مواجهات
خالد اليوسف علي القاسمي حمد الفقيه
دراسات ونقد
د .محمود عبداحلافظ د .ماهر الرحيلي سيرة وإبداع معالي الدكتور فهاد احلمد
نوافذ
شعر
عبدالله السمطي عبدالهادي صالح هويدا صالح
فريال احلوار
قصص عبدالله السفر هشام بن شاوي
ملف العدد:
القصة القصيرة في السعودية مبشاركة :جميل حمداوي ،عبدالرحمن الدرعان ,شيمة الشمري ،عمران عز الدين ،إبراهيم الدهون، حسن البطران ،محمد جميل ،مالك اخلالدي ،إبراهيم احلجري ،عبدالباقي خلف
36
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة(البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. -حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.
(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل.
اجلوف :هاتف - 04 624 5992فاكس - 04 426 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 412 5277 - 01 412 5266فاكس - 01 402 2545ص .ب 10071الرياض 11433 nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org
العدد 36 صيف 1433هـ 2012 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن
املشرف العام
إبراهيم احلميد أسرة التحرير محمود الرمحي ،محمد صوانة أمين السطام ،عماد املغربي اإلخراج الفني خالد الدعاس
املراسالت
توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966()4(6263455 : فاكس)+966()4(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www. aljoubah. org aljoubah@gmail. com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .وفي عام 1424هـ (2003م) أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف ،بوقف مستقل ،من أسرة املؤسس ،للصرف على هذا املركز -الفرع.
2
اجلوبة -صيف 1433هـ
الـمحتويــــات
االفتتاحية 4 . ...................................................
6....................... القصة القصيرة في السعودية
98..................... حوار مع الشاعر حمد الفقيه
ملف العدد :القصة القصيرة في السعودية بمشاركة :جميل 6 حمداوي ،عبدالرحمن ال��درع��ان ,شيمة الشمري ،عمران عز الدين ،إبراهيم الدهون ،حسن البطران ،محمد جميل، مالك الخالدي ،إبراهيم الحجري ،عبدالباقي خلف . ..... دراسات ونقد« :ذاكرة بال وشاح» لحسنة القرني -د .عماد 54 الخطيب . ................................................... ألني أشتاق إليك -سناء أبو شرار -هيا صالح60 ........... إشكالية الحداثة وما بعدها في الرواية العربية -د .محمود 64 عبدالحافظ............................................... وقفة تأملية مع «الرائيّة» قصيدة حمزة شحاتة في ابنته 70 - د .ماهر بن مهل الرحيلي................................. ريشة تغويها الجهات -عبدالله 75 ٍ قصص قصيرة :الدرس في السفر. ...................................................... رائحتها المميزة -إبراهيم شيخ 76 ........................... طيف من الطفولة -بوشعيب عطران77 ...................... إدوارد العاشق -محمد سعيد الريحاني79 ................... للحزن أسباب أخرى - !..هشام بنشاوي 80 ..................
شعر :قصيدتان -عبدالهادي صالح 82 . ....................... مصافحة طيف -ليلى الحربي 84 ............................
103 ................... سيرة وإبداع معالي الدكتور فهاد بن معتاد احلمد
رمضان أنت المرتجى -جاك صبري شماس 85 ............. للرائحة شكل البيت -المهدي عثمان 86 ..................... في مقام الجمال -فريال الحوار 87 ..........................
مواجهات :حوار مع خالد اليوسف -هدى الدغفق 88 . ....... حوار مع علي القاسمي -د .سناء الشعالن 92 ............... حوار مع الشاعر حمد الفقيه -عمر بوقاسم 99 .............
سيرة وإبداع :معالي الدكتور فهاد الحمد -المحرر الثقافي104 ...
107....................
ن���واف���ذ :أم�ك�ن��ة ال��وج��دان ع�ب��دال�ع��زي��ز خ��وج��ة -عبدالله 108 السمطي .................................................. الشعر العذري مدرسة الحب العفيف -حمدي حسانين 114 ...
عبدالعزيز خوجه وجماليات املكان -عبدالله السمطي
الخطاب النسوي بين السعي الروحي والسعي االجتماعي 118 - هويدا صالح .............................................. شهادة في حق مجلة الجوبة -هشام حــــراك 122 .............
للفنانة البندري الشمري من اجلوف
األنشطة الثقافية 128 .......................................
لوحة الغالف:
قراءات 124 ....................................................
اجلوبة -صيف 1433هـ
3
افتتاحية العدد > إبراهيم احلميد
تُعد القصة القصيرة من الفنون األدبية الحديثة ،التي عرفها األدب العربي منذ وق��ت طويل ،وإن ك��ان هناك من يرجع جذورها األول��ى إلى بعض الفنون األدبية القديمة ،الشتراكها معها في بعض المالمح؛ وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل( :وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور ،وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر األنواع األدبية رواجاً). و تكمن أهمية القصة في السعودية منذ بداياتها األولى في أربعينيات القرن الماضي ،كما يشير الدكتور منصور الحازمي ،في إخالصها الشديد لعنصر الحكاية و«التكنيك» السردي ،وفي انفتاحها المفصلي المتواصل القص.. ّ على التجديد الفني ،المنفتح بدوره على روح والملفت في القصة السعودية ،أنها سرعان ما حفرت عميقاً في المدوّنة السردية العربية؛ مستفيدة من فنيات القصة القصيرة المعاصرة ،العربية والعالمية على حد س��واء .وذلك ما يمكن مالحظته في ق��راءة القصص المنشورة في مجموعات قصصية ،أو من خ�لال ال��دوري��ات والمحافل السعودية والعربية. وبهذا المعنى ،نجد أن القصة القصيرة ال تبحث عن مشروعية مفقودة، فهي لم تكن غائبة عن سماء األدب في أي وقت ،منذ أن برزت كإحدى الفنون اإلبداعية الراقية ،للتعبير عن مختلف الحاالت اإلنسانية والفكرية التي يعيشها المبدع؛ إال أن هناك من يحاول أن يجحد جهد صف طويل
4
اجلوبة -صيف 1433هـ
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
من المبدعين الذين كانوا أوفياء لهذا النوع من الكتابة األدبية ،مؤمنين بأنه الوسيلة المناسبة لنقل أفكارهم ورؤاهم وصورهم التي يروونها على شكل قصص سردية ،تأتي في إطارات مختلفة ،يكتنزها إطار القصة القصيرة. ولهذا ،تبقى القصة القصيرة أصيلة ومتألقة رغم كل المحاوالت التي تحاول تجاوزها إلى الرواية ،رغم االختالف الكبير بينهما ,ورؤى النقاد حول كتابتهما ,ومشروعية العبور للرواية عبر القصة القصيرة؛ ذلك أن فن القصة القصيرة يحمل هويته المتفردة ،والتي مراقب سيرى ازده��اراً وانتشاراً واسعاً لفن القصة ٍ تكفل استمراره ونجاحه؛ وأي ناقدِ أو على مستوى اإلب��داع والنشر والنقد .فقد ظهرت نماذج قصصية في السعودية ,تستجيب للسرد المتطور وفنياته الحديثة ،وتبرز تجارب العديد من المبدعين ،منهم :جارالله الحميد، وعبدالرحمن الدرعان وآخرون من الذين يعتبرون أيقونات في سماء القصة القصيرة.. وإذا كانت الجوبة تثير األسئلة في ملفها حول القصة القصيرة ،فإن مشاركي الملف أتوا ليؤكدوا أن هذا الفن األدبي ،ق َّدم لألدب وللثقافة مخزوناً وثراءً ،ال يقل عن أي فن أدبي آخر، وأن االنحياز يجب أن يكون لإلبداع ،أيّا كان شكله ومنه القصة القصيرة. وهنا ،يأتي الدكتور جميل حمداوي ليتحدث عن بالغة الصورة في القصة السردية بالمملكة الملف عبدالرحمن الدرعان بمقاربته حول القصة القصيرة في َّ العربية السعودية ،ويثري المملكة العربية السعودية في عصر الرواية ،وتكتب شيمة الشمري حول االتجاهات الفنية في القصة القصيرة في السعودية ،ويأتي عمران عز الدين ليتحدث عن واقع وآفاق القصة القصيرة في المملكة ،وإبراهيم الدهون ليتحدث عن اللغة السردية فيها ..متحدثا عن نماذج لعبدالرحمن الدرعان وفهد الخليوي وجبير المليحان. ويتحدث حسن البطران عن الشعرية في القصة القصيرة في السعودية ،ومحمد جميل ليكتب بين القصة والرواية ،ومالك الخالدي التي تكتب عن التوليد والتلقي في القصة، وإبراهيم الحجري عن القصة والسينما ،ثم يقدم عبدالباقي خلف قراءة في قصص نسائية سعودية كخاتمة للملف.
اجلوبة -صيف 1433هـ
5
القصة القصيرة في السعودية > إعداد وتقدمي :محمود عبدالله الرمحي
القصة القصيرة جنس أدبي حديث ،يمتاز بقصر الحجم ،واإليحاء المكثف ،والنزعة القصصية الموجزة؛ وغالبا ما تركز القصة القصيرة على شخصية واحدة في موقف واحد في لحظة واحدة في مكان معين ،وتصور حادثة أو حوادث مترابطة من حوادث تقصيها ،والنظر إليها من جوانب متعددة ،ليكسبها قيمة الحياة؛ يتعمق القاص في ّ إنسانية خاصة ،مع االرتباط بزمانها ومكانها ،وتسلسل الفكرة فيها ،وعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي ،وما يكتنفها من مصاعب وعقبات ،بطريقة مشوقة تنتهي إلى غاية معينة. وقد أطلق على هذا المولود الجديد مصطلحات عدة من بينها :القصة القصيرة جدا ،وومضات قصصية ،وقصص قصيرة ،وخواطر قصصية ،وقصص ،وإيحاءات ،والقصة القصيرة الخاطرة ،والقصة القصيرة الشاعرية ،والقصة القصيرة اللوحة… وتعد القصة القصيرة من الفنون األدبية األولى إلى بعض الفنون األدبية القديمة، الحديثة ،التي عرفها األدب العربي في هذا الشتراكها معها في بعض المالمح؛ لكن العصر ،وإن كان هناك من يرجع جذورها حقيقة األمر أن القصة القصيرة بشروطها
6
اجلوبة -صيف 1433هـ
العربي ف�ق��ط ،ول�ك��ن حتى ف��ي اآلداب الغربية المملكة ق��د يبدو أكثر م��ن نصيبهن ف��ي بعض األخرى ،إذ لم يظهر هذا الفن إال منذ نحو قرن البالد العربية ،وقد شهدت المرحلة المعاصرة تقريباً .وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين
ازدهاراً وانتشارا واسعا لفن القصة على مستوى
إسماعيل( :وأم��ا القصة القصيرة فهي حديثة اإلبداع والنشر والنقد.)2(.. العهد ف��ي الظهور ،ورب�م��ا أصبحت ف��ي القرن أما الدكتور الحازمي فيحدد مراحل القصة العشرين أكثر األنواع األدبية رواجا)(.)1 في المملكة بثالث مراحل أولها البدايات من يبلغ عمر القصة القصيرة في المملكة تاريخيا 1946 - 1926م ،ووصفها بالمتعثرة ،وشهدت نحو نصف قرن ،ولعل سر تأخر ظهورها يكمن م �ح��اوالت متفرقة ال ت�ك��رس ال�ك��ات��ب منقطعا في سيطرة االتجاه المحافظ في األدب والنقد لفن القصة ،إذ نجد أغلب األدب��اء السعوديين من ناحية ،ثم السيطرة القوية لفن الشعر ،التي ق��د ح ��اول ك�ت��اب��ة ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة ف�ض�لا عن ك��ان��ت وال ت ��زال طاغية حتى ال �ي��وم م��ن ناحية التفاوت الزمني في النشر ،ثم مرحلة الريادة أخرى ،كما أن معظم الكتّاب لم يعطوا فن القصة الفنية وامتدت من 1977 - 1946م ،وقد صدرت العناية األدبية الجديرة بها ،كما هو الحال في بقية البالد العربية األخرى ،بل إن معظمهم كان فيها المجاميع القصصية وتضمنت قضايا
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الفنية المعروفة هي فن جديد ،ليس في األدب الكبرى الرواية ،بل ان نصيب الكاتبات اليوم في
يتعامل مع الصحافة بشكل دائ��م أو مؤقت؛ ما التحوالت في المجتمع وقتئذ ،وأخيرا مرحلة يؤكد لنا دور الصحافة اليومية وال��دوري��ة في النضج الفني واالزدهار والتنوع وحددها بالفترة تأسيس هذا الفن الجديد والترويج له.
ويقول الدكتور طه وادي في دراسته الوافية
من 2000- 1977م ،وقد اكتسبت هذه المرحلة نجاحا كبيرا ،وأخ��ذت مكانا متميزا في تجربة القصة عربياً .وذكر الحازمي أن مجموعة محمد
عن تطور القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية في كتابه «القصة السعودية المعاصرة» :علوان «الخبز والصمت» كانت فارقا مهما في إن القصة طويلة كانت أم قصيرة ل��م تلق في ت��اري��خ القصة ال�س�ع��ودي��ة؛ فهي أول مجموعة مرحلة البداية عناية كبرى من الكتاب والنقاد ،تلقى اهتماما كبيرا من نقاد الوطن العربي .كما وبالتالي من القراء ..وعليه ،فإن مرحلة البداية أبرزت هذه الحقبة وبخاصة الثمانينيات أسماء لم تكن باالزدهار الفني المطلوب ،إال أن األمر مهمة بقيت على فنها حتى األلفية الجديدة ،كما اختلف في المرحلة المعاصرة ،فلقيت القصة امتازت مرحلتهم بالتجاور الفني وتعدد التجريب القصيرة إقباال الفتا للنظر أكثر من شقيقتها لديهم(.)3
( )1القصة القصيرة ..عناصرها وشروطها -خليل الفزيع. (« )2القصة السعودية المعاصرة» كتاب للدكتور طه وادي. ( )4عن محاضرة «القصة السعودية في القرن العشرين» ضمن البرنامج الثقافي السعودي في معرض بيروت للكتاب 55 (1433/01/17هـ).
اجلوبة -صيف 1433هـ
7
بالغة الصورة السردية في القصة القصيرة باململكة العربية السعودية > د.جميل حمداوي
توطئـ ــة :إذا كان لجنس الشعر صوره البالغية التي تتمثل في التشبيه ،واالستعارة ،والمجاز بنوعيه :العقلي والمرسل ،إضافة إلى الكناية والرمز واألسطورة .أو بتعبير آخر ،تتضمن القصيدة الشعرية -بالغيا -ثالثة أنواع من الصور :صورة المشابهة (التشبيه-االستعارة) ،وصورة المجاورة (المجاز المرسل -الكناية) ،وص��ورة الرؤيا (الرمز واألسطورة) ،فإن الخطابات السردية بما فيها الرواية ،والقصة القصيرة ،والقصة القصيرة جدا ،والقصة الشذرية ،لها صورها البالغية الخاصة بها ،والتي تستمدها من خصوصيات كتابتها حكيا وخطابا وتشكيال وتجنيسا .ويعني ه��ذا أن الدراسات النقدية التي تعنى بمقاربة الصورة البالغية قد بدأت في توسيع مفهوم الصورة الفنية والجمالية ،لتشمل مقومات الكتابة السردية وآلياتها ،على مستوى التحبيك والتخطيب والتقصيد. وللتوضيح أكثر ،فلقد أصبحنا اليوم نتحدث عن مجموعة من الصور السردية؛ كصورة الفضاء، وصورة الشخصية ،وصورة اللغة ،وصورة االمتداد ،وصورة اإليقاع ،وهلم جرا ...وقد آن األوان إلدخال بالغة السرد ضمن مقرراتنا التعليمية والجامعية ،وتدريسها في ضوء المناهج النقدية المستجدة، مستعينين في ذلك بالمعارف العلمية الحديثة والمعاصرة ،مثل :اللسانيات ،والتداوليات ،ولسانيات النص ،والسيميوطيقا ،والشعرية البنيوية ،والفلسفة ،والمنطق الحجاجي.. وم��ن ث��م ،ف�ق��د ارت��أي �ن��ا أن نخصص القصة الصورة السردية في هذه الدراسة النقدية أكثر
ال�ق�ص�ي��رة بالمملكة ال�ع��رب�ي��ة ال �س �ع��ودي��ة بهذه ات�س��اع��ا ورح��اب��ة م��ن مفهوم ال �ص��ورة الشعرية الدراسة النقدية التصنيفية ،بغية رصد بالغة
الضيّق .ويعني هذا أن كثيرا من سمات القصة
وتصنيفاً ،وتوجيهاً.
إل��ى ص��ور س��ردي��ة بالمفهوم ال��ذه�ن��ي الموسع
ال �ص��ورة ال �س��ردي��ة :ق���راءة ،وت�ح�ل�ي�لاً ،وتقويماً ،ومكوناتها الفنية والجمالية والتشكيلية تتحول
أشك ــال الص ــور البالغي ــة: تتضمن القصة القصيرة بالمملكة العربية
للصورة .ون��ذك��ر م��ن بين ه��ذه ال�ص��ور السردية األشكال اآلتية:
السعودية مجموعة م��ن ال�ص��ور ال�س��ردي��ة التي صـ ــورة النقيض ــة: ترتبط بخصوصية ه��ذا الجنس األدب ��ي حكيا
تعتمد ص���ورة ال�ن�ق�ي�ض��ة أو ص���ورة الطباق
وخطابا ومقصدية .وينبغي أن نعلم أن مفهوم على إيراد لفظتين متطابقتين أو متعاكستين أو
8
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
متناقضتين إيجاباً وسلباً .وقد أدرج البالغيون ال��ع��رب ال �ق��دام��ى ال �ط �ب��اق ض �م��ن المحسنات البديعية ،ولكنه – في الحقيقة -ص��ورة فنية جمالية دالل�ي��ة وحجاجية ،تقوم على التطابق الذهني والفكري والجمالي .بمعنى أن الطباق صورة فكرية وذهنية قائمة على منطق الحجاج واالستدالل والبرهنة .وتحضر هذه الصورة في قصة« :احتفاء على تخوم الحشرجة» للكاتب السعودي طاهر الزارعي ،حينما يشير إلى مربّي الحمام داخل السوق األسبوعية ،وهم يقارنون بين الحمامات الجميلة ذات القيمة الكبيرة ،وحمامات منافسيهم التي يصفونها بشتى العيوب والعاهات والنقائص؛ محاولين إقناع زبائن السوق بجودة بضاعتهم ،مع ذكر رداءة بضاعة منافسيهم« :كنت أطعمها جيدا ،وأبلل ريشها بالماء ،بل أحرص جيدا على تنظيف منقارها ،وأختار منها األجود، كالحمام الحساوي والقالبي ،حتى أتمكن من بيعها بثمن جيد في سوق الخميس ال��ذي يمثل لي خروجا عن روتين القرية الممل حينما انطلق إليه صباحاً ،حتى إذا ما وصلت هناك فسأجد المنافسة الكبيرة مع نخبة من مربيي الحمام، يمتلئ بهم السوق ،كل واحد منهم يزعق بصوته المألوف :الزوين عندنا والشين حولنا»(.)1
القصصي ال�س�ع��ودي ،بوصفها ال �ص��ورة األكثر ان�ت�ش��ارا ف��ي الشعر ال�ع��رب��ي ،إل��ى ج��ان��ب صورة االس�ت�ع��ارة وص ��ورة التشخيص .ويعني ه��ذا أن السرد القصصي السعودي ما ي��زال يتكئ على التصوير البالغي الشعري في ما يخص توظيف بالغة المشابهة .ومن أمثلة ذلك ،صورة التشبيه ل��دى الطاهر ال��زارع��ي ،فهي تتأرجح بين أداة ال�ك��اف وأداة م�ث��ل« :نهضت م��ن س�ف��رة الطعام كالمفزوع ،تتخبط قدماي بثوبي ،صعدت بخفة غزال متجها نحو السطح ،رأيت حماماتي تتطاير في القفص الكبير ،والخوف يحتضن أعينها .تلك القطط الشاردة طالما تتلذذ بحمامة أو حمامتين كل أسبوع ،فقد كانت ترتكب خطيئة كبيرة بحق هذه الحمامات!»(.)2 ت��رص��د ص� ��ورة ال�ت�ش�ب�ي��ه ف��ي ه ��ذا المقطع السردي حالة خوف السارد على حماماته الوديعة فوق السطح ،وتصور أيضا مدى استعداده الكامل للدفاع عنها ،حينما يحدق بها خطر القطط .وكان دف��اع السارد هو ال��ردع والطرد ليس إال« :أمي تقول لي :انتبه ال تموت القطط راح تسكن في نارها .هذا التحذير جعلني خائفا جدا ،وحينما أجد القطط تعتلي السطح لشن هجوم مباغت على الحمام أكتفي بردعها وطردها»(.)3
تؤشر ص��ورة الطباق (ال��زي��ن عندنا والشين حولنا) على تناقض المواقف ،واختالف وجهات النظر ،وصراع القيم التي تتحكم فيها المصالح وال �م �ن��اف��ع واأله� � � ��واء ،ع �ل��ى ح �س��اب الحقيقة والمصداقية واليقين؛ واختالف معيار التقويم من شخص إلى آخر إيجابا وسلبا ،ع�لاوة على سلبية ص��ورة اآلخ��ر في منظور األن��ا ،وذل��ك في الص ــورة الميتي ــة: فضاءات القيم المادية والكمية والتبادلية. تنبني ال�ص��ورة الميتية أو الميثولوجية على ص ــورة التشبي ــه: ال�ت�خ��ري��ف واألس� �ط ��رة وال�ت�خ�ي�ي��ل ال�م�ج� ّن��ح في تستعمل ص ��ورة التشبيه ب�ك�ث��رة ف��ي السرد التجريد والطقوسية؛ وم��ن ث��م ،تكشف كثيراً وه��ك��ذا ،ت�ح�ض��ر ص���ورة ال �خ��وف م��ن خالل تجليات صورة التشبيه ،لتبين لنا مدى إحساس الشخصية الرئيسة بحماماته الوديعة التي كان يهتم بها فوق سطح المنزل اهتماما عاطفيا كبيرا، تدل على رحابة إنسانيته األخالقية ،وتؤشر أيضا على مروءته العملية والسلوكية.
اجلوبة -صيف 1433هـ
9
من القصص القصيرة بالمملكة ال �ع��رب �ي��ة ال �س �ع��ودي��ة ،وذل� ��ك من خ�لال ص��وره��ا الميتية الفكرية والتخييلية والعملية ،طبيعة الذهن صـ ــورة االستع ــارة: اإلن �س��ان��ي ال �ع��رب��ي ف��ي التعامل ت �س �ت �ع �ي��ن ال �ق �ص��ة القصيرة مع ال��واق��ع الموضوعي ،وتكشف السعودية بصورة االستعارة مثل طريقة تفسير األم ��ور وتحليلها القصيدة ال�ش�ع��ري��ة؛ ن�ظ��را لكون ومعالجتها؛ لذا ،يتداخل الالهوت االستعارة من أقدم الصور البالغية م ��ع ال �م �ي �ث��ول��وج �ي��ا واألس � �ط� ��ورة التي عرفها اإلنسان ،فقد ارتبطت والخرافة في التعامل مع الظواهر هذه الصورة باألسطورة والنزعة الحياتية لدى اإلنسان السعودي، اإلحيائية ف��ي تجسيد الطبيعة؛ وبخاصة ال�ب��دوي منه .وه��ذا إن أنسنة وإح �ي��اء وتشخيصا .ومن دل على ش��يء ،فإنما ي��دل على ث���م ،ت�ت�خ�ط��ى ص� ��ورة االستعارة م ��دى ت�ش�ب��ث اإلن��س��ان بالتفكير عوالم الحقيقة الكائنة إلى عوالم الخرافي في التفاعل مع كثير من مجازية خيالية وافتراضية قائمة أمور الحياة ،وبخاصة فيما يتعلق على المشابهة ،والتقاط ترسبات بمداواة األمراض؛ كما يتبين ذلك ال���ذاك���رة وال�ل�اش� �ع ��ور والتناص جليا في هذه الصورة الخرافية: األنتروبولوجي .وقلما نجد كاتبا «بعد أيام تأتي إلى أمي تبشرني قصصيا ال يشغل صورة االستعارة ب ��أن إح���دى م�ع��ارف�ه��ا ق��د طلبت منها شراء حمامتين لتذبحهما على ابنتها التي ذات البعد االن��زي��اح��ي والتضميني ،كما يظهر تشتكي من آالم رأسها المتواصل ،وكنت أرضخ لنا ذل��ك واض �ح �اً ف��ي ه��ذه ال �ص��ور االستعارية لهذا الطلب بصعوبة بالغة ،فمظهر ال��دم يثير الموحية« :القرية هذا اليوم تنقش الفرح على كل خ��وف��ي واش �م �ئ��زازي ،فكيف إذا ك��ان يسيل من شبر فيها ،على ترابها وجدرانها ونخيلها ،وتسيل حماماتي التي أرهقت نفسي في تربيتها ،لكن من فمي ضحكات كثيرة كنت افتقدها منذ مدة، يبقى ه��ذا ق��دره��ا اللعين ،ق��دره��ا ال �ق��ادم نحو وعريس القرية صديق لي سأكافئه كما كافأت كل العرسان من قبله ،سأهدي له خمس حمامات الموت والفناء»(.)4 وثالثة أكياس صغيرة من الشعير ،وسأحرص هكذا ،يصبح طقس التضحية وإسالة الدم من كعادتي على أن أفرج عن كل حماماتي في صباح الظواهر األنتروبولوجية التي تعود عليها اإلنسان زواج��ه ،وأطيرها لتحتفل في السماء حتى إذا منذ القديم ف��ي التعامل م��ع ظ��واه��ر الطبيعة، ما قرب المساء أفتح لها قفصها الكبير لتدخل ومواجهة الكوارث واألم��راض واألوب�ئ��ة .واآلتي، مطمئنة تلملم ما تبقى من حريتها»(.)5 إن ه��ذه ال�ط�ق��وس أصبحت ظ��واه��ر اجتماعية يبدو أن ه��ذا المقطع السردي يعج بالصور وإنسانية وثقافية ،تعبّر عن مرحلة األسطورة من جهة ،ومرحلة الالهوت من جهة أخ��رى ،لينتقل المجازية ،والسيما الصور االستعارية منها ،مثل:
اإلنسان – بعد ذلك -إلى مرحلة الوضعية القائمة على العلم والعقل والتجربة.
10
اجلوبة -صيف 1433هـ
ت�ع�ت�م��د ال� �ص���ورة ال �ت �ن��اص �ي��ة ع �ل��ى اإلحالة المرجعية ،والمعرفة الخلفية ،واستدعاء الذاكرة الواعية وغير الواعية ،وذلك في شكل ترسبات ثقافية ومعرفية ،من أجل تطعيم النص السردي تعضيدا وإسنادا وتقوية له ،كما يبدو ذلك جليا في هذه الصورة التناصية التي تسترجع قصة نوح عليه السالم عند الكاتب السعودي فهد الخليوي في مجموعته القصصية« :مساء مختلف» ،وقد استحضر المؤلف السارد هذه الصورة التناصية للتأشير ع�ل��ى ط��ول ال��زم��ن ال ��ذي ع��اش��ه نوح، وتتمنى الشخصية الرئيسة المتقاعدة لو أوتيت ع�م��را ط��وي�لا مثل ه��ذا النبي المعمر« :مضت األشهر المتبقية بسرعة الثواني ،وخرج من بوابة اإلدارة وهو يحمل حقيبة صغيرة ،وضع بداخلها أوراق ��ه الخاصة ،وورق��ة تحولت كسهم جارح نفذ لمشاعره بقوة، إنها م��ذك��رة ط��ي ق�ي��ده ..ي��ا لها م��ن ورق��ة م��ؤث��رة قلبت موازين كيانه ،وفتحت صفحة جديدة موجعة لما بقي من عمر قصير سيتالشى بعد س �ن��وات قليلة، تذكر قصة نوح الذي عاش ألف عام ،قرأ هذه القصة مرارا في كتب األولين وبمختلف الروايات التي روى بعضها أن نوحا عاش أل �ف��ا وس�ب�ع�ي��ن ع��ام��ا ،حاصره
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تسيل من فمي ضحكات -لتحتفل في السماء سؤال صعب: – تلملم م��ا تبقى م��ن حريتها .وت �ق��وم ك��ل هذه لماذا ال تطول أعمار البشر أسوة بعمر نوح،الصور على خاصية التشخيص والحركة والنزعة طالما هناك قوة خفية تستطيع فعل ذلك؟ اإلحيائية اإلن�س��ان�ي��ة .بمعنى أن الطبيعة بكل تواردت في خاطره كثير من األسئلة الصعبة تجلياتها تشارك عريس القرية فرحته وسعادته كهذا السؤال الذي لن يجد له إجابة مقنعة ،في العارمة. ظل الثوابت السائدة التي درج معظم البشر على الصـ ــورة التناصيـ ــة: اإليمان بها منذ آالف السنين»(.)6 وه �ك��ذا ،تحيل ه��ذه ال �ص��ورة التناصية على إشكالية ال��زم��ن ف��ي تفاصيلها الميتافيزيقية واإلن �س��ان �ي��ة ،ك�م��ا ت��رص��د ل�ن��ا رغ�ب��ة الشخصية القصصية في أن يطول عمرها مثل ن��وح عليه السالم ،لتبعد عنها مؤقتا شبح الموت التراجيدي الذي يهدد مصير كل إنسان ،ويهزم كل اللذات الدنيوية.
صـ ــورة االستبط ــان: ن �ع �ن��ي ب� �ص ��ورة االس��ت��ب��ط��ان ت �ل��ك الصورة الوجدانية القائمة على االنفعاالت والمشاعر الداخلية المستبطنة في أعماق الذات الشعورية والالشعورية ،وتعبّر عن الحالة النفسية التي تكون عليها الشخصية داخل المتن الحكائي ،كما في هذه الصورة السردية المعبرة ع��ن ح��ال��ة ال �م��وظ��ف المتقاعد الذي يعاني من اإلحباط واليأس واالنهيار النفسي« :أخذ يتصنع االب �ت �س��ام��ة ع �ل��ى م �ح �ي��اه أمام زم�ل�ائ��ه أث��ن��اء ح�ف�ل��ة التوديع، تظاهر وكأنه في غابة السعادة واالب�ت�ه��اج ،لكن مشاعر الحزن واالكتئاب ظلت تغلي من داخله! ها هو يدخل مرغما إلى عالم ال�م�ت�ق��اع��دي��ن ..إن��ه ع��ال��م يشبه القبر المفتوح ،حيث يصبح المرء
اجلوبة -صيف 1433هـ 11
وهو بداخله ،وكأنه أقرب للموت من الحياة ،عالم يصبح فيه العد تنازليا نحو النهاية األليمة»(.)7 تعكس ه��ذه ال �ص��ور ال �س��ردي��ة االستبطانية مجموعة من األحاسيس والمشاعر واالنفعاالت الداخلية التي يستضمرها البطل اإلشكالي الذي يتعرض للموت البطيء؛ وذلك من جراء تسريحه من عمله اليومي ،وإبعاده عن نشاطه الدؤوب، وذلك توديعا وإعالنا لنهايته المؤلمة.
الص ــورة الوصفيــة: ت� �ق ��وم ال�� �ص� ��ورة ال ��وص� �ف� �ي ��ة ع� �ل ��ى تشغيل الموصوفات النعتية والحالية والصور المجازية لتتبع ال�م��وص��وف خ��ارج�ي��ا أو داخ�ل�ي��ا ،وتتعدى الصورة الوصفية طابعها التزييني أو التقبيحي إلى طابعها الداللي والوظيفي والحجاجي ،كما في هذه الصورة الوصفية االستهاللية التي ترصد لنا شخصية «أب��و مستور» في مجمل مالمحها المظهرية والنفسية واألخالقية واالجتماعية: «أراه يوميا جالسا في الشارع المؤدي إلى منزلي، يفترش سجادة عتيقة ،مسندا ظهره إلى جدار منزله الشعبي الصغير ،يحتسي قهوته وحيداً، م�ع�ظ��م ال ��وق ��ت ،مكتفيا ب��ال�ت�ح��دي��ق ف��ي وجوه العابرين ،ومكررا جملته الترحيبية المعتادة لكل عابر يلقي عليه السالم:
تتكئ على الحركة المعبرة ،وتحمل في طياتها دالالت نفسية وأخالقية واجتماعية وإنسانية متميزة.
الصـ ــورة الميتاسردية:
تستند الصورة الميتاسردية إلى فضح لعبة ال�ق��ص ،وتبيان آلياتها ال�س��ردي��ة متناً وخطاباً ورؤي��ة ،وتكسير اإليهام الواقعي عن طريق خلق حكايات تخييلية ،كما يظهر ذلك بيِّنا في هذه الصورة السردية الميتاسردية التي تتداخل مع أح��داث القصة ،ضمن ما يسمى بالقصة داخل القصة« :يعتصر أبو مستور ذاكرته بالكثير من حياك الله ،اتقهوى!الحكايات التي يستمتع بسردها أم��ام ضيفه، ذات يوم استجبت لدعوته استضافني بحفاوة حيث تنبسط أسارير وجهه وتظل أقل انكماشا بالغة ،وكأنه يعرفني منذ زمن طويل ،تناول دلته عندما يحكي. الصفراء الالمعة ،وسكب لي من فوهتها النحيلة ت �ت �غ �ي��ر ت �ج��اع �ي��د وج� �ه ��ه ،ب �ح �س��ب أح� ��داث المنسابة فنجانا من قهوته الساخنة التي أعدها القصة التي يرويها ،فتجد عالمات الحزن هي بمزاج رائق وإتقان محكم»(.)8 الطاغية على محياه ،وهو يحكي بألم عن عقمه تنضح هذه الصورة بأوصاف إنسانية حية ،المستعصي على العالج .وكيف صرف الكثير مما وتزخر بنبضات اللقطة السينمائية المتحركة .يملك لألطباء والسحرة والمشعوذين على أمل بمعنى أن هذه الصورة الوصفية لقطة سينمائية ،أن ينجب طفال يطلق عليه اسم مستور تخليدا
12
اجلوبة -صيف 1433هـ
أح�ب�ه��ا ..ال ي��زال عطرها ينبعث ف��ي زواياالمكان ،ومالمحها ال تبرح مخيلتي ،لم أتوقع أن فاطمة ستعاملني بهذه القسوة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
لذكرى أبيه ،وم��ا تكبّده من ح��زن وم��رارة جراء هروب زوجته إلى بيت أبيها ،عندما فقدت أمل اإلنجاب منه ،وتركته يعاني من وحشة الوحدة وعذابات الفراق ..تنهّد بأسى قائال:
ال�ه��روب نحو ع��وال��م افتراضية خ��ارق��ة ،قوامها االس�ت�م�ت��اع ب��ال�ح��ري��ة ،واألخ ��ذ بمنطق اإلباحة، وتحقيق الرغبات الدفينة والمكبوتة على مستوى الالشعور النفسي أو الحلمي ،كما يظهر ذلك واضحا في قصة «بدر» المأخوذة من مجموعة: «عبق النافذة» للكاتب السعودي محمد البشير: «البدر في هذه الجزيرة (التايالندية) أكبر .الكل يرقص الكتمال القمر .والعرق ينز من األجساد المرمرية ،ليصدر رائحة توسطت ما بين العطور الباريسية والكحول ال��روس�ي��ة .ويكسبها ألوانا قزحية بفعل ضوء القمر .رقصت بطاقة عجيبة ت �س��اوي ج�ه��د ع�م��ري ال�م�ن�ص��رم .وك�ل�م��ا ظمئت زدت طين جسدي من بلل (البيرة) وزدت شعلة سيجارتي عالمة كرمي الحاتمي.
ينتقل أبو مستور من حكاية إلى حكاية ،وال يعطيك فرصة لمقاطعته ،بل يفرض عليك أن تظل منصتا وتستمع إليه ،تشعر أن الحكي يبدد همومه المتراكمة ،وكأن الصمت يؤلم قلبه ويزيد من كآبة وحدته ،تتنوع حكايات أبو مستور في مضامينها وأحداثها ،تارة يحكي قصة من عمق تفاصيل ح�ي��ات��ه ،وت� ��ارة أخ ��رى يحكي قصصاً قبل طلوع الفجر ،فعلت بي الكأس فعلتها. عاصرها وعايشها ،يرويها كشاهد على عصر حلقت ف��ي ال�ف�ض��اء وان�ع��دم��ت ال�ج��اذب�ي��ة؛ فخر مضى»(.)9 القمر تحت قدمي ،وفرت األرض حسناء مذعورة يلتجئ ال �م��ؤل��ف ال��س��ارد ف��ي ه ��ذا المقطع لتستلقي بين ذراع��ي .وعلم ب�لادي يرفرف في ال�س��ردي إل��ى تشغيل الصور الميتاسردية التي السماء .ق��رأت اسمي على ظهر أح��د الفتيات ت�ك�س��ر ن�ظ��ري��ة اإلي��ه��ام ب��ال��واق �ع �ي��ة ،وذل���ك عبر ضمن رواد الفضاء. ممارسة التخييل ،وفضح طقوس الكتابة التي هي استيقظت على صوت هاتفي: في الحقيقة حكاية متخيلة ليس إال ،يراد منها ()10 كيف حالك يا ولدي؟» . التعبير عن ال��ذات أو رصد الواقع الموضوعي بفنيات جمالية وتخييلية متنوعة. تعبر هذه الصورة الفانطاستيكية على سفر
الصـ ــورة الفانطاستيكية:
مخيالي خ ��ارق ،ي�ت�ج��اوز ف�ض��اء البسيطة بكل معالمه السفلية الدنيئة ،وذلك نحو عوالم فضائية عجيبة محيّرة ،لتحقيق كل الرغبات الممنوعة على مستوى الهو أو الالشعور النفسي؛ وإن كان ه��ذا السفر المخيالي لم يكن في الحقيقة إال حلما لذيذا ،أو تخيال بشريا ناتجا عن مفعول السكر والهذيان السريالي.
ت�ش�غ��ل ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة ال �س �ع��ودي��ة ضمن محكياتها ال �س��ردي��ة ال �ص��ورة الفانطاستيكية ال �ق��ائ �م��ة ع �ل��ى ال �ت �غ��ري��ب م��ن ج �ه��ة ،والتعجيب م��ن جهة أخ ��رى .كما تنبني ه��ذه ال �ص��ورة على مجموعة م��ن ال�ت�ح��والت ال�خ��ارق��ة لالنتقال من ع��ال��م العقل واألل �ف��ة والمنطق والحقيقة ،إلى عالم الغرابة واالفتراض والتخييل؛ للتدليل على ص ــورة المتخيل: تتضمن بعض القصص القصيرة متخيالت رفض العالم السفلي بكل قيوده المشروطة ،مع
اجلوبة -صيف 1433هـ 13
دالل �ي��ة وم��وض��وع��ات �ي��ة م �ت �ن��وع��ة ،ت�ت�خ�ل��ل ذاك ��رة الشخصيات القصصية بشكل م��ن األشكال؛ كمتخيل الباب الذي يشكل بؤرة داللية وفضائية في قصة فهد المصبح« :الباب في مهمة خاصة»: «الكل في المدرسة يدرك مدى ذكائها ،على الرغم من حداثة سنها ،طفلة في العاشرة ،وهبها الله النبوغ وقراءة األفكار ،ولكنهم ال يتوقعونها بهذا الفقر المدقع ،فسجاياها غطت كل بؤس طبع يحس أحد بحالها دون أن تفصح، ّ أسرتها ،تود لو فطلبات الدراسة أرهقت والدها ،الذي ال يتوانى عن توفيرها مضحيا بكل ما يملك. تمتلك الكثير من األجوبة ،لكنها اليوم تسأل أباها بإلحاح عن ب��اب بيته ،فيخبرها أن��ه عند النجار ليصلحه ،وتنتظر ..وال يأتي الباب ،ما جعل أباها يعمد إلى سد الفتحة بأعواد ولحاف سميك. لعوز مفاجئ ،باع أبوها الباب دون أن يخبر أسرته بذلك .فأحدث ذلك فراغا في مخيلتها، ف�ص��ارت يوميا -وق�ب��ل ذهابها إل��ى المدرسة- تتوقف عند مدخل بيتهم لترى آثاره وتتخيل شكله، فكتبت عنه سطورا ضمنتها خلجات عشق غريب، يشرح مكانة الباب في حياة سكان الدار.)11(».. وهكذا ،يصبح الباب متخيال شاعريا وصورة فضائية ،تؤثر بطريقة من الطرائق على الشخصية المحورية داخل القصة؛ ألن الباب جزء ال يتجزأ م��ن ه ��ذه الشخصية ف��ي م��اض�ي�ه��ا وحاضرها ومستقبلها؛ نظراً المتدادات صورة هذا المتخيل في ذاكرة الشخصية حدثا وزمانا ومكانا.
الصورة الشاعرية:
أن القصة يتقاطع فيها السرد مع الشعر ،فتتحول ص��ور الملفوظات ال�س��ردي��ة إل��ى ص��ور شاعرية موحية ،تعبق باالستعارات والمجاز واالنزياح وال �ت �ك��رار وال� �ت ��وازي ،وت�ت��دف��ق بنبضات اإليقاع الداللي واللفظي والصوتي؛ كما يبدو ذلك جليا في هذه الصور الشاعرية لدى الكاتب السعودي خالد المرضي الغامدي في قصته« :كرات ثلجية» ال �م��أخ��وذة م��ن مجموعته القصصية« :ضيف العتمة»« :حليمة تناغي عرائسها ،تصفق ،ترقص العرائس ...تجردها ...تلبسها ،شعورهن تنظمه جدائل ...حليمة والعرائس واألفق سواد ...شياه حليمة تجتر العشب ...تنحدر ،هناك يجري الماء زجاجيا صافيا ،تغمس أفواهها ...الشياه ...تبتلع العشب ..تبتلعه هنيئا ،تتعطر برائحة الحبق... وح�ل�ي�م��ة ت��راق �ص �ه��ا ...ال��ع��رائ��س ،ملونات... فاتنات، ف��ي ملتقى السماء ب��األرض أش�ج��ار العرعر ك�ث�ي�ف��ة م� �س ��ودة ،س �ح��ب م�ت�غ�ض�ن��ة ..ج �ب��اال من ب��رد ،أيضا في ملتقى السماء ب��األرض ظلمات ورع��د وب���رق ...سياط م��ن ل �ه��ب ...متعرجة... متربصة ،ض��وء يخطف وج��ه حليمة ...يخطف العرائس»(.)12 ت �ت �م �ي��ز ه� ��ذه ال� �ص ��ور ب �ط��اب �ع �ه��ا الشاعري الرومانسي الذي يختلط بالسرد القصصي ،وإن كانت الشاعرية هي الطاغية على صياغة هذه القصة ،وذلك بحقولها الداللية التي تنتمي إلى عوالم ذاتية سحرية ،مصنوعة بالمجاز والتكرار والتجريد الشاعري.
ص ــورة الت ــدرج:
نعني بصورة التدرج تصاعد الملفوظات عددياً تتحول المقاطع السردية في بعض القصص وكمياً ،إما بشكل تزايدي وإما بشكل تناقصي. القصيرة السعودية إلى محكيات شاعرية ،تختلط وتعبّر هذه الصورة عن الرؤية الكمية لألشياء في فيها الوظيفة الشعرية بالوظيفة السردية .بمعنى عالقتها بالشخصيات واألحداث ،كما يبدو ذلك
14
اجلوبة -صيف 1433هـ
«ل��م أص��دق وال ��دي حين ق��ال ل��ي :وحدها.. ق �ط��رة ال�م�ط��ر ف��وق وادي العقيق تطفئ لظى ظمئك ..ظننته ي�ه��ذي ..فلم أص��دق��ه ..والزلت ظامئا.».. -2-
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
واضحاً في قصة «حل الخريف» للكاتب السعودي جمعان الكرت« :همست في أذن شقيقها األصغر الذي يتلصص من خلف الباب لرؤية خالد بهذه البدلة األنيقة ..قالت استمع إلى حديث خالد.. قفز وليد وكان يتوارى خجال ..تقدم ..خطوة.. خ�ط��وت�ي��ن ..جلس ف��ي م�ك��ان غير ب�ع�ي��د ..وبدأ يتفرس خ��ال��دا ال��ذي راح يتحدث بكل ثقة عن الدراسة في الخارج ،والصعوبات التي واجهته ف��ي ب��ادئ األم ��ر ..فيما راح وال ��ده سفر وعمه فاضل وال��د أم��ل ..وإخ��وان��ه ينصتون للحديث، سفر يشعر من ثنايا حديث خالد ..ب��أن هناك أخبارا غير سارة سوف يفصح عنها»(.)13
-1-
«آه ..ك��م كنت أح��ب أم ��ي ..ورائ �ح��ة «شيلة» أمي ..وحدها أمي كانت تعرف ذلك ..واآلن ..لم يبق لي سوى شيلة أمي ..ورائحة أمي.».. -3-
«في نهار وداعها األخير ..أذكر أنها قالت لي: تعبر صورة« :خطوة ...خطوتين» عن التدرج سعيد ..أنا من اختار لك هذا االسم يا ولدي.. ال�ع��ددي ال��ذي يعكس تقدم ول�ي��د ،المدفوع من فال تبك ..التجعلني أبدو كاذبة أمام الله.. قبل أمل لترصد أخبار العائلة القريبة ،وتبيان ابتسمت ..فابتسمت!» أحاديثها المتشعبة ،والسيما في ما يتعلق بزواج -4خالد بأمل ،التي انتظرته طويال حتى يستكمل «في نهار وداعها األخير ..أذكر أنها قالت لي: عشيقها دراسته في الخارج ،ليعقد عليها – بعد ذلك -القران الشرعي؛ نظرا للحب الجميل الذي أرجوك ..ال تبك ..فالله ال يأخذ على جواره إال كان يجمعهما معا قبل ذل��ك .بيد أن خالد عاد الطيبين.. بزوجة أجنبية شقراء ليست من طينته ،وال هو أقسمت لها بكل مقدس ..أن أصبح ولدا.. من طينتها؛ ما أثار حفيظة أمل ،وهيج غضبها طيبا ..بكت!»(.)14 الداخلي واالنفعالي. وتأسيسا على ما سبق ،تكثر الصور الشذرية
الص ــورة الش ــذرة: نعني بالصورة الشذرة أو الصورة الومضة تلك القبسات القصصية المختصرة بدقة ،وهي تجمع في طياتها عصارة الحياة بدقة وإحكام وإتقان، وتستند إلى بالغة اإلضمار والتكثيف واالختزال واإلي�ح��اء واالن��زي��اح ،كما نالحظ ذل��ك جليا في قصة« :ومضات »!!..للكاتب السعودي سعيد بن عبدالله الدوسري:
أو ال�ص��ور الومضية ،ضمن جنس أدب��ي جديد يسمى بالقصة الشذرية ،تلك القصة التي تقوم على ت��وال��ي المقاطع ،وتكاثر ال�ص��ور السردية تكثيفا وت��رك �ي��زا وإض� �م ��ارا وت�ج�م�ي�ع��ا وتواليا وتعاقبا .بمعنى أن الصورة الشذرة تقول الكثير والكثير ،على الرغم من قصر حجمها ،وتطرح أسئلة كبيرة في كلمات قليلة ومعدودة ومحدودة. ويعني هذا أن الصورة الومضة هي صورة موحية ومجازية وانزياحية ،دال��ة سيميائيا ،من خالل
اجلوبة -صيف 1433هـ 15
ملفوظاتها المفتوحة والمكوّمة تراكماً واتساقاً وانسجاماً ،على الرغم من انفصالها عن باقي ال وتوالداً الصور والمقاطع السردية األخرى تناس ً وتعاقباً.
ص ــورة التذويــت:
تكرير الكلمات أو إع��ادة الملفوظات والعبارات التركيبية نفسها ،إم��ا للتثبيت والتأكيد ،وإما لخلق ن��وع من اإلي�ق��اع الهرموني داخ��ل النسيج القصصي ،وإما لتوفير التماسك النصي اتساقا وان�س�ج��ام��ا؛ كما ي�ب��دو ذل��ك واض�ح��ا ف��ي قصة: «نمل الكلمات» للقاص السعودي ضيف فهد: «أسمعها ،أسمعها؛ تركض كسلسلة م��ن النمل األس��ود القوي ،كمخلوقات هائلة لديها القدرة على المثابرة .تتسلق أرجل السرير ،وتنتثر على ال�ل�ح��اف ،وت�ت�ج��ول باحثة ع��ن أذن���ي ..وم��ع أني حاولت فعل كل شيء ألدلها على الطريق ،إال أنها تتوه في النهاية»(.)19
تحيل ص ��ورة ال �ت��ذوي��ت ع�ل��ى خ �ط��اب الذات بكل انفعاالتها الوجدانية ،وتأمالتها الجوانية، ومشاعرها المستبطنة ،التي غالبا ما تختفي وراء ضمير المتكلم؛ إفصاحا وإع�لان��ا وبوحا وانسيابا ،كما يتجلى ذلك واضحا عند القاصة السعودية نورة عبد الله السفر« :في تلك األيام.. كانت ق��وة احتضاناته تجعلني أح��س ب��أن قلبه تعتمد ه��ذه ال �ص��ورة ال�ت�ك��راري��ة على تكرار بحبه الالمتناهي يحتويني ويصادر أي حق بحب كلمة «أسمعها» مرتين ،لتثبيت متخيل السمع، سواه .كنت أرى نفسي في عينيه الطفلة الجميلة والتشديد على هذه الحاسة التي تذكرنا بقصة المشعة بالحياة .أم��ا اآلن ..فأنا على العكس ال �ن �ب��ي س�ل�ي�م��ان ع�ل�ي��ه ال��س�ل�ام ت �ن��اص��ا وإيحاء م��ن ذل��ك ت�م��ام��ا .ف�ت��اة ال مبالية ت�ك��ره الحياة؛ واستدعاء. إنها تهبنا أجمل األشياء ..ثم تسلبها بطعنة في الص ــورة االفتراضي ــة: الظهر.)15(».. تنبني الصورة االفتراضية على آليات الشرط ويالحظ أن أغلب القصص النسائية تطغى عليها صورة التذويت ،وتتحول المقاطع السردية الحجاجي أو آل�ي��ات التمني وال��رج��اء والتوقع، إلى رسائل ذاتية مسترسلة ،وإنشاءات عاطفية كما يبدو ذل��ك جليا في قصة« :مغلق بإحكام» وانفعالية ،بعيدة كل البعد عن مقومات القصة لناصر بن محمد العمري ،حيث يعنى بمتخيل القصيرة ،حيث تغيب الحبكة السردية ،وآليات الباب ،بطريقة فنية قائمة على الصراع الداخلي ال �س��رد تحبيكا وتخطيبا .واآلت���ي ،أن�ه��ا مجرد والموضوعي ،وذل��ك م��ن خ�لال ممارسة منطق االفتراض التصوري والمنطقي والحجاجي ،مع خواطر شاعرية وكتابات إنشائية ذاتية ليس إال. التلذذ بمراقبة اآلخ��ر« :يحمل بين يديه معوال وينطبق ه��ذا بشكل م��ن األش �ك��ال على قصص قديما مهترئا ،يحاول به فك الباب المغلق ،حاول بعض الكاتبات السعوديات ،مثل :قصة« :ذبول به حتى خارت ق��واه .يجلس على األرض .يسند وردة» لليلى الحربي( ،)16وقصة« :قصتان» لمريم ظهره إلى الباب المغلق ،يغرق في نوبة من جنون. محمد ال �ل �ح �ي��د( ،)17وق �ص��ة« :أك �ب��ر م��ن الجرح» يحدث نفسه بصوت مسموع: لمالك الخالدي(..)18 أوش ��ك أن اغتنم ال �ف��رص��ة ..ألب�ك��ي وأولول ص ــورة التك ــرار: كما لم أفعلها من قبل ،أعلم أن الكل يراقبني، تعتمد صورة التكرار على ترديد الحروف أو تدهشهم أسمالي ،تغرقهم الضحكات من حالي..
16
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
يثرثرون: أم كان فضاء عتبة ،يحيل على الشوارع واألزقة والفضاءات الواقعة بين بين ،بين الداخل والخارج، ((أداته ال تصلح لهذه المهمة))؛ بين المنغلق والمنفتح .وتعد الصورة الفضائية ((النقطة التي اختارها لكي تكون مكانا للثقب أه��م ص��ورة مهيمنة ف��ي قصة« :ال�ب�ئ��ر» للقاص خاطئة))؛ ال�س�ع��ودي زك��ري��ا ال�ع�ب��اد« :ح�ي��ن أعيتهم الحيلة لو أنه يرتدي حذاء لكان أجمل.. الستخراج الذين سقطوا في البئر ،أخبرني أحد إخوتك بأنهم كانوا ينوون تنظيف البئر القديمة، لو أن على رأسه كابا لكان أقوى.. وإع ��ادة تشغيلها؛ فسقط فيها أح��ده��م ،وعلق لو أن أظافره أطول ..لو لو لو لو الثاني وهو يحاول إخراجه ،وتوقفت محاوالتهم ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن ك��ون��ي م�ت�ي�ق�ن��ا م ��ن أنهم حين كان مصير الثالث صاحبه. سينصرفون بعد أن تنتهي طقوس شهواتهم.. خ��ذون��ي إل�ي�ه��م ،يمكنني إخ��راج �ه��م ،لقدشهوة النظر.. حفرت البئر بيدي. شهوة الكالم.. ربطت الحبل السميك المجدول من الليف في وسطي .ونزلت بعد أن أعطيتهم نهاية الحبل شهوة االنتقاد ..وشهوة االنقياد.. إال أنني أكاد أموت حنقا؛ فهذا الباب الحقير الثاني .وأمرتهم أن يسحبوه حين آمرهم. محكم ب��إغ�لاق ،وق��واي خ��ارت ..وه��م يمارسون في قاع البئر كان الهواء شبه منعدم .ولم يكن الغباء»(.)20 بإمكاني أن أرى شيئا ،أخذت أبحث برجلي في
يتبين لنا أن ال �ص��ورة االف�ت��راض�ي��ة ف��ي هذا المقطع السردي تقوم على لفظة «لو» التي تدل على التمني من جهة ،والشرط من جهة أخرى، ولكنها تحمل في طياتها دالالت منطقية مبنية على االشتراط واالفتراض واالستلزام االقتضائي والحواري والجزائي.
الصـ ــورة الفضائية: تنبني ب�ع��ض ال�ق�ص��ص ال�ق�ص�ي��رة السعودية على تثبيت صورة الفضاء ،وتأكيدها في مخيلة المتلقي ،بوصفها ص��ورة محورية وبؤرية داخل ال�ع�م��ل ال�ق�ص�ص��ي؛ ف��ال�ف�ض��اء ه��و ال ��ذي يحوي األحداث والشخصيات في الزمان والمكان .وكم من قصة مرتبطة بفضاء مكاني معين ،سواء أكان ذلك الفضاء حميما ،كالمنزل أو العش ،أم كان فضاء عدوانيا ،كالسجن والمعتقل والزنزانة،
الماء إلى أن تعثرت قدماي برأس آدمي ،رفعته برجلي ..وتحسست ع��روق عنقه ،فعرفت بأنه ف��ارق الحياة .حين عثرت على الثاني ك��ان هو اآلخر قد مات ،تركته ألبحث عن الثالث ..فلربما أدركته قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة .كانت عروق عنقه ال تزال تنبض ،ربطته بالحبل وأمرتهم أن يسحبوه ،ويعيدوا الحبل ألرفع الرجلين. حين أخرجوني من البئر ،كان ول��دك محمد وأخ��وه أحمد ممددين إل��ى جانب فوهة البئر، وك��ان ال��رج��ال يركبون أخ��اك (ع�ل��ي) ف��ي إحدى السيارات ..ويهرعون به إلى المستشفى .وفي س �ي��ارة أخ ��رى أرك �ب��وا ول��دي��ك ،ف��ي المستشفى تأكدوا بأنهما فارقا الحياة كما أخبرتهم. رب�م��ا ك��ان��ا ي �ح��اوالن إخ ��راج لبنتك المضيئة ورميها في الظالم ..فسقطا .وربما كانا يحاوالن
اجلوبة -صيف 1433هـ 17
إعادة مياه البئر .لكن بعد أن فات األوان .ذهب األق��رب إلى السينما وال��درام��ا ،من اقترابها إلى ول� ��داك .وب �ق��ي ع �ل��ي .ع�ي�ن��اه ت�ش�ب�ه��ان عينيك .األدب ذي الطابع اللغوي والوصفي والتجريدي. أتذكرك كلما نظرت إليهما»(.)21 يعد البئر متخيل هذه الصورة الفضائية ،ويعني ه��ذا أن ال�ف�ض��اء ق��د يتحول إل��ى ص��ورة بالغية سردية ،حينما يكون بؤرة محورية داخل النسيج القصصي تحبيكا وتخطيبا وتخييال.
الص ــورة السينارستية: تستند ال �ص��ورة ال�س��ردي��ة السينارستية إلى توظيف مقومات السيناريو السينمائي ،وذلك ب�ت�ح��وي��ل ال�م�ق��اط��ع ال �س��ردي��ة إل ��ى ص ��ور حركية بصرية ،أو تحويلها إلى إرش��ادات ركحية درامية قابلة للتشخيص المرئي ،أو قابلة لتحويلها إلى لقطات سينمائية متحركة؛ كما يظهر ذلك واضحا في قصة« :حفلة تنكر» للقاصة السعودية شمس علي« :فتح عينيه ..ب��ادره ص��وت ناعم بالقول: الحمد لله على سالمتك». أجال النظر في أرجاء الغرفة ،البياض يحيطه من كل م�ك��ان ..ال �ج��دران ..الستائر ..األبواب.. السرير ..األغطية ..هل أنا في حلم؟ بدت مستغرقة في قراءة تقريره الطبي عندما تأملها مليا ،ومن ثم ،رفع صوته ،عفوا ..لو سمحت.. هل لي بطلب؟ أدارت رأسها نحوه ،وبحركة ال تخلو من رشاقة ،أسرعت ب��دس ميزان ال�ح��رارة تحت لسانه متمتمة« :دعني أقيس حرارتك أوال ،ومن ثم أحضر لك ما تريد»(.)22 م��ن يتأمل ه��ذه ال �ص��ور ال�س��ردي��ة داخ��ل هذا المقطع القصصي ،فيالحظ بأنها قد صيغت برؤية بصرية مرئية ،وذلك من خالل تتابع األفعال في شكل صور حركية ديناميكية ،تبين اإلطار العام أو الجو الذي ستجري فيه أحداث القصة .ومن هنا، فصور المقطع يغلب عليها الطابع السينارستي
18
اجلوبة -صيف 1433هـ
تقوي ــم وتوجي ــه:
يالحظ أن القصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية توظف -على غ��رار القصص العربية األخرى -مجموعة من الصور البالغية السردية، بيد أن أه��م ال�ص��ور الموظفة تلك ال�ص��ور التي تعتمد عليها بالغة الشعر ،مثل :صورة التشبيه، وصورة االستعارة ،وصورة الكناية ،وصورة المجاز ال�م��رس��ل ،وص��ورة ال��رم��ز ،وال �ص��ورة الميثية .زد على ذلك الصورة الوصفية ،والصورة الفضائية، وص��ورة الشخصية ،وال�ص��ورة الحدثية ...لكنها في حاجة ماسة إلى تشغيل صور سردية أخرى لالهتمام بها بطريقة م��ن ال �ط��رائ��ق ،كالصورة الميتاسردية ،وصورة التضمين ،والصورة األيقون، والصورة السيميائية ،والصورة الفانطاستيكية، وال�ص��ورة الحلمية ،وال�ص��ورة البصرية ...ويعني ه��ذا أن القصة القصيرة السعودية ما ت��زال في عمومها قصة كالسيكية تقليدية تحبيكا وتخطيبا ورؤية ،وهي في حاجة إلى تنويع صورها السردية، وأنماطها التعبيرية ،وسجالتها الكالمية ،وتجريب قوالب أخرى؛ إما ذات طابع تأصيلي تراثي ،وإما ذات طابع غربي حداثي .ولن يتم ذلك فعال إال من خالل االطالع على الموروث البالغي العربي من جهة ،واالنفتاح على البالغة الغربية الجديدة من جهة أخرى .ويالحظ كذلك أن كثيرا من القصص النسائية ليست قصصا سردية بالمفهوم الحقيقي للقصة؛ ألن�ه��ا تسقط ف��ي اإلن�ش��ائ�ي��ة ،والذاتية االنفعالية ،واالنسياب الشاعري ،واالقتراب من أدب الخواطر من ناحية ،أو من أدب الرسائل من ناحية أخرى .ومن ثم ،تهيمن على هذه الكتابات ما يسمى بصورة التذويت القائمة على االنفعال الوجداني ،واستبطان الذات والكيان الداخلي.
تركي ـ ـ ــب: تلكم-إذاً -نظرة مختصرة حول مفهوم الصورة ال �س��ردي��ة ب �ك��ل أب �ع��اده��ا ال �ب�لاغ �ي��ة ،ومالمحها القصصية ،ومقاصدها التداولية ،وذلك بالمقارنة مع الصورة الشعرية مشابهة ومجاورة ورؤيا .وتلكم ك��ذل��ك ن�ظ��رة مقتضبة ح��ول أه��م أش �ك��ال بالغة () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12 () 13 ( )14 ( )15 ( )16 ( )17 ( )18 ( )19 ( )20 ( )21 ( )22
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وعليه ،أدعو كتاب القصة السعوديين -ذكورا وإن��اث��ا -إل��ى استخدام ص��ور سردية أكثر حداثة وتجريبا وعمقا ،وذلك بتنويع األشكال والسجالت والقوالب الفنية والجمالية ،مع استلهام صور السرد العربي القديم ،من جهة ،واسترفاد صور البالغة الغربية الجديدة ،من جهة ثانية ،وتمثل آراء نظرية ميخائيل باختين البوليفونية ف��ي مجال تشكيل الصور السردية لغة وأسلوبا ،من جهة ثالثة.
الصورة السردية في القصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية؛ تحبيكا وتخطيبا وتشكيال .ومن ثم ،تتأرجح الصور السردية في القصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية ،وذل��ك على مستوى التوظيف واالستثمار واإلبداع ،بين ثبات األشكال التصويرية من جهة ،والبحث عن المستجد من ال�ص��ور البالغية تجريبا وتحديثا وتجديدا من جهة أخ��رى ،وبالضبط م��ن خ�لال االنفتاح على مستجدات النقد العربي الحديث والمعاصر تارة، واالستفادة من الموروث السردي العربي القديم تارة أخرى .ولكن القصة القصيرة السعودية في عمومها الفني والجمالي ما تزال في حاجة ماسة إلى التطوير ،والتجريب ،والتنويع ،والتحديث على مستوى بالغة الصورة السردية ،وذلك إن حكيا، وإن خطابا ،وإن خياال ،وإن رؤية.
طاهر الزارعي :زبد وثمة أقفال معلقة ،فراديس للنشر والتوزيع ،البحرين ،الطبعة األولى سنة 2010م ،ص.11: طاهر الزارعي :زبد وثمة أقفال معلقة ،ص.11: طاهر الزارعي :نفسه ،ص.11: طاهر الزارعي :نفسه ،ص.12-11: طاهر الزارعي :نفسه ،ص.12: فهد الخليوي :مساء مختلف ،النادي األدبي بالرياض ،السعودية ،الطبعة األولى سنة 2011م ،ص.60: فهد الخليوي :نفسه ،ص.61-60: فهد الخليوي :نفسه ،ص.65: فهد الخليوي :نفسه ،ص.66-65: محمد البشير :عبق النافذة ،دار الكفاح للنشر والتوزيع ،الدمام ،السعودية ،الطبعة األولى سنة 1428هـ ،ص.36-35: فهد المصبح( :الباب في مهمة خاصة) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،23 :ربيع1430هـ الموافق لسنة 2009م، ص.46: خالد المرضي الغامدي :ضيف العتمة ،النادي األدبي بالباحة ،السعودية ،الطبعة األولى سنة 2010م ،ص.100: جمعان الكرت( :حل الخريف) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،17:صيف2007م1428 /هـ ،ص.35: سعيد بن عبد الله الدوسري( :ومضات ،)!!..مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،17:صيف2007م1428 /هـ ،ص.36: نورة عبد الله السفر( :اجتياح) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،34:شتاء 2012م1433/هـ ،ص.74: ليلى الحربي( :ذبول وردة) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،33 :السنة 2011م1432/هـ ،ص.72: مريم محمد اللحيد( :قصتان) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،33 :السنة 2011م1432/هـ ،ص.75: مالك الخالدي( :أكبر من الجرح) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،29:السنة 2010م1431/هـ ،ص.71: ضيف فهد( :نمل الكلمات) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد2010 ،26:م1431 ،هـ ،ص.48: ناصر بن محمد العمري( :مغلق بإحكام) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،26 :السنة 2010م1431/هـ ،ص.53-52: زكريا العباد( :البئر) ،مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،29:السنة 2010م1431/هـ ،ص.72: شمس علي( :حفلة تنكر ،)..مجلة الجوبة ،السعودية ،العدد ،29:السنة 2010م1431/هـ ،ص.75 :
اجلوبة -صيف 1433هـ 19
القصة القصيرة في اململكة
العربية السعودية في عصر الرواية
> عبدالرحمن الدرعان -من السعودية
أود قبل مقاربة الموضوع ،اإلشارة إلى أكثر من مسألة: األولى :أن الباعث لهذا السؤال مهما كانت درجة شرعيته هو القلق على مستقبل القصة القصيرة ،التي ال يختلف اثنان على انحسارها ،إزاء الرواية ،وهو قلق يظهر في الغالب على هيئة استصراخ أو استنهاض ،أو ربما نقول بال مبالغة على هيئة رثاء مبكر لفن لم يحالفه الحظ بالصمود ،غير إنه في كل حاالته يمتثل لسطوة الذهنية الواحدية التي تطبع الشخصية العربية عموما ،والتي ال ترى على األرجح إال بعد ًا واحداً ،وال تستطيع استيعاب أن المساحة واسعة الستيعاب كل األشكال التعبيرية ،من دون الحاجة إلى صراع يفرض تقويض شكل ما لحساب شكل آخر. وم��ن هنا ،ن��رى كيف تتعالى األص ��وات وفقا
بأنه عصر الصورة ،وهو توصيف سيكون أكثر دقة
ل �ل �م��زاج ال �ن �ق��دي ب��أول��وي��ة ال �ف��ن ال ��روائ ��ي مثال،
وواقعية والسيما في واق��ع ما ت��زال تتفشى فيه
وانطفاء فن القصة القصيرة التي كانت صدى
األمية ،فمن يتأمل سقوط النخبة وبروز الشعبي
لمقولة الناقد المصري جابر عصفور« :إن الرواية
وفق تعبير الدكتور عبدالله الغذامي ..فإنه سيجد
أصبحت هي ديوان العرب».
أن األدب بشكل خاص سيكون مكانه األرشيف ما
وفي بداية السبعينيات الميالدية ،كان الشاعر لم يجترح هذه الوسائط الحديثة التي أصبحت والناقد أدونيس يراهن على زمن الشعر ،ويقصد في هذا العصر المتحول لغة العالم. ب��ه حركة الشعر الجديد التي تبشر بمستقبل
أستطيع الجزم بأن االمتثال لهذه المقوالت
القصيدة الخارجة على مألوف البناء الكالسيكي؛ التي تريد القبض على التاريخ واحتكاره على فن شكال وبناء ورؤيا.
الرواية مثال ..إنما تراهن في الوقت ذات��ه على
وإذا ما أصغينا قليال ،لتناهى إلى أسماعنا موت الرواية. خ���ارج ه ��ذا ال�ح�ق��ل ب ��أن ث�م��ة م��ن ي�ص��ف عصر
إن الفنون التعبيرية بعامة تنتسب للتاريخ
الميديا والفضاء السيبيري والتقنية اإللكترونية والزمن المفتوح حتى حينما يطغى لسبب أو آخر
20
اجلوبة -صيف 1433هـ
وإذا م ��ا ت�ت�ب�ع�ن��ا تاريخ ال� �ق� �ص���ة ال� �ق� �ص� �ي���رة في السعودية ،فسوف نجدها ك ��ان ��ت ال� �ف ��ن األق�� ��ل حظا لقصر ع�م��ره��ا ف��ي مقابل ال �ش �ع��ر ال� ��ذي ي �ت��وف��ر على تاريخ طويل ،ولعدم مواكبة النقد األدب��ي ال��ذي يساهم ف��ي تحريكها ،األم��ر الذي جعلها متخلفة وغير مؤهلة لمنافسة الشعر منذ بداية ازده� � ��اره� � ��ا ،ع� �ل ��ى أي� ��دي م�ج�م��وع��ة م��ن ال �ك �ت��اب في منتصف السبعينيات ،الذين
الرهان الحقيقي يكمن فيدرج���ة اإلخ�ل�اص للفن أيا كان نسبه. ال����ف����ن ال���ح���ق���ي���ق���ي ل�����ه كلاألزمنة. ال����ش����خ����ص����ي����ة ال����ع����رب����ي����ةخاضعة لسطوة الذهنية الواحدية التي ال ترى إال بُ عد ًا واحداً. اس���ت���ي���ع���اب ك�����ل األش����ك����الالتعبيرية ال يحتاج لصراع ي���ق���وض ش��ك��ل م���ا لحساب آخر.
ل�ي�ظ�ه��ر ف��ي ص� ��ورة رواي� ��ة، نظرا لكونها القالب األكثر م�ل�اءم��ة ،وه �ك��ذا ك ��ان قدر القصة القصيرة أن تكون الشمعة التي ض��اع وهجها
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أحدها على اآلخر.
ال ي���خ���ت���ل���ف اث�����ن�����ان علىان��ح��س��ار ال��ق��ص��ة القصيرة إزاء الرواية.
الطريق للمكبوت االجتماعي
بين أكثر من شمس. واآلن س � ��وف ن � ��رى أن ال� �ق� �ص ��ة ال� �ق� �ص� �ي ��رة جدا ب��دأت تتسلل كشاهد أخير ي��ري��د إع�ل�ان وف���اة القصة القصيرة. وب�ع�ي��دا ع��ن المراهنات واستنطاق المستقبل الذي تضج به ساحتنا الثقافية كما يحدث في سوق البصارات،
كانت أصواتهم متناغمة مع
النصوص القصصية في الوطن العربي .وما أن فإن الرهان الحقيقي يكمن في درجة اإلخالص
بدأت تحتل موقعها خالل العقود القليلة الماضية للفن أيا كان نسبه. حتى اصطدمت باالنفتاح اإللكتروني ..الذي فتح
عبدالله الغذامي
ولعلي حينما أطالع شغف الكتّاب والشعراء
جابر عصفور
أدونيس
اجلوبة -صيف 1433هـ 21
والصحفيين أحيانا بالهجرة
المقوالت التي تريد القبضعلى التاريخ واحتكاره على فن الرواية مثال إنما تراهن في الوقت ذات��ه على موت الرواية.
م��ا ك��ان إال حبرا على ورق
ال����ق����ص����ة ال����ق����ص����ي����رة فيال���س���ع���ودي���ة ك����ان����ت ال��ف��ن األقل حظا ،لقصر عمرها في مقابل الشعر.
إل��ى حقل ال��رواي��ة أستطيع ال �ت��أك �ي��د ع �ل��ى أن جُ � � � َّل ما نزفته دور النشر لم يكن إال من خالل استثناءات قليلة (بالمعنى الحرفي للكلمة). إن �ه��ا لعبة ك��ان اإلعالم ب �ش �ت��ى ص � ��وره ه ��و البطل فيها ،ويكفي من يستعرض ب �ع��ض ال �ع �ن��اوي��ن ف��ي سوق الرواية أنه سيكتشف بدون ع �ن��اء أن �ه��ا ل �ه��اث إعالمي، واق� ��رأ ع�ل��ى س�ب�ي��ل المثال ال الحصر عناوين( :بنات
(ب�����ن�����ات ال�������ري�������اض ،ن���س���اءالمنكر .ال يوجد مصور في عنيزة ،يوميات خادمة في ال��خ��ل��ي��ج ،ش��ب��اب ال��ري��اض)، عناوين يمكن استساغتها كتحقيقات صحفية.
ل�م��ا ت�ن�ط��وي عليه م��ن ب ٍُعد يتعلق ب��ال��راه��ن اإلعالمي، وبما تتطلبه السوق ال أكثر، وهي أحيانا ليست أكثر من إع ��ادة صياغة لقصاصات م� ��ن ال� �ص� �ح ��ف مشفوعة بمساحيق لغوية وليس أكثر، وأظ ��ن أن ه��ذا س�ب��ب كاف حتى في حال نجاح بعضها م��ؤق�ت��ا بانطفائها كفقاعة أفرزتها موجة ضالة. وأخ �ي��راً أستطيع القول ب � ��أن ال� �ف ��ن ال �ح �ق �ي �ق��ي له ك��ل األزم� �ن ��ة ،إن المتنبي، وبودلير ،وإدغار ألن بو ،وأبو
الرياض ،نساء المنكر .ال يوجد مصور في عنيزة ،تمام ،وألف ليلة وليلة ..مهما نأى الزمن بها ،فإنه يوميات خادمة في الخليج ،شباب الرياض) ،إنها يظل يصقلها من جديد ((ما ينفع الناس يمكث في عناوين يمكن استساغتها كتحقيقات صحفية األرض أما الطبول فتطفو على جلدها زبدا)).
22
اجلوبة -صيف 1433هـ
في القصة القصيرة السعودية
> شيمة الشمري -من السعودية
ُكسرُ بخالف الرواية ،ت ِ ّ ِ الفصول مع قارئِ ها ،وصور ُة ذلك أنّها، ِ قصةً طويل َة للقصة القصيرة ّ ّ يبدو أنّ السردِ ؛ فال تقول المعنى في تفاصيله واختالف حاالته ،وإنّما تكتفي باإلشارة إليه فحسب ،أو عمو َد ّ بألفاظها ،حاضرً ا فيها غائبًا معً ا .وبين حضور المعنى ِ أرضها مُ ْلت ًَّفا تسحبُه من صمتِ ه؛ وت ُْجريه في ِ وغيابه ،تُورّط القصةُ قارئَها في فعل تأويلها ،وإ ْذ تُورّطه ،ترتقي به من حَ يّز االنفعال بها إلى حيز ويرقب مسيرتَها ويُنمّ يها. ُ عون من أعوان حكايتِ ها ،يحميها الفاعلية فيها ،حتى يصي َر بمكانةِ ٍ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
االجتاهات الفنية
وشخوصها ِ وليس من وظيفةِ القصة القصيرة أن تتكفّ َل بسردِ الحكايات ،وأن تُن ّو َع من أفضيتِ ها تمتص عا َل َم ُّ ُوجزُ فيه ،حتى لكأنّها وأحداثِ ها؛ ألنّها بالكادِ تحكي حكايتَها؛ ولكنّها تُقترُ في سردِ ها ،وت ِ وقول ملمح ٍ ٍ ْصب عليه ،راسمةً منه الدّ الَ فيه؛ من تباغ ُت الشي َء ل َتن ّ َ القارئ رحيقً ا كثيفً ا .ذلك أنها ِ ِ وحركةٍ وفضاءٍ .وفي خالل انصبابِ ها ،تَعِ دُ بالمعنى ،وال تتحمّ لُ وِ ْز َر الوفاءِ به؛ ألنّها ال تريدُ أن تتعدّ ى القارئ ،في أن يتخ ّي َر من وعودِ ها ما يُحقّ ق أُفُ قَ انتظاراته منها ،وال تبتغي له أن ي ُْح َر َم ِ على ُحرمةِ الكاتب. ِ الخلق :خَ ل ِْق معانيه في موازاةٍ مع معاني ِ من لذّ ةِ القص َة ّ ول �ع � ّل ف��ي ه��ذه ال � َم �يْ �زَات م��ا ج�ع��ل القصيرةَ تحت ُل مكانًا مرموقاً من حدائقِ السردِ ، حيث كثُ َر كتّابُها منذ بدايات القرن العشرين، وتعدّ دت فيها الدّ راساتُ الساعي ُة إلى تأصيلِها �اس األدب� �ي ��ةِ ،وت �ن � ّوع��ت فيها ف��ي تُ��رب ��ةِ األج� �ن � ِ اتجاهاتُها الفني ُة والدّ الليةُ .وهو أم� ٌر نُلفي له القصة القصيرة بالسعودية؛ حيث ّ ص��ور ًة في �ش � َف��تْ عن ش �ه��دتْ ان�ت�ع��اش��ا كميا وف �ن �ي��ا ،وت �ك� َّ م��واه��بَ ق ��ادرةٍ على ح�ك� ِ�ي واقعها بأساليبِها، وع�ل��ى ج ��رأة التعبيرِ ال �م �ت �ن� ِ�وّعِ ع��ن هواجسها وأفكارها ورؤاها؛ تعبيرًا يتجلّى فيه الفر ُد حَ َمّاالً النتظارات مجموعته االجتماعيّةِ ،وتتجلّى فيه اختالجات األرواحِ في ِ س المجموع ُة م��رآ ًة تعكِ ُ ِإ ْف��رادِ ه��ا .وعلى ه��ذا ،تنوّعت اجتهاداتُ كتّاب
القصة القصيرة في السعودية من حيث بناؤُها الفني ومن حيثُ محامل ُها ال َّدالليةُ ،وأبانوا عن ُّ السردي مراقيَ ِّ سعيِهم إلى الترقّي بهذا الفنّ الشعريّةِ ،ونجح أغلبُهم في تحقيق التناغُمِ بين والعام منها ،وجاوز ِّ انشغاالت الواقعِ ِ الخاص من ِّ ما يُقا ُل في القصةِ إلى ما يجبُ أن يُقا َل من دون مني ،وتجمّلت بالض ِ ّ الجلي ِ ّ ُّ ضجيج؛ فامتزج بذلك ٍ القصة عندهم ّ االستعاراتُ برموزِ ها؛ حتى لكأنّ الشعْرِ . بعضا من ِ ّ ً باتتْ وقد تنوّعت االتجاهاتُ الفنية للقصة القصيرة السعودية بين الواقعي واالجتماعي والسياسي والذاتي والخيالي والرومانسي والرمزي .وهي كاتب وطبيع ُة ذائقته اتجاهاتٌ أملتها ثقاف ُة ك ّل ٍ الفنيةِ ،وتص َوّراتُه عن وظيفةِ الكتابةِ ذاتِها.
اجلوبة -صيف 1433هـ 23
الواقعي ،تسعى ِّ ففي بُعْدِ ها
القاص، ِّ الجدات .ولع ّل في اتّكاءِ
وظيفة تواصلية مع كل الفئات
�ري م��ا يزيد من ال �م��وروث ال�خ�ب� ِ ّ
القصة القصيرة إل��ى تحقيق االج �ت �م��اع �ي��ة؛ إ ْذ ت �ب��دو كتاب ًة
م�ل�ت�ص�ق��ة ب��ال �ي��وم��ي البسيط والمع َقّد والمه َمّش .ويبرز هذا
االت�ج��اه ف��ي القصة السعودية
ع �ن��د أغ �ل��ب ال �م �ب��دع �ي��ن ،ومن ص ��ور ذل ��ك م�ج�م��وع��ة القاص
جمعان الكرت المعنونة بـ (سطور سروية)، فلو بدأنا بلوحةِ الغالف لوجدنا فيها انتشارًا
بالمألوف من المعيش اليوميّ ِ لأللوان الموحية
التي يُنبِئُ بها توهّ ُج األحمر ،وشفافي ُة األصفر، وسكين ُة األزرق ،وتفاؤ ُل األخضر ،وهي أحوا ٌل
�ف طبيع َة بيئةِ الكاتب ،وتشي بأحوالِ �وص� ُ تُ� ِ ّ
ويعترف الكاتب عبر اإلهداء: ُ تواصلِه معها.
(إل��ى قريتي التي تهجيت في وجهها أحرفي وكلماتي) ،باعتزازه باالنتماء إلى تلك البيئةِ ،
وب��ال��والءِ لها ،وب��االع�ت��راف بفضلها عليه في م �ش��واره اإلب ��داع ��يّ ،فمنها تعلم الحكايات، وإل �ي �ه��ا ي�ب��ث ش �ك��واه ف��ي ك�ث�ي� ٍ�ر م��ن االرتباط �دي من بالمكان وب��ال��واق��ع الجميل .وع�ل��ى ه� ٍ
ه ��ذا ت��أت��ي أغ �ل��ب ق�ص��ص ج�م�ع��ان الكرت..
بعض قصصه ما جنح منها ِ وإن كنّا نجد في إلى الخيال واألسطورة تمتح منهما عجينتَها
السرديةَ .وتتضح لنا مقدرة القاص على حياكة نسيجه الحكائي بأسلوب سردي شيق معتمدا
على كل ما هو قريب من الشرائح المجتمعية؛
بانيا جسوره بينه وبين القارئ ،عبر مالمسته لظروف الحياة الطبيعية ولقريته ولحكايات ال� �ت ��راث ،وال� �م ��وروث ال �م �ت��داول ع �ل��ى ألسنة
24
اجلوبة -صيف 1433هـ
وهو يبني أحداث مرويّاته ،على
القارئ إليه واإليقاع به ِ انشداد
والكشف. ِ في لعبةِ التو ُقّعِ
أم��ا مجموعة القاصة شمس علي (المشي فوق رمال ساخنة) ف��واق �ع �ي �ت �ه��ا م �م��زوج��ة بالذاتية وب��اإلي �ح��اء م�ع��ا ،ولَ � َع �لّ��ي ال أبالغ إن ذ ّك��رتُ بالتجاوُرِ ال � َّدالل� ِ ّ�ي بين اس��م الكاتبة شمس مجموعتها القصصيّة التي ِ (شمس) وبين ألهبت تلك الرمال وجعلتها ساخنة حتى استحال المشي عليها .فالقاصة ألهبت سردها بوهج روحها ونفسها المسيطر على أغلب قصصها؛ إ ْذ نلفيها تستخد ُم في القصة التي احتلت عنوان المجموعة كثيرا من األفعال المضارعة ،الدالة على حضور ذات الكاتبة في حكايتها على غرار (يسهرني القلق -أذرع -أنبش -أعرف.)... ولئن اختلفت الضمائر التي استخدمتها المبدعة ف��ي غير ه��ذه ال�ق�ص��ة ،ف��إ ّن�ن��ا ن��رى فيها تقني ًة أحضرت بفضلِها المبدع ُة كائناتِها اإلنس ّي َة حتى أرض السردِ ، كائن/قارئ شيئًا منه في ِ ٍ يجد ك ّل فينجذبَ إليها م��ن دون خشيةِ ال �ت��واري خلف ضباب الحرف ال��ذي يجعلنا أكثر فتنة بالنص وأكثر شغفا بمتابعته. وتظهر الرمزية في تماهي الذات الموجوعة مع ما حولها في أغلب نصوص (قصص صغيرة) للقاص جبير المليحان ،فهو كاتبٌ يعبث بالفكرة، ويحللها ،ويفككها ،ويمزجها بشعوره ،ويلبسها حل ًة من اللغة زاهي ًة لتبوح بدالالتها الث َّرةِ ،مضيفا إليها عالمات الترقيم التي يتطلب فهمها وعيا شامال ِ
ال �ن �ف �س �ي��ة ال� �ت ��ي ت� �م ��زج العقل
والشعور والمثيرات االجتماعية، �ردي شهي وتطرحها بقالب س� � ٍ ّ
ومختلف ،بينما نجده يمزج في مجموعته الثانية (مساء مختلف)
االجتماعي بالرومانسي ،ويتضح
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
َالالت توزيع النصي ود ِ ِّ بالفضاء الجملِ فيه .وتروم أغلبُ قصص المبدع جبير االتكا َء على الترميزِ قضية مع ٍ إلرس��الِ فكرةٍ ،وط��رحِ السعي إلى تشريحها ،وإذ تفعل ِ ذل ��ك ت�خ�ت�ل��ف ف��ي ط��رائ��ق هذا اختالف ٌ التشريح ،وهل الحكيُ إ ّال دائ ٌم في طرائق استحضار العالَمِ وتشريحِ مكوّناته؟ وم��ن قصصه �ف ل �ق �ن��اع� ٍ�ة وإب � ��داءٌ م��ا ه��و ك �ش� ٌ مخصوص ٌ ل ��رأي ،ومنها م��ا ه��و بفتح أب��واب التأمل وم��د جسور ال �خ �ي��ال .وال���ذي نميل إل �ي��ه هو أنّ قارئَ قصص جبير المليحان قصص مهموم ٌة بما ٌ يستشعر أنها حولها وبمَن حولها ،وأنّ الكاتبَ يستدعي في كل ذلك روحا شفافة محلقة ،ووعيا منفتحا على اآلخر غموض الرموزِ وثخانتِها. ِ دون مبالغة في
يتماس مع الواقعي ،والمالبسات
ذل ��ك م��ن خ�ل�ال أغ �ل��ب قصصه ع �ل��ى غ � ��رار :ح �ك��اي��ة م ��ن تحت
الضباب ،وبرود ،ومساء مختلف،
وت �ع��ارف حميم ومقتطفات من ج�ن��ون ع��اش��ق؛ فالقاص يستمد م�ض��ام�ي�ن��ه م ��ن ال���واق���ع ،ولكنه
�ات تكوينها ال ي �ق��ف ع �ن��د ع �ت �ب� ِ المألوفةِ ،بل يصهرها في فرن
وع� ِي��ه ويمنحها هبات جديدة.. ما يجعل موضوعاتِه تتنامى مع
تطور األحداث وتغيُّرِ األحوال ،فال
يستطي ُع القارئُ أن يتوقّع لها مست َق ًرّا ،إضاف ًة
القارئ إلى كتابات ِ ولو تأملنا مجموع َة (رياح وأجراس) للقاص إلى أنّ ما يزيد من انجذاب برهيف المشاعر ِ فهد الخليوي لوجدناها تستند بشكل كبير إلى فهد الخليوي هو انهمار اللغة اإليحاء والرمزية ،وهو ال يستخدم الرمز الذي ورقيق األحاسيس النابضة بالحب الذي نخشاه، يخطفك إلى عوالم مبهمة ومغلقة ،بل يدفعك ألننا نخشى معه الفقدَ. برمزه وإشاراته لتكشف معه وتستدل على شيء والذي نخلص إليه من هذه الورقة ،هو قولنا ٍ قصة أخذت متوار ،وهو ما يتطلب التأمل والتمعن؛ فيستعير إنّ القص َة القصيرةَ في السعودية ّ ال �ط �ي��ور وال��ظ�ل�ام وال �ص �ق��ر وال� �غ ��زال والغفوة تصنع لها قرّاءَها عبر التنويع في محاملِها وفي ٍ �وز وسيد األرض ويحوّلها إلى رم� ٍ شفيفة حُ بلى اتجاهاتها الفنيةِ ،وهي قص ٌة منشغل ٌة بموروثها ب��اإلش��ارات وال �ع�لام��ات ال�ت��ي ت��دلّ على طريق الثقافيّ انشغالَها بعناصر واقعها ،ولكنه انشغا ٌل الوصول إلى الفكرة والمراد منها. يَقِ ظٌ ال يُغ ِلّبُ شك َل التعبيرِ على ما ّدتِه ،وال ينتص ُر ات إ ّال متى كانت متآلف ًة مع مجموعتها ،وهي وتتجلى في قصص الخليوي خاصية الوعي للذّ ِ بان. باألشياء ،والثراء الفكري واستخدام الرمز بشكل إلى ذلك قصة جريئةٌ ،لكن بِحُ سْ ٍ
اجلوبة -صيف 1433هـ 25
واقع وآفاق القصة القصيرة في السعودية > عمران عز الدين -من سوريا
استهالل: ال يمكن الحديث عن ف ٍَن أدبيّ في بلد ما بمعزل عن سائر الفنون واألجناس اإلبداعية األخرى، حتى ولو كان ذلك الفن مستق ًال وقائم ًا بذاته ،أو في ذروة انتعاشه .فأحكام القيمة تنبني استكشاف ًا ومقاربة على حساب الكل ال الجزء .هكذا ،كما يخيّل لي يتم تناول التجربة األدبية في بلد ما ،وعليه السعودي ،والقصة القصيرة فيها بخاصة ،حديث له ما له ،وعليه ما ّ بعامة ..فالحديث عن األدب عليه .وهو حديث لن نوفيه يقين ًا حقه في هذه الورقة ،إن إحاطة وإن تنظيراً .كونه يستحق الوقوف عنده مطوالً ،لتناول نقاط الفرادة والتجاوز فيه ،انطالق ًا من خصائصه ومزاياه الفنية ،الجمالية والرؤيوية والشكلية والموضوعاتية على حد سواء.
إنصاف ًا للتاريـخ:
ه��و« :ال�ش�خ��ص ال ��ذي ي�س��رد ال�ق�ص��ص بجميع أنواعها من قصيرة ،وطويلة ،وواقعية ،وأسطورية، وشعرية ،ونثرية ،وشفوية ،وكتابية .وهو مصطلح عام يميز عن المصطلحات الخاصة كالمؤلف ال أو غير ذلك». الروائي أو منشد المالحم مث ً
خطى األدب السعوديّ ،الروائي منه خاصة، ف��ي ال�ع�ق��ود ال�ث�لاث��ة األخ��ي��رة ،خ �ط��وات جبارة ومتجاوزة على الخارطة اإلبداعية العربية ،وما تتويج ع�ب��ده خ��ال ورج ��اء ع��ال��م ع��ن روايتيهما «ترمي بشرر» و«طوق الحمام» بجائزة البوكر في والقصة القصيرة بحسب المرجع ذات��ه هي نسختها العربية إال دلي ً ال أو ما يشبه الدليل على التي« :ت��روي خبراً ،وليس كل خبر قص ًة ما لم النضج الروائي السعودي .هذا األمر لن يقودنا تتوافر فيه خصائص معينة ..أول�ه��ا أن يكون قطعاً إلى إغفال التجربة األدبية الثرة للدكتور له أثر أو معنى كلي ،أي أن تتصل تفاصيله أو غ��ازي القصيبي ،فتجربة مبدع «شقة الحرية» أج��زاؤه بعضها ببعض ،بحيث يكون لمجموعها تجربة فريدة بك ّل المقاييس ،وعلى الدرجة ذاتها أث � ٌر أو معنى ك�ل��ي ...ويجب أن تقوم األحداث تأتي التجربة النقديـة لمبدع «النقد الثقافي» والشخصيات على خدمة المعنى من أول القصة الدكتور عبدالله الغذامي. إلى آخرها .وإال أصبحت مختلة البناء».
في تعريـف القصة القصيرة: أما القصة لغة ،فهي« :من التتبع وقص األثر، القاص بحسب معجم المصطلحات العربية أي تتبع مساره ،ورصد حركة أصحابه ،والتقاط في اللغة واألدب لـ مجدي وهبه وكامل المهندس بعض أخبارهم».
26
اجلوبة -صيف 1433هـ
وعن القصة القصيرة في السعودية ،يمكنني اإلدالء برأيي بك ّل إنصاف ومن دون محاباة ،من
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
خ�لال ق��راءت��ي لقصص كل م��ن :الدكتور غازي تطور القصة القصيرة في السعودية: القصيبي ومحمد ع �ل��وان وع �ب��ده خ��ال وجبير س�ن�ن��اق��ش ه ��ذا ال��ب��اب م��ن خ�ل�ال التطرق المليحان وفهد العتيق وحسن علي البطران. للمحاور اآلتية: تكمن أهمية القصة السعودية منذ حقبة •القصة السعوديـة ..واقـع وآفـاق. ريادتها في السبعينيات وحتى اآلن في إخالصها •حول مسألة الريادة. •بين محمد علوان وحسن علي البطران .الشديد لعنصر الحكاية والتكنيك السردي ،وفي انفتاحها المفصلي المتواصل على التجديد •السرد أرض أنثويـة. الفني ،المنفتح ب��دوره على روح القص ،والذي 1ـ القصة السعوديـة ..واقـع وآفـاق: ي �ن��أى ب�ن�ف�س��ه ع��ن االب� �ت ��ذال ال �ل �غ��وي والحشو ينبغي اإلشارة هنا إلى أمر في غاية األهمية ،الحكائي اللذين ال طائل من ورائهما .ناهيك وه��و أن القصة القصيرة ال تعيش م��أزق�اً ،ولم عن كسر النمطية والتمرد على األطر التقليدية، ال عن تناولها ،وب��رؤي��ة عصرية ،لمواضيع تشهد ق��ط ان�ح�س��اراً أو ت��راج�ع�اً ف��ي السنوات فض ً األخ�ي��رة ،فهذه ب��دع وف�ت��اوى سمجة وترويجية ،موغلة في المحلية ،حياتية واجتماعية ومفصلية والمقاالت النعوية التي ترثي هذا الفن العظيم ما من صلب ال��واق��ع السعودي؛ فالمحلية لم تكن هي إال مقاالت متاجرة بالمقال الصحفي .ثمة في ي��وم من األي��ام عيباً ،المحلية نقلت نجيب اهتمام بالفن الروائي ،وهو السائد حالياً ،لكنه محفوظ ،الذي أبدع في وصف الحارة المصرية اهتمام مبالغ فيه ،مع تسليمنا المطلق بوجود الشعبية ،إل��ى مصاف العالمية عندما منحته بعض الطفرات واألعمال الروائية المتجاوزة هنا جائزة نوبل سنة 1982م عن أدبه وقصصه التي وهناك ،لكن األمر مختلف مع القصة القصيرة ،كانت تعنى بالبسطاء والمهمشين والمنكسرين. فهذا الفن -وكما يعلم القاصي والداني -مغبون تكمن أهميتها كذلك في االنفتاح الموظف لبعض إعالمياً .إنه إذاً ،التغيير المرحليّ ،وأ ُّس هذا ُكتّابها على آفاق ونظريات التجريب وتحرّرهم التغيير ،شرطه األوح ��د ،أن تشيخ ر ّب�م��ا بعض بالتالي من التعليمية والوعظية ،فتحررت بذلك الفنون ،تُهَمش وتقصى ،لتصل إلى الذروة فنون نصوصهم من البدوية المُحَ افِ ظة التي وسمت أخرى .هذا هو حال ثقافتنا العصرية ،اإلعالم مرحلة البدايات ،بأن استفادت من فنيات القصة له دور ،وسطوة كبيرة ،ث ّم إن األدلجة والمكاسب القصيرة المعاصرة ،العربية والعالمية على حد (المافيوية) في الساحة األدبية ال تقالن أهمية ،سواء .هذا ما نالحظه في قراءتنا للقصص التي لما تمتلكانه من عناصر شد وجذب ،في تخندق تقوم بنشرها ال��دوري��ات والمحافل السعودية ال ُكتّاب ،واستنفارهم ،للظفر بجائزة ما ،باتت والعربية ،وهي لهذا وذاك ،قصة تنال مناسبة تشكل ول�لأس��ف ه��اج�س�اً ف��اق ه��اج��س اإلبداع بعد أخ��رى حقها م��ن التنظير والتقعيد ،إنها لديهم! قصة مهجوسة بالهَمَّ يْن العام والخاص ،وبقضايا اإلنسان الوجودية والمصيرية ،الوطنية والعاطفية والوجدانية واالجتماعية واألسرية ،وتتوافر على
اجلوبة -صيف 1433هـ 27
أرك��ان القص وعناصره ،قصة ال تكتفي بطرح 2ـ حول مسألة الريادة:
القضايا المؤرقة ،والمشاكل المصيرية العالقة
ف�ق��ط ،ب��ل تتصدى بحسبها للحلول الناجعة،
بقالب فني راق ،ولغة سليمة مشذبة.
الملفت أيضاً في القصة السعودية أنها لم
تكتف باالستفادة فقط ،بل سرعان ما حفرت عميقاً في المدونة السردية العربية ،ونجحت إلى
حد ما في التملص من مقص الرقيب ،باالتكاء على الرمز أحياناً ،وأنسنة الحيوان والجماد،
استناداً لضرورات ومقتضيات الحبكة القصصية
في أحيان أخرى ،فكانت في األغلب األعم قصصاً مكثفة ،بعيدة عن الوعظية والتعليمية والمباشرة والتقريرية والحشو والرتابة التي توسم بها كما
أسلفنا سابقاً مراحل البدايات عادة ألي فن من الفنون في أي بلد من البالد .وكسائر المجتمعات العربية التي تشهد انقسامات أو اتجاهات أدبية ه�ن��ا أو ه �ن��اك ،ان�ق�س��م ال �ق��اص��ون السعوديون
بدورهم إلى فرق أو مذاهب مختلفة:
ف��ري��ق جنح للتغريب وال�ت�ج��ري��ب ،م��ن خالل
تقليده لكِ بَار ُكتّاب القصة في العالم .وقد قدم بعضهم أدب� �اً أو قصصاً ب��ال��ون�ي��ة ..ف�ك��ان دوي
قصصهم فرقعة باهتة؛ ألن�ه��م ك�س��روا العمود
الفقري للقصة وهو الحكاية ،بأن قدموا للقارئ سطوراً هالمية وغائمة وفضفاضة.
تعد مجموعة «الخبز والصمت» للقاص محمد علوان من المجاميع السعودية الرائدة ،ومتوافرة على جُ ّل تقنيات القص وفق ما ذهب إليه الناقد يحيى حقي ،ووفق ما خلص إليه لفيف من النقاد، هذا األم��ر عينه أرخ��ى تالياً بظالله اإليجابية، وك��ان له أث��ر محمود في القصة السعودية بأن برزت في سماء أدبها أسماء قصصية مهمة ،لم تقف موقف المتفرج فقط على ما حققه جيل الرواد ،بل واصلوا ،وبدأب برومثيوسي ،المسيرة بالفرادة ذاتها؛ فسطروا إبداعاً فاق في كثير من األحيان إبداع جيل الرواد ذاته .ففي سبعينيات القرن المنصرم برزت إضافة إلى اسم القاص محمد علوان أسماء ك ّل من :حسين علي حسين في مجموعته «الرحيل» وعبدالعزيز بشري في مجموعته «موت على الماء» وعبد الله الساير في مجموعته «مكعبات من الرطوبة» .ولم يقتصر جيل ال��رواد على سبعينيات القرن المنصرم.. بل برزت في حقبة الثمانينيات مجاميع قصصية ملهمة ،ومنها على سبيل ال�م�ث��ال ال الحصر: «ح �ك��اي��ة ال�ص�ب��ي ال ��ذي رأى ال��م��وت» ل �ـ عديد الحربش ،و«احتمال وارد» لـ خالد الصمت .ث ّم قرأنا بعد ذلك لكل من :فهد العتيق في «أظافر صغيرة جداً» وحسن علي البطران في «نزف من تحت الرمال».
يذكر أن أول مجموعة قصصية سعودية تعود فريق أوغل في االستعراض ،وكان همه األوحد المغاالة في خرق التابوهات والخطوط الحمراء للكاتب أحمد عبدالغفور عطار.
« الدين الجنس السياسة» .وكأن من شأن تلك 3ـ بين محمد علوان وحسن علي البطران:
التابوهات وحدها أن تصنع أدباً عظيماً! لسنا في هذا المقال ،ومن خالل هذا العنوان وفريق شُ غِ َل بالجانب اإلبداعيّ المحض فقدم الفرعي في وارد المقارنة بين القاصين ،لكننا، وبنظرة متأنية وفاحصة ،سنتلمس م��ن خالل قصصاً فريدة ومستوفية.
28
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أحبك .يدها تعصر بيده ..تردف قائلة :فما قراءة منتوجهما الروح الفنية التي سادت مؤخراً القصة السعودية ،والتي اختزلت بحسبنا أعقد ال��ذي يقلقك؟ يمتص سيجارته :خائف ..يأتيه ال مرتبكاً :من ماذا؟ القضايا في ومضة قصصية صاعقة كما يفعل السؤال وج ً البطران في قصصه القصيرة جداً. ينتشر الصمت فال جواب ..تسحب سيجارته محمد علوان كتب أيضاً القصة القصيرة جداً م��ن بين أص��اب�ع��ه ..تضعها أمامها بشكل يتيح بطريقة مدهشة ،لكنه كان يسهب في بعض من لكليهما رؤية احتراقها ..عيناه بدهشة :أتعنين قصصه في ذكر التفاصيل لدرجة الحشو ،كانت أننا نشبه هذه اللفافة؟ تنهيدة صادقة تهزها: نصوصه القصيرة جداً طويلة على نحو ما ،في ن�ع��م .ال �ف��ارق بيننا وبينها أن�ه��ا ال ت��درك معنى حين ال تتجاوز نصوص البطران المئة كلمة في اح�ت��راق�ه��ا ..أم��ا نحن فنعرف ذل ��ك .وه ��ذا ما حدودها القصوى. يجعلنا نفكر في النهاية ..ونظل نفكر ..ونفكر.. ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني أن القصة السعودية وفجأة تنتهي الحياة .في باطن كفها زرع قبلة.. تطورت لدرجة اختصار القصة القصيرة ذاتها والتقت العيون حيث النار في المدفأة أصبحت في عبارة. رماداً» .من مدونة محمد علوان على النت.
س�ن�ط��رح ه��ذي��ن ال�م�ث��ال�ي��ن ل�ق�ص��ة ل �ـ محمد بينما نقرأ لـ حسن علي البطران في قصته علوان ،وأخرى لـ حسن علي البطران ،مع تأكيدنا «صور من عقيدة»: مرة أخرى أننا ال نعقد مقارنة أو ما شابه ،بل «اس �ت �ل �ق��ت ت �ح��ت ظ��ل ش� �ج ��رة ..س �ق��ط ذرق ما يهمنا من طرح المثالين استجالء وتبيان جُ ّل العصفور على بطنها ..مسحت به كامل جسدها!.. مقومات القصة التي تتوافر في قصصهما ،وهو بعد شهر ،ظهرت عليها عالمات الحمل.اعتقاد أم��ر يعكس التطور في القصة السعودية الذي قديم تجلى فيها ..نذرت أال تحبس عصفوراً». نحن بصدده في هذا المقال. من مجموعته :ماء البحر ال يخلو من ملح. نقرأ في مجموعة «الخبز والصمت» لـ محمد ففي هاتين القصتين تتوافر سائر عناصر علوان القصة التالية: القصة ،وه��ي :ال��رؤي��ة ،ال�م��وض��وع ،الشخصية، «بجانبه التصقت ..وكانت الريح تصفق بالنافذة البناء ،األس�ل��وب الفني ،ناهيك عن اللغة التي فازدادت اقتراباً .النار أمامه بدأت مسيرتها إلى انطوت على قدر كبير من التكثيف والشاعرية. النهاية ..يدها في عمى القطط الصغيرة تبحث عن ي��ده ..وجدتها .احتوتها .بيدها ضغطتها4 ..ـ السرد أرض أنثويـة: جعلت أصابعها تتخلل أصابعه مرات ..ومرات.. هذا العنوان الفرعي هو العنوان ذاته لمقال عيناها ترحل باحثة عن عينيه. للقاصة أميمة الخميس ،إذ خلصت فيه القاصة
شبه مستلق ،وال�س�ي�ج��ارة ت��وم��ض بين حين إلى أن السرد« :أرض أنثوية ،فالعمل اإلبداعي وآخ ��ر ..بعيد عنها ك��ل البعد..قريب منها كل ب�ح��اج��ة إل ��ى ت�ل��ك ال� ��روح المخلصة المتبتلة، القرب ..عيناها في صمت ناطق ،تقول لعينيه :وال �ح��دب ال ��ذي ال ي�ك��ون إال ألن�ث��ى ت�ع��ي تماماً
اجلوبة -صيف 1433هـ 29
قدسيّة فعل الخلق وتخلق الحياة ،حيث ال مجال للتأخير والتلكؤ والمساومة بجانب مهد صغير ج��ائ��ع ،العناية الفائقة بالتفاصيل والمقادير ال�م�ق��دس��ة ،أه�م�ي��ة ال��وق��ت وال�ت��وق�ي��ت وتنضيد األشياء في أماكنها ،ألنها وحدها التي ستحفظ قافلة المسيرة اإلنسانية بتمام تفاصيلها». نعم ..القاصة السعودية كان لها دور في هذا التطور جنباً إل��ى جنب م��ع ال�ق��اص السعودي؛ فها هي فوزية البكر التي قدمت لقصتها «حياة من ورق» في سبعينيات القرن الماضي قائلة: «أنا المرأة التي ال تملك من اتساع عالمها غير أن تقف في الخفاء على أصابع قدميها لتنظر إلى العالم من خالل فتحات النافذة الصغيرة». لتشهد حقبة السبعينيات ذاتها أسماء قاصات بارزات مثل :هند صالح باغفار وحصة التويجري وعهود الشبل .أما في الثمانينيات فبرزت أسماء: خيرية السقاف في مجموعتها «أن تبحر نحو األبعاد» ،ولطيفة السالم في «الزحف األبيض»، ون�ج��وى هاشم ف��ي «السفر ف��ي ليل األحزان»، وشريفة الشمالن في «منتهى ال�ه��دوء» ،ومريم الغامدي في «أحبك ول�ك��ن» .وف��ي التسعينيات حتى الوقت الحالي ثمة أسماء ب��ارزة تصدرت المشهد القصصي السعودي والعربي على حد سواء ،ومنها :أميمه الخميس ،بدرية البشر ،هيام المفلح ،أمل الفاران ،هناء حجازي ،أمل زاهد، شمس علي ،تركية العمري ،وهيفاء الفريح.
ال�ق��اص��ة ال�س�ع��ودي��ة ح �ف��رت عميقاً ف��ي هذا ال �ف��ن ،ليس ه�م�س�اً ،ب��ل إب��داع��ا وت�ن�ظ�ي��راً ،فكان ص��دى همسها إب��داع��اً منقطع ال�ن�ظ�ي��ر؛ لكنها لجأت كأية قاصة في أيـة دولة عربية أخرى إلى األسلوب الرمزي تعبيراً عن رؤيتها القصصية؛ وهذا التفاف محمود يحسب لها ال عليها شرط أن يصب في رفعة األدب وسموه .كاتبة القصة القصيرة السعودية منذ البداية وحتى اآلن ،وكما ترى الدكتورة أميرة علي الزهراني« :ظلت أمينة ف��ي كتابتها لشكل القصة القصيرة ال��ذي يتكئ في جوهره على «وح��دة الشعور واالنطباع» وإن بالغت في سردها على لغة التفتيت والتشظي التي تفرضها طبيعة البوح واالنثياالت الشاعرية ،وهما الصيغة األبرز في شكل األداءك حتى غدت القصة القصيرة في كثير من نماذجها أشبه بمحاكمة تخضع للغة االنفعالية ،وأخ ��رى أش�ب��ه بالسيرة الذاتية التي تغرف فيها الكاتبة من الالشعور».
الخاتمة:
ي��رى آرسكين ك��ال��دوي��ل أن القصة« :حكاية خيالية لها معنى ،ممتعة ،بحيث تجذب انتباه ال� �ق ��ارئ ،وع�م�ي�ق��ة ،ب�ح�ي��ث ت�ع�ب��ر ع��ن الطبيعة ال �ب �ش��ري��ة» .ب�ي�ن�م��ا ي �ق��ول ال �ك��ات��ب االنجليزي تشارلتون بأن القصة« :إن لم تصور الواقع فإنه ال يمكن أن تعد من الفن» .وهكذا هي القصة السعودية ،فهي وإن لم تكن خيالية بنسبة ما، لكنها قطعاً تعبر عن الطبيعة البشرية ،وفق ما ذهب إليه كالدويل ،كما إنها تعد فناً من الفنون ي ��ذك ��ر أن أول م �ج �م��وع��ة ق �ص �ص �ي��ة تعود لتصويرها ال��واق��ع ب��أدق تمفصالته وجوانبه، لستينيات القرن المنصرم على يد القاصة نجاة وفق ما خلص إليه تشارلتون ،ووف��ق ما يرتكبه خياط ،وكانت موسومة بـ«مخاض الصمت» سنة ك ّل قاص في مشغله األدب��يّ من قصص ديدنها اإلبداع والفرادة والتجاوز على حد سواء. 1966م. * كاتب من سوريا.
30
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
السعوديّة القصة السرديّة في اللغة ّ ّ ّ قراءة في مناذج متباينة
الدهون -من األردن > د .إبراهيم ّ
القصة إلى القدم ،فهي قديمة قدم البشر ،بيد أنّها لم تُعرف كفنّ إ ّال في القرن ّ ترجع جذور التّاسع عشر على الرغم ممّ ا ورد في القرآن الكريم من قصص األنبياء واألمم الغابرة ،التي تشكّ ل أنموذج ًا فريد ًا لألساليب الف ّنيّة والعناصر القصصيّة بمظاهرها وفنياتها الحديثة. وإذا كان محمود تيمور وميخائيل نعيمة رائدين من رواد الفنّ القصصي ،ف��إنَّ عيسى عبيد، وشحاته عبيد ،ومحمود طاهر الشين ممّ ن أرسوا دعائم هذا الفنّ ،وأسهموا في تأصيله فض ًال عن انتشاره. القصة القصيرة في المملكة شيء َّ وال��واق��ع أنَّ جديد في تاريخ األدب ال��سّ �ع��ودي؛ فهو يختلف في كثير من جوانبه عن الشِّ عر ،لكنَّ ذلك لم يمنع أحمد يؤصال لهذا الفَّنَّ في السباعي وإبراهيم النَّاصر أن ّ المملكة العربيَّة السّ عوديّة(.)1 َّص القصصي القصير ،نلحظ أنّه وإذا تأمّلنا الن ّ ينبثق م��ن ال��واق��ع وينغرس فيه ،وينتج ع��ن حركات دائبة متألقة –أحياناً -من شخوصه ،فاعليّة زمانه ومكانه .وق��ام��ت ب�ط��والت األش�خ��اص التي رسمتها األمكنة وأحاطت بها األزمنة بدونهم في رسم خطوط اإلنتاجيّة اإلبداعيّة للقاص في عمله. ول��و تتبعنا جهود الكتّاب السَّ عوديين في مجال القصة القصيرة ،وجدناه قد برز منذ تأسيس المملكة ّ العربيّة السّ عوديّة على يد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه -وتساوق هذا الفنّ اإلبداعي بحكم مرونته، ليس على المستوى الشَّ كلي ،وإنّما على مستوى الرؤية التي تحيل الكتابة إلى فعل ديناميكي متحرك وفعّال، فلم يَعد يزخر بالزخارف اللّفظيّة والجمل الشّ عريّة واألس �ط��ر ال�ب�لاغ� ّي��ة وال�ت��وش�ي�ح��ات ال�خ�ط��اب� ّي��ة ،وال
استمالق األعلى ،وإنّما شرع هذا الفنّ يسطّ ر وجوده بأقالم ثابتة تكشف تطلعات اإلنسان وآراء النَّاس ،لذا أخذ ّص القصصي إلى إش��راك المتلقي مع ٍ مال الن ّ ()2 يقترب منه كثيراً . القصة القصيرة لذة تلتقي فيها إنَّ الولوج في لغة ّ تجربة الكاتب اإلبداعيّة ،وق��راءة المتلقي الجديدة ّص مرّة ثانية .ومن هنا ،تتجلّى وظيفة اللّغة لتشكيل الن ّ ّص وف��كّ خيوطه، السّ رديّة ،من خالل فتح آف��اق الن ّ وبعثرة لبناته األساسيّة؛ لذا نجد أنفسنا إزاء ظواهر لغويّة متشابكة ،جاءت اتّساقاً مع متغيرات وتصادمات قصة، خاصاً لك ّل ّ المجتمع اإلنساني ،رسمت طريقاً ّ فتنوع األسلوب وتباين األداء للقاص الواحد. والمحاولة التي أقدّمها في ه��ذه الورقة دراسة للغة ال��سّ ��رد ّي��ة عند ث�لاث��ة قاصين س�ع��ودي�ي��ن ،هم: ع �ب��دال��رح �م��ن ال���درع���ان ،وف �ه��د ال �خ �ل �ي��وي ،وجبير المليحان ،إذ تميّزت اللّغة في مجموعاتهم القصصية بطابع مثقل بالمغامرة والتّجريب ،ومن هذه الوجهة تركزت الدّراسة على المظهرين اآلتيين:
اجلوبة -صيف 1433هـ 31
السرديّ ة وتحفيز -1لغة اإلشارة ّ الذات. من األهمية بمكان أن نشير إلى أنَّ القصة القصيرة ذو تباين ّ السّ رد في مع السّ رد في بقية األجناس األدبيّة، القصة القصيرة مكثفاً وعادة يكون في ّ ومركزاً وذا طاقة إيحائية عالية ،وأبعاد إشراقيّة متوثّبة.
الطفولة ،ال�ع��رس ،ساعة البنج ،ليلة الحشر ،ليلة مثخنة بالدم) الخياالت.. �ص��ة( :ليلة ف��ي ف �ن��دق) فجاء أ ّم��ا ال�ق� ّ السّ رد فيها من النّوع الذاتي بحضور ج �ل��ي والف� ��ت ل�لان �ت �ب��اه .وع �ل �ي��ه ،فإنَّ اتكاء الدرعان على الذات السّ اردة أو اآلخر يرسم خطوطاً تأصيليّة ألفكار إنسانيّة وقضايا اجتماعيّة ،غابت عن أذهاننا إزاء سيطرة المادة علينا ،نحو ما ق��ام به المؤلف في كشفه الغطاء عن حقيقة منبثقة من كياننا ،وعنصر أساسي متداخل في نسيج بناء ذاتنا وفطرتنا ،أال وه��و فرحة الطفولة أو طبيعة الطفولة التي تظ ّل معنا عالقة، وال تشيخ مهما طالت أعمارنا وتنوعت م��راح��ل ح �ي��ات �ن��ا ،واخ �ت �ل �ف��ت مجاالت
وممّا ال شك فيه ،أنَّ القاص يدخل في عالمه القصصي ،وهو يعي التكنيك الفنّي العميق الذي يقيم عليه أحداثه السّ رديّة ،وبنائية لغته اإلبداعيّة؛ لذا، نلحظ دائماً أنّه يلجأ إلى تحويل السّ ياق القصصي بما يتواءم ورؤيته وأفكاره عبدالرحمن الدرعان ال�ت��ي ق��د ت�ت�ج��اوز لحظاته الوجوديّة؛ ّص أبعاداً دالليّة ،وطاقات إيحائيّة أعمالنا. ليفجّ ر داخل الن ّ مركّزة تنقل المتلقي إلى عالم له جذوره المتينة ،من وال ينسى الدرعان المتلقي ،وهو في أش ّد حاالته دون أن يحدّده أو يشرع إلى سرد تفصيالته. الحالمة في القصد والغاية من وراء هذه المجموعة، وب��ال �ع��ودة إل��ى مجموعة ع�ب��دال��رح�م��ن الدّرعان الصادرة عن مؤسسة القصصيّة( :رائحة الطفولة)ّ ، عبدالرحمن السّ ديري الخيرية عام 2000م ،والتي قصة قصيرة ،وت �ص �دّرت قصة ضمت أرب��ع عشرة ّ رائ �ح��ة ال�ط�ف��ول��ة عليها ،وال �ت��ي حملت المجموعة اسمها.
والذي حدا بالمؤلّف إلى إبراز الذات السَّ اردة للراوي في نهاية مجموعته ليميط اللّثام عن الذات الحسّ اسة، قصة( :رسالة)، وذلك عن طريق الحديث النَّفسي في ّ وق ��د ص��اغ�ه��ا ف��ي ص ��ورة ام� ��رأة ب�لا اس� ��م ..هائمة ف��ي ال��طّ ��رق��ات ،ل��م يفهمها أح��د ،واألط�ف��ال يحتفون بها ،والكبار يهملون أمرها ،ل��ذا ضاقت بها الحياة وأوصدت دونها األبواب ،ولع ّل ذلك إشارة نحو الدَّ اخل القصة وسبر أغوار مؤلفها(بطلها) ،وهذا النَّمط ّ في يركّز على هموم الفرد المتوحّ د المعزول ،والذي اتّخذ الصمت المنعزل. عالماً يوتوبياً يتصل بعالم َّ
نلحظ الدرعان يتكلم بضمير الغائب( :هو /اآلخر)، والذي له داللة وثيقة بارتباط الكاتب بالمجتمع ،كما يُ َع ُّد وسيلة يستعين بها الكاتب لالستحواذ على فكر المتلقي بطريقة ف ّنيّة رائعة ،وضمير الغائب ينبئ عن هكذا تنامت لغة اإلشارة السَّ رديّة عند الدرعان، عالقة انفصال عن التّجربة األدبيّة ،واالتّصال بالفعل فتناثرت إل��ى وح ��دات مكثفة ،وف� �رّت م��ن وحدتها البشري في آن واحد ،فهو امتزاج لصوتين مركبين، المنعزلة لتكوّن عالماً مصطلحياً يحفّز ال��ذات في يربط اإلبداع بتاريخ الوجود(.)3 نسيج من الفّنّ الجميل والحساسيّة اللّطيفة؛ وذلك وقد منح ضمير الغائب في القصص األولى( :رائحة لكي توقظ الوعي ف ّن ّياً بضرورة مراعاة عالم الطفولة
32
اجلوبة -صيف 1433هـ
وانطالقاً من إشاريّة اللّغة السّ رديّة وتحفيز الذات، نلحظ أنَّ فهد الخليوي ف��ي مجموعته القصصية الصادرة عن النّادي األدبي القصيرة( :رياح وأجراس) ّ في حائل سنة 2008م ،ينشغل بالقضايا االجتماعيّة، ل��ذا تصبح المدينة ف��ي مجهر أب�ط��ال قصصه جثّة ه��ام��دة ،مدينة جامدة ال حياة فيها ،فمنازلها رغم لمعانها ودي�ك��ورات�ه��ا المصطنعة ليست إ َّال أكواخاً وال شك أنَّ الخليوي يقع ضمن إطار المشاكسين قديمة تحوي حجرات ضيقة ،وسقوفاً غير مرتفعة، القصة وتجاوزاتها متماوجاً بين ّ لألحداث وعناصر وجدراناً رطبة على وشك االنهيار. إنَّ انشغال التّقنيات السّ رديّة النّاجحة عند فهد النّفسي واألس �ط��وري والغيبي ،وه��و م��ا ي�ق��وده إلى الخليوي مرتبط بالخطاب القصصي ال��ذي يقدّم تطوير فاعليّة ما يضمره من إضافة وتميّز وإبداع، قصة( :بقايا ذاكرة): فيه سرداً مشهد ّياً ،يسعى خالله القاص إلى اإلمتاع نحو قوله في ّ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
من أوّل يوم لوالدته ،لتخرّج أجياالً سالمة من آفات االنهزاميّة وبراثنها.
المضمون وف��ق رؤى انزياحيّة ،وأساليب انحرافيّة يلعب الرمز واإلش��ارة وحركيّة الزمن والمكان فيها ال��دور األكبر ،وقد أفضى بنا ذلك إلى ق��راءة البنية السّ رديّة عند الخليوي فوجدناها تتشكل وفق رؤية حديثة تتكسّ ر فيها التّعمية الحقيقيّة ،كما يخضع ّص فيها لجدلية المغايرة واالن��ده��اش ،وتالشي الن ّ الضمائر النّمطيّة أو محاكاة الواقع سواء على مستوى ّ ّص أو الشّ خصيات ال�ت��ي ت�ف��رض حضورها ف��ي الن ّ القصصي التّقليدي.
«يتكيّف ال��م��رء م��ع وح��دت��ه ،ويتخلّص ف��ي وهاد واإلقناع بقضايا مجتمعه ،وأوجاع مدنه ،ومن خالل ��ص��ح��راء م��ن ضجيج ال��م��دن ،يتحد م��ع رم���وز ال ذل��ك المشهد ال��سَّ ��ردي يستطيع القاص بث أفكاره ال ّ نهائية. وآرائ��ه؛ ألنَّ الفنَّ في كلياته المميّزة ليس محاكاة بل خلق وإبداع ،ومعايشة تخلق االتّساع ،والفراغ ،الرمال النَّاعمة أبعادها ،من دون أن ننسى الوظائف الحارقة بصهدها ،والجبال البكماء المنوطة به. البعيدة ،أزيز الرياح ،وشجيرات الشوك أقام الخليوي مجموعته القصصيّة على لغة سرديّة تجاوزت المثال؛ فهي وسيلة في نصوصه لإليحاء ،وليست أداة ل�ن�ق��ل م �ع� ٍ�ان م��ح��ددة ،فاستطاع التّخلص من أسر المفردات الواقعيّة الكابح.
الداكنة التي تدمي شرايين األقدام... ���س���راب األب���ي���ض ف���ي قلب ي��ح��ت��ش��د ال َّ المسافة وتنتشر اللوحات اإلرشاديّة الطريق، بزرقتها الباهتة على جانبي ّ وه��ي تشير إل��ى ق��رى صغيرة بعضها تحول إلى حظائر مهجورة».
وم��ن ه��ذا المنطلق ،يكون اإلبداع الحقيقي في براعة البناء السّ ردي للغة والسّ عي إلى مخالفة السّ ائد ،والمألوف؛ وبالتالي ،سيعود إلى إشاريّة المعاني واإلحالة إلى دالالت متعددة .فإشاريّة اللّغة ال��سّ ��رد ّي��ة هي األداة التي تجعل �ص ينفتح على عوالم شتى تشكل ال� َّن� ّ
ولع ّل أق��رب شيء يمكن مالحظته ف��ي ال � ّن �م��وذج ال��سّ ��اب��ق ه��و بنية اللّغة السّ رديّة لدى الخليوي ،وقدرتها كأداة ّص ،والسّ ير به في قويّة في تثوير الن ّ عمق األح��داث ،بحيث نشعر أ ّن هذا ال��رص��ف للجمل إ ّن�م��ا يتوحد ويشكّل ال مع تجربة الكاتب .وعليه ال متكام ً ُك ًّ
فهد الخليوي
اجلوبة -صيف 1433هـ 33
وتقاطعاتها ونموها عند القارئ.
فإنَّ اللَّغة السّ رديّة أسهمت في كشف األبعاد الدراميّة والمضامين الدّالليّة للموضوع.
السرديّ ة داخل -2حركية اللّغة ّ ص القصصي النّ ّ ل��م ت �ع��د ح��رك �ي��ة ال �ك �ت��اب��ة العاديّة تثير المتلقي ،ول��م ت�ع��د ال�ك�ت��اب��ة من أجل تحقيق المتعة وحدها تتالءم مع قارئ الحداثة والمعاصرة ،الذي تعدّى فهم القراءة على أنَّها مجرد اقتناص للمعاني ،وسيطرة على مغازي المؤلِّف، ّص وكتابة له بشكل إلى كونها بناء للن ّ جديد.
جبير المليحان
وفي نص بعنوان( :الجراد) تنمو ح��رك� ّي��ة ال�لّ�غ��ة ال��سّ ��رد ّي��ة لتستوعب ذل ��ك ال�م�ض�م��ون ال ��وج ��ودي والهم اإلن �س��ان��ي ،ف��ال�لّ�غ��ة ت�ق��ودن��ا لنعيش في حالة من الضياع لجهلنا بزمان القصة ،فالمليحان يستعين ّ ومكان بسارد( :طفل) أعطاه رم��زاً يحذّر النّاس من أخطار ،ويتنبأ بحدوثها ف��ي المستقبل على شاكلة زرقاء اليمامة.
وال ش��ك أنَّ ال�ق��اص ف��ي قصته اآلن��ف��ة ال ��ذك ��ر ،ي��ح��اول أن يوسّ ع ال � �دّالالت م��ن خ�لال حركية اللّغة فالقاص المعاصر عندما يستخدم السّ رديّة وتشظيها في بوتقة الخوف اللّغة السّ رديّة يستبطن عالمها ،ويعيش والقلق الذي يصيب اإلنسان بسبب في مخزونها ممّا يالئم أفكاره وتجربته تفكيره بالمصير الوجودي ،فنجد مشاهد بصريّة المعاصرة وواقعه المعيش ،ولهذا أدرك القاص أنَّ ترعبه ..كتحول الجراد لعقارب ،والعقارب إلى الن ّ ّص السّ ردي خرج من كونه مجرد حكاية ووسيلة؛ طائرات وصواريخ ،نحو قوله: لتحقيق متعة سريعة وتراكماً لألحداث وإسهاماً في «س��ي��ن ي���دب ع��ل��ى األرض ف���ي ه���ذا الزمان، الوصف ،ولهاثاً منذ السَّ طر األوّل إل��ى آخ��ره نحوه في المدينة على هيئة رج��ل ،جسمه ...م�� ّر بي، تحقيق مفاجأة القارئ وكسر أفق انتظاره. الشمس تدلهم وكنت أقف أمام باب البيت ،بدأت ّ على ه��ذا ال� ّن�ح��و ،ا ّت �س��ع وع��ي ال �ق��اص بضرورة بالقاني لتمتص فرح اللون ،أظلمت الدنيا فجأة. مشاركة المتلقي في إنتاج عوالم ال� ّن� ّ �ص ،وضرورة انتفض الرجل سين وتلفت ،لم يكن هناك رابية. السماء بيديه: استيعاب ال��رؤى لتفسير غموض العالم والمحيط ،بدأ يصرخ ،ويشير إلى ّ وتفسير المجاهيل المحدقة باإلنسان ومجتمعة ،فلم رفعت بصري :كانت أس��راب األفاعي الالمعة يقبل القاص أن تبقى لغته إشارات أو فضاءات ناقلة تشقها ،وتحوم فوق المدينة... لمعان سريعة ،بل أراد أن يشحنها باإليماء المولِّد ٍ األفاعي الكبيرة الطائرة... لطاقات وأبعاد أكثر داللة. كانت تسقط ف��وق رؤوسنا عناقيد كثيرة من ففي مجموعة جبير المليحان القصصيّة( :الوجه الصادرة عن النّادي األدبي في حائل جراد أشبه بعقارب صفراء المعة... الذي من ماء) َّ تتشظى ال��ع��ن��اق��ي��د ،وت��ث��ق��ب ال����دور والقدور عام 2008م ،يتبيّن لنا مدى حركة اللّغة السّ رديّة داخل ّص والصدور والجسور واألرض»... ّص القصصي ،واشتغالها في بث إيحاءات الن ّ الن ّ
34
اجلوبة -صيف 1433هـ
إنَّ الكتابة عند المليحان في لغته السّ رديّة ،إنتاج واع ،ون��اض��ج ،إب ��داع ي�ت�ح�دّى الكالسيكيّة ق�ص��دي ٍ ويتطلّع إل��ى أن يمأل البياض وال �ف��راغ م��ن سرديّة وتتجلّى حركيّة اللّغة ال��سّ ��رد ّي��ة عند المليحان اللّغة الحديثة ،ولع ّل المليحان استثمر تقنيات السّ رد في موقع آخ��ر ،أكثر حيويّة ورم��ز ّي��ة ،يتطلب قارئاً الحديث ،واستند عليها إل��ى االخ�ت��زال المكثّف في خبيراً باألسطر اإلبداعيّة؛ ليحفّز مكنونها الدّاخلي، الصياغة اللّغوية لحظة إنتاج نصوصه. ّ ويغامر في اقتحامه ليخلص إلى إعادة حياكة النّسيج وهكذا ،عبر لغة سرديّة منتقاة تتراوح بين التّرميز السّ ردي ،ويتكرّر هذا بنسب الفتة للقارئ خصوصاً والتّكثيف ،يقدّم لنا المليحان قصصه ،وقد استطاع نصه القصصي( :الوجه الذي من ماء). في ّ أن يستوعب مضامين ودالالت تجارب الواقع المعيش، لنصه السّ ابق تظهر أنَّ إنَّ الخطوط العريضة ّ الحس ّ القاص يتخذ من حركية اللّغة السّ رديّة؛ ليبرر الرومانسي والتّواصلية مع اآلخر لقوله:
وأن يذيبها في نصوصه القصصيّة إذابة ف ّنيّة ،تخدم الغرض الذي ألجله جاءت ،والعواطف طفقت تجيش للقصة. للتضامن مع المضمون الكلي ّ
«رق���ص ال��ب��ح��ر ب��ج��دائ��ل م��ن س��ع��ف ل��ون��ه��ا :مطر أبيض ك��ورق ضوء جديد يخلق ألول م��رة :وتساقط الماء في الكفين كوجه :ماءٍ وديع وطري.
ال ش��ك أن �ن��ا -م��ن خ�لال ال �ك�لام ال��سّ ��اب��ق -أمام مشهد ثقافي يطفح ب��ال�ح��راك ال��سّ ��ردي ،وه��ذا ما جعل األعمال القصصيّة تعيش حالة النّجاح والطفرة القصة للعالم ّ القويّة ،وفي الوقت نفسه نرى أهمية ال ع��ن تأثيرها العظيم ف��ي نفوس ك ّل توهجاً ،فض ً طبقات القرّاء والمجتمع.
كان البحر... والشاطئ.. َّ و ...كانت الكفان تلتصقان ،وال���ذي كوجه ماء وديع :يرتعش ...ويرتعش ...ويرتعش ،ويأخذ مظهرا بض ًا كبشرة رقيقةٍ ،رقيقةٍ ،رقيقة». وتشكّل تنقلية وتوثّب اللّغة السّ رديّة عند المليحان قصته فنراه يتناول اللّغة العاديّة ،ث ّم ملمحاً كبيراً ،في ّ يعيد تشكّلها في بنى تركيبيّة مفارقة لصورتها األوليّة، القصة اآلنفة وإيقاعها ،بوصفها ّ فرغم ارتفاع نبرة صورة للمجتمع الواقعي ،وتجسيداً ألفكار معيشية، إ َّال أنّها تمثّل في المحصلة النّهائيّة تعبيراً واسعاً في
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
عال، لقد ارتفع المليحان بلغته السّ رديّة إلى أفق ٍ ال اعتمد فيه على الطاقة اإليحائيّة للمفردات ،مستغ ً في ذلك كثافة اللّغة التي جعلت حركيّة السّ رد تصل إل��ى م��رت��ق عظيم؛ وه ��ذه ال� ّت�غ�ي��رات داخ ��ل العمليّة القصصيّة أف�ض��ت إل��ى اه �ت��زاز ال�ب�ن��اء الكالسيكي للقصة على نحو غير متوقع. ّ
الوجدانيات المعقدة .كما تمثّل آفاقاً لعوالم واسعة؛ فمن هنا ،نقرأها على أنّها أرضية خصبة لالنطالق السّ ردي لعالم ورؤى تتسم باالتّساع الالمحدود.
ّص السّ ردي ،غدا الفّنّ العالمي وبهذا نرى أنَّ الن ّ ّص السّ ردي أن المنتشر ،لذا يفترض ألي قارئ للن ّ ّص األدبي ،ومن يمتلك ثقافة عاليّة عن جماليات الن ّ ّص السّ ردي؛ ث ّم عليه أن يملك مقومات لغة كتابة الن ّ ليستطيع أن يحتفي ب��أب�ع��اد ال�لّ�غ��ة ال��سّ ��رد ّي��ة ،وأن يستوعب جماليات السّ رد الف ّنيّة ،بطريقة مباشرة، م��ن خ�لال العالقة بين اللّغة والمضمون والدّاللة ّص الحقيقيّة للتراكيب وال �م �ف��ردات المشكلة للن ّ اإلبداعي.
( ) 1الشّ نطي ،محمود :األدب العربي الحديث؛ مدارسه وفنونه ،دار األندلس للنشر والتوزيع ،حائل2008 ،م ،ط ،6ص.405 الصبان ،محمد سرور :أدب الحجاز ،القاهرة ،ط ،2مطبعة مصر1378 ،هـ ،ص.2 (ّ )2 الصفر للكتابة ،ترجمة محمّد برادة ،ط ،3الشّ ركة المغربيّة للناشرين المتحدين ،الرباط1985 ،م ،ص.53 ( )3بارت ،روالن :درجة ّ
اجلوبة -صيف 1433هـ 35
الشعرية
في القصة القصيرة السعودية > حسن علي البطران -من السعودية
القصة القصيرة من أكثر األجناس اإلبداعية التي يجد فيها المتلقي متنفس ًا يحاكي فيه ميوله األدبية ،وهي طردٌ رائعٌ يتواكب مع ذائقته ،ومن أكمل السرديات التي تميزها وحدة التأثير واالنطباع، ومن أفضل األنواع التي يمكن أن تتداخل فيها الفنون ،عالوة على أنها أقرب إلى القصيدة والرواية بتكثيفها وتركيزها وبنيتها المتماسكة( )1وتنوعها ،وقد يقترب تعريفها ويتقاطع في خطوط كثيرة ولست هنا بصدد تعريفها ،أو ذكر أنواعها ..وال بصدد تتبع مراحل تطورها ،بقدر ما ُ مع الرواية، تهمني شعريتها التي أبرزتها وجعلتها فن ًا قائما بذاته..له احترامه وتقديره على المستويين الداخلي والعربي. ولفن القصة القصيرة معنيان :عام ،ويشمل بناء القصة كله بجميع مواده وعناصره؛ وخاص يقف عند التعبير ووسائله اللغوية وخصائصه اللفظية( ..)2وهذا ما يقودنا إلى شعرية القصة القصيرة. وقد مرت القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية بأطوار تميزت فيها أساليبها ،وتغيرت من ط��ور إل��ى آخ��ر ،وكانت تأخذ في التنوع حتى أصبحت من أهم األجناس األدبية اإلبداعية في اآلون��ة األخ �ي��رة؛ الستطاعتها بصورها المختلفة وتكنيكاتها المترابطة والمتنوعة تمثيل الحياة ووصفها ف��ي شتى وجوهها ،كونها إب��داع يرتبط بالمجتمع دون عقبات ..ومن هنا ،ندرك أنها أقرب األجناس اإلبداعية األدبية إلى واقعنا االجتماعي إذا تجاوزنا ال��رواي��ة ..علماً أننا نصورها األقرب وليس تمثُّل واقعنا ،وندرك -ككتاب قصة -أن من المستحيل نقل الواقع كآلة تسجيل (فيديو ) ،أو نقل الصورة كما تنقلها آلة التصوير..
القصة إل��ى حكاية والحكاية إل��ى قصة ،ولكن ال تحمل العمق اإلب��داع��ي نفسه ،وتكون قريبة إلى الحكي بعيداً عن الخيال الممزوج بالواقع ،وفق خلطة إبداعية خاصة بالقاص؛ أم��ا ف��ي القصة القصيرة فتظهر اللغة المنتقاة والمفردات الرشيقة التي تعطيها حيوية مع ما بها من شخوص وأحداث، وه ��ذا م��ا يعني ل�ن��ا ظ �ه��ور ال�ش�ع��ري��ة ال �ت��ي تعطي عمقاً وبعداً إبداعياً وفنياً لها مع وجود مكوناتها األساسية؛ كاألشخاص والمكان والزمان واألحداث؛ وه��ذا ما يظهر في قصص خالد اليوسف وعبده خال ولطيفة السالم وعبد الحفيظ الشمري وعبد الله باخشوين وفؤاد عنقاوي وفهد العتيق وقماشة العليان وقصص كاتب هذا المقال وآخرون..
إذاً ،الشعرية في القصة القصيرة كالثوب الذي األسلوب القصصي فن يختلف عن الحكاية التي هي م��ادة من م��واد القصة القصيرة ،وق��د تتحول تتزين به العروس ...وإن الخامة التي يستخدمها
36
اجلوبة -صيف 1433هـ
القاص يحاول أن تنتهي به إلى لوحات قصصية لها سمات يستمتع بها القارئ ،وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الشعرية القصصية ،والتي حددتها الدكتورة كوثر القاضي في كتابها «شعرية السرد في القصة السعودية القصيرة» صفحة 38بقولها ...( :تمكنتُ من وضع حد لشعرية السرد في القصة السعودية ال�ق�ص�ي��رة ب��أن�ه��ا ع �ب��ارة ع��ن شبكة م��ن العالقات المتشكلة في بنية القصة الكلية ولغتها؛ فال ينبغي البحث عن الشعرية في طريقة اختيار الكلمات فحسب ،وال في طريقة ضم بعضها إلى بعض ألجل تكوين جمل وعبارات ذات جرس وإيقاع وقافية، ف��ال�م�ج��از يمثل رك �ي��زة مهمة ف��ي دراس���ة شعرية أم���ا ب��ال�ن�س�ب��ة ل�ع�ن�ص��ر ال �ش �خ �ص �ي��ة ،فكانت القصة القصيرة من خالل العالقات االستبدالية الشخصيات النمطية التي انقسمت إلى تقسيمات واالستدعائية ،والقوة اإليحائية للكلمات؛ فالنص ج��دي��دة ه��ي :الشخصيات التي تحيل إل��ى مرجع القصصي البد أن يثير في الذهن دالالت قد تبدو واقعي له حمولة شعرية كالبحر والبيئة القروية متناقضة لمن عنده اإلمعان فيها ،يستطيع القارئ الجنوبية ،والشخصيات ال�ت��ي تحيل إل��ى مرجع التوليف بينها)(.)3 ت��اري�خ��ي ش �ع��ري ،وال�ش�خ�ص�ي��ات ال�ت��ي تحيل إلى وح�ت��ى يتمكن ال �ق��اص م��ن ال�ت�لاع��ب بأسلوبه حياة الطفولة .أم��ا الشخصية الضحية فتقسم وتطويع كلماته وأدواته وتكنيكات كتاباته في القصة إل��ى الشخصية المحرومة والشخصية المنفية، القصيرة ،ويثير في ذهن المتلقي دالالت يستطيع وتبقى الشخصية ذات الكثافة النفسية فتنقسم إلى التوليف بينها رغم ظهورها متناقضة ،عليه أن يمر الشخصية المأزومة نفسياً والشخصية المتناقضة ب�م��ران وت��دري��ب وم�م��ارس��ة وق ��راءة بشكل مستمر وال�م��رك�ب��ة نفسياً لما ل�ه��ذه األن���واع م��ن انثياالت شعورية معينة ،قد تساعد في البحث عن الشعرية وكبير ،وأن تكون لديه ملكة في اإلبداع.. بطبيعة الحال «إن وج��ود الشعرية في الكتابة في عنصر الشخصيات..
يع ُد نوعاً من تداخل األجناس األدبية ،التي تفرض الحس الشعري على النثري ،حتى إن القارئ يشك في بداية أم��ره بأن ما هو مكتوب هو في الغالب ليس نثرياً بقدر ما هو شعري ،وه��و ما نستطيع أن نجده عند بعض الكاتبات السعوديات في جعل الموسيقى الشعرية تكثف المعنى»(.)4
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
بينها ،ومكونات بنية النص المكون للقصة؛ فلو نظرنا إلى عناصر القصة :األح��داث والشخوص واألماكن والزمان ،لوجدنا أن الشعرية تحتويها في القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية.. وقد اتضحت هذه الشعرية في التفاصيل الصغيرة للحدث الواقعي ومحاولة اإليهام بواقية الحدث، والحدث المتخيل ال��ذي صاغه القاص السعودي بتقنية الحلم أو الكابوس ،كما قد يتداخل الواقع بأحالم اليقظة ،كما عبر عن إحساسه باالغتراب والوحدة ،وتشكلت البنية الشعرية لصوغ الحدث القصصي وحركته من داخل الشخصيات..
أم��ا عنصر ال��زم��ن ،فقد تتضح شعريته في الحركة ،فتكون الحركة والزمن يبحثان من زمن ال��واق��ع وتكثيفه في زم��ن القص وزم��ن الحلم ،ثم يكون البحث في حركة الزمن المتداخلة استرجاعاً واستباقاً وتزامناً..
وفي عنصر المكان حاولت الوصول إلى شعريته فشعرية القصة القصيرة تكمن في بنية النص عن طريق البحث في الفضاء الخارجي المحيط القصصي ول�غ�ت��ه ،وت��داخ�لات �ه��ا وم ��دى التالصق بالشخصيات ،ومحاولة إيهام القاص للقارئ بواقعية
اجلوبة -صيف 1433هـ 37
كل هذا العذاب ؟! أرحمني يا إلهي ..أرحمني فأنا
المكان ،كما أن الفضاء الداخلي للشخصيات يكوّن شعرية عالية إضافة إلى الفضاء التخيلي وفضاء لم أعد أقوى على المزيد ..تغربت وتعذبت ..كنت الحلم ،أما الفضاء النصي أو الطباعي فقد كان أعتقد أن عذاب الغربة قاس وأليم ...وها أنذا في عام ً ال رئيساً ومهماً ساعد في تمثل هذه الفضاءات بيتي ,بين أهلي وأحبائي ..أعاني من عذاب وغربة. جميعاً لدى القارئ ،وذلك وفق ما أوضحته القاضي ال أشد وال أقسى .ها هم الذين يحبونني يجلدونني في كتابها «شعرية السرد»(.)5 بسياط ح��ب ال أستحقه .ه��ا ه��م ال��ذي��ن أحببتهم وق��د تتنوع الشعرية ف��ي القصة القصيرة من يجلدونني بسياط البغض واإلهمال والتشفي). كاتب آلخر ،ولكن في النهاية يشترك الجميع في وه �ن��ا ت�ظ�ه��ر ال �ش �ع��ري��ة ب�ش�ك��ل واض� ��ح وجلي، نتاج قصصي تتضح به الشعرية ..ونماذج القصص القصيرة ال�س�ع��ودي��ة ال�ت��ي تتوغل فيها الشعرية فحاالت الغربة والعذاب واأللم لغة تتعدى الشعرية صبغت هذه القصة بها ..حيث أن البطل يعاني كثيرة ..ففي قصة (أي��ام مبعثرة) لــ فؤاد عنقاوي وقد ُ نجدها طاغية في أحداث القصة وتتابعها..وذلك ال�ع��ذاب واألل��م ب��دءاً بغربته ع��ن وطنه وأه�ل��ه ،ثم ما نلحظه في المقاطع التالي: معاناته في عالقاته بأهله الذين يحبونه كثيراً وهو ((أموت كمداً ..أموت حسرة ..أموت وفي قلبي غير قادر على إسعادهم ،وزوجته التي يحبها وهي مهملة له والبنه .مفارقات كبيرة وتناقضات وألم حقد ،على أبي ..على أمي ..على المجتمع.)).. وغربة وحب ،تشكل مع اللغة والمفردات واألحداث وفي ورقة أخرى: المتشابكة شعرية واضحة في هذه القصة.
((األل� ��م يعصف ب� ��ي ...ال �م��وت ال�ب�ط��يء أشد ق �س��وة ...تعبت م��ن ان�ت�ظ��ار ال�ن�ه��اي��ة ..متى تكون فقط ،ب��ل ه��ي تشابك وت�لاح��م م��ن خ�لال وسائل الخاتمة ؟ ..أواه ..ربي.)).. وال تعني ال�ش�ع��ري��ة ال�ب�ح��ث ف��ي ل�غ��ة القصة
وف� ��ي ذل� ��ك ت �ت �ن��اغ��م ال �ج �م��ل وك ��أن� �ه ��ا قطعة وم�ك��ون��ات يستخدمها ال�ق��اص ف��ي قصصه ،حتى موسيقية ،وأن الحذف واإلضمار ساعدا في إيقاع تخرج من مسارها التقليدي المعروف إلى آخر فيه منحنى حركي جمالي ،خارجياً وداخلياً ،بعيداً عن موسيقيتها.
وفي قصة (موت أيوب) لعبد الله باخشوين التي المباشرة ،فالترميز والحذف والمفارقة واإليقاعات يقول فيها( :أغمضت عيني بألم ولم أجب ..كنت ذات النمط المتموّج في الحبكة والوصف والتصوير مصدوما غير مصدق ..يا إلهي العلي القدير ..لم والتجريد والتكثيف تظهر لنا تلك شعرية الموجودة كتب علي كل ه��ذا ال��ذي أعاني منه ؟ ِل � َم أتعذب في القصة القصيرة السعودية. 1ـ انطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية (نصوص وسير) خالد اليوسف وزارة الثقافة واإلعالم 1430هــ. 2ـ في النقد واألدب د .شوقي ضيف دار المعارف بمصر. 5/3شعرية السرد في القصة السعودية القصيرة كوثر محمد القاضي وزارة الثقافة واإلعالم 1430هــ. 4ـ الرواية النسائية السعودية ..خطاب المرأة وتشكيل السرد سامي جريدي مؤسسة االنتشار العربي /بيروت 2008م.
38
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
جدل التعبير بني القصة القصيرة والرواية في السعودية
> محمد جميل أحمد -من السودان
على الرغم من أن الكتابة الروائية في السعودية حققت تجريبا ال يزال يختبر معناه في جدوى القيمة الفنية من ناحية ،ومساحة الفضاء التعبيري وموضوعاته من ناحية أخ��رى ،إال أن هناك الكثير من الشروط التي تفرضها الكتابة الروائية لتحقيق مفهوم النموذج اإلبداعي ،بما يتجاوز ربما إمكانية الفضاءات المتاحة ،بحكم إكراهات متعددة لجهة الشروط الذاتية والموضوعية لمفهوم الكتابة الروائية ،وما تتطلبه من مقومات تتوازى مع التجربة االجتماعية والتاريخية ،كحاضنة لتلك األعمال. وف��ي ظ��ل التناقضات التي تنعكس أحيانا ف��ي النسبة السعودي ،من دون أن تكون هناك تجارب نقدية مكثفة تدرك والتناسب بين التجربة الروائية المفارقة لبعض اشتغاالتها ،ج��دوى القصة القصيرة في عالقتها ب��ال��رواي��ة ،بعيدا عن كعمل فني منخرط في جدل الواقع ومنفعل به ،ربما كانت منطق التجاوز. القصة القصيرة ،بصورة ما ،فضاء تعبيريا بإمكانه تأسيس إن القصة القصيرة كَف ٍّن حديث كان وال ي��زال مرتبطا تجربة فنية مراوغة ،لتمرير الكثير من التعبيرات المتصلة بهويته ال�خ��اص��ة ،ونمطه المتصل ب��دالل��ة وع�ي��ه كحالة أو ب�ه��اج��س ال�ك�ت��اب��ة وم�ش�ك�لات�ه��ا .فبنية ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة -موقف أو حياة ،في سياق تجربة متخيلة وقابلة للتجديد عبر بطبيعتها القائمة على التكثيف واالخ�ت��زال -تنطوي على تمثالت ال متناهية للواقع. قدرات فنية متجددة ،ولها قابلية التجاوز في الوقت نفسه وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن ال��رواي��ة ه��ي األخ ��رى ف��ي النهاية ألن تكون تجربة مكتملة ومعبرة عن معناها ،عبر اشتغاالتها قطعة من الحياة ،تبدأ في لحظة منها وتنتهي في أخرى، في موضوعات الكتابة ،والتي يمكن من خاللها أن تنجز عبر مساحة تعبيرية أكثر استيعابا وشموال ،إال أن القصة نجاحا ربما يفوق تجربة الرواية. ربما كانت تأويال آخر لتلك الحياة في كونها مساحة ضيقة فإمكان القصة القصيرة لناحية نوعها ال��ذي يتقاطع لهامش الكتابة ,لكنها في الوقت نفسه قد تختزن عالما وحياة كثيرا مع ثيمة القص ال��ذي في ال��رواي��ة ،أن تقدم عناوين كثيفة ومضغوطة؛ وبهذا المعنى ،فإن بنية القصة القصيرة مهمة ،وري��ادة فضاء مختلف من حيث فلسفته .ففي ظل قد تستجيب لتمرير الكثير من التعبيرات حيال الموضوعات الهوس بالكتابة الروائية ،ظن البعض أن ثمة عالقة تجاوز الخفية أو المسكوت عنها ،عبر تقنيات ومهارات تبدو في بين القصة والرواية ،من دون أن يدرك أن طبيعة العالقة في بعض األحيان أصعب من شروط الرواية. األجناس األدبية هي التوازي. وق��د ال ي��درك بعض أن للقصة القصيرة عالمها الذي وال �ح��ال أن ال�ت�ج��ري��ب ال�ك�ت��اب��ي ف��ي ال�ق�ص��ة القصيرة تستجيب له وتختبر معناه ،بمعزل عن كونها أقل قدرة من أصبح ظال مغمورا في غمرة االحتفاء بالرواية في المشهد ال��رواي��ة على تأويل األح��داث وصياغة العالم المتخيل من
اجلوبة -صيف 1433هـ 39
حركة الواقع. القصة القصيرة كجنس أدبي له حيثياته القوية والمستقلة في التعبير عن الواقع ،لم يأخذ حقه كالرواية مثال. وحيال واق��ع متحرك ،بفعل تحوالت كثيفة ومتالحقة كواقع المجتمع السعودي ال سيما في ظل ثورة المعلومات واالت �ص��االت ،ف��إن الكثير م��ن حيثيات ذل��ك ال��واق��ع تتصل بطبيعة الحياة التي يعيشها المجتمع السعودي .وهي حياة في مسارها العام على تماس مع الكثير من طفرات التكنولوجيا في استخداماتها المتعددة والحديثة ،كما أن تلك الحياة تختبر تحوالت متعددة في م��وازاة التغيير السريع ،بحيث تفرض على اإلب��داع القصصي مناخات مختلفة .ومن هنا، ربما كانت القصة القصيرة فنا موازيا إليقاع الحياة السريع بشكل جديد ،وخيارا إبداعيا يعاد إنتاجه ال بحسبانه تجديداً لنمط القصة القصيرة الكالسيكية وموضوعاتها المرتبطة بها ،في سياق مجتمع ما قبل الطفرة في السعودية ،أو تلك المجتمعات العربية األخ��رى ،وإنما كرهان حداثي ومعادل م��وض��وع��ي إلي �ق��اع ذل��ك المجتمع م��ن ن��اح�ي��ة ،وكمساحة مضغوطة ومراوغة لقول ما ال يمكن قوله ،إال بطريقة مكثفة ومتعددة في القراءة والتأويل.
المختلف للقصة القصيرة في السعودية ..كأساس لكتابة متفردة وغير قابلة للقسمة على أي فن آخر ،سواء أكان هذا الفن روائيا أم شعريا .لكن من المهم أيضا تعميق مجرى النظر إل��ى القصة القصيرة بوصفها فنا حاضنا لتجارب إبداعية تأخذ مقاربتها للواقع والمجتمع عبر تقنيات ذلك ال�ف��ن وذات�ي�ت��ه ،لتتجاوز ب��ه ت �ص��ورات شائعة ح�ي��ال قدرته المركبة على خلق معالمه الخاصة في موازاة عالم الرواية. ومن المفارقات الدالة على فرادة القصة القصيرة ،هو أن القاص المصري المتميز يوسف إدري��س ك��ان من أبرع الذين كتبوا في هذا الفن عربيا ،وكانت قصصه القصيرة تمتلك عمقا فريدا وذاتية مستقلة لها تأثيرها القوي في المتلقي ..إل��ى درج��ة أن األستاذ يوسف إدري��س حين كتب الرواية ،بدت رواياته أقل فرادة وعمقا وجماال من قصصه القصيرة البديعة. ق��د ال ي��درك كثيرون أن الكاتب األرجنتيني العالمي خ��ورخ��ي ل��وي��س ب��ورخ�ي��س بنى شهرته العالمية تلك على فن القصة القصيرة .إضافة إلى العديد من كتاب القصة القصيرة الكبار في العالم.
إن مسار القصة القصيرة في السعودية ربما احتاج إلى ربما كان من المهم جدا إدراك الحيثية الخاصة للقصة كتابات نقدية مكثفة ..تعيد إلى هذا الفن رهانه المستقل في القصيرة ،وإطِّ راح ذلك التأويل الذي يدرجها ،عرفا ،في حيز التجريب ،وتفك ارتباطه المتصل في أذهان البعض كميدان تمهيدي للكتابة الروائية .فالقصة القصيرة بخصائصها تمهيدي لكتابة الرواية. المختلفة حيال معنى الكتابة ،هي في حقيقة األمر اختبار رب�م��ا أم�ك��ن ل�ه��ذا ال�ف��ن ال��ذي ي�ج��اور ثيمة ال��رواي��ة في مستقل لكتابة التجربة الحياتية ضمن نسقها الخاص .مشترك القص ،أن يستعيد رهانا جديدا في إعادة تركيب ول�لأس��ف ..حتى ال�ي��وم ال نكاد نقع على تيار ف��ي الكتابة التجارب اإلبداعية في الواقع االجتماعي السعودي برؤية السعودية استطاع أن يراكم جماليات خاصة ومستقلة لفن حداثية ،لها القدرة على إنتاج مدونة قصصية على أيدي القصة القصيرة ،في م��وازاة الزخم ال��ذي تشهده الرواية كتاب يخلصون له ،ويختبرون من خالله استبطان الحياة بكل السعودية. تعقيداتها من دون الوقوع في ذلك اإلحساس الذي يجعل من
ذلك أن ثمة من يعتقد أن القصة القصيرة ربما كانت تجاربهم في القصة القصيرة كما لو كانت محطات قصيرة تمرينا للرواية ،فيجعل ذلك الفن الجميل ،كما لو أنه ال يملك في انتظار اللحاق بقطار الرواية. تعريفا خاصا به في سجل الكتابة اإلبداعية السعودية. ثمة زواي��ا مختلفة للفن حين يقارب الواقع منها :زاوية هذا بالطبع ال يعني أن ثمة اهتمامات مستقلة تعي الدور
40
اجلوبة -صيف 1433هـ
القصة القصيرة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
«التوليد والتلقي»
في حاضر القصة القصيرة ومستقبلها > مالك اخلالدي -من السعودية
يبدو أن القصة القصيرة السعودية ،التي بلغت ذروة امتدادها على مستوى النشر واالنتشار ،لم تزل في مرحلة المخاض ..حيث أن حالتي التوليد والتلقي يعوزهما الوعي الكافي؛ وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من اإلشكاليات التي تكتنف راهن القصة السعودية .فهذه الطفرة اإلنتاجية (و ال أقول اإلبداعية ..فهي ليست كذلك في كل حاالتها) أدت إلى هزال مساحة عريضة على مستوى حديث ٍ مستجلب ٍ َفن التقنيات السردية واللغة والفكرة ،ولعلها كانت نتيجة الدخول المفاجئ للقصة َكـ ٍ للساحة العربية عموماً ،والسعودية على وجه التحديد ..بما يميزها من ذلك التالمس المباشر مع بشكل نسبي، ٍ المساحة االجتماعية ،إضافة إلى االنبساط اللغوي وانفتاحه على اللهجات الدارجة على خالف ما يكتنف الشعر العربي العتيد ،وما يحفل به من ثبات وأطر عصية على الفك أو التجاوز رغم المحاوالت االنفتاحية التي جاءت في القرن العشرين ،لذا ،كان فن القصة أرض ًا خصبة جاذبة لالنفعال اإلنساني الذي يُسرجُ بوح ًا قصصياً ،وللتفاعل الذي هو المساحة البشرية التي تناولت هذا البوح بكثير من التعاطف واالنبهار ،ما أفرز لنا نصوص ًا غير مكتملة ،ورؤية جماهيرية غير متكاملة - على مستوى الموضوعية واإلحاطة بالمعايير الفنية -ولعل أبرز األسباب التي هيأت لذلك ما يلي: .1غياب القصة بمفهومها اإلبداعي الخلاّ ق جعل القصة بمفهومها الحديث حكراً على خاصة ع��ن ال�ث�ق��اف��ة المجتمعية نتيجة ل�غ�ي��اب�ه��ا عن المثقفين ،إذ تكونت تلك ال �ص��ورة الحقيقية المساحة التعليمية التقليدية ،التي ما تزال تمأل الواعية للقصة لديهم عن طريق المطالعة الحرة الكتب المدرسية بالمقامات والخطب العصماء،
الحثيثة ،والتفاعل الثقافي الخالق الجاد؛ ومن
بشكل كبير وحاد عن الواقع الحياتي ٍ التي نأت
هنا ،ظهرت الفئة النخبوية الضليعة ،والجمهور
االجتماعي والفكري واللغوي لهذا الجيل؛ ما
الغائب عن النص الحقيقي!
اجلوبة -صيف 1433هـ 41
.2انخراط دور النشر في األهداف الربحية
ألزياتور اإليطالية لآلداب ،وهو ما لم يحدث بهذا
ب�ع�ي��داً ع��ن االه�ت�م��ام ب�ج��ودة المنشور ،بدعوى
الزخم مع القصص أو المجموعات القصصية
النشر لألقالم الشبابية أو المتحفزة في سبيل تطويرها ،حيثُ ج��اء بالكثير من المجموعات القصصية الباهتة ،المكتنزة بالضعف والركاكة، التي مألت رفوف المكتبات دون أن تثريها. .3االن �ف �ت��اح اإلل �ك �ت��رون��ي وان �س �ي��اق القارئ
السعودية ،وق��د يعود ج��زء من ذل��ك إل��ى غياب االهتمام الكافي اإلقليمي والعالمي بالقصة ،كما هو الحال مع الرواية ..وتظافر هذا مع المأزق الداخلي القصصي الراهن. ومع ذلك ،يجب عدم إغفال األعمال القصصية
ن�ح��و ال�ق�ص��ص ال �ت��ي تُ�ن�ش��ر ف��ي ال �م��واق��ع غير
الرائدة التي بلغت ذروة الفن القصصي السعودي،
باللهجات ال��دارج��ة ،ما أدى على توهين صورة
كأعمال إب��راه�ي��م الناصر الحميدان ،ومحمد
ٍ المتخصصة ،كنوع م��ن الفضفضة دون مزيد مستجلبة ومبتكرة تقنيات فنية أضافت مالمح من المراجعة والتنقيح ،بل قد يأتي بعض منها إبداعية جديدة للقصة في ال��داخ��ل والخارج، القصة ،وترسيخ هذا النموذج الواهن في ذهنية القارئ ..لتكون هي القصة المبتغاة والمثال.
الشقحاء ،وشيمة الشمري ،وجبير المليحان، وعبدالحفيظ الشمري وغيرهم ،حيث رسموا
.4األطر النسقية التي تكتنف العقل والرؤية
كفن ت��اري��خ وواق��ع القصة السعودية القصيرة ٍ
واآلل� �ي ��ات ،وه ��ذا ب�لا ش��ك ع��مِ ��ل ع�ل��ى تحجيم
ح��دي� ٍ�ث ول �ي��د ،وأس �س��وا لمستقبل أك�ث��ر نضجاً
الفضاء اإلبداعي أو تسطيحه.
وتكامالً.
تعيش مأزقاً ُ ل��ذا ،ب��ات��ت القصة السعودية على مستوى التوليد واالستيعاب ،لتعيش مرحلة مخاض قد تطول إذا غابت اآلليات المناسبة التي تنتقل بالقصة إلى مرحلة النضج الحقيقي.
وال ري��ب أن القصة ال�س�ع��ودي��ة مقبلة على مرحلة جديدة حاسمة ،قد تنتزع الكثير من زخم الرواية اإلبداعي ،لترسم مالمح جمهور جديد أشد وعياً أدبياً ،وأوسع رؤيةً ،وأكفأ ذائقة ..فيما
فال يمكننا الحديث عن مستقبل تتدفق معه لو تم توظيف التحوالت الثقافية واالجتماعية القصة إبداعاً وعالمي ًة ما لم يتم التعامل مع ما المتسارعة الراهنة وال�ق��ادم��ة ،التي تجعل من تعيشه القصة اآلن ،ما منعها من تخطي المساحة مقتضب ال�ص�ي��اغ��ة وح��داث��ة ال �ف �ك��رة ..عوامل جذب وإشغال للمتلقي ،ما يستلب األنظار نحو ٍ المنكمشة ،أو تجاوز المرحلة الزمنية القصيرة
الضيقة للوصول إلى اإلقليمية والعالمية ،كما فعلت الرواية السعودية حين تم تتويجها بجائزة البوكر مرتين ،عن رواي��ة «ترمي بشرر» لعبده خال و«طوق الحمام» لرجاء عالم ،وحين فازت رواية «فخاخ الرائحة» ليوسف المحيميد بجائزة
42
اجلوبة -صيف 1433هـ
القصة القصيرة بتركيزها واقتضابها ،بعيداً عن اإلسهاب النسقي الطارد الذي تحفل به الرواية؛ أما حين يغيب ذلك التعاطي الذكي والواعي مع تلك التحوالت ،فستنكمش القصة القصيرة أمام
المد الروائي ،إثر ذوبانها أو انكفائها.
بصدد البحث عن أفق جديد لتلقي القصة القصيرة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
القصة السعودية والسينما
> إبراهيم احلجري*
يجتهد قصاصو األلفية الجديدة بشكل مطرد بحثا عن أفاق جديدة للشكل القصصي ودواله ،استفادة من الوسائل ال��ج��دي��دة ال��ت��ي ابتكرتها التكنولوجيا ووس��ائ��ل التواصل الحديثة ،وبخاصة مع الثورة الرقمية ومفرزات الحاسوب واإلنترنت ،فضال عن التأثر بالتحوالت السياقية التي ظهرت في الغرب ،أخص بالقول النمط القصصي الجديد الذي غزا اإلب��داع العربي ،إذ برز جيل جديد من القصاصين والنقاد الذين ينتصرون لهذا النمط ،ويدافعون عنه اقتداء بعصر السرعة واللقطة والتلميح بدل اإلفاضة واإلطناب .وبات القص الجديد ،في ظل هذه المستجدات والرهانات ،مطالبا بالمعرفة الواسعة بأشكال الخطاب ،والوعي العميق بالوضع المعيشي المحيط به ،فضال عن تعلم تقنيات التكنولوجيا الجديدة التي تضمن له ترويج منتوجه على نطاق أوسع بأحسن الصور واألشكال ،كما أن الرهان بات مالزما للصورة والصوت والحركة ..بدل االقتصار على النص المكتوب الذي قل أنصاره، عف انتشاره مع تراجع ال��ق��راءة ،وتضاؤل عشاقها أم��ام استئساد الصورة والسند وض َ َ البصري والشبكة العنكبوتية. وفتحت هذه اإلمكانات الباب واسعا أمام
القاص كي:
-يطور منتوجه وف��ق ما يتطلبه منطق
العصر.
-يبحث عن طرق جديدة حيوية لترويج
إب ��داع ��ه ،تُ �ع��زز ال �ن �ش��ر اإلل �ك �ت��رون��ي ،مثل
المدونات والمواقع والمنتديات.
-ي��راه��ن على ال �ص��وت وال �ص��ورة عبر
اجلوبة -صيف 1433هـ 43
إنتاج نصوص قابلة للتحويل إلى أشرطة سينمائية ،الداخلية لإلنسان ،من خالل تبئير الوصف على وأفالم وسيناريوهات وغيرها من األنماط الصديقة م�ع��ال��م ال��وج��ه وال �ح��رك��ة والتعبير باألحاسيس. القادرة على تقديم خدمات جليلة للنص القصصي وهذا ما يحدق حتى في الفيلمين المتضمنين في
ترويجا وإغناء وإمتاعا.
القرص المدمج.
وم��ن ه ��ؤالء ال�ق��اص�ي��ن ن��ذك��ر محمد البشير
إن النص السردي القصصي ينبني على خيـال
خالله إلى المزاوجة بين النص المكتوب والصورة
النصوص ،وربما يُكرس له إمكانات أخرى باإلضافة
وبهذا العمل يكون المنجز قد لعب على واجهتين
ذل��ك؛ فقبوله لمثل ه��ذه التغيرات والتبديالت
تركز على الكتابة كشكل تواصلي تحتاج التفكير
الفني ،والتفاعل على مستوى الوسائط وتعالقها
عبر منجزه القصصي( )1الفريد ،الذي سعى من
ومضمون يخصانه ويعنيانه ،ويميزانه عن غيره من
ال�ب�ص��ري��ة ال�م�ت�ح��رك��ة ال�س�ي�ن�م��ائ�ي��ة .وق ��د حولت والحذف ،ويكون العمل الفني الذي يخلو من هذه إح��دى قصص المجموعة إل��ى فيلم سينمائي .اإلمكانات غير مؤهل للتحدي واالستمرار ،وعكس متقاربتين باعتمادهما عنصر السرد ،لكنهما في القابلة للتشكيل وال�ت�ح��ول ه��ي ال��دل�ي��ل الحيوي اآلن نفسه ،يتطلبان آليات تحليل خاصة ..األولى على مرونة هذا النص وطواعيته وتقبله للصوغ بعد القراءة العينية ،في حين تراهن الثانية على
بالشكل اإليجابي .ومثل هذه التحوالت والتأويالت
السند البصري وعلى الصورة ،كعماد أساسي إلى سوف تكون الحكم التالي على النص ،األمر الذي جانب الحركة والصوت. يُحيلنا إلى مسألة أعمق تتعلق بتعريف هذا النص،
ي�ق��ول ال�ن��اش��ر ف��ي مفتتح ال�ك�ت��اب« :ف��ي هذا ووض��ع أُط��ر نظرية للحكم على أهميته إيجابا المشروع الثقافي الذي نضعه بين يدي القارئ ،وسلبا ،ومدى قدرته من عدمه من إشراك المتلقي ن �ق��دم ع�م�لا تفاعليا ام �ت��زج��ت ف�ي��ه اإلبداعات معه ،مما يجرنا أيضا لنسأل آخر عن مواصفات السردية بتأثيرات الصوت وجاذبية الصورة ،لنقدم المؤلف والمتلقي أو المنتج للنص الرقمي. مجموعة قصصية ،تأخذها روح الشباب لتطل من
(عبق النافذة) على زمن جديد تتجاذبه فضاءات
التقنية وسياقات القلم»(.)2
وما يعنيني هنا هو المواصفات األولية التي
ي �ج��ب ت��واف��ره��ا ف��ي ال �ك��ات��ب ال��رق �م��ي ،وليست
الصفات البيولوجية أو السيكولوجية ،أو حتى
وقد صمم القاص عمله على مقاس المعايير م��واق �ف��ه ال�س�ي��اس�ي��ة االج�ت�م��اع�ي��ة أو األخالقية اإلن�ت��اج�ي��ة السينمائية ،ح�ي��ث ال��وص��ف الدقيق الدينية ،إنما م��ا أعنيه ه��و ه��ذا ال��وع��ي بالخلق
لسمات ال�ش�خ��وص ال�ت��ي غالبا م��ا ت�ك��ون ناذرة ،الفني االف�ت��راض��ي ،وعيه الفني م��ع المزيد من وال�ت��رك�ي��ز ع�ل��ى ال �م��داخ��ل وال �م �خ��ارج الفضائية الكفاءة المعرفية ،ووسائل تعبيرية عميقة ذات
والسحنات والمالمح ،لتقريب البيئة التي تستقبل أبعاد شمولية ،وموقفه من التجربة اإلبداعية وما ال�ح��دث م��ن المتلقي ،وتضعه ف��ي سياق التلقي تحمله من توجهات لتوجيه خطاب معرفي جديد الشبيه بالفيلمي .وه��ي قصص تكشف المعاناة على علم ت��ام باألنساق السابقة لهذا التجاوز،
44
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ذي ث�ق��اف��ة فنيـة خ�لاق��ة ت �ع��رف خ �ط��وات العمل الرقمي وتتبنى وج ��وده .وك��ل ه��ذه المواصفات يجب تحديدها وتحجيمها إلى مستوى أكثر بكثير مما نتصوره اآلن؛ ألن��ه في صوغه الفني يعتمد على ثالثة مواقف ،حتى اآلن ،األول هو المبدع اللفظي ،والثاني هو المبدع التقني ،والثالث هو المتلقي المكمل إن جاز التعبير ،وقد تجتمع هذه المؤهالت في شخص واح��د ،وق��د ال تتوافر إال في أشخاص معينين بشكل منفرد ،مما قد يشوش نوعا ما على العمل ..وأفق تلقيه وقراءته .واألمر
محمد البشير
المهم أن يتدرب المبدع على التعامل مع كل هذه الخطية واألحادية البعد ،لذلك عليه أن يبحث في المعطيات ،وأن يتمهّر على إتقانها ،م��ا يجعل التعالقات الممكنة بين المكونات المتنوعة للنص منتوجه في أبهى صوره. وه �ك��ذا ،بتأملنا للمنجز ال�ن�ص��ي المكتوب، المطبوع ورقيا ،والنص البصري الفيلمي المصور
الرقمي» ،وبالتالي ،يضيف الناقد نفسه« ،يبحث
الناقد كذلك في التوازنات الممكنة التي تؤدي إلى
انسجام النص الرقمي حتى ال يتحول إل��ى فيلم قصير مثال ،أو يصبح مجرد تقنيات خالية من
على القرص المدمج المصاحب ،يتبدى أن النص أي «أدبية» ،أن يصبح خاليا من أية قيمة معرفية يصبح ،بناء على الحوامل المتعددة التي تتوسط وجمالية وشعرية» .ويتدارك محمد معتصم قائال
بين منتجه وقارئه ،وبناء على الصورة واألسلوب إن النص الرقمي «مطالب بأن يحافظ على جوهر ال��ذي يتمظهر بهما ،نصين ،ن��ص ينتجه محمد النص األدب��ي» ،أما بخصوص تفكيك المكونات،
البشير متخيال وكتابة وفكرة وتصورا وصورة تجلٍّ ،فهي «ليست بالعملية الصعبة ،بما أن طبيعة ونص آخر ال يمثل فيه محمد البشير سوى عنصر المكونات مختلفة ،ولها عناصر فارزة وواضحة»،
أو فاعل أو عامل من العوامل الكثيرة التي أفرزت وق��د أل ��حّ ال�ن��اق��د ال�م�غ��رب��ي سعيد يقطين ،على النص البصري؛ بما في ذلك المخرج بدر الحمود ،سبيل المثال ،بتجديد آليات االشتغال على النص والممثلون ،ومهندسو الديكور ،والتقنيون ،ومراقبو الرقمي ،حيث يقول في مؤلفه «النص المترابط الموسيقى والصوت واألفضية ،وطريقة العرض ومستقبل الثقافة ال�ع��رب�ي��ة ...نحو كتابة عربية والميكساج ،فضال عن شاشة العرض السينمائية رقمية» ،إنه «آن لنا أن نقطع مع ال��دون كيخوته أو الحاسوب أو الفيسيدي أو الديفيدي ( lecteurالعربية» .ودعا إلى «تجديد الوعي بالنص واإلبداع ou DVD
،)VCDلذلك ،يجد الناقد الممارس ،والنقد ،وفتح المسارات الجديدة واآلف��اق التي
حسب ال�ن��اق��د المغربي محمد معتصم «نفسه عليه أن يرتادها من خالل إبداع جديد يقوم على
أم���ام ن��ص م��رك��ب ،ب �خ�لاف ال �ن �ص��وص الورقية الترابط والتفاعل ،وليسهم في تشكيل وعي نقدي
اجلوبة -صيف 1433هـ 45
جديد يتسلح ليس فقط بالعلوم اللغوية والبالغية،
وإنما ينفتح على مجاالت تتصل بالصورة والتشكيل
وال�م��وس�ي�ق��ى ،وع�ل��ى ع�ل��وم تتصل باإلنسانيات، والمعرفيات ،والذكاء االصطناعي ،والرقميات،
واإلعالم ،والتواصل».
ول�س�ن��ا ف��ي ح��اج��ة إل��ى ال�ت��أك�ي��د ،م��ع الكاتب
محمد البشير ،على أن الزمن الراهن هو بامتياز
(زم��ن السينما) ،فلقد أثبتت -السينما -قدرتها ال�ف��ائ�ق��ة ع�ل��ى ام �ت �ص��اص جميع ال�خ�ط��اب��ات من مختلف الحقول الثقافية ،وجعلها عنصرا فاعال في البناء الدرامي الفيلمي ،وأصبحت اليوم بوتقة تنصهر وتمتزج فيها كل أشكال التعبير اإلنساني،
فشرعت بالخوض في حقول تجريبية كثيرة من
خالل انفتاحها على تلك الفنون واآلداب والعلوم المجاورة ،وذلك بواسطة تقنيات فنية تَشّ كل اغلبها في أطر ثقافية مقاربة للفن السينمائي -كالرواية،
والمسرح ،والرسم ،والموسيقى ،وغيرها .-ومن
أجل جعلها -أي هذه الخطابات -عنصرا حامال
لجزء من ال��دالل��ة العامة للعمل الفني من جهة،
الموضوعي بين الوسيلتين ،وفرضيات كل منهما على مبدعيها ومتلقيّها ،هذا ،فضال عن الكشوفات السردية التي عرفتهّا الرواية من جهة ،والتقنيات المتجددة التي صاحبت تطور السينما من جهة أخ��رى .ف��إن السعي ال��دؤوب من ل��دن المبدعين إلى البحث عن منظورات جديدة لمقاربة الكائن والممكن ،فضال عن حرية التجريب في الحقل السينمائي ،وإمكانية وجود وسائل خطابية مقاربة تعبر عن المادة الحكائية ،كل هذا سيفضي إلى
ولتكّثف من جهة أخرى المظاهر المعرفية فيه. ف�ق��د ح ��اول م�ب��دع��وه��ا ج � ّر ال�س�ي��اق��ات السردية الكشف عن سردية الرواية والفيلم معا ،بوصفهما الروائية حديثا ..لتصب في مصلحة التعبير عن فنيّين إبداعيين سرديين تتعدد فيهما وسائل الحالة الوجدانية التي تصفها الرواية(.)3
وتبعا لذلك ،فقد نشأت عالقات متينة ما بين
السينما واآلداب األخ��رى ،وبشكل خاص منها ما يتعلق بالسرد ،وإذ يقر أغلب الروائيين بأهمية
التعبير ،وتتماثل كثير م��ن ض��روب ون�ظ��م صوغ المتون الحكائية ،مما زاد من فرص وجود عالئق
مشتركة بينهما. على الرغم مما يمكن أن نجده من تكامل وتقارب
هذه العالقة ،لكون الرواية هي أداة السينما األولى وتماثل بين لغة الفيلم ولغة ال��رواي��ة ،إال أن ثمة بسبب قربها من ذلك الفن ،وليس لفرط سهولتها ،تمايزا بين السينمائي والحكائي ،إذ السينمائي هو ورغ��م أن حصر أوج��ه التماثل بين ف��ن الرواية كل ما ينتمي إلى اللغة السينمائية بالمعنى الخاص
والفيلم ،يستحيل ،بصورة دقيقة ،نتيجة التباعد والضيّق ،أما الحكائي فهو فوق سينمائي ..ما دام
46
اجلوبة -صيف 1433هـ
اليومية ،أي أن أنظمة الحكي ظهرت قبل وجود بالحرف إلى التفكير السردي بالمشهد والصورة
السينما ،فالسينمائي إذاً خ��اص ،تقني ،نتج عن واإليحاء األيقوني الحركي ،ال يريد ،بذلك ،نسخ
التطور التكنولوجي؛ أما الحكائي فهو عام ،سابق ،التجربة واستعادتها عبر الصورة ،ليقدم للمتلقي متعدد ،إنساني ،حاضر في كل األزمنة واألمكنة ،نصا ج��دي��دا ،ق��د ي��وح��ي بفكرة ال�ن��ص السردي
أي أنه عبر تاريخي وعبر ثقافي(.)5
المطبوع ،وقد يخلخله أو يعارضه أو يكون تكملة
إن تحويل نص س��ردي قصصي أو روائ��ي إلى أو هدما له ،إنه نوع من تمهير المتلقي على قراءة نص بصري سينمائي متعدد األسناد والحوامل ،تعد أخ��رى لإلبداع ،وكأنه يريد أن يرسخ فكرة لدى
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
يتضمن المسرح وال��رواي��ة والسينما واألحداث بتشكل الخطاب القصصي ،من التفكير السردي
عملية إبداعية متعددة الروافد والخواص؛ جذرت ال �ق��ارئ مفادها أن ق ��راءة ال�ن��ص نفسه مكتوبا، من «لغة السينما» في حياتنا الثقافية المعاصرة ،تختلف عن تلقيه مصوراً عن طريق فيلم ال يشكل
وأث��رت بالطريقة التي نرى بها األشياء ،حتى أن س��وى احتمال ق��راءة فردية للمخرج ،قد تختلف بعض االت�ج��اه��ات التي ظهرت حديثا دع��ت إلى عنها التصورات التي تحملها قراءات أخرى للنص تبني أساليب جديدة في الكتابة مثل :تعدد وجهات نفسه ،وقد تعارضها أو توازيها .لذلك فقد اكتفى النظر ،وتفكك البنية السردية الخطية ،ومراوغة القرص المدمج بتحول نصين فقط هما «بال غمد» القارئ ،ومصاحبة البطل المضاد… إلى آخر هذه و«البالونة» ،ليترك متسعا للقارئ نفسه ،ليشتغل
التقنيات المعروفة التي تعتمد ،ب��األس��اس ،على على باقي النصوص األخرى بشكل ذهني.
قلب الرؤية الموضوعية للعالم واستبدالها برؤية
وعلى الرغم من اختالف الوسائل التعبيرية
متشظّ ية ،متقطعة ،مضاعفة ،وغير متناسقة لعالم بين الرواية والفيلم ،إذ المشاهد السردية الروائية
غير مفهوم ،إذاً ،فالسرد مارس تأثيره اإلغرائي تتكون نتيجة التوهم والتماهي بين النص وقارئه، أوال على الصناعة السينمائية بوصفها رافدا وه��ي ترتبط ب�ن��وع ال �ق��راءة وكفاءتها وفعاليتها،
حيويا م��ن رواف��ده��ا ،لكن السينما أث��رت بذات فيما تتكون المشاهد السردية السينمائية على التأثير على ال��رواي��ة عن طريق الصور واألخيلة سبيل التجميع البصري لمجموعة من المعطيات
واألل��وان ،فضال عما يفيد به الفيلم الرواية من المرئية .من هنا ،فإن محتوى التعبير واحد ،وإن مناهج وآليات في بناء األحداث وتداخلها والتحكم هناك أرضا مشتركة بين االثنين ،يمكن تحديدها
ف��ي م�ظ��اه��ر ال �ص��راع بينها م��ن ج �ه��ة ،واإلقناع وف �ق��ا ل �ل �ت �ص��ورات وال � ��رؤى ال �س��اب �ق��ة ع �ل��ى أنها بالفصول والمشاهد المقدمة من جهة أخرى ،ألن (الحكاية) ،بغض النظر عن االختالفات الشكلية أي عمل فني ،إنما يتوجه إلى متلق معين ..ويحمل والمضمونية.
رسالة خاصة مؤسّ سة وفق خطة إقناعية تنم عن
مدى تصور المبدع لألثر وللمتلقي وللواقع(.)6
وبهذا السياق تكتسب الصورة تأثيرها وفعلها
التحسيسي بعد أن تتقولب بقالب اللغة المرئية،
إن محمد البشير ،بانتقاله على مستوى الوعي ما أن نستدل باللون أو الضوء على مستوى فاعلية
اجلوبة -صيف 1433هـ 47
اللقطة ،حتى تنتقل المؤثرات من نظامها الذي
إليها آنفاً :هو أدب الفلم (النص) ،حيث باإلمكان
إحساسا بفنية األن�س��اق البصرية وقدرتها على
المشاهدة–بالنظر إلى الوسيلة واألداء (التماثل
اللسنية ف��ي م��واج�ه��ة التلقي ،م��ن حيث تحميل
النص (ال��دال) لتقنيات الفيلم (المدلول) بعملية
تكونت فيه إلى نظام آخر ،هذا التغير يخلق لدينا قراءته وتحديد قيمته من خالل الوسيط–التلقي، التعبير بنفس الطاقة التي تمثلها األنساق النصية
وال �ت �ق��ارب) ،بغية تحليل ال �ت��داول ال�ح��اص��ل بين
الداللة أو تشكيل المعنى المتواري بين السطور ،أطلق عليها د .محمد عياشي– أطروحة النص– وجعلها فاعلة في رسم المالمح ذهنيا .بل أكثر فمن خالل هذه الفعالية ،نستنتج مدى عمق هذه
من ذل��ك ،فالسند البصري المتحرك أكثر قدرة
االستجابة بين الثنائيتين (النص والفلم) ،فالشعور
واإلثارة ،وربما بإغراء أقوى ،بحكم أن الفيلم يقدم
وتداخالتها ف��ي ال�ن��ص) أو تضافرها ،ال يعطي
على تحفيز الخيال ،وتحميل المتلقي على المتابعة النص بطريقة تجعل فعل التلقي آلة كسولة ،ما
دام القارئ ،وهو يتابع الفيلم ،ال يبدل على مستوى الصوغ التخييلي والبناء المحكم للوقائع واألحداث
بتناسج ال�م�ك��ون��ات وتناسقها (ت��رك�ي��ب الصورة
حكماً نهائياً على ما نريد إظهاره من قيم ،بل تبقى
العملية محصورة في األداء والمهارة لبلورة هذا
الشعور أو اإلحساس.
المجهود نفسه في التأويل الذي يقوم كما لو كان
وهكذا ،نستخلص أن عناصر السرد السينمائي
على مستوى البصر ويقدم الصورة جاهزة ،في
والتوافق في تشكيل الصورة عبر آلية (التركيب/
السرد عبارة عن خطية ،وص��ور حرفية تقتضي
الفيلم) ،ودمجهما في سياق واحد ال تخلو أنساقه
البشير ،فالقراءة تحرك هذه األشياء مجتمعة ما
تظهر في الفلم إال بعد ارتباطها بتصورات– الرؤية
تقلل األول��ى من قيمة الثانية ،بل تتضافران معا
(تقنية +المهارة) ،وكذلك لها قدرة على التحكم
النص الذي يتلقاه مكتوبا ،ف��األول يحرك التلقي
(مكونات النص /الفيلم) ،لها فاعلية التجانس
ال��وق��ت ال ��ذي ي �ق��دم ال �ث��ان��ي األح� ��داث واألفعال
ال�م�ع�ن��ى) ،ال�ت��ي ت�ض��م م�ح�ت��وى ال��دال �ي��ن (النص،
عدة عمليات يقوم بها ذهن المتلقي دفعة واحدة ..من المثيرات المنتجة عن البؤر ،الباطن ،الطوطم، وفي اآلن نفسه .أما على مستوى نصوص محمد التواري ،التماهي ،هذه العناصر ال يمكن لها أن دامت تراهن على أسلوبي التلقي معاً ،من دون أن
اإلخراجية– لما لها م��ن خصوصية المعالجة
لبناء الداللة ،وتقديم المعنى في أفضل صورة.
بقوانين التراكم داخ��ل الخطاب السينمائي من
أما البعد الثاني من عملية الرصد التي أشرنا *
( )1 () 2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6
48
لحظة المشهد األول إلى اإلنجاز.
كاتب وناقد من المغرب. محمد البشير :عبق النافذة ،قصص ،دار الكفاح للنشر والتوزيع ،الدمام ،المملكة العربية السعودية ،الطبعة األولى2008 ،م. محمد البشير :عبق النافذة ،ص .5 ليث عبدالكريم الربيعي ،الحوار المتمدن -العدد.24 /9 /2005 -1327 : نفسه. نفسه. نفسه.
اجلوبة -صيف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
على هامش امللف
قصص نسائية من السعودية -أميمة اخلميس > عبدالباقي أحمد خلف -سوريا
شهد المجتمع األدبي السعودي في السنوات الفائتة مشروعا ثقافيا ال يستهان به ،فقد تم انجاز أعمال أدبية وال سيما النسائية ،منها خطوات متالحقة غاية في اإلبداع واالشتغال والسمو الفني. وال أدل على ذلك من حصول روايتين سعوديتين على جائزة بوكر العربية قي سنتين متواليتين: (ترمي بشرر) لعبده خال 2010م ،وطوق الحمام لرجاء عالم 2011م. ولم تكن القصة بأقل حظا في النتاج األدبي ،فقد قُ دّ مت أعمال قصصية وبخاصة النسائية منها، فأبدعت هذه األعمال في منجزها القصصي في جوانبه الفنية ،وعبر أنساق مختلفة من التعبير والتجانس والشفافية .وكان قيام دوريات عربية مختلفة بطباعتها ونشرها ،عالمة ناجحة ،ووسيلة سهلة ،لتناول تلك األعمال واالطالع عليها. سنلقي ف��ي رص��دن��ا ه��ذا نظرة متابعة على
دور ال�م��رأة الحقيقي ،معرّية ال�ص��ورة الحسّ ية
مجموعة قصص لكاتبات سعوديات ،ليتم تأكيد
الخادعة التي علقت بها تاريخيا ،فهي ليست
ما ألمحنا له ،وليطلع عليه من لم تسنح له سانحة مسئولة ع��ن الخطيئة .وليست ل��ذة أو سلعة، للنظر فيها مليا ،وليتسنى له إمتاع النظر والفكر
ب��ل إنها واه�ب��ة الحياة وال�ف��ن واألدب ،وحسب
بتلك المشاغل األدبية اليانعة.
تعبيرها( :رغ��م ك��ل ه��ذا االج�ت�ي��اح ،ظ��ل السرد
السرد أرض أنثوية :أميمة الخميس
أرضا أنثوية وفيا لشفرة جينته األول��ى) ،إذ أن العمل اإلبداعي بحاجة إلى تلك الروح المخلصة
ارتأت معدّة المجموعة أميمة الخميس تسمية المتبتلة ،والحدب ال��ذي ال يكون إال ألنثى تعي المجموعة (ال �س��رد أرض أن�ث��وي��ة) ،تحت هذا تماما قدسية فعل الخلق .ويأتي السرد ليبعث
العنوان الشفيف تتحدث القاصة في مقدمتها ع��ن ن �ه��وض ال �ف��ن واألدب ف��ي م��واج�ه��ة الفناء واالندثار ،معللة ذلك بأن حواء هي األم الكبرى ال�ت��ي أوك�ل��ت إليها مهمة المحافظة على فعل الحياة وسير الوجود .تحاول في كل ذلك إبراز
بومضة الحياة المتدفقة لديها نسيجا تنسجه من مادة أحالمها ممزوجة بأسرار الكون.
خلع« :أمل زاهد» رمل «للقاصة أمل الفاران» ت�ب��دأ المجموعة بقصة للكاتبة السعودية
اجلوبة -صيف 1433هـ 49
المدنية أمل زاهد بعنوان «خلع» ،إذ تحاول الكاتبة
وتتحدث من خالل رسالة زميلتها منال عن
في سردها الغوص في الحالة النفسية لمريضة األجواء الدراسية في كندا :فصول مليئة بالهنود مفترضة ،ال تجد وسيلة لإللتقاء بالمحب ،إال أن والصينيين وال �ي �ه��ود ال��ذي��ن ت��راه��م ألول مرة، تدعي العلة لتزوره في عيادته ..لتعرض نفسها وحكاية المعلم الشاب ذي العينين الزرقاوين
عليه كطبيب مختص ،لكن مشاعرها ولواعجها الحادتين حين صاح بها بعد أيام من التدريس: تغلبها لينفرط عقدها بين يديه..
ما القصة؟ هل أنت غاضبة مني؟ لتعلل ذلك أنها
ثم تتبعها قصة «رمل» للقاصة أمل الفاران ،تجمدت عندها من الخجل (وكنت بحاجة إلى وهي أديبة سعودية حازت على جائزة الشارقة مهارة لغوية فائقة تفهمه أنني للمرة األولى آخذ األدب �ي��ة ع��ن رواي �ت �ه��ا «روح �ه��ا ال�م��وش��وم��ة به» ،العلم عن رجل ،وتتفرس عيناه الزرقاوان بوجهي استهلت قصتها ب�ـ(رش خفيف على وجه الرمل منتظرا اإلجابة ،لم أستطع بالطبع أن أخبره بكل فأشرق ،سمرات البر تشبهني أو أشبهها :من هذا ،فتحت قوقعة صمتي واختبأت بداخلها).
مطر ال تغادر وال تنحني أنا سعيدة يا صديقي، ال��رش يغسل روح��ي) ،تحكي فيه حديث الرمل
القطيع :تركية العمري قصة الشاعرة والقاصة والمترجمة تركية
واآلالم واألماني والعالقة بينها وتسميه الطقس المؤنث ذلك الفعل الذي إذا ضاق صدر أحدهم العمري ،ترسم فيها مالمح معاناة األنثى إلى جدا راح للبر ،يحفر حفرة صغيرة يحكي فيها ما درج��ة نسج ال�خ��راف��ات والحكايات ورب��ط ذلك
يوجعه ويدفنه ...حتى تقرر :دفن األوجاع طقس بالجن ...فتاة بريئة تاهت عن درب�ه��ا ،فوقعت في فخ معاناة ال حدود لها ،تصور الكاتبة خالل مؤنث.
منال :أميمة الخميس
ذلك النفسية االجتماعية الظاهرة التي تجاهلت
المرأة كإنسان ،فوقعت في إشكاالت ومفارقات
أم��ا القصة التالية :فهي ألميمة الخميس مشكلة. وعنوانها «منال» ،تحكي فيها قصة رسالة تأتي من صديقتها منال ،وهي في كندا ،لتسرد لنا عن ذكرياتها مع منال تلك التي كانت (تضيء بشرتها
قصص قصيرة جداً :خيرية السقاف أما مجموعة القصة القصيرة للقاصة خيرية
الزيتونية الالمعة ،فتبدو كصبايا نجد اللواتي السقاف ،فهي م�ح��اوالت عصرية لتدوين هذا
أورقن بعد سنين الطفرة ،ظباء صحراوية مجلوّة األدب الصادم والمنافس بجدارة ،بل هو تأريخ بعد سنين مغدقة الربيع) يتسم النص برومانسية جديد للقصة النسائية السعودية ،فقد اختزلت رقيقة «القمر هنا ه��و أمير الصحراء الضال الكاتبة ف��ي نصوصها عناصر الفكرة األدبية حيث الوحدة والوجوم والصقيع».
50
اجلوبة -صيف 1433هـ
واإليجاز اللغوي واإلث��ارة (حين تلمست صدري
عدت من التأبين ...المدينة كانت قد ابتلعت).
ف ��ي ه���ذه ال �ق �ص��ة ت��ذه��ب ال �ك��ات �ب��ة شريفة
قصص قصيرة جدا :زهراء األربش أما المجموعة األخ��رى فهي للقاصة زهراء
الشمالن منحىً غاية في السمو والرقة واإلبداع، حين تستنطق الكائن الحيواني ،فتقص حكاياتها بشاطئ البحر الهادر ،لتحلم بلقاء سمكة أنثى
األربش ،قدمت أيضا أربع قصص قصيرة جدا في جميلة رب�م��ا/ع��روس البحر /لتقلها معها إلى ثوب صقيل متعتنا بأهم ما يميز القصة القصيرة عالمها البحري الخاص (عروس لها عينا غزال،
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ك��ان قلبي قد غ��ادر ليسير في الجنازة ،عندما
السمكة والبحر :شريفة الشمالن
جدا ،هذا الجنس األدبي المنافس بعنف ،وهي وشعر مسدل على ظهرها ،عابثة الموج ،رفعت المتعة والقفلة اللتين ارت�ك��زت عليهما الكاتبة نصفها األسفل بيديها ،وجلست جانبي ،وراحت بنجاح ..تقول في قصتها المعنونة «انتظار» (ال ت�ج��اذب�ن��ي أط� ��راف ال �ح��دي��ث ،إن �ه��ا س �ي��دة هذا تستطيع بقاء الليل كله بجانب النافذة ،واقفة الشاطئ الممتد إلى ما شاء الله.).. تنتظر عودته المتأخرة ،فتذهب وتجيء خالل
تحاول الكاتبة عبر ذل��ك استنطاق/أنسنة/
ال �غ��رف��ة ،وع �ن��د ق��دوم��ه ت��دخ��ل ف��راش �ه��ا بخفة السمكة ،لتجري حوارا تنزّل فيه الحيوان منزل وتتظاهر بالنوم).
نداء :سعاد السعيد
اإلنسان العاقل الناطق ..يدعو إلى احترام البيئة/
البحر/وحمايته من تخريب اإلنسان/غواصات – نفايات -طاقات نووية /فتدعو القاصة أن تكتب
عنوان قصة لألديبة سعاد السعيد ،تسرد في عن ذلك في الصحف ،أما الكاتبة فتحدثها عن
نصها «نداء» خياالت امرأة ثكلى ،فقدت وحيدها آالم إنسان اليوم ،وأح�لام األطفال ..لكنها بعد الصغير ،فتغرق في بحر من المشاعر المختلطة هذا الحوار الممتع تفاجأ بأنها تقفز من حلم من أوهام وحقائق تتناهب النفس المكلومة في تصوير فني مبدع ،على نمط ال يحسنه أحد، ما عدا المرأة بروحها الشفافة التي ال يدركها إال ه ��ي ..وت�خ�ت��م ال �ن��ص ب �ـ (ص� ��راخ مصحوب بنصف ريح يخرج مني ومن العالم أجمع :ريح تختم شدتها ،عجزت كما عجز الظالم واألنوار والسكون والضجيج وكل المتناقضات أن توقظ طفلي المتجمد.)...
لذيذ (ل��م أف��رك عيني ،كنت أش��د على اللؤلؤة
بيدي ،ولكني عندما ألقيت نظرة ..كانت يدي تشكو الفراغ.). وال�ش�م�لان ت��ؤرخ عبر ذل��ك لمرحلة جديدة ل�ل�ق�ص��ة ال �ن �س��وي��ة ..غ��اي��ة ف ��ي ال �س �م��و والفن والشفافية واإلبداع..
طقس ونيران :شمس علي ق�ص��ة م�ج��دول��ة م��ن ن �ي��ران وأح �ل�ام نسائية
اجلوبة -صيف 1433هـ 51
محروقة ،تلك هي القصة التي تدونها بدموع أحد.). ال�ن�س��وة ..الكاتبة والقاصة شمس علي تصف
تحكي القاصة بحذقة ودرب��ة تامة المراحل
فيها طقسا أحسائيا مندثرا ،حيث تلت ّم النسوة المتتابعة ،منذ أن كانت الدكاكين الصغيرة تبتاع حول نار مشتعلة ،فيتراقصن من حول الحريق منها النساء الكبيرات كحلهن العربي ،المعبأ
الملتهب بأقدام تخفق على األرض طلبا لطرد في زجاجات صغيرة ،إلى أن ص��ارت الدكاكين النحس ،والنسوة من الالتي غادرهن أزواجهن تجلب ط�لاء أح�م��ر للشفاه ،إذ استعاضت به فأبقوا لديهن أمال دفينا يتعلقن به ،فإحداهن نسوة القرية عن الديرم ،تلك األع��واد الالذعة (تضحك عيناها للذكرى العتيقة حينما جاء به التي تطيل النساء وضعها بين شفاههن ..لكسب
الجمال,الرجل البدوي ذو الضفيرتين ،والثوب حمرة قانية .وسط ذلك كان هناك شاب وسيم ال�م�ج�ن��ح ،بمشقة اس�ت�ط��اع أن ينيخ جمله في يسدل شعره على جبينه ،أما هي فكانت نائية زقاقهم الضيق.).
بعيدة تجلس عند نخلتها التي تشبهها ،تمشط
ت��رص��د ال�ك��ات�ب��ة ح�ك��اي��ا ال �ن �س��اء ومعاناتهن شعرها األسود الطويل ..تفرقه فرقتين .وتمضي األي��ام رخية سهلة ف��ي تلك البيئة االجتماعية ف��ي ن��م��اذج م�ت�ش��اب�ه��ة وم �ت �ق��ارب��ة م��ن السيب، الطافحة بالحياة واألن��وث��ة ،وقد برعت الكاتبة والالمسئولية ،واالنهزام ،والتفلت ،واالنحسار.. في تشبيه البطلة بالنخلة في الطول والبساقة ليست إال المرأة المسكينة محمّلة بالهم واألطفال وانسياب خصالت ال��رأس بعنفوان ،لكن النخل اللذين تركهما لها الزوج المنفلت من واجباته... باق ..واإلنسان متحرك يضج بالحياة والحيوية، تلك هي المفارقة التي تريد الكاتبة أن تصل وتأخذ دورة الحياة حاجتها من النسغ والزهر غير بنا لشاطئها المزدان بالفجع والويل والتناقضات مبال بشيء ,النخيل في قشره وجذعه ،واإلنسان البائسة. في دمه ،فيزهر الطلع ،وينفج النبق في الجسد
قتلها :فاطمة العتيبي تؤثر قريحة فاطمة العتيبي ص��ورة اإلبداع واالشتغال الممزوجة بالحب واأللم ،حين تصف آالم األنثى وسط بيئة اجتماعية ،لتسجل همسات
الخافق وال يوقفها غير (رصاصة الموت تسكن في صدرها المخبوء خلف فضفاض الثياب).
شموع الفراولة :فوزية الحربي تنسج فيها القاصة ف��وزي��ة الحربي حكاية
األنثى وتنهداتها الخافتة في بيئة النخيل ورطبه حب ك��ان ،فغدا روح��ا مهيمنة يلبسها وال يكاد
ال �م��ره��ف ال �ع��ذوب��ة (ال�ن�خ�ي��ل تستطيل ويعذب يدعها ،تلك الروح الساكنة في شموع الفراولة ال رطبها ،وكانت مثلها تنمو بصمت ورطبها يكبر تبرحها ،أو الكامنة في الكأس الفارغ مرمزة به وسط األثواب الفضفاضة من دون أن يدري عنه للقلب الفارغ ..هكذا يبدو للوهلة األولى ،لكنها
52
اجلوبة -صيف 1433هـ
ِ عطر ِه العابق ،والقلب معذبٌ لم ينس لحظات دمعي الالهث تجأر معي...تسمّر األطفال في الروح في نشوتها وتوهجها ،بل تقرأ في عينيه أماكنهم حين رأوا هلعي ودموعي ،ولم أخجل من بإجادة تامة آثار اإلنسان ووشوشاته الحالمة.
حرية :ليلى األحيدب في هذه القصة ،تدون ليلى حكايا الحب وآثاره العاطفية الطاغية ،التي ال تبرح تأخذ بصاحبه، تسجل لحظات الهياج اإلنساني ،متسمة تلك المشاعر بالوفاء واإلخالص وحفظ العهد ،كعادة
الصراخ أمامهم بهستيرية )...لتؤرخ بذلك لحظة اإلنسانية ،وع�لاق��ة األص��ل ب��ال�ف��رع ،ف��ي ساعة تصل الحالة الروحية أوجها.
رسائل مبتلّة :هيفاء الفريح وف ��ي ال �خ �ت��ام ،ت�خ��ط أن��ام��ل ه�ي�ف��اء الفريح مجموعة خواطر قصصية تتناول أحوال األنثى
المرأة إذا سقطت في هاوية الخيانة والمعاناة.
وهمومها ،ف��ي ص��ور منتقاة ومتجاذبة ..فتارة
قصص قصيرة جدا :منيرة األزيميع
(تتضوع رائحة دمعها األزكى من القرنفل لحظة
عدة قصص قصيرة للقاصة منيرة األزيميع من مجموعتها/الطيور ال تلتفت خلفها /وكانت ه��ذه الكاتبة ق��د أن �ش��أت جمعية أدب �ي��ة بنادي الشرقية األدبي الذي يهتم بالمواهب الصغيرة والقراءة ،ويشيع ثقافة الحوار وهي محاولة جادة لإلسهام في هذا الجنس األدبي الصادم.
قمر -هناء حجازي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال ترضى بذلك ..فها هو الكأس يحمل رائحة
(أرك ��ض بين ال �ج��دران وأج ��أر كلبؤة ،وخطوط
فتحه رسائلها تحت نجمة بعيدة عن أرض الوطن، ال يشتم ذلك العبق سوى إحساسه المسافر به نحو حضنها ..عندما كانت تهدهد بأغنية يحسده عليها كل صبية الحارة في حبهم العتيق) .وفي األخ��رى( ..م��دت له بيمناها ميثاقا بذلك ،في حين كانت الكف اليسرى مشغولة بتمرير سكين مثلمة على حبل ال��ود ال��ذي يربطهما معا ..ال الحبل أوصله إليها ،وال السكين قطعته ..ظل
عنوان قصة لألديبة والكاتبة هناء حجازي من معلقا بـ«الهوى»). مجموعتها القصصية «بنت» ،إنه حديث القمر مما سبق ،يتبين لنا مشاركة األديبة السعودية ومناجاته (وي��ا قمر من ال��ذي أيقظك من النوم ب�ن�ص��وص وأع��م��ال ك �ف��ؤة ف��ي ال�م�ش�ه��د األدبي الليلة ،ووض��ع على كتفيك ه��ذا الشال القديم، المعاصر ،لتفرض نفسها عبر منجزها وبقوة ودفع بك إلى طريق الملهى؟). ف��ي م�ي��دان األدب وال�ث�ق��اف��ة ،وم��ن خ�لال سائر
يوم طارت ابنتي :هيام المفلح
أجناس األدب وفنونه ،وعبر ترجمة كثير من تلك
تسجل المهندسة والكاتبة في قصتها هذه النصوص للغات العالم ..لتتطلع الشعوب على ل �ه��اث األن �ث��ى ح�ي��ن ت �غ��دو أ ّم���ا ت�ف�ق��د ولدها ..تلك األعمال عن قرب.
اجلوبة -صيف 1433هـ 53
«ذاكرة بال وشاح» حلسنة القرني مثلث إيقاعٍ روائي
لصراعات ِ القصاص بني املرأة والرجل > د .عماد علي سليم اخلطيب*
ترى رواية حسنة القرني «ذاكرة بال وشاح» -الصادرة عن دار المفردات للنشر والتوزيع ،الرياض ،ط(1426 ،)1هـ2005-م، والصفحات التي في المتن – أثناء الحديث عن الرواية – تعود إليها -صورة المرأة الضحية بأسلوب مختلف ،وهي تتخذ من نظام األسرة في المملكة العربية السعودية أرضية تُح َلّل خاللها مشكالت المجتمع هناك ،وتفرض تعاطفً ا من نوع خاص تجاه ما تعانيه المرأة من صورة التسلّط الذكوري، كما سمَّ تها الساردة ،وهي تارة تطلق االسم صراحة فتقول: «همست لي نفسي إنه التسلّط الذكوري»49/ ويأتي هذا الوصف على لسان (فضة) األخت غير الشقيقة ل ـ (إبراهيم) وهي تصف أباها الذي كان يربط (إبراهيم) كالبهائم؛ منعً ا له من رفاق السوء 49/وتتكشف األحداث التي تتمحور حول (فضة) باإليقاع الروائي التالي: ٍ ف �ض��ة ي �ض��رب �ه��ا إب��راه��ي��م (األخ غير في مزرعة أثناء نزهة ← تنجب توأمه ← الشقيق لها) ← تصاب فضة بالحمّى ← يموتان من إهمال الوالد (جاسر) بهما ← تأتيها الخطّ ابة ← يخطب (جاسر) فضة تخنق فضة جاسرًا لكنه لم يمت ← تنقل ← تظفر فضة بعشيقها جاسر الذي التقته للمستشفى الطبي النفسي بالطائف ←
54
اجلوبة -صيف 1433هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
ويقتص من جاسر. وهكذا تسير الرواية مع خط أحداث البطلة (ف��ض��ة) م� �ص� �وّرة ط �ي��ش إب��راه �ي��م (األخ غير الشقيق) وعنف جاسر (الزوج) .ولطافة سلسلة من صديقات فضة اللواتي سمّتهن بأسمائهن اللطيفة في معناها نسبة الختيار اسم (جاسر بن أب��ي مسعود ال ��دالل) ،و ُه��نَّ حسب الظهور؛ إض��اف��ة ألختها غير الشقيقة (م�ن�ي��رة) :غادة، وكريمة ،وريم ،وعبير ،ومنى ،ومهرة. وف��ي مشاهد ت�ت��وازى ال��رواي��ة خاللها ،نجد استثمار ال �س��اردة لفكرة (األل ��م) التي رأيناها ظاهرة مع إحساس (فضة) بالوحدة والغربة تجاه فعل ال تراه زميالتها ومدرستها وهي تُهان على ٍ يستحق اإلهانة .32/فرأت فضة من سوء معاملة زميالتها ألـمًا ووحدة وغربة .إال أنَّها وجدت في أختها (منيرة /األخ��ت غير الشقيقة) البلسم الشافي وه��ي تسألها ع��ن سبب وج��ع ركبتها، فقالت في نفسها إنها« :سعيدة باأللم!»38/ األل��م ال��ذي ق �رَّب أختها لها .وتساءلت عن سبب س��وء معاملة زم�ي�لات�ه��ا ..وب�خ��اص��ة وقد تفشى س ّر مرضها بينهنّ ،وقد كانت تحسبهنّ رفاق العمر!39/ والخالصة أنَّ الرواية سارت إلثبات الدوال التالية: عشق الزوجين. الزوج تمثال إلى جانب اندفاع الزوجة.
وتقدم الرواية صورة للرُّقى والعالج الروحاني. تقول الساردة« :وفيما أنا على هذه الحال ،دخلت منيرة الغرفة ومعها بعض العزائم وم��اء زمزم وزيت قُرِ ئ عليه»43/ وكثيرًا ما كانت الساردة في «ذاكرة بال وشاح» تُ�ع�لَّ��ل لقارئها م��ا ت��ري��د إي�ص��ال��ه دون احتراس إلمكانات المتلقي في معرفة سبب ما يجري، ومنها قولها: «ك��ان أب��ي قاس ّيًا معه ه��ذه ال�م��رة ،لفرط ما أمهله فلم يستقم»47/ كما صنعت الساردة شخصية وهمية تجسدت بصورة (الزوايا) وكثيرًا ما تخاطبها الساردة بــ: استرجاع يقذف كلَّ ٍ «أيتها الزوايا» كناية لزمن
تتحكم بعض التقاليد قبل ال ��زواج بما قد ما تحتويه الذاكرة من قصص ،ويمكن أن أسميه يجري بعده.
أسلوب (مناجاة النفس) وهو الذي يتميز بالطول
اجلوبة -صيف 1433هـ 55
واللغة ،عالية الكثافة والبالغة ،كما يمكن النظر المكان ،ترجمة :غالب هلسا ،مجد ،المؤسسة في تكرار الساردة المتقارب الستدعائها لتلك الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت، الشخصية بين صفحتي ( )91 – 90في أكثر ط(2006 ،)6م ،ص )77بـ (بيت الحلم) ،فنقيس اللحظات إث��ارة في ال��رواي��ة وه��ي تخاطب تلك هنا عليه ونسمي زوايا القرني بـ (غرفة أحالم ال��زواي��ا ،وق��د دخلت غرفتها مشتاقة لجهازها ال�س��اردة التي تخاطب ال��زواي��ا) ،يقول باشالر: الذي أعدته العمّة /زوجة أبيها ،فاختارت ثوبًا «في بعض األحيان ،يكون بيت المستقبل أحسن عشبي اللون ،وال تزال تُعلَّل لها ،فتقول« :لعلمي بناء وأكثر ض��وءا وأكبر من كل بيوت الماضي، أن هذا اللون يُريح النفس»90/
فتصبح صورة بيت الحلم مواجهة ومعارضة لبيت
ث��م تتابع ال �س��اردة م��ا يمكن أن يحصل من الطفولة .وفي أواخر حياتنا نردد القول بشجاعة (جاسر) وترغبه هي ...إال أن شيئًا مما أرادت صلبة – داخ��ل بيوتنا أو غرفتنا – بأننا سوف
لم يكن! بل تحوَّلت صورة جاهزيتها لصورة شك نفعل ما لم نفعله حتى اآلن ..وعلى حلم البيت من جاسر ،وقد صار يسألها ل َم ْن كانت تتجهز! أن يحقق شرطين هما :الكبرياء والعقل ،وهذا ما فساءت حالة مرضها وأ ُغمي عليها.96 – 91/ إنَّ هذا اإليقاع بما خدمه من ارتجاع زماني �ور في ذاك��رة أي��ام فضة، أظهر ما اختبأ من ص� ٍ وق��د ص� ��درَّت غ�ل�اف رواي �ت �ه��ا ب�ق��ول�ه��ا« :يموت الشجر واقفًا ويبقى ظله شامخً ا» /الغالف. أم��ا استثمار المكان بفضائه المفتوح على المدينة ،فقد ب��دا ظاهرًا في ال��رواي��ة ،فذكرت الساردة الموطن األصلي مدينة «الطائف» كما ذك ��رت م �ك��ان سكنها ب�ع��د ال�ط��ائ��ف ومشكلتها وط�لاق �ه��ا ف �ع��اش��ت ف ��ي «ال� ��ري� ��اض» وف���ي حي «ال �م �ل��ز» ،وت �ل��ك أم��اك��ن م �ش �ه��ورة وم�ت�ب��اي�ن��ة في
حصل مع ساردة «ذاكرة بال وشاح» وهي تخاطب زوايا غرفتها التي تعرفها جيدًا وتألفها وتخفي لها ما ال تريد أن يعرفه اآلخر ،بل وسرهما معًا دفين. أما صورة الشك التي أظهرها (جاسر) ،فهي
صورة مسروقة ومفتعلة في الرواية وغير مقنعة، إال إن ارتبطت بالتشويه الذي ألحقته الساردة بتلك الشخصية .99/فجاسر خرّيج سجن،81/ وبارد في الفراش 86/وال يفهم لغة الجسد،90/ وش � َّك��اك ،99/ويتعاطى ال �م �خ��درَّات .103/وهو بذا لم يبق له من يتعاطف معه. وت �م �ت �ل��ئ رواي� � ��ة ال��ق��رن��ي ب��ال��ص��ور الفنية
ناقد اختالف العادات والتقاليد ،ويشاركني غير ٍ ال��رأي ب��أن المكان يؤسس الحكي ويقاربه من المصنوعة لشد انتباه القارئ نحو فنية تمتلكها الحقيقة .وزادت «ذاك��رة بال وش��اح» بمخاطبتها الروائية وتدافع عن رأيها بها ،ومن تلك الصور الحثيثة لزوايا غرفتها التي تعرفها وتُسر لها ..قولها عن العمة (زوجة أبيها) وقد أخذت تقنعها وق��د تبادلها ال�ح��وار أحيانًا ،ول��و لم تكن تتكلم بأن ال��روح الشريرة التي تسكنها ،سوف تذهب
قط .وهذا ما سماه غاستون باشالر (جماليات بمجرد زواجها من أي رجل! فتقول« :وفي ذلك
56
اجلوبة -صيف 1433هـ
أجهضتها بيدي ..تلك ظننتها من ف��رط جهلي
في (ذاكرة رواية التسعينيات :قراءات في الرواية
تريد أن تأوي إليّ .أنا التي مضغتني األحزان، وابتلعتني ،ث��م م��ا لبثت أن س��ارع��ت ف��ي تقيئي ألصب في وعاء المرض واإلهانة من إبراهيم» (.)70 – 69 ف �ت �ش � ّوه��ت ص� ��ورة ال��رج��ل ف��ي «ذاك� � ��رة بال وشاح» لصالح المرأة وتلميع صورتها ،وقد جرى القِ صاص من صورة الرجل لصالح صورة المرأة المسكينة التي ال حول لها وال ُقوَّة .وقد وافقني في الرأي غير ناقد مهتم ،منهم معجب العدواني
السعودية ،دار الفارابي ،بيروت ،ط(2008 ،)1م، ص )169 – 168في دراسته للذاكرة النسوية ال�ت��ي تمتلك ال �ع��داء أو الحسد للجنس اآلخر (الذكر) ،من خالل نقده لمعالم هذه الذاكرة في
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
اليوم أسلمتُ نفسي لها ..وتلك هي الحقيقة التي
تعبيره ،كما جلّى هذه الفكرة حسين المناصرة
قراءته لروايات ليلى الجهني (األرض اليباب)، وقماشة العليان (أنثى العنكبوت) ،ونورة الغامدي (وجهة البوصلة) ،فتقدم األخيرة صورة للمراة الضحية ف��ي ع��ال��م ال��رج��ال م��ن خ�ل�ال تجربة
في (الكتابة والمحو :التناصية في أعمال رجاء مأساوية عاشتها البطلة وصديقتها /قريبتها
عالم الروائية ،مؤسسة االنتشار العربي ،بيروت، النادي األدبي بحائل ،ط(2009 ،)1م ،ص – 150 ،)151الذي درس العالقة الزوجية ولغة الحوار بين الشخصيات في رواي��ة رج��اء عالم «طريق
«فضة». وقد استدعت ساردة «ذاكرة بال وشاح» صورة األخ غير الشقيق لــ(فضة) ،وشقيق (منيرة)،
الحرير» ،ودرس تَجَ لي الذكر كعالمة نصية توحي وجعلته يعيش مع الخمر ،18/وإلى اإليقاع الذي بالخطر ،ال سيما في الخطاب المنقول عن األنثى رسمته تلك الشخصية وتسلسل أحداثها الذي بوصفها مصدرًا إلرشاد بنات جنسها ،على حد نراه مرسومًا كما يلي49 ← 18/: تربّي إبراهيم منيرة + يضربه بفوقية فضة + والده الرجل إبراهيم ويربطه عاش الوحيد أشقاء كالبهائم إبراهيم للبيت ورضع من أب مع من أمه، ← منعًا ← ← وأمين ← له من رفاق وتعلّم من وفضة مرافقة السوء والده الخوف هي غير رفاق على أختيه الشقيقة السوء من العيب لهما والعار
يُعامل فضة بقسوة الرجل اآلمر الناهي
يستقيم إبراهيم ويتصالح ← مع أختيه ويطلب مسامحتهما
اجلوبة -صيف 1433هـ 57
وظهرت خ�لال قصة (إبراهيم) في الرواية
أم��ا (جاسر) زوج (فضة) فهو الشاب الذي
إش��ارات لصورة األب ال��ذي لم تستثنه الساردة التقته في مزرعة العمدة.42/ من إحساسه الرجولي ،وأنه يغالط نفسه أحيانًا ← ومن خالل تيار الوعي تقفز فكرة ركوع فضة في اتباع بعض قوانين الرجولية كما يعتقد.19/ للذكورة والفحولة ،مثل (منيرة) األخت الصغرى وتحدَّ ثت ال �س��اردة ع��ن منطق الفوقية،19/ التي تجيد االنحناء لهذا الجنس المتعالي – كما والمنطق الذكوري ،17/والتسلُّط الذكوري أثناء تقول الساردة – ،50/ونقرأ سردها« :ويحي إنه حديثها عن ثالثة شخوص (إبراهيم ،وجاسر، ووال��ده��ا) ،وفي إيقاع روائ��ي متسلسل تستطيع رج��ل ،ولكن كيف إذا أشعر بالرغبة للنظر في خالله أن تتكشف الظلم ال��ذي عاشته (فضة) وجهه؟ هل حان وقت ركوعي للذكورة والفحولة و(م �ن �ي��رة) ف��ي أسرتيهما ،و(ف �ض��ة) على وجه من أجل خافق يخفق بقلبي؟» (.)51/11 الخصوص ألن زمن استرجاع األح��داث يُلخص حكايتها. وأخذ الحديث عن التسلُّط الذكوري صفحات طويلة ،ضمن األح��داث ،كانت من ( ← )17إلى ( .)98وبدأ الحديث عن (إبراهيم) ← يصب جام غضبه الذكوري على أختيه ← تلمس أختا إبراهيم بذور الفوقية فيه من صغره ← وبانحرافه تظهر سلطة األب الذكورية فوق سلطته ← يضربه أبوه ← يستقيم أمره ← يطلب العفو. أما الوالد فقد ظهر أنه من زرع بذور الفوقية إلب��راه �ي��م ،وب��أن��ه تغاضى ع��ن مرافقته لرفاق السوء م��ادام أن الرجولة ال يعيبها شيء طالما هي فوق الثوابت.19/ ومشت أح��داث ال��رواي��ة بصورة قطع مشهد األب ،ليعود من جديد وه��و يحاسب ابنه على تقصيره ويربطه كالبهائم ،وتحاول فضة ثنيه ،إال أن أمر األب ينفذ .49/وتوافق الساردة منطقة ال��ذك��وري حين أم��ر العمة بتحضير فضة كي يراها جاسر.72/
58
اجلوبة -صيف 1433هـ
وتمشي األحداث نحو إحساس (فضة) بحبها لــ (جاسر) ،ووقفت الساردة من (الحب) موقفًا متجاذبًا: حب فضة ألخيها في حبها إبراهيم للشاب وشفقتها استدعاها الذي عليه وهو ← للتفكير ← التقته مربوط في بفناء المزرعة المنزل كالبهائم فالعواطف ال تتجزّأ .وتصنع الساردة قَطْ عًا في األحداث لصالح قصة (فضة) مع زميالتها، ومعلمتها ،وعمتها (زوجة والدها) .ومن القصة استجلبت الساردة مشهد الخطّ ابة (وطفة) وهي تطرق باب منزل (فضة) لخطبتها إلى (جاسر بن أبي مسعود الدالل) .وجاء مثلث اإليقاع الروائي منتظمًا هكذا:
األب
فهو رجل!»،81/ وجاء إيقاع الرواية الخاص بجاسر كما يلي: منيرة
فضة إبراهيم
جاسر
غير مرتب في البيت ← ال يظهر مشاعره تجاه زوجه ← غير محافظ على الصالة ← يهرب كثيرًا من المنزل ← شكَّاك ← ال ينسجم في الفكر وال
فشخصية (منيرة) ترضخ لمنطق رجل البيت وتنحتي ل�ل��ذك��ورة .وتنحني فضة لحبها وتقبل (جاسر) زوجً ا .وتنحني (وطفة) لعادات الخطبة التي يفرضها األب وتتفحص وجه فضة؛ فممنوع على جاسر أن يراها أو يعرف وجهها ..وهي من سيقوم بهذه المهمة ،لكن األب يخالف العادات وي �س �م��ح ب��رؤي��ة ج��اس��ر ل�ف�ض��ة رؤي� ��ة خاطفة،
في المشاعر مع فضة. ث��م يأتي القِ صاص ف��ي رواي��ة القرني جزا ًء لجاسر على إهماله وتسببه في قتل توأمه من (فضة) ،105/فيكون مثلث القصاص المنطوق به في الرواية قد تشكل على النحو الذي يمكن رسمه هكذا: القصاص
وتسير األح ��داث نحو ليلة ال��زف��اف وتظهر أن (جاسرًا) تمثال حجري ،وشكاك ،وجاهل بفنون
من
الحب(.)80 ثم يتسبب (جاسر) في موت توأمه؛ بشكّه غير المبرر بفضة ،ثم يالقي جزاءه بالقصاص منه. وخ�لال س��رد أح��داث الزوجين 76/ب��دا اإليقاع ال��روائ��ي خ��اد ًم��ا لفضة التي تفاجأت بتمثالها ال�ج��دي��د ومنطقه ال��ذك��وري ال��ذي ال يسمح له البوح إال لمن ليست له! ،78/وتقول الساردة عن هذا« :طاغوت الذكورة والفحولة يُسيطر عليه» (.)79/11 وتقول« :ت��رى م��اذا تخبئه لي األي��ام مع هذا التمثال الحجري؟»80/
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
وطفة
الذكوري أعتقد أنه أحبني ،لكنه لن يقولها لي
لصالح قتل
جاسر زوج
التوأمين أم
فضة فيكون القصاص لصالح (فضة) التي فقدت توأمها ،مع اعتراضها أنها فيما بعد أصبحت المدعوة بالمطلّقة ،105/وإذا ما فهمنا البعد تقتص ّ اآلخر لوجه (القصاص) ،فإننا نرى الدنيا لفضة؛ وقد شُ فِ يَت من مرضها النفسي ،وعادت لها حياتها الجامعية ،وع ��اد لها ج��و العشق،
وع���ن ال �ح��ب ت� �ق ��ول« :ف ��أن ��ا ب �ق��در كبريائه واقتربت من تكوين أسرةٍ جديدةٍ مرّة أخرى. * أكاديمي بجامعة الملك سعود.
اجلوبة -صيف 1433هـ 59
ألني أشتاق إليك -سناء أبو شرار ن بوصفه نافذةً للخالص! السج ُ
> هيا صالح*
تقوم رواية «ألني أشتاق إليك» لسناء أبو شرار (دار الهالل ،القاهرة2012 ،م) ،على س��رد قصة واقعية في إط��اره��ا المجمل ،تخيُّ لية في تفاصيلها ،إذ استوحت الكاتبة قصتها من خبر تداولته الصحافة حول رفض سجينتين مغادرة السجن رغم انتهاء مدة محكوميتهما. زارت الكاتبة السجينتين وقابلتهما بفضول الراغب في المعرفة ،لتبدأ بعد ذلك تشكيل عالم روايتها القائم على تناوب السرد بضمير المتكلم بين الشخصيتين الرئيستين: «جميلة» التي أقدمت على قتل الرجل الذي أوقعها في شراك حبه ثم خدعها ،و«نجوى» الفتاة اللقيطة التي تُقْ ِدم أيض ًا على قتل رجل عانت من قسوته الكثير. وفي خضم ذل��ك ،تقدّم الروائية نماذج إنسانة ميتة المشاعر ،لكنني أعلم أنني لو نسائية أخ��رى داخ��ل السجن ،مثل «زهرة» عدت للحياة معهما ،فسوف أكرر جريمتي ال �ت��ي يلقّبها ال�ج�م�ي��ع ب �ـ«ال �ق��ات �ل��ة» ،إذ لم مرة أخرى» (ص .)51 تتردد في إنهاء حياة زوجها الذي يكبرها وفي هذه النماذج وسواها ،تطرح الرواية ف��ي ال �س��ن ك �ث �ي��راً ،لتتخلص م��ن جبروته سؤالها العميق والصادم بشقَّيه :من المجرم وتسلّطه ،وق�تْ��ل طفلها منه أي �ض �اً .يُحكم الحقيقي؟ ومن الضحية؟ عليها باإلعدام ،وبينما تظل متماسكة أمام فقد وق�ع��ت «جميلة» ف��ي ش��رك إغراء الجميع ،فإنها تنهار من البكاء عندما تتبادل الحديث مع «نجوى» ،معترفةً« :أنا خائفة الرجل لها وتعلّقها به ،وهي بع ُد في مقتبل من الموت ،خصوصاً أنه موت ُم ّر صعب ،العمر ،فمنحته بدافع الحب كل ما تملك، �ظ منه بشيء س��وى القهر واأللم، لكنني أعطيت هذا الموت الم ّر البني ،قتلتُه ول��م تَ��حْ � َ بيدَيّ هاتين ..األسوأ من جريمتي هو أنني ف�ي�م��ا ه��و ي�س�ت�غ� ّل م�ش��اع��ره��ا وعواطفها ال أشعر بالندم ،وال أشعر بأي شيء ،كأنني الجيّاشة بطريقة منفّرة .ثم تُ� ْودَع السج َن
60
اجلوبة -صيف 1433هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
ومن ثم ،تبدآن كتاب َة مذكراتهما بعد جريمتها ،لكن أهله وأهلها ال ال �ت��ي م��زج��ت ب�ي��ن ال��واق �ع��ي الذي �اب وفق يرضيهم م��ا ن��ال�ت��ه م��ن ع �ق� ٍ عاشتاه وعايشتاه ،والمتخيَّل الذي القانون ،وينتظرون خروجها ليعاقبوها تتوقان إل��ى تحقُّقه .إذ يقوم بناءُ على طريقتهم؛ إنهاء حياتها« :هل أنا ال��رواي��ة على ال�ت�ن��اوب ف��ي السرد قاتلة؟ أم شريكة بجريمة قتل؟ لو بين هاتين الشخصيتين؛ مرة تروي أنني كنتُ قاتلة أو شريكة العترفت ه��ذه ،وم��رة تلك ..مع التركيز في على األق��ل لنفسي ب�ه��ذه الجريمة، ك��ل م��رة على كتابة رق��م السجينة ولشعرتُ بالندم ،وأنني أستحق هذه ل �ص �ق �اً ب��اس �م �ه��ا ،ف �ـ«ج �م �ي �ل��ة» هي العقوبة ،ولكن في أعماقي ال أشعر سناء أبو شرار المقيمة رقم ( )745و«نجوى» هي بجريمتي ،وال أش�ع��ر أن�ن��ي مذنبة. السجينة رقم ( ،)565ليبدو الرقم ه��ل ف �ق��دتُ ذاك��رت��ي؟ أم إن��ه قتلني ال روحياً قبل أن أقتله أو أكون شريكة في قتله جزءاً من االسم يُستعاض به عن اسم العائلة ،أو قت ً جسدياً؟ هل فقدتُ ذاكرتي ،أم فقدتُ قدرتي على أي ارتباط آخر بالساللة اآلدمية« :هنا يتساوى الشباب والشيخوخة والمرض والصحة والحزن الشعور بأي مشاعر؟» (ص .)17 أم��ا «ن �ج��وى» ،فهي ف�ت��اةٌ لقيطة ال أه��ل لها ،والسعادة ،ألن السجن يزيل كل الفوارق ،ويتحول تعاني من قسوة الحياة ونظرة المجتمع القائمة كل من يدخله إلى رقم وملف ،ال جدوى من مراقبة على الريبة والشكّ واالزدراء ،حتى إنها لم تعد التجاعيد التي تزداد عمقاً في كل عام ،وال جدوى تتمكن من تدبير لقمة عيشها ول��و ك��ان بالعمل من الشكوى من وهن الشيخوخة ،وال فرق بين فرح دام ،ألن كل هذه المعاني ال قيمة لها خ��ادم� ًة في البيوت .والمفارقة أنها حين تقْدم غامر وحزن ٍ شعور يعتريها إال هناك ،على الطرف اآلخ��ر ،حيث تحيا حرية ٍ على القتل ويتم اعتقالها ،فإن أو َل هو األمان ،إذ تبدو على يقين بأن هناك مَن هو الروح والجسد» (ص .)5 مسؤول عن تدبير أمورها دون الحاجة ألن تُذَلّ وتُهان على الطرقات بحثاً عن لقمة العيش« :مَن مثلي ال يرغب أحد باقتنائها ،وحين أجلس على رصيف ما في ليلة مقمرة أرقب النجوم وأتذكر ٍ دون أن أنسى أنني هذا الشيء ال��ذي لم يرغب أحد باالحتفاظ به أو بالتقاطه ،أنظر حولي فأجد الكون كله باكياً حتى النجوم التي في السماء .دون الحوار التالي بين السجينتين يوضح فكرةَ ما كلمات أسأل تلك التي أحضرتني إلى هذا الوجود: اتفقتا على تنفيذه: لماذا؟ وبأي ذنب؟» (ص .)32 «جميلة :أيتها الغبية ،اكتبي ع��ن أح�لام لن خشية «جميلة» من أن تُقتل ،وخشية «نجوى» من أن تعود يتلقّفها الضياع بعد خ��روج كلتيهما تتحقق ،وع��ن حب لن يحصل ،وع��ن آم��ال كبيرة من السجن ،هو ما دفعهما إلى الطلب من إدارة في ص��درك ،ولكن لن تكون عديمة الوجود في الواقع.. السجن البقاء فيه حتى الممات.
ذكريات أحداث ِ في أوراقهما ،تستعيد البطلتان عاشتاها قبل دخ��ول السجن ،كما تبدعان من حكايات وتفاصيلَ ،ليبدو هذا المنحى ٍ خيالهما حبل س�رّي –على ضآلته ووهنه -يَحُ ول بمثابة ٍ دون أن تفقدا ما تبقّى من إنسانيتهما ،وحتى تظال قادرتَين على مواصلة الحياة وراء القضبان.
اجلوبة -صيف 1433هـ 61
عموماً أن� ِ�ت مترددة وجبانة ،وس��وف أب��دأ من غد بكتابة كل ما يدور بخلدي ،حتى لو كان يوم ٍ أوهاماً وأحالماً ،لكنني سأكتب وأكتب إلى أن... إلى أن ماذا؟ إل� ��ى أن ت �ت �ح��ول ال �ك �ت��اب��ة إل� ��ى أه� ��ل ووطنوحبيب.. تجعلك تفتقدين ك��ل ه��ذا وأكثر، ِ لكنها ق��دوتزداد معاناتك.. اسمعي ،لقد فكرتُ بكل ه��ذا ،وق��ررتُ أننيأريد أن أكتب مهما كانت النتيجة ..أريد أن أشعر أنني ما أزال على قيد الحياة. لكنك على قيد الحياة ،حتى ل��و كانت هذه ِ الحياة في السجن.. أنت مخطئة ،مَن يدخل السجن يدرك أنه لم ِحياً كي ال تغرق الحياة بالموت ،وبين كل األشياء يعد على قيد الحياة» (ص .)14 الصامتة والجافة والغريبة تصبح ال��ذك��رى هي هذا ما يفسّ ر اتخاذ الرواية من السجن مكاناً الصوت واالنتماء والخيط الرفيع ما بين الغياب ألح��داث �ه��ا ال��رئ�ي�س��ة والمفصلية ،ح�ي��ث تتشكل والحضور ،وبين الزوال والبقاء» (ص .)5 ي��وم �ي��ات ال�س�ج�ي�ن��ات م��ن ال�ت�ف��اص�ي��ل الصغيرة، عالم السجن المبنيّ على التفاصيل الصغيرة والنقاشات التي ت��دور بينهن ليعبّرن من خاللها واألحالم والذكريات ،هو نفسه المفتوح ،بنافذته للحظات ٍ عن أفكارهن وأحالمهن ،وليالمسن ،ولو الضيقة ،على عالم آخ��ر ،حيث ك��و ٌن فسيح في عتبات الفرح ،ويشعرن أن ثم َة من يشاطرهن ِ قليلة، أعين السجينات ،لكنه يقبع خارج الجدران .وفي األل��م ،ولو كان هو نفسه يحتاج إلى من يشاطره السياق ،تتشاجر هؤالء السجينات حول أيٌّ منهن ألمه أيضاً.. أحقّ بالجلوس أمام النافذة أوالً ،ثم يتّفقن على أن ف��ي ال�س�ج��ن ت�ع��ي ال� ��ذات اإلن �س��ان �ي��ة حقيقة يتدا َو ْر َن على ذلك ،إذ النافذةُ هنا تتحول إلى عالم وجودها ،وطبيعتها اإلنسانية الخالصة والمجردة واسع ،كلٌّ منهن ترغب أن تكون جزءاً منه ولو عبر من األطماع والنفاق ،فالذات المقيدة ال تملك نظرات ضائعة في فضاء المدينة الواسع .تقول سوى أحالمها الصغيرة وذكرياتها البعيدة التي نجوى« :المكان في السجن ..ال أستطيع أن أراقب تشكل ال�خ�ي��ط ال��رف�ي��ع ال ��ذي يبقيها ع�ل��ى قيد نفسي حين أجلس خلف النافذة ،لكنني أستطيع الوجود« :األنفاس بطيئة ،ولكن الذكريات دافقة مراقبتهن وأرى دموعاً غزيرة أو ابتسامة عابرة أو وتتكرر في كل ليلة ،وفي كل تُ ْقل َب على الفراش صمتاً مطْ بَقاً ..بهذه اللحظات أدرك أن السجن الضيق .هنا الذكرى عالم ح��يّ ،وال بد أن يكون شيء صعب ..صعب» (ص .)24
62
اجلوبة -صيف 1433هـ
الشخصيتين اللتين تكتبهما أو تكتب عنهما، لتعبّر بعمق عن مشاعرهما ومعاناتهما النفسية واالج�ت�م��اع�ي��ة والعاطفية واألخ�لاق �ي��ة؛ راصد ًة أفعالهما وردود أفعالهما ،ومحلّل ًة األفكار التي تتوارد بخاطر ك ّل منهما ،وما يخالطها من أحالم وآمال ومشاعر.
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
من هذه النافذة /رمز األم��ل ،تُغْني الروائية والدها في ربوع البالد ،فإنها تشتاق في النهاية َّ نصها بالمتخيَّل ،حيث تصنع ك ُّل واحدة من هاتين إلى أن تلمس تلك األماكن وأن تعيش فيها ،وهو السجينتين عالمها ال��ذي تتوق إليه وتعيشه في األمر الذي يضاعف األلم في نفسها ،فتقرر هي خيالها ،حيث الروح منطلقة خارج أسوار السجن األخرى ،التوقف عن الكتابة« :هل أنا نادمة ألنني ال��ذي يقيد الجسد ،وعملية التخيُّل تلك هي ما تحقق لكلٍّ من البطلتين شيئاً من رضا النفس .كتبت هذه األوراق التي قادتني إلى أعماق ذاكرتي فـ«جميلة» تتجول روحها في رب��وع البالد ،تعاود وأيقظت الشوق واألل��م والحزن والقهر؟ أم إنني زيارة األماكن التي كثيراً ما أحبّتها ،لتكتب ما تراه لم أعد أستطيع أن أكتب كي أحتمل حياتي في فوق أوراق مذكراتها بلغة شفافة عذبة« :الرمال ال�س�ج��ن ،ألن ه��ذه األوراق شكلت ح�ي��اة أخرى ال��وردي��ة من حولي تبدو ممتدة منبسطة ما بين لي رغم وج��ودي هنا بين هذه ال�ج��دران؟ تأملتُ الجبال الصخرية ووردي��ة اللون ،ولشدة نعومتها أوراق��ي ،وم��ن بين كل السطور لم أ َر س��وى وجه ت �ب��دو ك��أن�ه��ا ث��وب ح��ري��ري وردي يكسو قاعدة الجبال ،فتظهر الجبال أكثر تألقاً وجماالً بثوبها وال��دي ،وشوقي له وخوفي منه .هو يتمنى موتي وأنا أتمنى لو أراه لدقائق وأن يضمّني إلى صدره الوردي الذي يمتد واسعاً تحتها» (ص .)92 لثوان ،ثم أرحل عن هذا الوجود» (ص .)129 كذلك ،تمكنت الروائية من النفاذ إلى أعماق ولو ٍ وأخيراً ،وبعد أن تفشل المذكرات في تحقيق راحة النفس والرضا لـ«نجوى» و«جميلة» ،تحاول البطلتان البحث عمّا يمكّنهما م��ن بلوغ مرتبة الطمأنينة والسكينة ،فتلجآن إلى الله ،صاحب العدل المطلق ،والقادر وحده على إنصافهن .وها
تمثيل على ذلك« :نجوى» ٍ وإذا كانت المذكرات التي اتفقت السجينتان هو مشه ٌد بعينه لَخير على كتابتها ،بداية الطريق للتصالح مع الذات ،تقرأ في المصحف الذي تركته لها «زه��رة» قبل فإن هذه المذكرات تفشل في مسعاها ،وتصير أن تُساق إلى اإلعدام ،فتراها «جميلة» على هذه عبئاً ثقي ً ال على ك��لٍّ منهما؛ ل��ذا ،تقرر «نجوى» الهيئة ،وتطلب منها أن تعرّفها بهذا العالم ع ّل ال�ت��وق��ف ع��ن كتابة م��ذك��رات�ه��ا ألن �ه��ا ،كما تروي راح � َة النفس تتحقق لها ،فتخبرها «ن�ج��وى» أن بلسانها« :أكتشف أنني لم أعثر على ذات��ي ،وأن أوراقي أول من أخبرني أنني ما أزال ضائعة ،رغم البشر ال يَنْسون وال يَغفرون ،لكن الله هو الغفور أنني مسجونة ،وأشعر بجسدي وروح��ي ،لكنني الكريم ،وه��و ال��ذي ي�ب�دّل السيئات بالحسنات، لست هنا وال في أي مكان ،ألنني فاقدة االتصال عندها تطلب منها «جميلة»« :أريد أن تساعديني الحقيقي بهذا الوجود» (ص .)121 في ال��وص��ول إل��ى ال�ل��ه ..عسى أن أج��د سكينتي أنت». أم ��ا «ج�م�ي�ل��ة» ال �ت��ي ت�ك�ت��ب ع��ن رح�لات �ه��ا مع حيث وجدتِها ِ * كاتبة من األردن.
اجلوبة -صيف 1433هـ 63
إشكالية احلداثة
وما بعدها في الرواية العربية (رؤية متوازنة)
> د .محمود عبداحلافظ*
ي��ق��ول «ج����ان ب����ودري����ار» :ت��ت��ج��ل��ى إش��ك��ال��ي��ات الحداثة وتناقضاتها بمنتهى ال��ق��وة ف��ي المجتمعات ال��ت��ي يكون تاريخها السياسي ص��ادمً ��ا ،بسبب االستعمار أو غيره من المتغيرات الجغرافية وال��ت��اري��خ��ي��ة ل��ه��ذه المجتمعات. وينسحب ه��ذا السياق على مجتمعاتنا العربية بمنتهى القوة ،فضلاً عن متغيرات أخرى ،ربما يجيد بعض النخب قراءتها في هذه المجتمعات. فمما الشك فيه أن الحداثة في الغرب بدأت علمية ،ثم انداحت في شتى أمور الحياة بما فيها الحياة األدبية؛ فكان ميالدها شرعياً ،وتنشئتها سوية بمفهوم التربويين ،وهذا ما لم يحدث في البيئة العربية من بعيد أو قريب؛ ما زاد في هوة الخالف ومساحة التناقض. فالحداثة في الغرب على مستوى نضجها
م �ق��ارن��ة بمجتمعاتنا ال �ع��رب �ي �ةـ ت�ح�م��ل كثيرًا
م��ن ال�م�ت�ن��اق�ض��ات ،ان �ط�لا ًق��ا م��ن الفلسفات
واألي��دل��وج �ي��ات ال �ت��ي ان�ط�ل�ق��ت م�ن�ه��ا ،م ��رورًا بتفسيرها وتأطيرها وتطورها الحقًا.
فمن التناقضات األساسية التي وقع فيها
الحداثيون الغربيون اعتبارهم أن الحداثة هي
ال�ح��داث�ي��ة ه��ي ال�ل�غ��ة ال�ب�ك��ر ال�ت��ي تنطلق من تمرد غير متناه على كل ما هو ثابت ،نظير تأسيس وتأطير أنساق معرفية جديدة تحمل في طياتها الرفض دون التمنع والخلخلة دون االس�ت�ق��رار؛ فجدة المعرفة وحداثتها شرط أساس لنسف سوابقها ولواحقها .وهذا يعني أن الحداثة رحلة انتهاك أبدية تحت شعار أن
انقطاع للمعرفة اآلنية؛ ألن مصادر المعرفة اإلبداع عقيدته التمرد المطلق . ()1
64
اجلوبة -صيف 1433هـ
ال عن أن هذا المنطق يخالف الفطرة وثوابت وفض ً أيضا تناقض علمي لمن جعل منهم العلم العقيدة ،فهو ً عقيدته ،والدليل على ذلك أن الحداثة كما سلف ذكره عندما نشأت في ال�غ��رب ،فإنها قد نبتت من رحم الحداثة العلمية ،ثم تمردت على كل ش��يء ،فبدأت بتعاليم الكنيسة ،ثم طالت شتى شؤون الحياة .وحري بالقول إن العلم ال��ذي ول��دت منه الحداثة ال ينسخ الماضي العلمي تمامًا؛ فالباحث يبدأ من حيث انتهى غيره ،ألن أساس العلم هو التراكمية والبناء حتى وإن أثبتت الحداثة العلمية خطأ ما قبلها ،فإنها تبقي عليه كأحد مالمح االستشهاد على صحة الحاضر ،وجزء لقد تبنت طبقة م��ن حملة ال�م��ؤه�لات العلمية من بنائية المستقبل التي تستمد ثباتها من الماضي العالمية وغ�ي��ره��م ف�ك��رة ال �ت��روي��ج للفكر الحداثي والحاضر. الغربي ومذاهبه وأيدلوجياته ،عبر التنقل من منهج وعودًا على بدء ..فإن إشكالية الحداثة وتناقضاتها إلى اآلخر ،ومن انقطاع ثقافي إلى انقطاعات شاملة في مجتمعاتنا العربية تبدو أكثر فجاجة وقبحً ا لكثير عن الثوابت في الثقافة والتاريخ؛ فقد استبدلت هذه من األسباب ،يعد أهمها أن رواف��د الحداثة الغربية الطبقة بالهوية الواضحة هويات متعددة ،زعزعت افتقدناها جملة وتفصيلاً في مجتمعاتنا العربية؛ الثوابت وخلخلت االستقرار النفسي والفكري ،وأزالت فالحداثة في مجتمعاتنا العربية ب��دأت في األدب ،الشعور باالنتماء الحقيقي ألي ش��يء .وب��ات هؤالء وهذا يناقض األيدلوجيات التي انطلقت منها الحداثة يسبحون عبر أثير األسئلة مفتوحة النهايات التي الغربية التي فعّلت العلم في تعبيد العقول ورصف تنطوي على النفي وتجاوزه في ال َّنفَس الواحد. القرائح واألفكار؛ ما مهّد لتوطين الحداثة في شتى وفي ظل كل ذلك نسي أو تناسى دع��اة الحداثة مظاهر السلوك اإلنساني بما فيها األدب. الجانحة في العالم العربي أن ثوابتنا التي تنطلق من وألن الكنيسة الغربية كانت سيطرتها على الواقع الغربي في عقود متوالية قمعية ،ال تقوم على المنطق ال��ذي يقبله العقل ،وال يخالف الفطرة ،إذ مارس رج��ال الكنيسة إب��ان ذل��ك الوقت ممارسات قمعية تتنافى مع لغة العلم ،كما أرخ لها كثير من العلماء واألدب ��اء الغربيين وص��ار التحرر م��ن براثنها أمرًا ضروريًا سعت إليه جميع طوائف المجتمع الغربي في ذلك الوقت ،وتبنته على مراحل مختلفة جميع مؤسسات الدولة.
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
أو تقنية حديثة ،فأضحى دعاة الحداثة في عالمنا العربي منذ ب��داي��ات القرن العشرين ي� ّدع��ون ادعا ًء أج��وف بإقامة جسور تواصل مع الحداثة الغربية، م�ت�ن��اس�ي��ن أن ال �ه��وة ب�ي��ن ال��واق �ع �ي��ن س�ح�ي�ق��ة .ومن الغريب أن الشيء الذي يدركونه حقيقة ال وهمًا أن اإلصرار على نقل أنساق الحداثة الغربية إلى واقعنا العربي ،سيزيد من مساحة العزلة واالن��زواء للنخبة داخل المجتمع ،ويخلق صراعً ا محتدمًا يزكيه شعور بالتعالي من جانب ..واتهام بالتغريب والشيطنة من جانب آخر.
عقيدة راسخة ..تتكامل مع لغة العلم وتطور الفكر، وتتنافى مع ثوابت الالمنطق التي اختلقتها الكنيسة الغربية في عصور سابقة بهدف شخصنة العقيدة، وتكبيل الفكر بما يتعارض م��ع فطرة الخلق وعلة االستخالف .إن الثوابت اإلسالمية ال تتعارض مع الحداثة الحقيقية ،والدليل على ذلك عصور النهضة اإلس�لام�ي��ة ال�ت��ي تعد ب��ره��ا ًن��ا راس��خً ��ا على تجسيد الحداثة بمفهومها المتوازن.
ومن الغريب أن دع��اة الحداثة الذين يؤمنون أن والوضع في عالمنا العربي يغاير ذلك تمامًا؛ فلم التفكير الحداثي الفاعل والمنتج ،هو عنوان التجدد يكن لدينا متزامنًا مع الغرب نهضة علمية تكنولوجية واالبتكار والتحرر من أغالل التقاليد التي ال تسمح تؤسس للمنهج العلمي ،أو يتمخض عنها ثورة صناعية بتأسيس ذائقة فنية تمارس حضورها في العصر
اجلوبة -صيف 1433هـ 65
الحديث ،لم يفطنوا إلى أن مهمتهم األول��ى تنطوي على تطوير أدوات الفن والفهم ،لتبرئتهما من عبثية التسلق ،وتهريج الغربنة ،وركاكة األسلوب ،وغموض المعنى ،وهشاشة البنية ،والخلط بين ما هو أدب، وما أريد له أن يكنه ،وبين ما يحمل في أغساقه هوية ثقافية ،لها مالمحها ونقاؤها وصفاؤها ،وبين ما هو مخترق في عمق هويته ..ال ينفك عن إنتاج التفلت والتفكك لألنساق المعرفية الموروثة؛ األم��ر الذي يجعل من المتعذر كشف حقيقة انتماء األديب لتراث بعينه.
صراع محموم للزوال بهدف البقاء.إن النضج الحداثي انطالقًا من هذه السمة ينمو من الالنضج؛ بمعنى أن الحداثة ال تمهل أي شيء ينضج كي تنضج .وفي هذا السياق يقول (أالن تورين) في كتابه «نقد الحداثة»: «إن قيم السؤال ال تكمن في اإلجابة عنه؛ ألن اإلجابة تنسخ بواعث السؤال وتفقده قيمته الحديثة»( .)2وهو بذلك يؤكد أن قيمة السؤال تكمن في طرحه بطرائق م�ت�ع��ددة ت��ؤص��ل قيمة ع��دم�ي��ة اإلج��اب��ة ع �ن��ه ،ليظل محتفظً ا بقيمة ت�ج��دده ف��ي خلق ع��ذاب��ات مستمرة للنفس البشرية.
خصائص الرواية في عصر الحداثة:
وتعد الذاتية من أهم خصائص الحداثة ،فالروائي الحداثي يتعالى إحساسه بذاته إلى مستوى يفصله عن اآلخر ،ويقدس فرديته إلى درجة يشعر فيها بالضجر بكل ما هو موضوعي ،ويغالي بعض الروائيين في هذه الذاتية المفرطة إلى مستوى يصير فيه المفكر وموضوع التفكير في اآلن نفسه.
إن ج��دل�ي��ة ت�ح��دي��د ت�ع��ري��ف معين ل �ل �ح��داث��ة ،أو حتى تعريفات متفق عليها بين الحداثيين يبدو أمرًا مستحيلاً ؛ لذا ،أضحى تحديد خصائصها وسماتها، أعرب لداللتها من تأطيرها في قالب محدد يتعارض مع أيدلوجياتها وفلسفتها القائمة على التغير المستمر المغلف بالتناقض.
ويعد التنكر للواقعية ورفضها من أهم خصائص رواي��ة الحداثة ،فاألديب ال يحرص على التوحد أو إن التناقض والغموض يعدان من أهم خصائص التماثل بين عمله وما يصوره .فلم تعد جودة العمل الحداثة ،فيتجلى التناقض في أن يعلي األدي��ب من الروائي تقاس بتمثيله للواقع ،لكن بقدرته على رسم ش��أن ش��يء بعينه ل�ي��رف�ض��ه .ويتمثل ال�غ�م��وض في واقع أفضل كما يراه األديب. صيرورة األدي��ب على اإلس��راف فيه إلع�لاء دينامية أم��ا خصيصة ال �ص��راع اليقيني ،فتعد م��ن أهم التذوق. س�م��ات ال��رواي��ة ف��ي عصر ال �ح��داث��ة ،فهي تستبدل إن أدب الحداثة هو مزيج من ه��ذه التناقضات بالطبيعة اإلنسانية في التجربةـ الطبيعة اإلشكالية التي تمور في ذهن األديب ،لتخلق مساحات للتعبير ال �ت��ي ت �ف��رض ع�ل��ى ال ��روائ ��ي ال�ت�خ�ل��ي ع��ن المعرفة عن التفكك غير المترابط وغير المنطقي .فالمنطق اليقينية ،حتى يتفرغ لمشكلة المعرفة نفسها؛ ألن عنده هو عقلنة العاطفة وهلوسة العقالني وتشذير معرفة المعرفة انطالقًا من هذه السمة تعد شرطً ا المترابط ،وتحويل المكان إلى زمان والعكس .ولهذه لمعرفة الحياة التي يفترضها الروائي. الخصيصة وغيرها يأتي العمل األدب��ي مفرطً ا في إذاً الروائي الحداثي يؤمن بأنه هو وحده الذي يملك الغموض والتناقض. القوة الحقيقية التي تغير الوجود اإلنساني ،فاإلنسان وم��ن س�م��ات ال�ح��داث��ة أي� ً �ض��ا اآلن �ي��ة ،وتعني كما وحده هو الذي يملك كل شيء؛ ألنه هو الكيان المتصل يراها رواد الحداثة أمثال «بودلير» زمن اللحظة؛ ألن بال انقطاع .فالبطل عندما يقدم على فعل ش��يء ،ال الحديث عنده هو المؤقت سريع الزوال ،فالحداثة ال تدفعه لذلك القيم أو ال��دواف��ع المقدسة ،بل يدفعه تصارع الزمن فحسب ،لكنها تصارع نفسها ..فهي في إيمانه بضرورة الفعل الذي يؤكد به حقيقة بقائه.
66
اجلوبة -صيف 1433هـ
ليس غريبًا أن ي�ك��ون ه�ن��اك ج��دل ح��ول تعريف مفهوم ما بعد الحداثة ،مادام الجدل ال يزال مستمرًا حول مفهوم الحداثة نفسها .إن ربط الحداثة أو ما بعدها بحقبة تاريخية بعينها ..أمر تضاربت فيه آراء كثير من المفكرين والعلماء في مجاالت متعددة ،منها وقد نعت كثير من النقاد األدب في هذه المرحلة التاريخ واالقتصاد والسياسة واألدب والفنون..إلخ. بوجه عام ،والرواية بوجه خاص ،بأنه أدب الصمت ورغ� � ��م ه � ��ذا ال � �ت � �ض� ��ارب ،ف��ل��م ي��ت��وق��ف عنده حتى االنفجار ،كما نُعتت ه��ذه النزعة في األعمال المتخصصون على اختالف مشاربهم كثيرًا ،بقدر الروائية بأنها نبوءة النهاية التي تمثلت واق� ًع��ا في ما اهتموا بجدلية المبادئ التي تقوم عليها فلسفة هيروشيما وناجازاكي وفيتنام.
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
الرواية في مرحلة ما بعد الحداثة:
الحرب العالمية الثانية ،إذ بدت قوى عظمى جديدة في التمايز ،مثل الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد السوفيتي ،وتحول الغرب من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الدقيقة واإللكترونية ،فهو عصر التقانة أو ما بعد الحداثة كما أطلق عليه.
الحداثة أو ما بعدها ،وال��وص��ول إل��ى تأطير واضح ولعل أبرز ما اتسم به أدب ما بعد الحداثة السخرية، لهذه المبادئ يسهّل دراستها وكيفية ق��راءة الواقع وتعمد التصادم مع القارئ ،ورفض المسلمات وعدّها اإلنساني في ضوئها. وهمًا ،انطالقًا من اإليمان باستحالة وج��ود منطق وألن الحديث ف��ي ه��ذا المقام ع��ن ال��رواي��ة في يفسر متغيرات هذا الواقع غير المنطقية. عصر ما بعد الحداثة ،فسوف نلتزم في رصدها في وبذا ،فإن ما بعد الحداثة في بعض جوانبها تعد الحقبة الزمنية التي اتفقت عليها معظم الدراسات ام�ت��دادًا للحداثة وإرس��ا ًء لمبادئها بشكل يبدو أكثر النقدية ،والتي وصفتها بأنها الحقبة التاريخية التي عنفًا بفعل احتدام روافد التطوير وتدافعها المحموم، شاعت فيها الفوضى والقالقل االجتماعية والثورات ،وتعد في جوانب أخرى ردة فعل لها سيما العقالنية والتي تعد أكثر اصطراعً ا مقارنة بعصر الحداثة الذي المفرطة التي اتصف بها أدب الحداثة .لقد جاء أدب اتصف بالعقالنية. ما بعد الحداثة ثورة على كل ما هو عقالني ،إذ يتحلل وأطلق ما بعد الحداثة في مجال الفن واألدب على األديب بكل ما يربطه بالواقع ،وربما يكون ذلك أحد األعمال التي أنتجتها حقبة الستينيات والسبعينيات األسباب التي أشاعت موت ما يرمز للعقل والثوابت من القرن المنصرم .ورغ��م ذل��ك ،ف��إن الحداثة وما القوية ،مثل موت البطل في كثير من األعمال الروائية بعدها ال تدل في هذا السياق على فترة زمنية بعينها ،التي تمثل مرحلة ما بعد الحداثة. بقدر ما ت��دل على تيار محدد يتسم بسمات نقدية ورغم الفروق التي جاوز بها أدب ما بعد الحداثة محددة. خصائص عصر الحداثة؛ إال أن ال��واق��ع يشير إلى وتشير الدراسات إلى أن أول من استخدم مصطلح غير ذلك ،فكثير من األعمال األدبية ينتمي أصحابها ما بعد الحداثة في مطلع الخمسينيات هو الشاعر بفعل الزمن والقناعات إلى ما بعد الحداثة ،إال أن «تشارلز أول�س��ون» في رسالة كتبها ألح��د أصدقائه النقاد يختلفون في تصنيف هذه األعمال على أنها يشكك فيها في قيمة التراث ،ويصف نفسه وأبناء تمثل الحداثة أو تمثل ما بعدها .وذلك ما جعل فريقًا جيله بجيل «ما بعد الحداثيين»(.)3 م��ن النقاد ي��رى أن مصطلحي الحداثة وم��ا بعدها ب��دأ اس�ت�خ��دام ذل��ك المصطلح ف��ي التنامي في يتقاطعان في سمة جوهرية ،هي فضفاضية الداللة األوساط األدبية في أوربا ،وقد تزامن ذلك مع نهايات التي تقود إلى حتمية التداخل.
اجلوبة -صيف 1433هـ 67
خصائص رواية ما بعد الحداثة:
نحو حداثة عربية متوازنة:
ثبت من ق��راءة التاريخ أن أكثر الحضارات ثباتًا اتسمت رواية ما بعد الحداثة ببعض الخصائص، وات��زا ًن��ا وت��أث�ي�رًا ه��ي ال�ت��ي اعتمدت على الوسطية أهمها: واالعتدال في ق��راءة الواقع واستشراف المستقبل، 1 .1حطمت ال��رواي��ة سلطة المذاهب الفكرية أيضا أن الجنوح تكون نهاية مآله متسارعة كما ثبت ً الكبرى المغلقة ،والتي عادة ما تأخذ شكل بضعف سرعة صعوده. األيدلوجيات ،على أس��اس أنها في زعمها وال يخفى على أحد أن عظمة الرسالة الخاتمة ت�ق��دم ت�ف�س�ي�رًا ك�ل� ًي��ا ل�ل�ظ��واه��ر .وق��د ألغت حقيقة التنوع اإلنساني .وانطلقت الرواية وصالحيتها وإبداعيتها ف��ي ك��ل زم��ان وم �ك��ان ،قد باإلعالن عن سقوط هذه األنساق الفكرية قامت على دعائم شتى تأتي الوسطية في مقدمتها. وفي القيم اإلنسانية ال توجد فضيلة إال وتوسطت المغلقة. رذي�ل�ت�ي��ن .ف��ال�ح��داث��ة ال�م�ت��وازن��ة ه��ي ال �ح��داث��ة التي 2 .2دعت الرواية إلى إلغاء الذات الحديثة ،وذلك تقوم على الوسطية ،فهي ارتباط بالتراث ،وخروج ألنها من اختراعات عصر الحداثة. عليه في الوقت نفسه؛ فاألديب والروائي العربي ال 3 .3تنهض ال��رواي��ة ف��ي عصر م��ا بعد الحداثة يكتب في فراغ بل يكتب ،ومن ورائه الماضي وأمامه على الصدفة أو على مجموعة من الصدف ،المستقبل. وليس فيها أي مجال للسببية أو المنطق. وال يعني االرت�ب��اط بالماضي محاكاة ل��ه ،فليس 4 .4رواية ما بعد الحداثة تلغي المحاكاة ،وتلغي وحدة الحدث ،بل تلغي الحدث نفسه ،بحيث وأيضا كثيرًا ما تلغي ً ال يكون هناك حدث. البطل ،وتلغي السرد الطولي ،بحيث ينعدم التسلسل والتتابع الكرونولوجي.
التراث الذي نقصده هو تشبث بتالبيب موضوعات نفقت ..أو أفكار وص��ور هيضت .إن ال�ت��راث الذي نقصده هو طاقة معرفة وحيوية خلق وذكرى اكتنفت القلب والروح.
فمن هذا المنطلق يكون االرتباط بالتراث يحمل 5 .5المغاالة واإلغراق في الخيال من أهم سمات معنيين :األول :ارت �ب��اط وخ�ل��ق وإض��اف��ة واستباق. رواي��ة ما بعد الحداثة؛ لذا وسم على أدب والثاني :ارتباط التقابل والتوازي والتضاد .إن التراث ليس تراتيل مقدسة ،لكنه ينبغي أن يكون طاقة تفجر هذه المرحلة «بأدب اإلفراط». الخلق واإلب ��داع من خ�لال إعمال قرائح موضوعية 6 .6اخ� �ت�ل�اط ال �ف��ان �ت��ازي��ا ب ��ال ��واق ��ع ي �ع��د أهم يكون ديدنها النقد والتمحيص واالنتقاء لالرتقاء. الخصائص لرواية ما بعد الحداثة. إن األدي��ب ال�ح��اذق هو ال��ذي يقوم بعملية فصد 7 .7التناص ،مما يعني أن التاريخ يكرر نفسه أو للتراث ليميط عن الخبث ،ويستمد منه إكسير الخلود أن التاريخ نفسه تناص. ليسكنه في روح جديدة تسابق الزمن. 8 .8نفي إرهاب الحقيقة أو السعي لها باعتبارها إن الحداثة وم��ا بعدها أم��ام ،فكيف يكون أمام هدفًا أو مثالاً ،كما كانت تتبناها الحداثة ،بال خلف ،وكيف يكون بعد بال قبل؛ فالماضي ليس فبعد الحداثة ترى أن الحقيقة من المستحيل محددًا دالليًا على األقل في األدب بارتباطه الزماني الوصول إليها(.)4 أو المكاني ال�م�ح��دد ،فهو وع��اء ال �ت��راث الخصيب
68
اجلوبة -صيف 1433هـ
إن عملية فصد التراث وإعادة إنتاجه تشي لألديب والمبدع العربي باألواصر الدافئة ،والوشائج المنتظمة بين تراثه وتراث األمم األخ��رى؛ فحتما سيكون هناك تالق مواز لالختالف؛ ألن الموضوعات اإلنسانية ثابتة، لكنها مختلفة في ظاهر األشكال المتناصة مع الظروف االجتماعية والسياسية والبيئية واللغوية .فالسلوك البشري تجمعه قواسم مشتركة ترشح عنها العواطف والمشاعر ،فينتهجها اإلنسان بفطرته التي تجنح إلى المدنية والتحضر .إن العودة للتراث تكسب المبدع تقييم العمل الحداثي الذي بين يديه برؤيا بانورامية يفتقدها حتمًا إذا نظر إليها بعين اللحظة فقط. إن مشكلة الحداثة كما يراها عميد األدب العربي، «هي الحياة من حيث هي حياة» وهو بذلك يؤكد ضمنًا على أن الحداثة قديمة قدم الزمن المتحرك أبديًا، سيظل الصراع محتدمًا ما دامت الحياة مستمرة.
إن ال�ت�ج��دي��د س�ن��ة ال�ح�ي��اة ال�ت��ي كفلتها وسطية اإلس�لام ،بل حثنا عليها الدين الحنيف ،عندما فتح باب القياس واالجتهاد ،وإعمال العقل في كل جوانب الحياة في حدود الكتاب والسنة؛ فإذا كان هذا هو منهج اإلس�لام في النظر إلى أمور الدين ،فما بالنا ب��أم��ور الدنيا التي تتعلق ب��األدب والثقافة وغيرها من ش��ؤون الحياة ،فهي أول��ى بالتطوير واألخ��ذ وفق معاييرنا وثوابتنا ال باالنفصال عنها أو هدمها .فلماذا إذًا نرفض أي تغيير أو تطوير ،ويسارع البعض برفع رايات التخوين والتكفير؟!
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
بقدرات العقل البشري المتفاعلة مع سيرورة الحياة في زمن يستحيل أن نحياه .فكيف نغض الطرف عن أنساق فكرية نتفيأ بظاللها في الحاضر الذي نحياه بغض النظر عن اإليمان أو الكفر بالواقع الذي نحياه والمستقبل الذي نرجوه.
وتعد كل جديد خرقًا واختراقًا للثوابت التي ربما ال تتجاوز داللتها أذهانهم فقط .فالبد مع فصد التراث واستصفائه واالنفتاح على المستقبل من خالل القراءة المتأنية للحاضر في كل الثقافات ،وانتخاب ما نعبّد به مسارات التفكير للمستقبل.
أال يوجد ثمة توافق بين الحداثة الشعرية النابعة م��ن ال �م��وروث الثقافي العربي م��ن ناحية واإلسالم بوسطيته ال�م�ت��وازن��ة م��ن ناحية أخ ��رى؟ وه��ل حدد اإلس�لام معايير بعينها للحكم على األدب بالجودة أو ال� ��رداءة؟ وه��ل ك��ل ش�ع��راء ال�ح��داث��ة خ��رج��وا على الثوابت وتعدوا على القيم أوالدين؟ أال توجد آليات في مرجعيتنا العربية ونماذج مضيئة نحتذيها لتقودنا إلى حداثة معتدلة؟
إن الحداثة المتوازنة هي ميالد من الحاضر لروح أثيرية أزل�ي��ة ممتدة ال�ج��ذور ف��ي الماضي السحيق ومحلقة في ف�ض��اءات المستقبل ال�لام�ح��دود .فهي إن اإلج��اب��ات عن ه��ذه األسئلة تبدو بدهية؛ ألن معضلة الفهم الحقيقية تكمن لدى الكثيرين في طرح حركة إبداع تسكن الحياة في تغيرها الدائم. السؤال ال في اإلجابة عنه. أيضا الب��د من تصحيح بعض وإل��ى جانب ذل��ك ً وليتدبر أولو األلباب. المفاهيم الخاطئة التي تقدس القديم وتتعصب له، * باحث وناقد وأكاديمي -جامعة الجوف. 1 .1هاو ،ارفنج (1984م) :فكرة الحديث في األدب والفنون ،ترجمة جابر عصفور ،مجلة إبداع العدد الخامس ،السنة الثانية. 2 .2أنطون كمبنيون (1993م) :مفارقات الحداثة الخمس ،ترجمة :محمد عضيمة ،دار المواقف للنشر والتوزيع ،الالذقية، سوريا ،ط ،1ص.75 3 .3أدونيس (1993م) :النظام والكالم ،دار األدب ،ط ،1بيروت ،ص.91 4 .4إبراهيم نصر الدين (د .ت) :الحداثة وما بعد الحداثة في الخطاب األدبي ،دراسة تطبيقية على قصة «ليس بعيدًا عن وسط المدينة» لألديبة «أولي كاستل بلوم» نموذجً ا. 5 .5محسن عثمان (د .ت) :نحو حداثة عربية إسالمية ،كلية العربية ،جامعة األزهر ،القاهرة ص.3
اجلوبة -صيف 1433هـ 69
وقفة تأملية مع «الرائ ّية» قصيدة حمزة شحاتة في ابنته
> د .ماهر بن مهل الرحيلي*
كان حمزة شحاتة –رحمه الله -عالمة مميزة في مسيرة األدب السعودي ,شهد له بذلك أقرانه ومجايلوه ,ومن أ َتوْا بعده ودرسوا فنه ,وقد وقفت كثيرا عند قصيدته التي يقول مطلعها: ح����دق����ي ف������يّ ع����اب����س���� ًا أو ط���روب���ا
ال ت����راع����ي ل���ظ���اه���ري أو ُت���س���ري
والتي تعد بحق خطاب ًا أبوي ًا البنته الصغيرة ،يتخلله كثير من البوح الشعوري ,في الوقت الذي ال يخلو من قوة في الخيال والرؤية. ولعل من المستحسن أن أورد أبيات القصيدة كاملة قبل اإليغال في الحديث عنها: ح���دق���ي ف�����يّ ع���اب���س��� ًا أو طروبا ال ت����راع����ي ل���ظ���اه���ري أو تسرّي ���ب وإن ضا ل���ك م��ن��ي ص����د ٌر رح���ي ٌ ق ب��م��ا ف���ي ال��ح��ي��اة ذرع����� ًا فقري وال���ث���م���ي وج���ن���ت���يّ ل��ث��م�� ًا عنيف ًا وك��ل��ي ل��ل��ي��دي��ن ت��ج��م��ي��ش صدري والصقي وجهك الصغير بكتفي واجعلي من يديك طوق ًا لخصري واه��ج��م��ي ت����ار ًة بجسمك ألقي ـ ـ بعنف يه ـ ـ ـ ــزني ف��وق ِحجري ٍ ه
70
اجلوبة -صيف 1433هـ
وإذا راق�������ك ال�����وص�����ول إل������ى رأ �لا بشعري س���ي ل��ك��ي ت��ع��ب��ث��ي ق��ل��ي ً ف��اق��ف��زي ق��ف��زة ال��م��ج��ازف ف��ي حر ٍص تكوني في لحظة فوق ظهري شئت وافترضيني ِ وافعلي ب��ي م��ا ل��ع��ب��ةً ب��ادل��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ك ف�����ر ًا بك ِّر ف��ق��ـ��ـ��ري��ب�� ًا س��ت��ص��ـ��ـ��ب��ح��ي��ن فــتا ًة ال ترى الشمس حسنها ذات خدر �����ك بعدي ح���دث���ي���ن���ي أال ي�����روع ِ ب��ع��د ط����ول ائ��ت�لاف��ن��ا ي���ا لذعري
ل���ي���ت ش����ع����ري ل���م���ن ت���ك���ون���ي���ن بعدي ي�����ا ح����ي����ات����ي وق���ب���ل���ت���ي ل����ي����ت ش���ع���ري أق������س������م������ي ل���������ي ب������ح������ب أم������������ك أن ال ت���ت���ن���اس���ي���ن ي�������وم ع�����رس�����ك ذك�����ري اذك��������������ري ذل���������ك ال�����ش�����ق�����ي اذك������ري������ه ������ك ألم������ر ف�����ل�����ق�����د ك������������ان ي������رت������ج������ي ِ س�������وف أح������ي������ا ..ن����ع����م ول�����ك�����ن ح����ي����ا ًة ت������ت������ه������اوى ب������ه������ا ع��������وام��������ل ق����ه����ري و س����أب����ق����ى م�����ع�����ذب����� ًا م���ف���ع���م ال���ق���ل���ـ ب ش�����ج�����ون����� ًا وأس����ت����ع����ي����ن ب���ص���ب���ري
تحفل ال �ق �ص �ي��دةُ ب�م�ش��اه� َد متتابعة – من البيت الثالث إلى الثامن -قد ال تألفها كثير من البيوت حتى وقتنا الحالي ,ألنها مشاه ُد تن ّم عن أب �وّةٍ حانية ,أب �وّةٍ غير تقليدية ,أب��وة تقوم على الصداقة والمودة واأللفة والثقة ,ولَ ِئ ْن و ُِجدتْ هذه المشاه ُد عند بعضهم ،فأغلبُ الظن أنها تقتصر على األطفال الذكور دون اإلناث إال من رحم الله وهدى!
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
واس�����أل�����ي�����ن�����ي م����������اذا ت�����ك�����ون ح���ي���ات���ي ����ك ي�����ا ن�����ض�����ارة عمري إن خ���ل���ت م����ن ِ
عالمات البشر أو العبوس -تبعاً لصروف الحياة ألن ارتباطها الحقيقي إنما هو بما لها فيداخله من مكان ثابت رحيب ال يتغير ,إن ثبات المكانة التي تحتفظ بها االبنة في نفس أبيها مهما تغايرت أح��وال الحياة لهو ثباتٌ يعبّر عن قوة حبه لها.
ق����ان����ع���� ًا م�����ن أل�����ي�����م ع���ي���ش���ي ب���ال���ذك���ـ قيمة نفتقدها ٍ إذاً ،فالقصيدة تشتمل على رى أداوي م������ري������ره������ا ب�������األم������� ِّر ك�ث�ي��راً ف��ي بيوتنا وع�لاق��ات�ن��ا م��ع أوالدن���ا عامة ����ت ي������وم������ ًا ب���م���وت���ي ف����������إذا م������ا س����م����ع ِ وبناتنا بشكل خاص ,وهي بال شك تدل على حب ف���ات���ب���ع���ي���ن���ي إل��������ى س����ح����ي����ق م����ق����رّي مكين يكنّه ه��ذا األب الرحيم البنته الصغيرة, حتى وصل به الحد في البيت الثامن أن يرضى و اذرف�������ي دم����ع����ةً ع���ل���ى ج���س���دي الها م�������د ت������ن������دى ل�����ه�����ا ج�������وان�������ب ق����ب����ري كونه لعب ًة بين يديها يبادلها كراً بفر! وت�������ن�������اس�������ي ن�����ه�����اي�����ت�����ي أه����م����ل����ي����ه����ا ف������ه������ي ال ت����س����ت����ح����ق ل�����ف�����ت�����ة ف���ك���ر
وال �خ��وف م��ن ن�س�ي��ان ال�م�ح�ب��وب ت�ب�ع�اً لبعد مكانه دلي ٌل قويٌ على صدق المـ ُحب ,ولعل هذا األمر يشكل هاجساً كبيراً في القصيدة ,يظهر ذلك في األبيات ( ,)19-10وقد يكون الشاعر متشائماً في نظرته هذه ,لكنها المشاعر ال يمكن التصرف فيها في كثير من األحوال!
بيت في القصيدة تدلنا إن أول لفظة من أول ٍ أن المخاطب َة ذاتُ مكانة خاصة عند الشاعر، ليست لغيرها من ال�ن��اس ,فاإلنسان بطبعه ال يرتاح لمن يمعن النظر فيه,ألنه يفهم من ذلك -ال معان سلبية ,كاالنتقاد والتحدي وعدم شعورياًٍ - التقبل ,فما بالنا حين نرى الشاعر يطلب ذلك طلباً وبارتياح ,وهو أيضاً يطلب من المخاطبة- ابنته-أن ال ترتبط بما قد يظهر على وجهه من
عبّر الشاعر عن خوفه من ابتعاد ابنته عنه ونسيانها له بعد أن ربط ذلك منطقياً ببلوغها سن الرشد وزواجها وانشغالها -بطبيعة الحال- بحياتها ال�ج��دي��دة ,م��ا ح��دا ب��ه ف��ي ذروة خوفه هذا أن يطلب منها القَسَ م على عدم نسيانه يوم عرسها ,ذلك اليوم الذي ينشغل فيه فك ُر اإلنسان ووجدانُه عن كل ش��يءٍ ,وكان خوف الشاعر أن يكون ضمن هذه األشياء المنسيّة.
إن المتأمل في هذا الخطاب الشعري يالحظ اآلتي:
أوالً :معاني األبوّ ة الرحيمة.
اجلوبة -صيف 1433هـ 71
وبعد هذا كله تبقى المعاني األبوية الحانية الثالثة :استعماله للصور الفنية. خير ش��اه��د على ق��وة العاطفة ف��ي القصيدة, تعددت استعماالت الشاعر للصورة الفنية, يتجلى ذلك في تساؤله عمن سيرعاها من بعده وه��ي وإن ك��ان الكثير منها غير جديد إال أنها ف��ي البيت الثاني عشر ,وف��ي اع �ت��زازه بها في جاءت مستحسنة في سياقها. البيت الرابع عشر ,وفي حرصه على أن تزوره ففي صدر البيت الرابع يقول «والصقي وجهك بعد مماته ف��ي البيتين الثامن عشر والتاسع الصغير ب�ك�ت�ف��ي» ،وف��ي ال�ش�ط��ر ال�ث��ان��ي يردف عشر. ال «واجعلي من يديك طوقاً لخصري» ,إن قائ ً اتحاد الصورتين معاً (الوجه الملتصق بالكتف- ثانياً :بروز الخيال وبعد الرؤية. والطوق /اليدان المحيط بالخصر) ي��ؤدي إلى يبرز الخيال ف��ي ه��ذه القصيدة سمة فنية معنى االلتحام واالتصال وعدم االنفصال ,وهذا أساسية ,وذلك من ثالث جهات: ما تجيش به نفس الشاعر ..وه��ذا ما يتمناه، األولى :تصويره للمشاهد الحركية الحقيقية .فجاءت الصورتان معبرتين فعال عن عاطفته. نجح الشاعر في ثمانية األبيات األول��ى في وفي البيت التاسع يكنّي عن بلوغ االبنة سن عرض مشاهد لعِ ــبِه مع االبنة الصغيرة ,ويُخيّل الرشد بمعنى جميل قائالً: للمتلقي من خاللها أنه يشاهد فيلماً سينمائياً ,فق ــريب ًا ستصـ ــبحين فتـ ـ ــا ًة يظهر لنا هذه االبنة المشاغبة تقفز تار ًة وتعبث ال ترى الشمس حسنها ذات خدر بشَ عْر أبيها ورأسه تار ًة أخرى ,كما نراها مجازفة والكناية هنا مركّبة ,حيث كنّى بعدم استطاعة وحريصة في ٍآن واحد ,وحين تتعب فإنها تقرب الشمس رؤيتها ،وبأنها ذاتُ ِخ��در خ��اص بها, من أبيها لتضع وجهها الصغير على كتف أبيها أو فالشمس ال تستطيع رؤيتها؛ ألنها ب��دأت تلبس تحتضنه بقوة أو تعبث بصدره ،شأنها مع أبيها الحجاب ،وألن خروجها من البيت قل عما كانت في ذلك كله شأنها مع لُعْبتها التي ال تملك أن عليه وهي صغيرة ,وهي ذات خدر خاص بها؛ ترفض لها طلباً. ألنها أصبحت مستقلة بذاتها ولها كِ يانُها الخاص الثانية :حديثه عن المستقبل البعيد. بها. يبدأ الشاعر من البيت التاسع قصيدة جديدة- إن صح التعبير -ذلك أنه يخاطب ابن ًة غير التي كان يخاطبها في البيت السابق,ابن ًة بالغ ًة سن الرشد ،ابن ًة بلغت مبلغ الزواج واالستقاللية ,ابن ًة يختلف معها أسلوبُ الكالم ويحسن معها النقاش, ابن ًة تختلف معها الهموم واألفكار والهواجس, ابن ًة يختلف معها الزمن (المستقبل) وما يصاحبه من بُعد ونسيان وموت وفراق .وال شك أن هذا الحديث المستشرف للمستقبل يستلزم قو ًة في التفكير وإحكاماً في التخيّل.
72
اجلوبة -صيف 1433هـ
وم��ن الصور التي استغلها الشاعر في بيان حبه البنته أن دعاها بالحياة والقِ بلة في البيت الثاني عشر ,فهي حياته ألنه ال يقوى على العيش بدونها ,وهي قِ بلته؛ ألنها مجمع أفكاره ومشاعره جميعاً ,إال أن استعمال القبلة هنا قد يكتنفه بعض القلق؛ ألنها من المصطلحات ذات الصبغة الدينية ,والواقع – على كل حال -يدل على ثراءِ اللغة العربية ..وإمكان الشاعر االستفادة من هذا الثراء بعيداً عن هذه المصطلحات الحسّ اسة. وف��ي معرض وصفه ألل��م االبتعاد ع��ن ابنته
وفي البيت ما قبل األخير ال يفوت الشاعر أن يق ّدم لنا صور ًة رائعة تبين مدى حبه الرائع دمعة واح��دة منها ٍ البنته ,وذل��ك حين قابل بين على قبره وبين جوانب قبره النديّة ,وهي مقابلة بين المفرد والجمع ,رمزاً منه لمكانتها األثيرة الغالية. وف��ي البيت نفسه يصور حالته بعد الموت بالجسد الهامد ,وهي صورة تبعث على الحزن واإلشفاق على هذا الجسد الذي كان يبادل ابنته «كراً بفر» قبل عدد قليل من األبيات!
ثالثاً :دقة التعبير
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
الحبيبة ,ي �ص��ور ل�ن��ا ف��ي ال�ب�ي��ت ال�س��اب��ع عشر معاناته حين يفتقدها ،فيحاول التخفيف عن نفسه باسترجاع ذكرياته الجميلة معها ,ولكن هذا التذكر للماضي يجعله في ألم أقوى من ذي قبل ,كمن ي��داوي ألمه الم ّر ب��دواء أش��دّ مرارة، وكأنه بهذا يعكس المثل الشعبي المعروف.
ن �ج��ده ي �ت �ل � ّم��س ال �ت �ص��وي��ر ال��دق �ي��ق لسلوك الطفولة ,ولبيان ذلك بالتفصيل أقول :إن ابتداء البيت بأسلوب الشرط يوحي بعدم اليقين من الرغبة الحقيقية للطفلة الصغيرة ,ثم استخدام الفعل «راق ��ك» ي��دل دالل��ة واقعية على نفسية الطفلة التي تفعل األمر إذا رغبت فيه دون النظر في العواقب أو مدى الضرورة ,وبعد ذلك تأتي كلمة «ال��وص��ول» وم��ا أجمل موقع ال ��واو وسط الكلمة ,فهي توحي بجرسها إلى طول المسافة كما تراها هي -التي تفصل بين الطفلة الضئيلةورأس أبيها ,ثم نجد بعد هذا أن الهدف من هذا كله هو العبث ,وقد وفّق الشاعر فيها فلم يقل «اللعب»؛ ألن اللعب قد يكون لمغزى وفائدة ,أما العبث فهو اللهو الطفولي البريء والخالي من الفائدة ,وما أجمل القيد ال��ذي وضعه الشاعر حين قال «قليالً» فهذا هو الحال الحقيقي للطفل, يمل بسرعة وال يستمر على لعبة واحدة ..حتى لو كانت أنفس األلعاب وأجملها. وم��ن ش��واه��د التعبير الدقيق ف��ي القصيدة استخدام الشاعر ل�ـ«س��وف وسين االستقبال» باعتبارات مختلفة ,فقد استخدم السين في بيتين األول قوله:
ال أبالغ في القول إن قلت إن الدقة في اختيار األلفاظ كانت ملمحاً بارزاً في القصيدة ,فأفعال األمر -على سبيل المثال -نجدها اختلفت بعد البيت ال�ت��اس��ع ،فبعد أن كانت حركية عضلية ت�ن��اس��ب األط �ف��ال ف��ي األب �ي��ات السبعة األولى ف��ق��ري��ب�� ًا ست ــصبحين فت ـ ــا ًة (حدّقي-الثمي-ألصقي-اقفزي-اهجمي-ألقي), ال ترى الشمس حسنها ذات خدر أصبحت ذهنية شعورية في األبيات ما بعد البيت والثاني قوله: الثامن (حدثي-اسألي-أقسمي-أذكري) ,وذلك ألن الشاعر أصبح يتحدث مع ابنته المتخيَلة وس��أب��ق��ى م��ع��ذب�� ًا مُ ��ف��عَ��م القل ـ ب ش��ج��ون��ا وأس��ت��ع��ي��ن بصبري التي بلغت مرحلة النضج والشباب. أما سوف فاستخدمها في قوله: وق��د عُني الشاعر بالمشاهد المتتابعة في ٍ أول القصيدة ،فألّف بين ألفاظه وانتقاها بعناية س����وف أح���ي���ا ن��ع��م ول���ك���ن حياة أسهمت في اكتمال الصورة وروعتها في أذهان ت���ت���ه���اوى ب���ه���ا ع�����وام�����لُ قهري المتلقّين ,فالبيت السادس مثال حين يقول: إن قواعد اللغة تقول لنا إن استعمال السين �������ك ال�����وص�����ولُ إل�����ى رأ وإذا راق ِ للمستقبل القريب ,وأما سوف فتكون للمستقبل س��ي لكي تعبثي قلي ًال بشعري ال�ب�ع�ي��د ,وق��د ان�ط�ب��ق ه��ذا ال�م�ع�ي��ار ف��ي أبيات
اجلوبة -صيف 1433هـ 73
شحاتة ..ولكن مع تحوير بسيط ,فالقرب والبعد عنده ال يعترف بالمقياس ال��زم�ن��ي ,وإن�م��ا هو مقياس نفسي ,فالقريب عنده ما ك��ان متمنياً وقوعه كبلوغ ابنته سن الشباب ,أو متأكداً من حدوثه كاستمرار عذابه مع بعاد ابنته الحبيبة, وأما البعيد ..فهو ما كان يشكك فيه كاستمرار حياته دون ابنته العزيزة على قلبه. وما أجمل استخدام «ما» في قوله: ف����إذا م���ا س��م��ع ِ��ت ي���وم��� ًا بموتي فاتبعيني إل���ى س��ح��ي��ق مقرّي
ي�ح�ك��ي ال�ب�ي��ت األول م�ش�ه��دا للطفلة وهي تحاور نفسها مترددة بين القفز وعدمه ,ولذا ج��اء إيقاعه ه��ادئ�اً سلساً يناسب ع��دم تحرك الطفلة ,أما البيت الثاني فيحكي قفزة الطفلة فجاء إيقاعه هادراً يناسب الحركة القوية التي قامت بها الطفلة. ه ��ذا ,ول�ع��ل م��ن القليل ال ��ذي ل��م ي��و ّف��ق فيه الشاعر في القصيدة ,أن اختار لفظة «تتناسين» في بيته القائل:
أق��س��م��ي ل���ي ب��ح��ب أم����ك أن ال فهي زائ��دة عند النحاة ,ولكنها ذات داللة ����ك ذك���ري ����رس ِ ت��ت��ن��اس��ي��ن ي����وم عُ ِ عميقة هنا ,إن شحاتة يتوقع –بحسه المتشائم والحقيقة أن صيغة التفاعل تدل على التكلّف في القصيدة -أن االبنة قد ال تسمع بخبر موته نتيجة التباعد بينهما ,وقد دلت زيادة «ما» هنا والتطلّب ,وال يمكن تصور ذلك من ابنة الشاعر على هذا التوقع الذي كان يضمره الشاعر ,ولو المحبة له ,فمن غير المعقول أن تتكلف نسيان قال مثال :فإذا سمعت يوماً بموتي ،لزالت حدة أبيها ,لكن من الممكن أن يصيبها النسيان ,وعلى هذا التشاؤم كثيراً ،ولما شعرنا به كما هو الحال هذا فلو عبر بـ «تنسين» لكان أفضل وأدق في اآلن. التعبير عن المراد ,والجدير ذكره أن القسَ م في و أخيراً فإن انسجام اإليقاع مع المعاني باب البيت وإن كان يدل على عظم مكانة الزوجة عند وثيق الصلة بدقة التعبير ,ولعل استثمار الشاعر الشاعر وابنته,إال أن كونه بغير الله ال ينبغي أبدا ل�لأل�ف��اظ ذات ال �م��دود أض�ف��ى ع�ل��ى القصيدة لإلنسان المسلم ,وهو ال يخلو من إشارة إلى تأثر إيقاعا جمي ً ال يناسب الحزن وبثّه ,كما يناسب الشاعر ببعض البيئات المنفتحة التي عاش فيها معاني األل�ف��اظ نفسها ,فجرس كلمة «رحيب» خارج وطنه. يناسب معناها ,وك��ذل��ك كلمة «ال��وص��ول» كما وقد استخدم الشاعر صيغة «التناسي» نفسها أسلفت ,واألمر ال يقف عند األلفاظ فحسب.. بل يتعداها إلى الجمل واألبيات أيضاً ,ولننظر في بيته األخير من القصيدة حيث يقول: إلى البيتين التاليين: وت����ن����اس����يْ ن���ه���اي���ت���ي أهمليها وإذا راق������ك ال����وص����ول إل�����ى رأ س��ي لكي تعبثي قلي ًال بشعري فاقفزي قفزة المجازف في حر ٍص تكوني في لحظة فوق ظهري
ف��ه��ي ال ت��س��ت��ح��ق ل��ف��ت��ة ف��ك��ر ِ لكنها ج ��اءت ه�ن��ا مناسبة ت�م��ام�اً لمعناها المراد ,وما ال يصلح في موضع ما قد يحسُ ن موضع آخر. ٍ تماماً في
* أستاذ األدب المساعد في كلية اللغة العربية -الجامعة اإلسالمية.
74
اجلوبة -صيف 1433هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
ٍ ريشة تغويها الدرس في اجلهات > عبدالله السفر*
الدرس ّ
ريشة تغويها الجهات ٌ
يحمل ش�ب�ك�تَ� ُه و ُع� �م� � َرهُ ال�م��وش��ك إلى مشواره المعتاد.
لم يكن يفكّر في المهبّ وال في تحريك جهة كانت. جسدِ ِه إلى أيّة ٍ
يقتعد الصخرة ،ويدلّي شبكتَ ُه في الماء.
اح �ت �ب �س �تْ � ُه ال �ب �ق �ع � ُة ي�ح�س�بُ�ه��ا بَ َر َكتَ ُه الوحيدة.
أب ��داً ،ل��م تخرج الشبكة بصيده الذي يتمنّاه ،أبدا. همس واح� � ٌد م��ن أبنائه ع��ن المشوار الخائب والصيد الذي ال يجيء. أط ��رقَ ،وقبل أن ينصرف االب ��ن ،رف َع رأسه: كنتُ أظنّ أنك فهمتَ الدرس!
بجسد مركوز وأذنين ٍ م ّر زم ٌن طويييل مُعارتيْن تستكمالن ما غاب. بغت ًة شع َر بانثالمِ الصورة التي تصله. وتخضه. ّ ش القلبَ ثمّة كلم ٌة تُر ِْع ُ صرير يقن ُع ُه ب َب َركَةِ بقعة ٍ حاذَى ما بين وهدير يكاد يقتل ًع ُه كلّما سم َع الكلمة. ٍ
فتشف ّ بدا كأنما مرشّ ح ينقّي المشه َد ودف� ��ع إل ��ى األع��ل��ى ي��دي��نِ فارغتيْن، األشياء وتقرُبُ ويعظُ ُم جُ رمُها. واختفى. اهتزّتْ الشبكة ،اهتزّتْ .ولم يكن أح ٌد هناك يجذبُ الخيط.
ليعرف أنّه في المهبّ َ لم يكن محتاجاً وجس َدهُ ريش ٌة تغويها الجهات.
* قاص وكاتب من السعودية.
اجلوبة -صيف 1433هـ 75
رائحتها ..
> إبراهيم شيخ*
وضعته على قارعة الطريق ،كادت الحيوانات العابرة تدوسه بأقدامها، رأته امرأة كبيرة في السن ،صاحت بها ،عادت وحملته ،مشت به خطوات، لم تحتمل قربه ،فألقته على األرض ،بعيدا عن قارعة الطريق ،قرصه البرد ،بكى بشدة ،ع��ادت وأخذته م��رة أخ��رى ،مشت به خطوات ،تذكرت وال��ده ،ألقته تحت ظل شجرة ،قرصه الجوع ،بكى وتلوى ،اقتربت منه تنظر إليه ..شم رائحتها ،امتألت معدته ،سكن ونام ،قالت في نفسها: فرصة سانحة أتخلص منه ،ال أسمعه وال أراه ،وسال دمعها ،تذكرته.. حزنت عليه ،ندمت على فعلها ،أخ��ذت تسأل عنه، ألحقه بمن مضى. أطلقت رجليها ل�ل��ري��ح ،أخ��ذت ت�ج��ري وتجري ،عرفت أنه أصبح رجال ،ذا مكانة.. ركبت األه��وال ،وصلت إليه ،لم يعرفها ،لم يعد اعتقدت أنها ابتعدت عنه كثيرا ،ح��ن قلبها إليه، ربطت على قلبها ،دمعت عينها عليه ،مسحت الدمع ،يذكر رائحتها ،عادت أدراجها.. طلبت م��ن عينها أن تكف دمعها ،ص��ار لها مثلما تنكر لها كل شيء ،فكرت فيه ،اختلطت األفكار أرادت ،صحا من النوم ،لم يجدها بجواره.. في رأسها ،لم تعد تميز ،وقعت فريسة المرض ،سمع وجد نفسه بين يدي المرأة العجوز ،اعتنت به، رعته كابنها ،أحبها وأحبته ،لكن رائحتها ليست مثل رائحة تلك التي تركته نائماً وهربت ،ظل يترقب تلك الرائحة..
إذا اقتربت منه ام��رأة ..شم رائحتها لعلها تكون ه��ي ،أصبح يمشي ،ك��ان إذا شاهد غريبة اقترب منها لعلها تكون هي ،بلغ سن الشباب ،ماتت المرأة العجوز ،اختفت الرائحة التي كان يشمها ،عمل راعيَ غنم عند رج��ل عقيم ،ت��زوج وأن �ج��ب ،م��ات الرجل العقيم ،أوصى بالغنم له ،أصبح يملك شيئاً ،أنجب األبناء والبنات..
بها ،هم بزيارتها ،أبى قلبه ،رأى العجوز في منامه تقول له: ال تطاوع قلبك على هجرها ،ليس لها سواك. قام بزيارتها ،لم يعرفها من بين المرضى ،عاد أدراجه ،وقع في حفرة عميقة مظلمة.. سمعت به ،نسيت المرض ،جرت إليه ،أخرجته من الحفرة ،تذكر المرأة العجوز..
تاه عن رائحتها التي كان يميزها بها ،أرادت البقاء ب�ج��واره ،لم يتفق قلبها وقلبه ..ذهبت إل��ى حيث ال تدري ،عادت مرة أخرى ،سكنت بالقرب منه ،مازال ركبت ال�م��رأة األه ��وال ،س��ارت في السهول ،في قلبه غائبا عنها ،غيرت سكنها ،لعل قلبه يصحو ،تعب الوديان ،تسلقت الجبال ،كبرت في السن ..لم تستطع قلبه فجأة ،اشتد به المرض ،عادت تزوره ،فقيل لها: نسيانه ،تنكر لها الرجل الذي تركته من أجله ،بكت ذهب إلى غير رجعة. * قاص من السعودية.
76
اجلوبة -صيف 1433هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
طيف من الطفولة > بوشعيب عطران*
هند..نطقت ب��االس��م دون م��ق��دم��ات ..جعلت ك��ل الحاضرين المتحلقين ح��ول س��ري��ر زوج��ت��ي حديثة العهد بالوالدة يستديرون إلي ،مما شجعني أكثر ألؤكد ما قلت: نعم سأسميها هندا..ردت زوجتي بتأفف: لم نتفق بعد على االسم..تحركت نحو الباب بغضب ..ونظرات الحاضرين تالحقني باستغراب ،تاركا لهم حديثا دسما.. ق��ادت �ن��ي ق��دم��اي وذاك���رت���ي إل���ى حيِّنا بوابل من الشتائم ،تفرقنا على إثرها إلى القديم ،حيث احتلت هند وأسرتها حيزا مكان آخر متحاشين االقتراب من بيتهم.. كبيرا ف��ي ذاك��رة الطفولة ..عندما وقفت مما أثار انتباهي ابنتهم ،في سنِّي تقريبا، ذات م�س��اء خ��ري�ف��ي ش��اح�ن��ة أم ��ام المنزل مختلفة ت�م��ام��ا ع��ن ب �ن��ات ح� ِّي�ن��ا ،بلباسها الكبير ال��ذي يقبع في مدخل ح��يٍّ ،نجتمع وقصة شعرها التي تشبه األوالد ...ألعرف فيه -نحن الصغار -كل مساء حالما ننتهي أنها تدعى «هند» ،تدرس في صفي نفسه من ألعابنا ،لخلوه من ساكنيه طيلة السنة إال بمدرسة الفتيات المجاورة لمدرستنا.. أيام الصيف ،قلما يأتي أصحابه ،وال نعلم ظلت صورتها عالقة في ذهني ،وأحسست وقت حلهم أو ترحالهم.. بشيء ما يجذبني إليها ،بدأت أتابع ظهورها تحلقنا حول الشاحنة ،نرقب العمال وهم ك��ل لحظة ،وأم � ِّن��ي نفسي ب��رؤي�ت�ه��ا ،أرقب ينقلون األثاث إلى داخل البيت ،تحت نظرات نوافذ بيتها ،أو خروجها من بابه للقائها.. صاحبه القاسية ،وتوجيهاته الفظة ،التي ولكن دون جدوى.. بدت غريبة لي كأثاثه وزوجته التي أمطرتنا
اجلوبة -صيف 1433هـ 77
-شعيب ،شعيب ..انتظر..
األخير..
طالت العطلة وطال انتظاري ،لكن هند لم تأت، التفتُّ بسرعة ل�ص��وت س��اح��ر يناديني ،إنها بل عادت أمها تؤازر زوجها الذي اتهم باختالس هي ..هند.. وق�ف��تُ مرتبكا ال أق��وى على ال �ك�لام ،وفرحة أموال في عهدته من طرف مديره ،ليلقى مصيره في السجن ،ولم يغادره بعدها حيا.. غامرة تتقاذفني.. عادت األم بخيبتها وحزنها وأثاثها إلى ديارها أمسكت بيدي وهمست: بين أهلها ،وع��اد المنزل إل��ى فضائه الموحش أال ت��راف �ق �ن��ي إل� ��ى ال��ب��ي��ت ،إن� ��ي أخشى وجلبة الصغار حوله..الظالم... سرعان ما نسي أهل الحي تلك األسرة التي لم كنا ق��د خرجنا للتو م��ن ال �م��درس��ة ،الشمس يسقط أفرادها الحاجز الجامد بينهم كجيران.. تتوارى للمغيب ،وخيوطها الذهبية تشاكس الظالم ،لكني ل��م أن��س ق��ط ه�ن��د ،تلك النسمة الشاردة مشيت بجانبها مزهواً وال أكاد أصدق ما يجري ..التي هبت بلطفها ورونقها ألهيم معها في دنيا أردت أن أق��ول لها أشياء كثيرة ،لكن لساني جديدة ..حطت فجأة بعيدا ليرافقني طيفها في أصابه العجز ،واصلنا طريقنا والصمت رفيقنا ..دروب الحياة.. تكرر لقاؤنا في ذهابنا وإيابنا من المدرسة، كانت هند كنسمة ب��اردة ف��ي ي��وم ح��ار ..أضفت سحرا على طفولتي ،فنشأتها ببيئة مختلفة تماما عن بيئتنا تؤثثها لمسات أورب�ي��ة ..أدخلتني إلى عالم آخر كنت أجهله. جمعتنا ال �ص��داق��ة ب �ب��راءة ال�ط�ف��ول��ة ،وقراءة القصص متعة لحظاتنا ..انتهت السنة الدراسية بنجاحنا ،ف��رح��ت أك�ث��ر النتقالنا معا إل��ى طور اإلع ��دادي هناك ،سندرس جنبا إل��ى جنب ،ولن نفترق أبدا..
ورواي�ت�ه��ا ال�ت��ي أه��دت�ه��ا إل��ي آخ��ر ل�ق��اء مذيلة باسمها ،وكلمات طفولية بريئة أحتفظ بها دائما كذكرى غالية.. أوغ�ل��ت ف��ي ال��زم��ان وال�م�ك��ان ،م��رت بخاطري أشياء وأش�ي��اء ،برقت هند في ذاك��رت��ي كاألنوار الخافتة البعيدة ،نسيت نفسي في زحمة البحث عن ذكرياتي يدفعها بركان يختزنه شعوري..
انتبهت وأن��ا أم��ام بيتها ،والركن ال��ذي انزوينا فيه آخر لقاء ،قد تحول إلى بناية كبيرة تقطنها أسر غريبة عن حيِّنا ..تجولت هنا وهناك لعلّي ودعتني -يوم سفرها لقضاء عطلة الصيف أص���ادف أح��د ال �ج �ي��ران ال �ق��دام��ى ،ف�ب��دا ل��ي أن بمدينتها األصلية رفقة عائلتها -على أمل اللقاء ..التغيير لم يشمل المكان ..بل حتى الوجوه ،ألبدو وسطهم غريبا.. وأهدتني أول كتاب ،إنه (لقيطة).. تسللت البهجة إل��ى قلبي بلقائها مصحوبة بتوجس وخوف مبهم لفراقها ،لم أتبين سر نظرات عينيها الحائرتين ..ينط منهما حزن وأسى عميق، ودمعة تترقرق في الطريق ..ودعتني ،وكان الوداع * قاص من المغرب.
78
اجلوبة -صيف 1433هـ
كان الطريق إلى بيتي معبرا لذكريات الطفولة بأطيافها المفرحة والحزينة ،سرعان ما تالشت أمام الزغاريد التي غطت المكان الذي عج باألهل واألحباب ،ابتهاجا بالمولودة واسمها الجديد...
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
إدوارد العاشق > محمد سعيد الريحاني* في مكتب ملك اإلمبراطورية التي ال تغيب عنها الشمس ،وفي عز الورطة مع أعضاء حكومته ،كان الوزراء يتناوبون على إقناع الملك «إدوارد» لتغيير رأيه في موضوع زواجه من «ووليس» ،األرملة األجنبية:
أطل «إدوارد» من شرفته على المناظر الطبيعية الخالبة ..الممتدة إلى األفق ،واألسئلة ترفرف بين أرجاء جمجمته:
ما جدوى أن أصبح ملكا على غيري وأنا لست ملكا جاللة الملك ،يجب أن تعلم بأنك تمثل أمة عظيمة،على نفسي؟ وبأنك شاب في مقتبل العمر ،وأن كل الفتيات أيهما أول��ى :تحرير ال��روح العاشقة أم التمسكيتمنين الزواج منك .فلماذا اإلصرار على الزواج بكرسي الحكم واإلدارة والتسيير؟ من أرملة أجنبية؟. أيهما أفضل :السعادة أم المجد؟ جاللة الملك ،أنت لست رجال عاديا ،أنت ملك.فالرجاء عدم التفكير لنفسك بل لوطنك .لقد -أأكون ملكا على إمبراطورية أم ملكاً على امرأة؟ تربيت لتحكم هذه اإلمبراطورية العظيمة ..وهذه انتهت المهلة التي منحها البرلمان للملك العازب، هي فرصتك التاريخية .فكر بمنطق التاريخ ..وجاء كل وزراء حكومته لسماع القرار األخير: وال شيء غير ذل��ك .إن زواج��ك من هذه المرأة معالي ال �س��ادة ال � ��وزراء ،أش�ك��رك��م على الوقتسيزعزع المؤسسة الدينية ويقضي عليها... الوفير ال��ذي خصصتموه ل��ي ولقضيتي ،وهذا ج�لال��ة ال �م �ل��ك ،أن ��ت ال تنتمي ف�ق��ط إل ��ى أكبرقراري األخير :خذوا إمبراطوريتكم التي ال تغيب إم�ب��راط��وري��ة عرفها ال �ت��اري��خ ،أن��ت ستحكمها. عنها الشمس ..وات��رك��وا لي إمبراطوريتي التي وأول��ى الخطوات في ه��ذا الطريق هي إخراس ال يفتر نبض الحب فيها .خذوا ُمل ْك بريطانيا، األص ��وات الصغيرة داخ�ل��ك ،التي تشوش على وانقلوا تاجها ألخي «دوق يوركشر» واتركوا لي تفكيرك ،وتحول دون اتخاذك قراراتك السديدة حبيبتي «وول �ي��س» .وألن�ن��ي أع��رف بأنه ال أحد المعهودة. سيسامحني على قراري ،فإنني سأفضل المنفى جاللة الملك ،البرلمان يعطيك مهلة للتفكير،فال تضيع فرصتك التي ال يمكنك بأي حال من األحوال استرجاعها فيما بعد...
م��ع «وول �ي��س» لباقي س�ن��وات ع�م��ري ،بعيدا عن الكراسي وال�ع��روش والتيجان وجهابذة اإلقناع بضرورة عدم اإلنصات لنبض القلب...
* قاص من المغرب.
اجلوبة -صيف 1433هـ 79
للحزن أسباب أخرى!.. > هشام بنشاوي*
نعشً ا ...خيل إل��يّ أن جارنا «م» ال يفكر نعش طائر س��وى ف��ي بطنه ،وأن��ا أت�ع��ذب -وحدي- يوم االثنين ،علمت أن والد جارنا فارق بحزني الشفيف؛ فقد الزمني طوال األيام ال �ح �ي��اة ف��ي ال�م�ه�ج��ر ،وال �ي��وم (الجمعة) المنصرمة هاجس أليم« :ب َم سيحس ركاب لمحت نعشه يحمل في سيارة الموتى ،لكي الطائرة إن علموا أنها تحمل نعشا؟». يوارى الثرى في قريته .بقيت طوال األيام ***** الماضية مكتئبا ،أتذكر إج��راءات السفر الروتينية حد التقزز ،التي صادفتني قبيل لم يسبق لي رؤي��ة الجار الميت ،لكن رح�ل��ة ال�خ��رط��وم ،وأف�ك��ر ف��ي ه��ذا المأتم ح��ز ًن��ا كريهًا الزم�ن��ي منذ ي��وم االثنين .ال ال�ب��اذخ ،وأح��د الجيران أب��ى ال��ذه��اب إلى مالمح لحزني(..ربما) ألنه لم يسبق لي أن بيته ،قبل أن يترجم ثواب ذهابه مع الجنازة رأيت ذلك السيد .أتخيل جسدا متجمدا إل��ى ول�ي�م��ة ..اح�ت�ق��رت ان�ت�ظ��ار المعزين ،بال ح��راك ،كان نابضا باألشواق ،تناسوه المتناثرين بالقرب ،كطيور جارحة تتأهب بُعيد دفنه ..أحس بال جدوى الحياة ،حين لالنقضاض على فريستها .ربما ،لم يخطر تقتحم المشهد الجنائزي ام ��رأة ،وأفكر ببالهم ثالجة األموات ،والطائرة التي تحمل ب�ص��وت ع��ال« :ه��ل يستحق ه��ذا الجسد
80
اجلوبة -صيف 1433هـ
الفائض أنوثة وسحرا أن يلقى نفس المصير التعيس ل��ذل��ك ال �ج��ار التسعيني؟ ه��ل تستحق ال��وردة أن تلقى بين القاذورات؟ هل ستتحول - بدورها -إلى وليمة يفترسها طفيليو المآتم؟».
المسكينة انساقت وراء مزحتي ،حين جاءت
ضحك كالبكاء
تبتاع شيئا ،من صديقي مبارك ،وقلت لها وبلكنة
البهجة ،ألن القدر كتب عليها أن تكون خادمة في البيوت ،تقسو عليها مشغلتها كما الحياة.
ألن هذه اللقطة موغلة في األس��ى ،سأكتب ب��دوي��ة فكاهية« :وا بهيجة م��ن نهار شفتك ما عن الزم��ة أردده��ا -يوميا -لمداعبة صديقي شفت النعاس» .وهكذا ،صارت تبحث عن فسحة «مبارك» .كانت تلك الالزمة جملة تلفظ بها أحد للتلصص من النافذة .تلوح مدججة بالشوق ،وال أقاربنا ،حين لمحته من فوق ورش البناء ،ويبدو أع�ب��أ ب�ه��ا ،وال أش�ي��ر إليها -ه��ذه ال �م��رة -أين أنه لم يطق رؤيتي بذلك الحي الشعبي ،وربما ،تختفي وتترك قلبي فريسة اللهفة..؟ لعن -ف��ي تلك اللحظة -البنائين ،ألنهم مثل أمومة مسروقة العطارين ،يتنقلون من مكان إلى آخ��ر ..بسبب تحية تبطن الكثير من السخرية .اختفى الرجل مساء ،في طريقي إلى البيت ،لمحت جارنا من ذلك الحي ،فتسببت في «قطع رزقه». «ع» ،م��ع ص��دي�ق��ه وش ��اب آخ ��ر ،وك��ان��ت أمامه
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
تلوح «بهيجة» ،والتي أتخيل أنها لم تذق طعم
لمحته م��ن ف��وق بغلته ،وه��و ي �ن��ادي بصوته المبحوح« :نخالة للبيع» في ذلك الحي الشعبي ،أم ��س ،وك��ان��ت ت �م��وء م ��واء خ��اف�ت��ا ،ك��أن��ه توسل وكانت عبارته األخيرة« :انت هناااااا ..وسي ْر الله منكسر .سألته مازحا ،مثلما اعتدت كلما أنجبت يعاااااون.».. القطة« :فينا هي الرفيسة؟» ،وكأنه يفترض أن أرددها لصديقي يوميا ،وأضحك.. يقيم حفل عقيقة لصغارها ،والذين لمحتهم يوم القطة .كانت تبدو كسيرة الفؤاد .مثلما رأيتها
لقد مات الرجل ،وبقيت عبارته خالدة؛ (هل األحد في علبة كارتونية ،بعدما وضعتهم والدته ستخلد حقا؟ أم أن صفة الخلود هنا مجرد مبالغة أو أحد أف��راد األس��رة ليستمتعوا ب��دفء شمس لغوية؟) .أرددها ،وكأنني سمعتها منه للتو. ظهيرة ذلك األح��د( .ندمت ألنني لم أصورهم، لم يعد له أي أثر ،بل ،لعل عظامه تالشت ..ولم أالعبهم ،كما فعلت -من قبل -مع إخوتهم. لقد اختفى من هذه الحياة ،مثلما اختفى من ذلك أمس ،خمنت أن األس��رة حرمتها من أبنائها الحي من قبل ،لكن هذه المرة لن يمكنني رؤيته برميهم( ،لكن ال يعقل أن يفعلوا ذلك ،فالصغار- في حي آخر .لو مت ،أنا أيضا ،هل ستتذكرون ما زالوا في حاجة ماسة إليها ،وهي كذلك). قصصي القذرة فقط؟ أم ستتذكرون عدوانيتي، تضاعف حزني حين أخبرني أنهم سرقوا نزقي؟ ومن ستخطر بباله حساسيتي المفرطة ذات ليلة منذورة للبكاء المترنح؟ أبناءها ،فتركوها ملتاعة... * كاتب من المغرب.
اجلوبة -صيف 1433هـ 81
قصيدتان > عبدالهادي صالح*
الليل ريحي علَى ِ واستَ ِ امسَ حي وجَ عي واترُ كيني، وانثُ ري في درُوب المَ دينةِ مَ ا يجهلُ العَابرون ،وقولِ ي: إلى اللهِ مَ ا خلَّفتهُ الليَالي، ومَ ا طرحَ ته ُشموس البَراري، وج ِدهَ ا، القلوب على ْ ُ ومَ ا خبَّأتهُ واستَريِ حي علَى الليِ ل.. امسَ حيني قلي ًال قليالً: الصباح، ِمن جَ بين َ ومن وجَ نات الزُ هور، ِ الشتاء الرَّ هيب، َعش هذا ِ و ِمن ر ِ الصمت وال تعبُري َ حتى يَفيقُ المسَ اءُ على ُسدَّ ة الرُ وح؛ انظري قمَ ر ًا واحد ًا ثم ُ َراك ِسوَاه. ال ي ِ
82
اجلوبة -صيف 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
اغتيال فكَّ ر فِ ي الرَّ ِحيل؛ اصطيا َد غيمَ ة، فقرَّ ر ِ حمَ ل صنَّارتهُ واتجَ َه إلى أعلَى بِ نايةٍ في الحَ يّ ... و َّز َع أشوَاقَهُ السماء، في َّ وأس َل َم أُذُ نيهِ للريَاح، وانتَظر خلَف عينِ يهِ طَ وي ًال طَ ويالً... وفِ ي كُ لِّ مرَّ ةٍ يُ سدِّ دُ رغَ بَاتهِ مس؛ الش ُ تُخَ اتِ لهُ َّ فتَغتالُ أحالَمَ هُ ِمن جَ ديد. * شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1433هـ 83
مصافحة طيف > ليلى احلربي* أ َو ه�����ك�����ذا أص�����غ�����ي إل�����ي�����ك رب����اب����ة
أوت����������اره����������ا غ�����ن�����ت ع�����ل�����ى أوت������������اري
ي����ا ح���ب���يَ ال���م���خ���ذول ق���ب���ل هزيمتي
ي������ا زه����������رة س����ك����ن����ت ب�����ج�����وف ال����ن����ار
ح����ت����ام ي���ح���وي���ن���ي ال���س���ق���ام وي����رت����وي
م�����ن غ���ي���م���ت���ي ح����ت����ى ذوت أزه��������اري
ي���ا ن��ب��ض��ه ال��م��س��ك��وب ح����ول ستائري
���������ب أن ي���ف���ئ ال����س����اري ������ت أرق ُ م������ازل ُ
ه����ا أن�����ت ت�������روي م����ا رأت�������ه سحابتي
م�����ن ق���ب���ل ب����وح����ك أب����ل����ج���� ًا كنهاري
أن�����ا ح���ي���ن ي���ن���ب���ض خ���اف���ق���ي بمذلةٍ
أرم��������ي ب�����ه م�����ن ف�������وق ج����س����ر ال����ن����ارِ
ول������س������وف أروي������ه������ا ح����ك����اي����ة خيبةٍ
�����ج�����دل ظ���ل���م���ه���ا أن���������واري س����������وداء ت ْ
س�����أظ�����ل أرس���������م م���ق���ل���ت���ي���ه وأرت���������وي
م���ن���ه���ا وأس������ك������ب ح����ول����ه����ا أع���������ذاري
وأرى اب���ت���س���ام���ت���ه ت�����راق�����ص ع���ن���وة
ي�����ذك�����ي ب����ه����ا رغ�������م ال����ب����ع����اد أُواري
ح���ت���ى ول������و ف���ت���ك ال�����ه�����وى ببقيتي
ح���ت���ى وإن ص������ار ال����س����ق����ام م������زاري
س������أظ������ل أم����ل����أ ل����ي����ل����ت����ي ب����غ����ن����ائ����هِ
وأظ����������ل أخ�����ف�����ي ط����ي����ف����ه ب����خ����م����اري
* شاعرة من السعودية.
84
اجلوبة -صيف 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
رمضان أنت املرجتى > جاك صبري شماس* �������ات �����ك ف����ي ال����دج����ى مشكا ُة وغ����������م����������ام س������ي������ب������ك أن��������ه��������ر ج�������ن ُ رم�����ض�����انُ وج�����هُ َ �����ات �����ك ال�����ش�����رف ُ ت������أت������ي وت������ح������م������لُ ل����ل���أن��������ام ب�����ش�����ائ�����ر ًا وت�������ف�������وحُ ف������ي ن�����س�����م�����اتِ َ ��������زالت ُ �������ن ب����ال����ت����س����ام����ح م����غ����دق���� ًا ج���������ذالً ،وتُ�����غْ �����فَ�����رُ ف�����ي ال���������ورى ال وي������ه������لُّ يُ �������مْ ٌ وال������ف������ق������ر ي����س����ح����ب ذي������ل������ه م����ت����ع����فِّ ����ر ًا إِ نْ ع���������مَّ ف�������ي ع���������رض ال�������ب���ل���اد زك���������ا ُة ش����ه����ر س����م����ا ال��������ق��������رآنُ ف������ي إع�������ج�������ازِ هِ
***
�����������������ات ُ وت��������ق��������دم��������ت ب���������ج����ل����الِ ���������هِ اآلي
����وات ���ائ�ل�ا ش������مّ ������ا َء ت������ر ف�������لُ ب���ال���ت���ق���ى ال����ص����ل ُ �����وس ش���م ً وت����وش����ح����ت ح�����ل�����لُ ال�����ن�����ف ِ ي��������ا س������ي������دي آالءُ (غ���������������������������زةَ) أق������ف������رتْ
َ�����������وات ُ ���������ت ب�����أن�����ي�����ن�����ه�����ا ال�����������رب وت���������ل���������وَّ عَ ْ
وال�����ق�����دس خ�����ذل�����ى ،وال������دي������ار ت����ب����اع����دَتْ
����ل����ات ُ �����ت ب�����ي�����ن ال����������������دروب ِص وت�����ق�����ط�����ع ْ
وال������ج������وع ي�����ا رم�����ض�����ان ي�����ص�����رع أن���ف���س��� ًا وي����������������ذُ ل أن�������������������دا َء ال����������ت����������راب ُج�������ن�������ا ُة ***
�����������ات ُ �������ت ب����ال����ش����ج����ى األزم ������ي ،وع�������اث ْ ج�������رد ُح����س����ام����ك ي�����ا ن���خ���ي���ل ف����ق����د جثا ب������غ ٌ ول�����ت�����رت�����ق�����ي ظ�������هْ ������� َر ال������س������واب������ح أم�������ةٌ
�����وات وت������ك������ ّر ف������ي س��������اح ال������ف������دى ال�����ف�����ل ُ
ْ�����ل المنى وي�����������������رومُ أم�������ج�������اد ال�������ج�������ه�������ادِ كُ ������م������ا ُة ودمٌ ي���������زُ ُّف ال����بِ ����ش���� َر ف�����ي نُ�����ب ِ وب������ل������ال ي��������ص��������دحُ ف��������ي م�������������آذن غ��������زةٍ
������وات وت���م���ي���س ف����ي ولَ��������هِ ال���ح���م���ى ال������دعَ ُ
رم������ض������ان أن����������تَ ال����م����رت����ج����ى ل����ع����روب����ةٍ
�����دس ال����ح����ب����ي����ب ن�����ج�����ا ُة ألن���������������تَ ل�����ل�����ق ِ و َ
* شاعر من سوريا.
اجلوبة -صيف 1433هـ 85
للرائحة شكل البيت > املهدي عثمان* بيتي الذي هَ وى
وحلم بالعودة والرجوع
كخيمة ألقتها الريح إلى الريح
ومفتاح تقدّ م به العمْ ر
ال زال بيتي
ثبّتُّ ه للجدا ْر
وبيتي وإن راح الشكل
تكلّس في حدقاته الدمع
فرائحة بيتي هي الشكل وفت ّْش ُت في الغبار عن صورة تربطني بالذكرى فابتسم الرّكام رك في الذكرى ال ذكرى تُجذّ َ دمك عدا َ لعت من روحي أُقتُ ُ يسبح في الظلمة كجرْح ْ ُ وال يرى غير الغياب
ذكرى طرْدنا من ورق الزيتون بكى ...بلّل الحائط راسم ًا شكل بيتي وقلت ألحفادي: ُ قرب حقل البرتقال ثمّ ة رائحة لبيت عتيق ........
باب يُ فتح في المنفى
و.....
وتُغْ لق في وطني األبْواب
جندي من ذاكرتي ّ سخر
احتضنتني المالجئ
يذكّرني بجرّافة
وشى بركام الصمود مُ ّ
لمْ ُتبْق من البرتقال عدا الرائحة
* شاعر من تونس.
86
استرْج َع كلّما ْ
اجلوبة -صيف 1433هـ
ا الوجود هائم في رياض جماله يهيم بنار الوجد إلى جمال ذاته وهو معشوق العشق ذاته
5 أي حب ال يتصور في جوهر الروح هو من دوافع الغريزة.
6
الروح التي تُصبح عاشقة 2 تبقى عاشقة أبد ًا ماذا لو كشف العشق ألن معشوقها في صميمها، عن سر ذاته؟ هي منه.. إنه عشق لذات ماهيته وله.. في الجوهر المعشوق.. ومعه أبد ًا حيث ي َِجدُ طوفان الوجد، وال�����ش�����وق م����ن ذات معشوقه ..كونها متحررة من االنفعاالت واألغراض! ليصبح العشق واحد 7 والشوق واحد الروح منتهى الجمال والوجد واحد والبهاء والصفاء ل���ذا ت��ن ُ��ش��د معشوقا م��ت��ص��ورا في 3 جوهرها عندما تعشق الروح تنشد ذاتها في ذلك الجوهر تبسط الصمت والصفاء تنشد حبها وجمالها وأبديتها.. ويبقى عشقها في جوهر البقاء.
4 أي ع���ش���ق ال ي���رت���ق���ي إل�����ى سمو المعشوق، وأي حب ال يسمو إلى جوهر، وأي هيام يظل درب الحب، كل هذا وذاك صائر إلى زوال.
8
> فريال احلوار*
الجوهرية ،في ماهيتين برزت صفاتها متوحدة في الوجود تبعث فيه نسائم الوجد وعطر الحب األبدي
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
في مقام اجلمال
9 حين تعشق الروح ت��ج��ع��ل ل��ل��ح��ي��اة م��ع��ن��ى ،فتسمو وتعلو لتكون إرادتها عشق الوجود وكأن الجمال يعشق ذاته.. في الوجود ال��ذي هو الجمال في ذاته
10 العشق.. ماء عذب سَ كِ َر بخمرة اإلشراق الطفته أنسام الوجد فجرى مشتاقا إلى وصال الحبيب.
11
ال��������روح ت��ع��ش��ق م����ا ي���ف���وق���ه���ا في الجمال كمال الصفات الجمال سر المنتهى ..والوجود. الجمال أو ع��ل��ى األق�����ل م���ا ي��م��اث��ل��ه��ا في والعشق تقديس.. وإكبار.. ذلك.. فيصبح العشق مشاهدة الصورة لهذا الجالل.
* كاتبة من السعودية.
اجلوبة -صيف 1433هـ 87
الباحث والقاص والروائي خالد أحمد اليوسف للجوبة:
استدعيت كل قدراتي وخبراتي وإمكاناتي من أجل فحص تلك األعمال التي جتاوزت ثالثمائة نص قصصي
كاتب قصة قصيرة ،باحث متخصص في المكتبات والمعلومات وبخاصة األدب ال��س��ع��ودي ،عضو ف��ي ج��ائ��زة األم��ي��ر فيصل ب��ن فهد لثقافة الطفل ،محكم لعدد من المسابقات الخاصة بالكتابة لألطفال في جمعية الثقافة والفنون ،وجمعيات ودور نشر أخرى ،اشترك في عدد من الندوات واألمسيات القصصية واألدبية ،ويشرف على النشاط المنبري في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ،نظم وأشرف على عدد من معارض الكتاب وأهمها «معرض الكتاب السعودي في لندن» عام 1416هـ1995 -م .عمل محرر ًا في مجلة عالم الكتب1400هـ1404 -هـ ،محرر ًا في مجلة «المجلة العربية» 1403 1405هـ .محرر ًا ورئيس ًا للقسم الثقافي في جريدة «المسائية» 1407 - 1405هـ .محرر ًامشارك ًا وفاحص ًا لمواد مجلة «التوباد» الفصلية منذ 1409هـ حتى اآلن. وهو أول من نشر وأدخل الببلوجرافيا األدبية الدارجة في الصحافة.
> حاورته هدى الدغفق < ه��ل ل��ك أن تقدر لنا ال��ع��دد اإلجمالي > حوى كتاب االنطولوجيا مائة وواحدا وتسعين كاتبا وكاتبة ،تمثل كل األجيال للقاصين في االنطولوجيا التي عملت والعقود القصصية في المملكة العربية عليها؟
88
اجلوبة -صيف 1433هـ
طبعا هذا التمثيل اختير منه األحياء الذين يمكن ال �ت��واص��ل م��ع تجربتهم ،وال�ن�ظ��ر في عطائهم ونتاجهم المتواصل والمؤثر ،ولهذا اثبتّ السيرة الثقافية الكاملة لكل كاتب ،وأهم ما فيها العنوان الذي يمكن االتصال به من خالله.
وس�ي�ك��ون ه�ن��اك أج ��زاء ل�لإض��اف��ة والتعديل والتنقيح ،وذكر من لم يُذكر في هذا الكتاب الكبير.
< متى تُرجمت أول قصة أو مجموعة قصصية؟ وإل����ى أي ل��غ��ة تُ��رج��م��ت ،ول��م��ن ك��ان��ت تلك المجموعة؟ > ه��ذا الموضوع يحتاج للبحث الدقيق جدا، والتنقيب في كل الصحف والمجالت التي صدرت في السعودية ،وفي خارجها ،وبخاصة التي كانت وما تزال تصدر باللغة االنجليزية، أو أي لغة أخرى.
لكن من خالل معرفتي ورصدي الببليوجرافي، اعتقد أن ترجمات األس��ات��ذة ،عزيز ضياء، أحمد عبدالغفور عطار ،حمزة بوقري ،محمد علي قطب ،حصة العمار ،خالد العوض ،خلف القرشي وغيرهم ،كانت من اللغات األخرى إل��ى اللغة العربية ،والب��د أن لهم ترجمات أخ ��رى م��ن أدب �ن��ا وإب��داع �ن��ا ال�ق�ص�ص��ي إلى اللغات األخ��رى وبخاصة اللغة االنجليزية، وهي التي لم أطلع عليها ،ولم تُذكر بعد وفاة بعضهم ،لكن عند البحث في هذا الموضوع سنجد الخبر.
وما أزال أذك��ر الدكتور أحمد قطرية ..وهو
م������������������واج������������������ه������������������ات
السعودية.
أستاذ – سابق -في جامعة الملك سعود، متخصص ف��ي الترجمة ،ال��ذي ذك��ر ل��ي أنه ترجم أكثر من ستين قصة قصيرة سعودية، نُ�ش��رت تلك الترجمات ف��ي جريدتي رياض دي �ل��ي وع ��رب ن �ي��وز ،وأذي��ع��ت ف��ي البرنامج األوربي لإلذاعة السعودية ،كل هذه األعمال كانت في فترة الثمانينيات الميالدية. كذلك القاصين والروائيين طه حواس وفوزي خليفة من مصر وهما عاشا للعمل هنا في السعودية ،وك��ان��ت لهما ترجمات م��ن اللغة العربية وإل�ي�ه��ا ،وأذك ��ر أنهما ترجما عددا من القصص السعودية إلى اللغة االنجليزية، ونُشرت في الخارج ،ولألسف فإني ال أحتفظ إال بهذه المعلومات عن أولئك الذين خدموا القصة السعودية ،أما األعمال نفسها فهي ليست لدي. وحديثا قام األستاذ عادل الحوشان واألستاذة
هيلة الخلف بإصدار كتاب تحت عنوانsand( :
)birdsوهو كتاب جامع لعدد من كتاب القصة القصيرة في المملكة ،وقد صدر عام 2004م. ثم قام القاص الدكتور خالد العوض بإصدار مجموعة قصصية باللغة االنجليزية ،تخصه، عام 2007م ،عنوانهاline gening outside of( : .)time
كذلك منذ وعيْتُ القصة القصيرة السعودية وكتـّابها والحوارات التي تُجرى معهم ،وأنا اقرأ نصوص إلى ٌ ضمن إجاباتهم أن��ه ترجم لهم اللغة االنجليزية أو الفرنسية أو األلمانية أو اإليطالية أو النرويجية ..وغيرها من اللغات، وك��ل ذل��ك يعتمد على العالقات الشخصية والتواصل المباشر ،وعدد هؤالء كثير جداً،
اجلوبة -صيف 1433هـ 89
وربما كل قاص ترجم له نص واحد أو نصين < ه��ل اض��ط��ررت أن تتوقف ع��ن كتابة القصة حين كنت تعمل على األنطولوجيا بوصفها أو أكثر. األكاديمي؟ أم كنت تتنقل بين الحديقتين.. كما يجب أن ال ننسى مشروع الدكتورة سلمى ماذا بالضبط؟ الجيوسي قبل عشرين عاما أو يزيد ،وهو الذي ركز على عدد من الكاتبات السعوديات > أنا ال أبتعد كثيرا في حياتي العادية عن البحث وخاصة القصة االجتماعية ،ومشروع الدكتور األكاديمي ،والكتابة العلمية الجافة من خالل أبوبكر باقادر ،وهو يسير على المنوال نفسه. عدد من المقاالت والدراسات الببليوجرافية
والببلومترية ،لهذا حينما ب��دأت الغوص في < هل أثر عملك في االنطولوجيا على إبداعك عمل هذا الكتاب ،شعرت أني عدت أكثر إلى ف���ي م��ج��ال ال���ق���ص؟ وم����ا ه���ي اإليجابيات القصة القصيرة؛ وفي األس��اس الواقعي لي وال��س��ل��ب��ي��ات م���ن ع��م��ل أن��ط��ل��وج��ي م���ن هذا أن هاجس كتابة القصة القصيرة يطاردني النوع؟ دوم� � �اً ،وب �م �ج��رد أن اصطاد > ل��م اش �ع��ر ب��أث��ر س �ل �ب��ي ..بل هاجس كتابة القصة فرصة زمنية وإلحاح متواصل األث� � ��ر االي� �ج���اب���ي ك � ��ان هو القصيرة يطاردني دوم ًا من فكرة الكتابة ،استسلم لها األوض��ح ،حيث فرضت عليّ ال أطلب طقس ًا أو ظروف ًا وات���رك ال�ك�ت��اب��ة البحثية من القراءة المكثفة والمتواصلة أج �ل �ه��ا ،وق ��د ت �ع��رض��ت لهذا خاصة للكتابة والحريصة من أجل الخروج كثيرا ،في مواقع مختلفة جدا، بنتيجة قوية ،واستدعيت كل تطورت القصة القصيرة ال أط �ل��ب ط�ق�س��ا أو ظروفا ق��درات��ي وخبرتي وإمكاناتي في السعودية بشمولية خاصة للكتابة ،لذا كل أعمالي من أجل فحص تلك األعمال كيانها وتكوينها تسير بهذه الصورة. التي ت�ج��اوزت ثالثمائة نص < هل من طرائف لم تزل عالقة قصصي. في ذهنك عن تعاملك مع بعض القاصين؟ ك��ذل��ك بعد االن�ت�ه��اء والطبع واالن �ت �ش��ار ،من المؤكد أن االيجابيات هي ما سنراه ونجده > أول المواقف أن فكرة الموت كانت تطاردني، ألني خصصت الكتاب لألحياء ،وأقصد بذلك ونلمسه! كيف ال ..وكتاب واحد يجمع أفضل أنني أصبحت كل يوم أخشى أن يأتي خبر أحد وأجمل النصوص القصصية في السعودية؟ هؤالء القاصين أو القاصات قد توفي وانتقل كيف ال يكون إيجابياً وهذا الكتاب يحصر كل األنساق واألجيال واألساليب التي تعاملت مع إلى رحمة الله! رغم إيماني بأن الموت حق القصة القصيرة؟! آت ال محالة ،وال مناص منه ،لكن كنت وأنه ٍ
90
المفترض أن��ي كمؤلف ودارس لهذا الكتاب ال أذكر إيجابيات عملي ،بل اآلخرون هم من يتحدثون عنه ..أليس كذلك؟
اجلوبة -صيف 1433هـ
أريد أن يرى كتابي النور بكل عدده ومخططه! والحمد لله تم له هذا إال من القاصة هديل الحصيف رحمها ال�ل��ه .وم�ص��در ه��ذا القلق
ومن هذا التغير تكتشف التحوالت واألساليب،
دل �ي��ل ال �ك �ت��اب وال �ك��ات �ب��ات ال ��ذي ص ��در عام
وهذه إحدى فوائد هذا الكتاب ،ولعل أبرزها
1415هـ ،حيث لم أنته من تأليفه إال بعد وفاة
طريقة التعامل م��ع كتابة القصة القصيرة
خمسة عشر كاتبا وكاتبة رحمهم الله جميعا.
نفسها ،فقد هدمت القواعد القديمة التي
الموقف الثاني أن تتصور كيف ستتعامل مع
ت�ت�ط�ل��ب م��دخ�لا وع��ق��دة وح �ل�ا ،وأصبحت
هذا العدد الكبير من الكتـّاب ،وقد انقسموا
القصة القصيرة أكثر تقنية ،وفرضت الحوار
أم��ام��ي ليمثلوا الحياة العامة بكل أشكالها
وال �ل �غ��ة وال ��وص ��ف وال ��دخ ��ول م �ب��اش��رة بلغة
وصورها ،وهم مثل كل البشر؟ إال أني فوجئت
جميلة إلى ذروة الحالة ،وهي الواقع النفسي
وص��دم��ت بالذين – وه��م قلة – ال يريدون
أو االجتماعي أو العاطفي ،أي أن القصة
من يخدمهم ،وهم السلبيون مع أنفسهم قبل
القصيرة تخلت ع��ن التمهيد أو المدخل..
غيرهم؛ فوجدت من يرفض التعاون نهائياً! بل
ويرفض الكتاب برمته ،ووجدت الذي ال يدري شيئاً ع��ن نفسه وأح��وال��ه وح�ي��ات��ه! ووجدت م��ن ي �ق��ول ل��ي( :ي��ا أخ��ي أن��ت م��ا مليت من
ألنها ال تحتمل ذلك.
لقد تطورت القصة القصيرة في السعودية بشمولية كيانها وتكوينها ،أما في اللغة فقد
اتضحت معالمها وتفردت في بنائها ،ألن لغة
الركض وران��ا ووراء كتاباتنا؟ تراك أزعجتنا
القصة القصيرة ت �ج��اوزت اللغة الصحفية
بببليوجرافياتك وك�ت��اب��ات��ك؟) ب�ه��ذه اللهجة
واللغة األدبية المفتوحة ،ألن تكون مقالة أو
السوداوية المقيتة!
خاطرة أو كتابة هائمة في عالم النثر والشعر،
الموقف الثالث على العكس تماما ،خاصة بعد
هي لغة مختصة بالقصة القصيرة ،تعتمد
عدد من القصص واالتصاالت ممن لم ينضج!
المتماسكة ،هي لغة تأخذ من الشعر جماله
الثقافية لكن مع ضعف ،وإص��رار على هذا
هي لغة ترسم المالمح للمكان والشخصية
بأسلوب أخوي وص��ادق ..أوضحت لهم عدم
القصة القصيرة هي اللغة القصيرة للجملة
أن أ ُعلن عن البدء في هذا الكتاب ،إذ وصلني
ع�ل��ى دق ��ة ال��وص��ف واالق �ت �ض��اب والسهولة
أو له إصدارات ووجود متواصل على الساحة
ورزانته وأوزان��ه من غير موسيقى وعروض،
الضعف وعدم التطور والتطوير لنفسه ،لكن
والحدث والحكاية معالم دقيقة وواضحة ،لغة
إمكانية الدخول في هذا الكتاب؛ بل الجميل
والحوار والوصف والموضوع.
ه��و رف��ض ع��دد منهم ال��دخ��ول ف��ي الكتاب لقناعته بمستواه المتواضع!
< ما هي الفروق التي الحظتها بين األجيال القصصية التي تناولتها؟ وفيما كانت تلك الفروق؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
قديم معي ،حيث رافقني عند تأليف كتاب > :بالتأكيد أن االختالف واقع بين جيل وآخر،
وق��د أصبحت ه��ذه الصفات وال�س�م��ات من
معالم القصة القصيرة السعودية المعاصرة، وأصبح الفرق واضحا بين جيل وآخ��ر ،من
خالل تتبع ذلك في هذا الكتاب ،ألني طرحت كل هؤالء بين صفحاته.
اجلوبة -صيف 1433هـ 91
علي القاسمي «أبو المعاجم العربيّة الحديثة» تعليمنا اجلامعي بحاجة إلى إصالح شامل
في أهدافه وهياكله وبرامجه وطرائقه ووسائله > أجرى اللقاء :األديبة د .سناء الشعالن < ال���دك���ت���ور ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي األكاديمي والمبدع معروف ،ولكن م��اذا تقول عن علي القاسمي اإلنسان ال��ذي ال يعرفه إ ّال من اقترب منه؟
وال���م���ك���ان���ة ال��ع��ل��م��ي��ة واالجتماعية واألكاديمية الرفيعة التي وص��ل إليها ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي ..م���اذا ع��لّ��م��ت��ه؟ وماذا أخذت منه؟
> اسمحي لي أوالً أن أشكرك على تفضلك بإجراء هذا الحوار معي .وأنا سعيد به، ألن�ن��ي أح��د المعجبين ب��أدب��ك الرفيع، خ��اص��ة ف��ي م �ج��ال ال�ق�ص��ة القصيرة، ف��أن��ت أم �ي��رة القصة ال�ع��رب�ي��ة ،إضافة إل ��ى ك��ون��ك أس��ت��اذة ج��ام�ع�ي��ة متميزة. أما الجواب على سؤالك ،فهو أ ّن علي القاسمي طالب علم .يبحث عن المعرفة في بطون الكتب ،وصدور الرجال ،وبحار الشابكة (اإلنترنت).
> م�م��ارس�ت��ي ال��ق��راءة وال�ك�ت��اب��ة والبحث العلمي ،علّمتني وأمتعتني وأعطتني الشيء الكثير ..ول��م تأخذ مني شيئاً. فالعمل ،بوجه ع��ام ،يزيد الحياة متعة وج � �م� ��االً ،ألن اإلن� �س���ان ي �ص �ب��ح أكثر إح �س��اس �اً بجماليات األش �ي��اء ،وروعة الناس ،ومباهج العالم الذي يعيش فيه.
< ال��خ��ب��رة ال��ط��وي��ل��ة واإلب�����داع الموصول
92
اجلوبة -صيف 1433هـ
< م��اه��ي ال��م��ح��ط��ة األه�����مّ ف���ي تجربتك األكاديمية واإلبداعية؟ ولماذا؟ > أع� � ّد أي���ام ال ��دراس ��ة ال�ج��ام�ع�ي��ة أجمل محطات الحياة ،ألني كنتُ أقطف ثمار
< ما هو الجانب الجميل الذي ال يعرفه النّاس عن علي القاسمي ،ويتمنّى لو يعرفونه عنه؟
< هل الوطن عندكَ هو حقيقة ج���غ���راف���ي���ة أم م���ع���ط���ىً إنساني وتواصلي؟ > ف��ي ك�ت��اب��ي «م�ف��اه�ي��م العقل ال� �ع ��رب ��ي» ت �ط � ّرق��ت إل� ��ى مفهوم الوطن .فهو لدى بعضهم الفضاء الجغرافي المحدود ،ولدى بعضهم اآلخر األهل والناس ،ولدى فريق ثالث الثقافة والقِ يم .وعندي أنَّ الوطن ك ُّل ذلك وأكثر .فهو المحبّة ال �م �ت �ب��ادل��ة ،وال ��وف ��اء المتجذّر، والطفولة الهنيئة في أحضان األم، وابتسامة األخ ��ت ،ووج ��وه األهل والجيران ،والماء ال��ذي نرتشفه، والهواء الذي نستنشقه ،والطعام الذي نتذوقه ،والتاريخ الحضاري الذي ل ّو َن وجوهنا.
م������������������واج������������������ه������������������ات
المعرفة دان �ي��ة .تعلمين أنني ارت� ��دت ع� ��دداً م��ن الجامعات العربية واألورب�ي��ة واألمريكية، وكنتُ مولعاً في قاعات الدرس، وأروق � ��ة ال�م�ك�ت�ب��ات ،وحلقات النقاش وال�م��ذاك��رة .وم��ا يزال طعم تلك األي ��ام ال�ح�ل��وة على شفتيّ ومسمعيّ وحنايا الروح وش �غ��اف ال�ق�ل��ب .وال�س�ب��ب في ذلك أنني كنتُ آن��ذاك أمارس هوايتي المفضلة التي نشأت ع �ل �ي �ه��ا م� �ن ��ذ ص � �غ� ��ري ،وهي اك �ت �ش��اف األش� �ي ��اء واكتساب المعرفة بماهيتها .وم��ا أزال أشعر بهذه اللذّة عندما أشارك في مؤتمرات المجامع العربية وأستمع إلى علمائها .إنها لذّة التلقّي وجمالياته.
تطفئين الحرائق في الوجدان.
< ما الذي يمكن أن يحزنك؟ وما الذي يمكن أن يجعلك تضحك من أعماق قلبك؟
> ال أظن أ ّن القارئ اللبيب يخفى عليه جانب من شخصية الكاتب ،فهو يعرف الشيء الكثير > في حقيقة األمر ،ما يحزنني كثير ،مع األسف، وما يضحكني قليل .فما يزال جرح فلسطين عن أخ�لاق��ه ،وطباعه ،وميوله ،وأف �ك��اره ،من نازفاً في الفؤاد .ولكوني معلِّماً ،يحزنني أنَّ مجرد ق��راءة إنتاجه األدب��ي .فأسلوب الكاتب أنظمتنا التعليمية في الوطن العربي أنظم ٌة ينم عليه« .األسلوب هو الشخص» ،كما يقول طبقية ،حيث يرتاد أبناء رجال السلطة والمال النقّاد الفرنسيون .ربما ال يعرف القراء العرب ال� �م ��دارس األج�ن�ب�ي��ة ،وي�ت�ع�لّ��م أوالد الطبقة أن األغلبية الساحقة م��ن كتّابهم وأدبائهم الوسطى في ال�م��دارس األهلية مقابل أجور ليسوا محترفين ،بل يمارسون األدب هواي ًة في باهظة ،ويبقى أط�ف��ال ال�ف�ق��راء ف��ي مدارس فأنت نفسك أستاذة جامعية، ِ أوقات فراغهم. حكومية سيئة التجهيز أو بال م��دارس .وهذا وتكتبين في أوقات فراغك أو في األوقات التي النظام التعليمي الطبقي ال يساعد على تحقيق ينبغي أن تريحي نفسك فيها من عناء العمل، التنمية البشرية المنشودة ،بل على العكس ولكن وهج التجربة الفنية يجتاحك ويحرقك ي� ��ؤدّي إل ��ى اض �ط��راب��ات اج�ت�م��اع�ي��ة وث ��ورات في األعماق ،فتشكّلين من ألسنة اللهب نصاً شعبية ،يذهب ضحيتها خيرة شبابنا. أدبياً رقراقاً مثل مياه الجدول المنسابة ،لعلك
اجلوبة -صيف 1433هـ 93
يحزنني أن أرى بعض أطفالنا بال مدارس < ،لك تجربة خاصة مع المعاجم .فكيف تقيّم هذه التجربة؟ وبعض شبابنا بال عمل ،وبعض أهلنا بال طعام وال سكن. > كانت دراستي في مرحلة الدكتوراه في جامعة
تكساس ف��ي أوس �ت��ن ،ف��ي م�ج��ال اللسانيات يحزنني انتفاء العدالة االجتماعية ،وغياب �ص��ص ال�م�ع�ج�م�ي��ة وق ��د م��ارس��ت العمل ت �خ� ُّ ح �ق��وق اإلن� �س ��ان ف ��ي ب �ل��دان �ن��ا ب �ح �ي��ث يفقد المعجمي والمصطلحي عندما كنتُ خبيراً في العاطلون ع��ن العمل وال�ش�ي��وخ م��اء وجوههم مكتب تنسيق التعريب بالرباط .وقد اضطلعتُ باالستجداء من األهل واألصدقاء ،ألن دولنا بتنسيق عمل ف��ري��ق اللغويين ال�ع��رب الذين تحرمهم من حقهم في التعويض عن البطالة صنفوا «المعجم العربي األساسي» .ووضعتُ وال �ش �ي �خ��وخ��ة ،ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن الحقوق خ��طّ ��ة ه��ذا المعجم ليكون أداة لتعلم اللغة االقتصادية منصوص عليها في دساتيرنا. العربية من قبل الناطقين باللغات األخرى. يحزنني أن أرى ش��وارع�ن��ا «ال�ع��رب�ي��ة» مليئة وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ن��واق��ص هذا ب� ��ال �ل�اف � �ت� ��ات المكتوبة المعجم فإنَّه من أفضل المعاجم موضوعة الفقدان هي ب��اإلن�ك�ل�ي��زي��ة أو الفرنسية ال�ح��دي�ث��ة .ب �ي � َد أنَّ السياسات السائدة في قصصي. ول� �ي ��س ب �ل �غ �ت �ن��ا الوطنية، التعليمية واإلعالمية في البلدان بعبارة أخرى ،يقول وأن دول��ن��ا ت � ّت �خ��ذ م��ن لغة العربية ترمي إلى تهميش اللغة كاتب ٌ النقّ اد إنَّ ني المستعمر القديم ،اإلنكليزية العربية الفصيحة المشتركة، بطته في فقد َّ خاسرَ ، أو الفرنسية ،لغة العمل في وت��روي��ج اللهجات العامية ولغة وفقد وطنه َ صغره، الحياة العامة والمؤسسات المستعمر القديم ،اإلنكليزية أو االق� �ت� �ص ��ادي ��ة والمالية ،في كبره ،وأضاع جميع الفرنسية .ولهذا فإنها ال تعبأ ما لديه ،وخسر حتى وأح �ي��ان �اً ف��ي اإلدارة ،ولغة مطلقاً بتشجيع تعليم العربية أوهن أحالمه. للتعليم العالي .باختصار، ل�غ�ي��ر ال�ن��اط�ق�ي��ن ب �ه��ا .ونتيجة إن االستقالل ال��ذي منحته لذلك فإن استخدام ذلك المعجم الدول االستعمارية لبلداننا محدود ج��داً .غير أنَّ المعجم الذي أعتز به ال �ع��رب �ي��ة ك ��ان م �ش��روط �اً ب��ال�ت�ب�ع�ي��ة الثقافية هو «معجم االستشهادات» الوحيد في نوعه واالقتصادية للمستعمِ ر .فمتى نحصل على في مكتبتنا العربية .فهو يرتب الموضوعات االستقالل الناجز؟ ألفبائياً ،كالحبّ ،والحرِّية ،والحسد ،والحياة، < يقولون إنّ القادم هو األجمل .فما هو األجمل إل��خ ،.وتحت ك� ِّل موضوع يأتي بما يستشهد اإلنساني واألكاديمي واإلب��داع��ي ال��ذي تحلم ب��ه ال �ك � ّت��اب وال�م�ت�ح��دث��ون م��ن آي ��ات قرآنية بإنجازه؟ �وص م��ن الكتاب أو أح��ادي��ث ن�ب��وي��ة ،أو ن �ص� ٍ كم مرعية ،أو المقدس ،أو أمثال سائرة ،أو ِح ٍ > طبعاً القادم هو األجمل ،ألنَّنا نتعلَّق باألمل، قواعد قانونية ،أو أقوال مأثورة .فهو خالص ٌة فبدون نبض األم��ل في النفس ،تنتفي بهجة مبوبة للفكر العربي وقِ يمه ومُثله .وقام الناشر، الحياة ،ويتوقَّف نبض القلب.
94
اجلوبة -صيف 1433هـ
< م��ن ه��و ع��ل��ي ال��ق��اس��م��ي؟ أه���و األك��ادي��م��ي أم المبدع؟ وأين تجد نفسك بالتحديد؟ �رد منا ب ��أدوار متعددة ف��ي آن > يضطلع ك � ُّل ف� ٍ واحد على مسرح الحياة .وكما ذكرتُ سابقاً، فأنا أستاذ جامعي بالمهنة ،وكاتب بالهواية. وحينما أق ��وم ببحث ع�ل�م��يّ ،أج��دن��ي أتقيّد بمبادئ البحث الموضوعي .وعندما أكتب نصاً أدبياً ،أجد نفسي سارحاً في التخييل الذاتي. وكالهما يمنحني لذة ومتعة.
> عزيزتي ،لقد فشل تعليمنا الجامعي في قيادة التنمية البشرية وتحقيقها في بلداننا ،على عكس الحال في بلدان عديدة كانت في الخمسينيات والستينيات أقل نمواً م��ن بلداننا مثل فنلندا ،وكوريا، وماليزيا وغيرها ،وأصبحت اليوم م��ن أرق��ى ال ��دول بفضل تعليمها ال�ج��ام�ع��ي .ول �ق��د خ�ص�ص��تُ هذا �اب ك��ام� ٍ�ل عنوانه ال �م��وض��وع ب �ك �ت� ٍ «الجامعة والتنمية» ،أش��رت فيه إلى أنَّ تعليمنا الجامعي بحاجة إلى إصالح شامل في أهدافه وهياكله وبرامجه وطرائقه ووسائله ،وال يمكن تحقيق هذا اإلصالح بدون إص�ل�اح المنظومة االج�ت�م��اع�ي��ة والسياسية واالقتصادية برمتها في بلداننا.
م������������������واج������������������ه������������������ات
(مكتبة لبنان ناشرون) ،بإصدار ث�ل�اث ط �ب �ع��ات م �ن��ه« :معجم االس � �ت � �ش � �ه� ��ادات» ،و«معجم االس� �ت� �ش� �ه ��ادات ال� �م ��وسَّ ��ع»، و«معجم االستشهادات الوجيز للطالب» .وهو كتاب مرجعي ض���روري ل�ل�ك��ات��ب ،واألستاذ، وال� � �ط � ��ال � ��ب ،وال � �م � �ح� ��ام� ��ي، والصحفي ،والواعظ ،وك ِّل مَن ي�م��ارس الكتابة أو الخطابة. وإض��اف��ة إل ��ى ذل ��ك أص���درتُ ع ��دداً م��ن الكتب األكاديمية ف��ي المعجمية والمصطلحية م �ث��ل« :ع �ل��م ال �ل �غ��ة وصناعة المعجم»« ،لغة الطفل العربي»، «الترجمة وأدواتها» ،السياسة الثقافية» وغيرها (وجميعها من منشورات مكتبة لبنان ناشرون في بيروت) وض��ع��تُ ف�ي�ه��ا خ�لاص��ة دراس ��ات ��ي النظرية وتجاربي العملية في الموضوع ،ليستفيد منها أبناؤنا الطلبة .ولهذا ،فهذه الكتب تستخدم مراجع في عدد من جامعاتنا .وسعدت حقاً عندما علمتُ أن��ك تستخدمين بعضها في جامعتك.
< ع��اي��ن��ت ت��ج��رب��ة التّدريس الجامعي في كثير من الجامعات ال��ع��رب��ي��ة وغ��ي��ر ال��ع��رب��ي��ة .فكيف تقّ يم الواقع األكاديمي العربي في ض��وء تجربتك الواسعة ف��ي هذا المضمار؟
م��ن م�ش�ك�لات جامعاتنا أن�ه��ا ت ��درّس العلوم النظرية والتطبيقية بلغة المستعمِ ر القديم، اإلن�ك�ل�ي��زي��ة أو ال�ف��رن�س�ي��ة ،ال �ت��ي ال يجيدها أغلبية ال �ط�لاب ال�س��اح�ق��ة .ول �ه��ذا فإنهم ال يتمثلون المعلومات العلمية وال تصبح جزءا م��ن منظومتهم ال�م�ف��وم�ي��ة ،وال يستطيعون اإلبداع فيها ،وال يتمكّنون من نقل معلوماتهم إلى غيرهم من المواطنين .ويبقى العلم في وطننا أجنبياً وللخاصة فقط .ولصعوبة لغة التعليم العلمي الجامعي ،يميل معظم الطالب التخصصات اإلنسانية ،في ُّ إلى االنخراط في حين أن التنمية البشرية تحتاج إلى أعداد أكبر
اجلوبة -صيف 1433هـ 95
واالقتصادية ،وفي الحياة العامة؟!
المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا. ّ من أي السياقات الفكرية واإلب��داع��ي��ة والذّ اتية < ّ التي تستحوذ عليك في تجربتك القصصية الممتدة في أكثر من مجموعة قصصية؟
ال عملياً .تعلمين أنَّ اللغة دعيني أضرب لك مث ً العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست في منظَّ مة األمم المتحدة وفي جميع المنظَّ مات الدولية األخرى ،منذ أوائل السبعينيات .ولكن ممثِّلي البلدان العربية في تلك المنظَّ مات ال يستخدمون اللغة العربية مطلقاً ،بل يتشبَّثون باستخدام لغة مستعمِ رهم القديم ،اإلنكليزية أو الفرنسية.
قبل بضعة أش�ه��ر ق ��ررتْ منظمة اليونسكو لا ف�ي�ه��ا .تابعنا ق �ب��ول فلسطين ع �ض��واً ك��ام� ً الخبر ب�ف��رح .وسمعتُ م�ن��دوب فلسطين في هذه المنظمة بأُ ّم أذني ورأيتُه بأ ّم عيني ،وهو يشكر المنظَّ مة على قبول فلسطين عضواً لا فيها ،ول��م يتكلّم باللغة العربية وهي ك��ام� ً إحدى اللغات الرسمية في اليونسكو ،بل باللغة الفرنسية .وفي الوقت نفسه كان زميله مندوب فلسطين في منظَّ مة األمم المتّحدة بنيويورك ال فيها، يقدّم طلبه لقبول فلسطين عضواً كام ً باللغة اإلنكليزية .ما الرسالة التي يريد هذان المندوبان إيصالها إلى تلك المنظَّ مات وإلى العالم .دعيني أقرأ لك المضامين الضمنية:
> في كتاب الناقد الدكتور عبدالمالك أشهبون «علي القاسمي :مختارات قصصية مع دراسة تحليلية» (2012م) قسّ م هذه السياقات إلى أرب �ع��ة أق �س��ام :ال�ط�ف��ول��ة ،ال �غ��رب��ة والحنين، الوطن ،الحب الخائب.
وي � ّت �ف��ق م �ع��ه ال �ن��اق��د إب��راه �ي��م أول �ح �ي��ان في كتابه «الكتابة والفقدان :ق��راءة في التجربة القصصية ع�ن��د ع�ل��ي ال�ق��اس�م��ي» (2011م) ال��ذي يع ُّد تلك السياقات المختلفة مظاهر لفقداني طفولتي ووطني وجميع من أحببتهم. فموضوعة الفقدان هي السائدة في قصصي. بعبارة أخرى ،يقول النقّاد إنَّني كاتبٌ خاسر، فق َد بطَّ ته في صغره ،وفق َد وطنه في كبره، وأض���اع جميع م��ا ل��دي��ه ،وخ�س��ر ح�ت��ى أوهن أحالمه.
< إلى أين تسير تجربة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين فيها وفق تجربتك الشخصيّة؟ > أعلم أن سؤالك هذا نابع من اشتغالك الجا ّد في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في الجامعة األردنية ،تدريساً وتأليفاً وبحثاً. ترضيك ِ وك��ان ب��ودّي أن أجيب عليه ب�ص��ورةٍ وتشجعك .ولكن األم��ان��ة العلمية تقتضي أن أقول لك بصراحة إنَّ تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها عبث ضائع ال مستقبل له في ظ ِّل السياسات العربية الراهنة .وباختصار، ك�ي��ف ت��ري��دي��ن أن يُ�ق� ِب��ل األج��ان��ب ع�ل��ى تعلّم لغة يحتقرها أهل ُها ويهمشونها ،بل يعملون ٍ على تدميرها ف��ي مختلف معاهد التعليم، ووسائل اإلع�لام ،وجميع المؤسسات المالية
96
اجلوبة -صيف 1433هـ
أوالً ،فلسطين ال تستحق العضوية الكاملة، فهي ال تمتلك لغة وطنية وال قومية ،بدليل استخدامهما أي ل�غ��ة أخ ��رى ع��دا العربية. وال�ل�غ��ة ه��ي ج��وه��ر ال�ه��وي��ة ال��وط�ن�ي��ة ،وإحدى ركائز الدولة المستقلة الكاملة العضوية ،تماماً كالعَلم. ثانياً ،نصيحة واضحة خالصة لجميع الطالب األجانب بعدم تعلُّم اللغة العربية ،فال فائدة تواصلية منها ،بدليل أن «ال�ع��رب��ي» نفسه ال يستعمل لغته الوطنية. ثالثاً ،نصيحة واضحة خالصة لجميع طالب
ص� ِّدق�ي�ن��ي ،ع��زي��زت��ي ،ل��و اس�ت�خ��دم المندوب ال�ف��رن�س��ي ف��ي م�ن��ظَّ �م��ة األم���م ال�م�ت�ح��دة في نيويورك شيئاً من اللغة اإلنكليزية سهوا في خطابه ،فإن حكومته ستطرده حاالً من وظيفته وتسجنه ستة أشهر ،تطبيقا ًلقانون «حماية اللغة الفرنسية» الصادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1992م ،وه��و تأكيد لقانون فرنسي صادر سنة 1792م .نعم ،العرب كذلك عندهم نص بوجوب استخدام العربية ورد في ما هو أرق��ى من القانون ،أي الدستور ،الذي �ص على رسمية اللغة العربية ،ول�ك��ن من ي�ن� ُّ سمات الدول المتخلِّفة أنَّ لديها قوانين راقية تنص دساتيرنا على ولكن ال تطبقّها ،تماماً كما ّ صيانة حقوق اإلنسان ،وحقوقه االقتصادية.
عزيزتي ،إذا قال لك أحد المندوبين العرب في المنظّ مات الدولية إنّه يستخدم الفرنسية أو اإلنكليزية ،لئال يسيء المترجمون مقاصده، فاعلمي أنّه جاهل بعمل أقسام الترجمة في ه��ذه المنظمات .ف ��أيُّ م �ن��دوب يستطيع أن يترجم خطابه إلى اللغة التي يريدها مسبقاً، ويسلّم نسخة منها إل��ى قسم الترجمة الذي بنطق أفضل من نطق ٍ يتولّى تالوتها في حينه المندوب العربي ،ألنَّ القاعدة المتَّبعة في هذه المترجم الفوري ِ يترجم ِ المنظمات ه��ي أن يترجم (التُّرجمان) إلى لغته األمّ .بمعنى أن مَن ِ مِ ن العربية إلى الفرنسية هو مترجم فرنسي يتقن العربية ،ومن يترجم من الفرنسية إلى العربية هو مترجم عربي يتقن الفرنسية.
لا آخ ��ر عن اس�م�ح��ي ل��ي أن أض� ��ربَ ل��ك م �ث� ً
م������������������واج������������������ه������������������ات
التخصص ُّ اللسانيات العرب واألجانب بعدم في الترجمة من العربية وإليها ،بدليل عدم الحاجة إل��ى الترجمة من العربية وإليها في المحافل ال��دول�ي��ة ،ألنَّ المندوبين ال�ع��رب ال يستعملون اللغة العربية فيها.
احتقارنا نحن العرب للغتنا العربية :تعلمين أنَّ دول الخليج «العربية» تستخدم أكثر من عشرين مليون عامل أجنبي معظمهم من دول آس�ي��ا كالهند والفلبين وتايلند ،على الرغم من وجود نحو خمسة وعشرين مليون عاطل عربي ،طبقاً إلحصاءات منظمة العمل العربية. ويشتَرط في هذا العامل الوافد معرفته باللغة اإلن�ك�ل�ي��زي��ة ،فتقوم ال ��دول اآلس�ي��وي��ة بتنظيم دورات مكثفة باإلنكليزية مدتها حوالي ستة أشهر للراغبين في العمل في دول الخليج. ولما كانت نسبة العمالة الوافدة إلى السكان ال �ع��رب األص�ل�ي�ي��ن ه��ي ح��وال��ي 90بالمائة، أص�ب�ح��ت ال�ل�غ��ة اإلن�ك�ل�ي��زي��ة فعلياً ه��ي اللغة السائدة ،وأمسى ابن البلد ال يستطيع شراء الخبز أو رك��وب سيارة األج��رة إال باستعمال اللغة اإلنكليزية اآلسيوية المكسّ رة .وأصبح م��ن الممكن بسهولة تحويل ه��ذه ال��دول إلى بلدان ناطقة باإلنكليزية ال عالقة لها بالسكان األصليين ال��ذي��ن سيبقون أقلية ذل�ي�ل��ة ،كما حدث في تحويل سنغافورة من بالد ماليزية إسالمية إلى دولة ناطقة باإلنكليزية ال عالقة لها باإلسالم والماليزيين .وهذا ليس كالمي، بل مقتبس من كالم اللواء ضاحي خلفان قائد شرطة دبي ،الذي نشره في مقال بعنوان «نبني عمارات ونفقد إم��ارات» في جريدة «الشرق األوس ��ط» السعودية ال �ص��ادرة ف��ي ل�ن��دن في ع��دده��ا 11021ب �ت��اري��خ 2009/1/30م .وقد توصل لهذا االستنتاج عد ٌد من مفكري الخليج َّ وأكاديميِّيه مثل الدكتور صالح ال�ك��واري من قطر وال��دك �ت��ور حسين غ�ب��اش م��ن اإلم ��ارات العربية المتّحدة وغيرهما. أن��ت تتمنين نشر اللغة العربية ف��ي العالم، وتعليمها لغير الناطقين بها؟ كان من الممكن جداً تحقيق هذه األمنية خالل الثالثين سنة
اجلوبة -صيف 1433هـ 97
ال �م��اض �ي��ة ،ل��و ط�ل�ب��ت ال ��دول العربية من العمّال الوافدين أن ي �ت �ع �ل �م��وا ال �ل �غ��ة العربية ال��وظ �ي �ف �ي��ة ق �ب��ل أن يُمنحوا ت��أش �ي��رة ال ��دخ ��ول .وه� ��ذا ما تفعله ح��ال�ي�اً ال ��دول األوربية مثل ألمانيا وهولندة وبلجيكا التي ال تمنح تأشيرة العمل أو اإلقامة أو الدراسة ،إال بعد أن يتعلّم الشخص لغتها ويجتاز امتحاناً معيّناً فيها. < ع��ان��ي��تَ ت��ج��رب��ة ال��ت��ع��ري��ب في سيرتك األكاديمية .فما مدى إسهام التعريب وفق رأيك في دفع عجلة النّمو المصطلحي العلمي العربي؟
عربية تستفيد من هذه المولَّدات؛ فالترجمة هي سلعة تخضع لقانون ال �ع��رض وال �ط �ل��ب .ول �ي��س هنالك طلب عليها ف��ي ب�لادن��ا العربية، ألن �ن��ا ن�ع�لِّ��م ال �ع �ل��وم بلغة أجنبية، مهما ك��ان��ت تراكيبها وأصواتها مكسّ رة ومتدنية ،فلماذا نترجم الكتب العلمية العالمية .وهكذا ت �ب �ق��ى ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة م �ث��ل بطة عرجاء تمشي برجل اإلنسانيات وليس لها رجل العلوم والتقنيات. ه ��ذا م��ا ي��ري��ده م�س�ئ��ول��و التعليم العرب للغتنا ،بحجّ ة التفتح على العالم واالن�ف�ت��اح على لغة العِ لم، وكأن كوريا المتقدِّمة جداً علمياً وصناعياً ،مخطئة ف��ي استعمال لغتها فقط في التعليم في مختلف مراحله ومستوياته ،وفي الصناعة والبحث العلمي .وكأن الكوريين منغلقون على أنفسهم ،رغم أنّنا في البالد العربية نعيش على منتجاتهم الصناعية ،ورغم أ ّن بعضهم يجيد اللغات العالمية األخرى بما فيها العربية.
> ف �ع�لا ،اش�ت�غ�ل��تُ أرب ��ع سنوات خبيراً ف��ي مكتب تنسيق التعريب بالرباط، المسئول عن توحيد المصطلحات في الوطن ال �ع��رب��ي ،واس �ت �ف��دتُ م��ن ه ��ذه ال�ت�ج��رب��ة في تأليف كتابي «علم المصطلح :أسسه النظرية وتطبيقاته العملية» (2008م) ال��ذي يقع في ( )821صفحة ،وتستخدمه كثي ٌر من الجامعات < لماذا كتبت كتاب «العراق في القلب»؟ أنت بالذات > إنّ كتابي «العراق في القلبـ« الذي تقع طبعته أنك ِ العربية .ومن بواعث سروري ِ الثانية في ( )721صفحة من الحجم الكبير، جامعتك ،وهذه شهادة ِ اخترت استخدامه في ِ هو مجرد مجموعة من الدراسات المتفرِّقة أفتخر وأعتز بها .ولكنَّ المصطلحات العلمية في حضارة العراق وتاريخه الثقافي ،كتبتها العربية التي تضعها مجامعنا اللغوية ويوحِّ دها مختلفة نتيج ًة للحنين الذي ينتابني ٍ أوقات ٍ في مكتب تنسيق التعريب ،ال فائدة منها ،فهي ل �ل �ع��راق خ�ل�ال ال��ف��راق ال���ذي دام أك �ث��ر من مولَّدات ال تُكتب لها الحياة إال باالستعمال. أربعين عاماً ،على الرغم من أنّني أع ّد نفسي ولما كانت جامعاتنا العربية تدرّس العلوم بلغة محظوظاً ،ألنني ال أعيش في ديار الغربة ،بل أجنبية وليس بالعربية ،فإ ّن هذه المولدات ال بين أهلي وقومي في أرض المغرب المعطاء تُستعمَل ،بل تبقى في طريحة بطون الكتب، ذي الحضارة العريقة ،المشهور بدماثة خلق وع�ل��ى رف��وف المكتبات ال�ت��ي يكفّنها الغبار أهله وكرمهم الذائع الصيت. وال� �ت ��راب .وال ت��وج��د ح��رك��ة ت��رج �م��ة علمية
98
اجلوبة -صيف 1433هـ
اللغة العربية هي اللغة
املعمورة بأصوات اإلنسانية.
م������������������واج������������������ه������������������ات
الشاعر حمد الفقيه
من يطلق الصافرات!! يتجاهل تاريخ األفكار واللغات واحلضارات والفنون
من إجاباته قد تقترب من فهمه بدرجة كبيرة ..هو شاعر يعتز بانتمائه لضفة شعراء، كان لهم مساحة من التجريب الجريء الذي وثق تميزهم .شاعرنا حمد الفقيه ،وثَّ ق تجربته في الساحة الشعرية بمجموعتين« :نقف ملطخين بصحراء» ،و«على طريقة لوركا» ..وينتمي زمنيا لمنتصف ثمانينيات القرن الماضي ..قد يختلف معك بآرائه، ليس لمجرد االختالف؛ بل لخلق رؤي��ة تصالح جنون الشاعر وثقة المثقف .عندما سألته ..كيف وجدت قارئ هاتين المجموعتين ..قال« :ربما كان السؤال هو كيف وجد القارئ هذين العملين؟ وهذا ما يمكن أن يقوله القارئ ..لكن من هو القارئ»!! > حاوره عمر بوقاسم < «ك��ي��ف ت����رى ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر اآلن في المشهد العري العربي؟
الكتابة والطباعة والنشر والقراءة ..هو قصيدة النثر.
> إن لم تكن قصيدة النثر هي اللحظة الحيّة من الشعر؛ فقطعاً ليست هي لحظته الماضية ،هناك م��ن ال يزال يسأل ..وكأن قصيدة النثر كتبت اآلن، م��أخ��وذا بعقائد الشعرية العربية .ما أظنه هو أنَّ حاصل الشعر على مستوى
ك ��ل ذل� ��ك ي ��ؤك ��د أن ه� ��ذه القصيدة أصبحت في الواجهة .وأنا ال أتحدث ه �ن��ا ك�م�ب�ش��ر ،ب �ق��در م��ا أص ��ف حالة شعرية يراها الجميع ،ويبقى أن أضيف أن ه ��ذه ال�ق�ص�ي��دة ل��م ت �ط��رح نفسها كبديل لواقع شعري ما ،وإن كانت على
اجلوبة -صيف 1433هـ 99
كان محمد العباس قد استثمر نقديا تجربة قصيدة النثر تحت عنوان «قصيدتنا النثرية» بهذه الصيغة التي تنفي أهم مقوالت ق�ص�ي��دة ال �ن �ث��ر؛ وت�ب�ط��ل سحر الكتاب؛ بهذه الصيغة الجمعية ف��ي وص��ف ه��ذه التجربة التي كانت احتفاء بالفردية ونهوضا بمعناها ،وإن ك��ان محمدا قد أب��دى شيئا م��ن المراجعة لما انتهى إليه في هذا الكتاب في حواراته التالية ،وكأنه اكتشف «البيضونية» قريبا ،وهو يشير إلى بعض مشاكل قصيدة النثر لدينا ،م��ا ع��دا ذل ��ك ..فالنقد لدينا وصفات طبية سريعة.
ال �م �س �ت��وى ال �ف �ن��ي تنهض بالذهاب باللغة إلى أقصى الشعر خارج الزمن شغافها؛ وتحتج لوجدانها النقدي .. ،فالنقد تؤسس فيه لمفاهيم أخرى كالوصفات الطبية ل �ل �ش �ع��ري��ة ،ت� �ت� �ج ��اوز تلك السريعة التقاليد التي تقوم عليها القارئ غير موجود الكتابة الشعرية .أما مكان لحظة الكتابة ولن أقول هذه القصيدة من الحياة.. من القارئ ..من المنابر ..إنه ال يشغلني ذلك الحيز فهو ما ينطبق على الفنون الذي أريد أن اقتطعه من كلها؛ فالشعر بشكل خاص تفكيره واهتمامه آخ� � ��ذ ب� ��ال � �ت� ��راج� ��ع ،ليس مواقع على النت أصبحت ألم ��ر يتعلق ب��ال�ش�ع��ر ..بل تنتج مفاهيم جديدة ل�ل�ت�ح��والت ال �ت��ي أصبحت للكتابة والتلقي تحكم إنتاج الثقافة والفن بشكل ع ��ام؛ ف�ه�ن��اك حياة متغيرة ومتسارعة ..أصبح < سبق وأن أصدرت مجموعتين شعريتين «نقف فيها الشعر يشكل حيزا ضيقا من اهتمام ملطخين بصحراء» ،و«على طريقة لوركا»، ال �ق��ارئ؛ لتطور لغة ال�ح�ي��اة ،التي أصبحت كيف وجدت قارئ هاتين المجموعتين؟ تتجاوز اللفظي إل��ى البصري؛ ال��ذي يشكل الخطاب األق��وى أو األكثر استجابة لحداثة > ربما كان السؤال هو كيف وجد القارئ هذين العملين؟ وهذا ما يمكن أن يقوله القارئ ..لكن إنسان هذا العصر. من هو القارئ؟! نحن مجتمع األمية المتحوّلة، < وم��اذا عن حضور قصيدة النثر في المشهد أمية تقرأ وتكتب ،األمية ليست فقط أمية النقدي السعودي؟ أدوات ،األمية هي أمية «التفكير» ،نحن بهذا المعنى عوام ،و«العامية» تحكم حياتنا ،إنها > لو أنك قمت بإحصاء ما كتب عن عناوين من طريقة تفكيرنا وأس�ل��وب معيشتنا ،الكتاب وزن «بنات الرياض» التي أراد أن يجعل منها ليس جزءا أصيال من حياتنا ،والفن كذلك.. النقد حالة ثقافية؛ لفاق ما كتبه كل النقاد مجتمعنا مجتمع «ما قبل الكتاب» ،ليس لدينا ع��ن تجربة روائ�ي��ة حقيقية وضخمة تدعى تلك التقاليد العريقة في تعظيم الفكر والفن «رج ��اء ع��ال��م» ،ه��ذه ه��ي ال�ح��ال��ة «النقدية» والكتابة ،وال نملك من المؤسسات الثقافية التي ال تكاد تتذكر منيف؛ وربما لو وضعت التي تصنع الثقافة ما نملكه من استثمارات على غالف كتاب «ال تحزن» اسم أهم ناقد في مجاالت مشابهة ك��اإلع�لام ،أتذكر حين لدينا ،لصدقت انه هو من كتبه؛ هذه الحالة كنت صغيرا كيف كان تقييم المجتمع «للشعر النقدية التي التفتت بكلها «لخطاب البنات»، الشعبي» ،ولك أن تتأمل اآلن كيف جعل منه ولن أقول «خطاب األنوثة» ألنك تعي الفرق. مزاجا عاما ،ووجداناً عاما من خالل عدد أم��ا الشعر فهو خ��ارج الزمن النقدي ..وإن 100اجلوبة -صيف 1433هـ
< «ق��ص��ي��دة النثر ترتبط بالذائقة األجنبية والتراث األجنبي ،وليست نابعة من التراث العربي» ،هذه العبارة تحمل تصور بعضنا. فماذا يقول حمد الفقيه؟
الحاضنة للتجارب الشعرية الشبابية ،وكأنها تلزمهم بالحضور كبوابة لدخول عالم الشعر الموثق ،هل تجد ه��ذا االنتشار لمثل هذه المواقع ،ظاهرة صحية للشعر؟
> في شعرنا العربي القديم تصنيف لــ«طبقة» م ��ن ال��ش��ع��راء ت��دع��ى «ال � �م� ��ول� ��دون» ،وهي تسمية لها داللتها غير الثقافية .أتذكر هذا المصطلح ألق��ول ل��ك إن مثل ه��ذه األفكار لها ت��اري�خ�ه��ا ..م��ا نعرفه جميعا أن هناك ن�ث��را عربيا ل��م ي�ب��دأ بالنص ال �ق��رآن��ي ،ولم ينته باالشتغال بالصوفية ...كل ذلك أسس لنظرية في النثر العربي ،واللغة العربية هي اللغة المعمورة بأصوات اإلنسانية ،من يطلق مثل هذه الصافرات يتجاهل تاريخ األفكار
> هذه الحياة االفتراضية أصبحت واقعا بديال أمام تحديات الحرية ،بديال للواقع الورقي ال��ذي أصبح ينحسر أم��ام ه��ذه الصفحات الهائلة المفتوحة ،هنا الجماهيرية ليست م��دف��وع��ة ب �ش��يء س��وى ال�ت��زام�ه��ا الجمالي، هذه المواقع التي تذهب بحرية التعبير إلى أقصاها تطرح الكثير من التساؤالت حول مستقبل الثقافة الورقية ومكان السلطة من الثقافة .هذه المواقع أصبحت تنتج مفاهيم جديدة للكتابة والتلقي وأدوار المبدع والقارئ
م������������������واج������������������ه������������������ات
واللغات والحضارات والفنون.. م� ��ن ال � �م � �ج �ل�ات ،وبعضا القديم العربي شعرنا في وأن��ه��ا ل��م ت �ك��ن ي��وم��ا إال هذا م���ن «ال� �م� �ط ��رب� �ي ��ن» ،حتى الهواء الذي نتنفسه بالتساوي أص�ب��ح «ف�ص�ح��ى» تفكيرنا تصنيف لــ«طبقة» مع غيره ..فال ينفذ وال يفسد؛ ووج��دان�ن��ا .نحن نكتب في من الشعراء تدعى وال ي �م �ك��ن أن ي��ت��وق��ف عند هذه الظروف غير الخالقة؛ «المولدون» وهي تسمية وإن كنت انتظر استجابة لها داللتها غير الثقافية! ت�ل��ك ال �ن��ذر المشئومة لتاريخ تحكمه العقائد المغلقة ..من ال �ق��ارئ ..فلن أكتب شيئا، غيابي تسمي قد نحت ه��ذه الكلمة يستحق أن ألنني أعرف أن القارئ غير أنه ادعي وقد احتجاجا، يعمل في دوائ��ر الهجرة ال في موجود لحظة الكتابة ،ولن بتكويني تتعلق مسألة م �ج��ال األدب وال �ث �ق��اف��ة التي أق ��ول إن��ه ال يشغلني ذلك الخاص «أع �ن��ي أج �ن �ب��ي» ،أت��ذك��ر رأيا الحيز الذي أريد أن أقتطعه رائ� �ع ��ا ل �س��رك��ون ب��ول��ص حول من تفكيره واهتمامه؛ لكنا ت�ج��رب��ة ال�س�ي��اب ال�ت��ي أسست لسنا في وضع مثالي يمكن للشعرية العربية الحديثة ،وكيف استطاع أن نحكم م��ن خ�لال��ه على أي ن��ص ،برصد بثقافته الواسعة بالشعر االنجليزي أن ينهض استجابة ال�ق��ارئ ،بالنسبة للقارئ يهمه أن بالشعرية العربية مثلما غيره من الشعراء تقول ما يفهمه وما يعنيه وما يمس حياته، الكبار في كل اللغات ،وكيف استطاعوا أن وه��ذا هو المفهوم االستهالكي ال��ذي يعمل يقدحوا حجر اإلنساني والكوني في اللحظات عليه اإلع�ل�ام وال �س��وق ،أم��ا مفهوم التلقي المعتمة ،فذلك األجنبي ليس إال أن��ت وأنا فهو مفهوم يخص «الجماليات» من الفنون بفارق اللغة.. إلى الروحانيات إلى الشعر ..والقارئ بهذه الصيغة ليس موجودا... < انتشرت على النت مواقع شعرية ،تدعي أنها
اجلوبة -صيف 1433هـ 101
وتناوباتها.
وغ� �س ��ان ال �خ �ن �ي��زي ومنصور الجهني وغيرهم .كانت كتابة قصيدة النثر بكل تساؤالتها األولى ،وكان صدور هذه الكتب الشعرية قد فاجأ الكثير ممن كانوا ال يزالون يفكرون بذهنية الثمانينيات ومعطياتها ،لنرى فيما بعد كيف أن هذه األصوات التي لم تكتب تحت بيان شعري تؤسس لحالة شعرية جديدة، وبرغم كل التجاهل الذي رافق صدور تلك التجربة محليا ،إال أنها عرفت بنفسها على المستوى العربي، هنا كان الشعر محتميا ال بإيقاعه الجماعي، بل بفردية كل تجربة تتلمس مكونتها الصغيرة وأشياءها ومحيطها الخاص بأصوات توشوش الهواء لتمر أبعد...
ال� �ك� �ت ��اب ال� � ��ذي ك � ��ان في ت� �ن ��اول أق �ل �ي��ة م ��ن الناس أص � �ب� ��ح م� �ت ��اح ��ا وبشكل سخي على ه��ذه المواقع، ول��ن تحتاج لتحصيله أكثر من لحظات .جزء من هذا ال �ع��ال��م االف��ت��راض��ي اهتم ب�ن�ش��ر اإلب � ��داع ،وأصبحت م �ن �ب��را ج ��دي ��دا ومحايدا، وه � ��ي ت �ن �ه��ض ب� � ��دور مهم أعطى فرصة كبيرة لقراءة ما ينتجه المبدعون ،وبخاصة تلك التجارب الجديدة التي يتضاءل حظها في الصحافة ال��ورق�ي��ة ،هنا ل��م تعد األس�م��اء تحمل داللة كبيرة؛ فالجميع وبالتساوي يقفون على خط واحد من الكتابة وفرص الوجود ،لتبقى القيمة مفهوما زمنيا ال أكثر ..وإن كنا سنبقى آسفين < ف��ي األع���وام األخ��ي��رة أقيمت ع��دة ملتقيات وأنشطة خاصة بقصيدة النثر في عدة مدن على ذلك الزمن الورقي ورائحة األحبار. عربية ،ه��ل ه��ذا يعني تصدر قصيدة النثر < م��ا ال���ذي يميز شعر وش��ع��راء الجيل الذي للمشهد الشعري وتقدمها على العامودية تنتمي أن���ت إل��ي��ه ،وه���ل ل��ك أن ت��ق��رأ علينا والتفعيلة؟ أسطرا عن تلك المرحلة؟ > قلت في السابق إن قصيدة النثر ال تطرح > قد تكون مجموعة إبراهيم الحسين «خرجت نفسها كبديل؛ ه��ذا م��ا أفهمه على األقل، م��ن األرض ال�ض�ي�ق��ة» ه��ي ال �خ��ط الوهمي وإن ك��ان��ت قصيدة النثر وك��ل م��ا تفترضه؛ لفارق شعري .كانت قبله قد كُتبت قصيدة ه��و استجابة اللغة لكل متطلبات الشعرية النثر على هامش التجربة الشعرية الغنائية بمكوناتها الداخلية التي تؤسس وجدان هذه التي اختطفت لحظة ال�ح��داث��ة ،فما كتبته اللغة ،أما عن تجاوراتها مع القصيدة الغنائية فوزية أبو خالد ومحمد عبيد وربما محمد سواء في شكلها التقليدي أو التفعيلي فهذا الدميني تاليا ،كان على هامش ذلك الحراك ما يمكّنها من رؤية نفسها داخل ذلك النسيج الشعري ،ومع صدور مجموعة خشب يتمسح العام للكتابة الشعرية ،ووجودها بزخم يفوق بالمارة ،وفأس على الرف ،وكرة صوف لفت حضور غيرها من فنون الكتابة الشعرية ،فال على عجل ..وغيرها ،كانت هناك أسماء تمتد يثبت شيئا مهما ،ألننا في النهاية سوف نكون ب��ام�ت��داد الغياب م��ن إب��راه�ي��م الحسين إلى حيث يكون الشعر ،وقد كانت هذه القصيدة أحمد المال إلى على العمري وأحمد كتوعه 102اجلوبة -صيف 1433هـ
> قد تسمي هذا الغياب؛ احتجاجا؛ وقد أدعي أن ��ه؛ مسألة تتعلق بتكويني ال �خ��اص؛ وقد يكون األمرين معا؛ من لديه الوقت لتبديد نفسه وراء متطلبات ه��ي أشبه بالواجبات االجتماعية؛ التي ال تصنع الكثير للمبدع؛ من يحتمل أن يكون نهبا لتلك المناسبات التي لن تضيف شيئا مهما للمبدع؛ بقدر ما تجعله محاطا بأصوات تقطع عليه إصغاءه لذاته دون�م��ا تفسير أو تشخيص م��ن أح��د؛ ربما يكون وق��ود اإلب ��داع ه��ي الساعات الطويلة من التأمل ،تأمل الذات وفحص كل تاريخها؛ تأمل األفكار؛ تأمل الزمن؛ ت ��أم ��ل ال� ��واق� ��ع ب �ع �ي��دا عن إي� �ح���اءات اآلخ���ري���ن؛ هذا ال��زم��ن ال� ��ذي ي �م��ر سريعا ه��و لحظات بطيئة ..فيها ال �ك �ث �ي��ر م��م��ا ال ن� � ��راه إال ب��ال��وق��وف ال �ط��وي��ل أمامه؛ ه��ذه األف �ك��ار ال�ت��ي نتوصل إليها أو تتوصل إلينا ،هي أفكار آخرين قد يشبهوننا كثيرا؛ لكن لحظاتهم ليست
م������������������واج������������������ه������������������ات
حاضرة دائما من لحظة كتابتها األولى؛ فكم عدد شعراء هذه القصيدة في الستينيات؟ ومع ذلك كانت حاضرة في وج��دان الشعر؛ بحكم التطور الزمني للمفاهيم الشعرية؛ سيكون لقصيدة النثر أف��ق الشعر؛ إذا ما استطاعت أن تستجيب للحظتها ولسؤال الفن؛ وبخاصة ونحن نقف على مهب هذه ال �ت �ح��والت ال�ك�ب��رى ال�ت��ي تعصف بالكون.. وتعيد تشكيله من جديد. < < غاب الشاعر حمد الفقيه عن المنابر األدبية المختلفة أعواما ،ما سر هذا الغياب أم هو لتسجيل موقف ما؟ >
هي لحظاتنا؛ في وقت ما ،لدينا ما نحرفه على ه��ذه األف �ك��ار لتكون بمقاس وجودنا؛ من لديه كل ذلك؛ ولدية أسرة يسعى عليها؛ ال أظ��ن أن لديه الكثير من الوقت ليمضيه بسماع القصص المعادة على المقاهي؛ أو تسليم نفسه لوصفات اآلخرين حول معنى حياته ..إذا لم يصل صوتي إليَّ معزوال عن أي غطاء اجتماعي ،فلن يكون هو صوتي. في جلسة حميمة بيني وبينك .. ،استخلصت من تعليق لك تتحفظ على حضور الشاعر في فضاءات كتابية أخرى ،لماذا؟ ل��دى ك��ل مبدع مشروعه ال��ذي يعكف عليه طويال ،وقد ال يمتلك من المعرفة والبحث حوله ما يسعفه به العمر ،والكتابة الشعرية درس دائ��م ،فمن استطاع أن يبلغ به جهده ومثابرته على الكتابة وال�ب�ح��ث ،م��ا يجعله ي�س�ت��رخ��ي ليفكر ب�ج�ن��س آخ ��ر م��ن الكتابة اإلبداعية ،تكون فيه أدواته المعرفية ودربته أقل مما يمتلكه غيره ،ممن يمتلك «محترفا روائيا» ،على سبيل المثال هنا ..ما هو حظ من يحاول فعل ذلك من النجاح ،إن لم تكن ناجحا في ش��يء ..فلن تكون ناجحا في كل شيء.. هناك من الشعراء الكبار من حاول أن يكتب رواي ��ة ،ووظ��ف سيرته الذاتيه لذلك ..هو نوع من التشكك في قيمة تجربته الشعرية ومدى تمثيلها وتعبيرها عن الشاعر، ع�ن��دم��ا ن�ك�ت��ب ق�ص�ي��دة فنحن نعلق أرواحنا بكل تاريخها؛ فإن لم نتحقق بما نتملكه من أدوات الكتابة من فعل ذلك ،فالمشكلة هنا ليست في جنس الخطاب األدب��ي ال أن يكون األمر بذخا وتعرضا لنفحات سوق الكتابة.
اجلوبة -صيف 1433هـ 103
معالي الدكتور
فهاد بن معتاد احلمد > احملرر الثقافي
يُعدُّ الدكتور فهاد بن معتاد الحمد الضويحي الخالدي أح��د أب��رز خبراء اإلدارة الحكومية ،حيث مارسها عم ًال إداري ًا من خالل الوظائف التي تقلدها ،كما مارسها فكر ًا وحيا ًة أكاديميةً عبر تدريسها والكتابة والتأليف حولها. وإذا كان الدكتور فهاد بن معتاد الحمد الضويحي الخالدي المولود في مدينة سكاكا الجوف عام 1379ه��ـ ،قد شغل وظائف قيادية وأكاديمية ودولية متعددة ،فهو اليوميشغل وظيفة مرموقة في مجلس الشورى السعودي ،إذ يقدم الكثير لوطنه من خالل بسن كثيرٍ من القوانين والنظم التي تزيد من وتيرة اإلصالح، هذا المجلس الذي يقوم ِ ّ وتحقق تطلعات القيادة والشعب في الشفافية ومحاربة الفساد ..وهو ما دأب عليه دوما ومنذ اختياره عضوا في مجلس الشورى ،إذ كانت المطالبة بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أحد أولوياته. يقول الدكتور الحمد في محاضرة أقيمت في ال�ن��ادي األدب��ي بمدينة سكاكا في مايو 2009م« :ي��درك المراقب المتابع ألحوال اإلدارة الحكومية أن��ه تسود حالة من عدم الرضا بين المواطنين عموماً عن مستوى وج� ��ودة ال �خ��دم��ات ال �ت��ي ت�ق��دم�ه��ا األجهزة الحكومية .ويمكننا القول إن تدني مستوى 104اجلوبة -صيف 1433هـ
األداء ال �ح �ك��وم��ي ،وت��دن��ي م �س �ت��وى كفاءة التشغيل ،وزيادة تكلفة الخدمات العامة هي أمور يمكن ألي مراقب مالحظتها ورصدها، كما يمكننا ال�ق��ول أي�ض�اً أن ذل��ك يعود في جانب منه إل��ى ضعف الرقابة على األداء، ِ وان�خ�ف��اض مستوى الشفافية والمساءلة، مقارنة بالمعايير العالمية المتعارف عليها».
تركز الرقابة اإلداري ��ة على المخرجات النهائية وتركز على التفكير اإلستراتيجي ال��ذي ينصرف ل�لأج �ه��زة ال�ح�ك��وم�ي��ة م��ن س�ل��ع وخ��دم��ات ،ومدى نحو المستقبل القتحام مجاالت وفرصا جديدة،
تحقيقها لألهداف المنشودة ،ومستوى جودتها،
نحتاج إلى قيادات ال تكون مسئولة فقط عن توقع
أن تتجه الرقابة ص��وب األداء المؤسسي «وليس
تعمل على جعل ذل��ك المستقبل يتحقق بالشكل
ومدى رضا المستفيدين عنها .الحاجة ملحة إلى المستقبل والتعامل مع معطياته ومقتضياته ،وإنما ال �ف��ردي» لألجهزة الحكومية ..ب�ه��دف تشخيص واق��ع هذا األداء وأوج��ه القصور فيه ،وص��والً إلى رفع مستوى هذا األداء وتحسينه ،من خالل زيادة كفاءة التشغيل ..وخفض تكلفة الخدمات ..وتحقيق
الفاعلية ،م��ن خ�لال تحقيق رغ�ب��ات واحتياجات
المواطنين».
ويؤكد« :إن الرقابة على األداء ال يمكن أن تتأتى
إال من خالل إيجاد نظام لقياس األداء يتكون من
معايير ومعدالت ومؤشرات موضوعية يمكن وفقاً
له تشخيص واق��ع األداء في األج�ه��زة الحكومية، وت�ح��دي��د المشكالت وال�م�ع��وق��ات ال�ت��ي يواجهها،
لتكون أساساً لتحسين مستويات األداء».
ويقول« :ب��أن آف��اق التطوير ل�لإدارة الحكومية
واس �ع��ة وم�ت��اح��ة ،لكنها تحتاج إل��ى ق��ادة يملكون البصيرة إلدراك �ه��ا والشجاعة القتناصها .ولذا، فنحن نحتاج في المملكة إلى إيجاد قواعد وآليات
للحراك الوظيفي في المواقع القيادية في أجهزة
ال��دول��ة ،تضمن اس�ت�م��رار ض��خ دم ��اء ج��دي��دة في
المرغوب وبالتكلفة المناسبة».
المؤهالت العلمي ــة •ال��دك �ت��وراه :ف��ي الفلسفة ،ج��ام�ع��ة والية نيويورك الحكومية 1988م.
•المــاجستير :في اإلدارة العامة 1984م،
ج��ام �ع��ة ن �ي��وه �ي �ف��ن ،ال���والي���ات المتحدة األمريكية.
•ال �ج �ـ��ام �ع �ـ �ي �ـ��ة :ب��ك��ال��وري��وس ف ��ي اإلدارة العامة1979م ،جامعة الملك عبدالعزيز، المملكة العربية السعودية.
الحياة العملية •م�س��اع��د رئ �ي��س مجلس ال �ش��ورى بتاريخ 1433/1/18هـ.
•ع� �ض ��و م �ج �ل��س ال� � �ش � ��ورى اب� � �ت � ��دا ًء من 1426/3/3هـ.
•ن��ائ��ب م��دي��ر ع ��ام م�ع�ه��د اإلدارة العامة
مواقع القرار في ال��وزارات والهيئات والمؤسسات
للبحوث والمعلومات 1417/7/21ه� � �ـ -
تنمو وتتطور باستمرار ،ويضمن أن يتولى المواقع
•ن ��ائ ��ب رئ� �ي ��س ال �م �ع �ه��د ال���دول���ي للعلوم
العامة ،بما يحقق ديناميكيتها بوصفها كائنات حية
1426/3/2هـ.
القيادية وعلى اختالف مستوياتها الكفاءات الوطنية
اإلداري��ة عن منطقة الشرق األوس��ط من
ويضيف« :إننا نحتاج إل��ى ق�ي��ادات إداري��ة في
•عضو مجلس إدارة االتحاد الدولي للمدارس
المتميزة ،وفي الوقت المناسب».
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
وي�ق��ول« :لقد أصبحت الحاجة ملحّ ة إل��ى أن األج �ه��زة الحكومية تملك ال�ح��س اإلستراتيجي،
1419/5/18هـ حتى اآلن.
اجلوبة -صيف 1433هـ 105
وم�ع��اه��د اإلدارة م��ن 1413/1/18ه� � � �ـ - 1416/2/13هـ.
•رئ �ي��س الجمعية ال �س �ع��ودي��ة ل�ل��إدارة من 1420/1/23هـ 1422/8/6 -هـ.
•عضو مجلس إدارة مركز األم�ي��ر سلمان االجتماعي من 1422/1/15هـ حتى اآلن.
•المشرف العام على تحرير (دورية اإلدارة العامة) التي يصدرها معهد اإلدارة العامة
من 1416/7/2هـ 1426/3/2 -هـ.
•المشرف العام على مجلة (رسالة معهد اإلدارة) التي يصدرها معهد اإلدارة العامة
من 1417/10/17هـ 1426/3/2 -هـ.
المركزية 1993م. •سلمان ب��ن عبدالعزيز أن �م��وذج �اً للقائد التحويلي 1425هـ.
•اإلدارة المحلية وتطورها خ�لال عشرين عاماً من عهد خ��ادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1422هـ. •خدمات المستشفيات 1991م. وعد ٌد آخر من البحوث وأوراق العمل.
مجلس الشورى ودوره في المجالين التشريعي والرقابي يقول فيه إن المملكة العربية السعودية عرفت
•عضو هيئة تحرير (المجلة الدولية للعلوم الشورى ومارستها بصورة أو بأخرى منذ المراحل اإلداري��ة) التي تصدر عن المعهد الدولي األولى لتكوينها .فما أن قيض الله سبحانه للملك للعلوم اإلدارية من 1419هـ -حتى اآلن.
المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود
•عضو الهيئة االستشارية بمجلة (البحوث (رحمه الله) منطقة الحجاز ودخل مكة المكرمة، األم� �ن� �ي ��ة) ال��ت��ي ت �ص��دره��ا ك �ل �ي��ة الملك حتى تعاقبت محاوالت تشكيل مجالس للشورى، ف �ه��د األم� �ن� �ي ��ة م ��ن 1421/2/17ه � � � � � �ـ -وذل� ��ك ف��ي إط� ��ار ال �س �ع��ي ن �ح��و ت �ح��دي��د مفهوم الشورى ودوره في البناء المؤسسي للدولة اآلخذة 1426/2/21هـ.
•رئ��ي��س ال �ل �ج �ن��ة ال �س �ي��اس �ي��ة والعالقات البرلمانية في االتحاد البرلماني العربي
1430هـ 2009 -م.
المؤلفات والبحوث
بالتشكل .فخالل الفترة م��ن1347-1343ه �ـ تم
تشكيل أربعة مجالس اب�ت��دا ًء بالمجلس األهلي عام 1343هـ..
ومع صدور نظام مجلس الشورى الحالي عام
1412ه �ـ أصبح مجلس الشورى أح��د المكونات
• -مجلس ال �ش��ورى ودوره ف��ي المجالين األساسية في الكيان المؤسسي للمملكة ،ومشاركا التشريعي والرقابي2011م. رئيسا في صنع القرارات المتعلقة بالسياسات
•أس��ال �ي��ب ال�ت��أث�ي��ر ال�م�س�ت�خ��دم��ة م��ن قبل العامة للدولة .وتتجلى مشاركة المجلس في وضع ال �م��دي��ري��ن ف��ي األج� �ه ��زة ال�ح�ك��وم�ي��ة في السياسة العامة للدولة من خالل قيامه بوظيفتين المملكة 1995م.
رئيستين هما :وظيفة التشريع وس��ن األنظمة،
•مسح البيئة الخارجية لألجهزة الحكومية ووظيفة الرقابة على األداء الحكومي. 106اجلوبة -صيف 1433هـ
وقد حاول المؤلف من خالل ت � �ن� ��اول ف��ي��ه م��س��ح البيئة ه� ��ذه ال� ��دراس� ��ة ال �ت �ع��رف على الخارجية لألجهزة الحكومية نشاط المسح البيئي في األجهزة ال�م��رك��زي��ة ،حيث يمثل المسح الحكومية المركزية في المملكة، البيئي الخطوة األس��اس األولى ال�ع��رب�ي��ة ال �س �ع��ودي��ة ،وذل ��ك من في سلسلة متصلة من األفكار خالل التعرف على حجم الوقت، واألفعال التي ت��ؤدي إلى تكيف وم� ��دى االه��ت��م��ام ال� ��ذي يوليه المنظمة مع بيئتها الخارجية، مسئولو اإلدارة العليا والوسطى وفقا لما تمثله ه��ذه البيئة من ف��رص أو تهديدات .وغالبا ما يكون التغيير في في هذه األجهزة ،للحصول على المعلومات التي اإلستراتيجيات ،والسياسات المتعلقة بتحديد يستخدمونها ،والعوامل التي تؤثر في مدى هذا األه��داف ،والبناء التنظيمي ،هو نتيجة للتغيرات االستخدام. في البيئة الخارجية. وتركز الدراسة على المعلومات الخارجية التي
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
مسح البيئة الخارجية لألجهزة الحكومية المركزية
يرتبط بشكل مباشر بالتخطيط االس � �ت� ��رات � �ي � �ج� ��ي ،وب � � � � ��اإلدارة اإلستراتيجية عموما.
ويمكن من خالل المسح البيئي تحقيق األهداف تستخدم كمدخالت لعملية تشكيل اإلستراتيجيات ووضع السياسات العامة ،إذ إن التغيرات البيئية اآلتية: الخارجية غالبا ما تؤثر بشكل قوي ومباشر على •اكتشاف المؤشرات البيئية وتحليلها. وظائف مسئولي اإلدارة العليا ومهامها ،وبصورة •تقدير مواقف البيئة الخارجية وعناصرها أقل على وظائف ومهام مسئولي اإلدارة الوسطى؛ ومصالحها ذات العالقة بأهداف المنظمة وع�ل�ي��ه ف�ق��د ت��م ال�ت��رك�ي��ز ع�ل��ى ج�م��ع المعلومات وأنشطتها. المتعلقة بالدراسة من المسئولين •الحصول على معلومات اإلداريين في المستويين األعلى ع��ن ردود فعل عناصر واألوس� ��ط (وك �ي��ل وزارة أو من البيئة ال�خ��ارج�ي��ة على في مستواه؛ وكيل وزارة مساعد التصرفات التي بادرت أو من في مستواه؛ مدير عام) المنظمة بالقيام بها. في األجهزة الحكومية بوصفهم مسئولين عن التعامل مع البيئة وتبرز أهمية المسح البيئي الخارجية ألجهزتهم. م��ن خ�ل�ال ال� ��دور ال� ��ذي يلعبه ف��ي نظام التخطيط ككل ،فهو
اجلوبة -صيف 1433هـ 107
أمكنة الوجدان عبدالعزيز خوجة
وجماليات املكان الشعري > عبدالله السمطي*
تصدير: أفراس أوردتي ُ ّتت وتفل ْ تجوب مراب َع الدنيا ُ تفتش عن مكانْ ُ لكنه ..ع ّز المكانْ (عبدالعزيز خوجة) حين يتجلى المكان شعري ًا حيال المخيلة الشعرية؛ فإنه يتجلى بمشاهده الكلية أوال .ثم تتفتق جزئياته وتفاصيله عبر الحواس؛ وقدرة الشاعر الكبير ،تتمثل في أنه يمنح تلك الجزئيات والتفاصيل القدرة على الفعل الداللي المتميز عبر الصورة ،وعبر نقل هذه المشاهد العابرة ،التي تجلّت بتلقائيتها ،أو بطزاجتها في وهالتها األولى. إن المكان ل��دى الشاعر ليس مجرد المكان في حد ذاته قصيدة كبرى ،يتسنى
بقعة عابرة ،يتنقل فيها من هنا إلى هناك ..للشاعر أن يقتطف منها مشاهده ،ويضيء لكنه يشكل مثيرا جماليا بناسه ،ومناظره ،عبرها تجاربه. بزحامه ،وفضائه ،بأرضه وسمائه ،بطقسه،
ب �ع �ب��ق ت��اري �خ��ه وت���راث���ه ،ب �ح �ض��وره اآلني
وال �م��اض��وي .ف��ي ك��ل ه��ذه ال��ح��االت؛ فإن 108اجلوبة -صيف 1433هـ
شعرية التأمل لقد تحدث باشالر كثيرا عن جماليات
باشالر حاول أن يصوغ رؤاه عن المكان بالتأمل في المكان الشعري عبر أبرز تجلياته :الصورة. ويصوغ ذلك بقوله:
«إن ال�ش�ع��ر ال يمنحنا ال�ح�ن�ي��ن إل��ى مرحلة الشباب – وهو حنين مبتذل -بقدر ما يمنحنا الحنين إلى تعبير مرحلة الشباب عن ذاتها .إن الشعر يقدم لنا صورا كان علينا أن نتخيلها خالل «الدافع األصلي» للشباب .إن الصورة البدائية، هي حفر بسيط على الخشب .تدعونا إلى التخيل م��رة أخ��رى .إنها تعيد إلينا مناطق من الوجود، بيوتًا يتمركز فيها يقي ُن الوجود اإلنساني ،ويتكون، لدينا خ�لال ه��ذا ،انطباع بأننا حين نعيش في صور كهذه ،في صور باعثة على الطمأنينة كهذه، فإننا نصبح قادرين على بدء حياة جديدة ،حياة هي ملكنا ،تنتمي إلينا في أعمق أعماقنا» باشالر رحلة البدء والمنتهى جماليات المكان -ص.57 الشاعر عبدالعزيز خوجة يبوح بأمكنته شعرياً، ومن هنا .في الشعر ال يقبّل الشاعر ذا الجدار وهي أمكنة معشوقة لجماليتها وداللتها وأبعادها وذا الجدار -بحسب مجنون ليلى -فحسب ،بل الجغرافية والتاريخية ،بيد أن جمالها الشعري هو الشاعر يتأمل ويتشوّف ويعيد هدم المكان جماليا ما يقصد إليه ،وما يصب فيه تجربته الرائية. وإعادة ترتيبه وتجميله وتنسيقه .المكان بحالته الجمالية المتخيلة .الشاعر يصبح بناء ومهندسا ورائيا عبر المكان. ال تحده الجغرافيا وال الهندسة وال ال � �ط� ��رز ..إن� ��ه يستعيرها ويؤسسها بشكل جديد كي يعمق وعيه الشعري ،ويعمق تجربته المخايلة. ال ينظر الشاعر إلى المكان على اعتبار أن��ه مجرد بنايات ف� �ح� �س ��ب ،أو م� �ج ��رد مناظر
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
المكان ،وكانت أمثلته األثيرة من عالم الشعر.
طبيعية ،الشاعر ينظر إلى المكان على اعتبار أنه فضاء مخايل ،قد يشكله مطلق الوعي الشعري الذي ينعكس في الكلمات .إن كتابة الشاعر عن المكان كتابة متخيلة في جوهرها ،وبالتالي حين يشير ال�ش��اع��ر إل��ى م�ك��ان م��ا إن�م��ا يصنع مكانا متخيال ،ليس هو المكان الموصوف بالضرورة، على الرغم مما يبدو على سطح النص الشعري م��ن ذك ��ر ألس �م��اء األم��اك��ن وال� �ش ��وارع والمدن. الشاعر ال يصف وهو يصف ،إنما يتأمل ويرى. ك��ل م�ك��ان م��وص��وف شعريا ه��و م�ك��ان انتقل من حالته الجغرافية والتاريخية والزمنية إلى حالة جمالية .وحين ينتقل المكان إل��ى حالة جمالية الحس ّ ف��إن��ه يخاطب ال��وع��ي ال �ق��ارئ ،ويخاطب اإلنساني ،ومن دون هذا الخطاب ال يتسنى لنا اإلحساس بجمالية المكان.
وب �ح �س��ب ال �ق �ص��ائ��د ال �ت��ي يتضمنها ديوانه الشعري« :رحلة البدء والمنتهى» فقد وهبنا الشاعر عبدالعزيز خ��وج��ة ج �م �ل��ة م ��ن التجليات المكانية ال�ت��ي انتقل فيها من مكان آلخ��ر ،ومن بقعة جمالية إلى بقعة جمالية أخرى. لقد أط�ل��ق خ��وج��ة لمخيلته ف��ض��اءات م �ت �ع��ددة ل�ك��ي تبوح، وأم �ك �ن��ة ت �ج��ري ف ��ي سياقات ح �ض��اري��ة وث �ق��اف �ي��ة مختلفة،
اجلوبة -صيف 1433هـ 109
فتأمل شعريا في القاهرة وبيروت والرباط وتركيا
وباريس وموسكو ،في جملة من القصائد منها:
ب��در مكناس ،وداع��ا يا مغرب ،تحية عاشق،
ويبقى الهوى حلما ،لقاء في باريس ،ليلة شتاء في
موسكو ،عذراء الرصافة ،قلب بيروت حجر ،لبنان عد أمال ،يقول عن باريس:
���اك ي���ا ب���اري���س ع��ش��اق��ا ع��ل��ى أم ٍ���ل ج���ئ���ن ِ ق��ل��ب��ان ف��اض��ا ب��ال��ه��وى ل���م ي��ع��رف��ا ملال ل��م��ا ارت��ح��ل��ن��ا ف���ي ف��ض��اء ال���ك���ون فرّقنا من القداسة المجازية للكلمات الكثير من الرؤى ِ بُ��عْ ��دُ المكان وإن��م��ا ال��وج��دانُ م��ا ارتحال والكثير من اإلضاءات. ����ت ال���ه���وى ال��ب��اق��ي أل�����وذُ ب���ه يظللني أن ِ وم��ن ه �ن��ا ،ك�ت��ب ق�ص�ي��دت��ه ال��رائ �ع��ة ع��ن مكة وي���ظ���لُّ ي��ح��م��ي��ن��ي إل����ى أن أب��ل��غ األج�ل�ا المكرمة بعنوان« :غربة» وفيها يقول:
ويستوحي تراثية المكان في قصيدته :عذراء أي������ن ،أي�����ن ال���م���ص���ي���رُ وال����ع����م����رُ ي����ذوي ال��رص��اف��ة ،حيث يستعيد ال�م�ك��ان م��ن الماضي وح����ن����ي����ن����ي ال������وح������ي������دُ ن����ح����و دي��������اري عبر المخيلة الشعرية ،ويعيد نسجه في اللحظة إي����������ه ي�������ا م�����ك�����ة ال�������ه�������دى ل����ل����ب����راي����ا الحاضرة ،ويتناص مع القصيدة الشهيرة :عيون �����������ك ال����م����ع����ط����ارِ وج�������������ذوري ف������ي روض ِ المها بين الرصافة والجسر ،فيقول: ����ب ك�����ل�����م�����ا زارن�����������������ي خ���������ي���������الٌ ح����ب����ي ٌ والشعرِ ّ أع���ي���دي ل��ن��ا ع���ه��� َد ال���ص���ب���اب���ةِ ����ب أوق��������� َد ن�����اري ���������داك ال����رح����ي ِ ِ م�����ن م والجسرِ ْ ك��ب��وْح ال��ه��وى ب��ي��ن ال���رُّ َص���اف���ةِ ����ق ك����ل����م����ا ن����������ادى ف������ي ال������م������ن������ارات ح ٌّ ���اظ حبيبتي ع��ي��ونُ ال��م��ه��ا ،ب��ل ق���لْ لِ ���ح ُ ض������جَّ وج�������دي واح���ت���ل���ن���ي اس���ت���ع���ب���اري الح ِّر ��ب ف��ي ال��خ��اف ِ��ق ُ ن���ث��� ْر َن س��ه��ا َم ال��ح ّ ������اف م�����ك����� َة فكري ����ت أط������ي ُ واس����ت����ط����اب ْ ف��م��ا ل����يَ ال أق����وى ع��ل��ى ل��ف��ح��ة الجوى ف������هْ ������ي داري وق����ب����ل����ت����ي وف������خ������اري الس ْحرِ ؟ وم���ا ل���يَ ال أق���وى ع��ل��ى س��ط��وةِ ّ ������ت ب�����������ال�����������رؤى ت�����ت�����وال�����ى وت������م������ل������ي ُ بيد أن المكان األثير ال��ذي راود جل كلماته ب������ع������ب������ي������رٍ ي����������ف����������وحُ ب�������ال�������ت�������ذك�������ارِ ورؤاه هو مكة المكرمة .فهو المكان المقدس الذي يشكل لديه رحلة البدء والمنتهى ،نقطة السفر ت����ل����ك أض��������������واءُ م����ك����ت����ي ف������ي ك���ي���ان���ي وع����������ن����������اق ال��������ع��������ش��������اق ل���ل���أس�������ت�������ارِ ونقطة الحنين ،ونقطة اإلياب ..مكة المكرمة هي الفضاء الباقي في الروح والحس والذاكرة .ومن وم���������ق���������امُ ال�����خ�����ل�����ي�����ل ه�����������لَّ س������ن������اءً هنا ،أولى الشاعر هذا المكان الذي صنع قدرا ��������وب ال������ب������ع������ادِ ف�������ي اس����ت����غ����ف����ارِ وق��������ل ُ
110اجلوبة -صيف 1433هـ
�����ف رح��������ب��������ةِ ال��������س����ل���امِ رف�����ي ٌ وع������ل������ى ْ ��������ك األب����������������رارِ �������وف ال��������م����ل���ائ ِ ل�������ط�������ي ِ
إن تنوّع األماكن أفضت إلى تنوع الرؤى ،وإلى التعبير عن تجارب السفر والحنين واالغتراب، وتجربة الحب أي�ض��ا ..ه��ذه التجربة التي تكلل دالليا جل األماكن التي كتب عنها الشاعر .فال بد أن الشاعر يعي أن الربط بين مكان محسوس وبين تجربة وجدانية معنوية س��وف ي��ؤدى عبر المخيلة .فالمكان ينبض بموقف أو بتجربة أو بلحظة إنسانية عابرة .الشاعر يسجل ويوثق هذه اللحظة ،يعيد خلقها وصنعها وابتكارها دالليا. المخيلة وال��ذاك��رة يلعبان ال��دور األكبر في هذا الصنيع اإلبداعي الذي يرتهن هنا آلليات الكتابة، ومتطلباتها الجمالية المتنوعة.
ك�������ل ش������ب������رٍ ي�������ا م����ك����ت����ي ف�����ي�����ه رس�������مٌ ������������ث ي����������م����������و ُر ك��������األن��������ه��������ارِ وح������������دي ٌ
ف ��ي ق �ص �ي��دة« :أوب � ��ة ال��ع��اش��ق» (ص )277 ومطلعها:
����ك ����������وف ح����وال����ي ِ ُ إي�������ه ي�����ا ك���ع���ب���ت���ي أط ب��������روح��������ي ،ص������� ّبً�������ا ب�����ع�����ي����� َد ال�������م�������زارِ ����اح����ا ف�����ك�����أن�����ي م�����ث�����ل ال������ح������م������ام ج����ن ً وه������دي������ل������ي ن���������������وْحٌ إل����������ى ال������غ������فّ ������ارِ ت�����ت�����س�����ام�����ى م������ش������اع������ري ث�������م ت���ف���ن���ى �������س�������تَّ�������ارِ �������د ال ّ ف�������ي ص������ل�����اةٍ ل�������ل�������واح ِ ف�����������������أرى ي�������م�������ن�������ةً ب�����������������������وارقَ ن����������ورٍ وح������������������������راءً مُ �������ع�������مّ �������مً �������ا ب������ال������غ������ارِ ِ
�������ب ط������ه خ����ذون����ي ي������ا رف������اق������ي ف������ي ح ِّ ������وب ف�������ي اإل ّذك���������������ارِ ف�����رب�����ي�����عُ ال������ق������ل ِ �����ب ������ب ي�����ح�����دوه رك ٌ ي�����ا رف�����اق�����ي :وال������رك ُ ل���������م���������زارٍ م��������ن رام���������������هُ ال يُ�������م�������اري اذك������������رون������������ي :إن����������ي أس��������ي��������رُ غ����������رامٍ ������������������ذرت األش����������ع����������ا َر ل����ل����مُ ����خ����ت����ارِ ُ ون ال أُداري ح�����ب�����ي ل�������ه واش����ت����ي����اق����ي ������ب يُ���������داري؟ ك���ي���ف م�����ن ق�����د ب���������را ُه ح ٌّ ي����ا رف�����اق�����ي :م������نْ ح������لَّ ف����ي روض طه ������������ش������������رو ُه ب������������ح������������وْزةِ األ ْوط��������������������ارِ ب ِّ وَعَ ���������������� َد ال��������ل��������هُ :ل���������نْ ُي��������������ر َّد ن�����زي�����لٌ �������ب إال ب�����ل�����ا أو م�������ن�������ي ٌ
أوزارِ
������ت روح��������ي رس������ولاً ي�����ا رف������اق������ي :أرس������ل ُ ������ت أخ������ب������اري ف�����ع�����س�����اه�����ا ق��������د ب������لَّ������غ ْ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
���������ت م����ل����ا َذ ال����ح����ي����ارى ه������ي روح���������ي أت ْ ت��������س��������ت��������ردُّ األم����������������������ا َن ب�����������األن�����������وارِ
جمالية الوجدان
����ك ������ت ف����������وق ض�������ف�������اف ن����ي����ل ِ وب������ح������ث ُ ع�������������ن ه�����������������وان�����������������ا ..ع�����������������نْ أث������������� ْر ������������راح������ل�����ات ُ ت�������ل�������ك ال���������س���������ن���������ونُ ال ��������������������������������داق ال��������ع��������م�������� ْر ِ وراء أح �������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا ُ ال�������������ه�������������ائ�������������م ����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر ال����������س����������اب����������ح ُ ��������������ات ب���������وج���������دن���������ا ُ ال��������������ع��������������اب��������������ث �������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر ُ ال�������������ع�������������ازف
*** ��������ت ي���������ا م������ص������ر ال������ه������دى ق���������د ج��������ئ ُ ك��������ح��������م��������ام��������ةٍ ف������������ي ال������م������غ������ت������دى وي�����������م�����������ام�����������ةٍ ه��������يْ��������م��������ى ت��������ل��������وحُ غ�����������م�����������ام�����������ةً خ����������ل����������ف ال����������م����������دى يمزج الشاعر بين ال�ه��وى ال��وج��دان��ي الذاتي
اجلوبة -صيف 1433هـ 111
وبين جمالية المكان .إنه يستل من الجغرافيا: النيل ،حي الحسين ،الدلتا ،لكنه يصطفى« :النيل» كدالة أساسية في القصيدة ،ألن النيل بجغرافياته الممتدة التي تمر بكل األرض المصرية ،وبما يمثله من ذاكرة وجدانية في الوعي الجمعي المصري، دالة مترعة بالدالالت ،وكثيفة التنوع والحضور، هي طاقة داللية ال تنفد على المستوى اإلبداعي، وح �ي��ن ي�ت�خ��ذ ال �ش��اع��ر م��ن ه ��ذه ال��دال��ة محورا الس�ت�ق�ص��اءات قصيدته التعبيرية ف��إن��ه يعانق االسترسال الشعري ،ويفتح أم��ام مخيلته مجاال خصبا للكتابة ،وبخاصة وأن ما يمثله النيل في أدبيات الحياة المصرية يعد بمثابة منجم تعبيري وسسيوثقافي قائم على مدى التاريخ.
بالضرورة بل التجربة هي الطلل ،ال يقف الشاعر هنا على أط�لال حسية ،ب��ل على أط�لال زمنية يبحث ع��ن «ت�ل��ك السنون ال��راح�لات» ويخاطب مصر في أزهى صورها. لماذا يخاطب الشاعر مصر؟ مع أن القصيدة تشي بوصفها لتجربة عاطفية؟ لماذا ترك الشاعر المحبوبة واتجه لخطاب المكان؟ هل ألن المكان هو الذي يحتضن التجربة؟ أم ألن الشاعر عاشق للمكان ،ولكل ما يزفه المكان من دالالت؟ إن الشاعر حين يكتب عن مكان ما ال يكتب عنه سدى ،إنما لوقوع حدث ما في هذا المكان أو ذاك يرتبط به الشاعر وجدانيا ،ف��إذا كانت التجربة العاطفية هي الحدث ,فإن الكتابة عن المكان تكون أعمق وأدل ،ألنها تستشرف مخيلة، وذك��رى ،ومواقف لقاء ،ومواقف وداع ،ومواقف حنين .وهنا يصبح المكان شاهدا ،لكنه شاهد صامت ينتظر حتى يستنطقه الشعراء.
لقد استهل الشاعر قصيدته أوال بذكر «النيل».. نحن نقرأ من السطر األول كلمة «النيل» ال كلمة الحبيبة مثال ،الشاعر انتقل مباشرة لهذا المنجم الداللي ،كأن هذا المنجم هو الذي احتضن تجربته الوجدانية ،هنا اإلشارة تعريفية بالمكان« :النيل» لقد خاطب الشاعر مصر ألنها احتوت تجربة ومن هذه اإلش��ارة التي تعد عتبة أولى للقصيدة سابقة ،إنه بهذه المخاطبة يستعيد المكان في تتداعى التجربة وتحكى التفاصيل: أفقه المتسع ،كأنه يريد أن ي��وزع تجربته على ����ك ������ت ف����������وق ض�������ف�������اف ن����ي����ل ِ وب������ح������ث ُ م�خ�ت�ل��ف م �ن��اط��ق ه ��ذا ال �م �ك��ان ،وع �ل��ى مختلف ع�������������ن ه�����������������وان�����������������ا ..ع�����������������نْ أث������������� ْر تفاصيله جزئية أم كلية ،صغيرة أم كبيرة. ������������راح������ل�����ات ُ ت�������ل�������ك ال���������س���������ن���������ونُ ال ��������������������������������داق ال��������ع��������م�������� ْر ِ وراء أح �������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا ُ ال�������������ه�������������ائ�������������م ����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر ال����������س����������اب����������ح ُ ��������������ات ب���������وج���������دن���������ا ُ ال��������������ع��������������اب��������������ث �������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر ُ ال�������������ع�������������ازف البحث هنا على ضفاف النيل عن الهوى الذي عبر ،الشاعر يستدعي تجربته .النيل ليس طلال 112اجلوبة -صيف 1433هـ
ت�ت�ك��رر – بشكل م�ب��اش��ر -كلمة «م �ص��ر» في القصيدة س��ت م��رات ،كما تتكرر كلمة «النيل» خمس م��رات ،فيما إن تكرارهما الداللي يهيمن على بنية القصيدة س��واء ف��ي ح��االت الخطاب واالل �ت �ف��ات وال �ت �ج��ري��د ،أو ف��ي ح ��االت التأطير ال��دالل��ي لتجربة ال�ح��ب ،بحيث إن ه��ذا التكرار يؤذن بالقول :إن الشاعر – عبر عشقه للمكان- وإلعادة تذكر تجربته العاطفية الوجدانية يتلمس الجمال بذكر مفردات المكان وتفاصيله؛ فاتخذ
فالنيل ع�ن��وان لمصر ،وم�ص��ر ع�ن��وان للنيل ،ال �م��رء ،ف��ي أم��اك��ن م��ا ه�ن��اك ف��ي الحلم تتسارع وحين تحدث تجربة وجدانية ف��ي ه��ذا المكان المشاهد ،وتتسارع الوجوه التي تشير إلى مكان تبقى هذه التجربة الذاتية مندرجة ومؤطرة وفق ما .وإذا كان الحلم – بمعنى ما -هو انعكاس لما القيم الجمالية لهذا المكان. يراه اإلنسان في صحوته ويقظته ..فإن حضور
تجربة مكتنزة
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أب��رز وأشهر ما فيه ،كلمة« :النيل» وأخ��ذ ينسج ال��روح إلى رؤي��ة أماكن متعددة ،تكرار الحلم هو عليها كلماته وصوره ومعانيه. تكرار لألماكن التي تهفو – أو ال تهفو -لها نفس
المكان هو حضور يتمثل هذا االنعكاس ،ويضيف عليه.
في القصيدة استدعاء للماضي .ثالثة عقود من اكتناز التجربة واختمارها في زمنية الماضي. في القصيدة قدر من التموج التعبيري ،ثمة إيقاع الماضي بعيدا أم قريبا .فاإلنسان يتخيل مثال راقص ،وإيقاع بطيء .القصيدة تتموج فيما بين األماكن التي التقى فيها العشاق ،أو األماكن التي مقاطعها كأنما تحاكي تموج النهر: دارت فيها الحروب والمعارك القديمة ،أو األماكن وم��ن األمكنة ال�ت��ي يتخيلها اإلن �س��ان ،أمكنة
التي كانت حافلة بالقصور والبرك والبحيرات
�������������ات ب������خ������ف������ق������ن������ا ُ ال�������������ه�������������ائ�������������م ����������ات م������������ع ال�������ق�������م������� ْر وال�ح��دائ��ق والبساتين ،أو األم��اك��ن التي عبرتها ال����������س����������اب����������ح ُ قوافل أو قبائل ،أو األماكن التي وصفها الشعراء ��������������ات ب���������وج���������دن���������ا ُ ال��������������ع��������������اب��������������ث �������������ات ع��������ل��������ى ال����������وت���������� ْر ولم يتبق إال إطاللها ،أو األماكن التي بنيت فيها ُ ال�������������ع�������������ازف حضارات قديمة ،وما تزال بقاياها حاضرة إلى فهذه اإليقاعات التائية في حشو النص تحدث ال �ي��وم .وال �م �ك��ان ال �م��اض��وي يستدعي الوقائع، إيقاعا ما متتاليا كأنه إيقاع النهر نفسه .لكنه ويستدعي الشخوص ،ويستدعي األحداث. إيقاع عبر الكلمات. هذه األمكنة بتنوعها وتعددها تشكل حاالت
إن المكان الشعري ال يتحدد بجغرافيا ،ال يتحدد أيضا ب��ال�ض��رورة بمواقع حسية؛ فهناك ث��ري��ة وخ�ص�ب��ة ل�ل�ش��اع��ر ال ��ذي يلتقط ذل ��ك كله نمط آخر من األمكنة المجازية المتخيلة ،أجالها بمخيلته المبدعة ،ويعيد صياغتها .واصفا هذا تخيلنا للمكان الميتافيزيقي ،وما يمكن أن نتبصره المكان بمكوناته ،متحدثا مع شخوص هذا المكان ع�ب��ر ال��رؤي��ا ع��ن ال�ج�ن��ة أو ال �ن��ار – ع�ل��ى سبيل أو ذاك ،متنقال بشكل مخايل بين مختلف العصور التمثيل -فهذا المكان الميتافيزيقي يحفز على واألزمنة واللحظات ،وكأنه يعيد كالميا وبصريا التخيل وعلى تمثل ذلك عبر المخيلة ،وبخاصة شكل الحلم الذي يتواتر بإيقاعاته السريعة مطابقا في الوصف القرآني البديع لمشاهد الجنة. بين المتضادات ،ومتنقال في لمحات خاطفة بين ثمة أمكنة أخرى ترتبط بالحلم ،فالحلم طريق مختلف األزمنة. * كاتب مصري مقيم في السعودية.
اجلوبة -صيف 1433هـ 113
الشعر العذري
مدرسة احلب العفيف > حمدي هاشم حسانني*
الشعر ديوان العرب قديما وحديثا ،وهذا يرجع إلى أنه نوع هام من ألوان األدب الذي يتفاعل آنيا مع ما يحدث في المجتمعات من أح��داث تحتاج إلى هذا الفن الرفيع، للتعبير عن هذا الحدث بأسلوب بليغ وفصيح في آن واح��د .والشعر واح��ة غناء تعج بالرقة والعذوبة؛ فهو حديث السمار ليال ،والمدفأة التي كان العرب يلتفون حولها قديما ،يتبادلون سماع درر القريض ،ويستمتعون بقافيته ومعناه؛ وهو متعة المسافر حين يقطع البيداء منشدا ما يحفظه من عيون الشعر ،فيستمتع ويمتع المسافرين معه. وإذا تطرقنا للحديث عن أنواع الشعر،
نوع مهم من أن��واع الشعر ،وهو ما يسمى
فله العديد من ال�م��دارس الفنية ،فهناك
ب��ال�ش�ع��ر ال� �ع ��ذري ،ل�ن�ت�ع��رف ع�ل��ى معناه،
من كان يهتم بالمديح والهجاء كالفرزدق ونشأته ،وأهم من كتبوا فيه. وج ��ري ��ر ،وه��ن��اك م��ن ك ��ان ي�ه�ت��م بكتابة القصائد الدينية التي تهتم بتقديم العظات كديوان اإلمام الشافعي وديوان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،وهناك شعراء الغزل على اختالف المراحل التاريخية.
ماهية الشعر العذري يكاد يجمع المؤرخون والمهتمون بالشعر العربي قديما على أن الشعر العذري ينسب إل��ى قبيلة بني ع��ذره .والجميل ف��ي هذا النوع من أنواع الشعر أنه قام بثورة كبيرة
وس��أح��اول – هنا -إلقاء الضوء على في عالم الشعر في ذلك الزمان ،إذ كان 114اجلوبة -صيف 1433هـ
فيصفون ج�س��ده��ا وأع �ض��اءه��ا وح �ت��ى طريقة وال يحب سواها ،ويفنى لنيل رضاها ،واالهتمام سيرها على األرض؛ فكان الشعر يهتم بالمظهر بجمال المرأة المعنوي ،من دون التطرق لمفاتنها دون الجوهر ،وبالمبنى دون المعنى ،وقد بلغ في الجسدية الحسية ،وكل ذلك بلغة رصينة متزنة.. بعض الفترات حدا كبيرا من الفحش ،باهتمام غير خادشة للحياء العام والفطرة. بعض ال�ش�ع��راء ب��إف��راد قصائد كاملة للوصف التفصيلي للمرأة وال�خ�م��رة وال�غ�ل�م��ان؛ فتحول الشعر الذي يرتقي بالحس ويهذب المشاعر إلى شعر يخاطب الغريزة ،ويوقظ الشهوات. وم��ع ب��داي��ة ال�ع�ص��ر األم� ��وي ،أخ ��ذت معالم م��درس��ة ال�ش�ع��ر ال �ع��ذري تتضح وتتشكل على الساحة ،في محاولة للوقوف كحائط صد منيع أمام طوفان القصائد الحسية الممتلئة بالوصف الفاحش ،والمهتمة بالحديث عن الخمر والنساء، فبزغت شمس ج��دي��دة ،وم��درس��ة ول �ي��دة تضع منهجا جديدا ألهداف الشعر ومنهج القصيدة. ومن هنا ،كانت الوالدة الطبيعية للشعر العذري الذي ما أن بزغت شمسه حتى أضاءت بوهجها مشارق الشعر ومغاربه. والشعر العذري ،يبتعد تماما عن الحسيات ،فهو
خصائص الشعر العذري
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الشعراء اآلخرون يهتمون بوصف المرأة حسيا ،ع��ن محبوبته ال��وح�ي��دة ال�ت��ي يخلص لها وحدها
إن المتأمل للشعر العذري يستطيع الوقوف على سماته وخصائصه ،التي تكاد تجعله مختلفا ومتفردا عن أنواع الشعر األخرى ،فهو يمتاز بعدة خصائص تشكل بنيانه ،وتحدد مساره ،وتشكل فلسفته الخاصة؛ فعلى عكس الشعراء الذين يتنقلون من حبيبة إلى أخرى ..نرى أن الشعراء الذين ينتمون إلى هذه المدرسة ال يعرفون إال حبيبة واح� ��دة ..ه��ي ال�ت��ي ينظمون م��ن أجلها عيون الشعر ،ويتغنون بها في قصائدهم ،في حلهم وترحالهم .فالحب من وجهة نظرهم هو اإلخ�لاص أوال ،وبذل الغالي والنفيس من أجل بلوغ الغاية األسمى ،ونيل الوصل من المحبوب. ويمكننا تلخيص خصائص الشعر العذري باآلتي:
شعر نقي عفيف طاهر ملتزم ،يبتعد عن حياة اللهو والقيان والترف ،وهو شعر رصين يمتاز بالحكمة .1وح���دة ال��م��وض��وع :وه��ي تتجلى ب��وض��وح في قصائد هذا النوع من أنواع الشعر ،فال يحيد والتقوى ،وتتجلى فيه ال��روح اإلسالمية الملتزمة والبعيدة عن وصف الملذات الحسية ،واستبدالها بالعاطفة ال�ق��وي��ة ال�ت��ي ت�ت��وال��د منها األحاسيس المعنوية بكل ما تحمله من رصانة وسمو .فنجد الكثير من القصائد التي يصف فيها الشاعر معاناة
عن مخاطبة الحبيبة ،وطلب الوصل ،وبيان حال المحب ،ولوعة الفراق ..ونرى هذا في ق��ول قيس بن الملوح ال��ذي ك��ان يهيم بحب ليلى العامرية:
الحب ،ولواعج الحنين ،ودفء القرب من الحبيب ،أح����ب م���ن األس����م����اء م���ا واف�����ق اسمها ونار البين والهجر إذا غابت عن ناظريه ،يتحدث
أو ش����اب����ه����ه أو ك�������ان م����ن����ه م���دان���ي���ا
اجلوبة -صيف 1433هـ 115
م���ع���ذب���ت���ي ل��������والك م�����ا ك����ن����ت هائما أب����ي����ت س���خ���ي���ن ال���ع���ي���ن ح�������ران باكيا ي���ق���ول���ون ل��ي��ل��ى ف����ي ال����ع����راق مريضة ف��ي��ا ل��ي��ت��ن��ي ك��ن��ت ال��ط��ب��ي��ب المداويا
ف����أع����رض����ت ع���ن���ه���ا وال�������ف�������ؤاد كأنما ي��������رى ل������و ت�����ن�����ادي�����ه ب�����ذل�����ك مغنما ع����ل����ى أن ف������ي ق����ل����ب����ي ل�����ع�����زة وق������رة م������ن ال�����ح�����ب م������ا ت�����������زداد إال تتيما
.2البساطة وال��وض��وح :ال نجد تكلفا في هذا .4الميل للحزن وال��ت��ش��اؤم :حيث نالحظ في النوع من الشعر ،بل نراه سلسا سهال واضحا،
معظم قصائدهم حالة ال�ح��زن المتجسدة،
وكأن أبيات القصيدة تتآلف مع بعضها بعضا،
وسببها الرئيس عدم وص��ول المحب إلى ما
مكونة صورة تعبيرية واضحة تصل بسهولة إلى المتلقي ،ونرى ذلك جليا في قول جميل بثينة: إن���������ي ألح������ف������ظ غ����ي����ب����ك����م وي����س����رن����ي إذ ت�����ذك�����ري�����ن ب����ص����ال����ح أن ت����ذك����ري وي������ك������ون ي��������وم ال أرى ل������ك م���رس�ل�ا أو ن����ل����ت����ق����ي ف�����ي�����ه ع������ل������يَّ ك����أش����ه����ر ي������ا ل���ي���ت���ن���ي أل�����ق�����ى ال����م����ن����ي����ة بغتة إن ك��������ان ي��������وم ل����ق����ائ����ك����م ل������م ي���ق���در ل����و ق����د ت���ج���ن ك���م���ا أج�����ن م����ن ال���ه���وى
يبغي من الوصل ،فهناك دوما حواجز تمنعه منها العادات والتقاليد السائدة في مجتمعه، ومنها أيضا ارتحال الحبيبة إلى أرض بعيدة. وه�ن��ا نقف قليال م��ع مجنون لبنى قيس بن ذري��ح ،فنراه في حالة يرثى لها حين يدركه خبر سفر حبيبته لُبنى ،فينحني مقبال التراب الذي سارت عليه أثناء سفرها ،إنه يخبر قومه بأنه ال يقبِّل التراب حباًّ في أرضهم ،وإنما يقبلها ألنها المست أقدام لبنى قبل رحيلها.. ف��ي ص��ورة بالغية منقطعة النظير ،تصور لحظة توديعه إياها رغم غيابها فنراه يقول:
ل�����ع�����ذرت أو ل���ظ���ل���م���ت إن ل�����م ت���ع���ذر وم�����������ا أح������ب������ب������ت أرض���������ك���������م ول�����ك�����ن .3العفة والطهر :وهما من أهم ما يميز الشعر
أق������بِّ������ل أث�������ر م������ن و َِط��������������يَ ء ال����ت����راب����ا
ال �ع��ذري ،فهما األس��اس ف��ي ه��ذا ال�ن��وع من
وعلى المنوال نفسه ،الذي يصور اللهفة لرؤية
أنواع الشعر ،إذ ال يتطرق إلى ما يتنافى مع المحبوب والحنين لمعرفة أخ �ب��اره ،واقتناص األخ�لاق والعادات واألع��راف المتفق عليها ،لحظة خاطفة للقرب منه ،نجد مجنون ليلى ونرى ذلك في قول كثيّر عزة: ف����أق����س����م����ت ال أن�����س�����ى ل�����ع�����زة ن���ظ���رة لها كنت أب��دي الوجد مني المجمجما �����������ت وال�����ع�����ي�����ون ح����واض����ر ع���ش���ي���ة أومَ ْ إل���������ىّ ب�����رج�����ع ال�����ك�����ف أن ال تكلما 116اجلوبة -صيف 1433هـ
قيس بن الملوح يقول: أم���������ر ع�����ل�����ى ال��������دي��������ار دي�����������ار ليلى أق�����ب�����ل ذا ال�������ج�������دار وذا ال������ج������دارا وم��������ا ح������ب ال�������دي�������ار ش����غ����ف����ن قلبي ول������ك������ن ح�������ب م�������ن س�����ك�����ن ال�������دي�������ارا
وج�����دت ب��ه��ا إن ك����ان ذل����ك م���ن أم���ري
وعاطفة متفردة ،تصور دوران العاشق في فلك ال �ه��وى ح��ول دار محبوبته ،مستأنسا بالقرب
م����ض����ى ل�����ي زم���������ان ل�����و أخ�����يَّ�����ر بينه
منها ،مُقبِّال ال �ج��دران ..ال لذاتها ،وإنما ألنها تحوي داخلها المرأة التي أحبها وتَغنّى بها في أجمل قصائده ،وهكذا استطاع الشاعر لحظات لهفته وشوقه وحنينه -في حالة انعدام الوصل بالمحبوب -باكتفائه بالوصل بشيء يمسه ،ولو كان ترابا أو جدارا.
أهم الشعراء العذريين
وب���ي���ن ح��ي��ات��ي خ���ال���دا آخ����ر الده ـ ــر ل����ق����ل����ت ذرون��������������ي س������اع������ة وب���ث���ي���ن���ة على غفلة الواشين ثم اقطعوا عمري
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ن ��رى أن�ف�س�ن��ا أم���ام ح��ال��ة وج��دان �ي��ة خاصة
ول������و س����أل����ت م���ن���ي ح���ي���ات���ي بذلتها
ت�����ج�����ود ع���ل���ي���ن���ا ب����ال����ح����دي����ث وت��������ارة ت���ج���ود ع��ل��ي��ن��ا ب���ال���رض���اب م���ن الثغـ ــر وإذا كان جميل بن معمر يقدم حياته ويبذلها لقاء ساعة يقضيها بجوار محبوبته ،يشرح لها
ي��زخ��ر ت��اري��خ ال�ش�ع��ر ال �ع��رب��ي ب��ال�ع��دي��د من فيها أحوال الجوى وطول النوى ..نجد كثير عزة األسماء التي حفرت بأعمالها مكانا في ذاكرة يسير على المنوال نفسه حين يقول لحبيبته الشعر العذري ،وكلهم سواء في الحب والمعاناة وال �ل �ق��اء وال � ��وداع وال �ب �ك��اء ع�ل��ى األط�ل��ال ،كما يجتمعون أيضا في عدم الفوز بالحبيبة ،وأنهم كانوا ينسبون إلى حبيباتهم ..فهذا مجنون ليلى وه��و قيس بن الملوّح ،وذاك مجنون لبنى وهو قيس بن ذري��ح ،وه��ذا كثيّر ع��زة ..وذاك جميل بثينة ،وسنحاول إلقاء الضوء على أشهر شعراء تلك المدرسة وأشهر قصائدهم ،فنذكر الشاعر العذري جميل بن معمر ..والشهير بجميل بثينة،
عزة:
أال ت������ل������ك ع������������زة ق���������د أص����ب����ح����ت ت����ق����ل����ب ل����ل����ه����ج����ر ط������رف������ا غضيضا ت��������ق��������ول م������رض������ن������ا ف������م������ا ع����دت����ن����ا ف����ق����ل����ت ل����ه����ا ال أط�����ي�����ق ال���ن���ه���وض���ا ك����ل���ان��������ا م��������ري��������ض��������ان ف����������ي ب�����ل�����دة وك������ي������ف ي������ع������ود م������ري������ض م����ري����ض����ا ورغ��م م��رور الزمن ،يظل للشعراء العذريين مكانتهم على خريطة الشعر العربي ،بما قدموه
وال ��ذي ك��ان يهيم بحبها ،وق��د تناقلت أخباره للمكتبة العربية من أعمال لها قيمتها الشعرية الركبان والقوافل المسافرة ،وتغنت بأشعاره التي الواضحة ،ولها أيضا عبقها ورونقها وتفردها..
كتبها في بثينة ،والتي كانت تفيض عذوبة ورقة ..وتستحق أن يطلق عليها ه��ذا االس��م الرقيق.. فنراه يحدثها قائال:
مدرسة الحب ..الحب العفيف.
* كاتب من مصر.
اجلوبة -صيف 1433هـ 117
اخلطاب النسوي
بني السعي الروحي والسعي االجتماعي > هويدا صالح*
هل تمكّ ن الخطاب النسوي من صياغة خصائصه؟ وهل استطاعت المرأة أن تخلق كتابة أو لغة تميّزها عن األدب الذكوري؟ أم هي مجرّد دعاوى ال أساس لها من الواقع؟ وإذا كانت المرأة تبدع ضمن منطق األجناس األدبية أو الفنية المتعارف عليها بين النقاد والقراء ،فهل كتابتها ق��ادرة على أن تحوّل هذه األجناس من حيث هي أجناس أدبية أو فنية إلى أجناس أخرى خاصة بالمرأة؟ وهل يسهم هذا الفصل بين الكتابتين في إدراك متميز وخاص للطبيعة اإلنسانية أو للقضايا الثقافية والحضارية في العصر؟ وهل يفيد تميز اإلب��داع النسائي أو النظرة الجنسوية إلى اإلب��داع في تعزيز الطاقات اإلبداعية للمرأة؟ هذه أسئلة مشروعة تمكننا من الكشف وإذا كان موضوع اإلبداع النسائي يطرح من وجهة نظر اجتماعية ،فهل يؤدي تمييز ع��ن تلك الرحلة اإلب��داع�ي��ة ال�ت��ي قطعها هذا اإلب��داع الذي تقدمه المرأة إلى دعم الخطاب النسوي من الهامش إلى المتن. موقفها في المجتمع ،وإلى حل مشكالتها،
أم ي�ك��رس وضعها ال�م�ت��ردي؟ وه��ل تنتفع قضايا المرأة االجتماعية من هذا الطرح،
إن لم تستفد قضاياها اإلبداعية؟ (ريتا عوض المرأة واإلبداع األدبي)
118اجلوبة -صيف 1433هـ
إن النساء ال�ل��وات��ي ي��درك��ن ال�ف��رق بين ك �ت��اب��ة ال��رج��ل ل �ل �م��رأة ،وإدراك المرأة الكاتبة ل��ذات�ه��ا وللعالم يقدمن أدب��ا من منظور جديد ،ال تكون فيه المرأة فاعلة وحسب ،بل تكون واعية لكينونتها ،ويصبح
ه��ذه ثنائية مربكة ،فال يمكن لنا أن نقسم ن �ض��ال ال��م��رأة إل ��ى روح���ي وم � ��ادي ،أو روحي واجتماعي؛ فالسعي االجتماعي من أجل اكتساب االح �ت��رام وق�ي��م ال�م��واط�ن��ة ،وع��دم التفريق بين الرجال والنساء على أساس الجنس ،إنما يعطي للمرأة قدرا من االستقرار الروحي .والنساء في كفاحهن من أجل عالقات سوية في محيط العمل واألسرة ،والعالقة مع الرجال واألبناء ،إنما يحققن ذلك التوازن الروحي المنشود .فـ «الشخصي هو السياسي» ،وقد أطلق هذا التعبير حين اكتشفت النساء أن السعي الروحي من أجل التواصل مع قوى األنثى الداخلية من دون تفاعل حقيقي مع ما يمر به المجتمع من تغيرات وعالقات ،ومن دون السعي إليجاد وضعية فاعلة للمرأة داخل
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ألدبها بعدان أساسيان :البعد الروحي والبعد االجتماعي؛ أدب يعكس كفاح ال�م��رأة من أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم .وترى كارول بي كريست في كتاب «الصوفية النسوية» أن انشغال ال�م��رأة بالبعد االجتماعي لألدب، والنضال النسوي من أجل وضعيتها االجتماعية، قد يجعلها تغفل البعد الروحي لما تكتب ،والذي ربما يكون هو الرهان الحقيقي للكاتبة ،وليس الوضع المجتعي ..تقول« :إن هذا األدب الجديد الذي أبدعته النساء لديه كال البعدين الروحي واالجتماعي .وهو يعكس كال من كفاح المرأة من أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم، وسعيها من أجل تسمية جديدة للقوى العظمى التي تحدد توجهنا فيه .ومن أجل جذب االنتباه إلى البعد الروحي في سعي المرأة ،وهو البعد الذي يُغفل أحيانا في خضم االنشغال بضرورة النضال من أجل أدوار اجتماعية جديدة ،وضعت تفرقة بين السعي الروحي والسعي االجتماعي» (كارول بي كريست الصوفية النسوية ص .)37
سياق مجتمعها ،إنما هو يعزل النساء ..ويجعل خطابهن عرضة لالنتقاد والرفض ،بل والهجوم في أحايين كثيرة على الخطاب النسوي .وقد ظهر مصطلح «الشخصي هو السياسي» ألول مرة في سبعينيات القرن العشرين ،حين بدأت الموجة الثانية من الحركة النسائية في أمريكا، حركة كان هدفها مساعدة المرأة أن تجد كيانها الحقيقي وأحالمها الحقيقية ،في مجتمع أعطاها العديد من مظاهر التحرر الخارجي ،لكن دونما أن يمنحها هذه الحرية في عمق نظرتها لنفسها ونظرة اآلخر إليها. كان القهر موجوداً حتى وإن لم تذكره القوانين، وكانت حكايات القهر كلها تحدث في صمت، وراء األب��واب المغلقة في البيوت ،واالبتسامات المصطنعة ف��ي ال�م�ك��ات��ب .تكونت مجموعات من النساء ،يجتمعن أسبوعياً لتبادل الحكايات ومشاركة النمو .كان الهدف المباشر من هذه االج �ت �م��اع��ات ه��و ال�ن�م��و ال�ش�خ�ص��ي لعضوات المجموعة ،لكنهن سرعان ما اكتشفن الحقيقة التي ص��ارت ع�ن��وان�اً لحركتهن «الشخصي هو سياسي» شعاراً كان معناه أنه من العبث أن يحاول اإلنسان أن يعزل نفسه عن مُعطيات مجتمعه. إن كل حوار عن نموّي الشخصي هو بالضرورة ح��وار عن المجتمع ،وعن التغيير المطلوب في المجتمع .هناك عالقة بين نموي كإنسان له رأي ،وبين أن يكون المجتمع ديمقراطيا .كذلك هناك عالقة بين أن أجد معنى لحياتي ،وبين أن يقر المجتمع حق االعتقاد ،كذلك هناك عالقة بين أن أنجح في عملي ،وأال يكون في المجتمع تفرقة على أس��اس الجنس أو الدين أو اللون. إذاً السعي النسوي نحو اكتشاف الذات والوعي بها ال يتم بمعزل عن المجتمع ،وال يتم إال بأن نسير في خطوط متوازية ،نسعى إلدراك ذواتنا
اجلوبة -صيف 1433هـ 119
النسوية المغيبة بفعل الثقافة الذكورية المتحيزة تطبع عالقة ال�م��رأة وال��رج��ل ،وحضور الجسد ضد النساء ،ونسعى في الخط الموازي إلى إيجاد األنثوي في الكتابة النسوية من منظور مغاير، وضعية مجتمعية للنساء ضمن ح��ق المواطنة مقترحة تجربتها ولغتها التي تطرح رؤية جديدة للعالم من خالل موقعها الحضاري المعقد. الكامل من دون اشتراطات. لقد عمد الخطاب النسوي بكل جدلية حضور وغياب األنا إلى أن يُعيد قراءة حضور المرأة في الخطاب الثقافي ،ويكشف عن إشكالية الغياب الفعلي ل�ل�م��رأة ال��ذي عمد المجتمعي ببنياته الدينية واللغوية واالجتماعيةـ إلى تقزيمه .ولقد نجح ذل��ك المجتمعي أن يُهمش ال�م��رأة ويُقزم دوره��ا فيه ،ويُحد من قدراتها وإسهاماتها في ذل��ك المجتمع؛ فتوصف المرأة بالزوجة واألم واألخ��ت ،وبأنها منبع الجمال واإللهام واإلبداع للشعراء وأص�ح��اب الفكر؛ لكنها ال يُسمح لها ب��أن ت �م��ارس الفلسفة وال�ت�ف�ك�ي��ر ،ف�لا توصف بالمثقفة أو الفيلسوفة أو المفكرة ،بل نجح ما هو مجتمعي بكل بنياته أن يُكرّس ألن تقنع المرأة بدور الملهمة للمبدع/الرجل ،وأن تصير الدمية التي يريد الرجال وضعها في علبة من القطيفة، دمية إبسن في بيت الدمية .وص��ار الرجل هو المفكر ،وه��و المبدع وص��اح��ب الفكر ،وبذلك كرّس الرجل لهذا الثنائية ،بل وغذّاها بكتاباته، ثنائية المادة والعقل ،المدنس والمقدس ،الروح تكريس لثنائية أخرى هي ٍ والجسد ،ما أدّى إلى الثنائية الميتافيزيقية للمادة والعقل ،ويصبح جسد المرأة هو السلبي المستكين ،وعقل الرجل إيجابيا فاعال. وحين استطاعت المرأة أن تمارس اإلبداع، صار سؤال الكتابة الذي طرح نفسه في كتاباتها ملحا ،وتنوع بين التنديد بأشكال اإللغاء الذي تعيشه المرأة ،والرفض للثقافة الذكورية التي تنظر للمرأة كجنس تابع ..ومن الدرجة الثانية، والتركيز على الخصوصيات واالختالفات التي 120اجلوبة -صيف 1433هـ
وتشير نازك األعرجي في «صوت األنثى» إلى أن «قهر المرأة المثقفة اجتماعياً ونفسياً بشكل أساسي ،هو الذي أشبع الكتابة النسوية بتجارب حياتية مليئة ب��وع��ي ال �م��رأة ال �م��أس��اوي ،وهي تتصور نفسها ابتداء من الالوعي المتشكل في ال للعار ،وم��روراً بوأد البنات، تجربة القتل غس ً والسبي واستعباد النساء ،وتحويل الجسد للمتعة في سياق الجواري ،وازدواجية احتقار الجسد وتقديسه ،وحرمان المرأة من المواقع الوظيفية الحساسة ،وإجبارها على الزواج ،واختزالها في عذريتها ،ومطالبتها بإنجاب الصبي ،وإدانتها إلن �ج��اب ال�ب�ن��ت ،وه �ج��ره��ا ،وض��رب �ه��ا ،وال ��زواج عليها ،وتطليقها ،وحجبها» (ن ��ازك األعرجي صوت األنثى ص .)32 وب��ال �ن �ظ��ر إل� ��ى ق �ض �ي��ة ال � �م� ��رأة م ��ن منظور السيسيوثقافي يجعلنا نطرح س��ؤاال مبدئيا ،قد تبدو إجابته منطقية وواضحة ،وال تحتاج إلى كثير من التفلسف ،ومع ذلك لم يدركه الوعي الجمعي، أو ِلنَقُل لم تدركه الثقافة .والسؤال هو كيف يقبل مجتمع م��ا م��ن المجتمعات يسعى إل��ى النهضة والتنمية البشرية ،أن يعطل نصف قدرات المجتمع بتعطيل نصف طاقته ،وإن لم أقل معظم طاقته البشرية وهي المرأة .وليس هذا السؤال جديدا، فقد طرحه ابن رشد الفيلسوف العربي تعليقا على موقف أفالطون من النساء حين تحيز ضدهن، ولم يدخلهن جمهوريته ل��دور بيولوجي «ويختلف النساء عن الرجال درج ًة ال طبيعةً ،وهن أه ٌل لكل ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما ،ولكن على درجة دون درجتهم ،ويفُقنَهم أحيانا كما في
وم��وق��ف اب��ن رش��د ليس ه��و الموقف الوحيد المناصر في الثقافة العربية لقضايا المرأة ،فها هو الجاحظ يرى أن النساء والرجال متساوون ،وال طبقية وال فوقية بينهم ،بل يدين الجاحظ هؤالء الذين يحقرون المرأة ،ويقللون من شأنها .يورد لنا هيثم مناع في حديثه عن حقوق المرأة ما قاله الجاحظ ،فيقول« :لسنا نقول وال يقول أحد ممن يعقل إن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو طبقتين أو أكثر ،ولكننا رأينا أناسا يزرون عليهن أشد الزراية ويحقرونهن» (هيثم مناع المرأة ص .)23 وحرية ال�م��رأة -هي قضيّة اجتماعيّة عامّة ألنّها قضيّة ك� ّل المجتمعات ،الغربيّة والشرقيّة منها ،المنفتحة والمنغلقة ،المتقدّمة والمتخلّفة، القويّة والضعيفة -لكن بتفاوت .ذلك أ ّن المرأة ال تزال مغبونة حتّى في المجتمعات المتحرّرة على صعيد العمل ،على سبيل المثال ،رغم ك ّل التطوّر الحاصل هناك. إن المساواة في الكسب بين الجنسين ،وما يتولّد عن ذلك من مساواة على أكثر من صعيد واح ��د ،تحقق ت��وازن��ا ف��ي وض��ع ال �م��رأة ،ويتجلّى ذل��ك في استغنائها عن الرجل معيالً؛ وبالتالي، تحظى بالكرامة .ك ّل ذلك بترابط وثيق بين اإلنتاج واالستقالل.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الموسيقى ،وذلك مع كون كمال هذه الصناعة يقوم على التلحين من قبل رجل ،والغناء من قبل امرأة، ويدل مثال بعض الدول اإلفريقية على استعدادهن الكبير للحرب ،وال يُعد من الخوارق انتهاؤهن إلى الحكومة الجمهورية ،أوال يرى كما هو في الواقع أن إناث الكالب تحرس القطيع كما تحرسه ذكورها؟ «(إرنست رينان ابن رشد والراشدية ص .)170
وقد أشارت الكاتبة والناقدة فيرجينيا وولف بدعوتها إلى استقالل المرأة اقتصاديا في كتابها الشهير «غرفة تخص المرء وح��ده» ،إذ رأت أن االستقالل االقتصادي للمرأة هو بداية تحررها؛ كذلك نجد سالمة موسى قد طرح الفكرة نفسها، إذ ي��رى أن استقالل ال�م��رأة اقتصاديا أح��د أهم وسائل تحررها «إ ّن تحرّر المرأة يعتمد ،بالدرجة األول��ى ،على أن تكون منتِجة ،بالمعنى المتعارَف عليه ،أي أن يكون لها دخل ،أل ّن هذا يمكّنها من االستقالل في اتّخاذ الموقف بحُ ّريّة ومسؤوليّة، من دون أن تكون واقعة تحت تهديد حرمانها من لقمة الخبز .كما أ ّن التحرّر االقتصاديّ المقرون بالوعي ،باالنسجام م��ع حركة المجتمع ،يجنّب المرأةَ العزلةَ ،ويحشد أكبر القوى من أجل التحرّر الفعليّ ،وال��ذي يُعد في النتيجة كسبًا للمجتمع والمرأة» (سالمة موسى المرأة ليست لعنة الرجل ص .)36 وال أحد ينكر أن االستقالل االقتصادي للمرأة يُتيح لها القدرة على الخيارات المفتوحة ،بين أن تواصل وج��وده��ا في األس��رة المجتمعية ،وتُكمل حياتها في ارتباط مجتمعي مع الرجل كشريك ف��ي ال�ح�ي��اة ،وب�ي��ن أن تستقل وت �ف��ارق ال��رج��ل إن حاول هذا الرجل كبتها أو إقصاءها أو النيل من حريتها .ومن ينادي بتحرر المرأة حتما ال يقصد االنفالت والفوضى والخروج على قيم مجتمع ما، لكنه يقصد ممارسة الخيارات بشكل ح ٍّر من دون الخضوع للحاجة المادية للرجل؛ ف�لا يصح أن تكون المرأة عالة طوال الوقت على الرجل ،وهي الشريك ال��ذي يقاسمه الحياة ،وه��ي التي تقدر على ممارسة كل األعمال المشروعة التي يمارسها الرجل ،وقادرة على رعاية أسرتها مثله تماما.
* كاتبة من مصر.
اجلوبة -صيف 1433هـ 121
شهادة في حق مجلة اجلوبة > هشام حـ ــراك*
مجلة (الجوبة) ،كما أتابعها ،وبالتالي كما عهدتـها، واح��دة من أب��رز المجالت الثقافية العربية على قلتها في وطننا العربي الشاسع ،التي كانت ،وما تزال ،محط اهتمامي ومتابعاتي وبخاصة عبر الشبكة العنكبوتية.. مجلة عهدتـها م��ن خ�لال م��واده��ا ،مجلة متميزة لها بصمتها الخاصة المميزة لها عن باقي المجالت ذات التخصص نفسه؛ ولعل سر تميزها حسن انتقاء هذه المواد التي يكتبها كتاب عرب مهرة ومرموقون ينتمون إلى مختلف األقطار العربية من الخليج إلى المحيط، ومن المحيط إلى الخليج ..أسماء عذبة جميلة أعرفها حق المعرفة من خالل إنتاجاتها اإلبداعية والثقافية المتنوعة بتنوع تخصصاتها :أسماء لجودة كتاباتها والنتشارها لدى القراء وعموم المهتمين يستحيل أن ترتضي لنفسها النشر في أي مجلة. تتميز (الجوبة) بتنوع أبوابها ،وبالتالي
ب �ت �ن��وع م ��واده ��ا م ��ن ق �ص��ة وش��ع��ر ونقد وم �ق��االت أدب�ي��ة واس�ت�ط�لاع��ات وحوارات
أم��ام نقاشات وج��داالت ما أحوجنا إليها اليوم ،وأكثر من أي وقت مضى ،في راهننا الثقافي العربي.
ومقابالت ،تقرب قراءها من جديد الكتاب أس �ج��ل ل (ال �ج��وب��ة) روح �ه��ا الثقافية العرب وم��ن آرائ �ه��م ،بل ومواقفهم ،حول المنفتحة ،م��ا يجعلني أس �ج��ل ل�ه��ا روح قضايا ثقافية راه�ن��ة؛ م��ا يفسح المجال الديمقراطية الثقافية ،وكذلك روح الثقافة 122اجلوبة -صيف 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الديمقراطية التي تعد وحدها السبيل إلى خلق ج � ��دال ،ب ��ل و«ع � ��راك» ثقافي حضاري منفتح على ال ��رأي الثقافي.. وك � ��ذل � ��ك ،وف� � ��ي اآلن ن� �ف� �س ��ه ،ع� �ل ��ى ال�� ��رأي ال �ث �ق��اف��ي المختلف.. إخ� � �ت �ل��اف م � ��ا أح � ��وج وطننا العربي إليه اليوم للدفع بثقافتنا العربية المشتركة إل��ى الغنى، وب��ال �ت��ال��ي إل� ��ى األم� ��ام لتحتل مكانتها (وهي مكانة مستحقة فعال) ع �ل��ى ص �ع �ي��د الثقافة العالمية ،ما يؤهلها إلى ف ��رض نفسها كثقافة م�ح��اورة (بكسر الواو) وم �ح��اورة (بفتح الواو) مع باقي ثقافات شعوب العالم.. (ال � �ج� ��وب� ��ة) ،وبناء ع �ل��ى م ��ا س��ب��ق ،باتت، في نظري على األقل ،باختالف مشارب وأفكار باحترام وتقدير فائقين ،ما جعل النشر فيها ورؤى وقناعات كتابها اإلبداعية والثقافية ،أسرة شرفا رائعا بالنسبة إليهم وإليّ . متناغمة متكاملة ،كل ف��رد من أف��راده��ا يرخي الحديث عن (الجوبة) حديث طويل ،خالصته: السمع إلى اآلخر ..ما يجعل الطريق معبدا لخلق تكامل من شأنه بدوره أن يجعل القارئ العربي هنيئا لنا نحن العرب بها كتّابا وق�رّا ًء لحاجتنا، «العادي» أمام صورة واضحة لثقافته العربية. بل وحاجاتنا ،لمنابر ثقافية من نفس الطينة (الجوبة) ال�ي��وم ،وانطالقا من أحاديثي مع والقيمة. زمالئي من مثقفي بلدي المغرب ،باتت تحظى
* رئيس نادي القصة بالمغرب.
اجلوبة -صيف 1433هـ 123
الكتاب :املواسم الثقافية
الكتاب :التناص في شعر أبي العالء املعري
املؤلف :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املؤلف :د .ابراهيم مصطفى محمد الدهون
الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري
الناشر :عالم الكتب احلديث ،عمان –
اخليرية 1431/1430هـ
ال توثيقياً لمضامين يقدم هذا الكتاب سج ً
األردن 2012م
ت��أت��ي أهمية الكتاب ال��ذي ج��اء ف��ي ()300
ال �م �ح��اض��رات وال� �ن ��دوات ال�ث�ق��اف�ي��ة والعلمية ،صفحة ،أنه درس شاعرا مرموقا ،له باع طويل، التي استضافتها دار الجوف للعلوم بمؤسسة ومدى واسع ،في الثقافة ،وتر اكم في الحضارات
عبدالرحمن السديري الخيرية ،خالل موسمها الثقافي للعام 1431/1430ه�ـ .شارك فيه نخبة
من العلماء والباحثين والمتخصصين بعدد من العلوم والمجاالت الثقافية والتراثية والعلمية والطبية واالق�ت�ص��ادي��ة ،ع��رض��وا فيها خالصة خبراتهم بحضور أبناء منطقة الجوف.
السابقة ،والديانات المتباينة .شاعرا ذا عقلية ف��ري��دة ،وف�ك��ر ع�م�ي��ق ،وفلسفة ح ��رة ،ونفسية قلقة. ول �م��ا ك��ان األم ��ر ع�ل��ى ه��ذه ال�ش��اك�ل��ة ارتأى المؤلف أن يبحث ف��ي شعر المعري بناء على
وق��د ارت���أت هيئة ال�ن�ش��ر بالمؤسسة جمع مفهوم التناص ،هذا المفهوم الذي ال يكاد يخلو مضامين تلك المحاضرات وال�ن��دوات ونشرها نص شعري منه ،حتى غدا أمرا ال مفر منه. في كتاب سنوي ،ليكون متاحا أمام القراء تعميما وحَ سْ بُ المؤلف في ذلك – على حد قوله - للفائدة ..وه��ذا ه��و الكتاب ال��راب��ع م��ن سلسلة «ال�م��واس��م الثقافية» التي تصدرها المؤسسة استكناه شعر المعري ،وسبر أغ��واره ،مؤمال أن لنشر مضامين المحاضرات والندوات الثقافية يكون هذا العمل لبنة أساسية في دراسة التراث
التي تعقدها سنويا. 124اجلوبة -صيف 1433هـ
العربي ،وإضافة جديدة إلى المكتبة العربية.
املؤلف :خالد بن عبدالله الغامدي
املؤلف :د .أحمد مهجع
الناشر :دار أثر السعودية للنشر والتوزيع
الناشر :دار أثر السعودية للنشر والتوزيع 1432هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :األكسجني املر -شعر
الكتاب :امرأة من قمح -شعر
جاء الكتاب في ( )45صفحة من القطع المتوسط، ضم تسع عشرة قصيدة منها «غفوة القنديل»« ،يا عاشقين ال تفترقا»« ،ول��ه»« ،كنت»« ،قشه»« ،فقد»، «أراك»« ،ه� ��دوء»« ،للعشق ب�ق�ي��ة»« ،ن �ب��ض» ...الخ، استطاع الشاعر من خاللها أن ينتقل بأشعاره من الخاص إلى العام ،وبمعنى آخر من الحب الدنيوي، إلى حب أعمق وأشمل ..حب الذات اإللهية.
ج��اء ال��دي��وان ف��ي ( )61صفحة م��ن القطع ال �م �ت��وس��ط ،ض��م ث�لاث �ي��ن ق �ص �ي��دة ف��ي الشعر الموزون المقفى والشعر العربي الحديث .نذكر منها« :ب��داي��ات��ي»« ،اإلث ��م»« ،ال�م��أت��م»« ،الضياع للمرة الثانية»« ،ذنبي»« ،بين التولع والتمنع»... الخ .تدور تيماتها األساسية حول خالق الكون، �ان أك�ث��ر حميمية ت��رت�ق��ي بالذات يسوقها ب�م�ع� ٍ اإلنسانية إلى صفاء النفس ،واألعظم حباً في يقول ف��ي ص ..« 44ي��ا قلب /أسقيت محياها ترياق العشاق /وأثخنت حبي بجراح الال فراق /كنت هذا الوجود ،حب الله عز وجل. النافلة وكانت الفرض /كانت الفاتحة وكنت ما تيسَّ ر/ يقول الغامدي في قصيدة (اإلثم): كنت الحالم وكانت العاشقة /أصبحت التاب َع وأمست «ي���ح���ب���ون���ي م����ن وراء ال����ه����م وه�������م... الالعبة /يا قلب /وأنا في سكرات وداعها /هل تلقنني وش�������ع�������ور م���س���ت���ف���ي���ض م������ال������ه اس�����م شهادة« /ال أعلم سبباً إال عشقي؟».
وفي هذا إضافة شعرية فلسفية أراد الشاعر من ل����س����ت أدري ب����ع����د م�����ا داخ�����ل�����ن�����ي... خاللها أن يشير إلى عالقة التالزم بين األنا الشاعرة، ك�����ل�����م�����ا خ��������ب��������أت ه��������م�������� ًا ف������������ار ه���م وبين معا ًن عصيّة على التفسير ،مثل :الخلق ،الموت، ����ت ع���ي���ن���ي ان����ح����ن����ت... ك���ل���م���ا أط����ل����ق ُ الحياة ،العالم اآلخ��ر ...ما يجعل القارئ يغوص في وت���غ���ش���ان���ي س����ك����وت م���دل���ه���مُ ( .»)...النصوص عميقاً؛ الستجالء معانيه ورموزه وطقوسه.
اجلوبة -صيف 1433هـ 125
الكتاب :رواية ابن طراق
الكتاب :ج ي م -قصص
املؤلف :محمد السماري ،بدر السماري
املؤلف :جبير املليحان
الناشر :دار أثر السعودية للنشر والتوزيع
الناشر :دار أث���ر ال��س��ع��ودي��ة للنشر
1432هـ2011-م
بالتعاون مع ال��دار العربية للعلوم ناشرون،
والتوزيع 1433هـ2012/م
مجموعة من القصص تصل إلى خمس
صدرت رواية «ابن طرَّاق» للروائيين بدر السماري عشرة قصة ،جاءت في ( )140صفحة من ومحمد السماري .الرواية أتت في غالف أنيق ال�ق�ط��ع ال �م �ت��وس��ط ..وي�ح�م��ل ال�ك�ت��اب اسم
يحمل ص��ورة للمصور السعودي مصلح جميل( ،ج ي م) إحدى القصص الواردة فيه. وت�ت�ك��ون م��ن ( )55مقطعا ت��وزع��ت على سبعة فصول في ( )432صفحة. تتميز ه ��ذه ال ��رواي ��ة ب��ال �خ��وض ف��ي الحياة المحلية بكافة تفاصيلها ومناحيها ،مكوَّنة نسيجاً روائيا متجانساً عبر تعدد الشخصيات واألبطال في الرواية لتجمع كل أطياف المجتمع السعودي. من المتوقع أن تثير ال��رواي��ة كثيرا من الجدل،
ت ��رص ��د ق �ص��ة (ج� �ي���م) ل��ل��ق��اص جبير المليحان ساعات من حياة مواطن عربي ع��ائ��د م��ن عمله ف��ي ال�ب�ح��ري��ن ،إذ يالحقه التنقيب والتفتيش في جمارك الملك فهد، وفي حاجز الدمام قرب بيته. وف��ي ال�م�ق��اب��ل ،ت �ب��رز ال �ص��ورة النقيض التي تكتمل بها معالم الصورة ،حينما تلفت زوج�ت��ه نظره إل��ى ال�ع�ن��وان العريض البارز
وتحقق قراءية عالية حسب رأي الذين اطلعوا الذي يتمدد أمراً طبيعياً في أعلى الصفحة عليها وبخاصة أنها أتت بتوقيع مؤل َفيْن اثنين؛ ما األولى في جريدة الرياض« :جريدة الرياض يعيد لألذهان تجربة جبرا إبراهيم جبرا وعبد ترصد ثمانية ماليين ريال لجوائز المسابقة
الرحمن المنيف في «رواية عالم بال خرائط». 126اجلوبة -صيف 1433هـ
الشهرية».
ق�������������������������������������������������������������راءات
بوادر املجتمع املدني في
اململكة العربية السعودية
املؤلف :محمد عبد الرزاق القشعمي الناشر :فراديس للنشر والتوزيع – بيروت – لبنان السنة 1433 :هـ2012/م يؤرخ هذا الكتاب لنشأة مؤسسات المجتمع المدني في المملكة ،وه��و عمل غير مسبوق في تتبعه للبدايات األولى لنشاط المؤسسات األه� �ل� �ي ��ة ال� �ت ��ي ب�� ��دأت م���ع ب���داي���ة ال���دول���ة، واستمرت حتى اليوم .يستهل المؤلف حديثه ع��ن ال�ب��داي��ات األول��ى لما يمكن أن يُ�ع� َّد نواة للحراك االجتماعي الذي نما مبكرا ،منذ عام 1343هـ1924/م ،عندما سجل أول لقاء للملك عبد العزيز -رحمه الله -بأهل مكة ،حين طلب منهم أن يديروا شئونهم ،وينتخبوا من يمثلهم في اإلشراف على مصالحهم .ويتخذ المؤلف من هذه النقطة منطلقا إلى تتبع مراحل تطور المؤسسات األهلية ف��ي م��دن ال�ح�ج��از ،وفي مناطق المملكة كافة ،بعد ذلك. والشيء الذي يضيفه هذا الكتاب هو ما يحمله من إحصاءات وأسماء وجهات ،تلك التي مارست االنتخابات ألعضائها ودور الهيئات والنقابات في مرحلة مبكرة جداً .ولم يكن ذلك ال إنشائياً أو وصفاً نظرياً مجرداً ،بل عمل عم ً
يفصل في الوقائع ،ويأتي بالوثائق ،ويحيل إلى الثابت من المصادر .لقد دعم ما ينقله بالوثائق المدونة في أوعية النشر المعتبرة ،وأكثرها وثائق سجلتها الصحافة في وقتها ،ونشرتها بصفتها أن�ظ�م��ة وق��وان �ي��ن م�ع�ت�م��دة ،وحددت أسماء المنظمين لها والمشاركين فيها ،وكلها كانت موثقة ،ما يجعلها مصدرا يعتمد عليه ويرجع إليه. وم��ن أب���واب ال�ك�ت��اب ال ��ذي ق��دم ل��ه األستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك أستاذ األدب العربي بجامعة الملك سعود .تعريف المجتمع المدني ,وانتخابات مجلس الشورى ومتى عرفتها المملكة ,وبداية الروابط والنقابات ,وانتخابات أع�ض��اء المجالس البلدية ,وذك��ري��ات انتخابات الماضي بالمدينة المنورة ,وتوقف االنتخابات من عام 1384هـ إلى عام 1426هـ1964-م – 2006م، وع��ودة االنتخابات وال�ع��ود أح�م��د ,واالنتخابات الجامعية هل تعود ,والدعوة لمقاطعة االنتخابات, وأبواب آخرى غيرها.
اجلوبة -صيف 1433هـ 127
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
> متابعة عماد املغربي
مساعد المدير العام والسفير الفلبيني أثناء تجوالهما في المعرض
جانب من زوار المعرض
ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية للعام 1433/32ه�ـ ،أقيم معرض للصور القديمة عن الرحالة العرب والغربيين ،الّذين مرّوا في منطقة الجوف ،وذلك بالتعاون ٌ مع مؤسسة التراث الخيرية ،التي شاركت بمجموعة من الصور التاريخية الخاصة بمنطقة الجوف، كرعاية ودعم منها للمؤسسة. ا ُفتُ ِت َح المعرض مساء يوم الثالثاء 1433/04/27ه� �ـ في الصالة الرئيسة بدار الجوف للعلوم، وحضره عدد من أعضاء المجلس الثقافي بالمؤسسة يتقدمهم الشيخ عبدالرحمن الملحم ،وعدد من المسؤولين وجمهور من المواطنين والمقيمين ،وقد القى المعرض إعجاباً ملفتاً من الزوار الذين أشادوا بدور المؤسسة الثقافي في المنطقة. كما أقيمت محاضرة بعنوان« :المعرض.. جذور األزمة الفكرية» :ألقاها الدكتور سعيد بن مصلح السريحي مساعد رئيس تحرير صحيفة ع �ك��اظ - .رئ �ي��س ت �ح��ري��ر مجلة عالمات بنادي جدة األدبي ،وذلك مساء يوم الثالثاء 1433/05/18ه �ـ في قاعة العرض بدار الجوف للعلوم ،أدارها األستاذ خالد بن عبدالرحمن العيسى – عضو النادي األدبي األستاذ خالد العيسى والدكتور السريحي أثناء تقديم المحاضرة بالجوف. اس �ت �ع��رض ال��دك��ت��ور ال �س��ري �ح��ي كتاب «المعرض أو آراء شبان الحجاز في اللغة العربية» الذي نشر عام 1345هـ1926 -م مع بدايات الدولة السعودية ،وقدجمع الكتاب ورتبه محمد سرور الصبان ،ويضم آراء شباب الحجاز فيما ينبغي األخذ به من محافظة أو تجديد في اللغة العربية ألفاظاً وأساليبا. 128اجلوبة -صيف 1433هـ
من إصدارات اجلوبة
اجلوبة -صيف 1433هـ 129
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية