درا�سات ونقد ن�صـــــو�ص مواجهـــــات نوافـــذ منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته السادسة
آثار
المملكة :إنقاذ ما يمكن إنقاذه
38
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط الخا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط الخا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 04 626 3455فاك�س � - 04 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 01 201 5494فاك�س � - 01 201 5498ص .ب 10071الريا�ض 11433 nashr@asfndn.com
الـمحتويــــات
العدد 38 �شتاء 1434هـ 2013 -م منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
6.........................
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن
الجوف تحت�ضن منتدى الأمير عبدالرحمن ال�سديري في دورته ال�ساد�سة
امل�شرف العام �إبراهيم احلميد �أ�سرة التحرير حممود الرحمي ،حممد �صوانة �أمين ال�سطام ،عماد املغربي الإخراج الفني خالد الدعا�س املرا�سالت توجه با�سم امل�شرف العام ّ
هاتف)+966()4(6263455 : فاك�س)+966()4(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
ملف العدد� :آثار المملكة� ..إنقاذ ما يمكن �إنقاذه 6 ............................ ّ�ص ال�شِّ عري ال�سّ عودي في بناء المواطنة ..دي��وان: درا�سات ونقد� :أث��ر الن ّ (غواية بي�ضاء) لمالك الخالدي �أنموذج ًا -د� .إبراهيم الدهون ال�شعراء ال�سعوديون ن �ق��اداً« ..ق��راءة في مفهوم ال�شعر ل��دى ال�شعراء
42
ال�سعوديين» -د .بدر بن علي المقبل 52 ..................................... مالمح الخريطة الإبداعية فى المملكة العربية ال�سعودية � -أ.د .خالد فهمى 62 ..................................................................... رواية “تراب الغريب” الموت على قيد الحياة� ،أو الحياة على ذمة الموت! حنان بيروتي 69 ...........................................................ق�ص�ص ق�صيرة :ن�صو�ص -عبداهلل ال�سفر 74 ...............................
قواعد الن�شر � - 1أن تكون املادة �أ�صيلة. - 2مل ي�سبق ن�شرها. - 3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. - 4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. - 5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً
النا�شـــــــــر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
53....................... د .بدر المقبل: ال�شعراء ال�سعوديون نقاد ًا
لحن الغربة -ليلى الحربي 75 ............................................... تحية كرباجية � -سمية البوغافرية76 ........................................ ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -ح�سن علي البطران 78 .............................. ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -ح�سن برطال 79 ..................................... ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا � -شيمة ال�شمري80 .................................... �شعر :متى �أراك؟! -مالك الخالدي81 ..................................... بائع اليا�سمين � -سيد جودة 82 .............................................. ر�سال ٌة �إلى ن�سرٍ عجوز � -أبو الفرج عبدالرحيم ع�سيالن 83 .................. كائنات تمار�س �شعيرة الفو�ضى � -إبراهيم زولي84 ..........................
86....................... حوار مع ال�شاعر والمفكر زياد ال�سالم
المهاجر � -سليمان عبدالعزيز العتيق85 ....................................... مواجهات :حوار مع ال�شاعر والمفكر زياد ال�سالم -عمر بو قا�سم 86 ........ حوار مع الروائي �صالح القر�شي -عمر بو قا�سم93 ......................... حوار مع الكاتب والروائي ال�سعودي فهد العتيق � -أحمد الدمناتي 99 ........ نوافذ :قراءة �أخرى للم�شهد الأدبي في المغرب :الجوائز الأدبية� ...أو�سمة
�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م -
�أم فخاخ �أم �شهادات وفاة؟ -ه�شام بن ال�شاوي 106 ..........................
1990/1/27م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج
القراءة الإلكترونية معركة القرن -مر�سي طاهر 113 ........................ ق�صيدة النثر العربية بين �أزم ��ة الم�صطلح وف��و��ض��ى النقد العربي
امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية ،و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي ،كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف اجلوف ،بوقف م�ستقل ،من �أ�سرة امل�ؤ�س�س ،لل�صرف على هذا املركز -الفرع.
2
االفتتاحية 4 ...................................................................
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
د .عبدالنا�صر هالل117 ......................................................
106...................... ه�شام بن ال�شاوي الجوائز الأدبية� :أو�سمة �أم فخاخ..؟
الكتاب بين التجويد والت�سليع -ماجد �سليمان120 ............................ عين على الجوبة :د .فهاد بن معتاد الحمد123 .............................. قراءات124 .................................................................. :
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
3
■ �إبراهيم احلميد
جاء اختيار (الآثار في المملكة العربية ال�سعودية � -إنقاذ ما يمكن �إنقاذه) ،كعنوان لندوة منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري في دورته ال�ساد�سة ..وعلى �أر�ض الجوف - المقر الرئي�س للم�ؤ�س�سة ،عنوانا بالغ الأهمية ،ومو�ضوعا اقت�صاديا هاما� ،إذا ما �أخذنا في االعتبار ما لهذا المو�ضوع من �أهمية ع�صرية ،وما تمثله الآثار من �إرث ح�ضاري وتاريخي، للمملكة ب�شكل عام ..ولمنطقة الجوف ب�شكل خا�ص ،والتي كانت ت�سمى ب «جوف الدنيا»، والذي ما �إن يتناهى �إلى �سمعنا حتى يتبادر �إلى الذهن عراقة التاريخ والجذور الممتدة �إلى �أعماق الأ�صالة ،فالجوف هي جوف الدنيا التي يفاخر �سكانها بهذا الم�سمى كما يقول الرحالة «جورج اوج�ست» عام 1845م. �إن موقع الجوف على طرف الوطن ال�شمالي ،قد منحه ح�سا�سية الأطراف حيث اكت�سب على مدى الزمن ،ثقافة متميزة ت�ضاف �إلى ثقافة الوطن الأكبر المتنوعة ..منطقة الجوف الحائرة بين الجزيرة العربية وال�شمال ،كانت على ال��دوام ملتقىً للثقافات والح�ضارات ال�صعُد ،حيث يذكرنا المنتج المتعاقبة ،مما و�سم هذه المنطقة بطابع مختلف على كافة ُّ الثقافي بثقافاته ال�شعبية والفلكلورية واللغوية بثراء المنطقة وعظم تاريخها ،كما يذكرنا المنتج الزراعي المتميز ،والذي يجمع بين زراعات البحر المتو�سط والجزيرة العربية بثراء المنطقة الزراعي ،وثراء موقعها على م�ستوى الطق�س وم�ستوى وفرة المياه. يقول الرحالة الفنلندي «ج��ورج �أوج�ست وال��ن» الذي زار الجوف عام 1845م �إن �سكان الجوف كانوا يفاخرون بت�سميتها «جوف الدنيا» لأنها تقع على بعد مت�ساو تقريب ًا من مختلف �أقطار الجزء ال�شمالي من الجزيرة العربية وجنوبها ،وهي بغداد ودم�شق والقد�س وحائل. 4
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
افتتاحية العدد
وتعتبر منطقة الجوف �أول موقع ا�ستوطنه الإن�سان في جزيرة العرب قبل �أكثر من ( )3٫1مليون �سنة ،وذلك في موقع ال�شويحطية الأث��ري ح�سب �أراء الآثاريين الذين ي�ؤكدون عراقة تاريخ المنطقة ،وفق ًا لما هو مدون في الن�صو�ص الأثرية والتاريخية، ووفق ًا لل�شواهد والقالع والح�صون والمكت�شفات الح�ضارية الموجودة في مدن المنطقة، مما ي�ؤكد �أن بداية الح�ضارة في الجزيرة العربية كانت هذه المنطقة ،والتي انتقلت منها �إلى جنوب الجزيرة العربية ،كما عرفت هذه المنطقة في تاريخها خم�س ملكات ،كانت الملكة بلقي�س �إحداهن ،والتي انتقلت بدورها �إلى جنوب الجزيرة العربية. ففي ه��ذه المنطقة ظهرت مملكة �أدوم��ات��و بدومة الجندل في القرن الثامن قبل الميالد ،و�شهدت ب�أهميتها الدولة الأ�شورية التي جي�شت الجيو�ش لغزو بالد العرب في دومة الجندل ،وفق ًا للجداريات المر�سومة حتى اليوم ،والمحفوظة في متحف اللوفر بباري�س ،كما �شهدت ب�أهميتها مملكة تدمر في القرن الثالث الميالدي عندما غزتها ملكتها زنوبيا ،كما اتجهت �إليها الأنظار عندما غزاها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم، وكتب �إلى �أهلها كتابا ،ثم غزوة خالد بن الوليد لها ،وفي ح�صول حادثة التحكيم ال�شهيرة بين على ومعاوية بها ،وكان للمنطقة ال�سبق في مفاخرة �أهل مكة بالزهو ،عندما علمتهم القراءة والكتابة على يد �أحد �أبنائها ،وهو «ب�شر بن عبدالملك» �شقيق «الأكيدر» ملك دومة الجندل �أثناء الفتح الإ�سالمي لها ،والذي �أبقى لنا ذلك في ق�صيدة خالدة ،وها هي �شواهد التاريخ واقفة حتى اليوم تدل على عمق الح�ضارة الإن�سانية التي عا�شتها هذه المنطقة طوال تاريخها.. �إن �أهمية هذه المنطقة بين المناطق المحيطة بها ال تقف عند حد ،ك�أهم و�أو�سع باب رئي�س في �شمال الجزيرة العربية ولجته موجات متالحقة من الهجرات الب�شرية في �شمال الجزيرة العربية ..مما ي�ؤكد البعد الح�ضاري لهذه البالد . و�أهمية مثل هذا المنتدى ت�أتي في ت�سليط ال�ضوء على �آثار المملكة ،و�أثار الجوف تحديدا ،حيث تعاني هذه الآثار من مخاطر بات الوعي بها مطلبا وطنيا ،وهذا ما خرجت به �أوراق العمل المقدمة في ندوة المنتدى (الآثار في المملكة العربية ال�سعودية � -إنقاذ ما يمكن �إنقاذه) ،حيث تحظى منطقة الجوف بمقومات �آثاريه و�سياحية ت�ؤهلها لتحقيق مركز متميز على خارطة الآثار وال�سياحة في المملكة ،وتتطلع المنطقة �إلى ا�ستغالل هذه المقومات في �أن�شطة الجذب ال�سياحي ،من خالل اهتمام وت�شجيع الدولة لإقامة الم�شاريع ال�سياحية ،ودعم اال�ستثمار في هذا المجال من خالل الحفاظ على المواقع الأثرية ،و�صيانتها ،واالهتمام بها ،و�إنقاذها من �أية مخاطر تتهددها. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
5
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
آثار
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
الجوف تحت�ضن منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري في دورته ال�ساد�سة بعنوان: المملكة :إنقاذ ما يمكن إنقاذه
8 – 7محرم 1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م) ■ �إعداد :حممود الرحمي -عماد املغربي*
�ضمن ال��ب��رن��ام��ج ال�����س��ن��وي لمنتدى الأم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن �أح��م��د ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية ،ا�ست�ضافت م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية بمقرها في مدينة �سكاكا بمنطقة الجوف دورة المنتدى ال�ساد�سة ،والتي كانت بعنوان (�آثار المملكة العربية ال�سعودية �إنقاذ ما يمكن �إنقاذه) ،ولمدة يومين خالل الفترة من 2012/11/22-21م ،بم�شاركة عدد من ذوي االخت�صا�ص في المملكة العربية ال�سعودية.
آثار 6
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
المملكة :إنقاذ ما يمكن إنقاذه
وك��ان �شخ�صية المنتدى لهذا العام برنامج المنتدى اف� � ُت� � ِت ��ح ال��م��ن��ت��دى ي � ��وم الأرب � �ع� ��اء الأ� �س �ت��اذ ال��دك �ت��ور ع�ب��دال��رح�م��ن الطيب 2012/11/21م ،وت�ضمن كلمات ،رئي�س الأن �� �ص��اري ع��ال��م الآث���ار ال�م�ع��روف على م�ج�ل����س �إدارة م��ؤ��س���س��ة ع�ب��دال��رح�م��ن الم�ستويين الداخلي والخارجي. افتتح �أع�م��ال المنتدى رئي�س مجل�س ال�سديري الخيرية ،في�صل بن عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري ،والدكتور عبدالرحمن �إدارة الم�ؤ�س�سة ،في�صل بن عبدالرحمن بن ال�شبيلي ،ع�ضو هيئة المنتدى ،وقد �شملت �أحمد ال�سديري ،بكلمة رحب فيها ب�ضيوف فعاليات المنتدى -ول�ل�م��رة ال��راب�ع��ة – الندوة وح�ضورها ال�ك��رام ،الذين ج��اءوا تكريم �شخ�صية متميزة لها �إ�سهام وا�ضح لي�شهدوا انطالقة فعاليات المنتدى في ف��ي مجال الآث ��ار تناولت مو�ضوعه ن��دوة دورته ال�ساد�سة الذي يعد �أحد المنا�شط المنبرية ال��دوري��ة التي تقيمها م�ؤ�س�سة المنتدى. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
7
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
عبدالرحمن ال�سديري الخيرية ،وتحر�ص من خاللها على تناول بع�ض المو�ضوعات المعا�صرة، الجديرة باالهتمام على م�ستوى الوطن. و�أ� �ش��ار �إل��ى �أن المنتدى ت�ن��اول ف��ي دورات��ه الخم�س ال�سابقة مو�ضوعات �شملت: •الهيئات الخيرية ال�سعودية بعد �أح��داث الحادي ع�شر من �سبتمبر ،الآث��ار و�سبل تجاوزها. •الأزم��ة المالية العالمية وتداعياتها على االقت�صاد ال�سعودي. •النظام الق�ضائي ف��ي المملكة العربية ال�سعودية. •ال��ن��ظ��ام ال�صحي ف��ي المملكة العربية ال�سعودية. •الإدارة المحلية والتنمية. وف��ي ه��ذا العام ،اختارت هيئة المنتدى �أن ي�ك��ون مو�ضوع المنتدى ل �ل��دورة ال�ساد�سة هو (الآث��ار في المملكة� :إنقاذ ما يمكن �إنقاذه)، ا�ست�شعارا منها لما لهذا المو�ضوع من �أهمية ع�صرية ،وم��ا تمثله الآث ��ار م��ن �إرث ح�ضاري وتاريخي� .إذ يجري تناول هذا المو�ضوع بالبحث والطرح والنقا�ش في ن��دوة المنتدى التي تبد�أ جل�ساتها في اليوم التالي بم�شاركة مجموعة من العلماء والمتخ�ص�صين من الهيئة العامة لل�سياحة والآث��ار ،ومن عدد من كليات ال�سياحة والآثار بالجامعات ال�سعودية ،وبم�شاركة خبراء و�أ�ساتذة متخ�ص�صين في المجاالت االقت�صادية والعلمية واالجتماعية والإعالم.
8
رئي�س مجل�س الإدارة في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري
مكتباتها العامة ،وتقدمه برامجها لدعم البحث والن�شر ،وتحييه من منا�شطها المنبرية ،لجدير بنا �أن ننوّه ب�أن هذه الم�ؤ�س�سة ،ومثلها م�ؤ�س�سات وجمعيات ومبادرات �أُخر كثيرة في �أرج��اء هذا الوطن ،ما كان لها �أن تعمل وتعطي وتثمر لوال اهلل جل وعال ،ثم هذه الدولة الر�شيدة التي و�ضعت الأ�س�س ،و�شرّعت الأبواب ،وقدمت العون ،لتمكن كل ذي همة من الإ�سهام بما يجود بخدمة وطنه والرقي به. وج��دي��ر ب��ي ك��ذل��ك �أن �أ��ش�ي��ر �إل ��ى �أن ه��ذه الم�ؤ�س�سة الثقافية غير الربحية ال�ت��ي تعود جذورها �إلى ن�صف قرن خال ،هي من بنات فكر م�ؤ�س�سها –يرحمه اهلل -الذي تحمل ا�سمه ،رجل ال جدال في �أنه من �صميم ثقافة هذا المجتمع، ومن منبعه الأول الأ�صيل. نعم ،هنا وجه م�شرق لدولتنا ،ح��ريٌّ بنا �أن ن�شيد ب��ه ،ونحيط بما تمخ�ض ع�ن��ه ،ونحفظ مكا�سبه ،ون�ضيف �إليها. ونعم ،هنا وج��ه �أ�صيل لثقافتنا ،ي�سمو �إلى الريادة ،وي�شع بالنور ،ويبعث �إلى الأمل.
وقال رئي�س مجل�س الإدارة� ،إننا ونحن ن�سعد و�أ�شار في�صل ال�سديري �إلى �أنَّ هيئة المنتدى ب�أن يكون لهذه الم�ؤ�س�سة �شرف الإ�سهام بخدمة ل �ه��ذا ال �ع��ام اخ��ت��ارت ع��ال�م��ا � �س �ع��ودي��ا ،ليكون الثقافة في وطننا العزيز من خ�لال ما توفره �شخ�صية المنتدى المكرمة في هذا الحفل ،وهو اجلوبة � -شتاء 1434هـ
مثال للعالم الذي بذل الكثير من الجهد والوقت في �سبيل خدمة قطاع الآثار في المملكة� ..أ�ستاذا جامعيا وباحثا ميدانيا ُم َنقِّبا ومُكت�شفا و ُم َوثِّقاً.. وم�ؤلف ًا للعديد من الكتب والمطبوعات في مجال الآث��ار والح�ضارة ال�سعودية .هو �سعادة الأ�ستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأن�صاريً � ،شخ�صية منتدى الأمير عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية في دورته ال�سادة لهذا العام. وقدم رئي�س مجل�س الإدارة ال�شكر والتقدير �إلى جميع من �شارك الم�ؤ�س�سة برعاية المنتدى، و�إل��ى �أع�ضاء هيئته..كما �أ��ش��اد ب��الأخ الكريم خليفة مف�ضي الم�سعر ،والأبناء �أنجال المغفور له �إن �شاء اهلل الدكتور عارف مف�ضي الم�سعر، على �إهدائهم مكتبته الخا�صة ..وقوامها نحو كتاب ومرجعٍ علمي ،وه��و �أم��ر ال ي�ستكثر �أل��ف ٍ من مثلهم ،ودع ٌم لمكتب ِة �أقيمت من �أجل �أبناء الجوف. وفي الختام ،دعا اهلل عز وجل �أن يحفظ لهذه البالد خ��ادم الحرمين ال�شريفين وول��ي عهده الأمين ،و�أن يوفقهم اهلل لكل ما يحبه وير�ضاه.. عر�ض لكلمة �صاحب ال�سمو الملكي تال ذلك ٌ الأمير �سلطان بن �سلمان بن عبدالعزيز رئي�س الهيئة العامة لل�سياحة والآثار ،الذي عبر فيها عن �سعادته واعتزازه بم�ؤ�س�سة الوالد عبدالرحمن ابن �أحمد ال�سديري على هذه الأعمال الخيرة والطيبة والوطنية ،وتمنى لو تمكن من الح�ضور، لكن ارتباطه بمنا�سبة في جدة مع مقام �سمو ولي العهد حال دون ذل��ك ،وقد حيَّا الم�ؤ�س�سة على اختيار ه��ذا المو�ضوع ،وه��ذا ال�ع�ن��وان.. وتمنى على المنتدى الذي يجمع نخبة من العلماء الأفا�ضل �أن يخرج بمبادرات وتو�صيات ي�ستفيد الجميع منها.. وقال �سموه� :أحب �أن �أب�شركم �أن الدولة بقيادة
�صاحب ال�سمو الملكي الأمير �سلطان بن �سلمان بن عبدالعزيز
�سيدي خ��ادم الحرمين ال�شريفين يحفظه اهلل، َتوَجُّ هها دائما على �أن نحيي االهتمام بالآثار ب�شكل كبير ،وهذا ما تم – بحمد اهلل – بالآثار الوطنية، وتراثنا الوطني .وقد �صدر وهلل الحمد كثير من الأوام��ر ال�سامية الكريمة ،وكثير من المبادرات التي موَّلت ،وفي الطريق �إن �شاء اهلل ،م�شاريع منظورة ،ومنها م�شاريع في منطقة الجوف. وتابع �سموه قائال :الجوف منطقة عزيزة على قلوبنا جميعا ،وهي منطقة ثرية وتاريخية، ولها �أهمية في بناء تاريخنا الوطني؛ �أوال ،بد�أ تاريخها و�أعمال �أهلها الطيبة بتاريخ هذا البلد، والوحدة الوطنية� ،إن �شاء اهلل؛ ثم بما تحويه من تراث و�آثار لها عمق كبير جدا في تاريخ بالدنا، وت�شكل ج��زء ًا ال يتجز�أ من منظومة ما ن�سميه: «البعد الح�ضاري للمملكة». بعد ذلك �ألقى الدكتور عبدالرحمن ال�شبيلي كلمة هيئة المنتدى ،قال فيها :من بين الندوات التي عقدها هذا المنتدى في �سنواته الما�ضية، ج��اء ه��ذا ال �ل �ق��اء �سهال م�ي���س��ورا ف��ي اختيار مو�ضوعه ،وف��ي انتقاء ال�شخ�صية المكرمة، وزاد هذا الي�سر بها ًء �أنْ ي�أتي اقتراح المو�ضوع من �أحد �أبناء منطقة الجوف ،فما كانت هيئة المنتدى لتتردد في اختيار المو�ضوع ،وهي تدرك اجلوبة � -شتاء 1434هـ
9
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
�أن المنطقة وما حولها ،ت�ؤكد البعد الح�ضاري لهذه البالد ،وهي تختزن على ظهرها وفي جوفها �أعرق م�ستودع �أثري في الجزيرة العربية ،يقدّره الدكتور عبدالرحمن الأن�صاري ب�آالف ال�سنين؛ �إذ تدل الحفريات وال�شواهد على �أن دومة الجندل كانت �أحد مواطن ح�ضارة الأ�شوريين منذ القرن العا�شر قبل الميالد ،وعهد البابليين منذ القرن ال�ساد�س قبل الميالد� ،أما ال�شويحطية فيعدها الباحثون �أق ��دم الم�ستوطنات الب�شرية على الإط�لاق في غربي �آ�سيا منذ الع�صر الحجري القديم؛ �إذ يقدر تاريخها بمليون عام على عُ هدة الرواة. وم��ا ك��ان لهيئة المنتدى �أن ت �ت��ردد �أي�ضا في �إق ��رار العنوان الفرعي للندوة (�إن �ق��اذ ما يمكن �إنقاذه) ،وهي تعلم �أننا ت�أخرنا كثيرا في االكت�شاف والتنقيب والحفريات والدرا�سات ،بل وفي حماية الآث��ار وا�سترداد ما نهب منها عبر القرون ،و�أننا �سائرون كذلك ببطء في عر�ض ما تم اكت�شافه في متاحف المناطق ،وفي تنظيم المحميات الأثرية و�صونها ،وتوفير المرافق، وتي�سير و�صول المواطنين وال�سواح والدار�سين �إليها.
د .عبدالرحمن ال�شبيلي
10
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وا�ستطرد د .ال�شبيلي قائال� :إننا في هذا المنتدى ،ومع مجموعة من �أميَز المتحاورين والعلماء والمو�ضوعات ،نتكا�شف ح��ول و�ضع الآث�� ��ار ،وت �ب��ث ال���ش��وي�ح�ط�ي��ة ودوم� ��ة ال�ج�ن��دل ومدائن �صالح وجواثا والأخ��دود وال��ردة والفاو وغيرها �شكواها و�آمالها وتطلعاتها ،من خالل كلمات �صريحة و�أفكار �صادقة ،ينقلها المنتدى للم�سئولين ،كعادته في كل دورة. وق��ال� :إن��ه في ه��ذه المنا�سبة يكون للجوف ولهذا المنتدى� ،سبق تكريم عالم وطني كرَّ�س حياته ال�ستكمال ما بد�أه علما�ؤنا الأوائل ،و�أ�س�س في الجامعة �أكاديمية حديثة لعلم الآث��ار ،وقاد �أول حمالت علمية وطنية منظمة للتنقيب؛ حتى اقترنت الفاو با�سمه ،و�أ�سهم �إ�سهاما مميزا ومقدرا في خدمة �آثار الجوف من خالل بحوثه، وعبر رعاية ن��دوات �أدوماتو ومجلتها الدورية، و�أثرى المكتبة ال�سعودية والعربية بالع�شرات من الم�ؤلفات والأبحاث ،لعل من �آخرها تلك ال�سل�سلة التي َت َت َّب َع فيها ق��رىً ظاهرة على طريق قوافل البخور المعروف بين جنوبي الجزيرة العربية و�شماليها� ،صدر منها �أحد ع�شر كتابا بمختلف اللغات ..من بينها كتابه عن الجوف ال�صادر ع��ام 2008م (وال��ذي تم توزيع �أع��داد منه في هذا المنتدى) ..وقد تتوجت تلك ال�سل�سلة بالآية الكريمة }وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهر ًة وقدرنا فيها ال�سير� ،سيروا فيها لياليَ و�أيام ًا �آمنين{ �سورة �سب�أ ،الآية .18 وق��ال� :إن للأن�صاري تفنيد م�ستقل للعديد م��ن ال��رواي��ات المتوارثة المت�صلة ب��الآث��ار في �شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها ،حتى �صار اليوم مرجعا معتمد ًا في علم الآثار ،ي�ؤخذ بر�أيه بكثير من الت�سليم واالحترام ،و�سندا علميا لهيئة ال�سياحة والآث��ار في عملها المعرفي والتوثيقي والثقافي.
وتابع قائال :واليوم� ..إذ يكرِّمُ منتدانا هذا العلم العلمي البارز ،فهو في الواقع �أه ٌل للتكريم في �أكثر من �صعيد ،ويكفي �أن �أق��ول �إن �شيخ المتقاعدين لم يُلقِ ع�صا الترحال بتقاعده ،بل ظل ي�سير في الأر�ض بهمّة يحمل ع�صاه ب�أف�ضل ما يكون عليه التقاعد من ن�شاط ذهني وبحثي، �إذ ي�شارك في العديد من المجال�س واللجان والن�شاط االجتماعي واال�ست�شاري والخيري، وبمجرد تفرغه م��ن ع�ضوية مجل�س ال�شورى عام 1999م� ،أ�س�س دار القوافل للبحث والن�شر ف��ي م�ي��دان ال��درا��س��ات التاريخية والح�ضارية والأثرية ،التي �أ�صدرت حتى الآن ما يزيد على ع�شرين كتاب ًا وع�شرات المطويات التعريفية في مجال تخ�ص�صها. ثم قدم الدكتور �سعد بن عبدالعزيز الرا�شد �شخ�صية المنتدى فقال� :إن المطلع على ال�سيرة الذاتية للأ�ستاذ الدكتور الأن�صاري يجد �أنه لم ينقطع عن العلم والمعرفة ،منذ �أن بد�أ مراحل درا�سته المبكرة في المدينة المنورة ،في وقت ك��ان العالم يعي�ش الحرب العالمية وم�آ�سيها، وكانت بالدنا قد �شهدت اكتمال �إعادة وحدتها على يد الم�ؤ�س�س الملك عبدالعزيز -يرحمه اهلل – وبداية التخطيط لم�سيرة البناء والعطاء .وقد ارتبط التعليم في المدينة المنورة في الدرجة الأول��ى بالم�سجد النبوي ال�شريف ..حيث تقام حلقات تعليم ال�ق��ر�آن الكريم وال�سنّة النبوية ال�شريفة .وقد نال الأن�صاري في بواكير تح�صيله العلمي الن�صيب الأوفر في تلك المرحلة ،وبنى تراكما معرفيا من وال��ده ال�شيخ محمد الطيب الأن�صاري -يرحمه اهلل – �أحد الرواد الأوائل الذين درَّ�سوا في الم�سجد النبوي ،الفقه وعلومه على المذاهب الأربعة الم�شهورة ،وقد اقتطف من والده القر�آن وعلومه ،وتفقه في علم الحديث واللغة العربية و�آدابها ،وانعك�س ذلك على حياة
د� .سعد الرا�شد
الدكتور الأن�صاري و�سيرته العلمية. �أكمل الأن�صاري تعليمه االبتدائي والمتو�سط تح�صل على والثانوي في المدينة المنورة ..وقد ّ بعثة درا�سية �إلى م�صر ،فنال �شهادة اللي�سان�س في اللغة العربية من ق�سم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة القاهرة عام 1380هـ1960/م، وبعد عودته �إل��ى المملكة ُق� ِب��لَ معيدا في كلية الآداب بجامعة الملك �سعود ،ليتم ابتعاثه بعد ذل��ك �إل��ى بريطانيا لإك�م��ال درا�سته العليا في مجال تخ�ص�صه .وق��د ع��اد �إل��ى �أر���ض الوطن عام 1386هـ1966/م حامال معه وثيقة تخرجه لدرجة الدكتوراه من ق�سم الدرا�سات ال�سامية بجامعة ليدز؛ ليكت�شف �أن العلم الذي در�سه ال يتوافق مع مواد ق�سم اللغة العربية ،فتم تعيينه في ق�سم التاريخ ،وقد دل هذا الإجراء على مدى الوعي وبعد النظر لدى الم�سئولين في الجامعة، وعلى ر�أ�سها معالي الأ�ستاذ الدكتور عبدالعزيز الخويطر ،للقبول بعلم جديد يتوقع له التطور والفائدة العلمية في م�ستقبل الأيام. ق��دم الأن���ص��اري حتى الآن نحو مئة م�ؤلف وبحث ومقالة علمية ،تميزت بو�ضوح ال��ر�ؤي��ة اجلوبة � -شتاء 1434هـ
11
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
ور�صانة الطرح .وفي كل بحث �أو م�ؤلف نجد فيه المجتمع والتعليم الم�ستمر ،ورئي�سا لق�سم الآثار الجديد من المعلومات والنظريات التي تحظى والمتاحف ،وع�ضوا في مجل�س ال�شورى ،وغير بالتقدير من العلماء والباحثين. ذلك من المهام التي توالها وما يزال. واختتم د .الرا�شد تقديمه قائال� :إننا نقف وتقديرا ووف��اء للأ�ستاذ الدكتور الأن�صاري �أم���ام ع��ال��م جليل ل��ه ال�سبق ف��ي ال�ب�ح��ث عن من تالمذته الأوفياء في ق�سم الآثار والمتاحف، الآثار والأثر تحت الأر�ض وعلى واجهة الحجر، و�إنجازاته العلمية وا�ضحة وجلية ،وعلى الرغم و�أ�صدقائه في التخ�ص�ص من عرب و�أوربيين، من همومه العلمية وعطائه المتوا�صل في مجال فقد تم �إ�صدار كتاب علمي ي�ضم بحوثا ودرا�سات اخت�صا�صه العلمي� ،إال �أن للأن�صاري ب�صمات علمية موثقة� ،أ�شرفت عليها لجنة علمية برئا�سة تذكر فت�شكر ف��ي جميع المنا�صب والمهمات الأ�ستاذ الدكتور �أحمد بن عمر الزيلعي وطبع التي ت��واله��ا داخ��ل الجامعة وخ��ارج�ه��ا؛ معيدا ه��ذا الكتاب ع��ام 1428ه�� �ـ2007/م على نفقة و�أ�ستاذا م�ساعدا وم�شاركا و�أ�ستاذا ،ووكيال لكلية وزارة الثقافة والإعالم م�شاركة من الوزارة في الآداب وعميدا لها ،وم�شرفا على مركز خدمة تكريم هذا العالم الجليل. وه��ا نحن ال �ي��وم ،نجتمع ف��ي ه��ذا ال�صرح الثقافي الكبير ،وفي منتدى الأمير عبدالرحمن ال���س��دي��ري ل �ل��درا� �س��ات ال���س�ع��ودي��ة ف��ي دور ته ال�ساد�سة ..تكريما وتقديرا للأ�ستاذ الدكتور الأن �� �ص��اري ،ومما ي�ضفي على المكان مزيدا م��ن البهجة �أن�ن��ا ف��ي منطقة �شهدت مخزونا من التراكم الح�ضاري عبر الع�صور ،منطقة الجوف ،بوابة ال�شمال ،المنفتحة على ح�ضارات ال�شرق القديم ،والتي عبر منها القادة الأوائل الذين حملوا ر�سالة الإ�سالم الخالدة �إلى العالم.
12
وف ��ي ن�ه��اي��ة ح�ف��ل االف �ت �ت��اح ق ��ام الح�ضور ب�ج��ول��ة ع��ام��ة ف��ي ال�م��ؤ��س���س��ة �شملت معر�ض ال�صور والإ��ص��دارات التي �شاركت فيه م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية ،والهيئة العامة لل�سياحة والآث��ار،ك �م��ا زاروا المتحف الخا�ص بمقتنيات معالي الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري – يرحمه اهلل. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
فعاليات ندوة المنتدى (الخمي�س 2012/11/22م) جاء اختيار هيئة المنتدى لمو�ضوع الآث��ار في المملكة لهذه ال��دورة ،نظراً لما تمثله الآث��ار في تاريخ الأم��م؛ فهي �أحد مرتكزات التراث الإن�ساني ،وتمثل جزءا من ال�سجل الح�ضاري ،كما تحمل فكراً ور�ؤى لح�ضارات وفترات تاريخية �سابقة لع�صرنا الحا�ضر ،وما تت�ضمنه من دالالت تظهر م�ستوى التطور والتقدم االجتماعي واالقت�صادي والثقافي ال��ذي عا�شه ال�سابقون ،وما يعك�سه للأجيال من دعوة لمزيد من التطلع نحو ا�ستمرار البناء والتطوير في مفردات الح�ضارة الإن�سانية .كما �أن الآث��ار باتت ت�شكل دافعاً مهما في االقت�صاد ال�سياحي في البلدان المعا�صرة، وما يرافقها من تطور في عدد من ال�صناعات المرتبطة بال�سياحة و�صناعتها ،وتطوير المتاحف الوطنية التي تعد معلما ح�ضاريا لأي بلد.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
وغني عن القول �إن الآث��ار بو�ضعها الحالي للأجيال الحالية والم�ستقبلية ،لما يمثله من م��ا ت��زال بحاجة لمزيد م��ن االهتمام ال�شعبي مخزون تاريخي وثقافي وح�ضاري لفترات مهمة والر�سمي للعناية بها ،وحمايتها م��ن مختلف من تاريخ المنطقة. �أ�شكال التعديات؛ �سواء بالإهمال �أو التخريب �أو هدف الندوة النهب؛ ف�ض ًال عن الحاجة الما�سة لحفز مراكز ت�سليط ال�ضوء على �آثار المملكة ،وبيان و�ضعها البحث العلمي والجامعات الوطنية ،لدفع م�سيرة البحث العلمي الميداني ،للتنقيب والك�شف عن الحالي ،و�إب ��راز �أهمية العناية بها وحمايتها الآث��ار وترميمها وتطوير مواقعها ،لتكون مواقع م��ن مختلف �أن ��واع التعديات ��س��واء بالتخريب �أو النهب �أو التجارة �أو الإهمال ،و�إب��راز الدور �سياحية جاذبة لل�سياحة ،ومحفّزة للم�ستثمرين، ال��ذي يمكن �أن ت�سهم فيه في تنمية ال�سياحة، لإقامة م�شروعات �سياحية و�صناعات مرافقة، واقتراح ت�صور عام لإثارة االهتمام العام بالآثار توفر المزيد من فر�ص العمل للعديد من �أبناء الوطنية و�ضرورة المحافظة عليها ،كونها تمثل ال��وط��ن؛ ما ي�سهم في دع��م االقت�صاد الوطني جزء ًا من التاريخ الإن�ساني والح�ضاري ،وتمثل وبرامج الت�شغيل المحلية. �أبعاد ًا اقت�صادية في الدولة ،والت�أكيد على الدور كما �أن االه�ت�م��ام ب��رع��اي��ة الآث� ��ار الوطنية الإعالمي في هذا المجال. وال �ت��راث المحلي ي�ل��زم �أن ينطلق اب �ت��داء من محاور الندوة ال��ن��ط��اق المحلي ،تنظيما ورع��اي��ة ،بم�شاركة مختلف ف�ئ��ات المجتمع ال�م��دن��ي ،ف�ض ًال عن .1الواقع الحالي للمناطق الأثرية في المملكة. �إثارة االهتمام بحمايته و�صونه بحكم كونه ملك ًا .2االه �ت �م��ام ب ��الآث ��ار؛ الأب��ع��اد االج�ت�م��اع�ي��ة،
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
13
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
والثقافية ،والح�ضارية ،واالقت�صادية. .3جهود الهيئة العامة لل�سياحة والآثار. .4الر�ؤية الم�ستقبلية للعناية بالآثار. .5الخطوات الم�أمولة من الدولة والمجتمع والمواطن. .6نتائج ا�سترداد الآثار.
14
كلمة االفتتاح اف�ت�ت��ح ال��دك �ت��ور ��س�ل�م��ان ب��ن عبدالرحمن ال�سديري ال�ن��دوة بكلمة رح��ب فيها بالح�ضور والم�شاركين ،في انطالقة جديدة لمنتدى الأمير عبدالرحمن ب��ن �أح�م��د ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية ،ال��ذي يُعد �أح��د المنا�شط المنبرية التي تقيمها الم�ؤ�سـ�سة دورياً ،وت�سعى من خالله �إل��ى ت�ن��اول مو�ضوعٍ ذي �أهمية على الم�ستوى ال��وط �ن��ي ،و ُي��دع��ى ل��ه ال�م���س�ئ��ول��ون وال���ش��رك��اء الآخرون ذوو العالقة واالهتمام ،لتداول وجهات النظر لتحقيق الأهداف الآتية: � -1إبراز �أهمية المو�ضوع وت�سليط ال�ضوء عليه. � -2إت��اح��ة الفر�صة ل�ط��رح الآراء ومناق�شتها ب�أ�سلوب علمي ومهني. -3ب �ل��ورة ال �خ �ي��ارات وم�ن��اق���ش��ة الإي �ج��اب �ي��ات وال�سـلبيات ،وربما الو�صول �إل��ى �سيا�سات تراعي الم�ستجدات المعا�صرة ،تكون قابلة لكي تنفذ لخدمة المجتمع� ،سعيا نحو تحقيق الم�صلحة العامة. -4و�أخ�ي��ر ًا ولي�س �آخ��راً� ،إتاحة الفر�صة لأكبر عـدد ممكن من ال�ضيوف من خارج منطقة الجـوف ل��زي��ارة ه��ذه المنطقة م��ن وطننا الغالي والتعّرف عليها. وقد �أ�شار د� .سلمان ال�سديري �إلى �أن مو�ضوع الندوة لي�س بجديد ،فقد �سبق طرحه وتناوله م��رارا وت�ك��رارا ..ولكن ..ك��أن ذلك لم يحـدث، وهذا في حـد ذاته لي�س غريب ًا �أو م�ستغرب ًا في اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الجل�سة الأولى �أدارها الدكتور عبداهلل الم�صري وا�شتملت على الأوراق التالية: الورقة الأولى للأ�ستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأن�صاري بعنوان: الواقع الحالي للآثار في المملكة العربية ال�سعودية
�أكد د .الأن�صاري في ورقته �أ َّن المناطق الأثرية في المملكة ما تزال بحاجة لمزيد من الجهود واالهتمام، على الرغم من الجهود التي تبذلها مختلف الجهات الر�سمية ذات العالقة.
د� .سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري
المجتمعات ع��ام��ة .ولأهمية ال�م��و��ض��وع ..ف��إن الهيئة ال�ت��ي ت�شرف على �أع �م��ال المنتدى لم تتردد �أبد ًا في اعتماده ،لي�س فقط لأهميته على الم�ستوى الوطني ،ولكن كذلك لأهميته البالغة لهذه المنطقة ب�شكل خا�ص ،وه��ي التي -كما �أ�شار الدكتور عبدالرحمن ال�شبيلي -تُخزِّ نُ على ظهرها وف��ي جوفها �آث ��ار ًا ثمين ًة تج�سّ د البعد الح�ضاري لهذه البالد ،وتوفّر خيارات متاحـة يُمكننا ا�ستثمارها ا�ستثمار ًا م�ستدام ًا نافعاً، يتطور ويتفاعل مع �أولوياتنا كمجتمع ،ومن �ش�أن مثل ه��ذه اال�ستثمارات �أن تعود بالفـائدة على المجتمع المحلي ،وت�سهم في تنمية المناطق وال��م��دن وال� �ق ��رى ،وت��وف��ر ك��ذل��ك م��زي��د ًا من فر�ص العمل ،كما تطور ال�صناعات التقليدية وال�سياحية ذات العالقة. واختتم د .ال�سديري كلمته بقوله :لك�أنَّ ل�سان حالي يقول ويت�أمل �أن ر�سالة هذه النـدوة ،وهذا المنتدى هي �أن الآثـار والموروث الوطـني حالته م�ستع�صـية ،وتحـتاج �إلى لفـتة حانية وقوية ،لي�س فقط من جانب الدولة ،بل الأه��م من ذلك ما نت�أمله من الوطن ومن المواطـن على ال�سواء.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
وقال �إن الآثار في المملكة على �أ�صناف ،منها ما �أتيحت له خدمات ال�صيانة والتطوير والحماية ،ومنها ما يتعر�ض للتخريب والتعديات من فئات ال تدرك �أهميته الح�ضارية والتاريخية ،وبع�ضها ما يزال بانتظار الك�شف العلمي والتنقيب ..ليقدم لنا وللأجيال المقبلة معلومات مهمة عن تاريخ هذه المنطقة المهمة من العالم؛ �إذ نكاد ال نجد مكاناً �إ ّال وقد نقب فيه ،فهواة الآثار الذين ال يح�سُّ ون بالم�سئولية ينب�شون ويعبثون بكل موقع �أثري ي�صلون �إليه ،وال �أدل على ذلك مما حدث في قرية الفاو؛ �إذ �أن ال�شاهد الأثري الوحيد على �أهمية المعبد اقتلع من مكانه ،وال ندري �أين ذهب ،وال ندري من فعل ذلك .كما �أن طريق ال�سكك الحديدية المو�صلة �إلى المدينة المنورة ال تجـد محطة من محطاتها �إ ّال وقد حفرت ،ذلك لأن و ْه َم الذهب هو ما يحرك �أولئك الهواة المخربين للآثار ،ولعل المنقبين في تيماء لم يجدوا بغـيتهم ،كما لو جاءوا للموقع قبل العبث فيه ،وهكذا بالن�سبة لموقع «قـر ّيـة» والمواقع الأخرى المماثلـة. �إن هذا الواقع يحتاج منا جميع ًا �إلى تكاتف الجهود ،وتطوير الو�سائل من �أجل �إ�شاعة �أهمية االهتمام ب�آثارنا ،لما تحتله من �أبعاد تاريخية وثقافية وح�ضارية .وما نطمح �أن تلعبه من �أدوار ثقافية واقت�صادية تعود بالخير على المجتمع. و ذك��ر د .الأن���ص��اري ف��ي حديثه ع��ن دوم��ة الجندل �أن الح�ضارة النبطية بال �شك و�صلت �إلى دومة الجندل وو�صلت �إلى ما بعد دومة الجندل،
ووُجِ ��د كثي ٌر من النقو�ش والكتابات النبطية في هذه المنطقة ،ومعنى ذلك �أن الح�ضارة النبطية و�صلت �إلى هذه المنطقة بكل قوة ،وتمنى �أن تكون درا�سة النقو�ش النبطية لي�ست مجرد درا�سة من حيث هي نقو�ش وتف�سيرها ،ولكن تحليل ومناق�شة ماذا تعني هذه النقو�ش؟ وما هي الح�ضارة التي و�صلت �إليها؟ وم��ا هي الأ�شياء التي يمكن �أن ن�ستفيد منها لغة وخطاب ًا وغير ذلك؟!
المتحدثون في الجل�سة الأولى
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
15
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الثانية للدكتور زياد بن عبداهلل الدري�س (المندوب الدائم للمملكة لدى اليون�سكو) بعنوان« :واقع الآثار في المملكة من منظور المنظمات الدولية» (يعك�س وجهة نظر اليون�سكو على �آثار المملكة)
لكي �أتحدث عن عالقة �آث��ار المملكة العربية ال�سعودية مع اليون�سكو ،ال ب��د �أن �أ���ض��ع مقدمة ع��ن اتفاقية حماية ال��ت��راث العالمي التي انطلقت في الأ�سا�س ،كرد فعل لما حدث في موقف الحكومة الم�صرية عام 1954م ،عندما قررت بناء ال�سد العالي، وك��ان ذل��ك ال��ق��رار تهديدا ل�ل�آث��ار الواقعة في ال���وادي ،و�أب��رزه��ا معبد �أبو �سنبل ،فتنادت الهيئات والجامعات والجمعيات المهتمة �أي�����ض��اً ،وخ��ب��راء الآث����ار م��ن �أن��ح��اء ال��ع��ال��م لحماية ذل��ك ال��ت��راث د .زياد بن عبداهلل الدري�س الموجود في ال���وادي ،وبالفعل تعاونوا مع الحكومة الم�صرية و�أر�سلوا الخبراء وحُ لت الم�شكلة؛ كذلك حماية بحيرة مدينة البندقية في �إيطاليا ،وما حدث في الباك�ستان و�أندون�سيا؛ كل تلك الأحداث في ذلك الحين جعلت اليون�سكو تلتفت �إل��ى �أهمية �إيجاد اتفاقية لحماية التراث العالمي .وبالفعل و�ضعت المنظمة بالتن�سيق مع المجل�س الدولي للمعالم والمواقع الأثرية م�سودة هذه االتفاقية للدرا�سة ،ثم �أُ ِقرَّت واعتُمدت عام 1972م ،وبلغ عدد الدول الموقعة عليها حتى يومنا هذا ( )190دولة ،ومنها المملكة العربية ال�سعودية التي اعتمدتها وان�ضمت �إليها عام 1978م. وت�شير االتفاقية في م�ضامينها �إلى �أن �أ�سباب م�سوغات هذه االتفاقية ،هو �أن ال��دول �أحيان ًا قد ال تكون ق��ادرة على حماية ال�ت��راث الموجود على �أرا�ضيها لأ�سباب اقت�صادية �أو علمية �أو تقنية، لكني الحظت �أن االتفاقية ال تذكر �أ�سبابا دينية و�سيا�سية ،و�أرى �أن ذلك لأحد �سببين� ..إما لتالفي الخو�ض في هذين ال�سببين �أو العائقين الحرجين، �أو لأن الأ�سباب الدينية وال�سيا�سية �آن��ذاك -في ال�ستينيات -لم تكن �ضاغطة وم�ؤثرة كما هي في الو�ضع الراهن.
16
الأ�سد ..ولي�س هذا غريباً ،فالدول الغربية دائما في مقدمة الدول على الالئحة ،وقد و�ضعت اليون�سكو قائمة بالدول التي لديها ع�شرة مواقع ف�أكثر ،وهي ( )23دولة لي�س من بينها دولة عربية واحدة ،مع �أن الواقع يقول �إن الدول العربية تقع في منطقة ربما تكون مليئة ب�آثار �أكثر مما هي في مناطق �أخرى، ولكن النظرة المتقدمة لأهمية الحفاظ على الآثار جعلت كفة الدول الغربية هي الراجحة ،ف�إيطاليا تت�صدر القائمة ب �ـ( )44موقعا م�سجال في الئحة التراث العالمي.
والمملكة العربية ال�سعودية التي ان�ضمت التفاقية و�أ�شار د .الدري�س في ورقته �إلى �أنه في الئحة التراث العالمي حتى يومنا هذا ( )936موقعا في التراث العالمي عام 1978م لم تدخل الئحة التراث ( )153دولة ،حظيت منها الدول الأوروبية بن�صيب العالمي �إال عام 2008م� ،أي بعد (� )30سنة ،وكانت اجلوبة � -شتاء 1434هـ
البداية عام 2008م عندما �سجلت «مدائن �صالح» في اجتماع لجنة التراث العالمي في كندا ،وفي عام 2010م �سُ جلت «الدرعية» التاريخية في اجتماع البرازيل ،وكانت المحاولة الثالثة لت�سجيل جدة التاريخية عام 2011م -اجتماع اللجنة في باري�س العام الما�ضي -ول�سوء الحظ كانت هناك تحفظات على الملف ب�أنه غير جاهز ،وبالتالي قمنا ب�سحبه �إلى حين �إعادة تجهيزه مرة �أخرى. ربما يت�ساءل بع�ضنا :ول�م��اذا الغياب ثالثين عاما؟ ولو كان خم�سة ع�شر عاما..لقلنا ب�أنها مرحلة تح�ضيرية بين توقيع االتفاقية ثم الدخول بمواقع، فما هي الأ�سباب؟ عندها �سنعود �إل��ى م��ا قلته ف��ي ال�ب��داي��ة ب��أن االتفاقية ت��ذك��ر الأ��س�ب��اب االقت�صادية والعلمية والتقنية ،لكنها لم تذكر �أ�سبابا �سيا�سية واقت�صادية، و�س�أغامر و�أذكر �أ�سبابا �سيا�سية و�أخرى دينية. �س�أعطي نموذجين لدولتين ،تجلى الأول ب�شكل �ساخن في النزاع الذي حدث بين كمبوديا وتايالند، �إذ ت�ن��ازع��ت ال��دول �ت��ان على م��وق��ع معبد تاريخي يقع على الحدود بين البلدين ،وتقدمت كمبوديا لت�سجيل الموقع ،فكان هناك رف�ض من تايالند ب�أن هذا المعبد يقع على حدودها ،ويبدو �أن الموقع يقع في منطقة و�سطية بين الدولتين .كان النزاع �أو ًال ثقافيا ثم تحول �إلى �سيا�سي ،ثم �أ�صبح �أمنيا بح�شد القوات ،وب��د�أ العراك على الحدود بين الدولتين، ف�أحيل الملف من اليون�سكو �إلى مجل�س الأمن ،وهذه �أي�ض ًا تعطي قيمة كبيرة للآثار ،فلربما تقودنا �إلى �سالم �أو ح��روب ال ق��در اهلل ،وكانت تايالند على و�شك االن�سحاب من لجنة التراث العالمي لظنها �أن اليون�سكو متحيزة �إلى جانب كمبوديا في ت�سجيل الموقع.
لدينا ،وهو النموذج الفل�سطيني الإ�سرائيلي ،كانت �إ�سرائيل ت�سجل مواقع في الأرا��ض��ي الفل�سطينية المحتلة من دون رقيب عليها ،لعدم وج��ود دولة بم�سمى فل�سطين .طبع ًا هذا با�ستثناء ما هو في ال�ضفة الغربية؛ لأن الأردن هو القائم على الأوقاف وال�م��واق��ع التراثية ف��ي القد�س ،وم��ن ث��م ل��م تكن �إ�سرائيل قادرة على العبث بذلك ،ف�سجلت القد�س في الئحة التراث العالمي ل�ل�أردن ،لكن �إ�سرائيل كانت ت�سجل مواقع �أخ��رى ،والآن تغير الو�ضع.. ففل�سطين �أ�صبحت دولة ع�ضو ًا في منظمة اليون�سكو عام 2011م ،وكانت االنعكا�سات �سيا�سية ،وعلى جانب الآثار بد�أت تت�شكل �سخونة �أكبر في لقاءات لجنة التراث العالمي التي تنعقد ب�شكل �سنوي ،ففي اللقاء الأخير ..كنا في مدينة �سان بطر�س بورج في رو�سيا ،وتقدمت فل�سطين -لأنها منذ �أن �أ�صبحت ع�ضوا في اليون�سكو� ،صادقت بعد ثالثة �أ�شهر على اتفاقية التراث العالمي -في يونيو 2012م بت�سجيل ملف كني�سة المهد في بيت لحم ،وكان ال�صراع قويا جد ًا �أثناء انعقاد اللجنة ،فهناك لوبي عربي و�آخر �إ�سرائيلي ،وحاولنا قدر اال�ستطاعة �إنجاح ت�سجيل الموقع ل�صالح فل�سطين ،وذل��ك م��ا ح��دث ،فقد نجحت فل�سطين في ت�سجيل كني�سة المهد في الئحة التراث العالمي ،وبالطبع ف�إن �إ�سرائيل تحفظت على هذا الت�سجيل ،فطلب الكلمة الممثالن الإ�سرائيلي والأمريكي وقاال ب�أنه ال يوجد �شيء ا�سمه فل�سطين، وبالتالي هذا الت�سجيل زائف.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
�س�أعطيكم معلومة ..ربما تكون طريفة ولكنها محزنة� ،سجلت �إ�سرائيل في الئحة التراث اليهودي (الالئحة المحلية الوطنية) م�سجد بالل بن رباح والحرم الإبراهيمي ،وق��د تقدمنا في المجموعة العربية بمنظمة اليون�سكو بمذكرة احتجاج على ذلك الت�سجيل ،وتحدثت بو�صفي نائب رئي�س المجل�س ال �ن �م��وذج الآخ� ��ر وه��و الأك �ث��ر دي�م��وم��ة وق��رب � ًا التنفيذي لمنظمة اليون�سكو عن المجموعة العربية، اجلوبة � -شتاء 1434هـ
17
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
فعبرت عن موقفنا كدول عربية راف�ضة لهذا ،وكانت �إ�سرائيل قد تقدمت بهذين الموقعين للت�سجيل في الئحة التراث العالمي ،وبالفعل كان للتحرك العربي دوره ،وبالتالي تم رف�ض طلب الجانب الإ�سرائيلي و�أعيدت الملفات �إليهم. وعن العائق الديني �س�أتطرق لنموذجين �أي�ضا: و�س�أبد�أ بالنموذج الثاني قبل الأول ،وهو ما يحدث في مالي ،ولْنقُل ما يحدث بعد ما ي�سمى «الربيع العربي» ،فقد �أ�صبح هناك تحركات ،و�أبرزها ما كان في تون�س وليبيا لهدم بع�ض المواقع الآثارية الم�سجلة في الئحة التراث العالمي ،ويتم هدمها من منطلق �شرعي عند الذين قاموا بهذه الهجمات على تلك المواقع.
18
ال�ضغط في الآون��ة الأخ�ي��رة ،ما مكَّن من ت�سجيل مواقع (مدائن �صالح وال��درع�ي��ة) ،لكنه ما يزال باقيا وم��ؤث��ر ًا وف��ارز ًا للمواقع الآث��اري��ة التي لي�ست مرتهنة للموقف الديني ،وه��ذا ال يمنع من القول ب��أن الجزيرة العربية مليئة بالتراث ال��ذي خلّفته الح�ضارات عبر ق��رون طويلة ،ه��ذا ال�ت��راث لي�س كله مرتهن لتحفظ ديني ..لكنه -وهذه هي النقطة الأخيرة -مرتهن بالبطء في الآلية البيروقراطية التي ت�ؤخر هذا الت�سجيل ،والذين ح�ضروا و�شاهدوا االنطباعات الإيجابية �أثناء ت�سجيل مدائن �صالح والدرعية (وكان لي ال�شرف �أن �أكون مع ه�ؤالء ومعنا الدكتور علي الغبان) ر�أوا كيف كان الترحيب الفائق والت�صفيق في القاعة عندما اعتمد رئي�س اللجنة بمطرقته ت�سجيل مدائن �صالح في الئحة التراث العالمي ،ودخول المملكة العربية ال�سعودية لأول مرة في الالئحة ،وبالتالي ينبغي �أن نتنبه �إلى �أن العالم (لي�س نحن فقط) من خلفنا ينتظر بفارغ ال�صبر ت�سجيل هذه الكنوز الآثارية الموجودة في المملكة العربية ال�سعودية.
«م��ال��ي» ت ��أث��رت بالربيع ال�ع��رب��ي �أو ه��و «ربيع �إ�سالمي» �أحياناً ،وكانت هناك هجمة قوية جد ًا على كثير من الأ�ضرحة والمواقع الآثارية الم�سجلة في الالئحة ،وطبع ًا ح�صل تخريب لمواقع لي�ست م�سجلة بالالئحة ،وبالتالي قد ال يعلم العالم عنها، فمن �إيجابيات الت�سجيل في الئحة التراث العالمي والحق �أقول -ولي�ست مجاملة� -إن هيئة ال�سياحة �أن النا�س يعلمون عن ذلك ،وبالتالي كانت هناك والآثار بقيادة �صاحب ال�سمو الملكي الأمير �سلطان وقفة دولية قوية جداً. ابن �سلمان بن عبدالعزيز –حفظه اهلل ،وبجهود النموذج الآخر من العائق الديني ،هو المملكة الدكتور علي الغبان وفريق العاملين معه يرك�ضون العربية ال�سعودية ،وعندما �أقول نموذجا دينيا ،ف�أنا �سريع ًا لتالفي الت�أخر ال��ذي ح�صل في ال�سنوات �أق�صد �أنه ل�سنوات طويلة ،كان هناك ت�صور �أو فهم الما�ضية ،ولكن قد ال تكون الم�ؤ�س�سات الأخ��رى (طبع ًا لن �أقول ب�أنه ت�صور خاطئ) ب�أن الم�ؤ�س�سة -التي لها عالقة مع هيئة ال�سياحة -تزاول ال�سرعة الدينية ال�سعودية تتحفظ على فكرة حماية التراث نف�سها التي تزاولها هيئة ال�سياحة. والآث ��ار ،وبالتالي ف ��إن ال��دخ��ول في الئحة التراث و�أختم بعبارة واح��دة ،علينا �أن نعترف �أو نقر العالمي يزيد هذا التحفظ ت�صلب ًا حين تحمل تلك ب�أن ال�سر الحقيقي للت�أخير في ت�سجيل كنوز التراث الآثار طابعا دينيا �سواء �إ�سالميا �أو ما قبل الإ�سالم ،الموجود في المملكة العربية ال�سعودية ،لي�س موقفا وي �ع��رف ال��دك �ت��ور ع�ل��ي ال�غ�ب��ان �أن ��ه ك��ان��ت هناك دينيا �أو �سيا�سيا ..و�إنما هو موقف بيروقراطي ال تحفظات حتى على ت�سجيل مدائن �صالح ،و�شيء يتفهم �أهمية مثل هذه المبادرات لإغناء الثقافة من القلق ما يزال موجودا حتى الآن ،وقد خفَّ هذا العالمية. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م�سجد عمر بن الخطاب في دومة
الرجاجيل
ق�صر �أكيدر في دومة الجندل
بئر �سي�سرا في �سكاكا
قلعة زعبل في �سكاكا
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الثالثة بعنوان« :الأبعاد االقت�صادية لالهتمام بالآثار» للدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد «نائب وزير العمل وع�ضو مجل�س ال�شورى» �سابقا
في طريقه من الريا�ض �إل��ى الجوف بال�سيارة� ،أبلغه من�سق المنتدى الأ�ستاذ محمد �صوانه باعتذار الدكتور عبداهلل دح�لان عن ع��دم الح�ضور للحديث عن «الأب��ع��اد االقت�صادية لالهتمام ب��الآث��ار» ،وذلك لظروف قاهرة ،وقال �إن الزمالء �أع�ضاء المنتدى يرون �أن ع�ضويته في هذا المنتدى وتخ�ص�صه في علم االقت�صاد يفر�ضان عليه تقديم ورقة بديلة ..حتى ولو على عجل!
20
ويقول م�سته ًال ورقته :في ظل ه��ذه الظروف، وعلى عجل� ،س�أكتفي الآن بتقديم �أف�ك��ار عامة، وبخا�صة �أن البعد االقت�صادي للآثار �شائك؛ بدء ًا من تعريف قطاع الآث��ار ،وم��رور ًا بقيا�س العائدات والتكاليف ف��ي ذل��ك ال�ق�ط��اع؛ و�س�أعتمد على ما �أت��ذك��ره ف��ي ف��رع �أث�ي��ر �إل��ى نف�سي م��ن ف��روع علم االقت�صاد وهو “االقت�صاد الثقافي” �إذ تجري عادة درا�سة الأبعاد االقت�صادية المتعلقة ببع�ض الأن�شطة الثقافية ،مثل المتاحف والآثار. ونحن ،ك�إقت�صاديين ،عندما نريد معرفة الأثر االقت�صادي لأي ن�شاط ف�إننا نفرق بين �أثرين: 1ـ الأث ��ر م��ن المنظور ال��ج��زئ��ي� ،أو م��ا ي��ع��رف بالـ «مايكرو» ،وهو الأثر على المن�ش�أة الم�ستثمرة في الن�شاط؛ بمعنى :كيف ي�ؤثر ن�شاط اقت�صادي على من�ش�أة اقت�صادية معينة بالربح �أو الخ�سارة؟ 2ـ الأث� ��ر م��ن ال��م��ن��ظ��ور ال��ك��ل��ي� ،أو م��ا ي��ع��رف بـ “الماكرو” ،وهو الأثر على االقت�صاد بمجمله. بمعنى� :أن �أي ن�شاط اقت�صادي يقوم في البلد �أو في المنطقة ،تكون له ت�أثيرات على م�ستوى االقت�صاد القومي (االقت�صاد الوطني ككل). وقد ركّز د .الحميد على الأبعاد االقت�صادية �أو الت�أثيرات االقت�صادية من المنظور الكلي ،فت�أثيرات المنظور الجزئي -و�إن كانت مهمة على �صعيد الم�ؤ�س�سة� -إال �أنها �أقل على الم�ستوى العام. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وم��ن ه��ذا المنطلق ،ف��إن الت�أثيرات �أو الأبعاد االقت�صادية لمو�ضوع الآثار عند �أي ن�شاط اقت�صادي في قطاع الآثار ،مثالً� ،ستكون له ت�أثيرات مبا�شرة و�أخ��رى غير مبا�شرة ،ون��رى الت�أثير الكلي لهذه العوامل المبا�شرة وغير المبا�شرة وانعكا�سها على �أمرين مهمين في مفاهيم ال�سيا�سات االقت�صادية لأي بلد ..ومعرفة كيف يكون وقع هذه الت�أثيرات على م�ساهمة قطاع الآثار في الناتج المحلي الإجمالي وم�ساهمته في التوظيف (توظيف القوى العاملة في البلد) ،فذلك من المنظور الكلي هو ما يهمنا في حقيقة الأمر. الآثار المبا�شرة عندما يقام م�شروع ا�ستثماري في هذا القطاع، ف ��إن الت�أثيرات االقت�صادية المبا�شرة التي تقع
ف��ور ًا ه��ي :م��اذا يحدث للتوظيف؟ م��اذا يحدث للدخل؟ م��اذا يحدث ل�ل�إن�ت��اج ف��ي ذل��ك القطاع تحديداً؟ بمعنى �أن ن�أخذ مفردات ذلك القطاع (المتاحف -المواقع الآثارية -الفنادق الموجودة في منطقة الآثار -المطاعم -قطاع النقل الذي يخدم الزائرين وال�سياح في منطقة الآثار) ،ونقوم باحت�ساب العوائد �أو الفوائد ممثلة بهذه الأن�شطة.. كم �شخ�صا توظف؟ وك��م ت��در من قيمة م�ضافة ت�صب في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة؟ هذا هو الت�أثير المبا�شر ..ومفرداته كثيرة تتمثل في الآتي : ر�سوم زيارة الأماكن الأثرية. ر�سوم دخول المتاحف. دخل المطاعم. دخل الفنادق. النقل. دخل محالت الهدايا في مناطق الآثار. دخل المحالت التجارية في منطقة الآثار. الم�شاريع اال�ستثمارية التي تقوم في منطقةالآثار.
دخل لها ي�صب في قطاع النقل ،ولكنه انطلق من قطاع الآثار والقطاع ال�سياحي ،وهكذا. وهناك مناطق رمادية كثيرة بين القطاعات المختلفة ،ل�ك��ن ال �ت ��أث �ي��رات �أو ال �ع��ائ��دات غير المبا�شرة -مع الأ�سف ال�شديد �أحياناً -ال ُت�ؤخذ في الح�سبان ،وبالتالي ي�أتي العائد االقت�صادي لقطاع الآثار منقو�صاً.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
كيف يتم قيا�س الآث��ار المبا�شرة وغير المبا�شرة؟ لقيا�س الآث��ار المبا�شرة وغير المبا�شرة ،البد من معرفة مفهوم «الم�ضاعف» في االقت�صاد �أو ما ن�سميه بالـ( .)multiplierويتمثل هذا المفهوم ب�أن الريال الذي يتم �إنفاقه على �شراء �سلع ٍة �أو خدم ٍة م��ا� ،سيُعاد ا�ستخدامه من قبل ال�شخ�ص الذي ك�سبه ،وذلك ل�شراء �سلعة �أو خدمة �أخرى ..وهكذا ي�ستمر ا�ستخدام ال��ري��ال �أكثر من م��رة واح��دة. ف��إذا كانت قيمة الم�ضاعف ،على �سبيل المثال، هي ( ،)3فهذا يعني �أن الريال الواحد يولد ثالث رياالت داخل االقت�صاد من خالل تنقله من يد �إلى �أخرى. �إذاً ،يتم ح�ساب الأثر االقت�صادي للآثار على النحو الآتي: عدد الزوار × مقدار ما ينفقه كل زائر × معدل الم�ضاعف ولكن ،في المقابل ،يجب ح�ساب التكاليف ولي�س العوائد فقط ،ومن �أهم التكاليف :الآثار ال�سلبية على الآثار ،وتكاليف �صيانة الآثار وحمايتها مما قد تتعر�ض له من الزوار.
الآثار غير المبا�شرة وه��ي مهمة للغاية ،و�إن كانت كثير ًا ما تُغفل وت�سبِّب خط�أً في ح�سابات العائد االقت�صادي من الآثار ،وهي تتمثل في الدخل والوظائف المتولدة في جميع الأن�شطة ذات العالقة بقطاع الآث��ار؛ بمعنى �إذا ك��ان هناك فندق في منطقة الآث��ار، ف�إنه يحتاج �إل��ى م��واد خام كالمنتجات الزراعية مثال،والتي ي�شتريها من المزارعين في البلد، وبذلك يخلق عائدا اقت�صاديا للقطاع الزراعي الموجود فيها ،ولو لم يكن هناك فع ٌل ا�ستثماريٌ ف��ي قطاع ال�ف�ن��ادق ف��ي منطقة الآث ��ار لما كانت تجارب دولية هناك فر�صة للمزارعين لت�سويق �إنتاجهم ،،وقد ي�صعب ف�صل قطاع الآثار عن بع�ض القطاعات توجد محطات لبيع المحروقات لخدمة الحافالت الأخرى في االقت�صاد ،وبخا�صة قطاع ال�سياحة� ،إذ وو�سائل النقل التي تنقل ال��زوار وال�سياح ،فيتولد يمثل قطاع الآثار جزء ًا كبير ًا من قطاع ال�سياحة.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
21
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
ويمكن التعامل مع قطاع ال�سياحة كم�ؤ�شر لأهمية قطاع الآثار ،فنجد �أن الدول ذات الدخل ال�سياحي الكبير تتميز بوجود �آثار عظيمة لديها مثل م�صر واليونان ،ومعلوم �أن الدولتين تعانيان في الوقت الحا�ضر من �أزمات اقت�صادية ومالية ،ولهذا يمكن �أن ي�سهم قطاع الآثار في التخفيف من وط�أتها. م�صر ت�سهم �صناعة ال�سياحة في م�صر بـ %13من الدخل القومي الم�صري ،وترتبط بـ ( )4ماليين م�صري ب�شكل مبا�شر و( )16مليون م�صري ب�شكل غير مبا�شر ،وف��ق بع�ض التقديرات .وقد بلغت الإي ��رادات الم�ستهدفة لهذا القطاع خالل ع��ام 2012م نحو ( )12,5مليار دوالر ،والعدد الم�ستهدف لل�سياح ( )11,6مليون �سائح ح�سب تقديرات وزير ال�سياحة الم�صري ،وهو دخل قطاع ال�سياحة نف�سه في ع��ام ال��ذروة 2010م ،ح�سب الدوائر الم�صرية الر�سمية. اليونان يُعد قطاع ال�سياحة هو القطاع الرئي�س في االقت�صاد اليوناني ،وي�سهم بنحو ( )43مليار يورو، �أي %20من الناتج المحلي الإجمالي لليونان في عام 2011م وفق الإح�صائيات الر�سمية .وتوظف ال�سياحة ف��ي ال�ي��ون��ان ح��وال��ي %18م��ن �إجمالي العمالة.
22
الحالة ال�سعودية ت�ح�ت��وي المملكة ع�ل��ى م�ن��اط��ق ع��دي��دة غنية بالآثار ،ويمكن �أن ي�سهم قطاع الآث��ار في توظيف عدد كبير من ال�سعوديين ،وفي توليد دخل وقيمة م�ضافة لالقت�صاد ال�سعودي .و�إذا �أخذنا قطاع ال�سياحة كم�ؤ�شر ،نجد انه وفق ًا لما ذكرته الهيئة ال�ع��ام��ة لل�سياحة والآث � ��ار ..ف� ��إن ال�سياحة تعد الم�صدر الثاني للدخل بعد النفط ،وثالث م�صدر لفر�ص العمل. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وهناك تقديرات متفاوتة عن �إي��رادات قطاع ال�سياحة في ال�سعودية .وقد توقعت درا�سة �صادرة عن مركز الدرا�سات والبحوث في الغرفة التجارية وال�صناعية في المنطقة ال�شرقية ال�سعودية ب�أن تكون الإي� ��رادات ق��د بلغت ف��ي ع��ام 2010م نحو ( )66مليار ري��ال ،و�أن تبلغ بحلول ع��ام 2015م نحو ( )118مليار ريال ونحو ( )232مليار ريال بحلول عام 2020م .وعن دور ال�سياحة في توطين الوظائف� ،أفادت الدرا�سة ب�أنها ت�سهم في �إيجاد نحو (� )493أل��ف فر�صة عمل مبا�شرة ،ونحو (� )668أل��ف فر�صة عمل غير مبا�شرة ،وذل��ك خالل عام 2009م. وهذه الأرقام يمكن �أخذها كم�ؤ�شرات للأهمية االقت�صادية المحتملة للآثار في المملكة بو�صفها مكون ًا �أ�سا�سي ًا من مكونات ال�سياحة في الكثير من ال��دول .لكن تحقيق ا�ستفادة اقت�صادية ق�صوى من قطاع الآثار في المملكة ،في تقديري ،يتطلب �أن ننطلق من فهم طبيعة العائدات االقت�صادية من الآثار من حيث �أنها ال تقت�صر على العائدات المبا�شرة ،و�إنما غير المبا�شرة �أي�ضا ،وطبيعة عمل معدل الم�ضاعف ،على النحو الذي تقدم �شرحه. �إن التركيز على ال�ع��ائ��دات المبا�شرة فقط، قد يعطي انطباعا خاطئ ًا ب ��أن العائدات لي�ست كبيرة ،وقد ال تغطي تكاليف �صيانة و�إدارة المواقع الأثرية .ولكن عندما ن�أخذ في الح�سبان العائدات غير المبا�شرة والروابط linkagesبين قطاع الآثار والقطاع ال�سياحي على وجه الخ�صو�ص واالقت�صاد الوطني عموماً ،ف�إن العائدات الكلية �ستكون كبيرة. ومنطقة كالجوف ،تتمتع ب��وج��ود �آث��ار كثيرة فيها ،ت�ستطيع �أن تحقق عائدات اقت�صادية تعود على اقت�صاد ال�ج��وف ب�إيجابيات كبيرة� ،سواء على �صعيد التوظيف �أو الناتج المحلي الإجمالي. ويتطلب ه��ذا ت�ضافر ج�ه��ود ال�ج�ه��ات الر�سمية المعنية وكذلك القطاع الخا�ص.
الورقة الرابعة للدكتور �سعد البازعي (ع�ضو مجل�س ال�شورى وع�ضو هيئة التدري�س في كلية الآداب بجامعة الملك �سعود) بعنوان« :الآثار� :شواهد ثقافية ومعاني انتماء»
تتناول الورقة الآثار من حيث هي �شواهد ثقافية وم�صادر لالنتماء �أو الهوية ،وتدخل �إلى مو�ضوعها م��ن خ�لال ن�صو�ص �شعرية �أب���رزت قيمة الأث���ر من النواحي الم�شار �إليها.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
وال �شك �أن كلمة ال��دك��ت��ور زي���اد ال��دري�����س غطت الكثير مما ك��ان يمكن �أن �أق��ول��ه ،فقد تعر�ض �إل��ى د� .سعد البازعي ال��ج��ان��ب ال��ث��ق��اف��ي ب��ح��ك��م ال��ح��دي��ث ع���ن اليون�سكو وجهوده ال�شخ�صية ،و�أود �أن �أن��وه بجهوده في ت�سجيل المواقع الآث��اري��ة ال�سعودية ،فهي جهود م�شكورة ومعروفة .ما �أريد الحديث فيه من الجانب الثقافي واالجتماعي يتجه �إلى الموروث الثقافي ،والحقيقة �أنني عندما تلقيت الدعوة للم�شاركة جاءني عنوان الندوة ككل ..وت�ضمن كلمة االقت�صادية ،فاحترت كيف �أداخل في مو�ضوع �أنا بعي ٌد عنه ،خا�صة و�أنا بعي ٌد �أ�ص ًال عن الآثار كعلم وميدان بحث علمي ،ثم ات�ضحت لي ال�صورة فيما بعد ،ف�أبعدتُ االقت�صاد عن مجال بحثي وذهبت �إلى الت�أمل في الجوانب الثقافية.
ت�أملي ف��ي ه��ذا المو�ضوع ق��ادن��ي -بطبيعة حِ ����لَ����لٌ َل�����م َت���ك���ن َك�������أَط���ل��الِ ���سُ ��ع��دى اهتماماتي ال�شخ�صية وم��ا ل��دي من ب�ضاعة- �����س �������س ُم��ل ِ ف����ي قِ����ف����ا ٍر مِ ������نَ ال��� َب�������س���ا ِب ِ
�أ�ص ًال �إلى التراث الثقافي وت�أمل الآثار من هذه الزاوية ،فا�ستعدت لحظات تاريخية وثقافية،كان �أول�ه��ا موقف ًا ل�شاعر عربي قديم م��ن الع�صر العبا�سي ،فالبحتري عندما ذه��ب �إل��ى �إي��وان ك�سرى ،ف��ي ال�ق��رن الثالث الهجري -التا�سع الميالدي -ووقف داخل الإيوان وت�أمل �آثاره ،عبر موقفه عن الده�شة ،وو�صفه كما نعرف و�صف ًا �آث��ر ًا ال تن�ساه الثقافة العربية ،ومع ده�شته في �آثار الفر�س وعظمتهم ،لم ي�ستطع �إال �أن ينتقد الثقافة العربية التي ر�أى �أنها �أق��ل بكثير حين قال:
و�إن ا�ستدرك في نهاية الق�صيدة ليقول :ذاك ما معناه (لي�ست ال��دار داري) ،ك�أنه يعود �إلى الثقافة العربية في النهاية ليعتذر عما قد يكون قد �سببه كالمه من �إ�ساءة للثقافة العربية ،وفي الحقيقة ..في �سينية البحتري النموذج الأول والرئي�س للت�أمل في الآثار الثقافية واالجتماعية والح�ضارية ب�شكل ع��ام ل�ل��دالالت االجتماعية والثقافية والح�ضارية للآثار .في الوقت نف�سه نجده �أي�ض ًا ينتقد ع�صره من خالل ت�أمله للآثار، ينظر �إلى الفر�س وهم يعي�شون في نعيمٍ انتهى ولم اجلوبة � -شتاء 1434هـ
23
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
يعد قائماً ،وهو في الوقت نف�سه يتذكر �أو ي�ستعيد الواقع في الع�صر العبا�سي �آن��ذاك -وهو الذي كان قريب ًا من الخلفاء ،ومن «المتوكل» ب�شكل خا�ص -وو�صفه لبركة المتوكل ينم عن النعيم ال��ذي عا�شه الخلفاء العبا�سيون �آن��ذاك ،فك�أن و�صفه لـ «�إيوان ك�سرى» ي�شير �إلى ما كان حا�ص ًال في ذلك الوقت ،فيقول لمعا�صريه :انظروا ماذا ح�صل لأولئك ،لكي ال يح�صل لكم ما ح�صل لهم عندما انتهت �آثارهم ،وفقدوا ما كانوا فيه من نعيم� ،إنه -في الحقيقة -يوظف الأثر توظيف ًا �سيا�سي ًا �شخ�صي ًا �إل��ى ح��دٍ بعيد� ،إذ كانت له م�شكلة �شخ�صية عندما ترك بغداد وذهب �إلى الإيوان .توقُّف البحتري �أمام م�شهد الحرب في الق�صيدة ،من �أ�شهر ما فيها من م�شاهد ،وهو و�صفٌ يعرِّفه دار�سو الأدب وال�شعر ب�شكل خا�ص ب�أنه من �أجمل ما قيل في ال�شعر العربي ،ولكن هناك تركيز على التوتر الحا�صل بين النعيم من ناحية ..وم�شاهد الحرب من ناحية �أخرى، فنحن نرى م�شاهد الأن�س والنعيم وال�شراب وما �إلى ذلك ،ثم نرى م�شهد الحرب التي حدثت بين الفر�س والروم (حرب �إنطاكيا) ،والذي وُ�صف بالق�صيدة م�شهد �إنطاكيا.
24
�إن ق��راءة البحتري وما يقوله في الق�صيدة لي�ست بالت�أكيد قراءة علمية ،لي�ست مما يمكن �أن ي�صفه علماء الآث���ار ..مما يتكئ عليه في ق��راءة الأث��ر ،لكنها ق��راءة تظل مبدعة ،و�أي�ض ًا م�ستبطنة للأبعاد النف�سية للإن�سان ،والتاريخية �أي�ضا للح�ضارة� ..إل��ى جانب ما فيها من ت�أمل في الجماليات «جماليات الفن» ،ونحن اليوم بعيدون بالت�أكيد عما قاله البحتري وما يمكن �أن يقوله �شعرا�ؤنا المعا�صرون عن الآثار ،فنحن – الآن -نعي�ش في ع�صر يتفتح فيه وعينا العلمي والثقافي على الآث��ار ،ون��درك �أكثر من ذي قبل اجلوبة � -شتاء 1434هـ
�أكثر مما �أدرك��ه البحتري ومعا�صروه عن معنى الآثار وقيمتها التاريخية والثقافية والح�ضارية ب�شكل ع��ام ،ولكننا عندما نعود �إل��ى مثل هذا الن�ص ال���ش�ع��ري ،ف��إن�ن��ا ن �ق��ارب قيمة ثقافية ونقارنها �أي�ض ًا بما لدينا ال�ي��وم ،والمعتاد في مثل هذه ال�ق��راءات �أنها تتوقف عند ما ي�سمى بالعبرة (االعتبار بالما�ضي) ،وهو في الواقع مرتكز مهم في ق�صيدة البحتري ،لكنني �أرى �أن مفهوم العبرة هذا -وهو ال�شائع لدى كثير ممن ينظرون �إلى الآثار -مفهوم يقلل من قيمة الأثر، لأنه يح�صرها في داللة جزئية ،فنحن هنا نن�سى �أن تلك الآثار تت�صل بنا اليوم مثلما تت�صل بمن عا�صروها .وهنا �أتوقف �أمام داللتين �أ�سا�سيتين: ال��دالل��ة الأول ��ى �أن الآث ��ار ت�ق��دم لنا فر�صة لقراءة التاريخ الإن�ساني بو�صفه �سج ًال لتحديات وم�ساعٍ ال تتوقف لتتجاوز تلك التحديات؛ فبع�ض الآثار ي�ستدعي منا نظرة يمتزج فيها الإعجاب بال�شفقة ،ننظر �إل��ى بدائية الأدوات فن�شفق على من ا�ستعملها ومن اخترعها ،لكننا �أي�ض ًا �أمام �آثار تده�شنا فن�شعر �أمامها بالعجز وعدم القدرة على المحاكاة؛ ومن هنا يرت�سم �أمامنا مفهوم للتاريخ غير المفهوم ال��ذي ي�شيع لدى العامة ،وهو �أنه ي�سير في حركة تطورية من الأقل �إلى الأف�ضل� ،أو من الأ�سو�أ �إلى الأح�سن ،بينما تعلمنا من فال�سفة التاريخ والم�ؤرخين الكبار �أن التاريخ لي�س بال�ضرورة �أفقي ًا بهذا ال�شكل.. والآثار هي �شواه ٌد على ذلك ،ت�ؤكد لنا الآثار �أن التاريخ ي�سير �أحيان ًا بحركة دائرية كالتي ر�سمها ابن خلدون� ،إنه في لحظات ذروة ،وفي لحظات هبوط ،و�إن هذه اللحظات قد ال تكون ما انتهت �إليه الب�شرية ،و�إنما قد تكون لحظات �سابقة تلتها لحظات هبوط تتلوها لحظات ذروة وهكذا ،وهذا -في ت�صوري -معنى مهم من ت�أمل بع�ض الآثار.
الداللة الثانية التي �أود �أن �أطرحها هنا �أن �أيُّ�����ه�����ا ال���مُ���ن��� َت���ح���ي ب������أ������س�����وا َن داراً الآثار تطرح �أي�ض ًا م�س�ألة الموقف �أمام الآخر، ك�����ال�����ثُّ����� َر ّي�����ا ُت������ري������ ُد �أنْ َت���ن���قَ���� ّ���ض���ا وق�صيدة البحتري �أنموذج لذلك ،فالأثر الفار�سي
كان في قلب المنطقة العربية ،وهذا �شاعر عربي اخ����لَ����ع ال���� َن����ع���� َل واخ����فِ���������ض ال����طَّ ����رفَ َ�ضا واخ�شَ ع ال تُحاوِل مِ ن �آ َي ِة الدَّه ِر غ ّ ب��دوي ينظر �إل��ى ثقافة الآخ��ر ويقيمها ..فكيف نظر �إليها؟ �أعتقد �أننا هنا �أم��ام فر�صة لت�أمل قِ��فْ ِبتِلكَ القُ�صو ِر ف��ي ال�� َي�� ِّم غَرقى الموقف من الآخ��ر في الثقافة العربية ب�شكل َع�ضها مِ ���ن ال���ذُّ ع��� ِر بَع�ضا ُم��م�����س��كٌ ب ُ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
عام ،وهذا الموقف لم يتغير كثيراً .ما زلنا -حتى الآن -نعاني من النظرة �إلى الآخر ،و�أعتقد �أننا كَ���� َع����ذارى �أخ��� َف���ي���نَ ف���ي ال���م���ا ِء َب���ّ��ض��اً بحاجة �إلى اال�ستفادة من تلك الق�صيدة في تلك ������س�����ا ِب�����ح�����اتٍ ِب��������� ِه و�أب��������� َدي���������نَ َب���� ّ���ض���ا اللحظة التاريخية؛ فالبحتري مث ًال يقول:
ذاكَ عِ ���ن���دي َو َل���ي�������سَ ���ت ال�������دا ُر داري �����س جِ ن�سي ب�� ِاق�� ِت��رابٍ مِ نها وَال ال��جِ ��ن ُ غَ����ي���� َر ُن���ع���م���ى ِلأَه���� ِل����ه����ا عِ ����ن���� َد �أَه���ل���ي َ���ر����س غَ��� َر����س���وا مِ ����ن َزك���ائِ���ه���ا خَ ���ي��� َر غ ِ �أي�ض ًا هناك اع�ت��راف ب��دور الآخ��ر في تطور الثقافة المحلية ،و�أعتقد �أننا هنا مدعوون لت�أمل م��وق��ف ع��رب��ي مبكر ف��ي النظرة ل�ل�آخ��ر؛ نظرة تمتزج فيها دواع��ي الإع�ج��اب بدواعي االعتزاز ب��ال��ذات �أي���ض�اً ،وف��ي تناولي �أت �ط��رق �إل��ى مثال معا�صر� ،أعتقد �أن��ه يرف�ض ه��ذا التناول بر�ؤيا حديثة ا�ستمدها من موقف �أحمد �شوقي من الآثار الم�صرية -وهي �آثار فرعونية في المقام الأول ف��الآث��ار الفرعونية كانت تتعر�ض للدمار فيبدايات القرن الع�شرين ،ويقال �إن �أحد الر�ؤ�ساء الأمريكيين(تيودور روزفلت ،وهو قريب للرئي�س روزفلت الذي جاء بعد ذلك) زار م�صر في �أوائل القرن ،و�ألقى كلمة في جامعة القاهرة ،وفي كلمته تلك �أه��ان م�صر وقلل من قيمتها الح�ضارية، ف�سمع �شوقي بذلك وكتب ق�صيدته الم�شهورة في �آث��ار �أ�سوان مدافع ًا عن تلك الآث��ار ،وم�ؤكد ًا �أهميتها لهوية م�صر .فقال من �ضمن ما قال:
َ���������ض ال�����ص��ا �������ش ك�����أ َّن����م����ا َن����ف َ رُبّ َن���ق ٍ �������س َن��ف�����ض��ا ِن����� ُع مِ ���ن��� ُه ال��� َي���دي���ن ب���الأم ِ � َ���ش���ابَ مِ ���ن حَ ��ول��ه��ا ال���زم���انُ و���ش��ا َب��ت َ�����ض��ا ���و����س م����ا زا َل غ ّ و� َ����ش����ب����ابُ ال��� ُن���ف ِ
والحقيقة �أن التبجيل ال��ذي نجده في هذه الق�صيدة تبجيل لهوية م�صر نف�سها ،ولي�س للآثار بقدر ما هو للح�ضارة وللمكان ولل�شعب، فلعلنا بذلك نقر�أ موقف ًا تكون فيه الآثار م�صدر ًا للهوية واالنتماء واالعتزاز ،وهذا في اعتقادي ما نحتاجه كثير ًا في هذه المرحلة وفي هذا المكان. هذان الموقفان ي�شتركان في نواح ويختلفان في نواحٍ ،لكن �أهميتهما هي في �إبرازهما لموقع الآثار من الوجدان العربي الثقافي على مر التاريخ، وما يحمالن من ر�ؤية تجاه الآثار بو�صفها �شواهد ح�ضارية تتجاوز دالل��ة االعتبار �أو العبرة التي تكاد تهيمن على كيفية النظر �إل��ى الآث��ار لدى الكثيرين .ذلك �أن الدرا�سة العلمية اليوم للآثار تبرز فهم ًا يتجاوز العبرة �إلى المعرفة بالتاريخ، وبمكونات الثقافة على النحو الذي يعمق المعرفة بالحا�ضر ،وي�ؤكد ت�شابه التجارب الإن�سانية بما يتجاوز اختالفات الزمن ومتغيرات االجتماع. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
25
للدراسات السعودية
في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الجل�سة الثانية �أدارها الدكتور �سعد البازعي وا�شتملت على الأوراق الآتية: الورقة الأولى للأ�ستاذ الدكتور علي �إبراهيم غبان (نائب رئي�س الهيئة العامةلل�سياحة والآثار) بعنوان« :دور الهيئة العامة لل�سياحة والآثار وجهودها فيما يتعلق بالآثار»
ق��دم د .الغبان ب��داي�� ًة عظيم ال�شكر واالم��ت��ن��ان لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري على اهتمامها غير الم�ستغرب في ق�ضايا الآثار منذ ت�أ�سي�سها ،وذكر �أنها ت�أتي في المركز الثاني بعد جمعية التاريخ والآثار التي �أ�س�سها الدكتور عبدالرحمن الأن�صاري في جامعة الملك �سعود ،من حيث �أقدمية الم�ؤ�س�سات غير الحكومية �أو �شبه الحكومية العاملة في هذا المجال. و�أكد في كلمته على �أن الهيئة العامة لل�سياحة والآث� ��ار ه��ي المرحلة المعا�صرة للتعامل مع الآث� ��ار ال��وط�ن�ي��ة ،ول �ك��ن ه �ن��اك ج �ه��ات �أخ��رى بذلت المزيد من الجهد في هذا المجال ،و�إن االهتمام والعناية بالآثار بد�أ مع ت�أ�سي�س المملكة العربية ال�سعودية ،والكل يعلم كيف �أتاح الملك عبدالعزيز –طيّب اهلل ثراه -لعدد من الباحثين المحليين والدوليين بزيارة المواقع والمناطق والكتابة عن �آثارها ،ولعل من �أ�شهرهم «فيلبي»، ولي�س م�ستغربا ،ولي�س المو�ضوع طارئا �أو جديدا، ون�ستطيع القول �إنه م�ضى ن�صف قرن في المملكة وقد ا�ستغرقت اليون�سكو ربع قرن من النقا�ش على العمل الأثري ب�أ�شكال مختلفة ،وهناك جهود وال��ح��وار حتى �آم��ن المتحفظون من الآثاريين كبيرة بُذلت من كثير من الزمالء والعاملين في و�أ�صحاب التراث على م�ستوى العالم ،ب�أهمية
ه��ذا الحقل ،وم��ن ح�سن الحظ �أن د .عبداهلل م�صري ود� .سعد الرا�شد – المتواجدين معنا- ممن تولوا م�سئولية الأعمال التنفيذية في الآثار لفترة طويلة جداً .وقد �أوكلت للهيئة مهمة الآثار منذ فترة وجيزة ال تتجاوز (� )7 –6سنوات، لأ��س�ب��اب ر�ؤيَ �أن ي�ك��ون ه�ن��اك تحفيز لجانب اال�ستفادة االقت�صادية منها ،فكانت هناك نظرة ب�أن العناية بالآثار والمحافظة عليها عملية مكلفة تنفق فيها من ميزانية الدولة ،ولي�س لها مردود ال على الآثار نف�سها وال المناطق التي توجد فيها.
م�سجد قلعة مارد في دومة الجندل
26اجلوبة � -شتاء 1434هـ نقو�ش قرب قلعة زعبل في �سكاكا
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
قلعة زعبل في �سكاكا
المتحدثون في الجل�سة الثانية ممر في حي الدرع التاريخي في دومة الجندل
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
27
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الجهود التي بذلت في الما�ضي لأكثر من خم�سين عاما ،وال �شك �أن لتلك الجهود جوانب مهمة، وفيها انطالقة قوية جداً ،نتمنى �أن ت�أتي ثمارها على �أر���ض ال��واق��ع .و�أن��ا �سعيد م��ن مداخالت ال �� �س��ادة ال�ح���ض��ور؛ لأن ال �م��واط��ن ه��و ال��وق��ود الذي يدفع بنا �إلى الأم��ام ،فمن حقه �أن ي�س�أل ويت�ساءل� ..أن يحا�سب وينتقد ..وهذا ما نريده، �أن نجعل من المواطن الحامي الأول للآثار. د .علي �إبراهيم غبان
ثم ا�ستعر�ض جهود الهيئة العامة لل�سياحة والآث� ��ار و�إن �ج��ازات �ه��ا ف��ي م�ج��ال الآث��ار.ف��ذك��ر الأهداف العامة للهيئة التي تتمثل في:
التنمية االقت�صادية للتراث الثقافي ،و�أن هذا •المحافظة على الآث��ار والمتاحف وت�أهيلها �سبب من �أ�سباب حمايته والمحافظة عليه ،وقد وتنميتها. و�صلنا بعد رب��ع ق��رن �إل��ى �أن التنمية هي خير و�سيلة للحماية ،وهذا المو�ضوع يطرح الآن من •ال�ت��وع�ي��ة وال �ت �ع��ري��ف ب ��الآث ��ار وال�م�ت��اح��ف و�أهميتها الثقافية واالقت�صادية. جديد� ،أو ط��رح حتى في الما�ضي القريب في المملكة ،وجميع الدول الآن تتوجه هذا التوّجه�• ..إن�شاء المتاحف في المناطق والمحافظات حتى دول الخليج الأخ���رى ب ��د�أت ت�ح��ذو حذو وتطويرها. المملكة ،في الربط بين الجهات المعنية بالأثر• ،تحقيق م�شاركة المجتمعات المحلية في كل والجهات المعنية بالتنمية ال�سياحية ك�سبيل من ما له عالقة بالآثار والمتاحف ،وتمكينهم �سبل التوفير. من القيام بالأدوار الرئي�سة. وال �شك �أن الآثار موارد اقت�صادية ،واالهتمام •نقل المعرفة وبناء قدرات جميع ال�شركاء بها ق�ضية وطنية مهمة جد ًا تخدم �أكثر من بُعد.. في مجاالت الحماية والمحافظة والت�أهيل. ولي�س فقط البُعد االقت�صادي .والأبعاد الثالثة (الثقافي -االجتماعي – االقت�صادي) يجب �أن •�إحداث نقلة �أ�سا�سية في الآثار والمتاحف، و�إبرازها كبعد ح�ضاري ي�ضاف �إلى الأبعاد ت�سير مع بع�ضها بع�ض ًا في خط متوازٍ ،والجانب الدينية وال�سيا�سية واالقت�صادية للمملكة. االقت�صادي �أ�صبح هو الدينمو المحرك .ولننظر �إل��ى اليونان ..لديها �أق��وى نظام لحماية الآث��ار •توفير �آف��اق رحبة لال�ستفادة من مكونات الآثار والمتاحف وا�ستثمارها وتحقيق دخل على م�ستوى العالم ،لماذا؟! لأن الآث��ار تدخل يدعم االقت�صاديات المحلية. %20من الدخل الوطني في اليونان.
28
وا�ستطرد د .الغبان قائال� :إننا الآن ال نخترع •ت�أهيل وتدريب الكوادر والكفاءات الوطنية للمحافظة على الآثار وتنميتها. العجلة ،وال نبد�أ من ال�صفر ،نحن نبني على اجلوبة � -شتاء 1434هـ
�أما م�سئولية الهيئة في مجال الآثار والمتاحف •ت�أهيل ( )70موقع ًا �أث��ري � ًا وفتحها �أم��ام والتراث فتتمثل في: الزوار. •الحماية. وفي مجال المتاحف: •الت�سجيل. •تطوير المتحف الوطني بالريا�ض. •البحث العلمي. •ت�أهيل المواقع وتنميتها. •العمل على �إن�شاء متاحف في المناطق. •�إن�شاء المتاحف التابعة للهيئة وت�شغيلها. •تطوير المتاحف القائمة. •دعم المتاحف الخا�صة والمتخ�ص�صة. •�إن�شاء متاحف المحافظات ف��ي المباني •التوعية والتعريف. التاريخية. كما تحدّث عن مبادرات و�إنجازات الهيئة في •دعم المتاحف المتخ�ص�صة والتو�سع فيها. مجال الآثار و�أهمها: •ت�سجيل مواقع في المملكة في قائمة التراث •�إقامة المعار�ض الم�ؤقتة والزائرة. العالمي (م��دائ��ن �صالح-الدرعية -جدة •ن�شر الثقافة المتحفية. ال�ت��اري�خ�ي��ة -م��واق��ع ال�ن�ق��و���ش ال�صخرية �أما عن التطلعات الم�ستقبلية فتتمثل في: بمنطقة حائل). •�إق ��ام ��ة م �ع��ار���ض ف��ي ال�م�ت�ح��ف ال��وط�ن��ي •تعزيز مفهوم البعد الح�ضاري ،ورفع الوعي الأث��ري على م�ستوى الم�ؤ�س�سات والأف��راد، لمجموعات من المتاحف العالمية. وت�شجيع الم�سئولية ال�ف��ردي��ة ف��ي حماية •�إقامة معر�ض روائ��ع من �آث��ار المملكة في تراثنا الثقافي من خالل العمل مع �شركاء المتاحف العالمية ومنها :متحف اللوفر الهيئة في هذا المجال. بفرن�سا ،م�ؤ�س�سة الكا�شيا ب�أ�سبانيا ،متحف الأرميتاج برو�سيا ،متحف البيرقمان في •التوا�صل م��ع العالم م��ن خ�لال التعريف بح�ضارة المملكة العربية ال�سعودية. �ألمانيا ،متحف ال�سيمثونيان بالواليات ال�م�ت�ح��دة الأم��ري �ك �ي��ة وع���دد م��ن ال�م��دن •ت �ح��وي��ل ال� �ت ��راث ال �ح �� �ض��اري �إل� ��ى م��ورد الأمريكية الأخرى. اقت�صادي وم�صدر لفر�ص العمل ،و�سبي ًال •ن��زع ملكية ( )120موقع ًا �أث��ري � ًا مملوك ًا �إلى زيادة دخل المجتمعات المحلية. للمواطنين. •ال�ع�م��ل ع�ل��ى تهيئة وت ��أه �ي��ل ال �م��زي��د من •ا�ستعادة (� 14ألف) قطعة �أثرية من خارج المواقع الأثرية والتاريخية ،ومواقع التراث المملكة. العمراني وال�صناعات ال�ي��دوي��ة ،وكذلك �إج��راء المزيد من العمل الأث��ري الميداني •العمل مع ( )25بعثة علمية محلية وعالمية ف��ي مجال التنقيب والم�سح بالتعاون مع لإجراء الم�سح والتنقيب في المواقع الأثرية مراكز البحث العالمية. بمناطق المملكة. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
29
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الثانية للدكتور عبداهلل ح�سن م�صري (المدير العام الأ�سبق لوكالة الآثار والمتاحف) بعنوان «نظرة على �آثار المملكة في مجال الأنظمة والأبعاد الإ�ستراتيجية الم�ستقبلية»
تحدث د .عبداهلل م�صري عن الآثار في المملكة العربية ال�سعودية فقال �إنها �شهدت الوالدة المنظمة كت�أ�سي�س في عام 1382هـ1962-م� ،إثر مداخالت كانت من اليون�سكو مع المملكة العربية ال�سعودية بوجوب االهتمام بهذا الجانب؛ ف�صدرت توجيهات عليا ب�إن�شاء ق�سم الآثار ،ف�أن�شئ في وزارة المعارف �آنذاك و�ألحق في �إدارة الثقافة ..فكان ق�سماً في المديرية ،وعندما بد�أنا العمل في عام 1973/72م1393/92 -هـ كان الموقع المكاني لق�سم الآثار موقعا مهم�شا في جانب مهم�ش من معهد العا�صمة النموذجي في الجزء الخا�ص بالتربية البدنية ،عندما بد�أنا عام 1992م بد�أنا �أي�ضاً ب�إ�ستراتيجية ،ولكن على مقدراتنا المحلية ،و�أذكر هنا بالعرفان والجميل معالي الراحل ال�شيخ ح�سن �آل ال�شيخ الذي كان ارتباطي به ارتباطا وثيقا ومعرفتي فيه ب�أنه رجل التراث ،ورجل محب وم�شجع لكل ما يحفظ ويحافظ على التراث ،وللأ�سف �أخبرته بحال الق�سم ف�أعطاني ال لي “اذهب وا�صنع المعجزات �إن قدرت ..و�أنا معك”. ( )Carte Blancheقائ ً بد�أنا بم�سح �شامل للمملكة في كل �أنحائها، فق�سمناها تق�سيما جغرافيا واقعيا ،وا�ستعنّا بفرق بحثية من كل جامعات العالم ،وبارتباطي بالجامعات الأمريكية ..كنت �أكثر ميو ًال لهم، ولكن �أتينا بهم من �أ�ستراليا و�إنجلترا وفرن�سا ح�سب التخ�ص�صات ،وبقينا ع�شر �سنوات نكدح ف��ي �سبيل جمع المعلومات ،وتوثيق الخرائط والمخططات ،وو�ضع �إحداثيات لكل موقع ،حتى �أننا ا�ستعنّا بالر�صد الجوي.
د .عبداهلل ح�سن م�صري
30
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
حظيت الآث��ار بعناية كبيرة ج��د ًا ب�سبب دعم معالي ال�شيخ ح�سن �آل ال�شيخ -يرحمه اهلل -وما كتبت خطابا لجهة ما �إال و��س��ارع �إل��ى توثيقه.. وه ��ذا ي�ق��ال -ل�ل�ح��ق ول�ل�ت��اري��خ -وي�سجل لذلك
الرجل ،وا�ستمر الحال في الم�سح الأث��ري طيلة تلك ال�سنوات ،وبد�أنا ن�ضع المملكة في الخريطة ال�ع��ام��ة ،لأن الم�سح الأث ��ري ال ي�ف��رز �شيئا في الآث ��ار ،فالم�سح الأث ��ري فقط يقول هنا توجد مكامن للآثار مهمة ،ومعروف �أن المملكة العربية ال�سعودية فيها مكامن للآثار مهمة منها( :دومة الجندل ،العال ،الخريباء ،نجران) خ��ارج هذه الأطر للمدن التاريخية القديمة التي تواترت فيها ال�سُّ كنى منذ �آالف ال�سنين� ،أج��زم ب��أن الجوف من (� 4000أو � )5000سنة تواترت فيها ال�سُّ كنى، لكن المعول الأثري لم يتطرق حتى الآن �إلى �سبر الأغوار ،وينطبق ذلك على العال ونجران والأخدود وجيزان ،مع عدم وجود �آثار ظاهرة وبيّنة ،لكنها تخفي �آثارا مذهلة جداً ،وكذا الهفوف وتاروت في �شرقي المملكة العربية ال�سعودية.
دون ذلك ،بحيث نعتمد في الم�سح الأث��ري وكل تخ�ص�صات الآث��ار على البند الثالث (�إعانات لجهات مختلفة) ،.فلج�أنا �إل��ى ه��ذا التنظيم وجعلنا كل عبئنا في تنظيم الآث��ار لمدة ع�شر �سنوات على البند الثالث (بند �إع��ان��ات) ،كما حملنا بعثات الآث��ار �أي�ض ًا على البند الثالث، واعتمادا على البند الرابع �أن�ش�أنا المتاحف� .أما ت�سوير الآث��ار فكان المحور الثاني المهم جداً، وقد ا�ستغرق وقتا طويال لإنجازه ،وهكذا �صار لدينا جيل كبير من الآثاريين ،ومواقع موثقة وخرائط معتمدة،راجين �أن تكون هيئة الآثار قد حافظت على تلك المخططات المهمة جد ًا �أثناء الم�سح الأثري ،الذي �شكل �أكثر من ع�شرة �آالف موقع �أثري ،ور�صدت وو�ضعت في مركز الم�سح والأبحاث في وكالة الآثار،
وكانت مهمتنا ي�سيرة نوع ًا ما ،فمنذ البداية يجب علينا ح�شد الإمكانات ،ثم خلق الكوادر الب�شرية؛ فلج�أنا �إلى تدريب الكوادر مع البعثات الأجنبية ،وتمويل البعثات الأجنبية تمويال ذاتيا من المملكة ،وواجهتنا عقبات �إداري��ة مع وزارة المالية ومع الخدمة المدنية ،كيف ن�ؤطر للآثار كحقل يمول باخت�صا�صاته؟ فما كان هناك بد �إال اخت�صار الزمن والوقت ،وعدم الإ�صرار على �إ��ص��دار لوائح خا�صة ب��الآث��ار في ذل��ك الوقت، لأن نظام الآث��ار يعطي الحق لمجل�س الآث��ار �أن ي�صدر لوائح .فلج�أنا �إلى �إخوة في وزارة المالية كانوا متعاونين ج��د ًا معنا ،ف�أو�ضحوا لنا ب�أن اللوائح والتنظيمات المالية ت�أخذ وقتا طويال، و�أن ميزانية الدولة تتيح لنا العمل بمرونة من
واختتم حديثه بقوله :نظرتي الإ�ستراتيجية �أن الآثار بالمملكة لن ينت�شي حالها �إال ب�إدخال عن�صر البعثات الأجنبية ،و�أن��ا �أه�ن��ىء الهيئة ال�ع��ام��ة ل�ل�آث��ار على ال�م�ع��ار���ض ال�ت��ي تقيمها. فالمعار�ض لي�ست لإثارة الده�شة ،ولكن لتحفيز الإم�ك��ان��ات المالية ل��دى الهيئات االجتماعية الراغبة في التمويل و�إن�شاء وقفيات؛ ففي م�صر وال�ع��راق و�سوريا مخ�ص�صات مالية وقفية لها مئة ع��ام ،ون��ري��د �أن نلفت �أن��ظ��ار الأوروب��ي��ي��ن والأمريكان �إل��ى �إن�شاء وقفيات م�شابهة ل�شبه الجزيرة العربية ،وبالذات في المملكة العربية ال�سعودية ،وبالتالي يتم تمويل كثير من البعثات الأج �ن �ب �ي��ة ف��ي ال �ج��ام �ع��ات وغ �ي��ر ال�ج��ام�ع��ات والم�ؤ�س�سات الخا�صة. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
31
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الثالثة لمعالي الأ�ستاذ الدكتور خليل بن �إبراهيم المعيقل (مدير جامعة حائل) بعنوان «الأبعاد االقت�صادية لالهتمام بالآثار»
تحدث في البداية عن ال�سوق ال�سوداء وهي م�صطلح يطلق على كل تجارة غير م�شروعة ،تمار�س في الظالم وتنطوي على مخالفات نظامية .وقد عرفت تجارة الآثار وال�سوق ال�سوداء لها منذ ع�صور موغلة في القدم .وارتبطت هذه التجارة بمعرفة الإن�سان واهتمامه بالمقتنيات القديمة ،وجمعها منذ الع�صور ال�سومرية والبابلية في بالد ما بين النهرين ،والع�صر الفرعوني في وادي النيل ،والع�صر الإغريقي في الجزر الإغريقية.
32
منذ تلك الع�صور ،ن�شط الإن�سان في جمع كل تجارة �سوداء في دول كانت تخ�ضع لال�ستعمار قديم ثمين ،حتى راجت عمليات نب�ش المقابر الغربي ،وبخا�صة ف��ي م�صر وال �ع��راق وال�شام القديمة ،بحثا عن القطع الذهبية والفنية ذات وبع�ض مناطق الجزيرة العربية. القيمة المادية لبيعها على الأثرياء .وا�ستمرت وخ�لال تلك المرحلة ،كان االهتمام بالآثار هذه التجارة تمار�س في مختلف الع�صور ،وقد في المملكة العربية ال�سعودية مغيباً ،وبخا�صة ت�أكد ذلك للمنقبين في المواقع الأثرية -التي في المرحلة التي �سبقت ن�شوء الدولة ال�سعودية تعود لكل الع�صور� -أن جانب ًا من تلك المواقع الثالثة ،وك��ذل��ك ف��ي م��راح��ل توحيد المملكة. ق��د تعرّ�ض للنهب ف��ي ف�ت��رات قديمة وحديثة. وبد�أ اهتمام الدولة بالآثار عام 1382هـ ،عندما ومع بداية ن�شوء مدار�س علم الآث��ار في �أورب��ا، �أ�س�ست �أول �إدارة للآثار تابعة لوزارة المعارف، و�ضعت القوانين والأنظمة التي تنظم العمل في تالها في عام 1392هـ �سنُّ �أول نظام للآثار في مجال الآثار ،كما �سُ نت قوانين مماثلة في مناطق المملكة. مختلفة من ال�شرق القديم في كل من العراق وق��د ت�ح��دث ال��دك�ت��ور ع�ب��داهلل م�صري عن وم�صر وب�ل�اد ال���ش��ام ،وتلتها ب�لاد �أخ ��رى في �أوقات مت�أخرة� ،إال �أن تلك القوانين التي و�ضعت ال�ب��داي��ات الفعلية لت�أطير العمل الأث ��ري عام من قبل الغربيين �أو ت�أثرت بهم �أطّ رت ب�صورة 1392ه��ـ من خالل �صدور نظام الآث��ار كمنطلق �أو ب�أخرى ل�سيا�سة تجارة الآثار ،و�سمحت بهام�ش للعمل الأث��ري في المملكة� ،إال �أن نظام الآث��ار من حرية التجارة التي �أدت �إلى خروج كميات الذي �صدر في تلك الفترة جاء �ضمن منظومة كبيرة من الآثار المنقولة من بالد ال�شرق القديم الأنظمة التي كانت موجودة ،وربما مرجعيات تجاه �أ�سواق �أوربا والواليات المتحدة الأمريكية .النظام التي ا�ستند عليها هي مرجعيات الأنظمة وال �شك �أن ذل��ك �أ�سهم ب�شكل كبير ف��ي رواج العربية في م�صر وبالد ال�شام ،ولذلك نجد �أن اجلوبة � -شتاء 1434هـ
نظام الآثار ال�صادر عام 1392ه�ـ ،يحتوي على ف�صلين من ف�صول هذا النظام ،الف�صل الرابع ويتحدث عن تجارة الآث��ار ،وتحت هذا الف�صل مجموعة من المواد التي ت�ؤطر لهذه التجارة، والف�صل الخام�س يتحدث عن ت�صدير الآث��ار، وبالتالي نحن �أمام تجارة وت�صدير ،وهذه ربما تكون مدخلي للحديث عن ال�سوق ال�سوداء في المملكة في المرحلة الحالية ،وق�ضية الحماية ال �ت��ي ت��وق��ف ع�ن��ده��ا ال��دك �ت��ور ع��ب��داهلل ،وه��ي منطلقي �إلى الحديث. والآث��ار� ..سواء الثابتة منها �أو المنقولة ،هي الأ�صول التراثية والأث��ري��ة وبالتالي المحافظة على الأ�صول يفتر�ض �أن تكون انطالقة لأي عمل المقدّرة التي قامت بها الهيئة العامة لل�سياحة، �آخر. �إال �أنها �أخفقت ب�شكل كبير ج��د ًا في مو�ضوع �أم��ا عن ن�ش�أة ال�سوق ال�سوداء في المملكة ،ال�ح�م��اي��ة،ف�ق��د ت��راج �ع��ت ال�ح�م��اي��ة وت��راج�ع��ت فقال �إنها ن�ش�أت لعدة �أ�سباب �أبرزها تنامي الوعي الحرا�سات ،ففي ظل وزارة المعارف ك��ان كل الأثري -الحراك الذي حدث في العمل الأثري، موقع �أث��ري ال يخلو من وج��ود حار�س ،وعندما وبخا�صة مع ن�شاط الهيئة العامة لل�سياحة الذي لم يتزامن معه حماية �صارمة للمواقع الأثرية ،انتقل قطاع الآثار �إلى ال�سياحة تخلت ال�سياحة وبالتالي �أدى ازدي��اد البطالة لدى ال�شباب �إلى عن حرا�س الآثار ،و�أعيدوا �إلى المعارف ،وبقيت توجه �أع��داد كبيرة ج��د ًا منهم �إل��ى البحث عن المناطق الأثرية دون حرا�س ،فالجوف مث ًال يوجد الكنوز في هذه المواقع الأثرية بطريقة جاهلة فيها الآن حار�س واحد في دومة الجندل ،وموقع في بع�ض الأحيان� ،أدت �إلى تخريب الكثير من ال�شويحطية الذي يعد من �أهم المواقع الأثرية المواقع الأثرية التي –ربما -ال تنطوي على ذهب ال توجد فيه حرا�سة ،وكذلك موقع الرجاجيل. �أو ف�ضة كما يبحث الكثير منهم. والتحديات والتعديات التي حدثت للآثار في وق��ال �إن التجارة البي�ضاء غذيت من خالل المرحلة الأخيرة كانت ب�سبب هذا الواقع ،وقد التجارة ال�سوداء ،فالمحالت المرخ�صة لبيع و�شراء هذه القطع غذيت من خالل �سوق �سوداء حان الوقت �إلى �أن تقف ال�سياحة وقفة جادة مع تغذي تلك المحالت بقطع �أثرية وقطع ذات قيمة وزارة المالية لإع��ادة الهيبة لهذه المواقع من وطنية عالية ج��داً ،وبالتالي فالق�ضية الرقابية خالل توفير الحرا�سة لها .هل تتوقعون �أن يقف مفقودة ،وتحتاج �إلى تفعيل الحماية. النا�س على باب بنك م�شرع ..وال يتعر�ض هذا ف��ي ال�سنوات الأخ �ي��رة ،ورغ��م ك��ل الجهود البنك لل�سرقة؟!! فالحماية �أو ًال ثم الدرا�سات. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
33
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الرابعة للأ�ستاذ الدكتور �سعد بن عبدالعزيز الرا�شد (المدير العام ال�سابق لوكالة الآثار والمتاحف) بعنوان« :نتائج ا�سترداد الآثار»
تحدث د� .سعد الرا�شد فقال� :إن الخطة الإ�ستراتيجية للهيئة العامة لل�سياحة والآثار للمحافظة على الآثار الوطنية الثابتة منها والمنقولة ،تبنّت برنامجاً مهماً ال�ستعادة الآثار الوطنية في الداخل والخارج ،وكانت البداية في �إقامة �أول معر�ض للآثار الوطنية الم�ستعادة برعاية كريمة من خادم الحرمين الحرمين ال�شريفين -حفظه اهلل -خالل الفترة من 1433/03/16هـ د� .سعد الرا�شد الموافق 2012/03/08-02/08م) بالتزامن مع المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية ،)27وقد واكب المعر�ض عدداً من الفعاليات الم�شتملة على زيارات طالبية وعامة للمعالم التراثية والتاريخية في مناطق المملكة ،وتنفيذ ور�ش عمل في عدد من المتاحف المحلية والإقليمية ،والجامعات ال�سعودية ،وتوّجت ب�إقامة الندوة العالمية ال�ستعادة الآثار.
34
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
�صورة منظر عام لآثار دومة الجندل
ا�شتمل المعر�ض على �آالف القطع الأثرية الم�ستعادة من داخل المملكة وخارجها ،والتي تم ا�ستعادتها خالل �سنوات ع��دي��دة ،منها م��ا ت��م ا�ستعادته وف��ق�� ًا للأنظمة والقوانين الدولية ،ومنها ا�ستعادة طوعية ،ومبادرات من الأ�شخا�ص الذين ح��ازوا قطع ًا �أثرية وتراثية .غير �أن جهود الهيئة كانت م�ضاعفة منذ �صدور �ضم وكالة الآثار ،و�أ�صبحت قطاع ًا مهم ًا في الهيئة يحظى بالرعاية والتطوير .ونتيجة لمبادرات الهيئة وانفتاحها على المجتمع في ال��داخ��ل ،وتوا�صلها وح�ضورها دول�ي�اً ،ب��د�أت الهيئة وال تزال ت�ستقبل �أع��داد ًا من المواطنين الغيورين الذين قدموا تطوعي ًا ما يحتفظون به من قطع �أثرية وتراثية، وف��ي الوقت نف�سه تتلقى الهيئة يوم ًا بعد ي��وم خطابات ور�سائل من �أف��راد �أجانب يعر�ضون ما لديهم من قطع �أثرية احتفظوا بها عندما كانوا يعملون في المملكة .وهذه الجهود م�ستمرة في هذا الإطار الذي �أ�صبح يمثل ركيزة �أ�سا�سية �ضمن برنامج الملك عبداهلل بن عبدالعزيز للبعد الح�ضاري للمملكة. وتناولت هذه الورقة �إ�ضافة �إلى المرجعية الإداري��ة والتنظيمية التي قام على �أ�سا�سها تنفيذ المعر�ض والندوة العالمية الأول��ى للآثار الم�ستعادة ،التطلع لما بعد هذه الخطوة المباركة والتي تتركز على عدد من النقاط منها: اجلوبة � -شتاء 1434هـ
-1ماذا يعني ا�سترداد الآثار بمفهومها ال�شامل؟ -2ما هي الخطوات الم�ستقبلية للآثار الم�ستعادة؟ -3ما هو دور المواطن في الداخل؟ -4ما هو دور المواطن في الخارج؟ -5ما هو الدور الذي �ست�ضطلع به وزارة الخارجية في دعم الهيئة العامة لل�سياحة والآث��ار لر�صد الآثار الوطنية في الخارج؟ -6دور وزارة الداخلية (الإن�ت��رب��ول ال�سعودي) في المتابعة والتن�سيق. � -7أهمية �إبراز الآثار الوطنية الم�ستعادة والتعريف بها على م�ستوى الوطن. -8ما هي الو�سيلة الأف�ضل للتعريف ب�آثارنا الم�ستعادة، وتعزيز الح�س الوطني والبعد التاريخي والح�ضاري لتلك الآثار. -9تكثيف البحوث وال��درا��س��ات العلمية والتوثيقية وتقديمها للمجتمع �أو ًال والتعريف بها عالمياً. -10تكثيف الجهود مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم ال�ع��ال��ي لت�ضمين ال �ت��راث ال��وط�ن��ي في المناهج ،و�إدخال مادة عامة عن التراث الح�ضاري للمملكة في الخطة التدري�سية للجامعات ال�سعودية (الحكومية والأهلية).
مجل�س الحي في حارة الدرع التاريخية المميزة بالعقود اجلوبة � -شتاء 1434هـ 35
للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الجل�سة الثالثة �أدار الجل�سة �أ.د عبدالرحمن العناد الورقة الأولى للأ�ستاذ الدكتور عبدالعزيز لعرج (ق�سم الآثار -جامعة حائل) بعنوان« :الخطوات الم�أمولة من المجتمع تجاه االهتمام ب�ألآثار وحمايتها»»
ويقول فيها �إن الآراء ووجهات النظر عند جميع الأمم والأقوام �أجمعت على �أن الآثار لعبت في ن�ش�أتها وتطورها وما تزال تلعب ،دورا �سيا�سيا وتاريخيا كبيرا من حيث الك�شف عن قدرات و�إمكانات الأجيال ال�سابقة في البناء الح�ضاري للمجتمع، و�أ�سهمت في الحفاظ على الذاكرة الجمعية و�إعادة بناء ما�ضيها وا�ستذكار تاريخها. من هنا� ،أخذ علم الآثار مكانته ،ودفع بالدول والمجتمعات �إلى رعاية �آثارها د .عبدالعزيز لعرج والمحافظة عليها .ولكن ال�س�ؤال المطروح دوما ،هو :كيف تم ويتم ذلك؟ بع�ض ال��دول ك�إيطاليا وفرن�سا وبولونيا فيما بعد ،بلغت مبلغا كبيرا في خو�ض غمار تجارب الحماية والحفاظ، وحققت نتائج مهمة� ،أ�صبحت نموذجا يُقتدى من بلدان ما يزال �سبيل الحماية والمحافظة عندها في بدايته، لأ�سباب وعوامل عديدة؛ ثقافية وب�شرية واقت�صادية وعلمية و�إعالمية ،و�أمتنا العربية �ضمن هذا ال�صنف.
والحقيقة �أن هناك طرقا و�أ�ساليب ومناهج كثيرة ،كل منها يتكامل مع الآخ��ر ،لتحقيق غر�ض االهتمام بالآثار وحمايتها والمحافظة عليها ،وهو الم�أمول من المجتمع. ولعل الإ�شكالية الكبرى في هذه الق�ضية هي� :أن النجاح فيها مرهون ب�إ�سهام المجتمع �أفرادا وجماعات و�إ�شراكه في العملية ،وقد �أثبتت مختلف التجارب هذا المنحى .ولكن كيف تتم م�ساهمة المجتمع وم�شاركته في االهتمام بالآثار وحمايتها والحفاظ عليها؟ بمعنى �آخر القيام بما هو م�أمول منه تجاه الآثار :يتطلب ذلك ر�ؤية وا�ضحة و�سيا�سة ثابتة و�أدوات قادرة ،ولعل �أهم ر�ؤية و�أعظم �أداة لتحقيق ذلك، هو ن�شر الوعي الفردي والجماعي في �أو�ساط المجتمع ،ثم الإيحاء له �أو تكليفه بذلك ،وهي عملية طويلة وتدريجية، ونتائجها م�ؤكدة ،وت�صير تلقائية متى بلغ المجتمع م�ستوى معينا من هذا الوعي ،فيتولد عنده حب التراث الأث��ري، ويندفع ذاتيا لحمايته والمحافظة عليه .ون�شر الوعي
36
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
بذلك يتم من خالل العديد من الجوانب ،وقد عالج د. لعرج في ورقته بع�ضا منها كت�أ�سي�س وت�شجيع وتمويل الجمعيات ومراكز ودور الثقافة وال�شباب على الم�ستويين المحلي والوطني ،و�إط�لاق الن�شاطات الثقافية والفنية من محا�ضرات وملتقيات وندوات ،و�أيام درا�سية ين�شطها باحثون و�أ�ساتذة الجامعات ،مع االمتداد في التوعية �إلى الم�سئولين في الإدارة المحلية والإقليمية .و�سوف يدعم هذا الجانب ا�ضطالع المنظومة التربوية بهذه المهمة في برامجها ون�شاطاتها؛ كالرحالت والزيارات المدر�سية للمواقع والمناطق والمتاحف الأثرية والمعار�ض الفنية، ومتى ما �أ�سهمت التغطية الإعالمية وتحديد �أ�سبوع �أو �شهر �سنويا لمختلف الن�شاطات الثقافية والعلمية واالجتماعية المرتبطة بالآثار� ،سواء تحقق ذلك جزئيا �أو كليا ،ف�سوف يبادر المجتمع تلقائيا وبالإيحاء �إلى تقديم الم�أمول منه في حب التراث الأثري وحمايته والمحافظة عليه.
المتحدثون في الجل�سة الثالثة
الورقة الثانية للدكتور علي دبكل العنزي (ق�سم الإعالم – جامعة الملك �سعود) بعنوان« :دور و�سائل الإعالم في التوعية باالهتمام بالآثار»
وتتلخ�ص ورقة د .علي العنزي في الآتي: ال �شك �أن و�سائل الإعالم لها دور م�ؤثر في خلق التوعية واالهتمام بمو�ضوع معين ،ويحدث هذا االهتمام من خالل ت��ب�� ّن��ي القائمين ع��ل��ى و���س��ائ��ل الإع��ل�ام لخطة م��ح��ددة من �أج��ل الو�صول �إل��ى الجمهور والت�أثير فيه لالهتمام بذلك ال��م��و���ض��وع .م��ا يتعلق ب���دور و���س��ائ��ل الإع��ل�ام ف��ي التوعية باالهتمام بالآثار هو دور حيوي ومهم ،لذلك ،من المفرو�ض �أن تكون هناك حملة منظمة لخلق الوعي باالهتمام بالآثار من قبل و�سائل الإع�لام ،ومن قبل الجمهور كذلك ،وهي تبد�أ على ثالث مراحل: -1االهتمام :awarenessوه��ذه المرحلة يقوم القائمون على الحملة ببعث االهتمام بالآثار م��ن خ�لال ع��دد م��ن ال��ر��س��ائ��ل الإع�لام�ي��ة، وك ��ذل ��ك ع� ��دد م ��ن ال� �ب ��رام ��ج ال �م��وج �ه��ة للإعالميين.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري
د .علي دبكل العنزي
ح��ول بع�ض المقترحات ال�ت��ي ت�ساعد العامة على االهتمام ب��الآث��ار ..كو�ضع ال�صور الأثرية في �صاالت المطار ،وغيرها من الأماكن التي يرتادها النا�س في �أعمالهم ،كذلك �إب��راز �آثار المنطقة في المهرجانات التي تقام في المنطقة كمهرجان الزيتون ،وكذلك المهرجانات الأخرى التي تقام في المناطق الأخرى.
-2التكثيف :تكثيف التغطية الإع�لام�ي��ة ،من خالل ا�ستغالل العديد من المنا�سبات في هذه المرحلة لإبراز �أهمية الآثار في و�سائل كما �إن تفعيل دور ق��ادة ال��ر�أي في المنطقة الإعالم. باالهتمام بالآثار من خالل تنفيذ برنامج زيارات -3التقييم :تقييم م�ستمر للتغطية الإعالمية لهم لهذه الآث��ار وتغطيتها في و�سائل الإع�لام، وحملة االهتمام بو�سائل الإعالم. �سوف يكون له �أثر كبير في االهتمام بالآثار من وق��د ت�ط��رق ف��ي ورق�ت��ه �إل��ى الو�ضع الحالي قبل و�سائل الإعالم .وكذلك دعوة رجال الإعالم للتغطية الإعالمية للآثار ،من خالل ما تتناوله لزيارة المناطق الأثرية في المنا�سبات الوطنية و�سائل الإعالم من تغطيتها� ،إ�ضافة �إلى ت�صور والعامة. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
37
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
الورقة الثالثة للأ�ستاذ الدكتور العبا�س �سيد �أحمد (ق�سم الآثار -جامعة حائل) بعنوان :الآثار والتراث والعولمة
قال د .العبا�س في تقديمه لورقته� :إن ال�س�ؤال الخا�ص بجدوى التراث نف�سه قد طُ رح على �أروقة البحث في عدد من مجاالت فروع المعرفة ،وال يزال ..ولعل الحديث عن جدوى التراث- �إن كان له ج��دوى -وعما �إن كان له دور ي�صب في معين �آلية النمو والتطور الح�ضاري يفر�ض االلتفات �إلى �ضرورة درا�سته. �إزاء هذا الموقف ،ذهب الحوار في اتجاهين :اتجاه يرى فيه حنيناً نو�ستالجياً �إلى الما�ضي ،وممار�س ٍة قد تبلغ مرتبة الترف الأكاديمي .واتجاه �آخر يرى فيه �سفينة النجاة لمجابهة تحديات الحا�ضر. وق�ب��ل �أن يُح�سم ه��ذا ال �ج��دل ،تهب علينا 4.4ا� �س �ت��دع��اء ت��ج��ارب ال �م��ا� �ض��ي وم �خ��زون��ه ل�ل�إ� �س �ه��ام ول�ي����س ال�ح���س��م ،ف��ي م��واج�ه��ة رياح العولمة العاتية وبحرها الهائج ،بح�سبانها تحديات الحا�ضر. م�ع��ادل��ة �آح��ادي��ة كونية ت��زي��ل ح��واج��ز التاريخ والجغرافيا عبر �إلغاء �أو ال�صدام مع الآخ��ر5.5 ،توجيه الإعالم نحو �إ�شاعة مفهوم ع�صري للتراث. لتمحو ث�ق��اف��ات الما�ضي وال�ح��ا��ض��ر ولت�سجل نهاية التاريخ ،رغم ما تطرحه من �شعارات من �6.6إنتاج منهج علمي وتنمية مقدرات الإبداع واالبتكار. كونها �أداة لرفع الإنتاج ،وتطور الخدمات ،ونمو االقت�صاد واال�ستثمار. وا�ستطرد قائال :وهنا �أتوقف عند كلمتين: وقد طرحت الورقة هذه الجدلية ،في محاولة قديم ًا حذرنا «المهاتما غ��ان��دي» من ح�ضارة البحث عن معادلة للت�صالح بين التراث والعولمة .تقودنا �إل��ى «�سيا�سة ب�لا م�ب��ادئ ،وت�ج��ارة بال �أخالق ،وثروة بال عمل ،وتعليم بال تربية ،وعلم وفي الختام �أ�شار المحا�ضر �إلى �ضرورة :بال �ضمير». 1.1تحرير �شرائح التراث من ال�شوائب التي �إزاء ذل��ك ال ب��د ل�ن��ا �أن نتح�صن بمواقع �أل�ح�ق�ه��ا ب�ه��ا ال�ف�ه��م ال�خ��اط��ئ وال�خ��راف��ة الف�ضيلة في تراثنا بكل ف�صائله ،في وقت يتهاوى والدجل. فيه العالم الثالث من حولنا.
38
2.2االب �ت �ع��اد ع��ن النو�ستالجية وال�شوفونية م�ستلهمين مقولة للزعيم الأفريقي «نيل�سون واالتكاء الكامل على الما�ضي. م��ان��دي�لا» ،مخاطبين بها زم�لاءن��ا على �ضفة 3.3الإ�صالح التربوي في كل المراحل التعليمية العولمة «ليتنا نتعلم كيف نحارب �أعداءنا دون �أن ن�سيء �إليهم ..حاربونا دون الإ�ساءة �إلينا». و�إثرائها بمقررات تراثية. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الورقة الرابعة للدكتور �أحمد �أبو القا�سم (ق�سم الآثار -جامعة حائل) بعنوان« :التراث والآثار نحو ر�ؤية م�ستقبلية»
تتناول هذه الورقة مفهوم التراث وفروعه و�أنماطه ،كما تعر�ض مفهوم علم الآث��ار ،ك�أحد فروع المعرفة التي تعالج �أحد مرتكزات التراث الإن�ساني. وت��ع��ال��ج ال��ورق��ة �أه��م��ي��ة ال���ت���راث ،وق��ي��م��ه ،وم��ه��ددات��ه ،وو���س��ائ��ل ح��م��اي��ت��ه ،و����ض���رورة ���ص��ون��ه ،بحكم ك��ون��ه م��ل��ك��اً ل�ل�أج��ي��ال الحالية والقادمة. ك��م��ا تناق�ش ال��ورق��ة م��ف��ه��وم �إدارة ال��ت��راث ال��ث��ق��اف��ي ،وم��راح��ل ن�ش�أتها وتطورها ومبادئها العامة الأ�سا�سية؛ كالحماية ،والبحث، والعر�ض ،والتهيئة ،واال�ستثمار.
د� .أحمد �أبو القا�سم
ك��ذل��ك ت �ت �ن��اول ال��ورق��ة �إت �ج��اه��ات ال �ت��راث التعامل معه وفق ما تتطلبه مقت�ضيات الع�صر، الإيجابية وال�سلبية: مع الإبقاء على الثوابت وعدم الم�سا�س بها. فالإيجابية هي التي تحقق نمو الفرد وتقدم �أما ال�سلبي :في�ستهين بالتراث ويعدّه مظهر ًا المجتمع� .أم��ا االتجاه ال�سلبي فهو ال��ذي يعوّق من مظاهر الما�ضي وحنين ًا له ،وترف ًا �أكاديمي ًا تقدم الفرد ونمو م�ؤ�س�سات المجتمع وتطوره. ال فائدة منه .ويرى هذا االتجاه بعدم العودة �إلى ويرى االتجاه الإيجابي �ضرورة فهم التراث التراث والأخذ منه داعي ًا �إلى بناء ثقافة جديدة الثقافي و�إدراك طبيعته ،وت�ج��دي��د �أ�ساليب تواكب الع�صر وال ترتكز على ثوابت قديمة.
�أثناء زيارة ال�ضيوف لآثار منطقة الجوف اجلوبة � -شتاء 1434هـ
39
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة -الجوف 8 – 7محرم1434هـ ( 22 -21نوفمبر 2012م)
تو�صيات المنتدى
م�سجد عمر بن الخطاب من الداخل
وفي نهاية فعاليات المنتدى� ،أدل��ى الدكتور �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري بالت�صريح الآت��ي ب�ش�أن التو�صيات التي انبثقت عنه :وق��ال �إن الم�شاركين بهذا المنتدى يقدرون عالياً اهتمام خ��ادم الحرمين ال�شريفين وتوجيهاته ال�سامية باالهتمام بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن ،وه��ذا لي�س بغريبٍ على هذه القيادة الحكيمة .وقد �أكد الم�شاركون بالمنتدى من خالل �أوراق العمل والمناق�شات على �أهمية الآثار كجزء �أ�صيل من تراثنا الوطني ،لي�س فقط كموروث ثقافي ..ولكن كذلك لأهميته الق�صوى كخيار اقت�صادي يمثل �أحد البدائل الإ�ستراتيجية المتاحة وبخا�صة في المناطق النائية .ومن هذا المنطلق يقدم الم�شاركون بالمنتدى التو�صيات الآتية:
40
� .1أهمية م�شروع خ��ادم الحرمين ال�شريفين ال��رام��ي �إل��ى النهو�ض بالعمل الأث ��ري في المملكة العربية ال�سعودية ،وتعزيز البعد الح�ضاري للمملكة. � .2أهمية العمل على �سرعة ت�سجيل المواقع الآث��اري��ة ف��ي �سجل ال�ت��راث العالمي ،وحث الجهات الحكومية الأخرى للتعاون مع هيئة ال�سياحة والآثار في هذا الجانب. .3التعامل مع الآثار كموروث ثقافي ،واالهتمام ب��الآث��ار بو�صفها م�صدر ًا للهوية التاريخية والح�ضارية واالعتزاز بالتاريخ الوطني. .4تفعيل ب��رام��ج ح�م��اي��ة الآث� ��ار م��ن التعدي وال���س��رق��ة م��ن خ�لال ب��رام��ج حماية فاعلة و�إيجاد �آليات لحماية التراث الوطني. .5ال�سرعة في �إق���رار نظام الآث���ار والمتاحف الجديد. .6تفعيل ودع��م ف��روع الهيئة العامة لل�سياحة والآثار في مناطق المملكة العربية ال�سعودية، و�إيجاد مراكز �أبحاث في تلك المناطق. .7ت�شجيع الم�ؤ�س�سات والأف ��راد على ت�سجيل القطع الآثارية التي يمتلكونها �ضمن ال�سجل الوطني للآثار والتراث. .8تفعيل ال��دور المجتمعي من خ�لال ت�أ�سي�س اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الجمعيات العلمية ولجان �أ�صدقاء الآثار في المناطق والمحافظات والمدن. � .9إي �ج��اد معجم ت��اري�خ��ي ع��رب��ي ي�ستند �إل��ى الدرا�سات الآثارية ودرا�سات اللغات العربية القديمة. .10االهتمام بالأبعاد االقت�صادية للآثار ودورها في التنمية. � .11إن�شاء �أوق��اف خا�صة للت�شجيع على العمل الأثري. .12االه�ت�م��ام ب�سوق دوم��ة ال�ج�ن��دل التاريخي وال�ع�م��ل ع�ل��ى �إع� ��ادة ال���س��وق ع�ل��ى �أ�س�سها القديمة �إن وجدت. .13االه�ت�م��ام بجمع وت�سجيل الآث� ��ار ،و�إج ��راء م�سوحات للأمكنة التاريخية التي لم يجرِ م�سحها. .14العناية ببرامج التوعية الموجهة للمواطنين ولجيل ال�شباب ب�شكل خ��ا���ص ،للعمل على حماية التراث الوطني و�صيانته وحفظه. .15االه�ت�م��ام ب��ال��درا� �س��ات االث�ن��و�أرك�ي��ول��وج�ي��ة والإن�ث��روب��ول��وج�ي��ة كمجاالت م�ساندة لعلم الآثار. � .16إيجاد �سبل فعالة لم�شاركة القطاع الخا�ص في خدمة قطاع الآثار والتنمية ال�سياحية.
قلعة زعبل �سور دومة الجندل الأثري المبني من حجارة الجندل ال�صلبة منذ �أكثر من �ألفي عام
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
41
ديوان( :غواية بي�ضاء) لمالك الخالدي �أنموذج ًا
■ د� .إبراهيم الدهون*
�إِ َّن ح�ضور ال��م��واط��ن��ة ال���ّ��ص��ال��ح��ة ،وف��ه��م الإ���س�لام فهماً �صحيحاً ،وتزويد الأجيال الالحقة بالمثل العليا ،وتطوير المجتمع فكر ّياً وثقاف ّياً في الأدب ال�سّ عودي عموماً وال�شّ عر على وجه الخ�صو�ص ،الف��تٌ لالنتباه ،ومثي ٌر للجدل؛ فهو ح��ال جدير باالهتمام وال��دِّرا���س��ة؛ لأ ّن المواطنة ال�صّ الحة معينة للمواطن ،ال��ذي هو لبنة �أ�سا�سيّة في بناء الوطن. وعليه ف����إ ّن ال�شّ اعر �سعى ج��اه��داً �إل��ى المثاقفة والتوا�صل مع �أبناء المجتمع ،من حيث �إنّه ينه�ض بوظيفة اجتماعيّة م�ؤداها مِ را�س الكالم مع الجمهور والت�أثير فيه. ّ�ص الفنون والآداب والثقافة؛ فالمواطنة تتطلب لهذا ،تك�شف هذه الدرا�سة �أثر الن ّ ال�شّ عري في �شعر ال�شّ اعرة ال�سّ عوديّة – �صدق ًا خال�ص ًا نابع ًا من داخل الإن�سان تجاه مالك الخالدي -من خالل ديوانها(:غواية وطنه دون مواربة �أو تغيير. ال�صادر عن نادي الجوف الأدبي، بي�ضاء)ّ ، وعند قراءتنا لديوان الخالدي –غواية ّ �سنة 2010م ،ف��ي تنمية الح�س الوطني بي�ضاء -نج ُد فيه اتّجاه ًا فن ّي ًا عظيماً، والوازع االنتمائي بين �أفراد المجتمع. ف�ض ًال عن تبنّيه منهج ًا يظهر فيه تطوير
42
كما ت�ؤكد على واجب الأدب في ن�شر ثقافة التقارب والتوا�صل؛ لأننا ال ن�ستطيع �أن ن� ّؤ�صلَ ال�صالحة ،ونبذ العنف لمفاهيم المواطنة ّ بمعزل عن الثقافة والأدب ،فهذه المفاهيم ت�ستهدف �أ�سا�س ًا الإن�سان ،والأداة لذلك هي اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الإن�سان ،بحيث ينخرط بمجتمعه ،ويعي�ش فيه �آمن ًا مطمئناً� ،شاعر ًا بالرعاية وتحقيق الذات ،ي�شارك ب�شكل فعّال وبنّاء ،ويفخر به ويدافع عنه ،ويمار�س حقوقه بتوازنٍ وعدل.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ّ�ص ِّ ال�سعودي في بناء المواطنة �أثر الن ّ ال�شعري ّ
وعلى هذا الأ�سا�س� ،سيكون منطلق البحث ر���ص��د منظومة ال��م��واط��ن��ة ف��ي �شعر الخالدي و�أثرها في التوا�صل ال��دِّ الل��ي ،وت�شديد اللُّحمة بين المجتمع والإن�سان ،في ظ ّل ما ي�شهده من تغيرات ،والتي من �أبرزها طوفان المعرفة وثورة التكنولوجيا. ويحاول البحث الإطاللة على معالم المواطنة ّ�ص ال�شّ عري ،و�أث��ر �أطروحات ال�شّ اعرة في الن ّ في �صياغتها منتج ًا �إبداع ّياً ،ومن�شط ًا ثقاف ّياً، و�إبراز معالمها ،التي بدت وا�ضحة في خطابها ال�شّ عري الذي يتطلب منهج ًا قرائي ًا واعي ًا جدير ًا بالتقدير. لع ّل المت�أمّل لم�سيرة ال�شّ عر ال�سّ عودي �أن يلحظ دقة في التفاعل مع الوطن والتعامل معه على �أ�سا�س عنا�صره ومكوناته ،التي تنطلق من الفرد الذي يبلور المكان وي�ؤ�س�س المنهج.
وال �شكّ �أنّ للوطن �سحر ًا يتمثل في تم�سك المواطنة» .وقد ا�ستدعى ذلك الأمر اال�ستعانة ال�شُّ عراء وحديثهم ف��ي ق�ضايا وم�سائل �أكثر بديوان ال�شّ اعرة« :غواية بي�ضاء» ،والإفادة منه ع �م��وم �ي �ةً ،ت��رت�ب��ط ارت �ب��اط � ًا وث �ي �ق � ًا بمفاهيم لتحليل مظاهر المواطنة والكلمة الطيبة ،وتفتيت الدعوات المنحرفة وتفكيكها. واتّجاهات المواطنة. كما �أنَّ ال�شِّ عر يعبّر عن قيمة جمالية ،تتجلّى �إ�شكاالت المفهوم من خالل الت�أكيد على دوره في المواجهة وت�أ�صيلٍ المواطنة :مفهوم ا�شتقّ من كلمة الوطن، للكلمة الطيبة؛ ف ��إِنَّ ال�شَّ اعر المنتمي يرف�ض ت�شترك فيه جميع الأم��م .وكيان يفر�ض وجود ًا التجاوزات ،والفكر المنحرف ،ويحمل م�شروع ًا را�سخ ًا على ال�ف��رد المنتمي ،ال��ذي ي�شعر �أنَّ في معاي�شته الحقيقيّة لوقائع �أمته وع�صره ،ال م�شكالته ال تتجز�أ ،وال تنف�صل عن م�شاكل �أفراد يتن�صل عن وظيفته؛ بل كان واعي ًا ح ّياً ،لق�ضايا المجتمع الآخرين. المجتمع ،م�ستلهم ًا حوار ًا فعّا ًال ي�شيعه بين �أبناء لكنَّ الكلم َة الطيب َة -ب�سبب خ�ضوعها لأنظمة وطنه. متباينة ومعقدة � -أ�صبحت متعدد َة الأب�ع��اد، ولبيان ه��ذه الجهود ب�شكل دقيق وملحوظ، ع�صيّة عن الفهم؛ وهو ما يُفقدها في الغالب والخروج بدرا�سة متكاملة في جوانب المواطنة والروح الوطنيّة ،ظهرت فكرة هذه الورقة البحثية �صفة التما�سك واالنتماء. ّ�ص ال�شِّ عري ال�سّ عودي في بناء وعنوانها�« :أثر الن ّ
و�إذا �أراد الباحث �أنْ يلمّ �شتات ومتفرقات
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 43
�أمّا الوطنية ،ف�إِنّها ت�أتي �إطار ًا فكر ّي ًا محيط ًا للمواطنة؛ بمعنى �أنَّ الوطنيّة عمليّة فكريّة� ،أمّا المواطنة فهي ممار�سة ،وقد يكون الفرد مواطن ًا لكنّه قد ال يكون وطن ّياً .والوطنيّة مفهوم متعدد الأبعاد يحتوي على دالالت �سيا�سيّة واجتماعيّة و�أخالقيّة وثقافيّة ،وهي مفهوم �إن�ساني �شامل. يح�س بها الفرد تجاه فالوطنيّة عاطفة جيّا�شة ّ وطنه(.)1 بقي �أنْ ن�شير �إلى �أنَّ مفهومَ المواطنة رباطٌ وثيقٌ ،وو�شيجٌ ،وتفاعل ،وتمازج في بوتقة واحدة هي الوطن.
44
فحينما نقر�أ �شعر ال�خ��ال��دي ..نلحظ جل ّي ًا الروح الوطنيّة ،فقد عك�ستها مقطوعات �شعريّة، وق�صائد جميلة نحو :وطن البيا�ض ،حيث جعلت ال�شّ اعرة �أر�ض الوطن مبعث ًا للنور والأمل ،ال�سيما في �أ�سطرها ال�شّ عريّة في م��دح ح��راك الملك عبدالعزيز – رحمه اهلل -ال��ذي محا �أدران الما�ضي من جهل ومعتقدات �ضالة ،و�سكب على الوطن معاني الحبّ والحبور ،فانت�شر الأم��ن والإيمان في �أرجائه؛ لأنَّ الأمنَ مطلبٌ �ضروري، والإن �� �س��ان �أح� ��وج م��ا ي �ك��ون �إل �ي��ه م��ن الطعام وال�شراب ،لذا قدّمه �إبراهيم -عليه ال�سّ الم- على الرزق في دعائه في القر�آن الكريم « :و�إذ قال �إبراهيم ربّ اجعلْ هذا البلدَ �آمن ًا واجنبني وبنيّ �أن نعبدَ الأ�صنامَ »(.)3
وت�أ�سي�س ًا على ذلك ،ف��إِنّ للمواطنة بو�صفها منظومة قيم ومبادئ وظيف ٍة ح�ضاري ًة تف�ضي بالإن�سان �إل��ى �صعود م��راق��ي التَّطور والتقدّم واالزده ��ار ،وتنجز �أه��داف � ًا في تحفيز م�سيرة ال��رق��ي الإن���س��ان��ي ،وف��ي ب�ن��اء ح�ضارة الب�شر، ولقد حَ َ�صرْتُ الدِّ را�سة في دي��وان ال�شّ اعرة على نحو يمكّن الإن �� �س��ان م��ن اال��س�ت�م��رار في رحلة وجودية تحمله من كمال مُحقَّق �إلى كمال «غ��واي��ة بي�ضاء» ،متبع ًا منهج ًا �أدب � ّي � ًا تحليلي ًا تناولت فيه المباحث الآتية: مُحتمل(.)2 ّ�ص ال�شّ عري ومفردات المواطنة. 1.1الن ّ وال ب � ّد �أنْ يعي م��ن ي�ح��اول ط��رح المواطنة ّ�ص ال�شّ عري ومفردات القوميّة. 2.2الن ّ والوطن �أو التمتع بهما �أو يمار�سهما ،الأبعاد الأخالقيّة وال�سّ لوكيّة والمفاهيم التي ترتبط ّ�ص ال�شّ عري والوحدة المو�ضوعيّة. 3.3الن ّ بهما ارتباط ًا قو ّياً .فالمواطنة لي�ست مفردات �أو علم ًا مح�ضاً ،ينح�صر اهتمام الممار�سين �أوال:النّ�ص ال�شّ عري ومفردات المواطنة لها ب�ت��ردي��د ��ش�ع��ارات �أو ه�ت��اف��ات �أو تراكيب يبقى ال�شِّ عر اللّغة الأق��رب ،والموئل لل�شّ اعر لغويّة فح�سب ،بل هي توا�صل وتقارب وتماهي والأفكار؛ فال�شِّ عر �سيّد الآداب والمعارف ،ويظ ّل ال �ف��رد والمجتمع داخ��ل ال��وط��ن ،وال�ب�ح��ث في �شعرا�ؤنا منارات م�ضيئة لحا�ضرنا وم�ستقبلنا، ّ�ص ال�شّ عري يفي�ض لغة �شعريّة توحي طبيعة العالقة بين الأق��وال الحقيقية والأفعال كما �أنَّ الن ّ بالتجربة المحمّلة ب�صور ودالالت مختلفة، االجتماعيّة وال�سّ لوكيّة. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ومن هنا ،ف ��إنّ ال�شَّ اعر المبدع ي�ؤمن بذاته وبفكره ،وي�ؤمن ب��أنَّ تقوقعه �ضمن دائ��رة يعني موته ،لذا ف�إنّ ال�شَّ اعر يكرّ�س الإبداع ،والتفاعل مع الحياة ،و��ص��و ًال �إل��ى تفكير منهجي ،ور�ؤى ا�ست�شراقية متميزة. وال�شّ اعرة � -صاحبة الديوان -ت�شكّل بحق �إ�ضاءة جديدة في ال�شِّ عر ال�سّ عودي ،و�شرفة مطلة على الم�ستقبل من خالل �إبداعاتها ذات الأبعاد والم�ضامين الوطنيّة والقوميّة ،والإن�سانيّة .ف�ض ًال ّ�ص ال�شّ عري من دون عن �إ�سهامها في بنائية الن ّ الم�سا�س في �أحد �أركانه الأ�سا�سيّة؛ فالمو�سيقى العرو�ضيّة ظهرت كحالة كتابة �شعريّة جديدة. كما ت�صوّر ق�صائد الخالدي نحو ق�صيدة: (وط��ن البيا�ض) مو�ضوع ًا ظاهر ال��دِّ الل��ة على تكوينها الثقافيّ ،وانتمائها الفكري ،الرا�صد لأم��را���ض مجتمعها ال��ذي �صبغ بوجوه خائنة.. انحرفت عن وطنيتها الحقيقية ،وغدت �أبواق ًا مجلّلة تنعق بالدمار والخراب.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
المواطنة ومفاهيمها وتحديداتها؛ ف�إنه ي�صل �إلى تحديد دقيق لمفهومها ،وهو حبّ الوطن والوفاء له ،والت�ضحية بالغالي والنفي�س في �سبيله.
وم��ن هنا ،ت�أتي �أهمية بحثنا ،ملخ�صة في ّ�ص ال�شّ عريّ في �أ ّن��ه درا�سة في تق�صي �أث��ر الن ّ بناء المواطنة ،ومعرفة �صلة ال�شّ اعر بالوطن والوطنيّة والمواطنة تطبيق ًا على ديوان( :غواية بي�ضاء).
بو�صفها �أداة لالبتكار والإب���داع ،يج�سّ د فيها ال�شّ اعر م�ضامين الحالة ال�شُّ عوريّة التي تعي�ش داخل وجدانه.
��زف دمي �س�أر�س ُل ال��حُ ��بَّ منقو�شاً ب��ن ِ ل�� ُي�����ش��ر َق ال���ك���ونُ ن�����ش��وان��اً ب���أل��ح��ان��ي ف��ح��ي��ن ي��ن��ث��الُ ب��وح��ي م��ن ُرب����ا �أم��ل��ي ���س��ي�����س��ت��ط��ي�� ُر ع��ل��ى الأرج��������ا ِء ت��ب��ي��ان��ي ي��ا ق��ل��بُ قا�سيتَ ط��ع�� َم ال�� َّدم��ع �أزم��ن�� ًة �����ض �إن�����س��انِ وك���ن���تَ ف���ي ك��� ِّل ح��ي��نٍ ب��ع َ ف��م��ذ ���س��ل��وتَ ع���ن الأح����ب����ابِ ق��اط��ب�� ًة وعِ �����ش��تَ ���ص�� ّب��اً ُت��ن��اج��ي خ��ي�� َر �أوط�����انِ وتم�ضي ال�خ��ال��دي ف��ي الإع �ل�ان ع��ن حبّها المنتزع من ذاتها ،م�صوّرة �إ�شفاقها على وطنها الذي كتبت من �أجله �شعرها ،و�سكبت فيه الحبّ وال�شَّ وق ،ا�ستكما ًال للدور المهم الذي نه�ضت به ال�شّ اعرة ،و�سعي ًا م�ستمر ًا �صوب الو�صول بهذا ال��وط��ن والأر�� ��ض �إل��ى �أع�ل��ى درج ��ات الر�شاقة والكمال الإن�ساني الممكن. �إنّها تر�سم �صورة مثيرة ومحفّزة ،لعلّها تعبي ٌر عن �شدّة تعلّقها و�شغفها بالوطن� ،إذ تحوّل حبّ الأ�صحاب والرفاق عندها �إل��ى مناجاة وهيام بالوطن. و�إذا دلفنا �إلى الأ�سطر ال�شّ عريّة التالية في الق�صيدة ذاتها ،وجدنا �صورة الوطن الم�شرقة تلحّ �إلحاح ًا كبير ًا على ال� ّن��ور والهداية ،وهنا تعمّق الدِّ اللة ،وتنبّه �أبناء مجتمعها على الت�شبث الحقيقي ب��الأر���ض ،وم��واج�ه��ة ال��وط��ن؛ فجنحَ الخطابُ ال�شّ عريّ �إل��ى ال�ح��وار والتركيز على القيم والف�ضائل العليا ،والت�سامي لخدمة الوطن وترابه .وهذا م�ؤ�شر وا�ضح ،وحجة دامغة على انتقال ال��ذات ال�شّ اعرة في مواجهة ال��ذات �إلى مواجهة المجتمع وعنا�صره� ،إذ تقول(:)5
لقد ر�أت الخالدي في الكلمة �أم��ان��ة ،و�أث��ر ًا قو ّي ًا في الإن�سان ،فكان العنوان لون ًا من االلتزام وال�صدق تجاه وطنها :وطن النّور ،وطن ًا والوفاء ِّ عظيم ًا ر�سمته ال�شَّ اعرة ،بجمل �إبداعيّة ،طافحة ال��دِّ الل��ة؛ لتجد ال��ذات ال�شّ اعرة �أم��ل �سعادتها وف��رح�ت�ه��ا ف�ي��ه؛ ل�غ��ة ام �ت�ل�أت ح �ن��ان �اً ،وم�سحة م��ن عاطفة م�ت��وق��دة ،تفي�ض ن�ضا ًال وان�ت�م��اءً، تحتفل ب�إنجازات المنا�ضلين ما�ضي ًا وحا�ضراً، فتقول(:)4 �أر����ض ت��ف��وقُ المعاني كيف �أنظِ مُها
�س�أ�صرفُ ال��ب��و َح عن ميقاتِ �أحزاني و�أر������س����� ُل ال����ح����بَّ م�����زه����� ّواً ب�����أوزان����ي
وك���ي���ف �أت����ل����و ب����ه����ا ًء �����ص����ا َر وج���دان���ي ...............
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 45
أر������ض وح���ي ال��ح��قّ منبثقاً و�أل���ه��� َم ال َ لآخ�����ر ال���� ّده���� ِر ي��ب��ق��ى خ���ي��� َر ع���ن���وانِ وممّا ال �شك فيه �أنَّ لل�شّ عر كلم ًة و�أث��ر ًا فعّا ًال ف��ي تج�سيد عنا�صر المواطنة ،وتعرية ه ��ؤالء الخائنين وف�ضحهم على الملأ؛ فالمواطنة في �شعر الخالدي موقف �أخ�لاق��ي ،ولي�س �سالح ًا عن�صرياً� ،أو �أداة تمرّد على الواقع الإن�ساني ،كما هو حال المفرطين دعاة ال�ضاللة ،وجهالة ميثاق الإ�سالم ور�سالته. ومن يت�أمّل الأ�سطر ال�شّ عريّة –ال�سّ ابقة -يجد �أنَّ ال� ّن��ور ي�شع من جوهرة ه��ذا ال��وط��ن ،الذي يمتلىء ترابه �أمن ًا و�إيماناً ،ف�ض ًال عن �أنَّ هذه الأر�ض مهوى �أفئدة النّا�س ،لما فيها من �إح�سا�س يجبر الأرواح الك�سيرة ،وفيها بيت اهلل العتيق، ملج�أ العابدين من جموع الم�سلمين الغفيرة .كما �أنها �أر���ض اهلل التي اكتملت فيها دائ��رة الوحي الأخ �ي��رة� ،إذ بعث فيها �سيّد الب�شرية قاطبة، ومتمم م�ك��ارم الأخ�ل�اق �سيدنا م�ح� ّم��د ،عليه ال�صالة وال�سّ الم. ّ
46
من ها هُ نا ينت�شي من ها هُ نا يم�ضي ع��ل��ى ي���د ال���ق���ائ���دِ ال���م���غ���وا ِر وال��ب��ان��ي ع��ب�� ُد ال��ع��زي��ز �أزال ال��ق��ي�� َد م��ن ي��دِ ه��ا ����ف و�أدرانٍ �إذ �أُث�����قِ�����ل�����ت ب����ت����خ����اري ٍ ال�ضحى من بعد غفوت ِه في�ض ُّ فانهال ُ و�أ��������ش�������ر َق ال�����ح�����قُّ ي���ت���ل���و �آي ق������ر�آن م�����ض��تْ م�����س��ي��ر ُة ح����قٍّ ت���رت���دي �أل���ق���اً �������ض ع����ل����مٍ و�أف�������ك�������ا ٍر وع�����م�����رانِ ب���ف���ي ِ ح�� ّت��ى ت���ن���ادتْ ن��ج��وم ال�� ّل��ي��لِ تغبطُ ها هيهات ي��ا نجم واح���ذر ���ض��وء ُر ّب��ان��ي ت �ح��اول ال�خ��ال��دي �أن ت�ؤ�س�س على ثوابتها الوطنيّة ر�ؤي��ة دينامكية ،تحرّ�ض على �إنعا�ش الكرامة با�ستح�ضار الرموز العربيّة من الذاكرة الجمعية ،وجعلها تتحرك بفاعليتها من خالل ال�صور والدِّ الالت. ّ
وهذا يرجعنا �إِلى �أنْ ال�شّ اعرة ت�ست�شهد بما كان قد فعله الملك عبدالعزيز –رحمه اهلل- �إبان حكمه� ،إذ ا�ستطاع �أنَّ يق�ضي على كلِّ الفتن والخالدي ،كما اتّ�ضح من �شعرها الم�أزوم ،والمواقف الحرجة بكلِّ عزيمة� ،سواء بالمناظرة فهو ال يحمل م�شروع ًا ذاتياً ،و�إنما اتّ�سعت دائرته الفعلية� ،أم بالجدل الديني ،م�ستعين ًا ب��ر�أي اجلوبة � -شتاء 1434هـ
�أن يخلدوا �إلى الراحة والطم�أنينة ،و�إنني �أحذّر الجميع من نزعات ال�شيطان واال�ستر�سال وراء الأه��واء التي ينتج عنها ف�ساد للأمن في هذه الديار»(.)8
لقد اتّ�سمت مواقف الخالدي تجاه الوطن بالرف�ض والإي �ج��اب ،فهي ترف�ض الممار�سات ال�سّ يا�سيّة واالجتماعيّة التي �شوّهت �أ�صالة وط�ن�ه��ا ،وب � ّث��ت ف�ي��ه ب ��ذور ال�ت�خ��اري��ف و�أدران الجاهليّة ،في محاولة تهدف �إلى �إبراز الب�شاعة، وما يتولّد عنها من نتائج ت�شا�ؤمية ،وانحطاط اجتماعي؛ وهي في الوقت نف�سه تتوثّب وتحفّز �أب �ن��اء ال��وط��ن �إل��ى الم�سير ق��دم� ًا �صوب العلم والفكر والمعرفة ،وتنبّه �إل��ى �أهمية التم�سك بهوي ٍة توحدنا ،فهي ت�أمل في �إيجاد م�ستقبل له قيمة كليّة جوهريّة� ،أ�سا�سه فكر �أ�صيل ،ينزع �إلى حرية حقيقية تبزغ من رحم الرف�ض والخروج على قرارات القوى الخارجية(.)9
يتجلّى تعلّق الخالدي بالوطن� ،إذ ت�ضفي عليه مظهر ًا م�شرقاً ،حيث رف�ض الخنوع واال�ستكانة، و�ألب�سته عباءة ال�سُّ موق والعلو والكبرياء ،لذلك َّ�ص ال�شّ عري بالدوال المرتبطة بالبقاء يحفل الن ّ وقوة التغيير ،وتثبيت القيم وانبعاث اللحظات الإ�شراقية ،كتكرار فعل الأمر(عِ ْ�ش) �أربع مرات، لت�صوغه ان�ساق ًا تتناغم فيها الأبعاد الدِّ الليّة والمو�سيقى ال�شّ عريّة ،ف�ض ًال عن انعكا�س عمق االنتماء المكاني لتراب هذا الوطن.
هكذا عبّرت الخالدي عن المواطنة ،ال �سيما وال�صورة ال�شِّ عريّة، توظيفها للمفردة اللّغويّة ّ التي ر�سّ خت انتماءها و�شوقها وحنينها للوطن، التوظيف من�سجم ًا مع ال�سّ ياق ال�شِّ عري ُ فجاء ومترابط ًا مع عنا�صره الأدبيّة ،وف�ضائه الكلي. ّ�ص ال�شّ عري فا�ستح�ضار الوطن ومتعلقاته في الن ّ داللة �أكيدة ،و�إ�شارة وا�ضحة �إلى �إبراز دور الأدب ّ�ص ال�شّ عري في الك�شف عن تجربة ال�شّ اعر والن ّ لذا ،انغم�ست ال�شّ اعرة في انتمائها الوطني ،وموقفه الفكري. و�أث�م��ر ارتباطها بوطنها قيم ًا ب ��ارزة� ،أنتجت ّ�ص ال�شّ عري ومفردات القوميّة دالالت ال�ع�ط��اء وال�خ�ي��ر ،على نحو م��ا ت��راءت ثانيا:الن ّ �إِنَّ ال�ق��ارئ لمنجز ال�خ��ال��دي� ..سيجد �أنّها �صورته في قولها(:)10 تج�سّ د الم�ضمون العام لل�شعور القومي وت�ضمر ي���ا م��وط��ن��ي ي���ا رب��ي��ع��اً ج����ا َد م��ن��ه��م��راً لإخ���و ٍة ق��د م�ضوا ف��ي ب��� ِؤ���س حرمانِ �أ��ش�ك��ال الفعل الحركي الن�شيط ،الناتج عن اح �ت �ك��اك ال� ��ذات ال�م�ب��دع��ة ب �م ��ؤث��رات ال�ع��ال��م ح�� ّت��ى ع��رف��تْ م��ن��ار ال��خ��ي�� ِر ي��ا وطني الخارجي .كما �أنّها انتقلت من �إطارها الذاتي ج�������زاكَ رب������يِّ ع����ط����ا ًء ف������و َق �إح�������س���انِ وعالمها االنفرادي �إل��ى نطاق �أ�شمل؛ ليكت�سب �أبعاد ًا قوميّة و�إن�سانيّة .وعلى هذا الأ�سا�س ف�إنَّ عِ ْ�ش موطن الخير ال حيفٌ وال رهقٌ عِ ْ�ش خ��ال��داً �سامقاً من دون �أ�شجانِ الربط بين (�أنا) و(نحن) ينقل اللّغة من كونها
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
لي�صبح مدافع ًا عن قيم �إن�سانيّة واجتماعيّة، ب����ي����اد ُر ال����حُ ����بّ ت��غ��ري��ن��ي ف����أل��� ِث���مُ��� َه���ا و�أن����ح����ن����ي ل����ل����ب����وادي �����ش����و َق ل��ه��ف��انِ ووط�ن� ّي��ة ف��ي ع�صر ان�ح��رف��ت فيه ثلة م��ارق��ة، ا�ستندت على دع��اوى و�أه��واء التهور والتطاول �أن����تِ الأم������انُ �إذا م��ا ال�� ّل��ي��ل ب��اع��دن��ي عن نب�ض ِة الحبِّ في �أهلي وخُ النِي على قيم جمال الأوطان و�شرفات الأمان. �إذ كانت ال�شّ اعرة تقف موقف ًا عدائي ًا من �أن��تِ ال��م��داءاتُ �إذ �ضاقتْ على وتري ت��رن��ي��م�� ُة ال���ح���بِّ �إِذ ت��م�����ض��ي ك��ه�� ّت��انِ الحركات الهدّامة ،والزمر المكتوبة بهمجية التخريب والتدمير والإرهاب ،فلقد كان موقفها مُ��ذ �أ���ش��ر َق ال��نُّ��و ُر �أم�����س��ي��تِ ب�لا وج��لٍ من الملك عبدالعزيز – رحمه اهلل� -أكثر ثبوت ًا م����ن����ار َة ال����ح���� ِّق ل��ل��ق��ا���ص��ي ول���ل���دَّانِ���ي وب��روزاً ،و�أن�صع �صورة ،و�أبهى �أث��ر ًا من خالل تبنيه الق�ضايا القوميّة ،وتم�سكه بثوابته الوطنيّة، �آث��������ا ُر �أح����م���� َد ف����ي �أرج���������اكِ ُت��ل��هِ��مُ��ن��ا ()6 م��ج��داً وع����� ّزاً ت��ن��ام��ى ف��ي�����ض رح��م��ان �إذ تقول :
�����ش ف��وق ه��ام ال��دُّ ن��ا رم���زاً �أه��ي�� ُم ب ِه العلماء وحججهم لمحاربة الع�صاة والمتمردين ،عِ ْ والق�ضاء على ر�ؤو�س الفتنة(.)7 ت�������أت������ ُم ف�����خ�����راً ب�����ه �أف�������������وا ُج ب����ل����دانِ �ضفاف ال��حُ ��بِّ �أغني ًة ِ لذلك ،قال رحمه اهلل� « :إنّ البالد ال ي�صلحها عِ ْ�ش �أن��تَ ف��و َق غير الأم��ن وال�سكون ،لذلك �أطلب من الجميع �������ض �أن���������دا ٍء و�إي����م����انٍ ال ت��ن��ت��ه��ي ،ف���ي ُ
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 47
وف��ي م�سعى -م��ن جانبنا -لل�شروع في بيت الق�صيد ،بعد �أن تثني ال�شَّ اعرة على هذه البالد المباركة التي انتظمت كالعقد وغ��دت لوحة، كان تغريد الع�صافير لونها ،و�أكف المخل�صين خيوطها ،دعونا ندقّق النّظر مل ّي ًا في ق�صيدة: (غزة الفخر)(:)11
ج����ودي م��ن ال��ع�� ّز �أر����ض���ا ُه و�أ���س��ق��ي��ن��ي ي����ا غ������زّة ال���ف���خ��� ِر ي����ا �أ ّم ال���ق���راب���ي���نِ ج��ودي على الأر���ض من تاريخ �أمتنا و�أي��ق��ظ��ي ه���ا ه��ن��ا ���ص��م��ت ال��م�لاي��ي��ن جُ ������ودي ع��ل��ي��ن��ا ف�������إ َّن ال���� ّن����و َم �أل��ب�����س��ن��ا م���ن ال���م���ه���ان��� ِة م���ا ي��ك��ف��ي ل��ت���أب��ي��ن��ي! ي���ا غ������ ّز َة ال���ف���خ��� ِر ي���ا ن������وراً ُي����راودن����ا عند احلكاك ال��دُّ ج��ى رغ��م الثَّعابينِ
تتخذ الخالدي من �أ�سلوبيّة( :التكرار) للفعل: (�سلوا) نقطة انطالق منها لعالم �أو�سع داللةً، و�أرح��ب �أف�ق�اً ،فال تبرح �أنْ تعلنَ عن فل�سفتها تجاه غ �زّة ،وهي فل�سفة تقوم على رف�ضها لما حدث لها ،من تخريب وتدمير ،وتقتيل وت�شريد لأبنائها و�أهلها على �أيدي عدوان همجي ،يخلو من م�شاعر �إن�سانيّة ،وف�ضائل �إ�سالميّة. ل�ق��د ع � ّب��رت ال �خ��ال��دي ع��ن �أزم �ت �ه��ا وعمق معاناتها التي ع�صفت بغزّة العظيمة؛ من خالل الت�أكيد على دور ال�شِّ عر والكلمة الرقيقة على ال�شّ عوب؛ ت�أثير ًا وتحريك ًا لم�شاعرهم الدفينة، و�أحا�سي�سهم الرقيقة .فال�شّ عر �أداة �سحريّة، وطاقة قوميّة ،يمكن ا�ستخدامه �سالح ًا في وجه تعاليم �أباحت القتل والتخريب والتدمير ،وكانت �سبب ًا في تقوي�ض الإطار الكلي للقيم والأعراف. وع �ل��ى ه ��ذا ال � َّن �ح��و ،تم�ضي ال �خ��ال��دي في ا�ستدعاء مرجعياتها الثقافيّة؛ لتج�سّ د همجية �أ�صحاب العقول المري�ضة ،التي �أنتجت فكر ًا �ضاالً ،وتركت �آالم ًا عظيمة ،فتقول(:)13
ي����ا غ�����زة ال���ف���خ���ر ي����ا ن������ورا ي����راودن����ا عند احلكاك ال��دج��ى رغ��م الثعابين
ع��ل��ى ال����رَّواب����ي ع��ل��ى كُ���� ِّل ال��ب�����س��ات��ي��نِ
ا�ستثمرت ال�شّ اعرة مدينة غزّة العربيّة ،متكئة على مرجعياتها الثقافيّة ،ومعجمها اللّغوي، و�صورها البالغيّة المتما�سكة؛ لتك�شف عمّا يموج بمكنونها الداخلي ،فالذات ال�شّ اعرة ترتفع فخر ًا بعروبتها ،عروبة ترف�ض الركوع واالنقياد للم�ستهزئين والمدمرين لطاقات �شعبنا الفكريّة والثقافيّة وال�شبابيّة ،والمفاهيم والقيم التي كرّ�سها فكر عربي �إ�سالمي.
وتتابع الخالدي �إف�صاحها عن قوميتها ،التي �أخذت تحتل مكان ًة وا�ضح ًة من م�ساحة الخطاب ال�شّ عري ،مف�صحة عن �صدمتها بما تخلفه �أيدي ي������أت�����ي ب����ل���الٌ ي�����ن�����ادي كُ�������� َّل �أم���ت���ن���ا الغا�شمين وت�سلط الجبارين ،من �أطفال يتامى، �أنْ هُ ����ن����ا ����س��� ُن�������ص��� ِّل���ي �إخ��������وة ال����دي����نِ ون�ساء ثكلى ،لقولها(:)12 ال ت���أب��ه��ي ���س��ي��ن��ادي ف��ي ال��ب�لاد غ��داً 48
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
..........................
و�إذا �أمعنا النَّظر في ال�سّ ياق ال�شّ عري ،نلحظ �أنَّ الخالدي قد وج��دت في �شخ�صية (ب�لال) رمز ًا مالئماً ،تعبّر من خالله عن �أبناء الوطن الغيورين والحري�صين على مواجهة الإرهابيين بالحجة والبرهان والعقل ال�سليم ،متخذين من الكلمة الطيبة ،والدليل القاطع و�سيلة لن�شر �أفكارهم ال�سّ ديدة ،و�أبعادهم اال�ست�شراقية.
�إنَّ معاي�شة ال�شَّ اعر لأمّته وع�صره ،وان�صهاره واندماجه في بوتقة الوطن ،لم يمنعه من ا�ستثمار وت�أ�سي�س ًا على هذا التو�صيف ،عندما نقر�أ تراثه العربيّ والإ�سالميّ ،وتوظيفه �أدب ّياً ،بو�صفه ()16 حق ًال دالل ّي ًا �أ�صل ّياً ،يتيح ا�ستيعاب حقب زمانية ق�صيدة( :وطن من حبّ ) التي تقول فيها : عدّة ،وت�ؤهله ب�أنْ ي�صوّر خواطره و�آراءه ت�صوير ًا تر�سم ُه الع�صافي ُر حروفاً خالدة فن ّي ًا(.)14 و�ألقاً يتب ّر ُج للكون ُك َّل �صباح ومهما يكن م��ن �أم��ر ،ف���إنَّ الخالدي تفجّ ر تعزف ُه القلوب العا�شقة �أق���ص��ى دالالت الإ���ش��راق والأم� ��ل والإ���ض��اءة� ،أنا�شيد �أمل با�ستدعاء �شخ�صية ال�صحابي ب�لال -ر�ضي و�ألحان بقاء! اهلل عنه -لتزيل بها بعد ذلك مظاهر الظلمة ،تورق على كفيه �أحالم المخل�صين.. وال�سّ حب ال�سّ وداوية ،المتلفعة بها �أر�ض العروبة .وعلَّمنا �أن نكون �أكبر من الخِ ذالن نلحظ �أنّها تحتمل داللة الت�ضافر بين مفردات ّ�ص ال�شّ عري والوحدة ثالثا :الن ّ الق�صيدة من مبتداها �إلى منتهاها ،في نظام المو�ضوعيّة فنّي خا�ص ،قائم على لغة الوعي ب�أهمية التعاي�ش يتكئ ّ الن�ص ال�شّ عري عند الخالدي على وحدة مع الوطن و�أوجاعه ،واالتّ�صال مع الحياة والأن�س مو�ضوعيّة ،تقوم الق�صيدة كلّها على �أ�سا�س فكرة والبهجة ب�أنغام رائعة ،في وطن ابتهج الع�صفور واح��دةّ ،م��ا يجعلها تت�سم ب�أهم �سمات ال�شِّ عر فيه ط��رب�� ًا و�أم��ان��ا ،باعتزاز عظيم يتمازج مع الحديث ،وهي الوحدة المو�ضوعيّة. م�شاعر االنتماء وال��والء للوطن ،والدفاع عنه، �أ�ضف �إلى ذلك �أنْ يعبّر ال�شَّ اعر عن منجزه وتجاوز عنا�صر الخذالن والحقد الدفين. الإبداعي بلغة مفعمة متما�سكة ،ت�ستند �إلى فكرة َّار�س لهذه الق�صيدة ليدرك �أنّها وبعد ،ف�إنَّ الد َ �أ�صيلة ت�شكّل روح الق�صيدة؛ ذاك هو العبور لوحة فنيّة ،ر�سمت بري�شة فنّان؛ لتج�سّ د فكرة الأجمل والأعمق للتما�سك الدِّ اللي وال�شكلي معاً .واحدة ،تمثّلت بكلِّ ب�ساطة بالوطن وحبّه ،وهذا وبعد ،ف�إنَّ المت�صفح ّ يخ�ص مالك الخالدي وحدها فح�سب ،بل يعمّ لن�ص الخالدي ال�شِّ عري ال ّ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
�شيئ ًا ثابت ًا وجامداً� ،إلى و�صفها طاقة �إيحائية وال�صور البالغيّة. غنيّة بالمعاني ّ
رح���� ُم ال�����ش��ه��ادة �أن����ت ي���ا ���ش��م��وخ دم��ي �سلوا اليتامى� ،سلوا قيد الم�ساجين �سلوا الدُّ موع التي من فوقها �سُ كبتْ �سلوا المنافي �سلو ن��زف ال�شرايين �سلوا الحروف التي باتت على �شفتي من يا حروفي التي بالعزم ترويني؟! ي��ا (غ�� ّزت��ي) م��ا ر�أي���تُ القت َل م��ج��زر ًة ر�أي����ت���� ُه ف���ي ال���عُ�ل�ا �أ�����ص����دا َء ت��م��ك��ي��ن!
أر�ض الفدا ِء غداً م�س يا � ُ �ست�شرقُ ال�شَّ ُ فلنم�سح ال��ح��زنَ ،وع��د اهلل يكفيني
يلحظ �أنّه تبدّت من خالله قدرة �شعريّة مُعزّزة بالقدرة على تطويع اللّغة ،تثبت ذلك �أكثر من ق�صيدة تواجدت بمائز فني �إيقاعي ..يت�ضح من خالله وجود دقّة اقتنا�ص ا�ستعاري ،وجودة اختيار تركيبية ،وح�سن توظيف تراكمي ،اكتمل اكتما ًال ن�سبي ًا مع �إيغال معنوي �إن�ساني ت�ضيئه م�ساحة ال�ب��وح ال�ع��ام��رة ب��ال�م�ف��ردات المعززة لل�صورة الإب��داع � ّي��ة؛ غير ذل��ك هيكلة �شعريّة خليليّة ممو�سقة ،توازنت مع رمزيّة ع�صريّة، غنائيّة ت�ستوعب �أحا�سي�س المتلقي الناهم لل�شعر(.)15
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 49
ات�خ��ذت ال�خ��ال��دي الق�صيدة ر��س��ال��ة ،تبرز من خاللها �أنَّ تطوير المواطن الح�ضاري ذي ال�شَّ خ�صية ال�م�ت��وازن��ة ،ه��و م��ن ي�سهم ب�شكّل ف� ّع��ال ف��ي بناء ه��ذا ال��وط��ن ،وي��داف��ع عنه �ضد الجاحدين ،الخارجين على ق��واع��د المجتمع وقوانينه ،لقولها(:)17
لن يكفر به �إ ّال الجاحدون �أولئك �ستلعنهم زهور اللّوت�س و�أ�شجار النَّخيل �سيلفظهم البيا�ض وتتب ّر�أ منهم الأر�ض لأنّهم خانوا ترابه الطّ اهر..
وه��و الغ�صون الدانيات هو الأ�صيل وطني الجبال ال�شّ مُّ والبيدا ُء حيناً وهو الكرو ُم الخ�ض ُر والظِّ لُّ الظِّ ليلْ وط��ن��ي ان��ب��ع��اث��اتُ ال���ح���ي���ا ِة بجعبتي وه���و ال�����شِّ ��ف��ا ُء ل��م��ق��ل��ت��يَّ ه���و ال�� َّدل��ي��لْ وطني وهل لي بعد ح�ضنك محتوى؟ ال ي���ا ف�������ؤادي ي���ا رح��ي��ق ال�����سّ ��ل�����س��ب��ي��لْ
�إنَّ الخالدي في �شعرها ال تعي�ش ب�ضميرين (�أن��ا) و(النحن) ،و�إنما تندغم مع (النحن)؛ لأنّها ال تنف�صل عن الوطن وم�شكالته وهمومه، فهي ترى �أنَّ الوطن يماثل الزينة والحياة ،ومالذ ًا �إذا كانت افتتاحية الق�صيدة ت�أكيد ًا �سار ًا لكلِّ �إن�سان؛ لأنّه انبعاث الحياة ،و�شفاء الكليم، وفرحا ًللوطن ومفرداته الم�شرقة التي ر�سمتها ودليل التائه ،ومحتوى وهناء البائ�س الفقير. ع�صافير الطبيعة ،ف���إنّ ختامها ت�أكيد ه��ادر وهنا ،نلحظ �أنَّ الذات ال�شَّ اعرة خرجت من وعا�صف لنبذ الخِ ذالن ،والمنافقين والجاحدين دائرة الأنا �إلى �أبعاد �إن�سانيّة عظيمة ،م�ستغلة الذين �ستلعنهم زهور اللّوت�س و�أ�شجار النخيل� ،إمكاناتها اللّغويّة ،و�صورها ال�شِّ عريّة ،ومدلوالت و�سيبتعد عنهم البيا�ض ،وتتبر�أ منهم الأر���ض؛ ال �ك �ل �م��ات ،م��ن خ�ل�ال ت��وظ�ي�ف�ه��ا ف��ي مكانها لأنّهم لوّثوا هذه البالد المباركة ،وحرقوا م�شاعر المنا�سب ،ومن الطبيعي �أنَّ ال�شَّ اعر لم يق�صد �أهلها الدافئة ،ف�ض ًال عن ت�أجيجهم نار الفتنة، فقط �إث��ارة �شعور المتلقي و�أحا�سي�سه بقدر ما ون�شرهم بذور الخيانة والغدر في دروب الأمّة. يريد؛ لأن يظهر الواقع والوطن من خالل هذه �إنَّها لوحة قاتمة في �ضمير ال�شّ عوب المتخاذلة التركيبات العميقة(.)19 وال��زائ��غ��ة ،وال��ت��ي ات��خ��ذت تعرية الظهور مهد ًا وانطالق ًا من توجّ ه الخالدي �إلى تبنّي معنى لأهدافها وم�شاريعها المادية. وتلحّ الخالدي في ق�صيدة �أخ��رى بعنوان :الوطنيّة واالنتماء للوطن؛ ف�إنها ت�ص ّر بالتم�سك (�أن�شودة الم�شتاق) على المو�ضوع عينه الكامن ب��ه واالح��ت��م��اء بظالله ال��وارف��ة لحظة مفارقة في دخيلتها ،المتمثل بالوطن وثيمات الع�شق الآخرين له ،وتخليهم عنه؛ لذا ،تقول (:)20
50
والوله له ،ف�ض ًال عن تحفيز و�إثارة حفيظة �أبنائه �إن ف����ارق����وكَ ���س���أرت�����ض��ي��ك لخافقي لاللتفاف حوله �أمام الدعوات الهدّامة ،والأفكار �إن فارقوكَ �س�أحتمي ب��ذرى النَّخيل اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م���ا �أ���س��ت��ط��ي�� ُع ول���و ب�����ش��ي ٍء م���ن قليل
تناولت ال�شَّ اعرة كما نرى معطيات الوطنيّة بال�صور كوحدة واحدة في الق�صيدة،؛ فا�ستعانت ّ لتو�ضيح هذه المعطيات ،مع تنوع في �أ�ساليب التكرار ،التي توحي في ذاتها بالقرب من الوطن واالتّ�صال به. كما يتطور ح��بّ ال��وط��ن ل��دى الخالدي �إل��ى موتيفة الت�شبث الم�صحوبة بالن�ضوج والوعي
ختاماً ،يتّ�ضح ممّا �سبق �أنَّ �شعر الخالدي ذو عالقة وطيدة بالبعد الوطني ومفردات المواطنة، وانتمائية الإن�سان لوطنه ،لذا كان ي�شكّل االنتماء هاج�ساً ،والوطنيّة م�صدر ًا �أ�سا�س ًا ومعين ًا في �إنتاج خياالتها ال�شِّ عرية ،و�إبراز الدِّ اللة المعنويّة، ف�ض ًال عن كونه عام ًال ب��ارز ًا في اتّ�ساع �أفقها، و�إغناء معجمها ال�شّ عري.
* ناقد و�أكاديمي بجامعة الجوف. ( )1ال�شريدة ،خالد عبدالعزيز� :صناعة المواطنة في عالم متغير؛ ر�ؤية في ال�سّ يا�سة االجتماعيّة ،بحث مقدّم للقاء الثالث ع�شر لقادة العمل التربوي الباحة1426 ،هـ� ،ص.5 ( )2ب�سي�سو ،عبدالرحمن :الإ�ستراتيجية للثقافة الوطنية؛ ور�شة عمل خا�صة بمناق�شة م�سوَّدة الخطة ،غزة ،16 ،ني�سان، 2005م� ،ص.7+6 (� )3سورة �إبراهيم :الآية .35 ( )4الخالدي ،مالك :غواية بي�ضاء ،نادي الجوف الأدبيّ ،الجوف2010،م ،ط� ،1ص.52+51 ( )5الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص.52+51 ( )6الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص.53+52 ( )7الحقيل� ،سليمان عبدالرحمن :في �آفاق التربية الوطنية في المملكة العربيّة ال�سّ عوديّة ،جامعة الإمام محمد بن �سعود، 1993م ،ط� ،2ص.51 ( )8دارة الملك عبدالعزيز ،الوثيقة رقم (1344/5/8 ،)277هـ. ( )9نا�صر ،مها خير بك :مركزية االنتماء الوطني في �شعر نزار قباني ،مجلّة الموقف الأدب��يّ ،دم�شق ،ع��دد� ،431آذار 2007م� ،ص.14 ( )10الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص.53 ( )11الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص .71_69 ( )12الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص .70 ( )13الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص .70 ّنا�ص في �شعر �أبي العالء المعري ،عالم الكتب الحديث� ،إربد2011 ،م ،ط� ،1ص.262 ( )14الدّهون� ،إبراهيم م�صطفى :الت ّ ال�صورة الفنيّة ولغة ال�شّ جن في ديوان غواية بي�ضاء ،مجلّة �سي�سرا ،نادي الجوف الأدبيّ ،الجوف، ( )15الح�سيني� ،صالحّ : يناير 2011م ،ع� ،6ص.31+30 ( )16الخالدي :الديوان ،مرجع �سابق� ،ص.59 ( )17الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص.60 ( )18المرجع ال�سّ ابق نف�سه� ،ص.57 ( )19الآغا ،يحيى زكريا� :إ�ضاءات في ال�شِّ عر الفل�سطيني المعا�صر ،دار الحكمة ،غزّة ،د.ت ،ج � ،2ص .13 ( )20الخالدي :غواية بي�ضاء ،مرجع �سابق� ،ص.58
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
�أبناءه جميعاً؛ فالق�صيدة تر�سيخ لقيم تهذيب الزائغة؛ لأنّه المرف�أ ،والغ�صون ،و�شاطئ الأمان النف�س والتكافل والترابط االجتماعي ،واالعتزاز لكلِّ �شخ�ص ،لج�أ واقترب منه ،فتقول(:)18 بالوطن ومنجزاته ،ودوره على ال�سّ احة العالميّة .وط��ن��ي ه��و ال��م��رف���أ �إذا ب���ان الرحيل
الجمعي؛ فت�ؤكد على ما بد�أت به الق�صيدة من لحنُ الع�صافير الوديع ِة في ال�سَّ ما ِء �أُن�������ش���ود ُة ال��م�����ش��ت��اقِ ي���ا ط���بّ العليل تالحم وانتماء �إل��ى عروبة ووطنيّة �سليمة من ����س����أظ���ل �أروي دوح������كَ ال��ف��ي��ن��ا َن ما الأمرا�ض والأدران الثقافيّة واالجتماعيّة.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 51
ال�شعراء ال�سعوديون نقاد ًا
«قراءة في مفهوم ال�شعر لدى ال�شعراء ال�سعوديين» ■ د .بدر بن علي املقبل*
مدخل
اهتم النقاد بمنجز ال�شاعر الإب��داع��ي ,فتناولوه بالدر�س, والتحليل ,وال�س�ؤال ال��ذي يتبادر للذهن :ما موقف ال�شاعر نف�سه من هذا المنجز ,وما دار حوله من خالف وانق�سامات؟ من هنا ،جاءت هذه القراءة؛ لتلتفت �إلى زاوي��ة م�سكوت عنها في درا�سة نتاج ال�شعراء ال�سعوديين ,حيث االهتمام المطلق بدرا�سة تجاربهم ال�شعرية ,في مقابل غياب االهتمام بتنظيرهم النقدي ,و�إهماله بطريقة تقترب من درجة التهمي�ش .والمت�أمل في تعريف ال�شعر لدى ال�شعراء ال�سعوديين ،يجد �أن منهم من نظر في تنظيره النقدي لمفهوم ال�شعر �إل��ى العنا�صر التي ت�شكل البنية الخارجية؛ كالوزن والقافية ,واللغة والأ�سلوب ,وال�صورة والخيال .ومنهم من نظر �إلى بواعث ال�شعر الداخلية؛ كالعاطفة, وال�شعور المرهف بالأ�شياء ,والت�أثر النف�سي .ورب��ط بع�ضهم مفهوم ال�شعر بغاياته االجتماعية ,والنف�سية ,والمعرفية .وبناء على ما �سبق ر�أيت تناول تعريف ال�شعر من خالل ثالثة اتجاهات ,هي: -1المو�سيقى ال�شعرية �أوالً :االتجاه الفني (ال�شكلي) من الذين �أعلوا من قيمة المو�سيقى في يميل بع�ض ال�شعراء عند تعريفه لل�شعر تحديد ال�شعر محمد ال�سنو�سي� ،إذ ت�ساءل �إلى االتجاه الفني ,حيث االهتمام بالعنا�صر عن مفهوم ال�شعر ,وق�دّم ر�ؤيته حول هذا الخارجية المُ�شكّلة لبنية الق�صيدة ,وهي :الت�سا�ؤل في �أبيات يقول فيها: 52
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
واللفظ من ُه رُو َح ُفرْجَ ا ِر ال�����������������ش��������ع�������� ُر قَ�������������فْ������������� ُز َل���������حْ ���������ظَ ��������� ٍة ِ في الن�سجِ ()5 م������������نَ ال��������ح��������ي��������ا ِة ف���������ي َن������������ َغ������������ ْم وال���وزنُ لل�شع ِر رو ٌح وهْ ���يَ �إنْ فُ��قِ��دَتْ ()1
�أ َْ�ضحَ ى ج��مَ��ادًا بال حِ ٍّ�س َك���أَحْ ��جَ ��ا ِر
فلل�شعر لديه قوانين ثابتة ال يمكن تجاوزها �أو القبول بما جاء على ن�سق مخالف لها – كق�صيدة النثر التي جاء حديثه عنها هنا -ليقرر �أن ال�شعر هو ال�م��وزون المقفّى ,وبقطعية تتنافى مع روح الإب��داع المرنة؛ لي�ؤكد �أن الوزن هو روح ال�شعر؛ ف�إذا ما تنازل ال�شعر عن هذا ال�ضابط ,فهو جامد ال روح فيه ت�ستحق الحياة والتلقّي .ولعل ال�سنو�سي ال يريد حَ ��جْ � َر ال�شعر في هذين العن�صرين – الألفاظ والأوزان -دون غيرهما ،غير �أن��ه كان حري�صا على االنت�صار لل�شعر الموزون؛ فعك�ست ً �أب�ي��ات��ه موقفه التقليدي االت�ب��اع��ي م��ن ال�شكل؛ ف��أراد فقط �أن يعلي من �ش�أن الأوزان حين جعل روح ال�شعر تكمن في تما�سك ن�سيجه اللغوي مع مو�سيقاه.
-2اللغة:
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
�سورًا منيعًا بُني عمدًا ليمنع النثر من الت�سلل �إلى ���اظ ُم�سَ َّي َب ٌة م��ا ال�شعرُ؟ هَ���لْ ه�� َو أَ� ْل��� َف ٌ ()4 ب�ل�ا ق���ي���و ٍد رُدي ل��ل��م��ن��ط��قِ ال���ه���ارِي قلعة ال�شعر .ودليل حر�صه على مو�سيقى ال�شعر �أنه عندما حاول تعريف ال�شعر �شعرًا ,قال: ال�����ش��ع�� ُر هَ�� ْن�� َد���سَ �� ٌة كُ��� ْب���رَى َت��� َك���ا ُد َت���رَى
يعد حمزة �شحاتة من �أوائ��ل ال�شعراء الذين اهتموا ف��ي نظرتهم لل�شعر بالجانب اللغوي؛ فال�شعر عنده «كالم و�صناعة وفن ،ولكنه في كل �صورة من هذه ال�صور ,الترف الحافل بمعاني ال�ق��درة المعبرة وذخ��ائ��ره��ا النفي�سة ف��ي �أبهى الحلل والأثواب ,حتى ب�ساطته – وهي من �أ�سمى �صفاته وغاياته – �إنما تكون ترف الب�ساطة الفنية بالمذخورات ,ال فقرها العاري المتكلف»(.)6 فيلحظ على ه��ذا الن�ص اهتمامه بالت�شكيل الجمالي ال�ل�غ��وي م��ن دون غ�ي��ره م��ن العنا�صر المكونة لل�شعر .وق��راءة ه��ذا الن�ص في �سياقه ال�ت��اري�خ��ي ال ��ذي قيل فيه تك�شف ع��ن �أ�سباب اهتمامه بالجانب اللغوي ف��ي تعريف ال�شعر؛ فخطاب �شحاتة النقدي جاء في �سياقٍ تاريخيٍّ كانت الدولة فيه للمد الرومانتيكي .وغني عن القول �أن النمط الم�ألوف من التعريفات ال�شعرية في زمن المد الرومانتيكي هو الإغراق في االتجاه الوجداني ,والإعالء من �ش�أن العاطفة ,وت�صوير الم�شاعر.
ويقرِّر غ��ازي الق�صيبي – �شعرًا ونثرًا � -أن �أح��دًا لم ي�ستطع تعريف ال�شعر ,ب�سبب وقوف التعريفات جميعها على الأو�صاف الخارجية من دون �أن تنفذ للداخل( ,)2واتخذ من عجزه عن معرفة كنه ال�شعر م�سوِّغً ا ليع َّد نف�سه من �أن�صار التعريف القديم( )3الذي توقف عند ال�شكل دون غيره من عنا�صر ال�شعر الأخ��رى؛ فا�ستقر ر�أيه ال�صورة ال�شعرية: ممن اهتم ب�ش�أن ال�صورة والخيال في تعريفه على �أن هذا التعريف يعد �أف�ضل تعريف ،مهما ح��اول ال�شعراء والنقاد ال�سخرية منه؛ لأن��ه يعد لل�شعر �سعد ال �غ��ام��دي� ,إذ اعتنى بالت�صوير
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 53
ثانياً :االتجاه الوجداني: ويمثله ال�شعراء ال��ذي��ن اهتموا ب ��إب��راز دور العاطفة ,وال�شعور الداخلي ,وت�أثير ال�شعر على المتلقي ,ف�ـ«�إب��راه�ي��م ف�لال��ي» ي��رى �أن «ال�شعر ال�صادق هو ال�صورة ال�صادقة لفورات ال�شعور وه��زات النف�س ت�ستحيل �إل��ى ق��واف و�أوزان»(,)8 و�أكد هذا المعنى في مقدمة ديوانه (�ألحاني), �إذ قال�« :إن ال�شعر ال�صحيح لي�س هو وليد العقل ال��واع��ي ،ولكنه ول�ي��د ه��زة نف�سية لها توقيعها ومو�سيقاها»( ,)9وكثّف هذا المعنى �شعرًا في قوله:
ويرى محمد ال�شامخ �أن العواد هنا قد عجز عن تو�ضيح جوهر ال�شعر ,واكتفى بالتعبير عن انطباعاته الوجدانية حول عالم ال�شعر( .)12ويبدو �أن غمو�ض تعريفه يعود �إلى غلبة اللغة ال�شعرية على ن�صه ,كما �أن اهتمامه ب�سرد الت�شبيهات لتج�سيد روح ال�شعر �شغله عن تحديد جوهره؛ ومع ذل��ك ،ف��إن الن�ص ي�شي ب�إعالء �ش�أن العواطف, ويظهر ذلك في ت�شبيهه ال�شعر بـ (حنين الإبل �إلى معاطنها) ,و(ت��أوه��ات العا�شقين) ,و(تنف�سات م������ا ال������ ِّ�����ش�����ع����� ُر �������ش������ي ٌء ك����ال����ت����ـُّ����حَ ����فْ َف�����������ـ����������� َد ِع ال�����ل������آل����������� َئ وال�����������خَ �����������زَفْ المحزونين) .ومن الوا�ضح �أي�ض ًا �أن العواد هو الآخ��ر مت�أثر بنظرة الرومان�سيين لل�شعر وعلى أ��������س ال�����زم�����ـ�����ا ال�������������ش������ع������ ُر ف��������ي ك�������ـ�������� ِ ر�أ�سهم العقاد وجماعته.
نِ ف�����������ـ������������ؤا ُد حُ �������������� ٍّر قَ�������������� ْد َن��������������زَفْ
54
وقدّم ح�سين �سرحان بين يدي مفهومه لل�شعر �������������س َف����������ـ���������� َّذ ٌة وال���������������ش�������ع�������ـ������� ُر ن������ف������ـ ٌ جملة من الأ�سئلة ت�شعر ال�ق��ارئ بحيرته حيال عَ������� ِ������ش������قَ������تْ مُ���������طَ ���������ا َو َل��������� َة ال�����قِ�����مَ����� ْم تحديده()13؛ ومع ذلك ،قدّم تعريفًا وجدانيًّا اتك�أ فَ�����مَ������ َ�����ض�����تْ ت������������ذوبُ م��������نَ ال����ج����وى فيه على العالقة اللغوية بين ال�شعر وال�شعور()14؛ وغ�����������������دَت م�������������������دادًا ل������ل������ق������ـ������ل������ ْم( )10وبناء على ذلك جاء مفهومه لل�شعر معبرًا عن ر�ؤية ووا�ضح �أنَّ الفاللي يرى �أن جوهر ال�شعر كامن الرومان�سيين التي تهتم بعالم ال�شاعر الداخلي, في الإح�سا�س المرهف بالأ�شياء ,فجاء مفهوم وهذا ما �أف�صحت عنه ر�ؤيته النظرية والتطبيقية. ال�شعر لديه متمث ًال ر�ؤية جماعة الديوان ,والر�ؤية �أم ��ا ح�سن ال�ق��ر��ش��ي ،ف �ب��رزت ل��دي��ه ظاهرة التقديم لدواوينه نثرًا ,ووظ��ف هذه المقدمات الرومانتيكية الإنجليزية. اجلوبة � -شتاء 1434هـ
�إ ّن��������������������ي �������س������م������ع������ ُت������كَ ف����������ي �أن�������ي�������ـ نِ ال����ط����ف����لِ َ ,ت����حْ ����� ُ����ض���� ُن���� ُه ال�����جُ �����رو ُح
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
والخيال �إلى جانب اللغة والوزن والقافية ,ويلحظ �أن الأدوات التي اعتمد عليها ف��ي ت�صوّره عن ال�شعر تنتمي للجانب ال�شكلي ,غير �أنه لم يجعلها الحد الفا�صل بين ال�شعر وغيره ,بل ا�شترط وجود (الروح) ت�سري بين هذه الأدوات ,و�إن لم يو�ضح مراده من هذه الروح(.)7
كما دعا العواد �إلى هذا المفهوم في مقدمة دي��وان��ه المخطوط (روح ال�شعر العربي) حين ع �رَّف ال�شعر ب ��أن��ه« :روح منطبعة ف��ي الأنف�س الحية ,كامنة فيها كمون النار في ال��زن��اد ,بل معنى �سل�سال تظهره العواطف في �أ�شكال متباينة, وقوالب متغايرة؛ كالألفاظ والنغمات ,والأن��وار والظلمات ,و�سكون الطبيعة الهادئ ,وحنين الإبل �إل��ى معاطنها ,وت ��أوه��ات العا�شقين ,وتنف�سات المحزونين.)11(»...
لبيان ر�ؤيته تجاه ال�شعر ,وه��ي ر�ؤي��ة ال تنف�صل عن نظرات الرومان�سيين لل�شعر ,وقبل �أن يقدّم ر�ؤيته حول مفهوم ال�شعر� ..سجل اعترافًا ب�أنه اجتهد في تعريف ال�شعر وعجز عن ذلك ,ومن ثم قرر �أن ال�شعر ال يمكن �أن يلم به� ,أو يفك طل�سمه تعريف( ,)15وعلى هذا الأ�سا�س عبر القر�شي عن نظرته لل�شعر من ناحية �شعورية ال من ناحية �شكلية( ،)16فطغت الأنا ال�شاعرة ب�شكل كبير على الوعي النقدي لديه ,ويغلب على الظن �أن مفهوم القر�شي لل�شعر لي�س �سوى م�سوغ لتجربته ال�شعرية التي جاءت من�سجمة مع ر�ؤيته الرومان�سية ,بدليل تقديمه لر�ؤيته بلغة �شعرية تغلب عليها االنفعاالت الوجدانية ,مع مجيء �شعره ب�صبغة تغلب عليها النزعة الرومان�سية .كما �أن اهتمامه بالناحية ال���ش�ع��وري��ة ف��ي ت�ع��ري��ف ال���ش�ع��ر ,وع ��دم التقيد باال�شتراطات ال�شكلية� ,ساعده على التحرر – نقدًا و�إبداعً ا – من تقييد نظرته لل�شكل ال�شعري بال�شعر التقليدي؛ وهذا ما دعم موقفه في قبول ال�شعر التفعيلي على م�ستوى التنظير النقدي والممار�سة الإبداعية.
وم��ع �إق���راره ب�صعوبة تحديد ال�شعر ب�شكل عام� ،إال �أن حديثه عن تجربته ال�شعرية �شعرًا، ي�شي بمفهومه الخا�ص لل�شعر من خالل تجربته ال�شعرية ,فقال مخاطبًا ال�شعر:
وق����������������������������ر�أْتُ ������������س�����������رَّكَ ف����������ي ع����ي����و نٍ � ,أَ ْل���������هَ��������� َب��������� ْت���������هُ���������نَّ ال����������قُ����������رو ُح و�������س������م������عْ������تُ �������س������ح������رًا ق�������������ا َم ُي����� ْن�����ـ � ِ�����ش����� ُد ُه – ول������� ْم َي��������� ْد ِر – ال���جَ ���ري��� ُح ���������������ض م���������ش����اع���� ٍر ق����������� ْد ك�������ن�������تَ فَ������� ْي َ ()21 ل��������ل��������رو ِح َت�������بْ������� ُذ ُل�������هُ�������نَّ رُو ُح و�صدّر ديوانه (حروف من لغة ال�شم�س) بعتبة ن�صية في بيت مفرد قال فيه:
�أرا َد ِن���ط���ا� ِ���س���يٌّ ل����ي�����أخُ ���� َذ مِ ������نْ دَمِ �����ي فلمَّا �أَمَ�� َّر المِ �شْ ر ََط انبث َق ال�شع ُر
()22
فك�أنه بهذا الت�صدير يقدم ر�ؤي��ة لما �سيكون عليه �شعره في ديوانه ,ثم جاءت المقطوعة الأولى ويعلل �صالح الزهراني العجز عن التو�صل �إلى بمثابة الحا�شية والإي�ضاح لهذا الت�صدير حيث تعريف محدد لل�شعر ،بارتباط جماليته بالغمو�ض ،قال فيها: ()17 وا�ستع�صائها على التحديد ,وعرّفه ب�أنه ر�ؤيا � ِ��������ش��������عْ��������رِيْ � َ������ص������هِ������ي������ ُل ال������ َب������قَ������ا َي������ا جديدة للعالم ,وه��ذه ال��ر�ؤي��ا نابعة من ال�شعور مِ �������������نْ مُ������������هْ������������ َر ٍة ف��������ي ال������حَ ������ َن������ا َي������ا الخا�ص بكل م��ا ح��ول ال���ش��اع��ر( .)18وتتفق ر�ؤي��ة �������������روف ٍ عبداهلل الر�شيد مع ما ذهب �إليه الزهراني ,فيعزو مَ�������������ا ك����������������ا َن مَ��������ح��������� َ��������ض ح ()23 ب��������لْ م������ن ُف���������������������ؤَاديْ � َ������ش������ظَ ������اي������ا جمال ال�شعر �إل��ى جهلنا بكنهه( ,)19وكثّف هذا فوا�ضح �أن��ه من �أ�صحاب االتجاه الوجداني, المعنى في بيت مفرد بعنوان (ال�شعر) يقول فيه: وقد �أكد ذلك بقوله: َ���ض��رْبٌ م��نَ ال�سح ِر ال ُت���� ْدرَى َم���آ ِت��ي�� ِه ()20
م��نْ را َم َي�� ْن�� َع��تُ ل�� ْم َي��ظْ �� َف�� ْر بتَ�شْ بِي ِه
�إنْ ل���������� ْم ي����������كُ ال�����������ش�����ع����� ُر ن���ب���� ً���ض���ا
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 55
�أ ْو ل����������� ْم ي�����������كُ ال�������������ش������ع������ ُر ط����ي����فً����ا ف��������������و َق ال��������م��������دى ال��������مُ��������رْجَ ��������حِ ��������نِّ وم��ا ال�شع ُر �إال م��ا ِب��� ِه ال�����شَّ �� ْع��بُ هاتفٌ و�إال ق���ل���وبٌ � َ���ش���فَّ ع�� ْن��ه��ا َ���ض��مِ�� ْي�� ُره��ا �أ ْو ل����������� ْم ي�����������كُ ال�������������ش������ع������ ُر حُ ������مَّ������ى �ض البرقِ في الدُّ جى ك��������������ال�������������� َّن��������������ا ِر ت�����������������أك���������������� ُل م������� ِّن�������ي وما ال�شع ُر �إال وامِ ُ و�إال (ال��ق��واف��يْ ) مُ��حْ �� َك��مَ��اتٌ �شُ طُ ورُها فَ�����������ا ْن����������� َع�����������وْا حُ ��������������رُوفِ�������������� َي �إِ ِّن�����������������يْ ب�����ال�����������ص�����م�����تِ كَ�������فَّ������� ْن�������تُ فَ���������� ِّن����������ي( )24وما ال�شع ُر �إال ما ا ْب َتنَى المج َد واعْ تَلى ()28 ِب���� ِه ال�����شَّ ��عْ��بُ �آف���اقً���ا َي���عِ��� ُّز عُ��� ُب���و ُره���ا ويلحظ هنا حر�ص ال�شاعر على ر�صد ر�ؤاه تجاه �شعره �شعرًا ,فما يجب ت�أكيده هو �أن حديثه عن مفهوم ال�شعر كان متدثرًا بحديثه عن تجربته الخا�صة مع ال�شعر.
ونظر الخطراوي �إلى مفهوم ال�شعر من خالل م��دى ق��درت��ه على �إث ��ارة الم�شاعر؛ وب�ن��اء على ذل��ك رف�ض تعريف ال�شعر ب��أن��ه« :ك�لام م��وزون م �ق �ف��ى»()25؛ لأن��ه تعريف ج��ام��ع غير م��ان��ع من دخول غيره فيه ,كالمنظومات العلمية مع �أنها ال تخاطب الوجدان( .)26وا�ستدل ب�أثر تلقي العرب للقر�آن الكريم لإثبات �صحة ر�أيه( ,)27فالخطراوي يرى �أن قدرة القر�آن الكريم على �إثارة الم�شاعر والعواطف لدى المتلقي هي التي جعلت الكفار ين�سبونه لل�شعر ,وفي ذلك داللة على �أن ال�شعر الحقيقي هو ال��ذي يمتلك ال�ق��درة على تحريك وجدان المتلقي ,وهذه القوة ال تت�أتى �إال بمقدار ما في ال�شعر من عاطفة. ثالثًا :االتجاه النفعي: ويمثله ال�شعراء الذين ربطوا مفهوم ال�شعر 56
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
فال�شعر عنده هو ما ك��ان له دور حقيقي في علو �ش�أن وطنه و�شعبه ,ووا�ضح تم�سك الغزاوي باال�شتراطات الخارجية في تعريف ال�شعر ,فقد ن�ص على �إح�ك��ام ال��وزن والقافية ,كما �أن��ه لم يهمل العاطفة والأث��ر النف�سي في تكوين ال�شعر. ويغلب على الظن �أن ر�ؤيته هذه تف�سر غلبة �شعر المنا�سبات على نتاجه ال�شعري. ويتجلى االهتمام باالتجاه النفعي ب�شكل وا�ضح عند �سعد البواردي ,فقد حاول تعريف ال�شعر في ن�ص �إن�شائي ج��اء فيه :ال�شعر «ت�صوير وتعبير, ت�صوير ل�ه��ذه ال�ح�ي��اة ال�ت��ي تمر ح��وال�ي��ك مغنية �ضاحكة الهية� ,أو مقطبة واجمة باكية ..ولم يكن ال�شعر يا بنيتي وق��د ا�ست�ساغته الأذه ��ان �إال �أنه التج�سيد ل�ل��واق��ع .)29(»...كما عبر عن ر�ؤيته هذه �شعرًا في ق�صيدة بعنوان (ال�شعر) ,ومما جاء فيها:
مَ�������ا ال���������ش����ع���� ُر �أنْ ت���������ص����فَ ال����ه����وى �أ ْو �أنْ ُت�������������� َغ�������������� ِّر َد ل������ل������قُ������ َب������لْ ! ال�������������ش������ع������ ُر �أنْ ت������ب������ن������يْ ال����ح����ي����ا
ال�����������������ش��������ع�������� ُر �إي����������������ق����������������ا ُع ال������ح������ي������ا ِة و�������ص������وتُ ع���� َّزتِ����ه����ا ا أَلجَ �������������������� ّْل!
()30
وب�سبب هذه الر�ؤية تجاه ال�شعر جاء البواردي على ر�أ�س جماعة االتجاه االجتماعي في المملكة العربية ال�سعودية ,وهي جماعة تهتم بالم�ضمون االجتماعي ,وتن�صهر في ق�ضايا الأمة. ويت�ساءل الع�شماوي عن مفهوم ال�شعر ,ويجيب عن ذلك �شعرًا بقوله:
مَ����ا ه���� َو ال�����ش��ع��رُ؟ �إ َّن������ ُه � َ���ص���رْخَ ��� ُة ال��ح��ـ ِّق ت�����ه����� ُّز ال������ق������ل������وبَ والأج���������������س�������ادَا وت����ق����و ُد ال�����زم�����ا َن ف����ي م����رك����بِ ال��خ��ي��ـ ��و���س ال��� َّر����شَ ���ادا ِر و ُت����هْ����دِ ي �إل�����ى ال��ن��ف ِ ذاك������� ُم ال�������ش���ع��� ُر ���ص��ي��ح�� ٌة ت����م��ل��أُ ال��ح��ـ ()31 َّر ا ِّت������زا ًن������ا ,و َت���فْ���� َ���ض��� ُح الأوغ������������ادا
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ع��������ل��������ي�������� ِه �أَحْ �������������� ُ�������������ض�������������نُ ُر ْدن������������������ي بغاياته االجتماعية ,والنف�سية ,والمعرفية ,ومن �أوائل الذين ربطوا مفهوم ال�شعر بدوره في الحياة �أ ْو ل���������� ْم ي����������كُ ال�����������ش�����ع����� ُر جَ �������مْ�������رًا ُي�������� ْ�������ص������� ِل�������ي ������ش�����ت�����ائ�����ي و ُي������ ْ�����ض�����ن�����ي ال�شاعر �أحمد ال�غ��زاوي حين عبر عن ر�أي��ه في مفهوم ال�شعر في �أبيات يقول فيها:
َة و�أنْ َت�������������� ُر َّد � َ�������ص�������دَى الأَمَ��������������لْ
كما نجد �أن العواد قد �أهمل اال�شتراطات ال�شعرية الأخ��رى كالألفاظ ,والأوزان ,والقوافي ,وذهب �إل��ى الغ�ض م��ن � �ش ��أن �ه��ا( ,)33وث��ار على تعريف القدماء لل�شعر حين �أنحى بالالئمة على ال�شعراء الذين «ح�صروا معنى ال�شعر في ق�شور بعيدة عن الجوهر حين �صدَّقوا الخرافة القائلة� :إن ال�شعر كالم مقفى موزون»( .)10ووجَّ ه ر�سالة (�إلى المت�شاعرين) في ق�صيدة تحمل هذا العنوان, يقول فيها:
�أيُّ���ه���ا ال�����سَّ ��ا ِب��ح��و َن ف���ي ���ش��اط��ئِ ال�� َّن ْ��ظ ِم ت�������ري�������دو َن ف�����ي ال������ظ���ل��ا ِم ����ض���ي���ا َء ت���ب���ع���ث���و َن ال������� َي�������رَا َع خ����ل����فَ ال���ق���واف���يْ � ِ�����ض����� َّل����� ًة ك�������يْ ت����م����اث���� ُل����وا ال���������ش����ع����را َء �إ َّن������م������ا ال�������ش���ع��� ُر �أيُّ������ه������ا ال������ق������و ُم رو ٌح ح������ي������ ٌة ت��������م����ل����أُ ال�������������ش������ع������و َر َب������ه������ا َء
وج������ل�����الٌ م��������نَ ال����ح����ق����ي����ق���� ِة ي����ب����د ْو فجاءت ر�ؤيته تجاه مفهوم ال�شعر من�سجمة مع لأول�������������ي ال���������������ذوقِ ح�����ك�����م����� ًة غَ�������������رَّا َء
ممار�سته ال�شعرية ,حيث ربط بين تعريف ال�شعر ور�سالته في الحياة ,وهو المبد�أ الذي التزم به ذاك�������� ُم ال�������ش���ع��� ُر ال ����س���ط���و ٌر ت�������س���اوَتْ ()34 ������������������واف م�����ن�����م�����ق�����اتٌ وِال َء ٍ وق الع�شماوي في �أعماله ال�شعرية. ويبدو �أن اهتمام ال�شاعر هنا بفكرة التجديد وفي مو�ضع �آخر اهتم العواد في بيانه لمفهوم ال�شعر ب�أثره على المتلقي ,فجعل «مقيا�س ال�شعر جعله يحاول هدم المفهوم التقليدي لل�شعر ،عن ال�صحيح وال�شعر ال�ح��ي ه��و �أن يغمر النف�س طريق �إ�سقاط قيمة �أب��رز عنا�صره المتمثلة في ب��الإع �ج��اب ...وه��و ذل��ك ال��ذي يَ�سْ تَ�شِ فُّ الفك ُر الوزن والقافية .وين�سجم ذلك مع دعوته المتكررة من وراء نغماته ومو�سيقاه �أجمل معابر النف�س �إل��ى كتابة (ق�صيدة النثر) ,ودف��اع��ه عنها ,بل �إنه كتبها وروج النت�شارها( ,)35ويغلب على الظن الإن�سانية �إلى �آفاق الكمال الب�شري»(.)32 ور�ؤية العواد هنا تقترب من الر�ؤية الوظيفية �أن العواد �أراد في تعريفه لل�شعر �أن يجعله قاب ًال لل�شعر ,وه��ذا ما ين�سجم مع ممار�سته ال�شعرية لدخول جميع الأ�شكال ال�شعرية فيه. المت�سمة ب�إعالء �ش�أن الفكرة في العمل ال�شعري.
وبالغ علي زين العابدين في االهتمام بالوظيفة
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 57
��و���س ومَ���� ْر َت���� ٌع ال�����ش��ع�� ُر مُ��� ْن��� َت���جَ ��� ُع ال��ن��ف ِ ت���غ�������ش���ا ُه َت��� ْن���� ُ���ش��� ُد ف����ي ُر َب����������ا ُه � َ���ص���فَ���ا َء
ومما ي��دل على ابتعاد ال�شعراء ال�سعوديين عن التعريف الجامع المانع لل�شعر ..اعترافهم با�ستع�صاء ال�شعر على التحديد ,ومن هنا ،جاء اهتمامهم بعن�صر دون �آخ��ر ,واهتمام ال�شعراء بعن�صر دون �آخ��ر في تعريفهم ال يعني �إ�سقاط العنا�صر غير المذكورة في ال�شعر ,و�إنما هو �إعالء من �ش�أن العن�صر المذكور ,كما �أن بع�ض العنا�صر التي �أغفلها ال�شعراء قد تدرك من �سياق تجاربهم ال�شعرية .ف ��إذا ما �أغفل �أح��د ال�شعراء عن�صر ال��وزن في تعريفه ,وه��و متقيد به في ممار�سته ال�شعرية ,فهذا يدل على اهتمامه به ,و�أنه ال يعتد بال�شعر ما لم يكن موزونًا ,و�إنما اعتنى بغيره في تخ�صي�صا له ,و�إبرازًا ل�ش�أنه. ً تعريفه
ل����������وال ُه مَ�������ا َر�أَتِ ال�����ح�����ي�����ا ُة ه����� َن�����ا َء
ال�������ش���ع��� ُر رِيُّ ال���ظ���ام���ئ���ي���نَ َو َب��� ْل���� َ���س��� ٌم ل����ل����مُ����وجَ ����ع����ي����نَ ف����ك���� ْم ����ش���ف���ى �أدوا َء
�����س ال��ح��زي��ن�� ِة ُب���� ْر َءه����ا م����نْ را َم ل��ل��ن��ف ِ ف��ل��ي��ق���ِ��ص��دِ الأ����ش���ع���ا َر وال���� ُّ���ش���ع���راءَ!!
()36
58
-2يغلب على الظن �أن بع�ض ال�شعراء لم ي�ش�أْ و�ضع تعريف لل�شعر يميزه عن النثر ،بو�صفه فنًّا �أدبيًّا ب�شكل عام ,بل حاولوا تعريف ال�شعر الذي يعجبون به؛ لذلك نجدهم ي�صدِّ رون تعريفاتهم بقولهم( :وال�شعر الجميل)( ,وال�شعر الحي), (وال���ش�ع��ر الحقيقي)( ,وال���ش�ع��ر ال�صحيح), (وال�شعر الذي �أراه)( ,وال�شعر الخالد) ,وغيرها من العبارات التي ت�شعر القارئ �أن كاتبها يميز بين نوعين من ال�شعر� ,شعر مُعتبَر وهو ما يقوم بتعريفه ,و�شعر ال يُعتد به ،وهو ما يخالف ما جاء في تعريفه.
فالملحوظ �أن ال�شاعر قد بالغ في بيان ر�سالة ال�شعر النف�سية؛ فهو م�صدر ال�سعادة والهناء, وه��و البل�سم وال��دواء .بل تحول ال�شعراء �أطبا ًء يق�صدهم النا�س� ،إذا انتابهم الحزن والقلق!! -3يلحظ على ال�شعراء �أنهم لم يتعمدوا مجيء ومع ذلك لم ين�س ال�شاعر ت�صوير ر�سالة ال�شعر تعريفاتهم جامعة مانعة ,ووقعوا بذلك في الم�أخذ المعرفية ,فقال: الذي رف�ضوا التعريف القديم من �أجله .وهذا ما ال���������ش����ع���� ُر ف���ل�������س���ف��� ٌة وح����ك����م���� ُة ع����الِ����مٍ وقع فيه بع�ض ال�شعراء حين �أ�سقط الوزن ,فجاء ُت���� ْذكِ����يْ ال���ع���ق���و َل و َت���خْ ��� ُل���قُ ال��ح��ك��م��ا َء تعريفه جامعًا غير مانع من حيث دخ��ول النثر الفني فيه .وهنا ،تح�سن الإ�شارة �إلى �أن رف�ض ال�������ش���ع��� ُر ج����ام����ع���� ٌة َت����� ُ����ض���� ُّم ف���روعُ���ه���ا �أل������ع������ل������ َم والأخ���������ل���������ا َق والإن���������م���������ا َء ال�شعراء تعريف قدامة بن جعفر ب�سبب �شموله لل�شعر الفني والمنظومات العلمية لي�س في محله؛ ال�����ش��ع�� ُر ت����اري���� ُخ ال�����ش��ع��وبِ و� ِ���س���فْ��� ُرهَ���ا ( )37لأن و�ضع هذا التعريف في �سياقه التاريخي ,يدل َّ�������س الأم�����ج�����ا َد والأخ�������ط�������ا َء َي��� َت���لَ���م ُ على �أن المنظومات العلمية لم تكن قد �شاعت في وبعد ه��ذا العر�ض ال�سريع لعينات من �آراء زمانه حتى يحتاج �إلى قيد يخرجها .ومن المهم أي�ضا التنبيه على �أن الراف�ضين لتعريف قدامة قد بع�ض ال�شعراء ال�سعوديين حول تعريف ال�شعرً � , ف�إنه في الإمكان تلخي�ص �أبرز الملحوظات حول وقعوا في الخلط بين حد ال�شعر ال�شكلي ,و�سماته التي تحدد م�ستواه من حيث الجودة وال��رداءة. مفهومهم لل�شعر في المحاور الآتية: اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وهنا ،يتبادر �إل��ى الذهن �س�ؤال يقول :لماذا يختار ال�شاعر عن�صرًا دون �سواه من مكونات ال�شعر في تعريفه؟ ولعل ال�سبب يعود �إل��ى ت�أثر ال�شاعر في تنظيره النقدي بممار�سته ال�شعرية, فتتغلب الممار�سة ال�شعرية المتغلغلة في ن�سيج ال�شاعر الإبداعي على وعيه النقدي ,فال�شاعر الكال�سيكي مثل :محمد ال�سنو�سي �سيعلي من �ش�أن العنا�صر ال�شكلية ,وال�شاعر الوجداني مثل: �إبراهيم فاللي ,وح�سن القر�شي� ,سيرى �أن ال�شعر
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
النف�سية لل�شعر حين قال: -1غلبة االتجاه الوجداني .والعلة في ذلك تعود �إلى اتفاق التعريف الوجداني مع ما يتميز ال�������ش���ع��� ُر ت��ع��ب��ي�� ُر ال���ق���ل���وبِ ورَجْ ���عُ���ه���ا ُي���حْ ��� ِي���ي ال�����مَ�����واتَ و ُي���� ْ���س���عِ��� ُد الأح����ي����ا َء به ال�شعراء من ر�ؤي��ة ذاتية نحو الأ�شياء؛ بدليل مجيء بع�ض تعريفاتهم لل�شعر بلغة �شعرية مليئة ال�������ش���ع��� ُر ف����ي ه�����ذي ال���ح���ي���ا ِة رب��ي�� ُع��ه��ا بالت�شبيهات.
لذا� ،أميل �إلى �أن ال�شعراء ال�سعوديين قد وقعوا في هذا الخلط؛ لأن قدامة تعمد مجيء تعريفه جامعًا ,ومانعًا للنثر الفني وغيره؛ لأنه �أراد في البداية تحديد العنا�صر المادية وال�شكلية فقط, لينتقل نقاد الأدب في مرحلة الحقة �إلى التمييز بين ال�شعر الحقيقي الجميل ,والنظم القائم على الوزن وما يدخل في حكمه من المنظومات العلمية ,وغيرها.
في�ض الم�شاعر� .أما ال�شاعر الواقعي مثل� :سعد البواردي ,ف�سيربط ال�شعر بوظيفته في الحياة. وقد تكون الثقافة الأدبية ال�سائدة في مرحلة �إن�شاء التعريف هي الدافع وراء االهتمام بعن�صر ما دون �آخر ,ولعل ذلك ات�ضح من مناق�شة تعريف حمزة �شحاتة الذي اهتم بعن�صر اللغة على الرغم من اتجاه �شحاتة الوجداني في ممار�سته ال�شعرية. -4اق �ت��راب ت�ع��ري�ف��ات بع�ض ال���ش�ع��راء من التو�صيف �أك �ث��ر م��ن التعريف وال�ت�ح��دي��د؛ لذا تعدد تعريف ال�شعر بتعدد ال�شعراء ،فكل �شاعر ي�ح��اول تحديده ان�ط�لا ًق��ا م��ن �شعوره الخا�ص, فهم �إلى الو�صف �أق��رب منهم �إلى التحديد� ،أي �إن تعريفاتهم �أق��رب �إلى االنطباع ال�شعوري من التعريف الدقيق القائم على التحديد والم�صطلح العلمي ,و�ساعد على ذل��ك تعبير ال�شعراء بلغة �شعرية غارقة في الذاتية واالنطباعية. ويبدو �أن ابتعاد تعريفات ال�شعر عن التحديد يعود �إلى طبيعته الجمالية القائمة على الذاتية والن�سبية ,ف�سمات ال�شعر الجمالية ت�ستنبط من ت�ج��ارب �شعرية مختلفة؛ ل��ذا ج��اء تلقي القراء لتقنياته الفنية – فهمًا وت��ذو ًق��ا -مختلفًا من قارئ �إلى �آخر .على �أن القول باختالف التجارب ال�شعرية ,وغلبة الذاتية على ال�شعر ,وم��ن ثم �صعوبة وجود مقايي�س وقواعد ثابتة تحدد ال�شعر, ال يعني انتفاء وج��ود ح��د �أدن ��ى م��ن المقايي�س والقواعد التي يمكن تعريف ال�شعر بها ,وبخا�صة ال�سمات المادية ال�شكلية الملمو�سة ،كالوزن مثالً, مع �إ�ضافة بع�ض ال�ضوابط اح�ت��رازًا من دخول المنظومات العلمية .كما �أن االتفاق على حد �أدنى من ال�سمات ال�شكلية ال يعني الو�صول �إلى الك�شف
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 59
-5اختالف تعريف ال�شاعر الواحد �أحيانًا, ويعود ذل��ك �إل��ى اختالف �سياق ورود التعريف, ف��رب�م��ا ي�ك��ون ت�ع��ري��ف ال���ش��اع��ر خ��ا��ض� ًع��ا لت�أثير الظروف الأدبية التي �أن�ش�أ فيها تعريفه ,ويت�ضح ذلك بالعودة �إلى ما �سبق ذكره عن تعريف حمزة �شحاتة.
-6من الظواهر الالفتة لالنتباه �أن كثيرًا من تعريفات ال�شعراء جاءت في ن�صو�ص �شعرية ع�م��ودي��ة ,وم�ق��دم��ات ال��دواوي��ن ال�شعرية ,فقد �أ�صبحت الق�صيدة تت�أمل ذات �ه��ا ,وتلتف على نف�سها ,وب��د�أ المبدع في تدبر ماهية �إب��داع��ه؛ فارتد ال�شعر على ال�شعر في نرج�سية من�سجمة مع خ�صو�صية ال�شعر ,وذاتية المبدع التي تخفف من �أعباء االن�شغال بالعالم الخارجي وق�ضاياه. و�شيوع ا�ستعمال الن�صو�ص العمودية يعود �إلى ما تتمتع به من و�ضوح منا�سب للتعبير عن ر�ؤية ما� .أما ا�ستغالل مقدمات الدواوين ال�شعرية في الحديث عن مفهوم ال�شعر ,ففيه داللة على �أهمية المقدمة ,وما تقدمه من وظائف في �سياق قراءة التجربة ال�شعرية لل�شاعر؛ وهذا يعني �أن جزءًا من حر�ص ال�شعراء على التقديم لدواوينهم يعود �إلى رغبتهم في بيان مفهومهم لل�شعر ,ور�ؤيتهم الفنية التي �سلكوها في �أعمالهم ال�شعرية؛ لذا، اكت�سبت هذه المقدمات �صفة التعليل والإي�ضاح.
وربما يعود ال�سبب �إلى تغير تجربة ال�شاعر, فال�شاعر يو�سف العارف ق�صر ال�شعر في مقدمة دي��وان��ه (وم ��ن المحبة تنبت الأ� �ش �ج��ار) على العاطفة ,وال�شعور ال�صادق()38؛ لأنه جاء في �سياق التقديم ل��دي��وان كتبت ن�صو�صه ف��ي منا�سبات مختلفة ,ف�ك��أن��ه ب�ه��ذا التعريف ي �ح��اول �إق�ن��اع المتلقي ب�صدق عاطفته ,و�أن ق�صائده لي�ست من نظم المنا�سبات ,بل هي وقفات �شعورية �صادقة حتى و�إن قيلت في �إحدى المنا�سبات؛ لأن ال�شعر – من وجهة نظره هنا -لي�س �سوى دفقة �شعورية �صادقة في منا�سبة ما .غير �أنه جاء في مو�ضع () 1 ( )2 () 3 ( )4 ( )5 ( )6
60
الأعمال ال�شعرية الكاملة لمحمد ال�سنو�سي (الينابيع) ,665 :النادي الأدبي -جازان ,ط1423 ,2هـ2002/م المجموعة ال�شعرية الكاملة لغازي الق�صيبي (�أ�شعار من جزائر الل�ؤل�ؤ) ,52-51 :مطبوعات تهامة– جدة ,ط,2 1408هـ1987/م .ومع ناجي ومعها لغازي الق�صيبي ,7 :الم�ؤ�س�سة العربية– بيروت ,ط1999 ,1م. يق�صد تعريف قدامة بن جعفر. الغزو الثقافي ومقاالت �أخرى لغازي الق�صيبي ,29-28 :الم�ؤ�س�سة العربية– بيروت ,ط2006 ,2م. المجموعة ال�شعرية الكاملة لغازي الق�صيبي (معركة بال راية).336 : �شعراء الحجاز في الع�صر الحديث لعبد ال�سالم ال�سا�سي ,6 :تقديم حمزة �شحاتة ,راجعه و�صححه علي العبادي: النادي الأدبي – الطائف ,ط1402 ,2هـ .وتجدر الإ�شارة �إلى �أن بع�ض النقاد قد �ألمح �إلى الت�شكيك في ن�سبة مقدمة هذا الكتاب لحمزة �شحاتة.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
(� )7إلى العرين �شامخً ا (�شعر) ل�سعد الغامدي ,7-6 :مكتبة العبيكان– الريا�ض ,ط1423 ,2هـ2003/م. (� )8صدى الألحان (�شعر) لإبراهيم ها�شم فاللي /2 :المقدمة ,د.ن ،د.ط ,د.ت. (� )9ألحاني (�شعر) لإبراهيم ها�شم فاللي ,10 :دار المعارف – القاهرة ,د.ط1369 ,هـ. ( )10الم�صدر ال�سابق.161 : ( )11نق ًال عن :النثر الأدبي في المملكة العربية ال�سعودية للدكتور محمد ال�شامخ ,88-87 :دار العلوم – الريا�ض ,ط,3 1408هـ1988/م. ( )12الم�صدر ال�سابق.88 : (� )13أجنحة بال ري�ش (�شعر) لح�سين �سرحان ,13 :د.ن – بيروت ,د.ط1388 ,هـ. (� )14أجنحة بال ري�ش.14 : ( )15تجربتي ال�شعرية لح�سن القر�شي ,30 :دار القر�شي– جدة ,ط1994 ,4م. ( )16ديوان ح�سن القر�شي (مواكب الذكريات) ,278 /1 :دار العودة– بيروت ,ط1979 ,2م. ( )17مجلة جامعة �أم القرى :ع ,24مج� ,14ص ,1265ربيع الأول 1423هـ( ,الفل�سفة الجمالية عند حمزة �شحاتة للدكتور �صالح الزهراني). ( )18الم�صباح وال�صولجان للدكتور �صالح بن �سعيد الزهراني ,29 :جامعة �أم القرى – مكة المكرمة ,ط1423 ,1هـ. ( )19المجلة العربية :ع� ,316س� ,28ص ,104جمادى الأولى 1424هـ( ,حوار مع ال�شاعر عبداهلل الر�شيد). ( )20خاتمة البروق (�شعر) لعبد اهلل بن �سليم الر�شيد ,176 :النادي الأدبي– الريا�ض ,ط1413 ,1هـ1993/م. ( )21الم�صدر ال�سابق.19-18 : ( )22حروف من لغة ال�شم�س (�شعر) لعبد اهلل بن �سليم الر�شيد ,3 :دار المعراج الدولية– الريا�ض ,ط1421 ,1هـ2000/م. ( )23الم�صدر ال�سابق.4 : (� )24أوراد الع�شب النبيل(�شعر) لعبداهلل الر�شيد ,11-10 :النادي الأدبي– الجوف ,ط1427 ,1هـ2006/م. ( )25نقد ال�شعر لقدامة بن جعفر ,17 :تحقيق كمال م�صطفى :مكتبة الخانجي– القاهرة ,ط1978 ,3م. (� )26شعراء من �أر�ض عبقر لمحمد الخطراوي ,11-10 /1 :النادي الأدبي– المدينة المنورة ,د.ط1398 ,هـ. ( )27الم�صدر ال�سابق.11 /1 : (� )28أحمد الغزاوي و�آثاره الأدبية للدكتور م�سعد العطوي :ق/2ج ,1428/2د.ن ,ط1406 ,1هـ1986/م. ( )29ر�سائل �إلى نازك ل�سعد البواردي ,61 :النادي الأدبي– الطائف ,ط ,1د.ت. (� )30أغنية العودة (�شعر) ل�سعد البواردي ,104-103 :دار الإ�شعاع ,د.ط1383 ,هـ. (� )31إلى �أمتي (�شعر) للدكتور عبدالرحمن الع�شماوي ,100-99 :دار ثقيف– الطائف ,د.ط1978 ,م. ( )32ديوان العواد (في الأفق الملتهب) ,63-62/2 :مطبعة نه�ضة م�صر– القاهرة ,ط1398 ,1هـ1978/م. ( )33م�سائل اليوم لمحمد ح�سن عواد ,125 :دار الجيل للطباعة– القاهرة ,ط1402 ,1هـ1982/م. ( )34ديوان العواد (�آما�س و�أطال�س).52/1: ( )35العواد قمة وموقف .396-381 ,367 ,181 :والعواد وه�ؤالء لمحمد �سعيد الباع�شن ,81-76 :دار الوزان– القاهرة, د.ط1987 ,م .وم�سائل اليوم.552-551 ,220 : ( )36تغريد (�شعر) لعلي زين العابدين ,121-120 :د.ن ,ط1404 ,1هـ. ( )37الم�صدر ال�سابق.129-127 : ( )38ومن المحبة تنبت الأ�شجار (�شعر) ليو�سف العارف� ,39 ,9 :إدارة الثقافة والمكتبات ,وزارة المعارف – جدة ,د.ط, 1421هـ. (� )39أوراق الربيع ليو�سف العارف ,82-81 :النادي الأدبي– جازان ,ط1422 ,1هـ2001/م.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ع��ن ج��وه��ر ال�شعر؛ لأن��ه �أم��ر ي�صعب تحقيقه الخ �ت�لاف الأم��زج��ة وال �ث �ق��اف��ات� ,أم ��ا الت�سليم ب�صعوبة وج��ود �سمات �شكلية ثابتة تميز ال�شعر عن غيره ف�سيحيل �إلى اال�ضطراب في المفاهيم واختالط الأجنا�س الأدبية.
�آخر لينفي ذلك ويقلل من �ش�أن العاطفة ,ويعلي من �ش�أن العقل( .)39وهذا الر�أي قاله بعد �أن �ألقى ق�صيدة نثرية؛ لذا جاء حديثه عن مفهوم ال�شعر متحم�سً ا للدفاع عن ال�شكل النثري وما يحمله من �سمات تعلي من �ش�أن الر�ؤية العقلية.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 61
■ �أ.د .خالد فهمى :كلية الآداب /جامعة املنوفية/م�صر*
( )1مدخل: الحاجة �إلى تحليل الخرائط الإبداعية للمملكة العربية ال�سعودية ،م�صادرها
يمثل تحليل الخرائط الإبداعية للأوطان العربية عموما، وللأوطان التي لها ح�ضور �إبداعي خا�ص� ،أمراً مهماً جداً من عدة جوانب؛ ذلك �أن هذا التحليل مقدمة الزمة للك�شف عن �أبنية الأفكار ،والتوجهات ،والت�صورات للحياة وم�شكالتها وق�ضاياها ،وهو الأمر الذي تحتفي به بع�ض فروع علم االجتماع.
62
كما �أن ه��ذا التحليل يعد �أم��را الزم��ا الأمر الذي يقدم خدمات جليلة لما ي�سمى ل �ق �ي��ا���س ت �ط��ور ال�م�ج�ت�م�ع��ات ال �ع��رب �ي��ة ،با�سم التخطيط الثقافي ،وتوجيه مظاهره وا�ستنتاج العوامل الم�ؤثرة في تطويرها ،وتجلياته المختلفة تعليميا و�إعالميا. وتغير �أن�ساق القيم فيها ،واكت�شاف �أ�سباب غير �أن �أخطر ما ي�شتبك مع التحليل ذلك. العلمي للخرائط الإبداعية في المجتمعات ومن جانب �آخر ،ف�إن تحليل الخرائط ال�ع��رب�ي��ة المختلفة ،يكمن ف��ي نقطتين الإبداعية يعين على تلم�س نقاط التفاعل �أ�سا�سيتين هما: بين الثقافات ،وال��وق��وف على المناطق التي تتهدد البنية الثقافية التي ت�شكل -1اال� �ش �ت �ب��اك م��ع ���س���ؤال ال �ه��وي��ة لهذه ثقافة كل مجتمع ،وتبين من طبيعته ،وهو المجتمعات العربية ،وال �سيما بعد اجلوبة � -شتاء 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
مالمح الخريطة الإبداعية فى المملكة العربية ال�سعودية
قرنين من ال��زم��ان تعر�ضت فيهما هويتها لكثير من المعارك والمخاطر والتهديدات. -2الك�شف عن عوامل التقارب واالتحاد الثقافي الجامع بين ال�شعوب العربية جميعا. وال���س�ع��ودي��ة ب�م��ا ه��ي م��ن ال �ب �ل��دان العربية ال�م��ؤث��رة ثقافيا ،الع�ت�ب��ارات دينية وتاريخية وواقعية ..تمثل خريطتها الإبداعية نقطة مهمة في الدر�س الثقافي والتخطيطي المعا�صر. وقد تنبّه عدد وافر من العلماء �إلى ما تمثله الخريطة الإبداعية للمملكة العربية ال�سعودية، وهو ما تجلى في عالمتين كبيرتين ،هما: �أوال :ا�ستقالل الت�صنيف في تتبع المنجز الإبداعي ال�سعودي في تنوعه زمنيا وجن�سيا ،وهو ما يظهر في الم�صنفات الآتية: � �ش �ع��راء ن�ج��د ال �م �ع��ا� �ص��رون ،ل �ع �ب��داهلل بن �إدري�س� ،صدر عام 1960م ،وهو �أول م�صنف في مو�ضوعه في المملكة العربية ال�سعودية ،يقول عنه( :قامو�س الأدب العربي الحديث ،تحرير الدكتور حمدي ال�سكوت� ،ص ،270دار ال�شروق عام 2009م ) «كتاب ي�ؤرخ للحركة ال�شعرية في نجد بعد قيام المملكة العربية ال�سعودية» ،ويقول عنه محرر المدخل في القامو�س عبداهلل بن �سليم الر�شيد هو« :كتاب ذو قيمة �أدبية وتاريخية وفنية». ب -مو�سوعة الأدب العربي ال�سعودي الحديث: ن�صو�ص مختارة ودرا�سات ،في �أحد ع�شر مجلدا، وقد ق�سمت المنجز الأدبي ال�سعودي �إلى �أربعة �أق�سام وفق مراحل زمنية هي: مرحلة البدايات وتغطي الم�ساحة الزمنية من1932-1902م. مرحلة الت�أ�سي�س ،وتمتد زمنيا من -19241953م.
مرحلة التجديد ،وتمتد زمنيا م��ن -19541970م. مرحلة التحديث ،وتمتد زمنيا من -19711999م. ج -المو�سوعة الأدب�ي��ة ،لعبدال�سالم طاهر ال�سا�سي .وهو م�صنف للتعريف ب�أدباء المملكة ال�ع��رب�ي��ة ال���س�ع��ودي��ة م��ع ن �م��اذج م��ن �إنتاجهم الإبداعي ،ويغطى �أجنا�سا �أدبية متنوعة� ،شعرا وق�صة ومقالة. ثانياً :العناية بالمنجز الإبداعي ال�سعودي في م�صنفات مو�سوعية تعنى ب�أدباء الوطن العربي كله. اه �ت��م ع ��دد م��ن ال �ن �ق��اد وم� ��ؤرخ ��ي الأدب المعا�صرين ب�صناعة معاجم ومو�سوعات جامعة للأدباء العرب المعا�صرين ،العتبارات متعددة، وم��ن �أه��م تلك الم�صنفات الجامعة ل�ل�أدب��اء، والمنوهة بمنجزهم ما ي�أتي: �أ -م��و� �س��وع��ة ال �� �ش �ع��ر ال �ع��رب��ي ال �ح��دي��ث والمعا�صر ،للدكتور يو�سف ح�سن نوفل ،طبعة م�ؤ�س�سة المختار ،بالقاهرة �سنة 2005م. ب -قامو�س الأدب العربي الحديث ،تحرير الدكتور حمدي ال�سكوت ،طبعة دار ال�شروق، بالقاهرة ع��ام 2009م(وك��ان��ت طبعته الأول��ى �صدرت عام 2007م). وقد عنى العمالن بالترجمة لعدد واف��ر من �شعراء المملكة العربية ال�سعودية ،وروائييها وق�صا�صيها ،و�أدبائها بمنهجين مختلفين؛ فقد �أفردت مو�سوعة ال�شعر العربي الحديث مدخال مو�ضوعيا ل�شعراء ال�سعودية ا�ستغرق ال�صفحات من (،)230 - 184و ُر ِّت��بَ ال�شعراء بداخله وفق الترتيب الهجائي الألفبائي ،مع ذكر �أعمالهم ال�شعرية م�ؤرَّخة ،ما �أمكنه ذلك.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 63
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ثالثا :مرحلة التجديد وف��ى ه��ذه المرحلة �سنع ّد ك��ل م��ن ول��د بعد 1952م �إلى 1970م� ،أو توفي �أثناءها داخال في �إطارها: جار اهلل الحميد 1954م ،وحامد الدمنهورى 1965م ،وح� �م ��زة � � �ش � �ح� ��ادة1971م ،و��س�ع��د الدو�سرى 1959م ،وعبداهلل باخ�شوين1952م، وعبداهلل عبدالرحمن ال��زي��د1953م ،وعبداهلل ال�صيخان1955م ،وف��وزي��ة �أب��و خالد 1955م، وم�ح�م��د ال�ث�ب�ي�ت��ى 1952م ،وم�ح�م��د ال�ح��رب��ي 1957م ،ومريم الغامدي 1949م ،ونجاة خياط 1945م. وف��ى ه��ذه ال�م��رح�ل��ة ن�لاح��ظ ت�ن��ام��ي ظهور المبدعات ال�سعوديات بعد ما ا�ضطلع جيلين م��ن المبدعين ال��ذك��ور ب�ع��بء تمهيد الطريق لظهورهن ،وتقبل المجتمع للمنجز الإب��داع��ي والتعاطي معه ب�شكل عام.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
64
وفح�ص قوائم المبدعين ال�سعوديين انطالقا �أما العمل الآخر ،فقد جاء مرتبا بكامله وفق الترتيب الألفبائى ،ومن ثم فقد توزعت �أ�سماء من بوابة تواريخ الميالد والوفاة معا ،يقودنا �إلى �أدب��اء المملكة العربية ال�سعودية ح�سب �أوائ��ل توزيعهم على مراحل �أربعة ،هي: �أ�سمائهم في معجم الأدب العربي الحديث. �أوال :مرحلة ما قبل توحيد المملكة وم��ن هذين العملين المرجعيين� ،سنحاول العربية ال�سعودية ،قبل عام 1932م: تحليل الخرائط الإب��داع�ي��ة لمبدعي المملكة و يمكن �أن يمثلها المبدعون التالية �أ�سما�ؤهم: العربية ال�سعودية ،تحليال ي�ستهدف خدمة الأغ��را���ض ال�ت��ي تقدمت هنا ف��ي م��دخ��ل هذه و�سنذكر بجوار كل ا�سم تاريخ ميالده ،لندلل المقالة .و�إن كانت هناك �أعمال مرجعية �أخرى على �إم�ك��ان ظهور منجزه الإب��داع��ي قبل عام نوهت بالمنجز الإبداعي لل�سعوديين مثل معجم توحيد المملكة ،و�سنعطي عقدين فر�صة لهذا الظهور� :إبراهيم الإ�سكوبى 1913-1848م، البابطين لل�شعراء العرب المعا�صرين وغيره. و�أح��م��د �إب��راه �ي��م ال� �غ ��زاوى 1900م،و�أح � �م� ��د ( )2حدود الخريطة الإبداعية للمملكة ال�سباعي 1905م ،وح�سن ع �ب��داهلل القر�شي العربية ال�سعودية 1904-1862م ،وح�سن عبداهلل �سراج 1912م، وحمد الحا�سر 1909م ،وحمزة �شحادة 1909م، الحدود الزمنية وعبدالقدو�س الأن�صاري 1906م. يعود تاريخ ت�أ�سي�س المملكة العربية ال�سعودية، ثانيا :مرحلة الت�أ�سي�س واالنطالق: و�إعالن توحيدها �إلى 1351ه�ـ=(1932م) ،و�إن من 1953-1932م ا�ستغرق العمل من �أجل هذا الإعالن مدة طويلة بد�أت مع عام 1319هـ=(1902م) ،وهو ما يعني ويمكن �أن يمثلها المبدعون ال��ذي��ن ول��دوا �أن الت�أريخ للأدب ال�سعودي يمتد على مدى قرن �إب��ان�ه��ا وقبلها بنحو عقدين م��ن ال��زم��ن ،وهو كامل م��ن ال��زم��ان ،وفقا للمنهجية المنطلقة م��ا يعني اعتبار ك��ل م��ن ول��د ع��ام 1912م وما من الت�أ�سي�س الجغرافي التاريخي من منظور بعدها مثل� :إبراهيم محمد �أمين فودة 1924م، �سيا�سي .وعلى الرغم من �إدراك هذه المقالة و�إبراهيم النا�صر الحميدان 1933م ،و�أحمد للعديد م��ن االن �ت �ق��ادات ال�ت��ي ُت��وجَّ ��ه �إل��ى هذه عبدالغفور عطار 1918م،و�أحمد قنديل 1913م، المنهجية التاريخية الجغرافية ذات المنحى وح��ام��د الدمنهوري 1922م ،وح�سن عبداهلل ال�سيا�سي ،بما هي منهجية تتعامل مع خارج �سراح 1912م،وح�سن �سرحان1914م ،وح�سن الن�ص الأدب��ي؛ ف�إنها تلج�أ �إليها عن وع��ي ،لأن ع�ل��ى ع��رب 1919م ،وح �م��زة ب ��وق ��ري1932م، حدود �أهدافها الحاكمة محاطة ب�أ�سوار ال�سعي و�سعد الوبادي1930م،وطاهر زمخ�شري1914م، �إلى فح�ص الخريطة الإبداعية للمنجز الأدبي وعبدالحميد ال �خ �ط��ي1913م ،وعبدالرحمن ال�سعودي ،وفكرة الخريطة �أو مفهومها يركن �إلى م��ن��ي��ف1933م ،وع�ب��دال���س�لام ه��ا��ش��م حافظ الخطوط التقريبية ،رفع ًا للواقع ال مطابق ًة له1929 ،م ،وع �ب��دال �ك��ري��م ال�ج�ه�ي�م��ان 1913م، مع الت�سليم ب�أن ثمة روا�سب لفكرة تحكيم الخارج وعبداهلل �إدري�س 1929م ،وعبداهلل محمد خمي�س التاريخي من�سربة هنا ومعتبرة ..لكنه تر�سب 1920م ،وع �ب��داهلل �صالح ال�ع�ث�ي�م�ي��ن1936م، هام�شي ،غير م�ؤثر في م�سيرة الر�ؤية التحليلية وع �ب��داهلل الفي�صل ب��ن عبدالعزيز �آل �سعود 1923م،وعدنان ال�سيد العوامي 1937م ،ومحمد الفاح�صة للخريطة الإبداعية ال�سعودية.
�أحمد العقيلي 1916م ،ومحمد بن �سعد الخفيزي 1925م ،ومحمد ب��ن علي ال�سنو�سي 1923م، ومحمد ح�سن الفقي 1914م ،ومحمد الكلى 1932م ،ومحمد فهد العي�سى 1925م ،ومحمد ها�شم ر�شيد 1930م ،ونا�صر �أبوحمد 1930م، ويو�سف عبداللطيف �أبو �سعد 1937م. ويالحظ ازدي��اد عدد المبدعين في مرحلة الت�أ�سي�س واالنطالق ،وهو ما �سوف ي�ؤثر ت�أثيرا �إيجابيا على المرحلتين التاليتين. كما يالحظ كذلك خلو قوائم المبدعين في مرحلتي ما قبل التوحيد ،والت�أ�سي�س من �أ�سماء المبدعات الن�ساء ،وهى م�س�ألة يمكن تف�سيرها ف��ي ��ض��وء ا�ضطالع المبدعين ال��رج��ال بعبء الت�أ�سي�س ،ومواجهة المجتمع ..ال �سيما �أن الإبداع في النهاية يمثل حالة تحريرية بقدر ما يت�أخر لحاق المر�أة بقطارها ،وهو الأمر الم�شاهد في التجارب العربية جميعا.
رابعاً :مرحلة التحديث (�أو تنامي تجليات الحداثة) وهذه المرحلة ي�ؤرَّخ لها عند �أ�صحاب مو�سوعة الأدب العربي ال�سعودي الحديث في عام 1971م وما بعدها ،ويمثلها في الم�صادر التي اعتمدتها مقالتنا (ما لي�س �أمامه تاريخ فهو حيٌّ ): �إبراهيم محمد �أمين فودة 1994-1924م، �إب��راه �ي��م نا�صر ال�ح�م�ي��دان� ،أح �م��د �إب��راه�ي��م الغزاوى 1981-1900م� ،أحمد ال�سباعي -1905 1984م� ،أح �م��د ال���ص��ال��ح� ،أح �م��د عبدالغفور ع�ط��ار 1991-1918م� ،أح �م��د يحيى بهكلى، تركي الحمد ،جار اهلل الحميد ،ح�سن العدل، ح�سين �سرحان 1993-1914م ،ح�سين على ع��رب 1988-1919م ،حمد الجا�سر -1909 2000م ،خيرية ال�سقاف ،رقية ال�شبيب ،و�سعد الحميدين ،و�سعد الدو�سرى ،و�شريفة �شمالن، وطاهر زمخ�شرى 1987-1914م ،وعبدالحميد ال �خ �ط��ى2001-1913م ،وعبدالرحمن �صالح الع�شماوى ،وعبدالرحمن منيف 2004-1933م، وعبدال�سالم ها�شم ح��اف��ظ 1995-1929م، وع �ب��داهلل باخ�شوين ،وع �ب��داهلل عبدالرحمن ال��زي��د ،وع�ب��داهلل ال�صيخان ،وعلى الدمينى، وعلى محمد �صيقل ،وغ��ازى الق�صيبى -1940 2010م ،وفوزية �أبو خالد ،ومحمد �أحمد العقيلى 2002-1916م ،ومحمد جبر الحربي ،ومحمد علوان ،ومريم الغامدى ،ونجاة الخياط. ومما ينبغي التنبه �إليه من خالل هذا التق�سيم �أن ثمة مجموعة من المالحظات المهمة يمكن �إجمالها فيما ي�أتي: �أوال :التداخل بين المراحل ،بمعنى �أن��ه ال يمكن �إيجاد فا�صل زمني حا�سم �أو حاد بين كل مرحلة من هذه المراحل ،يجعلها منف�صلة ب�شكل ظاهر عن �سوابقها� ،أو لواحقها؛ فطبيعة التق�سيم الزمني �سواء ك��ان تبعا للتق�سيم ال�سيا�سي�،أو
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 65
�أ -االمتداد الزمني لهذه المرحلة الممتدة �إلى الآن.
-2ال��رواي��ة ،وظ �ه��رت مجموعة م��ن الأ��س�م��اء الإبداعية المتميزة �أبدعت عبر جن�س الرواية مثل :عبدالرحمن منيف ،وغازي الق�صيبي، وجار اهلل الحميد ،وي���ؤرخ لظهور �أول رواية �سعودية بعام 1930م ،برواية التو�أمين لعبد القدو�س الأن�صاري.
ب -ظ�ه��وره��ا ب�ع��د تمهيد ال�ط��ري��ق ل �ه��ا ،على الم�ستوى الإب��داع��ي ،وعلى م�ستوى ظهور قنوات الن�شر من مجالت و�صحف �أدبية، وم�ؤ�س�سات معنية بدعم الحالة الإبداعية مثل �أندية الأدب المنت�شرة تقريبا في كل -3ال�ق���ص��ة (ال �ق �� �ص �ي��رة) ،وق ��د ك�شفت ه��ذه مدن المملكة العربية ال�سعودية. ال�م���ص��ادر ع��ن وج��ود مجموعة كبيرة من المبدعين ،عبروا عن �أنف�سهم ومجتمعهم ثالثاً :زيادة ملحوظة في �أعداد المبدعات من من خالل جن�س الق�صة. الن�ساء ،وهي زيادة م�سوغة �أي�ضا ،بما �سبق ذكره هنا م�ضافا �إليه انت�شار تعليم البنات في المملكة ويلحظ في ه��ذا ال�سياق غلبة ه��ذا الجن�س ب�شكل ظاهر ،وهو ما خلق بيئة معينة على �إدراك على منجز المبدعات ال�سعوديات .وربما كان مفارقات الواقع االجتماعي. هذا الأمر منا�سبا �إلى حد ما لطبيعة المر�أة الميالة �إلى الحكي ،وطلب الأن�س االجتماعي، ( )3حدود الخريطة الإبداعية للمملكة العربية ال�سعودية: وال �سيما في ظروف ما�ضية تاريخية للمجتمع ال�سعودي الحديث ،وقد ظهرت �أ�سماء بارزة مقال في حدود الأجنا�س مثل� :شريفة ال�شمالن ،وم��ري��م الغامدى، ومن جهة �أخرى ،ف�إن فح�ص قوائم المبدعين ونجاة خياط وغيرهن. في الم�صادر المذكورة �سابقا يقود �إلى �إدراك التنوع في الأجنا�س ،وظهور الأجنا�س الأدبية -4الم�سرحية ،كما �أظهرت معاجم المبدعين معرفة المجتمع الإبداعي ال�سعودي لجن�س ال�شائعة في المجاالت الإبداعية ب�شكل عام. الم�سرحية ،وظ�ه��رت �أ��س�م��اء كتبتها مثل: �صحيح �أن ال�شعر -العتبارات كثيرة تاريخية �أحمد عبدالغفور عطار ،و�سعد الدو�سري. وفنية ،-كان الجن�س الأدبي الأكثر ظهورا ،لكن ذلك لي�س معناه اختفاء بقية الأجنا�س الأدبية -5ق�ص�ص الأطفال ،وقد ظهرت �أمثال مبدعين وظهور �أ�صوات متميزة �إبداعيا. كتبوا للأطفال مثل�:سعد الدو�سري. وفيما يلي ر�صد للأجنا�س الأدبية التي ك�شفت -6ال�سيرة الذاتية ،وهو جن�س �أدبي له خ�صائ�صه عنها م�صادر المبدعين ال�سعوديين: الفنية التي تبتعد به عن جن�س ال��رواي��ة �أو الق�صة ،وي ��ؤرخ لبداية ظهورها في الإب��داع -1ال���ش�ع��ر ،وك ��ان ال �ع��دد الأك �ب��ر م��ن �أ��س�م��اء اجلوبة � -شتاء 1434هـ
( )4حدود الخريطة الإبداعية للمملكة �أ -درا�سة الأعمال،ومناق�شتها وتقويمها في ور�ش �أدبية ونقدية. العربية ال�سعودية مقال في الم�ؤ�س�سات الداعمة للإبداع ب -الن�شر الذي تتيحه عبر كتاب كل ناد �أدبي. والمبدعين ج -ال��درا��س��ة النقدية المتراكمة ف��ي الكتاب النقدي. وم��ن ج�ه��ة �أخ���رى ك�شفت م�ع��اج��م الإب���داع
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
66
التق�سيم الفني – ت�سمح بهذا التداخل ،وهو ما يف�سر لنا تكرار �أ�سماء في عدد من المراحل. ث��ان�ي�اً :تنامي �أع ��داد المبدعين ف��ي مرحلة التحديث ،وهو �أمر له ما ي�سوغه من جانبين ،هما:
المبدعين ال�سعوديين ف��ي معجم حمدي ال �� �س �ك��وت ،وم �ع �ج��م ي��و� �س��ف ن��وف��ل خا�صا بال�شعراء ،وقد جاء منجزهم متنوعا وموزعا على ال�شعر التقليدي ،وال�شعر الحر.
ال�سعودي ب�سيرة �أحمد ال�سباعي الذاتية ،التي ن�شرها بعنوان�( :أي��ام��ي) ،ثم عاد فن�شرها بعنوان�( :أبو زامل) عام 1970م. ويظهر جليا الت�أثير المبا�شر للحالة الإبداعية الم�صرية هنا ،من خالل التماهي بين عنوان هذه ال�سيرة الذاتية في عنوان طبعتها الأولى، وبين واحدة من �أ�شهر ال�سير الذاتية الم�صرية (الأيام) للدكتور طه ح�سين. وفح�ص هذه الأجنا�س الأدبية التي كتب فيها المبدعون ال�سعوديون يقود �إلى �إدراك ما يلي: �أوال :التنوع في الأجنا�س وامتداده� ،صحيح �أن هناك بع�ض الأجنا�س لم يظهر �أمثلة عليها مثل الرواية ،لكن مثل هذا الجن�س قليل في الإبداع العربي بوجه ع��ام ،وم��ا ظهر منه حتى الآن ال يعدو �أن يكون محاوالت تجريبية. ثانياً :ت�أخر ظهور الأمثلة الرائدة المفتتحة للطريق الإبداعي في الأجنا�س المختلفة با�ستثناء ال�شعر� ،إذ ظهرت �أول رواية عام 1930م ،و�أول �سيرة ذاتية عام 1954م. ثالثاً :ن��درة الأ��ص��وات الحداثية في الإب��داع ال�سعودي ،وفق النموذج الغربي ،وهو �أمر مقدر ومفهوم للطبيعة المحافظة والإ�سالمية للمجتمع ال�سعودي ،على الرغم من ظهور كتابات حداثية م �ب �ك��رة ،م�ث��ل م��ا ي �ق��ال ع��ن ت�ج��رب��ة (خ��واط��ر م�صرحة) ..الذي يعد كتاب الحداثة الأول الذي يدعو �إلى التجديد على �شرط الغرب ،وهو الذي �صدر عام 1927م لمحمد ح�سن عواد.
والمبدعين التي اعتنت بالترجمة للمبدعين ال�سعوديين ،عن وجود م�ؤ�س�سات داعمة للحالة الإبداعية وللمبدعين ال�سعوديين بوجه عام ،وقد توزعت هذه الم�ؤ�س�سات على الآتي: �أوال :المجالت وال�صحف الأدبية. ثانياً :الأندية الأدبية. ثالثاً :المكتبات العامة. وفيما يتعلق بظهور ال��م��ج�لات وال�صحف الأدبية ،فقد عرف المجتمع الإبداعي ال�سعودي نماذج رائ��دة ا�ضطلعت بعبء الن�شر والمتابعة النقدية للمبدعين ال�سعوديين؛ ما �أ�سهم في تعريف المجتمع بهم ،وم�ساعدتهم على تطوير �أدائ �ه��م فنيا .وف��ي ه��ذا ال�سياق تظهر مجلة المنهل التي �صدرت عام 1936م ..قريبا جدا من بدايات توحيد المملكة ،و�صحيفة الجزيرة التي �صدرت عام 1960م ،وهى مجلة �أدبية اجتماعية �أ�صدرها عبداهلل بن محمد خمي�س في الريا�ض. وق��د ت�ن��وع��ت ال�م�ج�لات ال �ي��وم ف��ي عنايتها ب��الأ��ص��وات الإب��داع�ي��ة ن�شرا ،ومتابعة نقدية، وقد برز في هذا المجال :مجلة عبقر ،ومجلة عالمات ،ومجلة الجوبة ،وهى مجالت �أخل�صت وتفرغت للمبدعين ن�شرا ونقدا. وفيما يتعلق بالأندية الأدبية ،ف�إن المتابع لها يقرر �أنها ظاهرة �سعودية ت�ستحق الدرا�سة ،لما تقوم به من دور رائد في خدمة الحالة الإبداعية ال�سعودية بما تهيئه من:
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 67
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
68
وفي هذا المجال ،تت�ألق مجموعة من الأندية ل�ق��راءة مالمح الخريطة الإب��داع�ي��ة في المملكة الأدب�ي��ة بتحكيم المنجز في الميادين الثالثة العربية ال�سعودية ،يت�ضح لنا ع��دد م��ن النتائج المذكورة مثل :نادي جدة الأدبي ،ونادي المدينة نجملها فيما ي�أتي: المنورة الأدب��ي ،ونادي مكة الأدب��ي ،ونادي �أبها �أوال :تبين �أهمية مثل هذه الخرائط الإبداعية الأدب��ي ،ون��ادي الجوف الأدب��ي ،ون��ادي الطائف لدرا�سة التخطيط الثقافي في المجتمعات العربية، الأدبي وغيرها. ودرا�سات التنمية الثقافية ب�أبعادها المختلفة. وفيما يتعلق بالمكتبات العامة ،فقد عرفت ثانياً :كذلك تبين �أهمية هذه الخرائط الإبداعية المملكة العربية ال�سعودية المكتبات العامة، ووج�ه��ت لها العناية منذ فترة مبكرة �سابقة للك�شف عن عوامل التقارب الثقافي بين ال�شعوب على �إعالن توحيدها ،ثم ا�ستمرت تلك العناية العربية المختلفة للعمل على تعزيزه ودعمه. بما خ�ص�صته من عمادات للمكتبة والن�شر في ثالثاً :ات�ضح ب�شكل وا�ضح الأهمية البالغة القيمة الجامعات ال�سعودية .ومن �أ�شهر الأمثلة الرائدة ف��ي ه��ذا ال�م�ج��ال :مكتبة ع��ارف حكمت التي التي تقدمها ه��ذه ال�ق��راءات للخرائط الإبداعية ت�أ�س�ست عام 1852م ،ومكتبة الحرم المكي التي للتثاقف حول الآتي: كانت قائمة قبل ت�سميتها ع��ام 1844م با�سم �أ -حدود الت�أثير والت�أثر بين الثقافات والأجنا�س الكتبخانة المجيدية �أو ال�سليمانية ،ثم تغير الأدبية المختلفة. ا�سمها �إلى ما عرفت به عام 1938م ،كما عرفت مكتبة الم�سجد النبوي ال�شريف منذ فترة مبكرة ب -حدود اال�شتباك مع محددات الهوية العربية، ومخاطر العنا�صر الثقافية الداعمة لها� ،أو جدا ،وي�ؤرخ لت�أ�سي�سها عام 1933م ،ثم نقلت �إلى مكانها الحالي بجوار باب عمر عام 1978م. المهددة لأركانها. �إن قراءة مالمح الخريطة الإبداعية للأقطار ج -حدود التجديد في �إطار القائم من الأجنا�س العربية ،وال�سيما الأقطار العربية الملهمة ثقافيا الأدبية� ،أو تطويرها� ،أو �إمكان �إنتاج �أجنا�س وروح�ي��ا ..يعد �أم��را بالغ الأهمية ،وال�سيما في �أخ��رى �إقليمية تتنا�سب وتتناغم مع النف�س عمليات التخطيط الثقافي ،والتفكير الم�ستمر العربية. في التنمية الثقافية التي يجب �أن يكون �أمرها دائم الح�ضور ،ال�شتباكها مع كل عمليات التنمية د -ح��دود المخاطر والآم ��ال الممكن فح�صها المختلفة. لغويا ،لدعم كفاءة اللغة العربية �إبداعيا. �إن الإبداع بما هو م�سكون بعبقرية اال�ست�شراف ثالثاً :كما تبين �أهمية الأعمال المرجعية في والتنب�ؤ ،يلزم حياطته بكل الدرا�سات المحللة التاريخ الأدب ��ي ف��ي �أ�شكالها المتنوعة (معاجم لأبعاده المختلفة ،وقد حاولت هذه المقالة �أن �أدب��اء� ،أو مو�سوعات �أدبية� ،أو قوامي�س للحركات تلمح �إلى هذه الأهمية. الأدب�ي��ة المعا�صرة �إل ��خ )..لما تقدمه لدرا�سات خاتمة التنمية الثقافية ،والتخطيط الثقافي من خدمات ومما �سبق ر�صده في هذه المحاولة الموجزة جليلة.
رواية “تراب الغريب” الموت على قيد الحياة، �أو الحياة على ذمة الموت!
■ حنان بريوتي*
الكتابة عند الم�سرحي والروائي “هزاع البراري” لي�ست حالة �إبداعية عادية؛ �إنها نزيف ،وك�شف ا�ستك�شاف ،وتلبُّ�س ،وتورُّط ،ومغامرة� ،إنها مكابدة ال يخو�ضها منفرداً؛ بل يج ّر القارئ معه ليعي�ش المكابدة ،ويجمع الخيوط ليغزل الحكاية. يكاد الموت يكون البطل في �أعماله ..الموت بق�سوته وحتميته؛ يحاول الكاتب عبر ن�صو�صه الجارحة محاورته وفهمه وزرع قلبٍ له ..الموت ،البطل الحقيقي الذي ي�سيّر الن�صو�ص وير�سم الأحداث ..وثمة ظل ل�سواده وح�ضوره الم ّر في ثنايا الن�ص. �إذا كانت ك ّل حياة تحمل ق�ص�صا وحكاياتٍ ق�ص�ص مخفي ٌة وراء ٌ لنهاياتٍ منظورة ،فثمة الموت ،ك� ّل م��وت ،الموت واح��د ,لكنه يتكرر بوجو ٍه و�أ�شكالٍ وتفا�صيلِ مختلف ِة لك ّل منا. لكل ميت ق�صة ،تتنظر من ي�ضيئها ويك�شف تفا�صيلها ويعيد غزل خيوطها ،لت�صبح ثوبا لحكاية مطمو�سة ب��ال�ت��راب وع�ب��ور ال��زم��ن، ومجللة بغمو�ض النهايات .الموت لي�س نهاية. �إنه البدايات الموجعة لق�ص�ص تحيا وتنب�ض عبر ع��روق زم��ن ممتد ال يدركها الموت وال هي تخ�شاه؛ لأنها �ضد النهايات ،ومتماهية مع الغياب؛ تتردد مثل ريح عنيدة تقرع النوافذ
المغلقة دونها ،والأب��واب التي مهما ُ�صدت.. ال ب�� َّد �أن تجد من ي�شرعها للحظة كما فعل البطل في الرواية ،عندها تت�سرَّب �إلى وعيه، وتن�سرب في عروق حياته ،فال يمكنه عندها �إعادة �إقفال الباب. ال �� �س ��ؤال ال ��ذي ت�ق��وم عليه رواي ��ة «ت��راب ال�غ��ري��ب» ل�ل�ب��راري« :ه��ل ت�ع��ود ال ��روح لتبني حكايتها م��ن ج��دي��د ،فت�سكننا بهذا ال�شكل المزعج والغام�ض؟» (�ص .)25 تختلط ال�شخ�صيات في الرواية ،منها من ما تزال على قيد الحياة ،ومنها التي ماتت.. اجلوبة � -شتاء 1434هـ 69
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
70
لكنها تعي�ش موتها .ويلعب الكاتب حيلة فنية بارعة في ر�سم تداخل الأحداث وال�شخ�صيات ،والأهم تداخل الزمن؛ فيمزج الما�ضي البعيد بالحا�ضر المعا�ش، وير�سم مالمح ك ّل �شخ�صية بتدرُّج وتمهل فنانٍ يتقنُ الر�سم ،ويعي ما يريد الو�صول �إليه و�إي�صاله ،فيغزل خيوط الحكاية بحرفية وب�صبر. للمكان �أهميته في البناء الروائي ،يبدو االرتباط بالمكان جلي ًا لدى الكاتب ،ك�أنّ المكان ي�سكنه قبل �أن ي�سكن فيه� ..إن��ه ي�ؤثثه من جديد لي�ضفي عليه روح الحدث .ثمة و�صف مبدع يتنا�سب مع الأحداث المروية: «هذا قبري... ح �ج��ارة متكومة ،ت��رك ال�سحاب عليها بقايا بكائه الطويل ،القطرات ترتج منزلقة الواحدة تلو الأخ��رى ..الأع�شاب ال�شتائية تطل من بين ال�شقوق والحواف� ..أ�شواك من ال�صيف البائد �أالنَ حرباتِها كانون المتعافي ..ر�أيت العتمة تت�سرب بين الرجوم المبعثرة وت�ستكين في �أعماقي» (�ص .)1 ثمة و�صف لتفا�صيل المكان الحميمة ،نقل لقطعة من الحياة بنب�ضها و�ضجيجها« .ب��ار (�أب��و �أحمد) يم�سك بقاع المدينة من خا�صرته� ..شعبيته العالية تجعله قريبا من النف�س الم�سكونة بالعتاقة والحذر.. نقطع ال�شارع الرئي�س ،تاركين خلف ظهورنا �شرفة مقهى ال�سنترال المهجورة مثل ام��ر�أة ا�ستهلكها الإخ�لا���ص واالن��ت��ظ��ار ..ام���ر�أة معلقة على م�شجب ذاك ��رة م��ا ،تنزلق ف��ي زق��اق ي�شكو ت��زاح��م روائ��ح
محالت ال�سمك واللحوم المجمدة والمطاعم التي ال تت�سع لزبائنها الجوعى ،فيتكفل بهم الزقاق واقفين». ثمة الكثير من الجمل الخبرية التي تقدم تعريفا ب�شيء ما� ،أو تطرح خال�صة لفكرة� ،أو تحدد موقفا.. تم غزلها بثوب ال��رواي��ة ب�إتقان وحرفية ،ب�صورة تبدو ذاتية ،ربما لأن ثمة �صدقا في الطرح والتناول، فيح�س القارئ �أنها تمثل الكاتب من الداخل ..الكاتب الذي يطل من خالل ن�صو�صه وال يكتب بحياد �أبدا.. وقد حُ بكت بمهارة فنية عالية في ثوب الرواية ،لو جمعت ل�شكلت كتيِّبا بمعان عميقة تمثل خرب�شات الإن�سان على ج��دار القلق ال��وج��ودي« :الكتابة نوع من الحياة»« ،المطر ك�أول البكاء ،يخنقنا بال�صمت وال �ك ��آب��ة»« ،الم�ساحات المعتمة ف��ي حياتنا ،هي الأ�سرار الوحيدة التي نحملها معنا حين نغادر الدنيا» (�ص .)164 بطل الرواية كاتب امتهن ال�صحافة بالم�صادفة، يفكر بمكابدة كتابة رواي ��ة يتلم�س فيها ق�ص�ص ال�م��وت��ى ..يختلط ال��واق��ع م��ع الخيال ،والموتى مع الأح��ي��اء ،وت�ت��داخ��ل حيواتهم م��ع ح�ي��ات��ه ..تتعدد ال�شخ�صيات في ال��رواي��ة وي�ضيئها الكاتب جزئيا بمهارة ،حتى يجبر القارئ على ا�ستك�شاف مالمحها ك � ّل��ه��ا؛ ك���أن��ه ي��ر���س��م ل��وح��ة ،وت��ظ��ل تت�ضح مالمح ال�شخ�صية و�أحداثها بالتدريج حتى ت�صبح وا�ضحة ومكتملة في نهاية الرواية� .إذ ين�سج الروائي ثوب الحكاية بحرفية ،ومع انتهائها يجد القارئ الحكايات مكتملة حا�ضرة ناب�ضة في ذاكرته ووجدانه. «ليلى» تقف على الحافة الأخ�ي��رة من الثالثين من عمرها ،لكنه عم ٌر قاح ٌل منقو�ص ،وعطِ �ش مثل �صحراء معذبة لم تعتد العط�ش ول��م تُفطر عليه، عمرها بعمر امر�أة نا�ضجة ،لكنها بحجم طفلة في ال�سابعة �أو الثامنة« .ب��د�أتُ �آ َل��فُ القبر ال��ذي �صار جزء ًا مني ،و�أك��ره العالم الذي لم �أ�ستطع �أن �أكون جزء ًا منه» (�ص .)54 «ليلى» ،الطفلة التي دفنها �أهلها حية على �إثر غام�ض ،بعد �أن �أخ��ذوا بم�شورة ٍ بمر�ض ٍ �إ�صابتها
غريبة م��ن ام ��ر�أة غريبة ال�ت�ج��أتْ �إليهم و�سبقت �صحوهم وخرجتْ � ،إذ �أ�شارت عليهم بو�ضع ال�صغيرة في قبر ليلة ،ف�إما �أن تموت بعدها �أو تحيا. ي�صف الكاتب وجع الأب ورغبته �أن يطلع �ضوء الفجر ليتفقّد �صغيرته ،فيجدها مفتوحة العينين ويظهر عليهما البكاء الطويل ،فيقيم لها الأف��راح ث�لاث ليال ،لكن الأم��ر يتك�شف بمرور الوقت ،لأنّ «ليلى» ماتت جزئيا� ..إنها تموت ن�صف موت وتحيا ن�صف حياة ،خيال الكاتب ي�صل �إلى �أماكن ق�صية ف��ي الخيال الإن���س��ان��ي ،ويجترح مناطق خفية في �أعماق الإن�سان في مواجهته الخا�سرة مع الموت، حين يجترح الموت الجزئي للإن�سان؛ تماما كما ال�شلل الن�صفي مثال� .أَحقًّا ثمة �شلل ن�صفي للروح؟ �أَحقًّا ثمة ن�صف حياة ون�صف موت؟ هل ي�أتي الموت مُجزّء ًا �أيهما �أقل �صعوبة -كالهما �صعب -الموت دفعة واحدة ونهائية� ،أم الموت مُجزّء ًا حين يكابد الإن�سان �شكال م�شوها للحياة؟ «ليلى» توقّف ج�سدُها ع��ن النمو عند �سن الطفولة� ،أم��ا عقلها وروحها فتابعا النمو ،فعا�شت �شبه حياة ،وت�شوَّهت �أنوثتها.. لم ت�ستطع �أن تحيا حياة طبيعية ،وحُ رمت من الحب وال��زواج ..ثمة فكرة ي�ضيئها الكاتب ،ثمة ما ي�شبه الموت� ،إذاً ،لكنه يباغتنا في الحياة فنعي�ش �أو نموت، �أو نموت وال نعي�ش .هل يعي�ش بع�ضنا �شبه حياة، ويموت �شبه موت؟ هل تمت�ص الحياة بق�سوة ظروفها ومرارتها وثقلها ال�شغف والرغبة بالحياة ،فنتجرَّع العمر بطعم الموت؟ ثمة ما هو �أق�سى من الموت� ..إنه الموت على قيد الحياة� ،أو الحياة على ذمة الموت! ثمة را ٍو يق�ص ق�ص�ص الموتى نق ًال عنهم ،يروي ما يروونه ..با�ستثناء «الخوري» الذي لم ير ِو ميتته الم�ؤلمة المحملة بالغدر بل�سانه ،لكن �صوت �صراخه ظ ّل يمزق ظلمة الليل قريبا من الكهف الذي قتُل فيه بال ذنب ،ذات ليلة �شتائية باردة. ال��راوي يراهم ويحلم بهم ،الحلم و�سيلة ،وهو الذي جاءه حلم «الأبي�ض» في طفولته المبكرة ،فكان بمثابة �إ�شارة �أو نبوءة ب�أن ثمة باب ًا يُفتح في نف�سه
وعقله ،تت�سرَّب منه الحكايات الغافية والمدفونة في التراب ،لكن الكاتب ج َّر القارئ �إلى لعبة فنية ذكية، حين �أتمَّ ن�سج الحكايات كلّها في ذهنه ،وجعل «�صفاء» حبيبة البطل -تزور قبر الراوي ليك�شف للقارئ �أنهال يعي كم م�ضى من الزمن ،و�أنّ جريان الزمن لديه امتداد ال يتوافق مع جريانه في الحياة ..تتداخل لديه الأزمان كما تداخلتْ في مخيلته وذاكرته ،وما يكتبه ويرويه حيوات الأحياء والأموات وحياته.. يتداخل الموت والحياة في هذا الن�ص الروائي المُبهر في بنائه الفني ،وفي �أفكاره وفي طرحه ،وفي ما يثيره من ت�سا�ؤالت ،وفي تحريكه عقاربَ الخوف المُتجذّر من ال�م��وت ،ال�ساكنة في �أع�م��اق الب�شر، وفي وب�ساطته وبعده عن التعقيد ،ومعالجته القلقَ ال��وج��ودي ال��ذي يجري في ع��روق الوعي والالوعي الب�شري على مر الع�صور. يعجز ال�م��رء ع��ن و�صف م��ا تحمله ال�صفحتان الأخ �ي��رت��ان م��ن ال��رواي��ة ،وال�ل�ت��ان يمكن و�صفهما بالك�شف ال �م��وج��ع ع��ن م��وت ال � ��راوي ،وان �� �س��راب الزمن الذي يفقد قيمته �أم��ام الموت� ..إنه الحزن والفجيعة ومكا�شفة ق�سوة الموت ،واالنحناء �أمام جبروته وحتميته وبرودته ..لقد تلونتا بالرمادي ،لون الرحيل ،لون القبور ،لون الموت والحيرة والعجز، حيرة الإن���س��ان وع�ج��زه بين حياته التي ال تكتمل �إال بالموت ،وبين موت ال يكون �إال بحياته ..تحمل ال�صفحتان الأخيرتان موت الراوي الذي اتك�أ عليه القارئ في تجرُّع مرارة الرواية وق�سوتها وفجائعيتها: «ال�شم�س الخابية تتلوى كذابلة ال�شمعة ال�صغيرة.. كانوا يقفون معي� ..أحاطوا بي ..الأبي�ض ب�ضحكته المعهودة ،الثعالبي والعجوز الكويتية ،وفتنة في عز �صباها وع�شقها المميت ..قلتُ لها �إنني �أراهم جميعا» (�ص.)218 يبدع الكاتب في ت�صوير الموت ،وتجلية ق�سوة الغياب الحا�ضر والح�ضور الغائب« :لم تلتفتْ ولم تجب� ..أظنها لم ت�سمع لأنها �أخذتْ تبكي ..حاولت �أن �أحت�ضنها �أو حتى �أم�سك يدها فلم �أجد يدي ..كنت
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 71
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
72
بال ذراعين» (�ص .)218 يك�شف الكاتب لقارئه ال��م��ت��ورِّط ف��ي ن�ص ُي َع ّد مكابدة �إبداعية ،لعب َة الزمن التي �أداره��ا بمهارة ووظّ فها في الأح��داث في الرواية ،حين يكت�شف �أنّ «�صفاء» لم تعد تلك الفتاة في �أوائل الثالثينيات من عمرها ،بل �أ�صبحتْ في ال�ستين من العمر« :قلتُ لها: �أري��د �أن �أحت�ضنك و�أن��ت حبيبتي ..ثم ر�أيتها ت�شيخ ب�سرعة ،فلم �أ�س�ألها كم �سنة مرت علينا». ك��أن ال��راوي يريد �إخبارنا �أنّ الزمن في الموت يختلف عنه في الحياة ،وك�أنما هو �ساحر �أتمَّ حيله التي انطلتْ علينا قبل �أن يفتح الباب ويغادر بخفة وبراعة فنان .لقد �أ�صبحت «�صفاء» في ال�ستين من عمرها الذي م�ضى فارغا �إال من ذكرى حبيب عا�ش حياة قلقة ،اختلطتْ عليه الحياة بالموت والموت بالحياة .هل ماتت فر�أته؟ �أم �إنها �أُ�صيبتْ بالعدوى ف�أ�صبحتْ تق�ص ق�ص�ص الموتى ،وتر�سم بحياتها حكاياتاهم ،وتروي تفا�صيل موتهم التي تتلوَّن بلون ال��وج��ع وطعم النهاية ال� ُم� ّر مهما اختلفت .تقول: «بقيتُ ح��ائ��رة� ،أح�س به ك�أني �أراه ..تنهدتُ وقد �أتعبتني الذكريات»�« ..صاروا ي�أتون �إلي ..ي�أخذونني معهم ،لكني �أخاف�( »..ص )219 يخبرها ال��راوي �أنه يرى موتاه� ،أبطال ق�ص�صه الذين �أ َّرق��وه حيًّا ،وابُتلي بحكاياتهم على ظلمها.. يراهم بعد موته ،وهم يتجمعون حوله �إال «ن�سرين» التي �أحبته وع�شقته و�أعطته الج�سد وال��روح ،لكنه لم يبادلها الحب ،ولم ي�ستطع �أن يكون لها ،وتركها تغادره ب�صمت وتخاذل.. كان موتها في �أر���ض بعيدة ،عارية من عائلتها: الأب الذي خطفته الحرب الأهلية في لبنان ،والأم ال��ت��ي اخ��ت��ارت درب ال��عُ��ري وال�����س��ق��وط الأخ�لاق��ي وا�سترخ�صتْ نف�سها لت�سافر وت�ت��رك ابنتها نهب ًا للحياة.. لقد كان الح�ضن الأخير الذي راهنتْ عليه ،لكنه خذلها وتركها في مهب ال��وح��دة والغربة وجفاف العمر ون�ضوبه ال�سريع؛ لينه�ش المر�ض الخبيث
�أح�شاءها المهترئة بق�سوة الحياة المتكالبة عليها.. وقد عرف الراوي بموتها بعد فترة عن طريق ر�سالة كتبتها �إليه وهي ت�صارع الموت وحيدة غريبة ،وكلفت زميال لها ب�إر�سالها له بعد �أن �أعطته الرمز ال�سري لبريدها. ع �ن��وان ال��رواي��ة «ت ��راب ال�غ��ري��ب» ك��ان اختيارا م�صيبا ،ولي�س من عنوان �آخر ير�صد الن�ص كما في هاتين الكلمتين. «تراب» :القبر ،الموت ،النهاية والغبار الذي يثور مع الريح ويتم�سك بالأثاث وال�شجر والحواف ويطرق الأب��واب ،معلنا عن وجوده و�أزليته وقلقه و�إقالقه.. ك�أن الرواية كتبت بتراب .و«الغريب» :لك ّل �شخ�صية في ال��رواي��ة وج��ه و�شكل للغربة .ال��راوي نف�سه كان غريبا لأن��ه لم يكن مع الأح�ي��اء في حياته� ،سرقته ق�ص�ص الموتى وق�ص�ص اغترابهم المزدوج بالظلم في الحياة ،والغربة في الموت. ال�شخ�صيات جميعها في الرواية تعي�ش غربتها، ن�سرين:عا�شتْ �شك ًال م�ؤلما من الغربة بحب من ط��رف واحد،عا�شت غريبة في وطنها وبعيدة عن �أمها م�لاذ الإن�سان ومبعث �أم��ان��ه ،عا�شتْ غريبة وماتتْ غريبة في �أر�ض غريبة غربتها لم تنته حتى بالموت ،حتى في موتها ترقب حبيب عمرها من بعيد ،لكنها ال تقترب غريبة بموت والدها وانحراف والدتها و�إهمال البطل لتفا�صيل �إح�سا�سها. ثريا:تجرَّعت غربتها بهجر زوجها لها وجرحه لها في �أنوثتها وهي في بيته ،ثم ب�إق�صائها عن ع�شيقها وغربة �أمومتها الأق�سى ب�إق�صائها عن طفلها� ،أو �إق�صاء طفلها عنها ب�إخبارها بعد �أن �أف��اق��ت من �أوج��اع ال��والدة �أن��ه ول��د ميتا ،و�إك�م��ال ما تبقى من حياتها في قبو هو �أقرب لجحرٍ لحيوان ولي�س لإن�سان، وف��ي وحدتها التي لم تجد من يك�سرها معها غير «فار» كانت تطعمه وتتحدث معه حتى موتها ،عا�شته غريبة؛ لأنها دُفنت في �أر�ض غريبة عنها. �سليم «�أخ ث��ري��ا» :غربته بتنكِّره لعاطفته تجاه �أخته ،و�سعيه لقتلها حتى بعد اختفائها والتجائها
لدير في نابل�س. وال��د ثريا:غريب بفقده رفيقة درب��ه ،واغترابه وق�صيّ عن ع��ن ابنته ثريا التي ك��ان متعلقا بهاِ ، �صدقه؛ لأنه لم يتمكّن من الدفاع عن حق «ثريا» في حياتها المنزوية البعيدة التي ت�شبه الدفن والإق�صاء الق�سري ،فتحمَّل وجعه مكرها �صامتا ،و�أعطى الإذن لعمها ا�سكندر ب�إتباع الخديعة للو�صول �إليها والق�ضاء عليها واالحتفال بموتها باعتباره ن�صرا رجوليا. قا�سم علي :غريب في جرحه الذي افقده �ساقه، وظ َّل غريبا في بيته مع زوجته الجاحدة والقا�سية، التي تعاملت معه بعد �إ�صابته وعجزه ك�أنه قطعة �أثاث م�ستهلكة ومتروكة ،ال ت�صلح لال�ستفادة منها ،لكن ال يمكن �إلقا�ؤها في الحاوية. اب�ن��ة قا�سم ع�ل��ي :عا�شت تغريبا ق�سريًّا حين �أُجبرت على الزواج –رغم �صباها وجمالها-برجل ي�ق��ارب عمره عمر وال��ده��ا م��ن �أج��ل �أن تعي�ش هي وعائلتها ،تعي�ش� ..أي تظل على قيد الحياة وتجد ما ت�أكله فقط. قا�س ،غربة موت �أم عبداهلل:عا�شت غربة من نوع ٍ �أوالدها ورحيلهم المباغت بانفجار قنبلة عبثوا بها م�ستك�شفين حيث يجل�سون في حو�ش ال��دار ،وظلت تمار�س غربة الألم واالنتظار وتتخيل رجوعهم. وعنوان «تراب الغريب» ي�صحّ عنوانا لكل ق�صة من الق�ص�ص المتداخلة �إن روي��ت منف�صلة ،ربما عنى الكاتب بالغريب« :الراوي» في الرواية ،لكن هذا لي�س الغريب الوحيد ..كلهم ،كلّنا �أغراب! ثمة مالحظة ع��ن الأم��وم��ة غير المتحقّقة في ال��رواي��ة� ،أو ه��ي الأم��وم��ة المنقو�صة والمجروحة والغائبة .وهي تتكرر في ن�صو�ص البراري ب�أ�شكال متعددة .ف «ثريا» �أمومتها منقو�صة بفقدها �أمها مبكرا ،وب�ت��أخ��ر حملها واتهامها م��ن قبل زوجها والمحيطين ب�أنها عاقر� ..أر���ض ج��رداء ،و�أمومتها
م�شوهة� ،إذ �سرقوا ابنها من تحتها ،وظ َّل ابنها الذي �أ�صبح خوريا يبحث عن �أهله و�أمه التي قيل له �إنها ماتت بعد والدته مبا�شرة ،كما �أُخبرت هي بموته بعد والدتها له .حتى حين تم «الت�آمر» العائلي على قتلها والتخل�ص من عارها ..ال نجد �أم ًا تبكيها ،لكن يبدع الكاتب في و�صف حزن الأب و�ألمه الذي ال يجر�ؤ على الت�صريح به و�إعالنه. وهناك «ن�سرين» ،المجروحة ب�أمها التي نهبها الليل ،وفقدتها بما هو �أ�صعب بكثير من الموت ،كما �أنها ماتت �شابة لم تحقق �أمومتها .وهناك «�صفاء» التي لم تتحقق �أمومتها ،وفقدت �أمها التي دفنت تحت الثلج .وكذلك ال��راوي ال��ذي فقد �أم��ه« :حتى عندما عبرتْ بع�ض ال�سنوات وفتك بها المر�ض ،لم تدمع عيناها كالعادة ..منذ تم�سك بها الفرا�ش، طلبت مني �أن �أخرج لأ�صدقائي ،لأن ك�آبتي تنغر�س في وجهي كالو�شم ..عندما انت�صف النهار كنت �أنتحب قرب رجال يحفرون قبرا على �أطراف القرية» (�ص .)27 ث �م��ة ج�م�ل��ة ت��ك��ررت ف��ي ال ��رواي ��ة ع �ل��ى ل���س��ان �شخ�صيتين مختلفتين ،لكنهما مرتبطتان برابطة وثيقة� .إنهما «ثريا» وابنها الخوري« :الم�سيح كان غريبا» .ربما في ذلك دالل��ة على الترابط الروحي بين الأم وابنها حتى و�إن عا�شا غريبين ومنف�صلين. بعد �أن ينتهي المرء من قراءة «تراب الغريب»، �سيقف �أمام كل قبر ،ويفكر في حكاية مخبوءة بين ال�ت��راب ،يرويها له �أح��د الذين تحولوا �إل��ى ت��راب، ويحد�س �أن ثمة قبورا بعيدة مطمو�سة مخفية عن العيون ،لكنها ال ت�صمت ،تحاول ال�صراخ و�إي�صال �صوت حكايتها المطمو�سة التي ال تموت ،لأنّ الموت ان�ف�لات م��ن ح�صار ال��زم��ان وال�م�ك��ان� ..إ ّن��ه تحرر قا�س وموجع وموح�ش ،لكنه ي�شبه الن�صر بطريقة ماٍ ، م�ضمخ ًا بالدماء.
* كاتبة من الأردن.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 73
ن�صو�ص ■ عبداهلل ال�سفر*
بيا�ض
يحنو عليه ال �ن��وم ،فيرخي عليه غالل َة الأحالم. �شم�س العزل ٍة لم تبقِ له بيا�ض ًا يعرف �أن َ يخط عليه ا�سمَها. ّ انتظار
ال �أحد يمرّ، رغمَ ت�صاعدِ دخانِ حني ِن ِه واتّقا ِد �شعل ِة قلبه في االنتظار. �شراهة
ب�ساط وق ِت ِه وذاكرتِه. م َّد َ يا لَ�شراهة العزلة. غطاء
تغطّ ى بكثيرٍ من المرارة، لئال تخدعَ ُه الأحالم. �شيخوخة
لوّثتْ ال�شيخوخ ُة نب َعهُ. مَ ن �سَ يَرِ ُد علي ِه في حُ ْل َك ِة هذا الليل؟ مَ ن �سيتب ُعهُ؟ منفى
رائح ُة عمرِ ِه تثقلُ عليه. ي�ش ُّق النوافذَ ويكاتِبُ الأمل. الرائح ُة اللزج ُة منفاه. * قا�ص من ال�سعودية.
74
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
اتخذت من تلك ال�صخرة �سكناُ ..فهاهي النوم.. ت�أوي �إليها محمل ًة بالهموم ،فت�سند ظهرها.. ا�ست�سلمت. ..
�إغفاءة
في جرحِ ِه الحيّ �أطلقَ فرا�ش َة الن�سيان علّها تغفو في دمِ ه. ت�صويب
يخم�ش � �س �ت��ار ًة ت �ئ��نّ من ُ ب�ح�ن��انٍ م��وج��ع الن�سيان. الغياب بالدمع وي�صوّب على ِ يح�شو م�سد َّ�س «�ألبومٍ » فارغ. عبث
تخبّطتْ �أ�ضالعُ ُه في زرق ِة الحنين، �شهقَ ما ا�ستطا َع من الذكرى. لم ي�ستقم ل ُه وج ٌه وال حطّ تْ في يدِ ِه �صورة. نافذة
هل ت�صدّعتْ النافذ ُة من �ضربات الريح؟ هل �صدّعتْها نهنه ُة الواقف خلفها ،عمرا، ال يزيح ال�ستار؟
■ ليلى احلربي*
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
لحن الغربة
ت�شعر ب�صالبتها ،ولكنها تظل �ألين من �أ�صوات تقترب منها و�أخرى تناديها ..وهي ذلك القلب.. في هذا العالم ال�شفيف ال تريد العودة منه �إال تطلق لب�صرها ال�ع�ن��ان ..ف�لا يتوقف �إال �أنهم ينت�شلون هذا الج�سد ،ال�ساكنته روحها.. عندما ي�صطدم بالأفق خلف البحر.. مد وجزر بينهما.. و�أم ��ام ال�سماء ..لوحة �صامتة ل��وال تلك حتى تراءى لها ال�صبح ملفوفا بخوذته.. الطيور التي تحلّق عبرها.. وداعبها الكون مجموعا بكفيه.. ينقلبْ �إليها الب�ص ُر خا�سئا ..ال يدري �إلى واحتوتها عيناه م�ؤطرة بالدمع.. �أين الم�سير.. وان�سابت الكلمات ك�أنها ال�شعر الم�صفى. تحدّث البحر الذي �سكنت به �أهوا�ؤها ..تقترب منه ..تقترب تعانقه ،فيغلّف ج�سدها بموجه الهادر بحنان..
�أتعانقين البحر؟! كدت �أكون حورية في جوفه بل كدت تغرقين..
يربت على كتفيها ..تلقي �إليه �شال ًال من الليل ..فيحتويه ..ترتمي على و�سائده الوثيرة فيم�ضي بها بعيدا ..يعلو الموج فيغدو مر�آة وها �أنتم تعيدونني لأعماق بركم ،وتهيلون عليّ الحياة.. يت�ضخم بها وجهها.. كدت �أطفو..
عينان ترمقها مودّعة ..و�أيد تمتد نحوها ..ل��ح��ظ��ات ..لتجد نف�سها ف��ي ق��ع��ر ال��ب��ر، و�شفاه تفتر عن ابت�سامة الخدر الذي ي�سبق تمار�س الموت وتتنف�س. * قا�صة من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 75
■ �سمية البوغافرية*
تتالقى نظراتها بنظراته الطافحة حبا وهياما ..تبت�سم له بخجل ،وتعود تهيم ع�شقا ب�أكوان تنب�سط لعينيها خلف ال�شم�س.. يظل ف��ي مكانه ف��ي ح�ضن �شجرة ال��ل��وز� ،أم��ام��ه��ا ..عيناه ال تغفالن ح��رك��ة من حركاتها الر�شيقة التي تثمله ..ينتظر ب�شوقٍ اللحظة التي �ستلتفت �إليه لتر�شقه بب�سمة من ب�سماتها الخجولة التي ت�ضيء �أعماق روح��ه� ...شعر بالحزن من �ضيق حيلته ال�ستدراجها �إلى حدائق قلبه الغ�ض ..انزعج �أكثر من طريقة جده ال�سلطانية التي يدخن بها �شي�شته �أ�سفل ال�شجرة ،ومن لجّ ة الدخان التي يغرقه فيها ،فيحجب عنه فاتنته ..ف��راح ينتقل �إل��ى مكان �آخ��ر �أق��رب من مع�شوقته .ح��ذره ج��ده بنبرته الوعيدية الحادة: �إن �ه��ا م��ن �صنف ال�ن�م��رات المنت�شرة في لكن نظرة واح���دة م��ن نظراتها الفاتنة، ك��ل ب�ق��اع الأر�� ��ض ..مخالبهن ط��وي�ل��ة ،ح��ادة وب�سمة رقيقة من ب�سماتها العذبة تذيبه وتن�سيه كال�سيوف ..يتناف�سن على ح�شو مخداتهن العالم حوله ..وال يعود يرى غيرها.. بما ينتفنه من �شوارب المخدوعين فيهن من وجد نف�سه بين خيارين �أحالهما ُم�رُّ� :إما ال�شبان �أمثالك ..و�إن امتلأت و�سادة �إحداهن ،ال�شنب و�إما ال�شهباء.. �أنزلنها ملكة عليهن ..فال تغتر ،يا حفيدي، كفتان تت�أرجحان �أمام عينيه في ليله ونهاره، بمظهرها ورقتها الخادعة وتظنها مثل جدتك.. ولم يقرر ب�أي �سي�ضحي ويح�سم به �أمره.. م��رر ي��ده على �شاربه الخفيف وان�صرف 76
ع��اد �إل��ى ج��ده نحيال هزيال ال يقوى حتى بعيدا عن جده ،وهو عازم على �إ�سقاط ال�شهباء من م�شاريعه و�أحالمه.. على الكالم ..قال له ب�صوت مهزوز وعيناه على
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
تحية كرباجية
ال�شهباء ،وهي في كامل عنفوانها ور�شاقتها: عرقها وي�ستن�شقه بلذة عارمة ،ثم يغيب في نوبة من �أال يمكن جدي �أن �أحافظ على �شنبي ،و�أحظى بها البكاء حزنا على ما اقترفه في زوجته.. في �آن واحد كما فعلت �أنتَ ؟ قب�ض بيد على �شاربه ال��ذي ط��ال و�صار يتفاخر •�أجل ،ممكن ولكن في حالة واحدة فقط يا حفيدي ،به �أمام �أقرانه المنتوفي ال�شوارب ،وبيد �أخرى انهال بالكرباج على عرو�سه ال�شهباء بالجلدة الخم�سين.. •انتف�ض جال�سا بخفة �شبابية �سائال جده بف�ضول لدغه �صوتها ال��ذي تغيرت نبرته ..من �أنين حزين جارف: �إل��ى �صوت مزمجر مخنوق �أ�شبه بـالــــ ..ت�شوك له •هيا جدي� ..أفت علي� ..أطال اهلل في عمرك ،وفي جلده ووقف �شعره ..ورائحتها القوية القار�صة �سرت �شنبك. كالتيار الكهربائي في ج�سده ..ف�سقط الكرباج من •عليك �أوال �أن ت�ستعيد قوتك و�شبابك ،و�إال انقلب يده ..وق�ضى ليلته يخمن فيما ا�ستجد من �أمرها ،من دون �أن يتو�صل �إلى فك لغز تغير نبرة �صوتها ورائحة ال�سحر على ال�ساحر. •�أت�أمرني بال�سحر حتى �أ�ضمن رقة زوجتي وليونتها ج�سدها.. لعن جده في داخله ت�سعا وت�سعين لعنة ..ا�ستجمع معي؟! •ال�سحر ،ال يجدي نفعا مع �أمتنا ..ق�صدت �أن تكون ك��ل �شجاعته وق��وت��ه ،و��س��رج الغرفة ل�ي��رى عرو�سه قويا لتم�سك بالكرباج فتحيي به زوجتك ت�سعا ال�شهباء الوديعة تتو�سل �إليه �أال ي�سوطها مرة �أخرى. وت�سعين تحية قبل �أن تمد ي��دك لتلم�سها ..ثم فيفتح لها ذراعيه وي�سكنها �أعماق روح��ه ..تراجعت اح�ضنها �إلى �صدرك ..افر�ش لها الحرير وغطيها ال�شهباء خطوات �إل��ى الخلف بمجرد �أن ر�أت ظله.. بالحرير فترة ،لتظل لك حريرا طوال حياتك ..تك�شر عن �أنيابها الحادة ،وت�شهر مخالبها المعقوفة الطويلة.. •�أهذا ما فعلته مع جدتي الحنون حتى �صار �شنبك ارتفع جلده و�شعر به �سين�سلخ عن ج�سده من �شدة ي�ضرب به المثل في طوله؟ الرعب ،الذي غزا �شرايينه ،و�سمره في مكانه يرتعد.. فتل جده �شنبه العري�ض الطويل بزهو ،وانهمك يحدق بذهول �إلى �آثار ال�سوط المرت�سمة على ظهرها يدخن �شي�شته بطريقته ال�سلطانية التي لم تغظ حفيده خطوطا �شبيهة بخطوط جلد النمر ..تك�سوها من هذه المرة... ر�أ�سها حتى طرف ذيلها ..حررت زئيرا مخنوقا من *** بين �أنيابها الم�شدودة ،وهمت باالنق�ضا�ض عليه.. �أق�ف��ل الحفيد على عرو�سه ال�شهباء ف��ي غرفة تقهقر ،و�سقط فاقد الوعي بعد ما �أطلق �صرخة مظلمة �صغيرة� ..سد عليها كل الأبواب والنوافذ ،حتى مميتة ي�ستنجد بجده.. ال تت�سرب �إل��ى �أنفها روائ��ح المتنمرات في الخارج، �صحا قطو�س من غيبوبته وج�سده عار من فروه.. وت�صلها �أ�سطوانتهن الملعلعة �أ�صدا�ؤها في �أقا�صي الوجود ..في كل ليلة ،من خلف ق�ضبان النافذة ،ينهال وجده بجانبه يبكي �شنبه الذي طار في �آخر عمره.. *** على ج�سدها الغ�ض بكرباج ج��ده ،فتتطاير رائحة * قا�صة من المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 77
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا ■ ح�سن علي البطران*
ر�سالة
تزاحم
■ ح�سن برطال*
�أل ��وان ��ا م �ت �ع��ددة ع�ل��ى ورق�ت��ه..وب�ي�ن�م��ا الجدار الرملي ط��اق..ط��اق..ط��اق�..أن��ام��ل المحقق الذين ا�ستعملوا (الأزرق) ي�ضحكون.. ت�ضغط على الأزرار ،والآل���ة الكاتبة ي�سخرون ..كان قو�س قزح في الأفق.. تكتب...ولما نطق القا�ضي ب��الإع��دام اليوم الأول يموت (القط) ت�أكدتْ �أن تلك (الطقطقات) �أخطر من النجار يطلب طول الباب وعر�ضه.. (الطلقات). الزوج يطلب اقتراح زوجته.. ُخ�شُ ب م�سندة ال��زوج��ة ت �ق��ول� :أري � ��ده �أو���س��ع من �صنعتْ لأطفالها �أرجوحة من حبال كتفيك.. وخ�شب..لكن الذي �ألف ركوب ظهرها الكارت – بو�سطال يتطلع �إل��ى عنقها ويتمنى لو كانت بقلب يخترقه �سهم وق �ط��رات دم، الحبال هناك.. �صممتُ بطاقة حب وكتبتُ على ظهرها:
انْتظره عند مفترق طرق. ي�صرخ الطفل� :سُ رقت حفاظتي المبللة، لم ي�أتِ الكل يتفرج!! رح��ل ،وت��رك ل��ه ر�سالة تحمل ق��ارورة تُ�سرق دولة بخيراتها.. عطر. براءة �ضوء من بئر حكا ق�صتها �أمام ح�شدٍ من النا�س، تخفّى خلف مقاالته ..ال يُرى �إال نزف اعتر�ض بع�ضهم.. قلمه.. وق��ال الآخ��ر :من يركع ل�شهواته يجب حينما �سُ ئل.. الت�شهير به. �أجاب� :شكلي قبيح ورائحتي كريهة! �صمت المتجمهرون حينما نطق طف ٌل �أما قلمي فهو �ضياء وفل�سفة. ببراءتها! �سفينة العطر حفروا القبر قر�أ رواية العطر لــ «باتريك زو�سكيند»، وجهزوه.. �أ�صابته ع��دوى (غ��رن��وي) ..كان ي�شم وح�ضروا لل�صالة على الجنازة، الأج�ساد عن بعد.. و�صلت ال�سفينة وتفرقوا.. علم النا�س فت�سارعوا تُركت الجنازة.. قطيع من الكالب واراها الثرى. في تعطير �أج�سادهم!!..
�أب���ي م��ن ع �م��ال ال �م �ن��اج��م ،البيت والمدر�سة تحت الأر�ض.. (بالأزرق) كفناهم التالميذ ير�سمون ال�سماء�..ضعيف هكذا تعلمتُ الكتابة بـ(الفحم) على الب�صر اختلطتْ عليه الأق�ل�ام فو�ضع �سبورة (بي�ضاء)..
* قا�ص من ال�سعودية.
* قا�ص من المغرب.
زحام يغزو المكان.
78
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
كتابة هيروغليفية
أحبك..ابنتي � ِ
ق�ل�ب��تَ وج �ه��ك ..ف�م��ك و�أن �ف��ك �إل��ى الأع �ل��ى ث��م العينين والأذن��ي��ن ..وقف و لما اخترق ال�سهم �صدري ،كانت �أي�ضا تبحث في ظهري عن كلمة حب.. �أمامك فرعون وقر�أ: م��ن داخ ��ل ال �م �غ��ارة( ،ال�ك��وب��را)ت�شم ...ترى ..وت�سمع..
الذهب الأ�سود
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 79
ق�ص�ص ق�صيرة جــــدا ■ �شيمة ال�شمري*
كانت ال�سماء كريمة.. م�صير في المطار ،في �صالة االنتظار ،في الركن كانت الأر�ض رحيمة.. الأيمن هناك ،تعالى �صراخها.. امتزجت ب�أ�صلي ،وكل جزء مني اكتمل!.. فتاة يافعة بدت كمن ال ي�شتكي من علة! وع��دت ف��ي ك��ل م��دي�ن��ة ،وخ��رج��ت م��ن كل ال تتحدث ،ت�صرخ فقط!.. مدينة لأ�صب عليهم لعنة الحرية!! �أمها تحاول �أخذها خارج المكان ،ومن هنا ال عودة بد�أ �صراخها.. ا�ستمرت على هذه الحال ،و�سط ذهولَ من ق��ال ل�ه��ا :ه��ل ن�سيت ك��ل م��ا بيننا بهذه ال�سهولة؟ ن�سيتني!؟ حولها.. ت�صرخ وت�ضرب الأر�ض بيدها.. ردت :بل ب�صعوبة ..والأ�شياء التي تغادرنا ا�ستماتت وال��دت �ه��ا م �ح��ا ِول � ًة �إخ��راج �ه��ا؛ ب�صعوبة ال تعود !! فرحلتهم حان موعدها... جبالن من حب لم تُجْ دِ تلك المحاوالت.. عرفوا ب�أمرهما!.. ح�ضر والدها ..حملها... ا�ستنكروا اللقاء.. �ساروا بعيدا.. نددوا بالنظرات والنب�ضات.. وما يزال �صراخها حا�ضرا.. �أم�سكوا بهما.. وما يزال �صوتها يزورني كل م�ساء ! قال� :أحبها؛ فقطعوا ل�سانه! ويل هرعت �إليه� ..صوبوا �إلى قلبها ال�سهام!.. قتلوني ..قطعوني ..مزقوني.. ه�ؤالء الم�ساكين دفنوا �أ�شالئي كل جزءٍ في قتلوهما على مر�أى وم�سمع من هذا الكون ال�صامت... مدينة ..غمروني بالتراب مفرقا.. حتى �أك ��ون ع�ب��رة لعيون خ��ائ�ف��ة ،وقلوب و�ضعوا جثة كل منهما على جبل �أبعد ما يكون عن الآخر ..نكاية بهما ..نكاية بالحب.. ترف�ض الحياة!! .. ن�سوا �أمري.. مازلنا ن�سمع �أنينا وغناء حزينا كل ليلة!.. * قا�صة من ال�سعودية.
80
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
■ مالك اخلالدي*
متى �أراكَ ؟! تخيط ال�صب َح �أغني ًة ُ و تملأُ اللي َل �ألواناً من الفرحِ. متى �أراكَ ؟! أر�ض قافي ًة تبثُّ ال َ جذلى وتزر ُع في قلبِ الجوى �شغفي ! متى �أراكَ ؟! فيم�ضي ال�صمتُ مرتدياً بع�ضي الذي كان بع�ضاً علّني �أغفي ! متى �أراكَ ؟! مللتُ ال�صمتَ في لغتي وفي ف�ؤادي ف�أم�سى ق�ص ًة تُحكى.. متى �أراكَ ؟! مللتُ الفج َر �إذ ي�أتي بهينمات الأ�سى وال�صمتِ والنجوى.. متى �أراكَ ؟! كفجرٍ ال انق�ضا َء ل ُه يبعث ُر الدم َع يُزجي �صمتنا �شعرا.. فكن لِيَ الفج َر بوحاً ال يفارقني �أو كنْ خيا ًال توارى علّني �أن�سى !
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
متى �أراك؟!
* �شاعرة وقا�صة من الجوف -ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 81
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
بائع اليا�سمين ■ �سيد جودة*
بائ ُع اليا�سمينِ �أنا في ال�صبا ِح �أقو ُم مع الطي ِر تح�ضنُ عيناي �ضو َء النها ِر وير�شفُ قلبيَ عط َر الحيا ِة أر�ض �أرى خطَّ نملٍ على ال ِ �ألقي �إليه بقطعة حلوى و�أتركُ كِ�سْ ر َة خب ٍز وحِ فن َة �أر ٍز على َد َر ِج البابِ رزقًا لطي ِر ال�صبا ِح و�أم�ضي بال جزعٍ... �آمنًا �أحم ُل اليا�سمينَ ب�أطواق ِه و�أدو ُر على العرباتِ ال �أبي ُع قلي ً و�أ�سعى �إلى �شاطئ البح ِر للعا�شقينَ ... �أم ُّر عليه ْم �أزيِّنُ �أعناقَه ْم ال و�أبي ُع قلي ً ر�صيف المدين ِة ِ أجل�س فوق و� ُ �أنتظ ُر العابرينَ
ال �أبي ُع قلي ً و�أم�ضي لحال �سبيلي �أعو ُد �إلى غرفتي في الم�سا ِء على �سطح بيتٍ قديمٍ ر�ضيًّا برزقي القليلِ �أنا ُم على جانبي أهم�س: �أتو�سَّ ُد كفِّي و� ُ «�أ�سلمتُ نف�سي �إليكَ ، وفو�ضتُ �أمري �إليكَ ، ووجَّ هتُ وجهي �إليكَ ، و�ألج�أت ظهري �إليكَ ..». �أنا ُم ونف�سيَ را�ضي ٌة بالقليلِ ومر�ضي ٌة و�أقو ُم مع الفج ِر �أ�سعى لقطع ِة حلوى وكِ�سْ ر ِة خب ٍز وحِ فن ِة �أر ٍز �أنا... بائ ُع اليا�سمينْ .
* �شاعر م�صري وباحث �أكاديمي في جامعة �سيتي يونيفر�سيتي في هونج كونج.
82
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ٌ ن�سر عجوز ر�سالة �إلى ٍ ■ �أبو الفرج عبدالرحيم ع�سيالن*
اف���������رد ج����ن����اح����ي����ك ف�������وق ال����غ����ي����م وان���ط���ل���ق ي���ا ���س��ي��د ال��ط��ي��ر وا�����ض����رب ف���ي م����دى الأف����ق م�����ا ه�����ن�����تَ ل���ل�������س���ف���ح ي�����وم�����ا ك����ي����ف ت�����أل����ف����ه؟ ه���ل م�������سَّ ���كَ ال���� ُ���ض��� ُّر ف��ا���س��ت�����س��ل��م��تَ ل��ل��ف��رقِ ؟ �أ����������ض���������اق م�����ن�����ك ف�����������ض�����اء �أن������������ت �����س����ي����ده؟ �أم ����ض���ق���ت ذرع�������ا ب������أح��ل��ام ال�������ص���ب���ا ال����ن����زقِ ه�����ذي ال�������ذرى ال�������ش���مُّ ه����ل �أن����ك����رت ل��ذت��ه��ا؟ و�أن���������������ت ت�����م�����ل�����ي ع����ل����ي����ه����ا ق�����������ص�����ة الأل�������������قِ ت����ب����ث����ه����ا ب����ع���������ض �أ������������ش�����������واقٍ ه�����ن�����ا �����س�����أل����ت ع�������ن ال�������ظ���ل���ام ال������������ذي ي���������ش����ت����اق ل���ل���ف���ل���قِ ل���م���ن ت����رك����تَ ه������وى ال���ت���ح���ل���ي���ق م���ن���ك�������س���راً؟ �أم����������ا �����ش����ع����رت ب���������ش����وق ال������زه������ر ل���ل���ع���ب���قِ ؟ ال ت�������ت�������رك ال�������ج�������و ل������ل������غ������رب������ان ت������ذرع������ه و�أن����������ت ت���غ���ف���و ع����ل����ى ال����م����ج����ه����ول وال�����ح�����رقِ ق�����م ي�����ا ����ص���دي���ق���ي ف���ق���ل���بُ ال����غ����ي����مِ م��ن��ت��ظ�� ٌر اف���������رد ج���ن���اح���ي���ك ف�������وق ال����غ����ي����م وان����ط����ل����قِ * �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 83
كائنات تمار�س �شعيرة الفو�ضى ■ �إبراهيم زويل*
نزوات
�سوف تندلق النزوات كثيراً ,تظ ّل تراوغنا. هل �سنحفر قبراً لأ�سرارها؟ ث ّم نختار من �أيّ نافذة يخرج الخائنون �سن�سهر ,نرقب �أنفا�سها وهْي تخرج كال�سهم في �ساعة واحدةْ. كيف ن�ستقبل الغرباء؟ كيف يمكننا النوم دون حبوب م�سكّنة؟ الخطى تتراجع.. ح���اول���ت �أن �أت���ب��� ّي���ن وج���ه���ي ال��م��ع�� ّل��ق ف���ي �أع��ي��ن الواقفين. دم كرفيف الجناح يالم�س �أكتافهم ي��ا ل��ه��ذا ال����دم ال��م��ت�����ص�� ّن��م ف��ي ه��ي��ب��ة ت��ح��ت قو�س ال�ضحى. �آه لو �أنني كنت �أجمل!! ل��ك��ن��ن��ي ل���م �أزل �أره�����ف ال�����س��م��ع ل��ل��ك��ل��م��ات ,ت��ق��ود ال�ضرير �إلى بلدة نام �ساداتها ث ّم ت�ستدرج ال�شعراء �إلى غفوة في �سرير البيا�ض. الغواية
تعلّمنا �أن نروّ�ض وح�شتنا في الأقا�صي نجرّد �أمطارنا. كالنميمة تبتلّ� ,أو تتعالى �إلى نخلة الو�سو�سات. طفلة كال�شياطين.. يهطل من ثديها كهرباء الحنين. * �شاعر من ال�سعودية.
84
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ح�شد
تم ّهلْ... لكي يح�شد الليل �أ���س��م��اءه��ا ,يقتفي زه��ره��ا في الحوا�س ,يُع ّد لها قارباً في بحور الق�صيدة, ّ حقول ت�صعد لل�شهوات ,ب�أجنحة من ذهبْ . والن�شيد يرتّب �أ�شكاله كالبذور ,يقا�سمها برتقال الخرافة. �سهْواً... �سندخل في ال�سل�سبيل الأليف. الجنون
�صاغه عا�شق من ثياب البحار ت�سلّقت الغيم �أع�شا�شه. كان محْ �ض عماء ,تبدّد �أزمنة في �ضراوته. �شامخاً كالكفاف.. �إلى �أين يذهب� ,أيّ الوجوه يطوفْ ؟ يد ُه الآن تُخرج زهر الكوابي�س ال تتمنّى �سوى �شرفات الرفوف. الوردة
ُقدّتْ من الفو�ضى ,ومن مطر الجنون ت�سير كالمعنى المعفّر بال�صباح. وحين تنك�شف ال�سواقي. في الطريق تخيط لي وجهاً من الكافور ,وال�شجر البعيد, دماً تكدّ�س في مجازات ال�صّ با. هل ت�ستطيع تم ّد بع�ض الف�أل لي؟!
■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
واختالجاتِ الأ�سى ...في العابرين يقول لي: فتدفقتْ �أنها ُر روحي ..والتقتْ �إني خرجت مهاجراً من ربق ِة العد ِم المميتِ � ،إلى الحياة الفائر ْة عند انبجا�سات ال�ضيـاء في غُ ـربة المتحيرين.. وولدتُ حراً ،ال تكبلني القيو ُد الجائر ْة ما بـين زهـ ِر العـ�شقْ وطرقت �أبوابَ الم�سافات التي: وبينَ �أ�شواكِ الرغائبْ تف�ضي �إلى كل الدروبْ في كل �سهلٍ فـدفـدٍ وت�شي ُر نحو المبهمات من الغيوبْ وفي انحناءات الم�ساربْ . ون�صبتُ خيم َة غُ ـربتي.. �أوقفتُ ركبي ،بين وهجِ الوجد.. بين الفجاج الحائر ْة تجتازُني ،ك ُل الركابِ الدالفاتِ � ،إلى الم�شارق وبين حمئاتٍ وطيـن. ا�ستعم ُل الرف َق الم�ضم َخ بالر�ضا والمغاربْ وبالوعود العاطرة ْ الما�ضيات �إلى ..ال �أين �أين فاخترتُ تو َق الروحِ ..حين َتو�شحتْ �إلى المتاهات الغياهب بالذكريات الناطرة ْ. تعوي ريا ُح فجاجِ ـها �إني على ال�شرفات �أرتقبُ الرجا من ُذ بدايات الدهو ْر و�أ�شي ُح وجهي ،عن ك�آبات ال�سنين في كل وا ٍد �أعولت �إني يلملمُـني مغيبُ ال�شم�س في كل منعرج ٍ...تثور وينـثـ ُرني حِ ـدا ُء المُ�شْ ِرقِين هل غربتي قدرٌ ،على �إن�سان هذا الع�صر؟ �أم �إنها ،هي غرب ُة الإن�سان في كل الع�صور؟! خيلي تقط ُع غـ ُربتي ما بين حمحمة الهوى ويقولُ لي: و�صهيلِ �أ�شواقي الدفين.. لمعتْ بمنعرج اللوى ال �أتُرانيْ �أم�ضي مثق ً نا ُر الأحبةِ� ،أومـ ََ�ضتْ للعا�شقين بر�ضا التفاني.. فمـ َ�ضيتُ �أم�شي ،ثم �أم�شي ،ثم �أم�شي وهَناء ِة اللقيا ،و�أفرا ِح التداني متباطئاً في الدرب ،يدفعـ ُني الحنين �أم هل تُرى روحي ...تظ ُل مهاجرة ْ؟ مت�أبطاً ،ك َل ا�شتهاءات ِالأماني
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
المهاجر
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 85
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ال�شاعر والمفكر زياد ال�سالم:
ال�شاعر النجم الذي يمتلك �أثر ًا و�صوت ًا ورائحة انتهى مع انتهاء ع�صر الوراقين و�أثر الفرا�شة يخلب لبي ينتهز حالته ال�شعرية بف�ضاء من اللغة ،التي تنقل ال�ق��ارئ �إل��ى �أ�سطورة يجيد خلقها ..زياد ال�سالم �شاعر يحتفي بالغرابة التي هي ديباجة «الحلم» ونهايته ..يراوغ العالم ب�إ�سقاطاته التي قد تخد�ش من ال يجيد الغو�ص ..ي�ؤمن بالتغيير� ،سواء على م�ستوى الن�ص �أم الإن�سان ،..وبنرج�سية ال تناق�ض جمال ال�شاعر وب�ساطته يقول�« :أنا �أ�شتغل ذهنياً ،ومنذ �سنوات ،على عمل معين يملك الروح المقطرة لل�شعر من دون �أن يكون �شعراً .بد�أت قبل �ستة �أ�شهر بو�ضع المخطط العام للكتاب وتوزيع ف�صوله وخطة البحث .الكتاب نادر في مو�ضوعه ،ولم يُقدم ما يناظره في المكتبة العربية». لقد قمت با�ستق�صاء ومتابعة جادّين مني على م�ستوى ما يكتبه الجيل الهالمي الذي لم تت�ضح مالمحه بعد .ولح�سن الحظ ..العمل الذي �أنا ب�صدده �أ�ش ّد باطنية ون�أياً مما ت�صورت� ..أهج�س �أن يكون فاتح ًة لقرن جديد» ...الجوبة وثقت هذا البوح الجريء في هذا الحوار... ■ حاوره :عمر بو قا�سم*
■ «ال��م�����ض��اف �إل���ى نف�سه»« ،ح�صة �آدم م���ن ال���ن���ار» م��ج��م��وع��ت��ان ���ش��ع��ري��ت��ان، �إ�ضافة لمجموعتك الق�ص�صية «وجوه تمحوها العزلة» ،هذا ح�صاد م�شوارك الإبداعي ،هل قر�أت علينا �أ�سطرا في هذا االتجاه؟
86
• «م�شبوهون في خلوة مع الآلهة .يتوزعون اجلوبة � -شتاء 1434هـ
بين النار والريح .الرما ُد في حدقاتهم و�إب ��ر م��ن ال���ض��وء تحت �شارتهم ترعى حرير ًا يبرق في الدار ال�صاعقة تتدحرج حتى م�ساقطهم ،غير �أنها ترتد زهرة ت�سكن خ ��راب ال�ب�ح��ر ..ه��م ال�شعراء، ي��رم��ون ج��واه��ره��م ف��ي ال�ن�ه��ر ،فينزف ال�ح��دي� ُد بين �أي��دي�ه��م �ساللة م��ن ال��دم
المهول ,يرتلون مزاميرهم في المرافئ والغابات • الكتاب لم يعد ممنوعاً ,لقد فُ�سح قبل عامين تحت قرع النحا�س .هم رفقاء الأباريق يت�شربون في الأردن ،وكذلك في ال�سعودية ،الأنطولوجيا اللون ليهطلوا في الورد .يفلتون الغيمة في الليل ال�شعرية التي �أ��ش��رف��ت عليها وزارة الثقافة وال�ضحى غير مكترثين ب�أعطال الظهيرة .ترتفع و�صدرت باللغتين الإنجليزية والعربية ت�ضمنت معهم يد النائم لتخبط ال�سماء .عين الوح�ش ن�صو�ص ًا من كتاب «ح�صة �آدم من النار»� .أما ت�ستل نعا�سها من فتيان يافعين ،يربّون �إناثهم �أ�سباب المنع فيبدو �أنها تعود لخالفات بين وطواوي�سهم في الظل. الرقابة والنا�شر و�إليا�س فركوح. ه��م ل�ي���س��وا م��ن ه��ذا ال �م �ك��ان ,وال م��ن مكان ■ «غرباء لم يتوقفوا عن الرمي والمطر/ �آخ��ر� ،إنهم مجانين الجنة� ,سقطوا �سهو ًا في ي��ت���أ ّب��ط��ون خرائطهم الغام�ضة ويم�ضون الت�ضاري�س� ,إذ ك��ان��وا يلعبون على الأرائ ��ك م�����س��رع��ي��ن /ع��ل��ى ����ص���دوره���م ي��ل��م��ع ح��ب�� ُر ويترا�شقون بالرمان� .أدخلوا ال�سراب الماكر البراري� /إنهم الح�شرات ال�سريّة للطريق».. للفرادي�س ال�سرية �شرق العر�ش� ,أدخلوه على «على ظاللنا حطّ تْ طيو ٌر �شر�سة ذات �أعراف هيئة �ضيف قليل ال�ش�أن ,كي ي�سرق لهم الأ�سرار حمراء /يطفح من رق�صها مر ٌح �أ�سود دف َعنَا واال�ستعارات. �إل��ى ال��دوّام��ة /كنّا نتعثّر بال�شيبِ والخط�أ ��س�ق�ط��وا ع �ل��ى ال �ط��ري��ق ممتحنين بالطمث وينزفُ منّا ال�صّ ديد» ،هذا مقطع من ن�ص والمعنى ،ال�شعراء ي�شعلون �أرواحهم ويخلعون �شعري لك ،يمور بقلق ال�شاعر الذي يريد عنهم كمين الماء. خلق �أ�سطورته التي تنحاز �إلى عالمه ،هل ت�شترط �أنت لكتابة الن�ص الجديد ح�ضور �إنهم يهيئون المعدن القادم للهباء».
هذا البعد؟
■ منعت دائرة الرقابة الأردنية للمطبوعات من ن�شر كتاب تحت عنوان «ح�صة �آدم من • ال�شاعر طفل وثني يحمل في داخله �شرارة الآلهة وروح الح�شرة ,يتمتع بقدرة هائلة على ال��ن��ار» للكاتب وال�شاعر ال�سعودي زي��اد بن ابتكار مظهر طارئ وم�ؤقت ،ثم ال يلبث �أن يولد عبدالكريم ال�سالم وذلك بعد �صدوره من ح�ضور ًا مغاير ًا يقوم على حركة توليد الفوارق دار �أزم��ن��ة للن�شر وال��ت��وزي��ع ف��ي العا�صمة واالنف�صال بجمال و�شرا�سة عن هي�أة را�سخة الأردنية عمان» ..منذ زمن وبهذه ال�صيغة ذات طبيعة جبرية ،فالكائن ال��ذي ال يختلف ك��ن��ت ق���د ق�����ر�أت ه���ذا ال��خ��ب��ر ،م���ا ���س��ر ذل��ك المنع؟ ع��ن نف�سه وال يقدر على �إن�ج��از قفزة باتجاه
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 87
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
88
المجهول وكثرة الأ�شكال, تغريني ث ��ورات الجماهير, �شعراء النت �أكثر �شبها وال ي�ج��ذب انتباهي م�صير ه��ذا لي�س ك��ائ�ن� ًا و�إن �م��ا خاطفة ب�صورة تمر بال�شهب الت�أثر ال�سيا�سي ،بل بالعك�س مجرد حجر! الأ�سطورة ا ً أثر � تترك أن � دون �أج ��د ج��اذب�ي��ة على م�ستوى ي��ا �صديقي ت�ح��رر كائن الت�أمل في م�سلك الجا�سو�س الأع �م��اق وت�ق��وم بتو�سيع على طريقة �أبي يزيدٍ م��ادة الكينونة� ,شريطة الب�سطامي �أنا ال �أزورها ولكن وازدواج� �ي� �ت���ة ف ��ي ال �ع �م��ق, الم�سالك الغريبة وال�م��آزق �أن تكون مترحلة �ضمن المواقع هي التي تزورني الأكثر حرج ًا هي التي تولد قانون الإزاح��ة والقابلية وتطوف حولي ثم تم�ضي! الأ�سئلة ..حقل ال�سيا�سة هو ل�لان�ق�لاب� .أال ت��رى �أن حقل النقائ�ض والمفارقات المجاالت الجديدة للعلم بامتياز ,والحدث ال�سيا�سي مفكك و�سائل ال تعمل فراغات وت�شظيات تت�صادى مع منحنيات ت�ستطيع القب�ض عليه. الأ� �س �ط��ورة؟ �إذا نزعنا ع��ن الإن �� �س��ان ا�سمه ووظيفته التاريخية� ,سيعود غريب ًا وملغز ًا مثل وب��ال �ع��ودة �إل��ى ��س��ؤال��ك ع��ن الأث ��ر على �شكل ثقب �أ�سود! هذا ما �أ�سعى �إلى مالم�سته� ،أو �أكاد وم�ضمون الخطاب الإبداعي ,بو�سعي �أن �أقدم �أتلم�سه في ق�صيدة النثر والفنون الب�صرية. جواب ًا في �أفق انتظار القارئ وتوقعه ,لكنني لن �أفعل! �إذ �أرى �أن المبدع الحقيقي يملك فائ�ض ًا ■ ما الأثر الذي قد تتركه التغيرات ال�سيا�سية م��ن االن �ح��راف ال �ج��ذري ع�ب��ر ت��دم�ي��ر �ساللة واالقت�صادية في العالم العربي على �شكل الأ�سئلة المت�شابهة بغر�ض البحث عن مناطق الخطاب الإبداعي وم�ضمونه؟ غير مطروقة ,الأح ��داث ال�سيا�سية وال�ث��ورات • ال يعنيني هذا الأثر الآني والمبا�شر� ,أنا ل�ست ال ت�صنع بال�ضرورة �إب��داع � ًا مختلف ًا ف��ي علم مواطن ًا عربياً ,بل �أحاول �أن �أكون مواطن ًا كونياً, الفو�ضى ،ون��ظ��ري��ات الكايو�س خفقة خفيفة وم��ن ه�ن��ا� ،أع ��زز جدلية ال�ت�ق��ارب والتباعد, من جناح فرا�شة في ماليزيا تت�سبب ب�إحداث الب��د م��ن ع�ب��ور المحرق الجبري واالن��خ��راط عوا�صف مدمرة في الجزء البعيد من الكرة ف��ي م���س��ارات ال�ع��ال��م ك��ي ن �ك��ون! ب�صراحة ال الأر�ضية؛ وعليه ،ف�إن �أثر الفرا�شة يخلب لبي �أكثر �ألف مرة من هياج �ألف ثوري� ,أود �أن �أقول: ثمة �أبعاد ال مرئية ت�ستحق التدبر واال�ستب�صار. من جهة �أخ��رى ،وف��ي ال�سياق نف�سه الثورة �أو التغيير ال�سيا�سي ال��ذي ت�شير �إل�ي��ه ,يحققان مفهوم الحركة ،ويقومان بتوطين تجارب ذات عنا�صر جديدة في الف�ضاء العربي ,الحركة هي تحول نحو ف�سحة هائلة من الالمتناهي� ،إذ ًا ثمة مكونات تحمل طابع الحلم والمفاج�أة �آخذة في التحقق� .أي�ض ًا ثمة نقطة م�ضيئة على م�ستوى ال�ث��ورة ت�ستحق االنتباه �أال وه��ي :الم�شهدية. وهي في انبثاقها اليومي تفجر نظام الكينونة
المفكر وال�شاعر زياد ال�سالم برفقة الأديب عبدالرحمن الدرعان بجولة في مكتبة الطفل 1431هـ
ال�ت�ق�ي�ي��دي��ة ,وت�خ�ل��ق م �ج��ا ًال م �� �ض��اد ًا لل�ساكن بمعنى �أكثر و�ضوح ًا النخب والأ�سماء القديمة؛ وال�م��أل��وف وال��راك��د ,الم�شهدية تدمر منطق ال�سريحي ,الغذامي والعلي والبازعي وعبده الواقعة. خال وال�صيخان ورج��اء عالم ومحمد العبا�س وجا�سم ال�صحيح ,و�أحمد المال� ...إلخ. هذه المفهومات والأط��ر الجديدة ال ريب �أنها �ستغير �شروط الن�ص الجمالي وكيفياته. ه ��ؤالء باتوا يتامى م�شردين من �أه��ل الهام�ش ■ هناك ت�صنيف يقيم ال�ساحات ال�شعرية من �أو على الأق��ل هم في طور ذل��ك ,حين ت�شاهد بلد �إلى �آخر ..فمثال هناك �شعراء ي�صنفون خفة الغذامي وتهافته ،ومكر ال�سريحي و�أقنعته �ساحاتهم ب�أنها الأكثر ت�ألقا وجدية .كيف على التويتر ،ت�شعر بال�شفقة عليهما ،ثمة نجوم تقيم �أنت ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية؟ م�ضيئة وثمة نجوم منطفئة ميتة ,حين يموت • لم يعد الحديث مجدي ًا عن ال�ساحة ال�شعرية النجم يتحول �إل��ى ه��وة ��س��وداء فارغة تمت�ص ال�سعودية �أو العراقية� ..إلخ� ،أو الم�شهد الثقافي؛ ال�ضوء من دون �أن تقدر على توليده .جميع رموز لقد تغيرت الموازنة في زمن الإعالم الجديد في العقود الما�ضية ،كان بو�سعنا �أن ن�ضع خارطة لل�ساحة ال�شعرية �أو الم�شهد الثقافي من خالل �أ�سماء ورموز معينة ،وكان بو�سعنا �أن نح�صي الالعبين الذين اختفوا والذين با�شروا اللعب. �أما الآن فنحن ال ن�ستطيع �أن نتحدث عن المتن والهام�ش في الم�شهد الثقافي� ,إذ من الممكن �أن يكون «المتن» هام�ش ًا م��ح��دوداً ,وم��ا نظنه زياد مع د .متروك الفالح هام�ش ًا هو المتن الأكثر ثرا ًء في ف�ضاء النت،
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 89
هناك درا�سات وقراءات تناولت «الم�ضاف �إلى نف�سه» و«ح�صة �آدم» وقاربت مواطن الجمال و�أ�سرار ال�شعر في كال العملين
■ متى تكتب الق�صيدة؟
لم يعد الحديث مجدي ًا عن ال�ساحات • منذ �سنوات لم �أكتب ن�ص ًا �شعري ًا واحداً ,لكني ال�شعرية ،لقد تغيرت الموازنة في �أ�صبحت «�أ�سكن العالم �شعرياً» ،ه��ذه جملة زمن الإعالم الجديد ذهبية لأحد عمالقة العالم ،ومن فرط �إجاللي وع�شقي له لن �أذكر ا�سمه ..كنت �أكتب الق�صيدة الم�شهد في طريقهم �إلى المحرقة ال�صامتة، أج�س وجه ًا يرتجف بين ماء الأنثى �سابق ًا حينما � ُ وهم �أول من ي�ست�شعر ذلك! وحلم الحيوان� ,أكتبها في تلك ال�ساعة الغام�ضة ■ كيف ترى قراءة النقاد لق�صيدتك؟ لحظة �إذ �أختبر ال�ح�ي��وان ال�ن��ادر وه��و يطوي الم�سافة متوجه ًا نحو الفردو�س. • �أن� ��ا ال �أه� ��دي ك�ت�ب��ي ع �ل��ى ال �ن �ق��اد م��ا ع��دا الأ� �ص��دق��اء منهم ,ه�ن��اك درا� �س��ات وق ��راءات ■ ف��ي ح���وار ل��ي م��ع ���س��ع��دي ي��و���س��ف �س�ألته تناولت «الم�ضاف �إل��ى نف�سه» و«ح�صة �آدم»، عن ظهور م�صطلح «�شعر و�شعراء النت»، وقاربت مواطن الجمال و�أ�سرار ال�شعر في كال وه��ل �سيكون م�لاذاً للق�صيدة وبخ�صائ�ص فنية مغايرة ،قال« :الم�صطلح معقول� ،إنه العملين ،مثل الناقدة فاطمة الوهيبي ,ومحمد ينقلنا من الخيمة �إلى الف�ضاء» ،ماذا تقول ال �ح��رز ،وع �ب��داهلل ال���س�ف��ر ،وال��رائ �ع��ة مليحة �أنت؟ �شهاب ,بالإ�ضافة �إل��ى مقاربات جمالية من المبدعين وال�شعراء المعنيين بق�صيدة النثر • ال�شاعر النجم الذي يمتلك �أثر ًا و�صوت ًا ورائحة انتهى مع انتهاء ع�صر الوراقين� ،أما �شعراء النت والن�ص الجديد ..قبل �أ�شهر هاتفني ال�صديق
زياد �أثناء لقاء في يوم الكتاب العالمي بنادي الجوف الأدبي
90
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ال �أهدي كتبي على النقاد ما عدا الأ�صدقاء منهم
المفكر اللبناني �سامي �أدهم معبر ًا عن ده�شته ومفاج�أته بـ«ح�صة �آدم من ال�ن��ار» ،و�أخبرني �أنه ب�صدد درا�سته من ناحية فل�سفية ،فرجوته �أال يفعل ,بعد �أن �أ�شرت �إليه �أن الكتاب �أ�صبح بالن�سبة �إليّ جثة م�ضيئة لي�س �إال ..ال �سيما مع تغير ح�سا�سيتي واهتماماتي ومزاجي في الآونة الأخيرة.
فهم �أكثر م�شابهة بال�شهب تمر ب�صورة خاطفة من دون �أن تترك �أثراً ,الف�ضاء االفترا�ضي يعمل على �إ�ستراتيجية المحو اليومي للأثر ،في هذا الع�صر لن يترك �أثر ًا �إال من لديه طاقة نوعية خا�صة قادرة على الإ�شارة� ،إ�شارة راجحة �إلى روح العالم� ،إنها طاقة كائن ا�ستثنائي ،يعبر ج�سر �إين�شتاين الوردي بال وجل. «الم�صطلح معقول �إنه ينقلنا من الخيمة �إلى الف�ضاء�..إلى مالعب العراء والعدم»
■ ما جديدك؟
• هذا �سر� ..أنا �أ�شتغل ذهني ًا ومنذ �سنوات على عمل معين يملك الروح المقطرة لل�شعر من دون ب�صدده �أ�ش ّد باطنية ون�أي ًا مما ت�صورت� ..أهج�س �أن يكون �شعراً .ب��د�أت قبل �ستة �أ�شهر بو�ضع �أن يكون فاتح ًة لقرن جديد. المخطط العام للكتاب وتوزيع ف�صوله ،وخطة البحث .الكتاب نادر في مو�ضوعه ولم يُقدم ما ■ كيف ترى الواقع الثقافي في منطقة الجوف؟ يناظره في المكتبة العربية. • للأ�سف المنطقة في غيبوبة ،ولحظتها الراهنة ال ت�ل�ي��ق ب�ت��اري�خ�ه��ا ال �ع��ري��ق ,م�ن��ذ ع���ش��ر ��س�ن��وات لقد قمت با�ستق�صاء ومتابعة جادين مني على والمنطقة تمعن ف��ي ال�غ�ي��اب� ,إذ تفتقد للخطط م�ستوى ما يكتبه الجيل الهالمي الذي لم تت�ضح التنموية وال�سيا�سات الإ�ستراتيجية ما عدا ال�سيا�سة مالمحه بعد .ولح�سن الحظ العمل ال��ذي �أنا مداخلة لل�سالم في �إحدى الأم�سيات
ال�سالم و�سط مجموعة من الأ�صدقاء في النادي الأدبي بالجوف
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 91
في مرحلة عمرية �سابقة
ال�سالم ومنيف وزوجته في منزلهما
وعلى �صعيد الإب� ��داع ..المنطقة فقيرة ج��داً ،وي�ب��دو �أن الدرعان مثل �أنثى العنكبوت العمالقة التي تحمل ذريتها على ظهرها ..لكنها تلتهم ب�شهية مفتوحة هذه الذرية! كل اليرقات المتكاثرة احترقت تحت �شم�س الدرعان� ...أحدهم �أن�ش�أ مدونة على النت (مدونة ملفقة متوا�ضعة �أدبياً) اطلعت عليها ف�صعقت من «�إمام» المختل�سين والل�صو�ص .لم يترك مبدع ًا في العالم لم ي�سرق قطعة منه .فكرت بك�شف هذه الف�ضيحة لكنني �أحجمت؛ نظر ًا لأنه نكرة وال يليق بي �أن �أنزلق نحو م�ستنقع الطفيليات. زارني في العام الما�ضي زيارة خا�صة :علي الدميني ،نجيب الخينزي� ،صالح ال�صالح ،عبداهلل الفاران ،بعد �أن تجولوا برفقتي في دوم��ة الجندل ,فوجئوا بالإمكانات الطبيعية للمنطقة وم��دى جمالها ،وامتع�ضوا م��ن �إه�م��ال�ه��ا على الم�ستوى الر�سمي. في �إحدى زياراتي للروائي العالمي عبدالرحمن منيف في �شقته بدم�شق قال لي« :لقد زرت في �شبابي دومة الجندل و�سكاكا وتبوك� ,أثناء �إقامتي في عمان ,كنا نتردد كثير ًا على قريات الملح. �أما دومة الجندل و�سكاكا فهما مدينتان تاريخيتان م�شبعتان بالح�ضارة وت�ستحقان م�صير ًا �أف�ضل».
زياد ال�سالم مع الروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف
92
اجلوبة � -شتاء 1434هـ
■ ما المواقع التي تزورها على الإنترنت؟ • على طريقة �أب��ي ي��زي��دٍ الب�سطامي �أن��ا ال �أزوره ��ا ،ولكن المواقع هي التي تزورني وتطوف حولي ثم تم�ضي!
الروائي �صالح القر�شي:
ت�أثير التغييرات ال�سيا�سية واالقت�صادية على الأعمال الأدبية يحتاج بع�ض الوقت ولي�س لدينا نقدٌ متفوق
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
المنهجية المتبعة ر�سمياً� :سيا�سة �إق�صاء الرموز؛ ون�صب الكمائن للمبدعين� .أما الم�ؤ�س�سات الثقافية فال حول لها وال قوة ,ال �سيما بعد �أن �سيطر عليها الجهلة ,المتخلفون، فحقول الثقافة لي�ست بازار ًا رخي�ص ًا لتعميم التبادالت تحت غر�ض القيمة النفعية.
■ �أجرى احلوار :عمر بوقا�سم*
يملك ح�سا�سية خا�صة ���س��وا ًء ك��روائ��ي �أو كمثقف ،فهو ينتخب لنف�سه الهدوء الذي يليق ب�صوته�« ..صالح القر�شي»، ي�ؤكد تميزه بو�صوله للقارئ بطريقة مغايرة ،فهو يبتعد ع��ن النمطية ال�����س��ائ��دة ..يبحث ع��ن الهم الحقيقي ال��ذي ي�شغله ،وه��ذا ما توثقه �أعماله .وب�س�ؤالي عن �أدوات��ه التي يرتكز عليها في كتابة �أعماله قال« :ال �أع��رف هل �أ�سميها م��غ��ام��رة� ..إال �إذا اعتبرنا كتابة ال��رواي��ة «�أي رواي����ة» هي مغامرة ..في مقابل ذلك ربما يمكنني الحديث عن ر�ؤية تتعلق بالطريقة التي �أكتب بها ال��رواي��ة ..الطريقة التي تعجبني والتي �أنا م�ؤمن بها ،ولك �أن ت�سميها مغامرة ..ال �أميل مطلقا لعملية �إغراق القارئ بالتفا�صيل ..اعتقد دائما �أن هنالك ما يجب �أن يترك لخيال القارئ وذكائه. «واحتفاء بروايته الأخ��ي��رة «وادي �إب��راه��ي��م» ..الجوبة» حاورته..
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 93
• �أعتقد �أنها مجتمعة ال ت�شكل �سوى م�ساحة �صغيرة جدا مما �أحلم بكتابته ،وبالت�أكيد هناك دائما م�سافة كبيرة بين ما نحلم به ..وبين ما نملك �أن نحققه ..ت�س�ألني ما هي الم�ساحة التي اخت�صرتها تلك الإ�صدارات من م�شروعك الإبداعي ..ما �أعرفه �أنني �أق�ضي وقتا جميال في مرحلة الكتابة ،وفي كل ما �سبق كنت �أكتب للمتعة ال�شخ�صية قبل كل �شي..كما قلت� :أ�شعر بمتعة كبيرة �أث�ن��اء الكتابة ،وعندما �أمتلك فكرة لق�صة �أو رواي��ة ،تكون �سعادتي غامرة، وكل هذا بعيدا عن �أي ت�صورات لما يمكن �أن يحققه المكتوب من نجاح ،وبعيدا عن مجرد الرغبة في الح�ضور الإعالمي والثقافي ،لكن هل هناك ما يمكن ت�سميته بم�شروع �إبداعي؟ ال �أع��رف �سوى �أن َل��ديَّ الكثير م��ن الأح�لام والأفكار ،بع�ضها يتبخر �أثناء الكتابة ويختفي.. لكنني لم �أزل �أحلم ..وهذا �أمر مهم كثيرا.
ي�ك��ون م�ج��رد �إط ��ار ُي�غ� ِّل��ف ال���ص��راع المكاني والزماني ..وكونك ترى �أن الرواية ا�ستطاعت االحتفاظ بطابع المكان ،فهذا �أم��ر جيد في ن��ظ��ري� ..أم��ا م��ا يخ�ص فكرة ال��رواي��ة ،فمن ال�صعب �أن �أتحدث عنها ب�شكل مختزل ،لأنني �أرى �أن فكرة �أي رواية ..ما هي الرواية نف�سها.. بمعنى �أن الفكرة يح�صل عليها القارئ بمطالعة الرواية ،لكن من جهة �أخ��رى ،يمكن القول �أو الإدعاء �أن «وادي �إبراهيم» هي محاولة للغو�ص في حياة الإن�سان وعالقته بالمكان ...وللقارئ بعد ذل��ك �أن يتماهى مع ال��رواي��ة كما ي��رى.. �سواء بالبقاء في �إط��ار �سطحها الحكائي� ،أو بمحاولة �إ�سقاطها على واقع الإن�سان �أو واقع المكان..هذا �أمر يتعلق بالقارئ تحديدا..
■ ف��ي رواي��ت��ك الأخ���ي���رة «وادي �إب��راه��ي��م»، ق��م��ت بتحريك ال��زم��ن ب���أ���س��ل��وب ف��ن��ي مع ■ م��ا �أدوات ال��م��غ��ام��رة ال��ت��ي ت��رت��ك��ز عليها االحتفاظ بطابع المكان «م��ك��ة» ،ك�أ�سماء لِكتابة �أعمالك؟ ل�ل�أم��ك��ن��ة وال�����ش��خ�����ص��ي��ات داخ����ل ال���ذاك���رة • ال �أع ��رف ه��ل �أ�سميها م �غ��ام��رة� ..إال �إذا التاريخية ،م��ن خ�لال حكاية ه��ي الرمز اعتبرنا كتابة الرواية «�أي رواية» هي مغامرة.. الذي بنيت عليه روايتك ،هل لنا �أن نقترب ف��ي مقابل ذل��ك ،ربما يمكنني الحديث عن من فكرة بناء هذا العمل؟ ر�ؤية تتعلق بالطريقة التي �أكتب بها الرواية.. 94
• ف��ي «وادي �إب��راه �ي��م» ،ه�ن��ال��ك ت��داخ��ل بين التاريخي والمتخيل ..لكن التاريخي هنا يكاد اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الطريقة التي تعجبني والتي �أن��ا م�ؤمن بها، ول��ك �أن ت�سميها م �غ��ام��رة ..ال �أم �ي��ل مطلقا
■ م��ن ال��وا���ض��ح َت��وجُّ ��ه الكثير م��ن الأ�سماء في ال�سعودية لكتابة الرواية في ال�سنوات الأخيرة ،هل لهذا التوجه تف�سير لديك؟ • الأمر له عالقة بالتطور االجتماعي ..وجود ال��رواي��ة بكثرة هو عالمة جيدة ج��دا على �أن المجتمع �أ�صبح �أكثر قبوال لفكرة المراجعة ومطالعة النف�س ف��ي ال �م��ر�آة ..قديما قالوا �إن ال��رواي��ة ال تنمو ف��ي المجتمعات �شديدة المحافظة ..الب��د �أن نتذكر �أن المحاوالت الأولى لكتابة رواية �سعودية كانت �أحيانا تغادر
في وادي �إبراهيم ،ثمة تداخل بين التاريخي والمتخيل ..لكن التاريخي هنا يكاد يكون مجرد �إطار يغلِّف ال�صراع المكاني والزماني ال �أحب مطلقا الحديث عن �أي رواية ب�شكل عام ..كالقول :الرواية ال�سعودية �أو الرواية اللبنانية �أو الم�صرية..
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
■ «بنت الجبل 2007م»« ،تقاطع عام 2009م»، «وادي �إب����راه����ي����م2012م» ،ث�ل�اث رواي�����ات، �إ�ضافة لمجموعتين ق�ص�صيتين «ثرثرة ف��وق الليل 2004م»�« ،أي��ام ع��ام 2010م» ،ما الم�ساحة التي اخت�صرتها هذه الإ�صدارات من م�شروعك الإبداعي؟
لعملية �إغ ��راق ال �ق��ارئ بالتفا�صيل ..اعتقد دائ�م��ا �أن هنالك م��ا يجب �أن ي�ت��رك لخيال القارئ وذكائه� ..أكثر �س�ؤال يطرح عليّ ممن طالعوا �أعمالي هو لماذا ال ت�سهب..؟ لماذا ال تتعمق في تفا�صيل حياة ال�شخ�صيات..؟ لكنني �أرى �أن هذه الأ�سئلة هي ب�شكل �أو ب�آخر �إطراء للعمل� ..أن يبحث القارئ عن مزيد من التفا�صيل فهذا �أم ٌر جيد ..لكن �أرى �أن هنالك م��ا يجب �أن يترك لخيال ال �ق��ارئ ..ف��ي هذه الحالة ربما ي�صبح القارئ �شريكا في العمل ولي�س مجرد متلقٍّ .
(التغيرات ال�سيا�سية واالقت�صادية) �أرى �أثرها كبير ًا جدا ..لكنه وعلى م�ستوى الأعمال الأدبية لن يبرز مبا�شرة ،وكردة فعل فقط.. الم�س�ألة تحتاج بع�ض الوقت. نحتاج االبتعاد قليال عن الم�شهد لتحقيق ر�ؤية �أف�ضل
الكتابة هي �ش�أن فردي وجود الرواية بكثرة هو عالمة جيدة جدا على �أن المجتمع �أ�صبح �أكثر قبو ًال لفكرة المراجعة ومطالعة النف�س في المر�آة. ب�أبطالها �إلى خارج البلد ،لكي يمكن للروائي �أن يخلق �صراعا ..يجب �أي�ضا �أن ال نن�س �أن الروائيين الرواد كانوا يجدون حرجا في �أ�سماء ال�شخ�صيات ،فيهربون من الأ�سماء الثالثية خوفا من الحرج االجتماعي ..لكن رغم ذلك كله ف�إنني �أج��د مبالغ ًة كبير ًة ف��ي الحديث عن الزخم الروائي المحلي ..فالم�س�ألة �إذا م��ا قي�ست بالعدد ال تختلف كثيرا عما لدى الآخرين ..الم�س�ألة هي �أن قربنا من الم�شهد يجعلنا نالحظ الأمر ب�شكل مختلف.
■ هل لك �أن تحدد موقعاً للرواية ال�سعودية على الخارطة العربية؟ • ال �أح��ب مطلقا الحديث عن �أي رواي��ة ب�شكل ع��ام ..كالقول :ال��رواي��ة ال�سعودية �أو الرواية اللبنانية �أو الم�صرية ..الكتابة هي �ش�أن فردي في النهاية ،و ُكتّاب بلد ما ال يعملون كفريق، وحتى م�س�ألة الت�أثير والت�أثر ال يمكن النظر
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 95
�إليها على م�ستوى �إقليمي ..ولهذا �أعتقد �أن بع�ض التعميم ال��ذي يمار�س تجاه ال��رواي��ة، كالحديث عن رواي��ة في بلد ما ب�شكل مجمل، ه��و ا�ست�سهال كبير وبعيد ع��ن المو�ضوعية؛ كما �أن��ه ي��دل �أي�ضا على غياب ال�ف��رز نتيجة غياب القراءة ..المتابع الجيد للرواية المحلية والعربية �سي�صل �إل��ى نتيجة وا�ضحة ،هي �أن لدينا ُك � ّت��ابَ رواي ��ة رائعين..ولدينا رواي��ات رائعة..ولدينا في المقابل كُتابُ رواية �سيِّئون وروايات �سيئة..والأمر لدى الآخرين ال يختلف ■ «هذا زمن الرواية»« ..هذا زمن ال�شعر».. كثيرا عما لدينا ،فهنالك دائما روايات رائعة ع��ب��ارت��ان ت��ت��ك��رران على �أل�سنة الروائيين في كل بلد عربي و�أخرى غاية في ال�ضعف.. وال�شعراء ،و�أنت ..ماذا تقول؟ كبير حتى على الأعمال الروائية الأ�سا�سية.. ال �أت�صور �أن يُقبل �إن�سان على كتابة الرواية، وهو لم يطالع �أهم الأعمال الروائية في العالم، بداية من ما ي�سمى بكال�سيكيات ال��رواي��ة.. وانتهاء بالرواية الحديثة ،في نهاية الأمر� ..إذا كان هنالك كاتبان موهوبان �أحدهما اطلع على الأدب الم�ؤ�س�س لفن الرواية ،والآخر لم يفعل.. ف�إنني اعتقد �أن الأول �سيبدو �أكثر ح�ضورا وا�ستمرارية فيما �سينطفئ الثاني.
96
■ و�أن � ��ت ق� ��ارئ ج �ي��د ل �ل �ت��راث م��ن الع�صر • هي عبارات �صحافية ا�ستهالكية..لأن الأدب الجاهلي والأم��وي والعبا�سي ..ال��خ ،كتَاب ت�ح��دي��د ًا ال يتعامل م��ع الآن ��ي وال��وق�ت��ي ،بقدر اليوم منهم من لم يقر�أ ولي�س لديه �أدوات ما يتعامل مع م�س�ألة البقاء �أو حتى الخلود.. لقراءة هذا الموروث ،بقدر حر�صهم على ولهذا ،فما �سيبقى هو الجيد� ,سواء كان رواية قراءة بع�ضهم وما هو مترجم .ماذا تقول �أم �شعراً ..وما دام الأمر يت�سع لمطالعة رواية في هذا؟ ج�ي��دة ،ومجموعة �شعرية ج�ي��دة ،فلي�س ثمة مجال للحديث عن زمنٍ للرواية �أو زمنٍ لل�شعر.. • �أعتقد �أن ثقافة الكاتب ه��ي ال��وق��ود ال��ذي يجعله يوا�صل وي�ستمر في الكتابة ..و�أتفِقُ معك ■ ك��ي��ف ت����رى �أث�����ر ال���ت���غ���ي���رات ال�����س��ي��ا���س��ي��ة بخ�صو�ص �أن بع�ض الكتّاب غير مطلع ب�شكل واالقت�صادية التي ي�شهدها العالم العربي، اجلوبة � -شتاء 1434هـ
• �أرى �أثرها كبير ًا ج��داً ..لكنه وعلى م�ستوى الأع �م��ال الأدب �ي��ة المهمة ل��ن ي�ب��رز مبا�شرة و َك� ��ر َّد ِة فعل ف �ق��ط ..الم�س�ألة تحتاج بع�ض الوقت ،كما نحتاج االبتعاد قليال عن الم�شهد لتحقيق ر�ؤية �أف�ضل .ال تن�س �أننا ونتيجة لهذا التدفق الإع�لام��ي� ،أ�صبحنا ونحن في بيوتنا ج ��زء ًا م��ن تلك الم�شاهد ،ب��ل نحن داخلها تماما .الأم��ر الأخ��ر والمهم �أي���ض��ا ..ه��و �أن التغيرات ال�سيا�سية �ست�سهم بطريقة �أو ب�أخرى في ارتفاع من�سوب الحرية ،وعدم الخوف من مبا�شرة �أكثر المو�ضوعات ح�سا�سية� ،سوا ًء على الم�ستوى االجتماعي �أو ال�سيا�سي ،وهذا له �أثره الحتمي على الإبداع بكل ت�أكيد.
■ «النقد ف��ي ال�سعودية ت��ف�� َّو َق على الن�ص الإبداعي» ،هل هذا �صحيح؟ • ال �أعتقد ذل ��ك ..ربما ح��دث ف��ي مرحلة ما
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
على �شكل الخطاب الإبداعي وم�ضمونه؟
حدث في مرحلة ما �أن �أ�صبح لدينا نقا ٌد كالنجوم..لكن لم يحدث في �أي مرحلة �أن كان لدينا نق ٌد يمكن و�صفه بالمتفوق �أعتقد �أن الإنترنت قدم الكثير للإبداع.. والمواقع الثقافية على النت هي بال �شك ظاهرة �صحية جدا ال �أميل مطلقا لعملية �إغراق القارئ بالتفا�صيل� ..أعتقد دائما �أن هنالك ما يجب �أن يترك لخيال القارئ وذكائه �أن �أ�صبح لدينا نقا ٌد نجوما ..لكن لم يحدث في �أي مرحلة �أن كان لدينا نقد يمكن و�صفه بالمتفوق ..ربما ي�صح القول �إن لدينا نقادا ب�لا ن�ق��د ..وي�ب��دو ل��ي �أن �سبب ح�ضور بع�ض الأ�سماء وغياب الفعل النقدي ،هو �أن النجومية التي ح�صلت عليها بع�ض الأ�سماء م�ستفيدة م��ن مرحلة ال���ص��راع المثير ح��ول الحداثة والمحافظة ..هذه النجومية جعلت �أ�صحابها ينف�صلون عن الإبداع محليا وعربيا وعالميا.. ت�ستطيع �أن تقول �إن�ه��م توقفوا ع��ن مطالعة الإب��داع ..هل �سبق �أن وجدت اهتماما للناقد المحلي بقراءة �أي منجز �إبداعي؟ ال �أتحدث هنا عن الإبداع المحلي فقط ..هل تتذكر قراءة نقدية محلية لعمل �أدبي عالمي �سواء كان �شعر ًا �أم نثراً ..هل هناك تما�س بين الأدب في العالم كله وبين ما ي�سمى نقدا في م�شهدنا المحلي.. الحقيقة �أن �أكثر المعنيين بقراءة الإبداع هم المبدعون �أنف�سهم� ،سواء كانوا كتاب ق�صة �أم رواية �أم كانوا �شعراء.
■ «ال�����ص��ح��اف��ة م��ق��ب��رة ال���م���ب���دع» ،ه���ل ل��ه��ذه المقولة �أثر في عدم تعمق �صالح القر�شي في ال�صحافة؟ • قد ال تكون هذه العبارة �صحيحة بالمطلق..
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 97
■ ان��ت�����ش��رت ع��ل��ى �أل��ن��ت م��واق��ع ،ت��دع��ي �أن��ه��ا الحا�ضنة للتجارب الإب��داع��ي��ة ال�شبابية، وك�أنها تلزمهم بالح�ضور كبوابة لدخول عالم الأدب الموثق ،هل تجد هذا االنت�شار ل��م��ث��ل ه�����ذه ال����م����واق����ع ،ظ����اه����رة ���ص��ح��ي��ة للإبداع؟
98
الكاتب والروائي ال�سعودي فهد العتيق:
مكتبتي المتوا�ضعة هي �أعمال روائية ..عالمية مترجمة وعربية ومحلية�..إ�ضافة �إلى مجموعات �شعرية ..و�أي�ضا �أنا مولع بالتاريخ ،ولهذا فلديَّ بع�ض الكتب المتعلقة بالتاريخ� ..إ�ضافة �إلى بع�ض الكتب ذات العالقة بالفكر والفل�سفة وال�سيا�سة والمو�سيقى ..التوجه الغالب على المكتبة ه��و م��ن ك��ل ب�ح��ر ق �ط��رة ..رب�م��ا لأن اهتماماتي القرائية تم ّر بما �أُ�سَ مّيه موجات.. ت�أتيني �أحيانا رغبة في مطالعة كتب التاريخ، ف�أ�شتري ُك� ُت�ب� ًا ح��ول ه��ذا الأم���ر ..بعد فترة، ي�أتيني اهتمام غريب بالفل�سفة ،ف�أ�شتري بع�ض الكتب المهتمة بهذا ال�ش�أن ..الفكر الإ�سالمي �أي�ضا ..ال�سيا�سة والتاريخ ال�سيا�سي الحديث.. لكن ال�شيء الثابت في مطالعتي هو الروايات والمجموعات الق�ص�صية ودواوين ال�شعر.
• �أعتقد �أن الإن�ت��رن��ت ق��دم الكثير ل�ل�إب��داع.. والمواقع الثقافية على النت هي بال �شك ظاهرة �صحية ج��دا ..و�شخ�صيا ا�ستفدت كثيرا من بع�ض هذه المواقع ،و�أحمل لها الكثير من الحب والعرفان والتقدير ..ومواقع الإنترنت الثقافية هي مثلها مثل ال�صفحات الثقافية في ال�صحف والمجالت..ال يمكن الحكم عليها ب�شكل عام، و�إنما يجب الحديث عن كل موقع ب�شكل خا�ص.. �أع�ت�ق��د �أن الن�شر م��ن خ�ل�ال الإن �ت��رن��ت مهم وحيوي ،وكذلك الن�شر من خالل ال�صحافة جيد ومفيد للو�صول �إلى نوعيات �أخرى من القراء، كما �أن الن�شر من خالل الكتب مهم جدا باعتبار التوثيق ،وباعتبار �أن �أهمية الكتاب لن تزعزعها �أهمية �أخرى �أبدا ..بل �إن تطور و�سائل االت�صال ■ ماذا عن جديدك؟ �أ�سهم بقوة في انت�شار الكتب والترويج لها ،وما ن��راه من تدافع ال�شباب في معار�ض الكتب • ..ال جديد الآن ف��ي الأف��ق ال�ق��ري��ب ..هنالك ج�م��رات �صغيرة ل��م تتحول بعد �إل��ى لهب.. يعود الجزء الأكبر منه �إلى ت�أثير الإنترنت ودوره وه �ن��اك �أي �� �ض��ا م�ج�م��وع��ة خ��ا� �ص��ة بالق�صة الكبير في ترويج الكاتب والكتاب. الق�صيرة جدا جاهزة ومتكاملة ،لكنني متردد ■ هل لنا �أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟ في ن�شرها؛ ربما لأنني ن�شرت العام الما�ضي رواي��ة «وادي �إب��راه�ي��م» ،وبالتالي فالبد من • ال �أ�ستطيع االدع ��اء �أن ل��دي مكتبة بمعنى مرور بع�ض الوقت لن�شر كتاب جديد. المكتبة المتكاملة� ..أغلب الكتب الموجودة في اجلوبة � -شتاء 1434هـ
الق�ص�ص والروايات المت�شابهة تعبر عن فقر �إبداعي ،والق�صة الحديثة علمتنا كيف نجعل اللحظة ال�سردية م�شهد ًا ن�شعر به ونراه ونعاي�شه
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
فهناك الكثير من المبدعين الذين عملوا في ال�صحافة ،ولم تذهب ب�إبداعهم �إلى المقبرة.. بالن�سبة ل��ي ،فعملي ف��ي ال�صحافة ه��و عمل ب�سيط..ال ي�أخذ الكثير من وقتي ..ولهذا ف�أنا في م�أمن من تلك العبارة لو �صحَّ ت.
مثل كائن �أ�سطوري �أنيق ،ي�ؤجل مواعيده مع الق�ص والحكي وال�سرد ،حتى تختمر عجينة الن�ص جيدا ،ليمتع ال��ذات والآخ��ر في الوقت نف�سه ،ال��روح التواقة للجمال الآ�سر في اللغة ال�سردية ،والمتلقي المتلهف للتل�ص�ص على عوالم الكاتب والروائي ال�سعودي المبدع فهد العتيق .الجامعة الأمريكية بالقاهرة تترجم روايته «كائن م�ؤجل» .وهي الجهة الح�صرية لترجمة الرواية ون�شرها في جميع �أنحاء العالم وبكل اللغات ما عدا العربية. ■ حاوره � -أحمد الدمناتي*
■ ت���ن���ح���از ف����ي م���ق���ت���رح���ك ال�������س���ردي والجمالي ل�شخو�ص مهملة تعي�ش ف����ي ال���ه���ام�������ش ،وي���ل���فّ���ه���ا ال��ن�����س��ي��ان والق�سوة والمرارة ،هل هذا االنحياز ن��وع م��ن ت�سليط ال�����ض��وء على هذه ال��ف��ئ��ة ال��م��ح��روم��ة ف���ي ال��ح��ي��اة� ،أم اختيار فني �آمنت به وبقدرته على �إمتاع المتلقي وتثقيفه؟ • من ال�صعب بالن�سبة لي �أن �أخترع حكاية لكتابة ق�صة �أو رواي ��ة ،لكن �أحاول �أن �أكتب عن ما �أراه ،وما �أ�شعر
به؛ ف�أنا ال ا�ستطيع الحديث عن الأدب والكتابة بمعزل عن الحياة اليومية وظ��روف ال��واق��ع ال��ذي نعي�شه .هذه التفا�صيل اليومية الجميلة �أحياناً، والمتناق�ضة والم�ؤلمة �أحيان ًا �أخرى، ه��ي �أدب وف���ن م��ن وج��ه��ة ن��ظ��ري.. لكنها تنتظر كتابة فنية على م�ستوى جمالها وعمقها وم�ستواها وقيمتها و�ألمها وتناق�ضاتها ,ولأن �أغلب فئات ال�شعب العربي مهم�شة ,ف�شخو�ص الن�صو�ص ال�سردية التي �أكتبها تعبّر
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 99
100اجلوبة � -شتاء 1434هـ
يعتبرون الكتابة ف��ن اخ �ت��راع الحكايات الوهمية والم�صادفات والق�ضايا الكبرى.. التي هي نتيجة لتفا�صيل �صغيرة في الواقع المعا�ش ..يوجد في ن�صو�صي �شخ�صيات عاي�شت ظروف ًا �أ�سرية واجتماعية و�سيا�سية متخلفة ومعقدة خ�سفت ب�أحالمها العفوية بحياة جميلة وعادلة وهادئة ،ظروف حياة �أو�صلتهم �إلى درجة بيع قدراتهم ومواهبهم بالمجان ..وه��م �أب�ط��ال ق�ص�ص «�إذع��ان �صغير» و«�أظ��اف��ر �صغيرة» ،ورواي��ة «كائن م��ؤج��ل» :حين كبروا ..وهم �أي�ضا �أبطال الن�ص الجديد «��س��ارة قالت ه��ذا» وه��ذا الن�ص ال�سردي نموذج للق�صة التي كنت �أري��د �أن �أكتبها منذ �سنوات طويلة ..فهو الن�ص الم�شهد الذي يتحرك �أمام القارئ بكل عفوية وب�ساطة وو�ضوح ...وهذا الن�ص «�سارة قالت ه��ذا» ،فيه �شخ�صيتي الفنية التي ات�ضحت في ق�ص�ص «�إذع��ان �صغير» و«�أظ��اف��ر �صغيرة» و«ك��ائ��ن م ��ؤج��ل» ،فيه تتجدد روح ال�سرد المفتوح على الم�شهد الحكائي� ...أح ��اول فيه �أن ي��رى القارئ ال�صورة ال�سردية ويعاي�شها وي�شعر بها ويت�أثر بها. الق�صة كما الرواية لها كمين الجاذبية
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ع��ن فئة كبيرة م��ن ال�ن��ا���س ،وه��ي تعاني من واقع فو�ضوي و�إهمالٍ ،جعل �أحالمها وطموحاتها معلقة �أو م�ؤجلة ..لكن الفن ممكن ان يتناول ك��ل ه��ذا بلغة وبطرائق فنية عالية ومبدعة وممتعة ،وربما �أي�ضا فكاهية ��س��اخ��رة ..و�أن��ا �أعتبر �أن الأدب والفن والثقافة هي �ضمائر الأمة ..و�سوف يظل المواطن العربي كائن ًا م�ؤج ًال حتى يجد االهتمام ومناخات كاملة من حرية التعبير والم�شاركة في القرار ،مثلما �ستظل المر�أة كائن ًا م�ؤج ًال حتى تتحرر من بع�ض الر�ؤى التقليدية المحيطة بحياتها ،وتنطلق بروحها الأ�صيلة و�إيمانها و�شخ�صيتها الحرة ..فالأدب هو الفن والمتعة والك�شف �أي�ضا ..ك�شف تناق�ضات وهموم الواقع من خالل حكايات �سردية تعطي للحياة معنىً وقيمة ،وت��رف��ع م�ستوى وع��ي ال�ق��ارئ �إل��ى م�ستوى �أحالمه وتطلعاته. ■ تقول الكاتبة الأمريكية توني موري�سون الحائزة على جائزة نوبل للآداب في العام 1993م�« :أب���دع النظام والجمال والحياة انطالقا مما يحيطني ،على الرغم من �أن محيطي هذا لي�س �سوى �سديم وب�ؤ�س وم�������وت» .ه���ل ت����ؤم���ن ب������أن ال��م��ح��ي��ط هو الذي ي�شكل متخيل الروائي ،وي�ؤثر فيه، وي�صنع �شخ�صياته على الورق؟ • طبعا ..لكن بالن�سبة ل��ي ..على طريقة التخييل ال��ذات��ي ..الق�صة كلحظة �إيحاء ت��راق��ب وتعاي�ش حركة النا�س المحيطة وحواراتهم واهتماماتهم و�أحالمهم ..والفن ي�شتغل على هذه الم�شاهدات والحوارات بكيفيته ال �خ��ا� �ص��ة م��ن خ�ل�ال التخييل ال��ذات��ي ..ربما لأن��ي من الكتاب الذين ال ■
ع��ل��ى ال����ذات ال��م��ب��دع��ة ،ك��ي��ف ت��ق��اوم ه��ذه الغواية الآ���س��رة؟ وكيف ت��رى الفرق بين الق�صة والرواية؟ • رواي �ت��ي ق�صة حديثة ط��وي�ل��ة ..وق�صتي مفتوحة على و��ش��ك ال ��رواي ��ة ..ول �ه��ذا ال فرق عندي فنيا بين الق�صة والرواية ..وال �أ�شعر �أن الرواية الحديثة تحتاج الى قدرات �أكبر ..ربما العك�س هو ال�صحيح ..الق�صة تحتاج الى دقة مالحظة وتركيز ..والرواية تحتاج �إلى َنفَ�س �سردي ،و�سعة �أفق ،ومقدرة على �إدارة الحوار بين ال�شخ�صيات بطريقة من�سجمة بال تكلف �أو افتعال. وفيما يتعلق بالفرق بين الق�صة والرواية، �أرى �أن فخ الت�صنيفات النقدية ال�ساذجة ال��ذي يعد ال��رواي��ة قمة الأدب ،و�أن من يكتبها يعد ذا مقدرة عظيمة حتى لو كان م�ستواها �ضعيفا� ..أو حتى لو كانت تتكىء
على �أفكار روايات �سابقة لها ..هو ال�سبب ال��ذي جعل كثير ًا م��ن الكتاب والكاتبات يركزون على كتابة الرواية و�إهمال الق�صة. فالق�صة ال�ق���ص�ي��رة ه��ي ج��وه��رة الفن الحديث ..و�إذا كانت الرواية والق�صيدة تكتب منذ مئات ال�سنين بطريقة تقليدية.. ف�إن الق�صة الق�صيرة هي التي علمتنا كيف ن�ستطيع �أن نقول في عبارة ..ما كان يقال في �صفحات ،وهي التي علمتنا كيف نجعل اللحظة الق�ص�صية م�شهدا كامال تح�سه وت�سمعه وتراه وتعاي�شه ..ك�أنه �أمامك في الحارة �أو في البيت �أو في الحجرة ..ومن وجهة نظري ال�شخ�صية ،ف���إن ال��رواي��ات المكتوبة بروح الق�صة هي الروايات الأكثر تحققا و�أكثر تعبيرا عن ال�صدق الفني �أو العفوية الفنية والأدب�ي��ة ..عك�س كثير من رواياتنا التي حين تقر�أها ت�شعر �أنها كانت تبحث عن مو�ضوع كبير من �أج��ل البناء فوقه ما ي�شبه الرواية ..فوقعت في �إ�شكالية التكلف واالفتعال والمبالغة والت�شابه مع كتابات �أو روايات �سبقتها. الإ�شكالية الثانية هي الر�سمية والتقليدية التي ينظر فيها كثير من الكتاب والكاتبات لدينا �إلى كتابة الن�ص ال�سردي الحديث.. حيث يروْنَ �أن الق�صة عالم ..ويروْنَ الرواية عالما �آخ��ر ال يجمعهما ��ش��يء ..وي�ضعون بينهما ج��دار ًا �إ�سمنتي ًا كبيراً ،وف��ي هذا �إعطاء لمو�ضوع الرواية �أكبر من حجمه الطبيعي ،في حين �أنَّ ال��رواي��ة الحقيقية والمتميزة ،لي�ست ��س��وى ق�صة ق�صيرة حديثة تطورت �أفكارها ،و�أخذت م�سارات مختلفة لتتحول �إلى رواية �أو ق�صة طويلة، بطرائق فنية حديثة ،ولي�ست تقليدية..
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 101
102اجلوبة � -شتاء 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ف�أجمل الروايات العالمية المعروفة الحظنا كيف �أن ف�صولها كانت ق�ص�صا ق�صيرة.. بينما لدينا ،نالحظ �أن الف�صل في الرواية التقليدية تتمة حرفية للف�صل الذي يليه. فالرواية التقليدية التي تبحث عن مو�ضوع كبير انك�شف �ضعفها وتقليديتها ،وعدم تقديمها كتابة متجددة وحديثة ..وال يهمها مو�ضوع التجاوز الإبداعي ..وربما �أن كتابها لديهم قدرات تعبيرية فقط ،ولي�س مواهب عن القراءة يعود لهذا ال�سبب ..وهو كثرة حقيقية ..فهناك ف��رق بين ك��ات��ب لدية الكتب �أو ال��رواي��ات المت�شابهة ..وبع�ض قدرات تعبيرية ي�ستغلها في كتابة روايات الكتاب المت�شابهين يدافعون عن كتاباتهم متو�سطة الم�ستوى ،وب�ي��ن ف�ن��ان حقيقي التي تتطابق مع كتابات �سابقة لها بالقول ال ي �ف �رِّق بين الأج �ن��ا���س الأدب��ي��ة ،ويهمه «�إن كل الق�ص�ص مت�شابهة» وه��ذا كالم كتابة ن�ص بكيفية متقدمة ومبدعة ور�ؤية غير �صحيح ..وهو يبرر لظاهرة ال�سرقة جديدة ..ال تتكىء على �أفكار وتجارب كتب في الأدب ..ولو كان هذا �صحيحا� ..أن كل معروفة �سابقة .وللأ�سف ق��ر�أت رواي��ات الق�ص�ص مت�شابهة ..ف�إن هذا يعني �أن كل �سعودية وق�ص�ص ًا ق�صيرة ِل ُكتّاب ٍ لدينا الق�ص�ص فقيرة وغير مبدعة. تت�شابه مع ن�صو�ص �أخ��رى ..ما يدل على فقر �إب��داع��ي ..ن�صو�ص �ضعيفة ومفتعلة ■ ت���وظ���ف ف���ي ق�����ص�����ص��ك ال��ق�����ص��ي��رة وف��ي ب�سبب �أنها م�أخوذة من رواي��ات وق�ص�ص روايتك ما هو �شعري و�أ�سطوري وتاريخي �سابقة لهم ..وعلى النقد الجاد �أن يواكب وي��وم��ي ،ه��ل ه��ذه المرجعيات ت�سهم في المرحلة ،ويك�شف مثل ه��ذه الم�شاكل �أو تخ�صيب الن�ص ال�سردي� ،أم تمتع المتلقي الت�شابه �أو التنا�ص �أو التال�ص الذي يقلل لحظة القراءة الواعية والمت�أنية؟ �إمكانات التجديد والإبداع واالختالف. • حين �أكتب الن�ص ال�سردي تن�شغل الذاكرة هذا يقربنا من م�صطلح التجاوز الإبداعي ب�أفكار كثيرة ،يتداخل فيها االجتماعي مع �شرط الكتابة الأدبية الحديثة� ،إذ الذي يعد َ الحلمي مع الأ�سطوري مع ال�سيا�سي ..مع �إن الكاتب الأ�صيل ال يقبل �أن يكتب رواية �أ�سئلة وهموم الذات ..التي هي في الغالب �أو ق�صة �أو ق�صيدة تكون ن�سخة م�شابهة �أ�سئلة وهموم الجماعة ..النا�س ..وهذه لن�صو�ص �أخ��رى ..ذل��ك �أن محاكاة ن�ص ال��ذاك��رة المفتوحة على ك��ل االحتماالت �سابق يك�شف عدم المقدرة على تقديم ما تختزن �أ�شياء كثيرة تاريخية و�أ�سطورية هو متفرد له ب�صمة خا�صة ،وعالمة فارقة وحلمية ،تكون ف��ي النهاية عفويا �ضمن ترفعه عن التطابق �أو الت�شابه مع ما �سواه.. ن�سيج الن�ص ،وت�ساعده رم��زي��ا ف��ي فهم المعنى الأدبي واال�ستمتاع به. و�أظن �أن عزوف كثير من القراء المتميزين
م���ط���ب���وع���ات ال���ج���ام���ع���ة الأم���ي���رك���ي���ة ف��ي ■ كيف يت�شكل المكان في مقترحك ال�سردي ال��ق��اه��رة رواي��ت��ك «ك��ائ��ن م���ؤج��ل» م��ا هي بو�صفه مكوّنا فنيا مهماً في بناء الن�ص؟ ال��ع��وال��م ال��م��ت��خ��ي��ل��ة ال��ت��ي ت��ت��ح��دث عنها • بالن�سبة لي المكان ال يت�شكل ..لكنه حا�ضر الرواية ،وهل الترجمة للغة �أخرى تف�سح با�ستمرار في ذاكرتي ..وفي الغالب هذا المجال �أم��ام الروائي للتوا�صل مع قراء الح�ضور القوي للمكان في ذاكرتي هو �أحد ج��دداً� ،أم تفتح �أف��ق الرواية العربية على �أ�سباب متعة الكتابة بالن�سبة ل��ي ..نظرا محيطها العالمي والكوني؟ للعالقة الحميمة بيني وبين الأمكنة ..لهذا ف�إن روح المكان ت�أتي من الذين مكثوا هنا • ،ع��وال��م رواي ��ة «ك��ائ��ن م ��ؤج��ل» ه��ي عوالم الواقع المعا�ش في مدينة الريا�ض لحظة ومن الذين مرّوا من هنا �أي�ضاً ،ومنحوه من تحوّلها من حال �إلى حال ..لكن بخ�صو�ص �أرواحهم؛ و�إذا كان الإن�سان يمنح المكان الترجمة يهمني �أن يقر�أ كتابي �أهل وطني روح ًا حيَّة ،ف�إن عالقة الإن�سان بهذا المكان العربي �أو ًال و�أ�سا�ساً .ولهذا كنت �سعيد ًا مرتبطة بذاكرته ،وبالمراحل والأح��داث ج��د ًا ب��الإق�ب��ال والمبيعات ال�ت��ي حققتها التي عا�شها في ظروف واقع المكان ،لتظل رواية «كائن م�ؤجل» �سواء في بلدي �أو في ذاكرة فردية وجماعية ال تمحى ب�سهولة .في ال��دول العربية حتى الآن ،وكنت �سعيد ًا «رواية كائن م�ؤجل» مثال ..محاولة للت�أكيد بهذه المبادرة الجميلة من هذه الم�ؤ�س�سة على روح المكان الذي �أعدّه هوية حقيقية العلمية الثقافية العالمية الم�شهورة ،لكن للإن�سان ..مقابل رغبات بتغريب المكان في كل الأح��وال يهمني القارئ في وطني وطم�س هويته بدعاوى التطوير والتحديث، العربي ..لأن��ي م�ؤمن �أن الأدي��ب ال��ذي ال والت�أكيد �أي�ضا على الروح الإن�سانية العالية يتحقق في بلده ولي�س له قراء ،ال يمكن �أن التي بد�أنا نفقدها �شيئا ف�شيئا و�سط هذا يحقق ذلك خارج بلده ..الكاتب الذي لي�س العالم اال�ستهالكي الفا�سد ،ال��ذي يقلد له قيمة حقيقية في �أمته ،لن تكون له قيمة الغرب في جانبه ال�سلبي ،ويهمل العمل حقيقية في مكان �آخر ،هذه القيمة الثقافية والإنجاز الحقيقي ،الذي هو جوهر الحياة العالية هي التي -تلقائياً -تو�صل همومك الإن�سانية .لقد �أتلف الأديب الياباني الكبير وق�ضاياك و�صوتك الحقيقي المبدع �إلى «مي�شيما» نف�سه احتجاجا على الفجوة �أنحاء العالم ..مثلما يهمني �أن يكون لأدبي الهائلة التي خلفها غياب القيم الأ�صيلة �صوته الخا�ص وب�صمته الخا�صة وق�ضاياه في اليابان ،التي حلت محلها القيم الغربية المتجددة والحقيقية فنيا ومو�ضوعيا. الفا�سدة واالنحالل الأخالقي ،معبر ًا عن وعيٍ حقيقي ب�أهمية �أن يكون الأديب �ضمير ■ كيف ر�أي���ت م��وج��ة ال���رواي���ات ال�سعودية �أمته ..بمواجهة ومجابهة كل �أدوات تخريب والعربية في ال�سنوات الع�شر الما�ضية، ال�ح�ي��اة الحقيقية وا��س�ت�ب��دال�ه��ا ب ��أخ��رى فقد كان هناك ما ي�شبه ت�سونامي الرواية مزيفة. ال���ع���رب���ي���ة ،وم����ا ر�أي������ك ف���ي ج���ائ���زة ب��وك��ر العربية؟ ■ ت�����ص��در ق��ري��ب��ا ب��ال��ل��غ��ة الإن��ك��ل��ي��زي��ة عن
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 103
104اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ال��رواي��ة في كثير من نماذجها المعروفة تعاني من فقد ميزة اللغة ال�سل�سة ..كما تعاني من م�شكلة البحث عن مو�ضوعات �ضخمة ،وعن حيل مفتعلة تحيل الن�صو�ص وحكاياتها �إلى �شيء وا�ضح الت�صنع والتكلف لغة ومو�ضوعاً ،مع �ضعف وا�ضح في القدرة على المعالجة ال���س��ردي��ة ال�ح��دي�ث��ة ،ولم تن�شغل ه��ذه الن�صو�ص بمحاولة ك�شف �أم��را���ض و�أع �ط��اب المجتمع ،وت�شخي�ص �أ�سبابها التي �أو�صلته �إلى هذه الحالة التي ال ت�سر ،تجاه جوانب كثيرة مثل تناق�ضات الواقع بمختلف جوانبه ،وحقوق المر�أة، وحقوق الإن�سان ،و�أ�سباب ظواهر التطرف ف��ي ك��ل ج��وان��ب الحياة� .أ��ض��ف �إل��ى ذلك معاناة ن�صو�ص روائية كثيرة لكتاب �آخرين من لغة البالغة القامو�سية ال�صعبة التي تدعي �شعرية الن�ص ،ما يعنى فقد هذه الن�صو�ص لتلك ال�سال�سة والعفوية والهدوء التي هي جوهر الن�ص الأدبي.
وطبعا هناك كاتبات جديدات ومميزات حاولن ب��روح ثقافية عالية تعرية العنف الوا�ضح �ضد ال�م��ر�أة ومحاربته ،وكذلك الظلم ال���ذي تتعر�ض ل��ه ،و�إب����راز ق�ضية تجريم الحب في مجتمع ينظر �إل��ى هذه الم�شاعر نظرة تقليدية قا�صرة .وهذا رائع لوال �أنه يتم ب��أدوات �أدبية �ضعيفة �أحيانا. وب�شكل عام ..ما زالت رواياتنا بحاجة �إلى الكثير ،لغة ومعالجة و�أفكارا ،لكي تتحقق ب�شكل �أف�ضل ،وهذا لن يحدث �إال في حال تكري�س الكاتبة والكاتب لوقته ،واحت�شاده لهذا ،يمكن القول �إن ت�سونامي الروايات الجاد يوميا بعيدا عن الح�ضور الإعالمي العربية ف��ي العقد الما�ضي ل��م ي ��أت من المبالغ فيه ،وبقراءة الن�صو�ص الروائية ف��راغ ..فمن فجر الثورة هم �أعظم جيل العربية والعالمية المتقدمة في هذا ال�شكل في العالم العربي الذي �أوجد واقعا جديدا الأدبي الهام. يفوق الخيال ،بعد �أن راكم ال�شعب العربي وبالن�سبة للرواية العربية ت�صدر المطابع بمختلف فئاته الكثير م��ن االحتجاجات العربية المئات من الكتب الروائية في كل ال�سلمية والكتابات الثقافية واالجتماعية، عام ،وهي في الغالب متو�سطة الم�ستوى، ومن خالل م�سيرة عقود عربية طويلة بد�أت لكن ف��ي ال�سنوات الأخ �ي��رة �شهدنا مولد تحقق بع�ض ثمارها.. الكثير م��ن ال �م��واه��ب ال��روائ �ي��ة العربية الحقيقية ،فلدينا الآن �أ�سماء �أدبية عربية �أما جائزة البوكر العربية فم�شروع جميل جديدة متميزة بن�صو�ص غاية في الجمال للتعريف بالرواية العربية لل�شعوب العربية والإب��داع ال�سردي الروائي الخالق ومهملة خ�صو�صا ول�شعوب العالم عامة ..ب�صرف �إعالميا� ،إذ ال يمكن تجاهل روايات عربية النظر عن من فاز �أو �سيفوز بها ..والمهم �أن �شابة حققت لذاتها وللرواية العربية نقلة تكون لجان التحكيم من الأدباء المبدعين، رائعة في المفهوم الحديث للن�ص الروائي و�أن تبتعد عن المجامالت ،والع�شوائية في ال�سهل والعميق في �آن واحد ،وعلى �سبيل االختيار� ،إذ �أكد ذلك م�شاركون وم�شاركات ال �م �ث��ال رواي� ��ات ال�ي�م�ن��ي ع�ل��ي ال�م�ق��ري، في لجنة تحكيم العام 2011م .كما الحظت والتون�سي الحبيب ال�سالمي ،وال�سوداني �أن بع�ض الروايات الفائزة كانت �ضعيفة �أم �ي��ر ت ��اج ال �� �س��ر ،وال �ع��راق��ي ع�ل��ي ب��در، الم�ستوى ،وفيها �أخ �ط��اء وا� �ض �ح��ة ..مع وال�سوري خالد خليفة ،وال�سورية �أني�سة ال�شكر لكل القائمين على ه��ذه الجائزة عبود ،والفل�سطينية رج��اء بكرية ،و�سالم المهمة ،والدعاء لهم بالتوفيق. حمي�ش من المغرب ،والطيب الزبير من
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
• ك��ان��ت عظيمة وحلمية ورائ���ع���ة ..يكفي �أنها �أع��ادت ال�ق��ارئ والقارئة في العالم العربي �إلى المكتبة ..وجعلتهم يتحاورون في مواقع النت عن هذه الروايات �سنوات طويلة ،ما �ساعد في رفع م�ستوى الوعي.. م��ع العلم �أن موجة ث��ورات ال�شعوب �أت��ت مبا�شرة بعد ت�سونامي الروايات ،وهذا له دالل��ة كبيرة على ت�أثير الأدب في الحياة االجتماعية .لكن المالحظات النقدية المو�ضوعية والجادة على رواياتنا ال تقلل من قيمة اجتهاداتنا الروائية الطموحة.. ف�ن�ح��ن ج�م�ي�ع��ا ف��رح��ون ب �ه��ذا ال �ك��م من الروايات المتميزة فعال في بع�ض ف�صولها، والمتوا�ضعة في ف�صول �أخرى كثيرة ،كما �أنني �أجد متعة وتمرينا ذهنيا في الكتابة عن الن�صو�ص التي تعجبني ،والن�صو�ص ال��ت��ي ل��ي عليها م�لاح��ظ��ات ان��ط��ب��اع��ي��ة، وب���ص��راح��ة ،فقد �أبهجني ج��دا -ك�أنني وج ��دت ��ض��ال�ت��ي -ح�ي��ن ت�صاحب جمال ال���س��رد م��ع عفوية الأداء ال�ف�ن��ي ،وع��دم تكلفة ف��ي ال�ع��دي��د م��ن ال ��رواي ��ات ..رغم بع�ض المالحظات عليها ،واب��ت��ع��اد كثير من ف�صولها عن هموم و�أم��را���ض الواقع المعا�ش التي تحتاج �إلى �ضوء �سردي فني كبير .وحتى ال يبدو في الأمر مبالغة� ..أقول �إن �سر جمال هذه الن�صو�ص الروائية لي�س في قوتها وتجديدها ،لكن في ب�ساطتها وتحررها من التمثيل ،والتكلف ،واالفتعال، والحيل ،والم�صادفات ،والمبالغات التي هي للأ�سف �سمة �أغلب رواياتنا .لكن ب�شكل عام ،حين تقر�أ الكثير من هذه الن�صو�ص ال�سردية التي �صدرت في ال�سنوات الع�شر الأخيرة بهدوء وت�أن� ،سوف تكت�شف �أن هذه
ال�سودان ،و�أحمد مراد �سيد الوكيل ،وحمدي �أبو جليل ،ومحمد الفخراني ,وهناء عطية وغيرهم من الأدباء والأديبات الذين قدموا في رواياتهم وعيا حديثا للرواية الجديدة بلغتها ال�م�ب��دع��ة ومعالجاتها ال�سردية المتقدمة غير المتكلفة ،ليتوا�صلوا مع م�سيرة �سرديين عرب كبار مثل �إبراهيم �أ���ص�لان ،وب��ه��اء ط��اه��ر ،و�إدوار ال��خ��راط و�سلوى بكر وغيرهم..
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 105
الجوائز الأدبية: �أو�سمة �أم فخاخ �أم �شهادات وفاة؟ ■ ه�شام بن ال�شاوي – املغرب*
ثمة كتبة يتباهون بجوائزهم الكثيرة ،ومن بينها جوائز مجالت الحائط المدر�سية ،التي ي�ضيفونها �إل��ى �سيرهم الذاتية �أو جوائز بال ج��وائ��ز؛ �أي بال قيمة مادية ك�إحدى ال��ج��وائ��ز ال��ل��ب��ن��ان��ي��ة ،ح��ي��ث ي��ت��ع��دى ع���دد الحا�صلين عليها الـ( )40فائزًا... هل ت�صنع الجوائز مبدعا؟ وم��اذا عن تمويل بع�ض هذه الجوائز (منها ما ارتبط بحكّام طغاة �أو �أنظمة �شمولية)، والو�ضع االعتباري للكاتب في العالم العربي؟وماذا عن هرولة بع�ض الكتّاب ورك�ضهم خلف تلك الجوائز؟ �أال يبدو الأمر م�ضحكا �أحيانًا ،كما يحدث ،كل خريف ،مع �أحد ال�شعراء قبيل �إعالن نتيجة جائزة نوبل للآداب؟
لم يتم تجاهل نتائج بع�ض الجوائز ،من المبدعين والنقاد المغاربة: بالتغا�ضي عن عقليات لجان التحكيم ،القا�ص والروائي م�صطفى لغتيري وال��ت��ي ق��د ت �خ��ون ��ض�م�ي��ره��ا المهني ي��رى «�أن الجوائز في ال��دول الغربية، لت�صفية الح�سابات مع خ�صومهم �أو والتي لها تقاليد في الأدب وازنة ،ت�سهم �إق�صاء كتّاب الذائقة الأخرى؟ ب�شكل كبير في رواج الكتاب المتوج بها،
ن�ف�ت��ح ه ��ذا ال�م�ل��ف ال �� �ش��ائ��ك ،على وتخلق ل�صاحبه ا�سما رنانا ،بل وتغنيه الرغم من ال�م��داد الكثير ال��ذي �سفح عن البحث عن �أ�سباب العي�ش ليتفرغ على �أعتابه ...عبر ا�ستطالع �آراء ثلة للكتابة الأدبية ،بينما في الوطن العربي 106اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ويتفق معه الكاتب والناقد ر�شيد يحياوي في �أن «الجوائز من حيث المبد�أ عمل محمود، مادام الكاتب والمثقف ب�صفة عامة مواطنا يتميز عن المواطن العادي ب�أن له قيمة تعب م�ضافة تتمثل في ما تتطلبه الكتابة من موارد لتغطية حاجياتها ولوازمها ،وخا�صة �إذا كان الكاتب �أو المثقف لي�س له دخل قار من عمل �آخر» ،ويعتبرها يحياوي في هذه الحالة عمال �إيجابيا من حيث القيمة المادية� ،إذ قد ت�ساعد الكاتب �أو المثقف على تخطي الإفال�سات الجيبية والديون واال�ستنزافات الذهنية التي ت�سببها ،ليتفرغ نف�سيا لعمل جديد �أو م�شروع جديد «وحتى �إذا لم تكن الجائزة ذات قيمة مادية تذكر ،فتكفي قيمتها الرمزية لتمنح الكاتب المدد المعنوي ليوا�صل دفع ال�صخرة ال�سيزيفية؛ فمن تعبه في ذلك الدفع تتولد
هل نرى مثال مبررا لأن يح�صل كاتب ما على جائزة خارج بلده ،وبالبلد الذي منحه الجائزة ُكتّاب يتفوقون في العطاء والقيمة المعرفية على �صاحبهم ال�ضيف؟ ثم ما معنى �أن يح�صل الكاتب على ج��وائ��ز ع��دة خ��ارج
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
قراءة �أخرى للم�شهد الأدبي في المغرب
لم ت�ستطع الجوائز «اكت�ساب تلك ال�سمعة المتوخاة ،لكي تفتح للفائز بها �أبوابا جديدة في الأدب والحياة وتك�سبه جمهورا �إ�ضافيا، يجعل كتابه متداوال على نطاق وا�سع ،فرغم ال�م�ج�ه��ودات ال�ت��ي ت�ب��ذل ف��ي ه��ذا المجال؛ غير �أنها تبقى غير كافية �إن لم تحت�ضن من ط��رف المجتمع وو�سائل الإع�ل�ام على وجه الخ�صو�ص ،لتخلق الأثر المطلوب ،وت�سهم في رفع المقروئية �إلى درجات مقبولة» ،ويخل�ص لغتيري �إلى �أن «الجوائز عندنا ال ت�صنع �أديبا، ولكنها مع ذل��ك تبقى �ضرورية ،لأنها على الأق��ل ت�شعر الكاتب بجدوى ما يقوم به من خالل االعتراف المعنوي ب�إنتاجياته».
�أجمل �إبداعات الخيال الإن�ساني و�أنبل قيمه»، ويلمح �إلى �أنها عمل محفوف بالنوايا ،وذلك م��ن ج�ه��ات مختلفة :ن��واي��ا م��ان��ح ال�ج��ائ��زة، نوايا لجنة التحكيم ،ونوايا من ح�صل على الجائزة ،وكذلك نوايا ال�ق��راء والمتتبعين حين يعلمون بمن انتهت �إليه الجائزة« :فلكل طرف ما نواهُ ..من كانت نيته من واحد ولكل ٍ الجائزة تحقيق م�آرب �شخ�صية �ضيقة فنيته �إل��ى ذل��ك ،وم��ن كانت نيته اعتبار الجائزة لحظة تكريم و�إج�لال للعطاء الإن�ساني في هذا المجال ،فنيته �إلى ذلك بدوره .الم�شكلة �أن ت�ك��ون النية �ضعيفة �أو منعدمة� ،أو �أن يكون لديك �أ�شخا�ص قليلو النية كما نقول بالعامية .وه��ؤالء قد يكونون �ضمن الراعين والمانحين للجائزة� ،أو �ضمن لجنة تحكيمها، وحتى �ضمن بع�ضهم ممن يتقدم للح�صول على جائزة كاتبا على مقا�س �شروطها وك�أنه الع��ب ره��ان .لذلك ،فقلما �سلمت الجوائز من النقد :جوائز الم�سرح ،جوائز ال�سينما، جوائز الأغنية ،جوائز الكتاب ،جوائز التقدير والتكريم�...إلخ ،وهناك جوائز نزلت على �أ�صحابها كال�صاعقة لتعلن وفاتهم كتابيا، ولجان التحكيم تتحمل كثيرا من الم�سئولية في هذا.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 107
لي�ست لدينا تقاليد ع�صرية في ما يتعلق بالجوائز ،ولذلك ت�شوبها المنازع ال�شخ�صية، �أي �إر�ضاء هذا ال�شخ�ص هذه ال�سنة و�إر�ضاء الآخ ��ر �سنة �أخ ��رى ،وال �ت��ودد ل�ه��ذا الطرف مرة ،وللآخر مرة �أخرى� ،أو اتقاء �شر هذا �أو ذلك� ...إلخ. والمهم� ،أن من ال�ضروري �أن تكثر الجوائز حتى تعبر عن طبيعة التعددية في االختيارات الكتابية والثقافية والفنية ،فينال ك��ل من ي�ستحق التقدير والت�شجيع ما ي�ستحقه .على �أن ت�ك��ون ه��ذه ال�ج��وائ��ز حقيقية ومن�صفة وم��و� �ض��وع �ي��ة ،و�أال ي �ك��ون ت �ع��دده��ا �شبيها بالتعددية الحزبية في بع�ض بلداننا ..متعددة على ال��ورق ،لكنها في ال��واق��ع قريبة ال�شبه ببع�ضها». �إن الحديث عن الجوائز الأدبية في عالمنا العربي (المغرب خا�صة) -بالن�سبة للناقد والمترجم �سعيد بو عيطة -يثير الكثير من الأ�سئلة المحرجة والم�ؤرقة في الوقت نف�سه، �أكثر مما يقدم �أجوبة وت�صورات كافية �شافية.. نظرا لما يلفها من غمو�ض والتبا�س ،يرتبط هذا بجل عنا�صرها (الجهة المانحة �سواء �أكانت �أف��رادا �أم م�ؤ�س�سات ،لجان التحكيم، �إل� ��خ ،)...وف��ي بع�ض الأح �ي��ان يدخل بع�ض ال ُكتّاب في ه��ذا االلتبا�س ،وي��رى �أن��ه يتعذر الحديث عن م�صداقية �أغلب هذه الجوائز
108اجلوبة � -شتاء 1434هـ
من جانبه ،ي�شير ال�شاعر والناقد فوزي عبدالغني �إل��ى �أهمية الجائزة ف��ي التنويه بالعمل الأدبي بمختلف �أ�شكاله ،وي�ستغرب �أن تغمرنا الجوائز من كل �صوب ،وب�شكل مت�سارع �إل��ى حد �أن البع�ض يعرف الآخ��ر بالجوائز، وف ��ي ال �م �ق��اب��ل ،ق��د يبعث ذل ��ك ع�ل��ى ط��رح ال�س�ؤال حول م�صداقية هذه الجوائز و�سندها الخفي ،ويتابع قائال« :وا�ضح �أن المعيارية والإ�سقاطات تمتد �أي�ضا للجائزة المخ�ص�صة للكتابة الأدبية ،وهو ما يخلق تفا�ضال و�إق�صاء للخ�صو�صيات ولحقيقة الأدب التي ال تتقيد ب��الآن��ي والظرفيات والح�سابات الم�ؤدلجة. وبالتالي تكري�س للواحدية والبطولة غير ال��واردة في الكتابة �إط�لاق��ا» ،وتبدو لفوزي بع�ض المعايير الكامنة وراء الجائزة م�صاب بم�سطرة الإط ��ارات والت�صورات الجاهزة، التي تريد خلق �أتباع وقطيع في الأدب �أي�ضا: «�أبعد من ذلك ،الجائزة قتل لال�ستمرارية، �إذ يبدو �أن المبدع معلق بين جائزته وكتاباته الآت�ي��ة .وق��د يخفف ذل��ك من حرقة الكتابة والتوا�صل مع الذات �أوال .لكن هذا ال يمنع من الإق��رار بم�صداقية بع�ض الأ�صوات الأ�صيلة
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
وطنه ،بينما لجان الجوائز بوطنه ال تعترف بعطائه؟
م�ؤكدا �أن الكاتب الحقيقي ال ت�صنعه الجوائز، بل ي�صنع نف�سه عن طريق العمل والجهد وطول المرا�س «بهذا الت�صور ،فالجائزة ال تقدم وال ت�ؤخر بالن�سبة لتجربة كاتب معين� .صحيح �أن الجائزة قد تذيع �صيت الكاتب وت�ساعد على تو�سيع رقعة انت�شاره ،لكنها ال ولن تعمل على �صنع ُكتّاب حقيقيين».
والمت�أ�صلة ف��ي التربة ،وت�ك��ون الجائزة اعترافا بالجميل والعميق �ضمن العطاء الإن�ساني». �أم��ا الكاتبة والمترجمة الزهرة رميج ،فت�ستهل حديثها بالإ�شارة �إلى �أن الإبداع الحقيقي زئبقي وع�صي عن الإدراك، لأنه رهين في جوهره ،بالموهبة التي ال �أحد ي�ستطيع الإم�ساك بتالبيبها �أو تبيان مالمحها .ولذلك ،ال يمكن للجوائز �أن ت�صنع مبدعا .فالذي ي�صنع المبدع هو موهبته المتفردة، و�أ�صالته ،وخ�صو�صيته الإبداعية التي تميزه ،وقدرته على النفاذ �إلى �أعماق النف�س الب�شرية في كل زمان ومكان. الجوائز ت�أتي بعد الإبداع ال قبله .فهو ال�سابق وهي الالحق. ولذلك ،ف�إن« :وظيفتها تنح�صر �أ�سا�سا ،في مكاف�أة المبدع المتميز �أ�صال� .أما �إذا حادت الجوائز عن هدفها هذا ،و�سعت عبر لجان ال تتوافر في �أع�ضائها �شروط الكفاءة والنزاهة والمو�ضوعية والحر�ص على الرفع من م�ستوى الثقافة� ،إلى منح ت�أ�شيرات م��زورة لدخول عديمي الموهبة �أو �أن�صاف الموهوبين �إل��ى عالم الإب��داع؛ ف��إن هذا العالم نف�سه كفيل بطرد ه���ؤالء م��ن رح��اب��ه ط��ال ال��زم��ن �أم ق�صر ،لأن عالم الإبداع عالم يتوفر على ما يكفي من المناعة للق�ضاء على كل الطفيليات» ،وتخل�ص �إلى �أنه في زمننا هذا ،حيث ال ي�سمع �صوت المبدع المتم�سك بعزلته الملهمة ،وببعده عن الأ�ضواء والأبواق والطبول« :تكت�سي الجوائز «النزيهة» �أهمية كبيرة، �إذ تقوي �إيمانه بجدوى الكتابة ،وتحفزه على المزيد من الإبداع .والمبدع الذي �أق�صده هنا ،هو المبدع الأ�صيل الذي ال ين�صت لحظة الإبداع لأي �صوت عدا �صوت الموهبة المنبعث من �أعماق �أعماقه� .أما ذاك الذي ت�شبه �أعماقه بركة �آ�سنة، وال يرى �أو ي�سمع -وهو يجل�س �إلى طاولة الكتابة� -سوى �صورة الجائزة و�صوتها الرنان ،فالأولى به �أن ي�سلك طريقا �آخر غير طريق الإبداع ...ذلك �أن الإبداع ال يت�أتى �إال للنفو�س ال�سامية،
ر�شيد يحياوي
�صالح بو�سريف
�إبراهيم الحجري
�سعيد بوعيطة
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 109
الكاتب والناقد �إبراهيم الحجري يلمح في م�ستهل حديثه �إلى �أن «الجوائز �إذا كانت تقوم على معايير ثابتة ووا�ضحة ،وتقف وراءه��ا م�ؤ�س�سات م�ستقلة همها الإب ��داع وت�شجيع االب�ت�ك��ار وتحفيز الأدب� ��اء على تقديم قيم م�ضافة للحركة الأدبية ،وت�سهر على انتقاء لجان علمية محكمة لها م�صداقيتها عربياً.. وتت�سم ب��ال�ن��زاه��ة وال�م�ع�ق��ول�ي��ة وال �ك �ف��اءة، وتكون منتظمة وق��ادرة ذات تواريخ محددة و�أه� ��داف م�ع��روف��ة؛ فهي م��دع��اة للتحفيز، وتعزيز المتحقق ،ودعم الأديب على م�سايرة المحنة الأدب��ي��ة ف��ي ك��ل ال��ظ��روف ،وارت��ق��اء بو�ضعه االعتباري الذي يرزح تحت التهمي�ش والإق�صاء ،وبخا�صة �إذا كانت ترتبط بقيم م��ادي��ة تحفيزية م��ن �ش�أنها �أن تلبي بع�ض حاجات المبدعين الكثيرة كال�سفر والهاتف النقال والورق والحا�سوب وتكاليف الإنترنت والكتب والمعا�ش ،بحكم �أن كثيرا منهم دون �شغل ويعي�ش و�ضعيات �صعبة في عالم عربي ال يعترف بالكتّاب وال يحت�ضنهم وال يخفف عنهم العناء وال يعو�ضهم عما �أنتجوه� ،إذا م��ا ا�ستثنينا بع�ض المتزلفين والمتملقين والمحظوظين من الكتبة الذين ت��روج لهم بع�ض الجهات والم�ؤ�س�سات لأغ��را���ض غير �أدبية».
110اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وبالرغم من ذلك ،ال يجوز التعميم ،فهناك ذوو نوايا م�صطفى لغتيري ف� ��ي ال � �م � �غ� ��رب ،ت �ع��رف ح�سنة ،يقا�سون من �أجل �أن الجوائز الأدبية �شحا كبيرا، تظل للإبداع قيمه الأ�صيلة؛ وك��ل ال�شباب الذين ح�صلوا ل��ذل��ك� ،أتمنى �أن تكثر مثل ع �ل��ى ج ��ائ ��زة ات� �ح ��اد ك�ت��اب ه��ذه ال �م �ب��ادرات التقديرية المغرب �أفل�سوا ،و�أ�صابتهم للعمل الأدب��ي وتنت�شر ،حتى اللعنة ،ولك �أن تت�صفح الئحة ت�صبح ت�ق�ل�ي��دا ع��رب �ي��ا� .أم��ا الفائزين ،فمنذ تلك االلتفاتة المعايير ،ف�ستتغير مع الوقت، اختفوا �إلى الأبد .ويغلب على الزهرة رميج ويتح�سن الأداء بما فيه حق ه��ذه الجائزة ح�س الحزبية الكاتب والعمل الفني .فمع ال�ضيقة� ،إذ ت ��أت��ي لإر� �ض��اء �أن ال �ج��ائ��زة لي�ست معيارا ح�سا�سيات حزبية معينة. للجودة بحكم �أن التف�ضيل لقد فزت ببع�ض الجوائز حا�صل قراءة من وجهة نظر ف���ي ال��خ��ل��ي��ج ،وث� �ل��اث م��ن معينة تخ�ضع لمنطق وت�صور رواياتي ح�صلت على تنويه، وم��وق��ف ،وه��ي لي�ست مدعاة وقد �أعادت اللجان ذلك �إلى فوزي عبدالغني ل�ل�إح �� �س��ا���س ب��ال �ن �ق ����ص �أو وج ��ود ال��دارج��ة المغربية، الفخر ،بل مجرد الم�شاركة ف��ي ح�ي��ن �أن اط�لاع��ي على ال غير� ،أما الأعمال الأدبية في جوهرها فهي الأعمال الفائزة جعلني �أقف على حقيقة مرة ،غير قابلة للتفا�ضل ما دامت �إبداعات مختلفة وهي كونها تمتلىء بالكالم العامي الم�صري من حيث القيم والت�صور ،ولي�ست �إن�شاءات �أو الخليجي دون �أن ي�شكل ذاك عائقا ،مما وكتابات تحت الطلب». ي��دل ع�ل��ى وج ��ود منطق الإق �� �ص��اء لعوامل ب ��دوره ،يت�أ�سف ال�شاعر والناقد �صالح �إقليمية ،بالرغم من كون الكتابات المغربية بو�سريف لأن الكثير م��ن الجوائز انحرف
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
التي تغمر العالم بحبها الفيا�ض دون انتظار المقابل .وتلك �صفة الأنبياء والمختارين ،ال �صفة المهرولين الطامعين في الجاه �أو المال �أو ال�سلطة».
وي�ضيف ال�ح�ج��ري ق��ائ�لا« :ف��ي عالمنا العربي ،غالبا ما تندر مثل هذه المبادرات، و�إن وج� ��دت ق�ل�م��ا ت��راع��ي م �ث��ل ال�م�ع��اي�ي��ر المذكورة؛ لذلك ،فهي ال ت�ستثير الكثير من الكتاب والم�شاركين وال تحرز �أية وهج عالمي بالرغم من عراقة بع�ضها ،فف�ضال عن طبيعة الم�ؤ�س�سات المحت�ضنة ،والتي في الغالب تكون تجارية �أو حكومية تروج ل�شخو�ص �أو �أنظمة �أو ت�شهر ل�سلع ما ،ف�إن اللجان في الغالب تغلب منطق الخط الأدب ��ي ال��ذي تتبناه مق�صية بذلك المختلف والمتميز ،وهي غالبا لجان دائمة وال تتغير بما ال ي�ضفي على العملية �أية بهار تجريبي �أو فني� .أغلب اللجان ما تزال تت�شكل من ال�سدنة ،الذين تقادمت �أفكارهم وم��ا ع��اد خطهم يجيب ع��ن �أ�سئلة ال�ق��راء ب�صفة عامة .لذلك ف�أغلب ال�شباب يعانون م��ن التهمي�ش والإق���ص��اء ب�سبب توجهاتهم الح�سا�سة تجاه الكال�سيكية والجاهزية .بل �إن كثيرا من الأ�سماء الفائزة كثيرا ما تغلب عليها التو�صيات الم�سبقة ،كما ح��دث في م�سابقة بيروت 39التي روج لأ�سمائها موقع م�شبوه ين�شر ال�صور العارية وي��روج للتفاهة �أك�ث��ر مما ي��روج للقيم الأدب �ي��ة� ،أم��ا جائزة البوكر فيتهافت عليها المفل�سون ال�سيا�سيون وذوو المنا�صب المحالون على المعا�ش� ،أولئك الذين فقدوا م�صداقيتهم مع �شعوبهم ومل من �ضخامة بطونهم الم�ست�ضعفون ،وذلك بغر�ض تلميع �صورهم ،وتح�سين وجوههم المبقعة بالف�ساد� .أنا ال �أتقبل �أن يتنكر المبدع
يوما لأ�صله ،وال �أن يبيع �صوته مقابل قيمة ،مادية رخي�صة. �أولى للمبدع الحق �أن ي�ضحي من �أجل قيمه و�أن يع�ض عليها بالنواجذ� ،إل��ى �أن تتحقق �أو يموت دونها.
متميزة �أداء وقيما و�صوغا فنيا ،لكنها في الغالب يُجنى عليها لتوجهها التجريبي وح�سها اللغوي المتمرد.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 111
�أري��د �أن �أختم بجائزة المغرب للكتاب، التي �أ�صبحت ف�ضيحة بجميع المقايي�س. الذين �ساهموا في قتل الجائزة هم �أن�صاف ال���ش�ع��راء ،ال��ذي��ن ك��ان��وا يحاكمون ال�شعر، بمقايي�س جاهلة بال�شعر ،ما �أف�ضى �إلى منح هذه الجائزة لأعمال ال عالقة لها بال�شعر، ولي�س فيها ما يمكن �أن يكون قيمة م�ضافةً. ف��ال�ج��ائ��زة ال تمنح لكل م��ا ه��و مكتوب من �أع��م��ال ،ف�شرط الإ�ضافة ���ض��روري في منح ال�ج��وائ��ز ،وه��ذا م��ا ال يحدث ف��ي م��ا يجري كذلك ،يمكن الإ�شارة �إلى ف�ضيحة جابر عندنا. ع�صفور في قبوله جائزة القذافي بعد �أن هذا ما يجعلني � -شخ�صياً� -أراجع موقفي رف�ضها خوان غويت�صولو ،فحتى حين ي�صرح ب�إعادة الجائزة �أو رف�ضها ،بعد ما حدث في م��ن ك��ل ه��ذا ،لأق��ول «�إن الجوائز �أ�صبحت ليبيا ،فهذا ما يزيد الطين بلة� .ألم يكن جابر فخاخ ًا تُن�صب للمثقفين الكت�شاف تهافتهم، ع�صفور يعرف �أن القذافي قاتالً ،وم�ستبداً ،وما يعانونه من فقر في الخيال ،وفي الموقف �إال حين حدث ما ح��دث؟» ،ويبدي بو�سريف وال��ر�ؤي��ة ،للأ�سف ،وخ�صو�ص ًا اللجان التي �أ�سفه لأن المثقفين العرب تنازلوا عن كثير �أ�صبح فيها البع�ض يحترف البيع وال�شراء، من القيم التي دع��وا �إليها ،في ما يكتبونه ،بدل المراهنة على القيمة الإبداعية».
112اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
م���س��اره��ا ،و�أ��ص�ب�ح��ت ن��وع � ًا م��ن الم�ساومة المادية ،التي لم يعد فيها الفكر وال الإبداع، هما م��و��ض��وع ال�ج��ائ��زة ،وه��ذا ق��د ي�ع��ود في حقيقته لكثير من الأم��ور�« :أهمها ،اللجان التي تعمل على «محاكمة» الأع �م��ال ،ولي�س قراءتها ،وهي غالب ًا ما تكون لجان ًا تتحكم في تركيبتها �شروط غير مو�ضوعية ،وربما يكون ه�ؤالء ينتمون لنوع من الأفكار والكتابات التي ت�ج��اوزه��ا ال��زم��ن ،وه��ذا م��ا يجعل من تقديرهم لكثير من الأع�م��ال خاطئاً� ،أو ال يقي�س الن�ص �أو العمل بقيمته الإبداعية� ،أي بما فيه من �إ�ضافات نوعية» ،وي�ست�شهد �صالح بو�سريف بـما �سمّاه «ف�ضيحة حجازي» ،الذي مُنح جائزة« :هو من عيَّن �أفراد لجنتها ،وهو الم�سئول عنها ،وهو �شاعر توقف عن الكتابة والإ�ضافة منذ زمن بعيد ،ما ي�شي بهذا النوع من الخلل في محاكمة الإب ��داع� ،أو �إق�صاء الن�ص �أو التجربة الحقيقية في مقابل �أعمال ال قيمة وال �إ�ضافة فيها».
وي�ضيف ق��ائ�لا« :ف��ي ال�م�غ��رب ،قبل محمد بني�س و�سام بنعلي ،ولم يتنازل عنه ،بما في ذل��ك المال ال��ذي ت�سلمه منه ،رغ��م �أن هذا المال في نهاية المطاف هو مال م�سروق من ال�شعب ،وال يدخل �ضمن قوانين منظمة لهذا الو�سام� ،أو الجائزة ،التي ال نعرف معايير منحها ،كما ت�سلَّم محمد مفتاح جائزة �صدام ح�سين ،التي كان الجابري قد اعتذر عنها.
القراءة الإلكترونية معركة القرن ■ مر�سي طاهر*
كان �أول تكليف تلقاه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم من ربه هو القراءة ،و�أول كلمة �ألقيت عليه هي }�إقر�أ{ في مطلع الآية الكريمة } اقر�أ با�سم ربك الذي خلق{ �سورة (العلق .)1:كما �أق�سم اهلل عز وجل بالقلم ،ونوه عنه فقال �سبحانه }ن والقلم وم��ا ي�سطرون{ (���س��ورة ال��ق��ل��م ،)1:وق��ال �سبحانه «ي��ا يحيى خذ الكتاب بقوة» (�سورة مريم .)12:فكانت العنا�صر الثالثة الكتاب ،والقلم ،وال��ق��راءة ،هي منظومة الح�ضارة الب�شرية التي ر�سمها اهلل �سبحانه وتعالى للأمم كافة ،تتوارثها عبر الع�صور والأجيال ،و�أعظم عامل لحفظ الأفكار والقيم والمعاني.
وي���ش�ي��ر ال�ت�ع��ري��ف ال�ت�ق�ل�ي��دي ل�ل�ق��راءة ب�أنها ترجمة الرموز المكتوبة �إلى كلمات منطوقة� ..إل��ى تلك العملية المركبة التي �أراد اهلل بها �أن ت�شترك حوا�س الإن�سان في �صنع تلك المنظومة ،فالعين هي و�سيلة التفرقة بين رمز مكتوب و�أخر ،والل�سان هو �أداة النطق ،والعقل هو �أداة �إدراك المعنى، وبالتالي �أ�صبحت ال�ق��راءة بهذا المفهوم مفتاح ًا للعلوم المختلفة ال�ت��ي يتعلمها الإن�سان وينقلها من جيل لأخر. ويزخر تراثنا العربي بكثير من الأمثلة
التي تبين مدى التعظيم والإجالل للقراءة والكتب ،وكيف كانت القراءة منهاجَ حيا ٍة بل غاية الحياة ونهايتها� ،إذ يذكر لنا التاريخ �أ�سماء كثير م��ن الم�شاهير لقوا حتفهم ب�سبب ال �ق��راءة وال�ك�ت��ب ،منهم الجاحظ وال ��رازي والفراهيدي ،وكثير من ع�شاق الكتب ال��ذي��ن ارتبطت �أ�سما�ؤهم ببع�ض عناوين الكتب التي تناولوها بالقراءة حتى حفظوها و�أ�صبحت �ألقاب ًا لهم ،فمث ًال بدر الدين الزرك�شي لقب بالمناهجي لأنه حفظ كتاب «منهج الطالبين» ،ومحمد بن �سليمان اجلوبة � -شتاء 1434هـ 113
114اجلوبة � -شتاء 1434هـ
من مميزات ا�ستخدام الكتاب الإلكتروني
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
الرومي ال��ذي ع��رف بالكافيجي لكثرة ا�شتغاله بالكافية في النحو ،وكذلك �أحمد الوا�سطي الذي عرف بالوجيزي لأنه حفظ الوجيز واعتنى به. وتعددت الم�ؤلفات في الإنتاج الفكري العربي ف��ي تو�ضيح ر�ؤى وم��زاي��ا ال�ق��راءة الورقية التي تتعامل م��ع ال�ك�ت��اب ب�شكل م�ب��ا��ش��ر ،م��ن حيث �أق�سامها وم�ستوياتها ومراحلها ومهاراتها ،وكلها حثت على تكوين اتجاهات مفيدة نحو الميل �إلى القراءة والإقبال عليها ،وحب الكتابة ومالزمة الكتاب واقتنائه. وم ��ع ب� ��زوغ ف �ج��ر ال �ق��رن ال �ع �� �ش��ري��ن� ،شهد العالم تقدم ًا مطرد ًا في تكنولوجيا االت�صاالت وال�م�ع�ل��وم��ات ،وداه �م��ت �شبكة الإن �ت��رن��ت كافة ال �م �ج��االت ،وم�ن�ه��ا ع��ال��م ال�م�ك�ت�ب��ات وال�ك�ت��ب، و�أح��دث��ت ت�غ�ي��رات وا� �س �ع��ة ،ح�ت��ى ب��د�أن��ا ن�سمع م�صطلحات عديدة منها ع�صر المعلومات ،الن�شر الإلكتروني ،الإبداع الرقمي ،الكتاب الإلكتروني، و�أي�ض ًا القراءة الإلكترونية ..والتي بدورها لم تكن متخيلة عند معظم النا�س حتى الآن ،ولكنها �أ�صبحت خالل ال�سنوات الأخيرة واقع ًا نعي�شه، وم��ا ك��ان لأح��د �أن يت�صور �أن��ه بعد الكتابة على الأحجار ،ولفائف البردي ،ورقاع الجلود ،و�أوراق الكتّان� ،سي�أتي ع�صر الورق ،وحديثاً ..لعلنا نتذكر �أن التليفون المحمول ال��ذي ظهر لأول م��رة في الواليات المتحدة الأمريكية عام 1983م ،خرج وقتها من يقول �إن ن�صف الأم��ة �أ�صابها جنون التليفون المحمول ،حتى �أ�صبحنا الآن ن�شهد ذلك الهو�س ب�إر�سال الر�سائل الن�صية ،ور�سائل البريد الإلكتروني .وت�أثر الم�سار الإبداعي العربي بذلك حتى �أ�صبحنا ن��رى كتابة ال��رواي��ات والق�ص�ص با�ستخدام ال «مالتي ميديا» وما �سمي ب «الهايبر تك�ست» (الن�ص المت�شعب) الذي ي�ستخدم ال�صور والمو�سيقى ول�ق�ط��ات الفيديو بجانب الن�ص الخطي ،و�أ�صبحت هناك ن�صو�ص رقمية و�إبداع
رقمي ،بل �أ�صبحت هناك مكتبات ب��دون مبانٍ �أطلق عليها المكتبات االفترا�ضية. وم��ن �أكثر التقنيات التي �شهدت تقدم ًا في ه��ذا الإط��ار «الكتاب الإلكتروني» ال��ذي يُعرف ب�أنه كتاب �أو كتيب �أو �أي مطبوع يوجد على هيئة �إلكترونية ،ويمكن توزيعه �إلكتروني ًا عن طريق الإنترنت ،والبريد الإلكتروني ،والنقل المبا�شر للملفات� ،أو النقل على �أي من الو�سائط التخزينية المختلفة ،وت��وج��د الآن ع��دة �أن ��واع م��ن �أجهزة الكتاب الإلكتروني ،فهناك ما ي�سمى (ROCKET- ،)E-BOOKوه��و بحجم ال�ك�ت��اب ذي ال�غ�لاف الورقي ال�صغير ،ويبلغ ثمنه خم�س دوالرات ،وتبلغ �سعته التخزينية (� )4000صفحة من الكلمات �أو ال�صور ،وهناك �أي�ضا(،)SOFT-E-BOOKالذي تبلغ �سعته التخزينية ما يعادل �ست روايات ،ويبلغ ثمنه ( )300دوالر. وبعد �شراء �أي من هذه الأجهزة الإلكترونية، يتم تحميل الكتب المطلوبة ،من �أي موقع من ال�شركات المهتمة مثل� :شركة بارنز – الأمازون –الروكيت بوك� -سوني ،وتتم عملية التحميل ب�سرعة كبيرة ت�صل �إلى مائة ورقة في الدقيقة الواحدة ،وفور �أن تتم عملية التحميل ،ي�ستطيع ال�شخ�ص ت�صفح الكتاب وفهر�سته وا�سترجاعه بكافة �صور اال�ستعرا�ض الممكنة ،كما يمكن تقليب ال�صفحات �إم��ا ب��الأ��ص��اب��ع� ،أو ب��الأوام��ر ال�صوتية ،ومن ثم ي�صبح تحميل �أي وثيقة على ال�شبكة متاح ًا عن طريق هذا الجهاز. ويمكن ق��راءة الكتاب الإلكتروني با�ستخدام كمبيوتر المكتب �أو المحمول �أو الجيب ،غير �أن الجلو�س في و�ضع ثابت ل�ساعات �أمام الكمبيوتر قد ي�سبب �أرق ًا و�ألم ًا وعبئ ًا نف�سياً ،لهذا �صنعت عدة �شركات �أجهزة �صغيرة ت�ستخدم لقراءة الكتاب الإل�ك�ت��رون��ي ،للتخل�ص م��ن ال�صعوبات ال�سابق
ذكرها� ،إ�ضافة �إلى تقنيات لال�ستعرا�ض خا�صة بها ل�ضمان بيعها ،و�أطلقت على هذه الأجهزة ا�سم ق��ارئ الكتاب الإلكتروني.)E-BOOK-Reader( : وه��و ف��ي ال�غ��ال��ب ج�ه��از محمول ي��زن ثالثمائة جرام �أو �أقل ،ويمكن تحديث محتوياته من مواقع �إلكترونية على �شبكة الإنترنت ،وتت�سع ذاكرته لتخزين المئات من الكتب ،بل الآالف منها.. وع � � ��ن ان � �ت � �� � �ش� ��ار ا� � �س � �ت � �خ� ��دام ال� �ك� �ت ��ب الإلكترونية،ك�شفت درا�سة �أخيرة �أجرتها م�ؤ�س�سة «بيو �إنترنت �أند �أمريكان اليف بروجكت البحثية» ون�شرتها على موقعها الإلكتروني �أن %21من ال�شعب الأمريكي الذين تزيد �أعمارهم عن ثمانية ع�شر عاماً ،قد قر�ؤوا كتابا �إلكتروني ًا واحدا على الأق��ل خالل ال�شهور الإثنى ع�شر الما�ضية ،كما �أو��ض�ح��ت ال��درا��س��ة �أن ع��دد الأ�شخا�ص الذين يمتلكون �أجهزة القارئ الإلكتروني مثل «كيندل �أو بارتز �أند نوبل» ،قد ت�ضاعف خالل الفترة ما بين دي�سمبر ويناير 2012م ،كما ت�ضاعف عدد الأ�شخا�ص ال��ذي��ن يمتلكون �أج�ه��زة الكمبيوتر اللوحي مثل «�آي باد» و«كيندل فاير» اللذَ يْنِ يمكن ا�ستخدامها �أي�ض ًا ك�أجهزة قارئ �إلكتروني خالل نف�س الفترة ،كما �أف��ادت الدرا�سة ب�أن %42من ه��واة ال�ق��راءة الإلكترونية ي�ق��ر�ؤون الكتب على �أجهزة الكمبيوتر التقليدية ،و�أن %41ي�ستخدمون �أجهزة القارئ الإلكتروني مثل «كيندل» وغيرها، و�أن %23ي�ستخدمون �أجهزة الكمبيوتر اللوحية، �أما الأمر المده�ش ،فهو �أن %29من هواة القراءة الإلكترونية ي�ستخدمون هواتفهم المحمولة في هذا الغر�ض.
عر�ض الكتاب.
�سهولة فهر�سته في المكتبات وعر�ضه في -ربطه بالمراجع العلمية التي ت�ؤخذ منهاالقتبا�سات. حيز �صغير. � -إ�ضافة بع�ض التعليقات �إلكتروني ًا �أثناء � -سهولة حمل ونقل عدة كتب في جهاز واحد.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 115
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
�أما عن عيوب ا�ستخدام الكتاب الإلكتروني فتتمثل في:
�سهولة و�سرعة البحث داخ��ل �صفحاتالكتب. �إمكانية دمج ال�صوت وال�صورة والو�سائطالمتعددة جنب ًا �إلى جنب مع المتن. �إمكانية تكبير ال �ح��روف والمتن ح�سبدرجة الر�ؤية الخا�صة بكل فرد. �سهولة ت�صحيح الأخطاء لحظة اكت�شافهابالكتاب الإلكتروني. وغير ذلك من مزايا الن�شر الإلكتروني المتعدد التي ي�ستفيد منها القارئ.
116اجلوبة � -شتاء 1434هـ
يف�ضل الكثير من القراء ا�ستخدام الكتبال�م�ط�ب��وع��ة والإح �� �س��ا���س بملم�س ال��ورق ورائحة الحبر. �سهولة ق ��راءة الكتب المطبوعة ف��ي �أيم �ك��ان ،وت�ح��ت ظ��روف مختلفة م��ن دون الحاجة �إل��ى ب��رام��ج ت�شغيلية �أو �أجهزة خا�صة بها. في �ضوء ما �سبق نالحظ �أن هناك تنا�سب ًا ع�ك���س�ي� ًا ب �ي��ن ال� �ق ��راءة ال�م�ط�ب��وع��ة وال� �ق ��راءة الإل�ك�ت��رون�ي��ة ،وع�ل��ى �سبيل ال�م�ث��ال ف� ��إن عيوب �أحدهما ،تمثل في الوقت نف�سه مزايا للآخر؛ وبمعنى �أخ��ر يمكن ط��رح ال���س��ؤال ال�ت��ال��ي :هل ت�ستطيع الكتب الإلكترونية تغيير عادات النا�س الذين اعتادوا قراءة المواد المطبوعة؟ و�أرى �أن الإجابة على هذا ال�س�ؤال تمثل تحدي ًا كبيراً ،وعنوان ًا �صريح ًا لمعركة القرن ،في ظل وجود م�شهدين مختلفين يُظهر فيه الأول اعتزاز وفخر لكبار ال�سن بما تحويه مكتباتهم من روائع الكتب ،بينما الم�شهد الأخر يظهر فيه �شابٌ يحمل جهاز ًا �إلكتروني ًا يحوي �أكثر مما تحمله �أرف��ف كاملة في مكتبة �شخ�ص �أخر. وبين هذا وذاك �أرى �أن المعركة القادمة يمكن �أن تنتهي بمعاهدة �سالم ،تن�ص �أهم بنودها على التكامل والتن�سيق واال�ستفادة من مزايا كل نوع، فهل ت�ستطيع تكنولوجيا االت�صاالت والمعلومات ال �ت��زاوج م��ع ع ��ادات النا�س وميولهم القرائية لتحقيق تلك المعاهدة؟ هذا ما �ست�سفر عنه ال�سنوات القادمة...
ق�صيدة النثر العربية بين �أزمة الم�صطلح وفو�ضى النقد العربي ■ د .عبدالنا�صر هالل*
هل تخلو «ق�صيدة النثر» من فو�ضى �أو عبث في الكتابة؛ �أعني ال�شعرية؟ الإج��اب��ة بالنفي ،فال�شعراء �أو من يكتبونها لي�سوا �شاعرا واح��دا ,و«ق�صيدة النثر» لي�ست ق�صيده واح��دة, فال�شعراء كما ن��رى ف��ي �أي ع�صر م��ن الع�صور يتفاوتون في خبراتهم وعالقاتهم بالأ�شياء والعالم وقدراتهم الإبداعية, ومخزونهم الفكري والثقافي ،وعالقاتهم بالتراث الإن�ساني عامة وتراثهم القومي ب�صفة خا�صة ,كما �أن كل ع�صر تختلف فيه طبيعة الحياة وحركتها و�أدوات �إنتاج �شعريتها ،فالم�ساواة بين الق�صائد �ضرب من الهلو�سة والجهل والهروب من مواجهة حركة تطمح �إلى التوجيه وف�صل الجيد من الرديء فيها.
يجب التعامل مع «ق�صيدة النثر» على �أنها حركة ت�ستجيب للم�ستقبل ،وتنفتح على كل جماليات جاءت من داخل ال�شعر وم��ن خ��ارج��ه .ه��ي حالة ت�صالحية بين �أن��واع الكتابة؛ هي �شكل يخترق الأ�شكال وي��رف����ض �أن يتقوقع ف��ي �شكل م��ا .هذا االنفالت الجديد ،ي�ستوجب وعي ًا نقدي ًا جديداً ,مهيئ�أً لالنفالت ،غير منغلق على �أدوات قرائية مقد�سة ,ال يحاكم غير
الجاهز بالجاهز ,والجمالي بالأخالقي، والديني واللغوي باالجتماعي. تخل�صت �شعرية الحداثة من منطق الكتابة ال�شعرية التي تك�شف تهويمات الرومان�سية وانطباعاتها ال�ساذجة، �أو ال�ت��ي تجعل الكتابة ال�شعرية وثيقة اجتماعية� ،أو م ��ر�آة للواقع/المجتمع وق�ضاياه وم�شكالته� ،إنها تجربة تندفع �إلى الداخل الجواني ،وت�ستجيب لعالمه
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 117
118اجلوبة � -شتاء 1434هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
ال�ت��راك�م��ي ال�غ��ام����ض ال ��ذي ي ��أب��ى �أن ي�سكن ال�سطحي المبا�شر� ،إنها ال تعرف اليقين ،بل تتجلى في ال�شك ،وتُحلِّق في ف�ضاءات الروح, في �آف��اق المجرد وال�ف��راغ« ,دخلت في دوائ��ر المطلق والمجهول والمحال ,وهذه الممار�سات الإبداعية الطارئة فتحت �أمام ال�شعرية عوالم غير مطروقة ،و�سلك ال�شعراء �سبيلهم �إليها على نحو �شبيه بم�سلك المت�صوفة ،الذين �أدركوا �أن وراء العالم المعلوم عالما مجهوال� ,أو غائبا يجب �أن تقاربوه بالمالينة والتلطف حينا, وبالت�شدد والعنف حينا �آخ��ر ،لإخ�ضاعه لغويا وتوظيفه ال�ستنتاج الن�صية ,ولن يتحقق �شيء من ذل��ك �إال بتمزق الأقنعة ,وهتك الحجب، وف�ضح البواطن». �إذ ًا كيف تحاكم ه��ذه ال�شعرية المارقة؟ وه��ي التي تع�شق االنتهاك وال�ت�ج��اوز ب ��أدوات ثابتة ي�ستجيب لها الن�ص الب�سيط المق�صود بالمعنى ,المنتظم في ن�سقه التكويني ،يبحث م��ن خاللها ال�ن��اق��د ف��ي الم�ضمون والمعنى والقيمة ,ي�شرح ويف�سر في �إط��ار حدود معينة بين الن�ص �أو ما يذهب �إليه ,وهذا الإجراء هو ما كر�س للنقد القيمي� ,أو �أحكام القيمة ،وبقيت ال�شعرية الجديدة منبوذة مرفو�ضة ،تعاني من الهجر وال�صد واالتهام من نقاد يقي�سون تجربة الحداثة« /ق�صيدة النثر» ب�أدوات نقدية �أنتجتها �شعرية كال�سيكية /رومان�سية ،وهي بطبيعة الحال غير منا�سبة لتجربة مختلفة ،لأن الن�ص هو الذي يحدد طريقة قراءته و�أدوات��ه التراثية ولي�س العك�س ،فالإبداع �سابق للنقد, يم�شي خلفه ،وينظر فيه ،ويتحرك خلف حركته، فالذوق الثابت ،الراكد ،الجاهز ،يجعل مثل ه�ؤالء النقاد يقفون على ال�ضفة الأخرى ي�ؤثرون ال�سالمة ،ويعلنون �أن ما يعر�ض عليهم خالف
قاعدة القيا�س ،ف�أ�صحابه مخربون ،مت�آمرون على اللغة العربية والعروبة وال �ق��ر�آن ,لأنهم خرجوا على ال�شعر المقد�س الملتزم بالوزن والقافية ،وهذا انتهاك �صريح للدين والعروبة واللغة والوطن ,وفي هذا ال�صدد يرى د.محمد عبدالمطلب �أنه «ال يمكن مناق�شة �أ�صحاب هذا التيار في هذا الر�أي؛ لأنهم – في ر�أيه – غير قابلين للنقا�ش والحوار ،وغير م�ستعدين له على نحو من الأنحاء». كيف يناق�ش -على �سبيل المثال� -صاحب هذه الر�ؤية في «ق�صيدة النثر» وموقفه منها وم�ف�ه��وم��ه لل�شعر ودوره ينح�صر ف��ي زاوي��ة خارج �أدوات القراءة ،فيقول« :ق�صيدة النثر» م��ع ك��ل االح�ت�ف��اء والأ� �ض��واء تعي�ش غيابا عن الم�شهد وع��ن ال��ذاك��رة ,والح�ضور ال�صاخب وقف على ال�صوت االحتفالي ال��ذي ي��روِّد لها, ويحمي �ساقتها ,ف�أين الـ«ق�صيدة النثرية» من ال�شاهد والمتمثل؟ و�أي��ن هي من المختارات؟ و�أين هي من المحفوظات؟ و�أين ح�ضورها في المجال�س والمنابر والمنتديات والأم�سيات؟ و�أين دورها في مواجهة النوازل؟ و�أين تحفيزها الجماهيري؟ و�أي��ن �شيوعها؟ على الرغم من ت�ضافر الجهود لتكري�سها؟ و�أين هي من حاجة النف�س للمتعة والطرب». ال يخفى على القارئ الب�سيط ما �أراده الهويمل من دور «ق�صيدة النثر» على قيا�س دور ال�شعر الكال�سيكي ،ال��ذي يدفع بالموعظة الح�سنة، ويقوم ب��دور تعليمي (�أي��ن هي المحفوظات)، واالجتماعي (�أي��ن ح�ضورها في المجال�س)، والديني (وال�م�ن��اب��ر) ،والترفيه(المنتديات والأم�سيات)،و�أن تقوم بدور ال�شئون المعنوية والبيانات الحربية والحزبية (و�أي��ن تحفيزها ال �ج �م��اه �ي��ري)،ودوره��ا النفعي ب�ي��ن الباعة
الجائلين والمت�سكعين في ال�شوارع وفي المقاهي (�أين �شيوعها)؟ كما يرى الهويمل في «ق�صيدة النثر» �أنها ف��ق��دت �شرطا م��ن ���ش��روط ال��وج��ود ال�شعري، وهو القيام بدور المتعة والطرب (�أين هي من حاجة النف�س للمتعة والطرب) ون�سيَ الناقد الرق�ص!! ون�سي �أن يقول �أين هي من مالعب ك��رة القدم؟ و�سوق النخا�سة ومقابر الأم��راء وافتتاح النقابات والبنوك؟ ن�ستطيع �أن نقول �إن بين «ق�صيدة النثر» وه ��ؤالء ،ال بل بين ال�شعر الكال�سيكي وه��ؤالء م�سيرة الجمر ال�شهي ،وبينهم وبين النظم ��س��اح��ة ل�ل�ب�ق��اء ،ك�ي��ف يناق�ش �أ� �ص �ح��اب ه��ذا الر�أي؟ كيف يناق�ش الخطباء و�أئمة الم�ساجد والم�صلحون و�أ�ساتذة الفقه في ال�شعر الذي يوجد حيث ال يوجدون ,كيف يناق�شون وهم يريدون من ال�شعر ما يريدون؟ يناق�شون في «�شعر» �أدمن المغامرة ،حيث يعرف �أن الإبداع يكمن في المغامرة والتجريب ال في التقليد والقيا�س على ال�ح��دود والقوانين ال�صارمة، القوانين الع�سكرية والأح ��وال المدنية .هذا حال من يدخل النقد من بوابة الدين �أو القيم �أو الأخ�ل�اق �أو الأيديولوجيا ،حقا �إن��ه خارج ال�سياق!! هناك حكمة ب�سيطة �أولية في المعرفة وفي الحكم على الأ�شياء �أو تعويمها تقول( :لي�س لمن ال يتقن ال�شيء �أن يحكم له �أو عليه) ولذا يرى �أدوني�س �أن «ال�شعر والفن بعامة هما من بين الأ��ش�ي��اء الأك�ث��ر دق��ة و�صعوبة .و�إذا كان «الذوق»نف�سه ثقافة في المقام الأول ،ف�إن علينا
�أن ندرك �أن تقويم ال�شعر والفن يتجاوز جذريا عبارة «يعجبني» �أو «ال يعجبني» ،و�أن��ه يتطلب ر�ؤية فنية غنية وثقافة وا�سعة». �أما من يدخلون النقد من بوابة النقد ،ولكن من بوابته الخلفية التي �أهملت منذ زمن بعيد, واعتالها ال�صد�أ ,و�أ�صبحت ال تجلب االطمئنان للقابعين القانعين ,ف�إنهم يحاكون «ق�صيدة النثر» ب�أدوات ال ت�صلح للتعامل معها ,ف�أ�صبحت «ق�صيدة النثر» ,ذات �شعرية واحدة ،وما يوجه لق�صيدة تدمغ به «ق�صيدة النثر» في عمومها/ ق�صائد النثر ,وما تقر�أ به ق�صيدة ي�صلح �أن تقر�أ به ق�صائد �أخرى. ومن هنا ،ات�سعت الهوة بين �شعرية الحداثة والحركة النقدية في م�صر ,ف�أكثر النقاد ت�أقلموا مع حدود ق�صيدة التفعيلة ،ور�أوا �أنها النموذج الأكثر تطور ًا في ال�شعرية العربية ,وهي �أخر محطات التجريب ,وتحتفظ بخيط رفيع يف�صل ال�شعر عن النثر وهو (التفعيلة) .وعندما حدثت قفزة االنفالت من قب�ضة ال�شعرية التفعيلية �إلى �آفاق الت�سا�ؤل وال�شك والغمو�ض والفراغ� ..ساد ال�صمت ال�ساحة النقدية ,ومن تطوع خير ًا �أن يقول �شيئا في هذا المارد الذي خرج من قمقمه قال (لو كان هذا �شعراً ,فكالم العرب باطل). في بداية ظهور «ق�صيدة النثر» ق��ال رواد حركة ال�شعر الحر ونقادها كلمتهم الأولى ،وهم الذين �ضاقوا ذرع ًا بالتقليد والنموذج ,وخا�ضوا م�ع��ارك �ضارية ،لينتزعوا �شرعية مولودهم الجديد,يطلبون الحرية والحياة خارج الأ�سوار والأقفا�ص الحديدية ,ويرف�ضون ما قبلهم وما بعدهم ،وك�أنهم نهاية الأر�ض والإبداع الأبدي.
* �أ�ستاذ النقد الأدبي الحديث -جامعة الملك عبدالعزيز.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 119
الكتاب بين التجويد والت�سليع.. ■ ماجد �سليمان*
(ال يخلو كتاب من ف��ائ��دة)� ..أرف�����ض ه��ذا ال��ق��ول ،عاجزاً عن الر�ضا عنه ،لأ ّن هناك من الكتب ال ي�ساوي قيمة الحبر ال��مُ��راق على �صفحاتها ،والتي تجل�س تحت مَظلّة (الكتاب التجاري) والمن�سوخة من ُك�� ّل فكر وف��ن :الدين ،المعرفة، التطوير ،الأدب ،وغيرها.. فمجتمعنا ب�شكل عام �أق َّل ما يُقال عنه قارئ عادي ،حيث ال تتجاوز قراءته ال�صحف والمواقع الإلكترونيّة للبحث عن ما يُ�سلّي ويُنع�ش العواطف؛ ال كق�ضيّة رُويت في رواية �أو �سيقت في ق�صيدة ،بل يُعامل على �أنّه فلم ُي�ؤخذ الأدب مث ً فنُّ يُطرب الروح ويُخدّرها �إلى �أجل م�سمّى.
ُم��ؤم��نٌ ب ��أنّ الكتابة ث��ورة بذاتها ،ال نف�سه ،ح�سبي �أ ّنه كتاب ٌ ُك ِت َب ل ُين�سى. تتد ّلى ثمرتها �إال بتغيير ال�ق��ارئ �إل��ى ا�ستطاع الكتاب التجاري �أن ُيخلخل �شخ�ص �آخرُ ،يف ّكر جيد ًا َو َي َت َم ّعن مل ّيا ،المكتبات ويجعل لنف�سه مكان ًا كبير ًا فالكتاب الذي ينزع القارئ عينيه من فيها ،ويعود �سببه لب�ساطة مجتمعنا، بين �صفحاته دون �أن يترك �أدنى � ٍأثر في وعفو ّيته الوا�سعة ،فنحن �إل��ى الآن لم
120اجلوبة � -شتاء 1434هـ
وبذلك �أغرقنا ال�سوق الورق ّية بما َر ُخ َ�ص َو َت ُفه من هذه الكتب التي تنعت باللغة الدارجة (الكتب الن�صائحج ّية)؛ لأنها ت�ؤثر على الفكر الك�سول المذهول حتّى باتت خداع ًا للجثوم على ال��رق��اب :تجميع ديني ،تجميع ثقافي، حتى ِ�صرتُ �أتح�س�س ج ّد ًا تطوير ذات ،غيرهاّ .. من الكتاب الذي ُختم عليه «الأكثر مبيع ًا»� ،أو «بيع منه كذا وكذا» �إال ما َر ِح َم النا�شر َو َت َركه عفوي ًا ،لأنني ُلدغت م َّرات م َّرات ،حتّى ت�ش ّكل لدي مجموعة من النا�شرين الذين �أيقنت ب�أنّ ّ منتجهم تجاري (.)%100
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
ُنح ّقق في ثقافتنا المحل ّية �إال عدد ًا �أق ّل من بالرداءة ،و�أ�سرفوا عليها باقتبا�سات من كتب القليل من الكتب التي ترفع العقل �إلى �أق�صى الآخرين. ً لبي جد ًا ،لتط ّبعها م��دارك��ه ،كم�ؤلفات غ��ازي الق�صيبي مثال ،هذا النوع من ال ُكتب ِ�س ُّ ً فالأفكار الجاهزة ،ال تحرث ثقاف ًة �إطالقا ،بطابع (ال� ُ�ج�م��ود) ،حيث ال �أث��ر فيها لطابع لأ ّن��ه عق ٌل ُي���ص� ّد ُر م��ا ُن�سخ فيه وال ي�ستقبل التنوير واالن �ف �ت��اح على ال�ث�ق��اف��ات ،فباتت ً تعدي ًال �أو تجديدا ،خ�لاف العقل المت�أ ّمل اتّجار ًا َع َلن ّي ًا بالدين ،وال� ّذات والثقافة ،فال والمنتج لأفكا ٍر ُمرتّبة م�ؤ�صلة. هي بحوث فنقر�أها كذلك لنخرج بخال�صة البحث ونتيجته ،وال هي بنقد لم�شاريع فكر ّية �شاهقة البنيان ،فنقر�أها على �أ ّنها كذلك ،وال معان ،وال هي ب�صر في ٍ هي ُتعالج �أحكام ًا �أو ُت ّ ت�أتي بجديد لأ ّنها ت�أخذ من الدين وال ت�ضيف، والدين ال ُي�ضاف عليه ،كما �أ ّنها ال تفتح �أُفق ُا وال ُتحاكي ذهن ّية الإن�سان ،فحقيقتها �أقوال وق�ص�ص وم���أث��وراتٌ ُم�ستن�سخة م��ن ثالثة �أو �أربعة من �أ ّمهات الكتب التراث ّية ،ف�أق ّلها �اب ُمميت ،وا�ستر�سا ٌل ت�ك��را ٌر طويل ،و�إ��س�ه� ٌ ُم��ؤ��س��ف ف��ي �أ�صغر المنقول فيها ،وك�أ ّنها ُت�ش ّو�ش على الكتب التي تعد �أُ�صو ًال ُيرجع �إليها كال�صحيحين و�ألف ليلة وليلة والأغاني مث ًال، قات تجار ّي ٍة فت�صبح هذه الكتب ُمج ّرد َ�ص َف ٍ با�سم الدين ،وال ّذات والثقافة ،لأنّ �أ�صحابها لم يتقنوا الكتابة فع ًال بقدر ما �أخرجوها انفعا ًال ،توازيها خطبهم وكتاباتهم المنخورة والم�أخوذة منها والتي ُمه ّمتها �إ�شغال الر�أي العام وتوتيره.
والأده��ى هي الكتب التجميع ّية الظاهرة بلبا�س الدين ،ذات الن�سخ ال ُمك ّررة ،والتي َم ّجدها ال ُب�سطاء ال ُمتّبعين لمج ّرد �أنّ ر�سالتها الخارجية دين ّية ،ناهيك �أنّ جامعيها من ال ُمت�س ّمين بالفقهاء مزجوا ال�شريعة بالفقه، فحقنوها ن�سخ ًا ول�صق ًا و�إ��ض��اف� ًة �سجع ّية ّ وت�ضخمت ،لتَ�صد َُق طويلة ،حتّى انتفخت مقولة «تَك ّلم الفقهاء �أكثر م ّما تك ّلم الوحي» ،ه��ذا خ�لاف الأخ �ط��اء النقل ّية ال�ت��ي من كتب ر�سالتها دين ّية يقابلهم المتثيقفون حين م��زج��وا المقالة المفتر�ض �أن ال تكون في ٍ
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 121
لأنّ الإب��داع والإقناع في الأدب ،ولأ ّنه نواة الفكر الب�شري ،ولأنّ ُك ّل الفنون يغلب عليها (الناقل) و(الباحث) المعتمد على جهد غيره، �إال الأدب ..فهو من خ�صوبة خيال �صاحبه دون الرجوع �أو الأخذ من �أحد ،فهو الغائ�ص في ُل ّب الحياة وال ُمحاكي لجميع ما في الإن�سان ،ولو �أ ّنه ال يملك ال�شرع ّية الثقاف ّية كما لل�شرع ّية الدين ّية وال�شرع ّية ال�سيا�س ّية هيمنتهما ،وهذا ما جعله ال ُيق ّر ُر ن�شاطه ،وال ُيح ّد ُد �أنظمته التي ولأ ّن��ن��ا حتّى اللحظة ل��م نحترم القرائح يبني فوقها م�شاريع ُمبدعيه. ال �ف � ّذة ،والعقول الخ ّالقة المنتجة م��ن ُل� ّ�ب فقد � َ��س� ُه� َ�ل على المتط ّفلين على موائد تفكيرها ،و�ضوء ب�صيرتها نتاجها ّ الفكري الأدب� ��اء �أن يح�شروا �أن��وف�ه��م ف��ي �أجنا�سه والأدبي ّ والمو�سوعي ،حتّى لو ا�شت ّد اختالفنا و ُي �ق � ّرروا م��دى ت��واف��ره��ا ف��ي الأي���ادي لأ ّن�ه��م معها ،فلم َيلقَ مث ًال :نقد العقل العربي لمحمد يخ�شون الثقافة البديلة ،والوعي الجديد ،بل الجابري �أو :خ��وارق الال�شعور لعلي ال��وردي َو َ�صل فيهم �أن ُي�س ّوقوا ب�أنّ الأدب ترفيه ولهو رواج � ًا كما راج��ت ه��ذه الكتب ،وه��ذا برها ٌن عن ذكر اهلل ،لتزييف الوعي العام وتجيي�شه دام ٌغ على �أن العقل المحلي ما َ حرب بال جبهة ّ برح عاجز ًا عن ِ�ض َّد الأدب و�أهله ،وك�أ ّني بها ٌ التفكير لأ ّن��ه في المقابل قادر على التكفيرُ ،محدّدة ،وما ي�ؤ�سف �أن هذا اللون القاتم من الطمئنانه لهذا النمط من كتب الجمود ،لذا اال�ستعباد ب�سوط الدين وال�شعارات العاطف ّية الملحة الكاذبةُ ،موغ ٌل في مجتمعنا ب ُك ّل ما �أُوتي من لم ُن ِ عط القو�س باريها ،رغم حاجتنا ّ للمتن ّورين والأدب��اء والمف ّكرين والتربويين ،نقمه ،حتّى َخ� َر َج علينا نائحة ُم�ست�أجرة في إ�سالمي ،تقتفيه �آالف العقول ل �ق��راءة المجتمع وت�م��ري��ر مبا�ضعهم على هيئة داع�ي� ٍة � ّ العاطف ّية. جراحه لتخلي�صها من �صديدها.
ح�ضور على امتداد الوطن العربي
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
بال ّذات ،فقد ح�شوا العقول ب�أ�شياء مغلوطة عق ًال ومنطق ًا ،كت�صدير التاريخ الإ�سالمي على �أ ّنه تاريخ ُم�ضيء من �شرقه �إلى غربه، جاهلين �أو متجاهلين �أن هناك جانب ًا ُمظلم ًا كقتل الخلفاء وال�صحابة والتابعين والعلماء م�ث� ً لا ،و�صلب الأدب���اء وال���ش�ع��راء و�سجنهم �أي�ض ًا ،والأده��ى منه ت�صدير (ثقافة الغزو) التي ما برحت تفكيرنا كذ ّم الم�سالمين من اليهود والن�صارى ،وفكرة �أنّ كارثة غيرنا عقاب وكوارثنا امتحان مث ًال.
ولماذا الأدب؟!
■ بقلم :د .فهاد بن معتاد احلمد (م�ساعد رئي�س جمل�س ال�شورى)
�صدر العدد الأول من الجوبة في �شهر ربيع الثاني 1411ه��ـ الموافق �شهر نوفمبر 1990م ،ك�إ�صدار ثقافي ن�صف �سنوي .وككل الكائنات الوليدة ك��ان الملف ب�سيطاً في ت�صميمه و�إخراجه ,قلي ًال في عدد �صفحاته ,ويفتقد �إلى الهويَّة في م�ضامينه .بيد �أنه كان يمثَّل نقلة نوعيَّة في الف�ضاء البحثي والثقافي في منطقة الجوف ,وال��ذي كانت ت��ع��وزه �آل��ي��ات التعبير ع��ن الأدب والثقافة بمختلف �أ�شكالها وو�سائلها .كانت الجوبة في واقع الأم��ر ملفاً بحثياً يُعنى في الغالب بتوثيق ما يقدَّم من �أوراق عمل ومقاالت في مو�ضوع الندوة المختارة للعدد من قبل المجل�س الثقافي بم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية التي ت�صدر عنها الجوبة .غير �أن هذا الوليد نما وترعرع و�شد على الطوق ,ف�صار الملف مجلة ثقافية ف�صلية ربع �سنوية ال تغطي م�ساحة الجوبة (منطقة الجوف) والمملكة العربية ال�سعودية فقط ,و�إنما تمتد �إلى الف�ضاء العربي على ات�ساعه م�صدراً وم�آالًُ ,كتّاباً وقرّاءاً. �أ�صبحت الجوبة حديقة غناء تتنوع ثمارها وتتعدد لت�شمل ال�شعر والق�صة الق�صيرة والمقاالت الأدبية والدرا�سات النقدية والمواجهات الثقافية ،وفق �إطار وا�ضح ومحدد، يمنحها الهوية الم�ستقلة الخا�صة بو�صفها مجلة تُعنى بدعم ون�شر التوجهات الحديثة في مجاالت الثقافة والأدب والفن على ات�ساع الوطن العربي.
* كاتب من ال�سعودية. -نافذة للخروج: التق�سيم العالمي للكتاب �أتى على ثالثة وجوه -1 :ق ََ�ص�ص -2 .المعارف والعلوم -3 .كتب الطفل. 122اجلوبة � -شتاء 1434هـ
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 123
ي� �ب ��دو ال��ك��ات��ب ال �� �س �ع��ودي ع��وا���ض الع�صيمي في روايته الجديدة «قن�ص» كمن ي�ستعيد عالم ًا من ع��دم ،فلم تعد ال�صحراء ،الف�ضاء المركزي للرواية ،وال مخلوقاتها هي نف�سها ،بعد ث��ورة النفط واكت�ساح مظاهر التمدن م�ساحات وا�سعة في ال�سعودية. لي�س من تقدي�س �أو طهرانية ي�ضفيها ال��روائ��ي على ال�صحراء ،في مقابل ما تمثله المدينة ع��ادة م��ن م��ادي��ة ودن�س، وهو ما جعله يبني عالمه ال�صحراوي(في روايته) بعيد ًا من �أي نزوع نو�ستالجي. ت �ت��وزع ال ��رواي ��ة ع�ل��ى ( )20ف�ص ًال ي�سردها را ٍو ب�ضمير الغائب ،يترك بين ف�صل و�آخر الكالم لل�شخ�صيات الرئي�سة، �أو ل�ل�أ� �ص��وات المتجولة ،تلك التقنية ال�سردية التي يلج�أ �إليها الكاتب بغية �إث ��راء العمل و�إ��ض�ف��اء التعدد ف��ي زواي��ا النظر لك�سر �أحادية الراوي. 124اجلوبة � -شتاء 1434هـ
يقدم الدكتور عماد عبداللطيف في هذا الكتاب تحلي ًال عميقًا للخطابات الثالثة الكبرى التى ا�ستحدثتها الثورة على �ساحة التوا�صل ال�سيا�سي؛ الأول هو «خطاب الميادين» االحتجاجي والثوري .والثاني هو «خطاب ال�شا�شات»؛ الذي ح��اول �إجها�ض ال�ث��ورة وتحجيم ت�أثيرها� .أم��ا الثالث فهو «خطاب ال�صناديق» الدعائي الح�شدي ،الذي كانت الغلبة فيه للقوى الإ�سالمية على ح�ساب العديد من القوى الثورية. يدر�س الم�ؤلِّف ع��ددًا كبيرًا من الن�صو�ص الم�ؤثرة في م�سار الثورة الم�صرية ،ت�شمل الفتات الميدان وهتافاته ونكاته و�أغانيه وت�سمياته� .إ�ضافة �إلى خطب مبارك ومر�سي وبيانات المجل�س الع�سكري .كما يحلل تغطية التلفزيون الم�صري لأح ��داث ال �ث��ورة على م��دار الفترة االنتقالية، ويخ�ص�ص ق�سمًا كام ًال من كتابه لدرا�سة خطاب الدعاية االنتخابية في االنتخابات النيابية والرئا�سية التي �شهدتها م�صر بعد الثورة ،محل ًال بالتف�صيل �أ�ساليب الإقناع والت�أثير التي ا�ستخدمها المر�شحون لح�صد �أ�صوات الناخبين. الدكتور عماد عبداللطيف در�س تحليل الخطاب بجامعة القاهرة وجامعة النك�ستر الإنجليزية� .صدرت له من قبل ثالثة كتب هي« :لماذا ي�صفّق الم�صريون؟» ،و«�إ�ستراتيجيات الإقناع والت�أثير في الخطاب ال�سيا�سي» ،و«البالغة والتوا�صل عبر الثقافات» .وله عدد من المداخالت المرئية والم�سموعة والمكتوبة ح��ول الخطاب ال�سيا�سي العربي عبر ع��دد من �أهم ال�شا�شات والمطبوعات العربية والأجنبية .وقد حظيت كتاباته بتقدير عربي وا�سع ،ويذكر الدكتور محمد م�شبال، �أ�ستاذ البالغة وتحليل الخطاب في المملكة المغربية� ،أن الدكتور عماد عبداللطيف جعل الدر�س البالغي في العالم العربي ج��زءًا م��ن ان�شغاالت الإن���س��ان العربي ف��ي حياته اليومية ،والبد �أن التاريخ �سي�شهد له بذلك.
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :ب�لاغ��ة ال��ح��ري��ة :م��ع��ارك الخطاب الكتاب :قن�ص (رواية). ال�سيا�سي في زمن الثورة. امل�ؤلف :عوا�ض الع�صيمي. الم�ؤلف :د.عماد عبداللطيف. النا�شر :دار اجلديد –بريوت 2012م .النا�شر :دار التنوير (بيروت ،القاهرة ،تون�س).
الإدارة المحلية والتنمية الكتاب :توثيق لأوراق العمل والحوارات في ندوة منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية في دورته الخام�سة. النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية. ال�سنة 1434 :هـ2012/م.
يقع الكتاب في (� )210صفحات ،وعنوانه هو المو�ضوع ال��ذي اختارته هيئة المنتدى في دور ته الخام�سة ،ا�ست�شعارا منها لأهمية هذا المو�ضوع في المرحلة المعا�صرة من م�سيرة الوطن التنموية .وقد تناول المو�ضوع بالبحث والطرح والنقا�ش في ندوة المنتدى مجموعة من المتخ�ص�صين في هذا المجال. وقد هدفت ندوة المنتدى التي �شملها هذا الكتاب �إلى التعريف بواقع الإدارة المحلية، وم��ا يكتنفه م��ن تحديات وف��ر���ص وتحديد مقومات نجاحها ،وتقييم القدرات الحالية ع�ل��ى تفعيلها وب �ل��ورة ال �خ �ط��وات ال�لازم��ة لتطبيقها ،وتعزيز التوجه نحو تطوير الإدارة المحلية لأداء دور �أكبر في تحقيق تنمية اقت�صادية واجتماعية متوازنة وم�ستدامة، والتعرف على التجارب واالتجاهات الحديثة في مجال الإدارة المحلية ،واقتراح نموذج للإدارة المحلية ي�ستند على الثوابت ،ويحقق
الكفاءة والفاعلية ،وي�ستجيب للم�ستجدات و�أنماط اال�ستهالك الجديدة..وقد �شارك في هذه الندوة كل من :الدكتورخالد بن عثمان اليحيى ،والدكتور عبدالعزيز الخ�ضيري، والدكتور ثامر المطيري والدكتور عدنان بن عبداهلل ال�شيحة. وقد ا�شتمل الكتاب �أي�ضا على فعاليات تكريم ال�شخ�صية المكرمة في هذا المنتدى وه��و �صاحب ال�سمو الملكي الأمير �سلمان اب��ن عبدالعزيز لإ�سهاماته المتميزة في مجاالت الإدارة المحلية والتنموية ،و�شملت كلمة ال�شخ�صية المكرمة �صاحب ال�سمو الملكي الأمير �سلمان بن عبدالعزيز ،وكلمة رئي�س مجل�س الإدارة الأ�ستاذ في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ،وكلمة هيئة ا لمنتدى �ألقاها الدكتور عبدالرحمن ال�شبيلي.
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 125
الم�ؤلف :ه�شام بن ال�شاوي. النا�شر :دار طوى -لندن. ال�سنة 1429 :هـ2008/م.
ع��ن دار ط ��وى ب �ل �ن��دن� � ،ص��درت للكاتب ومحمد عز الدين التازي». المغربي ه�شام بن ال�شاوي روايته الثانية : ووفقا للناقد والكاتب المغربي �إبراهيم «قيلولة �أح��د خريفي» ف��ي (� )105صفحات الحجري ترتبط رواية ه�شام بن ال�شاوي الثانية من القطع المتو�سط ،وهي النوفيلال الفائزة «قيلولة �أح��د خريفي» في كثير من مناحيها بجائزة الطيب �صالح للإبداع العالمي ،وقد ب�سابقتها� ،سواء من خالل التماهيات الداللية �صدر للكاتب من قبل« :بيت ال تفتح نوافذه» للأبطال �أو م��ن خ�لال التقاطعات النف�سية (2007م)« ،روتانا �سينما ..وهلو�سات �أخرى» المركبة ،التي تحبل بها عبر ملفوظات الفواعل (2008م)« ،كائنات من غبار» (2010م) ،الن�صية ،والتي للأ�سف تعري نمطا من الواقع «احتجاجا على �ساعي البريد» (2012م) .ال�م��ري��ر ال ��ذي تعي�شه ال���ذات ف��ي عالقاتها و�سي�صدر ل��ه ،قريبا ،عن دار النايا ب�سوريا الم�شبوهة والمتعفنة م��ع ذوات �ه��ا المتعددة الطبعة الثانية من روايته البكر «كائنات من (الأقنعة) ومع الآخرين ومع المكان. غبار» ،وكتابا حواريا مو�سوما بــ «نكاية في �إنها رواية الف�ضح والك�شف �أو ما ي�سميه د. الجغرافيا» ،وي�ضم بين دفتيه الحوارات التي محمد برادة ب�أ�سلوب الت�شخي�ص �أو ال�شخ�صنة، �أج��راه��ا الكاتب المغربي مع نخبة من كبار حيث يعمد ال��رواة �إلى ك�شف الم�ستور وو�ضع الكتاب العرب « :محمد الب�ساطي� ،أ�سامة �أنور العلب ال�سوداء للفرد على طاولة القارئ ليقلبها عكا�شة ،وحيد حامد ،يو�سف القعيد� ،إبراهيم على وجوهها مكت�شفا بع�ضا من ذاته هناك. عبدالمجيد ،د .محمد برادة ،د� .سعيد يقطين ،وق��د ك��ان الكاتب قا�سيا مع روات��ه و�شخو�صه
126اجلوبة � -شتاء 1434هـ
معا ،وحا�صرهم في دوام��ة الع�صف ذاتها، لتت�شكل ن��واة الأل��م الخفي التي تبعثر �أوراق المروي لهم ،من دون مهادنة �أو ت�سامح .تلك الق�سوة التي تتمظهر على الورق لي�ست غريبة عن طبيعة ال�شخ�صيات وال عن طبيعة القراء وال حتى عن طبيعة الكاتب الفعلي نف�سه؛ �إنها مع�ضلة «ال�ت��داخ�لات» ل��دى ب��ن ال�شاوي على م�ستوى الت�شييد الخطابي ،فل�ست ت��دري هل هو الذي يحكي �أم �شخو�صه �أم كائنات غريبة تقفز من الخارج لتقحم ف�ضولها ،لذلك يمكن نعتها بالكتابة التي تتعقد تفا�صيلها كلما م�شت، دون �أن يكون هناك �أي افترا�ض لنهايتها� .إنها ت�ستمر في ذاكرة القراء وذاكرة الكاتب ،وربما ت�سير نحو �صورة ت�شكل ثالثية �أو رباعية �أو من يدري .فما يزال هناك مت�سع لل�سرد ،وما تزال �شخو�ص بن ال�شاوي حيّة برغم الوعثاء ،ت�سافر وتحيا وت�صمد في حياة ال �إن�سانية على هام�ش التاريخ ،معلنة �أم��ام الملأ �سخطها ووعيدها على الورى ،مهددة ب�أنها في م�ستقبل الن�صو�ص �ستتنامى مثل الفطر لتقو�ض ال��دوام��ة التي �أفرزتها».
بالرواية ب�شكل ال يطاق ،ب�شخ�صياتها التي تنمو وتتعملق بداخلي ،وتت�صارع لكي تدافع عن حقها في الوجود� ...أبدو �شبه غائب عن الوعي� ،ألعن �ضجة هذا القطار -الخردة ،التي تجعلني غير ق��ادر على �أن �أرك��ز في القراءة والكتابة� .أفكر في طقو�س الكتابة ،و�أ�ستغرب كيف ي�ستطيع بع�ض المبدعين �أن يكتبوا في المقهى و�سط دخان الرواد و�صخبهم� ..أر�سم �أ�شكاال هند�سية هالمية� ،أدوّن عبارات بال معنى� .أح�س �أن هناك من يختل�س النظر �إليَّ معتقدً ا �أنني معتوه ..كالفتاة الجال�سة قبالتي، بمالمح �شبه بلهاء ،و�أمها العجوز تتحدث �إلى ال�شاب المجاور لي.
�أ�سارع بتمزيق الورقة ،وعلى �صفحة جديدة �أخ��ط �أ��س�م��اء �شخو�ص ال��رواي��ة ،وكمن يحل معادالت ريا�ضية� ..أر�سم خطاطة للأحداث ب��اح � ًث��ا ع��ن راب���ط خ�ف��ي ب�ي��ن م��ا ح ��دث وم��ا �سيحدث� .أح����س ب�أنني �أم�ق��ت «ول��د �سالم»، الذي �أف�سد علي متعتي بالكتابة مدركًا ب�أن هذا الف�صل قد يكون �أ�سو�أ ما في الرواية ،وعلي �أن �أتفادى �أي تنميط �ساذج� .أتذكر من �ألهمتني من �أجواء الرواية نقر�أ : هذه الرواية .لقد اختفت بعد �أن �أينعت براعم « في المق�صورة ،وجدتني �أد�شن الكرا�سة محكياتها ..لعلها على و�شك �أن ت�صبح �أمًّا ،في الجديدة بخرب�شات كالأطفال .كنت مهمومً ا حين مازلت �أكابد مخا�ض هذه (القيلولة)».
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
قيلولة �أحد خريفي
اجلوبة � -شتاء 1434هـ 127
الجوف (قلعة ال�شمال الح�صينة) الم�ؤلف � :أ .د .عبدالرحمن الطيب الأن�صاري. النا�شر :دار القوافل للن�شر والتوزيع -الريا�ض. ال�سنة 1429 :هـ2008/م.
�ضمن �سل�سلة دار قوافل (ق��رى ظاهرة على طريق البخور) ،ي�أتي هذا الإ�صدار في (� )126صفحة ،ليتحدث عن منطقة الجوف التي تمتد جذورها التاريخية �إل��ى ع�صور موغلة في القدم؛ فعلى �أر�ضها عا�ش الإن�سان منذ �أكثر من مليون �سنة؛ تدل على ذلك �آثاره التي خلفها في ال�شويحطية .ومنذ القرن الثامن قبل الميالد ارتبطت منطقة الجوف بعالقات �سيا�سية وح�ضارية وا�سعة مع بالد ال��راف��دي��ن؛ �إذ ظ�ه��رت منذ ذل��ك التاريخ مملكة «�أدوماتو» التي دخلت في حروب عدة مع الآ�شوريين ،وكانت بحق القلعة الح�صينة التي ت�صدت دائما لمحاوالت تو ُّغلِهم �إلى داخل الجزيرة العربية. وفي ع�صور الممالك العربية المختلفة، ظلت �أدوم��ات��و (دوم��ة الجندل) وح�صنها م���ارد ال �ح��ار���س الأم��ي��ن ل���ش�م��ال �شرقي الجزيرة العربية ،وبعد �أن �أ�شرقت الأر�ض
128اجلوبة � -شتاء 1434هـ
بنور الإ� �س�لام ،كانت دوم��ة الجندل �أح��د المراكز التي انطلقت منها جيو�ش الفتح �إلى ال�شام والعراق وما وراءهما.. وتتنوع المواقع الأثرية في الجوف بتنوع م��راح�ل�ه��ا ال�ت��اري�خ�ي��ة ،فبينما ُي�ع��د موقع ال�شويحطية من �أق��دم المواقع الأثرية في غ��رب ق��ارة �آ��س�ي��ا؛ يقف موقع الرجاجيل �شاهدا على ح�ضارة المنطقة خالل الألف الرابعة قبل الميالد ،ويتجلى ع�صر مملكة الأن��ب��اط ف��ي م��واق��ع ال�صنيميات ،وقيال، و�إث� ��را ،وق�ل�ع��ة ال���ص�ع�ي��دي .وت �ب��رز الآث ��ار الإ�سالمية في �سور دومة الجندل ،وم�سجد عمر ،وحي الدرع. وتتمتع منطقة الجوف �إ�ضافة �إلى �آثارها المتنوعة بالكثير م��ن ال�م��واق��ع الطبيعية وال�سياحية التي ت�سهم في جعلها من مناطق الجذب ال�سياحي.
من إصدارات اجلوبة
�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية