40 Aljoubah Magazine مجلة الجوبة

Page 1

‫درا�سات ونقد‬ ‫ن�صـــــو�ص‬ ‫مواجهـــــات‬ ‫نوافـــذ‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫شهادات شعرية‬

‫‪40‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫‪ -2‬دعم البحوث والر�سائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(�أ) ال�شروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 626 3455‬فاك�س ‪� - 04 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 01 201 5494‬فاك�س ‪� - 01 201 5498‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الريا�ض ‪11433‬‬ ‫‪nashr@asfndn. com‬‬


‫الـمحتويــــات‬

‫العدد ‪40‬‬ ‫�صيف ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‬ ‫‪6.........................‬‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬

‫�شهادات �شعرية‬

‫امل�شرف العام‬ ‫�إبراهيم احلميد‬ ‫�أ�سرة التحرير‬ ‫حممود الرحمي‪ ،‬حممد �صوانة‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫الإخراج الفني‬ ‫خالد بن �أحمد الدعا�س‬ ‫املرا�سالت‬ ‫توجه با�سم امل�شرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.aljoubah.org‬‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫‪93.......................‬‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� - 1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مل ي�سبق ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب‪،‬‬ ‫على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‬

‫حوار مع ال�شاعر محمد الحرز‬

‫‪109......................‬‬ ‫الر�سام عبدالعزيز م�شري‬ ‫ذاكرة اللون‪ ..‬في خطوط من‬ ‫رحيق الري�شة‬

‫النا�شـــــــــر‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ املوافق‬ ‫‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام ‪1383‬هـ املعروفة با�سم دار‬ ‫اجلوف للعلوم‪ .‬وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‪ ،‬ودعم البحوث والر�سائل العلمية‪،‬‬ ‫و�إ�صدار جملة دورية‪ ،‬وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية‬ ‫الأهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬ويف عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة‬ ‫الغاط (مركز الرحمانية الثقايف)‪ ،‬له وقف م�ستقل‪ ،‬و�أهدافه تنبثق من الأهداف الأ�سا�سية للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪119......................‬‬ ‫ناطحات ال�سحاب‬ ‫في القديم والحديث‬ ‫الغالف‪ :‬لوحة ت�شكيلية للفنانة هديل‬ ‫اللحيدان من الجوف‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4 ........................................................‬‬ ‫ملف العدد‪� :‬شهادات �شعرية‪� :‬إبراهيم زولي‪� ,‬أحمد نمر الخطيب‪,‬‬ ‫د‪� .‬أح �م��د ال���س��ال��م‪ ,‬ج�م��ال ال �م��و� �س��اوي‪ ,‬ح�سن ال��زه��ران��ي‪ ,‬خالد‬ ‫ال�سنديوني‪� ,‬سليمان العتيق‪� ,‬سوف عبيد‪ ،‬عارف البردي�سي‪ ,‬محمد‬ ‫الحرز‪ ,‬محمد جميل �أحمد‪ ,‬مالك الخالدي‪ ,‬نجاة الزباير‪ ,‬نواره‬ ‫لحر�ش‪ ,‬محمود الرمحي‪ ,‬ن�ضال القا�سم‪ ،‬د‪ .‬يو�سف العارف ‪6 ........‬‬

‫درا�سات ونقد‪�« :‬أيام ال تذبل فيها الورود» لل�شاعر ال�سعودي‬ ‫عبدالكريم النملة قراءة في الوجدانيات ومجابهة الذات ‪-‬‬ ‫د‪� .‬إبراهيم الدهون‪70 ..........................................‬‬ ‫اعترافات ربيع جابر ‪ -‬ه�شام بن�شاوي ‪73 .........................‬‬ ‫مفاهيم معا�صرة لأدب الأطفال ‪ -‬محمد علي قد�س ‪75 ...........‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة‪ :‬جفاف ‪ -‬ليلى الحربي‪79 ........................‬‬ ‫حيــــــــاة ‪ -‬محمد نادي فرغلي محمد ‪80 ..........................‬‬ ‫حديث مع امر�أة جميلة ‪� -‬صالح القر�شي ‪81 ......................‬‬ ‫كيف يراه؟ ‪� -‬إبراهيم يو�سف البيطار‪82 ..........................‬‬ ‫ق�صتان ق�صيرتان ‪ -‬خالد �أحمد اليو�سف‪83 ......................‬‬ ‫�شعر‪ :‬الربيع ‪ -‬عارف البردي�سي ‪84 ................................‬‬ ‫عيون ميدوزا ‪� -‬سليمان العتيق ‪85 .................................‬‬ ‫المحفظة ‪� -‬سوف عبيد‪86 ........................................‬‬ ‫�أتيت لل�شعر ‪ -‬د‪ .‬يو�سف العارف ‪87 ...............................‬‬ ‫�س�أوقف هذه الحرب ‪ -‬جمال المو�ساوي ‪88 .......................‬‬ ‫ن�صو�ص �شعرية ‪ -‬نوّارة لحـر�ش‪89 ................................‬‬ ‫ن�صو�ص �شعرية ‪ -‬خالد ال�سنديوني ‪90 ............................‬‬ ‫مرفــــــوع ‪ -‬ح�سن الزهراني‪91 ....................................‬‬ ‫ق�صيدتان ‪� -‬إبراهيم زولي‪92 .....................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬ال�شاعر محمد الحرز ‪ -‬حاوره عمر بو قا�سم‪93 .......‬‬ ‫الكاتب الم�صري �سليمان فيا�ض ‪ -‬حاورته‪� :‬سمر ابراهيم ‪101 .....‬‬ ‫�سيرة و�إب��داع‪� :‬إبراهيم بن خليف بن م�سلم ال�سطام ذاكرة‬ ‫حا�ضرة ‪ ..‬وثقافة بال حدود ‪ -‬المحرر الثقافي ‪107 ................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الر�سام عبدالعزيز م�شري ذاكرة اللون‪ ..‬في خطوط‬ ‫من رحيق الري�شة ‪ -‬فريال الحوار‪109 ..............................‬‬ ‫النخيل في ال�شعر العربي ‪� -‬صالح عبدال�ستار ال�شهاوي‪111 .......‬‬ ‫ديوان العرب المهجور‪ ..‬هل تعيده الأغنية‪..‬؟ ‪ -‬خالد ربيع ال�سيد‪115 ....‬‬ ‫ناطحات ال�سحاب في القديم والحديث ‪ -‬غازي الملحم‪119 .......‬‬ ‫قراءات ‪124 .........................................................‬‬ ‫الأن�شطة الثقافية ‪126 .............................................‬‬ ‫عين على الجوبة‪ :‬الجوبة‪ :‬الوجه والنموذج ‪ -‬عبداهلل ال�سفر ‪128‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫■ �إبراهيم احلميد‬

‫ا�ستغرق الأم��ر وقتا غير محدد‪ ،‬حتى تم توثيق هذه ال�شهادات ال�شعرية التي ت�أتي‬ ‫ك�شهادات �إبداعية ل�شعراء من مختلف �أقطار العالم العربي تقريبا‪ ..‬وت�أتي �أهمية‬ ‫هذه ال�شهادات في تنوّعها‪ .‬وفيها يبدو التفاوت بين �أ�شكال الق�صيدة الحديثة وا�ضحا‬ ‫في التجارب ال�شعرية المختلفة؛ فبين غواية ال�شعر وفتنة الق�صيدة‪ ..‬تنداح الذكريات‬ ‫لتك�شف عن البدايات التي �شكّلت �شاعرنا اليوم‪ ،‬بتجربته التي يقر�أها النا�س‪ ،‬وتم�ضي‬ ‫م�شعال للغواية في وادي ال�شعر‪..‬‬ ‫على �أن التميز في التجارب ال�شعرية‪ ،‬ال يمكن �أن ي�أتيَ من فراغ؛ بل �إن هذه ال�شهادات‬ ‫ت�ؤكد لنا مرة �أخرى �أن الإبداع قرين القراءة المكثّفة‪ ،‬وبخا�صة في �سني الإن�سان الأولى‬ ‫«من �أجل ذلك‪ ..‬ا�ستعرت – من دون �أفكار م�سبقة – طريقا قلَّما ت�ستهوي �أطفاال �أو‬ ‫مراهقين‪ ،‬القراءة‪ ..‬قراءة كل �شيء و�أي �شيء‪ ،‬في بيت و بيئة يعز �أن تجد فيها كتاباً‪.»..‬‬ ‫نكت�شف كيف �أن التجربة ال�شعرية المتميزة ال يمكن لها �أن ت�أتي من فراغ‪ ،‬حين نجد‬ ‫�أن ال�شاعر امتداد لتجربته في اليومي والمعا�ش‪ ،‬في قراءاته وتجارب مُجايِليه‪ ..‬في‬ ‫�صداقاته و لقاءاته‪ ..‬في تراكماته الفكرية‪ ،‬وتحوالته التي تُ�شرِّق به وتُغرِّب‪ ،‬حتى ي�ستقر‬ ‫على �شاطئ الق�صيدة التي تلوّنه‪« ..‬منذ �أن بد�أت كتابة ال�شعر وحتى الأن ال �أدري كيف‬ ‫ينبثق ال�شعر‪ ،‬وال �أدرك ُك ْنهَه‪ ،‬وربما كان على ال�شاعر حين يكتب ن�صه �أن ي�صغي لأ�صوات‬ ‫الإلهام التي ترنّ في الباطن‪.»..‬‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫هي �شهادات على مراحل من حياة مبدعينا و�أدبائنا‪ ،‬دوّنوها بلون الإب��داع‪ ،‬ربما‬ ‫�صح يوما �أن تكون مفتتحا لدرا�سات �أو �أبحاث على حياة جيل ثقافي كامل؛ لأن بع�ضها‬ ‫ي�شفُّ عن مراحل حياة كاملة عا�شها ه�ؤالء‪ ،‬من دون �أن يتم تدوينها ب�شكلها الحالي‪،‬‬ ‫وبخا�صة �أن لكل �شاعر تجربته التي عاي�شها‪ ،‬في �صراعات التيارات والمدار�س وهجوم‬ ‫الدخالء‪.‬‬ ‫في �شهاداتنا ال�شعرية‪ ،‬نكت�شف �أن ال�شعر موهبة‪ ،‬ت�أتي مهما كان الواقع �أليما‪ ،‬خا�صة‬ ‫مع موجات الت�سطيح وال�شعبي التي �سادت مجتمعاتنا‪ ،‬حتى �أن ال�شاعر يبرز مهما «حلّق‬ ‫وحيدا خارج ال�سرب؛ ونكت�شف �أهمية بع�ض المراكز الثقافية لل�شباب والنا�شئة‪� ،‬إذ تكون‬ ‫هذه المراكز والمكتبات م�شاعل ثقافة حقيقية‪ ،‬تخلق النموذج‪ ،‬وتعزز الثقة في نفو�س‬ ‫المبدعين و الهواة‪ ،‬حينما ي�أتون في بيئة مثبطة للثقافة والإبداع‪..‬‬ ‫في هذه ال�شهادات‪ ،‬نكت�شف �أن هناك من نجا ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬من براثن ال�شعر‬ ‫النبطي‪ ،‬حينما ه��وى فيها الكثيرون‪ ،‬نتيجة للت�شجيع‪ ،‬ووج��ود النماذج التي تحتفي‬ ‫بالق�صيدة الحقيقية‪ ،‬والموهبة التي يمكن لها �أن ت�سير في االتجاه ال�صحيح‪..‬‬ ‫في �شهاداتنا ال�شعرية‪ ،‬نكت�شف �أن «كتابة ال�شعر تحتاج �إل��ى �شيئين �أ�سا�سيين‪:‬‬ ‫الأول‪ ،‬الإح�سا�س بما ي�شبه الحب؛ والعن�صر الثاني‪ ،‬المكت�سبات اللغوية وبع�ض المهارة‬ ‫في اللعب بالكلمات (ولَيِّ �أعناقها)‪ ،‬ومحاولة �إعطائها معنى لم يخطر على بال ابن‬ ‫منظور‪.»...‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬تتوالى �شهادات ال�شعراء‪ ،‬حين نجد �أن مدوّنة ال�شعر حاولت تكري�س �أ�شكال‬ ‫معيّنة للق�صيدة‪� ،‬إال �أن ال�شهادات ت�ؤكد �أن الق�صيدة ع�صيّة على الت�شكيل في بعدها‬ ‫الحقيقي‪ ،‬والإبداعي‪ ،‬وبخا�صة مع انحياز الكثير نحو �أ�شكالٍ للق�صيدة تت�أثر ب�شكل �أو‬ ‫ب�آخر بالن�ص الغربي‪� ،‬إال �أن افتقاد هذه النوع من ال�شعر �إلى جماليات الق�صيدة العربية‪،‬‬ ‫�أدى به �إلى الذوبان في بحر الق�صيدة العربية ب�أ�شكالها المختلفة‪..‬‬ ‫على �أن معظم هذه التجارب تت�سم بالعمق‪ ،‬والغنى‪ ،‬والإبداع؛ كنتيجة �إجمالية للتجربة‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬وللتقنيات الفنيّة واللغة العميقة التي تميزها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫■ �إعداد وتقدمي حممود عبداهلل الرحمي‬

‫■ �إبراهيم زويل ‪ -‬ال�سعودية‬

‫ال�شعر ديوان العرب وخزانة حكمتها وم�ستنبط �آدابها وم�ستودع علومها؛ لذلك‪،‬‬ ‫جعلوه ديوان علومهم و�أخبارهم‪ ،‬و�شاهد �صوابهم وخطئهم؛ يرجعون �إليه في الكثير‬ ‫من علومهم وحكمهم‪ .‬وه��و دي��وان ت�سجيل مَ��ن ال ت�سجيل ل��ه! لج�أت �إليه ال�شعوب‬ ‫القديمة حين لم تعرف الكتابة‪ ،‬ليقوم مقامها في تخليد الم�آثر والأح���داث‪ ،‬وما‬ ‫ي�ستجد لها من �أمور عظام؛ لما يمتاز به ال�شعر من �أثر على القلب‪ ،‬ونغم ي�ساعد على‬ ‫الحفظ‪ .‬فقام ال�شعر عند العرب مقام الكتابة والتوثيق‪ ،‬قبل �أن تنت�شر الكتابة بينهم‪.‬‬

‫في ركن �صغير مزدحم بالأحالم‪ ,‬وقريبًا من تلك البيوت التي ت�شبه الأ�صدقاء‪ ,‬تحت �أ�شعّة‬ ‫فانو�س‪ ،‬يكاد زيته ي�ضيء‪ ,‬في وقت مت�أخر من الليل‪ ,‬وعمْر �أبي‪ ,‬خرجت للحياة‪ .‬كانت الزغاريد‬ ‫تتطاير كالنحل‪ ,‬كما حدّثتني جدتي‪.‬‬ ‫بات �أبي يدوزن في �أعماقه فرحاً يكاد يخترق �أ�ضالعه‪ ,‬فقد كنت االبن الأول له‪ .‬ليلتئذٍ ‪ ،‬مزّق‬ ‫�سكو َن الليل بطلقات الر�صا�ص‪ ،‬من بندقيته البلجيكية‪ ..‬حتى لم يبق �شبر في القرية لم ت�صله‬ ‫ر�سائل البهجة‪!..‬‬

‫وانطالقا من �أهمية ال�شعر ودوره في‬ ‫حياة �أمتنا‪ ،‬فقد �سبق �أن �أف��ردت الجوبه‬ ‫ل��ه �أك �ث��ر م��ن م�ل��ف‪ ،‬ت�ن��اول��ت ف��ي �إح��داه��ا‬ ‫«ق�صيدة النثر»‪ ،‬وف��ي �آخ��ر «ال�شعر بين‬ ‫التراث والحداثة»‪..‬‬

‫«خواطر م�صرحة»‪ ،‬الأديب الكبير محمد ح�سن‬ ‫ع��واد‪ ،‬عندما �شاهدته على ال�شا�شة‪ ,‬في اليوم‬ ‫ن�صا �شعريًا ف��ي ال�صف‬ ‫الثاني كنت �أق ��ر�أ ل��ه ّ‬ ‫الأول المتو�سط‪ .‬قلت لمعلمي �إنني �شاهدته ليلة‬ ‫البارحة‪.‬‬ ‫برامج مثل «مِ ن ك ّل بحر قطرة» و«عالم الغد»‬ ‫كانت قوتي اليومي وزادي المعرفي‪.‬‬ ‫�شغفت بالإذاعة فيما بعد‪ ,‬كان �أب��ي متابعًا‬ ‫ل�ن���ش��رات الأخ� �ب ��ار ف��ي �أواخ � ��ر ال�سبعينيات‬ ‫الميالدية من القرن الفائت‪ ,‬ورثت ذلك الهوَ�س‬ ‫عنه؛ فكانت هيئة الإذاع��ة البريطانية «بي بي‬ ‫�سي» و«مونت كارلو»‪ ,‬و«�صوت �أمريكا»‪ ،‬وبرامجها‬ ‫ومذيعوها هم �أ�صدقائي وندمائي‪ ،‬ال �أن�سى �أي�ضا‬ ‫«�صوت العرب» وبرامجها التي حرّ�ضتني على‬ ‫ح��بّ الطرب الأ�صيل؛ �أحببت �شادية‪ ,‬وفايزة‬

‫ال يجهل �أح��د مكانة ال�شعر ف��ي �شتى‬ ‫الع�صور‪ ،‬حتى ع�صرنا الحالي‪ ،‬على الرغم‬ ‫م��ن انت�شار الأج�ن��ا���س الأدب �ي��ة الأخ ��رى‪،‬‬ ‫كالق�صة والرواية وال�سرد‪ ..‬وال�شعر مهما‬ ‫ك��ان �أ�سلوبه تقليديًا �أو حداثيًا بمختلف‬ ‫ت�سمياته؛ ف�إن له مكانته وعُ �شّ اقه‪..‬‬ ‫و�إذا كان ال�شعر �سجّ ًال �سابقًا لأحوال‬ ‫العرب وتاريخهم وت�صوير �أحوالهم‪ ،‬ف�إنه‬ ‫اليوم بمختلف �أ�شكاله يحمل ق�ضايانا‪،‬‬ ‫� �ش��ارحً ��ا وم��و��ض��حً ��ا وم��داف � ًع��ا‪ ..‬مَ ��ن منّا‬ ‫يُنكر دور دروي ����ش والقا�سم ف��ي ال�شرح‬ ‫وال��دف��اع ع��ن ق�ضيتنا الأول���ى (الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية)‪ ..‬مَ ��ن م � ّن��ا ال ُي��حِ ��� ُّ�س في‬ ‫�أ�شعارهم كل الألم الفل�سطيني؟! �ألم يطلق‬ ‫على دروي�ش مجنون الأر�ض‪..‬؟!‬ ‫‪6‬‬

‫رحلتي عبر ال�شعر‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫خا�ص ًا برحلة بع�ض‬ ‫واليوم تُفرد ملفًا ّ‬ ‫ال���ش�ع��راء؛ ل�ي�ت�ع�رّف ال �ق��ارئ م��ن خالله‬ ‫على م�سيرة ه��ؤالء ال�شعراء‪ ،‬وما �أنجزوه‬ ‫ف��ي م�شوارهم‪ ،‬ورب�م��ا ر�أي الآخ��ري��ن في‬ ‫�إنتاجهم‪..‬‬ ‫وال�شعراء في وطننا العربي كثيرون‪،‬‬ ‫ول��م ي ��أت االختيار تمييزا �أو مفا�ضلة‪..‬‬ ‫لكن �صعوبة التوا�صل مع بع�ضهم‪ ،‬واعتذار‬ ‫�آخ��ري��ن‪ ،‬و�ضيق �سعة الملف ال�ستيعاب‬ ‫الكثيرين منهم حال دون تحقيق ما تمنينا‪.‬‬

‫جدتي زينب كانت ف�ضا ًء ناب�ض ًا بالحكايات‪,‬‬ ‫ت�سرد لي‪ :‬عن ن�ساء ي�سرّحْ ن �شعورهنّ ب�سنابل‬ ‫ال ��ذرة‪ ,‬ورج ��ال تتزيّن خوا�صرهم بال�سيوف‬ ‫والطلقات‪ ،‬وجنيّات عاريات �إال من المع�صية‬ ‫وال�ضاللة‪ ,‬وطيور خ�ضراء تتو�شّ ح بالأمل‪ ,‬تحكي‬ ‫لي حتى �أهوي في نعناع النعا�س‪ ,‬الذي ي�أخذني‬ ‫�إل��ى ع��وال��م ال تق ّل ده�شة وغرائبية عما روت��ه‬ ‫جدتي‪.‬‬ ‫جدتي كانت ت�أخذني للجيران‪ ..‬قبل �أن نقتني‬ ‫واح��دا في بيتنا‪ ,‬كنت مفتونًا بالتلفاز‪ ,‬و�صوره‬ ‫المموّهة بالألوان‪ ،‬التي تجرني �إلى ع�سل الرغبة‬ ‫في المعرفة‪ ,‬والذهاب خلف جدران المجهول‪..‬‬ ‫من البرامج التي لم تبرح المخيّلة؛ الكلمة‬ ‫ت��دقّ �ساعة‪ ,‬ال��ذي ك��ان يط ّل علينا من خالله‬ ‫الأ��س�ت��اذ محمد ر�ضا ن�صر اهلل‪� .‬أم��ا �صاحب‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�شهادات �شعرية‬

‫ها �أنت تفتح �أبواب الذاكرة المن�س ّية‪ ,‬وتهبط �أدراجها‬

‫‪7‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪8‬‬

‫�أحمد‪ ,‬وكارم محمود‪ ،‬ومحمد‬ ‫ق��ن��دي��ل‪ ,‬وق��ب��ل ذل� ��ك ك��وك��ب‬ ‫ال�شرق‪ ,‬ومن برامجها التي لم‬ ‫تطالها يد الن�سيان «تلفون �آخر‬ ‫الليل» و«ق�صاقي�ص»‪..‬‬ ‫هناك امر�أة واحدة ووحيدة‬ ‫ه ��ي �أ ّم � ��ي �آم� �ن ��ة ن��ا� �ص��ر؛ في‬ ‫غ�ي��اب�ه��ا‪ ،‬ت�ح��ال��ف ال�ح��طّ ��اب��ون‬ ‫والقتلة‪ ,‬و�أ ْل�ق��وا بوجهي بعيد ًا‬ ‫في �أقا�صي الليل‪ ..‬عندما تعبر‬ ‫في داخلي‪ ,‬يتحوّل ج�سدي �إلى‬ ‫م��دف ��أة‪ ,‬ت�ك��ون �أك �ث��ر غمو�ض ًا‬ ‫ع �ن��دم��ا ت� �ح ��اول ال��م��ف��ردات‬ ‫ا�صطيادها‪ ,‬حتى بعد الموت‬ ‫ما ت��زال �أول مَ ��ن ي�ستيقظ في‬ ‫ال�ب�ي��ت‪ ,‬و�آخ���ر م��ن ي� ��أوي �إل��ى‬ ‫الفرا�ش‪ ,‬روحها تت�صاعد في‬ ‫الليل مثل البخور‪!..‬‬ ‫وع��ائ �� �ش��ة‪ ،‬زوج� �ت ��ي‪ ،‬تلك‬ ‫ال�سيدة التي اختزلت الن�ساء‬ ‫في امر�أة واحدة‪.‬‬ ‫�شرّقت وغرّبت كثيرا‪ ,‬لكن‪,‬‬ ‫«�ضمد» هي المدينة التي ترهق‬ ‫المعنى‪ ,‬وتحتفي ب�آخر ع�شّ اقها‬ ‫المبلّل بالغواية‪ ..‬هذه الفاتنة‬ ‫تحتاج �إل��ى �ساحر يحتويها في‬ ‫قبّعته‪ ,‬ثمّ يخرجها طائر ًا من‬ ‫غير �سوء‪ .‬هي مكتوبة في رواق‬ ‫القلب‪ ,‬ال��ذي ع�ب��ره الأ��س�لاف‬ ‫يوم ًا �إلى العدم‪ ,‬وهي تنتظر �أن‬ ‫يعودوا �إلى ال��دار‪ ,‬غ��داً‪� ,‬أو بعد‬ ‫غد!!‬ ‫م ��ن ال �ك �ت��ب الأول � � ��ى ال �ت��ي‬

‫ق��ر�أت �ه��ا؛ رواي ��ة «روب�ن���س��ون‬ ‫ك ��روزو»‪ ،‬ه��ذا الكتاب الذي‬ ‫وج��دت��ه ��ص��دف��ة ف��ي مكتبة‬ ‫ال��م��در���س��ة ف ��ي ال �م��رح �ل��ة‬ ‫االب��ت��دائ��ي��ة‪ ,‬م ��ن دون �أن‬ ‫�أع� ��رف �آن� ��ذاك ع��ن قيمته‬ ‫المعرفية‪ ,‬لم�ؤلفه دان�ي��ال‬ ‫ديفو‪ ,‬والعمل ُي َع ُّد من �أعظم‬ ‫الق�ص�ص ف��ي ت��اري��خ الأدب‬ ‫الأورب� ��ي‪ ,‬وه��ي ت�شبه «�سد‬ ‫هارتا» للروائي هرمان ه�سه‪,‬‬ ‫وقريبة من عمل اب��ن طفيل‬ ‫«ح��ي بن يقظان» في الأدب‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫�أول ن�ص كان في �صحيفة‬ ‫عكاظ منت�صف الثمانينيات‬ ‫الميالدية من القرن الفائت‪,‬‬ ‫ك �ن��ت �أرى �أن� ��ه ال ي�ستحق‬ ‫لوال �أن �أح��د الأ�صدقاء قام‬ ‫ب�إر�ساله‪ ,‬ووجدته من�شورًا‪,‬‬ ‫ع��رف��ت حينها �أن الكتابة‬ ‫متاحة للأثرياء والفقراء‪..‬‬ ‫ثم توالت ممار�سة الغواية‪.‬‬ ‫دائم ًا �أنا مباغَ ت بالفجيعة‬ ‫والغياب؛ لذلك‪ ،‬الدمع جزء‬ ‫م��ن ت��اري �خ��ي ال�م�ح�م��ول في‬ ‫ه��ودج الهزائم‪ ,‬لكن‪ ,‬غياب‬ ‫�أمي كان �أكثر الأحزان قدرة‬ ‫على ادّخار الجحيم‪.‬‬ ‫�أول �إ�� �ص���دار ك���ان ع��ام‬ ‫‪1996‬م‪ ،‬ديوان «رويدا باتجاه‬ ‫الأر�ض» عن مركز الح�ضارة‬ ‫العربية في القاهرة‪ ,‬يومذاك‬

‫ك� �ن ��ت رف � �ق� ��ة ال� ��روائ� ��ي‬ ‫ع� �ب ��ده خ� ��ال ال � ��ذي طبع‬ ‫مجموعتين ق�ص�صيتين‬ ‫في الدار نف�سها‪ ,‬والكاتب‬ ‫علي مكّي‪ ,‬وك��ان يفتر�ض‬ ‫�أن ي��ط��ب��ع ال� �ع� �م ��ل ف��ي‬ ‫ن ��ادي ج��دة الأدب � ��ي‪ ,‬ل��وال‬ ‫ظ��روف �شرحها لي رئي�س‬ ‫ال�ن��ادي ي��وم��ذاك الأ�ستاذ‬ ‫عبدالفتاح �أب��و مدين في‬ ‫ر��س��ال��ة‪ ,‬م��ا �أزال احتفظ‬ ‫بها‪.‬‬ ‫ي�أخذني الحنين �صوب‬ ‫الق�صيدة؛ دائ� ًم��ا نحاول‬ ‫�أن ن �ق��ارع ب�ه��ا ال��وح���ش��ة‪,‬‬ ‫لأن�ن��ي بب�ساطة ال �أع��رف‬ ‫�شيئا �أحترم به نف�سي �سوى‬ ‫الكتابة‪ ,‬هي من ت�ستطيع‬ ‫االحتيال على العدم‪ ,‬بتح ّد‬ ‫ف ��اج ��ر‪ ,‬وت �ك �ت��ب م�ج��ده��ا‬ ‫بحبر ال�شهوة‪.‬‬ ‫رف �ق��ة ال �ك �ت��اب��ة نحلم‬ ‫بغيمة ال ترهن �أمطارها‪,‬‬ ‫وع �� �ص��اف �ي��ر ت �� �س �خ��ر من‬ ‫جبروت الأع��ال��ي‪ .‬بالكتابة لن نكترث للثقوب‬ ‫الكثيرة في قمي�ص الليل‪.‬‬ ‫في المرحلة االبتدائية‪ ،‬ما تزال في ذاكرتي‬ ‫�ساحة المدر�سة‪ ،‬المطلة على الحقول البعيدة‬ ‫في القرية‪� .‬أج��لْ ‪ ،‬كنت ملتحف ًا بالحياء �أكثر‬ ‫من الالزم‪ ,‬لكن م�شهد ال�سنابل يدعوك للغناء‬ ‫العذب‪ ,‬ويحررك من مخاوفك‪.‬‬ ‫ف��ي ال�م��رح�ل��ة ال�م�ت��و��س�ط��ة‪ ،‬ك�ن��ت م��دجّ �ج��ا‬ ‫بالأ�سئلة‪ ,‬والرغبة الجارفة في التحليق بها �إلى‬

‫ف�ضاءات �أو�سع‪ ..‬هاج�س ال�شعر‬ ‫وكائناته المعلقة في المدى‪ ,‬كانت‬ ‫قد بد�أت ت�ستب ّد بي‪.‬‬ ‫كثيرون ت�شربت من تجاربهم‬ ‫ال�شعرية؛ من الع�صر الجاهلي‪،‬‬ ‫ام� ��ر�ؤ ال�ق�ي����س وط��رف��ة‪ ،‬ث��م من‬ ‫الع�صر العبا�سي‪ ،‬المتنبي و�أب��و‬ ‫ت �م��ام‪ ،‬و� �ص��وال �إل��ى �أه��م �شعراء‬ ‫المهجر‪� ،‬إي�ل�ي��ا �أب��و م��ا��ض��ي‪ ،‬ثم‬ ‫مدر�سة �أبولو‪ :‬ناجي‪ ،‬وعلي محمود‬ ‫ط��ه‪ ،‬وم��ن ب�ع��ده��م‪ ،‬ال�ج��واه��ري‬ ‫وال �ب��ردّون��ي‪ ،‬و��ص��وال �إل��ى ال�شعر‬ ‫الحديث في نماذجه العليا‪:‬وديع‬ ‫�سعادة‪ ،‬و�سليم ب��رك��ات‪ ،‬وب�سام‬ ‫حجار‪ ،‬مرورا ب�أمل دنقل‪ ،‬و�سعدي‬ ‫يو�سف‪ ..‬وغيرهم‪ .‬لأنّ �أ�سئلتهم‬ ‫كانت تجيء �أكثر و�ضوحا في الثلث‬ ‫الأخ �ي��ر م��ن ال�ل�ي��ل‪ ،‬ولأن الأه � ّل��ة‬ ‫تذكّرني بوجوههم‪ ,‬وحين ي�أفلون‬ ‫�أقول حزيناً‪ :‬ال �أحبّ الآفلين‪.‬‬ ‫�أح �� �ش��د ال�ك�ث�ي��ر م��ن الأ��س�ئ�ل��ة‬ ‫الأدب��ي��ة لمعلم ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة‪,‬‬ ‫وال ��وج ��ودي ��ة ل�م�ع�ل��م ال �ت��وح �ي��د‪,‬‬ ‫و�أخبىء نجمة ع�صيّة في حقيبتي‪.‬‬ ‫وهذان المعلمان كانا بعد ذلك من �أقرب النا�س‬ ‫�إليّ ‪ ,‬وما تزال تربطني بهما عالقة حميمة �إلى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫بد�أت �أكتب ق�صائد عمودية و�أ�سلّمها لمعلم‬ ‫اللغة العربية في المعهد العلمي الأ�ستاذ محمد‬ ‫عبده �شبيلي‪ ,‬والذي كان يقوم بكتابة مالحظاته‬ ‫عليها‪ ,‬هذا المعلم �أذكر �أنني طلبت منه رباعيات‬ ‫الخيام «ترجمة رامي»‪ ،‬فكتب لي �أكثر من مئتي‬ ‫بيت بخط يده‪ ,‬وجاء بها �إليّ في اليوم التالي‪,‬‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫هذا النموذج النادر من المعلمين بد�أ يتال�شى‬ ‫في م�ؤ�س�ساتنا التعليمية‪.‬‬ ‫�شغفت بالعرو�ض ‪� -‬آنذاك ‪ -‬و�إيقاعاته التي‬ ‫كنت �أهذي بها‪ ,‬وكانت بحور الخليل �أ�صدقائي‬ ‫الحميمين في تلك الفترة‪� ,‬إلى درجة �أنني كنت‬ ‫�أقطّ ع عرو�ضيا ال ال�شعر فح�سب‪ ,‬بل حتى �أ�سماء‬ ‫المحالت التجارية‪ ,‬وكل حديث بين الأ�صدقاء‪.‬‬ ‫المرحلة الجامعية كانت ت�شكل تحوّال مف�صليا‬ ‫في حياتي‪ ,‬كنت �أن�شر ن�صو�صي العمودية الأولى‬ ‫في ملحق الندوة الأدبي في منت�صف الثمانينيات‪,‬‬ ‫وما بعدها‪ ،‬حين كان م�شرفا على الملحق الأدبي‬ ‫�آنذاك الراحل محمد مو�سم‬ ‫المفرجي‪.‬‬ ‫ك� ��ان� ��ت ل � ��ي ف��ر���ص��ة‬ ‫ال�م���ش��ارك��ة ف��ي مهرجان‬ ‫ال�شباب الخليجي الثالث‬ ‫ل �ل �� �ش �ع��ر وال� �ق� ��� �ص ��ة ف��ي‬ ‫�أب � �ه� ��ا‪ ,‬ك� ��ان م �ع �ن��ا ممن‬ ‫�أذك��ره��م ال��دك�ت��ور ح�سن‬ ‫ح �ج��اب‪ ,‬وال�ن��اق��د ح�سين‬ ‫بافقيه‪ ,‬وال�شاعر محمد‬ ‫عاب�س‪ ,‬وال��روائ��ي يو�سف‬ ‫ال �م �ح �ي �م �ي��د‪ ,‬وك � ��ان م��ن‬ ‫ال �ح��ا� �ض��ري��ن الأ�� �س� �ت ��اذ‬ ‫م�ح�م��د ال�ق���ش�ع�م��ي ال��ذي‬ ‫ر�شحني للم�شاركة ممثال‬ ‫وحيدا لل�شعر ال�سعودي في‬ ‫مهرجان ال�شباب العربي‬ ‫ال�سابع في الخرطوم في‬ ‫ال�ع��ام ‪1987‬م‪ ،‬وك��ان من‬ ‫�ضمن الم�شاركين معنا‬ ‫ف��ي ال��وف��د الأ� �س �ت��اذ زي��اد‬ ‫الدري�س المندوب الدائم‬

‫للمملكة العربية ال�سعودية لدى منظمة اليون�سكو‬ ‫في باري�س‪.‬‬ ‫م��ن ��ض�م��ن الأ�� �ص ��دق ��اء‪ ،‬ف��ي ت �ل��ك ال�ف�ت��رة‬ ‫الجامعية ال�شاعر عيد الخمي�سي‪ ,‬وال��روائ��ي‬ ‫محمود ت��راوري‪ ,‬وال��روائ��ي عوا�ض الع�صيمي‪,‬‬ ‫وال�شاعر ها�شم الجحدلي‪ ,‬وال�شاعر ال�شعبي‬ ‫محمد النفيعي‪ ,‬وك��ان ال�شاعر محمد الثبيتي‬ ‫ي�سكن ف��ي م�ك��ة‪ ,‬ون�ح��ر���ص على زي��ارت��ه �أي��ام‬ ‫الخمي�س والجمعة‪ ,‬وكان ي�ستمع لن�صو�صنا بكل‬ ‫محبة و�أريحية‪.‬‬ ‫هناك موقف ال �أن�ساه‪ ،‬حدث لي و�أنا طالب في‬ ‫جامعة �أم القرى؛ كان في مقر لجنة‬ ‫التوعية الإ�سالمية‪ ,‬عندما �شتموا‬ ‫الحداثة‪ ,‬وكفّروا �أ�صحابها‪ ..‬لم‬ ‫�أ�ؤ ّم��ن على ما قالوه‪ ,‬وقفت وقلت‬ ‫�شيئًا مختلفًا عما يريدون‪ ,‬يومها‬ ‫ك ٌّل م�سّ د لحيته‪ ,‬ورمقني بنظرة‬ ‫�سوء‪ ,‬عقب هذه الحادثة ب�أ�سبوع‬ ‫التقيت محمد الثبيتي‪ ,‬ج��ر ًي��ا‬ ‫على عادتنا الأ�سبوعية في زيارته‬ ‫�أن��ا و�أ��ص��دق��ائ��ي‪ .‬ق��ال ل��ي‪« :‬و���ش‬ ‫�سويت في الجامعة»‪ ،‬لم �أع��رف‬ ‫ل�ل�آن كيف و�صل �إليه الخبر‪ ,‬ثم‬ ‫�أردف «قل لهم نعل �أبو الحداثة»‬ ‫وخذ �شهادتك يا �إبراهيم �أهلك‬ ‫ينتظرونك هناك‪.‬‬ ‫كانت فترة توهّ ج للنادي الأدبي‬ ‫ف��ي ج ��دة‪� ،‬آن � ��ذاك‪ ,‬ول�صحيفة‬ ‫عكاظ بملحقها ال��ذائ��ع ال�صيت‬ ‫«�أ�� �ص ��داء ال �ك �ل �م��ة»‪ ،‬ع��رف��ت في‬ ‫النادي �ضمن من عرفت الناقد‬ ‫ح�سين بافقيه‪ ,‬وال�شاعر م�سفر‬ ‫ال��غ��ام��دي‪ ,‬وال �� �ش��اع��ر ع �ب��داهلل‬

‫باهيثم‪ ,‬و�آخ��ري��ن‪ .‬وفي �صحيفة عكاظ‪� :‬سعيد‬ ‫ال�سريحي‪ ,‬وعبده خال‪ ,‬وعبد المح�سن يو�سف‪,‬‬ ‫و�أحمد عائل فقيه‪ ,‬والراحل محمد الطيب‪.‬‬ ‫مرحلة �ألق معرفيّ ‪ ,‬وجدت فيها الكتب التي‬ ‫كنت �أحلم بها‪ ,‬وكانت مكتبة ال�شاعر محمد‬ ‫الثبيتي عامرة بالكنوز؛ كان ال يبخل علينا‪ ,‬ال‬ ‫�أن�سى �أنني ا�ستعرت منه ديوان ال�شاعر والمترجم‬ ‫العراقي ح�سب ال�شيخ جعفر‪.‬‬ ‫كنت �أقف قبالة مكتبته كالمخبول‪ .‬قال لي‬ ‫ذات يوم‪� :‬ألم تر كتبا من قبل؟ قلت بلى‪ ,‬ولكن‪,‬‬ ‫لي�س مثل هذه!‬ ‫كانت الكتب �شحيحة‪ ،‬فن�ضطر لت�صويرها‬ ‫على قلّة ذات اليد‪ .‬حتى اللحظة لم تزل تلك‬ ‫الكتب م�صورة في مكتبتي‪� ,‬أذك��ر منها (ليلة‬ ‫القدر) للطاهر بن جلون‪ ,‬و(في معرفة الن�ص)‬ ‫ليمنى العيد‪ ,‬و(ورق��ة البهاء) لمحمد بني�س‪,‬‬ ‫و(وردة الوقت المغربي) لأحمد المديني‪ ,‬وكتب‬ ‫الجابري و�أدوني�س‪� ,‬إ�ضافة لدوواين ال�شاعرة‬ ‫فوزية �أبو خالد‪ ,‬وعبد اهلل ال�صيخان‪ ,‬وغيرهما‪.‬‬ ‫م��ن ال �� �ض��روري �أن ينفتح المهتم بال�ش�أن‬ ‫الثقافي على ك��ل جماليات الكتابة‪ ،‬وم��ن �أي‬ ‫مكان؛ لكي ندع الزهور تتنف�س‪ ..‬في المقابل‪.‬‬ ‫�أنا ال �أحبذ �أن يقر�أ �شاعر لـ «�سان جون بير�س»‪،‬‬ ‫وهو لم يقر�أ المتنبي‪� ،‬أو يقر�أ لرامبو‪ ،‬من دون‬ ‫�أن تمر على �شرفته �إ�شراقات المعري‪ ،‬وتراكيب‬ ‫�أبي تمام‪.‬‬ ‫�أق � ��ر�أ ف��ي ال ��رواي ��ة ك �ث �ي��را‪ ،‬و�أح ��ر� ��ص على‬ ‫ق��راءة جواهر ال�سرد العالمي‪ ،‬دي�ستويف�سكي‪،‬‬ ‫وبورخي�س‪ ،‬ايفواندريت�ش‪ ،‬وماركيز‪ ،‬وايزابيل‬ ‫ال�ل�ي�ن��دي‪ ،‬و«ب �ي��دروب��ارام��و» عمل خ��وان رولفو‬ ‫المهم واال�ستثنائي طبعا‪ ،‬و ج‪ .‬م‪ .‬كوت�سي‪ ،‬وتوني‬ ‫موري�سون‪ ،‬وغيرهم وغيرهم‪ ..‬وهذه الأيام �أقر�أ‬ ‫لل�صومالي نور الدين فارح‪� ،‬أ�سرار‪ ،‬وخرائط‪.‬‬

‫كل هذه القراءات لم ت�ستفزني لكتابة الرواية‪،‬‬ ‫لأنني ال �أريد انتهاكها ب��أدوات ناق�صة‪ ،‬لمجرد‬ ‫الح�ضور‪ ،‬في لهاث م�سعور كيفما اتفق‪ ،‬كما يفعل‬ ‫بع�ض الروائيين ال�سعوديين في الفترة الأخيرة‪.‬‬ ‫لكنني‪ ،‬حاولت الإفادة كثيرا من ثيمات ال�سرد‪،‬‬ ‫وتقنياته في كتابة الق�صيدة‪.‬‬ ‫تحوّلت �إل��ى كتابة ق�صيدة التفعيلة نهاية‬ ‫الثمانينيات وب��داي��ة الت�سعينيات م��ن القرن‬ ‫الما�ضي‪ ,‬عندما �شعرت �أن خطابي في العمودية‬ ‫بد�أ يكرر نف�سه‪ ,‬هذا التحوّل جاء في فترة كان‬ ‫يمر بها الم�شهد الثقافي في ال�سعودية بتحوالت‬ ‫مف�صلية‪ ,‬وظ��روف غاية في الح�سا�سية‪ ,‬بعد‬ ‫� �ص��دور ك�ت��اب ال �ح��داث��ة ف��ي م �ي��زان الإ� �س�لام‪,‬‬ ‫وال�شريط المعروف‪ ,‬تلقّت التجربة الجديدة‬ ‫�آن��ذاك �ضربات تحت ال�ح��زام‪ ,‬ول��م يكن نزاال‬ ‫نبيال‪.‬‬ ‫ن�شرت في تلك المرحلة في ملحق الريا�ض‪,‬‬ ‫و�صحيفة اليمامة‪ ,‬وفي عكاظ‪ ,‬وفي ملحق اليوم‪,‬‬ ‫ن�شرت في �صحيفة الوطن الكويتية‪ ,‬وفي مجلة‬ ‫ال�ي��وم ال�سابع التي ت�صدر م��ن ب��اري����س‪ ,‬وك��ان‬ ‫ي�شرف عليها ال�شاعر اللبناني عي�سى مخلوف‪.‬‬ ‫تلك الفترة برغم ال�صدامات والمواجهات‬ ‫بين ما ي�سمى بالأ�صالة والحداثة‪� ,‬صنعت جي ًال‬ ‫كان يهتمّ بالت�أ�سي�س النظري‪ ,‬والت�أ�صيل لكل‬ ‫�آرائه‪ ,‬وكان كتاب الموقف من الحداثة وم�سائل‬ ‫�أخ��رى من الكتب التي �أعطت لل�شعراء وكتّاب‬ ‫ال�سرد بعدا معرفيّا لتوجهاتهم الجديدة‪.‬‬ ‫في هذه الأي��ام‪� ،‬أج �رّب الكتابة في ق�صيدة‬ ‫النثر‪ ,‬ولي عمالن‪ ,‬ن�شرت بع�ض ن�صو�صهما في‬ ‫مجلة نزوى‪ ,‬و�صحيفة الحياة‪ ,‬ومجلة الغاوون‪,‬‬ ‫وم��ا �أزال �أح� ��اول؛ فال�شاعر الحقيقي – في‬ ‫ت�صوّري‪ -‬ال يمكن �أن يطمئنّ �إل��ى لغة واح��دة‪,‬‬ ‫و�شكل يتيم‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫■ �أحمد منر اخلطيب ‪ -‬الأردن‬

‫لم يكن ال�شعر منذ ال�صغر‪ ،‬ي�شكّل هاج�ساً في عام ‪1973‬م‪ ،‬رغم انتباهي �إل��ى ما يحمله من‬ ‫�سحر‪ ،‬ولم يكن ليخطر لي على بال ب�سبب توجهاتي العلمية في الدرا�سة‪ ،‬لوال تلك الحكاية‬ ‫التي �أثارت في داخلي خليّة النحل‪ ،‬فل�سعتني‪� .‬أما الحكاية‪ :‬فقد كنت �صغيرا على مقاعد الدرا�سة‬ ‫الإع��دادي��ة‪ ،‬عندما هزّني �شوق خفي �إلى فتاة الحي‪ ،‬ولم �أ�ستطع التعبير الل�ساني‪ ،‬ربما لعباءة‬ ‫الحياء التي كانت تحيط بي‪ ،‬فذهبت �إلى ال��ورق‪ ،‬لأكتب و�أعبِّر و�أ�صرخ‪ :‬فجاءت هذه الثالثية‬ ‫محملة بالمختلف من القول‪ ،‬والذي لم �أ ِع له م�سلكا‪� ،‬أو و�صفا‪� ،‬إال بعد �أن �أدرجته في مو�ضوع‬ ‫�إن�شاء طلب ُه منا �أ�ستاذ اللغة العربية‪ ،‬لتح�صل المفاج�أة بعد �أ�سبوع على ل�سان الأ�ستاذ‪ :‬ما هذا يا‬ ‫�أحمد‪� ،‬أتكتب ال�شعر؟ �أما بخ�صو�ص الل�سعة‪ ،‬تلك النداوة التي ذقتها في كلماتي‪ ،‬وهي ت�سيل على‬ ‫الورق الأبي�ض من دون �أن تلتفت �إلى عباءة الحياء‪ ،‬النداوة التي لم �أعتدها في �أحاديثي اليومية‪،‬‬ ‫�أو �أحاديث غيري‪ ،‬ولم �أك قد اطلعتُ على ال�شعر �إال ما هو واجبٌ مدر�سي‪ ،‬لقد جاءت الأ�سطر‬ ‫الأول��ى كل�سعة النحل‪� ،‬ألي�س في هذا ال�سطر ال�شعري ما ي�شي بالمختلف من القول على ل�سان‬ ‫طفل‪:‬‬ ‫لغة تتخذ من المتخيّل منزال لده�شتها و�شهوتها‬ ‫«���س��ي��نٌ ع��ل��ى ق��ل��ب��ي ت����روح ك��م��ا �أرى‪،‬‬ ‫م����ي����م وف�������ي ت�������ص���وي���ره���ا �إع������ف������اءُ‪ ،‬البتكار ما هو جديد؛ فجاء الن�ص ال�شعري الأول‬

‫م���ا ب��ي��ن ح��رف��ي��ن ال��ت��ق��ت �أ���س��م��ا�ؤن��ا‪،‬‬ ‫ف���ت���ك���اث���رتْ م���ن ح��ول��ه��ا الأع�����ب�����اءُ»‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫هكذا عبرتُ بين لحظتين‪ ،‬ف�أثقلني الحِ مل‪،‬‬ ‫ف�ل��م تم�ض ��س�ن��وات ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان��وي��ة حتى‬ ‫هجرتُ ال�شعر‪ ،‬لألتحق في الجامعة لدرا�سة‬ ‫الطب الب�شري‪ ،‬ولكن بعد ق�ضاء �أرب��ع �سنوات‬ ‫في الجامعة‪ ،‬عاد ال�شعر ليلح عليّ ‪ ،‬عاد مليئا‬ ‫بالمفاجئات‪ ،‬محمّال بلغة غير متوقعة ل�شاعر‬ ‫يعي�ش على مدار ال�ساعة هموم وطنه فل�سطين‪،‬‬ ‫لغة ال تف�صح عن نف�سها من القراءة الأول��ى‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫بعد انقطاع طويل‪ ،‬كان ذلك في العام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫في مدينة بلغراد‪ ،‬عا�صمة يوغ�سالفيا �سابقاً‪،‬‬ ‫جاء مختلفا عن الن�صو�ص التي كتبتها ما قبل‬ ‫المرحلة الجامعية‪ ،‬من حيث ان�شداده �إلى دائرة‬ ‫الحداثة‪ ..‬حداثة الر�ؤيا واللغة والإيقاع‪ ،‬جاء‬ ‫لينازعني درا�ستي للطب‪ ،‬التي لم تكتمل لظروف‬ ‫خا�صة‪ ،‬جاء لينقلني من دائرة الظل �إلى دائرة‬ ‫ال�ضوء‪ ،‬وجاء �أخيرا لي�ضعني في مواجهة الحياة‬ ‫والذات والإن�سان وت�أويل مفرداتها‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الحكاية التي �أثارت في داخلي‬ ‫خلية النحل‪ ..‬فل�سعتني‬

‫على حجر تر�ضع الأم طفال لي�صحو‬ ‫وخلف مرايا المنازل ترب�ض وردة‬ ‫وخلف ان�شطار ال�سكون‬ ‫�ستبزغ �شم�س النجاة‬ ‫فمن �أين �أنهي المتاه‬ ‫من رقاب يجندلها الجند‬ ‫�أم من ف�ضاء الن�سور التي ال تهادن خمر الغزاة‬ ‫ومن �أين �أنهي ال�صالة؟‬ ‫من الحقل‪ ،‬ي�سقيه را ٍع بما �سوف ي�أتي‬ ‫�أو الطفل ي�سقيه ماء الحياة!‬ ‫***‬

‫ربما ك��ان ال�سبب الوحيد لميولي �إل��ى تربة ال�شعر‪ ،‬هو‬ ‫قدرتي على معالجة مو�ضوع يحتاج الحديث به لمدة �ساعة‪،‬‬ ‫ب�أقل العبارات‪� .‬أنا �أحبُّ تكثيف الإجابة‪� ،‬أحبّ الحوارات التي‬ ‫ت�صبّ في مجرى الفكرة ب�أقل التكاليف اللغوية‪ ،‬كما �أنني لم‬ ‫�أعتد النظر �إلى الأ�شياء كما يراها الآخرون‪� ،‬أنا دائم النظر‬ ‫�إلى عين ال�شيء‪ ،‬عين حقيقته؛ وال�شعر كما �أرى هو الوحيد‬ ‫القادر على خرق هذه المع�ضلة‪ ،‬واالنتباه �إلى �أدقّ التفا�صيل‬ ‫التي ال ترى بالعين المجردة؛ وهو الوحيد من بين فنون القول‬ ‫الذي ت�ستطيع من خالله �أن تتوارى عن ظاهر الأ�شياء‪ ،‬و�أن‬ ‫تتحايل على ال�شيء بال�شيء نف�سه‪ .‬لقد كانت منازل الروتين‬ ‫تقلقني و�أنا �صغير‪ ،‬اللعب مع الأطفال لم يكن ي�شكّل لي حلماً‪،‬‬ ‫كنت �أرى‪ ،‬بما ي�شبه حلم اليقظة‪� ،‬أنني �أ�ستطيع خرق الأطياف‬ ‫التي تحجبني عن ر�ؤي��ة الم�سار الحقيقي لتنا�سل الأ�شياء‪،‬‬ ‫«ال�شعر هو خرق لهذه الأطياف»‪.‬‬ ‫***‬

‫لي�س ت�أثر ًا بمقدار �أن تحاول امتالك عافية الن�ص من‬ ‫الإي�ق��اع الأول‪ ،‬من المنبع ال��ذي ذه��ب بعيدا في المغايرة‬ ‫والتجديد‪ .‬من هنا‪ ،‬كان �أبو الطيب المتنبي‪ ،‬والمثقب العبدي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪13‬‬


‫****‬

‫ربما تتعا�ضد ال�سلبيات والإي�ج��اب�ي��ات وال�صعوبات في‬ ‫مواجهة ال�شاعر‪� ،‬أو في �صورته الآنية‪ ،‬حيث يرتكز الفعل‬ ‫ال�شعري على معطيات نف�سية وذهنية كما �أرى؛ لذلك‪ ،‬كانت‬ ‫مغامرتي «في �سياق ال�سلبيات» ن�شر ديواني الأول‪ ،‬رغم ما‬ ‫يحمله من تبا�شير لي�ست واعدة فقط‪ ،‬ح�سب النقاد‪ ،‬بل تبا�شير‬ ‫قادرة على خلق مناخ �شعري مغاير لل�سائد‪ .‬ال�سلبي في ذلك‬ ‫�أن المحمول الر�ؤيوي للن�صو�ص كان في �إطار النظر للأ�شياء‪،‬‬ ‫ولي�س عينها‪ ،‬كما هو في الدواوين الالحقة‪� ،‬أما الإيجابيات‬ ‫فهي انخالع التوجه العلمي في بدايات حياتي الذي يحتاج �إلى‬ ‫عقل جامد كما �أرى‪� ،‬إلى التوجّ ه الأدبي‪ ،‬التوجّ ه الذي يحتاج‬ ‫�إل��ى الت�أمل وال�صحو والمحو؛ ف�أنت عندما تنظر لل�صورة‬ ‫مت�أمال‪ ،‬يقت�ضي منك هذا تفعيل خا�صيتي ال�صحو والمحو‪،‬‬ ‫ت�صحو على الجمال‪ ،‬وتمحو كل ما هو َزبَد‪.‬‬ ‫�أما فيما يتعلق بال�صعوبات‪ ،‬وهي �ش�أن يواجه العقل العربي‬ ‫المبدع عامة‪ ،‬فهي كثيرة‪ ،‬وال مجال لح�صرها‪ ،‬ولكن �أهمها‪:‬‬ ‫طغيان المادي على ما هو روحاني في عالمنا العربي؛ ما‬ ‫يجعل المبدع القلق �أ�ص ًال يعي�ش حالة من االنكفاء على �أكثر‬ ‫من �صعيد‪ ،‬منها اللجوء �إلى �أغوار و�أ�سرار ذاته في كتاباته‪ ،‬ما‬ ‫يعمّق الهوّة بينه وبين المتلقي‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫***‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫و�أبو تمام‪ ،‬ومحمود دروي�ش‪ ،‬و�أدوني�س‪ ..‬لقد �ساعدوني على‬ ‫تجاوز نبرة البدايات‪ ،‬البدايات التي يحتاج �شاعرها زمنا‬ ‫طويال لقطع الج�سر المن�صوب فوق بحر ال�شعر‪ ،‬لقد و�ضعوا‬ ‫�إ�صبعي على �سيولة المعاني‪ ،‬وحداثة البنية‪ ،‬والإن�صات �إلى‬ ‫المعادل المو�ضوعي لليومي بعيدا عن �سطوة الإيقاع‪ ،‬والدخول‬ ‫�إلى عوالم �أكثر تخيّال في مواجهة ال�صورة‪ ،‬كذلك الوقوف على‬ ‫ح�سا�سية الإيقاع الداخلي‪ ،‬ه�ؤالء هم رفاقي الذين �أراقبهم في‬ ‫ك ّل ن�ص جديد �أكتبه‪ ،‬وهم من ي�صلحون لي عثرات الخطى‪،‬‬ ‫و�أتعاي�ش معهم ك ّل يوم تقريباً‪.‬‬

‫�صدر لي «‪ »21‬ديوان ًا �شعري ًا في �أكثر من عا�صمة عربية‪،‬‬ ‫منها‪ :‬عمان‪ ،‬دم�شق‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزائر‪ ،‬وتبنّت هذه الأعمال‬ ‫�أكثر من دار ن�شر‪ ،‬منها‪ :‬وزارة الثقافة الأردنية‪� ،‬أمانة عمان‬ ‫الكبرى‪ ،‬الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر في بيروت‪،‬‬ ‫اتحاد الكتاب العرب في دم�شق‪ ،‬دار ليجوند في الجزائر‪،‬‬ ‫ودار الجنان في عمان‪ ،‬وغيرها‪ .‬و�شكلت هذه الأعمال ثالثة‬ ‫مجلدات �شعرية �ست�صدر قريباً‪ ،‬وحملت الدواوين العناوين‬ ‫التالية‪� :‬أ�صابع �ضالعة في االنت�شار «‪1985‬م»‪ ،‬حاجز ال�صوت‬ ‫«‪1990‬م»‪� ،‬أنثى الريح «‪1991‬م»‪ ،‬اللهاث القتيل «‪1993‬م»‪،‬‬ ‫مرايا ال�ضرير «‪1994‬م»‪ ،‬ال يقل الكالم «‪1996‬م»‪ ،‬الحِ جْ ر‬ ‫ال�ضيّق «‪1997‬م»‪ ،‬باب القَطِ ين «‪1997‬م»‪� ،‬أرى �أنه لي�س في‬ ‫حلمه «‪1998‬م»‪ ،‬عليك بمائي «‪1999‬م»‪� ،‬أيامه الأ�سبوع يكتب‬ ‫�شم�س غايته «‪2001‬م»‪ ،« ،‬رفعت خيالي �إلى �سكرتي «‪2002‬م»‪،‬‬ ‫�أيها الغيم يا �صاحبي في الم�سيرة «‪2002‬م»‪� ،‬أحوال الكتابة‬ ‫«‪2005‬م»‪ ،‬باتجاه ق�صيدة �أخرى «‪2006‬م»‪ ،‬وما زلت �أم�شي‬ ‫«‪2006‬م»‪ ،‬حمّى في ج�سد البحر «‪2007‬م»‪ ،‬ال تقل للموت خذ‬ ‫ما �شئت من وقت �إ�ضافي «‪2009‬م»‪ ،‬ك�أني ل�ست من حر�سي‬ ‫«‪2010‬م»‪ ،‬حار�س المعنى «‪2011‬م»‪ ،‬كما �أنت الآن كنتُ �أنا‬ ‫«‪2012‬م»‪� .‬أم��ا في النقد‪ ،‬ف�أ�صدرتُ كتابين هما‪ :‬مفرد في‬ ‫غمام ال�سفر «‪2005‬م»‪ ،‬وال�شعرية المتحرّكة» «‪2007‬م»‪.‬‬ ‫يقول الناقد وال�شاعر العراقي د‪ .‬هادي نهر‪« :‬من منجزات‬ ‫ال�شعر الأردني المعا�صر ال�شاعر �أحمد الخطيب‪ ،‬ففي �شعره‬ ‫في�ض من الريادة‪ ،‬والتجديد‪ ،‬والجدّية‪� ،‬شعره �شعر الأحياء‬ ‫الحيّة‪ ،‬ومو�سيقاه �آ�سرة‪ ،‬و�إيقاعاته �أل��وان متداخلة ودوائ��ر‬ ‫�ساطعة‪ ،‬قائمة على امتدادات المعاني التي ر�سمتها تجارب‬ ‫حياتية‪ ،‬وفكرية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬ولغوية هائلة‪ ،‬ومريرة‪ ،‬حيث يبد�أ‬ ‫هذا المبدع دائم ًا من الكلمة الفيّا�ضة بالداللة والإيحاء»‪.‬‬ ‫ويقول الناقد الأردن��ي د‪ .‬لقمان �شطناوي‪�« :‬شاعر يطلق‬ ‫العنان للخيال في ا�ستلهام ال�صور المبتكرة‪ ،‬و�إقامة معمار‬ ‫الحالة ال�شعرية‪ ،‬في بناء درامي متميز ومترابط الن�سج»‪.‬‬ ‫ويقول ال�شاعر ال�سعودي من�صور الع�سيري‪�« :‬شاعر يمتلك‬

‫‪15‬‬


‫مع الإده��ا���ش اللفظي‪ ،‬حتى ب��دون الجنوح �إل��ى االقتبا�س �أو‬

‫الحفالت المدر�سية كانت‬ ‫القادح الأول لكوامن‬ ‫موهبتي ال�شعرية‬

‫االتكاء على �إ�سقاط المفردات الأ�سطورية الجاهزة‪ ،‬وحتى‬ ‫عندما يميل �إلى ذلك يظل محتفظا بالقدرة على �إن�شاء ال�صور‬ ‫الجمالية الم�ستقلة بداخل الق�صيدة»‪.‬‬ ‫ويقول الناقد وال�شاعر الجزائري محمد الأمين �سعيدي‪:‬‬ ‫«ق�صائد على الن�سق العمودي وتتمرد عليه في الآن نف�سه؛‬ ‫فهي تنقاد وتع�صي‪ ،‬تجاري وتعار�ض‪ ،‬حتى لك�أني بها تق�ضي‬ ‫على المنطق «الثالث المرفوع» بل �أي منطق يقف �أمام جنون‬ ‫ال�شعر‪ /‬منطقه الخا�ص‪ ،‬ق�صائد ت�شكل عالما �ساحرا بكل‬ ‫مقايي�سه‪ ،‬وتعطي للقارئ ف�سحة ب�أن ي�شتغل بالت�أويل؛ لك�أني بي‬ ‫و�أنا �أقر�ؤها خيميائي المعنى‪� ،‬أمازج ما بين عنا�صره لأكت�شف‬ ‫تف�سيره‪ ،‬و�أح�م��د الخطيب بهكذا �أ�سلوب ير�سم للق�صيدة‬ ‫العمودية‪ ،‬بل للعمود كله مالمح جديدة»‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫القدرة ب�شكل مذهل‪ ،‬حيث يحمل الت�صوير الإبداعي الجديد‬

‫■ د‪� .‬أحمد ال�سامل ‪ -‬ال�سعودية‬

‫جاءت تجربتي ال�شعرية عبر رحلة طويلة‪ ،‬ومذ كنت ذلك الطفل ال�صغير‪ ،‬الذي يدر�س في‬ ‫المرحلة االبتدائية في مدينة دومة الجندل‪ ..‬تلك المدينة الجميلة الهادئة الهانئة بتالحم‬ ‫�أهلها جميعا‪..‬‬ ‫في المدر�سة ال�شرقية (عبداهلل بن رواحة االبتدائية حاليا) عُرف عنِّي قوة حافظتي‪ ،‬خا�صة‬ ‫في جانب ال�شعر‪ ،‬ما جعل �أ�ساتذتي في تلك المرحلة ي�شركونني في حفالت المدر�سة‪ ،‬وتحديدا‬ ‫في الجانب الم�سرحي الذي فيه ن�صو�ص �شعرية‪ .‬ولعل تلك الحفالت كانت القادح الأول لكوامن‬ ‫موهبتي‪.‬‬ ‫مرحلة البدايات‬

‫�أب��و �صالح‪ ،‬و�آخ��ر ا�سمه ع��ادل هوا�س محمود‪،‬‬

‫وكانت في المعهد العلمي في الجوف‪ ،‬وقد وثالث هو عدنان علي بي�ضون‪ ..‬كانوا يقر�ؤون ما‬ ‫��ش��اب ه��ذه المرحلة �ضعف ال �ب��داي��ة‪ ،‬وخلط اكتبه من ال�شعر‪ ،‬ويُبدون لي ملحوظاتهم التي‬ ‫الف�صيح بالعامي‪ ،‬ال في الق�صيدة الواحدة‪� ،‬أفدت منها‪ ،‬وبخا�صة الأ�ستاذ �أبو �صالح‪.‬‬ ‫و�إن��م��ا ف��ي ال �م��زاوج��ة بينهما‪ ،‬ف �ت��ارة �أك�ت��ب‬ ‫وكانت �أول �أبيات كتبتها و�أنا في الأول ثانوي‪،‬‬ ‫بالف�صيح وتارة �أخرى بالعامي‪.‬‬ ‫�أتذكر منها‪:‬‬ ‫وك��ان��ت بيئة المعهد العلمي ف��ي ال�ج��وف‬

‫���ش��ك��رن��ا م���ن �أقـ ـ ـ ـ ــام ل��ن��ا ال��م��ع��اه��د‬ ‫م�شجعة على كتابة ال�شعر الف�صيح‪ ،‬بف�ضل ما‬ ‫بحكمتـ ـ ـ ـ ــه ت��ج��ن��ب��ن��ا ال�����ش��دائ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫فيه من �أ�ساتذة متميزين في علوم اللغة العربية‪،‬‬ ‫وك��ان �أول من ك��ان له ف�ضل عليَّ بعد اهلل من ت�ل�ام���ذة �أك��ـ��ـ��ب��وا ال���ي���وم �سع ـ ـ ـ ـ ــياً‬ ‫�أ�ساتذة هذا المعهد العريق �أ�ستاذ �سوري يكنى‬ ‫وك��ـ��ـ��ل ف���ي غ����دٍ ل��ل��م��ج��د حا�صـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪17‬‬


‫ويظهر عليها �أثر البدايات و�شيء من ال�صنعة‪ ،‬وكان المعهد‬ ‫–�آنذاك – منبر ًا معروف ًا لدى �أهل المنطقة من طالب العلم‬ ‫والمثقفين‪� ،‬أ�سهم في بروز �أكثر من �شاعر من طالبه‪ ،‬وكان‬ ‫بينهم تناف�س �شريف في كتابة ال�شعر و�إلقائه في حفالت‬ ‫المعهد التي تقام برعاية �أمير المنطقة عبدالرحمن بن �أحمد‬ ‫ال�سديري رحمه اهلل‪.‬‬ ‫‪ .2‬المرحلة الثانية‪:‬‬ ‫مرحلة الدرا�سة الجامعية‬ ‫من خالل درا�ستي في كلية اللغة العربية بجامعة الإم��ام‬ ‫محمد ب��ن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬حيث �أ��س��ات��ذة الكلية الكبار‪،‬‬ ‫وبخا�صة الأدب��اء والنقاد منهم‪ ..‬ممن فتحوا لنا مجال كتابة‬ ‫ال�شعر والجر�أة في �إلقائه ون�شره‪ ..‬ن�شرت لي �أول ق�صيدة في‬ ‫جريدة الجزيرة �أو الريا�ض – ال �أتذكر – وكانت في رثاء‬ ‫الملك في�صل بن عبدالعزيز �آل �سعود رحمه اهلل بعنوان (بكت‬ ‫عليه ال�سماء) حيث كان المطر الغزير بعد دفنه رحمه اهلل في‬ ‫مقبرة العود‪ ،‬ويظهر على هذا العنوان عدم الن�ضج والمبالغة‬ ‫في التعبير‪.‬‬ ‫وتعد هذه المرحلة بيئة �أقوى في التناف�س‪ ،‬وكان من طالب‬ ‫الكلية ال�شاعر عبدالرحمن الع�شماوي‪ ،‬و�أحمد البهكلي‪ ،‬و�آخر‬ ‫�سوداني الجن�سية ا�سمه (عبدالرحمن فكي)‪.‬‬ ‫‪ .3‬المرحلة الثالثة‬

‫‪18‬‬

‫مرحلة االنت�شار و�إقامة الأم�سيات‪ ،‬والن�شر في ال�صحف‪،‬‬ ‫واالختالط ب�شعراء من خارج الجامعة‪ ،‬من خالل الأم�سيات‬ ‫والملتقيات الأدبية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫وه�� � � � ��ذه ه � � ��ي م ��رح� �ل ��ة‬ ‫ال� �م� ��� �ش ��ارك ��ات ال��خ��ارج��ي��ة‬ ‫وت�سجيل اال�سم ك�أحد �أدب��اء‬ ‫المملكة و�شعرائها وكتابها‪،‬‬ ‫ورئ��ا� �س��ة وف ��وده ��ا ال �ت��ي لها‬ ‫م �� �ش��ارك��ات ر� �س �م �ي��ة خ ��ارج‬ ‫المملكة �إق�ل�ي�م�ي� ًا وع��ال�م�ي�اً‪.‬‬ ‫ولعل رئا�ستي لوفد المملكة‬ ‫�إل��ى م�ؤتمر الأدب ��اء والكتاب‬ ‫ال �ع��رب ال �ث��ان��ي وال�ع���ش��ري��ن‪،‬‬ ‫والم�شاركة م��ن خ�لال محور‬ ‫(مهرجان ال�شعر)‪ ،‬كانت �أهم‬ ‫الم�شاركات في هذه المرحلة‬ ‫التي هي م�ستمرة �إلى الآن‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫و�أخ��������ذ ال���ع���ل���م ف����ي ال���� ِّ���ص��� َغ���ر اح���ت���ك���ام‬ ‫ف���خ���ذ م����ا ا���س��ط��ع��ت م����ن ع���ل���م وع���ان���د‬

‫‪ .4‬مرحلة الم�شاركات‬ ‫الخارجية وتمثيل‬ ‫المملكة‬

‫– �آنذاك – خادم الحرمين‬ ‫ال�شريفين الملك عبداهلل بن‬ ‫ع�ب��دال�ع��زي��ز – يحفظه اهلل‬ ‫– ثم االن�ضمام �إلى اللجنة‬ ‫العليا للم�شورة في مهرجان‬ ‫الجنادرية‪ .‬وكانت م�شاركاتي‬ ‫في �أم�سيات الجنادرية عالمة‬ ‫ب��ارزة في م�سيرتي ال�شعرية‪،‬‬ ‫�إذْ �شاركت في �ست �أم�سيات‬ ‫بدء ًا من مهرجان الجنادرية‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫ك �م��ا � �ش��رف��ت ب��اخ �ت �ي��اري‬ ‫رئي�س ًا للجنة ال�شعر الف�صيح‬ ‫في مهرجان الجنادرية وذلك‬ ‫ع��ام (‪1419‬ه� �ـ)‪ ،‬وك��ان ذلك‬ ‫�شرف ًا عظيم ًا لي‪ ،‬كون اللجنة‬ ‫ت���ض��م ف��ي ع���ض��وي�ت�ه��ا نخبة‬ ‫متميزة م��ن �أدب ��اء المملكة‪،‬‬ ‫و�أ�ساتذة الجامعات‪ .‬وفي هذه‬ ‫المرحلة �أ� �ص��درت ع��دد ًا من‬ ‫الدواوين ال�شعرية منها‪:‬‬

‫وقد �شرفت ب�إلقاء ق�صيدة‬ ‫افتتاح الن�شاط الثقافي في‬ ‫م �ن �ب��ر ال �ج �ن��ادري��ة ف ��ي ع��ام‬ ‫‪1417‬ه� �ـ‪ ،‬ث��م الم�شاركة ف��ي الأم�سية الكبرى‬ ‫ بوح الخاطر‪.‬‬‫بالجنادرية التي �شارك فيها نخبة من ال�شعراء‬ ‫ �صدى الوجدان‪.‬‬‫العرب بمنا�سبة م��رور مائة ع��ام على توحيد‬ ‫ قبالت على الرمل والحجر‪.‬‬‫المملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وك��ان ذل��ك في‬ ‫ دموع في مواجهة الطوفان‪.‬‬‫عام (‪1419‬ه �ـ)‪ ،‬وبعد ذلك ب�سنتين وتحديد ًا‬ ‫ عندما كنت هناك‪.‬‬‫ع ��ام (‪1421‬ه� � � �ـ)‪�� ،‬ش��رف��ت ب ��إل �ق��اء ق�صيدة‬ ‫االفتتاح العام لمهرجان الجنادرية بح�ضور‬ ‫وقد كانت هذه الدواوين مو�ضوع ًا لعدد من‬ ‫خ ��ادم ال�ح��رم�ي��ن ال�شريفين ال�م�ل��ك ف�ه��د بن الر�سائل العلمية وبحوث الدرا�سات العليا في‬ ‫عبدالعزيز – يرحمه اهلل‪ -‬وولي عهده الأمين الجامعات‪ ،‬ودرا�سة بع�ض الأكاديميين‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪19‬‬


‫■ جمال املو�ساوي ‪ -‬املغرب‬

‫زاد قليل‬

‫ينتمي ال�شعر �إلى منطقة في الطفولة البعيدة‪ .‬لي�س ثمة �شك في ذلك؛ لأن الده�شة تقتات‬ ‫على تلك القراءات الأولى التي تجعل المرء‪ ،‬في ما بعد‪ ،‬يرفع تحدي �إعادة �إنتاج �أفكار مرَّت‪،‬‬ ‫والبحث‪ ،‬في مرحلة الحقة‪ ،‬عن �أفق في الزحام الكبير على باب الحياة‪ .‬وما ال�شعر في النهاية‪،‬‬ ‫وما الكتابة الإبداعية �إذا لم تكن �إعادة ل�صياغة الحياة الما�ضية بعين تنظر مل ّياً �إلى الم�ستقبل‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫و�إذا كان من �شيء ذي �أهمية في تلك الطفولة‬ ‫ال�ب�ع�ي��دة‪ ،‬فهو �أن �ن��ي كنت �أج�ت�ه��د ف��ي حرا�سة‬ ‫المرمى‪ ،‬من دون �أن ينتابني �شعور ب�أنني �س�أقف‬ ‫ذات يوم على بوابة اللغة‪ ،‬باحث ًا عن �أ�سرارها التي‬ ‫لي�ست في متناول جميع النا�س‪ ..‬تلك الأ�سرار‬ ‫التي تمكّن المطّ لع عليها من االحتماء بخيمة‬ ‫الكلمات من ه�شا�شة الحياة‪ ،‬ومن ال�صعود مع‬ ‫�سلّم الأحالم �إلى الح ّد الأبعد‪ ،‬مع ما قد يورثه‬ ‫ذلك من االرتباك �أحياناً‪ ،‬ومن االلتبا�س �أحيان ًا‬ ‫�أخرى‪ ،‬كما لو �أنني ب�صدد البحث عن كنز خفيّ !‬ ‫م��ن �أج��ل ذل��ك‪ ،‬ا�ستعرت ‪-‬م��ن دون �أف�ك��ار‬ ‫م�سبقة‪ -‬طريقا قلمّا ت�ستهوي �أطفاال �أو مراهقين‪،‬‬ ‫القراءة‪ .‬قراءة كل �شيء‪ ،‬و�أي �شيء في بيت وبيئة‬ ‫يع ّز �أن تجد فيها كتابًا‪.‬‬ ‫ه�ك��ذا‪ ،‬يمكن �أن �أب ��د�أ ال��رح�ل��ة‪ .‬زاد قليل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الم�ؤكد‪� ،‬أن الأمر ال يتعلق بالخبز وبع�ض حبات‬ ‫التين في الجراب‪ ،‬لأنطلق باحثا عن غريب اللغة‬ ‫ومهجورها‪� .‬سبقني الأولون‪ ،‬ولي�س لي �أن �أتبعهم‪.‬‬ ‫لم �أحفظ �ألف بيت من ال�شعر لكي �أن�ساها‪ .‬لم‬ ‫يكن الكتاب متاحا في تلك الفترة البعيدة‪ ،‬في‬ ‫المكان البعيد‪ ،‬في البادية غير المعروفة‪ .‬في‬ ‫مد�شر �صغير يدعى «�إعكين»‪ ،‬في نواحي مدينة‬ ‫الح�سيمة �شمالي المغرب‪ .‬لم يكن ثمة ما يدل‬ ‫على الكِ تاب‪ ،‬لكن كان هناك «ال ُكتّابْ »‪ .‬الأبجدية‬ ‫تدخل �إلى القلب قبل دخولها �إلى العقل‪.‬‬ ‫في تلك الفترة من �سبعينيات القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫هكذا كان يبد�أ االحتكاك بالكلمات في مرحلة ما‬ ‫قبل المدر�سة‪� :‬أل��واح‪ ،‬وق�ضبان متفاوتة الطول‪،‬‬ ‫يل�سع بها «الفقيه» �أج�سادنا ال�ضئيلة‪� ،‬إذا اعترى‬ ‫أح�س غفلتنا‬ ‫قراءتنا للآيات الكريمة لحن‪� ،‬أو �إذا � ّ‬

‫التعبير عن الحب‪..‬الح�صان الأول‬ ‫وفي لحظة ما‪ ،‬ت�سرّب ال�شعر �إل��يَّ من �س�ؤال‬ ‫�ضاج حول �إمكانية تحويل الولع بالأدب وال�شعر‬ ‫من خالل ن�صو�ص الكتاب المدر�سي‪� ،‬إلى انهمام‬ ‫ب��ه‪ ،‬و�إل��ى االن��خ��راط في ن�سج الكالم الموزون‬ ‫والمقفّى ذي المعنى‪ .‬هذا الأخير لم يكن مهما‪،‬‬ ‫كما لم يكن �صعبا‪ .‬المراهقة وبداية البحث عن‬ ‫ال��ذات في الحياة‪ ،‬ب�شكل ع��ام‪ ،‬كانتا كفيلتين‪،‬‬ ‫كفاية‪ ،‬بتوفير تنويعات عدة لمعنى واحد‪ .‬التعبير‬ ‫عن الحب!‬ ‫التعبير عن الحب عبر ال�شعر‪ ،‬قد يكون هذا‬ ‫هو ال��داف��ع لذلك ال�س�ؤال ال��ذي �ألقيت به بين‬ ‫ثلة من الأقران والقرينات من زمالء الدرا�سة‪:‬‬ ‫هل يمكن �أن نكتب ال�شعر؟ وما الذي يلزم لكي‬ ‫نفعل ذلك؟ كنا جميعا تقريبا نت�أهب للخروج من‬ ‫خيمة الطفولة‪ ،‬لكي نطل على �أنف�سنا في عنفوان‬ ‫ال�شباب‪ .‬ك�أننا لم نكن نريد العبور من دون �أن‬ ‫نزرع في دواخلنا بذرة االختالف عن الآخرين‪،‬‬ ‫ومن دون �أن نغرّد خارج المعتاد‪.‬‬ ‫م��ا ح ��دث ب�ع��د ذل���ك‪� ،‬أن ك��ل واح���د ح��اول‬ ‫الإجابة على ال�س�ؤال بطريقته‪ .‬وكان لدى الكثير‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫كثير من القلق‬

‫عن �ألواحنا‪ ،‬و�أحيانا من دون موجب وا�ضح غير‬ ‫�أن ينبّه الآخرين!‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬اكت�شفت عطيّة الأبرا�شي وق�ص�صه‬ ‫ذات النهايات ال�سعيدة‪ ،‬بعد �أن تكون الأحداث‬ ‫قد ا�ضطرمت والعواطف ا�ضطربت‪ .‬ثم �سيرة‬ ‫«�سيف بن ذي يزن»‪ ،‬و�سل�سلة «�أبطال الإ�سالم»‪،‬‬ ‫و�سل�سلة «الناجحون»‪ ،‬وبمعايير ذل��ك الوقت‪،‬‬ ‫الكثير من نفائ�س مكتبة «ثانوية �إم��زورن»‪ .‬تلك‬ ‫الق�ص�ص والكتب فتحت الطريق �أمام المخيلة‪،‬‬ ‫لتبني نف�سها ا�ستعدادا للحظة لم تكن معلومة وال‬ ‫حتى متوقعة‪.‬‬

‫من الأ�صدقاء �شرف المحاولة؛ �إذ ا�شتد رنين‬ ‫القوافي في الف�صل الدرا�سي طيلة �شهور عدة‪.‬‬ ‫ال ت�سعف الذاكرة في ا�ستح�ضار كل التفا�صيل‪.‬‬ ‫قد تلزمني حلقة من �سل�سلة «البعد الخام�س» �أو‬ ‫«العوالم المتوازية» كي �أعود في الزمن و�أرى كل‬ ‫ما ح�صل‪ .‬في انتظار ذلك‪� ،‬أت�أ�سف لأن �أ�صدقاء‬ ‫تلك الفترة لم ي�أخذوا ذلك الأم��ر بالجد الذي‬ ‫ي�ستحقه‪ .‬النتيجة �أن خرب�شاتي فقط هي التي‬ ‫كتب لها �أن تت�سل�سل وتتوا�صل م��ارة بمحطات‬ ‫متباينة‪ ،‬قبل �أن تتبلور وتتحول �إلى ما �أعتقد �أنه‬ ‫ق�صائد‪ ،‬و�أنها تمنحني �صفة في الحياة‪ .‬هل �أنا‬ ‫�شاعر فعال؟‬ ‫ع�ن��دم��ا ن���ش��رت مجموعتي ال�ث��ان�ي��ة «م��دي��ن‬ ‫لل�صدفة» (‪2007‬م) ب�ع��د ع�شرين �سنة من‬ ‫الإ�صرار على الكتابة‪ ،‬وعلى الح�ضور في الم�شهد‬ ‫ال�شعري بالمغرب‪ ،‬كنت �أعني �أنني لم �آت �إلى‬ ‫ال�شعر �إال على �صهوة ذلك ال�س�ؤال‪ ،‬ولوال �أولئك‬ ‫الأقران الطيبين المحبين للأدب ولل�شعر بوجه‬ ‫خا�ص‪ ،‬ولوال تلك الجل�سة الحميمية على مرمى‬ ‫لم�سة من البحر‪ ،‬ما كان لهذا ال�س�ؤال �أن يدبَّ‬ ‫�إلينا‪ .‬ومع مرور الوقت �صرت �أتوَهَّ مُ �أنني كنت‬ ‫المعنيَّ الوحيد به‪ ،‬و�أن طرحه لم يكن �إال ال�شرارة‬ ‫التي فجّ رت �أعماقي‪ ،‬ال �أعماق الآخرين‪.‬‬ ‫كتابة ال�شعر تحتاج �إلى �شيئين �أ�سا�سيين (كما‬ ‫كنت �أعتقد)‪ ،‬وطبعا ف�أنا �أ�ستعيد هنا الفكرة �أو‬ ‫ال�صدفة التي �ألقت بي �إلى بحر الكلمات‪ ،‬ذات‬ ‫لحظة م��ن �سنة ‪1986‬م‪ .‬الأول ه��و الإح�سا�س‬ ‫بما ي�شبه الحب‪ .‬في �سن ال�ساد�سة ع�شر تعتقد‬ ‫�أن كل فتاة تب�سمت في وجهك فهي فعلت ذلك‬ ‫لأنها تحبك‪ .‬والعن�صر الثاني هو المكت�سبات‬ ‫اللغوية‪ ،‬وبع�ض المهارة في اللعب بالكلمات (وليِّ‬ ‫�أعناقها)‪ ،‬ومحاولة �إعطائها معنى لم يخطر على‬ ‫بال ابن منظور! ولأنني توهّ مت �أنهما متوافران‪،‬‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫وعي �شقيّ ي�سطو على ق�صيدتي‬ ‫هكذا انتبهت‪ ،‬مع الوقت‪� ،‬إلى �أنني �أقود نف�سي‬ ‫في طريق غير م�ألوفة‪ ،‬و�أن قدري يت�شكل بعيدا‬ ‫عن الآخ��ري��ن‪ .‬فكان ال�شعر بهذا ال�شكل ثمرة‬ ‫للعناد‪ ،‬و�أ�شبه م��ا يكون بمطرٍ لغيمة مفاجئة‬ ‫وعابرة‪ .‬لغيمة تنتقي حقال دون �آخر لت�سقي قوما‬ ‫عطا�شً ا‪ .‬قوما يُعرفون ب�سيماهم‪ .‬بجباه عري�ضة‬ ‫تو�سعت ب�سبب حجم الأحالم التي ت�سكنها‪ .‬ك�أن‬ ‫جبهتي كانت واحدة من تلك الجباه‪.‬‬ ‫انتهى الأم��ر ب�أن تحوّل ال�شعر �إلى ما و�صفه‬ ‫به «�سان ج��ون بير�س �أي» �إل��ى «االب��ن ال�شرعي‬ ‫ل�لان��ده��ا���ش»‪ ،‬و�إل ��ى ح�م��الٍ للفِكر‪ ،‬و�إل ��ى م��ر�آ ٍة‬ ‫ب�سبب من ا�صطدام‬ ‫لل�صراع الذي تعي�شه الدواخل ٍ‬ ‫الكائن ال�ضئيل ب�أ�سئلة الوجود ال�ضاغطة‪ .‬وقبل‬ ‫ذلك كنت اكت�شفت محمود دروي�ش‪ ،‬وتوفيق زياد‪،‬‬ ‫و�سميح القا�سم‪ ،‬وكل هذا الألم الفل�سطيني في‬ ‫�أ�شعارهم‪ ،‬والحلم �أي�ضا‪.‬‬ ‫بذلك لم تعد الق�صيدة �سليلة لعفوية الطفولة‪،‬‬ ‫وال لعواطف المراهقة‪ ،‬وال لأ�صداء عمر بن �أبي‬ ‫ربيعة‪ ،‬ونزار قباني‪ ،‬وغيرهم من مجانين الهوى‪.‬‬ ‫�أ�صبحت �أكثر تعر�ضا لهواء الواقع غير ال�سليم‪.‬‬ ‫�أدرك��ت �أنني �أتنف�س في بيئة �صعبة اجتماعيا‪،‬‬ ‫و�أن الكثير من النا�س لي�سوا على ما يرام! هل هو‬ ‫الوعي ال�شقي بد�أ يدبّ �إليَّ ‪ ،‬لال�ستيطان داخلي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫لم �أتردد في االنطالق‪.‬‬

‫ويت�أهب لل�سطو على ق�صيدتي؟‬ ‫ل��م يمنعني دخ��ول��ي لكلية االق �ت �� �ص��اد من‬ ‫�إ�صراري القديم على المزيد من الح�ضور‪ .‬كان‬ ‫حظي وحظ جيل كامل جيدا‪ ،‬لأن جرائد الأحزاب‬ ‫توفر م�ساحات ل�شغب ال�شباب‪ .‬و�أن��ا مدين لها‪،‬‬ ‫ولأ�شخا�ص ثالثة على وجه الخ�صو�ص‪ .‬عراقي‬ ‫ومغربيان‪ :‬ال�شاعر فرا�س عبدالمجيد‪ ،‬وال�شاعر‬ ‫نجيب خ��داري‪ ،‬والكاتب وال��روائ��ي عبدالقادر‬ ‫ال�شاوي‪ .‬لكل واحد من ه��ؤالء �أثر في الم�سيرة‬ ‫المتوا�ضعة المتواترة‪.‬‬ ‫ولأن ال�ج��ام�ع��ة المغربية ف���ض��اء للدرا�سة‬ ‫وللن�ضال ال�سيا�سي بغالف نقابي‪ ،‬و�ساحة لتبادل‬ ‫الأفكار‪ ،‬واللكمات �أحيانا‪ ،‬فقد كان لكل ذلك �أثره‬ ‫على الوعي ال�شقي وعلى الق�صيدة‪ .‬والمت�أمل في‬ ‫ن�صو�ص مجموعتي ال�شعرية الأولى «كتاب الظل»‬ ‫التي كتبت ف��ي الفترة م��ا بين ‪ 1990‬و‪1994‬م‬ ‫(�صدرت �سنة ‪2001‬م ونالت جائزة بيت ال�شعر‬ ‫في المغرب للديوان الأول �سنة ‪2002‬م)‪� ،‬سيعثر‬ ‫على كائن ي�ضني نف�سه بالبحث عن امر�أة لي�ست‬ ‫من لحم ودم؛ ام��ر�أة مفتر�ضة ذات م�سميات‬ ‫كثيرة ودالالت؛ هي الوطن‪ ،‬وهي الكتابة‪ ،‬وهي‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وه��ي ال�ح��ري��ة‪ ،‬وه��ي ال�ح�ل��م‪ ،‬وهي‬ ‫ال �م��ر�أة‪ ،‬هكذا بكل التجريد ال���ض��روري‪ .‬وعن‬ ‫ه��ذا بالتحديد يقول ال�شاعر المغربي محمد‬ ‫حجي محمد « ولكن بماذا يحلم ال�شاعر؟ �إنه‬ ‫يحلم ب�آماد رحبة‪ ،‬وحياة عادلة‪ ،‬ووطن نظيف‪،‬‬ ‫وق�صائد متوهجة‪.‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن ق�سوة ال�ح�ي��اة‪ ،‬وخيباتها‬ ‫المتالحقة‪ ،‬ف�إن ثمة �أحالم ور�ؤى قلبية ت�أتي من‬ ‫�أعماق الحزن والعتمة عا�صفة بخلوة ال�شاعر‬ ‫ال��رائ��ي‪ ،‬ومب�شرة بمطر �أو ميالد ق�صيدة‪� ،‬أو‬ ‫حب‪� ،‬أو ورد‪ ،‬فال�شاعر‪ ،‬الذي ال يرى �إال بقلبه‪ ،‬ال‬

‫يخبو ع�شقه �أبدا‪ ،‬وهو ال يخفي‬ ‫ه��ذا الع�شق بقدر م��ا ي�شهره‬ ‫عالنية في وج��ه ال�م��ر�أة التي‬ ‫�شغف بها‪ ،‬المر�أة التي يبحث‬ ‫عنها ب��ا��س�ت�م��رار‪« ،‬ال �م��ر�أة‪/‬‬ ‫ال��وط��ن‪ ،‬ال�م��ر�أة‪ /‬الق�صيدة‪،‬‬ ‫والمر�أة‪ /‬الحياة»‪.‬‬ ‫ل �ق��د ك ��ان ع �ل��يَّ �أن �أل �ق��ي‬ ‫بالكثير من محاوالت البداية‬ ‫�إل ��ى الأر� �ش �ي��ف ال�خ��ا���ص من‬ ‫�أج ��ل �إف �� �س��اح ال �م �ج��ال لهذه‬ ‫ال�م�ج�م��وع��ة ك��ي ت��رى ال �ن��ور‪.‬‬ ‫لم تفز بجائزة اتحاد كتاب‬ ‫المغرب للأدباء ال�شباب في‬ ‫دورة ‪1994‬م‪ ،‬وكانت ال تزال‬ ‫ط��ري��ة‪ ،‬لكن بيت ال�شعر في‬ ‫المغرب �أن�صفها بعد ثماني‬ ‫� �س �ن��وات‪ .‬ك��ان��ت ق��د � �ص��ارت‬ ‫معتقة! وكانت تلك الجائزة‬ ‫�أج �م��ل م��ا تلقيته طيلة ه��ذه‬ ‫الرحلة الم�ستمرة منذ �أكثر‬ ‫قليال من ربع قرن‪.‬‬ ‫الكتابة م��د وج ��زر‪ .‬ت�شبه‬ ‫�إل� ��ى ح ��د ك�ب�ي��ر ال �م �ن��اخ في‬ ‫ال �م �غ��رب‪ .‬ل��ذل��ك ف�ه��ي رحلة‬ ‫لم (ال) ت�سلم من المطبات‬ ‫والمثبطات �أحيانا‪� .‬إم��ا لأن‬ ‫الحافز ي�ت��وارى �إل��ى الخلف‪،‬‬ ‫و�إما لأن �سطوة اليومي �أقوى‪،‬‬ ‫لكن كل ذلك لم يمنع ال�شالل‪،‬‬ ‫ولم يوقف النهر الذي يهيم في‬ ‫بيد الحياة متدفقا من �أعماق‬ ‫الإن�سان اله�ش‪ ،‬ال��ذي يتخيل‬

‫نف�سه �شاعرا‪ .‬الق�صائد التي‬ ‫ج��اءت بعد «كتاب الظل» لم‬ ‫تقطع مع �أج��واء هذا الأخير‪،‬‬ ‫و�إن كانت �أق��ل �صخباً‪ .‬كانت‬ ‫�أي ��ام الجامعة ق��د انتهت �أو‬ ‫�أو�شكت على االنتهاء‪ ،‬وكنت‬ ‫ق��د ع��دت للت�أمل ف��ي ال��ذات‬ ‫وه��ي ت�ت��دح��رج روي ��دا روي��دا‬ ‫�إل��ى معترك ال�ح�ي��اة‪ :‬العمل‬ ‫ف��ي ال�صحافة‪ ،‬الم�س�ؤولية‬ ‫الأ�سرية‪ ،‬الطفل الأول الجميل‬ ‫�أو ال�ق���ص�ي��دة ال�ب�ي��ول��وج�ي��ة‬ ‫الأول���ى‪ ،‬وم��ا �إل��ى ذل��ك‪ ،‬مما‬ ‫ال يمتّ �إلى ال�شعر ب�أي �صلة‪،‬‬ ‫وي �م��ت �إل ��ى ال�ح�ي��اة ال�ع��ادي��ة‬ ‫لإن�سان عاديّ بكل ال�صالت‪.‬‬ ‫م ��ا م ��ن � �ش��ك ف ��ي �أن ه��ذا‬ ‫ال�ت�ح�وّل ق��د �أخ�م��د الحما�س‬ ‫الزائد‪ ،‬لكن لم يقتل الرغبة‬ ‫ف��ي الكتابة ول��م يمنعني من‬ ‫القراءة‪.‬‬ ‫ن���ص��و���ص ه ��ذه ال�م��رح�ل��ة‬ ‫(‪2000-1994‬م) ه��ي التي‬ ‫ت�ضمنتها مجموعتي الثالثة‬ ‫(م��ن حيث زم��ن ال���ص��دور)‬ ‫«ح��دائ��ق ل��م ي�شعلها �أح ��د»‪،‬‬ ‫ال�صادرة �سنة ‪2011‬م‪� ،‬ضمن‬ ‫م �ن �� �ش��ورات ب�ي��ت ال���ش�ع��ر في‬ ‫المغرب‪.‬‬ ‫كثير من القلق‪ ..‬و�سعي‬ ‫للمزيد‬ ‫الزمن ال يترك �شيئا على‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪23‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ولدت �شاعر ًا‪..‬‬

‫وربما كنت �شاعر ًا قبل مولدي بكثير‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪24‬‬

‫حاله‪ .‬كذلك ال�ش�أن بالن�سبة للأفكار؛ فهي منذورة‬ ‫للتبدل والتطور‪ ،‬ولي�س لأحد �أن ي�ؤاخذ �أحدا‪ .‬لقد‬ ‫بنيت جزءا من �أوهام الكتابة على فكرة �أن الأدب‬ ‫يمكن �أن يغيّر العالم‪ .‬لكنني �أدرك��ت �شيئا ف�شيئا‬ ‫�أن العالم يغيره ال�سيا�سيون وم��دب��رو ال�ح��روب‪،‬‬ ‫و�أن ال�شاعر موجود لي�ضمد جراح الروح! ولير�أب‬ ‫الت�صدعات التي ت�صيب الكائن‪ ،‬وهو يرى العالم‬ ‫على غير ما يريد‪ .‬في هذا الإطار جاءت الن�صو�ص‬ ‫التي كتبتها بعد �سنة ‪2000‬م‪ ،‬خالية من «�أوه��ام»‬ ‫الق�ضايا الكبرى بال�شكل الذي تعارف عليه النا�س‪.‬‬ ‫واع �ت �ب��رتُ �أن الق�ضية الأك �ب��ر بالن�سبة ل��ي هي‬ ‫البحث‪ ،‬متو�سال بال�شعر �أداةً‪ ،‬عن الطريقة التي‬ ‫يمكن للكائن ال�ضئيل �أن يقاوم من خاللها الت�آكل‬ ‫والتال�شي‪.‬‬ ‫لقد ج��اءت ه��ذه الن�صو�ص‪ ،‬ال�ت��ي ت�ضمنتها‬ ‫مجموعتي «مدين لل�صدفة» الثالثة من حيث زمن‬ ‫الكتابة‪ ،‬الثانية من حيث زمن ال�صدور‪� ،‬ضاجة‬ ‫بالأ�سئلة المرتبطة بالوجود‪ .‬الأ�سئلة التي تبحث لها‬ ‫الذات عن �أجوبة ال تهتدي �إليها في الغالب؛ ليبقى‬ ‫الجواب الوحيد هو �أن على هذه الذات �أن ت�ضني‬ ‫نف�سها في البحث عن معنى يجعلها في م�أمن من‬ ‫التبا�س المعاني‪ ،‬ومن ابتذالها‪ .‬فهل �ستنجح؟‬ ‫في ه��ذه المجموعة‪ ،‬هناك انحياز �أكيد �إلى‬ ‫البحث في حقائق الكائن الذي هو �أكثر �شيء جدال‪.‬‬ ‫و�أ�ضحت الكتابة محاولة لفهم العالم انطالقا من‬ ‫ذات الكائن‪ ،‬كما �أ�ضحت تعبيرا ع��ن الحق في‬ ‫الفرح‪ ..‬في الألم‪ ..‬في ال�شك‪ ..‬في قطع هذا ال�شك‬ ‫بيقين يمكن �أن يقطعه �شك جديد‪ .‬عن الحق في‬ ‫�إعادة ت�شكيل كل �شيء‪ ،‬بما في ذلك اختالق وطن‬ ‫من الكلمات والإقامة فيه‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬كان كل ما فعلته عندما �أيقنت �أن ال�شعر لن‬ ‫يغير العالم على طريقة ال�سيا�سيين وهواة الحروب‪،‬‬

‫هو �إعالن حربي الخا�صة على بوابة الخلود للتحكم‬ ‫في قدري الخا�ص‪ ،‬و�إفراد بع�ض الوقت للت�أمل في‬ ‫الحال والم�آل‪ ،‬والبحث عن م�صادر الفرح‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك في مدارات الألم �أحيانا‪ ...‬فلم �أكف عن ن�سب‬ ‫الأحالم �إليّ ‪ ،‬والخيبات �أي�ضا‪ ،‬ومن ثَمَّ �أحاول �إعادة‬ ‫�صياغة المعنى كما يحلو لي‪ ،‬علّي �آن َُ�س القب�س الذي‬ ‫�سير�شدني �إلى �آخر النفق ب�سالم!‬ ‫�إن ثمة �شعورا ينتابني بعد هذه ال�سنوات من‬ ‫محاوالت الإب�ق��اء على الجذوة متقدة في داخلي‬ ‫م�ستعينا على ذلك بالقراءة وت�شجيع الأ�صدقاء‪.‬‬ ‫هذا ال�شعور هو ما �صوّره «بريخت» في ق�صيدة من‬ ‫ق�صائده (�أ�ستعيرها من كتاب «الحكمة ال�ضائعة»‬ ‫للدكتور عبدال�ستار �إبراهيم) حين يقول‪« :‬نف�سي‬ ‫ت�شتاق �إلى �أن �أكون حكيما‪ /‬الكتب القديمة ت�صف‬ ‫لنا م��ن ه��و الحكيم‪ /‬ه��و ال��ذي يعي�ش بعيدا عن‬ ‫منازعات هذه الدنيا‪ /‬يق�ضي عمره الق�صير‪ /‬بال‬ ‫خوف �أو قلق»‪ ،‬بيد �أنني �أن��ازع نف�سي با�ستمرار؛‬ ‫ذلك �أن ال�شاعر قد تتجه به الكتابة روي��دا رويدا‬ ‫نحو مراتب الحكمة‪ ،‬لكنه حتما لن ي�صل �إليها �إال‬ ‫على �صهوة القلق‪ .‬هذا القلق هو وحده الذي ي�صنع‬ ‫الق�صيدة ويمنحها معناها‪ ..‬في حوار ق�صير �ضمن‬ ‫�سل�سلة حوارات كان يعدها ال�شاعر مو�سى حوامدة‬ ‫ل�صحيفة الد�ستور الأردنية كان ال�س�ؤال الأخير هو‬ ‫«هل �أنت را�ض عما حققته حتى اليوم وهل ت�سعى‬ ‫لمن�صب معين؟»‪ ،‬ولأن القلق هو معين الق�صيدة‪،‬‬ ‫فقد كان الجواب هو «وماذا حققت؟ حققت الكثير‬ ‫من القلق‪ .‬و�أ�سعى لتحقيق المزيد»‪.‬‬ ‫هذا القلق الذي �أثمر ثالث مجموعات �شعرية‬ ‫ورق�ي��ة وراب�ع��ة �إلكترونية ن�شرت ف��ي موقع مجلة‬ ‫«الكلمة» التي ي�صدرها الناقد �صبري حافظ من‬ ‫لندن بعنوان «ح��زن يليق بالغريب»‪ ،‬عدد دجنبر‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬كان مو�ضوعا لعدد من القراءات النقدية‬ ‫والمتابعات‪.‬‬

‫■ ح�سن الزهراين‪ -‬ال�سعودية‬

‫البدايات كانت كما تعلمون‬ ‫�صباحاً وع�صفورة‬ ‫جدو ًال من العبق‪..‬‬ ‫النهايات وغيهب الغيب‬ ‫م�صفودة لم يجدها‬ ‫نحيب الطرق‪..‬‬ ‫كان طف ًال في قرية (الق�سمة) �شمال منطقة الباحة‬ ‫ال��واق�ع��ة جنوبي المملكة‪ ..‬ام �ت��زج بالطبيعة‪ ،‬وه��ام‬ ‫بجمالها الأخّ اذ‪..‬‬ ‫ولد �شاعراً‪ ،‬وربما كان �شاعر ًا قبل مولده بكثير‪ ،‬كل‬ ‫�شيء حوله �شاعر؛ ال�سماء‪ ،‬وال�سحب‪ ،‬والنجوم‪ ،‬والقمر‪،‬‬ ‫وال�ج�ب��ال‪ ،‬والأودي� ��ة‪ ،‬وح�ق��ول القمح وال ��ذرة‪ ،‬و�أ�شجار‬ ‫التين‪ ،‬والعنب‪ ،‬والرمان‪ ،‬والم�شم�ش‪ ،‬واللوز‪..‬‬ ‫الأزه���ار الطبيعية ال�ت��ي ي��زي��ن ببع�ضها مالب�سه‪،‬‬ ‫وي�أكل بع�ضها الآخر من �سفوح جبال كانت مرتع ًا للنحل‬ ‫والفرا�شات الحالمة‪..‬‬ ‫كان حلما حالما‪.‬‬ ‫خطوات متوجّ �سة �إل��ى مدر�سة الق�سمة االبتدائية‬ ‫(ال�صف الأول �إل��ى ال�صف ال�ساد�س)‪ ،‬وبينهما رواية‬ ‫طويلة‪..‬‬

‫ثم معهد الباحة العلمي (�أول متو�سط �إل��ى ثالث‬ ‫ثانوي) وبينها روايات ال تنتهي‪� ،‬أبيات من �شعر البدايات‪،‬‬ ‫ال تتجاوز الع�شرة �إذا طالت‪ ،‬في عدة �أغرا�ض �شعرية‪،‬‬ ‫تقابل �أحيانا بالإعجاب‪ ،‬وبال�سخرية �أحيانا �أخرى‪.‬‬ ‫ثم جامعه �أم القرى‪ ،‬ق�سم الجغرافيا‪ ،‬وغربة ربما‬ ‫كانت حافزا قوي ًا لميالد ق�صائد �شجيّة‪..‬‬ ‫ف��ي جامعة �أم ال�ق��رى‪ ،‬كنت �أق�ضي ج � ّل وقتي في‬ ‫المكتبة العامة‪ ،‬وبين كتب الأدب واللغة‪ ..‬بعيدا عن‬ ‫تخ�ص�صي‪.‬‬ ‫وم��وق��ف م��ع ال��دك�ت��ور (فتحي) ح��ول وزن بيت من‬ ‫ال�شعر كان يمليه على طالبه مك�سورا‪ ،‬فثارت ثائرته‪،‬‬ ‫و�سخر مني �أمام الطالب‪ ،‬وطلب مني تقطيع البيت فلم‬ ‫�أفلح‪ ،‬وقام ليقطعه‪ ..‬ف�أده�شتني �شجاعته الأدبية عندما‬ ‫اعترف ب�أن البيت مك�سورٌ‪ ،‬وحاول �أن �أحول تخ�ص�صي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪25‬‬


‫ذه�����ب ال���ه���ج���اء ب��رخ�����ص��ت��ي وب��ط��اق��ت��ي‬ ‫�إن ال��������ه��������ج��������اء ت������ع������ا�������س������ة ووب�������������ال‬

‫‪26‬‬

‫فح�صلت عليهما في اليوم نف�سه تقديرا لل�شعر‪..‬‬ ‫وفي هذه المدر�سة‪ ،‬كتبت ق�صيدة (�أبتاه كيف قتلت �أم��ي)‪ ،‬التي‬ ‫�أخ��ذت حينها �صدى وا�سعاً‪ ،‬وهي ق�صيدة كتبتها على ل�سان الطفلة‬ ‫«رحاب» التي قتل �أبوها �أمها بال�سكين �أمامها و�أمام �إخوتها‪.‬‬ ‫وجدتُ �إحدى المكتبات تبيع ال�صورة من الق�صيدة بع�شرة رياالت‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫فرف�ضت‪.‬‬ ‫ح��ث معظم ال��زم�لاء على الن�شر ف��ي ال�صحف‪ ،‬وتن�شر �أوائ��ل‬ ‫الق�صائد‪ ،‬ويتخذ بع�ضها حيز ًا من المالحق الثقافية‪ ،‬التي لم يكن‬ ‫يحلم ذات يوم �أن يكتب فيها ا�سمه‪ ،‬فكيف بق�صيدة من ق�صائده؟! ولن‬ ‫�أن�سى وين�سى ذلك ال�شاعر الذي كان �أنا‪ ،‬لن نن�سى الزميل عبداهلل بن‬ ‫عاي�ض الذي كان يحمل ق�صائدي �إلى ال�صحف‪� ،‬أو ير�سلها بالبريد‪،‬‬ ‫حر�ص ًا منه وغيظا من برودي والمباالتي‪ ،‬تحققت الف�سحة الأولى من‬ ‫الحلم‪ ،‬وتخرجّ ت من جامعة �أم القرى معلما‪ ..‬ثم عامان في تعليم‬ ‫المخواة‪ ..‬مدير ًا لمدر�سة ناوان ومتو�سطة المخواة‪ ،‬ثم خم�سة �أعوام‬ ‫بثانوية بني عدوان‪ ،‬كانت حافلة بال�شعر والمفارقات العجيبة منذ عام‬ ‫‪1408‬هـ حتى عام ‪1412‬هـ‪.‬‬ ‫نخبة من ع�شاق ال�شعر‪ ،‬في مدر�سة حافلة بالنجاحات حفرت في‬ ‫ذاكرة العمر‪.‬‬ ‫كان زواجي ببيتين من ال�شعر «وهذه لي�ست خرافه»‪ ،‬وهما مثبتان‬ ‫في �أحد دواويني‪� ،‬ساترك لكم عناء البحث عنهما‪..‬‬ ‫�أ�صدرت �أول دواويني ال�شعرية (�أن��ت الحب) عام ‪1409‬ه �ـ‪ ،‬وكم‬ ‫كانت رحلة البحث عن دار طباعة ور�سام للغالف م�ضنية في مدينة‬ ‫جدة‪ ،‬قا�سمني مرارتها – ن�سيبي الأ�ستاذ عطيه الزهراني ‪ -‬الديوان‪،‬‬ ‫ووزعت الديوان �شركة تهامة‪ ،‬وحظيت بمردود ال با�س به‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ه��ذه المدر�سة و َم��ن فيها ينتظرون ك��ل �صباح ق�صيدة‪،‬‬ ‫ومعظم لهفتهم لق�صائد الهجاء التي كنت �أداعب بها بع�ض الزمالء‪،‬‬ ‫كان الجميع يتذوقون ال�شعر ب�شكل ملفت‪ ،‬وكان من بينهم د‪/‬معجب‬ ‫العدواني‪ ،‬كنت �أجمع هذه الق�صائد في ق�صا�صات بمحفظتي‪ ،‬فظنها‬ ‫ل�صو�ص الحرم المحفظة‪ ،‬وفيها رخ�صة القيادة‪ ،‬وبطاقة الأح��وال‪،‬‬ ‫فكتبت طلبا للمرور والأحوال ق�صيدة مطلعها‪:‬‬

‫ون�شرت الق�صيدة حينها في جريدة ال�ب�لاد‪ ،‬وق��ر�أه��ا ق��راءة نقدية‬ ‫الأ�ستاذ خالد الغامدي‪ ،‬ودخ��ل في تفا�صيل ك��ادت �أن ت��ودي بي �إلى‬ ‫ال�سجن! وعلمتُ �أن الجهات المعنية طلبت التحقيق‪ ،‬ولكنني لم �أذهب‪..‬‬ ‫وكانوا مت�سامحين معي‪..‬‬ ‫ثم �صدر ديواني الثاني «في�ض الم�شاعر»‪ ،‬وفاز بجائزة �أبها الأدبية‬ ‫عام ‪1412‬هـ‪ ،‬وهذا ما لم يكن في الح�سبان �أبداً‪ ،‬ولم �أتقدم للم�سابقة‬ ‫التي كانت على م�ستوى الخليج �إال بعد �إلحاحٍ من الزمالء والأق��ارب‪،‬‬ ‫وكانت الجائزة تحت �إ�شراف الأمير ال�شاعر خالد الفي�صل‪ ،‬فكانت‬ ‫حافزا قويا لموا�صلة الم�سيرة بعد كثير من الخيبات‪.‬‬ ‫كلفت ب���إدارة مدر�سة الفي�ض‪ ،‬وبقيت فيها عامين �شهدت نقلة‬ ‫�شعرية بالن�سبة ل��ي منذ ‪1413‬ه� �ـ‪ ،‬واح�ت�ف��اء ملحق ال �ن��دوة الأدب��ي‬ ‫بق�صائدي‪ ،‬عندما كان من �أهم و�أقوى المالحق الثقافية على م�ستوى‬ ‫ال�صحف العربية؛ �إذ كان ين�شر لكبار ال�شعراء والنقاد العرب‪ ،‬وكانت‬ ‫فاتحة الق�صائد «هموم المدير»‪ ،‬التي وجدت قراءات ورود كبار النقاد‬ ‫والم�س�ؤولين �أي�ضاً‪ ،‬وكان ي�شرف على الملحق الأ�ستاذ الأديب محمد‬ ‫المفرجي رحمه اهلل‪ ،‬وكم كان �صارم ًا ودقيق ًا في اختبار ما ين�شر‪ ،‬وال‬ ‫�أن�سى �أنه كتب ذلك الحين مقا ًال عني بعنوان (ح�سن �شعبة من �شعب‬ ‫الإيمان)‪ ،‬تحدث فيه عن زيارتي له في الجريدة‪ ،‬ومعي مجموعة من‬ ‫ق�صائدي لعر�ضها عليه للن�شر‪ ..‬وكذلك احتفاء المجلة العربية‪� ،‬إذ كان‬ ‫رئي�س تحريرها �أديبنا الكبير الأ�ستاذ حمد القا�ضي‪ ،‬فعرَّفت بي ك�شاعر‬ ‫على م�ستوى الوطن العربي‪ ،‬وجاءتني ر�سائل من الأردن وم�صر واليمن‬ ‫وتون�س والمغرب‪ ،‬حيث كانت المجلة وا�سعة االنت�شار‪..‬‬ ‫وال �أن�سى �أول �أم�سية �شعرية احييتها عام ‪1414‬هـ في جمعية الثقافة‬ ‫والفنون في الباحة‪ ،‬وكان ير�أ�سها الأ�ستاذ والأديب محمد في�ضي رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬وي�شرف على الن�شاط الثقافي الأ�ستاذ جمعان عائ�ض‪ ،‬وهو الذي‬ ‫�أدار تلك الأم�سية‪ ،‬ورغم قلة الح�ضور ورهبة التجربة الأولى‪� ..‬إال �أنها‬ ‫نالت �إعجاب الحا�ضرين ب�شكل لم �أتخيله‪ ،‬وك��ان �صداها كبير ًا لم‬ ‫يخطر ببالي‪..‬‬ ‫ثم كلفت في عام ‪1415‬هـ ب�إدارة مدر�سة الق�سمة‪ -‬قريتي‪ ،‬وخالل‬ ‫عملي بها كانت انطالقتي ال�شعرية كما �أزع��م‪ ،‬ر�شحت فيها ل��دورة‬ ‫مديري المدار�س بكلية المعلمين في الطائف‪ ،‬ولن �أن�سى �أن الدكتور‬ ‫�سالم القر�شي عميد الكلية �آنذاك جاء في محا�ضرته بق�صيدة (هموم‬ ‫المدير) م�صورة من جريدة‪ ،‬وجعل المحا�ضرة �أ�شبه بور�شة عمل‬ ‫حول الق�صيدة‪ ،‬وهو ال يعلم مَن �صاحبها‪ ..‬كان بجواري الأ�ستاذ عودة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪27‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ق�صائد ال تن�سى‬ ‫ ق�صيدة (�ش�آبيب البهتان) التي �أطلق ب�سببها‬‫ال�سجين ال�سعودي في فرن�سا‪ ،‬وجهتها با�سمه لل�سفير‬ ‫الدكتور في�صل الحجيالن‪ ،‬و�أم��ر ب�إطالق �سراحه في‬ ‫اليوم التالي‪ ،‬وتكفلت ال�سفارة بكل ال�ضمانات المطلوبة‪.‬‬ ‫ ق�صيدة (�سحابة من ن�سيج ال�ح��زن) وه��ي على‬‫�صفحتي في الفي�س‪.‬‬ ‫ ق�صيدة (ال�شعر والمزاد) التي ن�شرتها في ملحق‬‫الأرب�ع��اء‪ ،‬فجاءني اللوم من كل مكان‪ ،‬ودعاني الأمير‬ ‫في�صل بن محمد م�ستف�سراً‪ ،‬ف�أو�ضحت له‪ ،‬وقال لك ذلك‬ ‫�إال �أن ي�أتينا في الباحة �ضيف كبير‪.‬‬ ‫ ق�صيدة (عذّب ف�أنت محبب)‪ ..‬في ديواني �صدى‬‫الأ�شجان‪ ،‬ال��ذي �أهديته ل�سمو الأمير في�صل بن بندر‬ ‫�أمير الق�صيم والذي ح�ضر تلك الأم�سية‪.‬‬ ‫ اختيرت ق�صيدة (دان��ة الأح�ل�ام) �ضمن �أجمل‬‫مئة ق�صيدة في ال�شعر العربي الإ�سالمي المعا�صر‪،‬‬ ‫ولم �أح�صل على الكتاب �إال العام الما�ضي‪ ،‬في معر�ض‬ ‫الكتاب من دار ال�ضياء الأردنية‪.‬‬ ‫ ت�شرفت ب�إلقاء ق�صيدة حفل مهرجان الجنادرية‬‫(‪� )33‬أمام خادم الحرمين ال�شريفين الملك عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزيز‪.‬‬ ‫ ق�صيدة (قبلة في جبين الوطن) التي اختيرت عام‬‫‪1422‬هـ‪ ،‬لتُدر�س �ضمن مقرر الن�صو�ص الأدبية لل�صف‬ ‫الثالث متو�سط بنين وبنات‪ .‬وقد ُدرِّ�س الن�ص منذ عام‬ ‫‪1425‬ه�ـ‪ .‬و�أعد هذا �أكبر تكريم ل�شعري‪ ،‬وقد �أ�سعدني‬ ‫كثيرا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪28‬‬

‫الطلحي الذي التفت �إلى الدكتور‬ ‫�سالم ق��ائ�لا ل��ه‪� :‬أتعلم لمن هذه‬ ‫الق�صيدة يا دكتور �سالم‪ ،‬قال‪ :‬نعم‬ ‫اال�سم وال�صورة عليها‪ .‬قال‪� :‬أ�س�أل‬ ‫�إذا كنت تعرفه �شخ�صياً؟! قال‪ :‬ال‪.‬‬ ‫ق ��ال ال�ط�ل�ح��ي ب���س�خ��ري��ة‪ :‬هو‬ ‫هذا الطالب الم�ؤدب الذي يجل�س‬ ‫ب �ج��واري‪ ،‬ف��ذه��ل القر�شي رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬وتغيرت مالمحه‪..‬‬ ‫ث��م تلقيت دع ��وة م��ن ال�شيخ‬ ‫�سعد الملي�ص بعد ت�أ�سي�س النادي‬ ‫ب�أ�شهر‪ ،‬لأك��ون ع�ضوا في اللجنة‬ ‫الثقافية التي كان ير�أ�سها حين ذاك‬ ‫الأ��س�ت��اذ عبدالرحمن ال��ده��ري‪،‬‬ ‫مدير عام التربية والتعليم‪ ،‬والذي‬ ‫ب��دوره طلب مني ديواني لطباعته‬ ‫في النادي‪ ...‬و�صدر ديواني الثالث‬ ‫«�صدى الأ�شجان» عن نادي الباحة‪.‬‬ ‫في العام نف�سه كتبت ق�صيدة‬ ‫«و� �ص �م��ة ف��ي ج�ب�ي��ن ال �� �ص��داق��ة»‪،‬‬ ‫و�شكاني �صديقي لإم��ارة الباحة‪،‬‬ ‫وج ��رى التحقيق م �ع��ي‪ ،‬وجل�سنا‬ ‫�أمام الق�ضاء‪ ،‬وكان قد �أعد الئحة‬ ‫قر�أها على القا�ضي‪ ،‬مفادها �أنني‬ ‫ات�ه�م�ت��ه ب��ال��ر� �ش��وة‪ ،‬وت�سببت في‬ ‫ت�شويه �صورته و�صورة �أهالي قريته‪،‬‬ ‫وط�ل��ب �إق��ام��ة ح��د ال �ق��ذف ع�ل��يّ ‪،‬‬ ‫وطلب القا�ضي مني الرد‪ ،‬فرددت‬ ‫ف��ي الجل�سة بق�صيدة ت��زي��د علي‬ ‫الع�شرين بيتاً‪ ،‬وهي مثبته لديهم‬ ‫في �سجل ال�ضبط‪ ،‬وحكم القا�ضي‬ ‫ب� ��أن ت�ح��ال الق�صيدة ل�شاعرين‬ ‫للحكم فيها‪.‬‬ ‫ذه�ب��ت‪ ..‬وكانت مفاج�أتي �أن‬

‫�أجد الحكم ف�ضيلة ال�شيخ ال�شاعر‬ ‫ع�ل��ي ب��ن ق��ا��س��م ال�ف�ي�ف��ي قا�ضي‬ ‫محكمة التمييز‪ ،‬ال��ذي(��ش��طّ ��ر)‬ ‫الق�صيدة كاملة‪ ،‬ون�شرها في ملحق‬ ‫الندوة‪ ،‬و�إلى هذه اللحظة ال �صورة‬ ‫لها عندي‪ ،‬وك��م حاولت �أن �ألغي‬ ‫الن�شر‪ ،‬لأن هذا �سي�صعد الم�شكلة‪،‬‬ ‫وبخا�صة �أن م�شايخ القبائل هنا‬ ‫وب�ع����ض الأ� �ص��دق��اء ط��رح��وا عليّ‬ ‫ف�ك��رة ال�صلح‪ ،‬فوافقتهم‪ ..‬وقد‬ ‫كتب ال�شيخ ر�أيه في خم�سة �أبيات‬ ‫من الق�صيدة‪ ،‬وال �أعلم ماذا جرى‬ ‫بعد هذا من ذلك الحين‪.‬‬ ‫وق��د جمعني ب�صديقي ال�شيخ‬ ‫ال��دك�ت��ور محمد حجر الظافري‪،‬‬ ‫و�أ�صلح بيننا وتعانقنا وبكينا كثير ًا‬ ‫�أم��ام��ه‪ ،‬بعد هجر دام نحو ع�شر‬ ‫�سنوات‪..‬‬ ‫ف�ق��دت �أم��ي رحمها اهلل عام‬ ‫‪1418‬ه �ـ‪ ،‬وبقيت �صامتا حين ًا من‬ ‫ال��ده��ر‪ ،‬ث��م كتبت فيها ق�صائد‬ ‫رث ��اء جمعتها ف��ي دي� ��وان خا�ص‬ ‫«ري �� �ش��ة م��ن ج �ن��اح ال � ��ذل»‪ ،‬وه��و‬ ‫بح�سب ر�أي الدكتور ح�سن الهويمل‬ ‫من ال��دواوي��ن ال�ن��ادرة في ال�شعر‬ ‫العربي‪..‬‬ ‫ت�شرفت ب��إل�ق��اء ق�صيدة في‬ ‫حفل ا�ستقبال خ��ادم الحرميين‬ ‫ال�شريفين الملك ع�ب��داهلل‪ ،‬حين‬ ‫كان ولي ًا للعهد‪ ،‬في زيارته الأولى‬ ‫للباحة‪..‬‬ ‫وال�ق���ص�ي��دة الأه� ��م ال �ت��ي بلغ‬ ‫��ص��داه��ا الآف � ��اق‪ ،‬ه��ي ق�صيدتي‬ ‫في حفل ا�ستقبال الأمير �سلطان‬

‫بن عبدالعزيز رحمه اهلل‪ ،‬حيث خالفت كل تعليمات‬ ‫الإمارة‪ ،‬و�صدحت باحتياجات المنطقة‪ ،‬و�أنا على خوف‬ ‫من العواقب‪ ،‬لكنه رحمه اهلل �أطف�أ خوفي‪ ،‬عندما دعاني‬ ‫وق��ال «ه��ذه ملحمة وطنية رائعة‪ ،‬و�س�أنقل ما فيها �إلى‬ ‫خ��ادم الحرمين ال�شريفين وول��ي عهده‪ ،‬و�ستجدون ما‬ ‫ي�سركم ب�إذن اهلل»‪.‬‬ ‫ون�شرت الق�صيدة في اليوم الثاني م�صحوبة بتعقيب‬ ‫الأمير عليها‪ ،‬وتحدث عنها كثير من الأدباء والمثقفين‬ ‫حينها‪ ،‬وهي م�سجلة على اليوتيوب لمن �أراد الم�شاهدة‪.‬‬ ‫بعد لقائي بالظافري‪� ،‬س�ألني عن ق�صيدة الأمير‬ ‫�سلطان‪ ،‬فقلت له هي من ق�صائد المنا�سبات‪ ،‬وهي كثيرة‬ ‫لدي‪ ،‬فطلبها‪ ..‬وطبع ديوان (قبلة في جبين القبلة)عام‬ ‫‪1422‬هـ‪ ،‬و�أ�شرف على طباعته الأ�ستاذ يحيى مر�ضي‪..‬‬ ‫اخترت لع�ضوية مجل�س �إدارة النادي‪ ،‬ومعي الدكتور‬ ‫�سعيد �أبو عالي‪ ،‬ور�أ�ست لجنة الت�أليف والن�شر في النادي‬ ‫عام ‪1424‬ه�ـ‪ ،‬و�صدر عام ‪1425‬ه�ـ ديواني «تماثل» عن‬ ‫دار الكنوز الأدبية في بيروت‪ ،‬وقد حظي بالكثير من‬ ‫القراءات النقدية ال�شاملة ولبع�ض ق�صائده خا�صة‪.‬‬ ‫عندما جاء الت�شكيل الجديد لإدارات الأندية الأدبية‪،‬‬ ‫تم اختياري نائبا لرئي�س ال�ن��ادي‪ ،‬و�أذك��ر �أن اال�ستاذ‬ ‫�أحمد الم�ساعد ‪�-‬أثناء جل�ستنا التن�سيقية قبل و�صول‬ ‫وفد الوزارة برئا�سة د‪ .‬عبدالعزيز ال�سبيل وكيل الوزارة‬ ‫�آن��ذاك‪ -‬طلب رئا�سة النادي بحكم تفرغه وكبر �سنة‪،‬‬ ‫ولكنه قال كلمة ال تن�سى‪� ..‬أنا �أر�شح نف�سي لرئا�سة النادي‬ ‫�إال �أن يطلبها الأ�ستاذ ح�سن‪( ،‬ب�صمت له بالع�شرة)‪،‬‬ ‫و�سكت الجميع فقمت وباركت له‪.‬‬ ‫�صدر لي عام ‪1427‬ه �ـ دي��وان «�أو��ص��اب ال�سحاب»‪،‬‬ ‫ودي��وان «قطاف ال�شغاف» والطبعة الثانية من «�صدى‬ ‫الأ�شجان»‪ .‬وفي عام ‪1430‬هـ �صدرت الطبعة الثانية من‬ ‫«تماثل»‪ ،‬وع��ام ‪1433‬ه �ـ الطبعة الثانية من «ري�شة من‬ ‫جناح الذل»‪.‬‬ ‫كلفت برئا�سة النادي بعد �إقالة الأ�ستاذ �أحمد‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تم اختياري من المجل�س رئي�س ًا لمجل�س �إدارة النادي‬ ‫وما �أزال حتى الآن‪..‬‬

‫فزت بجائزة با �شراحيل للإبداع ال�شعري في دورتها‬ ‫الثالثة‪ ،‬ولم �أعلم بهذا �إال من ال�شاعر ال�صديق عي�سى‬ ‫جرابا‪ ،‬وفي هذا العام ‪1434‬ه�ـ �أ�صدرت ديواني «هات‬ ‫البقية»‪ ..‬ولدي ثماني مجموعات �شعرية تنتظر دورها‬ ‫في الطباعة‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫■ خالد ال�سنديوين ‪ -‬م�صر‬

‫في كتابه «ال��ذاك��رة التاريخ الن�سيان»‪ ،‬يكتب بول ريكور‪«:‬نتزود بالذكريات من �أج��ل الأي��ام‬ ‫المقبلة‪ ،‬من �أجل الزمان المخ�ص�ص للذكريات»‪ .‬في م�ستودع الما�ضي يقبع جز ٌء غير ي�سير‬ ‫ال في الغياب‪ ..‬غير �أننا‬ ‫من حياتنا‪ .‬نم�ضي عنه‪ ،‬ونظنّ �أننا تركناه �إلى م�صيره؛ يفنى متحل ً‬ ‫ال‬ ‫في لحظ ٍة �أ�شبه ب�صاعقة ت�ضرب ما ح�سبناه ه�شيما متذريّا؛ فينه�ض الما�ضي من العتمة ماث ً‬ ‫تحت م�صبّ الأنوار‪ .‬فال تعرف هل �أنت في محطّ ة ا�ستدعاء منقطعة وم�ؤقّتة‪� ،‬أم �أنّك لم تغادر‬ ‫من هناك‪� ،‬أو غادرتَ وثمّة من ت�سلّل معاك في الخفاء‪ ،‬وبقي راب�ضاً منزويا ينتظر المثول‪ .‬فقط‬ ‫�شرارة نتعرّف في اندالعها �أننا بالفعل في «الزمان المخ�صّ �ص للذكريات»‪.‬‬ ‫(من مقال الناقد عبداهلل ال�سفر عن ديوان الالعب – جريدة الوطن ال�سعودية)‬

‫‪30‬‬

‫غالالت رقيقة هبطت بيني وبين الما�ضي الجميل‬ ‫الذي لم �أغادره‪ ،‬ربما �أكون قد ابتعدت قليال بهيئتي؛‬ ‫لكن الما�ضي يمثل بقوة في مكنون الروح والنف�س‪..‬‬ ‫هناك بالت�أكيد الطفولة حيث مهد ال�شعر‪ ،‬التربة التي‬ ‫�سقطت فيها يوما ما ب��ذرة غام�ضة من عالم �آخر‪،‬‬ ‫وظلت هناك ما �شاء اهلل حتى �أتى الف�صل الموعود‪،‬‬ ‫�أن�ظ��ر �إل��ى الما�ضي‪� ،‬أرى قرية وادع��ة و�شم�س ًا‬ ‫مبهجة‪� ،‬أرى طف ًال ي�ستيقظ �سعيداً‪� ،‬أرى معه رفيق‬ ‫دربه وهما ال يفترقان‪ ..‬يهرعان ب�سرعة �إلى ال�شارع‬ ‫عندما ي�ستمعان �إلى �صوت كرة قدم تدب على الأر�ض‪،‬‬ ‫نداء لم نرف�ضه �أبد ًا ال في هجير وال في مطر وال رياح‪،‬‬ ‫بل لم نرف�ضه في ليل �أو نهار‪� ،‬سعينا دوم ًا �إليه بقوة‬ ‫و�شغف‪ ،‬لم �أعرف له مثي ًال �إال �شغفي بال�شعر الحقاً‪.‬‬ ‫«�سر�سنا» الجميلة‪ ،‬بيتي المطل على العالم‬ ‫الأخ�ضر حتى المدى‪ ،‬لهاثي في ملعب الكرة تذكرة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ق��وي��ة ب��ال��وج��ود ف��ي ال�ساحة‪ ،‬حيث �شهد النا�س له‬ ‫بالموهبة‪ ،‬بمجد الأه ��داف ال�م��ؤث��رة وال�م��راوغ��ات‬ ‫تحديات الفتوة‪ ،‬بل ال�شجارات العفوية التي ربما تعقد‬ ‫�صداقات العمر التي ال تنف�صم‪.‬‬ ‫عيني عقدت عالقات غام�ضة مع الطبيعة‪ ،‬هناك‬ ‫هي مزيج من ال�شغف والده�شة والت�سا�ؤل ممتزجة‬ ‫بالحب والحميمية في قريتي‪ ،‬الحقا ا�ستبدل الحب‬ ‫بالخوف‪ ،‬والحميمية بالقلق‪ ..‬فور هجرتي من القرية‬ ‫�إلى المدينة‪ ،‬ثم من المدينة �إلى خارج م�صر‪.‬‬ ‫الإح�سا�س باالختالف عن الآخرين‪ ،‬هو �أول خطوة‬ ‫في طريق ال�شعر‪ ،‬فت�أمُل منظر طائر يعبر في ال�سماء‪،‬‬ ‫�أو �شجرة تتو�سط الحقول‪ ،‬يبدو �أنها كانت تدريبات‬ ‫للمهمة ال�ق��ادم��ة هنا يتم �إع ��داد ق��اع��دة البيانات‬ ‫الم�صورة للم�ستقبل الغام�ض‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ثمرة الهذيان‪� ..‬سيرة �شاعر‬

‫البدايات‬ ‫الت�أمل والإن���ص��ات العميق‪/‬‬ ‫عبدان يجل�سان في وداع��ة عند‬ ‫قدمي‪�/‬صورة قديمة على حائط‬ ‫بيتي‪ ..‬تثير الت�سا�ؤل عن �أ�صولي‪.‬‬ ‫تتح�س�س الطريق �إل��ى عالم‬ ‫خا�ص يجيب على �أ�سئلة تتردد‬ ‫في روح ال�شاعر‪ ،‬تت�صيد العين‬ ‫مفردات ب�صرية تت�سم بالخلود‬ ‫وال��ذب��ول م �ع �اً‪ ،‬تن�سج المخيّلة‬ ‫عوالم لي�ست بال�ضرورة �سعيدة �أو‬ ‫حزينة؛ لكنها بالت�أكيد جميلة‪..‬‬ ‫جميلة ب�شكل ما غير مفهوم؟‬ ‫ال يمكن �أن ي �ك �وّن ال�شاعر‬ ‫�شخ�صية من دون حد �أدن��ى من‬ ‫القراءة والمتابعة‪� .‬أتذكر �أن �أولى‬ ‫ال�صدمات ال�شعرية ك��ان �شعرا‬ ‫مترجما لل�شاعر الفرن�سي «�أرتور‬ ‫رام�ب��و»‪ ،‬وتحديدا الإ��ش��راق��ات‪..‬‬ ‫خ�ل�ب��ت ل � ّب��ي ال�م��وا��ض�ي��ع الكلية‬ ‫للق�صيدة‪ ،‬وق��وة �إيحاء ال�صورة‬ ‫وب�ساطتها في الوقت نف�سه‪ ،‬مَن‬ ‫ي�ستطيع �أن يقاوم ه��ذا المقطع‬ ‫«لقد ا�ستعيدت الأبدية – البحر‬ ‫ممتزج ًا وال�شم�س»‪.‬‬ ‫تبدو المقاطع بال تهويم وال‬ ‫هذيان‪ ،‬كما اعتدت �أن �أقرا على‬ ‫�سبيل المثال ف��ي الت�سعينيات‪،‬‬ ‫تبدو ك�أنها اكت�شاف جغرافي من‬ ‫عالم �آخر‪.‬‬ ‫ي��رت�ب��ط ال���ش�ع��ر ب��ال�م�ع��ان��اة‪،‬‬ ‫و�أول ح �ل �ق��ات ه���ذه ال �م �ع��ان��اة‬ ‫ه��ي الإح���س��ا���س ب��االخ�ت�لاف في‬ ‫ال�شعور والتلّقي ع��ن الأخ��ري��ن‪،‬‬ ‫وال�ع�لاق��ة م��ع ال��واق��ع المحيط‪،‬‬ ‫ال�شعر ه��و متابعة ل�ل��زم��ن وم��ا‬

‫ورائه‪ ،‬وفي الوقت نف�سه اختالط‬ ‫م�ضني بالواقع الذي الير�ضى �إال‬ ‫بح�ضورك الكامل‪.‬‬ ‫��ص��راع يت�شتت فيه ال�شاعر‬ ‫وي�ستهلك‪ ،‬وهو يبحث عن مو�ضع‬ ‫ق��دم يتماهى فيه مع �شخ�صيته‬ ‫المختلفة – حتى الثامنة ع�شرة‬ ‫لم يكن لي �أي اهتمام بال�شعر‪..‬‬ ‫كنت �أكثر اهتمام ًا بالر�سم‪ ،‬و�أكثر‬ ‫اهتماما بكرة القدم‪ ،‬والغريب �أن‬ ‫قراءاتي كانت تن�صبّ �أكثر على‬ ‫التاريخ والعلوم‪ ،‬ربما لأن ال�شعر‬ ‫التقليدي لم يكن ي�ستهويني‪ ،‬فقد‬ ‫كنت �أرى فيه �صنعـة �أكثر منه‬ ‫بحثا وا�ست�شرافا للمجهول‪.‬‬ ‫ب��ن��اء ع �ل��ى ت �ل��ك ال �ف��و� �ض��ى‬ ‫العقلية‪ ،‬ون�ظ��ر ًا لح�صولي على‬ ‫درجات عالية في الثانوية العامة‪،‬‬ ‫التحقت بكلية العلوم‪ ..‬والمفارقة‬ ‫الأكبر �أنني اكت�شفت �أنني ال �أملك‬ ‫ال ال�صبر الذي يحتاجه العالم‪،‬‬ ‫وال التفكير المنطقي المنظم‬ ‫الذي يميز العالم عن غيره‪.‬‬ ‫م�ضت ال���س�ن��وات الأرب ��ع في‬ ‫كلية العلوم ب�صعوبة‪� ،‬أذهب �إلى‬ ‫الكلية وفي يدي مجالت ال�شعر‬ ‫مثل �إب��داع وغيرها‪ ..‬ك�أنه تحدٍ‬ ‫للواقع‪.‬‬ ‫توا�صلت محاوالت الكتابة بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬وتلك هي الفترة الأ�صعب‬ ‫ف��ي ح�ي��اة �أي ��ش��اع��ر‪ ،‬فالبحث‬ ‫الم�ستمر عن ال�شخ�صية ال�شعرية‬ ‫ي�ستمر طويالً‪ ،‬وي�ستهلك ال�شاعر‬ ‫تماما �إل��ى جانب الواقع العملي‬ ‫ال���ص�ع��ب‪ ،‬وب�خ��ا��ص��ة �إذا كنت‬ ‫ريفياً‪ ،‬هاجرت �إلى المدينة بحث ًا‬

‫‪31‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ديوان الالعب (‪)2012‬‬ ‫�أم��ا ال�لاع��ب‪ ،‬فهو �أخ��ي يا�سر‪ ،‬ع�شقنا مع ًا كرة‬ ‫القدم ع�شق ًا ال يفارق الخيال‪ ،‬و�صل بنا الأم��ر �أن‬ ‫نظمنا م�ب��اري��ات ف��ي فجر �شهر رم���ض��ان ت �ب��د�أ في‬ ‫الظالم وتنتهي‪ ،‬ونحن على و�شك االنهيار‪ ،‬بزغ نجمه‬ ‫في قريتنا و�أخ��ذت حياته الريا�ضية �شكال احترافيا‬ ‫و�أعطى نف�سه كلها لكرة القدم‪ ،‬ب�شكل كان ي�صيبني‬ ‫بالحيرة �أحياناً‪ ،‬والإعجاب �أحيانا �أخرى‪ ،‬لقد ر�أيت‬ ‫�إخال�صا وحبا عجيبين‪.‬‬ ‫ف��ي ال�م�م�ل�ك��ة ��س�ع��دت ب���ص��داق��ة ال���ش��اع��ر عيد‬ ‫الخمي�سي‪ ،‬و�سعدت بالم�ستوى الذي يتمتع به �شعراء‬ ‫المملكة وهو منهم‪ ،‬و�آخرين‪ ،‬مثل‪ :‬القا�ص عبداهلل‬ ‫العقيبي‪ ،‬وال�شاعر ماجد الثبيتي‪ ،‬ومواهب �أخرى‪..‬‬ ‫�إنها تجربة لم تكتمل بعد‪..‬‬

‫رحلتي في ال�شعر‪..‬‬ ‫قطار توقف في محطات كثيرة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪32‬‬

‫عن م�ستقبل وعمل‪.‬‬ ‫في تلك الفترة كتبت كتابي الأول «ميجابولي�س»‬ ‫وه��و بالت�أكيد ع��ن ال�م��دي�ن��ة‪ .‬و�صلت الأوراق �إل��ى‬ ‫فنانين تعرفت عليهم‪ ،‬تكفلوا ب�إعطاء ن�سخة �إلى دار‬ ‫�شرقيات‪ ..‬كتر�شيح منهم لطباعة الديوان‪ ،‬وبالت�أكيد‬ ‫ولفتـــرة طويلة‪ ،‬حالت الإمكانات المادية دون طباعة‬ ‫هذا الديوان‪.‬‬ ‫مع توافر بع�ض المال‪ ،‬كان �أول ما فعلته هو طباعة‬ ‫تجربتي الأول��ى «ميجابولي�س»‪ ،‬و�صلني الكتاب في‬ ‫مكة‪ ،‬وغمرني �إح�سا�س بال�سعادة كما يحدث مع �أي‬ ‫�شاعر يطبع كتابه الأول‪� ،‬إلى هذا الحد لم �أكن �أعد‬ ‫نف�سي قد حققت �أي نجاح يذكر‪ ،‬ف�أي �شاعر مع توافر‬ ‫بع�ض المال ي�ستطيع �أن يطبع كتابا واثنين‪� ،‬إال �أنها‬ ‫كانت الخطوة المادية الأولى في طريق الكتابة‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن هناك مرحلة �أخ��رى من ع��دم الن�شر‬ ‫ا�ستفدت منها‪ ،‬وهي تلك الفترة التي �سبقت الن�شر‬ ‫الإلكتروني حيث اختمرت التجربة في داخلي‪ ،‬و�صرت‬ ‫بطريقة ما �أكثر ن�ضجاً‪ ،‬تبعها ن�شر ديواني الثاني «نمر‬ ‫يبت�سم»‪.‬‬ ‫�شيئان يخلبان لبّي‪ ..‬الطبيعة وكرة القدم‪ ،‬وفي‬ ‫ديواني الثاني حاولت �أن �أمزج بين الفل�سفة وال�صور‬ ‫ال�شعرية الخالبة‪ ،‬وكنت ك�أنني �أنحت تماثيل لحيوانات‬ ‫الغابة‪ ،‬و�أثناء ذلك �أحاول ا�ستنطاقها‪.‬‬ ‫يقول المثقف الكبير والعالم الأنثربولوجي الدكتور‬ ‫ف�ك��ري ح�سن ع��ن دي ��وان «ن�م��ر يبت�سم» ف��ي مقاله‬ ‫(جريدة الغاوون) العدد ‪« :15‬يتجلّى في �صياغة ن�ص‬ ‫ال�سنديوني التكثيف الواعي وال�سل�س بمخارج الألفاظ‬ ‫ووقعها‪ ،‬وملكة الإده��ا���ش‪ ،‬بما يقتن�صه ال�شاعر من‬ ‫م�ضامين غير متوقعة لها وق��ع المفاج�أة‪ .‬يتحدّث‬ ‫القنفذ‪�« :‬أحلم كل ليلة ب�أنه‪ /‬بينما تت�ساقط الأمطار‬ ‫فوق ظهري‪ /‬تتفتح زهرة جميلة‪ /‬من �أحد �أ�شواكي‪/‬‬ ‫بينما يقول عابر‪ :‬ما هذا الجمال!»‪.‬‬ ‫في هذا المقطع وغيره يعزف ال�شاعر لحن ًا هام�س ًا‬ ‫راق�ص ًا ‪ -‬يت�ضافر ‪ -‬مع المنظومات اللحنية الأخرى‬ ‫التي تجعل هذا العمل‪ ،‬في مجمله‪ ،‬ن�سيج ًا مت�شابكاً‪،‬‬ ‫ومقطوعة مو�سيقية م�ت�ع�دّدة الأل �ح��ان المتداخلة‬

‫«‪ ،»Polyphonic‬وفي هذا الهم�س وهذه الرقّة‪ ،‬تقترب‬ ‫الأ��ش�ع��ار م��ن ب�ساطة «�أن �ط��ون دي �سانت اك��زب��ري»‬ ‫وحميميّته في «الأمير ال�صغير»‪« :‬بعد �صمت طويل‬ ‫قال‪� :‬إني �أحبّك‪ /‬ولم يقل �شيئ ًا بعد ذلك‪� /‬ضحكت‪/‬‬ ‫من ال يعرف يقول �إنني �أتثاءب‪ /‬بعدها بقليل تثاءبت‬ ‫فعالً»‪.‬‬ ‫ذات م ��رة بينما ك�ن��ت �أت���ص�ف��ح �أح ��د ال�م��واق��ع‬ ‫الإلكترونية ال�شهيرة قر�أت مقولة لل�شاعر «�أر�شيبالد‬ ‫ماكلي�ش» تقول‪« :‬كرة القدم وال�شعر اليجتمعان»‪ ..‬لم‬ ‫�أ�ستطع �أن �أ�صدق‪ ،‬بل وجدتني �أكتب الرد �سريع ًا في‬ ‫جملة واحدة‪« :‬كرة القدم وال�شعر �شيء واحد»‪.‬‬ ‫ث��م ت��وال��ت على خيالي تلك اللحظات المفعمة‬ ‫بالحياة والجمال بالن�شوة والإث��ارة‪ ،‬وقررت �أن �أكتب‬ ‫ديوانا كام ًال عن كرة قدم ال�شوارع‪.‬‬ ‫تحم�ست دار الغاوون التي ي�شرف عليها ال�شاعر‬ ‫المتميز ماهر �شرف الدين للديوان‪ ،‬وتم طباعة عدة‬ ‫�آالف منه‪ ،‬كهدية م��ع ال�ع��دد رق��م (‪ )47‬م��ن مجلة‬ ‫الغاوون‪ ،‬بمنا�سبة مرور �أربعة �أع��وام على �إن�شائها‪،‬‬ ‫لكنني �أعتقد �أن ظ�ه��ور الكتاب ف��ي خ�ضم ال�ث��ورة‬ ‫الم�صرية لم يجعله يلق االهتمام الكافي‪.‬‬

‫■ �سليمان عبدالعزيز العتيق ‪ -‬ال�سعودية‬

‫ربما كنت في �سن الخام�سة ع�شرة �أو قبلها �أو بعدها بقليل‪ ،‬عندما وقع بيدي كتاب (جواهر‬ ‫الأدب) لأحمد الها�شمي‪ ،‬فقر�أت فيه المعلقات ال�سبع‪ ،‬وكانت تلك القراءة �أول عهدي بتذوق‬ ‫ال�شعر والتعلق به‪ ،‬كحالة م�ستع�صية‪ ،‬الزمتني منذ ذلك الزمن وحتى يومنا هذا‪ ،‬ولم تكن تلك‬ ‫القراءة بق�صد بناء قدرات �شعرية‪ ،‬بل كانت تلذذا ومتعة مح�ضة‪ ،‬ال �أجدها في غير ال�شعر‪.‬‬ ‫وقفت طويال في تلك ال�سن المبكرة‪ ،‬مع امريء القي�س‪ ،‬وطرفة بن العبد‪ ،‬ثم م�ضيت في‬ ‫قراءة كل ما توافر لدي من قديم ال�شعر وحديثه‪ ،‬فقر�أت في ال�شوقيات و�شعر المهجر‪ .‬وكنت‬ ‫�أحر�ص على اقتناء دواوين ال�شعراء‪ ،‬وقد قلت في هذا ال�صدد ق�صيدة تعبر عن هذا ال�شغف‪ ،‬ال‬ ‫�أتذكر منها �إال مطلعها‪:‬‬ ‫دف����������ن����������ت ف�������ي�������ه�������ا وح�����������������ش��������ة ال�����ع�����م�����ر‬ ‫ع�������������ش������رون دي����������وان����������اً م�������ن ال�������ش���ع���ر‬ ‫وق��د قادني حب ال�شعر والتمتع به �إل��ى �أن‬ ‫تتولد لديَّ �أمنية ب�أن �أكون �شاعرا ذات يوم‪.‬‬

‫مبا�شرة لأجواء المعهد العلمي في حائل الذي‬ ‫كنت �أدر�س فيه‪ ،‬والذي كان بيئة خ�صبة م�شجعة‬ ‫ل��ي ول �ع��دد م��ن زم�لائ��ي ممن يملكون رغبات‬ ‫كرغبتي‪� ،‬أو يمتلكون مواهب �أدبية‪ .‬كان ذلك كله‬ ‫بت�أثير مديره الن�شط في ذلك الوقت‪ ،‬وهو الوزير‬ ‫ال�سابق و�أم�ي��ن ع��ام رابطة العالم الإ�سالمي‬ ‫حالي ًا معالي الدكتور عبداهلل بن عبدالمح�سن‬ ‫التركي‪ ،‬الذي كان حينها �شابا في بداية �أعماله‬ ‫الإدارية‪ ،‬جزاه اهلل عنا خيراً‪.‬‬

‫بد�أت بخرب�شات �شعرية‪ ،‬كنت �أ�ستحي من �أن‬ ‫�أعر�ضها حتى على �أقرب �أقراني ممن هم في‬ ‫�سني وم�ستواي الثقافي‪ ،‬ولكنني كنت �أعر�ضها‬ ‫في الخفاء على طرفة‪ ،‬وعمر بن ربيعة‪ ،‬وابن‬ ‫زيدون؛ في�صيبني الإحباط‪ ،‬من نتائج المقارنة‪،‬‬ ‫والي�أ�س من تحقيق الأمنية؛ ثم تعاودني الرغبة‬ ‫ف�أعيد المحاولة‪ ،‬حتى جاءت نهايات المرحلة‬ ‫الثانوية‪ ،‬عندما تملكتني ال�ج��ر�أة على �إظهار‬ ‫�أول ق �� �ص �ي��دة � �ش �ع��رت ب �ق �ب��ول ل �ه��ا من‬ ‫محاوالتي على م��ن ح��ول��ي‪ ،‬وك��ان ذل��ك نتيج ًة ق �ب��ل ��س��ام�ع�ي�ه��ا‪ ،‬ك��ان��ت ف��ي �إح � ��دى ح�ف�لات‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪33‬‬


‫ت�������������ق�������������ول ل���������������ي دع��������������������د وق����������د‬ ‫� ُ�����ش�����غ�����ـ�����ل ال�����������ف������������ؤاد ف������م������ا رق�����ـ�����د‬ ‫ق�����������م ن������ق������ت������ف������ي �أث�����������������ر ال�����ن�����ج�����و‬ ‫م ف����ل����ي���������س ف��������ي ال�����������������وادي �أح��������د‬ ‫ق���������ل���������ت ل���������ه���������ا ك���������ف���������ي ف�����������ش�����ي�����ـ‬ ‫ـ��������ط��������ان ال������ق�������������ص������ائ������د ق���������د وف������د‬ ‫�إن��������������������ي لأه������������������������وى �أن �أق������������و‬ ‫ل ل�������������ص������اح������ب������ي ق������������������و ًال خ����ل����د‬

‫يقول مطلع الق�صيدة‪:‬‬

‫ق����������ـ����������م ل���������ل���������ح���������ي���������اة وح�������ي�������ه�������ا‬ ‫على التخوم‬ ‫ب������ـ������ت������ح������ي������ة ال��������ع��������م��������ل الأك����������������د ع�شرون ناعقاً يحوم‪..‬‬ ‫وق��د �ضاعت م�سودة الق�صيدة‪ ،‬مع �أوراق وموق ٌد عتيق‪..‬‬ ‫كثيرة فقدتها‪ ..‬فن�سيت بقيتها‪.‬‬ ‫وجثة ٌ وبوم‪..‬‬ ‫ف��ي ن�ه��اي��ة ال�م��رح�ل��ة ال �ث��ان��وي��ة‪ ،‬ق� ��ر�أت في وكلبة ٌ بالليل تنبح النجوم‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫كتاب (�شعراء نجد المعا�صرون) لعبد اهلل‬ ‫وب�ع��د ه��ذه ال�م�ق��دم��ة ال �� �س��وداوي��ة‪ ،‬تم�ضي‬ ‫بن �إدري�س‪ ،‬ق�صيدة رمزية من �شعر التفعيلة الق�صيدة حتى ت�صل الخاتمة التي �أقول فيها‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫وق�صيدة (الخراب) هذه بمو�ضوعها الذي‬ ‫ير�سم �صورة لما تعانيه الأم��ة‪ ،‬وما تعي�شه من‬ ‫�أزمة وجودية‪ ،‬تم�س كيان هذه الأمة ووجودها‪،‬‬ ‫هذه الق�صيدة بهذا التوجّ ه وبهذا التناول تمثل‬ ‫الغر�ض الرئي�س الذي تمحورت حوله اهتماماتي‪،‬‬ ‫المنعك�سة على ما قلته من �شعر‪ ،‬فقد كانت‬ ‫ق�ضايا �أمتي‪ ،‬وق�ضايا الوجود الكبرى‪ ،‬وما يدور‬ ‫ح��ول ذل��ك‪ ،‬ه��و وح��ده مو�ضوع �أ��ش�ع��اري‪ .‬فلم‬ ‫�أكتب في �شعر المنا�سبات �أو المديح �أو الهجاء‬ ‫والحمد هلل وال حتى في الغزل ووجدانياته‪ ،‬وقد‬ ‫يُع ُّد ذلك ق�صورا في التجربة ال�شعرية‪ ،‬وليكن‬ ‫ذل��ك‪ ..‬ولكنني ال �أري��د وال �أ�ستطيع �أن �أنفعل‪،‬‬ ‫بما ال ي�شدني وي�ستثير لدي لحظة التوتر التي‬ ‫تلد الق�صيدة‪ .‬ذل��ك لأن ال�شعر كما �أراه هو‬ ‫خلجات القلوب وتطلعات الأرواح؛ فيجب �أن‬ ‫يرتفع عن كل خ�ضوع �أو مغنم �أو تزلف رخي�ص‪،‬‬ ‫و�أن ي�ط��وع ه��ذا ال�شعر‬ ‫ل�ي�ك��ون �إ���ض��اءة ل��دروب‬ ‫االرت�ق��اء ب�إن�سانية هذا‬ ‫الإن�سان‪ ،‬في هذا الزمن‬ ‫الذي توح�شت به الأنانية‬ ‫ال� �ف���ردي���ة والأط�� �م� ��اع‬ ‫الذاتية‪ ،‬وت�ضاءلت فيه‬ ‫معاني الأثرة والت�ضحية‬ ‫والتفاني‪ ،‬من الإن�سان‬ ‫لأخيه الإن�سان‪.‬‬

‫وفي قرابة عام ‪1400‬هـ عاودني الحنين �إلى‬ ‫ال�شعر‪ ،‬ف�أر�سلت �إل��ى الأ�ستاذ حمد القا�ضي‪،‬‬ ‫ال��ذي كان محرر ًا �أدبي ًا في جريدة الجزيرة‪،‬‬ ‫ق�صيدة عنوانها (المدينة الخاطئة)‪ ،‬فاعتذر‬ ‫عن ن�شرها رغ��م �إعجابه بها كما ق��ال ولكنه‬ ‫خ�شي من �إ�سقاطها على ب�ي��روت‪ ،‬التي كانت‬ ‫تعي�ش جحيم الحرب الأهلية حينذاك‪:‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫المعهد‪ ،‬و�أن ��ا ف��ي تلك ال�ف�ت��رة‪� ،‬أج�ل����س على‬ ‫م�ق��اع��د ال�سنة الأخ� �ي ��رة‪ ،‬ق�ب��ل ال��ذه��اب �إل��ى‬ ‫ال�ج��ام�ع��ة‪،‬وع�ن��وان�ه��ا (�إرادة ال �ح �ي��اة) وك��ان‬ ‫مطلعها‪:‬‬

‫لـ «محمد العامر الرميح»‪،‬‬ ‫عنوانها‪( :‬الطوفان)‪ ،‬كانت‬ ‫هي البداية لمعرفتي بهذا‬ ‫ال��ن��وع م��ن ال �� �ش �ع��ر‪ ،‬ال��ذي‬ ‫�أ�صبحت فيما بعد �أبحث عن‬ ‫م���ص��ادره‪� ،‬إع�ج��اب��ا وتمتعا‬ ‫ب �ق��راءت��ه‪ ،‬ف �ق��ر�أت العديد‬ ‫من ال��دواوي��ن ل�شعراء هذا‬ ‫اللون‪ ،‬وب�شكل خا�ص‪� ،‬صالح‬ ‫ع�ب��دال���ص�ب��ور‪ ،‬ف��ي «�أق���ول‬ ‫ل �ك��م»‪ ،‬و«ال �ن��ا���س ف��ي ب�لادي»‬ ‫وعبد الوهاب البياتي في «�أباريق مه�شمة» وبقية‬ ‫دواوينهم‪ .‬وقد �صرت �أطرب لهذا ال�شعر�أكثر من‬ ‫غيره‪ ،‬وترجمة لهذا الإعجاب بهذا اللون الذي‬ ‫كنت �أراه يمنح ال�شاعر مجا ًال �أو�سع من التلقائية‬ ‫الم�ستجيبة لتوتر ال�شاعر ون�شوته وانفعاله مع‬ ‫فكرة الق�صيدة‪ ،‬من حيث التنوع بالقافية وعدد‬ ‫التفعيالت‪ .‬جاء �أول �شعر مكتوب ظهر لي على‬ ‫�صفحات الجرائد‪ ،‬من �شعر التفعيلة‪ ،‬عندما‬ ‫ن�شرت لي عكاظ ق�صيدة (ال�خ��راب)‪ ،‬حينها‬ ‫كنت �أعي�ش �إحباطا وخيبة �أمل‪ ،‬مثل الكثيرين‬ ‫ممن حولي‪ ،‬بعد هزيمة العرب �أمام �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫والتي �سميت بالنك�سة عام ‪1967‬م‪.‬‬

‫وبعد تلك الأيام الكئيبة‪ ،‬انقطعت محاوالتي‬ ‫ال�شم�س؟!‬ ‫ْ‬ ‫يا �سائالً‪� :‬أين تغيب‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬وان�شغلت بظروف خا�صة‪ ،‬وبتوفير‬ ‫تغيب في باري�س يا مجنون‪..‬‬ ‫المعي�شة ل��ي ولعائلتي‪ ،‬وق��د �أكملت درا�ستي‬ ‫حيث يعي�ش النا�س في رواية الطاعونْ ‪.‬‬ ‫وه��ي من�شورة كاملة �ضمن دي��وان��ي الأول الجامعية ب�صعوبة بالغة‪ ،‬منت�سبا في ال�سنتين‬ ‫الأخيرتين للجامعة‪.‬‬ ‫(تجليات الوجد والمطر)‪.‬‬

‫يا دار‪ :‬يا ذات القباب الداكنة ْ‬ ‫يا بِركة النبيذ والن�ساء‬ ‫يا دوحة خ�ضراء‬ ‫ثمارها رماد‬ ‫ي�سقونها الدماء‬ ‫وت�أكل الأكباد‬ ‫وخاتمتها �أق��ول فيها مخاطب ًا تلك المدينة‬ ‫المتخيلة‪:‬‬

‫قفي ب�ساحات المدائن �أجمعين‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫ول��م تكن ب�ي��روت ه��ي المق�صودة ف��ي هذه‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬كما –ربما‪ -‬خ�شي الأ�ستاذ حمد‬ ‫القا�ضي من ذلك‪.‬‬ ‫وفي فر�صة الحقة من ذلك العام‪� ،‬أت��اح لي‬ ‫�أبو يعرب محمد الق�شعمي‪� ،‬أن �أ�شارك ب�أم�سية‬ ‫�شعرية مع عدد من ال�شعراء‪ ،‬كان من بينهم‬ ‫على م��ا �أذك��ر ع�ب��داهلل ال�صيخان‪ ،‬والأم�سية‬ ‫�أقامها فرع رعاية ال�شباب في حائل‪ ،‬والذي كان‬ ‫الأ�ستاذ الق�شعمي مدير ًا له‪ ،‬وفي تلك الأم�سية‬ ‫�ألقيت ق�صيدة (المدينة الخاطئة) التي لَقيَتْ‬ ‫قبوال وحفاو ًة من الح�ضور‪ ،‬وكان من بينهم فهد‬ ‫العريفي يرحمه اهلل‪ ،‬ومحمد ر�ضا ن�صر اهلل‬ ‫و�آخرون‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫من حروف الذاكرة‬ ‫■ ال�شاعر �سوف عبيد ‪ -‬تون�س‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫بال�ساحة الحمرا وفي بكين‬ ‫وب�ساحة الطرف الأغر‬ ‫وعلى �ضفاف ال�سين‬ ‫قولي لأهل الأر�ض‬ ‫في نزق حزين‬ ‫هنا تحدثكم مدينة‬ ‫اجتاحها الزلزال وان�سحقت‬ ‫تحت كوابي�س ال�ضغين ْة ْ‬ ‫نـ ُحرت ب�ساحات القتال‬ ‫و�أُعدمت‬ ‫بجريرة البغي المهينه‪.‬‬

‫ث��م ن��ام��ت ال�م��دي�ن��ة‬ ‫ال�خ��اط�ئ��ة ب�ي��ن �أوراق���ي‬ ‫المهجورة‪ ،‬حتى ن�شرتها‬ ‫�ضمن ق�صائد ديواني‬ ‫الأول (تجليات الوجد‬ ‫وال �م �ط��ر)‪ ،‬ال ��ذي ر�أى‬ ‫ال� �ن ��ور ع� ��ام ‪1430‬ه� � �ـ‬ ‫وال� ��ذي � �ص��در ع��ن دار‬ ‫الأن��دل ����س ب�ح��ائ��ل‪ ،‬وقد‬ ‫ج��اء بعد ف�ت��رة ان�ق�ط��اع �أخ� ��رى‪ ،‬ام �ت��دت نحو‬ ‫ثالثين عاماً‪� ،‬شغلتني خاللها التجارة وطلب‬ ‫الرزق عن ال�شعر ومحاوالته الجادة‪.‬‬ ‫وب �ع��د ‪1428‬ه � �ـ خ� َّ�ف كثير م��ن م�شاغلي‪،‬‬ ‫ف �ع��اودت ممار�سة ع�شقي ل�ل��أدب‪ .‬ف �ق��ر�أت لـ‬ ‫«محمود دروي ����ش» ب��إع�ج��اب‪ ،‬على ال��رغ��م من‬ ‫نفوري من بع�ض �شطحاته التي يطلقها تلقائيا‬ ‫غير �آب��ه لمدلوالتها العقدية‪ ،‬وق ��ر�أت كذلك‬ ‫كثير ًا من ال�شعر المترجم‪ ،‬لـ «�إقبال» و«طاغور»‬ ‫و�شعراء �صينيين و�آخرين غربيين‪.‬‬ ‫ون�شرت ف��ي ه��ذه الفترة ع��دة ق�صائد في‬ ‫المجلة العربية‪ ،‬ومجلة الجوبة والمجلة الثقافية‬ ‫وملحق الجزيرة الأدبي‪.‬‬ ‫وقد �صدر لي عام ‪1428‬هـ �أول كتاب مطبوع‬ ‫(حائل قبل مئة ع��ام‪� ،‬سيرة مدينة في �سيرة‬ ‫رج��ل) ع��ن دار الأن��دل����س ب�ح��ائ��ل‪ ،‬وه��و رواي��ة‬ ‫توثيقية‪ ،‬وقد لقيت هذه ال�سيرة قبو ًال وت�شجيعا‪،‬‬ ‫ممن اطلع عليها‪ .‬وفي عام ‪1432‬ه�ـ ن�شرت لي‬ ‫دار االنت�شار العربي في بيروت كتاب (ال�صين‬ ‫الح�ضارة والثقافة)‪ ،‬و�أخ�ي��ر ًا نـُ�شر لي �ضمن‬ ‫�إ�صدارات النادي الأدبي بحائل ديوان (ر�سالة‬ ‫�إلى عمر الخيام) عن دار المفردات‪.‬‬

‫�أن��ا م��ن جيل فتح وعيه على الأ�سئلة الكبرى‪ ،‬ف��ي الثقافة‬ ‫والأدب‪ ،‬وفي ال�شعر خا�صة‪ ،‬مثل �س�ؤال‪ :‬ب�أي لغة نكتب؟ �أَبالعربية‬ ‫�أم بالفرن�سية‪� ،‬أبالف�صحى �أم بالعامية؟!‬ ‫ففي المرحلة التي �أعقبت �سنة ‪1967‬م‪ ،‬اِعترى الثقافة في‬ ‫تون�س وفي �أغلب البلدان العربية‪ ،‬وحتى في ال�شرق الأق�صى‬ ‫و�أوروب���ا و�أمريكا‪ ،‬حيرة ح��ادة‪ ،‬اِ�ستطاعت �أن ت�� ُر َّج كثيرا من الثوابت‪ ،‬ب�سبب الت�أثير المبا�شر‬ ‫والحاد للأزمات التي وقعت وقتذاك‪ :‬فمن حرب حزيران ‪1967‬م �إلى حرب فيتنام‪ ،‬ومن �أ�صداء‬ ‫الثورة الثقافية في ال�صين �إلى �أحداث ماي ‪1968‬م في فرن�سا‪ ،‬و�إلى حركات التحرّر العارمة في‬ ‫�أمريكا و�إفريقيا‪ ..‬تلك التي كانت كال�سّ يل العارم‪� ،‬أو كالنّار ت�شبّ في الياب�س من الأغ�صان‪ ،‬وفي‬ ‫ما تهاوى من الجذوع‪ ،‬واِن�شرخ من الأغ�صان‪ ،‬وفي ما تناثر من الأوراق‪..‬‬ ‫كان من الممكن �أن �أنخرط في �سياق ال�سائد من‬ ‫ال�شعر ‪،‬ال��ذي كان ُي��راوح بين معاني الغزل والمديح‪،‬‬ ‫وبين معاني الرثاء والتباكي وجلد ال��ذات؛ وك��ان من‬ ‫الممكن �أن �أبا�شر الكتابة بالعامية‪ ،‬متمثال مقول َة �إنها‬ ‫�أق��رب �إل��ى الجماهير و�أ�سهل في ال�ت��داول واالنت�شار؛‬ ‫بل كان بو�سعي �أن �أنخرط في الكتابة باللغة الفرن�سية‬ ‫بو�صفها اللغة الثانية في تون�س‪ ،‬والتي يمكن �أن �أتوا�صل‬ ‫بها مع مدى �أو�سع!‬

‫الأ�صالة العربية‪ ،‬وثانيهما عدم قدرتي على التعبير بها‬ ‫عمّا كان يخالج نف�سي من المعاني الغزيرة والعميقة؛‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬ف�إني �أعتقد �أن الأدب العامي بما ي�شمله من‬ ‫�أمثال‪ ،‬وحكم‪ ،‬و�أزج��ال‪ ،‬و�أغ��ان‪ ،‬وحكايات‪ ،‬وخرافات‪،‬‬ ‫ونوادر‪� ،‬إنما هو �إثراء للأدب العربي‪ ،‬بل هو رافد مهم‬ ‫م��ن رواف��د تجديده وت�ن� ّوع��ه‪ .‬غير �أن��ه عندما ت�صبح‬ ‫الدعوة �إلى ترك الف�صحى و�إبدالها بالدارجة مطلبا‪،‬‬ ‫ف ��إن الأم��ر عندئذ ينقلب �إل��ى ق�ضايا تتعلق ب�أ�سا�س‬ ‫ال�شخ�صية الوطنية التي �أرى �أن العربية هي اللّبنة‬ ‫الأولى في بنائها‪.‬‬

‫ولقد بد�أت فعال في الكتابة بتلك اللغة‪ ،‬ولكنني بعدما‬ ‫اِكت�شفت �أن في العملية اِن�سالخا واِنبتاتا‪ ،‬تراجعت‪.‬‬ ‫في هذا ال�سياق‪ ،‬اِ�ستفدت كثيرا من التراث ال�شفوي‪،‬‬ ‫غير �أني لم �أنخرط في الكتابة بالعامية التون�سية في‬ ‫تلك المرحلة‪ ،‬وذلك ل�سببين اِثنين‪� ،‬أولهما �أنني علمت وبخا�صة في ق�صيدة الجازية‪ ،‬التي راوح��ت فيها بين‬ ‫�أنها كانت تعد دعوة للق�ضاء على الهوية الوطنية ذات م�ستويات عديدة من اللغة‪� ،‬سواء من القامو�س الف�صيح‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫�إن مرجعية ال�شاعر ال�ح��دي��ث ال �ي��وم‪ ،‬م��ا ع��ادت‬ ‫تقت�صر كما كانت على ال�شعر القديم المبثوث في‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫حاولنا �أن نقتب�س من تلك المعالم الإن�سانية‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أو من ال�سجل العامي ال�ب��دوي والح�ضري التون�سي‪،‬‬ ‫وكذلك الم�شرقي؛ فر�سمت �صورة للجازية‪ ،‬وجعلت‬ ‫من �سيرتها م�شاهد ولوحات ومواقف‪ ..‬فيها الكثير من‬ ‫تقنيات الفنون الأخرى‪� ،‬إ�ضافة �إلى فنيات ال�سرد وغيره‬ ‫من �ضروب الكتابة وال�شعر بمختلف �أنواعه‪.‬‬

‫المتون والمختارات والم�صنفات من ال��دواوي��ن‪ ،‬تلك‬ ‫التي يقت�صر الإبداع الحقيقي فيها على بع�ض الق�صائد‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل �صارت تلك المرجعية ت�ستند �أي�ضا �إلى عديد‬ ‫الن�صو�ص الأخرى في الآداب القديمة والمعا�صرة‪ ،‬تلك‬ ‫التي اطلعنا عليها‪ ،‬فاكت�شفنا فيها �آفاق ًا و�أنماط �أخرى‬ ‫من الإبداع‪.‬‬

‫�إلى �شعرنا الحديث من دون ن�سخ �أو نقل مبا�شر؛ �أ ّم��ا الجيل الموالي ال��ذي ت�شكّل وعيه في‬ ‫�سنوات الثلث الأخير من القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫فالآداب تتالقح وتتمازج وتتحاكى وتتطور‪ ،‬لي�س‬ ‫فقد عا�ش فترة اِالنهيار واالنك�سار والدمار‬ ‫بفعل الترجمة واالط�ل�اع فقط‪ ،‬و�إن�م��ا ب�سبب‬ ‫على الم�ستوى المحلي والقومي والعالمي‪،‬‬ ‫العوامل االجتماعية والح�ضارية �أي�ضا‪ .‬فالجيل‬ ‫ف��أراد �أن يبني وي�ؤ�س�س على غير ما وجد‪..‬‬ ‫الذي كتب ق�صائده على نمط التفعيلة‪ ،‬ال�شعر‬ ‫لعله يجد الخال�ص؛ فر�أيناه ين�شد الجديد‬ ‫الحر‪ ،‬وخرج على نمطية البحور والقوافي عند‬ ‫وال �غ��ري��ب �أح �ي��ان��ا‪ ،‬ل�ي����س ف��ي ال�شعر‬ ‫منت�صف ال�ق��رن الع�شرين‪ ،‬ق��د عبّر‬ ‫�د‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫والآداب فح�سب‪ ،‬و�إنما في �شتى‬ ‫ب��ذل��ك ع��ن خ��روج��ه على ن�سق‬ ‫�ص‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ر‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫ال�ف�ن��ون‪ ،‬وق��د ا�ستند على‬ ‫المجتمع ال �ع��رب��ي القائم‬ ‫ال� ��� �ش ��اع ��ر‪،‬ع� �ل ��ى � �ص �ي��اغ��ة‬ ‫�شرعية التجديد والبحث‬ ‫على التقاليد والقيم‪،‬‬ ‫�شخ�صيات ثابتة ال�ج��ذور وا�ضحة‬ ‫والتجريب‪ ،‬تلك التي‬ ‫ت�ل��ك ال �ت��ي تزحزحت الأ��ص��ل على اتّ�صال ب��ال�ذّاك��رة ال�شعبية‬ ‫ب�سبب التطور الكبير وبالهموم العربية‪ ،‬مّا يدفع المتلقّي العربيّ ترنو �إلى �إنجاز �إبداع‬ ‫ف��ي ح�ي��ات�ه��ا‪ ،‬ذل��ك �إلى الإح�سا�س ب�أنّه يعرفها من قبل و�أن عالقة ي�م� ّث��ل ه��واج���س�ه��ا‪،‬‬ ‫ال��ذي ا�ستطاع �أن حميمة تربطه بها �أحبّ �أم كره‪ ،،‬وهذا ما يدلّ على ويعبّر عن همومها‬ ‫ي�ؤثر في كل �شيء �أنّ ال�شّ اعر لي�س من الذين يكتبون في �إطار نقلي و�أح� �ل ��ام� � � �ه � � ��ا‪،‬‬ ‫فيها م��ن تخطيط بحت من التراث‪ ،‬ولي�س من الذين يكتبون في �إطار وذل� ��ك ه��و الأم ��ل‬ ‫المدينة ومعمارها‪ ،‬نقلي بحت من الثقافة الغربية‪ ،‬و�إنّما هو ذاك الذي والمبتغى‪ ..‬فح�سب‬ ‫�إل ��ى ف���ض��اء البيت �سعى �إل��ى التن�سيق بين الأ�صالة والمعا�صرة‪ ،‬ك��ل ج�ي��ل �أن يثبت‬ ‫ومختلف العالقات وطعّم الواقع بروح التّراث‪� ،‬إذ �أنّ ال�شّ عر دوره ب�صماته!‬ ‫التجذير ال االنبتات‪ ،‬والتوا�صل واالنفتاح‪،‬‬ ‫ب� �ي���ن ذوي� � � � ��ه‪ ،‬وم���ن‬ ‫ل� �ق ��د ق� �ل ��ت م � ��رة �إن‬ ‫ال االنغالق والتقوقع‪..‬‬ ‫�أدوات الكتابة والقراءة‪،‬‬ ‫ال�م�ح��اول��ة ف��ي التجديد‬ ‫الميزوني البناني‬ ‫�إل ��ى �أدوات ال �ط �ب��خ‪ ،‬وم��ن‬ ‫�أف�����ض��ل م ��ن ال��ن��ج��اح في‬ ‫الأث ��اث وال�ل�ب��ا���س‪� ،‬إل��ى الأف�ك��ار‬ ‫التقليد‪ ،‬و�إن �إيماني بهذه المقولة‬ ‫والإح�سا�س‪.‬‬ ‫ك��ان نتيجة المناخ الثقافي ال��ذي كان‬ ‫�سائدا �سنة ‪1970‬م‪ ،‬تلك ال�سنة التي بد�أت‬ ‫ �إنّ ق�صيدة جيل الن�صف الثاني من القرن‬ ‫فيها الن�شر‪.‬‬ ‫الع�شرين عبّرت عن ذلك التغيير وال�شرخ‬ ‫الكبير ال��ذي تم ّر ب��ه المجتمعات العربية‬ ‫من ق�صائدي الأولى التي �صورت فيها ذلك البحث‬ ‫��ض�م��ن دواف��ع��ه االج�ت�م��اع�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة وذل��ك الهاج�س الجميل ف��ي ت�ج��اوز ال�سائد ق�صيدة‬ ‫الحذاء‪:‬‬ ‫العديدة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪39‬‬


‫و�إلى اليوم‪ ،‬وبعد مرور �أكثر من ثلث قرن على هذه‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬ما �أزال �أحاول و�أبحث‪!..‬‬ ‫ومن تلك الق�صائد �أي�ضا ق�صيدة المحطة‪ ،‬التي‬ ‫عبرت فيها عن حيرتي المت�أججة بين الأطروحات التي‬ ‫كانت قائمة وقتذاك‪ ،‬والتي كانت تتجاذبني مرة نحو‬ ‫الي�سار‪ ،‬ومرة نحو اليمين‪ ،‬فجعلت من المحطة م�شهدا‬ ‫ي�صور تلك المرحلة‪ ،‬فقلت في ق�صيدة المحطة‪:‬‬

‫وقف الم�سافر و�سط الميدان‬ ‫ي�س�أل عن العنوان‪:‬‬ ‫�إلى اليمين‪ ..‬ثم رويدا رويدا‬ ‫�إلى الي�سار‬ ‫ �شكرا‪.‬‬‫�إلى الي�سار‪ ..‬ثم رويدا رويدا‬ ‫�إلى اليمين‬ ‫ �شكرا‪.‬‬‫�أخذ الم�سافر حقيبته‬ ‫وم�ضى �إلى الأمام‪!..‬‬

‫‪40‬‬

‫هكذا �صورت التناق�ض الذي عا�شته الذهنيات في‬ ‫تلك ال�سنوات المت�أجّ جة بالأ�سئلة‪ ،‬وقد كانت الحركات‬ ‫الفكرية وال�سيا�سية قائمة على قدم و�ساق‪� ،‬سواء في‬ ‫الجامعة‪� ،‬أم في ال�شارع والمجتمع‪� ،‬أم في الأح��داث‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�أنا ل�ست م َنَظِّ ر ًا في الفكر والأيديولوجيا‪ ،‬وال محترفا‬ ‫في ال�سيا�سة؛ ولكنني وجدت �أن التاريخ الإن�ساني �أكبر‬ ‫و�أ�شمل من كل النظريات؛ ومن ثَمَّ ‪ ،‬ف�إن ال�شعر عندي‬ ‫�أو� �س��ع م��ن ال�ع��رو���ض وال�ب�ح��ور‪ ،‬و�أ��ش�م��ل م��ن البالغة‬ ‫والبيان‪ ،‬وحتى اللغة قد ت�ضيق به �أحيانا‪..‬‬ ‫ثمة ق�صائد عندي ما م�سكتها بحرف‪ ،‬وال �أ�سكنتها‬ ‫ورقة‪ ،‬فال عجب �أن كتبت في ال�سنوات الأخيرة بع�ض‬ ‫الأ�شعار العمودية‪ ،‬ربما ب�سبب الحنين �إل��ى الجذور‪،‬‬ ‫�أو بحثا عن طرافة القديم في خ�ض ّم الجديد‪ ،‬لِمَ ال؟!‬ ‫وال�شعر عندي ال يُح ّد ب�أ�شكال وال يُع ّد ب�أنواع!؟‬ ‫�صدر لي‪:‬‬

‫‪ -1‬الأر�ض عط�شى‪1980 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬نوّارة الملح‪1984 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬امر�أة الف�سيف�ساء‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫‪� -4‬صديد الروح‪1989 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬جناح خارج ال�سرب‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬نب ُع واحد ل�ضفاف �شتى‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬عُمر واحد ال يكفي‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫■ عارف الربدي�سي ‪ -‬م�صر‬

‫كانت البدايات في المرحلة االبتدائية‪ ،‬حين �أ�شعلت حما�ستي لل�شعر مدر�سة اللغة العربية‬ ‫بمدر�سة الجالء ب�سوهاج‪� ،‬إذ كانت تُعدّني لإلقاء ق�صائد ال�شعر في طابور ال�صباح‪ ..‬فتوقد في‬ ‫قلبي حبّ ال�شعر عبر �إلقائي لق�صائد �أمير ال�شعراء‪� ،‬أحمد �شوقي‪ .‬و�سرعان ما تولّدت على‬ ‫ل�ساني نغمات ال�شعر الأول��ى متمثلة في �أبيات ب�سيطة‪ ،‬ثم �شجعني وال��دي رحمه اهلل‪ ..‬فكان‬ ‫ح�ضنه بمثابة الواحة الخ�صبة التي نما فيها �شعري‪� ،‬إذ كان يفرح وي�سعد بكل ق�صيدة تن�شر لي‪..‬‬ ‫ما دفعني �إلى موا�صلة التغريد‪..‬‬ ‫وف�ضال عن الحق الطبيعي والميل الفطري الذي‬ ‫غر�سه المولى برحمته ونعمته‪� ،‬أحاطني كبار ال�شعراء‬ ‫والنقاد بف�ضلهم‪ ،‬وروُّوا ب�سل�سبيلهم العذب ريحانة‬ ‫موهبتي‪ ،‬عبر ق��راءة �أعمالهم‪ ..‬ومنهم على �سبيل‬ ‫المثال ال الح�صر �أ�ساتذتي في �سوهاج (مديرية جرجا‬ ‫�سابقاً)‪ ،‬م�سقط ر�أ���س ال�شعر كله‪ ،‬ب��دءًا من «عنخ‬ ‫�شا�شنقي» و«حور محب» (من �شعراء م�صر القديمة)‪،‬‬ ‫وم� ��رور ًا ب �ـ «محمد عبدالمطلب» و«م�ح�م��ود ح�سن‬ ‫�إ�سماعيل»‪ ،‬وغيرهم ممن ي�ضيق المجال بذكرهم‪.‬‬ ‫ت��أث��رت بهالة م��ن الأن ��وار انبعثت �أم��ام عيوني‪،‬‬ ‫وتفجّ ر عطرها في قلبي‪ ،‬عبر قراءة �أعمال ال�شاعر‬ ‫الكبير �أم��ل دنقل‪ ،‬والنهر المتدفق ال�شاعر اليمني‬ ‫عبداهلل البردّوني‪ ،‬و�أ�شجار الفرات البا�سقة ال�شعراء‬ ‫«ب��در �شاكر ال���س�ي��اب»‪ ،‬و«ع�ب��د ال��وه��اب البياتي»‪،‬‬ ‫و«الجواهري»‪ ،‬و�شاعر ال�شعب «�أبو القا�سم ال�شابي»‪،‬‬ ‫و�شاعر الجزيرة العربية الكبير‪« ،‬محمد ح�سن عواد»‪.‬‬ ‫وال �شك �أن جمة �صعوبات واجهتني في رحلتي‪،‬‬ ‫كانت �أ�شبه ب�صخور وجبال وعقبات ال تنتهي‪ ،‬بدءا‬ ‫من موقع �إقامتي في �أقا�صي �صعيد م�صر (�سوهاج‬ ‫– مدينة جرجا)‪ ،‬حيث منعني بعد الم�سافة من‬ ‫الح�ضور مع ال�شعراء‪ ،‬ون�شر ق�صائدي‪� ،‬إلى جانب ق َّل ٍة‬ ‫�سيطرت على الو�سط الأدبي‪ ،‬والتي تنتمي �إلى ال�شللية‬ ‫والمنفعة الخا�صة‪ ..‬لكن و�سائل االت�صال الحديثة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫جاء الربيع‪..‬‬ ‫�سي�شتري حذاء‬ ‫جاء ال�صيف‪..‬‬ ‫�سي�شتري حذاء‬ ‫جاء الخريف‪..‬‬ ‫�سي�شتري حذاء‬ ‫انق�ضى ال�شتاء‪..‬‬ ‫فتعلّم الم�شي حافيا!‬

‫العربية والعالمية‪ ،‬والواقع �أنني كنت متابعا لها‪ ،‬وقارئا‬ ‫نهما لمختلف �أطروحاتها و�أدبياتها‪ ،‬فبقدر ما كنت �أميل‬ ‫لرف�ض ممار�سات االن�ضباط والت�سلط‪ ،‬وبقدر ما كانت‬ ‫بع�ض الأيديولوجيات قائمة على ال�شمولية‪ ،‬بقدر ما كنت‬ ‫�أجد التنوّع واالختالف ثرا ًء في المعرفة‪ ،‬وزاد ًا لملء‬ ‫الوطاب‪ ،‬وغِ نًى للفكر‪ ،‬وف�سحة للرّوح‪ ،‬بحيث كنت �أحب‬ ‫�أبا ذر الغفاري و�شيغيفارا معا‪ ،‬وكنت معجبا بغاندي‬ ‫وحنيبعل كليهما‪..‬‬

‫طابور ال�صباح المدر�سي‪..‬‬ ‫�أوقد في قلبي ال�شعر‬

‫قطعت الطريق على كل ذلك‪..‬‬ ‫كل هذا القهر والخوف لم يعمر طويال؛ فقد ذاب‬ ‫كما الجليد‪ ،‬وتبخّ ر �أمام حرارة م�شاعر الدفء التي‬ ‫�أحاطتني من ال�شعراء الذين �سبق ذكرهم من قبل‬ ‫عبر ق��راءة �أعمالهم‪� .‬إذ �صدر لي دي��وان «الم�شي‬ ‫على البكاء» عن (هيئة الكتاب الم�صرية ‪� -‬سل�سة‬ ‫�إ�شراقات جديدة)‪ ،‬عام ‪2007‬م‪ ،‬ودي��وان «الرهبة»‬ ‫عن دار العلم والإيمان للن�شر‪ ،‬عام ‪2009‬م‪ ،‬وديوان‬ ‫«�شجرة الأ�شواق»‪ ،‬عام ‪1996‬م‪.‬‬ ‫ونلت من الجوائز‬ ‫جائزة الثقافة ‪ -‬ف��رع ثقافة �سوهاج ع��ام ‪2002‬م؛‬ ‫وجائزة التكية عام ‪2010‬م؛ وجائزة جريدة �أخبار‬ ‫الأدب عام ‪2011‬م؛ وجائزة المعهد العربي للدرا�سات‬ ‫في قطر عام ‪2011‬م؛ وجائزة دار �أوبرا للن�شر جائزة‬ ‫الديوان عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ي�ق��ول الأدي ��ب محمود ال�ط�ه�ط��اوي‪« :‬يت�ساقط‬ ‫الوجع من �شعر (ع��ارف البردي�سي) كما المطر‪،‬‬ ‫يتفجر كالدماء ال�ساخنة من ال�شاه المذبوحة‪ ،‬يغلي‬ ‫كالبركان»‪.‬‬ ‫وتقول الأدي�ب��ة د‪ .‬ع��زة ب��در‪�« :‬أحببت ق�صائده‬ ‫التفعيلية المدورة لأنها تعيد �إل��ى خاطري وخيالي‬ ‫ثمر ًا خ�صب ًا لق�صيدة تفعيلية لم تزل ت�ؤتي ثمارها»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪41‬‬


‫■ حممد احلرز ‪ -‬ال�سعودية‬

‫قال لي �أحد الأ�صدقاء‪ ،‬ذات م�ساء‪�« :‬أنت ال تجيد ابتكار حياتك الخا�صة»‪ .‬كان محقا فيما‬ ‫ذهب �إليه؛ لكني لم �أرف�ض الحياة حينما ا�ستوقفني ال�شعر في منت�صف الطريق‪ ,‬وجرني معه‬ ‫�إل��ى الهاوية‪ .‬لم �أدرك هذا المعنى �إال م�ؤخرا‪ ,‬وذل��ك عندما وطئت قدماي الأر���ض الموعودة‬ ‫للأجداد‪ .‬كنت مجردا من �أ�سلحتي الطفولية �إ ّال من الأحا�سي�س التي �صنعتُ منها ما يقاوم‬ ‫الكل�س في الأطراف‪� ,‬أو ما يقاوم الرغبة في االنعتاق من الحرية‪ .‬الم�سافة لم تكن مجرد هذيان‬ ‫خارج التاريخ‪ ,‬لقد جربت ماذا يعني الخروج؟! وعرفتُ �أن الحياة لي�ست خروجا على ال�شعر‪.‬‬ ‫ال�شعر كان هو خروجي الأكبر من الحياة �إلى الحياة‬ ‫ذاتها‪ .‬كان ال�صوفيون ي�سمون ذلك انخطافا وتوحّ دا‪،‬‬ ‫حيث االفتتان بالباطن عندهم هو جوهر الأ�شياء في‬ ‫اللغة وال�سلوك‪ .‬ك��ان توغّ لي انفتاحا على المجهول‪,‬‬ ‫والأر���ض هي الأر���ض‪� ،‬صخبٌ يولد من �صخب‪ ,‬ونعا�سٌ‬ ‫يولد من نعا�س‪ ,‬وما بينهما ق��ررتُ �أن �أغ��زو الكلمات‬ ‫بالمخيلة وكان «دون كي�شوت» ملهمي الأكثر تغلغال في‬ ‫الدم والحوا�س‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫وهكذا‪ ،‬جاء «رجل ي�شبهني» كعمل �شعري‪ ،‬يطارد‬ ‫اللغة‪ ،‬ويعيد و�صلها بالذاكرة وفق الر�ؤية التي تقول �إن‬ ‫ال�شعر لي�س �سوى مجرد كلمات في مختبر لغوي‪ .‬كنت‬ ‫مدفوعا بهذا المعنى‪ ,‬حتى كادت حياتي تنفرط من بين‬ ‫�أ�صابع اللغة‪ ,‬ولكن خفة الكائن ‪-‬كما يعبر كونديرا ‪ -‬في‬ ‫ن�صو�صي هي التي �أعادت المياه �إلى الم�صب‪ ,‬وحولت‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�أغلب ن�صو�ص المجموعة �إلى �شرايين تنب�ض بالحياة‪.‬‬ ‫كان عمال بالن�سبة لي في نهاية الأمر يتوج�س التوغّ ل‬ ‫في الم�سارات الملتوية لتجربة الإن�سان في الوجود‬ ‫والحياة والتاريخ‪ ,‬وكان مبرري في ذلك‪ ،‬هو قناعتي‬ ‫�أننا ك�شعراء ينبغي اكت�شاف عوالم الأر�ض مثلما علينا‬ ‫اكت�شاف عوالم ال�سماء‪ ،‬وما بين هذا وذاك ثمة طائ ٌر‬ ‫يعلو في الأف��ق‪ ،‬هو ما �أ�سميه ال�شاعر بامتياز‪ .‬كنت‬ ‫محمال بهذه الهواج�س عندما عبرتني فكرة �إ�صدار‬ ‫مجموعتي الأخ��رى المعنونة (�أخ��ف من الري�ش �أعمق‬ ‫م��ن الأل ��م)‪ ،‬كانت الفكرة مرعبة بالن�سبة ل�شخ�ص‬ ‫مثلي؛ لأني ‪-‬بكل ب�ساطة‪ -‬ال �أجيد التعامل مع الأمور‬ ‫التقنية والمادية لطباعة �أي كتاب‪ ,‬لكن بالت�أكيد ثمة‬ ‫�أ�سباب �أخرى �أكثر عمقا مما �أظن؛ يبدو لي الآن �أنها‬ ‫تت�صل بالعمق من ر�ؤيتي لل�شعر‪ ,‬وهي ر�ؤي��ة كانت وال‬

‫ربما في كال التجربتين ال�شعريتين لم �أتخل�ص من‬ ‫وط ��أة الإح�سا�س بالألم التي ت�ش ُّد كلماتي �إل��ى القاع‪,‬‬ ‫وتلونها ب�ألوانه‪� ،‬أحيانا كنت �أحيل ال�سبب �إل��ى جرح‬ ‫نرج�سي‪ ,‬ي�ستع�صي على مخيلتي الإم�ساك به‪� ,‬أو تلمّ�س‬ ‫�أثره في ذاكرتي‪ ,‬لقد ذهب هذا الجرح‪ ,‬واختب�أ خلف‬ ‫براءة الطفولة‪ ,‬ول�ستُ قادرا على الك�شف والهتك‪ ,‬وكلما‬ ‫ح��اول��ت‪ ..‬كانت الق�صيد ٌة لي بالمر�صاد‪ ،‬حيث ت�أتي‬ ‫كمحاولة للخروج من م�صيدة الأنا القابعة في �أعماقي‪.‬‬ ‫�أحيانا �أخرى كنت �أحيل ال�سبب �إلى الموروث التربوي‬ ‫تزال تنظر �إلى ال�شعر كقيمة طهرانية ال يمكن تدني�سها‪،‬‬ ‫العقائدي ال��ذي علمني بامتياز �أن الأل��م هو ج��ز ٌء من‬ ‫�أو العبث بكلماتها من خ�لال كتاب �أو مطبوعة‪ .‬هذه‬ ‫هويتي‪ ,‬ومن تاريخي المفقود في التاريخ نف�سه‪ .‬لكني‬ ‫الر�ؤية المثالية في �أغلب وجوهها‪ ،‬ربما جاءتني من‬ ‫ثقل الموروث الديني على كاهلي عبر التاريخ‪ .‬رغم هذا‬ ‫التوجّ �س والخوف الذي ي�شبه المر�ض الع�صابي عندي‪,‬‬ ‫خرجت المجموعة ال�شعرية بين دفتي كتاب مثل رمح‬ ‫�آخيل «�أن يالئم الجراح التي ي�سببها بنف�سه»‪ .‬لقد وقعت‬ ‫في فخ الإ�صدار‪ ،‬وهو دليل على �أننا دائما نقع في �شبكة‬ ‫االرتهان لل�شكل المادي للحياة‪ ,‬لكني �سرعان ما غيرتُ‬ ‫زاوية النظر �إلى المجموعة من خالل �إح�سا�سي العميق‬ ‫بمراحل الوالدة والنمو لن�صو�صها المتنوعة الح�سا�سية‬ ‫وال�شكل‪ ,‬وما واكب ذلك من �شعور غريب كان ينتابني‬ ‫عندما �أنهي كتابة ق�صيدة واحدة على الأقل‪ .‬كان �إيقاع‬ ‫هذا ال�شعور متدفقا مثل نهر جارف‪ ,‬بل ومت�شظيا مثل‬ ‫مرايا في كل ع�ضو من �أع�ضاء الج�سد‪ ,‬كان ج�سدي‬ ‫ممتلئا بالعزلة حينما فتحت �صنبور الإيقاع على �آخره‪,‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ل�ستُ �سوى نابل‬ ‫يرمي �سهامه في الظالم‬

‫لذلك ج��اءت الن�صو�ص ممهورة ب�سمتين �أ�سا�سيتين‪:‬‬ ‫الأولى �إيقاع المكان‪ ,‬والثانية �إيقاع الج�سد‪ ,‬وما بينهما‬ ‫�أ�صبحت �أن��ا الرائي ال��ذي ي�صطاد الحياة في ظالم‬ ‫دام�س‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫‪44‬‬

‫كان �شريط تجارب المبدعين عبر التاريخ الذين‬ ‫�سبّب لهم الألمُ الكثي َر من الإخفاقات والهزات النف�سية‬ ‫في الحياة‪ ،‬تعبر في ذهني‪ ..‬وتجعلني �أقف على �أر�ض‬ ‫�صلبة من خالل ا�ستعادة زمن المبدع وعالقته بزمن‬ ‫الإب��داع‪ ،‬وتحويلهما عندي �إل��ى راف��د من رواف��د كتابة‬ ‫الق�صيدة في بُعدها الحياتي الخا�ص؛ لذلك جاءت‬ ‫الق�صيدة عندي في (�أخف من الري�ش �أعمق من الألم)‪،‬‬ ‫محمّلة بمفردة الأل��م‪ ..‬لي�س الأل��م العاطفي الم�شبع‬ ‫بالح�س الرومان�سي المفرط‪ ,‬لكنه الأل��م ال��ذي تحوّل‬ ‫ّ‬ ‫عندي �إلى ر�ؤية تخترق داللة الكلمات كي تف�ضي بها �إلى‬ ‫داللة الأ�شياء من حولي‪ ,‬و�أ�صبحت المفردة في بع�ض �أنني تخففتُ تدريجيا من تلك الق�صيدة التي كانت‬ ‫داللتها‪ ،‬تحيل �إلى موقف من الحياة والعالم والوجود‪ .‬ت�ضع في طريقي �ألغاما وتغطيها بالورود‪ ,‬لم �أعد ذلك‬ ‫قد تبدو �شهادتي �أ�شبه ما تكون بنوع من االحتفاء الذي يُ�صغي �إلى �ضجيج الكلمات‪ ،‬لقد قطعتُ �صلتي‬ ‫بالعمل ال�شعري‪ ,‬لكنْ َم��ن يذهب �إل��ى االع�ت�ق��اد �أن��ه بالخطيئة الأول��ى مع الب�شر‪ ,‬وتركت �أغلب ال�شعراء‬ ‫با�ستطاعته �أن يترك م�سافة بينه وبين م��ا يكتب‪ ..‬والحكماء يدلّوني على منبع النور وال�ن��ار‪ ،‬حيث كان‬ ‫فهو �ساذجٌ‪� ،‬أو لأق��ل �إن��ه مجرد ف��راغ خ��الٍ من التفاهة �أولهم «زراد�شت» و�آخرهم «�أبو نوا�س»‪.‬‬ ‫واالبتذال‪.‬‬ ‫ال�صدَف َة في‬ ‫في عالمي ال�شعري بري ٌق خافت‪ ،‬ي�شبه َ‬ ‫الإدراك الأولي بالن�سبة لي هو �أننا جميعا متورطون �أعماق البحر‪ ,‬ي�شدّني �إليه كثيرا دون عناء المقاومة‪,‬‬ ‫في �إنتاج الكلمات‪ ،‬ومن ثم االحتفاء بها ح�سبما يتطلبه‬ ‫�أو اال��س�ت���س�لام‪ ,‬ك��م كنت �أراه ��ن على ب�صيرته في‬ ‫ال��وع��ي‪ ,‬وح�سبما تفر�ضه الثقافة وال�ت��اري��خ والحياة‬ ‫التعرّف على الحياة والنا�س من حولي‪� ,‬ألي�س الوثوق في‬ ‫على المرء نف�سه‪ .‬فيما بعد‪ ,‬وعندما �أخذت ق�صيدتي‬ ‫الق�صائد هو خديعتُنا الكبرى في الحياة؟!‬ ‫موقعا في �سياق الديوان‪� ,‬شعرتُ ب�شيء من االرتباك‬ ‫غ��ادرتُ يقيني و�أن��ا لم �أزل على عتبة الق�صيدة‪،‬‬ ‫والتوجّ �س‪ ,‬ثمة قارئ يطاردني عند كل جملة وداخل كل‬ ‫كلمة‪ ,‬القارئ الذي انتظرته طويال ظ َّل قابعا في داخلي لذلك لم يبق لي �سوى ال�شك الذي حملتٌه على كتفيَّ ‪ ,‬ثم‬ ‫مثل �آل��ة ح��ادة تطارد ‪-‬داخ��ل �شراييني‪ -‬كل ق�صيدة دخلت به الق�صيدةَ‪ ,‬وقلتُ لها �سمّيه‪�« :‬أخفُّ من الري�ش‬ ‫ا�ستباحت دمي على يد الآخرين‪ .‬لقد بدا لي بعد ذلك �أعمق من الألم»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�شهادة �شعرية‬

‫�شاعرا‬ ‫في معنى �أن يكون الفرد‬ ‫ً‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫لن �أجانب ال�صواب حينما �أقول �إنني كنتٌ واعيا بطريقة‬ ‫�أو ب�أخرى لهذا الإح�سا�س المركب والمعقد في الوقت‬ ‫نف�سه‪.‬‬

‫■ حممد جميل �أحمد ‪ -‬ال�سودان‬

‫كتابة ال�شعر بالن�سبة لل�شاعر جزء من كتابة الحياة‪ .‬حين يجد المرء نف�سه �شاعرا لأ�سباب‬ ‫كثيرة ومعقدة‪ ،‬ال يمكن �أن يف�سر الكثير من وقائع طفولته مثال‪� ،‬أو حياته الخا�صة والعامة‬ ‫في تلك الطفولة‪� ،‬إال بعد �أ�شواط طويلة في ال�شباب والكهولة‪ .‬ال�شاعر بطبيعته كائن ي�سعى‬ ‫با�ستمرار �إلى توحيد الذات والمو�ضوع في خط واحد‪ ..‬وهذه مهمة �شاقة‪ ،‬لكن �ضغط المخيلة‬ ‫على ر�ؤى ال�شاعر هو ما ينزاح به حيال تلك القناعة‪ .‬حين بد�أتُ كتابة ال�شعر كان الأمر �أقرب �إلى‬ ‫تجربة في تحدي الإيقاع التقليدي وكتابة ن�صو�ص على منواله‪ .‬كان التراث حا�ضرا بقوة من‬ ‫ت�أثير قراءات مبكرة لدواوين �شعراء الجاهلية عنترة‪ ،‬امر�ؤ القي�س‪ ،‬لبيد‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وك��ان انفتاح ال��ذاك��رة على اي�ق��اع ق�صائد‬ ‫ال�م�ق��ررات الدرا�سية ف��ي مراحلها المختلفة‬ ‫م�صحوبة بالأنا�شيد‪ ،‬يحفز التطريب ال��ذي‬ ‫يتولد لدي من تلك القوافي‪� .‬أعتقد �أن االيقاع‬ ‫هو �إغواء ال�شعر الأول؛ فطاقته المو�سيقية هي‬ ‫الأث��ر المادي لل�سماع ال��ذي بهرني في طفولة‬ ‫مبكرة‪ ،‬لم تكن ق��ادرة على الإم�ساك بالمعنى‬ ‫في الن�ص ال�شعري‪.‬‬ ‫وقعت فج�أة على ديوان بدر �شاكر ال�سياب‪،‬‬ ‫في مكتبة ابن عمي (محمود فكاك)‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫الحين‪ ،‬عرفت �أن لل�شعر حداثة ممكنة وقابلة‬ ‫للتذوق‪ ،‬بمعزل عن تلك النمذجة المعيارية‬ ‫المهيبة في ال�ت��راث‪ .‬ال�شعر بالن�سبة لل�شاعر‬ ‫جزء من انبثاق �إح�سا�سه الطبيعي بالحياة؛ هو‬ ‫�صياغة المتناهية من انتهاك النظام الرمزي‬

‫للغة عبر ال�م�ج��از؛ ج��دل ال�شاعر م��ع ال�شعر‬ ‫م�غ��ام��رة م�ت�ج��ددة م��ع اللغة وال� ��ذات والعالم‬ ‫والكلمات والأ�شياء؛ مغامرة ال تنتهي �إال لتبد�أ‬ ‫مرة �أخرى عبر الحوا�س‪.‬‬ ‫منذ �أن ب��د�أت كتابة ال�شعر‪ ،‬وحتى الآن‪ ،‬ال‬ ‫�أدري كيف ينبثق ال�شعر وال �أدرك كُنهه؟ وربما‬ ‫كان على ال�شاعر حين يكتب ن�صه �أن ي�صغي‬ ‫لأ�صوات الإلهام التي ترنّ في الباطن‪ .‬للق�صيدة‬ ‫منابع كثيرة‪� ،‬سواء �أكانت �شعرا مقفى �أم نثريا‬ ‫�أم تفعيلة؟! تلك �أ�شكال خارجية لل�شعر الذي‬ ‫يت�شكل في الداخل من م�صادر غام�ضة للذاكرة‬ ‫والتجربة‪ ،‬والطبيعة والحياة‪.‬‬ ‫وم��ن ال�صعب �أن يم�سك ال�شاعر ب�سبب‬ ‫وا�ضح لق�صيدته؛ فتلك مهمة الناقد في فح�ص‬ ‫الن�ص م��ن خ�لال �أدوات ��ه المعرفية واللغوية‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪45‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪46‬‬

‫�أما ال�شاعر‪ ..‬فغالب ًا ما يكون‬ ‫م�س�ؤو ًال عن التعبير الجمالي‬ ‫لق�صيدته‪� ،‬أو ع��ن �صياغة‬ ‫خ�ط��اب��ه ال �خ��ا���ص ف��ي معجم‬ ‫اللغة‪ .‬وقد يكون ال�شاعر تحت‬ ‫�إلحاح �أو حالة تقوم بال�ضغط‬ ‫عليه‪ ،‬وقد يكتب الق�صيدة في‬ ‫ن�صف �ساعة‪ ،‬و�أحيان ًا تكون‬ ‫عبر التراكم‪ ،‬وت��أخ��ذ �أي��ام�اً؛‬ ‫وقد ت�أخذ �شهرا �أحياناً؛ �إذ‪،‬‬ ‫تختلف ال �ح��االت التعبيرية‬ ‫عن ال�شعر باختالف التجربة‬ ‫وباختالف �إح�سا�س ال�شاعر‪.‬‬ ‫واالن��خ��راط في �ش�أن ال�شعر بو�صفه منحى‬ ‫�أدبيا ينطوي على تعدد لم�صادر ينبثق عنها‬ ‫الحزن غالبا في التاريخ ال�شخ�صي لل�شاعر‪،‬‬ ‫والميول الفطرية‪ ،‬والنظرة العامة للحياة‪،‬‬ ‫وما �إل��ى ذلك من م�صادر متعددة‪ .‬لكن ربما‬ ‫كان التحدي هو في‪ :‬جعل ذلك الحزن �إن�سانيا‬ ‫وعابرا �إلى الآخرين‪ ،‬بو�صفه تجربة جمالية عبر‬ ‫خا�صية الإب��داع ال�شعري‪ ..‬فذلك هو المحك‪.‬‬ ‫فما يجعل العواطف الإن�سانية الخا�صة لل�شاعر‬ ‫جميلة لدى الآخرين هو الإبداع‪.‬‬ ‫ال�شعر وال���ش��اع��ر كلها خ �ي��ارات تفر�ضها‬ ‫الموهبة والتجربة‪ .‬ثمة ا�ستعدادت وميول تجعل‬ ‫من �شخ�ص ما �شاعرا‪� ،‬أو ناقدا‪� ،‬أو ت�شكيليا‪.‬‬ ‫فال�شعر كتعبير جمالي ال تنبثق مفاعيله من‬ ‫ح�سا�سية واح��دة‪ ،‬بل تتعدد بتعدد التجارب‪.‬‬ ‫ذلك �أن ال�شعر يالحق با�ستمرار �إيقاع الحياة‬ ‫الإن�سانية وت��د ّف�ق�ه��ا‪ .‬وال�شاعر ه��و م��ن يكون‬ ‫ق��ادرا للحظات على �أن يقب�ض معنى الجمال‬ ‫الخا�ص للكلمات في الوعيه‪ ،‬ويجعل من ذلك‬ ‫المعنى قابال لأن يكون تجربة ي�شاركه فيها‬ ‫الآخرون‪� .‬صحيح في �شعري نزعة ميتافيزيقية‬

‫وطابع تجريدي‪ .‬وتلك �سمات‬ ‫تلعب في تحديدها م�صادر‬ ‫غام�ضة جدا‪ ،‬وت�أتي حيثياتها‬ ‫ع �ب��ر م ��راك� �م ��ة وا� �ش �ت �ب��اك‬ ‫ب�ي��ن ال �ع��دي��د م��ن ال�ت�ج��ارب‬ ‫والمواقف والمنا�سبات‪ .‬حين‬ ‫ي�ك�ت��ب ال �� �ش��اع��ر ي�ستح�ضر‬ ‫الالوعي‪ ،‬وهذه منطقة يكمن‬ ‫ف�ي�ه��ا ال�ك�ث�ي��ر م��ن عنا�صر‬ ‫الحياة الغام�ضة‪� ..‬إذ ت�أتي‬ ‫المعاني‪ ،‬وتتدفق االنفعاالت‬ ‫ب�صورة ع�شوائية في البداية‪،‬‬ ‫ولكن ال�شاعر يعيد تنظيمها‬ ‫عبر الحذف والتنقيح �إلى �أن ت�ستوي الق�صيدة‪.‬‬ ‫مالمح الن�ص ت�أخذ تكوينها ب�صورة عفوية‪،‬‬ ‫ينتجها ال�شاعر م�أخوذا بحرارة التجربة‪ ،‬لكن‬ ‫خروج تلك المالمح في ق�صيدة ما‪ ،‬و�إحاالتها‬ ‫�إل���ى م �ع��ان م �ت �ع��ددة‪�� ،‬ض�م��ن ق � ��راءات العقل‬ ‫الواعي؛ كل تلك العمليات هي من �ش�أن الناقد‬ ‫الذي يختبر �أدوات المعرفة اللغوية والفنية في‬ ‫ر�صد التجربة ال�شعرية‪ ،‬والغو�ص في م�ستويات‬ ‫القراءة والت�أويل‪.‬‬ ‫الموهبة هي البداية؛ بل هي الأ�سا�س‪ ..‬ف�إذا‬ ‫كف عن كونه �إبداعا‪،‬‬ ‫غابت الموهبة عن ال�شعر ّ‬ ‫وتحوّل �إلى �صناعة‪ .‬لكن التمرّ�س في الموهبة‬ ‫يمنح ال���ش��اع��ر ال �ق��درة ع�ل��ى اخ�ت�ي��ار الكتابة‬ ‫ال�شعرية كن�شاط تعبيري و�إبداعي‪ ،‬ومن تزاوج‬ ‫الموهبة باالحتراف ت�أتي الكتابة ال�شعرية في‬ ‫بع�ض الأحيان لتعبّر عن الإثنين معا‪ .‬لكن ال�شعر‬ ‫في ت�أويله الإبداعي العميق هو بال�ضرورة كتابة‬ ‫تتجاوز معنى المهنة بكثير‪ .‬فال�شعر اختراق‬ ‫للغة والواقع والزمن‪ ،‬من خالل تجربة �إن�سانية‬ ‫ممتازة‪ ،‬تملك با�ستمرار قابلية متجددة للت�أثير‬ ‫على مر الأزمنة‪.‬‬

‫بد�أت الكتابة ال�شعرية منذ بداية الت�سعينيات‪،‬‬ ‫وكانت تجربتي با�ستمرار تجعلني في كل مرحلة‬ ‫�أبحث عن قطيعة مع كتاباتي ال�سابقة‪ ،‬وربما‬ ‫لهذا ال�سبب‪� ،‬أ�صبح لدي مجموعة �شعرية واحدة‬ ‫حتى الآن‪ .‬وه��ي مجموعة (ب��ري��د الحوا�س)‬ ‫ال�ت��ي ر�ضيت عنها �شعريا م��ن خ�لال ر�ؤي�ت��ي‬ ‫لمعنى ال�شعر حاليا‪ ،‬و�إال ف�إنه كان بالإمكان �أن‬ ‫�أ�صدر �أكثر من مجموعة �شعرية منذ منت�صف‬ ‫الت�سعينيات‪.‬‬ ‫حين يح�ضر ال�شعر تح�ضر الحياة‪ ،‬وبهذا‬ ‫المعنى؛ ف�إن التجربة ال�شعرية تخترق الذاتي‬ ‫والمو�ضوعي بمعدل واحد من الت�صريح؛ لهذا‪،‬‬ ‫غالبا ما يقول ال�شعر المعاني بعك�س و�ضوحها‬ ‫في قامو�س اللغة والعالم‪ ،‬وي�ضمر من خاللها‬ ‫ر�ؤي��ة �شخ�صية للكلمات تنفك بها عن قامو�س‬ ‫اللغة والعالم والأ�شياء‪.‬‬ ‫ت�أخذ الكتابة ال�شعرية طابعها من �شخ�صية‬ ‫ال�شاعر وميوله ونزعاته وتجاربه‪ .‬لكن هذا‬ ‫الميل ال يعني بال�ضرورة حالة واحدة ممتدة من‬ ‫التعبير‪ .‬ففي كل تجربة جديدة في الحياة يكون‬ ‫هناك تعبير جديد‪ .‬الأ�سلوبية في كتابة ال�شعر‬ ‫ت��أخ��ذ طابعها م��ن م��راح��ل التعبير والمعجم‬ ‫ال�شخ�صي لل�شاعر‪ ،‬والفرادة التي تدرجه في‬ ‫مكان متميز‪� .‬أعتقد �أن��ه ربما كانت الفرادة‬ ‫في ال�صوت ال�شعري من �أهم عالمات التميز‬ ‫بالن�سبة لل�شاعر‪ ،‬ب�صرف النظر عن الطابع‬ ‫الذي يلوّن �شعره لناحية التجني�س‪ .‬كل النا�س‬ ‫تكتب ع��ن ال �ح��زن‪ ،‬لكن التعبير عنه يختلف‬ ‫باختالف التجارب ال�شعرية‪ .‬لكن مع ذل��ك‪..‬‬ ‫رب�م��ا تفر�ض ال�م��راح��ل المختلفة اخ�ت�ي��ارات‬ ‫جديدة على الكتابة ال�شعرية‪ ،‬وتختبر اقتراحات‬ ‫مختلفة للتعبير‪.‬‬ ‫ال�شعر عملية ال نهائية؛ فهو ال يمكن �أن تحده‬

‫حدود حتى في المو�ضوع ذي التيمة الواحدة؛‬ ‫لأنه في كل كتابة �شعرية‪ ..‬يخلق ال�شاعر عالما‬ ‫جديدا تتمو�ضع فيه الكلمات والأ�شياء بعيدا عن‬ ‫حيثياتها في نظام اللغة والعالم‪ .‬وهذه الخا�صية‬ ‫التي تمنح ال�شعر �آفاقا خارقة للغة والزمن‪ .‬ومن‬ ‫ال�صعب تحديد خط بياني لل�شعر؛ فال�شعر �ضد‬ ‫كل الخطوط المر�سومة �سلفا‪ .‬لكل كتابة �شعرية‬ ‫ب�صمة مختلفة ع��ن الكتابة الأخ ��رى ول��و كان‬ ‫المو�ضوع واحدا؛ فالتجارب ال�شعرية ال تتنا�سخ‬ ‫�أبدا‪.‬‬ ‫الطفولة هي المرحلة الوحيدة التي يمتلكها‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬وتظل با�ستمرار �أح��د �أه��م الأ�صول‬ ‫ال�ساحرة في مرجعية ال�شاعر وهويته الإبداعية‪.‬‬ ‫�أما الغربة فهي �ضرب من االقتالع‪ ،‬وحين ي�صبح‬ ‫ال�شاعر مغتربا عن وطنه تنه�ض الذاكرة لتر�سم‬ ‫له وطنا موازيًا‪ .‬وفي الغالب‪ ،‬يكون هذا الوطن‬ ‫�أجمل من ال��ذي في الواقع ولعله ه��ذا ما كان‬ ‫يخ�شاه �أديبنا الروائي الكبير (الطيب �صالح)‬ ‫حين فكر �أن يزور وطنه بعد �سنوات طويلة‪.‬‬ ‫ك�شعراء‪ ،‬نعي�ش في زمن تبدّلت فيه الكثير‬ ‫من �صور الحياة‪� ،‬إزاء الكثير من القيم‪ .‬لم تعد‬ ‫الغربة مكتملة الأركان كما في الما�ضي‪ .‬فو�سائل‬ ‫االت���ص��ال ك�سرت ح� �دّة ق�سوة ال �ف��راق‪ .‬حين‬ ‫تقترب الغربة من معنى الهجرة يمكنك �أن تجد‬ ‫�صورة ما للوطن ب�سبب وجود الكثيرين معك‪.‬‬ ‫لكن لل�شاعر غربته �أي�ضا؛ ثمة غربة في ال�شاعر‬ ‫تجعله غريبا بين �أهله‪ ،‬حتى �أن هناك �أ�شياء‬ ‫كثيرة في الواقع تفي�ض بالت�شا�ؤم‪ .‬وحين يغيب‬ ‫الفرح عن ال�شاعر‪ ،‬ال يكون ذل��ك بال�ضرورة‬ ‫عالمة على طبعٍ في تكوينه‪ ،‬بل قد يكون ذلك‬ ‫ب�سبب ما يفي�ض به الواقع من عالمات تقتل‬ ‫الفرح في نف�سه‪ ..‬كثير من عالمات هذا العالم‬ ‫الذي نعي�ش فيه تكاد تقتل الفرح في نفو�سنا‪.‬‬ ‫ذات مرة قال الماغوط (الفرح لي�س مهنتي)‬

‫‪47‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪48‬‬

‫ال�شاعر ب�صورة من ال�صور كائن غير واقعي‪،‬‬ ‫وينحاز �إلى خياله با�ستمرار �إزاء كل القيم التي‬ ‫ي�ؤمن بها؛ ولهذا‪ ،‬ف�إن ن�سبة الخيال الكثيف في‬ ‫تعبيره تخلق له �أ�سبابا لتجاوز الواقع‪ .‬في الغربة‬ ‫ال تملك بديال للوطن‪ ،‬وال تعي�ش �إح�سا�سه‪ .‬وحين‬ ‫تكون م�ضطرا للعي�ش بعيدا عن وطنك‪ ،‬تفتقد‬ ‫الكثير‪ ..‬وتظل با�ستمرا ٍر عاجز ًا عن التماهي مع‬ ‫ذلك المكان‪ ،‬بعيدا عن ال�سماء الأولى‪.‬‬ ‫الوطن يظل با�ستمرار قيمة متعالية ومجردة‪.‬‬ ‫لكنه حين يكون مري�ضا ال يترك انطباعا موحدا‬ ‫ومن�ضبطا في وعي المواطن‪ .‬عالقة ال�شاعر‬ ‫بوطنه في التجربة ال�شعرية لي�ست فقط �إح�سا�سه‬ ‫بال�سماء الأول��ى بح�سب تعبير �سعدي يو�سف‪،‬‬ ‫لكنه ق��د ينعك�س ف��ي م��ر�آت��ه ال�شعرية؛ �سما ًء‬ ‫طاردة مثال؟ ومن هنا‪ ،‬يمكن لفكرة المواطنة‬ ‫الحقيقية �أن تجعل م��ن عالقة ال�ف��رد بوطنه‬ ‫عالقة حميمة ودافئة وبعيدة عن التجريد‪ .‬لي�س‬ ‫بال�ضرورة �أن تكون �صورة الوطن على �شاكلة‬ ‫واحدة في نفو�س المواطنين‪ .‬ثمة وطن ت�سكنه‬ ‫ووطن ي�سكنك‪ .‬ولهذا عندما غاب الطيب �صالح‬ ‫عن ال�سودان لأكثر من اثني ع�شر عاما‪� ،‬شكك‬ ‫بع�ض النا�س في عالقته بالوطن‪ ،‬فكان يجيبهم‬ ‫ب�أنه يحتفظ ب�صورة جميلة للوطن في نف�سه‪،‬‬ ‫ويخ�شى �أن يعود �إليه فيفقد هذه ال�صورة مرة‬ ‫و�إلى الأب��د‪ .‬لكن يظل الوطن تعويذة‪ ،‬لأننا في‬ ‫كل الأح��وال ال نختار �أوطاننا‪ .‬وطني ك�أمي‪..‬‬ ‫ال يمكنني اختياره‪ .‬الأوط��ان حظوظ‪ ،‬ولهذا‪،‬‬ ‫ينعك�س الوطن ب�إ�شكاالته على تعبير ال�شاعر‪.‬‬ ‫في المرحلة الراهنة ينق�سم الوطن‪ ..‬فتنق�سم‬ ‫معه �أحا�سي�س ظلت موحدة منذ الوالدة‪� .‬صعب‬ ‫�أن ين�سى الإن�سان جزء ًا من وطنه بقرار �سيا�سي‬ ‫وهو بكامل وعيه؛ �إنها عملية قاهرة ت�صنعها‬ ‫ال�سيا�سة وتدفع ثمنها العواطف‪ .‬وربما كان‬ ‫ال�شاعر �أكثر �إح�سا�سا بفقد الوطن من غيره‪،‬‬

‫ولهذا‪ ،‬قال (بريخت) �أيام النازية‪( :‬لن يقول‬ ‫النا�س كانت الأزمنة رديئة‪ ..‬بل �سيقولون لماذا‬ ‫�صمت ال�شعراء؟)‪.‬‬ ‫الكتابة ع��ن ال��وط��ن ه��ي ��ص��ورة النف�س في‬ ‫مخيالٍ لذلك الوطن‪ .‬وحين تنطبع �صور الوطن‬ ‫م��ن على ال�ب�ع��د‪ ،‬ت�ك��ون �أك �ث��ر حميمية ودف�ئ��ا‪،‬‬ ‫ولهذا تظل مخيلة ال�شاعر قابلة لإنتاج �صور‬ ‫المتناهية من مفردات الحياة في الوطن‪� .‬إنها‬ ‫�صور ال تخرج من تلك المخيلة‪ ،‬كما يمكن �أن‬ ‫تكون هناك في الواقع‪ ،‬بل تخرج بطاقة كثيفة‬ ‫من الحنين تجعلها م�شعة وملونة ومغرقة في‬ ‫التفا�صيل التي تدمج الإب��داع في حياة حافلة‬ ‫بالمعنى‪ .‬حين يكون الوطن غربة ت�صبح الذات‬ ‫م�شردة‪ ،‬وحين يكون م�أوى يمنحها معنى وقيمة‪،‬‬ ‫�أما حين يكون حلما ت�صبح الحياة فيه �ضربا من‬ ‫الفنتازيا‪.‬‬ ‫ك��ل �شاعر يملك وط�ن��ا م��وازي��ا لوطنه في‬ ‫ال �غ��رب��ة‪ .‬الحنين يفجر ال�ت�ج��رب��ة ال�شعرية‪،‬‬ ‫وي�شحنها ب�ط��اق��ة م��ن ممكنات التعبير عن‬ ‫ال��وط��ن‪ ،‬ب�أ�سلوب يجعل من ال�شاعر في حالة‬ ‫من الكتابة الم�ستمرة‪ ،‬وك��أن ل�سان حاله يعبر‬ ‫ع��ن كلمات ال�شاعر التركي العظيم (ناظم‬ ‫حكمت)‪�( ...‬أجمل الأيام التي لم نع�شها بعد‪،‬‬ ‫و�أجمل الأ�شعار التي لم نكتبها بعد‪� ،)...‬إنها‬ ‫حالة من تجديد الوالء الوطني في غياب الوطن‬ ‫عن العين وح�ضوره في القلب‪.‬‬ ‫ربما ك��ان من المفارقة �أن �أول ما ن�شرته‬ ‫هو ن�ص روائي ولي�س ن�صا �شعريا‪ .‬كان الن�ص‬ ‫الروائي بعنوان (بر العجم) وحاز على الجائزة‬ ‫التقديرية لم�سابقة الطيب �صالح ل�ل�إب��داع‬ ‫الروائي في دورتها الثالثة ‪2005‬م‪.‬‬

‫ال�شعر قد ٌر فاتن‬ ‫ُ‬ ‫والنظم العمودي اختيا ٌر ال �شعوري‬ ‫■ مالك اخلالدي ‪ -‬ال�سعودية‬

‫قد تبدو الكتابة عن الم�ساحة ال�شعرية الزمنية الق�صيرة التي خ�ضتها و�أخو�ضها �أم��راً‬ ‫مت�سرعاً‪� ،‬إال �أنها ذات دالالت و�إحاالت كبيرة‪ ،‬ور�صد للراهن الثقافي واالجتماعي الذي عاي�شته‪.‬‬ ‫بد�أت حكايتي مع نكهة الق�صيدة مذ تذوقتها في طفولتي‪ ..‬وكنت ال �أزال في العام العا�شر‪،‬‬ ‫كان ذلك هو االنجذاب الأول لتلك المو�سيقى‪ ،‬التي انثالت من الق�صائد الب�سيطة التي اكتنز بها‬ ‫كتاب «القراءة والمحفوظات»‪ ،‬بد�أتُ �أبحث عن مزيدٍ من ذلك النب�ض الأبجدي في كتب �إخوتي‬ ‫الأكبر مني �سناً‪ ،‬والكتب والمجالت التي تحيط بي �آنذاك‪ ..‬كنت �أ�سعى لأن �أقيم م�سابقات �شعرية‬ ‫بين �أ�شقائي ‪-‬ذكوراً و�إناثاً‪� -‬إال �أن ا�ست�صعابهم لل�شعر الف�صيح يحول دون نجاح الم�سابقة التي‬ ‫تنتهي قبل �أن تبد�أ ب�شكلٍ فعلي‪.‬‬ ‫كنتُ �أدوّن ما يجول في خاطري من بع�ض ق���ص�ي��دة ع �م��ودي��ة �صحيحة ال� ��وزن و�أن� ��ا في‬ ‫الخواطر النثرية‪ ،‬وما كنتُ �أرتّب ُه من الحروف الخام�سة ع�شرة‪.‬‬ ‫التي كنت �أظنها �شعراً‪ ،‬كبرتُ وكبر وهج الحرف‬ ‫ال�شع ُر قد ٌر فاتن‪ ،‬والنظم العمودي اختيا ٌر‬ ‫ال�شاعري في دم��ي‪ ،‬وف��ي المرحلة المتو�سطة‬ ‫ال �شعوريّ لطبيعة الكتب المتوافرة والأ�صوات‬ ‫بد�أتُ بقراءة دواوين جهابذة ال�شعراء القدامى‬ ‫ك�أبي فرا�س الحمداني‪ ،‬والمتنبي‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬ال�شعرية العالية �آنذاك‪ ،‬كالع�شماوي الذي ملأ‬ ‫ب�صوت ي�ألفه الح�س‬ ‫ٍ‬ ‫فا�ستهوتني الق�صيدة العمودية الكال�سيكية الأف�ئ��دة بوتره الناب�ض‪،‬‬ ‫ج��داً؛ ف��أب�ح��رتُ ف��ي موانئها حتى نظمتُ �أول العام‪ ،‬حتى �أنني �أذكر دواوينه و�أ�شرطة �أم�سياته‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪49‬‬


‫ذاك ل��م يخلُ طريقي ال�صغير م��ن كثيرٍ من ال�صبا ُح هنا مختلف‬

‫ولنهمي بالقراءة‪ ،‬بد�أت باالطالع على �آفاقٍ‬ ‫�أخ��رى‪ ،‬وك��ان لمكتبة دار الجوف للعلوم الأثر‬ ‫البالغ في اندياحي في عالم الأدب الوا�سع‪،‬‬ ‫فق�سمها الن�سائي كان المكتبة الأولى والوحيدة‬ ‫للن�ساء ف��ي منطقة ال �ج��وف‪ ،‬وه �ن��اك للمرة‬ ‫الأول��ى �أ�صافح دواوي��ن محمود دروي�ش‪ ،‬ونازك‬ ‫المالئكة‪ ،‬وال�سياب‪ ،‬وال�شابي‪ ،‬والثبيتي‪ ،‬ومحمد‬ ‫ناب�ض‬ ‫�رف ٍ‬ ‫العلي‪� ،‬إنها اللقاءات الأول��ى مع ح� ٍ‬ ‫بلحنٍ جديدٍ ير�سمُ �آفاق ًا بال حدود‪ ،‬ويزجي �إلى‬ ‫�إبداعٍ بال قيود‪.‬‬ ‫ومع تواتر الأ�صوات ال�شاعرة ال�ساحرة‪ ،‬ما‬ ‫يزال ارتباطي بال�صوت الكال�سيكي في ذاكرتي‬ ‫ي�أ�سرني‪� ،‬إال �أن �آفاق الق�صيدة الحرة ت�سلبني من‬ ‫ذاتي‪ ،‬وتطير بي �إلى فكر ٍة �أ�ش ُّد ات�ساع ًا وتحليقاً؛‬ ‫لذا‪ ،‬م�ضيتُ في ف�ضاءٍ يجمع كال�سيكية النظم‬ ‫وتجدد الفكر الذي تجلّى في ق�صائد الجواهري‬ ‫والبردوني وغيرهم‪ ،‬ممن مازجوا بين نب�ض‬ ‫الأ�صالة وانعتاق الحداثة؛ فكنتُ �أحاول انتهاج‬ ‫هذا المزيج‪� ،‬إال �أنني �أجنح حين ًا ف�أت�أرجح بين‬ ‫النظم الرتيب والنثر الغريب‪ ،‬وفي �أحيان جميلة‬ ‫كنتُ �أبتدع ق�صائد �أر�ضى عنها ف�أر�سلها للنور‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ك��ان��ت زي��ارات��ي الأول���ى ل�ل�ن��ادي الأدب���ي في‬ ‫الجوف‪ ،‬لح�ضور بع�ض الندوات �أوقات ًا من بهجة‬ ‫مع الفكرة والكلمة‪ ،‬فبد�أ م�شوار النور لق�صائدي‬ ‫م��ع مجلة ال �ن��ادي «��س�ي���س��را»‪ ،‬وم��ن ث��م مجلة‬ ‫«الجوبة» ال�صادرة عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫كنور�س وحيد على �شاطئ م�أهولٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أ�ستيقظ‬ ‫ُ‬ ‫العقبات والأ�شواك التي لم تدمني‪ ،‬و�إنما زادتني �‬

‫�إ�صرار ًا لإكمال الم�سير‪ ،‬و�شجن ًا ملأ ق�صيدي بال�ضجيج‬ ‫نفحات من �صادق الأفكار وال�شعور‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫�أبحثُ عن مخب�أٍ بال ملوح ٍة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫التي انهالت عليَّ من زميالتي ومعلماتي بعد‬ ‫ق�صيدتي الأولى‪.‬‬

‫�شعراً‪ ،‬تتطلبُ كثير ًا من المواربة والرمز‪ ،‬ومع‬

‫(‪)2‬‬

‫وم��ع �سفري ال�ستكمال درا�ستي‪ ،‬ب��دا عقلي فال �أجد‪..‬‬ ‫م�شغو ًال بميادين ومجاالت ت�ستلبني فال �أجدني‪� ،‬أ�ستجدي عطف المكان‬ ‫فم�ضيت ف��ي كتب الفكر وال�ث�ق��اف��ة‪ ،‬واتجهتُ فيغتالني الم�ستحيل!‬

‫للكتابة المقالية حتى �أنني كنتُ �أعبر عن نف�سي‬ ‫في بع�ض الأحايين بـ «�شاعرة �سابقة»!‬ ‫�إال �أنني ا�ستفقتُ ذات �صباح على ق�صيدة‬ ‫ال �� �س��دي��ري‪ ،‬ك��ان�ت��ا المحطة الأول� ��ى والمُثلى‬ ‫و�ستبقيان هكذا �أبدا‪.‬‬ ‫ك��ان الن�شر الأول ومعر�ض الكتاب الدولي‬ ‫والم�ؤتمرات م�ساحات جيدة لمزيدٍ من الن�شرٍ‬ ‫ال��ذي ي�صقل التجربة‪ ،‬ويفتح �آف ��اق الإب ��داع‬ ‫�أم ��ام الق�صيدة‪ ،‬فكنت �أن�شر هنا وه�ن��اك‪..‬‬ ‫حتى قررتُ جمع بع�ض ق�صائدي‪ ،‬لن�شرها في‬ ‫ديوانٍ قام نادي الجوف الأدبي بطباعته ون�شره‬ ‫عام ‪2010‬م‪ ،‬وقد حمل ا�سم (غواية بي�ضاء)‪،‬‬ ‫والب��د م��ن االع �ت��راف عبر ه��ذه الأ��س�ط��ر ب ��أن‬ ‫الكثير من ق�صائدي الأثيرة �إل��ى نف�سي والتي‬ ‫تمثلني ب�صدق‪ ،‬لم �أب��ادر بن�شرها في غوايتي‪،‬‬ ‫فلقد ن�شرتُ ما يمثّل مجتمعي ويت�صالح معه‪،‬‬ ‫فتجربتي ك�أنثى تف�صحُ با�سمها ع��ن ر�سمها‬

‫تنثال من غيمات روحي ف�أيقنتُ �أنني �أعج ُز عن‬ ‫ا�ستالبي من ذاتي المعجونة ب�ضوء الق�صيدة‪،‬‬ ‫نب�ض وب�صر‪.‬‬ ‫فال�شعر قدر وال�شعور ٌ‬ ‫و�س�أزجي نب�ضين �شعريين لي‪ ،‬الأول مقاطع‬ ‫من ق�صيدة حرة بعنوان (ال مكان للغرباء)‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫�أنت غريبٌ يا (�آرثر)‬ ‫ال مكان لكَ في مدين ِة النخا�س ِة هذه‬ ‫ك ُل ما فيها لي�س لورودك البي�ضاء‬ ‫اذهب �إلى حيثُ ال دموع‬ ‫حيثُ ال بقع نتن ٍة ت�ؤذيك‬ ‫ففي هذا المكان تحت�ضر الع�صافير‬ ‫ويموت اللوت�س!‬

‫(‪)3‬‬

‫نعي�ش بال �أمل‬ ‫ُ‬ ‫بال �أمان‬ ‫بال ق�صيدة‬ ‫نعي�ش على كفاف الخوف والحزن‬ ‫قَـ َدرُنا �أن َ‬ ‫والحروف البائ�سة!‬ ‫ملعونٌ هذا الأ�سى في مدينة القلق هذه‪..‬‬ ‫حيثُ تقف الع�صافير بال �أجنحة!‬ ‫و�أختم بهذا النب�ض الثاني‪:‬‬

‫���ا����ض» مح ّم ُل‬ ‫ه���ذا ���ص��ب��احُ ��كِ ي��ا «ري ُ‬ ‫ب��ال�����ص��م��تِ وال����ذك����رى ورو ٌح ت�����س���ألُ‬ ‫م��ا �أن�صفَ ال�صب ُح ال��ف���ؤا َد وق��د �أت��ى‬ ‫ب��ال��وج��دِ م�����ض��ي��اف��اً وغ��ي��م ِ��ك يبخ ُل‬ ‫للجوف في جوفي مراق َد من هوى‬ ‫ِ‬ ‫م��ه��م��ا ب����ع����دتُ �أرى ث����راه����ا ُي��ق��ب�� ُل‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪51‬‬


‫منحتني ت�أ�شيرة مرور في �شارع‬ ‫ال�شعر ال�ساحر‬

‫■ جناة الزباير‪-‬املغرب‬

‫ما �أعمق البدايات‪ ،‬حين تحتطب من التذكر نار ا�شتعاالتها‪ ،‬فتتدف�أ ال��روح بذلك القب�س‬ ‫الجميل الغائر بين ثنايا الروح‪.‬‬ ‫عثرت ذات حلم جميل �أمام باب الق�صيدة‪ ،‬عندما كنت ما �أزال �صبية تلعب الريح ب�ضفائري‬ ‫المتناثرة في �سماء ال�صفوف الدرا�سية الأول��ى‪ ،‬لم �أكن �أعرف معنى �أن �أكتب �شعرا‪ ،‬وال كوني‬ ‫�س�أ�سير في هذا الدرب المحفوف بالماء والجمر‪ ،‬كان �أحد التالميذ قد كتب ق�صيدة عن �سيدة‬ ‫كانت �صديقتي‪ ،‬فن�شرت بع�ض القلق في الأرجاءـ هذا الطالب الذي �أ�صبح �شاعرا ومترجما كبيرا‬ ‫الآن‪ ،‬فلما �شكت لي ما جاء بين الحروف‪ ،‬كتبتُ ما ي�سمى �شعرا‪ ،‬فدق جر�س ميالدي الجديد‪.‬‬ ‫كما ك��ان��ت �أول ق�صيدة �أع �ت��رف بها كتبتها‬ ‫و�شاركت بها في برنامج �إذاعي‪ ،‬لقيت �صدى كبيرا‬ ‫و�أ�شاد بها مقدم البرنامج‪� ،‬آن��ذاك‪ ،‬عن الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬ول�ق��د ك��ان��ت بحق ��ض��وءا �أخ�ضر‪،‬‬ ‫منحني ت�أ�شيرة المرور في �شارع ال�شعر ال�ساحر‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫�أ�سباب ميولي �إلى كتابة هذا الجن�س‬ ‫الأدبي‬ ‫ول ��دت ف��ي بيت تحيط ب��رون�ق��ه ه��ال��ة العلم‪،‬‬ ‫فوالدي ال��ذي تتلمذت على يديه في مرحلة من‬ ‫مراحل الطفولة‪ ،‬عالم محب لل�شعر‪ ،‬كان دوما يقر�أ‬ ‫على م�سامعنا �أبياتا �شعرية ب�صمت روحي بطابع‬ ‫الجمال؛ ف�شعرت في �أعماقي باختالف يدثرني‪،‬‬ ‫لأ�سكن في ج�سد الق�صيدة باحثة عن بيتها الأزلي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫لأقيم فيه ما تبقى من عمري‪ .‬فال�شعر هو تو�أمي‬ ‫ال�سيامي الذي به �أتنف�س عطر الوجود؛ �إذ كانت‬ ‫طبيعتي الهادئة والحالمة �سببا في اندثار روحي‬ ‫و�سط معالمه‪ ،‬وزرع وروده في حدائق هم�سي‪،‬‬ ‫كلما خلوت في محراب الت�أمل و�سط عقول �أعطتنا‬ ‫الكثير من خالل خزانة بيتنا الكبيرة‪.‬‬ ‫كما ك��ان��ت ق�صائدي الأول���ى تكتب نغماتها‬ ‫من محبرة المعاناة العربية‪� ،‬إذ كنا نتمزق كلما‬ ‫طالعتنا و�سائل الإع�لام بملف دم��وي يتنقل فوق‬ ‫خارطة الوطن العربي‪.‬‬ ‫�شعراء ت�أثرت بهم‬ ‫مَن منا لم يقف على �أعتاب كتابات المنفلوطي‬

‫‪Baudelaire، André‬‬

‫‪Charles‬‬

‫‪Breton، Stéphane Mallarmé،‬‬

‫‪ ،Jacques Prévert‬و�آخرون‪ .‬من‬ ‫دون �أن �أغفل عن ذك��ر �أحمد‬ ‫مطر‪ ،‬فدوى طوقان‪� ،‬أدوني�س‪،‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ق�صيدة في برنامج �إذاعي‪..‬‬

‫وه��و يحبو في ت��راب الحرف؟‬ ‫و َم ��ن م�ن��ا ل��م ت ��أ� �س��ره كتابات‬ ‫ج �ب��ران خليل ج �ب��ران وغ��ادة‬ ‫ال�سمان؟‬ ‫ك ��ان ��ت خ��ط��وات��ي الأول � ��ى‬ ‫تلب�س نعل ه��ؤالء الكبار‪ ،‬وكان‬ ‫ال�شعر يقذفني بين ق�صائد‬ ‫�أب ��ي ال�ق��ا��س��م ال���ش��اب��ي ال��ذي‬ ‫تجان�س مع نب�ضي‪ ،‬وجميل بن‬ ‫معمر وقي�س بن الملوّح‪ ،‬حيث‬ ‫كنت �أكبو ف��وق �سجادة حبهم‬ ‫ال�ضائع؛ فكان �شعري يعزف‬ ‫على وتر ال�شجن‪.‬‬ ‫ول�ع��ل درا��س�ت�ن��ا الجامعية‬ ‫ق ��د �أث� �ث ��ت م ��ن خ�ل�ال ك ��ل ما‬ ‫در�سناه من �شعر عربي قديم‬ ‫حتى الع�صر الحديث ذاكرتنا‬ ‫ال��وج��دان��ي��ة‪ ،‬وك ��ان ��ت زي� ��ارة‬ ‫محمود دروي����ش لجامعتنا في‬ ‫الت�سعينيات قد جعلتني �أرك�ض‬ ‫دون توقف في �ساحات دواوينه‬ ‫حتى وفاته‪.‬‬ ‫�إن ال �ع��دي��د م��ن ال���ش�ع��راء‬ ‫��س��واء ك��ان��وا ع��رب��ا �أم �أج��ان��ب‬ ‫ق��د �شكلوا لوحاتي المتعددة‬ ‫الأل��وان عبر ه��ذه العقود التي‬ ‫م�شيت فيها‪ ،‬ول�ع��ل �أب��رزه��م‪:‬‬

‫ن��زار قباني‪� ،‬سميح القا�سم‪،‬‬ ‫الماغوط‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫غ � َزل��تِ ال�شهر ُة م��ن �شِ عْر‬ ‫��ش�ب��اب��ي و� �ش��اح �ه��ا‪ ،‬ف�ق��د ك��ان‬ ‫�صوتي يتراق�ص على نغمات‬ ‫مختلفة‪ ،‬حيث كنت �أُ�س�أل �أنى‬ ‫ذهبت هل �أنا عربية؟!!‬ ‫كان هذا من بين الأ�سباب‬ ‫ال� �ت ��ي ج �ع �ل �ت �ن��ي �أت � �ق� ��دم ف��ي‬ ‫م�شواري‪ ،‬و�أ�شعر بال�شموخ كلما‬ ‫ع�ل��وت من�صة الإل��ق��اء‪ ،‬حيث‬ ‫�أجد هذا الخ�شوع الرهيب في‬ ‫عيون الح�ضور الأ�شبه بال�سفر‬ ‫في عوالم غير �أر�ضية‪ ،‬حيث‬ ‫تعزف كلماتي على وتر الإ�صغاء‬ ‫ال�ج�م�ي��ل‪ ،‬وه ��ذا ل�ع�م��ري لأم��ر‬ ‫ي�شعر من خالله ال�شاعر بهذه‬ ‫العالقة ال�سرية الروحية التي‬ ‫تربط بينه وبين الآخ ��ر‪ .‬وقد‬ ‫ترجمت هذا في قولي‪:‬‬

‫فِي �صَ ْو ِتهَا اُ ْلعَا�شِ قِ‬ ‫�أَ�شْ عَا ٌر عِ ذَابٌ‬ ‫ِ�ص خِ ْ�ص َر اُ ْلق َِ�صي َد ِة‬ ‫ُت ْرق ُ‬ ‫كَا َن اُ ْلعَا َل ُم حَ ْو َلهَا يُو َل ُد‬ ‫َف�� َي�����سْ �� ُق��طُ خَ ���� َر ٌز �أَخْ ��� َ��ض��ر مِ ��نْ‬ ‫�شِ فَا ِه اُ ْلوَا ِلهِينَ ‪.‬‬

‫ف�سكرت من مدام الثقة في‬ ‫كل ما ينبج�س من بين �أناملي‪.‬‬ ‫ك�م��ا نظمت و� �ش��ارك��ت في‬ ‫العديد من اللقاءات ال�شعرية‬ ‫الدولية والوطنية‪ ،‬ما �أك�سب‬ ‫تجربتي ن�ضجً ا م��ن ن��وع ما‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫دواوين ح�صاد رحلتي‬ ‫«�أقب�ض ق��دم ال��ري��ح» ال��ذي‬ ‫�صدر ع��ام ‪2007‬م‪ ،‬و«ق�صائد‬ ‫ف��ي �أل� �ي ��اف ال� �م ��اء» ‪2009‬م‪،‬‬ ‫«لج�سده رائحة الموتى» ‪2010‬م‪« ،‬ر�سائل �ضوء‬ ‫وماء» ‪2011‬م‪« ،‬فاتن الليل» ‪2012‬م‪« .‬ناي الغريبة»‬ ‫‪2013‬م‪.‬‬ ‫ول�ست ممن يهوى الجري وراء الجوائز‪ ،‬فهي ال‬ ‫ت�ستفز اهتماماتي‪ ،‬وال �أ�سعى للتربع فوق عر�شها‬ ‫منتظرة ه�ط��ول عطاياها على درب ��ي‪ ،‬فعندما‬ ‫جمعت ديواني الأول «النخب الأخير» الذي اقتنعت‬ ‫به‪ ،‬فهناك دواوين �أخرى لم �أخرجها للنور‪ ،‬قر�أت‬ ‫في بع�ض الجرائد �إعالنا عن جائزة نعمان ‪2007‬م‬ ‫بلبنان‪ ،‬ف�أر�سلته وفاز ب�إحدى تلك الجوائز �آنذاك‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الدكتور عبداهلل بن �أحمد‬ ‫الفيفي م��ن ال�سعودية يقول‪:‬‬ ‫«غ ��زارة اللغة‪ ،‬ال�ت��ي تتَّ�صف‬ ‫بها تجربة الزباير‪ ،‬تبدو وليدة‬ ‫عالقتها بالتراث‪ ،‬وبالن�صو�ص‬ ‫ال�شِّ عريَّة لرموز ال�شِّ عر‪ .‬فلي�ست‬ ‫من الآخذين بمبد�أ االنقطاع‬ ‫ال�ح��داث��ي ال �م��زع��وم‪ .‬ول��ذل��ك‬ ‫ت �ج��ده��ا ت���س�ت��دع��ي � �ش �ع��راءَ‪،‬‬ ‫كمحمود دروي ����ش‪ ،‬المتنبي‪،‬‬ ‫نزار قبّاني‪� ،‬إلى جانب �آخرين‬ ‫م ��ن ال �� �ش �ع��راء وال �ن��اث��ري��ن‪،‬‬ ‫ك� ��إدغ���ار �أالن ب���و‪ ،‬ت ��ي �إ� ��س‬ ‫�إليوت‪ ،‬وفيودور دو�ستويف�سكي‪.‬‬ ‫ت�سدعيهم ا�ستدعاء ا�ستلهام‪،‬‬ ‫غالبًا‪ ،‬ال ا�ستدعاء توظيف‪.‬‬ ‫وال �ح��وار � ِ��س� َم� ٌة ظ��اه��رة في‬ ‫ن�صها طابعه ال�سرديّ‬ ‫نثائر ن�ج��اة‪ّ .‬م��ا يُك�سب َّ‬ ‫المثير‪ .‬وغالبًا ما يدخل الوطن في خطابها معاد اًِل‬ ‫ح��وار ًّي��ا‪ ،‬بين ال��ذات الكاتبة وحلمها الوطني‪� ،‬أو‬ ‫القومي‪ .‬ذلك �أن «هَ ��مَّ العَرب»‪ ،‬يو�شك �أن يكون‬ ‫مو�ضوع ًة رئي�س ًة (‪ )Theme‬لمعظم ن�صو�صها‪� ،‬إنْ‬ ‫ن�صا بكائيًّا‬ ‫لم يكن كلّها‪ ،‬بحيث تبدو وك�أنها تكتب ًّ‬ ‫واح �دًا‪ ،‬ممتدًّا على �أط�لال الأُ َّم��ة حتى �إن عنوان‬ ‫مجموعتها «لج�سده رائحة الموتى» �إنما ي�شير �إلى‬ ‫ج�سد الوطن»‪.‬‬

‫ال�شعر ورطة وجودية‪..‬‬ ‫دخلني وا�ستفحل في‬ ‫جوانياتي وحياتي‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وهذا الجزء الهارب من طوقي‬ ‫جعلني �أخ��و���ض غ�م��ار الكتابة‬ ‫ب�سالح الحب وال�ج�م��ال‪ ،‬كلما‬ ‫م�شيت ت�ح��ت �سقف الم�شهد‬ ‫ال�ث�ق��اف��ي ب�سلبياته المتعددة‬ ‫بعنفوان ق��وي‪ ،‬دون �أن تبللني‬ ‫�أمطار المحال‪ .‬ليتم االحتفاء‬ ‫با�سمي ك�صوت �شعري متميز‬ ‫ل��ه ب��حّ ��ة خ��ا� �ص��ة ف��ي خريطة‬ ‫الق�صيدة العربية الحديثة‪.‬‬ ‫ف ��أن تكتب معناه؛ �أن تكون‬ ‫�أن ��ت‪ ،‬و�أن ال تنتظر �شيئا من‬ ‫وراء ذب�ح��ك ق��رب��ان��ا للكتابة‪،‬‬ ‫هكذا ك�ن��ت‪ ..‬ع�شقتُ الحرف‬ ‫فانمحوت في �سحره‪ ،‬معانقة‬ ‫فتوحاته‪� ،‬أط��ل من �شُ ْرفَة على‬ ‫ال� �ق ��ارىء م� ��رات وم� ��رات من‬ ‫خالل العديد من المنابر‪.‬‬

‫�إ�� �ض ��اف ��ة �إل� � ��ى ع �� �ش��رات‬ ‫� �ش �ه��ادات ال �ت �ق��دي��ر م ��ن كل‬ ‫ال �ج �ه��ات ال �ت��ي ا��س�ت���ض��اف��ت‬ ‫ق�صيدتي‪.‬‬

‫■ نواره حلر�ش ‪ -‬اجلزائر‬

‫كانت البداية من دون تخطيط‪ ،‬وبال وعي م�سبق بال�شعر‪� ،‬أو الكتابة كفعل‪ ،‬حتى دخلتُ مملكة‬ ‫ال�شعر‪ ،‬ككل الأطفال الم�شاغبين الخجولين‪ ،‬الذين يدخلون عالم الده�شة �أول مرة بكثير من‬ ‫العبث والالمنطق‪ .‬لم �أك��ن �أدري وقتها �أن��ي دخلت �أكبر ورط��ة وجودية على حد قول محمود‬ ‫دروي�ش‪« :‬ال�شعر ورطة وجودية»‪ .‬كنتُ �أعتقد �أنها لعبة مفرداتية ولفظية �آنية‪� ،‬سرعان ما �أملُّها‬ ‫و�أتركها‪ .‬لكني تورطت فيها عميقًا‪ .‬لم �أدخل المملكة عن ق�صد �أو عن تخطيط‪ .‬فج�أة طرقني‬ ‫ال�شعر ب���إل��ح��اح‪ ،‬فدخلني وا�ستفحل ف��ي البقاء والمكوث ف��ي جوانياتي وف��ي حياتي‪ .‬ورطني‬ ‫فتورطت‪ ،‬داعبني فا�ست�سلمت‪ ،‬غازلني فا�ستكنت‪ .‬حين طرقني ال�شعر باكرا‪� ..‬شعرتُ �أ ّن الحياة‬ ‫هي التي طرقتني‪ ،‬الحياة الأولى التي كانت كريمة معي �إلى درجة الإ�ساءة‪ .‬طرقتني فج�أة من‬ ‫خالل ال�شعر‪ ..‬فكان ال�شعر �أكرم منها معي‪ ،‬واحتواني وذهب بي �صوب ال�شم�س التي بخلت بها‬ ‫الحياة عليّ ‪ .‬ما �أجمل �أن تطرقنا الحياة الأكيدة في �صيغة ال�شعر‪ .‬يقول ال�شاعر اللبناني زاهي‬ ‫وهبي‪« :‬يجب �أن نتعلم كيف نكون �أوفياء للحياة»‪ .‬وبالموازاة �أقول‪ :‬يجب �أي�ضا �أن نتعلم كيف‬ ‫نكون �أوفياء لل�شعر‪ .‬ال�شعر الذي يطرقنا‪ ،‬والذي ن�شعر معه �أ ّن الحياة هي التي تطرقنا يجب �أن‬ ‫نكون �أوفياء له تماما‪ ،‬تماما جدا‪.‬‬ ‫(نوافذ الوجع) ديواني ال�شعري الأول‪ ،‬كان‬ ‫نافذتي الأول��ى و�شجري البِكر في غابة ال�شعر‬ ‫الالمنتهية ال �م��دى‪ ،‬ه��و باخت�صار ك��ان تجربة‬ ‫�أول��ى وكفى‪ ،‬تجربة بكل ما فيها من اجتهادات‬ ‫وايجابيات و�سلبيات‪ ،‬فالتجربة الأولى تبقى فاتحة‬ ‫لم�سيرة الكتابة رغم كل ما تحمله من محا�سن‬ ‫وم�ساوئ على حد �سواء‪ ،‬وقد تغلب الم�ساوئ‪ ،‬لكنها‬ ‫تبقى تجربة �أول��ى؛ يعني خطوة �أول��ى على درب‬ ‫مديد من الكتابة والحلم والك ّد ال�شعري اللذيذ‪.‬‬

‫بعدها ج��اء دي��وان��ي الثاني «�أوق ��ات محجوزة‬ ‫للبرد» وك��ان ه��و الآخ��ر يحمل هواج�سي وبع�ض‬ ‫نقماتي‪ ،‬كان تجربة �أخرى ارتكزت على الن�صو�ص‬ ‫الق�صيرة والوام�ضة �أحيانا‪ ،‬تجربة انبثقت من‬ ‫تفا�صيل كثيرة لآالم وحاالت كثيرة‪ .‬تجربة ناقمة‬ ‫�أي�ضا‪ .‬الأكيد‪� ،‬أن كل تجربة هي ناقمة ب�شكل �أو‬ ‫ب�آخر على �أو�ضاع ما �أو ظروف ما‪ ،‬الكتابة لي�ست‬ ‫و�سيلة للتماهي �أو الذوبان في الأو�ضاع والظروف‪.‬‬ ‫لو كانت كذلك‪ ،‬لكان ربما كل �أدب الدنيا ال يخرج‬ ‫عن نطاق التماهي والت�ساوق والر�ضوخ لبع�ض‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�صدر لي‬

‫الت�أثر ببع�ض ال�شعراء‬ ‫ «حكايا ال�ج��ازي��ا» كتاب م�شترك م��ع بع�ض‬‫قر�أت و(�أق��ر�أ) للكثير من ال�شعراء‪ ،‬اكت�شفت‬ ‫الكاتبات الجزائريات‪� ،‬صدر عام ‪2004‬م‬ ‫و�أحببت عوالمهم ال�شعرية البديعة‪ ،‬لكن يبهرني‬ ‫عن من�شورات «رابطة �أهل القلم»‪.‬‬ ‫محمود دروي�ش �أكثر بف�ضاءاته المطرزة بنجوم‬ ‫الحزن اال�ستثنائية الغربة والوجع‪ ،‬وبلغته ال�شفافة ‪« -‬ن��واف��ذ ال��وج��ع» ال��دي��وان الأول‪� ،‬صدر عام‬ ‫النازفة‪ ،‬وب�شعريته الباذخة الفاتنة حقا‪ .‬كما‬ ‫‪2005‬م عن من�شورات جمعية ال�م��ر�أة في‬ ‫يعجبني كثيرا لوركا‪ ،‬وطبعا قائمة ال�شعراء الذين‬ ‫ات�صال‪.‬‬ ‫�أح��ب �شعرهم و�أق��ر�أ لهم ب�شغف ومحبة‪ ،‬طويلة‬ ‫ومتنوعة‪ .‬ويمكن �أن �أ�سمي هذا حبا و�إعجابا لكن ‪�« -‬أوقات محجوزة للبرد» الديوان الثاني‪� ،‬صدر‬ ‫ع��ام ‪ 2007‬ع��ن من�شورات وزارة الثقافة‬ ‫لي�س ت�أثرا بالمعنى المق�صود هنا‪.‬‬ ‫الجزائرية‪.‬‬ ‫�سلبيات و�إيجابيات و�صعوبات واجهتني‬ ‫ «ن�شيد العطب الداخلي» مخطوط �شعري‪،‬‬‫في م�شواري ال�شعري‬ ‫�سي�صدر عن قريب‪.‬‬ ‫�أكثر ال�صعوبات التي تواجه ع��ادة ال�شعراء‬ ‫ح�صلت على جوائز في ال�شعر‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫وال� ُك�ت��اب ف��ي ب��داي��ة الطريق خا�صة ه��ي �صعوبة‬ ‫الن�شر‪ ،‬وهي م�شكلة عانينا منها جميعا في بداية ‪ -‬الجائزة الأولى في الم�سابقة المغاربية لإذاعة‬ ‫م�شوارنا الأدب��ي‪ ،‬وكانت حينها المعوقات كثيرة‬ ‫ق�سنطينة عام ‪1995‬م‪.‬‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬لكن �أهمها طبعا �صعوبة الن�شر‪ ،‬فعادة‬ ‫ال يوجد كاتب‪ ،‬وبخا�صة من الجيل ال�شاب يملك ‪ -‬الجائزة الأول��ى في الم�سابقة الكبرى للجنة‬ ‫المقدرة المادية لطبع كتبه‪ ،‬هذا من المعوقات‬ ‫ال �ح �ف�لات بق�صر ال �م �ع��ار���ض ب��ال�ج��زائ��ر‬ ‫الكبيرة‪ ،‬لكن الكاتب الطموح يبقى يمار�س الكتابة‬ ‫العا�صمة عام ‪1994‬م‪.‬‬ ‫بحب ود�أب كبيرين‪ ،‬حتى و�إن ت�أخر الن�شر ل�سنوات‬ ‫و�سنوات‪ ،‬لأن��ه ي�ؤمن �أن الن�شر عملية �ستتحقق ‪ -‬الجائزة الثانية في الم�سابقة الوطنية التي‬ ‫نظمتها لجنة الفنون وال�ح�ف�لات لمدينة‬ ‫عاجال �أم �آجال‪ ،‬لأنها من الم�سلمات الالحقة التي‬ ‫�سطيف عام ‪2000‬م‪.‬‬ ‫ال �شك �أنها �ستتحقق‪ ،‬و�إن بعد �سنوات وعثرات‪.‬‬ ‫طبعا من الأجمل �أن تتحقق في وقتها وفي �أوانها‪ - ،‬الجائزة الأول��ى في الم�سابقة العربية التي‬ ‫لكن ال م�شكلة �إن ت�أخرت‪� .‬إذاً‪ ،‬فالن�شر من �أكبر‬ ‫�أجرتها مجلة �أنهار الكويتية عام ‪2001‬م‪.‬‬ ‫المعوقات التي تقف في وجه المبدعين ال�شباب‪،‬‬ ‫�إلى جانب بع�ض �سيا�سات التهمي�ش والإق�صاء التي ‪ -‬الجائزة الثانية في الم�سابقة ال�شعرية لجائزة‬ ‫ال�شعر الن�سوي بق�سنطينة عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫ما تزال للأ�سف تُمار�س بنوع من الفوقية المر�ضية‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫المعطيات البائ�سة‪ ،‬وك�أنها‬ ‫م�سلّمات معينة‪ ،‬واال�ستكانة‬ ‫�أي�ضا في جبة الوقائع اليومية‬ ‫المعتمة‪ .‬الخطاب ال�شعري ال‬ ‫يجب �أن يكون خطابا موازيا‬ ‫�أو ل�صيقا براهن ما؛ يجب �أن‬ ‫يكون ناقدا‪ ،‬ويمتلك قدرة على‬ ‫الحفر �ضد م��ا ه��و راه��ن وما‬ ‫هو �سائد‪ .‬وظيفة الأدب لي�ست‬ ‫ال�ج�ل��و���س ع�ل��ى ج ��رح م ��ا‪ ،‬كي‬ ‫نخفيه عن الأنظار‪� ،‬أو التقوقع‬ ‫ف ��ي ح� ��االت اال� �س �ت �ك��ان��ة‪� ،‬أو‬ ‫التواط�ؤ مع راهن ما‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫�إذا ك��ان ه��ذا ال��راه��ن �سيئا‬ ‫و�سلبيا وبائ�سا‪ .‬من ال�ضروري‬ ‫ج��دا ت�صويب خطابات ح��ادة‬ ‫وناقمة عليه و�ضده‪ ،‬وهذا �أهم‬ ‫م��ا يمكن �أن ي�ق��وم ب��ه الأدب‬ ‫الحقيقي‪ .‬ون�صو�ص (�أوق��ات‬ ‫محجوزة للبرد) كانت ناقمة‬ ‫جدا على �أ�شياء و�أو�ضاع كثيرة‪،‬‬ ‫كانت و�سيلتي �ضد �أنواع مختلفة‬ ‫من البرد وموا�سم البرد‪.‬‬ ‫م��ج��م��وع��ت��ي ال �� �ش �ع��ري��ة‬ ‫الجديدة بعنوان «ن�شيد العطب‬ ‫الداخلي»‪ ،‬لم ت�صدر بعد‪ ،‬وما يمكن قوله عن هذه‬ ‫التجربة الجديدة‪� ،‬أن ن�صو�ص ه��ذه المجموعة‬ ‫تحاول �أن تحتفي بالأنا �أكثر‪ ،‬ب�أحالمها المنك�سرة‬ ‫في ممرات الحياة‪ ،‬ب�أوهامها التي تت�سيد الم�شهد‬ ‫اليومي كبديل ربما غير مرغوب فيه‪ ،‬لكنه بديل‬ ‫حا�ضر بكل ما �أوتي من �أوه��ام بائ�سة‪� ،‬أي�ضا هي‬ ‫ن�صو�ص تحتفي بحياة غير متاحة‪ ،‬حياة على‬ ‫حافة الأل��م (ورغ��م حافة الأل��م التي هي عليه)‬ ‫تقيم وتمكث وتت�شبث فيَّ وبالحياة‪ ،‬وبما يمكن �أن‬ ‫يقرب الحياة ويجعلها متاحة وممكنة‪ .‬في بع�ض‬

‫االحتفاء ربما ت�أبين غير معلن‪،‬‬ ‫لأ�شياء كثيرة تت�سرب وتنفلت‬ ‫من مباهجها ووهجها‪� ،،‬إنها‬ ‫باخت�صار ن�صو�ص الأنا الباحثة‬ ‫ع��ن ج��دوى م��ا‪ ،‬ع��ن حياة ما‪،‬‬ ‫عن خال�ص ما‪.‬‬ ‫والكاتب ال ي�س�أل –عادة‪-‬‬ ‫ع��ن �أ� �س �ب��اب م�ي��ول��ه �إل ��ى ه��ذا‬ ‫الجن�س الأدبي �أو ذاك‪� ،‬أو عن‬ ‫تف�ضيله لنوع معين من الفن‬ ‫والأدب ع �ل��ى ح �� �س��اب ف�ن��ون‬ ‫و�آداب �أخرى؛ لأن الكتابة حين‬ ‫ت�خ�ت��ار كاتبها ينتفي ج��دوى‬ ‫ال�����س���ؤال ف��ي ه �ك��ذا ع�لاق��ة‪،‬‬ ‫�أو ح��ول �سبب ال�م�ي��ول‪ ،‬لهذا‬ ‫ل��ن �أب��ال��غ ل��و ق�ل��ت‪� :‬إن ال�شعر‬ ‫ه��و ال ��ذي اخ �ت��ارن��ي وطرقني‬ ‫وورطني �أي�ضا‪ ،‬طبعا �أنا �سعيدة‬ ‫ب��ه وبطرقه وورط �ت��ه‪ .‬العالقة‬ ‫بيني وبين ال�شعر‪ ،‬كانت ميال‬ ‫متبادال �إن �صح و�صف الحالة‪،‬‬ ‫عادة وغالبا تبد�أ حالة الميول‬ ‫ع���ش�ق�ي��ة م��زاج �ي��ة‪ ،‬فال�شعر‬ ‫�أكثر الحاالت مزاجية‪ ،‬لكنها‬ ‫مزاجية �إيجابية ال �سلبية‪ ،‬منتجة‪ ،‬مثمرة‪ ،‬فاعلة‪،‬‬ ‫ولي�ست مزاجية معطوبة‪� ،‬إن�ه��ا مزاجية تقذف‬ ‫بنا �إلى كينونة �إبداعية محر�ضة على الجمالية‪،‬‬ ‫م�ستفزة ع�صافيرنا ال�ج��وان�ي��ة المجبولة على‬ ‫التحليق‪ .‬مزاجية تطرقنا ب�شدة فنكت�شف كم‬ ‫�أننا هنا في ملكوت الحياة على قيد الحلم –على‬ ‫قيد ال�شعر‪ -‬وعلى قيد البهاء الإن�ساني الذي من‬ ‫دونه نحن ب�شعون وغير جميلين‪ ،‬لكل هذا �أعتقد‬ ‫�أن عالقتي بال�شعر وجدانية وج��ودي��ة بامتياز‪،‬‬ ‫ولكل هذا ربما كانت �أ�سباب هذه الميول الجوانية‬ ‫التلقائية بالأ�سا�س �إلى هذا الجن�س بالذات من‬

‫الأدب‪ ،‬جن�س ال�شعر الأبهى الأ�شهى‪ .‬وتظل الكتابة‬ ‫ه��ي النب�ض ال���س�رّي �أو الحبل ال���س��ريّ لفرحي‬ ‫ولحياتي الممكنة‪ ،‬وهي �أي�ضا ق��در‪ ،‬وال�شعر في‬ ‫�أغلبه قدر‪ ،‬وال �أملك �إال �أن �أكتب ب�إيمانٍ عاطفي‪،‬‬ ‫وب�أظافري ال�شعرية‪ ،‬وهي �أظافر غير م�ؤذية طبعا‪.‬‬

‫في حق الكثير من الكتّاب‪ .‬لكن المبدع الحقيقي‬ ‫�سي�صل �إل��ى نقطة النور المفتر�ضة مهما كانت‬ ‫المعوقات‪ ،‬والإب��داع الحقيقي �سي�صل �إل��ى نف�س‬ ‫النقطة و�إن طالت ال�سنوات‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫البرتقال‪ ،‬ومداده الت�شريد والحرمان‪..‬‬

‫يراع من �شجرة البرتقال‬

‫وكانت تلك الخرب�شات التي بهر بها �أ�ستاذه‬ ‫ن ��واة �أول ق���ص�ي��دة ل ��ذاك ال�ف�ت��ى ع��ن قريته‬ ‫(المزيرعة)‪ ،‬من �أع�م��ال اللد في فل�سطين‪،‬‬ ‫والتي يقول فيها‪:‬‬

‫■ حممود الرحمي – الأردن‬

‫ي�������ا «ال������م������زي������رع������ة» �أن�����������ت ع���ق���ل���ي‬ ‫�أن���������������ت ن�����ب�����������ض�����ي م���������ذ ُولِ���������������������دْتُ‬

‫�إن عز يوما يا حبيب لقا�ؤكم �أرج���و بحلم �أن يكون لقانا‬ ‫ذات ي��وم‪ ..‬وقبل �أربعة و�ستين عاما على وجه التحديد‪ ..‬وقف ابن الرابعة من عمره �أمام‬ ‫�شجرة برتقال مزدانة بثمارها ال�شهية‪ ،‬الحلوة المذاق‪ ،‬لك�أنه ال�شهد والترياق‪..‬‬ ‫�أم�سكت الأم بطفلها وقالت له‪ :‬هيا بنا يا بني‪ ..‬لنم�ض قبل �أن ت�صيبنا ر�صا�صة طائ�شة فتودي‬ ‫بحياتنا‪..‬‬ ‫عندها قال لها ال�صبي‪ :‬و�إلى �أين يا �أماه‪..‬‬ ‫ �إلى حيث ال ندري‪..‬‬‫ ولمن نترك هذه ال�شجرة‪..‬‬‫‪� -‬ستعود �إليها ذات يوم �إن �شاء اهلل‪..‬‬

‫ي���������������������ش����������ه����������د اهلل ب��������������أن�������������ي‬ ‫م������������ا ن���������������س�������ي�������ت‪ ،‬م������������ا �������س������ل������وت‬ ‫��������س�������ت�������ع�������ود الأر����������������������������ض ي������وم������ا‬ ‫ل����������������ك ع�����������ه�����������د ق����������������د ق������ط������ع������ت‬ ‫ف������������ي ح��������ي��������ات��������ي �أو م�����م�����ات�����ي‬ ‫ذاك ع�����������ه�����������دي ف�������ال�������ت�������زم�������ت‬

‫وت�ت��وال��ى ق�صائده ال��واح��دة تلو الأخ ��رى‪..‬‬ ‫تحكي ق�صة الأر� ��ض والت�شريد وال�ح��رم��ان‪..‬‬ ‫والأمل في العودة‪..‬‬ ‫وتنتهي المرحلة الثانوية‪ ،‬ويح�صل الفتى على‬ ‫�شهادة الثانوية العامة‪ ..‬ويتعاقد عام ‪1962‬م‪..‬‬ ‫للعمل معلما في المملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫وتم�ضي الأيام‪ ..‬و�شجرة البرتقال ماثلة �أمامه‪..‬‬ ‫و ُي��طْ � ِل��ع زم�ل�ا َء ُه على �شعره فيعجبون ب��ه‪..‬‬ ‫وبعد تردد ثالثة عقود من الزمن‪ ،‬وبت�شجيع من‬ ‫الأحبة جاء �إ�صداره الأول (هم�سات قلب) مطلع‬ ‫عام ‪1987‬م‪ ،‬ثم (الب�ستان) في منت�صف العام‬ ‫نف�سه‪ ..‬ثم (الكوابي�س والحب) في خريف ذاك‬ ‫العام‪ ..‬وهو الآن ب�صدد �إ�صدار ديوانه الرابع‬ ‫(ورود و�أ�شواك) الذي لم ير النور بعد‪..‬‬ ‫وي�شيخ الفتى‪ ..‬ويو�شك على ال�سبعين من‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫يوما بعد يوم‪..‬‬ ‫ول�����������������������دي ي������������أت�����������ي�����������ك ب�������ع�������دي‬ ‫ح�����������ب �أر��������������ض�������������ي ق�����������د �����س����ق����ي����ت‬ ‫وينطلق يراعه في الكتابة‪ ..‬يراع من �شجرة‬

‫ناظر الطفل ال�شجرة‪ ..‬وبكى بكاء لم تعهده و�شجرة البرتقال‪ ،‬ماثلين �أمام ناظريه‪..‬‬ ‫�أم��ه منه م��ن ق�ب��ل‪ ..‬وم�ضيا م��ع بقية العائلة‬ ‫وجاءت المرحلة الثانوية‪ ..‬وذات يوم وقف‬ ‫هائمين على وجوههم‪ ..‬والر�صا�ص يتطاير من‬ ‫معلم اللغة العربية بجانبه‪ ،‬يقر�أ تلك ال�سطور‬ ‫فوق ر�ؤو�سهم‪ .‬والمنجّ ي هو اهلل‪..‬‬ ‫التي خطها الفتى‪ ..‬يت�أمل معانيها و�أبعادها‪..‬‬ ‫وتنقلت العائلة من مكان �إل��ى مكان‪ ..‬ومن ده�ش مما قر�أ ويقر�أ‪ ..‬و�س�أل تلميذه‪ ..‬منذ متى‬ ‫قرية �إل��ى �أخ��رى حتى ا�ستقر بهم المقام في‬ ‫تكتب ال�شعر يا بني‪..‬‬ ‫مدينة البيرة‪ ،‬تو�أم مدينة رام اهلل مركز ال�سلطة‬ ‫�أين �أنا من ال�شعر‪..‬؟! �إنها مجرد خرب�شات‬ ‫الفل�سطينية حاليا‪..‬‬ ‫وتم�ضي الأي ��ام‪ ..‬ويدخل الطفل المدر�سة يا �أ�ستاذي‪..‬‬ ‫‪58‬‬

‫االبتدائية‪ ..‬ثم االعدادية‪ ،‬وما زال �أمل العودة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫وي�شد المعلم على يديه ي�شجعه‪ ..‬ويتابعه‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪59‬‬


‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ال�شعر ‪..‬‬ ‫والأ�سئلة الكبرى‬ ‫■ ن�ضال القا�سم ‪ -‬الأردن‬

‫ع �م��ره‪ ..‬وي �م�ل�أ ال�شيب ر�أ� �س��ه ول�ح�ي�ت��ه‪ ..‬وما و�� �ص� �ف ��وا ال �ح �� �س��ن ول � �ك� ��نْ ح���س�ن�ه��ا‬ ‫يزال ينتظر العودة‪ ،‬والوقوف ثانية �أم��ام تلك‬ ‫م ��ا ظ �ن �ن��ت ال��و� �ص��ف ي��وف��ي م ��ن ن��در‬ ‫ال�شجرة‪ ..‬وما يزال يراعه يئنُّ وي�سطّ ر مزيدا‬ ‫حُ ���ْ�س � ُن �ه��ا ي ��ا � َ��ص ��حْ ��بُ وال ��� ِّ�س��حُ ��ر به‬ ‫من الآهات والحرمان‪..‬‬ ‫جَ �� ��ذَ بَ ال��ق��ل��بَ ‪ ..‬وق ��د � �ش � َّد ال� َب� َ���ص��ر‬ ‫قالوا غزاكَ ال�ش ـ ــيبُ قل ــتُ ب�أنني‬

‫�أظنني لم �أدرك �أن ال�شعر هو طريقي الأول �إال عام ‪1993‬م‪� ،‬أم��ا قبل تلك الفترة فقد كنت‬ ‫م�شغو ًال ب�أ�شياء كثيرة‪ ،‬وكانت تتنازعني في هذا العمر المبكّر رغبات عدة للم�ستقبل؛ في �أن �أكون‬ ‫قا�صا‪� ً،‬أو روائياً‪� ،‬أو كاتباً م�سرحياً‪ .‬لكن في ذلك العام تحددت رغبتي الأدبية‪ ،‬وارتبطتُ بال�شعر‬ ‫الذي �أعيه وال �أعقله‪ ،‬ارتباط التابع بالمتبوع؛ وكان ذلك كافياً ليرتبط وجودي بهذا الغام�ض‬ ‫الآ�سر‪ ،‬منذ ذلك الأمد‪.‬‬ ‫انطالقاً من هذا العام ال�صاخب المليء بالأحداث واالنك�سارات ال�سيا�سية‪ ،‬والذي ترك �آثاراً‬ ‫قوي ًة على تجربتي وعلى تحوالتها المختلفة‪ ،‬وكر ّد فعل للمهزوم‪ ،‬الذي يبحث عن �سند يوا�سيه‬ ‫�أو يرتمي في �أح�ضانه‪ ،‬فقد �أ�صبح ال�شعر �أمامي �أفقاً مفتوحاً ال حدود له‪.‬‬

‫م���ن ���ش��ـ��ـ��دة ال��ت��ف��ك��ي��ر‪ ..‬ل��ي�����س ���س��وا ُه �أيُّ ع� �ي� �ن� �ي ��ن وق�� � ��د ف � ��اق � ��ت ب �ه��ا‬ ‫�أ َو �إنْ خ��ـ��ل��وتَ م���ن ال��ه��م��وم بعــالمٍ‬ ‫ك� ��لَّ َو�� � �ص � � ٍ�ف‪ ..‬ول� �ه ��ا ي �ح �ل��و ال �ن �ظ��ر‬

‫خطو ٌة �أُخرى �ستدفعني �إلى الكتابة في هذه‬ ‫المرحلة‪ ،‬وهي �إح�سا�سي العميق بحالة الحيرة‬ ‫والقلق والهزيمة وب��ؤ���س ال�ف�ق��راء و�شقائهم‪،‬‬ ‫ورف�ضي لتقاليد المجتمع وممار�ساته الخاطئة‪،‬‬ ‫التي ب��د�أت تم ُال قلبي حزن ًا و�ألماً‪ ،‬و�إح�سا�سي‬ ‫ال�� �ص��ادق بالم�س�ؤولية العميقة ت�ج��اه وطني‬ ‫إح�سا�س م�ستن ٌد �إلى قيم وطنية‬ ‫ٌ‬ ‫و�شعبي‪ ،‬وهو �‬ ‫�سامية و�أهداف نبيلة‪.‬‬

‫و�إن كتبنا عن موتها ورثيناها‪� .‬أدرك �أن الحديث‬ ‫عن النف�س �صعبٌ ‪ ،‬و�أنه ي�شبه الإبحار في عر�ض‬ ‫محيط �شا�سع �صخّ اب؛ ولكنني �س�أحاول في هذه‬ ‫ال�شهادة تكوين الم�شهد الفوتوغرافي العام‬ ‫لتجربتي ال�شعرية‪ ،‬ودوافعها غير المتناهية؛‬ ‫م�ستنفر ًا لتحقيق هذه الغاية حد�سي وحوا�سي‬ ‫الخم�س‪ ،‬منطلق ًا من ذاتي �إلى العالم الرحب‬ ‫الف�سيح‪.‬‬

‫ها �أنا �أتذكّر تلك ال�سنوات البعيدة من تاريخ‬ ‫م�سيرتي الأدبية‪ ،‬وال �أريد هنا �أن �أكون وثائقي ًا‬ ‫تماماً‪ ،‬فالذكرياتُ القديمة ال تندمل ب�سهولة‪،‬‬ ‫كما �أن الأح�لام القديمة ال تموت �أي�ضاً‪ ،‬حتى‬

‫ال�صدَ ْف �أن ت�أتي هذه ال�شهادة‬ ‫ومن محا�سن ُ‬ ‫بالتزامن مع مرور ع�شرة �أعوام بالتمام والكمال‬ ‫على �صدور مجموعتي ال�شعرية الأول��ى (�أر�ض‬ ‫م�شاك�سة)‪ ،‬ال���ص��ادرة ع��ام ‪2003‬م ع��ن دار‬

‫ل����بُّ ال�����ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ب��اب ب��م��ه��ج��ت��ي ِ‬ ‫و���ص��ب��ا ُه �أيُّ ط � � ��ولٍ ‪� ..‬أيُّ خَ � �� �ْ�س ��رٍ خَ �� �س � ُره��ا‬ ‫�أيُّ رو� � ٍ� ��ض ق� ��د ح �ل��ا ف� �ي� � ِه ال �ث �م��ر‬ ‫ي��ا �صاحبي �إن ك��ن��تَ تق�ص ُد لحيتي‬ ‫ه������وِّنْ ع��ل��ي��ك ف��م��ا ع��رف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��تَ ب��ـ��ـ��ـ�لا ُه �أيُّ ل � �ي� ��لٍ ُم � � � ْق� � ��مِ � � ��رٍ م� �ن� �ه ��ا ب���دا‬ ‫�أيُّ ج� �ي ��دٍ ق ��د ع �ل�ا ف � ��وقَ ال �� �ص��در‬ ‫�إنْ ك���ان �شـ ـ ــيبٌ قـ ـ ــد ب���دا ف�ل�أن�� ُه‬

‫ف���أن��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ال�����ذي م��ـ��ـ��ـ��ا ه��م��ـُّ��ـ��ـ��ـ��ه خ��ـ��ـ��ـ��ـ�لا ُه‬

‫َك� � ُم���لَ ال� �ج� ��� �س ��مُ ‪ ..‬ف �� �س �ب �ح��انَ ال ��ذي‬ ‫وال يعني ذل��ك خلو �شعره م��ن الأغ��را���ض‬ ‫وه��بَ ال��حُ ���ْ�س��نَ ‪ ..‬بها الحُ �سْ نُ ا�سْ تقَر‬ ‫الأخ��رى‪ ..‬فقد حوت دواوينه ق�صائد عدة في‬ ‫ق �ل��تُ ‪ :‬م��ن �أي ��ن ف �ت��ات��ي؟! م��ا ا�سمها؟‬ ‫مختلف �ألوان ال�شعر وفنونه‪..‬‬ ‫�أع��رو���س ال �ب �ح��ر!! �أم ط�ي��فٌ ح�ضر!!‬ ‫يقول في و�صف الفتاة العربية‪:‬‬ ‫وب � � �ك� � ��لِّ ال� � ��حُ � � ��بِّ ردتْ ل� � ��ي �أن� � ��ا‬ ‫م������ن ت����ك����ون����ي����نَ وه����������لْ �أن������������تِ ب�����ش��ر‬ ‫ل �� �س��تُ ط �ي �ف �اً‪� ..‬أو ع��رو� �س � ًا ِل � َب��حَ ��ر‪..‬‬ ‫�أ ْم م������ل������اكٌ ول������ع������ي������ن������يَّ ظَ ������هَ������ر‬

‫‪60‬‬

‫�إن� �م���ا مِ � � ��نْ �أر�� � ِ� ��ض �أ�� �س� �ي���ا ِد ال� � ُّدن ��ا‬ ‫طُ � � ْف ��تُ ف ��ي ال��د ْن��ي��ا ول� �ك ��نْ ل� ��مْ �أَ َر‬ ‫�إبن ُة ال � ُع �ر ِْب‪( ..‬وه��ل يخفى القمر؟!)‬ ‫م �ث��لَ ه ��ذا ال��حُ ��� ْ�س��نِ م��ا ب �ي��نَ الب�شر‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪61‬‬


‫�أزمنة‪ ،‬بدعم من وزارة الثقافة الأردنية‪ ،‬والتي‬ ‫�أعطتني عند �صدورها �إح�سا�س ًا رائع ًا ب�أنني‬ ‫كتبتُ عم ًال �إ�شكالياً‪ ،‬وبخا�صة حين بد�أ الكثيرون‬ ‫ي�صافحونها بحرارة؛ وهي ق�صائد تنطوي على‬ ‫�ضدية �شعرية‪� ،‬أو رف�ض �شعري لأ�شياء وم�سلّمات‬ ‫كثيرة �سيا�سية واجتماعية ووجودية �أي�ضاً؛ بل‬ ‫لعلها �إ�شارة من �إ�شارات �صعلكة �شعرية معا�صرة‬ ‫وفي العام ‪ ،2008‬كانت النقلة الأ�سا�سية في‬ ‫تقول مقو َلتَها بلغة مكثفة موحية غنية باالنفعال‬ ‫التجربة‪ ،‬وذلك عندما ب��د�أتُ �أعي �أن كل هذا‬ ‫والإح�سا�س المنطلق والن�شوة المجنّحة‪.‬‬ ‫ُح�س �أنه‬ ‫ال�شعر �أ�صبح ال يفي بما �أُريد‪ ،‬وال بما �أ ّ‬ ‫و� ُ‬ ‫أعترف اليوم ب�أنني في الفترة الأول��ى من يكاد يفر�ض نف�سه عليّ ‪ ،‬وعلى الم�شهد ال�شعري‬ ‫نتاجي كنتُ م�شدود ًا �إلى التراث‪ ،‬وكانت ظالل ُه كذلك‪� ،‬سوا ٌء في عنا�صره المكوّنة �أو في ر�ؤيته‬ ‫ُ‬ ‫تحيط بي‪ ،‬في كل ق�صيد ٍة �أكتبها‪ ،‬ولكني ما لبثتُ للعالم؛ ما جعلني �أت�م��ر ّد عليه و�أُدرج ��ه تحت‬ ‫�أن انفتحتُ على عوالم جديدة عندما �أخذت م�صطلح الح�سا�سية القديمة �أو الح�سا�سية‬ ‫�أطالع ب�شغف الآداب الأجنبية‪ ،‬و�شعراء الغرب التقليدية‪ ،‬وهذا ال يعني بالطبع �أني تبر�أتُ من‬ ‫الكبار‪ ،‬فقر�أتُ الكثير في مجال ال�شعر والنقد �أعمالي الأول��ى‪ ،‬ولكنّي اكتفيتُ بالتمرُّد عليها‬ ‫والرواية والفكر والتاريخ والم�سرح‪ ،‬وكان لهذه وبالإنحياز �إلى الإختالف والتفرُّد‪.‬‬ ‫القراءات فيما بعد �أث ٌر عا�صفٌ في ت�شكيل وعيي‬ ‫وه��ك��ذا‪� ،‬أ� �ص �ب��ح ل�لاخ �ت�لاف م� ��ذا ٌق حلو‪،‬‬ ‫وتطوير �أدواتي الإبداعية‪ ،‬وتمثّل ذلك في ديوان‬ ‫«مدينة الرماد»‪ ،‬الذي كان نتاج ًا لهذ القراءات و�أ�صبحتُ �أ�سم ُع �أ�صوات ًا بعيدة ما يزال �صداها‬ ‫المرهقة التي لقّحتُ بها ذهني في ذلك الوقت‪ ،‬ي��ر ُّن ف��ي �أذن ��يَّ حتى ه��ذه اللحظة‪ ،‬و�أظ ��نُ �أن‬ ‫فجاءت ق�صائد الديوان مت�أججة‪ ،‬تعلي من �ش�أن بدايات هذا كانت في دي��وان «تماثيل عرجاء»‬ ‫الب�ساطة العميقة‪ ،‬وتحتفي بالعابر واليومي‪ ،‬والذي ا�صطبغ ب�صبغة الت�أمل والمعرفة العميقة‬ ‫واالل�ت�ف��ات �إل��ى �أهمية ال �م��وروث ال�شعبي من‬ ‫ك�أنما هي لوحة ذات ف�ضاء غير منغلق‪.‬‬ ‫�أغاني وحكايات وم��واوي��ل‪ ،‬وال��دور ال��ذي يلعبه‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬توالت كتاباتي ال�شعرية‪ ،‬وتنوَّعَ ت‪،‬‬ ‫ه��ذا ال �م��وروث ف��ي �إث ��راء و�إ� �ض��اءة الق�صيدة‬ ‫فجاء دي��وانُ «ك�لام الليل والنهار» مختلف ًا في‬ ‫وفي �إعطائها بُعد ًا ت�شكيلي ًا يحمل �إيقاع الحياة‬ ‫طريقة بنائه الفني‪� ،‬إذ انطلقتُ فيه من موقف‬ ‫فنيّ �شديد الو�ضوح‪ ،‬محدد ال�سمات‪ ،‬م�ستعم ًال ونب�ضها‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫لتحقيق ه��ذه الغاية لغ ًة تحري�ضي ًة مبا�شرةً‪،‬‬ ‫تمزج الكتابة ال�سيا�سية بالحالة الإن�سانية التي‬ ‫تفجرُّها وذل��ك من �أج��ل الو�صول �إل��ى نوع من‬ ‫التمازج والترا�ضي بين المو�سيقى والطالقة‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�أم ��ا دي��وان��ي الأخ �ي��ر (ال�ك�ت��اب��ة على الماء‬ ‫وال�ط�ي��ن) ال���ص��ادر ف��ي العا�صمة ع� ّم��ان عام‬ ‫‪2012‬م ع��ن ال ��دار الأه�ل�ي��ة للن�شر وال�ت��وزي��ع‪،‬‬ ‫فهو يحمل ر�ؤي��ة �شعرية حيّة‪ ،‬وثقافة معا�صرة‬

‫وتجد ُر الإ�شار ُة هنا �إلى �أن اللغة بما تت�ضمنه‬ ‫من بني ٍة �صوتيةٍ‪ ،‬ومن ن�سيجٍ �سحريٍ مو�سيقيٍ ‪..‬‬ ‫ك��ان لها دو ٌر ج��وه��ريٌ في �إي�صال ر�ؤي�ت��ي �إلى‬ ‫القارئ‪ ،‬وتقديري �أن ال�شاعر الحقيقي يحتاج‬ ‫مناط هذه‬ ‫�إل��ى تملك تام ومطلق للغة‪ ،‬ولي�س َ‬ ‫الأهمية عندي مناط ًا �شكلياً‪� ،‬إذ عن طريق اللغة‬ ‫المتوهجة وعبرها تتنامى الق�صيدة‪ ،‬وال �شيء‬ ‫غير اللغة ورنينها الدافئ يواجه القارئ‪ ،‬فيملأ‬ ‫روح��ه وعقله بالده�شة‪ ،‬ويبعث فيه الإح�سا�س‬ ‫بالجمال �أو الأ�سى الغام�ض‪ ،‬فنحن نعرف �أنه‬ ‫ال فكرة وال حِ ّ�س من دون لغة �شفافة عميقة‬ ‫وم�شحونة ب��الأل��وان والأ���ص��وات‪ ،‬و�أن��ا هنا‪ ،‬ال‬ ‫�أعني �أن الق�صيدة لغ ٌة فقط‪� ،‬أو �أن هذه اللغة‬ ‫هي كل ما تحمله الق�صيدة‪ ،‬فاللغة بحد ذاتها‬ ‫كينونة‪ ،‬ولكني �أود القول �إن كل ما ت�شتمل عليه‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وكل عن�صر من عنا�صر ن�سيجها على‬ ‫م�ستوى ال�صورة والإي�ق��اع والتوزيع الب�صري‪،‬‬ ‫يكمن هناك‪ ،‬وراء لغتها‪.‬‬ ‫و�أن��ا ُرغ��م �صداقتي الممتدة لل�شعر قارئ ًا‬ ‫وك��ات�ب� ًا ُزه ��اء ع�شرين ع��ام �اً‪ ،‬م��ا �أزال �أواج��ه‬ ‫الإب��داع بمزيج من القلق وال�ل��ذة‪ ،‬وحين �أ�صل‬ ‫�إلى جوهر ال�شعر الطاهر النقيّ ‪ ،‬ف�إنني �أ�صلُ‬ ‫�إلى هناك مرهقاً‪ ،‬مبل ًال برذاذ اللغة‪ ،‬ومك�سو ًا‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫التعبيرية‪ ،‬وبين الإح�سا�س والفكرة‪ ،‬وبين ال�شعر‬ ‫ووظيفته‪ ،‬بين الفن وغايته؛ وبذلك ا�ستطاعت‬ ‫ق�صائد الديوان المتمردة �أن تعلن ع�صيانها‬ ‫على ال�سائد ال�شعري‪� ،‬آنذاك‪ ،‬و�أن تلقي حجر ًا‬ ‫في الماء ال��راك��د‪ ،‬و�أن تخترق ح�صون النقاد‬ ‫و�أ�سوارهم المغلقة‪.‬‬

‫مت�أملة‪� ،‬سائحة ف��ي ب�ح��ار المعرفة‪ ،‬مفتون ًة‬ ‫بالفل�سفة‪ ،‬مُحب ًة للتاريخ والأنثربولوجيا‪ ،‬مولع ًة‬ ‫بالأ�ساطير التي هي م�صدر �إغناء مهم لل�شعر؛‬ ‫�إذ‪ ،‬عن طريق الثقافة وحدها تنه�ض الق�صيدة‬ ‫وج��ود ًا ح�سي ًا ملمو�ساً‪ ،‬يمكن لم�سه‪ ،‬ور�ؤيته‪،‬‬ ‫وت�شممه‪ ،‬ولو �سئلت عن مدى توفيقي في هذا‬ ‫الديوان لقلت �إنني ا�ستطعت فيه �أن �أُ�صفّي لغتي‬ ‫وانفعالي و�أفكاري من كل ف�ضول‪.‬‬

‫بف�ضائها الغائم‪ ،‬وحين تنتهي الق�صيدة �أبد�أ‬ ‫ف��ي اكت�شافها م��ن ج��دي��د‪ ،‬و�أم � � ُّر عليها م��ر ًة‬ ‫بعد �أُخ��رى‪ ،‬ف�أعي ُد و�أن� ِّق��حُ التفا�صيل‪ ،‬و�أط��وي‬ ‫�رات وم ��راتْ ‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫ال�صفحات و�أمزقها م� ٍ‬ ‫�أ�ض ُع عليها لم�ستي الأخيرة قبل �أن ترى النور في‬ ‫غدها الذي �سي�أتي‪.‬‬ ‫وه��ا �إنني اليوم‪� ،‬أجدني قد جرّبتُ �أ�شياء‬ ‫كثيرة‪ ،‬وا�ستفدت من تجارب ال�شعر العربي‬ ‫والغربي على ح ّد ال�سواء‪ ،‬من دون �أن �أكون تابع ًا‬ ‫لها‪ ،‬وخ�ضت في بحار الرمز الذي لم يفارقني‬ ‫حتى الآن‪ ،‬كما ج� ّرب��تُ المبا�شرة والخطابية‬ ‫الملتهب َة �أحيان ًا �أخرى‪ ،‬وكتبت �ألوان ًا من ال�شعر‬ ‫الم�شحون بالدالالت والتعابير وال�صور‪ ،‬وحاولت‬ ‫�ألوان ًا من المعمار في الق�صيدة‪ ،‬وغرّدتُ خارج‬ ‫ال�سرب ط��وي�لاً‪ ،‬حتى ��ص��ارت كتابتي عُ ر�ض ًة‬ ‫لتجريب ال ي�ستق ُّر على حال‪ ،‬وجاهدتُ �سنوات‬ ‫ٍ‬ ‫عديدة حتى �أ�صير �شاعر ًا له مذاقه الخا�ص‪،‬‬ ‫وعالمه الخا�ص‪ ،‬ولكني ما �أزال �أعتقد �أن هناك‬ ‫الكثير مما �أ�ستطيعه‪ ،‬و�أن تجربتي ال�شعرية لم‬ ‫ت�ستوف تمامها بعد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذه‪ ،‬في ما �أظن‪ ،‬بع�ض المالمح الأ�سا�سية‬ ‫القلقة والحائرة والتي ما تزال عالق ًة في خزائن‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وت�سري في العروق مدجَّ جة بالأ�شواك‪،‬‬ ‫هتاف عميق في �إطا ٍر غنائيٍ‬ ‫وما �أزال بحاج ٍة �إلى ٍ‬ ‫حزينٍ مقهور‪ ،‬حتى ي�صل �صداها من حافة هذا‬ ‫ال�سراب �إلى ت�ضاري�س المكان الم�شتهى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪63‬‬


‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫رحلتي في ال�شعر‬ ‫بدايات الت�شكل والتكون ال�شعري‬ ‫■ د‪ .‬يو�سف ح�سن العارف ‪ -‬ال�سعودية‬

‫‪ ...‬بين ع�شية و�ضحاها‪ ,‬وفي �سنٍّ مبكرة حوالي ال�سابعة ع�شر من عمري‪� .‬آن��ذاك كنت في‬ ‫ال�صف الثاني من المرحلة الثانوية‪� ,‬ألفيتني محا�صراً بال�شعر وال�شاعرية من جهتين‪ ,‬جهة‬ ‫منزلية‪ ,‬و�أخرى تعليمية؛ ف�أما الجهة المنزلية‪ ,‬فقد كان الوالد ال�شيخ (ح�سن محمد العارف)‬ ‫�إمام وخطيب جامع الأمير �سلطان في ال�شهداء ال�شمالية بالطائف‪ ,‬والطالب بمعهد �آل ال�شيخ‬ ‫العلمي‪ .‬وخريج مدر�سة القرعاوي الدينيه في جازان‪ ,‬والمتتلمذ على التراث ال�شعري العربي‪,‬‬ ‫والمرتبط حينها بال�شعراء المعا�صرين في اليمن وج���ازان‪ ,‬وبقية مناطق المملكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪ ,‬والحافظ للمعلقات وكثير من الأ�شعار الجاهلية والإ�سالمية وغيرها من ع�صور‬ ‫ال�شعر العربي القديم حتى الحديث‪ ،‬يحرك المياه ال�شعرية في داخلي‪ ,‬وي�ستنبت �أ�شجارها‬ ‫بروحه ال�شاعرة وتجلياته ال�شعرية‪.‬‬

‫كان المنزل «العارفي» بالطائف ي�شع بال�شعر‪ ,‬وام��ل��أ ف�����ؤادك ب��ال�����س��رور وعندهـ ــا‬ ‫ومكتبة ال��وال��د العلمية تحتفى بال�شعر وكتبه‬ ‫��ص��ف‬ ‫ت��ج��د ال��ن��ع��ي��م ب��خ��ل��ده ال��م��ت��را� ِ‬ ‫ودواوينه‪ .‬كان الوالد يكتب ال�شعر ويقر�أه علينا‪،‬‬

‫وتدور مناق�شات وم�ساجالت �شعرية‪ ,‬كان الوالد وام���دد خطاك على ال��وه��اد مطوفاً‬ ‫ب���ال���ط���رف ف����ي ب���ل���د زه�����ا ل��ل��وا���ص��ف‬ ‫ي�شجعني على حفظ ال�شعر ومحاولة كتابته‪،‬‬ ‫ويقوم هو بالتقويم والت�صحيح العرو�ضي‪.‬‬ ‫ف��ال��رو���ض فيه ــا كا�سي ـ ـاً �أغ�صانـ ــه‬ ‫ومن �شعر الوالد الذي �أذكره ق�صيدة طويلة‬ ‫خ�����ض��ر ال��ح��ي��اة ب���زه���ره ال��م��ت���آل��ـ��ـ��ـ��ـ��ف‬

‫عن الطائف يقول فيها‪:‬‬

‫�إلخ الن�ص الجميل‪..‬‬

‫�أن���ظ���ر ب��ع��ي��ن��ك م��ع��ج��ب��ـ��ـ��اً بلط ــائــف‬ ‫ف����ي ج����و ه����ادئ����ة ال���غ���ي���وم ال��ط��ائ��ف‬ ‫ال�����س��ج��ن ل���و ك����ان رو������ض ك��ل��ه ثمر‬ ‫وام��ن��ح ���س��م��اع��ك ن��غ��م��ة م��ن طيرها‬ ‫م���ن ح��ب��ه ف���ي ���س��ح��ب��ه��ا ال���م���ت���رادف‬ ‫ل��ق��ل��ت ن������اراً ومَ�����ن ل��ل��ن��ار ي�����ش��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��اق‬ ‫وق�صيدة عن ال�سجن يقول فيها‪:‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ب���ك���ت ب����ه ال���ع���ي���ن ل����و دم���ع���ات���ه���ا درر‬ ‫�أب���ح���ت���ه���ا ل��ل��ب��ك��ا وال����دم����ع ���س��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اق‬ ‫م���ا ك����ان ����ش���وق���اً ول���ك���ن ك��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه ق��در‬ ‫وال ي������رد م��������رور الأم���������ر ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ذاق‬ ‫ع��ل��ى و���س��ادي كتبت ال�شعر مبتكراً‬ ‫ل��ي��ب��ل��غ ال��ن��ا���س ���ش��ع��ري �أي��ن��م��ا الق���وا‬ ‫***‬

‫�إلى �أن يقول‪:‬‬

‫ي��ا ح�����س��رة ال��ل��ي��ث ق��د �أل���ق���اه حاب�سه‬ ‫ب��ي��ن ال�����س�لا���س��ل �أق���ي���اد و�أط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��واق‬ ‫والطير في قف�ص القنا�ص ي�ؤلمه‬ ‫ه��ب ال�صبا �إذ بجنح الطير �أ���ش��واق‬ ‫***‬

‫و�أما الجهة التعليمية‪ ،‬فمدر�سة دار التوحيد‬ ‫الثانوية بالطائف‪ ,‬حيث فطاحلة المعلمين‬ ‫العرب وال�سعوديين‪ ,‬وحيث المنا�شط الأدبية‬ ‫والثقافية وال�شعرية خا�صة‪ ,‬وحيث المناهج‬ ‫والمقررات الدرا�سية الأدبية واللغوية‪� .‬أذكر في‬ ‫تلك الفترة الأ�ستاذ الفل�سطيني ب�سام �سالمة‪،‬‬

‫�أ�ستاذ الأدب والن�صو�ص‪ ،‬وال�شاعر المبدع الذي‬ ‫حر�ص على تحفيظنا ال�شعر‪ ,‬و�شجعنا على‬ ‫كتابته‪ .‬كما �أذكر مدر�س النحو الأ�ستاذمحمد‬ ‫ال�صباغ وكتاب �شرح ابن عقيل‪ ,‬و�ألفية ابن مالك‬ ‫الذي كان لنا زاد ًا �شعري ًا ومعرفي ًا تتلمذنا عليه‬ ‫وا�ستفدنا منه في التكوين والت�شكيل ال�شعري‬ ‫ل�شخ�صيتنا ال�شعرية‪.‬‬ ‫ومن هذين الم�صدرين‪/‬الجهتين انفتحت‬ ‫على ال�شعر ق��راءة وحفظاً‪ ،‬وم��ن ث��م محاولة‬ ‫التقليد كتابة ون�صو�ص ًا وق�صائد بدائية!!‬ ‫وك ��ان ال��راف��د والم�شجع الحقيقي – في‬ ‫المرحلة الأولى – رفيق الدرب وزميل الدرا�سة‬ ‫الزميل �صالح الخمري ال��ذي تتلمذ على ما‬ ‫تتلمذت عليه‪ ،‬وك��ان مثلي‪ ..‬ل��ه روح �شاعرة‪،‬‬ ‫فالتقت الروحان‪ ،‬وكتبتا ال�شعر في تلك المرحلة‬ ‫المبكرة من حياتنا‪.‬‬ ‫و�أعتقد �أن هذه المرحلة من عمري ال�شعري‪،‬‬ ‫وع�م��ري الدرا�سي– المرحلة الثانوية– هي‬ ‫المرحلة الأولية من التكوين والت�شكّل ال�شعري‪،‬‬ ‫وكان منجزه الذي ال �أزال �أحتفظ به هو م�سودة‬ ‫ال��دي��وان الأول المخطوط بيدي بعنوان‪ :‬من‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪65‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪66‬‬

‫الإن �ت��اج الفكري ف��ي ال�شعر الع�صري �أو �سر‬ ‫الواليف �شعر ابن العارف‪.‬‬ ‫و�أذكر في م�سوّدة �أخرى للديوان المخطوط‬ ‫كان العنوان الفرعي «المعارف البن العارف»‬ ‫والأزاهير‪ ،‬و�أعتقد �أني �أطلعت �أحد زمالئي في‬ ‫دار التوحيد – �آنذاك – وا�سمه م�سفر المالكي‪،‬‬ ‫فكتب لي مالحظة فيها ت�شجيع وتثبيط في الآن‬ ‫نف�سه!‬ ‫وعلى �أية حال‪ ،‬لم �أ�ستمع لن�صيحته‪ ،‬ووا�صلت‬ ‫الكتابة ال�شعرية التي �أ�سميها الآن (بدائية)‪،‬‬ ‫ولكنها تمثل خطوة �أولية على طريق ال�شعر‪ .‬وقد‬ ‫كانت الوقود لما يليها من مراحل!!‬ ‫�أم ��ا ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان�ي��ة م��ن ت�ل��ك ال�ب��داي��ات‬ ‫التكوينية والت�شكّل ال�شعري‪ ،‬فهي �أثناء الدرا�سة‬ ‫الجامعية (‪� ,)97/96 -94/93‬إذ التحقت‬ ‫بكلية ال�شريعة بمكة المكرمة‪ ،‬في ق�سم التاريخ‬ ‫والح�ضارة الإ�سالمية‪ .‬وكان من حظي �أن �أتتلمذ‬ ‫في حقول اللغة العربية و�آداب �ه��ا على قامات‬ ‫�سامقة في الم�شهد الثقافي واللغوي ال�سعودي‬ ‫والعربي‪ ,‬فكان من معلمي تلك المرحلة الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور نا�صر الر�شيد(‪ )1‬الذي عر�ضت عليه �أحد‬ ‫الن�صو�ص ال�شعرية للإطالع عليه وتمحي�صه‬ ‫وتقويمه للن�شر في مجلة ندوة الطالب بالكلية‪,‬‬ ‫وقد �أعجب به وعدَّل عليه و�شجعني على ن�شره؛‬ ‫فكان ذلك �أول ن�ص �شعري لي ين�شر في المجلة‬ ‫المذكورة في عددها ال�ساد�س ع��ام ‪1396‬ه �ـ‪.‬‬ ‫وكان مطلعه قد كتب في �إحدى �صفحات كتاب‬ ‫(قطر الندى وبل ال�صدى)‪ ،‬الذي كان مقرر ًا‬ ‫علينا في مادة اللغة العربية �آنذاك‪.‬‬ ‫ومن الذين �أثروا ثقافتنا ال�شعرية والأدبية‪،‬‬ ‫الأ�ساتذة الذين كنا تتلقى الأدب والن�صو�ص على‬

‫�أيديهم‪� ،‬أو ن�ستمع �إلى ندواتهم ومحا�ضراتهم‬ ‫الأدبية في الكلية وهم‪ :‬د‪ .‬عبدالب�صير عبداهلل‬ ‫ح�سين‪ ،‬ود‪ .‬محمد ها�شم ع�ب��دال��دائ��م‪ ،‬ود‪.‬‬ ‫عبدال�صبور م���رزوق‪ ,‬ومنهم تعلمت �سمات‬ ‫ال�شعرية والن�ص ال�شعري؛ فكان زاد ًا معرفي ًا‬ ‫�أثرى تجربتي ال�شعرية في �صورتها الأولية‪.‬‬ ‫وك ��ان م��ن ن�ت��اج ه��ذه المرحلة الكثير من‬ ‫الق�صائد والن�صو�ص التي �شكلت م�سودة الديوان‬ ‫الثاني المخطوط بيدي �أي�ض ًا وعنونته «النف�س‬ ‫ال�ح��زي��ن»‪ ،‬بعد �إ��ض��اف��ة الكثير م��ن الق�صائد‬ ‫الجديدة من المرحلة التكوينية الثالثة‪ ,‬والتي‬ ‫كانت في �سنوات ما بعد الجامعة‪ ،‬فقد عملت‬ ‫معلم ًا في ج��دة منذ ‪1397‬ه��ـ‪ .‬وهنا تتفتح لي‬ ‫�أبواب الثقافة الجديدة التي لم �أكن �أعرفها في‬ ‫بدايات الت�شكل والتكون ال�شعري‪ .‬فال�صحافة‬ ‫والإذاعة والمجالت والمكتبات العامة وغيرها‪,‬‬ ‫لكن الأب��رز والأه��م ن��ادي جدة الثقافي الأدب��ي‬ ‫الذي كان معلم ًا ثقافي ًا بارز ًا �أنذاك‪.‬‬ ‫في هذه المرحلة‪ ،‬بد�أت �أتفاعل مع ال�صفحات‬ ‫والمالحق الثقافية في كل من عكاظ والمدينة‬ ‫والندوة ومجلة اقر�أ والريا�ض والجزيرةً‪ ،‬و�أر�سل‬ ‫لهم بع�ض الإنتاج ال�شعري فيتم ن�شره وت�سويقه‪,‬‬ ‫وهنا تنامت تجربتي ال�شعرية ن�م��و ًا وا�ضح ًا‬ ‫وحقيقياً‪.‬‬ ‫في هذه الفترة كانت �صرعة الحداثة بد�أت‬ ‫تطل بر�أ�سها على الم�شهد الثقافي‪ ،‬وكنت �شاهد‬ ‫ع�صر �أتمنى �أن �أُف��رد لها �سياق ًا كتابي ًا �آخر‪.‬‬ ‫المهم �أن �صراع الحداثة ال�شعرية كان محفز ًا‬ ‫وداعم ًا لكل تطورات الن�ص ال�شعري في تجربتي‬ ‫ال�شعرية‪ ,‬فبعد المدر�سة التقليدية والق�صيدة‬ ‫الكال�سيكية ال�ت��ي كنت �أكتبها‪ ،‬تحوّلت �إل��ى‬ ‫ق�صيدة التفعيلة والنثر وربما الحداثوية‪.‬‬

‫ف��ي ه��ذه المرحلة ب��د�أت التفكير ف��ي طبع بو حيمد‪ ،‬وفيها �ألقيت ن�ص ًا عمودي ًا عن الفيوم‬ ‫�أول دواوي� �ن ��ي ال���ش�ع��ري��ة‪ ،‬ف��راج �ع��ت م���س��ودة و�أهلها الق��ت ا�ستح�سان الح�ضور من الإخ��وة‬ ‫(النف�س ال �ح��زي��ن)‪ ،‬و�أ��ض�ف��ت �إل�ي�ه��ا تجارب الم�صريين‪.‬‬ ‫جديدة‪ ،‬و�أر�سلته �إلى نادي جازان الأدبي �أيام‬ ‫***‬ ‫رئا�سة ال�شاعر المبدع محمد علي ال�سنو�سي‬ ‫ومما زاد تجربتي ال�شعرية ن�ضج ًا و�إعالماً‪،‬‬ ‫(رحمه اهلل)‪ ,‬ولكن الم�شيئة الربانية لم تتح‬ ‫لهذا الم�شروع �أن ي��رى النور طباعة ون�شراً‪ ,‬الن�شر ال�صحفي‪ ،‬ومن خالل الدوريات المحلية‬ ‫فقد �أر��س��ل ال�ن��ادي ر�سالة موقعة م��ن رئي�سه والخليجية‪ ,‬فقد ن�شرت �أغلب ن�صو�صي ال�شعرية‬ ‫ف��ي ‪1406/7/30‬ه� � � �ـ ب��االع �ت��ذار ع��ن الن�شر التي ت�شكلت منها دواوي�ن��ي فيما بعد‪ ،‬في كل‬ ‫(و�إع��ادة النظر في الق�صائد من حيث ال�شكل ال�صحف والمالحق الثقافية ال�سعودية منذ العام‬ ‫‪1403‬ه��ـ‪ ,‬فاحت�ضنت �أ�شعاري �صحيفة عكاظ‬ ‫والم�ضمون‪.)..‬‬ ‫وملحقها الثقافي‪ ،‬وملحق الأرب �ع��اء بجريدة‬ ‫وفي هذه المرحلة دعيت للم�شاركة في �أول المدينة‪ ،‬والملحق الأ�سبوعي بجريدة الريا�ض‪.‬‬ ‫�أم�سياتي ال�شعرية المنبرية من قبل نادي �أبها و�صحيفتي البالد والندوة‪ .‬ومن خاللها عرفني‬ ‫الأدب ��ي‪ ،‬وك‬ ‫(‪��)2‬ان معي ال�شاعر ال�سعودي محمد ال�ن�ق��اد ودار� �س��و الأدب و�أ� �س��ات��ذة الجامعات‬ ‫ال �ع �م��ري ‪ )3(،‬وال���ش��اع��ر الم�صري عبدالملك المتخ�ص�صون في النقد الأكاديمي‪ ،‬ف�أخ�ضعوا‬ ‫عبدالرحيم ‪� .‬أذكر �أن هذه الأم�سية �أقيمت في ك�ث�ي��ر ًا م��ن ن�صو�صي ال�شعرية للمداخالت‬ ‫متنزه �أبي خيال الجبلي‪ ،‬وكان الح�ضور كثيراً‪ ،‬وال�م�ق��ارب��ات ال�ن�ق��دي��ة‪ ،‬وط��ال�ب��وا بجمعها في‬ ‫وب�إ�شراف �أع�ضاء النادي‪ ،‬ويتقدمهم الأدي��ب دواوين ت�سهي ًال للقراء والباحثين‪ ،‬وا�ستفاد منها‬ ‫محمد الحميد‪ ،‬والناقد �صالح زياد‪ ،‬وال�شاعر بع�ض دار�سي الدكتوراه والماج�ستير في بحوثهم‬ ‫ح�سين النجمي‪ ،‬والناقد علي التمني وغيرهم العلمية‪ ،‬وكانت �إ�صداراتي ال�شعرية تتوالى على‬ ‫كثير‪.‬‬ ‫النحو التالي‪:‬‬ ‫ثم انفتح المجال بعد ذل��ك في م�شاركات ‪1415‬هـ ديوان (الرمل ذاكرة والريح �أ�سئلة)‪.‬‬ ‫منبرية داخ�ل�ي��ة م��ن خ�لال الأن��دي��ة الأدب �ي��ة‪1421 ,‬هـ ديوان (ومن المحبة تنبت الأ�شجار)‪.‬‬ ‫والجامعات ال�سعودية‪ ,‬وال�صالونات الثقافية‪1426 ،‬هـ ديوان (كلما وق�صائد �أخرى)‪.‬‬ ‫وم �� �ش��ارك��ات خ��ارج �ي��ة م��ن خ�ل�ال الأ� �س��اب �ي��ع ‪1427‬هـ ديوان (كلما (طبعة ثانية)‪.‬‬ ‫الثقافية ال�سعودية التي كانت تقوم بها وزارة ‪1429‬هـ ديوان (وعند ال�صباح ال يحمد القوم‬ ‫الثقافة والإع�ل�ام‪ ،‬وك��ان �آخ��ره��ا في الأ�سبوع‬ ‫ال�سرى)‪.‬‬ ‫الثقافي ال�سعودي بجمهورية م�صر العربية‪1431 ،‬هـ دي� � ��وان (ع� �ط ��ر ال �ق �� �ص �ي��د و��ص�ح��و‬ ‫وكانت �أم�سيتنا ال�شعرية التي ا�شتركت فيها في‬ ‫المفردات)‪.‬‬ ‫المركز الثقافي بمدينة الفيوم م�ساء الثالثاء ‪1431‬هـ ديوان (وطني ع�شقتك مجداً‪ ..‬حملتك‬ ‫‪ 21‬نوفمبر ‪2006‬م الموافق ‪1427/10/30‬ه��ـ‬ ‫وجداً)‪.‬‬ ‫مع كل من ال�شاعر �أحمد البوق وال�شاعرة �سارة ‪1433‬هـ ديوان (�أنا�شيد من بينانج)‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫بقي �أن �أق��ول �إنني �سعيد بهذه التجربة ال�شعرية الجميلة منذ بداياتها وتناميها ثم ن�ضجها‬ ‫والتجديد فيها‪ .‬والبناء عليها لغد �شعري نا�صع وجميل‪ .‬فال�شعر بوابتي �إلى الحياة والكون والإن�سان‪,‬‬

‫ •الناقد ح�سين بافقيه‪ :‬ذهنية المنا�سبة‪ ,‬قراءة في ديوان‬ ‫«ومن المحبة تنبت الأ�شجار»‪.‬‬

‫ف�إن هذه ال�سيرة والم�سيرة ال�شعرية المكتوبة من قبل �صاحبها‪ ،‬فيها الكثير من الذاتية والأنا‪،‬‬ ‫والقليل من المو�ضوعية والحيادية‪ ،‬ولكنها تجربة قلتها وكتبتها كما ع�شتها‪ ..‬ولكن ما يقوله القارئ‬ ‫والناقد عنها هما محط غايتي ومنتهى �أملي؛ فكل ما قدمته �شعري ًا �أ�صبح ملك القارئ وهو الذي‬ ‫يحكم له �أو يرد عليه‪ ،‬وما �أنا اال �شاعر – كما قال نزار قباني‪:‬‬

‫ •ال�ن��اق��د ال���س��وري جميل ال �ع �ب��داهلل‪ ,‬ق ��راءة ف��ي مجموعة‬ ‫الق�صائد المن�شورة في عكاظ ‪1404‬هـ‪.‬‬ ‫ •الناقد اليمني عبداهلل زيد �صالح‪ :‬عن ديوان «وعند ال�صباح‬ ‫ال يحمد القوم ال�سرى»‪.‬‬ ‫ •الناقد ال�سعودي �صالح الح�سيني عن الديوان ال�سابق‪.‬‬ ‫�أما الدرا�سات النقدية لمجوعة دواويني ال�شعرية فمنها‪:‬‬ ‫ •درا�سة الناقد ال�سوري ح�سين المكتبي‪ ،‬بعنوان‪« :‬المعذب‬ ‫في �شعر يو�سف العارف»‪.‬‬ ‫ •درا�سة لل�شاعرة مي�سون النوباني‪ ،‬بعنوان‪« :‬المدينة وروح‬ ‫ال�شاعر»‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫ •(كتاب مطبوع) بعنوان‪« :‬بواعث االغتراب وجموح التكوين‪..‬‬ ‫درا�سة نقدية في �شعر يو�سف ال�ع��ارف»‪� .‬صدر عن نادي‬ ‫الق�صيم الأدبي عام ‪1432‬هـ‪.‬‬ ‫كل هذه الدرا�سات والأبحاث والمقاالت ال�صحفية �أ�سهمت‬ ‫في �إثراء التجربة‪ ,‬والداللة على مكامن الخلل‪ ،‬ف�أفدت منها‬ ‫وطورت �أدواتي ال�شعرية‪� .‬أنا مدين لكل من قر�أني و�أ�شار �إلى‬ ‫�شيء من الجمال ال�شعري في م�سيرتي ال�شعرية‪ ,‬ومدين �أي�ض ًا‬ ‫لكل من قر�أني و�أبان خط�أ �أو خل ًال في الق�صيدة‪� ،‬أو قدم ر�ؤية‬ ‫تقويمية لمجمل �أو بع�ض نتاجي ال�شعري؛ فمنهم �أفيد‪ ،‬فلي�س‬ ‫عــنـــدي كبير في ال�شعر وال �صغير �أي�ض ًا – كما قال المبدع‬ ‫عبداهلل ال�صيخان في �شهادته ال�شعرية التي قدّم بها لديوانه‬ ‫الجديد «الغناء على �أب��واب تيماء»‪ ،‬وال بد من قبول ال��ر�أي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫«���������ش��������ع��������رت ب�������������ش������ئ ف�������ك�������ون�������ت �����ش����ي����ئ����اً‬ ‫ف������ي������ا ق���������ارئ���������ي ي���������ا رف�������ي�������ق ال�����ط�����ري�����ق‬ ‫����������س����������أل���������ت���������ك ب�����������������اهلل ك�������������ن ن�������اع�������م�������اً‬ ‫�إذا ق������ي������ل ع������ن������ي �أح���������������س�������ن ك����ف����ان����ي‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وق��د حظيت �أغلب ه��ذه الإ� �ص��دارات متفرقة �أو مجتمعة‬ ‫بتغطيات ومقاالت �صحفية‪ ،‬ودرا�سات نقدية وحوارات ثقافية‬ ‫�أذكر منها‪:‬‬ ‫ •ال�ك��ات��ب ع�ب��دال��واح��د الحميد‪ :‬تعريف ب��دي��وان��ي «ال��رم��ل‬ ‫ذاكرة»‪..‬‬

‫الآخر مهما كان جارح ًا ففيه مكامن التغيير والتح�سين والتطوير وتعديل البو�صلة وخارطة الطريق!!‬

‫ب�������ع�������ف�������وي�������ة دون �أن �أق�����������������ص��������دا‬ ‫�أن��������������ا ال�����������ش�����ف�����ت�����ان و�أن�����������������ت ال�����������ص�����دى‬ ‫�إذا م���������ا ������ض�����م�����م�����ت ح���������روف���������ي غ������دا‬ ‫وال �أط���������ل���������ب ال�������������ش������اع������ر ال������ج������ي������دا»‬

‫***‬

‫و�أعتقد �أنني بعد هذه ال�سنوات ال�شعرية‪ ،‬و�صلت �إلى مرحلة الإ�ستقرار‪ ،‬واال�ستواء �إن لم يكن االنتهاء‪..‬‬ ‫و�أخ�شى �أن تكون (ال�ستين) التي بلغتها – بداية الم�شوار لألقي ع�صا الترحال ال�شعرية ومغادرة الم�شهد‬ ‫ال�شعري �إال من الزهديات والربانيات الروحية والتعبدية ي�ستنطقها ذلك ال�شعر الجميل!!‬

‫(‪ )1‬هو الدكتور نا�صر بن �سعد الر�شيد (�شاعر وناقد متمكن)‪ ،‬عمل في كلية ال�شريعة بمكة حتى عام ‪1402‬هـ ثم انتقل �إلى‬ ‫جامعة الملك �سعود بالريا�ض‪.‬‬ ‫(‪� )2‬شاعر �سعودي‪ ،‬ومذيع المع‪ ،‬متخ�ص�ص في الفيزياء النووية وله ديوانان �شعريان‪.‬‬ ‫(‪� )3‬أحد مذيعي �إذاعة الريا�ض‪. .‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫‪69‬‬


‫لل�شاعر ال�سعودي عبدالكريم النملة‬ ‫قراءة في الوجدانيات ومجابهة الذات‬ ‫■ د‪� .‬إبراهيم الدهون‪ -‬جامعة اجلوف*‬

‫تُطل علينا مجموعة �شعريّة بعنوان‪�( :‬أيام ال تذبل فيها‬ ‫ال��ورود) ك�سابع �إنجاز �أدبي لل�شّ اعر ال�سّ عودي عبدالكريم‬ ‫النملة‪ ،‬ال�صادرة عن دار �أزمنة للن�شر والتّوزيع في عمّان‪،‬‬ ‫‪2013‬م‪.‬‬ ‫ي��ق��ع ال���� ّدي����وان ف���ي م��ئ��ة و���س��ت��ي��ن ���ص��ف��ح��ة م���ن القطع‬ ‫المتو�سط‪ ،‬وي�ضم (‪ )21‬ن�صّ اً �شعر ّياً‪ ،‬يطرح فيه النملة‪-‬‬ ‫غالباً‪ -‬وجدانياته الذاتيّة‪ ،‬ونماذج من �سيرته الإن�سانيّة‪،‬‬ ‫التي تتج�سّ د بم�شاهد الطفولة‪ ،‬وطقو�س مدينته الوادعة‪.‬‬ ‫و�إذا ك��ان في دي��وان ال�شّ اعر من الهفوات اللّغويّة‪ ،‬والتّراكيب الركيكة‪ ،‬والجمل‬ ‫ال�شّ عريّة ال�سّ طحيّة ‪�-‬أحياناً‪ -‬ف�إ ّن ذلك ال يقلل من قيمة الم�ضمون الدّاللي والغر�ضي‬ ‫للعمل الأدبي‪.‬‬ ‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬نجد النملة م ��أزوم � ًا ب��ر�ؤي��ا‬ ‫المفكّر الحالم بالإ�صالح والأمل بالخروج‬ ‫م��ن واق� ��ع ت��رك��ن ف �ي��ه م �ت��اه��ات ال�ت�خ� ّل��ف‬ ‫وال�ضياع‪� ،‬إنّه العذاب المرير الذي يتجرعه‬ ‫ّ‬ ‫ال���ّ�ش��اع��ر م��ن خ�ل�ال ن�صو�صه ال����شّ �ع��ر ّي��ة‬ ‫ال��طّ ��اف�ح��ة ب��الأب �ع��اد ال �دّالل � ّي��ة الم�شرقة‪،‬‬ ‫والتّراكيب الراف�ضة للعي�ش في �أتون التيه‬ ‫واالنحالل‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫يا نف�س مالك ت�ألمين‬ ‫تتوج�سين‬ ‫تتوقدين‬ ‫كجمر الحنين‬ ‫ترجين عمراً‬ ‫قد �أفل‬ ‫خلف تالل ال�سّ نين‬ ‫�إنَّ الأل��م ال��ذي ي�ست�شعره النملة‪ ،‬يبعث‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫«�أيام ال تذبل فيها الورود»‬

‫فينا الأمل الم�شحون بهاج�س القلق والخوف من‬ ‫الواقع الراهن؛ لذلك‪ ،‬فزع ال�شّ اعر �إلى نف�سه‪،‬‬ ‫باحث ًا عن ب�صي�ص �أم��ل ينقله من �أت��ون الأ�سى‬ ‫والمعاناة �إل��ى �أ�صقاع ال��وع��ي الحقيقي للذات‬ ‫الإن�سانيّة‪.‬‬ ‫ولع ّل تمركز النملة في ب�ؤرة التفا�ؤل يقودنا �إلى‬ ‫القول‪� :‬إنَّ �سيطرة براثن االنك�سار وال�سقوط كانا‬ ‫دافع ًا لرف�ض عنا�صر وج��ذور الف�شل والخذالن‪،‬‬ ‫فيقول ق�صيدة بعنوان‪�( :‬أمنية)‪:‬‬

‫في الحلم‬ ‫�ست�سرح في عيني‬ ‫عينيك‬ ‫�س�أطفو في بحر خيالك‬ ‫�س�أمحو عن ج�سدي‬ ‫الأحزان‬ ‫�س�أغزل طق�ساً‬ ‫من �شوقك‬ ‫في الحلم‬

‫وممّا ال �شك فيه �أنّ (�أيام ال تذبل فيها الورود)‬ ‫ع�ن��وان رم��زي يطفح ب��الأب�ع��اد ال �دّالل � ّي��ة‪ ،‬يمتح‬ ‫فيه �صاحبه من واقع عميق‪ ،‬وي�ضرب في �أبعاد‬ ‫�إنّ التنوّع ال�شّ كلي الملحوظ في تجربة النملة‪� ،‬إن�سانيّة واجتماعيّة متباينة‪.‬‬ ‫وارتقاء م�ضامينه ال�شّ عريّة‪ ،‬بالخروج من الدّائرة‬ ‫وثمّة ما يلفت انتباه القارئ لخطاب النملة‬ ‫الذاتيّة وال��وج��دان� ّي��ة‪ ،‬دالل��ة �أك�ي��دة على ح�ضور ال�شّ عري‪ ،‬يتجلّى في معانقة الحا�ضر للما�ضي‪،‬‬ ‫الأبعاد الإن�سانيّة في الذات ال�شّ اعرة المتنامية‪ ،‬ويتج�سّ د ذلك في ق�صيدة جاء عنوانها خطاب ًا‬ ‫والملتهبة‪ ،‬ومن هنا �أ�صبحت (الأن��ا) ال�شّ اعرة‬ ‫مبا�شر ًا للأب‪�( :‬أبي)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫على �أنّها (الأن��ا) الإن�سانيّة الكونيّة‪ ،‬النّاطقة‬ ‫�أبي‬ ‫بالم�شروعيات الكثيرة للمجتمع‪.‬‬ ‫�أفق يا �أبي‬ ‫فالنملة ما يزال �شديد الإيمان بفاعلية ال�شّ عر �أطلت المكوث‬ ‫للو�صول نحو الهدف‪ ،‬وما يزال يرى �أ ّن��ه الأمثل ثالثون عاماً‬ ‫لأداء ع��ذاب��ات ال���ذات‪ ،‬وتج�سيد م�ع��ان��اة الأن��ا جرعتنا‬ ‫الحا�ضرة‪.‬‬ ‫بها من غيابك‬ ‫لهذا‪ ،‬مَ ن يمعن في منجزه ال�شّ عري‪ ..‬يلحظ طعم ال�شقاء‬ ‫�أنّ ن�صو�صه ال����شّ �ع��ر ّي��ة تتمو�ضع وت�ب�ح��ث عن �أفقْ يا �أبي‬ ‫منافذ عميقة للخروج من م�آزق الظالم وال�سّ واد فبعدك‬ ‫المعي�ش‪.‬‬ ‫ما لل�صباح �صباح‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪71‬‬


‫�آه‪ ،‬و�شكواي‬ ‫من لحظة راع�شة‬ ‫تدوي في دمي‬ ‫ك�صل�صالت مُدى‬ ‫نا�شية‬ ‫كريح �صر�صر عاتية‬ ‫�آه‪ ،‬و�شكواي‬ ‫من دروب تائهة‬ ‫تجتاز �أ�سوار �أيامي‬ ‫خاتلة‬

‫يحيلنا الم�شهد ال�شِّ عري ال�سّ ابق �إلى ثنائية‪:‬‬ ‫(الي�أ�س‪ ،‬والأم��ل)‪ ،‬والتي تعد من �أهم المحاور‬ ‫ن�صه ال�شّ عري‪،‬‬ ‫التي ا�ستند عليها ال�شّ اعر في بناء ّ‬ ‫كما تجلّت ثنائية‪( :‬الحياة‪ -‬الموت)‪( ،‬الفرح‬ ‫الحزن)‪( ،‬النماء الجفاف)‪( ،‬الأمان الخوف)‪،‬‬ ‫(القرب البعد)‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إنّ ال�شَّ اعر يك�شف عن حاالت فكريّة‬ ‫و�شعوريّة ونف�سيّة متباينة ومتعددة في تناوله‬ ‫لثنائية‪( :‬الي�أ�س‪ ،‬والأمل)‪ ،‬وهذا يتج�سّ د في معظم‬ ‫ق�صائده‪ ،‬والذي يتبدّى من خاللها �صراع ًا �ضاري ًا‬ ‫بين عن�صري (الي�أ�س‪-‬الأمل)‪ ،‬ويكون التنامي‬ ‫اللّغوي للق�صيدة قائم ًا على المناف�سة بينهما‪ .‬‏‬ ‫* �أكاديمي وناقد من الأردن ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫ي�ستثمر ال�شَّ اعر الما�ضي ويوظّ فه لإ�شعال‬ ‫ج ��ذوة ال�ح��ا��ض��ر‪ ،‬ليك�شف ��ش�ك��واه م��ن الحياة‬ ‫و�إح�سا�سه بثقل الوجود‪ ،‬في�شكّل الأب عند النملة‬ ‫المنقذ‪ ،‬والم�ساعد لبث عنا�صر الأمل والنجاة من‬ ‫المرحلة البائ�سة‪.‬‬ ‫ويوا�صل النملة ت�ألّمه وتهوامه مت�سائ ًال عن دور‬ ‫الإن�سان في هذا الوجود‪ ،‬ومنكفي ًا �إلى ذاته طوراً‪،‬‬ ‫حتّى ي�سمو بنف�سه ف��وق دن�س الدّنيا و�أهلها‪..‬‬ ‫في رحلة ا�ست�شرافية يحدوها الطهر والنّقاء‪،‬‬ ‫والتجرّد من بذور التقهقر‪ ،‬ومن ذلك قوله‪:‬‬

‫فتارة يعلو الي�أ�س في خاتمة الق�صيدة‪ ،‬وتارة‬ ‫يخفت الأمل‪ .‬هذا �إ�ضافة �إلى �أنَّ ق�صائد الدّيوان‬ ‫ال�صراع بين القطبين‬ ‫الأخرى ال نلم�س فيها هذا ّ‬ ‫المتناق�ضين المذكورين‪� .‬أي �إن�ن��ا �أم��ام حالة‬ ‫فريدة‪ ،‬ومتجذّرة قائمة على �أ�سا�س الي�أ�س القابع‬ ‫في ك ّل �شيء وفي ك ّل مكان‪� ،‬أو على �أ�سا�س الأمل‬ ‫الواثق والأكيد‪ ،‬الأمل بانت�صار الحلم والإن�سان‬ ‫والخير‪ .‬‏‬ ‫وتتباين طرائق ال�شّ اعر التّعبيريّة عن تلكم‬ ‫ال � � �دّالالت‪ ،‬ف �م��رة ي�ع� ّب��ر ع��ن ه��ذي��ن القطبين‬ ‫ال�م�ت�ن��اف��ري��ن ب�شكل وا� �ض��ح وم �ب��ا� �ش��ر‪ ،‬ف�ن�ق��ر�أ‬ ‫مفردتي‪( :‬الي�أ�س والأمل) ب�شكل �صارخ ال يتطلب‬ ‫ال ّت�أويل �أو البحث �أو الجهد‪ ،‬نحو ق�صائد‪( :‬عن‬ ‫نف�سي �أبحث‪ ،‬رم��اد نجمة بائ�سة‪ ،‬رث��اء)‪ ،‬ومرّة‬ ‫نقر�أ مفردات رديفة �أو قريبة ت��دلّ على الي�أ�س‬ ‫�أو الأمل‪ ،‬نحو ق�صائد‪�( :‬سفر عبر �أروقة الليل‪،‬‬ ‫ا�شتعاالت ال�سّ واد‪.)...،‬‬ ‫�أخ �ي��راً‪ ،‬ل��م تكن ه��ذه المجموعة ال�شّ عريّة‬ ‫لل�شّ اعر ه��ي الأول� ��ى‪ ،‬ب��ل ل��ه مجموعات �أخ��رى‬ ‫�سابقة عليها‪ ،‬لذلك خرج الدّار�س بعد قراءتها‪،‬‬ ‫�أنَّ ال�شّ اعر بد�أ مجدد ًا في �شكل الق�صيدة‪ ،‬فهو‬ ‫متحرر �إلى حد ما من النّمط التقليدي للق�صيدة‬ ‫العربيّة‪ ،‬و�شمل ه��ذا التّجديد معظم ق�صائد‬ ‫الدّيوان‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فقد ام�ت��ازت لغة النملة بال�شفافية‬ ‫والو�ضوح‪ ،‬فهي بعيدة عن لغة الغمو�ض والتّهويم‬ ‫ال�صور والتّعابير اللّفظيّة‪ ،‬فمفرداته نا�صعة‬ ‫في ّ‬ ‫وا�ضحة ال غمو�ض فيها‪ ،‬وت�صوّر �أفكاره وم�شاعره‬ ‫ب�أ�سلوب �أقرب فيه �إلى التّ�صريح المليح منه �إلى‬ ‫التلميح‪ ،‬وه��ذا ي�شير �إل��ى �أنَّ ال�شّ اعر ذو منهج‬ ‫تعبيري �سل�س‪ ،‬وقامو�سه ال�شِّ عري ال يحتاج �إلى كد‬ ‫ذهني وبحث في معاني اللّغة البعيدة‪.‬‬

‫اعترافات ربيع جابر‬ ‫■ ه�شام بن�شاوي*‬

‫االعترافات كعنوان مخاتل‪ ،‬قد يحيل على المغامرات العاطفية بمتعها الح�سيّة‬ ‫ك�أبهى ت��ج�� ٍّل لالحتفاء بالحياة ومباهجها �أو الخطايا‪ ،‬لكن ال��ق��ارئ ال���ذي يع�شق‬ ‫العناوين المثيرة‪� ،‬سيخيب �أم��ل��ه‪ ،‬لأن��ه ل��ن يجد ف��ي «اع��ت��راف��ات» ربيع غير الحرب‬ ‫والدمار والخراب والمفقودين والمعطوبين والقتلى‪ .‬ففي مثل هذا المناخ‪ ،‬كيف‬ ‫يمكن للكاتب االحتفاء بالحياة �أو ممار�ستها ب�شكل طبيعي؟‬ ‫�إنها الحرب الأهلية!‬ ‫يقدم ربيع جابر في روايته مقاربة نف�سية‬ ‫ل�شخو�ص عانت من ويالت الحرب‪ ،‬مثل الأب‬ ‫والأخ الأكبر «�إيليا» اللذين يعي�شان حياتين‪..‬‬ ‫حياة ال��داخ��ل وحياة ال�خ��ارج‪ ،‬الأول��ى تت�سم‬ ‫بالق�سوة والبط�ش واالختطاف‪ ،‬والتي فر�ضت‬ ‫عليهما خ��ارج �أ��س��وار البيت؛ والأخ��رى حياة‬ ‫دافئة بحميمية عالقات الأ�سرة؛ كما يتجلى‬ ‫ف��ي تعنيف «�إي�ل�ي��ا» لأخ��وات��ه واعتنائه ب�أمه‬ ‫العليلة‪ ،‬ك�أنها ابنته �أو ك�أنما لم تنجب غيره‪..‬‬ ‫و�صدمة ال�سارد‪ /‬الطفل الذي وجد نف�سه يحل‬ ‫محل �صبي �آخر‪ ،‬في الأ�سرة‪ ،‬والأب الذي بين‬ ‫ع�شية و�ضحاها تحوّل �إلى �شخ�ص �آخر‪ ،‬بعد‬ ‫عثوره على جثة ابنه ال�صغير «مارون» مرمية‬ ‫في ال�شارع‪ ،‬ف�صار يعتر�ض �سبيل ال�سيارات‪،‬‬

‫وي�ط�ل��ق ال��ر��ص��ا���ص ع�ن��د ال �ح��واج��ز‪ ...‬لكنه‬ ‫منع رفيقه من قتل «م��ارون» ال�صغير الذي‬ ‫�سيتبناه‪ ،‬وهو ي��راه يغادر ال�سيارة كطفل تم‬ ‫�إيقاظه وهو ال ي��زال في حاجة �إل��ى النوم‪...‬‬ ‫ثم ين�سحب من القتل والوح�شية‪ ،‬وتتفاقم‬ ‫عزلته‪ ،‬ويزداد ابتعادا عن �أ�سرته‪ ،‬بعد موت‬ ‫الأم‪/‬ال��زوج��ة‪ ،‬ويتحول ‪-‬ف �ج ��أة‪� -‬إل��ى م��ربّ‬ ‫لع�صافير الكناري‪( ..‬الع�صافير عامة‪ ،‬ترمز‬ ‫للرقة والجمال والعمر الق�صير �أي�ضا‪ ،‬بيد �أن‬ ‫ع�صافير الكناري تمثل قمة البهاء ب�ألوانها‬ ‫وزقزقتها الخالبة)‪ ،‬ويخيل �إلينا �أن الكاتب‬ ‫اختارها معادال جماليا‪ ،‬للحياة‪ ..‬هذه النعمة‬ ‫الربانية التي ال تقل بهاء وعذوبة عن ع�صافير‬ ‫الكناري‪ ،‬فنرى الأب يخاف عليها من �صوت‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪73‬‬


‫�أما «مارون»‪ ،‬فعند معرفته‬ ‫ال �ح �ق �ي �ق��ة‪ ،‬ت �ن �ق �ل��ب ح�ي��ات��ه‬ ‫�إل ��ى م �ن��ام��ات‪ ،‬ا��س�ت��ذك��ارات‬ ‫ومحاولة للبحث عن الحقيقة‪،‬‬ ‫ودون ج��دوى‪ ..‬ورغ��م انتهاء‬ ‫الحرب الأهلية‪ ،‬ظل الجرح‬ ‫الداخلي نازفا‪ ،‬ولم ي�ستطع �أن‬ ‫يمار�س حياته ب�شكل طبيعي‪،‬‬ ‫كزمالئه في الجامعة �أو من‬ ‫ف��ي ال �� �ش��ارع‪ ..‬ف� ��الأب ال��ذي‬ ‫تبناه و�أن�ق��ذه هو نف�سه قاتل‬ ‫�أ�سرته‪ ،‬وت�سيطر عليه ذكرى‬ ‫نجاته من حادث اغتيال �أ�سرته‪ ،‬ويحاول �أن يتذكر‬ ‫ا�سمه الأول‪ ،‬لكن عبثا‪ .‬هكذا وج��د نف�سه يعي�ش‬ ‫حياة لم يخترها‪ ..‬ك�أي مواطن لبناني عانى الحرب‬ ‫الأهلية‪ ،‬وال�ع��دو ‪-‬هنا‪ -‬لي�س �سوى الأخ والجار‪،‬‬ ‫والدمار ال يطال العمران والأج�ساد فقط‪ ،‬بل يعطب‬ ‫الأرواح �أي�ضا‪ ،‬حتى لو كانت العاهة غير مرئية‪ ،‬وال‬ ‫مح�سو�سة‪ ،‬وهذا هو الأب�شع‪ ..‬هذا الدمار انعك�س‬ ‫على معمار ال��رواي��ة‪ ،‬فالقارئ يح�س ب�أنها �أ�شبه‬ ‫بمزق‪ ،‬وك�أن الكاتب غير معني بالحبكة والحكاية‬ ‫والتفا�صيل‪ ..‬لأن الذاكرة مخاتلة‪ ،‬ما يجعل البناء‬ ‫تح�س ب�أن‬ ‫الفني �أ�شبه ببيت العنكبوت؛ تجعلك ّ‬ ‫الأحداث ال تتقدم‪ ،‬بل تتراجع �إلى الخلف‪ ،‬ما يحتّم‬ ‫عليك �أن تكون ف��ي منتهى اليقظة لتجميع مزق‬ ‫الحكايات وال��ذك��ري��ات التي تلغي بع�ضها بع�ضا‪،‬‬ ‫بتراكماتها الطبقية في الذاكرة‪ ،‬فقد حاول تذكر‬ ‫تفا�صيل م��ا قبل ال �ح��ادث وم��ا ب�ع��ده‪ ،‬وف�شل‪ .‬لم‬ ‫ي�ستطع �أن يفعل مثل والد �صديقته «كري�ستين» حين‬ ‫فقد ذاكرته‪ ،‬ون�سي ا�سمه وهو في الغابة‪ ،‬فاتجه‬ ‫نحو �ضوء القرية وطرق �أول باب‪ ،‬و�س�أل العجوز هل‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الق�صف و�أزيز الر�صا�ص)‪.‬‬

‫عرفته وما ا�سمه‪..‬‬ ‫�شرع مع �صديقه «�أنطوان»‬ ‫ف���ي ال��ب��ح��ث ف���ي �أر���ش��ي��ف‬ ‫الجرائد عن ال�سيارات التي‬ ‫احترقت‪ ،‬و�صور المفقودين‪،‬‬ ‫ل�ك��ن ي���ص��دم ب� ��أن ال�م�ل�ف��ات‬ ‫�ضاعت �أو احترقت‪ ،‬وي�ستغرب‬ ‫كيف �أنه يحفظ �أدق التفا�صيل‬ ‫و�أت��ف��ه��ه��ا‪ ،‬وي �ن �� �س��ى ا��س�م��ه‬ ‫ال �ق��دي��م‪ .‬وع �ب��ر ت�ضاعيف‬ ‫ال ��رواي ��ة ي �ت��داخ��ل � �ص��وت��ان‪،‬‬ ‫�صوت «�إيليا» في حديثه �إلى‬ ‫«م��ارون»‪� ،‬أو لنقل اعترافاته‪ ،‬و«م��ارون» في نجواه‬ ‫وب��وح��ه لنف�سه‪/‬للقارئ‪ ،‬ث��م حديثه �إل��ى الكاتب‬ ‫نف�سه‪ /‬ربيع جابر‪�« :‬إذا كتبت يوما حياتي في كتاب‬ ‫يا ربيع‪� ،‬أرجو �أن تبد�أ ق�صتي بهذه الجملة‪ :‬قو�صوني‬ ‫على خط التما�س الذي يقطع بيروت ن�صفين �سنة‬ ‫‪1976‬م‪ ،‬و�أبي حملني و�أخذني �إلى بيته»‪.‬‬ ‫الحرب هنا عك�س تلك التي كتب عنها �أدب��اء‬ ‫ال�ستينيات‪� ،‬إن�ه��ا ب��ر�ؤي��ة قاتمة ج��دا‪ ..‬لأن العدو‬ ‫داخلي‪ ،‬كما �أ�شرنا �سابقا‪� .‬أي�ضا هي بر�ؤية �شاب‬ ‫عاي�ش فظاعات ال�ح��رب الأه�ل�ي��ة‪ ،‬التي تزامنت‬ ‫بداياتها مع طفولته‪ ،‬فهيمنت على تفكيره ونتاجه‬ ‫الأدب��ي؛ لذا لن ن�صدم بالن�ص القاتم الموغل في‬ ‫ال���س��وداوي��ة‪ ،‬ب��ل «االع �ت��راف��ات» تدفع ال�ق��ارئ �إل��ى‬ ‫التعاطف مع بلد �أنهكته الحروب‪ .‬ورغم ذلك حاول‬ ‫ربيع جابر �أن يمنح بع�ض التفا�ؤل لروح بطل روايته‪،‬‬ ‫ودفعه �إلى اال�ستمتاع بالحياة‪ ،‬كما لو كانت قطعة‬ ‫حلوى كبيرة»‪.‬‬

‫مفاهيم معا�صرة‬ ‫لأدب الأطفال‬ ‫■ حممد علي قد�س*‬

‫ا�ستهاللة‬

‫الربط بين الأدب والتربية له دالالته وعالماته في حياة الإن�سان وتعليمه؛ ذلك‬ ‫لأن �أ�صول التربية و�أهدافها تعتمد اعتمادا كليا في مناهجها على ما ي�ؤثر في الإرتقاء‬ ‫بم�ستوى التفكير والعقل‪ ،‬ورف��ع م�ستوى الثقافة والفكر ل��دى الإن�سان؛ وم��ن هنا‪،‬‬ ‫جاءت �ضرورة االهتمام بثقافة الطفل �ضمن مناهج التربية‪.‬‬ ‫و�أدب الأطفال له �أ�ساليبه ومفاهيمه‪ ،‬وله كذلك متخ�ص�صوه‪ .‬و�إذا كانت الكتابة‬ ‫لعقول الكبار تحتاج �إلى مهارات �إبداعية وفكرية‪ ،‬ف�إن الكتابة لعقول ال�صغار �أكثر‬ ‫�أهمية وتعقيدا؛ فلي�س من ال�سهل تقديم مادة �أدبية �أو فكرية يمكن �أن يتقبلها الطفل‪،‬‬ ‫ما لم تكن اللغة �سهلة‪ ،‬والعبارة وا�ضحة‪ ،‬والأ�سلوب فيه من الت�شويق والإث���ارة ما‬ ‫يحبب الطفل للتعليم والقراءة‪.‬‬ ‫معايير الكتابة للطفل‬ ‫ال توجد هناك �شروط يمكن تحديدها‬ ‫لمعايير ن�صو�ص �أدب الأط�ف��ال‪ .‬وفي ذلك‬ ‫يقول �أح��د الأدب��اء العرب المتخ�ص�صون‪،‬‬ ‫�ضمن ر�ؤيته للكتابة للأطفال‪« :‬م��ن خالل‬ ‫ق��راءة العديد من الم�ؤلفات العربية يكرر‬ ‫بع�ضهم مقولة �أن يكون الأ�سلوب الذي يكتب‬ ‫فيه للطفل �سهال ووا�ضحا ومبا�شرا‪ ،‬ويتالءم‬ ‫مع عقلية الطفل وم��راع��اة عمره الزمني؛‬ ‫وهو مفهوم يُحد من عملية الإبداع والتنويع‪،‬‬ ‫واختراق الخيال»‪ .‬وتلك في الحقيقة ر�ؤية‬

‫�صائبة‪ ،‬وما يعتقده بع�ضهم فكرته خاطئة؛‬ ‫فطفل ال�ي��وم غير طفل الأم ����س‪ ،‬والأط�ف��ال‬ ‫ال��ذي��ن ك��ان��ت تلهيهم ح �ك��اي��ات ج��دات�ه��م‬ ‫وق�ص�ص �أمهاتهم‪ ،‬لي�سوا هم �أطفال اليوم‬ ‫الوا�سعو الخيال‪ ،‬الذين ال يقتنعون بفكرة‬ ‫� �س��اذج��ة‪� ،‬أو ح�ك��اي��ة م�ب��ال��غ ف��ي �أح��داث �ه��ا‬ ‫و�شخ�صياتها؛ فالعقول �أ�صبحت منفتحة‬ ‫على �آفاق �أرح��ب‪ ،‬وعوالم حا�سوبية ورقمية‬ ‫�أو�سع‪ .‬ولأطفال هذا الع�صر مهاراتهم في‬ ‫ا�ستخدام التقنية‪ ،‬لذلك ال تخيفهم حكاية‬ ‫الغولة‪ ،‬وال ت�ؤدبهم الأ�ساطير الخرافية‪،‬‬ ‫ولكننا نجدهم م�شدودين لق�ص�ص الخيال‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫هل نحدد مفهوم ًا م�ستق ًال لأدب الطفل؟‬ ‫�س�ؤال تتحدد من خالل الإجابة عليه ما يمكن‬ ‫عدّه التعريف �أو التو�صيف الجديد لأدب الطفل‪.‬‬ ‫ي�ؤكد الباحثون والمتخ�ص�صون في �أدب الطفل‪� ،‬أن‬ ‫االتفاق على مفهوم جديد لهذا اللون من الأدب‪،‬‬ ‫ال يخرج عن كونه لون من �أل��وان الإب��داع الموجّ ه‬ ‫لفئة لها خا�صيتها العقلية والعُمرِ ية‪ ،‬ويتنا�سب‬ ‫م��ع ق��درات الطفل وم�ه��ارات��ه‪ ،‬وم�ستوى تفكيره‬ ‫ومداركه‪ .‬وكل لون من �ألوان الإبداع الأدبي الموجه‬ ‫للطفل �سواء كان ق�صة �أو �شعرا �أو م�سرحية‪ ،‬ي�سهم‬ ‫في التربية والتوجيه والتعليم للأطفال‪ ،‬وي�صور‬ ‫لهم مجموعة من الأفكار والأخيلة التي ت�ؤثر في‬ ‫�أفكارهم ومهاراتهم ومداركهم‪ ،‬فهو �أدب موجه‬ ‫لهم‪ ،‬ويحقق �أهدافه في الت�أثير عليهم‪.‬‬ ‫منذ ال � ِق��دَ م‪ ،‬اهتم الأدب ��اء ب� ��أدب الأط �ف��ال‪،‬‬ ‫وك��ان م��ن �أب��رز ه ��ؤالء الأدب ��اء القدماء �صاحب‬ ‫«كليلة ودم�ن��ة» عبداهلل بن المقفع‪ ،‬وم��ن �أ�شهر‬ ‫�أدباء العربية الأكثر اهتماما ب�أدب الطفل �أحمد‬ ‫�شوقي‪ ،‬وكامل الكيالني‪ ،‬وميخائيل نعيمه‪ ،‬وتوفيق‬ ‫الحكيم‪ ،‬و�سهير القلماوي‪ .‬يقول الأدي��ب الكبير‬ ‫الأ�ستاذ عبدالتواب يو�سف م�ؤلف كتب الأطفال‬ ‫وال�ن��اق��د المتخ�ص�ص ف��ي �أدب الطفل‪« :‬عا�ش‬ ‫الأط�ف��ال عالة على كتب الكبار‪� ،‬أحبوا بع�ضهم‬ ‫حبا كبيرا‪ ،‬ونه�ض بع�ض الكتاب بعبء تب�سيط‬ ‫هذه الأعمال التي ا�ستهوت كل الأعمار‪ ،‬ف�أقبلوا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�أدبا�ؤنا وتجارب الكتابة للأطفال‬ ‫في تاريخ �أدبنا ال�سعودي‪ ،‬كان لأدب الأطفال‬ ‫ن�صيبه‪� ،‬إذ اهتم عدد كبير من �أدبائنا و�شعرائنا‬ ‫بالطفل‪ ..‬واهتموا بثقافته‪ .‬ومن بين ه�ؤالء الذين‬ ‫لهم تراثهم الفكري و�إنتاجهم الأدب��ي الموجه‬ ‫للأطفال الأدباء‪ :‬طاهر زمخ�شري‪ ،‬عزيز �ضياء‪،‬‬ ‫ح�سن القر�شي‪� ،‬أحمد قنديل‪� ،‬أحمد ال�سباعي‪،‬‬ ‫ع�صام خوقير‪ ،‬و�سميرة خا�شقجي‪ .‬وكان الأ�ستاذ‬ ‫طاهر زمخ�شري �أول من �أ�صدر مجلة متخ�ص�صة‬ ‫ل�ث�ق��اف��ة ال �ط �ف��ل‪ ،‬وه ��ي م�ج�ل��ة ال��رو���ض��ة‪ ،‬وق��د‬ ‫�صدرالعدد الأول منها في �أكتوبر عام ‪1959‬م‪.‬‬ ‫وكتب الأ�ستاذان طاهر زمخ�شري وعزيز �ضياء‬ ‫عددا من �أنا�شيد الأطفال التي خاطبت وجدان‬ ‫�أطفالنا و�أثّرت في ثقافتهم‪.‬‬ ‫لم يتوقف االهتمام ب ��أدب الطفل عند �أدب��اء‬ ‫الجيل الأول في �أدبنا ال�سعودي‪ ،‬فقد اهتم �أدباء‬ ‫الجيل المعا�صر ب ��أدب الطفل‪ ..‬ولهم �إنتاجهم‬ ‫المتخ�ص�ص والم�ؤثر‪ ،‬الذي يتفق مع ذهنية طفل‬ ‫هذا الع�صر وقدراته‪ .‬ومن ه��ؤالء الأدب��اء‪ :‬عبده‬

‫القامو�س اللغوي لأدب الطفل‬ ‫ي�ؤكد المتخ�ص�صون في �أدب الأطفال العالمي‬ ‫ومنهم «وينفر راي��در» و«ج��ون �أي��ك»‪� ،‬أن مراعاة‬ ‫االلتزام بالقامو�س اللغوي‪ ،‬من �أهم اللوازم التي‬ ‫ُي�ؤخذ بها والتقيد بمفرداتها في الكتابة للأطفال؛‬ ‫فما يتقبله ويفهمه الأط�ف��ال الذين هم في �سن‬ ‫الخام�سة يبدو تافها و�ساذجا بالن�سبة للأطفال‬ ‫ال��ذي��ن بلغوا �سن الحادية ع�شرة‪� ،‬إذ �أن النمو‬ ‫اللغوي مرتبط ‪ -‬كما ي��ؤك��د العلماء ‪ -‬بمراحل‬ ‫النمو المختلفة ج�سديا وعقليا وعاطفيا‪ ،‬وهناك‬ ‫قاعدة في هذه الم�س�ألة‪ ،‬وهي �أن اللغة التي يُكتب‬ ‫بها للطفل يجب �أن تكون متوافقة مع درجة نموه‬ ‫اللغوي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نرى جدوى التحذير من م�شاهدة‬ ‫الأطفال للر�سوم المتحركة �أو الأفالم ال�سينمائية‬ ‫ال�ت��ي ت�ك��ون لغتها ال ت �ت�لاءم م��ع �أع �م��اره��م‪ ،‬وال‬ ‫تنا�سب نموهم اللغوي‪ .‬ولذلك ف�إن مراعاة الأخذ‬ ‫بمفردات لغوية لها خ�صائ�صها اللغوية والعقلية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬هي التي تحدد قامو�س �أدب الأطفال‬ ‫وم��ؤل�ف��ات الن�صو�ص القرائية ل�ه��م‪ .‬فالأطفال‬ ‫يكت�سبون ر�صيدهم اللغوي من البيئة المحيطة‬ ‫بهم‪ ،‬وهي بيئة ثقافية لها مكوناتها‪ ،‬والطفل يقلد‬ ‫الكلمات والحركات ويحاكي ما ي�سمع ويرى‪.‬‬ ‫�آراء التربويين في الكتابة للأطفال‬ ‫من الآراء التربوية والتعليمية التي ُي�ؤخذ بها‬ ‫�أن تكون اللغة المكونة لقامو�س لغة �أدب الطفل‪،‬‬ ‫موائمة لعمره‪ ،‬ومنا�سبة لقدراته‪ ،‬ومفهومة بالقدر‬ ‫الكافي‪ .‬فاللفظة �أو العبارة التي قد تعلو فهم‬ ‫الطفل مرفو�ضة‪ ،‬كما �أن فر�ض ن�صو�ص ال يفهمها‬ ‫الطفل وال ي�ستوعبها عقله‪ ،‬تعد �إ�شكالية يحذر‬ ‫منها التربويون وعلماء النف�س واالجتماع‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫العلمي‪ ،‬وهذا وا�ضح من خالل تعلقهم ومتابعتهم‬ ‫لروايات الكاتبة الإنجليزية ال�شابة جوان كاثلين‬ ‫رولنغ (هاري بورتر)‪ ،‬وما �أنتج للأطفال من �أفالم‬ ‫�سينمائية‪ ،‬ت�شحذ �أذهانهم وتو�سّ ع خيالهم‪ .‬وما‬ ‫يتلقاه الطفل في هذا الع�صر من محيطه الأ�سري‬ ‫ومدر�سته‪ ،‬لي�س هو بالقدر ال��ذي يتلقاه ويت�أثر‬ ‫ب��ه عبر و�سائل �إعالمية وتكنولوجية متعددة‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬تكمن �صعوبة تربية �أطفال اليوم وتعليمهم‬ ‫وتثقيفهم وترفيههم‪.‬‬

‫عليها �إقباال منقطع النظير»‪ ،‬والقائمة الطويلة‬ ‫لهذه الأعمال‪ ،‬نرى �أنها بمثابة جذور �شجرة �أدب‬ ‫الأطفال‪ ،‬وت�ضم القائمة عددا كبيرا من الكتب‬ ‫التي �أ�صبحت من التراث‪.‬‬ ‫تعد كتب �أدباء الغرب الأوائل بمثابة القاعدة‬ ‫�أو المرجعية لهذا اللون من �أل��وان الأدب‪ ،‬ومن‬ ‫ه��ذه الأع �م��ال‪ ،‬و�أ��ش�ه��ره��ا‪( :‬روبن�سون ك��روزو)‬ ‫لدانيال ديفو‪( ،‬رحالت جنيفر) لجونتان �سويفت‪،‬‬ ‫(�أن�شودة الميالد) لت�شارلز ديكنز‪( ،‬روبن هود)‬ ‫ل�ه��وارد ب��اب��ل‪( ،‬دون كي�شوت) لأو��س�ك��ار وايلد‪،‬‬ ‫(جزيرة الكنز) لروبرت �ستيفن�سون‪ ،‬و(موبي‬ ‫ديك) لهرمان ملقيل‪ .‬وهذه الأعمال ظهرت بين‬ ‫عامي ‪1884-1678‬م‪ .‬وق��د عَ لِقت �أح��داث تلك‬ ‫الأعمال في عقول ال�صغار والكبار؛ لأن الأبطال‬ ‫في �أحداث تلك الق�ص�ص كانوا فتيانا و�أطفاال‪.‬‬

‫خال‪ ،‬يو�سف المحيميد‪ ،‬عبدالعزيز ال�صقعبي‪،‬‬ ‫محمد علوان‪ ،‬خيرية ال�سقاف‪� ،‬شريفة ال�شمالن‪،‬‬ ‫فريدة فار�سي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫و�إذا م��ا ا��س�ت�ع��ر��ض�ن��ا‪ ،‬ك�م��ا ي �ق��ول ال��دك�ت��ور‬ ‫ع �ب��دال��رزاق ح�سين ف��ي كتابه «ر�ؤي� ��ة ف��ي �أدب‬ ‫الأط �ف��ال»‪� ،‬سير العلماء الأف ��ذاذ ف��ي تاريخنا‪،‬‬ ‫نجدهم قد حفظوا ال�ق��ر�آن الكريم والأح��ادي��ث‬ ‫النبوية ال�شريفة‪ ،‬وحفظوا من الأ�شعار ما يفوق‬ ‫قدراتهم العقلية وهم في �سن الطفولة‪ ،‬ذلك لأن‬ ‫تح�صيلهم العلمي وقامو�سهم اللغوي رغم حداثة‬ ‫�سنهم‪ ،‬مكّنهم من �أن تكون قدراتهم م�ستوعبة‪..‬‬ ‫وته�ضم ما حفظوا وق ��رءوا؛ فا�شتهروا بطالقة‬ ‫الل�سان وحالوة البيان‪ ،‬وتربت �أذواقهم على العلم‬ ‫الرفيع‪ ،‬و�إن كانوا قد حفظوا القر�آن والأحاديث‬ ‫رغ��م �صعوبة �أل �ف��اظ ه��ذه الن�صو�ص بالن�سبة‬ ‫للأطفال‪ ،‬ف�إنهم حتما في تلك ال�سن لم يفهموا‬ ‫�أل�ف��اظ��ه‪ ،‬ول��م ي��درك��وا معانيه‪ .‬وال��ذي��ن حفظوا‬ ‫القر�آن في �سن مبكرة ي�صعب عليهم حفظه في‬ ‫�سن مت�أخرة‪ ،‬وقديم ًا قيل (�إنَّ العلم في ال�صغر‬ ‫كالنق�ش على الحجر)‪ .‬فيما روته كتب ال�سلف �أن‬ ‫عتبة بن �سفيان �أو�صى م�ؤدب �أوالده قائال‪« :‬علمهم‬ ‫كتاب اهلل وال تكرههم عليه فيملوه‪ ،‬وال تتركهم‬ ‫منه فيهجروه‪ ،‬ثم حفّظهم من ال�شعر �أعفه‪ ،‬ومن‬ ‫الحديث �أ�شرفه‪ ،‬وعلمهم �سير الحكماء‪ ،‬و�أخالق‬ ‫الأدباء»‪.‬‬ ‫ويقول الجاحظ في حديثه عن عناية ال�سلف‬ ‫بلغة �أطفالهم‪« :‬كانوا يروّون �صبيانهم الأرجاز‪،‬‬ ‫ويعلمونهم المناقالت‪ ،‬وي�أمرونهم برفع ال�صوت‪،‬‬ ‫وتحقيق الإع��راب‪ ،‬لأن ذلك يفتق اللهاة‪ ،‬ويفتح‬ ‫الجَ رْم‪ ،‬والل�سان �إذا �أكثرت تقليبه رقْ والن‪ .‬و�إذا‬ ‫�أطلت �إ�سكاته غلظ»‪ .‬وهو �إ�شارة �إلى �أن الل�سان‬ ‫عُ ��دة تح�صيل الطفل وتنمية ق��درات��ه الفكرية‬ ‫واللغوية‪ .‬ويقول ابن خلدون في مقدمته‪�« :‬إن تعليم‬ ‫الولدان للقر�آن �شعار من �شعائر الدين‪� ،‬أخذ به‬ ‫�أهل الملة‪ ،‬ودرجوا عليه في جميع �أم�صارهم‪ ،‬لما‬ ‫ي�سبق فيه �إلى القلوب من ر�سوخ الإيمان‪ ،‬وعقائده‬ ‫من �آيات القر�آن‪ ،‬و�صار القر�آن �أ�صل التعليم الذي‬ ‫ينبني عليه ما يحل عليه الولد ويقوي ملكاته»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪77‬‬


‫ب��������ـ��������ـ��������رز ال�������ث�������ع�������ل�������ب ي�����وم�����ـ�����ـ�����ـ�����ا‬ ‫ف���������ي �������ش������ع������ـ������ار ال�����واع�����ظ�����ي�����ن�����ـ�����ـ�����ـ�����ا‬ ‫ف����م���������ش����ى ف�������ي الأر�����������������ض ي����ه����ـ����دي‬ ‫وي���������������س�������ب ال����م����اك����ري����ن����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا‬ ‫وي�����������ق�����������ول ال��������ح��������م��������د ل����ل����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ‬ ‫ـ����ـ����ـ����ه �إل������ـ������ـ������ه ال���ع���ال���م���ي���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫جِ ������دت������ـ������ـ������ـ������ي م���������وك���������بُ ال����م����ن����ـ����ـ����ى‬ ‫ي����������ا ع��������ب��������اد اهلل ت����وب����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����وا‬ ‫ف��������ي و������ش�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ٍح م��������ن ال����ج����م����ـ����ال‬ ‫ف�������ه�������و ك�����ه�����ـ�����ـ�����ف ال����ت����ائ����ب����ي����ن����ـ����ـ����ـ����ا‬ ‫ط������������اف ف���������ي ������ش�����ط�����ك ال������ ّ�����س�����ـ�����ن�����ا‬ ‫�إلى �أن يقول‪:‬‬ ‫ب�������ال�������ذي �أ������ض�����ح�����ـ�����ك ال����رم����ـ����ـ����ـ����ـ����ال‬ ‫واط���������ل���������ب���������وا ال����������دي����������ك ُي�����������������ؤذن‬ ‫ل�����������ص�����ـ�����ـ��ل��اة ال�����������ص�����ـ�����ـ�����ـ�����ب�����ح ف���ي���ن���ا ك������������م �����������س����������رى ف��������ي��������ك م��������وك��������بٌ‬ ‫ف�������ي اب�������ت�������ه�������ا ٍج وف����������ي اح����ت����ف����ـ����ـ����ال‬ ‫ف�����������أت����������ى ال����������دي����������ك ر������س�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����وال‬ ‫م��������ن �إم����������������ام ال���ن���ا����س���ك���ي���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ال������� ّ������ص������ـ������ـ������ب������ا ف��������ي��������ه راق��������ـ��������� ٌ��������ص‬ ‫ي������ت������ه������ـ������ادى ب���������ه ال�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����دالل‬ ‫ل�شوقي �شعر كثير ل�ل�أط�ف��ال‪ ،‬وك��ان مبدعا‬ ‫وخالقا في ن�صو�صه ال�شعرية التربوية‪ .‬وللأديبة وال������������ه������������وى ي�����غ�����م�����ـ�����ر ال������م������ـ������دى‬ ‫ب��������ال��������ذي �أ������ض�����ح�����ـ�����ـ�����ك ال�����رم�����ـ�����ال‬ ‫الدكتورة �سهير القلماوي م�ؤلفاتها القيمة في‬ ‫* كاتب من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫�أدب الأطفال في تراثنا العربي‬ ‫�أمير ال�شعراء �أحمد �شوقي‪ ،‬قر�أ كليلة ودمنة‬ ‫البن المقفع‪ ،‬وق��ر�أ حكايات الفونتين‪ ،‬و�أح��بَّ �أن‬ ‫تكون له تجربته وتراثه في �أدب الطفل‪ ،‬واقتب�س‬ ‫�شوقي حكاية (ال��دي��ك والثعلب)عن الفونتين‪،‬‬ ‫وهي ق�صة تحكي ق�صة ثعلب �أراد �أن يخدع ديكا‬ ‫كان يقف فوق ال�شجرة‪ ،‬ف�أوهمه �أنه جاء ليعلمه‬ ‫�أن ال�سالم ا�ستتب بين الحيوانات وانتهاء العدوان‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬وعليه �أن ينزل من على ال�شجرة‬ ‫ليحتفل معه بهذه المنا�سبة‪ ،‬ف�أ�شار الديك الذكي‬ ‫�إل��ى البعيد ب ��أن ك�لاب ال�صيد ق��ادم��ة لتحتفل‬ ‫بهذه المنا�سبة‪ ،‬ف�أ�سرع الذئب هاربا لأنه يخ�شى‬ ‫�أن تكون ال�ك�لاب ل��م ت�سمع بخبر ال�سالم بين‬ ‫الحيوانات‪ .‬نظم �شوقي هذه الحكاية ب�أبيات قال‬ ‫فيها‪:‬‬

‫�أدب الأطفال ولعل �أ�شهرها (حكايات جدتي)‪،‬‬ ‫وق��د �صاغت فيها حكايات �أل��ف ليلة وليلة وما‬ ‫فيها من ق�ص�ص (علي بابا والأربعون حرامي)‪،‬‬ ‫(�شهرزاد)‪( ،‬عالء الدين والم�صباح ال�سحري)‪،‬‬ ‫(ال�سندباد البحري)‪( ،‬ل�ص بغداد)وغيرها‪.‬‬ ‫وكانت لغتها في �صياغة هذه الحكايات الأقرب‬ ‫والأن�سب لعقلية الطفل و�إدراك��ه‪ ،‬وحفظ �أطفال‬ ‫ج �ي��ل ال���س�ت�ي�ن�ي��ات ال �م �ي�لادي��ة م��ن خ�ل�ال ه��ذه‬ ‫الحكايات‪ ،‬ما لم يقر�أه بع�ض الكبار‪ .‬ومن رواد‬ ‫الكتابة للطفل الأ�ستاذ كامل الكيالني‪ ،‬وقد �أ ّثرَت‬ ‫كتبه وحكاياته في �أجيال مختلفة‪ ،‬و فتح لأطفالنا‬ ‫نوافذ م�شرعة على الأدب العالمي من الق�ص�ص‬ ‫والم�سرحيات الرائعة التي كان لها ت�أثيرها في‬ ‫ثقافة الطفل العربي‪.‬‬ ‫وف��ي �أدب�ن��ا ال�سعودي‪ ،‬ن�م��اذج كثيرة‪� ،‬إال �أن‬ ‫ال�شاعر ال��رائ��د ط��اه��ر زمخ�شرى ل��ه �آث ��اره في‬ ‫الكتابة للطفل‪ ،‬واهتمامه بثقافته‪ ،‬ب�إ�صدار �أول‬ ‫مجلة �سعودية للأطفال في ال�ستينيات الميالدية‪.‬‬ ‫وله �أن�شودة م�شهورة بعنوان (جِ دّتي)‪ ،‬وهي من‬ ‫الأنا�شيد التي يتغنى بها الأطفال بعد �أن تعلموها‬ ‫في مناهجهم التعليمية‪ ،‬و�أخذوا يرددونها حبا في‬ ‫مدينتهم مرتع طفولتهم (جدة) وفيها يقول‪:‬‬

‫جفــــــاف‬ ‫■ ليلى احلربي*‬

‫وا�سَّ اقطت كل الر�ؤى‪!..‬‬ ‫عمري وما جال فيه من نب�ض و�أنفا�س‬ ‫وذكرى‪ ،‬وب�شر‪..‬‬

‫به ف�إنه لن يرتد‬ ‫�س�أغم�ض عينيَّ كي �أ�سافر‬

‫وحين �أزور حديقتي المحاطة ب�سو ٍر‬ ‫�صبري وكل ما ان�ساب خالله من �ألم حديدي‪ ،‬يعتلي ال�سور الإ�سمنتي‪� ..‬أقترب‬ ‫من الزهور التي انتحرت‪..‬‬ ‫ودمع‪..‬‬ ‫�أح���اول لم�سها لكنني �أُح �ج��م‪ ،‬ك��ي ال‬ ‫حلمي وك��ل م��ا ت ��راءى ف�ي��ه م��ن ��ص��و ٍر‬ ‫تَ�سَّ اقَط في يدي‪ ..‬مَ ن غال فرحتها‪ ..‬مَ ن‬ ‫أ�صوات‪..‬‬ ‫و� ٍ‬ ‫�سامها �سوء الجفاف‪!..‬‬ ‫و�أغانٍ ال ت�سكتها ال�صباحات‪..‬‬ ‫بل تطارحها الهوى‪.‬‬

‫حين يتدفق ال��دم ال�ه��ادر ف��ي �أوردت��ي‬ ‫فال يجد في طريقه تراتيل الحياة‪ ..‬ف�إنه‬ ‫�سيجمد‪.‬‬ ‫وحين يمتد ب�صري فال يجد ما ي�صطدم‬

‫مَ ن بدّد عطرها‬

‫وهل بالطلول للونها طيف‪!..‬‬ ‫�أقفل عائدة �إلى �سجني‪..‬‬ ‫�صوت المزالج ورائي حين �ألج‬ ‫يهز�أ بالتفاتتي‪..‬‬

‫* قا�صة من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪79‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫حــيــــــــــاة‬ ‫■ حممد نادي فرغلي حممد*‬

‫تميل ال�شم�س �إلى الغروب‪ ،‬ما زالت �أ�شعتها‬ ‫تلفح ال��وج��وه‪� ،‬أ�شجار ال�صف�صاف لم تتحمل‬ ‫هي الأخرى لهيب الحر؛ فبدت �أوراقها �شديدة‬ ‫ال�صفرة‪ ،‬اللهم �إال من بع�ض الأجزاء التي غطتها‬ ‫مخلفات الع�صافير‪ ،‬والتي تهتز حوا�صلها من‬ ‫الحر‪ ،‬دون القدرة على فتح �أفواهها‪.‬‬ ‫غ��رف��ة م��ن ط��اب��ق واح ��د‪ ،‬م�سقوفة بجريد‬ ‫النخل‪ ،‬طبق الد�ش يغطي معظم �سطحها‪ .‬في‬ ‫الجوار‪ ،‬حجرة الفرن والزريبة‪ ،‬ب�ضعة �أمتار‬ ‫تف�صلها ع��ن ال�ت��رع��ة‪ ،‬تحت �إح ��دى �شجرات‬ ‫ال�صف�صاف زير المياه‪ ،‬بينما حبل يربط بين‬ ‫�شجرتين معلق عليه بع�ض قطع المالب�س‪.‬‬ ‫خرجت حياة م��ن غرفتها تطوق ر�ضيعتها‬ ‫بذراعيها‪ ،‬بينما رج�لا ال�صغيرة تلتفان حول‬ ‫خ�صر �أم�ه��ا‪ .‬يم�سك االب��ن الأو��س��ط بجلبابها‬ ‫الأ� �س��ود‪ ،‬تم�شي قلقة بين رغبتها ف��ي الم�شي‬ ‫ب�سرعة‪ ،‬وبين خوفها على ابنها الذي تتعثر قدماه‬ ‫كثيرا‪ ،‬لكنه يت�شبث بقوة؛ فال تفلت يده جلبابها‪.‬‬ ‫امر�أة في منت�صف العقد الثالث‪ ،‬هي للطول‬ ‫�أق ��رب‪ ،‬جديلتا �شعرها تتدليان حتى �أ�سفل‬ ‫ظهرها‪ ،‬بينما تزين بع�ض الخ�صالت جبهتها‬ ‫وخ��دي �ه��ا‪� ..‬أن��ف جميل‪ ،‬فمها ع��ذب‪� ،‬شفتان‬ ‫مطبقتان لتحفظ ع�سل ريقها‪ ،‬ب�شرتها تميل �إلى‬ ‫ال�سمرة‪ ،‬يظهر بريقها كلما اختل�ست ال�شم�س‬ ‫ُقبْلة منها‪.‬‬ ‫فتحت حياة ال��زري�ب��ة؛ فخرجت غنماتها؛‬ ‫لتقف تحت �أ�شجار ال�صف�صاف منتظرة �أعواد‬ ‫‪80‬‬

‫* �أكاديمي في جامعة الملك �سعود‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الذرة المربوطة في حُ زَ مٍ ‪ ،‬وم�صفوفة في غرفة‬ ‫الفرن‪ ..‬ابنها الأكبر في �سن ال�ساد�سة يبحث‬ ‫عن كرته ال�ضائعة من دون جدوى‪ ،‬ي�صرخ في‬ ‫�أم��ه لتجدها ل��ه‪ ،‬بطّ اتها تنقرها ف��ي رجليها‬ ‫مطالبة �إياها ببع�ض الخبز المعجون بالماء‪،‬‬ ‫بينما يزداد �ضغط رجلي ر�ضيعتها على خ�صرها‬ ‫خوفا من البطات‪.‬‬ ‫ب �ع �ث��رت ال �خ �ب��ز ال�م�ب�ل��ل ل�ل�ب��ط وال� �ف� �رّوج؛‬ ‫فازدحمت عليه‪ ،‬وارتفع �ضجيجها‪ .‬راحت �إلى‬ ‫غرفة الفرن لت�أتي ب�أعواد الذرة؛ فوجدت كرة‬ ‫ابنها تحتها‪ ،‬نادته و�ألقتها �إليه مبت�سمة‪ ،‬ف�صفق‬ ‫ب�شدة‪ ،‬وتلقفها وج��رى‪� ..‬ألقت �إلى غنماتها ما‬ ‫ي�سكت جوعها‪ ،‬وع��ادت �إلى غرفتها‪ ..‬التقطت‬ ‫�سلة البي�ض‪ ،‬التفتت �إلى زوجها الجال�س �أمام‬ ‫التليفزيون وهو يدخن ال�شي�شة‪� ،‬أدار وجهه �إليها‪،‬‬ ‫ونفث ناحيتها دخانا كثيفا‪ ،‬وهز ر�أ�سه بالموافقة‬ ‫على خروجها‪ ،‬حدقت فيه‪ ..‬فابت�سم ابت�سامة‬ ‫عري�ضة �أظهرت �أ�سنانه ال�صفراء؛ انكم�شت‬ ‫على �أثرها �شفتاها‪ ،‬خرجت من غرفتها وم�ضت‬ ‫�إلى الدكان‪.‬‬ ‫�سارت في طريقها كنخلة �شامخة‪ ،‬التقت‬ ‫عيناها ب�شعاع ال�شم�س؛ فتك�سر ال�شعاع على‬ ‫�أط��راف رمو�شها وج��رى بعيدا للغروب‪ ،‬بينما‬ ‫�أ�ضفى �شعاع عينيها الع�سليتين ن�سمة ب��اردة‬ ‫ح��رك��ت �أوراق ال���ص�ف���ص��اف‪ ،‬وزق��زق��ت لها‬ ‫الع�صافير‪ ،‬وعادت بها نب�ضات قلوب الجال�سين‬ ‫على �شاطئ الترعة والذين ينتظرون حياة‪.‬‬

‫حديث مع امر�أة جميلة‬ ‫■ �صالح القر�شي*‬

‫الآن وهو يركز نظره في عينيها تحديدا‪ ..‬ذلك‪ ،‬لكنه فعله‪.‬‬ ‫يتذكر �أنه كتب مرة في يومياته �سطورا‪ ,‬ثم عاد‬ ‫الآن وهو يركز نظره في عينيها الجميلتين‬ ‫بعد فترة ق�صيرة لكي ي�شطبها‪ ,‬رغم معرفته يتذكر ذل��ك كله‪..‬في�شغلها �صمته‪� ،‬أو ربما‬ ‫بعدم �إمكانية �أن يطالع تلك اليوميات �أحد �سواه‪ .‬يحرجها توهان نظراته؛ فت�س�أله‪ « :‬ما بك؟»‪.‬‬

‫كتب �آن� ��ذاك‪« :‬يخجلني �أن �ن��ي �أق �ت��رب من‬ ‫يود لو قال لها �إنه �سعيد جدا‪ ..‬لكنه قال «ال‬ ‫الثالثين ول��م �أت �ح��دث ي��وم��ا م��ع �أي ام� ��ر�أة»‪� ،‬شي»‪.‬‬ ‫طبعا هو يق�صد الحديث وجها لوجه‪..‬ويق�صد‬ ‫الآن يتمنى لو �أن��ه لم ي�شطب تلك العبارة‪،‬‬ ‫امر�أة خارج دائرة محارمه من �أخوات وخاالت‬ ‫وعمات‪..‬كما �أنه حتما يق�صد حديثا خا�صا �أو فيما تقاطع �أف�ك��اره م��رة �أخ��رى بحديثها عن‬ ‫ما ي�شبه الخا�ص‪ ،‬فهو ال يمكن �أن يح�سب تلك جمال الديكور في المقهى‪ ،‬يحدثها عن التنا�سق‬ ‫الأح��ادي��ث التي يمكن �أن يجريها م��ع موظفة بين الديكور والإ� �ض��اءة‪ ..‬ي��ود ل��و يتحدث عن‬ ‫ا�ستقبال مثال‪�..‬أو لعله يق�صد ام��ر�أة جميلة �أو جمال عينيها لكنه ال يفعل‪.‬‬ ‫تعاود ارت�شاف قهوتها ببطء‪ ،‬فيما ي�ستمر في‬ ‫متجملة‪..‬لكنه وقتها ع��اد ب�سرعة ليفتح دفتر‬ ‫يومياته وي�شطب ما كتب‪ ..‬ال يعرف لماذا فعل النظر �إليها متنا�سيا قهوته التي تو�شك �أن تبرد‪.‬‬ ‫* قا�ص من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪81‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫كيف يراه؟‬ ‫■ �إبراهيم يو�سف البيطار*‬

‫قام �إلى مكتبه‪ ،‬جل�س على كر�سيّه‪� ،‬أخذ ورقة‬ ‫بي�ضاء وو�ضعها �أمامه‪ ،‬تناول قلم ًا من المقلمة‬ ‫التي عن يمينه‪ ،‬قدرا كان لون حبره �أ�سودَ‪.‬‬ ‫داعب الورقة يمنة وي�سره‪� .‬أخذ يفكر‪ ،‬و�س�أل‬ ‫نف�سه‪ :‬م��اذا لو و�ضع نقطة �سوداء و�سط هذه‬ ‫ال�صفحة؟‬ ‫نقط نقطة كبيرة‪ ..‬جل�س يت�أملها‪ ،‬ربما ي�أتي‬ ‫جواب ال�س�ؤال الذي ي�سيطر على عقله منذ فترة‪،‬‬ ‫ال�س�ؤال الذي فر�ضته �أحوال يمر بها وطنه‪.‬‬ ‫دخلت عليه زوجته لتقدم له قهوته المف�ضلة‪،‬‬ ‫لم ي�شعر بها �إال وهي ت�ضع الكوب على مكتبه‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬طرح �س�ؤاله على زوجته‪ :‬حبيبتي ماذا‬ ‫ترين في هذه الورقة؟‬ ‫�أجابته بعد �أن نظرت في ال��ورق��ة بعفوية‪:‬‬ ‫نقطة �سوداء‪.‬‬ ‫ابت�سم وقال‪ :‬فــقــط!!‬ ‫قالت‪ :‬فـقــط‪ ،‬وهـل �أنت ترى غيرها؟!‬ ‫ظ�ل��ت اب�ت���س��ام�ت��ه م��ر��س��وم��ة ع�ل��ى وج �ه��ه‪..‬‬ ‫ا�ست�أذنته‪ ،‬ول��م يجل في خاطرها ما ج��ال في‬ ‫خاطره‪..‬‬ ‫تنف�س بعمق‪� ،‬أخ��ذ ر�شفة من قهوته‪ ،‬وك�أنه‬ ‫وج��د ج��واب ��س��ؤال��ه ال��ذي ح � ّي��ره‪� .‬أت��ى بورقة‬ ‫‪82‬‬

‫* قا�ص من م�صر مقيم في ال�سعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫�أخرى‪ ..‬لكنها ذات �سطور خالية‪� ،‬أم�سك بقلم‬ ‫�آخر ذي لون �أحمر‪ ،‬كتب مالحظاته التي �شفت‬ ‫غليله‪ ،‬وروت ظم�أه‪:‬‬ ‫ال �ي��وم‪ ،‬وب�ن�ظ��رة زوج �ت��ي ع�ل��ى نقطتي في‬ ‫ورقتي‪ ..‬جاءت الإجابة على ال�س�ؤال الذي كنت‬ ‫فيه حائراً‪..‬‬ ‫قالت لي‪ :‬ال �أرى في ورقتك �إال نقطة �سوداء‬ ‫وا�ضحة وظ��اه��رة للعين‪ ،‬ال غمو�ض فيها وال‬ ‫ت�شوي�ش‪.‬‬ ‫قال عقلي لي‪ :‬لم تر زوجتك �إال �سواد ًا في‬ ‫ورقة بي�ضاء نا�صعة البيا�ض!!‬ ‫وقال قلبي لي‪ :‬عجيب �أن زوجتك لم تر كل‬ ‫هذه الم�ساحة البي�ضاء!!‬ ‫وحدثتني روح��ي من داخلي‪ :‬وهكذا غالبية‬ ‫�أبناء وطنك (يا روحــي) ال ي��رون �إال ال�سواد‪،‬‬ ‫ي���ش��وه��ون ب��ه وط �ن��ك‪ ،‬وي �ب��ال �غ��ون ف��ي �إظ �ه��ار‬ ‫ال�سلبيات فقط‪� ،‬آملين �أن يظهرها ويبالغ فيها‬ ‫كل من ال يحب وطــنــــك‪.‬‬ ‫�أما �أنا ف�س�أنظر �إلى وطني ك�صفحة بي�ضاء‬ ‫طاهرة‪ ،‬و�أدع��و لبذل الجهد والعمل ليكون له‬ ‫تحت ال�شم�س موقعاً‪ .‬و�س�أكون متفائ ًال رغم ما‬ ‫يمر به وطني‪.‬‬

‫ق�صتان ق�صيرتان جد ًا‬ ‫■ خالد �أحمد اليو�سف*‬

‫طواف‬ ‫عينان � �ش��اردت��ان‪ ،‬زائ �غ �ت��ان‪ ،‬ت�ن�ظ��ران �إل��ى‬ ‫ال�سماء ب���ش��وق‪ ..‬وت ��ارة �أخ ��رى تحدقان فيما‬ ‫حولهما لت�صدم بالأروقة‪ ،‬والأعمدة‪ ،‬و�أقوا�س‬ ‫الأدوار المتتالية‪ ،‬و�إن��ارة مبهرة تمتزج ب�ضياء‬ ‫يخطف الروح‪.‬‬ ‫تقف بذهول �أمام ما يحيط بها من �أجنا�س‬ ‫الأر�ض‪ ،‬وبيت رباني يتجلل ب�سواد مزخرف عبق‪،‬‬ ‫يزيده جماال �آيات اهلل المن�سوجة بذهب خال�ص‬ ‫كعقد �أبي�ض على جيد عرو�س؛ تكمل دائرتها‬ ‫الإيمانية حوله‪ ،‬والعبرات تخنقها بفرح المكان‪،‬‬ ‫وتنظر �إلى �أ�صابعها فتدرك �أنها في �آخر �أ�شواط‬ ‫* كاتب وقا�ص من ال�سعودية‪.‬‬

‫الطواف‪ ،‬يوقظها ال�س�ؤال ممن حولها‪ :‬اهدئي‪،‬‬ ‫اهدئي‪ ،‬عليك بذكر اهلل �أن��تِ �أم��ام بيت اهلل!‬ ‫ويطمئنها �صوت �آخر‪ :‬احمدي اهلل الذي �أو�صلك‬ ‫لبيته المعظم‪ ،‬وت��رد عليهم وال��دم��وع تغ�سل‬ ‫وجهها‪ :‬و�أنا �أريد �أن �أرى اهلل‪.‬‬ ‫�أكف ت�صلي‪!..‬‬ ‫ت�شكل �أعمدة الرخام خطوط َا متداخلة‪ ،‬تقف‬ ‫�أم��ام ب�صري خا�شعة هلل‪ ،‬تتبتل في �صالتها‪،‬‬ ‫ويثيرني �سكونها فتجذبني �إليها‪ ،‬لأقف بينها في‬ ‫�صالة ال مثيل لها‪ ،‬حتى ر�أيت كل واقف في حرم‬ ‫اهلل هو في �صالة وخ�شوع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪83‬‬


‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫الربيع‬ ‫عيون ميدوزا‬

‫■ عارف الربدي�سي*‬

‫ج��ـ��ـ��اء ال��ـ��ـ��رب��ي�� ُع �إل��ـ��ي��ن��ا ف��ـ��ي مـراثينــا‬ ‫ي��ب��ك��ى لأمّ ��ـ��ت��ن��ـ��ـ��ا وال��ف��ـ��ـ��ر ُح مــرقـ ــد ُه‬ ‫م����ا ع������اد ل����ي وط����ـ����نٌ �أث����ن����ى ب���ع��� ّزت���ه‬ ‫وك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ّل �أي���ـ���ام���ـ���ـ���ـ���ـ���ن���ا ذلٌّ وم���ن���دب��� ٌة‬ ‫ي��ـ��ـ��ا ق���ل���بُ ���س��ـ�� ّي��ـ��دن��ا زادتْ فجيعتــنا‬ ‫�أن���ـ���ـ���ا وق���وم���ي ن���ه���ا ُر ال���ح���قّ خ��فْ��ق��ت��ن��ا‬ ‫من يطلبُ الحبّ حتما جاء مندمال‬ ‫ي���ا ����س���اك���نَ ال����ح����زنِ ه����ذا ي����وم �أمّ ��ت��ن��ا‬ ‫���ص��ـ��ـ��ار ال���رب���ي��� ُع ����ص���م���وداً ال ي��ف��ارق��ن��ا‬ ‫ل��ك��ـ��ـ�� ّل ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍّ��ر ن�����س��ي��ـ�� ٌم ف��ي �شـ ــدائـدنا‬ ‫وك������ ّل راي���ات���ن���ا ع�������ادتْ ل��ط��ل��ع��ت��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫ف����إن���ن���ا �أمّ��������ة‪ :‬ال���خ���ل���د م�����س��ك��ن��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫ي��ا �أم���ة ال��ك�� ّل ه���ذا ال�صبح ملحمتي‬ ‫ج�����اء ال���رب���ي���ع �إل���ي���ن���ا ف����ي ب�����ص��ائ��رن��ا‬ ‫فكم �صبرنا على الأح����زان ف��ي ثق ٍة‬ ‫ي���ا �آخ�����ر ال��خ��ط��ب��اء ال���ي���وم �صفعتنا‬ ‫�أف��دي��ك ي��ا وط��ن��ي �أق����دارك اجتمعتْ‬ ‫ل����ك���� ّل ح����� ّر ن�������س���ي��� ٌم ف����ي ���ش��دائ��دن��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫* �شاعر من م�صر‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ورداً ت��ـ��ف�� ّت��ـ��ح ف��ـ��ي الآف���ـ���ـ���اقِ يــحيـيـنـا‬ ‫ب��ـ��ـ��اق ٍ ف��زف��ـ��ـّ��ـ��وا ب���أ���ش��ـ��ـ��ع��ـ��اري نـبـيـيـنـا‬ ‫ف��ي ك�� ّل �شبرٍ دم��ـ��ا ُء ال�� ُع��ـ��ـ��ربِ تـدمينـا‬ ‫�أي��ـ��ـ��ن الحقــوقُ ال��ت��ي يوم ـاً �ست�أتينا‬ ‫ل��ـ��ـ��ـ��ـ��م ي��ب��ـ��ـ��ق �إال دم��ـ��ـ��و ٌع ف���ي م ـ�آقينـا‬ ‫�����ش فينا‬ ‫ف��ا ْن��ظ�� ْر غ����را ُم ع��ب��وري م��وح ٌ‬ ‫فالن�ص ــر مـلح ــمتي ���ص��ارتْ براكينا‬ ‫ليـرح ـ ـ َم اهلل مَ���ن ب��ال��ف��ـ��ك�� ِر يهدينا‬ ‫ف��ـ��ـ���إنّ ح��ب��ـ��ـ��كّ ل�ل�أب��ـ��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ـ��الِ يكــفيـنـا‬ ‫ق��ـ��ـ��ـ��اد ال��ك��رام��ـ��ـ�� َة �إن�������ش���ـ���ـ���اداً وت��م��ك��ي��ن��ا‬ ‫دم���������ا ُء ث������وّارن������ا ث����������أ ٌر ي��ن��ادي��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫وع����ر�����س ك����� ّل ����ش���ه���ي���دٍ ع�����اد ي��ح��ي��ي��ن��ا‬ ‫ف��ي ظلمة الليل نهر ال��ح��بّ ي�سقينا‬ ‫ل��ك��ي ن�����راود خ���وف���ا ك����ان يدمينـ ـ ـ ــا‬ ‫وغطر�سات ع�صيّ الدهر تطوينـ ـ ــا‬ ‫ف�����إنّ ح��ب��ك م��ن �أغ��ل��ى م�ساعين ـ ـ ـ ــا‬ ‫ي��ا �أي��ه��ا ال�شيخ ل�ل�أم��ج��اد علّينـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ق��ـ��ـ��ـ��اد ال��ك��رام��ـ��ـ��ةَ �إن�������ش���ـ���ـ���اداً وت��م��ك��ي��ن��ا‬

‫■ �سليمان العتيق*‬

‫والما ُء �آ�سنة ٌ‪ ،‬فلن �ألقى بقع ِر البئر يا قو ُم ا�شتها ْء‬ ‫اقطع حبالك لي�س في البئر التي‬ ‫�أنا �سوفَ �ألقاكم �إذا �شئت ْم لقا ْء‬ ‫�أدليتَ �ساقيك ارتوا ْء‬ ‫في باح ِة الوديانِ ‪...‬‬ ‫كال‪ ،‬وال في الجبِ يو�سفْ‬ ‫تعبقُ في ثناياها الأزاه ْر‬ ‫يا �صاحبي في البئر ميدوزا‬ ‫فوق الروابي العف ْر‬ ‫ت�ش ُد �إليها خاتمة َالر�شا ْء‬ ‫والفيا�ض الخ�ض ْر‬ ‫ِ‬ ‫وعيون ميدوزا تحملقُ فيكَ ت�ستجدي اللقا َء‬ ‫و�إلى الجبالِ ال�شامخاتِ‬ ‫ال ت�ستجبْ‬ ‫�أنا مهاج ْر‬ ‫لي�س ميدوزا تنا�صبـ ُك العداء‬ ‫�أ َو َ‬ ‫�أنا مهاجر‬ ‫وحرابـ ُها طعنت كرامة َ�أهلكَ الأغلى‬ ‫نحو الينابيع ِ التي‬ ‫الواقفين على المعاب ْر‬ ‫من دفقها �شربتْ ‪ ،‬جميع الكائناتْ‬ ‫والحاملين لهذه الدنيا الب�شائ ْر‬ ‫في�ض التراحمِ ‪ ،‬والت�آز ْر‬ ‫َ‬ ‫يا �أه َل ميدوزا �أنا ال �أرتوي من مائـ ِكم‬ ‫وت�أطرتْ ‪ ..‬تلك الم�شاه ُد بال�ضيا ْء‬ ‫لأن ذاكَ الما َء خالط ُه دما ْء‬ ‫واهتزت الدنيا‪ ،‬لأ�صدا ِء التبتلِ بالمناب ْر‬ ‫لن �أ�ستقيْ من بئرِكم‬ ‫�إني على ال�شرفاتِ �أدعوك ْم‬ ‫فالبئ ُر ي�سكنـ ُها الخوا ْء‬

‫يا �أيُها الأ�صحابُ ما �أحلى اللقاء‪.‬‬

‫* �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪85‬‬


‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫المحفظة‬ ‫�أتيتُ لل�شعر‪..‬‬

‫■ �سوف عبيد*‬

‫عندما اِ�ستلمتُ ر�سالة �إعالمي بتقاعدي من التعليم نظرتُ �إلى محفظتي‪،‬‬ ‫وقلت‪:‬‬

‫وداعً������������ا! وب�����ع����� َد ال���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���وداع ودا ُع‬ ‫ط����� َويْ�����تُ ال���ر����س���ال��� َة ب����ل ق����د ط��� َو ْت���ن���ي‬ ‫ف��ل��اح�����تْ ل���م���ح���ف���ظ���ت���ي َدمَ���ع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اتٌ‬ ‫����ف ُت������ج������اذبُ ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��فّ��ي‬ ‫و�������ش������دّتْ ب����عُ����ن ٍ‬ ‫ت�����ق�����ولُ ل�����م�����اذا ُت�����ف�����ـ�����ارقُ خِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�ًّلًّ‬ ‫�����ص��دي��ق‬ ‫�أل���������س����تُ ال���� ّرف����ي���� َق �أل���������س����تُ ال ّ‬ ‫�أَ َب������ع������ َد � ِ���س���ن���ي���نِ ال�����وف�����اء �أهُ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ونُ‬ ‫وق���ال���ـ���ـ���ـ���ت ب��������� َد ِّل عِ ������ َت������ابِ ال���حِ �������س���ـ���ان‬ ‫�أت����ت���� ُركُ����ن����ي؟ وال����فَ����ي����افِ����ي ورا ِئ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ي‬ ‫ف����خُ ����ذنِ����ي �إل�����ي�����كَ و�أ َّن����������ى ذه��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��تَ‬ ‫َرمَ���� ْت����ـ���� ِن����ي ال�����������دّروبُ وال مِ ������نْ َدل��ي��ـ��ل‬ ‫ف����قُ����ل����تُ َلأن����������تِ ُن�����ج�����و ُم ال��ل�� َي��ـ��ـ��ال��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫�أَمِ ����ح����ف����ظ���� َة ال���عُ���م���ر عُ���������ذرًا ف��ف��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ك‬ ‫���������س � ِ����ش����عْ����ري و َن���ث���ـ���ري‬ ‫����ك ك����راري ُ‬ ‫وف����ي ِ‬ ‫ْ�������ش ب��ق��ل��ب��ـ��ـ��ي‬ ‫����ك هِ ������يَ ال����� ّ����ض����ا ُد ن���ق ٌ‬ ‫وف����ي ِ‬ ‫َر������ش�����ف�����تُ هَ�������واهَ�������ا ع����ل����ى ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ّل �آي‬ ‫ع���ل���ى ال���� َع����ه����دِ َن����ب���� َق����ى ل����كُ���� ّل َو ِف���ـ���ـ���ـ���ـ���يٍّ‬ ‫* �شاعر من تون�س‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫وح�������ا َن ال�����ف�����راقُ وال ُي�����س��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫�إل����ى ����سَ ��� ّل��� ِة ال��مُ��ه��م�لات ال��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّرق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫و����ص���وت ُ َن ِ�����ش��ي��ج ل��ه��ا و ِا ْل��ـ��ـ��ـ�� ِت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫ف���ح���اول���تُ َن����زعً����ا ف������زا َد ال��ـ�� ّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��زا ُع‬ ‫وف���ي���كَ ِا���ش��ت��رى الآخ������رون وبـ ـ ــاعُـوا‬ ‫ورُوح������ي � َ����ص����داكَ و�إ ّن������ي ال��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ذّرا ُع‬ ‫ب���لَ���ى ق���د ي���هُ���ون ع��ل��ي��ن��ا ال�� َم��ـ��ـ�� َت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫ب����دُون����ك‪َ ,‬ويْ����حِ ����ي! دُروب�������ي � َ��ض��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫�����س ف��ي��ـ��ه ���شِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��را ُع‬ ‫وب����ح����رًا �أرى ل��ي َ‬ ‫ِب��ـ�����سَ ��ه��ل ال���ط���ري���ق و�إمّ �������ا ِت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لا ُع‬ ‫ل���ي���ال���يَّ ط����ال����تْ وغ�������ابَ ال�����شّ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫ِب��عِ�� ْل��ـ��ـ��مٍ و�أدْبٍ ف��ل��ي��ـ��تَ ُي��ـ��را ُع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وا‬ ‫� ُ���ش���جُ ���ونُ ال����ف�����ؤا ِد وه���ـ���ذا ال�� َي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��را ُع‬ ‫وف���ي ِ���ك َت�����ص��اوي�� ُر مَ����نْ هُ ���� ُم �ض ــا ُع ــوا‬ ‫ف��م��ن��ه��ا � َ���س���رى َد ُم����ن����ا وال��ـ��ـ��ـ�� َّر���ض��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫وب����ي����تٍ ‪َ ,‬ف��ن��ب���ِ��ض��ي ل��ه��ا وال�� ّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��خ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع‬ ‫ف��ل��ي��تَ ال����وف����ا َء ل�� َدي��ن��ا ُيـ ــ�شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُع‬

‫■ د‪ .‬يو�سف العارف*‬

‫�أب��ن��ي ب��ه ال�سهل ال �أ�ست�صعب الجبال‬ ‫ت�����أت����ي �إل���������يَّ ‪ ،‬وال �أر������ض�����ى ل���ه���ا ب����د ًال‬ ‫�لا‬ ‫و�أن���ج���م «ال��خ��ن�����س» غ���ري���داً وم��ن��ف��ع ً‬ ‫�لا‬ ‫ف��ي��ق��ب��ل ال���ح���رف م���ن���داح���اً وم��م��ت��ث ً‬ ‫ال‬ ‫ح��رف��اً فحرفاً جميل ال�سبك مت�ص ً‬ ‫ك�أنها الغيث‪ ،‬غطى ال��ح��زن وال�سهال‬

‫�أت��ي��تُ لل�شعر �أ�ستق�صي ال��ذي ح�صال‬ ‫�أ���س��ت��م��ل��ح ال���ف���ك���رة ال�����غ�����رّاء ���ص��اخ��ب��ة‬ ‫�أه����ي����م ف����ي غ��ي��ه��ا وال���ط���ه���ر ذاك���رت���ي‬ ‫و�أ����ص���ط���ف���ي ل��غ��ة ال�������ص���ح���راء ن��ا���ص��ع��ة‬ ‫�أب������ن������ي ب������ه ك������ل �أب�����ي�����ات�����ي و�أغ����زل����ه����ا‬ ‫م���زج���ت���ه���ا ب���ري���ا����ض ال����ن����ور ف����أْت���ل���ف���ت‬ ‫***‬

‫ي��ا الئمي ف��ي غمو�ض ال�شعر قافيتي‬ ‫���س���أل��ت ع���ن ك��ن��ه��ه��ا الآف������اق ف��ان��ت��ب��ذت‬ ‫ورح������ت �أب����ح����ث ع����ن ح�����رف ي��ن��ادم��ن��ي‬ ‫ح���ت���ى ب���ل���غ���ت دي���������اراً ق����ط م����ا ���س��ك��ن��ت‬ ‫ن�����س��ج��ت م��ن��ه��ا ت���ب���اري���ح���ي و�أخ��ي��ل��ت��ي‬ ‫حملتها ل����ذوي الأف���ه���ام م��ن��ت��ظ��راً �أن‬

‫�لا‬ ‫ب��ي�����ض��اء ال ت�����ش��ت��ك��ي ����س���و ًء وال ���ش��ل ً‬ ‫ك����ون����اً ق�������ص���ي���اً ب��ع��ي��د ال����ن����ور م��ن��ع��ز ًال‬ ‫ول�����م �أزل اق���ت���ف���ي الآث���������ار وال���ط���ل�ل�ا‬ ‫والأر�������ض ب��ك��ر وم���ا ف�����ض��وا ل��ه��ا �سبال‬ ‫�لا‬ ‫ح��ت��ى اك��ت�����س��ت ل��غ��ت��ي م���ن ف��ن��ه��ا ح��ل ً‬ ‫ي�������س���ب���روا غ����وره����ا �أو ي���ب���ل���غ���وا �أج��ل��اً‬

‫* �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪87‬‬


‫�س�أوقف هذه الحرب‬

‫■ ن ّوارة حلـر�ش*‬ ‫■ جمال املو�ساوي*‬

‫ال يكفي �أن �أذرع بع�ض ال�سنوات‬ ‫كي �أغرب في الم�ستنقع‪.‬‬ ‫كي �أترك للن�سيان فر�صة �أن‬ ‫يحيط غيمتي القدرية بذراعيه ال�صلبتين‪.‬‬ ‫الحياة هاوية الكائن‬ ‫ما من خيار �آخر‪.‬‬ ‫الحياة عا�شقة الخيانات‬ ‫ال يكفي �أن‬ ‫تكذب علي ا�ستعادة الميالد‬ ‫كي �أ�شعر بكل ما �أحتاج �إليه‬ ‫من الفرح‪.‬‬ ‫ال يكفي �أن‬ ‫�أكون قد �سقطت‬ ‫هكذا فج�أة من ِقدْر العدم‬ ‫كي ينتاب �أو�صالي الحنين‪.‬‬ ‫ال يكفي �أن �أكتب �سيرةً‪،‬‬ ‫وال يكفي �أن �أمدح النهار‪،‬‬ ‫ال يكفي �أن �أغيظ الليل‬ ‫كي �أوقف هذه الحربَ ‪.‬‬ ‫على باب الفجر بينما يهب ال�ضباب‬ ‫من م�ؤخرة الكون‪،‬‬ ‫يجل�س ال�شاعر مثل معتوه‪.‬‬ ‫الحلم �أمامه منهارٌ‪ ،‬والليل‬ ‫* �شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫يقطع �شرايينه ب�سبب الوحدةِ‪،‬‬ ‫لم �أكن هناك‪.‬‬ ‫كنت �أكثر �صداقة للنهار‪.‬‬ ‫تركت يدي في يد ال�شم�س‪،‬‬ ‫كانتا مثل يديّ عا�شقين ي�سخران‬ ‫من ال�شك‪ ،‬وهو يغدق ظالله على الحب‪.‬‬ ‫يفتح الباب الموارب كي ت�شيع الأ�سئلة‪.‬‬ ‫دائما‪ ،‬بحكم العادة‪ ،‬يقتاد ال�شاعر‬ ‫حياته �إلى القتامة المحيطة بالقلب‪.‬‬ ‫ك�أنها ال تحبه‪،‬‬ ‫ك�أنها تخونه على مرتفع بحيث ي�شعر بالعجز‪.‬‬ ‫كيف ي�صعد �إلى الموت‬ ‫في برجه الأعلى لينتقمَ؟‬ ‫«يموت ال�شاعر قبل الأوان»‪.‬‬ ‫قلب بال �سترة واقية‬ ‫وعمر ق�صير بال حر�س �شخ�صي‪،‬‬ ‫�أت�أملك‪،‬‬ ‫�أيتها الحياة‪،‬‬ ‫و�أحر�ص على اليقظة‪،‬‬ ‫لي�س الآنْ‬ ‫لي�س قبل �أن ينه�ض الليل ليلملم �شرايينه‬ ‫ويعيد �أحالمي �إلى طبيعتها المتلونة‪.‬‬

‫�شجر المعنى‬

‫لو مرة �سقطتُ �سهواً‬ ‫من �شجر المعنى‬ ‫كيف للع�صافير‬ ‫�أن تفتح قمي�ص الرفرفة‬ ‫في �أمزجة ال�سماء؟‬ ‫وكيف لها �أن تربت على‬ ‫غيمة ت�ؤثث خدو�ش الأمكنة؟‬ ‫لو مرة‬ ‫�سقطتُ �سهوا‬ ‫من �شجر المعنى‬ ‫كيف �أتعرفُ على (�أنا)؟‬ ‫قمي�ص‬

‫قمي�ص ال ُّل َغ ِة‬ ‫َ‬ ‫�أفتح‬ ‫�أنزوي في ِه‬ ‫كما لو �أن ُه جَ نّتي‪� ،‬أو مِ دف�أتي‬ ‫�أت�سل ُل منَ البر ِد الذي را َو َد �أ�صابعي‬ ‫كي تتبل َد مِ نْ �شِ ّد ِتهِ‪ ،‬وما َت َب َّلدَتْ‬ ‫نا�ضجَ ًة بالحُ زنِ ‪ ،‬ول ْم تَف ِق ْد حا�سَّ َة‬ ‫ظلتْ ِ‬ ‫ّم�س والحنان‪.‬‬ ‫الل ِ‬ ‫قمي�ص اللغة وح َد ُه الكفي ُل بما ال تَ�سَ ُع ُه‬ ‫ُ‬ ‫الحياةُ‪.‬‬ ‫قمي�ص ال ّل َغ ِة‬ ‫َ‬ ‫�أفت ُح‬ ‫�أجِ دُني على يا َق ِت ِه‬

‫بُق َع َة نها ٍر على قيدِ زوالٍ‬ ‫تت�شبّثُ ِبقَ�شّ ِة �ضو ٍء ذا ِبلَ ٍة‬ ‫كيما ال َت َت َوعَّكُ �أبجد َّي ُة اللّحظاتِ على‬ ‫هامِ ِ�ش البال‪.‬‬ ‫�أت�سل ُل مِ نَ الوَجَ ِع (الـ) را َو َد جِ َه َة القلبِ‬ ‫من ُذ هُ طولي مِ نَ الأ�سى والأنا ومعناي‬ ‫أتح�س�س جِ َه َة القلبِ ‪� /‬شا�سِ َع َة الجَ ْر ِح‬ ‫ُ‬ ‫�‬ ‫�شا�سع َة الغُر َبةِ‪.‬‬ ‫قمي�ص ال ّل َغ ِة‬ ‫ُ‬ ‫وح َدهُ‪،‬‬ ‫وطني ومنفاي‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ن�صو�ص �شعرية‬

‫رق�صة عرجاء‬

‫ال �أ�صلح لرق�صة مقت�ضبة في حفلة غائمة‪،‬‬ ‫في حديقة غاربة المعاني والأمنيات‪..‬‬ ‫ال �أ�صلح‪ ،‬لأن القلب متوعّك‪ ،‬وغائم بما‬ ‫يكفي؛ لأن يمطر �أغزر مما يجب؛‬ ‫ولأن الرق�صة المقت�ضبة‪ ،‬ق�ضمته في غفلة‬ ‫من الحياة‪.‬‬ ‫ال تت�صورني الكمنجات‪ ،‬ناعمة بما يكفي‬ ‫في رذاذها الحزين‬ ‫ال تت�صورني‪ ،‬من�شرحة الظن بما يكفي في‬ ‫موالها الغافي على وتر منقب�ض‬ ‫ال تت�صورني بالمرة �أ�صلح ل�شيء ما‪ ،‬وال‬ ‫لرق�صة عرجاء‪ ،‬وال للذي �سي�أتي‪.‬‬

‫* �شاعرة و�إعالمية من الجزائـر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪89‬‬


‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ن�صو�ص �شعرية‬ ‫■ خالد ال�سنديوين*‬

‫من ديوان‬ ‫«ميجابولي�س» ‪1998‬م‬

‫من قمم الجنة‬ ‫�إلى �أي مكان لق�ضاء الليل‬ ‫يُخ�شى من حقد جثة منفية‬ ‫يخ�شى من ثورات بليدة‬ ‫ومن ال�سماء الخالبة �إلى ع�ش فوق‬ ‫مروحة ال�سقف‬ ‫يُخ�شى من دوريات الكوابي�س‬ ‫يُخ�شى من ل�سعات القمر‬ ‫يُخ�شى من كلمة غائبة �أو يقظة عائدة‬ ‫يُخ�شى من التاريخ كل التاريخ‬ ‫يُخ�شى من لحظة من زجاج‬ ‫قد يلم�سها الجناح المبتل بماء الك�آبة‪.‬‬ ‫نمر‬

‫لقالوا‪�:‬صعقَتنا‬ ‫َ‬ ‫«لو تحدّث �ضحاياه‬ ‫جوهرتان من العالم ال�سفلي‬ ‫و�أخذنا جماله‬ ‫قبل �أن تغمرنا وح�شيته‬ ‫وما من فري�سة‪ ،‬وهو يفتك بها‬ ‫�إال تمنت فقط لو يبت�سم»‪.‬‬ ‫قنفذ‬

‫لي�س لي �أ�صدقـاء‬ ‫لأن �أحداً ال يعرف مالمحي‬ ‫لي�س لي �أ�صدقاء‬ ‫* �شاعر من م�صر مقيم في ال�سعودية‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫فال �أحد ي�صادق كرة من ال�شوك‬ ‫لي�س لي حاجة �إلى جُ حر‬ ‫ف�أنا وحيد �أينما ذهبت‬ ‫و�أدين بحياتي للإ�شمئزاز‬ ‫فكثيراً ما �أو�شك وح�ش على التهامي‬ ‫ثم �أغلق فمه في �آخر لحظة‬ ‫وهو يقول‪ :‬ما هذا؟‬ ‫ال يمكن �أن تحتفل بالحياة �إذا كنت تحتفل‬ ‫بالنجاة كل يوم‬ ‫�سوف يكفيك ال�صمت‬ ‫وهو ال يغادر قلبي‬ ‫�أحلم كل ليلة ب�أنه بينما تت�ساقط الأمطار‬ ‫فوق ظهري تتفتح زهرة جميلة من �أحد‬ ‫�أ�شواكي بينما يقول عابر‪ :‬ما هذا الجمال!‬ ‫من ق�صيدة الالعب‬

‫لو ر�أيتم طيبته‬ ‫لن ت�صدِّقوا �أنه هو‬ ‫هو الذي يجمع الالعبين من منازلهم في‬ ‫قلب الظهيرة‪..‬‬ ‫كقائد يجمع جي�شه من �أجل الحرب‬ ‫بينما ال�شم�س ت�شوي الأر�ض‬ ‫وال ي�ستطيع �أحد �أن يقول له‪ :‬ال‪.‬‬ ‫�سوف يقول البع�ض‪ :‬لم ن َر �أحداً يقدِّ�س‬ ‫اللعب هكذا‬ ‫و�سوف يقول البع�ض‪:‬‬ ‫�شرّير يُف�سد �أ�صدقاءه‬

‫مرفــــــوع‬ ‫■ ح�سن الزهراين*‬

‫بد ٌر‬ ‫يخاتل رهبة البيداء‬ ‫بالنور المكلل بال�سكينة‬ ‫في حنايا ليلة �شتوية الأنفا�س‬ ‫والطرقات تغ�سل �صوت �أقدامي‬ ‫بماء الريب‬ ‫والأ�شباح في �أبراج ذاكرتي تغنّي‪..‬‬ ‫***‬

‫يو ٌم يتي ٌم د�شنته ال�شم�س في طرقات �أحالمي‬ ‫وقالت‪ :‬هاك عمرك لن �أزيدك‬ ‫�ساعة ً‬ ‫فاكتب على باب الع�شيّة �سير ًة‬ ‫بي�ضاء ْ‬ ‫�أو �سودا ْء‬ ‫�أو مق�سوم ًة‬ ‫و�إليك عنّي‪..‬‬ ‫***‬

‫فجمعت حُ جابي‪ ..‬وكتابي‪.‬‬ ‫وموقع مولدي‪ ..‬وغبار لحدي‪.‬‬

‫بل وما حلّى روا�شين الزبرجد‬ ‫من �أكاليل ابت�سامتي‪.‬‬ ‫وما بلغ ال�سحابة من دموعي‪..‬‬ ‫في �سقيفة روع �إلهامي‬ ‫فقلت لهم‪� :‬إليكم ما تقول ال�شم�س‬ ‫�أفتوني ب�أمري‬ ‫لم يدع لي هول فاجعتي �سبيال للتمني‪..‬‬ ‫***‬

‫قالوا جميعاً‪:‬‬ ‫مُتْ قرير العين‬ ‫لم تُقتل ولم تُ�صلب‬ ‫ولم تب�صرك عينٌ‬ ‫�إنما‬ ‫�شُ بهت لل�شم�س الغبية‬ ‫�أنت مرفو ٌع‬ ‫على ديباج �شعرك‬ ‫في بروج الخلد‬ ‫بر�أك ال�ضحى‬ ‫ظن‬ ‫من كل ِّ‬

‫* �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪91‬‬


‫■ �إبراهيم زويل*‬

‫لكيال تجوع الغيوم‬

‫ال تبرح الجبّ‬

‫الح من �شجر العمر هذا الحنين‬ ‫هكذا‪..‬‬ ‫على قدْر فو�ضاك‬ ‫�سوف �أطلق ما في حديقة بالي‬ ‫تلفظ �أثقالها الأر�ض‪,‬‬ ‫لكيال تجوع الغيوم التي‬ ‫ت�ست�صرخ الكائنات‪ ,‬الوعود التي‬ ‫تلد الماء‪ ,‬والكائنات الجديدة‬ ‫طالما ت�ستثير الطالئع‪.‬‬ ‫ت�أوي �إليك طيور ب�أجنحة ال ترى‪.‬‬ ‫ال تبرح الجبّ منفرداُ‬ ‫هل تُروّ�ض في ال�س ّر �أ�سماءها‪ ,‬وتحوك قمي�صاً في غيابته؛‬ ‫على و�شك �أن يقول كالماً لها‪.‬‬ ‫ح�شرجاتك‪� ,‬ضوء �أناملك‪ ,‬المنكرات‪.‬‬ ‫مزامير روحك موح�شة‬ ‫�ستحدّق في حج ّر‬ ‫تتخبّط في ظلها‪.‬‬ ‫ن�صّ بته التقاليد حولك‬ ‫جُ نّ هذا النهار‬ ‫مث ّل الم�سجّ ى على �سرر الموت‬ ‫يهرول م�ستوح�شاً من �سعادته‬ ‫تبحث عن قمر‬ ‫من يد ّل الجوارح‬ ‫في الف�ضاء الأ�صمّ‪.‬‬ ‫في عتمات الدجى‬ ‫�إلى �أين تذهب كي ت�ستريح‪.‬‬ ‫حين تبحث عن ن�سلها في المرايا‪.‬‬ ‫�أم ّد يداً لأقول‪ :‬تعال‬ ‫تط ّل عليه الفجاءات‬ ‫خلف عوالمه يلهث الليل‬ ‫تفتّح �أقبية الروح‬ ‫دون هالل يربّي الك�آبة‪..‬‬ ‫تدلف ناحية البحر‪..‬‬ ‫***‬

‫كانت خطاه مبعثرة‬ ‫لي�س فيها �سوى ورق ال�سهو‬ ‫بع�ض وجوه الذين �أحبّ ‪.‬‬ ‫هنالك يخرج ده�شته‬ ‫ويقول‪ :‬الوداع!‬ ‫* �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫***‬

‫لم �أكترثْ !!‬ ‫�آنذاك اختل�سْ تُ دمي‬ ‫هو ذا يت�سامر قرب البيوت‪.‬‬ ‫ك�أ ّن الكتابة لي�ست �سوى حجر‬ ‫في هبوب الرياح‬ ‫و�سنبلة تتهالك في تربة قاحلةْ‪.‬‬

‫ال�شاعر محمد الحرز‪:‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ق�صيدتان‬

‫ال يعنيني من يت�صدر الم�شهد‪� ,‬سواء الق�صيدة‬ ‫النثرية �أم التفعيلة‪ .‬لقد ا�ستنفدنا جل‬ ‫طاقاتنا الفكرية‪ ,‬وحتى التخييلية في ق�ضايا‬ ‫ال ترتبط بحركة الواقع �أو الحياة ذاتها‪.‬‬

‫«مكتبتي في واقع الأمر تعك�س مزاجي الفو�ضوي في االهتمام بنوع الكتاب والحقل‬ ‫الذي ينتمي �إليه؛ فتارة �أحيط نف�سي بكتب الفل�سفة‪ ,‬في قراءة يتكثف فيها التركيز‬ ‫بطاقة عالية‪ ,‬حينها ي�صبح المنزل موزعا على مجموعة من الفال�سفة والمفكرين‬ ‫الذين يحتلون بكتبهم المنزل ب�أكمله؛ وتارة �أحيط نف�سي بال�شعر �أو التاريخ �أو الدين‪،‬‬ ‫وهكذا ي�صبح منزلي حقل تجارب وا�ستوطان حقيقي لكل حالة م��زاج تتلب�سني في‬ ‫القراءة والكتابة»‪ ..‬هذا ما قاله �شاعرنا محمد الحرز عند �س�ؤالي عن ما تحتويه‬ ‫مكتبته من كتب‪ ،‬وقد وجدت هذه المقولة هي الأن�سب لتت�صدر هذه الإ�ضاءة‪ ،‬وتكون‬ ‫المر�آة ل�شاعرنا وما يت�ضمنه هذا الحوار‪..‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقا�سم*‬

‫�أكتب تحت �إيقاع الحياة‬

‫ال ت���ت���ذك���ر دم ال���ف���ري�������س���ة» ع���ام‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬و�أخ���ي���را‪���« ..‬س��ي��اج �أع��م��ق‬ ‫من الرغبات» عام ‪2013‬م‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إل��ى ع��دد من الكتب النقدية‪ .‬ما‬ ‫الم�ساحة ال��ت��ي اخت�صرتها هذه‬ ‫الإ����ص���دارات م��ن م�����ش��روع محمد‬ ‫الحرز مع الكلمة؟‬

‫• م��ح��م��د ال����ح����رز‪ ،‬م����ن الأ����س���م���اء‬ ‫التي ب��رزت في الم�شهد ال�شعري‬ ‫ال�سعودي منذ ت�سعينيات القرن‬ ‫الما�ضي‪� .‬أ�صدر �أرب��ع مجموعات‬ ‫����ش���ع���ري���ة «رج������ل ي�����ش��ب��ه��ن��ي» ع���ام‬ ‫‪1999‬م‪�« ،‬أخ���ف م��ن الري�ش �أعمق‬ ‫م��ن الأل����م» ع���ام ‪2002‬م‪�« ،‬أ���س��م��ال ■ ال تخت�صر �شيئا وثيق ال�صلة بما‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪93‬‬


‫‪94‬‬

‫ت�سميه بالم�شروع‪� .‬أكتب تحت �إيقاع الحياة‬ ‫وتموّجات لحظتها‪ ,‬والكتابة بالن�سبة لي‬ ‫ا�ستنفدنا جلّ طاقاتنا الفكرية‬ ‫هي الحياة‪ .‬وعليه‪ ،‬كل ما �أكتبه يندرج‬ ‫�ضمن حركة هذا الإيقاع‪ .‬وما �أعنيه بهذا • ق�����ص��ي��دة ال���ن���ث���ر ت��ت�����ص��در ال��م�����ش��ه��د‬ ‫ال�����ش��ع��ري ال��ع��رب��ي‪ ،‬ه��ل ه���ذا �صحيح؟‬ ‫الإي�ق��اع‪ ,‬هو مجموع ما تمدنا به الحياة‬ ‫و�إن ك��ان ك��ذل��ك‪ ،‬ه��ل ه��ي ق���ادرة على‬ ‫م��ن خ �ب��رات جمالية وث�ق��اف�ي��ة وت��رب��وي��ة‬ ‫اال���س��ت��م��رار واح���ت���واء م��ا ع��ج��زت عنه‬ ‫واجتماعية‪ ,‬تكون هي الأ�سا�س التي تتغذى‬ ‫ق�صيدة التفعيلة؟‬ ‫عليها تجربتي في الكتابة؛ لذلك‪ ،‬ال �أعلم‬ ‫مقدار تلك الم�ساحة التي اقتطعت حيزا ■ ال يعنيني مَ ��ن يت�صدر الم�شهد‪� ,‬سواء‬ ‫�أك��ان��ت الق�صيدة النثرية �أم التفعيلة‪.‬‬ ‫م��ن ال�ت�ج��رب��ة‪ ,‬وال مكامن ح��دوده��ا‪� ,‬أو‬ ‫لقد ا�ستنفدنا جل طاقاتنا الفكرية‪ ,‬وحتى‬ ‫الوجهة التي يمكن �أن تغادر �إليها‪.‬‬ ‫التخييلية ف��ي ق�ضايا ال ترتبط بحركة‬ ‫ كل ما �أعرفه هو �أن �شروط الكتابة الإبداعية‬ ‫الواقع �أو الحياة ذاتها‪ ,‬بقدر ارتباطها‬ ‫�أو النقدية تخ�ضعان بع�ض الأحيان لعوامل‬ ‫بالوعي الإيديولوجي الذي �صاحب الثقافة‬ ‫م�شتركة‪ ,‬وبع�ضها الآخر‪ ,‬لعوامل متنافرة‪.‬‬ ‫العربية‪ ,‬لحظة تفكيره في �شكل العالقة‬ ‫الم�شتركة هي تلك المواقف الحياتية التي‬ ‫القائمة بين الإب ��داع‪ ،‬من جهة‪ ,‬والواقع‬ ‫تحفزنا على الكتابة من دون النظر �إلى‬ ‫ال�سيا�سي واالجتماعي والفكري والأدب��ي‬ ‫ما يتطلبه ال�شكل �أو المحتوى من �شروط‪,‬‬ ‫الذي عبرته تلك الثقافة‪ ،‬من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫بينما المتنافرة‪ ,‬هي في ت�صوري مرحلة‬ ‫وحا�صل ه��ذه العالقة ه��ي ال�ت��ي ح��ددت‬ ‫“الحقا”‪ ،‬تكون فيها الكتابة قد �سيّجت‬ ‫ب�شكل كبير خلفيات الم�شهد ال�شعري في‬ ‫نف�سها بمق�صدية الكاتب‪ ,‬وتلوّنت بر�ؤاه‪,‬‬ ‫الثقافة العربية منذ �أوا�سط الخم�سينيات‪,‬‬ ‫وتغذت على خبراته‪ ,‬ومن ثَمَّ �أ�صبحت �أكثر‬ ‫�إذ �إن من �أهم �آثارها تبنّي �صيغ للتفا�ضل‬ ‫خ�صو�صية‪ ,‬وتالئم ‪ -‬بطريقة �أو ب�أخرى‬ ‫تعلي م��ن � �ش ��أن ه��ذا ال �ن��وع ال���ش�ع��ري �أو‬ ‫ ال�شكل والمحتوى اللذين يتلب�سانها من‬‫ذاك‪ ,‬متغافلين تماما ع��ن �أن تجديد‬ ‫العمق‪.‬‬ ‫ال�شعر ال يكمن في النوع‪ ،‬بقدر ما يكمن‬ ‫ هذا هو ت�صوري ال��ذي �أرتكز عليه‪ ,‬وكل‬ ‫في الت�صور‪ .‬والأخير هو �أكثر ما يرتبط‬ ‫ما �أطمح �إليه‪ ،‬هو �أن �أخلق �صلة تربطني‬ ‫بالحياة‪ ,‬وبتجديد منابعها؛ �أي �أن تجديد‬ ‫بالكتابة‪ ،‬م��ن ج�ه��ة‪ ,‬وب��ال�ع��ال��م والحياة‬ ‫ال�شعر‪ ،‬يت�صل �أ�سا�سا بتجديد نظرتنا‬ ‫والإن�سان‪ ،‬من جهة �أخرى؛ وهي �صلة �أ�شبه‬ ‫للحياة‪ ،‬وللثقافة‪ ،‬وللتاريخ‪ ،‬وللإن�سان‬ ‫ما تكون ب�صخرة �سيزيف‪ ,‬ال يقر لها قرار‪,‬‬ ‫نف�سه‪ .‬من هذه الزاوية تحديدا ال �أرى هذا‬ ‫�إال بالموت‪ .‬عندها يختفي النَّ�ساج‪ ،‬ويبقى‬ ‫النوع ال�شعري �أف�ضل حاال من ذاك‪ ,‬و�إن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الن�سيج داللة على براعة ما قام به‪.‬‬

‫كنت �أرجّ ح �أن ق�صيدة النثر يمكن �أن تحرر الإن�سان‬ ‫العربي م��ن ثقل وط���أة التاريخ على �أدب��ه و�إب��داع��ه‪.‬‬ ‫تم�س‬ ‫لكن من دون �أن ندخل في �إ�صدار �أحكام قيّمة ّ‬ ‫جماليات هذا النوع �أو ذاك‪ .‬لأن في النهاية مَ ن يحدد‬ ‫�أهمية هذا �أو ذاك بالن�سبة للممار�سة الإبداعية‪ ,‬هو‬ ‫مجموع الظروف االجتماعية والثقافية وال�سيا�سية‬ ‫والأدب�ي��ة التي ترتبط بالفرد �أوال‪ ,‬وبالمجتمع ثانياً؛‬ ‫وه��ي كما �أرى عوامل متحركة من ع�صر �إل��ى �آخ��ر‪,‬‬ ‫وم��ن مجتمع �إل��ى غيره م��ن المجتمعات‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬ال‬ ‫يمكن القب�ض على الأ�سباب الحقيقية التي تكمن خلف‬ ‫معيارية التف�ضيل �أو الترجيح‪� ,‬إال بالقدر الذي ت�سمح‬ ‫به مثل هذه الظروف في التحكم بالعملية الإبداعية‪,‬‬ ‫والنظر �إليها من خالله‪.‬‬ ‫ال توجد عندنا ق�صيدة «نتية» �أو �إلكترونية‬

‫• ظهر في ال�سنوات الأخيرة م�صطلح‪ ،‬و�أظن �أنك‬ ‫على علم به وهو «�شعر �أو �شعراء النت»‪ ،‬هل �سيكون‬ ‫هذا مالذا للق�صيدة وبخ�صائ�ص فنية مغايرة؟‬ ‫■ ثمة فرق بين �شعراء (النت)‪ ,‬والق�صيدة (النتية)‪،‬‬ ‫�أو لن�صطلح على ت�سميتها بالق�صيدة الإلكترونية‪ .‬نعم‬ ‫هناك (�شعراء نتيون)‪ .‬لكن ال توجد عندنا ق�صيدة‬ ‫نتية �أو �إلكترونية‪� .‬إن وف��رة الو�سائط الجماهيرية‬ ‫التي غيرت �شكل العالقة بين الن�ص ومبدعه‪ ,‬وبين‬ ‫الن�ص ومتلقيه هي التي فتحت الباب وا�سعا على ظهور‬ ‫ح�سا�سيات �شعرية جديدة‪ .‬في ت�صوري ال تزال �أر�ضا‬ ‫بكرا لم يط�أها حتى الآن �شاعر‪ ,‬يمكن �أن ي�ستفيد‬ ‫من الإمكانات الكبيرة التي تهيئها هذه الو�سائط –‬ ‫من برمجة المعلومات‪ ,‬وطرق عر�ضها على ال�شا�شة‬ ‫�أو ال�شبكة العنكبوتية‪� ,‬أو من �أن��واع و�أ�شكال التوا�صل‬ ‫الجماهيري كالفي�س بوك‪� ،‬أو التويتر؛ لذلك نحن هنا‬ ‫نفرق بين نمطية مَ ن يكتبون في النت‪ ,‬وهم في واقع‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪95‬‬


‫‪96‬‬

‫ هذه النمطية ال تعني �سوى �إغفال دور هذه‬ ‫الو�سائط في تطوير تقنيات الق�صيدة‪ .‬هذا مقطع من ن�ص «فوق تلة عالية»‪ ،‬من‬ ‫مجموعتك الأخ �ي��رة «�سياج �أق�صر من‬ ‫ويا ليتنا اكتفينا بذلك فقط‪ ,‬بل وجدنا �أن‬ ‫الرغبات»‪� ،‬أ�ستح�ضره هنا كمر�آة يعك�س‬ ‫الإمكانات التي توفرها هذه الو�سائط‪ ,‬التي‬ ‫ال� �ح ��ال ��ة ال �� �ش �ع��ري��ة‬ ‫منها �سرعة االنت�شار‬ ‫كل ما �أعرفه هو �أن �شروط الكتابة للمجموعة‪� ،‬إذ تتميز‬ ‫والو�صول‪� ,‬سهّلت‬ ‫الإب��داع��ي��ة �أو النقدية تخ�ضعان بع�ض �أغ� �ل���ب ال �ن �� �ص��و���ص‬ ‫من انت�شار ظاهرة‬ ‫اال�� �س� �ت� ��� �س� �ه ��ال الأحيان لعوامل م�شتركة‪ ,‬وبع�ضها الآخر‪ ,‬بخلق ال�صورة‪ ،‬التي‬ ‫ال �ك �ت��اب��ي‪ ,‬و��ص��ار لعوامل متنافرة‬ ‫ي�صعب خلقها‪� ،‬إال‬ ‫ع��ن��دم��ا ق���ام���ت ال����ث����ورة ال��ب��ل�����ش��ف��ي��ة في بتلبّ�س الحالة كاملة‪.‬‬ ‫التفكير في ال�شكل‬ ‫الإبداعي وتقنياته بدايات القرن الع�شرين المن�صرم‪ ،‬جلبت • محمد الحرز‪،‬‬ ‫ال ت��ه��م ب��ال �ق��در معها ت�صورات عن الإبداع والأدب‪ ,‬تن�سجم هل ي�شترط لكتابة‬ ‫ال � � � � ��ذي ي��ح��ق��ق مع ر�ؤيتها للحياة والعالم‬ ‫ال����ن���������ص ال���ج���دي���د‬ ‫ال �ه��دف‪ ،‬والغاية‬ ‫�أنا �أدعو �إلى كتابة الق�صيدة الإلكترونية‪ ,‬ح�ضور هذا البعد؟‬ ‫ه��و ال��و� �ص��ول من بما ي�ضفي عليها فاعلية وترابط قويين‪,‬‬ ‫■ ب ��ال� �ت� ��أك� �ي ��د ي��ا‬ ‫خ �ل��ال ال �ك �ت��اب��ة من خالل تقنيات هذه الو�سائط‪.‬‬ ‫�صديقي‪� ،‬أنا �أ�شترط‬ ‫�إلى �أكبر �شريحة‬ ‫مثل هذه الحالة؛ فمن‬ ‫م���ن ال �م �ت �ل �ق �ي��ن‪,‬‬ ‫دونها ال يمكن �أن �أكتب‬ ‫ب�صرف النظر عن القيمة والمحتوى‪ .‬ولذا‬ ‫ن�صا مكتمل ال�شروط‪ .‬وما �أفهمه من كلمة‬ ‫�أنا �أدعو �إلى كتابة الق�صيدة الإلكترونية‬ ‫(الحالة) هو امتالء اللحظة‪ ,‬بهاج�س‬ ‫م��ن ه��ذا المنظور ت�ح��دي��دا‪ ,‬بما ي�ضفي‬ ‫الكتابة‪ ,‬وال يمكن �أن يحدث االمتالء �إال‬ ‫عليها فاعلية وترابط ًا قويين‪ ,‬من خالل‬ ‫بتراكم �سابق عليها من اللحظات‪ ,‬يتعلق‬ ‫تقنيات هذه الو�سائط‪.‬‬ ‫هذا التراكم بحدث معين في الحياة‪� ,‬أو‬ ‫فوق تلة عالية‬ ‫يت�صل بالقراءة‪� ,‬أو بتداعيات الذاكرة‬ ‫«ال ترهق �صوتك بالكالم‪.‬‬ ‫ح�ي��ن تحتك ب��ال�ح�ي��اة ال�ي��وم�ي��ة‪ ,‬وه�ك��ذا‬ ‫يحدث �أن تتقاطع هذه الأمور جميعها في‬ ‫دعيه لي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الأمر‪ ،‬في الأغلب‪ ,‬يكتبون الق�صيدة خارج‬ ‫�إطار هذه الو�سائط‪ ,‬وك�أن ال وجود لها �أو‬ ‫ت�أثير على بنية الق�صيدة‪� ،‬أو على �شكل‬ ‫تلقيها‪.‬‬

‫مثل نجمة‪،‬‬ ‫�أهتدي‬ ‫بها في عتمة ال�صحراء‪.‬‬ ‫دعيه لي‬ ‫كي �أقاوم به �صخب العالم”‪.‬‬

‫لحظة معينة‪ ,‬قد تكون �صدفة‪� ,‬أو رغبة ■ ما ال��ذي تغير على الم�ستوى ال�سيا�سي‬ ‫عميقة ت�شق طريقها لل�سطح‪ .‬لكنها في‬ ‫�أو االق �ت �� �ص��ادي‪ ،‬ح�ت��ى يتغير الخطاب‬ ‫النهاية تن�ضغط ك��ي تتحول �إل��ى لحظة‬ ‫الإبداعي؟! ال �شيء البتة‪ ,‬و�إذا كنا نفتر�ض‬ ‫امتالء‪ ,‬تنفجر بالكتابة‪ ,‬حيث الوعي بها‬ ‫�أن الخطاب الإبداعي يتغير بتغير هذين‬ ‫ي�شذب هذا االنفجار الحقا‪.‬‬ ‫الم�ستويين – ويمكن �أن ي�ضاف الثقافي‬ ‫والفكري والتربوي‪ -‬ف��إن االختالف هنا‬ ‫ �أهمية التفكير في معنى هذه الحالة‪� ,‬أو‬ ‫يقع في مفهوم التغير نف�سه‪ .‬ما يجري‬ ‫محاولة عقلنتها بال�صورة التي �أت�أولها‪،‬‬ ‫في الوطن العربي ال ي�سمى تغيرا‪ ,‬يمكن‬ ‫تعطي م��ؤ��ش��را على مكانة الإب���داع عند‬ ‫�أن نقول معه �إن هناك مفا�صل حقيقية‬ ‫�صاحبه؛ ومن ثَمَّ ‪ ،‬ف�إن هذه المكانة ت�ضع‬ ‫في التحوّل تطال ال�سمات العامة للخطاب‬ ‫قيودا على الن�ص ال لتحده‪ ,‬و�إنما لتحفزه‬ ‫الإب��داع��ي‪ .‬ال ي��زال الو�ضع كما هو عليه‪,‬‬ ‫على االنطالق من جديد‪ .‬ولكن ب�شروط ال‬ ‫بل لأ�صدقك القول‪..‬‬ ‫تخ�ضع �سوى للإبداع‬ ‫ال‬ ‫���ي‬ ‫ب‬ ‫���ر‬ ‫ع‬ ‫���‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫���ن‬ ‫ط‬ ‫���و‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫���ي‬ ‫ف‬ ‫���ري‬ ‫ج‬ ‫���‬ ‫ي‬ ‫���ا‬ ‫م‬ ‫و� �ش��روط��ه فقط‪,‬‬ ‫ه�ن��اك ردة ق��وي��ة في‬ ‫ول� �ي� �����س ل�����ش��يء ي�سمى تغيّرا‪ ,‬يمكن �أن نقول معه �إن هناك‬ ‫الخطاب الإب��داع��ي‪,‬‬ ‫مفا�صل حقيقية في التحوّل تطال ال�سمات‬ ‫ت�ت���ص��ل ه ��ذه ال ��ردة‬ ‫ي�سقط عليه من العامة للخطاب الإبداعي‪.‬‬ ‫ال � �خ� ��ارج ك�شعر‬ ‫ف��ي تحويل الخطاب‬ ‫مكتبتي تعك�س م��زاج��ي الفو�ضوي في‬ ‫ال�م�ن��ا��س�ب��ات‪� ،‬أو‬ ‫الإبداعي �إل��ى مجرد‬ ‫االهتمام بنوع الكتاب والحقل الذي ينتمي‬ ‫�سهولة التوظيف‬ ‫ه��وي��ة‪ ،‬ي�ستثمر في‬ ‫�إليه‪.‬‬ ‫عند هذه ال�سلطة‬ ‫ال�خ�ط��اب��ات الأخ ��رى‬ ‫�أو ت �ل��ك‪ .‬ويعطي‬ ‫ب�صورة ت�ضر ب��الإب��داع‬ ‫م�ؤ�شرا �أي�ضا على القيمة المحورية التي‬ ‫وخطابه من العمق‪ .‬التغير يحتاج �إلى ثورة‬ ‫يحظى بها مفهوم ال�شعر عند هذا ال�شاعر‬ ‫حقيقية تطال جميع مفا�صل الحياة‪ ,‬بحيث‬ ‫�أو ذاك‪ ,‬وهو في حد ذاته تطو ٌر لم يرق في‬ ‫تجرف معها كل �شيء ا�ستهلك‪ ,‬وا�ستنفذت‬ ‫م�شهدنا ال�شعري �إليه �أحد على الأرجح‪.‬‬ ‫طاقته‪ ,‬ولم يعد ي�صلح لبناء ثقافة جديدة‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ال �شيء تغيّر‪..‬‬ ‫• ف�����ي ظ�����ل ال����ت����غ���� ّي����رات ال�������س���ي���ا����س���ي���ة عندما قامت الثورة البل�شفية‪ ،‬في بدايات‬ ‫القرن الع�شرين المن�صرم‪ ،‬جلبت معها‬ ‫واالق��ت�����ص��ادي��ة ال��ت��ي ي�شهدها العالم‬ ‫ت�صورات عن الإبداع والأدب‪ ,‬تن�سجم مع‬ ‫العربي‪ ،‬ما الأثر الذي قد تتركه هذه‬ ‫ر�ؤيتها للحياة والعالم‪ ,‬وهي الت�صورات‬ ‫التغيرات على �شكل الخطاب الإبداعي‬ ‫وم�ضمونه؟‬ ‫المارك�سية ال�شيوعية التي طبعت �أدب تلك‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪97‬‬


‫ال �أ�ضع النقد �إزاء الإبداع‪..‬‬

‫• �أحد النقاد ال�سعوديين ردّد هذه العبارة‬ ‫«النقد في ال�سعودية تفوّق على الن�ص‬ ‫الإبداعي»‪ ،‬ما ر�أيك؟‬

‫‪98‬‬

‫هواج�سهم ترتبط بمثل هذه الم�سائل التي‬ ‫ال تقدم �أو ُت�أَخِ ر في م�سيرة الإبداع والنقد‬ ‫على حد �سواء‪.‬‬

‫■ ال �أعلم في �أي �سياق وردت هذه العبارة‪ ,‬النقد حركة �شاملة تجترح مناطق فكرية‬ ‫وم�ع��رف�ي��ة‪ ,‬وت��ؤ��س����س لمقترحات لمعنى‬ ‫وفي �أي مو�ضع جاءت‪ .‬لكني عموما ال �أ�ضع‬ ‫الثقافة والإن �� �س��ان واالج �ت �م��اع‪ ,‬وتعطي‬ ‫النقد �إزاء الإب��داع‪ ,‬في ثنائية اختزالية‪,‬‬ ‫ت���ص��ورات للحياة وللكتابة‪ ,‬وتقف �سدا‬ ‫يحلو للبع�ض التغني ب�ه��ا‪� ,‬أو ال�ضرب‬ ‫منيعا لكل تجاوزات ال�سلطة والم�ؤ�س�سة‬ ‫على �أوت��ار �سجالية ال تتجاوز ر�ؤية �ضيقة‬ ‫وال��دول��ة‪ .‬بهذا المعنى للنقد‪ ..‬ال معنى‬ ‫لكال المفهومين‪ .‬الم�س�ألة في ت�صوري ال‬ ‫عندي ف��ي ك��ون ه��ذا النقد متفوقا على‬ ‫تكمن في �أن �أحدهم يتفوق على الآخ��ر‪,‬‬ ‫الإب ��داع‪� ,‬أو العك�س‪ ,‬ما دمنا لم ن�ؤ�س�س‬ ‫بل هو في مفهوم النقد ذاته‪ .‬هنا مكمن‬ ‫في ثقافتنا المحلية لمثل هذا المنظور �أو‬ ‫الم�شكلة برمتها‪ .‬الذين يق�صرون ر�ؤاهم‬ ‫التقعيد له على الأقل‪.‬‬ ‫وا�شتغاالتهم على معنى �ضيق للنقد‪،‬‬ ‫يرتبط �أ�سا�سا عندهم بالنواحي الفنية‬ ‫من �أين جاءت هذه الفكرة؟!‬ ‫والأ�سلوبية للن�ص الإبداعي‪ ,‬مرتكزين على‬ ‫مرجعيات ثقافية ومعرفية محدودة‪ ,‬تفتقد • م��ح��م��د ال��ح��رز يح�ضر ن���اق���داً م��رة‪،‬‬ ‫ومبدعاً «�شاعراً» مرة �أخرى‪ ،‬هل ثمة‬ ‫�إل��ى المعرفة الفل�سفية العميقة للوجود‬ ‫ع�لاق��ة ج��دل��ي��ة ب��ي��ن ال��ن��ق��د والإب�����داع‪،‬‬ ‫والحياة والإن�سان وعالقتها بالكتابة‪ ,‬ف�إن‬ ‫وكيف وفقت بين االتجاهين؟‬ ‫ه�ؤالء بالت�أكيد �سيقدمون ثقافة �سطحية‪,‬‬ ‫ال ترقى �إل��ى الهمّ المعرفي ال��ذي يكمن ■ جُ وبهتُ في الكثير من اللقاءات ال�سابقة‬ ‫بمثل ه ��ذا ال �� �س ��ؤال‪ .‬وك � ��أن ال�ت�ن��اف��ر �أو‬ ‫خلف مفهوم النقد بالمعنى الفل�سفي‬ ‫التناق�ض بين الكتابة ال�شعرية والكتابة‬ ‫ال�شامل‪ ،‬الذي تتجاوز �أبعاده ثنائية النقد‬ ‫النقدية قائمة ب��الأ��س��ا���س ف��ي بنية كل‬ ‫والإبداع‪ ,‬ومن ثَمَّ ‪ ،‬فمن الطبيعي �أن تكون‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ يبدو لي �أن ال�سبب يكمن في غلبة المنطق‬ ‫الأر�سطي وهيمنته على التفكير‪ ,‬وال نريد‬ ‫هنا الخو�ض ف��ي تفا�صيل ه��ذه الهيمنة ■ �سبق و�أن تحدثت ب�أننا ك�شعراء ونقاد‪،‬‬ ‫و�أبعادها‪ ,‬و�أثرها على فهم وت�صور الإبداع‬ ‫ال يمكن ال��رك��ون �إل ��ى م �ق��والت �شمولية‬ ‫ف��ي ع�لاق�ت��ه ببقية ال �ج��وان��ب الثقافية‪.‬‬ ‫واخ �ت��زال �ي��ة‪ ،‬ح�ي��ن ي �ك��ون ال �ح��دي��ث عن‬ ‫لكننا ن�شير �إ�شارة ب�سيطة �إلى �أن المنطق‬ ‫ال�ساحة ال�شعرية في ال�سعودية‪ .‬ال�سعودية‬ ‫ال�ح��دي��ث ال��ذي ي�شكّل ال��راف�ع��ة للثقافة‬ ‫�شبه ق ��ارة‪ ,‬فحين ننظر �إل ��ى اخ�ت�لاف‬ ‫المعا�صرة ال يف�صل بين الإب��داع والنقد‪,‬‬ ‫ت�ضاري�سها الجغرافية ووعورتها‪ ,‬وطبيعة‬ ‫بل يهتم ‪ -‬في الأ�سا�س ‪ -‬بالكتابة كت�صور‬ ‫م��ن��اخ��ه��ا‪ ،‬وارت���ب���اط ك��ل ه ��ذا ب��ال �ع��ادات‬ ‫وم �ب��د�أ ح�ضاري تتمايز ب��ه المجتمعات‬ ‫والتقاليد االجتماعية القبلية التي تميز‬ ‫عن غيرها‪ .‬لذلك نجد �أغلب المثقفين‬ ‫تاريخ كل منطقة �أو مدينة‪ ,‬ف�إننا بالت�أكيد‬ ‫والمبدعين الغربيين كتبوا في الحقلين‪,‬‬ ‫ال يمكن �أن نرمي المقوالت جزافا‪ ,‬فعلى‬ ‫ول��م ي�ت��وان��وا �أو ي�ت�ح��رزوا �أو يخافوا من‬ ‫�سبيل المثال عندما ي�أتي ناقد ويقول ب�أن‬ ‫طغيان �أحدهما على الآخر‪.‬‬ ‫الم�شهد ال�شعري ال�سعودي هو الأكثر تطورا‬ ‫ وه� �ن ��اك ��س�ل���س�ل��ة م ��ن �أ���س��م��اء ال�ك�ت��اب‬ ‫وتميزا في ال�ساحة العربية؟ فهذا معناه‬ ‫والمبدعين الذين يمكن �أن نذكرهم في‬ ‫�أن��ه ق��ام با�ستقراء ع��ام‪ ,‬وا�ستخرج �أهم‬ ‫ه��ذا الإط ��ار‪ :‬الفيل�سوف «كنيت�شه»‪� ،‬أو‬ ‫المالمح العامة‪ ,‬ثم بنى عليها ا�ستنتاجه‪,‬‬ ‫المفكر «�سارتر»‪� ,‬أو ال�شاعر «بريتون»‪،‬‬ ‫وه ��ذا م��ؤ��ش��ر لي�س ق��ائ�م��ا ف��ي الخطاب‬ ‫وغيرهم الكثير‪ .‬وعليه‪ ،‬بالن�سبة لي ال‬ ‫النقدي حاليا‪ .‬نخن نفتقر �إلى الدرا�سات‬ ‫�أرى ثمة تناق�ض �أو تنافر؛ �أف�سر ذلك بكل‬ ‫العلمية الر�صينة وال �ج��ادة‪ ,‬في الإجابة‬ ‫ب�ساطة في حالتي‪ ،‬هو تنوّع تعبير الذات‬ ‫على مثل هذه الأ�سئلة‪ .‬ويمكن �أن تقي�س‬ ‫ب�أ�شكال كتابية مختلفة لم يكن يكفيها‬ ‫ذلك‪ ,‬حتى من داخل الم�شهد ال�سعودي‪,‬‬ ‫نوع واحد‪ ،‬تدلف �إليه في التعبير‪ ,‬ب�سبب‬ ‫�إذا م��ا تحدثنا ع��ن الأج �ي��ال ال�شعرية‬ ‫تعقّد الحياة‪ ،‬من جهة‪ ،‬وحاجة الإن�سان‬ ‫وعالقة منجزها بتطور الن�ص ال�شعري‪.‬‬ ‫في التعبير عن هذا التعقد بطرق مختلفة‪،‬‬ ‫فمثال ما �شكل التطور في الق�صيدة الذي‬ ‫من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫�أ�ضافه �شعراء الثمانينيات‪ ,‬على م�ستوى‬

‫الأك��ث��ر ت�ألقا وج��د ّي��ة‪ ،‬كيف تقيم �أنت‬ ‫ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية؟‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫المرحلة فيما ي�سمى ب��الآداب الرو�سية‪.‬‬ ‫وب�صرف النظر عن النظرة الإيديولوجية‬ ‫لهذه ال�ت���ص��ورات‪� ,‬إال �أن�ن��ا ن�ضع مفهوم‬ ‫التغير �ضمن ه��ذا ال�سياق‪ ,‬حتى نتعرف‬ ‫على مدى ما تحدثه من تغيرات على �شكل‬ ‫الخطابات كافة‪.‬‬

‫منهما‪ .‬وال يمكنهما االجتماع ف��ي ذات‬ ‫كاتبة واحدة‪ .‬بع�ض الأحيان �أت�ساءل‪ :‬من • ه����ن����اك ت�����ص��ن��ي��ف ي���ق���ي���م ال�������س���اح���ات‬ ‫�أين جاءت هذه الفكرة وت�سربت كقناعة‬ ‫ال�شعرية م��ن ب��ل��د �إل���ى �آخ����ر‪ ..‬فمثال‬ ‫را�سخة في الخطاب الثقافي العربي؟‬ ‫هناك �شعراء ي�صنفون �ساحاتهم ب�أنها‬ ‫ال يمكن الركون �إلى مقوالت �شمولية‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪99‬‬


‫‪ 100‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الكاتب الم�صري �سليمان فيا�ض‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ال��ر�ؤي��ة والأ� �س �ل��وب؟ و�أي���ن تكمن نقاط‬ ‫التقاطع واالختالف في فهم ال�شعر بينهم‬ ‫وبين من �سبقهم من �أجيال‪ ..‬وما لحقهم‬ ‫من �أجيال �أي�ضاً؟ هذه الأ�سئلة ال بد �أن‬ ‫تقفز �أمامي كلما حاولت �أن �أتحدث عن‬ ‫ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية‪ .‬بالطبع هذا ال‬ ‫يمنع �أن ندلو بدلونا في الم�س�ألة‪ ،‬انطالقا‬ ‫م��ن تجاربنا ال��ذات �ي��ة‪ ,‬وان�ط�لاق��ا �أي�ضا‬ ‫م��ن اجتهاداتنا وعالقتنا التي تربطنا‬ ‫بمجموعة �أخ��رى من ال�شعراء‪ ,‬وهذه في‬ ‫مجموعها قراءات انطباعية‪ .‬لكنها مهمة‬ ‫على م�ستوى التوثيق وال�شهادة على مرحلة‬ ‫معينة م��ن ت��اري��خ ال�ت�ج��ارب‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬من‬ ‫خالل تجربتي‪� ،‬أرى �أن الق�صيدة لم ت�صنع‬ ‫لها تراكما تاريخيا‪ ,‬يعبر بها من جيل �إلى‬ ‫�آخر‪ ,‬بحيث تحمل �سمات كل جيل‪ ,‬لي�ضفي‬ ‫عليها الجيل الالحق �سمات �أخرى‪ ,‬ت�صب‬ ‫الخو�ض في مغامرة مفتوحة‬ ‫في �صالح تاريخ تطورها‪ .‬ومن ثمَّ ‪ ،‬ظلت • وماذا عن جديدك؟‬ ‫الق�صيدة تداور نف�سها في جميع الأ�شكال‬ ‫■ هناك تجربة �شعرية ج��دي��دة‪ ,‬تتر�صد‬ ‫التي تكتب بها‪ ,‬مثلها مثل الرواية الخارجة‬ ‫م��ا يمكن �أن �أ�سميه الن�ص الإلكتروني‬ ‫من رحم ال�سرد‪ ,‬والتي ظلت �أي�ضا من دون‬ ‫ال��ذي ي�أخذ ‪-‬كما قلت‪ -‬تقنية الو�سائط‬ ‫تجييل �أو تن�سيب‪.‬‬ ‫الجماهيرية‪ ,‬ويوظّ فها بو�صفها جماليات‬ ‫تعك�س مزاجي الفو�ضوي‬ ‫ق��اب�ل��ة‪ ،‬ت��رب��ط ال�ن����ص ب���ص��ورة تفاعلية‬ ‫• هل لنا �أن نتعرف على مكتبتك؟‬ ‫م��ع المتلقي‪� .‬إن�ه��ا الخو�ض ف��ي مغامرة‬ ‫■ مكتبتي في واق��ع الأم��ر تعك�س مزاجي‬ ‫مفتوحة‪ ,‬وهذا في ظني جمالها‪.‬‬ ‫ال�ف��و��ض��وي ف��ي االه �ت �م��ام ب �ن��وع الكتاب‬ ‫والحقل ال��ذي ينتمي �إل�ي��ه؛ فتارة �أحيط • ما المواقع التي تزورها على ال�شبكة‬ ‫العنكبوتية؟‬ ‫نف�سي بكتب الفل�سفة‪ ,‬في ق��راءة يتكثف‬ ‫فيها التركيز بطاقة عالية‪ ,‬حينها ي�صبح ■ ال توجد مواقع محددة‪ .‬لكن مواقع الأخبار‬ ‫والجرائد هي الأكثر ترددا عندي‪.‬‬ ‫المنزل موزعا على مجموعة من الفال�سفة‬

‫والمفكرين الذين يحتلون بكتبهم المنزل‬ ‫ب�أكمله‪ .‬وت��ارة �أح�ي��ط نف�سي بال�شعر �أو‬ ‫التاريخ �أو الدين‪ ،‬وهكذا ي�صبح منزلي‬ ‫حقل تجارب وا�ستوطان حقيقي لكل حالة‬ ‫مزاج تتلب�سني في القراءة والكتابة‪ .‬ولأن‬ ‫منزلي �صغير‪ ،‬ف�لا ي��وج��د مقر �أ�سا�س‬ ‫لما �أ�سميه مكتبة ثابتة‪ .‬ربما هذه �إحدى‬ ‫الميزات التي جعلت الم�سافة بين المنزل‬ ‫والمكتبة يمحى تماما في قامو�سي اللغوي‪,‬‬ ‫بحيث يتحول هذا الإمحاء �إلى قوة جذب‬ ‫ال �أ�ستغني عنها لحظة الكتابة �أو القراءة‪.‬‬ ‫ه��ذا ما �أود �أن �أق��ول��ه ح��ول مكتبتي‪� .‬أما‬ ‫ال�ج��وان��ب الأخ ��رى ف�أعتقد �أن�ه��ا مكررة‬ ‫وموجودة في كل مكتبة‪ ،‬فال داعي للحديث‬ ‫فيها‪.‬‬

‫الكتابة الق�ص�صية‪ ،‬حالة مزاجية مميزة ك�أ�صابع اليد‪،‬‬ ‫ولي�س هناك اثنان من الب�شر متماثالن ومتطابقان تمامًا‪.‬‬

‫ب��د�أ م�شواره الفني والق�ص�صي منذ العام ‪1960‬م‪ ،‬بمجموعته الق�ص�صية الأول��ى‬ ‫(عط�شان ي��ا �صبايا) ال��ت��ي لفتت نظر ال��ن��ق��اد‪ ،‬حيث ع��دّوه��ا خير معبِّر ع��ن ال��واق��ع‬ ‫الم�صري‪ ،‬من خالل ت�شابكه مع الأ�ساطير؛ وكان �آخرها في مجال الرواية والق�صة‬ ‫مجموعته الق�ص�صية‪( :‬ال�شرنقة)‪ ،‬ورواية‪�( :‬أيام مجاور) اللتان عك�ستا محورًا مهماً‬ ‫من حياته‪ ،‬وكذلك محورًا مهماً في الواقع الم�صري‪ ،‬وهو حياة المجاورين بالأزهر‪.‬‬ ‫وكما ان�شغل الكاتب �سليمان فيا�ض بالهوية الم�صرية‪ ،‬فقد ان�شغل بالهوية العربية‬ ‫وتر�سيخ االنتماء داخل ال�شباب العربي‪ ،‬ما دفعه لت�أليف �سال�سل للنا�شئة عن علماء‬ ‫وعباقرة العرب‪� ،‬شهد جميع النقاد بتميزها‪..‬‬ ‫وقد دفعه هذا االهتمام بالثقافة العربية‪� ،‬إلى العمل في مجال المعاجم والكتب‬ ‫الفكرية‪ ،‬وقد ات�ضح �أنه يركز على الفعل العربي في روح ا�ستخداماته المعا�صرة‪.‬‬ ‫ح�صل على ال��ع��دي��د م��ن ال��ج��وائ��ز �أب��رزه��ا‪ :‬ج��ائ��زة ال�شاعر �سلطان العوي�س من‬ ‫الإمارات العربية المتحدة العام ‪1994‬م‪ ،‬في حقل الق�صة والرواية‪ ،‬عن مجمل �أعماله‬ ‫الق�ص�صية‪ .‬وجائزة الدولة التقديرية‪ ،‬لجمهورية م�صر العربية العام ‪2002‬م‪.‬‬ ‫■ حاورته‪� :‬سمر �إبراهيم*‬

‫• متى تكتب‪ ،‬وف��ي �أي ظ��رف؟ وما‬ ‫ال���ع���ادات ال��ت��ي ت��رت��ب��ط ب��ه��ا لحظة‬ ‫الكتابة؟‬

‫نف�سي‪ .‬قد ت�ستغرق كتابة الق�صة مني‬ ‫جل�سة واحدة من العا�شرة �صباحً ا �إلى‬ ‫الخام�سة م�ساء‪ .‬وقد تكتب الق�صة في‬ ‫ع��دة جل�سات‪ ،‬ك��ل ذل��ك ح�سب ن�ضج‬ ‫التجربة الق�ص�صية داخلي‪.‬‬

‫■ �أكتب عندما تواتيني تجربة ق�ص�صية‪.‬‬ ‫ع��ادة ال �أب��د�أ الكتابة في ال�صباح‪ .‬وال‬ ‫�أكتب �إال و�أن��ا في �صحة طيبة‪ .‬ومزاج قبل �أن �أبد�أ في الكتابة‪� ،‬أ�شرب قهوتي‪،‬‬ ‫و�آخ��ذ حبتين م��ن الأ�سبرين‪ .‬عندئذ‬ ‫رائق خال �إال من تجربة ق�ص�صية في‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪101‬‬


‫‪ 102‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫• لكل كاتب ر�ؤية ق�ص�صية تحدد تجاربه الق�ص�صية‪.‬‬ ‫ر�ؤيتك �أنت‪ ..‬كيف هي؟ ولغة الق�ص كيف تراها؟‬

‫■ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫الق�صة معي ن�شاط اجتماعي‪ .‬ف���إذا لم ت�سهم التجربة‬ ‫الق�ص�صية في �أداء دور اجتماعي واقعي ونقدي‪ ،‬ال �أقترب‬ ‫منها‪� ..‬أتجاوزها‪ .‬و�إذا لم يكن بالتجربة تحدٍ لف�ساد‬ ‫الواقع ومظالمه‪ ،‬حتى لو كانت تجربة نف�سية و�شخ�صية‬ ‫ال �أقترب منها‪ .‬و�إذا كانت الق�صة محايدة في مواجهة‬ ‫الواقع �أتجاوزها‪ ،‬و�إذا لم يكن بها �شخ�صيات مميزة‬ ‫بحيث ال يمكن للقارئ ن�سيانها �أتجاوزها‪ .‬و�إذا لم �أدرك‬ ‫جيدً ا كيف حدثت التجربة الفنية ب�صورة ا�ستح�ضارية‬ ‫كاملة �أتجاوزها «بالطبع ال يفتر�ض ذلك �أنه ي�شترط �أن‬ ‫تكون ق�صة حقيقية‪ ،‬ولكنني �أتحدث عن الحدوث الفني»‪.‬‬ ‫فكل ق�ص�صي ا�ستح�ضرت فيها كل ذلك مع معرفة �سبب‬ ‫كتابتها‪ ،‬ولمن؟! حتى لو كانت �أق�صو�صة من ق�ص�ص‬ ‫اللحظة‪ ،‬وهي ن��ادرة معي‪ ،‬فا�ستبطن فيها كل ذلك في‬ ‫نف�سي‪ ،‬و�أ�ستنطقه و�أج�سده في نف�سي �أوال‪ .‬وعلى الورق‬ ‫ثانيًا‪.‬‬ ‫و�أعتقد �أن لغة الق�صة معي متنوعة من ق�صة �إلى �أخرى‪..‬‬ ‫ح�سب التجربة‪ ،‬ف�أنا �أحب ال�سباحة في مياه متنوعة‪ ،‬بل‬ ‫أي�ضا داخل الق�صة الواحدة‪ .‬فهناك‬ ‫�أكت�شف �أنها متنوعة � ً‬ ‫عندي �إيقاعات �شتى للغة‪ ،‬مع و�سائل الق�ص من جهة‪،‬‬ ‫ومع جو اللحظة في الموقف والحدث‪ .‬قد يكون �شاعريًّا‪،‬‬ ‫وقد يكون �صراعً ا دراميًّا‪ ،‬وقد يكون م�شاحنة بين اثنين‬ ‫�إل��خ‪ ..‬ح�سا�سية القا�ص المبدع وحدها هي التي تحدد‬ ‫ذلك‪ ،‬وخبرته‪ ،‬وممار�سته‪ ،‬ومزاجه الق�ص�صي الخا�ص‬ ‫به؛ فالكتابة الق�ص�صية‪ ،‬حالة مزاجية مميزة ك�أ�صابع‬ ‫اليد‪ ،‬فلي�س هناك اثنان من الب�شر متماثالن ومتطابقان‬ ‫ق�ص�صا ق�صيرة رومان�سبة‬ ‫ً‬ ‫تمامً ا‪ .‬كان �أبو المعاطي يكتب‬ ‫التجارب‪ ،‬وين�شرها في مجلة الر�سالة‪.‬‬ ‫وبد�أت ذات يوم في كتابة ق�ص�ص من تجاربي النف�سية‬ ‫الذاتية‪ ،‬كتبت في نحو من �سنتين ع�شر ق�ص�ص‪ ،‬و�أر�سلتها‬ ‫�إلى مجلة الر�سالة ولم تن�شر‪�« ،‬أحمد اهلل �أنها لم تن�شر»‪.‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الب�شر‪ ،‬والحيوانات‪،‬‬ ‫�أك� � � ��ون ف� ��ي ك��ام��ل‬ ‫�إذا لم ت�سهم التجربة الق�ص�صية في‬ ‫والطيور‪ ،‬واختالف‬ ‫ال�ل�ي��اق��ة النف�سية‪.‬‬ ‫�أداء دور اجتماعي واقعي ونقدي‪ ،‬ال‬ ‫درج� � � ��ات ال�����ض��وء‬ ‫�أظ� � � � � ��ل �أدن� � � � � ��دن‬ ‫أتجاوزها‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫منها‬ ‫أقترب‬ ‫�‬ ‫وال�ظ�ل�م��ة وال �ظ�لال‬ ‫م �� �س �ت �ع��ر� ً��ض��ا ج��و‬ ‫الق�صة وما بها من لم �أنده�ش كثيرً ا من قول طه ح�سين‪ :‬في الليل والنهار‪..‬‬ ‫�إلخ‪ ،‬ومع كل ذلك لم‬ ‫�شخ�صيات و�أحداث‬ ‫اقر�أ اقر�أ‪ ،‬حتى لو كان ما تقر�ؤه‬ ‫�أه�ت��د �إل��ى �أن �أك��ون‬ ‫ومواقف وح��وارات‪.‬‬ ‫�صفحة متهرئة ملقاة على الر�صيف‬ ‫قا�صا‪ .‬قر�أت ‪-‬لحبي‬ ‫ًّ‬ ‫ع��ادة كتابتي تكون‬ ‫ال �ق �� �ص��ة وع���ش�ق��ي‬ ‫خ � � � ��ارج ال� �م� �ن ��زل‬ ‫لها‪ -‬مئات بل �آالف من الق�ص�ص‪ ،‬ما بين‬ ‫في كازينو بحري �أو نهري‪ ،‬فهناك �أماكن‬ ‫ق�ص�ص طويلة وق�صيرة ورواي� ��ات‪ ،‬ب��دءًا‬ ‫ارت�ب�ط��ت ل��دي بكتابة الق�ص�ص ككازينو‬ ‫من رواي��ات الجيب‪ ،‬وو�صو ًال �إلى الق�ص�ص‬ ‫ال�شاطبي في الإ�سكندرية‪� ،‬أو كازينو النيل‬ ‫الرومان�سية والكال�سيكية‪ ،‬وال��واق�ع�ي��ات‬ ‫بالقرب من بيتي بالمنيل‪ ..‬ه��ذا الكازينو‬ ‫الطبيعية والنقدية اال�شتراكية‪ ،‬و�أكثرها‬ ‫ال��ذي �صار �أط�ل�اال‪ .‬غالبًا م��ا �أجل�س على‬ ‫ق�ص�صا مترجمة عن الغرب الأمريكي‬ ‫ً‬ ‫كانت‬ ‫من�ضدة منعزلة بين ال�شم�س والظل‪ ،‬بعد‬ ‫والأوربي‪ ،‬وكنت في �صغري غير مبالٍ بمدى‬ ‫ن�صف �ساعة من الدندنة تقريبًا �أ�شرع في‬ ‫ال�ضعف �أو ال�ج��د فيها‪ .‬فلم �أك��ن �أع��رف‬ ‫الكتابة‪� .‬أكون لحظتها قد ا�ستقرت الفكرة‬ ‫ال �ح��دود الق�ص�صية ب�ع��د‪ ،‬وال غيرها من‬ ‫ل��ديَّ على نقطتين‪ :‬بدء الق�صة‪ ،‬ونهايتها‪،‬‬ ‫الحدود النقدية‪ .‬قر�أت حتى حكايات النوادر‬ ‫وت�أتي اللغة من�سابة تبعًا لطبيعة كل تجربة؛‬ ‫والفكاهات وعجائب الخلق والحيوانات‪،‬‬ ‫وبين الحين والحين يروح النادل بم�شروبات‬ ‫والحكايات والكتب التراثية‪ ،‬فكما يعلم‬ ‫محددة �أ�شربها دائمًا �أثناء الكتابة‪ :‬الليمون‪،‬‬ ‫الجميع �أنني كنت �أزهريًّا‪ ،‬ولكنني �أركز في‬ ‫وال�شاي‪ ،‬والقهوة‪ ،‬والليمون �أثناء الكتابة‬ ‫الحديث على الق�ص‪.‬‬ ‫مهم جدًّا‪ ،‬فغالبا ما �أ�صاب بنوبة من الزكام‬ ‫يقلل منها الليمون‪ .‬تلك عادتي الكتابية‪ ،‬لم �أنده�ش كثيرًا من قول طه ح�سين‪ :‬اقر�أ‬ ‫ولكنها بالطبع خا�صة بي‪ ،‬وهي تختلف من‬ ‫اقر�أ‪ ،‬حتى لو كان ما تقر�ؤه �صفحة مهترئة‬ ‫فنان �إل��ى �آخ��ر‪ ،‬فعادات الكتابة ال نهائية‪،‬‬ ‫ملقاة على الر�صيف‪ ،‬كنت مع الق�ص في‬ ‫ولكلٍ عاداته‪.‬‬ ‫حالة عزلة نف�سية‪ ،‬كنت طوال �سنوات ال�صبا‬ ‫• متى بد�أت كاتب ق�صة؟ وما رحلتك مع‬ ‫والمراهقة والتعلم م��ع الق�ص‪ ،‬وال �أدري‬ ‫الق�ص؟‬ ‫�سبب ع�شقي لها‪ ،‬ولم �أكن �أفكر في ذلك‪.‬‬ ‫ ■ بد�أت كتابة الق�صة م�صادفة‪ .‬لم �أعد نف�سي ثم حدث ذلك بالم�صادفة‪ ،‬قال لي �صديقي‬ ‫على ع�شقي لقراءة الق�ص�ص و�سماعها في‬ ‫ال�ق��ا���ص الكبير �أب��و المعاطي �أب��و النجا‪:‬‬ ‫ح�ك��اي��ات �شفاهية‪ ،‬وف���ض��ول لمعرفة هذه‬ ‫لغتك لغة ق�ص‪ ،‬لماذا ال تكتب ق�صة‪ .‬كنت‬ ‫الحكايات مع كل من حولي‪ ،‬وتدريب �شخ�صي‬ ‫قد ب��د�أت �أكتب مقاالت متباعدة في مجلة‬ ‫للو�صول �إلى دقة المالحظة لكل ما حولي‪:‬‬ ‫الر�سالة‪ .‬في �أوائل العقد ال�ساد�س من القرن‬

‫الما�ضي‪ ،‬و�أدار ر�أ�سي تمامً ا ما قاله مائة وثمانين درجة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪103‬‬


‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫• باليقين‪ ،‬وخا�صة كما يت�ضح من حديثك‪ ،‬ال�سنوات‬ ‫الع�شر الأول����ى م��ن ح��ي��ات��ك‪ ،‬ك��ان لها ت���أث��ي��ر م�لازم‬ ‫لك في رحلتك الق�ص�صية؛ فهل هناك ما تريد �أن‬ ‫تو�ضحه �أكثر للقارئ؟‬

‫■ ما تقولينه ن�صف الحقيقة‪ .‬ال�سنوات الع�شر الأولى‪ ،‬التعلم‬ ‫والت�أثر فيها مثل النق�ش على الحجر‪ ،‬تبقى في النف�س �إلى‬ ‫لحظات العمر الأخيرة �أكثر بكثير من كل فترات العمر‬ ‫الأخرى‪ .‬والمراقبون لل�شيوخ يالحظون �أنهم كلما تقدموا‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ ‬

‫كنت حينها ما �أزال في مدينة المن�صورة‪ ،‬وحين جئت �إلى‬ ‫القاهرة‪ ،‬والتقيت بع�شرات من الق�صا�صين وال�شعراء‪،‬‬ ‫عاودت المحاولة‪ ،‬وكانت قد ن�ضجت ر�ؤيتي بع�ض ال�شيء‬ ‫الق�ص‪ ،‬وبخا�صة حين ب��د�أت في القراءة المت�أملة‪،‬‬ ‫لفن ّ‬ ‫والمدققة في كيفيات الق�ص‪ ،‬لكثير من الكتاب‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫نجيب محفوظ‪ ،‬يو�سف �إدري����س‪ ،‬المازني‪ ،‬طه ح�سين‪،‬‬ ‫��ش�ك��ري ع �ي��اد‪� ،‬آرن �� �س��ت ه�م�ي�ن�ج��واي‪ ،‬ج��ون �شتاينبك‪،‬‬ ‫تورجنيف‪ ،‬تول�ستوي‪ ،‬دي�ستويف�سكي‪ ،‬مك�سيم جورجي‪،‬‬ ‫وجوجول‪.‬‬ ‫غامرت وكتبت ثالث ق�ص�ص �أ�سميتها ق�ص�ص البدايات‬ ‫الأول� ��ى‪ ،‬اثنتان منها رومان�سيتان‪ ،‬والثالثة الواقعية‬ ‫اال�شتراكية‪ ،‬وتمر�سّ ت في فن كتابة الق�ص‪ ،‬وكنت مكتف‬ ‫الأيدي فيها‪ ،‬في تجارب الق�ص‪ ،‬وبالأكثر في لغة الق�ص‪.‬‬ ‫كانت اللغة م�أثورة المفردات في االختيار والتراكيب ولغة‬ ‫تعليمي الأزهرية‪ .‬ون�شرت هذه الق�ص�ص في مجلة الآداب‪،‬‬ ‫ومجلتين م�صريتين‪.‬‬ ‫ووجدت نف�سي في محنة اللغة التي �أريدها‪ ،‬هي لغة الواقع‬ ‫الحي‪ ،‬مثل لغة يحيي حقي‪ ،‬وهمينجواي‪ ،‬ويو�سف �إدري�س‪.‬‬ ‫وعلى غير توقع‪� ،‬أثمرت قراءاتي و�ضجري بلغة ق�صي‪،‬‬ ‫وممار�ستي للغة الإعالم وال�صحافة‪ ،‬عن ق�صتي المفتاح‬ ‫�إلى كل ما كتبته بعد ذلك‪ ،‬ق�صة‪ :‬يهوذا والجزار وال�ضحية‬ ‫التي �أ�سميتها فيما بعد‪ :‬امر�أة وحيدة‪.‬‬ ‫الق�ص الواقعي والنقدي‬ ‫وب��د�أت بهذه الق�صة رحلتي مع ّ‬ ‫المتحدي‪ ،‬فع�شقي لقراءة الق�ص ‪-‬وكتابته فيما �أرى‪ -‬هو‬ ‫ما �أعطى لحياتي معنى‪.‬‬

‫في العمر �سقطت من ذاكرتهم من الأمام‬ ‫�إل��ى ال��وراء تدريجيًّا ذكرياتهم الحديثة‪،‬‬ ‫وت ��أل �ق��ت ف��ي نفو�سهم ذك��ري��ات الطفولة‬ ‫وال�صبا‪.‬‬ ‫ و�أعتقد �أن ت�أثير م��ا بعد ال�صبا ال يحمل‬ ‫في نف�س القا�ص مثل ما حمله من الغنى‬ ‫ف��ي طفولته و� �ص �ب��اه‪ .‬وم��ن ه��ذه الطفولة‬ ‫وال�صبا يغترف القا�ص تجاربه الأول ��ى‪،‬‬ ‫وتعينه معرفته الجيدة بها‪ ،‬على �أن يخطو‬ ‫خطواته الأول��ى على درب الق�ص الواقعي‬ ‫ب�صفة خا�صة‪ .‬والمراحل التالية تغني درو�س‬ ‫المهنة‪ .‬فالقا�ص بات�ساع �آف��اق��ه الفكرية‪،‬‬ ‫وقراءاته الأدبية التي ت�صقل عمله‪ ،‬وربما‬ ‫بذلك تكون المراحل التالية �أكثر �صقال له‬ ‫مما تفعله مرحلة الطفولة وال�صبا‪.‬‬

‫وتكنيكاتهم ور�ؤاه� ��م‪ ،‬بكافة اتجاهاتهم‬ ‫الفنية الرومان�سية الواقعية‪� ..‬إلخ؛ فالمعيار‬ ‫دائ� ًم��ا ه��و ال�ج��ودة الفنية ولي�س المدر�سة‬ ‫الفنية التي ينتمي اليها الكاتب‪ .‬ا�ستفدت من‬ ‫«هيمنجواي» لغة الق�صة‪ ،‬ومن «�شتاينبك»‬ ‫دراميته‪ ،‬ومن «�إميل زوال» واقعيته الل�صيقة‬ ‫ب��الأر���ض وال�ح�ي��اة‪ ،‬وم��ن «ب �ل��زاك» نماذجه‬ ‫الب�شرية‪ ،‬وم��ن «دي�ستويف�سكي» مغامراته‬ ‫في النف�س الب�شرية وردود �أفعالها‪ ،‬ومن‬ ‫«ت�شيكوف»‪� ،‬إن�سانيته البالغة‪ ،‬وهكذا‪ .‬ثمة ما‬ ‫ي�صل �إلينا من كل منهم‪� .‬أما و�سائل الق�ص‬ ‫أي�ضا‪ ،‬نجيب محفوظ‬ ‫فقد �أغناني فيها‪ً � ،‬‬ ‫ويحيى حقي‪ ،‬وكالهما واق�ع��ي بطريقته‪.‬‬ ‫فبدون قراءة الكبار في الفن والمعلمين في‬ ‫الق�ص‪ ،‬لن تتجدد �أرواحنا و�أمزجتنا بر�ؤى‬ ‫جديدة في فن الق�ص م�ضمونًا و�شكال‪.‬‬

‫• مَ���ن تعتقد �أن��ه��م رف���اق جيلك ف��ي فن‬ ‫• ت�����س��ج��ل ق�����ص�����ص��ك ع�����ددًا م���ن ال��م��ح��اور‬ ‫الق�ص؟ �أق�صد عمرًا و�إنما فنًّا؟‬ ‫البيئية التي ا�ستمددت منها ق�ص�صك‪،‬‬ ‫■ «غالب هل�سا» الأردن��ي المتم�صر حتى بعد‬ ‫فهل لنا �أن نعرفها؟‬ ‫رحيله عن م�صر‪ ،‬وبهاء طاهر‪ ،‬وعبدالحكيم‬

‫■ م �ح��اور ق�ص�صي البيئية م��ح��دودة فقد‬ ‫ارتبطت ب�أماكن ع�شت بها‪ ..‬منها القرية‬ ‫التي ن�ش�أت بها‪ ،‬مدينة المن�صورة التي ع�شت‬ ‫فيها �شبابي‪ ،‬ومدن عربية ع�شت فيها �سنوات‬ ‫ق�صار‪ ،‬و�أخ �ي��را مدينة ال�ق��اه��رة‪ ،‬باري�س‬ ‫الحياة الثقافية العربية‪.‬‬

‫قا�سم‪ ،‬و�إبراهيم �أ�صالن‪ ،‬ويحيي الطاهر‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬ويو�سف ال���ش��ارون��ي‪ .‬كوكبة من‬ ‫فر�سان الق�ص �إذا �صح التعبير‪ .‬لكل منهم‬ ‫مزاج‪ ،‬وحال متميزة في الق�ص لغة وتجارب‪.‬‬ ‫والغريب فيما �أراه الآن‪� ،‬أننا كنا منذ تالقينا‬ ‫ف� ��رادى واح� ��دا ب�ع��د واح� ��د‪��ِ � ،‬ش � ّل��ة واح ��دة‬ ‫نتح�س�س �أب��دً ا طرائقنا في الق�ص‪ ،‬كل منا‬ ‫ وهناك محور بيئي مهم‪ ،‬هو م�ؤ�س�سة الأزهر‬ ‫على ح��دة‪ .‬فلي�س هناك �أ�سو�أ من �أن نكون‬ ‫التعليمية‪ ،‬فقد ك��ان تعليمي ما بين معهد‬ ‫بع�ضا �أو من‬ ‫ن�سخة بالكربون من بع�ضنا ً‬ ‫ال��زق��ازي��ق الديني‪ ،‬ث��م كلية اللغة العربية‬ ‫غيرنا‪� .‬أعتقد �أن كل واحد منا �صار مدر�سة‪.‬‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬وكانت حياتي في تلك الم�ؤ�س�سة‬ ‫• مَ���ن ه��م ف��ي ر�أي����ك �أ���س��ات��ذت��ك ف��ي فن‬ ‫محور ًا �أ�سا�س ًا من محاور ق�ص�صي‪ ،‬التي‬ ‫الق�ص‪ ،‬وماذا ا�ستفدت منهم؟‬ ‫دارت حول حياة «المجاورين»‪ ،‬وهم طالب‬ ‫الأزه��ر‪ ،‬حتى �أن �آخ��ر �أعمالي الق�ص�صية‬ ‫■ كل الق�صا�صين العظام والكبار في الآداب‬ ‫كانت عن مرحلة معهد الزقازيق الديني‪،‬‬ ‫العالمية ا�ستفدت منهم الكثير‪ .‬تجاربهم‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪105‬‬


‫• لك رواية ق�صيرة‪ ،‬نريد �أن نختم حوارنا‬ ‫بالوقوف عندها‪ ،‬وهي رواي��ة «�أ�صوات»‪،‬‬ ‫ف��ه��ي رواي�����ة ���ص��ادم��ة م���ن رواي�����ات ل��ق��اء‬ ‫الح�ضارات‪ ،‬ورغ��م م��رور �سنوات طويلة‬ ‫منذ كتابتها ما ت��زال محوراً �أ�سا�ساً في‬ ‫حديث النقاد والدرا�سات االجتماعية؛‬ ‫ف���م���ا داف����ع����ك �إل�������ى ك���ت���اب���ت���ه���ا‪ ،‬ول����م����اذا‬ ‫ا�ستخدمت فيها تكنيك المونولوجات �أو‬ ‫الأ�صوات من بدايتها �إلى نهايتها؟‬

‫ ■ رواية �أ�صوات تعالج تجربة من تجارب لقاء‬ ‫ال �ح �� �ض��ارات‪ ،‬وم��ا يفجره م��ن ��ص��دام��ات‪،‬‬ ‫ويحدث ذلك دائمًا عندما تنتقل ال�سيادة‬ ‫في العالم من ح�ضارة �إلى ح�ضارة‪ ،‬عندئذ‬ ‫ي�ح��دث ��ص��دام بين عالمين وح�ضارتين‪ .‬لقد ت��رددت كثيرًا في كتابة تلك التجربة‬ ‫“ع�شر �سنوات”‪ ،‬وفي العام ال�سبعين من‬ ‫بالت�أكيد ح��دث ذل��ك ف��ي الع�صر القديم‬ ‫القرن الما�ضي قررت كتابتها‪� ،‬ألقيت بكل‬ ‫والع�صر ال��و��س�ي��ط‪ ،‬لي�س م��رة واح ��دة بل‬ ‫طاقتي الق�ص�صية في لججها المحزنة‪،‬‬ ‫مرارًا‪ ،‬ومنذ الع�صر الو�سيط وهذا ال�صدام‬ ‫واخترت لها تكنيك المونولوجات الداخلية‬ ‫يطلق عليه �أحيانًا ومرارًا‪ :‬ال�شرق والغرب‪،‬‬ ‫لأق ��ارب ال�صدق النف�سي ب��أق��وى م��ا تكون‬ ‫ال�شرق الفنان والغرب‪ ،‬والحقيقة �أنه �صراع‬ ‫المقاربة‪ ،‬لم تكن رواية “�أ�صوات” �صدمة‬ ‫ح �� �ض��ارات وه��وي��ات نتيجة لتغير م��راك��ز‬ ‫ال�ق��وى‪ .‬المنهزم يدافع عن نف�سه �ضد ما‬ ‫التجربة الخا�صة فقط‪ ..‬بل �إن ال�صدمة‬ ‫ي�سميه غازيًا‪ ،‬والجديد يمد �سيطرته بو�صفه‬ ‫الأقوى كانت في تداعياتها الزلزالية لقرائها‬ ‫جزءًا من التطور الإن�ساني والتقدم الب�شري‪.‬‬ ‫العرب ال�شرقيين و�صلت �إلى اتهامي بالتحيز‬ ‫للإمبريالية الغربية‪ ،‬وهو ما جعلني �أت�أكد‬ ‫ لي�ست هناك ت�ج��ارب ق�ص�صية يمكن �أن‬ ‫من �صدق التجربة‪ ،‬فال�صدق دائمًا موجع‬ ‫تكون �أغ�ن��ى م��ن ت�ج��ارب لقاء الح�ضارات‬ ‫و�صدامها‪� .‬إنها الدراما التراجيدية الكاملة‬ ‫را�ض ومقتنع بما فعلت‪،‬‬ ‫وم�ؤلم‪ ،‬ولكني كنت ٍ‬ ‫م�سرحها وجه الأر�ض �شماال وجنوبًا و�شرقًا‪،‬‬ ‫فال�صدمة دائ� ًم��ا في البداية تثير رد فعل‬ ‫ولي�ست هناك ت�ألّقات ق�ص�صية وتجليات‬ ‫�سلبي‪ ،‬ثم بمرور الوقت وا�ستيعابها يحدث‬ ‫�ساطعة نجدها في تجارب ق�ص�صية �أغنى‬ ‫ال�ح��وار معها وفهمها‪ ..‬وه��و ما ح��دث بعد‬ ‫من هذه التجارب‪ ،‬لذلك �أدليت بدلوي فيها‪.‬‬ ‫ذل��ك‪ ،‬فالتغير ي�أتي بالمواجهة ال�صريحة‬ ‫ وح�سب هذه التجربة الق�ص�صية كان هدفي‬ ‫الوا�ضحة‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع‬

‫وهي بعنوان‪� :‬أيام مجاور‪ ،‬وكذلك كان هناك‬ ‫بع�ض الق�ص�ص المفردة‪.‬‬

‫الأول والأ� �س��ا���س وال�خ��ا���ص ظ��اه��رة ختان‬ ‫البنات في المجتمع الم�صري‪ ،‬وكان هدفي‬ ‫العام تفجير ر�ؤية جديدة للقاء الح�ضارات‬ ‫�أو �صدامها‪ .‬كانت ال�ت�ج��ارب الق�ص�صية‬ ‫العربية في ه��ذا المجال حتى زم��ن كتابة‬ ‫الرواية تتمحور حول رجل �شرقي يذهب �إلى‬ ‫الغرب في رحلة‪ ،‬مثل فار�س ال�شدياق‪� ،‬أو‬ ‫بعثة‪ ،‬مثل‪� :‬أديب لطه ح�سين‪ ،‬وع�صفور من‬ ‫ال�شرق لتوفيق الحكيم‪ ،‬وقنديل �أم ها�شم‬ ‫ليحيى حقي‪ .‬وتجربتي قلبت المدخل غربية‬ ‫ت�أتي �إلى ال�شرق مع زوجها الم�صري‪ ،‬وفي‬ ‫ذهنها �سحر ال�شرق‪ ،‬وتكون النتيجة م�أ�ساة‬ ‫كاملة ل�ه��ا‪ ،‬فقد وق�ع��ت ف��ي ��ش��راك �صراع‬ ‫الهويات‪.‬‬

‫�إبراهيم بن خليف بن م�سلم ال�سطام‬ ‫ذاكرة حا�ضرة ‪ ..‬وثقافة بال حدود‬ ‫■ املحرر الثقايف‬

‫ولد عام ‪1352‬هـ في مدينة �سكاكا‪ ،‬حا�ضرة منطقة الجوف‪ ..‬ورغم تجاوزه الثمانين‬ ‫من عمره‪� ،‬إال �أنه ما يزال �شابا في حركته وذاكرته ‪ ،‬يعي�ش حياته بكل حيوية ون�شاط‪،‬‬ ‫كثير التجوال ‪ ،‬يجوب الأر �ض �شرقا وغربا و�شماال وجنوبا‪� ،‬شاهد على الجوف في‬ ‫مختلف مراحل التعليم ‪ ،‬ومنذ �إحداث �أول مدر�سة ابتدائية فيها‪.‬‬ ‫عل ٌم من �أعالم المنطقة‪ ،‬ورم ٌز تعليميٌّ يقتدى به‪ ،‬تحمّل الم�سئولية معلما و�إداريا‬ ‫وما يزال ا�سمه المعا حتى اللحظة‪ ..‬يمتاز بالحكمة والعقالنية والر�أي ال�سديد‪.‬‬ ‫عبدالعزيز المبارك رحمه اهلل‪� ،‬صاحب‬ ‫الأي ��ادي البي�ضاء على منطقة الجوف‬ ‫و�أهلها‪ ،‬حفظ القر�آن الكريم منذ �صغره‪،‬‬ ‫ودر���س في العقيدة والفقه ومنح �إج��ازة‬ ‫بذلك من ال�شيخ في�صل‪.‬‬

‫م�ؤهالته العلمية‬ ‫ •تتلمذ على يد والده رحمه اهلل‪ ،‬فتعلم منه‬ ‫مبادئ القراءة والكتابة على الرمل‪ -‬ما‬ ‫ي�سمى بال�سبورة الرملية �آنذاك– حيث ال‬ ‫�سبورة وال دفاتر وال �أقالم �أو محايات‪..‬‬ ‫ •التحق عام ‪1362‬هـ مع والده في حلقات •ح�صل على �شهادتَي االبتدائية والمتو�سطة‬ ‫ال ��درو� ��س ب �ج��ام��ع ال �� �ش �ي��خ ف�ي���ص��ل بن‬ ‫(ن �ظ��ام ال �ث�لاث ��س�ن��وات) م��ن م��دار���س‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪107‬‬


‫‪ 108‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الر�سام عبدالعزيز م�شري‬ ‫ذاكرة اللون‪ ..‬في خطوط من رحيق الري�شة‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫منطقة الجوف‪ ..‬نظام المنازل‪.‬‬ ‫ •ح�صل على �شهادة الثانوية العامة (نظام الثالث‬ ‫�سنوات ) من ثانوية المنيرة في القاهرة‪.‬‬ ‫ •ح�صل على ب�ك��ال��وري��و���س �إدارة �أع �م��ال عام‬ ‫‪1398‬هـ من جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫منا�صب تقلدها‬ ‫وخارجها‪.‬‬ ‫ •عُ يِّن معلما في مدر�سة الطوير �إح��دى القرى‬ ‫المجاورة لمدينة �سكاكا عام ‪1369‬م‪ ،‬انتقل •ع�ضو مجل�س منطقة الجوف منذ عام ‪1422‬هـ‪.‬‬ ‫بعدها �إلى المدر�سة الأميرية في �سكاكا ليعمل‬ ‫ •�شارك وت��ر�أ���س ع��ددا من اللجان االجتماعية‬ ‫معلما فوكيال فمديرا‪.‬‬ ‫وال�ث�ق��اف�ي��ة وال�ت�ج��اري��ة ف��ي القطاعين ال�ع��ام‬ ‫ •عُ يِّن مفت�شا �إداريا في مدار�س منطقة الجوف‬ ‫والخا�ص‪.‬‬ ‫والقريات والحدود ال�شمالية‪ ،‬عام ‪1381‬هـ‪.‬‬ ‫ • ُث��مَّ م��دي��را لمكتب التعليم‪،‬‬ ‫م�ؤلفاته‬ ‫ف�م��دي��ر ًا لمكتب الإ� �ش��راف‬ ‫ •�أعد بحوثا منها‪:‬‬ ‫على التعليم ف��ي المنطقة‬ ‫ نحو �إدارة مدر�سية �أف�ضل‪.‬‬‫عام ‪1385‬هـ‪.‬‬ ‫ •رئي�سا لبلدية ال�ج��وف عام‬ ‫ الإدارة هدف ونتيجة‪.‬‬‫‪1393‬ه� � � �ـ‪ ،‬وم �� �ش��رف��ا على‬ ‫ •�أع�� � � َّد ك �ت��اب��ا ف ��ي (�أح� �ك ��ام‬ ‫م�شروع كهرباء الجوف عام‬ ‫ال��ع��ب��ادات) ل�ل���ص��ف ال���س��اد���س‬ ‫‪1394/1393‬هـ‪.‬‬ ‫االبتدائي عام ‪1389‬هـ‪ ،‬ونال عليه‬ ‫ •م ��دي ��را لإدارة ت�خ�ط�ي��ط‬ ‫جائزة تقديرية‪.‬‬ ‫ال�م��دن والإدارة الهند�سية‬ ‫في المنطقة ال�شمالية‪ ،‬عام‬ ‫ •�صدر له كتاب (م�سيرة التعليم‬ ‫‪1397‬هـ‪.‬‬ ‫في منطقة الجوف – تاريخ و�سير‬ ‫وذكريات)‪ ،‬عام ‪1426‬هـ‪.‬‬ ‫ •مديرا عاما لل�شئون البلدية‬ ‫وال� �ق ��روي ��ة ف ��ي ال�م�ن�ط�ق��ة‬ ‫ •�صدر له كتاب (�صفحات من‬ ‫ال�شمالية‪ ،‬ع��ام ‪1400‬ه� �ـ‪،‬‬ ‫ال�ت��اري��خ والأن���س��اب عند ع�شائر‬ ‫وا�ستمر ف��ي من�صبه حتى‬ ‫قبيلة ال�سرحان)‪ ،‬عام ‪1430‬هـ‪.‬‬ ‫�أح��ي��ل �إل� ��ى ال �ت �ق��اع��د ع��ام‬ ‫‪1409‬هـ‪.‬‬ ‫ •ل��ه �إ�� �ص ��داران ت�ح��ت الطبع‪:‬‬ ‫�أحدهما يتحدث فيه عن منطقة‬ ‫ •��ش��ارك ف��ي �أك�ث��ر م��ن (‪)50‬‬ ‫الجوف‪ ،‬ويتناول في الثاني �سيرته‬ ‫ندوة وم�ؤتمرا في التخطيط‬ ‫والإدارة داخ� ��ل المملكة‬ ‫الذاتية‪.‬‬ ‫من الأر�شيف‬

‫■ فريال احلوار*‬

‫ترحال منع�ش‪ ،‬مُقلق‪ ،‬مُده�ش! ومثير للحوا�س كلها ولي�س للعين فقط‪ ،‬بل محرك‬ ‫ما�ض‪ ،‬وما �سوف ي�أتي‪ .‬هكذا هو حال الترحال بين �صفحات‬ ‫لأخيلة ما م�ضى‪ ،‬وما هو ٍ‬ ‫كتاب (خطوط من رحيق الري�شة)‪ ،‬الذي تقول فيه لوحة فنية �أكثر من �ألف كلمة‪� .‬إنه‬ ‫ترحال بين �أنا�س هدّهم التعب والحرمان واالنتظار بقدر ما هو ترحال بين الوجوه‬ ‫النا�ضحة بقواها المذهلة‪:‬وجوه ت�ضحك‪ ،‬وتن�سى‪ ،‬وتت�أمل‪ ،‬وتغيب‪ ،‬ت�سجل مالمحها‬ ‫�صفحات م��ن الع�شق والتعب واللهو وال�����س���أم‪ ..‬وج���وه ي��ب��دو بع�ضها ك���أن��ه ق���ادم عبر‬ ‫القرون من جداريات الأ�سالف المنقو�شة على ج��دران الكهوف في الجبال‪ .‬يتواتر‬ ‫فيها التقابل بين البُلى في الخلفيات وبين ن�ضارة وجه �صبية �إزائها‪ ..‬وجه �ضاحك‬ ‫وابت�سامة م�ستب�شرة في لوحة من دون عنوان في(�ص ‪.)196‬‬ ‫وك�أن الخراب المحيط بها �سيجد انبعاث ًا‬ ‫ج��دي��د ًا لكل ما هو يانع مت�ألق في حيويتها‬ ‫وت �ف��جُ ��ر ج�م��ال�ه��ا ف��ي ك��ل ات��ج��اه! ال�ن��ا���س‪،‬‬ ‫ه ��ؤالء الذين ي�صنعون الأر���ض وت�صنعهم؛‬ ‫ه� ��ؤالء ال��ذي��ن يطلعون م��ع ال�شم�س �أط�ف��اال‬ ‫ويافعين؛ ٍ�صبي ٌة و�صبايا يحفرون ويزرعون‬ ‫وي �ح �� �ص��دون؛ ه � ��ؤالء ال��ذي��ن ت�ط�ل��ع عليهم‬ ‫ال�شمو�س وهم في د�أب‪ ،‬وتغيب عنهم وهم‬ ‫ف��ي ح��رك��ة؛ ه� ��ؤالء ال�ن��ا���س ال�ق��دي�م��ون ِق��دم‬ ‫التاريخ‪ ،‬العريقون عراقة الجبال الباقية‬ ‫والح�ضارات المندثرة‪ ..‬هم الذين يُ�سجل‬ ‫�صورهم عبدالعزيز م�شري‪ ،‬بري�شة ال يعرف‬ ‫�إال قلة من الفنانين كيف ي�ستخدمونها كما‬ ‫ي�ستخدمها هو‪« ،‬الأبي�ض والأ��س��ود» الأق��وى‬ ‫تعبيراً‪ ،‬و�أعمق من كل لون‪ .‬ويبدو ذلك جليا‬

‫في لوحة ال تحمل عنوانا (�ص ‪ )207‬والتي‬ ‫ن�شهد فيها �صورة المدينة التي غرقت في‬ ‫المياه �إل��ى الأب��د! تعاود الرجوع ثانية‪ ،‬في‬ ‫الخلفية المحجوبة بيد طويلة الأ�صابع‪..‬‬ ‫يرف�ض الفنان �أبعاد الم�شهد الواقعية‪،‬‬ ‫وما ذلك بال�سجل الفيزيقي للمكان‪ ،‬بقدر‬ ‫ما هو ا�ستخال�ص لل�سر‪ ،‬للجوهر الذي فيه‪..‬‬ ‫وهو يتغير ويتلوى‪ ،‬كالموج المثقل بالرغبة‬ ‫والذاكرة‪ ،‬يحاور الفنان �أحجارها‪ ،‬و�أبوابها‬ ‫الوح�شية‪ ..‬جريح ًا ي�سخر من نف�سه‪� ،‬أ�سير‬ ‫المفارقات الم�ستمرة التي تجعله يرنو �إلى‬ ‫الحرية من خ�لال نافذة يقف بينه وبينها‬ ‫�سيف م�سلط من علٍ ‪ ،‬ليندرج في �سياق �صور‬ ‫غير متوقعة‪ ،‬تجدد �صدمة الأل��م‪ ،‬وتتكرر‬ ‫بها طعنة الع�شق التي يتداخل فيها المرئي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪109‬‬


‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫النخيل في‬ ‫ال�شعر العربي‬ ‫هنا كما النا�س‪ ،‬كما الماء والنبات‪ ،‬هبّة من هبّات‬ ‫ال�شم�س وتزاوجها مع الطين‪ .‬هبّة من هبّات ثنائية‬ ‫ال�ضياء والعتمة؛ وك�أنما ه��ذه الثنائية انطلقت‬ ‫�أغنية تملأ حناجر الأي��ام‪ ..‬لوحات عبدالعزيز‬ ‫م�شري التقطت هذه الأغنية الم�ستر�سلة بالذات‬ ‫وج�سدتها ك�أغنية من �أغ��ان��ي الجبال القديمة‪،‬‬ ‫عميقة الحزن مرَّة‪� ..‬ضاجة الفرح مرة �أخرى!‬

‫بالر�ؤيوي‪ ،‬ويتبادل فيها الخيالي والحقيقي ال�شكل‬ ‫والقيمة‪ .‬وفي لوحة على ال�صفحة (‪)192‬يبدو �أن‬ ‫الأيرو�سي والروحي يلب�س كالهما قناع الآخر في‬ ‫ما هو ب�صريٌّ ‪� ،‬إلى �أن تبدو الحقيقة عن وعي �أو‬ ‫غير وعي‪ ،‬ك�أنها لي�ست �إال ذريعة �أخرى لتج�سيد‬ ‫حلم عزيز‪ ..‬م�ستحيل‪ ..‬يتكرر مرة بعد مرة‪ ،‬ولئن‬ ‫كان فيها الكثير من التعبير عن ن�شوة الحب‪ ،‬ف�إن‬ ‫الحب قد يكون المر�أة‪ ،‬وقد يكون للوطن الذي كان‬ ‫ري�شة (الم�شري) هي عينه العا�شقة التي ال‬ ‫للم�شري ع�شقه الآخر‪ .‬وقدرة الم�شري على تحويل‬ ‫ال�صورة الب�صرية �إل��ى �إيحاء بال�شعر‪ ،‬م�ستمدة حد لقدرتها على االندها�ش‪ ،‬والتقاط ما هو نافذ‬ ‫من تلك الن�شوة بالذات‪ ،‬التي هي في الم�ضمون الوقع في النف�س من حياة النا�س اليومية‪ ..‬عادية‬ ‫تلك الحياة‪ ،‬لكنها غير عادية في عين هذا الفنان!‬ ‫من معظم المو�سيقى ال�شعرية‪:‬‬ ‫ه � ��ؤالء ال �ن��ا���س ل�ي���س��وا �أب �ط��ا ًال‬ ‫ن�شوة حب المر�أة وحب الوطن‪،‬‬ ‫يجترحون المعجزات بعبقريتهم‬ ‫متداخلتان‪ ،‬ومتالب�ستان‪ .‬وربما‬ ‫�أو �شجاعتهم‪ ،‬لكنهم في ري�شة‬ ‫ت�ك��ون ال�ل��وح��ات ال�ت��ي ا�ستثنيت‬ ‫م��ن ال�ن���ش��ر ف��ي ه ��ذا ال�ك�ت��اب‪،‬‬ ‫ال �م �� �ش��ري �أب � �ط� ��ا ٌل ي���ص�ن�ع��ون‬ ‫ب�سبب الرقابة االجتماعية!!! هي‬ ‫الحياة‪ ،‬ويغذون جوهرها الذي‬ ‫المعبرة ب�صورة �أو�ضح عن هذا‬ ‫ال يفنى‪ ،‬حتى و�إن ل��م يتحدث‬ ‫التالب�س والتداخل‪.‬‬ ‫عنهم �أحد! وحياتهم هي ن�سيج‬ ‫البطوالت اليومية ال�صغيرة التي‬ ‫�أم � ��ا ف ��ي «ل���وح���ات زي �ت �ي��ة»‬ ‫ُي َغنّي من �أجلها المغنّون وينظم‬ ‫يتراكب الظالم والنور‪� ،‬سطوع‬ ‫ال �� �ش �ع��راء ل �ه��ا‪ ،‬وي �ح �ك��ي عنها‬ ‫ال�شم�س وح�ل�ك��ة ال �ظ�لال التي‬ ‫تنثرها ال�شم�س ب�سخاء‪ ،‬فالأر�ض‬ ‫الق�صا�صون‪.‬‬ ‫* كاتبة من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫■ �صالح عبدال�ستار ال�شهاوي*‬

‫النخل‪ ،‬وواحدته نخلة‪ ،‬قيل �أنه م�شتق من انتقاء ال�شيء واختياره‪ ،‬والنخيلة هي‬ ‫الن�صيحة الخا�صة‪ .‬يقال‪« :‬ال يقبل اهلل �إال نخائل القلوب» �أي النيّات الخا�صة‪ .‬ونَخَ َل‬ ‫ال�شيء‪� :‬صفاه واخ��ت��اره‪ .‬والنخيل م�ؤنثة‪ ،‬و�أم��ا النخل فيذكر وي���ؤن��ث‪ ..‬ففي القر�آن‬ ‫الكريم «�أعجا ُز نخلٍ ُم ْن َقعِر» (القمر‪ ،)20 :‬و«�أعجاز نخلٍ خاوية» (الحاقة‪)7 :‬؛ وفي‬ ‫معجم �ألفاظ القر�آن الكريم‪ :‬النخل �شجر الرطب والتمر‪ ،‬وواحدتها نخلة‪ ،‬وجمع‬ ‫النخل نخيل‪ ،‬كعبد وعبيد‪ ..‬ومن العرب من ي�ؤنّث النخيل‪ ،‬ومنهم من يُذكّره‪ ،‬نقول‪:‬‬ ‫النخل البا�سق‪ ،‬والنخل البا�سقة‪ ،‬وج��اء الكتاب باللغتين‪ ،‬ف�أما النخيل فم�ؤنث عند‬ ‫الجمع‪.‬‬ ‫ومن الطرائف في كتب التراث‪ ،‬ما رواه‬ ‫ال�شعبي م��ن �أن قي�صر ملك ال��روم كتب‬ ‫�إل��ى عمر ب��ن الخطاب‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪:‬‬ ‫«�أم��ا بعد‪ ،‬ف ��إن ر�سلي خبرتني �أن قبلكم‬ ‫�شجرة مثل �أذان الفيلة‪ ،‬ثم تن�شق عن مثل‬ ‫تخ�ضرّ‪ ،‬فتكون كالزمرّد‬ ‫الدر الأبي�ض‪ ،‬ثم َ‬ ‫الأخ�ضر‪ ،‬ثم تح َم ّر فتكون كالياقوت‪ ،‬ثم‬ ‫تن�ضج فتكون ك�أطيب ف��ال��وذج �أك ��ل‪ ،‬ثم‬ ‫والنخل �أف�ضل ثروة‪ ،‬وقد �أُثِر عن هارون‬ ‫تينع وتيب�س فتكون ع�صمة للقيم وزاد ًا ال��ر��ش�ي��د ق��ول��ه‪« :‬ن�ظ��رن��ا ف� ��إذا ك��ل ذه��ب‬ ‫للم�سافر؛ ف�إن تكن ر�سلي �صدقتني ف�إنها وف�ضة على وجه الأر�ض ال تبلغان ثمن نخل‬ ‫من �شجر الجنة»‪ .‬فكتب �إليه عمر‪« :‬ب�سم الب�صرة»‪ .‬ويقولون في م�صر‪« :‬عنده مال‬ ‫اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبداهلل عمر‬ ‫�أمير الم�ؤمنين �إل��ى قي�صر ملك ال��روم‪.‬‬ ‫ال�سالم على م��ن اتبع ال�ه��دى‪� ،‬أم��ا بعد‪:‬‬ ‫ف�إن ر�سلك �صدقتك‪ ،‬و�إنها ال�شجرة التي‬ ‫�أنبتها اهلل عز وجل على مريم حين نف�ست‬ ‫بعي�سى‪ ،‬فاتق اهلل وال تتخذ عي�سى �إلها من‬ ‫دون اهلل»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪111‬‬


‫ل��ي�����س ال���ف���ت���ى ب��ن��ب��ي ي�����س��ت�����ض��اء ب��ه‬ ‫وال ت����ك����ون ل�����ه ف�����ي الأر�����������ض �آث������ار وه�����ل ي��ن��ب��ت ال���خ���ط���ي �إال و���ش��ي��ج��ة‬ ‫وت���غ���ر����س �إال ف���ي م��ن��اب��ت��ه��ا ال��ن��خ��ل‬

‫وال�صلة بين العربي والنخلة �صلة حميمة‬ ‫م�ؤكدة‪ ،‬حتى لك�أن العربي يح�س �أن بينه وبينها‬ ‫و�شائج قربى‪ ،‬كذلك يعرف عن العربي �أن�سه‬ ‫للنخلة وحبه لها؛ فهذا هو عبدالرحمن الداخل‬ ‫ر�أى فيها �أني�س ًا له في غربته في الأندل�س‪ ،‬و�أنها‬ ‫غريبة هناك عن �أر�ضها مثله‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫وكما حفظ لنا ال�شعر �سير الم�شاهير من‬ ‫النا�س‪ ،‬حمل �إلينا �سير ال�شهيرات من النخل‪،‬‬ ‫و�أ�شهر نخل العرب نخلتا ح�ل��وان‪ ..‬كانتا من‬ ‫غر�س الأكا�سرة‪ ،‬وقد �ضرب بهما المثل في طول‬ ‫العمر‪ ،‬قيل فيهما �شعر كثير‪ ،‬نختار منه قول‬ ‫حماد عجرد‪:‬‬

‫ت���ب���دت ل��ن��ا و����س���ط ال��ر���ص��اف��ة نخلة‬ ‫ج����ع����ل اهلل �����س����درت����ي ق�������ص���ر ���ش��ي��ر‬ ‫تناعت ب�أر�ض الغرب عن بلد النخل‬ ‫ع��������ن ف�������������داء ل����ن����خ����ل����ت����ي ح������ل������وان‬ ‫فقلت �شبيهي في التغريب والنوى‬ ‫ج���ئ���ت م�����س��ت�����س��ع��داً ف���ل���م ت�����س��ع��دان��ي‬ ‫وط��ول اكتئابي ع��ن بنيّ وع��ن �أهلي‬ ‫وم�����ط�����ي�����ع ب�����ك�����ت ل�������ه ال����ن����خ����ل����ت����ان‬ ‫وقال مطيع بن �إيا�س فيهما‪:‬‬ ‫ن�������ش����أت ب�����أر�����ض �أن������ت ف��ي��ه��ا غ��ري��ب��ة‬ ‫فمثلك في الإق�صاء والمنت�آى مثلي �أ������س�����ع�����دان�����ي ي������ا ن���خ���ل���ت���ي ح����ل����وان‬ ‫واب��ك��ي��ا ل���ي م���ن ري����ب ه����ذا ال���زم���ان‬ ‫���ش��ق��ت��ك غ�����وادي ال���م���زن ف���ي ال��م��ن��ت���آى‬ ‫الذي ي�صح وي�ستمرى الم�ساكين بالوبل واع��ل��م��ا – �إن علمتما – �إن نح�ساً‬ ‫��������س�������وف ي�����ل�����ق�����اك�����م�����ا م����ت����ف����رق����ان‬ ‫وال���ش�ع��ر ال �ع��رب��ي مملكة‪ ،‬النخلة ال �ت��ي ال‬ ‫وق��د كانتا واف�ت��رق�ت��ا بالفعل‪ ،‬وق��د احتاج‬ ‫الر�شيد في م�سيرة له �إلى الجمار لحرارة ثارت‬ ‫ب��ه‪ ،‬ف�أخذ ج� ّم��ارة �إحداهما فجفت فلم تلبث‬ ‫�صاحبتها �أن تبعتها‪.‬‬ ‫قال �أحد ال�شعراء ي�صف النخيل‪:‬‬

‫تطاولها فيها قامة‪ ،‬ولم تُعامل النخلة في ال�شعر‬ ‫العربي ب�أقل مما عومل به الب�شر‪ .‬ولأن هناك‬ ‫تاريخ ًا م�شترك ًا بين العربي والنخل‪ ،‬تغنّى بنخله‬ ‫ونخيله‪ ،‬تغنّى بها طلع ًا وهو �أول التمر‪ ،‬ثم غناها‬ ‫وهي خالل؛ وهو ما اخ�ض ّر من التمر‪ ،‬ثم �شدا‬ ‫بها ب�سر ًا ثم رطب ًا ثم تمراً‪.‬‬ ‫ك���������أن ال���ن���خ���ي���ل ال����ب����ا�����س����ق����ات وق����د‬ ‫فال يكاد ال�شعر العربي‪ ،‬القديم �أو الحديث‪،‬‬ ‫ب��دت لناظرها ح�سنا ق��ب��اب زبرجد‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ويقول ال�سري الرفاء‪:‬‬

‫وو�صف �أحد ال�شعراء النخلة‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫وال��ن��خ��ل ح���ول ال��ن��ه��ر م��ث��ل عرائ�س‬ ‫ف��ال��ن��خ��ل م���ن ب��ا���س��ق ف��ي��ه وب��ا���س��ق��ة‬ ‫ن�������ص���ت غ�����دائ�����ره�����ا ع����ل����ى غ���������درانِ‬ ‫ي�ضاحك الطلع في قنواته الرطبا‬ ‫وال���ط���ل���ع م����ن ط������رب ي�������ش���ق ث��ي��اب��ه‬ ‫�أ�ضحت �شماريخه في النحر مطلعة‬ ‫م����ت����ن���������ش����راً ك����ان����ت���������ش����ار ال������ج������ذالنٍ‬ ‫�إم������ا ث����ري����ا‪ ،‬و�إم�������ا م��ع�����ص��م��ا خ�����ض��ب��ا‬ ‫وقال �آخر في و�صف البلح‪:‬‬ ‫ت����ري����ك ف�����ي ال����ظ����ل ع���ق���ي���ان���ا ف������إن‬ ‫نظرت �شم�س النهار �إليها خلتها لهبا �أم�����ا ت����رى ال��ن��خ��ل ق���د ن���ث���رت بلحا‬ ‫ج���������اء ب���������ش����ي����را ب�������دول�������ة ال�����رط�����ب‬ ‫ويقول �أي�ضاً‪:‬‬ ‫م�����ك�����اح��ل��ا م��������ن زم�������������رد خ����رط����ت‬ ‫وك���������������أن ال�����ن�����خ�����ل ح���������ول ق���ب���اب���ه���ا‬ ‫م����ق����م����ع����ات ال���������ر�ؤو����������س ب����ال����ذه����ب‬ ‫ظ����ل ال���غ���م���ام �إذا ال��ه��ج��ي��ر ت���وق���دا‬ ‫وقال �آخر‪:‬‬ ‫م���ن ك���ل خ�������ض���راء ال����ذوائ����ب زي��ن��ت‬ ‫ب�����ث�����م�����اره�����ا ج������ي������دا ل�����ه�����ا م����ق����ل����دا �أن������ظ������ر �إل���������ى ال����ب���������س����ر �إذ ت���ب���دى‬ ‫ول��������ون��������ه ق��������د ح�����ك�����ى ال�������ش���ق���ي���ق���ا‬ ‫خ���رق���ت �أ���س��اف��ل��ه��ن �أع����م����اق ال��ث��رى‬ ‫ح���ت���ى ات����خ����ذن ال���ب���ح���ر ف���ي���ه م�����وردا ك������������أن�����������م�����������ا خ���������و����������ص���������ه ع�����ل�����ي�����ه‬ ‫زب�������������رج�������������د م��������ث��������م��������ر ع�����ق�����ي�����ق�����ا‬ ‫�شجر �إذا م��ا ال�صبح �أ���س��ف��ر ل��م ينح‬ ‫ل���ل����أم�������ن ط�������ائ�������ره ول������ك������ن غ�������ردا‬ ‫ويقول فيه �أمير ال�شعراء �أحمد �شوقي‪:‬‬ ‫والنخلة ع��رو���س �أخ��ذت زينتها‪ ،‬وف��ي ذلك‬ ‫يقول �أبو نوا�س‪:‬‬

‫ال �أن���ع���ت ال���رو����ض �إال م���ا ر�أي�����ت به‬ ‫ق�صرا منيفا عليه النخل م�شتهل‬ ‫فهالة م��ن �صفتي �إن كنت مختبرا‬ ‫وم���خ���ب���را ن����ف����را ع���ن���ى �إذا ����س����أل���وا‬ ‫ن����خ����ل �إذا ج���ل���ي���ت �إب����������ان زي���ن���ت���ه���ا‬ ‫الح����ت ب���أع��ن��اق��ه��ا �أغ���داق���ه���ا ال��ن��خٌّ ��ل‬ ‫�أم��ا المعرّي فقد �شرب من ماء دجلة وزار‬ ‫�أ�شرف ال�شجر‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫�أرى ���ش��ج��را ف���ي ال�����س��م��اء اح��ت��ج��ب‬ ‫و������ش�����ق ال�����ع�����ن�����ان ب�������م�������ر�أى ع��ج��ب‬ ‫م��������������آذن ق������ام������ت ه�����ن�����ا �أو ه����ن����اك‬ ‫ظ��������واه��������ره��������ا درج م���������ن ������ش�����ذب‬ ‫�أه�������ذا ه����و ال���ن���خ���ل م���ل���ك ال���ري���ا����ض‬ ‫�أم�����ي�����ر ال����ح����ق����ول وع�����ر������س ال���ع���زب‬ ‫ط�����ع�����ام ال���ف���ق���ي���ر وح�����ل�����وى ال���غ���ن���ي‬ ‫وزاد ال�����م�����������س�����اف�����ر وال����م����غ����ت����رب‬ ‫ف����ي����ا ن���خ���ل���ة ال������رم������ل ل������م ت��ب��خ��ل��ي‬ ‫وال ق�����������ص�����رت ن������خ���ل��ات ال�����ت�����رب‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫والنخل حمال»‪ .‬ويقولون في العراق‪« :‬المال مال يخلو من ذكر النخيل‪،‬لأن النخيل‪ -‬في الحقيقة‪-‬‬ ‫النخيل والخيل لو �أقبلن»‪ .‬والنخل طويل العمر‪ ،‬كان الم�صدر الرئي�س للغذاء لدى العرب‪.‬‬ ‫ولهذا يدعو النا�س لبع�ضهم بطول العمر فيقال‬ ‫يقول امر�ؤ القي�س وا�صفا �شَ عرِ المر�أة‪:‬‬ ‫– يعطيك عمر النخيل‪ ،‬وق��د غر�س معاوية‬ ‫غر�سا في �أواخر خالفته وقال ما �أغر�سها طمع ًا وف�����رع َي���زي���ن ال��م��ت��ن �أ�����س����ود ف��اح��م‬ ‫�أث����ي����ث ك���ق���ن���و ال���ن���خ���ل���ة ال��م��ت��ع��ث��ك��ل‬ ‫في �إدراكها‪ ،‬ولكن ذكرت قول الأ�سدي‪:‬‬ ‫ويقول زهير بن �أبي �سلمى‪:‬‬

‫�����ش����رب����ن����ا م��������اء دج�����ل�����ة خ����ي����ر م����اء‬ ‫وق����د ع��ل��ق��ت م���ن ح��ول��ه��ا زي���ن���ة لها‬ ‫وزرن�������ا �أ������ش�����رف ال�������ش���ج���ر ال��ن��خ��ي�لا‬ ‫ق���ن���ادي���ل ي���اق���وت ب����أم���را����س ع�سجد‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪113‬‬


‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫وال�شاعر محمود ح�سن �إ�سماعيل �شاعر ف���ي���ا ح����ب����ذا ب������رد ال���ن�������س���ي���م ب��ظ��ل��ه��ا‬ ‫وي�����ا ح���ب���ذا ذاك ال���ن���ق���ا وال���م���ن���ازل‬ ‫عا�شق للنخل‪ ،‬فال ت��رى �إح��دى ق�صائده حتى‬ ‫تنت�صب في وجهك نخلة‪ ،‬ولعل �أ�شهر ق�صائده‬ ‫و�أم��ا ال�شاعر الإح�سائي محمد الجلواح‪،‬‬ ‫ النيل ‪ -‬يقول في مطلعها‪:‬‬‫فيقول فيها‪:‬‬

‫�����س����م����ع����ت ف�������ي �����ش����ط����ك ال���ج���م���ي���ل‬ ‫�����ف‪ ..‬ت��ح��دت ج���ذوره‬ ‫���ش��م��و ّخ ب�ل�ا زي ٍ‬ ‫ع����وادي ال��ل��ي��ال��ي وال��ف��ن��ا َء المُ�سهدا‬ ‫م���������ا ق�������ال�������ت ال���������ري���������ح ل���ل���ن���خ���ي���ل‬ ‫�أال ي���ا ن��خ��ي��ل اهلل ال جَ ����� ّذ ج��� َذع ِ���ك‬ ‫ي�����������س�����ب�����ح ال�������ط�������ي�������ر �أو ي����غ����ن����ي‬ ‫م���ن الأر�������ض ب��� ّت���ا ُر َي�����دُك ال��مُ�����شَ ��ي��دا‬ ‫وي�����������������ش��������رح ال���������ح���������ب ل����ل����خ����م����ي����ل‬

‫ديوان العرب المهجور‪..‬‬ ‫هل تعيده الأغنية‪..‬؟‬

‫�أما ال�شاعر يو�سف �أبو �سعد‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫وقالت ال�شاعرة عاتكة وهبي الخزرجي في‬ ‫م����ن و����ش���و����ش���ات ال���ن���خ���ل ل��ل�����ش��ب��ع��ان‬ ‫النخلة‪:‬‬

‫ُ���ص��غ��تُ ال���ق���واف���ي‪ ،‬وان��ت��زع��ت بياني‬ ‫ت����ب����ارك����ت ي�����ا ن���خ���ل���ة ال�������ش���اط���ئ���ي���ن‬ ‫وي���������ا �آي������������ة الأع�������������ص������ر ال����ب����اق����ي����ة و����ش���ح���ت���ه���ا ب����ال����زه����ر ي���ع���ب���ق ن�����ش��ره‬ ‫ح���ت���ى ب�����دت ����ض���رب���ا م����ن الأغ�������ص���ان‬ ‫َن����ه����ل����تِ ال����خ����ل����ود م�����ن ال����راف����دي����ن‬ ‫ف�������ب�������ورك�������ت م�����������س�����ق����� ّي�����ة �����س����اق����ي����ة و�سكبت م��ن ذوب ال��ف���ؤاد م�شاعري‬ ‫ف���ت���رن���ح���ت م���ث���ل ال�����دم�����ى �أوزان���������ي‬ ‫�أظ������ل������ي �أي���������ا ن���خ���ل���ة ال�������ش���اط���ئ���ي���ن‬ ‫ونت�أمل �إب��داع ‪ -‬عبداهلل الج�شي‪ -‬ووفائه‬ ‫ف�����������������ؤادي ب�������أف������ي������ائ������ك ال����ح����ان����ي����ة‬

‫للنخلة‪ ،‬هذه ال�شجرة المباركة‪ ،‬لما تمثله من‬ ‫وللنخلة ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة تميز في عطائها الالمنتهي ال��دائ��م والوفير م�صداق ًا‬ ‫�أ�صالتها‪ ،‬ولأهل الجزيرة ع�شق �أكثر من غيرهم لقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم «بيت لي�س‬ ‫لها؛ هذا الع�شق �سكب من خالله ق�صائد غزل‪ .‬فيه تمر �أهله جياع»‪:‬‬ ‫ولعل �أروع ما قيل في هذا ال�صدد �أبيات لل�شاعر ي����ا ن��خ��ل��ة وق���ف���ت ب���ال�������ش���ط ب��ا���س��ق��ة‬ ‫محمد بن عبدالقادر الإح�سائي‪ ،‬ي�صف فيها‬ ‫ي�����ص��ب ف����ي ت���اج���ه���ا �أ������ض�����واءه زح���ل‬ ‫اجتماعا له مع بع�ض ندمائه من الم�شايخ وطلبة مدت �إلى ال�شم�س �أيديها م�صافحة‬ ‫العلم في عين �أم �سبعة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫و�أر����س���ل���ت ظ��ل��ه��ا ف���ي ال��ن��ه��ر يغت�سل‬

‫ك���ـ����أن ج��م��وع ال��ن��خ��ل ف���ي عر�صاتها‬ ‫ت���غ���ل���غ���ل ال�����م�����اء ف�����ي �أع�����راق�����ه�����ا ع��ذ‬ ‫���ص��ف��وف ع�����ذارى حملتها ال��غ�لائ��ل‬ ‫ب��اً ف�أثمر ال���در وال��م��رج��ان والع�سل‬ ‫�إذا روح����ت ري����ح ال�����ش��م��ال ر�ؤو���س��ه��ا‬ ‫ل���ق���د وه����ب����ت ل���ن���ا ظ��ل��ا ت����ف����يء ل��ه‬ ‫ت��م��ي��ل ك��م��ا م���ال ال��م��ح��ب ال��م��وا���ص��ل‬ ‫���س�لا خيمة رث���ة ف��ي ال��ب��ي��د ترتحل‬ ‫* كاتب من م�صر‪.‬‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫■ خالد ربيع ال�سيد*‬

‫ينح�صر ال�شعر العربي منذ ثالثة عقود على الأقل‪ ،‬بين نخبة محدودة من النقاد‬ ‫ال عن الجماهير‪ ،‬وبين ال�شعراء �أنف�سهم الذين �أ�صبحوا‬ ‫الأكاديميين‪ ،‬المنعزلين �أ�ص ً‬ ‫هائمين في �أوديتهم الذاتية‪ ،‬بل �إنهم راح��وا يكونون �شرائح فيما بينهم وتق�سيمات‬ ‫ت�صنفهم �إلى �شعراء تفعيلة‪� ،‬شعراء عمود‪� ،‬شعراء نثر‪ ،‬و�شعراء �شعبيين ونبطيين‪..‬‬ ‫وكان نتيجة ذلك �أن فقد ال�شعر على م�ستوى العالم العربي �أجمع‪ ،‬والخليجي على‬ ‫نحو خا�ص مكانته على م�سرح الحياة الفنية والثقافية‪.‬‬ ‫فيما ي�أتي‪ ،‬محاولة للتطرق �إلى �أطراف ق�ضية «عزوف القاريء عن ال�شعر» ب�شكل‬ ‫�سريع وموح �أكثر منه مف�صل‪ ،‬على �أن ي�ستكمل القاريء �أثناء قراءته بقايا النقاط‬ ‫المطروحة‪ ،‬ويتمم ما بين ال�سطور وما لم يطرح في هذه الكتابة الخاطفة‪ ،‬و�أول ما‬ ‫يلفت االنتباه في ق�ضية «عزلة ال�شعر» هي عالقة ال�شاعر بالقاريء ذاته‪.‬‬ ‫�إ�شكالية عالقة ال�شاعر بالقارىء‬ ‫ظلت العالقة بين ال�شاعر وقارئه محكومة‬ ‫بال�سياق الزماني والمكاني الذي ينتظم عبره‬ ‫كل منهما‪ ،‬حيث تكت�سي هذه العالقة طابعًا‬ ‫ي��واك��ب طبيعة ذل��ك ال�سياق؛ ل��ذا‪ ،‬ف ��إن �أي‬ ‫مقارنة بين مكانة ال�شاعر في الزمن العربي‬ ‫الغابر‪ ،‬ومكانته في الزمن الحا�ضر‪ ،‬لي�ست‬ ‫في محلها‪� ،‬إذ ال قيا�س مع وجود الفارق‪ ،‬وعلى‬ ‫ه��ذا الأ�سا�س ينتفي وج��ود �أي �إ�شكالية في‬

‫عالقة ال�شاعر بالجمهور‪ ،‬فالجمهور العربي‬ ‫والخليجي يجل ال�شاعر دائماً‪ ،‬ولعل البرنامج‬ ‫التلفزيوني (�شاعر المليون) لفت �إلى ذلك‬ ‫م��ن �ضمن م��ا لفت‪ ،‬و�إن ك��ان ال يرمي �إل��ى‬ ‫�إعادة ال�شعر لمكانته‪ ،‬فهو تهييج �إعالمي ال‬ ‫طائل منه �سوى الك�سب المادي‪ ،‬ولأن �إطالق‬ ‫م�صطلح (الإ� �ش �ك��ال �ي��ة) يعني م��ن ج�ه��ة‪..‬‬ ‫اغتيال ال�شاعر‪ ،‬وجعله يخاطب مخلوقات‬ ‫منظورة ولي�ست مح�سو�سة‪ ..‬وهمية ولي�ست‬ ‫واقعية‪ ،‬ومن زاوية �أخرى ي�شير �إلى غياب ُكلّي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪115‬‬


‫‪ 116‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫م��ن ه�ن��ا‪ ،‬اتجهت �أن���ص��اف ال�م��واه��ب �إل��ى‬ ‫«ق�صيده النثر» �أو �إلى منابع لغوية �أخرى بعيدة‬ ‫عن اللغة الأ�صيلة‪� ،‬أو �إلى تيارات فكرية ال تدين‬ ‫ب��ال��والء للتراث الفكري والح�ضار ‏ي العربي‪.‬‬ ‫ومع تراجع ال�شعر �إبداع ًا ‏‏‪ ،‬تراجع دور ال�شعراء‬ ‫وموقعهم على خريطة الأحداث‪ ،‬فان�شغل الكبار‬ ‫منهم بال�سلطة والطموحات‪ ،‬وان�شغل ال�شباب‬ ‫بق�صائدهم المتما�سة مع ق�ضايا التقوقع على‬ ‫ال ��ذات‪ ،‬والإغ� ��راق ف��ي �شعرية الأن ��ا والمهمل‬ ‫والهام�شي والجوّانيّ الخا�ص‪ ،‬وكل ذلك ب�شروط‬ ‫جمالية غربية‪ ،‬وك��ل ذل��ك �أي�ض ًا في عزلة عن‬ ‫روح الجماهير‏‪ ..‬ثم في جانب �آخر كانت اللغه‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ‪-‬وه ��ي ت��اج ال���ش�ع��ر‪ -‬ت�ت��راج��ع ب�شكل‬ ‫مت�سارع‪ ..‬‏ �إذ بد�أ التراجع في مناهج التعليم‏‪..‬‬ ‫‏ و�أ��ص�ب�ح��ت ه�ن��اك غ��رب��ة بين الأب �ن��اء ولغتهم‬ ‫المكرّ�سة بنماذج ال�شعر التي يدر�سها الطالب‬ ‫في المدار�س غير المالئمة لمراحلهم العمرية‬ ‫من �سوء االختيار و�سذاجة المو�ضوعات‪،‬‏ رافق‬ ‫ذلك �إ�سفاف في الغناء ‏‪ ،‬والحوار‪ ،‬وال�سلوكيات‪،‬‬ ‫ورف��ع من مكانة ال�شعر النبطي المُغنّى الذي‬ ‫�أ�سهم في تراجع تذوق الف�صيح الذي لم تُعلِ من‬ ‫�ش�أنه الف�ضائيات الخليجية‪� ،‬سواء في القنوات‬ ‫الغنائية المتخ�ص�صة‪� ،‬أو ف��ي المطبوعات‬ ‫الموجهة‪ .‬‏‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫للقارئ‪ ،‬ومن ثمة تهجيره من عالم ال�شاعر المنعزل �شاكر ال�سياب ذات االتجاه‪ ،‬ون�شطت معه الحركة‬ ‫والق�صيّ ‪ .‬وهناك ما يطر�أ في هذه العالقة‪ ،‬مثل ال�شعرية في الخليج‪ ،‬واهتم النا�س بال�شعر الذي‬ ‫تناق�ص الإقبال على قراءة ال�شعر‪ ،‬وهذا ال يعني الم�س حياتهم‪ ،‬وعبّر ال�شعراء من خالله عن ما‬ ‫النفور منه �أو عدم قبوله‪ ،‬بقدر ما يحيل على �أن يجي�ش في نفو�س �شعوبهم‪ ،‬وك��ان الت�أثر وا�ضح ًا‬ ‫ال�سياق العام ا�ستحال وتبدل‪ ،‬فاكت�شف الإن�سان‪ /‬ب�شعراء م�صر (�أحمد �شوقي‪ ،‬وحافظ �إبراهيم‪،‬‬ ‫القارئ ف�سحات وعوالم جديدة ا�ستبدل بها ال�شعر وعلي محمود ط��ه‪ ،‬ون��اج��ي �إب��راه�ي��م وغيرهم)‪،‬‬ ‫خا�صة‪ ،‬والقراءة عامة‪ ،‬مثل التلفزيون والإنترنت فظهر محمد ح�سن عواد وحمزة �شحاتة‪ ،‬وبعدهم‬ ‫والم�سرح وال�سينما والت�شكيل وغير ذلك‪ .‬وكل هذه محمد العلي وح�سين عرب‪ ،‬وغيرهم الذين �أ ْثرَوا‬ ‫الإبداعات الب�شرية لم تكن موجودة قديما‪ ،‬ما مكّن ال�ساحة الخليجية‪ ،‬وجمعوا النا�س حول ق�صائدهم‪.‬‬ ‫ال�شعر �آنذاك من الهيمنة على كل ُّ‬ ‫ال�صعُد‪ ،‬فكان ثم ظهرت ق�صيده النثر في نهاية الخم�سينيات‪،‬‬ ‫طوال قرون عديدة الفن الأول الذي �ش ّد �إليه �أنظار بر�ؤية �أوروبية خال�صة‪ ،‬مع ظهور مجلة �شعر على يد‬ ‫و�ألباب ونفو�س القراء‪ ،‬من كل الأجنا�س وال�شرائح‬ ‫ال�شاعر �أدوني�س‏ ورفاقه‬ ‫والم�ستويات‪.‬‬ ‫�أن���س��ي ال �ح��اج ومحمد‬ ‫الف�ضائيات ال ي�شغلها االرتقاء‬ ‫ال���م���اغ���وط وال����ج����راح‬ ‫ال�شعر من الداخل‬ ‫ال�شعر‬ ‫مكانة‬ ‫إعادة‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫أغنية‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫و�شوقي بزيع و�سواهم‪،‬‬ ‫كما يمكن القول �إن‬ ‫واكت�سابهم مكانة كبيرة‬ ‫ال�شاعر العراقي «زهير الدجيلي»‬ ‫من �أ�سباب العزوف عن‬ ‫خ�ل��ال ال �ث �م��ان �ي �ن �ي��ات‬ ‫كتب �أكثر من ‪� 100‬أغنية ف�صيحة‬ ‫ال�شعر �سقوط عدد كبير‬ ‫للأطفال وتذوقها كبار الخليجيين‬ ‫وال�ت���س�ع�ي�ن�ي��ات وح�ت��ى‬ ‫من ال�شعراء في العالم‬ ‫قبل �صغارهم‬ ‫الآن‪� ،‬إل� ��ى �أن اكتمل‬ ‫العربي في فخ التقليد‬ ‫ت��أث�ي��ره��م ع�ل��ى ال�شعر‬ ‫�شادي الخليج وطالل مداح وعو�ض‬ ‫ل� �ل� �ن� �م ��وذج ال� �غ ��رب ��ي‪،‬‬ ‫الدوخي وخالد ال�شيخ كان لهم الحظ الخليجي في الع�شرين‬ ‫خا�صة الفرن�سي منه‏‪،‬‬ ‫��س�ن��ة الأخ� �ي ��رة‪ ،‬ب��ذات‬ ‫الأوفر من �أغنية الق�صيدة‬ ‫واالت� �ج ��اه �إل���ى ال�شعر‬ ‫الر�ؤية (الفرنكو �آراب)‬ ‫ال� �ح ��ر ف� ��ي م�ن�ت���ص��ف‬ ‫‏والتي تحوّلت نحو التراث‬ ‫القرن الع�شرين من جهة‬ ‫العربي فيما بعد‪.‬‏‬ ‫الت�أثر ب�شعراء فرن�سا الحداثيين الكبار‪ ،‬وبروز‬ ‫وال �شك �أن عدد ًا من �شعراء الأجيال الجديدة‬ ‫نازك المالئكة في ديوانها الأول (�شظايا ورماد)‬ ‫في العام ‪1949‬م بمثابة البيان الذي �أرخ انطالقة في الخليج ت�أثروا بالم ّد الحديث‪� ،‬سواء من دول‬ ‫ق�صيدة ال�شعر الحر‪ ،‬وكان كتابها (ق�ضايا ال�شعر ال�ه�لال الخ�صيب �أو م��ن م�صر‪ ،‬و��س��اي��روا ذلك‬ ‫المعا�صر) في العام ‪1962‬م من بين مباحثها التي االتجاه‪ ..‬‏ وال جدال في �أن مجموعة �شعراء مجلة‬ ‫ت�شهد بثقافة لغوية وعرو�ضية نادرة بين مجايليها «�شعر» كانوا �شعراء مثقفين �أ�صحاب ر�ؤى و�أفكار‬ ‫وي�ؤ�س�س مذهب الحداثة في ال�شعر‪ ،‬وكر�س بدر متقدة‏‪..‬‏ ولكن ثمة من يرى بخطئهم في حق ال�شعر‬

‫العربي من جهة �أنهم جعلوا الع�شرات من ال�شعراء الأغنية الخليجية في مواجهة العزوف عن ال�شعر‬ ‫ال���ش�ب��اب ي�ن�ب�ه��رون بتجربتهم‪ ،‬وه��م ال يملكون‬ ‫حافظت الأغنية الخليجية في العقود الأخيرة‬ ‫�أدواتهم �أو ثقافتهم �أو عالقتهم العميقة بالتراث‪ ..‬على ال�شعر العربي‪ ،‬ربما بتوجهات غير متق�صدة‪،‬‬ ‫لقد كانوا وال زالوا يمار�سون الهدم والبناء بوعي وب ��د�أت م��ن الأغ��ان��ي التي كتبها ال�شاعر «زهير‬ ‫كبير‪ ،‬وه��ي الآل �ي��ة ال�ت��ي ت �ج��اوزوا بها ع�صرهم ال��دج�ي�ل��ي» ط ��وال ع�ق��د الثمانينيات ل�ل�أط�ف��ال‪،‬‬ ‫و�شعوبهم العربية‪ ،‬وهي في جانب مقابل �آلية تبعتها وقدمتها التلفزيونات الخليجية‪ ،‬من خالل برامج‬ ‫نخبة نائية عن ح�س الجماهير‏‪ .‬‏‬ ‫«اف�ت��ح ي��ا �سم�سم»‪ ،‬وم�ق��دم��ات حلقات الأط�ف��ال‬ ‫«عدنان ولينا»‪ ،‬و«ب�سمة وعبدو»‪ ،‬و«�سنان»‪ ،‬و«الأمير‬ ‫ياقوت» وغيرها الكثير؛ والتي وجهت ذائقة الأطفال‬ ‫والكبار نحو الأغنية الف�صيحة‪ .‬وقبل ذل��ك في‬ ‫بدايات القرن‪ ..‬ت�أ�س�ست �أل��وان الغناء الحجازية‬ ‫«المج�س» ال��ذي ك��ان يفتتح المطربون‬ ‫ّ‬ ‫على ل��ون‬ ‫به �أغنياتهم‪ ،‬وي�شترط �أن يكون من عيون ال�شعر‬ ‫العربي‪ ،‬مثل‪ :‬ق�صيدة �أحمد �شوقي (دعوه فتولى)‪،‬‬ ‫وق�صيدة �إبراهيم طوقان (مدائح النبوة)‪ ،‬وكذلك‬ ‫ل��ون «ال��دان��ات» مثل (ياعرو�س ال��رو���ض‪ ،‬لل�شاعر‬ ‫�إليا�س فرحات)‪.‬‬

‫وت�ضافر في تلك الفترة ظهور �أعمال غنائية‬ ‫و�أوبرالية قدمها «�شادي الخليج» و«�سناء الخراز»؛‬ ‫وه��ي ق�صائد ف�صحى تلتقي �أحيانا مع العامية‬ ‫المعرّبة‪ ،‬وعمِ َل «خالد ال�شيخ» على النهج نف�سه‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال �أغانيه الف�صحى والعامية المطعّمة‬ ‫بالف�صحى المب�سطة‪ ،‬كما تغنّى الفنان «عو�ض‬ ‫الدوخي» ب�أغنيات ال�صوت الف�صحى و�أغنيات �أم‬ ‫كلثوم الق�صائد منها والعاميات‪ ،‬وكانت تلك الفترة‬ ‫مكثفة االهتمام من قبل الجماهير بال�شعر الر�صين‬ ‫وبالكلمات الف�صحى‪ ..‬ثم درج فنانون �آخرون على‬ ‫غناء ق�صائد ف�صحى ب�شكل متفرق ال يجعل منها‬ ‫لون ًا �سائداً‪� ،‬إذ نجد ط��ارق عبدالحكيم قد تغنّى‬ ‫ب�أنا�شيد دينية ووطنية وعاطفية من ال�شعر الف�صيح‬ ‫(�أهيم بروحي‪� ،‬شعر طاهر زمخ�شري)‪ ،‬و(�سايره)‬ ‫عبداهلل محمد‪( ،‬هيجت ذكراه حبي) وغنى «غازي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪117‬‬


‫‪ 118‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫علي» (�أن�صف الليل‪�،‬شعر ب�شارة الخوري)‪( ،‬على من ال�شباب �إلى �شعر نزار بالتحديد‪ ،‬وا�ستمرت تلك‬ ‫ذكراك‪ ،‬لطاهر زمخ�شري)‪ ..‬وبرز «طالل مداح» الأغنيات في ذات الألق بتكري�س ال�شعر الف�صيح‪/‬‬ ‫منذ بداياته بالغناء الف�صيح (زل الطرب‪ ،‬كلمات القباني‪ ،‬ولكنها لم تخلق حالة من االهتمام بقراءة‬ ‫بدر بن عبدالمح�سن)‪�( ،‬سويعات الأ�صيل‪ ،‬كلمات ال�شعر �أو التغني به‪ ،‬وبقيت كحالة فردية خا�صة‬ ‫محمد الأدري�سي)‪(،‬طفلة تحت المطر‪ ،‬لبدر بن بكاظم ال�ساهر وح��ده‪ ،‬ومع تكرر �أ�سلوب ال�ساهر‬ ‫عبدالمح�سن)‪( ،‬تعلق قلبي‪ ،‬من ق�صيدة من�سوبة مو�سيقي ًا و�شعرياً‪ ،‬وتخ�ص�صه التام في �شعر نزار‬ ‫لأم��رء ال�ق�ي����س)‪(،‬م��اذا �أق ��ول‪ ،‬لفتى ال�شاطيء) من دون غيره‪ ،‬فلم ي�شكّل توجه ًا خليجي ًا عام ًا نحو‬ ‫و(وطني الحبيب‪ ،‬كلمات خالد ال�سعد)‪ ،‬ف�ض ًال ال�شعر الف�صيح‪ ،‬و�أدى ا�شتغال ال�ساهر بمفرده على‬ ‫عن مواويله العديدة التي كان يفتتح بها الغناء‪ ،‬تكرار تجربته �إلى خفوت بريق هذا اللون‪ ،‬وان�سحبت‬ ‫وغنى محمد علي �سندي (�أراك ع�صي الدمع‪ ،‬لأبي جاذبية االهتمام بال�شعر الف�صيح المغنى‪ ..‬غير �أنه‬ ‫فرا�س الحمداني)‪ ،‬وتخلل ذلك �أغنيات ف�صحى في ال�سياق العام‪ ،‬وبتتبع الأغنية الخليجية ب�شكل‬ ‫ل�ـ«م�ح�م��د ع �ب��ده» (ل ��ورا‪،‬‬ ‫ب��ان��ورام��ي ف��ي ال�ع�ق��ود‬ ‫الق�صيبي‬ ‫غازي‬ ‫كلمات‬ ‫لورا‬ ‫�شعر غازي الق�صيبي)‪،‬‬ ‫الأخ �ي��رة‪ ،‬نجد �أنها لم‬ ‫ذاك حبي �إذا الجمال ر�آها‬ ‫(ع� ��ذب� ��ة �أن � � ��ت‪ ،‬لأب� ��ي‬ ‫ت�سهم في �ش ّد المتلقي‬ ‫ذاب من فرط ح�سنها الفتان‬ ‫ال �ق��ا� �س��م ال �� �ش��اب��ي)‪،‬‬ ‫الخليجي �إل ��ى ال�شعر‬ ‫(�أن � �� � �ش� ��ودة ال �م �ط��ر‪ ،‬لورا‪ ..‬تلك لورا‪ ..‬فداء لورا الغواني الف�صيح ط��وال الوقت‪،‬‬ ‫لبدر �شاكر ال�سياب)‪،‬‬ ‫تتوارى عن العيون احت�شام ًا‬ ‫رغ ��م ظ �ه��ور ال�ت�ج��ارب‬ ‫وعبادي الجوهر (نالت‬ ‫المتفرقة والمتباعدة‬ ‫وحنان ًا بمهجة الفنان‬ ‫ع �ل��ى ي ��ده ��ا‪ ،‬ق���ص�ي��دة‬ ‫ال���س��ال�ف��ة ال��ذك��ر‪ ،‬و�إن‬ ‫�أنت �شاد ومثلها ين�شد الرفق‬ ‫ل �ي��زي��د ب ��ن م �ع��اوي��ة)‪،‬‬ ‫كانت قد خلقت وج��ود ًا‬ ‫�صواب ًا في لجة من حنان‬ ‫(�إل�ي��ك ان�ق�ي��ادي‪� ،‬شعر لورا‪ ..‬تلك لورا‪ ..‬فداء لورا الغواني متميز ًا �أمتع المتتبعين‬ ‫عبدالعزيز خوجة)‪..‬‬ ‫م��ن الجماهير لأغنية‬ ‫وتوارت تحت الحنايا فكانت‬ ‫ال �ق �� �ص �ي��دة‪ ،‬و�أغ � ��رت‬ ‫وح ��دث ان�ق�ط��اع عن‬ ‫ناب�ض ًا في م�شاعري وكياني‬ ‫ب �ط��ري �ق��ة �أو ب� ��أخ ��رى‬ ‫ال���ش�ع��ر ال�ف���ص�ي��ح بعد‬ ‫هواها‬ ‫عن‬ ‫�شاعري‬ ‫يا‬ ‫ت�سلني‬ ‫ال‬ ‫�إل ��ى ق� ��راءة ال��دواوي��ن‬ ‫منت�صف الثمانينيات‬ ‫ل�ساني‬ ‫يبوح‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫ال�سر‬ ‫يرف�ض‬ ‫ال �� �ش �ع��ري��ة واق �ت �ن��ائ �ه��ا‬ ‫�إل��ى �أن ظهر ف��ي بداية‬ ‫ال�ت���س�ع�ي�ن�ي��ات «ك��اظ��م لورا‪ ..‬تلك لورا‪ ..‬فداء لورا الغواني ب�شكل م �ح��دود‪ ،‬ولكنه‬ ‫عندما ت�صبح القيود حنان ًا‬ ‫ف��اع��ل ورا� � �س� ��خ‪ ،‬فيما‬ ‫ال� ��� �س ��اه ��ر» ب ��أغ �ن �ي��ات��ه‬ ‫وتمر ال�سنون مثل الثواني‬ ‫ك��ان التم�سك بال�شعر‬ ‫الف�صحى الم�أخوذة من‬ ‫ال�ع��ام��ي والنبطي هما‬ ‫ق�صائد ل �ن��زار قباني‪،‬‬ ‫عندها ت�صبح القيود انعتاق ًا‬ ‫ال� �م� ��� �س� �ي� �ط ��ران ع �ل��ى‬ ‫فكانت لها ح�ظ��وة عند‬ ‫وانطالقا �إلى عزيز الأماني‬ ‫الغالبية العظمى لدى‬ ‫الجماهير في بدايتها‪ ،‬لورا‪ ..‬تلك لورا‪ ..‬فداء لورا الغواني‬ ‫ولفتت الأجيال ال�صاعدة‬ ‫الجماهير‪.‬‬

‫ناطحات ال�سحاب‬ ‫في القديم والحديث‬ ‫■ غازي خريان امللحم*‬

‫ناطحات ال�سحاب‪ ،‬عمارات عمالقة �شيّدها الإن�سان لم�آرب في نف�سه‪ ،‬تراوحت بين‬ ‫الأم��ور الدينية والدنيوية‪ .‬وهذا النوع من الأبنية لم يكن وقفاً على �شعب بعينه �أو‬ ‫ع�صر بذاته‪ ،‬بل كان له وجوده على امتداد الأمكنة‪ ،‬وكر الدهور‪ ،‬و�شكّل هذا الوجود �أو‬ ‫عدمه عنواناً عري�ضاً لتقدم الأمم �أو تخلفها‪.‬‬ ‫وكان للعرب كما في كل حال‪ ،‬ق�صبات ال�سبق في هذا المجال‪ ،‬تمثلت في العديد‬ ‫من ال�صروح المعمارية العمالقة التي ال زالت �آثارها باقية �إلى اليوم‪ ،‬نجدها ماثلة‬ ‫للعيان في الكثير من المواقع‪� ،‬شواهد تاريخية تنب�ض بعراقة هذه الأمة و�أ�صالتها‪.‬‬ ‫ومن تلك المعالم العمالقة التي ي�شهد لها التاريخ بالعظمة‪:‬‬ ‫برج بابل‬ ‫على مر الأجيال‪ ،‬وتواتر الأزم��ان‪ ،‬والنا�س‬ ‫تتخيل «برج بابل» من حيث ال�شكل وال�ضخامة‬ ‫وطريقة تو�ضعه على الأر� ��ض‪ ،‬معتمدين في‬ ‫ت�صويره على م�صادر تاريخية ع��دة‪ ،‬وعلى‬ ‫ا�ستنتاجات دقيقة‪ ،‬هي خال�صة درا�سات مطولة‬ ‫ق��ام بها ب��اح�ث��ون مخت�صون ف��ي علم الآث ��ار‪،‬‬ ‫وممن تحدثوا عن هذا البرج و�أ�سهبوا‪ ،‬الم�ؤرخ‬ ‫اليوناني‪« :‬هيرودتو�س» الذي ذكر �أنه ر�أى في‬ ‫العام ‪ 45‬ميالدية‪ ،‬مدينة بابل‪ ،‬و�شاهد فيها‬ ‫�شخ�صي ًا برج ًا ي�سمو �إلى الأعلى‪ ،‬مكون ًا من عدة‬

‫طبقات مترا�صة ت�شبه ال�سطوح‪ ،‬الواحد منها‬ ‫فوق الآخ��ر‪ ،‬وكل طبقة �أ�صغر من التي تحتها‪،‬‬ ‫وهو من ال�ضخامة واالرتفاع حيث يبدو للناظر‬ ‫وك�أنه الطود العظيم‪.‬‬ ‫وق��د عثر �أخ �ي��ر ًا م��ن قبل بع�ض البعثات‬ ‫الأثرية على لوحة فخارية في المكان نف�سه‪،‬‬ ‫حُ فر عليها ن�ص يقول‪�« :‬إن برج ًا ك��ان هنا»‪،‬‬ ‫وتو�ضح هذه اللوحة �أن البرج كان يتكون من ‪33‬‬ ‫طابقاً‪ ،‬بارتفاع ‪ 91‬ذراع �اً‪ ،‬وهو بال �شك برج‬ ‫بابل الذي �سلف ذكره في الكثير من الم�صادر‬ ‫الدينية والتاريخية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪119‬‬


‫�صورة تخيليلة لبرج بابل‬

‫حدائق بابل المعلقة‬

‫ق�صر غمدان‬ ‫يعد �أول ناطحة �سحاب م�أهولة في العالم القديم‪،‬‬ ‫�إذ بني هذا الق�صر في مطلع القرن الأول الميالدي‬ ‫على �أر�ض اليمن‪ ،‬وا�ستمر في حالة جيدة لمدة �ستة‬ ‫قرون‪ .‬وذكر «الهمداني» الم�ؤرخ العربي المعروف‪،‬‬ ‫و�صف ًا دقيق ًا ومثير ًا لذلك البناء ال�شامخ‪ ،‬الذي يت�ألف‬ ‫من ع�شرين طابقاً‪ ،‬وكانت حجارته من الغرانيت‬ ‫الأ�سود‪ ،‬والرخام الأبي�ض‪ ،‬وكان م��ؤزر ًا من الخارج‬ ‫بالف�ضة‪ ،‬وداخله مزيَّنٌ بالف�سيف�ساء و�صنوف الدرر‬ ‫والجواهر‪ ،‬وقد و�صفه ال�شاعر بقوله‪:‬‬

‫�أمبير �ستيت‬

‫برجا الفي�صلية والمملكة في الريا�ض‬

‫ي�������س���م���و �إل�������ى ك���ب���د ال�������س���م���اء م�������ص���ع���داً‬ ‫ع�������ش���ري���ن ����س���ق���ف���اً ���س��م��ك��ه��ا ال ي��ق�����ص��ر‬ ‫وم��������ن ال���������س����ح����اب م���ع�������ص���ب ب���ع���م���ام���ة‬ ‫وم����������ن ال������غ������م������ام م����م����ن����ط����ق وم�������������ؤزر‬

‫ق�صر غمدان من �أهم معالم العا�صمة اليمنية �صنعاء‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫ناطحات ال�سحاب حديث ًا‬ ‫ه��ذه الرغبة التي جعلت الإن�سان القديم يقوم‬ ‫ببناء برج بابل وق�صر غمدان‪ ،‬وغيرها من عمالقة‬ ‫برج الراجحي ك�أعلى ناطحة �سحاب في المملكة‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫برج بابل بين الواقع والأ�سطورة‬

‫حدائق بابل المعلقة‬ ‫وم��ن الأواب ��د التي ت�ن��درج ف��ي ح�ساب ناطحات‬ ‫ال�سحاب‪ ،‬حدائق بابل المعلّقة‪ ،‬التي بنيت على هيئة‬ ‫م�صاطب‪ ،‬كل واحدة منها فوق الأخرى‪ ،‬ت�ستند على‬ ‫ق��وائ��م وع��وار���ض م��ن خ�شب ال �ل��زاب‪ ،‬ال��ذي يحاكي‬ ‫ب�صالبته �صالبة الفوالذ‪ ،‬وكان ارتفاع البناء يناهز‬ ‫‪ 23‬متراً‪ ،‬وق��د زرع��ت تلك الم�صاطب بالعديد من‬ ‫�أنواع الأ�شجار المثمرة والزهور‪ ،‬والعنب‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫ويتم ال�صعود والتنقل من م�صطبة �إل��ى �أخ��رى‬ ‫عن طريق �سلم رخامي‪ ،‬ينتهي عند �أعلى نقطة في‬ ‫الحدائق‪ ،‬ويتم ريّ تلك الم�صاطب بموا�سير على هيئة‬ ‫ال�شبكة‪ ،‬م�أخوذة من الق�صب الفار�سي المجوف‪،‬‬ ‫وه��ذه الطريقة في ال�سقاية تمثل قمة التح�ضر في‬ ‫ذل��ك الوقت‪ .‬وف��ي �أعلى نقطة في الحدائق �شيدوا‬ ‫ق�صر ًا م�ؤلف ًا من عدة طبقات‪ ،‬كان غاية في الروعة‬ ‫والأناقة‪.‬‬

‫البنيان‪ ،‬هي نف�سها التي دفعت الأجيال التالية وما‬ ‫تزال تدفع �إلى اليوم �أجياال �أخرى‪� ،‬إلى بناء عمارات‬ ‫و�أب��راج بلغت من ال�ضخامة حد ًا �أين من �ضخامتها‬ ‫برج بابل ومثيالته؟! لتكون لهم باب ًا �إل��ى الف�ضاء‪،‬‬ ‫تمام ًا كما كانت رغبة �أ�سالفهم في الزمن الغابر‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬لم ت�ستطع هذه الرغبة �أن ترى النور‬ ‫ب�شكل واقعي �إال في العام ‪1929‬م‪� ،‬إذ يمكن القول �إن‬ ‫ع�صر ناطحات ال�سحاب قد بد�أ حقاً‪ ،‬فن�ش�أ في مدينة‬ ‫نيويورك مبنى �شركة «كريزلر» ل�صناعة ال�سيارات‪،‬‬ ‫وبلغ ارتفاع هذا البناء ‪ 77‬طابقاً‪ ،‬ثم تلته ناطحات‬ ‫�سحاب �أخ��رى و�صل ارتفاع بع�ضها �إل��ى‪ 100‬طابق‪،‬‬ ‫وما لبثت هذه الأنواع من القالع الحديثة �أن انت�شرت‬ ‫ب�سرعة فائقة في معظم المدن الأمريكية الكبرى‪.‬‬ ‫�أمبير �ستيت �أ�شهر ناطحة �سحاب‬ ‫وتجدر الإ��ش��ارة هنا �إل��ى �أن «�أمبير �ستيت» في‬ ‫نيويورك‪ ،‬تظل �أ�شهر مباني العالم جميع ًا و�أعالها‬ ‫و�أ�ضخمها‪ ،‬وذلك على الأقل خالل القرن المن�صرم‪،‬‬ ‫�إذ بلغ ارتفاعها ‪ 102‬طابقاً‪ ،‬وق��د بنيت بعد مبنى‬ ‫«ك��ري��زل��ر» بعام واح��د‪� ،‬أي ف��ي ال�ع��ام ‪1930‬م‪ ،‬وقد‬ ‫�أ� �ش��رف ع�ل��ى و� �ض��ع ت�صاميمها ث�لاث��ة م��ن �أ�شهر‬ ‫المهند�سين الأم��ري �ك��ان ه��م‪� �« :‬ش��رف» و«الم ��ب»‬ ‫و«هارمون»‪ ،‬وقد بنيت على هيئة طوابق هرمية‪ ،‬ت�شبه‬ ‫�إلى حد بعيد «برج بابل» ال�سالف الذكر‪.‬‬ ‫ناطحات �سحاب عالمية‬ ‫�إن ن��اط�ح��ات ال���س�ح��اب‪ ،‬ل��م ت�ع��د وق �ف � ًا على‬ ‫الواليات المتحدة الأمريكية‪ ،‬فقد �شهدت بع�ض‬ ‫العوا�صم العالمية نه�ضة معمارية هائلة‪ ،‬وكان‬ ‫من بينها ناطحات �سحاب �ضخمة ت�ضاهي تلك‬ ‫الموجودة في �أمريكا‪ ،‬ومن تلك الأبنية‪ ،‬نذكر‪:‬‬ ‫مبنى «جا�سبرو ل�ي�ب��رو» ف��ي مدينة ��س��ان باولو‬ ‫البرازيلية‪ 80،‬طابقاً‪ ،‬ومبنى جامعة «ميخائيل‬ ‫ل��وم��ون��وزوف» في مو�سكو‪ ،‬ارتفاعها ‪ 89‬طابقاً‪،‬‬ ‫ومبنى «العلم والح�ضارة» في العا�صمة البولونية‬ ‫وار��س��و ‪ 83‬طابقاً‪ ،‬وب��رج «بور�صة فكتوريا» في‬ ‫مونتريال بكندا‪ ،‬بلغ ارتفاعه ‪ 74‬دوراً‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪121‬‬


‫ناطحات �سحاب في �أميركا‬

‫برج خليفة �أطول مبنى في العالم‬ ‫�شهدت بع�ض العوا�صم العربية نه�ضة معمارية‬ ‫كبرى‪ ،‬ال �سيما في القرن الحالي‪ ،‬وباتت ناطحات‬ ‫ال�سحاب ت�سمق بقاماتها المديدة في كل من‪ :‬دم�شق‪،‬‬ ‫وبيروت‪ ،‬والريا�ض‪ ،‬و�أب��و ظبي‪ ،‬والجزائر‪ .‬وتون�س‪،‬‬ ‫والكويت‪ ،‬وغيرها من العوا�صم العربية؛ حتى قيل‬ ‫�إن �أعلى ناطحة �سحاب في عالم اليوم توجد في‬ ‫البالد العربية‪ ،‬وبالتحديد في مدينة دبي‪ ،‬متمثلة‬ ‫ف��ي «ب��رج خليفة» ال��ذي يعد �أط��ول ناطحة �سحاب‬ ‫في العالم ب�أ�سره‪ ،‬حيث يبلغ ارتفاعه ‪ 828‬متراً‪،‬‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫الم�صعد الكهربائي‬ ‫والحديث عن ناطحات ال�سحاب‪ ،‬يقودنا بال�ضرورة‬ ‫�إلى الحديث عن الم�صاعد الكهربائية‪ ،‬التي لوالها‬ ‫لما قامت مثل هذه الأبنية ال�شامخة‪ ،‬ولكان ال�صعود‬ ‫�إلى �أدوارها العليا من �أ�شق الأعمال‪ ،‬لكن وجود تلك‬ ‫ال�ساللم الطائرة‪ ،‬ح َّل الم�شكلة‪ ،‬و�س َّه َل الحركة بين‬ ‫الطوابق‪ ،‬و�أ�صبح ما على الراكب �سوى ال�ضغط على‬ ‫زر رقم الطابق الذي يريده‪ ،‬في�صل �إلى مق�صده قبل‬ ‫�أن يرتد �إليه طرفه‪.‬‬ ‫ويعود الف�ضل في اختراع الم�صعد الكهربائي �إلى‬ ‫العالم الأمريكي‪« :‬لي�شا �أوتي�س» في العام ‪1856‬م‪،‬‬ ‫ومع مرور الوقت تطورت �صناعة الم�صاعد‪ ،‬وتح�سنت‬ ‫م��ن حيث الأداء والأم���ان وال���س��رع��ة‪ ،‬حتى و�صلت‬ ‫�سرعة بع�ضها �إلى ‪ 9 .609‬متر‪ /‬الدقيقة ‪ ،‬ومثل هذه‬ ‫الم�صاعد الفائقة ال�سرعة تكون ملحقة في الأبنية‬ ‫ذات االرتفاعات القيا�سية‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫لماذا ناطحات ال�سحاب؟!‬ ‫�إن �سكان العالم في تزايد م�ستمر‪ ،‬و�أكثر ه�ؤالء‬ ‫ي�سكن المدن التي �أخذت تتو�سع على ح�ساب الأر�ض‬ ‫ال�صالحة للزراعة‪ ،‬وهذا التمدد في كل االتجاهات‪،‬‬ ‫يلقي على كاهل الدول تبعات وم�شاكل كثيرة‪ ،‬تتمثل‬ ‫في �شق طرق جديدة وتو�سعها‪ ،‬و�إن�شاء �أنفاق‪ ،‬وبناء‬ ‫ج�سور معلقة‪� ،‬إ�ضافة لخدمات �أخ��رى من كهرباء‬ ‫وماء وبنى تحتية مختلفة‪ ،‬تحتاج �إلى ميزانية �ضخمة‬ ‫من المال والجهد والوقت‪.‬‬ ‫ولم يبق والحالة هذه �إال اللجوء �إل��ى بناء مدن‬ ‫تمتد ر�أ�سياً‪ ،‬وعمائر تتطاول �إلى الأعلى‪ ،،‬حتى تبلغ‬ ‫‪ 3200‬متراً‪ ،‬تتكون من ‪ 850‬طابقاً‪ ،‬وت�ستوعب ن�صف‬ ‫مليون �ساكن ًا تقريباً‪.‬‬ ‫�شيكاغو‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫برج خليفة‬

‫ويمثل هذا البرج مدينة متكاملة‪ ..‬ت�ضم العديد من‬ ‫الوحدات ال�سكنية والم�ساحات التجارية‪ ،‬ومراكز‬ ‫ت�سويق وترفيه‪ ،‬مثل «دبي مول» �أكبر مراكز الت�سويق‬ ‫والترفيه العالمية‪ ،‬وي�ضم ‪ 1200‬متجر‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫‪ 160‬مطعم ًا ومقهى‪ ،‬ومجموعة من �أه��م المرافق‬ ‫ال�سياحية والترفيهية‪ ،‬ومجمع �سوق البحار‪.‬‬

‫ال ي�سمح ب�إن�شاء بنايات يزيد ارتفاعها على ثمانية‬ ‫طوابق‪ ،‬فوجدوا �أن الطريقة المثلى والوحيدة المتاحة‬ ‫لبناء عمارات تزيد عن ذل��ك الحد �أن تكون تحت‬ ‫الأر�ض‪ ،‬وهذه �إحدى �صراعات الح�ضارة التي نعي�شها‬ ‫اليوم!‬ ‫ال تزال الإن�سانية تبني �أبراج ًا م�ؤملين من خاللها‬ ‫�أن يبلغوا قمة الغبطة وال�سعادة المثلى‪ ،‬التي ما‬ ‫لبثت ت�صبوا �إليها الأرواح وت�شتاقها الأفئدة‪ ،‬منذ �أن‬ ‫ا�ستوطن الإن�سان الأر�ض‪ ،‬و�أمر ب�إعمارها‪.‬‬ ‫وها هم‪� ،‬أبناء هذا الع�صر‪ ،‬وبينهم وبين ع�صر‬ ‫بابل هوّة �سحيقة من الدهور‪ ،‬يقلدون من �سبقهم‪،‬‬ ‫تايبي ‪ 101‬ثاني �أطول ناطحة �سحاب في العالم‬ ‫وقد ذكر �أحد المهند�سين المخت�صين‪ :‬لقد قررنا ويتر�سمون خطاهم لإتمام ما بد�أه �أ�سالفهم‪ ،‬ولكن‬ ‫�أن نبني مدن ًا �صغيرة متكاملة تتجه بيوتها �إلى فوق‪ ،‬ب � ��أدوات مختلفة‪ ،‬ولأغ��را���ض متباينة‪ ،‬وم�صالح‬ ‫وت�ضم كل منها ما بين ‪ 4000-1500‬وحدة �سكنية‪ .‬متعددة‪ ،‬لكن الغاية تظل واحدة‪.‬‬ ‫وعمائر كهذه‪ ،‬تكون معر�ضة لقوة الريح‪ ،‬وكذلك‬ ‫وال نن�سى �أن نذكر �أن الذي مهّد لهذه االرتفاعات‬ ‫لهزات �أر�ضية زلزالية‪ ،‬واحتياط ًا لهذه وتلك‪ ..‬و�ضع‬ ‫لأمثال هذه العمائر ت�صميمات جديدة اقتب�ست من ال�شاهقة‪ ،‬التطور الهند�سي الكبير الذي �أمكن �صناعة‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وهي على هيئة ال�شجرة ذات الجذور التي هيكل هذه المباني كلها من الحديد وال�صلب‪ ،‬فهذه‬ ‫ت�ضرب ف��ي عمق الأر� ��ض‪ ،‬فتقاوم بها فعل الريح الناطحات تبنى في الواقع من حديد �صلب جداً‪ ،‬ثم‬ ‫وارتعا�ش الأر�ض‪.‬‬ ‫تملأ جدرانها بالطوب �أو الزجاج الم�صنع لهذه الغاية‪.‬‬ ‫ناطحات الأر�ض‬ ‫الم�صادر‬ ‫وم��ن المفارقات الم�ستحدثة في دنيا ناطحات‬ ‫ م‪ .‬ط‪ :‬ناطحات ال�سحاب – مجلة العربي – �ص ‪ -147‬العدد‬‫ال�سحاب‪ ،‬تلك التي قام بها فريق من المهند�سين‬ ‫‪ – 116‬تموز ‪1968‬م – الكويت‪.‬‬ ‫المعماريين في المك�سيك‪ ،‬عندما �أخ��ذوا بت�صميم‬ ‫هرم من الزجاج والفوالذ بارتفاع ‪ 65‬طابقا‪ ،‬ليتم ‪ -‬غازي الملحم – مدائن الغد – مجلة الفي�صل العدد ‪�– 49‬ص‬ ‫‪ 76‬حزيران ‪1989‬م‪.‬‬ ‫بنا�ؤه في و�سط الميدان التاريخي في قلب العا�صمة‬ ‫المك�سيكية‪ ،‬غير �أن��ه �إذا تم بنا�ؤه فلن يتمكن �أحد ‪ -‬هيلين كيرز – ت‪ :‬ع�صام ع�سيران‪ -‬ناطحات ال�سحاب في اليمن‬ ‫– عدن ‪1980‬م‪.‬‬ ‫من ر�ؤيته البتة‪ ،‬ويعود ال�سبب في ذلك كونه �سيكون‬ ‫�أول بناء ناطحة �أر�ض في العالم‪ ،‬حيث �سيتم بنا�ؤه ‪ -‬الع�صر الجاهلي الأع�شى د‪ .‬محمد �صبري الأ�شتر‪ ،‬مديرية‬ ‫على عمق ‪300‬م تحت الأر�ض‪ ،‬لأن القانون المك�سيكي‬ ‫الكتب والمطبوعات الجامعية بحلب‪ .‬ط‪1973-1972(2‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪123‬‬


‫مجلد يقع في (‪� )315‬صفحة باللغة العربية‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى (‪� )102‬صفحة باللغة االنجليزية‪،‬‬ ‫�ضمت ك��اف��ة ال�ب�ح��وث المتعلقة بالإن�سان‬ ‫والبيئة في وطننا العربي في �ضوء االكت�شافات‬ ‫الأث��اري��ة (ن��دوة �أدوم��ات��و الثانية)‪ ،‬بم�شاركة‬ ‫نخبة من الباحثين والعلماء المخت�صين في‬ ‫�آثار الوطن العربي من جامعات ومراكز بحث‬ ‫عربية و�أجنبية من داخ��ل المملكة العربية‬ ‫ال�سعودية وخارجها‪.‬‬ ‫يعد هذا المجلد ع�صارة لأعمال علماء �أفذاذ‬ ‫ال ي�شك في قدراتهم في التنقيب والو�صول‬ ‫�إل��ى نتائج تذكر للمرة الأول��ى‪ ..‬وكثير منها‬ ‫نتائج �أبحاث علمية ت�ؤدي �إلى معرفة خال�صة‬ ‫بحقائق الأمور‪..‬‬ ‫جدير بالذكر �أن هذه الندوة �أقيمت في المقر‬ ‫الرئي�س لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬ ‫ال�خ�ي��ري��ة ب�سكاكا خ�ل�ال ال �ف �ت��رة ‪22-20‬‬ ‫ج�م��ادى الأول ��ى ‪1431‬ه� �ـ ال�م��واف��ق ‪/6-4‬‬ ‫مايو‪2010/‬م ‪.‬‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫يقع الكتاب في (‪� )61‬صفحة من الحجم‬ ‫المتو�سط‪ ..‬يت�ضمن(‪ )24‬مقاال تنم جميعها‬ ‫عن �شعور متدفق بالحب نحو الأهل والوطن‪.‬‬ ‫�إذ تحمل في ثناياها ما حوته خزانة رحلة‬ ‫الكاتبة التربوية والأدبية واالجتماعية التي‬ ‫عا�شتها على �أر�ض الجوف‪ .‬وما تزال تعي�شها‬ ‫وت��ر��ص��ده��ا‪ ..‬وال غ��رو ف��ي ذل��ك؛ فهي ابنة‬ ‫الجوف‪ -‬م�سقط ر�أ�سها‪ -‬تنف�س�ست من هوائه‬ ‫وتنعمت في خيراته‪ ..‬وترعرت بين ظهرانيه‬ ‫و�سط �أهلها ونا�سها‪.‬‬ ‫ق��دم ل�ه��ذا ال�ك�ت��اب ال��دك �ت��ور عبدالرحمن‬ ‫ال�شبيلي الذي يتطلع للم�ؤلفة من خالل موقعها‬ ‫الثقافي الرائد �أن ت�أخذ زمام المبادرة لتتبع‬ ‫م�سيرة فتاة الجوف من بداياتها و�صوال �إلى‬ ‫ما و�صلت �إليه من تفوّق في العلوم والفنون‬ ‫والآداب‪.‬‬ ‫وللم�ؤلفة �إ�صدار �سابق بعنوان «ر�ؤى و�آفاق»‬ ‫�صدر عام ‪1430‬هـ‪.‬‬

‫جاء الكتاب في (‪� )154‬صفحة من القطع‬ ‫المتو�سط‪ ..‬وه��و لي�س مذكرات �شخ�صية‪..‬‬ ‫و�إنما نغم عاطفي‪ ..‬دندنه الم�ؤلف بقلمه‪..‬‬ ‫�أ�شبه بتغريدات �شاردة‪ ،‬يهديها لكل القلوب‬ ‫التي �أتلفها الغياب‪ ..‬ومزقها الرحيل‪..‬‬

‫جاء الديوان في مئة و�سبع و�سبعين �صفحة من‬ ‫القطع المتو�سط‪� ،‬ضاما العديد م��ن الن�صو�ص‬ ‫ال�شعرية التي تجاذبتها مو�ضوعات الحياة اليومية‪،‬‬ ‫المتمثلة بالهم ال��ذات��ي والبعد ال��وج��دان��ي ت��ارة‪..‬‬ ‫وبالهم الجماعي الإن�ساني تارة �أخرى‪ ،‬فقد جاءت‬ ‫الق�صائد بلون �أراد به ال�شاعر �أن يكون له ت�شكالته‬ ‫الخا�صة عبر ري�شته الفنية‪ ،‬التي دوّن بها ق�صائده‬ ‫المتناغمة على �أ�شجان الحياة و�آمالها و�آالمها‪.‬‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتـــــاب‪ :‬الإن�سان والبيئة يف الوطن العربي يف الكتاب ‪ :‬ر�ؤى اجتماعية‬ ‫�ضوء االكت�شافات الأثارية‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬فهده حممود احل�سن الكريع‬ ‫املحررون‪� :‬أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن الأن�صاري‪ ،‬د‪ .‬خليل‬ ‫النا�شر ‪ :‬امل�ؤلف نف�سه ‪1434‬هـ‬ ‫املعيقل‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل ال�شارخ‬ ‫النا�شــــر‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬

‫الكتاب ‪ :‬موعدي ال�ساعة ثمان‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬فار�س الرو�ضان‬ ‫النا�شر ‪ :‬دار مدارك للن�شر‬

‫الكتاب ‪� :‬ضجيج قلب(�شعر)‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬عبدالكرمي النملة‬ ‫النا�شر ‪ :‬دار �أزمنة للن�شر‪ ،‬عمان‪ ،‬الأردن ‪2012‬م‬

‫ن�صو�ص الكتاب تمثل ذك��ري��ات تت�شابه‬ ‫بين ك��ل العا�شقين‪ ..‬وحكاية م��ن حكايات‬ ‫نقتطف منه‪:‬‬ ‫الغياب‪ .,.‬كتبت لكل قلب فقد نب�ضه وال يزال مهال يا من فر�شتِ لي العمر‬ ‫ع�شقا‬ ‫يبحث عنه‪!!..‬‬ ‫مقتطفات‬

‫لم �أكن �أعلم �أن غيابك‬ ‫�سيجعلني خارج ح�سابات الزمن‪...‬‬ ‫***‬

‫الغياب مدينة ال ي�سكنها �إال الوجع‬ ‫***‬

‫في �آخر مواعيدنا‬ ‫كانت الدنيا مثل مراقب االختبارات‬ ‫تدق �أبواب قلوبنا‬ ‫لتقول لنا بال رحمة «انتهى الوقت»!‬

‫يا من فر�شتِ لي القلب‬ ‫�شوقا‬ ‫�أما كنت تدرين‬ ‫�أنك ع�شقي‬ ‫و�أنك في عيوني‬ ‫النظر‬ ‫�أما كنت تدرين‬ ‫�أن عينيك‬ ‫�أوقدت في عيوني ال�سهر‬ ‫�أما كنت تدرين‬ ‫�أنك يوما‬ ‫ودون اختيار‬ ‫رميتي بقلبيَ‬ ‫�سهما �أ�صم؟!‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪125‬‬


‫الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫مركز الرحمانية الثقافي‬

‫ينظم يوم ًا طبي ًا تثقيفي ًا‬ ‫ل�صحة الفم والأ�سنان في الغاط‬ ‫■ �إعداد ‪ -‬عماد املغربي‬

‫ن �ظ��م م ��رك ��ز ال��رح �م��ان �ي��ة ال �ث �ق��اف��ي في‬ ‫الغاط ي��وم الثالثاء الموافق ‪1434/6/27‬ه� �ـ‬ ‫(‪2013/5/7‬م)‪ ،‬ب��ال �ت �ع��اون م��ع الجمعية‬ ‫ال�سعودية لطب الأ��س�ن��ان ي��وم� ًا طبي ًا تثقيفي ًا‬ ‫ل�صحة الفم والأ�سنان في محافظة الغاط‪.‬‬ ‫ا�ستقبلت �إدارة المركز الوفد المكون من‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬

‫اثني ع�شر طبيبا‪ ،‬يرافقهم رئي�س الجمعية‬ ‫ال��دك�ت��ور محمد ب��ن �إب��راه �ي��م ال�ع�ب�ي��داء‪ .‬وقد‬ ‫جرى توزيع الفريق �إلى مجموعتين رافقهم كل‬ ‫من مدير مركز الرحمانية الأ�ستاذ محمد بن‬ ‫را�شد الغنيم‪ ،‬والأخ عبداهلل الخ�ضيري؛ زارت‬ ‫الأولى مدر�سة الو�سيعة االبتدائية‪ ،‬وخ�ص�صت‬ ‫الثانية لزيارة ابتدائية ومتو�سطة مليح‪ .‬قدم‬ ‫الأطباء من خاللها محا�ضرة توعوية للطالب‬ ‫تخللها عر�ض تثقيفي عن �صحة الفم والأ�سنان‪،‬‬ ‫كما �أج��روا فح�صا لأ�سنان الطالب والمعلمين‬ ‫الذين بلغ عددهم (‪ )215‬طالب ًا في مدر�سة‬ ‫الو�سيعة االبتدائية و (‪ )170‬طالب ًا في ابتدائية‬ ‫ومتو�سطة مليح‪ ،‬ثم وزعت هدايا خا�صة بالعناية‬ ‫بالأ�سنان على الطالب‪ ،‬ومطوية تثقيفية �أعدتها‬

‫�إدارة مدر�سة ابتدائية ومتو�سطة مليح‪.‬‬ ‫بعد ذلك زار الفريق الطبي مركز الرحمانية‬ ‫الثقافي‪ ،‬وتجولوا في مرافقه‪ .‬وبعد ا�ستراحة‬ ‫الغداء‪ ،‬نظِّ مت للفريق الطبي جولة �شملت بلدة‬ ‫الغاط القديمة والمتنزه الوطني‬ ‫وف��ي ال�م���س��اء‪� ،‬أق�ي�م��ت م�ح��ا��ض��رة بعنوان‬ ‫(الوقاية من �أمرا�ض الفم والأ�سنان )‪� ،‬ألقاها‬ ‫ال��دك�ت��ور م�ع��اذ ب��ن محمد ال�شيبان‪ ،‬و�أداره ��ا‬ ‫الأ�ستاذ محمد �صوانة‪� ،‬صاحَ بَها عر�ض مرئي‬ ‫وم��داخ�لات و�أ�سئلة من قبل الح�ضور‪ .‬وجرى‬ ‫تكريم الأطباء الم�شاركين باليوم الطبي من‬ ‫قبل م�ساعد المدير العام الأ�ستاذ محمد بن‬ ‫�أحمد الرا�شد‪ ،‬ب�شهادات تقديرية ومجموعة من‬ ‫�إ�صدارات الم�ؤ�س�سة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ ‪127‬‬


‫ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة‬

‫من إصدارات اجلوبة‬

‫الجوبة‪ :‬الوجه والنموذج‬ ‫■ عبداهلل ال�سفر‬

‫ت�م� ّث��ل مجلة ال�ج��وب��ة وجها‬ ‫ث �ق��اف � ّي��ا م �� �ش��رق��ا‪ ،‬ال لمنطقة‬ ‫ال �ج��وف وح��ده��ا ال �ت��ي ت�صدر‬ ‫عنها‪ ،‬ول�ك��ن للثقافة المحلية‬ ‫وال �ع��رب �ي��ة‪ .‬ك �م��ا �أن �ه��ا ن �م��وذج‬ ‫نا�ضج وم�شرّف لعمل م�ؤ�س�سات‬ ‫المجتمع المدني ذات النّف�س‬ ‫الطويل التي ال ي��أت��ي ن�شاطها‬ ‫ب��رق��ا خ��اط �ف��ا‪ .‬ه �ن��ا ت��أ��س�ي����س‬ ‫ومتابعة وا�ستدامة‪.‬‬ ‫�إن «الجوبة» �صنعتْ مكانة للعمل الثقافي‬ ‫ولإنتاجه؛ قيم ًة وطريقةً‪ .‬وال �أدلّ على ذلك‬ ‫من المحافظة على الم�ستوى ال��ذي يليق‬ ‫بالمطبوعة ويليق بقارئها عبر اال�ستمرار‬ ‫في طرح المحاور التي تهتمّ بالحالة الأدبية‬ ‫ولحظتها ال��راه�ن��ة‪ ،‬وم��ا ُي�ث��ار م��ن ق�ضايا‬ ‫ثقافية تت�صل بالحا�ضر �أو مفارقة الما�ضي‪.‬‬

‫وتوافرها في ال�سوق داخل الحدود وخارجها‬ ‫بين يدي القارئ‪ ،‬وهذا الجانب الذي تتفوّق‬ ‫فيه «الجوبة» من ناحية ثبات زمن الإ�صدار‬ ‫وال�ت��وزي��ع‪ ،‬يتعالى تقديره عندما نقارنه‬ ‫بالمجالت المماثلة ال�صادرة محليّا عن‬ ‫منابر الفعل الثقافي الر�سمي؛ حيث الت�أخر‬ ‫في الإ�صدار وغياب التوزيع‪.‬‬

‫ما نتمناه �أن ت�ستمر هذه المطبوعة و�أن‬ ‫ولع ّل ما يجعل �إ�سهام «الجوبة» ماث ًال في تتوالى نجاحاتها في رف��د حياتنا الأدبية‬ ‫الحياة الثقافية هو تواتر �إ�صدارها بانتظام والثقافية‪.‬‬

‫* قا�ص و�شاعر وناقد من ال�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1434‬هـ‬


‫�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.