مواجهات
عابد خزندار ملحة العبدالله عبدالرحمن الشهري نضال القاسم
سيرة وإبداع
دراسات ونقد
شعر
قصص
الشاعر
جميل حمداوي
مالك اخلالدي
محمد محقق
أ .د .أحمد السالم محمود سيف الدين عبدالكرمي النملة
ليلى احلربي
ملف العدد:
النقد األدبي ..رؤى وتطلعات مبشاركة :صالح الزياد ،عبدالله السفر ،سناء شعالن ،محمود عبداحلافظ ،إبراهيم احلجري، عبدالله السمطي ،محمد جميل ،إبراهيم الدهون ،عبدالدامي السالمي ،عماد اخلطيب
37
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة(البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. -حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.
(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل.
اجلوف :هاتف - 04 626 3455فاكس - 04 624 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 201 5494فاكس - 01 201 5498ص .ب 10071الرياض 11433 nashr@asfndn.com
العدد 37 خريف 1433هـ 2012 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن
املشرف العام
إبراهيم احلميد أسرة التحرير محمود الرمحي ،محمد صوانة أمين السطام ،عماد املغربي اإلخراج الفني خالد الدعاس
قواعد النشر
هاتف)+966()4(6263455 : فاكس)+966()4(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية.
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
املراسالت
توجه باسم املشرف العام ّ www.aljoubah.org aljoubah@gmail.com
ردمد ISSN 1319 - 2566
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .وفي عام 1424هـ (2003م) أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف ،بوقف مستقل ،من أسرة املؤسس ،للصرف على هذا املركز -الفرع.
2
اجلوبة -خريف 1433هـ
الـمحتويــــات
االفتتاحية 4 . ....................................................
6....................... النقد األدبي ..رؤى وتطلعات
ملف العدد :النقد األدبي ..رؤى وتطلعات -بمشاركة :صالح الزياد ،عبدالله السفر ،سناء شعالن ،محمود عبدالحافظ، إبراهيم الحجري ،عبدالله السمطي ،محمد جميل ،إبراهيم الدهون ،عبدالدايم السالمي ،عماد الخطيب 6 . ...............
دراسات ونقد :خصوصيات الكتابة النسائية في مجال القصة القصيرة جدا -د .جميل حمداوي 61 . ..........................
لماذا« ..كيف تصن ُع كتاباً يُحق ُق أعلى مبيعات؟ -محمود سيف الدين64 . ................................................
قصص قصيرة :شمس تولد من الجنوب -عماد أحمد 68 . ... صورتان -ليلى الحربي 69 . .....................................
81..................... عابد خزندار يفتح قلبه لـ«اجلوبه»
رؤى على أمواج متضاربة -محمد محقق 70 . ................ لــــــــــــوحة -هشام حـــراك 71 . .................................
قصص قصيرة جدا -ميمون حرش 72 . ...................... قصص قصيرة جداً -محمد صوانه 73 . .....................
شعر :الفيلم المسيء لإلسالم -جاك صبري شماس74 . ...... الضحى75 . ....................... مالك الخالدي في أغرودة ُ رويده -عبدالكريم النملة 76 . .................................
أنا لست هرتك الجميلة -نادية أحمد محمد 77 . ............
95..................... ملحة العبدالله :إمرأة حتمل عزمية رجال
قصاقيص شعرية -محمد عباس على داود78 . .............. قصيدة اليوسفية -د .يوسف العارف 79 . ....................
مواجهات :عابد خزندار يفتح قلبه للجوبه -حاوره :إبراهيم الحميد وعمر بو قاسم 81 . .................................... ملحة العبدالله :إمرأة تحمل عزيمة رجال -حاورها أحمد الطراونة 95 . ...................................................
عبدالرحمن الشهري -حاوره :عمر بوقاسم 104 . .............
نضال القاسم -حاوره :عمار الجنيدي 108 . ...................
سيرة وإبداع :الشاعر أ .د .أحمد السالم 114 . ..................
ن��واف��ذ :الشعر والصناعة ،أي��ة صلة جمالية؟ -عبدالغني فوزي119 . .......................................................
114....................
المـــــــرآة -عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد121 . .............
الشاعر أ .د .أحمد بن عبدالله السالم
قراءات126 . .....................................................:
من روائع الشعر العربي« ..أما لجميـل عندكن ثواب» -نورا العلي123 . .......................................................
اجلوبة -خريف 1433هـ
3
افتتاحية العدد > إبراهيم احلميد
إذا كانت الكتابة اإلبداعية هي القوة الخالقة التي تظهر ق��درة العقل البشري على إف��راز مختلف األشكال المعرفية ،فإن النقد يأتي ليستكمل الصورة اإلبداعية التي ال يمكن تفكيكها ،إال عبر آليات النقد المتوفرة للناقد حيثما كان ..ومن هنا ،تأتي أهمية االتكاء إلى النقد ،كوسيلة للمعرفة تتجاوز وظيفتها التقليدية؛ لتكون مهمة إبداعية ،ال تقل جماال عن النص اإلبداعي نفسه .ولهذا جاء ملف الجوبة النقدي مناقشا النقد بين القديم والحديث، راص��دا لحركة النقد من سوق عكاظ والمربد وحتى مناهج النقد الغربية الحديثة ،ومجيبا على أسئلة موقع النقد العربي ،قبل اكتشاف مناهج النقد الغربية ،وكاشفا عن أسبقية النقد العربي ورياديته ،اعتبارا من شيخ النقاد عبدالقاهر الجرجاني ونظرياته النقدية ،راصدا مرحلة النكوص التي واجهت النقد العربي تزامنا مع الحالة العامة لألمة العربية واإلسالمية ،وحتى بدايات التأثير الغربي في الحركة النقدية.. ويناقش الملف الخدمات المتبادلة بين المنجز السردي والنقد األدبي، وتطور السرد العربي ،وفي المقابل مدى تطور المناهج النقدية في تعاطيها مع المنتج السردي ،كاشفا النقد بين سلطة النص وسلطة القارئ ،إذ يبدأ فعل النقد لدى القارئ مبكرا ،حيث أن لدى النص القابلية لإلدانة والمساءلة.. ونأتي إلى المناهج النقدية الحديثة وقراءة في المضمون والتطبيق بين
4
اجلوبة -خريف 1433هـ
المنهج وتعدده في المنهج التكاملي ،وص��وال إلى المناهج النقدية إلى أي��ن؟ حيث
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
المنهج التاريخي والمنهج االجتماعي والمنهج النفسي والمنهج البنيوي ،وبين أحادية يناقش الملف المنهج األسطوري الذي قدّ م نفسه أداة لتملك مفاتيح النص األدبي، واألطروحات التي يتكيء عليها ،وصيغ مرجعيته ..ومنها األدب العربي القديم حسبما ي��رى بعض النقاد ال�ع��رب ..حيث يتطلب ال�ق��راءة الدقيقة للنص ،معتنيا بالناحية اإلنسانية حتى يأتي دور الفرق بين ناقد ومبدع يمتلك أدواته الخالقة ويبني قراءاته خطوة خطوة.. ومن النقد األدبي إلى نقد الخطاب ومحاولة تصحيح المفاهيم التي تجعل النقد األدبي حكرا على النصوص األدبية ،حسبما تمت وراثته من المرحلة االستعمارية التي سعت إلى عدم شمول حركة النقد وحصرها بالنص األدبي ،والفصام الذي يعيشه الناقد في عالمنا العربي بين النقد والعلوم االجتماعية ،نتيجة العزلة عن سجاالت الحياة العامة ،ومشكلة غياب الحرية وتأثيرها على حركة النقد ..وحتى مناقشة تعدد أشكال النقد األدبي ،وتعدد األسئلة ،إلى التعريف بالترسيمات التحليلية في النقد التطبيقي ،وبدايات ظهورها مع بروز األثر اللساني في الدراسات األدبية. هكذا يأتي ملف الجوبة ،معبرا عن رؤية تكاملية تجاه المناهج النقدية ونماذجها، حيث تأتي في إطار منهجي لرؤية نقدية شاملة تَجاوبَ معها ثلة من النقاد والباحثين الذين يمتلكون رؤى متعددة تغطي جوانب عديدة من موضوع الملف.. رؤى تتمايز وتتقارب مع أشكال النقد المختلفة ،وتطبيقات تتكئ على نماذج من الحالة اإلبداعية الموجودة ،والتي نأمل أن تكون في مجملها مساهمة في الجهد المعرفي الذي يقود إلى حالة دائبة من التفاعل والتالقي ،مع مختلف أشكال اإلبداع في الوطن العربي..
اجلوبة -خريف 1433هـ
5
النقد األدبي رؤى وتطلعات > إعداد وتقدمي :محمود عبدالله الرمحي
النقد لغة ،هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شيءٍ ما ،بعد فحصه ودراسته؛ أما في األدب ،فيعني دراسة النصوص األدبية ،والكشف عما فيها من جوانب الجمال كي نحذو حذوها ،وما قد يوجد من عيوب لتجنب الوقوع فيها. والنقد األدب��ي يقوم على دراس��ة األدب وتفسيره ومناقشته .وتقييمه .وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره،للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في األعمال األدبية. واألدب سابقة للنقد في الظهور ،ولوال
يقوله ،ومحاوالً أن يثير في نفوسنا شعوراً
وج� ��وده ..لما ك��ان ه�ن��اك نقد أدب ��ي؛ ألن بأن ما يقوله صحيح وأقصى ما يطمح إليه ق��واع��ده مستقاة ومستنتجة م��ن دراسة النقد األدبي ،ألنه لن يستطيع أبدا أن يقدم األدب .إن الناقد ينظر في النصوص األدبية
لنا برهاناً علميا يقيناً .ولذا ال يوجد نقد
شعرية كانت أم نثرية ،ثم يأخذ بالكشف
أدبي صائب وآخر خاطئ ،وإنما هناك نقد
عن مواطن الجمال والقبح فيها ،معل ً ال ما أدب��ي أكثر ق��درة على تأويل العمل الفني
6
اجلوبة -خريف 1433هـ
واختالف مناهج النقد معناه اختالف ف��ي وج�ه��ات النظر .وال ��ذوق ه��و المرجع
تغيرات خالل القرن العشرين فيما يخص وظائف النقد وأساليبه وأهدافه .فبعد أن
األول في الحكم على األدب والفنون؛ ألنه كان النقد في المفهوم الكالسيكي ينظر إلى أقرب الموازين والمقاييس إلى طبيعتها .األثر األدبي بحد ذاته ,أي بوصفه موضوعا ولكن ال��ذوق الجدير باالعتبار هو الذوق المصقول لذوق الناقد الذي يستطيع أن يكبح جماح هواه الخاص ،الذي قد يجافي في الصواب،الخبير ب��األدب ال��ذي راضه وم ��ارس ��ه ،وت �خ �ص��ص ف��ي ف �ه �م��ه ،ودرس أساليب األدب ��اء ،ومنح ال�ق��درة على فهم أس��راره��م والنفوذ إل��ى دخائلهم وإدراك
مكتفيا بذاته ,ومتخذا مكانه الخاص ,برز
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وتفسيره من غيره.
وقد تعرضت مفاهيم النقد األدبي إلى
ال�م�ف�ه��وم ال �ح��دي��ث ل�ل�ن�ق��د ،وف �ي��ه ل��م يعد األث��ر األدب��ي موضوعا طبيعيا يتميز عن الموضوعات األخ��رى بالسمات الجمالية فحسب ,بل صار يعد نشاطا فكريا عبَّر بواسطته شخص معين عن نفسه .أي أن هدف النقد تحوّل عن الموضوع نفسه إلى
مشاعرهم وسبر عواطفهم ،بفهمه العميق ،كل ما يحيط الموضوع ,مع التركيز على تفاصيل تتمثل في ظروف العمل األدبي، وحسه المرهف ،وكثرة تجاربه األدبية. وع�ل�ي��ه ،الب��د أن يتمتع ال�ن��اق��د بمزايا منها: �در واف� ٍ�ر من المعرفة -1أن يكون على ق� ٍ والثقافة. -2أن ي�ك��ون ل��دي��ه ال�ب�ص��ر ال�ث��اق��ب الذي يكون خير معين له على إصدار الحكم الصائب.
م�ن�ه��ا ال �س �ي��رة ال��ذات �ي��ة ل�ل�م��ؤل��ف والحس
المتضمن في ذلك العمل األدبي. ونستطيع أن نقسم حركة النقد األدبي عند العرب إلى فترتين :األولى وتمتد من العصر الجاهلي إلى بداية عصر النهضة في القرن التاسع عشر ،أما الثانية فهي فترة النقد الحديث ،الذي يمتد إلى يومنا ه��ذا ..ولهذا التقسيم سبب واض��ح؛ ففي
ف��األدب ونقده ذوق وف��ن قبل أن يكون المرحلة األولى لم يكن التدوين قد انتشر، معرف ًة وعلما ،وإن كانت المعرفة تعين وكان االعتماد على الرواية الشفوية ،أما صاحب الحس المرهف وال ��ذوق السليم
المرحلة الثانية فقد عرفت التدوين الذي
والطبع الموهوب..
أسهم في تطوير كثير من العلوم والفنون.
اجلوبة -خريف 1433هـ
7
النقد األدبي بني القدمي و احلديث > د .محمود عبداحلافظ خلف الله -جامعة اجلوف
على الرغم من تغلغل النقد في جميع مسارات التفكير اإلنساني ،وارتباطه بصيرورة االنتساب إلى الجنس البشري ،وامتداده امتداد عمر البشرية ،إال أن ارتباطه بدراسة األدب ،وحدَّ ه من قِ بَل كثير من المهتمين بهذا الشأن بأنه «دراسة لألدب» قد جعله منعوتًا تالزميًا لهذا المصطلح؛ و ألن األخير هو البوتقة التي يمور فيها الفكر اإلنساني بمكوناته الفلسفية والثقافية والنفسية واالجتماعية ،أضحى النقد األدبي في صدارة العلوم اإلنسانية تطورًا ،و أمضاها حركة ،وأبعدها عن الثبات و الجمود. و في هذا اإلط��ار ,يموج الفكر النقدي بزخم كبير من االتجاهات النقدية المتنوعة التي يبدو في الكثير منها تعارض أيدلوجي و راديكالي .و المتأمل مليًا في هذا الشأن يدرك أن ذلك هو المنطق األوحد لتفهم حقيقة النقد األدبي؛ فال يوجد منطق في دراسة النقد أكثر من منطقيته في التقادم والتسارع تناقضا، ً والتناقض حتمي الثبات .فمع تعقد الحياة اإلنسانية ..يزداد النقد األدبي عمقً ا و تعقيدً ا و وذلك ما انبرى سافرً ا في عصر الحداثة و ما بعدها ،مقارنة بأطواره في الحقب الزمنية السابقة. كما أن ارتباط النقد المتماهي مع ذاتية الناقد قد رسخ فيه هذا العمق من التغاير ،وأذكى فيه بعد التقادم والتسارع؛ فكثيرًا ما تختلف أحكام النقاد تبعًا للمسائل التي تشغل بالهم من أمة إلى أمة ،بل بين أبناء األمة الواحدة والجيل الواحد .وقد فرضت سمة التطور ال��واس��ع للحركة النقدية على النقد العربي التحاور ،ليس فقط مع الظروف الراهنة.. بل مع ال�ت��راث التاريخي لألمة نفسها ،مع الوعي الكامل بعوامل التحول ومرجعياته ،ألج��ل الدفاع عن األصول الجمالية المتوارثة في ظل التحديات المعاصرة ،والتأكيد على الهوية من خ�لال عملية التأصيل المطردة مع عملية التقادم المستمرة.
من الشاعر ،أضحى يؤدي وظيفته بحظوظ متنوعة ومتفاوتة ،من حيث االعتماد على منهجية واضحة، وعيارية جلية متفق عليها عرفًا لتقييم جمال األدب. وقد ظل يسير على خطى ثابتة قبل ائتناسه بأساليب النقد الغربي ،وتبني مناهجه من قبل بعض النقاد، حيث أتاح هذا االحتكاك توفير قدر من التجرد عن الميول واأله��واء الشخصية للناقد العربي ،إال أنه دفعه دون أن يشعر إلى كثير من التعقيد وإقصاء بعض سمات وظيفته األولى التي كانت تذلل كثيرًا من اآلث��ار األدبية أم��ام ال�ق��راء ،وتوجه الكتَّاب إلى عيارية اإلنشاء الصحيح في الفكرة واللفظ.
وال�س��ؤال ال��ذي يطرح نفسه هنا؛ إل��ى أي مدى والنقد العربي منذ نشأته تحت القباب الحمراء أدى النقد العربي دوره قبل اكتشاف النقد الغربي بعكاظ والمربد ،حيث تميزت فيه شخصية الناقد والتفاعل معه؟
8
اجلوبة -خريف 1433هـ
ويعد أهم إنجازات النقد العربي في هذه الحقبة هو «عمود الشعر» و«نظرية النظم» ،إذ ظل النقد برمته ط��وال ال�ق��رن ال��راب��ع ال�ه�ج��ري يفاضل على مقياس واح��د ه��و «ع�م��ود الشعر» ال��ذي اختصره القاضي الجرجاني في قوله« :وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في ال�ج��ودة والحسن لشرف المعنى وصحته ،وجزالة اللفظ واستقامته ،وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب ،وشبّه فقارب ،ولمن كثرت سوائر أمثاله وش��وارد أبياته .ول��م تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة ،وال تحفل باإلبداع واالستعارة، إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض». وتجدر اإلش��ارة هنا إلى أنه رغم القصور البيِّن لعمود الشعر في التمييز بين نقد الشعر ونقد النثر، وأيضا قصوره من ناحية التعمق في قضايا األسلوب، ً إال أنه قد أبلى دورًا مهمًا في دفع األدباء إلى الصحة والوضوح ،وترويض الكتابة لتناسب عددًا كبيرًا من جمهور القراء؛ وذلك ما حدا كثي ٌر من المتخصصين ِب� َع� ِّد نظرية «ع�م��ود الشعر» ف��ي النقد ف��ي العصر الوسيط ،بمثابة الكيان النقدي الصلب الذي تصدى لنظرية أرسطو في الشعر ،ورفض التأثر بها.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
مر النقد العربي بمراحل مميزة تتسم كل واحدة منها بإيجاد مقاييس لتقييم ال�ك�لام الجميل ش�ع�رًا أو ن �ث �رًا .ومن المعروف أنه منذ نشأه نظرية «عمود ال�ش�ع��ر» ف��ي ال�ق��رن ال��راب��ع الهجري، وال�ن�ق��د مقتصر على ال�ش�ع��ر ،إذ كان مقياسه ال�ت��أث�ي��ر ف��ي ال���ذوق والسليقة واألخ�لاق المثالية ،وقد ظل ذلك سائرًا إلى أن جاء شيخ البالغة عبد القاهر الجرجاني بنظرية النظم في القرن الخامس الهجري ،التي عُدت فتحً ا مبينًا على علوم البالغة والنقد والكالم.
أم � ��ا ن� �ظ ��ري ��ة ال� �ن� �ظ ��م ل �ع �ب��د القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري، ف�ق��د ك��ان��ت ت��ج��اوزًا ك�ب�ي�رًا ف��ي عمق اإلدراك العقلي والفكري ،إذ قضت على كثير من المفاهيم الخطأ التي سادت النقد األدبي سلفًا ،فقد وطأت ألسس راسخة وعميقة لنقد الشعر بوجه عام ،وبيان إعجاز القرآن الكريم على وجه الخصوص .فقد أك��دت نظرية النظم على الوحدة بين اللغة والشعر ،وبالتالي ،القضاء على ثنائية اللفظ والمعنى؛ فليس الغرض من نظم الكالم هو ت��وال��ي األل�ف��اظ ونطقها ،ب��ل تناسق دالل�ت��ه وتالقي معانيه على الوجه الذي يقتضيه العقل ،وتستعذبه القرائح. وعلى الجانب اآلخ��ر ،ظهر االهتمام بالتحليل الشكلي والهيكلي النقدي في الدراسات األدبية في أوربا ،في نهايات القرن التاسع عشر الميالدي ،على يدِ «روالن��د ب��ارت» ومن لحق به من البنيويين ،وقد أقر كثي ٌر ممن يمثلون المهنية األكاديمية في الغرب بأن نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني هي األرض الخصيبة التي نبتت فيها البنيوية الغربية في ذلك الوقت. وإذا تجاوزنا مرحلة نوم العصور التي انبطحت فيها األم��ة العربية منذ القرن الثامن الهجري ،لم يكن هناك تأثر ملحوظ للنقد العربي بنظيره الغربي إال بعد ظهور ما نُعِ تَ بعصر النهضة بعد الحرب العالمية األولى ،حيث تقدمت العلوم اإلنسانية بشكل عام تقدمًا ملحوظً ا في ذلك الوقت ،وتمددت فيه بليغ نشأت فيه الروح النقدية حرية التعبير بمستوىً ٍ العصرية ل��دى كثير م��ن المثقفين ال �ع��رب ،ووثب النقد وثبة عقلية وفلسفية جاوزته مرحلة االنطباع والتأثر ،حيث شهدت أوربا إبان ذلك الوقت انقالبات اجلوبة -خريف 1433هـ
9
أي��دل��وج�ي��ة تمخضت ع��ن واق ��ع ف �ك��ري ،وسياسي ،التي تتكامل فيها كل هذه العلوم. واجتماعي مغاير ،أذكى صراعً ا في العلوم اإلنسانية ب ��دأ ال�ن�ق��د ال �ع��رب��ي م��رح�ل��ة ج��دي��دة م��ع ظهور حول النص األدبي الذي تأثر بكل العلوم اإلنسانية الحداثة وما بعدها ،إذ تأثرت هذه المرحلة بتطور أيضا. مجتمعة ،وبكل منها على حدة ً النقد التأويلي ف��ي العالم ،وبخاصة ف��ي البنيوية وقد صعد نجم كثير من المفكرين واألدباء والنقاد العرب في ذلك الوقت أمثال العقاد ،وطه حسين، وسليمان البستاني ...وغيرهم ،الذين تنوعت بهم المناهج النقدية واتجاهاتها الحقًا ،وظهرت في شبه توقيت متزامن النزعات الكالسيكية والرومانسية، ثم الواقعية ،واحتدم الصراع في أكثر من اتجاه، بين العامية والفصحى ،والمثالية والواقعية ،واألدب للعامة أم للخاصة ...إلخ.
إن أهم ما ينعت به التطور في هذه المرحلة هو خالصا ،حيث حول الناقد ً عَ ُّد النقد عملاً فلسفيًا إلى فيلسوف يبحث في اللغة والفن والشعر والخيال، وشتى مفاصل العلوم اإلنسانية .وقد تأثر اإلنتاج األدبي في ذلك الوقت بمبادئ النقد الغربي ،وكان منهج طه حسين التاريخي ال��ذي أث��ار فيه مشكلة السياسة ودورها في قضية النحل في تاريخ الشعر الجاهلي أق��رب تمثيل لهذا التأثر ،حيث مزج بين التمحيص والتحقيق العلمي والمقابالت وتوظيف الشك وغيره من األدوات التي سادت النقد الغربي في ذلك الوقت. ومن مظاهر تأثر النقد العربي بنظيره الغربي «المنهج النفسي» حيث اهتم نقاد مدرسة الديوان �ض��ا جماعة أبولو بالجانب النفسي في النقد ،وأي� ً ورابطة شعراء المهجر ،وأيًا كان تأثر أبناء هذا الجيل واتجاهاتهم التاريخية أو الفلسفية أو االجتماعية أو النفسية ،فإن المنطق العقلي يؤكد على أن كل هذه االتجاهات والعلوم كانت صالحة –وما تزال- لدراسة األدب؛ ألنه يعد انعكاسً ا تحصيليًا للحياة
10
اجلوبة -خريف 1433هـ
واألسلوبية .أما النقد السوسيولوجي ،فقد تبلورت فيه النظريات االجتماعية في العالم العربي ،وظهر ع�ل��ى أي ��دي م�ف�ك��ري اإلص �ل�اح ف��ي ع�ص��ر النهضة مثل سالمة موسى ال��ذي بلور نظرته األدب�ي��ة في كتابه(األدب للشعب) ،ومحمد مندور صاحب النزعة االجتماعية االشتراكية ال��ذي أض��اف للنقد األدبي بعدًا أيدلوجيًا واضحً ا.
إن ج��ل م��ا اتسم ب��ه النقد ف��ي عصر الحداثة، وأيضا المرحلة التي تلتها هو نقد ال��ذات ،ثم نقد ً التراث بإيدلوجياته وفلسفاته ،واعتماد العقالنية ال �ب �ن��اءة -م��ن وج�ه��ة نظرهم– م �ع �ي��ارًا ف��ي النقد الذي تم اختزاله في صورة انتقاد مطلق ومستمر. ولم تقدم هذه العقالنية في معظمها نقدًا مبدعً ا يضيف معرفة جديدة؛ وبذا يكون النقد األدبي قد دخل مرحلة جديدة تبحث في اإلشكاليات المركبة.. المرتبطة باإلصالح في العالم العربي ،وفي فصل االشتباك المحتدم بين مفهوم الحداثة وعالقتها بالعقالنية والحرية والعدالة االجتماعية. وأخيرًا ،فإن الفكر النقدي سيظل في حراك دائم ديمومة الحياة اإلنسانية ،يتجاوز في عمقه الرصد األحادي ألي من مظاهر الفكر اإلنساني منفردًا ،فهو محصلة النتاج التقييمي للفكر اإلنساني المتكامل على مر العصور ،وبدا ذلك واضحً ا في تجلياته في الفلسفة اإلغريقية ،مرورًا بالحركات التنويرية في العصر اإلس�لام��ي ال��وس�ي��ط ،وص��ولاً إل��ى المالمح الرئيسة لعصر التنوير األوربي التي قادت إلى عصر الحداثة وما بعدها...
خدمات متبادلة
> إبراهيم احلجري -ناقد وروائي من املغرب
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
السردي والنَّقد األدبي: املنجز َّ
تمهيد: تطور السرد العربي بشكل مطرد خالل النصف الثاني من القرن العشرين ،واجترح لذاته مسارات ومنعطفات أهّ لته ليكون في مستوى تطلعات األجيال الجديدة ،التي لها أسئلتها الخاصة ،في ضوء ما عرفته مرحلتها من حراك ثقافي وسياسي مؤثر. ولم يكن هذا التطور ناجما عن اشتغال السرد داخل بنيته بوصفه إبداعا جوّانيا يربط المنتج بالواقع بالقارئ ،في عالقة ميكانيكية يعد خاللها الباث هو المهيمن ،بل هو نتيجة تفاعالت وتداخالت أسهمت فيها عدة عوامل منها: ال��ب��اث :ه��و منتج ال��رس��ال��ة النصية ومصمم عوالم الحكاية ،وله سلطة رمزية تتمثل في قدرته على التحكم في مجريات العالم ال �س��ردي ورس ��م م �س��ارات��ه واختيار شخوصه. ال���س���ي���اق :وه���و ال �م �ح �ي��ط الذي
يدور فيه فعل اإلنتاج ،وهو المؤطر للعمل اإلب��داع��ي ،وم��ن دون ه��ذا ال�م�ك�وّن يظل المعنى بال روح؛ ألنه سيكون انبثاقا من ع��دم .المحيط هو ال��ذي ي��زود الباث بمرجعيات اإلنتاج ومادته وعالماته الكبرى التي تعد قاسما مشتركا بين ال �ب��اث والمتلقي ،وق �ن��اة م��ن خاللها تتم عملية التواصل.
المتابعة النقدية التي تنصرف إلى خلق حوار مع النصوص السردية والتعريف بقضاياها بشكل خفيف وعابر ،وغالبا ما يكون مالذها الحيز الصحفي. االشتغال النقدي األكاديميالذي يتعمق في النظريات ويستخلص المفاهيم ويهيء عدة القراءة والتلقي وفق أدوات إجرائية أكثر دقة .ويراوح هذا االهتمام بين المجال النظري الصرف والعمل داخل عيّنة من النصوص والتجارب السردية التي تقبل أن تكون حقال لتبرير العدة النقدية النظرية؛ وهنا ،يصبح النص حقل تجربة وأداة إلقرار العدة.
بيد أن ه��ذه العناصر م��ا ع��ادت تشتغل في امل��ن��اخ ال��ن��ق��دي :ويتعلق األم ��ر بالخطاب استقاللية ،بل تداخلت وتراكمت لتنتقل تطاحناتها الموازي لإلنتاج السردي؛ أي الخطاب الواصف م��ن ال�م�ن��اخ األدب���ي للنص إل��ى ال�ع��ال��م الجوّاني ل�ل�م��ؤل��ف ،إذ ان�ت�ق��ل أث ��ر ه ��ذا ال �س �ج��ال البراني للنصوص .ونميز داخله بين نمطين:
اجلوبة -خريف 1433هـ 11
ليتجسد نصيا في مشكل السرد وأسلوبه وبالغته أن انتبهوا إلى أ ّن هناك من يحكي وهو ،بالموازاة، وتمظهراته المتعددة.
واع بأدواته وطرق تشكّل عوالمه لبنة تلو األخرى. ٍ
في السرد ،كان ه ّم الكاتب ووظيفته أن يبدع فبات الوعي بعالم الكتابة موازيا لعملية السرد ويكتب ويحكي فحسب ،من أجل أن يمتع ويهيىء نفسها ،بعد أن كان الحقا أو ملحقا بها. طعم اإلنتشاء لقارئ ضمني (شهوة القراءة أو لذة
وك��ان من نتائج ه��ذا الوعي بممكنات الكتابة
ال �ن��ص)( ،)1لكن مع ظهور الحساسيات الجديدة السردية وآلياتها ومقترحاتها أن ظهرت حساسيات وارتقاء المستوى األكاديمي للكاتب وانفتاحه على جديدة أفرطت في التمرد على النموذج السائد في
المجاالت األدبية والنقدية األخرى ،وحرصه على السرد ،وسارعت إلى المغامرة المطلقة وبخاصة متابعة الجديد ،واجتهاده من أجل التثقف ذاتيا ،على مستوى صوغ النص وطرائق السرد .ولعب بدأ حال النص يتبدل ،وباتت أشياء غريبة تتسلل «التجريب» دورا نشطا في رواية تيار الوعي ،فقد إلى جسده ،جاعلة منه عالما فسيفسائيا يتسع اقتضى تصوير الوعي على نحو مناسب اختراع
�واع ج��دي��دة م��ن التكنيك ال�ق�ص�ص��ي ،وإعادة الحتواء مواد مختلفة ،تهب عليه من مجاالت قد أن� � ٍ تكون بعيدة عن مجال السرد الذي هو غاية القصة تسليط األض��واء على األن��واع القديمة ،ما أوجد
أو الحكاية وقطب رحاها.
الوعي بالكتابة ،الوعي بالسرد: ب��دأت تتراجع الكتابة التلقائية (الساذجة)
تدريجيا مع انسحاب أغلب الكتاب والمبدعين إلى
التشبع بالنظرية النقدية وما تقترحه من أدوات
وممكنات على مستوى الكتابة السردية؛ وبخاصة مع ترجمة أعمال الشكالنيين الروس وفالديمير
ب��روب وميخائيل باختين ،وبعدهم أعمال روالن بارت وروم��ان جاكبسون وجيرار جينيت وغيرهم
من رواد السرديات ( )Narratologieإلى العربية،
اضطرابا ال يمكن تفاديه»(.)2
وراك��م��ت ه ��ذه ال�ح�س��اس�ي��ات (ب��ال �ج �م��ع ،ألنه
ليس هناك نموذج واحد ،بل هناك نماذج متعددة
تتناسل وتتوالد بشكل مطرد) تجارب جديدة على
مستوى ال �س��رد ،إذ طفحت النصوص السردية الجديدة (قصة ورواية وسيرة ذاتية )...بمجموعة
من الظواهر المغايرة التي خلخلت أف��ق انتظار المتلقي صانعة ب��ذل��ك ف�ج��وة ك�ب��رى بين الباث
والمتلقي من جهة ،والنص والقارئ من جهة ثانية؛ ومن هذه الظواهر السردية:
حيث عمد هؤالء إلى استخالص أدبيات وأشكال •خ��رق تراتيبة أح��داث النص السردي ونقله م��ن ن �ظ��ام ال�ت��رت�ي��ب إل ��ى ف��وض��ى األح���داث ومورفولوجيات ومعماريات أكبر عدد ممكن من النصوص ،مبتكرين بذلك شعرية للنص السردي،
وألن أغلب كتاب السرد العربي كانوا ينتهجون
الطريقة التقليدية الخطية في الحكي ،فقد أغوتهم نتائج السرديات وطرائقها ،وأغرتهم اآلليات التي اقترحت في مجال السرد ،فراحوا يجربونها بعد
12
اجلوبة -خريف 1433هـ
وال �ت��داخ�لات ،وه��ذا يشغّل ال�ق��ارئ ويهاجم اطمئنانه وكسله ألن��ه ي�ف��رض عليه إعادة
ترتيب األحداث في إيقاعها األصلي قبل أن
يغيّرها وع ُي الكاتب وتطولها فوضى الخبرة بآليات التشكيل والتشييد والبناء.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
•االنتقال من الحكي بضمير ال�غ��ائ��ب إل��ى ال �س��رد بضمير المتكلم ،إذ تبعثرت أوراق ال �م �ت �ل �ق��ي ال��ن��م��ط��ي ال� ��ذي ت �ع �وّد أن ي �ك��ون ال �م��ؤل��ف أو باألحرى ال��راوي برانيا على ع��ال��م ال �س��رد ،صانعا ل��ه من الخارج ومجرد مراقب .لقد ف �ض��ح ال �ك��ات��ب ل�ع�ب�ت��ه أمام م�ت�ل�ق�ي��ه وف �ض��ح تواطؤهما على ك��ذب��ة الحكاية ،الشيء ال��ذي نفّر وأرب��ك طمأنينته. أص �ب��ح ال�� � �رّاوي ،ب�ف�ع��ل هذا اإلج� � ��راء ،س� ��اردا لألحداث ومشاركا فيها في آن واحد. كما اعتمد ،في ه��ذا الباب، ال �م��ون��ول��وغ ال��داخ �ل��ي الذي يعد تكنيكا سرديا يهدف إلى تقديم المحتوى النفسي الجواني للشخصية والعمليات السيكولوجية لديها»(.)3
•االنغماس الكلّي للسّ رد في تفاصيل الذات والعوالم الجوانية للمؤلفين ،ومن خاللهم الرواة؛ ألن ه��ؤالء ما هم سوى أقنعة متعددة ومفكر فيها للكاتب الفعلي ،ما فتح المجال للسرد الذاتي ليهيمن ع�ل��ى ال �س��رد المتخيل والواقعي الذي ينأى عن عالم الذات ،أو هو يحاول اإليهام بذلك على األقل. ويظهر هذا جليا في رواي��ة زينب حفني «وسادة لحبك»(.)5 •اعتماد رواة متعددين يتناوبون على الحكي ب��دل ال��راوي المفرد الذي يهيمن على العالم السردي، حيث يتنازل المؤلف لشخصياته وروات � ��ه ك��ي ي �ت �ن��اوب��وا ع �ل��ى سرد ح �ي��ات �ه��م وأس� ��راره� ��م وينشطون ج��زءا من أح��داث النّص السّ ردي وحبكاته .فيذوب صوت الراوي الواحد بين أص��وات ال��رواة الفرعيين والشخوص الذين قد تختلف وجهات نظرهم للعالم المحكي
•التمرد على قدسية اللغة الفصيحة اعتمادا على بوليفونية باختين ،حيث تخلّلت لغة إل� ��ى ح ��د ال� �ت� �ص ��ادم واالخ � �ت �ل�اف أحيانا. ال �ح �ك��ي ك ��ل ال �ل �غ��ات ح �ت��ى ال�م�ن�س�ي��ة منها ونمثل لذلك برواية فخاخ الرائحة ليوسف (األمازيغية والكردية والعامية المتالشية).. المحيميد ،حيث يتناوب الشخوص على سرد حكاياهم(.)6 وأض� �ح ��ت ال �خ��اص � ّي��ة ال �ج��وه��ري��ة ل �ه��ا هي ()4 التعددية والحوارية من دون أن ننسى لغة •توظيف ما تقترحه نظرية التناص أو التفاعل ال�ع�لام��ات واإلش� ��ارات الصناعية ..كما أن النصي( )Textualité( )7لجعل المحكي فضاء بعض كتاب السرد لم يتورّعوا عن توظيف لتالقي النصوص وتداخلها ،وفرصة جديدة لغة شعريّة تترقرق ماء وصورا وبالغة ،بعد لتتنفس النصوص التراثية القديمة هواء أن كان السرد التقليدي يعمد إلى التقريرية ح�ي��اة أخ ��رى ف��ي ص ��ورة م�ت�ج��ددة ومختلفة ويرتكن إلى لغة واضحة متيسرة للجميع. مفتوح لجامع ٍ بحثا عن هوية جديدة وأف� ٍ�ق
اجلوبة -خريف 1433هـ 13
النص( ،)8ويبدو هذا واضحا ف ��ي رواي � ��ة «ط� ��وق الحمام» لرجاء عالم التي تنفتح على ال��رس��ال��ة ،وأن � ��واع الخطاب األخ ��رى ،فضال ع��ن التاريخ المتعلق بجزيرة العرب ومكة ال�م�ك��رم��ة ،وال �ق��رآن الكريم، حيث تبدو مورفولوجيا النص خليطا مركبا م��ن النصوص الغائبة والبنيات الخطابية(.)9 وق ��د ت��أخ��ر ظ �ه��ور ت �ي��ار ال��وع��ي ف��ي الرواية السعودية ،بفعل ظ��روف سوسيوثقافية ،قبل أن تبدأ في التخلص تدريجيا من هيمنة المضامين اإلصالحية ،وضعف المعمارية والبناء الفني بفعل غ�ي��اب المقومات الفنية ف��ي ذه��ن الكتاب»(.)10
ومعلوم أن وعي الكاتب السعودي بنصه جاء في ظل االنقالب والتمرد على الواقع والهروب منه، لكن طبيعة التكنيك ال �س��ردي ه��ي ال�ت��ي تقيده دائما بمسماه األصلي .أي قد يهرب الكاتب من فنه الروائي ليقع في مواصفات السرد القصصي ليدرك القارئ بعد ذلك ،حيرته في تحديد هوية النص السّ ردي وضياعها ،التي هي تعبير عن حيرة وقلق وضياع شخصية تيار الوعي من األساس، والباحثة عن هويتها في الحياة(.)11
السارد الناقد :صوت الناقد داخل المحكي ما عاد الحضور النقدي في السرد يقتصر على التجليات التي سر ُدُتها سابقا ،بل أضحى يخترق المحكي ،ويتخلّله ويفصل بين مقاطعه ،واألكثر من ذلك أن المقاطع النقدية هذه ،ليست برانية
14
اجلوبة -خريف 1433هـ
عن صوت ال��راوي بل هي صادرة ع�ن��ه أي �ض��ا ،ف�ه��ي ت�ب�ي��ن كواليس العمل ،وتشرح اآلليات التي يشتغل في ضوئها ال��رواة الذين يمنحون أنفسهم ف��رص��ة للتفكير ف��ي ما ي �س��ردون��ه ،وف��ي أس��ال�ي��ب الصوغ وطرق بناء الحكاية. وه ��ذا ال�ع�م��ل ه��و م��ا يصطلح ع �ل �ي��ه ف� ��ي األدب� � �ي � ��ات النقدية ب�ـ»ال�م�ي�ت��اروائ��ي» أو «الميتاحكي»، ويتعلق األمر بخطاب يستنبت داخل الحكي وهو ليس من طبيعته ،وإن كان يشرح طريقة اشتغاله. فعادة ما كان الخطاب النقدي يتخذ حيزا برانيا ع��ن ال�س��رد ،وي�ك��ون ناجما ع��ن ق��راءة للنص بعد إنجازه من خارج الترهينات السردية أي من طرف شخص ثان ،أما مع الميتاحكي ( )Méta- récitفيلج
الناقد النص ويتخذ مكانه أثيرا بداخله ،لكن هذه المرة عبر صوت الراوي نفسه الذي يوقف السرد، ويطلق العنان لخواطره وتأمالته في ما رواه وفي آل �ي��ات حكيه ل�لأح��داث وت �ص��وي��ره للشخصيات واألمكنة مكسّ را ،بذلك ،انسيابية الحكي ،وفاضحا جزءا من أسرار مطبخه للقارئ إبان عملية الكتابة وداخلها.
يصبح النص الروائي بفضل هذا الحضور النقدي مرتعا لخطين في الكتابة أو ِلنَقل م�لاذا لصوتين متوازيين ال عالقة بينهما؛ صوت الراوي الذي يسرد أحداثا ويرسم عوالم وح��وارات وأمكنة وشخوصا، وصوت الناقد الذي يتابع التحول السردي ،ويتأمل عملية الحكي وهي تشكل العوالم ،ويستشرف ممكنات الكتابة؛ موضحا األولويات واألسباب والدواعي التي تجعل الكتابة تختار هذا المسار وال تختار مسارا
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وخ �ي��ر م��ا ن�س�ت��دل ب��ه ع�ل��ى هذا آخر .وتأتي هذه البنيات الدخيلة أو التوجه الواعي في الكتابة الروائية الطارئة على ال�ن��ص ،فتشوش على ال�س�ع��ودي��ة ن �م��وذج رواي���ة «ح��ب في الحكي ،وبالتالي على متلقيه ،مثلما السعودية» ل�ل��روائ��ي إب��راه�ي��م بادي ي��أت��ي ل�ـ«ي�ن�ق��د» أو «ي �ن �ق��ض» البنية ال ��ذي ي ��وزع اهتمامه ال��داخ�ل��ي في النصية األصلية أو المتصلة بعالم النص بين مسارين :مسار الحكي، القصة المحكية في النص الروائي، ومسار النقد أو التأمل في طبيعة لتحقق وعيا ذاتيا ينطلق منه الروائي المحكي وتحوالته ومكوناته .يقول ف ��ي ت�ص�م�ي��م ع��وال��م��ه ،وع �ب��ر هذا ال � ��راوي« :أن���ا م��ؤل��ف رواي� ��ة «رجل ال��وع��ي ي �م��ارس ال�ح�ك��ي ك��إب��داع من خالل ترابطه بنقد يتم على الحكي نفسه ،أي أن وخمس نساء» مؤلف ...ولست مؤلفة .تعود «أنا» الروائي لم يبق ذلك الذي ينتج قصة محكمة البناء ،إلى راو .وال تعود إلى راوية (تلك التي كتب اسمها ولكنه أيضا ،من خالل إنتاجه إياها ينتج وعيا نقديا على غالف هذه الرواية) لست إيهابا ،هو بطل هذه الرواية التي أكتبها .هو مجرد شخصية ابتكرتها»(.)14 يمارسه عليها أو على الحكي بصفة عامة(.)12
وف��ي أح �ي��ان ك�ث�ي��رة ،تصبح اإلش� ��ارات النقدية فالكاتب هنا يتمرد على عالقة المطابقة بين البطل التي يتضمنها السرد موجهة لفعل التلقي ،ومعلنة وال��روائ��ي التي يصنعها الحكي بضمير المتكلم، الحتماالت قرائية بديلة .كما تلعب هذه الخطابات لذلك يعمد إلى توضيح األحبولة التوهيمية التي النقدية الموازية وظيفة تتبعية مهمة ،في ظل انحسار يضع فيها المتلقي. دور النقد في تتبع الحركة اإلبداعية ،وعجزه عن وي �ق��ول ف��ي م �ك��ان آخ��ر منبها إل��ى خصوصية تحقيق تراكم نقدي ،في ظل التراجع ال��ذي سجله النص ،ومقترحا على المتلقي صيغا أخرى للتصرف النقد األدبي أكاديميا ،وضعف المتابعة الصحفية؛ في المكتوب« :يمكن إعادة ترتيب األحداث .يمكن ل��ذا ،فقد أصبح كل نص يحتمل في طياته مدونة إع��ادة ترتيب الصفحات .يمكن تقديم الصفحات نقدية استئناسية تضيء مساربه ،وتفسر أسباب الخاصة بفاتنة قبل األخ��رى ،وتقديم منال وهتون ()15 ن��زول��ه ،وت�ك�ش��ف مطبخ أس� ��رار ال �ك��ات��ب وعوالمه ع�ل��ى ف��اط �م��ة .ل�ت��أت��ي ب�ع��د ذل ��ك دي���ان فدنيا» اإلنتاجية.
وي�ق��ول راوي ال ��رواة ف��ي ال��رواي��ة فاضحا المطبخ
وت��دخ��ل ه��ذه العملية ضمن تجربة الحساسية الشخصي لتشكيل الرواية وعوالمها« :انتهيت من الجديدة التي انفتح عليها الجيل الجديد ،في إطار ما الكتاب .كتبت كل الفصول .كل الفتيات الخمس. يسمى «بالتجريب» .وعرفت هذه الظاهرة اكتساحا كنت ب��دأت بفاطمة فديان ودن�ي��ا ،ثم منال فهتون كبيرا للسرد المغاربي ،عكس السرد المشرقي الذي (هنا في بيروت) .وأخيرا فاتنة .بقي أن أراجع ما ظل متحفظا بهذا الخصوص ،وزاه��دا في التعامل سجلته فقط .وأن أدقق في الزمن .سأبدأ من أول مع التقنيات التي تحطم النموذج وتنزاح بالسرد عن صفحة إلى األخيرة كما رتبتها .لكني أحتاج اآلن قواعده ومرجعياته التقليدية(.)13 إلى راحة»(.)16
اجلوبة -خريف 1433هـ 15
استنتاج
ون� �ق ��ده ،وم ��ن ال �ع �ي��ب أن ي �ظ��ل ال �ن��اق��د يتفحص
إذا كان النقد يساعد على تفهم النص السردي النصوص الجديدة ب��أدوات متهالكة أنتجت في وفك آليات اشتغاله ومنطق تفاعل مقوماته الفنية ظروف نصية سابقة .ومن هنا ،فالتراكم النصي أدوات لبلوغ معاني هو ما يقترح النظريات األدبية والنقدية ،والناقد ٍ والداللية ،ويضع رهن المتلقي النصوص؛ ومفاهيم لمالمسة رسالتها ،فإن النص المتميز هو من يالحظ المتغيرات التي تستجد السردي يمد الناقد بآفاق توسيع نظريته وتجديد على مستوى الحساسيات واألجيال األدبية ،وهكذا مفاهيمه وآليات اشتغاله؛ فكما هو معلوم ،فإن نقول إن العالقة بين النصوص السردية والنقد
أي تجدد للنظريات األدبية والنقدية ال يكون إال األدبي هي عالقة تعاون وتبادل وتكامل :النصوص انطالقا من «زالزل» تحدثها حساسيات النصوص تخلخل النظريات وسكونيتها وتضطرها إلى تبديل المتجددة على مستويي الشكل والداللة .وهكذا تصوراتها ،والنقد يساعد هذه النصوص على إبراز فلكل جيل م��ن ال�ن�ص��وص يقترح أدوات تحليله خصوصياتها الفنية والداللية للقارئ. ( )1 () 2 ( )3 () 4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 () 9 ( )10 ( )11 ( )12 ( )13 () 14 ( )15 ( )16
16
روالن بارت :لذة النص ،ترجمة فؤاد صفا والحسين سحبان ،دار توبقال للنشر والتوزيع ،الدار البيضاء ،المغرب، الطبعة األولى.1988 ، روبرت همفري ،تيار الوعي في الرواية الحديثة ،ترجمة محمود الربيعي ،دار غريب ،القاهرة2000 ،م ،ص.57 . أسامة فرحات ،المونولوغ بين الدراما والشعر ،مكتبة األسرة بمطابع الهيئة المصرية العامة ،القاهرة2005 ،م ،ص. .19 ميخائيل باختين ،الكلمة في الرواية ،ترجمة يوسف حالق ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق1988 ،م ،ص.231 . زينب حفني ،وسادة لحبك ،دار الساقي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى2011 ،م. يوسف المحيميد ،فخاخ الرائحة ،دار رياض الريس ،بيروت لبنان ،الطبعة األولى2003 ،م. سعيد يقطين« ،الرواية والتراث السردي ،من أجل وعي جديد بالتراث» المركز الثقافي العربي ،البيضاء بيروت، الطبعة األولى1992 ،م. جرار جنيت :مدخل لجامع النص ،ترجمة عبدالرحمن أيوب ،المعرفة األدبية ،دار توبقال للنشر .الطبعة الثانية، 1986م. رجاء عالم ،طوق الحمام ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى2010 ،م. أحالم حادي ،جماليات اللغة في القصة القصيرة ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان2003 ،م ،ص.271 . سامي جريدي ،الرواية النسائية السعودية ،خطاب المرأة وتشكيل السرد ،دار االنتشار العربي ،لبنان ،ط 2008 ،1م، ص.110 . سعيد يقطين ،قضايا الرواية العربية الجديدة ،الوجود والحدود ،دار رؤية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر العربية، الطبعة األولى2010 ،م ،ص.174 . من األسماء الروائية التي برزت بشكل كبير في هذا التوجه السردي نذكر محمد برادة ،الميلودي شغموم ،الطاهر وطار ،حسونة المصباحي ،واسيني األعرج ،وغيرهم... إبراهيم بادي ،حب في السعودية ،دار اآلداب ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى2007 ،م ،ص.137 . المصدر نفسه ،ص.130 . المصدر نفسه ،ص.135 .
اجلوبة -خريف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ِ القارئ وسلطة سلطة ِّ النص ُ الن َّْق ُد بني ُ > عبدالدائم السالمي – من تونس
القارئ إلى ِ النص آ ُل��ة َّ بالنص .لكأنّ ِّ النص ،بل يحصدُ ه ِّ “ولكنّ القارئَ ال يحصد المعنى من تقاطع ِ أي معنى ،هو الشرار ُة الخاطفةُ التي تنشأ من ومفتاحه إليه .ال بل لكأنّ المعنىّ ، ُ المعنى النص ،بوصفهما تاريخيْن غي َر مكتمليْن ومنفتحيْن على اآلتي دون القطع مع تاريخ ّ تاريخ القارئ مع ِ ِ لغوي مَّ ا» ٍّ جسد نص مّ ا ،داخل ٍ وخبْرةِ ٍّ قارئ مَّ اِ ، الماضي ،بل إنّ المعنى جدلٌ حارٌّ بين ِخبْر َتيْنِ :خبرةِ ٍ دث كيف يُبنى معنى المقروءِ خالل حَ ِ النص األجناسية ِّ القراءةِ؟ هل لطبيعة والشكلية والفنية تأثي ٌر في طبيعة ت�ل� ّق�ي��ه؟ وم��ا م��دى ت��دخّ ��ل «ثقافة» النص؟ ِّ َالالت ال�ق��ارئ في تشييد د ِ وم ��ا ح� ��دو ُد ف �ع��لِ ال��ت��أوي��لِ النصيّ وعالقتُه بوعي ال ّذات المؤوِّلةِ بحدودِ ها ُض الماديّة لحظ َة التف ُكّرِ ؟ أال يوجد هكذا تعار ٌ النص وموضوعيّةِ ذاك التلقّي؟ ِّ بين حرية تلقّي النص ،القو ُل ِّ ُضيف :أي�ج��وزُ ،لصيانة حُ رمةِ ُ ون َّض التأويلي» الذي يمك ُن أن تتعر َ ِّ بمنع «العدوانِ الباث إلى المتلقّي، ِّ النصوص في سَ فَرِ ها من ُ له
أم نشجّ ع عليه؟ ق��د نمي ُل ف��ي إجابتنا ع��ن هذه األسئلة إل��ى القول إنّ فع َل النَّقد يبدأ قبل ابتداء فعلِ الكتابة ،وذلك من جهة أنّ النقد استعداد ذهنيّ لتقبّل النص .وه��و استعدا ٌد يتشكّل في القارئ من نواتج تواصله مع عناصر البيئة الثقافية بجميع تلويناتها الفنية والشكلية والقِ يَمية وتفاعلها معا في ٍآن ،ومن ثمة يكون النص .ولكنّ هذا ِّ للقراء ِة أمرُها في توجيه معاني بميل آخر إلى القولِ ٍ المي َل سرعا َن ما يرتطم
اجلوبة -خريف 1433هـ 17
أسباب معانيه. ِ إنّ لعجينة ال�م�ق��روءِ ح �ض��ورًا ف��ي المبدع قبل جسدَها باحثا فيها عن النص حاض ٌر بالقوّة َّ تش ُّكلِها النصوصيِّ ،بل إنّ لدى صاحبه قبل حضوره الفعليّ ،ومن ثمة فإنّ
نصا يحف ُر في ثقافتِه عميقًا يقب ُل أن وال نخال ًّ يكون منزو َع السُ لطة في توجيه قراءاتِه .وفي رأينا
النص األد ِّب��ي تتأتّى من طبيعةِ بنيانه ِّ حشو َد معانيه سابق ٌة للحظةِ كتابتِه ،وهو أم ٌر قد أنّ سلط َة يدفع المقرو َء إلى تحديد مسارِ قراءتِه والتأثيرِ اللغويِّ ،ومن خبر ِة صاحبه بطرائقِ تش ُّكلِه الفنيّةِ ،
فيها .وعلى مدار هذيْن الزّع َميْن ،يحتدم صرا ُع ومن كيفية تواصله مع موروثه اإلبداعيّ ؛ وبهذا، ِّ تأويلِ المعنى بين سل ُطةِ النص القدرةَ على أن يُسائل ما يشاءُ من ُّ النص وسُ لطةِ القارئ /يحتا ُز
الناقد.
عناصرِ واقعه الماديّةِ والرمزيّةِ ،وأن يتخ َّي َر بوعيِه ***
الخاص فضا َء المُساءلةِ وزمانَها ،وأن يتوسَّ َل لها ِّ
أدوات المجادلةِ الشكل ّي َة واألسلوبي َة المناسبةَ، ِ نص أدبيٍّ خروجً ا مّا شك في أنّ لك ّل ٍّ ما من ٍّ ُقاس وأن يُجرِّبَ غواي َة الخروج على -والخروجِ مِ ن النص األدبيّ ي ُ ّ مألوف مّا .بل لع ّل نُض َج ٍ عن
أرض ك � ّل األق��ان�ي��م ال�س��ائ��دةِ ،وأن يعي ب��أنّ م��ن أوكد دو ًم��ا بحجم المساحة التي يُح ِّررُها من ِ السياقات الفكريّةِ السائدةِ ،ليبسُ َط عليها نفوذَه واجباته أَ َّال يُداه َن القارئَ إشفاقًا أو نفاقًا ،وأَ َّال
كثير من الخضوعِ بمنحه وجب َة المعنى في ٍ ِ سات يتكفّل اللغويَّ في إطار ما يُنش ُئ فيه مُبدعُه من مؤسّ ٍ جمالي ٍّة وأخالقي ٍَّة ،ورمزي ٍّة جديدةٍ ،هي منه عما ُد لسُ لطةِ ذوقِ ه وأنظمةِ رغائبِه وحُ شودِ ها .بل على �ص��ا ت�ه��دأ فيه ح��رك � ُة المخاتلةِ المعنى .وإنّ ن� ًّ
النص أن ي � ُر َّج في ق��ار ِئ��ه سكين َة قناعاته ،وأن ِّ
ُّرات يُمكّنه من أسباب الحذرِ منها ،وأن يعصف فيه والمناور ِة وال��خَ �رْقِ المستم ِّر لنسيج التصو ِ َّرات ،وأن ينز َع والنصوص المطمئ ّن ُة كالزّبدِ ،باطمئنانه إلى األشياء وال ُمتَصو ِ ُ نصا مطمئ ّنًا، يظ ّل ًّ
س الجم َر الذي يكم ُن في لن تصن َع معناها مهما عل َتْ و َربَ��تْ ،ول��ن تُع ِّم َر عن يديه ُقفّازيْه ليتحسَّ َ ال مهما أ ُسْ عِ فَتْ بوافرِ األسباب .مباني األلفاظ. دَالالتُ�ه��ا طوي ً ذل��ك أنّ الكتاب َة ح��دثٌ بشريٌّ ن��اد ٌر ينهض على
بعض يتنص ُل من ِ بشري ّ ٍّ فعل ونزعم أنه ما مِ ْن ٍ
ذات ُمف ِ َّكرَةٍ تقد ُر فاعلِه ،هذا مؤ َّكدٌ ،وما من ٍ ذات ِ ِ خالصات التجربة اإلنسانية التي تجعله ِ صافي بإمكانات المعنى ،يروم االكتما َل فيه م ّر ًة على التخل ُ ِّص من ِصفاتِها لحظ َة بناءِ معنًى من ِ ممتلئًا كف عن المعاني .فالموضوع ّي ُة سببٌ مُبتَغَى يقيناً لجهة ويُخطئُه دائمًا ،ألنّ االكتما َل في المعنى ٌّ المُساءلةِ من جهة كونها استدعا ًء لحقِّ السؤال كونه يحمي من االن ��زالقِ المحتَمَلِ حين يسي ُر مكتوب سَ � ِ�خ� ٍ�ن .موضوعي ُة ٍ �ف عن الشكِّ لكونه رحل َة ال�ق��ارئُ على صفيحِ وكثر ًة في تأويله ،و َك� ٌّ النص مَطْ ل َبٌ تخييليٌّ يكا ُد يتماهى واألسطورةَ ِّ اإلنسان إلى يقينه على اعتبارِ أنه كلّما ثا َر في
18
التيمات المتحكِّمةِ ِ تيمة من تلك شك في ٍ النص ٌّ ِّ
إثبات ذاكَ الوجودِ .وهنا، ِ من حيثُ الوُجو ُد وعد ُم
قاب الواقع ،حش َد «معارِ فَه» واندفع يشكُّ في رِ ِ
تُ�ط� َر ُح علينا مسأل ُة حضورِ نَظري ٍّة َّم��ا تُراقِ بُ
اجلوبة -خريف 1433هـ
الموجودات ِ ْئات انبجاس ح��رار ِة هَ ي ِ ِ ّات ع�ل��ى م��وض��وعِ ت �ف � ّ ُك��رِ ه��ا .ه��ل النّظر ّي ُة أملتْه كثرةُ ال� � �ذ ِ الخامّ .ذلك أنّه لمّا ِانْوَجَ َد ِ الذهنِ الباطلِ ؟ المقروءة في ِ ّ ِ نائس نحو ٌ الفكر ّي ُة ح ّ ٌق وفعل ُها النقديُّ الحق والباطلِ ،بوصفهما مِ حْ َو َريْنِ ِّ ربّما ،ألنّ بين
ال�ك��ائ� ُن البشري أم��ام ظ��واه��ر طبيعيّة (نصيّة
ُدق ُق معيارِ يَيْن ،يتن َّز ُل الفع ُل النقديُّ األدبيُّ .ال ب ّد من قبل أبجديّة) مستغل َقة على معانيها راح ي ِ ّ النص ،حتى نحم َي ُه من فيها النظ َر يتغيّا تأويل َها وبلو َغ فهمِ ها ،ومن ثمة المعنوي في ِ ّ ِّ الحق ِّ نُشْ دَانِ
َاجها َضمِ ها معرِ فياً واالنتفاع بنت ِ باط ٍل السيطرةَ عليها به ْ الحق من ِ ِّ والسفَهِ ،ولكن ال بُدَّ لهذا َّ النسيانِ طات المعنويِّ الدَّ الليِّ في ِصداماتِه الالحقة الممكنة ضاغ ِ ِ (لغوي) يمنحُ ه ق��درةَ تجاوُزِ ٍّ إنشائِي محيطه المجهولةِ .ويبدو أنّ هذا ِ الفني ،في شيء من مع عناصرِ ِّ المألوف ليبل ُ َغ مراقِ يَ ال َّذوْقِ ِ الجُ رْأةِ ،وفي شيءٍ من الحَ ذَرِ . *** للنص األدبيِّ جاهزيتُه لإلدانةِ ِّ بالمعنى ،تكون
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إسقاطات ُمنْشَ دَّ ًة إلى فعل القراء ِة بوصفه ترسيماً لها دَالل ّيًا ِ خَ طْ وَنا وتَ ْمنَعُنا االنزال َق صوبَ شفيرِ
السب َق لفعل القراءة تشرّبه الفك ُر البشريّ ،تحت
ضاغطة الحاجة ،حتى صار سالس َل جينيّة تحكم يج ُّد من الظواهر ،وتُمكّنه جديد ِ ٍ كل سلوكَه عند ِ ّ الالوعي بها ِ متدر ٍّج من ِ دث تأويلِها بشكل من حَ ِ
الوعي بأنساقِ ِ الوعي بحدودِ ها إلى ما بع َد ِ والمساءلةِ ؛ إدانة ك ِّل شيءٍ ومساءلة ما فيه من إلى دع��وةٍ إل��ى ال� ّدع��ةِ واالطمئنان والسكينة ،سواء تك ُّونِها ،أي :بلوغ التف ُكّرِ فيها المنطق َة التي تنفلِتُ
أكان ذلك مؤسّ ٍ �راط ال��واق��ع لتنف ِت َح على سات ديني ًة أم أنظم ًة في السياسة داخلها ال��رؤي��ا من أش� ِ واألخالق واالجتماع واللغة .يفعل ذلك ألنّه يرو ُم المتو َقّعِ حيث ال تح ُكمُها ،أسيِج ٌة وال يشكمُها
الالت. المقيت من الدَّ ِ ِ المألوف ِ الحياةَ في حراكها الحُ ِّر وتجدُّدِ ها المتحرِّرِ من حَ ب ُل َّس ،وي ��روم معرف َة سُ بُلِ أغ�ل�الِ ال�س��ائ��دِ ال � ُم � َك �ر ِ *** الخوف منها حتى وإ ْن أخطأها .وإ ْذ يقو ُل ِ نزعِ جاء في «لسان العرب» عن ابن األثير القولُ: النص األد ُّب��ي معنى اإلدان ِ��ة ،ال يجه ُر به دائمًا، ُّ َضعِ ه «والمرا ُد بالتأويلِ نق ُل ظاهرِ اللّف ِْظ عن و ْ
ألنه يخشى أن ينزا َح في ذلك من حيّزِ األدبيّةِ دليل ل��واله ما تُرِ كَ األص�ل� ِ ِّ�ي إلى ما يَحتا ُج إلى ٍ ْ ُباشرِ ،فتراه يتف َّك ُر معناه اإلسفاف الم ِ ِ إلى حيِّزِ بصوت مُناوِ ٍر يطر ُق به أب��وابَ تلك المؤسّ سات ظ��اه � ُر ال �لَّ � ْف��ظ» ،ون�ت�ب� ّي� ُن م��ن ه��ذا حُ � ��دو َد فعلِ ٍ
ض من القولِ بكشف الغامِ ِ ِ واألنظمة ويَشْ َرعُها وف َق أساليبَ له فني ٍّة تتك ّف ُل ال � ُم � َؤوِّلِ ،فهو يقوم استجالب (أو استحالب) معناه بواسطة ِ ب��إن �ج��از ُم �س��اءل � ِت��ه ل�ه��ا داخ ��ل أف �ض �ي��ةِ القراء ِة بُغي َة لفظ آخر غيرِ مست ْغل ٍَق على الفهمِ ،ال بل إنّ عمل َه ٍ النص ِّ المتنوّعة .واستنادًا إلى هذا ،يظ ّل معنى
لنص َّم��ا أما َم الغامض ٍّ ِ محتاجً ا إلى قوّةٍ قرائي ٍّة تُخرجُ ه من كمونِه الفنيِّ ،هو إب��اح� ُة ُك�نْ��هِ المعنى شبيه له .إذاً ،ثمة حدثُ ٍ بنص مَّا ُتلق مَّا ٍ ّ ألنّ القراءةَ كانت هي المبتدأ في إظهارِ المعاني ،ذائقةِ م ٍ ّ
ف يكش ُ َص ،وبالتالي ثمّة معنًى ِ نص من ن ٍّ والكتاب ُة تالية عليها .بل إنّ كتاب َة ظهرت مُحْ تشم ًة والد ِة ٍّ
اجلوبة -خريف 1433هـ 19
عن معنًى ،ثمة إضاف ٌة إلى َكوْنِ ال َّداللةِ ،إضاف ٌة ِعنْدِ َر ِ ّبنَا َومَا يَ َّذ َّك ُر ِإ ّالَ أ ُ ْولُو األَلْبَاب» (آل عمران، �ارئ ُم� � َؤو ٍِّل إل��ى آخ��ر ،وم��ن طبيعةِ ِف من ق� ٍ تختل ُ نفس ال �م � َؤوِّلِ ،ومن �ص إل��ى طبيعةِ آخ��ر عند ِ ن� ٍّ ّاس .ولكن، �ات الن ِ تأويل إلى غيرِ ه من أوق� ِ ٍ زم��نِ هل نُ َب ِّر ُر بقولِنا هذا عد َم موضوعيّة فعلِ النقدِ ؟ إجابة ،ونب َدؤُه بتساؤ ٍُل ٍ سنحاو ُل تقدي َم مشروع مكتوب ونح ُن ال نتو َّف ُر ٍ نص مهم :أَيُمك ُن تأوي ُل ٍ ّ النص ّ آليات فهمِ اللغةِ ؟ أيجوز اعتبا ُر داللةِ ِ على نص ،هو لغةٌ، فالنص ،أيُّ ٍّ ُّ خارج لغته؟ نقو ُل بلى، والمنط ُق مُتعالِق ٌة مُعادَالت ّي ٌة يؤدّي ِ منطقٌ، واللغ ُة ِ سالسلِها إلى فتحِ عُقد ِة األخرى ،فال ِ ح ُّل إحدى يُ��وج� ُد ت��أوي� ٌل صائبٌ وال �م � َؤ ِّو ُل خ��ار َج دار ِة لُعبةِ المكتوب. ِ الكتابةِ ،بعيداً عن إصابةِ وِ حد ِة معنى ض أنّنا َمل َكنا ناصي َة اللغةِ ،هل يعني هذا ولْنَ ْفتَرِ ْ مكتوب مَّا؟ ٍ أن القارئَ ب َمنْآى عن الخطلِ في فهمِ سنُجيبُ بقولِنا إنّ فع َل القراء ِة هو أساساً فع ٌل باحثٌ دوم�اً عن الموضوعيّة ،ينشُ دُها من َمهْدِ ِ النص إلى لَحْ دِ نِهايتِه ،ما إ ْن يقترِ ب ِّ بدايةِ قراء ِة َف عليها منها حتى تبد َو له بعيدةَ المنالِ ،فإذا عك َ أطراف النهارِ َ يطلُبُها آنا َء الليلِ فرّتْ منه أطْ يافُها باب االنزِ ياحِ السّ هْلِ الذي تُبيحُ ه اللغةُ .ثمة من ِ مشكل ٌة إذاً ،وإذاً ث ّم َة تأويلٌ! *** « ُه�� َو ا ّلَ ��ذِ ي أَنْ� � َز َل عَ �ل َ�يْ��كَ ال��كِ �تَ��ابَ مِ �نْ� ُه آيَاتٌ
اآلية .)7 *** ظاه ٌر أ ّن الفتن َة غي ُر التأويلِ ،وأ ّن التأوي َل غي ُر النص ِّ �ارئ يَ ْهتِكَ حُ جُ بَ �وف من ق� ٍ القتْلِ .فال خ� ٌ ويجته ُد فيه طاقاتِهِ العرفانية ابتغا َء تأويلِه ،ولن مضيعة ٍ يذهبَ فعل ُه سُ دًى ،ولن يح َز َن حُ ْزنَه على مطلوب ٍ متوهجَ ٌة ول َّذةُ ِّ لوقت ما دام ثمة لذةُ طَ ل ٍَب ٍ تَظَ ّ ُل مؤجَّ ل ًة أبداً ،إ ْذ في تأجيلِها تمدي ٌد في حيا ِة �ص ،وتجدي ٌد في حيا ِة ق��ار ِئ��ه وه��و ما يضم ُن ال�ن� ِّ أش��راطَ أدبيّةِ األث��رِ وقدرتَه على اختراقِ خطيّةِ التخييلي .أل ّن المعاني ليست بضاع ًة معلَّب ًة ِّ الزّمن النصوص ،وال حتّى على قارعة طرقاتها، ِ ملقا ًة في القارئ .فهو الفاع ُل في ِ كف تصفيف ِّ ِ بل هي من �ض��ا؛ يهاج ُر إليه مُجَ َّهزًا �ص وه��و صاحبُه أي� ً ال�ن� ِّ الخبرات اللغويّة والفنيّة والقيَميّةِ ، ِ هاز من بجَ ٍ أرضه كلَّ انتظاراتِه، ويُعمِ ُل فيه معاولَه زارعً ا في ِ ح�ت��ى إذا رب���تْ م�ع� ًن��ى وت�س��ام�ق��ت ش �ك�لاً ،عجّ ل بحصادِ ها .ولكنّ ال�ق��ارئَ ال يحصد المعنى من القارئ ِ النص آل ُة َّ بالنص .لكأ ّن ِّ النص ،بل يحصدُه ِّ إلى المعنى ومفتاحُ ه إليه .ال بل لكأ ّن المعنى ،أيّ معنى ،هو الشرارةُ الخاطف ُة التي تنشأ من تقاطعِ النص ،بوصفهما تاريخيْن ّ تاريخِ القارئ مع تاريخِ غي َر مكتمليْن ومنفتحيْن على اآلت��ي وال يرغبان
َاب َوأ ُخَ � ُر ُمتَشَ ا ِبهَاتٌ َف َأمَّا أبدًا في العود ِة إلى الوراءِ ،بل إ ّن المعنى جد ٌل حا ٌّر مُحْ َكمَاتٌ ُه َّن أ ُ ُّم الكِ ت ِ نص مّا داخل وخبْر ِة ٍّ قارئ مَّا ِ ا ّلَ��ذِ ي� َن فِ ي ُقل ُوبِهِ ْم َزيْ � ٌغ َف َي ّتَ ِبعُو َن مَا تَشَ ابَ َه مِ نْ ُه بين ِخبْرتَيْنِ :خبر ِة ٍ النص إ ّال كيف ّي ُة إدار ِة هذا ِّ جسد لغويٍّ .وهل أدب ّي ُة ٍ ابْ ِتغَا َء الفِ تْنَةِ وَابْ ِتغَا َء تَأْوِ يلِهِ َومَا يَ ْعل َ ُم تَأْوِ يل َ ُه ِإ ّالَ رواجه وازدهارِ ه؟ أسباب ِ ِ ّاسخُ و َن فِ ي العِ ل ْمِ يَقُولُو َن ءَا َمنَّا بِهِ ُك ّ ٌل مِ ْن الجدلِ ،وضما ُن اللهُ ،وَال َر ِ
20
اجلوبة -خريف 1433هـ
قراءة في املضمون والتّطبيق
> د .إبراهيم الدهون الدهون -جامعة اجلوف
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
املناهج النّقديّة احلديثة
السريع على المناهج الّنقديّة الحديثة؛ تعريفاً ،وأعالماً ،كما تسعى هذه الورقة إلى التّطواف ّ تهدف إلى إبراز دور هذه المناهج في سبر مكنون النّصوص اإلبداعيّة ،وكشف تجلياتها الف ّنيّة التي تلفت انتباه القارئ المبدع. فالنّقد األدبي هو فنّ التّمييز بين األساليب ،وتبيان مميزات العمل األدبي وعيوبه ،أو هو الحكم لصالح العمل أو ضده. ومفردة( :نقد) في اللّغة العربيّة ،تشير إلى تمييز الدّ راهم ،وإخ��راج الزائف منها ،ثمّ تطورت اللّفظة بعد ذلك إلى الكشف عن محاسن العمل األدبي ومساوئه ،وقد نشأ النّقد مع نشوء األدب أو بعده بقليل؛ فإذا اعتبرناه يسير مع األدب ،فنقصد أنَّ األديب حين ينتهي من كتابته للنّص األدبي؛ يعيد قراءته ،كاشف ًا أخطاءه ،مقوم ًا عيوبه األولى. وإنَّ م�ن��اه��ج ال� ّن�ق��د األدب���ي وتحليل النّصوص متعددة وكثيرة ،لم تأخذ حدّ الثبات ،ودق��ة المصطلح ،فقد تزيد وتنقص ،وقد تتوحد وتتعدد تارة. وق ��د ح ��دث ه ��ذا ال � ّت �ع��دد أكثر م��ا ح��دث ف��ي ال �ق��رن ال � ّت��اس��ع عشر، �اص��ة في اس�ت�ج��اب��ة ل �ع��وام��ل ع��ا ّم��ة ،وب �خ� ّ الحياة ،والمجتمع ،والفكر ،والفلسفة ،وتراكم الخبرات وتنوع األدب اإلنشائي. وما حدث منها في القرن التّاسع عشر مضى أكثره إلى القرن العشرين ،جمعاً وزي��ادة حيناً، ونقصاناً حيناً آخر ،ويمكن القول :إنَّ القرن عمل عموماً على تشذيب التّطرف في تلك المناهج، وباألخذ منها بما هو في صميم العملية النّقديّة،
وما يهب النّاقد سعة األفق ،وتعدد الزوايا التي ينظر منها إلى األدب المبدع. وت��ظ��ه��ر إزاء ه � ��ذا المناهج المتعددة دعوة إلى االنتقاء ،ففي ك ّل منهج شيء ينفع النّاقد ،فليأخذ – إذاً -ما ينفعه من المنهج التّاريخي، وال� ّن�ف�س��ي ،واالج �ت �م��اع��ي ،وال�ب�ن�ي��وي. ال ال وتأ ّم ً ّص تحلي ً وكما أنّ الوقفة عند الن ّ ض ��روري ��ة ،ف ��إنَّ االس�ت�ع��ان��ة ب��ال�م�ن��اه��ج األخرى �ص ض��روري��ة أي �ض �اً؛ ول��ذل��ك كان اس�ت�ج�لاء ال � َّن� ّ يسمّى هذا المنهج االنتقائي أو التّكاملي. وال� �م� �ن� �ه ��ج ،ل� �غ� �ةً :ه���و ال� �ط ��ري ��ق ال���واض���ح؛ واصطالحاً ،هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ،ويتتبَّعها للوصول إلى نتيجة؛ وبنا ًء عليه؛ فقد اعتمد النّقاد في نقدهم
اجلوبة -خريف 1433هـ 21
ّص. للنصوص األدبيّة على عدة مناهج نقديّة ،ومن تتعلق بخدمة هذا الن ّ أهمها هذه المناهج: إنَّ التّاريخية التي يقوم المنهج عليها ،تأخذ من
التّاريخ أضيق دالالت��ه ،أي ارتباط الحدث بزمن، -1المنهج التّ اريخي وم��ن ث � ّم تقسيم األدب إل��ى ع�ص��ور ،وص�ف��ات ك ّل فالمنهج التّاريخي لألدب ،هو المنهج الذي يصار بالصفة الصفات ّ أدب من ك ّل عصر ،وعالقة هذه ّ فيه إلى دراسة األديب وأدبه أو الشّ اعر وشعره؛ الغالبة للعصر. من خالل معرفة سيرته ،ومعرفة البيئة التي عاش ويُع ّد المنهج التّاريخي أوّل المناهج النّقديّة فيها ،ومدى تأثيرها في نتاجه األدبي أو الشِّ عري. وبعبارة أخ��رى ،ه��و المنهج ال��ذي يُعنى بدراسة ال �ح��دي �ث��ة ،وم ��ن أش �ه��ر ال � ّن �ق��اد ال�ت��اري�خ�ي�ي��ن في األديب ،بمعرفة العصر الذي عاش فيه واألحداث اآلداب الغربية( :سانت بيف) الذي اهت ّم بدراسة العبقريات ،وردّها إلى عوامل :كالبيئة ،والجنس، ّص في والخاصة التي م َّر بها ،وبدراسة الن ّ ّ العامّة وال ��زم ��ان .أ ّم ��ا ف��ي األدب ال �ع��رب��ي ،ف�ق��د برزت ض��وء حياة ذل��ك األدي��ب وسيرته وال�ظ��روف التي مجموعة م��ن اتباعه ،نحو :ط��ه حسين ،وأحمد أثَّرت عليه؛ أي أ ّن األحداث التّاريخيّة وشخصية أمين ،وشكري فيصل. األديب يمكن لها أن تكون هنا عوامل مساعِ دة على ّص األدبي وتفسيره. تحليل الن ّ سمات المنهج التّ اريخي ومميزاته ولهذا ،ن��رى أنَّ ه��ذا المنهج يعمل على إبراز الظروف التّاريخيّة واالجتماعيّة التي أ ُن ِت َج فيها �ص ،م��ن دون االه �ت �م��ام ك�ث�ي��راً بالمستويات ال�� ّن� ّ ّص ال�دّالل� ّي��ة األخ��رى التي يكشف عنها ه��ذا الن ّ ودراسة مدى تأثيره على القارئ ،بعكس النّظريات النّقديّة الحديثة ،كالبنيوية والتفكيكية ،اللتين أعطتا السّ لط َة للقارئ وجعلتاه سيدًا على الن ّ ّص -1المنهج التّاريخي في النّقد ،ش��أن أي منهج األدبي ال ينازعه منازع. ح��سّ ��اس ،إذا فقد فيه صاحبه ت��وازن��ه ،فقد خ�ص��ائ��ص ن �ق��ده ،وص ��ار م��ؤرخ �اً أو جمّاع ًة ويتخذ المنهج التّاريخي -إذن -من الحوادث ّص األدبي لديه مادة للتاريخ. للتاريخ ،وصار الن ّ التّاريخيّة واالجتماعيّة والسياسيّة وسيل ًة لتفسير ولم يصر التّاريخ مادة للنقد. األدب وتعليل ظ��واه��ره وخصائصه ،وي��ر ِّك��ز على يمكننا أن نلحظ مميزات ه��ذا المنهج التي تُع ّد متداخلة في حد ذاتها بالعديد من المناهج األخرى ،شأنها في ذلك شأن انفتاح العلوم بعضها على بعض وتداخلها مع حركة الوعي اإلنساني ال��ذي صاحب معطيات التفكير في ك ّل العصور، ومنها اآلتي:
تحقيق ال � ّن �ص��وص وت��وث�ي�ق�ه��ا ب��اس�ت�ح�ض��ار بيئة األدي��ب والشّ اعر وحياتهما؛ فهو ،في ق��ول آخر، ق��راءة تاريخيّة في خطاب النّقد األدب��ي تحاول تفسير نشأة األث��ر األدب��ي بربطه بزمانه ومكانه وشخصياته .أي أنَّ ال � ّت��اري��خ هنا ي�ك��ون خادماً ّص؛ ودراس�ت��ه ال تكون هدفاً قائماً بذاته ،بل للن ّ
22
اجلوبة -خريف 1433هـ
ويقتضي أن يحدّد النّاقد منذ البداية عالقته ّص األدبي بما بالتّاريخ ،فصميم عمله هو الن ّ فيه من العواطف والخياالت ،والمشاعر ،وهو يستعين بتاريخ العصر ،ونظمه السّ ائدة على ّص األدبي .وما خبأه الزمن وراء استجالء الن ّ حروفه ،وكذلك العلم بما تضمن من إشارات
المقاييس اللّغويّة (التّحليليّة) وبين العصر ال��ذي وج��دت فيه ،وبين المؤلِّف ال��ذي تأثر بذلك العصر ،فاستخدم تلك المصطلحات اللّغويّة .ولهذا ،نجد المنهج التّاريخي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمناهج النّقديّة األخرى ،على األقل من هذا اإلطار.
-7وع�ل��ى مستوى ضيق ف��إنَّ المنهج التّاريخي األدب��ي يتتبع األعمال األدبيّة من حيث إقرار النّصوص والوقائع واألحداث فيها ،فهو يدرس المخطوطات ،وي�ق��ارن الطبقات ،ويدقق في التّصويب النّهائي للنّص ،إضافة إلى دراسة تكوينات الوقائع االجتماعيّة المتعلقة بسيرة الكاتب الذاتية.
-2إنَّ المنهج التّاريخي هو منهج يحاول أن يبلور العالئق الموجودة بين األعمال األدبيّة في إطار تاريخي زمني -أي إطار وعي بحركة التاريخ- وهو بذلك يتعامل مع األدب من الخارج. -6ال�م�ن�ه��ج ال � ّت��اري �خ��ي :م�ن�ه��ج ف��رع��ي :يختص بالتوفيق في األعمال القديمة من حيث ذكرها -3تبعاً لذلك ف��إنَّ المنهج التّاريخي يحتاج إلى وحفظها وترتيب ظواهرها في سياق التسلسل ثقافة واعية ،وتتبع دقيق لحركة الزمن ،وما فيه ال � ّت��اري �خ��ي ال �ت��ي ي �ت �ك��ون م�ن�ه��ا ح �ي��اة األدب� ��اء من معطيات يمكنها أن تنعكس بصورة مباشرة وإنتاجهم والجمهور وال�ع�لاق��ات بين الكاتب ّص األدبي .ولع ّل عنايته أو غير مباشرة على الن ّ ومستهلك الكتاب ،ويقدم التفسيرات حول هذه أح�ي��ان�اً بالطّ ابع التّحليلي ي�ب��رز مظهر ذلك األشياء ،وعلى مستوى أعمق يحاول شرحها ّص الوعي؛ فالنّاقد التاريخي قد يلتفت إلى الن ّ وحتى إحياءها من خالل المقتطفات أو يقوم األدبي ،ويحلّله في إطار إحصائي أو بياني أو أمام تراكم الوقائع بإطالق المعايير ،والقواعد حتّى جمالي؛ ليصل في النّهاية إل��ى هدفه، التي تحكم بيئة األدباء وسيرتهم الذاتية. وغايته وهي محاولة الربط بين استخدام تلك
-4المنهج ال� ّت��اري�خ��ي معني بمستويات النّقد وأطره؛ لذا ،فهي تستخدم ك ّل مراحله المتمثلة في التّفسير ،والتأويل والتقييم ،والحكم ،نظراً ّص كرؤية واقعية ترتبط لعنايته ال�ج��ادة بالن ّ بالزمن والعصر والبيئة ،ويلعب المؤلّف دوره المحلّل في ضوء تلك المراحل التي ال غنى عنها في العملية النّقديّة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
لمواقع وأح��داث وأع�لام ،وغير ذلك من آثار واقعية يمكن معرفتها بمساعدة التّاريخ.
سبقوه؛ فهو بالطبع يحصر حقل أبحاثه في م�ي��دان األدب م �ح��دداً عالقاته بكافة األطر االقتصاديّة والسّ ياسيّة ،والثقافيّة ،لتبيان ما فيها من ع��وارض أو إش��ارات تنم عن عقلية نقدية ما.
هذه أهم المالمح التي تميز المنهج التاريخي، وتحدّد خصائصه ،وال شك ف��إنَّ معطياته قد ال تعطي ك� ّل الثمار المرجوة في الحركة النّقديّة، ّص من فهو منهج قديم .أهم ما يعيبه دراس��ة الن ّ ال �خ��ارج ،وال��وق��وف على المغزى ال��واق�ع��ي ،الذي ّص ،المتمثلة في قد ال يكشف لنا أحياناً رؤى الن ّ -5يظهر المنهج التّاريخي األدب��ي ،وكأنّه والية التّحليق ،والخيال ،والبعد المثالي ،الذي تفضيه خاصة في حقل التّاريخ :أي إنّه يذكر الماضي مشاعر ال�م��ؤ ّل��ف( :ال�م�ب��دع) حينما يغدو كطائر ّ من أجل الحاضر ،ويحيى العالقة التي غالباً محلّق ،يرتشف نسمات الهواء. م��ا ت �ك��ون عاطفية م��ع ك �ب��ار ال �ق��دم��اء الذين بيد أ ّن ل�ك� ّل منهج ر ّب�م��ا تظهر مجموعة من
اجلوبة -خريف 1433هـ 23
العيوب التي تح ّد من إبداعه ،والمنهج التاريخي كغيره من المناهج التي ب��رزت فيها عيوب ،ومن عيوبه:
مستقيم وخطي؛ فمفهوم نقض النّقيض نفسه يعبّر عنه بالشكل الحلزوني المتعرج الذي يسير فيه التّطور.
-1االس� �ت� �ق ��راء ال � ّن��اق��ص ح �ي��ث االع �ت �م��اد على المنعطفات ال�ك�ب��رى ف��ي ال� ّت��اري��خ والظواهر الفذّة.
كما تقوم فكرة المنهج االجتماعي على دراسة العالقة بين األدب والمجتمع ،وأق��دم من تناول، وحاول رسم بناء نظري وفلسفي للعالقة بين األدب والمجتمع ،يعود إل��ى المفكر االيطالي( :فيكو)، ث ّم جاء بعده كثير من الباحثين والدَّ ارسين ،وقد خلص أح��د الباحثين إل��ى مفاهيم أساسيّة في المنهج االجتماعي تمثلت في:
-2األح� �ك ��ام ال� �ج ��ازم ��ة ،وب �خ��اص��ة ف�ي�م��ا يتعلق بالمسائل التّاريخيّة القديمة التي ليس لدينا مستندات عنها.
-2المنهج االجتماعي
-1التعامل مع األدب بوصفه نظاماً اجتماع ّياً.
النّقد االجتماعي ،هو ذلك النّقد الذي يعتمد على نظريات علم االجتماع .ولع ّل النّقد الماركسي -2 ،ج��دل�ي��ة ال�ع�لاق��ة ب�ي��ن ال�ع�م��ل األدب ��ي والواقع االجتماعي من حيث التأثر والتأثير. هو أكثر أشكال النّقد االجتماعي انتشاراً ,وهو ي�ه��دف إل��ى ب�ي��ان طريقة تحديد األث ��ر بواسطة ويمكننا ال �ق��ول :إنَّ المنهج االج�ت�م��اع��ي ،هو المجتمع ال��ذي يظهر فيه ,وله طرق متنوعة في الذي تبقّى في نهاية األمر من المنهج التّاريخي، دراسة األثر. وانصب فيه ك ّل البحوث والدّراسات التي كانت في البداية متصلة بفكرة الوعي التّاريخي ،إذ سرعان األساس النظري للمنهج االجتماعيما تحول هذا الوعي إلى وعي اجتماعي ،يرتبط ل �ع � ّل الفلسفة ال �ت��ي ق��ام عليها ه��ذا المنهج بطبيعة المستويات المتعددة للمجتمع ،وبفكرة االجتماعي ،هي: الطبقات ،وكذلك بفكرة تمثيل األدب للحياة على أ -الفلسفة الجدلية الماديّة ،وهذه الفلسفة تعتمد المستوى الجماعي ،وليس على المستوى الفردي. مرتكزات محددة ،وهي الجدل (الديالكتيك)، ومن الباحثين العرب الذين نهجوا هذا المنهج، والنّظريات العلميّة. أو قاربوه في دراساتهم للشعر الجاهلي ،أحمد ب -الجدلية الماركسية :تعتمد ه��ذه الجدلية سويلم في كتابه( :شعرنا القديم؛ رؤية معاصرة)، ف �ك��رة م��ح��ددة ،ه ��ي :أنَّ المجتمع البشري وإحسان سركيس في كتابه( :مدخل إل��ى األدب يتطور بسلسلة م��ن التناقضات التي تشمل الجاهلي). جميع مناحي الحياة :السّ ياسيّة ,االجتماعيّة, -3المنهج النّ فسي االقتصاديّة ,والثقافيّة والف ّنيّة. لقد جاء المنهج النّفسي كرد فعل على تطبيق ج -فكرة التّطور :تتخذ طابعاً تصاعدياً ومستمراً وبدورات( :حلقات مقفلة) ،تتحدد بعالقة الكم القوانين الجبرية في الطبيعة على األدب ،وأنَّ هذه م��ع الكيف ,وأنَّ ه��ذا ال� ّت�ط��ور ليجري بشكل القوانين أفسدت الذوق واألدب والنّقد ،وأساءت
24
اجلوبة -خريف 1433هـ
-4المنهج البنيوي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إليها جميعاً ،وقد تزامن هذا مع نمو الدِّراسات أ ّم��ا ال �دّراس��ات العربيّة في المجال النّفسي، فقد كانت كثيرة وجمّة ،ويمكن اإلشارة إلى أمثلة النّفسيّة على يد فرويد. تظهر مدى اتّساع الدِّراسات والبحوث وتطبيقها األساس النّ ظري للمنهج النّ فسيللمنهج النّفسي ،أمثال محمّد خلف الله في كتابه: يستم ّد النّقد النّفسي معالمه من النّظريات (من الوجهة النفسية في األدب) ،ومحمّد النويهي النّفسيّة التي يعتمد عليها ,وهذه النّظريات هي في كتابه( :عن أبي العالء المعري). أطروحات فرويد ,وغوستاف يونغ. أ .أطروحات فرويد :تهدف إلى تحديد شخصية إنَّ حجر ال��زاوي��ة للمنهج البنيوي مجموعة الفرد ودراستها من خالل التّحليل النّفسي م��ن ال �م �ب��ادئ ال�لّ�غ��و ّي��ة األول �ي��ة ل�ع��ال��م سويسري، أمّا القصور الفرويدي في تفسير النّقد الفني هو( :فرديناند دي سوسير) استطاع أن يؤسس واألدب��ي ،فإنّه يتمثل في إص��راره على إرجاع مدرسة لغويّة حديثة ،أصبحت تع ّد رائ��داً للعلوم العمل إلى القوى المكبوتة ,وتفسير الحقائق اإلنسانيّة. المرئية على أنّها تمثل حقائق أخرى ،إضافة والمبدأ األساسي في تيار الفكر البنائي ،هو إلى الطّ ابع الفردي ألطروحاته التي تتعامل مع الفرد بشكل أساسي دون ارتباطه بالمجموع .ال��رؤي��ة الثّنائيّة ال�م��زدوج��ة للظواهر ،وم��ن جهة أخرى يدعو إلى إدراج هذه الظواهر في سلسلة ب .أط��روح��ات ي��ون��غ :إنَّ ي��ون��غ ه��و أح��د تالمذة من المقابالت الثنائيّة للكشف عن عالقاتها التي ف��روي��د ،تعامل ي��ون��غ م��ع ال�لاش�ع��ور الجمعي تحدّد طبيعة تكوينها ،وأهم هذه المقابالت: واستنبط منه فكرة النماذج العليا التي حلّت محل الرموز الفرويديّة في تفسير الالوعي -1ثنائية اللّغة والكالم. الفردي. -2ث�ن��ائ�ي��ة ال �م �ح��ور ال � ّت��وق �ي �ت��ي ال � ّث��اب��ت والزمن عيوب المنهج النّ فسي
المتطور.
الصوت والمعنى. -1األدب والفنّ عند هؤالء حصيلة نفوس شاذة -3 ،ثنائية ّ والواقع أنَّ األديب ليس كائناً شاذاً بل وتر أمته ويصف أحد زعماء البنيويّة بأنّها ح ّل الشّ يء الحسّ اس. الك�ت�ش��اف أج��زائ��ه وال��وص��ول م��ن خ�ل�ال تحديد -2أنّهم يهتمون أوالً ،وقبل ك ّل شيء باألديب ،وال الفروق إلى معناها ،ث ّم تركيبه مرّة أخرى حفاظاً ّص كثيراً ،وهم يدرسون النّماذج على خصائصه. يهتمون بالن ّ األدبيّة على أساس أنّها نماذج بشريّة. وهكذا ،نصل إلى البنائيّة التي تؤكد على أنّها ّص عندهم أو عند بعضهم تتميّز بثالث خصائص ،هي تعدّد المعنى ،والتّوقف -3لقد تحوّل تحليل الن ّ – على األق��ل -إل��ى ص��ورة م��ن االستنباطات على السّ ياق ،والمرونة. الذاتيّة الواسعة ،التي تر ّد إلى آراء وعقد عامّة، ويتفق الباحثون أيضاً على أنَّ البنية عبارة عن مجموعة متشابكة من العالقات ،وأنَّ هذه العالقات كعقدة نفسيّة ،ونرجسية ،أو عقدة أ ُوديب.
اجلوبة -خريف 1433هـ 25
تتوقف فيها األجزاء أو العناصر على بعضها من ناحية وعلى عالقتها بالك ّل من ناحية أخرى ،ولكنَّ النّشاط البنائي ال يعتمد على مجرد العمل بهذه اإليحاءات ،ويؤكد (ليفي شتراوس) أ ّن محاوالت البنائيّة الكتشاف النّظام من الظواهر ،ال ينفي أن تصبح إدخاالً للواقع في نظام جاهز مسبق ،وإنّما تقتضي إع��ادة إنتاج هذا الواقع وبنائه ،وصياغة أح��ده �م��ا :خ��ارج��ي ،وال �ث��ان��ي داخ �ل��ي ،ويبدو نماذجه هو ال بأشكال تفرض عليه. أنَّ فشل المنهج الواحد في ال �دّراس��ة -وبصيغة ويظ ّل هدف البنيوية هو الوصول إلى محاولة أخ ��رى -فشل األح��اد ّي��ة ي�ع��ود ألس�ب��اب مختلفة، ّص األدب��ي ذات��ه ،ومنها فهم المستويات المتعددة لألعمال األدبيّة ودراسة منها ما يتصل بطبيعة الن ّ خاصة عالئقها والعناصر المهيمنة على غيرها ،وكيفية ما يتصل بتهافت وضعف المقاربة النّقديّةّ ، تولدها ،وقد أطلق البنيويون شعار( :موت المؤلف) إذا ادّعت لنفسها القدرة على القول النّهائي في لكي يضعوا ح� ّداً للتيارات النّفسيّة واالجتماعيّة العمل األدبي.
النّاقد رؤيته ،كما أنَّ من الواضح أيضاً أنَّ ك ّل من وقف ضد األحاديّة في المنهج من الضروري أيضاً أن يكون من المؤمنين بتعاون المناهج النّقديّة، وأن يسند بعضها بعضاً ،حتّى لو كان هذا التّعاون، وهذه التّسانديّة تقوم على منهجين نقديين -على األقل -مختلفين.
ّص في دراسة األدب ونقده ،وبدأ تركيزهم على الن ّ ذاته بصرف النّظر عن مؤلفه.
أ ّم��ا فيما يتصل بثقافتنا العربيّة ،فقد مثّل التيار البنيوي منطلقاً لِتحديد الخطاب النّقدي في العالم العربي عبر الدوائر المنتشرة في مختلف أنحاء العالم العربي ،وأبرزها مدرسة فصول في مصر ،ومجموعة الشّ بان النشطين في مجال النّقد والتّرجمة والتّأليف ،مثل :كمال أبو ديب ،وعدنان حيدر ،وصالح فضل ،وجابر عصفور.
أُحادية المنهج إنَّ سيطرة منهج واح��د في أي دراس��ة نقديّة غالباً ما تكون نتيجة ألح��د سببين :إم��ا أن هذا المنهج هو في حد ذات��ه موضة العصر ،وإم��ا أنَّ ال� ّن��اق��د ق��د انبهر ب���أدوات ه��ذا المنهج الجديد فأعجبته فطبّقها على النّصوص ودع��ا اآلخرين إلى تطبيقها.
ّص األدبي ذاته ،فهذا أمّا ما يتصل بطبيعة الن ّ خاصة أمر واضح ،فإذا كان من المعهود أنَّ الشِّ عر ّ واألدب عامّة ،له القدرة على التهام ك ّل المعارف، واستيعاب شتى العلوم ،فالشِّ عر نفسه ،بوصفه ف ّناً لغو ّياً له تشكيله الخاص ،وعالمه الفريد يتأبى على أية محاولة تتعسف في اختزال ك ّل ما فيه من خالل منهج نقدي واح��د ،فهو إذا كان ينتمي إلى عالم الفنّ في ح�دِّه ،فإنّه تتوزع انتماءاته – أيضاً -عوالم أخ��رى ،منها المجتمع ال��ذي نشأ فيه الشّ اعر ،وخضع لتقاليده االجتماعية والف ّنيّة، ومنها نفس المؤلِّف الثائرة الفائرة ،ومنها التّاريخ، نشأة الشّ اعر ،والعوامل المؤثرة في توجيهه أدب ّياً.
ومهما ادّعت أية دراسة ،ومهما كان المنهج الذي اختطته لنفسها من قدرة ،وكفاءة منهجية في قتل ال وتأويالً ،فإنَّ ذلك ال يلغي حقيقة ،وال ّص تحلي ً الن ّ يجب أن تغيب عن أعيننا وهي أنَّ الدّراسات هي التي تموت ،وتبقى النّصوص حيّة ال تعرف الموت، وأنَّ هنالك شبه إجماع من النّقاد على ضرورة ذلك؛ ألنَّ الفّنّ أعظم من مفسريه. رفض األحاديّة في المنهج ،ومن ثَ ّم ضرورة أن يوسّ ع وأ ّم��ا م��ا يتعلق بالمنهج األح ��ادي نفسه ،فإ ّن
26
اجلوبة -خريف 1433هـ
المنهج التكاملي إنَّ المنهج التكاملي يجمع المناهج جميعاً ،فهو ال يأخذ النتاج األدبي بوصفه إف��رازاً سيكولوجياً محدّد البواعث ،معروف العلل ،فهو يتعامل مع العمل األدبي عينه ،غير رابط عالقته بنفس قائله، وال تأثيرات قائليه بالبيئة ،ولكنه يحتفظ للعمل الفني بقيمه الف ّنيّة المطلقة غير مقيدة بدوافع البيئة والجماعة وال�ظ��روف ويحتفظ للمؤثرات العامّة بأثرها في التّوجيه والتّلوين. يتناول العمل األدبي من جميع زواياه ،ويتناول صاحبه كذلك ،بجانب تناوله للبيئة والتّاريخ ،وإنّه ال يغفل القيم الفنية الخالصة ،وال يغرّقها في غمار البحوث التّاريخيّة أو الدّراسات النّفسيّة، وأنّه يجعلنا نعيش في جو األدب الخاص ،دون أن ننسى مع هذا أنّه أحد مظاهر النّشاط النّفسي وأحد مظاهر المجتمع التّاريخيّة إلى حد كبير أو صغير. والمنهج التكاملي ذو رؤية شمولية ،يحلّق نحو الكمال والمطلق بجناحين ال يستغني عن أحدهما، المثالية والواقعية ،من أجل اتخاذه مكاناً وسطاً، يجمع ال �دّالل��ة الكلية ال�ظ��اه��رة وال �دّالل��ة الكلية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
اجتماع النّقاد على أن سبب رفضهم األحاديّة المضمرة. النّقديّة سبب واح��د ال ث� ٍ�ان له ،هو ضيق النّظرة وأ ّن التّكامليّة التي تجمع داخلها شتى المناهج الذي يحتّم في النّهاية وجود نتائج نسبية يسهل الخارجيّة وال�دّاخ�ل� ّي��ة ف��ي مزيج متجانس تكفل نقضها ،حتى النّقاد الذين وقعوا أسيري األحاديّة لنا صحة الحكم على األعمال األدبيّة ،وتقويمها ّص ال لهذا يدرس المنهج التّكاملي الن ّ في نقدهم التّطبيقي ،يجدون أنفسهم مضطرين تقويماً كام ً عند التنظير من أش ّد محاربي المنظور األحادي األدب��ي دراس��ة شاملة ،وسيكون من أه��م أهدافه في النّقد ،واعين إلى التّعددية ،ومد آفاق الرؤية تحديد نوع العمل ،وعوامل بقائه ،وأسرار جماله، النّقديّة بعيداً لتجاوز هيمنة منهج بعينه وانفراده وقوته ث ّم عالقته باآلثار األدبيّة العالميّة ،ويحدّد بالنّصوص؛ ومن هنا ،ظهرت دع��وات النّقاد إلى النّاقد في ه��ذا المنهج أيضاً خصائص األديب التّكامليّة. ال�ف� ّن� ّي��ة ،وي�ت�ع�رّف م��ن خ�لال آث ��اره على اتّجاهه األدبي ،وعلى قيمه التّعبيريّة والشّ عريّة.
نموذج تطبيقي على المنهج النفسي في األدب العربي ال نقصد في األدب النّفسي اتخاذ األدب مرآة للداللة على نفسيّة صاحبه على طريقة (سانت بيف) ،وإنّما نقصد االستفادة من عالم الالشعور �اص��ة ،تقودنا إلى في اتّجاهات فنيّة إيحائيّة خ� ّ ّص األدبي ،وفك الشّ يفرة. الدّخول في الن ّ �ص��ورة األدب � ّي��ة ليست إال ت��وظ�ي�ف�اً داللياً ف��ال� ّ لعالم الالشعور ،وعالم الرغبات المكبوتة الفرديّة الصور وال�لاوع��ي االجتماعي ،لهذا يع ّد تحويل ّ الذاتيّة والفرديّة من عالم الالشعور المكبوت إلى صور إنسانيّة عامّة في عالم الشّ عور إبداعاً أدب ّياً يكشف قدرة الشّ اعر أو األديب ،مع التأكيد على داللة ذلك في صدق الشّ اعر للتصوير ،ث ّم إظهار االستجابة للجمهور. فالكبت العاطفي كما يرى فرويد يقع المرء منه فيما يشبه الحصار ،ويتبعه حتّى إنَّ الذات تدافع عن نفسها للخروج من هذا الحصار ،فتبذل جهداً تسعى فيه إل��ى التّعويض ،فالشّ اعر يحول هذه الطّ اقة المكبوتة إلى عمل فني أو أدبي يتسامى
اجلوبة -خريف 1433هـ 27
فيه عن مجرد الكبت الجنسي ،فيتحقق التّطهير أب�����ى أن ت��ب��ق��ى ل���ح���ي ب���ش���اش���ة فصبر ًا الذاتي من عمل فني اجتماعي. ع�����ل�����ى م�������ا ش�����������اءه ال������ل������ه ل�������ي ص����ب����را لنأخذ مث ً ال على ما سبق تجربة قيس بن الملوح رأي��������ت غ����������زا ًال ي����رت����ع����ي وس�������ط روض�����ة على حسب ما ورد إلينا من شعره ،نجده قد حال ف���ق���ل���ت أرى ل���ي���ل���ى ت��������راءت ل���ن���ا ظهرا االستعاضة عن حرمانه من ليلى ،وذل��ك بوصف وبخاصة جمال الظباء في شعره ،ف��ي��ا ظ��ب��ي ك���ل رغ������د ًا ه��ن��ي��ئ�� ًا وال تخف ّ جمال الطبيعة، ف����إن����ك ل�����ي ج�������ا ٌر وال ت����ره����ب ال����ده����را وقد أدرك ذلك بفطرته حين قال: أليْ�������ف�������ا َع إ ّال َص���� َب����ا َب����ةً ف���م���ا أ ُْش�����������رِ َف ا َ األش�������ع�������ا َر إال تَ������داوِ ي������ا ْ ْ�������ش�������دُ وال ُأن ِ
وع����ن����دي ل���ك���م ح���ص���ن ح��ص��ي��ن وص�����ارم ح����س����ام إذا أع���م���ل���ت���ه أح����س����ن ال���ه���ب���را
ألجل هذا التّداوي والتّنفيس كان قيس مولعاً ف���م���ا راع�����ن�����ي إال وذئ��������ب ق�����د انتحى بالتأمّل في جمال الظباء ،وبوصف هذا التأمّل ف��أع��ل��ق ف���ي أح���ش���ائ���ه ال���ن���اب والظفرا ف��ي ش�ع��ره ،وبفك الظباء م��ن إس��اره��ا حين تقع الصحراوي نلحظ أ ّن قيساً نقل في هذا المشهد ّ الصيد ،وبحمايتها من اعتداء الحيوان في شراك ّ صورة نفسية لمأساته هو ،فليس الغزال هنا سوى عليها ،لذلك تراه يقول: ليلى ال�ت��ي ي�ح��رص ك � ّل ال �ح��رص على أن تعيش أَي������ا ِش����ب���� َه َل���ي���ـ���ل���ى ال تُ�����راع�����ي فَ���إِ نَّ���ن���ي بجانبه ،وال ترهب الدّهر في كنفه ورعايته ،ينعم ���وش َصديقُ ����ك ال���يَ���و َم ِم���ن بَ��ي ِ��ن ال���وُ ح ِ َل ِ هو بوصالها غير المشوب في عيش رغد هنئ، ����ص����رِ ال��خَ ��ط��و إِ نَّني َوي����ا ِش���ب��� َه َل��ي��ل��ى أَق ِ وتعتز هي بفروسيته وشجاعته ،وليس هذا الذئب �����ك إِ ن س���ـ���ـ���اعَ ���ف���تِ ���ن���ي َل���خَ ���ل���ي���قُ بِ �����قُ �����ربِ َ الصحراء ،ولكنه ال شعورياً ورد غريمه هو وحش ّ َوي�������ا ِش�����ب����� َه لَ���ي���ل���ى ُر َّد قَ���ل���ب���ي فَ�����إِ نَّ�����هُ الذي افترس أع ّز أمانيه ،وترك في نفسه وتراً ال ل����ـ����ـ����هُ خَ �����فَ�����ق�����ـ�����ـ�����انٌ دائِ ��������������مٌ َوبُ��������������روقُ يشفى ،يتطلع أبد الدّهر إلى إدراكه. ناسي ًا ���س ِ َوي����ا ِش��ب��هَ��ه��ا أَذكَ�������رتَ مَ����ن َل���ي َ لهذا ،يجد قيس الراحة بقتل الحيوان ،وبرؤية َوأَش����ـ����ـ����عَ����ل����تَ ن����ي����ران���� ًا لَ������هُ ������نَّ حَ ����ري����قُ سهمه ي �غ��وص ف��ي مهجته وق �ل �ب��ه ،ف�ف��ي القتال َوي������ا ِش����ب���� َه َل���ي���ل���ى لَ�����و تَ��� َل���بَّ���ث���تَ س���اعَ ���ةً شفاء جوى حبيس ،يتجاوز مجرد صيد ذئب في لَ������عَ������لَّ فُ �����������ؤادي م���ـ���ـِ���ن جَ �����������وا ُه يُ���ف���ي���قُ الصحراء ،ث ّم يعود قيس فيؤكد هذا الوتر الذي ّ فَ���م���ا أَنَ������ا إِ ذ أَش��� َب���ه���تَ���ه���ا ثُ �����مَّ لَ����م تَ�����ؤُ بْ يقض مضجعه ويمني نفسه دائماً بنبله ،فقد كرّس ّ سَ ��ل��ي��م�� ًا عَ �� َل��ي��ـ��ـ��ه��ا ف���ي ال���حَ ���ي���اةِ شَ فيقُ حياته العاطفيّة من أجلها ،ففي هذا الشّ عر تمثيل ���اك عَ ���ي���ن���اه���ا َوج�����ي�����دُ ِك جيدُ ها فَ���عَ���ي���ن ِ ���ك َدق���ي���قُ ����اق ِم���ن ِ ِس�����وى أَنَّ عَ ���ظ��� َم ال����س ِ
وتسام بها ،إنّه تعبير عمّا ٍ لِعواطف قيس الذاتيّة
عجز عن تحقيقه في واقع حياته ،وال ب ّد في هذا
واألبيات السّ ابقة تعكس الحقائق الكامنة في التّسامي النّفسي من أن يكون الشّ اعر قد عانى نفس قيس من خالل قوله: التّجربة التي تشف عن مكنون نفسه.
28
اجلوبة -خريف 1433هـ
األسطوري أمنوذجا ً املنهج ّ
> د.سناء الشعالن -اجلامعة األردنية -األردن
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
املناهج النّقدية إلى أين؟
أحد أن يعرض على النّص األدبي قراءة واحدة ،زاعم ًا أنّها سبرت كلّ ما في النّص؛ ليس من حق ٍ ألحد أن يلوي عنق النّص إلخضاعه لمنهج بعينه .وكلّ ما يمكن أن يُقال إنّ العصر ٍ كما ال يحقّ يضج بالمناهج األدبية ،التي تعرض أدواتها وإمكاناتها ،في سبيل تكوين آلية قادرة على الحديث ّ تقديم تفسير يصوّغ نفسه أمام الباحث والقارئ. والمنهج األسطوري من تلك المناهج النّقدية ،التي قدّ مت نفسها أدا ًة تملك مفاتيح النّص األدبي، ورفض ،فقد وجد هذا المنهج ٍ قبول وأ ّيًا كان الجدل الذي دار حول هذا المنهج ،الذي يُراوح بين ٍ وتخريجات مقنعة للنصوص التي عالجها. ٍ أنصار ًا يدعون إليه ،واستطاع أن يقدّ م تفسيرات
المنهج األسطوري في قراءة األدب ال �م �ت �ت � ّب��ع ل� �ل ��دراس ��ات النقدية ال �ع��رب �ي��ة ال �ح��دي �ث��ة ،ال س�ي�م��ا منذ سبعينيات ال�ق��رن العشرين ،يجد ات �ج��اه �اً م�ل�ح��وظ�اً ن�ح��و المدرسة األسطورية ،ومنها انطالقاً إل��ى ما يُسند بالدراسات األسطورية ،وصوالً إلى المدخل األسطوري في قراءة األدب،وهو خطوة من الخـطوات نحو مزيد من الفهم النقدي ،ال��ذي يُفضي بالبـاحث إلى نتائـج جيدة ،ما دام مخـلصـاً له، مقبوالً ف��ي تطبيقه بعيداً ع��ن االع�ت�س��اف في الوصـول إلى نتائج خصـّص لها فرضيات مسبّقة من دون دراسة النّص من داخله.
تحاول تقديم تحليل أو تفسـير ،وذلك ف��ي محاولة الجاحظ عندما قال: «ومن عادة الشعراء إذا كان الشعر مرثية أو موعظة أن تكون الكالب ه��ي التي تقتل بقر ال��وح��ش ،وإذا ك��ان م��دي�ح�اً أن ت�ك��ون ال �ك�لاب هي المقتولة»( ،)1فالجاحظ يرى أنّ ذلك ليـس له حكايـة عن قصـة بعينها ،ولكنّه كان من عادة الشعراء على الرغم مما توحي به الكلمة من التكرار ،ولو أنّ الجاحظ كان يملك م��ادة يمكن أن تق ّدم تفسيراً أو تجلو غموضاً، ال أسطورياً لهذه الظاهرة الستطاع أن يق ّدم تعلي ً التي استطاع أن يقدّمها من جاء بعده من النّقاد ال��ذي��ن تبنّوا المنهج األس�ط�ـ��وري ف��ي دراستهم لألدب الجاهلي شعره ونثره.
والطريف في األمر أنّ بعض المتحمسين لهذا والمنهج األسـطوري في النـقد األدبي يتكـىء المنهج من النّقاد العرب يزعمون أنّ له جذوراً على أطروحة مركـزية ،وهي :األوليات أو األنماط في النقد العربي القديم ،وإن كانت ج��ذوراً ال
اجلوبة -خريف 1433هـ 29
األولى أو النموذج البدئي ،التي صاغتْ مرجعيتها المتّحدة بها ،قبل أن تتحوّل ،بفعل الممارسة، األس �ـ��اس م��ن العمود الفقري لمفهوم الذاكرة وتغدو ما سُ ميّ الحقاً باألسطورة(.)4 الجمعية أو الالوعي الجـمعي التي أَطلـقها يونغ وق��د خلص ف ��راي ف��ي كتابه إل��ى أنّ هناك في التحليل النفسي ،التي تتلخّ ص في أنّ هناك أربع (ميثات) أساسية ،ك ُّل واحدةٍ منها تعبّر عن أنماطاً أوّلية ما تزال تمـارس تأثيـرها منذ فجر فصل م��ن الفصول األرب�ع��ة ف��ي دورة الطبيعة، التاريخ إلى اليوم. وك�� ّل منها تنتج جنـساً أدب�ي�ـ�اً بعينه ف�ـ (ميثة)
مفهوم المنهج األسطوري فالمنهج األس �ط��وري ه��و ذل��ك المنهج الذي يتخّ ذ من األدوات األسطورية واإلنثروبولوجية والتاريخية واألثرية أداة في تفسير النّص األدبي وف ��كّ أس � ��راره ،وف �ه��م م��رام �ي��ه ،وإدراك غايته ورس��ال �ت��ه .ول�ك��ي نفهم دالل ��ة مصطلح المنهج األس �ط��وري ،الب�� ّد أن نشير إل��ى معنى المنهج ومعنى األسطورة. فالمنهج كلمة يستعملها أف�لاط��ون «بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة ،كما نجدها كذلك عند أرسطو أحياناً كثيرة بمعنى بحث ،والمعنى االشتقاقي األصلي لها ي ّدل على الطّ ريق المؤدّي إلى الفرض المطلوب خالل المصاعب والعقبات، ولكنّه ل��م يأخذ معناه ال�ح��ال��ي ،أيّ بمعنى أنّه طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إل��ى الحقيقة في العلم إ ّال اب�ت��دا ًء في عصر النهضة األوروبية»(.)1 ويُع ّد النقاد الغربيون من أوائ��ل المشتغلين بهذا المنهج أمثال :مود بودكين( ،)2ووليم تروي، وف��رن�ـ�س�ي��س ف�ي��رج�س�ـ��ون ،أ ّم ��ا ال �ن��اق��د الكندي نورثروب ف��راي فقد أرسـى دعائم هذا المنهج في كتابه (تشريح النقد) الصادر عام ،)3(1957 وقد صدر فراي في محاولته لوضع دعائم هذا المنهج من مفهوم الـ (ميثة) التي تعني األسـطورة ف��ي ح��ال�ت�ه��ا األول� ��ى ذات ال��وظ �ي �ف��ة الطقسية
30
اجلوبة -خريف 1433هـ
الربيع تنتج الكوميديا/الملهاة ،و(ميثة) الصـيف تنتـج الرومانس/الرواية ،و(ميثة) الخريف تنتج (ال�ت��راج�ي��دي��ا/ال�م��أس��اة) ،و(م�ي�ث��ة) الشتاء تنتج (ال �ه �ج��اء أو ال �س �خ��ري��ة)( .)5وب �ن��ا ًء ع�ل��ى دراسة خصائص ك � ّل (ميثـة) ،وم��ا يتمخّ ض عـنها من أش�ك��ال أدب�ي��ة ك �وّن ف��راي ت �ص �وّراً خ��اص�اً مفاده أنّ ال فرق بين األدب واألس�ط��ورة ،ال سيما في النوعية سوى فرق قليل في الشكل( ،)6وهو فرق يتمحور في االنزيـاح الذي ينتجه النص األدبي عن األس�ط��ورة األص�ـ��ل .ول��ذا( ،فالميثات) منذ سوفوكليـس إلى اآلن لم تتغيّر ،وما األدب سوى تنويعات عليها ،وال جديد يبدعـه األدباء ،الذين يظلّـون أس��رى ال��دائ��رة المغلقة التي أحكمتها األسطورة( ،)7وفي ضوء حكـم كهذا ،تتقزّم مهمـة الناقد لتصبح َو ْف� َق رأي فراي محاولة اكتشاف درج��ة االنزياح التي ينتجها النص عن مصدره األسطوري(.)8
يبدو أنّ المنهج األسطوري قد ُرف��د بروافد ع � ّدة جعلته ينضج ،ويستوي بصورته األخيرة على ي��دي ف ��راي ،فقد اس�ت�ف��اد م��ن المفاهيـم األنثروبولوجية التي نـادى بـها تايلور ،تلك التي تؤكد أهمية اإلرث الثقافي ،وممّا أثبته فريزر من أنّ األصـل الـذي تم ّثلـه الطقـوس األسطـوريـة سيظـل باقياً في الـذاكرة الجمعية( ،)9كما أنّ المنهج األسطوري قد أفاد من نتائج الدراسات ال��رم��ز ّي��ة ال �ت��ي ق��ام ب�ه��ا فيكو وه �ي��ردر لرصد
وقد لقي المنهج األسطوري صدىً طيباً عند والطريف في أطروحات المنهج األسطوري النّقاد العرب ،ومن أمثلة ذلـك دراستا ريتا عوض في نقد األدب أنّها «تحمل في أحشائها فكرة (أس�ط��ورة الموت واالنبعاث في الشعر العربي فنائها بنفسها ،فكلمة ( )Mythالتي عدّ ها فراي الحـديث) 1978م ،و(أدبنا بين الرؤيا والتعبير) األصل الذي تنبثق األسطورة عنه ،تعني الكـالم 1979م ،ودراسة علي البطل (الصورة في الشعر المـنطوق ،ال��ذي ال يحيل إل��ى قيمة أدب� ّي��ة؛ ألنّ العربي) 1981م. من أه��م ش��روط األدب أن يكون م��د ّون�اً ،بمعنى ويعدّ نصرت عبدالرحمن من أتباع المنهج األسطوري في دراسة الشعر العربي القديم ،وقد تمثّل ذلك في كتابه (الصورة الفنية في الشعر الجاهلي ف��ي ض��وء النقـد ال�ح��دي��ث) 1982م، الصور التي وقد درس مصطفى الشورى كذلك ّ تشكّـلت عنــد الشعراء العرب األقدمين من المادة األسطورية في دراسته (الشعر الجاهلي :تفسير أسطوري) 1986م ،في حين علّل أحمد النعيمي شيوع ال �ص��ورة المق ّدسة للحـيوان بامتدادات أسطورية قد ضاعت أصولها ،وذلك في دراسته (األس�ـ�ط��ورة ف��ي الشـعر العربي قبل اإلسالم) توصل عبر المنهج 1995م ،أمّا حنّا عبّود فقد ّ األسطـوري إلى أنّ ثمّة مطابقة بين أقدم شاعر أوغاريتي وأحدث شاعر سوري ،وذلك في دراسـتـه (النظرية األدبية الحديثة والنّقد األسطوري) 1999م ،ونرى كذلك التفسير األسطوري يحضر ف��ي تفسير بعض القضايا وال�ظ��واه��ر والصور األدبية في دراسة إبراهيم عبدالرحمن (الشعر الجاهلي :قضاياه الفنية والموضوعيـة) 1980م، ودراس��ة مصـطفى ناصف (ق��راءة ثانية لشعرنا القديم) 1987م ،ودراس��ة عبدالقادر الرباعي (الصورة الفنية في النقد الشعري :دراس��ة في
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال النظرية والتطبيق) 1995م ،ودراسة ريتا عوض العالقة بين اللغة والشعر واألسطورة( ،)10فض ً عن اإلف��ادة من مقـوالت الفلسفـة الرمزية التي (بنية القصيدة الجاهلية :الصورة الشعرية لدى وضعها كاسيرر عن عالقة التشكيل الميثيولوجي ام���رىء ال�ق�ي��س) 1992م ،وغ�ي��ره��ا الكثير من بالتشكيل اللغوي(.)11 الدراسات التي يضيق عن ذكرها المكان.
أنّ (الميثة) سابقة على األس �ط��ورة ،وال يمكن ع ّد األخيرة أص ً�لا ،بل فعالية إنسانيـة جديدة، تفـضي ،حسـب ق��ان��ون التـطور ،إل��ى فعاليات غيرها»(.)12
والمنهج األس �ط��وري «يتطلّب ق ��راءة دقيقة للنّص ،لكنّه يُعنى من الناحية اإلنسانية بأكثر من القيمة الجوهرية لإلشباع الجمالي ،ويبدو أقرب إلى علم النفس؛ لتحليـله استهواء العمل األدبي للجمهور ،فهو عرض لطراز حضاري رئيس ذي أهمية كبيرة لإلنسانية في العمل األدبي ،ويعكس العناية المعاصرة باألسطورة»(.)13 وبذلك فإنّ المنهج األسطوري يؤطّ ر «األدب خ��اص��ة ،واإلب � ��داع ع��ام��ة ،ف��ي م �ج��ال ض �ي��ق ،ال يستوعب م�ص��ادر األدب ،وتنوّعها وتحوالتـها، وف��راي ال يكـتفي في هنا المنهج بنفي الواقع واإلجهاز على دوره في عملية اإلبداع ،فحسب، بل يسلـب هذه العملية ك ّل صلة بشرطها التاريخي الجمالي»( )14على الرغم من أنّ أيّ نص أدبـي هو وريث لك ّل الظواهر اإلبداعية السابقة له ،لكنّه يضطلع ب��دور خ�لاّق في تكريس تلك الظواهر وال�س�م��ات اإلب��داع �ي��ة ،ف��ي حين يشكـّل وجوده
اجلوبة -خريف 1433هـ 31
وإبداعـه حالة إبداعيـة جـديدة لها خصائصها المميزة على الرغم من أنّ أي تشابه مع تجارب إبداعية سابقة( .)15وإن تكريس مقولة إنّ األدب كلّه أس�ط��ورة منزاحة عن أصولها األول��ى عنـد القائلين بطروحات المنهج األسطوري ،تنزع عن اإلبداع فضيلته ،وتكرّس انصياع اإلبداع لمقاييس ثابتة ،وهذا ينفي كونه مادة نشطة تتجدّ د بتج ّدد األسئلة واإلجابات(.)16
هنديـة أو مصرية ،وإنّما «يلزم الفهم والتمثّل، وف�ه��م ال�م��وق��ف ال�م�ع��اص��ر ،وإذاب �ت��ه ف��ي شبيهه األسطوري ،ليكون الك ّل الذي يُعطي اإلحساس بالصدق ال�ت�ل�ق��ائ��ي»( )21وب��ذل��ك يكــون التفسير األسطوري أقرب تفسير؛ «ألنّه يرتبط باألعماق أو بالالوعي الجماعـي الذي يساعد على معرفة النفس»( ،)22وأطروحات فراي في هذا المجال أغلبها تأمليــة ال تحليلية ،األمر الذي يبتعد بها عن الدرس العلمي ،ويجعلها قريبـة من التأويــل نصياً أو مسوّغات كافية له؛ بل إنّ الـذي ال سند ّ يونغ نفسه كان متحفّظاً على أن تمثّـل أطروحته ف��ي ال ��ذاك ��رة ال�ج�م�ع�ي��ة أو ال�ل�اوع ��ي الجمعي األساس النظري للتـطبيق عـلى األدب كما فعل فراي فيما بعد( .)23إ ّال أنّ هـذه القـراءة ال تتقيّد حتـماً بأسـاطيـر معينة ،بل إنّها تحاول أن تكشف أنماطاً أساسية تتّسم بحضورها المستـم ّر في حضارة معينة(.)24
واعتماداً على ك ّل ما سبق ،ال تعترف القراءة األس �ط��ور ّي��ة ل�ل�أدب بالخصوصية القومية أو المحلية لإلبداع ،فالتنويعات القومية التي تمايز بين أدب أ ّم��ة وأخ��رى ،أو بين أدب شعب وآخر ليست في رأي فـراي وأتباعـه سـوى «أصباغ ال أوضاع»( )17وإنّما ذلك مردّه إلى إحساس الناقد بأنّ المعاني العميقة التي تمت ّد إلى ما وراء النتاج الواحد ،إنّما توجد في رموز النماذج األولية التي يضطر األدباء إلى الرجوع إليها اضطراراً( ،)18وما دام المرء يكرّرها ،فهي تمثّل مشاركة طبيعية في والحقيقة أ ّن��ه على ال��رغ��م م��ن ازدي ��اد عدد الذاكرة الجماعية ،فهي رسالة مرسلة من النّفس المشتغلين بهذه ال�ق��راءة إ ّال أنّ ع��دد الناقدين إل��ى النّفس ،وه��ي لغة فنية تمكننا من معالجة الطاعنين بها ي ��زداد ،وم��ن أب��رز االعتراضات ()19 الواقع الداخليـة كما لو كانت وقائع خارجية .الرئيسة على هذا المنهج هو أنّه ال يؤدي -حسب وير ّد أتباع القراءة األسطوريّة لألدب قائلين رأي المعترضين -إلى تقييم األدب بقدر شرحـه «إنّ إمكانيات أ ّي��ة أسطورة ال يمكن أن تُستغ ّل األسـاس الذي يجعل بعض الكتابة تروق للناس، إال إذا اُت �ي��ح ل�ه��ا األدي� ��ب ال ��ذي يفهم مغزاها وأنّ شهرة محترفية متأتية في أكثرها من براعتهم، لتعليق حالتـه بها ،وال يشـترط أن يرتبـط األدباء وليـس من شرعية ما يقولون وصحته( ،)25وهذا بأساطــير قومهم ،فليسـت اإلقليمية بالفيصـل االعتـراض األخير جعـل الناقد األمريكي مالكولم ال على ه��ذا المنهج ال عن أنّ األساطير في كاولي يقول بسخرية حام ً في تقييـم التعبير ،فض ً بدئها كانت ل�ج��دود ،وه�ـ��ؤالء و ّرث��وه��ا للـحفدة ،وعلى تفسيراته« :إنّ الكثيـر جـداً من القراءات وك��ون�ن��ا نلمح ف��ي أس��اط�ي��ر ال�ش�ع��وب ج��ان�ب�اً من أشبه ما تكون بجلسات استحضار األرواح أو شخصـياتـهم ،فذلك ال يعفينـا ق��ط م��ن تأكيد حفـالت السّـحر ،فما أن يلفظ الناقد كلماته عالئـق قديمة في ه��ذه األس��اط �ي��ر»( ،)20وبذلك السحرية ها ّزاً عصا المشعوذين حتى يتحوّل ك ّل ال ف��رق بين االس�ت�ع��ان��ة ب��أس�ـ�ط��ورة فينيقيـة أو ش��يء إل��ى ش��يء آخ ��ر»( ،)26وإن ك��ان أنصار هذه
32
اجلوبة -خريف 1433هـ
كما أ ّن �ه��م يحتسبون بطريقتهم ه��ذه نقطة مهمة ،وه��ي أنّ طريقة كهذه تعمل على إعادة إنسانيتنا ،وتؤكدّ أنّنا أعضاء في جنس بشري قديم ،تتصارع عنده العمليات الواعية مع غير الواعية(.)29 «إضافة إلى أنّ معرفة األنماط البدائية كسب لعناصر وم ��واد نقدية ج��دي��دة تغني العناصر النقدية القديمة ،وتتجه بها إلى الموضوعية ،ثم إنّ المنهج األسطوري ال يبحث عن األدب بقدر ما يبحث عن قيمـة األدب وسـ ّر خلوده ،وذلك ما ال يـمكن أن يتحدّد بالمعايير األدبية وحدها»(.)30 كما أنّ أب��رز األحكام االنطباعية العشوائية غير ال �م��دروس��ة ك��ان��ت عند أوائ ��ل المشتغلين بالمنهج قبل استوائه ،واكتمال أدوات��ه ،أمّا اآلن فقد باتـت القـراءة توثّق توثيقاً ،وال تترك مجاالً لألحكام االنطباعية أو األهواء الشخصية(.)31 وإن ك��ان مالكولم كاولي رأى أنّ من أخطار ه��ذه ال�ق��راءة إلغاء الحدود الفاصلة تماماً بين الفن واألس �ط��ورة ،بل وإل�غ��اء ال�ح��دود بين الفن والدين ،ف��إنّ أتباع هذا المنهج رأوا أ ّن��ه لم يلغ تلك الحدود ،وإن لم يثبتها ،ولكنّه اعتمد على نتائج الدراسـات التي اهتمت برمزيات اإلنسان
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
القراءة يردّون شكوك المهاجمين بتحديد معايير للحـكم على موضوعية منهجهم ،تتلخّ ص في الخلو من االنطباعية ،والتوثيق ،وتماسك المنهج وتكامل ال��رؤي��ة( ،)27وبذلك ال يترك المنهج في تفسيراته وتحليالته مجاالً لألحـكام االنطباعية أو األه��واء الشخصية ،ولكن في حال االفتقـار إلى هذه العنـاصر جميعـاً ،فإنّ القراءة تنتهي إلى االنطباعية ،ومن ثم إلى اختالل القراءة ،وضعف نسيجها(.)28
البدائي ،وربطت بين الشعر والفنون بصفة عامة، وبين الفكر األسطوري( ،)32في حين ير ّد مالكولم ال إنّ هذا النوع من النقـد يُبعد القرّاء كاولي قائ ً فزعاً من قراءة التحف األدبية؛ ألنّه يجعلها تبدو صعبة بدرجـة مستحيلـة؛ ألنّـها توحي بأنّ على المرء لكي يتمكن من قراءتها أن يطالع ر ّفاً من الكتب ،وأن يفكّر مليّـاً في التلميحات واإلشارات الخبيئة في ك ّل جملة من العمل األدبي(.)33 وأ ّي �اً كان األم��ر ،فإنّنا نستطيع أن ندّ عي أنّ ه��ذا المنهج على الرغم من عالّته التي يمكن ت��ج��اوز م�ع�ظ�م�ه��ا ب�ت��وس�ي��ع أف ��ق رؤي� ��ة المنجز اإلب��داع��ي ،وال�خ��روج به عن أ ّن��ه انزياحاً حتمياً ع��ن أس �ط��ورة م��ا ،إل��ى دراس �ت��ه م��ن منطلق أنّه وثيقة جماليـة إبداعية لـها خصوصيتها من دون عزلها عن األنماط اإلبداعية السابقة ،يمكـن أن يصلـح منهجاً تتبنّاه هذه الدراسة ،فيقدّ م أجوبة لكثير من األسئلة ،ويفكّ رموز كثير من البـواطـن يتوصل إلى مفاتيحها عبر ما ّ والظواهر ،التي يتوافر عليه من رصيد أسطوري ضخم للمنجز األسطوري اإلنساني ،ويتدفّق في أوعية اإلدراك الجمعي ،ويخلص إلى رؤية خاصة ،وأسئلة ذاتية، ورؤية تنبثق من الواقع ومن إشكاالته ،وتنهل من خصوصية التجربة اإلبداعية ،وعمومية التجربة األسطورية المتداخلة مع الالوعـي الجماعـي، وهي بذلك تمهّد لفتح القضية الذاتية على الفهم اإلنساني كلّه. والدراسة بذلك تتمرّد على بعض قيود المنهج األسطوري ومحدّداته ،وتجعل المادة اإلبداعية المدروسة هي الوثيقة األصل التي تشكّل حالة لها خصوصيتها ال مجرّد انزياح عن األسطورة، جديد ٍ عمل بل هي استثمار لألسطورة ،لكن عبر ٍ له خصوصيته ،وال يمكن أن يُفهم أو يُحلّل إال
اجلوبة -خريف 1433هـ 33
من داخله ،وإن كانت األسطورة هي مفتاح فكّ أل �غ��از ه��ذا ال�ع��ال��م ال��داخ�ل��ي للنّص اإلبداعي، ف�ه��ذه ال��دراس��ة ل��رواي��ات نجيب محفوظ تُعنى بذلك العالم الداخلي ،من دون قطعه عن سياقه اإلنساني والقومـي والتحليل ،ال سيما أنّ الرواية بطبيعتها فن قومي ،بمعنى أنّها من أبرز التغيرات الفنيّة التي تعبّر عن نضج اإلحساس بالشخصية القومية المتميّزة(.)34
موضوعية المنهج األسطوري المنهج األسطوري شأنه شأن أيّ منهج آخر، يحتاج إلى دعائم يقوم عليها ليكون موضوعياً في النتائج التي يقدمها ،وبخالف ذلك تكون النتائج مجرد انطباعية ال يعول عليها. وتتحدد معايير ثالثة للحكم على موضوعية الدراسات األسطورية(:)36 األول :الخلو من االنطباعية.
وه ��ذا يجعل دراس ��ة األس �ط��ورة ف��ي الرواية الثاني :التوثيق. على الرغم من اإلحالة إلى وعي ال جمعي بها، تتميّز بشكل أو بآخر بخصوصية قومية محدّدة الثالث :تماسك المنهج وتكامل الرؤية. تظهر في الدراسة شئنا أم أبينا ،وبذلك ال تقودنا إيجابيات توظيف المنهج األسطوري طبائع القراءة األسطوريّة ومراميها إلى هوّة نفي في دراسة النصوص الخصوصية الثقافية أو القومية لإلبداع ،بل يمكن أن تبرز هذه الخصوصية إذا استطعنا أن ننفتح 1 .1ينطلق ه��ذا المنهج ف��ي دراس ��ة ال�ن��ص من مفهوم الالشعور الجمعي ،وبقايا العبادات على تشكّالت األسطورة في المنجز المدروس. الكامنة في باطن النص وال يحجب صاحبه، ونستطيع القول ابتدا ًء إنّ «القفزة الهائلة التي بعد أن يرفض االرتكاز األحادي على الدراسة حقّقها نجيب محفوظ للرواية المصرية كانت الوصفية لألدب. أ ّوالً وقبل ك ّل شيء نتيجة لحسن استيعابه لروح الشعب المصـري وواقعه ،وحرصه الشـديد على 2 .2هذا المنهج يبرز الصورة ،كما يبرز مستويات ال من تناولها ودالالت�ه��ا عن ك� ّل شعب .فمث ً تصوير هذا الواقـع ،ونقده بقصـد تطهيـره من يوظف هذا المنهج يدرك أنّ الشّ مس رمزاً السلبيات.)35(». للخصوبة المؤنثة عند العرب ،بينما هو رمز وي �ب��دو أنّ م�ح�ف��وظ�اً ق��د وج��د ف��ي استلهام للرّجولة عند اليونان ،وهو رمز لإلله األكبر األسطورة أداة من أدوات ذلك التصوير ،وهذا والوحيد عند أخناتون. النقد ،وليس من الممكن لدراسة جادّة أن تغفل غرض تصوير الشعب المصري ،ونقد معايبه3 .3 ،هذا النوع من المناهج يحتمل توسّ ع الرّؤى والتفاسير والمناظير حسب تقدم التفاسير في طور دراسة أداة ذلك ،أعني أداة األسطورة، الميثيولوجية ،وتقدم الفهم لطبيعة التفاسير وبخـالف ذل��ك يغـدو المنهج األس�ط��وري عبثاً، الميثولوجية ،وتقدم اإلدراك للرمز في حياة وف��كّ أح��اج��ي ،وإس �ق��اط ت �ص��ورات حالم يعجز اإلنسان. عن أن يرتبـط ابتدا ًء بأرض الواقع التي أنتجتْ الرواية عند محفوظ ،وكانت األسطورة تمثـي ً ال 4 .4يتطلب ق��راءة نصية فاحصة ،فهو يهتم من النّاحية اإلنسانية بما هو أبعد من االكتفاء لها بشكل أو بآخر.
34
اجلوبة -خريف 1433هـ
بقيمة الجماليات الدّاخلية في النّص ،فهو يهتم بالمتلقي ،وب��األن�م��اط األس��اس�ي��ة في 2 .2المبالغة ف��ي تطبيق ه��ذا المنهج على ك ّل المجتمع وبالمتلقي. نص ،تجعل النّص يبدو كأنّه تاريخ أسطوري إن هذا المنهج كما يرى (سكوت) يسعى لكي ّ 5 .5 ال نصاً أدبياً. يفيد إنسانيتنا لنا ،تلك اإلنسانية التي تقدر 3 .3ه ��ذا ال�م�ن�ه��ج ي�ب��ال��غ ف��ي تفخيم األعمال العناصر البدائية. األدبية ،ويرتفع بها إلى مستوى الوصايا أو 6 .6وهذا المنهج يستطيع أن يفسر لنا كثيراً من الكتب المقدسة. الظواهر ،ويربط فيما بينها ربطاً يعجز عنه يحط من ق��در مؤلفي ّ 4 .4كما أنّ ه��ذا المنهج أيّ منهج آخر.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
واحدة دون إعطاء أدلة على ذلك أيضاً!!
النّصوص ،فيتالشى الكاتب ،ويبقى النّص
7 .7ه��ذا المنهج يساعد على معرفة اآلخ��ر بل مقدساً بما يحمل. ومعرفة النّفس من خالل تعامل هذا المنهج م��ع ال ��ذات واألع �م��اق اإلنسانية والالوعي 5 .5هذا النوع من المناهج يُبعد القّراء عن قراءة الجماعي. التّحف األدبيّة؛ ألنّه يجعل المرء محتاجاً إلى 8 .8هذا المنهج يستعين بتقنيات علمية حديثة قراءة الكثير من الكتب كي يفهمها ،كما أنّه أدب �ي��ة وغ�ي��ر أدب �ي��ة ،كما يستعين بمعارف محتاج إلى أن يفكر ملياً في ك ِّل جملة من عصره في تفسير نصوصه. جمل العمل األدبي. 9 .9إذا أحسن تطبيق هذا المنهج وفق معاييره الموضعية فإنه يقدم نتائج موثقة توثيقاً ال يترك مجاال لألحكام واالنطباعية أو األهواء الشخصية ،مستمداً ف��ي سبيل ذل��ك ممّا توصل إليه علم اآلثار ،وما تركه القدماء من .7 أساطير أو تماثيل أو طقوس.
6 .6قد يبالغ أتباع هذا المنهج ،فيجعلون اعتقادات
سلبيات توظيف المنهج األسطوري في دراسة النصوص
أخرى مكان ما قاله المؤلف على وجه الحقيقة، ويؤولون ما أراده على غير ما أراد.
7ه��ذا المنهج يجعل األدب ك�ح��ام��ل ل�ع��دد من األساطير ،فيفقد العمل جزءاً من متعته التي تنتهي بمجرد أن يفكّ الشّ خص رموز هذا العمل، دون االستمتاع به ،فهو مجرد لعبة رموز.
1 .1كثيراً م��ا يتحمّس أن�ص��ار ه��ذا المنهج له8 .8 ،هذا المنهج يلغي الحدود بين الفن واألسطورة فيخرجون بمقوالت من دون أسس ،ويسعون بل بين الفن والدّين. ال جاهدين لتدعيمها بعد لَيْ عنق النّص ،فمث ً 9 .9هذا المنهج ال يفرّق بين الفن الجيد والفن يزعم بعض الدارسين أنّ ملحمة جلجامش ال ��رديء ،فهو يضعها على ق��دم المساواة، كانت معلقة على الكعبة دون إعطاء أدلة على فك ُّل م��ا يهُّم المنهج تفسير باطن النّص، ذلك ،كما يزعم البعض اآلخر أنّ جلجامش وهرقل وذا القرنين وموسى الخضر شخصية وفكُّ رموزه.
اجلوبة -خريف 1433هـ 35
( )1 () 2 ( )3 ( )4 ( )5 () 6 ( )7 ( )8 ( )9 () 10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 () 15 ( )16 ( )17 ( )18 ( )19 ( )20 ( )21 ( )22 ( )23 ( )24 ( )25 ( )26 ( )27 ( )28 ( )29 ( )30 ( )31 ( )32 ( )33 ( )34 ( )35 ( )36
36
الجاحظ ،عمرو بن بحر( ،ت 255هـ) :الحيوان ،تحقيق عبدالسالم هارون ،ج ،2ط ،1طبعة البابي الحلبي ،القاهرة1965 ،م، .133 انظر :حنّا عبّود :النظرية األدبية الحديثة والنقد األدبي ،ط ،1منشورات اتحاد الكتاب العرب ،دمشق1999 ،م.70-63 ، انظر :نورثروب فراي :نظرية األساطير في النقد األدبي ،ترجمة حنّا عبّود ،ط ،1دار المعارف ،حمص1987 ،م. واالس مارتن :نظريات السّ رد الحديثة ،ترجمة حياة جاسم محمد ،ط ،1المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة1998 ،م.113 ، انظر :نورثروب فراي :نظرية األساطير في النقد األدبي ،ترجمة حنّا عبّود؛ عبدالفتاح محمد أحمد :المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ،ط ،1دار المناهل ،بيروت1987 ،م.38-13 ، نفسه.17 : نفسه.17 : نفسه.19 : انظر :نورثروب فراي :نظرية األساطير في النقد األدبي ،ترجمة حنّا عبّود؛ عبدالفتاح محمد أحمد :المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ،ط ،1دار المناهل ،بيروت1987 ،م.55-38 ، عبدالفتاح محمد أحمد :المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي.7-55 ، نفسه.75-70 : نضال الصالح :النزوع األسطوري في الرواية العربية المعاصرة1967 ،م1992-م.12 ، ويلبر س .سكوت :خمسة مداخل إلى النقد األدبي ،ترجمة عناد غزوان إسماعيل وجعفر صادق الخليلي ،ط ،1منشورات وزارة الثقافة واإلعالم،بغداد1981 ،م.265 ، نضال الصالح :النزوع األسطوري في الرواية العربية المعاصرة1967 ،م1992-م.11 ، أمين محمود وآخرون :الرواية العربية بين الواقع واإليديولوجيا ،ط ،1دار الحوار ،الالذقية1986 ،م. نفسه.21 : حنّا عبّود :النظرية األدبية الحديثة والنقد األسطوري.44 : ويلبر س .سكوت :خمسة مداخل إلى النقد األدبي ،ترجمة عناد غزوان إسماعيل.267 : نفسه.268 : أحمد كمال زكي :دراسات في النقد األدبي ،ط ،2مكتبة لبنان ،بيروت1997 ،م.178 ، نفسه.179 : نفسه.180 : رينيه ويليك :مفاهيم نقدية ،ترجمة محمد عصفور ،ط ،1سلسلة عالم المعرفة ،العدد ،110الكويت1978 ،م.482 ، ويلبر س .سكوت :خمسة مداخل إلى النقد األدبي ،ترجمة عناد غزوان إسماعيل.268 : نفسه.269 : نفسه.269 : عبدالفتاح محمد أحمد :المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي.256 ، نفسه.256 : ويلبر س .سكوت :خمسة مداخل إلى النقد األدبي.270 ، عبدالفتاح محمد أحمد :المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي.227 ، نفسه.223 : نفسه.228 : فسه.226 : فؤاد دوّارة :الوجدان القومي في أدب نجيب محفوظ ،الهالل ،ع ،19القاهرة1970 ،م.100 ، نفسه.102 : عبدالفتاح محمد أحمد -المنهج األسطوري في تفسير الشّ عر الجاهلي ،مرجع سابق ،ص.25
اجلوبة -خريف 1433هـ
«السمك ُ ة التي تبرز ُ من ال مكان»
> عبدالله السفر -من السعودية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إبداع النقد.. ُ
نص ما نقديّا لجهة الكاتب في كونه ثمّ ة قسمةٌ ضيزى ،ير ّددُها البعض ،عندما يجري تناوُل ٍّ يصدر عن تجربة نقديّة ،فيحوز لقب «الناقد» الذي تُعطَ ى أحكامُ هُ الصالب َة والوثوقيّة ومن ثم القبول ..أو يصدر الكاتب في آرائه النقديّة عن تجربة إبداعيّة يراها أحدهم أقلّ ِمن تملّك رُتبةِ النقد ،وينج ّر عنها تقييمٌ سلبي يضع كتابة المبدع النقديّة في سلّة الخفّ ة والهشاشة ،ويعدُّ ها ضرب ًا من الخواطر على هامش النص المنقود ،وباب ًا من المجامالت الصحفيّة تأتي تحت عنوان التسويق واإلشهار بمعناه االستهالكي واللحظي .وإنّ نقد ًا هذه طبيعته وإنْ كتبه مبدع مهما عال شأنه سرعان ما يخفت ويذهب إلى الزوال. يخص ُه هو ُّ انطباع ع� ٍ�ام ٍ �دوس ي��ؤشّ ��ران على ومن أسباب هذه القسمة التشطيرية إيالءُ وح� ٌ كمبدع ،ويتصل بحوض تجربته أكثر من المعرفةِ النقديّة المكان َة األول��ى ،إ ْن لم اتصالها بالعمل اإلبداعي الذي يق ّدمه تكن الوحيدة ،لتسويغ االتصال باألثر للقراء. المنقود ،وتلمّس عوالمه الجمالية، وسبر خفاياه التي تمتنع عن النظرة وعلى وجاهة هذا «التبرير» إال األولى المتعجّ لة ،فيما تلك العوالم أنه يظ ّل خارجيّا وسطحيّا ومالمس ًة نظر وال�خ�ف��اي��ا ت�ح�ت��اج إل��ى إن �ع��ام ٍ من بعيد .فالوقائع القرائيّة ترسم وحُ سْ نِ إصغاء لتجليتها أمام القارئ. مساحات متداخل ًة وح��دوداً مختلطة. ٍ بآلة معرفي ٍّة ولن يتأتّى ذلك النفاذ إال ٍ رأي �ن��ا ن � ّق��اداً مبدعين ي�ق��ارب��ون النصوص دقيقة ،وم� ٍ ومواز ،ونقّاداً ٍ مكافئ ٍ بإبداع ٍ �راس طويل ،و ُد ْرب� ٍ�ة هائلة في شعاب الشعريّة والسرديّة تقصي شرارةَ اإلبداع النظريات والمناهج؛ ال��واف��د منها والموروث ،آخرين تقصر كتاباتهم عن ّ على ٍ نحو يمهّد الطريق ..ويفتح السطح للعبور في تلك األعمال واإلحاطة بمواطن الجمال فيه. إلى مكامن النص ومعانيه المكنوزة في األعماق .وف��ي الوقت نفسه ،ثمّة مبدعون ن� ّق��ا ٌد يضعون وف ��ي ال �ح��ال ن �ف �س��ه ..ف ��إن ال �م �ب��دع ،المشغول أيديهم وأي��دي ال�ق��راء معاً على جمرة النص.. تناول ٍ بتجربته الجمالية وبحكم تكوينه ،ال يتوافر والتقاط التجربة الجماليّة واإلنسانيّة في على تجربة الناقد المعرفيّة ،ويفتقر إل��ى مثل ربّما ع� ّز نظيره عند النقاد .ذل��ك أن المسألة رصيده المعرفي والثقافي .عمارتُ ُه غزارةُ انفعال
اجلوبة -خريف 1433هـ 37
ليست متوقفة عند «اآللة المعرفيّة» وحدَها التي
بحواس َّ يدلف إل��ى مجهول الكتابة اإلب��داع� ّي��ة
النص ،حين تتحوّل هذه «اآلل��ة» غاي ًة في ذاتها
ويمضي إثرها ليوافي مكتشفاته مثل لُقَىً تبزغ
تدور حول مفرداتها ومصطلحاتها دون أن تقول
وحجْ ر الرائع حضن الدهشة ،وكنف المفاجأةِ ،
هنا مستغرقة في مرآتها ،غريق ًة في نرجسيّتها،
سنّارته في مجهول البحر على انتظار الوعد
تصبح في بعض األحيان عازالً بين النقد وبين
وليست وسيلة؛ آلة استعراضية ورطانة غريبة
تحت قلمه ،تطفر ر ّي��ان � ًة ملتمعة ت��أخ � ُذهُ إلى
شيئا ذا بال عن العمل .تصبح الكتابة النقديّة
ال�لام �ت��و ّق��ع ..ش��أن��ه ش��أن ال�ص�ي��اد ال ��ذي يرمي
ال تقارب النص اإلبداعي إال على سبيل المباهاة
الغائم ،كما ينصح المخرج السينمائي روبير
ُنطق العمل أحوال كثيرة ،ديكتاتورا يريد أن ي ِ ٍ في
ال بما ستلتقطُ ُه بقدر ما يكونُ ُه صيّا ٌد عند جاه ً
بما تملكه من ع��دّة معرفيّة تجعل من صاحبها
بما يريد ،ال بما ينطوي عليه ،وال بما تفرضه سياقاته؛ الجماليّة واالج�ت�م��اع� ّي��ة والثقافيّة.
ي �ن �ص��بّ ج��ه��ده ع �ل��ى ت �ط��وي��ع ال��ن��ص وإذعانه
لنموذجه النظري الذي تحجّ َر إزاءه ،وملكَ عليهِ أم َر نظرِ هِ؛ فال يحي ُد عنه قي َد شعرة .كبي ُر همِّهِ
المطابقة ما بين أوراقِ هِ المعرفية وما بين أوراق
ممارسة تستعيد حكاية ٍ النص اإلب��داع� ّي��ة ،في
سرير بروكرستس ،وذك��رى األج�س��اد المقطّ عة
أعضاؤها ،أو المخلّعة أوصالُها؛ ألنها تفيض أو
تنقص عن مقاس السرير العجيب.
الفرق بين الناقد ال�غ��ارق في آلته ،والناقد
المبدع أن هذا األخير يستعمل آلته ،وال يدعُها تستعملُهُ .ال يتوقّف عندها يجذب األنظار إليها،
بريسون في مدوناته حول السينماتوغراف« :كن طرف قصبته (السمكة التي تبرز من ال مكان)».
وأحسب أن المبدع الناقد ال يختلف في هذا
ال�ش��أن ع��ن الناقد المبدع ف��ي تجربة القراءة
واإلبحار بين سطور الكتابة اإلبداعية .المبدع ب�م��ا ي �ت��واف��ر عليه م��ن ذخ �ي��رة ج�م��ال� ّي��ة وخبرة
موهبة أنضجتْها ٍ إبداعية ،وبما ينطوي عليه من س �ن��واتُ ال �ق��راءة النوعيّة والتفتّح على جهات
مرهفة؛ تعرف كيف تُدار ٍ ذائقة ٍ الجمال بحصيلةِ
البوصلة ..يستطيع هذا المبدع النفا َذ إلى أرض بنص نقدي ال األسرار واكتناه مجاهلها ،والعودة ٍّ
يق ّل في أثره عن النص اإلبداعي.
إن النق َد يبل ُغ مرتب َة اإلبداع ومعانق َة ضفافة،
ويتشاوف على المبدع وعلى قرائه أيضا .إنه
بصرف النظر عن صفة الكاتب فيما إذا كان
ومسبارا ،يكتن ُه بها أبعاد النص ومراميه ..وما
مصحوب ًة بأدواتها الخالقة التي ال تفتن وال تلهي.
معرفة تامة لها وه � ُم اإلحاط ُة ٍ وال ينطلق م��ن
بطاقة عاليةِ التنبّه واإلصغاء لما يعتمل ٍ وتشحنه
النص.
وجود ال ٍ تضطربُ في الخفاء ،وتري ُد اإلعال َن عن
عبور وغوّاص ًة يتّخذ من حصاده المعرفي مركبة ٍ
ناقداً أو مبدعا ،عندما يتحوّل إلى رحلة اكتشاف
تخزنُ ُه بُناهُ العميقة .ال يقول بالجاهزيّةِ ابتداءً،
تسند مصبا َح العمل ،وتشحذ حضو َر الكاتب،
والشمول .ال تنتظ ُر الدهش َة وتحذر من مباغتات
وأسئلة ٍ إشارات ٍ في أعماق النص ..ويحتدم من
الناقد المبدع يبني ق��راءت��ه خ�ط��و ًة خطوة،
38
مصقولة ف��ي غاية االن�ت�ب��اه ،تلتقط اإلشارات،
اجلوبة -خريف 1433هـ
بصيغة مكافِ ٍئة هي اإلبدا ُع نفسُ ه. ٍ يتب ّدى إال
> محمد جميل أحمد
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
من النقد األدبي إلى نقد اخلطاب ثمة مغالطة تاريخية ارتبطت بفكرة النقد األدبي في كونه نقدا معنيا فقط بالنصوص األدبية والجمالية منذ بدايات القرن العشرين. وعلى الرغم إمكانية مالحظة الدور الخفي ل�لإدارة االستعمارية التي قايضت حرية النقد في الكتابة عن النصوص الجمالية واألدبية ،بإيحاء الكتابة الحصرية في ذلك الجانب ؛ إال أن ثمة وعيا عاما ورثته الكتابة العربية منذ األزمنة القديمة بخصوص ذلك االرتباط العضوي بين النقد األدبي بوصفه نقدا في النصوص األدبية واللغوية ،من دون تجاوز ذلك إلى فضاءات أخرى تتصل بجملة من الخطابات األخرى التي كان ينتجها المجتمع ،سواء أكانت خطابات دينية أم سياسية أم اجتماعية. هذه الحالة امتدت إلى ما بعد المرحلة االستعمارية ،وأصبحت مع جهود مجموعة من الرواد العرب في مجال النقد األدب��ي من أمثال طه حسين والعقاد حالة مكرّسة ،كما لو أنها التعريف الحصري للكتابة النقدية ،فالتماهي بين النقد بوصفه منهجية متصلة باألدب فقط ،أصبح حاكما لطبيعة الكتابة النقدية بذلك النوع من الخطاب الجمالي. ب �ي��د أن ال� �س���ؤال ال � ��ذي ي��ط��رح نفسه ح�ي��ال ه��ذه المعضلة ه��و :ه��ل العملية النقدية في الكتابة قابلة لالنزياح إلى مختلف أنماط الخطاب التي ينتجها المجتمع ،وما الذي جعل من تكريسها ذاك متصال فقط ب �ح��دود الخطاب الجمالي/األدبي؟ وف��ي سبيل اإلج��اب��ة على ه��ذا السؤال، سنجد أنفسنا أم��ام حالة خاصة وف��ري��دة بالكتابة العربية ،قد ال تجد لها أي نظير في أنماط الكتابة النقدية لألمم األخرى. وعبر هذا الفصل غير المعرفي وغير المنطقي،
تم التشويش على مهمة الناقد المفترضة بوصفه ناقدا لجميع الخطابات المنتجة من قبل المجتمع ،وتحويل تلك المهمة إلى المفكر الذي غالبا ما تبدو كتاباته أكثر التصاقا باألكاديميات ،وأبعد عن الوظيفة النقدية للكتابة. لقد كان هذا الفصل بين الخطابات المعرفية القابلة للنقد ،ه��و بمثابة مؤشر انقسام وانفصام في الحياة الفكرية العربية ذاتها، ال حول طبيعة الكتابة وحسب. ولعل الرابط الذي يفسر لنا انفصال المعرفة عن النقد -في مستوى آخر -هو غياب الفلسفة في
اجلوبة -خريف 1433هـ 39
حياتنا المعرفية والتعليمية ،فالفلسفة بوصفها معرفة تنتظم جميع المجاالت من خالل (اشتغال العقل على العقل) ،جسّ د غيابها سببا آخر لعدم مالحظة النقد في كونه آلية معرفية لمختلف الخطابات. ولعل من الجدير بالمالحظة في هذا الصدد ،هو أن الكثير من الكتابات النقدية للنصوص األدبية التي ازده��رت في العقود الماضية من القرن العشرين، وع�ل��ى رأس�ه��ا كتابات ط��ه حسين وال�ع�ق��اد ،ل��م تعد ال �ي��وم تعكس ح�ي��وي��ة راه �ن��ة ح �ي��ال ت�ل��ك النصوص التي عالجتها ،أو أنها فقدت الكثير م��ن بريقها. ويعود جزء من فقدان ذلك البريق إلى اقتصار نقد النص الجمالي في حدود جمالياته وحسب ،وبعيدا عن الطبيعة البنيوية واللسانية والثقافية للشروط المتصلة بإنتاجه ،وانعكاساتها كخطابات محايثة للخطاب الجمالي ذاته.
فليس بالضرورة أن تكون الكتابات األكاديمية في العلوم األخرى مثقلة بذلك األسلوب الجاف والغامض في الوقت نفسه ،كما أن الجانب النقدي في تلك العلوم هو الذي سيتكشف عن قابلية جمالية ..حين يتم م��ن خالله اس�ت�خ��دام األدوات البالغية للنقد األدبي ،وتوظيفها في األسلوب الكتابي لتلك العلوم. على أن فكرة النقد بذاتها ،ربما كانت سببا في اق�ت�ص��اره على النصوص األدب �ي��ة ،كمهرب جمالي م��ن استحقاق النقد المتصل بالخطابات الدينية وال �س �ي��اس �ي��ة ،وال �ن �ظ��ر إل�ي�ه��ا ك�خ�ط��اب��ات ونصوص خاضعة للنقد.
ف��ال�ن�ظ��رة ال�ن�ق��دي��ة للنصوص األدب �ي��ة بوصفها خطابا ،تمنحه الكثير من السمات المضيئة لطبقاته وم �س �ت��وي��ات ال �ت��أوي��ل ف�ي�ه��ا ،وال �ه��وام��ش المعرفية والثقافية األخ��رى؛ أي أن الكتابة النقدية بوصفها ن�ق��دا للخطابات المختلفة ،تختزن ق ��راءة جدلية متناظرة ،وتكسب النص غنى في تفسيره وتأويله، وفي الوقت نفسه تمنحه إح��االت مرجعية تمد من قدرته على مقاومة الزمن.
ذل� ��ك أن ه� ��ذا ال��ج��ان��ب م ��ن ال �ن �ق��د المتصل بالخطابات األخ��رى التي ينتجها المجتمع ،يرتبط أساسا بفكرة الحرية التي ال ت��زال شبه غائبة في مناهج البحث العلمي وال��درس بصورة عامة .ففي ظل الحرية المعرفية ،يمكن أن ينتقل مفهوم النقد بمعناه المعرفي من حقل األدب إلى الحقول األخرى في السياسة واالجتماع والدين والتاريخ ووو...
إض��اف��ة إل��ى ذل��ك ي�ن�ط��وي اس�ت�ص�ح��اب القراءة ال�ن�ق��دي��ة ل�ل�خ�ط��اب��ات األخ� ��رى وف ��ق م�ع�ي��ار السمة
هكذا سنجد أن الناقد األدبي وفق هذا الفصام الذي نشأ في الحياة العربية المعاصرة بين النقد والعلوم اإلنسانية شخصا منعزال عن سجاالت الحياة العامة في الخطابات التي ينتجها المجتمع ،بحيث يصدق عليه مفهوم المثقف ذي البرج العاجي ،من خالل عكوفه على تحليل ونقد نصوص أدبية قابلة للنقد ،دون أن تنطوي على ردود أفعال تسهم في الحراك المعرفي والفكري للمجتمع بصورة فعالة ومنتجة.
من جهة ثانية ،فإن القراءة النقدية للخطابات التي ينتجها المجتمع ال تعني وفق هذا التناول أن يتحول الناقد إلى موسوعة معارف فهذا غير ممكن بطبيعة ال�ح��ال وإن�م��ا يعني ت�ح��دي��دا :ال �ق��درة على امتالك أدوات معرفية إلى جانب تخصصه األصل، تعينه على قراءة النص ونقده ،سواء أكان جماليا أم سياسيا أم فنيا أم فولكلوريا.
40
األسلوبية المتصلة بالنقد األدبي ،على قيمة جمالية مضافة؛ م��ن شأنها أن تجعل األس�ل��وب األكاديمي أكثر تشويقا وحيوية ،عبر استخدام جماليات اللغة والبالغة التي يعتمدها النقد األدب��ي في مقاربته للنصوص.
اجلوبة -خريف 1433هـ
هنا سنجد أنفسنا أمام حالة أخرى تكشف عن مدى بعدنا عن توطين فكرة الحداثة ،كرؤية تمنحنا وعيا تاريخيا بالمعرفة التي ينتجها المجتمع ،ضمن خطابات قابلة للنقد ف��ي ح�ق��ول الفلسفة والفكر واألدب ،التي يمارسها الناقد /المفكر من دون أن يقع ف��ي ذل��ك ال�ف��رز اإلش�ك��ال��ي بين مهمته كناقد، ومهمته كمفكر.
هكذا ،مثال ،كانت (م��درس��ة فرانكفورت) التي أسست النظرية النقدية المعاصرة عبر أهم روادها (فالتر بنيامين ،م��ارك يوركهايمر ،تيودور أدورنو) وصوال إلى يورغن هابرماز في بداياتها منطلقة من معهد البحث االجتماعي في جامعة فرانكفورت، لتنتج ب�ع��د ذل ��ك ع�ب��ر ال�ت�ف��اع��ل ال �خ�لاق ب�ي��ن علم االجتماع والفلسفة :النظرية النقدية التي ال تزال إلى اليوم هي األكثر راهنيه وفاعلية في نقد الخطابات التي ينتجها المجتمع ،سواء أكانت خطابات جمالية/ أدب�ي��ة ،أم خطابات دينية ،أم سياسية .وم��ن خالل استثمار جماليات خطاب النقد األدب��ي في تحليل ون �ق��د ال �خ �ط��اب��ات ال�م�ع��رف�ي��ة األخ � ��رى ،ك ��ان تأثير (ميشيل فوكو) ،و(جاك دريدا) ،و(جيل دولوز) ،كبيرا وعميقا في الثقافة الفرنسية ،عبر كتاباتهم النقدية والفلسفية ،حين م��ارس��وا األداء ال �م��زدوج للناقد والمفكر معا ،وضمن بنية واحدة تتصل بنقد جميع الخطابات.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
واألخطر من ذلك ،أن تكريس فكرة النقد األدبي باعتبارها منحصرة بسياق ال�ن�ص��وص الجمالية، أصبحت من بديهيات وع��ي النخب الثقافية حيال رؤيتهم لوظيفة الناقد ،بطريقة يصبح من الصعب معها فك االرت�ب��اط في ذل��ك الوعي الشعبوي ،بين ض��رورة النظر إل��ى نقد النصوص المختلفة التي ينتجها المجتمع كنصوص تخضع للعملية النقدية، ضمن مهمة ال�ن��اق��د /المفكر ،وب�ي��ن مهمة الناقد المنحصرة ف��ي ذل��ك ال��وع��ي كشخص معني فقط بالنصوص األدبية.
ال�ح��داث��ة واس�ت�ث�م��ار منهجياتها اإلستراتيجية في المعرفة ،لضمان إنتاج خطاب معرفي فاعل ومنتج وحر ،بعيدا عن االحترازات التي تنعكس في وعينا من إكراهات ذهنية التخلف ونمطه العام.
إن قضية انتقال العملية النقدية من كونها مختصة بالخطاب األدبي ،إلى كونها منهجية نقدية في فحص مختلف الخطابات التي ينتجها المجتمع ،سيجعل منها منهجية جدلية فاعلة ف��ي تحريك الساحة ورغ ��م ب ��روز ن �ق��اد ع��رب ك �ب��ار م��ارس��وا العملية الفكرية والثقافية ،وقابلة ألن تخلق تأثيرها الجمالي المزدوج ،سواء لجهة إغناء الخطاب األدبي بآليات النقدية ضمن رؤيتهم الشاملة في نقد الخطابات التأويل والتحليل ،التي ت��درج��ه ف��ي صميم الوعي التي ينتجها المجتمع ،مثل :إدوارد سعيد ،وجورج العام؛ أي بكونه خطابا متفاعال ،ال متعاليا ،أو لجهة طرابيشي ،وهاشم صالح ،وغيرهم ،إال أن الحاجة ال تفعيل جماليات اللغة في بنية العمل النقدي المتصل تزال ماسة إلى تأسيس مفهوم النقد ضمن النظرية بالعلوم االنسانية األخرى ،ليجعل من أسلوبها قابال النقدية للخطابات التي ينتجها المجتمع. للتلقي كأسلوب جمالي ينفذ إل��ى نقد خطاباتها وبطبيعة الحال ،سيكون المشوار طويال وصعبا بتشويق مؤثر في وعي المتلقي. لبناء وتوطين تلك الرؤية في ميدان النقد وتوطينها؛ ون �ت �ي �ج��ة الن��ف��ص��ال ال �ن �ق��د األدب� � ��ي م ��ن حيث ألن أهم إشكاالت المعرفة لدينا في العالم العربي موضوعاته ،أو خطابه الجمالي عن العلوم االنسانية هي غياب معنى الحرية كحاضنة طبيعية لمنهجيات األخ��رى ،تتكشف لنا اليوم م��دى حاجتنا إل��ى تمثل المعرفة والعلوم.
اجلوبة -خريف 1433هـ 41
النقد النسوي لدى
الدكتورة سعاد املانع أستاذ النقد األدبي الحديث ورئيس تحرير مجلة اآلداب ،بكلية اآلداب ،جامعة الملك سعود ،الرياض
زياد > أ .د .صالح ّ
ينحصر ما كتبته الدكتورة سعاد المانع ،من أبحاث نقدية أدبية ،أو يكاد ،في اتجاهات ثالثة: أولها يختص بوصف صورة المرأة التي تصنعها الثقافة واألدب وشرحها وتحليلها؛ والثاني يكشف عن السمات الخاصة بكتابة المرأة بما يفرقها عن كتابة الرجل أو يجمعها بها؛ والثالث نقد النقد النسوي العربي .وه��ذه وجهات ثالث ينقسم عليها –إجماالً -جهد النظرية النسوية والكتابات توحد الجهد النقدي لسعاد المانع تحت الفتة النقدية المنتسبة إليها .لكن هذه الوجهات التي ِّ النقد النسوي ،توحده أيض ًا –بالقدر نفسه -في االنتساب إلى سعاد المانع نفسها. لقد كان التحيز ضد المرأة همّ ًا عام ًا في أبحاث سعاد المانع ،وهو همٌّ تنشط له عبر إستراتيجية المقاومة للهيمنة .فلئن كانت هيمنة الرجل على المرأة وحلولها في موقع الهامش وفي منزلة سفلى بالنسبة إليه هي مادة النظرية النسوية ونشاطها النقدي ،فإن الهيمنة بكل أشكالها موضوع وثيق الصلة بالنظرية النسوية .ولدى سعاد المانع ،تغدو هيمنة المقوالت النسوية ذاتها مادة للبحث واالكتشاف والمساءلة .وهو المنشط النقدي لديها الذي يتصل وال ينفصل عن استقصائها للمتن الثقافي باحثة عن تجليات التحيز ضد المرأة وأمثلته؛ ولكن بالقدر نفسه تجليات اإلنصاف لنماذج فردية من النساء ،فليس التحيز ضد المرأة وحده –لدى سعاد المانع -مادة االشتغال النسوي. هذا النقد ،ألن اإليديولوجيا دوماً مضلّلة معرفياً ،ولهذا فإن التأسيس المعرفي يقاوم تسيُّد اإليديولوجيا وتضليلها. وفي هذا المورد تبدو سمة واضحة للنقد النسوي لدى سعاد المانع.
وإذا كان المنزع اإليديولوجي بارزاً في النقد النسوي ،بالمعنى ال��ذي يعاين اإليديولوجيا بوصفها فكرة مغلقة في مقابل المعرفة؛ والفكرة المغلقة هنا هي االضطهاد والقمع الذكوري المسلط على ال�م��رأة والعمل على وأبرز ما يمكن االستدالل به في إزاحته .وقد نفهم وصف رامان سلدن ه��ذا ال �ص��دد ،م�ق��اوم��ة س�ع��اد المانع للناقدة النسوية الشهيرة هيلين سكسو للتعميم والشمول واإلج�م��ال .تقول“ :إن من هذه الزاوية تحديداً ،حين ق��ال“ :إن منهج الذي يهيمن هنا (في النقد النسوي) هو الفكرة سكسو منهج رؤيوي يتخيل لغة ممكنة أكثر مما حول اتفاق كل لغات العالم وكل ثقافات العالم يصف لغة موجودة” فإن هذا مطعن في معرفية لتكون ضد المرأة” .وت��رى في مقابل ذل��ك أن
42
اجلوبة -خريف 1433هـ
قيمة أعلى لشعر الشاعرة لكونها تتسم بالجرأة في طرح تجارب ال تتقبل التقاليد االجتماعية من المرأة طرحها ،وال العكس كأن توضع قيمة أعلى لشعر الشاعرة لكونها حريصة على االلتزام بالتقاليد االجتماعية وع��دم المساس بها في الشعر .هنا البحث في الشعر ال يمس المواقف االجتماعية أو األخالقية ،وإنما يهتم بتقديم هذه الصور من دون تحيز ضدها أو معها”.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وبالطبع ،فإن القيمة األدبية هناك تفاوتاً ف��ي الموقف من هي قيمة جمالية فنية ،والقيمة المرأة بين بيئة وبيئة ،وتقول: المنهجية ف��ي ال�ف�ع��ل النقدي “وحتى إذا ما افترضنا اتفاق هي قيمة معرفية ،أم��ا القيمة ال�ث�ق��اف��ات ع�ل��ى ع ��داء المرأة، النسوية فهي قيمة م��ن زاوية وات� �ف ��اق ال �ل �غ��ات ع �ل��ى التحيز الموضوع ومن زاوية الرؤية إليه ض���د ال�� �م� ��رأة ،أال يستدعي في وقت معاً .وقد ظلت األسئلة األم��ر النظر ف��ي خصوصيات المعرفية تجاه النقد النسوي ك ��ل ث �ق��اف��ة؟ أال ت��ك��ون هناك ل��دى س�ع��اد المانع ملحّ ة على صنوف مختلفة لجوانب العداء شكري عياد تحرير الموقف النقدي النسوي في الثقافة واللغة تتفاوت من وتعميقه ب��ال �م��ؤدى المعرفي، ثقافة إل��ى أخ��رى وتتفاوت من لغة إلى أخرى .أال تستحق الثقافة العربية واللغة فهي ت�س��أل“ :هل مهمة النقد األدب��ي النسوي ال فيه هو مجرد االل�ت��زام بقضية ال��دف��اع عن المرأة؟ العربية استقراء لما هو موجود فيها وتأم ً مع ربطه باإلطار االجتماعي والزمني التاريخي وهل تؤخذ األحكام على األدب من مجرد هذا االلتزام؟ وهل تصوير النساء في األدب بصورة الذي أحاط به عند إنتاجه”. ولهذا ،بدا في ممارستها النقدية التحاشي متحيزة كان له أثر في الواقع على رؤية النساء للتقويم ،فهي تدرس وتكشف وتحلل صورة المرأة ألنفسهن كما رأت غوبار وغليبرت في كتابهما في بعض أبحاثها ،من دون أن تضفي قيمة تعلو “المجنونة في العلية”؟ وهل تصوير أي امرأة ببعض الصور على بعضها اآلخر .ولنقرأ –مثالً -في األدب على أنها سيئة يؤخذ على أنه يعزز ما تعلنه في مفتتح إحدى دراساتها التي تناولت إيديولوجية كراهية المرأة؟ وإذا كان علينا أن فيها ص��ورة ال�م��رأة ف��ي متن شعري محدد من نختزل األدب ال��ذي تصور فيه النساء على أن أش�ع��ار ال�ن�س��اء ،حين ت�ق��ول“ :ولن يكون ضمن يكنَّ نساء جيدات في مفهوم الناقدة النسوية الدراسة هنا وضع معايير للشاعرات ،كأن توضع فكيف يمكن أن يتفق هذا مع حقيقة النساء؟”.
وت��ذه��ب إل��ى االس �ت��دالل ب��رأي ش�ك��ري عياد ال��ذي ينفي القيمة األدبية عن األدب من زاوية التمييز بين ما تكتبه المرأة وتمثل فيه خصائصها األنثوية وما يكتبه الرجل“ ،فاألدب الذي تكتبه ال �م��رأة حين يظهر فيه انعكاس ل��وع��ي المرأة تجاه وضع معين يمسها أو تبدو فيه حساسيتها تجاه موقف ما ،فإن هذا يمكن أن يستفيد منه الباحثون االجتماعيون والمعنيون بقضية المرأة
اجلوبة -خريف 1433هـ 43
فائدة عظيمة ،لكنه ال يحقق قيمة على المستوى مجاالت قيم المدح وسياقاته ولهذا ف��إن كالم األدبي ما لم يتجاوز االنعكاس والحساسية إلى النقاد القدامى المفقر للقيم المدحية للمرأة
ما هو أكثر مساساً بجوهر األدب”. ***
هذا الموقف المعرفي واألدب��ي ال��ذي وقفته
س �ع��اد ال��م��ان��ع ،ق ��اده ��ا إل���ى ت�ف�ك�ي��ك الموقف المتحيز ضد ال�م��رأة ونقضه بأكثر من معنى. ويجب أن نسجل هنا اتساع المساحة الكبيرة التي استوعبتها جهود المانع في تأمل الموقف
من ال�م��رأة ومطالعة متون متنوعة في صيغها
ناتج ع��ن خلطهم بين ص��ورة ال�م��رأة ف��ي الغزل
وصورتها في مجاالت الحياة األخ��رى ،فوصف
جميل لمحبوبته بالبخل وكعب بن زهير بعدم وف��اء محبوبته بالوعد مقصوران على الغزل،
وهما قيمة عليا للمرأة في هذا السياق وحده لداللتهما على ترفُّع المرأة وعفافها ،لكن البخل وإخالف الوعد في العموم مذمومان عند المرأة
والرجل على حد سواء.
وق��د ك��ان التفسير بالسياق ل��دى الدكتورة
وسياقاتها وأزمانها .وأول ما تؤكده المانع في ه��ذا الصدد هو تعدد ص��ور ال�م��رأة واختالفها المانع منظوراً لتأويلها بعض المعاني المرصودة وتناقضها بين العصور وفي العصر الواحد بل ل��دى الجاحظ في موقف انحيازه ضد المرأة،
لدى الشاعر أو المؤلف الواحد .ومؤدَّى ذلك ال وذلك بنسبتها إلى سياق الهزل المألوف –بين ينقض ،فحسب ،التعميم السائد في وجهة النقد حين وآخ��ر -في مؤلفاته« .وم��ن ثم ف��ورود ذكر النسوي ،بل ينقض الصور والمواقف المتحيزة المرأة في سياق الجنس ،أو في سياق عدد من ضد المرأة؛ ألنه يحيلها من الصفة العامة في الطرائف والقصص الفكاهي تتسم فيها المرأة
الطبيعي إلى الصفة المتغيرة والحادثة والمتنوعة بالحمق أو العي أو اللكنة ال يمكن النظر إليه على أنه يصوِّر اتجاهاً متحيزاً عند الجاحظ عن في الثقافي. وي��أت��ي االح �ت �ك��ام إل��ى ال�س�ي��اق��ات المقامية
وال�ت��اري�خ�ي��ة للملفوظات ال��واص �ف��ة ل�ل�م��رأة في مقدمة ما تتكئ عليه المانع في نقض المحموالت
المنتقصة للمرأة والمضادة لها .فالقول –مثالً- بشح القيم اإلنسانية التي يمكن أن تُمتَدَح بها المرأة في الرثاء ،لها وأنها تُ ْمدَح بما ال يُ ْمدَح
ب��ه ال��رج��ل ي �خ��رج –في ن�ق��ض ال�م��ان��ع ل��ه -عن حساب المجاالت الشعرية من حيث ما لها من
قيم خاصة؛ ولذلك يغدو –فيما تستشهد -بكاء
المرأة .فالحديث عن الجنس يرد في كثير من األحيان ،بصورة فكاهية أو ساخرة عن الرجل،
والطرائف التي تحتويها كتب الجاحظ يرد كثير ال بوصف رج��ال بالحمق أو اللكنة منها متص ً أو العي أو غير ذل��ك ،وليس باألمر النادر عند
الجاحظ أن يورد لبعض النساء في ذم أزواجهن قوالً ساخراً يتصل بالجسد». *** ولئن ك��ان وق��وف المانع ضد التعميم قرين
الرجال الشجعان –مثالً -وتهالكهم مقبوالً منهم رغ �ب �ت �ه��ا ف ��ي االن��ع��ت��اق ب��ات �ج��اه ال �م �ع��رف��ي في في الغزل .وكما تختلف سياقات القول تختلف دراساتها النقدية النسوية ،فإن الكشف لصور
44
اجلوبة -خريف 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وت��أوي��ل ع�ب��دال�ل��ه الغذامي التعميم ي�ج��اوز لديها تحاشي ل�ل�م�ث��ل ال��م��ت��داول ح��دي �ث �اً في التقويم واإليديولوجيا ويجاوز نجد “البنت ما لها إال الستر االستقراء الناقص إلى التأويل أو القبر” وآلخ��ر م �ت��داول في ال��م��ت��ع��س��ف ،أو م� ��ا يسميه ال �ح �ج��از “البنت ل �ل �ج��وز وال أمبرتو إي�ك��و ال�ت��أوي��ل المفرط للقوز” ب��أن �ه �م��ا ي � ��دالن على .Overinterpretationومن أمثلة أن البنت ع��ورة ال ب��د لها من ذلك وقوفها على تأويل ميجان الستر ،وهذا الستر يتحدد إما الرويلي لقول أخت لقمان“ :إني بالزوج أو بالقبر .فالمانع ترى ام��رأة محمقة ”...الذي يورده د .ميجان رويلي أن النظر في صيغة المثلين ال في مقالته “الحيوان بين المرأة والبيان” مستدالً به على أن هذه المرأة تتصف يجعل أحدهما يطابق اآلخ��ر ف��األول يستخدم ال إي��اه على إي��راد الجاحظ له ،لفظ “الستر” وللستر دالالت كثيرة وال يقتصر بالحمق ،ومحي ً ضمن ما يورد من مقوالت مصنفة لدى الرويلي على الكناية عن الزوج ،وكلمة “القبر” تؤكد فكرة بما يسلب المرأة البيان ويحصر وظيفتها في “الستر” أكثر مما تعبر ع��ن الرغبة ف��ي موت الجنس .لكن المعنى لدى سعاد المانع مختلف البنت ،مثلما ترد في بيت أبي فراس “لنا الصدر “فالمحمق هنا معناها من يولد لها أوالد حمقى ،دون العالمين أو القبر” لتؤكد ض��رورة حصول وقد كان زوج أخت لقمان محمقاً كما تذكر هذه الصدارة. األسطورة ،فهو سبب حمق األوالد ،ولو كانت هي *** الحمقاء أو هي سبب حمق األوالد لما أمَّلت أن وف ��ي م�ق��اب��ل األش��ع��ار واألم� �ث ��ال والقصص يأتيها ولد نجيب مثل لقمان”. وال�م��واق��ف واآلراء ال�ت��ي تنتقص –في التراث ومثل ذلك تأويل ميجان الرويلي في مقالته ال�ع��رب��ي اإلس�لام��ي -م��ن ك�ف��اءة ال �م��رأة العقلية نفسها لوصية ضرار بن عمرو الضبي البنته عند والبيانية والسلوكية واألخالقية والعملية ،وتصل زواجها“ :يا بنية أمسكي عليك الفضلين ،قالت بين قيمتها وبين جسدها ،وبين ال�خ��وف منها وما الفضلين؟ قال :فضل الغلمة وفضل الكالم” .وبين الخوف عليها ،وبينها وبين العار والغواية فليس في هذه الوصية من وجهة نظر المانع أي والخيانة ...إلخ .تحشد الدكتورة المانع عديداً تمييز ض��دي للمرأة يسلبها البيان ويحصرها م��ن األش �ع��ار والقصص وال�م�ق��والت والمواقف ف��ي الجنس ،ألن “معنى الفضل هنا ليس هو التي تدلل على ضد ذلك .فهناك أشعار تنسب المعنى المتداول للكلمة ،ولكن معناها الفائض الشخص إلى أمه في معرض المدح أو الفخر، من الشيء أو الزائد .والزائد من هذين األمرين وأخ��رى تشف عن عاطفة حميمة في التحاور هو ما يوصي هذا األب ابنته بتركه .ومثل هذه مع االبنة أو الزوجة ،واعتزاز الفارس بإرضائه الوصية تقدم لرجل”. للنساء ،وجدل الشاعر مع العاذالت الذي ينم عن
اجلوبة -خريف 1433هـ 45
ال للدحض. وج��ود المرأة القوي وصراعه معها في الرأي ،األولى للهجرة من تلك المقوالت قاب ً وتر ُّد ُد أسماء نساء كن يسهمن في الحروب كما وم�ث��ال ذل��ك العبارة التي ي��ورده��ا الجاحظ في يرد عن نساء الخوارج ،وذكر وفود نساء كبيرات سياق تربية البنات غير منسوبة إلى أحد“ :كأن ف��ي ال�س��ن يقدمن على م�ع��اوي��ة أو يستدعيهن يقال ال تعلموا بناتكم الكتابة ،وال ترووهن الشعر، ه��و ،ون�س�ب��ة خ�ط��ب أث �ن��اء ب�ع��ض ال �م �ع��ارك بين وعلموهن القرآن ،ومن القرآن سورة النور» .فهذه
علي ومعاوية للنساء .وإلى ذلك فقصص العرب العبارة –فيما ترى المانع -تشير إلى أن تعليم
القديم حافل بقصص تبدو المرأة فيها وثيقة البنات الكتابة ورواية الشعر كان أمراً متاحاً ،وإال الصلة بحياة الجماعة ،وتشير إلى تمتع المرأة لما جاء النهي عنه.
بالعقل والبراعة في العمل أو البيان.
وحتى الحديث عن «وأد البنات» الذي يَن ِْسب
وي��أت��ي ال �ت��أوي��ل ال�ت��اري�خ��ي واح� ��داً م��ن أبرز في القرآن الكريم وفي كتب التفسير والتاريخ
مستندات سعاد المانع في قراءة الموقف الثقافي ممارسة غاية في الداللة على حقارة المرأة عند
من المرأة في التراث العربي .وهو تأويل ال ينفصل بعض العرب في الجاهلية ،تأخذ عند المانع لا يبرِّئها م��ن ال��دالل��ة على ت�ص��ور المرأة ع��ن التأويل السياقي ال��ذي يحيل الملفوظات ت��أوي� ً
إل��ى دائ��رة مقامية خارجية أوس��ع من الملفوظ العورة ،وتستعين بكتب تفسير القرآن الكريم في نفسه ،وال ينفصل عن ما يطبع صفة المرأة في ذك��ر أن ال��وأد ك��ان يحدث بسبب الفقر وخشية
المقوالت بما يقسمها بين نقيضين أحدهما ضد العيلة .أما ما يرد في بعضها من اإلش��ارة إلى المرأة واآلخ��ر معها ،وأحدهما متحيز واآلخر خشية العار فإنه يرد فيها على أنه احتمال آخر
محايد أو ع��ادل .وأول مظهر للتأويل التاريخي وليس على أنه أمر مقطوع به ،بدليل قبولهم فداء هنا ،هو نسبة الملفوظات الواصفة للمرأة إلى الموءودات كما في فخر الفرزدق بصنيع جدِّ ه.
زمنها التاريخي ،وهي نسبة تستند إلى فرضية
أما السبب التاريخي ال��ذي تعزو إليه سعاد
تحل مشكل التناقض والتعارض في الموقف من ال�م��ان��ع ب ��روز التحيز ض��د ال �م��رأة ف��ي التراث المرأة ،وملخصها أن التحيز ضد المرأة حادث العربي ،واالنتقاص منها ،وتصورها عورة ...الخ،
ف��ي ال �ت��راث العربي وليس ق��دي�م�اً ،وواف��د على فهو تعرض فكرة الصون والغيرة على المرأة للغلو ال فيها. الثقافة العربية وليس أصي ً والمبالغة بعد القرن الثاني الهجري ،حتى شمل وبالطبع ،ف��إن هناك م�ق��والت مهينة للمرأة عدم ذكر أسماء النساء النبيالت في الرسائل،
ال سبيل إلى تعيين زمنها ،وأخ��رى منسوبة إلى وظهرت إشارات في الشعر إلى الرغبة في موت
العصور القديمة في تاريخ التراث العربي ،أي البنت وعده نعمة بسبب الغيرة والحمية وخشية إلى الجاهلية أو صدر اإلسالم .وفي ضوء تلك العار (أمثلة من البحتري وكشاجم وابن زيدون)،
الفرضية يبدو غير المنسوب إل��ى زم��ن بعينه وتالشى ذك��ر المرأة في الشعر في غير الغزل من تلك المقوالت متأخر تاريخياً ،كما يبدو ما والرثاء .وقد كان تطور المجتمع وكثرة الجواري
يُنسَ ب إلى الجاهلية وحوالي المئة وخمسين عاماً وأب�ن��اء اإلم��اء م��ن ذوي ال�س��ؤدد والمكانة قرين
46
اجلوبة -خريف 1433هـ
*** ولم تجد المانع في الفكرة المتداولة في النقد النسوي عن تحيز اللغة ضد المرأة ما يقنع، فالمظاهر اللغوية الموصوفة في دائ��رة ذل��ك التحيز ال تبرأ م ��ن ال��ق��ص��ور ال � ��ذي ينتقص م��ا ي��راد لها أن تبرهن عليه. ف��ال �ق��ول –مثالً -ب ��أن األصل ف��ي اللغة التذكير ال التأنيث، فيما تفصح ع��ن ذل��ك مقولة اب��ن جني ،ال يصح االستدالل ب��ه ف��ي معنى ال��ذك��ر الحقيقي المقابل لألنثى ،وإنما هو كما قال سيبويه إشارة إلى المبهم، إل ��ى «ال� �ش ��يء» ،وال��ش��يء يدل على الذكر واألنثى .أما مظهر ج �م��ع ال �م��ذك��ر ال �س��ال��م الذي ي�ح��رم على ال �م��رأة وع�ل��ى غير العاقل والحيوان الدخول إليه، وتخصيصه بالمذكر العاقل، ف��إن بعض أس�م��اء ال��ذك��ور مثل طلحة وأس��ام��ة ...ال��خ يستوون م��ع ال �م��رأة ف��ي ت�ح��ري��م صيغة جمع ال�م��ذك��ر ال�س��ال��م عليهم. وم �ث��ل ذل ��ك ع ��دم إل �ح��اق «تاء ال�ت��أن�ي��ث» بمثل كلمة «عاقر»
محمد نور أفايه
عبدالله الغذامي
محمد براده
رشيدة بن مسعود
ول�ه��ذا تستنكر سعاد المانع ما يذهب إليه محمد نور أفاية وعبد الله الغذامي ومحمد برادة ورشيدة بن مسعود من البحث عن لغة مؤنثة والدعوة إلى تخليص ال�ل�غ��ة م��ن ذك��وري�ت�ه��ا التاريخية وت ��أن� �ي ��ث ال � ��ذاك � ��رة ب� �ن ��اء على افتراض خصائص لغوية مرتبطة ب�ط�ب�ي�ع��ة ال� �م ��رأة البيولوجية. فاللغة المؤنثة على ه��ذا النحو ليست ل��دى ال�م��ان��ع س��وى فكرة م�ب�ه�م��ة غ��ام �ض��ة ال ت �ش��ف عن ت�ح��دي��د للصفة ال�ت��ي ت�ك��ون بها سمات اللغة األنثوية المفترقة عما يمكن أن نصفه بلغة ذكورية. أم��ا خصوصية الكتابة النسوية ع �ن��د ال �م��ان��ع ف��إن �ه��ا ن��اب �ع��ة من خصوصية وضعها االجتماعي واخ �ت�لاف ظ��روف�ه��ا ،وتظهر في اختيار موضوعات الكتابة وفي ال��رؤي��ة للعالم وللنفس البشرية م��ن وج�ه��ة ام ��رأة .وت�ج��د المانع في تصورات اللغة األنثوية ،في النقد النسوي العربي ،من زاوية االخ �ت�لاف ال�ب�ي��ول��وج��ي للمرأة، موقفاً تقليدياً يتبنى حرفياً ما ط��رح�ت��ه ال �ن��اق��دت��ان النسويتان لويس أري �ق��اري وهيلين سكسو
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
دخ��ول م��ؤث��رات ثقافية أجنبية فارسية ويهودية وغيرهما ،في تعليل المانع لما اعتور صورة ال� �م ��رأة ث �ق��اف �ي �اً م ��ن السلبية واالنتقاص والعار.
ال��ذي رأت فيه إح��دى الناقدات مظهراً لتمييز اللغة ضد المرأة، فاللغة العربية تجعل الصفة من بعض الصيغ (مثل عاقر) مشتركة بين األنثى والذكر.
اجلوبة -خريف 1433هـ 47
دونما مناقشة أو تمحيص ،أو خلوص إلى نتيجة موقف المانع المعرفي في الترامي إلى ما ينهض واضحة ومحددة وذات عموم. بالمنهجية النقدية ويحررها معرفياً ،وبخاصة في جهة التحاشي للموقف اإليديولوجي الذي تغدو *** فيه األفكار سلطة مهيمنة تحول دون االكتشاف وإذا اختلفنا م��ع بعض أط��روح��ات الدكتورة المتجدد وتغيير القناعات بفعل البحث. سعاد المانع ،فإننا لن نختلف معها حول مقاومتها وال تختلف ع��ن ذل��ك التفاتة س�ع��اد المانع للتعميم واالس �ت �ق��راء ال�ن��اق��ص ،ونقدها للتأويل المتعسف .وسنقف م��وق��ف اإلع �ج��اب بشهيتها إل��ى اختالف الثقافات ،ال��ذي يحيل على صور المعرفية ،ال�ت��ي أنتجت حماسها واصطبارها مختلفة للمرأة ودرج��ات متفاوتة من الكراهية وانكبابها في وجهة التقصي لمساحة غير يسيرة لها وغمط حقوقها .إنه اختالف بين المجتمعات من المدونة الثقافية العربية القديمة ،وعديد وبين العصور وحتى بين أفراد الناس .وأتصور أن من مدونات الشعر والقصة الحديثة ومرجعيات االلتفات إلى اختالف الثقافات والمجتمعات في النقد والنظرية .وال يتخلف عن هذا الموقف ما الموقف من المرأة هو الوجه اآلخر لما تتضمنه نراه بشأن تضافر دراسة صورة المرأة لديها ،مع النظرية النسوية وال�ح��رك��ات النسوية نفسها، جهدها في قراءة أدب المرأة ومنتجاتها اإلبداعية ،من اختالف وت�ن��وع ،على الرغم من اجتماعها وه��و التضافر ال��ذي استلزم الجدل والمراجعة ح ��ول رف ��ض ال�ه�ي�م�ن��ة ال��ذك��وري��ة ع �ل��ى المرأة وال�ن�ق��د ل�لأط��روح��ات النقدية النسوية بوصف وتهميشها .وهو لدى سعاد المانع وجه متصل هذا النوع من الجهد عبئاً إبستمولوجياً لتحرير برفضها لهيمنة أط��روح��ات النظرية النقدية الموقف المعرفي للفاعل النقدي وبلورة قناعاته الغربية واالنقياد إليها من دون تمحيص ،لكنه –أيضاً -وجه للداللة على أن ما ينتجه الوعي ال إلنتاج معرفة بالنقد والنظرية. التي تغدو فع ً النسوي من وعي إيجابي تجاه المرأة سيؤدي إلى ومثل ه��ذا اإلعجاب سيتضاعف لدينا أمام التغيير الثقافي والتصحيح للتصورات السلبية؛ موقفها النقدي تجاه التبني عربياً للمقوالت فاختالف الثقافات في تجاورها المكاني ،مثل النقدية النسوية الغربية من دون مناقشة .وهي اختالفها في تعاقبها الزمني ،دليل على الحدوث وج�ه��ة ترينا ت �ض��اؤل بعض ال�م�ق��والت النقدية والتجدد والتغيير تماماً كما االختالف والتنوُّع. العربية ذات البريق والوهج بإعادتها إلى مصادرها وبالطبع ،فإن هذه الوجوه القمينة بالتقدير الغربية التي يكتنفها في سياقها جدل لم تفد منه –لألسف -الممارسة النقدية العربية ،ألنها في جهد سعاد المانع النقدي النسوي ،ترافق لم تتمرس على المعرفة بحسبانها ناتج الجدل بعض األط��روح��ات ،وما استندت إليه أو نتجت وال�م�ط��ارح��ة وف�ع��ل ال �م �ح��اورة ال�ن�ق��دي��ة ،فظلت عنه منهجياً ،مما يقبل الجدل واالعتراض ويبعث عاجزة عن إنتاج المعرفة النظرية والمنهجية على االختالف معها .لكن المساحة المتاحة هنا النقدية ،ومستسلمة –فقط -لمتابعتها ونقلها .وال لن تسعف باستكمال هذه المهمة ،لذلك نكتفي ينفصل هذا الموقف النقدي الستعارة المقوالت بهذا القدر على أمل أن تجد هذه المقالة فرصتها ال إن شاء الله. النقدية وتبنيها من دون فهم أو تمييز عن جملة كاملة للنشر مستقب ً
48
اجلوبة -خريف 1433هـ
> د .عماد علي اخلطيب
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الترسيمات التحليلية في النقد التطبيقي
ظهرت الترسيمات التحليلية في كتب التحليل النقدي الحديث ،و ُأخ��ذ على طريق التحليل بالبنيوية كثرة ما تحويه من رسومات ومعادالت .وما يعنيه المؤلف بالرسم هو ذاك التحليل أو التفسير للمجمل والمركب والمولد من الصور والمعاني في النص ،فيتحول المعنى في تلك الكثافة النصية من معنى متشعب – قد يكون غامضا على القارئ السريع -إلى معنى متسلسل يدور حول جزء واحد هو الصورة الكلية في الشعر أو عنصر السرد في النثر ،الذي كان من المفترض على القارئ اكتشافه. وتأتي لفظة (يرسم الشاعر) بين ثنايا النقد التطبيقي الذي يتقنه النقاد ،وبنظرة فاحصة ،فإنه (لفظا) إلى لوحة مرسومة (شكال) فتختصر المسافات ،وقد يمكن تحويل اللوحة المرسومة عندهم ً نكتشف خالل اللوحة المرسومة معنى لم يكن ظاهرً ا! وي� �م� �ك ��ن م�ل�اح� �ظ ��ة الترسيمات التحليلية عند (أن���درس ه��ام��وري) ( )1ال��ذي ت�ن��اول ف��ي كتابه (مدائح ال�م�ت�ن�ب��ي ل�س�ي��ف ال ��دول ��ة) تحليل القصائد التي تحتوي على وصف ق �ص��ص االش��ت��ب��اك��ات العسكرية وال �ح �م�لات ال�م�ص��اح�ب��ة ل �ه��ا ،وحلل النص شهير المطلع: ����ل ال���ع���زمِ ت��أت��ي العزائمُ عَ ��ل��ى ق����درِ أه ِ وت����أت����ي ع���ل���ى ق������درِ ال�����ك�����رامِ ال���م���ك���ارمُ
ف�ي�ق��ول وق ��د ان�ت�ق�ل��ت ال�ق�ص�ي��دة في النصف الثاني من النسيب مباشرة إل���ى ال��م��وض��وع وك� ��ان ذل���ك مرتبا ترتيبا زمنيا ...وجعل أطراف الرماح تتثنى ومرنة ،وجعلهم يرجون الظفر بالخيل لكن هم لم يظفروا به ولكن كان رجلهم عدائيًا مولعًا بالحرب...أما في بعض الحاالت فيكتفي بإشارة وتلويح للمغزى األساسي للقصيدة ب��دال من الملخص، فقد تكون تركيبة مثل هذه القصائد هكذا:
النس ـ ـيـ ــب التأملفي ح���ق���ائ���ق األش����ي����اء والحكـ ـ ــم ع����ل����ي����ه����ا
ال����م����دح ال������ع������ام
الملخص إشارة إلى المغ ـ ــزى
ف��ع��ل في ب������داي������ة ال����ب����ي����ت
وص����������ف ا لمعر كة (القصة) اجلوبة -خريف 1433هـ 49
وقد ربط أحمد عزوز ظهور رسومات التحليل من خالل وجود إرهاصات لنظرية الحقول الداللية في التراث العربي ،مثل بعض الرسائل التي عمدت إلى التصنيف الصرفي ،ونالحظ رسم عزوز شجرة ال��دالالت عند الثعالبي في تحليله قوله عن ألوان اإلبل« :إذا لم يخالط حمرةَ البعير شيء فهو أحمر، ف��إن خالطها ال �س��وا ُد فهو أرم��ك ،ف��إن ك��ان أسود بياض كدخان الرمت فهو أورق.»... ُ يخالط سوادَه ويوافق عزوز عز الدين إسماعيل ،وإبراهيم أنيس، والمثال الثاني من محمد بريري ،في «الملكة ()2 ف��ي إش��ارات��ه ال�ن�ق��دي��ة .ث��م ي��رس��م الشكل اآلتي الشعرية والتفاعل النصي ،دراس��ة تطبيقية على ليوضح ما سبق: ّ شعر الهذليين» إذ دعّ م رأيه المعارض لكمال أبي أحمر ديب بشكل توضيحي يمثل العينية من حيث بنيتها أرمك العميقة .ورسم الشكل التالي: أورق جون حقل داللي آدم أصهب أل��وان اإلبل أميس أحوى أكلف للنقد التطبيقي عند بعض النقاد العرب المحدثين في أواخر القرن العشرين ،ووصفه بعنوان «أدبيات غموض النص النقدي» ،ونسب ذلك الغموض إلى علمنة النقد ،وضرب أبو عايشة أمثلة من عبدالسالم المسدي في بحثه «التضافر األسلوبي وإبداعية الشعر» ،وه��ي سلسلة م��ن العناصر الجبرية في معادلة متعددة المجاهيل أ×ب×ج×د( ،....أب+ب جـ+جـ د)×(دب+ب أ +أ جـ).
وق��د ظ�ه��رت الترسيمات وان�ت�ش��رت م��ع ظهور األثر اللساني في الدراسات األدبية ،وهو ما درسه حسن مسكين من خالل مقاله (األثر اللساني في الدراسات األدب�ي��ة)( ،)2كما درس رامي أبو عايشة نمطً ا من أنماط الترسيمات التحليلية المرافقة
50
نموذج كمال أبو ديب اجلوبة -خريف 1433هـ
وي �ت �س��اءل أب ��و ع��اي�ش��ة ع�م��ا ي��دل��ل ع�ل��ى بنية القصيدة العميقة إذا اتصلت بمثلثين متداخلين يحتوي األول خ�ط��وط�اً طولية واآلخ ��ر خطوطاً ال عرضية ،وما الذي يدعوه أيضاً إلى أن يؤثر شك ً بيانياً جديداً غير الذي تبناه أبو ديب:
نموذج محمد بريري
وب �ع��د ،ف �م��ا األن� �م ��اط ال �ت��ي جلبتها تجربة الترسيمات التحليلية في النقد التطبيقي عند العرب المحدثين للنص قديمه وحديثه؟ إنها كما يرى مؤلف المقال:
-1الترسيمة المتممة لنقد النص وتحليله.
وهو ذاك الترسيم الذي يلخص ما تم نقده، وكأن شيئا ما يزال يحيك في قلب الناقد فيرسم ل��زوال��ه ،فيطمئن بما ق��د رس��م ب��أن فكرته قد وصلت .ومن ذلك ،ما صنعه عبدالقادر الرباعي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
-2الترسيمة الملخصة لنقد النص وتحليله.
ف��ي كتابه (ال �ص��ورة الفنية والنقد الشعري)
()6
ومن ذلك ،الترسيم الذي يشرح فكرة نقدية ؛فرسم العالقات المتشابكة لرغبة الشاعر في التخلي عن وكر الصقر وأرض األنا ،والتحول إلى أو ظ��اه��رة ،م�ث��ل ظ��اه��رة (ال�ع�ن��ون��ة ف��ي النص) مكان بعيد مجهول يبعث األلم في ظاهره: ويحتاج لرسمته في اإليجاز وفي االبتكار ،وهو الذي يعنى به المقال ،ومثاله كتاب عثمان بدري: دراسات تطبيقية في الشعر العربي نحو تأصيل
الوكر ج
منهج في النقد التطبيقي( ،)4والرسم الذي أورده ه��و لمجموعة عناوين قصائد الشاعر مفدي زك��ري��ا 1977-1908شاعر ال�ث��ورة الجزائرية، وعالقتها بالعنوان األم للديوان كله ،فرسم الرسم التالي(:)5
الصقر
األنا
الفضاء ب
أ .الحمامة
اآلخر
-3الترسيمة المتداخلة لنقد النص وتحليله. وقد ظهرت رسائل أكاديمية تتخذ من الرسم التحليلي أداة ف��ي نقدها التطبيقيّ ،وظهرت أك�ث��ر ال�ح��اج��ة ل�ل��رس��م ف��ي ال��رس��ائ��ل الجامعية التي تتحدث عن السرد المتداخل ،أو الصور المتداخلة ،فيسيطر عليها الباحث ويلخصها بالرسم .وم��ن األمثلة المهمة في إظهار قدرة الرسم على اختصار المسافات النقدية رسالة (جماليات السرد وتقنياته في كتب مرايا األمراء: اب��ن المقفع واب��ن مظفر الصقلي نموذجً ا)(،)1
اجلوبة -خريف 1433هـ 51
ولقد ذكرت الباحثة في مستخلص الدراسة أنها
السيميائية) وقالت بأنها :توضح للقارئ طريقة
تعتمد المنهج التحليلي في إعداد دراستها ،وأنها تحليل ال�ن�ص��وص والشخصيات ف��ي الدراسة تريد المزاوجة بين الجانب التحليلي والنظري
السردية وكيف يتم من خاللها استخراج بعض
للوصول إلى هدف مؤلف هذه الحكايات الشعبية
عناصر وتقنيات ال�س��رد ،ومما رسمته الشكل
ال �ق��دي �م��ة( .)7واس�ت�خ��دم��ت الباحثة (المربعات
التالي:
النجاة +الحياة
الغدر والشك
الحذر الالهالك
الهالك والموت الحمق
الوفاء والثقة
الحمق
-4ال���ت���رس���ي���م���ة األس����اس����ي����ة ف����ي ن���ق���د النص -5الترسيمة البديلة لنقد النص وتحليله. وتحليله. ال ي �ظ �ن��ن ظ� ��ان أن ك �ل �م��ة (ال� �ب ��دي ��ل) تعني وقد وجده الباحث متمثال في رسم موسيقا االستغناء عن النقد الكالمي لصالح الترسيمة، العروض ،ومن ذلك ما صنعته في تحليلي لقصيدة فالرسم يستمد أساسه من النقد المكتوب ،ولكن «علي بن جبلة العكوك» التي مطلعها: (البديل) تعني إظهار الكالم من خالل أشكال أَلِ ����دَّ ه����رِ َت��ب��ك��ي أَم عَ ��ل��ى ال��� َده���رِ تَجزَعُ الرسم ،وهذا له هدفان: َ���ج���عُ أليّ�����������امِ إِ لاّ مُ ���ف َّ �����ب ا َ �����اح ُ َوم������ا ص ِ
ورسم في تحليله العروضي للقصيدة:
تبيان أهمية الترسيمة التحليلية في النقدالتطبيقي. إظ �ه��ار م �ه��ارة الترسيمة التحليلية ف��ي نقدال �ن��ص ،وه��ي تمسك ب��زواي��ا فهمه وتوصل م�غ��زاه للقارئ ،مثل م��ا صنعته ف��ي تحليلي ل�ق�ص�ي��دة م�ح�م��د خ �ض��ر ال �غ��ام��دي» صورة العائلة»( )8فرسم الصورة المركزية في النص وتكراراتها:
52
اجلوبة -خريف 1433هـ
تحلقت حولها األسرة
الصورة
جمّ عت العائلة واهتموا بزخرفتها
كانت فيها األم تسيل حنانا واألبناء على حالتهم األولى
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أوجدت خالصة للماضي
وذكر نتيجة ما رسم بأن الصورة التي جمّدت الحياة في لحظتها ،تبعث في الذكريات حياة جديدة، يحتاجها كل من له قلب. النص منشور في موقعhttp://www.ugaritemagazine.com/index.php?catid=1391&lang=ar :
محمد خضر الغامدي :شاعر من المملكة العربية السعودية ،ولد عام 1976م ،وله: مؤقتا تحت غيمة عام 2002م (أزمنة – عمان) صندوق أقل من الضياع 2007م (فراديس – البحرين) المشي بنصف سعادة 2008م (فردايس – البحرين) تماما كما كنت أظن 2009م (التنوخي – المغرب).وجزئية التحليل من كتاب عماد الخطيب :الترسيمات التحليلية في النقد العربي الحديث – دراسة تطبيقية ،دار األندلس، عمان2012،م. ( )1ترجم مؤلف المقال عن: Andras Hamri: The Composion of Mutanabbis Panegyrics to Sayf Al-Dawla, E.J.Brill, Leiden, New York, 1992, Chapter Two.
( ) 2أحمد عزوز :أصول تراثية في نظرية الحقول الداللية ،اتحاد الكتاب العرب ،دمشق2002 ،م ،ص .31 – 30واإلشارة الثعالبي ،أبو منصور عبدالملك بن محمد بن إسماعيل :فقه اللغة وأسرار العربية ،منشورات دار مكتبة الحياة،بيروت ،د .ت ،ص ،540وعز الدين إسماعيل :المصادر األدبية واللغوية في التراث العربي ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،د .ت ،ص .304وإبراهيم أنيس :داللة األلفاظ ،مكتبة األنجلو المصرية ،ط1972 ،3م ،ص .230 ( )3حسن مسكين :األثر اللساني في الدراسات األدبية ،العدد 58من موقع: ( )4 () 5 ( )6 ( )7 ( )8
http://www.aljabriabed.net/n58_06miskin.htm
درس هذا النمط ورفضه رامي علي أحمد أبو عايشة ،اتجاهات الدرس األسلوبي في مجلة فصول (2005 – 1980م)، رسالة ماجستير ،الجامعة الهاشمية /األردن ،كانون أول2008 ،م ،ص .229 -218 عثمان بدري :دراسات تطبيقية في الشعر العربي نحو تأصيل منهج في النقد التطبيقي ،دار ثالة ،الجزائر2009 ،م. السابق :الفصل الرابع .ونختلف مع الشاعر في ض��رورة عدم عنونة قصائده بما يخص (الله) تعالى من صفات وينسبها لغيرها سبحانه وتعالى ،مثل (جل جالله) و(جاللك) .وغيرهما. عبدالقادر الرباعي :الصورة الفنية في النقد الشعري ،دار مكتبة الكتاني للنشر والتوزيع،األردن1995،م .ص ،199وص .247 ريما بنت محمد رياض الميداني :جماليات السرد وتقنياته في كتب مرايا األمراء :ابن المقفع وابن مظفر الصقلي نموذجً ا ،رسالة ماجستير ،قسم اللغة العربية وآدابها ،كلية اآلداب ،عمادة الدراسات العليا ،جامعة الملك سعود، 1482هـ2007 ،م .وقد درست كتابي كليلة ودمنة ،البن المقفع ،وسلوان المطاع في عدوان األتباع ،البن ظفر الصقلي.
اجلوبة -خريف 1433هـ 53
النقد األدبي خارج األكادميية > عبدالله السمطي*
يعرّف «وليم راي» ال��ق��راءة النقدية بأنها« :دم��ج الوعي بمجرى ال��ن��ص» ..وه��و يومىء إل��ى ه��ذه ال��ق��راءة النقدية التي يتماهى فيها وعي الناقد مع النص اإلبداعي ،هذا التماهي ال يكتمل إال بإخالص الناقد للنص ،وانصراف وعيه كلية في ق��راءت��ه ،حتى يتسنى له إض��اءة مكامنه، والوقوف على جواهره ،وإيماضاته المشعة جماليا ودالليا وتأويليا. إن فعل القراءة النقدية ينبني –حقيقة األمر -على هذا التقاطع الذي يحدث بين الناقد بذوقه ،وخبرته الجمالية في معايشة النصوص اإلبداعية ،ورؤيته التي تسعى لالقتراب من العالم اإلبداعي بمختلف أجناسه األدبية .إن الناقد القريب من النص، القريب من عالم المبدعين أنفسهم ،المطلع على سيرهم الذاتية وسيرهم الفنية .هو الناقد األقرب إلى قراءة النص ،وإبانة مكامنه ،وتقديمه للقارىء العام عبر صور متعددة من القراءة ،سواء ذهب إلى القراءة النصية ،أم التحليلية أم الجمالية والسيميائية والتأويلية والظاهراتية .إن الناقد هو مبتكر نصوص .الناقد صديق النص والمبدع معا .وهذه الصداقة تتطلب أال يكون الناقد مجرد ضيف عابر على النص اإلبداعي ،بل عليه أن يكون بمثابة المقيم الدائم في النص وفي حيوات المبدعين الذين يعبرون على أسئلته ،وتأمالته وتشوفاته الناقدة. في ظل هذا الوعي يتسنى لنا القول :إن
الجمالية للناقد أم��ر ف��ي غ��اي��ة األهمية
العملية النقدية تتطلب قدرا من المعرفة ،والخطورة ألن ه��ذه الذائقة ما لم تتحلَّ وق ��درا أك�ب��ر م��ن ال �ت��ذوق الفني .الذائقة
54
اجلوبة -خريف 1433هـ
بتجربة واثقة مع ال�ق��راءة ،والتعرف على
النقدية سيكون أم��را بالغ الوعورة إذا ما علمنا أن النصوص اإلب��داع �ي��ة ليست ب��ال �ض��رورة ن�ص��وص��ا ط�ي�ع��ة ،ق��اب�ل��ة للتلقي السطحي ،بل هي نصوص رواغ��ة ،عصية على القراءة األولى، أبية على الناقد الذي يقرأها بشكل آلي ،أو وفق ما تمليه عليه النظرية.
المهاد المعرفي األولي وفق هذه المقدمة المبدئية ،فإن قراءة النصوص اإلبداعية ال تعتمد بالضرورة على ما تطرحه األكاديمية من نظريات ،أو مفاهيم ،أو مصطلحات .فهذه المنظومة من المعارف النقدية ليست السبيل الجوهري األوحد لمعايشة النصوص اإلبداعية وال�ت��وص��ل إل��ى م��ا تقوله م��ن دالالت أو تبوح ب��ه م��ن جماليات ورؤى.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
قسمات المشهد اإلبداعي وتمرحالته فإن وصولها ألهدافها
النقدخارجاألكاديمية ال يمكن وصفه بالسلبية أو الرداءة بشكل مطلق، وال يمكن طرده من جنة النقد األدب��ي ،بل إن ما ف��ي��ه م��ن ع��ن��اص��ر ورؤى ومواقف واستشرافات ما ال يمكن أن نعثر عليه في النقد األكاديمي. الناقد مبتكر نصوص، وه��������و ص�����دي�����ق ال���ن���ص وال����م����ب����دع م����ع����ا ،وه����ذه الصداقة تتطلب أال يكون الناقد مجرد ضيف عابر على النص اإلبداعي.
إن هذه المنظومة تشكل المهاد المعرفي األولي الذي يؤسس عليه الناقد رؤيته الناقدة ،وما لم يبتكر الناقد أسئلته الخاصة، ويتسم بذائقة نقدية على ق��در من االستبطان واالستشراف واالستقصاء النقدي لن تجدي معه تماما نظرياته التي اكتسبها، وال مفاهيمه التي درسها ،وال مصطلحاته التي حفظها عن ظهر قلب. قد يكون الناقد في األكاديمية أكثر منهجية ،وأكثر إلماما بالتحوالت النظرية ،وأكثر فهما للمناهج النقدية المختلفة من
سلمى الجيوسي
الكالسيكية إلى المنهج التاريحي إلى العلمي إلى التكاملي وصوال إلى مناهج الحداثة وما بعدها ،حيث البنيوية واألسلوبية وعلم النص ،والهيرمنيوطيقا والنقد الظاهراتي (الفينومنيولوجي)، والتفكيك ،وبعض اإلج��راءات المفاهيمية األخ��رى التي تتعلق بالتناص أو النقد االس�ت�ع��راض��ي ،أو ال��دراس��ات الثقافية ،أو الخطاب الكولونيالي وما بعده ،أوالنسق والتنميط الذي يتوامض بين األنا واآلخر.
يمنى العيد
اجلوبة -خريف 1433هـ 55
قد يكون الناقد في األكاديمية كذلك ،لكن ما قد يشو ّه عمل الناقد في األكاديمية أكثر األحيان أن ه��ذه المناهج والنظريات قد تشكل حجابا منهجيا – إذا جاز القول -بينه والنص اإلبداعي، حيث يتوقع أن الناقد األكاديمي سوف يجنح إلى النظرية أكثر من جنوحه إلى قراءة النص وإلى
ما يشو ّه عمل الناقد في األكاديمية أك���ث���ر األح����ي����ان ،أن ه����ذه المناهج والنظريات قد تشكل حجابا منهجيا بينه والنص اإلبداعي.
معايشته ،وفهمه ،وحسه به وإدراكه لما ينطوي عليه من دالالت. إن ال �ن��اق��د األك��ادي �م��ي ق��د ال ي�س�ت��وف��ي حق
أسئلة وتشوفات. ثانيا :قد ال يتسنى للناقد أن يطبق ما أطر به النصوص من نظريات ومفاهيم ،وعند
النصوص اإلبداعية تماما ،حتى ال يرتاب في
ال�ق��راءة التطبيقية نجده يعود إل��ى ما
عمله النقدي أو يظن أن��ه ينحاز لما هو ذوقي
هو انطباعي ،بمعنى أنه يخلق منطقة
حصله من مفاهيم واصطالحات، على حساب ما َّ
رمادية واضحة بين ما طرحه من تنظير
ولذلك ف��إن الناقد األكاديمي ال��ذي قد ال يعي
وما أراد أن يطبقه فعليا على النصوص،
بشكل متقن القيمة الجمالية ،ولنقل بشكل أوسع:
وهذا أمر جليٌّ في كثير من الدراسات
القيمة المعرفية للنصوص التي يقرأها ال يتسنى له أن يقنعنا تماما بقراءته أو رؤيته للنصوص، ومن هنا ،نحن – كقراء على األقل -نفرق دائما بين ناقد أكاديمي يوصف بأنه مجرد« :مدرس أدب» وبين ناقد أكاديمي «مبدع». إن ال �ن��اق��د األك ��ادي� �م ��ي ال� ��ذي ي �ت �ع��ام��ل مع النصوص اإلبداعية قد يقع في جملة من األمور تتمثل في: أوال :
ال �ت �ع��ال��ي ع �ل��ى ال �ن �ص��وص اإلبداعية، واالن�ح�ي��از أكثر إل��ى م��ا ه��و مفاهيمي، وه ��ذا يجعله يحشد ق��راءت��ه النقدية ب �ع��دد م��ن المصطلحات ،وع ��دد أكبر
56
األكاديمية. ثالثا :
قد ال تتواءم المناهج المطروحة على النص اإلبداعي تماما ،وتوجهات النص ذات��ه ،أو قصد المبدع من نصه ،وهذا رأي��ن��اه أك �ث��ر ف��ي ال ��دراس ��ات البنيوية واألس��ل��وب��ي��ة ال��ت��ي ت �ع��ال��ج النصوص اإلبداعية ،كذلك تطرح بعض المناهج كالتفكيك مثال أو ال��دراس��ات الثقافية مقوالت قد تنأى عن ما في النصوص من إش��ارات أو رم��وز ،ألنها تتعامل مع ال�ن�ص��وص إم��ا بشكل جزئي ”:قطعة قطعة” ما يهمش الداللة الكلية للنص،
م��ن ال�م�ص��ادر وال �م��راج��ع ،ويسعى إلى
وعالقته بالواقع والتاريخ ،أو تتعامل معه
التنظير على حساب ما يمكن أن يقوله
على أنه «وثيقة» اجتماعية وتاريخية،
ع��ن ال �ن��ص ،وف �ي��ه ،وم��ا ينجم عنه من
فتضفي عليه مضامين لم يكن يقصدها،
اجلوبة -خريف 1433هـ
الجمالي. رابعا :قراءة النصوص عبر النظرية ،وإغفال خطورة أن النص هو الذي يطرح كيفية القراءة ،وكيفية اختيار المنهج .إن ما تقوله النصوص هو األمر الذي ينبغي إيثاره على ما تقوله النظرية ،ونحن أكثر األحيان نرى األمر معكوسا. صبحي حديدي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أو تبريرات ال ينطوي عليها ،أو أفكار نائية عن هدفه
إن النظرية هي بمثابة جملة تصبو إلى إضاءة النصوص بقراءتها أو تفسيرها أو تأويلها ،والناقد األكاديمي المبدع هو من يفكر أكثر في النص ال في النظرية. وعلى هذا الحذو ..نحن حيال نقاد نصوص باألحرى ال نقاد يكتسون بنظريات ومفاهيم .النظريات والمفاهيم تشكل خلفية معرفية للناقد ال للنص .وحين نكون أمام ناقد ق ��ارىء ،يتحلى بخبرة ومعرفة وذائ �ق��ة وموهبة
أنور المعداوي
مبدعة ،فنحن حيال ناقد ذي رؤية متكاملة قادرة على افتراع النصوص وقراءتها قراءة متسائلة حصيفة. خامسا :إن األكاديمية ال تمنح امتيازا ما لناقد ما ،أعني :ليس بالضرورة أن كل من ينتمي إل��ى األكاديمية هو ناقد ب��ارع ..فكما أن اإلب��داع يتطلب موهبة على درج��ة ما من التميز ،كذلك النقد األدبي يتطلب هذا القدر من الموهبة ،والتذوق ،ووجود حساسية ما في التعامل مع النصوص ،وه��ذا بطبيعة األم��ر ال يتوفر ل��دى كل من
رجاء النقاش
ن��ح��ن – ك���ق���راء على األق��ل -نفرق دائما بين ن��اق��د أك��ادي��م��ي يوصف ب���أن���ه م����ج����رد« :م�����درس أدب» وبين ناقد أكاديمي «مبدع».
ينتمون لألكاديمية ،الذين تحولت األكاديمية لديهم إلى مجرد وظيفة ،وأصبحت الدرجات العلمية ينظر إليها على أنها تشكل درج��ة وظيفية ال درج��ة ومرتبة إبداعية .من هنا ،فإن التفرقة التي أشرنا إليها سابقا بوجود ناقد أكاديمي مبدع ،وم��درس أدب ،هي تفرقة سديدة تؤخذ تماما في الحسبان في قراءتنا للدراسات الصادرة عن األكاديميين. سادسا :إن النقد األكاديمي أكثر تأخرا – من الوجهة الزمنية
اجلوبة -خريف 1433هـ 57
من بقية أنماط النقد في متابعة ومواكبة األعمالاألدب �ي��ة وت�ح��والت�ه��ا ،وه��ذا التأخر ق��د ال يجعله أكثر ح��ض��ورا وت��أث �ي��را ف��ي م �ج��ري��ات ال�م�ش�ه��د اإلبداعي والجمالي والثقافي بوجه عام ،وبخاصة إذا علمنا أن معظم أق�س��ام األدب ف��ي األكاديميات ال يمضي وفق خطة منهجية م�ح��ددة ف��ي ق ��راءة واك�ت�ش��اف تحوالت المشهد األدبي العربي ،ويرتهن األمر فحسب تبعا لما تضمه هذه األقسام من نقاد مبدعين عارفين بقسمات
طه حسين
هذا المشهد وتجلياته. إن التأمل في هذه النقاط السابقة من األهمية بمكان للتعرف على واقع النقد األكاديمي وتشوفاته وتطلعاته ،وهي من األهمية أيضا في وضع أسس منهجية محددة تواقة إلى تطوير العمل األكاديمي النقدي ،وعدم االكتفاء بآلية الرؤية ونمطيتها حيال مقاربة المنتج النصي اإلبداعي.
عباس العقاد
خارج األكاديمية بالطبع ،كقراء على األقل ،نقدر هذا الدور البارز الذي تلعبه األكاديمية في إبراز األعمال األدبية ،وفي المنتج النقدي الذي يركز أحيانا على ق��راءة الظواهر األدب�ي��ة من جهة ودراستها وفحصها واختبارها ،كما يركز من جهة أخرى على قراءة أعمال كبار المبدعين والمبدعات في مختلف األجناس األدبية وإبرازها للقارىء المتخصص والقارىء العام معا .بيد أن هذا النقد يشهد
عز الدين إسماعيل
في السنوات األخيرة قدرا كبيرا من التنميط مع افتقاد األكاديمية لدارسيها المبدعين ،وظهور مجموعات كبيرة من دارسي األدب ومدرسيه ،وهذا األمر يفقد األكاديمية دورها اإلبداعي المشرق في قراءة الظواهر ومالمسة تحوالتها. إن األكاديمية التي أنتجت طه حسين ،ومحمد غنيمي هالل، وأحمد عثمان ،وعبدالرحمن بدوي ،ومحمد مندور ،وعز الدين إسماعيل ،وناصر الدين األسد ،وشكري فيصل ،وشوقي ضيف،
58
اجلوبة -خريف 1433هـ
كمال أبو ديب
الجيوسي ،وإحسان عباس ،ولطفي عبدالبديع ،وأحمد كمال زك��ي ،وص��وال إل��ى جابر عصفور ،وص�لاح فضل ،وعبدالسالم المسدي وكمال أبو ديب ،وعبدالله إبراهيم ،وعبدالله الغذامي وسعد البازعي ،ومحمد مفتاح ،وجمال بن الشيخ ،وعبدالفتاح كليطو ،وسعيد يقطين – تمثيال -لم تعد تنتج أصواتها النقدية سعد البازعي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وعبدالقادر القط ،وعز الدين إسماعيل ،ويمنى العيد ،وسلمى
المبدعة إال في أسماء محدودة ،وركزت على إنتاج مدرسي أدب، أو مجموعة من الحاصالت والحاصلين على الدرجات الجامعية العليا ،ولكن بال فاعلية نقدية حقيقية مؤثرة في المشهد الثقافي بوجه عام. لم تعد األكاديمية – أغلب األحيان -تنتج معرفة متطورة، أو تؤثر في التحوالت اإلبداعية ،أو تنتج أسئلتها المنهجية التي تغير أو على األقل تشكل الخارطة اإلبداعية والثقافية العربية
محمد العباس
الراهنة . في مقابل ذلك ،فإن النقد خارج األكاديمية أصبح أكثر حيوية وأكثر التصاقا بحركة اإلبداع وسيرورتها .وهو وإن تنوعت أنماطه ومستوياته ،من النقد المنهجي الكثيف إلى النقد االنطباعي وما بينهما من نقد صحفي ،ونقد يعتمد على التذوق أو الثقافة النقدية العامة ،ويتخلى عن هذا الحجاب النظري المفاهيمي الذي قد يفصل الناقد عن النص ،أو على األقل يباعد بينه وبين
محمود أمين العالم
خبايا النص وجواهره. فالنقد خ��ارج األكاديمية نقد حيوي ،قريب من النص ومن منشىء النص ومبدعه معا ،وهو في هذا القرب إنما يقف – أكثر األحيان – على الصورة الجمالية المثلى في النصوص ،وهو حين يتخفف من عبء النظرية يلج مباشرة – من دون لف ودوران بحثي -إلى ما تنطوي عليه النصوص من صور وأبنية وأخيلة
محمود درويش
ومعان ودالالت ،ألنه يركز – في نماذجه المثلى – على ما تقوله النصوص وما تتضمنه من خواص فنية وجمالية وداللية.
اجلوبة -خريف 1433هـ 59
إننا ال نتحدث هنا عن هذا النقد االنطباعي بين التاريخي واالجتماعي والجمالي كما في البسيط الذي يكتفي بمالمسة بعض اإلشارات كتابه عن محمود دروي��ش .وهو أول كتاب عن واللمعات هنا وهناك ،أو هذا النقد الصحفي شاعر في بدايات حياته الشعرية ،توقع له أن العابر الذي يكتفي بالتعريف بالعمل اإلبداعي يصبح أحد الرموز الشعرية العربية المتميزة
وب �م��ؤل �ف��ه ،وق ��د ي�ق��ع ف��ي ن �ط��اق ال�م�ج��ام�ل��ة أو في حركة الشعر الحديث. ال �ع�لاق��ات االج�ت�م��اع�ي��ة أك �ث��ر م��ن وق��وع��ه في إن النقد خ��ارج األكاديمية ال يمكن وصفه دائ��رة النقد الحقيقي ،لكننا نتحدث عن هذا بالسلبية أو الرداءة بشكل مطلق ،وال يمكن طرده النمط من النقد الذي يقف وراءه ناقد حقيقي من جنة النقد األدبي ،بل إن ما فيه من عناصر مبدع ،له ثقافته ومعارفه ،وله ذائقته ،وتجربته، وخبرته في معايشة النصوص ،الناقد الذي يعي ورؤى ومواقف واستشرافات ما ال يمكن أن نعثر تماما منهجية النقد ونظرياته وتحوالته ،لكنه عليه في النقد األكاديمي .ومن هنا ،فإن حيوية ناقد أكثر التصاقا بالمشهد اإلبداعي وبالحياة هذا النقد وانطالقاته واستقصاءاته ال تقف عند الثقافية بوجه عام. إننا حين نستدعي بعض األسماء النقدية خارج األكاديمية تتوامض في التو أسماء مثل:
حدود النظرية والمنهج ،قدر ما ترتاد بنا عوالم
إبداعية وتجارب إبداعية متعددة. وم��ن ه��ذه العناصر الوضيئة فيه يمكن أن
عبدالرحمن شكري ،والمازني ،وعباس العقاد ،يستفيد النقد األكاديمي مما يطرحه من رؤى
ثم أسماء بارزة مثل :سيد قطب ،ومحمود أمين فاعلة في المشهد اإلب��داع��ي ،وأن يستلهم منه العالم ،وعبدالعظيم أنيس ،وأن��ور المعداوي ،حيويته وتألقه الذي ال تقيده مفاهيم مصطنعة، ومحيي الدين صبحي ،ورجاء النقاش ،وصوال أو تأسر حركته مناهج ربما تكون وافدة ماتزال إلى صبحي الحديدي ،وفخري صالح ،وسعيد في طور االختبار والتجريب؛ ألنها لم تنبع تماما السريحي ومحمد العباس – تمثيال – وقد أنتجت ه��ذه األس�م��اء دراس��ات وبحوثاً نقدية مهمة ،ال يمكن أن يعبرها النقد أو تحوالته من دون أن تشير إلى إسهاماتها ال�ب��ارزة ،ولو
م��ن ال�ب�ي�ئ��ة اإلب��داع �ي��ة ال �ت��ي ن�ح�ي��اه��ا ويحياها المبدعون والقراء معا. إن تعدد أش�ك��ال النقد األدب ��ي م��ن األهمية
تأملنا مثال فيما ق��دم��ه رج��اء ال�ن�ق��اش ،وقد بمكان بحيث يحدث ق��در م��ن التالقح ،وتعدد كتب نمطين من النقد :النقد المتشح بقدر من األسئلة وتنوعها ،وهو ما يثري الساحة األدبية المنهج كما في مقدمته لديوان الشاعر أحمد والثقافية بوجه عام ،ويفتح أمامها آفاقا رحبة عبدالمعطي حجازي« :مدينة بال قلب» حيث من االستقصاء واالستشراف والتأمل الخصب
اتكأ على المنهج النفسي ،والنقد الذي يجمع الجميل.
60
اجلوبة -خريف 1433هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
خصوصيات الكتابة النسائية في مجال القصة القصيرة جدا
> الدكتور جميل حمداوي*
ثمة دراسات عديدة تعنى بالكتابة النسائية نقدا وإبداعا وكتابة وتنظيرا ،وذلك في مجال الشعر ،والقصة القصيرة، والرواية ،والمسرح ،والنقد؛ بيد أن الحديث عن المرأة في القصة القصيرة جدا ما يزال متعثرا ،ويحتاج إلى توضيح وتوثيق وبحث وتنقيب واستقراء .ومن ثم ،يمكن القول بأن المرأة قد شاركت أخاها الرجل في بناء القصة القصيرة جدا بالوطن العربي تأريخا وكتابة ونقدا ،بل كانت لها مكانة خاصة ومتميزة في هذا الفن المستحدث عربيا ،على الرغم من الجذور القديمة لهذا الفن في موروثنا السردي العربي القديم (الخبر ،والنادرة ،والطرفة ،والحكاية ،واللغز ،واألحجية ،والفكاهة .)...ومن ثم ،فقد تركت المرأة العربية سواء أكانت مبدعة أم ناقدة بصماتها الفنية والجمالية المتميزة في القصة القصيرة جدا بناء وتشكيال وتحبيكا وتخطيبا ،فصارت المرأة حاضرة في ه��ذا الجنس األدب��ي موضوعا ومبدعة وناقدة وموثقة ،بل ص��ارت للمرأة المبدعة رؤى خاصة إلى العالم تميز كل مبدعة عن أخرى ،وتخصص الكاتبة المتميزة من الكاتبة العادية.
تاريخ الكتابة النسائية من المؤكد أن فن القصة القصيرة جدا
الحال في العراق ،حيث كانت بثينة الناصري رائ� ��دة ف��ي م �ج��ال ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة جدا بالوطن العربي ،فقد كتبت في مجموعتها
هو فن رجولي بامتياز تنظيرا وتطبيقا ،على القصصية« :ح��دوة حصان» ال�ص��ادرة عام ال��رغ��م م��ن وج��ود ب��داي��ات نسائية كما هو 1974م قصة سمتها »:قصة قصيرة جدا».
اجلوبة -خريف 1433هـ 61
وبعد هذه التجربة ،ظهرت مجموعة من األصوات شيء ،فإنما تدل على مشاركة المبدعة أو الناقدة
النسائية التي تهتم بالقصة القصيرة جدا إبداعا ألخيها المبدع أو الناقد في إثراء القصة القصيرة ونقدا وبحثا ودراسة .وقد فرضت هذه األصوات جدا بالوطن العربي مشرقا ومغربا.
القصصية نفسها –فعال -في الساحة الثقافية
العربية بشكل م��ن األش �ك��ال ،وبخاصة الناقدة المغربية سعاد مسكين التي تميزت بكتابها القيم:
مميزات الكتابة النسائية تتميز الكتابة النسائية القصصية القصيرة جدا
«القصة القصيرة ج��دا ف��ي ال�م�غ��رب :تصورات بالمقارنة مع الكتابة الذكورية بمجموعة من السمات والخصائص ،ومن بين هذه المميزات على المستوى ومقاربات»(.)1 الداللي :طرح موضوع جدلية الذكورة واألنوثة عبر ومن بين هذه المبدعات والناقدات األخريات محوري الصراع والتعايش ،والتركيز على البيت اللواتي ارتبطن بفن القصة القصيرة جدا إبداعا واألس��رة والتربية برصد التناقضات المتفاقمة، ون �ق��دا ،ن��ذك��ر :لبانة م�ش��وح ،وجمانة ط��ه ،ومية وتبيان نسيج ال�ع�لاق��ات البنيوية المتحكمة في ال��رح�ب��ي ،ودالل ح��ات��م ،وس �ع��اد م �ك��ارم ،وسلوى األسرة سلبا وإيجابا ،وبخاصة على مستوى التفاعل ال��رف��اع��ي ،واب�ت�س��ام ش��اك��وش ،وهيمى المفتي، السيكواجتماعي والقيمي واإلنساني ،واالنطالق ووف��اء خ��رم��ا ،وش��ذا ب��رغ��وث ،وعبير إسماعيل، من الذات الشعورية والالشعورية في التعامل مع وأميمة علي ،وندى الدانا ،وإيمان عبيد ،وابتسام الظواهر الحياتية ،بغية تحقيق التواصل اإلنساني، الصالح،وأمل حورية ،وميا عبارة،وسوسن علي، والتفاعل مع منطق األشياء ،واالرتكان إلى أعماق وأم�ي�ن��ة رش �ي��د ،وس�ه��ا ج ��ودت ،وح �ن��ان درويش، ال��داخ��ل الوجداني في معالجة القضايا الذاتية ومحاسن الجندي ،وليما دسوقي ،وحسنة محمود، والموضوعية ،واستنطاق السيرة الذاتية واألنا، وجمانة ط��ه ،وض�ي��اء قصبجي ،وليلى العثمان، والتركيز على المكبوتات الواعية والالواعية في وف��اط�م��ة ب��وزي��ان ،وال�س�ع��دي��ة ب��اح��دة ،والزهرة استعراض المشاكل الداخلية والذاتية ،واالهتمام رميج ،وشيمة الشمري ،وبديعة بنمراح ،وبسمة بالطفولة التي تعد فرعا أساسيا لألمومة ،ورصد النسور ،ووئ��ام المددي ،وسهام العبودي ،وحياة الواقعين :الذاتي والموضوعي بكل تناقضاتهما بلغربي ،وكريمة دلياس ،وأمينة اإلدريسي،ومليكة اإلنسانية والتشييئية .إضافة إلى االهتمام بجسد الغازولي ،ومية ناجي ،وهيفاء سنعوسي ،ومليكة ال�م��رأة الجمالي واإلي��روس��ي ،وال�ع��زف على نغمة بويطة ،وس�ن��اء بلحور ،ووف��اء الحمري ،وزليخا الحب وإيحاءاته الواقعية والرومانسية والجنسية، م��وس��اوي األخ �ض��ري ،وزه��رة ال��زي��راوي ،ومليكة واس��ت��ع��م��ال ال� �خ� �ط ��اب ال �ع��اط �ف��ي وال ��وج ��دان ��ي الشجعي ،ولبنى اليزيدي ،وحبيبة زوم��ي ،ونوال واالن �ف �ع��ال��ي ،م��ع اإلك �ث��ار م��ن ال�ب�ك��ائ�ي��ة الحزينة الغنم ،وسعاد أشوخي ،ولطيفة معتصم ،وعائشة وال �م��واق��ف ال �ت��راج �ي��دي��ة ،وااله �ت �م��ام بالتخييل م��وق �ي��ظ ،وم��ري��م ب��ن ب�خ�ث��ة ،ون�ع�ي�م��ة القضيوي الحلمي والرومانسي ،وذلك على حساب فظاظة اإلدريسي ،وسلمى براهمة... ال��واق��ع ،وم��رارت��ه الشديدة ،والبحث عن السعادة ونالحظ أن هذه األسماء الكثيرة إن دلت على ال�م�ف�ق��ودة ت �ل��ذذا وان �ت �ش��اء ،وال�ت�ط�ل��ع إل��ى الزواج
62
اجلوبة -خريف 1433هـ
واليأس ،والملل ،والداء ،واأللم ،والقلق الوجودي ،جدا؛ قصة وخطابا ورؤي��ة ،سواء أكان ذلك على ورصد الهموم الذاتية والموضوعية ،وانتقاد المرأة مستوى التخطيب الفني والجمالي أم على مستوى المغرورة والمتبجحة انتقادا شديدا.
أما على الصعيد الفني والجمالي ،فيالحظ
انتقاء القضايا الجادة والمصيرية ،والتعبير عنها ب��واس�ط��ة كبسولة قصصية قصيرة ج ��دا .وإذا
استعمال الكتابة الذاتية في شكل ذكريات شاعرية ،كان اإلب��داع النسائي في مجال القصة القصيرة وخ��واط��ر إن�ش��ائ�ي��ة حلمية ،واس�ت�ح�ض��ار ضمير ج��دا ،ق��د ف��رض نفسه بإلحاح ،وأص�ب��ح ظاهرة
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
المثالي الطوباوي .وال ننسى كذلك التغني بالسأم ،العربي ش��أوا كبيرا في مجال القصة القصيرة
المتكلم بشكل مكثف ،واالسترسال في الكتابة أدبية الفتة لالنتباه ،فإن النقد النسائي العربي الشاعرية واالنفعالية ،وتخطيب الكتابة بالمنولوج ف��ي م�ج��ال القصة القصيرة ج��دا م��ا ي ��زال في التأملي ،وت��وظ�ي��ف ال��رؤي��ة الداخلية أو الرؤية هذا المجال متعثرا بالمقارنة مع النقد الذكوري «م ��ع» ،واس�ت�خ��دام أس�ل��وب السخرية والمفارقة المطرد .وعلى الرغم من ذل��ك ،يمكن استثناء في إطار الصراع الجدلي مع الرجل ،واالستعانة بعض األص��وات النقدية المتميزة عربيا ،كسعاد بالكتابة الرقمية االفتراضية في توصيل الرسائل الذاتية والعاطفية ،وتوظيف الفانطاستيك لرصد مسكين ،وسلمى براهمة ،ولبانة مشوح ،وفاطمة التحوالت االمتساخية البشعة؛ إذ تتحول الكائنات بن محمود...
اإلنسانية (ال��رج��ل على سبيل الخصوص) إلى
ح �ي��وان��ات م��اك��رة وخ��ادع��ة ،ث��م ت ��ؤول إل��ى ذوات مشوهة ممسوخة عضويا ونفسيا وقيميا .إضافة
إلى استعمال الكتابة الحلمية والرومانسية في التعبير الذاتي ،وتبليغ الرؤى والمقاصد المباشرة
وخالصة القول ،يالحظ أن المرأة العربية قد أسهمت ،بشكل من األشكال ،على غرار صنوها الرجل ،في انبثاق جنس القصة القصيرة جدا في أدبنا العربي الحديث والمعاصر ،وذلك منذ فترة السبعينيات من القرن العشرين .ومن ثم،
وغير المباشرة ،والسقوط في بعض األحيان في التقريرية والمباشرة في معالجة قضايا الذات أصبحت المرأة موضوعا الفتا لالنتباه في المتون والموضوع ،وتعطيل عالمات الترقيم في الكتابة واألضمومات والمجموعات القصصية القصيرة
القصصية ،كما يتضح ذلك جليا عند المبدعة ج��دا .ومن جهة أخ��رى ،أصبحت مبدعة وناقدة المغربية فاطمة بوزيان ،وذلك استرساال وانسيابا ومنظّ رة وموثقة لهذا الفن السردي الجديد .عالوة
وت��دف �ق��ا ،بغية تحقيق أه� ��داف فنية وجمالية على ذلك ،أصبحت للكتابة النسائية خصوصيات وتعبيرية ،والتميز بخاصيتي التجريد والغموض داللية معينة ،ومميزات فنية وجمالية خاصة، الفني (الزهرة الرميج -مثال.)-
تفردها عن الكتابة الذكورية رؤية وقالبا وتصورا
وعليه ،فلقد حققت الكتابة النسائية بالوطن وصيغة. ( )1د .سعاد مسكين :القصة القصيرة جدا في المغرب :تصورات ومقاربات ،دار التنوخي للطبع والنشر ،الرباط ،الطبعة األولى 2011م.
اجلوبة -خريف 1433هـ 63
ُ حقق أعلى ملاذا« ..كيف تصن ُ ع كتابا ً ي ُ مبيعات؟»..؟
> محمود سيف الدين*
كنت أمزحُ معك لقد ُ أنا عصام أبو زيد أصدق أنهم قتلوه ُ ثم إنني ال انحرف القطارُ وانفجر الرأس العقل ظل يتأرجح ُ نمت شجرةٌ تطرحُ كمثرى ال أحبها أحب عصام أبو زيد أنا ُ هذه هي القصيدة األخيرة من ديوان «كيف تصنعُ كتاب ًا يحقق أعلى مبيعات» ،الصادر عن دار رواف��د ،بالقاهرة ..للشاعر المصري المقيم في السعودية عصام أبو زيد ،وقد تضمن الديوان الذي جاء في مائة واثنتي عشرة صفحةً من القطع المتوسط تسع ًا وأربعين نص ًا شعري ًا قصيراً ،تحرى فيها الشاعرُ تكثيف ًا حاذقاً ،يحقق درجةً ملحوظة من االتساق بين البناء الشكلي والدرامي لكل رؤيةٍ على حدة. وف��ي «ك�ي��ف تصنع ك�ت��اب�اً يحقق أعلى بدقة ٍ م �ب �ي �ع��ات» ال ت�س�ت�ط�ي� ُع أن ت��رص��د جميع مالمح ال��دوال الشعرية ،من حيث هذا الثراء والتعدد على مستويات الرؤى ومعالجتها شعرياً ،وع��دم اعتماد خاصية كتابية واح��دة ،فيما تبقى اللغة وفق هذا ُرونة ال�م�ن�ه��ج ال �ش �ع��ري ال �م �م �ي �زـ ذات م ٍ وحضور ذهني شاعر ،تجاوز فيها ٍ شفاهية، عصام أبو زيد مسار التجربة ،إلى فلسفة
64
اجلوبة -خريف 1433هـ
التجريب الناجع ،فال يكون االنتباه لعنصر كتابي شعري بعينه ،كالمشهدية ،والمجاز، وال�ت�ح��ري��ك ،ورؤى ال ��ذات المنفتحة على عالمها ،والعالم األوس��ع ،في الوقت الذي �در كبير من اح�ت��وت فيه التجربة على ق� ٍ بتوظيف حرفيٍّ ، ٍ مفردات الواقع المعيش، ي� ��ؤدي إل ��ى ن �ت��ائ��ج ج ��دي ��دة ،وداف� �ع � ٍ�ة إلى ال لطبيعة التأمل ..وأمام الدال المعرفي مث ً الحيوانات والطيور ،وم��ا يمكن فهمُه من
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
جوف َ ال� ُم�ن�ك�س��رة رب �م��ا ،غ�ي��ر أن توازن وجودها الحياتي ..نجدها ال�ب�ن��اء ال�ش�ع��وري يحتفي بها من ال مُتكرراً بسماته السطحية، بط ً بتوصيفات ٍ زوايا متباينة الداللة، نحو رؤي� ٍ�ة أعمق« :هل كان يُشبه م�ب��اش��رة« :ال �ب �ق��رةُ ك��ائ � ٌن جميل»، الغراب في الحديقة التي يتحول وبرغبة موشاة بتفكير ،كأ َّن هناك ٍ الرجا ُل فيها إلى طيور ،مستوحشاً حلوالً ممكنة لهذا التحول« :أفك ُر ووحيداً ..يكتبُ لي رسالةً :أشعر أن أت �ح��و َل إل��ى ب �ق��رةٍ » ،وبوصف ب��ال �ب��رد» ع �ن��وان ال �ن��ص «يكتب»، األج���واء« :ال�ب�ق��رةُ ف��ي السيارةِ.. �لال استفهامي ال يفي ف��ي اس�ت�ه ٍ وتحتَ سماءٍ زرق��اء وصافية» ،ثم إجابة قدر ما يُجيبُ من ٍ بانتظار عصام أبو زيد بالرجاء «يا ربُ ..ال تترك البقرةَ عريضة ٍ مساحة ٍ تلقاء ذات��ه ،عن وح� �ي ��دةً» وص� ��والً ل �ـ �ـ «اج��ع��ل عن م��ن ال�ش�ج��ن ف��ي ق��ال��ب الشجو، شمالها البنتَ الجميل َة التي أ ُسمِّيها ورص� � ��د ال � � ��ذات ال�� ُم��ق��اب��ل��ة في غادة» ..وانتها ًء بالتضرع من أجلها اغترابها اغتراباً آلياً بمالحظة ضمنية بالبنت «غادة»« :البقرةُ ٍ في فعل المُضارعة (يتحول) غير أن ي��ا ربُ ت�ح��بُ غ� ��ادةَ ..نحن أيضاً أجناس ،والمعني بالوحد ِة ٌ الطيو َر ككائن ٍ نحبُّها» ..ويتجلى «األرن��بُ » أنت والوحشة «غ��راب» ،و«ل�م��اذا ِ �وف ب��ال�� ِّرق��ةِ ،في ج ��دي � ٍ�د ..م �ح �ف� ٍ عصفور ثم ٍ ريش هكذا ..تتسلقين َ قصيدة «كن معهم»: تذبحينه» ..تتماو ُج هذه الصورةُ أرنب يتكلمُ معي.. معي ٌ ال�� ُم��ت��ح��رك��ة ،ف���ي ن���ص «أحمد م��ع��ي س���ي���ارةٌ أق��ف��زُ ب��ه��ا م��ن عين حامد» (ستتضمن القراءةُ محاولة الشمس استيعاب إدراج االس ��م الظاهر إلى عين القمر.. العلم ك��دال منطقي ،يتفاع ُل مع خياالته) ..وقد تحت ُل الحكاي َة زمناً أمكن إدراجه معي اللهُ الذي ينتظرُ ُخطوتي إليه العواصف ُ ف��ي ال�س�ي��اق لتبرير ال�ت�ق��ري��ري��ة ال�م�ف��اج�ئ��ة« :ال سأصلُ يا الله بعد أن تهدأ األرنب ويُخبرني ماذا رأى.. ُ يختلف احمد حامد عن أي واحدِ » تبريراً مُفسراً بع َد أن يعو َد ُ لالختالف« :غير أنه قطع ٌة من قلبي ..سآخذها هل رأيتَ ابنتي يا أرنب؟ تشرب الحليبَ ُ معي إلى الجنة» ..مع مالحظة أن «الجنة» تقري ٌر هل تنامُ جيداً ،وهل ضمني الحق ..يؤكد مع الحكاية القصيرة جداً أن قبل أن تنام سأرسلُ سيارتي إليها أحمد حامد ذاتٌ ثالثة أربكت الحياة. وفي ملحمة «الحيوان» ال يتوقف االستدعاء فكن معها يا أرنب ال�ح�ك��ائ��ي ،م��واف�ق�اً لنسق ال�ح�ك��اي��ةِ أو الحكمة كُ ن معهم يا اللهُ أحب أن تكون معهم خلف ألنني ُ َ المُستخلصة« ..ال تُغلق ال �ب��اب ه �ك��ذا.. األرنب والسيار ُة وابنتي ُ ماعز) ..يأك ُل الشوك» من قصيدة ٍ الباب (قطي ُع ِ وقد نلحظ رهاف َة الحس الديني ،متجرد ًة من «م��اء» ،وف��ي قصيدة «نحن أيضاً نحبُها» تحت ُل �رح يُج ّ ُل ه��ذه العالق َة األبدية (ال �ب �ق��رةُ) ص ��د َر المشهد م��ن سطحه ،بهيئتها أي زوائ��د ،في ط� ٍ
اجلوبة -خريف 1433هـ 65
إج�لاالً صوفياً من منعطفات الحب والتضرع ..حياتي تغيرت «كن معهم يا الله ألنني أح��بُ أن تكون معهم».. كل يومٍ على رأسي تهبط العصافيرُ ّ َ ُ ٍ ويبقى األرنبُ حاضراً كانعكاس للبراءة ،واختراق خضراءَ ..وبيضاءَ ..وشفافة. حُ جُ ِب التأويلِ والتخييل بها« ،معي أرنبٌ » (تأويل)، إذن لم تخ ُل المعالجاتُ المتفرق ُة من شُ بهة «يتحدثُ معي» (تخييل) ..في ٍ مزج طي ٍِّع ،يذيبُ التمرد ،سواء وردت مالمح هذا التمرد في ردائها هذه المساف َة بين عُنصرين مُتباعدين بطبيعة الحاد القاطع تعضدها بعض الجُ مل التقريرية لحظة ٍ الحال ..حتى يأخ َذ هذا الكائ ُن مساح َة الدور ال� ُم�ح� َم�ل��ة ..أو عبر ت��رات� ٍ�ب وان�ت�ق��ال م��ن كلها ،ليكون األرنبُ مجاوراً لالبنة ،طالما استطاع ألخرى ،تفضي في النهاية إلى هذه القناعة ..وقد ُ يتلبس الذات الشاعرةَ في نقائها ..وال َّ أن كثير من النصوص.. يختلف تحوَّلت الصورة الكلية في ٍ قالب يُنت ُج لُغته التي تعتمد المجاز الحكائي «الحمارُ» كثيراً في صورة المودة والقناعة ،في إلى ٍ ٍ نص «الذي كان»« ..الذي اشترينا له مالء ًة سرير مُعظ َم الوقت ..ففي قصيدةٍ «نزهة خارج السينما» بيضاء ..ق��ا َل ال أري � ُد س��ري��راً ..أري � ُد كثيراً من يترتب لقاء مع «ماركيز» في وشاية بالمكان في البصلِ األخ�ض��ر ..و(ح �م��اراً) يصع ُد الساللم» ،عنوان النص ..السينما ومحيطها ..لك َن اللقاء فيما تبقى «القط ُة السوداءُ» داالً ظاهرياً موازياً الروحي يعل ُن عن حضوره منذ البدايةِ في اتفاق لصورتها الشعبية :التوجس منها في الظالم ،الشعور على رؤية الضوء الذي ينفلتُ من صخرةٍ وداالً عكسياً لواقع ال��ذات الشاعرة وتركيبتها ب�ع�ي��دة « ُك � َّن��ا ن���دو ُر ح ��و َل ال�م�ك��ان أن��ا وصديقي ال�ت��ي تهفو لتشبه األط �ف��ال« :وه��ل يُشبه قط ًة م��ارك �ي��ز ..ن�ش�ع� ُر ب��ال �ض��وء ي�ن�ف�ل��تُ م��ن صخرةٍ َ سوداء ،أحبُ وقوفها في النور ..وأحبُ أن قس أخاف بعيدة »..ويستم ُر هذا المد الروحي بين طَ ٍ بنزهة خ��ارج السينما« ،نشع ُر ٍ منها ..كي أشب َه األطفال» نص «أل��وا ٌن متقابلة» ص��اخ� ٍ�ب يرتبط خافت ٍ كإيقاع موسيقيٍّ ٍ وه�ك��ذا تتفاوت م �ف��ردةُ «ال�ح�ي��وان وال�ط�ي��ر» من بوخزةٍ في الصدرِ نتبادلُها القطة للبقرة للحمار للعصافير والغراب واألرنب ولذيذ يربطُ نا معاً ..فنتحرك» في تماهٍ مع هذه ُشتركات أسمى (الضوء، ٍ وغيرها ،تفاوتاً تستوعبه التجرب ُة في فضائها الثُنائية المُتفقة عبر م وح �ي��زه��ا ،ض�م��ن م �ف��ردات حياتية وك��ون �ي��ة في والوخز ،والموسيقى) والتي ترتقي للمقارنة فيما ٍ عالقات منفصلة ومُتصلة ،ولع َل تيمة «اإلنسان» ،بعد في ظل هذه اإلشارات المعنوية« ،قدمي لن بكل تجلياتها الفطرية ،هي البط ُل الموضوعي تسب َق قدم ماركيز ..فهو األصغ ُر سناً ،سبقني في البارز والضمني في أنحاء ال��دي��وان ،حتى نط َق اختراعِ نشوةٍ بال مُخدرات» يُالحظ اتكاء الوصف كاشف ٌ صراح ًة باالسم العلم الظاهر في عناوين بعض على المجاز المكثف جداً ،يدعمُه مُستوىً ال�ن�ص��وص مثل «اح �م��د ح��ام��د»« ،ع�ب��د القادر» ومُفسِّ رٌ« :وكان جريئاً في البوح» ..ثم هذا التنقل بحنكة تز ُن الصورةَ البالغية ،بحيث ال ٍ و»عصام أبو زيد»..وفي نص «عبد القادر» مثاالً واالرتداد يبدأ المت ُن كأنه استكما ٌل لملحمة «عبد القادر» تنحاز الل ُغة إلى مستوى بنائي بعينه« :أذك� ُر أ َّن ُه ٍ هذا كإنسان ربما قرر أن يستعير هاجس التمرد جذبني من أذني في لقائنا األول ..صائحاً لماذا رحلة تجريبية: من الحياة ،في ٍ الباب ..أن كلم َة الوداع ،أجم ُل من كلمةِ ِ كتبتَ على بعد شهرين وصلَ عبد القادر إلى بطن الثعبان قالَ لنا في رسالةٍ قرأناها في عين الثعبان
66
اجلوبة -خريف 1433هـ
المُضاجعة ..وأنت تعل ُم انك كاذبٌ ولئيم» ..وتبل ُغ هذه الحميمية المُستدعاة مداها ،بعد رحلة الروح كشف في هذا الوقت القصير ..وال غضاضة في ٍ
كما وج��دت ال�ح��رك� ُة ب��راح �اً أف�ق�ي�اً ،ورأسياً «ألسفل تحديداً» في رداء الديوان الفضفاض.. شعورية، ٍ حالة ويُمكن رص ُد أحوالها عبر أكثر من ٍ ففي نص «مصير» ال��ذي ترتبطُ رؤيته بجدلية الرغبة وال ُممْكن ،وتر ُق ِّب هذا المصير في أسرار سياق البحر ،نراقبُ الحركة في نهايةِ المشهد في ٍ استفهامي« :كُنتُ أفك ُر في مصير السمكةِ ..هل تمدد ٍ تبقى هنا ..أم إل��ى األع�م��اق ت��رح��ل؟ .في رأس��ي ألسفل ،ال يُق ّ ُر شغفاً بالبحر كما تصدر ويبقى هذا العنوان المُراو ُغ «كيف تصن ُع كتاباً النص« :كنتُ أري ُد بحراً» بقدر ما يشغ ُل التفكي ُر يُحقق أعلى مبيعات؟» ولعلنا نالحظ هنا في في األعماق حيزاً من الطرح المُضطرب شعورياً، العنوان وضوح عالمة االستفهام..أي ليس شارحاً والمُتزن شعرياً. سياقات ٍ لهذه الكيفية ،وكأن جمي َع ما انفلت من وتتوالى مشاهد النزول أو االن�ح��دار ألسفل شعرية ،هي باألساس استفها ٌم قائ ٌم ويتشك ُل من ٍ ب� ُتهكمة، ٍ تشكيالت غائمة وواضحة ،وم ٍ �دالالت متباينة األثر بي َن راغ� ٍ�ب وزاه� ٍ�د« :نازالً ٍآن آلخر من المغارة أبكي» (مفتتح نص «شجرة») ..إلى وح��ادة ،ومُنكسرةٌ مُسالمة ،وه�ك��ذا ..وال تبتع ُد الحركة المتبادلة مع مفردات األج��واء المعنيّةِ عن مجال استفهامها مهما بدا من جُ م ٍَل خبرية بالرصد(« :ارتفع) الماءُ في البُحيرة إلى عنقي» مُنتهية ..هي باألساس تأكي ٌد لهذه المتاهة التي وبعدها «(أح� ��ركُ ) ساقي فتؤلمني( ..أحركُ ) اعتنت بالموسيقى ،والجسد ،والطفل ،والحيوان، ي��دي فتتحطم» ث��م الحركة التائهة(« :سأقومُ) والسيارة ،واألصدقاء ،والبئر ،والبحر ،والشجرة، من الماء ..لكن إلى أين (أذه��ب) «وف��ي السياق وال �ح �ي��اة ،وأخ �ي��راً ال �ح��بُ ،مُنفلتاً ف��ي مداراته المتدحرج ذات��ه ،تأخذ الحرك ُة ما بعد الرمزية وعالمه: مساراً مُتمرداً جداً في نص «معها».. المؤلف.. ُ هكذا قال وطلبَ مني المغفرة.. هذه الحبةُ السوداءُ عن أي شيء؟! على أنفي الحب فجأةً.. ُ يعودُ تُشبهُ الماضي ويزلزلني.. حبة سوداء وثقيلة يجف دمُ الخيانةِ . ُ أسقط معها ُ لدرجةِ أنني وأتدحرج.. مبان أخرى. وينتقلُ الطابقُ األعلى إلى ٍ وي�م�ك��ن ال �ق��و ُل إن��ه ف��ي دي���وان «ك �ي��ف تصن ُع كتاباً يُحق ُق أعلى مبيعات» يض ُج عال ٌم كبي ٌر من مفردات الحياة ،ورؤاه��ا ،التي تتوحد وتتقاطع عامل مُشترك رئيس هو اإلن�س��ان يعتم ُد ٍ ح��ول بعض الشر لتغيراتها اإلنساني َة وبراحه ..ومتأبط َ المفاجئة ..أو المُفجعة ،م��ا ح��دا بالتمرد أن بمستويات ع��دة ،أبرزها في نص ٍ يكون حاضراً «تسعينيات».
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
مُغاير وأكثر تقريباً بالرواية عن الحبيبة /الرمز: «حبيبتي تجاوزت األربعين يا ماركيز» وفي أداة النداء «يا» ،إشارةٌ مجازية في حد ذاتها ،لقرب المسافة بين الصوت وصديقه ماركيز ..اللذين ربطهما إيقا ٌع موسيقي خافت.
بسقوط اضطراري ٍ فيما يشي نص «سجين» موضع ،في سياق زمني متعلق ٍ ال يصل إلى قرارة بالماضي المُطلق في صورة مُحددة «في الليلة الماضية»« ...ل��م أك��ن اب�ك��ي ..كُنتُ أسقطُ في بئر ..وال أص ُل إلى قاع».. ٍ
* شاعر وناقد مصري.
اجلوبة -خريف 1433هـ 67
شمس تولد من اجلنوب > عماد عارف أحمد* وفي المساء ..دلف “باسم” إلى حجرة نومه.. ي��ا أس� �ت ��اذ :م��ن أي ��ن ت��ول��د ال �ش �م��س ف��ي وطننا فلسطين؟ وفتح نافذتها على مصراعيها..ثم ذهب إلى أمه التي ب��دت على ال�م��درس ابتسامة حزينة وه��و يتأهب كانت بالخارج تجمع الحجارة ..وقال لها: لإلجابة على س��ؤال التلميذ “باسم” ال��ذي ل��م يبلغ أمي ..ساظل مستيقظا هذه الليلة ،ولن أنام حتى السادسة من عمره. أرى شمس الجنوب وهى تولد مع شمس الشرق. الشمس تولد من الشرق في فلسطين ،وفي كلش �م��س ال �ج �ن��وب ال أح ��د ي��راه��ا وه ��ي ت��ول��د يا أنحاء األرض يا “باسم”.. “باسم”!.. أخ��ذ “باسم” يداعب شعر رأس��ه في نشوة وهو يقول لمدرسه..
لماذا يا أمي؟
ألنها شمس لم تخلق للبشرية كلها ..بل خلقها الله لكن أمي قالت لي ذات يوم..إن لوطننا فلسطين لنا فقط ..من أجل أن نصبر ونكافح .ومن أجل ليلناشمساً أخرى تولد من الجنوب. الطويل يا ولدي.
حملق المدرس في عيني تلميذه الصغير ..وبدت على وجهه عالمات تعجب سرعان ما تالشت .عندما رد عليه ..مؤكدا له كالم أمه.
إذاً ..ألرى الشمس وهي تولد من الشرق.. نظرت األم إلى طفلها الصغير ..وقالت: شمس الشرق شمس حرية ..ونحن بال حرية.
هذا صحيح يا “باسم” ..لوطننا فلسطين شمسوكيف نكون حماما يرفرف في السماء دون أن أخرى تولد من الجنوب ..فبجانب الشمس التي تولد م��ن ال �ش��رق ..بعث ال�ل��ه لنا شمسا أخ��رى ت��ول��د من نخاف من الصياد؟ الجنوب ..ليعطينا األمل في الحرية. م��دت األم ي��ده��ا إل��ى الطفل بحجر صغير ..ثم -ما معنى كلمة حرية؟
حمامة ترفرف في السماء من دون أن تخافمن الصياد.
استطردت..
بداية حريتنا من هنا يا صغيري.
أخذ “باسم” الحجر من يدها ..احتضنه بيديه أبي استشهد وأنا صغير..وأخي استشهد األسبوع الصغيرتين وق� َّب�ل��ه ..ه��رول إل��ى حجرة نومه وأغلقال �ن��اف��ذة ..ق� َّب��ل ال�ح�ج��ر م ��ر ًة أخ� ��رى ..وض�ع��ه تحت الماضي ..فهل سنموت كلنا برصاص اليهود؟ دنا المدرس من تلميذه الصغير ..ضمه إلى صدره وسادته ..مدَّد جسمه الصغير على الفراش.. بشده ،والدموع تسيل على وجنتيه... وراح ينتظر الصباح.. * كاتب من مصر.
68
اجلوبة -خريف 1433هـ
> ليلى احلربي* تنوء بحمل األكياس ،فتتخذ لها مجلساً على
أحدِ الكراسي داخ َل السوق.
تتوقف والدتها ..وتنظر إليها شزرا.. لن أسير خطو ًة واحده ..سأقع من طولي.. ترمي لها م��ا معها م��ن األك �ي��اس ..وتواصل
سيرها..
تنظر ببالهة لكمية المشتروات ..وفي داخل
رأسها المتسربل بطرحة سوداء..
كشاشة تعرض عليها ٍ هناك بياض ناصع،،بدا
صورا ال قبل لها بإيقافها ..ما رأت باألمس في تلك القناة المزعجة..
ج ��وع وب� ��ؤس وع � ��ري ..وم ��ا ي�ح�ي��ط ب �ه��ا من
األكياس المترعة بالكماليات..
لم يتوقف العرض داخل رأسها.. حتى وهي ترتشف القهوة وتقضم معها قطعة من الحلوى.. تشعر ب �م��رارت �ه��ا ..حين ت �ت��راءى لها صورة الطفل الهزيل الذي شاهدته أمس في تلك القناة المؤذية.. صراخ في الممر الواسع يدوي.. يتوقف الجميع عن حركتهم.. الطفلة سقطت من الدور الثاني ،واألم تجثو عند رأس�ه��ا المغطى ب��ال��دم ...ي��ا ال �ل��ه ..نفس الصورة التي رأتها البارحة ..لم يكن حلماً..
أمامها كشك يبيع القهوة..
بل كان مشهدا في القناة إياها..
ولكنها ال تستطيع ال��وص��ول إل �ي��ه م��ع هذه
الفرق أن الطفلة هناك رثة الثياب ولم تسقط
الفوضى حولها..
من شاهق ،بل أرداه��ا لغ ٌم في األرض ،األم هنا
تشير لذلك العامل..
غابت عن الوعي ..وهناك وعت الغياب والطفلة
يأتي مسرعاً..
هنا فارقت الحياة ..وهناك فارقت الموت..
تناوله قطعة نقدي ًة أكب َر من المطلوب.. أكبر كوب قهوة ..وقطعة حلوى ال تقل حجماً..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
صورتان..
لم تنتبه إال على صوت أمها القادمة ومعها أكياس أخرى ..هيا بنا ..يكفينا تسوقاً اليوم..
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -خريف 1433هـ 69
رؤى على أمواج متضاربة > محمد محقق*
اختفاء
رآها ترقص داخل جدران مغلقة، افتتن بالجمال األخاذ.. وحين أطلق العنان لتجوال العينين، كانت الحسناء تغيب في سراديب العتمة!..
تمرد
على قارعة السرير، قاوم لحظة الرحيل، وحين أدركت أن صوته الرخيم تحول إلى حشرجات بكاء، تمردت عليه، وأعادت كتابة الحكاية من جديد!...
تجاهل
حين ألقت بعشقه في سراديب النسيان، مزق أشرعة الحب بال تردد، وأهدى لنفسه أغنية الريح، لتغازل بياض فراغه!...
طموح
أحب المبدعين إلى حد الجنون، تمنى أن يكون واحدا منهم، ابيضت عيناه من كثرة القراءة، أخيرا،
70
اجلوبة -خريف 1433هـ
وجد نفسه خارج الرقعة!...
اهتمام عندما رآه مبتسما اطمأن إليه، بادله الحديث طمعا في صداقته، لما نهض اآلخر مودعا، أدرك أنه في عزلة تامة!...
مفارقة ألنه يتمتع بحيوية مميزة، مارس كامل صالحيته بهدوء تام، لكن صديقته كان لها رأي آخر، فقد تزوجت من غيره!...
تجاهل شعر بالحزن لحروفه المبعثرة، وحين تأمل حلمه المتهاوي أمامه، اشتكى أمره لصاحبه، فتم حذف اسمه من قاموس صداقته!...
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
لــــــــــــوحة > هشام ح ــراك* حسام ،طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره ..يحب الناس ..يحب األلوان ..يحب الجمال ..يحب الحياة..
صبرك علي يا والدي ..أنا بصدد التفكير في ذلك.
حسام هو ذاك الطفل ال��ذي سأله المدرس عن سر تمسكه بالمركز األول في صفه الدراسي، فأجاب بلغة الواثق من نفسه:
..فكر حسام بحركات سريعة من عينيه ،ثم شرع يكتب ،عند أسفل اللوحة ،بحروف أنيقة بارزة« :ا ..ل ..س ..ل ..ا ..م.».
ألنني أريد أن أقدم شيئا للناس حين أكبر.
..خرج الطفل مزهوا بنفسه ،حامال لوحته التشكيلية ..نادى على أصدقائه من أبناء الجيران لمشاهدتها ..كانت الشمس ،لحظتها ،قد غابت تماما ،لكن نور القمر عوض أشعتها في انتظار عودتها بعد الفجر ..شرع حسام يشرح لزمالئه كيف تمكن من إنجاز لوحته وه��م يصغون إليه بإعجاب كبير ..بينما هم كذلك ،إذا بمجموعة م��ن ال�ط��ائ��رات الحربية تغطي ِس�م��اء المدينة، وتخترق سكون الليل ،وتحجب عن األطفال نور القمر ..أصيب األط�ف��ال برعب شديد..حاول حسام سحب لوحته ودخول البيت ..في طريقه، سقطت عليه شظية قنبلة حولت جسده الصغير إلى شظايا تناثرت على لوحته ..غمرت دماؤه اللوحة ،واختلطت بألوانها ،لكن ،بقيت الحمامة البيضاء ب ��ارزة بشموخ ،وك��ذل��ك تلك الحروف المُشكِّلة ل« :ا ..ل ..س ..ل ..ا ..م.».
ل��م ي �ع��رف ح �س��ام شيئا اس �م��ه ال �ن��وم ،طيلة ليلة األم ��س ،م��ن ش��دة سعادتـه ب �ل��وازم الرسم التي جلبها له وال��ده ،بعد أن لمس فيه عشقا جنونيا لهذا الفن الرائع ،كما أنه ظل يفكر في أول موضوع ألول لوحة سيرسمها في مشواره اإلب��داع��ي ..ل��م يتناول إف�ط��اره وال غ��داءه رغم إل�ح��اح وال��دت��ه ..خ��ط ح�س��ام ،على قطعة ثوب بيضاء ،ع��دة خطوط وأشكاال هندسية ..شرع يلونها بتركيز وعناية فائقين ،وبألوان مختلفة، ليهتدي ،في النهاية ،إل��ى رس��م حمامة بيضاء تحلق في فضاء أزرق س�م��اوي ..حين ف��رغ من ذلك ،سأله والده: بماذا ستعنون اللوحة يا حسام؟ أجاب واثقا من نفسه كالعادة: * قاص من المغرب.
اجلوبة -خريف 1433هـ 71
قصص قصيرة جدا ً > ميمون حرش*
العانس تخطت األربعين ،بال زوج ،بال أوالد ،لكنها أيضا تخطت اليأس ،وسكنت بيت الحروف كملكة متوجة.
و... متعجبة:
ويحك ،من كتابة العرائض والبيانات إلى الشعر.. ح�ي��ن ت�م��ر ش��ام�خ��ة وس ��ط ال�س��اك�ن��ة ،ال تكترث أتراهم كانوا يعلمونكم الشعر في الداخل؟ أبدا.. لألصابع الطويلة التي تشير إليها ،ال تنظر وراءها أبدا ،هم ،نعم ،تعودوا النظر في كل الجهات ،فحين فما هكذا يكون اللقاء األول بين حبيبين بعد طول تختفي ه��ي ،تنبثق أخ��رى م��ن جهة م��ا لتمر بنفس غياب.. الوجوه ،خُ شبٌ مسندة ،متأهبة ألن تشير بأصابعها. ل��م ي���ردَّ ،تخطاها ب�ص�م��ت ،وم �ض��ى إل��ى سجن لم تكترث قط-في المناسبات -لغمز ولمز النساء المتزوجات ،تبكي عليهن ال منهن ،وتعتبرهن مجرد نساء ليس إالّ.
آخر..
أكباد مقروحة
سمع ع��ن س��وق بعيدة ،يأتيها ال�ن��اس م��ن ك��ل فج أما الرجال فقد زلزلتْ قلوبَهم بكبريائها ،وأوغرتها عميق ،يتم فيها استبدال أكبادهم المريضة ،بأخرى سليمة. ضدها ،وازدادت أصابعهم إشارة إليها..
رح��ل إليها ،وبعد مغامرات جلجامشية ،وصلها، وح�ي��ن م��رت بالسلف ف��ي الخمسين م��ن عمرها لكن متأخرا ،لقد سبقه مرضى آخرون ،ولم يتبق غير مدوا أصابعهم ،وأشاروا إليها ،قائلين: كبد واحدة مكتوب عليها« :للنساء فقط» «إنها العانس» أصر على استبدال كبده بها ،فقالوا له ،مستحيل. لتر َّد بهدوء صاخب: وح �ي��ن أص ��ر ط�ل�ب��وا م�ن��ه ش �ه��ادة ح�س��ن السيرة «بل مُسْ تغنية». والسلوك.
السجين الشاعر
أعرب ما تحته فقر
خ��رج من السجن بعد م��دة طويلة ،قابل حبيبته، بادرها بالقول:
برج عاجيٍّ يطل «الغنى» ،ساخراً ممن تحته. من ٍ
أَب�������������رقٌ ب�������دا م������ن ج�����ان�����ب ال������غ������ور الم����ع أم ارت����ف����ع����ت ع�����ن وج������ه ل���ي���ل���ى ال���ب���راق���ع * كاتب قصة من المغرب.
72
اجلوبة -خريف 1433هـ
وك��ان��وا منشغلين ب��إع��راب كلمة «ف�ق��ر» ف��ي جملة ركيكة. فحاروا بين إعرابين :نعت أم عطف أغنياء.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا ً > محمد صوانه*
تشبث.. يطالع صفحة الماء على الشاطئ راعه ظله المسروق تتقاذفه األمواج.. في لحظات الالوعي، يستدير نحو الشمس متشبثاً بخيوط الوداع..
أمّ ي..
تشتكين الصداع، وأظل ألف رأسي بوشاحك..
انطالق
استأثرت أخواتها بالميدان دهراً ظل يحبسها عسر المخاض؛ ارتجت جوانحها وتسارع النبض..
-أين أنت؟؟!!
عطلة صيفية!
يدخل إلى غرفة الفصل مع بداية عام دراسي جديد ألقى عن ظهره أعباء العطلة الصيفية؛ بقايا علب زي��وت السيارات ،مشاجرات مع صبية ورش��ات الصيانة ،إهانات ووك��زات معلم الورشة.. أما حصيلته؛ فثياب مشبعة بالزيوت ،وجسد د ُِعكَتْ عضالته الغضة، ويدان متشققتان.. وعين لم تعد تتطلع إلى أعلى!
أول النطق
فانطلق وميضها في اآلفاق..
رواية طويلة جداً.. تقول له: -ابتعد عني..
يقرأ في كتاب أهدي إليه، بلغ صفحته الخمسين، ولم يزل يهمس في دواخله بأسى
وعندما يتوارى،
األحرف األولى المفقودة:
تصيح على مسمع الثقلين:
ب..ا ..ب..ا
* كاتب من األردن مقيم في السعودية.
اجلوبة -خريف 1433هـ 73
الفيلم املسيء لإلسالم > جاك صبري شماس*
حرية التعبير ال تعني على اإلطالق اإلساءة إلى المعتقدات والمشاعر وحرية التعبير دون ضوابط أخالقية ال تختلف عن شريعة الغاب.. ح���اش���ا ل��م��ث��ل��ك م����ن ي������ذمَّ ويشتُ مُ
���ج���مُ وب����ك ال��ب��س��ي��ط��ة ت��ق��ت��دي واألن ُ
روض ف����ي ودادك برعم ٍ م��ل��أتْ م��ح��بَّ��تُ ��ك األن�������ا َم وأغ���دق���ت وب����ك����لِّ ���ي المسلم ك���ي���ف ال�����رع�����اعُ ي���ل���فِّ ���ق���ون مساوئ ًا وال����ش����رع خ���ات���م���ه ال���ن���ب ُّ م���ن ذا ال����ذي ي��ه��ذي ب��غ��ي��ر حقيقةٍ
���س ال ت��غ��ي��ب وت���ه���رَم وال����ح����ق ش���م ٌ
إن ال����ذي زرع ال��ش��م��ائ��ل ف��ي الدنى س��رع��ان م��ا ي��زه��و ال��ن��دى والموسم وال����م����رء ي��ش��م��خ ف���ي س���م��� ِّو فعالِ هِ
���ظ���م ���ح���هُ ال����م����رام وَيُ ���عْ ِ وال����ل����ه ي���م���ن ْ
دي������ن ت���ج���لَّ���ى ال�����بِ �����رُّ ف����ي ف����رق����انِ ����هِ
وب�����ه ت����ك����رّم ب��ال��ف��ض��ي��ل��ة (م����ري����مُ )
�����رب أم���ري���ك���ا وذؤب��������ان الغوى خ��ب ٌ��ث ي��ه��ده��د ف��ي ال��ص��دور ويجثم وال�����غ ُ تعصب أع����م����ى ت���خ���بّ���ط ب���ال���ظ�ل�ام يخيِّم ُّ وال���ف���ت���ن���ة ال���ك���ب���رى ن����ت����اجُ ق����ل م����ا ت����ش����اء ف���ل���ن ت����ه����زَّ عقيد ًة ع��ص��م��اء ف���ي ش��ف��ة ال���دن���ى تتكلَّمُ ���رب ال أرتضي ذمَّ ال�����ن�����ب�����وَّ ة أو ن�����ف�����اق����� ًا ي����ؤل����مُ أن����ا م���ن ن���ص���ارى ي���ع ٍ ت��ج��ري ال��ع��روب��ة ف���ي ع����روق دمائنا وال���ض���اد ح����رف ف���ي ال���ه���وى يترنَّمُ ���ب ي��ن��ب��ض ب����اإلخ����اء وينعم ه�����ذي ي�����دي ع����رب����اءُ ت��ن��ث��ر طيبَها وال���ق���ل ُ ���������رآن ال�����رس�����ول م���خ���لّ���دٌ ِ وب����ل����ي����غُ ق
����ح����كَ����م آي ج����ل����ي����لٌ مُ ْ إع�������ج�������ازه ٌ
���ف وج����� َه م���ح���مَّ ٍ���د أل�����قُ السنا وم��������ن��������ار ُه وج����������هٌ وث������غ������رٌ ي���ب���س���مُ وي���ح ُّ * شاعر من سوريا.
74
اجلوبة -خريف 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ُ الضحى أغرودة > مالك اخلالدي* يطولُ شـ ـجــى األيامِ حين ًا من الدهرِ
ونستعذب اآله ـ ــاتَ صبر ًا على صبرِ ُ
على أم ٍ��ل نقضي فص ــولَ حياتنـ ــا ونبصرُ ف��ي آفاقنا سح ـن ـ َة الخ ـيـرِ فمهما استطالَ الليلُ لن يفلحَ الدج ــى ف��إن تمام الليل يزجي ـ ــهِ للفـ ـجـ ــرِ حيث ال ندري ُ الصبح أغرودة الضحى سترسلها األي���ام م��ن ِ لنا مع خيوط أص���وغُ تفاصيل ال��ح��ي��اةِ حـ ــكايـ ـ ــةً
ت��ن��اج��زُ أي��ام��ي إذا عقني شـ ـعـ ــري
القلب والحزنُ يستشري ِ ينزف المدى وتبكي زهور ُ رفيف الحرف إذ ُ مالذي نعيش لنجـت ـ ــا َز ال��دروب بفجرهـ ــا وفي ليلها المأفون أو وجهه البدري ُ تقلبنا األح���داث كيمـ ــا تصوغُ ـن ـ ــا حروف ًا تناجي الكون في ساحة العمرِ نعيش اغتراب ًا ما ي ـ ــزالُ بنا يسري ُ ـان ف��ي األســى أي��ا ج��ارت��ا إن��ا قري ـبـ ـ ِ
()1
فكفّ ي ن��واح�� ًا وابعثي ال��ب��و َح فكـ ــر ًة تغردُ كي تبقى بال دمعنا القسـ ــري دوح ت��ف��اق�� َم ف��ي فكري خ��ذي كل أش��ع��اري وتيهي على منى وع����ودي إل���ى ٍ الكون يا جارتي جسري ِ خذي هينمات األمس إشراقة الرؤى وكوني لروح النجم أو هدّ ني أس ـ ــري ِ تعالي هنا واستمطري الصبح كلما تهيّبَ وج��هُ * شاعرة وقاصة من الجوف ( )1مجارة لقصيدة أبي فراس الحمداني التي قالها في أسره: أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننـا ..تعالي أقاسمك الهموم تعالي..
اجلوبة -خريف 1433هـ 75
رويده > عبدالكرمي النملة*
رويده..
(أول نظرة)....
رويده..
أين أنت؟ أمن دهشة الماضي أتيت؟! أم من غبار تلك السنين؟! أتيت تطوين سدفة الليالي تفكين وثائق األيام تفلتين الحنين..
رويده..
تتلمسين بعينيك الصغيرتين ذلك الدرب القديم ذلك الطفل الغرير ذلك العشق الصغير ها أنت كما أنت!.. ينفرط من عينيك الحنين ذاك الشعاع القديم ذاك النسيم العليل
رويده..
أين أنت كل ذاك المساء الطويل كل ذاك العناء المستجير ثم أتيت... ترجين طفلك الصغير ترجين لحنك القديم ترجين عشقك البعيد أما زال في العمر متسع للقاء؟ * شاعر من السعودية.
76
اجلوبة -خريف 1433هـ
ها أنا كما أنا ضجيج الشوق في قلبي يعصف بي ترذرذت ذكرياتي في شقوق السنين دائما أنصت لذكراك وفي فمي كل النشيد آه!.. يا نغم ًا قضيت العمر يحلم فيك قلبي
رويده..
ما أنت يا دنياي إ ال حلم ًا يغيب ثم يزدهر
رويده..
ال تسأليبني كيف ضاعت السنين؟! كيف لم نقطف يوما مع ًا زهر الياسمين؟!
رويده..
تعالي نحبس ظلنا األول نفر من حديث الناس ُّ إلى صفحات الخالدين...
> نادية أحمد محمد* أنا لست هرتك األثيرة كي أراك فأنتشي وأروح أطلب بعض عطفك بالمواءْ أنا لست هرتك الرقيقة كي أسوق إليك لهفة نبضتي وأروح أمسح لهفتي بثليج ساقك كي تمد إليَّ كفك بالعطاءْ أنا لست من تدنيه إن أدنيته برقيق حرفك أو ببعض الرفق إن راق النداءْ أنا لست هرتك اللطيفة كي تداعب كفك الخرساءُ رأسي ثم تدفعني برفق الضيق حين تملني فأسير خلفك استقي مُ رَّ انحناءْ
أنا لست هرتك الصغيرة كي أراك تسومني بعض التعطف والحنين متى تشاءْ **** أنا كنزك المخبوء في دار المنى ومالذك المأمون إن ُحمَّ القضاءْ أنا تاج كونك ترتقي لتنال بعض رضاي سعي ًا للصفاءْ أنا بدر ليلك إن مضى صبح الحياة وعاش قلبك في الدجى وانساب نبضك شاكي ًا طول العناءْ أنا نور يومك حين تشرق بسمتي وتطل من عينيَّ شمسك والضياءْ أنا توأم الروح اهتديت إلىّ
حين رأيتني اشتاق مثلك للنقاءْ أنا صحوة األحالم تُسكر ناظريك زيف أو رياءْ بدون ٍ أنا رجفة اإلشراق تسكن مقلتيك ترد قلبك للسماء فإذا اقتربت بنور قلبك أو نقاء الروح واجتزت القليل من الغباءْ وإذا اقتربت كما الحمائم ساعي ًا للنور سعيك للقاءْ إذا اقتربت مسلّم ًا بالحب مرة روحي ستقرب ألف مرة ما دمت لم ترني كهرة وعرفت ما معنى النساءْ !!!!.
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
أنا لست هرتك اجلميلة
* كاتبة من مصر.
اجلوبة -خريف 1433هـ 77
قصاقيص شعرية > محمد عباس على داود*
وجود محدود
قلت ألم الولد تعالي نكتب ميثاق ًا وعهود بعض ًا من وقتك أرضاه بصفة الزوج وبعض ًا آخر للمولود ضحكت ضحكتها البيضاء وقالت يا ذاك المكدود ما عاد وجودك يشغلني مادام وليدك موجود من أنجب طف ًال يا ولدي فليقبل بوجود محدود !!
فن التمثيل
كانت خلف زجاج الشاشة تتلوى تزحف ناعمةً تتدفق عري ًا وتميلْ تحمل * كاتب من مصر.
78
اجلوبة -خريف 1433هـ
شيطان ًا يتحدى بالحركات ِ وفى العينين يصوغ فنون العشق حروف ًا فوق شفاهٍ تبرع في فن التقبيلْ يا إخوان الشر كفاكم قيل كفاك الجهل لباس ًا ذلك مقبول وجميلْ ٌ قال بجد الرجل الحازمِ حين يكون الفن عري ًا ملعونٌ فن التمثيلْ
طلب الوداد
وقف الثقيل ببابها يرجو الوداد المستحيل ويقول جئتك طالب ًا بعض ًا من الود الجميل صدته صد ًا حازم ًا فأدار وجها للرحيل
لما رأته مغادر ًا صرخت تريث يا ثقيل
اشتراكية
حين رأيت حبيب القلب طليق الوجه يزف البسمة لألحداق يصب حروف اللغة جزاف ًا فى اآلذان بدون هوية يشرح حب ًا بحب ليس ٍ يمطر أشواق ًا خيرية يعزف لحن ًا يقطر أحالم ًا وهمية قلت لنبضة قلبي مه ًال لن نهواه فحين أحب أريد حبيب ًا يحذف من قاموس الحب تمام ًا كلمة اشتراكيه !!
()1
سكب الليلُ على خافقي.. بعض هذي القوافي.. ثم قال.. هيت لك!! يوسفي.. أنتَ وأنت الخليلُ الوفي كم تضيء القوافي.. بعبير الصلوات.. ونرجسةٍ في الحقو ل.. اآليالت إلى القطف.. وأنت الذي تمنح البردَ.. ماشىءٌ دفي!!
()2
عال.. عل ٍ حط لي ..من ٍ توجهه، خاف خفي. وهو ٍ مَ دَّ لي هذا السؤال ..األكيد.. المنتفي.. كيف يا شاعراً.. آذنتهُ القصيدة باال كتفاء.. تكتف؟! ِ ولم كيف تأتي إلى راحتيك.. مياه القصيدة.. تغرف؟! ِ ثم لم يوسفي أنت... وأنت الخليل الوفي!! مَ دَّ لي هذا السؤال: بين هل..
()3
> د .يوسف العارف*
ولماذا.. وكيف.. تخونُ األبجديةُ ريشةً تحتويها.. وتحنو عليها.. وتمنحها الماء الزالل؟! وما قلتَ لي: كيف ُخطانا خَ طَ ْت دونما سوءَةٍ وارتقت دونما َفزْعَ ةٍ ْ المآل.. ِ وانتهت في مآل؟! أإلى ال ِ كيف حن َّْت ُخطانا.. إلى ما يقال؟! تلك كانت نبو َءتُنا.. الرمل.. ِ يوم سارت إلى سارت إلى (الطين) (طين).. ٌ وما ثم يسجل تلك الخطى.. فضاعت مع الريح.. الليل.. ِ ضاعت مع قول يقال!! أي ٍ وضاعت خطانا ..كما ِّ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
قصيدة اليوسفية
()4
َوشحَ بالريح.. سَ رَّ ني من ت َّ يوم انتشت في يديه.. حروف الكتابة!! قلت :سوف أغني.. أمهِّ دُ هذا الطريق الطويل.. وأُبحرُ بين فَعولُنْ فعيل!! وما ساءَني.. غير هذي المواويل التي.. قالها غيرنا، قلت :سوف أغني..
اجلوبة -خريف 1433هـ 79
إلى أن تفي َء السحابة عن غيِّها.. وتخرج (أنثى القصيدة) من خدرها.. متوجةً بالمعاني البِ كار.. ومنسوجةً بالسنا والصهيل!!
()5
قال لي: يوسف.. أنت.. وأنت ..الخليل الوفي!! مذ لقيتُ ك.. سائحا في دروب المدينة.. وجهك.. َ ُتيَمِّ مُ نحو الشموس الحزينة.. ألق.. وتمتاح من ٍ َتك!! َص ْبو َ كيف كُ نتَ .. يوم أن تنادوا عشاءً .. بابك.. إلى َ واقت َفوْا أثرك.. الجاهلي.. ُّ ها هو الدَّ ر َُك يحث الخطى ..يتبعك. فاحترس!! ال تساوم على صبوتك.. ولو وزنوك الذهب!! وإن أقلقوك.. وإن أتعبوك.. فقم وتبتَّل.. وعفِّ ر نواصيك ماء الثرى.. كيما ترى.. بعد حين ..أجلك!! ال يسدُّ وا عن الشمس عينَك.. إنهم يقصدوا عتمتك!! وارتقب يوما سيأتي.. وعلى خيلك أن تقطع.. * شاعر من السعودية.
80
اجلوبة -خريف 1433هـ
الشرَك. هذا َّ إن للفجر انبالج.. بعد أن زاد الحلك!! يوسفي أنت.. وأنت الذي ي ي.. تعرف علم الفلك!! فتيقن.. ثم قم وابتهل.. يا إلهي.. إن تعذبني.. فما أعدلك!!
()6
يوسفي أنت ..وأنت الخليل الوفي!! مذ تغر بت.. ومادت خوافيك!! في شرنقات السؤال العتيق.. هيأتك الليالي لحتفك.. َ ومذ ها أنت توقن: أن األماني تقودك.. نحو وأْدٍ خفي!! فتعال ..تطهر وطهر خطيئاتك.. ربما يوقظ الماء في بردتيك.. الصالة.. صبابات حكيمة!! ٍ ربما تشرق شمسك.. تمطر غيث ًا وظالً.. أهازيج السحاب!! ربما ..ربما.. ترتئيك المواويل.. لحنا صفيا!! أيهذا الجميل الحفي!! يوسفي أنت ..وأنت الخليل الوفي!!
عالقتي بحمزة شحاته
م������������������واج������������������ه������������������ات
عابد خزندار
يفتح قلبه لـ«اجلوبه» ويقول: عالقة التلميذ باألستاذ أعد نفسي من الذين أسهموا في البدايات ُّ الزراعية في منطقة الجوف ،وقد لفتنا األنظار إلى المنطقة وأهميتها. نعد –ولألسف -كتاب «ألف ليلة وليلة» ّ من األدب الشعبي الرخيص ،والغرب يقدره كل التقدير لم أكن مناهضا للغذامي في يوم من األيام، والفرق بيني وبينه أنه كان يكتب عن الحداثة ،وكنت أكتب عما بعد الحداثة االتجاه إلى الرواية أصبح أهم وسيلة لتصوير الحياة ووصف الواقع
حوار :إبراهيم احلميد -عمر بو قاسم
قد يفاجأ الكثير من ق��راء الناقد عابد خ��زن��دار أن��ه ب��دأ الكتابة متأخرا بعد سن األربعين ،ليكون نابغة آخر بعد النابغة الذبياني .بدأ حياته العملية في وزارة الزراعة التي كلفته بمهمة توطين البادية في وادي السرحان بمنطقة الجوف عام 1381ه��ـ - 1961م ،وواجه خاللها صعوبات الحياة البدوية ،بعد أن عاش طالبا في القاهرة وأمريكا، ثم موظفا في الرياض.. عابد خزندار من مواليد عام 1935م بحي الشامية ،من مواليد حي الشامية بمكة المكرمة عام 1935م .ناقد وأديب وكاتب صحفي سعودي .حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة عام 1951م ،ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة ،وتخرج منها عام 1956م ،وحصل على درجة الماجستير في الكيمياء العضوية
اجلوبة -خريف 1433هـ 81
عام 1961م من الواليات المتحدة .عمل مديرا عاما في وزارة الزراعة بالرياض حتى عام 1963م ،ثم ترك الوظيفة العامة وانتقل إلى فرنسا ،وأق��ام فيها لسنوات حتى اكتسب ثقافة فرنسية وفرانكفونية ،انعكست على إنتاجه النقدي الطليعي .ويعد في ذلك -هو والدكتور معجب الزهراني خرّيج جامعة السربون -مدرسة نقدية محلية تعتمد على النظريات المبلورة فرنسياً.،
من مؤلفاته النقدية:
ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات وبخاصة
« -1اإلبداع» ،من إصدارات الهيئة العامة للكتاب األلمانية ،إذ احتفي به في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2005م .ولديه زاوية مقال اجتماعي عام 1988م. « -2ح��دي��ث ال�ح��داث��ة» ،م��ن إص ��دارات المكتب معروفة بشجاعتها باسم (نثار) ،يكتبها بشكل يومي في صحف الرياض وعكاظ والمدينة ،وأخيرا في المصري الحديث عام 1990م. الرياض مرة أخرى ،ولم تنقطع إال عامين فقط، « -3ق� � ��راءة ف ��ي ك��ت��اب «ال � �ح� ��ب» ،منشورات أوقف فيهما عن الكتابة النتقاده المستمر لوزير الخزندار.
« -4رواية ما بعد الحداثة» منشورات الخزندار
الصحة وسياسات الصحة في المملكة.
عام 1992م.
« -5أن�ث��وي��ة ش �ه��رزاد» ،م��ن إص� ��دارات المكتب المصري الحديث عام 1996م.
« -6معنى المعنى وحقيقة الحقيقة» ،من إصدارات المكتب المصري الحديث عام 1996م.
« -7مستقبل الشعر موت الشعر» ،من إصدارات المكتب المصري الحديث عام 1997م.
« -8حديث المجنون» ،من إصدارات نادي حائل األدبي عام 2010م.
« -9التبيان في القرآن الكريم (دراسة أسلوبية)» -مؤسسة اليمامة الصحفية 2010م.
إضافة إل��ى العديد من ال��دراس��ات النقدية
والتقنية المتخصصة.
82
اجلوبة -خريف 1433هـ
من االرشيف (عابد خزندار)
واس�ت�ج��اب��ة الق �ت��راح األديب محمد القشعمي للقاء الناقد الكبير عابد خازندار ،فقد كان يتصل عليَّ في كل سانحة من شهر رجب وحتى شهر رمضان وبداية ش��وال ١٤٣٣م ،مقترحا تسجيل لقاء معه حول تجربته بمنطقة ال��ج��وف! ف�ق��د قمت منى خزندار بتكليف الزميل الشاعر عمر بو وقد أجري الحوار في جو قاسم بالتواصل مع زوجة األديب أس��ري ،ب��دأ بعد أن استقبلتنا على ب��اب البيت خازندار األستاذة األديبة شمس الحسيني ،التي األس �ت��اذة منى خ��زن��دار -اب�ن��ة األدي ��ب الكبير- كانت تتولى تنسيق مواعيد األديب الكبير بعد أن التي تشغل منصب مدير معهد العالم العربي زودني األستاذ القشعمي برقم منزل الخزندار .بباريس ..فكان أن تشعب الحديث إلى مجاالت
م������������������واج������������������ه������������������ات
وهذا ما تم ..فقد سافرت إل��ى ج��دة ص�ب��اح ال�ي��وم التالي بهدف اللقاء ،إذ ح��دد األديب ال��س��اع��ة ال �خ��ام �س��ة م ��ن يوم ال �ج �م �ع��ة ٦ش�� ��وال ١٤٣٣ه� � �ـ موعداً للقاء ..وعليه توافقت مع الشاعر عمر بوقاسم على الموعد..
ول�م��ا ل��م يحصل أي م��وع��د م��ع الناقد حتى عديدة بعيدا عن التكلف أو الرسمية.. واف���ى األج���ل زوج �ت��ه ال �س �ي��دة ال�ج�ل�ي�ل��ة شمس > ماذا عن بداياتك في الكتابة ،فقد أطلعني الحسيني رحمها الله ،اتصل بي -م��ن جديد- صديق على خصوصية تجربتك على مستوى األديب القشعمي قائال :إن األستاذة منى خزندار الزمان والمكان؟ هي إلى جوار والدها بعد وفاة والدتها ،مفيدا بدأت الكتابة متأخرا جدا ،إذ لم أكن أفكرأن��ه فاتحها بموضوع ذك��ري��ات ال��وال��د بالجوف، أن أصبح كاتبا ،ولما بلغت األربعين ..بدأت ورغبتنا في تسجيل لقاء معه مقترحا االتصال الكتابة بصحيفة ال�ش��رق األوس ��ط ،ث��م في عليها واغتنام فرصة وجودها بجدة. صحيفة الرياض ،ثم انتقلت إلى عدة صحف وقد كانت المكالمة مع األستاذة منى مساء أخرى.. األرب� �ع ��اء ٥ش� ��وال ،ح�ي��ث قمت > وم���اذا ع��ن تلك البداية في بتعزيتها بوفاة والدتها ،وطلبت فترة مصر؟ م��وع��داً للقاء ال��وال��د ،فأكدت ف � ��ي م� �ص���ر ك� �ن���ت رئيسأن اللقاء ممكن يوميا الساعة ت �ح��ري��ر ص�ح�ي�ف��ة (الحائط) الخامسة مساء ،وأنها ستكون للطلبة ،وك�ن��ت أك�ت��ب المقالة م��وج��ودة حتى ي��وم األح ��د ..إذ االفتتاحية فيها ،وهناك كنت ستسافر إلى باريس ،وبعد ذلك أعطي المحاضرات ،وبخاصة ستكون شقيقتها الدكتورة سارة في الجامعة األميركية ،وكنت إلى جوار والدها لفترة معينة. محمد القشعمي
اجلوبة -خريف 1433هـ 83
أختلط م��ع بعض ال�ع�ل�م��اء ،منهم صداقتي مع سالمة موسى الذي كانت لي به صداقة
قوية ،وكنت أجلس مع بعض األدباء في قهوة عطا الله ،وكان يجلس فيها أنور المعداوي، والدكتور عبدالقادر القط ،وزكريا الحجاوي.
> ه��ي ف��ت��رة ال��دراس��ة ال��ت��ي سبقت عملك في وزارة الزراعة .يذكر محمد القشعمي أن تلك الفترة جمعتك بعدد من الرموز السعوديين في القاهرة ..أليس كذلك؟ ن�ع��م ت�ل��ك ال�ف�ت��رة ك��ان��ت ف �ت��رة ال��دراس��ة فيالعام 1952م ،وكنا نجتمع في منزل عبدالله
عبدالجبار ،حيث كان حمزة شحاته يحضر في كل ليلة ،أما (عبدالله) القصيمي فيأتي
م��رة ف��ي األس��ب��وع ،وك �ن��ا نجلس ف��ي مقهى
صورة أخرى للناقد الكبير من اآلرشيف
قمة ،ونفس الشيء كان عبدالله عبدالجبار، وأيضا عبدالله القصيمي ،المفكر الكبير،
قمة من القمم ..وصاحب الحجة القوية الذي يأسرك بالحديث..
> اس��ت��م��ر وج����ودك ه��ن��اك ح��ت��ى ع���ام 1956م، وحضور العدوان الثالثي في ذلك العام؟
بالجيزة اس�م��ه «سنسوسيت» م��ع عبدالله -نعم ،حضرنا العدوان الثالثي ،وكان الشعب متحمساً ولم يكن هناك أي شعور بالخوف عبدالجبار وحمزة شحاتة ،وكنت أدرس في كلية ال��زراع��ة ،وأس �ك��ن ف��ي م �ي��دان الجيزة
القريب من كلية الزراعة.
> كيف كانت عالقتك بحمزة شحاتة؟ -كانت عالقة التلميذ باألستاذ إذ كان حمزة
وكانت فترة مجيدة..
> ماذا حدث بعد انتهاء دراستك في مصر؟ ان�ت�ق�ل��ت إل ��ى ال ��والي ��ات ال�م�ت�ح��دة مباشرة،وح��ص��ل��ت ع��ل��ى ال �م��اج �س �ت �ي��ر ف���ي مجال
الزراعة..
> كيف كانت عالقتك بالثقافة واألدب أثناء تلك الفترة؟ كنت أحضر محاضرات أدبية في الجامعة،حيث كان بإمكان أي شخص أن يحضر أي ال فيها ،وكنت محاضرة حتى لو لم يكن مسج ً أحضر محاضرات باألدب االنجليزي.
عابد خزندار في باريس (صورة من اآلرشيف)
84
اجلوبة -خريف 1433هـ
> متى اكتشفت أن لديك م��ي��و ًال أدب��ي��ة ،وهل اكتشفت ه��ذه الميول في فترة وج��ودك في
ف��ي مشاريع أله��ل الشمال ،وك��ان ذل��ك عام 1381ه� �ـ 1961 -م ،وق��د كلفني ال��وزي��ر أنا شخصيا ،فذهبت إلى وادي السرحان. > وأي���ن ك��ان��ت المهمة ..ف��ي دوم���ة الجندل أم سكاكا أم القريات؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
ريال ،وهذا قبل خمسين سنة ،وطلب صرفها
كانت المهمة في وادي السرحان بين الجوفعابد خزندار والجوبه بين يديه
أمريكا أم في القاهرة؟ -االتجاه األدبي بدأ من مكة أثناء المسامرات
وال��ق��ري��ات ،ت �ح��دي��دا ف��ي م�ن�ط�ق��ة طبرجل مبان، والجماجم ،ولم تكن في تلك الفترة أي ٍ ب��ل ك��ان��ت كلها خ �ي��ام �اً -ب�ي��وت ش�ع��ر -حتى مسكني ومكتبي كانا خيمة.
األدبية التي كانت تقام أيام الخميس ،وكنت > هل الهدف كان توطين البادية؟
أل�ق��ي فيها أح��ادي��ث وم �ق��االت ك�ن��ت أكتبها -نعم هو ذا كان الهدف ،حيث كنا نعلم البادية وألقيها ،وف��ي ال��وق��ت نفسه كنت أكتب في أعمال الزراعة ،وقد بدأنا بزراعة األعالف. صحيفة البالد في صفحة الطلبة التي كان > ما هي الصعوبات التي واجهتك؟ يحررها األستاذ عبدالرزاق بليلة رحمه الله، > وهل كنت تكتب في صحيفة الندوة أيضا؟ -ال ،لم أكتب فيها إال في مرحلة تالية.
ك ��ان ال �ح �ص��ول ع�ل��ى ال �م��اء ص �ع �ب �اً ،والبردف��ي الشتاء ق��ارس ،وكنت ألستحم م��رة في األسبوع ..أحتاج للذهاب كل يوم جمعة إلى
> وأين اتجهت بعد الدراسة في أمريكا؟
ك��ام��ب (أرام �ك��و) ف��ي ع��رع��ر ،ل�ع��دم إمكانية
-رجعت إل��ى ال��ري��اض ..إل��ى وزارة الزراعة،
االستحمام في وادي السرحان.
وأص �ب �ح��ت م��دي��را ع��ام��ا ل �ل �ث��روة الحيوانية
والغابات والمراعي.
> وما قصة ذهابك إلى وادي السرحان بمنطقة الجوف؟ والله أه��ل الجوف والشمال عموما اشتكوالألمير (الملك) فيصل من القحط ،فأصدر
أمره إلى وزارة الزراعة ،وأعطاهم مبلغ مائة أل��ف ري ��ال ،م��ا ي �ع��ادل ال �ي��وم ع�ش��رة ماليين
عمر بوقاسم يستمع ل عابد خزندار
اجلوبة -خريف 1433هـ 85
األنظار إلى المنطقة وأهميتها. > وهل العين طبيعية أم محفورة؟ طبيعية ..وكانت تسيل على سطح األرض..> كيف كان تواصلك مع الدول المجاورة لوادي السرحان؟ كنت أسافر إلى عمان (األردن) كل شهر..> وكيف كان تواصلك مع األهالي؟ لقد تعاون الناس معنا؛ ألنهم كانوا يعلمونأننا أتينا لخدمتهم ..فكانوا يقدروننا..
األمير عبدالرحمن السديري رحمه الله تعالى
> وهل كان معك مساعدون؟ ك��ان معي فريق عمل واح��د إيطالي وواحدأمريكي ،وبدأنا نعمل دراس��ات على التربة، وإج��راء تجارب عديدة ،ومن ثم نشأت نواة
> من كان أميرا للمنطقة آنذاك؟ كان األمير عبدالرحمن السديري في سكاكا،وعبد الله السديري في القريات ،أما طبرجل ف�ل��م ي�ك��ن فيها إم� ��ارة ،وال ح�ت��ى ش��رط��ة أو
خدمات.
التوطين حتى أصبح وادي ال�س��رح��ان اآلن > كم استمرت مهمتك في وادي السرحان؟ مزارع وخضار والجوف أيضاً. سنة واح ��دة ف��ي وادي ال�س��رح��ان ،بعدها..> طبعا مشروعك كان خاصا بوادي السرحان، وألسباب سياسية سجنت ،وبعد سنتين في ح��ي��ث ك���ان ال���ج���وف ودوم�����ة ال��ج��ن��دل مدن ًا
عامرة؟ نعم لم تكن لها عالقة بالمشروع ،ولكن الحقاًكلفتني ال��وزارة باإلشراف على الزراعة في منطقة ال�ش�م��ال ك�ل�ه��ا ،فكنت أش ��رف على
ف��رع��ي ال��زراع��ة ف��ي ال �ج��وف وت �ب��وك ،وفي الجوف (دومة الجندل) كانت هناك عين مياه
ف��وارة تضيع مياهها ه��درا ،فكنا نحاول حل مشكلتها ،وحالياً أسمع أن المنطقة أصبحت
السجن فصلت من الزراعة.
> وماذا عن فترة السجن؟ تعرفت في السجن على عبدالكريم الجهيمانالذي كنت أسكن معه في غرفة واحدة ،وكان معنا أيضا محمد سعيد آل مسلم وهو شاعر،
واألديب عبدالله الجشي الذي كرمته الدولة
في مرحلة تالية ،ولوجود هؤالء لم تكن فترة السجن فترة عذاب.
تحتضن مزارع الزيتون ،ولكن أع ّد نفسي من > ب��ع��د ال��خ��روج م��ن ال��س��ج��ن ان��ت��ه��ت عالقتك الناس الذين أسهموا في البدايات ،ولفتنا
86
اجلوبة -خريف 1433هـ
بوزارة الزراعة ..فماذا فعلت؟
م �ن �ع��ت م���ن ال��س��ف��ر لمدةت�س��ع س �ن��وات ،وع�م�ل��ت في ال��ري��اض ف��ي مكتبة والدي «م�ك�ت�ب��ة ال��خ��زن��دار» ،التي > ولم اخترت باريس؟ أسسها والدي (محمد علي كنت أحبها من ناحية ..ثمال �خ��زن��دار) ،واش�ت��راه��ا من الدراسة من ناحية أخرى. لبناني اس�م��ه دب ��وس ،وقد > ول����م����اذا ل���م ت��ك��ن وجهتك اشتغلت ف��ي المكتبة ألني عبدالكريم الجهيمان أمريكا بلد دراستك حينها؟ ك �ن��ت م �م �ن��وع��ا م ��ن العمل ف��ي ال�ح�ك��وم��ة ،وك ��ان شغل باريس كانت أكثر حضارة ،وبعدها التحقتالمكتبة ممتازا ،فقد كانت المكتبة الوحيدة بالجامعة األميركية بباريس كطالب رسمي خاصة في الكتب االنجليزية ،وكنا الوحيدين منتظم ،حيث كنت أدرس األدب االنكليزي الذين نوزع الكتب والمطبوعات وما تزال إلى وال �ف��رن �س��ي ع �ل��ى أس � ��اس ال��ح��ص��ول على اآلن. ال��دك �ت��وراه ،وط�ب�ع��ا ك�ن��ت سجلت بالجامعة > وهل المكتبة موجودة في الرياض وجدة اآلن؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
ن�ع��م ..غ��ادرت مباشرة إلىباريس حيث أقمت هناك عشر سنوات متواصلة..
األم �ي��رك �ي��ة ب��ال �ق��اه��رة ع �ل��ى أس� ��اس دراس ��ة الدكتوراه ،وقد أمضيت أربع سنوات أدرس فيها ،ولكني عدلت بعدها عن إكمال الدكتوراه حيث طابت لي اإلقامة هناك..
في جدة فقط ،وال زالت توزع المطبوعات،ويشرف عليها إخواني..أما أنا فعالقتي بها كشريك فقط ،نظرا ألن أغلب إقامتي في > طبعا ت��وط��دت ع�لاق��ت��ك بالفرنسية كلغة، باريس. وبمثقفي البلد فترة إقامتك؟ > كيف كان تأثير المكتبة فيك وتأثيرك فيها؟ كانت باريس حالة مبهرة وأدب جديد ،وكان كان وجودي في المكتبة كبائع العطر ،حيثهناك ما يسمى (كوليج دو فرانس) ،والتي كنت أقرأ فيها ،نظرا ألن البائع في المكتبة ي��درس بها عدد من كبار األدب��اء والمفكرين إذا لم يبع ..فيستفيد من قراءة الكتب ،وكنت كميشيل فوكو وروالن بارت ،وكنت أحضر بها أقرأ مسرحيات شكسبير وغيرها ،كما أني المحاضرات ،حيث الدراسة في هذه الكلية لم أكن أباشر البيع بنفسي ،حيث كان معي ح��رة ،إ ْذ تُقام المحاضرات للعلم فقط ،بال شخص حضرمي يباشر ذلك.. امتحانات ،وأي واحد يمكنه حضورها ،حتى > وكم استمرت تلك الفترة؟ أن هناك أناساً يحضرون طلباً للدفء فقط، وكنت أحضر تلك المحاضرات دائما.. تسع سنوات ..حتى رفع عني حظر السفر.> وهل سافرت بعدها؟
> هل ترجمت كتبا فترة وجودك هناك؟
اجلوبة -خريف 1433هـ 87
-ت��رج�م��ت ك �ت��اب �اً أس�م�ي�ت��ه «أن �ث��وي��ة شهرزاد» (رؤية ألف ليلة وليلة) لألديبة «ماري ال هي هوليبيك» ،وكان عن المرأة في كتاب «ألف ليلة وليلة» ،وقصة الكتاب أنه ألف قبل أكثر من خمسين عاما لمؤلفته الفرنسية ،مع أننا نحن العرب نع ّد –ولألسف -أن كتاب «ألف ليلة وليلة» من األدب الشعبي الرخيص ،إال أن الغرب يقدره كل التقدير ،وبورخيس وماركيز إبراهيم الحميد يستمع للناقد الكبير عابد خزندار يقوالن بأنهما تعلما من ألف ليلة وليلة ،وكان هناك الكثير من المبرزين في الثقافة العربية الدكتور جمال ال��دي��ن ب��ن شيخ رئيس قسم من فارس. األدب العربي بجامعة السوربون يقول :إن ع��دداً من الطالب العرب رفضوا بأن تكون > طبعا أصبحت تتردد على باريس بعد العشر دراستهم للماجستير أو الدكتوراه عن كتاب سنوات؟ ألف ليلة وليلة. نعم أعيش فيها حوالي ستة أشهر سنوياً.> كيف تفسر ح��ف��اوة ال��غ��رب بكتاب أل��ف ليلة > ومتى بدأت احتراف الكتابة؟ وليلة؟ كنت أرسل مقاالتي من هناك للشرق األوسط بسبب أن الرواية في الغرب نشأت من تأثيرثم الرياض ،وكنت أكتب مقاالت متفرقة عن أل��ف ليلة وليلة ،وقبل ه��ذا الكتاب ل��م يكن أب�ع��اد ال�ح��داث��ة ،ومستقبل الشعر ،وم��ن ثم الغرب يعرف الرواية. جمعت بعضها ف��ي ك �ت��ب ..وآخ��ره��ا كتاب > وما رأيك فيمن يقول إن ألف ليلة وليلة كتاب (حديث المجنون) الذي صدر عن نادي حائل مترجم للعربية؟ األدبي. ال ال ..ليس كذلك ،بل كتاب ألف ليلة وليلة> هل صدرت كتبك عن دار الخزندار؟ كتاب عربي حيث اإلط��ار عربي ،والقصص كثير منها عربية ،وه�ن��اك قصص فارسية -ال ..صدر بعضها عن الهيئة العامة للكتاب في مصر ،وترجمت كتاب (المسرح السردي)، ومصرية ،والذي ألف الكتاب عربي ،وأعتقد وقد نشرته الهيئة القومية للكتاب بمصر ،وال أن المؤلف ..عدة مؤلفين. أظنها في السوق حاليا. > وما رأيك أن أجواءها توظيف عربي ،وأجواء > هل تتابع اإلنترنت؟ فارسية؟ ألن الديوان كان فارسيا ،والحكومة كانت فارسية - ،أقرأ جميع الصحف للبحث عن مادة لمقالي اليومي في جريدة الرياض ،وأكتب في تويتر وأخذنا أنظمتهم وثقافتهم في الحكم ،وكان
88
اجلوبة -خريف 1433هـ
> هل استطاع النت توليد أدب خاص به ،حيث يرى سعدي يوسف أن هناك خصوصية ل��ل��ن��ص��وص ال��ش��ع��ري��ة التي تكتب على النت مثال؟
> انطالقا من ديباجة مقالك
وس�ع��د ال�ب��ازع��ي ،وأن��ا اليوم..
م������������������واج������������������ه������������������ات
وفيس بوك.
في جريدة الرياض «عيد بأية ح���ال ع���دت ي���ا ع��ي��د مؤخرا»؟ ك���ي���ف ت�����رى أث�����ر التغييرات ال��س��ي��اس��ة واالق��ت��ص��ادي��ة على مضمون الخطاب اإلبداعي؟ وأنت لم تكن تعايد ،بل ترصد ال��ت��غ��ي��رات ف���ي أوض������اع األم���ة العربية واإلسالمية؟
طبعا ال استطيع أن أقولأميمة الخميس أدب� � �اً خ ��اص� �اً ب� ��ه ،ولكنها أن���ا خ��ائ��ف ع �ل��ى مستقبلتعليقات وتغريدات ال ترقى اإلب� ��داع ف��ي م�ص��ر ف��ي ظ��ل وج ��ود اإلخوان ل��ذل��ك ،ول�ك��ن اإلن �ت��رن��ت أص�ب��ح ض ��رورة من المسلمين ،وس��وري��ا في حالة ح��رب أهلية، ضرورات الحياة ،وقد استغنينا عن القواميس وليس هناك مجال لإلبداع.. ودائرة المعارف والمعاجم. حيث التعايش بين اإلبداع وبعض > ه��ل ق��اب��ل��ت أدون��ي��س بحكم التيارات صعب ،والعراق مثخن وجودك في باريس؟ بجراحه ،والشعراء الموجودون ب� �ل ��ى ..ك �ن��ت أج �ت �م��ع معه،لم يعد لهم صوت مثل الشاعر ون �ج �ل��س ك �ث �ي��را ف��ي كافيه عبدالرزاق عبدالواحد. ب�ب��اري��س ،إال أن��ه ال يستقر > وسعدي يوسف؟ على ح��ال ،ويسافر كثيرا، يكتب قصائد مهمة ،وهو اآلنوه��و موهوب بالرسم ،وقد من أعظم الشعراء العرب. أهداني لوحتين من أعماله > كيف كانت رؤيتك في فترة الفنية (أح��داه��ا معلقة في الثمانينيات للحراك النقدي م �ك �ت �ب��ة وص� ��ال� ��ون األدي� ��ب ف���ي ظ���ل وج����ود أس���م���اء مهمة خ� � ��زن� � ��دار) ،وف � ��ي الفترة ف���ي ت��ل��ك ال��م��رح��ل��ة تشاركك األخيرة انقطعت في البيت، ط����روح����ات����ك ف����ي الصحافة ول��م أع��د اتصل ب��أح��د ،أما الثقافية؟ في السابق فقد كنا «جورج طرابيشي وعيسى مخلوف ك� � ��ان ال� � �ح � ��راك الثقافيوأدون�ي��س وأن��ا» نجتمع مرة والنقدي في تلك المرحلة أكثر في األسبوع. فاعلية بوجود عبدالله الغذامي
اجلوبة -خريف 1433هـ 89
> لماذا لم يجذبك العمل الصحفي؟ حيث كان حضورك منحصرا بين كتابة المقال والنقد؟ رغم أنها جذبت الكثير من أبناء جيلك؟ ف��ي ال�ب��داي��ة ..ل��م تجذبني الصحافة ،ألنيكنت قد منعت من الكتابة في (الستينيات الميالدية) ،ومن ثم لم يكن من الممكن العمل
بها ،ول��م تكن ل��ي رغبة جدية ف��ي ممارسة التحرير والعمل الصحفي اليومي.
> م��ا رأي����ك ف��ي ال���ح���راك ال��ث��ق��اف��ي وتحوالت الكتابة الروائية في السعودية؟ هناك إنتاج روائي غزير ،إال أني ال أتابع كلما ينشر ،وأق��رأ بعض اإلنتاج ال��روائ��ي مثل
محمد حسن علوان ،إذ قرأت له روايتين ،كما ال أج��د حراكاً في ظل تراجع الغذامي عن أفكاره األول��ى ،حيث ب��ات يكتب أشيا ًء غير مهمة ،أم��ا البازعي فقد أخ��رج كتابا قيما > ، والباقون ال أهمية لهم.. > هل كنت مناهضا للدكتور عبدالله الغذامي > في حديث البنيوية الذي كتبت عنه في تلك المرحلة؟
ق��رأت لصبا الحرز روايتها «اآلخ��رون» ،كما اقرأ ألميمة الخميس.
وليلى الجهني؟ لم أقرأ لها. من الواضح توجه كثير من األسماء السعودية لكتابة الرواية ،إذ يرى الناقد حسن النعمي أن األمر صحي والمبررات كثيرة؟
ال ..أبداً ،أنا لم أكن مناهضا له ،بل اعتبرتأن البنيوية منهج يمكن أن تستفيد منه حيث وسيلة لتصوير الحياة ووصف الواقع ،وحتى خدم األدب ،والفرق بيني وبين الغذامي أنه ُكتّاب القصة القصيرة تحولوا إلى روائيين، كان يكتب عن الحداثة ،وكنت أنا أكتب عما والقصة القصيرة أصبحت غير موجودة، بعد الحداثة ،وكنت أقول للغذامي أنت تكتب ولهذا انتعشت الرواية. عما تجاوزه الناس (في الغرب) ،حيث ماتت الحداثة في أوروبا ،وأصبحوا يتحدثون عما > وهل ظهور فن الرواية في الغرب يلغي الفنون األخرى انطالقا من رأيك بشأن القصة؟ بعد الحداثة في تلك المرحلة.. -إلى حد ما ،واالتجاه إلى الرواية أصبح أهم
90
كما أني كنت أم��ارس النقد الثقافي ،وكنت -طبعا ال يلغي ،ولكن الرواية في الغرب هي المسيطرة ،وه��ي ال�ف��ن األب ��رز ه�ن��اك رغم أنوي إخراج كتاب عنه.
اجلوبة -خريف 1433هـ
وجود الشعر وغيره مثال.. > ه����ل ي����ل����زم ك����ات����ب القصة ال��ق��ص��ي��رة ال��ت��رق��ي ليصبح ك��ات��ب رواي����ة ،وه��ل التحول ضرورة؟ خ ��ذ م �ث�لا :ق �ص��ص نجيبمحفوظ القصيرة ال ترقى إل ��ى م�س�ت��وى رواي ��ات ��ه مما يعني ذلك..
> م�����ا ج����دي����د أس�����ت�����اذ عابد خزندار؟
الدكتورة هتون الفاسي
> ولكن قصص يوسف إدريس إيقونات أدبية؟ نعم قصص يوسف إدريسأروع م���ن ق��ص��ص نجيب م �ح �ف��وظ وه� �ن ��اك قصص ي �ح �ي��ى ال��ط��اه��ر عبدالله أيضا. > م���ن ي���ش���دك م���ن روائيين وشعراء؟
محمد الثبيتي
آخر كتبي هو كتاب «التبيانف��ي ال� �ق ��رآن ال �ك��ري��م (دراس� ��ة أسلوبية)» ،أما التأليف الجديد فهو يحتاج إلى نشاط ،وعامل السن مؤثر علي ،كما أن المقال اليومي يأخذ كل وقتي حاليا، وك� �ت ��اب ��ي ع� �ب���ارة ع���ن دراس� ��ة أسلوبية ،وق��د أخ��ذت الفكرة ع ��ن ع �ب��دال �ق��اه��ر الجرجاني وتوسعت فيها وبنيت عليها..
م������������������واج������������������ه������������������ات
دور رئيس ،ولكن مع األسفأغ�ل��ب المثقفين لدينا مثقفو سلطة..
> وم�����ا ه����ي ال����رس����ال����ة التي وددت إيصالها من خ�لال هذا
الكتاب؟
ال تفهم ال�م�ع�ن��ى إال إذا فهمت األسلوب، أك��ث��ر ال �ش �ع��ر ال� �ي ��وم ال أس �ت �س �ي �غ��ه كشعرواألسلوب يقودك إلى فهم المعنى {مَا هَ ذَا عبدالمنعم رم �ض��ان أو حلمي س��ال��م ،وأنا بَشَ رًا ِإ ْن هَ ذَا إ اَِّل َمل َكٌ كَرِ يمٌ}. كالسيكي قليال ،إال أن شعر محمد الثبيتي يعجبني ،وقد كتبت عنه مقاال سابقا بعنوان { َو ِإذَا تُتْل َى عَ لَيْهِ آيَاتُنَا َولَّى مُسْ تَ ْكبِراً َكأَن ّلَ ْم يَسْ َم ْعهَا َك � َأ َّن فِ ي أ ُ ُذنَ�يْ��هِ َو ْق ��راً} ،وعلى هذا (موقف الرمال) ،وأتمنى أن يخرج كتاب عن النسق يأتي القرآن معجزا في بالغته{ ،وَمِ َن الثبيتي حتى يتم وضع هذا المقال فيه ،وقد َصابَ ُه ّاس مَن يَ ْعبُ ُد اللَّ َه عَ ل َى حَ ر ٍْف َف ِإ ْن أ َ النَ ِ زارني الثبيتي في بيتي هنا ،وعندما كان في َصابَتْ ُه فِ تْنَ ٌة ان َقل َبَ عَ ل َى خَ يْ ٌر اطْ َم َأ َّن بِهِ َو ِإ ْن أ َ المستشفى كتبت لألمير سلطان (رحمه الله) وَجْ هِ هِ خَ ِس َر ال ّ ُدنْيَا َوالآْ ِخ َرةَ َذلِكَ ُه َو الْخُ سْ رَا ُن ب�ش��أن إدخ��ال��ه المستشفى ،وق��د استجاب الْ ُمبِينُ}. األمير لذلك. > م���ا رأي�����ك ف���ي دور ال��م��ث��ق��ف ف���ي الحراك والكتاب يتناول ظاهرة التبيان في القرآن الكريم ،فقد حصرت البحث في الحاالت التي االجتماعي والثقافي والسياسي؟
اجلوبة -خريف 1433هـ 91
تسقط فيها (واو) العطف ،وكان الهدف من
تأليف هذا الكتاب إثبات إعجاز القرآن ،كما
أن الدراسة هي مفتاح فهم النص والسبيل إلى تدبر آياته على الوجه الصحيح.
> م���ا رأي����ك ف���ي ت��ج��رب��ة رج����اء ع��ال��م الفائزة بالبوكر؟ تجربتها رائ��دة وفريدة ،وتحتاج إلى تركيز،وقد كتبت نقدا إلحدى رواياتها..
عمر بوقاسم يحاور الناقد الكبيرعابد خزندار
> وإذا وس��ع��ن��ا ال���س���ؤال ح���ول ح��ض��ور المرأة
األدب لدينا م�ت�ج��اوزة للكثير م��ن التجارب
-هناك حاليا عدة كاتبات وروائيات حضورهن
مثال الهيئة القومية للترجمة في مصر تقبل
الكاتبة؟ واضح ،مثل الكتابة الصحفية التي تمارسها
بدرية البشر وعزيزة المانع وهتون الفاسي
وغيرهن.
> ورأيك في مقارنة األدب السعودي باألدب في البلدان العربية؟
العربية ،وأيضا هناك أناس منصفون ،فخذ
مني كتابين ..يعني هذا أنها تعترف باألدب السعودي وتقدره.
> ع���ودة إل���ى وادي ال��س��رح��ان ..م���اذا ع��ل��ق في ذاكرتك منها؟ -الحقيقة أن الصحراء عندنا جميلة جدا..
-ال يقل األدب لدينا عن األدب في مصر أو
تسمع فيها أصواتاً وأنغاماً ..وكانت الحياة
مثل حمزة شحاته -م��ع األس��ف -لم يشتهر
وأذك���ر ك�ت��اب�اً ل�م��ؤل�ف� ٍ�ة انجليزية ع��ن أزهار
غيرها ،بل أصبح يضاهيه ،وإذا ك��ان أديب
على مستوى العالم العربي ،لكنه كشاعر ..ال
الفطرية غنية باألعشاب والربيع والطيور..
الصحراء العربية..
يقل عن أعظم الشعراء العرب ،واآلن بدأوا > ما هي ذكرياتك عندما تغادر وادي السرحان يهتمون به في مصر ،إذ خرجت عدة رسائل إلى سكاكا؟ ماجستير عنه.
> يعاني مثقفو المملكة والخليج من مصادرة
ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري (رح �م��ه ال �ل��ه) في
األسماء المبدعة في األنطلوجيات العربية
البستان ،وكنت أشاهد كثيرا من رجال القبائل
-سبب ه��ذه المشكلة أن أدبنا لم ينتشر في
ولي قصة طريفة معه ..حيث مررت بسيارتي
مثل أنطولوجيا عبدالقادر الجنابي؟ ال �خ��ارج ،خ��اص��ة وأن صحفنا ومجالتنا ال تصل إل��ى المتلقي سابقا ،رغ��م أن تجارب
92
-ك �ن��ت أح �ض��ر ي���وم ال �ج �م �ع��ة ج�ل�س��ة األمير
اجلوبة -خريف 1433هـ
وشيوخها ،وأذكر أني قابلت لورنس الشعالن، بجوار مضاربه في وادي السرحان ،فأوقفوني
وقالوا :تعال سلم على األمير.
يهدد الكويت ،وذل��ك عام 1381ه� �ـ1961/م،
أو تفكير ،ومن دون نظر للمستقبل ،ونعمل
وق��ال ل��ي :إن��ي أرس�ل��ت برقية للملك سعود
للعدد الموجود ،عندك جدة :إلى اآلن لم ينته
أبلغه فيها أن لدي عشرة آالف محارب.
مشروع الصرف الصحي فيها ،رغم أنه بدأ
> ما رأيك في قضية استنزاف المياه؟
قبل خمسين عاماً.
-كنت من المعارضين في وزارة الزراعة عندما
يقول ل��ي صديق م��ن الشرقية :عندما بدأت
ب��دأت فكرة عمل مشروع ح��رض الزراعي، وكنت ضد ه��ذا المشروع ،ألن��ه سيستنزف المياه ،كما كنت ضد مشروع زراع��ة القمح
ل�لأس�ب��اب نفسها ،وه��اج�م��ت ال��دك �ت��ور بكر عبدالله بكر عندما أعلن أن المياه لدينا
ت�ع��ادل تدفق مياه النيل ،وق��د كتبت حينها
م������������������واج������������������ه������������������ات
جلست معه وك��ان أيامها عبدالكريم قاسم -التنمية لدينا عشوائية ..من دون تخطيط
أرامكو أعمال الحفريات ،سألها بعض الناس م��اذا تفعلون؟ ف�ق��ال��وا ن��ري��د أن نبني مدينة، فضحك عليهم الكثير؛ ألنهم ك��ان��وا يمددون شبكات المياه والصرف والكهرباء والهاتف قبل بناء البيوت« ،طلعنا نحن المغفلون وهم الذين عندهم عقل» ..تمنيت تعميم تجربتهم تلك.
م �ق��اال ف��ي صحيفة ع �ك��اظ ب �ع �ن��وان (فشر > لماذا كانت نتائج التنمية كما هي عليه اليوم عبدالله فشر) ،والحقيقة أن الخبراء األجانب رغ��م أن متخذي ال��ق��رار لدينا م��ن ال���وزراء
في وزارة الزراعة كانوا من رأيي ،حيث أكدوا
أن المياه لدينا ال تتجدد ،فإذا استنزفتموها اآلن ..فسوف تحرمون األجيال القادمة منها،
وستحتاجونها للشرب وال تجدونها ،فهل كنا نتخيل أن نحتاج إلي �ص��ال ال�م�ي��اه المحالة
وغ��ي��ره��م ق��د تعلموا ف��ي ال��غ��رب ،وشاهدوا تجاربهم ولم تبخل الدولة عليهم؟ ل�لأس��ف وك�م��ا ت ��رى ..ك��ل ي��وم ه�ن��اك أعمالتحفير ،ال توجد مدينة لدينا إال وفيها حَ ف ٌر
للقصيم(بعد استنزاف مياهها الجوفية)؟، وحائل أيضا ،والجوف فيها استنزاف كبير للمياه ..وق��د كتبت عن مشكلة ثانية ،وهي
زراع��ة البرسيم التي تتم على م��دار العام،
واق�ت��رح��ت زراع ��ة عشب (ب���روم) ب��دي�لا عن البرسيم ،ألنه ال يستهلك مياهاً كثيرة ،وقد كتبت عشرين م �ق��االً ،ول��م أج��د أح ��داً يهتم
بها..
> ما رؤيتك لحال التنمية ..وق��د كنت ضمن رج�����ال ال���ب���داي���ات؟ أي����ن ك���ان���ت النجاحات واإلخفاقات فيها؟
لقطة خاصة لـ عابد خزندار أثناء جلسة الحوار
اجلوبة -خريف 1433هـ 93
ن��ات � ٌج ع��ن ع��دم وج ��ود التخطيط ،بينما لو تذهب إلى أي مدينة أوربية ال تكاد تجد أي حفريات ،حتى الضواحي الجديدة ال تجد فيها حفريات؛ ألنهم قبل أن يعمروها يحفروا وينفذوا التمديدات الالزمة ..أما هنا فيتم اعتماد المخططات والبناء بها قبل أن تصلها الخدمات ،فإذا ما سكنها الناس ،بدأت رحلة البحث عن الماء والصرف الصحي والكهرباء وبقية الخدمات ،لتبدأ بعدها الحفريات.. > ورؤيتك لواجب المثقف ..هل من المفترض أن يتصدى للقضايا االجتماعية والحياتية؟ ينبغي أن يكون صوته عالياً فيها ..والمشكلةالتي نعاني منها أنه ال وجود لجهاز مقاوالت محترف ،وعندما تبحث عن سرير لمريض ال تجد ه��ذا السرير ..ول��ذا يجب أن يكون الصوت عاليا لتحسين الحال ومنع الفساد..
ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن ع�ن��دم��ا ل��م ت�ك��ن التدفئة متوافرة ،فكان الناس يجتمعون فيها ،وكان ال �ع��دي��د م��ن األدب � ��اء ي�ك�ت�ب��ون ك�ت��اب��ات�ه��م في المقاهي ،والشعب الفرنسي يحب المقاهي، وتبرز هذه المحبة في الصيف حيث ال تذهب إلى منطقة إال وتجدها ممتلئة ..وفي بيتي في فرنسا يوجد مقهى أسفل البيت ،وأجلس فيه كل يوم ساعة ،حيث أستأنس بالناس.. > وماذا يشدك في مقاهي جدة؟ ال ي��وج��د م��ا ي�ش��دن��ي ف �ي �ه��ا ..وك �ن��ت أمشيقليال في (رد سي م��ول) وأجلس في مقهى (س�ت��ارب��وك��س) ،ولكني ال أع��دّه مقهى كتلك التي في فرنسا.. > وما عالقتك بالموسيقى؟
> ورؤي��ت��ك للتنمية المتوازنة ف��ي البلد ،هل أن ��ا م��ول��ع ب��ال�م��وس�ي�ق��ى ،وع �ن��دي مجموعةكانت التنمية كذلك؟ ل��م تكن التنمية م�ت��وازن��ة أب ��دا ،فقد بدأتالتنمية واإلصالحات في جدة ،ثم انتقلت إلى الرياض مع انتقال ال��وزارات إلى العاصمة، وباقي المناطق أهملت ،وقد ذهبت إلى جازان قبل خمسين عاما ،ولم يكن فيها أي مظهر مدني أو شارع مسفلت ،ولم تبدأ تنميتها إال مؤخرا منذ سنوات معدودة ..وكنت في مهمة رسمية ،وكان معي خبراء أجانب ،وقد نصحوا بنقل مدينة ج��ازان من موقعها القديم ،ولم يتم االستماع لهم طبعا..
94
موسيقية خاصة بالموسيقى القديمة ،وأحب الموسيقى العربية أك�ث��ر م��ن السمفونيات الغربية ..والسمفونيات الغربية أعدها مثل الشعر الجاهلي الذي ال يمكن فهمه من المرة األول��ى ،والبد من تكراره الستيعابه ،وهكذا ه��ي ب�ع��ض ال�م��وس�ي�ق��ى ال�س�م�ف��ون�ي��ة ..مثل اللوحات الفنية ،وعندما شاهدت الموناليزا ألول م��رة ،لم أجد فيها أي إث��ارة أو غرابة، ولكن بعدما درست الفن ،وأخذت دورة بعنوان
> ما دور المقهى كمكوِّن ثقافي؟
(كيف تقدر الفن) ،تغيرت رؤيتي ،وأصبحت
-المقهى مجمع لألدباء ،وبخاصة في بداية
أرى أشياء جديدة وعناصر فريدة..
اجلوبة -خريف 1433هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
ملحة العبدالله :إمرأة حتمل عزمية رجال > حاورها :أحمد الطراونة -األردن*
في البدء كانت دهشة األطفال تقسو عليها ،وترمي بشرر األسئلة التي ال يقوى عليها ذهنها الغض ،لكنها تصرع الدهشة بسؤالها البريء والكبير ،لماذا ال يوجد نساء على خشبة الحياة؟ اقتفت خطى والدها ،لتكتشف الحلم الذي يراوده -عشق المسرح -وهي ال تزال في السادسة من عمرها .نامت خلف الكواليس وتعلّمت صناعة الوعي على خشبة المسرح. أجبرتها أغالل الوعي على عالم الفضاءات الرحبة أن تسلك طريقا آخر غير كل النساء ،حلمت بما يحلم به الرجال في لحظة غابت فيها المرأة عن المشهد اإلبداعي، أمل ألن تقدم المرأة فكانت تخط بأحالمها طريق اإلب��داع ،وتفتح بقوة عزيمتها كو َة ٍ السعودية والعربية إسهاما في المشهد اإلبداعي عموما ،والمسرحي تحديدا .تخصصت في البكالريوس والماجستير ثم الدكتوراه في «ال��درام��ا والنقد» وه��و تخصص نادر، وهي الوحيدة التي حصلت على هذا التخصص في المملكة العربية السعودية بدرجة الدكتوراه .قدمت العشرات من النصوص المسرحية والدرامية والقصصية ،وتوجت أعمالها المسرحية بفوز مسرحية «العازفة» في المسابقة العالمية لنصوص المونودراما في الفجيرة ،تتبعت األنساب في الجزيرة العربية ،وناقشت العادات والتقاليد ،إال أنها ترسخت كناقدة لها مكانتها الخاصة ونظرياتها المعترف بها عالميا ،حين أصدرت موسوعة «نقد النقد» التي تعد من أهم الكتب التي تعالج المسألة النقدية العربية. على هامش مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما كان لنا معها هذا الحوار.
اجلوبة -خريف 1433هـ 95
الدكتورة ملحة العبدالله الناقدة والمسرحية وصاحبة موسوعة «نقد النقد» والفائزة بجائزة اليونسكو وست جوائز عربية تقول:
•عالقة الناقد بالمبدع عالقة تصادمية على الدوام
•أنجزت ثالثةً وخمسين نص ًا مسرحياً ،وعشرين كتاب ًا نقدي ًا
•المسرح في السعودية في حالة وهج وتألق حاليا
•كتابتي عن العادات والتقاليد لم تكن صرخة ضد السائد ،وإنما للتصالح معه
ه��ذا الحصان الجامح ،وتمسك باللجام كي ال يفلت منها إوار الجماح ،وما أشد وحشية هذا الفرس الجامح (المسرح) .ولم يكن باألمر اليسير ،فقد كان زائ��را عزيزاً لبلدتنا ،إال أن والدي رحمه الله ،كان يحب المسرح ..ويفرح عندما أقوم بتقليد ما أراه من عروض حينما أع��ود لوالدتي ،لكي يتسنى لها رؤي��ة ما كنت أشاهده ،وحينما ذهبت إلى أكاديمية الفنون، لكي يتسنى لي سبر أغ��وار ه��ذا العالم الذي كانت بالدنا تحتاج إليه -من وجهة نظري- أحجمت الملحقية ال�س�ع��ودي��ة ب��ال�ق��اه��رة عن تيسير ذلك لي بدعوى أن المسرح كان مصنفاً ضمن قائمة الفنون الال أخالقية ،وكدت أفقد هذا األمل لوال أنه تم استثنائى من قبل رئاسة الجمهورية ،تبعا لقول عميد المعهد العالي للفنون ال�م�س��رح�ي��ة :ن�ح��ن ن�ح�ت��اج إل��ى كوادر مسرحية هناك ،وكنت أن��ا أول طالبة تدرس المسرح وفنونه ،وكانت أول شهادة تعتمد من السفارة السعودية بالقاهرة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف.
> الدكتورة ملحة العبدالله ،شيخة المسرح العربي، وسيدة من أسياد النقد األدبي ،كيف كان ذلك؟ (لنتحدث عن بدايتك مع الكتابة والمسرح ،وعن دور األه��ل في ذل��ك ،ومن شجعك على اقتراف جريمة حب النقد وعشق المسرح)؟ < أوالً :لم تكن تعلم تلك الطفلة الصغيرة التي
لم يتجاوز عمرها ست سنوات -وهي تحضر
وتتابع وتشاهد وتقلد فن المسرح ،حينما كانت ترافق والدها الذي كان يعمل في وزارة المعارف آنذاك ،وأحيانا تنام في كواليسه وخلف ستائره
حتى الصباح -وتحلم بأنها ستعتلي صهوة
د .ملحة العبدالله تفوز بجائزة الموندراما العالمية
96
اجلوبة -خريف 1433هـ
ث��ان �ي��ا :ب��داي��ات اح��ت��راف ال�ك�ت��اب��ة ك��ان��ت بعد التخرج ،ألنني كنت أعلم مدى خطورة الكتابة المسرحية بدون تخصص ،وبدون علم بآليات الكتابة حسب مدارسها ومناهجها وحرفيتها واتجاهاتها الفكرية ،وكنت على علم بأنني
أوال :النقد والمسرح وجهان لعملة واحدة ،فإذا لم يتأَتَ للكاتب المسرحي سبر أغوار النقد..
م������������������واج������������������ه������������������ات
أول ك��ات �ب��ة م�ح�ت��رف��ة ل�ل�م�س��رح ف��ي وطني.. ومدى حساسية األمر ،وبناء عليه ..فال يجب أن أق ��ود ص�ه��وة فكر وع�ل��م إال ع��ن تخصص وف�ه��م ،ألن�ن��ي أع�ل��م أن كتاباتى ستتحول إلى ت��اري��خ ل�ه��ذا ال�م�ج��ال ،وعليه أرج ��أت الكتابة إل��ى م��ا بعد التخرج ،ث��م كتبت أول مسرحية وهي (أم الفأس) ثم مسرحية (المسخ) ،في الوقت نفسه حينها عرضت مسرحية المسخ بالقاهرة ،وحققت نجاحا باهراً ،ولفتت األنظار ل�م�ي�لاد ك��ات�ب��ة م�س��رح�ي��ة ،وف��ى ال��وق��ت نفسه تكريم الدكتورة ملحة العبدالله في افتتاح ملتقى النص المسرحي قدمت (أم ال�ف��أس) في جامعة اليرموك من ل��ن يستطع ق�ي��ادة صهوة القلم ،فالنقد علم، إخ��راج مخلد الزيودي ،وحصلت على المركز والمسرح علم مع كونه فن ،إال أنه يرتكز على األول ،كما حصلت على جائزة (أبها) الثقافية، النقد ،والنقد أصبح علماً حسب النظريات وهي جائزة عربية كبيرة ،حينها أدرك��ت أنني الحديثة ،الرتباطه بكل العلوم ..ومن هنا أصبح ال ب��د أن أك�م��ل مشروعي ف��ي تأسيس كاتبة الكاتب المسرحي الحذق هو من يمتلك فهم مسرحية سعودية عربية وعالمية ،وقد تحقق ووعي العلوم األخرى ،ألنها والمسرح تصب في ذلك بفضل الله بعد إنجاز ( )53نصا مسرحيا بوتقة واحدة. عبر م��دارس مختلفة ،وعشرين كتابا نقديا، ثانيا :تخصصي في البكالوريوس والماجستير توج هذا المشروع بفضل الله بحصولي على ث��م ال��دك �ت��وراه ك��ان ف��ي ال��درام��ا وال�ن�ق��د ،وهو المركز األول عالميا في المسرح من اليونسكو تخصص نادر ..إذ أنني الوحيدة التي حصلت «جائزة الفجيرة للمونودراما» إضافة إلى ست ع �ل��ى ه ��ذا ال�ت�خ�ص��ص ف��ي ال�م�م�ل�ك��ة بدرجة جوائز عربية. الدكتوراه. أم��ا م��ن شجعني ع�ل��ى ذل ��ك ،ف�ه��م أساتذتي ثالثا :أما لماذا المسرح؟ فألن وطني يحتاج إلى بأكاديمية الفنون بالقاهرة ،حيث تنبئوا لي هذا الرافد عن فهم وعلم ،ولم يتسنَّ لغيري أن ب��ال��ري��ادة ،وم�ن�ه��م ال��دك �ت��ور مصطفى يوسف يتخصص فيه ،فالمسرح ف��ي المملكة قديم أستاذ ورئس قسم النقد والدراما ،إلى جانب قدم المسرح في الوطن العربي ،إال أن أحداً لم جل األساتذة آنذاك. يتخصص فيه كدراسة ،وكنقد من قبل ،وهو ما > لماذا النقد ولماذا المسرح؟ وما عالقة ذلك يستحق منا هذا الجهد ،ثم إنَّ المسرح هو أبو بالتراث ال��ذي احتل مكانا مهما في سيرتك الفنون ،وكهف مسحور يقضي على من اقترب اإلبداعية؟ منه من دون دراية ،ولكنني قبلت التحدي. رابعا :أما لماذا التراث؟! فالمسرح ال ينفصل عن التراث ،ثم أن من لديه ذرة من عروبة..
اجلوبة -خريف 1433هـ 97
فليهتم بالتراث خاصة العربي منه ،ألننا أمام زح��ف ه��ائ��ل ،ف��االن�ص�ه��ار ف��ي بوتقة العولمة سيقضي على الشخصية العربية ،والتي هي الهدف األسمى لمحو الهوية من قبل المنظرين للفكر العولمي .وقد شجعني على دراسة التراث األستاذ الكبير والخبير العالمي صفوت كمال، الذي تتلمذت على يديه ،فكتبت كتاباً بعنوان (المملكة العربية السعودية ..عادات وتقاليد)، وكتب هو المقدمة ،ثم إنني اقترب اآلن من إص ��دار م��وس��وع��ة ب�ع�ن��وان (ال �ج��زي��رة العربية أنساب وتقاليد) ،ومن أهم ما وجدته كنتيجة لهذه الموسوعة أن الجزيرة العربية هي من خرج منها النسل العالمي برمته ..حينما تتبعت ع�ل��م األن �س��اب ع�ب��ر م�خ�ط��وط��ات ن� ��ادرة ،وقد ال كبيراً فيما أورده المستشرقون ،ولم وجدت خل ً يتصدَّ لذلك أحداً ،فكما وجدت أن النظريات العربية هي منبع النظريات العالمية وأساسها في موسوعة «نقد النقد» ،وجدت أيضا أن ابن الجزيرة العربية هو أصل العالم ،كل ذلك عن بحث أكاديمي موضوعي ال يوجد للذاتية فيه مكان ،حسب سيل هائل من المراجع. > نحن امام أعمال موسوعية كبيرة ينوء بحملها ال��رج��ال «م��وس��وع��ة ن��ق��د ال��ن��ق��د» م��ث��اال ،كيف استطاعت العبدالله ان تنجز هذا العمل؟ ومن ساعدها في ذل��ك؟ ولمن أنجزت ه��ذا العمل العلمي واإلبداعي الكبير؟ < «موسوعة نقد النقد» تقع في ثالث مجلدات من القطع الكبير ،أي ما يقارب ألف وخمسمائة صفحة ،وهي تتناول تطور النظريات النقدية المسرحية باالتكاء على النظريات الفلسفية، ألن المسرح كونه فلسفة ،فال ينفصل عن ذلك منذ أول نظرية نقدية لدى اليونان ،مرورا باآلراء العربية القديمة في النقد ،ثم أراء الفالسفة
98
اجلوبة -خريف 1433هـ
المسلمين ،انتهاء بالنظريات الحديثة ..مثل ما بعد الحداثة والكوانتم والنانو ،وكيف تلفلف ه��ذا ال�م��ارد بثنايا ه��ذه النظريات ،وكيف أن ه ��ذه ال �ن �ظ��ري��ات ت�ت�س�ل��ل ف��ي ع �م��ق ووج� ��دان المتلقي ،فتصبغ سلوكه وأف�ك��اره من دون أن يعلم ،وه��و ما أسميته «الحقن تحت الجلد»، ثم ما آل إليه حال الفرد العربي جراء تعاطي هذه الفلسفات عبر اإلعالم والمسرح ،كل ذلك م��ن خ�لال س��ؤال واح��د وه��و أي��ن يقف الفرد بين األنس واالغتراب؟ فكان اسم الموسوعة (حكمة النقد بين األنس واالغتراب) ،وهو ما تموج به ساحات الثقافة العربية «هذا أوال».. ثانيا :لم يساعدني أحد في هذا الجهد إطالقا، بل مكثت عليه عامين كاملين متصلين ،ومن دون توقف إال لألكل أو النوم متأخرا ،وكل ما مرجع فقط. ٍ احتجت إليه هو ثالثمائة ثالثا :أنجزت هذه الموسوعة لكل فرد عربي يبحث عن األن��س ،وأيضا للعالم ..فهي اآلن ت�ت��رج��م إل��ى ال�ل�غ��ة اإلن�ج�ل�ي��زي��ة ،وف��ي النهاية أنجزتها لالهث والباحث ع��ن المعرفة وفن المسرح في السعودية ،إذ ال توجد أكاديمية أو جامعة ت��درس المسرح ،فقد تكون نقطة ف��ي م�ح�ي��ط ع�ل��م ال �م �س��رح وف �ن��ه ي�ه�ت��دى بها رج��ال المسرح أو حتى العامة ،وق��د حصلت الموسوعة على إجازة واعتراف من جهة وزارة الثقافة السعودية من دون كلمة واحدة بفضل الله. > ه��ل اختفت ال��ع��ادات والتقاليد القديمة أم ما زال��ت تحاول اإلف�لات من براثن الحضارة والتحديث؟ وإلى أي مدى استطاعت العادات والتقاليد الثبات أمام سطوة التحديث؟ وإلى أي مدى اثَّ ر التحديث في العادات والتقاليد
م������������������واج������������������ه������������������ات
ال��راس��خ��ة؟ وم��ا ه��ي المشكالت ال��ت��ي ظهرت خالل الستين عاما الماضية؟ وإل��ى أي مدى أثرت هذه النهضة في بنية المجتمع السعودي ذي الطبيعة الدينية والفكرية الخاصة؟ < يرى بعض الناس أن هناك تغيرا في العادات وال�ت�ق��ال�ي��د ف��ي المملكة ال�ع��رب�ي��ة السعودية، وبالطبع هناك غاللة قد يبدو أنها تغيرت إال أنها مسكونة ب��اإلرث القبلي المجتمعي ،وهنا تكمن المفارقة ،حيث أن التطور في المملكة من خالل النظام االجتماعي وطفرة التعدين، والطفرة الزراعية أثرت بطبعها وعملت على طفح اجتماعي جديد ،فأصبح الفرد السعودي بين جيلين ،نظرا لسرعة انطالق سهم التطور؛ فهي باألمس القريب كانت تحيا حياة القبيلة بكل تقاليدها والتى دونتها في موسوعتى ،واآلن هي تتالمس مع ال��دول المتقدمة في التطور والتحديث ،ولتقارب الزمن بين هاتين الحقبتين – إذ ال يتجاوز المائة عاما ،وهذه لمحة بصر في قياس الزمن التاريخي للشعوب -عمل على صراع المفاهيم بين جيلين متجاورين ،وجيلي هو من تتجاذبه هاتان الحقبتان ،ألننا همزة الوصل بينهما .وجدير بالذكر أن الهوية الدينية ق��د عملت على ال �ت��وازن ف��ي المملكة ،فلدينا هوية دينية عززها وجود الحرمين الشريفين في بالدنا ،فيجب أن نكون المثال أمام العالم اإلسالمي دينا وعقيدة وتشريعا ،حفاظا على قدسية المكان وانطالقا من تجذر الدين فينا؛ ومن هنا لم تتأثر العادات والتقاليد في المملكة كإرث قبلي في كنه الشخصة ذاتها ،وإنما ظهر بعض التأثر في المعمار والحفالت وغير ذلك.. لكن السعودي مسكون بإرثه القبلي واإلسالمي مهما لبس من ثوب العصر ،على الرغم من أن هناك سبغة أسبغتها حياة المدن على ساكنيها،
وهي تلك الدوائر المتماسة وغير المتقاطعة، وهو ما لم تورثه حياة القبيلة. > أن���ت م��س��ك��ون��ة بثنائية ال��م��اض��ي والحاضر، ت��ب��ح��ث��ي��ن ف���ي ث��ن��اي��ا األس����ط����ورة لتتنبئين ب��ال��م��س��ت��ق��ب��ل ،م��ؤم��ن��ة أن ال��م��اض��ي ال يكون بغير الحاضر ،كيف تقرأين مستقبل الحالة اإلبداعية العربية؟ والى أي حد ستسهم هذه التحول العربي نحو نهضة الحالة في إنضاج ّ شاملة؟ < من ليس له ماض فليس له حاضر ..تلك هي قناعتي ،ولكن أزمة الحالة اإلبداعية في الوطن العربي نتاج لتلك الهوة السحيقة بين الخطاب النخبوي وبين الخطاب الجمعي ،ما نتج عنه ما أسميته بـ (ثقافة النزوح أو اإلنسحاب) فآفة الثقافة العربية هي ثقافة النزوح الزماني أو المكاني ،وس��اع��د على ذل��ك نظرية العولمة وعنصر الـ(هنا والـ هناك) ،إذ أن الفرد يحيا هنا على أرضه وهناك في كل أنحاء العالم في
اجلوبة -خريف 1433هـ 99
آن واحد وفي نفسها عبر تالشي عنصر الزمن، فأنت تحيا في طوكيو وترى وتسمع وتتحدث وقد تتالمس (حسب التقدم العلمي في علم التواصل وما أعلن عنه) مع الرباط أو واشنطن أو غير ذلك من بالد العالم ,هذا التالشي في الزمن وال��ذي نبه إليه دراي��دا وفوكو وإدوارد سعيد وغيرهم ،هو ما أفقد وانتقص من ثقة الفرد في واقعه؛ فيجتاحه اإلغتراب ،وبالتالي فاإلبداع العربي منغمس في حبر اإلغتراب، ويظهر لنا ن��وع من جلد ال��ذات في إبداعاتنا ل�ي��س م��ن م�ن�ظ��ور ن �ق��دي ،وإن �م��ا م��ن منظور نزوحي في عالم انكفأ فيه الخطاب النخبوي على ذاته وترك اله ّم الجمعي تتالطمه األمواج؛ فلم نعد ن��رى س��وى خ�ط��اب نخبوي يتثاقف فيه النخبة فيما بينهم ،في م�ب��اراة من يفهم أكثر عبر مصطلحات تحتاج إلى مصطلحات، فانفك الجسر الثقافي بين الطبقتين. > ن��ظ��ري��ة «ال��ب��ع��د ال��خ��ام��س» ت��ع��د أول نظرية عربية في المسرح حيث تبنتها جامعة بيركلي األم��ي��رك��ي��ة ،م��ا ه��ي ه��ذه النظرية باختصار، ول��م��اذا يشكك فيها ،وإل���ى أي ح��د ستصمد هذه النظرية؟ وكيف يمكن أن تأخذها معاهد ال��ف��ن��ون ال��ع��رب��ي��ة وت��ط��رح��ه��ا ك��م��ن��ت��ج عربي إبداعي؟ < أوال :هذه النظرية اسمها (البعد الخامس في التلقي والمسرح) وتهتم بكيفية اإلقناع واالقتناع عن طريق المتعة في كل صنوف التلقي ،إال أن المسرح هو محور االرتكاز ،وأداتها هي الصورة السطحية ارتكازاً على(العقيدة والوجدانيات ثم السرد إلثارة الخيال) .هذا الشق تناوله الكثير من الباحثين من اليونان ،وهو استعمال العقيدة والوجدانيات للوصول للمتعة كما في المسرح الشعبي والعربي ،وصنفت «بالنقطة الحميمية 100اجلوبة -خريف 1433هـ
«إال أن أح��داً لم يتطرق لكيفية الوصول إلى ذلك ،وقد سبق وأشار توفيق الحكيم ويوسف إدري��س إل��ى ذل��ك ،وم��ن هنا ك��ان انطالقي ،إذ وج��دت أن الفنون الشعبية والفنون البدائية وف�ن��ون األط�ف��ال كلها ص��ور مسطحة ،ث��م يتم نحتها في متخيلة المتلقي عن طريق السرد وإثراء الخيال ،وهنا يحدث مشاركة بين المتلقي والمرسل في صنع الصورة ،هذه المشاركة هي ما لم تحدث على مدار خمسين عاما منذ دعوة الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما ،فوجدت أن المشاركة الفعالة التي تتسم بها فنوننا هي في تكملة الصور إذ أنها ترسل مسطحة ،وتخرج منحوتة بين اثنين :مرسل ومتلق ،فينطبق على ما أبدعناه من فنون .إذاً هي: م ��رس ��ل :ص� ��ورة م�س�ط�ح��ة +س� ��رد «عقيدة ووجدانيات إلثراء الخيال = صورة منحوته كل حسب خياله. وه�ن��ا تكمن المتعة ،ألن المتلقي ي�ب��ذل طاقة لتكملة الصورة ،فيتخلص من الطاقة الزائدة، وبطبيعة ال �ح��ال ف ��إن ال�ت�خ�ل��ص م��ن الطاقة ال��زائ��دة؛ يصاحبه ش��يء م��ن المتعة كما في علم ال�ط��اق��ة .وبالطبع ه��ذه ال�ن�ظ��رة معتمدة من جامعة بيركلي الدولية ومصدقة من وزارة الخارجية األمريكية .والنظرية لم يشكك فيها أحد ،وإنما كان هناك اختالف بيني وبين أحد النقاد في إحدى الندوات نظرا لضيق الوقت في الندوة (خمس دقائق) وهي مدة غير كافية لشرح نظرية ،فاستغلتها الصحافة دون وعي أو فهم ،وفي نهاية األم��ر اقتنع الناقد حينما وجدنا فسحة من الوقت خارج الندوة ،ورسمت له خريطة النظرية فاقتنع بها. ث��ان�ي��ا :أم��ا أن�ه��ا ستصمد أم ال؟ فكل نظرية
م������������������واج������������������ه������������������ات
البد أن تحيا مع التاريخ وعبر امتداد الزمن مهما كان ال��رأي تجاهها سلبا أو إيجاباً ،فها نحن ندرس ونطبق نظرية جاليليو ونيوتن على الرغم من مقاومة ثقافة ذلك العصر .النظرية م�ط��روح��ة وال�ب��اح�ث��ون م�س�ت�م��رون ،فالمطابع مغازل ،والباحثون ديدان قز ،والمهم أال تتعقد في أيدينا الخيوط الحريرية.
أم��ا كيف ت�ط��رح كمنهج ع��رب��ي ،فقد طرحت بالفعل ،حيث أنها صدرت في كتاب وتناولتها الصحافة واإلعالم والندوات.
ثالثا :وأم��ا كيف تطرحها األكاديميات كمنتج عربي فهي قد طرحت بالفعل إذ أنها تدرس اآلن في أكاديمية الفنون وقد قررها األستاذ الدكتور مصطفى يوسف على طلبة الدراسات العليا قسم النقد والدراما بأكاديمية الفنون بالقاهرة هذا العام. ���وي م��ن د.م��ل��ح��ة على > ك���ان ه��ن��ال��ك اح��ت��ج��اجٌ ق ٌ سلوك بعض من يصنفون أنفسهم نقاد مسرح، ل��درج��ة أن��ه��ا ل��ن ت��ش��ارك ف��ي أي ن���دوة نقدية عربية احتجاجا على تلك اآلراء االنطباعية البعيدة عن االحترافية النقدية ،أما تزالين على موقفك؟ ول��م��اذا ال ي��ك��ون ح��ض��ورك هو األهم لمحاصرة هؤالء وإنقاذ الحالة النقدية العربية من االنطباعية التي تسودها؟
< ليس االح�ت�ج��اج على النقد االنطباعي وإنما االحتجاج على سوء إدارة الندوات ،فأنت تحضر المحاضر بدعوة خاصة ،وتدفع له التذاكر، وتتكلف بسكنه وإعاشته ،ثم تخصص له خمس دقائق فقط ،في حين أنك تفسح للمتداخل أكثر من خمس عشرة دقيقة ،وتكتشف أن المتداخل يطرح أفكارا وينبذ أفكارا ويجدف بغير علم أو دراية ،ثم ال يسمح لك مدير الندوة بالرد عليه
أو مناقشته ،ثم أن قراري هذا جاء نتيجة أنني مصطلح ٍ دعيت إلى مؤتمر علمي يناقش إصدار قديم ،إال أنني وجدت نفسي في ومفهوم ٍ ٍ جديد ٍ ندوة للعامة ليس لهم في إصدار المصطلحات من ش��يء ،ألن��ه ليس مجالهم وال تخصصهم، وقد تكرر ذلك في بلدين عربيين ،فبالله عليك أي ش��يءٍ يمكن تسمية ه��ذا ،ياسيدي نحن ال نفرق بين الندوة والملتقى والمؤتمر والمائدة المستديرة ،ف��أي ثقافة نصدرها ،وعلى أي حال ،فأنا أتشرف بأي دعوة تأتيني لاللتقاء بجمهوري الذي لواله لما كنت ،فال مكان عندي لقرار االنزواء هذا. > المسرح في السعودية متقدم قياسا ببعض ال������دول ال���ع���رب���ي���ة ،رغ����م وج�����ود ال���ع���دي���د من ال��م��ع��ي��ق��ات ال���ت���ي ت��ت��ع��ل��ق ب��ه��وي��ة المجتمع اإلسالمية والخلفيات القبلية ،هل نستطيع ال��ق��ول إن هنالك مسرحا سعوديا ق��ادر على
اجلوبة -خريف 1433هـ 101
إيصال الرسالة والتأثير في المجتمع؟ وكيف يمكن قياس هذا التأثير إن وجد؟ < المسرح ف��ي السعودية ف��ي حالة وه��ج وتألق ح��ال�ي��ا ،وعليه إق �ب��ال كبير ،فحينما عرضت مسرحية نسائية في الصيف الماضي امتأل المسرح ذو الثالثة آالف مقعد ،وقد قيل خمسة آالف ،وحدثت حاالت إغماء وتدخلت النجدة نتيجة الزحام وافترش الجمهور األرض ،ألن الجمهور ب��دأ يحب المسرح ،وه�ن��اك رسائل جادة في هذه العروض ،إال ان عملية التأثير ال تزال نسبية ،وعملية قياسها هو أن الجمهور ال يأتي للمسرح كونه أداة نقد وتغيير وطرح أفكار ،وإنما يأتي للفرجة فقط ،وهنا تكمن الخطورة بين ما هو العرض وما هي الرسالة.
> قالت لي د.ملحة العبدالله ذات لقاء صحفي آخ��ر ،إن ملحة المبدعة تطرد ملحة الناقدة وت��غ��ل��ق ال��ب��اب خلفها ح��ي��ن ت��ش��رع ب���أي عمل إبداعي ،كيف ترين العالقة بين الناقد وبين ال��م��ب��دع ال���ذي يسعى ل��ل��ت��ح��رر م��ن المعاني واألوص�����اف وال��م��ق��اي��ي��س لينطلق ب��ع��ي��دا عن التجنيس وحصار المصطلح وتوصيفاته؟
< عالقة الناقد بالمبدع عالقة تصادمية على الدوام ،فكيف إن وجد الناقد والمبدع في ذات واحدة (ع��ذاب) ،إنها أغالل الوعي على عالم الفضاءات الرحبة ،إال أنى حين أكتب أتخلص من الناقدة ،ولكني أسترضيها وأستضيفها بعد اإلفراغ من العمل ،وبالتالي تصبحان صديقتين حميمتين في نهاية العمل ،ألن الناقدة هنا تُؤازر العمل وتشذبه بعد والدته ،وهذا يخدمني كثيرا > كتبت د .ملحة القصة والمسرحية والسيناريو، في إخ��راج العمل إل��ى النور قبل أن يعمل أي لكنها ل��م تكتب ال��رواي��ة ،ه��ل س��ن��رى روايتك ناقد مشرطه في عملي ،فناقدتي هي الرقيب قريبا؟ وكيف ترين الرواية السعودية ،والرواية األول والقارئ األول للعمل ،ولكنها ال تتدخل العربية عموما؟ في ميالد اللحظة وفي شهقة اإلبداع ولذتها. < هذا أمر ليس بعسير ،ألن كتابة المسرح أصعب > م��ن ي��ق��ه��ر اآلخ����ر م��ل��ح��ة ال��م��ب��دع��ة ام ملحة بكثير ،فالمسرح فن التكثيف والحوار ،والرواية الناقدة؟ فن السرد وهو أسهل ،ومن يكتب المسرح يكتب < كالعادة النقاد هم من يقهر المبدعين ،ولكنني الرواية بكل يسر ,والعكس غير صحيح وخاصة ال أدع لها أي وسيلة في ذل��ك ،إال في اتخاذ أنني متخصصة في حرفية الكتابة ،وأصدرت دورها كناقد حينما يصبح العمل جاهزا. كتابا”كيف تكون كاتبا ،ولكنني أخشى على ال �م �س��رح ،ألن م��ن ي�ك�ت��ب ال �م �س��رح ث��م يكتب > المرأة ،األم ،األخت ،الزوجة ،الحبيبة الملهمة، رم��ز الخصب وال��ح��ي��اة ،كيف ع��ال��ج المسرح الرواية يَقِ ل عندما يعود لكتابة المسرح ،هكذا السعودي قضاياها مع الحفاظ على احترام يقول علم الكتابة ،فهناك ُكتّابٌ مسرحيون كبار ثنائية الدين والقبيلة؟ وكيف تعاملت هي مع حينما عادوا لكتابة المسرح بعد كتابة الرواية، المسرح بناءا على هذه الثنائية؟ وقد حللنا مسرحياتهم فوجدناها أصبحت أقل ج��ودة من ذي قبل ،وبالرغم من ذل��ك ،فكتابة -المسرح كالماء والهواء ال يمكن أن تحكم نواحي الرواية تراودني بإلحاح ،وعوالمها في مخيلتي تسربه ،وقد عالج المسرح السعودي قضايا المرأة أينما أذهب. منذ والدت��ه ،وقد تعاملت المرأة مع المسرح في 102اجلوبة -خريف 1433هـ
> في مسرحية العازفة التي فازت في المسابقة الدولية لنصوص المونودراما التي تعقدها هيئة الفجيرة للثقافة واإلع�لام على هامش مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما ،والتي قلت إنها فوز للمسرح السعودي وللثقافة في السعودية بشكل عام ،هل ناقشت حالة المرأة السعودية ،وماذا أردت ان تقولي للمرأة العربية؟ وهل كان العمل على خشبة المسرح قد قال ما تريدين أن تقوليه؟ < أوال :نعم فوز العازفة بالمركز األول على العالم يعني فوزا للمسرح السعودي والعربي ،وعزز من هذا ترجمتها لالنجليزية لكي تصدّر إلى جميع أن �ح��اء ال�ع��ال��م ،فكل ضيف عالمي حضر هذا المهرجان الدولي غادر والعازفة في حقيبته ،وقد ناقشت العازفة قضايا المرأة السعودية خاصة، ثم المرأة العربية عامة ،وقد تكون المرأة بشكل عام ،وما أردت أن أقوله فيها هو أن المرأة العربية ذات تاريخ كبير وذات شرف وعزة ،فإن أصابها شطط فهي المسئولة األول��ى عن وض��ع نفسها بين تُرسي الرحى ،ألنها اتبعت ثقافة ليست من طينتها ،وبالتالي يحدث لها هذا الصراع بين ما كانت عليه جداتها من قوة ومنعة وقيادة وشرف �وان إن ارت ��أت ه��ذا فيها، وم��ا ه��ي عليه م��ن ه � ٍ فللقيادة أدوات ترتكز على شخصيتها هي ,وال تُخلع عليها تكرماً ،فالقرار يجب أن يصدر من
م������������������واج������������������ه������������������ات
ظل ثنائية الدين والقبيلة فأنشأت لنفسها المسرح النسائي ،حيث ت�ق��وم ه��ي على ك��ل أدوات ��ه حتى تصبح متفرجة ،وهناك إقبال شديد على المسرح النسائي أكثر من الرجالي ،ففي الصيف الماضي أقيم ما يربو على عشرين عرضا مسرحيا جميعها ك��ان عليها زح ��ام ،إال أن��ه ينقص تلك العروض المهنية ،وكما أسلفت لك الجمهور يأتي للفرجة ال للنقد والتعلم واتخاذ القرار.
داخلها هي وال تستجديه من أحد ،إذ أن الخوف محراب الوهناء ،وق��د تتبعت تيمة الخوف في المسرحية ال��ذي يتأصل ف��ي الشخصية عبر اإلرث والموروث ،فالمرأة العربية مبدعة وعالمة وسيدة للشرف واألناقة ،عطوفة ومحبة ،إال أنها تخاف من كل شيء ،فالخوف واتخاذ القرار ال يجتمعان أبدا ،وهذه مقولة النص. ثانيا :بالرغم من أن العازفة قدمت في الفجيرة وفي الرباط وفي تونس وفي آذربيجان ومدن أخرى ،إال أن مخرجتها المغربية لطيفة أحرار لم تقدم إال ما تريد أن تقوله هي ،فما يقوله النص شيء وما يقوله العرض شيء آخر ،مما أضر بالنص على مستوى الفكر ،وعلى مستوى البناء ال��درام��ي ،وعلى مستوى الفرجة أيضا، ولكن عزائي الوحيد أن العازفة ستعرض قريبا على مسرح الهناجر باألوبرا المصرية من إخراج أش��رف ع��زب ،وبطولة الفنانة انتصار ،بإنتاج مشترك بين هيئة الفجيرة للثقافة واإلعالم ووزارة الثقافة المصرية ،إضافة لذلك سيقوم الفنان والمخرج األردن��ي األستاذ علي الجراح بإخراجها ضمن فعاليات وأنشطة وزارة الثقافة األردنية وسترون العمل قريبا بإذن الله.
> حكايات ليلة زفاف ،ولوج إلى منطقة ممنوعة في مجتمع يصعب عليه التنازل عن عاداته وتقاليده التي جذّ رت ثقافته المحافظة ،هل هذه صرخة ضد السائد أم دعوة للتصالح معه وإعمال العقل فيه؟ < ال ،أب��داً ،فنحن نعتز بإرثنا ونبقي عليه ،ولن نتنازل عنه أب��دا ،ولكن حكايات ليلة الزفاف ال تناقش ال �ع��ادات والتقاليد ،وإن�م��ا تناقش حالة المرأة المفترى عليها في بعض األحيان، متخذة من هذه المنطقة عالما لطرح األفكار.
اجلوبة -خريف 1433هـ 103
عبدالرحمن الشهري لـ«الجوبه»: الشعر كغيره من الفنون يتأثر بكل المتغيرات االقتصادية والسياسية واالجتماعية، والدليل هو تطور الشعر ذاته من العمودية إلى التفعيلة ثم إلى قصيدة النثر قصيدة النثر تطور طبيعي لسلوكي الكتابي والنفسي
> حاوره :عمر بوقاسم*
الشاعر عبدالرحمن الشهري ،وب��م��ه��ارة ،شاعر حقيقي صافح الساحة الشعرية بمجموعته األولى «أسمر كرغيف» عام 2004م ،والتي تصنف كأول تجربة تحمل مالمح القصيدة األح��دث ،والتي تمثل التطور الطبيعي لشكل قصيدة التفعيلة .ومضمونها ومؤخرا كرر الشهري مصافحته للساحة بمجموعته الثانية «لسبب ال يعرفه» 2012م، ولكن في فضاء آخر ..فضاء قصيدة النثر ،إذ يؤكد شاعرنا تميزه وانسجامه مع نصوصه على مستويات عدة ..وفي هذا االتجاه يقول« :أنا شاعر ال أكتب لنفسي ،وأتمنى أن أكون مقروء ًا ومتداو ًال بين الباحثين عن الجمال واإلبداع».. ذاكرة الشاعر هي ما يؤطر ما أهمله العالم« ..أرق -حسرة -ذكرى -قسوة -ذخيرة- قصيدة -وجع -نسيان »..هذه بعض عناوين نصوص المجموعة. «ال��ج��وب��ة» كعادتها تقدر التجارب اإلب��داع��ي��ة المتميزة ،ول��ذا استضافته ف��ي هذا الحوار..
104اجلوبة -خريف 1433هـ
> «لسبب ال يعرفه» ،هذا عنوان مجموعتك الشعرية الثانية ،والصادرة عن دار االنتشار هذا العام 2012م، وال��ذي فاجأ الساحة الشعرية؛ حيث تخوض أنت تجربة كتابة قصيدة النثر للمرة األول���ى ،هل هذا ي��وث��ق ع��ب��ارة «إن ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر أص��ب��ح��ت تتصدر المشهد ال��ش��ع��ري ،وإن��ه��ا تستوعب م��ا ع��ج��زت عن استيعابه قصيدة التفعيلة»؟ < ربما كانت قصيدة النثر تتصدر المشهد الشعري المعاصر ،ولها حضورها لدى فئة الشعراء الشباب، وهي إحدى الخيارات التي يختبرها الشاعر للتعبير ع��ن ذات ��ه ،م��ع ح�ض��ور –أيضا -لقصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية .وبالنسبة لي ،فقد كانت قصيدة النثر تطورا طبيعيا لسلوكي الكتابي والنفسي ،فأنا بطبعي أميل إلى التجريب والتجدد ،ول��ديَّ هاجس االختالف على مستوى التجربة الشخصية ،وأظن أن قصيدة النثر أكثر استيعابا لتجارب الشاعر الذاتية، بعيدا عن صخب اإليقاع العالي الذي يتوسّ ل المنبرية والجماعية ،أكثر م��ن ال�غ��وص ف��ي جوانية الشاعر وتجاربه اليومية.
“بوسعه أن يدفع الليل بشمعة وال يفعل، ويظل يتعقب الظالم بعينيين غائرتين من شدَة السهر، وفي قلبه حسرة على ليل آخر لن يسهره كما ينبغي”. > من قراءتي لهذا النص والمعنون بـ«..حسرة» ،والذي يحمل ال��روح نفسها في نصوص المجموعة ،حيث تطفو الصورة الشعرية بلغة سهلة تتشكل بمفردات انتقيتها أنت من روح الحالة الكتابية الصادقة ،لذا تغري النصوص القارئ بقراءتها بصوت ع��ال .هل ي��راه��ن عبدالرحمن ال��ش��ه��ري ،بفتح فضاء جديد لقصيدة النثر؟
رأسيا وأفقيا ،وف��ي تناسلها إغناء للساحة المحلية معظم محفوظاتي -وأنا طفل -عبارة عن ق��ص��ائ��د وح��ك��م وأم��ث��ال «م��ح��ك��ي��ة» لشعراء محليين ،وع��ل��ى ه��ذا األس���اس ب���دأت أنظم الشعر على شاكلة ما حفظت
م������������������واج������������������ه������������������ات
قصيدة النثر
ه��ن��اك أج���ي���ال ش��ع��ري��ة س��ع��ودي��ة تتناسل
ما يكتب من شعر في الشبكة العنكبوتية جدير بالقراءة والمتابعة ،ألن معظم من يكتبه من فئة الشباب ..وه��م األق��رب إلى روح العصر الشاعر القديم ك��ان يغني في فضاء واسع ليسمعه اآلخرون ،والشاعر الحديث يهمس بينه وبين نفسه ،وينشر همسه في كتاب
< أعتقد أن كل شاعر يهجس باالختالف ،واالختالف كما أفهمه هو أسلوب خاص يميز تجربة الشاعر عن غيرها من التجارب المطروحة محليا وعربيا ،وهذا ليس رهانًا بالنسبة لي ،وإنما محاولة لكتابة الشعر بطريقة سهلة وعميقة في آن ،والشعر عانى كثيرا من القصائد النخبوية التي حالت بين القارئ وبين الحالة التي يعبر عنها الشاعر ،وتسببت في قطيعة بين النص الحديث وبين المتلقي العادي ،فالشعراء هم جمهور بعضهم بعضاً ،وال حياة للشعر خارج تلك الجيوب الشعرية اآلهلة بالشعراء والشعراء فقط، وهم فئة محدودة على كل حال. > م��ا تقييمك للساحة الشعرية ال��س��ع��ودي��ة مقارنة بالساحات الشعرية العربية؟ < ال أملك تقييما محددا للساحة الشعرية السعودية، ولكن هناك شعراء سعوديين مثابرين ،ويصدرون أعماال شعرية من وقت آلخر كغيرهم من الشعراء في العالم العربي ،وعن دور الطباعة نفسها تقريبا،
اجلوبة -خريف 1433هـ 105
وال��زم��ن كفيل بغربلة التجارب المحلية والعربية .وهناك أجيال شعرية سعودية تتناسل رأسيا وأف �ق �ي��ا ،وف���ي ت�ن��اس�ل�ه��ا إغناء ل�ل�س��اح��ة ال�م�ح�ل�ي��ة ،وق��د تحقق إض��اف��ة م��ا على مستوى العالم العربي. > ح��ظ��ي��ت م��ج��م��وع��ت��ك األول�����ى وال��م��ع��ن��ون��ة ب���ـ«أس���م���ر كرغيف» وال��ص��ادرة ع��ام 2004م ،باهتمام م��ل��ف��ت ،إذ ت��م��ت ق���راءت���ه���ا من ق��ب��ل ع����دد م���ن ال���ن���ق���اد العرب والسعوديين والمبدعين أيضاَ، ه��ل ه��ذا م��ؤش��ر ل��وص��ول القارئ لنصوصك وال���ذي ي��وث��ق نجاح المجموعة؟
ف��ي ه��ذا االت��ج��اه ،وم��ا األدوات التي اتكأت عليها في هذه التجربة؟ < ك �ت �ب��ت “أسمر كرغيف” وأنا م �س �ك��ون ب ��اإلي� �ق ��اع وال� � ��وزن بحكم ع�لاق �ت��ي ب��ال �ش �ع��ر ال �ق��دي��م وشعر التفعيلة ،والشعر الشعبي في مرحلة م��ن ال �م��راح��ل ،ول�ك��ن اإلي �ق��اع الذي ك�ت�ب��ت ب��ه ال�م�ج�م��وع��ة ك ��ان ذا نبرة خافتة ..أقرب إلى روح قصيدة النثر، وه��ذا ربما ما كنت أتطلع إليه منذ البدايات ،فالقصيدة الصاخبة بعيدة كل البعد عن سمتي النفسي ..وعن زمن الشعر ال��ذي نعيشه ،فالشاعر القديم ك��ان يغني ف��ي ف�ض��اء واسع ليسمعه اآلخرون ،والشاعر الحديث يهمس بينه وبين نفسه وينشر همسه في كتاب ،ليقرأه قارئ مخت ٍَل بنفسه ال ُق � � �رّاء م�ج�ت�م�ع�ي��ن .والمشهدية والتفاصيل كانتا أهم أداتين اتكأت عليهما التجربة ،إضافة إلى التكثيف والعناوين الطويلة التي يمكن عدّها جزءا ال يتجزأ من النصوص ،فضال ع��ن ال�ن�ه��اي��ات ال �ت��ي تصعد الحالة وتزيد من توقدها الشعري.
< أنا شاعر ال أكتب لنفسي فقط، وأتمنى أن أكون مقروءًا ومتداوالً بين الباحثين عن الجمال واإلبداع، وعندما يصل عملي الفني إلى أوس ��ع ش��ري�ح��ة م��ن ال �ق��راء على اختالف مشاربهم ،من دون تقديم ت �ن��ازالت فنية م��ن ق�ب�ل��ي ،فذلك دليل على نجاح العمل ،ومؤشر قوي على وصوله إلى القارئ وتفاعله معه ،وكل مبدع على هذه األرض يبحث > ما مدى تأثير التغيرات االقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم العربي على شكل الخطاب اإلبداعي عن التقدير والعرفان من خالل ما ينتجه من أعمال، ومضمونه؟ وإال ..ف ِل َم يقدم الكاتب على نشر أعماله؟ > في “أسمر كرغيف” ،جاءت النصوص بشكل مغاير، حيث ألبستها أنت لغة جديدة ،تأخذ شكل ومضات، ولكنها تحافظ على الوزن “تفعيلة” ،وبلغة تليق بهذا الزمن الذي تطفو عليه روح اآللة ،بما جعلني أشعر بالتطور الحقيقي لقصيدة التفعيلة ،القصيدة التي ارتوينا بغنائيتها بأصوات لها تميزها ،ومن أهمها الشاعر الكبير محمد الثبيتي ،هل هذا كان رهانك 106اجلوبة -خريف 1433هـ
< ال�ش�ع��ر ك�غ�ي��ره م��ن ال �ف �ن��ون ي�ت��أث��ر ب�ك��ل المتغيرات االقتصادية والسياسية ،وبالطبع االجتماعية ،والدليل على ذلك هو تطور الشعر ذاته من القصيدة العمودية إلى التفعيلة ثم إلى قصيدة النثر ابنة المدينة والمدنية المعاصرة ..هذا على صعيد الشكل ،أما على صعيد المضمون ،فأرى أن المدنية جعلت الشعر يتخلص من األنا الجماعية ،ويخلص ألنا الشاعر الفردية أكثر
من ذي قبل ،لوجود بدائل نابت عن الشعر في التعبير عن تلك األنا الجماعية ،وقد تحدث الثورات العربية (النابعة من الشعوب ال من مجموعة من العسكر تدعي تمثيلها) تغيرًا ملموسً ا في الخطاب اإلبداعي في المدى المنظور ،وذلك ما ال أستطيع التكهن به في الوقت الحاضر. > لديك تجربة كبيرة مع الشعر الشعبي ،كشاعر يملك صوت ًا مميز ًا في هذه الساحة ،وبقصائد مميزة ،ما سر حضورك في هذا الفضاء؟ < ليس هناك س ّر إذا أخذنا في االعتبار أني ابن ألبوين قرويين ،ف��األس��رة التي عشت ف��ي كنفها ..والمجتمع كذلك ،يستندان إلى ذاك��رة زراعية واسعة ..لها أدبها وشعراؤها وأهازيجها التي كانت تردد في الحقول زراعة وحصادا ،وغيرها من األماكن التي يحضر فيها الشعر. فمعظم محفوظاتي -وأنا طفل -عبارة عن قصائد وحكم وأمثال «محكية» لشعراء محليين ،وعلى هذا األساس.. ب��دأت أن�ظ��م الشعر على شاكلة م��ا حفظت ،وقطعت في ذلك شوطً ا ليس باليسير ،ولكن شغفي بالقراءة.. وإتقاني للغة العربية الفصحى أسهما في ما بعد في تحولي من شاعر «شعبي» إلى شاعر فصيح. > متى تكتب القصيدة؟ < ليس لي وقت محدد لكتابة القصيدة ،وإن كنت أكتب معظم قصائدي في الليل ،ويندر أن أكتب قصائد منفردة ،وفي الغالب أكتب تجربة المجموعة الشعرية دفعة واح��دة ،باستثناء بعض النصوص التي تشكل
> ف��ي ح���وار ل��ي م��ع س��ع��دي ي��وس��ف ،سألته ع��ن ظهور مصطلح “شعر وشعراء النت” ،وهل سيكون مالذا للقصيدة وبخصائص فنية مغايرة ،قال”:المصطلح معقول ،إنه ينقلنا من الخيمة إلى الفضاء” ،وأنت.. ماذا تقول في ذلك؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
إرهاصات ألي مجموعة أنوي إصدارها ،حيث آمل من خالل كتابتها القبض على الشكل الذي سيصبغ المجموعة بلونه ،وهذا ما حدث معي في المجموعتين األولى ،والثانية ،وربما الثالثة.
< أعتقد أن ما يكتب من شعر في الشبكة العنكبوتية جدير بالقراءة والمتابعة ،ألن معظم من يكتبه من فئة الشباب ،وهم األقرب إلى روح العصر ،وأنا أحرص على متابعتهم وقراءة مجموعاتهم ،حتى الرديئة منها، وأي شاعر يتعالى على كتاباتهم وال��روح الجديدة المبثوثة داخلها ،س��وف يتخلف يوما ما عن الروح الشعرية المعاصرة ،وسيجد نفسه غريبا عن األجيال التي يتجاور معها زمنيا وإبداعيا. > ما المواقع التي تزورها على االنترنت؟ < ع��ادة ما أزور مواقع التواصل االجتماعي كالفيس بوك وتويتر واليوتيوب ،وبعض الصحف والمالحق الثقافية في الصحف المحلية والعربية ،وبالتأكيد م��واق��ع ال�ش�ع��ر واألدب كجهة ال�ش�ع��ر وغ�ي��ره��ا من المواقع المتخصصة ،وكل موقع يقودني إليه رابط ما يشكل جزءا من اهتماماتي. > وماذا عن مكتبتك؟ < مكتبتي تحوي عددا ال بأس به من الكتب ،من شعر، ورواي ��ة ،وقصة ،وبعض كتب الفلسفة ،واالجتماع، والتاريخ ،والرحالت ،وكتب التراث ،والكتب النقدية، والمجالت ،والكتب ،والمطبوعات الدورية ،وبعض الموسوعات والمعاجم ،وأتمنى لو أجد الوقت لقراءة كل ما تحويه ،ألنني حريص على تزويدها بالكتب باستمرار ،مع أنني عاجز عن توفير الوقت الالزم لقراءتها.
اجلوبة -خريف 1433هـ 107
نضال القاسم ..شاعر أردني..
يرى أن القصيدة ال تنضج إال على نار هائجة ُيعَدّ الشاعر «نضال القاسم» أنموذج ًا وهوية شعرية متفرّدة لها بصمة إنسانية تحضنها قصيدته وتزهو بتجلّياتها المحسوبة والمؤثّرة ،والتي ترعرعت في جيل التسعينيات من الشعراء الشباب في األردن ،وفي مجموعاته الالفتة لالنتباه« :أرض مشاكسة» 2003م ,و «مدينة الرماد» 2005م« ،كالم الليل والنهار» 2007م ،والتي حصل عنها في عام 2006م على جائزة الدولة التشجيعية ,ومجموعته الشعرية الرابعة «تماثيل عرجاء» في العام 2007م والتي نال عنها جائزة االستحقاق ،وهي إحدى فروع جائزة ناجي نعمان األدبية لعام 2008م .وقد كان لنا معه هذا الحوار.. > حاوره في اربد :عمار اجلنيدي* أنهم اس�ت�ف��ادوا بشكل واض��ح م��ن الشعراء بدايات استفادت من النبع ال�ع��رب ..بل هناك من ك��رر ه��ذه التجارب. ذهبت إلى الشعر العربي والعالمي قبل أن أع ��رف ال�ش�ع��ر األردن� ��ي ،اكتشفت بعد لهذا فضلت أن أستفيد من النبع وليس من قراءاتي لبعض الشعراء األردنيين وبخاصة المجرى رغم خصوصية بعض شعرائنا. ب��دأت الشعر منذ أن وعيت العالم من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات 108اجلوبة -خريف 1433هـ
اإلنسانية ،وليس لهذه المشاعر زمان ومكان م��ح َّ��ددان وال أت��ص��ور ح��ي��اةً م��ن دون الشعر أن�������ا «ب����وه����ي����م����ي» ف�����ي ك����ت����اب����ت����ي ،ول���س���ت م����ع ال���ط���ق���وس���ي���ة ال����ص����ارم����ة ف����ي ال���ح���ي���اة وال����ك����ت����اب����ة ،رغ�����م أن����ن����ي أع���ت���ق���د أح���ي���ان��� ًا أن ال������ط������ق������وس م�����ف�����ي�����دة وض��������روري��������ة
طقوس يرفضها الكثيرون ف��ي الكتابة الشعرية ال يمكنني الحديث عن «ن �س��ق» م��ا أو ع ��ادة ،فثمة قصائد «اجترحتها» بصعوبة وجهد كبيرين ،فيما قصائد أخ��رى مِ ن أح� ّب�ه��ا إل��ى نفسي كتبتها خ�لال أق��ل م��ن نصف ساعة ،لقد فعلت ذلك وكأنني أعرفها وأحفظها عن ظهر قلب ،وما عليّ سوى تسجيلها على الورق. ف��ي ال�س�ن��وات األخ��ي��رة ..أصبحت أك�ت��ب الشعر مباشرة على الكمبيوتر ,وهي حالة ال يزال كثيرون يرفضونها.
م������������������واج������������������ه������������������ات
راق مهمته التعبير عن المشاعر الشعر فن ٍ
وهو الورطة اللذيذة في نزوة الحياة التي ليست عابرة على اإلط�لاق .وأم��ا القصيدة عندي فهي األداة األقصر ،والشكل األمثل للتعبير عن شيء ما كبير يعتمل في األعماق.
حولي وأدركت عالقتي بالقراءة ،وتأكد في داخلي أن الشعر ممارسة قبل الكتابة ،فال أستطيع الكتابة إال من خالل تجربة ،وهي التي تقودني إلى الورق األبيض ،وأحاول تشكيل نفسي من خالل الكالم. زمنياً ..بدأت الكتابة في أواخر الثمانينيات ،لكنني ب��دأت أنشر بشكل فعلي مع مطلع التسعينيات، أنا «بوهيمي» في كتابتي ،ولست مع الطقوسية وربما عشقي للشعر هو الذي يجعلني أندفع برغبة صادقة نحو الحياة ،فال أتصور حياة بدون الشعر ،الصارمة في الحياة والكتابة ،رغ��م أنني أعتقد أحياناً أن الطقوس مفيدة وض��روري��ة .وق��د تم ُّر كما ال أتصور العكس تماماً. أكف شهور ال أكتب فيها كلمة واح ��دة ،لكني ال ُّ الشعر انتصار للقيم عن سماع «األص ��وات» في رأس��ي .وعندما اكتب أحببت الشعر م��رض �اً داف �ئ��ا أتحمل طعناته المراحل األولى للقصيدة ،أحب أن ال أكون وحيداً. وخساراته؛ ألنه يقول ما يعجز عنه الكالم .فالشعر وأفضل أن اكتب في الخارج ،في المقاهي مثالً، ف��نٌّ راق مهمته التعبير عن المشاعر اإلنسانية ،أو ف��ي ال�م�ك�ت��ب ،ف��رغ��م الضجيج أع ��زل نفسي، وليس لهذه المشاعر زمان ومكان محدَّ دان.والشعر ويمنحني الصخب إحساسا بالحياة التي تجري ع�ن��دي ليس م�ج��رد م�ش��روع ف��ي الثقافة ،أو لغة من حولي ،وهذا ينعكس إيجابا على لغة قصائدي. للروح ،أو مجرد نزوة تورطت فيها ،فهو هذه األشياء ولكن عندما يصل األمر الى مرحلة كتابة القصيدة بشكلها النهائي ،فيجب االنعزال .آنئذ أجلس في مجتمعة ..إضافة إلى كونه هو الحياة بالنسبة لي، غرفة وأشقى!! القراء يظنون ان القصائد تهبط وهو نور خافت يُشعرني بالسكون والصخب في علينا م��ن السماء .األف�ك��ار طبعا مهمة ،وكذلك آن واح��د.إن��ه انتصار لقيم أقلها إحساس عميق اإللهام والموهبة ،لكن األهم هو الجلوس والعمل. باآلخر ،وذوب��ان في ال��ذات ،وأبعدها تحليقاً نحو الكتابة عمل حرفي يتطلب الكثير م��ن االنحناء آف��اق ال نهاية للجمال فيها ...ال يعني لي الشعر والصبر .وهو يتطلب أيضا مخيلة سينمائية! أكثر من الحياة. والشعر عندي هو جوهر الثقافة وليس مجرد مشروع ،كما أنه روح اللغة وليس فقط لغة للروح،
الهروب إلى المرأة دائما
المرأة في حياتي لم تقم بالدور الذي كنت انتظره
اجلوبة -خريف 1433هـ 109
منها تجاهي ،مع أنني ومنذ حييتُ أنظر للمرأة بانبهار زائد ،وأقدّسها وأُع� �ل ��ي م ��ن م �ق��ام �ه��ا ،وم� ��ا تزال تدهشني ،وما أزال أراها مختصراً غص للجمال ف��ي ال �ك��ون ،ول��ذل��ك َّ شعري بالغزل بها والتغني بجمالها منذ البدء وحتى اآلن ،وفيها كتبتُ أجمل قصائدي ،بل ربطتُ المرأة بكل شيء في هذا الكون ،وال شكَّ في أنني -إذا عزَّت األوطان -أج ُد في اللجوء إلى المرأة في شعري موطناً هانئاً للهرب.
أحياناً أكتب دراسات نقدية من أج��ل أن أم� �رِّن ي��دي على الكتابة الدائمة ،وأحياناً يكون لدي مشرو ٌع لقصيدة أو م�س��رح�ي��ة.ال�م�ه��م أن كتابتي ت�ت��رك��ز ف��ي ال�ش�ع��ر وحول الشعر ،وال أري��د كتابة غير ذلك، بل إن الشعر هو وطني وفضيحتي واخ �ت �ي��اري ..وال أستطيع الحياة بدونه.
ث�م��ة م �ش��وار ش �ع��ري ال بأس ب� �خ� �ط ��وات ��هِ ال��م��ن��هِ ��ك��ة ،أظنني مشيته ،غير مكابر ،ببطء ،وكلما افترضت أنني أسير في االتجاه الرائحة اإلنسانية تزكم ال�ص�ح�ي��ح أج ��د ذات� ��ي الشاعرة قصائدي �ات ت�ل��د اتجاهات أم ��ام م�ن�ع�ط�ف� ٍ القصيدة لغة مذهلة تنبجس جديدة تشدني إليها .ال أ ُشهدني بمنتهى غموضها من النبع الذي ال بأنني عرفتها ،وال أَعرفني بأنني يني يغذي وج��دان الكائن وحياته، ضللتها .إن �م��ا ،ع�م��وم�اً ،ال أجد وه��ي أيضاً شكل تواصليّ بين ما مبرراً للندم الكبير .وأزعم أنني هو أرضيّ ،وما هو صوت عظيم.. ل��م أف�ع��ل شيئاً يتنافى م��ع قناعاتي وأحالمي هو صوت ما بين الحنايا. وه��واج �س��ي وض �م �ي��ري .واع �ت �ق��ادي راس� � ٌخ بأن ولقد بحثت في التجارب الحديثة للشعر نظرياً (ن �ض��ال ال�ق��اس��م) يطمح أن ي��ؤس��س مرتكزات وتطبيقياً ،فوجدتُ أنني أنتمي إليها على نحو ما ،شعرية يأمل أن تليق بتجربته ،وهو متأخر دائما ولذلك كتبتُ في هذا السياق .ولكن كتابتي في هذا ألن خطاه بطيئة على الطريق .إن��ه ببساطة ال السياق ظلت أيضاً ،كما أراها ويراها نقاد آخرون يخطو إال بوثوق كامل بضرورة الخطوة القادمة، تتمتع بخصوصية معينة ،هي أنها م�ش��دودة إلى وال يفعل هذا إال إذا كان مؤمناً بأن هذه الخطوة بيئتها األول��ى ،إلى جغرافيتها المكانية والروحية ستضيف جديداً لرصيده اإلبداعي. األول � � � ��ى .وم�� ��ع ذل� ��ك، قراءات المتبحر أك��ث��ر ف��ي ق��ص��ائ��دي يستطيع ّ إن ف��إن المتبحر أكثر في ق � �ص� ��ائ� ��دي يستطيع أستطيع أن أقول لك أن ي����ش����م ت����ل����ك ال�����رائ�����ح�����ة اإلن����س����ان����ي����ة أن ي�ش��م ت�ل��ك الرائحة ال���ت���ي ت��ت��ح��دث ع��ن��ه��ا وال���ت���ي ت���زك���م نصي إن ق��راءت��ي تتعلق في اإلنسانية التي تتحدث م��ا ي�ف�ي��دن��ي م��ن خالل مقاييس، ���ت س ��� ي ��� ل و �����رات ش �����ؤ م ����ز ئ ����وا ج ���� ل ا عنها والتي تزكم نصي. الشعر وممارسته ،وهي شاعر أي ����وز ف وإن ً، ا ���� م ���� ئ دا �����ول ق أ ���ذا ك ��� ه م�ت�ع��ددة ف��ى األساطير خطوات واثقة.. ب��������أي ج������ائ������زة ال ي����ع����ن����ي أن��������ه األف����ض����ل وال� � �م� � �س � ��رح وال� �ن� �ق ��د 110اجلوبة -خريف 1433هـ
والرواية والقصة القصيرة والشعر.أحياناً أحدد قراءتي عندما أشتغل على بحث معين ،وهذا يتيح ال�ج��وائ��ز م��ؤش��رات وليست مقاييس ،هكذا لي االطالع على كتب ال أفكر أحيانا بقراءتها أو أقول دائماً ،وإن فوز أي شاعر بأي جائزة ال يعني قراءة أجزاء منها ،ولكن متعتي في قراءة السير أن��ه األف�ض��ل ،ولكن ه��ذه الجائزة أو تلك تشير الذاتية واألساطير والروايات ،وأجد متعة كبيرة إلى أن هناك شاعراً في هذه الساحة الكبيرة ما في قراءة النقد األدبي الحديث كما أحب قراءة يزال على قيد الشعر. التاريخ.
كتبي مالمحي.. ت��زخ��ر أم �ط��ار كتابتي بغيوم ت��رف��د م��ن عقلي ولوعة قلبي الطافح بالحرمان واألس��ى .وبرأيي أن كل كتاب أص��درت��ه يشكل بالنسبة لي محطة جديدة..كل كتاب يشكل بصمة ،وكل الكتب تكمل بعضها لتشكل مالمح نضال القاسم.. ويثير إعجابي كم كان فعل الكتابة لدى الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا مجانياً .ما أريد أن أربحه أنا من األدب هو فضاء حريته الالنهائي .األدب هو ما يحول دون تحوّل الناس نباتات ،تولد وتعيش وتموت بال معنى.وأهم ما في فعل الكتابة صدقه ،أي أال يكون خاضعا لضغوط اجتماعية أو تاريخية مثال… أنا شاعر مقل كثيراً ..حتى أنني لم أنشر إلى اليوم سوى أربع مجموعات شعرية ،فيما وصلت أعمال أبناء جيلي إلى أكثر من ذلك بكثير ،ولست نادماً بالتأكيد ،ومع ذلك أرى الشعر حالة تأتي وتبتعد ،وأح��اول القبض عليها بكل ما أوتيت من ق��درة .أن��ا ال أستطيع العيش ب�لا شعر أو كتابة نقدية أفرغ فيها عصير عقلي ولوعة قلبي.
روافد.. ف��ي الشعرية العربية المعاصرة ،فإنني أرى أن القصيدة قد استفادت كثيراً من التخصصات المختلفة للمبدعين ،مما شكَّل من وجهة نظري رافداً معرفياً أسهم في تطوير القصيدة واالرتقاء بمستواها.
نقد الشعر
م������������������واج������������������ه������������������ات
مؤشرات..
شعراء التسعينيات كانوا محرومين من أيادي النقاد المتخصصين ب��دراس��ة وتقييم نتاجهم استنادا إلى نظرة موضوعية لمنجزهم الشعري، بل إن بعض المتفيهقين بالنقد ك��ان ينظر إلى الشاعر حسب بعده وقربه من سلطة المركز. ول��م يكن هنالك نقد أص�ل�اً على ش�ع��ري ،لكن ثمة كتابات كانت شفافة وجميلة.أما كثي ٌر مما كتب فال يرقى إلى مرتبة النقد بأبعاده وأدواته، وهناك بعض المخاوف تراود النقاد وتمنعهم من تناول قصائدي بسبب تناولها السياسي ،وأيضا هناك بعض المواقف المتحاملة عليَّ من بعض كتاب الصحف. لقد كتب عني الكثيرون ،ولكنها ليست الكتابات التي أطمح إليها .وال أقول إنهم درسوا دواويني األربعة حتى اآلن ،ففيها الكثير من الرؤى ..ولكن ال بدراسة تلك االضاءات يبقى المستقبل كفي ً التي تركتها شاعراً وناقداً ط��وال خمسة عشر عاماً متواصلة. وبالنسبة لي ،فإنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن المستقبل هو الناقد األكبر لكل مبدع حقيقي، وإذا كنت استحق االنتماء إلى المستقبل ..فإنني سأبقى بقوة اإلب ��داع الحقيقي ،أم��ا إذا كانت قصائدي ال تملك القوة التي ترفعها لتقذف بها في سماء الخالدين ،فإنها ستموت في منتصف الطريق.
اجلوبة -خريف 1433هـ 111
المبدع والحرّ ية
دور المتلقّ ي..
ُمس ،وإن كبح إن حرية المبدع حق أصيل ال ي ّ هذه الحرية هو تخريب لروح المبدع .وفي رأيي المتواضع أنّ التخلّص من الرقابة ال يكون بالهروب منها ،بل بمواجهتها ما استطعنا إلى ذلك سبيالً. السلطات على المزيد من الرقابة يشجع ّ ُ ِّ فالهروبُ والمنع والقمع واالستئساد على المجتمع .واأله ّم أنّ التخلّص من الرقابة ال يكون بتنازل الكاتب/ السلطات ،بل باإلصرار على الفنّان لمصلحة تلك ّ ُ موقفه ،احتراماً لعمله ولرسالته (ه��ذا إ ْن كان برسالة ما) ،وتشجيعاً للكتّاب اآلخرين على ٍ يؤْمن ممارسات ممارسة الشجاعة وال�ح��ر ّي��ة واالج�ت�ه��اد ،وليس على أرباب األدب والفن إال أن يجاهدوا بضراوة يمر الشعر العربي بتحوّالت ..وهذا طبيعي، للحفاظ على الضوء باقيا والشمعة مشتعلة. بل مطلوب ومنطقي ،وعلينا أن ال نفقد التوازن في متابعته ،مثلما علينا أن نقشر عن أرواحنا كل ال أزمة إبداعية ما يعلق بها من غبار الترحال الدائم في دروب تقف تجربتي إضافة إلى مجموعة من الشعراء القصائد. وال �ش��اع��رات بندية م��ع األصوات وف��ي ال�ش�ع��ر ث�م��ة روح أزلية الحقيقية في الشعر العربي ،وهي عظمى تتساكن في اللغة يستمد تجربة أسهمت ف��ي خلق أسلوب منها الشاعر حقيقته في الوجود، جديد ولغة جديدة للشعر األردني وه��و بين ما ك��ان من الشعر وما والعربي. سيكون واق �ع �اً ف��ي المنتصف.. لقد قدم األردن عموماً ،الكثير ب �م��ا م �ع��ه م��ن م �ع��ارف وخبرات م��ن األس �م��اء ال�لام�ع��ة ال�ت��ي تركت يبحث دوماً عن نفسه ..ومؤسساً آثار بصماتها على خريطة الشعر لكينونته في اللغة. العربي ،فهي قامات عالية وهامات ينبغي على القارئ الذهاب إلى ما وراء اللغة، وتحطيم األشكال السائدة في القراءة .يجب أن يرتقي بمستواه حتى يصل إل��ى مستوى النص اإلبداعي وليس العكس ،وأنا دائماً أدعو المتلقي لقراءة أعمالي الشعرية ،ق��راءة محبة ،فالحب والمعرفة العميقة هما جوهر القارئ الحقيقي. أن ��ا ال أط �ل��ب ول ��م أط �ل��ب م��ن أح ��د أن يرتقي لمستواي ،م��ا أط��ال��ب ب��ه ه��و ال �ق��راءة العميقة ألعمالي.
مرفوعة يشهد لها المشهد الشعري األردني والعربي.
واألدب األردن��ي بخير كما أراه اليوم .فالتجربة الشعرية األردنية باعتقادي ال تعاني أزم��ة ،أم��ا عن التعتيم واإله �م��ال ..فثمة أسباب ع��دي��دة يمكن ت�ن��اول�ه��ا ،ق��د يكون أك �ث��ره��ا أه �م �ي��ة ع��ام��ل التسويق اإلعالمي.. 112اجلوبة -خريف 1433هـ
وبالنسبة ل��ي ..فإنني ال أرى أن قصائدي تبتعد عن ممارساتي اليومية ،ب��ل إن دي��وان��ي الجديد (تماثيل عرجاء) قد جاء طافحاً بالحيوية الشعرية والجماليات ال�ف�ن�ي��ة ال �ع��ال �ي��ة ،وب �خ��اص��ة أنه ق���ارب م �ش �ه��داً ال ي���زال ملتهباً ف��ي فلسطين وال��ع��راق ،وجاءت مقاربته صادرة من الروح.
إننا جميعاً شركاء في هذا الخراب ،ونحن اآلن بين فكي رحى ،ما بين هارب من الداخل ،وداخل من الخارج ،صف يصفّق للخراب ،وصف وجد أن الوقوف على التل أسلم ،ولم يجد بداً من البكاء على األطالل ،فيما تطوّع صف ثالث للدفاع عن كرامة األم��ة.وألن الشاعر كلمة ،وموقف ،وجب عليه أن يقول كلمته بصدق ،فالكلمة كما يرى ماياكوفسكي هي القائد األعلى لقوة البشر.
م������������������واج������������������ه������������������ات
مجابهة الرؤى الفاسدة
وق��د يصبح ال�ش��اع��ر عالمياً إذا اس�ت�ط��اع أن ال في شعره ،ومدافعاً عن قيم الحق يكون مناض ً والحرية والكرامة والعدالة اإلنسانية .وأما وسيلة تحقيق العالمية فهي الترجمة في المقام األول، وإن ك��ان ثمة خ�لاف كبير ح��ول ج��دوى الترجمة، إذ كيف يمكن درس نص بغير لغته األصلية؟ ألن الترجمة تفقد األدب كثيرًا من خصائصه الفنية، وال سيما الشعر ،ولكن يبدو أنه ال بد في المحصلة من الترجمة.
وإن م��ن تحصيل الحاصل أن يكون األديب ع��ام��ة ،وال�ش��اع��ر خ��اص��ة ،ضمير شعبه ووطنه أحزان الفصول األربعة وأمته ،فهو بشكل تلقائي وعفوي وتربوي وميراثي ال تنضج القصيدة إال على نار هائجة ،ال هادئة، ملتزم بهموم أمته لتحقيق أهدافها في الحرية والتحرر ،والعدالة االجتماعية ،ووح��دة الصف ،في نفس الشاعر ،فإذا تصالح الشاعر مع نفسه وبناء المجتمع الحضاري المنشود .وهو من عداد هدأت تلك النار ،وضمرت القصيدة ،أو ضعفتْ . الطليعة المكافحة لصنع المستقبل المزدهر ،وهو أم ��ا ال �ج��دي��د ف �ه��و دي � ��وان «أح�� ��زان الفصول أجدر الناس بحمل رسالة االلتزام السامية. األرب��ع��ة» ،وال ��ذي ص��در م��ع مطالع ه��ذا العام.. ال في روح��ي قبل أن يولد. ويمكن أن تكون للقصيدة سلطة كبيرة ،يمكن إن��ه كتاب حملته طوي ً بموجبها لو أنها سخّ رت لما هو بناء ،أن تتحوّل قبع ردح�اً من الزمن على مكتبي وداخ��ل دفاتري إلى سالح قويّ لمجابهة الرؤى السوداوية لهؤالء وفي ال وعيي قبل أن أقرر إخراجه إلى النور .ثم المجانين الذين يتحكّمون في مصائرنا. عندما نضج الصوت ..شرعتُ في كتابته .كانت العالمية طموح الشاعر ال�م��ادة األساسية م��وج��ودة ف��ي شكل مالحظات، ال�ش�ع��ر أك �ب��ر م��ن ال�ج�غ��راف�ي��ة المحلية وإن منها المكتوب ومنها المحفوظ غيباً ،وقد ألقيت ك��ان ينطلق منها؛ ألن��ه يتحدث بلغة إنسانية ،بجزء كبير من المدوّنات والمذكرات التي كانت في والخصوصية تنطلق من تجربة الشاعر ،وليس حوزتي عندما شرعت في العمل على المجموعة، م��ن تجربة ال�م�ك��ان ،مهما كانت االس�ت�ف��ادة من كما أمليت مقاطع كثيرة منها كانت تنتظر بصبر المكان الذي يعيش فيه الشاعر. في ذاك��رت��ي :لذلك ي��ؤدي الصوت دوراً مهماً في والطموح إل��ى العالمية طموح قديم عرفته هذا العمل في شكل خاص ،ألنه قائم على تقنيات البشرية في األديان والثقافات .وبفضل ما يمتلك صوتية إذا صحّ التعبير ،وعلى كتابة «شفهية».. الشاعر من خصائص ومهارات فنية ،تتمثل في في (أح��زان الفصول األرب�ع��ة)» أروي» حكاية إذاً تصويره بيئته ،وتعبيره عن قضايا ت ُه ُّم اإلنسان، بصوت ع� ٍ�ال ،ولذلك ج��اءت المجموعة الشعرية ٍ فإنه قد يحقق غايته في الوصول إلى العالمية وال �ت��ي ستحقق ل��ه ب��ال �ض��رورة ان �ت �ش��ارًا واسعًا ،مستندة في تكوينها في الدرجة األولى الى منطق المونولوغات. وشهرة كبيرة.
اجلوبة -خريف 1433هـ 113
الشاعر أ .د .أحمد بن عبداهلل السالم > احملرر الثقافي •شاعر العراقة واألصالة ،النابعة من عراقة وأصالة مسقط رأسه دومة الجندل، ذات اآلثار الخالدة في منطقة الجوف .أطلق عليه لقب (متنبي نجد) ،بعد إلقاء قصيدته(دوحة األمجاد) في مهرجان الجنادرية السادس عشر عام 1421هـ(.)1 •شارك في عدد كبير من األمسيات خارج المملكة في أمريكا وكندا ومصر واألردن والجزائر ..ومثل المملكة في عدد آخر من المهرجانات الشعرية واألدبية ،وعدد من المؤتمرات والندوات.. •من مواليد دوم��ة الجندل ،ع��ام 1373ه��ـ .تلقّى تعليمه االبتدائي فيها ،ث� ّم أكمل المتوسط والثانوي في سكاكا ،والجامعي في مدينة الرياض. والصرف ،من جامعة اإلمام محمّد بن سعود ّ •حص َل على درجة الماجستير في النّحو اإلسالميّة عام 1403هـ.. والصرف ،جامعة اإلم��ام محمّد بن سعود ّ •حصل على درجة الدكتوراه في النّحو 114اجلوبة -خريف 1433هـ
• ُع ِّي َن معيداً بكلية اللّغة العربيّة في جامعة اإلمام محمّد بن سعود اإلسالميّة عام 1397هـ.
والصرف بكلية اللّغة العربيّة ّ •عمل أستاذاً في قسم النّحو في جامعة اإلمام محمّد بن سعود اإلسالميّة.
�ص��رف بكلية اللّغة العربيّة •عمل رئيساً لقسم النّحو وال� ّ
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
اإلسالميّة عام 1407هـ..
في جامعة اإلم��ام محمّد بن سعود اإلسالميّة لمدة أربع سنوات.
•عمل عميداً لكلية اللّغة العربيّة في جامعة اإلمام محمّد بن ال لجامعة اإلمام محمّد بن سعود سعود اإلسالميّة ،ث ّم وكي ً
اإلسالميّة لشؤون الطالبات.
إسهامات متنوعة: •رئيس الجمعية العلميّة للغة العربيّة. •رئيس لجنة الشِّ عر الفصيح في مهرجان الجنادرية ،الذي أقيم بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السّ عوديّة.
•عضو رابطة األدب اإلسالميّ العالميّة. •عضو الجمعية العمومية في مؤسسة عبدالرحمن السّ ديري الخيريّة.
•ناقش عدداً من الرسائل الجامعية للماجستير والدّكتوراه، وأش��رف على ع��دد منها ،وبلغ مجموعها أكثر من ستين
رسالة.
•نشر ع��دداً من البحوث والدِّراسات العلميّة المحكّمة في مجال تخصصه.
•شارك في عدد كبير من المحافل الثّقافيّة والنّدوات والملتقيات، والمؤتمرات العلميّة المتخصصة داخل المملكة وخارجها.
اجلوبة -خريف 1433هـ 115
إصداراته األدبيّ ة: •ب� ��وح ال� �خ ��اط ��ر( :دي � ��وان ش �ع��ر) ،م��رام��ر للطباعة االل �ك �ت��رون �ي��ة ،الرياض، ط1997 ،1م. •ص��دى ال��وج��دان( :ديوان ش � � �ع� � ��ر) ،دار غ ��ري ��ب للطباعة ،القاهرة ،ط،1 2006م. •ق� � �ب �ل��ات ع � �ل� ��ى ال� ��رم� ��ل والحجر( :دي��وان شعر)، هبة النيل العربية للنشر والتوزيع2005 ،م. •منهاج الطالب إلى تحقيق ك ��اف� �ي ��ة اب� � ��ن الحاجب �رص� ��اص -دراس� � � � ًة ل � �ل� � ّ وتحقيقاً. •دم� � � � ��وع ف� � ��ي م� ��واج � �ه� ��ة الطوفان( :ديوان شعر). •عندما كنت هناك( :ديوان شعر).
مؤلفات صدرت بحقه: •أدب المصالحة في شعر السالم -للكاتبة الجزائرية د .زهر العناني.
بوح الخاطر (ديوان شعر) ج� ��اء ال� ��دي� ��وان ف ��ي ()116 صفحة ..تتصدره مقدمة لألديب الشاعر أ.د .محمد بن سعد بن حسين أستاذ الدراسات العليا في كلية اللغة العربية بالرياض، والتي قال فيها« :يُمكننا القول ب��أن ه��ذا ال��دي��وان م��ن خير ما صدر في هذه الفترة من دواوين شعرية». قصائده من الشعر الرصين، العريق في الفصاحة ،والمكين ف ��ي األص���ال���ة ،ل ��ه ن �ص �ي��ب من جمال التصوير وروعة التعبير.. ينغمس في الذاتية حينا ،ويؤم قضايا األمة حينا آخر(.)2 وج ��ل ق �ص��ائ��د ال ��دي ��وان من ب��اب م��ا يسمى شعر المناسبات ،وال غَ ��ر َو في ذل��ك ،فالشعر كله بال استثناء وليد مناسبات، وليس أروع وال أجمل من األبيات التالية التي قالها عن الحريق الذي شب في “منى” أثناء حج عام1417هـ. �������ت ال����ح����الُ �������ال آل ِ ع����ي����دٌ أإل�������ى أي ح ٍ ح��ل��الُ ّ ل���م���ا م���ض���ى أم ب���ه���ا ال���ت���غ���ي���ي���رُ
•رسالة ماجستير في جامعة مؤتة في األردن ي���ا ع��ي��د م���ا ف���ي ال��ح��ن��اي��ا ف���رح���ة أب����د ًا وعنوانها (أحمد بن عبدالله السالم شاعرا). وال�����ن�����ار ب���ي���ن ض����ي����وف ال����ل����ه تختالُ •رس��ال��ة دك��ت��وراه ف��ي نيجيريا ف��ي جامعة ض��ج ال��ح��ج��ي��ج وم���اج���وا وال���دخ���ان غدا الجوس بعنوان (التراكيب النحوية في شعر ه�����و ال���ش���ه���ي���ق ل����ه����م وال�������ن�������ا ُر ش��ل��الُ السالم). 116اجلوبة -خريف 1433هـ
���ى س����امِ ���ب ال����ح����ي����ا َة ل���ك���لِّ م���عْ ���ـ���ـ���ن ً ي���ه���ـ ُ
وحشاشتي وقد ضم هذا الديوان تجارب مختلفة شملت بالشعر أشكو ُحرقتي ُ وبِ ����������هِ ُأب�������������دِّ دُ وح���شَ ���ـ���ـ���ـ���ت���ي وظ��ل�ام����ي ال��وع��ظ وال�ح�ك�م��ة ،ف�ي�ق��ول ف��ي ق�ص�ي��دة «عظة والشعرُ إنْ طابَ اللِّقاءُ مؤانِ سي واعتبار». ���ح���سَ ���ـ���ام���ي وإذا ب�������هِ عَ ��������جَّ ال����لِّ����ق����ا ف ُ ���اك م���نْ وَطَ ����رِ ُخ��ـ��ذْ م��ا ي��ن��وبُ��ك ف��ي دن���ي َ ف���أ ْن���ـ���تَ م����نْ ه����ذه ال����دُّ نْ��ي��ا ع��ل��ى سَ فَرِ قبالت على الرمل والحجر ��ك ل���ل���دُّ نْ���ي���ا وز ُْخ���رفِ ���ه���ا ت����ر ْك����تَ ن��فْ ��سَ ��ـ��ـ َ ������ك ت��ن��ه��ـ��اه��ا ع����ن ال���خَ ���طَ ���رِ وم�����ا رأيْ������تُ َ
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
ق���د ح���ل م���ا ك����ان م����ق����دور ًا ول���ي���س لنا ف����ي ص�����دِّ م����ا ق�������دَّ َر ال���رح���م���ن مثقالُ
عاطرٍ وشوا القصي َد بكلِّ لفْ ٍـظ ِ ُّ
(ديوان شعر)
قصائد ه��ذا ال��دي��وان ال��ذي يقع ف��ي ()128
وي�ق��ول شاعرنا إن للشعر دوراً جمالياً في ص�ف�ح��ة م��ن ال �ق �ط��ع ال �م �ت��وس��ط ،ت �ض��وع حباً، الحياة ،فيصفه بالعاطفة الجياشة ،القادرة على ووفاء لألرض التي يعشقها الشاعر منذ نعومة أظفاره ..فقد جاءت قصيدة (حب الديار) فاتحة إبكاء الناس وإطرابهم.. هذا ال��دي��وان ،لتظهر مدى ولع الشاعر السالم ال����ش����عْ ����ـ����ـ����ـ����رُ م������ا أب�����ك�����ى وم�������ا أط����رب����ا بوطنه ،فيقول في مطلعها: أح����ـ����ل����ى ومَ ����ـ����ـ����ا أع����ذب����ا ال����ش����ع����رُ م�����ا ْ ش�������وق س�������رى ب����ي����ن ال����ض����ل����وع وت����اه����ا ����ت أط���� َر َب ْ ���ب م���ا ْ ���ح ُ ���س ْ ال��ش��ع��رُ ع���ن���دي ال ُّ ��������ب م������ن أه�����واه�����ا رف�����ق�����ا ب����ه����ا ي������ا ح َّ ��������روض م����ا أعشبا ُ ال���ش���ع���رُ ع��� ْن���ـ���دي ال ف�����ت�����ان�����ة م����ل����ك����ت ف�������������ؤادي وارت������م������ت السما وج������ َه َّ ���ب ْ ���ح ِ ���س ْ ����ف ث������و ُْب ال ُّ أو ل َّ ف�����ي�����ه ب�����ك�����ام�����ل ح����س����ن����ه����ا وب����ه����اه����ا الخلَّبا أض���ـ���ـ���ح���ى ب���� ْرقَ����ه����ا ُ ف���ال���ش���ع���رُ ْ ����������س أعْ �����������داؤ ُه أ ْو حَ �����ـ�����ـ�����الَ دونَ األن ِ ���س���بْ���سَ ���ب���ا ���ك ال َّ ���س��� َل���ـ���ـ���ـ َ ك������ان إل�����يْ�����هِ ال���م ْ
م����ا زاد ف����ي ش���ج���ن���ي ودل�������ه خ���اط���ري وأب���������������ان ض�����ع�����ف إرادت�����������������ي إال ه���ا ول��م تقتصر وج��دان�ي��ات��ه على مسقط رأسه
����اس إ َّال بِ ���ـ���هِ ه������لْ ط�������ابَ ل����يْ����لُ ال���� َّن����ـ����ـ ِ أو ح������لَّ إال ف�����ي ال���ن���ش���ي���د ال�������رُّ بـا؟ (مدينة دوم��ة الجندل) بل شملت م��دن سكاكا، وال��ري��اض ،ومكة المكرمة والمدينة المنورة.. وي�خ��اط��ب فيه ال�ش�ع��راء ط��ال�ب�اً منهم إبداع فحب ال��وط��ن دوم �اً هاجسه ،والتغني بأمجاده الشعر الجميل ،ال��ذي يمتلئ بالحياة ،ويبين أن ومواطن قوته ديدنه ،وهو الخالد ما بقي (الرمل) الشعر سلواه في الشكوى ممّا يُكابده ويحرق و(الحجر) ،والباقي ما بقيت الصحراء بنقائها، حشاشته ،وهو مؤنسه في الوحدة ،وض��وؤُه في والجبال بشموخها.. الظالم فيقول: ول� ��م ي �خ��ل ش��ع��ره م ��ن ت �س �ج �ي� ٍ�ل للمواقف يا معشَ َر الشعراءِ قولوا ،وان ِْظموا ف���ال���ش���ع���رُ ل���ل���ش��� َع���ـ���ـ���ـ���راءِ خ����يْ����رُ وِ س�������امِ اإلنسانية والهموم التي نعيشها جميعا ،ففيه
اجلوبة -خريف 1433هـ 117
يُ َذ ِّك ُر بقضيتنا األولى المتمثلة في (القدس) التي ال تزال مستباحة من قبل اليهود الغاصبين أعداء
األمة والدين ..فيقول:
ع�����اث ال���ي���ه���ود ف�����س�����اد ًا ف����ي طهارتها �����رى لسيدنا ك����أن����ه����ا ل�����م ت����ك����ن م�����س ً ع����اث����وا وق�����د مُ ���لِ ���ئ���وا ك����ب����ر ًا وغطرسةً ف��ال��غ��رب أع��ط��ى ع��ن��ان األم����ر والرسنا ق�����د أم����ه����ر ال�����غ�����رب إس����رائ����ي����ل ذمته ف��ل�ا ت���ل���وم���وا وق�����د أض���ح���ت ل���ه���م وثنا ه����م ش���ي���دوه���ا ل���ك���ي ت��ب��ق��ى سفيرتهم ف������إن ب���غ���ت أوس����ع����وه����ا م�����دح�����ةً وثنا وي�ض��م ال��دي��وان ت�ج��ارب مختلفة تمثلت في
الوعظ والحكمة وغيرهما ،فيقول في قصيدة «عظة واعتبار».
���اك م���نْ وَطَ ����رِ ُخ��ـ��ذْ م��ا ي��ن��وبُ��ك ف��ي دن���ي َ ف���أ ْن���ـ���تَ م����نْ ه����ذه ال����دُّ نْ��ي��ا ع��ل��ى سَ فَرِ ��ك ل���ل���دُّ نْ���ي���ا وز ُْخ���رفِ ���ه���ا ت����ر ْك����تَ ن��فْ ��سَ ��ـ��ـ َ ������ك ت��ن��ه��ـ��اه��ا ع����ن ال���خَ ���طَ ���رِ وم�����ا رأيْ������تُ َ
*** كما أصدر السالم ديوانا بعنوان( :دم��وع في
مواجهة الطوفان) ،الذي يقع في 94صفحة من
القطع المتوسط ،ويتكون من 15قصيدة هي: قيام دولة فلسطين ،على لسان إرهابي تائب ،من
أنا الواقع العربي ،تنهدات من أقصى الحنجرة، وا مسلماه (عن المجاعة في تشاد والنيجر) ،إلى
جنة الخلد يا شيخ ياسين ،المهمل المهم ،حقيبة اآلم ��ال أل��م وح�س��رة على وف��اة الطفل (محمد
( )1مجلة اليمامة -العدد 1641السبت 1421/11/2هـ. ( )2من مقدمة الديوان أ .د .محمد بن سعد بن حسين.
118اجلوبة -خريف 1433هـ
ال���درة) ،بغداد َم ��ن للرصافة والكرخ؟ ،وقفة واع �ت �ب��ار ،غزة وص � ��رخ � ��ة لم ت� � �ص � ��ل ،رم� ��ز ال� � �ت� � �س � ��ام � ��ح، إن ال� �ن ��اص ��ر ال� � �ل�� ��ه .فيما ي �ق��ع ال ��دي ��وان ال� � � �خ � � ��ام � � ��س (ع��ن��دم��ا كنت ه������ن������اك) في مجلة اليمامة – العدد (-)1641 السبت 1421/11/2هـ 128صفحة من القطع المتوسط ،ويتكون من 30مقطوعة شعرية ه��ي :ال��دار البيضاء ،القلعة الخضراء، الهوى المغرب ،القريات من ،وحي المكان ،أيام ف��ي طنجة ،مشاعر ف��ي المشاعر ،إه ��داء إلى سكان حي الفالح ،من جوار الحرم النبوي ،حداء االفتتاح عندما كنت هناك ،وفاء بحروف الهجاء، ألبطالنا ف��ي جبل ال��دخ��ان ،أي��ام ف��ي الجزائر، جلوس في مكتب تشرشل ،ياقوتة الصيف تحية، الدار مسافر ،خلجات ساكن ،عيون الحسا ،أبها وأخوها ،على ضفاف األطلسي ،خلجات زائر، م�ه��داة إل��ى منتدى الجمعة ،ألنها مصر ،شكر وعرفان ،قصيدة بمناسبة زيارة صاحب السمو الملكي األم�ي��ر خالد الفيصل لجامعة اإلمام، تحية طيبة ،موكب اإلخ�ل�اص ،خيمة العروبة، تحية عمان ،في اليابان ،تحية مغير السرحان عزف على نظام الدكتور تيمور.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ي صلة جمالية؟ الشعر والصناعة ،أ ُّ > عبدالغني فوزي*
الصناعة في اللغة هي كل علم أو فن يمارسه اإلنسان حتى يمهر فيه ،ويصبح حرفة ل��ه .وه��ي في االصطالح ترتبط بفن القول ال��ذي ال يخرج مخرج االرت��ج��ال؛ بل مخرج التروي واإلمعان في النظر قصد السبك والصقل. والحديث ع��ن الصناعة بمعناها االصطالحي يحيلنا للحديث عن الشعر ،باعتبار هذا األخير كثيرا ما يُعرف بكونه صناعة ترقى ،لتصبح إبداعا وخلقا. و حين يتم الربط بين الشعر والصناعة ،فال نقصد أنه صناعة كباقي الصناعات ،بل هو صناعة متميزة ومنفردة ،ألن الصانع /الشاعر يعتمد خاللها على مشاعره ومتخيله وتجربته ..وتلك أدوات صناعته أو قل خلقه. وق��د اختلف التصور العربي لمفهوم
ه��ذه الصناعة فيها ،كما كانت عليه من
ال �ص �ن��اع��ة ال �م��رت �ب��ط ب��ال�ش�ع��ر باختالف قبل ،تبعا للتحوالت ودور الشعر الطالئعي العصور والسياقات ،ففي العصر الجاهلي ضمن ذلك. ُع ��دَّ ال�ش�ع��ر دي��وان��ا ل�ل�ع��رب ،ف�ه��و تصوير
إن ه��ذا ال�م�ع�ن��ى ال�م�ع�ط��ى للصناعة،
لحياتهم ولواقعهم .فكانت بذلك صناعته
يختلف ع��ن التصنيع ال �م��رادف للزخرفة
مرتبطة بتقاليد وعادات ال يمكن الخروج
وال��زي �ن��ة وال �ت �ك �ل��ف ..ول ��م ي �ك��ن الشعراء
عنها .أم��ا العصور التالية ،فقد اختلفت
يعيشون بعيدا عن هذا الجو من التصنيع
اجلوبة -خريف 1433هـ 119
والزخرف .ومن ثَ ّمً ،نخلص إلى أن الشعر المرحلة وفقرات تاريخ الكتابة .فحين تمر قبل أن يكون وسيلة للتعبير عن األحاسيس
هذه األخيرة لمسا على التاريخ واالجتماع
وال �م �ش��اع��ر ،ف �ه��و ص�ن�ع��ة ي �ل �ت��زم خاللها
البشري على منعطفاته ،ال يمكن أن تكون
الشاعر بمجموعة من القوانين واألحكام التي فرضها عليه عصره .لذا كان التنافس والتعارض روحاً داخلية تدفع الشعر ليرتاد آفاقا أوسع.
إال رصدا خالقا وبكامل العدة الخلفية. الشعر اليوم في منطقة من الوجدان وال �ت �خ �ي �ي��ل م� �ه ��ددة ب��ال��زح��ف بأشكاله المختلفة .لذا ،من الضروري الدفاع عن
يتضح م��ن خ�ل�ال م��ا س�ب��ق أن مفهوم مساحته داخل األنساق ؛ وتحديد بصمته الصناعة المرتبط بالشعر ،تطور مع تطور ف��ي عالئقه بالخطابات األخ ��رى .ول��م ال
الزمن والشعر نفسه .فبعدما كانت صناعة تبنيه كمشاريع تنخرط في المرحلة ،وتعلن قيادتها الخاصة ولو بالوهم الذي يخلخل الشعر تقوم على الوصف وترديد الصور النمط ،ويبث رعشات التمدد في األوصال نفسها ،أصبحت تدريجيا تعني التعبير عن المحنطة. شيء ما ،ضمن حلم أوسع وهو ما يقتضي األمر في تقديري ،ال يقتضي تصريف اإلبداع والحرية. فهل يمكن الحديث اآلن فيما نقرأه من شعر معاصر عن صناعة وصقل ،أي أن الشاعر على علم بأدواته ،إلحاطة أشمل وتعبير أبلغ ومتخيل أعمق؟
الشعر عبر المؤسسة كقراءات وتوقيعات،
ب��ل االش�ت�غ��ال عليه ،كخطاب ذي وظيفة وش��رط وج��ود .ف�لا مفر إذن م��ن اإلقرار بخصوصية صوته وامتداداته في مسالك المجتمع وال �ح �ي��اة .الشعر ب�ه��ذا المعنى
اآلن نحن أم��ام ن��ص متشابه ،منسوخ لصيق بطين الحياة كافتراض وطريقة لها
م��ن دون ط��اق��ة أو إض��اف��ة .ويغلب ظني، أن الخصوصية تأتي أساسا من االشتغال
هندستها الخاصة؛ وليس كنغمة في واد، تقتضي المسامرة واالن�ص��راف بعد ذلك
على النص كأداة سابحة في الشعر عموديا للشؤون التي تحرس شأنها على السطح وأف�ق�ي��ا ،أي التموضع ف��ي زاوي ��ة م��ا بين دون عمق وجدان ورحابة أفق. * شاعر وكاتب من المغرب.
120اجلوبة -خريف 1433هـ
> عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد*
من الناس من يقف أمامها ليبصق..
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
املـــــــرآة
ومن الناس من يقف أمامها ليحلِ ق.. ومن الناس من يقف أمامها ليدقق ويتأنق.. وقليل منهم من يقف أمامها ليُحقق مع هذا الكائن المشبوه ويتحقّ ق.. قال صاحبي :عجيب اختراع المرآة هذا ،وأظن متجوّز ًا أنه قد ولدت معه مرحلة جديدة لإلنسان مع نفسه في رحم التاريخ! وقد كان مستوحش ًا شارد ًا ال يدري أهو هو؟ ويتكسر وال ّ أم هو هو؟ منذ وقف يتأمل وجهه وجسده وهو يتماوج على صفحة الماء يستقر .حتى انعكاسه على الحجر؛ مالمح حادّة وحتى كمال االنعكاس ،مرحلة استأنس اإلنسان فيها نفسه قبل أن يسوسها ثم يوسوس بها وال يكاد يفهمها ،بل يضيق بها ذرعاً، وقد ساء ظنه بها وببني جنسها! قال :أتحدى من يستطيع التحديق بنفسه بالمرآة لمدة نصف ساعة فقط دون أن يتكلم أو يفعل شيئاً! ج�رّب هذا وستكتشف أنك لست أن��ت! وربما ترى أنك بحاجة للبكاء! وربما تخاف وتجفل ،وال تستطيع النظر بعد ذلك لوجهك إال خطفاً! هذا إذا لم تصب بالسبكتروفوبيا (مرض الخوف من المرآة). من ه��ذا يا تُ��رى؟ ال��ذي تعودت أن يراه ال �ن��اس ه��و ي ��راك اآلن ،وأن ��ت وإي ��اه وجهاً لوجه.. نعم من السهولة بمكان أن تعيش وأنت تحملك وتحمل وجهك معك ،تتفاهم معه
م��ن ب�ع�ي��د إن ك��ان��ت ع�لاق �ت��ك م��ع نفسك ليست على ما يرام ،أو من قريب إن كنتما متصافيان متصالحان ،لكن في كل األحوال ال تقابل بينكما وال انكشاف حقيقي! يمنحك استطاعة القول «قبل أن كان هو ،كنت أنا». ق��ال ص��اح �ب��ي :آخ��ر م��رة رأي �ت �ن��ي فيها تختلف كثيراً عن آخر مرة! تغيرت مالمح كثيرة فيني ،وتغيرت مالمح كثيرة داخلي، وتلقيت هزائم وانكسارات؛ فهل هذا الذي أراه ال �ي��وم ه��و أن��ا ب��األم��س؟ أش��ك كثيراً! وإذا ك��ان لي من األم��ر ش��يء ..فمن الخير أال أرى هذا المخلوق المخيف بعد اليوم؛
اجلوبة -خريف 1433هـ 121
ألنه سيفضح اآلخ��ر المزيف ال��ذي أعرفه تماماً أعمق وأهم من الوجه ،تتفحص الروح وترى النفس وقد تواطأت معه على الكذب؛ فأستره ويسترني وتسبر مراكز الحس والشعور والخيال بأضعاف ونتبادل الكلمات واللكمات من دون أن يشعر بنا أضعاف ما يحصله أعظم روحاني فيلسوف! أحد ،ومن دون أن يعاتبني أو أعاتبه! قال صاحبي :عش تجربة العمى ،ولو لساعتين ولكم أن تتخيلوا أحداً لم يشاهد نفسه في مرآة بين أهلك ،واختبر النتيجة! قط! كيف سيجد نفسه حين يضيع؟! كيف يعرف ثم اطلب مرآة وامسكها بيمينك وتأمل وجهك نفسه وسط الزحام؟! وإذا اشتُبه به كيف يستطيع بعمق وتركيز -وأن��ت ال ت��زال مغمض العينين؛أن يجزم بمالمح وجهه وقسماته؟! ولكن ماذا لو كان ال يؤمن بالوجه معرّفاً محدداً له؟! لعدم ومنه -وبكل العمق والتركيز -انفذ لخاليا روحك مصداقيته بزعمه من جهة ،ولتالعبه بصفاته من ومغزى وجودك ،واختبر النتيجة! جهة أخرى ،ولدن ِّو درجته في ميزان التفاضل أمام ق��ال :وال�ش�ي��ب! تلك قصة أخ��رى م��ن لعنات العقل والخلق والدين ويوم الدين من جهة ثالثة. المرآة! التي تأبى إال أن تُظهر وقاره عاراً!! مثل هذا هل ستتغيّر نظرته لنفسه لو رآها ح ّقاً؟ لو رأى وجهه بالتحديد! وعيني رأسه بتحديد أدق! ألنها بوابة الوجه والروح والشعور! طيب جاز لنا أن نرى جزءاً من جسد اإلنسان ال له. داالً على ما سواه ودلي ً ولكنه حكم م�ج��روح حين ال�ش�ه��ادة منه على مجترحات المرء من األعمال! وهنا يخبرنا األثر أن المؤمن مرآة أخيه.
قال :والمرأة! المرأة هي المرآة .مرآة القيامة
والقتامة! مرآة الروح والخيال والجسد هي .مرآة النور والحب والسكن وال�س�لام .أو ..أو ..مرآة الحُ طام!
ق ��ال :وأوش� ��و! وال �ك �ل��ب! وال�ت�ن�ف��س! والمرآة!
نصيحة لبشر غير:
«حين تشعر بالتوتر في معدتك؛ امش كالكلب
وأن��ت تلهث ،أخ��رج لسانك من فمك وام��ش كما
وف��ي ج��ان��ب ُم�خ��ات��ل؛ ال ينافس ال �م��رآة رعباً الكلب ،وسترى أن التوتر ب��دأ ي��زول .افعل ذلك وتوقفاً وتساؤالً شيء مثل الصورة الفوتوغرافية لنصف س��اع��ة ليس أك �ث��ر ،وس �ي��زول الغضب أو والتسجيلية الحيّة .الحابسة ال الظل وح��ده ،بل الحزن أو اإلحساس بالكآبة. ال ال ��روح وال�ج�س��د وال�ن�ف��س لتكون ش��اه��داً جمي ً ادخ��ل غرفتك واف�ع��ل ه��ذا ،ق��ف أم��ام المرآة ومثيراً لكوامن الذكرى ،وإنما الحياة الذكريات ال الشباب كما يقول شيخ علي رحمه الله؛ أو ناضحاً وانبح ،تكلم بأسلوب الدمدمة .افعل ذلك لثالثة ببشاعة الحاضر حسب زاوية الرؤية ومدى الرضا أسابيع ليس أكثر .وستشعر أنك حر ،حر كلياً في تصرفك ،ولن تتعرّف إلى التعاسة» اهـ كالمه واالتزان! وأصارحك في الختام :القوي هو الذي ال ينظر
ولكن ما ب��ال الكفيف ،أي��ن م��رآت��ه؟ إن��ه يملك أعظم مرآة في هذا الوجود! ولكنها مرآة منعكسة في المرآة سوى مرة واحدة في العام! واألقوى منه على الداخل تتفحص الوجه من داخله بل ما هو الذي يحمل المرآة معه في جيبه. 122اجلوبة -خريف 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
من روائع الشعر العربي..
«أما جلميـل عندكن ثواب» > نورا العلي*
أبو فراس الحمداني ,ابن عم سيف الدولة الحمداني ,قُ تِ ل والده وهو في سن مبكرة، فنشأ في كنف سيف الدولة الذي اهتم بتعليمه وتأديبه ,وبدت عليه عالمات النجابة والفروسية ,فقلّده إمارة مقاطعتي منبج وحرّان ,فأحسن فيهما ..وأظهر براعة في الذود عنهما. تمكن الروم من أبي فراس في إحدى المعارك ,فوقع أسيرا ,وقيل إنه مكث في األسر ثالث سنوات ,وقيل أربع ،وفي بعض الروايات سبع سنوات. كتب أثناء أسره الكثير من القصائد لسيف الدولة ,يطلب فيها مفاداته من األسر, ويستغرب لماذا لم يبادر إلى ذلك مبكرا ,واختلفت الروايات في سبب إبطاء سيف الدولة في ذلك ,وربما كان النشغاله في أحوال البالد ،وباألحداث التي تعرضت لها حلب آنذاك, وقيل إنه تعمد إبقاءه في األسر خوفا على إمارته منه. واألس���ر ال ��ذي وق��ع ف�ي��ه ش��اع��رن��ا ,من مخاطبا الحبيبة في خطاب يعبر عن جميع المؤكد أنه كان لسوء حظه ,وفي المقابل النساء,في تنكرهن لمحاسن الرجل عند أي كان لحسن حظ األدب والشعر ومتذوقيه ,إساءة تبدر منه فيقول: حيث كتب خالله أجمل قصائده التي تنم عن أم�������ا ل���ج���م���ي���ل ع����ن����دك����ن ث�����واب شاعرية فذة ,وعاطفة صادقة ,وفن شعري, وال ل����م����س����يء ع����ن����دك����ن م���ت���اب وصياغة رائعة متفردة ,بأعذب العبارات واألل �ف��اظ ..تلك التي عرفت بالروميات ,لقد ض��ل م��ن ت��ح��وي ه���واه خريدة نسبة إلى أسره من قبل الروم. وق����د ذل م���ن ت��ق��ض��ي ع��ل��ي��ه كعاب وت� �ع ��د ق �ص �ي��دت��ه ال� �ت ��ي م �ط �ل �ع �ه��ا «أم ��ا وهنا أحسبه يتواطأ مع المتنبي الذي لجميل عندكن ث��واب» م��ن أجمل قصائده نعت المرأة بمثل تلك الصفات ,وكأنه يربت على اإلط�لاق ,تلك التي يقول في بدايتها على كتفه في نهاية أبياته فيقول:
اجلوبة -خريف 1433هـ 123
ك������ذل������ك أخ������ل�����اق ال������ن������س������اء ورب�����م�����ا ي��ض��ل ب��ه��ا ال���ه���ادي ،وي��خ��ف��ى ب��ه��ا الرشدُ
آث�������������������رت ح���������������زن ال��������ب��������ع��������د ع����ن����ك ع���������ل���������ى م�������������������������������رارات ال��������ت����ل���اق��������ي
ويتابع أبو فراس ويتحدث عن ضبطه لنفسه, إذاً فليس إال االنكفاء على الجرح واالنسحاب على خالف من يذل للكواعب الحسناوات فيقول :بشموخ ,والزمن كفيل بتضميد وتطبيب الجراح. ول���ك���ن���ن���ي – وال����ح����م����د ل���ل���ه – ح�����ازم
ويقول أبو فراس في بيت آخر:
أع��������������ز إذا ذل��������������ت ل�������ه�������ن رق�����������اب ص������ب������و ٌر ول��������و ل������م ت����ب����ق م����ن����ي بقية ق������������ؤولٌ ول��������و أن ال�����س�����ي�����وف ج������واب وال ت���م���ل���ك ال����ح����س����ن����اء ق���ل���ب���ي كله حري بمثله أن يتصف بالصبر في أشد األيام وإن م�����لّ�����ك�����ت�����ه�����ا رق�������������ة وش�������ب�������اب ض��راوة وق�س��اوة ,فماذا بعد األس��ر ,ومثله يجهر ويوافقه في ذل��ك الشاعر الدكتور محمد بن بالقول الحق ,وال يخشى سطوة سلطان« ,قؤو ٌل إبراهيم السعيدي حين يقول: ولو أن السيوف جواب» ،كأنه يحتذي قول الرسول وم���������ا أن���������ا م�����م�����ن إن ت�����ع�����لّ�����ق غ���������اد ًة صلى الله عليه وسلم «إن من أعظم الجهاد ,كلمة ي�����ه�����ـ�����ون ع����ل����ي����ه ق�����������دره واق�����ت�����ـ�����ـ�����داره حق عند سلطان جائر». وفي البيت التالي ،تساؤل مقهور ،ينم عن خيبة ف�����دى ل���مُ ���ق���ام���ي ف����ي ال�����رج�����ال أوان�����س ل����ه����ن م���ك���ي���ن ال����ح����س����ن فُ �������ك م����ح����اره أمل في األص��دق��اء ,حيث ال قوة– إذ هو حبيس أسير – وال ناصر ،فيقول: إلى أن يقول: ب����م����ن ي����ث����ق اإلن�������س�������ان ف���ي���م���ا ي���ن���وب���ه أق��ل��ب��ي خ��ص��ي��م��ي م���ا خ��ص��ام��ك بالذي وم������ن أي������ن ل���ل���ح���ر ال����ك����ري����م ص���ح���اب؟ ي����ج����ل����ل����ن����ي ,ل������و ق������د أط����ع����ت����ك ع������اره ث��م ي�س�ت�ط��رد وي �ص��ف ب�ع��ض ال �ن��اس بصفات ومن أجمل األبيات فيها قوله: ذكرتني بكتاب «تفضيل الكالب على كثير ممن لبس الثياب» البن المرزبان ,فيقول: إذا ال����خ����ل ل�����م ي����ه����ج����رك إال م�ل�ال���ة ف�����ل�����ي�����س ل��������ه إال ال���������ف���������راق ع����ت����اب ما أروع العزة واألنفة في الحب ,فحتى العتاب يجرح ,إذا خالط الملل نفس المحبوب ,وال يجدي لوم ,وليس إال البعد والفراق حل للكبد المكلومة.
����اس إِ لاّ أَقَ���لَّ���هُ ���م َو َق����ـ����د ص���ـ���ا َر هَ ���ـ���ذا ال����ن ُ ���اب ذِ ئ����ـ����اب����ـ���� ًا عَ ���ـ���ل���ى أَج�����ـ�����س�����ادِ ِه�����نَّ ثِ ���ـ���ي ُ إِ ل����ـ����ى ال����ـ���� َل����هِ أَش���ـ���ك���و أَ َّن����ـ����ن����ا بِ ���ـ���مَ ���ن���ازِ ٍل ـ��ل�اب َت����ـ����حَ ����ـ����كَّ ����مُ ف����ـ����ي آس������ـ������ادِ ِه������نَّ كِ ���� ُ
يذكرني ذلك ببيت للشاعر الحزين «البردوني» أب��و ف ��راس زهِ ��د ف��ي ال �ح �ي��اة ,وأم �س��ى يقنعه الذي شفّه الحزن ،وبرّح به األلم ،حين قال: ويرضيه القليل وأقل من القليل ,فيقول: ل��������م��������ا وج������������������دت ال�����������ق�����������رب م����ن����ك أم��������������������� ّر م�������������ن س���������ه���������ر ال�����������ف�����������راق 124اجلوبة -خريف 1433هـ
����ت أَرض����ـ����ى بِ ���ال���قَ���ل���ي ِ���ل مَحَ بَّةً َوم���ـ���ا زِ ل����ـ ُ ���اب ����ك َوم����ـ����ا دو َن ال���ـ���كَ���ث���ي���رِ ِح���ج ُ َل����ـ���� َدي َ
وم����ا ن��اف��ع��ي أن ت���رف���ع ال��ح��ج��ب بيننا ودون ال���������ذي أم�����ل�����ت م����ن����ك ح���ج���اب وهنا وقفة مع البيت األجمل ,حيث يبين حقيقة الود الخالص ,الذي ال تحكمه مصالح ,وال يرتبط بمطامع وأغراض ,فليس إال الصدق واإلخالص, ونقاء النية والطوية ,فيقول: ��ض ال يُ��ر َت��ج��ى لَهُ َك���ـ���ذاكَ ال���ـ���وِ دادُ ال��مَ ��ح ُ �����واب وَال ُي���ـ���خ���ش���ى عَ ���ـ��� َل���ي���هِ ِعـقاب َث�����ـ ٌ ويقول في البيت الذي يليه: وق��د كنت أخشى الهجر والشمل جامع وف���������ي ك�������ل ي���������وم ل����ق����ي����ـ����ـ����ـ����ةٌ وخ�����ط�����اب
أم�����ن ب���ع���د ب�����ذل ال���ن���ف���س ف��ي��م��ا تريده ��������اب؟ ������������اب ب�����مُ ����� ّر ال����ع����ت����ب ح����ي����ن أث ُ ُ ُأث وفي البيت حسرة تقطع أوصال القلب ,إذ يزرع المعروف في غير موضعه,
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أين شاعرنا من الشاعر الذي ال يقنعه القليل, وال يرضيه إال ما هو محجوب ومستور ,فيقول:
يقول أبو فراس في ذلك:
كحسرة الشاعر القائل: ي�����ا أب������ا ال����ق����اس����م ال�������ذي ك���ن���ت أرج������وه ل�������ده�������ري ق����ط����ع����ت م�����ت�����ن ال������رج������اء ويقول في موضع آخر من القصيدة: َت��ـ��غ��ا َب��ي ُ��ت عَ ��ـ��ن َق��ـ��وم��ي فَ���ظَ ���نّ���وا غَ باوَتي �����راب بِ ����ـ����مَ ����ف����رِ ِق أَغ���ـ���ب���ان���ا حَ ���ـ���ص���ىً َو ُت�����ـ ُ َو َل����ـ����و عَ ���ـ��� َرف���ون���ي حَ ���ـ���قَّ َم���ـ���ع���رِ فَ���ت���ي بِ هِ م
ذلك أن العاقل (يشقى في النعيم بعقله) ،ويعلم ����دت َوغ���ـ���اب���وا إِ ذ ًا عَ ���ـ���لِ ���م���وا أَ ّن����ـ����ي شَ ����ـ����هِ ُ أن الحياة ال تبقى على ح��ال ,وتتبدل بين يسر وعسر ,واجتماع وفرقة ,فمن (س��ره زمن ساءته فيما سبق يوضح أبو فراس جانباً من شخصيته أزمان).. الفذة النادرة ,فمن ذا الذي يحاول إخفاء ذكائه، وقد ذكرني بيت أبي فراس هذا ببيت ابن زريق وستر حكمته ,في وقت كل يدعي فيه صحة الرأي البغدادي الذي يقول: ورجحان العقل ,لينال المدح واإلط��راء ,وقد قيل ق���د ك��ن��ت م���ن ري����ب ده����ري ج���ازع���ا فرقا ف����ل����م أوق ال���������ذي ق�����د ك����ن����ت أج����زع����ه فابن زريق لم يحتط ألمره,ولم يستجب لهواجس نفسه ومخاوفه,حتى وقع فيها.
«حب الثناء طبيعة اإلنسان». وكأنه هنا يتمثل البيت القائل: ل�����ي�����س ال�����غ�����ب�����ي ب����س����ي����د ف�������ي ق����وم����ه ل������ك������ن س������ي������د ق�������وم�������ه ال����م����ت����غ����اب����ي
أحيانا تختلط علينا األمور ,وال نعلم أين يكمن الخلل ,أهو في الثقة الزائدة والحب المفرط؟ أم العيب في من أحببناهم ومنحناهم أجملنا ,فظنوا قومه ,أليس هو القائل: أن «كل ما يفعل المليح مليح»! «لنا الصدر دون العالمين أو القبر»
شاعرنا سيد ال�ح��رف وأم�ي��ر الكلمة ,وسيد
* كاتبة من السعودية -القريات.
اجلوبة -خريف 1433هـ 125
عوامل الهجرات السكانية إلى مكة املكرمة خالل العصر العثماني
املؤلف :د .مها بنت سعيد سعد اليزيدي الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 2012 :م تمثل الهجرة إلى مكة المكرمة نموذجاً أم اقتصادية أم اجتماعية .غير أن البحث ح�ي�اً وم�ث��ال�ي�اً للهجرات السكانية؛ فمنذ ف��ي ال �ت��اري��خ االج�ت�م��اع��ي لمكة المكرمة أ ْن َم��نَّ الله عليها ب��أن تكون مهد رسالة ما ي��زال بحاجة إل��ى المزيد من الدراسة
اإلسالم ،توافد إليها الكثيرون من مختلف والتنقيب في المصادر التاريخية ،لتشكيل أنحاء العالم ،واستقروا بجوار الحرم المكيِّ ص��ورة أكثر وض��وح �اً ع��ن ت��اري��خ المجتمع الشريف ،وأصبحوا بثقافتهم وحضارتهم المكيِّ خالل عصوره التاريخية المختلفة. جزءاً أساسياً من تاريخها ،على الرغم من في هذا الكتاب ال��ذي يقع في ()286 اختالف الجنس واللغة والعادات والتقاليد، فكوّنوا مجتمعاً امتاز عن غيره من بقية صفحة ،درس��ت الباحثة عوامل الهجرات
المجتمعات األخرى.
السكانية إلى مكة المكرمة خالل العصر
وقد تعددت اهتمامات الباحثين بدراسة العثمانيِّ ،التي امتازت بزيادتها واتساعها، ال �ت��اري��خ ال �م �ك��يِّ ل�م��ا للمدينة م��ن مكانة فشملت مختلف أنحاء العالم اإلسالمي، مقدسة ف��ي ن�ف��وس المسلمين ،وتعددت ومثلت مرحلة انتقالية مهمة ف��ي تاريخ
محاور تلك الدراسات ،سواء كانت سياسية الهجرات إلى هذه المدينة المقدّسة. 126اجلوبة -خريف 1433هـ
الناشر :دار الرمك للنشر – جدة
ع��ن دار ال��رم��ك للنشر ف��ي ج���دة ،ص ��در كتاب (أبجدِ يَّات الحُ بّ ) ،وهو عبارة عن ثمانية عشر مقاال ف��ي( )118صفحة من القطع المتوسط ،تذهب بها الكاتبة إل��ى سبر أغ��وار ال ��روح ،وتحفز الكامن من الطاقة بها ،لتدفع باإلنسان من الحالة السلبية وكل ما يترتب عليها إلى الجانب المضيء والخير الساكن فينا ،لحالة إيجابية تصل باإلنسان إلى مرحلة من ال �ه��دوء والسكينة ال�ت��ي نحتاجها ه��ذه األي ��ام بفعل الضغوط الحياتية التي نعيشها.. «الصدق بمعنى آخر هو أكبر تصالح مع الذات؛ ألنه يولد داخلك قناعة بنقائصك ونقاط الكمال فيك ،أي ال يجعل منك نسخة معادة بل معدلة .حتى أنه يجعلك تبدع في إيجاد حلول ألي عارض في مشوار حياتك. يصيبك بالتهيؤ للغد بشكل أكثر رقياً وإنسانية» .هذا مقطع مما كتب على خلفية الكتاب ،ويبدو جليا أثر اشتغال إلهام الجعفر في التدريب والتطوير الذاتي للفرد ،واهتماماتها في البرمجة العصبية اللغوية ،أثر ذل��ك بشكل ج��دي لكي تخوض وتعطي جل خبرتها العملية ،ليصبح الكتاب مادة جيدة جدا لمن يبحث عن النجاح ويحمل رؤىً للتطلع لألمام.
املؤلف :عمران عز الدين الناشر :ممدوح عدوان للنشر والتوزيع -دمشق
ق�������������������������������������������������������������راءات
أبجد َّيات ُ احل ّب الكتاب : ِ إلهأم َ اجلعفر ّ الشمري املؤلف َ :
الكتاب :موتى يقلقون املدينة
تقع المجموعة ف��ي ( )111صفحة من القطع المتوسط ،وتضم بين دفتيها ( )13قصة قصيرة .ومن بعض عناوينها: «وقائع يوم األربعاء ،رجالن وحلم واحد، مشهد رمادي في شارع الموت ،أنا وهو والرجل الشفاف». تتطرق المجموعة لجدلية الموت عبر ميتات م�ت�ع��ددة وتشريحية ،أسطورية وع�ب�ث�ي��ة وف��ان �ت��ازي��ة وه��زل �ي��ة ووجودية وفجائعية ،وتندرج قصصها ضمن وحدة عضوية كما لو كانت فصوالً متتابعة في عمل روائ��ي متكامل .أج��واء المجموعة س��اخ��رة وك��اف �ك��اوي��ة ب��ام �ت �ي��از ،منكسرة وقاتمة على حد سواء ،وهي تصور مآل اإلنسان المطحون الذي قد يختصر في حلم ممرض ،أو كابوس مزعج ،من خالل سعيه البرومثيوسي للظفر بحياة أفضل، في واقع قيض له أن يكون بائساً ومزرياً، ع�ل��ى ه��ذه األرض ،ال �ت��ي ه��ي لألقوياء فقط.
اجلوبة -خريف 1433هـ 127
الكتاب :رائحة الفحم املؤلف :عبد العزيز الصقعبي الناشر :أثر للنشر والتوزيع 2012م
الكتاب :حدثتني فقالت املؤلف :عبدالكرمي النملة الناشر :دار أزمنة للنشر والتوزيع2011 ،م -عمان ،األردن
مجموعة من النصوص القصصية والشعرية،
رواية تقع في مائة صفحة من القطع المتوسط.. وفيها نتساءل( هل هي رواي��ة أم قصيدة حزن؟) ص ��درت م��ؤخ��را لعبد ال�ك��ري��م ال�ن�م�ل��ة ،بعنوان ه��ذا السؤال يطرح نفسه عليك كلما أوغلت في (حدثتني فقالت) ،وتقع في ( )121صفحة من القراءة حتى إذا ما شارفت النهاية وجدتها أنها القطع المتوسط رواية وقصيدة في آن معاً. إنها نصوص تجمعك بكثير م��ن التفاصيل
رائحة الفحم" هي أكثر من رواية ،وهي إضافة شعرية ح��اول ال ��راوي م��ن خاللها أن يشير إلى التي يرسمها النملة بأدواته الخاصة في رصد عالقة التالزم بين الحياة والموت ،فهما وجهان جزئيات الحبكة القصصية ،ليقدم لك تفاصيل لعملة واحدة ،ووجود أحدهما شرط لوجود اآلخر، ال��زم��ان منسوجة بتفاصيل المكان ،والتي جاء فهل تتحقق هذه القراءة في المتن الروائي؟.. منها :بوضوح ،نهاية ،شقاء ،عالقة ،فناء ،حقيقة، ي�ق��ول ال��دك�ت��ور "ح�س��ن ح�ج��اب ال �ح��ازم��ي" في تعليقه على الرواية "بل إن أحدث تقنيات البناء لم قصاص ،سطو ،فزع ،ماض. تغب عن الرواية السعودية ،فعبد العزيز الصقعبي وق ��د ح �م��ل اإلص � ��دار م�ج�م��وع��ة أخ� ��رى من بنى حبكة رواي �ت��ه ( رائ �ح��ة ال�ف�ح��م) على الزمن ال�ن�ص��وص ال�ش�ع��ري��ة ،ال �ت��ي ضمها النملة إلى النفسي ،ومعروف أن تنظيم الحبكة الذي يستند ن�ص��وص��ه القصصية ج��ام�ع��ا ف��ي إص� ��داره بين إلى الزمن النفسي مرتبط بمدرسة تيار الوعي". فني السرد والشعر ،ومن القصائد التي ضمنها أما د .محمد صالح الشنطي فيقول( :يتكئ الصقعبي في روايته هذه على منظورات متعددة للقص ،تتمثل في الشاعر إلصداره :جرح ،أمي ،في ظالل العتمة، مواقع الراوي ووجهة النظر ،أو ما يسمى "رؤية العالم") .حنين ،وهم ،شوق مستقبل ،إليها ..أشتاق. 128اجلوبة -خريف 1433هـ
من إصدارات اجلوبة
اجلوبة -خريف 1433هـ 129
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية