأللوان الموحية‬

‫التي يُنبِئُ بها توهّ ُج األحمر‪ ،‬وشفافي ُة األصفر‪،‬‬ ‫وسكين ُة األزرق‪ ،‬وتفاؤ ُل األخضر‪ ،‬وهي أحوا ٌل‬

‫�ف طبيع َة بيئةِ الكاتب‪ ،‬وتشي بأحوالِ‬ ‫�وص� ُ‬ ‫تُ� ِ ّ‬

‫ويعترف الكاتب عبر اإلهداء‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تواصلِه معها‪.‬‬

‫(إل��ى قريتي التي تهجيت في وجهها أحرفي‬ ‫وكلماتي)‪ ،‬باعتزازه باالنتماء إلى تلك البيئةِ ‪،‬‬

‫وب��ال��والءِ لها‪ ،‬وب��االع�ت��راف بفضلها عليه في‬ ‫م �ش��واره اإلب ��داع ��يّ ‪ ،‬فمنها تعلم الحكايات‪،‬‬ ‫وإل �ي �ه��ا ي�ب��ث ش �ك��واه ف��ي ك�ث�ي� ٍ�ر م��ن االرتباط‬ ‫�دي من‬ ‫بالمكان وب��ال��واق��ع الجميل‪ .‬وع�ل��ى ه� ٍ‬

‫ه ��ذا ت��أت��ي أغ �ل��ب ق�ص��ص ج�م�ع��ان الكرت‪..‬‬

‫بعض قصصه ما جنح منها‬ ‫ِ‬ ‫وإن كنّا نجد في‬ ‫إلى الخيال واألسطورة تمتح منهما عجينتَها‬

‫السرديةَ‪ .‬وتتضح لنا مقدرة القاص على حياكة‬ ‫نسيجه الحكائي بأسلوب سردي شيق معتمدا‬

‫على كل ما هو قريب من الشرائح المجتمعية؛‬

‫بانيا جسوره بينه وبين القارئ‪ ،‬عبر مالمسته‬ ‫لظروف الحياة الطبيعية ولقريته ولحكايات‬ ‫ال� �ت ��راث‪ ،‬وال� �م ��وروث ال �م �ت��داول ع �ل��ى ألسنة‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫وهو يبني أحداث مرويّاته‪ ،‬على‬

‫القارئ إليه واإليقاع به‬ ‫ِ‬ ‫انشداد‬

‫والكشف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫في لعبةِ التو ُقّعِ‬

‫أم��ا مجموعة القاصة شمس‬ ‫علي (المشي فوق رمال ساخنة)‬ ‫ف��واق �ع �ي �ت �ه��ا م �م��زوج��ة بالذاتية‬ ‫وب��اإلي �ح��اء م�ع��ا‪ ،‬ولَ � َع �لّ��ي ال أبالغ‬ ‫إن ذ ّك��رتُ بالتجاوُرِ ال � َّدالل� ِ ّ�ي بين اس��م الكاتبة‬ ‫شمس مجموعتها القصصيّة التي‬ ‫ِ‬ ‫(شمس) وبين‬ ‫ألهبت تلك الرمال وجعلتها ساخنة حتى استحال‬ ‫المشي عليها‪ .‬فالقاصة ألهبت سردها بوهج‬ ‫روحها ونفسها المسيطر على أغلب قصصها؛‬ ‫إ ْذ نلفيها تستخد ُم في القصة التي احتلت عنوان‬ ‫المجموعة كثيرا من األفعال المضارعة‪ ،‬الدالة‬ ‫على حضور ذات الكاتبة في حكايتها على غرار‬ ‫(يسهرني القلق ‪ -‬أذرع ‪ -‬أنبش ‪ -‬أعرف‪.)...‬‬ ‫ولئن اختلفت الضمائر التي استخدمتها المبدعة‬ ‫ف��ي غير ه��ذه ال�ق�ص��ة‪ ،‬ف��إ ّن�ن��ا ن��رى فيها تقني ًة‬ ‫أحضرت بفضلِها المبدع ُة كائناتِها اإلنس ّي َة حتى‬ ‫أرض السردِ ‪،‬‬ ‫كائن‪/‬قارئ شيئًا منه في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يجد ك ّل‬ ‫فينجذبَ إليها م��ن دون خشيةِ ال �ت��واري خلف‬ ‫ضباب الحرف ال��ذي يجعلنا أكثر فتنة بالنص‬ ‫وأكثر شغفا بمتابعته‪.‬‬ ‫وتظهر الرمزية في تماهي الذات الموجوعة‬ ‫مع ما حولها في أغلب نصوص (قصص صغيرة)‬ ‫للقاص جبير المليحان‪ ،‬فهو كاتبٌ يعبث بالفكرة‪،‬‬ ‫ويحللها‪ ،‬ويفككها‪ ،‬ويمزجها بشعوره‪ ،‬ويلبسها حل ًة‬ ‫من اللغة زاهي ًة لتبوح بدالالتها الث َّرةِ‪ ،‬مضيفا إليها‬ ‫عالمات الترقيم التي يتطلب فهمها وعيا شامال‬ ‫ِ‬


‫ال �ن �ف �س �ي��ة ال� �ت ��ي ت� �م ��زج العقل‬

‫والشعور والمثيرات االجتماعية‪،‬‬ ‫�ردي شهي‬ ‫وتطرحها بقالب س� � ٍ ّ‬

‫ومختلف‪ ،‬بينما نجده يمزج في‬ ‫مجموعته الثانية (مساء مختلف)‬

‫االجتماعي بالرومانسي‪ ،‬ويتضح‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫َالالت توزيع‬ ‫النصي ود ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بالفضاء‬ ‫الجملِ فيه‪ .‬وتروم أغلبُ قصص‬ ‫المبدع جبير االتكا َء على الترميزِ‬ ‫قضية مع‬ ‫ٍ‬ ‫إلرس��الِ فكرةٍ ‪ ،‬وط��رحِ‬ ‫السعي إلى تشريحها‪ ،‬وإذ تفعل‬ ‫ِ‬ ‫ذل ��ك ت�خ�ت�ل��ف ف��ي ط��رائ��ق هذا‬ ‫اختالف‬ ‫ٌ‬ ‫التشريح‪ ،‬وهل الحكيُ إ ّال‬ ‫دائ ٌم في طرائق استحضار العالَمِ‬ ‫وتشريحِ مكوّناته؟ وم��ن قصصه‬ ‫�ف ل �ق �ن��اع� ٍ�ة وإب � ��داءٌ‬ ‫م��ا ه��و ك �ش� ٌ‬ ‫مخصوص‬ ‫ٌ‬ ‫ل ��رأي‪ ،‬ومنها م��ا ه��و‬ ‫بفتح أب��واب التأمل وم��د جسور‬ ‫ال �خ �ي��ال‪ .‬وال���ذي نميل إل �ي��ه هو‬ ‫أنّ قارئَ قصص جبير المليحان‬ ‫قصص مهموم ٌة بما‬ ‫ٌ‬ ‫يستشعر أنها‬ ‫حولها وبمَن حولها‪ ،‬وأنّ الكاتبَ‬ ‫يستدعي في كل ذلك روحا شفافة‬ ‫محلقة‪ ،‬ووعيا منفتحا على اآلخر‬ ‫غموض الرموزِ وثخانتِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫دون مبالغة في‬

‫يتماس مع الواقعي‪ ،‬والمالبسات‬

‫ذل ��ك م��ن خ�ل�ال أغ �ل��ب قصصه‬ ‫ع �ل��ى غ � ��رار‪ :‬ح �ك��اي��ة م ��ن تحت‬

‫الضباب‪ ،‬وبرود‪ ،‬ومساء مختلف‪،‬‬

‫وت �ع��ارف حميم ومقتطفات من‬ ‫ج�ن��ون ع��اش��ق؛ فالقاص يستمد‬ ‫م�ض��ام�ي�ن��ه م ��ن ال���واق���ع‪ ،‬ولكنه‬

‫�ات تكوينها‬ ‫ال ي �ق��ف ع �ن��د ع �ت �ب� ِ‬ ‫المألوفةِ ‪ ،‬بل يصهرها في فرن‬

‫وع� ِي��ه ويمنحها هبات جديدة‪..‬‬ ‫ما يجعل موضوعاتِه تتنامى مع‬

‫تطور األحداث وتغيُّرِ األحوال‪ ،‬فال‬

‫يستطي ُع القارئُ أن يتوقّع لها مست َق ًرّا‪ ،‬إضاف ًة‬

‫القارئ إلى كتابات‬ ‫ِ‬ ‫ولو تأملنا مجموع َة (رياح وأجراس) للقاص إلى أنّ ما يزيد من انجذاب‬ ‫برهيف المشاعر‬ ‫ِ‬ ‫فهد الخليوي لوجدناها تستند بشكل كبير إلى فهد الخليوي هو انهمار اللغة‬ ‫اإليحاء والرمزية‪ ،‬وهو ال يستخدم الرمز الذي ورقيق األحاسيس النابضة بالحب الذي نخشاه‪،‬‬ ‫يخطفك إلى عوالم مبهمة ومغلقة‪ ،‬بل يدفعك ألننا نخشى معه الفقدَ‪.‬‬ ‫برمزه وإشاراته لتكشف معه وتستدل على شيء‬ ‫والذي نخلص إليه من هذه الورقة‪ ،‬هو قولنا‬ ‫ٍ‬ ‫قصة أخذت‬ ‫متوار‪ ،‬وهو ما يتطلب التأمل والتمعن؛ فيستعير إنّ القص َة القصيرةَ في السعودية ّ‬ ‫ال �ط �ي��ور وال��ظ�ل�ام وال �ص �ق��ر وال� �غ ��زال والغفوة تصنع لها قرّاءَها عبر التنويع في محاملِها وفي‬ ‫ٍ‬ ‫�وز‬ ‫وسيد األرض ويحوّلها إلى رم� ٍ‬ ‫شفيفة حُ بلى اتجاهاتها الفنيةِ ‪ ،‬وهي قص ٌة منشغل ٌة بموروثها‬ ‫ب��اإلش��ارات وال �ع�لام��ات ال�ت��ي ت��دلّ على طريق الثقافيّ انشغالَها بعناصر واقعها‪ ،‬ولكنه انشغا ٌل‬ ‫الوصول إلى الفكرة والمراد منها‪.‬‬ ‫يَقِ ظٌ ال يُغ ِلّبُ شك َل التعبيرِ على ما ّدتِه‪ ،‬وال ينتص ُر‬ ‫ات إ ّال متى كانت متآلف ًة مع مجموعتها‪ ،‬وهي‬ ‫وتتجلى في قصص الخليوي خاصية الوعي للذّ ِ‬ ‫بان‪.‬‬ ‫باألشياء‪ ،‬والثراء الفكري واستخدام الرمز بشكل إلى ذلك قصة جريئةٌ‪ ،‬لكن بِحُ سْ ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪25‬‬


‫واقع وآفاق القصة القصيرة‬ ‫في السعودية‬ ‫> عمران عز الدين ‪ -‬من سوريا‬

‫استهالل‪:‬‬ ‫ال يمكن الحديث عن ف ٍَن أدبيّ في بلد ما بمعزل عن سائر الفنون واألجناس اإلبداعية األخرى‪،‬‬ ‫حتى ولو كان ذلك الفن مستق ًال وقائم ًا بذاته‪ ،‬أو في ذروة انتعاشه‪ .‬فأحكام القيمة تنبني استكشاف ًا‬ ‫ومقاربة على حساب الكل ال الجزء‪ .‬هكذا‪ ،‬كما يخيّل لي يتم تناول التجربة األدبية في بلد ما‪ ،‬وعليه‬ ‫السعودي‪ ،‬والقصة القصيرة فيها بخاصة‪ ،‬حديث له ما له‪ ،‬وعليه ما‬ ‫ّ‬ ‫بعامة‪ ..‬فالحديث عن األدب‬ ‫عليه‪ .‬وهو حديث لن نوفيه يقين ًا حقه في هذه الورقة‪ ،‬إن إحاطة وإن تنظيراً‪ .‬كونه يستحق الوقوف‬ ‫عنده مطوالً‪ ،‬لتناول نقاط الفرادة والتجاوز فيه‪ ،‬انطالق ًا من خصائصه ومزاياه الفنية‪ ،‬الجمالية‬ ‫والرؤيوية والشكلية والموضوعاتية على حد سواء‪.‬‬

‫إنصاف ًا للتاريـخ‪:‬‬

‫ه��و‪« :‬ال�ش�خ��ص ال ��ذي ي�س��رد ال�ق�ص��ص بجميع‬ ‫أنواعها من قصيرة‪ ،‬وطويلة‪ ،‬وواقعية‪ ،‬وأسطورية‪،‬‬ ‫وشعرية‪ ،‬ونثرية‪ ،‬وشفوية‪ ،‬وكتابية‪ .‬وهو مصطلح‬ ‫عام يميز عن المصطلحات الخاصة كالمؤلف‬ ‫ال أو غير ذلك»‪.‬‬ ‫الروائي أو منشد المالحم مث ً‬

‫خطى األدب السعوديّ ‪ ،‬الروائي منه خاصة‪،‬‬ ‫ف��ي ال�ع�ق��ود ال�ث�لاث��ة األخ��ي��رة‪ ،‬خ �ط��وات جبارة‬ ‫ومتجاوزة على الخارطة اإلبداعية العربية‪ ،‬وما‬ ‫تتويج ع�ب��ده خ��ال ورج ��اء ع��ال��م ع��ن روايتيهما‬ ‫«ترمي بشرر» و«طوق الحمام» بجائزة البوكر في‬ ‫والقصة القصيرة بحسب المرجع ذات��ه هي‬ ‫نسختها العربية إال دلي ً‬ ‫ال أو ما يشبه الدليل على التي‪« :‬ت��روي خبراً‪ ،‬وليس كل خبر قص ًة ما لم‬ ‫النضج الروائي السعودي‪ .‬هذا األمر لن يقودنا تتوافر فيه خصائص معينة‪ ..‬أول�ه��ا أن يكون‬ ‫قطعاً إلى إغفال التجربة األدبية الثرة للدكتور له أثر أو معنى كلي‪ ،‬أي أن تتصل تفاصيله أو‬ ‫غ��ازي القصيبي‪ ،‬فتجربة مبدع «شقة الحرية» أج��زاؤه بعضها ببعض‪ ،‬بحيث يكون لمجموعها‬ ‫تجربة فريدة بك ّل المقاييس‪ ،‬وعلى الدرجة ذاتها أث � ٌر أو معنى ك�ل��ي‪ ...‬ويجب أن تقوم األحداث‬ ‫تأتي التجربة النقديـة لمبدع «النقد الثقافي»‬ ‫والشخصيات على خدمة المعنى من أول القصة‬ ‫الدكتور عبدالله الغذامي‪.‬‬ ‫إلى آخرها‪ .‬وإال أصبحت مختلة البناء»‪.‬‬

‫في تعريـف القصة القصيرة‪:‬‬ ‫أما القصة لغة‪ ،‬فهي‪« :‬من التتبع وقص األثر‪،‬‬ ‫القاص بحسب معجم المصطلحات العربية أي تتبع مساره‪ ،‬ورصد حركة أصحابه‪ ،‬والتقاط‬ ‫في اللغة واألدب لـ مجدي وهبه وكامل المهندس بعض أخبارهم»‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫وعن القصة القصيرة في السعودية‪ ،‬يمكنني‬ ‫اإلدالء برأيي بك ّل إنصاف ومن دون محاباة‪ ،‬من‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫خ�لال ق��راءت��ي لقصص كل م��ن‪ :‬الدكتور غازي‬ ‫تطور القصة القصيرة في السعودية‪:‬‬ ‫القصيبي ومحمد ع �ل��وان وع �ب��ده خ��ال وجبير‬ ‫س�ن�ن��اق��ش ه ��ذا ال��ب��اب م��ن خ�ل�ال التطرق‬ ‫المليحان وفهد العتيق وحسن علي البطران‪.‬‬ ‫للمحاور اآلتية‪:‬‬ ‫تكمن أهمية القصة السعودية منذ حقبة‬ ‫ •القصة السعوديـة‪ ..‬واقـع وآفـاق‪.‬‬ ‫ريادتها في السبعينيات وحتى اآلن في إخالصها‬ ‫ •حول مسألة الريادة‪.‬‬ ‫ •بين محمد علوان وحسن علي البطران‪ .‬الشديد لعنصر الحكاية والتكنيك السردي‪ ،‬وفي‬ ‫انفتاحها المفصلي المتواصل على التجديد‬ ‫ •السرد أرض أنثويـة‪.‬‬ ‫الفني‪ ،‬المنفتح ب��دوره على روح القص‪ ،‬والذي‬ ‫‪1‬ـ القصة السعوديـة‪ ..‬واقـع وآفـاق‪:‬‬ ‫ي �ن��أى ب�ن�ف�س��ه ع��ن االب� �ت ��ذال ال �ل �غ��وي والحشو‬ ‫ينبغي اإلشارة هنا إلى أمر في غاية األهمية‪ ،‬الحكائي اللذين ال طائل من ورائهما‪ .‬ناهيك‬ ‫وه��و أن القصة القصيرة ال تعيش م��أزق�اً‪ ،‬ولم عن كسر النمطية والتمرد على األطر التقليدية‪،‬‬ ‫ال عن تناولها‪ ،‬وب��رؤي��ة عصرية‪ ،‬لمواضيع‬ ‫تشهد ق��ط ان�ح�س��اراً أو ت��راج�ع�اً ف��ي السنوات فض ً‬ ‫األخ�ي��رة‪ ،‬فهذه ب��دع وف�ت��اوى سمجة وترويجية‪ ،‬موغلة في المحلية‪ ،‬حياتية واجتماعية ومفصلية‬ ‫والمقاالت النعوية التي ترثي هذا الفن العظيم ما من صلب ال��واق��ع السعودي؛ فالمحلية لم تكن‬ ‫هي إال مقاالت متاجرة بالمقال الصحفي‪ .‬ثمة في ي��وم من األي��ام عيباً‪ ،‬المحلية نقلت نجيب‬ ‫اهتمام بالفن الروائي‪ ،‬وهو السائد حالياً‪ ،‬لكنه محفوظ‪ ،‬الذي أبدع في وصف الحارة المصرية‬ ‫اهتمام مبالغ فيه‪ ،‬مع تسليمنا المطلق بوجود الشعبية‪ ،‬إل��ى مصاف العالمية عندما منحته‬ ‫بعض الطفرات واألعمال الروائية المتجاوزة هنا جائزة نوبل سنة ‪1982‬م عن أدبه وقصصه التي‬ ‫وهناك‪ ،‬لكن األمر مختلف مع القصة القصيرة‪ ،‬كانت تعنى بالبسطاء والمهمشين والمنكسرين‪.‬‬ ‫فهذا الفن ‪ -‬وكما يعلم القاصي والداني ‪ -‬مغبون تكمن أهميتها كذلك في االنفتاح الموظف لبعض‬ ‫إعالمياً‪ .‬إنه إذاً‪ ،‬التغيير المرحليّ ‪ ،‬وأ ُّس هذا ُكتّابها على آفاق ونظريات التجريب وتحرّرهم‬ ‫التغيير‪ ،‬شرطه األوح ��د‪ ،‬أن تشيخ ر ّب�م��ا بعض بالتالي من التعليمية والوعظية‪ ،‬فتحررت بذلك‬ ‫الفنون‪ ،‬تُهَمش وتقصى‪ ،‬لتصل إلى الذروة فنون نصوصهم من البدوية المُحَ افِ ظة التي وسمت‬ ‫أخرى‪ .‬هذا هو حال ثقافتنا العصرية‪ ،‬اإلعالم مرحلة البدايات‪ ،‬بأن استفادت من فنيات القصة‬ ‫له دور‪ ،‬وسطوة كبيرة‪ ،‬ث ّم إن األدلجة والمكاسب القصيرة المعاصرة‪ ،‬العربية والعالمية على حد‬ ‫(المافيوية) في الساحة األدبية ال تقالن أهمية‪ ،‬سواء‪ .‬هذا ما نالحظه في قراءتنا للقصص التي‬ ‫لما تمتلكانه من عناصر شد وجذب‪ ،‬في تخندق تقوم بنشرها ال��دوري��ات والمحافل السعودية‬ ‫ال ُكتّاب‪ ،‬واستنفارهم‪ ،‬للظفر بجائزة ما‪ ،‬باتت والعربية‪ ،‬وهي لهذا وذاك‪ ،‬قصة تنال مناسبة‬ ‫تشكل ول�لأس��ف ه��اج�س�اً ف��اق ه��اج��س اإلبداع بعد أخ��رى حقها م��ن التنظير والتقعيد‪ ،‬إنها‬ ‫لديهم!‬ ‫قصة مهجوسة بالهَمَّ يْن العام والخاص‪ ،‬وبقضايا‬ ‫اإلنسان الوجودية والمصيرية‪ ،‬الوطنية والعاطفية‬ ‫والوجدانية واالجتماعية واألسرية‪ ،‬وتتوافر على‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪27‬‬


‫أرك��ان القص وعناصره‪ ،‬قصة ال تكتفي بطرح ‪2‬ـ حول مسألة الريادة‪:‬‬

‫القضايا المؤرقة‪ ،‬والمشاكل المصيرية العالقة‬

‫ف�ق��ط‪ ،‬ب��ل تتصدى بحسبها للحلول الناجعة‪،‬‬

‫بقالب فني راق‪ ،‬ولغة سليمة مشذبة‪.‬‬

‫الملفت أيضاً في القصة السعودية أنها لم‬

‫تكتف باالستفادة فقط‪ ،‬بل سرعان ما حفرت‬ ‫عميقاً في المدونة السردية العربية‪ ،‬ونجحت إلى‬

‫حد ما في التملص من مقص الرقيب‪ ،‬باالتكاء‬ ‫على الرمز أحياناً‪ ،‬وأنسنة الحيوان والجماد‪،‬‬

‫استناداً لضرورات ومقتضيات الحبكة القصصية‬

‫في أحيان أخرى‪ ،‬فكانت في األغلب األعم قصصاً‬ ‫مكثفة‪ ،‬بعيدة عن الوعظية والتعليمية والمباشرة‬ ‫والتقريرية والحشو والرتابة التي توسم بها كما‬

‫أسلفنا سابقاً مراحل البدايات عادة ألي فن من‬ ‫الفنون في أي بلد من البالد‪ .‬وكسائر المجتمعات‬ ‫العربية التي تشهد انقسامات أو اتجاهات أدبية‬ ‫ه�ن��ا أو ه �ن��اك‪ ،‬ان�ق�س��م ال �ق��اص��ون السعوديون‬

‫بدورهم إلى فرق أو مذاهب مختلفة‪:‬‬

‫ف��ري��ق جنح للتغريب وال�ت�ج��ري��ب‪ ،‬م��ن خالل‬

‫تقليده لكِ بَار ُكتّاب القصة في العالم‪ .‬وقد قدم‬ ‫بعضهم أدب� �اً أو قصصاً ب��ال��ون�ي��ة‪ ..‬ف�ك��ان دوي‬

‫قصصهم فرقعة باهتة؛ ألن�ه��م ك�س��روا العمود‬

‫الفقري للقصة وهو الحكاية‪ ،‬بأن قدموا للقارئ‬ ‫سطوراً هالمية وغائمة وفضفاضة‪.‬‬

‫تعد مجموعة «الخبز والصمت» للقاص محمد‬ ‫علوان من المجاميع السعودية الرائدة‪ ،‬ومتوافرة‬ ‫على جُ ّل تقنيات القص وفق ما ذهب إليه الناقد‬ ‫يحيى حقي‪ ،‬ووفق ما خلص إليه لفيف من النقاد‪،‬‬ ‫هذا األم��ر عينه أرخ��ى تالياً بظالله اإليجابية‪،‬‬ ‫وك��ان له أث��ر محمود في القصة السعودية بأن‬ ‫برزت في سماء أدبها أسماء قصصية مهمة‪ ،‬لم‬ ‫تقف موقف المتفرج فقط على ما حققه جيل‬ ‫الرواد‪ ،‬بل واصلوا‪ ،‬وبدأب برومثيوسي‪ ،‬المسيرة‬ ‫بالفرادة ذاتها؛ فسطروا إبداعاً فاق في كثير من‬ ‫األحيان إبداع جيل الرواد ذاته‪ .‬ففي سبعينيات‬ ‫القرن المنصرم برزت إضافة إلى اسم القاص‬ ‫محمد علوان أسماء ك ّل من‪ :‬حسين علي حسين‬ ‫في مجموعته «الرحيل» وعبدالعزيز بشري في‬ ‫مجموعته «موت على الماء» وعبد الله الساير في‬ ‫مجموعته «مكعبات من الرطوبة»‪ .‬ولم يقتصر‬ ‫جيل ال��رواد على سبعينيات القرن المنصرم‪..‬‬ ‫بل برزت في حقبة الثمانينيات مجاميع قصصية‬ ‫ملهمة‪ ،‬ومنها على سبيل ال�م�ث��ال ال الحصر‪:‬‬ ‫«ح �ك��اي��ة ال�ص�ب��ي ال ��ذي رأى ال��م��وت» ل �ـ عديد‬ ‫الحربش‪ ،‬و«احتمال وارد» لـ خالد الصمت‪ .‬ث ّم‬ ‫قرأنا بعد ذلك لكل من‪ :‬فهد العتيق في «أظافر‬ ‫صغيرة جداً» وحسن علي البطران في «نزف من‬ ‫تحت الرمال»‪.‬‬

‫يذكر أن أول مجموعة قصصية سعودية تعود‬ ‫فريق أوغل في االستعراض‪ ،‬وكان همه األوحد‬ ‫المغاالة في خرق التابوهات والخطوط الحمراء للكاتب أحمد عبدالغفور عطار‪.‬‬

‫« الدين الجنس السياسة»‪ .‬وكأن من شأن تلك ‪3‬ـ بين محمد علوان وحسن علي البطران‪:‬‬

‫التابوهات وحدها أن تصنع أدباً عظيماً!‬ ‫لسنا في هذا المقال‪ ،‬ومن خالل هذا العنوان‬ ‫وفريق شُ غِ َل بالجانب اإلبداعيّ المحض فقدم الفرعي في وارد المقارنة بين القاصين‪ ،‬لكننا‪،‬‬ ‫وبنظرة متأنية وفاحصة‪ ،‬سنتلمس م��ن خالل‬ ‫قصصاً فريدة ومستوفية‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أحبك‪ .‬يدها تعصر بيده‪ ..‬تردف قائلة‪ :‬فما‬ ‫قراءة منتوجهما الروح الفنية التي سادت مؤخراً‬ ‫القصة السعودية‪ ،‬والتي اختزلت بحسبنا أعقد ال��ذي يقلقك؟ يمتص سيجارته‪ :‬خائف‪ ..‬يأتيه‬ ‫ال مرتبكاً‪ :‬من ماذا؟‬ ‫القضايا في ومضة قصصية صاعقة كما يفعل السؤال وج ً‬ ‫البطران في قصصه القصيرة جداً‪.‬‬ ‫ينتشر الصمت فال جواب‪ ..‬تسحب سيجارته‬ ‫محمد علوان كتب أيضاً القصة القصيرة جداً م��ن بين أص��اب�ع��ه‪ ..‬تضعها أمامها بشكل يتيح‬ ‫بطريقة مدهشة‪ ،‬لكنه كان يسهب في بعض من لكليهما رؤية احتراقها‪ ..‬عيناه بدهشة‪ :‬أتعنين‬ ‫قصصه في ذكر التفاصيل لدرجة الحشو‪ ،‬كانت أننا نشبه هذه اللفافة؟ تنهيدة صادقة تهزها‪:‬‬ ‫نصوصه القصيرة جداً طويلة على نحو ما‪ ،‬في ن�ع��م‪ .‬ال �ف��ارق بيننا وبينها أن�ه��ا ال ت��درك معنى‬ ‫حين ال تتجاوز نصوص البطران المئة كلمة في اح�ت��راق�ه��ا‪ ..‬أم��ا نحن فنعرف ذل ��ك‪ .‬وه ��ذا ما‬ ‫حدودها القصوى‪.‬‬ ‫يجعلنا نفكر في النهاية‪ ..‬ونظل نفكر‪ ..‬ونفكر‪..‬‬ ‫ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني أن القصة السعودية وفجأة تنتهي الحياة‪ .‬في باطن كفها زرع قبلة‪..‬‬ ‫تطورت لدرجة اختصار القصة القصيرة ذاتها‬ ‫والتقت العيون حيث النار في المدفأة أصبحت‬ ‫في عبارة‪.‬‬ ‫رماداً»‪ .‬من مدونة محمد علوان على النت‪.‬‬

‫س�ن�ط��رح ه��ذي��ن ال�م�ث��ال�ي��ن ل�ق�ص��ة ل �ـ محمد‬ ‫بينما نقرأ لـ حسن علي البطران في قصته‬ ‫علوان‪ ،‬وأخرى لـ حسن علي البطران‪ ،‬مع تأكيدنا «صور من عقيدة»‪:‬‬ ‫مرة أخرى أننا ال نعقد مقارنة أو ما شابه‪ ،‬بل‬ ‫«اس �ت �ل �ق��ت ت �ح��ت ظ��ل ش� �ج ��رة‪ ..‬س �ق��ط ذرق‬ ‫ما يهمنا من طرح المثالين استجالء وتبيان جُ ّل‬ ‫العصفور على بطنها‪ ..‬مسحت به كامل جسدها‪!..‬‬ ‫مقومات القصة التي تتوافر في قصصهما‪ ،‬وهو‬ ‫بعد شهر‪ ،‬ظهرت عليها عالمات الحمل‪.‬اعتقاد‬ ‫أم��ر يعكس التطور في القصة السعودية الذي‬ ‫قديم تجلى فيها‪ ..‬نذرت أال تحبس عصفوراً»‪.‬‬ ‫نحن بصدده في هذا المقال‪.‬‬ ‫من مجموعته‪ :‬ماء البحر ال يخلو من ملح‪.‬‬ ‫نقرأ في مجموعة «الخبز والصمت» لـ محمد‬ ‫ففي هاتين القصتين تتوافر سائر عناصر‬ ‫علوان القصة التالية‪:‬‬ ‫القصة‪ ،‬وه��ي‪ :‬ال��رؤي��ة‪ ،‬ال�م��وض��وع‪ ،‬الشخصية‪،‬‬ ‫«بجانبه التصقت‪ ..‬وكانت الريح تصفق بالنافذة‬ ‫البناء‪ ،‬األس�ل��وب الفني‪ ،‬ناهيك عن اللغة التي‬ ‫فازدادت اقتراباً‪ .‬النار أمامه بدأت مسيرتها إلى‬ ‫انطوت على قدر كبير من التكثيف والشاعرية‪.‬‬ ‫النهاية‪ ..‬يدها في عمى القطط الصغيرة تبحث‬ ‫عن ي��ده‪ ..‬وجدتها‪ .‬احتوتها‪ .‬بيدها ضغطتها‪4 ..‬ـ السرد أرض أنثويـة‪:‬‬ ‫جعلت أصابعها تتخلل أصابعه مرات‪ ..‬ومرات‪..‬‬ ‫هذا العنوان الفرعي هو العنوان ذاته لمقال‬ ‫عيناها ترحل باحثة عن عينيه‪.‬‬ ‫للقاصة أميمة الخميس‪ ،‬إذ خلصت فيه القاصة‬

‫شبه مستلق‪ ،‬وال�س�ي�ج��ارة ت��وم��ض بين حين إلى أن السرد‪« :‬أرض أنثوية‪ ،‬فالعمل اإلبداعي‬ ‫وآخ ��ر‪ ..‬بعيد عنها ك��ل البعد‪..‬قريب منها كل ب�ح��اج��ة إل ��ى ت�ل��ك ال� ��روح المخلصة المتبتلة‪،‬‬ ‫القرب‪ ..‬عيناها في صمت ناطق‪ ،‬تقول لعينيه‪ :‬وال �ح��دب ال ��ذي ال ي�ك��ون إال ألن�ث��ى ت�ع��ي تماماً‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪29‬‬


‫قدسيّة فعل الخلق وتخلق الحياة‪ ،‬حيث ال مجال‬ ‫للتأخير والتلكؤ والمساومة بجانب مهد صغير‬ ‫ج��ائ��ع‪ ،‬العناية الفائقة بالتفاصيل والمقادير‬ ‫ال�م�ق��دس��ة‪ ،‬أه�م�ي��ة ال��وق��ت وال�ت��وق�ي��ت وتنضيد‬ ‫األشياء في أماكنها‪ ،‬ألنها وحدها التي ستحفظ‬ ‫قافلة المسيرة اإلنسانية بتمام تفاصيلها»‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬القاصة السعودية كان لها دور في هذا‬ ‫التطور جنباً إل��ى جنب م��ع ال�ق��اص السعودي؛‬ ‫فها هي فوزية البكر التي قدمت لقصتها «حياة‬ ‫من ورق» في سبعينيات القرن الماضي قائلة‪:‬‬ ‫«أنا المرأة التي ال تملك من اتساع عالمها غير‬ ‫أن تقف في الخفاء على أصابع قدميها لتنظر‬ ‫إلى العالم من خالل فتحات النافذة الصغيرة»‪.‬‬ ‫لتشهد حقبة السبعينيات ذاتها أسماء قاصات‬ ‫بارزات مثل‪ :‬هند صالح باغفار وحصة التويجري‬ ‫وعهود الشبل‪ .‬أما في الثمانينيات فبرزت أسماء‪:‬‬ ‫خيرية السقاف في مجموعتها «أن تبحر نحو‬ ‫األبعاد»‪ ،‬ولطيفة السالم في «الزحف األبيض»‪،‬‬ ‫ون�ج��وى هاشم ف��ي «السفر ف��ي ليل األحزان»‪،‬‬ ‫وشريفة الشمالن في «منتهى ال�ه��دوء»‪ ،‬ومريم‬ ‫الغامدي في «أحبك ول�ك��ن»‪ .‬وف��ي التسعينيات‬ ‫حتى الوقت الحالي ثمة أسماء ب��ارزة تصدرت‬ ‫المشهد القصصي السعودي والعربي على حد‬ ‫سواء‪ ،‬ومنها‪ :‬أميمه الخميس‪ ،‬بدرية البشر‪ ،‬هيام‬ ‫المفلح‪ ،‬أمل الفاران‪ ،‬هناء حجازي‪ ،‬أمل زاهد‪،‬‬ ‫شمس علي‪ ،‬تركية العمري‪ ،‬وهيفاء الفريح‪.‬‬

‫ال�ق��اص��ة ال�س�ع��ودي��ة ح �ف��رت عميقاً ف��ي هذا‬ ‫ال �ف��ن‪ ،‬ليس ه�م�س�اً‪ ،‬ب��ل إب��داع��ا وت�ن�ظ�ي��راً‪ ،‬فكان‬ ‫ص��دى همسها إب��داع��اً منقطع ال�ن�ظ�ي��ر؛ لكنها‬ ‫لجأت كأية قاصة في أيـة دولة عربية أخرى إلى‬ ‫األسلوب الرمزي تعبيراً عن رؤيتها القصصية؛‬ ‫وهذا التفاف محمود يحسب لها ال عليها شرط‬ ‫أن يصب في رفعة األدب وسموه‪ .‬كاتبة القصة‬ ‫القصيرة السعودية منذ البداية وحتى اآلن‪ ،‬وكما‬ ‫ترى الدكتورة أميرة علي الزهراني‪« :‬ظلت أمينة‬ ‫ف��ي كتابتها لشكل القصة القصيرة ال��ذي يتكئ‬ ‫في جوهره على «وح��دة الشعور واالنطباع» وإن‬ ‫بالغت في سردها على لغة التفتيت والتشظي التي‬ ‫تفرضها طبيعة البوح واالنثياالت الشاعرية‪ ،‬وهما‬ ‫الصيغة األبرز في شكل األداءك حتى غدت القصة‬ ‫القصيرة في كثير من نماذجها أشبه بمحاكمة‬ ‫تخضع للغة االنفعالية‪ ،‬وأخ ��رى أش�ب��ه بالسيرة‬ ‫الذاتية التي تغرف فيها الكاتبة من الالشعور»‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫ي��رى آرسكين ك��ال��دوي��ل أن القصة‪« :‬حكاية‬ ‫خيالية لها معنى‪ ،‬ممتعة‪ ،‬بحيث تجذب انتباه‬ ‫ال� �ق ��ارئ‪ ،‬وع�م�ي�ق��ة‪ ،‬ب�ح�ي��ث ت�ع�ب��ر ع��ن الطبيعة‬ ‫ال �ب �ش��ري��ة»‪ .‬ب�ي�ن�م��ا ي �ق��ول ال �ك��ات��ب االنجليزي‬ ‫تشارلتون بأن القصة‪« :‬إن لم تصور الواقع فإنه‬ ‫ال يمكن أن تعد من الفن»‪ .‬وهكذا هي القصة‬ ‫السعودية‪ ،‬فهي وإن لم تكن خيالية بنسبة ما‪،‬‬ ‫لكنها قطعاً تعبر عن الطبيعة البشرية‪ ،‬وفق ما‬ ‫ذهب إليه كالدويل‪ ،‬كما إنها تعد فناً من الفنون‬ ‫ي ��ذك ��ر أن أول م �ج �م��وع��ة ق �ص �ص �ي��ة تعود لتصويرها ال��واق��ع ب��أدق تمفصالته وجوانبه‪،‬‬ ‫لستينيات القرن المنصرم على يد القاصة نجاة وفق ما خلص إليه تشارلتون‪ ،‬ووف��ق ما يرتكبه‬ ‫خياط‪ ،‬وكانت موسومة بـ«مخاض الصمت» سنة ك ّل قاص في مشغله األدب��يّ من قصص ديدنها‬ ‫اإلبداع والفرادة والتجاوز على حد سواء‪.‬‬ ‫‪1966‬م‪.‬‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫السعوديّة‬ ‫القصة‬ ‫السرديّة في‬ ‫اللغة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قراءة في مناذج متباينة‬

‫الدهون‪ -‬من األردن‬ ‫> د‪ .‬إبراهيم ّ‬

‫القصة إلى القدم‪ ،‬فهي قديمة قدم البشر‪ ،‬بيد أنّها لم تُعرف كفنّ إ ّال في القرن‬ ‫ّ‬ ‫ترجع جذور‬ ‫التّاسع عشر على الرغم ممّ ا ورد في القرآن الكريم من قصص األنبياء واألمم الغابرة‪ ،‬التي تشكّ ل‬ ‫أنموذج ًا فريد ًا لألساليب الف ّنيّة والعناصر القصصيّة بمظاهرها وفنياتها الحديثة‪.‬‬ ‫وإذا كان محمود تيمور وميخائيل نعيمة رائدين من رواد الفنّ القصصي‪ ،‬ف��إنَّ عيسى عبيد‪،‬‬ ‫وشحاته عبيد‪ ،‬ومحمود طاهر الشين ممّ ن أرسوا دعائم هذا الفنّ ‪ ،‬وأسهموا في تأصيله فض ًال عن‬ ‫انتشاره‪.‬‬ ‫القصة القصيرة في المملكة شيء‬ ‫َّ‬ ‫وال��واق��ع أنَّ‬ ‫جديد في تاريخ األدب ال��سّ �ع��ودي؛ فهو يختلف في‬ ‫كثير من جوانبه عن الشِّ عر‪ ،‬لكنَّ ذلك لم يمنع أحمد‬ ‫يؤصال لهذا الفَّنَّ في‬ ‫السباعي وإبراهيم النَّاصر أن ّ‬ ‫المملكة العربيَّة السّ عوديّة(‪.)1‬‬ ‫َّص القصصي القصير‪ ،‬نلحظ أنّه‬ ‫وإذا تأمّلنا الن ّ‬ ‫ينبثق م��ن ال��واق��ع وينغرس فيه‪ ،‬وينتج ع��ن حركات‬ ‫دائبة متألقة –أحياناً‪ -‬من شخوصه‪ ،‬فاعليّة زمانه‬ ‫ومكانه‪ .‬وق��ام��ت ب�ط��والت األش�خ��اص التي رسمتها‬ ‫األمكنة وأحاطت بها األزمنة بدونهم في رسم خطوط‬ ‫اإلنتاجيّة اإلبداعيّة للقاص في عمله‪.‬‬ ‫ول��و تتبعنا جهود الكتّاب السَّ عوديين في مجال‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬وجدناه قد برز منذ تأسيس المملكة‬ ‫ّ‬ ‫العربيّة السّ عوديّة على يد الملك عبدالعزيز – طيب‬ ‫الله ثراه‪ -‬وتساوق هذا الفنّ اإلبداعي بحكم مرونته‪،‬‬ ‫ليس على المستوى الشَّ كلي‪ ،‬وإنّما على مستوى الرؤية‬ ‫التي تحيل الكتابة إلى فعل ديناميكي متحرك وفعّال‪،‬‬ ‫فلم يَعد يزخر بالزخارف اللّفظيّة والجمل الشّ عريّة‬ ‫واألس �ط��ر ال�ب�لاغ� ّي��ة وال�ت��وش�ي�ح��ات ال�خ�ط��اب� ّي��ة‪ ،‬وال‬

‫استمالق األعلى‪ ،‬وإنّما شرع هذا الفنّ يسطّ ر وجوده‬ ‫بأقالم ثابتة تكشف تطلعات اإلنسان وآراء النَّاس‪ ،‬لذا‬ ‫أخذ‬ ‫ّص القصصي إلى إش��راك المتلقي مع ٍ‬ ‫مال الن ّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يقترب منه كثيراً ‪.‬‬ ‫القصة القصيرة لذة تلتقي فيها‬ ‫إنَّ الولوج في لغة ّ‬ ‫تجربة الكاتب اإلبداعيّة‪ ،‬وق��راءة المتلقي الجديدة‬ ‫ّص مرّة ثانية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تتجلّى وظيفة اللّغة‬ ‫لتشكيل الن ّ‬ ‫ّص وف��كّ خيوطه‪،‬‬ ‫السّ رديّة‪ ،‬من خالل فتح آف��اق الن ّ‬ ‫وبعثرة لبناته األساسيّة؛ لذا نجد أنفسنا إزاء ظواهر‬ ‫لغويّة متشابكة‪ ،‬جاءت اتّساقاً مع متغيرات وتصادمات‬ ‫قصة‪،‬‬ ‫خاصاً لك ّل ّ‬ ‫المجتمع اإلنساني‪ ،‬رسمت طريقاً ّ‬ ‫فتنوع األسلوب وتباين األداء للقاص الواحد‪.‬‬ ‫والمحاولة التي أقدّمها في ه��ذه الورقة دراسة‬ ‫للغة ال��سّ ��رد ّي��ة عند ث�لاث��ة قاصين س�ع��ودي�ي��ن‪ ،‬هم‪:‬‬ ‫ع �ب��دال��رح �م��ن ال���درع���ان‪ ،‬وف �ه��د ال �خ �ل �ي��وي‪ ،‬وجبير‬ ‫المليحان‪ ،‬إذ تميّزت اللّغة في مجموعاتهم القصصية‬ ‫بطابع مثقل بالمغامرة والتّجريب‪ ،‬ومن هذه الوجهة‬ ‫تركزت الدّراسة على المظهرين اآلتيين‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪31‬‬


‫السرديّ ة وتحفيز‬ ‫‪ -1‬لغة اإلشارة ّ‬ ‫الذات‪.‬‬ ‫من األهمية بمكان أن نشير إلى أنَّ‬ ‫القصة القصيرة ذو تباين‬ ‫ّ‬ ‫السّ رد في‬ ‫مع السّ رد في بقية األجناس األدبيّة‪،‬‬ ‫القصة القصيرة مكثفاً‬ ‫وعادة يكون في ّ‬ ‫ومركزاً وذا طاقة إيحائية عالية‪ ،‬وأبعاد‬ ‫إشراقيّة متوثّبة‪.‬‬

‫الطفولة‪ ،‬ال�ع��رس‪ ،‬ساعة البنج‪ ،‬ليلة‬ ‫الحشر‪ ،‬ليلة مثخنة بالدم) الخياالت‪..‬‬ ‫�ص��ة‪( :‬ليلة ف��ي ف �ن��دق) فجاء‬ ‫أ ّم��ا ال�ق� ّ‬ ‫السّ رد فيها من النّوع الذاتي بحضور‬ ‫ج �ل��ي والف� ��ت ل�لان �ت �ب��اه‪ .‬وع �ل �ي��ه‪ ،‬فإنَّ‬ ‫اتكاء الدرعان على الذات السّ اردة أو‬ ‫اآلخر يرسم خطوطاً تأصيليّة ألفكار‬ ‫إنسانيّة وقضايا اجتماعيّة‪ ،‬غابت عن‬ ‫أذهاننا إزاء سيطرة المادة علينا‪ ،‬نحو‬ ‫ما ق��ام به المؤلف في كشفه الغطاء‬ ‫عن حقيقة منبثقة من كياننا‪ ،‬وعنصر‬ ‫أساسي متداخل في نسيج بناء ذاتنا‬ ‫وفطرتنا‪ ،‬أال وه��و فرحة الطفولة أو‬ ‫طبيعة الطفولة التي تظ ّل معنا عالقة‪،‬‬ ‫وال تشيخ مهما طالت أعمارنا وتنوعت‬ ‫م��راح��ل ح �ي��ات �ن��ا‪ ،‬واخ �ت �ل �ف��ت مجاالت‬

‫وممّا ال شك فيه‪ ،‬أنَّ القاص يدخل‬ ‫في عالمه القصصي‪ ،‬وهو يعي التكنيك‬ ‫الفنّي العميق الذي يقيم عليه أحداثه‬ ‫السّ رديّة‪ ،‬وبنائية لغته اإلبداعيّة؛ لذا‪،‬‬ ‫نلحظ دائماً أنّه يلجأ إلى تحويل السّ ياق‬ ‫القصصي بما يتواءم ورؤيته وأفكاره‬ ‫عبدالرحمن الدرعان‬ ‫ال�ت��ي ق��د ت�ت�ج��اوز لحظاته الوجوديّة؛‬ ‫ّص أبعاداً دالليّة‪ ،‬وطاقات إيحائيّة أعمالنا‪.‬‬ ‫ليفجّ ر داخل الن ّ‬ ‫مركّزة تنقل المتلقي إلى عالم له جذوره المتينة‪ ،‬من‬ ‫وال ينسى الدرعان المتلقي‪ ،‬وهو في أش ّد حاالته‬ ‫دون أن يحدّده أو يشرع إلى سرد تفصيالته‪.‬‬ ‫الحالمة في القصد والغاية من وراء هذه المجموعة‪،‬‬ ‫وب��ال �ع��ودة إل��ى مجموعة ع�ب��دال��رح�م��ن الدّرعان‬ ‫الصادرة عن مؤسسة‬ ‫القصصيّة‪( :‬رائحة الطفولة)‪ّ ،‬‬ ‫عبدالرحمن السّ ديري الخيرية عام ‪2000‬م‪ ،‬والتي‬ ‫قصة قصيرة‪ ،‬وت �ص �دّرت قصة‬ ‫ضمت أرب��ع عشرة ّ‬ ‫رائ �ح��ة ال�ط�ف��ول��ة عليها‪ ،‬وال �ت��ي حملت المجموعة‬ ‫اسمها‪.‬‬

‫والذي حدا بالمؤلّف إلى إبراز الذات السَّ اردة للراوي‬ ‫في نهاية مجموعته ليميط اللّثام عن الذات الحسّ اسة‪،‬‬ ‫قصة‪( :‬رسالة)‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق الحديث النَّفسي في ّ‬ ‫وق ��د ص��اغ�ه��ا ف��ي ص ��ورة ام� ��رأة ب�لا اس� ��م‪ ..‬هائمة‬ ‫ف��ي ال��طّ ��رق��ات‪ ،‬ل��م يفهمها أح��د‪ ،‬واألط�ف��ال يحتفون‬ ‫بها‪ ،‬والكبار يهملون أمرها‪ ،‬ل��ذا ضاقت بها الحياة‬ ‫وأوصدت دونها األبواب‪ ،‬ولع ّل ذلك إشارة نحو الدَّ اخل‬ ‫القصة وسبر أغوار مؤلفها(بطلها)‪ ،‬وهذا النَّمط‬ ‫ّ‬ ‫في‬ ‫يركّز على هموم الفرد المتوحّ د المعزول‪ ،‬والذي اتّخذ‬ ‫الصمت المنعزل‪.‬‬ ‫عالماً يوتوبياً يتصل بعالم َّ‬

‫نلحظ الدرعان يتكلم بضمير الغائب‪( :‬هو‪ /‬اآلخر)‪،‬‬ ‫والذي له داللة وثيقة بارتباط الكاتب بالمجتمع‪ ،‬كما‬ ‫يُ َع ُّد وسيلة يستعين بها الكاتب لالستحواذ على فكر‬ ‫المتلقي بطريقة ف ّنيّة رائعة‪ ،‬وضمير الغائب ينبئ عن‬ ‫هكذا تنامت لغة اإلشارة السَّ رديّة عند الدرعان‪،‬‬ ‫عالقة انفصال عن التّجربة األدبيّة‪ ،‬واالتّصال بالفعل‬ ‫فتناثرت إل��ى وح ��دات مكثفة‪ ،‬وف� �رّت م��ن وحدتها‬ ‫البشري في آن واحد‪ ،‬فهو امتزاج لصوتين مركبين‪،‬‬ ‫المنعزلة لتكوّن عالماً مصطلحياً يحفّز ال��ذات في‬ ‫يربط اإلبداع بتاريخ الوجود(‪.)3‬‬ ‫نسيج من الفّنّ الجميل والحساسيّة اللّطيفة؛ وذلك‬ ‫وقد منح ضمير الغائب في القصص األولى‪( :‬رائحة لكي توقظ الوعي ف ّن ّياً بضرورة مراعاة عالم الطفولة‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫وانطالقاً من إشاريّة اللّغة السّ رديّة وتحفيز الذات‪،‬‬ ‫نلحظ أنَّ فهد الخليوي ف��ي مجموعته القصصية‬ ‫الصادرة عن النّادي األدبي‬ ‫القصيرة‪( :‬رياح وأجراس) ّ‬ ‫في حائل سنة ‪2008‬م‪ ،‬ينشغل بالقضايا االجتماعيّة‪،‬‬ ‫ل��ذا تصبح المدينة ف��ي مجهر أب�ط��ال قصصه جثّة‬ ‫ه��ام��دة‪ ،‬مدينة جامدة ال حياة فيها‪ ،‬فمنازلها رغم‬ ‫لمعانها ودي�ك��ورات�ه��ا المصطنعة ليست إ َّال أكواخاً‬ ‫وال شك أنَّ الخليوي يقع ضمن إطار المشاكسين‬ ‫قديمة تحوي حجرات ضيقة‪ ،‬وسقوفاً غير مرتفعة‪،‬‬ ‫القصة وتجاوزاتها متماوجاً بين‬ ‫ّ‬ ‫لألحداث وعناصر‬ ‫وجدراناً رطبة على وشك االنهيار‪.‬‬ ‫إنَّ انشغال التّقنيات السّ رديّة النّاجحة عند فهد النّفسي واألس �ط��وري والغيبي‪ ،‬وه��و م��ا ي�ق��وده إلى‬ ‫الخليوي مرتبط بالخطاب القصصي ال��ذي يقدّم تطوير فاعليّة ما يضمره من إضافة وتميّز وإبداع‪،‬‬ ‫قصة‪( :‬بقايا ذاكرة)‪:‬‬ ‫فيه سرداً مشهد ّياً‪ ،‬يسعى خالله القاص إلى اإلمتاع نحو قوله في ّ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫من أوّل يوم لوالدته‪ ،‬لتخرّج أجياالً سالمة من آفات‬ ‫االنهزاميّة وبراثنها‪.‬‬

‫المضمون وف��ق رؤى انزياحيّة‪ ،‬وأساليب انحرافيّة‬ ‫يلعب الرمز واإلش��ارة وحركيّة الزمن والمكان فيها‬ ‫ال��دور األكبر‪ ،‬وقد أفضى بنا ذلك إلى ق��راءة البنية‬ ‫السّ رديّة عند الخليوي فوجدناها تتشكل وفق رؤية‬ ‫حديثة تتكسّ ر فيها التّعمية الحقيقيّة‪ ،‬كما يخضع‬ ‫ّص فيها لجدلية المغايرة واالن��ده��اش‪ ،‬وتالشي‬ ‫الن ّ‬ ‫الضمائر‬ ‫النّمطيّة أو محاكاة الواقع سواء على مستوى ّ‬ ‫ّص‬ ‫أو الشّ خصيات ال�ت��ي ت�ف��رض حضورها ف��ي الن ّ‬ ‫القصصي التّقليدي‪.‬‬

‫«يتكيّف ال��م��رء م��ع وح��دت��ه‪ ،‬ويتخلّص ف��ي وهاد‬ ‫واإلقناع بقضايا مجتمعه‪ ،‬وأوجاع مدنه‪ ،‬ومن خالل‬ ‫��ص��ح��راء م��ن ضجيج ال��م��دن‪ ،‬يتحد م��ع رم���وز ال‬ ‫ذل��ك المشهد ال��سَّ ��ردي يستطيع القاص بث أفكاره ال ّ‬ ‫نهائية‪.‬‬ ‫وآرائ��ه؛ ألنَّ الفنَّ في كلياته المميّزة ليس‬ ‫محاكاة بل خلق وإبداع‪ ،‬ومعايشة تخلق‬ ‫االتّساع‪ ،‬والفراغ‪ ،‬الرمال النَّاعمة‬ ‫أبعادها‪ ،‬من دون أن ننسى الوظائف‬ ‫الحارقة بصهدها‪ ،‬والجبال البكماء‬ ‫المنوطة به‪.‬‬ ‫البعيدة‪ ،‬أزيز الرياح‪ ،‬وشجيرات الشوك‬ ‫أقام الخليوي مجموعته القصصيّة‬ ‫على لغة سرديّة تجاوزت المثال؛ فهي‬ ‫وسيلة في نصوصه لإليحاء‪ ،‬وليست‬ ‫أداة ل�ن�ق��ل م �ع� ٍ�ان م��ح��ددة‪ ،‬فاستطاع‬ ‫التّخلص من أسر المفردات الواقعيّة‬ ‫الكابح‪.‬‬

‫الداكنة التي تدمي شرايين األقدام‪...‬‬ ‫���س���راب األب���ي���ض ف���ي قلب‬ ‫ي��ح��ت��ش��د ال َّ‬ ‫المسافة وتنتشر اللوحات اإلرشاديّة‬ ‫الطريق‪،‬‬ ‫بزرقتها الباهتة على جانبي ّ‬ ‫وه��ي تشير إل��ى ق��رى صغيرة بعضها‬ ‫تحول إلى حظائر مهجورة»‪.‬‬

‫وم��ن ه��ذا المنطلق‪ ،‬يكون اإلبداع‬ ‫الحقيقي في براعة البناء السّ ردي للغة‬ ‫والسّ عي إلى مخالفة السّ ائد‪ ،‬والمألوف؛‬ ‫وبالتالي‪ ،‬سيعود إلى إشاريّة المعاني‬ ‫واإلحالة إلى دالالت متعددة‪ .‬فإشاريّة‬ ‫اللّغة ال��سّ ��رد ّي��ة هي األداة التي تجعل‬ ‫�ص ينفتح على عوالم شتى تشكل‬ ‫ال� َّن� ّ‬

‫ولع ّل أق��رب شيء يمكن مالحظته‬ ‫ف��ي ال � ّن �م��وذج ال��سّ ��اب��ق ه��و بنية اللّغة‬ ‫السّ رديّة لدى الخليوي‪ ،‬وقدرتها كأداة‬ ‫ّص‪ ،‬والسّ ير به في‬ ‫قويّة في تثوير الن ّ‬ ‫عمق األح��داث‪ ،‬بحيث نشعر أ ّن هذا‬ ‫ال��رص��ف للجمل إ ّن�م��ا يتوحد ويشكّل‬ ‫ال مع تجربة الكاتب‪ .‬وعليه‬ ‫ال متكام ً‬ ‫ُك ًّ‬

‫فهد الخليوي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪33‬‬


‫وتقاطعاتها ونموها عند القارئ‪.‬‬

‫فإنَّ اللَّغة السّ رديّة أسهمت في كشف‬ ‫األبعاد الدراميّة والمضامين الدّالليّة‬ ‫للموضوع‪.‬‬

‫السرديّ ة داخل‬ ‫‪ -2‬حركية اللّغة ّ‬ ‫ص القصصي‬ ‫النّ ّ‬ ‫ل��م ت �ع��د ح��رك �ي��ة ال �ك �ت��اب��ة العاديّة‬ ‫تثير المتلقي‪ ،‬ول��م ت�ع��د ال�ك�ت��اب��ة من‬ ‫أجل تحقيق المتعة وحدها تتالءم مع‬ ‫قارئ الحداثة والمعاصرة‪ ،‬الذي تعدّى‬ ‫فهم القراءة على أنَّها مجرد اقتناص‬ ‫للمعاني‪ ،‬وسيطرة على مغازي المؤلِّف‪،‬‬ ‫ّص وكتابة له بشكل‬ ‫إلى كونها بناء للن ّ‬ ‫جديد‪.‬‬

‫جبير المليحان‬

‫وفي نص بعنوان‪( :‬الجراد) تنمو‬ ‫ح��رك� ّي��ة ال�لّ�غ��ة ال��سّ ��رد ّي��ة لتستوعب‬ ‫ذل ��ك ال�م�ض�م��ون ال ��وج ��ودي والهم‬ ‫اإلن �س��ان��ي‪ ،‬ف��ال�لّ�غ��ة ت�ق��ودن��ا لنعيش‬ ‫في حالة من الضياع لجهلنا بزمان‬ ‫القصة‪ ،‬فالمليحان يستعين‬ ‫ّ‬ ‫ومكان‬ ‫بسارد‪( :‬طفل) أعطاه رم��زاً يحذّر‬ ‫النّاس من أخطار‪ ،‬ويتنبأ بحدوثها‬ ‫ف��ي المستقبل على شاكلة زرقاء‬ ‫اليمامة‪.‬‬

‫وال ش��ك أنَّ ال�ق��اص ف��ي قصته‬ ‫اآلن��ف��ة ال ��ذك ��ر‪ ،‬ي��ح��اول أن يوسّ ع‬ ‫ال � �دّالالت م��ن خ�لال حركية اللّغة‬ ‫فالقاص المعاصر عندما يستخدم‬ ‫السّ رديّة وتشظيها في بوتقة الخوف‬ ‫اللّغة السّ رديّة يستبطن عالمها‪ ،‬ويعيش‬ ‫والقلق الذي يصيب اإلنسان بسبب‬ ‫في مخزونها ممّا يالئم أفكاره وتجربته‬ ‫تفكيره بالمصير الوجودي‪ ،‬فنجد مشاهد بصريّة‬ ‫المعاصرة وواقعه المعيش‪ ،‬ولهذا أدرك القاص أنَّ ترعبه‪ ..‬كتحول الجراد لعقارب‪ ،‬والعقارب إلى‬ ‫الن ّ‬ ‫ّص السّ ردي خرج من كونه مجرد حكاية ووسيلة؛ طائرات وصواريخ‪ ،‬نحو قوله‪:‬‬ ‫لتحقيق متعة سريعة وتراكماً لألحداث وإسهاماً في‬ ‫«س��ي��ن ي���دب ع��ل��ى األرض ف���ي ه���ذا الزمان‪،‬‬ ‫الوصف‪ ،‬ولهاثاً منذ السَّ طر األوّل إل��ى آخ��ره نحوه‬ ‫في المدينة على هيئة رج��ل‪ ،‬جسمه‪ ...‬م�� ّر بي‪،‬‬ ‫تحقيق مفاجأة القارئ وكسر أفق انتظاره‪.‬‬ ‫الشمس تدلهم‬ ‫وكنت أقف أمام باب البيت‪ ،‬بدأت ّ‬ ‫على ه��ذا ال� ّن�ح��و‪ ،‬ا ّت �س��ع وع��ي ال �ق��اص بضرورة بالقاني لتمتص فرح اللون‪ ،‬أظلمت الدنيا فجأة‪.‬‬ ‫مشاركة المتلقي في إنتاج عوالم ال� ّن� ّ‬ ‫�ص‪ ،‬وضرورة انتفض الرجل سين وتلفت‪ ،‬لم يكن هناك رابية‪.‬‬ ‫السماء بيديه‪:‬‬ ‫استيعاب ال��رؤى لتفسير غموض العالم والمحيط‪ ،‬بدأ يصرخ‪ ،‬ويشير إلى ّ‬ ‫وتفسير المجاهيل المحدقة باإلنسان ومجتمعة‪ ،‬فلم‬ ‫رفعت بصري‪ :‬كانت أس��راب األفاعي الالمعة‬ ‫يقبل القاص أن تبقى لغته إشارات أو فضاءات ناقلة‬ ‫تشقها‪ ،‬وتحوم فوق المدينة‪...‬‬ ‫لمعان سريعة‪ ،‬بل أراد أن يشحنها باإليماء المولِّد‬ ‫ٍ‬ ‫األفاعي الكبيرة الطائرة‪...‬‬ ‫لطاقات وأبعاد أكثر داللة‪.‬‬ ‫كانت تسقط ف��وق رؤوسنا عناقيد كثيرة من‬ ‫ففي مجموعة جبير المليحان القصصيّة‪( :‬الوجه‬ ‫الصادرة عن النّادي األدبي في حائل جراد أشبه بعقارب صفراء المعة‪...‬‬ ‫الذي من ماء) َّ‬ ‫تتشظى ال��ع��ن��اق��ي��د‪ ،‬وت��ث��ق��ب ال����دور والقدور‬ ‫عام ‪2008‬م‪ ،‬يتبيّن لنا مدى حركة اللّغة السّ رديّة داخل‬ ‫ّص والصدور والجسور واألرض‪»...‬‬ ‫ّص القصصي‪ ،‬واشتغالها في بث إيحاءات الن ّ‬ ‫الن ّ‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫إنَّ الكتابة عند المليحان في لغته السّ رديّة‪ ،‬إنتاج‬ ‫واع‪ ،‬ون��اض��ج‪ ،‬إب ��داع ي�ت�ح�دّى الكالسيكيّة‬ ‫ق�ص��دي ٍ‬ ‫ويتطلّع إل��ى أن يمأل البياض وال �ف��راغ م��ن سرديّة‬ ‫وتتجلّى حركيّة اللّغة ال��سّ ��رد ّي��ة عند المليحان اللّغة الحديثة‪ ،‬ولع ّل المليحان استثمر تقنيات السّ رد‬ ‫في موقع آخ��ر‪ ،‬أكثر حيويّة ورم��ز ّي��ة‪ ،‬يتطلب قارئاً الحديث‪ ،‬واستند عليها إل��ى االخ�ت��زال المكثّف في‬ ‫خبيراً باألسطر اإلبداعيّة؛ ليحفّز مكنونها الدّاخلي‪،‬‬ ‫الصياغة اللّغوية لحظة إنتاج نصوصه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويغامر في اقتحامه ليخلص إلى إعادة حياكة النّسيج‬ ‫وهكذا‪ ،‬عبر لغة سرديّة منتقاة تتراوح بين التّرميز‬ ‫السّ ردي‪ ،‬ويتكرّر هذا بنسب الفتة للقارئ خصوصاً والتّكثيف‪ ،‬يقدّم لنا المليحان قصصه‪ ،‬وقد استطاع‬ ‫نصه القصصي‪( :‬الوجه الذي من ماء)‪.‬‬ ‫في ّ‬ ‫أن يستوعب مضامين ودالالت تجارب الواقع المعيش‪،‬‬ ‫لنصه السّ ابق تظهر أنَّ‬ ‫إنَّ الخطوط العريضة ّ‬ ‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫القاص يتخذ من حركية اللّغة السّ رديّة؛ ليبرر‬ ‫الرومانسي والتّواصلية مع اآلخر لقوله‪:‬‬

‫وأن يذيبها في نصوصه القصصيّة إذابة ف ّنيّة‪ ،‬تخدم‬ ‫الغرض الذي ألجله جاءت‪ ،‬والعواطف طفقت تجيش‬ ‫للقصة‪.‬‬ ‫للتضامن مع المضمون الكلي ّ‬

‫«رق���ص ال��ب��ح��ر ب��ج��دائ��ل م��ن س��ع��ف ل��ون��ه��ا‪ :‬مطر‬ ‫أبيض ك��ورق ضوء جديد يخلق ألول م��رة‪ :‬وتساقط‬ ‫الماء في الكفين كوجه‪ :‬ماءٍ وديع وطري‪.‬‬

‫ال ش��ك أن �ن��ا‪ -‬م��ن خ�لال ال �ك�لام ال��سّ ��اب��ق‪ -‬أمام‬ ‫مشهد ثقافي يطفح ب��ال�ح��راك ال��سّ ��ردي‪ ،‬وه��ذا ما‬ ‫جعل األعمال القصصيّة تعيش حالة النّجاح والطفرة‬ ‫القصة للعالم‬ ‫ّ‬ ‫القويّة‪ ،‬وفي الوقت نفسه نرى أهمية‬ ‫ال ع��ن تأثيرها العظيم ف��ي نفوس ك ّل‬ ‫توهجاً‪ ،‬فض ً‬ ‫طبقات القرّاء والمجتمع‪.‬‬

‫كان البحر‪...‬‬ ‫والشاطئ‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫و‪ ...‬كانت الكفان تلتصقان‪ ،‬وال���ذي كوجه ماء‬ ‫وديع‪ :‬يرتعش‪ ...‬ويرتعش‪ ...‬ويرتعش‪ ،‬ويأخذ مظهرا‬ ‫بض ًا كبشرة رقيقةٍ ‪ ،‬رقيقةٍ ‪ ،‬رقيقة»‪.‬‬ ‫وتشكّل تنقلية وتوثّب اللّغة السّ رديّة عند المليحان‬ ‫قصته فنراه يتناول اللّغة العاديّة‪ ،‬ث ّم‬ ‫ملمحاً كبيراً‪ ،‬في ّ‬ ‫يعيد تشكّلها في بنى تركيبيّة مفارقة لصورتها األوليّة‪،‬‬ ‫القصة اآلنفة وإيقاعها‪ ،‬بوصفها‬ ‫ّ‬ ‫فرغم ارتفاع نبرة‬ ‫صورة للمجتمع الواقعي‪ ،‬وتجسيداً ألفكار معيشية‪،‬‬ ‫إ َّال أنّها تمثّل في المحصلة النّهائيّة تعبيراً واسعاً في‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫عال‪،‬‬ ‫لقد ارتفع المليحان بلغته السّ رديّة إلى أفق ٍ‬ ‫ال‬ ‫اعتمد فيه على الطاقة اإليحائيّة للمفردات‪ ،‬مستغ ً‬ ‫في ذلك كثافة اللّغة التي جعلت حركيّة السّ رد تصل‬ ‫إل��ى م��رت��ق عظيم؛ وه ��ذه ال� ّت�غ�ي��رات داخ ��ل العمليّة‬ ‫القصصيّة أف�ض��ت إل��ى اه �ت��زاز ال�ب�ن��اء الكالسيكي‬ ‫للقصة على نحو غير متوقع‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الوجدانيات المعقدة‪ .‬كما تمثّل آفاقاً لعوالم واسعة؛‬ ‫فمن هنا‪ ،‬نقرأها على أنّها أرضية خصبة لالنطالق‬ ‫السّ ردي لعالم ورؤى تتسم باالتّساع الالمحدود‪.‬‬

‫ّص السّ ردي‪ ،‬غدا الفّنّ العالمي‬ ‫وبهذا نرى أنَّ الن ّ‬ ‫ّص السّ ردي أن‬ ‫المنتشر‪ ،‬لذا يفترض ألي قارئ للن ّ‬ ‫ّص األدبي‪ ،‬ومن‬ ‫يمتلك ثقافة عاليّة عن جماليات الن ّ‬ ‫ّص السّ ردي؛‬ ‫ث ّم عليه أن يملك مقومات لغة كتابة الن ّ‬ ‫ليستطيع أن يحتفي ب��أب�ع��اد ال�لّ�غ��ة ال��سّ ��رد ّي��ة‪ ،‬وأن‬ ‫يستوعب جماليات السّ رد الف ّنيّة‪ ،‬بطريقة مباشرة‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال العالقة بين اللّغة والمضمون والدّاللة‬ ‫ّص‬ ‫الحقيقيّة للتراكيب وال �م �ف��ردات المشكلة للن ّ‬ ‫اإلبداعي‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الشّ نطي‪ ،‬محمود‪ :‬األدب العربي الحديث؛ مدارسه وفنونه‪ ،‬دار األندلس للنشر والتوزيع‪ ،‬حائل‪2008 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،6‬ص‪.405‬‬ ‫الصبان‪ ،‬محمد سرور‪ :‬أدب الحجاز‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة مصر‪1378 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.2‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫الصفر للكتابة‪ ،‬ترجمة محمّد برادة‪ ،‬ط‪ ،3‬الشّ ركة المغربيّة للناشرين المتحدين‪ ،‬الرباط‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫(‪ )3‬بارت‪ ،‬روالن‪ :‬درجة ّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪35‬‬


‫الشعرية‬

‫في القصة القصيرة السعودية‬ ‫> حسن علي البطران ‪ -‬من السعودية‬

‫القصة القصيرة من أكثر األجناس اإلبداعية التي يجد فيها المتلقي متنفس ًا يحاكي فيه ميوله‬ ‫األدبية‪ ،‬وهي طردٌ رائعٌ يتواكب مع ذائقته‪ ،‬ومن أكمل السرديات التي تميزها وحدة التأثير واالنطباع‪،‬‬ ‫ومن أفضل األنواع التي يمكن أن تتداخل فيها الفنون‪ ،‬عالوة على أنها أقرب إلى القصيدة والرواية‬ ‫بتكثيفها وتركيزها وبنيتها المتماسكة(‪ )1‬وتنوعها‪ ،‬وقد يقترب تعريفها ويتقاطع في خطوط كثيرة‬ ‫ولست هنا بصدد تعريفها‪ ،‬أو ذكر أنواعها‪ ..‬وال بصدد تتبع مراحل تطورها‪ ،‬بقدر ما‬ ‫ُ‬ ‫مع الرواية‪،‬‬ ‫تهمني شعريتها التي أبرزتها وجعلتها فن ًا قائما بذاته‪..‬له احترامه وتقديره على المستويين‬ ‫الداخلي والعربي‪.‬‬ ‫ولفن القصة القصيرة معنيان‪ :‬عام‪ ،‬ويشمل بناء القصة كله بجميع مواده وعناصره؛ وخاص يقف‬ ‫عند التعبير ووسائله اللغوية وخصائصه اللفظية(‪ ..)2‬وهذا ما يقودنا إلى شعرية القصة القصيرة‪.‬‬ ‫وقد مرت القصة القصيرة في المملكة العربية‬ ‫السعودية بأطوار تميزت فيها أساليبها‪ ،‬وتغيرت‬ ‫من ط��ور إل��ى آخ��ر‪ ،‬وكانت تأخذ في التنوع حتى‬ ‫أصبحت من أهم األجناس األدبية اإلبداعية في‬ ‫اآلون��ة األخ �ي��رة؛ الستطاعتها بصورها المختلفة‬ ‫وتكنيكاتها المترابطة والمتنوعة تمثيل الحياة‬ ‫ووصفها ف��ي شتى وجوهها‪ ،‬كونها إب��داع يرتبط‬ ‫بالمجتمع دون عقبات‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬ندرك أنها أقرب‬ ‫األجناس اإلبداعية األدبية إلى واقعنا االجتماعي‬ ‫إذا تجاوزنا ال��رواي��ة‪ ..‬علماً أننا نصورها األقرب‬ ‫وليس تمثُّل واقعنا‪ ،‬وندرك ‪ -‬ككتاب قصة‪ -‬أن من‬ ‫المستحيل نقل الواقع كآلة تسجيل (فيديو‪ ) ،‬أو‬ ‫نقل الصورة كما تنقلها آلة التصوير‪..‬‬

‫القصة إل��ى حكاية والحكاية إل��ى قصة‪ ،‬ولكن ال‬ ‫تحمل العمق اإلب��داع��ي نفسه‪ ،‬وتكون قريبة إلى‬ ‫الحكي بعيداً عن الخيال الممزوج بالواقع‪ ،‬وفق‬ ‫خلطة إبداعية خاصة بالقاص؛ أم��ا ف��ي القصة‬ ‫القصيرة فتظهر اللغة المنتقاة والمفردات الرشيقة‬ ‫التي تعطيها حيوية مع ما بها من شخوص وأحداث‪،‬‬ ‫وه ��ذا م��ا يعني ل�ن��ا ظ �ه��ور ال�ش�ع��ري��ة ال �ت��ي تعطي‬ ‫عمقاً وبعداً إبداعياً وفنياً لها مع وجود مكوناتها‬ ‫األساسية؛ كاألشخاص والمكان والزمان واألحداث؛‬ ‫وه��ذا ما يظهر في قصص خالد اليوسف وعبده‬ ‫خال ولطيفة السالم وعبد الحفيظ الشمري وعبد‬ ‫الله باخشوين وفؤاد عنقاوي وفهد العتيق وقماشة‬ ‫العليان وقصص كاتب هذا المقال وآخرون‪..‬‬

‫إذاً‪ ،‬الشعرية في القصة القصيرة كالثوب الذي‬ ‫األسلوب القصصي فن يختلف عن الحكاية التي‬ ‫هي م��ادة من م��واد القصة القصيرة‪ ،‬وق��د تتحول تتزين به العروس‪ ...‬وإن الخامة التي يستخدمها‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫القاص يحاول أن تنتهي به إلى لوحات قصصية لها‬ ‫سمات يستمتع بها القارئ‪ ،‬وهذا ما يمكن أن نطلق‬ ‫عليه الشعرية القصصية‪ ،‬والتي حددتها الدكتورة‬ ‫كوثر القاضي في كتابها «شعرية السرد في القصة‬ ‫السعودية القصيرة» صفحة ‪ 38‬بقولها‪ ...( :‬تمكنتُ‬ ‫من وضع حد لشعرية السرد في القصة السعودية‬ ‫ال�ق�ص�ي��رة ب��أن�ه��ا ع �ب��ارة ع��ن شبكة م��ن العالقات‬ ‫المتشكلة في بنية القصة الكلية ولغتها؛ فال ينبغي‬ ‫البحث عن الشعرية في طريقة اختيار الكلمات‬ ‫فحسب‪ ،‬وال في طريقة ضم بعضها إلى بعض ألجل‬ ‫تكوين جمل وعبارات ذات جرس وإيقاع وقافية‪،‬‬ ‫ف��ال�م�ج��از يمثل رك �ي��زة مهمة ف��ي دراس���ة شعرية‬ ‫أم���ا ب��ال�ن�س�ب��ة ل�ع�ن�ص��ر ال �ش �خ �ص �ي��ة‪ ،‬فكانت‬ ‫القصة القصيرة من خالل العالقات االستبدالية الشخصيات النمطية التي انقسمت إلى تقسيمات‬ ‫واالستدعائية‪ ،‬والقوة اإليحائية للكلمات؛ فالنص ج��دي��دة ه��ي‪ :‬الشخصيات التي تحيل إل��ى مرجع‬ ‫القصصي البد أن يثير في الذهن دالالت قد تبدو واقعي له حمولة شعرية كالبحر والبيئة القروية‬ ‫متناقضة لمن عنده اإلمعان فيها‪ ،‬يستطيع القارئ الجنوبية‪ ،‬والشخصيات ال�ت��ي تحيل إل��ى مرجع‬ ‫التوليف بينها)(‪.)3‬‬ ‫ت��اري�خ��ي ش �ع��ري‪ ،‬وال�ش�خ�ص�ي��ات ال�ت��ي تحيل إلى‬ ‫وح�ت��ى يتمكن ال �ق��اص م��ن ال�ت�لاع��ب بأسلوبه حياة الطفولة‪ .‬أم��ا الشخصية الضحية فتقسم‬ ‫وتطويع كلماته وأدواته وتكنيكات كتاباته في القصة إل��ى الشخصية المحرومة والشخصية المنفية‪،‬‬ ‫القصيرة‪ ،‬ويثير في ذهن المتلقي دالالت يستطيع وتبقى الشخصية ذات الكثافة النفسية فتنقسم إلى‬ ‫التوليف بينها رغم ظهورها متناقضة‪ ،‬عليه أن يمر الشخصية المأزومة نفسياً والشخصية المتناقضة‬ ‫ب�م��ران وت��دري��ب وم�م��ارس��ة وق ��راءة بشكل مستمر وال�م��رك�ب��ة نفسياً لما ل�ه��ذه األن���واع م��ن انثياالت‬ ‫شعورية معينة‪ ،‬قد تساعد في البحث عن الشعرية‬ ‫وكبير‪ ،‬وأن تكون لديه ملكة في اإلبداع‪..‬‬ ‫بطبيعة الحال «إن وج��ود الشعرية في الكتابة في عنصر الشخصيات‪..‬‬

‫يع ُد نوعاً من تداخل األجناس األدبية‪ ،‬التي تفرض‬ ‫الحس الشعري على النثري‪ ،‬حتى إن القارئ يشك‬ ‫في بداية أم��ره بأن ما هو مكتوب هو في الغالب‬ ‫ليس نثرياً بقدر ما هو شعري‪ ،‬وه��و ما نستطيع‬ ‫أن نجده عند بعض الكاتبات السعوديات في جعل‬ ‫الموسيقى الشعرية تكثف المعنى»(‪.)4‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫بينها‪ ،‬ومكونات بنية النص المكون للقصة؛ فلو‬ ‫نظرنا إلى عناصر القصة‪ :‬األح��داث والشخوص‬ ‫واألماكن والزمان‪ ،‬لوجدنا أن الشعرية تحتويها في‬ ‫القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية‪..‬‬ ‫وقد اتضحت هذه الشعرية في التفاصيل الصغيرة‬ ‫للحدث الواقعي ومحاولة اإليهام بواقية الحدث‪،‬‬ ‫والحدث المتخيل ال��ذي صاغه القاص السعودي‬ ‫بتقنية الحلم أو الكابوس‪ ،‬كما قد يتداخل الواقع‬ ‫بأحالم اليقظة‪ ،‬كما عبر عن إحساسه باالغتراب‬ ‫والوحدة‪ ،‬وتشكلت البنية الشعرية لصوغ الحدث‬ ‫القصصي وحركته من داخل الشخصيات‪..‬‬

‫أم��ا عنصر ال��زم��ن‪ ،‬فقد تتضح شعريته في‬ ‫الحركة‪ ،‬فتكون الحركة والزمن يبحثان من زمن‬ ‫ال��واق��ع وتكثيفه في زم��ن القص وزم��ن الحلم‪ ،‬ثم‬ ‫يكون البحث في حركة الزمن المتداخلة استرجاعاً‬ ‫واستباقاً وتزامناً‪..‬‬

‫وفي عنصر المكان حاولت الوصول إلى شعريته‬ ‫فشعرية القصة القصيرة تكمن في بنية النص عن طريق البحث في الفضاء الخارجي المحيط‬ ‫القصصي ول�غ�ت��ه‪ ،‬وت��داخ�لات �ه��ا وم ��دى التالصق بالشخصيات‪ ،‬ومحاولة إيهام القاص للقارئ بواقعية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪37‬‬


‫كل هذا العذاب ؟! أرحمني يا إلهي‪ ..‬أرحمني فأنا‬

‫المكان‪ ،‬كما أن الفضاء الداخلي للشخصيات يكوّن‬ ‫شعرية عالية إضافة إلى الفضاء التخيلي وفضاء لم أعد أقوى على المزيد‪ ..‬تغربت وتعذبت‪ ..‬كنت‬ ‫الحلم‪ ،‬أما الفضاء النصي أو الطباعي فقد كان أعتقد أن عذاب الغربة قاس وأليم‪ ...‬وها أنذا في‬ ‫عام ً‬ ‫ال رئيساً ومهماً ساعد في تمثل هذه الفضاءات بيتي‪ ,‬بين أهلي وأحبائي‪ ..‬أعاني من عذاب وغربة‪.‬‬ ‫جميعاً لدى القارئ‪ ،‬وذلك وفق ما أوضحته القاضي‬ ‫ال أشد وال أقسى‪ .‬ها هم الذين يحبونني يجلدونني‬ ‫في كتابها «شعرية السرد»(‪.)5‬‬ ‫بسياط ح��ب ال أستحقه‪ .‬ه��ا ه��م ال��ذي��ن أحببتهم‬ ‫وق��د تتنوع الشعرية ف��ي القصة القصيرة من يجلدونني بسياط البغض واإلهمال والتشفي)‪.‬‬ ‫كاتب آلخر‪ ،‬ولكن في النهاية يشترك الجميع في‬ ‫وه �ن��ا ت�ظ�ه��ر ال �ش �ع��ري��ة ب�ش�ك��ل واض� ��ح وجلي‪،‬‬ ‫نتاج قصصي تتضح به الشعرية‪ ..‬ونماذج القصص‬ ‫القصيرة ال�س�ع��ودي��ة ال�ت��ي تتوغل فيها الشعرية فحاالت الغربة والعذاب واأللم لغة تتعدى الشعرية‬ ‫صبغت هذه القصة بها‪ ..‬حيث أن البطل يعاني‬ ‫كثيرة‪ ..‬ففي قصة (أي��ام مبعثرة) لــ فؤاد عنقاوي وقد ُ‬ ‫نجدها طاغية في أحداث القصة وتتابعها‪..‬وذلك ال�ع��ذاب واألل��م ب��دءاً بغربته ع��ن وطنه وأه�ل��ه‪ ،‬ثم‬ ‫ما نلحظه في المقاطع التالي‪:‬‬ ‫معاناته في عالقاته بأهله الذين يحبونه كثيراً وهو‬ ‫((أموت كمداً‪ ..‬أموت حسرة‪ ..‬أموت وفي قلبي غير قادر على إسعادهم‪ ،‬وزوجته التي يحبها وهي‬ ‫مهملة له والبنه‪ .‬مفارقات كبيرة وتناقضات وألم‬ ‫حقد‪ ،‬على أبي‪ ..‬على أمي‪ ..‬على المجتمع‪.))..‬‬ ‫وغربة وحب‪ ،‬تشكل مع اللغة والمفردات واألحداث‬ ‫وفي ورقة أخرى‪:‬‬ ‫المتشابكة شعرية واضحة في هذه القصة‪.‬‬

‫((األل� ��م يعصف ب� ��ي‪ ...‬ال �م��وت ال�ب�ط��يء أشد‬ ‫ق �س��وة‪ ...‬تعبت م��ن ان�ت�ظ��ار ال�ن�ه��اي��ة‪ ..‬متى تكون‬ ‫فقط‪ ،‬ب��ل ه��ي تشابك وت�لاح��م م��ن خ�لال وسائل‬ ‫الخاتمة ؟‪ ..‬أواه‪ ..‬ربي‪.))..‬‬ ‫وال تعني ال�ش�ع��ري��ة ال�ب�ح��ث ف��ي ل�غ��ة القصة‬

‫وف� ��ي ذل� ��ك ت �ت �ن��اغ��م ال �ج �م��ل وك ��أن� �ه ��ا قطعة وم�ك��ون��ات يستخدمها ال�ق��اص ف��ي قصصه‪ ،‬حتى‬ ‫موسيقية‪ ،‬وأن الحذف واإلضمار ساعدا في إيقاع تخرج من مسارها التقليدي المعروف إلى آخر فيه‬ ‫منحنى حركي جمالي‪ ،‬خارجياً وداخلياً‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫موسيقيتها‪.‬‬

‫وفي قصة (موت أيوب) لعبد الله باخشوين التي المباشرة‪ ،‬فالترميز والحذف والمفارقة واإليقاعات‬ ‫يقول فيها‪( :‬أغمضت عيني بألم ولم أجب‪ ..‬كنت ذات النمط المتموّج في الحبكة والوصف والتصوير‬ ‫مصدوما غير مصدق‪ ..‬يا إلهي العلي القدير‪ ..‬لم والتجريد والتكثيف تظهر لنا تلك شعرية الموجودة‬ ‫كتب علي كل ه��ذا ال��ذي أعاني منه ؟ ِل � َم أتعذب في القصة القصيرة السعودية‪.‬‬ ‫‪1‬ـ انطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية (نصوص وسير) خالد اليوسف وزارة الثقافة واإلعالم‬ ‫‪1430‬هــ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ في النقد واألدب د‪ .‬شوقي ضيف دار المعارف بمصر‪.‬‬ ‫‪ 5/3‬شعرية السرد في القصة السعودية القصيرة كوثر محمد القاضي وزارة الثقافة واإلعالم ‪1430‬هــ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الرواية النسائية السعودية‪ ..‬خطاب المرأة وتشكيل السرد سامي جريدي مؤسسة االنتشار العربي ‪ /‬بيروت ‪2008‬م‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫جدل التعبير بني القصة القصيرة‬ ‫والرواية في السعودية‬

‫> محمد جميل أحمد‪ -‬من السودان‬

‫على الرغم من أن الكتابة الروائية في السعودية حققت تجريبا ال يزال يختبر معناه في جدوى‬ ‫القيمة الفنية من ناحية‪ ،‬ومساحة الفضاء التعبيري وموضوعاته من ناحية أخ��رى‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫الكثير من الشروط التي تفرضها الكتابة الروائية لتحقيق مفهوم النموذج اإلبداعي‪ ،‬بما يتجاوز‬ ‫ربما إمكانية الفضاءات المتاحة‪ ،‬بحكم إكراهات متعددة لجهة الشروط الذاتية والموضوعية لمفهوم‬ ‫الكتابة الروائية‪ ،‬وما تتطلبه من مقومات تتوازى مع التجربة االجتماعية والتاريخية‪ ،‬كحاضنة لتلك‬ ‫األعمال‪.‬‬ ‫وف��ي ظ��ل التناقضات التي تنعكس أحيانا ف��ي النسبة السعودي‪ ،‬من دون أن تكون هناك تجارب نقدية مكثفة تدرك‬ ‫والتناسب بين التجربة الروائية المفارقة لبعض اشتغاالتها‪ ،‬ج��دوى القصة القصيرة في عالقتها ب��ال��رواي��ة‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫كعمل فني منخرط في جدل الواقع ومنفعل به‪ ،‬ربما كانت منطق التجاوز‪.‬‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬بصورة ما‪ ،‬فضاء تعبيريا بإمكانه تأسيس‬ ‫إن القصة القصيرة كَف ٍّن حديث كان وال ي��زال مرتبطا‬ ‫تجربة فنية مراوغة‪ ،‬لتمرير الكثير من التعبيرات المتصلة بهويته ال�خ��اص��ة‪ ،‬ونمطه المتصل ب��دالل��ة وع�ي��ه كحالة أو‬ ‫ب�ه��اج��س ال�ك�ت��اب��ة وم�ش�ك�لات�ه��ا‪ .‬فبنية ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة ‪ -‬موقف أو حياة‪ ،‬في سياق تجربة متخيلة وقابلة للتجديد عبر‬ ‫بطبيعتها القائمة على التكثيف واالخ�ت��زال ‪ -‬تنطوي على تمثالت ال متناهية للواقع‪.‬‬ ‫قدرات فنية متجددة‪ ،‬ولها قابلية التجاوز في الوقت نفسه‬ ‫وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن ال��رواي��ة ه��ي األخ ��رى ف��ي النهاية‬ ‫ألن تكون تجربة مكتملة ومعبرة عن معناها‪ ،‬عبر اشتغاالتها‬ ‫قطعة من الحياة‪ ،‬تبدأ في لحظة منها وتنتهي في أخرى‪،‬‬ ‫في موضوعات الكتابة‪ ،‬والتي يمكن من خاللها أن تنجز‬ ‫عبر مساحة تعبيرية أكثر استيعابا وشموال‪ ،‬إال أن القصة‬ ‫نجاحا ربما يفوق تجربة الرواية‪.‬‬ ‫ربما كانت تأويال آخر لتلك الحياة في كونها مساحة ضيقة‬ ‫فإمكان القصة القصيرة لناحية نوعها ال��ذي يتقاطع لهامش الكتابة‪ ,‬لكنها في الوقت نفسه قد تختزن عالما وحياة‬ ‫كثيرا مع ثيمة القص ال��ذي في ال��رواي��ة‪ ،‬أن تقدم عناوين كثيفة ومضغوطة؛ وبهذا المعنى‪ ،‬فإن بنية القصة القصيرة‬ ‫مهمة‪ ،‬وري��ادة فضاء مختلف من حيث فلسفته‪ .‬ففي ظل قد تستجيب لتمرير الكثير من التعبيرات حيال الموضوعات‬ ‫الهوس بالكتابة الروائية‪ ،‬ظن البعض أن ثمة عالقة تجاوز الخفية أو المسكوت عنها‪ ،‬عبر تقنيات ومهارات تبدو في‬ ‫بين القصة والرواية‪ ،‬من دون أن يدرك أن طبيعة العالقة في بعض األحيان أصعب من شروط الرواية‪.‬‬ ‫األجناس األدبية هي التوازي‪.‬‬ ‫وق��د ال ي��درك بعض أن للقصة القصيرة عالمها الذي‬ ‫وال �ح��ال أن ال�ت�ج��ري��ب ال�ك�ت��اب��ي ف��ي ال�ق�ص��ة القصيرة تستجيب له وتختبر معناه‪ ،‬بمعزل عن كونها أقل قدرة من‬ ‫أصبح ظال مغمورا في غمرة االحتفاء بالرواية في المشهد ال��رواي��ة على تأويل األح��داث وصياغة العالم المتخيل من‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪39‬‬


‫حركة الواقع‪.‬‬ ‫القصة القصيرة كجنس أدبي له حيثياته القوية والمستقلة‬ ‫في التعبير عن الواقع‪ ،‬لم يأخذ حقه كالرواية مثال‪.‬‬ ‫وحيال واق��ع متحرك‪ ،‬بفعل تحوالت كثيفة ومتالحقة‬ ‫كواقع المجتمع السعودي ال سيما في ظل ثورة المعلومات‬ ‫واالت �ص��االت‪ ،‬ف��إن الكثير م��ن حيثيات ذل��ك ال��واق��ع تتصل‬ ‫بطبيعة الحياة التي يعيشها المجتمع السعودي‪ .‬وهي حياة في‬ ‫مسارها العام على تماس مع الكثير من طفرات التكنولوجيا‬ ‫في استخداماتها المتعددة والحديثة‪ ،‬كما أن تلك الحياة‬ ‫تختبر تحوالت متعددة في م��وازاة التغيير السريع‪ ،‬بحيث‬ ‫تفرض على اإلب��داع القصصي مناخات مختلفة‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫ربما كانت القصة القصيرة فنا موازيا إليقاع الحياة السريع‬ ‫بشكل جديد‪ ،‬وخيارا إبداعيا يعاد إنتاجه ال بحسبانه تجديداً‬ ‫لنمط القصة القصيرة الكالسيكية وموضوعاتها المرتبطة‬ ‫بها‪ ،‬في سياق مجتمع ما قبل الطفرة في السعودية‪ ،‬أو تلك‬ ‫المجتمعات العربية األخ��رى‪ ،‬وإنما كرهان حداثي ومعادل‬ ‫م��وض��وع��ي إلي �ق��اع ذل��ك المجتمع م��ن ن��اح�ي��ة‪ ،‬وكمساحة‬ ‫مضغوطة ومراوغة لقول ما ال يمكن قوله‪ ،‬إال بطريقة مكثفة‬ ‫ومتعددة في القراءة والتأويل‪.‬‬

‫المختلف للقصة القصيرة في السعودية‪ ..‬كأساس لكتابة‬ ‫متفردة وغير قابلة للقسمة على أي فن آخر‪ ،‬سواء أكان هذا‬ ‫الفن روائيا أم شعريا‪ .‬لكن من المهم أيضا تعميق مجرى‬ ‫النظر إل��ى القصة القصيرة بوصفها فنا حاضنا لتجارب‬ ‫إبداعية تأخذ مقاربتها للواقع والمجتمع عبر تقنيات ذلك‬ ‫ال�ف��ن وذات�ي�ت��ه‪ ،‬لتتجاوز ب��ه ت �ص��ورات شائعة ح�ي��ال قدرته‬ ‫المركبة على خلق معالمه الخاصة في موازاة عالم الرواية‪.‬‬ ‫ومن المفارقات الدالة على فرادة القصة القصيرة‪ ،‬هو‬ ‫أن القاص المصري المتميز يوسف إدري��س ك��ان من أبرع‬ ‫الذين كتبوا في هذا الفن عربيا‪ ،‬وكانت قصصه القصيرة‬ ‫تمتلك عمقا فريدا وذاتية مستقلة لها تأثيرها القوي في‬ ‫المتلقي‪ ..‬إل��ى درج��ة أن األستاذ يوسف إدري��س حين كتب‬ ‫الرواية‪ ،‬بدت رواياته أقل فرادة وعمقا وجماال من قصصه‬ ‫القصيرة البديعة‪.‬‬ ‫ق��د ال ي��درك كثيرون أن الكاتب األرجنتيني العالمي‬ ‫خ��ورخ��ي ل��وي��س ب��ورخ�ي��س بنى شهرته العالمية تلك على‬ ‫فن القصة القصيرة‪ .‬إضافة إلى العديد من كتاب القصة‬ ‫القصيرة الكبار في العالم‪.‬‬

‫إن مسار القصة القصيرة في السعودية ربما احتاج إلى‬ ‫ربما كان من المهم جدا إدراك الحيثية الخاصة للقصة كتابات نقدية مكثفة‪ ..‬تعيد إلى هذا الفن رهانه المستقل في‬ ‫القصيرة‪ ،‬وإطِّ راح ذلك التأويل الذي يدرجها‪ ،‬عرفا‪ ،‬في حيز التجريب‪ ،‬وتفك ارتباطه المتصل في أذهان البعض كميدان‬ ‫تمهيدي للكتابة الروائية‪ .‬فالقصة القصيرة بخصائصها تمهيدي لكتابة الرواية‪.‬‬ ‫المختلفة حيال معنى الكتابة‪ ،‬هي في حقيقة األمر اختبار‬ ‫رب�م��ا أم�ك��ن ل�ه��ذا ال�ف��ن ال��ذي ي�ج��اور ثيمة ال��رواي��ة في‬ ‫مستقل لكتابة التجربة الحياتية ضمن نسقها الخاص‪ .‬مشترك القص‪ ،‬أن يستعيد رهانا جديدا في إعادة تركيب‬ ‫ول�لأس��ف‪ ..‬حتى ال�ي��وم ال نكاد نقع على تيار ف��ي الكتابة التجارب اإلبداعية في الواقع االجتماعي السعودي برؤية‬ ‫السعودية استطاع أن يراكم جماليات خاصة ومستقلة لفن حداثية‪ ،‬لها القدرة على إنتاج مدونة قصصية على أيدي‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬في م��وازاة الزخم ال��ذي تشهده الرواية كتاب يخلصون له‪ ،‬ويختبرون من خالله استبطان الحياة بكل‬ ‫السعودية‪.‬‬ ‫تعقيداتها من دون الوقوع في ذلك اإلحساس الذي يجعل من‬

‫ذلك أن ثمة من يعتقد أن القصة القصيرة ربما كانت تجاربهم في القصة القصيرة كما لو كانت محطات قصيرة‬ ‫تمرينا للرواية‪ ،‬فيجعل ذلك الفن الجميل‪ ،‬كما لو أنه ال يملك في انتظار اللحاق بقطار الرواية‪.‬‬ ‫تعريفا خاصا به في سجل الكتابة اإلبداعية السعودية‪.‬‬ ‫ثمة زواي��ا مختلفة للفن حين يقارب الواقع منها‪ :‬زاوية‬ ‫هذا بالطبع ال يعني أن ثمة اهتمامات مستقلة تعي الدور‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫القصة القصيرة‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫«التوليد والتلقي»‬

‫في حاضر القصة القصيرة ومستقبلها‬ ‫> مالك اخلالدي ‪ -‬من السعودية‬

‫يبدو أن القصة القصيرة السعودية‪ ،‬التي بلغت ذروة امتدادها على مستوى النشر واالنتشار‪ ،‬لم‬ ‫تزل في مرحلة المخاض‪ ..‬حيث أن حالتي التوليد والتلقي يعوزهما الوعي الكافي؛ وهذا ما أدى‬ ‫إلى ظهور العديد من اإلشكاليات التي تكتنف راهن القصة السعودية‪ .‬فهذه الطفرة اإلنتاجية (و‬ ‫ال أقول اإلبداعية‪ ..‬فهي ليست كذلك في كل حاالتها) أدت إلى هزال مساحة عريضة على مستوى‬ ‫حديث‬ ‫ٍ‬ ‫مستجلب‬ ‫ٍ‬ ‫َفن‬ ‫التقنيات السردية واللغة والفكرة‪ ،‬ولعلها كانت نتيجة الدخول المفاجئ للقصة َكـ ٍ‬ ‫للساحة العربية عموماً‪ ،‬والسعودية على وجه التحديد‪ ..‬بما يميزها من ذلك التالمس المباشر مع‬ ‫بشكل نسبي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المساحة االجتماعية‪ ،‬إضافة إلى االنبساط اللغوي وانفتاحه على اللهجات الدارجة‬ ‫على خالف ما يكتنف الشعر العربي العتيد‪ ،‬وما يحفل به من ثبات وأطر عصية على الفك أو التجاوز‬ ‫رغم المحاوالت االنفتاحية التي جاءت في القرن العشرين‪ ،‬لذا‪ ،‬كان فن القصة أرض ًا خصبة جاذبة‬ ‫لالنفعال اإلنساني الذي يُسرجُ بوح ًا قصصياً‪ ،‬وللتفاعل الذي هو المساحة البشرية التي تناولت هذا‬ ‫البوح بكثير من التعاطف واالنبهار‪ ،‬ما أفرز لنا نصوص ًا غير مكتملة‪ ،‬ورؤية جماهيرية غير متكاملة ‪-‬‬ ‫على مستوى الموضوعية واإلحاطة بالمعايير الفنية ‪ -‬ولعل أبرز األسباب التي هيأت لذلك ما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬غياب القصة بمفهومها اإلبداعي الخلاّ ق جعل القصة بمفهومها الحديث حكراً على خاصة‬ ‫ع��ن ال�ث�ق��اف��ة المجتمعية نتيجة ل�غ�ي��اب�ه��ا عن المثقفين‪ ،‬إذ تكونت تلك ال �ص��ورة الحقيقية‬ ‫المساحة التعليمية التقليدية‪ ،‬التي ما تزال تمأل الواعية للقصة لديهم عن طريق المطالعة الحرة‬ ‫الكتب المدرسية بالمقامات والخطب العصماء‪،‬‬

‫الحثيثة‪ ،‬والتفاعل الثقافي الخالق الجاد؛ ومن‬

‫بشكل كبير وحاد عن الواقع الحياتي‬ ‫ٍ‬ ‫التي نأت‬

‫هنا‪ ،‬ظهرت الفئة النخبوية الضليعة‪ ،‬والجمهور‬

‫االجتماعي والفكري واللغوي لهذا الجيل؛ ما‬

‫الغائب عن النص الحقيقي!‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪41‬‬


‫‪ .2‬انخراط دور النشر في األهداف الربحية‬

‫ألزياتور اإليطالية لآلداب‪ ،‬وهو ما لم يحدث بهذا‬

‫ب�ع�ي��داً ع��ن االه�ت�م��ام ب�ج��ودة المنشور‪ ،‬بدعوى‬

‫الزخم مع القصص أو المجموعات القصصية‬

‫النشر لألقالم الشبابية أو المتحفزة في سبيل‬ ‫تطويرها‪ ،‬حيثُ ج��اء بالكثير من المجموعات‬ ‫القصصية الباهتة‪ ،‬المكتنزة بالضعف والركاكة‪،‬‬ ‫التي مألت رفوف المكتبات دون أن تثريها‪.‬‬ ‫‪ .3‬االن �ف �ت��اح اإلل �ك �ت��رون��ي وان �س �ي��اق القارئ‬

‫السعودية‪ ،‬وق��د يعود ج��زء من ذل��ك إل��ى غياب‬ ‫االهتمام الكافي اإلقليمي والعالمي بالقصة‪ ،‬كما‬ ‫هو الحال مع الرواية‪ ..‬وتظافر هذا مع المأزق‬ ‫الداخلي القصصي الراهن‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يجب عدم إغفال األعمال القصصية‬

‫ن�ح��و ال�ق�ص��ص ال �ت��ي تُ�ن�ش��ر ف��ي ال �م��واق��ع غير‬

‫الرائدة التي بلغت ذروة الفن القصصي السعودي‪،‬‬

‫باللهجات ال��دارج��ة‪ ،‬ما أدى على توهين صورة‬

‫كأعمال إب��راه�ي��م الناصر الحميدان‪ ،‬ومحمد‬

‫ٍ‬ ‫المتخصصة‪ ،‬كنوع م��ن الفضفضة دون‬ ‫مزيد مستجلبة ومبتكرة تقنيات فنية أضافت مالمح‬ ‫من المراجعة والتنقيح‪ ،‬بل قد يأتي بعض منها إبداعية جديدة للقصة في ال��داخ��ل والخارج‪،‬‬ ‫القصة‪ ،‬وترسيخ هذا النموذج الواهن في ذهنية‬ ‫القارئ‪ ..‬لتكون هي القصة المبتغاة والمثال‪.‬‬

‫الشقحاء‪ ،‬وشيمة الشمري‪ ،‬وجبير المليحان‪،‬‬ ‫وعبدالحفيظ الشمري وغيرهم‪ ،‬حيث رسموا‬

‫‪ .4‬األطر النسقية التي تكتنف العقل والرؤية‬

‫كفن‬ ‫ت��اري��خ وواق��ع القصة السعودية القصيرة ٍ‬

‫واآلل� �ي ��ات‪ ،‬وه ��ذا ب�لا ش��ك ع��مِ ��ل ع�ل��ى تحجيم‬

‫ح��دي� ٍ�ث ول �ي��د‪ ،‬وأس �س��وا لمستقبل أك�ث��ر نضجاً‬

‫الفضاء اإلبداعي أو تسطيحه‪.‬‬

‫وتكامالً‪.‬‬

‫تعيش مأزقاً‬ ‫ُ‬ ‫ل��ذا‪ ،‬ب��ات��ت القصة السعودية‬ ‫على مستوى التوليد واالستيعاب‪ ،‬لتعيش مرحلة‬ ‫مخاض قد تطول إذا غابت اآلليات المناسبة التي‬ ‫تنتقل بالقصة إلى مرحلة النضج الحقيقي‪.‬‬

‫وال ري��ب أن القصة ال�س�ع��ودي��ة مقبلة على‬ ‫مرحلة جديدة حاسمة‪ ،‬قد تنتزع الكثير من زخم‬ ‫الرواية اإلبداعي‪ ،‬لترسم مالمح جمهور جديد‬ ‫أشد وعياً أدبياً‪ ،‬وأوسع رؤيةً‪ ،‬وأكفأ ذائقة‪ ..‬فيما‬

‫فال يمكننا الحديث عن مستقبل تتدفق معه لو تم توظيف التحوالت الثقافية واالجتماعية‬ ‫القصة إبداعاً وعالمي ًة ما لم يتم التعامل مع ما المتسارعة الراهنة وال�ق��ادم��ة‪ ،‬التي تجعل من‬ ‫تعيشه القصة اآلن‪ ،‬ما منعها من تخطي المساحة مقتضب ال�ص�ي��اغ��ة وح��داث��ة ال �ف �ك��رة‪ ..‬عوامل‬ ‫جذب وإشغال للمتلقي‪ ،‬ما يستلب األنظار نحو‬ ‫ٍ‬ ‫المنكمشة‪ ،‬أو تجاوز المرحلة الزمنية القصيرة‬

‫الضيقة للوصول إلى اإلقليمية والعالمية‪ ،‬كما‬ ‫فعلت الرواية السعودية حين تم تتويجها بجائزة‬ ‫البوكر مرتين‪ ،‬عن رواي��ة «ترمي بشرر» لعبده‬ ‫خال و«طوق الحمام» لرجاء عالم‪ ،‬وحين فازت‬ ‫رواية «فخاخ الرائحة» ليوسف المحيميد بجائزة‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫القصة القصيرة بتركيزها واقتضابها‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫اإلسهاب النسقي الطارد الذي تحفل به الرواية؛‬ ‫أما حين يغيب ذلك التعاطي الذكي والواعي مع‬ ‫تلك التحوالت‪ ،‬فستنكمش القصة القصيرة أمام‬

‫المد الروائي‪ ،‬إثر ذوبانها أو انكفائها‪.‬‬


‫بصدد البحث عن أفق جديد لتلقي‬ ‫القصة القصيرة‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القصة السعودية والسينما‬

‫> إبراهيم احلجري*‬

‫يجتهد قصاصو األلفية الجديدة بشكل مطرد بحثا عن‬ ‫أفاق جديدة للشكل القصصي ودواله‪ ،‬استفادة من الوسائل‬ ‫ال��ج��دي��دة ال��ت��ي ابتكرتها التكنولوجيا ووس��ائ��ل التواصل‬ ‫الحديثة‪ ،‬وبخاصة مع الثورة الرقمية ومفرزات الحاسوب‬ ‫واإلنترنت‪ ،‬فضال عن التأثر بالتحوالت السياقية التي ظهرت‬ ‫في الغرب‪ ،‬أخص بالقول النمط القصصي الجديد الذي غزا‬ ‫اإلب��داع العربي‪ ،‬إذ برز جيل جديد من القصاصين والنقاد‬ ‫الذين ينتصرون لهذا النمط‪ ،‬ويدافعون عنه اقتداء بعصر‬ ‫السرعة واللقطة والتلميح بدل اإلفاضة واإلطناب‪ .‬وبات القص الجديد‪ ،‬في ظل هذه‬ ‫المستجدات والرهانات‪ ،‬مطالبا بالمعرفة الواسعة بأشكال الخطاب‪ ،‬والوعي العميق‬ ‫بالوضع المعيشي المحيط به‪ ،‬فضال عن تعلم تقنيات التكنولوجيا الجديدة التي‬ ‫تضمن له ترويج منتوجه على نطاق أوسع بأحسن الصور واألشكال‪ ،‬كما أن الرهان بات‬ ‫مالزما للصورة والصوت والحركة‪ ..‬بدل االقتصار على النص المكتوب الذي قل أنصاره‪،‬‬ ‫عف انتشاره مع تراجع ال��ق��راءة‪ ،‬وتضاؤل عشاقها أم��ام استئساد الصورة والسند‬ ‫وض َ‬ ‫َ‬ ‫البصري والشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫وفتحت هذه اإلمكانات الباب واسعا أمام‬

‫القاص كي‪:‬‬

‫‪ -‬يطور منتوجه وف��ق ما يتطلبه منطق‬

‫العصر‪.‬‬

‫‪ -‬يبحث عن طرق جديدة حيوية لترويج‬

‫إب ��داع ��ه‪ ،‬تُ �ع��زز ال �ن �ش��ر اإلل �ك �ت��رون��ي‪ ،‬مثل‬

‫المدونات والمواقع والمنتديات‪.‬‬

‫‪ -‬ي��راه��ن على ال �ص��وت وال �ص��ورة عبر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪43‬‬


‫إنتاج نصوص قابلة للتحويل إلى أشرطة سينمائية‪ ،‬الداخلية لإلنسان‪ ،‬من خالل تبئير الوصف على‬ ‫وأفالم وسيناريوهات وغيرها من األنماط الصديقة م�ع��ال��م ال��وج��ه وال �ح��رك��ة والتعبير باألحاسيس‪.‬‬ ‫القادرة على تقديم خدمات جليلة للنص القصصي وهذا ما يحدق حتى في الفيلمين المتضمنين في‬

‫ترويجا وإغناء وإمتاعا‪.‬‬

‫القرص المدمج‪.‬‬

‫وم��ن ه ��ؤالء ال�ق��اص�ي��ن ن��ذك��ر محمد البشير‬

‫إن النص السردي القصصي ينبني على خيـال‬

‫خالله إلى المزاوجة بين النص المكتوب والصورة‬

‫النصوص‪ ،‬وربما يُكرس له إمكانات أخرى باإلضافة‬

‫وبهذا العمل يكون المنجز قد لعب على واجهتين‬

‫ذل��ك؛ فقبوله لمثل ه��ذه التغيرات والتبديالت‬

‫تركز على الكتابة كشكل تواصلي تحتاج التفكير‬

‫الفني‪ ،‬والتفاعل على مستوى الوسائط وتعالقها‬

‫عبر منجزه القصصي(‪ )1‬الفريد‪ ،‬الذي سعى من‬

‫ومضمون يخصانه ويعنيانه‪ ،‬ويميزانه عن غيره من‬

‫ال�ب�ص��ري��ة ال�م�ت�ح��رك��ة ال�س�ي�ن�م��ائ�ي��ة‪ .‬وق ��د حولت والحذف‪ ،‬ويكون العمل الفني الذي يخلو من هذه‬ ‫إح��دى قصص المجموعة إل��ى فيلم سينمائي‪ .‬اإلمكانات غير مؤهل للتحدي واالستمرار‪ ،‬وعكس‬ ‫متقاربتين باعتمادهما عنصر السرد‪ ،‬لكنهما في القابلة للتشكيل وال�ت�ح��ول ه��ي ال��دل�ي��ل الحيوي‬ ‫اآلن نفسه‪ ،‬يتطلبان آليات تحليل خاصة‪ ..‬األولى على مرونة هذا النص وطواعيته وتقبله للصوغ‬ ‫بعد القراءة العينية‪ ،‬في حين تراهن الثانية على‬

‫بالشكل اإليجابي‪ .‬ومثل هذه التحوالت والتأويالت‬

‫السند البصري وعلى الصورة‪ ،‬كعماد أساسي إلى سوف تكون الحكم التالي على النص‪ ،‬األمر الذي‬ ‫جانب الحركة والصوت‪.‬‬ ‫يُحيلنا إلى مسألة أعمق تتعلق بتعريف هذا النص‪،‬‬

‫ي�ق��ول ال�ن��اش��ر ف��ي مفتتح ال�ك�ت��اب‪« :‬ف��ي هذا ووض��ع أُط��ر نظرية للحكم على أهميته إيجابا‬ ‫المشروع الثقافي الذي نضعه بين يدي القارئ‪ ،‬وسلبا‪ ،‬ومدى قدرته من عدمه من إشراك المتلقي‬ ‫ن �ق��دم ع�م�لا تفاعليا ام �ت��زج��ت ف�ي��ه اإلبداعات معه‪ ،‬مما يجرنا أيضا لنسأل آخر عن مواصفات‬ ‫السردية بتأثيرات الصوت وجاذبية الصورة‪ ،‬لنقدم المؤلف والمتلقي أو المنتج للنص الرقمي‪.‬‬ ‫مجموعة قصصية‪ ،‬تأخذها روح الشباب لتطل من‬

‫(عبق النافذة) على زمن جديد تتجاذبه فضاءات‬

‫التقنية وسياقات القلم»(‪.)2‬‬

‫وما يعنيني هنا هو المواصفات األولية التي‬

‫ي �ج��ب ت��واف��ره��ا ف��ي ال �ك��ات��ب ال��رق �م��ي‪ ،‬وليست‬

‫الصفات البيولوجية أو السيكولوجية‪ ،‬أو حتى‬

‫وقد صمم القاص عمله على مقاس المعايير م��واق �ف��ه ال�س�ي��اس�ي��ة االج�ت�م��اع�ي��ة أو األخالقية‬ ‫اإلن�ت��اج�ي��ة السينمائية‪ ،‬ح�ي��ث ال��وص��ف الدقيق الدينية‪ ،‬إنما م��ا أعنيه ه��و ه��ذا ال��وع��ي بالخلق‬

‫لسمات ال�ش�خ��وص ال�ت��ي غالبا م��ا ت�ك��ون ناذرة‪ ،‬الفني االف�ت��راض��ي‪ ،‬وعيه الفني م��ع المزيد من‬ ‫وال�ت��رك�ي��ز ع�ل��ى ال �م��داخ��ل وال �م �خ��ارج الفضائية الكفاءة المعرفية‪ ،‬ووسائل تعبيرية عميقة ذات‬

‫والسحنات والمالمح‪ ،‬لتقريب البيئة التي تستقبل أبعاد شمولية‪ ،‬وموقفه من التجربة اإلبداعية وما‬ ‫ال�ح��دث م��ن المتلقي‪ ،‬وتضعه ف��ي سياق التلقي تحمله من توجهات لتوجيه خطاب معرفي جديد‬ ‫الشبيه بالفيلمي‪ .‬وه��ي قصص تكشف المعاناة على علم ت��ام باألنساق السابقة لهذا التجاوز‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ذي ث�ق��اف��ة فنيـة خ�لاق��ة ت �ع��رف خ �ط��وات العمل‬ ‫الرقمي وتتبنى وج ��وده‪ .‬وك��ل ه��ذه المواصفات‬ ‫يجب تحديدها وتحجيمها إلى مستوى أكثر بكثير‬ ‫مما نتصوره اآلن؛ ألن��ه في صوغه الفني يعتمد‬ ‫على ثالثة مواقف‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬األول هو المبدع‬ ‫اللفظي‪ ،‬والثاني هو المبدع التقني‪ ،‬والثالث هو‬ ‫المتلقي المكمل إن جاز التعبير‪ ،‬وقد تجتمع هذه‬ ‫المؤهالت في شخص واح��د‪ ،‬وق��د ال تتوافر إال‬ ‫في أشخاص معينين بشكل منفرد‪ ،‬مما قد يشوش‬ ‫نوعا ما على العمل‪ ..‬وأفق تلقيه وقراءته‪ .‬واألمر‬

‫محمد البشير‬

‫المهم أن يتدرب المبدع على التعامل مع كل هذه الخطية واألحادية البعد‪ ،‬لذلك عليه أن يبحث في‬ ‫المعطيات‪ ،‬وأن يتمهّر على إتقانها‪ ،‬م��ا يجعل التعالقات الممكنة بين المكونات المتنوعة للنص‬ ‫منتوجه في أبهى صوره‪.‬‬ ‫وه �ك��ذا‪ ،‬بتأملنا للمنجز ال�ن�ص��ي المكتوب‪،‬‬ ‫المطبوع ورقيا‪ ،‬والنص البصري الفيلمي المصور‬

‫الرقمي»‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يضيف الناقد نفسه‪« ،‬يبحث‬

‫الناقد كذلك في التوازنات الممكنة التي تؤدي إلى‬

‫انسجام النص الرقمي حتى ال يتحول إل��ى فيلم‬ ‫قصير مثال‪ ،‬أو يصبح مجرد تقنيات خالية من‬

‫على القرص المدمج المصاحب‪ ،‬يتبدى أن النص أي «أدبية»‪ ،‬أن يصبح خاليا من أية قيمة معرفية‬ ‫يصبح‪ ،‬بناء على الحوامل المتعددة التي تتوسط وجمالية وشعرية»‪ .‬ويتدارك محمد معتصم قائال‬

‫بين منتجه وقارئه‪ ،‬وبناء على الصورة واألسلوب إن النص الرقمي «مطالب بأن يحافظ على جوهر‬ ‫ال��ذي يتمظهر بهما‪ ،‬نصين‪ ،‬ن��ص ينتجه محمد النص األدب��ي»‪ ،‬أما بخصوص تفكيك المكونات‪،‬‬

‫البشير متخيال وكتابة وفكرة وتصورا وصورة تجلٍّ ‪ ،‬فهي «ليست بالعملية الصعبة‪ ،‬بما أن طبيعة‬ ‫ونص آخر ال يمثل فيه محمد البشير سوى عنصر المكونات مختلفة‪ ،‬ولها عناصر فارزة وواضحة»‪،‬‬

‫أو فاعل أو عامل من العوامل الكثيرة التي أفرزت وق��د أل ��حّ ال�ن��اق��د ال�م�غ��رب��ي سعيد يقطين‪ ،‬على‬ ‫النص البصري؛ بما في ذلك المخرج بدر الحمود‪ ،‬سبيل المثال‪ ،‬بتجديد آليات االشتغال على النص‬ ‫والممثلون‪ ،‬ومهندسو الديكور‪ ،‬والتقنيون‪ ،‬ومراقبو الرقمي‪ ،‬حيث يقول في مؤلفه «النص المترابط‬ ‫الموسيقى والصوت واألفضية‪ ،‬وطريقة العرض ومستقبل الثقافة ال�ع��رب�ي��ة‪ ...‬نحو كتابة عربية‬ ‫والميكساج‪ ،‬فضال عن شاشة العرض السينمائية رقمية»‪ ،‬إنه «آن لنا أن نقطع مع ال��دون كيخوته‬ ‫أو الحاسوب أو الفيسيدي أو الديفيدي (‪ lecteur‬العربية»‪ .‬ودعا إلى «تجديد الوعي بالنص واإلبداع‬ ‫‪ou DVD‬‬

‫‪ ،)VCD‬لذلك‪ ،‬يجد الناقد الممارس‪ ،‬والنقد‪ ،‬وفتح المسارات الجديدة واآلف��اق التي‬

‫حسب ال�ن��اق��د المغربي محمد معتصم «نفسه عليه أن يرتادها من خالل إبداع جديد يقوم على‬

‫أم���ام ن��ص م��رك��ب‪ ،‬ب �خ�لاف ال �ن �ص��وص الورقية الترابط والتفاعل‪ ،‬وليسهم في تشكيل وعي نقدي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪45‬‬


‫جديد يتسلح ليس فقط بالعلوم اللغوية والبالغية‪،‬‬

‫وإنما ينفتح على مجاالت تتصل بالصورة والتشكيل‬

‫وال�م��وس�ي�ق��ى‪ ،‬وع�ل��ى ع�ل��وم تتصل باإلنسانيات‪،‬‬ ‫والمعرفيات‪ ،‬والذكاء االصطناعي‪ ،‬والرقميات‪،‬‬

‫واإلعالم‪ ،‬والتواصل»‪.‬‬

‫ول�س�ن��ا ف��ي ح��اج��ة إل��ى ال�ت��أك�ي��د‪ ،‬م��ع الكاتب‬

‫محمد البشير‪ ،‬على أن الزمن الراهن هو بامتياز‬

‫(زم��ن السينما)‪ ،‬فلقد أثبتت ‪-‬السينما‪ -‬قدرتها‬ ‫ال�ف��ائ�ق��ة ع�ل��ى ام �ت �ص��اص جميع ال�خ�ط��اب��ات من‬ ‫مختلف الحقول الثقافية‪ ،‬وجعلها عنصرا فاعال‬ ‫في البناء الدرامي الفيلمي‪ ،‬وأصبحت اليوم بوتقة‬ ‫تنصهر وتمتزج فيها كل أشكال التعبير اإلنساني‪،‬‬

‫فشرعت بالخوض في حقول تجريبية كثيرة من‬

‫خالل انفتاحها على تلك الفنون واآلداب والعلوم‬ ‫المجاورة‪ ،‬وذلك بواسطة تقنيات فنية تَشّ كل اغلبها‬ ‫في أطر ثقافية مقاربة للفن السينمائي ‪-‬كالرواية‪،‬‬

‫والمسرح‪ ،‬والرسم‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬وغيرها‪ .-‬ومن‬

‫أجل جعلها‪ -‬أي هذه الخطابات‪ -‬عنصرا حامال‬

‫لجزء من ال��دالل��ة العامة للعمل الفني من جهة‪،‬‬

‫الموضوعي بين الوسيلتين‪ ،‬وفرضيات كل منهما‬ ‫على مبدعيها ومتلقيّها‪ ،‬هذا‪ ،‬فضال عن الكشوفات‬ ‫السردية التي عرفتهّا الرواية من جهة‪ ،‬والتقنيات‬ ‫المتجددة التي صاحبت تطور السينما من جهة‬ ‫أخ��رى‪ .‬ف��إن السعي ال��دؤوب من ل��دن المبدعين‬ ‫إلى البحث عن منظورات جديدة لمقاربة الكائن‬ ‫والممكن‪ ،‬فضال عن حرية التجريب في الحقل‬ ‫السينمائي‪ ،‬وإمكانية وجود وسائل خطابية مقاربة‬ ‫تعبر عن المادة الحكائية‪ ،‬كل هذا سيفضي إلى‬

‫ولتكّثف من جهة أخرى المظاهر المعرفية فيه‪.‬‬ ‫ف�ق��د ح ��اول م�ب��دع��وه��ا ج � ّر ال�س�ي��اق��ات السردية الكشف عن سردية الرواية والفيلم معا‪ ،‬بوصفهما‬ ‫الروائية حديثا‪ ..‬لتصب في مصلحة التعبير عن فنيّين إبداعيين سرديين تتعدد فيهما وسائل‬ ‫الحالة الوجدانية التي تصفها الرواية(‪.)3‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬فقد نشأت عالقات متينة ما بين‬

‫السينما واآلداب األخ��رى‪ ،‬وبشكل خاص منها ما‬ ‫يتعلق بالسرد‪ ،‬وإذ يقر أغلب الروائيين بأهمية‬

‫التعبير‪ ،‬وتتماثل كثير م��ن ض��روب ون�ظ��م صوغ‬ ‫المتون الحكائية‪ ،‬مما زاد من فرص وجود عالئق‬

‫مشتركة بينهما‪.‬‬ ‫على الرغم مما يمكن أن نجده من تكامل وتقارب‬

‫هذه العالقة‪ ،‬لكون الرواية هي أداة السينما األولى وتماثل بين لغة الفيلم ولغة ال��رواي��ة‪ ،‬إال أن ثمة‬ ‫بسبب قربها من ذلك الفن‪ ،‬وليس لفرط سهولتها‪ ،‬تمايزا بين السينمائي والحكائي‪ ،‬إذ السينمائي هو‬ ‫ورغ��م أن حصر أوج��ه التماثل بين ف��ن الرواية كل ما ينتمي إلى اللغة السينمائية بالمعنى الخاص‬

‫والفيلم‪ ،‬يستحيل‪ ،‬بصورة دقيقة‪ ،‬نتيجة التباعد والضيّق‪ ،‬أما الحكائي فهو فوق سينمائي‪ ..‬ما دام‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫اليومية‪ ،‬أي أن أنظمة الحكي ظهرت قبل وجود بالحرف إلى التفكير السردي بالمشهد والصورة‬

‫السينما‪ ،‬فالسينمائي إذاً خ��اص‪ ،‬تقني‪ ،‬نتج عن واإليحاء األيقوني الحركي‪ ،‬ال يريد‪ ،‬بذلك‪ ،‬نسخ‬

‫التطور التكنولوجي؛ أما الحكائي فهو عام‪ ،‬سابق‪ ،‬التجربة واستعادتها عبر الصورة‪ ،‬ليقدم للمتلقي‬ ‫متعدد‪ ،‬إنساني‪ ،‬حاضر في كل األزمنة واألمكنة‪ ،‬نصا ج��دي��دا‪ ،‬ق��د ي��وح��ي بفكرة ال�ن��ص السردي‬

‫أي أنه عبر تاريخي وعبر ثقافي(‪.)5‬‬

‫المطبوع‪ ،‬وقد يخلخله أو يعارضه أو يكون تكملة‬

‫إن تحويل نص س��ردي قصصي أو روائ��ي إلى أو هدما له‪ ،‬إنه نوع من تمهير المتلقي على قراءة‬ ‫نص بصري سينمائي متعدد األسناد والحوامل‪ ،‬تعد أخ��رى لإلبداع‪ ،‬وكأنه يريد أن يرسخ فكرة لدى‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫يتضمن المسرح وال��رواي��ة والسينما واألحداث بتشكل الخطاب القصصي‪ ،‬من التفكير السردي‬

‫عملية إبداعية متعددة الروافد والخواص؛ جذرت ال �ق��ارئ مفادها أن ق ��راءة ال�ن��ص نفسه مكتوبا‪،‬‬ ‫من «لغة السينما» في حياتنا الثقافية المعاصرة‪ ،‬تختلف عن تلقيه مصوراً عن طريق فيلم ال يشكل‬

‫وأث��رت بالطريقة التي نرى بها األشياء‪ ،‬حتى أن س��وى احتمال ق��راءة فردية للمخرج‪ ،‬قد تختلف‬ ‫بعض االت�ج��اه��ات التي ظهرت حديثا دع��ت إلى عنها التصورات التي تحملها قراءات أخرى للنص‬ ‫تبني أساليب جديدة في الكتابة مثل‪ :‬تعدد وجهات نفسه‪ ،‬وقد تعارضها أو توازيها‪ .‬لذلك فقد اكتفى‬ ‫النظر‪ ،‬وتفكك البنية السردية الخطية‪ ،‬ومراوغة القرص المدمج بتحول نصين فقط هما «بال غمد»‬ ‫القارئ‪ ،‬ومصاحبة البطل المضاد… إلى آخر هذه و«البالونة»‪ ،‬ليترك متسعا للقارئ نفسه‪ ،‬ليشتغل‬

‫التقنيات المعروفة التي تعتمد‪ ،‬ب��األس��اس‪ ،‬على على باقي النصوص األخرى بشكل ذهني‪.‬‬

‫قلب الرؤية الموضوعية للعالم واستبدالها برؤية‬

‫وعلى الرغم من اختالف الوسائل التعبيرية‬

‫متشظّ ية‪ ،‬متقطعة‪ ،‬مضاعفة‪ ،‬وغير متناسقة لعالم بين الرواية والفيلم‪ ،‬إذ المشاهد السردية الروائية‬

‫غير مفهوم‪ ،‬إذاً‪ ،‬فالسرد مارس تأثيره اإلغرائي تتكون نتيجة التوهم والتماهي بين النص وقارئه‪،‬‬ ‫أوال على الصناعة السينمائية بوصفها رافدا وه��ي ترتبط ب�ن��وع ال �ق��راءة وكفاءتها وفعاليتها‪،‬‬

‫حيويا م��ن رواف��ده��ا‪ ،‬لكن السينما أث��رت بذات فيما تتكون المشاهد السردية السينمائية على‬ ‫التأثير على ال��رواي��ة عن طريق الصور واألخيلة سبيل التجميع البصري لمجموعة من المعطيات‬

‫واألل��وان‪ ،‬فضال عما يفيد به الفيلم الرواية من المرئية‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن محتوى التعبير واحد‪ ،‬وإن‬ ‫مناهج وآليات في بناء األحداث وتداخلها والتحكم هناك أرضا مشتركة بين االثنين‪ ،‬يمكن تحديدها‬

‫ف��ي م�ظ��اه��ر ال �ص��راع بينها م��ن ج �ه��ة‪ ،‬واإلقناع وف �ق��ا ل �ل �ت �ص��ورات وال � ��رؤى ال �س��اب �ق��ة ع �ل��ى أنها‬ ‫بالفصول والمشاهد المقدمة من جهة أخرى‪ ،‬ألن (الحكاية)‪ ،‬بغض النظر عن االختالفات الشكلية‬ ‫أي عمل فني‪ ،‬إنما يتوجه إلى متلق معين‪ ..‬ويحمل والمضمونية‪.‬‬

‫رسالة خاصة مؤسّ سة وفق خطة إقناعية تنم عن‬

‫مدى تصور المبدع لألثر وللمتلقي وللواقع(‪.)6‬‬

‫وبهذا السياق تكتسب الصورة تأثيرها وفعلها‬

‫التحسيسي بعد أن تتقولب بقالب اللغة المرئية‪،‬‬

‫إن محمد البشير‪ ،‬بانتقاله على مستوى الوعي ما أن نستدل باللون أو الضوء على مستوى فاعلية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪47‬‬


‫اللقطة‪ ،‬حتى تنتقل المؤثرات من نظامها الذي‬

‫إليها آنفاً‪ :‬هو أدب الفلم (النص)‪ ،‬حيث باإلمكان‬

‫إحساسا بفنية األن�س��اق البصرية وقدرتها على‬

‫المشاهدة–بالنظر إلى الوسيلة واألداء (التماثل‬

‫اللسنية ف��ي م��واج�ه��ة التلقي‪ ،‬م��ن حيث تحميل‬

‫النص (ال��دال) لتقنيات الفيلم (المدلول) بعملية‬

‫تكونت فيه إلى نظام آخر‪ ،‬هذا التغير يخلق لدينا قراءته وتحديد قيمته من خالل الوسيط–التلقي‪،‬‬ ‫التعبير بنفس الطاقة التي تمثلها األنساق النصية‬

‫وال �ت �ق��ارب)‪ ،‬بغية تحليل ال �ت��داول ال�ح��اص��ل بين‬

‫الداللة أو تشكيل المعنى المتواري بين السطور‪ ،‬أطلق عليها د‪ .‬محمد عياشي– أطروحة النص–‬ ‫وجعلها فاعلة في رسم المالمح ذهنيا‪ .‬بل أكثر فمن خالل هذه الفعالية‪ ،‬نستنتج مدى عمق هذه‬

‫من ذل��ك‪ ،‬فالسند البصري المتحرك أكثر قدرة‬

‫االستجابة بين الثنائيتين (النص والفلم)‪ ،‬فالشعور‬

‫واإلثارة‪ ،‬وربما بإغراء أقوى‪ ،‬بحكم أن الفيلم يقدم‬

‫وتداخالتها ف��ي ال�ن��ص) أو تضافرها‪ ،‬ال يعطي‬

‫على تحفيز الخيال‪ ،‬وتحميل المتلقي على المتابعة‬ ‫النص بطريقة تجعل فعل التلقي آلة كسولة‪ ،‬ما‬

‫دام القارئ‪ ،‬وهو يتابع الفيلم‪ ،‬ال يبدل على مستوى‬ ‫الصوغ التخييلي والبناء المحكم للوقائع واألحداث‬

‫بتناسج ال�م�ك��ون��ات وتناسقها (ت��رك�ي��ب الصورة‬

‫حكماً نهائياً على ما نريد إظهاره من قيم‪ ،‬بل تبقى‬

‫العملية محصورة في األداء والمهارة لبلورة هذا‬

‫الشعور أو اإلحساس‪.‬‬

‫المجهود نفسه في التأويل الذي يقوم كما لو كان‬

‫وهكذا‪ ،‬نستخلص أن عناصر السرد السينمائي‬

‫على مستوى البصر ويقدم الصورة جاهزة‪ ،‬في‬

‫والتوافق في تشكيل الصورة عبر آلية (التركيب‪/‬‬

‫السرد عبارة عن خطية‪ ،‬وص��ور حرفية تقتضي‬

‫الفيلم)‪ ،‬ودمجهما في سياق واحد ال تخلو أنساقه‬

‫البشير‪ ،‬فالقراءة تحرك هذه األشياء مجتمعة ما‬

‫تظهر في الفلم إال بعد ارتباطها بتصورات– الرؤية‬

‫تقلل األول��ى من قيمة الثانية‪ ،‬بل تتضافران معا‬

‫(تقنية ‪ +‬المهارة)‪ ،‬وكذلك لها قدرة على التحكم‬

‫النص الذي يتلقاه مكتوبا‪ ،‬ف��األول يحرك التلقي‬

‫(مكونات النص‪ /‬الفيلم)‪ ،‬لها فاعلية التجانس‬

‫ال��وق��ت ال ��ذي ي �ق��دم ال �ث��ان��ي األح� ��داث واألفعال‬

‫ال�م�ع�ن��ى)‪ ،‬ال�ت��ي ت�ض��م م�ح�ت��وى ال��دال �ي��ن (النص‪،‬‬

‫عدة عمليات يقوم بها ذهن المتلقي دفعة واحدة‪ ..‬من المثيرات المنتجة عن البؤر‪ ،‬الباطن‪ ،‬الطوطم‪،‬‬ ‫وفي اآلن نفسه‪ .‬أما على مستوى نصوص محمد التواري‪ ،‬التماهي‪ ،‬هذه العناصر ال يمكن لها أن‬ ‫دامت تراهن على أسلوبي التلقي معاً‪ ،‬من دون أن‬

‫اإلخراجية– لما لها م��ن خصوصية المعالجة‬

‫لبناء الداللة‪ ،‬وتقديم المعنى في أفضل صورة‪.‬‬

‫بقوانين التراكم داخ��ل الخطاب السينمائي من‬

‫أما البعد الثاني من عملية الرصد التي أشرنا‬ ‫ *‬

‫(‪ )1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬

‫‪48‬‬

‫لحظة المشهد األول إلى اإلنجاز‪.‬‬

‫كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫محمد البشير‪ :‬عبق النافذة‪ ،‬قصص‪ ،‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪ ،‬الدمام‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪2008 ،‬م‪.‬‬ ‫محمد البشير‪ :‬عبق النافذة‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫ليث عبدالكريم الربيعي‪ ،‬الحوار المتمدن ‪ -‬العدد‪.24 /9 /2005 -1327 :‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫على هامش امللف‬

‫قصص نسائية من السعودية ‪ -‬أميمة اخلميس‬ ‫> عبدالباقي أحمد خلف ‪ -‬سوريا‬

‫شهد المجتمع األدبي السعودي في السنوات الفائتة مشروعا ثقافيا ال يستهان به‪ ،‬فقد تم انجاز‬ ‫أعمال أدبية وال سيما النسائية‪ ،‬منها خطوات متالحقة غاية في اإلبداع واالشتغال والسمو الفني‪.‬‬ ‫وال أدل على ذلك من حصول روايتين سعوديتين على جائزة بوكر العربية قي سنتين متواليتين‪:‬‬ ‫(ترمي بشرر) لعبده خال ‪2010‬م‪ ،‬وطوق الحمام لرجاء عالم ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ولم تكن القصة بأقل حظا في النتاج األدبي‪ ،‬فقد قُ دّ مت أعمال قصصية وبخاصة النسائية منها‪،‬‬ ‫فأبدعت هذه األعمال في منجزها القصصي في جوانبه الفنية‪ ،‬وعبر أنساق مختلفة من التعبير‬ ‫والتجانس والشفافية‪ .‬وكان قيام دوريات عربية مختلفة بطباعتها ونشرها‪ ،‬عالمة ناجحة‪ ،‬ووسيلة‬ ‫سهلة‪ ،‬لتناول تلك األعمال واالطالع عليها‪.‬‬ ‫سنلقي ف��ي رص��دن��ا ه��ذا نظرة متابعة على‬

‫دور ال�م��رأة الحقيقي‪ ،‬معرّية ال�ص��ورة الحسّ ية‬

‫مجموعة قصص لكاتبات سعوديات‪ ،‬ليتم تأكيد‬

‫الخادعة التي علقت بها تاريخيا‪ ،‬فهي ليست‬

‫ما ألمحنا له‪ ،‬وليطلع عليه من لم تسنح له سانحة مسئولة ع��ن الخطيئة‪ .‬وليست ل��ذة أو سلعة‪،‬‬ ‫للنظر فيها مليا‪ ،‬وليتسنى له إمتاع النظر والفكر‬

‫ب��ل إنها واه�ب��ة الحياة وال�ف��ن واألدب‪ ،‬وحسب‬

‫بتلك المشاغل األدبية اليانعة‪.‬‬

‫تعبيرها‪( :‬رغ��م ك��ل ه��ذا االج�ت�ي��اح‪ ،‬ظ��ل السرد‬

‫السرد أرض أنثوية‪ :‬أميمة الخميس‬

‫أرضا أنثوية وفيا لشفرة جينته األول��ى)‪ ،‬إذ أن‬ ‫العمل اإلبداعي بحاجة إلى تلك الروح المخلصة‬

‫ارتأت معدّة المجموعة أميمة الخميس تسمية المتبتلة‪ ،‬والحدب ال��ذي ال يكون إال ألنثى تعي‬ ‫المجموعة (ال �س��رد أرض أن�ث��وي��ة)‪ ،‬تحت هذا تماما قدسية فعل الخلق‪ .‬ويأتي السرد ليبعث‬

‫العنوان الشفيف تتحدث القاصة في مقدمتها‬ ‫ع��ن ن �ه��وض ال �ف��ن واألدب ف��ي م��واج�ه��ة الفناء‬ ‫واالندثار‪ ،‬معللة ذلك بأن حواء هي األم الكبرى‬ ‫ال�ت��ي أوك�ل��ت إليها مهمة المحافظة على فعل‬ ‫الحياة وسير الوجود‪ .‬تحاول في كل ذلك إبراز‬

‫بومضة الحياة المتدفقة لديها نسيجا تنسجه‬ ‫من مادة أحالمها ممزوجة بأسرار الكون‪.‬‬

‫خلع‪« :‬أمل زاهد» رمل «للقاصة أمل الفاران»‬ ‫ت�ب��دأ المجموعة بقصة للكاتبة السعودية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪49‬‬


‫المدنية أمل زاهد بعنوان «خلع»‪ ،‬إذ تحاول الكاتبة‬

‫وتتحدث من خالل رسالة زميلتها منال عن‬

‫في سردها الغوص في الحالة النفسية لمريضة األجواء الدراسية في كندا‪ :‬فصول مليئة بالهنود‬ ‫مفترضة‪ ،‬ال تجد وسيلة لإللتقاء بالمحب‪ ،‬إال أن والصينيين وال �ي �ه��ود ال��ذي��ن ت��راه��م ألول مرة‪،‬‬ ‫تدعي العلة لتزوره في عيادته‪ ..‬لتعرض نفسها وحكاية المعلم الشاب ذي العينين الزرقاوين‬

‫عليه كطبيب مختص‪ ،‬لكن مشاعرها ولواعجها الحادتين حين صاح بها بعد أيام من التدريس‪:‬‬ ‫تغلبها لينفرط عقدها بين يديه‪..‬‬

‫ما القصة؟ هل أنت غاضبة مني؟ لتعلل ذلك أنها‬

‫ثم تتبعها قصة «رمل» للقاصة أمل الفاران‪ ،‬تجمدت عندها من الخجل (وكنت بحاجة إلى‬ ‫وهي أديبة سعودية حازت على جائزة الشارقة مهارة لغوية فائقة تفهمه أنني للمرة األولى آخذ‬ ‫األدب �ي��ة ع��ن رواي �ت �ه��ا «روح �ه��ا ال�م��وش��وم��ة به»‪ ،‬العلم عن رجل‪ ،‬وتتفرس عيناه الزرقاوان بوجهي‬ ‫استهلت قصتها ب�ـ(رش خفيف على وجه الرمل منتظرا اإلجابة‪ ،‬لم أستطع بالطبع أن أخبره بكل‬ ‫فأشرق‪ ،‬سمرات البر تشبهني أو أشبهها‪ :‬من هذا‪ ،‬فتحت قوقعة صمتي واختبأت بداخلها)‪.‬‬

‫مطر ال تغادر وال تنحني أنا سعيدة يا صديقي‪،‬‬ ‫ال��رش يغسل روح��ي)‪ ،‬تحكي فيه حديث الرمل‬

‫القطيع‪ :‬تركية العمري‬ ‫قصة الشاعرة والقاصة والمترجمة تركية‬

‫واآلالم واألماني والعالقة بينها وتسميه الطقس‬ ‫المؤنث ذلك الفعل الذي إذا ضاق صدر أحدهم العمري‪ ،‬ترسم فيها مالمح معاناة األنثى إلى‬ ‫جدا راح للبر‪ ،‬يحفر حفرة صغيرة يحكي فيها ما درج��ة نسج ال�خ��راف��ات والحكايات ورب��ط ذلك‬

‫يوجعه ويدفنه‪ ...‬حتى تقرر‪ :‬دفن األوجاع طقس بالجن‪ ...‬فتاة بريئة تاهت عن درب�ه��ا‪ ،‬فوقعت‬ ‫في فخ معاناة ال حدود لها‪ ،‬تصور الكاتبة خالل‬ ‫مؤنث‪.‬‬

‫منال‪ :‬أميمة الخميس‬

‫ذلك النفسية االجتماعية الظاهرة التي تجاهلت‬

‫المرأة كإنسان‪ ،‬فوقعت في إشكاالت ومفارقات‬

‫أم��ا القصة التالية‪ :‬فهي ألميمة الخميس مشكلة‪.‬‬ ‫وعنوانها «منال»‪ ،‬تحكي فيها قصة رسالة تأتي‬ ‫من صديقتها منال‪ ،‬وهي في كندا‪ ،‬لتسرد لنا عن‬ ‫ذكرياتها مع منال تلك التي كانت (تضيء بشرتها‬

‫قصص قصيرة جداً‪ :‬خيرية السقاف‬ ‫أما مجموعة القصة القصيرة للقاصة خيرية‬

‫الزيتونية الالمعة‪ ،‬فتبدو كصبايا نجد اللواتي السقاف‪ ،‬فهي م�ح��اوالت عصرية لتدوين هذا‬

‫أورقن بعد سنين الطفرة‪ ،‬ظباء صحراوية مجلوّة األدب الصادم والمنافس بجدارة‪ ،‬بل هو تأريخ‬ ‫بعد سنين مغدقة الربيع) يتسم النص برومانسية جديد للقصة النسائية السعودية‪ ،‬فقد اختزلت‬ ‫رقيقة «القمر هنا ه��و أمير الصحراء الضال الكاتبة ف��ي نصوصها عناصر الفكرة األدبية‬ ‫حيث الوحدة والوجوم والصقيع»‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫واإليجاز اللغوي واإلث��ارة (حين تلمست صدري‬


‫عدت من التأبين‪ ...‬المدينة كانت قد ابتلعت)‪.‬‬

‫ف ��ي ه���ذه ال �ق �ص��ة ت��ذه��ب ال �ك��ات �ب��ة شريفة‬

‫قصص قصيرة جدا‪ :‬زهراء األربش‬ ‫أما المجموعة األخ��رى فهي للقاصة زهراء‬

‫الشمالن منحىً غاية في السمو والرقة واإلبداع‪،‬‬ ‫حين تستنطق الكائن الحيواني‪ ،‬فتقص حكاياتها‬ ‫بشاطئ البحر الهادر‪ ،‬لتحلم بلقاء سمكة أنثى‬

‫األربش‪ ،‬قدمت أيضا أربع قصص قصيرة جدا في جميلة رب�م��ا‪/‬ع��روس البحر‪ /‬لتقلها معها إلى‬ ‫ثوب صقيل متعتنا بأهم ما يميز القصة القصيرة عالمها البحري الخاص (عروس لها عينا غزال‪،‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ك��ان قلبي قد غ��ادر ليسير في الجنازة‪ ،‬عندما‬

‫السمكة والبحر‪ :‬شريفة الشمالن‬

‫جدا‪ ،‬هذا الجنس األدبي المنافس بعنف‪ ،‬وهي وشعر مسدل على ظهرها‪ ،‬عابثة الموج‪ ،‬رفعت‬ ‫المتعة والقفلة اللتين ارت�ك��زت عليهما الكاتبة نصفها األسفل بيديها‪ ،‬وجلست جانبي‪ ،‬وراحت‬ ‫بنجاح‪ ..‬تقول في قصتها المعنونة «انتظار» (ال ت�ج��اذب�ن��ي أط� ��راف ال �ح��دي��ث‪ ،‬إن �ه��ا س �ي��دة هذا‬ ‫تستطيع بقاء الليل كله بجانب النافذة‪ ،‬واقفة الشاطئ الممتد إلى ما شاء الله‪.)..‬‬ ‫تنتظر عودته المتأخرة‪ ،‬فتذهب وتجيء خالل‬

‫تحاول الكاتبة عبر ذل��ك استنطاق‪/‬أنسنة‪/‬‬

‫ال �غ��رف��ة‪ ،‬وع �ن��د ق��دوم��ه ت��دخ��ل ف��راش �ه��ا بخفة السمكة‪ ،‬لتجري حوارا تنزّل فيه الحيوان منزل‬ ‫وتتظاهر بالنوم)‪.‬‬

‫نداء‪ :‬سعاد السعيد‬

‫اإلنسان العاقل الناطق‪ ..‬يدعو إلى احترام البيئة‪/‬‬

‫البحر‪/‬وحمايته من تخريب اإلنسان‪/‬غواصات –‬ ‫نفايات ‪ -‬طاقات نووية‪ /‬فتدعو القاصة أن تكتب‬

‫عنوان قصة لألديبة سعاد السعيد‪ ،‬تسرد في عن ذلك في الصحف‪ ،‬أما الكاتبة فتحدثها عن‬

‫نصها «نداء» خياالت امرأة ثكلى‪ ،‬فقدت وحيدها آالم إنسان اليوم‪ ،‬وأح�لام األطفال‪ ..‬لكنها بعد‬ ‫الصغير‪ ،‬فتغرق في بحر من المشاعر المختلطة هذا الحوار الممتع تفاجأ بأنها تقفز من حلم‬ ‫من أوهام وحقائق تتناهب النفس المكلومة في‬ ‫تصوير فني مبدع‪ ،‬على نمط ال يحسنه أحد‪،‬‬ ‫ما عدا المرأة بروحها الشفافة التي ال يدركها‬ ‫إال ه ��ي‪ ..‬وت�خ�ت��م ال �ن��ص ب �ـ (ص� ��راخ مصحوب‬ ‫بنصف ريح يخرج مني ومن العالم أجمع‪ :‬ريح‬ ‫تختم شدتها‪ ،‬عجزت كما عجز الظالم واألنوار‬ ‫والسكون والضجيج وكل المتناقضات أن توقظ‬ ‫طفلي المتجمد‪.)...‬‬

‫لذيذ (ل��م أف��رك عيني‪ ،‬كنت أش��د على اللؤلؤة‬

‫بيدي‪ ،‬ولكني عندما ألقيت نظرة‪ ..‬كانت يدي‬ ‫تشكو الفراغ‪.).‬‬ ‫وال�ش�م�لان ت��ؤرخ عبر ذل��ك لمرحلة جديدة‬ ‫ل�ل�ق�ص��ة ال �ن �س��وي��ة‪ ..‬غ��اي��ة ف ��ي ال �س �م��و والفن‬ ‫والشفافية واإلبداع‪..‬‬

‫طقس ونيران‪ :‬شمس علي‬ ‫ق�ص��ة م�ج��دول��ة م��ن ن �ي��ران وأح �ل�ام نسائية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪51‬‬


‫محروقة‪ ،‬تلك هي القصة التي تدونها بدموع أحد‪.).‬‬ ‫ال�ن�س��وة‪ ..‬الكاتبة والقاصة شمس علي تصف‬

‫تحكي القاصة بحذقة ودرب��ة تامة المراحل‬

‫فيها طقسا أحسائيا مندثرا‪ ،‬حيث تلت ّم النسوة المتتابعة‪ ،‬منذ أن كانت الدكاكين الصغيرة تبتاع‬ ‫حول نار مشتعلة‪ ،‬فيتراقصن من حول الحريق منها النساء الكبيرات كحلهن العربي‪ ،‬المعبأ‬

‫الملتهب بأقدام تخفق على األرض طلبا لطرد في زجاجات صغيرة‪ ،‬إلى أن ص��ارت الدكاكين‬ ‫النحس‪ ،‬والنسوة من الالتي غادرهن أزواجهن تجلب ط�لاء أح�م��ر للشفاه‪ ،‬إذ استعاضت به‬ ‫فأبقوا لديهن أمال دفينا يتعلقن به‪ ،‬فإحداهن نسوة القرية عن الديرم‪ ،‬تلك األع��واد الالذعة‬ ‫(تضحك عيناها للذكرى العتيقة حينما جاء به التي تطيل النساء وضعها بين شفاههن‪ ..‬لكسب‬

‫الجمال‪,‬الرجل البدوي ذو الضفيرتين‪ ،‬والثوب حمرة قانية‪ .‬وسط ذلك كان هناك شاب وسيم‬ ‫ال�م�ج�ن��ح‪ ،‬بمشقة اس�ت�ط��اع أن ينيخ جمله في يسدل شعره على جبينه‪ ،‬أما هي فكانت نائية‬ ‫زقاقهم الضيق‪.).‬‬

‫بعيدة تجلس عند نخلتها التي تشبهها‪ ،‬تمشط‬

‫ت��رص��د ال�ك��ات�ب��ة ح�ك��اي��ا ال �ن �س��اء ومعاناتهن شعرها األسود الطويل‪ ..‬تفرقه فرقتين‪ .‬وتمضي‬ ‫األي��ام رخية سهلة ف��ي تلك البيئة االجتماعية‬ ‫ف��ي ن��م��اذج م�ت�ش��اب�ه��ة وم �ت �ق��ارب��ة م��ن السيب‪،‬‬ ‫الطافحة بالحياة واألن��وث��ة‪ ،‬وقد برعت الكاتبة‬ ‫والالمسئولية‪ ،‬واالنهزام‪ ،‬والتفلت‪ ،‬واالنحسار‪..‬‬ ‫في تشبيه البطلة بالنخلة في الطول والبساقة‬ ‫ليست إال المرأة المسكينة محمّلة بالهم واألطفال‬ ‫وانسياب خصالت ال��رأس بعنفوان‪ ،‬لكن النخل‬ ‫اللذين تركهما لها الزوج المنفلت من واجباته‪...‬‬ ‫باق‪ ..‬واإلنسان متحرك يضج بالحياة والحيوية‪،‬‬ ‫تلك هي المفارقة التي تريد الكاتبة أن تصل وتأخذ دورة الحياة حاجتها من النسغ والزهر غير‬ ‫بنا لشاطئها المزدان بالفجع والويل والتناقضات مبال بشيء‪ ,‬النخيل في قشره وجذعه‪ ،‬واإلنسان‬ ‫البائسة‪.‬‬ ‫في دمه‪ ،‬فيزهر الطلع‪ ،‬وينفج النبق في الجسد‬

‫قتلها‪ :‬فاطمة العتيبي‬ ‫تؤثر قريحة فاطمة العتيبي ص��ورة اإلبداع‬ ‫واالشتغال الممزوجة بالحب واأللم‪ ،‬حين تصف‬ ‫آالم األنثى وسط بيئة اجتماعية‪ ،‬لتسجل همسات‬

‫الخافق وال يوقفها غير (رصاصة الموت تسكن‬ ‫في صدرها المخبوء خلف فضفاض الثياب)‪.‬‬

‫شموع الفراولة‪ :‬فوزية الحربي‬ ‫تنسج فيها القاصة ف��وزي��ة الحربي حكاية‬

‫األنثى وتنهداتها الخافتة في بيئة النخيل ورطبه حب ك��ان‪ ،‬فغدا روح��ا مهيمنة يلبسها وال يكاد‬

‫ال �م��ره��ف ال �ع��ذوب��ة (ال�ن�خ�ي��ل تستطيل ويعذب يدعها‪ ،‬تلك الروح الساكنة في شموع الفراولة ال‬ ‫رطبها‪ ،‬وكانت مثلها تنمو بصمت ورطبها يكبر تبرحها‪ ،‬أو الكامنة في الكأس الفارغ مرمزة به‬ ‫وسط األثواب الفضفاضة من دون أن يدري عنه للقلب الفارغ‪ ..‬هكذا يبدو للوهلة األولى‪ ،‬لكنها‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ِ‬ ‫عطر ِه العابق‪ ،‬والقلب معذبٌ لم ينس لحظات دمعي الالهث تجأر معي‪...‬تسمّر األطفال في‬ ‫الروح في نشوتها وتوهجها‪ ،‬بل تقرأ في عينيه أماكنهم حين رأوا هلعي ودموعي‪ ،‬ولم أخجل من‬ ‫بإجادة تامة آثار اإلنسان ووشوشاته الحالمة‪.‬‬

‫حرية‪ :‬ليلى األحيدب‬ ‫في هذه القصة‪ ،‬تدون ليلى حكايا الحب وآثاره‬ ‫العاطفية الطاغية‪ ،‬التي ال تبرح تأخذ بصاحبه‪،‬‬ ‫تسجل لحظات الهياج اإلنساني‪ ،‬متسمة تلك‬ ‫المشاعر بالوفاء واإلخالص وحفظ العهد‪ ،‬كعادة‬

‫الصراخ أمامهم بهستيرية‪ )...‬لتؤرخ بذلك لحظة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وع�لاق��ة األص��ل ب��ال�ف��رع‪ ،‬ف��ي ساعة‬ ‫تصل الحالة الروحية أوجها‪.‬‬

‫رسائل مبتلّة‪ :‬هيفاء الفريح‬ ‫وف ��ي ال �خ �ت��ام‪ ،‬ت�خ��ط أن��ام��ل ه�ي�ف��اء الفريح‬ ‫مجموعة خواطر قصصية تتناول أحوال األنثى‬

‫المرأة إذا سقطت في هاوية الخيانة والمعاناة‪.‬‬

‫وهمومها‪ ،‬ف��ي ص��ور منتقاة ومتجاذبة‪ ..‬فتارة‬

‫قصص قصيرة جدا‪ :‬منيرة األزيميع‬

‫(تتضوع رائحة دمعها األزكى من القرنفل لحظة‬

‫عدة قصص قصيرة للقاصة منيرة األزيميع‬ ‫من مجموعتها‪/‬الطيور ال تلتفت خلفها‪ /‬وكانت‬ ‫ه��ذه الكاتبة ق��د أن �ش��أت جمعية أدب �ي��ة بنادي‬ ‫الشرقية األدبي الذي يهتم بالمواهب الصغيرة‬ ‫والقراءة‪ ،‬ويشيع ثقافة الحوار وهي محاولة جادة‬ ‫لإلسهام في هذا الجنس األدبي الصادم‪.‬‬

‫قمر‪ -‬هناء حجازي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال ترضى بذلك‪ ..‬فها هو الكأس يحمل رائحة‬

‫(أرك ��ض بين ال �ج��دران وأج ��أر كلبؤة‪ ،‬وخطوط‬

‫فتحه رسائلها تحت نجمة بعيدة عن أرض الوطن‪،‬‬ ‫ال يشتم ذلك العبق سوى إحساسه المسافر به‬ ‫نحو حضنها‪ ..‬عندما كانت تهدهد بأغنية يحسده‬ ‫عليها كل صبية الحارة في حبهم العتيق)‪ .‬وفي‬ ‫األخ��رى‪( ..‬م��دت له بيمناها ميثاقا بذلك‪ ،‬في‬ ‫حين كانت الكف اليسرى مشغولة بتمرير سكين‬ ‫مثلمة على حبل ال��ود ال��ذي يربطهما معا‪ ..‬ال‬ ‫الحبل أوصله إليها‪ ،‬وال السكين قطعته‪ ..‬ظل‬

‫عنوان قصة لألديبة والكاتبة هناء حجازي من معلقا بـ«الهوى»)‪.‬‬ ‫مجموعتها القصصية «بنت»‪ ،‬إنه حديث القمر‬ ‫مما سبق‪ ،‬يتبين لنا مشاركة األديبة السعودية‬ ‫ومناجاته (وي��ا قمر من ال��ذي أيقظك من النوم‬ ‫ب�ن�ص��وص وأع��م��ال ك �ف��ؤة ف��ي ال�م�ش�ه��د األدبي‬ ‫الليلة‪ ،‬ووض��ع على كتفيك ه��ذا الشال القديم‪،‬‬ ‫المعاصر‪ ،‬لتفرض نفسها عبر منجزها وبقوة‬ ‫ودفع بك إلى طريق الملهى؟)‪.‬‬ ‫ف��ي م�ي��دان األدب وال�ث�ق��اف��ة‪ ،‬وم��ن خ�لال سائر‬

‫يوم طارت ابنتي‪ :‬هيام المفلح‬

‫أجناس األدب وفنونه‪ ،‬وعبر ترجمة كثير من تلك‬

‫تسجل المهندسة والكاتبة في قصتها هذه النصوص للغات العالم‪ ..‬لتتطلع الشعوب على‬ ‫ل �ه��اث األن �ث��ى ح�ي��ن ت �غ��دو أ ّم���ا ت�ف�ق��د ولدها‪ ..‬تلك األعمال عن قرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪53‬‬


‫«ذاكرة بال وشاح» حلسنة القرني‬ ‫مثلث إيقاعٍ روائي‬

‫لصراعات ِ‬ ‫القصاص بني املرأة والرجل‬ ‫> د‪ .‬عماد علي سليم اخلطيب*‬

‫ترى رواية حسنة القرني «ذاكرة بال وشاح» ‪ -‬الصادرة عن دار‬ ‫المفردات للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط(‪1426 ،)1‬هـ‪2005-‬م‪،‬‬ ‫والصفحات التي في المتن – أثناء الحديث عن الرواية –‬ ‫تعود إليها ‪ -‬صورة المرأة الضحية بأسلوب مختلف‪ ،‬وهي‬ ‫تتخذ من نظام األسرة في المملكة العربية السعودية أرضية‬ ‫تُح َلّل خاللها مشكالت المجتمع هناك‪ ،‬وتفرض تعاطفً ا من‬ ‫نوع خاص تجاه ما تعانيه المرأة من صورة التسلّط الذكوري‪،‬‬ ‫كما سمَّ تها الساردة‪ ،‬وهي تارة تطلق االسم صراحة فتقول‪:‬‬ ‫«همست لي نفسي إنه التسلّط الذكوري»‪49/‬‬ ‫ويأتي هذا الوصف على لسان (فضة) األخت غير الشقيقة ل ـ (إبراهيم) وهي تصف‬ ‫أباها الذي كان يربط (إبراهيم) كالبهائم؛ منعً ا له من رفاق السوء‪ 49/‬وتتكشف األحداث‬ ‫التي تتمحور حول (فضة) باإليقاع الروائي التالي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ف �ض��ة ي �ض��رب �ه��ا إب��راه��ي��م (األخ غير في‬ ‫مزرعة أثناء نزهة ← تنجب توأمه ←‬ ‫الشقيق لها) ← تصاب فضة بالحمّى ← يموتان من إهمال الوالد (جاسر) بهما ←‬ ‫تأتيها الخطّ ابة ← يخطب (جاسر) فضة تخنق فضة جاسرًا لكنه لم يمت ← تنقل‬ ‫← تظفر فضة بعشيقها جاسر الذي التقته للمستشفى الطبي النفسي بالطائف ←‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫ويقتص من جاسر‪.‬‬ ‫وهكذا تسير الرواية مع خط أحداث البطلة‬ ‫(ف��ض��ة) م� �ص� �وّرة ط �ي��ش إب��راه �ي��م (األخ غير‬ ‫الشقيق) وعنف جاسر (الزوج)‪ .‬ولطافة سلسلة‬ ‫من صديقات فضة اللواتي سمّتهن بأسمائهن‬ ‫اللطيفة في معناها نسبة الختيار اسم (جاسر‬ ‫بن أب��ي مسعود ال ��دالل)‪ ،‬و ُه��نَّ حسب الظهور؛‬ ‫إض��اف��ة ألختها غير الشقيقة (م�ن�ي��رة)‪ :‬غادة‪،‬‬ ‫وكريمة‪ ،‬وريم‪ ،‬وعبير‪ ،‬ومنى‪ ،‬ومهرة‪.‬‬ ‫وف��ي مشاهد ت�ت��وازى ال��رواي��ة خاللها‪ ،‬نجد‬ ‫استثمار ال �س��اردة لفكرة (األل ��م) التي رأيناها‬ ‫ظاهرة مع إحساس (فضة) بالوحدة والغربة تجاه‬ ‫فعل ال تراه‬ ‫زميالتها ومدرستها وهي تُهان على ٍ‬ ‫يستحق اإلهانة‪ .32/‬فرأت فضة من سوء معاملة‬ ‫زميالتها ألـمًا ووحدة وغربة‪ .‬إال أنَّها وجدت في‬ ‫أختها (منيرة‪ /‬األخ��ت غير الشقيقة) البلسم‬ ‫الشافي وه��ي تسألها ع��ن سبب وج��ع ركبتها‪،‬‬ ‫فقالت في نفسها إنها‪« :‬سعيدة باأللم!»‪38/‬‬ ‫األل��م ال��ذي ق �رَّب أختها لها‪ .‬وتساءلت عن‬ ‫سبب س��وء معاملة زم�ي�لات�ه��ا‪ ..‬وب�خ��اص��ة وقد‬ ‫تفشى س ّر مرضها بينهنّ ‪ ،‬وقد كانت تحسبهنّ‬ ‫رفاق العمر!‪39/‬‬ ‫والخالصة أنَّ الرواية سارت إلثبات الدوال‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫عشق الزوجين‪.‬‬ ‫الزوج تمثال إلى جانب اندفاع الزوجة‪.‬‬

‫وتقدم الرواية صورة للرُّقى والعالج الروحاني‪.‬‬ ‫تقول الساردة‪« :‬وفيما أنا على هذه الحال‪ ،‬دخلت‬ ‫منيرة الغرفة ومعها بعض العزائم وم��اء زمزم‬ ‫وزيت قُرِ ئ عليه»‪43/‬‬ ‫وكثيرًا ما كانت الساردة في «ذاكرة بال وشاح»‬ ‫تُ�ع�لَّ��ل لقارئها م��ا ت��ري��د إي�ص��ال��ه دون احتراس‬ ‫إلمكانات المتلقي في معرفة سبب ما يجري‪،‬‬ ‫ومنها قولها‪:‬‬ ‫«ك��ان أب��ي قاس ّيًا معه ه��ذه ال�م��رة‪ ،‬لفرط ما‬ ‫أمهله فلم يستقم»‪47/‬‬ ‫كما صنعت الساردة شخصية وهمية تجسدت‬ ‫بصورة (الزوايا) وكثيرًا ما تخاطبها الساردة بــ‪:‬‬ ‫استرجاع يقذف كلَّ‬ ‫ٍ‬ ‫«أيتها الزوايا» كناية لزمن‬

‫تتحكم بعض التقاليد قبل ال ��زواج بما قد ما تحتويه الذاكرة من قصص‪ ،‬ويمكن أن أسميه‬ ‫يجري بعده‪.‬‬

‫أسلوب (مناجاة النفس) وهو الذي يتميز بالطول‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪55‬‬


‫واللغة‪ ،‬عالية الكثافة والبالغة‪ ،‬كما يمكن النظر المكان‪ ،‬ترجمة‪ :‬غالب هلسا‪ ،‬مجد‪ ،‬المؤسسة‬ ‫في تكرار الساردة المتقارب الستدعائها لتلك الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫الشخصية بين صفحتي (‪ )91 – 90‬في أكثر ط(‪2006 ،)6‬م‪ ،‬ص ‪ )77‬بـ (بيت الحلم)‪ ،‬فنقيس‬ ‫اللحظات إث��ارة في ال��رواي��ة وه��ي تخاطب تلك هنا عليه ونسمي زوايا القرني بـ (غرفة أحالم‬ ‫ال��زواي��ا‪ ،‬وق��د دخلت غرفتها مشتاقة لجهازها ال�س��اردة التي تخاطب ال��زواي��ا)‪ ،‬يقول باشالر‪:‬‬ ‫الذي أعدته العمّة‪ /‬زوجة أبيها‪ ،‬فاختارت ثوبًا «في بعض األحيان‪ ،‬يكون بيت المستقبل أحسن‬ ‫عشبي اللون‪ ،‬وال تزال تُعلَّل لها‪ ،‬فتقول‪« :‬لعلمي بناء وأكثر ض��وءا وأكبر من كل بيوت الماضي‪،‬‬ ‫أن هذا اللون يُريح النفس»‪90/‬‬

‫فتصبح صورة بيت الحلم مواجهة ومعارضة لبيت‬

‫ث��م تتابع ال �س��اردة م��ا يمكن أن يحصل من الطفولة‪ .‬وفي أواخر حياتنا نردد القول بشجاعة‬ ‫(جاسر) وترغبه هي‪ ...‬إال أن شيئًا مما أرادت صلبة – داخ��ل بيوتنا أو غرفتنا – بأننا سوف‬

‫لم يكن! بل تحوَّلت صورة جاهزيتها لصورة شك نفعل ما لم نفعله حتى اآلن‪ ..‬وعلى حلم البيت‬ ‫من جاسر‪ ،‬وقد صار يسألها ل َم ْن كانت تتجهز! أن يحقق شرطين هما‪ :‬الكبرياء والعقل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫فساءت حالة مرضها وأ ُغمي عليها‪.96 – 91/‬‬ ‫إنَّ هذا اإليقاع بما خدمه من ارتجاع زماني‬ ‫�ور في ذاك��رة أي��ام فضة‪،‬‬ ‫أظهر ما اختبأ من ص� ٍ‬ ‫وق��د ص� ��درَّت غ�ل�اف رواي �ت �ه��ا ب�ق��ول�ه��ا‪« :‬يموت‬ ‫الشجر واقفًا ويبقى ظله شامخً ا»‪ /‬الغالف‪.‬‬ ‫أم��ا استثمار المكان بفضائه المفتوح على‬ ‫المدينة‪ ،‬فقد ب��دا ظاهرًا في ال��رواي��ة‪ ،‬فذكرت‬ ‫الساردة الموطن األصلي مدينة «الطائف» كما‬ ‫ذك ��رت م �ك��ان سكنها ب�ع��د ال�ط��ائ��ف ومشكلتها‬ ‫وط�لاق �ه��ا ف �ع��اش��ت ف ��ي «ال� ��ري� ��اض» وف���ي حي‬ ‫«ال �م �ل��ز»‪ ،‬وت �ل��ك أم��اك��ن م �ش �ه��ورة وم�ت�ب��اي�ن��ة في‬

‫حصل مع ساردة «ذاكرة بال وشاح» وهي تخاطب‬ ‫زوايا غرفتها التي تعرفها جيدًا وتألفها وتخفي‬ ‫لها ما ال تريد أن يعرفه اآلخر‪ ،‬بل وسرهما معًا‬ ‫دفين‪.‬‬ ‫أما صورة الشك التي أظهرها (جاسر)‪ ،‬فهي‬

‫صورة مسروقة ومفتعلة في الرواية وغير مقنعة‪،‬‬ ‫إال إن ارتبطت بالتشويه الذي ألحقته الساردة‬ ‫بتلك الشخصية‪ .99/‬فجاسر خرّيج سجن‪،81/‬‬ ‫وبارد في الفراش‪ 86/‬وال يفهم لغة الجسد‪،90/‬‬ ‫وش � َّك��اك‪ ،99/‬ويتعاطى ال �م �خ��درَّات‪ .103/‬وهو‬ ‫بذا لم يبق له من يتعاطف معه‪.‬‬ ‫وت �م �ت �ل��ئ رواي� � ��ة ال��ق��رن��ي ب��ال��ص��ور الفنية‬

‫ناقد‬ ‫اختالف العادات والتقاليد‪ ،‬ويشاركني غير ٍ‬ ‫ال��رأي ب��أن المكان يؤسس الحكي ويقاربه من المصنوعة لشد انتباه القارئ نحو فنية تمتلكها‬ ‫الحقيقة‪ .‬وزادت «ذاك��رة بال وش��اح» بمخاطبتها الروائية وتدافع عن رأيها بها‪ ،‬ومن تلك الصور‬ ‫الحثيثة لزوايا غرفتها التي تعرفها وتُسر لها‪ ..‬قولها عن العمة (زوجة أبيها) وقد أخذت تقنعها‬ ‫وق��د تبادلها ال�ح��وار أحيانًا‪ ،‬ول��و لم تكن تتكلم بأن ال��روح الشريرة التي تسكنها‪ ،‬سوف تذهب‬

‫قط‪ .‬وهذا ما سماه غاستون باشالر (جماليات بمجرد زواجها من أي رجل! فتقول‪« :‬وفي ذلك‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫أجهضتها بيدي‪ ..‬تلك ظننتها من ف��رط جهلي‬

‫في (ذاكرة رواية التسعينيات‪ :‬قراءات في الرواية‬

‫تريد أن تأوي إليّ ‪ .‬أنا التي مضغتني األحزان‪،‬‬ ‫وابتلعتني‪ ،‬ث��م م��ا لبثت أن س��ارع��ت ف��ي تقيئي‬ ‫ألصب في وعاء المرض واإلهانة من إبراهيم»‬ ‫(‪.)70 – 69‬‬ ‫ف �ت �ش � ّوه��ت ص� ��ورة ال��رج��ل ف��ي «ذاك� � ��رة بال‬ ‫وشاح» لصالح المرأة وتلميع صورتها‪ ،‬وقد جرى‬ ‫القِ صاص من صورة الرجل لصالح صورة المرأة‬ ‫المسكينة التي ال حول لها وال ُقوَّة‪ .‬وقد وافقني‬ ‫في الرأي غير ناقد مهتم‪ ،‬منهم معجب العدواني‬

‫السعودية‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط(‪2008 ،)1‬م‪،‬‬ ‫ص ‪ )169 – 168‬في دراسته للذاكرة النسوية‬ ‫ال�ت��ي تمتلك ال �ع��داء أو الحسد للجنس اآلخر‬ ‫(الذكر)‪ ،‬من خالل نقده لمعالم هذه الذاكرة في‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫اليوم أسلمتُ نفسي لها‪ ..‬وتلك هي الحقيقة التي‬

‫تعبيره‪ ،‬كما جلّى هذه الفكرة حسين المناصرة‬

‫قراءته لروايات ليلى الجهني (األرض اليباب)‪،‬‬ ‫وقماشة العليان (أنثى العنكبوت)‪ ،‬ونورة الغامدي‬ ‫(وجهة البوصلة)‪ ،‬فتقدم األخيرة صورة للمراة‬ ‫الضحية ف��ي ع��ال��م ال��رج��ال م��ن خ�ل�ال تجربة‬

‫في (الكتابة والمحو‪ :‬التناصية في أعمال رجاء مأساوية عاشتها البطلة وصديقتها‪ /‬قريبتها‬

‫عالم الروائية‪ ،‬مؤسسة االنتشار العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫النادي األدبي بحائل‪ ،‬ط(‪2009 ،)1‬م‪ ،‬ص ‪– 150‬‬ ‫‪ ،)151‬الذي درس العالقة الزوجية ولغة الحوار‬ ‫بين الشخصيات في رواي��ة رج��اء عالم «طريق‬

‫«فضة»‪.‬‬ ‫وقد استدعت ساردة «ذاكرة بال وشاح» صورة‬ ‫األخ غير الشقيق لــ(فضة)‪ ،‬وشقيق (منيرة)‪،‬‬

‫الحرير»‪ ،‬ودرس تَجَ لي الذكر كعالمة نصية توحي وجعلته يعيش مع الخمر‪ ،18/‬وإلى اإليقاع الذي‬ ‫بالخطر‪ ،‬ال سيما في الخطاب المنقول عن األنثى رسمته تلك الشخصية وتسلسل أحداثها الذي‬ ‫بوصفها مصدرًا إلرشاد بنات جنسها‪ ،‬على حد نراه مرسومًا كما يلي‪49 ← 18/:‬‬ ‫تربّي إبراهيم‬ ‫منيرة ‪+‬‬ ‫يضربه‬ ‫بفوقية‬ ‫فضة ‪+‬‬ ‫والده‬ ‫الرجل‬ ‫إبراهيم‬ ‫ويربطه‬ ‫عاش‬ ‫الوحيد‬ ‫أشقاء‬ ‫كالبهائم‬ ‫إبراهيم‬ ‫للبيت ورضع‬ ‫من أب‬ ‫مع‬ ‫من أمه‪،‬‬ ‫← منعًا ←‬ ‫←‬ ‫وأمين ←‬ ‫له من‬ ‫رفاق‬ ‫وتعلّم من‬ ‫وفضة‬ ‫مرافقة‬ ‫السوء‬ ‫والده الخوف‬ ‫هي غير‬ ‫رفاق‬ ‫على أختيه‬ ‫الشقيقة‬ ‫السوء‬ ‫من العيب‬ ‫لهما‬ ‫والعار‬

‫يُعامل‬ ‫فضة‬ ‫بقسوة‬ ‫الرجل‬ ‫اآلمر‬ ‫الناهي‬

‫يستقيم‬ ‫إبراهيم‬ ‫ويتصالح‬ ‫← مع أختيه‬ ‫ويطلب‬ ‫مسامحتهما‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪57‬‬


‫وظهرت خ�لال قصة (إبراهيم) في الرواية‬

‫أم��ا (جاسر) زوج (فضة) فهو الشاب الذي‬

‫إش��ارات لصورة األب ال��ذي لم تستثنه الساردة التقته في مزرعة العمدة‪.42/‬‬ ‫من إحساسه الرجولي‪ ،‬وأنه يغالط نفسه أحيانًا‬ ‫← ومن خالل تيار الوعي تقفز فكرة ركوع فضة‬ ‫في اتباع بعض قوانين الرجولية كما يعتقد‪.19/‬‬ ‫للذكورة والفحولة‪ ،‬مثل (منيرة) األخت الصغرى‬ ‫وتحدَّ ثت ال �س��اردة ع��ن منطق الفوقية‪،19/‬‬ ‫التي تجيد االنحناء لهذا الجنس المتعالي – كما‬ ‫والمنطق الذكوري‪ ،17/‬والتسلُّط الذكوري أثناء‬ ‫تقول الساردة –‪ ،50/‬ونقرأ سردها‪« :‬ويحي إنه‬ ‫حديثها عن ثالثة شخوص (إبراهيم‪ ،‬وجاسر‪،‬‬ ‫ووال��ده��ا)‪ ،‬وفي إيقاع روائ��ي متسلسل تستطيع رج��ل‪ ،‬ولكن كيف إذا أشعر بالرغبة للنظر في‬ ‫خالله أن تتكشف الظلم ال��ذي عاشته (فضة) وجهه؟ هل حان وقت ركوعي للذكورة والفحولة‬ ‫و(م �ن �ي��رة) ف��ي أسرتيهما‪ ،‬و(ف �ض��ة) على وجه من أجل خافق يخفق بقلبي؟» (‪.)51/11‬‬ ‫الخصوص ألن زمن استرجاع األح��داث يُلخص‬ ‫حكايتها‪.‬‬ ‫وأخذ الحديث عن التسلُّط الذكوري صفحات‬ ‫طويلة‪ ،‬ضمن األح��داث‪ ،‬كانت من (‪ ← )17‬إلى‬ ‫(‪ .)98‬وبدأ الحديث عن (إبراهيم) ← يصب جام‬ ‫غضبه الذكوري على أختيه ← تلمس أختا إبراهيم‬ ‫بذور الفوقية فيه من صغره ← وبانحرافه تظهر‬ ‫سلطة األب الذكورية فوق سلطته ← يضربه أبوه‬ ‫← يستقيم أمره ← يطلب العفو‪.‬‬ ‫أما الوالد فقد ظهر أنه من زرع بذور الفوقية‬ ‫إلب��راه �ي��م‪ ،‬وب��أن��ه تغاضى ع��ن مرافقته لرفاق‬ ‫السوء م��ادام أن الرجولة ال يعيبها شيء طالما‬ ‫هي فوق الثوابت‪.19/‬‬ ‫ومشت أح��داث ال��رواي��ة بصورة قطع مشهد‬ ‫األب‪ ،‬ليعود من جديد وه��و يحاسب ابنه على‬ ‫تقصيره ويربطه كالبهائم‪ ،‬وتحاول فضة ثنيه‪ ،‬إال‬ ‫أن أمر األب ينفذ‪ .49/‬وتوافق الساردة منطقة‬ ‫ال��ذك��وري حين أم��ر العمة بتحضير فضة كي‬ ‫يراها جاسر‪.72/‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫وتمشي األحداث نحو إحساس (فضة) بحبها‬ ‫لــ (جاسر)‪ ،‬ووقفت الساردة من (الحب) موقفًا‬ ‫متجاذبًا‪:‬‬ ‫حب فضة‬ ‫ألخيها‬ ‫في حبها‬ ‫إبراهيم‬ ‫للشاب‬ ‫وشفقتها‬ ‫استدعاها‬ ‫الذي‬ ‫عليه وهو‬ ‫← للتفكير ← التقته‬ ‫مربوط‬ ‫في‬ ‫بفناء‬ ‫المزرعة‬ ‫المنزل‬ ‫كالبهائم‬ ‫فالعواطف ال تتجزّأ‪ .‬وتصنع الساردة قَطْ عًا‬ ‫في األحداث لصالح قصة (فضة) مع زميالتها‪،‬‬ ‫ومعلمتها‪ ،‬وعمتها (زوجة والدها)‪ .‬ومن القصة‬ ‫استجلبت الساردة مشهد الخطّ ابة (وطفة) وهي‬ ‫تطرق باب منزل (فضة) لخطبتها إلى (جاسر بن‬ ‫أبي مسعود الدالل)‪ .‬وجاء مثلث اإليقاع الروائي‬ ‫منتظمًا هكذا‪:‬‬


‫األب‬

‫فهو رجل!»‪،81/‬‬ ‫وجاء إيقاع الرواية الخاص بجاسر كما يلي‪:‬‬ ‫منيرة‬

‫فضة إبراهيم‬

‫جاسر‬

‫غير مرتب في البيت ← ال يظهر مشاعره تجاه‬ ‫زوجه ← غير محافظ على الصالة ← يهرب كثيرًا‬ ‫من المنزل ← شكَّاك ← ال ينسجم في الفكر وال‬

‫فشخصية (منيرة) ترضخ لمنطق رجل البيت‬ ‫وتنحتي ل�ل��ذك��ورة‪ .‬وتنحني فضة لحبها وتقبل‬ ‫(جاسر) زوجً ا‪ .‬وتنحني (وطفة) لعادات الخطبة‬ ‫التي يفرضها األب وتتفحص وجه فضة؛ فممنوع‬ ‫على جاسر أن يراها أو يعرف وجهها‪ ..‬وهي من‬ ‫سيقوم بهذه المهمة‪ ،‬لكن األب يخالف العادات‬ ‫وي �س �م��ح ب��رؤي��ة ج��اس��ر ل�ف�ض��ة رؤي� ��ة خاطفة‪،‬‬

‫في المشاعر مع فضة‪.‬‬ ‫ث��م يأتي القِ صاص ف��ي رواي��ة القرني جزا ًء‬ ‫لجاسر على إهماله وتسببه في قتل توأمه من‬ ‫(فضة)‪ ،105/‬فيكون مثلث القصاص المنطوق‬ ‫به في الرواية قد تشكل على النحو الذي يمكن‬ ‫رسمه هكذا‪:‬‬ ‫القصاص‬

‫وتسير األح ��داث نحو ليلة ال��زف��اف وتظهر أن‬ ‫(جاسرًا) تمثال حجري‪ ،‬وشكاك‪ ،‬وجاهل بفنون‬

‫من‬

‫الحب(‪.)80‬‬ ‫ثم يتسبب (جاسر) في موت توأمه؛ بشكّه غير‬ ‫المبرر بفضة‪ ،‬ثم يالقي جزاءه بالقصاص منه‪.‬‬ ‫وخ�لال س��رد أح��داث الزوجين‪ 76/‬ب��دا اإليقاع‬ ‫ال��روائ��ي خ��اد ًم��ا لفضة التي تفاجأت بتمثالها‬ ‫ال�ج��دي��د ومنطقه ال��ذك��وري ال��ذي ال يسمح له‬ ‫البوح إال لمن ليست له!‪ ،78/‬وتقول الساردة عن‬ ‫هذا‪« :‬طاغوت الذكورة والفحولة يُسيطر عليه»‬ ‫(‪.)79/11‬‬ ‫وتقول‪« :‬ت��رى م��اذا تخبئه لي األي��ام مع هذا‬ ‫التمثال الحجري؟»‪80/‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫وطفة‬

‫الذكوري أعتقد أنه أحبني‪ ،‬لكنه لن يقولها لي‬

‫لصالح‬ ‫قتل‬

‫جاسر‬ ‫زوج‬

‫التوأمين‬ ‫أم‬

‫فضة‬ ‫فيكون القصاص لصالح (فضة) التي فقدت‬ ‫توأمها‪ ،‬مع اعتراضها أنها فيما بعد أصبحت‬ ‫المدعوة بالمطلّقة‪ ،105/‬وإذا ما فهمنا البعد‬ ‫تقتص‬ ‫ّ‬ ‫اآلخر لوجه (القصاص)‪ ،‬فإننا نرى الدنيا‬ ‫لفضة؛ وقد شُ فِ يَت من مرضها النفسي‪ ،‬وعادت‬ ‫لها حياتها الجامعية‪ ،‬وع ��اد لها ج��و العشق‪،‬‬

‫وع���ن ال �ح��ب ت� �ق ��ول‪« :‬ف ��أن ��ا ب �ق��در كبريائه واقتربت من تكوين أسرةٍ جديدةٍ مرّة أخرى‪.‬‬ ‫* أكاديمي بجامعة الملك سعود‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪59‬‬


‫ألني أشتاق إليك ‪ -‬سناء أبو شرار‬ ‫ن بوصفه نافذةً للخالص!‬ ‫السج ُ‬

‫> هيا صالح*‬

‫تقوم رواية «ألني أشتاق إليك» لسناء أبو شرار (دار الهالل‪ ،‬القاهرة‪2012 ،‬م)‪ ،‬على‬ ‫س��رد قصة واقعية في إط��اره��ا المجمل‪ ،‬تخيُّ لية في تفاصيلها‪ ،‬إذ استوحت الكاتبة‬ ‫قصتها من خبر تداولته الصحافة حول رفض سجينتين مغادرة السجن رغم انتهاء مدة‬ ‫محكوميتهما‪.‬‬ ‫زارت الكاتبة السجينتين وقابلتهما بفضول الراغب في المعرفة‪ ،‬لتبدأ بعد ذلك تشكيل‬ ‫عالم روايتها القائم على تناوب السرد بضمير المتكلم بين الشخصيتين الرئيستين‪:‬‬ ‫«جميلة» التي أقدمت على قتل الرجل الذي أوقعها في شراك حبه ثم خدعها‪ ،‬و«نجوى»‬ ‫الفتاة اللقيطة التي تُقْ ِدم أيض ًا على قتل رجل عانت من قسوته الكثير‪.‬‬ ‫وفي خضم ذل��ك‪ ،‬تقدّم الروائية نماذج إنسانة ميتة المشاعر‪ ،‬لكنني أعلم أنني لو‬ ‫نسائية أخ��رى داخ��ل السجن‪ ،‬مثل «زهرة» عدت للحياة معهما‪ ،‬فسوف أكرر جريمتي‬ ‫ال �ت��ي يلقّبها ال�ج�م�ي��ع ب �ـ«ال �ق��ات �ل��ة»‪ ،‬إذ لم مرة أخرى» (ص ‪.)51‬‬ ‫تتردد في إنهاء حياة زوجها الذي يكبرها‬ ‫وفي هذه النماذج وسواها‪ ،‬تطرح الرواية‬ ‫ف��ي ال �س��ن ك �ث �ي��راً‪ ،‬لتتخلص م��ن جبروته‬ ‫سؤالها العميق والصادم بشقَّيه‪ :‬من المجرم‬ ‫وتسلّطه‪ ،‬وق�تْ��ل طفلها منه أي �ض �اً‪ .‬يُحكم‬ ‫الحقيقي؟ ومن الضحية؟‬ ‫عليها باإلعدام‪ ،‬وبينما تظل متماسكة أمام‬ ‫فقد وق�ع��ت «جميلة» ف��ي ش��رك إغراء‬ ‫الجميع‪ ،‬فإنها تنهار من البكاء عندما تتبادل‬ ‫الحديث مع «نجوى»‪ ،‬معترفةً‪« :‬أنا خائفة الرجل لها وتعلّقها به‪ ،‬وهي بع ُد في مقتبل‬ ‫من الموت‪ ،‬خصوصاً أنه موت ُم ّر صعب‪ ،‬العمر‪ ،‬فمنحته بدافع الحب كل ما تملك‪،‬‬ ‫�ظ منه بشيء س��وى القهر واأللم‪،‬‬ ‫لكنني أعطيت هذا الموت الم ّر البني‪ ،‬قتلتُه ول��م تَ��حْ � َ‬ ‫بيدَيّ هاتين‪ ..‬األسوأ من جريمتي هو أنني ف�ي�م��ا ه��و ي�س�ت�غ� ّل م�ش��اع��ره��ا وعواطفها‬ ‫ال أشعر بالندم‪ ،‬وال أشعر بأي شيء‪ ،‬كأنني الجيّاشة بطريقة منفّرة‪ .‬ثم تُ� ْودَع السج َن‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫ومن ثم‪ ،‬تبدآن كتاب َة مذكراتهما‬ ‫بعد جريمتها‪ ،‬لكن أهله وأهلها ال‬ ‫ال �ت��ي م��زج��ت ب�ي��ن ال��واق �ع��ي الذي‬ ‫�اب وفق‬ ‫يرضيهم م��ا ن��ال�ت��ه م��ن ع �ق� ٍ‬ ‫عاشتاه وعايشتاه‪ ،‬والمتخيَّل الذي‬ ‫القانون‪ ،‬وينتظرون خروجها ليعاقبوها‬ ‫تتوقان إل��ى تحقُّقه‪ .‬إذ يقوم بناءُ‬ ‫على طريقتهم؛ إنهاء حياتها‪« :‬هل أنا‬ ‫ال��رواي��ة على ال�ت�ن��اوب ف��ي السرد‬ ‫قاتلة؟ أم شريكة بجريمة قتل؟ لو‬ ‫بين هاتين الشخصيتين؛ مرة تروي‬ ‫أنني كنتُ قاتلة أو شريكة العترفت‬ ‫ه��ذه‪ ،‬وم��رة تلك‪ ..‬مع التركيز في‬ ‫على األق��ل لنفسي ب�ه��ذه الجريمة‪،‬‬ ‫ك��ل م��رة على كتابة رق��م السجينة‬ ‫ولشعرتُ بالندم‪ ،‬وأنني أستحق هذه‬ ‫ل �ص �ق �اً ب��اس �م �ه��ا‪ ،‬ف �ـ«ج �م �ي �ل��ة» هي‬ ‫العقوبة‪ ،‬ولكن في أعماقي ال أشعر‬ ‫سناء أبو شرار‬ ‫المقيمة رقم (‪ )745‬و«نجوى» هي‬ ‫بجريمتي‪ ،‬وال أش�ع��ر أن�ن��ي مذنبة‪.‬‬ ‫السجينة رقم (‪ ،)565‬ليبدو الرقم‬ ‫ه��ل ف �ق��دتُ ذاك��رت��ي؟ أم إن��ه قتلني‬ ‫ال روحياً قبل أن أقتله أو أكون شريكة في قتله جزءاً من االسم يُستعاض به عن اسم العائلة‪ ،‬أو‬ ‫قت ً‬ ‫جسدياً؟ هل فقدتُ ذاكرتي‪ ،‬أم فقدتُ قدرتي على أي ارتباط آخر بالساللة اآلدمية‪« :‬هنا يتساوى‬ ‫الشباب والشيخوخة والمرض والصحة والحزن‬ ‫الشعور بأي مشاعر؟» (ص ‪.)17‬‬ ‫أم��ا «ن �ج��وى»‪ ،‬فهي ف�ت��اةٌ لقيطة ال أه��ل لها‪ ،‬والسعادة‪ ،‬ألن السجن يزيل كل الفوارق‪ ،‬ويتحول‬ ‫تعاني من قسوة الحياة ونظرة المجتمع القائمة كل من يدخله إلى رقم وملف‪ ،‬ال جدوى من مراقبة‬ ‫على الريبة والشكّ واالزدراء‪ ،‬حتى إنها لم تعد التجاعيد التي تزداد عمقاً في كل عام‪ ،‬وال جدوى‬ ‫تتمكن من تدبير لقمة عيشها ول��و ك��ان بالعمل من الشكوى من وهن الشيخوخة‪ ،‬وال فرق بين فرح‬ ‫دام‪ ،‬ألن كل هذه المعاني ال قيمة لها‬ ‫خ��ادم� ًة في البيوت‪ .‬والمفارقة أنها حين تقْدم غامر وحزن ٍ‬ ‫شعور يعتريها إال هناك‪ ،‬على الطرف اآلخ��ر‪ ،‬حيث تحيا حرية‬ ‫ٍ‬ ‫على القتل ويتم اعتقالها‪ ،‬فإن أو َل‬ ‫هو األمان‪ ،‬إذ تبدو على يقين بأن هناك مَن هو الروح والجسد» (ص ‪.)5‬‬ ‫مسؤول عن تدبير أمورها دون الحاجة ألن تُذَلّ‬ ‫وتُهان على الطرقات بحثاً عن لقمة العيش‪« :‬مَن‬ ‫مثلي ال يرغب أحد باقتنائها‪ ،‬وحين أجلس على‬ ‫رصيف ما في ليلة مقمرة أرقب النجوم وأتذكر‬ ‫ٍ‬ ‫دون أن أنسى أنني هذا الشيء ال��ذي لم يرغب‬ ‫أحد باالحتفاظ به أو بالتقاطه‪ ،‬أنظر حولي فأجد‬ ‫الكون كله باكياً حتى النجوم التي في السماء‪ .‬دون‬ ‫الحوار التالي بين السجينتين يوضح فكرةَ ما‬ ‫كلمات أسأل تلك التي أحضرتني إلى هذا الوجود‪:‬‬ ‫اتفقتا على تنفيذه‪:‬‬ ‫لماذا؟ وبأي ذنب؟» (ص ‪.)32‬‬ ‫«جميلة‪ :‬أيتها الغبية‪ ،‬اكتبي ع��ن أح�لام لن‬ ‫خشية «جميلة» من أن تُقتل‪ ،‬وخشية «نجوى»‬ ‫من أن تعود يتلقّفها الضياع بعد خ��روج كلتيهما تتحقق‪ ،‬وع��ن حب لن يحصل‪ ،‬وع��ن آم��ال كبيرة‬ ‫من السجن‪ ،‬هو ما دفعهما إلى الطلب من إدارة في ص��درك‪ ،‬ولكن لن تكون عديمة الوجود في‬ ‫الواقع‪..‬‬ ‫السجن البقاء فيه حتى الممات‪.‬‬

‫ذكريات أحداث‬ ‫ِ‬ ‫في أوراقهما‪ ،‬تستعيد البطلتان‬ ‫عاشتاها قبل دخ��ول السجن‪ ،‬كما تبدعان من‬ ‫حكايات وتفاصيلَ‪ ،‬ليبدو هذا المنحى‬ ‫ٍ‬ ‫خيالهما‬ ‫حبل س�رّي –على ضآلته ووهنه‪ -‬يَحُ ول‬ ‫بمثابة ٍ‬ ‫دون أن تفقدا ما تبقّى من إنسانيتهما‪ ،‬وحتى تظال‬ ‫قادرتَين على مواصلة الحياة وراء القضبان‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪61‬‬


‫عموماً أن� ِ�ت مترددة وجبانة‪ ،‬وس��وف أب��دأ من‬ ‫غد بكتابة كل ما يدور بخلدي‪ ،‬حتى لو كان‬ ‫يوم ٍ‬ ‫أوهاماً وأحالماً‪ ،‬لكنني سأكتب وأكتب إلى أن‪...‬‬ ‫ إلى أن ماذا؟‬‫ إل� ��ى أن ت �ت �ح��ول ال �ك �ت��اب��ة إل� ��ى أه� ��ل ووطن‬‫وحبيب‪..‬‬ ‫تجعلك تفتقدين ك��ل ه��ذا وأكثر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ لكنها ق��د‬‫وتزداد معاناتك‪..‬‬ ‫ اسمعي‪ ،‬لقد فكرتُ بكل ه��ذا‪ ،‬وق��ررتُ أنني‬‫أريد أن أكتب مهما كانت النتيجة‪ ..‬أريد أن‬ ‫أشعر أنني ما أزال على قيد الحياة‪.‬‬ ‫لكنك على قيد الحياة‪ ،‬حتى ل��و كانت هذه‬ ‫ِ‬ ‫‬‫الحياة في السجن‪..‬‬ ‫أنت مخطئة‪ ،‬مَن يدخل السجن يدرك أنه لم‬ ‫ ِ‬‫حياً كي ال تغرق الحياة بالموت‪ ،‬وبين كل األشياء‬ ‫يعد على قيد الحياة» (ص ‪.)14‬‬ ‫الصامتة والجافة والغريبة تصبح ال��ذك��رى هي‬ ‫هذا ما يفسّ ر اتخاذ الرواية من السجن مكاناً الصوت واالنتماء والخيط الرفيع ما بين الغياب‬ ‫ألح��داث �ه��ا ال��رئ�ي�س��ة والمفصلية‪ ،‬ح�ي��ث تتشكل والحضور‪ ،‬وبين الزوال والبقاء» (ص ‪.)5‬‬ ‫ي��وم �ي��ات ال�س�ج�ي�ن��ات م��ن ال�ت�ف��اص�ي��ل الصغيرة‪،‬‬ ‫عالم السجن المبنيّ على التفاصيل الصغيرة‬ ‫والنقاشات التي ت��دور بينهن ليعبّرن من خاللها‬ ‫واألحالم والذكريات‪ ،‬هو نفسه المفتوح‪ ،‬بنافذته‬ ‫للحظات‬ ‫ٍ‬ ‫عن أفكارهن وأحالمهن‪ ،‬وليالمسن‪ ،‬ولو‬ ‫الضيقة‪ ،‬على عالم آخ��ر‪ ،‬حيث ك��و ٌن فسيح في‬ ‫عتبات الفرح‪ ،‬ويشعرن أن ثم َة من يشاطرهن‬ ‫ِ‬ ‫قليلة‪،‬‬ ‫أعين السجينات‪ ،‬لكنه يقبع خارج الجدران‪ .‬وفي‬ ‫األل��م‪ ،‬ولو كان هو نفسه يحتاج إلى من يشاطره‬ ‫السياق‪ ،‬تتشاجر هؤالء السجينات حول أيٌّ منهن‬ ‫ألمه أيضاً‪..‬‬ ‫أحقّ بالجلوس أمام النافذة أوالً‪ ،‬ثم يتّفقن على أن‬ ‫ف��ي ال�س�ج��ن ت�ع��ي ال� ��ذات اإلن �س��ان �ي��ة حقيقة يتدا َو ْر َن على ذلك‪ ،‬إذ النافذةُ هنا تتحول إلى عالم‬ ‫وجودها‪ ،‬وطبيعتها اإلنسانية الخالصة والمجردة واسع‪ ،‬كلٌّ منهن ترغب أن تكون جزءاً منه ولو عبر‬ ‫من األطماع والنفاق‪ ،‬فالذات المقيدة ال تملك نظرات ضائعة في فضاء المدينة الواسع‪ .‬تقول‬ ‫سوى أحالمها الصغيرة وذكرياتها البعيدة التي نجوى‪« :‬المكان في السجن‪ ..‬ال أستطيع أن أراقب‬ ‫تشكل ال�خ�ي��ط ال��رف�ي��ع ال ��ذي يبقيها ع�ل��ى قيد نفسي حين أجلس خلف النافذة‪ ،‬لكنني أستطيع‬ ‫الوجود‪« :‬األنفاس بطيئة‪ ،‬ولكن الذكريات دافقة مراقبتهن وأرى دموعاً غزيرة أو ابتسامة عابرة أو‬ ‫وتتكرر في كل ليلة‪ ،‬وفي كل تُ ْقل َب على الفراش صمتاً مطْ بَقاً‪ ..‬بهذه اللحظات أدرك أن السجن‬ ‫الضيق‪ .‬هنا الذكرى عالم ح��يّ ‪ ،‬وال بد أن يكون شيء صعب‪ ..‬صعب» (ص ‪.)24‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫الشخصيتين اللتين تكتبهما أو تكتب عنهما‪،‬‬ ‫لتعبّر بعمق عن مشاعرهما ومعاناتهما النفسية‬ ‫واالج�ت�م��اع�ي��ة والعاطفية واألخ�لاق �ي��ة؛ راصد ًة‬ ‫أفعالهما وردود أفعالهما‪ ،‬ومحلّل ًة األفكار التي‬ ‫تتوارد بخاطر ك ّل منهما‪ ،‬وما يخالطها من أحالم‬ ‫وآمال ومشاعر‪.‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫من هذه النافذة‪ /‬رمز األم��ل‪ ،‬تُغْني الروائية والدها في ربوع البالد‪ ،‬فإنها تشتاق في النهاية‬ ‫َّ‬ ‫نصها بالمتخيَّل‪ ،‬حيث تصنع ك ُّل واحدة من هاتين إلى أن تلمس تلك األماكن وأن تعيش فيها‪ ،‬وهو‬ ‫السجينتين عالمها ال��ذي تتوق إليه وتعيشه في األمر الذي يضاعف األلم في نفسها‪ ،‬فتقرر هي‬ ‫خيالها‪ ،‬حيث الروح منطلقة خارج أسوار السجن‬ ‫األخرى‪ ،‬التوقف عن الكتابة‪« :‬هل أنا نادمة ألنني‬ ‫ال��ذي يقيد الجسد‪ ،‬وعملية التخيُّل تلك هي ما‬ ‫تحقق لكلٍّ من البطلتين شيئاً من رضا النفس‪ .‬كتبت هذه األوراق التي قادتني إلى أعماق ذاكرتي‬ ‫فـ«جميلة» تتجول روحها في رب��وع البالد‪ ،‬تعاود وأيقظت الشوق واألل��م والحزن والقهر؟ أم إنني‬ ‫زيارة األماكن التي كثيراً ما أحبّتها‪ ،‬لتكتب ما تراه لم أعد أستطيع أن أكتب كي أحتمل حياتي في‬ ‫فوق أوراق مذكراتها بلغة شفافة عذبة‪« :‬الرمال ال�س�ج��ن‪ ،‬ألن ه��ذه األوراق شكلت ح�ي��اة أخرى‬ ‫ال��وردي��ة من حولي تبدو ممتدة منبسطة ما بين‬ ‫لي رغم وج��ودي هنا بين هذه ال�ج��دران؟ تأملتُ‬ ‫الجبال الصخرية ووردي��ة اللون‪ ،‬ولشدة نعومتها‬ ‫أوراق��ي‪ ،‬وم��ن بين كل السطور لم أ َر س��وى وجه‬ ‫ت �ب��دو ك��أن�ه��ا ث��وب ح��ري��ري وردي يكسو قاعدة‬ ‫الجبال‪ ،‬فتظهر الجبال أكثر تألقاً وجماالً بثوبها وال��دي‪ ،‬وشوقي له وخوفي منه‪ .‬هو يتمنى موتي‬ ‫وأنا أتمنى لو أراه لدقائق وأن يضمّني إلى صدره‬ ‫الوردي الذي يمتد واسعاً تحتها» (ص ‪.)92‬‬ ‫لثوان‪ ،‬ثم أرحل عن هذا الوجود» (ص ‪.)129‬‬ ‫كذلك‪ ،‬تمكنت الروائية من النفاذ إلى أعماق ولو ٍ‬ ‫وأخيراً‪ ،‬وبعد أن تفشل المذكرات في تحقيق‬ ‫راحة النفس والرضا لـ«نجوى» و«جميلة»‪ ،‬تحاول‬ ‫البطلتان البحث عمّا يمكّنهما م��ن بلوغ مرتبة‬ ‫الطمأنينة والسكينة‪ ،‬فتلجآن إلى الله‪ ،‬صاحب‬ ‫العدل المطلق‪ ،‬والقادر وحده على إنصافهن‪ .‬وها‬

‫تمثيل على ذلك‪« :‬نجوى»‬ ‫ٍ‬ ‫وإذا كانت المذكرات التي اتفقت السجينتان هو مشه ٌد بعينه لَخير‬ ‫على كتابتها‪ ،‬بداية الطريق للتصالح مع الذات‪ ،‬تقرأ في المصحف الذي تركته لها «زه��رة» قبل‬ ‫فإن هذه المذكرات تفشل في مسعاها‪ ،‬وتصير أن تُساق إلى اإلعدام‪ ،‬فتراها «جميلة» على هذه‬ ‫عبئاً ثقي ً‬ ‫ال على ك��لٍّ منهما؛ ل��ذا‪ ،‬تقرر «نجوى» الهيئة‪ ،‬وتطلب منها أن تعرّفها بهذا العالم ع ّل‬ ‫ال�ت��وق��ف ع��ن كتابة م��ذك��رات�ه��ا ألن �ه��ا‪ ،‬كما تروي‬ ‫راح � َة النفس تتحقق لها‪ ،‬فتخبرها «ن�ج��وى» أن‬ ‫بلسانها‪« :‬أكتشف أنني لم أعثر على ذات��ي‪ ،‬وأن‬ ‫أوراقي أول من أخبرني أنني ما أزال ضائعة‪ ،‬رغم البشر ال يَنْسون وال يَغفرون‪ ،‬لكن الله هو الغفور‬ ‫أنني مسجونة‪ ،‬وأشعر بجسدي وروح��ي‪ ،‬لكنني الكريم‪ ،‬وه��و ال��ذي ي�ب�دّل السيئات بالحسنات‪،‬‬ ‫لست هنا وال في أي مكان‪ ،‬ألنني فاقدة االتصال عندها تطلب منها «جميلة»‪« :‬أريد أن تساعديني‬ ‫الحقيقي بهذا الوجود» (ص ‪.)121‬‬ ‫في ال��وص��ول إل��ى ال�ل��ه‪ ..‬عسى أن أج��د سكينتي‬ ‫أنت»‪.‬‬ ‫أم ��ا «ج�م�ي�ل��ة» ال �ت��ي ت�ك�ت��ب ع��ن رح�لات �ه��ا مع حيث وجدتِها ِ‬ ‫* كاتبة من األردن‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪63‬‬


‫إشكالية احلداثة‬

‫وما بعدها في الرواية العربية‬ ‫(رؤية متوازنة)‬

‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ*‬

‫ي��ق��ول «ج����ان ب����ودري����ار»‪ :‬ت��ت��ج��ل��ى إش��ك��ال��ي��ات الحداثة‬ ‫وتناقضاتها بمنتهى ال��ق��وة ف��ي المجتمعات ال��ت��ي يكون‬ ‫تاريخها السياسي ص��ادمً ��ا‪ ،‬بسبب االستعمار أو غيره من‬ ‫المتغيرات الجغرافية وال��ت��اري��خ��ي��ة ل��ه��ذه المجتمعات‪.‬‬ ‫وينسحب ه��ذا السياق على مجتمعاتنا العربية بمنتهى‬ ‫القوة‪ ،‬فضلاً عن متغيرات أخرى‪ ،‬ربما يجيد بعض النخب‬ ‫قراءتها في هذه المجتمعات‪.‬‬ ‫فمما الشك فيه أن الحداثة في الغرب بدأت علمية‪ ،‬ثم‬ ‫انداحت في شتى أمور الحياة بما فيها الحياة األدبية؛ فكان ميالدها شرعياً‪ ،‬وتنشئتها‬ ‫سوية بمفهوم التربويين‪ ،‬وهذا ما لم يحدث في البيئة العربية من بعيد أو قريب؛ ما زاد‬ ‫في هوة الخالف ومساحة التناقض‪.‬‬ ‫فالحداثة في الغرب على مستوى نضجها‬

‫م �ق��ارن��ة بمجتمعاتنا ال �ع��رب �ي �ةـ ت�ح�م��ل كثيرًا‬

‫م��ن ال�م�ت�ن��اق�ض��ات‪ ،‬ان �ط�لا ًق��ا م��ن الفلسفات‬

‫واألي��دل��وج �ي��ات ال �ت��ي ان�ط�ل�ق��ت م�ن�ه��ا‪ ،‬م ��رورًا‬ ‫بتفسيرها وتأطيرها وتطورها الحقًا‪.‬‬

‫فمن التناقضات األساسية التي وقع فيها‬

‫الحداثيون الغربيون اعتبارهم أن الحداثة هي‬

‫ال�ح��داث�ي��ة ه��ي ال�ل�غ��ة ال�ب�ك��ر ال�ت��ي تنطلق من‬ ‫تمرد غير متناه على كل ما هو ثابت‪ ،‬نظير‬ ‫تأسيس وتأطير أنساق معرفية جديدة تحمل‬ ‫في طياتها الرفض دون التمنع والخلخلة دون‬ ‫االس�ت�ق��رار؛ فجدة المعرفة وحداثتها شرط‬ ‫أساس لنسف سوابقها ولواحقها‪ .‬وهذا يعني‬ ‫أن الحداثة رحلة انتهاك أبدية تحت شعار أن‬

‫انقطاع للمعرفة اآلنية؛ ألن مصادر المعرفة اإلبداع عقيدته التمرد المطلق ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ال عن أن هذا المنطق يخالف الفطرة وثوابت‬ ‫وفض ً‬ ‫أيضا تناقض علمي لمن جعل منهم العلم‬ ‫العقيدة‪ ،‬فهو ً‬ ‫عقيدته‪ ،‬والدليل على ذلك أن الحداثة كما سلف ذكره‬ ‫عندما نشأت في ال�غ��رب‪ ،‬فإنها قد نبتت من رحم‬ ‫الحداثة العلمية‪ ،‬ثم تمردت على كل ش��يء‪ ،‬فبدأت‬ ‫بتعاليم الكنيسة‪ ،‬ثم طالت شتى شؤون الحياة‪ .‬وحري‬ ‫بالقول إن العلم ال��ذي ول��دت منه الحداثة ال ينسخ‬ ‫الماضي العلمي تمامًا؛ فالباحث يبدأ من حيث انتهى‬ ‫غيره‪ ،‬ألن أساس العلم هو التراكمية والبناء حتى وإن‬ ‫أثبتت الحداثة العلمية خطأ ما قبلها‪ ،‬فإنها تبقي عليه‬ ‫كأحد مالمح االستشهاد على صحة الحاضر‪ ،‬وجزء‬ ‫لقد تبنت طبقة م��ن حملة ال�م��ؤه�لات العلمية‬ ‫من بنائية المستقبل التي تستمد ثباتها من الماضي العالمية وغ�ي��ره��م ف�ك��رة ال �ت��روي��ج للفكر الحداثي‬ ‫والحاضر‪.‬‬ ‫الغربي ومذاهبه وأيدلوجياته‪ ،‬عبر التنقل من منهج‬ ‫وعودًا على بدء‪ ..‬فإن إشكالية الحداثة وتناقضاتها إلى اآلخر‪ ،‬ومن انقطاع ثقافي إلى انقطاعات شاملة‬ ‫في مجتمعاتنا العربية تبدو أكثر فجاجة وقبحً ا لكثير عن الثوابت في الثقافة والتاريخ؛ فقد استبدلت هذه‬ ‫من األسباب‪ ،‬يعد أهمها أن رواف��د الحداثة الغربية الطبقة بالهوية الواضحة هويات متعددة‪ ،‬زعزعت‬ ‫افتقدناها جملة وتفصيلاً في مجتمعاتنا العربية؛ الثوابت وخلخلت االستقرار النفسي والفكري‪ ،‬وأزالت‬ ‫فالحداثة في مجتمعاتنا العربية ب��دأت في األدب‪ ،‬الشعور باالنتماء الحقيقي ألي ش��يء‪ .‬وب��ات هؤالء‬ ‫وهذا يناقض األيدلوجيات التي انطلقت منها الحداثة يسبحون عبر أثير األسئلة مفتوحة النهايات التي‬ ‫الغربية التي فعّلت العلم في تعبيد العقول ورصف تنطوي على النفي وتجاوزه في ال َّنفَس الواحد‪.‬‬ ‫القرائح واألفكار؛ ما مهّد لتوطين الحداثة في شتى‬ ‫وفي ظل كل ذلك نسي أو تناسى دع��اة الحداثة‬ ‫مظاهر السلوك اإلنساني بما فيها األدب‪.‬‬ ‫الجانحة في العالم العربي أن ثوابتنا التي تنطلق من‬ ‫وألن الكنيسة الغربية كانت سيطرتها على الواقع‬ ‫الغربي في عقود متوالية قمعية‪ ،‬ال تقوم على المنطق‬ ‫ال��ذي يقبله العقل‪ ،‬وال يخالف الفطرة‪ ،‬إذ مارس‬ ‫رج��ال الكنيسة إب��ان ذل��ك الوقت ممارسات قمعية‬ ‫تتنافى مع لغة العلم‪ ،‬كما أرخ لها كثير من العلماء‬ ‫واألدب ��اء الغربيين وص��ار التحرر م��ن براثنها أمرًا‬ ‫ضروريًا سعت إليه جميع طوائف المجتمع الغربي‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬وتبنته على مراحل مختلفة جميع‬ ‫مؤسسات الدولة‪.‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫أو تقنية حديثة‪ ،‬فأضحى دعاة الحداثة في عالمنا‬ ‫العربي منذ ب��داي��ات القرن العشرين ي� ّدع��ون ادعا ًء‬ ‫أج��وف بإقامة جسور تواصل مع الحداثة الغربية‪،‬‬ ‫م�ت�ن��اس�ي��ن أن ال �ه��وة ب�ي��ن ال��واق �ع �ي��ن س�ح�ي�ق��ة‪ .‬ومن‬ ‫الغريب أن الشيء الذي يدركونه حقيقة ال وهمًا أن‬ ‫اإلصرار على نقل أنساق الحداثة الغربية إلى واقعنا‬ ‫العربي‪ ،‬سيزيد من مساحة العزلة واالن��زواء للنخبة‬ ‫داخل المجتمع‪ ،‬ويخلق صراعً ا محتدمًا يزكيه شعور‬ ‫بالتعالي من جانب‪ ..‬واتهام بالتغريب والشيطنة من‬ ‫جانب آخر‪.‬‬

‫عقيدة راسخة‪ ..‬تتكامل مع لغة العلم وتطور الفكر‪،‬‬ ‫وتتنافى مع ثوابت الالمنطق التي اختلقتها الكنيسة‬ ‫الغربية في عصور سابقة بهدف شخصنة العقيدة‪،‬‬ ‫وتكبيل الفكر بما يتعارض م��ع فطرة الخلق وعلة‬ ‫االستخالف‪ .‬إن الثوابت اإلسالمية ال تتعارض مع‬ ‫الحداثة الحقيقية‪ ،‬والدليل على ذلك عصور النهضة‬ ‫اإلس�لام�ي��ة ال�ت��ي تعد ب��ره��ا ًن��ا راس��خً ��ا على تجسيد‬ ‫الحداثة بمفهومها المتوازن‪.‬‬

‫ومن الغريب أن دع��اة الحداثة الذين يؤمنون أن‬ ‫والوضع في عالمنا العربي يغاير ذلك تمامًا؛ فلم التفكير الحداثي الفاعل والمنتج‪ ،‬هو عنوان التجدد‬ ‫يكن لدينا متزامنًا مع الغرب نهضة علمية تكنولوجية واالبتكار والتحرر من أغالل التقاليد التي ال تسمح‬ ‫تؤسس للمنهج العلمي‪ ،‬أو يتمخض عنها ثورة صناعية بتأسيس ذائقة فنية تمارس حضورها في العصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪65‬‬


‫الحديث‪ ،‬لم يفطنوا إلى أن مهمتهم األول��ى تنطوي‬ ‫على تطوير أدوات الفن والفهم‪ ،‬لتبرئتهما من عبثية‬ ‫التسلق‪ ،‬وتهريج الغربنة‪ ،‬وركاكة األسلوب‪ ،‬وغموض‬ ‫المعنى‪ ،‬وهشاشة البنية‪ ،‬والخلط بين ما هو أدب‪،‬‬ ‫وما أريد له أن يكنه‪ ،‬وبين ما يحمل في أغساقه هوية‬ ‫ثقافية‪ ،‬لها مالمحها ونقاؤها وصفاؤها‪ ،‬وبين ما هو‬ ‫مخترق في عمق هويته‪ ..‬ال ينفك عن إنتاج التفلت‬ ‫والتفكك لألنساق المعرفية الموروثة؛ األم��ر الذي‬ ‫يجعل من المتعذر كشف حقيقة انتماء األديب لتراث‬ ‫بعينه‪.‬‬

‫صراع محموم للزوال بهدف البقاء‪.‬إن النضج الحداثي‬ ‫انطالقًا من هذه السمة ينمو من الالنضج؛ بمعنى أن‬ ‫الحداثة ال تمهل أي شيء ينضج كي تنضج‪ .‬وفي هذا‬ ‫السياق يقول (أالن تورين) في كتابه «نقد الحداثة»‪:‬‬ ‫«إن قيم السؤال ال تكمن في اإلجابة عنه؛ ألن اإلجابة‬ ‫تنسخ بواعث السؤال وتفقده قيمته الحديثة»(‪ .)2‬وهو‬ ‫بذلك يؤكد أن قيمة السؤال تكمن في طرحه بطرائق‬ ‫م�ت�ع��ددة ت��ؤص��ل قيمة ع��دم�ي��ة اإلج��اب��ة ع �ن��ه‪ ،‬ليظل‬ ‫محتفظً ا بقيمة ت�ج��دده ف��ي خلق ع��ذاب��ات مستمرة‬ ‫للنفس البشرية‪.‬‬

‫خصائص الرواية في عصر الحداثة‪:‬‬

‫وتعد الذاتية من أهم خصائص الحداثة‪ ،‬فالروائي‬ ‫الحداثي يتعالى إحساسه بذاته إلى مستوى يفصله عن‬ ‫اآلخر‪ ،‬ويقدس فرديته إلى درجة يشعر فيها بالضجر‬ ‫بكل ما هو موضوعي‪ ،‬ويغالي بعض الروائيين في‬ ‫هذه الذاتية المفرطة إلى مستوى يصير فيه المفكر‬ ‫وموضوع التفكير في اآلن نفسه‪.‬‬

‫إن ج��دل�ي��ة ت�ح��دي��د ت�ع��ري��ف معين ل �ل �ح��داث��ة‪ ،‬أو‬ ‫حتى تعريفات متفق عليها بين الحداثيين يبدو أمرًا‬ ‫مستحيلاً ؛ لذا‪ ،‬أضحى تحديد خصائصها وسماتها‪،‬‬ ‫أعرب لداللتها من تأطيرها في قالب محدد يتعارض‬ ‫مع أيدلوجياتها وفلسفتها القائمة على التغير المستمر‬ ‫المغلف بالتناقض‪.‬‬

‫ويعد التنكر للواقعية ورفضها من أهم خصائص‬ ‫رواي��ة الحداثة‪ ،‬فاألديب ال يحرص على التوحد أو‬ ‫إن التناقض والغموض يعدان من أهم خصائص التماثل بين عمله وما يصوره‪ .‬فلم تعد جودة العمل‬ ‫الحداثة‪ ،‬فيتجلى التناقض في أن يعلي األدي��ب من الروائي تقاس بتمثيله للواقع‪ ،‬لكن بقدرته على رسم‬ ‫ش��أن ش��يء بعينه ل�ي��رف�ض��ه‪ .‬ويتمثل ال�غ�م��وض في واقع أفضل كما يراه األديب‪.‬‬ ‫صيرورة األدي��ب على اإلس��راف فيه إلع�لاء دينامية‬ ‫أم��ا خصيصة ال �ص��راع اليقيني‪ ،‬فتعد م��ن أهم‬ ‫التذوق‪.‬‬ ‫س�م��ات ال��رواي��ة ف��ي عصر ال �ح��داث��ة‪ ،‬فهي تستبدل‬ ‫إن أدب الحداثة هو مزيج من ه��ذه التناقضات بالطبيعة اإلنسانية في التجربةـ الطبيعة اإلشكالية‬ ‫التي تمور في ذهن األديب‪ ،‬لتخلق مساحات للتعبير ال �ت��ي ت �ف��رض ع�ل��ى ال ��روائ ��ي ال�ت�خ�ل��ي ع��ن المعرفة‬ ‫عن التفكك غير المترابط وغير المنطقي‪ .‬فالمنطق اليقينية‪ ،‬حتى يتفرغ لمشكلة المعرفة نفسها؛ ألن‬ ‫عنده هو عقلنة العاطفة وهلوسة العقالني وتشذير معرفة المعرفة انطالقًا من هذه السمة تعد شرطً ا‬ ‫المترابط‪ ،‬وتحويل المكان إلى زمان والعكس‪ .‬ولهذه لمعرفة الحياة التي يفترضها الروائي‪.‬‬ ‫الخصيصة وغيرها يأتي العمل األدب��ي مفرطً ا في‬ ‫إذاً الروائي الحداثي يؤمن بأنه هو وحده الذي يملك‬ ‫الغموض والتناقض‪.‬‬ ‫القوة الحقيقية التي تغير الوجود اإلنساني‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫وم��ن س�م��ات ال�ح��داث��ة أي� ً‬ ‫�ض��ا اآلن �ي��ة‪ ،‬وتعني كما وحده هو الذي يملك كل شيء؛ ألنه هو الكيان المتصل‬ ‫يراها رواد الحداثة أمثال «بودلير» زمن اللحظة؛ ألن بال انقطاع‪ .‬فالبطل عندما يقدم على فعل ش��يء‪ ،‬ال‬ ‫الحديث عنده هو المؤقت سريع الزوال‪ ،‬فالحداثة ال تدفعه لذلك القيم أو ال��دواف��ع المقدسة‪ ،‬بل يدفعه‬ ‫تصارع الزمن فحسب‪ ،‬لكنها تصارع نفسها‪ ..‬فهي في إيمانه بضرورة الفعل الذي يؤكد به حقيقة بقائه‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ليس غريبًا أن ي�ك��ون ه�ن��اك ج��دل ح��ول تعريف‬ ‫مفهوم ما بعد الحداثة‪ ،‬مادام الجدل ال يزال مستمرًا‬ ‫حول مفهوم الحداثة نفسها‪ .‬إن ربط الحداثة أو ما‬ ‫بعدها بحقبة تاريخية بعينها‪ ..‬أمر تضاربت فيه آراء‬ ‫كثير من المفكرين والعلماء في مجاالت متعددة‪ ،‬منها‬ ‫وقد نعت كثير من النقاد األدب في هذه المرحلة‬ ‫التاريخ واالقتصاد والسياسة واألدب والفنون‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫بوجه عام‪ ،‬والرواية بوجه خاص‪ ،‬بأنه أدب الصمت‬ ‫ورغ� � ��م ه � ��ذا ال � �ت � �ض� ��ارب‪ ،‬ف��ل��م ي��ت��وق��ف عنده حتى االنفجار‪ ،‬كما نُعتت ه��ذه النزعة في األعمال‬ ‫المتخصصون على اختالف مشاربهم كثيرًا‪ ،‬بقدر الروائية بأنها نبوءة النهاية التي تمثلت واق� ًع��ا في‬ ‫ما اهتموا بجدلية المبادئ التي تقوم عليها فلسفة هيروشيما وناجازاكي وفيتنام‪.‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫الرواية في مرحلة ما بعد الحداثة‪:‬‬

‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬إذ بدت قوى عظمى جديدة‬ ‫في التمايز‪ ،‬مثل الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد‬ ‫السوفيتي‪ ،‬وتحول الغرب من الصناعات الثقيلة إلى‬ ‫الصناعات الدقيقة واإللكترونية‪ ،‬فهو عصر التقانة أو‬ ‫ما بعد الحداثة كما أطلق عليه‪.‬‬

‫الحداثة أو ما بعدها‪ ،‬وال��وص��ول إل��ى تأطير واضح‬ ‫ولعل أبرز ما اتسم به أدب ما بعد الحداثة السخرية‪،‬‬ ‫لهذه المبادئ يسهّل دراستها وكيفية ق��راءة الواقع وتعمد التصادم مع القارئ‪ ،‬ورفض المسلمات وعدّها‬ ‫اإلنساني في ضوئها‪.‬‬ ‫وهمًا‪ ،‬انطالقًا من اإليمان باستحالة وج��ود منطق‬ ‫وألن الحديث ف��ي ه��ذا المقام ع��ن ال��رواي��ة في يفسر متغيرات هذا الواقع غير المنطقية‪.‬‬ ‫عصر ما بعد الحداثة‪ ،‬فسوف نلتزم في رصدها في‬ ‫وبذا‪ ،‬فإن ما بعد الحداثة في بعض جوانبها تعد‬ ‫الحقبة الزمنية التي اتفقت عليها معظم الدراسات ام�ت��دادًا للحداثة وإرس��ا ًء لمبادئها بشكل يبدو أكثر‬ ‫النقدية‪ ،‬والتي وصفتها بأنها الحقبة التاريخية التي عنفًا بفعل احتدام روافد التطوير وتدافعها المحموم‪،‬‬ ‫شاعت فيها الفوضى والقالقل االجتماعية والثورات‪ ،‬وتعد في جوانب أخرى ردة فعل لها سيما العقالنية‬ ‫والتي تعد أكثر اصطراعً ا مقارنة بعصر الحداثة الذي‬ ‫المفرطة التي اتصف بها أدب الحداثة‪ .‬لقد جاء أدب‬ ‫اتصف بالعقالنية‪.‬‬ ‫ما بعد الحداثة ثورة على كل ما هو عقالني‪ ،‬إذ يتحلل‬ ‫وأطلق ما بعد الحداثة في مجال الفن واألدب على األديب بكل ما يربطه بالواقع‪ ،‬وربما يكون ذلك أحد‬ ‫األعمال التي أنتجتها حقبة الستينيات والسبعينيات األسباب التي أشاعت موت ما يرمز للعقل والثوابت‬ ‫من القرن المنصرم‪ .‬ورغ��م ذل��ك‪ ،‬ف��إن الحداثة وما القوية‪ ،‬مثل موت البطل في كثير من األعمال الروائية‬ ‫بعدها ال تدل في هذا السياق على فترة زمنية بعينها‪ ،‬التي تمثل مرحلة ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫بقدر ما ت��دل على تيار محدد يتسم بسمات نقدية‬ ‫ورغم الفروق التي جاوز بها أدب ما بعد الحداثة‬ ‫محددة‪.‬‬ ‫خصائص عصر الحداثة؛ إال أن ال��واق��ع يشير إلى‬ ‫وتشير الدراسات إلى أن أول من استخدم مصطلح غير ذلك‪ ،‬فكثير من األعمال األدبية ينتمي أصحابها‬ ‫ما بعد الحداثة في مطلع الخمسينيات هو الشاعر بفعل الزمن والقناعات إلى ما بعد الحداثة‪ ،‬إال أن‬ ‫«تشارلز أول�س��ون» في رسالة كتبها ألح��د أصدقائه النقاد يختلفون في تصنيف هذه األعمال على أنها‬ ‫يشكك فيها في قيمة التراث‪ ،‬ويصف نفسه وأبناء تمثل الحداثة أو تمثل ما بعدها‪ .‬وذلك ما جعل فريقًا‬ ‫جيله بجيل «ما بعد الحداثيين»(‪.)3‬‬ ‫م��ن النقاد ي��رى أن مصطلحي الحداثة وم��ا بعدها‬ ‫ب��دأ اس�ت�خ��دام ذل��ك المصطلح ف��ي التنامي في يتقاطعان في سمة جوهرية‪ ،‬هي فضفاضية الداللة‬ ‫األوساط األدبية في أوربا‪ ،‬وقد تزامن ذلك مع نهايات التي تقود إلى حتمية التداخل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪67‬‬


‫خصائص رواية ما بعد الحداثة‪:‬‬

‫نحو حداثة عربية متوازنة‪:‬‬

‫ثبت من ق��راءة التاريخ أن أكثر الحضارات ثباتًا‬ ‫اتسمت رواية ما بعد الحداثة ببعض الخصائص‪،‬‬ ‫وات��زا ًن��ا وت��أث�ي�رًا ه��ي ال�ت��ي اعتمدت على الوسطية‬ ‫أهمها‪:‬‬ ‫واالعتدال في ق��راءة الواقع واستشراف المستقبل‪،‬‬ ‫‪1 .1‬حطمت ال��رواي��ة سلطة المذاهب الفكرية‬ ‫أيضا أن الجنوح تكون نهاية مآله متسارعة‬ ‫كما ثبت ً‬ ‫الكبرى المغلقة‪ ،‬والتي عادة ما تأخذ شكل‬ ‫بضعف سرعة صعوده‪.‬‬ ‫األيدلوجيات‪ ،‬على أس��اس أنها في زعمها‬ ‫وال يخفى على أحد أن عظمة الرسالة الخاتمة‬ ‫ت�ق��دم ت�ف�س�ي�رًا ك�ل� ًي��ا ل�ل�ظ��واه��ر‪ .‬وق��د ألغت‬ ‫حقيقة التنوع اإلنساني‪ .‬وانطلقت الرواية وصالحيتها وإبداعيتها ف��ي ك��ل زم��ان وم �ك��ان‪ ،‬قد‬ ‫باإلعالن عن سقوط هذه األنساق الفكرية قامت على دعائم شتى تأتي الوسطية في مقدمتها‪.‬‬ ‫وفي القيم اإلنسانية ال توجد فضيلة إال وتوسطت‬ ‫المغلقة‪.‬‬ ‫رذي�ل�ت�ي��ن‪ .‬ف��ال�ح��داث��ة ال�م�ت��وازن��ة ه��ي ال �ح��داث��ة التي‬ ‫‪2 .2‬دعت الرواية إلى إلغاء الذات الحديثة‪ ،‬وذلك تقوم على الوسطية‪ ،‬فهي ارتباط بالتراث‪ ،‬وخروج‬ ‫ألنها من اختراعات عصر الحداثة‪.‬‬ ‫عليه في الوقت نفسه؛ فاألديب والروائي العربي ال‬ ‫‪3 .3‬تنهض ال��رواي��ة ف��ي عصر م��ا بعد الحداثة يكتب في فراغ بل يكتب‪ ،‬ومن ورائه الماضي وأمامه‬ ‫على الصدفة أو على مجموعة من الصدف‪ ،‬المستقبل‪.‬‬ ‫وليس فيها أي مجال للسببية أو المنطق‪.‬‬ ‫وال يعني االرت�ب��اط بالماضي محاكاة ل��ه‪ ،‬فليس‬ ‫‪4 .4‬رواية ما بعد الحداثة تلغي المحاكاة‪ ،‬وتلغي‬ ‫وحدة الحدث‪ ،‬بل تلغي الحدث نفسه‪ ،‬بحيث‬ ‫وأيضا كثيرًا ما تلغي‬ ‫ً‬ ‫ال يكون هناك حدث‪.‬‬ ‫البطل‪ ،‬وتلغي السرد الطولي‪ ،‬بحيث ينعدم‬ ‫التسلسل والتتابع الكرونولوجي‪.‬‬

‫التراث الذي نقصده هو تشبث بتالبيب موضوعات‬ ‫نفقت‪ ..‬أو أفكار وص��ور هيضت‪ .‬إن ال�ت��راث الذي‬ ‫نقصده هو طاقة معرفة وحيوية خلق وذكرى اكتنفت‬ ‫القلب والروح‪.‬‬

‫فمن هذا المنطلق يكون االرتباط بالتراث يحمل‬ ‫‪5 .5‬المغاالة واإلغراق في الخيال من أهم سمات معنيين‪ :‬األول‪ :‬ارت �ب��اط وخ�ل��ق وإض��اف��ة واستباق‪.‬‬ ‫رواي��ة ما بعد الحداثة؛ لذا وسم على أدب والثاني‪ :‬ارتباط التقابل والتوازي والتضاد‪ .‬إن التراث‬ ‫ليس تراتيل مقدسة‪ ،‬لكنه ينبغي أن يكون طاقة تفجر‬ ‫هذه المرحلة «بأدب اإلفراط»‪.‬‬ ‫الخلق واإلب ��داع من خ�لال إعمال قرائح موضوعية‬ ‫‪6 .6‬اخ� �ت�ل�اط ال �ف��ان �ت��ازي��ا ب ��ال ��واق ��ع ي �ع��د أهم يكون ديدنها النقد والتمحيص واالنتقاء لالرتقاء‪.‬‬ ‫الخصائص لرواية ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫إن األدي��ب ال�ح��اذق هو ال��ذي يقوم بعملية فصد‬ ‫‪7 .7‬التناص‪ ،‬مما يعني أن التاريخ يكرر نفسه أو للتراث ليميط عن الخبث‪ ،‬ويستمد منه إكسير الخلود‬ ‫أن التاريخ نفسه تناص‪.‬‬ ‫ليسكنه في روح جديدة تسابق الزمن‪.‬‬ ‫‪8 .8‬نفي إرهاب الحقيقة أو السعي لها باعتبارها‬ ‫إن الحداثة وم��ا بعدها أم��ام‪ ،‬فكيف يكون أمام‬ ‫هدفًا أو مثالاً ‪ ،‬كما كانت تتبناها الحداثة‪ ،‬بال خلف‪ ،‬وكيف يكون بعد بال قبل؛ فالماضي ليس‬ ‫فبعد الحداثة ترى أن الحقيقة من المستحيل محددًا دالليًا على األقل في األدب بارتباطه الزماني‬ ‫الوصول إليها(‪.)4‬‬ ‫أو المكاني ال�م�ح��دد‪ ،‬فهو وع��اء ال �ت��راث الخصيب‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫إن عملية فصد التراث وإعادة إنتاجه تشي لألديب‬ ‫والمبدع العربي باألواصر الدافئة‪ ،‬والوشائج المنتظمة‬ ‫بين تراثه وتراث األمم األخ��رى؛ فحتما سيكون هناك‬ ‫تالق مواز لالختالف؛ ألن الموضوعات اإلنسانية ثابتة‪،‬‬ ‫لكنها مختلفة في ظاهر األشكال المتناصة مع الظروف‬ ‫االجتماعية والسياسية والبيئية واللغوية‪ .‬فالسلوك‬ ‫البشري تجمعه قواسم مشتركة ترشح عنها العواطف‬ ‫والمشاعر‪ ،‬فينتهجها اإلنسان بفطرته التي تجنح إلى‬ ‫المدنية والتحضر‪ .‬إن العودة للتراث تكسب المبدع‬ ‫تقييم العمل الحداثي الذي بين يديه برؤيا بانورامية‬ ‫يفتقدها حتمًا إذا نظر إليها بعين اللحظة فقط‪.‬‬ ‫إن مشكلة الحداثة كما يراها عميد األدب العربي‪،‬‬ ‫«هي الحياة من حيث هي حياة» وهو بذلك يؤكد ضمنًا‬ ‫على أن الحداثة قديمة قدم الزمن المتحرك أبديًا‪،‬‬ ‫سيظل الصراع محتدمًا ما دامت الحياة مستمرة‪.‬‬

‫إن ال�ت�ج��دي��د س�ن��ة ال�ح�ي��اة ال�ت��ي كفلتها وسطية‬ ‫اإلس�لام‪ ،‬بل حثنا عليها الدين الحنيف‪ ،‬عندما فتح‬ ‫باب القياس واالجتهاد‪ ،‬وإعمال العقل في كل جوانب‬ ‫الحياة في حدود الكتاب والسنة؛ فإذا كان هذا هو‬ ‫منهج اإلس�لام في النظر إلى أمور الدين‪ ،‬فما بالنا‬ ‫ب��أم��ور الدنيا التي تتعلق ب��األدب والثقافة وغيرها‬ ‫من ش��ؤون الحياة‪ ،‬فهي أول��ى بالتطوير واألخ��ذ وفق‬ ‫معاييرنا وثوابتنا ال باالنفصال عنها أو هدمها‪ .‬فلماذا‬ ‫إذًا نرفض أي تغيير أو تطوير‪ ،‬ويسارع البعض برفع‬ ‫رايات التخوين والتكفير؟!‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫بقدرات العقل البشري المتفاعلة مع سيرورة الحياة‬ ‫في زمن يستحيل أن نحياه‪ .‬فكيف نغض الطرف عن‬ ‫أنساق فكرية نتفيأ بظاللها في الحاضر الذي نحياه‬ ‫بغض النظر عن اإليمان أو الكفر بالواقع الذي نحياه‬ ‫والمستقبل الذي نرجوه‪.‬‬

‫وتعد كل جديد خرقًا واختراقًا للثوابت التي ربما ال‬ ‫تتجاوز داللتها أذهانهم فقط‪ .‬فالبد مع فصد التراث‬ ‫واستصفائه واالنفتاح على المستقبل من خالل القراءة‬ ‫المتأنية للحاضر في كل الثقافات‪ ،‬وانتخاب ما نعبّد‬ ‫به مسارات التفكير للمستقبل‪.‬‬

‫أال يوجد ثمة توافق بين الحداثة الشعرية النابعة‬ ‫م��ن ال �م��وروث الثقافي العربي م��ن ناحية واإلسالم‬ ‫بوسطيته ال�م�ت��وازن��ة م��ن ناحية أخ ��رى؟ وه��ل حدد‬ ‫اإلس�لام معايير بعينها للحكم على األدب بالجودة‬ ‫أو ال� ��رداءة؟ وه��ل ك��ل ش�ع��راء ال�ح��داث��ة خ��رج��وا على‬ ‫الثوابت وتعدوا على القيم أوالدين؟ أال توجد آليات‬ ‫في مرجعيتنا العربية ونماذج مضيئة نحتذيها لتقودنا‬ ‫إلى حداثة معتدلة؟‬

‫إن الحداثة المتوازنة هي ميالد من الحاضر لروح‬ ‫أثيرية أزل�ي��ة ممتدة ال�ج��ذور ف��ي الماضي السحيق‬ ‫ومحلقة في ف�ض��اءات المستقبل ال�لام�ح��دود‪ .‬فهي‬ ‫إن اإلج��اب��ات عن ه��ذه األسئلة تبدو بدهية؛ ألن‬ ‫معضلة الفهم الحقيقية تكمن لدى الكثيرين في طرح‬ ‫حركة إبداع تسكن الحياة في تغيرها الدائم‪.‬‬ ‫السؤال ال في اإلجابة عنه‪.‬‬ ‫أيضا الب��د من تصحيح بعض‬ ‫وإل��ى جانب ذل��ك ً‬ ‫وليتدبر أولو األلباب‪.‬‬ ‫المفاهيم الخاطئة التي تقدس القديم وتتعصب له‪،‬‬ ‫* باحث وناقد وأكاديمي ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪1 .1‬هاو‪ ،‬ارفنج (‪1984‬م)‪ :‬فكرة الحديث في األدب والفنون‪ ،‬ترجمة جابر عصفور‪ ،‬مجلة إبداع العدد الخامس‪ ،‬السنة الثانية‪.‬‬ ‫‪2 .2‬أنطون كمبنيون (‪1993‬م)‪ :‬مفارقات الحداثة الخمس‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد عضيمة‪ ،‬دار المواقف للنشر والتوزيع‪ ،‬الالذقية‪،‬‬ ‫سوريا‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.75‬‬ ‫‪3 .3‬أدونيس (‪1993‬م)‪ :‬النظام والكالم‪ ،‬دار األدب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪4 .4‬إبراهيم نصر الدين (د‪ .‬ت)‪ :‬الحداثة وما بعد الحداثة في الخطاب األدبي‪ ،‬دراسة تطبيقية على قصة «ليس بعيدًا عن‬ ‫وسط المدينة» لألديبة «أولي كاستل بلوم» نموذجً ا‪.‬‬ ‫‪5 .5‬محسن عثمان (د‪ .‬ت)‪ :‬نحو حداثة عربية إسالمية‪ ،‬كلية العربية‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬القاهرة ص‪.3‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪69‬‬


‫وقفة تأملية مع «الرائ ّية»‬ ‫قصيدة حمزة شحاتة في ابنته‬

‫> د‪ .‬ماهر بن مهل الرحيلي*‬

‫كان حمزة شحاتة –رحمه الله‪ -‬عالمة مميزة في مسيرة األدب السعودي‪ ,‬شهد له‬ ‫بذلك أقرانه ومجايلوه‪ ,‬ومن أ َتوْا بعده ودرسوا فنه‪ ,‬وقد وقفت كثيرا عند قصيدته التي‬ ‫يقول مطلعها‪:‬‬ ‫ح����دق����ي ف������يّ ع����اب����س���� ًا أو ط���روب���ا‬

‫ال ت����راع����ي ل���ظ���اه���ري أو ُت���س���ري‬

‫والتي تعد بحق خطاب ًا أبوي ًا البنته الصغيرة‪ ،‬يتخلله كثير من البوح الشعوري‪ ,‬في‬ ‫الوقت الذي ال يخلو من قوة في الخيال والرؤية‪.‬‬ ‫ولعل من المستحسن أن أورد أبيات القصيدة كاملة قبل اإليغال في الحديث عنها‪:‬‬ ‫ح���دق���ي ف�����يّ ع���اب���س��� ًا أو طروبا‬ ‫ال ت����راع����ي ل���ظ���اه���ري أو تسرّي‬ ‫���ب وإن ضا‬ ‫ل���ك م��ن��ي ص����د ٌر رح���ي ٌ‬ ‫ق ب��م��ا ف���ي ال��ح��ي��اة ذرع����� ًا فقري‬ ‫وال���ث���م���ي وج���ن���ت���يّ ل��ث��م�� ًا عنيف ًا‬ ‫وك��ل��ي ل��ل��ي��دي��ن ت��ج��م��ي��ش صدري‬ ‫والصقي وجهك الصغير بكتفي‬ ‫واجعلي من يديك طوق ًا لخصري‬ ‫واه��ج��م��ي ت����ار ًة بجسمك ألقي ـ ـ‬ ‫بعنف يه ـ ـ ـ ــزني ف��وق ِحجري‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫وإذا راق�������ك ال�����وص�����ول إل������ى رأ‬ ‫�لا بشعري‬ ‫س���ي ل��ك��ي ت��ع��ب��ث��ي ق��ل��ي ً‬ ‫ف��اق��ف��زي ق��ف��زة ال��م��ج��ازف ف��ي حر‬ ‫ٍص تكوني في لحظة فوق ظهري‬ ‫شئت وافترضيني‬ ‫ِ‬ ‫وافعلي ب��ي م��ا‬ ‫ل��ع��ب��ةً ب��ادل��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ك ف�����ر ًا بك ِّر‬ ‫ف��ق��ـ��ـ��ري��ب�� ًا س��ت��ص��ـ��ـ��ب��ح��ي��ن فــتا ًة‬ ‫ال ترى الشمس حسنها ذات خدر‬ ‫�����ك بعدي‬ ‫ح���دث���ي���ن���ي أال ي�����روع ِ‬ ‫ب��ع��د ط����ول ائ��ت�لاف��ن��ا ي���ا لذعري‬


‫ل���ي���ت ش����ع����ري ل���م���ن ت���ك���ون���ي���ن بعدي‬ ‫ي�����ا ح����ي����ات����ي وق���ب���ل���ت���ي ل����ي����ت ش���ع���ري‬ ‫أق������س������م������ي ل���������ي ب������ح������ب أم������������ك أن‬ ‫ال ت���ت���ن���اس���ي���ن ي�������وم ع�����رس�����ك ذك�����ري‬ ‫اذك��������������ري ذل���������ك ال�����ش�����ق�����ي اذك������ري������ه‬ ‫������ك ألم������ر‬ ‫ف�����ل�����ق�����د ك������������ان ي������رت������ج������ي ِ‬ ‫س�������وف أح������ي������ا‪ ..‬ن����ع����م ول�����ك�����ن ح����ي����ا ًة‬ ‫ت������ت������ه������اوى ب������ه������ا ع��������وام��������ل ق����ه����ري‬ ‫و س����أب����ق����ى م�����ع�����ذب����� ًا م���ف���ع���م ال���ق���ل���ـ‬ ‫ب ش�����ج�����ون����� ًا وأس����ت����ع����ي����ن ب���ص���ب���ري‬

‫تحفل ال �ق �ص �ي��دةُ ب�م�ش��اه� َد متتابعة – من‬ ‫البيت الثالث إلى الثامن‪ -‬قد ال تألفها كثير من‬ ‫البيوت حتى وقتنا الحالي‪ ,‬ألنها مشاه ُد تن ّم عن‬ ‫أب �وّةٍ حانية‪ ,‬أب �وّةٍ غير تقليدية‪ ,‬أب��وة تقوم على‬ ‫الصداقة والمودة واأللفة والثقة‪ ,‬ولَ ِئ ْن و ُِجدتْ‬ ‫هذه المشاه ُد عند بعضهم‪ ،‬فأغلبُ الظن أنها‬ ‫تقتصر على األطفال الذكور دون اإلناث إال من‬ ‫رحم الله وهدى!‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫واس�����أل�����ي�����ن�����ي م����������اذا ت�����ك�����ون ح���ي���ات���ي‬ ‫����ك ي�����ا ن�����ض�����ارة عمري‬ ‫إن خ���ل���ت م����ن ِ‬

‫عالمات البشر أو العبوس ‪ -‬تبعاً لصروف الحياة‬ ‫ ألن ارتباطها الحقيقي إنما هو بما لها في‬‫داخله من مكان ثابت رحيب ال يتغير‪ ,‬إن ثبات‬ ‫المكانة التي تحتفظ بها االبنة في نفس أبيها‬ ‫مهما تغايرت أح��وال الحياة لهو ثباتٌ يعبّر عن‬ ‫قوة حبه لها‪.‬‬

‫ق����ان����ع���� ًا م�����ن أل�����ي�����م ع���ي���ش���ي ب���ال���ذك���ـ‬ ‫قيمة نفتقدها‬ ‫ٍ‬ ‫إذاً‪ ،‬فالقصيدة تشتمل على‬ ‫رى أداوي م������ري������ره������ا ب�������األم������� ِّر‬ ‫ك�ث�ي��راً ف��ي بيوتنا وع�لاق��ات�ن��ا م��ع أوالدن���ا عامة‬ ‫����ت ي������وم������ ًا ب���م���وت���ي‬ ‫ف����������إذا م������ا س����م����ع ِ‬ ‫وبناتنا بشكل خاص‪ ,‬وهي بال شك تدل على حب‬ ‫ف���ات���ب���ع���ي���ن���ي إل��������ى س����ح����ي����ق م����ق����رّي مكين يكنّه ه��ذا األب الرحيم البنته الصغيرة‪,‬‬ ‫حتى وصل به الحد في البيت الثامن أن يرضى‬ ‫و اذرف�������ي دم����ع����ةً ع���ل���ى ج���س���دي الها‬ ‫م�������د ت������ن������دى ل�����ه�����ا ج�������وان�������ب ق����ب����ري كونه لعب ًة بين يديها يبادلها كراً بفر!‬ ‫وت�������ن�������اس�������ي ن�����ه�����اي�����ت�����ي أه����م����ل����ي����ه����ا‬ ‫ف������ه������ي ال ت����س����ت����ح����ق ل�����ف�����ت�����ة ف���ك���ر‬

‫وال �خ��وف م��ن ن�س�ي��ان ال�م�ح�ب��وب ت�ب�ع�اً لبعد‬ ‫مكانه دلي ٌل قويٌ على صدق المـ ُحب‪ ,‬ولعل هذا‬ ‫األمر يشكل هاجساً كبيراً في القصيدة‪ ,‬يظهر‬ ‫ذلك في األبيات (‪ ,)19-10‬وقد يكون الشاعر‬ ‫متشائماً في نظرته هذه‪ ,‬لكنها المشاعر ال يمكن‬ ‫التصرف فيها في كثير من األحوال!‬

‫بيت في القصيدة تدلنا‬ ‫إن أول لفظة من أول ٍ‬ ‫أن المخاطب َة ذاتُ مكانة خاصة عند الشاعر‪،‬‬ ‫ليست لغيرها من ال�ن��اس‪ ,‬فاإلنسان بطبعه ال‬ ‫يرتاح لمن يمعن النظر فيه‪,‬ألنه يفهم من ذلك ‪-‬ال‬ ‫معان سلبية‪ ,‬كاالنتقاد والتحدي وعدم‬ ‫شعورياً‪ٍ -‬‬ ‫التقبل‪ ,‬فما بالنا حين نرى الشاعر يطلب ذلك‬ ‫طلباً وبارتياح‪ ,‬وهو أيضاً يطلب من المخاطبة‪-‬‬ ‫ابنته‪-‬أن ال ترتبط بما قد يظهر على وجهه من‬

‫عبّر الشاعر عن خوفه من ابتعاد ابنته عنه‬ ‫ونسيانها له بعد أن ربط ذلك منطقياً ببلوغها‬ ‫سن الرشد وزواجها وانشغالها ‪ -‬بطبيعة الحال‪-‬‬ ‫بحياتها ال�ج��دي��دة‪ ,‬م��ا ح��دا ب��ه ف��ي ذروة خوفه‬ ‫هذا أن يطلب منها القَسَ م على عدم نسيانه يوم‬ ‫عرسها‪ ,‬ذلك اليوم الذي ينشغل فيه فك ُر اإلنسان‬ ‫ووجدانُه عن كل ش��يءٍ ‪ ,‬وكان خوف الشاعر أن‬ ‫يكون ضمن هذه األشياء المنسيّة‪.‬‬

‫إن المتأمل في هذا الخطاب الشعري يالحظ‬ ‫اآلتي‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬معاني األبوّ ة الرحيمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪71‬‬


‫وبعد هذا كله تبقى المعاني األبوية الحانية الثالثة‪ :‬استعماله للصور الفنية‪.‬‬ ‫خير ش��اه��د على ق��وة العاطفة ف��ي القصيدة‪,‬‬ ‫تعددت استعماالت الشاعر للصورة الفنية‪,‬‬ ‫يتجلى ذلك في تساؤله عمن سيرعاها من بعده وه��ي وإن ك��ان الكثير منها غير جديد إال أنها‬ ‫ف��ي البيت الثاني عشر‪ ,‬وف��ي اع �ت��زازه بها في جاءت مستحسنة في سياقها‪.‬‬ ‫البيت الرابع عشر‪ ,‬وفي حرصه على أن تزوره‬ ‫ففي صدر البيت الرابع يقول «والصقي وجهك‬ ‫بعد مماته ف��ي البيتين الثامن عشر والتاسع‬ ‫الصغير ب�ك�ت�ف��ي»‪ ،‬وف��ي ال�ش�ط��ر ال�ث��ان��ي يردف‬ ‫عشر‪.‬‬ ‫ال «واجعلي من يديك طوقاً لخصري»‪ ,‬إن‬ ‫قائ ً‬ ‫اتحاد الصورتين معاً (الوجه الملتصق بالكتف‪-‬‬ ‫ثانياً‪ :‬بروز الخيال وبعد الرؤية‪.‬‬ ‫والطوق‪ /‬اليدان المحيط بالخصر) ي��ؤدي إلى‬ ‫يبرز الخيال ف��ي ه��ذه القصيدة سمة فنية‬ ‫معنى االلتحام واالتصال وعدم االنفصال‪ ,‬وهذا‬ ‫أساسية‪ ,‬وذلك من ثالث جهات‪:‬‬ ‫ما تجيش به نفس الشاعر‪ ..‬وه��ذا ما يتمناه‪،‬‬ ‫األولى‪ :‬تصويره للمشاهد الحركية الحقيقية‪ .‬فجاءت الصورتان معبرتين فعال عن عاطفته‪.‬‬ ‫نجح الشاعر في ثمانية األبيات األول��ى في‬ ‫وفي البيت التاسع يكنّي عن بلوغ االبنة سن‬ ‫عرض مشاهد لعِ ــبِه مع االبنة الصغيرة‪ ,‬ويُخيّل الرشد بمعنى جميل قائالً‪:‬‬ ‫للمتلقي من خاللها أنه يشاهد فيلماً سينمائياً‪ ,‬فق ــريب ًا ستصـ ــبحين فتـ ـ ــا ًة‬ ‫يظهر لنا هذه االبنة المشاغبة تقفز تار ًة وتعبث‬ ‫ال ترى الشمس حسنها ذات خدر‬ ‫بشَ عْر أبيها ورأسه تار ًة أخرى‪ ,‬كما نراها مجازفة‬ ‫والكناية هنا مركّبة‪ ,‬حيث كنّى بعدم استطاعة‬ ‫وحريصة في ٍآن واحد‪ ,‬وحين تتعب فإنها تقرب‬ ‫الشمس رؤيتها‪ ،‬وبأنها ذاتُ ِخ��در خ��اص بها‪,‬‬ ‫من أبيها لتضع وجهها الصغير على كتف أبيها أو‬ ‫فالشمس ال تستطيع رؤيتها؛ ألنها ب��دأت تلبس‬ ‫تحتضنه بقوة أو تعبث بصدره‪ ،‬شأنها مع أبيها‬ ‫الحجاب‪ ،‬وألن خروجها من البيت قل عما كانت‬ ‫في ذلك كله شأنها مع لُعْبتها التي ال تملك أن‬ ‫عليه وهي صغيرة‪ ,‬وهي ذات خدر خاص بها؛‬ ‫ترفض لها طلباً‪.‬‬ ‫ألنها أصبحت مستقلة بذاتها ولها كِ يانُها الخاص‬ ‫الثانية‪ :‬حديثه عن المستقبل البعيد‪.‬‬ ‫بها‪.‬‬ ‫يبدأ الشاعر من البيت التاسع قصيدة جديدة‪-‬‬ ‫إن صح التعبير‪ -‬ذلك أنه يخاطب ابن ًة غير التي‬ ‫كان يخاطبها في البيت السابق‪,‬ابن ًة بالغ ًة سن‬ ‫الرشد‪ ،‬ابن ًة بلغت مبلغ الزواج واالستقاللية‪ ,‬ابن ًة‬ ‫يختلف معها أسلوبُ الكالم ويحسن معها النقاش‪,‬‬ ‫ابن ًة تختلف معها الهموم واألفكار والهواجس‪,‬‬ ‫ابن ًة يختلف معها الزمن (المستقبل) وما يصاحبه‬ ‫من بُعد ونسيان وموت وفراق‪ .‬وال شك أن هذا‬ ‫الحديث المستشرف للمستقبل يستلزم قو ًة في‬ ‫التفكير وإحكاماً في التخيّل‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫وم��ن الصور التي استغلها الشاعر في بيان‬ ‫حبه البنته أن دعاها بالحياة والقِ بلة في البيت‬ ‫الثاني عشر‪ ,‬فهي حياته ألنه ال يقوى على العيش‬ ‫بدونها‪ ,‬وهي قِ بلته؛ ألنها مجمع أفكاره ومشاعره‬ ‫جميعاً‪ ,‬إال أن استعمال القبلة هنا قد يكتنفه‬ ‫بعض القلق؛ ألنها من المصطلحات ذات الصبغة‬ ‫الدينية‪ ,‬والواقع – على كل حال‪ -‬يدل على ثراءِ‬ ‫اللغة العربية‪ ..‬وإمكان الشاعر االستفادة من هذا‬ ‫الثراء بعيداً عن هذه المصطلحات الحسّ اسة‪.‬‬ ‫وف��ي معرض وصفه ألل��م االبتعاد ع��ن ابنته‬


‫وفي البيت ما قبل األخير ال يفوت الشاعر‬ ‫أن يق ّدم لنا صور ًة رائعة تبين مدى حبه الرائع‬ ‫دمعة واح��دة منها‬ ‫ٍ‬ ‫البنته‪ ,‬وذل��ك حين قابل بين‬ ‫على قبره وبين جوانب قبره النديّة‪ ,‬وهي مقابلة‬ ‫بين المفرد والجمع‪ ,‬رمزاً منه لمكانتها األثيرة‬ ‫الغالية‪.‬‬ ‫وف��ي البيت نفسه يصور حالته بعد الموت‬ ‫بالجسد الهامد‪ ,‬وهي صورة تبعث على الحزن‬ ‫واإلشفاق على هذا الجسد الذي كان يبادل ابنته‬ ‫«كراً بفر» قبل عدد قليل من األبيات!‬

‫ثالثاً‪ :‬دقة التعبير‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫الحبيبة‪ ,‬ي �ص��ور ل�ن��ا ف��ي ال�ب�ي��ت ال�س��اب��ع عشر‬ ‫معاناته حين يفتقدها‪ ،‬فيحاول التخفيف عن‬ ‫نفسه باسترجاع ذكرياته الجميلة معها‪ ,‬ولكن‬ ‫هذا التذكر للماضي يجعله في ألم أقوى من ذي‬ ‫قبل‪ ,‬كمن ي��داوي ألمه الم ّر ب��دواء أش��دّ مرارة‪،‬‬ ‫وكأنه بهذا يعكس المثل الشعبي المعروف‪.‬‬

‫ن �ج��ده ي �ت �ل � ّم��س ال �ت �ص��وي��ر ال��دق �ي��ق لسلوك‬ ‫الطفولة‪ ,‬ولبيان ذلك بالتفصيل أقول‪ :‬إن ابتداء‬ ‫البيت بأسلوب الشرط يوحي بعدم اليقين من‬ ‫الرغبة الحقيقية للطفلة الصغيرة‪ ,‬ثم استخدام‬ ‫الفعل «راق ��ك» ي��دل دالل��ة واقعية على نفسية‬ ‫الطفلة التي تفعل األمر إذا رغبت فيه دون النظر‬ ‫في العواقب أو مدى الضرورة‪ ,‬وبعد ذلك تأتي‬ ‫كلمة «ال��وص��ول» وم��ا أجمل موقع ال ��واو وسط‬ ‫الكلمة‪ ,‬فهي توحي بجرسها إلى طول المسافة‬ ‫كما تراها هي‪ -‬التي تفصل بين الطفلة الضئيلة‬‫ورأس أبيها‪ ,‬ثم نجد بعد هذا أن الهدف من هذا‬ ‫كله هو العبث‪ ,‬وقد وفّق الشاعر فيها فلم يقل‬ ‫«اللعب»؛ ألن اللعب قد يكون لمغزى وفائدة‪ ,‬أما‬ ‫العبث فهو اللهو الطفولي البريء والخالي من‬ ‫الفائدة‪ ,‬وما أجمل القيد ال��ذي وضعه الشاعر‬ ‫حين قال «قليالً» فهذا هو الحال الحقيقي للطفل‪,‬‬ ‫يمل بسرعة وال يستمر على لعبة واحدة‪ ..‬حتى‬ ‫لو كانت أنفس األلعاب وأجملها‪.‬‬ ‫وم��ن ش��واه��د التعبير الدقيق ف��ي القصيدة‬ ‫استخدام الشاعر ل�ـ«س��وف وسين االستقبال»‬ ‫باعتبارات مختلفة‪ ,‬فقد استخدم السين في‬ ‫بيتين األول قوله‪:‬‬

‫ال أبالغ في القول إن قلت إن الدقة في اختيار‬ ‫األلفاظ كانت ملمحاً بارزاً في القصيدة‪ ,‬فأفعال‬ ‫األمر ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬نجدها اختلفت بعد‬ ‫البيت ال�ت��اس��ع‪ ،‬فبعد أن كانت حركية عضلية‬ ‫ت�ن��اس��ب األط �ف��ال ف��ي األب �ي��ات السبعة األولى ف��ق��ري��ب�� ًا ست ــصبحين فت ـ ــا ًة‬ ‫(حدّقي‪-‬الثمي‪-‬ألصقي‪-‬اقفزي‪-‬اهجمي‪-‬ألقي)‪,‬‬ ‫ال ترى الشمس حسنها ذات خدر‬ ‫أصبحت ذهنية شعورية في األبيات ما بعد البيت‬ ‫والثاني قوله‪:‬‬ ‫الثامن (حدثي‪-‬اسألي‪-‬أقسمي‪-‬أذكري)‪ ,‬وذلك‬ ‫ألن الشاعر أصبح يتحدث مع ابنته المتخيَلة وس��أب��ق��ى م��ع��ذب�� ًا مُ ��ف��عَ��م القل ـ‬ ‫ب ش��ج��ون��ا وأس��ت��ع��ي��ن بصبري‬ ‫التي بلغت مرحلة النضج والشباب‪.‬‬ ‫أما سوف فاستخدمها في قوله‪:‬‬ ‫وق��د عُني الشاعر بالمشاهد المتتابعة في‬ ‫ٍ‬ ‫أول القصيدة‪ ،‬فألّف بين ألفاظه وانتقاها‬ ‫بعناية س����وف أح���ي���ا ن��ع��م ول���ك���ن حياة‬ ‫أسهمت في اكتمال الصورة وروعتها في أذهان‬ ‫ت���ت���ه���اوى ب���ه���ا ع�����وام�����لُ قهري‬ ‫المتلقّين‪ ,‬فالبيت السادس مثال حين يقول‪:‬‬ ‫إن قواعد اللغة تقول لنا إن استعمال السين‬ ‫�������ك ال�����وص�����ولُ إل�����ى رأ‬ ‫وإذا راق ِ‬ ‫للمستقبل القريب‪ ,‬وأما سوف فتكون للمستقبل‬ ‫س��ي لكي تعبثي قلي ًال بشعري ال�ب�ع�ي��د‪ ,‬وق��د ان�ط�ب��ق ه��ذا ال�م�ع�ي��ار ف��ي أبيات‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪73‬‬


‫شحاتة‪ ..‬ولكن مع تحوير بسيط‪ ,‬فالقرب والبعد‬ ‫عنده ال يعترف بالمقياس ال��زم�ن��ي‪ ,‬وإن�م��ا هو‬ ‫مقياس نفسي‪ ,‬فالقريب عنده ما ك��ان متمنياً‬ ‫وقوعه كبلوغ ابنته سن الشباب‪ ,‬أو متأكداً من‬ ‫حدوثه كاستمرار عذابه مع بعاد ابنته الحبيبة‪,‬‬ ‫وأما البعيد‪ ..‬فهو ما كان يشكك فيه كاستمرار‬ ‫حياته دون ابنته العزيزة على قلبه‪.‬‬ ‫وما أجمل استخدام «ما» في قوله‪:‬‬ ‫ف����إذا م���ا س��م��ع ِ��ت ي���وم��� ًا بموتي‬ ‫فاتبعيني إل���ى س��ح��ي��ق مقرّي‬

‫ي�ح�ك��ي ال�ب�ي��ت األول م�ش�ه��دا للطفلة وهي‬ ‫تحاور نفسها مترددة بين القفز وعدمه‪ ,‬ولذا‬ ‫ج��اء إيقاعه ه��ادئ�اً سلساً يناسب ع��دم تحرك‬ ‫الطفلة‪ ,‬أما البيت الثاني فيحكي قفزة الطفلة‬ ‫فجاء إيقاعه هادراً يناسب الحركة القوية التي‬ ‫قامت بها الطفلة‪.‬‬ ‫ه ��ذا‪ ,‬ول�ع��ل م��ن القليل ال ��ذي ل��م ي��و ّف��ق فيه‬ ‫الشاعر في القصيدة‪ ,‬أن اختار لفظة «تتناسين»‬ ‫في بيته القائل‪:‬‬

‫أق��س��م��ي ل���ي ب��ح��ب أم����ك أن ال‬ ‫فهي زائ��دة عند النحاة‪ ,‬ولكنها ذات داللة‬ ‫����ك ذك���ري‬ ‫����رس ِ‬ ‫ت��ت��ن��اس��ي��ن ي����وم عُ ِ‬ ‫عميقة هنا‪ ,‬إن شحاتة يتوقع –بحسه المتشائم‬ ‫والحقيقة أن صيغة التفاعل تدل على التكلّف‬ ‫في القصيدة‪ -‬أن االبنة قد ال تسمع بخبر موته‬ ‫نتيجة التباعد بينهما‪ ,‬وقد دلت زيادة «ما» هنا والتطلّب‪ ,‬وال يمكن تصور ذلك من ابنة الشاعر‬ ‫على هذا التوقع الذي كان يضمره الشاعر‪ ,‬ولو المحبة له‪ ,‬فمن غير المعقول أن تتكلف نسيان‬ ‫قال مثال‪ :‬فإذا سمعت يوماً بموتي‪ ،‬لزالت حدة أبيها‪ ,‬لكن من الممكن أن يصيبها النسيان‪ ,‬وعلى‬ ‫هذا التشاؤم كثيراً‪ ،‬ولما شعرنا به كما هو الحال هذا فلو عبر بـ «تنسين» لكان أفضل وأدق في‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫التعبير عن المراد‪ ,‬والجدير ذكره أن القسَ م في‬ ‫و أخيراً فإن انسجام اإليقاع مع المعاني باب البيت وإن كان يدل على عظم مكانة الزوجة عند‬ ‫وثيق الصلة بدقة التعبير‪ ,‬ولعل استثمار الشاعر الشاعر وابنته‪,‬إال أن كونه بغير الله ال ينبغي أبدا‬ ‫ل�لأل�ف��اظ ذات ال �م��دود أض�ف��ى ع�ل��ى القصيدة لإلنسان المسلم‪ ,‬وهو ال يخلو من إشارة إلى تأثر‬ ‫إيقاعا جمي ً‬ ‫ال يناسب الحزن وبثّه‪ ,‬كما يناسب الشاعر ببعض البيئات المنفتحة التي عاش فيها‬ ‫معاني األل�ف��اظ نفسها‪ ,‬فجرس كلمة «رحيب» خارج وطنه‪.‬‬ ‫يناسب معناها‪ ,‬وك��ذل��ك كلمة «ال��وص��ول» كما‬ ‫وقد استخدم الشاعر صيغة «التناسي» نفسها‬ ‫أسلفت‪ ,‬واألمر ال يقف عند األلفاظ فحسب‪..‬‬ ‫بل يتعداها إلى الجمل واألبيات أيضاً‪ ,‬ولننظر في بيته األخير من القصيدة حيث يقول‪:‬‬ ‫إلى البيتين التاليين‪:‬‬ ‫وت����ن����اس����يْ ن���ه���اي���ت���ي أهمليها‬ ‫وإذا راق������ك ال����وص����ول إل�����ى رأ‬ ‫س��ي لكي تعبثي قلي ًال بشعري‬ ‫فاقفزي قفزة المجازف في حر‬ ‫ٍص تكوني في لحظة فوق ظهري‬

‫ف��ه��ي ال ت��س��ت��ح��ق ل��ف��ت��ة ف��ك��ر ِ‬ ‫لكنها ج ��اءت ه�ن��ا مناسبة ت�م��ام�اً لمعناها‬ ‫المراد‪ ,‬وما ال يصلح في موضع ما قد يحسُ ن‬ ‫موضع آخر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تماماً في‬

‫* أستاذ األدب المساعد في كلية اللغة العربية‪ -‬الجامعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫ٍ‬ ‫ريشة تغويها‬ ‫الدرس في‬ ‫اجلهات‬ ‫> عبدالله السفر*‬

‫الدرس‬ ‫ّ‬

‫ريشة تغويها الجهات‬ ‫ٌ‬

‫يحمل ش�ب�ك�تَ� ُه و ُع� �م� � َرهُ ال�م��وش��ك إلى‬ ‫مشواره المعتاد‪.‬‬

‫لم يكن يفكّر في المهبّ وال في تحريك‬ ‫جهة كانت‪.‬‬ ‫جسدِ ِه إلى أيّة ٍ‬

‫يقتعد الصخرة‪ ،‬ويدلّي شبكتَ ُه في الماء‪.‬‬

‫اح �ت �ب �س �تْ � ُه ال �ب �ق �ع � ُة ي�ح�س�بُ�ه��ا بَ َر َكتَ ُه‬ ‫الوحيدة‪.‬‬

‫أب ��داً‪ ،‬ل��م تخرج الشبكة بصيده الذي‬ ‫يتمنّاه‪ ،‬أبدا‪.‬‬ ‫همس واح� � ٌد م��ن أبنائه ع��ن المشوار‬ ‫الخائب والصيد الذي ال يجيء‪.‬‬ ‫أط ��رقَ‪ ،‬وقبل أن ينصرف االب ��ن‪ ،‬رف َع‬ ‫رأسه‪:‬‬ ‫كنتُ أظنّ أنك فهمتَ الدرس!‬

‫بجسد مركوز وأذنين‬ ‫ٍ‬ ‫م ّر زم ٌن طويييل‬ ‫مُعارتيْن تستكمالن ما غاب‪.‬‬ ‫بغت ًة شع َر بانثالمِ الصورة التي تصله‪.‬‬ ‫وتخضه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ش القلبَ‬ ‫ثمّة كلم ٌة تُر ِْع ُ‬ ‫صرير يقن ُع ُه ب َب َركَةِ بقعة‬ ‫ٍ‬ ‫حاذَى ما بين‬ ‫وهدير يكاد يقتل ًع ُه كلّما سم َع الكلمة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫فتشف‬ ‫ّ‬ ‫بدا كأنما مرشّ ح ينقّي المشه َد‬ ‫ودف� ��ع إل ��ى األع��ل��ى ي��دي��نِ فارغتيْن‪،‬‬ ‫األشياء وتقرُبُ ويعظُ ُم جُ رمُها‪.‬‬ ‫واختفى‪.‬‬ ‫اهتزّتْ الشبكة‪ ،‬اهتزّتْ ‪ .‬ولم يكن أح ٌد‬ ‫هناك يجذبُ الخيط‪.‬‬

‫ليعرف أنّه في المهبّ‬ ‫َ‬ ‫لم يكن محتاجاً‬ ‫وجس َدهُ ريش ٌة تغويها الجهات‪.‬‬

‫* قاص وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪75‬‬


‫رائحتها ‪..‬‬

‫> إبراهيم شيخ*‬

‫وضعته على قارعة الطريق‪ ،‬كادت الحيوانات العابرة تدوسه بأقدامها‪،‬‬ ‫رأته امرأة كبيرة في السن‪ ،‬صاحت بها‪ ،‬عادت وحملته‪ ،‬مشت به خطوات‪،‬‬ ‫لم تحتمل قربه‪ ،‬فألقته على األرض‪ ،‬بعيدا عن قارعة الطريق‪ ،‬قرصه‬ ‫البرد‪ ،‬بكى بشدة‪ ،‬ع��ادت وأخذته م��رة أخ��رى‪ ،‬مشت به خطوات‪ ،‬تذكرت‬ ‫وال��ده‪ ،‬ألقته تحت ظل شجرة‪ ،‬قرصه الجوع‪ ،‬بكى وتلوى‪ ،‬اقتربت منه‬ ‫تنظر إليه‪ ..‬شم رائحتها‪ ،‬امتألت معدته‪ ،‬سكن ونام‪ ،‬قالت في نفسها‪:‬‬ ‫فرصة سانحة أتخلص منه‪ ،‬ال أسمعه وال أراه‪ ،‬وسال دمعها‪ ،‬تذكرته‪..‬‬ ‫حزنت عليه‪ ،‬ندمت على فعلها‪ ،‬أخ��ذت تسأل عنه‪،‬‬ ‫ألحقه بمن مضى‪.‬‬ ‫أطلقت رجليها ل�ل��ري��ح‪ ،‬أخ��ذت ت�ج��ري وتجري‪ ،‬عرفت أنه أصبح رجال‪ ،‬ذا مكانة‪..‬‬ ‫ركبت األه��وال‪ ،‬وصلت إليه‪ ،‬لم يعرفها‪ ،‬لم يعد‬ ‫اعتقدت أنها ابتعدت عنه كثيرا‪ ،‬ح��ن قلبها إليه‪،‬‬ ‫ربطت على قلبها‪ ،‬دمعت عينها عليه‪ ،‬مسحت الدمع‪ ،‬يذكر رائحتها‪ ،‬عادت أدراجها‪..‬‬ ‫طلبت م��ن عينها أن تكف دمعها‪ ،‬ص��ار لها مثلما‬ ‫تنكر لها كل شيء‪ ،‬فكرت فيه‪ ،‬اختلطت األفكار‬ ‫أرادت‪ ،‬صحا من النوم‪ ،‬لم يجدها بجواره‪..‬‬ ‫في رأسها‪ ،‬لم تعد تميز‪ ،‬وقعت فريسة المرض‪ ،‬سمع‬ ‫وجد نفسه بين يدي المرأة العجوز‪ ،‬اعتنت به‪،‬‬ ‫رعته كابنها‪ ،‬أحبها وأحبته‪ ،‬لكن رائحتها ليست مثل‬ ‫رائحة تلك التي تركته نائماً وهربت‪ ،‬ظل يترقب تلك‬ ‫الرائحة‪..‬‬

‫إذا اقتربت منه ام��رأة‪ ..‬شم رائحتها لعلها تكون‬ ‫ه��ي‪ ،‬أصبح يمشي‪ ،‬ك��ان إذا شاهد غريبة اقترب‬ ‫منها لعلها تكون هي‪ ،‬بلغ سن الشباب‪ ،‬ماتت المرأة‬ ‫العجوز‪ ،‬اختفت الرائحة التي كان يشمها‪ ،‬عمل راعيَ‬ ‫غنم عند رج��ل عقيم‪ ،‬ت��زوج وأن �ج��ب‪ ،‬م��ات الرجل‬ ‫العقيم‪ ،‬أوصى بالغنم له‪ ،‬أصبح يملك شيئاً‪ ،‬أنجب‬ ‫األبناء والبنات‪..‬‬

‫بها‪ ،‬هم بزيارتها‪ ،‬أبى قلبه‪ ،‬رأى العجوز في منامه‬ ‫تقول له‪:‬‬ ‫ال تطاوع قلبك على هجرها‪ ،‬ليس لها سواك‪.‬‬ ‫قام بزيارتها‪ ،‬لم يعرفها من بين المرضى‪ ،‬عاد‬ ‫أدراجه‪ ،‬وقع في حفرة عميقة مظلمة‪..‬‬ ‫سمعت به‪ ،‬نسيت المرض‪ ،‬جرت إليه‪ ،‬أخرجته‬ ‫من الحفرة‪ ،‬تذكر المرأة العجوز‪..‬‬

‫تاه عن رائحتها التي كان يميزها بها‪ ،‬أرادت البقاء‬ ‫ب�ج��واره‪ ،‬لم يتفق قلبها وقلبه‪ ..‬ذهبت إل��ى حيث ال‬ ‫تدري‪ ،‬عادت مرة أخرى‪ ،‬سكنت بالقرب منه‪ ،‬مازال‬ ‫ركبت ال�م��رأة األه ��وال‪ ،‬س��ارت في السهول‪ ،‬في قلبه غائبا عنها‪ ،‬غيرت سكنها‪ ،‬لعل قلبه يصحو‪ ،‬تعب‬ ‫الوديان‪ ،‬تسلقت الجبال‪ ،‬كبرت في السن‪ ..‬لم تستطع قلبه فجأة‪ ،‬اشتد به المرض‪ ،‬عادت تزوره‪ ،‬فقيل لها‪:‬‬ ‫نسيانه‪ ،‬تنكر لها الرجل الذي تركته من أجله‪ ،‬بكت‬ ‫ذهب إلى غير رجعة‪.‬‬ ‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫طيف من الطفولة‬ ‫> بوشعيب عطران*‬

‫ هند‪..‬‬‫نطقت ب��االس��م دون م��ق��دم��ات‪ ..‬جعلت ك��ل الحاضرين‬ ‫المتحلقين ح��ول س��ري��ر زوج��ت��ي حديثة العهد بالوالدة‬ ‫يستديرون إلي‪ ،‬مما شجعني أكثر ألؤكد ما قلت‪:‬‬ ‫ نعم سأسميها هندا‪..‬‬‫ردت زوجتي بتأفف‪:‬‬ ‫ لم نتفق بعد على االسم‪..‬‬‫تحركت نحو الباب بغضب‪ ..‬ونظرات الحاضرين تالحقني باستغراب‪ ،‬تاركا لهم‬ ‫حديثا دسما‪..‬‬ ‫ق��ادت �ن��ي ق��دم��اي وذاك���رت���ي إل���ى حيِّنا بوابل من الشتائم‪ ،‬تفرقنا على إثرها إلى‬ ‫القديم‪ ،‬حيث احتلت هند وأسرتها حيزا مكان آخر متحاشين االقتراب من بيتهم‪..‬‬ ‫كبيرا ف��ي ذاك��رة الطفولة‪ ..‬عندما وقفت‬ ‫مما أثار انتباهي ابنتهم‪ ،‬في سنِّي تقريبا‪،‬‬ ‫ذات م�س��اء خ��ري�ف��ي ش��اح�ن��ة أم ��ام المنزل مختلفة ت�م��ام��ا ع��ن ب �ن��ات ح� ِّي�ن��ا‪ ،‬بلباسها‬ ‫الكبير ال��ذي يقبع في مدخل ح��يٍّ ‪ ،‬نجتمع وقصة شعرها التي تشبه األوالد‪ ...‬ألعرف‬ ‫فيه ‪-‬نحن الصغار‪ -‬كل مساء حالما ننتهي أنها تدعى «هند»‪ ،‬تدرس في صفي نفسه‬ ‫من ألعابنا‪ ،‬لخلوه من ساكنيه طيلة السنة إال بمدرسة الفتيات المجاورة لمدرستنا‪..‬‬ ‫أيام الصيف‪ ،‬قلما يأتي أصحابه‪ ،‬وال نعلم‬ ‫ظلت صورتها عالقة في ذهني‪ ،‬وأحسست‬ ‫وقت حلهم أو ترحالهم‪..‬‬ ‫بشيء ما يجذبني إليها‪ ،‬بدأت أتابع ظهورها‬ ‫تحلقنا حول الشاحنة‪ ،‬نرقب العمال وهم ك��ل لحظة‪ ،‬وأم � ِّن��ي نفسي ب��رؤي�ت�ه��ا‪ ،‬أرقب‬ ‫ينقلون األثاث إلى داخل البيت‪ ،‬تحت نظرات نوافذ بيتها‪ ،‬أو خروجها من بابه للقائها‪..‬‬ ‫صاحبه القاسية‪ ،‬وتوجيهاته الفظة‪ ،‬التي ولكن دون جدوى‪..‬‬ ‫بدت غريبة لي كأثاثه وزوجته التي أمطرتنا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪77‬‬


‫‪ -‬شعيب‪ ،‬شعيب‪ ..‬انتظر‪..‬‬

‫األخير‪..‬‬

‫طالت العطلة وطال انتظاري‪ ،‬لكن هند لم تأت‪،‬‬ ‫التفتُّ بسرعة ل�ص��وت س��اح��ر يناديني‪ ،‬إنها‬ ‫بل عادت أمها تؤازر زوجها الذي اتهم باختالس‬ ‫هي‪ ..‬هند‪..‬‬ ‫وق�ف��تُ مرتبكا ال أق��وى على ال �ك�لام‪ ،‬وفرحة أموال في عهدته من طرف مديره‪ ،‬ليلقى مصيره‬ ‫في السجن‪ ،‬ولم يغادره بعدها حيا‪..‬‬ ‫غامرة تتقاذفني‪..‬‬ ‫عادت األم بخيبتها وحزنها وأثاثها إلى ديارها‬ ‫أمسكت بيدي وهمست‪:‬‬ ‫بين أهلها‪ ،‬وع��اد المنزل إل��ى فضائه الموحش‬ ‫ أال ت��راف �ق �ن��ي إل� ��ى ال��ب��ي��ت‪ ،‬إن� ��ي أخشى وجلبة الصغار حوله‪..‬‬‫الظالم‪...‬‬ ‫سرعان ما نسي أهل الحي تلك األسرة التي لم‬ ‫كنا ق��د خرجنا للتو م��ن ال �م��درس��ة‪ ،‬الشمس يسقط أفرادها الحاجز الجامد بينهم كجيران‪..‬‬ ‫تتوارى للمغيب‪ ،‬وخيوطها الذهبية تشاكس الظالم‪ ،‬لكني ل��م أن��س ق��ط ه�ن��د‪ ،‬تلك النسمة الشاردة‬ ‫مشيت بجانبها مزهواً وال أكاد أصدق ما يجري‪ ..‬التي هبت بلطفها ورونقها ألهيم معها في دنيا‬ ‫أردت أن أق��ول لها أشياء كثيرة‪ ،‬لكن لساني جديدة‪ ..‬حطت فجأة بعيدا ليرافقني طيفها في‬ ‫أصابه العجز‪ ،‬واصلنا طريقنا والصمت رفيقنا‪ ..‬دروب الحياة‪..‬‬ ‫تكرر لقاؤنا في ذهابنا وإيابنا من المدرسة‪،‬‬ ‫كانت هند كنسمة ب��اردة ف��ي ي��وم ح��ار‪ ..‬أضفت‬ ‫سحرا على طفولتي‪ ،‬فنشأتها ببيئة مختلفة تماما‬ ‫عن بيئتنا تؤثثها لمسات أورب�ي��ة‪ ..‬أدخلتني إلى‬ ‫عالم آخر كنت أجهله‪.‬‬ ‫جمعتنا ال �ص��داق��ة ب �ب��راءة ال�ط�ف��ول��ة‪ ،‬وقراءة‬ ‫القصص متعة لحظاتنا‪ ..‬انتهت السنة الدراسية‬ ‫بنجاحنا‪ ،‬ف��رح��ت أك�ث��ر النتقالنا معا إل��ى طور‬ ‫اإلع ��دادي هناك‪ ،‬سندرس جنبا إل��ى جنب‪ ،‬ولن‬ ‫نفترق أبدا‪..‬‬

‫ورواي�ت�ه��ا ال�ت��ي أه��دت�ه��ا إل��ي آخ��ر ل�ق��اء مذيلة‬ ‫باسمها‪ ،‬وكلمات طفولية بريئة أحتفظ بها دائما‬ ‫كذكرى غالية‪..‬‬ ‫أوغ�ل��ت ف��ي ال��زم��ان وال�م�ك��ان‪ ،‬م��رت بخاطري‬ ‫أشياء وأش�ي��اء‪ ،‬برقت هند في ذاك��رت��ي كاألنوار‬ ‫الخافتة البعيدة‪ ،‬نسيت نفسي في زحمة البحث‬ ‫عن ذكرياتي يدفعها بركان يختزنه شعوري‪..‬‬

‫انتبهت وأن��ا أم��ام بيتها‪ ،‬والركن ال��ذي انزوينا‬ ‫فيه آخر لقاء‪ ،‬قد تحول إلى بناية كبيرة تقطنها‬ ‫أسر غريبة عن حيِّنا‪ ..‬تجولت هنا وهناك لعلّي‬ ‫ودعتني ‪ -‬يوم سفرها لقضاء عطلة الصيف أص���ادف أح��د ال �ج �ي��ران ال �ق��دام��ى‪ ،‬ف�ب��دا ل��ي أن‬ ‫بمدينتها األصلية رفقة عائلتها‪ -‬على أمل اللقاء‪ ..‬التغيير لم يشمل المكان‪ ..‬بل حتى الوجوه‪ ،‬ألبدو‬ ‫وسطهم غريبا‪..‬‬ ‫وأهدتني أول كتاب‪ ،‬إنه (لقيطة)‪..‬‬ ‫تسللت البهجة إل��ى قلبي بلقائها مصحوبة‬ ‫بتوجس وخوف مبهم لفراقها‪ ،‬لم أتبين سر نظرات‬ ‫عينيها الحائرتين‪ ..‬ينط منهما حزن وأسى عميق‪،‬‬ ‫ودمعة تترقرق في الطريق‪ ..‬ودعتني‪ ،‬وكان الوداع‬ ‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫كان الطريق إلى بيتي معبرا لذكريات الطفولة‬ ‫بأطيافها المفرحة والحزينة‪ ،‬سرعان ما تالشت‬ ‫أمام الزغاريد التي غطت المكان الذي عج باألهل‬ ‫واألحباب‪ ،‬ابتهاجا بالمولودة واسمها الجديد‪...‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫إدوارد العاشق‬ ‫> محمد سعيد الريحاني*‬ ‫في مكتب ملك اإلمبراطورية التي ال تغيب عنها‬ ‫الشمس‪ ،‬وفي عز الورطة مع أعضاء حكومته‪ ،‬كان‬ ‫الوزراء يتناوبون على إقناع الملك «إدوارد» لتغيير رأيه‬ ‫في موضوع زواجه من «ووليس»‪ ،‬األرملة األجنبية‪:‬‬

‫أطل «إدوارد» من شرفته على المناظر الطبيعية‬ ‫الخالبة‪ ..‬الممتدة إلى األفق‪ ،‬واألسئلة ترفرف بين‬ ‫أرجاء جمجمته‪:‬‬

‫ ما جدوى أن أصبح ملكا على غيري وأنا لست ملكا‬‫ جاللة الملك‪ ،‬يجب أن تعلم بأنك تمثل أمة عظيمة‪،‬‬‫على نفسي؟‬ ‫وبأنك شاب في مقتبل العمر‪ ،‬وأن كل الفتيات‬ ‫ أيهما أول��ى‪ :‬تحرير ال��روح العاشقة أم التمسك‬‫يتمنين الزواج منك‪ .‬فلماذا اإلصرار على الزواج‬ ‫بكرسي الحكم واإلدارة والتسيير؟‬ ‫من أرملة أجنبية؟‪.‬‬ ‫ أيهما أفضل‪ :‬السعادة أم المجد؟‬‫ جاللة الملك‪ ،‬أنت لست رجال عاديا‪ ،‬أنت ملك‪.‬‬‫فالرجاء عدم التفكير لنفسك بل لوطنك‪ .‬لقد ‪ -‬أأكون ملكا على إمبراطورية أم ملكاً على امرأة؟‬ ‫تربيت لتحكم هذه اإلمبراطورية العظيمة‪ ..‬وهذه‬ ‫انتهت المهلة التي منحها البرلمان للملك العازب‪،‬‬ ‫هي فرصتك التاريخية‪ .‬فكر بمنطق التاريخ‪ ..‬وجاء كل وزراء حكومته لسماع القرار األخير‪:‬‬ ‫وال شيء غير ذل��ك‪ .‬إن زواج��ك من هذه المرأة‬ ‫ معالي ال �س��ادة ال � ��وزراء‪ ،‬أش�ك��رك��م على الوقت‬‫سيزعزع المؤسسة الدينية ويقضي عليها‪...‬‬ ‫الوفير ال��ذي خصصتموه ل��ي ولقضيتي‪ ،‬وهذا‬ ‫ ج�لال��ة ال �م �ل��ك‪ ،‬أن ��ت ال تنتمي ف�ق��ط إل ��ى أكبر‬‫قراري األخير‪ :‬خذوا إمبراطوريتكم التي ال تغيب‬ ‫إم�ب��راط��وري��ة عرفها ال �ت��اري��خ‪ ،‬أن��ت ستحكمها‪.‬‬ ‫عنها الشمس‪ ..‬وات��رك��وا لي إمبراطوريتي التي‬ ‫وأول��ى الخطوات في ه��ذا الطريق هي إخراس‬ ‫ال يفتر نبض الحب فيها‪ .‬خذوا ُمل ْك بريطانيا‪،‬‬ ‫األص ��وات الصغيرة داخ�ل��ك‪ ،‬التي تشوش على‬ ‫وانقلوا تاجها ألخي «دوق يوركشر» واتركوا لي‬ ‫تفكيرك‪ ،‬وتحول دون اتخاذك قراراتك السديدة‬ ‫حبيبتي «وول �ي��س»‪ .‬وألن�ن��ي أع��رف بأنه ال أحد‬ ‫المعهودة‪.‬‬ ‫سيسامحني على قراري‪ ،‬فإنني سأفضل المنفى‬ ‫ جاللة الملك‪ ،‬البرلمان يعطيك مهلة للتفكير‪،‬‬‫فال تضيع فرصتك التي ال يمكنك بأي حال من‬ ‫األحوال استرجاعها فيما بعد‪...‬‬

‫م��ع «وول �ي��س» لباقي س�ن��وات ع�م��ري‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫الكراسي وال�ع��روش والتيجان وجهابذة اإلقناع‬ ‫بضرورة عدم اإلنصات لنبض القلب‪...‬‬

‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪79‬‬


‫للحزن أسباب أخرى‪!..‬‬ ‫> هشام بنشاوي*‬

‫نعشً ا‪ ...‬خيل إل��يّ أن جارنا «م» ال يفكر‬ ‫نعش طائر‬ ‫س��وى ف��ي بطنه‪ ،‬وأن��ا أت�ع��ذب ‪ -‬وحدي‪-‬‬ ‫يوم االثنين‪ ،‬علمت أن والد جارنا فارق‬ ‫بحزني الشفيف؛ فقد الزمني طوال األيام‬ ‫ال �ح �ي��اة ف��ي ال�م�ه�ج��ر‪ ،‬وال �ي��وم (الجمعة)‬ ‫المنصرمة هاجس أليم‪« :‬ب َم سيحس ركاب‬ ‫لمحت نعشه يحمل في سيارة الموتى‪ ،‬لكي‬ ‫الطائرة إن علموا أنها تحمل نعشا؟»‪.‬‬ ‫يوارى الثرى في قريته‪ .‬بقيت طوال األيام‬ ‫*****‬ ‫الماضية مكتئبا‪ ،‬أتذكر إج��راءات السفر‬ ‫الروتينية حد التقزز‪ ،‬التي صادفتني قبيل‬ ‫لم يسبق لي رؤي��ة الجار الميت‪ ،‬لكن‬ ‫رح�ل��ة ال�خ��رط��وم‪ ،‬وأف�ك��ر ف��ي ه��ذا المأتم ح��ز ًن��ا كريهًا الزم�ن��ي منذ ي��وم االثنين‪ .‬ال‬ ‫ال�ب��اذخ‪ ،‬وأح��د الجيران أب��ى ال��ذه��اب إلى مالمح لحزني‪(..‬ربما) ألنه لم يسبق لي أن‬ ‫بيته‪ ،‬قبل أن يترجم ثواب ذهابه مع الجنازة رأيت ذلك السيد‪ .‬أتخيل جسدا متجمدا‬ ‫إل��ى ول�ي�م��ة‪ ..‬اح�ت�ق��رت ان�ت�ظ��ار المعزين‪ ،‬بال ح��راك‪ ،‬كان نابضا باألشواق‪ ،‬تناسوه‬ ‫المتناثرين بالقرب‪ ،‬كطيور جارحة تتأهب بُعيد دفنه‪ ..‬أحس بال جدوى الحياة‪ ،‬حين‬ ‫لالنقضاض على فريستها‪ .‬ربما‪ ،‬لم يخطر تقتحم المشهد الجنائزي ام ��رأة‪ ،‬وأفكر‬ ‫ببالهم ثالجة األموات‪ ،‬والطائرة التي تحمل ب�ص��وت ع��ال‪« :‬ه��ل يستحق ه��ذا الجسد‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫الفائض أنوثة وسحرا أن يلقى نفس المصير‬ ‫التعيس ل��ذل��ك ال �ج��ار التسعيني؟ ه��ل تستحق‬ ‫ال��وردة أن تلقى بين القاذورات؟ هل ستتحول ‪-‬‬ ‫بدورها‪ -‬إلى وليمة يفترسها طفيليو المآتم؟»‪.‬‬

‫المسكينة انساقت وراء مزحتي‪ ،‬حين جاءت‬

‫ضحك كالبكاء‬

‫تبتاع شيئا‪ ،‬من صديقي مبارك‪ ،‬وقلت لها وبلكنة‬

‫البهجة‪ ،‬ألن القدر كتب عليها أن تكون خادمة‬ ‫في البيوت‪ ،‬تقسو عليها مشغلتها كما الحياة‪.‬‬

‫ألن هذه اللقطة موغلة في األس��ى‪ ،‬سأكتب ب��دوي��ة فكاهية‪« :‬وا بهيجة م��ن نهار شفتك ما‬ ‫عن الزم��ة أردده��ا ‪ -‬يوميا‪ -‬لمداعبة صديقي شفت النعاس»‪ .‬وهكذا‪ ،‬صارت تبحث عن فسحة‬ ‫«مبارك»‪ .‬كانت تلك الالزمة جملة تلفظ بها أحد للتلصص من النافذة‪ .‬تلوح مدججة بالشوق‪ ،‬وال‬ ‫أقاربنا‪ ،‬حين لمحته من فوق ورش البناء‪ ،‬ويبدو أع�ب��أ ب�ه��ا‪ ،‬وال أش�ي��ر إليها ‪ -‬ه��ذه ال �م��رة‪ -‬أين‬ ‫أنه لم يطق رؤيتي بذلك الحي الشعبي‪ ،‬وربما‪ ،‬تختفي وتترك قلبي فريسة اللهفة‪..‬؟‬ ‫لعن ‪ -‬ف��ي تلك اللحظة‪ -‬البنائين‪ ،‬ألنهم مثل‬ ‫أمومة مسروقة‬ ‫العطارين‪ ،‬يتنقلون من مكان إلى آخ��ر‪ ..‬بسبب‬ ‫تحية تبطن الكثير من السخرية‪ .‬اختفى الرجل‬ ‫مساء‪ ،‬في طريقي إلى البيت‪ ،‬لمحت جارنا‬ ‫من ذلك الحي‪ ،‬فتسببت في «قطع رزقه»‪.‬‬ ‫«ع»‪ ،‬م��ع ص��دي�ق��ه وش ��اب آخ ��ر‪ ،‬وك��ان��ت أمامه‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫تلوح «بهيجة»‪ ،‬والتي أتخيل أنها لم تذق طعم‬

‫لمحته م��ن ف��وق بغلته‪ ،‬وه��و ي �ن��ادي بصوته‬ ‫المبحوح‪« :‬نخالة للبيع» في ذلك الحي الشعبي‪ ،‬أم ��س‪ ،‬وك��ان��ت ت �م��وء م ��واء خ��اف�ت��ا‪ ،‬ك��أن��ه توسل‬ ‫وكانت عبارته األخيرة‪« :‬انت هناااااا‪ ..‬وسي ْر الله منكسر‪ .‬سألته مازحا‪ ،‬مثلما اعتدت كلما أنجبت‬ ‫يعاااااون‪.»..‬‬ ‫القطة‪« :‬فينا هي الرفيسة؟»‪ ،‬وكأنه يفترض أن‬ ‫أرددها لصديقي يوميا‪ ،‬وأضحك‪..‬‬ ‫يقيم حفل عقيقة لصغارها‪ ،‬والذين لمحتهم يوم‬ ‫القطة‪ .‬كانت تبدو كسيرة الفؤاد‪ .‬مثلما رأيتها‬

‫لقد مات الرجل‪ ،‬وبقيت عبارته خالدة؛ (هل األحد في علبة كارتونية‪ ،‬بعدما وضعتهم والدته‬ ‫ستخلد حقا؟ أم أن صفة الخلود هنا مجرد مبالغة أو أحد أف��راد األس��رة ليستمتعوا ب��دفء شمس‬ ‫لغوية؟)‪ .‬أرددها‪ ،‬وكأنني سمعتها منه للتو‪.‬‬ ‫ظهيرة ذلك األح��د‪( .‬ندمت ألنني لم أصورهم‪،‬‬ ‫لم يعد له أي أثر‪ ،‬بل‪ ،‬لعل عظامه تالشت‪ ..‬ولم أالعبهم‪ ،‬كما فعلت ‪ -‬من قبل‪ -‬مع إخوتهم‪.‬‬ ‫لقد اختفى من هذه الحياة‪ ،‬مثلما اختفى من ذلك‬ ‫أمس‪ ،‬خمنت أن األس��رة حرمتها من أبنائها‬ ‫الحي من قبل‪ ،‬لكن هذه المرة لن يمكنني رؤيته‬ ‫برميهم‪( ،‬لكن ال يعقل أن يفعلوا ذلك‪ ،‬فالصغار‪-‬‬ ‫في حي آخر‪ .‬لو مت‪ ،‬أنا أيضا‪ ،‬هل ستتذكرون‬ ‫ما زالوا في حاجة ماسة إليها‪ ،‬وهي كذلك)‪.‬‬ ‫قصصي القذرة فقط؟ أم ستتذكرون عدوانيتي‪،‬‬ ‫تضاعف حزني حين أخبرني أنهم سرقوا‬ ‫نزقي؟ ومن ستخطر بباله حساسيتي المفرطة‬ ‫ذات ليلة منذورة للبكاء المترنح؟‬ ‫أبناءها‪ ،‬فتركوها ملتاعة‪...‬‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪81‬‬


‫قصيدتان‬ ‫> عبدالهادي صالح*‬

‫الليل‬ ‫ريحي علَى ِ‬ ‫واستَ ِ‬ ‫امسَ حي وجَ عي واترُ كيني‪،‬‬ ‫وانثُ ري في درُوب المَ دينةِ‬ ‫مَ ا يجهلُ العَابرون‪ ،‬وقولِ ي‪:‬‬ ‫إلى اللهِ مَ ا خلَّفتهُ الليَالي‪،‬‬ ‫ومَ ا طرحَ ته ُشموس البَراري‪،‬‬ ‫وج ِدهَ ا‪،‬‬ ‫القلوب على ْ‬ ‫ُ‬ ‫ومَ ا خبَّأتهُ‬ ‫واستَريِ حي علَى الليِ ل‪..‬‬ ‫امسَ حيني قلي ًال قليالً‪:‬‬ ‫الصباح‪،‬‬ ‫ِمن جَ بين َ‬ ‫ومن وجَ نات الزُ هور‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الشتاء الرَّ هيب‪،‬‬ ‫َعش هذا ِ‬ ‫و ِمن ر ِ‬ ‫الصمت‬ ‫وال تعبُري َ‬ ‫حتى يَفيقُ المسَ اءُ‬ ‫على ُسدَّ ة الرُ وح؛‬ ‫انظري قمَ ر ًا واحد ًا‬ ‫ثم ُ‬ ‫َراك ِسوَاه‪.‬‬ ‫ال ي ِ‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫اغتيال‬ ‫فكَّ ر فِ ي الرَّ ِحيل؛‬ ‫اصطيا َد غيمَ ة‪،‬‬ ‫فقرَّ ر ِ‬ ‫حمَ ل صنَّارتهُ‬ ‫واتجَ َه إلى أعلَى بِ نايةٍ‬ ‫في الحَ يّ ‪...‬‬ ‫و َّز َع أشوَاقَهُ‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫في َّ‬ ‫وأس َل َم أُذُ نيهِ‬ ‫للريَاح‪،‬‬ ‫وانتَظر خلَف عينِ يهِ‬ ‫طَ وي ًال طَ ويالً‪...‬‬ ‫وفِ ي كُ لِّ مرَّ ةٍ‬ ‫يُ سدِّ دُ رغَ بَاتهِ‬ ‫مس؛‬ ‫الش ُ‬ ‫تُخَ اتِ لهُ َّ‬ ‫فتَغتالُ أحالَمَ هُ‬ ‫ِمن جَ ديد‪.‬‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪83‬‬


‫مصافحة طيف‬ ‫> ليلى احلربي*‬ ‫أ َو ه�����ك�����ذا أص�����غ�����ي إل�����ي�����ك رب����اب����ة‬

‫أوت����������اره����������ا غ�����ن�����ت ع�����ل�����ى أوت������������اري‬

‫ي����ا ح���ب���يَ ال���م���خ���ذول ق���ب���ل هزيمتي‬

‫ي������ا زه����������رة س����ك����ن����ت ب�����ج�����وف ال����ن����ار‬

‫ح����ت����ام ي���ح���وي���ن���ي ال���س���ق���ام وي����رت����وي‬

‫م�����ن غ���ي���م���ت���ي ح����ت����ى ذوت أزه��������اري‬

‫ي���ا ن��ب��ض��ه ال��م��س��ك��وب ح����ول ستائري‬

‫���������ب أن ي���ف���ئ ال����س����اري‬ ‫������ت أرق ُ‬ ‫م������ازل ُ‬

‫ه����ا أن�����ت ت�������روي م����ا رأت�������ه سحابتي‬

‫م�����ن ق���ب���ل ب����وح����ك أب����ل����ج���� ًا كنهاري‬

‫أن�����ا ح���ي���ن ي���ن���ب���ض خ���اف���ق���ي بمذلةٍ‬

‫أرم��������ي ب�����ه م�����ن ف�������وق ج����س����ر ال����ن����ارِ‬

‫ول������س������وف أروي������ه������ا ح����ك����اي����ة خيبةٍ‬

‫�����ج�����دل ظ���ل���م���ه���ا أن���������واري‬ ‫س����������وداء ت ْ‬

‫س�����أظ�����ل أرس���������م م���ق���ل���ت���ي���ه وأرت���������وي‬

‫م���ن���ه���ا وأس������ك������ب ح����ول����ه����ا أع���������ذاري‬

‫وأرى اب���ت���س���ام���ت���ه ت�����راق�����ص ع���ن���وة‬

‫ي�����ذك�����ي ب����ه����ا رغ�������م ال����ب����ع����اد أُواري‬

‫ح���ت���ى ول������و ف���ت���ك ال�����ه�����وى ببقيتي‬

‫ح���ت���ى وإن ص������ار ال����س����ق����ام م������زاري‬

‫س������أظ������ل أم����ل����أ ل����ي����ل����ت����ي ب����غ����ن����ائ����هِ‬

‫وأظ����������ل أخ�����ف�����ي ط����ي����ف����ه ب����خ����م����اري‬

‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫رمضان أنت املرجتى‬ ‫> جاك صبري شماس*‬ ‫�������ات‬ ‫�����ك ف����ي ال����دج����ى مشكا ُة وغ����������م����������ام س������ي������ب������ك أن��������ه��������ر ج�������ن ُ‬ ‫رم�����ض�����انُ وج�����هُ َ‬ ‫�����ات‬ ‫�����ك ال�����ش�����رف ُ‬ ‫ت������أت������ي وت������ح������م������لُ ل����ل���أن��������ام ب�����ش�����ائ�����ر ًا وت�������ف�������وحُ ف������ي ن�����س�����م�����اتِ َ‬ ‫��������زالت‬ ‫ُ‬ ‫�������ن ب����ال����ت����س����ام����ح م����غ����دق���� ًا ج���������ذالً‪ ،‬وتُ�����غْ �����فَ�����رُ ف�����ي ال���������ورى ال‬ ‫وي������ه������لُّ يُ �������مْ ٌ‬ ‫وال������ف������ق������ر ي����س����ح����ب ذي������ل������ه م����ت����ع����فِّ ����ر ًا إِ نْ ع���������مَّ ف�������ي ع���������رض ال�������ب���ل���اد زك���������ا ُة‬ ‫ش����ه����ر س����م����ا ال��������ق��������رآنُ ف������ي إع�������ج�������ازِ هِ‬

‫***‬

‫�����������������ات‬ ‫ُ‬ ‫وت��������ق��������دم��������ت ب���������ج����ل����الِ ���������هِ اآلي‬

‫����وات‬ ‫���ائ�ل�ا ش������مّ ������ا َء ت������ر ف�������لُ ب���ال���ت���ق���ى ال����ص����ل ُ‬ ‫�����وس ش���م ً‬ ‫وت����وش����ح����ت ح�����ل�����لُ ال�����ن�����ف ِ‬ ‫ي��������ا س������ي������دي آالءُ (غ���������������������������زةَ) أق������ف������رتْ‬

‫َ�����������وات‬ ‫ُ‬ ‫���������ت ب�����أن�����ي�����ن�����ه�����ا ال�����������رب‬ ‫وت���������ل���������وَّ عَ ْ‬

‫وال�����ق�����دس خ�����ذل�����ى‪ ،‬وال������دي������ار ت����ب����اع����دَتْ‬

‫����ل����ات‬ ‫ُ‬ ‫�����ت ب�����ي�����ن ال����������������دروب ِص‬ ‫وت�����ق�����ط�����ع ْ‬

‫وال������ج������وع ي�����ا رم�����ض�����ان ي�����ص�����رع أن���ف���س��� ًا وي����������������ذُ ل أن�������������������دا َء ال����������ت����������راب ُج�������ن�������ا ُة‬ ‫***‬

‫�����������ات‬ ‫ُ‬ ‫�������ت ب����ال����ش����ج����ى األزم‬ ‫������ي‪ ،‬وع�������اث ْ‬ ‫ج�������رد ُح����س����ام����ك ي�����ا ن���خ���ي���ل ف����ق����د جثا ب������غ ٌ‬ ‫ول�����ت�����رت�����ق�����ي ظ�������هْ ������� َر ال������س������واب������ح أم�������ةٌ‬

‫�����وات‬ ‫وت������ك������ ّر ف������ي س��������اح ال������ف������دى ال�����ف�����ل ُ‬

‫ْ�����ل المنى وي�����������������رومُ أم�������ج�������اد ال�������ج�������ه�������ادِ كُ ������م������ا ُة‬ ‫ودمٌ ي���������زُ ُّف ال����بِ ����ش���� َر ف�����ي نُ�����ب ِ‬ ‫وب������ل������ال ي��������ص��������دحُ ف��������ي م�������������آذن غ��������زةٍ‬

‫������وات‬ ‫وت���م���ي���س ف����ي ولَ��������هِ ال���ح���م���ى ال������دعَ ُ‬

‫رم������ض������ان أن����������تَ ال����م����رت����ج����ى ل����ع����روب����ةٍ‬

‫�����دس ال����ح����ب����ي����ب ن�����ج�����ا ُة‬ ‫ألن���������������تَ ل�����ل�����ق ِ‬ ‫و َ‬

‫* شاعر من سوريا‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪85‬‬


‫للرائحة شكل البيت‬ ‫> املهدي عثمان*‬ ‫بيتي الذي هَ وى‬

‫وحلم بالعودة والرجوع‬

‫كخيمة ألقتها الريح إلى الريح‬

‫ومفتاح تقدّ م به العمْ ر‬

‫ال زال بيتي‬

‫ثبّتُّ ه للجدا ْر‬

‫وبيتي وإن راح الشكل‬

‫تكلّس في حدقاته الدمع‬

‫فرائحة بيتي هي الشكل‬ ‫وفت ّْش ُت في الغبار‬ ‫عن صورة تربطني بالذكرى‬ ‫فابتسم الرّكام‬ ‫رك في الذكرى‬ ‫ال ذكرى تُجذّ َ‬ ‫دمك‬ ‫عدا َ‬ ‫لعت من روحي‬ ‫أُقتُ ُ‬ ‫يسبح في الظلمة‬ ‫كجرْح ْ‬ ‫ُ‬ ‫وال يرى غير الغياب‬

‫ذكرى طرْدنا من ورق الزيتون‬ ‫بكى‪ ...‬بلّل الحائط‬ ‫راسم ًا شكل بيتي‬ ‫وقلت ألحفادي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قرب حقل البرتقال‬ ‫ثمّ ة رائحة لبيت عتيق‬ ‫‪........‬‬

‫باب يُ فتح في المنفى‬

‫و‪.....‬‬

‫وتُغْ لق في وطني األبْواب‬

‫جندي من ذاكرتي‬ ‫ّ‬ ‫سخر‬

‫احتضنتني المالجئ‬

‫يذكّرني بجرّافة‬

‫وشى‬ ‫بركام الصمود مُ ّ‬

‫لمْ ُتبْق من البرتقال عدا الرائحة‬

‫* شاعر من تونس‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫استرْج َع‬ ‫كلّما ْ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ا‬ ‫الوجود هائم في رياض جماله‬ ‫يهيم بنار الوجد إلى جمال ذاته‬ ‫وهو معشوق العشق ذاته‬

‫‪5‬‬ ‫أي حب ال يتصور في جوهر الروح‬ ‫هو من دوافع الغريزة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫الروح التي تُصبح عاشقة‬ ‫‪2‬‬ ‫تبقى عاشقة أبد ًا‬ ‫ماذا لو كشف العشق‬ ‫ألن معشوقها في صميمها‪،‬‬ ‫عن سر ذاته؟‬ ‫هي منه‪..‬‬ ‫إنه عشق لذات ماهيته‬ ‫وله‪..‬‬ ‫في الجوهر المعشوق‪..‬‬ ‫ومعه أبد ًا‬ ‫حيث ي َِجدُ طوفان الوجد‪،‬‬ ‫وال�����ش�����وق م����ن ذات معشوقه‪ ..‬كونها متحررة من االنفعاالت‬ ‫واألغراض!‬ ‫ليصبح‬ ‫العشق واحد‬ ‫‪7‬‬ ‫والشوق واحد‬ ‫الروح منتهى الجمال‬ ‫والوجد واحد‬ ‫والبهاء والصفاء‬ ‫ل���ذا ت��ن ُ��ش��د معشوقا م��ت��ص��ورا في‬ ‫‪3‬‬ ‫جوهرها‬ ‫عندما تعشق الروح‬ ‫تنشد ذاتها في ذلك الجوهر‬ ‫تبسط الصمت والصفاء‬ ‫تنشد حبها وجمالها وأبديتها‪..‬‬ ‫ويبقى عشقها في جوهر البقاء‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫أي ع���ش���ق ال ي���رت���ق���ي إل�����ى سمو‬ ‫المعشوق‪،‬‬ ‫وأي حب ال يسمو إلى جوهر‪،‬‬ ‫وأي هيام يظل درب الحب‪،‬‬ ‫كل هذا وذاك صائر إلى زوال‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫> فريال احلوار*‬

‫الجوهرية‪ ،‬في ماهيتين‬ ‫برزت صفاتها متوحدة‬ ‫في الوجود‬ ‫تبعث فيه نسائم الوجد‬ ‫وعطر الحب األبدي‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫في مقام اجلمال‬

‫‪9‬‬ ‫حين تعشق الروح‬ ‫ت��ج��ع��ل ل��ل��ح��ي��اة م��ع��ن��ى‪ ،‬فتسمو‬ ‫وتعلو‬ ‫لتكون إرادتها عشق الوجود‬ ‫وكأن الجمال يعشق ذاته‪..‬‬ ‫في الوجود ال��ذي هو الجمال في‬ ‫ذاته‬

‫‪10‬‬ ‫العشق‪..‬‬ ‫ماء عذب سَ كِ َر بخمرة اإلشراق‬ ‫الطفته أنسام الوجد‬ ‫فجرى مشتاقا‬ ‫إلى وصال الحبيب‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫ال��������روح ت��ع��ش��ق م����ا ي���ف���وق���ه���ا في الجمال كمال الصفات‬ ‫الجمال سر المنتهى‪ ..‬والوجود‪.‬‬ ‫الجمال‬ ‫أو ع��ل��ى األق�����ل م���ا ي��م��اث��ل��ه��ا في والعشق تقديس‪..‬‬ ‫وإكبار‪..‬‬ ‫ذلك‪..‬‬ ‫فيصبح العشق مشاهدة الصورة‬ ‫لهذا الجالل‪.‬‬

‫* كاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪87‬‬


‫الباحث والقاص والروائي خالد أحمد اليوسف للجوبة‪:‬‬

‫استدعيت كل قدراتي وخبراتي وإمكاناتي‬ ‫من أجل فحص تلك األعمال التي جتاوزت‬ ‫ثالثمائة نص قصصي‬

‫كاتب قصة قصيرة‪ ،‬باحث متخصص في المكتبات والمعلومات وبخاصة األدب‬ ‫ال��س��ع��ودي‪ ،‬عضو ف��ي ج��ائ��زة األم��ي��ر فيصل ب��ن فهد لثقافة الطفل‪ ،‬محكم لعدد من‬ ‫المسابقات الخاصة بالكتابة لألطفال في جمعية الثقافة والفنون‪ ،‬وجمعيات ودور نشر‬ ‫أخرى‪ ،‬اشترك في عدد من الندوات واألمسيات القصصية واألدبية‪ ،‬ويشرف على النشاط‬ ‫المنبري في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون‪ ،‬نظم وأشرف على عدد من‬ ‫معارض الكتاب وأهمها «معرض الكتاب السعودي في لندن» عام ‪1416‬هـ‪1995 -‬م‪ .‬عمل‬ ‫محرر ًا في مجلة عالم الكتب‪1400‬هـ‪1404 -‬هـ‪ ،‬محرر ًا في مجلة «المجلة العربية» ‪1403‬‬ ‫ ‪1405‬هـ‪ .‬محرر ًا ورئيس ًا للقسم الثقافي في جريدة «المسائية» ‪1407 - 1405‬هـ‪ .‬محرر ًا‬‫مشارك ًا وفاحص ًا لمواد مجلة «التوباد» الفصلية منذ ‪1409‬هـ حتى اآلن‪.‬‬ ‫وهو أول من نشر وأدخل الببلوجرافيا األدبية الدارجة في الصحافة‪.‬‬

‫> حاورته هدى الدغفق‬ ‫< ه��ل ل��ك أن تقدر لنا ال��ع��دد اإلجمالي > حوى كتاب االنطولوجيا مائة وواحدا‬ ‫وتسعين كاتبا وكاتبة‪ ،‬تمثل كل األجيال‬ ‫للقاصين في االنطولوجيا التي عملت‬ ‫والعقود القصصية في المملكة العربية‬ ‫عليها؟‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫طبعا هذا التمثيل اختير منه األحياء الذين‬ ‫يمكن ال �ت��واص��ل م��ع تجربتهم‪ ،‬وال�ن�ظ��ر في‬ ‫عطائهم ونتاجهم المتواصل والمؤثر‪ ،‬ولهذا‬ ‫اثبتّ السيرة الثقافية الكاملة لكل كاتب‪ ،‬وأهم‬ ‫ما فيها العنوان الذي يمكن االتصال به من‬ ‫خالله‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫وس�ي�ك��ون ه�ن��اك أج ��زاء ل�لإض��اف��ة والتعديل ‬ ‫والتنقيح‪ ،‬وذكر من لم يُذكر في هذا الكتاب‬ ‫الكبير‪.‬‬

‫< متى تُرجمت أول قصة أو مجموعة قصصية؟‬ ‫وإل����ى أي ل��غ��ة تُ��رج��م��ت‪ ،‬ول��م��ن ك��ان��ت تلك‬ ‫المجموعة؟‬ ‫> ه��ذا الموضوع يحتاج للبحث الدقيق جدا‪،‬‬ ‫والتنقيب في كل الصحف والمجالت التي‬ ‫صدرت في السعودية‪ ،‬وفي خارجها‪ ،‬وبخاصة‬ ‫ ‬ ‫التي كانت وما تزال تصدر باللغة االنجليزية‪،‬‬ ‫أو أي لغة أخرى‪.‬‬ ‫ ‬

‫لكن من خالل معرفتي ورصدي الببليوجرافي‪،‬‬ ‫اعتقد أن ترجمات األس��ات��ذة‪ ،‬عزيز ضياء‪،‬‬ ‫أحمد عبدالغفور عطار‪ ،‬حمزة بوقري‪ ،‬محمد‬ ‫علي قطب‪ ،‬حصة العمار‪ ،‬خالد العوض‪ ،‬خلف‬ ‫القرشي وغيرهم‪ ،‬كانت من اللغات األخرى‬ ‫إل��ى اللغة العربية‪ ،‬والب��د أن لهم ترجمات ‬ ‫أخ ��رى م��ن أدب �ن��ا وإب��داع �ن��ا ال�ق�ص�ص��ي إلى‬ ‫اللغات األخ��رى وبخاصة اللغة االنجليزية‪،‬‬ ‫وهي التي لم أطلع عليها‪ ،‬ولم تُذكر بعد وفاة‬ ‫بعضهم‪ ،‬لكن عند البحث في هذا الموضوع‬ ‫سنجد الخبر‪.‬‬

‫ ‬

‫وما أزال أذك��ر الدكتور أحمد قطرية‪ ..‬وهو‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫السعودية‪.‬‬

‫أستاذ – سابق ‪ -‬في جامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫متخصص ف��ي الترجمة‪ ،‬ال��ذي ذك��ر ل��ي أنه‬ ‫ترجم أكثر من ستين قصة قصيرة سعودية‪،‬‬ ‫نُ�ش��رت تلك الترجمات ف��ي جريدتي رياض‬ ‫دي �ل��ي وع ��رب ن �ي��وز‪ ،‬وأذي��ع��ت ف��ي البرنامج‬ ‫األوربي لإلذاعة السعودية‪ ،‬كل هذه األعمال‬ ‫كانت في فترة الثمانينيات الميالدية‪.‬‬ ‫كذلك القاصين والروائيين طه حواس وفوزي‬ ‫خليفة من مصر وهما عاشا للعمل هنا في‬ ‫السعودية‪ ،‬وك��ان��ت لهما ترجمات م��ن اللغة‬ ‫العربية وإل�ي�ه��ا‪ ،‬وأذك ��ر أنهما ترجما عددا‬ ‫من القصص السعودية إلى اللغة االنجليزية‪،‬‬ ‫ونُشرت في الخارج‪ ،‬ولألسف فإني ال أحتفظ‬ ‫إال بهذه المعلومات عن أولئك الذين خدموا‬ ‫القصة السعودية‪ ،‬أما األعمال نفسها فهي‬ ‫ليست لدي‪.‬‬ ‫وحديثا قام األستاذ عادل الحوشان واألستاذة‬

‫هيلة الخلف بإصدار كتاب تحت عنوان‪sand( :‬‬

‫‪ )birds‬وهو كتاب جامع لعدد من كتاب القصة‬ ‫القصيرة في المملكة‪ ،‬وقد صدر عام ‪2004‬م‪.‬‬ ‫ثم قام القاص الدكتور خالد العوض بإصدار‬ ‫مجموعة قصصية باللغة االنجليزية‪ ،‬تخصه‪،‬‬ ‫عام ‪2007‬م‪ ،‬عنوانها‪line gening outside of( :‬‬ ‫‪.)time‬‬

‫كذلك منذ وعيْتُ القصة القصيرة السعودية‬ ‫وكتـّابها والحوارات التي تُجرى معهم‪ ،‬وأنا اقرأ‬ ‫نصوص إلى‬ ‫ٌ‬ ‫ضمن إجاباتهم أن��ه ترجم لهم‬ ‫اللغة االنجليزية أو الفرنسية أو األلمانية أو‬ ‫اإليطالية أو النرويجية‪ ..‬وغيرها من اللغات‪،‬‬ ‫وك��ل ذل��ك يعتمد على العالقات الشخصية‬ ‫والتواصل المباشر‪ ،‬وعدد هؤالء كثير جداً‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪89‬‬


‫ ‬

‫وربما كل قاص ترجم له نص واحد أو نصين < ه��ل اض��ط��ررت أن تتوقف ع��ن كتابة القصة‬ ‫حين كنت تعمل على األنطولوجيا بوصفها‬ ‫أو أكثر‪.‬‬ ‫األكاديمي؟ أم كنت تتنقل بين الحديقتين‪..‬‬ ‫كما يجب أن ال ننسى مشروع الدكتورة سلمى‬ ‫ماذا بالضبط؟‬ ‫الجيوسي قبل عشرين عاما أو يزيد‪ ،‬وهو‬ ‫الذي ركز على عدد من الكاتبات السعوديات > أنا ال أبتعد كثيرا في حياتي العادية عن البحث‬ ‫وخاصة القصة االجتماعية‪ ،‬ومشروع الدكتور‬ ‫األكاديمي‪ ،‬والكتابة العلمية الجافة من خالل‬ ‫أبوبكر باقادر‪ ،‬وهو يسير على المنوال نفسه‪.‬‬ ‫عدد من المقاالت والدراسات الببليوجرافية‬

‫والببلومترية‪ ،‬لهذا حينما ب��دأت الغوص في‬ ‫ < هل أثر عملك في االنطولوجيا على إبداعك‬ ‫عمل هذا الكتاب‪ ،‬شعرت أني عدت أكثر إلى‬ ‫ف���ي م��ج��ال ال���ق���ص؟ وم����ا ه���ي اإليجابيات‬ ‫القصة القصيرة؛ وفي األس��اس الواقعي لي‬ ‫وال��س��ل��ب��ي��ات م���ن ع��م��ل أن��ط��ل��وج��ي م���ن هذا‬ ‫أن هاجس كتابة القصة القصيرة يطاردني‬ ‫النوع؟‬ ‫دوم� � �اً‪ ،‬وب �م �ج��رد أن اصطاد‬ ‫> ل��م اش �ع��ر ب��أث��ر س �ل �ب��ي‪ ..‬بل‬ ‫هاجس كتابة القصة‬ ‫فرصة زمنية وإلحاح متواصل‬ ‫األث� � ��ر االي� �ج���اب���ي ك � ��ان هو‬ ‫القصيرة يطاردني دوم ًا من فكرة الكتابة‪ ،‬استسلم لها‬ ‫األوض��ح‪ ،‬حيث فرضت عليّ‬ ‫ال أطلب طقس ًا أو ظروف ًا وات���رك ال�ك�ت��اب��ة البحثية من‬ ‫القراءة المكثفة والمتواصلة‬ ‫أج �ل �ه��ا‪ ،‬وق ��د ت �ع��رض��ت لهذا‬ ‫خاصة للكتابة‬ ‫والحريصة من أجل الخروج‬ ‫كثيرا‪ ،‬في مواقع مختلفة جدا‪،‬‬ ‫بنتيجة قوية‪ ،‬واستدعيت كل‬ ‫تطورت القصة القصيرة ال أط �ل��ب ط�ق�س��ا أو ظروفا‬ ‫ق��درات��ي وخبرتي وإمكاناتي‬ ‫في السعودية بشمولية خاصة للكتابة‪ ،‬لذا كل أعمالي‬ ‫من أجل فحص تلك األعمال‬ ‫كيانها وتكوينها‬ ‫تسير بهذه الصورة‪.‬‬ ‫التي ت�ج��اوزت ثالثمائة نص‬ ‫< هل من طرائف لم تزل عالقة‬ ‫قصصي‪.‬‬ ‫في ذهنك عن تعاملك مع بعض القاصين؟‬ ‫ ك��ذل��ك بعد االن�ت�ه��اء والطبع واالن �ت �ش��ار‪ ،‬من‬ ‫المؤكد أن االيجابيات هي ما سنراه ونجده > أول المواقف أن فكرة الموت كانت تطاردني‪،‬‬ ‫ألني خصصت الكتاب لألحياء‪ ،‬وأقصد بذلك‬ ‫ونلمسه! كيف ال‪ ..‬وكتاب واحد يجمع أفضل‬ ‫أنني أصبحت كل يوم أخشى أن يأتي خبر أحد‬ ‫وأجمل النصوص القصصية في السعودية؟‬ ‫هؤالء القاصين أو القاصات قد توفي وانتقل‬ ‫كيف ال يكون إيجابياً وهذا الكتاب يحصر كل‬ ‫األنساق واألجيال واألساليب التي تعاملت مع‬ ‫إلى رحمة الله! رغم إيماني بأن الموت حق‬ ‫القصة القصيرة؟!‬ ‫آت ال محالة‪ ،‬وال مناص منه‪ ،‬لكن كنت‬ ‫وأنه ٍ‬ ‫ ‬

‫‪90‬‬

‫المفترض أن��ي كمؤلف ودارس لهذا الكتاب‬ ‫ال أذكر إيجابيات عملي‪ ،‬بل اآلخرون هم من‬ ‫يتحدثون عنه‪ ..‬أليس كذلك؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫أريد أن يرى كتابي النور بكل عدده ومخططه!‬ ‫والحمد لله تم له هذا إال من القاصة هديل‬ ‫الحصيف رحمها ال�ل��ه‪ .‬وم�ص��در ه��ذا القلق‬


‫ومن هذا التغير تكتشف التحوالت واألساليب‪،‬‬

‫دل �ي��ل ال �ك �ت��اب وال �ك��ات �ب��ات ال ��ذي ص ��در عام‬

‫وهذه إحدى فوائد هذا الكتاب‪ ،‬ولعل أبرزها‬

‫‪1415‬هـ‪ ،‬حيث لم أنته من تأليفه إال بعد وفاة‬

‫طريقة التعامل م��ع كتابة القصة القصيرة‬

‫خمسة عشر كاتبا وكاتبة رحمهم الله جميعا‪.‬‬ ‫ ‬

‫نفسها‪ ،‬فقد هدمت القواعد القديمة التي‬

‫الموقف الثاني أن تتصور كيف ستتعامل مع‬

‫ت�ت�ط�ل��ب م��دخ�لا وع��ق��دة وح �ل�ا‪ ،‬وأصبحت‬

‫هذا العدد الكبير من الكتـّاب‪ ،‬وقد انقسموا‬

‫القصة القصيرة أكثر تقنية‪ ،‬وفرضت الحوار‬

‫أم��ام��ي ليمثلوا الحياة العامة بكل أشكالها‬

‫وال �ل �غ��ة وال ��وص ��ف وال ��دخ ��ول م �ب��اش��رة بلغة‬

‫وصورها‪ ،‬وهم مثل كل البشر؟ إال أني فوجئت‬

‫جميلة إلى ذروة الحالة‪ ،‬وهي الواقع النفسي‬

‫وص��دم��ت بالذين – وه��م قلة – ال يريدون‬

‫أو االجتماعي أو العاطفي‪ ،‬أي أن القصة‬

‫من يخدمهم‪ ،‬وهم السلبيون مع أنفسهم قبل‬

‫القصيرة تخلت ع��ن التمهيد أو المدخل‪..‬‬

‫غيرهم؛ فوجدت من يرفض التعاون نهائياً! بل‬

‫ويرفض الكتاب برمته‪ ،‬ووجدت الذي ال يدري‬ ‫شيئاً ع��ن نفسه وأح��وال��ه وح�ي��ات��ه! ووجدت ‬ ‫م��ن ي �ق��ول ل��ي‪( :‬ي��ا أخ��ي أن��ت م��ا مليت من‬

‫ألنها ال تحتمل ذلك‪.‬‬

‫لقد تطورت القصة القصيرة في السعودية‬ ‫بشمولية كيانها وتكوينها‪ ،‬أما في اللغة فقد‬

‫اتضحت معالمها وتفردت في بنائها‪ ،‬ألن لغة‬

‫الركض وران��ا ووراء كتاباتنا؟ تراك أزعجتنا‬

‫القصة القصيرة ت �ج��اوزت اللغة الصحفية‬

‫بببليوجرافياتك وك�ت��اب��ات��ك؟) ب�ه��ذه اللهجة‬

‫واللغة األدبية المفتوحة‪ ،‬ألن تكون مقالة أو‬

‫السوداوية المقيتة!‬ ‫ ‬

‫خاطرة أو كتابة هائمة في عالم النثر والشعر‪،‬‬

‫الموقف الثالث على العكس تماما‪ ،‬خاصة بعد‬

‫هي لغة مختصة بالقصة القصيرة‪ ،‬تعتمد‬

‫عدد من القصص واالتصاالت ممن لم ينضج!‬

‫المتماسكة‪ ،‬هي لغة تأخذ من الشعر جماله‬

‫الثقافية لكن مع ضعف‪ ،‬وإص��رار على هذا‬

‫هي لغة ترسم المالمح للمكان والشخصية‬

‫بأسلوب أخوي وص��ادق‪ ..‬أوضحت لهم عدم‬

‫القصة القصيرة هي اللغة القصيرة للجملة‬

‫أن أ ُعلن عن البدء في هذا الكتاب‪ ،‬إذ وصلني‬

‫ع�ل��ى دق ��ة ال��وص��ف واالق �ت �ض��اب والسهولة‬

‫أو له إصدارات ووجود متواصل على الساحة‬

‫ورزانته وأوزان��ه من غير موسيقى وعروض‪،‬‬

‫الضعف وعدم التطور والتطوير لنفسه‪ ،‬لكن‬

‫والحدث والحكاية معالم دقيقة وواضحة‪ ،‬لغة‬

‫إمكانية الدخول في هذا الكتاب؛ بل الجميل‬

‫والحوار والوصف والموضوع‪.‬‬

‫ه��و رف��ض ع��دد منهم ال��دخ��ول ف��ي الكتاب‬ ‫لقناعته بمستواه المتواضع!‬

‫< ما هي الفروق التي الحظتها بين األجيال‬ ‫القصصية التي تناولتها؟ وفيما كانت تلك‬ ‫الفروق؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫قديم معي‪ ،‬حيث رافقني عند تأليف كتاب‪ > :‬بالتأكيد أن االختالف واقع بين جيل وآخر‪،‬‬

‫ ‬

‫وق��د أصبحت ه��ذه الصفات وال�س�م��ات من‬

‫معالم القصة القصيرة السعودية المعاصرة‪،‬‬ ‫وأصبح الفرق واضحا بين جيل وآخ��ر‪ ،‬من‬

‫خالل تتبع ذلك في هذا الكتاب‪ ،‬ألني طرحت‬ ‫كل هؤالء بين صفحاته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪91‬‬


‫علي القاسمي‬ ‫«أبو المعاجم‬ ‫العربيّة الحديثة»‬ ‫تعليمنا اجلامعي بحاجة إلى إصالح شامل‬

‫في أهدافه وهياكله وبرامجه وطرائقه ووسائله‬ ‫> أجرى اللقاء‪ :‬األديبة د‪ .‬سناء الشعالن‬ ‫< ال���دك���ت���ور ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي األكاديمي‬ ‫والمبدع معروف‪ ،‬ولكن م��اذا تقول عن‬ ‫علي القاسمي اإلنسان ال��ذي ال يعرفه‬ ‫إ ّال من اقترب منه؟‬

‫وال���م���ك���ان���ة ال��ع��ل��م��ي��ة واالجتماعية‬ ‫واألكاديمية الرفيعة التي وص��ل إليها‬ ‫ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي‪ ..‬م���اذا ع��لّ��م��ت��ه؟ وماذا‬ ‫أخذت منه؟‬

‫> اسمحي لي أوالً أن أشكرك على تفضلك‬ ‫بإجراء هذا الحوار معي‪ .‬وأنا سعيد به‪،‬‬ ‫ألن�ن��ي أح��د المعجبين ب��أدب��ك الرفيع‪،‬‬ ‫خ��اص��ة ف��ي م �ج��ال ال�ق�ص��ة القصيرة‪،‬‬ ‫ف��أن��ت أم �ي��رة القصة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬إضافة‬ ‫إل ��ى ك��ون��ك أس��ت��اذة ج��ام�ع�ي��ة متميزة‪.‬‬ ‫أما الجواب على سؤالك‪ ،‬فهو أ ّن علي‬ ‫القاسمي طالب علم‪ .‬يبحث عن المعرفة‬ ‫في بطون الكتب‪ ،‬وصدور الرجال‪ ،‬وبحار‬ ‫الشابكة (اإلنترنت)‪.‬‬

‫> م�م��ارس�ت��ي ال��ق��راءة وال�ك�ت��اب��ة والبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬علّمتني وأمتعتني وأعطتني‬ ‫الشيء الكثير‪ ..‬ول��م تأخذ مني شيئاً‪.‬‬ ‫فالعمل‪ ،‬بوجه ع��ام‪ ،‬يزيد الحياة متعة‬ ‫وج � �م� ��االً‪ ،‬ألن اإلن� �س���ان ي �ص �ب��ح أكثر‬ ‫إح �س��اس �اً بجماليات األش �ي��اء‪ ،‬وروعة‬ ‫الناس‪ ،‬ومباهج العالم الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫< ال��خ��ب��رة ال��ط��وي��ل��ة واإلب�����داع الموصول‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫< م��اه��ي ال��م��ح��ط��ة األه�����مّ ف���ي تجربتك‬ ‫األكاديمية واإلبداعية؟ ولماذا؟‬ ‫> أع� � ّد أي���ام ال ��دراس ��ة ال�ج��ام�ع�ي��ة أجمل‬ ‫محطات الحياة‪ ،‬ألني كنتُ أقطف ثمار‬


‫< ما هو الجانب الجميل الذي ال يعرفه النّاس‬ ‫عن علي القاسمي‪ ،‬ويتمنّى لو يعرفونه عنه؟‬

‫< هل الوطن عندكَ هو حقيقة‬ ‫ج���غ���راف���ي���ة أم م���ع���ط���ىً إنساني‬ ‫وتواصلي؟‬ ‫> ف��ي ك�ت��اب��ي «م�ف��اه�ي��م العقل‬ ‫ال� �ع ��رب ��ي» ت �ط � ّرق��ت إل� ��ى مفهوم‬ ‫الوطن‪ .‬فهو لدى بعضهم الفضاء‬ ‫الجغرافي المحدود‪ ،‬ولدى بعضهم‬ ‫اآلخر األهل والناس‪ ،‬ولدى فريق‬ ‫ثالث الثقافة والقِ يم‪ .‬وعندي أنَّ‬ ‫الوطن ك ُّل ذلك وأكثر‪ .‬فهو المحبّة‬ ‫ال �م �ت �ب��ادل��ة‪ ،‬وال ��وف ��اء المتجذّر‪،‬‬ ‫والطفولة الهنيئة في أحضان األم‪،‬‬ ‫وابتسامة األخ ��ت‪ ،‬ووج ��وه األهل‬ ‫والجيران‪ ،‬والماء ال��ذي نرتشفه‪،‬‬ ‫والهواء الذي نستنشقه‪ ،‬والطعام‬ ‫الذي نتذوقه‪ ،‬والتاريخ الحضاري‬ ‫الذي ل ّو َن وجوهنا‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫المعرفة دان �ي��ة‪ .‬تعلمين أنني‬ ‫ارت� ��دت ع� ��دداً م��ن الجامعات‬ ‫العربية واألورب�ي��ة واألمريكية‪،‬‬ ‫وكنتُ مولعاً في قاعات الدرس‪،‬‬ ‫وأروق � ��ة ال�م�ك�ت�ب��ات‪ ،‬وحلقات‬ ‫النقاش وال�م��ذاك��رة‪ .‬وم��ا يزال‬ ‫طعم تلك األي ��ام ال�ح�ل��وة على‬ ‫شفتيّ ومسمعيّ وحنايا الروح‬ ‫وش �غ��اف ال�ق�ل��ب‪ .‬وال�س�ب��ب في‬ ‫ذلك أنني كنتُ آن��ذاك أمارس‬ ‫هوايتي المفضلة التي نشأت‬ ‫ع �ل �ي �ه��ا م� �ن ��ذ ص � �غ� ��ري‪ ،‬وهي‬ ‫اك �ت �ش��اف األش� �ي ��اء واكتساب‬ ‫المعرفة بماهيتها‪ .‬وم��ا أزال‬ ‫أشعر بهذه اللذّة عندما أشارك‬ ‫في مؤتمرات المجامع العربية‬ ‫وأستمع إلى علمائها‪ .‬إنها لذّة‬ ‫التلقّي وجمالياته‪.‬‬

‫تطفئين الحرائق في الوجدان‪.‬‬

‫< ما الذي يمكن أن يحزنك؟ وما الذي يمكن أن‬ ‫يجعلك تضحك من أعماق قلبك؟‬

‫> ال أظن أ ّن القارئ اللبيب يخفى عليه جانب‬ ‫من شخصية الكاتب‪ ،‬فهو يعرف الشيء الكثير > في حقيقة األمر‪ ،‬ما يحزنني كثير‪ ،‬مع األسف‪،‬‬ ‫وما يضحكني قليل‪ .‬فما يزال جرح فلسطين‬ ‫عن أخ�لاق��ه‪ ،‬وطباعه‪ ،‬وميوله‪ ،‬وأف �ك��اره‪ ،‬من‬ ‫نازفاً في الفؤاد‪ .‬ولكوني معلِّماً‪ ،‬يحزنني أنَّ‬ ‫مجرد ق��راءة إنتاجه األدب��ي‪ .‬فأسلوب الكاتب‬ ‫أنظمتنا التعليمية في الوطن العربي أنظم ٌة‬ ‫ينم عليه‪« .‬األسلوب هو الشخص»‪ ،‬كما يقول‬ ‫طبقية‪ ،‬حيث يرتاد أبناء رجال السلطة والمال‬ ‫النقّاد الفرنسيون‪ .‬ربما ال يعرف القراء العرب‬ ‫ال� �م ��دارس األج�ن�ب�ي��ة‪ ،‬وي�ت�ع�لّ��م أوالد الطبقة‬ ‫أن األغلبية الساحقة م��ن كتّابهم وأدبائهم‬ ‫الوسطى في ال�م��دارس األهلية مقابل أجور‬ ‫ليسوا محترفين‪ ،‬بل يمارسون األدب هواي ًة في‬ ‫باهظة‪ ،‬ويبقى أط�ف��ال ال�ف�ق��راء ف��ي مدارس‬ ‫فأنت نفسك أستاذة جامعية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أوقات فراغهم‪.‬‬ ‫حكومية سيئة التجهيز أو بال م��دارس‪ .‬وهذا‬ ‫وتكتبين في أوقات فراغك أو في األوقات التي‬ ‫النظام التعليمي الطبقي ال يساعد على تحقيق‬ ‫ينبغي أن تريحي نفسك فيها من عناء العمل‪،‬‬ ‫التنمية البشرية المنشودة‪ ،‬بل على العكس‬ ‫ولكن وهج التجربة الفنية يجتاحك ويحرقك‬ ‫ي� ��ؤدّي إل ��ى اض �ط��راب��ات اج�ت�م��اع�ي��ة وث ��ورات‬ ‫في األعماق‪ ،‬فتشكّلين من ألسنة اللهب نصاً‬ ‫شعبية‪ ،‬يذهب ضحيتها خيرة شبابنا‪.‬‬ ‫أدبياً رقراقاً مثل مياه الجدول المنسابة‪ ،‬لعلك‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪93‬‬


‫ ‬

‫يحزنني أن أرى بعض أطفالنا بال مدارس‪ < ،‬لك تجربة خاصة مع المعاجم‪ .‬فكيف تقيّم‬ ‫هذه التجربة؟‬ ‫وبعض شبابنا بال عمل‪ ،‬وبعض أهلنا بال طعام‬ ‫وال سكن‪.‬‬ ‫> كانت دراستي في مرحلة الدكتوراه في جامعة‬

‫تكساس ف��ي أوس �ت��ن‪ ،‬ف��ي م�ج��ال اللسانيات‬ ‫ يحزنني انتفاء العدالة االجتماعية‪ ،‬وغياب‬ ‫�ص��ص ال�م�ع�ج�م�ي��ة وق ��د م��ارس��ت العمل‬ ‫ت �خ� ُّ‬ ‫ح �ق��وق اإلن� �س ��ان ف ��ي ب �ل��دان �ن��ا ب �ح �ي��ث يفقد‬ ‫المعجمي والمصطلحي عندما كنتُ خبيراً في‬ ‫العاطلون ع��ن العمل وال�ش�ي��وخ م��اء وجوههم‬ ‫مكتب تنسيق التعريب بالرباط‪ .‬وقد اضطلعتُ‬ ‫باالستجداء من األهل واألصدقاء‪ ،‬ألن دولنا‬ ‫بتنسيق عمل ف��ري��ق اللغويين ال�ع��رب الذين‬ ‫تحرمهم من حقهم في التعويض عن البطالة‬ ‫صنفوا «المعجم العربي األساسي»‪ .‬ووضعتُ‬ ‫وال �ش �ي �خ��وخ��ة‪ ،‬ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن الحقوق‬ ‫خ��طّ ��ة ه��ذا المعجم ليكون أداة لتعلم اللغة‬ ‫االقتصادية منصوص عليها في دساتيرنا‪.‬‬ ‫العربية من قبل الناطقين باللغات األخرى‪.‬‬ ‫ يحزنني أن أرى ش��وارع�ن��ا «ال�ع��رب�ي��ة» مليئة‬ ‫وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ن��واق��ص هذا‬ ‫ب� ��ال �ل�اف � �ت� ��ات المكتوبة‬ ‫المعجم فإنَّه من أفضل المعاجم‬ ‫موضوعة الفقدان هي‬ ‫ب��اإلن�ك�ل�ي��زي��ة أو الفرنسية‬ ‫ال�ح��دي�ث��ة‪ .‬ب �ي � َد أنَّ السياسات‬ ‫السائدة في قصصي‪.‬‬ ‫ول� �ي ��س ب �ل �غ �ت �ن��ا الوطنية‪،‬‬ ‫التعليمية واإلعالمية في البلدان‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬يقول‬ ‫وأن دول��ن��ا ت � ّت �خ��ذ م��ن لغة‬ ‫العربية ترمي إلى تهميش اللغة‬ ‫كاتب‬ ‫ٌ‬ ‫النقّ اد إنَّ ني‬ ‫المستعمر القديم‪ ،‬اإلنكليزية‬ ‫العربية الفصيحة المشتركة‪،‬‬ ‫بطته في‬ ‫فقد َّ‬ ‫خاسر‪َ ،‬‬ ‫أو الفرنسية‪ ،‬لغة العمل في‬ ‫وت��روي��ج اللهجات العامية ولغة‬ ‫وفقد وطنه‬ ‫َ‬ ‫صغره‪،‬‬ ‫الحياة العامة والمؤسسات‬ ‫المستعمر القديم‪ ،‬اإلنكليزية أو‬ ‫االق� �ت� �ص ��ادي ��ة والمالية‪ ،‬في كبره‪ ،‬وأضاع جميع‬ ‫الفرنسية‪ .‬ولهذا فإنها ال تعبأ‬ ‫ما لديه‪ ،‬وخسر حتى‬ ‫وأح �ي��ان �اً ف��ي اإلدارة‪ ،‬ولغة‬ ‫مطلقاً بتشجيع تعليم العربية‬ ‫أوهن أحالمه‪.‬‬ ‫للتعليم العالي‪ .‬باختصار‪،‬‬ ‫ل�غ�ي��ر ال�ن��اط�ق�ي��ن ب �ه��ا‪ .‬ونتيجة‬ ‫إن االستقالل ال��ذي منحته‬ ‫لذلك فإن استخدام ذلك المعجم‬ ‫الدول االستعمارية لبلداننا‬ ‫محدود ج��داً‪ .‬غير أنَّ المعجم الذي أعتز به‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة ك ��ان م �ش��روط �اً ب��ال�ت�ب�ع�ي��ة الثقافية‬ ‫هو «معجم االستشهادات» الوحيد في نوعه‬ ‫واالقتصادية للمستعمِ ر‪ .‬فمتى نحصل على‬ ‫في مكتبتنا العربية‪ .‬فهو يرتب الموضوعات‬ ‫االستقالل الناجز؟‬ ‫ألفبائياً‪ ،‬كالحبّ ‪ ،‬والحرِّية‪ ،‬والحسد‪ ،‬والحياة‪،‬‬ ‫ < يقولون إنّ القادم هو األجمل‪ .‬فما هو األجمل‬ ‫إل��خ‪ ،.‬وتحت ك� ِّل موضوع يأتي بما يستشهد‬ ‫اإلنساني واألكاديمي واإلب��داع��ي ال��ذي تحلم‬ ‫ب��ه ال �ك � ّت��اب وال�م�ت�ح��دث��ون م��ن آي ��ات قرآنية‬ ‫بإنجازه؟‬ ‫�وص م��ن الكتاب‬ ‫أو أح��ادي��ث ن�ب��وي��ة‪ ،‬أو ن �ص� ٍ‬ ‫كم مرعية‪ ،‬أو‬ ‫المقدس‪ ،‬أو أمثال سائرة‪ ،‬أو ِح ٍ‬ ‫> طبعاً القادم هو األجمل‪ ،‬ألنَّنا نتعلَّق باألمل‪،‬‬ ‫قواعد قانونية‪ ،‬أو أقوال مأثورة‪ .‬فهو خالص ٌة‬ ‫فبدون نبض األم��ل في النفس‪ ،‬تنتفي بهجة‬ ‫مبوبة للفكر العربي وقِ يمه ومُثله‪ .‬وقام الناشر‪،‬‬ ‫الحياة‪ ،‬ويتوقَّف نبض القلب‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫< م��ن ه��و ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي؟ أه���و األك��ادي��م��ي أم‬ ‫المبدع؟ وأين تجد نفسك بالتحديد؟‬ ‫�رد منا ب ��أدوار متعددة ف��ي آن‬ ‫> يضطلع ك � ُّل ف� ٍ‬ ‫واحد على مسرح الحياة‪ .‬وكما ذكرتُ سابقاً‪،‬‬ ‫فأنا أستاذ جامعي بالمهنة‪ ،‬وكاتب بالهواية‪.‬‬ ‫وحينما أق ��وم ببحث ع�ل�م��يّ ‪ ،‬أج��دن��ي أتقيّد‬ ‫بمبادئ البحث الموضوعي‪ .‬وعندما أكتب نصاً‬ ‫أدبياً‪ ،‬أجد نفسي سارحاً في التخييل الذاتي‪.‬‬ ‫وكالهما يمنحني لذة ومتعة‪.‬‬

‫> عزيزتي‪ ،‬لقد فشل تعليمنا‬ ‫الجامعي في قيادة التنمية البشرية‬ ‫وتحقيقها في بلداننا‪ ،‬على عكس‬ ‫الحال في بلدان عديدة كانت في‬ ‫الخمسينيات والستينيات أقل نمواً‬ ‫م��ن بلداننا مثل فنلندا‪ ،‬وكوريا‪،‬‬ ‫وماليزيا وغيرها‪ ،‬وأصبحت اليوم‬ ‫م��ن أرق��ى ال ��دول بفضل تعليمها‬ ‫ال�ج��ام�ع��ي‪ .‬ول �ق��د خ�ص�ص��تُ هذا‬ ‫�اب ك��ام� ٍ�ل عنوانه‬ ‫ال �م��وض��وع ب �ك �ت� ٍ‬ ‫«الجامعة والتنمية»‪ ،‬أش��رت فيه‬ ‫إلى أنَّ تعليمنا الجامعي بحاجة إلى إصالح‬ ‫شامل في أهدافه وهياكله وبرامجه وطرائقه‬ ‫ووسائله‪ ،‬وال يمكن تحقيق هذا اإلصالح بدون‬ ‫إص�ل�اح المنظومة االج�ت�م��اع�ي��ة والسياسية‬ ‫واالقتصادية برمتها في بلداننا‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫(مكتبة لبنان ناشرون)‪ ،‬بإصدار‬ ‫ث�ل�اث ط �ب �ع��ات م �ن��ه‪« :‬معجم‬ ‫االس � �ت � �ش � �ه� ��ادات»‪ ،‬و«معجم‬ ‫االس� �ت� �ش� �ه ��ادات ال� �م ��وسَّ ��ع»‪،‬‬ ‫و«معجم االستشهادات الوجيز‬ ‫للطالب»‪ .‬وهو كتاب مرجعي‬ ‫ض���روري ل�ل�ك��ات��ب‪ ،‬واألستاذ‪،‬‬ ‫وال� � �ط � ��ال � ��ب‪ ،‬وال � �م � �ح� ��ام� ��ي‪،‬‬ ‫والصحفي‪ ،‬والواعظ‪ ،‬وك ِّل مَن‬ ‫ي�م��ارس الكتابة أو الخطابة‪.‬‬ ‫وإض��اف��ة إل ��ى ذل ��ك أص���درتُ‬ ‫ع ��دداً م��ن الكتب األكاديمية‬ ‫ف��ي المعجمية والمصطلحية‬ ‫م �ث��ل‪« :‬ع �ل��م ال �ل �غ��ة وصناعة‬ ‫المعجم»‪« ،‬لغة الطفل العربي»‪،‬‬ ‫«الترجمة وأدواتها»‪ ،‬السياسة‬ ‫الثقافية» وغيرها (وجميعها‬ ‫من منشورات مكتبة لبنان ناشرون في بيروت)‬ ‫وض��ع��تُ ف�ي�ه��ا خ�لاص��ة دراس ��ات ��ي النظرية‬ ‫وتجاربي العملية في الموضوع‪ ،‬ليستفيد منها‬ ‫أبناؤنا الطلبة‪ .‬ولهذا‪ ،‬فهذه الكتب تستخدم‬ ‫مراجع في عدد من جامعاتنا‪ .‬وسعدت حقاً‬ ‫عندما علمتُ أن��ك تستخدمين بعضها في ‬ ‫جامعتك‪.‬‬

‫< ع��اي��ن��ت ت��ج��رب��ة التّدريس‬ ‫الجامعي في كثير من الجامعات‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة وغ��ي��ر ال��ع��رب��ي��ة‪ .‬فكيف‬ ‫تقّ يم الواقع األكاديمي العربي في‬ ‫ض��وء تجربتك الواسعة ف��ي هذا‬ ‫المضمار؟‬

‫م��ن م�ش�ك�لات جامعاتنا أن�ه��ا ت ��درّس العلوم‬ ‫النظرية والتطبيقية بلغة المستعمِ ر القديم‪،‬‬ ‫اإلن�ك�ل�ي��زي��ة أو ال�ف��رن�س�ي��ة‪ ،‬ال �ت��ي ال يجيدها‬ ‫أغلبية ال �ط�لاب ال�س��اح�ق��ة‪ .‬ول �ه��ذا فإنهم ال‬ ‫يتمثلون المعلومات العلمية وال تصبح جزءا‬ ‫م��ن منظومتهم ال�م�ف��وم�ي��ة‪ ،‬وال يستطيعون‬ ‫اإلبداع فيها‪ ،‬وال يتمكّنون من نقل معلوماتهم‬ ‫إلى غيرهم من المواطنين‪ .‬ويبقى العلم في‬ ‫وطننا أجنبياً وللخاصة فقط‪ .‬ولصعوبة لغة‬ ‫التعليم العلمي الجامعي‪ ،‬يميل معظم الطالب‬ ‫التخصصات اإلنسانية‪ ،‬في‬ ‫ُّ‬ ‫إلى االنخراط في‬ ‫حين أن التنمية البشرية تحتاج إلى أعداد أكبر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪95‬‬


‫واالقتصادية‪ ،‬وفي الحياة العامة؟!‬

‫المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫أي السياقات الفكرية واإلب��داع��ي��ة والذّ اتية ‬ ‫< ّ‬ ‫التي تستحوذ عليك في تجربتك القصصية‬ ‫الممتدة في أكثر من مجموعة قصصية؟‬

‫ال عملياً‪ .‬تعلمين أنَّ اللغة‬ ‫دعيني أضرب لك مث ً‬ ‫العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست في‬ ‫منظَّ مة األمم المتحدة وفي جميع المنظَّ مات‬ ‫الدولية األخرى‪ ،‬منذ أوائل السبعينيات‪ .‬ولكن‬ ‫ممثِّلي البلدان العربية في تلك المنظَّ مات ال‬ ‫يستخدمون اللغة العربية مطلقاً‪ ،‬بل يتشبَّثون‬ ‫باستخدام لغة مستعمِ رهم القديم‪ ،‬اإلنكليزية‬ ‫أو الفرنسية‪.‬‬

‫ ‬

‫قبل بضعة أش�ه��ر ق ��ررتْ منظمة اليونسكو‬ ‫لا ف�ي�ه��ا‪ .‬تابعنا‬ ‫ق �ب��ول فلسطين ع �ض��واً ك��ام� ً‬ ‫الخبر ب�ف��رح‪ .‬وسمعتُ م�ن��دوب فلسطين في‬ ‫هذه المنظمة بأُ ّم أذني ورأيتُه بأ ّم عيني‪ ،‬وهو‬ ‫يشكر المنظَّ مة على قبول فلسطين عضواً‬ ‫لا فيها‪ ،‬ول��م يتكلّم باللغة العربية وهي‬ ‫ك��ام� ً‬ ‫إحدى اللغات الرسمية في اليونسكو‪ ،‬بل باللغة‬ ‫الفرنسية‪ .‬وفي الوقت نفسه كان زميله مندوب‬ ‫فلسطين في منظَّ مة األمم المتّحدة بنيويورك‬ ‫ال فيها‪،‬‬ ‫يقدّم طلبه لقبول فلسطين عضواً كام ً‬ ‫باللغة اإلنكليزية‪ .‬ما الرسالة التي يريد هذان‬ ‫المندوبان إيصالها إلى تلك المنظَّ مات وإلى‬ ‫العالم‪ .‬دعيني أقرأ لك المضامين الضمنية‪:‬‬

‫> في كتاب الناقد الدكتور عبدالمالك أشهبون‬ ‫«علي القاسمي‪ :‬مختارات قصصية مع دراسة‬ ‫تحليلية» (‪2012‬م) قسّ م هذه السياقات إلى‬ ‫أرب �ع��ة أق �س��ام‪ :‬ال�ط�ف��ول��ة‪ ،‬ال �غ��رب��ة والحنين‪،‬‬ ‫الوطن‪ ،‬الحب الخائب‪.‬‬ ‫ ‬

‫وي � ّت �ف��ق م �ع��ه ال �ن��اق��د إب��راه �ي��م أول �ح �ي��ان في‬ ‫كتابه «الكتابة والفقدان‪ :‬ق��راءة في التجربة‬ ‫القصصية ع�ن��د ع�ل��ي ال�ق��اس�م��ي» (‪2011‬م)‬ ‫ال��ذي يع ُّد تلك السياقات المختلفة مظاهر‬ ‫لفقداني طفولتي ووطني وجميع من أحببتهم‪.‬‬ ‫فموضوعة الفقدان هي السائدة في قصصي‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬يقول النقّاد إنَّني كاتبٌ خاسر‪،‬‬ ‫فق َد بطَّ ته في صغره‪ ،‬وفق َد وطنه في كبره‪،‬‬ ‫وأض���اع جميع م��ا ل��دي��ه‪ ،‬وخ�س��ر ح�ت��ى أوهن‬ ‫أحالمه‪.‬‬

‫< إلى أين تسير تجربة تعليم اللغة العربية لغير‬ ‫الناطقين فيها وفق تجربتك الشخصيّة؟‬ ‫> أعلم أن سؤالك هذا نابع من اشتغالك الجا ّد ‬ ‫في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها‬ ‫في الجامعة األردنية‪ ،‬تدريساً وتأليفاً وبحثاً‪.‬‬ ‫ترضيك‬ ‫ِ‬ ‫وك��ان ب��ودّي أن أجيب عليه ب�ص��ورةٍ‬ ‫وتشجعك‪ .‬ولكن األم��ان��ة العلمية تقتضي أن‬ ‫أقول لك بصراحة إنَّ تعليم اللغة العربية لغير‬ ‫الناطقين بها عبث ضائع ال مستقبل له في‬ ‫ ‬ ‫ظ ِّل السياسات العربية الراهنة‪ .‬وباختصار‪،‬‬ ‫ك�ي��ف ت��ري��دي��ن أن يُ�ق� ِب��ل األج��ان��ب ع�ل��ى تعلّم‬ ‫لغة يحتقرها أهل ُها ويهمشونها‪ ،‬بل يعملون‬ ‫ٍ‬ ‫على تدميرها ف��ي مختلف معاهد التعليم‪،‬‬ ‫ووسائل اإلع�لام‪ ،‬وجميع المؤسسات المالية ‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫أوالً‪ ،‬فلسطين ال تستحق العضوية الكاملة‪،‬‬ ‫فهي ال تمتلك لغة وطنية وال قومية‪ ،‬بدليل‬ ‫استخدامهما أي ل�غ��ة أخ ��رى ع��دا العربية‪.‬‬ ‫وال�ل�غ��ة ه��ي ج��وه��ر ال�ه��وي��ة ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬وإحدى‬ ‫ركائز الدولة المستقلة الكاملة العضوية‪ ،‬تماماً‬ ‫كالعَلم‪.‬‬ ‫ثانياً‪ ،‬نصيحة واضحة خالصة لجميع الطالب‬ ‫األجانب بعدم تعلُّم اللغة العربية‪ ،‬فال فائدة‬ ‫تواصلية منها‪ ،‬بدليل أن «ال�ع��رب��ي» نفسه ال‬ ‫يستعمل لغته الوطنية‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ ،‬نصيحة واضحة خالصة لجميع طالب‬


‫ ‬

‫ص� ِّدق�ي�ن��ي‪ ،‬ع��زي��زت��ي‪ ،‬ل��و اس�ت�خ��دم المندوب‬ ‫ال�ف��رن�س��ي ف��ي م�ن��ظَّ �م��ة األم���م ال�م�ت�ح��دة في‬ ‫نيويورك شيئاً من اللغة اإلنكليزية سهوا في‬ ‫خطابه‪ ،‬فإن حكومته ستطرده حاالً من وظيفته‬ ‫وتسجنه ستة أشهر‪ ،‬تطبيقا ًلقانون «حماية‬ ‫اللغة الفرنسية» الصادر عن الجمعية الوطنية‬ ‫الفرنسية سنة ‪1992‬م‪ ،‬وه��و تأكيد لقانون‬ ‫فرنسي صادر سنة ‪1792‬م‪ .‬نعم‪ ،‬العرب كذلك‬ ‫عندهم نص بوجوب استخدام العربية ورد في‬ ‫ما هو أرق��ى من القانون‪ ،‬أي الدستور‪ ،‬الذي‬ ‫�ص على رسمية اللغة العربية‪ ،‬ول�ك��ن من‬ ‫ي�ن� ُّ‬ ‫سمات الدول المتخلِّفة أنَّ لديها قوانين راقية‬ ‫تنص دساتيرنا على‬ ‫ولكن ال تطبقّها‪ ،‬تماماً كما ّ‬ ‫صيانة حقوق اإلنسان‪ ،‬وحقوقه االقتصادية‪.‬‬

‫ ‬

‫عزيزتي‪ ،‬إذا قال لك أحد المندوبين العرب‬ ‫في المنظّ مات الدولية إنّه يستخدم الفرنسية‬ ‫أو اإلنكليزية‪ ،‬لئال يسيء المترجمون مقاصده‪،‬‬ ‫فاعلمي أنّه جاهل بعمل أقسام الترجمة في‬ ‫ه��ذه المنظمات‪ .‬ف ��أيُّ م �ن��دوب يستطيع أن‬ ‫يترجم خطابه إلى اللغة التي يريدها مسبقاً‪،‬‬ ‫ويسلّم نسخة منها إل��ى قسم الترجمة الذي‬ ‫بنطق أفضل من نطق‬ ‫ٍ‬ ‫يتولّى تالوتها في حينه‬ ‫المندوب العربي‪ ،‬ألنَّ القاعدة المتَّبعة في هذه‬ ‫المترجم الفوري‬ ‫ِ‬ ‫يترجم‬ ‫ِ‬ ‫المنظمات ه��ي أن‬ ‫يترجم‬ ‫(التُّرجمان) إلى لغته األمّ‪ .‬بمعنى أن مَن ِ‬ ‫مِ ن العربية إلى الفرنسية هو مترجم فرنسي‬ ‫يتقن العربية‪ ،‬ومن يترجم من الفرنسية إلى ‬ ‫العربية هو مترجم عربي يتقن الفرنسية‪.‬‬

‫ ‬

‫لا آخ ��ر عن‬ ‫اس�م�ح��ي ل��ي أن أض� ��ربَ ل��ك م �ث� ً‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫التخصص‬ ‫ُّ‬ ‫اللسانيات العرب واألجانب بعدم‬ ‫في الترجمة من العربية وإليها‪ ،‬بدليل عدم‬ ‫الحاجة إل��ى الترجمة من العربية وإليها في‬ ‫المحافل ال��دول�ي��ة‪ ،‬ألنَّ المندوبين ال�ع��رب ال‬ ‫يستعملون اللغة العربية فيها‪.‬‬

‫احتقارنا نحن العرب للغتنا العربية‪ :‬تعلمين‬ ‫أنَّ دول الخليج «العربية» تستخدم أكثر من‬ ‫عشرين مليون عامل أجنبي معظمهم من دول‬ ‫آس�ي��ا كالهند والفلبين وتايلند‪ ،‬على الرغم‬ ‫من وجود نحو خمسة وعشرين مليون عاطل‬ ‫عربي‪ ،‬طبقاً إلحصاءات منظمة العمل العربية‪.‬‬ ‫ويشتَرط في هذا العامل الوافد معرفته باللغة‬ ‫اإلن�ك�ل�ي��زي��ة‪ ،‬فتقوم ال ��دول اآلس�ي��وي��ة بتنظيم‬ ‫دورات مكثفة باإلنكليزية مدتها حوالي ستة‬ ‫أشهر للراغبين في العمل في دول الخليج‪.‬‬ ‫ولما كانت نسبة العمالة الوافدة إلى السكان‬ ‫ال �ع��رب األص�ل�ي�ي��ن ه��ي ح��وال��ي ‪ 90‬بالمائة‪،‬‬ ‫أص�ب�ح��ت ال�ل�غ��ة اإلن�ك�ل�ي��زي��ة فعلياً ه��ي اللغة‬ ‫السائدة‪ ،‬وأمسى ابن البلد ال يستطيع شراء‬ ‫الخبز أو رك��وب سيارة األج��رة إال باستعمال‬ ‫اللغة اإلنكليزية اآلسيوية المكسّ رة‪ .‬وأصبح‬ ‫م��ن الممكن بسهولة تحويل ه��ذه ال��دول إلى‬ ‫بلدان ناطقة باإلنكليزية ال عالقة لها بالسكان‬ ‫األصليين ال��ذي��ن سيبقون أقلية ذل�ي�ل��ة‪ ،‬كما‬ ‫حدث في تحويل سنغافورة من بالد ماليزية‬ ‫إسالمية إلى دولة ناطقة باإلنكليزية ال عالقة‬ ‫لها باإلسالم والماليزيين‪ .‬وهذا ليس كالمي‪،‬‬ ‫بل مقتبس من كالم اللواء ضاحي خلفان قائد‬ ‫شرطة دبي‪ ،‬الذي نشره في مقال بعنوان «نبني‬ ‫عمارات ونفقد إم��ارات» في جريدة «الشرق‬ ‫األوس ��ط» السعودية ال �ص��ادرة ف��ي ل�ن��دن في‬ ‫ع��دده��ا ‪11021‬ب �ت��اري��خ ‪2009/1/30‬م‪ .‬وقد‬ ‫توصل لهذا االستنتاج عد ٌد من مفكري الخليج‬ ‫َّ‬ ‫وأكاديميِّيه مثل الدكتور صالح ال�ك��واري من‬ ‫قطر وال��دك �ت��ور حسين غ�ب��اش م��ن اإلم ��ارات‬ ‫العربية المتّحدة وغيرهما‪.‬‬ ‫أن��ت تتمنين نشر اللغة العربية ف��ي العالم‪،‬‬ ‫وتعليمها لغير الناطقين بها؟ كان من الممكن‬ ‫جداً تحقيق هذه األمنية خالل الثالثين سنة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪97‬‬


‫ال �م��اض �ي��ة‪ ،‬ل��و ط�ل�ب��ت ال ��دول‬ ‫العربية من العمّال الوافدين‬ ‫أن ي �ت �ع �ل �م��وا ال �ل �غ��ة العربية‬ ‫ال��وظ �ي �ف �ي��ة ق �ب��ل أن يُمنحوا‬ ‫ت��أش �ي��رة ال ��دخ ��ول‪ .‬وه� ��ذا ما‬ ‫تفعله ح��ال�ي�اً ال ��دول األوربية‬ ‫مثل ألمانيا وهولندة وبلجيكا‬ ‫التي ال تمنح تأشيرة العمل أو‬ ‫اإلقامة أو الدراسة‪ ،‬إال بعد أن‬ ‫يتعلّم الشخص لغتها ويجتاز‬ ‫امتحاناً معيّناً فيها‪.‬‬ ‫< ع��ان��ي��تَ ت��ج��رب��ة ال��ت��ع��ري��ب في‬ ‫سيرتك األكاديمية‪ .‬فما مدى‬ ‫إسهام التعريب وفق رأيك في‬ ‫دفع عجلة النّمو المصطلحي‬ ‫العلمي العربي؟‬

‫عربية تستفيد من هذه المولَّدات؛‬ ‫فالترجمة هي سلعة تخضع لقانون‬ ‫ال �ع��رض وال �ط �ل��ب‪ .‬ول �ي��س هنالك‬ ‫طلب عليها ف��ي ب�لادن��ا العربية‪،‬‬ ‫ألن �ن��ا ن�ع�لِّ��م ال �ع �ل��وم بلغة أجنبية‪،‬‬ ‫مهما ك��ان��ت تراكيبها وأصواتها‬ ‫مكسّ رة ومتدنية‪ ،‬فلماذا نترجم‬ ‫الكتب العلمية العالمية‪ .‬وهكذا‬ ‫ت �ب �ق��ى ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة م �ث��ل بطة‬ ‫عرجاء تمشي برجل اإلنسانيات‬ ‫وليس لها رجل العلوم والتقنيات‪.‬‬ ‫ه ��ذا م��ا ي��ري��ده م�س�ئ��ول��و التعليم‬ ‫العرب للغتنا‪ ،‬بحجّ ة التفتح على‬ ‫العالم واالن�ف�ت��اح على لغة العِ لم‪،‬‬ ‫وكأن كوريا المتقدِّمة جداً علمياً‬ ‫وصناعياً‪ ،‬مخطئة ف��ي استعمال‬ ‫لغتها فقط في التعليم في مختلف‬ ‫مراحله ومستوياته‪ ،‬وفي الصناعة‬ ‫والبحث العلمي‪ .‬وكأن الكوريين منغلقون على‬ ‫أنفسهم‪ ،‬رغم أنّنا في البالد العربية نعيش على‬ ‫منتجاتهم الصناعية‪ ،‬ورغم أ ّن بعضهم يجيد‬ ‫اللغات العالمية األخرى بما فيها العربية‪.‬‬

‫> ف �ع�لا‪ ،‬اش�ت�غ�ل��تُ أرب ��ع سنوات‬ ‫خبيراً ف��ي مكتب تنسيق التعريب بالرباط‪،‬‬ ‫المسئول عن توحيد المصطلحات في الوطن‬ ‫ال �ع��رب��ي‪ ،‬واس �ت �ف��دتُ م��ن ه ��ذه ال�ت�ج��رب��ة في‬ ‫تأليف كتابي «علم المصطلح‪ :‬أسسه النظرية‬ ‫وتطبيقاته العملية» (‪2008‬م) ال��ذي يقع في‬ ‫(‪ )821‬صفحة‪ ،‬وتستخدمه كثي ٌر من الجامعات < لماذا كتبت كتاب «العراق في القلب»؟‬ ‫أنت بالذات > إنّ كتابي «العراق في القلبـ« الذي تقع طبعته‬ ‫أنك ِ‬ ‫العربية‪ .‬ومن بواعث سروري ِ‬ ‫الثانية في (‪ )721‬صفحة من الحجم الكبير‪،‬‬ ‫جامعتك‪ ،‬وهذه شهادة‬ ‫ِ‬ ‫اخترت استخدامه في‬ ‫ِ‬ ‫هو مجرد مجموعة من الدراسات المتفرِّقة‬ ‫أفتخر وأعتز بها‪ .‬ولكنَّ المصطلحات العلمية‬ ‫في حضارة العراق وتاريخه الثقافي‪ ،‬كتبتها‬ ‫العربية التي تضعها مجامعنا اللغوية ويوحِّ دها‬ ‫مختلفة نتيج ًة للحنين الذي ينتابني‬ ‫ٍ‬ ‫أوقات‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫مكتب تنسيق التعريب‪ ،‬ال فائدة منها‪ ،‬فهي‬ ‫ل �ل �ع��راق خ�ل�ال ال��ف��راق ال���ذي دام أك �ث��ر من‬ ‫مولَّدات ال تُكتب لها الحياة إال باالستعمال‪.‬‬ ‫أربعين عاماً‪ ،‬على الرغم من أنّني أع ّد نفسي‬ ‫ولما كانت جامعاتنا العربية تدرّس العلوم بلغة‬ ‫محظوظاً‪ ،‬ألنني ال أعيش في ديار الغربة‪ ،‬بل‬ ‫أجنبية وليس بالعربية‪ ،‬فإ ّن هذه المولدات ال‬ ‫بين أهلي وقومي في أرض المغرب المعطاء‬ ‫تُستعمَل‪ ،‬بل تبقى في طريحة بطون الكتب‪،‬‬ ‫ذي الحضارة العريقة‪ ،‬المشهور بدماثة خلق‬ ‫وع�ل��ى رف��وف المكتبات ال�ت��ي يكفّنها الغبار‬ ‫أهله وكرمهم الذائع الصيت‪.‬‬ ‫وال� �ت ��راب‪ .‬وال ت��وج��د ح��رك��ة ت��رج �م��ة علمية‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫اللغة العربية هي اللغة‬

‫املعمورة بأصوات اإلنسانية‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الشاعر حمد الفقيه‬

‫من يطلق الصافرات!! يتجاهل‬ ‫تاريخ األفكار واللغات‬ ‫واحلضارات والفنون‬

‫من إجاباته قد تقترب من فهمه بدرجة كبيرة‪ ..‬هو شاعر يعتز بانتمائه لضفة شعراء‪،‬‬ ‫كان لهم مساحة من التجريب الجريء الذي وثق تميزهم‪ .‬شاعرنا حمد الفقيه‪ ،‬وثَّ ق‬ ‫تجربته في الساحة الشعرية بمجموعتين‪« :‬نقف ملطخين بصحراء»‪ ،‬و«على طريقة‬ ‫لوركا»‪ ..‬وينتمي زمنيا لمنتصف ثمانينيات القرن الماضي‪ ..‬قد يختلف معك بآرائه‪،‬‬ ‫ليس لمجرد االختالف؛ بل لخلق رؤي��ة تصالح جنون الشاعر وثقة المثقف‪ .‬عندما‬ ‫سألته‪ ..‬كيف وجدت قارئ هاتين المجموعتين‪ ..‬قال‪« :‬ربما كان السؤال هو كيف وجد‬ ‫القارئ هذين العملين؟ وهذا ما يمكن أن يقوله القارئ‪ ..‬لكن من هو القارئ»!!‬ ‫> حاوره عمر بوقاسم‬ ‫< «ك��ي��ف ت����رى ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر اآلن في‬ ‫المشهد العري العربي؟‬

‫الكتابة والطباعة والنشر والقراءة‪ ..‬هو‬ ‫قصيدة النثر‪.‬‬

‫> إن لم تكن قصيدة النثر هي اللحظة ‬ ‫الحيّة من الشعر؛ فقطعاً ليست هي‬ ‫لحظته الماضية‪ ،‬هناك م��ن ال يزال‬ ‫يسأل‪ ..‬وكأن قصيدة النثر كتبت اآلن‪،‬‬ ‫م��أخ��وذا بعقائد الشعرية العربية‪ .‬ما‬ ‫أظنه هو أنَّ حاصل الشعر على مستوى‬

‫ك ��ل ذل� ��ك ي ��ؤك ��د أن ه� ��ذه القصيدة‬ ‫أصبحت في الواجهة‪ .‬وأنا ال أتحدث‬ ‫ه �ن��ا ك�م�ب�ش��ر‪ ،‬ب �ق��در م��ا أص ��ف حالة‬ ‫شعرية يراها الجميع‪ ،‬ويبقى أن أضيف‬ ‫أن ه ��ذه ال�ق�ص�ي��دة ل��م ت �ط��رح نفسها‬ ‫كبديل لواقع شعري ما‪ ،‬وإن كانت على‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪99‬‬


‫كان محمد العباس قد استثمر‬ ‫نقديا تجربة قصيدة النثر تحت‬ ‫عنوان «قصيدتنا النثرية» بهذه‬ ‫الصيغة التي تنفي أهم مقوالت‬ ‫ق�ص�ي��دة ال �ن �ث��ر؛ وت�ب�ط��ل سحر‬ ‫الكتاب؛ بهذه الصيغة الجمعية‬ ‫ف��ي وص��ف ه��ذه التجربة التي‬ ‫كانت احتفاء بالفردية ونهوضا‬ ‫بمعناها‪ ،‬وإن ك��ان محمدا قد‬ ‫أب��دى شيئا م��ن المراجعة لما‬ ‫انتهى إليه في هذا الكتاب في‬ ‫حواراته التالية‪ ،‬وكأنه اكتشف‬ ‫«البيضونية» قريبا‪ ،‬وهو يشير‬ ‫إلى بعض مشاكل قصيدة النثر‬ ‫لدينا‪ ،‬م��ا ع��دا ذل ��ك‪ ..‬فالنقد‬ ‫لدينا وصفات طبية سريعة‪.‬‬

‫ال �م �س �ت��وى ال �ف �ن��ي تنهض‬ ‫بالذهاب باللغة إلى أقصى‬ ‫الشعر خارج الزمن‬ ‫شغافها؛ وتحتج لوجدانها‬ ‫النقدي‪ .. ،‬فالنقد‬ ‫تؤسس فيه لمفاهيم أخرى‬ ‫كالوصفات الطبية‬ ‫ل �ل �ش �ع��ري��ة‪ ،‬ت� �ت� �ج ��اوز تلك‬ ‫السريعة‬ ‫التقاليد التي تقوم عليها‬ ‫القارئ غير موجود‬ ‫الكتابة الشعرية‪ .‬أما مكان‬ ‫لحظة الكتابة ولن أقول‬ ‫هذه القصيدة من الحياة‪..‬‬ ‫من القارئ‪ ..‬من المنابر‪ ..‬إنه ال يشغلني ذلك الحيز‬ ‫فهو ما ينطبق على الفنون الذي أريد أن اقتطعه من‬ ‫كلها؛ فالشعر بشكل خاص‬ ‫تفكيره واهتمامه‬ ‫آخ� � ��ذ ب� ��ال � �ت� ��راج� ��ع‪ ،‬ليس‬ ‫مواقع على النت أصبحت‬ ‫ألم ��ر يتعلق ب��ال�ش�ع��ر‪ ..‬بل‬ ‫تنتج مفاهيم جديدة‬ ‫ل�ل�ت�ح��والت ال �ت��ي أصبحت‬ ‫للكتابة والتلقي‬ ‫تحكم إنتاج الثقافة والفن‬ ‫بشكل ع ��ام؛ ف�ه�ن��اك حياة‬ ‫متغيرة ومتسارعة‪ ..‬أصبح‬ ‫< سبق وأن أصدرت مجموعتين شعريتين «نقف‬ ‫فيها الشعر يشكل حيزا ضيقا من اهتمام‬ ‫ملطخين بصحراء»‪ ،‬و«على طريقة لوركا»‪،‬‬ ‫ال �ق��ارئ؛ لتطور لغة ال�ح�ي��اة‪ ،‬التي أصبحت‬ ‫كيف وجدت قارئ هاتين المجموعتين؟‬ ‫تتجاوز اللفظي إل��ى البصري؛ ال��ذي يشكل‬ ‫الخطاب األق��وى أو األكثر استجابة لحداثة > ربما كان السؤال هو كيف وجد القارئ هذين‬ ‫العملين؟ وهذا ما يمكن أن يقوله القارئ‪ ..‬لكن‬ ‫إنسان هذا العصر‪.‬‬ ‫من هو القارئ؟! نحن مجتمع األمية المتحوّلة‪،‬‬ ‫< وم��اذا عن حضور قصيدة النثر في المشهد‬ ‫أمية تقرأ وتكتب‪ ،‬األمية ليست فقط أمية‬ ‫النقدي السعودي؟‬ ‫أدوات‪ ،‬األمية هي أمية «التفكير»‪ ،‬نحن بهذا‬ ‫المعنى عوام‪ ،‬و«العامية» تحكم حياتنا‪ ،‬إنها‬ ‫> لو أنك قمت بإحصاء ما كتب عن عناوين من‬ ‫طريقة تفكيرنا وأس�ل��وب معيشتنا‪ ،‬الكتاب‬ ‫وزن «بنات الرياض» التي أراد أن يجعل منها‬ ‫ليس جزءا أصيال من حياتنا‪ ،‬والفن كذلك‪..‬‬ ‫النقد حالة ثقافية؛ لفاق ما كتبه كل النقاد‬ ‫مجتمعنا مجتمع «ما قبل الكتاب»‪ ،‬ليس لدينا‬ ‫ع��ن تجربة روائ�ي��ة حقيقية وضخمة تدعى‬ ‫تلك التقاليد العريقة في تعظيم الفكر والفن‬ ‫«رج ��اء ع��ال��م»‪ ،‬ه��ذه ه��ي ال�ح��ال��ة «النقدية»‬ ‫والكتابة‪ ،‬وال نملك من المؤسسات الثقافية‬ ‫التي ال تكاد تتذكر منيف؛ وربما لو وضعت‬ ‫التي تصنع الثقافة ما نملكه من استثمارات‬ ‫على غالف كتاب «ال تحزن» اسم أهم ناقد‬ ‫في مجاالت مشابهة ك��اإلع�لام‪ ،‬أتذكر حين‬ ‫لدينا‪ ،‬لصدقت انه هو من كتبه؛ هذه الحالة‬ ‫كنت صغيرا كيف كان تقييم المجتمع «للشعر‬ ‫النقدية التي التفتت بكلها «لخطاب البنات»‪،‬‬ ‫الشعبي»‪ ،‬ولك أن تتأمل اآلن كيف جعل منه‬ ‫ولن أقول «خطاب األنوثة» ألنك تعي الفرق‪.‬‬ ‫مزاجا عاما‪ ،‬ووجداناً عاما من خالل عدد‬ ‫أم��ا الشعر فهو خ��ارج الزمن النقدي‪ ..‬وإن‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫< «ق��ص��ي��دة النثر ترتبط بالذائقة األجنبية‬ ‫والتراث األجنبي‪ ،‬وليست نابعة من التراث‬ ‫العربي»‪ ،‬هذه العبارة تحمل تصور بعضنا‪.‬‬ ‫فماذا يقول حمد الفقيه؟‬

‫الحاضنة للتجارب الشعرية الشبابية‪ ،‬وكأنها‬ ‫تلزمهم بالحضور كبوابة لدخول عالم الشعر‬ ‫الموثق‪ ،‬هل تجد ه��ذا االنتشار لمثل هذه‬ ‫المواقع‪ ،‬ظاهرة صحية للشعر؟‬

‫> في شعرنا العربي القديم تصنيف لــ«طبقة»‬ ‫م ��ن ال��ش��ع��راء ت��دع��ى «ال � �م� ��ول� ��دون»‪ ،‬وهي‬ ‫تسمية لها داللتها غير الثقافية‪ .‬أتذكر هذا‬ ‫المصطلح ألق��ول ل��ك إن مثل ه��ذه األفكار‬ ‫لها ت��اري�خ�ه��ا‪ ..‬م��ا نعرفه جميعا أن هناك‬ ‫ن�ث��را عربيا ل��م ي�ب��دأ بالنص ال �ق��رآن��ي‪ ،‬ولم‬ ‫ينته باالشتغال بالصوفية‪ ...‬كل ذلك أسس‬ ‫لنظرية في النثر العربي‪ ،‬واللغة العربية هي‬ ‫اللغة المعمورة بأصوات اإلنسانية‪ ،‬من يطلق‬ ‫مثل هذه الصافرات يتجاهل تاريخ األفكار‬

‫> هذه الحياة االفتراضية أصبحت واقعا بديال‬ ‫أمام تحديات الحرية‪ ،‬بديال للواقع الورقي‬ ‫ال��ذي أصبح ينحسر أم��ام ه��ذه الصفحات‬ ‫الهائلة المفتوحة‪ ،‬هنا الجماهيرية ليست‬ ‫م��دف��وع��ة ب �ش��يء س��وى ال�ت��زام�ه��ا الجمالي‪،‬‬ ‫هذه المواقع التي تذهب بحرية التعبير إلى‬ ‫أقصاها تطرح الكثير من التساؤالت حول‬ ‫مستقبل الثقافة الورقية ومكان السلطة من‬ ‫الثقافة‪ .‬هذه المواقع أصبحت تنتج مفاهيم‬ ‫جديدة للكتابة والتلقي وأدوار المبدع والقارئ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫واللغات والحضارات والفنون‪..‬‬ ‫م� ��ن ال � �م � �ج �ل�ات‪ ،‬وبعضا‬ ‫القديم‬ ‫العربي‬ ‫شعرنا‬ ‫في‬ ‫وأن��ه��ا ل��م ت �ك��ن ي��وم��ا إال هذا‬ ‫م���ن «ال� �م� �ط ��رب� �ي ��ن»‪ ،‬حتى‬ ‫الهواء الذي نتنفسه بالتساوي‬ ‫أص�ب��ح «ف�ص�ح��ى» تفكيرنا‬ ‫تصنيف لــ«طبقة»‬ ‫مع غيره‪ ..‬فال ينفذ وال يفسد؛‬ ‫ووج��دان�ن��ا‪ .‬نحن نكتب في‬ ‫من الشعراء تدعى‬ ‫وال ي �م �ك��ن أن ي��ت��وق��ف عند‬ ‫هذه الظروف غير الخالقة؛ «المولدون» وهي تسمية‬ ‫وإن كنت انتظر استجابة لها داللتها غير الثقافية! ت�ل��ك ال �ن��ذر المشئومة لتاريخ‬ ‫تحكمه العقائد المغلقة‪ ..‬من‬ ‫ال �ق��ارئ‪ ..‬فلن أكتب شيئا‪،‬‬ ‫غيابي‬ ‫تسمي‬ ‫قد‬ ‫نحت ه��ذه الكلمة يستحق أن‬ ‫ألنني أعرف أن القارئ غير‬ ‫أنه‬ ‫ادعي‬ ‫وقد‬ ‫احتجاجا‪،‬‬ ‫يعمل في دوائ��ر الهجرة ال في‬ ‫موجود لحظة الكتابة‪ ،‬ولن‬ ‫بتكويني‬ ‫تتعلق‬ ‫مسألة‬ ‫م �ج��ال األدب وال �ث �ق��اف��ة التي‬ ‫أق ��ول إن��ه ال يشغلني ذلك‬ ‫الخاص‬ ‫«أع �ن��ي أج �ن �ب��ي»‪ ،‬أت��ذك��ر رأيا‬ ‫الحيز الذي أريد أن أقتطعه‬ ‫رائ� �ع ��ا ل �س��رك��ون ب��ول��ص حول‬ ‫من تفكيره واهتمامه؛ لكنا‬ ‫ت�ج��رب��ة ال�س�ي��اب ال�ت��ي أسست‬ ‫لسنا في وضع مثالي يمكن‬ ‫للشعرية العربية الحديثة‪ ،‬وكيف استطاع‬ ‫أن نحكم م��ن خ�لال��ه على أي ن��ص‪ ،‬برصد‬ ‫بثقافته الواسعة بالشعر االنجليزي أن ينهض‬ ‫استجابة ال�ق��ارئ‪ ،‬بالنسبة للقارئ يهمه أن‬ ‫بالشعرية العربية مثلما غيره من الشعراء‬ ‫تقول ما يفهمه وما يعنيه وما يمس حياته‪،‬‬ ‫الكبار في كل اللغات‪ ،‬وكيف استطاعوا أن‬ ‫وه��ذا هو المفهوم االستهالكي ال��ذي يعمل‬ ‫يقدحوا حجر اإلنساني والكوني في اللحظات‬ ‫عليه اإلع�ل�ام وال �س��وق‪ ،‬أم��ا مفهوم التلقي‬ ‫المعتمة‪ ،‬فذلك األجنبي ليس إال أن��ت وأنا‬ ‫فهو مفهوم يخص «الجماليات» من الفنون‬ ‫بفارق اللغة‪..‬‬ ‫إلى الروحانيات إلى الشعر‪ ..‬والقارئ بهذه‬ ‫الصيغة ليس موجودا‪...‬‬ ‫< انتشرت على النت مواقع شعرية‪ ،‬تدعي أنها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪101‬‬


‫وتناوباتها‪.‬‬

‫وغ� �س ��ان ال �خ �ن �ي��زي ومنصور‬ ‫الجهني وغيرهم‪ .‬كانت كتابة‬ ‫قصيدة النثر بكل تساؤالتها‬ ‫األولى‪ ،‬وكان صدور هذه الكتب‬ ‫الشعرية قد فاجأ الكثير ممن‬ ‫كانوا ال يزالون يفكرون بذهنية‬ ‫الثمانينيات ومعطياتها‪ ،‬لنرى‬ ‫فيما بعد كيف أن هذه األصوات‬ ‫التي لم تكتب تحت بيان شعري‬ ‫تؤسس لحالة شعرية جديدة‪،‬‬ ‫وبرغم كل التجاهل الذي رافق‬ ‫صدور تلك التجربة محليا‪ ،‬إال‬ ‫أنها عرفت بنفسها على المستوى العربي‪،‬‬ ‫هنا كان الشعر محتميا ال بإيقاعه الجماعي‪،‬‬ ‫بل بفردية كل تجربة تتلمس مكونتها الصغيرة‬ ‫وأشياءها ومحيطها الخاص بأصوات توشوش‬ ‫الهواء لتمر أبعد‪...‬‬

‫ ال� �ك� �ت ��اب ال� � ��ذي ك � ��ان في‬ ‫ت� �ن ��اول أق �ل �ي��ة م ��ن الناس‬ ‫أص � �ب� ��ح م� �ت ��اح ��ا وبشكل‬ ‫سخي على ه��ذه المواقع‪،‬‬ ‫ول��ن تحتاج لتحصيله أكثر‬ ‫من لحظات‪ .‬جزء من هذا‬ ‫ال �ع��ال��م االف��ت��راض��ي اهتم‬ ‫ب�ن�ش��ر اإلب � ��داع‪ ،‬وأصبحت‬ ‫م �ن �ب��را ج ��دي ��دا ومحايدا‪،‬‬ ‫وه � ��ي ت �ن �ه��ض ب� � ��دور مهم‬ ‫أعطى فرصة كبيرة لقراءة‬ ‫ما ينتجه المبدعون‪ ،‬وبخاصة تلك التجارب‬ ‫الجديدة التي يتضاءل حظها في الصحافة‬ ‫ال��ورق�ي��ة‪ ،‬هنا ل��م تعد األس�م��اء تحمل داللة‬ ‫كبيرة؛ فالجميع وبالتساوي يقفون على خط‬ ‫واحد من الكتابة وفرص الوجود‪ ،‬لتبقى القيمة‬ ‫مفهوما زمنيا ال أكثر‪ ..‬وإن كنا سنبقى آسفين < ف��ي األع���وام األخ��ي��رة أقيمت ع��دة ملتقيات‬ ‫وأنشطة خاصة بقصيدة النثر في عدة مدن‬ ‫على ذلك الزمن الورقي ورائحة األحبار‪.‬‬ ‫عربية‪ ،‬ه��ل ه��ذا يعني تصدر قصيدة النثر‬ ‫ < م��ا ال���ذي يميز شعر وش��ع��راء الجيل الذي‬ ‫للمشهد الشعري وتقدمها على العامودية‬ ‫تنتمي أن���ت إل��ي��ه‪ ،‬وه���ل ل��ك أن ت��ق��رأ علينا‬ ‫والتفعيلة؟‬ ‫أسطرا عن تلك المرحلة؟‬ ‫> قلت في السابق إن قصيدة النثر ال تطرح‬ ‫> قد تكون مجموعة إبراهيم الحسين «خرجت‬ ‫نفسها كبديل؛ ه��ذا م��ا أفهمه على األقل‪،‬‬ ‫م��ن األرض ال�ض�ي�ق��ة» ه��ي ال �خ��ط الوهمي‬ ‫وإن ك��ان��ت قصيدة النثر وك��ل م��ا تفترضه؛‬ ‫لفارق شعري‪ .‬كانت قبله قد كُتبت قصيدة‬ ‫ه��و استجابة اللغة لكل متطلبات الشعرية‬ ‫النثر على هامش التجربة الشعرية الغنائية‬ ‫بمكوناتها الداخلية التي تؤسس وجدان هذه‬ ‫التي اختطفت لحظة ال�ح��داث��ة‪ ،‬فما كتبته‬ ‫اللغة‪ ،‬أما عن تجاوراتها مع القصيدة الغنائية‬ ‫فوزية أبو خالد ومحمد عبيد وربما محمد‬ ‫سواء في شكلها التقليدي أو التفعيلي فهذا‬ ‫الدميني تاليا‪ ،‬كان على هامش ذلك الحراك‬ ‫ما يمكّنها من رؤية نفسها داخل ذلك النسيج‬ ‫الشعري‪ ،‬ومع صدور مجموعة خشب يتمسح‬ ‫العام للكتابة الشعرية‪ ،‬ووجودها بزخم يفوق‬ ‫بالمارة‪ ،‬وفأس على الرف‪ ،‬وكرة صوف لفت‬ ‫حضور غيرها من فنون الكتابة الشعرية‪ ،‬فال‬ ‫على عجل‪ ..‬وغيرها‪ ،‬كانت هناك أسماء تمتد‬ ‫يثبت شيئا مهما‪ ،‬ألننا في النهاية سوف نكون‬ ‫ب��ام�ت��داد الغياب م��ن إب��راه�ي��م الحسين إلى‬ ‫حيث يكون الشعر‪ ،‬وقد كانت هذه القصيدة‬ ‫أحمد المال إلى على العمري وأحمد كتوعه‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫> قد تسمي هذا الغياب؛ احتجاجا؛ وقد أدعي‬ ‫أن ��ه؛ مسألة تتعلق بتكويني ال �خ��اص؛ وقد‬ ‫يكون األمرين معا؛ من لديه الوقت لتبديد‬ ‫نفسه وراء متطلبات ه��ي أشبه بالواجبات‬ ‫االجتماعية؛ التي ال تصنع الكثير للمبدع؛ من‬ ‫يحتمل أن يكون نهبا لتلك المناسبات التي لن‬ ‫تضيف شيئا مهما للمبدع؛ بقدر ما تجعله‬ ‫محاطا بأصوات تقطع عليه إصغاءه لذاته‬ ‫دون�م��ا تفسير أو تشخيص م��ن أح��د؛ ربما‬ ‫يكون وق��ود اإلب ��داع ه��ي الساعات الطويلة‬ ‫من التأمل‪ ،‬تأمل الذات وفحص كل تاريخها؛‬ ‫تأمل األفكار؛ تأمل الزمن؛‬ ‫ت ��أم ��ل ال� ��واق� ��ع ب �ع �ي��دا عن‬ ‫إي� �ح���اءات اآلخ���ري���ن؛ هذا‬ ‫ال��زم��ن ال� ��ذي ي �م��ر سريعا‬ ‫ه��و لحظات بطيئة‪ ..‬فيها‬ ‫ال �ك �ث �ي��ر م��م��ا ال ن� � ��راه إال‬ ‫ب��ال��وق��وف ال �ط��وي��ل أمامه؛‬ ‫ه��ذه األف �ك��ار ال�ت��ي نتوصل‬ ‫إليها أو تتوصل إلينا‪ ،‬هي‬ ‫أفكار آخرين قد يشبهوننا‬ ‫كثيرا؛ لكن لحظاتهم ليست‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫حاضرة دائما من لحظة كتابتها األولى؛ فكم‬ ‫عدد شعراء هذه القصيدة في الستينيات؟‬ ‫ومع ذلك كانت حاضرة في وج��دان الشعر؛‬ ‫بحكم التطور الزمني للمفاهيم الشعرية؛‬ ‫سيكون لقصيدة النثر أف��ق الشعر؛ إذا ما‬ ‫استطاعت أن تستجيب للحظتها ولسؤال‬ ‫الفن؛ وبخاصة ونحن نقف على مهب هذه‬ ‫ال �ت �ح��والت ال�ك�ب��رى ال�ت��ي تعصف بالكون‪..‬‬ ‫وتعيد تشكيله من جديد‪.‬‬ ‫< ‬ ‫< غاب الشاعر حمد الفقيه عن المنابر األدبية‬ ‫المختلفة أعواما‪ ،‬ما سر هذا الغياب أم هو‬ ‫لتسجيل موقف ما؟‬ ‫> ‬

‫هي لحظاتنا؛ في وقت ما‪ ،‬لدينا ما نحرفه‬ ‫على ه��ذه األف �ك��ار لتكون بمقاس وجودنا؛‬ ‫من لديه كل ذلك؛ ولدية أسرة يسعى عليها؛‬ ‫ال أظ��ن أن لديه الكثير من الوقت ليمضيه‬ ‫بسماع القصص المعادة على المقاهي؛ أو‬ ‫تسليم نفسه لوصفات اآلخرين حول معنى‬ ‫حياته‪ ..‬إذا لم يصل صوتي إليَّ معزوال عن‬ ‫أي غطاء اجتماعي‪ ،‬فلن يكون هو صوتي‪.‬‬ ‫في جلسة حميمة بيني وبينك‪ .. ،‬استخلصت‬ ‫من تعليق لك تتحفظ على حضور الشاعر‬ ‫في فضاءات كتابية أخرى‪ ،‬لماذا؟‬ ‫ل��دى ك��ل مبدع مشروعه ال��ذي يعكف عليه‬ ‫طويال‪ ،‬وقد ال يمتلك من المعرفة والبحث‬ ‫حوله ما يسعفه به العمر‪ ،‬والكتابة الشعرية‬ ‫درس دائ��م‪ ،‬فمن استطاع أن يبلغ به جهده‬ ‫ومثابرته على الكتابة وال�ب�ح��ث‪ ،‬م��ا يجعله‬ ‫ي�س�ت��رخ��ي ليفكر ب�ج�ن��س آخ ��ر م��ن الكتابة‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬تكون فيه أدواته المعرفية ودربته‬ ‫أقل مما يمتلكه غيره‪ ،‬ممن يمتلك «محترفا‬ ‫روائيا»‪ ،‬على سبيل المثال هنا‪ ..‬ما هو حظ من‬ ‫يحاول فعل ذلك من النجاح‪ ،‬إن لم تكن ناجحا‬ ‫في ش��يء‪ ..‬فلن تكون ناجحا في كل شيء‪..‬‬ ‫هناك من الشعراء الكبار من حاول أن يكتب‬ ‫رواي ��ة‪ ،‬ووظ��ف سيرته الذاتيه‬ ‫لذلك‪ ..‬هو نوع من التشكك في‬ ‫قيمة تجربته الشعرية ومدى‬ ‫تمثيلها وتعبيرها عن الشاعر‪،‬‬ ‫ع�ن��دم��ا ن�ك�ت��ب ق�ص�ي��دة فنحن‬ ‫نعلق أرواحنا بكل تاريخها؛ فإن‬ ‫لم نتحقق بما نتملكه من أدوات‬ ‫الكتابة من فعل ذلك‪ ،‬فالمشكلة‬ ‫هنا ليست في جنس الخطاب‬ ‫األدب��ي ال أن يكون األمر بذخا‬ ‫وتعرضا لنفحات سوق الكتابة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪103‬‬


‫معالي الدكتور‬

‫فهاد بن معتاد احلمد‬ ‫> احملرر الثقافي‬

‫يُعدُّ الدكتور فهاد بن معتاد الحمد الضويحي الخالدي أح��د أب��رز خبراء اإلدارة‬ ‫الحكومية‪ ،‬حيث مارسها عم ًال إداري ًا من خالل الوظائف التي تقلدها‪ ،‬كما مارسها فكر ًا‬ ‫وحيا ًة أكاديميةً عبر تدريسها والكتابة والتأليف حولها‪.‬‬ ‫وإذا كان الدكتور فهاد بن معتاد الحمد الضويحي الخالدي المولود في مدينة سكاكا‬ ‫ الجوف عام ‪1379‬ه��ـ‪ ،‬قد شغل وظائف قيادية وأكاديمية ودولية متعددة‪ ،‬فهو اليوم‬‫يشغل وظيفة مرموقة في مجلس الشورى السعودي‪ ،‬إذ يقدم الكثير لوطنه من خالل‬ ‫بسن كثيرٍ من القوانين والنظم التي تزيد من وتيرة اإلصالح‪،‬‬ ‫هذا المجلس الذي يقوم ِ ّ‬ ‫وتحقق تطلعات القيادة والشعب في الشفافية ومحاربة الفساد‪ ..‬وهو ما دأب عليه دوما‬ ‫ومنذ اختياره عضوا في مجلس الشورى‪ ،‬إذ كانت المطالبة بتشكيل الهيئة الوطنية‬ ‫لمكافحة الفساد أحد أولوياته‪.‬‬ ‫يقول الدكتور الحمد في محاضرة أقيمت‬ ‫في ال�ن��ادي األدب��ي بمدينة سكاكا في مايو‬ ‫‪ 2009‬م‪« :‬ي��درك المراقب المتابع ألحوال‬ ‫اإلدارة الحكومية أن��ه تسود حالة من عدم‬ ‫الرضا بين المواطنين عموماً عن مستوى‬ ‫وج� ��ودة ال �خ��دم��ات ال �ت��ي ت�ق��دم�ه��ا األجهزة‬ ‫الحكومية‪ .‬ويمكننا القول إن تدني مستوى‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫األداء ال �ح �ك��وم��ي‪ ،‬وت��دن��ي م �س �ت��وى كفاءة‬ ‫التشغيل‪ ،‬وزيادة تكلفة الخدمات العامة هي‬ ‫أمور يمكن ألي مراقب مالحظتها ورصدها‪،‬‬ ‫كما يمكننا ال�ق��ول أي�ض�اً أن ذل��ك يعود في‬ ‫جانب منه إل��ى ضعف الرقابة على األداء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وان�خ�ف��اض مستوى الشفافية والمساءلة‪،‬‬ ‫مقارنة بالمعايير العالمية المتعارف عليها»‪.‬‬


‫تركز الرقابة اإلداري ��ة على المخرجات النهائية وتركز على التفكير اإلستراتيجي ال��ذي ينصرف‬ ‫ل�لأج �ه��زة ال�ح�ك��وم�ي��ة م��ن س�ل��ع وخ��دم��ات‪ ،‬ومدى نحو المستقبل القتحام مجاالت وفرصا جديدة‪،‬‬

‫تحقيقها لألهداف المنشودة‪ ،‬ومستوى جودتها‪،‬‬

‫نحتاج إلى قيادات ال تكون مسئولة فقط عن توقع‬

‫أن تتجه الرقابة ص��وب األداء المؤسسي «وليس‬

‫تعمل على جعل ذل��ك المستقبل يتحقق بالشكل‬

‫ومدى رضا المستفيدين عنها‪ .‬الحاجة ملحة إلى المستقبل والتعامل مع معطياته ومقتضياته‪ ،‬وإنما‬ ‫ال �ف��ردي» لألجهزة الحكومية‪ ..‬ب�ه��دف تشخيص‬ ‫واق��ع هذا األداء وأوج��ه القصور فيه‪ ،‬وص��والً إلى‬ ‫رفع مستوى هذا األداء وتحسينه‪ ،‬من خالل زيادة‬ ‫كفاءة التشغيل‪ ..‬وخفض تكلفة الخدمات‪ ..‬وتحقيق‬

‫الفاعلية‪ ،‬م��ن خ�لال تحقيق رغ�ب��ات واحتياجات‬

‫المواطنين»‪.‬‬

‫ويؤكد‪« :‬إن الرقابة على األداء ال يمكن أن تتأتى‬

‫إال من خالل إيجاد نظام لقياس األداء يتكون من‬

‫معايير ومعدالت ومؤشرات موضوعية يمكن وفقاً‬

‫له تشخيص واق��ع األداء في األج�ه��زة الحكومية‪،‬‬ ‫وت�ح��دي��د المشكالت وال�م�ع��وق��ات ال�ت��ي يواجهها‪،‬‬

‫لتكون أساساً لتحسين مستويات األداء»‪.‬‬

‫ويقول‪« :‬ب��أن آف��اق التطوير ل�لإدارة الحكومية‬

‫واس �ع��ة وم�ت��اح��ة‪ ،‬لكنها تحتاج إل��ى ق��ادة يملكون‬ ‫البصيرة إلدراك �ه��ا والشجاعة القتناصها‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫فنحن نحتاج في المملكة إلى إيجاد قواعد وآليات‬

‫للحراك الوظيفي في المواقع القيادية في أجهزة‬

‫ال��دول��ة‪ ،‬تضمن اس�ت�م��رار ض��خ دم ��اء ج��دي��دة في‬

‫المرغوب وبالتكلفة المناسبة»‪.‬‬

‫المؤهالت العلمي ــة‬ ‫ •ال��دك �ت��وراه‪ :‬ف��ي الفلسفة‪ ،‬ج��ام�ع��ة والية‬ ‫نيويورك الحكومية ‪1988‬م‪.‬‬

‫ •المــاجستير‪ :‬في اإلدارة العامة ‪1984‬م‪،‬‬

‫ج��ام �ع��ة ن �ي��وه �ي �ف��ن‪ ،‬ال���والي���ات المتحدة‬ ‫األمريكية‪.‬‬

‫ •ال �ج �ـ��ام �ع �ـ �ي �ـ��ة‪ :‬ب��ك��ال��وري��وس ف ��ي اإلدارة‬ ‫العامة‪1979‬م‪ ،‬جامعة الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫الحياة العملية‬ ‫ •م�س��اع��د رئ �ي��س مجلس ال �ش��ورى بتاريخ‬ ‫‪1433/1/18‬هـ‪.‬‬

‫ •ع� �ض ��و م �ج �ل��س ال� � �ش � ��ورى اب� � �ت � ��دا ًء من‬ ‫‪1426/3/3‬هـ‪.‬‬

‫ •ن��ائ��ب م��دي��ر ع ��ام م�ع�ه��د اإلدارة العامة‬

‫مواقع القرار في ال��وزارات والهيئات والمؤسسات‬

‫للبحوث والمعلومات ‪1417/7/21‬ه� � �ـ ‪-‬‬

‫تنمو وتتطور باستمرار‪ ،‬ويضمن أن يتولى المواقع‬

‫ •ن ��ائ ��ب رئ� �ي ��س ال �م �ع �ه��د ال���دول���ي للعلوم‬

‫العامة‪ ،‬بما يحقق ديناميكيتها بوصفها كائنات حية‬

‫‪1426/3/2‬هـ‪.‬‬

‫القيادية وعلى اختالف مستوياتها الكفاءات الوطنية‬

‫اإلداري��ة عن منطقة الشرق األوس��ط من‬

‫ويضيف‪« :‬إننا نحتاج إل��ى ق�ي��ادات إداري��ة في‬

‫ •عضو مجلس إدارة االتحاد الدولي للمدارس‬

‫المتميزة‪ ،‬وفي الوقت المناسب»‪.‬‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫وي�ق��ول‪« :‬لقد أصبحت الحاجة ملحّ ة إل��ى أن األج �ه��زة الحكومية تملك ال�ح��س اإلستراتيجي‪،‬‬

‫‪1419/5/18‬هـ حتى اآلن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪105‬‬


‫وم�ع��اه��د اإلدارة م��ن ‪1413/1/18‬ه� � � �ـ ‪-‬‬ ‫‪1416/2/13‬هـ‪.‬‬

‫ •رئ �ي��س الجمعية ال �س �ع��ودي��ة ل�ل��إدارة من‬ ‫‪1420/1/23‬هـ ‪1422/8/6 -‬هـ‪.‬‬

‫ •عضو مجلس إدارة مركز األم�ي��ر سلمان‬ ‫االجتماعي من ‪1422/1/15‬هـ حتى اآلن‪.‬‬

‫ •المشرف العام على تحرير (دورية اإلدارة‬ ‫العامة) التي يصدرها معهد اإلدارة العامة‬

‫من ‪1416/7/2‬هـ ‪1426/3/2 -‬هـ‪.‬‬

‫ •المشرف العام على مجلة (رسالة معهد‬ ‫اإلدارة) التي يصدرها معهد اإلدارة العامة‬

‫من ‪1417/10/17‬هـ ‪1426/3/2 -‬هـ‪.‬‬

‫المركزية ‪1993‬م‪.‬‬ ‫ •سلمان ب��ن عبدالعزيز أن �م��وذج �اً للقائد‬ ‫التحويلي ‪1425‬هـ‪.‬‬

‫ •اإلدارة المحلية وتطورها خ�لال عشرين‬ ‫عاماً من عهد خ��ادم الحرمين الشريفين‬

‫الملك فهد بن عبدالعزيز عام ‪1422‬هـ‪.‬‬ ‫ •خدمات المستشفيات ‪1991‬م‪.‬‬ ‫وعد ٌد آخر من البحوث وأوراق العمل‪.‬‬

‫مجلس الشورى ودوره في المجالين‬ ‫التشريعي والرقابي‬ ‫يقول فيه إن المملكة العربية السعودية عرفت‬

‫ •عضو هيئة تحرير (المجلة الدولية للعلوم الشورى ومارستها بصورة أو بأخرى منذ المراحل‬ ‫اإلداري��ة) التي تصدر عن المعهد الدولي األولى لتكوينها‪ .‬فما أن قيض الله سبحانه للملك‬ ‫للعلوم اإلدارية من ‪1419‬هـ ‪ -‬حتى اآلن‪.‬‬

‫المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود‬

‫ •عضو الهيئة االستشارية بمجلة (البحوث (رحمه الله) منطقة الحجاز ودخل مكة المكرمة‪،‬‬ ‫األم� �ن� �ي ��ة) ال��ت��ي ت �ص��دره��ا ك �ل �ي��ة الملك حتى تعاقبت محاوالت تشكيل مجالس للشورى‪،‬‬ ‫ف �ه��د األم� �ن� �ي ��ة م ��ن ‪1421/2/17‬ه � � � � � �ـ ‪ -‬وذل� ��ك ف��ي إط� ��ار ال �س �ع��ي ن �ح��و ت �ح��دي��د مفهوم‬ ‫الشورى ودوره في البناء المؤسسي للدولة اآلخذة‬ ‫‪1426/2/21‬هـ‪.‬‬

‫ •رئ��ي��س ال �ل �ج �ن��ة ال �س �ي��اس �ي��ة والعالقات‬ ‫البرلمانية في االتحاد البرلماني العربي‬

‫‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬

‫المؤلفات والبحوث‬

‫بالتشكل‪ .‬فخالل الفترة م��ن‪1347-1343‬ه �ـ تم‬

‫تشكيل أربعة مجالس اب�ت��دا ًء بالمجلس األهلي‬ ‫عام ‪1343‬هـ‪..‬‬

‫ومع صدور نظام مجلس الشورى الحالي عام‬

‫‪1412‬ه �ـ أصبح مجلس الشورى أح��د المكونات‬

‫ •‪ -‬مجلس ال �ش��ورى ودوره ف��ي المجالين األساسية في الكيان المؤسسي للمملكة‪ ،‬ومشاركا‬ ‫التشريعي والرقابي‪2011‬م‪.‬‬ ‫رئيسا في صنع القرارات المتعلقة بالسياسات‬

‫ •أس��ال �ي��ب ال�ت��أث�ي��ر ال�م�س�ت�خ��دم��ة م��ن قبل العامة للدولة‪ .‬وتتجلى مشاركة المجلس في وضع‬ ‫ال �م��دي��ري��ن ف��ي األج� �ه ��زة ال�ح�ك��وم�ي��ة في السياسة العامة للدولة من خالل قيامه بوظيفتين‬ ‫المملكة ‪1995‬م‪.‬‬

‫رئيستين هما‪ :‬وظيفة التشريع وس��ن األنظمة‪،‬‬

‫ •مسح البيئة الخارجية لألجهزة الحكومية ووظيفة الرقابة على األداء الحكومي‪.‬‬ ‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫وقد حاول المؤلف من خالل‬ ‫ت � �ن� ��اول ف��ي��ه م��س��ح البيئة‬ ‫ه� ��ذه ال� ��دراس� ��ة ال �ت �ع��رف على‬ ‫الخارجية لألجهزة الحكومية‬ ‫نشاط المسح البيئي في األجهزة‬ ‫ال�م��رك��زي��ة‪ ،‬حيث يمثل المسح‬ ‫الحكومية المركزية في المملكة‪،‬‬ ‫البيئي الخطوة األس��اس األولى‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ال �س �ع��ودي��ة‪ ،‬وذل ��ك من‬ ‫في سلسلة متصلة من األفكار‬ ‫خالل التعرف على حجم الوقت‪،‬‬ ‫واألفعال التي ت��ؤدي إلى تكيف‬ ‫وم� ��دى االه��ت��م��ام ال� ��ذي يوليه‬ ‫المنظمة مع بيئتها الخارجية‪،‬‬ ‫مسئولو اإلدارة العليا والوسطى‬ ‫وفقا لما تمثله ه��ذه البيئة من‬ ‫ف��رص أو تهديدات‪ .‬وغالبا ما يكون التغيير في في هذه األجهزة‪ ،‬للحصول على المعلومات التي‬ ‫اإلستراتيجيات‪ ،‬والسياسات المتعلقة بتحديد يستخدمونها‪ ،‬والعوامل التي تؤثر في مدى هذا‬ ‫األه��داف‪ ،‬والبناء التنظيمي‪ ،‬هو نتيجة للتغيرات االستخدام‪.‬‬ ‫في البيئة الخارجية‪.‬‬ ‫وتركز الدراسة على المعلومات الخارجية التي‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫مسح البيئة الخارجية‬ ‫لألجهزة الحكومية‬ ‫المركزية‬

‫يرتبط بشكل مباشر بالتخطيط‬ ‫االس � �ت� ��رات � �ي � �ج� ��ي‪ ،‬وب � � � � ��اإلدارة‬ ‫اإلستراتيجية عموما‪.‬‬

‫ويمكن من خالل المسح البيئي تحقيق األهداف تستخدم كمدخالت لعملية تشكيل اإلستراتيجيات‬ ‫ووضع السياسات العامة‪ ،‬إذ إن التغيرات البيئية‬ ‫اآلتية‪:‬‬ ‫الخارجية غالبا ما تؤثر بشكل قوي ومباشر على‬ ‫ •اكتشاف المؤشرات البيئية وتحليلها‪.‬‬ ‫وظائف مسئولي اإلدارة العليا ومهامها‪ ،‬وبصورة‬ ‫ •تقدير مواقف البيئة الخارجية وعناصرها‬ ‫أقل على وظائف ومهام مسئولي اإلدارة الوسطى؛‬ ‫ومصالحها ذات العالقة بأهداف المنظمة‬ ‫وع�ل�ي��ه ف�ق��د ت��م ال�ت��رك�ي��ز ع�ل��ى ج�م��ع المعلومات‬ ‫وأنشطتها‪.‬‬ ‫المتعلقة بالدراسة من المسئولين‬ ‫ •الحصول على معلومات‬ ‫اإلداريين في المستويين األعلى‬ ‫ع��ن ردود فعل عناصر‬ ‫واألوس� ��ط (وك �ي��ل وزارة أو من‬ ‫البيئة ال�خ��ارج�ي��ة على‬ ‫في مستواه؛ وكيل وزارة مساعد‬ ‫التصرفات التي بادرت‬ ‫أو من في مستواه؛ مدير عام)‬ ‫المنظمة بالقيام بها‪.‬‬ ‫في األجهزة الحكومية بوصفهم‬ ‫مسئولين عن التعامل مع البيئة‬ ‫وتبرز أهمية المسح البيئي‬ ‫الخارجية ألجهزتهم‪.‬‬ ‫م��ن خ�ل�ال ال� ��دور ال� ��ذي يلعبه‬ ‫ف��ي نظام التخطيط ككل‪ ،‬فهو‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪107‬‬


‫أمكنة الوجدان‬ ‫عبدالعزيز خوجة‬

‫وجماليات املكان الشعري‬ ‫> عبدالله السمطي*‬

‫تصدير‪:‬‬ ‫أفراس أوردتي‬ ‫ُ‬ ‫ّتت‬ ‫وتفل ْ‬ ‫تجوب مراب َع الدنيا‬ ‫ُ‬ ‫تفتش عن مكانْ‬ ‫ُ‬ ‫لكنه‪ ..‬ع ّز المكانْ‬ ‫(عبدالعزيز خوجة)‬ ‫حين يتجلى المكان شعري ًا حيال المخيلة الشعرية؛ فإنه يتجلى بمشاهده الكلية‬ ‫أوال‪ .‬ثم تتفتق جزئياته وتفاصيله عبر الحواس؛ وقدرة الشاعر الكبير‪ ،‬تتمثل في أنه‬ ‫يمنح تلك الجزئيات والتفاصيل القدرة على الفعل الداللي المتميز عبر الصورة‪ ،‬وعبر‬ ‫نقل هذه المشاهد العابرة‪ ،‬التي تجلّت بتلقائيتها‪ ،‬أو بطزاجتها في وهالتها األولى‪.‬‬ ‫إن المكان ل��دى الشاعر ليس مجرد المكان في حد ذاته قصيدة كبرى‪ ،‬يتسنى‬

‫بقعة عابرة‪ ،‬يتنقل فيها من هنا إلى هناك‪ ..‬للشاعر أن يقتطف منها مشاهده‪ ،‬ويضيء‬ ‫لكنه يشكل مثيرا جماليا بناسه‪ ،‬ومناظره‪ ،‬عبرها تجاربه‪.‬‬ ‫بزحامه‪ ،‬وفضائه‪ ،‬بأرضه وسمائه‪ ،‬بطقسه‪،‬‬

‫ب �ع �ب��ق ت��اري �خ��ه وت���راث���ه‪ ،‬ب �ح �ض��وره اآلني‬

‫وال �م��اض��وي‪ .‬ف��ي ك��ل ه��ذه ال��ح��االت؛ فإن‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫شعرية التأمل‬ ‫لقد تحدث باشالر كثيرا عن جماليات‬


‫باشالر حاول أن يصوغ رؤاه عن المكان بالتأمل‬ ‫في المكان الشعري عبر أبرز تجلياته‪ :‬الصورة‪.‬‬ ‫ويصوغ ذلك بقوله‪:‬‬

‫«إن ال�ش�ع��ر ال يمنحنا ال�ح�ن�ي��ن إل��ى مرحلة‬ ‫الشباب – وهو حنين مبتذل ‪ -‬بقدر ما يمنحنا‬ ‫الحنين إلى تعبير مرحلة الشباب عن ذاتها‪ .‬إن‬ ‫الشعر يقدم لنا صورا كان علينا أن نتخيلها خالل‬ ‫«الدافع األصلي» للشباب‪ .‬إن الصورة البدائية‪،‬‬ ‫هي حفر بسيط على الخشب‪ .‬تدعونا إلى التخيل‬ ‫م��رة أخ��رى‪ .‬إنها تعيد إلينا مناطق من الوجود‪،‬‬ ‫بيوتًا يتمركز فيها يقي ُن الوجود اإلنساني‪ ،‬ويتكون‪،‬‬ ‫لدينا خ�لال ه��ذا‪ ،‬انطباع بأننا حين نعيش في‬ ‫صور كهذه‪ ،‬في صور باعثة على الطمأنينة كهذه‪،‬‬ ‫فإننا نصبح قادرين على بدء حياة جديدة‪ ،‬حياة‬ ‫هي ملكنا‪ ،‬تنتمي إلينا في أعمق أعماقنا» باشالر رحلة البدء والمنتهى‬ ‫جماليات المكان ‪ -‬ص‪.57‬‬ ‫الشاعر عبدالعزيز خوجة يبوح بأمكنته شعرياً‪،‬‬ ‫ومن هنا‪ .‬في الشعر ال يقبّل الشاعر ذا الجدار وهي أمكنة معشوقة لجماليتها وداللتها وأبعادها‬ ‫وذا الجدار ‪ -‬بحسب مجنون ليلى ‪ -‬فحسب‪ ،‬بل الجغرافية والتاريخية‪ ،‬بيد أن جمالها الشعري هو‬ ‫الشاعر يتأمل ويتشوّف ويعيد هدم المكان جماليا ما يقصد إليه‪ ،‬وما يصب فيه تجربته الرائية‪.‬‬ ‫وإعادة ترتيبه وتجميله وتنسيقه‪ .‬المكان بحالته‬ ‫الجمالية المتخيلة‪ .‬الشاعر يصبح‬ ‫بناء ومهندسا ورائيا عبر المكان‪.‬‬ ‫ال تحده الجغرافيا وال الهندسة‬ ‫وال ال � �ط� ��رز‪ ..‬إن� ��ه يستعيرها‬ ‫ويؤسسها بشكل جديد كي يعمق‬ ‫وعيه الشعري‪ ،‬ويعمق تجربته‬ ‫المخايلة‪.‬‬ ‫ال ينظر الشاعر إلى المكان‬ ‫على اعتبار أن��ه مجرد بنايات‬ ‫ف� �ح� �س ��ب‪ ،‬أو م� �ج ��رد مناظر‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫المكان‪ ،‬وكانت أمثلته األثيرة من عالم الشعر‪.‬‬

‫طبيعية‪ ،‬الشاعر ينظر إلى المكان على اعتبار أنه‬ ‫فضاء مخايل‪ ،‬قد يشكله مطلق الوعي الشعري‬ ‫الذي ينعكس في الكلمات‪ .‬إن كتابة الشاعر عن‬ ‫المكان كتابة متخيلة في جوهرها‪ ،‬وبالتالي حين‬ ‫يشير ال�ش��اع��ر إل��ى م�ك��ان م��ا إن�م��ا يصنع مكانا‬ ‫متخيال‪ ،‬ليس هو المكان الموصوف بالضرورة‪،‬‬ ‫على الرغم مما يبدو على سطح النص الشعري‬ ‫م��ن ذك ��ر ألس �م��اء األم��اك��ن وال� �ش ��وارع والمدن‪.‬‬ ‫الشاعر ال يصف وهو يصف‪ ،‬إنما يتأمل ويرى‪.‬‬ ‫ك��ل م�ك��ان م��وص��وف شعريا ه��و م�ك��ان انتقل من‬ ‫حالته الجغرافية والتاريخية والزمنية إلى حالة‬ ‫جمالية‪ .‬وحين ينتقل المكان إل��ى حالة جمالية‬ ‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫ف��إن��ه يخاطب ال��وع��ي ال �ق��ارئ‪ ،‬ويخاطب‬ ‫اإلنساني‪ ،‬ومن دون هذا الخطاب ال يتسنى لنا‬ ‫اإلحساس بجمالية المكان‪.‬‬

‫وب �ح �س��ب ال �ق �ص��ائ��د ال �ت��ي يتضمنها ديوانه‬ ‫الشعري‪« :‬رحلة البدء والمنتهى»‬ ‫فقد وهبنا الشاعر عبدالعزيز‬ ‫خ��وج��ة ج �م �ل��ة م ��ن التجليات‬ ‫المكانية ال�ت��ي انتقل فيها من‬ ‫مكان آلخ��ر‪ ،‬ومن بقعة جمالية‬ ‫إلى بقعة جمالية أخرى‪.‬‬ ‫لقد أط�ل��ق خ��وج��ة لمخيلته‬ ‫ف��ض��اءات م �ت �ع��ددة ل�ك��ي تبوح‪،‬‬ ‫وأم �ك �ن��ة ت �ج��ري ف ��ي سياقات‬ ‫ح �ض��اري��ة وث �ق��اف �ي��ة مختلفة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪109‬‬


‫فتأمل شعريا في القاهرة وبيروت والرباط وتركيا‬

‫وباريس وموسكو‪ ،‬في جملة من القصائد منها‪:‬‬

‫ب��در مكناس‪ ،‬وداع��ا يا مغرب‪ ،‬تحية عاشق‪،‬‬

‫ويبقى الهوى حلما‪ ،‬لقاء في باريس‪ ،‬ليلة شتاء في‬

‫موسكو‪ ،‬عذراء الرصافة‪ ،‬قلب بيروت حجر‪ ،‬لبنان‬ ‫عد أمال‪ ،‬يقول عن باريس‪:‬‬

‫���اك ي���ا ب���اري���س ع��ش��اق��ا ع��ل��ى أم ٍ���ل‬ ‫ج���ئ���ن ِ‬ ‫ق��ل��ب��ان ف��اض��ا ب��ال��ه��وى ل���م ي��ع��رف��ا ملال‬ ‫ل��م��ا ارت��ح��ل��ن��ا ف���ي ف��ض��اء ال���ك���ون فرّقنا‬ ‫من القداسة المجازية للكلمات الكثير من الرؤى‬ ‫ِ‬ ‫بُ��عْ ��دُ‬ ‫المكان وإن��م��ا ال��وج��دانُ م��ا ارتحال والكثير من اإلضاءات‪.‬‬ ‫����ت ال���ه���وى ال��ب��اق��ي أل�����وذُ ب���ه يظللني‬ ‫أن ِ‬ ‫وم��ن ه �ن��ا‪ ،‬ك�ت��ب ق�ص�ي��دت��ه ال��رائ �ع��ة ع��ن مكة‬ ‫وي���ظ���لُّ ي��ح��م��ي��ن��ي إل����ى أن أب��ل��غ األج�ل�ا المكرمة بعنوان‪« :‬غربة» وفيها يقول‪:‬‬

‫ويستوحي تراثية المكان في قصيدته‪ :‬عذراء أي������ن‪ ،‬أي�����ن ال���م���ص���ي���رُ وال����ع����م����رُ ي����ذوي‬ ‫ال��رص��اف��ة‪ ،‬حيث يستعيد ال�م�ك��ان م��ن الماضي‬ ‫وح����ن����ي����ن����ي ال������وح������ي������دُ ن����ح����و دي��������اري‬ ‫عبر المخيلة الشعرية‪ ،‬ويعيد نسجه في اللحظة‬ ‫إي����������ه ي�������ا م�����ك�����ة ال�������ه�������دى ل����ل����ب����راي����ا‬ ‫الحاضرة‪ ،‬ويتناص مع القصيدة الشهيرة‪ :‬عيون‬ ‫�����������ك ال����م����ع����ط����ارِ‬ ‫وج�������������ذوري ف������ي روض ِ‬ ‫المها بين الرصافة والجسر‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫����ب‬ ‫ك�����ل�����م�����ا زارن�����������������ي خ���������ي���������الٌ ح����ب����ي ٌ‬ ‫والشعرِ‬ ‫ّ‬ ‫أع���ي���دي ل��ن��ا ع���ه��� َد ال���ص���ب���اب���ةِ‬ ‫����ب أوق��������� َد ن�����اري‬ ‫���������داك ال����رح����ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫م�����ن م‬ ‫والجسرِ‬ ‫ْ‬ ‫ك��ب��وْح ال��ه��وى ب��ي��ن ال���رُّ َص���اف���ةِ‬ ‫����ق‬ ‫ك����ل����م����ا ن����������ادى ف������ي ال������م������ن������ارات ح ٌّ‬ ‫���اظ حبيبتي‬ ‫ع��ي��ونُ ال��م��ه��ا‪ ،‬ب��ل ق���لْ لِ ���ح ُ‬ ‫ض������جَّ وج�������دي واح���ت���ل���ن���ي اس���ت���ع���ب���اري‬ ‫الح ِّر‬ ‫��ب ف��ي ال��خ��اف ِ��ق ُ‬ ‫ن���ث��� ْر َن س��ه��ا َم ال��ح ّ‬ ‫������اف م�����ك����� َة فكري‬ ‫����ت أط������ي ُ‬ ‫واس����ت����ط����اب ْ‬ ‫ف��م��ا ل����يَ ال أق����وى ع��ل��ى ل��ف��ح��ة الجوى‬ ‫ف������هْ ������ي داري وق����ب����ل����ت����ي وف������خ������اري‬ ‫الس ْحرِ ؟‬ ‫وم���ا ل���يَ ال أق���وى ع��ل��ى س��ط��وةِ ّ‬ ‫������ت ب�����������ال�����������رؤى ت�����ت�����وال�����ى‬ ‫وت������م������ل������ي ُ‬ ‫بيد أن المكان األثير ال��ذي راود جل كلماته‬ ‫ب������ع������ب������ي������رٍ ي����������ف����������وحُ ب�������ال�������ت�������ذك�������ارِ‬ ‫ورؤاه هو مكة المكرمة‪ .‬فهو المكان المقدس الذي‬ ‫يشكل لديه رحلة البدء والمنتهى‪ ،‬نقطة السفر ت����ل����ك أض��������������واءُ م����ك����ت����ي ف������ي ك���ي���ان���ي‬ ‫وع����������ن����������اق ال��������ع��������ش��������اق ل���ل���أس�������ت�������ارِ‬ ‫ونقطة الحنين‪ ،‬ونقطة اإلياب‪ ..‬مكة المكرمة هي‬ ‫الفضاء الباقي في الروح والحس والذاكرة‪ .‬ومن وم���������ق���������امُ ال�����خ�����ل�����ي�����ل ه�����������لَّ س������ن������اءً‬ ‫هنا‪ ،‬أولى الشاعر هذا المكان الذي صنع قدرا‬ ‫��������وب ال������ب������ع������ادِ ف�������ي اس����ت����غ����ف����ارِ‬ ‫وق��������ل ُ‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫�����ف‬ ‫رح��������ب��������ةِ ال��������س����ل���امِ رف�����ي ٌ‬ ‫وع������ل������ى ْ‬ ‫��������ك األب����������������رارِ‬ ‫�������وف ال��������م����ل���ائ ِ‬ ‫ل�������ط�������ي ِ‬

‫إن تنوّع األماكن أفضت إلى تنوع الرؤى‪ ،‬وإلى‬ ‫التعبير عن تجارب السفر والحنين واالغتراب‪،‬‬ ‫وتجربة الحب أي�ض��ا‪ ..‬ه��ذه التجربة التي تكلل‬ ‫دالليا جل األماكن التي كتب عنها الشاعر‪ .‬فال‬ ‫بد أن الشاعر يعي أن الربط بين مكان محسوس‬ ‫وبين تجربة وجدانية معنوية س��وف ي��ؤدى عبر‬ ‫المخيلة‪ .‬فالمكان ينبض بموقف أو بتجربة أو‬ ‫بلحظة إنسانية عابرة‪ .‬الشاعر يسجل ويوثق هذه‬ ‫اللحظة‪ ،‬يعيد خلقها وصنعها وابتكارها دالليا‪.‬‬ ‫المخيلة وال��ذاك��رة يلعبان ال��دور األكبر في هذا‬ ‫الصنيع اإلبداعي الذي يرتهن هنا آلليات الكتابة‪،‬‬ ‫ومتطلباتها الجمالية المتنوعة‪.‬‬

‫ك�������ل ش������ب������رٍ ي�������ا م����ك����ت����ي ف�����ي�����ه رس�������مٌ‬ ‫������������ث ي����������م����������و ُر ك��������األن��������ه��������ارِ‬ ‫وح������������دي ٌ‬

‫ف ��ي ق �ص �ي��دة‪« :‬أوب � ��ة ال��ع��اش��ق» (ص ‪)277‬‬ ‫ومطلعها‪:‬‬

‫����ك‬ ‫����������وف ح����وال����ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫إي�������ه ي�����ا ك���ع���ب���ت���ي أط‬ ‫ب��������روح��������ي‪ ،‬ص������� ّبً�������ا ب�����ع�����ي����� َد ال�������م�������زارِ‬ ‫����اح����ا‬ ‫ف�����ك�����أن�����ي م�����ث�����ل ال������ح������م������ام ج����ن ً‬ ‫وه������دي������ل������ي ن���������������وْحٌ إل����������ى ال������غ������فّ ������ارِ‬ ‫ت�����ت�����س�����ام�����ى م������ش������اع������ري ث�������م ت���ف���ن���ى‬ ‫�������س�������تَّ�������ارِ‬ ‫�������د ال ّ‬ ‫ف�������ي ص������ل�����اةٍ ل�������ل�������واح ِ‬ ‫ف�����������������أرى ي�������م�������ن�������ةً ب�����������������������وارقَ ن����������ورٍ‬ ‫وح������������������������راءً مُ �������ع�������مّ �������مً �������ا ب������ال������غ������ارِ‬ ‫ِ‬

‫�������ب ط������ه خ����ذون����ي‬ ‫ي������ا رف������اق������ي ف������ي ح ِّ‬ ‫������وب ف�������ي اإل ّذك���������������ارِ‬ ‫ف�����رب�����ي�����عُ ال������ق������ل ِ‬ ‫�����ب‬ ‫������ب ي�����ح�����دوه رك ٌ‬ ‫ي�����ا رف�����اق�����ي‪ :‬وال������رك ُ‬ ‫ل���������م���������زارٍ م��������ن رام���������������هُ ال يُ�������م�������اري‬ ‫اذك������������رون������������ي‪ :‬إن����������ي أس��������ي��������رُ غ����������رامٍ‬ ‫������������������ذرت األش����������ع����������ا َر ل����ل����مُ ����خ����ت����ارِ‬ ‫ُ‬ ‫ون‬ ‫ال أُداري ح�����ب�����ي ل�������ه واش����ت����ي����اق����ي‬ ‫������ب يُ���������داري؟‬ ‫ك���ي���ف م�����ن ق�����د ب���������را ُه ح ٌّ‬ ‫ي����ا رف�����اق�����ي‪ :‬م������نْ ح������لَّ ف����ي روض طه‬ ‫������������ش������������رو ُه ب������������ح������������وْزةِ األ ْوط��������������������ارِ‬ ‫ب ِّ‬ ‫وَعَ ���������������� َد ال��������ل��������هُ ‪ :‬ل���������نْ ُي��������������ر َّد ن�����زي�����لٌ‬ ‫�������ب إال ب�����ل�����ا‬ ‫أو م�������ن�������ي ٌ‬

‫أوزارِ‬

‫������ت روح��������ي رس������ولاً‬ ‫ي�����ا رف������اق������ي‪ :‬أرس������ل ُ‬ ‫������ت أخ������ب������اري‬ ‫ف�����ع�����س�����اه�����ا ق��������د ب������لَّ������غ ْ‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫���������ت م����ل����ا َذ ال����ح����ي����ارى‬ ‫ه������ي روح���������ي أت ْ‬ ‫ت��������س��������ت��������ردُّ األم����������������������ا َن ب�����������األن�����������وارِ‬

‫جمالية الوجدان‬

‫����ك‬ ‫������ت ف����������وق ض�������ف�������اف ن����ي����ل ِ‬ ‫وب������ح������ث ُ‬ ‫ع�������������ن ه�����������������وان�����������������ا‪ ..‬ع�����������������نْ أث������������� ْر‬ ‫������������راح������ل�����ات‬ ‫ُ‬ ‫ت�������ل�������ك ال���������س���������ن���������ونُ ال‬ ‫��������������������������������داق ال��������ع��������م�������� ْر‬ ‫ِ‬ ‫وراء أح‬ ‫�������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ه�������������ائ�������������م‬ ‫����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر‬ ‫ال����������س����������اب����������ح ُ‬ ‫��������������ات ب���������وج���������دن���������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال��������������ع��������������اب��������������ث‬ ‫�������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ع�������������ازف‬

‫***‬ ‫��������ت ي���������ا م������ص������ر ال������ه������دى‬ ‫ق���������د ج��������ئ ُ‬ ‫ك��������ح��������م��������ام��������ةٍ ف������������ي ال������م������غ������ت������دى‬ ‫وي�����������م�����������ام�����������ةٍ ه��������يْ��������م��������ى ت��������ل��������وحُ‬ ‫غ�����������م�����������ام�����������ةً خ����������ل����������ف ال����������م����������دى‬ ‫يمزج الشاعر بين ال�ه��وى ال��وج��دان��ي الذاتي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪111‬‬


‫وبين جمالية المكان‪ .‬إنه يستل من الجغرافيا‪:‬‬ ‫النيل‪ ،‬حي الحسين‪ ،‬الدلتا‪ ،‬لكنه يصطفى‪« :‬النيل»‬ ‫كدالة أساسية في القصيدة‪ ،‬ألن النيل بجغرافياته‬ ‫الممتدة التي تمر بكل األرض المصرية‪ ،‬وبما يمثله‬ ‫من ذاكرة وجدانية في الوعي الجمعي المصري‪،‬‬ ‫دالة مترعة بالدالالت‪ ،‬وكثيفة التنوع والحضور‪،‬‬ ‫هي طاقة داللية ال تنفد على المستوى اإلبداعي‪،‬‬ ‫وح �ي��ن ي�ت�خ��ذ ال �ش��اع��ر م��ن ه ��ذه ال��دال��ة محورا‬ ‫الس�ت�ق�ص��اءات قصيدته التعبيرية ف��إن��ه يعانق‬ ‫االسترسال الشعري‪ ،‬ويفتح أم��ام مخيلته مجاال‬ ‫خصبا للكتابة‪ ،‬وبخاصة وأن ما يمثله النيل في‬ ‫أدبيات الحياة المصرية يعد بمثابة منجم تعبيري‬ ‫وسسيوثقافي قائم على مدى التاريخ‪.‬‬

‫بالضرورة بل التجربة هي الطلل‪ ،‬ال يقف الشاعر‬ ‫هنا على أط�لال حسية‪ ،‬ب��ل على أط�لال زمنية‬ ‫يبحث ع��ن «ت�ل��ك السنون ال��راح�لات» ويخاطب‬ ‫مصر في أزهى صورها‪.‬‬ ‫لماذا يخاطب الشاعر مصر؟ مع أن القصيدة‬ ‫تشي بوصفها لتجربة عاطفية؟ لماذا ترك الشاعر‬ ‫المحبوبة واتجه لخطاب المكان؟ هل ألن المكان‬ ‫هو الذي يحتضن التجربة؟ أم ألن الشاعر عاشق‬ ‫للمكان‪ ،‬ولكل ما يزفه المكان من دالالت؟‬ ‫إن الشاعر حين يكتب عن مكان ما ال يكتب‬ ‫عنه سدى‪ ،‬إنما لوقوع حدث ما في هذا المكان‬ ‫أو ذاك يرتبط به الشاعر وجدانيا‪ ،‬ف��إذا كانت‬ ‫التجربة العاطفية هي الحدث‪ ,‬فإن الكتابة عن‬ ‫المكان تكون أعمق وأدل‪ ،‬ألنها تستشرف مخيلة‪،‬‬ ‫وذك��رى‪ ،‬ومواقف لقاء‪ ،‬ومواقف وداع‪ ،‬ومواقف‬ ‫حنين‪ .‬وهنا يصبح المكان شاهدا‪ ،‬لكنه شاهد‬ ‫صامت ينتظر حتى يستنطقه الشعراء‪.‬‬

‫لقد استهل الشاعر قصيدته أوال بذكر «النيل»‪..‬‬ ‫نحن نقرأ من السطر األول كلمة «النيل» ال كلمة‬ ‫الحبيبة مثال‪ ،‬الشاعر انتقل مباشرة لهذا المنجم‬ ‫الداللي‪ ،‬كأن هذا المنجم هو الذي احتضن تجربته‬ ‫الوجدانية‪ ،‬هنا اإلشارة تعريفية بالمكان‪« :‬النيل»‬ ‫لقد خاطب الشاعر مصر ألنها احتوت تجربة‬ ‫ومن هذه اإلش��ارة التي تعد عتبة أولى للقصيدة‬ ‫سابقة‪ ،‬إنه بهذه المخاطبة يستعيد المكان في‬ ‫تتداعى التجربة وتحكى التفاصيل‪:‬‬ ‫أفقه المتسع‪ ،‬كأنه يريد أن ي��وزع تجربته على‬ ‫����ك‬ ‫������ت ف����������وق ض�������ف�������اف ن����ي����ل ِ‬ ‫وب������ح������ث ُ‬ ‫م�خ�ت�ل��ف م �ن��اط��ق ه ��ذا ال �م �ك��ان‪ ،‬وع �ل��ى مختلف‬ ‫ع�������������ن ه�����������������وان�����������������ا‪ ..‬ع�����������������نْ أث������������� ْر تفاصيله جزئية أم كلية‪ ،‬صغيرة أم كبيرة‪.‬‬ ‫������������راح������ل�����ات‬ ‫ُ‬ ‫ت�������ل�������ك ال���������س���������ن���������ونُ ال‬ ‫��������������������������������داق ال��������ع��������م�������� ْر‬ ‫ِ‬ ‫وراء أح‬ ‫�������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ه�������������ائ�������������م‬ ‫����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر‬ ‫ال����������س����������اب����������ح ُ‬ ‫��������������ات ب���������وج���������دن���������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال��������������ع��������������اب��������������ث‬ ‫�������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ع�������������ازف‬ ‫البحث هنا على ضفاف النيل عن الهوى الذي‬ ‫عبر‪ ،‬الشاعر يستدعي تجربته‪ .‬النيل ليس طلال‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫ت�ت�ك��رر – بشكل م�ب��اش��ر‪ -‬كلمة «م �ص��ر» في‬ ‫القصيدة س��ت م��رات‪ ،‬كما تتكرر كلمة «النيل»‬ ‫خمس م��رات‪ ،‬فيما إن تكرارهما الداللي يهيمن‬ ‫على بنية القصيدة س��واء ف��ي ح��االت الخطاب‬ ‫واالل �ت �ف��ات وال �ت �ج��ري��د‪ ،‬أو ف��ي ح ��االت التأطير‬ ‫ال��دالل��ي لتجربة ال�ح��ب‪ ،‬بحيث إن ه��ذا التكرار‬ ‫يؤذن بالقول‪ :‬إن الشاعر – عبر عشقه للمكان‪-‬‬ ‫وإلعادة تذكر تجربته العاطفية الوجدانية يتلمس‬ ‫الجمال بذكر مفردات المكان وتفاصيله؛ فاتخذ‬


‫فالنيل ع�ن��وان لمصر‪ ،‬وم�ص��ر ع�ن��وان للنيل‪ ،‬ال �م��رء‪ ،‬ف��ي أم��اك��ن م��ا ه�ن��اك ف��ي الحلم تتسارع‬ ‫وحين تحدث تجربة وجدانية ف��ي ه��ذا المكان المشاهد‪ ،‬وتتسارع الوجوه التي تشير إلى مكان‬ ‫تبقى هذه التجربة الذاتية مندرجة ومؤطرة وفق ما‪ .‬وإذا كان الحلم – بمعنى ما‪ -‬هو انعكاس لما‬ ‫القيم الجمالية لهذا المكان‪.‬‬ ‫يراه اإلنسان في صحوته ويقظته‪ ..‬فإن حضور‬

‫تجربة مكتنزة‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أب��رز وأشهر ما فيه‪ ،‬كلمة‪« :‬النيل» وأخ��ذ ينسج ال��روح إلى رؤي��ة أماكن متعددة‪ ،‬تكرار الحلم هو‬ ‫عليها كلماته وصوره ومعانيه‪.‬‬ ‫تكرار لألماكن التي تهفو – أو ال تهفو‪ -‬لها نفس‬

‫المكان هو حضور يتمثل هذا االنعكاس‪ ،‬ويضيف‬ ‫عليه‪.‬‬

‫في القصيدة استدعاء للماضي‪ .‬ثالثة عقود‬ ‫من اكتناز التجربة واختمارها في زمنية الماضي‪.‬‬ ‫في القصيدة قدر من التموج التعبيري‪ ،‬ثمة إيقاع الماضي بعيدا أم قريبا‪ .‬فاإلنسان يتخيل مثال‬ ‫راقص‪ ،‬وإيقاع بطيء‪ .‬القصيدة تتموج فيما بين األماكن التي التقى فيها العشاق‪ ،‬أو األماكن التي‬ ‫مقاطعها كأنما تحاكي تموج النهر‪:‬‬ ‫دارت فيها الحروب والمعارك القديمة‪ ،‬أو األماكن‬ ‫وم��ن األمكنة ال�ت��ي يتخيلها اإلن �س��ان‪ ،‬أمكنة‬

‫التي كانت حافلة بالقصور والبرك والبحيرات‬

‫�������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ه�������������ائ�������������م‬ ‫����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر وال�ح��دائ��ق والبساتين‪ ،‬أو األم��اك��ن التي عبرتها‬ ‫ال����������س����������اب����������ح ُ‬ ‫قوافل أو قبائل‪ ،‬أو األماكن التي وصفها الشعراء‬ ‫��������������ات ب���������وج���������دن���������ا‬ ‫ُ‬ ‫ال��������������ع��������������اب��������������ث‬ ‫�������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر ولم يتبق إال إطاللها‪ ،‬أو األماكن التي بنيت فيها‬ ‫ُ‬ ‫ال�������������ع�������������ازف‬ ‫حضارات قديمة‪ ،‬وما تزال بقاياها حاضرة إلى‬ ‫فهذه اإليقاعات التائية في حشو النص تحدث‬ ‫ال �ي��وم‪ .‬وال �م �ك��ان ال �م��اض��وي يستدعي الوقائع‪،‬‬ ‫إيقاعا ما متتاليا كأنه إيقاع النهر نفسه‪ .‬لكنه‬ ‫ويستدعي الشخوص‪ ،‬ويستدعي األحداث‪.‬‬ ‫إيقاع عبر الكلمات‪.‬‬ ‫هذه األمكنة بتنوعها وتعددها تشكل حاالت‬

‫إن المكان الشعري ال يتحدد بجغرافيا‪ ،‬ال‬ ‫يتحدد أيضا ب��ال�ض��رورة بمواقع حسية؛ فهناك ث��ري��ة وخ�ص�ب��ة ل�ل�ش��اع��ر ال ��ذي يلتقط ذل ��ك كله‬ ‫نمط آخر من األمكنة المجازية المتخيلة‪ ،‬أجالها بمخيلته المبدعة‪ ،‬ويعيد صياغتها‪ .‬واصفا هذا‬ ‫تخيلنا للمكان الميتافيزيقي‪ ،‬وما يمكن أن نتبصره المكان بمكوناته‪ ،‬متحدثا مع شخوص هذا المكان‬ ‫ع�ب��ر ال��رؤي��ا ع��ن ال�ج�ن��ة أو ال �ن��ار – ع�ل��ى سبيل أو ذاك‪ ،‬متنقال بشكل مخايل بين مختلف العصور‬ ‫التمثيل‪ -‬فهذا المكان الميتافيزيقي يحفز على واألزمنة واللحظات‪ ،‬وكأنه يعيد كالميا وبصريا‬ ‫التخيل وعلى تمثل ذلك عبر المخيلة‪ ،‬وبخاصة شكل الحلم الذي يتواتر بإيقاعاته السريعة مطابقا‬ ‫في الوصف القرآني البديع لمشاهد الجنة‪.‬‬ ‫بين المتضادات‪ ،‬ومتنقال في لمحات خاطفة بين‬ ‫ثمة أمكنة أخرى ترتبط بالحلم‪ ،‬فالحلم طريق مختلف األزمنة‪.‬‬ ‫* كاتب مصري مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪113‬‬


‫الشعر العذري‬

‫مدرسة احلب العفيف‬ ‫> حمدي هاشم حسانني*‬

‫الشعر ديوان العرب قديما وحديثا‪ ،‬وهذا يرجع إلى أنه نوع هام من ألوان األدب الذي‬ ‫يتفاعل آنيا مع ما يحدث في المجتمعات من أح��داث تحتاج إلى هذا الفن الرفيع‪،‬‬ ‫للتعبير عن هذا الحدث بأسلوب بليغ وفصيح في آن واح��د‪ .‬والشعر واح��ة غناء تعج‬ ‫بالرقة والعذوبة؛ فهو حديث السمار ليال‪ ،‬والمدفأة التي كان العرب يلتفون حولها‬ ‫قديما‪ ،‬يتبادلون سماع درر القريض‪ ،‬ويستمتعون بقافيته ومعناه؛ وهو متعة المسافر‬ ‫حين يقطع البيداء منشدا ما يحفظه من عيون الشعر‪ ،‬فيستمتع ويمتع المسافرين‬ ‫معه‪.‬‬ ‫وإذا تطرقنا للحديث عن أنواع الشعر‪،‬‬

‫نوع مهم من أن��واع الشعر‪ ،‬وهو ما يسمى‬

‫فله العديد من ال�م��دارس الفنية‪ ،‬فهناك‬

‫ب��ال�ش�ع��ر ال� �ع ��ذري‪ ،‬ل�ن�ت�ع��رف ع�ل��ى معناه‪،‬‬

‫من كان يهتم بالمديح والهجاء كالفرزدق ونشأته‪ ،‬وأهم من كتبوا فيه‪.‬‬ ‫وج ��ري ��ر‪ ،‬وه��ن��اك م��ن ك ��ان ي�ه�ت��م بكتابة‬ ‫القصائد الدينية التي تهتم بتقديم العظات‬ ‫كديوان اإلمام الشافعي وديوان علي بن أبي‬ ‫طالب رضي الله عنه‪ ،‬وهناك شعراء الغزل‬ ‫على اختالف المراحل التاريخية‪.‬‬

‫ماهية الشعر العذري‬ ‫يكاد يجمع المؤرخون والمهتمون بالشعر‬ ‫العربي قديما على أن الشعر العذري ينسب‬ ‫إل��ى قبيلة بني ع��ذره‪ .‬والجميل ف��ي هذا‬ ‫النوع من أنواع الشعر أنه قام بثورة كبيرة‬

‫وس��أح��اول – هنا ‪ -‬إلقاء الضوء على في عالم الشعر في ذلك الزمان‪ ،‬إذ كان‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫فيصفون ج�س��ده��ا وأع �ض��اءه��ا وح �ت��ى طريقة وال يحب سواها‪ ،‬ويفنى لنيل رضاها‪ ،‬واالهتمام‬ ‫سيرها على األرض؛ فكان الشعر يهتم بالمظهر بجمال المرأة المعنوي‪ ،‬من دون التطرق لمفاتنها‬ ‫دون الجوهر‪ ،‬وبالمبنى دون المعنى‪ ،‬وقد بلغ في الجسدية الحسية‪ ،‬وكل ذلك بلغة رصينة متزنة‪..‬‬ ‫بعض الفترات حدا كبيرا من الفحش‪ ،‬باهتمام غير خادشة للحياء العام والفطرة‪.‬‬ ‫بعض ال�ش�ع��راء ب��إف��راد قصائد كاملة للوصف‬ ‫التفصيلي للمرأة وال�خ�م��رة وال�غ�ل�م��ان؛ فتحول‬ ‫الشعر الذي يرتقي بالحس ويهذب المشاعر إلى‬ ‫شعر يخاطب الغريزة‪ ،‬ويوقظ الشهوات‪.‬‬ ‫وم��ع ب��داي��ة ال�ع�ص��ر األم� ��وي‪ ،‬أخ ��ذت معالم‬ ‫م��درس��ة ال�ش�ع��ر ال �ع��ذري تتضح وتتشكل على‬ ‫الساحة‪ ،‬في محاولة للوقوف كحائط صد منيع‬ ‫أمام طوفان القصائد الحسية الممتلئة بالوصف‬ ‫الفاحش‪ ،‬والمهتمة بالحديث عن الخمر والنساء‪،‬‬ ‫فبزغت شمس ج��دي��دة‪ ،‬وم��درس��ة ول �ي��دة تضع‬ ‫منهجا جديدا ألهداف الشعر ومنهج القصيدة‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كانت الوالدة الطبيعية للشعر العذري‬ ‫الذي ما أن بزغت شمسه حتى أضاءت بوهجها‬ ‫مشارق الشعر ومغاربه‪.‬‬ ‫والشعر العذري‪ ،‬يبتعد تماما عن الحسيات‪ ،‬فهو‬

‫خصائص الشعر العذري‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الشعراء اآلخرون يهتمون بوصف المرأة حسيا‪ ،‬ع��ن محبوبته ال��وح�ي��دة ال�ت��ي يخلص لها وحدها‬

‫إن المتأمل للشعر العذري يستطيع الوقوف‬ ‫على سماته وخصائصه‪ ،‬التي تكاد تجعله مختلفا‬ ‫ومتفردا عن أنواع الشعر األخرى‪ ،‬فهو يمتاز بعدة‬ ‫خصائص تشكل بنيانه‪ ،‬وتحدد مساره‪ ،‬وتشكل‬ ‫فلسفته الخاصة؛ فعلى عكس الشعراء الذين‬ ‫يتنقلون من حبيبة إلى أخرى‪ ..‬نرى أن الشعراء‬ ‫الذين ينتمون إلى هذه المدرسة ال يعرفون إال‬ ‫حبيبة واح� ��دة‪ ..‬ه��ي ال�ت��ي ينظمون م��ن أجلها‬ ‫عيون الشعر‪ ،‬ويتغنون بها في قصائدهم‪ ،‬في‬ ‫حلهم وترحالهم‪ .‬فالحب من وجهة نظرهم هو‬ ‫اإلخ�لاص أوال‪ ،‬وبذل الغالي والنفيس من أجل‬ ‫بلوغ الغاية األسمى‪ ،‬ونيل الوصل من المحبوب‪.‬‬ ‫ويمكننا تلخيص خصائص الشعر العذري‬ ‫باآلتي‪:‬‬

‫شعر نقي عفيف طاهر ملتزم‪ ،‬يبتعد عن حياة اللهو‬ ‫والقيان والترف‪ ،‬وهو شعر رصين يمتاز بالحكمة ‪ .1‬وح���دة ال��م��وض��وع‪ :‬وه��ي تتجلى ب��وض��وح في‬ ‫قصائد هذا النوع من أنواع الشعر‪ ،‬فال يحيد‬ ‫والتقوى‪ ،‬وتتجلى فيه ال��روح اإلسالمية الملتزمة‬ ‫والبعيدة عن وصف الملذات الحسية‪ ،‬واستبدالها‬ ‫بالعاطفة ال�ق��وي��ة ال�ت��ي ت�ت��وال��د منها األحاسيس‬ ‫المعنوية بكل ما تحمله من رصانة وسمو‪ .‬فنجد‬ ‫الكثير من القصائد التي يصف فيها الشاعر معاناة‬

‫عن مخاطبة الحبيبة‪ ،‬وطلب الوصل‪ ،‬وبيان‬ ‫حال المحب‪ ،‬ولوعة الفراق‪ ..‬ونرى هذا في‬ ‫ق��ول قيس بن الملوح ال��ذي ك��ان يهيم بحب‬ ‫ليلى العامرية‪:‬‬

‫الحب‪ ،‬ولواعج الحنين‪ ،‬ودفء القرب من الحبيب‪ ،‬أح����ب م���ن األس����م����اء م���ا واف�����ق اسمها‬ ‫ونار البين والهجر إذا غابت عن ناظريه‪ ،‬يتحدث‬

‫أو ش����اب����ه����ه أو ك�������ان م����ن����ه م���دان���ي���ا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪115‬‬


‫م���ع���ذب���ت���ي ل��������والك م�����ا ك����ن����ت هائما‬ ‫أب����ي����ت س���خ���ي���ن ال���ع���ي���ن ح�������ران باكيا‬ ‫ي���ق���ول���ون ل��ي��ل��ى ف����ي ال����ع����راق مريضة‬ ‫ف��ي��ا ل��ي��ت��ن��ي ك��ن��ت ال��ط��ب��ي��ب المداويا‬

‫ف����أع����رض����ت ع���ن���ه���ا وال�������ف�������ؤاد كأنما‬ ‫ي��������رى ل������و ت�����ن�����ادي�����ه ب�����ذل�����ك مغنما‬ ‫ع����ل����ى أن ف������ي ق����ل����ب����ي ل�����ع�����زة وق������رة‬ ‫م������ن ال�����ح�����ب م������ا ت�����������زداد إال تتيما‬

‫‪ .2‬البساطة وال��وض��وح‪ :‬ال نجد تكلفا في هذا ‪ .4‬الميل للحزن وال��ت��ش��اؤم‪ :‬حيث نالحظ في‬ ‫النوع من الشعر‪ ،‬بل نراه سلسا سهال واضحا‪،‬‬

‫معظم قصائدهم حالة ال�ح��زن المتجسدة‪،‬‬

‫وكأن أبيات القصيدة تتآلف مع بعضها بعضا‪،‬‬

‫وسببها الرئيس عدم وص��ول المحب إلى ما‬

‫مكونة صورة تعبيرية واضحة تصل بسهولة‬ ‫إلى المتلقي‪ ،‬ونرى ذلك جليا في قول جميل‬ ‫بثينة‪:‬‬ ‫إن���������ي ألح������ف������ظ غ����ي����ب����ك����م وي����س����رن����ي‬ ‫إذ ت�����ذك�����ري�����ن ب����ص����ال����ح أن ت����ذك����ري‬ ‫وي������ك������ون ي��������وم ال أرى ل������ك م���رس�ل�ا‬ ‫أو ن����ل����ت����ق����ي ف�����ي�����ه ع������ل������يَّ ك����أش����ه����ر‬ ‫ي������ا ل���ي���ت���ن���ي أل�����ق�����ى ال����م����ن����ي����ة بغتة‬ ‫إن ك��������ان ي��������وم ل����ق����ائ����ك����م ل������م ي���ق���در‬ ‫ل����و ق����د ت���ج���ن ك���م���ا أج�����ن م����ن ال���ه���وى‬

‫يبغي من الوصل‪ ،‬فهناك دوما حواجز تمنعه‬ ‫منها العادات والتقاليد السائدة في مجتمعه‪،‬‬ ‫ومنها أيضا ارتحال الحبيبة إلى أرض بعيدة‪.‬‬ ‫وه�ن��ا نقف قليال م��ع مجنون لبنى قيس بن‬ ‫ذري��ح‪ ،‬فنراه في حالة يرثى لها حين يدركه‬ ‫خبر سفر حبيبته لُبنى‪ ،‬فينحني مقبال التراب‬ ‫الذي سارت عليه أثناء سفرها‪ ،‬إنه يخبر قومه‬ ‫بأنه ال يقبِّل التراب حباًّ في أرضهم‪ ،‬وإنما‬ ‫يقبلها ألنها المست أقدام لبنى قبل رحيلها‪..‬‬ ‫ف��ي ص��ورة بالغية منقطعة النظير‪ ،‬تصور‬ ‫لحظة توديعه إياها رغم غيابها فنراه يقول‪:‬‬

‫ل�����ع�����ذرت أو ل���ظ���ل���م���ت إن ل�����م ت���ع���ذر وم�����������ا أح������ب������ب������ت أرض���������ك���������م ول�����ك�����ن‬ ‫‪ .3‬العفة والطهر‪ :‬وهما من أهم ما يميز الشعر‬

‫أق������بِّ������ل أث�������ر م������ن و َِط��������������يَ ء ال����ت����راب����ا‬

‫ال �ع��ذري‪ ،‬فهما األس��اس ف��ي ه��ذا ال�ن��وع من‬

‫وعلى المنوال نفسه‪ ،‬الذي يصور اللهفة لرؤية‬

‫أنواع الشعر‪ ،‬إذ ال يتطرق إلى ما يتنافى مع المحبوب والحنين لمعرفة أخ �ب��اره‪ ،‬واقتناص‬ ‫األخ�لاق والعادات واألع��راف المتفق عليها‪ ،‬لحظة خاطفة للقرب منه‪ ،‬نجد مجنون ليلى‬ ‫ونرى ذلك في قول كثيّر عزة‪:‬‬ ‫ف����أق����س����م����ت ال أن�����س�����ى ل�����ع�����زة ن���ظ���رة‬ ‫لها كنت أب��دي الوجد مني المجمجما‬ ‫�����������ت وال�����ع�����ي�����ون ح����واض����ر‬ ‫ع���ش���ي���ة أومَ ْ‬ ‫إل���������ىّ ب�����رج�����ع ال�����ك�����ف أن ال تكلما‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫قيس بن الملوح يقول‪:‬‬ ‫أم���������ر ع�����ل�����ى ال��������دي��������ار دي�����������ار ليلى‬ ‫أق�����ب�����ل ذا ال�������ج�������دار وذا ال������ج������دارا‬ ‫وم��������ا ح������ب ال�������دي�������ار ش����غ����ف����ن قلبي‬ ‫ول������ك������ن ح�������ب م�������ن س�����ك�����ن ال�������دي�������ارا‬


‫وج�����دت ب��ه��ا إن ك����ان ذل����ك م���ن أم���ري‬

‫وعاطفة متفردة‪ ،‬تصور دوران العاشق في فلك‬ ‫ال �ه��وى ح��ول دار محبوبته‪ ،‬مستأنسا بالقرب‬

‫م����ض����ى ل�����ي زم���������ان ل�����و أخ�����يَّ�����ر بينه‬

‫منها‪ ،‬مُقبِّال ال �ج��دران‪ ..‬ال لذاتها‪ ،‬وإنما ألنها‬ ‫تحوي داخلها المرأة التي أحبها وتَغنّى بها في‬ ‫أجمل قصائده‪ ،‬وهكذا استطاع الشاعر لحظات‬ ‫لهفته وشوقه وحنينه ‪ -‬في حالة انعدام الوصل‬ ‫بالمحبوب‪ -‬باكتفائه بالوصل بشيء يمسه‪ ،‬ولو‬ ‫كان ترابا أو جدارا‪.‬‬

‫أهم الشعراء العذريين‬

‫وب���ي���ن ح��ي��ات��ي خ���ال���دا آخ����ر الده ـ ــر‬ ‫ل����ق����ل����ت ذرون��������������ي س������اع������ة وب���ث���ي���ن���ة‬ ‫على غفلة الواشين ثم اقطعوا عمري‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ن ��رى أن�ف�س�ن��ا أم���ام ح��ال��ة وج��دان �ي��ة خاصة‬

‫ول������و س����أل����ت م���ن���ي ح���ي���ات���ي بذلتها‬

‫ت�����ج�����ود ع���ل���ي���ن���ا ب����ال����ح����دي����ث وت��������ارة‬ ‫ت���ج���ود ع��ل��ي��ن��ا ب���ال���رض���اب م���ن الثغـ ــر‬ ‫وإذا كان جميل بن معمر يقدم حياته ويبذلها‬ ‫لقاء ساعة يقضيها بجوار محبوبته‪ ،‬يشرح لها‬

‫ي��زخ��ر ت��اري��خ ال�ش�ع��ر ال �ع��رب��ي ب��ال�ع��دي��د من فيها أحوال الجوى وطول النوى‪ ..‬نجد كثير عزة‬ ‫األسماء التي حفرت بأعمالها مكانا في ذاكرة يسير على المنوال نفسه حين يقول لحبيبته‬ ‫الشعر العذري‪ ،‬وكلهم سواء في الحب والمعاناة‬ ‫وال �ل �ق��اء وال � ��وداع وال �ب �ك��اء ع�ل��ى األط�ل��ال‪ ،‬كما‬ ‫يجتمعون أيضا في عدم الفوز بالحبيبة‪ ،‬وأنهم‬ ‫كانوا ينسبون إلى حبيباتهم‪ ..‬فهذا مجنون ليلى‬ ‫وه��و قيس بن الملوّح‪ ،‬وذاك مجنون لبنى وهو‬ ‫قيس بن ذري��ح‪ ،‬وه��ذا كثيّر ع��زة‪ ..‬وذاك جميل‬ ‫بثينة‪ ،‬وسنحاول إلقاء الضوء على أشهر شعراء‬ ‫تلك المدرسة وأشهر قصائدهم‪ ،‬فنذكر الشاعر‬ ‫العذري جميل بن معمر‪ ..‬والشهير بجميل بثينة‪،‬‬

‫عزة‪:‬‬

‫أال ت������ل������ك ع������������زة ق���������د أص����ب����ح����ت‬ ‫ت����ق����ل����ب ل����ل����ه����ج����ر ط������رف������ا غضيضا‬ ‫ت��������ق��������ول م������رض������ن������ا ف������م������ا ع����دت����ن����ا‬ ‫ف����ق����ل����ت ل����ه����ا ال أط�����ي�����ق ال���ن���ه���وض���ا‬ ‫ك����ل���ان��������ا م��������ري��������ض��������ان ف����������ي ب�����ل�����دة‬ ‫وك������ي������ف ي������ع������ود م������ري������ض م����ري����ض����ا‬ ‫ورغ��م م��رور الزمن‪ ،‬يظل للشعراء العذريين‬ ‫مكانتهم على خريطة الشعر العربي‪ ،‬بما قدموه‬

‫وال ��ذي ك��ان يهيم بحبها‪ ،‬وق��د تناقلت أخباره للمكتبة العربية من أعمال لها قيمتها الشعرية‬ ‫الركبان والقوافل المسافرة‪ ،‬وتغنت بأشعاره التي الواضحة‪ ،‬ولها أيضا عبقها ورونقها وتفردها‪..‬‬

‫كتبها في بثينة‪ ،‬والتي كانت تفيض عذوبة ورقة‪ ..‬وتستحق أن يطلق عليها ه��ذا االس��م الرقيق‪..‬‬ ‫فنراه يحدثها قائال‪:‬‬

‫مدرسة الحب‪ ..‬الحب العفيف‪.‬‬

‫* كاتب من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪117‬‬


‫اخلطاب النسوي‬

‫بني السعي الروحي والسعي االجتماعي‬ ‫> هويدا صالح*‬

‫هل تمكّ ن الخطاب النسوي من صياغة خصائصه؟ وهل استطاعت المرأة أن تخلق‬ ‫كتابة أو لغة تميّزها عن األدب الذكوري؟ أم هي مجرّد دعاوى ال أساس لها من الواقع؟‬ ‫وإذا كانت المرأة تبدع ضمن منطق األجناس األدبية أو الفنية المتعارف عليها بين‬ ‫النقاد والقراء‪ ،‬فهل كتابتها ق��ادرة على أن تحوّل هذه األجناس من حيث هي أجناس‬ ‫أدبية أو فنية إلى أجناس أخرى خاصة بالمرأة؟ وهل يسهم هذا الفصل بين الكتابتين‬ ‫في إدراك متميز وخاص للطبيعة اإلنسانية أو للقضايا الثقافية والحضارية في العصر؟‬ ‫وهل يفيد تميز اإلب��داع النسائي أو النظرة الجنسوية إلى اإلب��داع في تعزيز الطاقات‬ ‫اإلبداعية للمرأة؟‬ ‫هذه أسئلة مشروعة تمكننا من الكشف‬ ‫وإذا كان موضوع اإلبداع النسائي يطرح‬ ‫من وجهة نظر اجتماعية‪ ،‬فهل يؤدي تمييز ع��ن تلك الرحلة اإلب��داع�ي��ة ال�ت��ي قطعها‬ ‫هذا اإلب��داع الذي تقدمه المرأة إلى دعم الخطاب النسوي من الهامش إلى المتن‪.‬‬ ‫موقفها في المجتمع‪ ،‬وإلى حل مشكالتها‪،‬‬

‫أم ي�ك��رس وضعها ال�م�ت��ردي؟ وه��ل تنتفع‬ ‫قضايا المرأة االجتماعية من هذا الطرح‪،‬‬

‫إن لم تستفد قضاياها اإلبداعية؟ (ريتا‬ ‫عوض المرأة واإلبداع األدبي)‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫إن النساء ال�ل��وات��ي ي��درك��ن ال�ف��رق بين‬ ‫ك �ت��اب��ة ال��رج��ل ل �ل �م��رأة‪ ،‬وإدراك المرأة‬ ‫الكاتبة ل��ذات�ه��ا وللعالم يقدمن أدب��ا من‬ ‫منظور جديد‪ ،‬ال تكون فيه المرأة فاعلة‬ ‫وحسب‪ ،‬بل تكون واعية لكينونتها‪ ،‬ويصبح‬


‫ه��ذه ثنائية مربكة‪ ،‬فال يمكن لنا أن نقسم‬ ‫ن �ض��ال ال��م��رأة إل ��ى روح���ي وم � ��ادي‪ ،‬أو روحي‬ ‫واجتماعي؛ فالسعي االجتماعي من أجل اكتساب‬ ‫االح �ت��رام وق�ي��م ال�م��واط�ن��ة‪ ،‬وع��دم التفريق بين‬ ‫الرجال والنساء على أساس الجنس‪ ،‬إنما يعطي‬ ‫للمرأة قدرا من االستقرار الروحي‪ .‬والنساء في‬ ‫كفاحهن من أجل عالقات سوية في محيط العمل‬ ‫واألسرة‪ ،‬والعالقة مع الرجال واألبناء‪ ،‬إنما يحققن‬ ‫ذلك التوازن الروحي المنشود‪ .‬فـ «الشخصي هو‬ ‫السياسي»‪ ،‬وقد أطلق هذا التعبير حين اكتشفت‬ ‫النساء أن السعي الروحي من أجل التواصل مع‬ ‫قوى األنثى الداخلية من دون تفاعل حقيقي مع‬ ‫ما يمر به المجتمع من تغيرات وعالقات‪ ،‬ومن‬ ‫دون السعي إليجاد وضعية فاعلة للمرأة داخل‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ألدبها بعدان أساسيان‪ :‬البعد الروحي والبعد‬ ‫االجتماعي؛ أدب يعكس كفاح ال�م��رأة من أجل‬ ‫خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم‪ .‬وترى‬ ‫كارول بي كريست في كتاب «الصوفية النسوية»‬ ‫أن انشغال ال�م��رأة بالبعد االجتماعي لألدب‪،‬‬ ‫والنضال النسوي من أجل وضعيتها االجتماعية‪،‬‬ ‫قد يجعلها تغفل البعد الروحي لما تكتب‪ ،‬والذي‬ ‫ربما يكون هو الرهان الحقيقي للكاتبة‪ ،‬وليس‬ ‫الوضع المجتعي‪ ..‬تقول‪« :‬إن هذا األدب الجديد‬ ‫الذي أبدعته النساء لديه كال البعدين الروحي‬ ‫واالجتماعي‪ .‬وهو يعكس كال من كفاح المرأة من‬ ‫أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم‪،‬‬ ‫وسعيها من أجل تسمية جديدة للقوى العظمى‬ ‫التي تحدد توجهنا فيه‪ .‬ومن أجل جذب االنتباه‬ ‫إلى البعد الروحي في سعي المرأة‪ ،‬وهو البعد‬ ‫الذي يُغفل أحيانا في خضم االنشغال بضرورة‬ ‫النضال من أجل أدوار اجتماعية جديدة‪ ،‬وضعت‬ ‫تفرقة بين السعي الروحي والسعي االجتماعي»‬ ‫(كارول بي كريست الصوفية النسوية ص ‪.)37‬‬

‫سياق مجتمعها‪ ،‬إنما هو يعزل النساء‪ ..‬ويجعل‬ ‫خطابهن عرضة لالنتقاد والرفض‪ ،‬بل والهجوم‬ ‫في أحايين كثيرة على الخطاب النسوي‪ .‬وقد‬ ‫ظهر مصطلح «الشخصي هو السياسي» ألول‬ ‫مرة في سبعينيات القرن العشرين‪ ،‬حين بدأت‬ ‫الموجة الثانية من الحركة النسائية في أمريكا‪،‬‬ ‫حركة كان هدفها مساعدة المرأة أن تجد كيانها‬ ‫الحقيقي وأحالمها الحقيقية‪ ،‬في مجتمع أعطاها‬ ‫العديد من مظاهر التحرر الخارجي‪ ،‬لكن دونما‬ ‫أن يمنحها هذه الحرية في عمق نظرتها لنفسها‬ ‫ونظرة اآلخر إليها‪.‬‬ ‫كان القهر موجوداً حتى وإن لم تذكره القوانين‪،‬‬ ‫وكانت حكايات القهر كلها تحدث في صمت‪،‬‬ ‫وراء األب��واب المغلقة في البيوت‪ ،‬واالبتسامات‬ ‫المصطنعة ف��ي ال�م�ك��ات��ب‪ .‬تكونت مجموعات‬ ‫من النساء‪ ،‬يجتمعن أسبوعياً لتبادل الحكايات‬ ‫ومشاركة النمو‪ .‬كان الهدف المباشر من هذه‬ ‫االج �ت �م��اع��ات ه��و ال�ن�م��و ال�ش�خ�ص��ي لعضوات‬ ‫المجموعة‪ ،‬لكنهن سرعان ما اكتشفن الحقيقة‬ ‫التي ص��ارت ع�ن��وان�اً لحركتهن «الشخصي هو‬ ‫سياسي» شعاراً كان معناه أنه من العبث أن يحاول‬ ‫اإلنسان أن يعزل نفسه عن مُعطيات مجتمعه‪.‬‬ ‫إن كل حوار عن نموّي الشخصي هو بالضرورة‬ ‫ح��وار عن المجتمع‪ ،‬وعن التغيير المطلوب في‬ ‫المجتمع‪ .‬هناك عالقة بين نموي كإنسان له‬ ‫رأي‪ ،‬وبين أن يكون المجتمع ديمقراطيا‪ .‬كذلك‬ ‫هناك عالقة بين أن أجد معنى لحياتي‪ ،‬وبين أن‬ ‫يقر المجتمع حق االعتقاد‪ ،‬كذلك هناك عالقة‬ ‫بين أن أنجح في عملي‪ ،‬وأال يكون في المجتمع‬ ‫تفرقة على أس��اس الجنس أو الدين أو اللون‪.‬‬ ‫إذاً السعي النسوي نحو اكتشاف الذات والوعي‬ ‫بها ال يتم بمعزل عن المجتمع‪ ،‬وال يتم إال بأن‬ ‫نسير في خطوط متوازية‪ ،‬نسعى إلدراك ذواتنا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪119‬‬


‫النسوية المغيبة بفعل الثقافة الذكورية المتحيزة تطبع عالقة ال�م��رأة وال��رج��ل‪ ،‬وحضور الجسد‬ ‫ضد النساء‪ ،‬ونسعى في الخط الموازي إلى إيجاد األنثوي في الكتابة النسوية من منظور مغاير‪،‬‬ ‫وضعية مجتمعية للنساء ضمن ح��ق المواطنة مقترحة تجربتها ولغتها التي تطرح رؤية جديدة‬ ‫للعالم من خالل موقعها الحضاري المعقد‪.‬‬ ‫الكامل من دون اشتراطات‪.‬‬ ‫لقد عمد الخطاب النسوي بكل جدلية حضور‬ ‫وغياب األنا إلى أن يُعيد قراءة حضور المرأة في‬ ‫الخطاب الثقافي‪ ،‬ويكشف عن إشكالية الغياب‬ ‫الفعلي ل�ل�م��رأة ال��ذي عمد المجتمعي ببنياته‬ ‫الدينية واللغوية واالجتماعيةـ إلى تقزيمه‪ .‬ولقد‬ ‫نجح ذل��ك المجتمعي أن يُهمش ال�م��رأة ويُقزم‬ ‫دوره��ا فيه‪ ،‬ويُحد من قدراتها وإسهاماتها في‬ ‫ذل��ك المجتمع؛ فتوصف المرأة بالزوجة واألم‬ ‫واألخ��ت‪ ،‬وبأنها منبع الجمال واإللهام واإلبداع‬ ‫للشعراء وأص�ح��اب الفكر؛ لكنها ال يُسمح لها‬ ‫ب��أن ت �م��ارس الفلسفة وال�ت�ف�ك�ي��ر‪ ،‬ف�لا توصف‬ ‫بالمثقفة أو الفيلسوفة أو المفكرة‪ ،‬بل نجح ما‬ ‫هو مجتمعي بكل بنياته أن يُكرّس ألن تقنع المرأة‬ ‫بدور الملهمة للمبدع‪/‬الرجل‪ ،‬وأن تصير الدمية‬ ‫التي يريد الرجال وضعها في علبة من القطيفة‪،‬‬ ‫دمية إبسن في بيت الدمية‪ .‬وص��ار الرجل هو‬ ‫المفكر‪ ،‬وه��و المبدع وص��اح��ب الفكر‪ ،‬وبذلك‬ ‫كرّس الرجل لهذا الثنائية‪ ،‬بل وغذّاها بكتاباته‪،‬‬ ‫ثنائية المادة والعقل‪ ،‬المدنس والمقدس‪ ،‬الروح‬ ‫تكريس لثنائية أخرى هي‬ ‫ٍ‬ ‫والجسد‪ ،‬ما أدّى إلى‬ ‫الثنائية الميتافيزيقية للمادة والعقل‪ ،‬ويصبح‬ ‫جسد المرأة هو السلبي المستكين‪ ،‬وعقل الرجل‬ ‫إيجابيا فاعال‪.‬‬ ‫وحين استطاعت المرأة أن تمارس اإلبداع‪،‬‬ ‫صار سؤال الكتابة الذي طرح نفسه في كتاباتها‬ ‫ملحا‪ ،‬وتنوع بين التنديد بأشكال اإللغاء الذي‬ ‫تعيشه المرأة‪ ،‬والرفض للثقافة الذكورية التي‬ ‫تنظر للمرأة كجنس تابع‪ ..‬ومن الدرجة الثانية‪،‬‬ ‫والتركيز على الخصوصيات واالختالفات التي‬ ‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫وتشير نازك األعرجي في «صوت األنثى» إلى‬ ‫أن «قهر المرأة المثقفة اجتماعياً ونفسياً بشكل‬ ‫أساسي‪ ،‬هو الذي أشبع الكتابة النسوية بتجارب‬ ‫حياتية مليئة ب��وع��ي ال �م��رأة ال �م��أس��اوي‪ ،‬وهي‬ ‫تتصور نفسها ابتداء من الالوعي المتشكل في‬ ‫ال للعار‪ ،‬وم��روراً بوأد البنات‪،‬‬ ‫تجربة القتل غس ً‬ ‫والسبي واستعباد النساء‪ ،‬وتحويل الجسد للمتعة‬ ‫في سياق الجواري‪ ،‬وازدواجية احتقار الجسد‬ ‫وتقديسه‪ ،‬وحرمان المرأة من المواقع الوظيفية‬ ‫الحساسة‪ ،‬وإجبارها على الزواج‪ ،‬واختزالها في‬ ‫عذريتها‪ ،‬ومطالبتها بإنجاب الصبي‪ ،‬وإدانتها‬ ‫إلن �ج��اب ال�ب�ن��ت‪ ،‬وه �ج��ره��ا‪ ،‬وض��رب �ه��ا‪ ،‬وال ��زواج‬ ‫عليها‪ ،‬وتطليقها‪ ،‬وحجبها» (ن ��ازك األعرجي‬ ‫صوت األنثى ص ‪.)32‬‬ ‫وب��ال �ن �ظ��ر إل� ��ى ق �ض �ي��ة ال � �م� ��رأة م ��ن منظور‬ ‫السيسيوثقافي يجعلنا نطرح س��ؤاال مبدئيا‪ ،‬قد‬ ‫تبدو إجابته منطقية وواضحة‪ ،‬وال تحتاج إلى كثير‬ ‫من التفلسف‪ ،‬ومع ذلك لم يدركه الوعي الجمعي‪،‬‬ ‫أو ِلنَقُل لم تدركه الثقافة‪ .‬والسؤال هو كيف يقبل‬ ‫مجتمع م��ا م��ن المجتمعات يسعى إل��ى النهضة‬ ‫والتنمية البشرية‪ ،‬أن يعطل نصف قدرات المجتمع‬ ‫بتعطيل نصف طاقته‪ ،‬وإن لم أقل معظم طاقته‬ ‫البشرية وهي المرأة‪ .‬وليس هذا السؤال جديدا‪،‬‬ ‫فقد طرحه ابن رشد الفيلسوف العربي تعليقا على‬ ‫موقف أفالطون من النساء حين تحيز ضدهن‪،‬‬ ‫ولم يدخلهن جمهوريته ل��دور بيولوجي «ويختلف‬ ‫النساء عن الرجال درج ًة ال طبيعةً‪ ،‬وهن أه ٌل لكل‬ ‫ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما‪ ،‬ولكن‬ ‫على درجة دون درجتهم‪ ،‬ويفُقنَهم أحيانا كما في‬


‫وم��وق��ف اب��ن رش��د ليس ه��و الموقف الوحيد‬ ‫المناصر في الثقافة العربية لقضايا المرأة‪ ،‬فها‬ ‫هو الجاحظ يرى أن النساء والرجال متساوون‪ ،‬وال‬ ‫طبقية وال فوقية بينهم‪ ،‬بل يدين الجاحظ هؤالء‬ ‫الذين يحقرون المرأة‪ ،‬ويقللون من شأنها‪ .‬يورد‬ ‫لنا هيثم مناع في حديثه عن حقوق المرأة ما قاله‬ ‫الجاحظ‪ ،‬فيقول‪« :‬لسنا نقول وال يقول أحد ممن‬ ‫يعقل إن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو‬ ‫طبقتين أو أكثر‪ ،‬ولكننا رأينا أناسا يزرون عليهن‬ ‫أشد الزراية ويحقرونهن» (هيثم مناع المرأة ص‬ ‫‪.)23‬‬ ‫وحرية ال�م��رأة ‪ -‬هي قضيّة اجتماعيّة عامّة‬ ‫ألنّها قضيّة ك� ّل المجتمعات‪ ،‬الغربيّة والشرقيّة‬ ‫منها‪ ،‬المنفتحة والمنغلقة‪ ،‬المتقدّمة والمتخلّفة‪،‬‬ ‫القويّة والضعيفة‪ -‬لكن بتفاوت‪ .‬ذلك أ ّن المرأة ال‬ ‫تزال مغبونة حتّى في المجتمعات المتحرّرة على‬ ‫صعيد العمل‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬رغم ك ّل التطوّر‬ ‫الحاصل هناك‪.‬‬ ‫إن المساواة في الكسب بين الجنسين‪ ،‬وما‬ ‫يتولّد عن ذلك من مساواة على أكثر من صعيد‬ ‫واح ��د‪ ،‬تحقق ت��وازن��ا ف��ي وض��ع ال �م��رأة‪ ،‬ويتجلّى‬ ‫ذل��ك في استغنائها عن الرجل معيالً؛ وبالتالي‪،‬‬ ‫تحظى بالكرامة‪ .‬ك ّل ذلك بترابط وثيق بين اإلنتاج‬ ‫واالستقالل‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الموسيقى‪ ،‬وذلك مع كون كمال هذه الصناعة يقوم‬ ‫على التلحين من قبل رجل‪ ،‬والغناء من قبل امرأة‪،‬‬ ‫ويدل مثال بعض الدول اإلفريقية على استعدادهن‬ ‫الكبير للحرب‪ ،‬وال يُعد من الخوارق انتهاؤهن إلى‬ ‫الحكومة الجمهورية‪ ،‬أوال يرى كما هو في الواقع أن‬ ‫إناث الكالب تحرس القطيع كما تحرسه ذكورها؟‬ ‫«(إرنست رينان ابن رشد والراشدية ص ‪.)170‬‬

‫وقد أشارت الكاتبة والناقدة فيرجينيا وولف‬ ‫بدعوتها إلى استقالل المرأة اقتصاديا في كتابها‬ ‫الشهير «غرفة تخص المرء وح��ده»‪ ،‬إذ رأت أن‬ ‫االستقالل االقتصادي للمرأة هو بداية تحررها؛‬ ‫كذلك نجد سالمة موسى قد طرح الفكرة نفسها‪،‬‬ ‫إذ ي��رى أن استقالل ال�م��رأة اقتصاديا أح��د أهم‬ ‫وسائل تحررها «إ ّن تحرّر المرأة يعتمد‪ ،‬بالدرجة‬ ‫األول��ى‪ ،‬على أن تكون منتِجة‪ ،‬بالمعنى المتعارَف‬ ‫عليه‪ ،‬أي أن يكون لها دخل‪ ،‬أل ّن هذا يمكّنها من‬ ‫االستقالل في اتّخاذ الموقف بحُ ّريّة ومسؤوليّة‪،‬‬ ‫من دون أن تكون واقعة تحت تهديد حرمانها من‬ ‫لقمة الخبز‪ .‬كما أ ّن التحرّر االقتصاديّ المقرون‬ ‫بالوعي‪ ،‬باالنسجام م��ع حركة المجتمع‪ ،‬يجنّب‬ ‫المرأةَ العزلةَ‪ ،‬ويحشد أكبر القوى من أجل التحرّر‬ ‫الفعليّ ‪ ،‬وال��ذي يُعد في النتيجة كسبًا للمجتمع‬ ‫والمرأة» (سالمة موسى المرأة ليست لعنة الرجل‬ ‫ص ‪.)36‬‬ ‫وال أحد ينكر أن االستقالل االقتصادي للمرأة‬ ‫يُتيح لها القدرة على الخيارات المفتوحة‪ ،‬بين أن‬ ‫تواصل وج��وده��ا في األس��رة المجتمعية‪ ،‬وتُكمل‬ ‫حياتها في ارتباط مجتمعي مع الرجل كشريك‬ ‫ف��ي ال�ح�ي��اة‪ ،‬وب�ي��ن أن تستقل وت �ف��ارق ال��رج��ل إن‬ ‫حاول هذا الرجل كبتها أو إقصاءها أو النيل من‬ ‫حريتها‪ .‬ومن ينادي بتحرر المرأة حتما ال يقصد‬ ‫االنفالت والفوضى والخروج على قيم مجتمع ما‪،‬‬ ‫لكنه يقصد ممارسة الخيارات بشكل ح ٍّر من دون‬ ‫الخضوع للحاجة المادية للرجل؛ ف�لا يصح أن‬ ‫تكون المرأة عالة طوال الوقت على الرجل‪ ،‬وهي‬ ‫الشريك ال��ذي يقاسمه الحياة‪ ،‬وه��ي التي تقدر‬ ‫على ممارسة كل األعمال المشروعة التي يمارسها‬ ‫الرجل‪ ،‬وقادرة على رعاية أسرتها مثله تماما‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪121‬‬


‫شهادة في حق مجلة اجلوبة‬ ‫> هشام حـ ــراك*‬

‫مجلة (الجوبة)‪ ،‬كما أتابعها‪ ،‬وبالتالي كما عهدتـها‪،‬‬ ‫واح��دة من أب��رز المجالت الثقافية العربية على قلتها‬ ‫في وطننا العربي الشاسع‪ ،‬التي كانت‪ ،‬وما تزال‪ ،‬محط‬ ‫اهتمامي ومتابعاتي وبخاصة عبر الشبكة العنكبوتية‪..‬‬ ‫مجلة عهدتـها م��ن خ�لال م��واده��ا‪ ،‬مجلة متميزة لها‬ ‫بصمتها الخاصة المميزة لها عن باقي المجالت ذات‬ ‫التخصص نفسه؛ ولعل سر تميزها حسن انتقاء هذه‬ ‫المواد التي يكتبها كتاب عرب مهرة ومرموقون ينتمون‬ ‫إلى مختلف األقطار العربية من الخليج إلى المحيط‪،‬‬ ‫ومن المحيط إلى الخليج‪ ..‬أسماء عذبة جميلة أعرفها حق المعرفة من خالل إنتاجاتها‬ ‫اإلبداعية والثقافية المتنوعة بتنوع تخصصاتها‪ :‬أسماء لجودة كتاباتها والنتشارها لدى‬ ‫القراء وعموم المهتمين يستحيل أن ترتضي لنفسها النشر في أي مجلة‪.‬‬ ‫تتميز (الجوبة) بتنوع أبوابها‪ ،‬وبالتالي‬

‫ب �ت �ن��وع م ��واده ��ا م ��ن ق �ص��ة وش��ع��ر ونقد‬ ‫وم �ق��االت أدب�ي��ة واس�ت�ط�لاع��ات وحوارات‬

‫أم��ام نقاشات وج��داالت ما أحوجنا إليها‬ ‫اليوم‪ ،‬وأكثر من أي وقت مضى‪ ،‬في راهننا‬ ‫الثقافي العربي‪.‬‬

‫ومقابالت‪ ،‬تقرب قراءها من جديد الكتاب‬ ‫أس �ج��ل ل (ال �ج��وب��ة) روح �ه��ا الثقافية‬ ‫العرب وم��ن آرائ �ه��م‪ ،‬بل ومواقفهم‪ ،‬حول المنفتحة‪ ،‬م��ا يجعلني أس �ج��ل ل�ه��ا روح‬ ‫قضايا ثقافية راه�ن��ة؛ م��ا يفسح المجال الديمقراطية الثقافية‪ ،‬وكذلك روح الثقافة‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الديمقراطية التي تعد‬ ‫وحدها السبيل إلى خلق‬ ‫ج � ��دال‪ ،‬ب ��ل و«ع � ��راك»‬ ‫ثقافي حضاري منفتح‬ ‫على ال ��رأي الثقافي‪..‬‬ ‫وك � ��ذل � ��ك‪ ،‬وف� � ��ي اآلن‬ ‫ن� �ف� �س ��ه‪ ،‬ع� �ل ��ى ال�� ��رأي‬ ‫ال �ث �ق��اف��ي المختلف‪..‬‬ ‫إخ� � �ت �ل��اف م � ��ا أح � ��وج‬ ‫وطننا العربي إليه اليوم‬ ‫للدفع بثقافتنا العربية‬ ‫المشتركة إل��ى الغنى‪،‬‬ ‫وب��ال �ت��ال��ي إل� ��ى األم� ��ام‬ ‫لتحتل مكانتها (وهي‬ ‫مكانة مستحقة فعال)‬ ‫ع �ل��ى ص �ع �ي��د الثقافة‬ ‫العالمية‪ ،‬ما يؤهلها إلى‬ ‫ف ��رض نفسها كثقافة‬ ‫م�ح��اورة (بكسر الواو)‬ ‫وم �ح��اورة (بفتح الواو)‬ ‫مع باقي ثقافات شعوب‬ ‫العالم‪..‬‬ ‫(ال � �ج� ��وب� ��ة)‪ ،‬وبناء‬ ‫ع �ل��ى م ��ا س��ب��ق‪ ،‬باتت‪،‬‬ ‫في نظري على األقل‪ ،‬باختالف مشارب وأفكار باحترام وتقدير فائقين‪ ،‬ما جعل النشر فيها‬ ‫ورؤى وقناعات كتابها اإلبداعية والثقافية‪ ،‬أسرة شرفا رائعا بالنسبة إليهم وإليّ ‪.‬‬ ‫متناغمة متكاملة‪ ،‬كل ف��رد من أف��راده��ا يرخي‬ ‫الحديث عن (الجوبة) حديث طويل‪ ،‬خالصته‪:‬‬ ‫السمع إلى اآلخر‪ ..‬ما يجعل الطريق معبدا لخلق‬ ‫تكامل من شأنه بدوره أن يجعل القارئ العربي هنيئا لنا نحن العرب بها كتّابا وق�رّا ًء لحاجتنا‪،‬‬ ‫«العادي» أمام صورة واضحة لثقافته العربية‪.‬‬ ‫بل وحاجاتنا‪ ،‬لمنابر ثقافية من نفس الطينة‬ ‫(الجوبة) ال�ي��وم‪ ،‬وانطالقا من أحاديثي مع والقيمة‪.‬‬ ‫زمالئي من مثقفي بلدي المغرب‪ ،‬باتت تحظى‬

‫* رئيس نادي القصة بالمغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪123‬‬


‫الكتاب ‪ :‬املواسم الثقافية‬

‫الكتاب ‪ :‬التناص في شعر أبي العالء املعري‬

‫املؤلف ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬ابراهيم مصطفى محمد الدهون‬

‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫الناشر ‪ :‬عالم الكتب احلديث‪ ،‬عمان –‬

‫اخليرية ‪1431/1430‬هـ‬

‫ال توثيقياً لمضامين‬ ‫يقدم هذا الكتاب سج ً‬

‫األردن ‪2012‬م‬

‫ت��أت��ي أهمية الكتاب ال��ذي ج��اء ف��ي (‪)300‬‬

‫ال �م �ح��اض��رات وال� �ن ��دوات ال�ث�ق��اف�ي��ة والعلمية‪ ،‬صفحة‪ ،‬أنه درس شاعرا مرموقا‪ ،‬له باع طويل‪،‬‬ ‫التي استضافتها دار الجوف للعلوم بمؤسسة ومدى واسع‪ ،‬في الثقافة‪ ،‬وتر اكم في الحضارات‬

‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬خالل موسمها‬ ‫الثقافي للعام ‪1431/1430‬ه�ـ‪ .‬شارك فيه نخبة‬

‫من العلماء والباحثين والمتخصصين بعدد من‬ ‫العلوم والمجاالت الثقافية والتراثية والعلمية‬ ‫والطبية واالق�ت�ص��ادي��ة‪ ،‬ع��رض��وا فيها خالصة‬ ‫خبراتهم بحضور أبناء منطقة الجوف‪.‬‬

‫السابقة‪ ،‬والديانات المتباينة‪ .‬شاعرا ذا عقلية‬ ‫ف��ري��دة‪ ،‬وف�ك��ر ع�م�ي��ق‪ ،‬وفلسفة ح ��رة‪ ،‬ونفسية‬ ‫قلقة‪.‬‬ ‫ول �م��ا ك��ان األم ��ر ع�ل��ى ه��ذه ال�ش��اك�ل��ة ارتأى‬ ‫المؤلف أن يبحث ف��ي شعر المعري بناء على‬

‫وق��د ارت���أت هيئة ال�ن�ش��ر بالمؤسسة جمع مفهوم التناص‪ ،‬هذا المفهوم الذي ال يكاد يخلو‬ ‫مضامين تلك المحاضرات وال�ن��دوات ونشرها نص شعري منه‪ ،‬حتى غدا أمرا ال مفر منه‪.‬‬ ‫في كتاب سنوي‪ ،‬ليكون متاحا أمام القراء تعميما‬ ‫وحَ سْ بُ المؤلف في ذلك – على حد قوله ‪-‬‬ ‫للفائدة‪ ..‬وه��ذا ه��و الكتاب ال��راب��ع م��ن سلسلة‬ ‫«ال�م��واس��م الثقافية» التي تصدرها المؤسسة استكناه شعر المعري‪ ،‬وسبر أغ��واره‪ ،‬مؤمال أن‬ ‫لنشر مضامين المحاضرات والندوات الثقافية يكون هذا العمل لبنة أساسية في دراسة التراث‬

‫التي تعقدها سنويا‪.‬‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫العربي‪ ،‬وإضافة جديدة إلى المكتبة العربية‪.‬‬


‫املؤلف ‪ :‬خالد بن عبدالله الغامدي‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬أحمد مهجع‬

‫الناشر ‪ :‬دار أثر السعودية للنشر والتوزيع‬

‫الناشر ‪ :‬دار أثر السعودية للنشر والتوزيع‬ ‫‪1432‬هـ‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬األكسجني املر ‪ -‬شعر‬

‫الكتاب ‪ :‬امرأة من قمح‪ -‬شعر‬

‫جاء الكتاب في (‪ )45‬صفحة من القطع المتوسط‪،‬‬ ‫ضم تسع عشرة قصيدة منها «غفوة القنديل»‪« ،‬يا‬ ‫عاشقين ال تفترقا»‪« ،‬ول��ه»‪« ،‬كنت»‪« ،‬قشه»‪« ،‬فقد»‪،‬‬ ‫«أراك»‪« ،‬ه� ��دوء»‪« ،‬للعشق ب�ق�ي��ة»‪« ،‬ن �ب��ض»‪ ...‬الخ‪،‬‬ ‫استطاع الشاعر من خاللها أن ينتقل بأشعاره من‬ ‫الخاص إلى العام‪ ،‬وبمعنى آخر من الحب الدنيوي‪،‬‬ ‫إلى حب أعمق وأشمل‪ ..‬حب الذات اإللهية‪.‬‬

‫ج��اء ال��دي��وان ف��ي (‪ )61‬صفحة م��ن القطع‬ ‫ال �م �ت��وس��ط‪ ،‬ض��م ث�لاث �ي��ن ق �ص �ي��دة ف��ي الشعر‬ ‫الموزون المقفى والشعر العربي الحديث‪ .‬نذكر‬ ‫منها‪« :‬ب��داي��ات��ي»‪« ،‬اإلث ��م»‪« ،‬ال�م��أت��م»‪« ،‬الضياع‬ ‫للمرة الثانية»‪« ،‬ذنبي»‪« ،‬بين التولع والتمنع»‪...‬‬ ‫الخ‪ .‬تدور تيماتها األساسية حول خالق الكون‪،‬‬ ‫�ان أك�ث��ر حميمية ت��رت�ق��ي بالذات‬ ‫يسوقها ب�م�ع� ٍ‬ ‫اإلنسانية إلى صفاء النفس‪ ،‬واألعظم حباً في‬ ‫يقول ف��ي ص ‪ ..« 44‬ي��ا قلب‪ /‬أسقيت محياها‬ ‫ترياق العشاق‪ /‬وأثخنت حبي بجراح الال فراق‪ /‬كنت‬ ‫هذا الوجود‪ ،‬حب الله عز وجل‪.‬‬ ‫النافلة وكانت الفرض‪ /‬كانت الفاتحة وكنت ما تيسَّ ر‪/‬‬ ‫يقول الغامدي في قصيدة (اإلثم)‪:‬‬ ‫كنت الحالم وكانت العاشقة‪ /‬أصبحت التاب َع وأمست‬ ‫«ي���ح���ب���ون���ي م����ن وراء ال����ه����م وه�������م‪...‬‬ ‫الالعبة‪ /‬يا قلب‪ /‬وأنا في سكرات وداعها‪ /‬هل تلقنني‬ ‫وش�������ع�������ور م���س���ت���ف���ي���ض م������ال������ه اس�����م شهادة‪« /‬ال أعلم سبباً إال عشقي؟»‪.‬‬

‫وفي هذا إضافة شعرية فلسفية أراد الشاعر من‬ ‫ل����س����ت أدري ب����ع����د م�����ا داخ�����ل�����ن�����ي‪...‬‬ ‫خاللها أن يشير إلى عالقة التالزم بين األنا الشاعرة‪،‬‬ ‫ك�����ل�����م�����ا خ��������ب��������أت ه��������م�������� ًا ف������������ار ه���م‬ ‫وبين معا ًن عصيّة على التفسير‪ ،‬مثل‪ :‬الخلق‪ ،‬الموت‪،‬‬ ‫����ت ع���ي���ن���ي ان����ح����ن����ت‪...‬‬ ‫ك���ل���م���ا أط����ل����ق ُ‬ ‫الحياة‪ ،‬العالم اآلخ��ر‪ ...‬ما يجعل القارئ يغوص في‬ ‫وت���غ���ش���ان���ي س����ك����وت م���دل���ه���مُ (‪ .»)...‬النصوص عميقاً؛ الستجالء معانيه ورموزه وطقوسه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪125‬‬


‫الكتاب ‪ :‬رواية ابن طراق‬

‫الكتاب ‪ :‬ج ي م ‪ -‬قصص‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد السماري‪ ،‬بدر السماري‬

‫املؤلف ‪ :‬جبير املليحان‬

‫الناشر ‪ :‬دار أثر السعودية للنشر والتوزيع‬

‫الناشر ‪ :‬دار أث���ر ال��س��ع��ودي��ة للنشر‬

‫‪1432‬هـ‪2011-‬م‬

‫بالتعاون مع ال��دار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬

‫والتوزيع ‪1433‬هـ‪2012/‬م‬

‫مجموعة من القصص تصل إلى خمس‬

‫صدرت رواية «ابن طرَّاق» للروائيين بدر السماري عشرة قصة‪ ،‬جاءت في (‪ )140‬صفحة من‬ ‫ومحمد السماري‪ .‬الرواية أتت في غالف أنيق ال�ق�ط��ع ال �م �ت��وس��ط‪ ..‬وي�ح�م��ل ال�ك�ت��اب اسم‬

‫يحمل ص��ورة للمصور السعودي مصلح جميل‪( ،‬ج ي م) إحدى القصص الواردة فيه‪.‬‬ ‫وت�ت�ك��ون م��ن (‪ )55‬مقطعا ت��وزع��ت على سبعة‬ ‫فصول في (‪ )432‬صفحة‪.‬‬ ‫تتميز ه ��ذه ال ��رواي ��ة ب��ال �خ��وض ف��ي الحياة‬ ‫المحلية بكافة تفاصيلها ومناحيها‪ ،‬مكوَّنة نسيجاً‬ ‫روائيا متجانساً عبر تعدد الشخصيات واألبطال‬ ‫في الرواية لتجمع كل أطياف المجتمع السعودي‪.‬‬ ‫من المتوقع أن تثير ال��رواي��ة كثيرا من الجدل‪،‬‬

‫ت ��رص ��د ق �ص��ة (ج� �ي���م) ل��ل��ق��اص جبير‬ ‫المليحان ساعات من حياة مواطن عربي‬ ‫ع��ائ��د م��ن عمله ف��ي ال�ب�ح��ري��ن‪ ،‬إذ يالحقه‬ ‫التنقيب والتفتيش في جمارك الملك فهد‪،‬‬ ‫وفي حاجز الدمام قرب بيته‪.‬‬ ‫وف��ي ال�م�ق��اب��ل‪ ،‬ت �ب��رز ال �ص��ورة النقيض‬ ‫التي تكتمل بها معالم الصورة‪ ،‬حينما تلفت‬ ‫زوج�ت��ه نظره إل��ى ال�ع�ن��وان العريض البارز‬

‫وتحقق قراءية عالية حسب رأي الذين اطلعوا الذي يتمدد أمراً طبيعياً في أعلى الصفحة‬ ‫عليها وبخاصة أنها أتت بتوقيع مؤل َفيْن اثنين؛ ما األولى في جريدة الرياض‪« :‬جريدة الرياض‬ ‫يعيد لألذهان تجربة جبرا إبراهيم جبرا وعبد ترصد ثمانية ماليين ريال لجوائز المسابقة‬

‫الرحمن المنيف في «رواية عالم بال خرائط»‪.‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬

‫الشهرية»‪.‬‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫بوادر املجتمع املدني في‬

‫اململكة العربية السعودية‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد عبد الرزاق القشعمي‬ ‫الناشر ‪ :‬فراديس للنشر والتوزيع – بيروت – لبنان‬ ‫السنة ‪1433 :‬هـ‪2012/‬م‬ ‫يؤرخ هذا الكتاب لنشأة مؤسسات المجتمع‬ ‫المدني في المملكة‪ ،‬وه��و عمل غير مسبوق‬ ‫في تتبعه للبدايات األولى لنشاط المؤسسات‬ ‫األه� �ل� �ي ��ة ال� �ت ��ي ب�� ��دأت م���ع ب���داي���ة ال���دول���ة‪،‬‬ ‫واستمرت حتى اليوم‪ .‬يستهل المؤلف حديثه‬ ‫ع��ن ال�ب��داي��ات األول��ى لما يمكن أن يُ�ع� َّد نواة‬ ‫للحراك االجتماعي الذي نما مبكرا‪ ،‬منذ عام‬ ‫‪1343‬هـ‪1924/‬م‪ ،‬عندما سجل أول لقاء للملك‬ ‫عبد العزيز ‪-‬رحمه الله‪ -‬بأهل مكة‪ ،‬حين طلب‬ ‫منهم أن يديروا شئونهم‪ ،‬وينتخبوا من يمثلهم‬ ‫في اإلشراف على مصالحهم‪ .‬ويتخذ المؤلف‬ ‫من هذه النقطة منطلقا إلى تتبع مراحل تطور‬ ‫المؤسسات األهلية ف��ي م��دن ال�ح�ج��از‪ ،‬وفي‬ ‫مناطق المملكة كافة‪ ،‬بعد ذلك‪.‬‬ ‫والشيء الذي يضيفه هذا الكتاب هو ما‬ ‫يحمله من إحصاءات وأسماء وجهات‪ ،‬تلك التي‬ ‫مارست االنتخابات ألعضائها ودور الهيئات‬ ‫والنقابات في مرحلة مبكرة جداً‪ .‬ولم يكن ذلك‬ ‫ال إنشائياً أو وصفاً نظرياً مجرداً‪ ،‬بل عمل‬ ‫عم ً‬

‫يفصل في الوقائع‪ ،‬ويأتي بالوثائق‪ ،‬ويحيل إلى‬ ‫الثابت من المصادر‪ .‬لقد دعم ما ينقله بالوثائق‬ ‫المدونة في أوعية النشر المعتبرة‪ ،‬وأكثرها‬ ‫وثائق سجلتها الصحافة في وقتها‪ ،‬ونشرتها‬ ‫بصفتها أن�ظ�م��ة وق��وان �ي��ن م�ع�ت�م��دة‪ ،‬وحددت‬ ‫أسماء المنظمين لها والمشاركين فيها‪ ،‬وكلها‬ ‫كانت موثقة‪ ،‬ما يجعلها مصدرا يعتمد عليه‬ ‫ويرجع إليه‪.‬‬ ‫وم��ن أب���واب ال�ك�ت��اب ال ��ذي ق��دم ل��ه األستاذ‬ ‫الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك أستاذ األدب‬ ‫العربي بجامعة الملك سعود‪ .‬تعريف المجتمع‬ ‫المدني‪ ,‬وانتخابات مجلس الشورى ومتى عرفتها‬ ‫المملكة‪ ,‬وبداية الروابط والنقابات‪ ,‬وانتخابات‬ ‫أع�ض��اء المجالس البلدية‪ ,‬وذك��ري��ات انتخابات‬ ‫الماضي بالمدينة المنورة‪ ,‬وتوقف االنتخابات من‬ ‫عام ‪1384‬هـ إلى عام ‪1426‬هـ‪1964-‬م – ‪2006‬م‪،‬‬ ‫وع��ودة االنتخابات وال�ع��ود أح�م��د‪ ,‬واالنتخابات‬ ‫الجامعية هل تعود‪ ,‬والدعوة لمقاطعة االنتخابات‪,‬‬ ‫وأبواب آخرى غيرها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪127‬‬


‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫> متابعة عماد املغربي‬

‫مساعد المدير العام والسفير الفلبيني‬ ‫أثناء تجوالهما في المعرض‬

‫جانب من زوار المعرض‬

‫ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية للعام ‪1433/32‬ه�ـ‪ ،‬أقيم‬ ‫معرض للصور القديمة عن الرحالة العرب والغربيين‪ ،‬الّذين مرّوا في منطقة الجوف‪ ،‬وذلك بالتعاون‬ ‫ٌ‬ ‫مع مؤسسة التراث الخيرية‪ ،‬التي شاركت بمجموعة من الصور التاريخية الخاصة بمنطقة الجوف‪،‬‬ ‫كرعاية ودعم منها للمؤسسة‪.‬‬ ‫ا ُفتُ ِت َح المعرض مساء يوم الثالثاء ‪1433/04/27‬ه� �ـ في الصالة الرئيسة بدار الجوف للعلوم‪،‬‬ ‫وحضره عدد من أعضاء المجلس الثقافي بالمؤسسة يتقدمهم الشيخ عبدالرحمن الملحم‪ ،‬وعدد‬ ‫من المسؤولين وجمهور من المواطنين والمقيمين‪ ،‬وقد القى المعرض إعجاباً ملفتاً من الزوار الذين‬ ‫أشادوا بدور المؤسسة الثقافي في المنطقة‪.‬‬ ‫كما أقيمت محاضرة بعنوان‪« :‬المعرض‪..‬‬ ‫جذور األزمة الفكرية»‪ :‬ألقاها الدكتور سعيد‬ ‫بن مصلح السريحي مساعد رئيس تحرير‬ ‫صحيفة ع �ك��اظ‪ - .‬رئ �ي��س ت �ح��ري��ر مجلة‬ ‫عالمات بنادي جدة األدبي‪ ،‬وذلك مساء يوم‬ ‫الثالثاء ‪1433/05/18‬ه �ـ في قاعة العرض‬ ‫بدار الجوف للعلوم‪ ،‬أدارها األستاذ خالد بن‬ ‫عبدالرحمن العيسى – عضو النادي األدبي‬ ‫األستاذ خالد العيسى والدكتور السريحي أثناء تقديم المحاضرة‬ ‫بالجوف‪.‬‬ ‫اس �ت �ع��رض ال��دك��ت��ور ال �س��ري �ح��ي كتاب‬ ‫«المعرض أو آراء شبان الحجاز في اللغة العربية» الذي نشر عام ‪1345‬هـ‪1926 -‬م مع بدايات الدولة‬ ‫السعودية‪ ،‬وقدجمع الكتاب ورتبه محمد سرور الصبان‪ ،‬ويضم آراء شباب الحجاز فيما ينبغي األخذ‬ ‫به من محافظة أو تجديد في اللغة العربية ألفاظاً وأساليبا‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1433‬هـ ‪129‬‬


‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.