درا�سات ونقد ن�صـــــو�ص مواجهـــــات نوافـــذ
ملف العدد:
شهادات
إبداعية في القصة القصيرة
39
برنامـج ن�شر الدرا�سات والإبداعـات الأدبية ودعم البحوث والر�سائل العلمية في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: ي�شمل الدعم المالي البحوث الأكاديمية والر�سائل العلمية المقدمة �إلى الجامعات -١ والمراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك المرتبطة بم�ؤ�س�سات غير �أكاديمية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: يلتزم الباحث بكل ما جاء في ال�شروط العامة(البند «�أ»). -١ -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد في ال�شروط الخا�صة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث بما يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 04 626 3455فاك�س � - 04 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 01 201 5494فاك�س � - 01 201 5498ص .ب 10071الريا�ض 11433 nashr@asfndn.com
الـمحتويــــات
العدد 39 ربيع 1434هـ 2013 -م 6.........................
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن
�شهادات تحكي.. رحلة كتّاب الق�صة الق�صيرة
امل�شرف العام �إبراهيم احلميد �أ�سرة التحرير حممود الرحمي حممد �صوانة عماد املغربي املرا�سالت توجه با�سم امل�شرف العام ّ
هاتف)+966()4(6263455 : فاك�س)+966()4(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
قواعد الن�شر � - 1أن تكون املادة �أ�صيلة. - 2مل ي�سبق ن�شرها. - 3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. - 4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. - 5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً
114...................... حوار مع القا�ص محمد النجيمي
122...................... معار�ض الكتب :ثقافة و�صناعة معر�ض الريا�ض الدولي �أنموذجا
النا�شـــــــــر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية �أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية، و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي ،كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) له وقف م�ستقل و�أهدافه تنبثق من الأهداف الأ�سا�سية للم�ؤ�س�سة. 2
اجلوبة -ربيع 1434هـ
136...................... د .الحميد يلتقي د .الجا�سر في جناح م�ؤ�س�سة ال�سديري بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب الغالف :لقطة في ف�صل الربيع جنوب �شرقي �سكاكا -الجوف.
االفتتاحية 4 ........................................................ م��ل��ف ال��ع��دد� � :ش �ه��ادات �إب��داع �ي��ة ف��ي ال�ق���ص��ة ال�ق���ص�ي��رة - جبير المليحان ،د .ح�سن النعمي ،خالد اليو�سف ،د�.سناء ال�شعالن، �صالح القر�شي ،طاهر الزهراني� ،ضيف فهد ،تركية العمري، �شـيمة ال�شــمري ،زهرة بو�سكين ،عبداهلل ال�سفر ،عبدالرحمن الدرعان ،عبداهلل الزماي ،علوان ال�سهيمي ،عمار الجنيدي ،فهد الخليوي ،فهد الم�صبح ،محمد التازي ،محمد �صوانة ،محمد م�ستجاب ،محمد محقق ،محمود العزازمة ،نايف النواي�سة 6 ...... درا�سات ونقد :الكتابة ال�صينية وفن الر�سم بالكلمات -غازي خيران الملحم 90 ................................................. ديوان :ر�سالة �إلى عمر الخيام � -سليمان العتيق -د� .إبراهيم الدهون 94 ........................................................ «المنـــــارة» حكاية اال�ستبداد في الزمان والمكان والإن�سان - زكريا العباد 99 ................................................... ق�ص�ص ق�صيرة :انتكا�سة -عبدالكريم محمد النملة 103 .......... �أبحث عن �ساق! -طاهر الزهراني 104 ............................ ن�صو�ص -عبداهلل ال�سفر105 ...................................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا -فهد الخليوي 106 .......................... ق�صة -حكاية المطر � -صالح القر�شي107 ........................ ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -محمد �صوانة108 .......................... �شعر :هوا ٌء �أكثر جاِذِ بية -محيي الدين جرمة109 .................. جند اهلل � -سليمان عبدالعزيز العتيق 110 ......................... لحزن عينيك �صلت جوارحي - ..نجاة الزباير111 ................. هديل ال�ضياء � -أ�سامة محمد علي113 ............................. مواجهات :القا�ص محمد النجيمي -حاوره :خلف القر�شي 114 .. ال�شاعر المغربِي محمد اللغافي -حاوره ر�شيد الخديري 120 ...... نوافذ :معار�ض الكتب :ثقافة و�صناعة -مر�سي طاهر 122 ......... الم�سكن بين الأدب والهند�سة � -صالح بن ظاهر الع�شي�ش 126 ..... المدينة وروح ال�شاعر -مي�سون النوباني129 ....................... عين على الجوبة :مالك الخالدي 133 ............................ قراءات 134 ........................................................ الأن�شطة الثقافية 136 ............................................ اجلوبة -ربيع 1434هـ
3
■ �إبراهيم احلميد
تتباين تجارب كتاب الق�صة و تتقارب� ،إال �أن القا�سم بينها بالت�أكيد هو الإبداع ،الذي يلوّنها �ضمن تجربة الكاتب المتفردة؛ فالمنجز الإبداعي الذي و�صل �إليه الكاتب ،و ما توافر لديه من طموحات ور�ؤى ،تو�ضح الأبعاد الحقيقية التي تترك ب�صماتها خلف كل عمل �أدبي ي�ضعه الكاتب بين يديّ قرائه؛ ولهذا نجد �أن (ثمة لحظة ما في حياة كل �شخ�ص ،ت�شبه ال�صرخة الالمعة ،هي -من دون �سواها -ما �سوف تبقي اللحظة الحيّة التي تجدد �أ�صداءها ،وتترك �شظاياها مطبوعة على كل لحظة تالية).. مرة �أخ��رى ،ت�أتي مجلة الجوبة ،لتوا�صل تقديم ملفاتها الأدبية التي د�أبت عليها ،لتتوّج عددها هذا بملف ثقافي ،ي�أتي بعنوان «�شهادات تحكي رحلة كتّاب الق�صة الق�صيرة» ..يوثّق فيها عدد مميز من نجوم الق�صة �شهاداتهم الإبداعية حول تجربتهم الإبداعية ،والدروب التي قادتهم �إلى م�سالك الق�صة� ،إذ نجد في هذه ال�شهادات مالمح رئي�سة لم�شاهد كاملة للحظات الت�شكّل ومفارقات الطرق التي �أدت �إلى و�صول المبدع �إلى الخط الإبداعي ،الذي �شكّل هويته في �صورتها الحا�ضرة اليوم. قد ال يختلف م�ضمون �شهادات مبدعينا الم�شاركين في ملف المجلة على ت�شابهها �أو تباينها ،مع تجارب عالمية لكتّاب الق�صة ،فالمفارقات الأ�سا�سية في حياة �أي كاتب ال ب َّد و�أن تم�ضي في توغّ لها لت�صل �إلى �آفاقها الوا�سعة؛ لكن ما يلوِّن هذه ال�شهادات ،هو اقترابها من قرّائها ،و�شفافيتها التي ك�شفت عن البدايات ،ومالمح الذات التي تقف خلف ن�صو�ص طالما قر�أناها ،وحملت لنا معها رياحها المفعمة بالده�شة والإبداع.. 4
اجلوبة -ربيع 1434هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
افتتاحية العدد
�إن ما يميز الكثير من تجارب ال�سرد التي يعر�ضها الملف في �شهادات ،هو حملها لمقوّمات التميّز في كل تجربة �إبداعية ،حيث الخ�صو�صية التي لوّنت تجربة كل مبدع، وفقا للبيئة والتجربة الحياتية التي مر بها ،والتي انعك�ست بال�ضرورة ،على مُجمل تجربته الإبداعية؛ ومما ي�ؤكد ذلك� ،أن مناجم الإبداع التي ينهل منها ه�ؤالء� ،شكّلت في مجملها تجاربهم التي عا�شوها ،و�إن كانت مالمح البدايات الأولى ،ومدارج ال�صبا والقرية� ،أو �أزقة الحارة ،بقيت المنبع الأول الذي ي�ستقي منه جلّهم ن�صو�صه وتجربته. تتنوّع �شهادات الملف بين من يحار (ماذا �سيفعل �شخ�ص �ألفى نف�سه بين �أنقا�ض مدينة تداعت كثيرا ،وم�ضى الكثير من �سكانها� ،أكثر من محاولة �صنع �ضفيرة من خيط دخان؟) ،ومَ ن ي�ؤكد ت�أثير نافذة الإنترنت ال�سحرية في ت�أ�صيل تجربته الإبداعية ،وبين مَ ن ي�ستمع يافعا �إلى ق�صته عبر المذياع في ح�ضرة الرجال في مجل�س والده ،و�سط تهليل ال�شيوخ الحا�ضرين� ،إلى من يقول (كبرت وظلت الحكايات التي خب�أتها في ذاكرتي ت�شدني �إلى الطفولة والقرية وجدتي) ،ومن ي�ؤكد �أن (الكتابة جاءت من�ساقة مطواعة �إلى قلمي ال تكلف ًا وال بحثا و ال اعت�سافا� ،)..إلى من يرى ان (الكتابة رف�ض ،ثورة على الواقع) ،و(�أن الن�ص �أي ًا كان ثوبه البد �أن يزلزل �أعماق كاتبه وقارئه ،)..وحتى مَ ن يعترف �أن (�شظف تلف مدارات الر�ؤيا حولي، العي�ش الذي ذقته ،والحرمان والخوف والق�سوة التي كانت ّ قد تركت ب�صماتها الوا�ضحة على م�سيرة حياتي ،وعلى وعيي الثقافي والإبداعي).. ومَ ن يقول (كنت �ألوذ �إلى انك�ساري ،قبل �أن نلتقي في �إغما�ضة عين الرقباء ،ف�أكتب لها هذياناتي التي �سرعان ما عرفت �أنها تنتمي �إلى فن الق�صة الق�صيرة ،وتلوذ في �أحايين كثيرة �إلى ال�شعر) ..ومَ ن يكتب ،ليبعد من طريقه بع�ض الحجارة �أو ليمحو خطاباتهم الفجة من ذاكرته ..وحتى مَ ن ي�ؤكد �أن رحلته مع الحرف ولدت تلك ال�سنة من فوهة الحيرة ،والقلق والخوف على م�صير الأمة ..ولذا ،فهو لم يترك وعا ًء معرفي ًا �إال و اغترف منه ما يروي ظم�أه.. في العمل الثقافي ،ال يمكنك �أن تحقق مبتغاك ،وت�شفي نهمك من المادة االبداعية؛ �إال �أن الملف ،ي�أتي ليقدم تجارب �إبداعية ،تميّزت تجربتها بالتنوّع والجديّة ،لقامات �أدبية تعد اليوم من مداميك الكتابة الإبداعية في الوطن العربي .
اجلوبة -ربيع 1434هـ
5
■ جبري املليحان -ال�سعودية
�شهادات
�إبداعية في الق�صة الق�صيرة ■ �إعداد وتقدمي حممود عبداهلل الرحمي*
�إذا كانت الجوبه قد طرقت في �أعدادها ال�سابقة مجموعة من الملفات ،تناولت من خاللها �أجنا�سا �أدبية متنوعة؛ كال�شعر ،والرواية ،والق�صة الق�صيرة ..تلك الملفات التي �أدل��ى فيها مبدعونا –من كتاب ونقاد -من داخ��ل المملكة وخارجها بدالئهم، و�أتحفوا المتلقين في كل مكان بما حوته تلك الملفات من ���س��ردٍ ،انتقل بهم �إلى عوالم مختلفة في الأدب ..فقد �آن الأوان �أن تت�سلل الجوبه �إلى دواخل الكتاب �أنف�سهم ومكامن �أ���س��راره��م؛ لتقف على حقائق و�أ���س��ب��اب جعلتهم يتناولون �أل���وان �إبداعهم المتميز ،والم�ؤثرات التي جنحت بهم ودفعتهم �إلى ركوب قطار هذا اللون �أو ذاك.. فكان منهم ال�شاعر والروائي والقا�ص..
6
ف��ي ه��ذا الملف ،ت�ستعر�ض الجوبه ا�ستقرار �أحيانا �أخر ى.. �شهادات ،تحكي تجارب وم�سارات �إبداع لقد ركبت الجوبه قطارها ..و�سارعت �أولئك الكتاب في فن الق�صة الق�صيرة، تجوب عالمنا العربي الكبير ،فطرقت التي �شغلت المتلقي كثير ًا ب�أ�شكالها �أب��واب��ه ��ش��رق��ا وغ��رب��ا�� ،ش�م��اال وج�ن��وب��ا.. وتجني�ساتها ،و�أ�ساليبها ..فكثيرا ما يكون وراء الق�صة ق�صة !..وكثيرا ما �سائلة �أحيانا ومت�سائلة �أحيانا �أخ��رى.. تحكي ظ��اه��را م��ن ال �ق��ول يختلف عن م��اذا ..وكيف ..ولماذا؟! فكانت لها هذه باطنه ..فتـذهب بذهن قارئها بعيدا الح�صيلة ،وك��ان لها هذا الملف الزاخر بعيدا ..يفكر ويفكر ..ولكن� ،إلى �أين؟! بالحكايات ,وال �م ��ؤث��رات ،والإب��داع��ات.. �إلى ما ال نهاية �أحيانا� .،أو لي�ستقر بال الجديرة باال�ستك�شاف.. اجلوبة -ربيع 1434هـ
لما�ض بعيدٍ ،وتذكرت حائل ،وقريتي ق�صر الع�شروات ،و�أنني قد كتبت ن�صاَ بعنوان عدت ٍ (حلم يتحقق) و�أن��ا في ال�سنة الثانية المتو�سطة� .شجعني �صديق ك��ان يدر�س في الثانوية قائالً :هذه ق�صة! كنت محتاراً وال �أعرف �شيئاً عن الق�صة� .أر�سلتها في ظرف ورقي �إلى برنامج (مع ال�شباب) في �إذاعة الريا�ض. ف� ��ي ي�� ��وم ال� �ج� �م� �ع ��ة ،ب�ع��د ال�صالة ،و�أنا �أقف �أدير فناجين القهوة على الرجال في مجل�س وال��دي رحمه اهلل ،قال المذيع: ق�صة ال�ع��دد (ح�ل��م يتحقق).. �أذكر �أني ارتجفت ،وهلل ال�شيوخ ال �ح��ا� �ض��رون ،اب�ت���س��م وال���دي، ونهرهم ال�شاعر مح�سن الجنفاوي المم�سك بجهاز الراديو �أن ي�صمتوا لي�سمع� ،سمعنا الق�صة� ،سلمت دلة القهوة لأخي ،وخرجت �إلى المزرعة، ورك�ضت بين النخيل ،حامال فرحاً ،ال �أدري ما �أفعل به! ب�ع��د ت�خ��رج��ي م��ن ث��ان��وي��ة معهد المعلمين بالريا�ض ،وتعييني معلما في الدمام ،كان مدير مدر�ستنا االبتدائية الأ� �س �ت��اذ �صديق ج�م��ال ال�ل�ي��ل ،م �ح��رر ًا لل�صفحات الريا�ضية في جريدة اليوم .كان يُح�ضر معه عدد الأم�س ف�أقر�أ كل حرف كتب فيه� ،أعطيته بع�ض المقاالت با�سم (في�صل الجبير) فنُ�شِ رت .تابعت الملحق الأدبي في الجريدة ،وكان يحرره ال�شاعر الأ�ستاذ محمد العلي. كان مدير ًا لإدارة االمتحانات بتعليم ال�شرقية ،زرته في مكتبه ،و�سلمته ق�صة «الحلم» ،فن�شرها في الملحق
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
تجربتي في الق�صة
الأدبي. �أخذت �أت��ردد على الجريدة، وت� �ع ��رف ��ت ع �ل��ى ال �م �ح��رري��ن، وتعاونت مع الجريدة م�صححا لغويا .كان مبنى الجريدة يمتلئ كل م�ساء بالأدباء :محمد العلي، خليل الفزيع ،محمد ال�صويغ، عبدالكريم ال�سبعاوي ،محمد القي�سي, ع�ل��ي ال��دم�ي�ن��ي� ,إب��راه �ي��م ال�غ��دي��ر.. وغ �ي��ره��م؛ وي ��أت��ي ج� ��اراهلل الحميد �أحيانا� .أخذت �أكتب ق�ص�صا و�أن�شرها في ملحق الجريدة .كان ما يبهرني، ه ��ذه ال �ل �غ��ة ال �ج��دي��دة ف��ي الق�صة وال�شعر .انكببت كثيرا على ق��راءة �أغلب الإ�صدارات الأدبية الجديدة من بغداد ودم�شق وبيروت والقاهرة .كانت الكتب ت�صلني من �أ�صدقاء� ،أو كنت �أ�سافر ل�شرائها. ن�شرت ن�صو�صا في مجلة «كلمات» البحرينية ،وجريدة الريا�ض ،ومجلة اليمامة .و�أ�صبحت �أكرّ�س وقتي كها ٍِو لكتابة الق�صة .لكنني لم �أُق��دِ م على طبع مجموعة لظروف الن�شر والتوزيع ،وعدم رغبتي في ذلك .وقد خ�سرت الكثير من الن�صو�ص التي �ضاعت مع �أوراقي القديمة� ،أو في ال�صحف التي لم �أحتفظ ب�أعدادها. اجلوبة -ربيع 1434هـ
7
8
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
تجاوزني الوقت كثيرا ب�سبب �إهمالي لن�صو�صي .ول��م �أل�ت�ف��ت ل��ذل��ك �إال في وقت مت�أخر� ..إذ كنت محررا ل�صفحة «الطفل» في جريدة «القافلة» الأ�سبوعية التي ت�صدرها �شركة �أرامكو ال�سعودية، فطلبوا مني �إ�صدار مجموعة ق�ص�صية ل�ل�أط�ف��ال با�سم (ال �ه��دي��ة) ،بمنا�سبة اليوبيل الذهبي لل�شركة ،كهدية مجانية لمن�سوبي ال���ش��رك��ة .وق��د �شجعني �أن الطبعة الأولى �ستكون مائة وخم�سين �ألف ن�سخة توزعها ال�شركة بالمجان .كان ذلك عام 2004م ،وقد تم ذلك .وكانت �أول مجموعة ق�ص�صية �أُ�صدرها ،وهي مكر�سة للطفل. وم��ع تنقلي بين ال�صحف (ال�ي��وم، المدينة ،ال�ج��زي��رة) ،وتوقفي برغبتي �أو �إيقافي� ،أ�س�ست ع��ام 2000م موقع الق�صة العربية على ال�شبكة ،لأن�شر فيه ق�ص�صي وكتاباتي .غير �أن الموقع �سريعا ما انت�شر وتعملق؛ ما �شجعني على طباعة كتابين م��ن محتويات (�شبكة الق�صة ال�ع��رب�ي��ة) ،الأول «ق�ص�ص �سعودية»، بدعم من الأ�ستاذ خالد الروي�شان وزير الثقافة في جمهورية اليمن ،حيث دُعيتُ ، و ُك� ِّر َم الموقع ،و�سُ لِّمتُ خم�سمائة ن�سخة م��ن الكتاب .وق��د �ضم الكتاب �سبعين ن�صا لقا�صين �سعوديين .كان ذلك عام 2004م .وف��ي ع��ام 2011م� ،أ� �ص��درت الكتاب الثاني ل�شبكة الق�صة العربية بعنوان «ق�ص�ص عربية» ،طبع في م�صر بالتعاون مع دار �سندباد للن�شر والتوزيع. وق��د اح�ت��وى الكتاب على ( )135ن�صا ق�ص�صيا� ،شارك فيها كُتاب من جميع ال��دول العربية .كما طبعنا كتابا ثالثا بعنوان «نور�س وحيد» �سيرة وتحية لزميلنا
في موقع الق�صة العربية الأديب الكبير الأ�ستاذ �سمير الفيل� ،أعده ال�صحفي الالمع الزميل �إبراهيم حمزة. في عام 2008م� ،صدرت مجموعتي الق�ص�صية الثانية «الوجه ال��ذي من ماء» ،عن نادي حائل الأدبي ،من�شورات دار االنت�شار العربي ببيروت ،وفي عام 2009م �أ��ص��در ن��ادي ال�ج��وف الأدب��ي مجموعتي الثالثة «ق�ص�ص �صغيرة»، وهي المجموعة التي فازت في جائزة �أبها الثقافية عام 2010م .وكان �آخر �إ�صداراتي مجموعتي الرابعة (ج ي م) التي �صدرت عام 2012م عن دار �أثر بالدمام. ما �أزال �أتطلع �إلى كتابة الق�ص�ص، ولدي ن�صو�ص لم تن�شر ل�سبب �أو لآخر. و�أنا مت�شبث بالق�صة الق�صيرة ،و�أزعم �أن��ي �أول من كتب (الق�صة الق�صيرة ج��دا) في ال�سعودية؛ �إذ كتبت �إحدى ع�شرة ق�صة ق�صيرة جدا ن�شرت في ملحق (المربد) بجريدة اليوم بتاريخ 1976/4/10م ،و�أ�سميها (الق�صة ال�صغيرة) ،حيث تمثلها مجموعتي الق�ص�صية الثالثة «ق�ص�ص �صغيرة»، التي تحتوي على �ستة و�ستين ن�صا من هذا النوع. ترجمت بع�ض ن�صو�صي �إلى اللغتين الإنجليزية والفرن�سية في كتب و�صحف وم��واق��ع الكترونية ،كما نالت �إح��دى الطالبات درج��ة البكالويو�س بامتياز لترجمتها مجموعتي (الوجه الذي من ماء) �إلى اللغة الإنجليزية.
حديث الذات ..حديث الخيال كلمات في تجربتي الق�ص�صية ■ د .ح�سن النعمي -ال�سعودية
عندما كنت في الخام�سة� ،أخذتني �أمي �إلى بئر القرية ،حيث تجد الن�ساء وقتاً للثرثرة عن �أزواجهن ،الذين يتو�سدون من تعب الحرث والرعي �أذرعهم ،وينامون باكراً من تعب النهارات ال�صفراء.. كانت تلك اللحظة �أول وعي �أر�صده في ذاكرتي؛ فقد عرفت �أن لقريتنا ا�سم ًا كما للب�شر �أ�سماء، و�أن لها روح� ًا تميزها .ر�أي��ت حينها ام��ر�أة غريبة عن قريتنا ،تعانق �أمي ،وبعد التحايا� ..س�ألت �أمي عن ا�سم قريتنا .ردت �أمي بما ي�شبه اال�ستغراب، (قرية مندر العو�ص)� .أ�شكلت عليَّ الت�سمية .بعدها بحين �س�ألت �أمي ما معنى ا�سم قريتنا .قالت بما ي�شبه اليقين ،يا ولدي� ،إنها مكان والدة ال�شعراء. لم �أعرف ما معنى �شعراء ،فازداد الأمر تعقيداً. تطوّعت �أم��ي ب ��أن ت�شرح �أك�ث��ر ،ي��ا ول��دي قريتنا تقع ف��ي التقاء وادي العو�ص ب��وادي حلي ،ف ��إذا جاء ال�سيل انطلق الرجال والن�ساء ي�شربون من �أوله حتى ي�صبحوا �شعراء .منذ ذلك الحين بيَّتُ النية �أن �أ�صبح �شاعراً .في الم�ساء رجوت �أبي �أن يوقظني عندما ي�أتي ال�سيل ،وعالجت ده�شة �أبي التي بدت على محياه ب�أني �أريد �أن �أ�صبح �شاعراً، تب�سّ م �أبي ،ونمتُ على �أمل �أن �أ�صبح �شاعراً .لكن موهبتي انحرفت نحو الحكايات التي وجدتها منجم ًا ال ين�ضب عند جدتي .منذ ه��ذه اللحظة عرفت نكهة القرية بمعنى �آخر ،فقد وجدت عند جدتي قرية �أخ��رى ،لم �أجدها عند �أم��ي� ،أو حتى عند �أبي� .شعرت �أنني �أحب جدتي �أكثر� ،أو �أحب حكاياتها �أكثر .كانت جدتي تتو�سد عتبة الباب،
ترقب المارة وهم غ��ادون �إل��ى غاياتهم� .أم��ا �أنا، و�أنا ما زلت دون �سن الدرا�سة ،فكنت �أتو�سد ركبتها �أ�صغي �إلى حكاياتها .لم �أكن في الغالب بحاجة �إل��ى طلب حكاية ،بقدر ما كانت هي تبحث عن م�ستمع لها ،ي�شاركها عالمها .ال �أدري ما الذي كان يجذبني ،غير �أنني كنت �أجد عالمها �أكثر بريقاً، ورومان�سية� ..إن �شئتم. حدثتني عن �شموخ جبل طالن الذي �أعد لنف�سه متك�أ يرقب فيه موا�سم القرى ،حدثتني عن �أن القرية ال يتبدل حالها �إال �إذا نزل فايع من عقبة القرون� .س�ألتها من هو فايع ،لكنها �سبحت بعينيها ال�ضيقتين في �سماء القرية ،حيث ب��د�أت تتجمع �سحب ال�صيف .غير �أنني بعد �أن كبرت عرفت ما كانت تخ�شاه جدتي .وربما �أن التعبير بنزول فايع من القرون مجرد رمز لغرابة التحوّل الذي �سي�صيب القرية بعد ذلك .حدثتني عن �أ�سطورة الخ�ضر الذي عبر فوق جبين القرى حين �أجدبت، فهطل مطرها كما لم يهطل من قبل .حدثتني عن رجال عبروا القرية وتركوا تاريخ ًا خلف ظهورهم مملوء ًا بالأ�سرار ورحلوا .ال �أدري �إذا كان مهم ًا �أن اُ�سمي :يحيى بالبل ،وابن عنقب ،وم�شعان ،و�أبو نوا�س ،وبنت الوزير ،وحطابة ،لقد حدثتني عنهم، اجلوبة -ربيع 1434هـ
9
اجلوبة -ربيع 1434هـ
التي كانت �آمنة مطمئنة لم تعد كذلك .عندما بد�أت كتابة الق�صة ،كنت مدفوع ًا بفطرة الكتابة نحو القرية التي ت�شكّلت عبر واقع ع�شت طرف ًا منه فيما م�ضى ،كنت مدفوع ًا للتعبير عن القرية التي وجدتها مختبئة في حكايات جدتي .كانت مهمتي في المجموعتين الأولى والثانية كذلك هو البحث ع��ن ه��ذه القرية ،ث��م �إع ��ادة �إنتاجها ،م��ا جعلها تبدو خيالية غير ممكنة الحدوث ،رغم �أنها كانت حا�ضرة بقوة .كتب �أحد النقاد معلق ًا على تجربتي ب�أنها تجربة ت�سعى �إلى توظيف الأ�سطورة ال�شعبية. ما درى ذل��ك الناقد �أن ما ي��راه �أ��س�ط��ورة؟! كان واقع ًا معا�شاً ،و�أن ما يبدو �شكله عالم ًا غرائبي ًا هو حالة االنف�صام الجذري ،عن عالم لي�س ببعيد من الناحية الزمنية ،لكنه بعيد من الناحية المعنوية. روي��ت في ق�ص�صي عالم القرية كما الم�سته عيناي ،وكما �صاغته جدتي في حكاياتها ..كما ر�أي �ت��ه ف��ي �سواعد ال��رج��ال ،وف��ي حيوية الن�ساء وزغاريدهن وابتهاجاتهن .كنت �أبحث عن داللة
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
10
عن كيف جاءوا ،وكيف اختفوا؛ حدثتني عن المر�أة الحارثية التي ا�ستوطنت القرية حين ًا من الزمن، ج��اءت فاقدة عقلها ،ابتدعوا لها ا�سم ًا وحكاية. فقالوا �إنها مطلقة ،وكان ابنها وهو في الثالثة في ح�ضانتها عندما جاء �أبوه و�أخذه ،بينما كانت هي ترعى غنمها .عندما جاءت في المغيب ،لم ي�أت ابنها ال�ستقبالها كالمعتاد ،فلما �س�ألت �أخبروها ب�أن ابنها قد �أكله الذئب! حدثتني عن �صندلية التي �أ�صرت على �أن ال تعود حتى يتم ذبح م�سعود الذي �ألقاها في البئر .حدثتني عن الجن وال�سعالي، حدثتني حديث ًا لم �أجده في ال�سِ يَر ال�شعبية ،وال في �ألف ليلة وليلة ،بل قل كان لجدتي حكاياتها ،وهو ما جعلني �أعتقد �أنها لم تكن مجرد راوية ،بل منتجة للحكايات �أي�ضاً .حدثتني كثير ًا وك�ث�ي��راً ..حتى �أ�صبحت �أنوء بحملٍ من حكاياتها. حين بد�أت خطواتي الأولى في المدر�سة وجدت �صعوبة في الت�أقلم .فقد كانت الحكايات مخب�أة ف��ي ذاك��رت��ي ،كنت �أحُ ����سُّ �ه��ا تتثنى بين دف��ات��ري وكتبي ،كنت �أراها تتقافز �أمام قلمي .كنت �أهرب بعد الح�صة الأولى و�أذهب �إلى جدتي حيث كانت تجل�س ،وه��و ما جعل الع�صا تتلوى على ظهري. تعلمت ب�ع��ده��ا ك�ي��ف �أوف ��ق ب�ي��ن ح�ك��اي��ات جدتي وعالمي الجديد. كبرت وظلت الحكايات التي خب�أتها في ذاكرتي ت�شدني للطفولة وال�ق��ري��ة وج��دت��ي .ول�ع��ل ولعي بالكتابة بعد ذلك ب�سنوات يعود لرغبة دفينة في �إعادة القرية التي ع�شتها عندما كنت طفالً .كنت �أرى القرية تهرب من حكايات جدتي نحو عالم لم ت�ستطع الت�صالح معه .فقد هجر الأبناء �أر�ضهم وه��اج��روا وراء وهْ ��م الوظيفة ،كما تقاعد الكبار و�أ�سلموا كفاحهم للن�سيان� .أما الن�ساء ،فقد �سقطن �سهواً ،خلف ظلمة الجدران المعتمة. �أ�شعر �أن القرية التي كانت في ي��وم ما واقع ًا �أ��ص�ب�ح��ت خ �ي��االً .فحا�ضر ال�ق��ري��ة ل��م ي��ول��د من ما�ضيها ،بل جاء وافد ًا بكل ما له وما عليه .والقرية
الغياب التي �أورثتنا فاجعة الرحيل .رويت حكاية (مانع الأزدي) في عدم ت�صالحه م ��ع ال��م��دي��ن��ة ،وال � �م� ��ر�أة ال� �ح ��ارث� �ي ��ة ف���ي ت �م��رده��ا وبحثها ع��ن ذات �ه��ا ،وذل��ك في ق�صة (�آخر ما جاء في ال �ت ��أوي��ل ال� �ق ��روي) .روي��ت في ق�صة (وللحكاية نب�ض �آخ��ر) كيف تُهزم الأع��راف �أم��ام جبروت الحا�ضر ،بل �أم��ام الف�ضيلة الطوباوية، رويت حكاية نابت في ق�صة (حولية الفجر الخام�س) الذي حورب في �أر�ضه ،وفي لقمة عي�شه ،وفي هويته. تركت القرية للعي�ش في �أبها .ك��ان االنتقال تغيير ًا ف��ي ر�ؤي��ة الحياة �أك�ث��ر من ك��ون��ه ت�غ�ي�ي��ر ًا ل�ل�م�ك��ان ،ال �أزع��م �أن��ي �أحببت المدينة ف� ��ي ي � ��وم م � ��ا .ال �م��دي �ن��ة بالن�سبة ل��ي ف��ر���ص للعمل والترقي والتعليم ،ال �شئ غير ذل��ك .المدينة تفتقر لإن �� �س��ان �ي��ة ال �ح �ي��اة .نحب المدينة للعمل ،ال للحياة الطبيعية .كتبت في �إحدى ق�ص�صي ع��ن �أب �ه��ا( ..في مدينة مثلجة خلخالها من ال���ض�ب��اب ..وب��رده��ا �سيف ل�شهريار ..عاي�شت عالم ًا ج ��دي ��داً ..ر�أي��ت��ه ،ف�ضعت ي��وم� ًا ك��ام�لاً ..وج��اء ليلها يد�سني في ح�ضنها الأثير..
ومن زواياها العميقة �صنعت الدفء.. نادمت الخمول وا�ستكنت في حنجرة ال�ن��وم ال�ل��ذي��ذ) ،م��ن ق�صة بطوالت مانع الأزدي. في �أبها �أكملت تعليمي المتو�سط والثانوي .في هذه ال�سنوات تك�شفت ل��ي ع�ل��ى الأق� ��ل رغ �ب��ة ف��ي ال�ك�ت��اب��ة، ق��ر�أت ما لم يقر�أه �أقراني ،ا�ستمعت وا�ستمتعت ببرامج الإذاعة التي كانت ثرية �إلى حد كبير. ف��ي ح �ي��اة م�ع�ظ��م ال �ن��ا���س نقطة تحوّل ،تغير م�سار حياة ،وتخلق حياة. كنت ممن ك��ان��ت لهم ه��ذه الحالة. ببطء �شديد ،وبحزن �أكثر جاء مر�ض �أخ��ي الح�سين ال��ذي ك��ان ي�صغرني. كنت يومها في الأول ثانوي ،وهو في ال �ث��ان��ي م�ت��و��س��ط .ع��ان��ى م��ن مر�ض ال�سرطان ،وعانى �أبي و�أمي ما ال يمكن و�صفه .كنت �أكبر �إخوتي ..نُبتُ عن وال��دي في �سفره لعالج �أخ��ي ،كبرت قبل �أوان��ي .في لحظة تيقن منها �أبي ولم �أ�ستوعبها �إال بعد �سنوات ..رحل �أخي رحمه اهلل ،لكن كان قد ترك في نف�سي �أثر ًا غيَّر م�سار حياتي .اعتزلت الحياة والمدر�سة والأه��ل لأ�شهر قبل �أن �أع��ود لتلم�س طريق ًا ح�سبت �أني فقدته .ما �أثارني هو اللغة التي جرت على ل�ساني وام �ت��دت لقلمي .ب��د�أت �أكتب ما لم يكن معروف ًا في محيطي االجتماعي .اقترح �أحدهم على �أبي �أن يرقيني عند ال�شيوخ ،ف�أنا في نظرهم ق��د ح�ل��ت ب��ي لعنة ال�ع��زل��ة وال�ن�ف��ور، وا�ستبدلتها بمنادمة ال�ك�ت��اب .كان م�ساري الدرا�سي طبيعياً ،فلم يقلق والدي ،بل خ�ص�ص لي غرفة مجاورة
11
�إذا �أنت �أكرمت الكريم ملكته و�إن �أن�������ت �أك�����رم�����ت ال���ل���ئ���ي���م ت����م����ردّا
12
تحو ًال �آخ��ر ،حدَّد م�ساري في الكتابة الأدبية. ك�ت�ب��ت ق���ص��ة ع�ن��ون�ت�ه��ا ب��ـ «خ��ات �م��ة ال �م �ط��اف»، ا�ستح�سنها الأ�ستاذ ،وكانت بداية ن�شري للق�صة، وبداية م�سيرتي مع ال�سرد كتابة ونقداً .هل �أقول �إنني قد و�ضعت قدمي على الطريق .هذا ما �شعرت به ،لأني �شعرت ب�سيطرتي على ن�صي الق�ص�صي �أثناء الكتابة ،عك�س ال�شعر الذي �أج �دْتُ فيه ولم �أُخلَق له. ف��ي ع ��ام 1979م ال�ت�ح�ق��ت ب�ج��ام�ع��ة الملك عبدالعزيز ،ق�سم اللغة العربية ،حيث وج��دت �ضالتي من ال�ق��راءات المنهجية في عوالم اللغة والأدب .كانت �سنوات ال��درا��س��ة الأرب ��ع تعزيز ًا لقدراتي الإبداعية ،وتو�سيع ًا لمداركي المعرفية .ما �إن �أنهيت درا�ستي الجامعية حتى قدمت مجموعتي الأول���ى (زم��ن الع�شق ال���ص��اخ��ب) ال�ت��ي ن�شرها ن��ادي �أبها الأدب��ي في عام 1984م .قدمتني هذه المجموعة ب�شكل جيد للو�سط الثقافي .و�أج��رت جريدة عكاظ �أول لقاء معي ،وقبلها فُزتُ بجائزة ن��ادي الطائف الأدب��ي عن ق�صة «�سقوط الج�سر» عام 1982م .كل هذه المواقف ت�صنع انت�صارات اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
للبيت كانت عالمي فيما بعد. التحدي الذي واجهته لم يكن �إال تحدٍ نف�سي. �س�ألت نف�سي :هل ما �أمار�سه من ق��راءة وكتابة وعزلة �أم��ر ًا طبيعياً؟ قررت حينها �أن �أعر�ض ما �أكتب على طرف محايد .اخترت �أن �أن�شر بع�ض ًا مما توهمت �أن��ه �شعر في تلك المرحلة في مجلة (اقر�أ) في جدة .المفاج�أة �أن المادة ن�شرت .هذا الن�شر �أغراني باال�ستمرار .لكن كان في النف�س �شيء� .صوت جدتي يح�ضر كلما �أردت الكتابة، وك�أنها تقول :لماذا لم تبرني وتكتب حكاياتي؟! ومثلما كان موت �أخي تح ّوالً ،كان طلب �أ�ستاذ التعبير كتابة ق�صة تنتهي بهذا البيت:
ذاتية وتعزز الم�سار ،ربما انت�صارات ال ي�شعر بها الآخ��رون ،لكنها مهمة في تعزيز االهتمام الأدبي وتنميتة ..الق�ص�صي على وجه التحديد. ك��ان عليّ وق��د �أ�صبحت معيد ًا في ق�سم اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز �أن ا�ستعد للذهاب ف��ي بعثة درا�سية �إل��ى �أم��ري�ك��ا .ل��م �أك��ن م�سرور ًا بذلك؛ لأني بد�أت �أجد االهتمام النقدي والم�شاركة في الأم�سيات ،وهو عالم لذيذ وم�ألوف، بينما الذهاب �إلى �أمريكا مغامرة مجهولة .تغلب المنطق والواقع على رغبات القا�ص ،وكانت الرحلة الدرا�سية التي عدت منها وقد ك�شفت لي الجانب الآخر من الن�ص الق�ص�صي وهو النقد .تخ�ص�صت في الأدب ال��روائ��ي ،ودر��س��ت ال�سينما والم�سرح والفلكلور ،و�أخ ��ذت م��ن المعارف م��ا ا�ستطعت. عدت بعدها �أمار�س الكتابة نقد ًا وق�صاً .وجدت في النقد ما لم �أجده في الق�صة .فالق�صة حوار مع ال��ذات والعالم ،بينما النقد ح��وار مع الق�صة والعالم .والم�سافة بينهما -بالن�سبة لي -واحدة، �أحب الق�صة والنقد ،وال �أ�شقى �إال حين �أجدني قد ان�شغلت عنهما .ف�أنا دائم العهد بهما قراءة وكتابة. فبعد عودتي �أ��ص��درت مجموعتي الثالثة (ح�دّث كثيب ق��ال) ع��ام 1999م ،ول��دي رواي��ة مخطوطة بعنوان (العين ال�سحرية)� .أم��ا ف��ي النقد فقد �أ�صدرت كتاب (رج��ع الب�صر) ،وكتاب (الرواية ال�سعودية :واقعها وت�ح��والت�ه��ا) ،وك�ت��اب (بع�ض الت�أويل :مقاربات في خطابات ال�سرد) ،وغيرها من الكتب .ملأت الق�صة عالمي وا�شتغاالتي؛ فبت كائن ًا �سردياً .في الو�سط الثقافي �أ�شرف على «جماعة حوار» المعنية بالق�ضايا ال�سردية ،و�أر�أ���س تحرير مجلة «الراوي» التي تعنى بال�سرديات العربية .وفي الجامعة �أقوم بتدري�س مادتي ال�سردية المعا�صرة، والم�سرح لطالب الدرا�سات العليا. الأحالم كبيرة ،ومتعتها �أن كل ق�صة �أكتبها �أو �أقر�ؤها تب�سط الحياة �أمامي� ،إذ �أرى من خاللها ما قد ال يراه الآخرون.
خالد اليو�سف وم�شوار الق�صة الق�صيرة ■ قا�ص من ال�سعودية
جاءت الق�صة الق�صيرة من�ساقة مطواعة �إلى قلمي ،ال تكلفاَ وال بحثاَ وال اعت�سافاَ لمقدرتي في الكتابة الأدبية؛ فهي تعي�ش في دمي وخيالي وواقعي .فمنذ المرحلة االبتدائية ،وتجاربي في كتابتها لم تنقطع ،وبعد �أن عر�ضت �أول ن�صين �شعرت باكتمالهما ق�ص�صياَ على كاتب ومترجم عزيز عليّ من م�صر الحبيبة ا�سمه «طه حوا�س» ،رحمه اهلل� ،أقر و�أجاز كتابتي ،واعتبر خطواتي بداية لعالم وا�سع� ،سيدخلني �إلى عالم الإبداع ال�سردي ،وتنب�أ لي بم�ستقبل م�شرق �إذا ما وا�صلت الكتابة والقراءة واالطالع والتجديد ،و�أ�شار عليّ بالم�سرح؛ لأنه العمل ال�شامل ،كان ذلك في عام 1398هـ(1978م). لم �أكن جديد ًا في عالم الن�شر على �صحافتنا الأدبية ،فهي ت�ستقبل ق�صائدي وبع�ض مقاالتي وك�ت��اب��ات��ي� ،إال �أن الجديد �أن �أزوده���ا بق�صة ق�صيرة .فنُ�شر لي �أول ن�ص ق�ص�صي بعنوان: «وه ��م ال�م�ط��ر» ف��ي �صحيفة «ال �ج��زي��رة» ع��ام 1399ه � �ـ(1979م) ،ثم وا�صلت بين �صحيفتي «الجزيرة» و«الريا�ض» ،والتقيت وقتئذ الرائد والأديب الكبير الأ�ستاذ /عبدالعزيز الرفاعي، رحمه اهلل ،بعد ان�ضمامي �إلى المجلة المدر�سية «عالم الكتب» �أواخ��ر عام 1400ه�ـ (1980م)، وكان وجودي فيها كمحرر متخ�ص�ص في عالم المكتبات والمعلومات �أثناء درا�ستي الجامعية، ودار الحديث معه حول الكتابة الأدبية والإبداع وال �ن �� �ش��ر ،و�أخ� �ب ��ره �أ� �س �ت��اذي ال��دك �ت��ور يحيى
ال�ساعاتي �أني قا�ص و�شاعر ،فطلب مني ق�صة جديدة ،ففرحت و�أح�ضرت له ما بين يدي من جديد ..ف�أعجب به ،واختار ق�صة منها ،و�أخبرني �أنه �سير�سلها �إلى المجلة العربية ،ب�صفته ع�ضو ًا في الهيئة اال�ست�شارية لها ،الق�صة التي اختارها كانت بعنوان« :وجفت الأر���ض» ،وهي �أول ن�ص ق�ص�صي ين�شر ف��ي ال��دوري��ات ال�شهرية ،ولم يكتف ،رحمه اهلل بذلك ،بل ا�ستمر ي�س�ألني بين ِ وقت و�آخر عن الجديد ،وي�شجعني على موا�صلة الكتابة والن�شر ،طبع ًا تم ه��ذا �إ�ضافة له مع الأ�ستاذين عبدالرحمن المعمر ،والدكتور يحيى ال�ساعاتي. هذه البدايات ،المحتفية بكتابة ون�شر الق�صة اجلوبة -ربيع 1434هـ
13
اجلوبة -ربيع 1434هـ
�إال �أنَّ ع��ام ��ص��دوره��ا ��ص��ادف ب��داي��ة ذروة ح��رك��ة ال �ح��داث��ة ،وزع��زع��ة ال���س��ائ��د والمتفق عليه؛ الحداثة التي غيّرت في معالم وخرائط ومفاهيم و�أفكار ،بد�أت تتكون وتتبلور وتبرز على ال�ساحة الثقافية ،لكن �سرعان ما �أجهزت عليها بالفرقة والت�شتت ،وه��ي ال ت��زال ف��ي مرحلة التبرعم؛ ب�سبب تطرف م��ا تطرحه، �أو ع ��دم ال�ف�ه��م الحقيقي للحداثة� ،أو لتداخل �أوراقها مع معطيات الحياة الأخرى، وهي بداية تعددية الأ�صوات الكتابية والإبداعية والنقدية وال�ك�ت�ل�ي��ة ،وال� �ق ��ارئ لتلك ال�ف�ت��رة �سيرى �أن�ه��ا لي�ست ل�ل���ش�ع��ر ف �ق��ط ،و�إن� �م ��ا هي ك��ذل��ك للق�صة الق�صيرة، ما �أخرج �أ�سما َء وكتاباً ،كل واحد يريد الدفاع عن توجهه وكتابته ،ال�شعراء انق�سموا على �أنف�سهم ليكونوا �شعراء الق�صيدة العمودية الخليلية، و�شعراء ق�صيدة التفعيلة، و� �ش �ع��راء ق���ص�ي��دة ال�ن�ث��ر، ولكل فئة نقادها ومريدوها وم �ن �ظ��روه��ا وال �م��داف �ع��ون
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
14
الق�صيرة ،حفزتني لموا�صلة ن�صو�ص ًا ون ��دوات ودرا� �س��ات كتابتها ،ثم وجدت �أن عالمها و�شهادات لعدد من الكتـ ّاب؛ �أكبر و�أو�سع مما �أتوقع و�أتخيل، �إال �أن ال �م��واق��ف الم�ساندة فحر�صت جد ًا على قراءة كل لهذه الحوافز والمناف�سات هو ما يقع تحت يدي في الثقافة دخولي �إلى فريق عمل �إ�صدار والأدب ،ب��ل �سعيت القتناء ملف الق�صة ال�سعودية ،الذي م �ج �م��وع��ات ك �ث �ي��رة محلية �أ�صدرته مجلة «عالم الكتب» وع��رب�ي��ة و�أج�ن�ب�ي��ة ،ث��م ر�أي��ت ع� ��ام 1401ه � � � � � �ـ(1981م)، المناف�سة م��ن حولي ب�أقالم ث ��م م �ل��ف ج �م �ع �ي��ة ال �ث �ق��اف��ة �أ�صدقائي والجيل الجديد، وال�ف�ن��ون ،ال�ع��دد ال��راب��ع ،في وه��م :ع �ب��داهلل العتيق ،فهد رجب 1402ه �ـ (�أبريل /مايو العتيق ،عبدالعزيز ال�صقعبي ،تركي الع�سيري1982 ،م) ،وغيرهما. الجوهرة المزيد ،ح�سن النعمي� ،أحمد الدويحي، ت��م تتويج ه��ذه الحيوية الإب��داع �ي��ة بطلب ح�صة العمار ،خالد البليهد ،رقية ال�شبيب� ،أحمد المهند�س� ،سعد الدو�سري� ،شريفة ال�شمالن ،و�صلني من جمعية الثقافة والفنون بالريا�ض �صالح الأ�شقر ،عبداهلل بامحرز ،بهية بو�سبيت ،لإ�صدار مجموعتي الق�ص�صية الأول��ى ،فعكفت عبداهلل ال�سالومي ،عبداهلل الكويليت ،فوزية على اختيار ما يتنا�سب ن�شره في كتاب ،وكان العريفي ،عبده خ��ال ،نجاة عمر ،محمد علي بين ي��دي ح�صاد خم�س ��س�ن��وات م��ن الكتابة ال�شيخ ،مريم الغامدي ،علي ال�شامي ،قما�شة ال�ق���ص���ص�ي��ة ،وه ��ي ت��زي��د ع�ل��ى ( )60ق�صة ال�سيف ،م�سفر القحطاني� ،سهلي ب��ن �سهلي ق���ص�ي��رة ،وق��دم��ت للجمعية مجموعتي التي عمر ،الجوهرة الع�سعو�س ،جبرين الجبرين ،عنونتها «الجماجم تنخر من الداخل»� ،إال �أن فوزية الجاراهلل ،محمد ال�شمري ،عهود ال�شبل ،الإع�لام رف�ض العنوان ،فاخترت« :مقاطع من خ��ال��د ب��اط��رف��ي ،ن�ج��وى ها�شم وغ�ي��ره��م ،وتم حديث البنف�سج» عنوان ًا ب��دي�لاً ،ف ُقبِل ن�شرت لنا الن�شر المتوا�صل في ال�صفحات الأدب�ي��ة ،المجموعة الأولى ،التي احتوت على �سبع ع�شرة وه��ي ال�ن��اف��ذة ال��وح�ي��دة لنا جميعاً ،وات�سعت ق�صة ق�صيرة� ،صدرت مع بدايات عام 1404هـ المناف�سة حينما بد�أت الق�ص�ص تُن�شر ب�أ�سماء (1984م) ،وا�ستقبلت بحفاوة كبيرة ،ونُ�شر عنها كاتبات �سعوديات .وات�سعت الدائرة بعد اهتمام درا�سات وقراءات كثيرة في ال�صحافتين المحلية المتابعين من نقاد ودار�سين لتحليل ما يُكتب والعربية ،ولم ي�صدر حينها مجموعات ق�ص�صية ويُن�شر من ق�ص�ص جديدة ،وجاء الحافز الكبير من جيلي �إال الكـتّاب :عبداهلل ال�سالومي� /شروخ حينما �أ� �ص��درت ال�صفحات الأدب �ي��ة مالحق في وجه الإ�سفلت ،رقية ال�شبيب /حلم ،محمد خا�صة عن الق�صة الق�صيرة في المملكة ،ت�ضم علي ال�شيخ /العقل ال يكفي ،ح�سن النعمي/
زمن الع�شق ال�صاخب ،عبداهلل العتيق� /أكذوبة ال�صمت وال��دم��ار ،خالد باطرفي /العام ،24 عبدالعزيز ال�صقعبي /ال ليلك ليلي وال �أنت �أنا، �أحمد المهند�س /حبيتك بال�صيف.
عنها ،والق�صة الق�صيرة التي لم تتفتق �أكمامها بعد ،ت�أثرت بهذا االنجراف والفرقة وال�ضياع، وراء مدار�س نظرية �أو غير قابلة للواقع ،ف�أ�صبح هناك الق�صة الواقعية ،والق�صة التقليدية، والق�صة التجريبية ،وتحت هذه �أ�صناف و�أنواع، والق�صة اللغوية البنائية؛ �إال �أن الق�صة الق�صيرة حظيت ،فيما بعد ،بمتابعات نقدية عقالنية وواق �ع �ي��ة ،ح��رك��ة ن�ق��دي��ة ب�ع�ي��دة م��ن الإ� �ض��رار بالمنجز الإب ��داع ��ي ف��ي ب �ن��اء وح ��دة الق�صة الق�صيرة .وه ��ؤالء النقاد والدار�سون متعددو االت�ج��اه��ات والفهم ،وينتمون �إل��ى م��دار���س نقدية مت�أ�صلة؛ ف �ن��ال��ت ال �ق �� �ص��ة ال �ق �� �ص �ي��رة ال�سعودية اتفاق الجميع ،ور�ضي عنها كثير من المتابعين ،مثل: �سعد البازعي ،را�شد عي�سى، فايز �أب��ا ،من�صور الحازمي، ف � ��ؤاد ن���ص��ر ال ��دي ��ن ،محمود ال�ح���س�ي�ن��ي ،م �ح �م��ود رداوي، يو�سف نوفل� ،سعيد ال�سريحي، �أح �م��د ��س�م��اح��ة ،طلعت �صبح ال�سيد ،عبدالرحمن �شل�ش، �أمل ال�صباغ ،محمد ال�شنطي، ن �� �س �ي��م ال� ��� �ص� �م ��ادي ،ن���ص��ر عبا�س� ،سباعي عثمان ،خالد ال �م �ح��ام �ي��د ،م�ح�م��د ال�ط�ي��ب، مختار الك�سار ،عالي القر�شي، حامد بدوي وغيرهم. مرت هذه المرحلة بالن�سبة ل��ي ب��رواف��د �أخ� ��رى� ،إذ كنت اجلوبة -ربيع 1434هـ
15
16
جيلنا هو جيل الثمانينيات الميالدية� ،أو ما بعد الأربعمائة للهجرة� ،إال �أن �ه��م لي�س كل م��ا ذك ��رت ،ول�ك��ن ف��ي ن�صفه الأخير جاءت �أ�سماء عا�شقة للق�صة الق�صيرة ،وبح�ضور مناف�س ،واقتدار �أدبي ،وتمكن ف �ن��ي ،و�إح �� �س��ا���س �إب ��داع ��ي، وتاريخي ًا وفني ًا لهم امتداد طبيعي وه ��م :عبدالحفيظ ال�شمري ،جبريل �أبو دية ،ليلى اجلوبة -ربيع 1434هـ
�أ�� � � �ص � � ��درت م �ج �م��وع �ت��ي الق�ص�صية ال�ث��ان�ي��ة «�أزم �ن��ة ال� �ح� �ل ��م ال� ��زج� ��اج� ��ي» ع ��ام 1407ه� � �ـ(1987م) ،و�صاحب ع ��ام � �ص��دوره��ا ���ص��دور ع��دد م���ن ال��م��ج��م��وع��ات ال �ث��ان �ي��ة ل �ك �ت �ـّ��اب م ��ن ج �ي �ل��ي ،وه ��م: رق �ي��ة ال�شبيب ،محمد علي ال�شيخ ،خالد باطرفي ،ح�سن ال �ن �ع �م��ي ،ع� �ب ��داهلل م�ح�م��د ح�سين (ال�سالومي)� ،أحمد المهند�س� ،سعد الدو�سري، وعبدالعزيز ال�صقعبي. �أم� � ��ا ال� ��ذي� ��ن �أ��� �ص� ��دروا مجموعاتهم الأولى من الجيل ن�ف���س��ه ف �ه��م :ع�ب��دال��رح�م��ن
وب �ع��د �سنتين م��ن العمل ال� �ت� �ح ��ري ��ري ال� �ث� �ق ��اف ��ي ف��ي ج��ري��دة «ال �م �� �س��ائ �ي��ة» ال��ذي عمق االهتمام ل��ديّ بالق�صة الق�صيرة كتاب َة ون�شراً ،لي�س في م�سيرتي الخا�صة ،و�إنما في ال�ساحة المحلية كافة؛ �إذ �إن��ي �سعيت �إل��ى التركيز على ن�شر الن�صو�ص الق�ص�صية ودرا�ستها ،ومناف�سة ال�صحف الأخ � ��رى ال �ت��ي ت���ض��ع ال�شعر ف��ي � �ص��در ��ص�ف�ح��ات�ه��ا ،ب���أن ت�ك��ون الق�صة الق�صيرة في � �ص��در ال�صفحة الأول� ��ى من ال�م�ل�ح��ق .وه���ذا ج��دي��د على ال�ساحة ال�صحافية ،بخالف ن�شر ال �ق��راءات وال��درا� �س��ات
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أت� �ع ��اون ف��ي ن���ش��ر ال �ل �ق��اءات الأدب�ي��ة مع ال�شعراء والكتـ ّاب وال �م �ف �ك��ري��ن ف ��ي �صحافتنا المحلية ،وب�خ��ا��ص��ة �صحيفة ال��ري��ا���ض ،ث��م ال �ج��زي��رة ،ثم المجلة العربية ،ونُ�شر لي في ه ��ذه ال�م��رح�ل��ة �أول �أع�م��ال��ي الببليوجرافية ،التي حللت فيها المجلة العربية بك�شاف �شامل، ول��م ت�ن�ت� ِه ه��ذه ال �خ �ط��وات �إال بان�ضمامي للعمل ال�صحافي ف��ي الجريدة الم�سائية ،التي ب� ��د�أت م��ن خ�لال �ه��ا مناف�سة ال �� �ص �ح��ف الأخ� � ��رى بالن�شر الإبداعي الق�ص�صي ،والتركيز ع �ل �ي��ه ،ال� �س �ي �م��ا ب �ع��د ت �ع��اون الأ�ستاذ را�شد عي�سى بالكتابة النقدية المنتظمة ،والمتابعة القرائية للإنتاج الإبداعي.
الأحيدب� ،سعود الجراد ،خالد خ���ض��ري ،يو�سف المحيميد، بدرية الب�شر� ،أميمة الخمي�س، فهد الم�صبح� ،أحمد �إبراهيم ي��و��س��ف ،ع �ب��داهلل ال�سحيمي، عبدالرحمن الدرعان� ،أمجاد محمود ر�ضا ،عقيلي الغامدي، عمرو العامري ،فاطمة ح�سين ب��ن ط��ال��ب ،ف��وزي��ة ال �ج��اراهلل، محمد من�صور مدخلي ،منيرة الغدير ،لطيفة ال�شعالن ،نجوى غ��رب��اوي ،وف��اء الطيب ،تركي ال�ن��ا��ص��ر ال �� �س��دي��ري ،قما�شة العليان.
الدرعان ،بهية بو�سبيت ،فهد العتيق� ،شريفة ال�شمالن ،فهد الم�صبح� ،أح�م��د الدويحي، عبده خ��ال� ،صالح الأ�شقر، علي الحبرتي ،عبداهلل محمد ح�سين (ال�سالومي) ،عمرو العامري ،وهناك من �أ�صدر مجموعته الأول ��ى والوحيدة ح �ت��ى الآن ،وه � ��م� :أح �م��د �إبراهيم يو�سف ،وفاء ح�سن منور ،نجوى ها�شم� ،سليمان ال �� �ش��راري ،ت��رك��ي الع�سيري، نجوى م�ؤمنة.
ع ��ن ال��ت��ج��ارب وال �ك �ت��اب��ات الق�ص�صية ،وب��داي��ة ن�شر ال �ب �ب �ل �ي��وج��راف �ي��ا الأدب� �ي ��ة ال�سعودية ،التي من خاللها تابعت حركة الن�شر والإنتاج الأدب � ��ي ال �� �س �ع��ودي ل��ر��ص��ده وح�صره ،والكتابة عنه ،وبعد ذل ��ك ،ج��اء ال�ع�م��ل ال�شامل والأع� �م ��ق م��ن خ�ل�ال ن��ادي الق�صة ال�سعودي-هذا الق�سم ال�صغير من اللجنة الثقافية في الجمعية العربية ال�سعودية للثقافة والفنون منحته الكثير والكثير م��ن �أج��ل علو وبناء مكانة كبيرة للق�صة عامة في المملكة العربية ال�سعودية- والذي من خالله انطلقت من كتابتي الخا�صة �إل��ى الكتابة ال�ع��ام��ة ،وال �ح��راك ال�سردي ف ��ي ال �م �م �ل �ك��ة ،وم���ن خ�لال��ه ت��م التفاتي �إل��ى ن�شر الكتب ودوري��ة ال��واح��ات الم�شم�سة، و�إقامة الأم�سيات الق�ص�صية، وال� �ن ��دوات وال �م �ح��ا� �ض��رات، وتفعيل الم�سابقات ال�سنوية في كتابة الق�صة الق�صيرة، و�إن �� �ش��اء م��رك��ز ال�م�ع�ل��وم��ات والمكتبة ،وربط النادي بغيره من الأندية الم�شابهة عربياً، ونزعت كل نجاح لي لأن يكون با�سم ال �ن��ادي ،ل�ه��ذا قدمت
17
اجلوبة -ربيع 1434هـ
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
18
ك��ل م��ا �أم�ل��ك م��ن كتب خا�صة الثالثة�« :إليك بع�ض �أنحائي». بي – المجموعات وق�صا�صات وف � ��ي ه � ��ذه ال� �م ��رح� �ل ��ة ك ��ان ال�صحف وال�م�ج�لات والكتب التناف�س بين �أبناء هذا الجيل النقدية -لهذا النادي؛ فجاءت قوياً ،فقرر عدد منهم �إ�صدار النتائج باهرة ومفرحة ،وتنبئ مجموعته الق�ص�صية الأول��ى ع��ن تفاعل كبير م��ن الو�سط بعد �أن ت��أخ��ر كثير ًا ف��ي جمع ال�سردي والثقافي ،وخرجتُ من ن�صو�صه الق�ص�صية ،وت�صاعد النادي وهو في قمة نجاحه. ال�ت�ن��اف����س ف��ي ك�ت��اب��ة الق�صة الق�صيرة ون���ش��ره��ا ف��ي ه��ذا ف��ي ب��داي��ة ه��ذه ال�م��رح�ل��ة، العقد ،وخرجت �أ�سماء جديدة �أ� �ص��درت كتابي (ال��را� �ص��د)، ت�ستحث الأول ��ى للموا�صلة �أو وه� ��و :ب �ب �ل �ي��وج��راف �ي��ا را� �ص��دة حا�صرة للق�صة الق�صيرة في المملكة العربية التراجع ثم التوقف �أو التحول �إلى كتابة �أخرى، ال���س�ع��ودي��ة خ�ل�ال ع���ش��ر � �س �ن��وات 1400ه� � �ـ -فعزمت على �إ�صدار مجموعتي الرابعة «امر�أة ال 1410ه� �ـ ،وه��ذا الكتاب ج��اء بعد مغامرة في تنام» عام 1419هـ(1999م). �إ�صداره ون�شره وطباعته على ح�سابي ال�شخ�صي، �أثناء هذه الفترة 1420 -1419هـ (-1999 و�أح��دث لدي قلق ًا من عدم ا�ستقباله والإقبال 2000م) كانت الثورة التقنية المعلوماتية في عليه ل�شدة خ�صو�صيته ،لكن بعد م�ضي الوقت ب��داي��ة وه�ج�ه��ا ..فجذبتني لال�ستفادة منها، فوجئت �أنه تحول �إلى مقرر و�أداة ومفتاح لكل ف�أ�س�ست موقع ًا على �شبكة «الإن�ت��رن��ت» تحت دار�سي الق�صة الق�صيرة في ال�سعودية ،والكل عنوان« :الرا�صد» لخدمة ال�سرد ن�ص ًا و�أخبار ًا يطلبه ويبحث عنه ،بعد �أن تخل�صت من ن�سخه وم�ت��اب�ع��ة ،وق��د تلقته ال�ساحة ب��ال�ق�ب��ول ،على الكثيرة ب��الإه��داءات والتوزيع الرغم من توا�ضع الإمكانات المجاني ،وقد فتح عليّ باب ًا في ال�ف�ن�ي��ة� ،إال �أن م��ا ي�شفع لي موا�صلة البحث الببليوجرافي ال�م��ادة العلمية التي تتجدد، وطرح درا�ساته وبحوثه ون�شرها وال�م�ت��اب�ع��ات ال�ت��ي ك�ن��ت �أزود لكي تخدم الدار�سين ل�ل�أدب القراء بها ،وب�سبب عدم التفرغ ال���س�ع��ودي ،وبخا�صة الق�صة فني ًا و�إداري� ًا توقف بعد عامين ال �ق �� �ص �ي��رة ال �ت��ي ت���ص��اع��دت م��ن الن�شاط ال��رائ��د ف��ي هذا الر�سائل الجامعية عنها. المجال ،ثم ان�ضممت للتعاون في المجال نف�سه مع الأ�ستاذ في عام 1414ه� �ـ(1994م) �أ�صدرت مجموعتي الق�ص�صية جبير المليحان ،عند ت�أ�سي�س
موقع الق�صة العربية ،وكذلك �أ�س�ست موقع ًا وهو ما ح�صل كذلك لهذا الكتاب الذي اعتمد با�سم نادي الق�صة ال�سعودي يخت�ص بكل �أعماله عليه ع��دد من هيئات التدري�س في جامعاتنا ون�شاطه ،وا�ستمر ت�أكيد عملي وخطواتي البحثية ال�سعودية. في مجال الببليوجرافيا؛ ف�سخرت كثير ًا منها ومع بداية العقد الجديد 1432ه �ـ(2011م) لكتـ ّاب الق�صة ال ��رواد ،ف�أخرجت ع��دد ًا منها �أ�� �ص ��درت م�ج�م��وع�ت��ي ال�ق���ص���ص�ي��ة ال���س��اب�ع��ة ونُ�شر في الدوريات المحلية� ،إ�ضافة �إلى توا�صلي مع عدد من المطبوعات العربية لإ�صدار ملفات وع�ن��ون�ت�ه��ا ب �ـ «ي�م���س��ك ب �ي��ده��ا ..وي �غ �ن��ي» ،مع خا�صة بالق�صة ال�سعودية ،ب��ل �إن القائمين موا�صلة كتابتي ون�شري للجديد من الق�ص�ص على الدوريات الأدبية محلي ًا وعربي ًا �أ�صبحوا الق�صيرة والق�صيرة ج��د ًاَ ،التي نالت مزيد ًا يتوا�صلون معي ويكلفونني بهذه المهمة بعد من االهتمام في مجموعتيّ الأخيرتين ،ثم مع نجاح الملفات ال�سابقة ،مثل دورية الراوي ،التي بداية ه��ذا العام 1433ه� � �ـ(2012م) ،ها �أن��ذا ي�صدرها ن��ادي ج��دة الأدب��ي ،وق��د اتفقوا على �أج ��دد ال�ح��ر���ص وااله �ت �م��ام ب��إن���ش��اء �صفحات تر�شيحي �ضمن هيئة التحرير وعملت معهم فترة تهتم بالق�صة الق�صيرة ف��ي ال�سعودية عبر من الزمن. موقع :الفي�سبوك العالمي ،تحت م�سمى ‘‘نادي ف��ي ال �ع��ام 1429ه� � �ـ (2008م) �أ� �ص��درت الق�صة ال�سعودي’’ ،لي�ضم الن�صو�ص الجديدة مجموعتي الق�ص�صية ال�ساد�سة ،التي عنونتها بـ والقراءات والأخبار والتوا�صل بين كتاب الق�صة «المنتهى ..رائحة الأنثى» ،لت�ؤكد ع�شقي وم�ساري ومحبيها وع�شاقها ،وحث الأجيال للتوا�صل فيما ال��ذي خططت له في م�شروعي الق�ص�صي .ثم بينها ،وبخا�صة مَ ن توقّف �أو انقطع من جيلي، �أ�س�ست لعملٍ مرجعيٍ كبير ،ا�ستنفر �أربعة �أعوام جيل 1400ه � � �ـ(1980م) ،وق��د ب��د�أت تد�شينه من العمل المتوا�صل ،حتى �صدر مع بداية عام و�أول خطواته بن�شر بدايات الق�صة الق�صيرة 1430ه� �ـ (2009م) ،وه��و ك�ت��اب« :انطولوجيا ف��ي ب�ل�ادي ،م��ن خ�لال الكتـ ّاب والمجموعات الق�صة الق�صيرة في المملكة العربية ال�سعودية: وال��دوري��ات ،م�ستفيد ًا من تقنيات كثيرة .ولعل ن�صو�ص و�سير» مع مقدمة تاريخية فنية .وهذا ال���ص��ورة �أه��م و�أ� �س��رع و�سيلة ت�خ��دم ثقافتنا، الكتاب خال�صة جهد متوا�صل من خالل تجربة �إ��ص��دار الملفات الخا�صة بالق�صة الق�صيرة فكانت مرافقة لعدد م��ن الكتابات .وتت�سابق في ال�سعودية ،وت��وات��ر مكان �صدورها داخلي ًا الخطى والطموحات من �أجل الق�صة الق�صيرة وخارجياً ،من مطبوعات ودوري��ات متخ�ص�صة في بلدي ،و�أملي �أن انتهي قريب ًا من كتاب يخ�ص بالأدب والثقافة ،وتم �إقرار عدد منها كمراجع الق�صة الق�صيرة كذلك ،وهو‘‘ :معجم الإبداع وم�صادر في درا�سة الأدب ال�سعودي؛ الحتوائها الأدب��ي في المملكة العربية ال�سعودية :الجزء على مادة ثرية وغنية للباحث والدار�س والناقد ،الخا�ص بالق�صة الق�صيرة’’.
19
ّ الذاكرة وال ّتجربة وال ّتكوين ■ الأديبة الأردنية :د�.سناء ال�شعالن
المعتاد والتّقليدي �أن يتحدّث المبدع عن تجربته من زاوي��ة الأر�شفة والجرد والتّ�صنيف والعر�ض ،وهذا �أمر ي�شبه التعليب وجدولة المواعيد ،وال عالقة له �أبداُ بج�سد الإبداع .ولكنّني �أ�ؤمن بعمق ب�أ ّن الحديث عن الإبداع ال يكون �إ ّال بالإبداع نف�سه ،تماماً كما ال يكون الحديث عن الأخالق �إ ّال بممار�ستها ،وهكذا تتحوّل من فكرة �إلى حقيقة. الإبداع بالإبداع
20
الج ّد المن�سي ،وال ت�شبه الجدّة ال�شّ مطاء ،نكاية بالأم �أ�سماها الأب �سناء؛ لتذكّره بحبِّ بائد من الزّمن الغابر ،ونكاية بالأب �أ�سمتها الأم �سناء لتحب�س ذكرياته في وجه ابنتهما ،ونكاية بالأب والأم �أ�سمت الطّ فلة نف�سها �سونا؛ لأنّها تكره الأ�سماء التي على �شاكلة كلمة مواء!
بالق�صة ّ الق�صة �إ ّال ال �أفهم البوح عن فن ّ ذاتها ،تمام ًا كما ال نفهم الحديث عن الحياة �إ ّال بالحياة� ،أو معاينة مغامرة الموت �إ ّال بالموت نف�سه؛ ولذلك ال �أرى جدوى من التنّزه في عوالم الق�صة؛ فذلك عبث بحت؛ �سناء بعيد ًا ع��ن ّ حكاية ()2 الق�صة �أر�� ٌ�ض م�ضيّعة �صمّاء ف�سناء بال دروب ّ بال خرائط� .سناء المبدعة والإن�سانة هي جمع ال�صغيرة ك��ان��ت �أل�ع��وب��ة الجميع، الطّ فلة ّ حكايا متالطمة ال�سّ رد ،متواترة الت�أثير فيَّ وفي وال�ج�م�ي��ع ك��ان��وا �أل�ع��وب�ت�ه��ا ،و ّزع� ��وا مالمحها منجزي الإبداعي كامالً. و�صفاتها بمنطق المحا�ص�صة على ك ّل �أف��راد الأ�سرة ،حتى �أنّها كانت ت�شبه الدّاية �أم محمود حكاية ()1 بقدرتها على ز ّم �شفتيها كلّما انزعجت� ،إ ّال هما كانا بال ذاك��رة تمنّي ،عندما وهبهما ابت�سامتها الدّائمة لم ي�ستطيعوا �أن يعرفوا لها الزّواج هدية فوريّة �إجباريّة ،ا�سمها �سناء .على مورثاً؛ فعق ُد الحاجبين تقلي ٌد �أ�سريٌّ ووطنيٌّ ّ�س! لذلك كانوا كلّما �أرادوا �أن يُ�ضحكوها عجل ،اختارا �أن تكون الهدية ذكر ًا يحمل ا�سم مقد ٌ الجدّ ،ومالمح الجدّة نزو ًال عند رغبات مزوّرة يحزنوها ب�شدّة ،فتخدعهم وت�ضحك بقوة كلّما بتخليدهما ،فكانت الهدية فتاة ،ال تخلّد ا�سم �أحزنوها! فكبرت مراوِغة لك ّل الم�شاعر؛ تبكي اجلوبة -ربيع 1434هـ
حكاية ()3 ال�صغيرة ذات طباع الطّ فلة ّ غريبة ،ترى ما ال يُرى ،وترتطم بالحائط؛ لأ ّن �ه��ا ت�صمّم على �أنّ هناك باب ًا فيه ،ي�أخذونها �إل��ى طبيب ال�ع�ي��ون لي�ضع لها نظارة ت�صحيح ب�صر ،فيعطيها الطّ بيب ب��دل ذل��ك ح�ل��وى من ال � ّن��وع ال� �رّديء ج�ب��ر ًا لخواطر الكبار ال لخاطرها ال�ف��والذي غير القابل للك�سر ،واع�ت��ذار ًا لهم عن �صحّ ة ب�صرها! في الم�ساء ،تحدِّ ث والديها ع��ن ال � ّذي��ل الم�شعور ال � ّرط��ب ال��ذي تملكه �إح��دى قريباتها، وع� ��ن ف� �ك ��يّ ال� �ق ��ر� ��ش ال��ذي��ن يملكهما ال�ج�دّ ،وع��ن الأطفال الذين �أكلتهم �أمّنا الغولة التي ت�سكن ال��طّ ��اب��ق ال�ع�ل��وي ،وعن دعوة حفل الرّبيع التي و�صلتها من الج ّد �سنفور بيدي �ضفدع �أزرق ،وع��ن زع�ن�ف��ة ال�سّ مكة التي تملكها في ج�سدها ،وعن الأقزام الذين تربّيهم �س ّر ًا في خزانة المطبخ ،فيقرّر الأب �أن
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
حكايتي مع كتابة الق�صة الق�صيرة
عندما تفرح ،وت�ضحك عندما ت �ح��زن ،وت ��أت��ي عندما ت�غ��ادر، وت �غ��ادر ع�ن��دم��ا ت���أت��ي ..ففرح الأه��ل بهذه الطّ فلة الم�سلّية، و�ضحكت كثير ًا لهم ،ولم يدروا �أنّ �ضحكها بكاء!
طبيب عيون �آخر ي�أخذ خم�س َة دن��ان�ي��ر ب��دل دي �ن��اري��ن ،ولكنّه يجيد عالج ابنته ذات العينين المري�ضتين ،والحكايا الحوالء، وتبحث لها ال�ج�دّة الهبلة عن حجاب عين! �أمّا الأم فت�شتري لها قلم ًا ودفتر ًا لتكتب ما تراه وال يراه الآخرون؛ فهي تعلم �أنّ �سونا �ستكتب من دون توقّف. حكاية ()4 ال�صغيرة تنعم بحبٍّ الطّ فلة ّ عري�ض ،وبح�شد من الأمهات، فماما ماما تعني والدتها ،وماما (ت�ي�ت��ا) تعني ج��دت�ه��ا ،وم��ام��ا (خالتو) تعني خالتها الوحيدة �أو زوجة خالها الكبير التي تحبّها ح ّد التعلّق ،وماما �صباح تعني ال �ج��ارة ال�شي�شانيّة الجميلة، وم��ام��ا ال �غ��ول��ة ت�ع�ن��ي ك� � ّل تلك الأمهات عندما تغ�ضب منهنّ ، وماما الطّ يّارة تعبير ت�صف به ك� ّل ام��ر�أة ال تحبّها ،فت�شبّهها بال�سّ احرة ال�شّ ريرة التي تطير على مكن�سة ،في�ضحك النّا�س؛ لأ ّن �ه��م ال ي�ع��رف��ون معنى كلمة ط�� ّي��ارة ،وت�ضحك ه��ي لأ ّن �ه��م ال ي �ع��رف��ون م�ع�ن��ى م ��ا ت �ق��ول، وتتوعدها الأم بالعقاب لو�صفها النّ�ساء بالطّ يارات ،ثم كعادتها ال تعاقبها؛ لأنّها تكون م�شغولة ي�أخذها �إلى بال�ضحك ال�سّ ري من كلمات ابنتها ال�شّ قي ّة عن ّ اجلوبة -ربيع 1434هـ
21
حكاية ()5 ح�شد �أم�ه��ات�ه��ا ي ��ؤم��نّ بها، ماما ماما تحكي لها الق�ص�ص، وت�صدّق ك ّل حكاياها الكاذبة، ماما (خالتو) ت�سمح لها ب�أن تف�سد ك ّل ترتيب بيتها ومطبخها لت�صنع م��ا ع�ل��ى ه��واه��ا ،كي تعبّر ع��ن ذات�ه��ا بك ّل الأ�شكال حتى بالفو�ضى ،م��ام��ا �صباح ت�ؤكّد �أنّ عينيها الزرقاوين هما ه�ب��ة م��ن ال �ج �ي��ران ال�شّ ي�شان وال�شرك�س ،ولذلك فقد ورثت ب�ه�م��ا ك� � ّل ح �ك��اي��ا ��س��ر��س��وق��وا ون ��ارت ،وحظيت ب��ر�ؤي��ة مائيّة للأ�شياء ب��دل ر�ؤي��ة �صحراويّة جافة ،وماما ال�شّ يطان هي من تطاردها في �أحالمها ويقظتها، وتنفث في نف�سها ق�ص�ص ًا لم تع�شها ،لكنّها تجيد الحديث عنها ،وقول ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ،يبخّ ر ماما ال�شّ يطانة، ولكنّ ق�ص�صها تظّ ل عالقة في خيالها حتى تمليها على والدتها في دفتر �صغير ،فهي ال تجيد الكتابة وهي ذات خم�س �سنين، وق�ص�صها ال تجيد االنتظار حتى تكبر لتكتبها.
22
ينتهي االجتياح ،ويوزع الموت م�ج��ان� ّي� ًا ع�ل��ى ك�� ّل فل�سطينيي مخيم �صبرا و�شاتيال ،وت�شرع قنوات التلفزة ببث �أفالم عربية ع��اط�ف� ّي��ة تنتهي بقبل فمويّة ممطوطة ،ومو�سيقى رومان�سيّة غير منا�سبة ل�ل�أح��داث .وتظ ّل �أك �ف��ان م��وت��ى ��ص�ب��را و�شاتيال تطاردها ،تتخيل الموت ي�سكن �ستائر البيت ،فال تنام وال تدع �أح��د ًا ينام ،فيكون الخيار �أن ت�صبح الجئة عاطفيّة في بيت خالها حتى تن�سى �أكفان الموتى الملطّ خة بالبيا�ض!
يطول المقام في بيت خالها، ين�سى الجميع الأك�ف��ان �إ ّاله��ا، تكت�شف �أ ّن�ه��ا تخاف الأك�ف��ان، لأ ّن �ه��ا �أج �� �س��اد ب�لا وج ��وه وب�لا م�ل�ام ��ح ،ت �� �ش��رع ت �ت �خ � ّي��ل لها وجوهاً ،وتتخيّل للوجوه حكايات ت��روي �ه��ا لأت��راب �ه��ا م��ن �أط �ف��ال الأ� �س��رة ،في�أن�س الأط �ف��ال بما حكاية ()6 ي�سمعون ،وت�ك��ف الأك �ف��ان عن ه��م يعتقدون �أ ّن �ه��ا �أ�صغر م��ن �أن تخاف ،مطاردتها في اليقظة ،وت�سكن �أعماق �أحالمها ّ وال�صهاينة يريدونها �أن تخاف و�أن يخاف للأبد.
اجلوبة -ربيع 1434هـ
تتعلّم الكتابة وال �ق��راءة ف��ي �أ�شهر قليلة، المعلمات ي�سمين هذا ذكاء� ،أمّها ت�سمّيه وراثة جينية ،ولكّنها تعلم �أنّ الحكاية هي ال�سّ بب؛ فهي تريد �أن يتحرّر قلمها من �سيطرة �أمّها لتكتب ما ت�شاء ومتى ت�شاء ،من دون �أن تنتظرها ال�صبر حتى تنتهي من �أعمالها المنزليّة بفارغ ّ المو�صولة ،لتملي عليها ما تحا�صره طوال النّهار في نف�سها من حكايا قد تتفلّت وتهرب قبل �أن تحب�سها في ورق��ة �أثيرة ،تجيد �أن ترتبها في مكانها في الدّرج الوحيد في خزانتها الخ�شبيّة الخ�ضراء القديمة. حكاية()8 العالم ي�صبح �أرحب عندما تم�سك بالقلم ،وتبد�أ بالكتابة. تكت�شف �أنّ العالم كلّه م�صنوع من مادة الحكاية ،لذلك تفهم العالم بمنطقها ،وتتعامل معه وفق منطق ال�شّ خو�ص والزّمان وال �م �ك��ان وال �ع �ق��دة وال� �ت� ��أزم والح ّل والر�ؤّية واللغة .ك ّل �شيء له حكاية ،وهي تتقنها؛ ولذلك تح�صل على ع�لام��ات كاملة ف��ي جميع ال�م��واد؛لأ ّن�ه��ا م��واد تجيد الحكايا� ،أمّا الريا�ضيات فتخفق فيها دائماً! لأنّ الأرقام ال تحبّ الحكايا ،ولها منطق �آخر ال تفهمه! حكاية ()9 ال��طّ �ف �ل��ة ال ��ّ��ص �غ �ي��رة ،لها
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أيّ �شيء �آخر!
الجميع ،و� �ش��ارون ي�خ��اف من الدّم ،ولذلك يقتل وهو مغم�ض العينين ،و�شبكات التلفزة تبثّ ب�شكل مبا�شر م��ذاب��ح �صبرا و� �ش��ات �ي�لا ،وه ��ي ت �� �ش��اه��د ك � ّل التّفا�صيل بفزع �صامت.
حكاية()7
ع��ادات غريبة ،ولها دفتر �أزرق �صغير ب�رّاق ال�غ�ط��اء ،تجمع فيه الكلمات ال�ج��دي��دة التي ت�سمعها ،وال ت �ع��رف م�ع�ن��اه��ا ،ول �ك��ن تُعجب بجر�سها المو�سيقي ،تردّدها كثير ًا بفرح حتى ت�ألف لفظها.بع�ضهم يرجّ ح �أنّ الطّ فلة مجنونة، الأم الخالة ت��راه��ن على م�ستقبلها الم�شرق الفيّا�ض بالمُنى ،ووالدتها ت�شرح لها معاني الكلمات المو�سيقيّة التي تجمعها بفرح مَ ن يجمع �أ�صداف ًا من بحيرة م�سحورة ،وال تعنيها �آراء الن�ساء الطّ يارات! حكاية ()10 ال�صغيرة تح�صل الطّ فلة ّ ع �ل��ى ج �م �ه��ور م ��ن ال� �ق� �رّاء ل�ق���ص���ص�ه��ا ،ال��ت��ي تنتجها ب �ط��ري �ق �ت �ه��ا ال �خ��ا� �ص��ة وم��ن م�صروفها المدر�سيّ بطريقة التبادل الحرّ؛ فمقابل �أن تقر�أ �صديقاتها ومعلماتها وزوج��ة خ��ال�ه��ا و�أم��ه��ا و�أت��راب �ه��ا في الأ�سرة ق�ص�صها ،فهي تعطي ��ش�ط��ائ��ره��ا ل�صديقاتها في المدر�سة ،وتظ ّل بال طعام في وتكف اال�ستراحات المدر�سيّةّ ، ع��ن ��ش �ق��اوت�ه��ا ف��ي الح�صة لإر� �ض��اء معلّماتها ،وتنظّ ف المطبخ ال��ذي د ّم��رت��ه دم��ار ًا �شام ًال في بيت زوجة خالها، وتنظّ ف �سجادة ال �رّده��ة في البيت �إكرام ًا لأمّها ،وتتنازل ع��ن زع��ام��ة ع�صابة �أط �ف��ال الأ�سرة البنة خالها! اجلوبة -ربيع 1434هـ
23
وم��ن يثبت بالدليل القاطع ب ��أ ّن��ه ل��م يقر�أ الق�صة بعد �أن تهاجمه بالأ�سئلة عيار �أر�ض جو، ّ فهي تُعلن عليه حرب ًا طفوليّة ال تعرف هوادة �أو ال�صغير �أو الكبير وفق �صلحاً ،وت�صفه:بالحمار ّ درجة غ�ضبها منه! حكاية ()11
24
ت�شارك في الم�سابقة ال�سنويّة ب��رواي��ة لها بعنوان «عازفة القانون» عمرها عندئذ ال يتجاوز العا�شرة ،تظ ّل ت�س�أل �أ ّم�ه��ا ك � ّل ي��وم �إن كانت القاهرة قد ات�صلت بها؟ الأم تومئ بالنّفي، وتقول لها قد يفعلون ذلك غداً .وتنتظران مع ًا غد ًا الذي ي�أتي من دون ات�صال من القاهرة، ه��ي ال ت�ع��رف ل �م��اذا ل��م تتحّ قق حكايتها مع القاهرة� ،أ ّم��ا �أمّها التي رافقتها حتى البريد المركزي في و�سط عمان القديمة ،ودفعت ثمن ال��طّ ��رد الم�ستعجل ال��ذي حمل م�شاركتها في خم�س ن�سخ مطبوعة �إلى القاهرة ،فتعرف �أنّ ال ات�صال �سي�أتي من جائزة عربية عريقة ي�شترط �أن يكون عمر المت�سابق فيها ف��وق الأربعين، وترف�ض م�شاركات الأطفال الطّ امحين للحكاية ال�صغيرة ذات الأعوام الع�شر! مثل ابنتها ّ
ال�صغيرة تحبّ الكلمة بك ّل تجلياتها؛ الطّ فلة ّ تحبّها مكتوبة ب�شكل حرفيّ � ،أو مغنّاة ب�شكل �صوتيّ � ،أو مر�سومة على لوحة .تجيد الرّ�سم ك �ث �ي��راً ،وع�ن��دم��ا تُعييها ال�ك�ل�م��ات ،تر�سمها تفا�صيل على مالمح وجوه من تر�سمهم .تتجادل والدتها وزوجة خالها كثير ًا في طور التخمينات حكاية ()13 لم�ستقبلها ،الأم تراها ر�سّ امة �شهيرة ،وزوجة حكايتها الجديدة �أنّها خلعت ج�سد الطفلة، الخال تراها روائ� ّي��ة مجيدة ،وه��ي تبحث عن مبراة لقلمها ،وال ت�أبه بهذا الجدال المكرور .ولب�ست ج�سد امر�أة ..ك ّل �شيء فيها غدا �أكبر� ،إ ّال عينيها؛ فهما لم ت�صبحا �أكبر ،ولكنّهما �أ�صبحتا حكاية ()12 �أ�ش ّد عُ مقاً ،غدت تجيد �أن ترى الحكايا في ك ّل الطّ فلة ّ ال�صغيرة تحقّق ك � ّل م��ا تحلم به مكان ،تراها على الجدران ،في ظالل الأج�ساد، بمنطق الحكاية ،فتهب وتحرم وتنتقم وتع�شق في �سيرة النّظرات ،في تقا�سيم الأي��دي ،في وتبكي وت�ضحك وتن�سى وتتذكر وتمر�ض وت�شفى جغرافيا ال�شَّ عر ،ف��ي ح�سي�س ال �ح��روف ،في وتزور وتهجر بمنطق الق�صة ،حتى �أنّها تنتقم رائحة الأج�ساد ،في نب�ض الأماكن .دائم ًا هناك بالق�صة؛ فالذين تكرههم تحيك لهم حكايا حكاية ،وهي تجيد �أن ت�شمّها� ،أن تح�سّ ها� ،أن اجلوبة -ربيع 1434هـ
حكاية ()14
حكاية ()16
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�شريّرة ،والذين تحبّهم ت�صنع لهم حكايات ذات تغريبات هالليّة وق�صائد طلليّة ،والقاهرة التي تع�شقها �ستزورها عندما تفوز بجائزة المجل�س الأعلى للثقافة والفنون في حقل الرّواية ،هذه هي الحكاية التي حاكتها عن زيارتها الم�أمولة للقاهرة.
تذوقها� ،أن تكتبها .دائم ًا هناك حكاية ،بع�ضهم ي�سميها ق��ا��ص��ة ،و�آخ� ��رون م��وه�ب��ة ،وغيرهم ي�سميها مجنونة ،ولكنّها تعرف �أنّها تملك عينين تجيدان الر�ؤية خلف ال ّر�ؤية ..وهذا �س ّر �سعادتها الملغزة! ول�سعادتها حكاية �أي�ضاً.
ك � ّل �أق��داره��ا؛ فهذه حكايتها ،ام ��ر�أة تتحقّق تع�ضها! حكاياتها ،و�أحيان ًا تهاجمها ،وكثير ًا ما ّ وغالب ًا ما ت�صيبها ب�صداع ال�سّ رد والتّفا�صيل ال�صغيرة التي تتقن �أن تجمعها بمهارة من ّ ك� ّل مكان ،وتد�سّ ها بهدوء وتكتّم في جعبتها ب�صخب م�ؤجّ ل. ٍ ال�سّ حرية! وتغادر
الحياة هزيمة كبرى ،وهذه الحكاية الأولى في عُ رفها ،وكي تنت�صر على الهزائم كلّها ..ال للحكاية حكاية �أي�ضاً؛ فالحكاية مراوغة تنقطع تكتب الحكايا .من الهزيمة �صنعت �أطواق م��دالع مغناج ،ال ت�ستطيع �أن ت�ستدرجها �إ ّال النّجاة؛ ومن الموت �صنعت ب�شر ًا ال يموتون؛ وفي بالخديعة العذبة ،كلّما �أرادت �أن تكتب �أوهمت الفقد زرعت �أطراف ًا ال تبتر ،و�أع�ضاء ال تعطب ،نف�سها ب�أنّها خارجة في موعد ،فتلب�س جديدها، ووه �ب �ت �ه��ا ل �ك � ّل ال�م�ح��روم�ي��ن وت �ت �ع��طّ ��ر ،وت �ت��ز ّي��ن ،وتحمل وال�م�ن�ك��وب�ي��ن ،ب�ع��د �أن نبتت الورق الأزرق ،والقلم ال�سّ ائل �أحالم ًا وفر�ص ًا جديدة؛ ومن الأزرق ،وت� �ه ��مّ ب��ال �خ��روج، �سنابل الجوع �صنعت بطون ًا ال فتندلق الحكايا عليها بنزقٍ تعرف ال �خ��واء؛ وم��ن عناقيد ط �ف��ول��يّ ت��رج��وه��ا �أن تذهب الحرمان جدّلت جدائل الألفة م �ع �ه��ا ،ف �ي �ك��ون � �ش��رط �ه��ا �أن وال�سّ كينة والحبور .هي ال تملك تكتبها قبل ال�خ��روج؛ فتوافق غير الحكاية ،تهبها مجان ًا لك ّل الحكايا مجبرة مقهورة� ،أمّا �سائل �أو حزين �أو باحث عن �إن لم ترد �أن تكتب ،فما عليها طريق ،تزرعها تحت مخدّتها، �إ ّال �أن تعلن �أ ّن �ه��ا ل��ن ت�غ��ادر وت�ن��ام بعد �أن تتعوّذ بها من ال �ب �ي��ت ،و�أ ّن��ه��ا �ستجل�س في يم�س ال�شّ ر ال��ذي ال يمكن �أن ّ �سريرها غير مهندمة ك�صورة ام��ر�أة تتمتر�س خلف ف�ضيلة بال �ألوان �أو �إطار ،حتى تهرب الحكاية! ك ّل الحكايا نحو العدم! حكاية ()15
ال��ذي��ن ل��م ي� ��أت ��وا حقيقة ا�ستولدتهم قهر ًا في حكاية، الذين ما ك��ان يجب �أن ي�أتوا نفتهم �إلى حكاية بعيدة جداً، عليها فقط �أن تكتب لتتغيّر
ه �ك��ذا ه��و ع��ال �م �ه��ا ،بحر فيه م � ّد وج��زر م��ن الحكايا، ووحدها من ت�ستعذب الغرق والنجاة فيه! ووحدها الحكاية من تهبها �سبب ًا جديد ًا ك ّل يوم لت�ستيقظ من نومها! اجلوبة -ربيع 1434هـ
25
■ �صالح القر�شي -ال�سعودية
«كلنا خرجنا من معطف غوغول» العبارة ال�شهيرة لدي�ستوف�سكي،لكنني عرفت ت�شيخوف قبل �أن �أعرف «غوغول» ومعطفه ال�شهير.عرفت «ت�شيخوف» في مرحلة مبكرة ،و�أ�صابني بالكثير من الده�شة .وهكذا ,قدم الرو�س الرواية والق�صة الق�صيرة كما لم يقدمها �أحد �سواهم .ولعل كثيرا ممن ع�شقوا هذين الفنين يدينون للأدب الرو�سي العظيم بالف�ضل الكبير. و�إذا كانت ال��رواي��ة هي ابنة المدن والمجتمعات الكبيرة ،فالق�صة الق�صيرة هي �صديقة الإن�سان ،حتى لو كان وحيدا ،ال ي�صاحب �سوى النجوم وبع�ض الأغنام التي يرعاها �أو يحر�سها في منطقة مهجورة ..والإ�شارة هنا �إلى ق�صة «�صوت الليل» التي كتبتها هي الأخرى في مرحلة مبكرة من حياتي ،ثم �أعدت تنقيحها لأن�شرها في موقع «ج�سد الثقافة» وبعد ذلك في مجموعتي الق�ص�صية الأولى «ثرثرة فوق الليل».
26
قلت �إن الرواية هي ابنة المدن؛ لأنها تتناول عبده خال «مدن ت�أكل الع�شب». المجتمعات وت �ح��والت �ه��ا ،فيما تبقى الق�صة وال ��ش��ك ل ��دي ،ف��ي �أن ��س��ر ّ ع�ظ�م��ة الفنون الق�صيرة تتلم�س ال�ف��رد الإن���س��ان ال��ذي يجمع ال�سردية هو �أنه ال يمكن ت�أطيرها بنظم وحدود «الروبل على الروبل» ،ليح�صل على معطف جديد و�أ�س�س وق��وان�ي��ن ..هي فنون م��راوغ��ة ال تتوقف في ال�شتاء؛ وعندما يحقق حلمه ،ويح�صل على عن �أن ت�أتي بالجديد والمختلف؛ ولهذا ،ال يمكن المعطف ،يفقده في �أول ي��وم� ..أم��ا محلي ًا فقد مطلقا الحديث عن قواعد خا�صة بكتابة الق�صة كانت ال�صحف والمالحق الثقافية و�سيلة مهمة الق�صيرة ..لكن هنالك �شيئا واح��دا مهما في لقراءة الكثير مما كان يقدمه كتابنا وكاتباتنا ..ن�ظ��ري ال�م�ت��وا��ض��ع ..وه��و م��ا ي�ف��رق بين تمثال عبده خال مثال ،ما �أزال �أتذكر تفا�صيل بع�ض وبين �إن�سان حي ..الحياة داخل الن�ص �أو داخل ق�ص�صه ال�ت��ي ق��ر�أت�ه��ا ف��ي تلك ال�م��رح�ل��ة ..ما الق�صة ..و�إال �ستكون الق�صة مجرد قالب جامد �أزال �أتذكر تلك الق�صا�صة التي اقتطعتها من ال ينب�ض وال يتحرك .ولهذا ،ربما يبقى �أمثال �إحدى ال�صحف ،وهي ق�صة بعنوان (وا�صب قل ت�شيخوف وغوغول مثيرين ومهمين ومده�شين و�أمعني ) ..وهي ق�صة عن فتى جنوبي يهرب �إلى حتى الآن ،ذلك �أن ق�ص�صهما تمتلئ بالحياة. ال �أت��ذك��ر ب�شكل ج�ل��يّ م�ح��اوالت��ي الأول���ى �أو جدة ..وبالمنا�سبة فهذه الق�صة هي نواة رواية اجلوبة -ربيع 1434هـ
ولهذا ،ال �أدري كيف تكون بداية الحديث عن الكتابة ..هل تكون عن ع�شق الكتابة نف�سها؟ �أم عن حلم الكاتب في داخلي؟ �أتذكر �أنني كنت �أ�صمم �أغلفة كتب لم �أكتبها بعد ،ولن �أكتبها فيما بعد ،دواوين �شعر ،وروايات، �أ�سماء و�أ�سماء ال �أكثر من ذلك. �أت��ذك��ر �أي�ضا �أنني كتبت ق�صة بولي�سية في مرحلة مبكرة من عمري ،وربما فعلت ذلك مت�أثرا بالمغامرين الخم�سة الذين كنت �شغوفا بتتبع حكاياتهم «توفيق ولوزة ونو�سه ومحب وعاطف». لعلي وقتها كنت في الثانية ع�شرة من عمري.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
رحلتي مع الق�صة الق�صيرة
ق�ص�صي الأول��ى ،وكم يحزنني �أنني فقدت ذلك الدفتر «المزرك�ش» الذي كنت �أ�ضع بداخله الكثير م��ن خ��واط��ري و�أف �ك��اري وذك��ري��ات��ي ف��ي مرحلة المراهقة وال�شباب الأول.
الأيام ،وللهموم اللذيذة التي كانت تدفعني لكتابة رومان�سية حالمة.. لكنني م��رة واح��دة ،وف��ي المرحلة الثانوية، ن�شرت �شيئا با�سمي الحقيقي ،من خالل مجلة كانت ت�صدر كل �أربعاء مع جريدة ال�شرق الأو�سط، وكانت تقدم �شبه م�سابقة للق�صة ت�شرف عليها كاتبة من �سوريا ..وكم كنت �سعيدا عندما ن�شرت ق�صتي على �صفحتين ،مع ر�سومات جميلة ،وتعليق من تلك الكاتبة ت�شيد بالق�صة ..هذه الق�صة هي ق�صة «في �سيارته» ،ولعلها �أقدم ق�صة ن�شرتها في مجموعة بعد ذلك ،لأن كل ق�ص�ص تلك الفترة �إما مفقودة� ،أو �إنني ال �أرغب في ن�شرها. �أ�شعر الآن �أن ق�ص�صي الأول��ى �أو «حكاياتي» الأولى ،كانت موغلة كثيرا في الذاتية ،كان يكفي �أن �أغ�ضب من والدي �أو والدتي لأكتب حكاية عن الوحدة والحزن والقيود� ،أو �أن �أ�شعر بالحنق على مادة اللغة االنجليزية ،ف�أكتب ق�صة عن المدر�سة ومعلم الإن�ج�ل�ي��زي ،ال��ذي يتباهى بلوي ل�سانه بطريقة م�ضحكة.
وفي مقابل �أحالم ال�صحو والمنام تلك ،كنت �شديد الخجل من �أن �أواجه �أحدا بكتابة تخ�صني، فكل ما �أكتبه يبقى حبي�س تلك الدفاتر ال�صغيرة. وكان هذا االنف�صام ي�ؤلمني كثيرا ،لماذا �أخ�شى حكاية مع �شبكة الإنترنت �أن يتعرف الآخ��رون على ما �أكتب؟ لماذا يحم ّر وجهي هكذا ،حين يعثر �أحدهم على �أحد دفاتري نافذة الإنترنت ،النافذة ال�سحرية كما كنت تلك؟ �أ�سميها ،عالجت م�شكلتي مع الخجل؛ فمن خاللها ا�ستمر ذلك الخجل يملأني حتى بعد �أن كبرت امتلكت الجر�أة �أن �أعر�ض كتاباتي على �آخرين، ونلت �شهادتي الجامعية ،فكانت �أول وظيفة عملت و�أطالع ر�أيهم من دون �أن يحم ّر وجهي. بها بعد بطالة م�ؤلمة ا�ستمرت لأكثر من �سنة ،هي قبل ف�ضاء الإن�ت��رن��ت -وك�م��ا �أ�سلفت -كنت العمل كمنفذ �صفحات في جريدة عكاظ ،وربما �أرا�سل بع�ض ال�صحف بطريقة متباعدة ،لكنني لهذا كنت عندما �أرا�سل بع�ض ال�صحف ا�ستخدم لم �أ�سع �أبدا �إلى التعرف على مجموعة �أدبية� ،أو ا�سما م�ستعارا بدال من ا�سمي. محاولة تقديم �إنتاجي من خالل نادٍ �أدبي مثال. فعلت ذلك في ملحق «دنيا الثقافي» بجريدة ولكن ،مع «النت» كان الأمر مختلفا تماما ،لم �أكن عكاظ ،وفي ملحق «الأربعاء» بجريدة المدينة ،بحاجة �إلى �أن يقدمني �أحد. وعندما �أنظر الآن �إلى بع�ض الق�صا�صات لدي جربت الكتابة -في البداية -با�سم م�ستعار.. من تلك الفترة ..ي�صيبني حنين ج��ارف لتلك ون���ش��رت بع�ض الق�ص�ص ال�ت��ي وج���دَ تْ الكثير
اجلوبة -ربيع 1434هـ
27
اجلوبة -ربيع 1434هـ
الرواية والق�صة بعد مجموعتي الق�ص�صية الأول��ى ب�سنوات ،ن�شرت روايتي الأولى «بنت الجبل» ،ثم الرواية الثانية « تقاطع» ،ورغ��م �شغفي بالرواية كتابة وقراءة� ،إال �أنني لم �أقطع عالقتي بالق�صة الق�صيرة «الحب الأول» ،وما �أزال �أكتبها، و�أ�شعر بالقلق الكبير والحزن عندما يمر وقت طويل من دون �أن �أ�ستطيع كتابة ق�صة جديدة.. وقد ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الثانية عن طريق نادي ال�شرقية الأدب ��ي ،وكانت بعنوان «�أي��ام». ولديَّ الآن مجموعتان جاهزتان ل �ل �ط �ب��اع��ة� ،إح��داه��م��ا خ��ا��ص��ة بالق�صة الق�صيرة ج��دا ،وهو نوع من الكتابة الق�ص�صية التي �أحبها كثيرا.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
28
م��ن ال�ث�ن��اء ،كما وج��دت الكثير من النقد �أي�ضا ..ح�صلت من خ�لال ه��ذه ال�ن��اف��ذة ال�سحرية على كثير م��ن الآراء المفيدة والقيّمة ،وتعرفت م��ن خاللها على تجارب ق�ص�صية لمجموعة من المهتمين بالق�صة مثلي. ف�� ��ي ال� � �ب�� ��داي�� ��ة ،وج�� ��دت �صدفة موقعا الكترونيا با�سم «الزومال» ..كان قد �أ�س�سه �أدباء �شباب بداية من �صاحب الموقع عبداهلل التعزي.. �أر�سلت له ق�صة ..فن�شرها ف � ��ورا وا���ض��ع��ا ا� �س �م��ي ك ��أح��د القا�صين ال�سعوديين ..ووجدَ ت الق�صة كثيرا من الثناء ..كانت ق�صة « ثرثرة فوق الليل». ف��ي الفترة نف�سها تقريبا.. ت�ع��رف��ت ع�ل��ى م��وق��ع م�ه��م ج��دا، ول �ع��ب دورا ك�ب�ي��را ف��ي تر�سيخ ثقافة �إلكترونية و�أدب �ي��ة راقية ومحترمة� ..إنه موقع «ج�سد الثقافة».. �شاركت بداية با�سم م�ستعار ..ن�شرت مجموعة م��ن الق�ص�ص ب�ه��ذا اال� �س��م ..وك ��ان للترحيب الجميل الذي ح�صلت عليه من م�شرفي الق�صة وقتها الأ�ستاذين �سعيد الأحمد ،وبدر ال�سماري، دافعا مهما لأن �أ�شعر �أنني وج��دت القناة التي يمكن من خاللها �أن �أن�شر ما �أريد ،و�أن �أح�صل على كثير من التوجيه القيِّم والمفيد ..فكان �أن قررت دخول الموقع با�سمي الحقيقي ،كما اتخذ قرار ًا مماث ًال -في الوقت نف�سه تقريبا -الروائي عوا�ض الع�صيمي ،الذي كان ي�شارك �أي�ضا با�سم م�ستعار ..وكذلك الأديبة الأردنية رقية كنعان..
ال �شك �أن «ج�سد الثقافة» �شكَّل نقل ًة نوعية؛ فمن خالله ت�ع��رف��ت �إل ��ى كثير م��ن الأدب���اء ال�شباب ..تعرفت على كتابتهم �أوال ..ث��م تعرفت -بعد ذل��ك- على بع�ضهم �شخ�صيا ..ووجدت من خالل الموقع ما كنت افتقده من حوار �أدبي وتوا�صل جميل.. ذل��ك �أن ك��ل �أ��ص��دق��ائ��ي خ��ارج ه��ذا العالم االفترا�ضي ،كانوا قليال ما يهتمون بم�سائل �أدبية وبخا�صة الق�صة الق�صيرة. تعرفت بعد ذل��ك على موقع الق�صة العربية-الحلم الكبير وال �ج �م �ي��ل -وال� ��ذي ت �ح��ول �إل��ى م��ؤ��س���س��ة �أدب �ي��ة ع��رب�ي��ة فاعلة بقيادة الأديب جبير المليحان.. ف�شاركت في الموقع ..ون�شرت العديد من الق�ص�ص التي نال بع�ضها اال�ستح�سان م��ن خالل تعليقات متنوعة م��ن �أ�شخا�ص ال تربطني بهم معرفة �سابقة.. ولعل ميزة موقع الق�صة �أنه حقق التوا�صل الأدبي العربي ،ربما �أكثر بكثير مما فعلت وزارات الثقافة العربية ..فقد كانت التعليقات والم�شاركات ت�أتي من �أدب��اء من م�صر والمغرب العربي والخليج العربي وبالد ال�شام. بعد �أك �ث��ر م��ن �سنة م��ن ن�شر ق�ص�صي في المواقع الأدبية الإلكترونية ،وبعد ن�شر كثير من ق�ص�صي في ال�صحف والمجالت الأدبية ،و�صلت �إل��ى قناعة �أنني لكي �أدخ��ل مراحل �أخ��رى من الكتابة ،ف�إنني ال بد من �أن �أُلقي بمرحلة �سابقة وراء ظهري ،وهكذا ق��ررت �أن �أن�شر مجموعتي الق�ص�صية الأول��ى ،من �أج��ل التوثيق �أوال ،ومن
�أج ��ل االن �ط�ل�اق �إل ��ى مرحلة كتابية جديدة ومختلفة. �أخذت المجموعة �إلى فرع وزارة الثقافة بمكة المكرمة، للح�صول على الف�سح ،لكنهم.. وبعد �أكثر من �شهر �أبلغوني �أن المجموعة ال يمكن ف�سحها، من دون �إبداء �أ�سباب مقنعة، فقررت حينها م�ضطرا �أن �أبدِّ ل ا�سم المجموعة م��ن (ق�شرة م ��ن ال �ك��اك��و) �إل� ��ى (ث��رث��رة ف��وق الليل) ،لكي �أتمكن من ف�سحها مجددا بعد طباعتها خارجيا ،وكانت ال�صدمة �أن الدار �أر�سلت لي كامل الكمية المطبوعة ل�ك��ي �أت��ول��ى �-أن��ا بنف�سي -م�س�ألة التوزيع ،وهو الأم ��ر ال��ذي ال �أتقنه تماما، ورغم هذه ال�صدمة التوزيعية، �إال �أنني كنت �سعيدا جدا بهذه ال�م�ج�م��وع��ة ،وب��ذل��ت ج�ه��ودا كبيرة لكي �أبعث ن�سخا منها �إل� ��ى ك �ث �ي��رٍ م��ن الأ���ص��دق��اء، وال �ن �ق��اد ،والأن��دي��ة الأدب �ي��ة، وال �� �ص �ح��ف ،وك ��م ه��و جميل �أن �ه��ا ن��ال��ت ا�ستح�سان كثير ممن طالعوها ،وكتبت عنها ال�صحف بع�ض التقديمات الجميلة. الخال�صة� ،أن تجربة الن�شر رغم كل م�شاكل التوزيع ،كانت تجربة مفيدة جدا ،بل ورائعة، وم ��ا زل ��ت �إل� ��ى الآن ..كلما نظرت �إل��ى مجموعة «ثرثرة
ف��وق ال�ل�ي��ل» ��ش�ع��رت بكثير من الحب تجاهها.
لتبقى الكتابة دائ�م��ا �أ�شبه ب�م�ح��اول��ة م�ستمرة ل�ل�إم���س��اك بالحياة� ،أق��اوم الزمن والحزن من خاللها� ،أو كما قال الروائي ال�ل�ب�ن��ان��ي ال�ك�ب�ي��ر رب �ي��ع ج��اب��ر: «الوقت يمحو والأدب يتذكر». اجلوبة -ربيع 1434هـ
29
■ طاهر الزهراين -ال�سعودية
قبل الكتابة ,كنت �شغوفاً بالق�ص�ص والحكايات� ،سمعاً وقراءة ،كانت جدتي (حمامة) حفظها اهلل ,ه��ي �أول حكواتي عرفته ف��ي حياتي؛ كانت تحكي لنا ق�ص�ص القرية، ق�ص وال رقيب؛ بهذا علمتني وق�ص�ص ال�سعالي والغيالن ،وكانت تحكي لنا من دون ٍّ فن الق�ص والك�شف وتوظيف الكلمات..ثم كانت هناك �أ�شرطة ت�أتي من بيروت تق�ص علينا بع�ض الق�ص�ص ،وكان بها بع�ض الم�ؤثرات ال�سمعية والمو�سيقية. لكن ت�شجيع الوالد لي على القراءة التقليدية ،وتوفير الكتب ،كان له �أعظم الأثر في حياتي ب�شكل عام ،وفي الكتابة ب�شكل خا�ص .وكانت عندنا وما تزال مكتبة عظيمة تحوي كل الفنون الإن�سانية ،ومنها �أل��ف ليلة وليلة ،و�أ�ساطير �شعبية لعبد الكريم الجهيمان ،وق�ص�ص مترجمة ،والكثير من ال�سير والتراجم..
30
كنت في كل مرحلة �أق��ر�أ الق�ص�ص التي تنا�سبها ،لكني لم �أقر�أ الق�صة ب�شكلها الفني النا�ضج� ،إال بعد اطالعي على �أعداد كثيرة من مجلة العربي الكويتية ،والمجلة العربية، �سواء المترجم منها� ،أو ما كتب بل�سان عربي مبين� ،أذك��ر� :سومر�ست م��وم ،عبدالحميد جودة ال�سحار ،نجيب محفوظ؛ و�أذك��ر �أني قر�أت ل «موم» مقاال في مجلة العربي �إن لم تخُ نِّي الذاكرة ،عن كتابة الق�صة الق�صيرة، ومما قاله� :إن الإن�سان حتى يكتب ق�صة ال بد �أن يوفر �أربعة �أ�شياء :ورقة ،وقلم ،وفكرة جيدة ،وتفاحة! ثم كانت قراءة مو�سّ عة في الأدب العربي اجلوبة -ربيع 1434هـ
والفرن�سي والرو�سي ،وك��ان الأدب الرو�سي �أدب ًا عظيم ًا وم�ؤثر ًا جداً. كنت �أبحث عن بع�ض العناوين وال �أجدها ف��ي ال�م�ك��ات��ب ،ل�ك��ن مكتبة ج��ام�ع��ة الملك عبدالعزيز كانت حديقة عظيمة ل�ل�أدب، �أجد فيها كثير ًا من العناوين العظيمة ،كانت تحوي على كثير من النتاج الرو�سي العظيم.. �أما بالن�سبة للكتابة ،فقد كتبت الق�صة الق�صيرة في وقت مبكر جداً� .أتذكر �أن �أول ق�صة كتبتها كانت �أيام الثانوية ،وكان ذلك �إث��ر م�سابقة نظمها المركز ال�صيفي الذي كنت م�شارك ًا فيه �أثناء الإجازة؛ �صحيح �أني لم �أ�شارك في تلك الم�سابقة ،لكنها كانت
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
تجربتي في كتابة الق�صة الق�صيرة
ال��داف��ع لي لكتابة �أول ق�صة. بعد ذلك كانت هناك محاولة لكتابة بع�ض الن�صو�ص ،وكانت متوا�ضعة ،كان بع�ضها يحكي بع�ض هموم النا�س ..كنت فقط �أك �ت��ب .حينها ل��م يكن هناك �إن �ت��رن��ت وال م�ن�ت��دي��ات ،كنت �أكتب فقط ،و�أغ�ل��ب ما �أكتبه مبتور ،ولم �أكن حري�ص ًا على تطوير ما �أكتب ،ولم �أتوا�صل مع مهتمين بال�سرد والفن ،ثم �صاحبَ ذلك انقطاع طويل. بعد االنقطاع ،داهمتنا ثورة معلوماتية هائلة؛ �أال وهي ثورة الإنترنت� .أذكر �أني كتبت ق�صة بعنوان�( :أج�ساد بال �أرواح) وبعثتها لموقع الق�صة العربية الذي ي�شرف عليه القا�ص الجميل جبير المليحان ،كنت �أنتظر ن�شر الق�صة في الموقع ،لكني ُ�صدمتُ بعدم الن�شر ،وقد ذكر لي الأ�ستاذ جبير م�شكور ًا المبررات ،وكان هذا �أول انتقاد ي�صلني من قا�ص خبير ومتمر�س. البداية الفعلية لي في كتابة الق�صة الق�صيرة كانت في منتدى ج�سد الثقافة( ،ق�سم الق�صة ال�ق���ص�ي��رة) ،وق��د ب���د�أت ف��ي ال�ك�ت��اب��ة ف�ي��ه ع��ام 2006م ،وق ��د ا� �س �ت �ف��دت ك �ث �ي��ر ًا م��ن تعليقات الأ�صدقاء ومالحظاتهم ونقدهم ،وكذلك �أطلعت على تجارب محلية جميلة ورائعة. وقد وجدتْ ن�صو�صي قبو ًال من رواد المنتدى والأ���ص��دق��اء ،وك ��ان ذل��ك م���ش�ج�ع�اً.ح��اول��ت في الوقت نف�سه ،وحتى �أ�صبح قريب ًا من هذا الفن و�أه�ل��ه �أن �أق��ر�أ لأ�ساطين الق�صة الق�صيرة في العالم ،وبخا�صة العالم العربي� ،أمثال:يو�سف �إدري�س ،محمد زفزاف� ،إبراهيم �أ�صالن ،محمد المخزنجي ،ومحلياً:عبداهلل باخ�شوين ،عبده خال ،جبير المليحان..
من عام 2006م �إلى 2010م كتبت ع�شرات الق�ص�ص ،تلك الن�صو�ص كتبتها ف��ي �أوق��ات مختلفة ،وظ ��روف متفاوتة، وعن �أحداث و�أنا�س مختلفين، ولم �أهتم بالتقنيات ال�سردية في تلك المرحلة ،فكنت �أكتب الن�ص بكل عفوية ،وقد وجدت لهذا �أثر ًا جمي ًال على المتلقي. في عام 2010م �صدرت لي �أول مجموعة ق�ص�صية بعنوان: (ال�صندقة) عبر نادي الباحة الأدب��ي ،وق��د �ضمت المجموعة �أغلب الن�صو�ص التي كتبتها في تلك المرحلة ،مرحلة الكتابة في ج�سد الثقافة ،وقد كانت متفاوتة وكنت متعمد ًا في ذلك ،حيث �أني رغبت في توثيق المرحلة تلك .وقد وجدَت قبو ًال واحتفاء لم �أتوقعه ،رغم قلة الخبرة، وتوا�ضع التجربة ،لكن الأ� �ص��داء كانت مفرحة وم�شجعة.. �أغ �ل��ب ن���ص��و��ص��ي ت �ت �ح��دث ع��ن المهم�شين والغالبا ،وهذا لم �أعتد الكتابة عنه ،لكني وجدتني مهتم ًا بهم ،وهذه وظيفة الفنان� ..أن يكون قريب ًا من الب�سطاء.. الق�صة الق�صيرة ،ف��ن �صعب ج ��داً ،يحتاج كاتبها �إلى وعي بالفن والحياة ،و�أن يلتقط بعد�سته �صور النبل والإن�سانية ..هذا من ناحية الم�ضمون، �أما من ناحية الفن ..فال بد للقا�ص �أن يختار اللغة المنا�سبة لكل ن�ص ،و�أن يحكم بناء الق�صة ب�شكل جيد ،،فهو محا�سب على الكلمات ..فكيف بالجمل ال��زائ��دة!! �أن يكون بعيد ًا عن الح�شو قريب ًا من االختزال ،لأن الن�ص الق�صير ن�ص فا�ضح ،وهذا ما �شجعني على كتابة الق�صة الق�صيرة! اجلوبة -ربيع 1434هـ
31
■ �ضيف فهد -ال�سعودية
«�أن��ا �أفكر كقارئ عندما �أكتب .القارئ ال��ذي فيّ ال يريد �أن يجد ما يقر�أه ن�سخة طبق الأ�صل عما يحياه في حياته. الإخال�ص للواقع في الأدب قلبا وقالبا لي�س ف�ضيلة» بيتر هاندكه. �أذكر الن�ص الأول الذي كتبته� :أين ،ومتى ،وكيف� .أذكر نوعية الورق والقلم الذي ا�ستخدمته. الأه��م من كل ه��ذا� ..أذك��ر ال�سبب ال��ذي كتبت من �أجله ذل��ك الن�ص ،وه��و ال�سبب نف�سه الذي يدفعني للكتابة �إلى اليوم :من دون �سبب يذكر!.. لم ترتبط عندي الكتابة بغاية� ،أي �أن الكتابة في حد ذاتها كانت هي الغاية المتناهية؛ لذا، ومع �أنني �أتذكر كل هذا عن الن�ص الأول ،وكل تلك الطقو�س ،والأج��واء ،والحالة؛ �إال �أنني ال �أتذكر الآن ما الذي كان يتحدث عنه ذلك الن�ص ،وال ما �إذا كان ق�صيدة �أو ق�صة �أو كان غير م�صنف !..ما يعني �أنني ال زلت �أحتفظ بنف�س دوافعي للكتابة :الرغبة المجردة ،الطاهرة، النظيفة تماما من الطمع.
32
لديَّ �إح�سا�س �أن جميع كتاب الدنيا يبتدئون من هذا الدافع بالتحديد ..من هذه البراءة .لكنهم وبمجرد �أن ي�صادفوا نجاحا �أولي ًا يتنكرون لهذا الإخال�ص ،ويحيلون الكتابة �إل��ى طريق يتقدمون عليه لي�صلوا �إل��ى �شي ٍء م��ا .ي�ستوي في ذل��ك ما �إذا ك��ان ذل��ك ال���ش��يء ال��ذي يتقدمون للو�صول �إليه �شخ�صي ًا (نجاحاً� ،أم �شهرة� ،أم م��ادة)� ،أو اجتماعي ًا (وع�ظ�اً� ،أم �إ�صالحاً� ،أم تربية)� ..أو �سيا�سي ًا �أو �أيديولوجياً ..كل هذه النهايات التي يتجه �إليها ال�ك� ّت��اب� ،سالكين طريق الكتابة ،ال �أ�ستطيع �أن �أظهر عليها �أي نوع من االعترا�ض، لكنني ما �أزال �أنحاز �إلى �أخوية الكتّاب الأبرياء، ذلك النوع من الكتّاب الذين تتعرف على �أرواحهم بين ال�سطور� ..أرواح خالية من الطمع.. اجلوبة -ربيع 1434هـ
�إذا لم �أ�ستطع �أن �أوظّ ف الكتابة كطريق و�أداة.. �أحببت و�أخل�صت وال �أزال لفكرة �أن الكتابة هي الأمر النهائي ..المنتهي ..المُنجز لذاته. هناك �أمر �آخر �أفكر فيه ،يدفعني لالعتقاد �أن الكتابة لديَّ تمثل عمال مقد�سا �إيمانيا متعاليا على الغائية ..هي �أنني في الأ�سا�س ل�ست كاتبا ،و�أنني في الحقيقة ال �أزيد عن كوني قارئا مهوو�سا ،و�أنه مر�ض يمكن و�صفه على �أنه (التوحد لو كان هناك ٌ ال�ق��رائ��ي) ،ف�س�أكون �أن��ا المري�ض المثالي بهذا المر�ض.. �أُجِ � �لُّ ،و ُ�أق ��دِ � � ُ�س ،و�أ ِق� ��فُ م�ست�شعرا ك��ل �آي��ات االمتنان والعرفان لكل تلك الأ�شياء المذهلة التي تمر بي �أثناء القراءة ..و�أ�شعر بالخجل ،و�أنظر �إلى نف�سي ب�أ�سف �إذا لم �أتح َل بالتربية الكافية التي
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
م�شواري مع الق�صة الق�صيرة
تمنعني من الجر�أة على اقتراف فعل ال�ك�ت��اب��ة ،بعد ك��ل م��ا يمر بي من معجزات قرائية .لكن، ولأنني ول ٌد فيما يخ�ص الأوراق، م �ب �ه��ور ت �م��ام��ا ب �ه��ذه الأل��ع��اب ال�صياغية ،مبهور بهذا العالم الملون بالكلمات ،ال �أ�ستطيع منع نف�سي بين فترة و�أخرى من محاولة التجريب. كتبت في الوقت الذي كانت ل��ديَّ �أم��ور كثيرة �أفعلها ،كتبت و�أن� ��ا ��ص�غ�ي��ر� ،صغير ل�ل��درج��ة التي تجعلنا نفكر �أن من يقوم ب��ال �ك �ت��اب��ة ع �ل��ى �أن��ه��ا ن ��وع من الت�سلية -وهو في ذلك العمر- �إما �أن يكون عبقريا� ،أو م�صاب ًا ببالهة ،لكن ..وك�إحقاق للحق، لم يت�ضح �إل��ى الآن ما �إن كنت ع �ب �ق��ري � ًا �أو م �� �ص��اب � ًا ب�ب�لاه��ة م��زم�ن��ة ..ك��ل م��ا يمكنني قوله �إنَّ ما دفعني وال ي��زال يدفعني للكتابة لي�س الطموح وال الهدف، �إنما هو ق��رار ال يمكنني التحكم ب��ه� ..أج��د �أنني بحاجة للكتابة ف�أكتب ..م��اذا ينتج عن ه��ذا؟! ال �أفكر فيه مطلقا. فيما ب�ع��د ،اخ �ت��رت �شكال للكتابة وم��ا �أزال م�ستمرا عليه� ،شك ًال يمكن �أن يكون �أقرب �شيء �إلى الق�صة الق�صيرة� ،صحيح �أنني ال �ألقي اهتماما للمهوو�سين بالت�صنيف ،لكنني ال �أبدي �أي اعترا�ض على من يقوم به.. كتبت في �شكل يخ�صني وح��دي ،قمت ببع�ض الأل �ع��اب ال�خ��ا��ص��ة ،ب�ع�ي��د ًا ع��ن �أع �ي��ن العباقرة الكال�سيكيين ،جربت ،كتبت ،كما لو �أنني �س�أكون القارئ الوحيد لما �أقوم به ..لم �أعتمد �أنموذج ًا
متعاليا ،وال �إط��ارا متفقا عليه، ك���س��رت -م��ن دون رغ �ب��ة في التك�سير في حد ذات��ه ،من دون هدف م�سبق على �أن �أكون مب�شرا بطريقة جديدة في الكتابة -كل �أنواع الق�ص و�أ�شكاله المعترف بها� ،أجريت تجاربي ،وابتكرت م��ن دون خ��وف لغتي الخا�صة غ �ي��ر ال � ُم � َق��دِ �� ّ�س��ة ل �� �ش��يء؛ ثم عندما وج��دت تلك الن�صو�ص طريقها للن�شر ،وج ��دت �أن�ه��ا القت وما ت��زال تالقي معجبين هنا وه �ن��اك ،و�أ� �ش��ار لها ق��راء ومهتمون �إ�شارات جيدة دفعتني لعدم التردد في الموا�صلة.. و�أن� ��ا �أك �ت��ب� ،أت��ذك��ر غالب ًا �آث��ار الفرح� ..أتعقب الذكريات ال� �ج� �ي ��دة ،و�أخ �ت �ل��ق-ع �ن��دم��ا ا�ستنزف كل �شيء -عالما يميل �إلى المبالغة الخارقة ،و�أتجنب تماما �أمرا وحيدا :الأ�سى.. لهذا ،ال �أجد �أنني ر�سوليا على م�ستوى الكتابة، و�أعرف تماما ،ومقتنع -حتى و�إن يكن يبدو للوهلة الأول��ى وم��ن دون تفكير خط�أ ه��ذه القناعة� -أن م�شكالت العالم ال تحل داخل ن�ص ..و�أن م�شكالتي الخا�صة �أكثر رفعة من �أن تبتذل في هذا االتجاه.. �صدرت لي مجموعتان ق�ص�صيتان: الأولى« :مخلوقات الأب» عن نادي حائل الأدبي بالتعاون مع االنت�شار العربي2008م. والمجموعة الثانية« :ع» الطبعة الأولى 1433هـ– 2012م ،عن نادي الجوف الأدبي الثقافي. اجلوبة -ربيع 1434هـ
33
حكايتي مع الق�صة الق�صيرة ■ تركية العمري -ال�سعودية
�أنا وهي� ،أم هي و�أنا. �أت�����س��اءل ه��ل كانت تختبئ بين �أ�صابع دميتي؟ �أم بين حكايات �أم��ي ع��ن الحقول والمطر والأتقياء؟! ولكن الحقيقة التي اكت�شفتها هي �أنها ت�سكن �أعماقي ،وتعرف �أ�شيائي ،ومالمح �أمي و�إخوتي؛ لي�س ذلك فح�سب ،بل �إنها تعرف �أي�ضاً �أوقات لعبي مع �أطفال جيراننا ،وعدد حجرات بيتنا. �إنها الق�صة الق�صيرة. عندما بد�أت �أم�سك القلم بيدي ال�صغيرة، كانت تراقب بعينيها ال�صغيرتين مخيلتي ،تلك المخيلة التي � َِأ�سرتها �صرخة (�أمينة) �إح�سان عبدالقدو�س «�أن��ا ح��رة» ،والتي كانت تكبرني ب�أعوام قليلة. التقيت الق�صة الق�صيرة بين �صفحات م �ل��ون��ة ،ذات غ�ل�اف ل��ه ل ��ون زم ��رد ال�ح�ي��اة، �صفحات قادمة من �أر�ض الكنانة وتالل الرند، قر�أتها ب�شغف ،وات�سعت مخيلتي .كنت �أ�سرد ما �أقر�أ على �أمي ،و�أ�ضيف عليها من �إيماءاتي، وحركات يدي ال�صغيرتين ،وعندما �أنام� ..أرى �أبطال الق�ص�ص التي قر�أتها في مناماتي. 34
ت�ساءلت كثيرا ع��ن معنى ا�سم «راب �ن��زل»، اجلوبة -ربيع 1434هـ
في المدر�سة ،بد�أت تكبر الق�صة الق�صيرة في �أعماقي، وكانت البداية عندما كنت في المرحلة االبتدائية ..من خ�لال ح�ص�ص التعبير ،لن �أن�سى معلمة اللغة العربية القادمة من حم�ص الحبيبة ،والتي كانت تطلب مني �أن �أقف �أمام زميالتي بكبرياء ،و�أق��ر�أ مو�ضوعي ،لينتهي الم�شهد االحتفالي بت�صفيق حاد ،و�إطراء منها على لغتي ال�شعرية وخيالي ،ف�أعود �إلى البيت ..و�أن��ا ممتلئة بالفرح والزهو، و�أذكر ذلك لأمي و�إخوتي.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أحببت «ليلى والأق��زام ال�سبعة» ،و�أخافتني ق�صة «جميلة والوح�ش» ،وبللت دموعي �أوراق «حكاية �سندريال» ،والم�ست وفتنت مخيلتي ال�صغيرة ب�م�م��رات ق�صور ال�سالطين المخملية.
بد�أت �أتابع الق�صة الق�صيرة في كل مكان في ..زوايا المجالت ،وفي المالحق الأدبية التي تهتم ب�إبداع المواهب ال��واع��دة ،ف��ي �أث�ن��اء متابعتي لها ،التقيت بلغة عبداهلل الجفري ال�شعرية الباذخة ،وبخالتي كدرجان ،وجوجول، وت�شيكوف ،و�آخرين. وف��ي لحظة ذات ده�شة و�ضعت �أم ��ام ال�ع��ال��م وثيقة ارتباطي بالق�صة الق�صيرة ،وان�ضمامي �إل��ى ع�شاقها المبدعين ،عندما �أطلقت نوار�س �أول �سردي ،مجموعتي الق�ص�صية «احتراقات �أنثى» ،تلك اللحظة� ..شعرت برهبة البدء ،تلك الرهبة التي تحملني م�سئولية اال�ستمرار في خلق ف�ضاء �سردٍ �إن�ساني حقيقي ،ولغة متجددة تبوح بر�ؤيتي عن الإن�سان والطبيعة والحياة �إلى العالم. �أعتقد �أن الق�صة الق�صيرة �ستبقى بالن�سبة لي الروح الدافئة التي �أراه��ا بين الغيوم ،و�أ�سمع �ضحكتها العذبة القادمة من �شفاه �صغيرات الحقول اليانعة؛ و�أعتقد �أي�ضا �أنها �ستظل تنهل من حكايات تلك الطفلة الجبلية التي ت�سكن ذاك��رات�ه��ا �أغنيات الجبال ال�شاهقة ،ومو�سيقى الجداول الحانية.. اجلوبة -ربيع 1434هـ
35
■ �شـيمة ال�شــمري -ال�ســعودية
�أ�شعر �أ َّن ت�سجيل �شهادة المبدع عن �إبداعه ت�أخذ طريقا مو�ضوعيا ،كلما اقترب المبدع من �سبر مراحل حياته ،وبع�ض تفا�صيلها بهدوء وحكمة ..وهو ما تدفعني �إليه هذه الدعوة الكريمة، التي �أعود فيها �إلى تملّي تفا�صيل جميلة �أذكرها بمزيد من الحنين والحب ،و�أعي �أن لدى كل منا من الذكريات الأول��ى ما ال ي�ستطيع تجاوزه؛ ول��ذا� ،أجدني ممتنة و�شــاكرة لهذه الدعوة الكريمة ،راجية �أن تجدوا في �شهادتي المتوا�ضعة ما يثير ويثري...
36
عند الحديث ع��ن ال�ب��داي��ات ،ع��دت �أفت�ش هناك ،وه��و ان�ف��راد فر�ضته عليَّ ه��ذه الحياة في حجيرات الذاكرة ،لأ�سجل لي ولكم نقاط الجديدة التي لم �أجد فيها �سوى القراءة منفذا، االنطالقة الكتابية ..تلك البدايات التي تتوارى �أمام عدم وجود منافذ �أخرى. مع الأي��ام ،لكنها ال تغيب �أب��دا ،ب�ألمها و�آمالها اتجهت نحو ال�ق��راءة المتنوعة التي كانت وبراءتها وطموحها وجموحها �أي�ضا ..بداية بدايتها �شرعية بحتة ،فقد ق��ر�أت في التف�سير ع�شق القلم وهَ وَ�س الإبداع؛ فمنذ �أيام الدرا�سة والحديث ،ومو�ضوعات كثيرة مذهلة متعلقة المتو�سطة ،كنت مولعة بالكتابة على ال�صفحات بالإن�سان ،والجنة والغيب ،والجن� ..إ�ضافة �إلى الأخيرة من كتبي ودفاتري ،وكنت �أكتب ما يمكن الكتب التراثية التي توافرت لي� ،أو ا�ستطعت �أن �أ�سميه -وفق ر�ؤيتي �آنذاك� -شعرا ،خواطر ،الح�صول عليها ،و�أجدني هنا �شاكرة هلل الذي وم�ضات ق�ص�صية ..لم يعنني حينها الت�صنيف قدّر لي �أن �أقر�أ في هذه المو�ضوعات؛ �إذ �أنني الأدبي ،بقدر ما تعنيني الكتابة ور�سم الكلمات� ،أعتقد �أنها �أ�سهمت بلغتها النا�صعة ،و�أ�سلوبها ال �ع��رب��ي ال�ج�م�ي��ل ف��ي ع�شقي ل�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة، وما ي�صاحب ذلك من �شعور جميل.. وجمالياتها التي ال تحد. لم �أ�ستطع حتى اليوم تحديد �سر اندفاعي بعد ذلك ،قر�أت في ال�شعر والنقد والرواية نحو القلم ،وهل كان زواجي المبكر ،وانتقالي من حياة �إلى حياة �أخرى مختلفة هو ال�سبب؟ والق�صة ،ومن الكتّاب الذين ق��ر�أت لهم على حيث توطدت معرفتي بالقرية والمزارع والهدوء �سبيل ال��ذك��ر ال الح�صر :غ��ازي الق�صيبي، والب�ساطة والم�س�ؤولية ،ربما كان لذلك �أثر في وع �ب��داهلل ال�ج�ف��ري ،وغ ��ادة ال�سمان ،و�أج��اث��ا انكبابي على القراءة واالنفراد بالذات ،تعوي�ضا كري�ستي ،و�إيليا �أبو ما�ضي ..وغيرهم. عن قرب الأهل وزحام المدينة وو�سائل الترفيه �إ�ضافة �إلى الم�صدر المهم لأي كاتب و�أديب اجلوبة -ربيع 1434هـ
الكون ب�أكمله محفّــز للتـ�أمل والكتـابة �إذا ما اقترن بالإح�سا�س الذي يترجمه ب�شكل مختلف..
هذه الم�صادر المختلفة �أ�سهمت في �صناعة ن��وع من الوعي ،ور�سخت ف��يَّ االت��زان الفكري وال��و� �س �ط �ي��ة ،واالن� �ط�ل�اق ف��ي م �ج��ال الكتابة الإبداعية ..وقد ا�ستفدت من التجارب ال�ســابقة لعدد كبير من المبدعين والمبدعات من دون �أن �أحذو حذوها؛ فلكل تجربة نكهة مختلفة ،ولكل قلم طريقة يختارها باحثا عن التفرد والإ�ضـافة في مجاله الذي ع�شقه و�أحب الكتابة فيه .وهذا مبد�أ انقدت �إليه ،وقرار اتخذته مع نف�سي ب�أن �أكون مختلفة عنهم على الأقل من وجهة نظري..
الكتابة معاناة وجهد ومحاوالت و�ألم ،ثم ت�أتي ن�شوة الظهور للقارئ المتذوق .منذ البدء لم �أرد �أن ير�سم لي �أي خط لأ�سير عليه ،كنت �أعي �أنني قادرة على �أن �أقر�أ ،وقادرة على اختيار الأ�سلوب المنا�سب لأع� ّب��ر ع��ن ذات��ي�..أع � ّب��ر ع��ن فكري و�إح�سا�سي ،و�إح�سا�س غيري ب�أ�سلوب �أدب��ي، محاولة ردم الهوّة بين الن�ص والقارئ..
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
حكايتي مع الق�صة الق�صيرة
وهو «الواقع» ،بكل ما فيه من �أحداث وتناق�ض التي تتجه نحـو االخت�صـار والتكثيف). وتحوالت و�ألم وفرح ..الواقع في كل مكان.. نعم� ..إن الأنثى تكثّف وتوجز وتعمق ،وتعي �أن
�أن��ا ابنة مجتمعي� ..أرى و�أ�سمع و�أ�شعر بما حولي ،و�أتــ�أثر به ،و�أمزجه بثقافتي ومدخراتي الأدبية� .أغو�ص في الواقع وبيدي م�شعل الخيال.. �أُطَ عِّمُ به هذا الواقع ليرى النور� ..أخرجه وفق قناعاتي عمال ي�ستحق القراءة.. كتبت الق�صة الق�صيرة ،والق�صة الق�صيرة جدا ،والمقال ،والخاطرة ،وق�صيدة النثر؛ لكن، �صدقاً� ،أجدني �أع�شق �أ�صعبها و�أوجزها حتى �إنها ا�ستولت على م�ساحة الإبداع لديَّ ،فلم تبق ولم ت��ذر� ..إنها الق�صة الق�صيرة ج��دا ،النوع الأدب��ي الذي اتجهت لكتابته ،ووجدته الأقرب في تكثيف لحظة الإبداع التي يجب �أن تجد لها فنا موجزا ،يتناغم مع �سرعة الع�صر الحديث، وي�ف�ت��ح للمتلقي م���س��اح��ة م��ن ال�م���ش��ارك��ة في ا�ستح�ضار وت�أمل ما قاله الن�ص� ،إنه الفن الذي يح�ضر في لحظة جارفة ،فيدفعني للكتابة دفعا؛ ول��ذا فلي�س للكتـابة عندي طق�س معين ،فقد �أكتب في المقـهى ،في المـطار ،في المـزرعة ،في (البـر) ،في غرفتي ،في الطائرة ..هي لحظة �إبداع ..جنون ..ميالد فكرة ..تهطل مكتملة� ،أو تنتظر الت�أمل والتهذيب وال�صياغة..
يتهمني بع�ضهم ب���أن كتاباتي ت�ف��وح منها رائ �ح��ة الأن �ث��ى .و�أرد عليـهم :زي�ـ��دون��ي تهم ًا زي��دون��ي! فما �أجملها م��ن تهمة ،وه��ل �أن��ا �إال �أنثــى؟! و�أفخر بذلك ،ولعلي خرجت عن ال�سياق الذي حدده الرجل للأنثى ،و�صورها من خالله. و�أ�ستح�ضر هنا ما قاله الناقد الدكتور عبداهلل حامد في قراءة نقدية لمجموعتي الق�ص�صية الأولى «ربما غدا» حيث يقول( :ت�أتي المجموعة منذ البدء مكرّ�سة لخطاب الأنثى ،لي�س بو�صفه خطابا احتجاجيا مبا�شرا ،بل من خالل الأنثى التي تمار�س نوعا من االختالف على م�ستويات ع��دة ،ي�أتي من �أهمها اعتمادها على الق�صة الق�صيرة جدا؛ لتعلن من خالل ذلك رف�ضا لما كرّ�سته الأنثى عن نف�سها� ،أو كرّ�سه لها الرجل، حين م��ار��س��ت منذ ال �ق��دم الق�صة الطويلة، والحكي ،واخترعت لذلك الليالي؛ حتى �أو�شك العقل الجمعي االجتماعي �أن ي�صم الق�ص �أ��س�ه� َم��تْ بعد ذل��ك �أم�سياتي وم�شاركاتي والحكي بالأنثى� .إن المفارقة هنا �أن الأنثى هي الثقافية والأدب�ي��ة في دع��م ثقتي بنف�سي وبما
اجلوبة -ربيع 1434هـ
37
وق��د �سعدت بمجموعة من القراءات النقدية التي قدمت تجربتي ب�شكل مختلف ،ولفتت الأنظار �إلى كتاباتي ،ومن ذلك ما كتبه الأ�ستاذ الدكتور عاطف ب �ه �ج��ات ع��ن ب�ع����ض ق�ص�صي الأول��ى ،حين ق��ال�( :إذا كانت ال�م��ر�أة تعي�ش �أزم��ة مع الرجل على م�ستوى الواقع ،ف�إني �أعي�ش �أزم��ة م��ع ه��ذا الن�ص (ف��راق) على م�ستوى النقد ،فقد لعبت ��ش�ي�م��ة ب��ال�م�ت�ل�ق��ي ف��ي خ��دع��ة ��س��ردي��ة ..ه��ذا م��ا �أ��ش��رت �إليه في بداية مقالي من الإ�شعاعات غ �ي��ر ال�م�ت�ن��اه�ي��ة ،واالن �ط�لاق م��ن قيود المعنى وخ�صو�صية ال� �ب ��وح ..وه ��ا ه��ي ذي �شيمة تحاول �إعادة �صياغة المعادلة بوعيها ال�سردي، ومنطقها الخا�ص ..ولكن �شهرزاد �أدركت عدم قدرتها �إعادة الت�شكيل.)..
38
كانت تلك القراءات تمنحني �شهادات مهمة ،وت�شعرني �أن ل��دي �شيئ ًا ي�ستحق �أن يقال، فقد ظهرت ب�شكل �أو� �ض��ح في الم�شهد ال�ث�ق��اف��ي ال���س�ع��ودي، و�أ�صبحت ال�صحف والمجالت تطلب ق�ص�صي -م�شكورة - لن�شرها ،بعد �أن كنت �أنا من يرا�سلهم ..وهو تحوّل يمنحني ثقة و�سعادة ،وتطلع نحو المزيد من ال��وف��اء والعناء للحظة الإب ��داع التي تبدو دائما حلما جميال ،ما �أن نقطع مرحلة للو�صول وم ��ن ال� �ق���راءات ال �ت��ي �أع �ت��ز ب �ه��ا ك�ث�ي��را� ،إليه ،حتى تظهر مرحلة �أخرى.. قراءة الأ�ستاذ الدكتور عبداهلل �سليم الر�شيد تتالت القراءات النقدية والن�شر والم�شاركات لمجموعتي «ربما غدا»� ،إذ قال�( :إن ظل هذا والأم�سيات الأدبية ،والدعوات لح�ضور م�ؤتمرات الفن ع�صيا على التنظير ،مت�أبيا على كثير وملتقيات ومعار�ض ومنا�سبات ،كما ا�ستهوتني من الم�صطلحات ،فذلك ال يلغي �أننا نقر�أ منه الكتابة النقدية :ال�سيما �أنه مجال تخ�ص�صي، نماذج تجمع �شعرية التعبير وتكثيف العبارة ف�أنا حا�صلة على الماج�ستير في الأدب والنقد، وم�ف��اج��أة ال�ف�ك��رة ،مثلما وج��دت ف��ي ق�ص�ص ومقبلة على مرحلة الدكتوراه بم�شيئة الرحمن؛ �شيمة ال�شمري). فقدمت قراءة بعنوان «االحتراق حزنا» لديوان
اجلوبة -ربيع 1434هـ
ال�شاعرة مالك الخالدي ن�شرتها مجلة الجوبة، كما �شاركت بقراءة في ملتقى الرواية الرابع بنادي الباحة الأدبي في ال�سعودية عن تمثيالت الآخر في الرواية العربية ،وكانت ورقتي بعنوان «الآخر بو�صفه �أعمى ..قراءة في �أدوار الجماعة المهم�شة في رواي��ة نزل الظالم» .وقد طبعت و�س�أقول �إنني وهلل الحمد رزقت زوجا مختلفا، م�ؤخرا في كتاب نقدي �صدر عن �أدبي الباحة، كما ق��دم��ت ورق��ة ع��ن االت�ج��اه��ات الفنية في �ساند و�شجع و�أ�سهم ومنح بكل حب ووفاء� ،إنه الق�صة ن�شرت في الجوبة.. زوجي الأ�ستاذ عبداهلل ال�شمري الذي تعهدني م��ن �إ�� �ص ��دارات ��ي «رب �م��ا غ���دا» مجموعتي بالرعاية والحنان ،وتوفير كل ما �أحتاجه من الق�ص�صية الأول� ��ى ال �ت��ي � �ص��درت ع��ن ن��ادي ح��ب و�أم ��ان وثقة ونبل و� �ص��دق ..وه��و الداعم ال���ش��رق�ي��ة الأدب� ��ي ع ��ام 1430ه� � �ـ ،وق ��د الق��ت الم�ؤازر ..الأخ وال�صديق والزوج الحبيب الذي ال�م�ج�م��وع��ة �أ�� �ص ��داء جميلة داخ���ل المملكة �أغبط نف�سي عليه كثيرا -حفظه اهلل ورع��اه - وخارجها� ،إذ قدمت لها ق��راءات نقدية كثيرة وتحيتي و�شكري وتقديري لهذا الرجل العظيم.. من نقاد المملكة و�سوريا والمغرب.. �إن ت�أمالتي -وال �أق��ول معاناتي -ت�أتي من ث��م �أ���ص��درت مجموعتي ال�ث��ان�ي��ة «�أق��وا���س نفر قليل �ضئيل ،يح�شرون �أنف�سهم في تقييم ون��واف��ذ» ع��ن دار ال �م �ف��ردات ب��ال��ري��ا���ض ع��ام 1432ه� �ـ ..حاولت فيها التمرد والتجديد في تجربتي الق�ص�صية ،وهم و�إن كانوا ال يمثلون الكتابة ال�سردية ..ووج��دت حفاوة من الكتاب قيمة نقدية يمكن الإفادة منها� ،إال �أنهم يمثلون والنقاد ،وما �أزال �أقر�أ ر�أي النقاد في الم�شهد عبئا ع�ل��ى ال��ر��ص�ي��د الإب��داع��ي وال�ث�ق��اف��ي في الثقافي ..و�أح��اول �أن �أالحق الق�صة الق�صيرة المملكة ،ب�شكل عام! ج��دا ،التي تفتح لي بتكثيفها و�إيجازها عالما هذه الفئة من الواهمين والواهمات يكتبون رحبا من التعبير والتنفي�س.. اليوم ما ينكرونه بالأم�س ،ويجربون ما حاربوه، ومن هنا ،ي�أتي ال�س�ؤال عن التحديات التي يتناق�ضون ب�شكل غريب ،ويهرفون بما ال يعرفون! يمكن �أن تكون قد اعتر�ضت طريقي ك�أنثى تعود و�س�أكون �صادقة حين �أقول �إنني �أ�شعر بنعمة اهلل �إل��ى م�ؤ�س�سة قبلية محافظة ..و�س�أعود ف�أقول عليَّ كلما قر�أت م�صادراتهم الغريبة ..وكل ذلك �إنني ال �أحب وال �أجيد �أن �أتقم�ص بطولة وهمية، فعلى طول الطريق لم �أعانِ من �أ�سرة �أو قبيلة يدفعني با�ستمرار �إلى الإيمان ب�أن الغابة الأدبية �أو مجتمع! فمجتمعي له ظروفه الخا�صة التي والنقدية لدينا ت�ضم في جنباتها الغث وال�سمين، يتحرك من خاللها ،وهو المجتمع الذي �أعي �أن ولكني �أث��ق �أن هناك م�ساحة كبيرة من الوعي جدتي ووالدتي كانتا تتحركان فيه بكل �أريحية التاريخي �ستك�شف الزبد ،وتبقي ما ينفع ..وربما ووق��ار وح�شمة ،ولئن تغيرت الظرف ف�ضاقت غدا ..تفك الأقوا�س ،وتفتح نوافذ الأمل!.. اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أكتب ،حيث �ألم�س �صدى حرفي وكلماتي عند المتلقي� ،أت��اب��ع تعليقاتهم ونقدهم وانطباعهم عن ق�ص�صي مبا�شرة..
ولن �أن�سى �أم�سيتي في مركز �أب��و رم��ان��ة بدم�شق وح�ضورها ال �م �ت �م �ي��ز م ��ن ك��ب��ار ال �ك �ت��اب والأدباء ،والقبول الذي �أبهرني ه �ن��اك ،ك��ذل��ك م�شاركتي في ملتقى الق�صة الق�صيرة جدا في حلب ،حين �أن�صفني النقاد على يد فار�سهم الدكتور �أحمد زي� ��اد م �ح �ب��ك ،ع �ن��دم��ا �أن �ه��ى ق ��راءات ��ه ال �ن �ق��دي��ة لن�صو�ص المبدعين والمبدعات في ذلك الم�ساء الأدب��ي الأخ��اذ بقراءته لق�ص�صي قائال�( :أفيدكم ب�أني بد�أت من الجيد �إلى الأجود.)..
م�ساحات وا�سعة ،وقل�صت المباحات لأهداف غير مدركة ل�سماحة الدين و�سمو مقا�صده ،ف�إن هذا المجتمع هو �أهلي وقبيلتي ووطني الذين �أحب �أن �أعي�ش معهم لحظتهم المفرو�ضة عليهم بكل ما فيها من �ألم و�أمل..
39
■ قا�صة من اجلزائر
�إن �أ�صعب الأ�شياء �أن يتحدث الفرد عن نف�سه ،و�أن يتحدث المبدع عن �إنجازاته؛ لأنه لن يكون من�صفا في حقه؛ فمهما حقق ،ومهما �أثرى م�ساره الإبداعي ،يبقى دوما يالحق حلما لن يتحقق، ويفت�ش عن ن�ص لم يكتبه بعد ،وير�سم في عوالم المعنى �أطيافا لحياة هو وحده يفهمها. زهرة بو�سكين ا�سم ما يزال ي�شق طريقه في عالم الإبداع ،منذ �أكثر من ع�شرين عاما ع�شت فرحة الن�شر الأول��ى ،التي كنا نراها خطوة يعتد ،بها حين لم يكن الن�شر في المنابر الأدبية متاحا و�سهال؛ فكانت فاتحة لن�ضال بالكلمة ،وجدت من خاللها الت�شجيع من �أ�ساتذتي و�أ�سرتي، ومن الو�سط الأدبي الذي دخلته في �سن مبكرة ،والقيت الت�شجيع من كبار الأ�سماء في الجزائر، �أمثال الروائي :الطاهر وطار ،والأديبة زهور وني�سي ،و�آخرون .كنا نقت�سم رحلة الن�ص ،ورحلة الكتابة ،وفرحة والدة الق�صيدة. م�شواري الأدبي ميّزه العديد من المحطات ال �ت��ي ل�ه��ا ب�صماتها ع�ل��ى ن���ص��و��ص��ي؛ �أول �ه��ا تخ�ص�صي في الإع�ل�ام ،وعملي ال�صحفي هو بدوره �إبداع؛ في �سنواته الأولى ،ع�شت �صراعا بين الن�ص الأدب���ي وال�ن����ص ال�صحفي ،بين الق�صيدة ،وتحرير خبر ع��ن تفكيك جماعة �إره��اب �ي��ة �أو ان�ف�ج��ار قنبلة �أو�...أو ...لكن بعدها عملت م�صالحة بين الكتابة ال�شعرية وال�صحفية ،وحاولت �أن �أ�ستثمر التجربتين، وكان للعديد من التجارب التي ع�شتها �إعالميا �أو ا�شتغلت عليها ،ت�أثيرها على الكتابة وح�ضورها في ن�صو�صي.
40
تتويجي بجائزة �سعاد ال�صباح �أُعِ � � ُّد ُه من المحطات ال�ب��ارزة في م�شواري الأدب��ي؛ لأنها اجلوبة -ربيع 1434هـ
كانت لي دفعا قويا في فترة �شعرت فيها بال جدوى الكتابة ،و�شعرت فيها ب�أن الأنثى يدينها المجتمع الذكوري بن�صو�صها ،وب ��أن الأدب ال أح�س ب��أن هناك من يقيّمك يغيّر وال ي��ؤ ّث��ر ..ل ّ ب�إن�صاف خارج حدود بلدك ،فال �شاعر ي�صدح ف��ي مدينته على م �ن��وال «ال ك��رام��ة لنبي في وطنه»..وكانت دائما تح�ضرني �أبيات �شعرية للدكتورة �سعاد ال�صباح تقول فيها:
كان بو�سعي �أن �أبتلع الدمع و�أن �أبتلع القمع و�أن �أت�أقلم مثل جميع الم�سجونات لكني خنت قوانين الأنثى واخترت مواجهة الكلمات
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
زهرة بو�سكين ا�سم ما يزال ي�شق طريقه في عالم الإبداع
وع �ب��رت ع��ن ه ��ذا ال��رف ����ض ال��داخ �ل��ي في مجموعتي الق�ص�صية المتوجة والمو�سومة «ال��زه��رة وال�سكين» ،وه��ي �إ�شتقاق جميل من ا�سمي ،فيه العديد من الإي�ح��اءات التي ت�شير �إلى تالقي المتناق�ضات ،والجمع بين ثنائيات عديدة كالألم والأمل ..الموت والحياة ..الرف�ض واال� �س �ت �� �س�لام...وك��ل ال�ث�ن��ائ�ي��ات ال�ت��ي تر�سم تفا�صيل الحياة. فالكتابة رف�ض ،ث��ورة على ال��واق��ع والن�ص كيفما كان ثوبه(�شعر ،ق�صة ،رواي��ة) البد �أن يزلزل �أعماق كاتبه وقارئه ،وال بد �أن ي�صنع االختالف واال�ستثناء ،و�إال ولد بال روح. وكانت جائزة �سعاد ال�صباح م�ستهل رحل ٍة مع الجوائز العربية ،مثل جائزة ناجي نعمان بلبنان عام 2008م عن مجموعتي الق�ص�صية «كي ال تغيب ال�شم�س» التي �أعتبرها تجربة تختلف عن «الزهرة وال�سكين» من حيث الن�سج الإبداعي، ت�ضمنت ال�ع��دي��د م��ن ال��وم���ض��ات الق�ص�صية المكثقة اللغة ،ثم جائزة القلم الحر في م�صر عام 2011م.
للوطن» ،و« �إف�ضاءات من زمن الده�شة» التي ك�ت��ب ل��ي تقديمها ال���ش��اع��ر ال �ع��راق��ي الكبير �أديب كمال الدين ،و�آخر ما �صدر لي مجموعة ق�ص�صية مو�سومة «م�سافات المالئكة» ،هذه الم�سافات التي �ضمنت تحت عنوانها عنوانا فرعيا �أعده �شكال جديداً ،و�سابقة في �إخراج الكتاب ،و«ال تعبر حافيا على الجراح» ،و�أنتظر �إ�صدارين جديدين ،الأول رواي��ة تروي معاناة المبدع في زمن الأزمة ،ومن �أبطالها �صديقتي ال�صحفية ن��اي�ل��ة ،و� �ش �ه��ادات ع��ن ال�سنوات الدامية ،وكذلك مجموعة �شعرية عنوانها «يقين المعنى» ،هي م�شروع مع دار ن�شر بلبنان .كما �أ�شتغل على كتاب ع��ن التجربة الإذاع �ي��ة في الجزائر.
�إل��ى جانب الجوائز العربية بحوزتي �أي�ضا جوائز وطنية ،مثل جائزة ثقافة وفنون ،وجائزة عبدالحميد بن هدوقة ..وقد لم�ست في الو�سط الثقافي �أن الجائزة العربية تعد ت�أ�شيرة دخول ال�ك��ات��ب �إل ��ى ب �ل��ده ،لأن �ه��ا تمنحه م�صداقية و�إن�صافا ،وتحمله م�سئولية الإبداع؛ لأنه لم يعد يمثل ا�سمه فقط ،بل يمثل بلده في المحافل ال��دول�ي��ة ،وبخا�صة بالن�سبة لجوائز م��ا ت��زال ه ��ذا ب�ح�ك��م ان �ت �م��ائ��ي ال�م�ه�ن��ي ل�ل��إذاع��ة تحافظ على قيمتها الإبداعية وم�صداقيتها. الجزائرية التي اعتز بها كثيرا ،فتجربة العمل �إن �أه��م المحطات بالن�سبة ل�ل�أدي��ب ،هي الإذاع ��ي هي تجربة �إب��داع بالدرجة الأول��ى.. الإ�صدارات� ،أو كما �أ�سميها (�أبناء الخلود) ..ال يمكن �أن تكون مذيعا ناجحا و�أن��ت ال تملك في ال�شعر �صدرت لي «تراتيل للنب�ض و�أخ��رى ح�س ًا �إبداعيا ولغ ًة راقي ًة وم�ستوىً فكرياً؛ لأنك اجلوبة -ربيع 1434هـ
41
عملي الإذاعي قدّم لي الكثير من الن�صو�ص ال�ج�م�ي�ل��ة ف��ي ال���ش�ع��ر وال �ق �� �ص��ة؛ ف�م��ن خ�لال برنامجي نب�ض ال��واق��ع الم�ست معاناة فئات اجتماعية كثيرة ،ت�أثرت بها وع�شتها بكياني فكتبت «اب��ن الجبل» ن�ص ي��روي م�أ�ساة ذلك الطفل ال��ذي ول��د ف��ي كتيبة �إره��اب�ي��ة ،م��ن �أم �إره��اب�ي��ة تعر�ضت للإغت�صاب با�سم الجهاد الزائف ..وكتبت «نوارة امر�أة الزمن ال�صعب» عن تلك ال�م��ر�أة القوية التي غلبت ال�سرطان والموت فعانقتها الحياة ،ون�صو�ص ًا �أخرى عبرتْ عني ،من خالل تجاربي وتجارب �أخرى تركت وقعها في نف�سي.
م�شواري الأدبي فيه الكثير من المراحل التي هي محطات مختلفة ،من خاللها تغيرت عندي الكثير من ال��ر�ؤى� ،سواء منعرجات في حياتي الخا�صة �أو على الم�ستوى المهني� ،أو من خالل معطيات ال�ساحة الثقافية ..فالمبدع ال يحتاج �إلى �أي هيئة تتبناه ليكتب ويت�ألق ،والأديب يحتاج ومن خالل برنامجي «مرافيء ثقافية» ،الم�ست دوما للحرية ..هو كطائر الهزار يقتله القف�ص مختلف التجارب الإبداعية لكتاب جزائريين ،ومن وتحرره الطبيعة. مختلف الوطن العربي من خالل حوارات جمعتني ت�ن��اول��ت ك�ت��اب��ات��ي ال�ع��دي��د م��ن ال��درا� �س��ات بهم .هذه �أكثر البرامج التي �أعتبر ت�أثيرها وا�ضحا على ن�صو�صي الأدبية .و�إ�ضافة �إلى الإ�صدارات الأكاديمية في عدة جامعات جزائرية ،خا�صة المختلفة والعمل الإذاع��ي� ،أعُ � ُّد الن�شر الم�ستمر م��ذك��رات ال �ت �خ��رج ،و�أك �ث��ره��ا ا�شتغلت على في مختلف المنابر الثقافية العربية همزة و�صل مجموعة «ال��زه��رة وال�سكين» ،و«�إف �� �ض��اءات مهمة ،بيني وبين القارئ في الوطن العربي ،و�أهم م��ن زم��ن ال��ده���ش��ة» ،و«م���س��اف��ات المالئكة»، المنابر التي �أتعامل معها :مجلة الرافد ،ونزوى ،على م�ستوى جامعة �سكيكدة ،وجامعة عنابة، والجوبة ،والحقائق اللندنية ،وكذلك منذ �سنوات وجامعة الجزائر ،والمدر�سة العليا للأ�ساتذة �شرفتني مجلة «حيفا لنا» بع�ضوية التحرير ،وكثير ببوزريعة ،وكذلك جامعة عمان وتون�س� ،إ�ضافة م��ن العناوين التي لها ح�ضورها الثقافي لدى �إلى قراءات عديدة قدمت لن�صو�صي من طرف كتاب ونقاد جزائريين منهم ،الدكتور �شريبط النخبة العربية. كذلك �أ�شتغل في ن�صو�صي خالل ال�سنوات �أحمد �شريبط.
42
هذه بع�ض المحطات التي �أعدها مهمة في الأخيرة على الجانب النف�سي ،بحكم تخ�ص�صي الثاني في علم النف�س الإكلينيكي (درا��س��ات م�ساري الأدب ��ي لتتوا�صل التجربة بمعطيات عليا) ،ال��ذي �أع��ده �أي�ضا محطة مهمة خدمت مختلفة تولد من رحم المجهول.
اجلوبة -ربيع 1434هـ
ٌ مهب الكلمات �سعفة ت�ضطرب في ّ ■ عبداهلل ال�سفر -من ال�سعودية
قبل يو�سف �إدري�س ،قبل نجيب محفوظ ،قبل �إح�سان عبدالقدو�س ،قبل توفيق الحكيم ،قبل �أني�س من�صور ،قبل غ��ادة ال�سمان ،قبل «المكتبة الخ�ضراء» ..قبل وقبل ،كان «�سعد بن حجر» حكّاء القرية وراويتها �أوّل من نبّهني �إلى فتنة الحكاية و�سطوتها« .ابن حجر» الينبوع الذي ال يني يتدفّق؛ ننهل وال نرتوي .كل مرّة يتركنا مت�أججين باالنفعاالت و�سعفة الخيال ت�ضطرب في مهب كلماته .ال �أن�سى «ع�صريّات رم�ضان» تحت جدار «م�سجد الديرة» حين كنا نجتمع حوله بعد الخروج من الم�سجد مبا�شرة ويبد�أ في ن�سج خيوط حكاياته واح��د ًة تلو �أخ��رى .لم تكن جديدة علينا ،ا�ستمعنا لها مرارا وتكرارا لكنها تتبدّى لنا ك�أننا نتلقّاها لأول مرة .طريقته فذّة في الإم�ساك بع�صب الإ�صغاء وط��رْقِ م�شاعر م�ستمعيه بت�صوير مواقف �أبطاله؛ �إنْ في لحظة الجد الم�شبعة بالنخوة� ،أو الحزن� ،أو تلك اللحظة الغارقة في ال�سخرية .وكثيرا ما تتجاور في حكاياته الدمعة وال�ضحكة� ،إلى جوار ما ي�ست ّل ُه من دفتر حياته و�سطورها التي تقطر بجنون المغامرة .كنّا نغت�سل في ينبوع «ابن حجر» ،تلك ال�شخ�صية ال�سمراء التي قدمت �إلى القرية في �أربعينيات القرن الما�ضي بخزانة من التجربة ال�شخ�صية في تهامة والحجاز� ،أقرب ما تكون �إلى حالة �أ�سطورية يمتزج فيها المر ُح واللهو بالعملِ في �ضنك الع�سكرية والهرب منها واال�شتغال بمهن متعددة؛ �أعطته خال�ص َة حياة وفو َح حكاياتٍ ال يتبدّد.. في درج الإ�صغاء ،تح�ضر مدر�ستي االبتدائية في القرية؛ ال كتاب ًا مقرّرا وال منهج ًا درا�س ّياً. معلمان فل�سطينيان؛ «محمد الع�شا» و«علي �أب��و معال» .ما �أزال �أتذكرهما جيداً ،ول��م تغب عني �أبدا �صورتهما .الأول كان م�سكونا بالجرح الفل�سطيني ال��راع��ف ..ويريد لنا �أن نحدّق في الجرح على طريقته؛ حكايات تترى عن النكبة والنك�سة ،كنا �أواخر ال�ستينيات الميالدية ،وكنتُ �أدر�س في ال�صف الرابع ..حكايات عن الخيانات الدولية والعربية ..حكايات عن العمليات الفدائية البطوليّة ُت��ذك��ي حما�سنا وتغر�س الق�ضية في النخاع .لم ي�ستمر «الع�شا» في تدري�سنا� ،أعرف �أنه انتقلَ �إلى مكان �آخر ،و�أع��رف �أي�ضا ما قيل
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ت�ؤدي ر�سالة من خاللها ت�ؤثر وتغير الآخر ،ذلك المتلقي في ال�ضفة الأخ��رى من الأث�ي��ر الذي يتعامل بمحبة ا�ستثنائية.
�إب��داع��ي وك �ت��اب��ات��ي ..لأن �ه��ا منحتني تقنيات وفنيات التوغّ ل في �أعماق نف�سية �شخ�صيات الق�صة والرواية ،ومن خاللها �أحاول �أن �أربط بين علم النف�س والأدب ،كما ربطت من خالل درا�سة علمية قمت بها العام الما�ضي بين العمل الإذاع��ي وعلم النف�س «الإج�ه��اد النف�سي عند المذيعين» ،وتعد الدرا�سة الأولى في نوعها في الجزائر ،والثانية في الوطن العربي بعد درا�سة �سعودية.
وقتَها �أنه ال يدرّ�س بقدر ما يحكي خارج المقرر. المعلم الثاني «علي �أبو معال» ،الغزاوي خريج الجامعات الم�صرية ت� � ّواً� ،أذك��ر دخ��ول��ه الأول علينا في ال�صف الخام�س معرّفا بنف�سه وبالمادة التي �سوف يدرّ�سها ،على خالف الآخرين الذين يبد�أون في «ال�شرح» مبا�شرة مخلوط ًا بالعقاب الثقيل؛ حيث ��ش� ّد الآذان و�أق�ل�ام الر�صا�ص التي تع�صر الأ�صابع .كان «�أبو معال» فريد ًا في هدوئه وت�سامحه وابت�سامته الدائمة .ن�سيتُ الآن المادة التي كان يدرّ�سها لنا ،لكني �أذك��ر جيدا وهجَ حكاياته الخالبة ،وجميعها من الأ�ساطير اليونانية نحو �أودي ��ب وبنيلوب وبروميثيو�س، عرفتُ ذلك فيما بعد و�أعجب �إلى الآن كيف كان اجلوبة -ربيع 1434هـ
43
اجلوبة -ربيع 1434هـ
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
44
يو�صل �إلينا تلك الأ�ساطير ،من ِ دون �أ�سمائها ،في حكاية �سهلة �سل�سة .ومن الغريب �أن معلمنا هذا لم ي�ستمر ال ب�سبب النقل، لكنه ق�ضى ف��ي ح ��ادث �سير نزيف داخلي ،وك�أن حياته �إث َر ٍ وم�صرعه في �أول �شبابه وج ٌه �آخ��ر لحكاياته وال �ق��در ال��ذي يتردد فيها مثل الأنفا�س. مِ ��ن ه � ��ؤالء ال �ث�لاث��ة (اب��ن حجر؛ �أبو معال؛ الع�شا) كانت ال��وق��دة التي نقلتْني من نعمة الإ�صغاء الجماعي وال�سباحة في �أح�لام يقظة م��وازي��ة� ،إلى نعمة �أخ��رى لها الطعمُ نف�سه ال� ��ذي ي�� َه��بُ ال�م�ت�ع��ة و�إرواء الحوا�س ،لكن في �شكلٍ �أخ��ذَ يتحوّل م��ن الحالة الجماعية �إل��ى حالة ف��ردي��ة تجمعني مع الكتاب فقط في مكتبة «نادي الخليج»؛ نادي القرية الوحيد الذي لم يكن ريا�ضيا وح�سب. ك��ان ال�ن��ادي ال��ذي �صار ا�سمه بعد �سنوات ع�شرٍ على ت�أ�سي�سه «نادي الرو�ضة» محطّ ًة اجتماعي ًة ثقافي ًة ريا�ضي ًة لكبار القرية و�شبابها و�صغارها .وقتَها بد�أت عالقتي بالكتاب في مكتبة النادي الزاخرة بمئات الكتب ال�سيا�سية (معظمها ع��ن ال�ق��وم�ي��ة ال�ع��رب�ي��ة) ،والدينية والأدبية التي �أخذتُ في التهامها التهاما .و�أذكر �أن كثيرا من تلك الكتب كانت ت��رد �إل��ى مكتبة النادي �إهدا ًء من ابنَيْ القرية :خليل الفزيع و�سعد الخنيفر رحمه اهلل� .إ�ضافة �إلى ن�شاط القراءة المحموم ،كنتُ �أ�شارك في �إنتاج �إحدى ال�صحف الحائطية وك��ان ا�سمها «ك��ل ��ش��يء» والت�سمية تعود �إل��ى مجلة م�صرية قديمة راقَ لي اال�سم
فجعلته ع�ن��وان��ا ل�صحيفتنا. �أذك��ر عددا منها� .صبغنا فرخ ال��ورق الأبي�ض باللون الأ�صفر ال� �م ��ائ ��ي ،و�أل �� �ص �ق �ن��ا عليها المقاالت المكتوبة في �أوراق المق�ص �أطرافها ،لنترك ُّ هذّبَ ف��راغ��ات للخلفية ال�صفراء. واحدة من تلك الكتابات ق�صة لي عن محا�سب خان الأمانة، ��ص�ح��ا ��ض�م�ي�رُه ف�ل��م يحتمل، ف ��أق��دمَ على االن �ت �ح��ار� .أذك��ر تجربة �صحف الحائط في نادي الخليج ،وبعد ذل��ك ف��ي ن��ادي ال��رو��ض��ة ،بكثيرٍ م��ن الإع ��زاز وال�م�ح�ب��ة؛ ف�ه��ي ال �ت��ي ع�ق��دتْ �صلتي الأول ��ى بالكتابة �سوا ًء الإب��داع �ي��ة� ،أو االجتماعية، �أو ال��ري��ا��ض�ي��ة ..وه��ذه حكاية طويلة ام �ت��دتْ معي م��ن �أي��ام «ال�خ�ل�ي��ج» ال��ري�ف�ي��ة �إل ��ى �أي��ام «الرو�ضة» الذهبية في الدرجة ال �ث��ان �ي��ة والأول� � ��ى وال �م �م �ت��از، ح�ي��ث ك�ن��تُ �أك �ت��ب ،بم�شاركة ال�صديق عبداهلل ال�سيف ،عن مباريات النادي، و�أعلّق الكتابة في ممر النادي ،و�أبرز ما في هذه الكتابة التعليق الذي �أخ�ص به كل العب؛ مدحا �أو قدحا ..م�ستفيدا من طريقة نجيب الم�ستكاوي وفهمي عمر؛ الأول م��ن ج��ري��دة الأه ��رام التي �أذهب �إلى الهفوف حا�ضرة الأح�ساء ثالث مرات في الأ�سبوع للح�صول عليها وعلى جريدة الأخبار ومجالت :الم�صوّر و�آخ��ر �ساعة وروز اليو�سف و�صباح الخير و�أكتوبر وال�ك��واك��ب� .أم��ا الثاني فقد كنتُ �أ�ستمع �إليه في �إذاع��ة القاهرة يحلّل مباريات الدوري الم�صري. خ�لال ه��ذه الفترة �أو �آخ��ره��ا على التحديد
ت�ع� ّرف��تُ على ال�صديق �أحمد المال ،الذي �أعد التعرّف �إليه «انقالباً» في حياتي الثقافية؛ ق ��راء ًة وك�ت��اب��ة ،فقد انفتحت �شرفة وا�سعة عب َر مكتبة �أحمد المال المنزلية وعبر �أ�سفاره التي ت�أتي لنا بطازج الحرف و�أب�ه��اه على عالم جديد كنتُ �أ�سمع عنه فقط؛ عالم الكتابة الجديدة ب�أعالمه الكبيرة في ال�شعر وال �� �س��رد وال �ف �ك��ر .في ه��ذه المرحلة ،الن�صف الأول من الثمانينيات كانت ال�ساحة الثقافية تمور مورا وت�ضطرب بالحِ راك الذي �سجل ْت ُه مالحقُ تلك المرحلة في جرائد :اليوم وعكاظ والريا�ض والجزيرة، لكن �أق��رب�ه��ا �إل��ى النف�س كان ملحق «ال�ي��وم الثقافي» ال��ذي ك� ��ان ي �� �ش��رف ع �ل �ي��ه ال��راح��ل الكبير �شاكر ال�شيخ ،وكوكبة م��ن ال�م�ح��رري��ن �أب��رزه��م في ر�أي ��ي ال�صديق ع �ب��دال��ر�ؤوف الغزال ،الذي كنتُ �أتوا�صل معه و�أبعث له كتاباتي فين�شرها� .أت�صوّر قلق االنتظار الع�صيب بعد �إر��س��ال الن�صو�ص ،والفرح العارم حين �أطالع الكتابة من�شورة ومعها ا�سمي الثالثي ،بعد �أن كففتُ عن ا�ستخدام اال�سم الم�ستعار الذي �أرفق به ن�صو�صي الأولى ،التي ن�شرتُها مبكّرا في ملحق «المربد» بجريدة اليوم �أيام درا�ستي في المرحلة الثانوية. في منت�صف الت�سعينيات انتقيتُ من ن�صو�صي م��ا ح�سب ُت ُه حينَها نا�ضجا وي�صلح �أن �أن�شره ف��ي ك�ت��اب ،وبعثتُها لل�صديق قا�سم ح��داد في البحرين ،الذي كان ير�أ�س تحرير مجلة «كلمات»،
وع�ن�ه��ا ك��ان��ت ت���ص��در �سل�سلة «كتاب كلمات» ،لكن لظروف ال �أذك��ره��ا الآن انقطعت هذه ال�سل�سلة ،فاقترح قا�سم الذي ه ّي�أ الكتاب وجهزّه للطبع� ،أن نر�سله �إلى «الم�ؤ�س�سة العربية ل �ل��درا� �س��ات وال �ن �� �ش��ر» .ت��و ّل��ى ال���ص��دي��ق �أح �م��د ال �م�لا �أم� � َر متابعة الكتاب وبروفاته ،ولن �أن�سى ل��ه �أب��دا �أن��ه دف��ع تكلفة ال�ط�ب��اع��ة .ف��ي ال �ع��ام 1995م �صد َر كتابي الأول «يفتح النافذة وي ��رح ��ل» ب �غ�لاف م��ن �إه� ��داء ال�صديقة الفنانة ال�شاعرة مي�سون �صقر .في هذا الكتاب نوا ُة �شخ�صيّتي الإبداعية التي يطبعُها االلتبا�س ،فتخرج من ت�صنيف الن�ص القار في ال�شعر �أو ال�ق���ص��ة .ك�م��ا �أن �ه��ا تجمع ب�ي��ن المخيّلة وان�ف�لات�ه��ا من �شرط الواقع و�إكراهاته ،وكذا االنفتاح على �أعطيات الأحالم « ن����ص :طقو�س �أول � ّي��ة لجثث ال تنتهي»« ..ن�ص :الطريق»« ..ن�ص� :صغيران �أبدا»« ..ن�صو�ص :انتباذيّة» ..وبين االنتهال من الواقعة اليومية ال�شخ�صية الت�سجيلية «ن�ص :في غير موعدهم يخونون»« ..ن�صو�ص :المعلم» .هذا التالزم بين المخيلة والت�سجيل ،هل �أج ُد جذر ُه عند حكّاء القرية «ابن حجر» الذي نث َر �أمامنا حكاياته ال�شعبية ومعها �أحداث حياته ،بما فيها من مغامرات �أو حتّى �أحداث عاديّة ي�صعّدها �إلى حكاياتٍ م�شوّقة .هل �أجده عند «علي �أبو معال»؟ ل�ستُ على يقينٍ من هذا الفهم ،غير ما �أنا عليه من حريّة في الكتابة ت�أنف الجمركة و�أختام العبور.
45
ومحاولة �صنع ظفيرة من خيط دخان ■ كاتب من ال�سعودية
((�أنا مغتاظ من كتاباتي ،مثل عازف كمان �أذنه ممتازة لكن �أ�صابعه ت�أبى �إعادة �إنتاج ال�صوت الذي ي�سمعه بداخله)) غو�ستاف فلوبير. هناك ط��رق ال متناهية ت���ؤدي �إل��ى الموت ،من بينها الحياة نف�سها ،غير �إن المبدع يدرك بحد�سه ال بمعرفته � -أو هكذا يزعم � -أن الكتابة هي الطريق الوحيدة للنجاة .وغالبا لم يحدث �أن نال �أحد ما ،هذا الحظ عبر خطة مدبرة كرد فعل على ال معنى الحياة ،لكن ال بد من �أ�سئلة الالمعنى ،لكي تخ�صب الظروف التي تدفع بالمبدع قدماً نحو هذا ال�سبيل.
46
و�أن ت�ستدرج لاللتفات �صوب بداية التجربة، والخو�ض في تفا�صيل �أ�سرارها من خالل هذا ال���س��ؤال ال�م��رب��ك :م��ا ال��ذي دفعك للولوج �إل��ى عالم الكتابة؟ ف�إنه �سوف يعطيك فر�صة لتزوير فهر�س ل�سيرة �شخ�ص هو على الأرج��ح الآخ��ر الذي حلمت �أن تكونه ،و�أن ت�ستعير ب�أثر رجعي، من حيوات الأبطال الذين حاولت �أن تتقم�صهم �أكثر ما يواكب �أكاذيبك بريقاً .لكنك في الوقت نف�سه ينع�ش في داخلك ذلك التوتر والع�صاب، جراء العجز المتولّد عن �أن ما تكتبه في الواقع يبقى دائما �أقل مما تود �أن تكتبه ،و�سرعان ما تنتبه �إل��ى ما ينطوي عليه ال�س�ؤال من �إ�شارة اجلوبة -ربيع 1434هـ
م�ضمرة �إلى �أعرا�ض جفاف التجربة ،المهددة دوم��ا بالن�ضوب؛ بو�صفها م�شروع ًا ناجز ًا غير قابل للتطوير ،حان الوقت لترحيله �إلى �صندوق الذكريات البائتة. في ظني �أن كل التفاتة ن�صوّبها �إل��ى ال��وراء محكومة بخيبة القب�ض ع�ل��ى ال �� �ص��ورة التي �ستت�آكل� ،إن ل��م تكن ت�آكلت فعال تحت ع�ضة الزمن و�صيرورته المتحوّلة ،ولن تعود هي نف�سها �أب��داً� ،إال في هذا الأث��ر البليد وح�سب .وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب. �أن��ت �أم ��ام تلك اللحظة ال�ت��ي تعطلت فيها
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
عبدالرحمن الدرعان
الحا�سة الب�صرية عند ال�شاعر العذري ،حيث تتهاوى كل الأ�شياء والأم��اك��ن ،وتذهب �سريع ًا نحو فنائها تحت �ضربات الزمن الناعمة ،وال يبقى �سوى ذاكرة يحيط بها التلف ،ولن يعود في و�سعها �إال �أن توثق م�شهد الموت ،بقدر ما ت�شيد موعدا ينت�صر للحياة ..بو�صفها حلم ًا يثابر على تجديد نف�سه با�ستمرار لئال ين�ضب. ال �أعرف �سببا يجعلني �أعتقد ب�أن ثمة لحظة ما في حياة كل �شخ�ص ت�شبه ال�صرخة الالمعة، هي دون �سواها ما �سوف تبقى اللحظة الحيّة التي تجدّد �أ�صداءها ،وتترك �شظاياها مطبوعة على كل لحظة تالية؛ بحيث تبدو م�ضاعفة؛ و�سوف تظل هي الواقعة ال�سرية التي ال تني تمدّك بما يغذّي الوهم الذي لن يكون في مقدورك موا�صلة �أجدني م�ضطر ًا �أن �أ�ؤدي دور �أمين المكتبة في الحياة من دونه. غيباته الق�صيرة ،ويحدث ذات يوم (�أقول يحدث �س�أترك الحكاية تتداعى كما هي في الزمن ب�صيغة الم�ضارع عن ق�صد) �أن �أ�صادف كه ًال الذهني ..ال زم��ن ال�ساعات المزيّف .لم �أكن -لم يكن يح�سن القراءة -يدخل المكتبة ،يجل�س قد تجاوزت العا�شرة عندما ولدت للمرة الثانية �إل��ى ط��اول��ة ال �ق��راءة بيدين عاريتين ،ويطلب كما يحلو لي �أن �أزع��م ،كنت �أذه��ب في الفترة مني البحث ع��ن ق�صائد م��ن دواوي���ن ال�شعر الم�سائية و�أي ��ام الإج� ��ازات المدر�سية برفقة ال�شعبية ،لأق��ر�أ له فيما هو يجل�س �إلى جواري، عمي �إل��ى مكتبة الثقافة العامة (النواة الأول��ى م�ستغرقا في حالة �إ�صغاء عميق ،ي�شبه حداء لمكتبة دار ال�ج��وف للعلوم) ،ال��ذي ك��ان يعمل �صامتا يحدوني للرك�ض �صوب �ضفاف جديدة، �أمينا عاما لها �آن��ذاك ،وهناك اكت�شفت ف�ضا ًء خارج �أقفا�ص الف�صول الدرا�سية ،حيث الرفوف وعلى نحو مفاجئ كنت �ألمح �سرب حمام �أبي�ض عامرة بالكتب التي لم نعهدها في المدر�سة ،من يفز من مالمحه ،حينما ت�ضرب �أوت��ار وجدانه بينها عثرت على الروايات الكال�سيكية ال�شهيرة ق�صيدة ما ،ليكلفني بلهجة �أبوية حانية �أن �أكتبها التي ا�ستهوتني ،عالوة على عدد ال ب�أ�س به من له .كهل ي�سترد �أيامه المهدورة خارج الأبجدية ال�صحف والمجالت الثقافية ال�شهيرة� ،أتذكر عبر �صبيّ ! تتهي�أ ل��ه فر�صة ال��وث��ب �إل��ى م��ا هو منها الآن مجلة العربي الكويتية ب�شكل خا�ص� .أبعد من حدود كتاب الأنا�شيد الباردة ،يجل�سان وح�ي�ن��ذاك ك��ان ف�ضول الطفل يقودني �أحيانا معا كما لو �أنهما اثنان �سواهما؛ �إنه الولد الذي لأتعلم ال�ضرب على الآل��ة الكاتبة ،و�أنخرط في �أدعي الآن �أنني كنته ،وبندر الذي ما يزال ا�سمه التعرف على الأعمال المكتبية ،وفي �أحيان �أخرى الأخ�ضر عالقا بذاكرتي ك�أعواد النعناع ..بندر اجلوبة -ربيع 1434هـ
47
�أنني قبل ذلك ب�سنوات قليلة ..حيث لم �أكن بلغت �سن المدر�سة ،كنت �أذهب برفقة �أبي الذي كان يقوم بتحفيظ القر�آن للتالميذ في جامع ال�شيخ في�صل ،بمعيّة ال�شيخ حمود البليهد ،وحالما ينتهي الدر�س اليومي ،ي�شرع كل منهما بالحديث عن ال�شعر والأدب ..من تلك النافذة كنت �ألتقط النماذج ال�شعرية و�أ�ستظهرها قبيل الولوج في الأبجدية .كنت �أحفظ نقائ�ض الأخطل وجرير والفرزدق على �سبيل المثال ،وكان العالم يبدو لي وا�سعا ومحت�شدا �إلى الح ّد الذي ال �أ�ستطيع تخيله..
48
ع�ل��ى خلفية ه ��ذا ال�م���ش�ه��د ،ع ��رف الطفل الطريق التي عليه �أن ي�سلكها لل�سيطرة على قلب �أبيه ،كلما تلك�أ في تحقيق رغبته :ورقة �صغيرة اجلوبة -ربيع 1434هـ
ما يكون ع�صي ًا على الواقع يدفعني للجوء �إل��ى تزييفه ،فالحياة لي�ست تلك الوقائع التي حدثت بالفعل ،ولكنها �أي�ضا تلك التي كانت على و�شك �أن تحدث �أي�ضا .كتبت ومزقت الكثير من ال��ورق ،وما �أزال ،كلما باغتتني �شهوة الكتابة، �أرت �ج� ُ�ف كطفلٍ يخط جملته الأول ��ى .ت��رى هل يكون هذا الت�صحيف م�صادفة بين (المكتوب) و(ال �م �ك �ب��وت)؟! وه��ل ق��دم «ف��ان ج��وغ» ف��ي كل �أعماله الباهرة ما يعادل �أذن��ه المبتورة؟!! ال الكلمات وال الأل ��وان تقول �شهقتي �أم��ام زرق��ة البحر .ترى ماذا �سيفعل �شخ�ص �ألفى نف�سه بين �أنقا�ض مدينة تداعت كثيراً ،وم�ضى الكثير من �سكانها �أكثر من محاولة �صنع �ضفيرة من خيط دخان؟!!
تجربتي في كتابة الق�صة الق�صيرة
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ال�سهيان ،المعلم الذي وثَّق �صلتي بالكتاب ،وفتح عيني على تلك الطاقة الكهربائية في الكلمات، �إلى الحد الذي تجعل هذا الكهل القوي يتداعى �إزاء �صورة �شعرية ،حتى ليبدو ه�ش ًا يكفكف دمعته على حافة ق�صيدة� ،أو ينتت�شي كالأطفال عند ق�صيدة �أخ��رى .ما �أزال �أ�شعر �أنني مدين ومحظوظ لتلك المرحلة الم�شرقة .وفيما بعد حالفني الحظ �أن �أك��ون تلميذا يتلقى درو���س التربية الجمالية على يد الأ�ستاذ �سعود بادي الطريف ،الذي كنا نتفر�س في خطوط يديه ،وهو ي�شد من �أوتار ال�شم�س لي�شيد لنا خيمة من نهار، و�أن يكون بمعيته الأ�ستاذ �سلمان جمعة العر�سان، ذلك الفنان ال��ذي �س�أ�صدق �أن��ه يخبئ �أعطافه الب�ساتين ،كما تخبئ �شتلة اليا�سمين عطرها يت�سلل ليد�سها في جيبه بعد �أن ي�سوّدها بخرب�شة الباذخ. ق�صيدة تكفي للإطاحة ب�أكبر الءات��ه ،وهكذا �س�أكتفي بهذه الوقفة الق�صيرة على �أح��د بد�أت اللعبة الماكرة بتواط�ؤ �سرّيٍّ ،حتى واتتني المكونات الأول��ى التي قادتني �إلى هذه الطريق الخ�ضراء ،غير �أنني �س�أ�شير �إ�شارة �سريعة �إلى الجر�أة ذات يوم لخو�ض �ضفاف �أبعد بكثير.
■ عبداهلل الزماي -ال�سعودية
كتابتي للق�صة الق�صيرة وارتباطي بها ,هو ج��زء من �شغفي وولعي بالفن والجمال منذ ال�صغر� .أحببت الكلمة الجميلة والعبارة الجميلة ،و�أغرمت بالأفكار الفنية والإن�سانية العميقة؛ حتى �أ�صبح التعامل معها والتعبير عنها بمثابة لعبة ممتعة( ،الكتابة) �إحدى �صورها. ب��د�أت الكتابة الأدب��ي��ة منذ �سنوات الدرا�سة بكتابة �أ�شعا ٍر عامية ركيكة ،وخ��واط��ر �إن�شائية ب�سيطة ،بد�أت تتطور طبيعيا مع زيادة العمر والوعي والتجربة والقراءة واالحتكاك ،وغيرها من العوامل التي ما �أزال ازداد منها يوما بعد يوم. تو�سّ عت قراءتي في الق�صة وال��رواي��ة ،وتلقائيا ات�سع �إدراكي لمقوماتهما وكبر حجمهما من ذائقتي الأدب �ي��ة ,ال��ذائ�ق��ة ال�ت��ي ك��ان��ت مح�صورة بالقريب والمتي�سر وما هو في المتناول ,فقبل �أن ن�ضرب لنا موعدا مع معار�ض الكتب ال�سنوية لم تكن مكتباتنا تكترث �أو تلقي با ًال لنوع الكتب التي تباع هناك من ق�صة ورواية وتاريخ وفكر وغيرها. تلقائي ًا تحوّل الحلم من �أنني �أكتب �إلى �أنني �أريد �أن �أ�صبح معروفاً ،و�أرت��دي نظارة� ،إلى �أن �أ�صبحت �أكتب لأ�شبع غروري وذائقتي؛ �أكتب ال�ستمتع ،ولأمنح عقلي متعة اختبار الأف�ك��ار وتقليبها على �أكثر من وجه؛ �أكتب لأ�صبح �أحد �أفراد هذا العالم ،و�أ�ستطيع �سماع الأ�صوات من حولي بو�ضوح حين �أ�صغي �إليها؛ �أكتب لأت�أمل ما حولي ،و�أمتحن نف�سي في القدرة على �إعادة �صياغته. هناك الكثير من الأحداث والأ�سماء والمحطات التي �أ ّث��رت بي ككاتب ،و�أ ّث��رت كذلك على ت�صوري للكتابة منها :حين �أ�صدرت مجموعتي الق�ص�صية
الأولى «الوقت �أ�صفر �أحيانا» عام 2009م عن �أدبي حائل بالتعاون مع م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي ،كانت خطوة جريئة ،والب��د �أن�ن��ي ا�ستفدت منها الكثير, ال �أ�ستطيع �أن �أت��ذك��ر الكثير ح��ول ات�خ��اذي لقرار �إ�صدارها� ،سوى �أنها فكرة جريئة نوعا ما -قا�سمني �إي��اه��ا وحر�ضني عليها ال�صديق الأ�ستاذ عبداهلل الحربي م�سئول الن�شر في النادي �آنذاك -مرت ببالي ول��م تجد الكثير من الممانعة والمقاومة؛ ولكنني �أ�ستطيع �أن �أتذكر ما حدث بعد ذلك ،وهو �أن �إ�صداري للمجموعة و�ضعني مبا�شرة �أمام القراء ،و�أمام كتّاب الق�صة ،و�ضعني فعال �أمام الآخرين .الآخ��رون هنا هم �أكبر عدد ممكن من النا�س بعيدا عن دائرتي ال�صغيرة ،جعلني في مواجهة �أ�سئلتهم و�أذواقهم, هذا الموقف الذي و�ضعت نف�سي فيه جعلني م�سئوال ب�شكل �أو ب��آخ��ر -لي�س فقط عما �أك�ت��ب ،ب��ل حتىعما يكتب الآخ��ر� ,أرغمني على �أن �أك��ون متوا�صال �أكثر ،وحا�ضر ًا �أكثر ،وقارئا �أكثر ،ومطلعا �أكثر على تجارب الآخرين ،مقارنا بينها؛ ما جعلني فعال حذرا �أكثر �أثناء الكتابة ،وكذلك �أكثر اجتهادا لأكون �أكثر اجلوبة -ربيع 1434هـ
49
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
50
ت�م�ي��زا و�أك �ث��ر ج �م��اال ..ك�ث��رة ما ورد من كلمة (�أكثر) هنا تعك�س �إيماني الكبير بحاجتي لالجتهاد في العمل ،وال�صدق في التجربة، والإخ�لا���ص للفن ال��ذي �أ�صبحت �ضمن كتيبته و�أحد جنوده. مرّة ت�صفحت بال�صدفة �إحدى ال�صحف الكويتية ،فوجدت كالما ع��ن م�ج�م��وع�ت��ي م��ن ��ش�خ����ص ال �أعرفه ،وك��ان ذلك م�ؤ�شرا مهما وح ��اف ��زا ث�م�ي�ن��ا ,ك ��ان ي�ع�ن��ي �أن خطوتي �أ�صبحت �أبعد و�أ�صدق! كان ي�شغل بالي في تلك الفترة ،كيف �أ�ستطيع �أن �أق�دِّم �شيئا جديدا والفتا� ،أن �أكتب ن�صو�صا جاذبة وممتعة ،تعك�س مهارتي ،وت�أخذني �إلى القارئ ب�أ�سرع الطرق و�أ�صعبها في الوقت نف�سه .كنت حينذاك �أكتب بمنتديات (ج�سد الثقافة) في ق�سم الق�صة والرواية ال��ذي �أ�صبحت م�شرفا عليه فيما بعد ,وال��ذي كان �أ�شبه بور�شة �سردية حقيقية ت�ضم �أهم الأ�سماء في كتابة ال�سرد محليا ,وكان هناك العديد من الر�ؤى والم�شاك�سات والق�ضايا ال�ساخنة والمهمة ،والمتابعة اليومية الكبيرة ،على يد عدد من ال�شباب الطامحين والموهوبين ،الذين معظمهم �أ�صدقائي الآن ،والذين �شكّل احتكاكي معهم ووجودي بينهم �أعظم الأثر في ذائقتي الفنية ،واال�ستفادة من تجاربهم و�آرائهم و�إطالعهم على الآداب العالمية الأخرى ,الحقيقة �أن تلك الفترة منذ بداية ت�سجيلي عام 2008م هي التي �شكلتني و�أفادتني كثيرا ،ولأنني ذكي و�سريع الت�أثر.. فقد خرجت من تلك الفترة ب�أكبر ق��در ممكن من المكا�سب على ال�صعيد الفني. �أعتقد �أن تجربتي ال�صغيرة في الكتابة -رغم فترتها الزمنية الق�صيرة ن�سبيا -ثرية وجميلة لدرجة �أنها ا�ستحقت �أن تتوج ولو بالي�سير حين حزت على جائزة (�أدبي الريا�ض) للق�صة الق�صيرة عام 2011م
عن ن�ص (كيف تنجح في التقاط �صورة جميلة) ،هذا الن�ص وهذه ال �ج��ائ��زة ال� �ل ��ذان اف �ت �خ��ر بهما كثيرا ,هذه الجائزة التي جعلت �شابا مثلي يعتلي المنبر ،ويتفوق على �أ�سماء كبيرة �شاركت في تلك الم�سابقة ،وك��ان لها العديد من الإ��ص��دارات� ,شعرت فعال حينها �أنني قدمت �شيئا جيدا. ه ��ذا ال�ت�ت��وي��ج ال���ذي �أهّ �ل�ن��ي فيما بعد �أن �أقف موقف الأ�ستاذ �أو ال�م�ق� ّي��م ف��ي م �ج��ال الق�صة الق�صيرة في �أكثر من موقف� ،سواء حين كنت م�شرفا على ق�سم الق�صة الق�صيرة والرواية والتي بد�أت فيها بتطبيق م�شروع جديد وجميل بم�ساعدة الزميلين �صالح القر�شي وعلي المجنوني ،وهو اختيار «ق�صة ال�شهر» من مجموع الق�ص�ص التي تن�شر في الق�سم، وجعلنا ذلك على مر�أى الأع�ضاء وت�صويتهم ..ال�شيء الذي �أثار المزيد من التفاعل واالهتمام ،كما عملنا على ن�شر الق�ص�ص الفائزة ،وكذلك على ترجمتها �إلى �أربع لغات عالمية ..كانت تجربة مميزة وفريدة, ال ي�ضاهيها في الجمال �إال تجربتي حين عملت على �إعداد كتاب «�سنابل جبلية» ،بم�شاركة الزميل القا�ص جاراهلل العميم ,والذي كان يحوي خم�سة وع�شرين ق�صة لمجموعة من �شباب و�شابات منطقة حائل, كانت تجارب جميلة ومفيدة بمعنى الكلمة� ..أهّ لتني �أن �أك��ون ع�ضو لجنة تحكيم لأكثر من م�سابقة في الق�صة الق�صيرة .ب�صرف النظر عن نجاحي ..ف�إن كوْني محل ثقة الآخرين في هذا المجال هو �شيء ي�ستحق الفخر ،ويعني �أن��ك قدمت م��ا ي�ؤهلك في �أعينهم على الأقل. م��ا ي ��زال ل ��ديَّ الكثير م��ن ال�ط�م��وح��ات الفنية والم�شاريع الكتابية الم�ؤجلة� ،أتمنى �أن �أجد الفر�صة ي��وم��ا م��ا لإن �ج��ازه��ا بال�شكل ال��ذي �أري���ده وم��ن ثم �إظهارها.
تجربتي في الق�صة الق�صيرة ■ علوان ال�سهيمي
الكتابة تمزّ قنا!..
�أ�صعب ما يمر على المبدع �أن يتحدث عن نف�سه ،فوظيفته �أن يقدّم ما لديه ،ثم يم�ضي بعيداً تاركا للآخرين الحديث كما يحلو لهم. في البداية �أح��ب �أن اعترف لكم ب�أنني �صرت كاتبا بال�صدفة ،و�صرت �أعتقد فيما بعد �أن هذه ال�صدفة �أمر جميل ورائع ،لكن بعد مرور �سنوات ،اكت�شفت �أن الكتابة هنا ت�شبه كثيرا �أن تتحول �إلى مهرّج ،تدهن وجهك بكثير من الأ�صباغ لتمتّع الآخرين ،ثم ت�شاهد ب�شاعة وجهك بعد العر�ض ،وتت�أمل دمامتك! لكنها لعنة� ،إن �أ ُِ�صبت بها يوما ،فلن تتخل�ص منها �إلى �أن تموت� ،ست�شعر بداي ًة �أنها �شيء ي�شبه ال�سحر ،فلي�س �أجمل من �أن تبقى في قلوب النا�س وفي عقولهم يوما بعد يوم ،حتى بعد �أن تموت ،وفي المقابل� ..إن كنت تملك قلبا حياً� ،ستكت�شف �أن الثقافة والكتابة والإبداع �ستتحول �إلى طوق فيما بعد يطوّق عنقك ،وربما ينظر النا�س -من بعيد� -إليه ف َيرْو َن فيه جماال ،لكنهم لن يتنبهوا يوما �أنه يخنقك �أكثر ف�أكثر. ح�ضرت لي �أمي الغداء بعد م�شرد .وذات يوم ّ البداية �أن فر�شت �صحيفة الوطن ك�سفرة ،و�أثناء تناولي �س�أحكي لكم حكاية: له� ،أخذت �أت�أمل الأخبار والمقاالت المن�شورة حينما كنت �أدر���س في الكلية ،كنت �أ�صحو ف��ي ذل��ك ال�ع��دد ال��ذي تحول ب�ق��درة ق��ادر �إل��ى مبكرا و�أذه��ب �إليها ،وال �أع��ود �إل��ى المنزل �إ ّال �سفرة طعام لطالب ي�صحو مبكرا ،ثم يعود �إلى نحو ال�ساعة الرابعة ع�صرا ،فكانت �أمي تترك منزله ع�صرا ليتناول غداءه. بالمنا�سبة ،لم ا�ستفد كثيرا من درا�ستي في لي جزءا من الغداء ،ف�أتناوله بمفردي مثل قط اجلوبة -ربيع 1434هـ
51
52
قر�أت في ذلك العدد -و�أنا �أتناول غدائي- مقاال لكاتبة تتحدث فيه عن تعدد الزوجات، فا�ستفزني المقال ،لدرجة تركت معها طعامي، وتناولت دفتر محا�ضراتي ،وبد�أت �أكتب ردا على الولوج في هذا العالم مقالها ،وما �أن انتهيت من كتابته حتى انطلقت منذ ذلك اليوم ،بد�أت �أكتب مقاالت و�أر�سلها �إل��ى مقهى للإنترنت -ك��ان مجاورا لمنزلنا -لل�صحيفة ،كنت �أر�سل خم�س مقاالت وال ين�شر ونقلت المقال في ر�سالة ،و�أر�سلته على بريد لي �إال مقال واحد ،وهذا ما �شجعني �أكثر ف�أكثر، �صفحة «نقا�شات» في تلك ال�صحيفة. �صحيح �إنهم كانوا يحذفون �أ�شياء كثيرة من لم �أكن �أنتظر ن�شره �أبدا ،ولم يخطر ببالي م�ق��االت��ي ،لكنني كنت �أق ��ول فيما بيني وبين �أن ين�شر �أ�صال ،العتقادي �أن ال�صحافة ال يكتب نف�سي� :إنني �صغير على الحكم� ،إنهم يعرفون فيها �إال عِ لية القوم من المثقفين والكتاب ،و�أنهم �أكثر مني. لن ينتبهوا لطالب �صغير من مدينة �صغيرة ومع مرور الأيام ،ومع ازدياد معدل المقاالت �شمالي المملكة ا�ستفزه مقال لكاتبة عن تعدد التي تن�شر لي ،بد�أت �أت�أمل فيما �أكتبه فوجدته الزوجات ،لكنني بعدما �أر�سلت المقال �شعرت ركيكا مقارنة مع ما كان يكتب من مقاالت في براحة تامة ،و�أنني �أنجزت ما كان ينبغي عليَّ ذات ال�صفحة ،فا�ست�شرت �صديقا لي ،ف�أمرني فعله ،وعدتُ �إلى منزلي بعدما ذيّلت مقالي ذاك ب��ال�ق��راءة ،وزودن ��ي بكتب كثيرة� ،أغلبها كان با�سم م�ستعار. ممنوعا في ال�سعودية ،حتى �أدمنت على قراءة بعد يومين من �إر�سال المقال ،فتحت بريدي الكتب الممنوعة ،وغدوت مهرّبا محترفا لتلك الإلكتروني ،فوجدت ر�سالة من الق�سم الثقافي الكتب من الخارج فيما بعد. في �صحيفة الوطن تقول (�إن �أردت ن�شر المقال، ال�ط��ري��ف ف��ي ال�م��و��ض��وع� ،أن �ن��ي بعد قرابة الرجاء �إر�سال ا�سمك ال�صريح ليتم ن�شره) .ال�سنتين من ذلك اليوم الذي ن�شر فيه مقالي في �شعرت ب�ف��رح ال ي�ضاهى� ،إن�ه��ا بهجة الن�شر ال�صحيفة ،تم االت�صال بي من �صحيفة الوطن الأولى ،تلك البهجة التي ت�شعر من خاللها ب�أنك ي�س�ألوني �إن كنت �أود االلتحاق بال�صحيفة كمحرر �أ�صبحت �أحد الم�شاهير في العالم ،فبادرتهم متفرغ ثقافي ،للعمل في المقر الرئي�س في �أبها، ب�إر�سال ا�سمي ،وبقيت طوال ثالثة �أيام �أ�شتري وكنت �أيامها عاطال عن العمل ،فالتحقت بها، �أعداد الجريدة ،وال �أجد لمقالي وجودا ،ف�شعرت وبعد �أ�سبوعين من التحاقي ا�ستلمت �صفحة اجلوبة -ربيع 1434هـ
ي �ق��ول ال ��روائ ��ي ع�ب��دال��رح�م��ن منيف (�إن ال��روائ��ي يكتب ج��زءا منه ف��ي �أي عمل روائ��ي ين�شره) و�أنا ال �أنكر �أنني كتبت جزءا مني في كل رواياتي التي ن�شرتها ،لأن الكاتب ال ينف�صل �أبدا عما يكتبه. ظ�ه��رت رواي ��ة «ال� ��دود» بعد لحظة ت�أملية جل�ستها مع نف�سي ،هذه الرواية التي تتحدث عن مو�سم الهجرة �إلى ال�شمال ،و�أنا هنا ال �أق�صد رواي��ة (مو�سم الهجرة �إل��ى ال�شمال) للروائي ال���س��ودان��ي الطيب �صالح رح�م��ه اهلل ،لكنني �أق�صد تلك الفترات التي يذهب فيها �شباب المناطق الحدودية �شمالي المملكة وبخا�صة تبوك �إلى دولة �سوريا ،ويمار�سون فيها كل ما يودون ،من دون رادع. وبعد �أق��ل من ثالثة �أ�شهر من ن�شر روايتي الأول��ى «ال��دود» ب��د�أت بكتابة رواي��ة «الأر���ض ال تحابي �أحدا». ثم جاءت روايتي الأخيرة «القار». في تلك الأيام كنت �أكتب ق�ص�صا ق�صيرة، وكنت �أفتر�ض في نف�سي �أنني ل�ست قا�صا �أبدا، �إنما كانت الق�ص�ص بالن�سبة لي م�شاريع روايات م�شوّهة لم تكتمل بعد ،ل��ذا �أذك��ر �أن��ه جاءني �صديق م�ب��دع وم�سئول ف��ي ه��ذا ال �ن��ادي ذات يوم وقال لي� :أود منك �أن تر�سل لي بع�ضا من ق�ص�صك ،لأننا ب�صدد �إ�صدار كتاب يتحدث
لكنني بعد �سنة ون�صف ال�سنة �أو يزيد، ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الأول ��ى( :قبلة و�أ�شياء �أخ��رى) ،و�أنا �أتراجع الآن عن قناعتي ال�سابقة في �أنني خلقت روائيا فقط.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
الكلية� ،إلى �أن وجدت وظيفة �أقتات منها فيما بعد ،و�أن �أحمل في قلبي كرها لبع�ض الدكاترة الذين در�سوني؛ لتعاملهم معنا كتعامل طغاة العرب مع �شعوبهم.
بالخيبة ،لكن في اليوم الرابع وج��دت مقالي من�شورا في زاوية �صغيرة من الجريدة ،عندها �شعرت بن�شوة ال مثيل لها ،ومنها ب��د�أت �أدخل عالم الكتابة ،لكنني م ُِ�ص ٌر الآن �أنني دخلت �إلى هذا العالم بالم�صادفة ،مثل �أن تقف ذات يوم �أمام م�سئول كبير في دولة ما ،وي�ستلطفك، وتتعيّن وزيرا فيما بعد.
«نقا�شات» التي كنت �أن�شر فيها مقاالتي ،وكانوا عن القا�صين والقا�صات في المنطقة ،فقلت له يعدلون الكثير منها ،و�أ�صبحت �أنا من يعدل على في ذلك اليوم� :إنني ال �أعتبر نف�سي قا�صا ،لقد مقاالت الآخرين ويجيز ن�شرها مبدئيا. ولدت روائيا ،والق�صة بالن�سبة لي ثرثرة ق�صيرة النف�س ،وال �أحب �أن يرح ا�سمي ككاتب ق�صة. كيف ظهر» الدود»؟
كيف جاءت فكرة المجموعة؟ �أث �ن��اء كتابتي ل��رواي��ة «ال �ق��ار» �أخ��ذت �أق��ر�أ ق�ص�صي التي كنت �أكتفي بن�شرها في مدونتي على الإنترنت ،و�شاركت باثنتين �أو ثالث منها في بع�ض المجالت الأدبية ،فوجدت �أن بع�ض هذه الق�ص�ص كتب ب�شكل جميل ورائع ،ويمكن ن�شره في كتاب؛ فجمعتها كلها ،وبد�أت �أنقحها، فحذفت كثيرا منها ،واكتفيت -ف��ي النهاية- بـثالثة ع�شر ن�صا ن�شرتها في مجموعة �صغيرة لم تتجاوز المئة �صفحة ،ووجدت معها تفاعال من القراء؛ ف�آمنت ب�أننا في بلد ال يبحث عن كم ال�صفحات في الن�شر� ،إنما ت�ستهويهم الأعمال ال�صغيرة؛ فبع�ضهم ك��ان يقر�أ المجموعة في �أربع �ساعات ،وير�سل لي ر�أيه ب�سرعة ،والبع�ض الآخر يخبرني ب�أنه لم يبق معها �أكثر من ن�صف يوم .لكن الكائن الثرثار في داخلي لم يتعظ من هذه التجربة ،فخرجت روايتي الأخيرة في كم هائل من الكلمات ،لكنني �أ�شعر ب�أن لهذا الكم مبرره. اجلوبة -ربيع 1434هـ
53
�شهادة �أدبية كلهم خانوا قهوتي..
كنت �أل��وذ �إل��ى انك�ساري قبل �أن نلتقي في �إغما�ضة عن �أعين الرقباء ،ف�أكتب لها هذياناتي التي �سرعان ما عرفت �أنها تنتمي �إلى فن الق�صة الق�صيرة ،وتلوذ في �أحايين كثيرة �إلى ال�شعر.
■ عمار اجلنيدي -الأردن
في الثالث من �أيار 1967م� ،أطلّت �سحنتي ،لترى نور الحياة ،وكان مولدي –على ما بدا -نذيراً ببدء المناو�شات الع�سكرية مع الكيان الإ�سرائيلي التي �سرعان ما تحوّلت �إل��ى هزيمة نكراء «�سميت فيما بعد بالنك�سة» ،ويعتقد الكثيرون جازمين �أنني �سبب النك�سة.. ولعل �شظف العي�ش الذي ذقته ،والحرمان والخوف والق�سوة التي كانت تلفّ مدارات الر�ؤيا حولي؛ قد ترك ب�صماته الوا�ضحة على م�سيرة حياتي، وعلى وعيي الثقافي والإبداعي.. ففي زمن تغيرت فيه القيم والمبادئ وتبدلت� ،أبحث عن كبير ي�ستحق �أن �أتمرد عليه؛ فلم �أجد ف�أ�صبح الأزعر يقال عنه (�شاطر) و(قد حاله) ،غيره� :أبي. وعن الطيب (�أهبل) ،والأنيق (مغرور) ،والكريم من ال�صعب �أن تتمرد على �أكبر المتمردين، (م�سرف وم �ب �ذّر) ،و� �ص��ارت قيم ال��ود والأل�ف��ة وبخا�صة �إذا كان واثقاً ،ويرى الجميع تالميذ في والخير تفهم بغير معناها ،رغم �أننا بحاجة �إلى ح�ضرته. هذه القيم ،لنحافظ على ما تبقى من �إن�سانيتنا. ا�ست�شرته في الأمر ،ف�أ�شار عليّ �أن ابحث فيّ وعليه ،ف��ان ه�ن��اك نمط ًا م��ن الب�شر ي�شرّعون الخيانة ويبررونها ويعطونها كثيرا من �أخ�لاق عما ي�ؤهلني �أن �أكون متفرد ًا ومميزا. الفرو�سية. �أق�ن�ع�ت�ن��ي ال �ف �ك��رة ورح���ت �أب �ح��ث ع��ن تلك وم��ا �أزال �أذك��رن��ي لحظة �ضبطني فيها �أبي الأ�شياء ،فلم يجد ال�صغير ذو البنية الج�سمية �أقترف الق�صيدة؛ �أذكر �أنه ا�ست�شاط قهرا� ،أمر الهزيلة وال�ق��وام ال�شاحب �إال الإب ��داع الفكري والأدبي ،وبخا�صة بعد �أن تبرعمت �أ�شتال الحياة بجلدي ثمانين �صفعة. لم �أكن (وما �أزال) في حالة ت�صالحيه مع كل في مزرعة الوجود.
54
و�أم��ي – �سامحها اهلل -ظنّت بي الظنون، من حولي ،ووجدتني مدفوع ًا �إلى حالة من التمرد عليهم .وحر�ضني �أح��ده��م �أن �أج��د كبير ًا كي ف�أخذتني �إل��ى ال�شيخ ،ال��ذي ق��ر�أ عليّ بع�ض �أتمرد عليه ..تطلعت حولي ،وحول حولي ،ورحت تمائمه وكتب لي حجاب ًا رقدت على �إثره حفنة
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
من هذه الأ�ساطير المكتنزة بالخياالت والأوهام والهذيان.
وزادن��ي تم�سكا بما �أكتب عندما عرفت �أن المر�أة قادت ابن عربي �إلى ال�شعر ،و�إن ال�شعر قاده �إلى الت�صوف.. من ال�سنوات.. تب ّر�أ الأ�صدقاء من م�شاك�ستي ،ون�صب �أهل قريتي م�شنقتي على بوابة القرية ،وتركوني �أبحث عن غزالة القلب في محمية ال�ضباع. لكن ذل��ك ،كل ذل��ك ،لم ي�ؤثر ف��يّ ،بل زادني عناد ًا و�إ�صرار ًا على ارتكاب المزيد من الق�صائد؛ �إنما الذي طحن تما�سكي� ،أن من �أغوتني بكتابة الق�صيدة؛ تزوجت من �أول قاطع طريق. وف��ي مو�سكو ،ك��ان در�سي الأول في الكتابة الأدبية ،عندما كنت في ال�سنة التح�ضيرية في جامعة ال�صداقة الرو�سية ،التحقت بكلية الطب؛ ه��ذا التخ�ص�ص ال��ذي �أمقته تماما كما �أمقت الفقر .تعرفت عليها كما يتعرف الأطفال على بع�ضهم البع�ض .قلت لها كالم ًا لم �أك��ن واعي ًا حين قلته ،لكنه فيما بدا قد �شكل لديها الرغبة ب�أن ت�سمع المزيد من هذه الهذيانات التي تقترب في �صدقها من الأ�سطورة. �أ�سرني �صمتها ورغبتها في �سماع المزيد، و�شكل ذلك عندي حافز ًا قوي ًا لكي �أجترح المزيد
وعندما ٌرتّبتْ لي �إقامة جبرية في م�ست�شفى �ألـ (� )64سيء ال�صيت-في مو�سكو -بد�أ يراود انتباهي �شعور مختلف ،حيث كنت �أتقا�سم الغرفة في الم�ست�شفى مع خم�سة من ال�سوفيات المر�ضى، كنت �أراهم يجل�سون على �أ�سرّتهم ينهلون الكتب ب�صمت ال�ق�ب��ور ،وال يك�سر ه��ذا ال�صمت غير قهقهات �أحدهم وهو يقر�أ موقف ًا م�ضحك ًا بين دفتي الكتاب .ا�ستهوتني الفكرة ..فبد�أت �أقر�أ ما ينتهون منه بما ت�سعفني اللغة الرو�سية التي تعلمتها ب�سرعة فائقة .كانت الق�صيدة �أول ما حطّ ت عليه رحالي الإبداعية ،فن�شرت ديواني الأول« :وه��ج االنتظار الأخير» بدعم من وزارة الثقافة1995/م ،ثم توالت عملية الن�شر تحت فن�شرت ديواني ُْ طائلة الإغراءات التي حا�صرتني، الثاني« :راي ��ات على �سفح ال�شفق» ف��ي مطالع ع��ام 1999م ..ون�شرت مجموعتي الق�ص�صية الأولى بعنوان« :الموناليزا تلب�س الحجاب» عام 1996م .ثم ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الثانية: خيانات م�شروعة ،بدعم من وزارة الثقافة عام 2003م ،ثم دعمت �أمانة عمان الكبرى مجموعتي ال�شعرية :رماح في خا�صرة الوجع 2004م ،ثم اجلوبة -ربيع 1434هـ
55
ولعل م�شاركتي في العديد من المهرجانات والأم�سيات والحواريات ال�شعرية والق�ص�صية، وف ��وزي ب�ع��دد م��ن ال�ج��وائ��ز الأدب �ي��ة ،ق��د �أغنى تجربتي ،و�أعطتني فر�صة االلتقاء مع المتلقي وجه ًا لوجه؛ ما زاد ثقتي بما يعتمل في قلقي من هذيان وقهر وتمرد ،ف�أ�شعرني فوزي بخم�س جوائز �أدبية ب�أن ما �أكتبه يخ�ضع لمقايي�س التميز والإده��ا���ش رغ��م �أنني �شخ�صي ًا غير مده�ش �أو متميز ،بل �إنني مُمِ ّل وم�ضجر ح ّد ال�سلبية؛ ما �شكل فجوة بيني وبين م��ا �أك �ت��ب؛ حتى �صرت �أتمنى لو �أنني متميز ًا كما �أكتب ،ولدرجة �أنني �صرت �أ�شعر بالغيرة مما �أكتب؛ وعليه ،فقد قررت �أن ال �أ�شترك بم�سابقات �إبداعية بعد اليوم ،لكن المحزن �أن ي�أتي هذا االعتراف في غالبه بتميز و�أ�صالة الحركة الأدبية الأردنية من خارج الأردن!
لم يت�سع لها جن�س �أدب��ي واح��د ،فقد لج�أت �إلى المزاوجة والمثالثة ،حتى اقتنعتُ ب�أن الحقيقة �أكبر من �أن تعك�سها مرايا ال��ذات وال��واق��ع بما تحمله م��ن �صور لها �أب�ع��اده��ا الخا�صة ،والتي تبث عمّن ي�شكو تمردها ،وظ ّل ما بداخلي �أكبر من �أيٍّ من و�سائل التعبير التي عهدتها ،وبقيت دوم ًا �أبحث عن و�سيلة للتعبير عن ذاتي المت�أهبة النطالق طاقاتها وانفعاالت �إرها�صاتها ،وعمّا يدور بي من هواج�س قاتلة ،قد ال �أكون قادر ًا على كبح جماح لهفتها في البوح واالنطالق. ولعل هذا الت�شتت والبحث الم�ضني حرمني من متعة اال�ستقرار الأدب��ي ،وف �وّت عليَّ فر�صة �أن �أُحدّد هويتي؛ فال �أعرف على وجه التحديد.. هل �أنا �شاعر� ،أم قا�ص� ،أم فنان ت�شكيلي؟ وربما قريب ًا روائي!..
()2 فعندما �أكتب الق�صة ،ال �أ�ستطيع �أن �أعزل ولقد �أيقنتُ �أن لل�شعر طعم القُبلة الأول��ى ال�شاعر ،وعندما تراودني الق�صيدة عن قهري، عند العا�شق ،وللق�صة مذاق االرت��واء بعد �شوط يح�شر القا�ص �أنف ثرثرته رغم ًا عني! م�ضنٍ من اللهاث وراء حبات الرمان النا�ضجة؛ ال يعنيني كثير ًا �أن �أك��ون قا�ص ًا �أو �شاعر ًا �أو فالق�صة ال تغني عن ال�شعر ،وال يمكن لأحدهما روائيا ،بقدر ما يهمني �أن �أكتب �إبداع ًا يحظى بي �أن يكون بدي ًال عن الآخر .وهنيئ ًا لكل جن�س �أدبي ويعبر عن قلقي. ي�ستفيد من الآخر وال ي�سعى لتهمي�شه. و�أفهم �أن الناقد ي�ضطلع بر�سالة ال تقل �أهمية
56
لم �أك��ن واعي ًا لطبيعة التجني�س الأدب��ي لما �أكتب ،وظللت �أتجاهل هذه الق�ضية؛ لأنني منذ ال�ب��داي��ة ك��ان يهمني �أن �أك�ت��ب م��ا بداخلي من هواج�س م�شروخة ،وكان الوقت قد فات �أن اختار اجلوبة -ربيع 1434هـ
عن ر�سالة المبدع ،لكن هناك من يعتقد بوجود �إ�شكالية خا�صة بين الناقد والمبدع في الأردن، تحكمها عالقات المح�سوبية وال�شللية ،وعدم االعتراف بالقدرات الإبداعية للكثيرين ،وك�أن
و�أن ��ا �شخ�صي ًا بعيد ج��د ًا ع��ن ه��ذه الأج� ��واء ،ف�لا �أع �وِّل ع�ل��ى ال�ن�ق��د ك �ث �ي��راً ،رغ ��م �أن م��ا ك�ت��ب ن �ق��دي � ًا ع��ن تجربتي ال�شعرية والق�ص�صية �أ�شعرني ب� ��أن ال �م �ب��دع ي�ج��ب �أن يكون الناقد الأول لما يكتب ،وبقيتُ �أتمنى �أن يلتفت النقاد لآخرين يجب �أن تكون تجاربهم تحت المجهر ،لكنني �أ�ؤمن دائم ًا �أن الن�ص الجميل والمبهر �سي�أخذ ن�صيبه وح�صته من النقد مها طال ال�سبات.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الثالثة� :أرواح بين ال�شعر وبين الق�صة لأنهما كانا متداخلين م�ستباحة ،بدعم من وزارة الثقافة عام 2009م ،عندي؛ �إذ وجدتني منخرط ًا فيهما ،تمام ًا كفرحة ثم ن�شرت وزارة الثقافة مجموعتي الق�ص�صية العا�شق حين يقطف قبلة من خد الحبيب. الرابعة« :ذكور بائ�سة» عام 2011م. ذل��ك �أنني وجدتني ب�إمكاناتي ور�ؤاي التي
ه ��ؤالء النقاد يقللون من �ش�أن �إب��داع��ات ه� ��ؤالء المبدعين، وي��م��ار���س��ون ع�ل�ي�ه��م ذه�ن�ي��ة الفوقية والإحباط المق�صود. ف���ص��ار االع �ت �ق��اد ال���س��ائ��د �أن العالقـة بين الناقد والمبدع، فيها م��ن الخ�صومة وال�ع��داء �أك �ث��ر م�م��ا فيها م��ن التوجيه والإر�شاد ،و�أن االحترام والثـقة مفقودة بينهما.
أتل�ص�ص �أح �ي��ان��ا؛ �إال �أن �ن��ي � ّ �أحيان ًا و�أغافلني لأكتب ق�صة �أو ق�صيدة� ،أو �أتجول في زقاق رواي �ت��ي« :ال��ذاك��رة المثقوبة» ف�ض �أ�سئلتها التي انتهيت من ّ منذ زمن لي�س بالبعيد. �إن ��ه م�م��ا ال ��ش��ك ف �ي��ه� ،أن الأب�� �ط� ��ال ال���ذي���ن ي ��ذرع ��ون م� ��� �س ��اح ��ات ق �� �ص �� �ص��ي ه��م �أ� �ش �خ��ا���ص م �ن �ت �خ �ب��ون ،ذوو �إمكانات �أثيرة في نف�سي� ،إال �أن ما يجمعني معهم� :أننا جميعا مهجو�سون بمحاولة الخروج من الواقع الذي يكبّل ويحجّ م من طموحنا واندفاعنا ،لكننا م��ؤم�ن��ون ف��ي ق ��رارات �أنف�سنا �أن المجتمع ح�شرنا في �أت��ون العادي والمملّ. ()4 ف�أنا رج��ل ال يتقن �شيئا في ه��ذه الحياة �إال الكتابة( ،يا للأ�سف.)!..
وما يحدث من خالفات طاحنة على ال�ساحة و�أن��ا ت �وّاق للتعبير عن وج��ودي ب�شتى ال�سبل النقدية في الأردن ال يعنيني ،بل وتُظلم تجربتي �إذا �صرت طرف ًا فيها ،ف�أقر�أ النقد كثيراً ،وال المتاحة(،يا للهزيمة.)!.. �أفتعل ال�ع��داءات مع من ال يجامل ما �أكتب ،بل ()5 �إنني �أُحرِّ�ض الآخرين على االبتعاد عن كل عوامل الأه ��ل والع�شيرة والمجتمع ت��واط ��أوا على المجامالت التي ال تخدم �أحدا. رف�ضي كمتمرد ،وك�صعلوك ،وكعا�شق ،لكنهم ()3 جميعا قبلوني كمبدع( .يا للغرابة!)؛ لذا ،ف�إنني ورغم �أن الكتابة ال�صحفية ت�أخذني من الإبداع �س�أموت ،و�أنا ناقم عليهم جميعا. اجلوبة -ربيع 1434هـ
57
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
فهد الخليوي وحكايته مع الق�صة الق�صيرة ■ قا�ص من ال�سعودية
كانت البداية في منت�صف ال�سبعينيات الميالدية ،تلك المرحلة الزمنية التي �شهدت ح�ضور الق�صة الق�صيرة المحلية كفن �أدبي حديث ,تجاوز �سذاجة الحكاية الم�سرودة لغر�ض الت�سلية، �إلى �صياغة تلك الحكاية ..لت�صبح ق�صة ذات تقنيات فنية عالية ,ودالالت �إن�سانية وتاريخية رحبة. ت�شكلت تجربتي �ضمن تجارب العديد من كتّاب الق�صة في تلك المرحلة .كنا مجموعة حالمة من المتمردين على جمود ال��واق��ع الأدب���ي ،وك��ان عبدالعزيز م�شري� ،سليمان �سندي، عبداهلل ال�سالمي ،جبيرالمليحان ،ج��اراهلل الحميد ،محمد علوان ،عبداهلل باخ�شوين ،ح�سين علي ح�سين ،محمد ال�شقحاء ،محمد قد�س ،عبداهلل باقازي وغيرهم. م��رح �ل �ي �اً ،ج ��اء ج�ي�ل�ن��ا ب �ع��د رواد الق�صة دو�ستوف�سكي وهيمنجواي ،وكافكا ،وموب�سان، التقليدية ،من �أمثال الكبار �أحمد ال�سباعي ،وماركيز ،وغيرهم من عظماء المبدعين في �إب��راه�ي��م النا�صر ،ح��ام��د دم�ن�ه��وري ،ع�صام العالم الأول. خوقير ،وغيرهم ممن �أ�شرعوا نوافذ ال�سرد في ك�ن��ت �أن �� �ش��ر ف��ي ال���ص�ح��ف المحلية وعلى �أوائل ال�ستينيات. ف �ت��رات متقطعة بع�ض الق�ص�ص الق�صيرة، يلف ال�ساحة الأدب �ي��ة المحلية ظ��ل ال�خ��واء ّ لدرجة االنقطاع وعدم التوا�صل مع الإبداعات العربية وال�ع��ال�م�ي��ة ،وك��ان��ت �ساحتنا الأدب �ي��ة تحا�صرها رياح التجديد في مجال ال�سرد من كل ف�ضاءات العالم ،وتمطر ب�أ�سماء كبيرة وم�ضيئة؛ كنجيب محفوظ ،وعبد الرحمن منيف ،ويو�سف �إدري�س ،وزكريا ثامر ،وحيدر حيدر ،وغيرهم من الم�شرقين في تاريخ الإبداع العربي الحديث.
58
وع��ال �م �ي �اً ،ك�ن��ا ن �ق��ر�أ ب�ن� َه��م وم �ت �ع��ة ،روائ ��ع اجلوبة -ربيع 1434هـ
ث��م ت��وق�ف��ت ع��ن ك�ت��اب��ة ال�ق���ص��ة ،و�أ� �ص �ب��ح جل وقتي مخ�ص�صا للقراءة والعمل في ال�صحافة الثقافية ل�سنوات طويلة� ،إلى �أن �أقنعني �صديقي العزيز الكاتب والقا�ص �سعود الجراد بطباعة مجموعة ق�ص�صية ..جمع بجهده ن�صو�صها و�أطلعني عليها ،و��ص��درت عن ا لنادي الأدب��ي في حائل عام 2008م بعنوان(رياح و�أجرا�س)، وقد حظيت باهتمام نقدي طيب� ،شجعني على �إن�ج��از مجموعتي الق�ص�صية الثانية .و�أث�ن��اء
البحث ف��ي �أر��ش�ي��ف مكتبتي لإع ��داد ن�صو�ص المجموعة، وج ��دت ملفا ي�ضم �أك �ث��ر من �ستين ق�صه ،يكفي لإ��ص��دار ث�ل�اث م�ج�م��وع��ات ق�ص�صية دفعة واح ��دة ،وك��ان معظمها يمثل ب��داي��ة تجربتي الأول ��ى في كتابة الق�صة؛ ما دفعني �إل��ى ا�ستبعادها لعدم قناعتي بن�ضجها .اقتنعت و�أن��ا �أنتقي ن�صو�ص مجموعتي الق�ص�صية الجديدة «م�ساء مختلف» التي �صدرت في العام 2011م عن ال�ن��ادي الأدب ��ي ف��ي الريا�ض، ب�أنه لي�س كل ما يكتبه الكاتب ف��ي ��ش�ت��ات ال���ص�ح��ف جدير بن�شره بين دفتي كتاب ،كما �أن غ ��زارة الإن �ت��اج بمعيارها الكمّي ،ال ت�شكّل عندي هاج�سا م�ؤرقا ،مع �إيماني ب�أن غزارة
الإنتاج تبقى مهمة ومفيدة� ،إذا كان المنتج الأدب��ي �أو المعرفي نوعيا ..ولي�س مجرد كمّ تراكمي يعلوه الغبار بين �أرفف المكتبات. في مجموعتيَّ الق�ص�صيتين الأول ��ى وال�ث��ان�ي��ة� ،شعرت �أنني ت �ح��ررت م��ن �أ��ْ�س��ر «التجريب» ال��ذي ك��ان م�سيطرا على بداية تجربتي؛ �إذ ا�ستبعدت -كما �أ� �س �ل �ف��ت -ت �ل��ك ال �ن �� �ص��و���ص، وبعبارة �أدق المحاوالت الملتب�سة التي �صاحبت بدايات تجربتي ف��ي كتابة الق�صة الق�صيرة، واق�ت��رب��ت بحميمية م��ن تخوم ال��واق��ع ،وم�ح��اول��ة ق��راءت��ه من خ�لال ق��ال��ب � �س��ردي ،ومنظور فني ،وال �أ ّدع ��ي ف��ي ذل��ك �أنني و�صلت �إل��ى م��ا �أط�م��ح �إل�ي��ه في عالم ال�سرد وفنونه المده�شة. اجلوبة -ربيع 1434هـ
59
■ فهد امل�صبح – ال�سعودية*
قبل تعاطيّ الكتابة كانت م�شكلتي مع القراءة� ،إذ �صادفتني فيها عقبات ثالث ،معرفة الكتاب، والو�صول �إليه ،وقيمته .ورغم ميلي منذ ال�صغر �إلى الق�ص�ص ،لم �أجد فيمن حولي ما ي�شبع هذه الرغبة ،عدا حكايا ال�سمّار وحكاوي الجدات. لكنَّ اهلل جلّت قدرته منّ عليّ بقريبٍ � ،أعترف بف�ضله في تعريفي بالكتب والح�صول عليها، هو ابن خالي عبداهلل الراجح ،وكان من �أ�سرة مي�سورة� ،أعطاني كتاب «�أر�سين لوبين» ،قر�أته في زمن قيا�سي ،ثم طلبت غيره .ومن حينها ،عثرت على كنز من الكتب عنده ،قر�أتها منبهرا بما �أجد فيها مما يختلف كثيرا عما �أقر�ؤه في الكتب المدر�سية ،وانطبعت في نف�سي رغبة ملحّ ة لخو�ض تجربة الكتابة من �شعر وق�صة ومقالة وم�سرح .وكانت خطوط التقليد وا�ضحة في كتاباتي. ومن البدء ،لم يعجبني �شعري ،فان�صرفت عنه؛ والم�سرح لم يكن وقتها منت�شرا �إال في ال �م��دار���س وف ��رق الك�شافة ،و�أن ��ا ع ��ازف عن �أن�شطتها ال �م ��ؤط��رة؛ والمقالة ل��م �أج��د فيها ج��دي��دا؛ فبقيت الق�صة التي �شغفت بها حد الهو�س .والأح�ساء تزخر بال�شعر دون الق�صة، و�إن وُجدت �أُطلق عليها «الحزاية» �أو «ال�سالفة»، بعد ذلك� ،أخذت �أفت�ش عن كاتب ق�ص في و�أن��ا �أردت �أن �أ�سرد وي�سمعني من حولي ،فلم و�سط يلهج بال�شعر ويغ�ص بال�شعراء؛ ولهذا يكن �أمامي �إال �أطفال الحي. ف��إن رحلتي مع الق�صة تجربة لم تنقطع منذ ذات ي��وم جمعتهم �أم��ام��ي وجل�ست على الطفولة وحتى هذه اللحظة ،ف�شريان الق�ص دكة باب خ�شبي ،رويت لهم ق�صة �أخذتها من ال يزال ينب�ض في داخلي بكل هواج�س الحكي، تلفزيون الظهران «�أرام�ك��و» عن فيلم م�صري م�ستطعما لذة الك�شف وده�شة الكتابة. للفنانة ال�ق��دي��رة ��ش��ادي��ة ،وم��ا �إن ف��رغ��ت من ت���ص��وروا طفال ف��ي الثمانينيات الهجرية الحكاية حتى انف�ضوا من حولي ،وبقيت حزينا -ال�ستينيات الميالدية -بين �أقرانه في جوهم �أن لم يعلق �أح ٌد على ما قلت. ال�صاخب باللعب وال�شجار والغيرة ،ت�صوروا
ي�شيد بما رويت ،كانت امر�أة تت�سمع �إلى الحكاية م��ن خلف ال�ب��اب الخ�شبي ال��ذي �أ�ستند �إليه، �أعجبتها الحكاية كثيرا ،و�أثنت عليّ ب�إطراء زاد �شغفي بالق�صة ،ف�أخذت �أن�سج حكايات �ساعدني فيها �أرق �شديد �أ�صبت ب��ه ف��ي �صغري ،وقد وجدت من �أرويها له ،و�إن كنت �أوليه ظهري.
وفج�أة ت�سرب �إليّ �صوتٌ جاءني من الخلف ه��ذا الطفل يفتقد لعبته ،وتخيلوا كيف يبرر
60
اجلوبة -ربيع 1434هـ
وت�صوروه بال ث��وب �أو نعل �أو ُك��ر ٍة �أو غيرها ،وال�ح��ل �أن �أم��ه �ستح�ضر له ما ينق�صه ،لكن �أن يقف هذا الطفل بين �أقرانه فاقد الأم فتلك م�صيبة كبرى! �أتعرفون معنى �أن يكون الطفل بال �أم؟ يعني �أنه يفتقد كل �شيء.. كل �أطفال الحي لديهم �أمهات ع� ��داي ،ن�ق����ص ع��و��ض�ت��ه جدتي ال�ت��ي َت� ��رِ ُد ف��ي �أك �ث��ر ق�ص�صي، لذلك �أج��دن��ي �أكتب بتمكن عن الطفولة ،وق��د و�ضح ذل��ك جليا في مجموعتي الق�ص�صية الرابعة «رداء الذاكرة».
م���ن ه� �ن ��ا� ،أي� �ه���ا الأخ� � ��وة والأخ��وات ب��د�أت الق�صة معي، فقد كنت �أن�سج ق�ص�صا من خ �ي��ال��ي ب�� ��أن �أم� ��ي ع �ل��ى قيد الحياة ،و�أنها تنت�صف لي من كل مَ ن ي�ضايقني ،لذلك بع�ض الق�ص�ص ال �أ�ستطيع تدوينها مع �أن��ي �أرويها لأ�صدقائي بكل دقة وت�شويق.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
رحلتي مع الق�صة
ذلك ب�أن �أمه �ستجلبها له ،م�شكلة محلولة بدهاء الطفولة الفطري.
عليّ !..
م �ن��ذ وع��ي��ت ،و�أن � ��ا �أ��ش�ع��ر ب� ��اخ � �ت �ل�اف ع� �م���ن ح���ول���ي، وانطوائية بمزاج متكدر على ال��دوام ،كنت طفال يتيم الأم، وه��ذا ج��رح لم يندمل ف��يّ �إلى يومنا ه��ذا ،فامتلأت بالق�ص من ن�سج خيالي ،ومما �أ�شاهده في تلفزيون الظهران من �أفالم م �� �ص��ري��ة ،ك �ن��ت اح�ت�ب����س في داخلي حكايات �أريد �أن �أنفثها من �صدري كي �أرتاح.
ف ��ي ال��م��ع��ارك ي �ق��ا���س م��دى االنت�صار بعدد القتلى� ،أم��ا في ط�ف��ول�ت�ن��ا ف �ك��ان ل�ن��ا م �ع �ي��ا ٌر في االن �ت �� �ص��ار ب � ��أن م��ن ي�ب�ك��ي من المتخا�صمين يكون هو المهزوم، ت � � � ��أث� � � ��رت ف � � ��ي ال� � �ب � ��دء وك�ن��ت حينها �صلبا ال �أل�ي��ن وال بالمنفلوطي ،ث��م بمحفوظ، �أب�ك��ي ف��ي �شجاراتنا الطفولية، وانتهاء بت�شيكوف ،و�أظ��ن �أن كنت �أ�شاهد الم�صارعة الحرة دخ��ول الترميز في الق�ص هو في تلفزيون الظهران «�أرامكو»، هروب من �شيء يخ�شاه الكاتب، وتعلمت منها بع�ض الحركات، يتناوبه ع��ام�لان ..داخلي وهو وك�ن��ت �أط�ب�ق�ه��ا ف��ي ��ش�ج��ارات��ي، ال�شعور بالعجز ،وخارجي وهو ف ��إذا �شعر خ�صمي بذلك ،و�أن��ه �سينهزم ..كان يلج�أ �إلى الحيلة ليبكيني ،ب�أي الخوف من الرقيب. تدرجت في الق�صة من ن�ص الوعي �إلى ن�ص و�سيلة ،فيهتف على الأ�شهاد قائال ب ��أن �أمي ميتة ،فتخور قواي و�أبكي بن�شيج يجعله ينت�صر الالوعي ،ثم تو�صلت �إلى الن�ص الم�شترك الذي
اجلوبة -ربيع 1434هـ
61
�أذكر �أن �أ�ستاذنا الجليل في ال�م��رح�ل��ة المتو�سطة ال�شاعر محمد العمر الملحم -رحمه اهلل -ك��ان ال ي �ب��د�أ ال��در���س �إال ببيت �أو �أبيات من ال�شعر. وك��ان ما ي�ضايقني �أنني �إذا ت�ع��رف��ت ع�ل��ى �أح ��د م��ن الأدب ��اء ال ي�خ��و���ض م�ع��ي ف��ي ت�ضاعيف الق�ص ،بل يقفز فورا �إلى ال�شعر ق��ائ�لا� :أ��س�م�ع�ن��ا م��ن ��ش�ع��رك. ف�أ�صمت منك�سرا ،وفي جوانحي حكاية لبلدي الأح�ساء لم تدون بعد ،فكتبتُ وعيني تبحث عن رجل ق�ص �أو حكاية.
62
بعد �ست �سنوات� ،أي في عام 1400هـ ،ن�شرت لي �أول ق�صة في مجلة ال�شرق بعنوان «من حيث ال يحت�سب» �أعجبت رئي�س التحرير الأ�ستاذ من�صور �سحلي ،فطلب لقائي ،و�صرت بعدها �أن�شر فيها من دون مقابل.
�سمعت بالم�سرحي المريخي عليه رح�م��ه اهلل ،اق�ت��رب��ت منه ف� � ��إذا ه ��و م�ن���ش�غ��ل ب��ال�م���س��رح وال �ط �ف��ل ت �ح��دي��دا ،طلبت منه كتابا في الق�ص ،ف�أعطاني كتاب «ح��ي ب��ن ي�ق�ظ��ان» الب��ن طفيل، قر�أته ف�أده�شني كثيرا ،وعرفت ث��م ن�شرت ل��ي ق�صة بعنوان حينها �أنني فقير في قراءاتي، «ال �ن �ج��اة» ف��ي ج��ري��دة ال �ن��دوة، فبحثت عن الكتب الق�ص�صية، هاتفني على �إثرها معد برنامج و�ساعدني ابن خالي على ثمنها، �إذاع��ي بعنوان ق�صة من الأدب وكم �أبكتنا ق�ص�ص «المنفلوطي» و«الرافعي» ،ال�سعودي ،هو الأ�ستاذ حامد عبا�س ،و�أذيعت ثم روائع «ت�شارز ديكنز» و«هوجو». الق�صة ممثلة ب�إتقان� ،أفرحتي و�شحنني بحما�س كنت �أقر�أ و�أكتب ،وكانت كتاباتي ركيكة لم للق�ص. اجلوبة -ربيع 1434هـ
كنت منظما جدا في بداياتي، فيوم الأربعاء خ�ص�صته لجمعية الثقافة والفنون بالدمام ،ويوم الأح��د خ�ص�صته لمجلة ال�شرق ق �ب��ل اف �ت �ت��اح ال� �ن ��ادي الأدب� ��ي بالدمام ،ويوم ال�سبت لأ�صدقاء الق�ص والمعاناة ،ويوم االثنين للقن�ص وا�صطياد الأفكار ،كنت �أب�ح��ث ع��ن ك��ل م��ن يتحدث عن الق�ص ،ووج ��دت ن��ذرا ي�سيرا، كلهم من خارج الوطن كالروائي عبدالوهاب الأ��س��وان��ي ،وكانت ال�شللية حينها متغلغلة فينا، والت�صنيفات �أي�ضا �أثناء موجة الحداثة. ف��ي ع ��ام 1410ه�� �ـ اف�ت�ت��ح ال��ن��ادي الأدب ��ي بالدمام ،وتو�سعت حلقة الق�ص ،وكثر الرواد، وح�صل التزاور والتوا�صل في رحالت الأندية للأم�سيات الق�ص�صية. و�أول مَ ��ن كتب عني ه��و �أ� �س �ت��اذي القدير محمد ال�شقحاء في جريدة البالد� ،أتذكر �أنه لم يثنِ على مجموعتي الأولى «�صاحب ال�سيارة البرتقالية» ،لكنه تنب�أ لي بم�ستقبل م�شرق.
وطبع ن��ادي ال�شرقية الأدب��ي ث��ان��ي مجموعاتي الق�ص�صية 1414هـ «للدموع لغة �أخرى» ،ثم توالت المجموعات �إلى �أن بلغت ث�م��ان��ي م�ج�م��وع��ات ق�ص�صية، حاربتني خاللها الرواية قرابة عقدين من الزمن حتى �صدرت روايتي الأول��ى «الأو�صياء» عام 1429ه� �ـ ،في وق��ت ات�سعت فيه ف���س�ح��ة ال�ن���ش��ر ف��ي ال�م�لاح��ق الأدبية ومواقع النت.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
يمزج بين الإثنين ،وال �أرتاح �إلى ت�صنيفات الأدب �إل ��ى رجالي ون�سائي و�أطفال.
يطلها الن�ضج ب �ع��د ،و�أول ما ن�شر لي مقالة في الغناء وكرة القدم عام 1394ه �ـ في جريدة اليوم بعنوان «�إ�صابة في القلب و�إ�صابة في الهدف» ،وكم �أثلج �صدري ن�شرها بعنوان عري�ض جدا ،مع �صورة قطبي الغناء �أم كلثوم وفريد ،وقطبي كرة القدم بيليه ودي��دي ،وزاد من حما�سي ات� ��� �ص ��ال م �� �ش��رف ال���ص�ف�ح��ة الفنية بي ،وهو الأ�ستاذ ال�شاعر �إب��راه �ي��م ال �غ��دي��ر ،ط�ل��ب مني مقاالت �أخ��رى ،ف�أعطيته ق�صة بعنوان «بداية مطرب» لم تن�شر لظروف تلك الفترة في الم�سموح وغيره ،وا�ستمريت �أكتب محددا طريقي في الق�ص ،وكان الن�شر حينها �صعبا.
وط� �ب� �ع ��تُ �أول م �ج �م��وع��ة ق�ص�صية «� �ص��اح��ب ال���س�ي��ارة البرتقالية» على ح�سابي الخا�ص ع��ام 1408ه � �ـ .ومثلت الق�صة التي تحمل عنوان المجموعة في الإذاعة �ضمن البرنامج ال�سابق.
من يروي ق�صة بلدته ،ف�إن كان ال�شعر ��ص��وت ال ��وج ��دان ،ف ��إن الق�ص هو �صوت المكان.
و�أخ � �ي� ��را ج��اءت �ن��ي م��رح�ل��ة ال �ت��رج �م��ة ،وه ��ي ج��دي��دة عليّ بطعم ي�م��ازج بين ملوحة بحر الدمام وحالوة تمر الأح�ساء. ك ��ان م��ا ينق�صنا ف��ي تلك ال�ف�ت��رة الملتقيات الثقافية م��ن �صوالين �أو منتديات تحمل �أ�سماء م�ؤ�س�سيها ،فالأعمال هي التي تبقى بعد رحيل �أ�صحابها ،وقبل �أن يودعنا المريخي كتب �آخر م�سرحياته «ر�سائل ال �� �ش��رق��ي» ،ع��ن رج ��ل ف��ي ال�ق�ي���ص��ري��ة يكتب الر�سائل �إلى الم�سافرين من ذويهم� .شاهدت أح�س �أن �أبا الم�سرحية م��رات ،وف��ي كل م��رة � ّ منذر يفتح لنا بابا للكتابة الم�سرودة عن مدينة تزخر بالإحداث بذاكرة �شفاهية حان تدوينها.
لذلك �ستظل الأح�ساء ق�صة ،ولكل ق�صة كانت ك��ل مدينة ف��ي وطني الجميل تحمل بداية ونهاية ،وق�صتي ال تريد �أن تنتهي لأنها لم ق�صة مختلفة ،وك��ان القا�ص ال ال�شاعر خير تبد�أ بعد. اجلوبة -ربيع 1434هـ
63
■ حممد عز الدين التازي -املغرب
1
جمعتُ بين كتابة الرواية والق�صة الق�صيرة وكتابات �أخرى كالمقالة النقدية والم�سرحية وق�ص�ص الأطفال .لكن مدار هذه التجربة هو الإب��داع الق�ص�صي والروائي .وقد ن�شرت حتى الآن اثنين وع�شرين رواية وت�سع مجموعات ق�ص�صية ،جمعت كلها في الأعمال الق�ص�صية التي ن�شرتها وزارة الثقافة �سنة 1995م في مجلدين اثنين .ثم كتبت بعد ذلك مجموعتين ق�ص�صيتين �إحداهما بعنوان�« :ألف ظل وظل» ،والأخرى بعنوان «المقيم في العراء» ،اللتين لم تن�شرا بعد على �شكل كتاب ،و�إن تم ن�شر الأولى �إلكترونيا في بع�ض المواقع. ه��ذا الكم من الق�ص�ص ال��ذي ن�شرته على �شكل مجموعات ق�ص�صية ،وقبل ذلك ن�شرت بع�ضا منه ف��ي ال�صحف وال�م�ج�لات العربية والمغربية ،هو ما ي�ؤكد �صلتي الوثيقة بكتابة الق�صة الق�صيرة ،وارتباطي بتقنياتها وعوالمها و�أخيلتها ،ف�ضال عن م�شاركتي في ندوات عربية ومغربية ك��ان م��دار عرو�ضها ومداخالتها هو الق�صة الق�صيرة.
64
اخ �ت��زال ال َي��حُ � ُّد م��ن �إم�ك��ان��ات ظهور العوالم الق�ص�صية بتجليات و�أبعاد متعددة؛ ذلك �أن هذا الجن�س الأدبي ال�سردي يلتقي مع ال�شعر في كونه ي�سعى �إلى القب�ض على بع�ض اللحظات الدَّالَّة، من خالل الر�ؤيا ،وال�صورة الق�ص�صية ،وترميز العوالم ،وكل ما ي ��ؤدي �إل��ى كلية من الكليات. و�إذا كانت ال��رواي��ة فن ًا للتفا�صيل ..فالق�صة الق�صيرة هي فن التكثيف اللغوي واالقت�صاد في م�ساحة الأح��داث وع��دد ال�شخ�صيات ،ما يدفع بها نحو الإ�شارة والترميز و�أ�سطرة الواقع والفانتا�ستيك.
�إن الق�صة الق�صيرة ،ومنذ بداية حياتي الأدب �ي��ة م��ع منت�صف ال�ستينيات م��ن القرن الما�ضي قد �شكلت بالن�سبة لي -كجن�س �أدبي له خوا�صه ومميزاته -نوع ًا من الإغراء والبهاء الق�صة الق�صيرة كالق�صيدة ،تكتب في والجاذبية؛ وذلك لقدرتها على اختزال العالم لحظة غفل من الزمن ،وتعطي نف�سها �أو تتمنع، الق�ص�صي م��ن خ�لال ق��ان��ون التكثيف ،وهو لتكون �أو ال تكون؛ وكل التنقيحات والتحويرات اجلوبة -ربيع 1434هـ
�سوف ي�ؤدي هذا الو�ضع �إلى ب�سط مناق�شة حول عالقة الق�صة الق�صيرة بالتقليد والتجديد، والواقعية والتجريب ،ومغامرة ال�شكل وارتباطها بخ�صو�صية الر�ؤية للعالم .وهي مناق�شة طويلة ومت�شعبة ،قد ال يفيد الر�أي فيها �إال بالعودة �إلى تاريخ الجن�س وت�شكله من ن�صو�ص ق�ص�صية كان لها ح�ضورها عالميا وعربيا ،وهو ح�ضور ي�ستوعب العديد من التجارب و�أنماط الكتابة و�أنواع الوعي بها .لكن ما يمكن الإجماع عليه، هو �أن الق�صة الق�صيرة ،ومن حيث التجني�س،
الق�صة الق�صيرة ت�شتغل على الكتابة التي تُحَ ِّر ُر العالم م��ن ال���س�ط�ح�ي��ة واالب� �ت ��ذال، ولذلك فهي ت�ستعيد مدخرات ال��ذاك��رة ،وتر�صد ما تر�صده ال �ع �ي��ن ،و ُت� �� َ��ص� � ِّو ُر المعي�ش والمتذكر والمن�سي والملتب�س الجانح نحو �أ�سطورة واق��ع �أو واق��ع �أ�سطورة. وهي و�إن كانت �أحداثها تقع في زمن ق�صير ف�إن هذا الزمن قد َيتَّ�سِ ُع ليدل على �أزمنة �أخرى لها عمقها في التجارب الإن�سانية.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
جمالية الق�صة الق�صيرة
الأ��س�ل��وب�ي��ة و�إ� �ض �ف��اء عن�صر القوة على الو�صف ،هي �أمور ت��أت��ي فيما ب�ع��د؛ لأن الق�صة الق�صيرة ب��ارق��ة تح�ضر في ال��ذه��ن ،والقب�ض عليها في ح �ي��ن ت �ل��ك ال �ب��ارق��ة �إم� ��ا �أن يكون �أو ال يكون؛ فال �أحد من ال�شعراء يجل�س وي��أخ��ذ قلما ويقول لنف�سه :الآن �أن��ا �سوف �أكتب ق�صيدة ،لأن الق�صيدة ه��ي ال�ت��ي تُباغته حيث ك��ان. وكذلك حال الق�صة الق�صيرة ،تباغت فكرتها وه��ي ُم َلبَّ�سَ ٌة بلبا�س ما ي�ضفي طابع ال�شكل؛ فلي�س ال�شكل الق�ص�صي قالبا جاهزا كما �أراد بع�ض المنظرين ل�ه��ذا الجن�س الأدب���ي وهم يتحدثون عن البداية والعقدة والحل� ،أو البداية ولحظة الت�أزيم ولحظة التنوير ،وك�أنهم ير�سمون خطاطة ج��اه��زة� ،أو قالبا ج��اه��ز ًا تُ�صب فيه الأحداث؛ بل �إن فكرة الق�صة الق�صيرة تحمل معها �صوغها ال�شكلي؛ ما يجعل للكتابة دورا مهما في محاولة القب�ض على الفكرة وال�شكل الذي تظهر به في �آن واحد.
ال توجد �إال حيث يوجد تكثيف ال �ع��وال��م وت��رم�ي��زه��ا؛ ول��ذل��ك فهي �أق��رب �إل��ى ال�شعر منها �إلى �أي جن�س �أدبي �آخر.
كما �أن جمالية الق�صة الق�صيرة ،تكمن في قدرتها على �أن تقدم للقارئ متعة قرائية لي�ست عابرة ،لأنها ُترَ�سِّ خُ في وعيه تجربة �إن�سانية متميزة تظل حا�ضرة ف��ي ذاك��رت��ه القرائية، ول��ذل��ك تكثر ن�شر الق�ص�ص الق�صيرة في ال�صحف والمجالت ،لتكون قريبة من القارئ، �إذ يكثر الإقبال على قراءتها. 2 الق�صة الق�صيرة ،لي�ست ق�صيرة نظرا لق�صر حجمها �أو عدد �صفحاتها ،ولكن ما يقع فيها من �أحداث وما يح�ضر فيها من �شخ�صيات يبرق كالخاطرة� ،أو يح�ضر كنار ع��اب��رة في ال��ذاك��رة� ،أو يت�أتى كانفجار له لحظته كما له ال�سطح والعمق .والم�س�ألة هنا هي م�س�ألة الأثر الذي يحدثه الن�ص في القارئ ،و�أعني �أن الق�صة الق�صيرة ،على وقت قراءتها الق�صير ،يمكن �أن اجلوبة -ربيع 1434هـ
65
3
66
فما ج�سّ ده المعلم الكبير ي�ح�ي��ى ح �ق��ي ف��ي مجموعته الق�ص�صية (�أم العواجز) من احتفاء رائ��د بالفانتا�ستيك، وما �سار فيه فنانو الحكاية من قبيل يو�سف �إدري�س� ،سليمان فيا�ض� ،إدوار الخراط ،هاني الراهب ،حيدر حيدر ،وزكريا ث ��ام ��ر ،ع��زال��دي��ن ال �م��دن��ي، �أحمد مومو ،محمد زف��زاف، م�صطفى الم�سناوي ومحمد برادة ،وغيرهم؛ وما جدد فيه وط�وّر جيل �آخر من ال�شباب، ح��ق��ق ل �ل �ق �� �ص��ة ال �ق �� �ص �ي��رة امتداداتها في الأدب العربي المعا�صر ،كل ذلك كان احتفا ًء بكتابة الق�صة الق�صيرة ،وتمظهراتها الجمالية والداللية، التي جعلت منها جن�سا �أدبيا منفتحا على تيمات ج��دي��دة و�أ��ش�ك��ال ج��دي��دة ،ه��ي التي يمكن �أن تت�شخ�ص في عدة مظاهر من بينها: •التعامل مع الواقع في تجلياته اليومية. •الفانتا�ستيك كو�ضعية تجمع بين العجيب والغريب.
نجد �أن ه��ذه الأف �ك��ار العامة ،ح��ول جن�س •المفارقة ال�ساخرة والتفكه والإ�ضحاك. الق�صة الق�صيرة ،هي التي دفعت بق�صا�صين •�أ�سطرة الواقع. اجلوبة -ربيع 1434هـ
•المنزع ال�ت��راث��ي بتجلياته ال�م�م�ك�ن��ة؛ � �س��واء ك�أقنعة ل �ل �� �ش �خ �� �ص �ي��ات� ،أو كلغة م� �ط� �ب ��وع ��ة ب ��الأ�� �س� �ج ��اع وال � �ع � �ب� ��ارات ال�م�ع�ج�م�ي��ة القديمة. •ترميز الواقع. •�شعرنة لغة الق�ص. •التقطيع الم�شهدي. •ا� �س �ت �خ��دام ال��و� �ص��ف من خ�لال عين را��ص��دة �أو من ثقب الباب. ...الخ. ع �ل��ى �أن ه ��ذه ال�ت�ج�ل�ي��ات والمظاهر التيمية وال�شكلية وه���ي ت�ح���ض��ر ع �ل��ى م���س�ت��وى الإنجاز� ،إنما ت�سعى �إلى ت�أ�سي�س كتابة ق�ص�صية جديدة ت�سعى �إل��ى تحديث هذا الفن و�إم��داده ب��روح المعا�صرة ،وه��ي معا�صرة ت�ق��وم على الوعي بالذات والهوية والتاريخ والتراث ،وهو وعي خالق ال ُي َكر ُِّ�س ثقافة الما�ضي و�إنما ي�ؤ�س�س عليها ر�ؤية جديدة للمعا�صرة. وف ��ي ه ��ذا ال�م�ع�ن��ى م��ا يجعل م��ن الق�صة الق�صيرة ف�ضاء للحياة اليومية ،والواقع و�أنواع ح�ضوره ،وم��ا ف��وق الواقع وتجلياته في الحلم والفانتا�ستيك والأ�سطرة .وكلها مجاالت تتغذى منها الكتابة في جدليتها القائمة على الواقع
غير �أن كل ن�ص ق�ص�صي مفرد �إال وله عالمه الخا�ص، وفرادته في التجربة الإن�سانية، ور�ؤيته للحياة والكون ،حيث ال يت�شابه مع ن�ص ق�ص�صي �آخر للكاتب نف�سه �أو حتى لغيره؛ لأن��ه �إب��داع ولي�س تقليدا� .أما ن���ص��و���ص ال �ك��ات��ب مجتمعة، فيمكن �أن تُقر�أ على �أنها �سجل �أدب ��ي يحفل ب ��أن��واع المتابة، وت �ع��دد ط��رائ�ق�ه��ا و�أ��ش�ك��ال�ه��ا وم�ضامينها.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
تفجر كوامن و�أ�سئلة وتاريخا و�أن ت�سكن وقائعها وتوقعاتها بين الحلم والأ� �س �ط��ورة ،و�أن تتلب�س لغتُها لبو�س االقت�صاد َ وال �ك �ث��اف��ة وال �ج �م��ال ال�ل�غ��وي ال �ت �ع �ب �ي��ري ،ف �ه��ي ال تحتمل ال�ت�ق��ري��ر ،والإخ��ب��ار ال�ج��اف، والعبارات الممطوطة المترهلة ب ��أدوات الربط ،بالجمل التي يكثر فيها الح�شو؛ وب��دال من ذلك فهي تلج�أ �إلى االقت�صاد اللغوي ،الذي يتمثل في الجمل الق�صيرة والكلمات التي تقوم م�ق��ام الجمل ،وه��و الأ�سلوب البرقي الذي ابتدعه رائد من رواد الق�صة الق�صيرة عالميا، وه��و �إرن�ست همنغواي ،الذي ا�ستفاد من الأ�سلوب البرقي في ق�ص�صه؛ �إذ تظهر المفردة ال��دال��ة وال �ع �ب��ارة ال�م�خ�ت��ارة والكلمات الموحية .وكما يتم �إنجاز االقت�صاد في ال�سرد يتم �إنجاز االقت�صاد في الو�صف� .أما المو�ضوع ،فالق�صة الق�صيرة لي�س لها م��و��ض��وع م�ح��دد م��ن المو�ضوعات، ب��ل مجالها جميع المو�ضوعات ذات الأب�ع��اد الإن�سانية التي تتج�سد في لحظة �أو موقف �أو معاناة .لذلك فالق�صة الق�صيرة ت�شتغل على مختلف المو�ضوعات وتنوعها.
ع��رب كثيرين لأن يقتحموا مجاهل ه��ذا الجن�س الأدب��ي و�أن ي �� �س �ه �م��وا ف ��ي ت �ط��وي��ره وت�غ��ذي�ت��ه بتحديث الأ��ش�ك��ال وتجديد المو�ضوعات.
•ا� �س �ت �ح �� �ض��ار �أ� �ش �خ��ا���ص ت��اري �خ �ي �ي��ن �إل� � ��ى ج��ان��ب �شخ�صيات متخيلة.
والتخييل.
4 لعل �أب�سط ��س��ؤال يح�ضر في لحظة ت�أملنا لمعنى الكتابة ف��ي الق�صة الق�صيرة ،لي�س ه��و م��ا ت �ق��ول��ه ،ب��ل ه��و كيف ت �ق��ول��ه .ف �� �س ��ؤال ال �ك �ي��ف هو ال�س�ؤال الجوهري الذي يُف�ضي بالقراءة �إل��ى تلقي الر�سالة وهي مُ�شَ َّفرَة؛ ما يجعل القارئ في ارتباط �شديد بفك �شفرتها والك�شف عن رموزها ومعانيها .ذلك �أن الق�صة الق�صيرة لي�ست مجرد حكاية �أو «حدوثة» ،بل �إنها محكي �سردي ي�شتغل على الكتابة بما هي لغة وتخييل ،واقتراب من عوالم الواقع والممكن والم�ستحيل ،فلذة القراءة ال تكمن في الحكاية نف�سها ،و�إنما تكمن في طرائق الكتابة وم�ستويات التخييل و�شحنات اللغة وعنف التجربة ورمزيتها ُو�س واقعي بينما هي على واقعيتها وهي تظهر ِب ُلب ٍ تحيل على �أبعاد �أخرى تخرج بالحدث الواقعي اجلوبة -ربيع 1434هـ
67
ل��ذل��ك ،ف� �ق ��راءة الق�صة ال� �ق� ��� �ص� �ي ��رة ه� ��ي ك � �ق� ��راءة ال� �ق� ��� �ص� �ي ��دة ،ت� �ح� �ت ��اج �إل� ��ى ا�ست�شفاف ما وراء �سطورها م��ن دالالت وم��ع��ان ورم� ��وز؛ وب��ذل��ك فقراءتها تحتاج �إل��ى ق ��ارئ� � ًا م ��ن ن���وع خ ��ا� ��ص ،هو ال�ق��ارئ المثقف؛ �أم��ا القارئ ال�ع��ادي فمن �ش�أنه �أن يكتفي بالم�ستوى الب�سيط الذي تظهر َ�ض به الحكاية ،وهو مجرد عَ ر ٍ ال جوهر.
68
ت �ت �ع��دد �أ� �س �ئ �ل��ة ال�ق���ص��ة الق�صيرة وم��داخ��ل قراءتها، وه��ي �أ�سئلة وم��داخ��ل ق��راءة الأدب على العموم ،لكن هذا الجن�س الأدبي ،الذي لم يحظ بكثير من التنظير النقدي كما حظيت به ال��رواي��ة ،يبقى في ح��اج��ة �إل��ى م�ق��ارب��ات جديدة �إن كانت ت�ستلهم �أبعادها من ال�شعرية وعلم ال�سرد ونظرية الن�ص وما ج��اءت به البنيوية م ��ن ب �ن �ي��ات ل�ل�ح�ك��ي (ال �� �س��رد وال�شخ�صيات والف�ضاء وال��زم��ن) ،ف�إنها في حاجة �إلى �أن ت�ؤ�س�س خطابا نقديا يقترب من خ�صو�صية هذا الجن�س ،بتحوالته ومتغيراته، وانعطافاته و�آفاقه ،وممكناته وخوا�صه ،وهو ما لم يحدث حتى الآن� ،سواء في النقد الغربي ال�ح��دي��ث �أم ف��ي نقدنا ال�ع��رب��ي ،م��ا ع��دا في تنظيرات رائ��دة كالتي قدمها فرانك �أوكونور اجلوبة -ربيع 1434هـ
5 و�إن ن�شرت حتى الآن اثنين وع�شرين رواية، وت�سع مجموعات ق�ص�صية ،ورغم هذه المفارقة العددية ،ف�إنني �أتلذذ بكتابة الق�صة الق�صيرة �أكثر مما تحققه لي كتابة ال��رواي��ة من عذاب على م�ستوى تنظيم الن�ص ال��روائ��ي .بل �إنني �أكتب ق�صة ق�صيرة� ،أحيان ًا في ليلة واح��دة،
ك�ت��اب��ة ال�ق���ص��ة ال�ق���ص�ي��رة ُم�ت�ع��ة ك�م��ا هي قراءتها ،لم �أنقطع عن كتابتها منذ �ستينيات ال�ق��رن الما�ضي .و�أن��ا �أع�ج��ب لمن ي�س�ألونني في بع�ض ال�ح��وارات ال�صحفية :لماذا انتقلت من كتابة الق�صة الق�صيرة �إلى كتابة الرواية؟ �أنا لم �أنتقل ،و�إنما زاوج��ت بين كتابة الق�صة الق�صيرة وكتابة الرواية .االنتقال معناه هجر جن�س �أدبي وال�سكن في جن�س �أدبي �آخر ،وهو ما لم يحدث في تجربتي .كما �أنني ال �أذهب مع الر�أي القائل ب�أننا نعي�ش زمن الرواية ،لأنه ر�أي ينفي قوة ال�شعر وح�ضوره في م�شهدنا الثقافي العربي ،كما ينفي ح�ضور الق�صة الق�صيرة التي كانت قد فقدت �شيئا من ح�ضورها في ال�صحف والمجالت ب�سبب تحول ثقافي طارئ، وعزوف بع�ض دور الن�شر عن ن�شر المجموعات الق�ص�صية وتف�ضيل ن�شر رواي��ات عليها .لكن ذل��ك ال يعني م��وت جن�س الق�صة الق�صيرة، لأن كتابها القدامى ما يزالون على وفاء معها، ولأن �أجياال جديدة من كتابها قد تالحقت في الظهور ،ولأن �أعدادا خا�صة من بع�ض المجالت قد بد�أت تخ�ص�ص ملفاتها لهذا الجن�س الأدبي، ولأن جمعيات قد ت�أ�س�ست وم��دار ا�شتغالها هو الق�صة الق�صيرة� ،سواء من خالل الندوات �أو من خالل تكريم الرواد �أو من خالل ن�شر بع�ض الإبداعات والدرا�سات والترجمات التي تخ�ص ه��ذا الجن�س الأدب���ي ،ولأن م��واق��ع �إلكترونية �أ�صبحت تخت�ص بهذا الجن�س الأدبي ،من خالل ن�شر الن�صو�ص ال�ج��دي��دة والتعريف بكتابها و�إج��راء ال�ح��وارات معهم .لهذا كله وغيره ،ال
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
من محليّته �إلى �أبعاده الكونية.
في كتابه «ال�صوت المنفرد»، وك��ارل��و���س بايكر ف��ي درا�سته لأع� �م ��ال �إرن �� �س��ت ه�م�ن�غ��واي الق�ص�صية ،وما قدمه باحثون ع ��رب ك�ع�ب��د ال�ح�م�ي��د يون�س ومحمد �شكري عياد ،وبعدهم باحثون ا�شتغلوا في �أبحاثهم الجامعية على جن�س الق�صة ال�ق���ص�ي��رة ،وم ��ن بينهم في المغرب �أحمد يبوري ونجيب ال��ع��وف��ي و�أح� �م���د ال �م��دي �ن��ي وع�ب��دال��رح�ي��م م ��ودن وف��ري��د الزاهي و�آخرين .لكن كل ذلك ال ي ��ؤدي �إل��ى تنظيرات قوية، ف�ق��د ك ��ان ال �غ��ال��ب ع�ل��ى تلك الدرا�سات هو طابع الت�صنيف وال�ن�م��ذج��ة وال �ت ��أري��خ ،بينما ظلت الكثير م��ن الن�صو�ص الق�ص�صية الجميلة ،الحافلة بالر�ؤى والأخاييل وم�ستويات الواقع ،تفتقد قارئها الناقد، و�إن كانت قد �أ�صبحت جزء ًا من ال��ذاك��رة القرائية لبع�ض القراء.
و�أحيانا في ثالثة �أي��ام ،عدا �أوق��ات مراجعتها و�ضبط مفا�صلها والحر�ص على حذف كل زيادة ال تخدم مبناها ومعناها.
يمكن اعتبار الق�صة الق�صيرة جن�سا �أدبيا ميتا في �أدبنا العربي ،لأن حياته ال تكمن في مناف�سته للأجنا�س الأدبية الأخرى ،و�إنما تكمن في خ�صو�صيته الفنية والجمالية والداللية، وهي خ�صو�صية تكمن في بالغة التكثيف وعمق الر�ؤيا والتقاط تفا�صيل اليومي بما يجعل منها م ��وادا لكتابة ت��روم ترميزها و�إ��ض�ف��اء البعد الكوني عليها ،وذلك من خالل: •المجتمع ومظاهره وتحوالته. •ال�سيا�سة وح�ضورها في اليومي. •الجن�س و�أبعاده االجتماعية. •ال �م ��ؤث��رات الثقافية �شعبية �أو عالمية، م�سموعة �أو مرئية �أو مكتوبة. •التاريخ والتراث كفاعلين هامين في ثقافة الأفراد والمجتمعات. •عوالم الحلم والأ�ساطير وما لها من �سطوة على الذات الفردية ،و�أي�ضا ما لها من قدرة على ت�شكيل رمزي لما هو العالم. 6 الق�صة الق�صيرة كما هي ،ت�شهد على الواقع؛ فهي تعيد ب �ن��اءه ،عبر اللغة والتخييل� .إنها مغامرة �أدبية تتداخل فيها عدة مظاهر: �أولها :واقعي يحيل على الواقع. وثانيها :تخييلي يتعامل مع اللحظة من حيث هي تعبير عن اليومي بتفا�صيله وموحياته. وث��ال�ث�ه��ا :رم ��زي يتعامل م��ع اللحظة وم��ع تاريخيتها وكونيتها. ورابعها :ر�ؤيوي انفجاري يبد�أ عالم الق�ص اجلوبة -ربيع 1434هـ
69
70
دخلت الكثير من الأنطولوجيات ،وترجمت �إلى
اجلوبة -ربيع 1434هـ
-المقيم في العراء.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
عدة لغات عالمية ،كما �أقبلت معظم المجالت كما هي بداية العالم. وخام�سها� :سخروي يقدم الحدث بو�صفه الثقافية العربية على ن�شر بع�ضها ،ف�إن ذلك ما يجعلني �أحتار �أمام قراء لم يعرفوني �إال ككاتب �سخرية من الواقع. روائي ،بينما الق�صة الق�صيرة �شكلت في حياتي و�ساد�سها :لغوي ت�شرق فيه اللغة على م�ساحة الأدبية مف�صال مهما وع�شقا للكتابة واكت�شافا الن�ص الق�ص�صي. لبع�ض �أ�سرارها. و�سابعها :زمني يحفل بزمن الن�ص الذي هو لم �أ�ش�أ في هذه الورقة �أن �أنوب عن النقاد كل الأزمنة. في تو�صيف �أعمالي الق�ص�صية ومناحيها في وثامنها :قلق يعي�ش قلق المعي�ش وقلق الكتابة. التجريب وارتياد �آفاق جديدة ،فذلك ما قام به وتا�سعها��ِ � :س�رِّيٌ وغام�ض مُحَ بَّبٌ بجمالية الكثير من النقاد والباحثين الجامعيين ،حتى الغمو�ض. قيل ذات يوم �إن ما كُتب عن �إحدى مجموعاتي وعا�شرها:حُ لْمِ يٌّ ينتمي �إلى الحلم الأدبي .الق�ص�صية يفوق حجمها مائة مرة �أو �أكثر .فما معنى ال�م�غ��ام��رة ه�ن��ا ه��و ارت �ق��اء الكتابة �أردت��ه من ه��ذه ال��ورق��ة ،هو ب�سط ر�ؤي�ت��ي لهذا الق�ص�صية �إلى كل هذه المدارج �أو بع�ضها على الجن�س الأدبي ،ومفهومي للكتابة فيه ،وت�صوري الأقل ،ولي�س بالتحديد ،فلكل كاتب ق�ص�صي ما لبع�ض ق�ضاياه ،راجي ًا �أن �أك��ون قد وُفقت في ي�أخذه من هذا �أو ذاك ،وما ي�صنع منه ن�ص ًا ذلك �إلى حدٍ من الحدود. ق�ص�صي ًا هو بمثابة فاكهة ذهبية ،على حد تعبير الأعمال الق�ص�صية المن�شورة: ناتالي �ساروت� ،أو غ�صن ًا ذهبي ًا على حد تعبير �أو�صال ال�شجر المقطوعة.جيم�س فريزر. النداء بالأ�سماء.7 ال�شبابيك. �شيء من رائحته.�ستة و�أربعون عاما م�ضت على ن�شر �أول ق�صة منزل اليمام.ق�صيرة لي �سنة ،1966في جريدة «الأن�ب��اء» المغربية ،و�أن��ا تلميذ بالثانوي .وخ�لال هذه يتعرى القلب.العقود الأربعة ونيّف ،ن�شرت ما يزيد على مائة �شم�س �سوداء.وخم�سين ق�صة ق�صيرة ،را َف َقتْها خاللها بع�ض باب العين.الأفكار التي �أدرجتها �سالفا ،فبها كنت �أ�ستر�شد جهة الماء.خالل لحظات الكتابة ،وبتوجيهاتها كنت �أخو�ض مجموعتان قيد الن�شر: مغامرة كتابة ن�ص ق�ص�صي بعد �آخر. �ألف ظل وظل.و�إذا ك��ان��ت بع�ض ق�ص�صي الق�صيرة قد
تجربتي وخزات ال تتوقف!.. ■ حممد �صوانة -الأردن
من ال�صعب �أن يتحدث المرء عن نف�سه ،وهو في ذلك ،ال بد �أن ي�ستدرج ذاكرته التي يختزن فيها الكثير من اللحظات والذكريات والأحداث التي ت�شكّل �شخ�صيته ،وت�ؤثر في تكوينه الفكريّ والثقافيّ والنف�سيّ ,وبالت�أكيد في تكوينه الإبداعي .مَن �أنت؟ ال�س�ؤال الذي يجعلك تحك ر�أ�سك من دون �سبب؛ لكن حقاً �إذا عرفت نف�سك� .أدركت مَن تكون ،وات�ضح هدفك في الحياة.. محمد �صوانة ،فتى من «بني عامر»� ..شبَّ في بيئة ريفية ،في قرية وادعة ..يقطع �سكونها اليومي عربات محدودة وحافلة واح��دة (با�ص) تخدمها وال�ق��ري��ة ال�م�ج��اورة ل�ه��ا� ..أذك ��ر عندما ح�ضرت «الجرافة» لت�سوية مو�ضع بناء مع�صرة زيتون ،تجمّع جميع �أه��ل القرية لم�شاهدة الآل��ة العجيبة ذات القدرات الخارقة! قرية في �شفا جبال �شرقي نهر الأردن ،تطل على �أفق يتيح للناظر من �أعلى جبالها ر�ؤي ًة من بعيد ل�سماء القد�س الأ�سيرة ..في مقربة متخيلة في الأفق ،غير متاحة على �أر�ض الواقع!.. في ال�صيف ..ي�ستمتع الفتى ب�صفاء �سماء تدور ال�شم�س في فلكها ب�شكل قو�سي! وتتجول عيناه في الأفق المفتوح ،بحث ًا ف�ضولي ًا ال يدرك كنهه!.. وفي ال�شتاء ..تتتابع الغيوم الحبلى بالغيث.. �شم�س متراكمة تباعاً؛ ك�أنما تُدفع دفعاً! قرية تغرب ُ فِتيانها باكراً ،ك�أنها تعاند �شغفهم باللعب بكرة القما�ش عندما تغيب كرة الكاوت�شوك ال�صينية!..
ينادي رجل طويل القامة ،متوا�ضع الثياب ،جهور ال�صوت ،ب�أمر المحافظ للأهالي ب�إطفاء الأنوار، وت�غ�ط�ي��ة ال �ن��واف��ذ ب��ال�ب�ط��ان�ي��ات ت�م��وي�ه� ًا لقائدي الطائرات المعادية ..كانت �أجواء هزيمة حرب 67 ما تزال تخيّم على الأجواء ..وطبولها لم تهد�أ بعد.. الترقّب بادٍ على وجوه الكبار ،والأمهات ي�سكنهن الخوف� ..أما عيون الأطفال وقلوبهم فموزعة بين كل ذلك ..في تلك الأثناء من عام ( 1968بداية الوعي الطفولي على العالم المحيط بالبراءة الغ�ضة)، كانت �أح ��داث معركة الكرامة حا�ضرة ،و�شاهد الفتى الطائرات الإ�سرائيلية تحلق في الأج��واء.. وتع�صف ب�سكون القرية ،لم نكن نهرب ،بل نخرج لنتتبع الخطوط البي�ضاء المتعرجة في ال�سماء التي تتركها الطائرات خلفها ..كانت “الكرامة” عنوان الوعي لذلك الفتى ..و�ستظل �إمكانات الن�صر الذي تحقق ،متاحة في مخيّلته ووعيه وهاج�سه.. ينتظر الفتى بلهفة بالغة ع��ودة الأب ،وي�شعر بالزهو وهو ي��راه ببزته الع�سكرية و�سالحه ..ثمة اجلوبة -ربيع 1434هـ
71
اجلوبة -ربيع 1434هـ
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
72
�أمان ي�شعر به وهو يُل�صق ج�سده بج�سد وال� ��ده ..ك��أن�م��ا ي�ط��اول ق��ام �ت��ه! ن�ب���ض��ات ق�ل�ب��ه ت�ت��وال��ى بتوتر ..وال يعرف �سبب ًا لذلك!..؟ ُت��رى ه��ل يطول ه��ذا االلت�صاق كثيراً؟ ويهن�أ الفتى بحياة ي�ؤملها مثل �أت��راب��ه؟ ربما تك�شف هذه الجزئية �شخ�صية الفتى ،وجانب ًا من طريقة تفكيره التي انعك�ست على جُ لِّ حياته ،فيما بعد! في لحظة �شاردة ،لم يح�سب ل�ه��ا ح���س��اب ،غ��رب��ت ال�شم�س، بعد �أن كانت تملأ الأف��ق كله.. وه�ج�م��ت عتمة عجيبة ،م�ل�آى ب ��أرت��الٍ م��ن غيوم داك�ن��ة تتكتل كالجبال يلو بع�ضها بع�ضاً ..ما �أن تنق�شع بفعل الريح ،حتى تعود كما ب��د�أت .لم يكن ذل��ك �سه ًال ع�ل��ى الإط �ل��اق ،ف�ق��د ح �ف � ّر في جبهته عالمة فارقة ،وتجذّرت لت�ستقر في دواخله حتى اللحظة! وفي تلك الليالي الحالكات بد�أ الوعي المختلط ب��الأل��م يت�شكل ..ففي جل�سات �سمر م��ع الجدة والعمات الكريمات ،رويت له ول�شقيقيه ال�صغيرين قبل ال�ن��وم حكايا «ال ��واوي وال��دج��اج��ات» و «ن�ص ان�صي�ص» ،و«الغولة» !..و�أ�شركننا معهن في �ألعاب ب�سيطة تغلب عليها الفكاهة البريئة والمفاج�آت الطريفة.. انتهت �سحابة ال�صيف ،وانق�شعت ُفرُجات من العتمة ،وعاد الفتى �إلى حقيبته المدر�سية ليند�س في الف�صل الرابع «المرحلة الأ�صعب» لدى الفتى المجروح؛ كانت الوخزات الم�ؤلمة ت�أتي تباعاً ..من يح�س بم�شاعره �أحد ،وهكذا الحياة ..ك ٌل دون �أن ّ يُغني على موّال! لم يكن في الحقيبة �سوى بقايا �أقالم ملونة كان
قد �أح�ضرها وال��ده؛ تحبيبا له في الكتابة ،لتحفيزه على تلوين خرب�شاته في دفاتره المدر�سية.. وق ��د ت��رك��ت ت�ل��ك ال �ح��زم��ة من الأقالم �أثرها في �شخ�صيته؟! في معمعة المرحلة الإعدادية (المتو�سطة) ،وجد نف�سه �أمام معلم قادم للتو ،يدفع التالميذ �إل ��ى زي� ��ارة مكتبة ال�م��در��س��ة. لكن �صدم ًة غير مح�سوبة كانت تنتظره ف��ي ح�صة التعبير� ،إذ فوجىء يوما بالمعلم يطلب منه �أن يقف �أمام الطالب ليقر�أ لهم م��و��ض��وع التعبير ال ��ذي كتبه.. فقام مبتهج ًا وق��ر�أه بزهو �أمام ال �ف �� �ص��ل ..م �ن �ت �ظ��ر ًا ع �ب��ارات الإط��راء من المعلم المنقب�ض! لكن المفاج�أة كانت باتهامه ب�أن �س�ألهَ « :م��ن كتب لك المو�ضوع ه ��ذا؟!»�« .أن��ا ي��ا �أ��س�ت��اذ»« ..ال، �أف�صح ،وقل الحقيقة»! وارت�سمت ع�ل�ام ��ات ال��ره��ب��ة وال �ت��وج ����س واال�ستغراب على الوجه الكالح �أ�صالً ..لكنه تجا�سر قائالً« :يا �أ�ستاذ ،ا�س�أل الزمالء ،والمدير ،كلهم يعرفون �أنني �أكتب مو�ضوعاتي بنف�سي ،ولي�ست �أول مرة �أكتب فيها هكذا» ..لتنتقل الق�ضية �إلى مكتب المدير ،العارف ب�إمكانات الطالب ،وتنتهي الم�شكلة م��ع المعلم ال�ج��دي��د بحكمة ال�م��دي��ر، وتتحول بعدها �إل��ى بُعدٍ جديدٍ مختلف� ..إذ يبدو �أن المعلم عرف �إمكانات الفتى ،فحاول �أن يجرب معه كتابة ال�شعر ..و�سريعا انطلق يقر�أ (�ألف ليلة وليلة)! و�أخذ يحفزه على تقديم ملخ�صات لبع�ض ف�صوله !!..وتجميعها في (ملف خا�ص) ..وما زلت �أ�شعر بالأ�سف لأنه لم ُي ِعدْه �إليّ منذ �أن �سلمته �إياه للم�شاركة في معر�ض خا�ص لم�شاركات مدر�سية في مدار�س محافظة �إربد..ولم نكن نعرف حينها �آلة
الن�سخ (الت�صوير). تركت تلك العالقة م��ع ه��ذا المعلم �أث ��ر ًا في نف�سية الفتى ،وفي ميله نحو النثر وال�سرد والق�صة و�أحيانا ال�شعر ..وك��ذا في الن�شاطات الالمنجية في المدر�سة ،ومنها الم�شاركة كل عام في الم�سرح المدر�سي ،في االحتفال ال�سنوي نهاية العام ،فكان م�شارك ًا دائم ًا في التمثيل والتقديم ..و�إح�صاء عدد الكتب التي طالعها الفتى لال�شتراك في م�سابقة المطالعة على م�ستوى المحافظة (و�إن لم تت�سن له الم�شاركة الفعلية فيها) لكنها حققت الهدف في تر�سيخ عادة حب القراءة الالمنهجية حتى �صارت الزمة له حتى في �أيام االمتحانات !..وكانت المرحلة الأ�سا�س في ت�شكّل ملكة الكتابة لديه ،وظلت تختزن في مداده ،حتى انطلقت من عنق ذلك القلم تتدفق ب�شكل متوال ٍ ،حتى �أ�شعر �أنني بحاجة �إلى التقاط بع�ض االنفا�س وتقييم المرحلة.. ف��ي ال�م��رح�ل��ة ال�ج��ام�ع�ي��ة ،اخ �ت��رت ع��ن قناعة درا�سة «ال�صحافة والإع�لام» ،التخ�ص�ص الدقيق «التحرير و�إنتاج ال�صحف والمطبوعات» ..وكان لذلك دور في �صقل القلم الهاوي �أ�ص ًال للكتابة.. وت�سلمت �سكرتارية التحرير في �صحيفة الق�سم (�صحافة اليرموك) منذ عددها الأول وحتى �سنة التخرج ،و�شاركت كذلك في تحرير الكتاب ال�سنوي للجامعة ،وكنت �أكتب في كل �إ�صدار منهما ،وفزت خالل الدرا�سة ب�أف�ضل تحقيق �صحفي على م�ستوى الق�سم. وبالطبع� ،أخذت الموهبة تتطور يوما بعد يوم.. كما ه��ي ح��ال محترف ال�ك�ت��اب��ة ..و��ص��اح��ب هذه ال�سطور يظن �أنه لم ي�صل بعد �إلى ما يبتغي في هذا المجال ..فما يزال يرى نف�سه هاوي ًا مجرب ًا وربما مغامرا �أحياناً.. في العمل ،تنقلت من موقع �إلى �آخر ،كان �أغلبها �ضمن مجال التخ�ص�ص ،و�أ�شرفت على �إ�صدار ما ال يقل عن ( )150كتاب ًا ودوري��ة ومطبوعة في مختلف المجاالت الأدبية واالجتماعية واالقت�صادية
والريا�ضية ..وغيرها ..ما كان له �أثر كبير في �صقل ملكة الكتابة ،وحبها ..حتى �أ�صبح القلم رفيقي في حِ لّي وترحالي ،فتكثر الق�صا�صات من حولي في المكتب والبيت وال�سيارة ،و�صار الهاتف الجوال وعاء كتابة عند الحاجة يقيّد الخاطر عندما ي�أتي �صيده ..ف�أقيّده؛ لأع��ود �إليه الح�ق�اً ..وف��ي مرات عديدة �أركنها جانبا -ب�سبب قناعتي ب�أنه لم يَحِ نِ الوقت المنا�سب لإطالقها.. �أمي كان لها ال��دور الأكبر في ت�شكيل حياتي.. تلك الإن�سانة الحكيمة المتعلمة في مدر�سة الحياة التي عا�شتها وعاي�شتها ..لم تذهب �إلى المدر�سة، لكنها ممن عركتها الحياة بحلوها وم��ره��ا ،و�إن طغت ال�م��رارة� ،آن��ذاك ..رغم م�ساحات متناثرة من ال�سعادة .كنت �أقر�أ على م�سامعها ما �أكتبه في مو�ضوعات التعبير والكلمات ال�صباحية المدر�سية، فكانت ال�سعادة تغمرها.. عندما ا�ستوى القلم خرجت بع�ض الق�ص�ص الق�صيرة �أوال ،وق�ص�ص خا�صة بالأطفال ،ثم ا�ستقر القلم كثيرا في �ساحة الـ ق .ق .ج��داً ..ربما بفعل ت�أثيرات عديدة تتمثل في �ضيق الوقت والحاجة للتركيز والتكثيف غير الممل.. �أ�صدرت ق�صة موجهة للأطفال بعنوان (مفاج�أة ماجد) 2004م ..ثم مجموعتي الأولى في الـ ق .ق. جد ًا (ح��روف و�سنابل) 2010م ،وقريبا �ست�صدر المجموعة الثانية �إن �شاء اهلل.. في �أحيان كثيرة ،ال �أجد لذة الن�ص �إال بعد فترة قد تطول� ..أحيان ًا عندما �أعود �إلى كتابات �سابقة، �أقف عندها م�شدوها� ،أهو بهذا الجمال؟ كيف لم �أدرك ذلك لحظة والدته؟! في كثير من الحاالت ال يتذوق الكاتب لذة ن�صه كما يجده القارىء! و�أحيانا يكت�شف ناقد في ن�صك �أكثر مما �أودعته فيه!.. لم تكن الرحلة ممهدة ،بل كانت مليئة بوخزات ال تخلو من الألم؛ وقد ظل بع�ضها حا�ضر ًا مُحرك ًا للذاكرة المتعبة ..ال يتوقف عن وخزها !!..وال يترك لها مجا ًال لل�سكون!
73
■ حممد حممد م�ستجاب -م�صر
ف�شلت �أن �أنجب �أديبا!!.. جملة �أنهى بها والدي �إحدى مقاالته. جملة �شقت حياتي ن�صفين ..وملأتني بالحيرة والأ�سئلة ..كانت كالزلزال ،لم تزل توابعه م�ستمرة .جعلت الولد ال��ذي يت�صعلك ويتقافز في المقاهي والمباريات ،ويت�شاجر مع طوب الأر���ض ،ويتحرك في حياته من دون وجهة ،ومن دون هدف محدد� ،أن يحدد ولأول مرة في حياته :ماذا يريد؟وكان القرار� ..أن �أ�صبح كاتباً.. لكن �أي كاتب ،و�أنت خلفك �سد عالٍ �ضخم ا�سمه :محمد م�ستجاب؟! لم �أكن �أعلم �أن الحياة ُت ِعد َُّك كي تكون كاتباً؛ فبعد هذا الإعالن الوا�ضح من والدي ،بف�شله �أن ينجب �أديباً ،قررت التحدّي ،لكن الحياة �أثبتت �أن��ه لي�س تحدٍّ ،بل �إنها تُعدك �أن تكون كاتباً، وكاتب ق�صة ق�صيرة ،لت�صبح حياتي منق�سمه ن�صفين :ن�صف ت�ج��ذب��ه الق�صة وجحيمها ومتعتها وطرقها ،ون�صف لإن�سان عادي ي�شاغب ويتعارك ويعي�ش حياة ماليين الب�شر.
74
والمهن التى امتهنتها ،والأ�صدقاء ،والثورة، وال� �ب� ��ؤ� ��س ،وال��ف��ق��ر ،وال �� �ض �ح��ك ،وال �� �س �ف��ر، وال�سخرية ،والبحث عن عمل ،والف�شل ،ورحيل �أب ��ي� ،أ��ش�ي��اء حملتها على ج���س��دي ،وت��دث��رت بها؛ ف�أ�صبحت تكويني وخاليا ج�سدي� ،أ�شياء غام�ضة و�ساحرة ومقلقة و�ساكنة ،ت�صرخ فيّ �أن �أ�سكت ،و�أ�صمت؛ لأنها َتعِد �أن �أكون كاتباً!
نعم هي �أ�شياء و�ضعت في تكويني ،لم �أكن فالخيال ،والمغامرة اللغوية ،والحكاية� ،أفهمها قبل الولوج �إلى عالم الق�صة. وال �� �ص �ح��راء ،وال��ظ�ل�ال ،وال �ظ��ل ،وال�م��دي�ن��ة، وبين ال�ش ّد وال �ج��ذب� ،أرك��ن و�أ�ستريح في والطبيعة ،والإ��ش�ب��اع ،وال�ح��ارث��ون ،والعذوبة ،الق�صة :معتمدا على جميع ما �شاهدته عيناي والبيت ،والكتابة ،والعدة ،والمدخل ،وال��ورق ،وم��ا ق��ر�أت��ه م��ن �سطور و�شخ�صيات وم��واق��ف وال�سينما ،وال��ر��س��م ،والمو�سيقى ،وال��وح��دة ،حياتيه؛ لأج��د �أن م��ا م��ررت ب��ه ��س��اب�ق�اً ،وما وال�م�ك�ت�ب��ة ،وال �ح��ب ،وال �ح �ي��وان��ات ،وال�ب�ح��ر ،امتهنته من مهن ،هو العداد والعدة لكي �أر�سو وال �ت��راث ،والأ�ساطير ،وال�ب��داي��ات ،والتاريخ ،في ق�صتي الخا�صة. اجلوبة -ربيع 1434هـ
وثرثراتها� .إن الق�صة تحتاج �إلى رعاية خا�صة جداً ،كي تبد�أ في فتح �أبوابها لك. يقولون« :الأ�سد �أربعة خ��راف» ،حقيقة لم �أكن �أعرفها ولكني ع�شتها و�أنا ا�ستعد للدخول لعالم الق�صة ال��وا��س��ع ال��رح��ب .وك��ان��ت �أول الأ�شياء ما وف��ره لي وال��دي� ،إال �أنني �أكت�شف �أن جهاز ا�ستقبالي – وهو �شديد الح�سا�سية – قادر على ا�ستقبال وامت�صا�ص كل الأ�شياء حولي ،قادر على ا�ستيعاب كل الدقائق والرقائق والمواقف التى �أمر بها ،لتت�سع مداركي و�أدين ب�ك��ل م��ا حققته �إل ��ى ك��ل ال��ذي��ن ح��ول��ي ،فهم زادي وقوتي والماعون الذي امتلكه ،جميعهم من� :أ�ساتذتي وجيراني و�أقاربي ور�ؤ�ساء دول ومدر�سين وظرفاء وجيران ،وكل من قابلتهم من قتلة وبلطجية و�أفاقين وموظفين ،ليت�ضح ف��ي النهاية �أن�ه��م �أن��ا ،و�أن�ه��م �أ�صبحوا خاليا ج�سدي ونقاط دم��ي ،التى �أ�صبحت ج��زء ًا من تكوين عقلي ،ب�لازم��ا ال��دم ال��ذي �أعي�ش به. فالق�صة جعلتني منتبه ًا لكل ذل��ك ،ومن دون ق�صد� .إن الأمر في البداية يحتاج �إلى تدريب، �إال �أنه بعد فترة ،ي�صبح �شيئ ًا �أ�سا�سي ًا ت�سير به؛ فكل ما يحدث حولك �سوف ته�ضمه وتمت�صه، و�ست�أتي له لحظة دقيقة حا�سمة كي تفرغه على الورق و�أنت تكتب ق�صتك. ي�أتي بعد ذلك الخيال ،و�أعترف �أنني وجدت �أن نقطة ال�ضعف الأول��ى في الق�صة العربية الحديثة ه��و ال�خ�ي��ال ،ف�ك��ان يجب �أن �أبتعد بتفكيري عن كل الأ�شياء والمو�ضوعات التى اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
الأمل :كاتب
وبعد �أن عرجت على �أ�شكال كثيرة من البوح والف�ضف�ضة في ق�صا�صات �صغيرة من الورق والكثير من �أ�ساليب التعبير �سوا ًء الت�صوير �أو كتابة ال�سيناريو ،قررت �أن اكتب ق�صة ق�صيرة، فكانت �أمامي مجموعة من العتبات التى يجب �أن تجتازها الق�صة ،هي :الإ�شباع ،والخيال، والمغامرة اللغوية ،ومناطق جديدة ،والعذوبة، لكن الق�صة ال ت�أتي بتلك ال�سهولة ،يجب �أن تم ّر في مراحل و�ضعها �أو والدتها ،كي تهبط �أو ت�صبّ في قالب ،محدد �سلفاً ،فال توجد كلمة �أو جملة زيادة �أو ن�شاز� ،إنه االختبار الحقيقي لأي كاتب. نعم ،الق�صة مختلفة عن الرواية وال�سيناريو وغيرها من �أ�شكال الكتابة الأدبية. �إنها المراوغة الحقيقية واالختبار واالختيار ال�صعب. وبد�أت �أكتب. لم �أكن �أعرف ماذا �أريد ،وماذا �أكتب؛ ففي داخلي �أ�شياء غير منظمة ،ومو�ضوعات تطرق باب العقل ،فهل هذا ي�سمح ،وبد�أتُ القراءة من جديد ،وال �أنكر �أنني بد�أت �أقر�أ محمد م�ستجاب – وال��دي -بعيد ًا عن فكرة �إنه وال��دي ،وماذا فعله بالق�صة العربية ،وم��اذا يريد ،ليفتح لي باب الق�صة ال�ضخم ،ولي�صبح كل �شيء ممهد ًا لي ،و�أب��د�أ في اكت�شاف المختبيء في داخلي، لكن المحيطين بي في تلك الفترة ،وبخا�صة الأ�صدقاء والأق��ارب ،كانوا يرف�ضون فكرة �أن يروا �أديبا جديد ًا �أمامهم! وك�أنهم يغلقون الباب بكل حب في وجهي .لكن القدر يريد �شيئ ًا �آخر، �شيئ ًا ال نعلمه بداخلنا؛ �إنه الموهبة .وال �أنكر هنا �أنني قابلت الكثير من الموهوبين وكانت بدايتهم قوية� ،إال �أن موهبتهم كانت تموت تحت وط ��أه متطلبات الحياة اليومية التى نعي�شها، �أو يتم ا�ستهالكهم على المقاهي والمنتديات
75
اجلوبة -ربيع 1434هـ
اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
76
ا�ستهلكتها الق�صة الق�صيرة منذ بواكيرها ،وقد تجاوز ال�شعر ذلك� ،إال �أن الق�صة توقفت عند مو�ضوعات م�ستهلكة لأبطالها :مثل الح�صول على وظيفة� ،أو معالجة حبيبته� ،أو معاناة الأب ل�سداد الم�صروفات المدر�سية لأبنائه ،كان ذلك اختبار �أن تكون الق�صة محلقة ،جامحة، ي�صعب �أن تم�سك فكرتها الأ�سا�سية� ،أي �إنه كلما قر�أتها ..كلما فتحت لك �آفاقا جديدة ،و�أظهرت وج�ه� ًا م��ن وج��وه�ه��ا؛ ل��ذا ت�شبثت بهذا الركن الأ�سا�س� ،أن �أحلق بخيالي و�أن يكون �أبطالي واقعيين جداً� ،إال �أنهم محلقين في الن�ص؛ �أي ي�صعدون على ظهر القمر ويحاربون ال�شياطين، ويذوبون في نيران جهنم ،ثم يتهاوون بين الغيوم لي�ستكينوا في �أح�ضان حبيباتهم ،وقد كان ذلك مجهد ًا جداً� ،إال �أنه �أثمر ق�صة م�صرية خال�صة، �أو عربية خال�صة. ثم ي�أتي المكان كبطل في الق�صة ،ب�أ�شخا�صه وت�ضاري�سه وم�ف��ردات��ه الخا�صة ،فالريف في م�صر يختلف م��ن ق��ري��ة �إل ��ى �أخ� ��رى ،وكنت �أحاول �أن تكون الكتابة ذات مذاق خا�ص جداً، وهذا ما ي�ضعني في اتهام� :أنني قليل الإنتاج، وذلك لأنني �أحب �أن �أطرح ما �أعي�شه من خالل كتاباتي؛ ف�أريد �أن �أكتب ن�ص ًا عن ال�صحراء، �أو �أن افتت التراث والثوابت التى ن�ش�أنا عليها، لت�صبح الأ�سطورة تلك المعون الأ�سا�سي في ك�ت��اب��ات��ي ،ه��ي ال�ن�ه��ر ال�م�ت�ج��دد ال ��ذي يمدني بالطمي والأ�سماك ،كما �أنها تفتح جوانحي لما حدث في الما�ضي كي �أ�ستطيع �أن �أ�ضع نبوءتي في ق�صة �أكتبها .وه��ذه هي فائدة من ف�ؤائد الق�صة �أو الأدب ب�شكل عام� ،أن ترى ما ال يراه �أحد ،وتتوقع ما ال يتوقعه �أحد ،و�إن كان في حينه �أقرب �إلى الجنون لعدم حدوثه �أو واقعيته ،مع �أن الجميع يعي�شون تلك الحياة؛ وقد حدث هذا مع ق�صة «هارون» ،وهو مراكبي ال يفارق قاربه،
�إال �أنه يحب لعبة التحطيب ،وعندما تقع جريمة قتل على قاربه ،من �أ�شد عائلة في القرية ،تنكر القرية تلك الجريمة التي �شاهدها الجميع تحت وق��ع الخوف� ،إال �أن��ه ي�صمم على تحدّي كل القوى ،و�إن الأ�شجار وال�شم�س ومجدافي قاربه هما �شهوده وقوته بعيد ًا عن خوف النا�س؛ لي�صبح البطل ال��ذي يقود القرية للثورة على تلك العائلة التى �سلبتها حريتها�.إن تلك الق�صة كانت من �أولى الق�ص�ص التي كتبتها ،وعندما حدثت ث��ورة يناير ،وج��دت من يقول �إن��ه تنب�أ بالثورة ،هنا يكون التفاعل بين ما تكتبه وتراه وبين الواقع ،وهو مهم للكاتب؛ لأنه ي�شعره �إن ق�صته قد �أ�صابت ونجحت. ي�ضاف �إل��ى ذل��ك �أنني �أح��ب �أن �أكتب عن الحيوانات ،و�أن �ألب�سها ك�سا ًء حديثاً� ،أي يكون بطل الق�صة ح�ي��وان�اً ،وم��ع �أن الن�ص العربي والقر�آني ملي ٌء بق�ص�ص الحيوان� ،إال �أن ذلك نجده نادر ًا في ق�ص�صنا العربية الحديثة ،نعم النموذج الأوربي يطغى علي ن�صو�صنا ،وهذا ما ي�ضايقني ،حتى �أنني �أكاد �ألقي تلك الن�صو�ص، �إال �أن الن�ص العربي ،ب�إ�شكالياته ومفرداته وت�ج��رب�ت��ه وط�م��وح��ه ي�ج��ذب�ن��ي ،فكتبت ق�صة ق�صيرة جداً ،في �ست �سطور ،عن (الع�صفور الذي يتغنى ب�صوته� ،إلى �أن يتجمد من البرد ويقع على الأر� ��ض وي�ك��ون ال�م��وت قريب ًا منه، فتمر عليه بقرة وتتروث عليه ،فيذيب الروث ب��رودة ج�سده وتعود له الحياة ،فيعود لغنائه، وهنا ينتبه قط جائع لغنائه ،فيقوم بتنظيفه من ال��روث ويبد�أ في التهامه)� ،إنني هنا �أكتب ما �أ�شعر به على م�ستوى الإن�سان في كل مكان ،لكن الهدف من وراء الق�صة يتغير بتغير الأ�شخا�ص وطريقة ا�ستقبالهم للن�ص ،وهذه متعة وميزة الكتابة والأدب. والمدخل ال��ذي ي�ستقبلك في الق�صة كان
يحيرني ،ربما يكون بعيد ًا عما �أري��د طرحه� ،إال �أنه ال ��ذي ي�ستقبلك قبل �أن تدخل �إلى �صحن �أو قاعة الن�ص الرئي�سة ،ف�إذا كان المدخل معتم ًا ودرج��ات ��س�ل��م ال �ق �� �ص��ة محطم ًة ف �� �س��وف ت�ع�ي��ق ال��ق��اريء ف��ي ا�ستقباله ،وبالتالي �سوف يلقي بالق�صة� ،إن اال�ستهالل� ،شيء �صعب في الق�صة لكنه �أ�سا�سي، لأنه �أول درجات النجاح. ثم ن�أتي �إلى �أن الق�صة تحب الهواء الطلق� ،أي البراري وال�صحراوات والأ�شجار وال�شواطيء وال�شم�س ،وتموت خلف المكاتب و�شا�شات التلفزيون وظالل المقاهي وثرثراتها ،فتذبل جملتها وتتكرم�ش كلماتها وتتجعد حروفها ،وتتحول الق�صة �إلى مواعظ و�إن �� �ش��اء م��در��س��ي؛ ف��اق��دة ال�ت��أث�ي��ر والتوا�صل وال��ر�ؤي��ة .فالق�صة تحب �أن تخرج من حدود المدن �إلى الهواء الطلق في المزارع والبراري وال �� �ص �ح��راوات؛ فال�شم�س ال تثمر النباتات ال�ضعيفة ،والهواء الحر الطلق عالج لكل الك�آبة والنحافة وق�صر النظر وكرم�شة وجه الجملة في الق�صة العربية. وال �أنكر �أن وال��دي ك��ان محقا في ابتعادي عن المدينة� ،أي الخروج من الزحام وال�ضجيج والمطالبات اليومية التى ت�ستهلك الإن�سان؛ فالمدينة قتلت القمر وفتتته وحولته �إلى كلوبات وم���ص��اب�ي��ح و� �س �ي��ارات ،واغ�ت���ص�ب��ت ال�شم�س وحولتها �إل ��ى �أج �ه��زة تكييف وق�ط��ع ح�شي�ش وم��والت تجارية ،وكان االنتقال �إلى مكان �أرى فيه ال�شم�س بلهيبها وك�سوفها ،و�أنتظر القمر
بتقلباته ،و�أبحث كل ليلة ع ��ن ب �ن��ات ال� �ح ��ور وه��ن يتجولن ح��ول ال�ق�م��ر ثم ي�سامرنه في ن��ور ال�شفق ك��ي ي�ت�ح��ول��ن �إل� ��ى ق�صة ق �� �ص �ي��رة خ ��ا�� �ص ��ة ب ��ي، وبخيالي الذي خ�شيت �أن تلوّثه المدينة بكل �ضيق �أف�ق�ه��ا وب��ؤ��س�ه��ا اليومي، ح �ت��ى �أت �م �ك��ن م��ن كتابة و�صاف ورائقٍ ٍ ن�ص عذب ود� �س��م ،ي�شعرك بال�شبع واالم � �ت �ل�اء ال ��وج ��دان ��ي، ي�ن��او���ش عقلك ويجذبك م��ن م��دي�ن�ت��ك وم��دن�ي�ت��ك، ويرتد بك �إلى البواكير� ،أي �أن تكون �إن�سانا فقط كما خلقك اهلل. في الق�صة �أنها تعطيك �إح�سا�س ًا �شفاف ًا ورائق ًا ب�أن تكاد تح�س �أن �أحد ًا قبلك لم يكتبها، و�إن ��ك �أول م��ن اخ �ت��رق ه��ذا ال�م��و��ض��وع وتلك الق�ضية ،و�إن كتابتك تاركه �أول �أثر على �أديمها الناعم الخ�شن القاتل وال�صادق؛ كي ت�صبح الق�صة ذات �ش�أن وت�أثير وقيمة� ،أي تجعلك تن�صت �إن�صاتا كام ًال لإيقاع البيئة وعنا�صرها وت�شكيالت جمالياتها ،حتى نح�س بطعم المكان ورائحته وجبروته و�سطوته �أي�ضاً. وال�سفر واالن �ت �ق��ال وال��ذه��اب �إل ��ى �أم��اك��ن ج��دي��دة على القلب وال�ع�ي��ن وال�ج���س��د ،تقوم بغ�سلك كل فترة زمنية ،تخل�صك من الأدران والطفيليات التي علقت بذاكرتك وبدنك ،لذا �أ�صبحت الق�صة ف��ات��رة كئيبة ف��اق��دة الوهج والتنوع ،م�ح��دودة الأل�ف��اظ والمعاني� ،ضيقة ال�صدر وباردة الوجدان ،فال�سفر عالج لكاتب الق�صة ،فيه يتجدد وينف�ض غبار الحياة اليومية
77
والإ�شباع� ،أح��د العنا�صر التي و�ضعتها في ب�ؤرتي �أثناء كتابتي للق�صة� ،أي تلك الحالة التى تح�س معها �أن��ه لم تعد هناك م�ساحة لمزيد، و�أن الق�صة مكتملة وو�صلت �إل��ى ال ��ذروة� ،أي متقدمة و�صاعدة ومت�شابكة ،ثم انفراجة حتى ت�صل بالقارىء �إلى اال�ستكانة العقلية العذبة. �إن الإ�شباع عن�صر �أ�سا�سي و�صعب الو�صول �إليه في الق�صة ،وت�شعر به كلما ازدادت قراءتك، وكلما ات�سعت معارفك؛ ف�إذا �شعرت �أن الق�صة لم تقدم لك ذلك العن�صر ،فاعلم �أن الإ�شباع هو ال�سبب� ،إنه ملح الق�صة؛ فال هي حادقة وال هي غير م�ست�ساغة .وقليلون هم من فعلوا ذلك: زكريا تامر ويو�سف �إدري�س ومحمد المخزنجي، �إن الإ�شباع هنا يقودك �إلى االمتالء الأدبي الذي يفتقده الكثير من الق�ص�ص التى نقر�أها في الكثير من الجرائد والمجالت.
78
ث��م يلي الإ��ش�ب��اع عن�صر مهم م��ن عنا�صر تكوين الق�صة ،وهو العذوبة� :أي ال�سال�سة في ا�ستقبال الن�ص ،بتراكيبه اللغوية ،والذي يمنحه اهلل ل�ل�أدي��ب في�ضعه ف��ي �سطوره ،تجعلك ذا مذاق خا�ص متوهجا وب�سيطا وقادر ًا على النفاذ للوجدان والعقل ،والعذوبة من �أخطر العنا�صر في الق�صة العربية ،تلك التى تجعلك تنفر من ن�صو�ص وال ت�صادقها مهما حملت من ق�ضايا �أو مو�ضوعات� ،إنه اللم�سة ال�ساحرة والم�سمار �إن ال�ط�ب�ي�ع��ة ف��ي ال��خ��ارج ت� ��داور ال�شجر النافذ ،هاديء ال ي�شو�شرك بمطبات وتقاطيع خارجة عن الن�ص وعن م�ستوى اللغة؛ فت�شعر وال�صمت وال��رم��ل والحكمة والنجوم والقمر، ب�أن الق�صة التى تقود يد القاريء غير ممهدة منتظرة فنانا جديدا ي�صنع �أدبا جديدا وق�صة وغير عذبة وغير مكتملة. جديدة لم تكتب بعد ،و�إنني عندما �أكتب الق�صة بعد تلك العنا�صر الأ�سا�سية في الق�صة، تعلمت �أنه يوجد عنا�صر �أخرى يجب �أن تتوافر ف�إنني غني جدا جدا جدا ،و�أتمنى �أن �أكون قد ف��ي ال�ك��ات��ب� ،أي ك��ات��ب� ،أول �ه��ا :ال�ح��ارث��ون في نجحت في �أن ينجب محمد م�ستجاب الأب �أديبا. اجلوبة -ربيع 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ب�سخافتها وب�ؤ�سها.
الأدب� ،أي الذين قلبوا تربة حياتي من روايات و�أفالم ومو�سيقى ون�صائح وتوجيهات� ،أمدوني بالمثير من دون �أن �أك��ون منتبه ًا لهذا ،وك�أنه ا�ستعداد وتجهيز كي ت��زرع ق�صتك الخا�صة، �إن�ن��ي �أدي��ن �إليهم ��س��واء ك��ان��وا �شخ�صيات �أم �أماكن �أم كتب �أم حيوانات �أم مواقف حياتيه؛ وث��ان �ي �اً :ال�ب�ي��ت :بتكوينه وج��دران��ه ومكتبته وفر�شته ،ذلك البيت الذي يحر�س �إبداعك من ال�صعلكة والمعارك الأدبية الوهمية والجري خلف لقمة العي�ش� ،إن البيت هو مقر كي يحمي تكوين الفنان �أو الأديب ،فهو المكان الذي تركن فيه بعد كل تجاربك ،كي تخط ق�صتك .والمكان عن�صر �أ�سا�س في ا�ستقبال الق�صة ،بنظافته وملب�سه وطقو�سه التى ت�صنعها ،فت�صبح جزء ًا �أ�سا�سي ًا من تكوين ق�صتك� ،أ�ضف �إل��ى ذلك ال�ع��دة التى ت�ستخدمها ��س��واء كانت كتباً� ،أو معاجم� ،أو مو�سيقى ت�سمعها� ،أو �أوراق ًا بي�ضاء، �أو قلم ًا تتعامل به ،قد يبدو هذا �شيئ ًا خارج ًا عن �إطار الكتابة ،لكن التجربة �أثبتت �أن المكان بكل طقو�سه جزء �أ�سا�سي ومهم ال�ستقبال ن�صك.
الق�صة الق�صيرة ■ حممد حمقق -املغرب
ولدت عام 1963م في مدينة الدار البي�ضاء ,المتميزة بالإبداع الذي حرك حنين ذاتي �إلى لحظات �صفاء الكتابة على �إيقاع االندماج والمعرفة ،بحثا عن ت�أثيث تجربة فنية تعطي لي حق االنتماء �إلى ه�ؤالء المهوو�سين لهذه الأجنا�س الأدبية... ولن �أتوخى الخو�ض في تفا�صيل الن�شوء والتطور لهذا الكائن الأدب��ي «الق�صة الق�صيرة»، ولكن �أود فقط الت�أكيد -من خ�لال م�ساري الق�صير في درب التعبير الق�ص�صي� -أن مجال اال�شتغال هنا لي�س له ح��دود �أو قيود ,غير الخ�صائ�ص التي تجعل منه جن�سا �أدبيا م�ستقال بذاته؛ ففيها ت�ستمر الحياة ،بكل تعقيداتها وتناق�ضاتها ،بحلوها ومرها .وكما قيل �إن الق�صة مغامرة فكرية الكت�شاف الواقع ،وبذلك تكون الق�صة م�ستمد ة تفا�صيلها من الواقع المعي�شي واليومي ..راف�ضة �أن تكون �أداة ال�ستن�ساخه �أو التحري�ض عليه ،بل هي تحاول فهمه حتى ولو كان ممعنا في الق�سوة والغرابة.. تعود �أولى اهتماماتي بهذا الجن�س بعد اطالعي على ق�ص�ص �ألف ليلة وليلة ،وروايات نجيب محفوظ و�إح���س��ان عبدالقدو�س ،وق�ص�ص يو�سف �إدري����س وبورخي�س وت�شيخوف ..كل ه�ؤالء وغيرهم كان لهم الف�ضل الأول في كتابتي لأول محاولة ق�ص�صية ،هي ق�صة «ال�ح��ائ��ر» ،التي ح��ازت على �إح��دى المراتب المتقدمة في �إح��دى الم�سابقات؛ ما كان حافزا لي على موا�صلة الخطى في هذا الجن�س الأدب��ي .وقد �أح�س�ست بزهو خفيّ الكت�شافي �أنني �شخ�صية مبدعة، فربطت عالقة حميمية بكتابة الق�صة الق�صيرة والق�صيرة جدا ،ا�ستجابة لرغبة دفينة جعلتنني ال �أ�ستطيع مقاومة ارتيادي لعالمها المتميز والمثير، وذلك لما يتيحه هذا الجن�س الأدبي من �إمكانات قد ال نعثر عليها في باقي �أ�شكال التعبير الأدبي الأخرى.. وكم كنت �سعيدا بهذا العالم الإبداعي الذي جعل مني رحالة �أت�ج��ول عبر �صفحات الكتب المتنوعة الزاخرة بالمغامرة ،وكم كان حبي �شديدا لها� ،أمتح
منها ق��در الم�ستطاع ،ناهيك عن ق��راءة ال�صحف والمجالت على اختالف م�شاربها ومجاالتها .و�أثناء درا�ستي الجامعية توطدت عالقاتي ب�أ�ساتذتي ،ما جعلني مواظبا على الح�ضور لكل الندوات والحلقات الحافلة ،التي كانت تعقد م��ن ط��رف بع�ضهم في منازلهم ،والتي �ساعدتني على الم�ستوى الإبداعي.. حيث االج�ت�ه��اد الف�سيح ،فدر�ست بع�شق مكونات ال�شخ�صية المغربية والعربية المتمثلة في الإب��داع، للك�شف عن خبايا الم�شاعر والأحا�سي�س وال��ر�ؤى وجوهر الكائن الإن�ساني وقدراته الخفية.. وكغيري من الأدباء ال�شباب ،كانت محاولتي تدوّن على �صفحات الإنترنيت من خالل ت�سجيل ا�سمي في عدة منتديات ومواقع متخ�ص�صة في المجال الأدبي، ال��ذي انعك�س ايجابيا على حركة موهبتي الأدبية، �إذ رح��ت �أم�ضي معظم وقتي م�ستمتعا بما يكتبه ه�ؤالء المبدعون ،لذلك قررت �أن �أر�سل �أول محاولة ق�ص�صية لي بعنوان «الحائر» ون�صو�صا �أخرى «جراح اجلوبة -ربيع 1434هـ
79
اجلوبة -ربيع 1434هـ
وقد نالت ق�ص�صي «جراح الع�شق وانك�سار الألم» المرتبة الثانية في م�سابقة بي بي �سي ومجلة العربي، كما نالت ق�صة «الحائر» و�ساما منا�صفة مع �صاحب ق�صة «جدل داخل محارة» للكاتب محمد فطومي.. في م�سابقة المجل�س العالمي� .أم��ا ق�صة «�أ�سطول ال�ح��ري��ة» فقد نالت المرتبة الثالثة ف��ي منتديات دواوين الثقافية والأدبية. �صدر لي: 1.1مجموعة ق�ص�صية «خيوط مت�شابكة». 2.2ديوان �شعري «مرايا الحنين». 3.3رواية ال�شارد �أو�شكت على االنتهاء. 4.4مجموعة ق�ص�صية «حيث يعلو الجدار» قيد الطبع.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
80
الع�شق وانك�سار الألم» �إلى م�سابقة المجل�س العالمي لل�صحافة ،في �إط��ار م�سابقة بي بي �سي ومجلة ال�ع��رب��ي ..وه �ك��ذا ،وج��دت نف�سي �أوغ ��ل ب�ي��ن دروب الق�صة بحذر لأك�شف عمقها ،م�ستنه�ضا بكل ح ��رف ال���س��ت��دراج ال�م�ت�ل�ق��ي كي يجدف بكل ق��واه وف��ي ك��ل اتجاه؛ عله يح�صد المتعة الواعية التي �أحر�ص على تقديمها له .وككثير من المبدعين دائما �أف�ضل الكتابة باللغة الف�صحى؛ لأنها في نظري ال�سبيل الوحيد ال��ذي يقوى على �إقامة معان ذات �إيحاءات متعددة وم ��ؤث��رة ،نا�صبا ال�ه��دف والعبرة مما �س�أكتبه ،مركّزا على العالقة بين الأ�شخا�ص والأحداث والأفكار المطروحة ،لتحقيق وحدة الحدث باالعتماد على ال �ح��وار وال��زم��ان والمكان ..وما ينتج عن ذلك من � �ص��راع؛ ح��ري���ص��ا ع�ل��ى �أن تكون الحبكة متما�سكة ومتمركزة مع ت�سليط ال�ضوء على ال�شخ�صية (دينامية/هادئة) ح�سب نموها وت�أثيرها في الواقع وت�أثرها به ،ل�شد انتباه (المتلقي /ال �ق��ارئ /ال�ن��اق��د) �إل��ى متابعة القراءة ..وكمثال على ذلك ق�صة افتنان: «افتنن بنجاحاته المزيفة/احتفلوا به� /أقاموا له الوالئم/ميزوه بعالمات /فلما عال مات.».. وكمبدع دوما �أحاول التحرر من الكتابة المبا�شرة، من خالل توظيف الرموز والإيحاءات؛ لأنها لحظات ا�ستثنائية� ،أتوارى فيها ل�سراح القلق والأنين ..كما ال �أخفيكم �أنني �أثناء الكتابة �أح�س بارتعا�ش ،وارتجاف، و�أخْ � ُذ نف�س ًا عميق ًا قبل الولوج �إلى عالمها� ،صامتا ومت�أمال بيا�ض الورق ،منتظرا بفارغ ال�صبر �إ�شعاعا وب�صي�صا يحفزان على خو�ض هذه المغامرة الأدبية؛ �إذ �صرت �أخ�شى الف�شل والالمباالة والتهمي�ش ،حيث كانت المعاناة �شديدة الوقع علي ،وبخا�صة في بداية
م�شواري؛ فال �إبداعاتي �أخذت حقها في الن�شر ،وال دعو ًة �أتتني لح�ضور الملتقيات ،ما كان له �أثره ال�سيئ في نف�سي؛ وكدت �أتوقف عن الكتابة لوال ت�شجيع �أخي الأكبر ،وبع�ض الرفاق، وحثهم المتوا�صل ك��ي �أ�ستمر وال �أغادر هذا ال�صرح العظيم .توالت الأي��ام لتعود االبت�سامة بن�شر �أول ق�صة ق�صيرة ج��دا لي في جريدة «ال �م �ن �ع �ط��ف» ال �ت��ي ك��ان��ت فاتحة لت�سل�سل الن�شر لمعظم كتاباتي (ال� �ق ��راءات ال�ن�ق��دي��ة والق�صائد ال�شعرية والق�ص�ص) بجرائد عربية �أذك ��ر منها على �سبيل ال�م�ث��ال ال الح�صر ،جريدة االتحاد اال�شتراكي وبيان اليوم والمنعطف (المغرب)، ج��ري��دة �أخ �ب��ار الأدب (م���ص��ر)، ج��ري��دة ال�م��دي�ن��ة (ال �� �س �ع��ودي��ة)، جريدة الج�سر (قطر)...
الكتابة رحلة الحب والت�أمل والتعب.. ■ حممود العزازمة-الأردن
حين �أتذكر ق�صة الكتابة� ،أتذكر �أمي ،المر�أة الطويلة المرتجفة .لم تكن �أمي وحدي ،كانت �أما لمنطقة كاملة حولنا ،منطقة �شرقي بلدة الكرامة �إلى الغرب من مدينة ال�سلط الأردنية؛ كانت تخبئ �أ�شياء محببة لنا� -آنذاك -في �صرر خزانتها (زبيب ،حلوى ،ق�ضامة ،ف�ستق) ،لم تكن منطقتنا تمت ب�أي �صلة لهذه الأ�شياء؛ فهي منطقة بين البداوة والريف ،ال نلمح فيها �إال �سيارات ال�سائحين وثيابهم الملونة ،وتتراءى لعيوننا الأتربة المنبعثة من طرقاتها الترابية غير المعبدة. كنا نلتف حولها ،لأنها �أم��ي ،ولأنها تمتلك تلك الأ�شياء .كانت مريم -بطلة �أول ق�صة لي تجيء لت�ضع ر�أ�سها في ح�ضن �أمي ،كانت ت�ستحوذ على بع�ض الحلوى ون�شعر بالغيرة منها،كنت و�أنا طفل �أ�سمع بع�ضا من كالم مريم ،ملخ�صه ب�إيجاز� :إن �أهلها �أرادوا �أن يزوجوها لرجل يكبرها وال تحبه ،وتقول لأمي وهي تولول :كيف �أهد�أ وهم قر�ؤوا الفاتحة؟ كنت �شاهدا على تلك الأيام ،وقد اعت�صرني ولكنني كلما �أعيد قراءتها ترتجف �أ�صابعي، وتجتاحني رع�شة �صادقة. �أل ٌم طفولي غام�ض: ال��رج��ل ال �ب��دي��ن ال�ق���ص�ي��ر ي�ح�م��ل ع�صاوي�ضرب مريم. و�أن��ا في ال�صف الثاني الإع ��دادي ،ولم تزل ذك��رى مريم ن��د ّي��ة ف��ي وج��دان��ي ،قلت لنف�سي: �س�أكتب عن مريم ق�صة.. وكانت ق�صتي الأولى في عالم الكتابة ،ق�صة مريم؛ الق�صة الوحيدة التي �سجّ لت فيها الأ�شياء على �صورتها الحقيقية .م�ضى زمن طويل عليها،
كنت في ال�ساد�سة من عمري حافي القدمين، �أت�سلق ال�صخور و�أق�ف��ز هنا وه�ن��اك ،والمبهج �أنني �أتذكرها بدقة؛ تلك ال�سنوات التي انغم�ست فيها وت ��وردت .خاللها كنت م�شغوف ًا باللعب؛ اللعب وحده ي�أخذ معظم وقتي وج ّل اهتمامي، ما �أن �أعود من المدر�سة �إلى البيت حتى �أقذف كتبي ودفاتري نحو الأر���ض ،و�أم�ل�أ جيوبي تمر ًا وخ �ب��ز ًا و�أرك ����ض باتجاه الجبل� ،أت��زح�ل��ق فوق ال�صخور المنحدرة� ،أالحق الطيور و�أنازع رفاقي اجلوبة -ربيع 1434هـ
81
82
عندما توفيت تذكرت قولها ،وبكيت ،نعم، لم �أر نف�سي �أبكي بكا ًء مثل ذل��ك البكاء ،ف�أنا كبيرها ،و�أخي ال�صغير كان مري�ضاً ،كنت �أالحظ �أنه �أ�صفر الوجه ،ويحب النوم �أكثر مني ،و�أدركت بعدها �أن �أب��ي كان يذهب للعمل في الحقل ثم يذهب �إل��ى دار ج��دي ،و�أحيان ًا كثيرة كان ينام هناك ،وال �أدري ِل��مَ كان ينام هناك ،والمحيّر �أنني لم �أك��ن �أ�شاهد �أب��ي كثير ًا في البيت كما كنت �أ��ش��اه��د �أم��ي� .أب��ي ك��ان قا�سي المالمح، هكذا �أذكره الآن ،وبخا�صة مع �أمي� .أمي ..كانت اجلوبة -ربيع 1434هـ
تقول لي مريم :ما ر�أي��ك �أن ت�أخذني �أن��ت؟ و�أقول مت�سائ ًال و�أنا �أ�ضع �سبابتي في فمي� :إلى �أين �آخذك؟ فتنظر بعدها لأمي وتهتز المر�أتان من �شدة ال�ضحك .نعم .لم �أدر لماذا �آخذها؟ و�إل��ى �أي��ن �أذه��ب بها �آن��ذاك .لكنني الحظت �أن ثمة �صفرة في وجهها� .إنها �صفرة ت�شبه وجه �أخ��ي طاهر؛ و�أخ��ي طاهر ك��ان طاهر ًا بحق ،ال ي�سمع له �صوت ،وغالب ًا ما �أ�شاهده يند�س تحت لحافه �صامتاً ،هكذا �أذكره الآن� .أما �صوت مريم فكان ناعم ًا و�شفيف ًا وطاهراً ،ط��وال حياتي لم �أ�سمع �أنعم و�أجمل منه ،بعدها ب�سنة تقريب ًا – هكذا �أتذكرها الآن – �أذكر �أنها زارت �أمي ،وكان بين يديها طفل ر�ضيع ،والحظت �أنه طفل هزيل، نظراته ثابتة ،ووجهه �شاحب قليالً ،لكن ا�صفرار وجهها �أ�صبح �أكثر من قبل� ،شاهدتها تبكي، تلت�صق ب�أمي وتبكي ،ال �أدري ما تقول لها وكم �أرعبني نحولها هذه المرة ،كانت نحيلة جداً: عندما تتالقى يداها على خ�صرها تكاد اليدان تلتقيان ..قلت حينها بت�أثر :يجب �أن ت�أكل هذه المر�أة وت�شرب الحليب �أي�ضاً .اللعنة ،كل ما كان ي�شغلني الأكل ،واللعب ..هذه حياتي بب�ساطة.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
و�أ�شاجرهم .نعم� ..شعرت �أنني الأق ��وى �آن� ��ذاك ،ف��أ��ض��رب هذا و�أع�ض ذاك ،وغالب ًا ما ينتهي نهارنا بال�شتائم ،والم�شجع �أنني كنت �أفوقهم جميع ًا ف��ي قذف �أك �ب��ر ال���ش�ت��ائ��م .ع��وي��د و�سالم وح� �م ��دان ه� � ��ؤالء� :أ� �ص��دق��ائ��ي و�أعدائي .ما �أن تتوارى ال�شم�س خ�ل��ف ال�ج�ب��ل وي�ن���ش��ر ال�ظ�لام ط�ل�اءه الأ�� �س ��ود ،ح�ت��ى نتبعثر ك ��ل ب��ات �ج��اه ب �ي �ت��ه .وك���م كنت �أك��ره الظالم� ،أكرهه لمجرد �أن��ه ظ�لام ،وربما لأنه يحرمني من اللعب و�سط �أقراني ..ويقطع عليّ �ساعات لهوي� ،أع��ود بعدها للبيت مكرهاً؛ والغريب �أنني بعد هذا اللعب �أبد�أ بم�شاك�سة �أمي، و�أمي ..اهلل ما �أجمل �أمي! عندما �أعرف �أنها بلغت ذروة غ�ضبها� ..أرتمي في ح�ضنها كجرو �صغير، تهدهدني ثم �أنام .وما �أن �أتذكر تلك الهدهدات حتى �أ�شعر بتيار يكاد يع�صف بج�سدي كله� .أح�س �أمي جزء ًا من حياتي كاللعب والمدر�سة .كثير ًا ما �أ�سمعها تقول« :يا رب اتركني �أعي�ش لهما».
ت�خ��اف��ه ،و�أن ��ا �أ�صبحت �أخ��اف��ه لأن �ه��ا ت �خ��اف��ه؛ ح �ي��ن ي�ن��ادي�ن��ي �أرك�ض مذعور ًا باتجاهه ،ويبد�أ يحادثني -وقلي ًال ما يفعل -ال �أ�ستطيع حينها النظر في وجهه، كنت �أتالفى النظر في وجهه ،وال �أدري حتى الآن لماذا كنت �أفعل ذلك!؟ اللعب والمدر�سة و�أمي، هذه الدائرة التي تدور بي و�أدور فيها �آن��ذاك .وف��ي �أح��د الأي��ام، وبينما كنت �أهم بالخروج للعب، �ألفيت ابنة جيراننا «مريم» مقبلة ،وكانت قريبة، فعدت لأخبر �أمي بقدومها ،وما كدت �أن �أ�صل �أمي حتى و�صلتنا �ضاحكة ،وكانت جميلة ،وبا�سمة، وطويلة ،على �صدرها ق�لادة ب��راق��ة� .أذك��ر �أن يدي كادت �أن تمتد نحو �صدرها ،لوال �أنني كنت خجوالً ،وحتى الآن وبخا�صة مع الن�ساء� ،أ�شعر �أن جمال قالدتها يجعلني �أتلعثم! خدّها كان متورد ًا ي�شبه الأق �ح��وان ال��ذي يطلع بجانب بيتنا في الربيع ،وجه مريم في ذلك النهار �أنار لنا عتمة بيتنا الذي تلفه الظالل .هكذا كنت �أ�شعر؛ فقلما تقع عيناي على فتاة جميلة وبا�سمة �آنذاك ،كان لمريم جالل ،وكانت �آ�سرة� .سمعتها تقول لأمي: (�أه��ذه �سترة يا رب؟! �إني �أف�ضل الموت عليها. �أنا م�ستورة من دونه� ،أكرهه ،كم �أكرهه) … ثم قالت :ما الفائدة؟ وافق �أبي وقر�ؤوا الفاتحة. ثم �سمعتها تقول وهي ت�سحب نف�س ًا عميقاً :يا موت تعال خذني! وكنت �أتخيل الموت رج ًال فح ًال النا�س على كتفيه القويين ،وي�أخذهم خلف يُركب َ الجبال� ..أجل لم �أتعرف على الموت بعد .ت�صمت �أمي حينها وت�شبك �إبرة الخياطة في الرداء الذي
يتكوم ف��ي حجرها ،ك��م ك��ان يخيفني �صمتها، عندما ت�صمت �أمي� ،أ�شعر �أني على و�شك البكاء، وعندما تعود �إلى الحركة والكالم تنقذني وي�شرق وجهي ،ف�أ�ضج حينها �ضاحك ًا و�أخرج للعب.
بها ت��زور �أم��ي مجدداً� ،أق��ول :لوال زيارتها هذه لن�سيتها؛ �أذكرها كما لو �أنها �أمامي الآن ،تجل�س قبالة �أمي يكاد ر�أ�سها ي�صطدم بر�أ�س �أمي ،وفي �صدغها الأيمن جرح طويل ،قالت ب�صوت متهدج «لقد �ضربني اب��ن الكلب» .ول��م �أك��ن �أع��رف ما تق�صد ،فتخيلت جرو ًا �صغير ًا يع�ضها ،وقلت في نف�سي� :أنا �س�أقتل ذلك الجرو اللعين .ومنذ ذلك الحين و�أنا �أكره الكالب ويُفزعني مُجرد نباحها.
�أي��ام��ي ال�صغيرة تع�صف ب�أيامي الكبيرة، و�أن��ا �أج��ر ثمالة ذك��راي نحو الأم����س� ،آخ��ر مرة �شاهدتها ،كانت ترك�ض بين البيوت مط�أطئة ال��ر�أ���س ،ت�صرخ ب�أعلى �صوتها وتمزق ثيابها، يا �إلهي �أي��ن ذهب ذلك االنت�صاب في ر�أ�سها؟ حتى �صوتها تخالطه بحّ ة لم �أ�سمعها من قبل، قذفت الكرة جانب ًا وا�ستغرب �أن ��دادي ،فقلما تفلت الكرة من يدي ،وجل�ست القرف�صاء �أرقبها. �شاهدت رج ًال ق�صير القامة �شعره �أبي�ض لكنه قوي البنية ،يلب�س ثوب ًا م�شْ رعا حتى الركبتين، بيده ع�صا تفوق طوله .كان بين الفينة والأخرى يوجه ال�ضربات للمر�أة ،حين تتعب كانت تجل�س، تدفن ر�أ�سها في التراب وتعول ،لم �أفهم كلمة مما تقول ،كان الرجل يقف �إلى جانبها وا�ضع ًا يده على خا�صرته الغليظة ،ثم ما يلبث �أن يجرها من �شعرها .وقال عندما الحظ وجودي(ف�ضحتيني يا بنت ال�شيطان) ..تحدث النا�س عنها بعد ذلك كالم ًا لم يعجبني ،ولم �أعد �أميل �إلى اللعب كما في ه��ذه ال��زي��ارة خطر لي �أن �أ�س�ألها� :أين كنت ،قالوا� :إنها جُ نَّت في �آخر �أيامها ثم ماتت. ذهب ذلك الأق�ح��وان؟ والمقلق �أن��ه وفي الوقت والغريب �أنني ما زل��ت �أذك��ره��ا ،وكثير ًا ما الذي خطر لي �أن �أبعدها عن تفكيري ،لم �أ�ستطع �أت�سلل في الليل نحو المقبرة ،و�أجل�س بجوارها مجرد �أن �أ�شيح بوجهي عنها ..لم �أفلح في ذلك� .صامتاً� ،أتذكرها� ،أ�شعر �أنها ت�ستريح لزيارتي، ال �أدري ما الذي حدث بعدها ،لكني فوجئت كما �أنني مت�أكد �أنها تنعم الآن بالهدوء وال�سكينة
اجلوبة -ربيع 1434هـ
83
اجلوبة -ربيع 1434هـ
الأقحوانة ما تزال بعيدة..
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
84
�أكثر مني .لكنني بعد �أن �أع��ود من زيارتها ،بع�ض النا�س الذين �أحببتهم ،الكتابة بحاجة و�أجل�س في بيتي �أ�شعر ب�شيء يحيط برقبتي� ،إل��ى كاريزما م��ا� ،أن��ا لي�س لي كاريزما� ،أكتب وي�ضغط عليها ،حينها ،ال �أ�ستطيع �أن �أتمالك لأنني ع�شت حياة عادية ،طفولة مجرحة لكن نف�سي و�أجه�ش في البكاء.).. الماليين عا�شوا حياة مجرحة. ثم انتقلت �إلى الجامعة الأردنية ،طالبا في م�شيت حافيا في المراعي والقفر ،و�شكوت مرحلة (البكالوريو�س) وك��ان ال�م��زاج �آن��ذاك مزاجا �شعريا ،و�أذك��ر �أنني اتجهت �إلى ال�شعر من الهجير لرفاقي الحفاة ،وكنت �أتثاءب طوال ونحوت بالق�صة وال�سرد جانبا ،وطفقت �أق��ر�أ يومي من قلة النوم� ،أما الآن وقد دخلت الكتابة لل�سياب ،ولأمل دنقل ،ولبلند الحيدري ..ولكثير بت�أمالتها �إل��يّ فقلما �أنجح في النوم.اليوم يا غ�ي��ره��م ،وق��د كتبت بع�ض الق�صائد ،ف��ازت �أبي �صار لي طالب جامعيون ي�صغون لدرو�س �إحداها في م�سابقة على م�ستوى الجامعة. الأدب ،ي�صغون للجمل التي �أردده��ا من الكتب بعد �إتمام درا�ستي الجامعية ،وجدتني في بلهفة ،لهفة ترعبني. مدينة(�سكاكا) معلما في مدار�س الرحمانية، �أكتب كي �أُبعد من طريقي بع�ض الحجارة، ت��زام�ل��ت ف��ي ال�ت��دري����س م��ع ال�ق��ا���ص ال�صديق عبدالرحمن ال��درع��ان ،وكانت لقاءاتنا خارج �أكتب لأمحي خطاباتهم الفجة من ذاكرتي.. �سياق العمل مثمرة وجميلة� ،أذك��ر �أننا قر�أنا هذه الأر���ض التي ما برحت تمد لي ل�سانها �سويا كتابات محمد �شكري(الخبز الحافي ،بدهاء امر�أة عارفة� ،أعلم �أن قدميّ ال ت�ؤلمانها ال�سوق الداخلي ،وبع�ضا من �إ�صدارات ميالن كما ي�ج��ب..الأر���ض كم كانت �سحيقة! �أح��اول ك��ون��دي��را ورائ �ع �ت��ه(غ��رام �ي��ات م��رح��ة) .ك��ان �أن �ألعقها و�أح�سب �أنني �أتذوق �شواطئها ودفء ال�صديق عبدالرحمن الدرعان ملهما ومثقفا �أزقتها وكالم الأنيقين من الرفاق الثاوين في فريدا� ،أفدت منه الكثير. لجتها� .أحاول �أن �أدخل هناك في موطن ال�سر بعد هذه المرحلة عدت �إلى الأردن ،و�أكملت درا�ستي العليا ،وكان هم الكتابة ي�سير جنبا �إلى الأبدي ،لكنني �أخاف ..يحا�صرني رعب عجيب، جنب مع هموم الدرا�سة والحياة ،كتبت ثالث �أغرق في بكاء �أمل�س!.. مجموعات ق�ص�صية (امر�أة الأقحوان ،في تمام �أيتها الكتابة ،يا رجفة البيا�ض: الوح�شة ،القاعة )117؛ اثنتان منها مخطوطتان �أر�سلي من روحك لي ما يعينني� ،أحيا ب�أقل وواحدة من�شورة. وال ب ّد من االعتراف �أن ثمة �شعورا يعاودني وح�شة .ولو لمنت�صف الأ�شياء التي ال تختفي، با�ستمرار ،يقول� :إنني �س�أم�ضي ذات يوم ،ولن ولو نقطة من يقين ،تجاورني على مقعدي في يكون بمقدوري كتابة �شيء يذكرني من خالله الحافلة� ،أجاورها لو في ال�صدف..
■ نايف النواي�سة -الأردن
�أكثر من مرة كنت اكت�شف �أني محمولٌ على اال�ضطرار �إلى هذه الم�صالحة البا�سمة بيني وبيني ..روحي تنزع �إلى �شيء ،وهذا الطين الذي تورطتْ فيه ينزع �إلى �شيء �آخر ..و�أ�سا ُل في لحظة قلق :هل �أنا مخلوق ملفقٌ تلفيقا؟ هل �أنا �ساحة م�صالحة بين �أطراف متخا�صمة فيّ ؟ وا�سكت خافق القلب. بين حدّين ,ال خيار لي بهما ,انبثق هذا المخلوق الذي هو �أنا؛ �أولهما :ح ّد الوالدة ,وثانيهما: ح ّد الموت ..ح��دّان مرعبان ,بينهما �أرك�ض الليل والنهار ,لحافي هو الأم�� ُل بالدفء وفرا�شي ن�سيان الليلة البارحة ..فهل يتحقق لي ذلك؟! قف مكانك ..ف�أقف متبلّماً ،وتهوي نف�سي فيّ من هنا ،ا�ستيقظ فيّ منذ الرم�شة الأول��ى ْ ال�س�ؤال الأ�سا�س ،ورح��ت على �شوك البدايات م�سربلة بالقلق.. �أفت�ش عن ج��واب يليق؛ �أن��ا وال�س�ؤال المكبوت وق��ر ف��ي القلب �أن �شرط الحياة الأول هو والأج��وب��ة الم�ست ِعرِّة ،ك��ون مت�ألق يلهث وراء القلق ،كما �أنه �شرط الإبداع الأول ..ف�أول �شرط ال�سنين وال�شم�س ال�ه��ارب��ة والعمر المقموع. تحقق لي كمبدع هو �أنني تحققت من �إ�صابتي �أكت�شف ك��ل �صباح �أن��ي م��ا زل��تُ على حالي، ب�ضربة من �شم�س القلق.. مح�شور في كي�س الطين الذي �أجرجرة خلفي، وال خيار لي فيه ،ولكنني بذكاء ا�ستثمرته.. وفوق ر�أ�سي مليون (طوبة) ا�سمها(المفاهيم، والمتعارف عليه ،والم�سكوت عنه ،والظاهر بداية الطريق الناطق والباطن الخانق)� ..أن��ا كائن مثلُ �أي لم �أج��د ملعقة من ذهب في فمي ..والدي كائنٍ غريب الأط��وار يخاف من ال�شم�س حين تغرب ويخاف منها �أ ّال تُ�شرق ،مُتلب ٌّ�س بهاج�س رجل ب�سيط لكنه طيب ،و�أطيب ما فيه �أنه يحب �أن ��ه ف��ي ب�ح��ار ت�م��وج ون �ي��ران ت�ضطرم ،وبين المحبة ويكره الكره ..لذلك ،كان يحب االبت�سام ج��دران �صمّاء و�سقوف متجبرة ،وكلها ترفع والكرم ..هذه �صورة عنه ،مثل وم�ضة الفال�ش، �إ�صبع ًا تقول :ال ،ال ..،لم يئن �أوان االنفجار ..ما تزال عالقة في ذهني� ..أما والدتي فكانت اجلوبة -ربيع 1434هـ
85
كنا مخلوقات تبحث عن مخارج ،لكن الدهليز الطويل جعلنا ك��ره �اـ نت�صالح معه، فحملنا �أ�سماء نتنادى بها في عتمة ه��ذا ال��ده�ل�ي��ز ،وبنينا �شبكة من العالقات ،و�صرنا ن��رى م��ن داخ�ل�ن��ا م��اال يوفره لنا الدهليز ..وفي كل �صباح ن �� �س ��أل :ه��ل �إل���ى خ���روج من �سبيل..؟!
86
�أن��ا الآن م��دركٌ �أنّ للقلق قيمة.. وكيف؟ ح� �ت ��ى ت �� �ص��ل ب �ي �ت��ك م��ن هذا المكان ،عليك �أن ت�س�أل نف�سك ،كيف �أ�صل؟ �إذاً ،بد�أت مرحلة القلق من �أجل الو�صول.. بمعنى� ،أن الذي ال يعي�ش هذه الحالة لم يُخلق بعد� ،أو �أنه ُولِدَ ولم يدخل الحياة حتى الآن!.. ال �ق �ل��ق� ،إذاً ،ه���و ���ش��رط الحياة ،فالدهليز المعتم ال تنجلي معالمه �إ ّال به..
وبعــد، عائالت مت�شابهة في الفقر اندفعت ف��ي ه��ذا الدهليز وال�ه�م��وم واالح �ت �ج��اج ..قطع راك�����ض��اً ..خ�ل�ف��ي م��ا ال ُي�ع� ّد م�ت�ج��اورات و�أر��ص�ف��ة �سكنها م��ن ال �م �ط��اردي��ن ..و�أم��ام��ي ال�صمت.. ت�ضاري�س مُوح�ش ٌة �أ�سهلُها �أنك ُ وف��ي �سنٍ ما الح �ضوء في تتعثر ف��ي ك��ل ح�ي��ن ..وعليك الدهليز ،فرك�ضت نحوه ،كان �أن تنه�ض؛ فالحياة ال تُواتي خيط ًا رفيع ًا ر�أي��ت منه قلبي الواقف والمتعثر والمتلهي �إن وع �ق �ل��ي ،وان�ت�ع���ش��ت روح ��ي.. ل��م يُ�شغّل العزيمة والم�ضاء و�أح�س�ست ب�أن �سقف القلق فيّ في نف�سه ..و�آليت على نف�سي بد�أ يهزه ُز �سُ جُ َف الإعتام في �أن �أحمل هويتي الخا�صة لأعبر الدهليز ..كان ذلك بعد العا�شرة من عمري ،بها كل الحدود؛ �إطارها الأمل ،ومادتها العقل، اجلوبة -ربيع 1434هـ
رحلتي م��ع ال�ح��رف ُول��دتْ تلك ال�سنة من فوهة الحيرة والقلق وال�خ��وف على م�صير الأم� ��ة ..م� ّت�ن��تُ قنطرتي مع الدر�س والتثقيف ..ويقيني �أن ال��ذي تريده ال يُواتيك مجرد �أن��ك ترغب ب��ه ..ال بد من �أن ي �ق��ودك ذل ��ك �إل ��ى �أن تفهم ذاتك وتتلم�س قدراتك ..فكان ل��ي ذل��ك حين واج�ه��ت عتمة الدهليز بخم�سمائة �صفحة �أق��ر�ؤه��ا يوميا لي�ستقيم لي ن�ه��اري الممتد؛ وكلما ق��ر�أتُ �أك �ث � َر �أدرك� ��تُ �أن �ن��ي م��ا �أزال �أجهل الكثير ،ف�أُعاود القراءة بنهمٍ وع �م��ق ..وتيقن ل��ي �أن الإب��داع الحقيقي ال يقوم �إِ ّال على قراءة �إبداعية متوا�صلة، ولم تكن العبرة عندي بـ(كم) ما �أق��ر�أ ،و�إنما بوعي ما �أق��ر�أ و�إدراكه..
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
تبحث ف��يّ ع�ن��ي وق� ��ر�أت في عينيّ ومي�ض ًا ما ،لذلك راحت تتعقبني و�أن ��ا ك�ه�لٌ ،ف�ألقيت القب�ض عليها ذات مرة ،وهي متلب�سة بف�ضيلة المطالعة وك��ان��ت �أ ّم � ّي��ة ،وجدتها تقلّب �صفحات م��ن ع��دد قديم من مجلة العربي (بالمقلوب)، تحاول �أن تعرف ،لكن عتمة المرحلة �أبعدتها ع��ن طريق ال�شم�س..
حين فتحت عيني على عالم �ضاج بالمبهمات ،لكنني بد�أت �أت���س�ل��ح ب��ال�م�ه��ارب وق�ن��ادي��ل الر�ؤيا..
وورق� �ه ��ا ال� �ح ��ري ��ة ..وب� ��د�أت �أُ�شكّل من طال�سمي الغاط�سة �ات يهتدي ف��ي ال�صمت ل��وح� ٍ بها الآخ� ��رون �إل� ��يّ ..وق��ادن��ي الدهليز �إل��ى العا�صمة عمان ذات � �س �ن��ة ،و ُرح� ��ت �أت �ه��جّ ��ى حروف حياتي الجديدة فيها، و�أبني مفاهيمي وان�سج درّاعتي الأدبية ،فجاءني الحرف الثغ ًا �سنة 1967م ،وك��ان��ت نك�سة حزيران طامة كبرى تُدحرجنا �إلى �أ�سفل �سافلين..
ل��م تكن ال�ح�ي��اة حينذاك �سهلة ومنعّمة ..كنا في زمن غير رحيم ..و�أمامي طريقان �صعبتان :الأول ��ى اال�ستمرار في الحياة ..والثانية �أن �أكون ن��وع � ًا م�م�ي��ز ًا ف�ي�ه��ا ..وه��ات��ان الطريقان في عالمنا العربي غارقتان في القلق والغمو�ض والمخاطر المحتملة.. ح �ي��اة ال �م �ب��دع ،محفوفة بالعوا�صف ،وعليه مقاومتها وال�صمود �أم��ام�ه��ا؛ فر�سالته تُملي عليه ذلك ،لأنه م�شرو ُع �شهيد� ،أو �ضحي ُة موقف� ،أو طري ُد ظلم ..والمبدع الأ�صيل �سيقاوم وينت�صر في النهاية، حتى و�إن كان في القبور.. ول� � � �ي � � ��ت ه� � � �ن � � ��اك م ��ن يعطيني م�ب��دع��ا ح���ر ًا �سلّم � �س�لاح��ه(م��وق �ف��ه) ق �ب��ل �أن ينت�صر ل�ق���ض�ي�ت��ه ..ال�م�ب��دع ال �ح �ق �ي �ق��ي ه� ��و ال �م �ن��ا� �ض��ل الحقيقي والحيّ الحقيقي ،وهو بالنتيجة ال�شهيد الحقيقي، و�سيظهر ولو بعد حين.. املواجهــــة.. وكيف يُواجه المبد ُع تبعاتِ م�شروعِ ه الثقافي؟ �أو كيف ي�صنع ر�ؤي�ت��ه الفكرية؟ و�إل��ى �أين ينتهي من خالل توقعاته؟ ل �ق��د ب� � ��د�أتُ م ��ن ق�ن�ط��رة ال�صحافة ك��ات��بَ خ��اط��ر ٍة فمقال ٍة ل��زم��نٍ ما، اجلوبة -ربيع 1434هـ
87
ث��م م �ح��اوالت �إب��داع�ي��ة كالق�صة والم�سرحية وال�ق��راءة النقدية ،وكلما توغلت في مجاهيل هذه الكتابات ا�شتدت بي رغبتي للقراءة؛ ف�أنكب عليها نهِ ماً ،من كتب التراث� ،إلى كتب الأدب، والفل�سفة وال�ت��اري��خ ون�ح��و ذل��ك؛ م��ن الكتاب العربي �إل��ى الرو�سي �إل��ى الغربي ،ول��م �أت��رك وعاء معرفي ًا احتوته مكتبتي �إال غرفت منه ما يروي ظم�أي .ونتج من جملة هذه القراءات �سيل معرفي �أجده مترع ًا بالربيع الإبداعي؛ فالن�ص عندي ال �أخرجه فجّ اً ،غ�شيم ًا من دون تثقيف �أو تذهيب �أو و�شي ،ودون �أن يكون معبّرا عن الواقع ناقال لهمومه ومتورطا بق�ضاياه ،ومن دون �أن يكون الب�سا العباءة الجمالية �أو متلب�سا القوام الإبداعي الجميل.. هي رحلة �شاقة منذ كانت المواجهة حتى الآن.. كنت خائف ًا من مقالتي الأولى �سنة ..1967 ُعرف بم�سلكه الأخالقي الح�ضاري العالي، وي َ ثم خائف ًا من ق�صتي الأولى (قلب �أمي) �سنة وي�أتي عاب ُر �سبيل وي�صفه بغير ذل��ك ..فال بد 1977م ،وما �أزال م�شفق ًا عليها؛ لأنها تُدَ رّ�س �أنك ت�صاب بالخيبة والذهول.. لطالب ال�صف الثامن ف��ي الأردن منذ ت�سع مثل ذلك �أفراد �أ�سرتك الإبداعية ..تتو�سم �سنوات.. فيها �شيئاً ،ويقفز لك من الغيب قاطع طريق ثم خائف ًا على كتابي الأول �سنة 1980م، في�صيب منها الكبد ..لكنني مع مرور ال�سنين مجموعة (�أبو المكارم) للأطفال. ح�صنت نف�سي ب�ع��دم االك �ت��راث م��ن هجمات ّ لقد �أورثني الإبداع الخوف كما القلق ..لأنني (النقد الأ�صفر) ،فال�سقف المتين ي�صمد �أمام حري�ص على �أعمالي الأدبية ب�أن تولد مخلوقات تطاول هبات الريح الهوجاء عليه.. �سوية� ،صالحة ،و�س�أظل خائف ًا ما دم��ت حي ًا ودي��دن��ي ف��ي ذل��ك �أن عظمة العقل تخلق طالما �أنني نثرت �أف��راد �أ�سرتي الإبداعية في الحارات الثقافية ،و�أخ�شى عليها من (النقاد الحُ �ساد ،وعظمة القلب تخلق الأ�صدقاء ،و�أنا الهمل) ،و�أ�صحاب الأق�ل�ام الطارئة ،وكتاب كما قال ال�شاعر: الحاالت النقدية الهام�شية.. ك��ن كالنخيل ع��ن الأح��ق��اد مرتفعاً 88
ت�صوروا �أن ي�شهد البنك الجميع بالنجابة، اجلوبة -ربيع 1434هـ
ُت��رم��ى ب�����ص��خ��رٍ ف�� ُت��ل��ق��ي ي��ان�� َع الثمر
�أنا بب�ساطة محبو�س بالخوف ..كلما �أ�ضفتُ كتابا جديدا �إلى كتبي �أُ�صاب بالرعب ال�شديد حين �أرى (جديدي) يدخل الحياة ،ومبعث الخوف: �أن هذا الجديد �أيُرف�ض �أم يُقبل؟ وم�شكلتي هي �أنني ال �أ�ؤمن بتحديد الن�سل ،لذلك كبرت عائلتي وات�سعت ،ففي ال�سنوات الأخيرة رُزقت بالتوائم بين ق�صة وكتاب تراث �أو م�سرح �أو نقد ،و�أ�ضفت �إل ��ى ه��ذه ال�ع��ائ�ل��ة م�خ�ل��وق� ًا ج��دي��د ًا ع��ن(ت��اري��خ الكرك) ،و�آخر عن الواجهات المعمارية في معان، ومجموعة ق�ص�صية جديدة بعنوان(فرج نافذة النهار)� ..أي �أن ما �سجلته في دفتر عائلتي الأدبية ت�سعة ع�شر كتابا ،منها �ست مجموعات ق�ص�صية، ويت�شكّل الآن بين يدي مجموعتان ،واح��دة تتجه �صوب جائزة التفرغ الإبداعي التي فزت بها هذا العام وتحمل عنوان(ال�شم�س من جديد) ،وتتجه الأخرى �إلى نا�شر ال �أعلمه وعنوانها(جمجمة)..
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أقول :كلما كتبت �شيئ ًا �أجد نف�سي ميت ًا مليون مرة ،و�أغط�س في بحر من العرق ،و�أظ ّل مُحدّق ًا في ما كتبت لعلني �أجد فيه ما يغريني بو�أده.. ولقد �أطلقت ر�صا�صة الرحمة على مخلوقات كثيرة من ق�ص�صي الأول��ى على الرغم من �أن بع�ضها نُ�شر في مجالت و�صحف� ،أو قُرئت من منابر محترمة ..ولعدم قناعتي بوزنها وقوامها الح�سن �أبعدتها من دفتر عائلتي.. وم��ن المفيد �أن �أ��ض��ع نف�سي كقا�ص بين هاللين ،لأن �سيدتي الأول��ى في ف�ضاء الكتابة ه��ي الق�صة :وت��ران��ي هنا �أح�ن��ي لها القامة، و�أق��ول �إنك من �أ�صعب الفنون يا �سيدتي ،فال بد لحظة الوقوف بين يديك من موقف فكري �أخ�لاق��ي مكتوب بفنيّة عالية ول�غ��ة مكثفة، �شروطك �صعبة ،وك�أنك ال��وردة الجورية التي ت�صيب ب�شوكها من ال يُح�سن الو�صول �إليها.
ل�ق��د �أدرك� ��ت م�ن��ذ ال��زم��ن الأول �أن الفن الحقيقي ه��و رحلة م��ع الت�أمل وال�خ�ي��ال ،وفي يقيني �إذا يب�ست م�ساحة الت�أمل ماتت الحياة وهمد العالم ،لذلك تجدني في ق�ص�صي دائب الحركة داخل الم�سافة ما بين الخيال والواقع، �أط��ارد �شخو�ص ق�ص�صي و�أعي�ش �أحداثها.. بمعنى �أن �ن��ي �أع�ي����ش ع�ل��ى ح�ب��ل م���ش��دود بين عالمين :الأول مفرو�ض ب�سيرورة الحياة فيه وال وي�س�ألني �سائل :وماذا بعد ذلك؟ ف�أقول� :أنا �أملك له نق�ضاً ،والثاني هو لي و�أتدبر �أمره داخل ما �أزال في محاوالتي لأن �أبد�أ !!..فالأقحوانة في مواقدي و�أعيد �إنتاجه �أدبي ًا بموقف وا�ضح.. يقيني بعيدة ..وكل ما �أعلمه عن نف�سي هو نف�سه بب�ساطة �أنا �إن�سان يبحث عن الراحة غير الذي يثير خوفي ،ولعلني من �أكثر النا�س حاجة �أن م�صيدة الحياة حقنتني بجرعة قوية من �إل��ى ا�سمي دون �أو�صاف و�سمات و�إ�ضافات ..القلق رافقتني ط��وال العمر وم��ا �أزال ،و�أن��ا �أنا �أكره المديح والتبجيل؛ لأنني �أريد �أن �أرى م�سرور بها ..ويبدو �أن راحتي كامنة في هذه نف�سي بي�ضاء ال �أ�صباغ عليها وال تلوين ،وبعيد ًا الجرعة الرائعة ..والمبدع الذي ال يقلق يكون عمّا يبلبلها �أو يحرفها عن حقيقتها.. قد مات.. اجلوبة -ربيع 1434هـ
89
الكتابة ال�صينية وفن الر�سم بالكلمات ■ غازي خريان امللحم*
الر�سم فن ت�شكيلي يعك�س الأ�شياء المو�ضوعية بالخطوط والأل��وان وال�صورة، وهو يج�سّ د ما ح�صل عليه النا�س خالل �أعمالهم من المعارف والأفكار والم�شاعر، وف��ي الوقت ذات��ه و�سيلة للتبادالت الفكرية بينهم ،وم��ع م��رور الزمن �أ�صبح النا�س ي�ستخدمون هذا النوع من الفن ق�صد التعبير عن �أفكارهم ،فتحولوا �إل��ى (الر�سم الكتابي) ،وخير من يمثل هذا االتجاه ت�شكيل المقاطع ال�صينية ،التي تع ّد من �أقدم الكتابات العالمية التي ظهرت �إلى حيز الوجود كرموز ت�صويرية في المرتبة الأولى، وهي ت�شبه� -إلى حد ما -الكتابة الهيروغليفية ،وما يليها من الكتابات القديمة. الغراء بعد مزجه بالماء ،ليتحول �إلى �سائل رمادي داكن ،ثم معالجته ببع�ض المحاليل الملحية لي�صبح ج��اه��ز ًا لال�ستعمال، و�أحيان ًا كانوا ي�ستخدمون بع�ض الأل��وان لهذه الغاية.
90
وقد �سمى ال�صينيون ح��روف كتابتهم (ون لي)؛ �أي الأدب الجميل ،وال عجب.. فهم يرون ال�صلة وثيقة بين �أدبهم الجميل ه��ذا ،وبين �شعرهم وف��ن الر�سم لديهم. لذا ،كان الر�سم في الو�سط قوام اللوحات الفنية ال�صينية ،و�أم ��ا ال�شعر وال��رم��وز اه�ت��دى ال�صينيون �إل��ى ال�ج��ذر الأول فتدون في زواياها. ل��رم��وز كتابتهم منذ ع��ام ( )1500قبل وكان الكاتب ال�صيني القديم ،قد اتخذ ال �م �ي�لاد ،وق��د اقتب�ست بع�ض ال�شعوب من الفر�شاة �أداة للكتابة ،يتدرج �سمكها الآ�سيوية المجاورة لل�صين تلك الرموز من �شعرة واح��دة �إل��ى خ�صلة كثيفة من وعدّلت فيها بع�ض التعديل ،و�أ�ضافوا �إليها ال�شعر الذي ا�ستخل�صه من فراء الأرانب .الحركات المنا�سبة ،كي تتوافق ولغتهم �أم��ا الحبر الم�ستعمل لهذا الغر�ض فكان الأم ،وا�ستعملوها في جميع �ش�ؤون الكتابة م��زي�ج� ًا م��ن ��س�ن��اج ال�صنوبر وم�سحوق وال�ت��دوي��ن ،بعدما ه��ذب��وا بع�ض حروفها اجلوبة -ربيع 1434هـ
ويذكر علماء اللغة �أن رموز الكتابة ال�صينية الأ�سا�سية تقدر بنحو ()214جذراً ،وتتردد هذه الجذور وتتكرر في �شتى رموز الكتابة ال�صينية و�صورها ،ب�إ�ضافات هنا ،وتعديالت هناك ،حتى يبدو الدور الذي تلعبه هذه الجذور �شبيها �إلى حد ما ب��دور الحروف العادية في �سائر لغات العالم. عانت اللغة ال�صينية في بداية �أمرها من تخلّف وتعقيد في طريقة كتابتها التي تدون من الأع�ل��ى وتنحدر �إل��ى الأ�سفل .وق��د ح�صر علماء اللغات ال�شرقية حروف اللغة ال�صينية بع�شرات الآالف ،حتى قيل �إن ع��دد حروفها يت�ألف م��ن خم�س �أرب �ع��ات ( )44444حرفاً، لكن (ماوت�سي تونغ) العالم اللغوي وم�ؤ�س�س دولة ال�صين الحديثة ،عمل كل جهده لتخفيف ت�ل��ك ال �ح��روف ب��ال�ق��در الممكن ودم�ج�ه��ا في �أبجدية تتكون من ( )220حرف ًا فقط .وقد بذل ال�صينيون ق�صارى جهدهم في �إعداد �آلة كتابة ت�ستوعب الحروف ال �ـ( )220ال�سالفة الذكر.. ومع ذلك ،ورغم ال�صعوبات والتعقيدات التي تعاني منها هذه اللغة الموغلة في القدم� ،أبى �أهلها التخلي عن حروف لغتهم الأثيرة لديهم، مهما كانت ال�صعوبات ولأي �أمر كان؛ لأنها تمثل هوية الإن�سان ال�صيني ،وذاكرة تراثه ،ومحتوى علومه المختلفة التي يعتز بها ،ويجد نف�سه من خاللها ،كتابة وقراءة ونطقاً. التحوّل من الر�سم �إلى الكتابة
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
لت�سهيل كتاباتها وقراءتها.
الأ��س�ط��وري��ة ف��ي ال��زم��ن ال�غ��اب��ر� ،أو ت�ع��ود �إل��ى (ت�سانغ جيه) ،م ��ؤرخ الإمبراطور الأ�سطورة، الذي اخترع الكتابة من ال�صور� .إال �أن كل هذه المعلومات غير موثّقة كما يجب ،والم�ؤكد �أن م�صدرها الحقيقي يعود �إل��ى �أ��س�لاف قومية (هان) ،الذين �أبدعوها عبر ع�صور مديدة من الممار�سة الإنتاجية ،و�أنها ت�شكلت من الر�سم تدريجيا. وعبر تلك الم�سافات الزمنية ال�شا�سعة، �شهدت مقاطع الكتابة ال�صينية البدائية تطور ًا م�ستمراً ،وذلك من خالل عمليات �إبداع جماعي وجماهيري� ،أ�صبحت بموجبه تلك المقاطع ذات نظام متكامل� ،إلى حد ما. تطور مقاطع الكتابة ال�صينية م��رت م�ق��اط��ع ال�ك�ت��اب��ة ال�صينية بمراحل عديدة� ،أوجزها علماء الثقافة ال�صينية بمراحل ثالثة ،هي: -1ت�صويرية ي��ذك��ر فقهاء اللغة ال�شرقية� ،أن مقاطع الكتابة ال�صينية الأولى كانت عبارة عن ت�شكّل ت�صويري� ،إذ �أنها جاءت من (الر�سم – الكتابة. �إال �أن لهذا ال�شكل حدود �ضيقة ال تفي بالغر�ض المطلوب؛ فهناك �أ�شياء ال �شكل لها ،فال يمكن ت�صويرها ،كما �أن هناك �أ�شياء �أ�شكالها مختلفة ومعقدة ..في�صعب ت�صويرها �أي�ضا .ولذلك ال بد من اللجوء �إل��ى رم��وز �أخ��رى م�ساعدة �أكثر تو�ضيحا.
المقاطع ال�صينية رم��وز لكتابة لغة قومية -2الرموز الإيمائية دفعت الطريقة الإيمائية المقاطع ال�صينية (ه � ��ان)؛ وي�خ�ت�ل��ف ال �ن��ا���س ف��ي ال � ��ر�أي ح��ول م�صدرها؛ فقيل �إنها تعود �إلى الرموز الثمانية خ�ط��وات كبيرة �إل��ى الأم ��ام ،واخترقت بذلك في التنجيم ،التي ر�سمها (تو�شي) ،ال�شخ�صية محدودية الكتابة الت�صويرية؛ لكن لطريقة
اجلوبة -ربيع 1434هـ 91
وف�ضال ع��ن ذل��ك ،هناك كلمات تعبر عن الن�شاطات النف�سية والمعنوية ،مثل :الفكر، وال�شوق ،والن�سيان ،والغ�ضب ،والخوف ..الخ ،ال يمكن اال�ستدالل عليها بالطريقتين الت�صويرية والإيمائية ،لذلك الب��د للمقاطع ال�صينية �أن تتقدم ع��ن الطريقة الإيمائية �إل��ى الطريقة ال�صوتية. -3الطريقة ال�صوتية
92
طريقة ت�شكيل المقاطع ال�صينية �إن طرق ت�شكيل المقاطع ال�صينية ممتعة ،وال بد �أن نذكر م�صطلح (ليو�شو) الذي يعني �سن طرق لت�شكيل المقاطع ال�صينية ،ثم اخت�صرت لت�صبح ثالث طرق فقط ،وهي طريقة الرموز الإيمائية والطريقة المجازية ،وطريقة الربط بين ال���ص��ورة وال �� �ص��وت ،وم��ن بين المقاطع ال�صينية ال�ت��ي ت��م ت�شكيلها بطريقة ال��رم��وز الإيمائية ما يتكون من رمز تجريدي� ،أو رمز ت�صويري مثال ( )一ويعني واح��د)二( ، ويعني اث �ن��ان ،و( )三ويعني ث�لاث��ة ،وهكذا دواليك.
هذه الطريقة تنق�سم �إلى نوعين ،نوع �صوتي مجرد ،ينف�صل تماما عن الطريقة الإيمائية، مثل الكتابات الأبجدية المختلفة في لغات العالم الأخرى ،و�آخر يجمع بين الطريقتين الإيمائية وال�صوتية؛ وتنتمي المقاطع ال�صينية �إلى النوع تطور �أ�شكال مقاطع الكتابة ال�صينية الأخير ،وقد ظلت نظام ًا لغوي ًا قائم ًا على هذا ظ�ل��ت ال�م�ق��اط��ع ال�صينية ف��ي ح��ال��ة تطور ال�شكل منذ بداياته الأولى حتى �شكلها الحالي .وتجديد عبر الآالف م��ن ال�سنين ،وتجاهها لماذا لم تتحول �إلى مقاطع �أبجدية؟ العام �أن تلج�أ �إلى الطريقة الإيمائية في ت�شكيل المقاطع ال�ج��دي��دة ،وق��د ب��رز ذل��ك ف��ي تحول �إذاً ،لماذا لم تتحول المقاطع ال�صينية �إلى كتابة �أبجدية مح�ضة؟ ذلك يرتبط بطبيعة اللغة المقاطع ال�صينية م��ن الكتابة الت�صويرية ال�صينية وخ�صائ�صها؛ �إذ �أن بنية هذه اللغة القريبة من الر�سم الحقيقي �إلى رموز تت�شكل ثابتة ال تتغير .فقبل الألف الأولى قبل الميالد ،من الخطوط المب�سطة .وهذه النقلة تعد منطقة كانت كل كلمات اللغة ال�صينية تقريبا مكونة تحول مهمة في م�سيرة تغيرات �أ�شكال المقاطع م��ن مقطع واح��د ،ث��م ازدادت ن�سبة الكلمات ال�صينية ،والح ّد الفا�صل بين المقاطع القديمة ذات المقطعين� ،إال �أن معظمها كانت كلمات والحديثة. اجلوبة -ربيع 1434هـ
مع �أن عمليات التب�سيط ظلت ت�ي��ار ًا عام ًا ف��ي م�سيرة ت �ط��ورات المقاطع ال�صينية� ،إال �أنه توجد �إلى جانبها ظواهر التعقيد ،بازدياد عدد المقاطع ال�صينية التي تكتب بطريقتين: قديمة وحديثة؛ وتحتل ن�سبة المقاطع المكتوبة بهذا ال�شكل ،وبما ال فائدة منه ثلثي عددها. وجملة القول �إن ت�سهيل المقاطع ال�صينية ي�شكل االتجاه العام في م�سيرة تطورها؛ وبذلك ،قامت ال�صين الجديدة بتب�سيط تلك المقاطع من حيث خطوطها ،وعدد تلك الخطوط �أو الحروف منذ ت�أ�سي�سها عام 1949م ،ما رفع الم�ستوى الثقافي لل�شعب ال�صيني ،ودفع بم�سيرة العلوم والتكنولوجيا خطوات كبيرة �إلى الأمام.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الرموز الإيمائية حدود ًا �ضيقة �أي�ضاً؛ �إذ �أن اللغة تعك�س الأ�شياء المو�ضوعية بال�صوت ،وتتناول كل موجودات الكون ،وهناك �أ�شياء كثيرة ي�ستحيل �إيجاد مقطع �إيمائي للتعبير عنها ،مثل ال�شجرة فيمكن ر�سم ( ) للتعبير عنها ت�صويريا� ،إال �أن هناك مئات الأنواع من ال�شجر ..فال ت�ستطيع الطريقة الإيمائية وال حتى الت�صويرية التمييز بينهما.
مركبة يحمل ج��ذره��ا معنى معيناً .وتتميز الكتابة ال�صينية ب�أن كل كلمة منها ذات مقطع �صوتي واحد ،يجمع بين القيم اللغوية الثالثة: (التدوينية – وال�صوتية – والداللية) .وبذلك تتمتع بخا�صية التمييز بين الكلمات المكونة من ذات المقطع ال�صوتي الواحد.
تب�سيط المقاطع ال�صينية
خط �صغير ال غير ويلفظ (يي)� ،أما كما ترىّ ، اثنان فيكتبان هكذا ( )二ويلفظان (�آر)، وث�لاث��ة ،تكتب بالطريقة ال�ت��ال�ي��ة))三( : وتلفظ (� �س��ان)� .أظ ��نّ �أن ��ك � �ص��رت ،عزيزي القارىء ،تعرف �أن تكتب من الواحد �إلى الثالثة بال�صيني ،وتعرف كيف تلفظ ك ّل رقم! ويكفي �أن ت�ضع خطا في و�سط الرقم ثالثة لي�س لت�صل �إلى �أربعة ،و�إنما �إلى كلمة �أخرى ال عالقة لها بالأرقام وهي 王وتعني ملك وتلفظ (وان��غ)(� ،)1ألي�ست هذه اللغة �سهلة؟ �أل�سنا في �أقل من دقيقة تعلمنا خم�س كلمات؟! الم�صادر
�1.1أ�شناين ،انت�شار اللغة ال�صينية في العالم تعلّم ال�صينية لغة وكتابة – مجلة ال�صين اليوم – العدد � /2/ص5 قد يتخيل للكثيرين ممن ال يتكلمون ال�صينية �شباط 1991م -بكين. �أن تعلم هذه اللغة من �سابع الم�ستحيالت ،كونها لغة غام�ضة وحروفها مت�شابكة معقدة �أكثر من 2.2قوه �شي ليانغ ،م�صدر المقاطع ال�صينية – مجلة ال�صين اليوم – العدد � /2/ص– 27 الالزم ،وهذا االعتقاد �سلي ٌم �إلى حد ما؛ �إال �أن �شباط 1991م – بكين. المتبحر في علوم هذه اللغة� ،سوف يكت�شف �أن ال�صعوبة الوحيدة في درا�ستها تكمن في مخارج 3.3فران�سوا �شينغ ،اللغة ال�صينية – �سل�سلة ال�ن�ط��ق ،وك�ت��اب��ة م�ف��ردات�ه��ا ،ول ��دى ا�ستيعاب �آفاق ثقافية /48/ -دم�شق – 2007م. ال��دار���س لهذه المرحلة ،ف�سوف ي�سهل عليه تعلمها ..وحتى �إجادتها� ،شريطة اتباع الأ�سلوب 4.4ي��و��س��ف زع��ب�ل�اوي ،ال�ك�ت��اب��ة ال�صينية – ال�صحيح في درا�ستها خطوة خطوة ،ويمكن له العربي – العدد � 170ص – 142كانون ثاني ممار�ستها محادثة وقراءة وكتابة ك�أي لغة �أخرى 1972م – الكويت. في العالم. 5.5عثمان �سعدي ،التجربة ال�صينية – العربي انظر �إلى �سهولة هذه اللغة – العدد � – 303ص� 112شباط 1984م – الكويت. (الواحد باللغة ال�صينية يكتب هكذا ()一 * كاتب من �سوريا مقيم بال�سعودية. ( )1بت�صرف عن مدونة بالل عبدالهادي 23ت�شرين الثاني 2010م
اجلوبة -ربيع 1434هـ 93
(درا�سة وتحليل)
■ د� .إبراهيم الدهون*
عن دار المفردات للن�شر والتّوزيع في الريا�ض ،وبدعم م��ن ن���ادي ح��ائ��ل الأدب����ي ���ص��در دي����وان( :ر���س��ال��ة �إل���ى عمر الخيام) لل�شّ اعر ال�سّ عودي �سليمان العتيق ع��ام 2013م. يقع الدّيوان في مئة و�أرب��ع وثالثين �صفحة من القطع المتو�سط ،ي�ضم �سبع ع�شرة ق�صيدة؛ واحدة منها التزمت ع��رو���ض الخليل ،بينما رف��رف��ت النّ�صو�ص الأخ���رى على �أجنحة التفعيلة .تراوحت النّ�صو�ص في الق�صر والطول بين الوم�ضة الم�ؤلفة من كلمات قليلة وبين الق�صيدة الم�شتملة على عدد من الفقرات المتعانقة في وحدة مو�ضوعية محكمة.
94
وم��ن خ�لال ع�ن��وان ال � ّدي��وان( :ر�سالة (وجد) يقول فيها: �إل��ى عمر الخيام) ،وم��ا ا�شتمل عليه من كم لفني وجدٌ ،تدفق وانثنى، ق�صائد( :انتظار ،والمطر ،ورحيل الليل، في القلب �أفراحٌ، والمهاجر) ،نلم�س ث��ورة داخلية عارمة وفي العينين من فرحي دمو ْع يح�س به ويعانيه تجتاح ال�شّ اعر ،نتيجة لما ّ من قلق نف�سي و�صراعات تحيط ب�أمتنا وبخافقي :وج ٌد �إذا، تتجلّى للقارئ التجربة ال�شّ خ�صية من ال�ع��رب� ّي��ة والإ� �س�لام � ّي��ة م��ن ج��ان��ب ،وبما يعتري بع�ض مجتمعاتنا م��ن تناق�ضات خالل الأ�سطر ال�شّ عريّة ال�سّ ابقة وا�ضحة و�آف��ات مر�ضية ال �أخالقيّة؛ كاللهاث وراء ال �دّالل��ة ،فال�شّ اعر ف��ي لغة ذات �ي��ة يتكئ المظاهر البرّاقة الخادعة ،والمداهنة في على ت��داع��ي كثيرٍ م��ن الجمل الإن�شائيّة التعامل والتّوا�صل من جانب �آخر. المتكررة بدء ًا من العنوان ،وانتهاء بالكثير يبد�أ ال�شّ اعر ديوانه بق�صيدة عنوانها :م��ن ال�ج�م��ل ال���ّ�ش�ع��ر ّي��ة ال�ت��ي تحيلنا �إل��ى اجلوبة -ربيع 1434هـ
ي �� �ش �ح��ن ال �ع �ت �ي��قُ جُ �� َم�� َل�� ُه يا وجد� ،إني �أ�ستظلُّ ظالل ال����شّ �ع��ر ّي��ة بر�صيد ه��ائ��ل من غيمك ال � ��ر�ؤى ال��داخ �ل � ّي��ة ال�م��ر ّك�ب��ة وظالل زهر الأقحوان التي ت�سيطر على ذات��ه ،فهو ومراتع الغزالن ينقل بمخيلته ال�شّ عريّة وح�سّ ه ومهابط الوديان المرهف مواجع الأنا الداخليّة، التي تعك�س في الحقيقة مواجع �أراد ال�شَّ اع ُر �أنْ ي�ؤكدَ بلغته النّا�س و�أحالمهم وطموحاتهم ه ��ذه ع�ل��ى �أه �م �ي��ة الم�شاعر والأحا�سي�س التي يفزع �إليها لحظة الأم��واج التي لونتها معارك الحياة ،ومتغيراتها. المتالطمة ،في خ�ضم المادية المتلفعة بالجمود ويتوا�صل ال�شّ اعر وق�صيدة( :المطر)؛ ليردد وال�صمت القاتل. ّ �صداها في م�سامع الزمن والوجود الب�شري، ويحاول ال�شّ اع ُر �أنْ ينطلق من داخل �سدومه ،لعلّها تبعث �أنغام ًا وترانيم ال تنقطع. ويتحرر من قوقعته المادية التي كوّنتها تر�سبات وم��ن المنطلق ال�سّ ابق ،ن��درك �أنَّ القيمة ال�ح���ض��ارة ال�م�م�ق��وت��ة ..ل�ي��رى ن��ور الإن�سانيّة المعنويّة للمطر عند ال�شّ اعر ،ال يمكن �أن تقف ال�سّ ليمة؛ فالعتيق متعط�ش �إلى دغدغة �شغاف عند ح��دود ن��زول��ه على الأر� ��ض ،و�إ َّن �م��ا نلحظ القلب والرق�ص على جنباته .كما �أنّه ظم�آن �إلى مراهنته على دوره في �إحياء القلوب والنّفو�س، تجاوز ح�صار التّع�صب الزمني ..ليرقى �إلى التي كانت قاب قو�سين �أو �أدنى من الأر�ض؛ لذا، �آف��اق �أكث َر رحابة و�أعظمَ اتّ�ساع ًا في عطائها يقول: وتحررها؛ ذلك العالم الذي تتحلّل فيه الأ�شياء �أحب المطر: من �سال�سلها الحجريّة ،وتنفتح فيه ال��ذات ،يذيب الك�آبات ،يجلو الكدر. لتتزاوج مع النجوم في انعتاقها. بجوف الأما�سي
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ديوان: ر�سالة �إلى عمر الخيام � -سليمان العتيق
م�شهد درام��ي ناب�ض بالحياة وال��ح��رك��ة ،م��ن خ�ل�ال وج��دٍ يانعٍ يطفح بالأقحوان والزهر لقوله:
�أفرد جناحك يا خفوق وا����ص���ع���د ف�������ض���اء ف����ي ك��ب��د ال�سماء؛
ل� ��ذا ،ي �ت��اب��ع ال �ع �ت �ي��ق � �س �ي��ره ب�ق���ص�ي��دت��ه :وغُ ب الأ�ضاحي
ال�صعود والتّحليق في عوالم (االنتظار) �إل��ى ّ الكون ،وانعتاق النّف�س من محيط الأر���ض بما فيها من متناق�ضات الآالم والأح��زان والأت��راح والم�آ�سي وال ��ر�ؤى المادية التي تركت �أثرها الم�ؤلم على نف�سه ،فيقول:
يا قلب� ،إن كظت بمهجتك الكروب ما بين �آهات المخافة؛ وا�شتهاءات القلوب:
�إنّ من يمعنِ النَّظر في المقطوعة ال�سّ ابقة يلحظ جمالية ال� ّل�غ��ة وال ��ّ��ص��ورة ال���ّ�ش�ع��ر ّي��ة، فال�شّ اعر يك�شف عن قيمة المطر الحقيقية ،وهو الذي كان وما يزال رمز ًا للحياة والنّماء ،وب�ؤرة ال��والدة والتّكاثر .كما �أنَّ المطر من منظور ال�شَّ اعر كا�شفٌ لحقيقة الأ�شياء؛ لأنَّه يعبّر عن �أفكار بعيدة الغور ،متنحي ًا عن التّ�سطيح الذي ال
اجلوبة -ربيع 1434هـ 95
96
فال�شَّ اعر نجح في م��داراة ال�ج��راح ،وطرد وفي خاتمتها � -أحيان ًا كثيرة -وجل تلك الأ�سئلة براثن الألم ،ف�ض ًال عن كفكفة دموع الب�ؤ�ساء ،تحمل عدم اليقين �أو الر�ضاء من �أي �شيء؛ وك�أنّ و�أبعاد ثيمات اال�ستكانة والخنوع ،فنف�س ال�شّ اعر ال�شَّ اعر الموجوع ال تعجبه الإجابات ال�سّ طحيّة، و�ضاء ،وابتالج فجر جديد. تب�شّ ر ب�أفقٍ ّ فيهرب من �صدفة الواقع �إلى �آفاق ال�سّ �ؤال باحث ًا
اجلوبة -ربيع 1434هـ
يا حامل الم�صباح في قلب العوا�صف يا عمر! هل في الرياح ذبالة؟ تهديك في درب ال�سرى.
ينقلنا ال���َّ�ش��اع� ُر ف��ي خطابه ال�شّ عري �إل��ى ال�شّ اعر الخيام ،ذلك الفيل�سوف الذي �سيطرت على �شخ�صيته م�لام��ح الغمو�ض والفل�سفة ال�صوفية .فنلحظ �أنَّ العتيق يميط اللّثام عن ّ ذات��ه ،وم��ا تعانيه من �أج��واء الحزن ال�شجي، كما �سعى �إلى �أن يرمي بهمه و�أحماله في ذهن المتلقي ،ب�إيجاد ج ٍّو من التّفكير به�ؤالء الذين ال�صواب ،وبالتالي فقد جاء انحرفوا عن جادة ّ ا�ستدعاء �شخ�صية الخيام مثا ًال �صارخ ًا على ال�ضياع والتيه؛ لذلك يكرّر القارئ وينبّه ذهنه، ّ للتخفيف عمّا يجي�ش به �صدره.
تزرع النّور بجفن الكون وت�ساقيه جما ًال وبهاء و�سناء وعطاء
�إنَّ رف�ض ال�سّ ائد يُدخل الذات في �صراع مع الم�ألوف ،وتناق�ض مع الواقع الجاثم ،فيكون الهروب �إلى الطبيعة والأن��ا هما طوق النّجاة؛ وهذه النّزعة تجعل ال�شّ اعر متهم ًا بال�سّ وداويّة، وهي تهمة مالحقة لمعظم ال�شّ عراء.
وتحيلنا عناوين الق�صائد في الدّيوان �إلى اختيارات ال�شّ اعر في الحياة ،وتر�سم مواقفه م��ن ال��واق��ع ،وت�ع��ري زي��ف الأ��ش�ي��اء ،كما تبرز تمزقه ،وه��و يلتم�س زي��ف الأح���داث� ،إذ �إنّها مجرد م�سرحية تك�سر الأ�صفاد وتظهرها الأيام؛ ما يجعل هذه التّ�صورات تج�سّ د �إيمان ال�شَّ اعر ب ��أنَّ الحرية ق��در ال منا�ص منه ،و�أ ّن�ه��ا �ست�أتي وهكذا تظ ّل لغته ال�شّ عريّة ت�سحّ بوجع الأ�سئلة ،مهما ت�أخرت ،وهو طموح فيه الكثير من التّفا�ؤل فتحا�صره لتكون خاتمة لكثير من ق�صائده ..ما والوثوق بالأمل القادم. يدفعه �أحيان ًا �إلى الإلحاح على عنا�صر النّماء وفي نهاية الدّيوان ،ي�ستب ّد الحزن ال�شّ ديد والإ�شراق والنّور في ق�صائده الالحقة�( :ساري بال�شّ اعر لموت زوجته ،فيعزف عن كثير من البيد ،وعيون ميدوزا ،و�أعطني حقي ،وت�سبيحة) .الحياة وملذاتها ،فوفاتها كانت �صدمة عاتية له، من هنا ،يطرح ال�شّ اعر في ديوانه منظور ًا ويرى �أنَّ الحياة بكلِّ ما جمعت من غنى ومال �آخ���ر ل�ل�ك�ت��اب��ة م��ن خ�ل�ال ت �ن � ّوع��ه الأ� �س �ل��وب��ي ،و�أمجاد ..لم يعد لها في نظره قيمة ،بعد �أن فقد واالعتماد على التّنا�ص والتَّ�ضمين القر�آني ،الحافز الكبير لحياته ،وهو زوجته ،فيقول: مازج ًا بين ال�شِّ عر والخواطر الذاتيّة؛ ما جعل �أحكي عليك؛ وت�سمعين حكايتي النّ�صو�ص تحوي ًال للج�سد �إل��ى �صفحة كتابة؛ يا عذبة النجوى وهذا ما نلم�سه من خالل اعتماد تلك العنا�صر بعد ارتعا�شات التوهج ،وابتهاجات اللقا في ن�سيج هيكل الق�صائد ،وت�شكّل الذات القلقة وبعد ...م�شتبك العناق الحائرة التي ان�سكبت على بيا�ض ال � ّدي��وان� ،ألقي �إليك بما جرى... و�أخذت ت�سطّ ر كون ًا يمتلئ نور ًا وده�شة ،فت�سري حكاية الحزن الذي ...قد هزني فيها حياة جديدة كلّها نقاء وطهر؛ ما ي�شكّل وكل لوعات الفراق
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
يبعث في النّفو�س غير ال�سّ �أم والملل. وي�سبغ العتيقُ الحياة على الجمادات ،فيبد�أ �إنَّ ال�شَّ اع َر يوائم بين الخير والبركة ،والتّعري بمخاطبة الجبل�( :أج��ا) على �شاكلة ال�شّ اعر ال�صورة الأندل�سي اب��ن خفاجة حينما خاطب الجبل والمكا�شفة للمطر ،فالأولى �أظهرتها ّ الحقيقية للمطر ،بينما الثّانية اتّخذها ال�شَّ اعر بقوله: رم��ز ًا ال�ستجالء عنا�صر الظلم واال�ستبداد ،و�أرع������ـ������نَ ط���ـ���مّ���ا ِح ال�������ذ�ؤاب�������ةَِ ،ب������اذ ٍخ �أو الحريات في النّفو�س وقتل الأمل في الذات ُي���ـ���ط���ـ���اولُ �أع����ن����ا َن ال���� َّ���س���م���ا ِء ب���غ���اربِ الإن�سانيّة. فالعتيق يفد من تلك الحادثة؛ لي�سكبها على �إذاً ،فال�شَّ اعر يدفع بالقارئ �إلى �شركه الذي ذات��ه ،فيعبّر من خاللها عن حالة الك�آبة التي ن�صبه بمهارة ،ليوقعه ويوقعنا في فخ ذات��ه ،يعي�شها بعد �أن بقي وحيداً ،وغادر �أهله ،فك�أنّه فنجد �أنف�سنا مت�شاركين في لعبته ال�شّ عريّة� ،أو والجبل يحكيان الغربة والوحدانيّة القا�سيّة. في خطابه الذاتي الرومان�سي ،ونحن منب�سون كما تج�سّ د لديه �صورة الطموح والمحبة والأمل، ف��ي ذل��ك م��ن دون ع �ن��اء؛ وف��ي ذل��ك ح�صافة فهو �شخ�ص تتدفق منه الم�شاعر الإن�سانيّة ال�شّ اعر ..ي�أخذ الإن�سان في لغة تفا�ؤلية ونف�س والمظاهر الحياتيّة المعبّرة عمّا في �صاحبها واثبة ،و�أحالم �سعيدة ،من خالل ق�صيدته« :بدر من عنا�صر ودالالت التّقارب والتّوا�صل. الزمان»� ،إذ يقول: وغ��ال �ب � ًا م��ا ي �ل �ج ��أ ال ��� ّ�ش �ع��راء �إل� ��ى ت�سمية اهلل ..ما �أحالك يا بدر الزمان، ق�صائدهم ،و�إع�ط��اء ك� ّل واح��دة عنوان ًا داخل اهلل ..ما �أحالك ت�ضحك فوق قريتنا الديوان ،ما ي�سعف القارئ على الممايزة بين وت�شيع فينا ن�شوة الأحالم ،يا بدر الزمان داللتها ،غير �أ ّن��ه في دي��وان( :ر�سالة �إلى عمر وت�شيع فينا الأمنيات ال�شاعرة... الخيام) لوال العناوين لخلنا �أننا �أمام ق�صيدة يحيلنا ال�شَّ اع ُر �إلى م�شهد التّعانق الروحي واحدة من�سابة تحت عنوان« :بوح الذات». مع مظاهر الطبيعة ،عبر التّماهي والتّوا�صل لهذا ،يرتكز العتيق على حقيقة الم�صارحة ال �ع��اط �ف��ي ،م���س�ت�خ��دم� ًا ت �ق��ان��ة اال� �س �ت �ط��راد ف��ي الق�ضايا ال�م�ل�ح��ة ،و�أنَّ ه��ذا الم�صطلح ال �ج��اح �ظ � ّي��ة ،ل�ي���ص��ف رح �ل��ة اال��س�ت�ك���ش��اف يج�سّ د في طياته لهفة �شاعرنا للح�صول على ف��ي الطبيعة ..وال�ت��ي ي�ح��اول �أنْ ي�ستدعيها؛ معلومة �صحيحة ،بعيدة ك ّل البعد عن التزييف ّ لتع�ضد من موقفه ال��ذي بات يُح�سد عليه من والتّدلي�س. الآخرين ،و�أمام ذاته المتعط�شة للحبّ ،والحياة ومن المالحظ في هذا الدّيوان كثرة الأ�سئلة ال�صالبة ،ال بمظهر ّ والظهور بمظاهر ّ ال�ضعف التي ي�صوغها ال�شَّ اعرُ ،ويطرحها في ف�ضاء واال�ستكانة. يخترق ج�سد الق�صيدة ،في �أول�ه��ا وثناياها،
عن دليل �أو �إج��اب��ة ،ولنقر�أ ر�سالته �إل��ى عمر ف�ضاء وخيال ال�شّ اعر� ،إذ يقول: الخيام دلي ًال على ذلك ،فيقول: هذه ال�شّ م�س التي تعطيك دفئاً و�ضياء؛
اجلوبة -ربيع 1434هـ 97
وال�شَّ اع ُر يُ�شي ُر منذ ا�ستهالل الق�صيدة �إلى م��دى ف��داح��ة فقده زوج�ت��ه؛ لي�صل ع��ن طريق هذه الأحا�سي�س والم�شاعر العميقة �إلى �إيقاظ ذاك ��رة المتلقي ،وم�شاركته م�لام��ح تجربته الخا�صة و�أبعادها؛ وبخا�صة في تعامله مع ذلك ّ الموقف على �أنَّه مخزو ٌن قاب ٌل للرجوع �إليه في �أي وقت� .إذاً ،فرحيل زوجته من المحاور التي ولم تكن هذه المجموعة ال�شّ عريّة لل�شّ اعر �شكلّتْ هاج�س ًا وب�ؤرة مركزية انطلق منها ،وعبّر هي الأول��ى ،بل هناك مجموعة �أخ��رى �سابقة الخا�صة تجاهها ،بكلِّ ّ من خاللها عن م�شاعره عليها ،ومن خالل اطالعي على هذه المجموعة، ال�ضياع والهجران. دالالت ّ �أح�س�ست �أنَّ ال���ّ�ش��اع��ر ب ��د�أ م �ج��دد ًا ف��ي نهج ويعدّد العتيقُ في مراثيه بع�ض فرائد زوجته الق�صيدة ،فهو متحرر �إل��ى حد ما من النّمط وم ��آث��ره��ا ،وم��ا ق��دم�ت��ه ف��ي حياتها لإ��س�ع��اده التّقليدي للق�صيدة العربيّة ،وق��د �شمل هذا والتخفيف عنه ،وفي ذلك يقول: التّجديد معظم ق�صائده ،خال ق�صيدة واحدة يهزني التذكار: هي« :بوح».
حين �أرى مكانك ،من حلقة القر�آن
وعليه ،فقد تميّزت لغة �شاعرنا بال�شّ فافيّة وحين ي�سقط المطر والو�ضوح ،فهي بعيدة عن لغة التّعتيم والتّهويم ويغ�سل الأحزان وال�شجر ف��ي �صرف ال��وه��م وال�لاوع��ي ،تلك اللّغة التي و�أنت يا محبوبتي ،تهوين رجفة المطر ال�ضبابية القائمة وال��رم��ز ّي��ة المبهمة، تلفها ّ وف��ي ختام مرثياته الزوجيّة نجد ال�شّ اعر فلغته نا�صعة وا�ضحة ال غمو�ض فيها ،وتعبّر يلج�أ لربّه كي يعينه على م�صائبه ،نحو قوله: عن م�ضامينه ب�أ�سلوب �أقرب فيه �إلى التّ�صريح هلل ما ي�أخذ المليح منه �إلى التّلميح؛ ما يعني �أنَّ ال�شَّ اعر ذو هلل ما يعطي منهج تعبيري �سل�س ،وقامو�سه ال�شِّ عري ال يحتاج هلل ك ّل االختيار �إلى كدٍّ ذهني وبحث في تقعير اللّغة. وقوله: وفي نهاية المطاف حيث المحطة الأخيرة:
ر�ضيتُ بحكمِ اهلل ،في ك ِّل ما ق�ضى (مرثياته) ،وقفنا ن��ودع فيها �شاعرنا ،الذي ما�ض على العبد و�أن ق�ضاء اهللٍ ، ح��اول حينا �أنْ يُتحفنا بما ج��ادت به قريحته، ه �ك��ذا ،ت�ت�ك� ّث� ُ�ف ال� ��ر�ؤى ال �دّالل � ّي��ة والأب �ع��اد و�أنْ يحلق بنا في خياالته العاطفيّة ،ويذيبها في الإ�شراقيّة في ق�صيدة العتيق ،وت�شكّل لوحة ف ّنيّة بوتقة مرثياته الذاتيّة المعطاءة حينا �آخر. * ناقد و�أكاديمي بجامعة الجوف.
98
اجلوبة -ربيع 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
لتعلمي؛ يا حلوة اللمحات ،عن كم مرة �أبكيتني
�صاخبة� -أحياناً� -ألوانها العاطفة ،وخطوطها الم�شاعر والأحا�سي�س ،و�إيقاعها الحزن والأ�سى، وخلفيتها النّوازع الدّينيّة والإن�سانيّة .كما تختلط في ق�صيدة ال�شَّ اعر الأدوار التي ر�أيناه ي�ستهلها بالجراح النّازفة ،ج��راح المجتمع الغارق في االن�ك���س��ار وال���ض�ي��اع ،وج ��راح الأن ��ا ال�شَّ اعرة الفاقدة للأنثى الرقيقة في الحياة.
«المنـــــارة»
حكاية اال�ستبداد في الزمان والمكان والإن�سان ■ زكريا العباد*
لم تبد�أ رواية (المنارة) ،الرواية الأخيرة للروائي ال�سعودي ح�سن ال�شيخ ،ب�سرد حكاية مدينة المنارة ال��ت��ي ت��ول��ي��ه��ا �أه��م��ي��ة خ��ا���ص��ة ،م���ن خ�ل�ال زج��ه��ا في العنوان ،وجعلها م�سقط ر�أ�س العمود الفقري للرواية، والم�آل الذي ت�ؤول �إليه الأحداث في عدد من المدن المتجاورة. لكن ال��رواي��ة ت��ب��د�أ ،م��ن نقطة �أخ��رى،م��ن مدينة (ال�����ض��وي��ح��ي��ة)؛ لأن��ه��ا تتعمد -ع��ل��ى م��ا ي��ب��دو -خلق ثنائية البحر والنخيل� ،ضمن جملة من المت�ضادات والمتقابالت التي تنك�ؤها الرواية في ثناياها؛ كثنائية الواحة وال�صحراء ،المدينة وال�صحراء ،مدينة الواحة ومدينة ال�ساحل .وت�شكل جملة المت�ضادات هذه خلفية تمهّد ل�صراع اجتماعي بين طبقات كادحة و�أخرى مهيمنة. غافية ف��ي نومها ال �ه��ادئ ،وك��أن�ه��ا غير مالمح �أ�سطورية للواقع تبد�أ الرواية بداي ًة هادئة بو�صف مدينة مكترثة لما حولها من �ضجيج». لمن تراءت ال�ضويحية؟ و�أي زمن هو الواحة (ال�ضويحية) ،التي تت�سم بهدوء يمكن �أن يو�صف بالمبالغ فيه« :ت��راءت ذل��ك الزمن ال��ذي ت�شير �إليه ال��رواي��ة بـ ال�ضويحية ،وهي تقبع في الركن ال�شرقي «ذل��ك ال��زم��ن»؟ و�أي �صحراء تلك التي من ال�صحراء الكبرى ،في ذلك العهد ،تغفو في ركنها ال�شرقي مدينة ال�ضويحية؟
اجلوبة -ربيع 1434هـ 99
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
و�أي مدينة هي مدينة المنارة التي تقبع بجوار وحتميته المتكررة والبليدة ،وحركية الخيالي البحر؟ بمعنى :هل تعالج الرواية ق�ضايا ووقائع والأ�سطوري وفاعليته الخالقة. تاريخية� ،أم تن�سج �أح��داث� ًا متخيلة لي�س لها �إنها حكاية مدينتين متجاورتين ،ما �إن تبد�أ �صلة بالوقائع التاريخية والحقائق المكانية و�إن الأحداث في التواتر في �إحداهما ،حتى ينقطع ت�شابهت معها كثيراً؟ ال�سرد ليتابع الأحداث في الأخرى ،قبل �أن يعود تلك �أ�سئلة يعالجها ال ��راوي على مراحل ثانية لمالحقة الخيوط المت�شعبة في الأولى ،ثم ف��ي ف�صول ال��رواي��ة ،ي��ؤج��ل بع�ضها ،وي�ق�دّم يجدل �ضفيرة الحكايتين مع ًا في نهاية الرواية. بع�ضها الآخ���ر ب�م��ا ي �خ��دم حبكة ت�صب في تظهير �صورة يمتزج فيها التاريخي الواقعي بالخيالي والأ� �س �ط��وري ،عبر تفكيك متعمد للتاريخ والجغرافيا و�إع ��ادة تركيبهما� .إنك �أمام مدن تكاد تكون واقعية تاريخي ًا وجغرافياً، ولكنها لي�ست ك��ذل��ك؛ ب�سبب عملية متعمدة لتعتيم وتعمية ال���ص��ورة ،و��ص��وال �إل��ى تمويه ال��واق�ع��ي وت�ضبيب ال��ر�ؤي��ة بين ثقل الواقعي
100اجلوبة -ربيع 1434هـ
وال تبدو مجاورة مدينة ال�ضويحية لمدينة ال�م�ن��ارة �أم ��ر ًا اعتباطي ًا تلعب فيه ال�صدفة الطبيعية دورها ،بقدر ما هو ترتيب لأغرا�ض فنية متعددة؛ �إذ يلعب ال��راوي لعبة ت�شويقية للتخفيف من ثقل ال�سرد على مدينة المنارة وحدها ،من خالل نقل �سرد الأحداث �إلى مدينة ال�ضويحية ..محرز ًا بذلك الت�شويق من خالل ت�أجيل الفكرة ،وتقنية القطع والو�صل في تدفق الأح��داث في ذروات �سردية وعقد م�أزومة،ما يخلق حالة من االنتظار ،تبقي القارئ مرتبط ًا بخيوط الحكي� ..سعي ًا �إلى فك العقد. وعلى الرغم من ذلك..فقد وقعت الرواية ف��ي ب��داي�ت�ه��ا ف��ي ف��خ ال��رت��اب��ة ..ح�ي��ن ب ��د�أت بالو�صف المبا�شر لرتابة مدينة ال�ضويحية، و�أجّ �ل��ت �إل��ى �صفحات ع��دي��دة ح��دث� ًا ك��ان من جذب الممكن �أن يخلق بداية حيوية ،ونقطة ٍ و�شدٍّ وتوتُّرٍ منذ اللحظة الأولى في الرواية ،وهي حادثة وفاة �أبي ن�صير العبدي �سيد ال�ضويحية الم�ستبد ،الذي جثا طوي ًال على �صدرها ،حتى بدا انفكاكه عنها وك�أنه �أم ٌر م�ستحيل ،و�أنَّ �أهل المدينة م�ست�سلمون لقدر بائ�س ..ومتعاي�شين معه ،بل �إنَّ انفكاكهم عنه بدا �أ�شبه بالمزحة،
وك�أنه غدا كائن ًا �أ�سطوريا ال ي�صل �إليه الموت. حتى موته ..ال ي�أتي كحادثة حا�سمة قاطعة ل�ل�أق��وال والإ� �ش��اع��ات ،وال�ت�ن��درات التي تفرّغ من احتقان الب�سطاء ،بل تبدو كحادثة قابلة للأخذ والرد ،يحتمل �أن تكون مجرد �إ�شاعة من معار�ضيه الذين ال يملكون �شيئ ًا �أمام ُقوَّته �سوى ب��ثّ الإ�شاعات .ول��م تت�أكد المدينة من موته حتى ر�أوه محمو ًال على الأكتاف: «– بو ن�صير مات وال تمزح.. �صار لنا �أ�سبوع ما �سمعنا ح�سًّ ا وال هم�ساً.�أك�ي��د م��ات و�شبع م��وت �اً ،ب�س طالبينه �إدارة المتحف عل�شان يخلونه بجنب فرعون.
ا�ستغاللها ب�شكل �أكبر من خالل افتتاح الرواية بهذا الم�شهد ،لكنّ ال��راوي �آثر البدء بو�صف �ستاتيكية مدينة ال�ضويحية ،ونومها الطويل ال��ذي ي�شبه ال�م��وت ،بجملٍ ا�سمية متتابعة. هذه الطبيعة المتجذرة في واحة ال�ضويحية.. ل��م تكن بعيدة ع��ن طبيعة النا�س ف��ي مدينة المنارة المجاورة المنفتحة على البحر ،و�إن قادت االعترا�ضات على الطبقة الم�ستبدة في المنارة �إلى ما هو �أكثر ج��ر�أة من حركة �أهل ال�ضويحية ،وه��و ت�صنيع خ�ي��ار عملي بديل لتحكّم الطبقة الم�سيطرة في اقت�صاد المدينة، وابتكار �أعمال تح ّد من احتكارها للمال ،و�إن تمّ �إجها�ض هذه المحاولة قبل و�صولها �إلى الثمار المبتغاة منها.
ح �رّك محمود ي��ده �إل��ى �أن�ف��ه ،ث��مّ تلفّت�إال �أنّ البدء بهذه ال�ستاتيكية يبدو مبرر ًا خلفه: بع�ض ال�شيء؛ لأن الرواية تحكي ن�ضال مدينتين قول �آمين� ..صخرة وانزاحت عن طريق غارقتين في اال�ستبداد منذ �أعماق تاريخيةالم�سلمين.». غائرة من دون اعترا�ضات حقيقية ذات �أهمية؛ �إن �ه��ا ح��ادث��ة م �ه �م��ة ..ك ��ان م��ن الممكن ما يجعل لوحة ال�صمت المتثائب التي ابتد�أت
اجلوبة -ربيع 1434هـ 101
وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن اخ �ت�لاف ال �ظ��روف في المدينتين �إ ّال �أن النهاية واحدة ،وهي ا�ستمرار اال�ستبداد ،ووراث�ت��ه� ،أو ا�ستبداله با�ستبداد �آخ��ر ،فزعيم ال�ضويحية حين يموت ،ال يتغير في �أمر اال�ستبداد الجاثم على �صدور النا�س �شيء� ..سوى وعود االبن بتح�سين الأو�ضاع التي ال تلبث �أن يثبت الواقع كذبها. يت�أثّر اال�ستبداد في الرواية بتغير الزمن، متغيرات �أو�سع �أفق ًا من ٍ وانفتاح الع�صر على �أج ��واء ال��ري��ف و� �ص��راع ال�م�لاك بالفالحين؛ يتم ا�ستبدال الم�ستبد الزراعي مالك الأر�ض بم�ستبد �آخر �أكثر تطوراً ،يعي �أهمية التجارة وا�ستغالل الطبيعة وا�ستخراج نفائ�س البحر، �إذ يقوم زعيم المنارة الجديد بغزو ال�ضويحية وال�سيطرة عليها ،ثم يغزو ع��ددا من المدن المجاورة ،م�ستغ ًال عوامل القوة النابعة من ق��درة �أه��ل ال�صحراء على ممار�سة الحرب، وع�ج��ز �أه��ل ال�م��دن عنها ..م��ا يجعل المدن المجاورة �صيد ًا �سه ًال ل��ه ،با�ستثناء مدينة واحدة من مدن ال�ساحل �أبدت بع�ض المقاومة، ب�سبب طبيعة �أهلها ذات الجذور البدوية. تتوحد المدن جميعها تحت راي ِة وا�سمِ مدينة المنارة ،لت�صبح مجرد �أحياء فيها ،وت�أتي هذه * كاتب من ال�سعودية. 102اجلوبة -ربيع 1434هـ
مالمح ال�شخو�ص و�شخ�صية المجتمع ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع�ن��اي��ة ال ��رواي ��ة بر�سم تفا�صيل المكان عناية فائقة ،تنم عن قدرة هائلة على ال��ر��ص��د ،وتنقل �أدقّ التفا�صيل لمجتمعات و�أمكنة ال تنتمي �إلى الحا�ضر� ،إال �أن ال��رواي��ة ،الواقعة في (� )175صفحة من الحجم المتو�سط ،في المقابل ..ال تهتم غالب ًا بالر�سم الدقيق لمالمح ال�شخو�ص الج�سدية والنف�سية� ،أو نموّها و�إن�ضاجها ،بقدر ما تطارد التغيّرات النف�سية للمجتمع ب�أكمله ،وتر�سم مالمح �شخ�صيته في ك ّل فترة ،وك�أنها تر�سم م�لام��ح �شخ�ص واح��د يمثل الجميع .وتبرع الرواية في تحريك جموع المجتمع بتناق�ضاته وطبقاته و�شخ�صياته الكثيرة والمتنوعة ،التي تفرز ت�ضاد ًا بين اال�ستبداد وكافة ال�شرائح، الم�س َت ْتبَع منها والنافر ،ولكنه ت�ضاد ال يكاد ي�صل �إل��ى درج��ة ال�صراع �سوى ف��ي لحظات نادرة ال يكتب لها النجاح.
انتكا�سة.. ■ عبدالكرمي حممد النملة*
ب��ال���ش�م��وع وق �ن��ادي��ل ال�ب�ه��اء �أ��س��رج��ت منزلها ال�صغير� ،أ� �ض��اءت ك��ل م�صابيح ال�غ��رف� ،أ�سدلت ال�ستائر على النوافذ، رمقت المكان بعين دافئة محت�ضنة ،جلبت عدة �أفكار لنزع كل المظاهر الأولى ،وجع ِْل المنزلِ ق�صيد ًة عذب ًة ولحن ًا �شجيًّا ،عزمت �أن تكون ه��ذه الليلة ليلة تعارف جديدة واحتواء� ،سعيدة هي بكل جزئيات حياتها. حر�صت على �صنع �أي��ام�ه��ا على عينها، تماما كما حلمت. رم��ت خلفها ك��ل م��ا علق ب�أذنيها قبل االلتقاء به من �إيحاءات و�إيماءات �أملتها �أفوا ٌه مرتاب ٌة مت�شككة .بدت مولودة جديدة تتقافز كطفل مرح� ،أنحت الهاتف جانبا.. ف�لا يت�سع المكان ل�صوت ث��ال��ث ،نغمان امتزجا ف�أبدعا �سيمفونية �أخاذة .عطرت المكان بعطر الليلة الأولى ،ليلة بكر كتلك الليلة.. (الليلة الأولى هي الليلة ..وكل ليلة) فتحت خ��زان��ة مالب�سها ،بحثت عن ف�ستان الليلة الأولى ،وجدته �صامتا مرتابا، ان�ت��زع�ت��ه و�أزاح� ��ت غ �ط��اءه البال�ستيكي ال�شفاف ،لب�سته ،ب��دت قريبة من ليلتها تلك ،ق َّلبَت عينيها في المر�آة طويال ،مدَّت
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
بها الرواية �أم��ر ًا مبرر ًا للتمهيد لأزلية حكم الطغيان وا�ستمراره حتى نهاية الرواية ،على نف�س ق�صير تحدث الرغم من انتفا�ضات ذات ٍ بين حينٍ و�آخر.
التغيرات الكبرى ،قبيل تغيرات �أك�ب��ر ،هي ا�ستبدال الخيل بال�سيارات ،وافتتاح المدار�س، وا�ستيراد الغذاء المُعلَّب ،واكت�شاف النفط، ور�س ِّو البواخر الأمريكية محملة بالم�ست�شارين والخبراء ،وابتداء ع�صر جديد تفد فيه ثقافات �أخ��رى مع القادمين لطلب العمل ..لت�ؤثر في ن�سيج هذا المجتمع عوامل كثيرة ،جاءت دفعة واحدة مع اكت�شاف النفط.
�أ�صابعها الدقيقة البالغة النعومة لتتخلل ذلك ال�شعر الهائج� ،أزاحته عن وجهها، ان�ت�ف����ض قلبها كع�صفور ع�ن��دم��ا الح��ت �صورته في خيالها ،ع�شقته مبكرا. قرَّبت ر�أ�سها من المر�آة ،نزعت ب�ضع �شعيرات من �أعلى حاجبيها َو َب��د�أت رحل َة ان �ت��زاع الجمال م��ن �أع �م��اق م�ساحيقها، نظرت �إلى �ساعة الحائط ،الوقت مبكرٌ. بحثت عما يمكن �أن تفعله ،فتحت خزانة مالب�سها ،بحثت عن �صور الليلة الأول��ى، انتقت �أكثر ال�صور تعبيرا عن حالتها هذه، و�ضعت ال�صور في كل جانب من منزلها، نظرت �إليها بعجب وفرحة ،تمنت لو تنبعث الحياة مجددا في �صورها. �أع��ادت ترتيب المائدة للمرة العا�شرة وفي لحظات مجيئه ،قرب قلبها من الباب، �أدارت ك��و َة ال�ب��اب لت�شرق �أم��ام��ه .دخل بخطوات حاول تثبيتها في الأر�ض� ،أمالت ر�أ�سها نحوه ،قربت من �أنفا�سه ،ا�شم�أزت، التفتت �إلى منزلها الم�ضيء ،هرعت �إلى لب�س عباءتها ،ا�صطدم ر�أ�سها بحافة الباب الخارجي ،تركت منزلها يلهو في البحث عن الليلة الأولى.
* قا�ص من ا ل�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 103
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
�أبحث عن �ساق! ■ طاهر الزهراين*
وال�سبات كهفي الذي ال �أملَّ منه. 1978م وكنت �أب�ح��ث ع��ن ع��زاء ف��ي م�شاهدة عندما ول ��دت ُ ،ظ�ه��رتَ على �شا�شات التلفاز �شخ�صية كرتونية عظيمة ،لكني لم (ج��ون �سيلفر) ،الرجل ال��ذي فقد �ساقه �أتعرّف عليها �إال في العا�شرة من عمري ،وا�ستبدلها ب�ساق من خ�شب. ول��م �أت���ص�وّر حينها �أن ه��ذه ال�شخ�صية 2011م �ستالزمني طوال حياتي! ثم جاء (ن�شوان) ،جاء ليخرجني من (ج ��ون �سيلفر)الطباخ ال ��ذي يق�شر كهفي و�سباتي ،وطلب مني �أن �أرك�ض� ،أن ال��ب��ط��اط��ا ،وي �ط �ه��و ال� �ط� �ع ��ام ،وي�غ�ن��ي �أفرح� ،أن �أغني� ،أن �أرق�ص.. ل �ل �� �ص �ن��دوق ،وي� �ط ��رق الأر�� � ��ض ب���س��اق��ه (ن�شوان) يحب اللذة والبهجة ،يحب الخ�شبية ،انقلب فج�أة �إلى قر�صان عنيد الن�ساء وال�سفر وال�صحف ،وت�ؤلمه الخطايا ثائر يبحث عن الكنز�( ،سيلفر) ترك في فيكفّرها بالك�ؤو�س! داخلي �صوتا جهورا ،و�ضحكة مجلجلة، يعج بيته بال�صحف ،ي�ن��ام وي�صحو وبقايا من حكمة الكبار. عليها ،يفر�شها للطعام وال�شراب ،يتكئ عليها عندما يدخن ،وي�صنع بها طائرات 2001م كنت على يقين �أن الحياة �شاقة ع�صيّة ،ورقية للأطفال! ف�ق��د �صحفه ذات ��ص�ب��اح ،فثمل في م��ن دون رف �ي��ق �أ��س�ت�ن� ُد �إل �ي��ه ،وق��د ك��ان (�صالح) نعم الرفيق ونعم المتك�أ ،لكنه الم�ساء ،ف�أخذ ي�سب الجميع لأنهم �سرقوا ير�ض بالقعود� ،صحفه� ،أخ��ذ يقرع �أب��واب�ه��م ويمطرهم لم يت�صالح مع الحياة؛ فلم َ فتركني وذهب �إلى جبال �أفغان�ستان ومات ب��واب��ل م��ن ال�شتائم البذيئة ،لكنهم لم يفتحوا له. هناك. (ن�شوان) لم يق�صد بابي ليقرعه ،ولم وب �م��وت��ه � �ش �ع��رت �أن� ��ي ف �ق��دت �ساقي اليمنى؛ فلم �أعد �أ�سلك طرق الأولياء ،ولم ير�سل لي �شتيمة ليخبرني �أنه بحاجة �إليّ . لعن المدينة ،واتجه �إلى قريته ،ين�شد تعد خطواتي ت�شق الظلمة طلبا للنور. ت��رك��تُ الم�شي فتكد�س ال�شحم تحت المطر ،لكن الطريق لفظه في وادٍ �سحيق. وبموت (ن�شوان) فقدت �ساقي الأخرى. جلدي ،لقد جعلت البدانة كفنا للوحدة، * قا�ص من ا ل�سعودية. 104اجلوبة -ربيع 1434هـ
ن�صو�ص ■ عبداهلل ال�سفر*
توقُّ ف حك هذه القروح ،عن بعثِ (توقّفي عن ِّ هذه الذكريات) قر�أَها... أ�سقط القلم بين ال�صفحات ،فيما و� َ رائح ٌة كريه ٌة تتف�شّ ى في جوفِه.
دود في قلب ال�ضجيج ،ن�ضجَ �صم ُتهُ. بن�شو ِة الك�شف وجذلِ الدود الناغل، قامَ �إلى عرب ِت ِه يدفعُها �إلى المنحدر. محا ..والت طفل ُت ُه تقرُع كتفيه بقدميها. جناحا ُه مق�صو�صانِ والرما ُد يرب�ض تح َتهُ. عبثا ت�شحذينَ حل َم ُه ال�شائخ.
�إطفاء د�س لم يكن يري ُد اختبا َر الألم ،عندما ّ يدَ ُه في الجمر. ممر تلك طريق ُت ُه في �إطفاء ال�صور. َ ف��ي المم ِّر اندلعتْ ال��رائ�ح��ة .ل��م يكن يريقُ الألمَ عليها حتّى تخمدَ �أنفا�سُ ها هناك �أح ٌد غي َرهُ. وتعودُ ،ثانيةً� ،إلى الغياب. يمت�ص ال��وج� َه ّ دف� � َع بخج ِل ِه وج�ل����س، الغائبَ بعينينِ غائبتيْن. رماد لم ينتبه لجر�س الم�صعد ،وال للوجه فرا�ش ٌة غريب ٌة تحومُ حولَ الذي عبرَه. ج ّث ِة فجرِ ه. ؟؟؟؟ وخط بلّلَ رما َد �أ�صاب ِعهَِّ ، يعرف �أنّ قل َب ُه ميّت منذ �أنْ غادر ْتهُ. ُ لكن ماذا يفعل بكل هذا البيا�ض؟ يومَ ُه التالف. * قا�ص من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 105
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�صة -حكاية المطر
ق�ص�ص ق�صيرة جدا ■ فهد اخلليوي*
�أحالمنا!
■ �صالح القر�شي*
ت�سامح على المن�صة جل�ست مقدمة الأم�سية قال: ف��وق الكر�سي ،ك�ل��ؤل��ؤة انت�شر �ألقها في دعينا نعود لكهف �أمي ونبني من جديد �أرجاء القاعة. جل�س ب �ج��واره��ا وان�ه�م��ك ف��ي ترتيب مدينة ف�سيحة ،نعلق القناديل في �شوارعها �أوراق��ه ا�ستعدادا لبدء الأم�سية� ،أ�شارت �إليه بال�ضغط على رافعة كر�سيه لكي يكون ونغمر �أ�سوارها بحقول الورد واليا�سمين. العلو بينهما مت�ساوياً ،تجاهل الإ��ش��ارة �أحفاد بمح�ض م�شاعره و�أراد �أن تبقى هي الأعلى. حلقوا كالطيور الر�شيقة ف��وق ر�أ���س تو�أمان
المطر الذي ال يزورنا �إال مرة �أو مرتين في العام نبقى نتحدث عنه طويال كلما جاء ،نفرح به كثيرا رغم �أنه دائما يترك حيّنا وه��و �أق��رب ل�ل�خ��راب ،وم��ا �أن تبد�أ المياه تنهمر م��ن ال�م��زاري��ب لت�صب في الأزق��ة ال�صغيرة �أو في �أح��وا���ش البيوت، حتى يج ّد ال��رج��ال والفتيان ف��ي العمل، وهم يتدثرون ب�شرا�شف قديمة� ،صاعدين الأ�سطح لإزاحة ما يعوق المياه عن التدفق، فيما ين�شغل �آخرون ب�إبعاد �سياراتهم نحو الأر���ض الم�ستوية .الن�ساء لديهن �أي�ضا �أعمالهن الكثيرة؛ مثل �إبعاد الأث��اث عن موا�ضع يتدفق منها الماء� ،أو و�ضع بع�ض ال��ق��دور الل��ت��ق��اط م��ا ي�ت��دف��ق م��ن �أ�سقف ال�غ��رف ،فيما تقف الكبيرات ف��ي ال�سن
* قا�ص من ال�سعودية.
* قا�ص من ا ل�سعودية.
�س�أل ال�شاب �أخته الجميلة: لماذا ولدنا في ف�ضاء �صغير؟ �شعر الجد ب�ألم الوحدة ،ا�ستجمع قواه �أجابت الأخت: لأن �أم��ي لم تجد مكانا كبيرا بحجم وطار معهم! «جدهم» ..هبطوا وقبّلوا جبينه ثم طاروا!
106اجلوبة -ربيع 1434هـ
بجوار النوافذ ،ي��رددن ت�سابيحهن كلما ارتفع �صوت الرعد. المطر ال��ذي ال ي��زورن��ا ��س��وى م��رة �أو مرتين ال يدوم طويال ،ف�سرعان ما ت�صفو ال�سماء ،وتبدو الجبال المعة وبراقة ،فيما يوا�صل الرجال تفقد ال�شارع الذي حفره ال�سيل� ،أما النوافذ التي تبقى مفتوحة بعد المطر ،فهي فر�صة ال تعو�ض ليرى العا�شق فتاته التي تبدو �صافية ومبتهجة ترنو �إلى الحيّ من �شباكها بفرح. بعد فترة تعود الحياة �إل��ى طبيعتها، تقفل ال �ن��واف��ذ ال�م�ل��ون��ة ،وتنتهي حكاية المطر� ،أما العا�شق فيبقى دائما في انتظار �سحابة جديدة.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 107
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا ■ حممد �صوانة*
■ حميي الدين جرمة*
تتح�شرج �أنفا�سه كمواء قطة ت�شدها �إبرة.. �شاكته �إب���ر ٌة مهملة �سقطت �أر� �ض �اً؛ رائحة بقايا ع�شاء.. �أم��ام عين �ضامرة� :سيارات وراجلة.. ف� ��أدم ��تْ �إ� �ص �ب��ع ق��دم��ه ..ف �ق��رر معاقبة جميع بنات جلدتها ..و�صار يجمع الإب��ر وبطون متدلية.. المت�ساقطة.. ظِ لُّ ُه يعدو بعيداً.. هبتْ الريحُ ف�أطلقها في الف�ضاء.. ثم ينك�س؛ مت�أبط ًا لفائف من �سراب... اغتراب ي�شدّه ال�شوق، عرفان.. ت�غ�م��ره �أج� ��واء ال�ح���ض��ور ،ت�سبقه كل زرافات ووحداناً.. ٍ يهرعون �إليها �أحا�سي�سه.. لم تجرّبْ يوم ًا �أن تقب�ض يدَ ها يُهي ُء مركباً ..يُزيّنه.. عندما �أ�صابها الخَ دَ ُر في �أطرافها، ثم ينام! وتكوّمت وحيدة ،في ركنها القديم.. اقتربت هرة البيت؛ �أمل.. تب�سط يدها وتموء.. �صفي ُر ال��ري��ح يتغلغل � �ص��داه ف��ي كل ج�سدها.. م�سح �ضوئي ُت ْب ِع ُد �ستارة النافذة بيدٍ مرتجفة.. في بوابة العبور ،نفّذت توعّ دها؛ �أغ�صانُ الأ�شجار تتراق�ص.. لتمحي�ص دقيق، ٍ �أخ�ضعت جميع حقائبه ت�ضغط على هواج�سها؛ ُ عبر �آلة الم�سح (ال�سكانر).. وتنتظر!... خارج البوابة، ث��ار ه��رجٌ :جميع قم�صانهُ ،ق��دّت من من المهد �إلى اللحد ُدبُرٍ !.. ين�س ّل من لفافة الح�صير؛
الليل يِجيء في موعِ ده تماماً �س�أنتظِ ر ُه على موعدٍ لي�س م�ضرُوبا بيننا. ال�صباح ي�ستيقظ قبل الجميع. اعرف ذِلك وهذا ما يُحَ ي ُر في الأمر. الهواء ال ي�أ َب ُه بالآخرين ُف�سر حياة الموتى وهذا ما ي ِّ �إذ يهُبُ نقياً في الأعلى ومُلوثاً بقطرة ِالإ�سفلت. التُراب كثير في الهواء كثير جداً/ َي ِق ُل كلمَا انخف�ضنَا. الهَواء لي�س �إال التراب كما لم نت�صوره من قبل. الحقيقة الباحثة ار�ضي عن �سرابٍ ِ النبات في الهواء زهرة
* قا�ص من الأردن مقيم في ال�سعودية.
* �شاعر من اليمن.
108اجلوبة -ربيع 1434هـ
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
هواء �أكثر ج ِا ِذبية ٌ
وفي الأر�ض ذبول في حدق ِة حدِ يقة ياب�سة. الوردة في ال�سحاب ِ قطرة �سحاب. القمر في ال�سماء خيال ال�ضوء ال ال�ضوء نف�سهُ. مثلما ال ينطلي على ع�صافير: م�ستقبل �أف�ضل -لو�أ ِد هوا ٍءبهاوية. �أو �شرنقة مدين ٍة مُغلقة في وريد. مثلما تظل ر�ؤية القمر من الأر�ض ِ �ضيِّقة /وبخِ يلة. ما يجعل -الفاكهة العمياء -ت�أكلُنا َ ب�أقدام البنادق. غير �أن هوا ًء يبقى �أكثر جاذبية من الجاذبية ِ نف�سها. اجلوبة -ربيع 1434هـ 109
■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
كل ما في الكون :جن ٌد من جنود اهلل �إن اهلل قادر. هذه ال�شم�س التي تعطيكَ دفئاً و�ضياءَ؛ تزر ُع النور بجفن الكونْ وت�ساقيه ِجما ًال وبها َء و�سنا ًء وعطا َء تغ�س ُل الظلمة َعن كل تفا�صيلِ الحياة ْ أر�ض.. تعلن الح�سنَ بوجه ال ْ وت�سط ُع في كل الجهات ُتـنـبِـتُ البهج َة في الأ�شياءِ ،والأمداء وقلوبِ ال�شعراء و�أنا�شيدِ الرعا ْة هي جن ٌد من جنود اهلل.. �إن اهلل قادرْ. أر�ض التي راحتْ ..تجوبُ الكون هذه ال ُ كالطير المهاجر وت�سافرْ.. نح َو �أبعاد الم�سافات ..وتحنو كحنو الأم ،ت�ؤويكَ وت�سقيكَ نمي َر الماء وخيرات البيادر. كحنان الأم ،تزجي لكَ يا �إن�سا ُن خـ ِ�صباً وعطاء وتهاديك ا�شتهاءاتٍ وخبزاً و�أزاهر هي جن ٌد من جنود اهلل �إن اهلل قادر. هذه الري ُح التي ت�سري ..رُخا ًء وعُذوب ْة تن�ش ُر العط َر بهبات ال�صَ با وتثي ُر ال�شجنَ العذبَ ،بوديا َن ع�شيب ْة ت�ص ُل الأفا َق بالأ�شواق وتمت ُد ر�سوالً ،للمواجيد الحبيب ْة
كلما جاءتْ على ا�ستحياء تم�شي تحم ُل ال�شوقَ ،وباقاتِ التحايا وتبا�شي َر الخـ ُ�صوب ْة تزر ُع الحبَ ليلت َّم ال�شتات بين كل الكائنات ت�ستثي ُر المو َج في البحر وتندا ُح �أعا�صيرَ ..على البيد الرحيب ْة هي جند ٌمن جنود اهلل �إن اهلل قادرْ. كيف جئتِ ؟ كيف �سافرتِ ب�أحمالك فو َق الريح؟! مث َل �أ�سراب النوار�س مث َل �أفراح العـرائ�س �أنتِ كالحلم الجميلِ العذبِ ،بي�ضا َء نقيه تحملين الخِ �صبَ للوديانْ والإن�سانْ ولرو�ضات الجنانْ فوق �سيفِ البرق والرعدِ � ..أتيتِ والتقيناك� ،شيوخا وكهوالً ..نت�ساقى فر َح الأطفال ..في يوم المط ْر حينَ جئتِ ،بين �شوقِ الأر�ض وا�شتهاءاتِ ال�شجرْ. غيم ًة بي�ضاءْ.. قُـبل ًة حرى لأر�ض اهلل ،من ثغر ال�سماءْ. �أنتِ غيثٌ ،وعطاء �أنتِ حبٌ ،و َنـماء وابتها ٌج من �سَ مَانا ..ينهمر. �أنتِ جـن ٌد مـن جـنود اهلل �إن اهلل قادرْ.
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
جند اهلل
لحزن عينيك.. «مواطنون نحن في مدن البكاء» نزار قباني ■ جناة الزباير*
القهر ير�سم مالمح انهياري فمَن غيرك يجمع انك�ساري؟ 1
في عينيك يفتح الجرح بابه ادخلي قالت موانئ ع�شقك ر�أيتك تطل علينا من هناك.. 2
كان العمر دافئاً وكنت �أعدو عرجاء �سقطتُ في بئر ع�شقك مددتَ �أمنياتك وفي �أبهاء هواك �سكنت. 3
�س�ألتُني و�أنا �أت�سكّع في عينيك
ما لهذا الع�شق الذابح ي�أ�سر �أهداب ارتعا�شاتي فكلما لفّنا العتاب �أراني �أمتطي براق ذكراك ولكل الع�شاق �أنثر نجواي. 4
هل قلت قبل الآن ب�أن عينيك �أغنية نزارية تُع�شب فيهما �أر�ضي وت�ضيع �سفن ابتهاالتي؟ 5
عربدي قال كفيف ي�ستعجل خطاي تراك تعرفه؟! ذاك الذي قادنا في دروبه العمياء وكتبَنا بحروف من ماء فن�سينا بين جفونه كل الأ�شياء.
* �شاعر من ال�سعودية. 110اجلوبة -ربيع 1434هـ
اجلوبة -ربيع 1434هـ 111
6
ها هو النهار ي�سحب �شموع �أحجياته ف�أرى في عينيك وطنا تتمايل في زوابعه الأزقة يدير قر�ص العويل ي�سمعني انك�سار العروبة �أحاول فهم طال�سمه. 7
الأفق ذبيح هل تدحرجت في جنونه؟ تقول عيناك ب�أن العمر هرىء والأم�س كفن يتفي�أ حد�س الجراح ف�أي �إفك يقود �صباحاتي؟ 8
في عينيك طفولة دم�شقية تتنف�س جمر الحلم فتحترق. ف�آ ٍه من وطن يج ّر خطاياه هل عليَّ �أن �أ�س�أله �أم �أكتفي بالنظر في عينيك كي �أفهمه * �شاعرة وناقدة من المغرب. 112اجلوبة -ربيع 1434هـ
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
انك�سرنا في بيادره و�أفقنا في هديره �أغنية خر�ساء.
وهو ين�سج من الموت ثورته؟ 9
قنديل عينيك �شاحب ار َف ْع �ستار �ضوئه كي �أراك
هديل ال�ضياء
فهنا حطام.. وخريف ي�سترق ال�سمع �أهرب من لطمته لثقب في مفا�صلي ف�أجد الغد بال عيون يتلم�س في الدماء طريقه. 10
هيا افتح �شبابيك نب�ضي ترى الكون يخلع ثيابه يم�شي عاريّا في �أوردتي ينادي عن حرية كانت تراق�ص كلماتي. 11
لكن عيناك �أقبرتا �إ�شاراتي ولم يبق غير �أقوا�س دجى
■ �أ�سامة حممد علي*
�أيها الطفل الجميل فيّ �أيها الولد الع�صيً ال تنظر وراءك وانظر �أمامك وتوك�أ علي الذي في قلبك من نور �سّ ر خلف القطيع و�أمامه وجاهد الغيمات النازفات بالقروح ا�ست ّل من روحي وجع المهابة بالق�صيد وغنّي مع الآقدمين مواويل الحداء فال�صبح ابتداء
والليل انتهاء وما بينهما قلب تلظي بالمواجيد ا�شتعل كال�سو�سنه في قلب الم�سافات عانق �شظايا الليل الم�ضفر بال�شحوب وبالأغنيات التي تتلم�س ظل الروح فوق �أقبية الحداء ن ِّح الدمع جانباً وافتح قلبك لهديل ال�ضياء فالزمن الع�صيّ تذوب متاري�سه تهطل غيماته بين حاء وباء
يخا�صر حكاياتي. * �شاعر من م�صر.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 113
ما �أكتبه موهبة تع�ضدها معرفة ووعي باللحظة المنا�سبة للخلق! وال �أكتب �إال عن ن�ص حرَّك �شيئا بداخلي! ■ حاوره :خلف �سرحان القر�شي*
ال��ق��ا���ص م��ح��م��د ال��ن��ج��ي��م��ي ا���س��م ل��ه ح�����ض��وره ف��ي ال��م�����ش��ه��د ال��ث��ق��اف��ي ،م��ن خ�لال مجموعاته الق�ص�صية الأربع�( :أول المغفرة) ،و(�سفر) ،و(�أحالم م�سكونة بالموت)، و(قبل �أن ي�صعد �إلى جهنم)؛ ومن خالل روايته (مدونة هيكاتيو�س) ،والتي فازت بالمركز الثاني في جائزة �أدبي حائل الأدبي لعام ٢٠١٢م ،ونالت قبل ذلك تنويها من جائزة ال�شارقة. النجيمي له مقاربات نقدية لبع�ض الأعمال ال�سردية ،كما �أ َّن له زاوية �أ�سبوعية في �صحيفة ال�شرق. كان ع�ضوا فاعال في لجنة �إبداع ب�أدبي الطائف ،وع�ضواً في تحرير دورية (مجاز) التي �أ�صدرها �أدبي الطائف ،و�شارك في بع�ض لجان مهرجان �سوق عكاظ.. كما �أنه �أحيا بع�ض الأم�سيات الق�ص�صية وقدم عددا منها. له تواجده الملحوظ في الف�ضاء ال�سيبروني من خالل منتديات ج�سد الثقافة وغيرها ،ومن خالل مدونته ،و�صفحته في الفي�س بوك ،وموقعه في تويتر. (الجوبة) حاورت النجيمي في عدد من الق�ضايا المتعلقة بالم�شهد الثقافي عموما وبنتاجه الأدبي ب�شكل خا�ص.
• اب���ت���داء ،ل��م��ن ول���م���اذا وم��ت��ى يكتب محمد النجيمي ،ومتى يتوقّف؟
■ الكتابة بالن�سبة لي حاجة وجودية ،من خاللها �أتنف�س ،وعبرها �أحاول �أن �أخلق �صورة �أجمل للعالم .هي حالة موازية للواقع ال��ذي �أعي�شه� ،أق��ر�أه ثم �أ�شتبك 114اجلوبة -ربيع 1434هـ
معه لأعيد �إنتاجه بال�صورة التي �أفهمها و�أ�ستطيع �أن �أتعاي�ش معها. �أن��ا �أكتب لي ،ثم لذلك ال�صديق الذي ال �أعرفه ،ولم �ألتق به يوماً ،و�أتيقّن �أنه �سيفهمني ،و�سيت�صالح مع ما �أعبّره، و�سيجد ف��ي كلماتي تعبيرا ع��ن كثير
• ع���ال���م ال��ن��ج��ي��م��ي ال�������س���ردي ..م���ن �أي���ن ي�شكّله؟ وما �أب��رز �سماته من وجهة نظر النجيمي ناقداً؟
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
القا�ص محمد النجيمي:
مما يح�س به� .أنا �أكتب عندما ال يعود الكالم م �ج��دي �اً ،وع �ن��دم��ا ي���ص��رخ ال�ه��اج����س ال��ذي ي�سكنني منا�شد ًا �إي��ايَ �أن يغادرني ويفارق قيد ال�صورة وحب�س الفكرة� .أنا �أكتب لأنني ال �أملك �أن �أتوقف.
تبع ًا لطبيعة الأمور -تفاوت هذا الوعي .هذه الأ�سماء التي ذكرتها لم تكتب عني ،ولكنها تقاطعت مع الن�ص ،وتحدثت عنه ،وحاورت �شخو�صه و�أحداثه ور�ؤاه .يختلفون في زوايا نظرهم ،ومناطق اهتماماتهم وخلفيتهم م�س المعرفية ،لكنهم جميعا توا�صلوا مع ن�ص َ �شيئا ما فيهم ،و�إن اختلفت القيمة بين قراءة و�أخرى من ناحية التلقّي.
■ ال�سرد كما �أراه ال توجد و�صفة جاهزة له ،هو • بعد �إ�صدارك لأربع مجموعات ق�ص�صية اتجهت للرواية ،ورغم �أنها الأول��ى لك.. كون ي�سكنه الكثير من العوامل التي بو�سعها �إال �أنها حظيت باهتمام تمثل في تنويه �أن تجعله قابال للمقاربة �أو منفرة منه .يحتاج جائزة ال�شارقة بها ،وف��ي ح�صولها على ال�سارد لمعرفة تنمو للجن�س الأدب ��ي ال��ذي ال��م��رك��ز ال��ث��ان��ي ف��ي ج��ائ��زة �أدب���ي ح��ائ��ل.. يكتبه م��ن ناحية تاريخه وت�ط��وره و�أع�لام��ه ماذا يمثل هذا لمحمد النجيمي المبدع ون�صو�صه المتجاوزة وتقنياته و�أ�ساليبه، م�ستقبال ،وهل �سيهجر الق�صة الق�صيرة يحتاج �أي�ضا لموهبة الحكي التي �أظ��ن �أنها بعد �أن وجد نف�سه في (الرواية)؟ تولد مع بع�ضهم ،وال تكفي ال�صنعة وحدها
لت�شكيلها و�صقلها. ■ الكتابة حالة تفر�ض نف�سها على المبدع بالن�سبة لما �أكتبه فهو ح�سب اع�ت�ق��ادي ال وتطوعه ،وال ي�سعه هو �أن يحدد ح�ضورها يخرج عن ذلك ،موهبة تع�ضدها معرفة ووعي �أو �شكلها �أو طبيعة الجن�س الإب��داع��ي الذي باللحظة المنا�سبة للخلق ومعانقة الهواج�س ت�سكنه .الق�صة الق�صيرة �أل�صق بروحي التي ت�سكننا ،ونثرها على �صورة حكاية ال و�أقدر -كما �أ�شعر -من غيرها على التعبير نعرفها قبل الكتابة ،ولكنها تنمو وتكبر معنا عن ا�شتباكنا مع هذا العالم ،وعن التفا�صيل ونحن نعانق الحكي ونمار�سه .هو �أي�ضا رغبة ال�صغيرة ال�ت��ي تعبث ف��ي ج��وه��ره وج��وه��ر ملحة في التجاوز ،يع�ضدها تجريب واعٍ ،وروح الكائنات التي ت�سكنه؛ ومع ذلك فلو ح�ضرت تح�سن الإ�صغاء لتلك التفا�صيل ال�صغيرة جد ًا الكتابة وتعتق الهاج�س ،وكانت الرواية هي والحميمة جد ًا التي ت�ستوطن �أعماقنا. الج�سد الأل�ي��ق بهما ،فلن �أت��ردد في خو�ض التجربة مرة ثانية. • نقاد كثيرون قاربوا بع�ض نتاجك ،منهم (جمعان عبدالكريم -عالي القر�شي – بخ�صو�ص الجزء الأول من ال�س�ؤال ،فهاج�سي حمدان الحارثي – زكريا العباد – �صالح كان تقديم الرواية للقراء من خالل الم�شاركة الغازي � -شوقي عريف -عبداهلل ال�سفر في الجائزة ،فهو عمل ا�شتغلت عليه بوعيٍّ ، – علوان ال�سهيمي) ،كيف ترى تقاطعهم وه��و ي�ستحق ال�ح���ض��ور م��ن وج �ه��ة ن�ظ��ري، مع نتاجك؟ و�أيهم اقترب منه بعمق ،وكان وا�ستمراره في مختلف مراحل جائزة حائل �أكثر �إن�صافا لثيماته وتقنياته الفنية؟ حقق ه��ذا ال�ه��دف ،و�سمح ب�ت��داول عنوانه، ولفت انتباه القارئ الذي �أحتاج للفت نظره ■ جميعهم قاربوا الن�ص بحب ووع��يّ و�إن -
اجلوبة -ربيع 1434هـ 115
الرمزية حريّة ي�صعب فهمها وتبريرها! غادرت اال�سم الم�ستعار عندما عرفت �أنه ال يمثلني و�أنه ا�ست�سالم لوعي الجماعة! جماعة (ح���وار) تقدم فعل مثاقفة جيد ،ومن يعتر�ض فلي�أت ببديل! ف��ي خ�ضم بحر م��ن ال��رواي��ات الجديدة كل عام.
• ال��ن��ج��ي��م��ي ي��ك��ت��ب ال��م��ق��ال ال��ث��ق��اف��ي في زاوي��ت��ه الأ�سبوعية في �صحيفة ال�شرق. هل يعني ذلك �إيمانه ب�أن الن�ص الإبداعي وح���ده ،ل��م يعد كافيا للتعبير ع��ن هموم المثقف ومعاناته وطموحاته؟
■ المقال �شكل من �أ�شكال التعبير ،ونافذة �إ�ضافية مهمة ،تهَب الكاتب فر�ص ًة للقول وال�م�ن��اق���ش��ة وال�ت�ح�ل�ي��ل .ه��و و��س�ي�ل��ة لطرح الأ�سئلة ،واقتراح االحتماالت وت�صور الدالالت و�صوال لتقريب المعنى لذهني �أوال ،ثم لقارئ محتمل ثانيا .هو و�سيلة حية للحوار والمثاقفة واالنفتاح �أكثر على العالم .مثل هذه النافذة ال تهدر ،ولكل الأ�سباب ال�سابقة �أجدني محتاجا لهذا ال�شكل من التعبير.
• النجيمي قدم قراءات نقدية قارب فيها نتاج بع�ض زمالئه في م�ضمار ال�سرد.. هل يعك�س توجهه هذا الرغبة في ت�سليط ال�ضوء على نتاجات المبدعين ،كردة فعل على قلة اهتمام الناقد الأدبي لدينا بهذا • للنجيمي م��وق��ف م��ن الأن���دي���ة الأدب��ي��ة �لا وم����ن االن���ت���خ���اب���ات� ،أع��ل��ن��ه ق����و ًال وع��م ً النتاج ،وعنايته بالتنظير الأكاديمي؟ �أم م���ن خ�ل�ال اع���ت���ذاره ع���ن ال��م�����ش��ارك��ة في ماذا؟ فعالياتها .ولكنه َق�� ِب��ل (ج��ائ��زة ح��ائ��ل)، ■ �أكتب عن الن�ص عندما �أ�شعر �أن لديَّ �شيئ ًا وهي من ناد �أدب��ي مثله مثل غيره .كيف ي�ستحق �أن �أقوله عنه ،ال �أتع�سف الكتابة وال تف�سر ذلك؟
�أتق�صدها .لم ي�سبق لي �أن قررت �أن �أكتب عن ■ موقفي لي�س موقفا من الأندية كم�ؤ�س�سات عمل لم �أقر�أْه ،لم ي�سبق لي �أن تعمدت الكتابة يمكن تطويرها واال�ستفادة منها ،وقد كنت عن ا�سم بعينه .الكتابة ت�أتي بعد فراغي من ف��اع�لا ف�ي�ه��ا ذات ي ��وم ،ول�ك�ن��ه م��وق��ف من عمل �أكت�شف مع طي �صفحاته �أنه قد حرَّك الئحة �أرى �أنها تغولت على الأدباء ،وفر�ضت �شيئا في داخلي ،و�أجدني �أجيب هذا الخاطر عليهم �إرادة �صانعيها .هو موقف ال عالقة له من خالل ت�سجيل مالحظات وهوام�ش تتحول بالأ�شخا�ص �أو الفعاليات التي تديرها الأندية؛ لحوار على �شكل مقال مع هذا الأثر الأدبي. بل يت�صل مبا�شرة برف�ض العمل وفق �شروط هذه الالئحة المعيبة من وجهة نظري. ال يح�ضر النقد وال دوره ،وال تح�ضر فكرة ت�سجيل مواقف .ال��ذي يح�ضر هو ا�ستجابة م��ن ه ��ذا ال�م�ن�ط�ل��ق ،ك��ان��ت م���ش��ارك�ت��ي في تلقائية من قارئ يقيم ج�سره الخا�ص ،الذي الجائزة ،وعلى ه��ذا الأ�سا�س بنيتُ موقفي الذي �أتمنى �أن ي�سهم مع مواقف �آخرين في ي��ردم ال�ه�وّة بينه وبين العمل ال��ذي قاربه.
116اجلوبة -ربيع 1434هـ
• النجيمي مجيد للغة الإنجليزية� ..إل���ى(�أي مدى حققت تلك ال��ق��راءة نفعاً لك كمبدع) م��دى حققت القراءة بها نفعا لك كمبدع ،ولماذا لم تقارب الترجمة الأدبية منها و�إليها �إ�ضافة لنتاجك ال�سردي والنقدي والمقالي ،وكيف ترى واقع الترجمة الأدبية لدينا؟
■ الترجمة �إبداع وممار�سة تلتزم الكثير من الوقت والجهد والدربة وهو ما ال �أملكه؛ الق�ضية تتجاوز �إتقان لغة ما وت�صل �إلى �أبعد من ذلك� .أ�ستفيد من اللغة في القراءة، وه��ذا زاد ثمين يخلق ث��را ًء معرفيا وتنوع ًا جميال؛ كما �أنها نافذة جميلة تو�سع الأفق ،وتجعلك �أكثر الت�صاقا بما ي�ستجد على م�ستوى الفكر والإب��داع؛ ما ي�سهم في �صقل �أدوات القارئ ..وهو ما يثمر ب�شكل �إيجابي عند ا�ستخدامه وتوظيفه كتابيا. فيما يتعلق بالترجمة محلياً ،فهناك جهود فردية رائعة وم�ح��اوالت خجولة على م�ستوى الم�ؤ�س�سات .ه��ذا يمثل �إ�ضافة لم�شهدنا الثقافي ،ولكنها تظل �إ�ضافة محدودة و�أثرها بالتالي محدود .الأمر ي�ستوجب ح�ضورا م�ؤ�س�ساتيا حقيقيا مع ما يتطلبه ذلك من موارد مالية وب�شرية كافية.
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
�أف�����دتُ م���ن ال���ق���راءة ب��الإن��ج��ل��ي��زي��ة ومنحتني زاد ًا ثمين ًا خلق ثراءً معرفي ًا وتنوع ًا جميالً!
ح���ص��ل ه ��ذا م��ع ن���ص��و���ص محلية وع��رب�ي��ة وعالمية ،ك��ان �آخ��ره��ا على �سبيل المثال: (دروز بلغراد) و(�صائد اليرقات).
رد الأمر لأهله ،وت�صويب الخلل الذي �أراه و�أنفر منه.
• �شاركت م�ؤخرا بفعالية في تكريم لل�شاعر ال�شعبي ال الحميدي الثقفي ..كيف ترى ال�شعر ال�شعبي فاع ً في الحراك الثقافي �سلباً و�إيجاباً؟
■ ه��و ف��اع��ل عندما ي�ستفيد م��ن التوجهات وال�ط��روح��ات الجديدة في ال�شعر في تجاوز ال�شكل التقليدي وزواي��ا النظر التقليدية وال�صور التقليدية ،لأن هذا يعني تغييرا في الفكر على م�ستوى �إنتاج الن�ص وم�ستوى تلقيه .هذا يعني المغايرة ال الم�سايرة بالن�سبة للمبدع ،وبالن�سبة لقارئ ن�صه الإبداعي ،وظني �أن الحميدي الثقفي يمثل مثاال جيدا على ما قلته هنا .هذا �إجماال يعني فعال حداثيا ح ّي ًا يتفاعل مع الجديد ويتبناه ويوظفه؛ ما يعني مغادرة الثبات والجمود ناحية تفاعل حقيقي مع ما ا�ستج َّد على م�ستوى الع�صر من الناحيتين الجمالية والمعرفية. ■ نقي�ض ذلك ي�أتي محمال بال�سلب من وجهة نظري ،فهو ال
اجلوبة -ربيع 1434هـ 117
• النجيمي متهم بالرمزية المبالغ فيها في �أعماله� ..إن �صحت التهمة ،فما الذي • ي��ق��ول ال��ق��ا���ص وال���روائ���ي ال��م��غ��رب��ي ح�سن تهرب من الإف�صاح عنه مبا�شرة وتواريه البقالي�( :أحيانا �أرى الكتابة مجرد وهم بالرمزية والغمو�ض؟ كبير يعي�شه الكاتب كي يقفز ف��وق الفراغ �أو ال��ج��ن��ون ..وه��م �شبيه بممار�سة ال��ع��ادة ■ �أ�ؤم��ن �أن الن�ص يخلق نف�سه ويت�أثر بمعارف ال�سريّة بو�صفها ت��وحّ ��دا م��ع ال���ذات ونفياً وثقافة ووعيّ منتجه .هو انعكا�س حيّ لتجربة ل�ل�آخ��ر ..فكم هو مخجل ومثير للدوخة، حيّة؛ ومن ثمَّ ،فهو �شكل التعبير الذي يتنا�سب العدد ال��ذي يباع من ن�سخ �إ���ص��دار �إبداعي مع روح مبدعه .ال ي�صح �أن تكون الرمزية ف��ي ب��ل��د ال��ث�لاث��ي��ن م��ل��ي��ون��ا� ..إن��ن��ا نمار�س تهمة �أو ميزة ف��ي اع�ت�ق��ادي ،ب��ل ه��ي حرية «حرفة» ال حاجة للمجتمع بها)! ي�صعب فهمها ،وي�صعب ف��ي ال��وق��ت نف�سه تبريرها. م��ا تعليقك على ه��ذه المقولة م��ن خالل ت��ج��رب��ت��ك الإب����داع����ي����ة؛ ك��ت��اب��ة و�إ������ص�����داراً • ���ش��ارك��ت ك��ث��ي��راً ف���ي م��ن��ت��دي��ات الج�سد وت�سويقاً؟ وغيرها ،وكان لك م�ساجالت مع كثيرين ارت���ف���ع ف��ي��ه��ا ال�����ص��وت وب���ودل���ت ال��ل��ك��م��ات ■ للأ�سف� ،أنا �أتفق معه تماماً� .صحيح �أن الكاتب بالمعنى الرمزي ..هل ترى ذلك ظاهرة يكتب لحاجته للكتابة من ناحية وجودية ،ويكتب ���ص��ح�� ّي��ة؟ ول���م���اذا ك��ت��ب ال��ن��ج��ي��م��ي با�سم حتى يقيم ج�سرا مع الآخ��ر؛ �إال �أن المردود م�ستعار (�صمت عتيق) فترة من الزمن محبط ،والأثر �ضعيف ،من الناحيتين المادية ثم ك�شف اال�سم بعد ذلك؟ ما الذي تغير؟ والإن�سانية.
■ كتبت با�سم م�ستعار لأن الجميع كان يفعل النا�شر ي�خ��ذل��ك ،وال �م��وزع ال يح�سن عمله، ذل ��ك ،وك ��ان ه��ذا ه��و ال�م�ت�ع��ارف عليه ،ثم وال� �ق ��ارئ للن�ص ي�ق��ع ��ض�م��ن دائ� ��رة منتجي غادرته عندما عرفت �أن هذا ال يمثلني ،و�أنه الن�صو�ص .وهي فئة محدودة تطحنها الهموم ا�ست�سالم لوعيّ الجماعة .المهم هنا ،هو �أنني ذات�ه��ا .الكثيرون يجرحون قيمك و�أح�لام��ك كتبت ال�صدق فقط في الحالتين ،وعبّرت عن عندما تتقاطع معهم مادي ًا ومعرفي ًا و�إن�سانياً، ذاتي ب�شفافية لم يحكمها ال ال�سر وال العلن. فال يتم التعامل مع الكتاب من خ�لال قيمته مرحلة ج�سد الثقافة -فيما يخ�ص الجزء الآخر الإبداعية ،وال يتم التعامل مع مبدعه تعام ًال من ال�س�ؤال -كانت مرحلة مهمة ،وبخا�صة �أن �إن�سانياً. كثيرا من �أع�ضائه كانوا موجودين على ال�ساحة باختالفاتهم وتنوّعهم وتفاوت وعيهم ،وهذا هذا واقع ال ي�سعنا تجاهله ،وال يمكننا في الوقت نف�سه التغطية عليه. خلق ج��وا �صحيا ،و�أ�سهم ف��ي �صقل مهارات و�أدوات الكثيرين �سواء على م�ستوى الحوار �أم • جماعة (حوار) ب�أدبي جدة من العالمات
118اجلوبة -ربيع 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
يغادر الجمود ،ويح�شر نف�سه في زاوية �ضيقة. هو بب�ساطة يروّج لقيم و�صور و�أ�شكال تعبير ال تنتمي للع�صر وال تتفاعل معه؛ ما يكرّ�س النمطي ،ويعيد اجترار م�ضامين ميتة.
النظر للن�ص� .صحيح �أن بع�ض الحوارات كانت �ساخنة ،وبع�ض ال�صراعات كانت �سافرة� ،إال �إنها كانت مثريّة على الم�ستوى ال�شخ�صي، وعلى م�ستوى قراءة ال�شخو�ص والتعمّق في فهم طبيعة النف�س الب�شرية.
الأعمال؛ لأنه ال ينا�سبنا �أو ي�ضم �أ�سماءنا؛ �أو لأنه -بب�ساطة -ال يت�سع لر�ؤانا؛ لكننا ملزمون عندما ننتقد �أمرا �أن نقدم البدائل ،و�أن نحدد بدقة �أ�سباب اعترا�ضنا .علينا -م��ن وجهة نظري� -أن نغادر الذاتي �إلى المو�ضوعي؛ ولذا، ف�أنا �أقدّر جهد هذه الجماعة و�أتابعه ،و�أتمنى �أن يمتد حوارها ليتجاوز المنطقة �إلى الوطن والأ�صدقاء والجميع.
• اق���ت���رب���ت �أك����ث����ر م����ن ع����وال����م ال��م��ث��ق��ف��ي��ن والمبدعين ال�شخ�صية وعاي�شتهم عن كثب ف��ي مهرجان ع��ك��اظ ،وف��ي معر�ض الكتاب وغيرها؟ ماذا �أ�ضافت لك هذه التجربة؟ ■ الإ� �ض��اف��ة الرئي�سة كما �أع�ت�ق��د ه��ي �إ�ضافة �شخ�صية على م�ستوى �صناعة معارف جدداً، �إال �أن �ه��ا �ضعيفة على الم�ستويين المعرفي والإب ��داع ��ي .ق��د ت�ك��ون الم�شكلة ذات عالقة بطبيعة هذه المهرجانات والقائمين عليها� ،أو قد تكون ب�سبب �ضيق الوقت والم�ساحة المتاحة.
• م�شروع النجيمي القادم ،ما هو؟ وهل لك من كلمة تختتم بها؟
الرئي�سة في التعاطي مع الأعمال ال�سردية ال��م��ح��ل��ي��ة وق�����ض��اي��اه��ا .ر���ض��ي ع��ن��ه��ا �أق����وام و���س��خ��ط �آخ�����رون .النجيمي ال�����س��ارد كيف يراها؟ ■ �أي فعل ثقافي هو فعل جيد من ناحية مبدئية. المثاقفة �ضرورة ،والحوار �أداة ت�صقل الفهم، وتعلمنا ال�س�ؤال ومراودة االحتماالت. يحق لنا بعدها �أن نختلف مع �أي جهد ب�شري، ب�شرط �أن ال ن�صادره .يجوز لنا �أن ننتقد جدول
■ ل ��ديَّ م���س��ودة ج��اه��زة لمجموعة ق�ص�صية عنونتها م�ؤقتا ب�ـ« :ال ��راوي» ول��ن �أ�ستعجل في ن�شرها� .أكثر ن�صو�صها لم يطّ لع عليه �أحد ،وفيه تجريب �أراهن عليه ،و�آمل �أن ي�ضيف لتجربتي ال�سردية. �أختم ب�شكرك و�شكر مجلة (الجوبة) على هذه الم�ساحة ،وبالقول �إنه لي�س من الي�سير ت�سهيل مر�ض للمقروء ،الذي القراءة وتقديم تف�سير ٍ ال يمثل كيانا م�ستقال بذاته ،في ر�أي بع�ضهم؛ فهو امتداد لإرث مت�صل من المعرفة والتجارب الإن���س��ان�ي��ة ،ويكتنفه وع��ي ب�شفرات الجن�س الأدب��ي ،وت�م��ا ٍه معها من قبل الكاتب؛ وه��و ما يفتر�ض �أن يعيه القارئ حتى يزعم خلق معناه الخا�ص �أو ما يتوهّ م �أنه ق�ص ُد الكاتب.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 119
ُ الذات العا�شقة عبر ِ «ي�سقط �شقي ًا» هو ٌ �سفر َ
ال�شاعر المغر ِبي محمد اللغافي ُّ �سيظل َو ِف ّي ًا ِل َت ْج ِر َبة ال َيو ِم ّي ي�ؤكدُ �أَ َّنه ■ حاوره ر�شيد اخلديري*
بعد حُ ُ�ضو ٍر لربع قرنٍ فِي الم�ش َه ِد ال�شعري المغ ِربِي ،ما َي��زَا ُل ال�شاعِ ُر المغربي محمد اللغافِي مُ���ِ��ص�� ّراً على اق�� ِت��حَ ��ا ِم مجاهِ لِ الق َِ�صيدَة ،ع ْب َر �إِ���ص��دَا ٍر جَ �� ِدي��دٍ وَ�سَ َم ُه بـ« :يَ�سقُطُ �شَ قِياً» ،ظ َّل َوفِياً لمَ�سَ ا ٍر �شعرِي َي ْر َتكِنُ في الأَ�سَ ا�س على مُ�سَ ا َءلَة الذَات ْ�ض ال�شَّ اعِ ر وذَا ِت ِه المَ�سْ كُونَة بِال َكثِير َا�صيلِ اليَومِ يّ ِ ،ل ُنن ِْ�صت فِي َهذَا الحِ وَار �إِلَى َنب ِ و َتف ِ منَ القَلق والأَلَم.
• ف��ي ال��ب��داي��ة ،حدثنا ع��ن منجزك • ال���م���ت���ت���ب���ع ل���ت���ج���رب���ت���ك ال�����ش��ع��ري��ة ال�شعري الأخير «ي�سقط �شقياً»؟ ي�ل�اح���ظ �أن������ك ت����ن����زاح ل��ت��ف��ا���ص��ي��ل اليومي ،ما ال�س ُّر في ذلك؟ ■ «ي�سقط �شقياً» ،عمل ا�ستثنائي ،حاولت فيه ال�سفر عبر ال��ذات العا�شقة وواقع كينونتي ،ك�شخ�ص مثقل بهموم العالم، ي�ستنزفه التفكير في ما هو �أعمق من ال�ي��وم��يّ ،ال��ذي ي�ستعبدنا ف��ي المعي�ش المفرو�ض ..وهو كذلك �سقوط فاجر في ع�شق متعثر �أو حلم عابر راودن��ي ذات فجوة منفلتة ،ثم حاولت �أ َّال �أكرر نف�سي وال �أعرف هل نَجَ حتُ فِي ذلكَ �أم ال؟ • �إل���ى ج��ان��ب الإب����داع ،ت�شتغلون في ■ ال�سر وا�ضح ،فعالقتي باليومي ي�ؤثر ب�شكل كبير على تجربتي ،وال مالذ لي بعده؛ لأن محيطي االجتماعي وبيئتي الب�سيطة ومالزمتي للب�سطاء ،تلزمني �أن �أبقى وفي ًا لتجربة اليومي� ،إن �صح التعبير.
120اجلوبة -ربيع 1434هـ
■ ال�ع�م��ل ال�ج�م�ع��وي بالن�سبة ل��ي ه��و تكملة لم�ساري الإب��داع��ي� ..أو ًال لأك��ون في خدمة الثقافة والفِكر ،وحتى �أك��ون قبل الإب��داع منا�ضال جاد ًا لتكري�س الفعل الثقافي الجاد، �ضد بهرجة التمييع والف�ساد والتحر�ش الثقافي ال��ذي �أ�صبحت ت�شهدُه ال�ساحة الثقافية من بع�ض الم�ؤ�س�سات الم�سترزقة؛ ثم �إنني بالعمل الجمعوي �أ�ستطيع �أن �أو�صل ر��س��ال��ة �أخ ��رى �شريفة ،تقت�صر �أوال على تعميم الإبداع تحت �شعار «الثقافة للجميع»، وت�شجيع ال�شباب على الكتابة وال�ت��روي��ج للكتاب ،لن�صنع على الأق ��ل جيال ق��ارئ� ًا ومتابعا. ■ �صدقني� ،أن��ا ل�ست �ضد المكتب الجديد التحاد كتاب المغرب ،وال المكتب القديم، • جامعة المبدعين المغاربة ا�ستطاعت �أن ت���راك���م ت��ج��رب��ة م���ائ���زة���� ،س���واء على لكني �ضد االحتكار الثقافي؛ فمن ال ي�شتغل م�ستوى الن�شر ال��ج��م��اع��ي� ..أو تنظيم بنكران ال��ذات ال يمكنه �أن ي�سير بم�ؤ�س�سة لقاءات مفتوحة مع المبدعين المغاربة، تَحمِ لُ على عاتقها مِ �شعَل الثقافة فِي بالدنا.
هل تتلقون دعما من الجهات الو�صية �أم فقط تعتمدون على مجهودات ذاتية؟
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ال��ع��م��ل ال��ج��م��ع��وي ،ك��ي��ف ت�ستطيعون التوفيق بين العملين؟
• هل يمكن �أن نرى محمد اللغافي يوماً ع�ضواً في هذا الإتحاد؟
■ في الحقيقة ،نحن لم نتلق �أي دع��م حتى الآن ،ون �ح��اول االع�ت�م��اد على مجهوداتنا ■ ال ،لم �أعُ دْ الآن في حاجة للع�ضوية في اتحاد كتاب المغرب ،لكن هذا ال ينفي ب�أننا في الذاتية؛ و�أتمنى م�ستقبال �أن نتوا�صل مع وزارة الثقافة والجهات الم�سئولة للدعم، جمعية جامعة المبدعين المغاربة يمكننا �سي�أتي ه��ذا بعد ت�أثيث بيت الجمعية التي التن�سيق معه ك ��أي جمعية ج ��ادة ..خدمة �أ�صبحت في حاجة ما�سّ ة �إلى �إعادة النظر للثقافة الهادفة والر�صينة ،ويمكن �أي�ض ًا مع في مكتبها ،و�ضخ دماء جديدة فيها. وزارة الثقافة المغربية.
• ان�� ُت��خ��ب م���ؤخ��را مكتب ج��دي��د الت��ح��اد • هل من كلمة �أخيرة؟ كتاب المغرب ،هل الأ�سماء التي تك ُِّو ُنُه قادرة على �إعادة عجلة االتحاد �إلى �سِ َّك ِت ِه ■ �أتمنى �أن ت�ستعيد الثقافة ماء وجهها الذي ّاب الفي�سبوك. فقدته مع ُكت ِ ال�صحيحة؟
اجلوبة -ربيع 1434هـ 121
معر�ض الريا�ض الدولي �أنموذجا ■ مر�سي طاهر*
ُي��ع�� ُّد معر�ض ال��ك��ت��اب ( )Book Fairف��ي �أي بلد م�ؤ�شراً لقيا�س الحالة الثقافية والأدبية التي تعي�شها البالد ،وانعكا�سا لحركة الت�أليف والن�شر وال��ت��وزي��ع ف��ي��ه؛ كما ُي��ع��د واح����داً من الظواهر الثقافية المهمة التي تُحدِث حراكاً ثقافياً ،وتنمّي معارف المثقفين ومداركهم. وت��م�� ّث��ل م��ع��ار���ض ال��ك��ت��ب م��وا���س��م ثقافية وت�����ج�����اري�����ة ،ت�������ش���ك���ل ت����ظ����اه����رة ج���م���اه���ي���ري���ة ثقافية واقت�صادية ،ت�ستقطب ك��ل الطبقات االجتماعية ،وجميع الم�ستويات التعليمية ال��م��خ��ت��ل��ف��ة ،ب��ك��اف��ة ال�����ش��رائ��ح ال��ع��م��ري��ة؛ فهي للطفل ،وال�شيخ ،والمر�أة ،والرجل ،والمثقف، وال�������ع�������ادي؛ ف���ت���خ���ل���ق ب���ي���ن ه������ذه الأط�����ي�����اف والم�ستويات جواً من التفاعل الفكري الموحّ د نحو م�صدر معرفي ،وهدف ثقافي� ..أال وهو الكتاب0
122اجلوبة -ربيع 1434هـ
ولدت فكرة �إقامة معار�ض الكتب من ر�ؤيتين: �أوالهما اقت�صادية ،تقوم على ت�ضييق الم�ساحة الجغرافية �أم��ام طالب الكتاب والباحث عن الجديد في عالم المعرفة والثقافة؛ وم��ن ثمَّ �إتاحة الفر�صة �أمام النا�شر لعر�ض �إ�صداراته لأكبر �شريحة ممكنة من النا�س ،وكذلك �إيجاد �أ��س��واق جديدة �أم��ام ه��ذا الرافد االقت�صادي المهم0 والثانية ثقافية� ،إذ تخلق ج��و ًا من التفاعل ال�ف�ك��ريّ بين رواد المعر�ض ،وت�شكل منبر ًا مفتوح ًا على كل الثقافات؛ فتظهر الإبداعات الأدب �ي��ة بكل مجاالتها ال�شعرية ،وال��روائ�ي��ة، والنقدية ،والفكرية ،وال�سيا�سية ،والعلمية، م��ن دون عناء البحث ع��ن عناوين �أو �أ�سماء محددة في �أماكن عدة؛ فتقدم نتاجات النخب المخ�ضرمة م��ع �أح��دث الإ� �ص��دارات لمختلف الأجيال في جميع المجاالت. وال تقت�صر المعار�ض على ع��ر���ض الكتب فقط ،بل تتعدى هذا المفهوم لت�شمل كل الو�سائل التي تخدم الكتاب ،كالتعريف به وبيان �أهميته،
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
معار�ض الكتب :ثقافة و�صناعة
اجلوبة -ربيع 1434هـ 123
124اجلوبة -ربيع 1434هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
فهناك فعاليات م�صاحبة ت�شمل �أن�شطة وندوات ثقافية ،ومهرجانات فنية متعددة ،ت�صاحبها تغطية �إعالمية وا�سعة ،وقد ت�شمل حفالت توقيع عقود لإ�صدارات جديدة.. ونظر ًا لأهمية ه��ذه المعار�ض ،فهي غالب ًا م��ا تتبع وتخ�ضع ل�ل�إ��ش��راف الكامل م��ن قبل ال�ح�ك��وم��ات ،ف�ض ًال ع��ن رق��اب��ة ر�سمية ت�صل �إلى حد التدخل بم�صادرة كتب ذات توجّ هات �سلبية .فهناك معر�ض القاهرة الدولي للكتاب ال��ذي تنظمه الهيئة ال�ع��ام��ة للكتاب التابعة ل��وزارة الثقافة الم�صرية ،ومعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب تنظمه وزارة الثقافة والإعالم، ومعر�ض الدار البي�ضاء الدولي للكتاب تنظمه وزارة االت�صال والثقافة المغربية ،ومعر�ض البحرين الدولي للكتاب ينظمه المجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب التابع لوزارة الإعالم البحرينية .كما يوجد ع��دد ال يخ�ضع ب�صورة مبا�شرة للحكومة ،كما هو الحال في معر�ض عمّان الدولي للكتاب الذي ينظمه وي�شرف عليه اتحاد النا�شرين الأردن�ي�ي��ن ،ومعر�ض بيروت للكتاب الذي ينظمه اتحاد النا�شرين اللبنانيين، وعلى ال�صعيد الدولي نجد �أح��د �أه��م و�أ�شهر المعار�ض الدولية العالمية ،معر�ض فرانكفورت الدولي للكتاب ،الذي ينظمه اتحاد النا�شرين الألمان0 ويعد معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب �أحد �أهم المعار�ض الدولية للكتاب في العالم العربي؛ بل في العالم كله ،حيث �سجلت �أعداد الزائرين له خالل هذا العام 2013م مليونان و�أربعمائة �ألف زائر ح�سب تقدير الجهة المنظمة ،بينما تم ت�سجيل ما يزيد على ثمانية ماليين زائر ل�صفحة المعر�ض على �شبكة الإنترنت ،هذا بخالف الندوات والفعاليات الثقافية الم�صاحبة للمعر�ض وحفالت التوقيع للكتب.
وعلى �صعيد �أخ��ر ،الم�ست حجم المبيعات داخل المعر�ض ()71مليون ًا و(� )645ألف رياال �سعوديا ،وذلك في ظل تنامي عمليات ال�شراء م��ن ج��ان��ب ال� ��زوار ،وك��ذل��ك عمليات التعاقد ال�ت��ي يجريها ع��دي��د م��ن ال�ج�ه��ات الحكومية والأكاديمية من داخل ال�سعودية وخارجها ،كما �شهد المعر�ض في دورت��ه المنتهية �أكبر تجمع للنا�شرين والعار�ضين والجهات والتوكيالت، �إذ �شارك �أكثر من ( )970جهة من ( )32دولة قدمت ما يزيد على (�)250أل��ف عنوان ورقي، و�أكثر من مليون ومائتي �ألف عنوان �إلكتروني. ويت�ضح م�م��ا ��س�ب��ق� ،أن م�ع��ر���ض ال��ري��ا���ض الدولي للكتاب �أ�صبح عالمة فارقة في الم�شهد الثقافي ال�ع��ام بح�ضوره الكثيف ،وع��دد دور ال�ن���ش��ر ال�م���ش��ارك��ة ف �ي��ه ،وح �ج��م ال�م�ع��رو���ض وتنوّعه� ،إ�ضافة �إلى حجم المبيعات .وقد القى ذلك اهتماما غير عادي من الجهة المنظمة، ف�أ�صبحت كل دورة تحمل تطوير ًا و�آلي ًة جديد ًة تواكب وت�صاحب التطور الحادث في الثقافة وال�صناعة المرتبطة ب�ه��ذا ال �ح��دث؛ فرغم ممرات ف�سيحة ،ودور ن�شر مرقمة ٍ الزحام تجد ومرتبة ،وفي المدخل مكتب للعالقات العامة.. نجد فيه خريطة للموقع وج��دول الفعاليات، �إ�ضافة �إلى وجود �أجهزة حا�سب �آلي توفر عليك لي�س فقط البحث عن كتاب ..بل ت�ستطيع �أن تحدد لك دور الن�شر والممر بالأرقام والأحرف و�سعر الكتاب. وخ�ل�ال ه��ذا ال �ع��ام ،ت��م االح �ت �ف��اء باليوم العالمي للمر�أة ،فقررت �إدارة المعر�ض تكريم ع��دد م��ن ال��رائ��دات ال�سعوديات ف��ي ع��دد من المجاالت ،و�أ�صدرت كتيب ًا بذلك0 كما �أعلنت �أثناء المعر�ض نتيجة جائزة وزارة الثقافة والإعالم لأف�ضل كتاب عن عام 1434هـ، والتي فاز بها كل من :تركي بن نا�صر ال�سديري
عن كتابه «الإ�سالم والريا�ضة» ،والدكتور را�شد العبدالكريم ع��ن كتابه «البحث النوعي في التربية» ،والدكتور �صالح زياد الغامدي عن كتابه «ال��رواي��ة العربية والتنوير ..ق��راءة في نماذج مختارة» ،وعبداهلل بن حكم باخ�شوين عن كتابه «ال �ش�أن لي ب��ي» ،والدكتور عبداللطيف دبيان العوفي عن كتابه «حمالت التوعية الإعالمية.. الأ�س�س النظرية والإجراءات التطبيقية» ،وعبده خ��ال عن رواي��ة «لوعة ال�غ��اوي��ة» ،ومحمد جبر الحربي عن كتابه «جنان حنايا» ،والدكتور نزار بن عبيد مدني عن كتابه «ق�ضايا ومواقف في الفكر وال�سيا�سة» ،والدكتورة هناء حجازي عن كتابها «مختلف :طفل اال�سبرج مختلف :ولكن لي�س �أقل» ،ويو�سف بن �إبراهيم المحيميد عن كتابه «رحلة الفتى النجدي». وبعد ه��ذا العر�ض لأهمية معار�ض الكتب ب�صفة عامة ،ومعر�ض الريا�ض الدولي ب�صفة خا�صة ،وذلك من منظور الثقافة وال�صناعة، ينبغي �أن ي�ستثمر ه��ذا التالحم الحقيقي مع النا�س ،في ا�ستقطابهم بكل الطرق والو�سائل الممكنة� ،إلى القراءة واالط�لاع ،وخلق عالقة فعلية مع الكتاب ،وخا�صة في ظل ما تواجهه معار�ضنا العربية من م�شكالت كالأمية ،و�ضعف �صناعة الن�شر ،وغياب �صناعة القارئ ،ورقابة بع�ض المطبوعات0
اجلوبة -ربيع 1434هـ 125
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
الم�سكن بين الأدب والهند�سة ■ �صالح بن ظاهر الع�شي�ش*
الم�سكن كداللة لغوية ا�شتقت من ال�سكون ..وهو الهدوء وال��راح��ة� ،أم��ا الداللة الح�سية فهو ال��م���أوى ال���ذي ي�ضم ال��ف��رد والأ����س���رة ،وه��و ن���واة اال���س��ت��ق��رار الج�سدي والنف�سي؛ وذلك �شرط �أ�سا�س من �شروط العطاء الإن�ساني؛ ب�أبعاده الح�سية والعاطفية والفكرية. فالم�سكن ،هو الأول عند الأدباء وال�شعراء ،بل عند عامة النا�س ..لكني هنا �أخ�ص الأدباء وال�شعراء؛ لأنهم يوثقون �أحا�سي�سهم ،وين�شرون بوحهم وي�شيعون م�شاعرهم، فهذا الم�سكن ،عند ه�ؤالء ،مكان الن�ش�أة الأولى ،ومرتع ال�صبا ،وذكريات الأيام الخوالي مع الإخوة والأخوات والأتراب والأقارب والأ�صحاب. طال به العمر ،وامتد به الأجل ،ورحل عنه �إلى كم منزلٍ في الأر���ض ي�ألفه الفتى وح��ـ��ـ��ن��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ن�� ُه �أب���ـ���ـ���داً لأولِ م��ن��ـ��زلِ م�سكن �آخر ،و�إلى جيران جدد ،حيث ي�ستدعي الذكرى للحبيب والمنزل البكاء. وهو رمز العزة والمنعة.
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ومن لم يذد عن حو�ضه ب�سالحه يُهدّم وم��ن ال يظلم النا�س يُظل ُم ب�سقط اللوى بين الدخول فحوملِ ِ
ومكان ال�ضيافة وبذل الكرم. كما �أن البعد يثير لواعج النف�س ،ويظهر ما كانت النف�س تواريه وتكنه من حنينٍ �إلى �أم���������اوي �إن ال����م����ال غ������ا ٍد ورائ������حٍ ويبقى من المال الأحاديث والذك ُر الدار ..ومن ي�سكنها �أو �سكنها. وتحقيق ال ��ذات عندما ي�شتد ال�ساعد ،ب���ك���لٍ ت���داوي���ن���ا ول����م ي�����ش��فَ م���ا بنا على �أن قرب الدار خي ٌر من البع ِد وي�ستقل ال�م��رء ع��ن ذوي��ه بم�سكنه الخا�ص به ،كما يتحول ب��دوره �إل��ى الم�سكن الأول في ع��ل��ى �أن ق���رب ال����دار ل��ي�����س ب��ن��اف�� ٍع �إذا ك��ـ��ان م��ن ت��ه��واه لي�س ب��ذي و ِد مرحلة ال�شباب ،فيحن �إليه و�إلى الجيران �إن
126اجلوبة -ربيع 1434هـ
�أما من الناحية الهند�سية ،فالم�سكن هو البناء المعروف ذو ثالثة �أبعاد ،مق�سم �إلى فراغات معينة، لكل فراغ وظيفة �أو وظائف ي�ؤديها ،تبد�أ من الإيواء، وتنتهي بتحقيق الذات وما بينهما من وظائف؛ مثل: الخ�صو�صية ،والإنتاجية�� ،س��وا ًء كانت فكرية�،أم ح�سية ،وتربية الأبناء ،وا�ستقبال ال�ضيوف والزوار، والن�شاطات الف�سيولوجية ،ولتحقيق هذه الوظائف بفاعلية واق�ت���ص��اد ،ولي�سهم ف��ي التحفيز على الن�شاط المثمر� ،سوا ًء كان ح�سي ًا �أم فكرياً ،ال بد �أن يكون هذا الم�سكن وفق �أ�صول ومعطيات هند�سية �صحيحة ،تراعي �أح��وال المكان ،وظروف الزمان، وثقافة المجتمع. ف�إذا �أخذنا المكان ،فلكل مكانٍ متطلباته من بيئة وطق�س وع��ادات وتقاليد ،يت�أثر بها بناء الم�سكن؛ فلي�س الم�سكن المقام في المدينة كالمقام في قرية، ولي�س الم�سكن المقام في مزرعة ،ويعد م�سكن ًا ريفي ًا كالذي يقام في حي مزدحم �أو �ضاحية مترفة؛ ولي�س ال�شمال مثل الجنوب ،وال تتطابق القارات والمواقع. كما �أن لكل زمان خ�صو�صية ،فالتغيّر في المجتمع من الأ�سرة الممتدة في ما م�ضى من الزمان �إلى الأ�سرة النواة ،في �أوان هذا الزمان .و�أنماط الحياة ي�ؤثران على تكوين الأ�سرة وامتدادها ،كما �أن الزمان له ت�أثيره على تغيّر مواد البناء ،ومع تغيّر الزمن.. تتغير وتتطور التقنية ،وتلك لها ت�أثير مبا�شر على كيفية بناء الم�سكن وعلى نوعية عنا�صره. و�أم ��ا م��راع��اة ثقافة المجتمع ،فلكل مجتمع
خ�صو�صيته و�أ�سلوب معا�شه ،وتلك لها ت�أثير كبير على ت�صميم الم�سكن؛ فالمجتمعات الإ�سالمية المحافظة فيها ف�صل بين الرجال والن�ساء الأجانب ف��ي المعي�شة ،كما �أن �أ��س�ل��وب الحياة وا�ستقبال ال�ضيوف وغير ذلك ،مختلف تماما بين مجتمع و�آخر. وهذا يقودنا �إلى ت�صميم الم�سكن و�إع��داد وثائقه التي يجب �أن ت�أخذ بكل ما تقدم ،حيث �أنها الخطوة الهند�سية العملية الأولى نحو �إيجاد الم�سكن ،والتي �س�أو�ضحها بلغة �سهل ٍة مفهوم ٍة للجميع ،وبعيد ٍة عن الرطانة الهند�سية ولغة المهند�سين؛ لأننا نكتب في مجل ٍة �أدبية. تتكون وثائق الت�صميم للم�سكن من ثالثة �أجزاء رئي�سة هي: 1.1مخططات الت�صميم المعماري والهند�سي. 2.2موا�صفات المواد. 3.3جداول الكميات و�أ�سعارها. فالت�صميم المعماري ،هو تحويل المتطلبات
اجلوبة -ربيع 1434هـ 127
* مهند�س ا�ست�شاري متخ�ص�ص في هند�سة القيمة و�إدارة الم�شاريع. 128اجلوبة -ربيع 1434هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
الوظيفية ل�صاحب الم�سكن ..مثل :المجل�س ،وغرف ال�ن��وم ،والمطبخ ،و��ص��االت اال�ستقبال..الخ� ،إلى �أ�شكال وفراغات معمارية ذات عالقة تكاملية فيما بينها ،بحيث ك ٌل منها ي ��ؤدي دوره �ضمن الوظيفة الكلية للم�سكن ،وهذه الفراغات تبيّنها وتحددها المخططات (الر�سومات) ،وف��ق قواعد هند�سية قيا�سية تنظم �إعدادها. �أما الت�صميم الهند�سي :في�شمل الأعمال المدنية والإن�شائية والنظم الكهربائية والميكانيكية الداخلة في تكوين الم�سكن ،وه��ذه الأع�م��ال وتلك النظم تتكامل مع الت�صميم المعماري لتجعل من الم�سكن بيئة مالئمة للن�شاط الإن�ساني ،ومحفزة لإمكاناته الذهنية ،ومطلقة لقدراته العملية. فالأعمال المدنية هي ما ت�شتمل عليه �أعمال الحفر وال��ردم والت�سوية وغيرها ،و�أم��ا الأعمال الإن���ش��ائ�ي��ة فهي ال�ب�ن��اء �إن ك��ان بطريقة الهيكل الإن�شائي( :ق��واع��د ،وج�سور ،و�أع�م��دة ،وبالطات �سقف)� ،أو بطريقة الجدران الحاملة ..وهي التي تحمل �أوزان الأ�سقف وما عليها من ب�شر و�أث��اث، وهي الطريقة المتبعة في الع�صور البعيدة ،وكانت ت�ستخدم الحجارة في المناطق كثيرة المطر ،ومن الطين ..كما في م�ساكن و�سط الجزيرة العربية. �أما النظم الكهربائية فيق�صد بها العنا�صر التي تعمل بالكهرباء ،مثل :الإن��ارة وم�ع��دات المطبخ، و�أجهزة الترفيه ،والمعلومات وغيرها ،مما يحدده م�ستوى التقنية الداخلية في تكوين الم�سكن؛ وقد
ا�ستخدمت قديم ًا الإنارة الطبيعية بطريق ٍة ال نحتاج معها �إنارة �صناعية في النهار .والنظم الميكانيكية في الم�سكن هي التكييف (تبريد وتدفئة) ،والتغذية بالماء ،و�صرف الماء ،وما يحتاجه من م�ضخات وغيرها من �أجهزة ومعدات؛ فالتكييف في ال�سابق اعتمد على �إدخال التيارات الهوائية �إلى المنزل من خالل ت�صميم الم�سكن وتوجيهه وفق م�صدر الرياح، وا�ستخدام المالقف الهوائية� ،أما الآن فهو يعتمد على التكييف ال�صناعي البحت. و ُت�ع��د الموا�صفات للمباني ،ومنها الم�سكن، بثالثة طرق ،هي: التو�صيف :وتعني تو�صيف المواد ،وطريقة تنفيذ الأعمال بالم�سكن بلغة وا�ضحة و�سليمة ،وتحدد م�ستوى الجودة المطلوبة ،مثل :تو�صيف نوع الطالء المطلوب لطالء المنزل تو�صيف ًا دقيقاً ،ك ��أن يذكر التركيب الكيميائي ونِ�سَ بُه ،وهل هو مائي �أو زيتي..الخ. الأداء :وهو تحديد م�ستوى الأداء المطلوب من المواد الداخلة في بناء الم�سكن ،من دون تحديد المواد تحديد ًا دقيقاً ،مثل� :أن يذكر عن الطالء �إن كان قاب ًال للغ�سيل ومقاوم ًا للت�شققات..الخ. الإح��ال��ة :وه��ي تحديد التو�صيف والأداء من خالل الإحالة �إلى عن�صر معروف� ،أو معدة محددة ومجربة لتقلي�ص مجلد الموا�صفات وعدم الدخول في التف�صيالت الدقيقة والطويلة ،مثل� :أنْ يذكر �أنَّ الطالء من نوع كذا ،ومن �شركة كذا� ،أو ما يعادله، من دون ذكر �أي تف�صيالت. �أم��ا ج ��داول الكميات ،فهي ج ��داول �أو قوائم بعنا�صر الم�سكن وكمياتها و�أ�سعارها الحقيقية �أو التقريبية ،وهذه �ضرورة لمعرفة تكاليف الم�سكن؛ ومن ثَمّ َ ،تحديد ميزانية بنائه ،كما تفيد في عدم �إغفال �أي عن�صر قد ال يكون وا�ضح ًا ومحدد ًا في المخططات.
المدينة وروح ال�شاعر قراءة �أولية في المنجز ال�شعري لل�شاعر ال�سعودي يو�سف العارف ■ مي�سون النوباين*
�صور فنية نا�ضجة ،تت�شكل من الأل��م والأم���ل ،تلك المعادلة التي طالما عزفها ال�شعراء لقرائهم ،كهدايا مغلفة بحروف قوية �أحيانا ،و�سهلة �أحياناً �أخ��رى؛ تلك ال�سهولة الممزوجة بالطبيعة واللجوء �إل��ى الروحانيات والتعلُّق ب��الآخ��رة؛ ر�ؤي��ة متفردة وتعاي�ش مع الواقع مع جنوح �إلى خيال عذب ومتعلق بالطبيعة. في ثنايا ذلك ،تعزف المدينة عزفها الثقيل في معظم ق�صائده ،لتكون الق�صيدة و�شاحاً من عذرية الروح التي تميل �إلى الأر�ض وتع�شق التراب وال�صحراء ،والمدينة ذلك الرداء الثقيل الذي يحتمله ال�شاعر �صخباً ور�ؤى وحياة ،هي قا�سية وموجعة رغم �سهولتها؛ فهو يحن ربما بالفطرة �أو بروح ال�شاعر �إلى الطبيعة البدوية ،وقد �صرخت ق�صائده في باطنها تحتج على المدينة وتنكر بهرجتها الزائفة. الوطن بخ�صو�صيته الدينية و�صحاريه تموج البحار على حروفه ،فتزخرف المدى المترامية يزهو بين الحروف ويط ُّل من بين الناطق با�سم الوطن وبا�سمه. ثنايا الق�صيدة ،بما يوحي �أنه جزء منها �ساحليّ �أنا ينب�ض بكل الحب ..ينت�سب ال�شاعر لتلك بيني وبين البحر ع�شق الم�سافات التي ال�شط�آن؛ فهو ال�ساحلي الخ�صب بالمحبة ،قاربت بيننا
اجلوبة -ربيع 1434هـ 129
ثم تعلُّ ٌق بالمكان الذي ي�أويه حتى لو كان م�ؤقتا في ديوانه (ب�ي��ان��غ) ،وه��ذا د�أب ال�شعراء� ،إح�سا�س ع��الٍ بالطبيعة، وا�ستيحاء الوطن الذي يعي�ش في �أعماق ال�شاعر: ()1
«برلي�س» يا خ�ضرة تحفُّنا من كل جانب على الطريق وما�ؤها الذي يحفنا من الأعالي والذرى لف�سحة الوادي ال�سحيق والفجر فيها �ضاحك ي�ستقبل البعيد وال�صديق لعلَّ ال�شاعر ذك��ر معظم ال�م��دن والأم��اك��ن التي زاره��ا ب�أ�سمائها (لنكاو) وفندق (�أوان ��ا) و(برلي�س) ...را�سم ًا بري�شة الفنان �أ�ساطيرها وحكاياتها ،حيث �أبدع في و�صف المكان بخ�ضرته وتماثيله ومائه و�إيحاءاته: ()2
إليك يا «لنكاو» � ِ تقاط َر الب�شر وحو َل «ن�سرك» ال يمدُّ جانحي ِه ي�ستعذبُ ال�سهر!! داتارا النج/ميدان الن�سر القرمزي تامان الجيندا /متحف الأ�ساطير
130اجلوبة -ربيع 1434هـ
الح�س الديني في ق�صائد ال�شاعر فهو �أ�صيل ناب�ض �أما ّ متنا ٍه في العفوية وال�سطوع ،يلج بكلماته ويعبُر كطير مغرد، �أو كن�سر يقتن�ص منه اللحظة ويم�ضي في �سويداء روحه وروح القارئ ب�شكل الفت..
( )...من كواال يدغدغن الم�شاعر �إذ م�سها الجدب وح َّل الوجيب وي�شهدن بالألق ال�صافي محطات الخريف على مفرقي وما كنت غِ رّا �أ�ستجيب!! فعندي من الحب ما يُ�شهد اهلل �أنّي �إليه �أنيب �سالم على �آخر العمر...
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
بيننا نبت الحب ومن بيننا هرع الموج نحو ال�سواحل يلقي عليها التحايا /ال�س�ؤال: �أي ع�شق خرافيّ زواج ال�ساحل بالبحر؟ وال�شط بالماء؟
تيلوك توجوه!!الآبار ال�سبعة...
في قمّة �ألمه ووح��دت��ه يخ�شع هلل م�ست�أن�س ًا به متو�س ًال �إليه بالدعاء ،ليبدو الح�س الروحاني اليقظ عالم ال�شاعر، الذي يلج من خالله �إلى طريق النور؛ في�ستوحي رجاءه من �ألمه لثقته باهلل ،محاوال بذلك �إبعاد كل ما يخرجه عن هذه الطريق:
ها �إنني �أرتدي الطهر وال�صلوات �أيمم كفيّ بالدعوات و�أم�سح عن خاطري كل رج�س الذنوب �أعلن بيني وبيني �أن �أتوب�..أن �أتوب ها �إنني �أ�سبح في فلوات اليقين �أخرج مني وعني و�أدخل في ملكوت ال�صالحين
اجلوبة -ربيع 1434هـ 131
والناظر في ق�صائد ال�شاعر يجد �سمة بارزة فيها ،وه��ي ت�ك��رار �أ��س�م��اء الأع�ل�ام� ،إذ ت�شير ه��ذه الأع�لام �إل��ى هيئات ال�شخو�ص بعفويتها؛ فيدرك المتلقّي �أن �أولئك الأ�شخا�ص حقيقيون من تنقلهم في الق�صيدة ،وحركتهم الدائبة وتفاعلهم� ،سيجد القارئ ه�ؤالء على ال�سلم وفي الم�صعد وفي الحافلة ،هم ب�أ�سمائهم الحقيقية محمد وتركي وم�شعل وغازي ومفتاح من البنغال، فين�سجمون م��ع ن�صو�ص ت�شعر ب��أن�ه��ا قريبة وعفوية ،مغمو�سة �أحيانا ب�أنفا�س (الغالبا) الذين انغم�سوا في مجتمع مخملي ،يراه ال�شاعر بعينه التي تميل �إل��ى الب�ساطة ،وقد بدت هذه الظاهرة في ديوانه (كلما) ،الذي كان زاخرا بهم منغم�س ًا في �آالمهم؛ فهو ال يرتجل م�شاعره ارتجاال ،بل تيَّقظت كلماته من �أعماقه لت�ستوحي فتات عي�شهم ،ولتتعاي�ش مع معاناتهم....
�أجيء في ال�صباح
هي ذي القاهرة من �ضياء ال�شم�س قامت ت�ستحم وبعينيها اكت�سى بالي ّم ي ّم وتباهت.. ف�إذا القا�صي.. �أب ،خال ،وعم هي ذي القاهرة!!
ا�ستحوذني ذل��ك الت�أريخ للم�شاعر ،وتلك ك�سائر العمال في حياتنا ال�شفافية الهادئة المو�سومة بحب اهلل والنا�س ك�سائر «المكافحين» وال�شجر وال�ح�ج��ر ،وال �ت��ي ت ��ذرف حنينا �إل��ى و«الغالبا» الوطن في ال�ف��راق ،وتعبُّ من جمال الأمكنة وحاملي الجراح لتترك روحها ال�شاعرة في ال�صحراء المترامية؛ الأن �ث��ى ف��ي ق�صائد ال�شاعر ه��ي الأر� ��ض ،فتراها دائما الأجمل بكعبتها ونا�سها ورمالها تن�سج خياالته ،وت�سطو على كلماته وذاكرته ،الوا�سعة.. * �شاعر ِة من الأردن. ( )1و ( )2جزر �سياحية زارها ال�شاعر في ماليزيا.
132اجلوبة -ربيع 1434هـ
الجوبة ..فخامة مداد وامتداد ■ بقلم القا�صة وال�شاعرة مالك اخلالدي
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
�آ ٍه من الخبث الدنيء �إذا دنا و�أخرجني من دروب المتقين!!
بكل الحب والأل��م ،هي ع�سير وجدة ،وهي رمل البحار يبني من المراكب �سُ َّل َم ًا للحياة في �سبيل الترقّب لحياة �أج�م��ل ،وف�ضاء �أو��س��ع ،ي�سافر �إليها ويحملها بين جنبات روح��ه ..هي العراق ب�أوجاعها و�آالمها ،والفرات الذي تجري الدماء في مائه ..يوقظ حزنه ويولِّد �صخب الق�صيدة وانتماءاتها العربية الأ�صيلة ،فيذرف دموعها �ألما وانتظارا ليوم ي�شرق عليها في �سالم.. ويقف على �شرفته في القاهرة يت�أمل ال�شوارع وينثر ال �ح��روف ف��وق ج�ب��اه ال �ع��راة وال�ج�ي��اع، وي�ستلهم من النيل فرات المعاني فيبحر قا�سما م�شتركا بين كل �أر�ض زارها..
من «الجوف» �أ�شرقتْ عذق عطاء ،فتجاوزت المكان والحا�ضر والرهان! لكنني لن �أتجاوز ثنا ًء ها هنا و�إن كانت ت�ستحق� ،إال �أنني �س�أقف على �شواهد مرت بي فمررتُ بها، وازددتُ يقيناً و�شغفاً واعتزازاً بها. لقد كانت مجلة الجوبة ال�سِ فر الثقافي الأول ال��ذي انبثق من جوف ال�شمال عبر م�ؤ�س�سة الأم �ي��ر عبدالرحمن ال�سديري ال �خ �ي��ري��ة ،ف�� ��أروى المتعط�شين لمعين ال�ح��رف ،بعد ط��ول انتظار؛ و�إن �سبقتها بع�ض المطبوعات الثقافية التي لم تعلق بذهني �أو �سبقت زمني� ،إال �أن «الجوبة» وبحكم فخامة م��داده��ا وا�ستمراريتها وامتدادها تُعد الأول��ى في جوف ال�شمال بال منازع ،بل �إنها تفوق جود ًة الكثير من المطبوعات الثقافية ال�سابقة لها زمن ًا وخبر ًة ومكانا!
حين دلفتُ هنا مكتبة الجامعة �سرّني �أن ر�أي ��تُ «مجلة الجوبة» كمرجعٍ �ضمن قوائم مراجع عددٍ من الدرا�سات العلمية، واكتمل اندها�شي المُبهج حين كلّفنا �أ�ستاذ �إح ��دى ال �م��واد ب �ق��راءة �إح ��دى مقاالتها لمناق�شته كمتطلب درا�سي. وك ��ان �أن التقيتُ ب ��إح��دى الزميالت المبتعثات لدرا�سة الماج�ستير من �إحدى دول المغرب العربي ،ولأن�ه��ا ت�شاطرني بع�ض االهتمامات جمعنا حديثُ طويل وما �أن قلتُ :الجوف ،حتى قالت :حيثُ ت�صدر مجلة الجوبة؟! ف�ع��رف��تُ منها �أن �ه��ا ق ��ر�أت �أع � ��داد ًا ال ب�أ�س بها من المجلة في مكتبة الجامعة التي تخرجت منها في بلدها ،و�أخبرتني �أن المجلة مُتابعة هناك م��ن المثقفين والمهتمين.
ففي ال�سنة والنيف التي ق�ضيتها هنا في ريا�ض الخير ال�ستكمال الدرا�سة العُليا في درجة الماج�ستير� ..شعرتها و�أحببتها �أك �ث��ر ،لي�س ان �ج��ذاب � ًا ل���ض��وءٍ ي�شرق من م�سقط ر�أ��س��ي ال��ذي �أحبه و�أب��اه��ي بحبه الذي يجعلني �أرى الوطن كل الوطن جنائن لذا ،قلتُ في البدء �أنها تجاوزت المكان انتماء وحب وبهجة ،ولي�س لكونها الموئل والحا�ضر وال��ره��ان� ،إن��ه �إخ�لا���ص البذل الأول لبوحي� ،إنما لأنني �أدركت روعة هذا والرغبة الحقيقية في �إبقاء ال�ضوء ممتد ًا ووارفاً؛ ف�شكر ًا لأ�صحاب البذل وال�ضوء. ال�ضوء �أكثر.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 133
امل�ؤلف :منذر امل�صري
امل�ؤلف :فاطمة عبداحلميد
النا�شر � :أثر للن�شر والتوزيع
النا�شر :طوى للثقافة والن�شر والإعالم – لندن
�صدر ه��ذا ال��دي��وان في (� )128صفحة من
فاطمة عبدالحميد ،وه��ي ت��درك �صعوبة المغامرة في ال�ساحة الروائية وبخا�صة ونحن في زمن الرواية ..نعم، في زمن الرواية �أ�صدرت «حافة الف�ضة» عن دار طوى للثقافة والن�شر -ل�ن��دن2013 -م .وق��د �سبق لفاطمة عبدالحميد �أن �أهدت المكتبة الثقافية مجموعة ق�ص�صية متميزة ،وهي «كطائرة ورقية» عن نادي �أدب��ي ال�شرقية 2010م ،ابتعدت بها عن النمطية ،التي تن�شب مخالبها في الكثير من التجارب الق�ص�صية .و«حافة الف�ضة» توثق هذه الروح التي تتميز بها كاتبتنا ،حيث و�ضعت روايتها الأولى بين يدي القارئ لتجذبه نحو عالم يعي�شه الإن�سان ف��ي �شتى ال�م��راح��ل وبتفا�صيل م��ن ال�صعب �أن تحاور النف�س بها نف�سها ولو �أمام المر�آة .،لكن كاتبتنا تر�صدها وبجر�أة لت�صعد بنا �إلى تلك الحافة !..التي نطل بها �إلى عالم �أبطال الرواية ،وهذه الأ�سطر بوح من الرواية «.. تذكرت الآن ق�صة عمتي التي �أ�سماني �أبي با�سمها حين �سكبت �أمي الق�صة بين �ضلوعنا ،كنا �صغارا ،ولكني كنت حينها بذاكرة �شر�سة! �أخبرتنا �أن عمتي ف�ضة وبعد �شهر من عر�سها ،نبت ال�شعر فوق ج�سدها مجددا .كانت ت�شبه �أر�ضا هجرتها يد حارثها! نما ع�شب غامق وفو�ضوي في كل مكان ،وحين تتغامز الن�ساء في المجال�س ب�أنها ال تتزين كالأخريات ،وال تزيل �شعر ج�سدها ،ليهن�أ زوجها بملم�س الزبد الطري ،كانت تتنهد وتخف�ض ر�أ�سها �أر�ضا».
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :ال�صدى الذي �أخط�أ (ديوان �شعر)
الكتاب :حافة الف�ضة «رواية»
نموذج قيا�سي هيكلي القت�صاد المملكة العربية ال�سعودية 1970- 1960م (نموذج تاريخي) امل�ؤلف :د .في�صل �صفوق الب�شري
القطع المتو�سط ،وقد ت�ضمن مجموعة من ق�صائد ال�شاعر ال�ت��ي ع��رف ب�ه��ا ،ومنها: (ر�أ�سان على و�سادة �ضيقة� /أجابني ال�صدى ا�سما �آخر/كلما ر�أيت غرابا طائرا تذكريني/ ال�شعر� ..شجرة تعتر�ض طر يق الب�شر�/إن كان محتم ًا عليَّ �أن �أعبد �إلها ..وق�صائد �أخرى).. وت��ؤك��د ال�سيدة كلود ك��رال القارئة ال�شاملة والمدققة لتجربة ال�شاعر ،بحكم عملها �أن «ال�صدى الذي �أخط�أ» �أهم مجموعات ال�شاعر ال�شعرية قاطبة ،لكن ال�شاعر يرجو �أال يوافقها �إال �أقلة على ر�أيها؛ لأن هذه المجموعة بالن�سبة له ال يعدّها �أكثر من نهاية ذلك الطريق الذي: « بد�أ وا�سعا في �أوله ثم �ضاق �شيئا ف�شيئا وهو يم�ضي قدما �إلى حافة الأفق حتى انتهى بنقطة».
134اجلوبة -ربيع 1434هـ
النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية ال�سنة
1434 :هـ (2013م)
�أ�صل هذا الكتاب يمثل م��ادة �أطروحة الدكتوراه التي ح�صل عليها الم�ؤلف ع��ام 1973م .وق��د �صدر الكتاب بالإنجليزية ع��ام 1977م ف��ي نيويورك عن دار جون ويلي ..بعد �أن حدّث الم�ؤلف بع�ض البيانات الإح�صائية ..وحذف �أجزاء نظرية من الأطروحة .وقد تم و�صفه في المجلة العلمية الأمريكية ال�شهيرة (The )American Economic Reviewفي عددها ال�صادر ف��ي يونيو 1977م ب��أن��ه (�أول عمل رئي�س كمّي عن االقت�صاد ال�سعودي ،وهو كتاب فريد ،يبين كيف يمكن التعامل بطريقة ريا�ضية �إح�صائية مع اقت�صاد يت�سم ب�شحِّ المعلومات والبيانات الإح�صائية الدقيقة ،وكيف يمكن تكييف الم�صطلحات والتعريفات االقت�صادية مع الواقع الميداني االقت�صادي بهذه الخ�صائ�ص). يمثل الكتاب نموذجا ريا�ضيا �إح�صائيا يمكن تق�سيمه �إل��ى �أرب��ع مجموعات رئي�سة ،تحتوي كل مجموعة على عدد من المعادالت على النحو التالي: •الدخل الكلي :ويحتوي على ثماني معادالت رئي�سة. •الإنفاق الكلي :ويحتوي على ت�سع معادالت. •القطاع النقدي :ويحتوي على معادلتين. •تعريفات :وتحتوي على �ست معادالت.
ويتفرع عن هذه المعادالت الخم�س والع�شرين، ع�شرات المعادالت الفرعية ،كل ذل��ك تم تقديره وقيا�سه رقميا م��ن قبل ال�م��ؤل��ف رغ��م ع��دم توافر ال �ب �ي��ان��ات الإح �� �ص��ائ �ي��ة ال��دق�ي�ق��ة ع��ن االق�ت���ص��اد ال�سعودي .وق��د تكلل ه��ذا الجهد ع��ن بناء نموذج ريا�ضي �إح�صائي ي�صور االقت�صاد ال�سعودي ،وفق معطيات علم االق�ت���ص��اد ،وبا�ستخدام التقنيات الريا�ضية الإح�صائية. ورغ ��م م�ضي م��دة طويلة على ن���ش��ره ،وتغيُّر مالمح االقت�صاد ال�سعودي ،و�صدور العديد من الكتب والأبحاث العلمية عن اقت�صاد المملكة ،فال ي��زال يتمتع بمركز ال��ري��ادة؛ لأن��ه �أول كتاب يقدم ما يُعرف ب��أل(ن�م��وذج القيا�سي االقت�صادي) �أو �أل(.)Economic Model وقد تم تكريم الم�ؤلف الدكتور في�صل الب�شير في منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية في دورته الرابعة تقديرا لذلك الجهد المتميز للدكتور الب�شير وريادته.
اجلوبة -ربيع 1434هـ 135
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
�أن�شطة الم�ؤ�س�سة
من إصدارات اجلوبة
■ �إعداد :عماد املغربي*
د .الحميد يلتقي د .الجا�سر في جناح م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب في جناح م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب لهذا العام ،التقى معالي نائب وزير الثقافة والإعالم الدكتور عبدالعزيز الجا�سر مع معالي الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد نائب وزير العمل ال�سابق ورئي�س هيئة الن�شر بالم�ؤ�س�سة. وقد ا�ستعر�ض معالي د .الحميد مطبوعات الم�ؤ�س�سة وب��رام�ج�ه��ا الثقافية ف��ي منطقتي الجوف وال��غ��اط ،وبرنامج الن�شر ال��ذي تقوم بموجبه بطباعة الكتب والأب �ح��اث ،كما ق�دّم �شكره لمعالي د .الجا�سر ،ولمعالي وزير الثقافة الدكتور عبدالعزيز خوجة ،ول�سعادة وكيل وزارة
136اجلوبة -ربيع 1434هـ
معالي د .الحميد يعر�ض �أحد �أعداد مجلة الجوبة الثقافية لمعالي د .الجا�سر نائب وزير الثقافة والإعالم ال�سعودي.
الثقافة الدكتور نا�صر الحجيالن على جهودهم الكبيرة ف��ي �إق��ام��ة فعالية معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب ،م�شيدا بالنجاح الكبير الذي يحققه عاما بعد عام. ي��ذك��ر �أن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية ت�شارك في معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب 2013م� ،ضمن م�شاركاتها ال�سنوية، حيث تعر�ض جميع كتبها ومطبوعاتها �إ�ضافة �إلى مجلتي الجوبة الثقافية ،و�أدوماتو الآثارية المحكّمة.
�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية