درا�سات ونقد ن�صـــــو�ص مواجهـــــات نوافـــذ
ملف العدد:
شهادات شعرية
40
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 04 626 3455فاك�س � - 04 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 01 201 5494فاك�س � - 01 201 5498ص .ب 10071الريا�ض 11433 nashr@asfndn. com
الـمحتويــــات
العدد 40 �صيف 1434هـ 2013 -م 6.........................
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن
�شهادات �شعرية
امل�شرف العام �إبراهيم احلميد �أ�سرة التحرير حممود الرحمي ،حممد �صوانة ،عماد املغربي الإخراج الفني خالد بن �أحمد الدعا�س املرا�سالت توجه با�سم امل�شرف العام ّ
هاتف)+966()4(6263455 : فاك�س)+966()4(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
93....................... قواعد الن�شر � - 1أن تكون املادة �أ�صيلة. - 2مل ي�سبق ن�شرها. - 3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. - 4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. - 5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر
حوار مع ال�شاعر محمد الحرز
109...................... الر�سام عبدالعزيز م�شري ذاكرة اللون ..في خطوط من رحيق الري�شة
النا�شـــــــــر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية �أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية، و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي ،كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) ،له وقف م�ستقل ،و�أهدافه تنبثق من الأهداف الأ�سا�سية للم�ؤ�س�سة. 2
اجلوبة � -صيف 1434هـ
119...................... ناطحات ال�سحاب في القديم والحديث الغالف :لوحة ت�شكيلية للفنانة هديل اللحيدان من الجوف.
االفتتاحية 4 ........................................................ ملف العدد� :شهادات �شعرية� :إبراهيم زولي� ,أحمد نمر الخطيب, د� .أح �م��د ال���س��ال��م ,ج�م��ال ال �م��و� �س��اوي ,ح�سن ال��زه��ران��ي ,خالد ال�سنديوني� ,سليمان العتيق� ,سوف عبيد ،عارف البردي�سي ,محمد الحرز ,محمد جميل �أحمد ,مالك الخالدي ,نجاة الزباير ,نواره لحر�ش ,محمود الرمحي ,ن�ضال القا�سم ،د .يو�سف العارف 6 ........
درا�سات ونقد�« :أيام ال تذبل فيها الورود» لل�شاعر ال�سعودي عبدالكريم النملة قراءة في الوجدانيات ومجابهة الذات - د� .إبراهيم الدهون70 .......................................... اعترافات ربيع جابر -ه�شام بن�شاوي 73 ......................... مفاهيم معا�صرة لأدب الأطفال -محمد علي قد�س 75 ........... ق�ص�ص ق�صيرة :جفاف -ليلى الحربي79 ........................ حيــــــــاة -محمد نادي فرغلي محمد 80 .......................... حديث مع امر�أة جميلة � -صالح القر�شي 81 ...................... كيف يراه؟ � -إبراهيم يو�سف البيطار82 .......................... ق�صتان ق�صيرتان -خالد �أحمد اليو�سف83 ...................... �شعر :الربيع -عارف البردي�سي 84 ................................ عيون ميدوزا � -سليمان العتيق 85 ................................. المحفظة � -سوف عبيد86 ........................................ �أتيت لل�شعر -د .يو�سف العارف 87 ............................... �س�أوقف هذه الحرب -جمال المو�ساوي 88 ....................... ن�صو�ص �شعرية -نوّارة لحـر�ش89 ................................ ن�صو�ص �شعرية -خالد ال�سنديوني 90 ............................ مرفــــــوع -ح�سن الزهراني91 .................................... ق�صيدتان � -إبراهيم زولي92 ..................................... مواجهات :ال�شاعر محمد الحرز -حاوره عمر بو قا�سم93 ....... الكاتب الم�صري �سليمان فيا�ض -حاورته� :سمر ابراهيم 101 ..... �سيرة و�إب��داع� :إبراهيم بن خليف بن م�سلم ال�سطام ذاكرة حا�ضرة ..وثقافة بال حدود -المحرر الثقافي 107 ................ نوافذ :الر�سام عبدالعزيز م�شري ذاكرة اللون ..في خطوط من رحيق الري�شة -فريال الحوار109 .............................. النخيل في ال�شعر العربي � -صالح عبدال�ستار ال�شهاوي111 ....... ديوان العرب المهجور ..هل تعيده الأغنية..؟ -خالد ربيع ال�سيد115 .... ناطحات ال�سحاب في القديم والحديث -غازي الملحم119 ....... قراءات 124 ......................................................... الأن�شطة الثقافية 126 ............................................. عين على الجوبة :الجوبة :الوجه والنموذج -عبداهلل ال�سفر 128 اجلوبة � -صيف 1434هـ
3
افتتاحية العدد ■ �إبراهيم احلميد
ا�ستغرق الأم��ر وقتا غير محدد ،حتى تم توثيق هذه ال�شهادات ال�شعرية التي ت�أتي ك�شهادات �إبداعية ل�شعراء من مختلف �أقطار العالم العربي تقريبا ..وت�أتي �أهمية هذه ال�شهادات في تنوّعها .وفيها يبدو التفاوت بين �أ�شكال الق�صيدة الحديثة وا�ضحا في التجارب ال�شعرية المختلفة؛ فبين غواية ال�شعر وفتنة الق�صيدة ..تنداح الذكريات لتك�شف عن البدايات التي �شكّلت �شاعرنا اليوم ،بتجربته التي يقر�أها النا�س ،وتم�ضي م�شعال للغواية في وادي ال�شعر.. على �أن التميز في التجارب ال�شعرية ،ال يمكن �أن ي�أتيَ من فراغ؛ بل �إن هذه ال�شهادات ت�ؤكد لنا مرة �أخرى �أن الإبداع قرين القراءة المكثّفة ،وبخا�صة في �سني الإن�سان الأولى «من �أجل ذلك ..ا�ستعرت – من دون �أفكار م�سبقة – طريقا قلَّما ت�ستهوي �أطفاال �أو مراهقين ،القراءة ..قراءة كل �شيء و�أي �شيء ،في بيت و بيئة يعز �أن تجد فيها كتاباً.».. نكت�شف كيف �أن التجربة ال�شعرية المتميزة ال يمكن لها �أن ت�أتي من فراغ ،حين نجد �أن ال�شاعر امتداد لتجربته في اليومي والمعا�ش ،في قراءاته وتجارب مُجايِليه ..في �صداقاته و لقاءاته ..في تراكماته الفكرية ،وتحوالته التي تُ�شرِّق به وتُغرِّب ،حتى ي�ستقر على �شاطئ الق�صيدة التي تلوّنه« ..منذ �أن بد�أت كتابة ال�شعر وحتى الأن ال �أدري كيف ينبثق ال�شعر ،وال �أدرك ُك ْنهَه ،وربما كان على ال�شاعر حين يكتب ن�صه �أن ي�صغي لأ�صوات الإلهام التي ترنّ في الباطن.».. 4
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
هي �شهادات على مراحل من حياة مبدعينا و�أدبائنا ،دوّنوها بلون الإب��داع ،ربما �صح يوما �أن تكون مفتتحا لدرا�سات �أو �أبحاث على حياة جيل ثقافي كامل؛ لأن بع�ضها ي�شفُّ عن مراحل حياة كاملة عا�شها ه�ؤالء ،من دون �أن يتم تدوينها ب�شكلها الحالي، وبخا�صة �أن لكل �شاعر تجربته التي عاي�شها ،في �صراعات التيارات والمدار�س وهجوم الدخالء. في �شهاداتنا ال�شعرية ،نكت�شف �أن ال�شعر موهبة ،ت�أتي مهما كان الواقع �أليما ،خا�صة مع موجات الت�سطيح وال�شعبي التي �سادت مجتمعاتنا ،حتى �أن ال�شاعر يبرز مهما «حلّق وحيدا خارج ال�سرب؛ ونكت�شف �أهمية بع�ض المراكز الثقافية لل�شباب والنا�شئة� ،إذ تكون هذه المراكز والمكتبات م�شاعل ثقافة حقيقية ،تخلق النموذج ،وتعزز الثقة في نفو�س المبدعين و الهواة ،حينما ي�أتون في بيئة مثبطة للثقافة والإبداع.. في هذه ال�شهادات ،نكت�شف �أن هناك من نجا -ورب الكعبة -من براثن ال�شعر النبطي ،حينما ه��وى فيها الكثيرون ،نتيجة للت�شجيع ،ووج��ود النماذج التي تحتفي بالق�صيدة الحقيقية ،والموهبة التي يمكن لها �أن ت�سير في االتجاه ال�صحيح.. في �شهاداتنا ال�شعرية ،نكت�شف �أن «كتابة ال�شعر تحتاج �إل��ى �شيئين �أ�سا�سيين: الأول ،الإح�سا�س بما ي�شبه الحب؛ والعن�صر الثاني ،المكت�سبات اللغوية وبع�ض المهارة في اللعب بالكلمات (ولَيِّ �أعناقها) ،ومحاولة �إعطائها معنى لم يخطر على بال ابن منظور.»... وهكذا ،تتوالى �شهادات ال�شعراء ،حين نجد �أن مدوّنة ال�شعر حاولت تكري�س �أ�شكال معيّنة للق�صيدة� ،إال �أن ال�شهادات ت�ؤكد �أن الق�صيدة ع�صيّة على الت�شكيل في بعدها الحقيقي ،والإبداعي ،وبخا�صة مع انحياز الكثير نحو �أ�شكالٍ للق�صيدة تت�أثر ب�شكل �أو ب�آخر بالن�ص الغربي� ،إال �أن افتقاد هذه النوع من ال�شعر �إلى جماليات الق�صيدة العربية، �أدى به �إلى الذوبان في بحر الق�صيدة العربية ب�أ�شكالها المختلفة.. على �أن معظم هذه التجارب تت�سم بالعمق ،والغنى ،والإبداع؛ كنتيجة �إجمالية للتجربة ال�شعرية ،وللتقنيات الفنيّة واللغة العميقة التي تميزها.
اجلوبة � -صيف 1434هـ
5
■ �إعداد وتقدمي حممود عبداهلل الرحمي
■ �إبراهيم زويل -ال�سعودية
ال�شعر ديوان العرب وخزانة حكمتها وم�ستنبط �آدابها وم�ستودع علومها؛ لذلك، جعلوه ديوان علومهم و�أخبارهم ،و�شاهد �صوابهم وخطئهم؛ يرجعون �إليه في الكثير من علومهم وحكمهم .وه��و دي��وان ت�سجيل مَ��ن ال ت�سجيل ل��ه! لج�أت �إليه ال�شعوب القديمة حين لم تعرف الكتابة ،ليقوم مقامها في تخليد الم�آثر والأح���داث ،وما ي�ستجد لها من �أمور عظام؛ لما يمتاز به ال�شعر من �أثر على القلب ،ونغم ي�ساعد على الحفظ .فقام ال�شعر عند العرب مقام الكتابة والتوثيق ،قبل �أن تنت�شر الكتابة بينهم.
في ركن �صغير مزدحم بالأحالم ,وقريبًا من تلك البيوت التي ت�شبه الأ�صدقاء ,تحت �أ�شعّة فانو�س ،يكاد زيته ي�ضيء ,في وقت مت�أخر من الليل ,وعمْر �أبي ,خرجت للحياة .كانت الزغاريد تتطاير كالنحل ,كما حدّثتني جدتي. بات �أبي يدوزن في �أعماقه فرحاً يكاد يخترق �أ�ضالعه ,فقد كنت االبن الأول له .ليلتئذٍ ،مزّق �سكو َن الليل بطلقات الر�صا�ص ،من بندقيته البلجيكية ..حتى لم يبق �شبر في القرية لم ت�صله ر�سائل البهجة!..
وانطالقا من �أهمية ال�شعر ودوره في حياة �أمتنا ،فقد �سبق �أن �أف��ردت الجوبه ل��ه �أك �ث��ر م��ن م�ل��ف ،ت�ن��اول��ت ف��ي �إح��داه��ا «ق�صيدة النثر» ،وف��ي �آخ��ر «ال�شعر بين التراث والحداثة»..
«خواطر م�صرحة» ،الأديب الكبير محمد ح�سن ع��واد ،عندما �شاهدته على ال�شا�شة ,في اليوم ن�صا �شعريًا ف��ي ال�صف الثاني كنت �أق ��ر�أ ل��ه ّ الأول المتو�سط .قلت لمعلمي �إنني �شاهدته ليلة البارحة. برامج مثل «مِ ن ك ّل بحر قطرة» و«عالم الغد» كانت قوتي اليومي وزادي المعرفي. �شغفت بالإذاعة فيما بعد ,كان �أب��ي متابعًا ل�ن���ش��رات الأخ� �ب ��ار ف��ي �أواخ � ��ر ال�سبعينيات الميالدية من القرن الفائت ,ورثت ذلك الهوَ�س عنه؛ فكانت هيئة الإذاع��ة البريطانية «بي بي �سي» و«مونت كارلو» ,و«�صوت �أمريكا» ،وبرامجها ومذيعوها هم �أ�صدقائي وندمائي ،ال �أن�سى �أي�ضا «�صوت العرب» وبرامجها التي حرّ�ضتني على ح��بّ الطرب الأ�صيل؛ �أحببت �شادية ,وفايزة
ال يجهل �أح��د مكانة ال�شعر ف��ي �شتى الع�صور ،حتى ع�صرنا الحالي ،على الرغم م��ن انت�شار الأج�ن��ا���س الأدب �ي��ة الأخ ��رى، كالق�صة والرواية وال�سرد ..وال�شعر مهما ك��ان �أ�سلوبه تقليديًا �أو حداثيًا بمختلف ت�سمياته؛ ف�إن له مكانته وعُ �شّ اقه.. و�إذا كان ال�شعر �سجّ ًال �سابقًا لأحوال العرب وتاريخهم وت�صوير �أحوالهم ،ف�إنه اليوم بمختلف �أ�شكاله يحمل ق�ضايانا، � �ش��ارحً ��ا وم��و��ض��حً ��ا وم��داف � ًع��ا ..مَ ��ن منّا يُنكر دور دروي ����ش والقا�سم ف��ي ال�شرح وال��دف��اع ع��ن ق�ضيتنا الأول���ى (الق�ضية الفل�سطينية) ..مَ ��ن م � ّن��ا ال ُي��حِ ��� ُّ�س في �أ�شعارهم كل الألم الفل�سطيني؟! �ألم يطلق على دروي�ش مجنون الأر�ض..؟! 6
رحلتي عبر ال�شعر
اجلوبة � -صيف 1434هـ
خا�ص ًا برحلة بع�ض واليوم تُفرد ملفًا ّ ال���ش�ع��راء؛ ل�ي�ت�ع�رّف ال �ق��ارئ م��ن خالله على م�سيرة ه��ؤالء ال�شعراء ،وما �أنجزوه ف��ي م�شوارهم ،ورب�م��ا ر�أي الآخ��ري��ن في �إنتاجهم.. وال�شعراء في وطننا العربي كثيرون، ول��م ي ��أت االختيار تمييزا �أو مفا�ضلة.. لكن �صعوبة التوا�صل مع بع�ضهم ،واعتذار �آخ��ري��ن ،و�ضيق �سعة الملف ال�ستيعاب الكثيرين منهم حال دون تحقيق ما تمنينا.
جدتي زينب كانت ف�ضا ًء ناب�ض ًا بالحكايات, ت�سرد لي :عن ن�ساء ي�سرّحْ ن �شعورهنّ ب�سنابل ال ��ذرة ,ورج ��ال تتزيّن خوا�صرهم بال�سيوف والطلقات ،وجنيّات عاريات �إال من المع�صية وال�ضاللة ,وطيور خ�ضراء تتو�شّ ح بالأمل ,تحكي لي حتى �أهوي في نعناع النعا�س ,الذي ي�أخذني �إل��ى ع��وال��م ال تق ّل ده�شة وغرائبية عما روت��ه جدتي. جدتي كانت ت�أخذني للجيران ..قبل �أن نقتني واح��دا في بيتنا ,كنت مفتونًا بالتلفاز ,و�صوره المموّهة بالألوان ،التي تجرني �إلى ع�سل الرغبة في المعرفة ,والذهاب خلف جدران المجهول.. من البرامج التي لم تبرح المخيّلة؛ الكلمة ت��دقّ �ساعة ,ال��ذي ك��ان يط ّل علينا من خالله الأ��س�ت��اذ محمد ر�ضا ن�صر اهلل� .أم��ا �صاحب
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�شهادات �شعرية
ها �أنت تفتح �أبواب الذاكرة المن�س ّية ,وتهبط �أدراجها
7
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
8
�أحمد ,وكارم محمود ،ومحمد ق��ن��دي��ل ,وق��ب��ل ذل� ��ك ك��وك��ب ال�شرق ,ومن برامجها التي لم تطالها يد الن�سيان «تلفون �آخر الليل» و«ق�صاقي�ص».. هناك امر�أة واحدة ووحيدة ه ��ي �أ ّم � ��ي �آم� �ن ��ة ن��ا� �ص��ر؛ في غ�ي��اب�ه��ا ،ت�ح��ال��ف ال�ح��طّ ��اب��ون والقتلة ,و�أ ْل�ق��وا بوجهي بعيد ًا في �أقا�صي الليل ..عندما تعبر في داخلي ,يتحوّل ج�سدي �إلى م��دف ��أة ,ت�ك��ون �أك �ث��ر غمو�ض ًا ع �ن��دم��ا ت� �ح ��اول ال��م��ف��ردات ا�صطيادها ,حتى بعد الموت ما ت��زال �أول مَ ��ن ي�ستيقظ في ال�ب�ي��ت ,و�آخ���ر م��ن ي� ��أوي �إل��ى الفرا�ش ,روحها تت�صاعد في الليل مثل البخور!.. وع��ائ �� �ش��ة ،زوج� �ت ��ي ،تلك ال�سيدة التي اختزلت الن�ساء في امر�أة واحدة. �شرّقت وغرّبت كثيرا ,لكن, «�ضمد» هي المدينة التي ترهق المعنى ,وتحتفي ب�آخر ع�شّ اقها المبلّل بالغواية ..هذه الفاتنة تحتاج �إل��ى �ساحر يحتويها في قبّعته ,ثمّ يخرجها طائر ًا من غير �سوء .هي مكتوبة في رواق القلب ,ال��ذي ع�ب��ره الأ��س�لاف يوم ًا �إلى العدم ,وهي تنتظر �أن يعودوا �إلى ال��دار ,غ��داً� ,أو بعد غد!! م ��ن ال �ك �ت��ب الأول � � ��ى ال �ت��ي
ق��ر�أت �ه��ا؛ رواي ��ة «روب�ن���س��ون ك ��روزو» ،ه��ذا الكتاب الذي وج��دت��ه ��ص��دف��ة ف��ي مكتبة ال��م��در���س��ة ف ��ي ال �م��رح �ل��ة االب��ت��دائ��ي��ة ,م ��ن دون �أن �أع� ��رف �آن� ��ذاك ع��ن قيمته المعرفية ,لم�ؤلفه دان�ي��ال ديفو ,والعمل ُي َع ُّد من �أعظم الق�ص�ص ف��ي ت��اري��خ الأدب الأورب� ��ي ,وه��ي ت�شبه «�سد هارتا» للروائي هرمان ه�سه, وقريبة من عمل اب��ن طفيل «ح��ي بن يقظان» في الأدب العربي. �أول ن�ص كان في �صحيفة عكاظ منت�صف الثمانينيات الميالدية من القرن الفائت, ك �ن��ت �أرى �أن� ��ه ال ي�ستحق لوال �أن �أح��د الأ�صدقاء قام ب�إر�ساله ,ووجدته من�شورًا, ع��رف��ت حينها �أن الكتابة متاحة للأثرياء والفقراء.. ثم توالت ممار�سة الغواية. دائم ًا �أنا مباغَ ت بالفجيعة والغياب؛ لذلك ،الدمع جزء م��ن ت��اري �خ��ي ال�م�ح�م��ول في ه��ودج الهزائم ,لكن ,غياب �أمي كان �أكثر الأحزان قدرة على ادّخار الجحيم. �أول �إ�� �ص���دار ك���ان ع��ام 1996م ،ديوان «رويدا باتجاه الأر�ض» عن مركز الح�ضارة العربية في القاهرة ,يومذاك
ك� �ن ��ت رف � �ق� ��ة ال� ��روائ� ��ي ع� �ب ��ده خ� ��ال ال � ��ذي طبع مجموعتين ق�ص�صيتين في الدار نف�سها ,والكاتب علي مكّي ,وك��ان يفتر�ض �أن ي��ط��ب��ع ال� �ع� �م ��ل ف��ي ن ��ادي ج��دة الأدب � ��ي ,ل��وال ظ��روف �شرحها لي رئي�س ال�ن��ادي ي��وم��ذاك الأ�ستاذ عبدالفتاح �أب��و مدين في ر��س��ال��ة ,م��ا �أزال احتفظ بها. ي�أخذني الحنين �صوب الق�صيدة؛ دائ� ًم��ا نحاول �أن ن �ق��ارع ب�ه��ا ال��وح���ش��ة, لأن�ن��ي بب�ساطة ال �أع��رف �شيئا �أحترم به نف�سي �سوى الكتابة ,هي من ت�ستطيع االحتيال على العدم ,بتح ّد ف ��اج ��ر ,وت �ك �ت��ب م�ج��ده��ا بحبر ال�شهوة. رف �ق��ة ال �ك �ت��اب��ة نحلم بغيمة ال ترهن �أمطارها, وع �� �ص��اف �ي��ر ت �� �س �خ��ر من جبروت الأع��ال��ي .بالكتابة لن نكترث للثقوب الكثيرة في قمي�ص الليل. في المرحلة االبتدائية ،ما تزال في ذاكرتي �ساحة المدر�سة ،المطلة على الحقول البعيدة في القرية� .أج��لْ ،كنت ملتحف ًا بالحياء �أكثر من الالزم ,لكن م�شهد ال�سنابل يدعوك للغناء العذب ,ويحررك من مخاوفك. ف��ي ال�م��رح�ل��ة ال�م�ت��و��س�ط��ة ،ك�ن��ت م��دجّ �ج��ا بالأ�سئلة ,والرغبة الجارفة في التحليق بها �إلى
ف�ضاءات �أو�سع ..هاج�س ال�شعر وكائناته المعلقة في المدى ,كانت قد بد�أت ت�ستب ّد بي. كثيرون ت�شربت من تجاربهم ال�شعرية؛ من الع�صر الجاهلي، ام� ��ر�ؤ ال�ق�ي����س وط��رف��ة ،ث��م من الع�صر العبا�سي ،المتنبي و�أب��و ت �م��ام ،و� �ص��وال �إل��ى �أه��م �شعراء المهجر� ،إي�ل�ي��ا �أب��و م��ا��ض��ي ،ثم مدر�سة �أبولو :ناجي ،وعلي محمود ط��ه ،وم��ن ب�ع��ده��م ،ال�ج��واه��ري وال �ب��ردّون��ي ،و��ص��وال �إل��ى ال�شعر الحديث في نماذجه العليا:وديع �سعادة ،و�سليم ب��رك��ات ،وب�سام حجار ،مرورا ب�أمل دنقل ،و�سعدي يو�سف ..وغيرهم .لأنّ �أ�سئلتهم كانت تجيء �أكثر و�ضوحا في الثلث الأخ �ي��ر م��ن ال�ل�ي��ل ،ولأن الأه � ّل��ة تذكّرني بوجوههم ,وحين ي�أفلون �أقول حزيناً :ال �أحبّ الآفلين. �أح �� �ش��د ال�ك�ث�ي��ر م��ن الأ��س�ئ�ل��ة الأدب��ي��ة لمعلم ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة, وال ��وج ��ودي ��ة ل�م�ع�ل��م ال �ت��وح �ي��د, و�أخبىء نجمة ع�صيّة في حقيبتي. وهذان المعلمان كانا بعد ذلك من �أقرب النا�س �إليّ ,وما تزال تربطني بهما عالقة حميمة �إلى اليوم. بد�أت �أكتب ق�صائد عمودية و�أ�سلّمها لمعلم اللغة العربية في المعهد العلمي الأ�ستاذ محمد عبده �شبيلي ,والذي كان يقوم بكتابة مالحظاته عليها ,هذا المعلم �أذكر �أنني طلبت منه رباعيات الخيام «ترجمة رامي» ،فكتب لي �أكثر من مئتي بيت بخط يده ,وجاء بها �إليّ في اليوم التالي,
9
10
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
هذا النموذج النادر من المعلمين بد�أ يتال�شى في م�ؤ�س�ساتنا التعليمية. �شغفت بالعرو�ض � -آنذاك -و�إيقاعاته التي كنت �أهذي بها ,وكانت بحور الخليل �أ�صدقائي الحميمين في تلك الفترة� ,إلى درجة �أنني كنت �أقطّ ع عرو�ضيا ال ال�شعر فح�سب ,بل حتى �أ�سماء المحالت التجارية ,وكل حديث بين الأ�صدقاء. المرحلة الجامعية كانت ت�شكل تحوّال مف�صليا في حياتي ,كنت �أن�شر ن�صو�صي العمودية الأولى في ملحق الندوة الأدبي في منت�صف الثمانينيات, وما بعدها ،حين كان م�شرفا على الملحق الأدبي �آنذاك الراحل محمد مو�سم المفرجي. ك� ��ان� ��ت ل � ��ي ف��ر���ص��ة ال�م���ش��ارك��ة ف��ي مهرجان ال�شباب الخليجي الثالث ل �ل �� �ش �ع��ر وال� �ق� ��� �ص ��ة ف��ي �أب � �ه� ��ا ,ك� ��ان م �ع �ن��ا ممن �أذك��ره��م ال��دك�ت��ور ح�سن ح �ج��اب ,وال�ن��اق��د ح�سين بافقيه ,وال�شاعر محمد عاب�س ,وال��روائ��ي يو�سف ال �م �ح �ي �م �ي��د ,وك � ��ان م��ن ال �ح��ا� �ض��ري��ن الأ�� �س� �ت ��اذ م�ح�م��د ال�ق���ش�ع�م��ي ال��ذي ر�شحني للم�شاركة ممثال وحيدا لل�شعر ال�سعودي في مهرجان ال�شباب العربي ال�سابع في الخرطوم في ال�ع��ام 1987م ،وك��ان من �ضمن الم�شاركين معنا ف��ي ال��وف��د الأ� �س �ت��اذ زي��اد الدري�س المندوب الدائم
للمملكة العربية ال�سعودية لدى منظمة اليون�سكو في باري�س. م��ن ��ض�م��ن الأ�� �ص ��دق ��اء ،ف��ي ت �ل��ك ال�ف�ت��رة الجامعية ال�شاعر عيد الخمي�سي ,وال��روائ��ي محمود ت��راوري ,وال��روائ��ي عوا�ض الع�صيمي, وال�شاعر ها�شم الجحدلي ,وال�شاعر ال�شعبي محمد النفيعي ,وك��ان ال�شاعر محمد الثبيتي ي�سكن ف��ي م�ك��ة ,ون�ح��ر���ص على زي��ارت��ه �أي��ام الخمي�س والجمعة ,وكان ي�ستمع لن�صو�صنا بكل محبة و�أريحية. هناك موقف ال �أن�ساه ،حدث لي و�أنا طالب في جامعة �أم القرى؛ كان في مقر لجنة التوعية الإ�سالمية ,عندما �شتموا الحداثة ,وكفّروا �أ�صحابها ..لم �أ�ؤ ّم��ن على ما قالوه ,وقفت وقلت �شيئًا مختلفًا عما يريدون ,يومها ك ٌّل م�سّ د لحيته ,ورمقني بنظرة �سوء ,عقب هذه الحادثة ب�أ�سبوع التقيت محمد الثبيتي ,ج��ر ًي��ا على عادتنا الأ�سبوعية في زيارته �أن��ا و�أ��ص��دق��ائ��ي .ق��ال ل��ي« :و���ش �سويت في الجامعة» ،لم �أع��رف ل�ل�آن كيف و�صل �إليه الخبر ,ثم �أردف «قل لهم نعل �أبو الحداثة» وخذ �شهادتك يا �إبراهيم �أهلك ينتظرونك هناك. كانت فترة توهّ ج للنادي الأدبي ف��ي ج ��دة� ،آن � ��ذاك ,ول�صحيفة عكاظ بملحقها ال��ذائ��ع ال�صيت «�أ�� �ص ��داء ال �ك �ل �م��ة» ،ع��رف��ت في النادي �ضمن من عرفت الناقد ح�سين بافقيه ,وال�شاعر م�سفر ال��غ��ام��دي ,وال �� �ش��اع��ر ع �ب��داهلل
باهيثم ,و�آخ��ري��ن .وفي �صحيفة عكاظ� :سعيد ال�سريحي ,وعبده خال ,وعبد المح�سن يو�سف, و�أحمد عائل فقيه ,والراحل محمد الطيب. مرحلة �ألق معرفيّ ,وجدت فيها الكتب التي كنت �أحلم بها ,وكانت مكتبة ال�شاعر محمد الثبيتي عامرة بالكنوز؛ كان ال يبخل علينا ,ال �أن�سى �أنني ا�ستعرت منه ديوان ال�شاعر والمترجم العراقي ح�سب ال�شيخ جعفر. كنت �أقف قبالة مكتبته كالمخبول .قال لي ذات يوم� :ألم تر كتبا من قبل؟ قلت بلى ,ولكن, لي�س مثل هذه! كانت الكتب �شحيحة ،فن�ضطر لت�صويرها على قلّة ذات اليد .حتى اللحظة لم تزل تلك الكتب م�صورة في مكتبتي� ,أذك��ر منها (ليلة القدر) للطاهر بن جلون ,و(في معرفة الن�ص) ليمنى العيد ,و(ورق��ة البهاء) لمحمد بني�س, و(وردة الوقت المغربي) لأحمد المديني ,وكتب الجابري و�أدوني�س� ,إ�ضافة لدوواين ال�شاعرة فوزية �أبو خالد ,وعبد اهلل ال�صيخان ,وغيرهما. م��ن ال �� �ض��روري �أن ينفتح المهتم بال�ش�أن الثقافي على ك��ل جماليات الكتابة ،وم��ن �أي مكان؛ لكي ندع الزهور تتنف�س ..في المقابل. �أنا ال �أحبذ �أن يقر�أ �شاعر لـ «�سان جون بير�س»، وهو لم يقر�أ المتنبي� ،أو يقر�أ لرامبو ،من دون �أن تمر على �شرفته �إ�شراقات المعري ،وتراكيب �أبي تمام. �أق � ��ر�أ ف��ي ال ��رواي ��ة ك �ث �ي��را ،و�أح ��ر� ��ص على ق��راءة جواهر ال�سرد العالمي ،دي�ستويف�سكي، وبورخي�س ،ايفواندريت�ش ،وماركيز ،وايزابيل ال�ل�ي�ن��دي ،و«ب �ي��دروب��ارام��و» عمل خ��وان رولفو المهم واال�ستثنائي طبعا ،و ج .م .كوت�سي ،وتوني موري�سون ،وغيرهم وغيرهم ..وهذه الأيام �أقر�أ لل�صومالي نور الدين فارح� ،أ�سرار ،وخرائط.
كل هذه القراءات لم ت�ستفزني لكتابة الرواية، لأنني ال �أريد انتهاكها ب��أدوات ناق�صة ،لمجرد الح�ضور ،في لهاث م�سعور كيفما اتفق ،كما يفعل بع�ض الروائيين ال�سعوديين في الفترة الأخيرة. لكنني ،حاولت الإفادة كثيرا من ثيمات ال�سرد، وتقنياته في كتابة الق�صيدة. تحوّلت �إل��ى كتابة ق�صيدة التفعيلة نهاية الثمانينيات وب��داي��ة الت�سعينيات م��ن القرن الما�ضي ,عندما �شعرت �أن خطابي في العمودية بد�أ يكرر نف�سه ,هذا التحوّل جاء في فترة كان يمر بها الم�شهد الثقافي في ال�سعودية بتحوالت مف�صلية ,وظ��روف غاية في الح�سا�سية ,بعد � �ص��دور ك�ت��اب ال �ح��داث��ة ف��ي م �ي��زان الإ� �س�لام, وال�شريط المعروف ,تلقّت التجربة الجديدة �آن��ذاك �ضربات تحت ال�ح��زام ,ول��م يكن نزاال نبيال. ن�شرت في تلك المرحلة في ملحق الريا�ض, و�صحيفة اليمامة ,وفي عكاظ ,وفي ملحق اليوم, ن�شرت في �صحيفة الوطن الكويتية ,وفي مجلة ال�ي��وم ال�سابع التي ت�صدر م��ن ب��اري����س ,وك��ان ي�شرف عليها ال�شاعر اللبناني عي�سى مخلوف. تلك الفترة برغم ال�صدامات والمواجهات بين ما ي�سمى بالأ�صالة والحداثة� ,صنعت جي ًال كان يهتمّ بالت�أ�سي�س النظري ,والت�أ�صيل لكل �آرائه ,وكان كتاب الموقف من الحداثة وم�سائل �أخ��رى من الكتب التي �أعطت لل�شعراء وكتّاب ال�سرد بعدا معرفيّا لتوجهاتهم الجديدة. في هذه الأي��ام� ،أج �رّب الكتابة في ق�صيدة النثر ,ولي عمالن ,ن�شرت بع�ض ن�صو�صهما في مجلة نزوى ,و�صحيفة الحياة ,ومجلة الغاوون, وم��ا �أزال �أح� ��اول؛ فال�شاعر الحقيقي – في ت�صوّري -ال يمكن �أن يطمئنّ �إل��ى لغة واح��دة, و�شكل يتيم.
11
■ �أحمد منر اخلطيب -الأردن
لم يكن ال�شعر منذ ال�صغر ،ي�شكّل هاج�ساً في عام 1973م ،رغم انتباهي �إل��ى ما يحمله من �سحر ،ولم يكن ليخطر لي على بال ب�سبب توجهاتي العلمية في الدرا�سة ،لوال تلك الحكاية التي �أثارت في داخلي خليّة النحل ،فل�سعتني� .أما الحكاية :فقد كنت �صغيرا على مقاعد الدرا�سة الإع��دادي��ة ،عندما هزّني �شوق خفي �إلى فتاة الحي ،ولم �أ�ستطع التعبير الل�ساني ،ربما لعباءة الحياء التي كانت تحيط بي ،فذهبت �إلى ال��ورق ،لأكتب و�أعبِّر و�أ�صرخ :فجاءت هذه الثالثية محملة بالمختلف من القول ،والذي لم �أ ِع له م�سلكا� ،أو و�صفا� ،إال بعد �أن �أدرجته في مو�ضوع �إن�شاء طلب ُه منا �أ�ستاذ اللغة العربية ،لتح�صل المفاج�أة بعد �أ�سبوع على ل�سان الأ�ستاذ :ما هذا يا �أحمد� ،أتكتب ال�شعر؟ �أما بخ�صو�ص الل�سعة ،تلك النداوة التي ذقتها في كلماتي ،وهي ت�سيل على الورق الأبي�ض من دون �أن تلتفت �إلى عباءة الحياء ،النداوة التي لم �أعتدها في �أحاديثي اليومية، �أو �أحاديث غيري ،ولم �أك قد اطلعتُ على ال�شعر �إال ما هو واجبٌ مدر�سي ،لقد جاءت الأ�سطر الأول��ى كل�سعة النحل� ،ألي�س في هذا ال�سطر ال�شعري ما ي�شي بالمختلف من القول على ل�سان طفل: لغة تتخذ من المتخيّل منزال لده�شتها و�شهوتها «���س��ي��نٌ ع��ل��ى ق��ل��ب��ي ت����روح ك��م��ا �أرى، م����ي����م وف�������ي ت�������ص���وي���ره���ا �إع������ف������اءُ ،البتكار ما هو جديد؛ فجاء الن�ص ال�شعري الأول
م���ا ب��ي��ن ح��رف��ي��ن ال��ت��ق��ت �أ���س��م��ا�ؤن��ا، ف���ت���ك���اث���رتْ م���ن ح��ول��ه��ا الأع�����ب�����اءُ».
12
هكذا عبرتُ بين لحظتين ،ف�أثقلني الحِ مل، ف�ل��م تم�ض ��س�ن��وات ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان��وي��ة حتى هجرتُ ال�شعر ،لألتحق في الجامعة لدرا�سة الطب الب�شري ،ولكن بعد ق�ضاء �أرب��ع �سنوات في الجامعة ،عاد ال�شعر ليلح عليّ ،عاد مليئا بالمفاجئات ،محمّال بلغة غير متوقعة ل�شاعر يعي�ش على مدار ال�ساعة هموم وطنه فل�سطين، لغة ال تف�صح عن نف�سها من القراءة الأول��ى، اجلوبة � -صيف 1434هـ
بعد انقطاع طويل ،كان ذلك في العام 1979م، في مدينة بلغراد ،عا�صمة يوغ�سالفيا �سابقاً، جاء مختلفا عن الن�صو�ص التي كتبتها ما قبل المرحلة الجامعية ،من حيث ان�شداده �إلى دائرة الحداثة ..حداثة الر�ؤيا واللغة والإيقاع ،جاء لينازعني درا�ستي للطب ،التي لم تكتمل لظروف خا�صة ،جاء لينقلني من دائرة الظل �إلى دائرة ال�ضوء ،وجاء �أخيرا لي�ضعني في مواجهة الحياة والذات والإن�سان وت�أويل مفرداتها.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
الحكاية التي �أثارت في داخلي خلية النحل ..فل�سعتني
على حجر تر�ضع الأم طفال لي�صحو وخلف مرايا المنازل ترب�ض وردة وخلف ان�شطار ال�سكون �ستبزغ �شم�س النجاة فمن �أين �أنهي المتاه من رقاب يجندلها الجند �أم من ف�ضاء الن�سور التي ال تهادن خمر الغزاة ومن �أين �أنهي ال�صالة؟ من الحقل ،ي�سقيه را ٍع بما �سوف ي�أتي �أو الطفل ي�سقيه ماء الحياة! ***
ربما ك��ان ال�سبب الوحيد لميولي �إل��ى تربة ال�شعر ،هو قدرتي على معالجة مو�ضوع يحتاج الحديث به لمدة �ساعة، ب�أقل العبارات� .أنا �أحبُّ تكثيف الإجابة� ،أحبّ الحوارات التي ت�صبّ في مجرى الفكرة ب�أقل التكاليف اللغوية ،كما �أنني لم �أعتد النظر �إلى الأ�شياء كما يراها الآخرون� ،أنا دائم النظر �إلى عين ال�شيء ،عين حقيقته؛ وال�شعر كما �أرى هو الوحيد القادر على خرق هذه المع�ضلة ،واالنتباه �إلى �أدقّ التفا�صيل التي ال ترى بالعين المجردة؛ وهو الوحيد من بين فنون القول الذي ت�ستطيع من خالله �أن تتوارى عن ظاهر الأ�شياء ،و�أن تتحايل على ال�شيء بال�شيء نف�سه .لقد كانت منازل الروتين تقلقني و�أنا �صغير ،اللعب مع الأطفال لم يكن ي�شكّل لي حلماً، كنت �أرى ،بما ي�شبه حلم اليقظة� ،أنني �أ�ستطيع خرق الأطياف التي تحجبني عن ر�ؤي��ة الم�سار الحقيقي لتنا�سل الأ�شياء، «ال�شعر هو خرق لهذه الأطياف». ***
لي�س ت�أثر ًا بمقدار �أن تحاول امتالك عافية الن�ص من الإي�ق��اع الأول ،من المنبع ال��ذي ذه��ب بعيدا في المغايرة والتجديد .من هنا ،كان �أبو الطيب المتنبي ،والمثقب العبدي، اجلوبة � -صيف 1434هـ
13
****
ربما تتعا�ضد ال�سلبيات والإي�ج��اب�ي��ات وال�صعوبات في مواجهة ال�شاعر� ،أو في �صورته الآنية ،حيث يرتكز الفعل ال�شعري على معطيات نف�سية وذهنية كما �أرى؛ لذلك ،كانت مغامرتي «في �سياق ال�سلبيات» ن�شر ديواني الأول ،رغم ما يحمله من تبا�شير لي�ست واعدة فقط ،ح�سب النقاد ،بل تبا�شير قادرة على خلق مناخ �شعري مغاير لل�سائد .ال�سلبي في ذلك �أن المحمول الر�ؤيوي للن�صو�ص كان في �إطار النظر للأ�شياء، ولي�س عينها ،كما هو في الدواوين الالحقة� ،أما الإيجابيات فهي انخالع التوجه العلمي في بدايات حياتي الذي يحتاج �إلى عقل جامد كما �أرى� ،إلى التوجّ ه الأدبي ،التوجّ ه الذي يحتاج �إل��ى الت�أمل وال�صحو والمحو؛ ف�أنت عندما تنظر لل�صورة مت�أمال ،يقت�ضي منك هذا تفعيل خا�صيتي ال�صحو والمحو، ت�صحو على الجمال ،وتمحو كل ما هو َزبَد. �أما فيما يتعلق بال�صعوبات ،وهي �ش�أن يواجه العقل العربي المبدع عامة ،فهي كثيرة ،وال مجال لح�صرها ،ولكن �أهمها: طغيان المادي على ما هو روحاني في عالمنا العربي؛ ما يجعل المبدع القلق �أ�ص ًال يعي�ش حالة من االنكفاء على �أكثر من �صعيد ،منها اللجوء �إلى �أغوار و�أ�سرار ذاته في كتاباته ،ما يعمّق الهوّة بينه وبين المتلقي. 14
*** اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
و�أبو تمام ،ومحمود دروي�ش ،و�أدوني�س ..لقد �ساعدوني على تجاوز نبرة البدايات ،البدايات التي يحتاج �شاعرها زمنا طويال لقطع الج�سر المن�صوب فوق بحر ال�شعر ،لقد و�ضعوا �إ�صبعي على �سيولة المعاني ،وحداثة البنية ،والإن�صات �إلى المعادل المو�ضوعي لليومي بعيدا عن �سطوة الإيقاع ،والدخول �إلى عوالم �أكثر تخيّال في مواجهة ال�صورة ،كذلك الوقوف على ح�سا�سية الإيقاع الداخلي ،ه�ؤالء هم رفاقي الذين �أراقبهم في ك ّل ن�ص جديد �أكتبه ،وهم من ي�صلحون لي عثرات الخطى، و�أتعاي�ش معهم ك ّل يوم تقريباً.
�صدر لي « »21ديوان ًا �شعري ًا في �أكثر من عا�صمة عربية، منها :عمان ،دم�شق ،بيروت ،الجزائر ،وتبنّت هذه الأعمال �أكثر من دار ن�شر ،منها :وزارة الثقافة الأردنية� ،أمانة عمان الكبرى ،الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر في بيروت، اتحاد الكتاب العرب في دم�شق ،دار ليجوند في الجزائر، ودار الجنان في عمان ،وغيرها .و�شكلت هذه الأعمال ثالثة مجلدات �شعرية �ست�صدر قريباً ،وحملت الدواوين العناوين التالية� :أ�صابع �ضالعة في االنت�شار «1985م» ،حاجز ال�صوت «1990م»� ،أنثى الريح «1991م» ،اللهاث القتيل «1993م»، مرايا ال�ضرير «1994م» ،ال يقل الكالم «1996م» ،الحِ جْ ر ال�ضيّق «1997م» ،باب القَطِ ين «1997م»� ،أرى �أنه لي�س في حلمه «1998م» ،عليك بمائي «1999م»� ،أيامه الأ�سبوع يكتب �شم�س غايته «2001م» ،« ،رفعت خيالي �إلى �سكرتي «2002م»، �أيها الغيم يا �صاحبي في الم�سيرة «2002م»� ،أحوال الكتابة «2005م» ،باتجاه ق�صيدة �أخرى «2006م» ،وما زلت �أم�شي «2006م» ،حمّى في ج�سد البحر «2007م» ،ال تقل للموت خذ ما �شئت من وقت �إ�ضافي «2009م» ،ك�أني ل�ست من حر�سي «2010م» ،حار�س المعنى «2011م» ،كما �أنت الآن كنتُ �أنا «2012م»� .أم��ا في النقد ،ف�أ�صدرتُ كتابين هما :مفرد في غمام ال�سفر «2005م» ،وال�شعرية المتحرّكة» «2007م». يقول الناقد وال�شاعر العراقي د .هادي نهر« :من منجزات ال�شعر الأردني المعا�صر ال�شاعر �أحمد الخطيب ،ففي �شعره في�ض من الريادة ،والتجديد ،والجدّية� ،شعره �شعر الأحياء الحيّة ،ومو�سيقاه �آ�سرة ،و�إيقاعاته �أل��وان متداخلة ودوائ��ر �ساطعة ،قائمة على امتدادات المعاني التي ر�سمتها تجارب حياتية ،وفكرية ،وثقافية ،ولغوية هائلة ،ومريرة ،حيث يبد�أ هذا المبدع دائم ًا من الكلمة الفيّا�ضة بالداللة والإيحاء». ويقول الناقد الأردن��ي د .لقمان �شطناوي�« :شاعر يطلق العنان للخيال في ا�ستلهام ال�صور المبتكرة ،و�إقامة معمار الحالة ال�شعرية ،في بناء درامي متميز ومترابط الن�سج». ويقول ال�شاعر ال�سعودي من�صور الع�سيري�« :شاعر يمتلك
15
مع الإده��ا���ش اللفظي ،حتى ب��دون الجنوح �إل��ى االقتبا�س �أو
الحفالت المدر�سية كانت القادح الأول لكوامن موهبتي ال�شعرية
االتكاء على �إ�سقاط المفردات الأ�سطورية الجاهزة ،وحتى عندما يميل �إلى ذلك يظل محتفظا بالقدرة على �إن�شاء ال�صور الجمالية الم�ستقلة بداخل الق�صيدة». ويقول الناقد وال�شاعر الجزائري محمد الأمين �سعيدي: «ق�صائد على الن�سق العمودي وتتمرد عليه في الآن نف�سه؛ فهي تنقاد وتع�صي ،تجاري وتعار�ض ،حتى لك�أني بها تق�ضي على المنطق «الثالث المرفوع» بل �أي منطق يقف �أمام جنون ال�شعر /منطقه الخا�ص ،ق�صائد ت�شكل عالما �ساحرا بكل مقايي�سه ،وتعطي للقارئ ف�سحة ب�أن ي�شتغل بالت�أويل؛ لك�أني بي و�أنا �أقر�ؤها خيميائي المعنى� ،أمازج ما بين عنا�صره لأكت�شف تف�سيره ،و�أح�م��د الخطيب بهكذا �أ�سلوب ير�سم للق�صيدة العمودية ،بل للعمود كله مالمح جديدة».
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
القدرة ب�شكل مذهل ،حيث يحمل الت�صوير الإبداعي الجديد
■ د� .أحمد ال�سامل -ال�سعودية
جاءت تجربتي ال�شعرية عبر رحلة طويلة ،ومذ كنت ذلك الطفل ال�صغير ،الذي يدر�س في المرحلة االبتدائية في مدينة دومة الجندل ..تلك المدينة الجميلة الهادئة الهانئة بتالحم �أهلها جميعا.. في المدر�سة ال�شرقية (عبداهلل بن رواحة االبتدائية حاليا) عُرف عنِّي قوة حافظتي ،خا�صة في جانب ال�شعر ،ما جعل �أ�ساتذتي في تلك المرحلة ي�شركونني في حفالت المدر�سة ،وتحديدا في الجانب الم�سرحي الذي فيه ن�صو�ص �شعرية .ولعل تلك الحفالت كانت القادح الأول لكوامن موهبتي. مرحلة البدايات
�أب��و �صالح ،و�آخ��ر ا�سمه ع��ادل هوا�س محمود،
وكانت في المعهد العلمي في الجوف ،وقد وثالث هو عدنان علي بي�ضون ..كانوا يقر�ؤون ما ��ش��اب ه��ذه المرحلة �ضعف ال �ب��داي��ة ،وخلط اكتبه من ال�شعر ،ويُبدون لي ملحوظاتهم التي الف�صيح بالعامي ،ال في الق�صيدة الواحدة� ،أفدت منها ،وبخا�صة الأ�ستاذ �أبو �صالح. و�إن��م��ا ف��ي ال �م��زاوج��ة بينهما ،ف �ت��ارة �أك�ت��ب وكانت �أول �أبيات كتبتها و�أنا في الأول ثانوي، بالف�صيح وتارة �أخرى بالعامي. �أتذكر منها: وك��ان��ت بيئة المعهد العلمي ف��ي ال�ج��وف
���ش��ك��رن��ا م���ن �أقـ ـ ـ ـ ــام ل��ن��ا ال��م��ع��اه��د م�شجعة على كتابة ال�شعر الف�صيح ،بف�ضل ما بحكمتـ ـ ـ ـ ــه ت��ج��ن��ب��ن��ا ال�����ش��دائ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
فيه من �أ�ساتذة متميزين في علوم اللغة العربية، وك��ان �أول من ك��ان له ف�ضل عليَّ بعد اهلل من ت�ل�ام���ذة �أك��ـ��ـ��ب��وا ال���ي���وم �سع ـ ـ ـ ـ ــياً �أ�ساتذة هذا المعهد العريق �أ�ستاذ �سوري يكنى وك��ـ��ـ��ل ف���ي غ����دٍ ل��ل��م��ج��د حا�صـ ـ ـ ـ ــد 16
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
17
ويظهر عليها �أثر البدايات و�شيء من ال�صنعة ،وكان المعهد –�آنذاك – منبر ًا معروف ًا لدى �أهل المنطقة من طالب العلم والمثقفين� ،أ�سهم في بروز �أكثر من �شاعر من طالبه ،وكان بينهم تناف�س �شريف في كتابة ال�شعر و�إلقائه في حفالت المعهد التي تقام برعاية �أمير المنطقة عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري رحمه اهلل. .2المرحلة الثانية: مرحلة الدرا�سة الجامعية من خالل درا�ستي في كلية اللغة العربية بجامعة الإم��ام محمد ب��ن �سعود الإ�سالمية ،حيث �أ��س��ات��ذة الكلية الكبار، وبخا�صة الأدب��اء والنقاد منهم ..ممن فتحوا لنا مجال كتابة ال�شعر والجر�أة في �إلقائه ون�شره ..ن�شرت لي �أول ق�صيدة في جريدة الجزيرة �أو الريا�ض – ال �أتذكر – وكانت في رثاء الملك في�صل بن عبدالعزيز �آل �سعود رحمه اهلل بعنوان (بكت عليه ال�سماء) حيث كان المطر الغزير بعد دفنه رحمه اهلل في مقبرة العود ،ويظهر على هذا العنوان عدم الن�ضج والمبالغة في التعبير. وتعد هذه المرحلة بيئة �أقوى في التناف�س ،وكان من طالب الكلية ال�شاعر عبدالرحمن الع�شماوي ،و�أحمد البهكلي ،و�آخر �سوداني الجن�سية ا�سمه (عبدالرحمن فكي). .3المرحلة الثالثة
18
مرحلة االنت�شار و�إقامة الأم�سيات ،والن�شر في ال�صحف، واالختالط ب�شعراء من خارج الجامعة ،من خالل الأم�سيات والملتقيات الأدبية. اجلوبة � -صيف 1434هـ
وه�� � � � ��ذه ه � � ��ي م ��رح� �ل ��ة ال� �م� ��� �ش ��ارك ��ات ال��خ��ارج��ي��ة وت�سجيل اال�سم ك�أحد �أدب��اء المملكة و�شعرائها وكتابها، ورئ��ا� �س��ة وف ��وده ��ا ال �ت��ي لها م �� �ش��ارك��ات ر� �س �م �ي��ة خ ��ارج المملكة �إق�ل�ي�م�ي� ًا وع��ال�م�ي�اً. ولعل رئا�ستي لوفد المملكة �إل��ى م�ؤتمر الأدب ��اء والكتاب ال �ع��رب ال �ث��ان��ي وال�ع���ش��ري��ن، والم�شاركة م��ن خ�لال محور (مهرجان ال�شعر) ،كانت �أهم الم�شاركات في هذه المرحلة التي هي م�ستمرة �إلى الآن.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
و�أخ��������ذ ال���ع���ل���م ف����ي ال���� ِّ���ص��� َغ���ر اح���ت���ك���ام ف���خ���ذ م����ا ا���س��ط��ع��ت م����ن ع���ل���م وع���ان���د
.4مرحلة الم�شاركات الخارجية وتمثيل المملكة
– �آنذاك – خادم الحرمين ال�شريفين الملك عبداهلل بن ع�ب��دال�ع��زي��ز – يحفظه اهلل – ثم االن�ضمام �إلى اللجنة العليا للم�شورة في مهرجان الجنادرية .وكانت م�شاركاتي في �أم�سيات الجنادرية عالمة ب��ارزة في م�سيرتي ال�شعرية، �إذْ �شاركت في �ست �أم�سيات بدء ًا من مهرجان الجنادرية الثاني. ك �م��ا � �ش��رف��ت ب��اخ �ت �ي��اري رئي�س ًا للجنة ال�شعر الف�صيح في مهرجان الجنادرية وذلك ع��ام (1419ه� �ـ) ،وك��ان ذلك �شرف ًا عظيم ًا لي ،كون اللجنة ت���ض��م ف��ي ع���ض��وي�ت�ه��ا نخبة متميزة م��ن �أدب ��اء المملكة، و�أ�ساتذة الجامعات .وفي هذه المرحلة �أ� �ص��درت ع��دد ًا من الدواوين ال�شعرية منها:
وقد �شرفت ب�إلقاء ق�صيدة افتتاح الن�شاط الثقافي في م �ن �ب��ر ال �ج �ن��ادري��ة ف ��ي ع��ام 1417ه� �ـ ،ث��م الم�شاركة ف��ي الأم�سية الكبرى بوح الخاطر.بالجنادرية التي �شارك فيها نخبة من ال�شعراء �صدى الوجدان.العرب بمنا�سبة م��رور مائة ع��ام على توحيد قبالت على الرمل والحجر.المملكة العربية ال�سعودية ،وك��ان ذل��ك في دموع في مواجهة الطوفان.عام (1419ه �ـ) ،وبعد ذلك ب�سنتين وتحديد ًا عندما كنت هناك.ع ��ام (1421ه� � � �ـ)�� ،ش��رف��ت ب ��إل �ق��اء ق�صيدة االفتتاح العام لمهرجان الجنادرية بح�ضور وقد كانت هذه الدواوين مو�ضوع ًا لعدد من خ ��ادم ال�ح��رم�ي��ن ال�شريفين ال�م�ل��ك ف�ه��د بن الر�سائل العلمية وبحوث الدرا�سات العليا في عبدالعزيز – يرحمه اهلل -وولي عهده الأمين الجامعات ،ودرا�سة بع�ض الأكاديميين. اجلوبة � -صيف 1434هـ
19
■ جمال املو�ساوي -املغرب
زاد قليل
ينتمي ال�شعر �إلى منطقة في الطفولة البعيدة .لي�س ثمة �شك في ذلك؛ لأن الده�شة تقتات على تلك القراءات الأولى التي تجعل المرء ،في ما بعد ،يرفع تحدي �إعادة �إنتاج �أفكار مرَّت، والبحث ،في مرحلة الحقة ،عن �أفق في الزحام الكبير على باب الحياة .وما ال�شعر في النهاية، وما الكتابة الإبداعية �إذا لم تكن �إعادة ل�صياغة الحياة الما�ضية بعين تنظر مل ّياً �إلى الم�ستقبل.
20
و�إذا كان من �شيء ذي �أهمية في تلك الطفولة ال�ب�ع�ي��دة ،فهو �أن �ن��ي كنت �أج�ت�ه��د ف��ي حرا�سة المرمى ،من دون �أن ينتابني �شعور ب�أنني �س�أقف ذات يوم على بوابة اللغة ،باحث ًا عن �أ�سرارها التي لي�ست في متناول جميع النا�س ..تلك الأ�سرار التي تمكّن المطّ لع عليها من االحتماء بخيمة الكلمات من ه�شا�شة الحياة ،ومن ال�صعود مع �سلّم الأحالم �إلى الح ّد الأبعد ،مع ما قد يورثه ذلك من االرتباك �أحياناً ،ومن االلتبا�س �أحيان ًا �أخرى ،كما لو �أنني ب�صدد البحث عن كنز خفيّ ! م��ن �أج��ل ذل��ك ،ا�ستعرت -م��ن دون �أف�ك��ار م�سبقة -طريقا قلمّا ت�ستهوي �أطفاال �أو مراهقين، القراءة .قراءة كل �شيء ،و�أي �شيء في بيت وبيئة يع ّز �أن تجد فيها كتابًا. ه�ك��ذا ،يمكن �أن �أب ��د�أ ال��رح�ل��ة .زاد قليل. اجلوبة � -صيف 1434هـ
الم�ؤكد� ،أن الأمر ال يتعلق بالخبز وبع�ض حبات التين في الجراب ،لأنطلق باحثا عن غريب اللغة ومهجورها� .سبقني الأولون ،ولي�س لي �أن �أتبعهم. لم �أحفظ �ألف بيت من ال�شعر لكي �أن�ساها .لم يكن الكتاب متاحا في تلك الفترة البعيدة ،في المكان البعيد ،في البادية غير المعروفة .في مد�شر �صغير يدعى «�إعكين» ،في نواحي مدينة الح�سيمة �شمالي المغرب .لم يكن ثمة ما يدل على الكِ تاب ،لكن كان هناك «ال ُكتّابْ » .الأبجدية تدخل �إلى القلب قبل دخولها �إلى العقل. في تلك الفترة من �سبعينيات القرن الع�شرين، هكذا كان يبد�أ االحتكاك بالكلمات في مرحلة ما قبل المدر�سة� :أل��واح ،وق�ضبان متفاوتة الطول، يل�سع بها «الفقيه» �أج�سادنا ال�ضئيلة� ،إذا اعترى أح�س غفلتنا قراءتنا للآيات الكريمة لحن� ،أو �إذا � ّ
التعبير عن الحب..الح�صان الأول وفي لحظة ما ،ت�سرّب ال�شعر �إل��يَّ من �س�ؤال �ضاج حول �إمكانية تحويل الولع بالأدب وال�شعر من خالل ن�صو�ص الكتاب المدر�سي� ،إلى انهمام ب��ه ،و�إل��ى االن��خ��راط في ن�سج الكالم الموزون والمقفّى ذي المعنى .هذا الأخير لم يكن مهما، كما لم يكن �صعبا .المراهقة وبداية البحث عن ال��ذات في الحياة ،ب�شكل ع��ام ،كانتا كفيلتين، كفاية ،بتوفير تنويعات عدة لمعنى واحد .التعبير عن الحب! التعبير عن الحب عبر ال�شعر ،قد يكون هذا هو ال��داف��ع لذلك ال�س�ؤال ال��ذي �ألقيت به بين ثلة من الأقران والقرينات من زمالء الدرا�سة: هل يمكن �أن نكتب ال�شعر؟ وما الذي يلزم لكي نفعل ذلك؟ كنا جميعا تقريبا نت�أهب للخروج من خيمة الطفولة ،لكي نطل على �أنف�سنا في عنفوان ال�شباب .ك�أننا لم نكن نريد العبور من دون �أن نزرع في دواخلنا بذرة االختالف عن الآخرين، ومن دون �أن نغرّد خارج المعتاد. م��ا ح ��دث ب�ع��د ذل���ك� ،أن ك��ل واح���د ح��اول الإجابة على ال�س�ؤال بطريقته .وكان لدى الكثير
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
كثير من القلق
عن �ألواحنا ،و�أحيانا من دون موجب وا�ضح غير �أن ينبّه الآخرين! بعد ذلك ،اكت�شفت عطيّة الأبرا�شي وق�ص�صه ذات النهايات ال�سعيدة ،بعد �أن تكون الأحداث قد ا�ضطرمت والعواطف ا�ضطربت .ثم �سيرة «�سيف بن ذي يزن» ،و�سل�سلة «�أبطال الإ�سالم»، و�سل�سلة «الناجحون» ،وبمعايير ذل��ك الوقت، الكثير من نفائ�س مكتبة «ثانوية �إم��زورن» .تلك الق�ص�ص والكتب فتحت الطريق �أمام المخيلة، لتبني نف�سها ا�ستعدادا للحظة لم تكن معلومة وال حتى متوقعة.
من الأ�صدقاء �شرف المحاولة؛ �إذ ا�شتد رنين القوافي في الف�صل الدرا�سي طيلة �شهور عدة. ال ت�سعف الذاكرة في ا�ستح�ضار كل التفا�صيل. قد تلزمني حلقة من �سل�سلة «البعد الخام�س» �أو «العوالم المتوازية» كي �أعود في الزمن و�أرى كل ما ح�صل .في انتظار ذلك� ،أت�أ�سف لأن �أ�صدقاء تلك الفترة لم ي�أخذوا ذلك الأم��ر بالجد الذي ي�ستحقه .النتيجة �أن خرب�شاتي فقط هي التي كتب لها �أن تت�سل�سل وتتوا�صل م��ارة بمحطات متباينة ،قبل �أن تتبلور وتتحول �إلى ما �أعتقد �أنه ق�صائد ،و�أنها تمنحني �صفة في الحياة .هل �أنا �شاعر فعال؟ ع�ن��دم��ا ن���ش��رت مجموعتي ال�ث��ان�ي��ة «م��دي��ن لل�صدفة» (2007م) ب�ع��د ع�شرين �سنة من الإ�صرار على الكتابة ،وعلى الح�ضور في الم�شهد ال�شعري بالمغرب ،كنت �أعني �أنني لم �آت �إلى ال�شعر �إال على �صهوة ذلك ال�س�ؤال ،ولوال �أولئك الأقران الطيبين المحبين للأدب ولل�شعر بوجه خا�ص ،ولوال تلك الجل�سة الحميمية على مرمى لم�سة من البحر ،ما كان لهذا ال�س�ؤال �أن يدبَّ �إلينا .ومع مرور الوقت �صرت �أتوَهَّ مُ �أنني كنت المعنيَّ الوحيد به ،و�أن طرحه لم يكن �إال ال�شرارة التي فجّ رت �أعماقي ،ال �أعماق الآخرين. كتابة ال�شعر تحتاج �إلى �شيئين �أ�سا�سيين (كما كنت �أعتقد) ،وطبعا ف�أنا �أ�ستعيد هنا الفكرة �أو ال�صدفة التي �ألقت بي �إلى بحر الكلمات ،ذات لحظة م��ن �سنة 1986م .الأول ه��و الإح�سا�س بما ي�شبه الحب .في �سن ال�ساد�سة ع�شر تعتقد �أن كل فتاة تب�سمت في وجهك فهي فعلت ذلك لأنها تحبك .والعن�صر الثاني هو المكت�سبات اللغوية ،وبع�ض المهارة في اللعب بالكلمات (وليِّ �أعناقها) ،ومحاولة �إعطائها معنى لم يخطر على بال ابن منظور! ولأنني توهّ مت �أنهما متوافران،
21
22
وعي �شقيّ ي�سطو على ق�صيدتي هكذا انتبهت ،مع الوقت� ،إلى �أنني �أقود نف�سي في طريق غير م�ألوفة ،و�أن قدري يت�شكل بعيدا عن الآخ��ري��ن .فكان ال�شعر بهذا ال�شكل ثمرة للعناد ،و�أ�شبه م��ا يكون بمطرٍ لغيمة مفاجئة وعابرة .لغيمة تنتقي حقال دون �آخر لت�سقي قوما عطا�شً ا .قوما يُعرفون ب�سيماهم .بجباه عري�ضة تو�سعت ب�سبب حجم الأحالم التي ت�سكنها .ك�أن جبهتي كانت واحدة من تلك الجباه. انتهى الأم��ر ب�أن تحوّل ال�شعر �إلى ما و�صفه به «�سان ج��ون بير�س �أي» �إل��ى «االب��ن ال�شرعي ل�لان��ده��ا���ش» ،و�إل ��ى ح�م��الٍ للفِكر ،و�إل ��ى م��ر�آ ٍة ب�سبب من ا�صطدام لل�صراع الذي تعي�شه الدواخل ٍ الكائن ال�ضئيل ب�أ�سئلة الوجود ال�ضاغطة .وقبل ذلك كنت اكت�شفت محمود دروي�ش ،وتوفيق زياد، و�سميح القا�سم ،وكل هذا الألم الفل�سطيني في �أ�شعارهم ،والحلم �أي�ضا. بذلك لم تعد الق�صيدة �سليلة لعفوية الطفولة، وال لعواطف المراهقة ،وال لأ�صداء عمر بن �أبي ربيعة ،ونزار قباني ،وغيرهم من مجانين الهوى. �أ�صبحت �أكثر تعر�ضا لهواء الواقع غير ال�سليم. �أدرك��ت �أنني �أتنف�س في بيئة �صعبة اجتماعيا، و�أن الكثير من النا�س لي�سوا على ما يرام! هل هو الوعي ال�شقي بد�أ يدبّ �إليَّ ،لال�ستيطان داخلي، اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
لم �أتردد في االنطالق.
ويت�أهب لل�سطو على ق�صيدتي؟ ل��م يمنعني دخ��ول��ي لكلية االق �ت �� �ص��اد من �إ�صراري القديم على المزيد من الح�ضور .كان حظي وحظ جيل كامل جيدا ،لأن جرائد الأحزاب توفر م�ساحات ل�شغب ال�شباب .و�أن��ا مدين لها، ولأ�شخا�ص ثالثة على وجه الخ�صو�ص .عراقي ومغربيان :ال�شاعر فرا�س عبدالمجيد ،وال�شاعر نجيب خ��داري ،والكاتب وال��روائ��ي عبدالقادر ال�شاوي .لكل واحد من ه��ؤالء �أثر في الم�سيرة المتوا�ضعة المتواترة. ولأن ال�ج��ام�ع��ة المغربية ف���ض��اء للدرا�سة وللن�ضال ال�سيا�سي بغالف نقابي ،و�ساحة لتبادل الأفكار ،واللكمات �أحيانا ،فقد كان لكل ذلك �أثره على الوعي ال�شقي وعلى الق�صيدة .والمت�أمل في ن�صو�ص مجموعتي ال�شعرية الأولى «كتاب الظل» التي كتبت ف��ي الفترة م��ا بين 1990و1994م (�صدرت �سنة 2001م ونالت جائزة بيت ال�شعر في المغرب للديوان الأول �سنة 2002م)� ،سيعثر على كائن ي�ضني نف�سه بالبحث عن امر�أة لي�ست من لحم ودم؛ ام��ر�أة مفتر�ضة ذات م�سميات كثيرة ودالالت؛ هي الوطن ،وهي الكتابة ،وهي الق�صيدة ،وه��ي ال�ح��ري��ة ،وه��ي ال�ح�ل��م ،وهي ال �م��ر�أة ،هكذا بكل التجريد ال���ض��روري .وعن ه��ذا بالتحديد يقول ال�شاعر المغربي محمد حجي محمد « ولكن بماذا يحلم ال�شاعر؟ �إنه يحلم ب�آماد رحبة ،وحياة عادلة ،ووطن نظيف، وق�صائد متوهجة. وعلى ال��رغ��م م��ن ق�سوة ال�ح�ي��اة ،وخيباتها المتالحقة ،ف�إن ثمة �أحالم ور�ؤى قلبية ت�أتي من �أعماق الحزن والعتمة عا�صفة بخلوة ال�شاعر ال��رائ��ي ،ومب�شرة بمطر �أو ميالد ق�صيدة� ،أو حب� ،أو ورد ،فال�شاعر ،الذي ال يرى �إال بقلبه ،ال
يخبو ع�شقه �أبدا ،وهو ال يخفي ه��ذا الع�شق بقدر م��ا ي�شهره عالنية في وج��ه ال�م��ر�أة التي �شغف بها ،المر�أة التي يبحث عنها ب��ا��س�ت�م��رار« ،ال �م��ر�أة/ ال��وط��ن ،ال�م��ر�أة /الق�صيدة، والمر�أة /الحياة». ل �ق��د ك ��ان ع �ل��يَّ �أن �أل �ق��ي بالكثير من محاوالت البداية �إل ��ى الأر� �ش �ي��ف ال�خ��ا���ص من �أج ��ل �إف �� �س��اح ال �م �ج��ال لهذه ال�م�ج�م��وع��ة ك��ي ت��رى ال �ن��ور. لم تفز بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء ال�شباب في دورة 1994م ،وكانت ال تزال ط��ري��ة ،لكن بيت ال�شعر في المغرب �أن�صفها بعد ثماني � �س �ن��وات .ك��ان��ت ق��د � �ص��ارت معتقة! وكانت تلك الجائزة �أج �م��ل م��ا تلقيته طيلة ه��ذه الرحلة الم�ستمرة منذ �أكثر قليال من ربع قرن. الكتابة م��د وج ��زر .ت�شبه �إل� ��ى ح ��د ك�ب�ي��ر ال �م �ن��اخ في ال �م �غ��رب .ل��ذل��ك ف�ه��ي رحلة لم (ال) ت�سلم من المطبات والمثبطات �أحيانا� .إم��ا لأن الحافز ي�ت��وارى �إل��ى الخلف، و�إما لأن �سطوة اليومي �أقوى، لكن كل ذلك لم يمنع ال�شالل، ولم يوقف النهر الذي يهيم في بيد الحياة متدفقا من �أعماق الإن�سان اله�ش ،ال��ذي يتخيل
نف�سه �شاعرا .الق�صائد التي ج��اءت بعد «كتاب الظل» لم تقطع مع �أج��واء هذا الأخير، و�إن كانت �أق��ل �صخباً .كانت �أي ��ام الجامعة ق��د انتهت �أو �أو�شكت على االنتهاء ،وكنت ق��د ع��دت للت�أمل ف��ي ال��ذات وه��ي ت�ت��دح��رج روي ��دا روي��دا �إل��ى معترك ال�ح�ي��اة :العمل ف��ي ال�صحافة ،الم�س�ؤولية الأ�سرية ،الطفل الأول الجميل �أو ال�ق���ص�ي��دة ال�ب�ي��ول��وج�ي��ة الأول���ى ،وم��ا �إل��ى ذل��ك ،مما ال يمتّ �إلى ال�شعر ب�أي �صلة، وي �م��ت �إل ��ى ال�ح�ي��اة ال�ع��ادي��ة لإن�سان عاديّ بكل ال�صالت. م ��ا م ��ن � �ش��ك ف ��ي �أن ه��ذا ال�ت�ح�وّل ق��د �أخ�م��د الحما�س الزائد ،لكن لم يقتل الرغبة ف��ي الكتابة ول��م يمنعني من القراءة. ن���ص��و���ص ه ��ذه ال�م��رح�ل��ة (2000-1994م) ه��ي التي ت�ضمنتها مجموعتي الثالثة (م��ن حيث زم��ن ال���ص��دور) «ح��دائ��ق ل��م ي�شعلها �أح ��د»، ال�صادرة �سنة 2011م� ،ضمن م �ن �� �ش��ورات ب�ي��ت ال���ش�ع��ر في المغرب. كثير من القلق ..و�سعي للمزيد الزمن ال يترك �شيئا على اجلوبة � -صيف 1434هـ
23
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ولدت �شاعر ًا..
وربما كنت �شاعر ًا قبل مولدي بكثير
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
24
حاله .كذلك ال�ش�أن بالن�سبة للأفكار؛ فهي منذورة للتبدل والتطور ،ولي�س لأحد �أن ي�ؤاخذ �أحدا .لقد بنيت جزءا من �أوهام الكتابة على فكرة �أن الأدب يمكن �أن يغيّر العالم .لكنني �أدرك��ت �شيئا ف�شيئا �أن العالم يغيره ال�سيا�سيون وم��دب��رو ال�ح��روب، و�أن ال�شاعر موجود لي�ضمد جراح الروح! ولير�أب الت�صدعات التي ت�صيب الكائن ،وهو يرى العالم على غير ما يريد .في هذا الإطار جاءت الن�صو�ص التي كتبتها بعد �سنة 2000م ،خالية من «�أوه��ام» الق�ضايا الكبرى بال�شكل الذي تعارف عليه النا�س. واع �ت �ب��رتُ �أن الق�ضية الأك �ب��ر بالن�سبة ل��ي هي البحث ،متو�سال بال�شعر �أداةً ،عن الطريقة التي يمكن للكائن ال�ضئيل �أن يقاوم من خاللها الت�آكل والتال�شي. لقد ج��اءت ه��ذه الن�صو�ص ،ال�ت��ي ت�ضمنتها مجموعتي «مدين لل�صدفة» الثالثة من حيث زمن الكتابة ،الثانية من حيث زمن ال�صدور� ،ضاجة بالأ�سئلة المرتبطة بالوجود .الأ�سئلة التي تبحث لها الذات عن �أجوبة ال تهتدي �إليها في الغالب؛ ليبقى الجواب الوحيد هو �أن على هذه الذات �أن ت�ضني نف�سها في البحث عن معنى يجعلها في م�أمن من التبا�س المعاني ،ومن ابتذالها .فهل �ستنجح؟ في ه��ذه المجموعة ،هناك انحياز �أكيد �إلى البحث في حقائق الكائن الذي هو �أكثر �شيء جدال. و�أ�ضحت الكتابة محاولة لفهم العالم انطالقا من ذات الكائن ،كما �أ�ضحت تعبيرا ع��ن الحق في الفرح ..في الألم ..في ال�شك ..في قطع هذا ال�شك بيقين يمكن �أن يقطعه �شك جديد .عن الحق في �إعادة ت�شكيل كل �شيء ،بما في ذلك اختالق وطن من الكلمات والإقامة فيه. لهذا ،كان كل ما فعلته عندما �أيقنت �أن ال�شعر لن يغير العالم على طريقة ال�سيا�سيين وهواة الحروب،
هو �إعالن حربي الخا�صة على بوابة الخلود للتحكم في قدري الخا�ص ،و�إفراد بع�ض الوقت للت�أمل في الحال والم�آل ،والبحث عن م�صادر الفرح ،بما في ذلك في مدارات الألم �أحيانا ...فلم �أكف عن ن�سب الأحالم �إليّ ،والخيبات �أي�ضا ،ومن ثَمَّ �أحاول �إعادة �صياغة المعنى كما يحلو لي ،علّي �آن َُ�س القب�س الذي �سير�شدني �إلى �آخر النفق ب�سالم! �إن ثمة �شعورا ينتابني بعد هذه ال�سنوات من محاوالت الإب�ق��اء على الجذوة متقدة في داخلي م�ستعينا على ذلك بالقراءة وت�شجيع الأ�صدقاء. هذا ال�شعور هو ما �صوّره «بريخت» في ق�صيدة من ق�صائده (�أ�ستعيرها من كتاب «الحكمة ال�ضائعة» للدكتور عبدال�ستار �إبراهيم) حين يقول« :نف�سي ت�شتاق �إلى �أن �أكون حكيما /الكتب القديمة ت�صف لنا م��ن ه��و الحكيم /ه��و ال��ذي يعي�ش بعيدا عن منازعات هذه الدنيا /يق�ضي عمره الق�صير /بال خوف �أو قلق» ،بيد �أنني �أن��ازع نف�سي با�ستمرار؛ ذلك �أن ال�شاعر قد تتجه به الكتابة روي��دا رويدا نحو مراتب الحكمة ،لكنه حتما لن ي�صل �إليها �إال على �صهوة القلق .هذا القلق هو وحده الذي ي�صنع الق�صيدة ويمنحها معناها ..في حوار ق�صير �ضمن �سل�سلة حوارات كان يعدها ال�شاعر مو�سى حوامدة ل�صحيفة الد�ستور الأردنية كان ال�س�ؤال الأخير هو «هل �أنت را�ض عما حققته حتى اليوم وهل ت�سعى لمن�صب معين؟» ،ولأن القلق هو معين الق�صيدة، فقد كان الجواب هو «وماذا حققت؟ حققت الكثير من القلق .و�أ�سعى لتحقيق المزيد». هذا القلق الذي �أثمر ثالث مجموعات �شعرية ورق�ي��ة وراب�ع��ة �إلكترونية ن�شرت ف��ي موقع مجلة «الكلمة» التي ي�صدرها الناقد �صبري حافظ من لندن بعنوان «ح��زن يليق بالغريب» ،عدد دجنبر 2012م ،كان مو�ضوعا لعدد من القراءات النقدية والمتابعات.
■ ح�سن الزهراين -ال�سعودية
البدايات كانت كما تعلمون �صباحاً وع�صفورة جدو ًال من العبق.. النهايات وغيهب الغيب م�صفودة لم يجدها نحيب الطرق.. كان طف ًال في قرية (الق�سمة) �شمال منطقة الباحة ال��واق�ع��ة جنوبي المملكة ..ام �ت��زج بالطبيعة ،وه��ام بجمالها الأخّ اذ.. ولد �شاعراً ،وربما كان �شاعر ًا قبل مولده بكثير ،كل �شيء حوله �شاعر؛ ال�سماء ،وال�سحب ،والنجوم ،والقمر، وال�ج�ب��ال ،والأودي� ��ة ،وح�ق��ول القمح وال ��ذرة ،و�أ�شجار التين ،والعنب ،والرمان ،والم�شم�ش ،واللوز.. الأزه���ار الطبيعية ال�ت��ي ي��زي��ن ببع�ضها مالب�سه، وي�أكل بع�ضها الآخر من �سفوح جبال كانت مرتع ًا للنحل والفرا�شات الحالمة.. كان حلما حالما. خطوات متوجّ �سة �إل��ى مدر�سة الق�سمة االبتدائية (ال�صف الأول �إل��ى ال�صف ال�ساد�س) ،وبينهما رواية طويلة..
ثم معهد الباحة العلمي (�أول متو�سط �إل��ى ثالث ثانوي) وبينها روايات ال تنتهي� ،أبيات من �شعر البدايات، ال تتجاوز الع�شرة �إذا طالت ،في عدة �أغرا�ض �شعرية، تقابل �أحيانا بالإعجاب ،وبال�سخرية �أحيانا �أخرى. ثم جامعه �أم القرى ،ق�سم الجغرافيا ،وغربة ربما كانت حافزا قوي ًا لميالد ق�صائد �شجيّة.. ف��ي جامعة �أم ال�ق��رى ،كنت �أق�ضي ج � ّل وقتي في المكتبة العامة ،وبين كتب الأدب واللغة ..بعيدا عن تخ�ص�صي. وم��وق��ف م��ع ال��دك�ت��ور (فتحي) ح��ول وزن بيت من ال�شعر كان يمليه على طالبه مك�سورا ،فثارت ثائرته، و�سخر مني �أمام الطالب ،وطلب مني تقطيع البيت فلم �أفلح ،وقام ليقطعه ..ف�أده�شتني �شجاعته الأدبية عندما اعترف ب�أن البيت مك�سورٌ ،وحاول �أن �أحول تخ�ص�صي اجلوبة � -صيف 1434هـ
25
ذه�����ب ال���ه���ج���اء ب��رخ�����ص��ت��ي وب��ط��اق��ت��ي �إن ال��������ه��������ج��������اء ت������ع������ا�������س������ة ووب�������������ال
26
فح�صلت عليهما في اليوم نف�سه تقديرا لل�شعر.. وفي هذه المدر�سة ،كتبت ق�صيدة (�أبتاه كيف قتلت �أم��ي) ،التي �أخ��ذت حينها �صدى وا�سعاً ،وهي ق�صيدة كتبتها على ل�سان الطفلة «رحاب» التي قتل �أبوها �أمها بال�سكين �أمامها و�أمام �إخوتها. وجدتُ �إحدى المكتبات تبيع ال�صورة من الق�صيدة بع�شرة رياالت، اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
فرف�ضت. ح��ث معظم ال��زم�لاء على الن�شر ف��ي ال�صحف ،وتن�شر �أوائ��ل الق�صائد ،ويتخذ بع�ضها حيز ًا من المالحق الثقافية ،التي لم يكن يحلم ذات يوم �أن يكتب فيها ا�سمه ،فكيف بق�صيدة من ق�صائده؟! ولن �أن�سى وين�سى ذلك ال�شاعر الذي كان �أنا ،لن نن�سى الزميل عبداهلل بن عاي�ض الذي كان يحمل ق�صائدي �إلى ال�صحف� ،أو ير�سلها بالبريد، حر�ص ًا منه وغيظا من برودي والمباالتي ،تحققت الف�سحة الأولى من الحلم ،وتخرجّ ت من جامعة �أم القرى معلما ..ثم عامان في تعليم المخواة ..مدير ًا لمدر�سة ناوان ومتو�سطة المخواة ،ثم خم�سة �أعوام بثانوية بني عدوان ،كانت حافلة بال�شعر والمفارقات العجيبة منذ عام 1408هـ حتى عام 1412هـ. نخبة من ع�شاق ال�شعر ،في مدر�سة حافلة بالنجاحات حفرت في ذاكرة العمر. كان زواجي ببيتين من ال�شعر «وهذه لي�ست خرافه» ،وهما مثبتان في �أحد دواويني� ،ساترك لكم عناء البحث عنهما.. �أ�صدرت �أول دواويني ال�شعرية (�أن��ت الحب) عام 1409ه �ـ ،وكم كانت رحلة البحث عن دار طباعة ور�سام للغالف م�ضنية في مدينة جدة ،قا�سمني مرارتها – ن�سيبي الأ�ستاذ عطيه الزهراني -الديوان، ووزعت الديوان �شركة تهامة ،وحظيت بمردود ال با�س به. ك��ان��ت ه��ذه المدر�سة و َم��ن فيها ينتظرون ك��ل �صباح ق�صيدة، ومعظم لهفتهم لق�صائد الهجاء التي كنت �أداعب بها بع�ض الزمالء، كان الجميع يتذوقون ال�شعر ب�شكل ملفت ،وكان من بينهم د/معجب العدواني ،كنت �أجمع هذه الق�صائد في ق�صا�صات بمحفظتي ،فظنها ل�صو�ص الحرم المحفظة ،وفيها رخ�صة القيادة ،وبطاقة الأح��وال، فكتبت طلبا للمرور والأحوال ق�صيدة مطلعها:
ون�شرت الق�صيدة حينها في جريدة ال�ب�لاد ،وق��ر�أه��ا ق��راءة نقدية الأ�ستاذ خالد الغامدي ،ودخ��ل في تفا�صيل ك��ادت �أن ت��ودي بي �إلى ال�سجن! وعلمتُ �أن الجهات المعنية طلبت التحقيق ،ولكنني لم �أذهب.. وكانوا مت�سامحين معي.. ثم �صدر ديواني الثاني «في�ض الم�شاعر» ،وفاز بجائزة �أبها الأدبية عام 1412هـ ،وهذا ما لم يكن في الح�سبان �أبداً ،ولم �أتقدم للم�سابقة التي كانت على م�ستوى الخليج �إال بعد �إلحاحٍ من الزمالء والأق��ارب، وكانت الجائزة تحت �إ�شراف الأمير ال�شاعر خالد الفي�صل ،فكانت حافزا قويا لموا�صلة الم�سيرة بعد كثير من الخيبات. كلفت ب���إدارة مدر�سة الفي�ض ،وبقيت فيها عامين �شهدت نقلة �شعرية بالن�سبة ل��ي منذ 1413ه� �ـ ،واح�ت�ف��اء ملحق ال �ن��دوة الأدب��ي بق�صائدي ،عندما كان من �أهم و�أقوى المالحق الثقافية على م�ستوى ال�صحف العربية؛ �إذ كان ين�شر لكبار ال�شعراء والنقاد العرب ،وكانت فاتحة الق�صائد «هموم المدير» ،التي وجدت قراءات ورود كبار النقاد والم�س�ؤولين �أي�ضاً ،وكان ي�شرف على الملحق الأ�ستاذ الأديب محمد المفرجي رحمه اهلل ،وكم كان �صارم ًا ودقيق ًا في اختبار ما ين�شر ،وال �أن�سى �أنه كتب ذلك الحين مقا ًال عني بعنوان (ح�سن �شعبة من �شعب الإيمان) ،تحدث فيه عن زيارتي له في الجريدة ،ومعي مجموعة من ق�صائدي لعر�ضها عليه للن�شر ..وكذلك احتفاء المجلة العربية� ،إذ كان رئي�س تحريرها �أديبنا الكبير الأ�ستاذ حمد القا�ضي ،فعرَّفت بي ك�شاعر على م�ستوى الوطن العربي ،وجاءتني ر�سائل من الأردن وم�صر واليمن وتون�س والمغرب ،حيث كانت المجلة وا�سعة االنت�شار.. وال �أن�سى �أول �أم�سية �شعرية احييتها عام 1414هـ في جمعية الثقافة والفنون في الباحة ،وكان ير�أ�سها الأ�ستاذ والأديب محمد في�ضي رحمه اهلل ،وي�شرف على الن�شاط الثقافي الأ�ستاذ جمعان عائ�ض ،وهو الذي �أدار تلك الأم�سية ،ورغم قلة الح�ضور ورهبة التجربة الأولى� ..إال �أنها نالت �إعجاب الحا�ضرين ب�شكل لم �أتخيله ،وك��ان �صداها كبير ًا لم يخطر ببالي.. ثم كلفت في عام 1415هـ ب�إدارة مدر�سة الق�سمة -قريتي ،وخالل عملي بها كانت انطالقتي ال�شعرية كما �أزع��م ،ر�شحت فيها ل��دورة مديري المدار�س بكلية المعلمين في الطائف ،ولن �أن�سى �أن الدكتور �سالم القر�شي عميد الكلية �آنذاك جاء في محا�ضرته بق�صيدة (هموم المدير) م�صورة من جريدة ،وجعل المحا�ضرة �أ�شبه بور�شة عمل حول الق�صيدة ،وهو ال يعلم مَن �صاحبها ..كان بجواري الأ�ستاذ عودة اجلوبة � -صيف 1434هـ
27
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ق�صائد ال تن�سى ق�صيدة (�ش�آبيب البهتان) التي �أطلق ب�سببهاال�سجين ال�سعودي في فرن�سا ،وجهتها با�سمه لل�سفير الدكتور في�صل الحجيالن ،و�أم��ر ب�إطالق �سراحه في اليوم التالي ،وتكفلت ال�سفارة بكل ال�ضمانات المطلوبة. ق�صيدة (�سحابة من ن�سيج ال�ح��زن) وه��ي على�صفحتي في الفي�س. ق�صيدة (ال�شعر والمزاد) التي ن�شرتها في ملحقالأرب�ع��اء ،فجاءني اللوم من كل مكان ،ودعاني الأمير في�صل بن محمد م�ستف�سراً ،ف�أو�ضحت له ،وقال لك ذلك �إال �أن ي�أتينا في الباحة �ضيف كبير. ق�صيدة (عذّب ف�أنت محبب) ..في ديواني �صدىالأ�شجان ،ال��ذي �أهديته ل�سمو الأمير في�صل بن بندر �أمير الق�صيم والذي ح�ضر تلك الأم�سية. اختيرت ق�صيدة (دان��ة الأح�ل�ام) �ضمن �أجملمئة ق�صيدة في ال�شعر العربي الإ�سالمي المعا�صر، ولم �أح�صل على الكتاب �إال العام الما�ضي ،في معر�ض الكتاب من دار ال�ضياء الأردنية. ت�شرفت ب�إلقاء ق�صيدة حفل مهرجان الجنادرية(� )33أمام خادم الحرمين ال�شريفين الملك عبداهلل بن عبدالعزيز. ق�صيدة (قبلة في جبين الوطن) التي اختيرت عام1422هـ ،لتُدر�س �ضمن مقرر الن�صو�ص الأدبية لل�صف الثالث متو�سط بنين وبنات .وقد ُدرِّ�س الن�ص منذ عام 1425ه�ـ .و�أعد هذا �أكبر تكريم ل�شعري ،وقد �أ�سعدني كثيرا. اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
28
الطلحي الذي التفت �إلى الدكتور �سالم ق��ائ�لا ل��ه� :أتعلم لمن هذه الق�صيدة يا دكتور �سالم ،قال :نعم اال�سم وال�صورة عليها .قال� :أ�س�أل �إذا كنت تعرفه �شخ�صياً؟! قال :ال. ق ��ال ال�ط�ل�ح��ي ب���س�خ��ري��ة :هو هذا الطالب الم�ؤدب الذي يجل�س ب �ج��واري ،ف��ذه��ل القر�شي رحمه اهلل ،وتغيرت مالمحه.. ث��م تلقيت دع ��وة م��ن ال�شيخ �سعد الملي�ص بعد ت�أ�سي�س النادي ب�أ�شهر ،لأك��ون ع�ضوا في اللجنة الثقافية التي كان ير�أ�سها حين ذاك الأ��س�ت��اذ عبدالرحمن ال��ده��ري، مدير عام التربية والتعليم ،والذي ب��دوره طلب مني ديواني لطباعته في النادي ...و�صدر ديواني الثالث «�صدى الأ�شجان» عن نادي الباحة. في العام نف�سه كتبت ق�صيدة «و� �ص �م��ة ف��ي ج�ب�ي��ن ال �� �ص��داق��ة»، و�شكاني �صديقي لإم��ارة الباحة، وج ��رى التحقيق م �ع��ي ،وجل�سنا �أمام الق�ضاء ،وكان قد �أعد الئحة قر�أها على القا�ضي ،مفادها �أنني ات�ه�م�ت��ه ب��ال��ر� �ش��وة ،وت�سببت في ت�شويه �صورته و�صورة �أهالي قريته، وط�ل��ب �إق��ام��ة ح��د ال �ق��ذف ع�ل��يّ ، وطلب القا�ضي مني الرد ،فرددت ف��ي الجل�سة بق�صيدة ت��زي��د علي الع�شرين بيتاً ،وهي مثبته لديهم في �سجل ال�ضبط ،وحكم القا�ضي ب� ��أن ت�ح��ال الق�صيدة ل�شاعرين للحكم فيها. ذه�ب��ت ..وكانت مفاج�أتي �أن
�أجد الحكم ف�ضيلة ال�شيخ ال�شاعر ع�ل��ي ب��ن ق��ا��س��م ال�ف�ي�ف��ي قا�ضي محكمة التمييز ،ال��ذي(��ش��طّ ��ر) الق�صيدة كاملة ،ون�شرها في ملحق الندوة ،و�إلى هذه اللحظة ال �صورة لها عندي ،وك��م حاولت �أن �ألغي الن�شر ،لأن هذا �سي�صعد الم�شكلة، وبخا�صة �أن م�شايخ القبائل هنا وب�ع����ض الأ� �ص��دق��اء ط��رح��وا عليّ ف�ك��رة ال�صلح ،فوافقتهم ..وقد كتب ال�شيخ ر�أيه في خم�سة �أبيات من الق�صيدة ،وال �أعلم ماذا جرى بعد هذا من ذلك الحين. وق��د جمعني ب�صديقي ال�شيخ ال��دك�ت��ور محمد حجر الظافري، و�أ�صلح بيننا وتعانقنا وبكينا كثير ًا �أم��ام��ه ،بعد هجر دام نحو ع�شر �سنوات.. ف�ق��دت �أم��ي رحمها اهلل عام 1418ه �ـ ،وبقيت �صامتا حين ًا من ال��ده��ر ،ث��م كتبت فيها ق�صائد رث ��اء جمعتها ف��ي دي� ��وان خا�ص «ري �� �ش��ة م��ن ج �ن��اح ال � ��ذل» ،وه��و بح�سب ر�أي الدكتور ح�سن الهويمل من ال��دواوي��ن ال�ن��ادرة في ال�شعر العربي.. ت�شرفت ب��إل�ق��اء ق�صيدة في حفل ا�ستقبال خ��ادم الحرميين ال�شريفين الملك ع�ب��داهلل ،حين كان ولي ًا للعهد ،في زيارته الأولى للباحة.. وال�ق���ص�ي��دة الأه� ��م ال �ت��ي بلغ ��ص��داه��ا الآف � ��اق ،ه��ي ق�صيدتي في حفل ا�ستقبال الأمير �سلطان
بن عبدالعزيز رحمه اهلل ،حيث خالفت كل تعليمات الإمارة ،و�صدحت باحتياجات المنطقة ،و�أنا على خوف من العواقب ،لكنه رحمه اهلل �أطف�أ خوفي ،عندما دعاني وق��ال «ه��ذه ملحمة وطنية رائعة ،و�س�أنقل ما فيها �إلى خ��ادم الحرمين ال�شريفين وول��ي عهده ،و�ستجدون ما ي�سركم ب�إذن اهلل». ون�شرت الق�صيدة في اليوم الثاني م�صحوبة بتعقيب الأمير عليها ،وتحدث عنها كثير من الأدباء والمثقفين حينها ،وهي م�سجلة على اليوتيوب لمن �أراد الم�شاهدة. بعد لقائي بالظافري� ،س�ألني عن ق�صيدة الأمير �سلطان ،فقلت له هي من ق�صائد المنا�سبات ،وهي كثيرة لدي ،فطلبها ..وطبع ديوان (قبلة في جبين القبلة)عام 1422هـ ،و�أ�شرف على طباعته الأ�ستاذ يحيى مر�ضي.. اخترت لع�ضوية مجل�س �إدارة النادي ،ومعي الدكتور �سعيد �أبو عالي ،ور�أ�ست لجنة الت�أليف والن�شر في النادي عام 1424ه�ـ ،و�صدر عام 1425ه�ـ ديواني «تماثل» عن دار الكنوز الأدبية في بيروت ،وقد حظي بالكثير من القراءات النقدية ال�شاملة ولبع�ض ق�صائده خا�صة. عندما جاء الت�شكيل الجديد لإدارات الأندية الأدبية، تم اختياري نائبا لرئي�س ال�ن��ادي ،و�أذك��ر �أن اال�ستاذ �أحمد الم�ساعد �-أثناء جل�ستنا التن�سيقية قبل و�صول وفد الوزارة برئا�سة د .عبدالعزيز ال�سبيل وكيل الوزارة �آن��ذاك -طلب رئا�سة النادي بحكم تفرغه وكبر �سنة، ولكنه قال كلمة ال تن�سى� ..أنا �أر�شح نف�سي لرئا�سة النادي �إال �أن يطلبها الأ�ستاذ ح�سن( ،ب�صمت له بالع�شرة)، و�سكت الجميع فقمت وباركت له. �صدر لي عام 1427ه �ـ دي��وان «�أو��ص��اب ال�سحاب»، ودي��وان «قطاف ال�شغاف» والطبعة الثانية من «�صدى الأ�شجان» .وفي عام 1430هـ �صدرت الطبعة الثانية من «تماثل» ،وع��ام 1433ه �ـ الطبعة الثانية من «ري�شة من جناح الذل». كلفت برئا�سة النادي بعد �إقالة الأ�ستاذ �أحمد ،ومن ثم تم اختياري من المجل�س رئي�س ًا لمجل�س �إدارة النادي وما �أزال حتى الآن..
فزت بجائزة با �شراحيل للإبداع ال�شعري في دورتها الثالثة ،ولم �أعلم بهذا �إال من ال�شاعر ال�صديق عي�سى جرابا ،وفي هذا العام 1434ه�ـ �أ�صدرت ديواني «هات البقية» ..ولدي ثماني مجموعات �شعرية تنتظر دورها في الطباعة.
29
■ خالد ال�سنديوين -م�صر
في كتابه «ال��ذاك��رة التاريخ الن�سيان» ،يكتب بول ريكور«:نتزود بالذكريات من �أج��ل الأي��ام المقبلة ،من �أجل الزمان المخ�ص�ص للذكريات» .في م�ستودع الما�ضي يقبع جز ٌء غير ي�سير ال في الغياب ..غير �أننا من حياتنا .نم�ضي عنه ،ونظنّ �أننا تركناه �إلى م�صيره؛ يفنى متحل ً ال في لحظ ٍة �أ�شبه ب�صاعقة ت�ضرب ما ح�سبناه ه�شيما متذريّا؛ فينه�ض الما�ضي من العتمة ماث ً تحت م�صبّ الأنوار .فال تعرف هل �أنت في محطّ ة ا�ستدعاء منقطعة وم�ؤقّتة� ،أم �أنّك لم تغادر من هناك� ،أو غادرتَ وثمّة من ت�سلّل معاك في الخفاء ،وبقي راب�ضاً منزويا ينتظر المثول .فقط �شرارة نتعرّف في اندالعها �أننا بالفعل في «الزمان المخ�صّ �ص للذكريات». (من مقال الناقد عبداهلل ال�سفر عن ديوان الالعب – جريدة الوطن ال�سعودية)
30
غالالت رقيقة هبطت بيني وبين الما�ضي الجميل الذي لم �أغادره ،ربما �أكون قد ابتعدت قليال بهيئتي؛ لكن الما�ضي يمثل بقوة في مكنون الروح والنف�س.. هناك بالت�أكيد الطفولة حيث مهد ال�شعر ،التربة التي �سقطت فيها يوما ما ب��ذرة غام�ضة من عالم �آخر، وظلت هناك ما �شاء اهلل حتى �أتى الف�صل الموعود، �أن�ظ��ر �إل��ى الما�ضي� ،أرى قرية وادع��ة و�شم�س ًا مبهجة� ،أرى طف ًال ي�ستيقظ �سعيداً� ،أرى معه رفيق دربه وهما ال يفترقان ..يهرعان ب�سرعة �إلى ال�شارع عندما ي�ستمعان �إلى �صوت كرة قدم تدب على الأر�ض، نداء لم نرف�ضه �أبد ًا ال في هجير وال في مطر وال رياح، بل لم نرف�ضه في ليل �أو نهار� ،سعينا دوم ًا �إليه بقوة و�شغف ،لم �أعرف له مثي ًال �إال �شغفي بال�شعر الحقاً. «�سر�سنا» الجميلة ،بيتي المطل على العالم الأخ�ضر حتى المدى ،لهاثي في ملعب الكرة تذكرة اجلوبة � -صيف 1434هـ
ق��وي��ة ب��ال��وج��ود ف��ي ال�ساحة ،حيث �شهد النا�س له بالموهبة ،بمجد الأه ��داف ال�م��ؤث��رة وال�م��راوغ��ات تحديات الفتوة ،بل ال�شجارات العفوية التي ربما تعقد �صداقات العمر التي ال تنف�صم. عيني عقدت عالقات غام�ضة مع الطبيعة ،هناك هي مزيج من ال�شغف والده�شة والت�سا�ؤل ممتزجة بالحب والحميمية في قريتي ،الحقا ا�ستبدل الحب بالخوف ،والحميمية بالقلق ..فور هجرتي من القرية �إلى المدينة ،ثم من المدينة �إلى خارج م�صر. الإح�سا�س باالختالف عن الآخرين ،هو �أول خطوة في طريق ال�شعر ،فت�أمُل منظر طائر يعبر في ال�سماء، �أو �شجرة تتو�سط الحقول ،يبدو �أنها كانت تدريبات للمهمة ال�ق��ادم��ة هنا يتم �إع ��داد ق��اع��دة البيانات الم�صورة للم�ستقبل الغام�ض.
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ثمرة الهذيان� ..سيرة �شاعر
البدايات الت�أمل والإن���ص��ات العميق/ عبدان يجل�سان في وداع��ة عند قدمي�/صورة قديمة على حائط بيتي ..تثير الت�سا�ؤل عن �أ�صولي. تتح�س�س الطريق �إل��ى عالم خا�ص يجيب على �أ�سئلة تتردد في روح ال�شاعر ،تت�صيد العين مفردات ب�صرية تت�سم بالخلود وال��ذب��ول م �ع �اً ،تن�سج المخيّلة عوالم لي�ست بال�ضرورة �سعيدة �أو حزينة؛ لكنها بالت�أكيد جميلة.. جميلة ب�شكل ما غير مفهوم؟ ال يمكن �أن ي �ك �وّن ال�شاعر �شخ�صية من دون حد �أدن��ى من القراءة والمتابعة� .أتذكر �أن �أولى ال�صدمات ال�شعرية ك��ان �شعرا مترجما لل�شاعر الفرن�سي «�أرتور رام�ب��و» ،وتحديدا الإ��ش��راق��ات.. خ�ل�ب��ت ل � ّب��ي ال�م��وا��ض�ي��ع الكلية للق�صيدة ،وق��وة �إيحاء ال�صورة وب�ساطتها في الوقت نف�سه ،مَن ي�ستطيع �أن يقاوم ه��ذا المقطع «لقد ا�ستعيدت الأبدية – البحر ممتزج ًا وال�شم�س». تبدو المقاطع بال تهويم وال هذيان ،كما اعتدت �أن �أقرا على �سبيل المثال ف��ي الت�سعينيات، تبدو ك�أنها اكت�شاف جغرافي من عالم �آخر. ي��رت�ب��ط ال���ش�ع��ر ب��ال�م�ع��ان��اة، و�أول ح �ل �ق��ات ه���ذه ال �م �ع��ان��اة ه��ي الإح���س��ا���س ب��االخ�ت�لاف في ال�شعور والتلّقي ع��ن الأخ��ري��ن، وال�ع�لاق��ة م��ع ال��واق��ع المحيط، ال�شعر ه��و متابعة ل�ل��زم��ن وم��ا
ورائه ،وفي الوقت نف�سه اختالط م�ضني بالواقع الذي الير�ضى �إال بح�ضورك الكامل. ��ص��راع يت�شتت فيه ال�شاعر وي�ستهلك ،وهو يبحث عن مو�ضع ق��دم يتماهى فيه مع �شخ�صيته المختلفة – حتى الثامنة ع�شرة لم يكن لي �أي اهتمام بال�شعر.. كنت �أكثر اهتمام ًا بالر�سم ،و�أكثر اهتماما بكرة القدم ،والغريب �أن قراءاتي كانت تن�صبّ �أكثر على التاريخ والعلوم ،ربما لأن ال�شعر التقليدي لم يكن ي�ستهويني ،فقد كنت �أرى فيه �صنعـة �أكثر منه بحثا وا�ست�شرافا للمجهول. ب��ن��اء ع �ل��ى ت �ل��ك ال �ف��و� �ض��ى العقلية ،ون�ظ��ر ًا لح�صولي على درجات عالية في الثانوية العامة، التحقت بكلية العلوم ..والمفارقة الأكبر �أنني اكت�شفت �أنني ال �أملك ال ال�صبر الذي يحتاجه العالم، وال التفكير المنطقي المنظم الذي يميز العالم عن غيره. م�ضت ال���س�ن��وات الأرب ��ع في كلية العلوم ب�صعوبة� ،أذهب �إلى الكلية وفي يدي مجالت ال�شعر مثل �إب��داع وغيرها ..ك�أنه تحدٍ للواقع. توا�صلت محاوالت الكتابة بعد ذلك ،وتلك هي الفترة الأ�صعب ف��ي ح�ي��اة �أي ��ش��اع��ر ،فالبحث الم�ستمر عن ال�شخ�صية ال�شعرية ي�ستمر طويالً ،وي�ستهلك ال�شاعر تماما �إل��ى جانب الواقع العملي ال���ص�ع��ب ،وب�خ��ا��ص��ة �إذا كنت ريفياً ،هاجرت �إلى المدينة بحث ًا
31
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ديوان الالعب ()2012 �أم��ا ال�لاع��ب ،فهو �أخ��ي يا�سر ،ع�شقنا مع ًا كرة القدم ع�شق ًا ال يفارق الخيال ،و�صل بنا الأم��ر �أن نظمنا م�ب��اري��ات ف��ي فجر �شهر رم���ض��ان ت �ب��د�أ في الظالم وتنتهي ،ونحن على و�شك االنهيار ،بزغ نجمه في قريتنا و�أخ��ذت حياته الريا�ضية �شكال احترافيا و�أعطى نف�سه كلها لكرة القدم ،ب�شكل كان ي�صيبني بالحيرة �أحياناً ،والإعجاب �أحيانا �أخرى ،لقد ر�أيت �إخال�صا وحبا عجيبين. ف��ي ال�م�م�ل�ك��ة ��س�ع��دت ب���ص��داق��ة ال���ش��اع��ر عيد الخمي�سي ،و�سعدت بالم�ستوى الذي يتمتع به �شعراء المملكة وهو منهم ،و�آخرين ،مثل :القا�ص عبداهلل العقيبي ،وال�شاعر ماجد الثبيتي ،ومواهب �أخرى.. �إنها تجربة لم تكتمل بعد..
رحلتي في ال�شعر.. قطار توقف في محطات كثيرة
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
32
عن م�ستقبل وعمل. في تلك الفترة كتبت كتابي الأول «ميجابولي�س» وه��و بالت�أكيد ع��ن ال�م��دي�ن��ة .و�صلت الأوراق �إل��ى فنانين تعرفت عليهم ،تكفلوا ب�إعطاء ن�سخة �إلى دار �شرقيات ..كتر�شيح منهم لطباعة الديوان ،وبالت�أكيد ولفتـــرة طويلة ،حالت الإمكانات المادية دون طباعة هذا الديوان. مع توافر بع�ض المال ،كان �أول ما فعلته هو طباعة تجربتي الأول��ى «ميجابولي�س» ،و�صلني الكتاب في مكة ،وغمرني �إح�سا�س بال�سعادة كما يحدث مع �أي �شاعر يطبع كتابه الأول� ،إلى هذا الحد لم �أكن �أعد نف�سي قد حققت �أي نجاح يذكر ،ف�أي �شاعر مع توافر بع�ض المال ي�ستطيع �أن يطبع كتابا واثنين� ،إال �أنها كانت الخطوة المادية الأولى في طريق الكتابة. �أعتقد �أن هناك مرحلة �أخ��رى من ع��دم الن�شر ا�ستفدت منها ،وهي تلك الفترة التي �سبقت الن�شر الإلكتروني حيث اختمرت التجربة في داخلي ،و�صرت بطريقة ما �أكثر ن�ضجاً ،تبعها ن�شر ديواني الثاني «نمر يبت�سم». �شيئان يخلبان لبّي ..الطبيعة وكرة القدم ،وفي ديواني الثاني حاولت �أن �أمزج بين الفل�سفة وال�صور ال�شعرية الخالبة ،وكنت ك�أنني �أنحت تماثيل لحيوانات الغابة ،و�أثناء ذلك �أحاول ا�ستنطاقها. يقول المثقف الكبير والعالم الأنثربولوجي الدكتور ف�ك��ري ح�سن ع��ن دي ��وان «ن�م��ر يبت�سم» ف��ي مقاله (جريدة الغاوون) العدد « :15يتجلّى في �صياغة ن�ص ال�سنديوني التكثيف الواعي وال�سل�س بمخارج الألفاظ ووقعها ،وملكة الإده��ا���ش ،بما يقتن�صه ال�شاعر من م�ضامين غير متوقعة لها وق��ع المفاج�أة .يتحدّث القنفذ�« :أحلم كل ليلة ب�أنه /بينما تت�ساقط الأمطار فوق ظهري /تتفتح زهرة جميلة /من �أحد �أ�شواكي/ بينما يقول عابر :ما هذا الجمال!». في هذا المقطع وغيره يعزف ال�شاعر لحن ًا هام�س ًا راق�ص ًا -يت�ضافر -مع المنظومات اللحنية الأخرى التي تجعل هذا العمل ،في مجمله ،ن�سيج ًا مت�شابكاً، ومقطوعة مو�سيقية م�ت�ع�دّدة الأل �ح��ان المتداخلة
« ،»Polyphonicوفي هذا الهم�س وهذه الرقّة ،تقترب الأ��ش�ع��ار م��ن ب�ساطة «�أن �ط��ون دي �سانت اك��زب��ري» وحميميّته في «الأمير ال�صغير»« :بعد �صمت طويل قال� :إني �أحبّك /ولم يقل �شيئ ًا بعد ذلك� /ضحكت/ من ال يعرف يقول �إنني �أتثاءب /بعدها بقليل تثاءبت فعالً». ذات م ��رة بينما ك�ن��ت �أت���ص�ف��ح �أح ��د ال�م��واق��ع الإلكترونية ال�شهيرة قر�أت مقولة لل�شاعر «�أر�شيبالد ماكلي�ش» تقول« :كرة القدم وال�شعر اليجتمعان» ..لم �أ�ستطع �أن �أ�صدق ،بل وجدتني �أكتب الرد �سريع ًا في جملة واحدة« :كرة القدم وال�شعر �شيء واحد». ث��م ت��وال��ت على خيالي تلك اللحظات المفعمة بالحياة والجمال بالن�شوة والإث��ارة ،وقررت �أن �أكتب ديوانا كام ًال عن كرة قدم ال�شوارع. تحم�ست دار الغاوون التي ي�شرف عليها ال�شاعر المتميز ماهر �شرف الدين للديوان ،وتم طباعة عدة �آالف منه ،كهدية م��ع ال�ع��دد رق��م ( )47م��ن مجلة الغاوون ،بمنا�سبة مرور �أربعة �أع��وام على �إن�شائها، لكنني �أعتقد �أن ظ�ه��ور الكتاب ف��ي خ�ضم ال�ث��ورة الم�صرية لم يجعله يلق االهتمام الكافي.
■ �سليمان عبدالعزيز العتيق -ال�سعودية
ربما كنت في �سن الخام�سة ع�شرة �أو قبلها �أو بعدها بقليل ،عندما وقع بيدي كتاب (جواهر الأدب) لأحمد الها�شمي ،فقر�أت فيه المعلقات ال�سبع ،وكانت تلك القراءة �أول عهدي بتذوق ال�شعر والتعلق به ،كحالة م�ستع�صية ،الزمتني منذ ذلك الزمن وحتى يومنا هذا ،ولم تكن تلك القراءة بق�صد بناء قدرات �شعرية ،بل كانت تلذذا ومتعة مح�ضة ،ال �أجدها في غير ال�شعر. وقفت طويال في تلك ال�سن المبكرة ،مع امريء القي�س ،وطرفة بن العبد ،ثم م�ضيت في قراءة كل ما توافر لدي من قديم ال�شعر وحديثه ،فقر�أت في ال�شوقيات و�شعر المهجر .وكنت �أحر�ص على اقتناء دواوين ال�شعراء ،وقد قلت في هذا ال�صدد ق�صيدة تعبر عن هذا ال�شغف ،ال �أتذكر منها �إال مطلعها: دف����������ن����������ت ف�������ي�������ه�������ا وح�����������������ش��������ة ال�����ع�����م�����ر ع�������������ش������رون دي����������وان����������اً م�������ن ال�������ش���ع���ر وق��د قادني حب ال�شعر والتمتع به �إل��ى �أن تتولد لديَّ �أمنية ب�أن �أكون �شاعرا ذات يوم.
مبا�شرة لأجواء المعهد العلمي في حائل الذي كنت �أدر�س فيه ،والذي كان بيئة خ�صبة م�شجعة ل��ي ول �ع��دد م��ن زم�لائ��ي ممن يملكون رغبات كرغبتي� ،أو يمتلكون مواهب �أدبية .كان ذلك كله بت�أثير مديره الن�شط في ذلك الوقت ،وهو الوزير ال�سابق و�أم�ي��ن ع��ام رابطة العالم الإ�سالمي حالي ًا معالي الدكتور عبداهلل بن عبدالمح�سن التركي ،الذي كان حينها �شابا في بداية �أعماله الإدارية ،جزاه اهلل عنا خيراً.
بد�أت بخرب�شات �شعرية ،كنت �أ�ستحي من �أن �أعر�ضها حتى على �أقرب �أقراني ممن هم في �سني وم�ستواي الثقافي ،ولكنني كنت �أعر�ضها في الخفاء على طرفة ،وعمر بن ربيعة ،وابن زيدون؛ في�صيبني الإحباط ،من نتائج المقارنة، والي�أ�س من تحقيق الأمنية؛ ثم تعاودني الرغبة ف�أعيد المحاولة ،حتى جاءت نهايات المرحلة الثانوية ،عندما تملكتني ال�ج��ر�أة على �إظهار �أول ق �� �ص �ي��دة � �ش �ع��رت ب �ق �ب��ول ل �ه��ا من محاوالتي على م��ن ح��ول��ي ،وك��ان ذل��ك نتيج ًة ق �ب��ل ��س��ام�ع�ي�ه��ا ،ك��ان��ت ف��ي �إح � ��دى ح�ف�لات اجلوبة � -صيف 1434هـ
33
ت�������������ق�������������ول ل���������������ي دع��������������������د وق����������د � ُ�����ش�����غ�����ـ�����ل ال�����������ف������������ؤاد ف������م������ا رق�����ـ�����د ق�����������م ن������ق������ت������ف������ي �أث�����������������ر ال�����ن�����ج�����و م ف����ل����ي���������س ف��������ي ال�����������������وادي �أح��������د ق���������ل���������ت ل���������ه���������ا ك���������ف���������ي ف�����������ش�����ي�����ـ ـ��������ط��������ان ال������ق�������������ص������ائ������د ق���������د وف������د �إن��������������������ي لأه������������������������وى �أن �أق������������و ل ل�������������ص������اح������ب������ي ق������������������و ًال خ����ل����د
يقول مطلع الق�صيدة:
ق����������ـ����������م ل���������ل���������ح���������ي���������اة وح�������ي�������ه�������ا على التخوم ب������ـ������ت������ح������ي������ة ال��������ع��������م��������ل الأك����������������د ع�شرون ناعقاً يحوم.. وق��د �ضاعت م�سودة الق�صيدة ،مع �أوراق وموق ٌد عتيق.. كثيرة فقدتها ..فن�سيت بقيتها. وجثة ٌ وبوم.. ف��ي ن�ه��اي��ة ال�م��رح�ل��ة ال �ث��ان��وي��ة ،ق� ��ر�أت في وكلبة ٌ بالليل تنبح النجوم.
34
كتاب (�شعراء نجد المعا�صرون) لعبد اهلل وب�ع��د ه��ذه ال�م�ق��دم��ة ال �� �س��وداوي��ة ،تم�ضي بن �إدري�س ،ق�صيدة رمزية من �شعر التفعيلة الق�صيدة حتى ت�صل الخاتمة التي �أقول فيها: اجلوبة � -صيف 1434هـ
وق�صيدة (الخراب) هذه بمو�ضوعها الذي ير�سم �صورة لما تعانيه الأم��ة ،وما تعي�شه من �أزمة وجودية ،تم�س كيان هذه الأمة ووجودها، هذه الق�صيدة بهذا التوجّ ه وبهذا التناول تمثل الغر�ض الرئي�س الذي تمحورت حوله اهتماماتي، المنعك�سة على ما قلته من �شعر ،فقد كانت ق�ضايا �أمتي ،وق�ضايا الوجود الكبرى ،وما يدور ح��ول ذل��ك ،ه��و وح��ده مو�ضوع �أ��ش�ع��اري .فلم �أكتب في �شعر المنا�سبات �أو المديح �أو الهجاء والحمد هلل وال حتى في الغزل ووجدانياته ،وقد يُع ُّد ذلك ق�صورا في التجربة ال�شعرية ،وليكن ذل��ك ..ولكنني ال �أري��د وال �أ�ستطيع �أن �أنفعل، بما ال ي�شدني وي�ستثير لدي لحظة التوتر التي تلد الق�صيدة .ذل��ك لأن ال�شعر كما �أراه هو خلجات القلوب وتطلعات الأرواح؛ فيجب �أن يرتفع عن كل خ�ضوع �أو مغنم �أو تزلف رخي�ص، و�أن ي�ط��وع ه��ذا ال�شعر ل�ي�ك��ون �إ���ض��اءة ل��دروب االرت�ق��اء ب�إن�سانية هذا الإن�سان ،في هذا الزمن الذي توح�شت به الأنانية ال� �ف���ردي���ة والأط�� �م� ��اع الذاتية ،وت�ضاءلت فيه معاني الأثرة والت�ضحية والتفاني ،من الإن�سان لأخيه الإن�سان.
وفي قرابة عام 1400هـ عاودني الحنين �إلى ال�شعر ،ف�أر�سلت �إل��ى الأ�ستاذ حمد القا�ضي، ال��ذي كان محرر ًا �أدبي ًا في جريدة الجزيرة، ق�صيدة عنوانها (المدينة الخاطئة) ،فاعتذر عن ن�شرها رغ��م �إعجابه بها كما ق��ال ولكنه خ�شي من �إ�سقاطها على ب�ي��روت ،التي كانت تعي�ش جحيم الحرب الأهلية حينذاك:
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
المعهد ،و�أن ��ا ف��ي تلك ال�ف�ت��رة� ،أج�ل����س على م�ق��اع��د ال�سنة الأخ� �ي ��رة ،ق�ب��ل ال��ذه��اب �إل��ى ال�ج��ام�ع��ة،وع�ن��وان�ه��ا (�إرادة ال �ح �ي��اة) وك��ان مطلعها:
لـ «محمد العامر الرميح»، عنوانها( :الطوفان) ،كانت هي البداية لمعرفتي بهذا ال��ن��وع م��ن ال �� �ش �ع��ر ،ال��ذي �أ�صبحت فيما بعد �أبحث عن م���ص��ادره� ،إع�ج��اب��ا وتمتعا ب �ق��راءت��ه ،ف �ق��ر�أت العديد من ال��دواوي��ن ل�شعراء هذا اللون ،وب�شكل خا�ص� ،صالح ع�ب��دال���ص�ب��ور ،ف��ي «�أق���ول ل �ك��م» ،و«ال �ن��ا���س ف��ي ب�لادي» وعبد الوهاب البياتي في «�أباريق مه�شمة» وبقية دواوينهم .وقد �صرت �أطرب لهذا ال�شعر�أكثر من غيره ،وترجمة لهذا الإعجاب بهذا اللون الذي كنت �أراه يمنح ال�شاعر مجا ًال �أو�سع من التلقائية الم�ستجيبة لتوتر ال�شاعر ون�شوته وانفعاله مع فكرة الق�صيدة ،من حيث التنوع بالقافية وعدد التفعيالت .جاء �أول �شعر مكتوب ظهر لي على �صفحات الجرائد ،من �شعر التفعيلة ،عندما ن�شرت لي عكاظ ق�صيدة (ال�خ��راب) ،حينها كنت �أعي�ش �إحباطا وخيبة �أمل ،مثل الكثيرين ممن حولي ،بعد هزيمة العرب �أمام �إ�سرائيل، والتي �سميت بالنك�سة عام 1967م.
وبعد تلك الأيام الكئيبة ،انقطعت محاوالتي ال�شم�س؟! ْ يا �سائالً� :أين تغيب ال�شعرية ،وان�شغلت بظروف خا�صة ،وبتوفير تغيب في باري�س يا مجنون.. المعي�شة ل��ي ولعائلتي ،وق��د �أكملت درا�ستي حيث يعي�ش النا�س في رواية الطاعونْ . وه��ي من�شورة كاملة �ضمن دي��وان��ي الأول الجامعية ب�صعوبة بالغة ،منت�سبا في ال�سنتين الأخيرتين للجامعة. (تجليات الوجد والمطر).
يا دار :يا ذات القباب الداكنة ْ يا بِركة النبيذ والن�ساء يا دوحة خ�ضراء ثمارها رماد ي�سقونها الدماء وت�أكل الأكباد وخاتمتها �أق��ول فيها مخاطب ًا تلك المدينة المتخيلة:
قفي ب�ساحات المدائن �أجمعين
اجلوبة � -صيف 1434هـ
35
36
ول��م تكن ب�ي��روت ه��ي المق�صودة ف��ي هذه الق�صيدة ،كما –ربما -خ�شي الأ�ستاذ حمد القا�ضي من ذلك. وفي فر�صة الحقة من ذلك العام� ،أت��اح لي �أبو يعرب محمد الق�شعمي� ،أن �أ�شارك ب�أم�سية �شعرية مع عدد من ال�شعراء ،كان من بينهم على م��ا �أذك��ر ع�ب��داهلل ال�صيخان ،والأم�سية �أقامها فرع رعاية ال�شباب في حائل ،والذي كان الأ�ستاذ الق�شعمي مدير ًا له ،وفي تلك الأم�سية �ألقيت ق�صيدة (المدينة الخاطئة) التي لَقيَتْ قبوال وحفاو ًة من الح�ضور ،وكان من بينهم فهد العريفي يرحمه اهلل ،ومحمد ر�ضا ن�صر اهلل و�آخرون. اجلوبة � -صيف 1434هـ
من حروف الذاكرة ■ ال�شاعر �سوف عبيد -تون�س
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
بال�ساحة الحمرا وفي بكين وب�ساحة الطرف الأغر وعلى �ضفاف ال�سين قولي لأهل الأر�ض في نزق حزين هنا تحدثكم مدينة اجتاحها الزلزال وان�سحقت تحت كوابي�س ال�ضغين ْة ْ نـ ُحرت ب�ساحات القتال و�أُعدمت بجريرة البغي المهينه.
ث��م ن��ام��ت ال�م��دي�ن��ة ال�خ��اط�ئ��ة ب�ي��ن �أوراق���ي المهجورة ،حتى ن�شرتها �ضمن ق�صائد ديواني الأول (تجليات الوجد وال �م �ط��ر) ،ال ��ذي ر�أى ال� �ن ��ور ع� ��ام 1430ه� � �ـ وال� ��ذي � �ص��در ع��ن دار الأن��دل ����س ب�ح��ائ��ل ،وقد ج��اء بعد ف�ت��رة ان�ق�ط��اع �أخ� ��رى ،ام �ت��دت نحو ثالثين عاماً� ،شغلتني خاللها التجارة وطلب الرزق عن ال�شعر ومحاوالته الجادة. وب �ع��د 1428ه � �ـ خ� َّ�ف كثير م��ن م�شاغلي، ف �ع��اودت ممار�سة ع�شقي ل�ل��أدب .ف �ق��ر�أت لـ «محمود دروي ����ش» ب��إع�ج��اب ،على ال��رغ��م من نفوري من بع�ض �شطحاته التي يطلقها تلقائيا غير �آب��ه لمدلوالتها العقدية ،وق ��ر�أت كذلك كثير ًا من ال�شعر المترجم ،لـ «�إقبال» و«طاغور» و�شعراء �صينيين و�آخرين غربيين. ون�شرت ف��ي ه��ذه الفترة ع��دة ق�صائد في المجلة العربية ،ومجلة الجوبة والمجلة الثقافية وملحق الجزيرة الأدبي. وقد �صدر لي عام 1428هـ �أول كتاب مطبوع (حائل قبل مئة ع��ام� ،سيرة مدينة في �سيرة رج��ل) ع��ن دار الأن��دل����س ب�ح��ائ��ل ،وه��و رواي��ة توثيقية ،وقد لقيت هذه ال�سيرة قبو ًال وت�شجيعا، ممن اطلع عليها .وفي عام 1432ه�ـ ن�شرت لي دار االنت�شار العربي في بيروت كتاب (ال�صين الح�ضارة والثقافة) ،و�أخ�ي��ر ًا نـُ�شر لي �ضمن �إ�صدارات النادي الأدبي بحائل ديوان (ر�سالة �إلى عمر الخيام) عن دار المفردات.
�أن��ا م��ن جيل فتح وعيه على الأ�سئلة الكبرى ،ف��ي الثقافة والأدب ،وفي ال�شعر خا�صة ،مثل �س�ؤال :ب�أي لغة نكتب؟ �أَبالعربية �أم بالفرن�سية� ،أبالف�صحى �أم بالعامية؟! ففي المرحلة التي �أعقبت �سنة 1967م ،اِعترى الثقافة في تون�س وفي �أغلب البلدان العربية ،وحتى في ال�شرق الأق�صى و�أوروب���ا و�أمريكا ،حيرة ح��ادة ،اِ�ستطاعت �أن ت�� ُر َّج كثيرا من الثوابت ،ب�سبب الت�أثير المبا�شر والحاد للأزمات التي وقعت وقتذاك :فمن حرب حزيران 1967م �إلى حرب فيتنام ،ومن �أ�صداء الثورة الثقافية في ال�صين �إلى �أحداث ماي 1968م في فرن�سا ،و�إلى حركات التحرّر العارمة في �أمريكا و�إفريقيا ..تلك التي كانت كال�سّ يل العارم� ،أو كالنّار ت�شبّ في الياب�س من الأغ�صان ،وفي ما تهاوى من الجذوع ،واِن�شرخ من الأغ�صان ،وفي ما تناثر من الأوراق.. كان من الممكن �أن �أنخرط في �سياق ال�سائد من ال�شعر ،ال��ذي كان ُي��راوح بين معاني الغزل والمديح، وبين معاني الرثاء والتباكي وجلد ال��ذات؛ وك��ان من الممكن �أن �أبا�شر الكتابة بالعامية ،متمثال مقول َة �إنها �أق��رب �إل��ى الجماهير و�أ�سهل في ال�ت��داول واالنت�شار؛ بل كان بو�سعي �أن �أنخرط في الكتابة باللغة الفرن�سية بو�صفها اللغة الثانية في تون�س ،والتي يمكن �أن �أتوا�صل بها مع مدى �أو�سع!
الأ�صالة العربية ،وثانيهما عدم قدرتي على التعبير بها عمّا كان يخالج نف�سي من المعاني الغزيرة والعميقة؛ ورغم ذلك ،ف�إني �أعتقد �أن الأدب العامي بما ي�شمله من �أمثال ،وحكم ،و�أزج��ال ،و�أغ��ان ،وحكايات ،وخرافات، ونوادر� ،إنما هو �إثراء للأدب العربي ،بل هو رافد مهم م��ن رواف��د تجديده وت�ن� ّوع��ه .غير �أن��ه عندما ت�صبح الدعوة �إلى ترك الف�صحى و�إبدالها بالدارجة مطلبا، ف ��إن الأم��ر عندئذ ينقلب �إل��ى ق�ضايا تتعلق ب�أ�سا�س ال�شخ�صية الوطنية التي �أرى �أن العربية هي اللّبنة الأولى في بنائها.
ولقد بد�أت فعال في الكتابة بتلك اللغة ،ولكنني بعدما اِكت�شفت �أن في العملية اِن�سالخا واِنبتاتا ،تراجعت. في هذا ال�سياق ،اِ�ستفدت كثيرا من التراث ال�شفوي، غير �أني لم �أنخرط في الكتابة بالعامية التون�سية في تلك المرحلة ،وذلك ل�سببين اِثنين� ،أولهما �أنني علمت وبخا�صة في ق�صيدة الجازية ،التي راوح��ت فيها بين �أنها كانت تعد دعوة للق�ضاء على الهوية الوطنية ذات م�ستويات عديدة من اللغة� ،سواء من القامو�س الف�صيح اجلوبة � -صيف 1434هـ
37
38
�إن مرجعية ال�شاعر ال�ح��دي��ث ال �ي��وم ،م��ا ع��ادت تقت�صر كما كانت على ال�شعر القديم المبثوث في اجلوبة � -صيف 1434هـ
حاولنا �أن نقتب�س من تلك المعالم الإن�سانية
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
�أو من ال�سجل العامي ال�ب��دوي والح�ضري التون�سي، وكذلك الم�شرقي؛ فر�سمت �صورة للجازية ،وجعلت من �سيرتها م�شاهد ولوحات ومواقف ..فيها الكثير من تقنيات الفنون الأخرى� ،إ�ضافة �إلى فنيات ال�سرد وغيره من �ضروب الكتابة وال�شعر بمختلف �أنواعه.
المتون والمختارات والم�صنفات من ال��دواوي��ن ،تلك التي يقت�صر الإبداع الحقيقي فيها على بع�ض الق�صائد فح�سب ،بل �صارت تلك المرجعية ت�ستند �أي�ضا �إلى عديد الن�صو�ص الأخرى في الآداب القديمة والمعا�صرة ،تلك التي اطلعنا عليها ،فاكت�شفنا فيها �آفاق ًا و�أنماط �أخرى من الإبداع.
�إلى �شعرنا الحديث من دون ن�سخ �أو نقل مبا�شر؛ �أ ّم��ا الجيل الموالي ال��ذي ت�شكّل وعيه في �سنوات الثلث الأخير من القرن الع�شرين، فالآداب تتالقح وتتمازج وتتحاكى وتتطور ،لي�س فقد عا�ش فترة اِالنهيار واالنك�سار والدمار بفعل الترجمة واالط�ل�اع فقط ،و�إن�م��ا ب�سبب على الم�ستوى المحلي والقومي والعالمي، العوامل االجتماعية والح�ضارية �أي�ضا .فالجيل ف��أراد �أن يبني وي�ؤ�س�س على غير ما وجد.. الذي كتب ق�صائده على نمط التفعيلة ،ال�شعر لعله يجد الخال�ص؛ فر�أيناه ين�شد الجديد الحر ،وخرج على نمطية البحور والقوافي عند وال �غ��ري��ب �أح �ي��ان��ا ،ل�ي����س ف��ي ال�شعر منت�صف ال�ق��رن الع�شرين ،ق��د عبّر �د � ق � � ل والآداب فح�سب ،و�إنما في �شتى ب��ذل��ك ع��ن خ��روج��ه على ن�سق �ص � � � � � � � � �ر � � � � � � � ح ال�ف�ن��ون ،وق��د ا�ستند على المجتمع ال �ع��رب��ي القائم ال� ��� �ش ��اع ��ر،ع� �ل ��ى � �ص �ي��اغ��ة �شرعية التجديد والبحث على التقاليد والقيم، �شخ�صيات ثابتة ال�ج��ذور وا�ضحة والتجريب ،تلك التي ت�ل��ك ال �ت��ي تزحزحت الأ��ص��ل على اتّ�صال ب��ال�ذّاك��رة ال�شعبية ب�سبب التطور الكبير وبالهموم العربية ،مّا يدفع المتلقّي العربيّ ترنو �إلى �إنجاز �إبداع ف��ي ح�ي��ات�ه��ا ،ذل��ك �إلى الإح�سا�س ب�أنّه يعرفها من قبل و�أن عالقة ي�م� ّث��ل ه��واج���س�ه��ا، ال��ذي ا�ستطاع �أن حميمة تربطه بها �أحبّ �أم كره ،،وهذا ما يدلّ على ويعبّر عن همومها ي�ؤثر في كل �شيء �أنّ ال�شّ اعر لي�س من الذين يكتبون في �إطار نقلي و�أح� �ل ��ام� � � �ه � � ��ا، فيها م��ن تخطيط بحت من التراث ،ولي�س من الذين يكتبون في �إطار وذل� ��ك ه��و الأم ��ل المدينة ومعمارها ،نقلي بحت من الثقافة الغربية ،و�إنّما هو ذاك الذي والمبتغى ..فح�سب �إل ��ى ف���ض��اء البيت �سعى �إل��ى التن�سيق بين الأ�صالة والمعا�صرة ،ك��ل ج�ي��ل �أن يثبت ومختلف العالقات وطعّم الواقع بروح التّراث� ،إذ �أنّ ال�شّ عر دوره ب�صماته! التجذير ال االنبتات ،والتوا�صل واالنفتاح، ب� �ي���ن ذوي� � � � ��ه ،وم���ن ل� �ق ��د ق� �ل ��ت م � ��رة �إن ال االنغالق والتقوقع.. �أدوات الكتابة والقراءة، ال�م�ح��اول��ة ف��ي التجديد الميزوني البناني �إل ��ى �أدوات ال �ط �ب��خ ،وم��ن �أف�����ض��ل م ��ن ال��ن��ج��اح في الأث ��اث وال�ل�ب��ا���س� ،إل��ى الأف�ك��ار التقليد ،و�إن �إيماني بهذه المقولة والإح�سا�س. ك��ان نتيجة المناخ الثقافي ال��ذي كان �سائدا �سنة 1970م ،تلك ال�سنة التي بد�أت �إنّ ق�صيدة جيل الن�صف الثاني من القرن فيها الن�شر. الع�شرين عبّرت عن ذلك التغيير وال�شرخ الكبير ال��ذي تم ّر ب��ه المجتمعات العربية من ق�صائدي الأولى التي �صورت فيها ذلك البحث ��ض�م��ن دواف��ع��ه االج�ت�م��اع�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة وذل��ك الهاج�س الجميل ف��ي ت�ج��اوز ال�سائد ق�صيدة الحذاء: العديدة. اجلوبة � -صيف 1434هـ
39
و�إلى اليوم ،وبعد مرور �أكثر من ثلث قرن على هذه الق�صيدة ،ما �أزال �أحاول و�أبحث!.. ومن تلك الق�صائد �أي�ضا ق�صيدة المحطة ،التي عبرت فيها عن حيرتي المت�أججة بين الأطروحات التي كانت قائمة وقتذاك ،والتي كانت تتجاذبني مرة نحو الي�سار ،ومرة نحو اليمين ،فجعلت من المحطة م�شهدا ي�صور تلك المرحلة ،فقلت في ق�صيدة المحطة:
وقف الم�سافر و�سط الميدان ي�س�أل عن العنوان: �إلى اليمين ..ثم رويدا رويدا �إلى الي�سار �شكرا.�إلى الي�سار ..ثم رويدا رويدا �إلى اليمين �شكرا.�أخذ الم�سافر حقيبته وم�ضى �إلى الأمام!..
40
هكذا �صورت التناق�ض الذي عا�شته الذهنيات في تلك ال�سنوات المت�أجّ جة بالأ�سئلة ،وقد كانت الحركات الفكرية وال�سيا�سية قائمة على قدم و�ساق� ،سواء في الجامعة� ،أم في ال�شارع والمجتمع� ،أم في الأح��داث اجلوبة � -صيف 1434هـ
�أنا ل�ست م َنَظِّ ر ًا في الفكر والأيديولوجيا ،وال محترفا في ال�سيا�سة؛ ولكنني وجدت �أن التاريخ الإن�ساني �أكبر و�أ�شمل من كل النظريات؛ ومن ثَمَّ ،ف�إن ال�شعر عندي �أو� �س��ع م��ن ال�ع��رو���ض وال�ب�ح��ور ،و�أ��ش�م��ل م��ن البالغة والبيان ،وحتى اللغة قد ت�ضيق به �أحيانا.. ثمة ق�صائد عندي ما م�سكتها بحرف ،وال �أ�سكنتها ورقة ،فال عجب �أن كتبت في ال�سنوات الأخيرة بع�ض الأ�شعار العمودية ،ربما ب�سبب الحنين �إل��ى الجذور، �أو بحثا عن طرافة القديم في خ�ض ّم الجديد ،لِمَ ال؟! وال�شعر عندي ال يُح ّد ب�أ�شكال وال يُع ّد ب�أنواع!؟ �صدر لي:
-1الأر�ض عط�شى1980 ،م. -2نوّارة الملح1984 ،م. -3امر�أة الف�سيف�ساء1985 ،م. � -4صديد الروح1989 ،م. -5جناح خارج ال�سرب1991 ،م. -6نب ُع واحد ل�ضفاف �شتى1999 ،م. -7عُمر واحد ال يكفي2004 ،م.
■ عارف الربدي�سي -م�صر
كانت البدايات في المرحلة االبتدائية ،حين �أ�شعلت حما�ستي لل�شعر مدر�سة اللغة العربية بمدر�سة الجالء ب�سوهاج� ،إذ كانت تُعدّني لإلقاء ق�صائد ال�شعر في طابور ال�صباح ..فتوقد في قلبي حبّ ال�شعر عبر �إلقائي لق�صائد �أمير ال�شعراء� ،أحمد �شوقي .و�سرعان ما تولّدت على ل�ساني نغمات ال�شعر الأول��ى متمثلة في �أبيات ب�سيطة ،ثم �شجعني وال��دي رحمه اهلل ..فكان ح�ضنه بمثابة الواحة الخ�صبة التي نما فيها �شعري� ،إذ كان يفرح وي�سعد بكل ق�صيدة تن�شر لي.. ما دفعني �إلى موا�صلة التغريد.. وف�ضال عن الحق الطبيعي والميل الفطري الذي غر�سه المولى برحمته ونعمته� ،أحاطني كبار ال�شعراء والنقاد بف�ضلهم ،وروُّوا ب�سل�سبيلهم العذب ريحانة موهبتي ،عبر ق��راءة �أعمالهم ..ومنهم على �سبيل المثال ال الح�صر �أ�ساتذتي في �سوهاج (مديرية جرجا �سابقاً) ،م�سقط ر�أ���س ال�شعر كله ،ب��دءًا من «عنخ �شا�شنقي» و«حور محب» (من �شعراء م�صر القديمة)، وم� ��رور ًا ب �ـ «محمد عبدالمطلب» و«م�ح�م��ود ح�سن �إ�سماعيل» ،وغيرهم ممن ي�ضيق المجال بذكرهم. ت��أث��رت بهالة م��ن الأن ��وار انبعثت �أم��ام عيوني، وتفجّ ر عطرها في قلبي ،عبر قراءة �أعمال ال�شاعر الكبير �أم��ل دنقل ،والنهر المتدفق ال�شاعر اليمني عبداهلل البردّوني ،و�أ�شجار الفرات البا�سقة ال�شعراء «ب��در �شاكر ال���س�ي��اب» ،و«ع�ب��د ال��وه��اب البياتي»، و«الجواهري» ،و�شاعر ال�شعب «�أبو القا�سم ال�شابي»، و�شاعر الجزيرة العربية الكبير« ،محمد ح�سن عواد». وال �شك �أن جمة �صعوبات واجهتني في رحلتي، كانت �أ�شبه ب�صخور وجبال وعقبات ال تنتهي ،بدءا من موقع �إقامتي في �أقا�صي �صعيد م�صر (�سوهاج – مدينة جرجا) ،حيث منعني بعد الم�سافة من الح�ضور مع ال�شعراء ،ون�شر ق�صائدي� ،إلى جانب ق َّل ٍة �سيطرت على الو�سط الأدبي ،والتي تنتمي �إلى ال�شللية والمنفعة الخا�صة ..لكن و�سائل االت�صال الحديثة
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
جاء الربيع.. �سي�شتري حذاء جاء ال�صيف.. �سي�شتري حذاء جاء الخريف.. �سي�شتري حذاء انق�ضى ال�شتاء.. فتعلّم الم�شي حافيا!
العربية والعالمية ،والواقع �أنني كنت متابعا لها ،وقارئا نهما لمختلف �أطروحاتها و�أدبياتها ،فبقدر ما كنت �أميل لرف�ض ممار�سات االن�ضباط والت�سلط ،وبقدر ما كانت بع�ض الأيديولوجيات قائمة على ال�شمولية ،بقدر ما كنت �أجد التنوّع واالختالف ثرا ًء في المعرفة ،وزاد ًا لملء الوطاب ،وغِ نًى للفكر ،وف�سحة للرّوح ،بحيث كنت �أحب �أبا ذر الغفاري و�شيغيفارا معا ،وكنت معجبا بغاندي وحنيبعل كليهما..
طابور ال�صباح المدر�سي.. �أوقد في قلبي ال�شعر
قطعت الطريق على كل ذلك.. كل هذا القهر والخوف لم يعمر طويال؛ فقد ذاب كما الجليد ،وتبخّ ر �أمام حرارة م�شاعر الدفء التي �أحاطتني من ال�شعراء الذين �سبق ذكرهم من قبل عبر ق��راءة �أعمالهم� .إذ �صدر لي دي��وان «الم�شي على البكاء» عن (هيئة الكتاب الم�صرية � -سل�سة �إ�شراقات جديدة) ،عام 2007م ،ودي��وان «الرهبة» عن دار العلم والإيمان للن�شر ،عام 2009م ،وديوان «�شجرة الأ�شواق» ،عام 1996م. ونلت من الجوائز جائزة الثقافة -ف��رع ثقافة �سوهاج ع��ام 2002م؛ وجائزة التكية عام 2010م؛ وجائزة جريدة �أخبار الأدب عام 2011م؛ وجائزة المعهد العربي للدرا�سات في قطر عام 2011م؛ وجائزة دار �أوبرا للن�شر جائزة الديوان عام 2011م. ي�ق��ول الأدي ��ب محمود ال�ط�ه�ط��اوي« :يت�ساقط الوجع من �شعر (ع��ارف البردي�سي) كما المطر، يتفجر كالدماء ال�ساخنة من ال�شاه المذبوحة ،يغلي كالبركان». وتقول الأدي�ب��ة د .ع��زة ب��در�« :أحببت ق�صائده التفعيلية المدورة لأنها تعيد �إل��ى خاطري وخيالي ثمر ًا خ�صب ًا لق�صيدة تفعيلية لم تزل ت�ؤتي ثمارها». اجلوبة � -صيف 1434هـ
41
■ حممد احلرز -ال�سعودية
قال لي �أحد الأ�صدقاء ،ذات م�ساء�« :أنت ال تجيد ابتكار حياتك الخا�صة» .كان محقا فيما ذهب �إليه؛ لكني لم �أرف�ض الحياة حينما ا�ستوقفني ال�شعر في منت�صف الطريق ,وجرني معه �إل��ى الهاوية .لم �أدرك هذا المعنى �إال م�ؤخرا ,وذل��ك عندما وطئت قدماي الأر���ض الموعودة للأجداد .كنت مجردا من �أ�سلحتي الطفولية �إ ّال من الأحا�سي�س التي �صنعتُ منها ما يقاوم الكل�س في الأطراف� ,أو ما يقاوم الرغبة في االنعتاق من الحرية .الم�سافة لم تكن مجرد هذيان خارج التاريخ ,لقد جربت ماذا يعني الخروج؟! وعرفتُ �أن الحياة لي�ست خروجا على ال�شعر. ال�شعر كان هو خروجي الأكبر من الحياة �إلى الحياة ذاتها .كان ال�صوفيون ي�سمون ذلك انخطافا وتوحّ دا، حيث االفتتان بالباطن عندهم هو جوهر الأ�شياء في اللغة وال�سلوك .ك��ان توغّ لي انفتاحا على المجهول, والأر���ض هي الأر���ض� ،صخبٌ يولد من �صخب ,ونعا�سٌ يولد من نعا�س ,وما بينهما ق��ررتُ �أن �أغ��زو الكلمات بالمخيلة وكان «دون كي�شوت» ملهمي الأكثر تغلغال في الدم والحوا�س.
42
وهكذا ،جاء «رجل ي�شبهني» كعمل �شعري ،يطارد اللغة ،ويعيد و�صلها بالذاكرة وفق الر�ؤية التي تقول �إن ال�شعر لي�س �سوى مجرد كلمات في مختبر لغوي .كنت مدفوعا بهذا المعنى ,حتى كادت حياتي تنفرط من بين �أ�صابع اللغة ,ولكن خفة الكائن -كما يعبر كونديرا -في ن�صو�صي هي التي �أعادت المياه �إلى الم�صب ,وحولت اجلوبة � -صيف 1434هـ
�أغلب ن�صو�ص المجموعة �إلى �شرايين تنب�ض بالحياة. كان عمال بالن�سبة لي في نهاية الأمر يتوج�س التوغّ ل في الم�سارات الملتوية لتجربة الإن�سان في الوجود والحياة والتاريخ ,وكان مبرري في ذلك ،هو قناعتي �أننا ك�شعراء ينبغي اكت�شاف عوالم الأر�ض مثلما علينا اكت�شاف عوالم ال�سماء ،وما بين هذا وذاك ثمة طائ ٌر يعلو في الأف��ق ،هو ما �أ�سميه ال�شاعر بامتياز .كنت محمال بهذه الهواج�س عندما عبرتني فكرة �إ�صدار مجموعتي الأخ��رى المعنونة (�أخ��ف من الري�ش �أعمق م��ن الأل ��م) ،كانت الفكرة مرعبة بالن�سبة ل�شخ�ص مثلي؛ لأني -بكل ب�ساطة -ال �أجيد التعامل مع الأمور التقنية والمادية لطباعة �أي كتاب ,لكن بالت�أكيد ثمة �أ�سباب �أخرى �أكثر عمقا مما �أظن؛ يبدو لي الآن �أنها تت�صل بالعمق من ر�ؤيتي لل�شعر ,وهي ر�ؤي��ة كانت وال
ربما في كال التجربتين ال�شعريتين لم �أتخل�ص من وط ��أة الإح�سا�س بالألم التي ت�ش ُّد كلماتي �إل��ى القاع, وتلونها ب�ألوانه� ،أحيانا كنت �أحيل ال�سبب �إل��ى جرح نرج�سي ,ي�ستع�صي على مخيلتي الإم�ساك به� ,أو تلمّ�س �أثره في ذاكرتي ,لقد ذهب هذا الجرح ,واختب�أ خلف براءة الطفولة ,ول�ستُ قادرا على الك�شف والهتك ,وكلما ح��اول��ت ..كانت الق�صيد ٌة لي بالمر�صاد ،حيث ت�أتي كمحاولة للخروج من م�صيدة الأنا القابعة في �أعماقي. �أحيانا �أخرى كنت �أحيل ال�سبب �إلى الموروث التربوي تزال تنظر �إلى ال�شعر كقيمة طهرانية ال يمكن تدني�سها، العقائدي ال��ذي علمني بامتياز �أن الأل��م هو ج��ز ٌء من �أو العبث بكلماتها من خ�لال كتاب �أو مطبوعة .هذه هويتي ,ومن تاريخي المفقود في التاريخ نف�سه .لكني الر�ؤية المثالية في �أغلب وجوهها ،ربما جاءتني من ثقل الموروث الديني على كاهلي عبر التاريخ .رغم هذا التوجّ �س والخوف الذي ي�شبه المر�ض الع�صابي عندي, خرجت المجموعة ال�شعرية بين دفتي كتاب مثل رمح �آخيل «�أن يالئم الجراح التي ي�سببها بنف�سه» .لقد وقعت في فخ الإ�صدار ،وهو دليل على �أننا دائما نقع في �شبكة االرتهان لل�شكل المادي للحياة ,لكني �سرعان ما غيرتُ زاوية النظر �إلى المجموعة من خالل �إح�سا�سي العميق بمراحل الوالدة والنمو لن�صو�صها المتنوعة الح�سا�سية وال�شكل ,وما واكب ذلك من �شعور غريب كان ينتابني عندما �أنهي كتابة ق�صيدة واحدة على الأقل .كان �إيقاع هذا ال�شعور متدفقا مثل نهر جارف ,بل ومت�شظيا مثل مرايا في كل ع�ضو من �أع�ضاء الج�سد ,كان ج�سدي ممتلئا بالعزلة حينما فتحت �صنبور الإيقاع على �آخره, اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ل�ستُ �سوى نابل يرمي �سهامه في الظالم
لذلك ج��اءت الن�صو�ص ممهورة ب�سمتين �أ�سا�سيتين: الأولى �إيقاع المكان ,والثانية �إيقاع الج�سد ,وما بينهما �أ�صبحت �أن��ا الرائي ال��ذي ي�صطاد الحياة في ظالم دام�س.
43
44
كان �شريط تجارب المبدعين عبر التاريخ الذين �سبّب لهم الألمُ الكثي َر من الإخفاقات والهزات النف�سية في الحياة ،تعبر في ذهني ..وتجعلني �أقف على �أر�ض �صلبة من خالل ا�ستعادة زمن المبدع وعالقته بزمن الإب��داع ،وتحويلهما عندي �إل��ى راف��د من رواف��د كتابة الق�صيدة في بُعدها الحياتي الخا�ص؛ لذلك جاءت الق�صيدة عندي في (�أخف من الري�ش �أعمق من الألم)، محمّلة بمفردة الأل��م ..لي�س الأل��م العاطفي الم�شبع بالح�س الرومان�سي المفرط ,لكنه الأل��م ال��ذي تحوّل ّ عندي �إلى ر�ؤية تخترق داللة الكلمات كي تف�ضي بها �إلى داللة الأ�شياء من حولي ,و�أ�صبحت المفردة في بع�ض �أنني تخففتُ تدريجيا من تلك الق�صيدة التي كانت داللتها ،تحيل �إلى موقف من الحياة والعالم والوجود .ت�ضع في طريقي �ألغاما وتغطيها بالورود ,لم �أعد ذلك قد تبدو �شهادتي �أ�شبه ما تكون بنوع من االحتفاء الذي يُ�صغي �إلى �ضجيج الكلمات ،لقد قطعتُ �صلتي بالعمل ال�شعري ,لكنْ َم��ن يذهب �إل��ى االع�ت�ق��اد �أن��ه بالخطيئة الأول��ى مع الب�شر ,وتركت �أغلب ال�شعراء با�ستطاعته �أن يترك م�سافة بينه وبين م��ا يكتب ..والحكماء يدلّوني على منبع النور وال�ن��ار ،حيث كان فهو �ساذجٌ� ،أو لأق��ل �إن��ه مجرد ف��راغ خ��الٍ من التفاهة �أولهم «زراد�شت» و�آخرهم «�أبو نوا�س». واالبتذال. ال�صدَف َة في في عالمي ال�شعري بري ٌق خافت ،ي�شبه َ الإدراك الأولي بالن�سبة لي هو �أننا جميعا متورطون �أعماق البحر ,ي�شدّني �إليه كثيرا دون عناء المقاومة, في �إنتاج الكلمات ،ومن ثم االحتفاء بها ح�سبما يتطلبه �أو اال��س�ت���س�لام ,ك��م كنت �أراه ��ن على ب�صيرته في ال��وع��ي ,وح�سبما تفر�ضه الثقافة وال�ت��اري��خ والحياة التعرّف على الحياة والنا�س من حولي� ,ألي�س الوثوق في على المرء نف�سه .فيما بعد ,وعندما �أخذت ق�صيدتي الق�صائد هو خديعتُنا الكبرى في الحياة؟! موقعا في �سياق الديوان� ,شعرتُ ب�شيء من االرتباك غ��ادرتُ يقيني و�أن��ا لم �أزل على عتبة الق�صيدة، والتوجّ �س ,ثمة قارئ يطاردني عند كل جملة وداخل كل كلمة ,القارئ الذي انتظرته طويال ظ َّل قابعا في داخلي لذلك لم يبق لي �سوى ال�شك الذي حملتٌه على كتفيَّ ,ثم مثل �آل��ة ح��ادة تطارد -داخ��ل �شراييني -كل ق�صيدة دخلت به الق�صيدةَ ,وقلتُ لها �سمّيه�« :أخفُّ من الري�ش ا�ستباحت دمي على يد الآخرين .لقد بدا لي بعد ذلك �أعمق من الألم». اجلوبة � -صيف 1434هـ
�شهادة �شعرية
�شاعرا في معنى �أن يكون الفرد ً
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
لن �أجانب ال�صواب حينما �أقول �إنني كنتٌ واعيا بطريقة �أو ب�أخرى لهذا الإح�سا�س المركب والمعقد في الوقت نف�سه.
■ حممد جميل �أحمد -ال�سودان
كتابة ال�شعر بالن�سبة لل�شاعر جزء من كتابة الحياة .حين يجد المرء نف�سه �شاعرا لأ�سباب كثيرة ومعقدة ،ال يمكن �أن يف�سر الكثير من وقائع طفولته مثال� ،أو حياته الخا�صة والعامة في تلك الطفولة� ،إال بعد �أ�شواط طويلة في ال�شباب والكهولة .ال�شاعر بطبيعته كائن ي�سعى با�ستمرار �إلى توحيد الذات والمو�ضوع في خط واحد ..وهذه مهمة �شاقة ،لكن �ضغط المخيلة على ر�ؤى ال�شاعر هو ما ينزاح به حيال تلك القناعة .حين بد�أتُ كتابة ال�شعر كان الأمر �أقرب �إلى تجربة في تحدي الإيقاع التقليدي وكتابة ن�صو�ص على منواله .كان التراث حا�ضرا بقوة من ت�أثير قراءات مبكرة لدواوين �شعراء الجاهلية عنترة ،امر�ؤ القي�س ،لبيد ..وغيرهم. وك��ان انفتاح ال��ذاك��رة على اي�ق��اع ق�صائد ال�م�ق��ررات الدرا�سية ف��ي مراحلها المختلفة م�صحوبة بالأنا�شيد ،يحفز التطريب ال��ذي يتولد لدي من تلك القوافي� .أعتقد �أن االيقاع هو �إغواء ال�شعر الأول؛ فطاقته المو�سيقية هي الأث��ر المادي لل�سماع ال��ذي بهرني في طفولة مبكرة ،لم تكن ق��ادرة على الإم�ساك بالمعنى في الن�ص ال�شعري. وقعت فج�أة على ديوان بدر �شاكر ال�سياب، في مكتبة ابن عمي (محمود فكاك) .ومنذ ذلك الحين ،عرفت �أن لل�شعر حداثة ممكنة وقابلة للتذوق ،بمعزل عن تلك النمذجة المعيارية المهيبة في ال�ت��راث .ال�شعر بالن�سبة لل�شاعر جزء من انبثاق �إح�سا�سه الطبيعي بالحياة؛ هو �صياغة المتناهية من انتهاك النظام الرمزي
للغة عبر ال�م�ج��از؛ ج��دل ال�شاعر م��ع ال�شعر م�غ��ام��رة م�ت�ج��ددة م��ع اللغة وال� ��ذات والعالم والكلمات والأ�شياء؛ مغامرة ال تنتهي �إال لتبد�أ مرة �أخرى عبر الحوا�س. منذ �أن ب��د�أت كتابة ال�شعر ،وحتى الآن ،ال �أدري كيف ينبثق ال�شعر وال �أدرك كُنهه؟ وربما كان على ال�شاعر حين يكتب ن�صه �أن ي�صغي لأ�صوات الإلهام التي ترنّ في الباطن .للق�صيدة منابع كثيرة� ،سواء �أكانت �شعرا مقفى �أم نثريا �أم تفعيلة؟! تلك �أ�شكال خارجية لل�شعر الذي يت�شكل في الداخل من م�صادر غام�ضة للذاكرة والتجربة ،والطبيعة والحياة. وم��ن ال�صعب �أن يم�سك ال�شاعر ب�سبب وا�ضح لق�صيدته؛ فتلك مهمة الناقد في فح�ص الن�ص م��ن خ�لال �أدوات ��ه المعرفية واللغوية، اجلوبة � -صيف 1434هـ
45
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
46
�أما ال�شاعر ..فغالب ًا ما يكون م�س�ؤو ًال عن التعبير الجمالي لق�صيدته� ،أو ع��ن �صياغة خ�ط��اب��ه ال �خ��ا���ص ف��ي معجم اللغة .وقد يكون ال�شاعر تحت �إلحاح �أو حالة تقوم بال�ضغط عليه ،وقد يكتب الق�صيدة في ن�صف �ساعة ،و�أحيان ًا تكون عبر التراكم ،وت��أخ��ذ �أي��ام�اً؛ وقد ت�أخذ �شهرا �أحياناً؛ �إذ، تختلف ال �ح��االت التعبيرية عن ال�شعر باختالف التجربة وباختالف �إح�سا�س ال�شاعر. واالن��خ��راط في �ش�أن ال�شعر بو�صفه منحى �أدبيا ينطوي على تعدد لم�صادر ينبثق عنها الحزن غالبا في التاريخ ال�شخ�صي لل�شاعر، والميول الفطرية ،والنظرة العامة للحياة، وما �إل��ى ذلك من م�صادر متعددة .لكن ربما كان التحدي هو في :جعل ذلك الحزن �إن�سانيا وعابرا �إلى الآخرين ،بو�صفه تجربة جمالية عبر خا�صية الإب��داع ال�شعري ..فذلك هو المحك. فما يجعل العواطف الإن�سانية الخا�صة لل�شاعر جميلة لدى الآخرين هو الإبداع. ال�شعر وال���ش��اع��ر كلها خ �ي��ارات تفر�ضها الموهبة والتجربة .ثمة ا�ستعدادت وميول تجعل من �شخ�ص ما �شاعرا� ،أو ناقدا� ،أو ت�شكيليا. فال�شعر كتعبير جمالي ال تنبثق مفاعيله من ح�سا�سية واح��دة ،بل تتعدد بتعدد التجارب. ذلك �أن ال�شعر يالحق با�ستمرار �إيقاع الحياة الإن�سانية وت��د ّف�ق�ه��ا .وال�شاعر ه��و م��ن يكون ق��ادرا للحظات على �أن يقب�ض معنى الجمال الخا�ص للكلمات في الوعيه ،ويجعل من ذلك المعنى قابال لأن يكون تجربة ي�شاركه فيها الآخرون� .صحيح في �شعري نزعة ميتافيزيقية
وطابع تجريدي .وتلك �سمات تلعب في تحديدها م�صادر غام�ضة جدا ،وت�أتي حيثياتها ع �ب��ر م ��راك� �م ��ة وا� �ش �ت �ب��اك ب�ي��ن ال �ع��دي��د م��ن ال�ت�ج��ارب والمواقف والمنا�سبات .حين ي�ك�ت��ب ال �� �ش��اع��ر ي�ستح�ضر الالوعي ،وهذه منطقة يكمن ف�ي�ه��ا ال�ك�ث�ي��ر م��ن عنا�صر الحياة الغام�ضة� ..إذ ت�أتي المعاني ،وتتدفق االنفعاالت ب�صورة ع�شوائية في البداية، ولكن ال�شاعر يعيد تنظيمها عبر الحذف والتنقيح �إلى �أن ت�ستوي الق�صيدة. مالمح الن�ص ت�أخذ تكوينها ب�صورة عفوية، ينتجها ال�شاعر م�أخوذا بحرارة التجربة ،لكن خروج تلك المالمح في ق�صيدة ما ،و�إحاالتها �إل���ى م �ع��ان م �ت �ع��ددة�� ،ض�م��ن ق � ��راءات العقل الواعي؛ كل تلك العمليات هي من �ش�أن الناقد الذي يختبر �أدوات المعرفة اللغوية والفنية في ر�صد التجربة ال�شعرية ،والغو�ص في م�ستويات القراءة والت�أويل. الموهبة هي البداية؛ بل هي الأ�سا�س ..ف�إذا كف عن كونه �إبداعا، غابت الموهبة عن ال�شعر ّ وتحوّل �إلى �صناعة .لكن التمرّ�س في الموهبة يمنح ال���ش��اع��ر ال �ق��درة ع�ل��ى اخ�ت�ي��ار الكتابة ال�شعرية كن�شاط تعبيري و�إبداعي ،ومن تزاوج الموهبة باالحتراف ت�أتي الكتابة ال�شعرية في بع�ض الأحيان لتعبّر عن الإثنين معا .لكن ال�شعر في ت�أويله الإبداعي العميق هو بال�ضرورة كتابة تتجاوز معنى المهنة بكثير .فال�شعر اختراق للغة والواقع والزمن ،من خالل تجربة �إن�سانية ممتازة ،تملك با�ستمرار قابلية متجددة للت�أثير على مر الأزمنة.
بد�أت الكتابة ال�شعرية منذ بداية الت�سعينيات، وكانت تجربتي با�ستمرار تجعلني في كل مرحلة �أبحث عن قطيعة مع كتاباتي ال�سابقة ،وربما لهذا ال�سبب� ،أ�صبح لدي مجموعة �شعرية واحدة حتى الآن .وه��ي مجموعة (ب��ري��د الحوا�س) ال�ت��ي ر�ضيت عنها �شعريا م��ن خ�لال ر�ؤي�ت��ي لمعنى ال�شعر حاليا ،و�إال ف�إنه كان بالإمكان �أن �أ�صدر �أكثر من مجموعة �شعرية منذ منت�صف الت�سعينيات. حين يح�ضر ال�شعر تح�ضر الحياة ،وبهذا المعنى؛ ف�إن التجربة ال�شعرية تخترق الذاتي والمو�ضوعي بمعدل واحد من الت�صريح؛ لهذا، غالبا ما يقول ال�شعر المعاني بعك�س و�ضوحها في قامو�س اللغة والعالم ،وي�ضمر من خاللها ر�ؤي��ة �شخ�صية للكلمات تنفك بها عن قامو�س اللغة والعالم والأ�شياء. ت�أخذ الكتابة ال�شعرية طابعها من �شخ�صية ال�شاعر وميوله ونزعاته وتجاربه .لكن هذا الميل ال يعني بال�ضرورة حالة واحدة ممتدة من التعبير .ففي كل تجربة جديدة في الحياة يكون هناك تعبير جديد .الأ�سلوبية في كتابة ال�شعر ت��أخ��ذ طابعها م��ن م��راح��ل التعبير والمعجم ال�شخ�صي لل�شاعر ،والفرادة التي تدرجه في مكان متميز� .أعتقد �أن��ه ربما كانت الفرادة في ال�صوت ال�شعري من �أهم عالمات التميز بالن�سبة لل�شاعر ،ب�صرف النظر عن الطابع الذي يلوّن �شعره لناحية التجني�س .كل النا�س تكتب ع��ن ال �ح��زن ،لكن التعبير عنه يختلف باختالف التجارب ال�شعرية .لكن مع ذل��ك.. رب�م��ا تفر�ض ال�م��راح��ل المختلفة اخ�ت�ي��ارات جديدة على الكتابة ال�شعرية ،وتختبر اقتراحات مختلفة للتعبير. ال�شعر عملية ال نهائية؛ فهو ال يمكن �أن تحده
حدود حتى في المو�ضوع ذي التيمة الواحدة؛ لأنه في كل كتابة �شعرية ..يخلق ال�شاعر عالما جديدا تتمو�ضع فيه الكلمات والأ�شياء بعيدا عن حيثياتها في نظام اللغة والعالم .وهذه الخا�صية التي تمنح ال�شعر �آفاقا خارقة للغة والزمن .ومن ال�صعب تحديد خط بياني لل�شعر؛ فال�شعر �ضد كل الخطوط المر�سومة �سلفا .لكل كتابة �شعرية ب�صمة مختلفة ع��ن الكتابة الأخ ��رى ول��و كان المو�ضوع واحدا؛ فالتجارب ال�شعرية ال تتنا�سخ �أبدا. الطفولة هي المرحلة الوحيدة التي يمتلكها ال�شاعر ،وتظل با�ستمرار �أح��د �أه��م الأ�صول ال�ساحرة في مرجعية ال�شاعر وهويته الإبداعية. �أما الغربة فهي �ضرب من االقتالع ،وحين ي�صبح ال�شاعر مغتربا عن وطنه تنه�ض الذاكرة لتر�سم له وطنا موازيًا .وفي الغالب ،يكون هذا الوطن �أجمل من ال��ذي في الواقع ولعله ه��ذا ما كان يخ�شاه �أديبنا الروائي الكبير (الطيب �صالح) حين فكر �أن يزور وطنه بعد �سنوات طويلة. ك�شعراء ،نعي�ش في زمن تبدّلت فيه الكثير من �صور الحياة� ،إزاء الكثير من القيم .لم تعد الغربة مكتملة الأركان كما في الما�ضي .فو�سائل االت���ص��ال ك�سرت ح� �دّة ق�سوة ال �ف��راق .حين تقترب الغربة من معنى الهجرة يمكنك �أن تجد �صورة ما للوطن ب�سبب وجود الكثيرين معك. لكن لل�شاعر غربته �أي�ضا؛ ثمة غربة في ال�شاعر تجعله غريبا بين �أهله ،حتى �أن هناك �أ�شياء كثيرة في الواقع تفي�ض بالت�شا�ؤم .وحين يغيب الفرح عن ال�شاعر ،ال يكون ذل��ك بال�ضرورة عالمة على طبعٍ في تكوينه ،بل قد يكون ذلك ب�سبب ما يفي�ض به الواقع من عالمات تقتل الفرح في نف�سه ..كثير من عالمات هذا العالم الذي نعي�ش فيه تكاد تقتل الفرح في نفو�سنا. ذات مرة قال الماغوط (الفرح لي�س مهنتي)
47
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
48
ال�شاعر ب�صورة من ال�صور كائن غير واقعي، وينحاز �إلى خياله با�ستمرار �إزاء كل القيم التي ي�ؤمن بها؛ ولهذا ،ف�إن ن�سبة الخيال الكثيف في تعبيره تخلق له �أ�سبابا لتجاوز الواقع .في الغربة ال تملك بديال للوطن ،وال تعي�ش �إح�سا�سه .وحين تكون م�ضطرا للعي�ش بعيدا عن وطنك ،تفتقد الكثير ..وتظل با�ستمرا ٍر عاجز ًا عن التماهي مع ذلك المكان ،بعيدا عن ال�سماء الأولى. الوطن يظل با�ستمرار قيمة متعالية ومجردة. لكنه حين يكون مري�ضا ال يترك انطباعا موحدا ومن�ضبطا في وعي المواطن .عالقة ال�شاعر بوطنه في التجربة ال�شعرية لي�ست فقط �إح�سا�سه بال�سماء الأول��ى بح�سب تعبير �سعدي يو�سف، لكنه ق��د ينعك�س ف��ي م��ر�آت��ه ال�شعرية؛ �سما ًء طاردة مثال؟ ومن هنا ،يمكن لفكرة المواطنة الحقيقية �أن تجعل م��ن عالقة ال�ف��رد بوطنه عالقة حميمة ودافئة وبعيدة عن التجريد .لي�س بال�ضرورة �أن تكون �صورة الوطن على �شاكلة واحدة في نفو�س المواطنين .ثمة وطن ت�سكنه ووطن ي�سكنك .ولهذا عندما غاب الطيب �صالح عن ال�سودان لأكثر من اثني ع�شر عاما� ،شكك بع�ض النا�س في عالقته بالوطن ،فكان يجيبهم ب�أنه يحتفظ ب�صورة جميلة للوطن في نف�سه، ويخ�شى �أن يعود �إليه فيفقد هذه ال�صورة مرة و�إلى الأب��د .لكن يظل الوطن تعويذة ،لأننا في كل الأح��وال ال نختار �أوطاننا .وطني ك�أمي.. ال يمكنني اختياره .الأوط��ان حظوظ ،ولهذا، ينعك�س الوطن ب�إ�شكاالته على تعبير ال�شاعر. في المرحلة الراهنة ينق�سم الوطن ..فتنق�سم معه �أحا�سي�س ظلت موحدة منذ الوالدة� .صعب �أن ين�سى الإن�سان جزء ًا من وطنه بقرار �سيا�سي وهو بكامل وعيه؛ �إنها عملية قاهرة ت�صنعها ال�سيا�سة وتدفع ثمنها العواطف .وربما كان ال�شاعر �أكثر �إح�سا�سا بفقد الوطن من غيره،
ولهذا ،قال (بريخت) �أيام النازية( :لن يقول النا�س كانت الأزمنة رديئة ..بل �سيقولون لماذا �صمت ال�شعراء؟). الكتابة ع��ن ال��وط��ن ه��ي ��ص��ورة النف�س في مخيالٍ لذلك الوطن .وحين تنطبع �صور الوطن م��ن على ال�ب�ع��د ،ت�ك��ون �أك �ث��ر حميمية ودف�ئ��ا، ولهذا تظل مخيلة ال�شاعر قابلة لإنتاج �صور المتناهية من مفردات الحياة في الوطن� .إنها �صور ال تخرج من تلك المخيلة ،كما يمكن �أن تكون هناك في الواقع ،بل تخرج بطاقة كثيفة من الحنين تجعلها م�شعة وملونة ومغرقة في التفا�صيل التي تدمج الإب��داع في حياة حافلة بالمعنى .حين يكون الوطن غربة ت�صبح الذات م�شردة ،وحين يكون م�أوى يمنحها معنى وقيمة، �أما حين يكون حلما ت�صبح الحياة فيه �ضربا من الفنتازيا. ك��ل �شاعر يملك وط�ن��ا م��وازي��ا لوطنه في ال �غ��رب��ة .الحنين يفجر ال�ت�ج��رب��ة ال�شعرية، وي�شحنها ب�ط��اق��ة م��ن ممكنات التعبير عن ال��وط��ن ،ب�أ�سلوب يجعل من ال�شاعر في حالة من الكتابة الم�ستمرة ،وك��أن ل�سان حاله يعبر ع��ن كلمات ال�شاعر التركي العظيم (ناظم حكمت)�( ...أجمل الأيام التي لم نع�شها بعد، و�أجمل الأ�شعار التي لم نكتبها بعد� ،)...إنها حالة من تجديد الوالء الوطني في غياب الوطن عن العين وح�ضوره في القلب. ربما ك��ان من المفارقة �أن �أول ما ن�شرته هو ن�ص روائي ولي�س ن�صا �شعريا .كان الن�ص الروائي بعنوان (بر العجم) وحاز على الجائزة التقديرية لم�سابقة الطيب �صالح ل�ل�إب��داع الروائي في دورتها الثالثة 2005م.
ال�شعر قد ٌر فاتن ُ والنظم العمودي اختيا ٌر ال �شعوري ■ مالك اخلالدي -ال�سعودية
قد تبدو الكتابة عن الم�ساحة ال�شعرية الزمنية الق�صيرة التي خ�ضتها و�أخو�ضها �أم��راً مت�سرعاً� ،إال �أنها ذات دالالت و�إحاالت كبيرة ،ور�صد للراهن الثقافي واالجتماعي الذي عاي�شته. بد�أت حكايتي مع نكهة الق�صيدة مذ تذوقتها في طفولتي ..وكنت ال �أزال في العام العا�شر، كان ذلك هو االنجذاب الأول لتلك المو�سيقى ،التي انثالت من الق�صائد الب�سيطة التي اكتنز بها كتاب «القراءة والمحفوظات» ،بد�أتُ �أبحث عن مزيدٍ من ذلك النب�ض الأبجدي في كتب �إخوتي الأكبر مني �سناً ،والكتب والمجالت التي تحيط بي �آنذاك ..كنت �أ�سعى لأن �أقيم م�سابقات �شعرية بين �أ�شقائي -ذكوراً و�إناثاً� -إال �أن ا�ست�صعابهم لل�شعر الف�صيح يحول دون نجاح الم�سابقة التي تنتهي قبل �أن تبد�أ ب�شكلٍ فعلي. كنتُ �أدوّن ما يجول في خاطري من بع�ض ق���ص�ي��دة ع �م��ودي��ة �صحيحة ال� ��وزن و�أن� ��ا في الخواطر النثرية ،وما كنتُ �أرتّب ُه من الحروف الخام�سة ع�شرة. التي كنت �أظنها �شعراً ،كبرتُ وكبر وهج الحرف ال�شع ُر قد ٌر فاتن ،والنظم العمودي اختيا ٌر ال�شاعري في دم��ي ،وف��ي المرحلة المتو�سطة ال �شعوريّ لطبيعة الكتب المتوافرة والأ�صوات بد�أتُ بقراءة دواوين جهابذة ال�شعراء القدامى ك�أبي فرا�س الحمداني ،والمتنبي ،والفرزدق ،ال�شعرية العالية �آنذاك ،كالع�شماوي الذي ملأ ب�صوت ي�ألفه الح�س ٍ فا�ستهوتني الق�صيدة العمودية الكال�سيكية الأف�ئ��دة بوتره الناب�ض، ج��داً؛ ف��أب�ح��رتُ ف��ي موانئها حتى نظمتُ �أول العام ،حتى �أنني �أذكر دواوينه و�أ�شرطة �أم�سياته اجلوبة � -صيف 1434هـ
49
ذاك ل��م يخلُ طريقي ال�صغير م��ن كثيرٍ من ال�صبا ُح هنا مختلف
ولنهمي بالقراءة ،بد�أت باالطالع على �آفاقٍ �أخ��رى ،وك��ان لمكتبة دار الجوف للعلوم الأثر البالغ في اندياحي في عالم الأدب الوا�سع، فق�سمها الن�سائي كان المكتبة الأولى والوحيدة للن�ساء ف��ي منطقة ال �ج��وف ،وه �ن��اك للمرة الأول��ى �أ�صافح دواوي��ن محمود دروي�ش ،ونازك المالئكة ،وال�سياب ،وال�شابي ،والثبيتي ،ومحمد ناب�ض �رف ٍ العلي� ،إنها اللقاءات الأول��ى مع ح� ٍ بلحنٍ جديدٍ ير�سمُ �آفاق ًا بال حدود ،ويزجي �إلى �إبداعٍ بال قيود. ومع تواتر الأ�صوات ال�شاعرة ال�ساحرة ،ما يزال ارتباطي بال�صوت الكال�سيكي في ذاكرتي ي�أ�سرني� ،إال �أن �آفاق الق�صيدة الحرة ت�سلبني من ذاتي ،وتطير بي �إلى فكر ٍة �أ�ش ُّد ات�ساع ًا وتحليقاً؛ لذا ،م�ضيتُ في ف�ضاءٍ يجمع كال�سيكية النظم وتجدد الفكر الذي تجلّى في ق�صائد الجواهري والبردوني وغيرهم ،ممن مازجوا بين نب�ض الأ�صالة وانعتاق الحداثة؛ فكنتُ �أحاول انتهاج هذا المزيج� ،إال �أنني �أجنح حين ًا ف�أت�أرجح بين النظم الرتيب والنثر الغريب ،وفي �أحيان جميلة كنتُ �أبتدع ق�صائد �أر�ضى عنها ف�أر�سلها للنور.
50
ك��ان��ت زي��ارات��ي الأول���ى ل�ل�ن��ادي الأدب���ي في الجوف ،لح�ضور بع�ض الندوات �أوقات ًا من بهجة مع الفكرة والكلمة ،فبد�أ م�شوار النور لق�صائدي م��ع مجلة ال �ن��ادي «��س�ي���س��را» ،وم��ن ث��م مجلة «الجوبة» ال�صادرة عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن اجلوبة � -صيف 1434هـ
كنور�س وحيد على �شاطئ م�أهولٍ ٍ أ�ستيقظ ُ العقبات والأ�شواك التي لم تدمني ،و�إنما زادتني �
�إ�صرار ًا لإكمال الم�سير ،و�شجن ًا ملأ ق�صيدي بال�ضجيج نفحات من �صادق الأفكار وال�شعور. ٍ
�أبحثُ عن مخب�أٍ بال ملوح ٍة
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
التي انهالت عليَّ من زميالتي ومعلماتي بعد ق�صيدتي الأولى.
�شعراً ،تتطلبُ كثير ًا من المواربة والرمز ،ومع
()2
وم��ع �سفري ال�ستكمال درا�ستي ،ب��دا عقلي فال �أجد.. م�شغو ًال بميادين ومجاالت ت�ستلبني فال �أجدني� ،أ�ستجدي عطف المكان فم�ضيت ف��ي كتب الفكر وال�ث�ق��اف��ة ،واتجهتُ فيغتالني الم�ستحيل!
للكتابة المقالية حتى �أنني كنتُ �أعبر عن نف�سي في بع�ض الأحايين بـ «�شاعرة �سابقة»! �إال �أنني ا�ستفقتُ ذات �صباح على ق�صيدة ال �� �س��دي��ري ،ك��ان�ت��ا المحطة الأول� ��ى والمُثلى و�ستبقيان هكذا �أبدا. ك��ان الن�شر الأول ومعر�ض الكتاب الدولي والم�ؤتمرات م�ساحات جيدة لمزيدٍ من الن�شرٍ ال��ذي ي�صقل التجربة ،ويفتح �آف ��اق الإب ��داع �أم ��ام الق�صيدة ،فكنت �أن�شر هنا وه�ن��اك.. حتى قررتُ جمع بع�ض ق�صائدي ،لن�شرها في ديوانٍ قام نادي الجوف الأدبي بطباعته ون�شره عام 2010م ،وقد حمل ا�سم (غواية بي�ضاء)، والب��د م��ن االع �ت��راف عبر ه��ذه الأ��س�ط��ر ب ��أن الكثير من ق�صائدي الأثيرة �إل��ى نف�سي والتي تمثلني ب�صدق ،لم �أب��ادر بن�شرها في غوايتي، فلقد ن�شرتُ ما يمثّل مجتمعي ويت�صالح معه، فتجربتي ك�أنثى تف�صحُ با�سمها ع��ن ر�سمها
تنثال من غيمات روحي ف�أيقنتُ �أنني �أعج ُز عن ا�ستالبي من ذاتي المعجونة ب�ضوء الق�صيدة، نب�ض وب�صر. فال�شعر قدر وال�شعور ٌ و�س�أزجي نب�ضين �شعريين لي ،الأول مقاطع من ق�صيدة حرة بعنوان (ال مكان للغرباء): ()1
�أنت غريبٌ يا (�آرثر) ال مكان لكَ في مدين ِة النخا�س ِة هذه ك ُل ما فيها لي�س لورودك البي�ضاء اذهب �إلى حيثُ ال دموع حيثُ ال بقع نتن ٍة ت�ؤذيك ففي هذا المكان تحت�ضر الع�صافير ويموت اللوت�س!
()3
نعي�ش بال �أمل ُ بال �أمان بال ق�صيدة نعي�ش على كفاف الخوف والحزن قَـ َدرُنا �أن َ والحروف البائ�سة! ملعونٌ هذا الأ�سى في مدينة القلق هذه.. حيثُ تقف الع�صافير بال �أجنحة! و�أختم بهذا النب�ض الثاني:
���ا����ض» مح ّم ُل ه���ذا ���ص��ب��احُ ��كِ ي��ا «ري ُ ب��ال�����ص��م��تِ وال����ذك����رى ورو ٌح ت�����س���ألُ م��ا �أن�صفَ ال�صب ُح ال��ف���ؤا َد وق��د �أت��ى ب��ال��وج��دِ م�����ض��ي��اف��اً وغ��ي��م ِ��ك يبخ ُل للجوف في جوفي مراق َد من هوى ِ م��ه��م��ا ب����ع����دتُ �أرى ث����راه����ا ُي��ق��ب�� ُل اجلوبة � -صيف 1434هـ
51
منحتني ت�أ�شيرة مرور في �شارع ال�شعر ال�ساحر
■ جناة الزباير-املغرب
ما �أعمق البدايات ،حين تحتطب من التذكر نار ا�شتعاالتها ،فتتدف�أ ال��روح بذلك القب�س الجميل الغائر بين ثنايا الروح. عثرت ذات حلم جميل �أمام باب الق�صيدة ،عندما كنت ما �أزال �صبية تلعب الريح ب�ضفائري المتناثرة في �سماء ال�صفوف الدرا�سية الأول��ى ،لم �أكن �أعرف معنى �أن �أكتب �شعرا ،وال كوني �س�أ�سير في هذا الدرب المحفوف بالماء والجمر ،كان �أحد التالميذ قد كتب ق�صيدة عن �سيدة كانت �صديقتي ،فن�شرت بع�ض القلق في الأرجاءـ هذا الطالب الذي �أ�صبح �شاعرا ومترجما كبيرا الآن ،فلما �شكت لي ما جاء بين الحروف ،كتبتُ ما ي�سمى �شعرا ،فدق جر�س ميالدي الجديد. كما ك��ان��ت �أول ق�صيدة �أع �ت��رف بها كتبتها و�شاركت بها في برنامج �إذاعي ،لقيت �صدى كبيرا و�أ�شاد بها مقدم البرنامج� ،آن��ذاك ،عن الق�ضية الفل�سطينية ،ول�ق��د ك��ان��ت بحق ��ض��وءا �أخ�ضر، منحني ت�أ�شيرة المرور في �شارع ال�شعر ال�ساحر.
52
�أ�سباب ميولي �إلى كتابة هذا الجن�س الأدبي ول ��دت ف��ي بيت تحيط ب��رون�ق��ه ه��ال��ة العلم، فوالدي ال��ذي تتلمذت على يديه في مرحلة من مراحل الطفولة ،عالم محب لل�شعر ،كان دوما يقر�أ على م�سامعنا �أبياتا �شعرية ب�صمت روحي بطابع الجمال؛ ف�شعرت في �أعماقي باختالف يدثرني، لأ�سكن في ج�سد الق�صيدة باحثة عن بيتها الأزلي اجلوبة � -صيف 1434هـ
لأقيم فيه ما تبقى من عمري .فال�شعر هو تو�أمي ال�سيامي الذي به �أتنف�س عطر الوجود؛ �إذ كانت طبيعتي الهادئة والحالمة �سببا في اندثار روحي و�سط معالمه ،وزرع وروده في حدائق هم�سي، كلما خلوت في محراب الت�أمل و�سط عقول �أعطتنا الكثير من خالل خزانة بيتنا الكبيرة. كما ك��ان��ت ق�صائدي الأول���ى تكتب نغماتها من محبرة المعاناة العربية� ،إذ كنا نتمزق كلما طالعتنا و�سائل الإع�لام بملف دم��وي يتنقل فوق خارطة الوطن العربي. �شعراء ت�أثرت بهم مَن منا لم يقف على �أعتاب كتابات المنفلوطي
Baudelaire، André
Charles
Breton، Stéphane Mallarmé،
،Jacques Prévertو�آخرون .من دون �أن �أغفل عن ذك��ر �أحمد مطر ،فدوى طوقان� ،أدوني�س،
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ق�صيدة في برنامج �إذاعي..
وه��و يحبو في ت��راب الحرف؟ و َم ��ن م�ن��ا ل��م ت ��أ� �س��ره كتابات ج �ب��ران خليل ج �ب��ران وغ��ادة ال�سمان؟ ك ��ان ��ت خ��ط��وات��ي الأول � ��ى تلب�س نعل ه��ؤالء الكبار ،وكان ال�شعر يقذفني بين ق�صائد �أب ��ي ال�ق��ا��س��م ال���ش��اب��ي ال��ذي تجان�س مع نب�ضي ،وجميل بن معمر وقي�س بن الملوّح ،حيث كنت �أكبو ف��وق �سجادة حبهم ال�ضائع؛ فكان �شعري يعزف على وتر ال�شجن. ول�ع��ل درا��س�ت�ن��ا الجامعية ق ��د �أث� �ث ��ت م ��ن خ�ل�ال ك ��ل ما در�سناه من �شعر عربي قديم حتى الع�صر الحديث ذاكرتنا ال��وج��دان��ي��ة ،وك ��ان ��ت زي� ��ارة محمود دروي����ش لجامعتنا في الت�سعينيات قد جعلتني �أرك�ض دون توقف في �ساحات دواوينه حتى وفاته. �إن ال �ع��دي��د م��ن ال���ش�ع��راء ��س��واء ك��ان��وا ع��رب��ا �أم �أج��ان��ب ق��د �شكلوا لوحاتي المتعددة الأل��وان عبر ه��ذه العقود التي م�شيت فيها ،ول�ع��ل �أب��رزه��م:
ن��زار قباني� ،سميح القا�سم، الماغوط� ...إلخ. غ � َزل��تِ ال�شهر ُة م��ن �شِ عْر ��ش�ب��اب��ي و� �ش��اح �ه��ا ،ف�ق��د ك��ان �صوتي يتراق�ص على نغمات مختلفة ،حيث كنت �أُ�س�أل �أنى ذهبت هل �أنا عربية؟!! كان هذا من بين الأ�سباب ال� �ت ��ي ج �ع �ل �ت �ن��ي �أت � �ق� ��دم ف��ي م�شواري ،و�أ�شعر بال�شموخ كلما ع�ل��وت من�صة الإل��ق��اء ،حيث �أجد هذا الخ�شوع الرهيب في عيون الح�ضور الأ�شبه بال�سفر في عوالم غير �أر�ضية ،حيث تعزف كلماتي على وتر الإ�صغاء ال�ج�م�ي��ل ،وه ��ذا ل�ع�م��ري لأم��ر ي�شعر من خالله ال�شاعر بهذه العالقة ال�سرية الروحية التي تربط بينه وبين الآخ ��ر .وقد ترجمت هذا في قولي:
فِي �صَ ْو ِتهَا اُ ْلعَا�شِ قِ �أَ�شْ عَا ٌر عِ ذَابٌ ِ�ص خِ ْ�ص َر اُ ْلق َِ�صي َد ِة ُت ْرق ُ كَا َن اُ ْلعَا َل ُم حَ ْو َلهَا يُو َل ُد َف�� َي�����سْ �� ُق��طُ خَ ���� َر ٌز �أَخْ ��� َ��ض��ر مِ ��نْ �شِ فَا ِه اُ ْلوَا ِلهِينَ .
ف�سكرت من مدام الثقة في كل ما ينبج�س من بين �أناملي. ك�م��ا نظمت و� �ش��ارك��ت في العديد من اللقاءات ال�شعرية الدولية والوطنية ،ما �أك�سب تجربتي ن�ضجً ا م��ن ن��وع ما، اجلوبة � -صيف 1434هـ
53
54
دواوين ح�صاد رحلتي «�أقب�ض ق��دم ال��ري��ح» ال��ذي �صدر ع��ام 2007م ،و«ق�صائد ف��ي �أل� �ي ��اف ال� �م ��اء» 2009م، «لج�سده رائحة الموتى» 2010م« ،ر�سائل �ضوء وماء» 2011م« ،فاتن الليل» 2012م« .ناي الغريبة» 2013م. ول�ست ممن يهوى الجري وراء الجوائز ،فهي ال ت�ستفز اهتماماتي ،وال �أ�سعى للتربع فوق عر�شها منتظرة ه�ط��ول عطاياها على درب ��ي ،فعندما جمعت ديواني الأول «النخب الأخير» الذي اقتنعت به ،فهناك دواوين �أخرى لم �أخرجها للنور ،قر�أت في بع�ض الجرائد �إعالنا عن جائزة نعمان 2007م بلبنان ،ف�أر�سلته وفاز ب�إحدى تلك الجوائز �آنذاك. اجلوبة � -صيف 1434هـ
الدكتور عبداهلل بن �أحمد الفيفي م��ن ال�سعودية يقول: «غ ��زارة اللغة ،ال�ت��ي تتَّ�صف بها تجربة الزباير ،تبدو وليدة عالقتها بالتراث ،وبالن�صو�ص ال�شِّ عريَّة لرموز ال�شِّ عر .فلي�ست من الآخذين بمبد�أ االنقطاع ال�ح��داث��ي ال �م��زع��وم .ول��ذل��ك ت �ج��ده��ا ت���س�ت��دع��ي � �ش �ع��راءَ، كمحمود دروي ����ش ،المتنبي، نزار قبّاني� ،إلى جانب �آخرين م ��ن ال �� �ش �ع��راء وال �ن��اث��ري��ن، ك� ��إدغ���ار �أالن ب���و ،ت ��ي �إ� ��س �إليوت ،وفيودور دو�ستويف�سكي. ت�سدعيهم ا�ستدعاء ا�ستلهام، غالبًا ،ال ا�ستدعاء توظيف. وال �ح��وار � ِ��س� َم� ٌة ظ��اه��رة في ن�صها طابعه ال�سرديّ نثائر ن�ج��اةّ .م��ا يُك�سب َّ المثير .وغالبًا ما يدخل الوطن في خطابها معاد اًِل ح��وار ًّي��ا ،بين ال��ذات الكاتبة وحلمها الوطني� ،أو القومي .ذلك �أن «هَ ��مَّ العَرب» ،يو�شك �أن يكون مو�ضوع ًة رئي�س ًة ( )Themeلمعظم ن�صو�صها� ،إنْ ن�صا بكائيًّا لم يكن كلّها ،بحيث تبدو وك�أنها تكتب ًّ واح �دًا ،ممتدًّا على �أط�لال الأُ َّم��ة حتى �إن عنوان مجموعتها «لج�سده رائحة الموتى» �إنما ي�شير �إلى ج�سد الوطن».
ال�شعر ورطة وجودية.. دخلني وا�ستفحل في جوانياتي وحياتي
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
وهذا الجزء الهارب من طوقي جعلني �أخ��و���ض غ�م��ار الكتابة ب�سالح الحب وال�ج�م��ال ،كلما م�شيت ت�ح��ت �سقف الم�شهد ال�ث�ق��اف��ي ب�سلبياته المتعددة بعنفوان ق��وي ،دون �أن تبللني �أمطار المحال .ليتم االحتفاء با�سمي ك�صوت �شعري متميز ل��ه ب��حّ ��ة خ��ا� �ص��ة ف��ي خريطة الق�صيدة العربية الحديثة. ف ��أن تكتب معناه؛ �أن تكون �أن ��ت ،و�أن ال تنتظر �شيئا من وراء ذب�ح��ك ق��رب��ان��ا للكتابة، هكذا ك�ن��ت ..ع�شقتُ الحرف فانمحوت في �سحره ،معانقة فتوحاته� ،أط��ل من �شُ ْرفَة على ال� �ق ��ارىء م� ��رات وم� ��رات من خالل العديد من المنابر.
�إ�� �ض ��اف ��ة �إل� � ��ى ع �� �ش��رات � �ش �ه��ادات ال �ت �ق��دي��ر م ��ن كل ال �ج �ه��ات ال �ت��ي ا��س�ت���ض��اف��ت ق�صيدتي.
■ نواره حلر�ش -اجلزائر
كانت البداية من دون تخطيط ،وبال وعي م�سبق بال�شعر� ،أو الكتابة كفعل ،حتى دخلتُ مملكة ال�شعر ،ككل الأطفال الم�شاغبين الخجولين ،الذين يدخلون عالم الده�شة �أول مرة بكثير من العبث والالمنطق .لم �أك��ن �أدري وقتها �أن��ي دخلت �أكبر ورط��ة وجودية على حد قول محمود دروي�ش« :ال�شعر ورطة وجودية» .كنتُ �أعتقد �أنها لعبة مفرداتية ولفظية �آنية� ،سرعان ما �أملُّها و�أتركها .لكني تورطت فيها عميقًا .لم �أدخل المملكة عن ق�صد �أو عن تخطيط .فج�أة طرقني ال�شعر ب���إل��ح��اح ،فدخلني وا�ستفحل ف��ي البقاء والمكوث ف��ي جوانياتي وف��ي حياتي .ورطني فتورطت ،داعبني فا�ست�سلمت ،غازلني فا�ستكنت .حين طرقني ال�شعر باكرا� ..شعرتُ �أ ّن الحياة هي التي طرقتني ،الحياة الأولى التي كانت كريمة معي �إلى درجة الإ�ساءة .طرقتني فج�أة من خالل ال�شعر ..فكان ال�شعر �أكرم منها معي ،واحتواني وذهب بي �صوب ال�شم�س التي بخلت بها الحياة عليّ .ما �أجمل �أن تطرقنا الحياة الأكيدة في �صيغة ال�شعر .يقول ال�شاعر اللبناني زاهي وهبي« :يجب �أن نتعلم كيف نكون �أوفياء للحياة» .وبالموازاة �أقول :يجب �أي�ضا �أن نتعلم كيف نكون �أوفياء لل�شعر .ال�شعر الذي يطرقنا ،والذي ن�شعر معه �أ ّن الحياة هي التي تطرقنا يجب �أن نكون �أوفياء له تماما ،تماما جدا. (نوافذ الوجع) ديواني ال�شعري الأول ،كان نافذتي الأول��ى و�شجري البِكر في غابة ال�شعر الالمنتهية ال �م��دى ،ه��و باخت�صار ك��ان تجربة �أول��ى وكفى ،تجربة بكل ما فيها من اجتهادات وايجابيات و�سلبيات ،فالتجربة الأولى تبقى فاتحة لم�سيرة الكتابة رغم كل ما تحمله من محا�سن وم�ساوئ على حد �سواء ،وقد تغلب الم�ساوئ ،لكنها تبقى تجربة �أول��ى؛ يعني خطوة �أول��ى على درب مديد من الكتابة والحلم والك ّد ال�شعري اللذيذ.
بعدها ج��اء دي��وان��ي الثاني «�أوق ��ات محجوزة للبرد» وك��ان ه��و الآخ��ر يحمل هواج�سي وبع�ض نقماتي ،كان تجربة �أخرى ارتكزت على الن�صو�ص الق�صيرة والوام�ضة �أحيانا ،تجربة انبثقت من تفا�صيل كثيرة لآالم وحاالت كثيرة .تجربة ناقمة �أي�ضا .الأكيد� ،أن كل تجربة هي ناقمة ب�شكل �أو ب�آخر على �أو�ضاع ما �أو ظروف ما ،الكتابة لي�ست و�سيلة للتماهي �أو الذوبان في الأو�ضاع والظروف. لو كانت كذلك ،لكان ربما كل �أدب الدنيا ال يخرج عن نطاق التماهي والت�ساوق والر�ضوخ لبع�ض اجلوبة � -صيف 1434هـ
55
56
اجلوبة � -صيف 1434هـ
�صدر لي
الت�أثر ببع�ض ال�شعراء «حكايا ال�ج��ازي��ا» كتاب م�شترك م��ع بع�ضقر�أت و(�أق��ر�أ) للكثير من ال�شعراء ،اكت�شفت الكاتبات الجزائريات� ،صدر عام 2004م و�أحببت عوالمهم ال�شعرية البديعة ،لكن يبهرني عن من�شورات «رابطة �أهل القلم». محمود دروي�ش �أكثر بف�ضاءاته المطرزة بنجوم الحزن اال�ستثنائية الغربة والوجع ،وبلغته ال�شفافة « -ن��واف��ذ ال��وج��ع» ال��دي��وان الأول� ،صدر عام النازفة ،وب�شعريته الباذخة الفاتنة حقا .كما 2005م عن من�شورات جمعية ال�م��ر�أة في يعجبني كثيرا لوركا ،وطبعا قائمة ال�شعراء الذين ات�صال. �أح��ب �شعرهم و�أق��ر�أ لهم ب�شغف ومحبة ،طويلة ومتنوعة .ويمكن �أن �أ�سمي هذا حبا و�إعجابا لكن �« -أوقات محجوزة للبرد» الديوان الثاني� ،صدر ع��ام 2007ع��ن من�شورات وزارة الثقافة لي�س ت�أثرا بالمعنى المق�صود هنا. الجزائرية. �سلبيات و�إيجابيات و�صعوبات واجهتني «ن�شيد العطب الداخلي» مخطوط �شعري،في م�شواري ال�شعري �سي�صدر عن قريب. �أكثر ال�صعوبات التي تواجه ع��ادة ال�شعراء ح�صلت على جوائز في ال�شعر ،منها: وال� ُك�ت��اب ف��ي ب��داي��ة الطريق خا�صة ه��ي �صعوبة الن�شر ،وهي م�شكلة عانينا منها جميعا في بداية -الجائزة الأولى في الم�سابقة المغاربية لإذاعة م�شوارنا الأدب��ي ،وكانت حينها المعوقات كثيرة ق�سنطينة عام 1995م. ومتنوعة ،لكن �أهمها طبعا �صعوبة الن�شر ،فعادة ال يوجد كاتب ،وبخا�صة من الجيل ال�شاب يملك -الجائزة الأول��ى في الم�سابقة الكبرى للجنة المقدرة المادية لطبع كتبه ،هذا من المعوقات ال �ح �ف�لات بق�صر ال �م �ع��ار���ض ب��ال�ج��زائ��ر الكبيرة ،لكن الكاتب الطموح يبقى يمار�س الكتابة العا�صمة عام 1994م. بحب ود�أب كبيرين ،حتى و�إن ت�أخر الن�شر ل�سنوات و�سنوات ،لأن��ه ي�ؤمن �أن الن�شر عملية �ستتحقق -الجائزة الثانية في الم�سابقة الوطنية التي نظمتها لجنة الفنون وال�ح�ف�لات لمدينة عاجال �أم �آجال ،لأنها من الم�سلمات الالحقة التي �سطيف عام 2000م. ال �شك �أنها �ستتحقق ،و�إن بعد �سنوات وعثرات. طبعا من الأجمل �أن تتحقق في وقتها وفي �أوانها - ،الجائزة الأول��ى في الم�سابقة العربية التي لكن ال م�شكلة �إن ت�أخرت� .إذاً ،فالن�شر من �أكبر �أجرتها مجلة �أنهار الكويتية عام 2001م. المعوقات التي تقف في وجه المبدعين ال�شباب، �إلى جانب بع�ض �سيا�سات التهمي�ش والإق�صاء التي -الجائزة الثانية في الم�سابقة ال�شعرية لجائزة ال�شعر الن�سوي بق�سنطينة عام 2007م. ما تزال للأ�سف تُمار�س بنوع من الفوقية المر�ضية اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
المعطيات البائ�سة ،وك�أنها م�سلّمات معينة ،واال�ستكانة �أي�ضا في جبة الوقائع اليومية المعتمة .الخطاب ال�شعري ال يجب �أن يكون خطابا موازيا �أو ل�صيقا براهن ما؛ يجب �أن يكون ناقدا ،ويمتلك قدرة على الحفر �ضد م��ا ه��و راه��ن وما هو �سائد .وظيفة الأدب لي�ست ال�ج�ل��و���س ع�ل��ى ج ��رح م ��ا ،كي نخفيه عن الأنظار� ،أو التقوقع ف ��ي ح� ��االت اال� �س �ت �ك��ان��ة� ،أو التواط�ؤ مع راهن ما ،وبخا�صة �إذا ك��ان ه��ذا ال��راه��ن �سيئا و�سلبيا وبائ�سا .من ال�ضروري ج��دا ت�صويب خطابات ح��ادة وناقمة عليه و�ضده ،وهذا �أهم م��ا يمكن �أن ي�ق��وم ب��ه الأدب الحقيقي .ون�صو�ص (�أوق��ات محجوزة للبرد) كانت ناقمة جدا على �أ�شياء و�أو�ضاع كثيرة، كانت و�سيلتي �ضد �أنواع مختلفة من البرد وموا�سم البرد. م��ج��م��وع��ت��ي ال �� �ش �ع��ري��ة الجديدة بعنوان «ن�شيد العطب الداخلي» ،لم ت�صدر بعد ،وما يمكن قوله عن هذه التجربة الجديدة� ،أن ن�صو�ص ه��ذه المجموعة تحاول �أن تحتفي بالأنا �أكثر ،ب�أحالمها المنك�سرة في ممرات الحياة ،ب�أوهامها التي تت�سيد الم�شهد اليومي كبديل ربما غير مرغوب فيه ،لكنه بديل حا�ضر بكل ما �أوتي من �أوه��ام بائ�سة� ،أي�ضا هي ن�صو�ص تحتفي بحياة غير متاحة ،حياة على حافة الأل��م (ورغ��م حافة الأل��م التي هي عليه) تقيم وتمكث وتت�شبث فيَّ وبالحياة ،وبما يمكن �أن يقرب الحياة ويجعلها متاحة وممكنة .في بع�ض
االحتفاء ربما ت�أبين غير معلن، لأ�شياء كثيرة تت�سرب وتنفلت من مباهجها ووهجها� ،،إنها باخت�صار ن�صو�ص الأنا الباحثة ع��ن ج��دوى م��ا ،ع��ن حياة ما، عن خال�ص ما. والكاتب ال ي�س�أل –عادة- ع��ن �أ� �س �ب��اب م�ي��ول��ه �إل ��ى ه��ذا الجن�س الأدبي �أو ذاك� ،أو عن تف�ضيله لنوع معين من الفن والأدب ع �ل��ى ح �� �س��اب ف�ن��ون و�آداب �أخرى؛ لأن الكتابة حين ت�خ�ت��ار كاتبها ينتفي ج��دوى ال�����س���ؤال ف��ي ه �ك��ذا ع�لاق��ة، �أو ح��ول �سبب ال�م�ي��ول ،لهذا ل��ن �أب��ال��غ ل��و ق�ل��ت� :إن ال�شعر ه��و ال ��ذي اخ �ت��ارن��ي وطرقني وورطني �أي�ضا ،طبعا �أنا �سعيدة ب��ه وبطرقه وورط �ت��ه .العالقة بيني وبين ال�شعر ،كانت ميال متبادال �إن �صح و�صف الحالة، عادة وغالبا تبد�أ حالة الميول ع���ش�ق�ي��ة م��زاج �ي��ة ،فال�شعر �أكثر الحاالت مزاجية ،لكنها مزاجية �إيجابية ال �سلبية ،منتجة ،مثمرة ،فاعلة، ولي�ست مزاجية معطوبة� ،إن�ه��ا مزاجية تقذف بنا �إلى كينونة �إبداعية محر�ضة على الجمالية، م�ستفزة ع�صافيرنا ال�ج��وان�ي��ة المجبولة على التحليق .مزاجية تطرقنا ب�شدة فنكت�شف كم �أننا هنا في ملكوت الحياة على قيد الحلم –على قيد ال�شعر -وعلى قيد البهاء الإن�ساني الذي من دونه نحن ب�شعون وغير جميلين ،لكل هذا �أعتقد �أن عالقتي بال�شعر وجدانية وج��ودي��ة بامتياز، ولكل هذا ربما كانت �أ�سباب هذه الميول الجوانية التلقائية بالأ�سا�س �إلى هذا الجن�س بالذات من
الأدب ،جن�س ال�شعر الأبهى الأ�شهى .وتظل الكتابة ه��ي النب�ض ال���س�رّي �أو الحبل ال���س��ريّ لفرحي ولحياتي الممكنة ،وهي �أي�ضا ق��در ،وال�شعر في �أغلبه قدر ،وال �أملك �إال �أن �أكتب ب�إيمانٍ عاطفي، وب�أظافري ال�شعرية ،وهي �أظافر غير م�ؤذية طبعا.
في حق الكثير من الكتّاب .لكن المبدع الحقيقي �سي�صل �إل��ى نقطة النور المفتر�ضة مهما كانت المعوقات ،والإب��داع الحقيقي �سي�صل �إل��ى نف�س النقطة و�إن طالت ال�سنوات.
57
البرتقال ،ومداده الت�شريد والحرمان..
يراع من �شجرة البرتقال
وكانت تلك الخرب�شات التي بهر بها �أ�ستاذه ن ��واة �أول ق���ص�ي��دة ل ��ذاك ال�ف�ت��ى ع��ن قريته (المزيرعة) ،من �أع�م��ال اللد في فل�سطين، والتي يقول فيها:
■ حممود الرحمي – الأردن
ي�������ا «ال������م������زي������رع������ة» �أن�����������ت ع���ق���ل���ي �أن���������������ت ن�����ب�����������ض�����ي م���������ذ ُولِ���������������������دْتُ
�إن عز يوما يا حبيب لقا�ؤكم �أرج���و بحلم �أن يكون لقانا ذات ي��وم ..وقبل �أربعة و�ستين عاما على وجه التحديد ..وقف ابن الرابعة من عمره �أمام �شجرة برتقال مزدانة بثمارها ال�شهية ،الحلوة المذاق ،لك�أنه ال�شهد والترياق.. �أم�سكت الأم بطفلها وقالت له :هيا بنا يا بني ..لنم�ض قبل �أن ت�صيبنا ر�صا�صة طائ�شة فتودي بحياتنا.. عندها قال لها ال�صبي :و�إلى �أين يا �أماه.. �إلى حيث ال ندري.. ولمن نترك هذه ال�شجرة..� -ستعود �إليها ذات يوم �إن �شاء اهلل..
ي���������������������ش����������ه����������د اهلل ب��������������أن�������������ي م������������ا ن���������������س�������ي�������ت ،م������������ا �������س������ل������وت ��������س�������ت�������ع�������ود الأر����������������������������ض ي������وم������ا ل����������������ك ع�����������ه�����������د ق����������������د ق������ط������ع������ت ف������������ي ح��������ي��������ات��������ي �أو م�����م�����ات�����ي ذاك ع�����������ه�����������دي ف�������ال�������ت�������زم�������ت
وت�ت��وال��ى ق�صائده ال��واح��دة تلو الأخ ��رى.. تحكي ق�صة الأر� ��ض والت�شريد وال�ح��رم��ان.. والأمل في العودة.. وتنتهي المرحلة الثانوية ،ويح�صل الفتى على �شهادة الثانوية العامة ..ويتعاقد عام 1962م.. للعمل معلما في المملكة العربية ال�سعودية. وتم�ضي الأيام ..و�شجرة البرتقال ماثلة �أمامه.. و ُي��طْ � ِل��ع زم�ل�ا َء ُه على �شعره فيعجبون ب��ه.. وبعد تردد ثالثة عقود من الزمن ،وبت�شجيع من الأحبة جاء �إ�صداره الأول (هم�سات قلب) مطلع عام 1987م ،ثم (الب�ستان) في منت�صف العام نف�سه ..ثم (الكوابي�س والحب) في خريف ذاك العام ..وهو الآن ب�صدد �إ�صدار ديوانه الرابع (ورود و�أ�شواك) الذي لم ير النور بعد.. وي�شيخ الفتى ..ويو�شك على ال�سبعين من
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
يوما بعد يوم.. ول�����������������������دي ي������������أت�����������ي�����������ك ب�������ع�������دي ح�����������ب �أر��������������ض�������������ي ق�����������د �����س����ق����ي����ت وينطلق يراعه في الكتابة ..يراع من �شجرة
ناظر الطفل ال�شجرة ..وبكى بكاء لم تعهده و�شجرة البرتقال ،ماثلين �أمام ناظريه.. �أم��ه منه م��ن ق�ب��ل ..وم�ضيا م��ع بقية العائلة وجاءت المرحلة الثانوية ..وذات يوم وقف هائمين على وجوههم ..والر�صا�ص يتطاير من معلم اللغة العربية بجانبه ،يقر�أ تلك ال�سطور فوق ر�ؤو�سهم .والمنجّ ي هو اهلل.. التي خطها الفتى ..يت�أمل معانيها و�أبعادها.. وتنقلت العائلة من مكان �إل��ى مكان ..ومن ده�ش مما قر�أ ويقر�أ ..و�س�أل تلميذه ..منذ متى قرية �إل��ى �أخ��رى حتى ا�ستقر بهم المقام في تكتب ال�شعر يا بني.. مدينة البيرة ،تو�أم مدينة رام اهلل مركز ال�سلطة �أين �أنا من ال�شعر..؟! �إنها مجرد خرب�شات الفل�سطينية حاليا.. وتم�ضي الأي ��ام ..ويدخل الطفل المدر�سة يا �أ�ستاذي.. 58
االبتدائية ..ثم االعدادية ،وما زال �أمل العودة،
اجلوبة � -صيف 1434هـ
وي�شد المعلم على يديه ي�شجعه ..ويتابعه اجلوبة � -صيف 1434هـ
59
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ال�شعر .. والأ�سئلة الكبرى ■ ن�ضال القا�سم -الأردن
ع �م��ره ..وي �م�ل�أ ال�شيب ر�أ� �س��ه ول�ح�ي�ت��ه ..وما و�� �ص� �ف ��وا ال �ح �� �س��ن ول � �ك� ��نْ ح���س�ن�ه��ا يزال ينتظر العودة ،والوقوف ثانية �أم��ام تلك م ��ا ظ �ن �ن��ت ال��و� �ص��ف ي��وف��ي م ��ن ن��در ال�شجرة ..وما يزال يراعه يئنُّ وي�سطّ ر مزيدا حُ ���ْ�س � ُن �ه��ا ي ��ا � َ��ص ��حْ ��بُ وال ��� ِّ�س��حُ ��ر به من الآهات والحرمان.. جَ �� ��ذَ بَ ال��ق��ل��بَ ..وق ��د � �ش � َّد ال� َب� َ���ص��ر قالوا غزاكَ ال�ش ـ ــيبُ قل ــتُ ب�أنني
�أظنني لم �أدرك �أن ال�شعر هو طريقي الأول �إال عام 1993م� ،أم��ا قبل تلك الفترة فقد كنت م�شغو ًال ب�أ�شياء كثيرة ،وكانت تتنازعني في هذا العمر المبكّر رغبات عدة للم�ستقبل؛ في �أن �أكون قا�صا� ً،أو روائياً� ،أو كاتباً م�سرحياً .لكن في ذلك العام تحددت رغبتي الأدبية ،وارتبطتُ بال�شعر الذي �أعيه وال �أعقله ،ارتباط التابع بالمتبوع؛ وكان ذلك كافياً ليرتبط وجودي بهذا الغام�ض الآ�سر ،منذ ذلك الأمد. انطالقاً من هذا العام ال�صاخب المليء بالأحداث واالنك�سارات ال�سيا�سية ،والذي ترك �آثاراً قوي ًة على تجربتي وعلى تحوالتها المختلفة ،وكر ّد فعل للمهزوم ،الذي يبحث عن �سند يوا�سيه �أو يرتمي في �أح�ضانه ،فقد �أ�صبح ال�شعر �أمامي �أفقاً مفتوحاً ال حدود له.
م���ن ���ش��ـ��ـ��دة ال��ت��ف��ك��ي��ر ..ل��ي�����س ���س��وا ُه �أيُّ ع� �ي� �ن� �ي ��ن وق�� � ��د ف � ��اق � ��ت ب �ه��ا �أ َو �إنْ خ��ـ��ل��وتَ م���ن ال��ه��م��وم بعــالمٍ ك� ��لَّ َو�� � �ص � � ٍ�ف ..ول� �ه ��ا ي �ح �ل��و ال �ن �ظ��ر
خطو ٌة �أُخرى �ستدفعني �إلى الكتابة في هذه المرحلة ،وهي �إح�سا�سي العميق بحالة الحيرة والقلق والهزيمة وب��ؤ���س ال�ف�ق��راء و�شقائهم، ورف�ضي لتقاليد المجتمع وممار�ساته الخاطئة، التي ب��د�أت تم ُال قلبي حزن ًا و�ألماً ،و�إح�سا�سي ال�� �ص��ادق بالم�س�ؤولية العميقة ت�ج��اه وطني إح�سا�س م�ستن ٌد �إلى قيم وطنية ٌ و�شعبي ،وهو � �سامية و�أهداف نبيلة.
و�إن كتبنا عن موتها ورثيناها� .أدرك �أن الحديث عن النف�س �صعبٌ ،و�أنه ي�شبه الإبحار في عر�ض محيط �شا�سع �صخّ اب؛ ولكنني �س�أحاول في هذه ال�شهادة تكوين الم�شهد الفوتوغرافي العام لتجربتي ال�شعرية ،ودوافعها غير المتناهية؛ م�ستنفر ًا لتحقيق هذه الغاية حد�سي وحوا�سي الخم�س ،منطلق ًا من ذاتي �إلى العالم الرحب الف�سيح.
ها �أنا �أتذكّر تلك ال�سنوات البعيدة من تاريخ م�سيرتي الأدبية ،وال �أريد هنا �أن �أكون وثائقي ًا تماماً ،فالذكرياتُ القديمة ال تندمل ب�سهولة، كما �أن الأح�لام القديمة ال تموت �أي�ضاً ،حتى
ال�صدَ ْف �أن ت�أتي هذه ال�شهادة ومن محا�سن ُ بالتزامن مع مرور ع�شرة �أعوام بالتمام والكمال على �صدور مجموعتي ال�شعرية الأول��ى (�أر�ض م�شاك�سة) ،ال���ص��ادرة ع��ام 2003م ع��ن دار
ل����بُّ ال�����ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ب��اب ب��م��ه��ج��ت��ي ِ و���ص��ب��ا ُه �أيُّ ط � � ��ولٍ � ..أيُّ خَ � �� �ْ�س ��رٍ خَ �� �س � ُره��ا �أيُّ رو� � ٍ� ��ض ق� ��د ح �ل��ا ف� �ي� � ِه ال �ث �م��ر ي��ا �صاحبي �إن ك��ن��تَ تق�ص ُد لحيتي ه������وِّنْ ع��ل��ي��ك ف��م��ا ع��رف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��تَ ب��ـ��ـ��ـ�لا ُه �أيُّ ل � �ي� ��لٍ ُم � � � ْق� � ��مِ � � ��رٍ م� �ن� �ه ��ا ب���دا �أيُّ ج� �ي ��دٍ ق ��د ع �ل�ا ف � ��وقَ ال �� �ص��در �إنْ ك���ان �شـ ـ ــيبٌ قـ ـ ــد ب���دا ف�ل�أن�� ُه
ف���أن��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ال�����ذي م��ـ��ـ��ـ��ا ه��م��ـُّ��ـ��ـ��ـ��ه خ��ـ��ـ��ـ��ـ�لا ُه
َك� � ُم���لَ ال� �ج� ��� �س ��مُ ..ف �� �س �ب �ح��انَ ال ��ذي وال يعني ذل��ك خلو �شعره م��ن الأغ��را���ض وه��بَ ال��حُ ���ْ�س��نَ ..بها الحُ �سْ نُ ا�سْ تقَر الأخ��رى ..فقد حوت دواوينه ق�صائد عدة في ق �ل��تُ :م��ن �أي ��ن ف �ت��ات��ي؟! م��ا ا�سمها؟ مختلف �ألوان ال�شعر وفنونه.. �أع��رو���س ال �ب �ح��ر!! �أم ط�ي��فٌ ح�ضر!! يقول في و�صف الفتاة العربية: وب � � �ك� � ��لِّ ال� � ��حُ � � ��بِّ ردتْ ل� � ��ي �أن� � ��ا م������ن ت����ك����ون����ي����نَ وه����������لْ �أن������������تِ ب�����ش��ر ل �� �س��تُ ط �ي �ف �اً� ..أو ع��رو� �س � ًا ِل � َب��حَ ��ر.. �أ ْم م������ل������اكٌ ول������ع������ي������ن������يَّ ظَ ������هَ������ر
60
�إن� �م���ا مِ � � ��نْ �أر�� � ِ� ��ض �أ�� �س� �ي���ا ِد ال� � ُّدن ��ا طُ � � ْف ��تُ ف ��ي ال��د ْن��ي��ا ول� �ك ��نْ ل� ��مْ �أَ َر �إبن ُة ال � ُع �ر ِْب( ..وه��ل يخفى القمر؟!) م �ث��لَ ه ��ذا ال��حُ ��� ْ�س��نِ م��ا ب �ي��نَ الب�شر اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
61
�أزمنة ،بدعم من وزارة الثقافة الأردنية ،والتي �أعطتني عند �صدورها �إح�سا�س ًا رائع ًا ب�أنني كتبتُ عم ًال �إ�شكالياً ،وبخا�صة حين بد�أ الكثيرون ي�صافحونها بحرارة؛ وهي ق�صائد تنطوي على �ضدية �شعرية� ،أو رف�ض �شعري لأ�شياء وم�سلّمات كثيرة �سيا�سية واجتماعية ووجودية �أي�ضاً؛ بل لعلها �إ�شارة من �إ�شارات �صعلكة �شعرية معا�صرة وفي العام ،2008كانت النقلة الأ�سا�سية في تقول مقو َلتَها بلغة مكثفة موحية غنية باالنفعال التجربة ،وذلك عندما ب��د�أتُ �أعي �أن كل هذا والإح�سا�س المنطلق والن�شوة المجنّحة. ُح�س �أنه ال�شعر �أ�صبح ال يفي بما �أُريد ،وال بما �أ ّ و� ُ أعترف اليوم ب�أنني في الفترة الأول��ى من يكاد يفر�ض نف�سه عليّ ،وعلى الم�شهد ال�شعري نتاجي كنتُ م�شدود ًا �إلى التراث ،وكانت ظالل ُه كذلك� ،سوا ٌء في عنا�صره المكوّنة �أو في ر�ؤيته ُ تحيط بي ،في كل ق�صيد ٍة �أكتبها ،ولكني ما لبثتُ للعالم؛ ما جعلني �أت�م��ر ّد عليه و�أُدرج ��ه تحت �أن انفتحتُ على عوالم جديدة عندما �أخذت م�صطلح الح�سا�سية القديمة �أو الح�سا�سية �أطالع ب�شغف الآداب الأجنبية ،و�شعراء الغرب التقليدية ،وهذا ال يعني بالطبع �أني تبر�أتُ من الكبار ،فقر�أتُ الكثير في مجال ال�شعر والنقد �أعمالي الأول��ى ،ولكنّي اكتفيتُ بالتمرُّد عليها والرواية والفكر والتاريخ والم�سرح ،وكان لهذه وبالإنحياز �إلى الإختالف والتفرُّد. القراءات فيما بعد �أث ٌر عا�صفٌ في ت�شكيل وعيي وه��ك��ذا� ،أ� �ص �ب��ح ل�لاخ �ت�لاف م� ��ذا ٌق حلو، وتطوير �أدواتي الإبداعية ،وتمثّل ذلك في ديوان «مدينة الرماد» ،الذي كان نتاج ًا لهذ القراءات و�أ�صبحتُ �أ�سم ُع �أ�صوات ًا بعيدة ما يزال �صداها المرهقة التي لقّحتُ بها ذهني في ذلك الوقت ،ي��ر ُّن ف��ي �أذن ��يَّ حتى ه��ذه اللحظة ،و�أظ ��نُ �أن فجاءت ق�صائد الديوان مت�أججة ،تعلي من �ش�أن بدايات هذا كانت في دي��وان «تماثيل عرجاء» الب�ساطة العميقة ،وتحتفي بالعابر واليومي ،والذي ا�صطبغ ب�صبغة الت�أمل والمعرفة العميقة واالل�ت�ف��ات �إل��ى �أهمية ال �م��وروث ال�شعبي من ك�أنما هي لوحة ذات ف�ضاء غير منغلق. �أغاني وحكايات وم��واوي��ل ،وال��دور ال��ذي يلعبه بعد ذلك ،توالت كتاباتي ال�شعرية ،وتنوَّعَ ت، ه��ذا ال �م��وروث ف��ي �إث ��راء و�إ� �ض��اءة الق�صيدة فجاء دي��وانُ «ك�لام الليل والنهار» مختلف ًا في وفي �إعطائها بُعد ًا ت�شكيلي ًا يحمل �إيقاع الحياة طريقة بنائه الفني� ،إذ انطلقتُ فيه من موقف فنيّ �شديد الو�ضوح ،محدد ال�سمات ،م�ستعم ًال ونب�ضها.
62
لتحقيق ه��ذه الغاية لغ ًة تحري�ضي ًة مبا�شرةً، تمزج الكتابة ال�سيا�سية بالحالة الإن�سانية التي تفجرُّها وذل��ك من �أج��ل الو�صول �إل��ى نوع من التمازج والترا�ضي بين المو�سيقى والطالقة
اجلوبة � -صيف 1434هـ
�أم ��ا دي��وان��ي الأخ �ي��ر (ال�ك�ت��اب��ة على الماء وال�ط�ي��ن) ال���ص��ادر ف��ي العا�صمة ع� ّم��ان عام 2012م ع��ن ال ��دار الأه�ل�ي��ة للن�شر وال�ت��وزي��ع، فهو يحمل ر�ؤي��ة �شعرية حيّة ،وثقافة معا�صرة
وتجد ُر الإ�شار ُة هنا �إلى �أن اللغة بما تت�ضمنه من بني ٍة �صوتيةٍ ،ومن ن�سيجٍ �سحريٍ مو�سيقيٍ .. ك��ان لها دو ٌر ج��وه��ريٌ في �إي�صال ر�ؤي�ت��ي �إلى القارئ ،وتقديري �أن ال�شاعر الحقيقي يحتاج مناط هذه �إل��ى تملك تام ومطلق للغة ،ولي�س َ الأهمية عندي مناط ًا �شكلياً� ،إذ عن طريق اللغة المتوهجة وعبرها تتنامى الق�صيدة ،وال �شيء غير اللغة ورنينها الدافئ يواجه القارئ ،فيملأ روح��ه وعقله بالده�شة ،ويبعث فيه الإح�سا�س بالجمال �أو الأ�سى الغام�ض ،فنحن نعرف �أنه ال فكرة وال حِ ّ�س من دون لغة �شفافة عميقة وم�شحونة ب��الأل��وان والأ���ص��وات ،و�أن��ا هنا ،ال �أعني �أن الق�صيدة لغ ٌة فقط� ،أو �أن هذه اللغة هي كل ما تحمله الق�صيدة ،فاللغة بحد ذاتها كينونة ،ولكني �أود القول �إن كل ما ت�شتمل عليه الق�صيدة ،وكل عن�صر من عنا�صر ن�سيجها على م�ستوى ال�صورة والإي�ق��اع والتوزيع الب�صري، يكمن هناك ،وراء لغتها. و�أن��ا ُرغ��م �صداقتي الممتدة لل�شعر قارئ ًا وك��ات�ب� ًا ُزه ��اء ع�شرين ع��ام �اً ،م��ا �أزال �أواج��ه الإب��داع بمزيج من القلق وال�ل��ذة ،وحين �أ�صل �إلى جوهر ال�شعر الطاهر النقيّ ،ف�إنني �أ�صلُ �إلى هناك مرهقاً ،مبل ًال برذاذ اللغة ،ومك�سو ًا
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
التعبيرية ،وبين الإح�سا�س والفكرة ،وبين ال�شعر ووظيفته ،بين الفن وغايته؛ وبذلك ا�ستطاعت ق�صائد الديوان المتمردة �أن تعلن ع�صيانها على ال�سائد ال�شعري� ،آنذاك ،و�أن تلقي حجر ًا في الماء ال��راك��د ،و�أن تخترق ح�صون النقاد و�أ�سوارهم المغلقة.
مت�أملة� ،سائحة ف��ي ب�ح��ار المعرفة ،مفتون ًة بالفل�سفة ،مُحب ًة للتاريخ والأنثربولوجيا ،مولع ًة بالأ�ساطير التي هي م�صدر �إغناء مهم لل�شعر؛ �إذ ،عن طريق الثقافة وحدها تنه�ض الق�صيدة وج��ود ًا ح�سي ًا ملمو�ساً ،يمكن لم�سه ،ور�ؤيته، وت�شممه ،ولو �سئلت عن مدى توفيقي في هذا الديوان لقلت �إنني ا�ستطعت فيه �أن �أُ�صفّي لغتي وانفعالي و�أفكاري من كل ف�ضول.
بف�ضائها الغائم ،وحين تنتهي الق�صيدة �أبد�أ ف��ي اكت�شافها م��ن ج��دي��د ،و�أم � � ُّر عليها م��ر ًة بعد �أُخ��رى ،ف�أعي ُد و�أن� ِّق��حُ التفا�صيل ،و�أط��وي �رات وم ��راتْ ،وم��ن ثم ال�صفحات و�أمزقها م� ٍ �أ�ض ُع عليها لم�ستي الأخيرة قبل �أن ترى النور في غدها الذي �سي�أتي. وه��ا �إنني اليوم� ،أجدني قد جرّبتُ �أ�شياء كثيرة ،وا�ستفدت من تجارب ال�شعر العربي والغربي على ح ّد ال�سواء ،من دون �أن �أكون تابع ًا لها ،وخ�ضت في بحار الرمز الذي لم يفارقني حتى الآن ،كما ج� ّرب��تُ المبا�شرة والخطابية الملتهب َة �أحيان ًا �أخرى ،وكتبت �ألوان ًا من ال�شعر الم�شحون بالدالالت والتعابير وال�صور ،وحاولت �ألوان ًا من المعمار في الق�صيدة ،وغرّدتُ خارج ال�سرب ط��وي�لاً ،حتى ��ص��ارت كتابتي عُ ر�ض ًة لتجريب ال ي�ستق ُّر على حال ،وجاهدتُ �سنوات ٍ عديدة حتى �أ�صير �شاعر ًا له مذاقه الخا�ص، وعالمه الخا�ص ،ولكني ما �أزال �أعتقد �أن هناك الكثير مما �أ�ستطيعه ،و�أن تجربتي ال�شعرية لم ت�ستوف تمامها بعد. ِ هذه ،في ما �أظن ،بع�ض المالمح الأ�سا�سية القلقة والحائرة والتي ما تزال عالق ًة في خزائن الذاكرة ،وت�سري في العروق مدجَّ جة بالأ�شواك، هتاف عميق في �إطا ٍر غنائيٍ وما �أزال بحاج ٍة �إلى ٍ حزينٍ مقهور ،حتى ي�صل �صداها من حافة هذا ال�سراب �إلى ت�ضاري�س المكان الم�شتهى. اجلوبة � -صيف 1434هـ
63
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
رحلتي في ال�شعر بدايات الت�شكل والتكون ال�شعري ■ د .يو�سف ح�سن العارف -ال�سعودية
...بين ع�شية و�ضحاها ,وفي �سنٍّ مبكرة حوالي ال�سابعة ع�شر من عمري� .آن��ذاك كنت في ال�صف الثاني من المرحلة الثانوية� ,ألفيتني محا�صراً بال�شعر وال�شاعرية من جهتين ,جهة منزلية ,و�أخرى تعليمية؛ ف�أما الجهة المنزلية ,فقد كان الوالد ال�شيخ (ح�سن محمد العارف) �إمام وخطيب جامع الأمير �سلطان في ال�شهداء ال�شمالية بالطائف ,والطالب بمعهد �آل ال�شيخ العلمي .وخريج مدر�سة القرعاوي الدينيه في جازان ,والمتتلمذ على التراث ال�شعري العربي, والمرتبط حينها بال�شعراء المعا�صرين في اليمن وج���ازان ,وبقية مناطق المملكة العربية ال�سعودية ,والحافظ للمعلقات وكثير من الأ�شعار الجاهلية والإ�سالمية وغيرها من ع�صور ال�شعر العربي القديم حتى الحديث ،يحرك المياه ال�شعرية في داخلي ,وي�ستنبت �أ�شجارها بروحه ال�شاعرة وتجلياته ال�شعرية.
كان المنزل «العارفي» بالطائف ي�شع بال�شعر ,وام��ل��أ ف�����ؤادك ب��ال�����س��رور وعندهـ ــا ومكتبة ال��وال��د العلمية تحتفى بال�شعر وكتبه ��ص��ف ت��ج��د ال��ن��ع��ي��م ب��خ��ل��ده ال��م��ت��را� ِ ودواوينه .كان الوالد يكتب ال�شعر ويقر�أه علينا،
وتدور مناق�شات وم�ساجالت �شعرية ,كان الوالد وام���دد خطاك على ال��وه��اد مطوفاً ب���ال���ط���رف ف����ي ب���ل���د زه�����ا ل��ل��وا���ص��ف ي�شجعني على حفظ ال�شعر ومحاولة كتابته، ويقوم هو بالتقويم والت�صحيح العرو�ضي. ف��ال��رو���ض فيه ــا كا�سي ـ ـاً �أغ�صانـ ــه ومن �شعر الوالد الذي �أذكره ق�صيدة طويلة خ�����ض��ر ال��ح��ي��اة ب���زه���ره ال��م��ت���آل��ـ��ـ��ـ��ـ��ف
عن الطائف يقول فيها:
�إلخ الن�ص الجميل..
�أن���ظ���ر ب��ع��ي��ن��ك م��ع��ج��ب��ـ��ـ��اً بلط ــائــف ف����ي ج����و ه����ادئ����ة ال���غ���ي���وم ال��ط��ائ��ف ال�����س��ج��ن ل���و ك����ان رو������ض ك��ل��ه ثمر وام��ن��ح ���س��م��اع��ك ن��غ��م��ة م��ن طيرها م���ن ح��ب��ه ف���ي ���س��ح��ب��ه��ا ال���م���ت���رادف ل��ق��ل��ت ن������اراً ومَ�����ن ل��ل��ن��ار ي�����ش��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��اق وق�صيدة عن ال�سجن يقول فيها:
64
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ب���ك���ت ب����ه ال���ع���ي���ن ل����و دم���ع���ات���ه���ا درر �أب���ح���ت���ه���ا ل��ل��ب��ك��ا وال����دم����ع ���س��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اق م���ا ك����ان ����ش���وق���اً ول���ك���ن ك��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه ق��در وال ي������رد م��������رور الأم���������ر ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ذاق ع��ل��ى و���س��ادي كتبت ال�شعر مبتكراً ل��ي��ب��ل��غ ال��ن��ا���س ���ش��ع��ري �أي��ن��م��ا الق���وا ***
�إلى �أن يقول:
ي��ا ح�����س��رة ال��ل��ي��ث ق��د �أل���ق���اه حاب�سه ب��ي��ن ال�����س�لا���س��ل �أق���ي���اد و�أط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��واق والطير في قف�ص القنا�ص ي�ؤلمه ه��ب ال�صبا �إذ بجنح الطير �أ���ش��واق ***
و�أما الجهة التعليمية ،فمدر�سة دار التوحيد الثانوية بالطائف ,حيث فطاحلة المعلمين العرب وال�سعوديين ,وحيث المنا�شط الأدبية والثقافية وال�شعرية خا�صة ,وحيث المناهج والمقررات الدرا�سية الأدبية واللغوية� .أذكر في تلك الفترة الأ�ستاذ الفل�سطيني ب�سام �سالمة،
�أ�ستاذ الأدب والن�صو�ص ،وال�شاعر المبدع الذي حر�ص على تحفيظنا ال�شعر ,و�شجعنا على كتابته .كما �أذكر مدر�س النحو الأ�ستاذمحمد ال�صباغ وكتاب �شرح ابن عقيل ,و�ألفية ابن مالك الذي كان لنا زاد ًا �شعري ًا ومعرفي ًا تتلمذنا عليه وا�ستفدنا منه في التكوين والت�شكيل ال�شعري ل�شخ�صيتنا ال�شعرية. ومن هذين الم�صدرين/الجهتين انفتحت على ال�شعر ق��راءة وحفظاً ،وم��ن ث��م محاولة التقليد كتابة ون�صو�ص ًا وق�صائد بدائية!! وك ��ان ال��راف��د والم�شجع الحقيقي – في المرحلة الأولى – رفيق الدرب وزميل الدرا�سة الزميل �صالح الخمري ال��ذي تتلمذ على ما تتلمذت عليه ،وك��ان مثلي ..ل��ه روح �شاعرة، فالتقت الروحان ،وكتبتا ال�شعر في تلك المرحلة المبكرة من حياتنا. و�أعتقد �أن هذه المرحلة من عمري ال�شعري، وع�م��ري الدرا�سي– المرحلة الثانوية– هي المرحلة الأولية من التكوين والت�شكّل ال�شعري، وكان منجزه الذي ال �أزال �أحتفظ به هو م�سودة ال��دي��وان الأول المخطوط بيدي بعنوان :من اجلوبة � -صيف 1434هـ
65
اجلوبة � -صيف 1434هـ
اجلوبة � -صيف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
66
الإن �ت��اج الفكري ف��ي ال�شعر الع�صري �أو �سر الواليف �شعر ابن العارف. و�أذكر في م�سوّدة �أخرى للديوان المخطوط كان العنوان الفرعي «المعارف البن العارف» والأزاهير ،و�أعتقد �أني �أطلعت �أحد زمالئي في دار التوحيد – �آنذاك – وا�سمه م�سفر المالكي، فكتب لي مالحظة فيها ت�شجيع وتثبيط في الآن نف�سه! وعلى �أية حال ،لم �أ�ستمع لن�صيحته ،ووا�صلت الكتابة ال�شعرية التي �أ�سميها الآن (بدائية)، ولكنها تمثل خطوة �أولية على طريق ال�شعر .وقد كانت الوقود لما يليها من مراحل!! �أم ��ا ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان�ي��ة م��ن ت�ل��ك ال�ب��داي��ات التكوينية والت�شكّل ال�شعري ،فهي �أثناء الدرا�سة الجامعية (� ,)97/96 -94/93إذ التحقت بكلية ال�شريعة بمكة المكرمة ،في ق�سم التاريخ والح�ضارة الإ�سالمية .وكان من حظي �أن �أتتلمذ في حقول اللغة العربية و�آداب �ه��ا على قامات �سامقة في الم�شهد الثقافي واللغوي ال�سعودي والعربي ,فكان من معلمي تلك المرحلة الأ�ستاذ الدكتور نا�صر الر�شيد( )1الذي عر�ضت عليه �أحد الن�صو�ص ال�شعرية للإطالع عليه وتمحي�صه وتقويمه للن�شر في مجلة ندوة الطالب بالكلية, وقد �أعجب به وعدَّل عليه و�شجعني على ن�شره؛ فكان ذلك �أول ن�ص �شعري لي ين�شر في المجلة المذكورة في عددها ال�ساد�س ع��ام 1396ه �ـ. وكان مطلعه قد كتب في �إحدى �صفحات كتاب (قطر الندى وبل ال�صدى) ،الذي كان مقرر ًا علينا في مادة اللغة العربية �آنذاك. ومن الذين �أثروا ثقافتنا ال�شعرية والأدبية، الأ�ساتذة الذين كنا تتلقى الأدب والن�صو�ص على
�أيديهم� ،أو ن�ستمع �إلى ندواتهم ومحا�ضراتهم الأدبية في الكلية وهم :د .عبدالب�صير عبداهلل ح�سين ،ود .محمد ها�شم ع�ب��دال��دائ��م ،ود. عبدال�صبور م���رزوق ,ومنهم تعلمت �سمات ال�شعرية والن�ص ال�شعري؛ فكان زاد ًا معرفي ًا �أثرى تجربتي ال�شعرية في �صورتها الأولية. وك ��ان م��ن ن�ت��اج ه��ذه المرحلة الكثير من الق�صائد والن�صو�ص التي �شكلت م�سودة الديوان الثاني المخطوط بيدي �أي�ض ًا وعنونته «النف�س ال�ح��زي��ن» ،بعد �إ��ض��اف��ة الكثير م��ن الق�صائد الجديدة من المرحلة التكوينية الثالثة ,والتي كانت في �سنوات ما بعد الجامعة ،فقد عملت معلم ًا في ج��دة منذ 1397ه��ـ .وهنا تتفتح لي �أبواب الثقافة الجديدة التي لم �أكن �أعرفها في بدايات الت�شكل والتكون ال�شعري .فال�صحافة والإذاعة والمجالت والمكتبات العامة وغيرها, لكن الأب��رز والأه��م ن��ادي جدة الثقافي الأدب��ي الذي كان معلم ًا ثقافي ًا بارز ًا �أنذاك. في هذه المرحلة ،بد�أت �أتفاعل مع ال�صفحات والمالحق الثقافية في كل من عكاظ والمدينة والندوة ومجلة اقر�أ والريا�ض والجزيرةً ،و�أر�سل لهم بع�ض الإنتاج ال�شعري فيتم ن�شره وت�سويقه, وهنا تنامت تجربتي ال�شعرية ن�م��و ًا وا�ضح ًا وحقيقياً. في هذه الفترة كانت �صرعة الحداثة بد�أت تطل بر�أ�سها على الم�شهد الثقافي ،وكنت �شاهد ع�صر �أتمنى �أن �أُف��رد لها �سياق ًا كتابي ًا �آخر. المهم �أن �صراع الحداثة ال�شعرية كان محفز ًا وداعم ًا لكل تطورات الن�ص ال�شعري في تجربتي ال�شعرية ,فبعد المدر�سة التقليدية والق�صيدة الكال�سيكية ال�ت��ي كنت �أكتبها ،تحوّلت �إل��ى ق�صيدة التفعيلة والنثر وربما الحداثوية.
ف��ي ه��ذه المرحلة ب��د�أت التفكير ف��ي طبع بو حيمد ،وفيها �ألقيت ن�ص ًا عمودي ًا عن الفيوم �أول دواوي� �ن ��ي ال���ش�ع��ري��ة ،ف��راج �ع��ت م���س��ودة و�أهلها الق��ت ا�ستح�سان الح�ضور من الإخ��وة (النف�س ال �ح��زي��ن) ،و�أ��ض�ف��ت �إل�ي�ه��ا تجارب الم�صريين. جديدة ،و�أر�سلته �إلى نادي جازان الأدبي �أيام *** رئا�سة ال�شاعر المبدع محمد علي ال�سنو�سي ومما زاد تجربتي ال�شعرية ن�ضج ًا و�إعالماً، (رحمه اهلل) ,ولكن الم�شيئة الربانية لم تتح لهذا الم�شروع �أن ي��رى النور طباعة ون�شراً ,الن�شر ال�صحفي ،ومن خالل الدوريات المحلية فقد �أر��س��ل ال�ن��ادي ر�سالة موقعة م��ن رئي�سه والخليجية ,فقد ن�شرت �أغلب ن�صو�صي ال�شعرية ف��ي 1406/7/30ه� � � �ـ ب��االع �ت��ذار ع��ن الن�شر التي ت�شكلت منها دواوي�ن��ي فيما بعد ،في كل (و�إع��ادة النظر في الق�صائد من حيث ال�شكل ال�صحف والمالحق الثقافية ال�سعودية منذ العام 1403ه��ـ ,فاحت�ضنت �أ�شعاري �صحيفة عكاظ والم�ضمون.).. وملحقها الثقافي ،وملحق الأرب �ع��اء بجريدة وفي هذه المرحلة دعيت للم�شاركة في �أول المدينة ،والملحق الأ�سبوعي بجريدة الريا�ض. �أم�سياتي ال�شعرية المنبرية من قبل نادي �أبها و�صحيفتي البالد والندوة .ومن خاللها عرفني الأدب ��ي ،وك (��)2ان معي ال�شاعر ال�سعودي محمد ال�ن�ق��اد ودار� �س��و الأدب و�أ� �س��ات��ذة الجامعات ال �ع �م��ري )3(،وال���ش��اع��ر الم�صري عبدالملك المتخ�ص�صون في النقد الأكاديمي ،ف�أخ�ضعوا عبدالرحيم � .أذكر �أن هذه الأم�سية �أقيمت في ك�ث�ي��ر ًا م��ن ن�صو�صي ال�شعرية للمداخالت متنزه �أبي خيال الجبلي ،وكان الح�ضور كثيراً ،وال�م�ق��ارب��ات ال�ن�ق��دي��ة ،وط��ال�ب��وا بجمعها في وب�إ�شراف �أع�ضاء النادي ،ويتقدمهم الأدي��ب دواوين ت�سهي ًال للقراء والباحثين ،وا�ستفاد منها محمد الحميد ،والناقد �صالح زياد ،وال�شاعر بع�ض دار�سي الدكتوراه والماج�ستير في بحوثهم ح�سين النجمي ،والناقد علي التمني وغيرهم العلمية ،وكانت �إ�صداراتي ال�شعرية تتوالى على كثير. النحو التالي: ثم انفتح المجال بعد ذل��ك في م�شاركات 1415هـ ديوان (الرمل ذاكرة والريح �أ�سئلة). منبرية داخ�ل�ي��ة م��ن خ�لال الأن��دي��ة الأدب �ي��ة1421 ,هـ ديوان (ومن المحبة تنبت الأ�شجار). والجامعات ال�سعودية ,وال�صالونات الثقافية1426 ،هـ ديوان (كلما وق�صائد �أخرى). وم �� �ش��ارك��ات خ��ارج �ي��ة م��ن خ�ل�ال الأ� �س��اب �ي��ع 1427هـ ديوان (كلما (طبعة ثانية). الثقافية ال�سعودية التي كانت تقوم بها وزارة 1429هـ ديوان (وعند ال�صباح ال يحمد القوم الثقافة والإع�ل�ام ،وك��ان �آخ��ره��ا في الأ�سبوع ال�سرى). الثقافي ال�سعودي بجمهورية م�صر العربية1431 ،هـ دي� � ��وان (ع� �ط ��ر ال �ق �� �ص �ي��د و��ص�ح��و وكانت �أم�سيتنا ال�شعرية التي ا�شتركت فيها في المفردات). المركز الثقافي بمدينة الفيوم م�ساء الثالثاء 1431هـ ديوان (وطني ع�شقتك مجداً ..حملتك 21نوفمبر 2006م الموافق 1427/10/30ه��ـ وجداً). مع كل من ال�شاعر �أحمد البوق وال�شاعرة �سارة 1433هـ ديوان (�أنا�شيد من بينانج).
67
بقي �أن �أق��ول �إنني �سعيد بهذه التجربة ال�شعرية الجميلة منذ بداياتها وتناميها ثم ن�ضجها والتجديد فيها .والبناء عليها لغد �شعري نا�صع وجميل .فال�شعر بوابتي �إلى الحياة والكون والإن�سان,
•الناقد ح�سين بافقيه :ذهنية المنا�سبة ,قراءة في ديوان «ومن المحبة تنبت الأ�شجار».
ف�إن هذه ال�سيرة والم�سيرة ال�شعرية المكتوبة من قبل �صاحبها ،فيها الكثير من الذاتية والأنا، والقليل من المو�ضوعية والحيادية ،ولكنها تجربة قلتها وكتبتها كما ع�شتها ..ولكن ما يقوله القارئ والناقد عنها هما محط غايتي ومنتهى �أملي؛ فكل ما قدمته �شعري ًا �أ�صبح ملك القارئ وهو الذي يحكم له �أو يرد عليه ،وما �أنا اال �شاعر – كما قال نزار قباني:
•ال�ن��اق��د ال���س��وري جميل ال �ع �ب��داهلل ,ق ��راءة ف��ي مجموعة الق�صائد المن�شورة في عكاظ 1404هـ. •الناقد اليمني عبداهلل زيد �صالح :عن ديوان «وعند ال�صباح ال يحمد القوم ال�سرى». •الناقد ال�سعودي �صالح الح�سيني عن الديوان ال�سابق. �أما الدرا�سات النقدية لمجوعة دواويني ال�شعرية فمنها: •درا�سة الناقد ال�سوري ح�سين المكتبي ،بعنوان« :المعذب في �شعر يو�سف العارف». •درا�سة لل�شاعرة مي�سون النوباني ،بعنوان« :المدينة وروح ال�شاعر».
68
•(كتاب مطبوع) بعنوان« :بواعث االغتراب وجموح التكوين.. درا�سة نقدية في �شعر يو�سف ال�ع��ارف»� .صدر عن نادي الق�صيم الأدبي عام 1432هـ. كل هذه الدرا�سات والأبحاث والمقاالت ال�صحفية �أ�سهمت في �إثراء التجربة ,والداللة على مكامن الخلل ،ف�أفدت منها وطورت �أدواتي ال�شعرية� .أنا مدين لكل من قر�أني و�أ�شار �إلى �شيء من الجمال ال�شعري في م�سيرتي ال�شعرية ,ومدين �أي�ض ًا لكل من قر�أني و�أبان خط�أ �أو خل ًال في الق�صيدة� ،أو قدم ر�ؤية تقويمية لمجمل �أو بع�ض نتاجي ال�شعري؛ فمنهم �أفيد ،فلي�س عــنـــدي كبير في ال�شعر وال �صغير �أي�ض ًا – كما قال المبدع عبداهلل ال�صيخان في �شهادته ال�شعرية التي قدّم بها لديوانه الجديد «الغناء على �أب��واب تيماء» ،وال بد من قبول ال��ر�أي اجلوبة � -صيف 1434هـ
«���������ش��������ع��������رت ب�������������ش������ئ ف�������ك�������ون�������ت �����ش����ي����ئ����اً ف������ي������ا ق���������ارئ���������ي ي���������ا رف�������ي�������ق ال�����ط�����ري�����ق ����������س����������أل���������ت���������ك ب�����������������اهلل ك�������������ن ن�������اع�������م�������اً �إذا ق������ي������ل ع������ن������ي �أح���������������س�������ن ك����ف����ان����ي
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
وق��د حظيت �أغلب ه��ذه الإ� �ص��دارات متفرقة �أو مجتمعة بتغطيات ومقاالت �صحفية ،ودرا�سات نقدية وحوارات ثقافية �أذكر منها: •ال�ك��ات��ب ع�ب��دال��واح��د الحميد :تعريف ب��دي��وان��ي «ال��رم��ل ذاكرة»..
الآخر مهما كان جارح ًا ففيه مكامن التغيير والتح�سين والتطوير وتعديل البو�صلة وخارطة الطريق!!
ب�������ع�������ف�������وي�������ة دون �أن �أق�����������������ص��������دا �أن��������������ا ال�����������ش�����ف�����ت�����ان و�أن�����������������ت ال�����������ص�����دى �إذا م���������ا ������ض�����م�����م�����ت ح���������روف���������ي غ������دا وال �أط���������ل���������ب ال�������������ش������اع������ر ال������ج������ي������دا»
***
و�أعتقد �أنني بعد هذه ال�سنوات ال�شعرية ،و�صلت �إلى مرحلة الإ�ستقرار ،واال�ستواء �إن لم يكن االنتهاء.. و�أخ�شى �أن تكون (ال�ستين) التي بلغتها – بداية الم�شوار لألقي ع�صا الترحال ال�شعرية ومغادرة الم�شهد ال�شعري �إال من الزهديات والربانيات الروحية والتعبدية ي�ستنطقها ذلك ال�شعر الجميل!!
( )1هو الدكتور نا�صر بن �سعد الر�شيد (�شاعر وناقد متمكن) ،عمل في كلية ال�شريعة بمكة حتى عام 1402هـ ثم انتقل �إلى جامعة الملك �سعود بالريا�ض. (� )2شاعر �سعودي ،ومذيع المع ،متخ�ص�ص في الفيزياء النووية وله ديوانان �شعريان. (� )3أحد مذيعي �إذاعة الريا�ض. . اجلوبة � -صيف 1434هـ
69
لل�شاعر ال�سعودي عبدالكريم النملة قراءة في الوجدانيات ومجابهة الذات ■ د� .إبراهيم الدهون -جامعة اجلوف*
تُطل علينا مجموعة �شعريّة بعنوان�( :أيام ال تذبل فيها ال��ورود) ك�سابع �إنجاز �أدبي لل�شّ اعر ال�سّ عودي عبدالكريم النملة ،ال�صادرة عن دار �أزمنة للن�شر والتّوزيع في عمّان، 2013م. ي��ق��ع ال���� ّدي����وان ف���ي م��ئ��ة و���س��ت��ي��ن ���ص��ف��ح��ة م���ن القطع المتو�سط ،وي�ضم ( )21ن�صّ اً �شعر ّياً ،يطرح فيه النملة- غالباً -وجدانياته الذاتيّة ،ونماذج من �سيرته الإن�سانيّة، التي تتج�سّ د بم�شاهد الطفولة ،وطقو�س مدينته الوادعة. و�إذا ك��ان في دي��وان ال�شّ اعر من الهفوات اللّغويّة ،والتّراكيب الركيكة ،والجمل ال�شّ عريّة ال�سّ طحيّة �-أحياناً -ف�إ ّن ذلك ال يقلل من قيمة الم�ضمون الدّاللي والغر�ضي للعمل الأدبي. وم��ن ه�ن��ا ،نجد النملة م ��أزوم � ًا ب��ر�ؤي��ا المفكّر الحالم بالإ�صالح والأمل بالخروج م��ن واق� ��ع ت��رك��ن ف �ي��ه م �ت��اه��ات ال�ت�خ� ّل��ف وال�ضياع� ،إنّه العذاب المرير الذي يتجرعه ّ ال���ّ�ش��اع��ر م��ن خ�ل�ال ن�صو�صه ال����شّ �ع��ر ّي��ة ال��طّ ��اف�ح��ة ب��الأب �ع��اد ال �دّالل � ّي��ة الم�شرقة، والتّراكيب الراف�ضة للعي�ش في �أتون التيه واالنحالل� ،إذ يقول: 70
اجلوبة � -صيف 1434هـ
يا نف�س مالك ت�ألمين تتوج�سين تتوقدين كجمر الحنين ترجين عمراً قد �أفل خلف تالل ال�سّ نين �إنَّ الأل��م ال��ذي ي�ست�شعره النملة ،يبعث
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
«�أيام ال تذبل فيها الورود»
فينا الأمل الم�شحون بهاج�س القلق والخوف من الواقع الراهن؛ لذلك ،فزع ال�شّ اعر �إلى نف�سه، باحث ًا عن ب�صي�ص �أم��ل ينقله من �أت��ون الأ�سى والمعاناة �إل��ى �أ�صقاع ال��وع��ي الحقيقي للذات الإن�سانيّة. ولع ّل تمركز النملة في ب�ؤرة التفا�ؤل يقودنا �إلى القول� :إنَّ �سيطرة براثن االنك�سار وال�سقوط كانا دافع ًا لرف�ض عنا�صر وج��ذور الف�شل والخذالن، فيقول ق�صيدة بعنوان�( :أمنية):
في الحلم �ست�سرح في عيني عينيك �س�أطفو في بحر خيالك �س�أمحو عن ج�سدي الأحزان �س�أغزل طق�ساً من �شوقك في الحلم
وممّا ال �شك فيه �أنّ (�أيام ال تذبل فيها الورود) ع�ن��وان رم��زي يطفح ب��الأب�ع��اد ال �دّالل � ّي��ة ،يمتح فيه �صاحبه من واقع عميق ،وي�ضرب في �أبعاد �إنّ التنوّع ال�شّ كلي الملحوظ في تجربة النملة� ،إن�سانيّة واجتماعيّة متباينة. وارتقاء م�ضامينه ال�شّ عريّة ،بالخروج من الدّائرة وثمّة ما يلفت انتباه القارئ لخطاب النملة الذاتيّة وال��وج��دان� ّي��ة ،دالل��ة �أك�ي��دة على ح�ضور ال�شّ عري ،يتجلّى في معانقة الحا�ضر للما�ضي، الأبعاد الإن�سانيّة في الذات ال�شّ اعرة المتنامية ،ويتج�سّ د ذلك في ق�صيدة جاء عنوانها خطاب ًا والملتهبة ،ومن هنا �أ�صبحت (الأن��ا) ال�شّ اعرة مبا�شر ًا للأب�( :أبي) ،حيث يقول: على �أنّها (الأن��ا) الإن�سانيّة الكونيّة ،النّاطقة �أبي بالم�شروعيات الكثيرة للمجتمع. �أفق يا �أبي فالنملة ما يزال �شديد الإيمان بفاعلية ال�شّ عر �أطلت المكوث للو�صول نحو الهدف ،وما يزال يرى �أ ّن��ه الأمثل ثالثون عاماً لأداء ع��ذاب��ات ال���ذات ،وتج�سيد م�ع��ان��اة الأن��ا جرعتنا الحا�ضرة. بها من غيابك لهذا ،مَ ن يمعن في منجزه ال�شّ عري ..يلحظ طعم ال�شقاء �أنّ ن�صو�صه ال����شّ �ع��ر ّي��ة تتمو�ضع وت�ب�ح��ث عن �أفقْ يا �أبي منافذ عميقة للخروج من م�آزق الظالم وال�سّ واد فبعدك المعي�ش. ما لل�صباح �صباح
اجلوبة � -صيف 1434هـ 71
�آه ،و�شكواي من لحظة راع�شة تدوي في دمي ك�صل�صالت مُدى نا�شية كريح �صر�صر عاتية �آه ،و�شكواي من دروب تائهة تجتاز �أ�سوار �أيامي خاتلة
يحيلنا الم�شهد ال�شِّ عري ال�سّ ابق �إلى ثنائية: (الي�أ�س ،والأم��ل) ،والتي تعد من �أهم المحاور ن�صه ال�شّ عري، التي ا�ستند عليها ال�شّ اعر في بناء ّ كما تجلّت ثنائية( :الحياة -الموت)( ،الفرح الحزن)( ،النماء الجفاف)( ،الأمان الخوف)، (القرب البعد). وعليه ،ف�إنّ ال�شَّ اعر يك�شف عن حاالت فكريّة و�شعوريّة ونف�سيّة متباينة ومتعددة في تناوله لثنائية( :الي�أ�س ،والأمل) ،وهذا يتج�سّ د في معظم ق�صائده ،والذي يتبدّى من خاللها �صراع ًا �ضاري ًا بين عن�صري (الي�أ�س-الأمل) ،ويكون التنامي اللّغوي للق�صيدة قائم ًا على المناف�سة بينهما . * �أكاديمي وناقد من الأردن -جامعة الجوف.
72
اجلوبة � -صيف 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ي�ستثمر ال�شَّ اعر الما�ضي ويوظّ فه لإ�شعال ج ��ذوة ال�ح��ا��ض��ر ،ليك�شف ��ش�ك��واه م��ن الحياة و�إح�سا�سه بثقل الوجود ،في�شكّل الأب عند النملة المنقذ ،والم�ساعد لبث عنا�صر الأمل والنجاة من المرحلة البائ�سة. ويوا�صل النملة ت�ألّمه وتهوامه مت�سائ ًال عن دور الإن�سان في هذا الوجود ،ومنكفي ًا �إلى ذاته طوراً، حتّى ي�سمو بنف�سه ف��وق دن�س الدّنيا و�أهلها.. في رحلة ا�ست�شرافية يحدوها الطهر والنّقاء، والتجرّد من بذور التقهقر ،ومن ذلك قوله:
فتارة يعلو الي�أ�س في خاتمة الق�صيدة ،وتارة يخفت الأمل .هذا �إ�ضافة �إلى �أنَّ ق�صائد الدّيوان ال�صراع بين القطبين الأخرى ال نلم�س فيها هذا ّ المتناق�ضين المذكورين� .أي �إن�ن��ا �أم��ام حالة فريدة ،ومتجذّرة قائمة على �أ�سا�س الي�أ�س القابع في ك ّل �شيء وفي ك ّل مكان� ،أو على �أ�سا�س الأمل الواثق والأكيد ،الأمل بانت�صار الحلم والإن�سان والخير . وتتباين طرائق ال�شّ اعر التّعبيريّة عن تلكم ال � � �دّالالت ،ف �م��رة ي�ع� ّب��ر ع��ن ه��ذي��ن القطبين ال�م�ت�ن��اف��ري��ن ب�شكل وا� �ض��ح وم �ب��ا� �ش��ر ،ف�ن�ق��ر�أ مفردتي( :الي�أ�س والأمل) ب�شكل �صارخ ال يتطلب ال ّت�أويل �أو البحث �أو الجهد ،نحو ق�صائد( :عن نف�سي �أبحث ،رم��اد نجمة بائ�سة ،رث��اء) ،ومرّة نقر�أ مفردات رديفة �أو قريبة ت��دلّ على الي�أ�س �أو الأمل ،نحو ق�صائد�( :سفر عبر �أروقة الليل، ا�شتعاالت ال�سّ واد.)...، �أخ �ي��راً ،ل��م تكن ه��ذه المجموعة ال�شّ عريّة لل�شّ اعر ه��ي الأول� ��ى ،ب��ل ل��ه مجموعات �أخ��رى �سابقة عليها ،لذلك خرج الدّار�س بعد قراءتها، �أنَّ ال�شّ اعر بد�أ مجدد ًا في �شكل الق�صيدة ،فهو متحرر �إلى حد ما من النّمط التقليدي للق�صيدة العربيّة ،و�شمل ه��ذا التّجديد معظم ق�صائد الدّيوان. وعليه ،فقد ام�ت��ازت لغة النملة بال�شفافية والو�ضوح ،فهي بعيدة عن لغة الغمو�ض والتّهويم ال�صور والتّعابير اللّفظيّة ،فمفرداته نا�صعة في ّ وا�ضحة ال غمو�ض فيها ،وت�صوّر �أفكاره وم�شاعره ب�أ�سلوب �أقرب فيه �إلى التّ�صريح المليح منه �إلى التلميح ،وه��ذا ي�شير �إل��ى �أنَّ ال�شّ اعر ذو منهج تعبيري �سل�س ،وقامو�سه ال�شِّ عري ال يحتاج �إلى كد ذهني وبحث في معاني اللّغة البعيدة.
اعترافات ربيع جابر ■ ه�شام بن�شاوي*
االعترافات كعنوان مخاتل ،قد يحيل على المغامرات العاطفية بمتعها الح�سيّة ك�أبهى ت��ج�� ٍّل لالحتفاء بالحياة ومباهجها �أو الخطايا ،لكن ال��ق��ارئ ال���ذي يع�شق العناوين المثيرة� ،سيخيب �أم��ل��ه ،لأن��ه ل��ن يجد ف��ي «اع��ت��راف��ات» ربيع غير الحرب والدمار والخراب والمفقودين والمعطوبين والقتلى .ففي مثل هذا المناخ ،كيف يمكن للكاتب االحتفاء بالحياة �أو ممار�ستها ب�شكل طبيعي؟ �إنها الحرب الأهلية! يقدم ربيع جابر في روايته مقاربة نف�سية ل�شخو�ص عانت من ويالت الحرب ،مثل الأب والأخ الأكبر «�إيليا» اللذين يعي�شان حياتين.. حياة ال��داخ��ل وحياة ال�خ��ارج ،الأول��ى تت�سم بالق�سوة والبط�ش واالختطاف ،والتي فر�ضت عليهما خ��ارج �أ��س��وار البيت؛ والأخ��رى حياة دافئة بحميمية عالقات الأ�سرة؛ كما يتجلى ف��ي تعنيف «�إي�ل�ي��ا» لأخ��وات��ه واعتنائه ب�أمه العليلة ،ك�أنها ابنته �أو ك�أنما لم تنجب غيره.. و�صدمة ال�سارد /الطفل الذي وجد نف�سه يحل محل �صبي �آخر ،في الأ�سرة ،والأب الذي بين ع�شية و�ضحاها تحوّل �إلى �شخ�ص �آخر ،بعد عثوره على جثة ابنه ال�صغير «مارون» مرمية في ال�شارع ،ف�صار يعتر�ض �سبيل ال�سيارات،
وي�ط�ل��ق ال��ر��ص��ا���ص ع�ن��د ال �ح��واج��ز ...لكنه منع رفيقه من قتل «م��ارون» ال�صغير الذي �سيتبناه ،وهو ي��راه يغادر ال�سيارة كطفل تم �إيقاظه وهو ال ي��زال في حاجة �إل��ى النوم... ثم ين�سحب من القتل والوح�شية ،وتتفاقم عزلته ،ويزداد ابتعادا عن �أ�سرته ،بعد موت الأم/ال��زوج��ة ،ويتحول -ف �ج ��أة� -إل��ى م��ربّ لع�صافير الكناري( ..الع�صافير عامة ،ترمز للرقة والجمال والعمر الق�صير �أي�ضا ،بيد �أن ع�صافير الكناري تمثل قمة البهاء ب�ألوانها وزقزقتها الخالبة) ،ويخيل �إلينا �أن الكاتب اختارها معادال جماليا ،للحياة ..هذه النعمة الربانية التي ال تقل بهاء وعذوبة عن ع�صافير الكناري ،فنرى الأب يخاف عليها من �صوت
اجلوبة � -صيف 1434هـ 73
�أما «مارون» ،فعند معرفته ال �ح �ق �ي �ق��ة ،ت �ن �ق �ل��ب ح�ي��ات��ه �إل ��ى م �ن��ام��ات ،ا��س�ت��ذك��ارات ومحاولة للبحث عن الحقيقة، ودون ج��دوى ..ورغ��م انتهاء الحرب الأهلية ،ظل الجرح الداخلي نازفا ،ولم ي�ستطع �أن يمار�س حياته ب�شكل طبيعي، كزمالئه في الجامعة �أو من ف��ي ال �� �ش��ارع ..ف� ��الأب ال��ذي تبناه و�أن�ق��ذه هو نف�سه قاتل �أ�سرته ،وت�سيطر عليه ذكرى نجاته من حادث اغتيال �أ�سرته ،ويحاول �أن يتذكر ا�سمه الأول ،لكن عبثا .هكذا وج��د نف�سه يعي�ش حياة لم يخترها ..ك�أي مواطن لبناني عانى الحرب الأهلية ،وال�ع��دو -هنا -لي�س �سوى الأخ والجار، والدمار ال يطال العمران والأج�ساد فقط ،بل يعطب الأرواح �أي�ضا ،حتى لو كانت العاهة غير مرئية ،وال مح�سو�سة ،وهذا هو الأب�شع ..هذا الدمار انعك�س على معمار ال��رواي��ة ،فالقارئ يح�س ب�أنها �أ�شبه بمزق ،وك�أن الكاتب غير معني بالحبكة والحكاية والتفا�صيل ..لأن الذاكرة مخاتلة ،ما يجعل البناء تح�س ب�أن الفني �أ�شبه ببيت العنكبوت؛ تجعلك ّ الأحداث ال تتقدم ،بل تتراجع �إلى الخلف ،ما يحتّم عليك �أن تكون ف��ي منتهى اليقظة لتجميع مزق الحكايات وال��ذك��ري��ات التي تلغي بع�ضها بع�ضا، بتراكماتها الطبقية في الذاكرة ،فقد حاول تذكر تفا�صيل م��ا قبل ال �ح��ادث وم��ا ب�ع��ده ،وف�شل .لم ي�ستطع �أن يفعل مثل والد �صديقته «كري�ستين» حين فقد ذاكرته ،ون�سي ا�سمه وهو في الغابة ،فاتجه نحو �ضوء القرية وطرق �أول باب ،و�س�أل العجوز هل * كاتب من المغرب.
74
اجلوبة � -صيف 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الق�صف و�أزيز الر�صا�ص).
عرفته وما ا�سمه.. �شرع مع �صديقه «�أنطوان» ف���ي ال��ب��ح��ث ف���ي �أر���ش��ي��ف الجرائد عن ال�سيارات التي احترقت ،و�صور المفقودين، ل�ك��ن ي���ص��دم ب� ��أن ال�م�ل�ف��ات �ضاعت �أو احترقت ،وي�ستغرب كيف �أنه يحفظ �أدق التفا�صيل و�أت��ف��ه��ه��ا ،وي �ن �� �س��ى ا��س�م��ه ال �ق��دي��م .وع �ب��ر ت�ضاعيف ال ��رواي ��ة ي �ت��داخ��ل � �ص��وت��ان، �صوت «�إيليا» في حديثه �إلى «م��ارون»� ،أو لنقل اعترافاته ،و«م��ارون» في نجواه وب��وح��ه لنف�سه/للقارئ ،ث��م حديثه �إل��ى الكاتب نف�سه /ربيع جابر�« :إذا كتبت يوما حياتي في كتاب يا ربيع� ،أرجو �أن تبد�أ ق�صتي بهذه الجملة :قو�صوني على خط التما�س الذي يقطع بيروت ن�صفين �سنة 1976م ،و�أبي حملني و�أخذني �إلى بيته». الحرب هنا عك�س تلك التي كتب عنها �أدب��اء ال�ستينيات� ،إن�ه��ا ب��ر�ؤي��ة قاتمة ج��دا ..لأن العدو داخلي ،كما �أ�شرنا �سابقا� .أي�ضا هي بر�ؤية �شاب عاي�ش فظاعات ال�ح��رب الأه�ل�ي��ة ،التي تزامنت بداياتها مع طفولته ،فهيمنت على تفكيره ونتاجه الأدب��ي؛ لذا لن ن�صدم بالن�ص القاتم الموغل في ال���س��وداوي��ة ،ب��ل «االع �ت��راف��ات» تدفع ال�ق��ارئ �إل��ى التعاطف مع بلد �أنهكته الحروب .ورغم ذلك حاول ربيع جابر �أن يمنح بع�ض التفا�ؤل لروح بطل روايته، ودفعه �إلى اال�ستمتاع بالحياة ،كما لو كانت قطعة حلوى كبيرة».
مفاهيم معا�صرة لأدب الأطفال ■ حممد علي قد�س*
ا�ستهاللة
الربط بين الأدب والتربية له دالالته وعالماته في حياة الإن�سان وتعليمه؛ ذلك لأن �أ�صول التربية و�أهدافها تعتمد اعتمادا كليا في مناهجها على ما ي�ؤثر في الإرتقاء بم�ستوى التفكير والعقل ،ورف��ع م�ستوى الثقافة والفكر ل��دى الإن�سان؛ وم��ن هنا، جاءت �ضرورة االهتمام بثقافة الطفل �ضمن مناهج التربية. و�أدب الأطفال له �أ�ساليبه ومفاهيمه ،وله كذلك متخ�ص�صوه .و�إذا كانت الكتابة لعقول الكبار تحتاج �إلى مهارات �إبداعية وفكرية ،ف�إن الكتابة لعقول ال�صغار �أكثر �أهمية وتعقيدا؛ فلي�س من ال�سهل تقديم مادة �أدبية �أو فكرية يمكن �أن يتقبلها الطفل، ما لم تكن اللغة �سهلة ،والعبارة وا�ضحة ،والأ�سلوب فيه من الت�شويق والإث���ارة ما يحبب الطفل للتعليم والقراءة. معايير الكتابة للطفل ال توجد هناك �شروط يمكن تحديدها لمعايير ن�صو�ص �أدب الأط�ف��ال .وفي ذلك يقول �أح��د الأدب��اء العرب المتخ�ص�صون، �ضمن ر�ؤيته للكتابة للأطفال« :م��ن خالل ق��راءة العديد من الم�ؤلفات العربية يكرر بع�ضهم مقولة �أن يكون الأ�سلوب الذي يكتب فيه للطفل �سهال ووا�ضحا ومبا�شرا ،ويتالءم مع عقلية الطفل وم��راع��اة عمره الزمني؛ وهو مفهوم يُحد من عملية الإبداع والتنويع، واختراق الخيال» .وتلك في الحقيقة ر�ؤية
�صائبة ،وما يعتقده بع�ضهم فكرته خاطئة؛ فطفل ال�ي��وم غير طفل الأم ����س ،والأط�ف��ال ال��ذي��ن ك��ان��ت تلهيهم ح �ك��اي��ات ج��دات�ه��م وق�ص�ص �أمهاتهم ،لي�سوا هم �أطفال اليوم الوا�سعو الخيال ،الذين ال يقتنعون بفكرة � �س��اذج��ة� ،أو ح�ك��اي��ة م�ب��ال��غ ف��ي �أح��داث �ه��ا و�شخ�صياتها؛ فالعقول �أ�صبحت منفتحة على �آفاق �أرح��ب ،وعوالم حا�سوبية ورقمية �أو�سع .ولأطفال هذا الع�صر مهاراتهم في ا�ستخدام التقنية ،لذلك ال تخيفهم حكاية الغولة ،وال ت�ؤدبهم الأ�ساطير الخرافية، ولكننا نجدهم م�شدودين لق�ص�ص الخيال
اجلوبة � -صيف 1434هـ 75
76
هل نحدد مفهوم ًا م�ستق ًال لأدب الطفل؟ �س�ؤال تتحدد من خالل الإجابة عليه ما يمكن عدّه التعريف �أو التو�صيف الجديد لأدب الطفل. ي�ؤكد الباحثون والمتخ�ص�صون في �أدب الطفل� ،أن االتفاق على مفهوم جديد لهذا اللون من الأدب، ال يخرج عن كونه لون من �أل��وان الإب��داع الموجّ ه لفئة لها خا�صيتها العقلية والعُمرِ ية ،ويتنا�سب م��ع ق��درات الطفل وم�ه��ارات��ه ،وم�ستوى تفكيره ومداركه .وكل لون من �ألوان الإبداع الأدبي الموجه للطفل �سواء كان ق�صة �أو �شعرا �أو م�سرحية ،ي�سهم في التربية والتوجيه والتعليم للأطفال ،وي�صور لهم مجموعة من الأفكار والأخيلة التي ت�ؤثر في �أفكارهم ومهاراتهم ومداركهم ،فهو �أدب موجه لهم ،ويحقق �أهدافه في الت�أثير عليهم. منذ ال � ِق��دَ م ،اهتم الأدب ��اء ب� ��أدب الأط �ف��ال، وك��ان م��ن �أب��رز ه ��ؤالء الأدب ��اء القدماء �صاحب «كليلة ودم�ن��ة» عبداهلل بن المقفع ،وم��ن �أ�شهر �أدباء العربية الأكثر اهتماما ب�أدب الطفل �أحمد �شوقي ،وكامل الكيالني ،وميخائيل نعيمه ،وتوفيق الحكيم ،و�سهير القلماوي .يقول الأدي��ب الكبير الأ�ستاذ عبدالتواب يو�سف م�ؤلف كتب الأطفال وال�ن��اق��د المتخ�ص�ص ف��ي �أدب الطفل« :عا�ش الأط�ف��ال عالة على كتب الكبار� ،أحبوا بع�ضهم حبا كبيرا ،ونه�ض بع�ض الكتاب بعبء تب�سيط هذه الأعمال التي ا�ستهوت كل الأعمار ،ف�أقبلوا اجلوبة � -صيف 1434هـ
�أدبا�ؤنا وتجارب الكتابة للأطفال في تاريخ �أدبنا ال�سعودي ،كان لأدب الأطفال ن�صيبه� ،إذ اهتم عدد كبير من �أدبائنا و�شعرائنا بالطفل ..واهتموا بثقافته .ومن بين ه�ؤالء الذين لهم تراثهم الفكري و�إنتاجهم الأدب��ي الموجه للأطفال الأدباء :طاهر زمخ�شري ،عزيز �ضياء، ح�سن القر�شي� ،أحمد قنديل� ،أحمد ال�سباعي، ع�صام خوقير ،و�سميرة خا�شقجي .وكان الأ�ستاذ طاهر زمخ�شري �أول من �أ�صدر مجلة متخ�ص�صة ل�ث�ق��اف��ة ال �ط �ف��ل ،وه ��ي م�ج�ل��ة ال��رو���ض��ة ،وق��د �صدرالعدد الأول منها في �أكتوبر عام 1959م. وكتب الأ�ستاذان طاهر زمخ�شري وعزيز �ضياء عددا من �أنا�شيد الأطفال التي خاطبت وجدان �أطفالنا و�أثّرت في ثقافتهم. لم يتوقف االهتمام ب ��أدب الطفل عند �أدب��اء الجيل الأول في �أدبنا ال�سعودي ،فقد اهتم �أدباء الجيل المعا�صر ب ��أدب الطفل ..ولهم �إنتاجهم المتخ�ص�ص والم�ؤثر ،الذي يتفق مع ذهنية طفل هذا الع�صر وقدراته .ومن ه��ؤالء الأدب��اء :عبده
القامو�س اللغوي لأدب الطفل ي�ؤكد المتخ�ص�صون في �أدب الأطفال العالمي ومنهم «وينفر راي��در» و«ج��ون �أي��ك»� ،أن مراعاة االلتزام بالقامو�س اللغوي ،من �أهم اللوازم التي ُي�ؤخذ بها والتقيد بمفرداتها في الكتابة للأطفال؛ فما يتقبله ويفهمه الأط�ف��ال الذين هم في �سن الخام�سة يبدو تافها و�ساذجا بالن�سبة للأطفال ال��ذي��ن بلغوا �سن الحادية ع�شرة� ،إذ �أن النمو اللغوي مرتبط -كما ي��ؤك��د العلماء -بمراحل النمو المختلفة ج�سديا وعقليا وعاطفيا ،وهناك قاعدة في هذه الم�س�ألة ،وهي �أن اللغة التي يُكتب بها للطفل يجب �أن تكون متوافقة مع درجة نموه اللغوي .ومن هنا ،نرى جدوى التحذير من م�شاهدة الأطفال للر�سوم المتحركة �أو الأفالم ال�سينمائية ال�ت��ي ت�ك��ون لغتها ال ت �ت�لاءم م��ع �أع �م��اره��م ،وال تنا�سب نموهم اللغوي .ولذلك ف�إن مراعاة الأخذ بمفردات لغوية لها خ�صائ�صها اللغوية والعقلية واالجتماعية ،هي التي تحدد قامو�س �أدب الأطفال وم��ؤل�ف��ات الن�صو�ص القرائية ل�ه��م .فالأطفال يكت�سبون ر�صيدهم اللغوي من البيئة المحيطة بهم ،وهي بيئة ثقافية لها مكوناتها ،والطفل يقلد الكلمات والحركات ويحاكي ما ي�سمع ويرى. �آراء التربويين في الكتابة للأطفال من الآراء التربوية والتعليمية التي ُي�ؤخذ بها �أن تكون اللغة المكونة لقامو�س لغة �أدب الطفل، موائمة لعمره ،ومنا�سبة لقدراته ،ومفهومة بالقدر الكافي .فاللفظة �أو العبارة التي قد تعلو فهم الطفل مرفو�ضة ،كما �أن فر�ض ن�صو�ص ال يفهمها الطفل وال ي�ستوعبها عقله ،تعد �إ�شكالية يحذر منها التربويون وعلماء النف�س واالجتماع.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
العلمي ،وهذا وا�ضح من خالل تعلقهم ومتابعتهم لروايات الكاتبة الإنجليزية ال�شابة جوان كاثلين رولنغ (هاري بورتر) ،وما �أنتج للأطفال من �أفالم �سينمائية ،ت�شحذ �أذهانهم وتو�سّ ع خيالهم .وما يتلقاه الطفل في هذا الع�صر من محيطه الأ�سري ومدر�سته ،لي�س هو بالقدر ال��ذي يتلقاه ويت�أثر ب��ه عبر و�سائل �إعالمية وتكنولوجية متعددة. وهنا ،تكمن �صعوبة تربية �أطفال اليوم وتعليمهم وتثقيفهم وترفيههم.
عليها �إقباال منقطع النظير» ،والقائمة الطويلة لهذه الأعمال ،نرى �أنها بمثابة جذور �شجرة �أدب الأطفال ،وت�ضم القائمة عددا كبيرا من الكتب التي �أ�صبحت من التراث. تعد كتب �أدباء الغرب الأوائل بمثابة القاعدة �أو المرجعية لهذا اللون من �أل��وان الأدب ،ومن ه��ذه الأع �م��ال ،و�أ��ش�ه��ره��ا( :روبن�سون ك��روزو) لدانيال ديفو( ،رحالت جنيفر) لجونتان �سويفت، (�أن�شودة الميالد) لت�شارلز ديكنز( ،روبن هود) ل�ه��وارد ب��اب��ل( ،دون كي�شوت) لأو��س�ك��ار وايلد، (جزيرة الكنز) لروبرت �ستيفن�سون ،و(موبي ديك) لهرمان ملقيل .وهذه الأعمال ظهرت بين عامي 1884-1678م .وق��د عَ لِقت �أح��داث تلك الأعمال في عقول ال�صغار والكبار؛ لأن الأبطال في �أحداث تلك الق�ص�ص كانوا فتيانا و�أطفاال.
خال ،يو�سف المحيميد ،عبدالعزيز ال�صقعبي، محمد علوان ،خيرية ال�سقاف� ،شريفة ال�شمالن، فريدة فار�سي ،وغيرهم.
و�إذا م��ا ا��س�ت�ع��ر��ض�ن��ا ،ك�م��ا ي �ق��ول ال��دك�ت��ور ع �ب��دال��رزاق ح�سين ف��ي كتابه «ر�ؤي� ��ة ف��ي �أدب الأط �ف��ال»� ،سير العلماء الأف ��ذاذ ف��ي تاريخنا، نجدهم قد حفظوا ال�ق��ر�آن الكريم والأح��ادي��ث النبوية ال�شريفة ،وحفظوا من الأ�شعار ما يفوق قدراتهم العقلية وهم في �سن الطفولة ،ذلك لأن تح�صيلهم العلمي وقامو�سهم اللغوي رغم حداثة �سنهم ،مكّنهم من �أن تكون قدراتهم م�ستوعبة.. وته�ضم ما حفظوا وق ��رءوا؛ فا�شتهروا بطالقة الل�سان وحالوة البيان ،وتربت �أذواقهم على العلم الرفيع ،و�إن كانوا قد حفظوا القر�آن والأحاديث رغ��م �صعوبة �أل �ف��اظ ه��ذه الن�صو�ص بالن�سبة للأطفال ،ف�إنهم حتما في تلك ال�سن لم يفهموا �أل�ف��اظ��ه ،ول��م ي��درك��وا معانيه .وال��ذي��ن حفظوا القر�آن في �سن مبكرة ي�صعب عليهم حفظه في �سن مت�أخرة ،وقديم ًا قيل (�إنَّ العلم في ال�صغر كالنق�ش على الحجر) .فيما روته كتب ال�سلف �أن عتبة بن �سفيان �أو�صى م�ؤدب �أوالده قائال« :علمهم كتاب اهلل وال تكرههم عليه فيملوه ،وال تتركهم منه فيهجروه ،ثم حفّظهم من ال�شعر �أعفه ،ومن الحديث �أ�شرفه ،وعلمهم �سير الحكماء ،و�أخالق الأدباء». ويقول الجاحظ في حديثه عن عناية ال�سلف بلغة �أطفالهم« :كانوا يروّون �صبيانهم الأرجاز، ويعلمونهم المناقالت ،وي�أمرونهم برفع ال�صوت، وتحقيق الإع��راب ،لأن ذلك يفتق اللهاة ،ويفتح الجَ رْم ،والل�سان �إذا �أكثرت تقليبه رقْ والن .و�إذا �أطلت �إ�سكاته غلظ» .وهو �إ�شارة �إلى �أن الل�سان عُ ��دة تح�صيل الطفل وتنمية ق��درات��ه الفكرية واللغوية .ويقول ابن خلدون في مقدمته�« :إن تعليم الولدان للقر�آن �شعار من �شعائر الدين� ،أخذ به �أهل الملة ،ودرجوا عليه في جميع �أم�صارهم ،لما ي�سبق فيه �إلى القلوب من ر�سوخ الإيمان ،وعقائده من �آيات القر�آن ،و�صار القر�آن �أ�صل التعليم الذي ينبني عليه ما يحل عليه الولد ويقوي ملكاته».
اجلوبة � -صيف 1434هـ 77
ب��������ـ��������ـ��������رز ال�������ث�������ع�������ل�������ب ي�����وم�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ف���������ي �������ش������ع������ـ������ار ال�����واع�����ظ�����ي�����ن�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ف����م���������ش����ى ف�������ي الأر�����������������ض ي����ه����ـ����دي وي���������������س�������ب ال����م����اك����ري����ن����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا وي�����������ق�����������ول ال��������ح��������م��������د ل����ل����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ ـ����ـ����ـ����ه �إل������ـ������ـ������ه ال���ع���ال���م���ي���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا جِ ������دت������ـ������ـ������ـ������ي م���������وك���������بُ ال����م����ن����ـ����ـ����ى ي����������ا ع��������ب��������اد اهلل ت����وب����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����وا ف��������ي و������ش�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ٍح م��������ن ال����ج����م����ـ����ال ف�������ه�������و ك�����ه�����ـ�����ـ�����ف ال����ت����ائ����ب����ي����ن����ـ����ـ����ـ����ا ط������������اف ف���������ي ������ش�����ط�����ك ال������ ّ�����س�����ـ�����ن�����ا �إلى �أن يقول: ب�������ال�������ذي �أ������ض�����ح�����ـ�����ك ال����رم����ـ����ـ����ـ����ـ����ال واط���������ل���������ب���������وا ال����������دي����������ك ُي�����������������ؤذن ل�����������ص�����ـ�����ـ��ل��اة ال�����������ص�����ـ�����ـ�����ـ�����ب�����ح ف���ي���ن���ا ك������������م �����������س����������رى ف��������ي��������ك م��������وك��������بٌ ف�������ي اب�������ت�������ه�������ا ٍج وف����������ي اح����ت����ف����ـ����ـ����ال ف�����������أت����������ى ال����������دي����������ك ر������س�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����وال م��������ن �إم����������������ام ال���ن���ا����س���ك���ي���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ال������� ّ������ص������ـ������ـ������ب������ا ف��������ي��������ه راق��������ـ��������� ٌ��������ص ي������ت������ه������ـ������ادى ب���������ه ال�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����دالل ل�شوقي �شعر كثير ل�ل�أط�ف��ال ،وك��ان مبدعا وخالقا في ن�صو�صه ال�شعرية التربوية .وللأديبة وال������������ه������������وى ي�����غ�����م�����ـ�����ر ال������م������ـ������دى ب��������ال��������ذي �أ������ض�����ح�����ـ�����ـ�����ك ال�����رم�����ـ�����ال الدكتورة �سهير القلماوي م�ؤلفاتها القيمة في * كاتب من ال�سعودية.
78
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
�أدب الأطفال في تراثنا العربي �أمير ال�شعراء �أحمد �شوقي ،قر�أ كليلة ودمنة البن المقفع ،وق��ر�أ حكايات الفونتين ،و�أح��بَّ �أن تكون له تجربته وتراثه في �أدب الطفل ،واقتب�س �شوقي حكاية (ال��دي��ك والثعلب)عن الفونتين، وهي ق�صة تحكي ق�صة ثعلب �أراد �أن يخدع ديكا كان يقف فوق ال�شجرة ،ف�أوهمه �أنه جاء ليعلمه �أن ال�سالم ا�ستتب بين الحيوانات وانتهاء العدوان فيما بينهم ،وعليه �أن ينزل من على ال�شجرة ليحتفل معه بهذه المنا�سبة ،ف�أ�شار الديك الذكي �إل��ى البعيد ب ��أن ك�لاب ال�صيد ق��ادم��ة لتحتفل بهذه المنا�سبة ،ف�أ�سرع الذئب هاربا لأنه يخ�شى �أن تكون ال�ك�لاب ل��م ت�سمع بخبر ال�سالم بين الحيوانات .نظم �شوقي هذه الحكاية ب�أبيات قال فيها:
�أدب الأطفال ولعل �أ�شهرها (حكايات جدتي)، وق��د �صاغت فيها حكايات �أل��ف ليلة وليلة وما فيها من ق�ص�ص (علي بابا والأربعون حرامي)، (�شهرزاد)( ،عالء الدين والم�صباح ال�سحري)، (ال�سندباد البحري)( ،ل�ص بغداد)وغيرها. وكانت لغتها في �صياغة هذه الحكايات الأقرب والأن�سب لعقلية الطفل و�إدراك��ه ،وحفظ �أطفال ج �ي��ل ال���س�ت�ي�ن�ي��ات ال �م �ي�لادي��ة م��ن خ�ل�ال ه��ذه الحكايات ،ما لم يقر�أه بع�ض الكبار .ومن رواد الكتابة للطفل الأ�ستاذ كامل الكيالني ،وقد �أ ّثرَت كتبه وحكاياته في �أجيال مختلفة ،و فتح لأطفالنا نوافذ م�شرعة على الأدب العالمي من الق�ص�ص والم�سرحيات الرائعة التي كان لها ت�أثيرها في ثقافة الطفل العربي. وف��ي �أدب�ن��ا ال�سعودي ،ن�م��اذج كثيرة� ،إال �أن ال�شاعر ال��رائ��د ط��اه��ر زمخ�شرى ل��ه �آث ��اره في الكتابة للطفل ،واهتمامه بثقافته ،ب�إ�صدار �أول مجلة �سعودية للأطفال في ال�ستينيات الميالدية. وله �أن�شودة م�شهورة بعنوان (جِ دّتي) ،وهي من الأنا�شيد التي يتغنى بها الأطفال بعد �أن تعلموها في مناهجهم التعليمية ،و�أخذوا يرددونها حبا في مدينتهم مرتع طفولتهم (جدة) وفيها يقول:
جفــــــاف ■ ليلى احلربي*
وا�سَّ اقطت كل الر�ؤى!.. عمري وما جال فيه من نب�ض و�أنفا�س وذكرى ،وب�شر..
به ف�إنه لن يرتد �س�أغم�ض عينيَّ كي �أ�سافر
وحين �أزور حديقتي المحاطة ب�سو ٍر �صبري وكل ما ان�ساب خالله من �ألم حديدي ،يعتلي ال�سور الإ�سمنتي� ..أقترب من الزهور التي انتحرت.. ودمع.. �أح���اول لم�سها لكنني �أُح �ج��م ،ك��ي ال حلمي وك��ل م��ا ت ��راءى ف�ي��ه م��ن ��ص��و ٍر تَ�سَّ اقَط في يدي ..مَ ن غال فرحتها ..مَ ن أ�صوات.. و� ٍ �سامها �سوء الجفاف!.. و�أغانٍ ال ت�سكتها ال�صباحات.. بل تطارحها الهوى.
حين يتدفق ال��دم ال�ه��ادر ف��ي �أوردت��ي فال يجد في طريقه تراتيل الحياة ..ف�إنه �سيجمد. وحين يمتد ب�صري فال يجد ما ي�صطدم
مَ ن بدّد عطرها
وهل بالطلول للونها طيف!.. �أقفل عائدة �إلى �سجني.. �صوت المزالج ورائي حين �ألج يهز�أ بالتفاتتي..
* قا�صة من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 79
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
حــيــــــــــاة ■ حممد نادي فرغلي حممد*
تميل ال�شم�س �إلى الغروب ،ما زالت �أ�شعتها تلفح ال��وج��وه� ،أ�شجار ال�صف�صاف لم تتحمل هي الأخرى لهيب الحر؛ فبدت �أوراقها �شديدة ال�صفرة ،اللهم �إال من بع�ض الأجزاء التي غطتها مخلفات الع�صافير ،والتي تهتز حوا�صلها من الحر ،دون القدرة على فتح �أفواهها. غ��رف��ة م��ن ط��اب��ق واح ��د ،م�سقوفة بجريد النخل ،طبق الد�ش يغطي معظم �سطحها .في الجوار ،حجرة الفرن والزريبة ،ب�ضعة �أمتار تف�صلها ع��ن ال�ت��رع��ة ،تحت �إح ��دى �شجرات ال�صف�صاف زير المياه ،بينما حبل يربط بين �شجرتين معلق عليه بع�ض قطع المالب�س. خرجت حياة م��ن غرفتها تطوق ر�ضيعتها بذراعيها ،بينما رج�لا ال�صغيرة تلتفان حول خ�صر �أم�ه��ا .يم�سك االب��ن الأو��س��ط بجلبابها الأ� �س��ود ،تم�شي قلقة بين رغبتها ف��ي الم�شي ب�سرعة ،وبين خوفها على ابنها الذي تتعثر قدماه كثيرا ،لكنه يت�شبث بقوة؛ فال تفلت يده جلبابها. امر�أة في منت�صف العقد الثالث ،هي للطول �أق ��رب ،جديلتا �شعرها تتدليان حتى �أ�سفل ظهرها ،بينما تزين بع�ض الخ�صالت جبهتها وخ��دي �ه��ا� ..أن��ف جميل ،فمها ع��ذب� ،شفتان مطبقتان لتحفظ ع�سل ريقها ،ب�شرتها تميل �إلى ال�سمرة ،يظهر بريقها كلما اختل�ست ال�شم�س ُقبْلة منها. فتحت حياة ال��زري�ب��ة؛ فخرجت غنماتها؛ لتقف تحت �أ�شجار ال�صف�صاف منتظرة �أعواد 80
* �أكاديمي في جامعة الملك �سعود. اجلوبة � -صيف 1434هـ
الذرة المربوطة في حُ زَ مٍ ،وم�صفوفة في غرفة الفرن ..ابنها الأكبر في �سن ال�ساد�سة يبحث عن كرته ال�ضائعة من دون جدوى ،ي�صرخ في �أم��ه لتجدها ل��ه ،بطّ اتها تنقرها ف��ي رجليها مطالبة �إياها ببع�ض الخبز المعجون بالماء، بينما يزداد �ضغط رجلي ر�ضيعتها على خ�صرها خوفا من البطات. ب �ع �ث��رت ال �خ �ب��ز ال�م�ب�ل��ل ل�ل�ب��ط وال� �ف� �رّوج؛ فازدحمت عليه ،وارتفع �ضجيجها .راحت �إلى غرفة الفرن لت�أتي ب�أعواد الذرة؛ فوجدت كرة ابنها تحتها ،نادته و�ألقتها �إليه مبت�سمة ،ف�صفق ب�شدة ،وتلقفها وج��رى� ..ألقت �إلى غنماتها ما ي�سكت جوعها ،وع��ادت �إلى غرفتها ..التقطت �سلة البي�ض ،التفتت �إلى زوجها الجال�س �أمام التليفزيون وهو يدخن ال�شي�شة� ،أدار وجهه �إليها، ونفث ناحيتها دخانا كثيفا ،وهز ر�أ�سه بالموافقة على خروجها ،حدقت فيه ..فابت�سم ابت�سامة عري�ضة �أظهرت �أ�سنانه ال�صفراء؛ انكم�شت على �أثرها �شفتاها ،خرجت من غرفتها وم�ضت �إلى الدكان. �سارت في طريقها كنخلة �شامخة ،التقت عيناها ب�شعاع ال�شم�س؛ فتك�سر ال�شعاع على �أط��راف رمو�شها وج��رى بعيدا للغروب ،بينما �أ�ضفى �شعاع عينيها الع�سليتين ن�سمة ب��اردة ح��رك��ت �أوراق ال���ص�ف���ص��اف ،وزق��زق��ت لها الع�صافير ،وعادت بها نب�ضات قلوب الجال�سين على �شاطئ الترعة والذين ينتظرون حياة.
حديث مع امر�أة جميلة ■ �صالح القر�شي*
الآن وهو يركز نظره في عينيها تحديدا ..ذلك ،لكنه فعله. يتذكر �أنه كتب مرة في يومياته �سطورا ,ثم عاد الآن وهو يركز نظره في عينيها الجميلتين بعد فترة ق�صيرة لكي ي�شطبها ,رغم معرفته يتذكر ذل��ك كله..في�شغلها �صمته� ،أو ربما بعدم �إمكانية �أن يطالع تلك اليوميات �أحد �سواه .يحرجها توهان نظراته؛ فت�س�أله « :ما بك؟».
كتب �آن� ��ذاك« :يخجلني �أن �ن��ي �أق �ت��رب من يود لو قال لها �إنه �سعيد جدا ..لكنه قال «ال الثالثين ول��م �أت �ح��دث ي��وم��ا م��ع �أي ام� ��ر�أة»� ،شي». طبعا هو يق�صد الحديث وجها لوجه..ويق�صد الآن يتمنى لو �أن��ه لم ي�شطب تلك العبارة، امر�أة خارج دائرة محارمه من �أخوات وخاالت وعمات..كما �أنه حتما يق�صد حديثا خا�صا �أو فيما تقاطع �أف�ك��اره م��رة �أخ��رى بحديثها عن ما ي�شبه الخا�ص ،فهو ال يمكن �أن يح�سب تلك جمال الديكور في المقهى ،يحدثها عن التنا�سق الأح��ادي��ث التي يمكن �أن يجريها م��ع موظفة بين الديكور والإ� �ض��اءة ..ي��ود ل��و يتحدث عن ا�ستقبال مثال�..أو لعله يق�صد ام��ر�أة جميلة �أو جمال عينيها لكنه ال يفعل. تعاود ارت�شاف قهوتها ببطء ،فيما ي�ستمر في متجملة..لكنه وقتها ع��اد ب�سرعة ليفتح دفتر يومياته وي�شطب ما كتب ..ال يعرف لماذا فعل النظر �إليها متنا�سيا قهوته التي تو�شك �أن تبرد. * قا�ص من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 81
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
كيف يراه؟ ■ �إبراهيم يو�سف البيطار*
قام �إلى مكتبه ،جل�س على كر�سيّه� ،أخذ ورقة بي�ضاء وو�ضعها �أمامه ،تناول قلم ًا من المقلمة التي عن يمينه ،قدرا كان لون حبره �أ�سودَ. داعب الورقة يمنة وي�سره� .أخذ يفكر ،و�س�أل نف�سه :م��اذا لو و�ضع نقطة �سوداء و�سط هذه ال�صفحة؟ نقط نقطة كبيرة ..جل�س يت�أملها ،ربما ي�أتي جواب ال�س�ؤال الذي ي�سيطر على عقله منذ فترة، ال�س�ؤال الذي فر�ضته �أحوال يمر بها وطنه. دخلت عليه زوجته لتقدم له قهوته المف�ضلة، لم ي�شعر بها �إال وهي ت�ضع الكوب على مكتبه. هنا ،طرح �س�ؤاله على زوجته :حبيبتي ماذا ترين في هذه الورقة؟ �أجابته بعد �أن نظرت في ال��ورق��ة بعفوية: نقطة �سوداء. ابت�سم وقال :فــقــط!! قالت :فـقــط ،وهـل �أنت ترى غيرها؟! ظ�ل��ت اب�ت���س��ام�ت��ه م��ر��س��وم��ة ع�ل��ى وج �ه��ه.. ا�ست�أذنته ،ول��م يجل في خاطرها ما ج��ال في خاطره.. تنف�س بعمق� ،أخ��ذ ر�شفة من قهوته ،وك�أنه وج��د ج��واب ��س��ؤال��ه ال��ذي ح � ّي��ره� .أت��ى بورقة 82
* قا�ص من م�صر مقيم في ال�سعودية. اجلوبة � -صيف 1434هـ
�أخرى ..لكنها ذات �سطور خالية� ،أم�سك بقلم �آخر ذي لون �أحمر ،كتب مالحظاته التي �شفت غليله ،وروت ظم�أه: ال �ي��وم ،وب�ن�ظ��رة زوج �ت��ي ع�ل��ى نقطتي في ورقتي ..جاءت الإجابة على ال�س�ؤال الذي كنت فيه حائراً.. قالت لي :ال �أرى في ورقتك �إال نقطة �سوداء وا�ضحة وظ��اه��رة للعين ،ال غمو�ض فيها وال ت�شوي�ش. قال عقلي لي :لم تر زوجتك �إال �سواد ًا في ورقة بي�ضاء نا�صعة البيا�ض!! وقال قلبي لي :عجيب �أن زوجتك لم تر كل هذه الم�ساحة البي�ضاء!! وحدثتني روح��ي من داخلي :وهكذا غالبية �أبناء وطنك (يا روحــي) ال ي��رون �إال ال�سواد، ي���ش��وه��ون ب��ه وط �ن��ك ،وي �ب��ال �غ��ون ف��ي �إظ �ه��ار ال�سلبيات فقط� ،آملين �أن يظهرها ويبالغ فيها كل من ال يحب وطــنــــك. �أما �أنا ف�س�أنظر �إلى وطني ك�صفحة بي�ضاء طاهرة ،و�أدع��و لبذل الجهد والعمل ليكون له تحت ال�شم�س موقعاً .و�س�أكون متفائ ًال رغم ما يمر به وطني.
ق�صتان ق�صيرتان جد ًا ■ خالد �أحمد اليو�سف*
طواف عينان � �ش��اردت��ان ،زائ �غ �ت��ان ،ت�ن�ظ��ران �إل��ى ال�سماء ب���ش��وق ..وت ��ارة �أخ ��رى تحدقان فيما حولهما لت�صدم بالأروقة ،والأعمدة ،و�أقوا�س الأدوار المتتالية ،و�إن��ارة مبهرة تمتزج ب�ضياء يخطف الروح. تقف بذهول �أمام ما يحيط بها من �أجنا�س الأر�ض ،وبيت رباني يتجلل ب�سواد مزخرف عبق، يزيده جماال �آيات اهلل المن�سوجة بذهب خال�ص كعقد �أبي�ض على جيد عرو�س؛ تكمل دائرتها الإيمانية حوله ،والعبرات تخنقها بفرح المكان، وتنظر �إلى �أ�صابعها فتدرك �أنها في �آخر �أ�شواط * كاتب وقا�ص من ال�سعودية.
الطواف ،يوقظها ال�س�ؤال ممن حولها :اهدئي، اهدئي ،عليك بذكر اهلل �أن��تِ �أم��ام بيت اهلل! ويطمئنها �صوت �آخر :احمدي اهلل الذي �أو�صلك لبيته المعظم ،وت��رد عليهم وال��دم��وع تغ�سل وجهها :و�أنا �أريد �أن �أرى اهلل. �أكف ت�صلي!.. ت�شكل �أعمدة الرخام خطوط َا متداخلة ،تقف �أم��ام ب�صري خا�شعة هلل ،تتبتل في �صالتها، ويثيرني �سكونها فتجذبني �إليها ،لأقف بينها في �صالة ال مثيل لها ،حتى ر�أيت كل واقف في حرم اهلل هو في �صالة وخ�شوع. اجلوبة � -صيف 1434هـ 83
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
الربيع عيون ميدوزا
■ عارف الربدي�سي*
ج��ـ��ـ��اء ال��ـ��ـ��رب��ي�� ُع �إل��ـ��ي��ن��ا ف��ـ��ي مـراثينــا ي��ب��ك��ى لأمّ ��ـ��ت��ن��ـ��ـ��ا وال��ف��ـ��ـ��ر ُح مــرقـ ــد ُه م����ا ع������اد ل����ي وط����ـ����نٌ �أث����ن����ى ب���ع��� ّزت���ه وك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ّل �أي���ـ���ام���ـ���ـ���ـ���ـ���ن���ا ذلٌّ وم���ن���دب��� ٌة ي��ـ��ـ��ا ق���ل���بُ ���س��ـ�� ّي��ـ��دن��ا زادتْ فجيعتــنا �أن���ـ���ـ���ا وق���وم���ي ن���ه���ا ُر ال���ح���قّ خ��فْ��ق��ت��ن��ا من يطلبُ الحبّ حتما جاء مندمال ي���ا ����س���اك���نَ ال����ح����زنِ ه����ذا ي����وم �أمّ ��ت��ن��ا ���ص��ـ��ـ��ار ال���رب���ي��� ُع ����ص���م���وداً ال ي��ف��ارق��ن��ا ل��ك��ـ��ـ�� ّل ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍّ��ر ن�����س��ي��ـ�� ٌم ف��ي �شـ ــدائـدنا وك������ ّل راي���ات���ن���ا ع�������ادتْ ل��ط��ل��ع��ت��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ف����إن���ن���ا �أمّ��������ة :ال���خ���ل���د م�����س��ك��ن��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ي��ا �أم���ة ال��ك�� ّل ه���ذا ال�صبح ملحمتي ج�����اء ال���رب���ي���ع �إل���ي���ن���ا ف����ي ب�����ص��ائ��رن��ا فكم �صبرنا على الأح����زان ف��ي ثق ٍة ي���ا �آخ�����ر ال��خ��ط��ب��اء ال���ي���وم �صفعتنا �أف��دي��ك ي��ا وط��ن��ي �أق����دارك اجتمعتْ ل����ك���� ّل ح����� ّر ن�������س���ي��� ٌم ف����ي ���ش��دائ��دن��ـ��ـ��ـ��ا * �شاعر من م�صر.
84
اجلوبة � -صيف 1434هـ
ورداً ت��ـ��ف�� ّت��ـ��ح ف��ـ��ي الآف���ـ���ـ���اقِ يــحيـيـنـا ب��ـ��ـ��اق ٍ ف��زف��ـ��ـّ��ـ��وا ب���أ���ش��ـ��ـ��ع��ـ��اري نـبـيـيـنـا ف��ي ك�� ّل �شبرٍ دم��ـ��ا ُء ال�� ُع��ـ��ـ��ربِ تـدمينـا �أي��ـ��ـ��ن الحقــوقُ ال��ت��ي يوم ـاً �ست�أتينا ل��ـ��ـ��ـ��ـ��م ي��ب��ـ��ـ��ق �إال دم��ـ��ـ��و ٌع ف���ي م ـ�آقينـا �����ش فينا ف��ا ْن��ظ�� ْر غ����را ُم ع��ب��وري م��وح ٌ فالن�ص ــر مـلح ــمتي ���ص��ارتْ براكينا ليـرح ـ ـ َم اهلل مَ���ن ب��ال��ف��ـ��ك�� ِر يهدينا ف��ـ��ـ���إنّ ح��ب��ـ��ـ��كّ ل�ل�أب��ـ��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ـ��الِ يكــفيـنـا ق��ـ��ـ��ـ��اد ال��ك��رام��ـ��ـ�� َة �إن�������ش���ـ���ـ���اداً وت��م��ك��ي��ن��ا دم���������ا ُء ث������وّارن������ا ث����������أ ٌر ي��ن��ادي��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا وع����ر�����س ك����� ّل ����ش���ه���ي���دٍ ع�����اد ي��ح��ي��ي��ن��ا ف��ي ظلمة الليل نهر ال��ح��بّ ي�سقينا ل��ك��ي ن�����راود خ���وف���ا ك����ان يدمينـ ـ ـ ــا وغطر�سات ع�صيّ الدهر تطوينـ ـ ــا ف�����إنّ ح��ب��ك م��ن �أغ��ل��ى م�ساعين ـ ـ ـ ــا ي��ا �أي��ه��ا ال�شيخ ل�ل�أم��ج��اد علّينـ ـ ـ ـ ــا ق��ـ��ـ��ـ��اد ال��ك��رام��ـ��ـ��ةَ �إن�������ش���ـ���ـ���اداً وت��م��ك��ي��ن��ا
■ �سليمان العتيق*
والما ُء �آ�سنة ٌ ،فلن �ألقى بقع ِر البئر يا قو ُم ا�شتها ْء اقطع حبالك لي�س في البئر التي �أنا �سوفَ �ألقاكم �إذا �شئت ْم لقا ْء �أدليتَ �ساقيك ارتوا ْء في باح ِة الوديانِ ... كال ،وال في الجبِ يو�سفْ تعبقُ في ثناياها الأزاه ْر يا �صاحبي في البئر ميدوزا فوق الروابي العف ْر ت�ش ُد �إليها خاتمة َالر�شا ْء والفيا�ض الخ�ض ْر ِ وعيون ميدوزا تحملقُ فيكَ ت�ستجدي اللقا َء و�إلى الجبالِ ال�شامخاتِ ال ت�ستجبْ �أنا مهاج ْر لي�س ميدوزا تنا�صبـ ُك العداء �أ َو َ �أنا مهاجر وحرابـ ُها طعنت كرامة َ�أهلكَ الأغلى نحو الينابيع ِ التي الواقفين على المعاب ْر من دفقها �شربتْ ،جميع الكائناتْ والحاملين لهذه الدنيا الب�شائ ْر في�ض التراحمِ ،والت�آز ْر َ يا �أه َل ميدوزا �أنا ال �أرتوي من مائـ ِكم وت�أطرتْ ..تلك الم�شاه ُد بال�ضيا ْء لأن ذاكَ الما َء خالط ُه دما ْء واهتزت الدنيا ،لأ�صدا ِء التبتلِ بالمناب ْر لن �أ�ستقيْ من بئرِكم �إني على ال�شرفاتِ �أدعوك ْم فالبئ ُر ي�سكنـ ُها الخوا ْء
يا �أيُها الأ�صحابُ ما �أحلى اللقاء.
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 85
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
المحفظة �أتيتُ لل�شعر..
■ �سوف عبيد*
عندما اِ�ستلمتُ ر�سالة �إعالمي بتقاعدي من التعليم نظرتُ �إلى محفظتي، وقلت:
وداعً������������ا! وب�����ع����� َد ال���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���وداع ودا ُع ط����� َويْ�����تُ ال���ر����س���ال��� َة ب����ل ق����د ط��� َو ْت���ن���ي ف��ل��اح�����تْ ل���م���ح���ف���ظ���ت���ي َدمَ���ع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اتٌ ����ف ُت������ج������اذبُ ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��فّ��ي و�������ش������دّتْ ب����عُ����ن ٍ ت�����ق�����ولُ ل�����م�����اذا ُت�����ف�����ـ�����ارقُ خِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�ًّلًّ �����ص��دي��ق �أل���������س����تُ ال���� ّرف����ي���� َق �أل���������س����تُ ال ّ �أَ َب������ع������ َد � ِ���س���ن���ي���نِ ال�����وف�����اء �أهُ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ونُ وق���ال���ـ���ـ���ـ���ت ب��������� َد ِّل عِ ������ َت������ابِ ال���حِ �������س���ـ���ان �أت����ت���� ُركُ����ن����ي؟ وال����فَ����ي����افِ����ي ورا ِئ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ي ف����خُ ����ذنِ����ي �إل�����ي�����كَ و�أ َّن����������ى ذه��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��تَ َرمَ���� ْت����ـ���� ِن����ي ال�����������دّروبُ وال مِ ������نْ َدل��ي��ـ��ل ف����قُ����ل����تُ َلأن����������تِ ُن�����ج�����و ُم ال��ل�� َي��ـ��ـ��ال��ـ��ـ��ـ��ي �أَمِ ����ح����ف����ظ���� َة ال���عُ���م���ر عُ���������ذرًا ف��ف��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ك ���������س � ِ����ش����عْ����ري و َن���ث���ـ���ري ����ك ك����راري ُ وف����ي ِ ْ�������ش ب��ق��ل��ب��ـ��ـ��ي ����ك هِ ������يَ ال����� ّ����ض����ا ُد ن���ق ٌ وف����ي ِ َر������ش�����ف�����تُ هَ�������واهَ�������ا ع����ل����ى ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ّل �آي ع���ل���ى ال���� َع����ه����دِ َن����ب���� َق����ى ل����كُ���� ّل َو ِف���ـ���ـ���ـ���ـ���يٍّ * �شاعر من تون�س.
86
اجلوبة � -صيف 1434هـ
وح�������ا َن ال�����ف�����راقُ وال ُي�����س��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ـ��ـ��ا ُع �إل����ى ����سَ ��� ّل��� ِة ال��مُ��ه��م�لات ال��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّرق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع و����ص���وت ُ َن ِ�����ش��ي��ج ل��ه��ا و ِا ْل��ـ��ـ��ـ�� ِت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع ف���ح���اول���تُ َن����زعً����ا ف������زا َد ال��ـ�� ّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��زا ُع وف���ي���كَ ِا���ش��ت��رى الآخ������رون وبـ ـ ــاعُـوا ورُوح������ي � َ����ص����داكَ و�إ ّن������ي ال��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ذّرا ُع ب���لَ���ى ق���د ي���هُ���ون ع��ل��ي��ن��ا ال�� َم��ـ��ـ�� َت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع ب����دُون����كَ ,ويْ����حِ ����ي! دُروب�������ي � َ��ض��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع �����س ف��ي��ـ��ه ���شِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��را ُع وب����ح����رًا �أرى ل��ي َ ِب��ـ�����سَ ��ه��ل ال���ط���ري���ق و�إمّ �������ا ِت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لا ُع ل���ي���ال���يَّ ط����ال����تْ وغ�������ابَ ال�����شّ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع ِب��عِ�� ْل��ـ��ـ��مٍ و�أدْبٍ ف��ل��ي��ـ��تَ ُي��ـ��را ُع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وا � ُ���ش���جُ ���ونُ ال����ف�����ؤا ِد وه���ـ���ذا ال�� َي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��را ُع وف���ي ِ���ك َت�����ص��اوي�� ُر مَ����نْ هُ ���� ُم �ض ــا ُع ــوا ف��م��ن��ه��ا � َ���س���رى َد ُم����ن����ا وال��ـ��ـ��ـ�� َّر���ض��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع وب����ي����تٍ َ ,ف��ن��ب���ِ��ض��ي ل��ه��ا وال�� ّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��خ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُع ف��ل��ي��تَ ال����وف����ا َء ل�� َدي��ن��ا ُيـ ــ�شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُع
■ د .يو�سف العارف*
�أب��ن��ي ب��ه ال�سهل ال �أ�ست�صعب الجبال ت�����أت����ي �إل���������يَّ ،وال �أر������ض�����ى ل���ه���ا ب����د ًال �لا و�أن���ج���م «ال��خ��ن�����س» غ���ري���داً وم��ن��ف��ع ً �لا ف��ي��ق��ب��ل ال���ح���رف م���ن���داح���اً وم��م��ت��ث ً ال ح��رف��اً فحرفاً جميل ال�سبك مت�ص ً ك�أنها الغيث ،غطى ال��ح��زن وال�سهال
�أت��ي��تُ لل�شعر �أ�ستق�صي ال��ذي ح�صال �أ���س��ت��م��ل��ح ال���ف���ك���رة ال�����غ�����رّاء ���ص��اخ��ب��ة �أه����ي����م ف����ي غ��ي��ه��ا وال���ط���ه���ر ذاك���رت���ي و�أ����ص���ط���ف���ي ل��غ��ة ال�������ص���ح���راء ن��ا���ص��ع��ة �أب������ن������ي ب������ه ك������ل �أب�����ي�����ات�����ي و�أغ����زل����ه����ا م���زج���ت���ه���ا ب���ري���ا����ض ال����ن����ور ف����أْت���ل���ف���ت ***
ي��ا الئمي ف��ي غمو�ض ال�شعر قافيتي ���س���أل��ت ع���ن ك��ن��ه��ه��ا الآف������اق ف��ان��ت��ب��ذت ورح������ت �أب����ح����ث ع����ن ح�����رف ي��ن��ادم��ن��ي ح���ت���ى ب���ل���غ���ت دي���������اراً ق����ط م����ا ���س��ك��ن��ت ن�����س��ج��ت م��ن��ه��ا ت���ب���اري���ح���ي و�أخ��ي��ل��ت��ي حملتها ل����ذوي الأف���ه���ام م��ن��ت��ظ��راً �أن
�لا ب��ي�����ض��اء ال ت�����ش��ت��ك��ي ����س���و ًء وال ���ش��ل ً ك����ون����اً ق�������ص���ي���اً ب��ع��ي��د ال����ن����ور م��ن��ع��ز ًال ول�����م �أزل اق���ت���ف���ي الآث���������ار وال���ط���ل�ل�ا والأر�������ض ب��ك��ر وم���ا ف�����ض��وا ل��ه��ا �سبال �لا ح��ت��ى اك��ت�����س��ت ل��غ��ت��ي م���ن ف��ن��ه��ا ح��ل ً ي�������س���ب���روا غ����وره����ا �أو ي���ب���ل���غ���وا �أج��ل��اً
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 87
�س�أوقف هذه الحرب
■ ن ّوارة حلـر�ش* ■ جمال املو�ساوي*
ال يكفي �أن �أذرع بع�ض ال�سنوات كي �أغرب في الم�ستنقع. كي �أترك للن�سيان فر�صة �أن يحيط غيمتي القدرية بذراعيه ال�صلبتين. الحياة هاوية الكائن ما من خيار �آخر. الحياة عا�شقة الخيانات ال يكفي �أن تكذب علي ا�ستعادة الميالد كي �أ�شعر بكل ما �أحتاج �إليه من الفرح. ال يكفي �أن �أكون قد �سقطت هكذا فج�أة من ِقدْر العدم كي ينتاب �أو�صالي الحنين. ال يكفي �أن �أكتب �سيرةً، وال يكفي �أن �أمدح النهار، ال يكفي �أن �أغيظ الليل كي �أوقف هذه الحربَ . على باب الفجر بينما يهب ال�ضباب من م�ؤخرة الكون، يجل�س ال�شاعر مثل معتوه. الحلم �أمامه منهارٌ ،والليل * �شاعر من المغرب.
88
اجلوبة � -صيف 1434هـ
يقطع �شرايينه ب�سبب الوحدةِ، لم �أكن هناك. كنت �أكثر �صداقة للنهار. تركت يدي في يد ال�شم�س، كانتا مثل يديّ عا�شقين ي�سخران من ال�شك ،وهو يغدق ظالله على الحب. يفتح الباب الموارب كي ت�شيع الأ�سئلة. دائما ،بحكم العادة ،يقتاد ال�شاعر حياته �إلى القتامة المحيطة بالقلب. ك�أنها ال تحبه، ك�أنها تخونه على مرتفع بحيث ي�شعر بالعجز. كيف ي�صعد �إلى الموت في برجه الأعلى لينتقمَ؟ «يموت ال�شاعر قبل الأوان». قلب بال �سترة واقية وعمر ق�صير بال حر�س �شخ�صي، �أت�أملك، �أيتها الحياة، و�أحر�ص على اليقظة، لي�س الآنْ لي�س قبل �أن ينه�ض الليل ليلملم �شرايينه ويعيد �أحالمي �إلى طبيعتها المتلونة.
�شجر المعنى
لو مرة �سقطتُ �سهواً من �شجر المعنى كيف للع�صافير �أن تفتح قمي�ص الرفرفة في �أمزجة ال�سماء؟ وكيف لها �أن تربت على غيمة ت�ؤثث خدو�ش الأمكنة؟ لو مرة �سقطتُ �سهوا من �شجر المعنى كيف �أتعرفُ على (�أنا)؟ قمي�ص
قمي�ص ال ُّل َغ ِة َ �أفتح �أنزوي في ِه كما لو �أن ُه جَ نّتي� ،أو مِ دف�أتي �أت�سل ُل منَ البر ِد الذي را َو َد �أ�صابعي كي تتبل َد مِ نْ �شِ ّد ِتهِ ،وما َت َب َّلدَتْ نا�ضجَ ًة بالحُ زنِ ،ول ْم تَف ِق ْد حا�سَّ َة ظلتْ ِ ّم�س والحنان. الل ِ قمي�ص اللغة وح َد ُه الكفي ُل بما ال تَ�سَ ُع ُه ُ الحياةُ. قمي�ص ال ّل َغ ِة َ �أفت ُح �أجِ دُني على يا َق ِت ِه
بُق َع َة نها ٍر على قيدِ زوالٍ تت�شبّثُ ِبقَ�شّ ِة �ضو ٍء ذا ِبلَ ٍة كيما ال َت َت َوعَّكُ �أبجد َّي ُة اللّحظاتِ على هامِ ِ�ش البال. �أت�سل ُل مِ نَ الوَجَ ِع (الـ) را َو َد جِ َه َة القلبِ من ُذ هُ طولي مِ نَ الأ�سى والأنا ومعناي أتح�س�س جِ َه َة القلبِ � /شا�سِ َع َة الجَ ْر ِح ُ � �شا�سع َة الغُر َبةِ. قمي�ص ال ّل َغ ِة ُ وح َدهُ، وطني ومنفاي.
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
ن�صو�ص �شعرية
رق�صة عرجاء
ال �أ�صلح لرق�صة مقت�ضبة في حفلة غائمة، في حديقة غاربة المعاني والأمنيات.. ال �أ�صلح ،لأن القلب متوعّك ،وغائم بما يكفي؛ لأن يمطر �أغزر مما يجب؛ ولأن الرق�صة المقت�ضبة ،ق�ضمته في غفلة من الحياة. ال تت�صورني الكمنجات ،ناعمة بما يكفي في رذاذها الحزين ال تت�صورني ،من�شرحة الظن بما يكفي في موالها الغافي على وتر منقب�ض ال تت�صورني بالمرة �أ�صلح ل�شيء ما ،وال لرق�صة عرجاء ،وال للذي �سي�أتي.
* �شاعرة و�إعالمية من الجزائـر.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 89
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
ن�صو�ص �شعرية ■ خالد ال�سنديوين*
من ديوان «ميجابولي�س» 1998م
من قمم الجنة �إلى �أي مكان لق�ضاء الليل يُخ�شى من حقد جثة منفية يخ�شى من ثورات بليدة ومن ال�سماء الخالبة �إلى ع�ش فوق مروحة ال�سقف يُخ�شى من دوريات الكوابي�س يُخ�شى من ل�سعات القمر يُخ�شى من كلمة غائبة �أو يقظة عائدة يُخ�شى من التاريخ كل التاريخ يُخ�شى من لحظة من زجاج قد يلم�سها الجناح المبتل بماء الك�آبة. نمر
لقالوا�:صعقَتنا َ «لو تحدّث �ضحاياه جوهرتان من العالم ال�سفلي و�أخذنا جماله قبل �أن تغمرنا وح�شيته وما من فري�سة ،وهو يفتك بها �إال تمنت فقط لو يبت�سم». قنفذ
لي�س لي �أ�صدقـاء لأن �أحداً ال يعرف مالمحي لي�س لي �أ�صدقاء * �شاعر من م�صر مقيم في ال�سعودية.
90
اجلوبة � -صيف 1434هـ
فال �أحد ي�صادق كرة من ال�شوك لي�س لي حاجة �إلى جُ حر ف�أنا وحيد �أينما ذهبت و�أدين بحياتي للإ�شمئزاز فكثيراً ما �أو�شك وح�ش على التهامي ثم �أغلق فمه في �آخر لحظة وهو يقول :ما هذا؟ ال يمكن �أن تحتفل بالحياة �إذا كنت تحتفل بالنجاة كل يوم �سوف يكفيك ال�صمت وهو ال يغادر قلبي �أحلم كل ليلة ب�أنه بينما تت�ساقط الأمطار فوق ظهري تتفتح زهرة جميلة من �أحد �أ�شواكي بينما يقول عابر :ما هذا الجمال! من ق�صيدة الالعب
لو ر�أيتم طيبته لن ت�صدِّقوا �أنه هو هو الذي يجمع الالعبين من منازلهم في قلب الظهيرة.. كقائد يجمع جي�شه من �أجل الحرب بينما ال�شم�س ت�شوي الأر�ض وال ي�ستطيع �أحد �أن يقول له :ال. �سوف يقول البع�ض :لم ن َر �أحداً يقدِّ�س اللعب هكذا و�سوف يقول البع�ض: �شرّير يُف�سد �أ�صدقاءه
مرفــــــوع ■ ح�سن الزهراين*
بد ٌر يخاتل رهبة البيداء بالنور المكلل بال�سكينة في حنايا ليلة �شتوية الأنفا�س والطرقات تغ�سل �صوت �أقدامي بماء الريب والأ�شباح في �أبراج ذاكرتي تغنّي.. ***
يو ٌم يتي ٌم د�شنته ال�شم�س في طرقات �أحالمي وقالت :هاك عمرك لن �أزيدك �ساعة ً فاكتب على باب الع�شيّة �سير ًة بي�ضاء ْ �أو �سودا ْء �أو مق�سوم ًة و�إليك عنّي.. ***
فجمعت حُ جابي ..وكتابي. وموقع مولدي ..وغبار لحدي.
بل وما حلّى روا�شين الزبرجد من �أكاليل ابت�سامتي. وما بلغ ال�سحابة من دموعي.. في �سقيفة روع �إلهامي فقلت لهم� :إليكم ما تقول ال�شم�س �أفتوني ب�أمري لم يدع لي هول فاجعتي �سبيال للتمني.. ***
قالوا جميعاً: مُتْ قرير العين لم تُقتل ولم تُ�صلب ولم تب�صرك عينٌ �إنما �شُ بهت لل�شم�س الغبية �أنت مرفو ٌع على ديباج �شعرك في بروج الخلد بر�أك ال�ضحى ظن من كل ِّ
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 91
■ �إبراهيم زويل*
لكيال تجوع الغيوم
ال تبرح الجبّ
الح من �شجر العمر هذا الحنين هكذا.. على قدْر فو�ضاك �سوف �أطلق ما في حديقة بالي تلفظ �أثقالها الأر�ض, لكيال تجوع الغيوم التي ت�ست�صرخ الكائنات ,الوعود التي تلد الماء ,والكائنات الجديدة طالما ت�ستثير الطالئع. ت�أوي �إليك طيور ب�أجنحة ال ترى. ال تبرح الجبّ منفرداُ هل تُروّ�ض في ال�س ّر �أ�سماءها ,وتحوك قمي�صاً في غيابته؛ على و�شك �أن يقول كالماً لها. ح�شرجاتك� ,ضوء �أناملك ,المنكرات. مزامير روحك موح�شة �ستحدّق في حج ّر تتخبّط في ظلها. ن�صّ بته التقاليد حولك جُ نّ هذا النهار مث ّل الم�سجّ ى على �سرر الموت يهرول م�ستوح�شاً من �سعادته تبحث عن قمر من يد ّل الجوارح في الف�ضاء الأ�صمّ. في عتمات الدجى �إلى �أين تذهب كي ت�ستريح. حين تبحث عن ن�سلها في المرايا. �أم ّد يداً لأقول :تعال تط ّل عليه الفجاءات خلف عوالمه يلهث الليل تفتّح �أقبية الروح دون هالل يربّي الك�آبة.. تدلف ناحية البحر.. ***
كانت خطاه مبعثرة لي�س فيها �سوى ورق ال�سهو بع�ض وجوه الذين �أحبّ . هنالك يخرج ده�شته ويقول :الوداع! * �شاعر من ال�سعودية.
92
اجلوبة � -صيف 1434هـ
***
لم �أكترثْ !! �آنذاك اختل�سْ تُ دمي هو ذا يت�سامر قرب البيوت. ك�أ ّن الكتابة لي�ست �سوى حجر في هبوب الرياح و�سنبلة تتهالك في تربة قاحلةْ.
ال�شاعر محمد الحرز:
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ق�صيدتان
ال يعنيني من يت�صدر الم�شهد� ,سواء الق�صيدة النثرية �أم التفعيلة .لقد ا�ستنفدنا جل طاقاتنا الفكرية ,وحتى التخييلية في ق�ضايا ال ترتبط بحركة الواقع �أو الحياة ذاتها.
«مكتبتي في واقع الأمر تعك�س مزاجي الفو�ضوي في االهتمام بنوع الكتاب والحقل الذي ينتمي �إليه؛ فتارة �أحيط نف�سي بكتب الفل�سفة ,في قراءة يتكثف فيها التركيز بطاقة عالية ,حينها ي�صبح المنزل موزعا على مجموعة من الفال�سفة والمفكرين الذين يحتلون بكتبهم المنزل ب�أكمله؛ وتارة �أحيط نف�سي بال�شعر �أو التاريخ �أو الدين، وهكذا ي�صبح منزلي حقل تجارب وا�ستوطان حقيقي لكل حالة م��زاج تتلب�سني في القراءة والكتابة» ..هذا ما قاله �شاعرنا محمد الحرز عند �س�ؤالي عن ما تحتويه مكتبته من كتب ،وقد وجدت هذه المقولة هي الأن�سب لتت�صدر هذه الإ�ضاءة ،وتكون المر�آة ل�شاعرنا وما يت�ضمنه هذا الحوار.. ■ حاوره :عمر بوقا�سم*
�أكتب تحت �إيقاع الحياة
ال ت���ت���ذك���ر دم ال���ف���ري�������س���ة» ع���ام 2009م ،و�أخ���ي���را���« ..س��ي��اج �أع��م��ق من الرغبات» عام 2013م� ،إ�ضافة �إل��ى ع��دد من الكتب النقدية .ما الم�ساحة ال��ت��ي اخت�صرتها هذه الإ����ص���دارات م��ن م�����ش��روع محمد الحرز مع الكلمة؟
• م��ح��م��د ال����ح����رز ،م����ن الأ����س���م���اء التي ب��رزت في الم�شهد ال�شعري ال�سعودي منذ ت�سعينيات القرن الما�ضي� .أ�صدر �أرب��ع مجموعات ����ش���ع���ري���ة «رج������ل ي�����ش��ب��ه��ن��ي» ع���ام 1999م�« ،أخ���ف م��ن الري�ش �أعمق م��ن الأل����م» ع���ام 2002م�« ،أ���س��م��ال ■ ال تخت�صر �شيئا وثيق ال�صلة بما
اجلوبة � -صيف 1434هـ 93
94
ت�سميه بالم�شروع� .أكتب تحت �إيقاع الحياة وتموّجات لحظتها ,والكتابة بالن�سبة لي ا�ستنفدنا جلّ طاقاتنا الفكرية هي الحياة .وعليه ،كل ما �أكتبه يندرج �ضمن حركة هذا الإيقاع .وما �أعنيه بهذا • ق�����ص��ي��دة ال���ن���ث���ر ت��ت�����ص��در ال��م�����ش��ه��د ال�����ش��ع��ري ال��ع��رب��ي ،ه��ل ه���ذا �صحيح؟ الإي�ق��اع ,هو مجموع ما تمدنا به الحياة و�إن ك��ان ك��ذل��ك ،ه��ل ه��ي ق���ادرة على م��ن خ �ب��رات جمالية وث�ق��اف�ي��ة وت��رب��وي��ة اال���س��ت��م��رار واح���ت���واء م��ا ع��ج��زت عنه واجتماعية ,تكون هي الأ�سا�س التي تتغذى ق�صيدة التفعيلة؟ عليها تجربتي في الكتابة؛ لذلك ،ال �أعلم مقدار تلك الم�ساحة التي اقتطعت حيزا ■ ال يعنيني مَ ��ن يت�صدر الم�شهد� ,سواء �أك��ان��ت الق�صيدة النثرية �أم التفعيلة. م��ن ال�ت�ج��رب��ة ,وال مكامن ح��دوده��ا� ,أو لقد ا�ستنفدنا جل طاقاتنا الفكرية ,وحتى الوجهة التي يمكن �أن تغادر �إليها. التخييلية ف��ي ق�ضايا ال ترتبط بحركة كل ما �أعرفه هو �أن �شروط الكتابة الإبداعية الواقع �أو الحياة ذاتها ,بقدر ارتباطها �أو النقدية تخ�ضعان بع�ض الأحيان لعوامل بالوعي الإيديولوجي الذي �صاحب الثقافة م�شتركة ,وبع�ضها الآخر ,لعوامل متنافرة. العربية ,لحظة تفكيره في �شكل العالقة الم�شتركة هي تلك المواقف الحياتية التي القائمة بين الإب ��داع ،من جهة ,والواقع تحفزنا على الكتابة من دون النظر �إلى ال�سيا�سي واالجتماعي والفكري والأدب��ي ما يتطلبه ال�شكل �أو المحتوى من �شروط, الذي عبرته تلك الثقافة ،من جهة �أخرى. بينما المتنافرة ,هي في ت�صوري مرحلة وحا�صل ه��ذه العالقة ه��ي ال�ت��ي ح��ددت “الحقا” ،تكون فيها الكتابة قد �سيّجت ب�شكل كبير خلفيات الم�شهد ال�شعري في نف�سها بمق�صدية الكاتب ,وتلوّنت بر�ؤاه, الثقافة العربية منذ �أوا�سط الخم�سينيات, وتغذت على خبراته ,ومن ثَمَّ �أ�صبحت �أكثر �إذ �إن من �أهم �آثارها تبنّي �صيغ للتفا�ضل خ�صو�صية ,وتالئم -بطريقة �أو ب�أخرى تعلي م��ن � �ش ��أن ه��ذا ال �ن��وع ال���ش�ع��ري �أو ال�شكل والمحتوى اللذين يتلب�سانها منذاك ,متغافلين تماما ع��ن �أن تجديد العمق. ال�شعر ال يكمن في النوع ،بقدر ما يكمن هذا هو ت�صوري ال��ذي �أرتكز عليه ,وكل في الت�صور .والأخير هو �أكثر ما يرتبط ما �أطمح �إليه ،هو �أن �أخلق �صلة تربطني بالحياة ,وبتجديد منابعها؛ �أي �أن تجديد بالكتابة ،م��ن ج�ه��ة ,وب��ال�ع��ال��م والحياة ال�شعر ،يت�صل �أ�سا�سا بتجديد نظرتنا والإن�سان ،من جهة �أخرى؛ وهي �صلة �أ�شبه للحياة ،وللثقافة ،وللتاريخ ،وللإن�سان ما تكون ب�صخرة �سيزيف ,ال يقر لها قرار, نف�سه .من هذه الزاوية تحديدا ال �أرى هذا �إال بالموت .عندها يختفي النَّ�ساج ،ويبقى النوع ال�شعري �أف�ضل حاال من ذاك ,و�إن اجلوبة � -صيف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
الن�سيج داللة على براعة ما قام به.
كنت �أرجّ ح �أن ق�صيدة النثر يمكن �أن تحرر الإن�سان العربي م��ن ثقل وط���أة التاريخ على �أدب��ه و�إب��داع��ه. تم�س لكن من دون �أن ندخل في �إ�صدار �أحكام قيّمة ّ جماليات هذا النوع �أو ذاك .لأن في النهاية مَ ن يحدد �أهمية هذا �أو ذاك بالن�سبة للممار�سة الإبداعية ,هو مجموع الظروف االجتماعية والثقافية وال�سيا�سية والأدب�ي��ة التي ترتبط بالفرد �أوال ,وبالمجتمع ثانياً؛ وه��ي كما �أرى عوامل متحركة من ع�صر �إل��ى �آخ��ر, وم��ن مجتمع �إل��ى غيره م��ن المجتمعات .ل��ذل��ك ،ال يمكن القب�ض على الأ�سباب الحقيقية التي تكمن خلف معيارية التف�ضيل �أو الترجيح� ,إال بالقدر الذي ت�سمح به مثل هذه الظروف في التحكم بالعملية الإبداعية, والنظر �إليها من خالله. ال توجد عندنا ق�صيدة «نتية» �أو �إلكترونية
• ظهر في ال�سنوات الأخيرة م�صطلح ،و�أظن �أنك على علم به وهو «�شعر �أو �شعراء النت» ،هل �سيكون هذا مالذا للق�صيدة وبخ�صائ�ص فنية مغايرة؟ ■ ثمة فرق بين �شعراء (النت) ,والق�صيدة (النتية)، �أو لن�صطلح على ت�سميتها بالق�صيدة الإلكترونية .نعم هناك (�شعراء نتيون) .لكن ال توجد عندنا ق�صيدة نتية �أو �إلكترونية� .إن وف��رة الو�سائط الجماهيرية التي غيرت �شكل العالقة بين الن�ص ومبدعه ,وبين الن�ص ومتلقيه هي التي فتحت الباب وا�سعا على ظهور ح�سا�سيات �شعرية جديدة .في ت�صوري ال تزال �أر�ضا بكرا لم يط�أها حتى الآن �شاعر ,يمكن �أن ي�ستفيد من الإمكانات الكبيرة التي تهيئها هذه الو�سائط – من برمجة المعلومات ,وطرق عر�ضها على ال�شا�شة �أو ال�شبكة العنكبوتية� ,أو من �أن��واع و�أ�شكال التوا�صل الجماهيري كالفي�س بوك� ،أو التويتر؛ لذلك نحن هنا نفرق بين نمطية مَ ن يكتبون في النت ,وهم في واقع
اجلوبة � -صيف 1434هـ 95
96
هذه النمطية ال تعني �سوى �إغفال دور هذه الو�سائط في تطوير تقنيات الق�صيدة .هذا مقطع من ن�ص «فوق تلة عالية» ،من مجموعتك الأخ �ي��رة «�سياج �أق�صر من ويا ليتنا اكتفينا بذلك فقط ,بل وجدنا �أن الرغبات»� ،أ�ستح�ضره هنا كمر�آة يعك�س الإمكانات التي توفرها هذه الو�سائط ,التي ال� �ح ��ال ��ة ال �� �ش �ع��ري��ة منها �سرعة االنت�شار كل ما �أعرفه هو �أن �شروط الكتابة للمجموعة� ،إذ تتميز والو�صول� ,سهّلت الإب��داع��ي��ة �أو النقدية تخ�ضعان بع�ض �أغ� �ل���ب ال �ن �� �ص��و���ص من انت�شار ظاهرة اال�� �س� �ت� ��� �س� �ه ��ال الأحيان لعوامل م�شتركة ,وبع�ضها الآخر ,بخلق ال�صورة ،التي ال �ك �ت��اب��ي ,و��ص��ار لعوامل متنافرة ي�صعب خلقها� ،إال ع��ن��دم��ا ق���ام���ت ال����ث����ورة ال��ب��ل�����ش��ف��ي��ة في بتلبّ�س الحالة كاملة. التفكير في ال�شكل الإبداعي وتقنياته بدايات القرن الع�شرين المن�صرم ،جلبت • محمد الحرز، ال ت��ه��م ب��ال �ق��در معها ت�صورات عن الإبداع والأدب ,تن�سجم هل ي�شترط لكتابة ال � � � � ��ذي ي��ح��ق��ق مع ر�ؤيتها للحياة والعالم ال����ن���������ص ال���ج���دي���د ال �ه��دف ،والغاية �أنا �أدعو �إلى كتابة الق�صيدة الإلكترونية ,ح�ضور هذا البعد؟ ه��و ال��و� �ص��ول من بما ي�ضفي عليها فاعلية وترابط قويين, ■ ب ��ال� �ت� ��أك� �ي ��د ي��ا خ �ل��ال ال �ك �ت��اب��ة من خالل تقنيات هذه الو�سائط. �صديقي� ،أنا �أ�شترط �إلى �أكبر �شريحة مثل هذه الحالة؛ فمن م���ن ال �م �ت �ل �ق �ي��ن, دونها ال يمكن �أن �أكتب ب�صرف النظر عن القيمة والمحتوى .ولذا ن�صا مكتمل ال�شروط .وما �أفهمه من كلمة �أنا �أدعو �إلى كتابة الق�صيدة الإلكترونية (الحالة) هو امتالء اللحظة ,بهاج�س م��ن ه��ذا المنظور ت�ح��دي��دا ,بما ي�ضفي الكتابة ,وال يمكن �أن يحدث االمتالء �إال عليها فاعلية وترابط ًا قويين ,من خالل بتراكم �سابق عليها من اللحظات ,يتعلق تقنيات هذه الو�سائط. هذا التراكم بحدث معين في الحياة� ,أو فوق تلة عالية يت�صل بالقراءة� ,أو بتداعيات الذاكرة «ال ترهق �صوتك بالكالم. ح�ي��ن تحتك ب��ال�ح�ي��اة ال�ي��وم�ي��ة ,وه�ك��ذا يحدث �أن تتقاطع هذه الأمور جميعها في دعيه لي اجلوبة � -صيف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
الأمر ،في الأغلب ,يكتبون الق�صيدة خارج �إطار هذه الو�سائط ,وك�أن ال وجود لها �أو ت�أثير على بنية الق�صيدة� ،أو على �شكل تلقيها.
مثل نجمة، �أهتدي بها في عتمة ال�صحراء. دعيه لي كي �أقاوم به �صخب العالم”.
لحظة معينة ,قد تكون �صدفة� ,أو رغبة ■ ما ال��ذي تغير على الم�ستوى ال�سيا�سي عميقة ت�شق طريقها لل�سطح .لكنها في �أو االق �ت �� �ص��ادي ،ح�ت��ى يتغير الخطاب النهاية تن�ضغط ك��ي تتحول �إل��ى لحظة الإبداعي؟! ال �شيء البتة ,و�إذا كنا نفتر�ض امتالء ,تنفجر بالكتابة ,حيث الوعي بها �أن الخطاب الإبداعي يتغير بتغير هذين ي�شذب هذا االنفجار الحقا. الم�ستويين – ويمكن �أن ي�ضاف الثقافي والفكري والتربوي -ف��إن االختالف هنا �أهمية التفكير في معنى هذه الحالة� ,أو يقع في مفهوم التغير نف�سه .ما يجري محاولة عقلنتها بال�صورة التي �أت�أولها، في الوطن العربي ال ي�سمى تغيرا ,يمكن تعطي م��ؤ��ش��را على مكانة الإب���داع عند �أن نقول معه �إن هناك مفا�صل حقيقية �صاحبه؛ ومن ثَمَّ ،ف�إن هذه المكانة ت�ضع في التحوّل تطال ال�سمات العامة للخطاب قيودا على الن�ص ال لتحده ,و�إنما لتحفزه الإب��داع��ي .ال ي��زال الو�ضع كما هو عليه, على االنطالق من جديد .ولكن ب�شروط ال بل لأ�صدقك القول.. تخ�ضع �سوى للإبداع ال ���ي ب ���ر ع ��� ل ا ���ن ط ���و ل ا ���ي ف ���ري ج ��� ي ���ا م و� �ش��روط��ه فقط, ه�ن��اك ردة ق��وي��ة في ول� �ي� �����س ل�����ش��يء ي�سمى تغيّرا ,يمكن �أن نقول معه �إن هناك الخطاب الإب��داع��ي, مفا�صل حقيقية في التحوّل تطال ال�سمات ت�ت���ص��ل ه ��ذه ال ��ردة ي�سقط عليه من العامة للخطاب الإبداعي. ال � �خ� ��ارج ك�شعر ف��ي تحويل الخطاب مكتبتي تعك�س م��زاج��ي الفو�ضوي في ال�م�ن��ا��س�ب��ات� ،أو الإبداعي �إل��ى مجرد االهتمام بنوع الكتاب والحقل الذي ينتمي �سهولة التوظيف ه��وي��ة ،ي�ستثمر في �إليه. عند هذه ال�سلطة ال�خ�ط��اب��ات الأخ ��رى �أو ت �ل��ك .ويعطي ب�صورة ت�ضر ب��الإب��داع م�ؤ�شرا �أي�ضا على القيمة المحورية التي وخطابه من العمق .التغير يحتاج �إلى ثورة يحظى بها مفهوم ال�شعر عند هذا ال�شاعر حقيقية تطال جميع مفا�صل الحياة ,بحيث �أو ذاك ,وهو في حد ذاته تطو ٌر لم يرق في تجرف معها كل �شيء ا�ستهلك ,وا�ستنفذت م�شهدنا ال�شعري �إليه �أحد على الأرجح. طاقته ,ولم يعد ي�صلح لبناء ثقافة جديدة عليه. ال �شيء تغيّر.. • ف�����ي ظ�����ل ال����ت����غ���� ّي����رات ال�������س���ي���ا����س���ي���ة عندما قامت الثورة البل�شفية ،في بدايات القرن الع�شرين المن�صرم ،جلبت معها واالق��ت�����ص��ادي��ة ال��ت��ي ي�شهدها العالم ت�صورات عن الإبداع والأدب ,تن�سجم مع العربي ،ما الأثر الذي قد تتركه هذه ر�ؤيتها للحياة والعالم ,وهي الت�صورات التغيرات على �شكل الخطاب الإبداعي وم�ضمونه؟ المارك�سية ال�شيوعية التي طبعت �أدب تلك
اجلوبة � -صيف 1434هـ 97
ال �أ�ضع النقد �إزاء الإبداع..
• �أحد النقاد ال�سعوديين ردّد هذه العبارة «النقد في ال�سعودية تفوّق على الن�ص الإبداعي» ،ما ر�أيك؟
98
هواج�سهم ترتبط بمثل هذه الم�سائل التي ال تقدم �أو ُت�أَخِ ر في م�سيرة الإبداع والنقد على حد �سواء.
■ ال �أعلم في �أي �سياق وردت هذه العبارة ,النقد حركة �شاملة تجترح مناطق فكرية وم�ع��رف�ي��ة ,وت��ؤ��س����س لمقترحات لمعنى وفي �أي مو�ضع جاءت .لكني عموما ال �أ�ضع الثقافة والإن �� �س��ان واالج �ت �م��اع ,وتعطي النقد �إزاء الإب��داع ,في ثنائية اختزالية, ت���ص��ورات للحياة وللكتابة ,وتقف �سدا يحلو للبع�ض التغني ب�ه��ا� ,أو ال�ضرب منيعا لكل تجاوزات ال�سلطة والم�ؤ�س�سة على �أوت��ار �سجالية ال تتجاوز ر�ؤية �ضيقة وال��دول��ة .بهذا المعنى للنقد ..ال معنى لكال المفهومين .الم�س�ألة في ت�صوري ال عندي ف��ي ك��ون ه��ذا النقد متفوقا على تكمن في �أن �أحدهم يتفوق على الآخ��ر, الإب ��داع� ,أو العك�س ,ما دمنا لم ن�ؤ�س�س بل هو في مفهوم النقد ذاته .هنا مكمن في ثقافتنا المحلية لمثل هذا المنظور �أو الم�شكلة برمتها .الذين يق�صرون ر�ؤاهم التقعيد له على الأقل. وا�شتغاالتهم على معنى �ضيق للنقد، يرتبط �أ�سا�سا عندهم بالنواحي الفنية من �أين جاءت هذه الفكرة؟! والأ�سلوبية للن�ص الإبداعي ,مرتكزين على مرجعيات ثقافية ومعرفية محدودة ,تفتقد • م��ح��م��د ال��ح��رز يح�ضر ن���اق���داً م��رة، ومبدعاً «�شاعراً» مرة �أخرى ،هل ثمة �إل��ى المعرفة الفل�سفية العميقة للوجود ع�لاق��ة ج��دل��ي��ة ب��ي��ن ال��ن��ق��د والإب�����داع، والحياة والإن�سان وعالقتها بالكتابة ,ف�إن وكيف وفقت بين االتجاهين؟ ه�ؤالء بالت�أكيد �سيقدمون ثقافة �سطحية, ال ترقى �إل��ى الهمّ المعرفي ال��ذي يكمن ■ جُ وبهتُ في الكثير من اللقاءات ال�سابقة بمثل ه ��ذا ال �� �س ��ؤال .وك � ��أن ال�ت�ن��اف��ر �أو خلف مفهوم النقد بالمعنى الفل�سفي التناق�ض بين الكتابة ال�شعرية والكتابة ال�شامل ،الذي تتجاوز �أبعاده ثنائية النقد النقدية قائمة ب��الأ��س��ا���س ف��ي بنية كل والإبداع ,ومن ثَمَّ ،فمن الطبيعي �أن تكون
اجلوبة � -صيف 1434هـ
يبدو لي �أن ال�سبب يكمن في غلبة المنطق الأر�سطي وهيمنته على التفكير ,وال نريد هنا الخو�ض ف��ي تفا�صيل ه��ذه الهيمنة ■ �سبق و�أن تحدثت ب�أننا ك�شعراء ونقاد، و�أبعادها ,و�أثرها على فهم وت�صور الإبداع ال يمكن ال��رك��ون �إل ��ى م �ق��والت �شمولية ف��ي ع�لاق�ت��ه ببقية ال �ج��وان��ب الثقافية. واخ �ت��زال �ي��ة ،ح�ي��ن ي �ك��ون ال �ح��دي��ث عن لكننا ن�شير �إ�شارة ب�سيطة �إلى �أن المنطق ال�ساحة ال�شعرية في ال�سعودية .ال�سعودية ال�ح��دي��ث ال��ذي ي�شكّل ال��راف�ع��ة للثقافة �شبه ق ��ارة ,فحين ننظر �إل ��ى اخ�ت�لاف المعا�صرة ال يف�صل بين الإب��داع والنقد, ت�ضاري�سها الجغرافية ووعورتها ,وطبيعة بل يهتم -في الأ�سا�س -بالكتابة كت�صور م��ن��اخ��ه��ا ،وارت���ب���اط ك��ل ه ��ذا ب��ال �ع��ادات وم �ب��د�أ ح�ضاري تتمايز ب��ه المجتمعات والتقاليد االجتماعية القبلية التي تميز عن غيرها .لذلك نجد �أغلب المثقفين تاريخ كل منطقة �أو مدينة ,ف�إننا بالت�أكيد والمبدعين الغربيين كتبوا في الحقلين, ال يمكن �أن نرمي المقوالت جزافا ,فعلى ول��م ي�ت��وان��وا �أو ي�ت�ح��رزوا �أو يخافوا من �سبيل المثال عندما ي�أتي ناقد ويقول ب�أن طغيان �أحدهما على الآخر. الم�شهد ال�شعري ال�سعودي هو الأكثر تطورا وه� �ن ��اك ��س�ل���س�ل��ة م ��ن �أ���س��م��اء ال�ك�ت��اب وتميزا في ال�ساحة العربية؟ فهذا معناه والمبدعين الذين يمكن �أن نذكرهم في �أن��ه ق��ام با�ستقراء ع��ام ,وا�ستخرج �أهم ه��ذا الإط ��ار :الفيل�سوف «كنيت�شه»� ،أو المالمح العامة ,ثم بنى عليها ا�ستنتاجه, المفكر «�سارتر»� ,أو ال�شاعر «بريتون»، وه ��ذا م��ؤ��ش��ر لي�س ق��ائ�م��ا ف��ي الخطاب وغيرهم الكثير .وعليه ،بالن�سبة لي ال النقدي حاليا .نخن نفتقر �إلى الدرا�سات �أرى ثمة تناق�ض �أو تنافر؛ �أف�سر ذلك بكل العلمية الر�صينة وال �ج��ادة ,في الإجابة ب�ساطة في حالتي ،هو تنوّع تعبير الذات على مثل هذه الأ�سئلة .ويمكن �أن تقي�س ب�أ�شكال كتابية مختلفة لم يكن يكفيها ذلك ,حتى من داخل الم�شهد ال�سعودي, نوع واحد ،تدلف �إليه في التعبير ,ب�سبب �إذا م��ا تحدثنا ع��ن الأج �ي��ال ال�شعرية تعقّد الحياة ،من جهة ،وحاجة الإن�سان وعالقة منجزها بتطور الن�ص ال�شعري. في التعبير عن هذا التعقد بطرق مختلفة، فمثال ما �شكل التطور في الق�صيدة الذي من جهة �أخرى. �أ�ضافه �شعراء الثمانينيات ,على م�ستوى
الأك��ث��ر ت�ألقا وج��د ّي��ة ،كيف تقيم �أنت ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية؟
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
المرحلة فيما ي�سمى ب��الآداب الرو�سية. وب�صرف النظر عن النظرة الإيديولوجية لهذه ال�ت���ص��ورات� ,إال �أن�ن��ا ن�ضع مفهوم التغير �ضمن ه��ذا ال�سياق ,حتى نتعرف على مدى ما تحدثه من تغيرات على �شكل الخطابات كافة.
منهما .وال يمكنهما االجتماع ف��ي ذات كاتبة واحدة .بع�ض الأحيان �أت�ساءل :من • ه����ن����اك ت�����ص��ن��ي��ف ي���ق���ي���م ال�������س���اح���ات �أين جاءت هذه الفكرة وت�سربت كقناعة ال�شعرية م��ن ب��ل��د �إل���ى �آخ����ر ..فمثال را�سخة في الخطاب الثقافي العربي؟ هناك �شعراء ي�صنفون �ساحاتهم ب�أنها ال يمكن الركون �إلى مقوالت �شمولية
اجلوبة � -صيف 1434هـ 99
100اجلوبة � -صيف 1434هـ
الكاتب الم�صري �سليمان فيا�ض
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ال��ر�ؤي��ة والأ� �س �ل��وب؟ و�أي���ن تكمن نقاط التقاطع واالختالف في فهم ال�شعر بينهم وبين من �سبقهم من �أجيال ..وما لحقهم من �أجيال �أي�ضاً؟ هذه الأ�سئلة ال بد �أن تقفز �أمامي كلما حاولت �أن �أتحدث عن ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية .بالطبع هذا ال يمنع �أن ندلو بدلونا في الم�س�ألة ،انطالقا م��ن تجاربنا ال��ذات �ي��ة ,وان�ط�لاق��ا �أي�ضا م��ن اجتهاداتنا وعالقتنا التي تربطنا بمجموعة �أخ��رى من ال�شعراء ,وهذه في مجموعها قراءات انطباعية .لكنها مهمة على م�ستوى التوثيق وال�شهادة على مرحلة معينة م��ن ت��اري��خ ال�ت�ج��ارب .ل��ذل��ك ،من خالل تجربتي� ،أرى �أن الق�صيدة لم ت�صنع لها تراكما تاريخيا ,يعبر بها من جيل �إلى �آخر ,بحيث تحمل �سمات كل جيل ,لي�ضفي عليها الجيل الالحق �سمات �أخرى ,ت�صب الخو�ض في مغامرة مفتوحة في �صالح تاريخ تطورها .ومن ثمَّ ،ظلت • وماذا عن جديدك؟ الق�صيدة تداور نف�سها في جميع الأ�شكال ■ هناك تجربة �شعرية ج��دي��دة ,تتر�صد التي تكتب بها ,مثلها مثل الرواية الخارجة م��ا يمكن �أن �أ�سميه الن�ص الإلكتروني من رحم ال�سرد ,والتي ظلت �أي�ضا من دون ال��ذي ي�أخذ -كما قلت -تقنية الو�سائط تجييل �أو تن�سيب. الجماهيرية ,ويوظّ فها بو�صفها جماليات تعك�س مزاجي الفو�ضوي ق��اب�ل��ة ،ت��رب��ط ال�ن����ص ب���ص��ورة تفاعلية • هل لنا �أن نتعرف على مكتبتك؟ م��ع المتلقي� .إن�ه��ا الخو�ض ف��ي مغامرة ■ مكتبتي في واق��ع الأم��ر تعك�س مزاجي مفتوحة ,وهذا في ظني جمالها. ال�ف��و��ض��وي ف��ي االه �ت �م��ام ب �ن��وع الكتاب والحقل ال��ذي ينتمي �إل�ي��ه؛ فتارة �أحيط • ما المواقع التي تزورها على ال�شبكة العنكبوتية؟ نف�سي بكتب الفل�سفة ,في ق��راءة يتكثف فيها التركيز بطاقة عالية ,حينها ي�صبح ■ ال توجد مواقع محددة .لكن مواقع الأخبار والجرائد هي الأكثر ترددا عندي. المنزل موزعا على مجموعة من الفال�سفة
والمفكرين الذين يحتلون بكتبهم المنزل ب�أكمله .وت��ارة �أح�ي��ط نف�سي بال�شعر �أو التاريخ �أو الدين ،وهكذا ي�صبح منزلي حقل تجارب وا�ستوطان حقيقي لكل حالة مزاج تتلب�سني في القراءة والكتابة .ولأن منزلي �صغير ،ف�لا ي��وج��د مقر �أ�سا�س لما �أ�سميه مكتبة ثابتة .ربما هذه �إحدى الميزات التي جعلت الم�سافة بين المنزل والمكتبة يمحى تماما في قامو�سي اللغوي, بحيث يتحول هذا الإمحاء �إلى قوة جذب ال �أ�ستغني عنها لحظة الكتابة �أو القراءة. ه��ذا ما �أود �أن �أق��ول��ه ح��ول مكتبتي� .أما ال�ج��وان��ب الأخ ��رى ف�أعتقد �أن�ه��ا مكررة وموجودة في كل مكتبة ،فال داعي للحديث فيها.
الكتابة الق�ص�صية ،حالة مزاجية مميزة ك�أ�صابع اليد، ولي�س هناك اثنان من الب�شر متماثالن ومتطابقان تمامًا.
ب��د�أ م�شواره الفني والق�ص�صي منذ العام 1960م ،بمجموعته الق�ص�صية الأول��ى (عط�شان ي��ا �صبايا) ال��ت��ي لفتت نظر ال��ن��ق��اد ،حيث ع��دّوه��ا خير معبِّر ع��ن ال��واق��ع الم�صري ،من خالل ت�شابكه مع الأ�ساطير؛ وكان �آخرها في مجال الرواية والق�صة مجموعته الق�ص�صية( :ال�شرنقة) ،ورواية�( :أيام مجاور) اللتان عك�ستا محورًا مهماً من حياته ،وكذلك محورًا مهماً في الواقع الم�صري ،وهو حياة المجاورين بالأزهر. وكما ان�شغل الكاتب �سليمان فيا�ض بالهوية الم�صرية ،فقد ان�شغل بالهوية العربية وتر�سيخ االنتماء داخل ال�شباب العربي ،ما دفعه لت�أليف �سال�سل للنا�شئة عن علماء وعباقرة العرب� ،شهد جميع النقاد بتميزها.. وقد دفعه هذا االهتمام بالثقافة العربية� ،إلى العمل في مجال المعاجم والكتب الفكرية ،وقد ات�ضح �أنه يركز على الفعل العربي في روح ا�ستخداماته المعا�صرة. ح�صل على ال��ع��دي��د م��ن ال��ج��وائ��ز �أب��رزه��ا :ج��ائ��زة ال�شاعر �سلطان العوي�س من الإمارات العربية المتحدة العام 1994م ،في حقل الق�صة والرواية ،عن مجمل �أعماله الق�ص�صية .وجائزة الدولة التقديرية ،لجمهورية م�صر العربية العام 2002م. ■ حاورته� :سمر �إبراهيم*
• متى تكتب ،وف��ي �أي ظ��رف؟ وما ال���ع���ادات ال��ت��ي ت��رت��ب��ط ب��ه��ا لحظة الكتابة؟
نف�سي .قد ت�ستغرق كتابة الق�صة مني جل�سة واحدة من العا�شرة �صباحً ا �إلى الخام�سة م�ساء .وقد تكتب الق�صة في ع��دة جل�سات ،ك��ل ذل��ك ح�سب ن�ضج التجربة الق�ص�صية داخلي.
■ �أكتب عندما تواتيني تجربة ق�ص�صية. ع��ادة ال �أب��د�أ الكتابة في ال�صباح .وال �أكتب �إال و�أن��ا في �صحة طيبة .ومزاج قبل �أن �أبد�أ في الكتابة� ،أ�شرب قهوتي، و�آخ��ذ حبتين م��ن الأ�سبرين .عندئذ رائق خال �إال من تجربة ق�ص�صية في
اجلوبة � -صيف 1434هـ 101
102اجلوبة � -صيف 1434هـ
• لكل كاتب ر�ؤية ق�ص�صية تحدد تجاربه الق�ص�صية. ر�ؤيتك �أنت ..كيف هي؟ ولغة الق�ص كيف تراها؟
■
الق�صة معي ن�شاط اجتماعي .ف���إذا لم ت�سهم التجربة الق�ص�صية في �أداء دور اجتماعي واقعي ونقدي ،ال �أقترب منها� ..أتجاوزها .و�إذا لم يكن بالتجربة تحدٍ لف�ساد الواقع ومظالمه ،حتى لو كانت تجربة نف�سية و�شخ�صية ال �أقترب منها .و�إذا كانت الق�صة محايدة في مواجهة الواقع �أتجاوزها ،و�إذا لم يكن بها �شخ�صيات مميزة بحيث ال يمكن للقارئ ن�سيانها �أتجاوزها .و�إذا لم �أدرك جيدً ا كيف حدثت التجربة الفنية ب�صورة ا�ستح�ضارية كاملة �أتجاوزها «بالطبع ال يفتر�ض ذلك �أنه ي�شترط �أن تكون ق�صة حقيقية ،ولكنني �أتحدث عن الحدوث الفني». فكل ق�ص�صي ا�ستح�ضرت فيها كل ذلك مع معرفة �سبب كتابتها ،ولمن؟! حتى لو كانت �أق�صو�صة من ق�ص�ص اللحظة ،وهي ن��ادرة معي ،فا�ستبطن فيها كل ذلك في نف�سي ،و�أ�ستنطقه و�أج�سده في نف�سي �أوال .وعلى الورق ثانيًا. و�أعتقد �أن لغة الق�صة معي متنوعة من ق�صة �إلى �أخرى.. ح�سب التجربة ،ف�أنا �أحب ال�سباحة في مياه متنوعة ،بل أي�ضا داخل الق�صة الواحدة .فهناك �أكت�شف �أنها متنوعة � ً عندي �إيقاعات �شتى للغة ،مع و�سائل الق�ص من جهة، ومع جو اللحظة في الموقف والحدث .قد يكون �شاعريًّا، وقد يكون �صراعً ا دراميًّا ،وقد يكون م�شاحنة بين اثنين �إل��خ ..ح�سا�سية القا�ص المبدع وحدها هي التي تحدد ذلك ،وخبرته ،وممار�سته ،ومزاجه الق�ص�صي الخا�ص به؛ فالكتابة الق�ص�صية ،حالة مزاجية مميزة ك�أ�صابع اليد ،فلي�س هناك اثنان من الب�شر متماثالن ومتطابقان ق�ص�صا ق�صيرة رومان�سبة ً تمامً ا .كان �أبو المعاطي يكتب التجارب ،وين�شرها في مجلة الر�سالة. وبد�أت ذات يوم في كتابة ق�ص�ص من تجاربي النف�سية الذاتية ،كتبت في نحو من �سنتين ع�شر ق�ص�ص ،و�أر�سلتها �إلى مجلة الر�سالة ولم تن�شر�« ،أحمد اهلل �أنها لم تن�شر».
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
الب�شر ،والحيوانات، �أك� � � ��ون ف� ��ي ك��ام��ل �إذا لم ت�سهم التجربة الق�ص�صية في والطيور ،واختالف ال�ل�ي��اق��ة النف�سية. �أداء دور اجتماعي واقعي ونقدي ،ال درج� � � ��ات ال�����ض��وء �أظ� � � � � ��ل �أدن� � � � � ��دن أتجاوزها � و منها أقترب � وال�ظ�ل�م��ة وال �ظ�لال م �� �س �ت �ع��ر� ً��ض��ا ج��و الق�صة وما بها من لم �أنده�ش كثيرً ا من قول طه ح�سين :في الليل والنهار.. �إلخ ،ومع كل ذلك لم �شخ�صيات و�أحداث اقر�أ اقر�أ ،حتى لو كان ما تقر�ؤه �أه�ت��د �إل��ى �أن �أك��ون ومواقف وح��وارات. �صفحة متهرئة ملقاة على الر�صيف قا�صا .قر�أت -لحبي ًّ ع��ادة كتابتي تكون ال �ق �� �ص��ة وع���ش�ق��ي خ � � � ��ارج ال� �م� �ن ��زل لها -مئات بل �آالف من الق�ص�ص ،ما بين في كازينو بحري �أو نهري ،فهناك �أماكن ق�ص�ص طويلة وق�صيرة ورواي� ��ات ،ب��دءًا ارت�ب�ط��ت ل��دي بكتابة الق�ص�ص ككازينو من رواي��ات الجيب ،وو�صو ًال �إلى الق�ص�ص ال�شاطبي في الإ�سكندرية� ،أو كازينو النيل الرومان�سية والكال�سيكية ،وال��واق�ع�ي��ات بالقرب من بيتي بالمنيل ..ه��ذا الكازينو الطبيعية والنقدية اال�شتراكية ،و�أكثرها ال��ذي �صار �أط�ل�اال .غالبًا م��ا �أجل�س على ق�ص�صا مترجمة عن الغرب الأمريكي ً كانت من�ضدة منعزلة بين ال�شم�س والظل ،بعد والأوربي ،وكنت في �صغري غير مبالٍ بمدى ن�صف �ساعة من الدندنة تقريبًا �أ�شرع في ال�ضعف �أو ال�ج��د فيها .فلم �أك��ن �أع��رف الكتابة� .أكون لحظتها قد ا�ستقرت الفكرة ال �ح��دود الق�ص�صية ب�ع��د ،وال غيرها من ل��ديَّ على نقطتين :بدء الق�صة ،ونهايتها، الحدود النقدية .قر�أت حتى حكايات النوادر وت�أتي اللغة من�سابة تبعًا لطبيعة كل تجربة؛ والفكاهات وعجائب الخلق والحيوانات، وبين الحين والحين يروح النادل بم�شروبات والحكايات والكتب التراثية ،فكما يعلم محددة �أ�شربها دائمًا �أثناء الكتابة :الليمون، الجميع �أنني كنت �أزهريًّا ،ولكنني �أركز في وال�شاي ،والقهوة ،والليمون �أثناء الكتابة الحديث على الق�ص. مهم جدًّا ،فغالبا ما �أ�صاب بنوبة من الزكام يقلل منها الليمون .تلك عادتي الكتابية ،لم �أنده�ش كثيرًا من قول طه ح�سين :اقر�أ ولكنها بالطبع خا�صة بي ،وهي تختلف من اقر�أ ،حتى لو كان ما تقر�ؤه �صفحة مهترئة فنان �إل��ى �آخ��ر ،فعادات الكتابة ال نهائية، ملقاة على الر�صيف ،كنت مع الق�ص في ولكلٍ عاداته. حالة عزلة نف�سية ،كنت طوال �سنوات ال�صبا • متى بد�أت كاتب ق�صة؟ وما رحلتك مع والمراهقة والتعلم م��ع الق�ص ،وال �أدري الق�ص؟ �سبب ع�شقي لها ،ولم �أكن �أفكر في ذلك. ■ بد�أت كتابة الق�صة م�صادفة .لم �أعد نف�سي ثم حدث ذلك بالم�صادفة ،قال لي �صديقي على ع�شقي لقراءة الق�ص�ص و�سماعها في ال�ق��ا���ص الكبير �أب��و المعاطي �أب��و النجا: ح�ك��اي��ات �شفاهية ،وف���ض��ول لمعرفة هذه لغتك لغة ق�ص ،لماذا ال تكتب ق�صة .كنت الحكايات مع كل من حولي ،وتدريب �شخ�صي قد ب��د�أت �أكتب مقاالت متباعدة في مجلة للو�صول �إلى دقة المالحظة لكل ما حولي: الر�سالة .في �أوائل العقد ال�ساد�س من القرن
الما�ضي ،و�أدار ر�أ�سي تمامً ا ما قاله مائة وثمانين درجة.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 103
• باليقين ،وخا�صة كما يت�ضح من حديثك ،ال�سنوات الع�شر الأول����ى م��ن ح��ي��ات��ك ،ك��ان لها ت���أث��ي��ر م�لازم لك في رحلتك الق�ص�صية؛ فهل هناك ما تريد �أن تو�ضحه �أكثر للقارئ؟
■ ما تقولينه ن�صف الحقيقة .ال�سنوات الع�شر الأولى ،التعلم والت�أثر فيها مثل النق�ش على الحجر ،تبقى في النف�س �إلى لحظات العمر الأخيرة �أكثر بكثير من كل فترات العمر الأخرى .والمراقبون لل�شيوخ يالحظون �أنهم كلما تقدموا
104اجلوبة � -صيف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
كنت حينها ما �أزال في مدينة المن�صورة ،وحين جئت �إلى القاهرة ،والتقيت بع�شرات من الق�صا�صين وال�شعراء، عاودت المحاولة ،وكانت قد ن�ضجت ر�ؤيتي بع�ض ال�شيء الق�ص ،وبخا�صة حين ب��د�أت في القراءة المت�أملة، لفن ّ والمدققة في كيفيات الق�ص ،لكثير من الكتاب ،منهم: نجيب محفوظ ،يو�سف �إدري����س ،المازني ،طه ح�سين، ��ش�ك��ري ع �ي��اد� ،آرن �� �س��ت ه�م�ي�ن�ج��واي ،ج��ون �شتاينبك، تورجنيف ،تول�ستوي ،دي�ستويف�سكي ،مك�سيم جورجي، وجوجول. غامرت وكتبت ثالث ق�ص�ص �أ�سميتها ق�ص�ص البدايات الأول� ��ى ،اثنتان منها رومان�سيتان ،والثالثة الواقعية اال�شتراكية ،وتمر�سّ ت في فن كتابة الق�ص ،وكنت مكتف الأيدي فيها ،في تجارب الق�ص ،وبالأكثر في لغة الق�ص. كانت اللغة م�أثورة المفردات في االختيار والتراكيب ولغة تعليمي الأزهرية .ون�شرت هذه الق�ص�ص في مجلة الآداب، ومجلتين م�صريتين. ووجدت نف�سي في محنة اللغة التي �أريدها ،هي لغة الواقع الحي ،مثل لغة يحيي حقي ،وهمينجواي ،ويو�سف �إدري�س. وعلى غير توقع� ،أثمرت قراءاتي و�ضجري بلغة ق�صي، وممار�ستي للغة الإعالم وال�صحافة ،عن ق�صتي المفتاح �إلى كل ما كتبته بعد ذلك ،ق�صة :يهوذا والجزار وال�ضحية التي �أ�سميتها فيما بعد :امر�أة وحيدة. الق�ص الواقعي والنقدي وب��د�أت بهذه الق�صة رحلتي مع ّ المتحدي ،فع�شقي لقراءة الق�ص -وكتابته فيما �أرى -هو ما �أعطى لحياتي معنى.
في العمر �سقطت من ذاكرتهم من الأمام �إل��ى ال��وراء تدريجيًّا ذكرياتهم الحديثة، وت ��أل �ق��ت ف��ي نفو�سهم ذك��ري��ات الطفولة وال�صبا. و�أعتقد �أن ت�أثير م��ا بعد ال�صبا ال يحمل في نف�س القا�ص مثل ما حمله من الغنى ف��ي طفولته و� �ص �ب��اه .وم��ن ه��ذه الطفولة وال�صبا يغترف القا�ص تجاربه الأول ��ى، وتعينه معرفته الجيدة بها ،على �أن يخطو خطواته الأول��ى على درب الق�ص الواقعي ب�صفة خا�صة .والمراحل التالية تغني درو�س المهنة .فالقا�ص بات�ساع �آف��اق��ه الفكرية، وقراءاته الأدبية التي ت�صقل عمله ،وربما بذلك تكون المراحل التالية �أكثر �صقال له مما تفعله مرحلة الطفولة وال�صبا.
وتكنيكاتهم ور�ؤاه� ��م ،بكافة اتجاهاتهم الفنية الرومان�سية الواقعية� ..إلخ؛ فالمعيار دائ� ًم��ا ه��و ال�ج��ودة الفنية ولي�س المدر�سة الفنية التي ينتمي اليها الكاتب .ا�ستفدت من «هيمنجواي» لغة الق�صة ،ومن «�شتاينبك» دراميته ،ومن «�إميل زوال» واقعيته الل�صيقة ب��الأر���ض وال�ح�ي��اة ،وم��ن «ب �ل��زاك» نماذجه الب�شرية ،وم��ن «دي�ستويف�سكي» مغامراته في النف�س الب�شرية وردود �أفعالها ،ومن «ت�شيكوف»� ،إن�سانيته البالغة ،وهكذا .ثمة ما ي�صل �إلينا من كل منهم� .أما و�سائل الق�ص أي�ضا ،نجيب محفوظ فقد �أغناني فيهاً � ، ويحيى حقي ،وكالهما واق�ع��ي بطريقته. فبدون قراءة الكبار في الفن والمعلمين في الق�ص ،لن تتجدد �أرواحنا و�أمزجتنا بر�ؤى جديدة في فن الق�ص م�ضمونًا و�شكال.
• مَ���ن تعتقد �أن��ه��م رف���اق جيلك ف��ي فن • ت�����س��ج��ل ق�����ص�����ص��ك ع�����ددًا م���ن ال��م��ح��اور الق�ص؟ �أق�صد عمرًا و�إنما فنًّا؟ البيئية التي ا�ستمددت منها ق�ص�صك، ■ «غالب هل�سا» الأردن��ي المتم�صر حتى بعد فهل لنا �أن نعرفها؟ رحيله عن م�صر ،وبهاء طاهر ،وعبدالحكيم
■ م �ح��اور ق�ص�صي البيئية م��ح��دودة فقد ارتبطت ب�أماكن ع�شت بها ..منها القرية التي ن�ش�أت بها ،مدينة المن�صورة التي ع�شت فيها �شبابي ،ومدن عربية ع�شت فيها �سنوات ق�صار ،و�أخ �ي��را مدينة ال�ق��اه��رة ،باري�س الحياة الثقافية العربية.
قا�سم ،و�إبراهيم �أ�صالن ،ويحيي الطاهر عبد اهلل ،ويو�سف ال���ش��ارون��ي .كوكبة من فر�سان الق�ص �إذا �صح التعبير .لكل منهم مزاج ،وحال متميزة في الق�ص لغة وتجارب. والغريب فيما �أراه الآن� ،أننا كنا منذ تالقينا ف� ��رادى واح� ��دا ب�ع��د واح� ��د��ِ � ،ش � ّل��ة واح ��دة نتح�س�س �أب��دً ا طرائقنا في الق�ص ،كل منا وهناك محور بيئي مهم ،هو م�ؤ�س�سة الأزهر على ح��دة .فلي�س هناك �أ�سو�أ من �أن نكون التعليمية ،فقد ك��ان تعليمي ما بين معهد بع�ضا �أو من ن�سخة بالكربون من بع�ضنا ً ال��زق��ازي��ق الديني ،ث��م كلية اللغة العربية غيرنا� .أعتقد �أن كل واحد منا �صار مدر�سة. بالقاهرة ،وكانت حياتي في تلك الم�ؤ�س�سة • مَ���ن ه��م ف��ي ر�أي����ك �أ���س��ات��ذت��ك ف��ي فن محور ًا �أ�سا�س ًا من محاور ق�ص�صي ،التي الق�ص ،وماذا ا�ستفدت منهم؟ دارت حول حياة «المجاورين» ،وهم طالب الأزه��ر ،حتى �أن �آخ��ر �أعمالي الق�ص�صية ■ كل الق�صا�صين العظام والكبار في الآداب كانت عن مرحلة معهد الزقازيق الديني، العالمية ا�ستفدت منهم الكثير .تجاربهم
اجلوبة � -صيف 1434هـ 105
• لك رواية ق�صيرة ،نريد �أن نختم حوارنا بالوقوف عندها ،وهي رواي��ة «�أ�صوات»، ف��ه��ي رواي�����ة ���ص��ادم��ة م���ن رواي�����ات ل��ق��اء الح�ضارات ،ورغ��م م��رور �سنوات طويلة منذ كتابتها ما ت��زال محوراً �أ�سا�ساً في حديث النقاد والدرا�سات االجتماعية؛ ف���م���ا داف����ع����ك �إل�������ى ك���ت���اب���ت���ه���ا ،ول����م����اذا ا�ستخدمت فيها تكنيك المونولوجات �أو الأ�صوات من بدايتها �إلى نهايتها؟
■ رواية �أ�صوات تعالج تجربة من تجارب لقاء ال �ح �� �ض��ارات ،وم��ا يفجره م��ن ��ص��دام��ات، ويحدث ذلك دائمًا عندما تنتقل ال�سيادة في العالم من ح�ضارة �إلى ح�ضارة ،عندئذ ي�ح��دث ��ص��دام بين عالمين وح�ضارتين .لقد ت��رددت كثيرًا في كتابة تلك التجربة “ع�شر �سنوات” ،وفي العام ال�سبعين من بالت�أكيد ح��دث ذل��ك ف��ي الع�صر القديم القرن الما�ضي قررت كتابتها� ،ألقيت بكل والع�صر ال��و��س�ي��ط ،لي�س م��رة واح ��دة بل طاقتي الق�ص�صية في لججها المحزنة، مرارًا ،ومنذ الع�صر الو�سيط وهذا ال�صدام واخترت لها تكنيك المونولوجات الداخلية يطلق عليه �أحيانًا ومرارًا :ال�شرق والغرب، لأق ��ارب ال�صدق النف�سي ب��أق��وى م��ا تكون ال�شرق الفنان والغرب ،والحقيقة �أنه �صراع المقاربة ،لم تكن رواية “�أ�صوات” �صدمة ح �� �ض��ارات وه��وي��ات نتيجة لتغير م��راك��ز ال�ق��وى .المنهزم يدافع عن نف�سه �ضد ما التجربة الخا�صة فقط ..بل �إن ال�صدمة ي�سميه غازيًا ،والجديد يمد �سيطرته بو�صفه الأقوى كانت في تداعياتها الزلزالية لقرائها جزءًا من التطور الإن�ساني والتقدم الب�شري. العرب ال�شرقيين و�صلت �إلى اتهامي بالتحيز للإمبريالية الغربية ،وهو ما جعلني �أت�أكد لي�ست هناك ت�ج��ارب ق�ص�صية يمكن �أن من �صدق التجربة ،فال�صدق دائمًا موجع تكون �أغ�ن��ى م��ن ت�ج��ارب لقاء الح�ضارات و�صدامها� .إنها الدراما التراجيدية الكاملة را�ض ومقتنع بما فعلت، وم�ؤلم ،ولكني كنت ٍ م�سرحها وجه الأر�ض �شماال وجنوبًا و�شرقًا، فال�صدمة دائ� ًم��ا في البداية تثير رد فعل ولي�ست هناك ت�ألّقات ق�ص�صية وتجليات �سلبي ،ثم بمرور الوقت وا�ستيعابها يحدث �ساطعة نجدها في تجارب ق�ص�صية �أغنى ال�ح��وار معها وفهمها ..وه��و ما ح��دث بعد من هذه التجارب ،لذلك �أدليت بدلوي فيها. ذل��ك ،فالتغير ي�أتي بالمواجهة ال�صريحة وح�سب هذه التجربة الق�ص�صية كان هدفي الوا�ضحة.
106اجلوبة � -صيف 1434هـ
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
وهي بعنوان� :أيام مجاور ،وكذلك كان هناك بع�ض الق�ص�ص المفردة.
الأول والأ� �س��ا���س وال�خ��ا���ص ظ��اه��رة ختان البنات في المجتمع الم�صري ،وكان هدفي العام تفجير ر�ؤية جديدة للقاء الح�ضارات �أو �صدامها .كانت ال�ت�ج��ارب الق�ص�صية العربية في ه��ذا المجال حتى زم��ن كتابة الرواية تتمحور حول رجل �شرقي يذهب �إلى الغرب في رحلة ،مثل فار�س ال�شدياق� ،أو بعثة ،مثل� :أديب لطه ح�سين ،وع�صفور من ال�شرق لتوفيق الحكيم ،وقنديل �أم ها�شم ليحيى حقي .وتجربتي قلبت المدخل غربية ت�أتي �إلى ال�شرق مع زوجها الم�صري ،وفي ذهنها �سحر ال�شرق ،وتكون النتيجة م�أ�ساة كاملة ل�ه��ا ،فقد وق�ع��ت ف��ي ��ش��راك �صراع الهويات.
�إبراهيم بن خليف بن م�سلم ال�سطام ذاكرة حا�ضرة ..وثقافة بال حدود ■ املحرر الثقايف
ولد عام 1352هـ في مدينة �سكاكا ،حا�ضرة منطقة الجوف ..ورغم تجاوزه الثمانين من عمره� ،إال �أنه ما يزال �شابا في حركته وذاكرته ،يعي�ش حياته بكل حيوية ون�شاط، كثير التجوال ،يجوب الأر �ض �شرقا وغربا و�شماال وجنوبا� ،شاهد على الجوف في مختلف مراحل التعليم ،ومنذ �إحداث �أول مدر�سة ابتدائية فيها. عل ٌم من �أعالم المنطقة ،ورم ٌز تعليميٌّ يقتدى به ،تحمّل الم�سئولية معلما و�إداريا وما يزال ا�سمه المعا حتى اللحظة ..يمتاز بالحكمة والعقالنية والر�أي ال�سديد. عبدالعزيز المبارك رحمه اهلل� ،صاحب الأي ��ادي البي�ضاء على منطقة الجوف و�أهلها ،حفظ القر�آن الكريم منذ �صغره، ودر���س في العقيدة والفقه ومنح �إج��ازة بذلك من ال�شيخ في�صل.
م�ؤهالته العلمية •تتلمذ على يد والده رحمه اهلل ،فتعلم منه مبادئ القراءة والكتابة على الرمل -ما ي�سمى بال�سبورة الرملية �آنذاك– حيث ال �سبورة وال دفاتر وال �أقالم �أو محايات.. •التحق عام 1362هـ مع والده في حلقات •ح�صل على �شهادتَي االبتدائية والمتو�سطة ال ��درو� ��س ب �ج��ام��ع ال �� �ش �ي��خ ف�ي���ص��ل بن (ن �ظ��ام ال �ث�لاث ��س�ن��وات) م��ن م��دار���س
اجلوبة � -صيف 1434هـ 107
108اجلوبة � -صيف 1434هـ
الر�سام عبدالعزيز م�شري ذاكرة اللون ..في خطوط من رحيق الري�شة
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
منطقة الجوف ..نظام المنازل. •ح�صل على �شهادة الثانوية العامة (نظام الثالث �سنوات ) من ثانوية المنيرة في القاهرة. •ح�صل على ب�ك��ال��وري��و���س �إدارة �أع �م��ال عام 1398هـ من جامعة القاهرة. منا�صب تقلدها وخارجها. •عُ يِّن معلما في مدر�سة الطوير �إح��دى القرى المجاورة لمدينة �سكاكا عام 1369م ،انتقل •ع�ضو مجل�س منطقة الجوف منذ عام 1422هـ. بعدها �إلى المدر�سة الأميرية في �سكاكا ليعمل •�شارك وت��ر�أ���س ع��ددا من اللجان االجتماعية معلما فوكيال فمديرا. وال�ث�ق��اف�ي��ة وال�ت�ج��اري��ة ف��ي القطاعين ال�ع��ام •عُ يِّن مفت�شا �إداريا في مدار�س منطقة الجوف والخا�ص. والقريات والحدود ال�شمالية ،عام 1381هـ. • ُث��مَّ م��دي��را لمكتب التعليم، م�ؤلفاته ف�م��دي��ر ًا لمكتب الإ� �ش��راف •�أعد بحوثا منها: على التعليم ف��ي المنطقة نحو �إدارة مدر�سية �أف�ضل.عام 1385هـ. •رئي�سا لبلدية ال�ج��وف عام الإدارة هدف ونتيجة.1393ه� � � �ـ ،وم �� �ش��رف��ا على •�أع�� � � َّد ك �ت��اب��ا ف ��ي (�أح� �ك ��ام م�شروع كهرباء الجوف عام ال��ع��ب��ادات) ل�ل���ص��ف ال���س��اد���س 1394/1393هـ. االبتدائي عام 1389هـ ،ونال عليه •م ��دي ��را لإدارة ت�خ�ط�ي��ط جائزة تقديرية. ال�م��دن والإدارة الهند�سية في المنطقة ال�شمالية ،عام •�صدر له كتاب (م�سيرة التعليم 1397هـ. في منطقة الجوف – تاريخ و�سير وذكريات) ،عام 1426هـ. •مديرا عاما لل�شئون البلدية وال� �ق ��روي ��ة ف ��ي ال�م�ن�ط�ق��ة •�صدر له كتاب (�صفحات من ال�شمالية ،ع��ام 1400ه� �ـ، ال�ت��اري��خ والأن���س��اب عند ع�شائر وا�ستمر ف��ي من�صبه حتى قبيلة ال�سرحان) ،عام 1430هـ. �أح��ي��ل �إل� ��ى ال �ت �ق��اع��د ع��ام 1409هـ. •ل��ه �إ�� �ص ��داران ت�ح��ت الطبع: �أحدهما يتحدث فيه عن منطقة •��ش��ارك ف��ي �أك�ث��ر م��ن ()50 الجوف ،ويتناول في الثاني �سيرته ندوة وم�ؤتمرا في التخطيط والإدارة داخ� ��ل المملكة الذاتية. من الأر�شيف
■ فريال احلوار*
ترحال منع�ش ،مُقلق ،مُده�ش! ومثير للحوا�س كلها ولي�س للعين فقط ،بل محرك ما�ض ،وما �سوف ي�أتي .هكذا هو حال الترحال بين �صفحات لأخيلة ما م�ضى ،وما هو ٍ كتاب (خطوط من رحيق الري�شة) ،الذي تقول فيه لوحة فنية �أكثر من �ألف كلمة� .إنه ترحال بين �أنا�س هدّهم التعب والحرمان واالنتظار بقدر ما هو ترحال بين الوجوه النا�ضحة بقواها المذهلة:وجوه ت�ضحك ،وتن�سى ،وتت�أمل ،وتغيب ،ت�سجل مالمحها �صفحات م��ن الع�شق والتعب واللهو وال�����س���أم ..وج���وه ي��ب��دو بع�ضها ك���أن��ه ق���ادم عبر القرون من جداريات الأ�سالف المنقو�شة على ج��دران الكهوف في الجبال .يتواتر فيها التقابل بين البُلى في الخلفيات وبين ن�ضارة وجه �صبية �إزائها ..وجه �ضاحك وابت�سامة م�ستب�شرة في لوحة من دون عنوان في(�ص .)196 وك�أن الخراب المحيط بها �سيجد انبعاث ًا ج��دي��د ًا لكل ما هو يانع مت�ألق في حيويتها وت �ف��جُ ��ر ج�م��ال�ه��ا ف��ي ك��ل ات��ج��اه! ال�ن��ا���س، ه ��ؤالء الذين ي�صنعون الأر���ض وت�صنعهم؛ ه� ��ؤالء ال��ذي��ن يطلعون م��ع ال�شم�س �أط�ف��اال ويافعين؛ ٍ�صبي ٌة و�صبايا يحفرون ويزرعون وي �ح �� �ص��دون؛ ه � ��ؤالء ال��ذي��ن ت�ط�ل��ع عليهم ال�شمو�س وهم في د�أب ،وتغيب عنهم وهم ف��ي ح��رك��ة؛ ه� ��ؤالء ال�ن��ا���س ال�ق��دي�م��ون ِق��دم التاريخ ،العريقون عراقة الجبال الباقية والح�ضارات المندثرة ..هم الذين يُ�سجل �صورهم عبدالعزيز م�شري ،بري�شة ال يعرف �إال قلة من الفنانين كيف ي�ستخدمونها كما ي�ستخدمها هو« ،الأبي�ض والأ��س��ود» الأق��وى تعبيراً ،و�أعمق من كل لون .ويبدو ذلك جليا
في لوحة ال تحمل عنوانا (�ص )207والتي ن�شهد فيها �صورة المدينة التي غرقت في المياه �إل��ى الأب��د! تعاود الرجوع ثانية ،في الخلفية المحجوبة بيد طويلة الأ�صابع.. يرف�ض الفنان �أبعاد الم�شهد الواقعية، وما ذلك بال�سجل الفيزيقي للمكان ،بقدر ما هو ا�ستخال�ص لل�سر ،للجوهر الذي فيه.. وهو يتغير ويتلوى ،كالموج المثقل بالرغبة والذاكرة ،يحاور الفنان �أحجارها ،و�أبوابها الوح�شية ..جريح ًا ي�سخر من نف�سه� ،أ�سير المفارقات الم�ستمرة التي تجعله يرنو �إلى الحرية من خ�لال نافذة يقف بينه وبينها �سيف م�سلط من علٍ ،ليندرج في �سياق �صور غير متوقعة ،تجدد �صدمة الأل��م ،وتتكرر بها طعنة الع�شق التي يتداخل فيها المرئي
اجلوبة � -صيف 1434هـ 109
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
النخيل في ال�شعر العربي هنا كما النا�س ،كما الماء والنبات ،هبّة من هبّات ال�شم�س وتزاوجها مع الطين .هبّة من هبّات ثنائية ال�ضياء والعتمة؛ وك�أنما ه��ذه الثنائية انطلقت �أغنية تملأ حناجر الأي��ام ..لوحات عبدالعزيز م�شري التقطت هذه الأغنية الم�ستر�سلة بالذات وج�سدتها ك�أغنية من �أغ��ان��ي الجبال القديمة، عميقة الحزن مرَّة� ..ضاجة الفرح مرة �أخرى!
بالر�ؤيوي ،ويتبادل فيها الخيالي والحقيقي ال�شكل والقيمة .وفي لوحة على ال�صفحة ()192يبدو �أن الأيرو�سي والروحي يلب�س كالهما قناع الآخر في ما هو ب�صريٌّ � ،إلى �أن تبدو الحقيقة عن وعي �أو غير وعي ،ك�أنها لي�ست �إال ذريعة �أخرى لتج�سيد حلم عزيز ..م�ستحيل ..يتكرر مرة بعد مرة ،ولئن كان فيها الكثير من التعبير عن ن�شوة الحب ،ف�إن الحب قد يكون المر�أة ،وقد يكون للوطن الذي كان ري�شة (الم�شري) هي عينه العا�شقة التي ال للم�شري ع�شقه الآخر .وقدرة الم�شري على تحويل ال�صورة الب�صرية �إل��ى �إيحاء بال�شعر ،م�ستمدة حد لقدرتها على االندها�ش ،والتقاط ما هو نافذ من تلك الن�شوة بالذات ،التي هي في الم�ضمون الوقع في النف�س من حياة النا�س اليومية ..عادية تلك الحياة ،لكنها غير عادية في عين هذا الفنان! من معظم المو�سيقى ال�شعرية: ه � ��ؤالء ال �ن��ا���س ل�ي���س��وا �أب �ط��ا ًال ن�شوة حب المر�أة وحب الوطن، يجترحون المعجزات بعبقريتهم متداخلتان ،ومتالب�ستان .وربما �أو �شجاعتهم ،لكنهم في ري�شة ت�ك��ون ال�ل��وح��ات ال�ت��ي ا�ستثنيت م��ن ال�ن���ش��ر ف��ي ه ��ذا ال�ك�ت��اب، ال �م �� �ش��ري �أب � �ط� ��ا ٌل ي���ص�ن�ع��ون ب�سبب الرقابة االجتماعية!!! هي الحياة ،ويغذون جوهرها الذي المعبرة ب�صورة �أو�ضح عن هذا ال يفنى ،حتى و�إن ل��م يتحدث التالب�س والتداخل. عنهم �أحد! وحياتهم هي ن�سيج البطوالت اليومية ال�صغيرة التي �أم � ��ا ف ��ي «ل���وح���ات زي �ت �ي��ة» ُي َغنّي من �أجلها المغنّون وينظم يتراكب الظالم والنور� ،سطوع ال �� �ش �ع��راء ل �ه��ا ،وي �ح �ك��ي عنها ال�شم�س وح�ل�ك��ة ال �ظ�لال التي تنثرها ال�شم�س ب�سخاء ،فالأر�ض الق�صا�صون. * كاتبة من ال�سعودية.
110اجلوبة � -صيف 1434هـ
■ �صالح عبدال�ستار ال�شهاوي*
النخل ،وواحدته نخلة ،قيل �أنه م�شتق من انتقاء ال�شيء واختياره ،والنخيلة هي الن�صيحة الخا�صة .يقال« :ال يقبل اهلل �إال نخائل القلوب» �أي النيّات الخا�صة .ونَخَ َل ال�شيء� :صفاه واخ��ت��اره .والنخيل م�ؤنثة ،و�أم��ا النخل فيذكر وي���ؤن��ث ..ففي القر�آن الكريم «�أعجا ُز نخلٍ ُم ْن َقعِر» (القمر ،)20 :و«�أعجاز نخلٍ خاوية» (الحاقة)7 :؛ وفي معجم �ألفاظ القر�آن الكريم :النخل �شجر الرطب والتمر ،وواحدتها نخلة ،وجمع النخل نخيل ،كعبد وعبيد ..ومن العرب من ي�ؤنّث النخيل ،ومنهم من يُذكّره ،نقول: النخل البا�سق ،والنخل البا�سقة ،وج��اء الكتاب باللغتين ،ف�أما النخيل فم�ؤنث عند الجمع. ومن الطرائف في كتب التراث ،ما رواه ال�شعبي م��ن �أن قي�صر ملك ال��روم كتب �إل��ى عمر ب��ن الخطاب ،ر�ضي اهلل عنه: «�أم��ا بعد ،ف ��إن ر�سلي خبرتني �أن قبلكم �شجرة مثل �أذان الفيلة ،ثم تن�شق عن مثل تخ�ضرّ ،فتكون كالزمرّد الدر الأبي�ض ،ثم َ الأخ�ضر ،ثم تح َم ّر فتكون كالياقوت ،ثم تن�ضج فتكون ك�أطيب ف��ال��وذج �أك ��ل ،ثم والنخل �أف�ضل ثروة ،وقد �أُثِر عن هارون تينع وتيب�س فتكون ع�صمة للقيم وزاد ًا ال��ر��ش�ي��د ق��ول��ه« :ن�ظ��رن��ا ف� ��إذا ك��ل ذه��ب للم�سافر؛ ف�إن تكن ر�سلي �صدقتني ف�إنها وف�ضة على وجه الأر�ض ال تبلغان ثمن نخل من �شجر الجنة» .فكتب �إليه عمر« :ب�سم الب�صرة» .ويقولون في م�صر« :عنده مال اهلل الرحمن الرحيم ،من عبداهلل عمر �أمير الم�ؤمنين �إل��ى قي�صر ملك ال��روم. ال�سالم على م��ن اتبع ال�ه��دى� ،أم��ا بعد: ف�إن ر�سلك �صدقتك ،و�إنها ال�شجرة التي �أنبتها اهلل عز وجل على مريم حين نف�ست بعي�سى ،فاتق اهلل وال تتخذ عي�سى �إلها من دون اهلل».
اجلوبة � -صيف 1434هـ 111
ل��ي�����س ال���ف���ت���ى ب��ن��ب��ي ي�����س��ت�����ض��اء ب��ه وال ت����ك����ون ل�����ه ف�����ي الأر�����������ض �آث������ار وه�����ل ي��ن��ب��ت ال���خ���ط���ي �إال و���ش��ي��ج��ة وت���غ���ر����س �إال ف���ي م��ن��اب��ت��ه��ا ال��ن��خ��ل
وال�صلة بين العربي والنخلة �صلة حميمة م�ؤكدة ،حتى لك�أن العربي يح�س �أن بينه وبينها و�شائج قربى ،كذلك يعرف عن العربي �أن�سه للنخلة وحبه لها؛ فهذا هو عبدالرحمن الداخل ر�أى فيها �أني�س ًا له في غربته في الأندل�س ،و�أنها غريبة هناك عن �أر�ضها مثله ،فقال:
وكما حفظ لنا ال�شعر �سير الم�شاهير من النا�س ،حمل �إلينا �سير ال�شهيرات من النخل، و�أ�شهر نخل العرب نخلتا ح�ل��وان ..كانتا من غر�س الأكا�سرة ،وقد �ضرب بهما المثل في طول العمر ،قيل فيهما �شعر كثير ،نختار منه قول حماد عجرد:
ت���ب���دت ل��ن��ا و����س���ط ال��ر���ص��اف��ة نخلة ج����ع����ل اهلل �����س����درت����ي ق�������ص���ر ���ش��ي��ر تناعت ب�أر�ض الغرب عن بلد النخل ع��������ن ف�������������داء ل����ن����خ����ل����ت����ي ح������ل������وان فقلت �شبيهي في التغريب والنوى ج���ئ���ت م�����س��ت�����س��ع��داً ف���ل���م ت�����س��ع��دان��ي وط��ول اكتئابي ع��ن بنيّ وع��ن �أهلي وم�����ط�����ي�����ع ب�����ك�����ت ل�������ه ال����ن����خ����ل����ت����ان وقال مطيع بن �إيا�س فيهما: ن�������ش����أت ب�����أر�����ض �أن������ت ف��ي��ه��ا غ��ري��ب��ة فمثلك في الإق�صاء والمنت�آى مثلي �أ������س�����ع�����دان�����ي ي������ا ن���خ���ل���ت���ي ح����ل����وان واب��ك��ي��ا ل���ي م���ن ري����ب ه����ذا ال���زم���ان ���ش��ق��ت��ك غ�����وادي ال���م���زن ف���ي ال��م��ن��ت���آى الذي ي�صح وي�ستمرى الم�ساكين بالوبل واع��ل��م��ا – �إن علمتما – �إن نح�ساً ��������س�������وف ي�����ل�����ق�����اك�����م�����ا م����ت����ف����رق����ان وال���ش�ع��ر ال �ع��رب��ي مملكة ،النخلة ال �ت��ي ال وق��د كانتا واف�ت��رق�ت��ا بالفعل ،وق��د احتاج الر�شيد في م�سيرة له �إلى الجمار لحرارة ثارت ب��ه ،ف�أخذ ج� ّم��ارة �إحداهما فجفت فلم تلبث �صاحبتها �أن تبعتها. قال �أحد ال�شعراء ي�صف النخيل:
تطاولها فيها قامة ،ولم تُعامل النخلة في ال�شعر العربي ب�أقل مما عومل به الب�شر .ولأن هناك تاريخ ًا م�شترك ًا بين العربي والنخل ،تغنّى بنخله ونخيله ،تغنّى بها طلع ًا وهو �أول التمر ،ثم غناها وهي خالل؛ وهو ما اخ�ض ّر من التمر ،ثم �شدا بها ب�سر ًا ثم رطب ًا ثم تمراً. ك���������أن ال���ن���خ���ي���ل ال����ب����ا�����س����ق����ات وق����د فال يكاد ال�شعر العربي ،القديم �أو الحديث، ب��دت لناظرها ح�سنا ق��ب��اب زبرجد
112اجلوبة � -صيف 1434هـ
ويقول ال�سري الرفاء:
وو�صف �أحد ال�شعراء النخلة ،قائال:
وال��ن��خ��ل ح���ول ال��ن��ه��ر م��ث��ل عرائ�س ف��ال��ن��خ��ل م���ن ب��ا���س��ق ف��ي��ه وب��ا���س��ق��ة ن�������ص���ت غ�����دائ�����ره�����ا ع����ل����ى غ���������درانِ ي�ضاحك الطلع في قنواته الرطبا وال���ط���ل���ع م����ن ط������رب ي�������ش���ق ث��ي��اب��ه �أ�ضحت �شماريخه في النحر مطلعة م����ت����ن���������ش����راً ك����ان����ت���������ش����ار ال������ج������ذالنٍ �إم������ا ث����ري����ا ،و�إم�������ا م��ع�����ص��م��ا خ�����ض��ب��ا وقال �آخر في و�صف البلح: ت����ري����ك ف�����ي ال����ظ����ل ع���ق���ي���ان���ا ف������إن نظرت �شم�س النهار �إليها خلتها لهبا �أم�����ا ت����رى ال��ن��خ��ل ق���د ن���ث���رت بلحا ج���������اء ب���������ش����ي����را ب�������دول�������ة ال�����رط�����ب ويقول �أي�ضاً: م�����ك�����اح��ل��ا م��������ن زم�������������رد خ����رط����ت وك���������������أن ال�����ن�����خ�����ل ح���������ول ق���ب���اب���ه���ا م����ق����م����ع����ات ال���������ر�ؤو����������س ب����ال����ذه����ب ظ����ل ال���غ���م���ام �إذا ال��ه��ج��ي��ر ت���وق���دا وقال �آخر: م���ن ك���ل خ�������ض���راء ال����ذوائ����ب زي��ن��ت ب�����ث�����م�����اره�����ا ج������ي������دا ل�����ه�����ا م����ق����ل����دا �أن������ظ������ر �إل���������ى ال����ب���������س����ر �إذ ت���ب���دى ول��������ون��������ه ق��������د ح�����ك�����ى ال�������ش���ق���ي���ق���ا خ���رق���ت �أ���س��اف��ل��ه��ن �أع����م����اق ال��ث��رى ح���ت���ى ات����خ����ذن ال���ب���ح���ر ف���ي���ه م�����وردا ك������������أن�����������م�����������ا خ���������و����������ص���������ه ع�����ل�����ي�����ه زب�������������رج�������������د م��������ث��������م��������ر ع�����ق�����ي�����ق�����ا �شجر �إذا م��ا ال�صبح �أ���س��ف��ر ل��م ينح ل���ل����أم�������ن ط�������ائ�������ره ول������ك������ن غ�������ردا ويقول فيه �أمير ال�شعراء �أحمد �شوقي: والنخلة ع��رو���س �أخ��ذت زينتها ،وف��ي ذلك يقول �أبو نوا�س:
ال �أن���ع���ت ال���رو����ض �إال م���ا ر�أي�����ت به ق�صرا منيفا عليه النخل م�شتهل فهالة م��ن �صفتي �إن كنت مختبرا وم���خ���ب���را ن����ف����را ع���ن���ى �إذا ����س����أل���وا ن����خ����ل �إذا ج���ل���ي���ت �إب����������ان زي���ن���ت���ه���ا الح����ت ب���أع��ن��اق��ه��ا �أغ���داق���ه���ا ال��ن��خٌّ ��ل �أم��ا المعرّي فقد �شرب من ماء دجلة وزار �أ�شرف ال�شجر ،فيقول:
�أرى ���ش��ج��را ف���ي ال�����س��م��اء اح��ت��ج��ب و������ش�����ق ال�����ع�����ن�����ان ب�������م�������ر�أى ع��ج��ب م��������������آذن ق������ام������ت ه�����ن�����ا �أو ه����ن����اك ظ��������واه��������ره��������ا درج م���������ن ������ش�����ذب �أه�������ذا ه����و ال���ن���خ���ل م���ل���ك ال���ري���ا����ض �أم�����ي�����ر ال����ح����ق����ول وع�����ر������س ال���ع���زب ط�����ع�����ام ال���ف���ق���ي���ر وح�����ل�����وى ال���غ���ن���ي وزاد ال�����م�����������س�����اف�����ر وال����م����غ����ت����رب ف����ي����ا ن���خ���ل���ة ال������رم������ل ل������م ت��ب��خ��ل��ي وال ق�����������ص�����رت ن������خ���ل��ات ال�����ت�����رب
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
والنخل حمال» .ويقولون في العراق« :المال مال يخلو من ذكر النخيل،لأن النخيل -في الحقيقة- النخيل والخيل لو �أقبلن» .والنخل طويل العمر ،كان الم�صدر الرئي�س للغذاء لدى العرب. ولهذا يدعو النا�س لبع�ضهم بطول العمر فيقال يقول امر�ؤ القي�س وا�صفا �شَ عرِ المر�أة: – يعطيك عمر النخيل ،وق��د غر�س معاوية غر�سا في �أواخر خالفته وقال ما �أغر�سها طمع ًا وف�����رع َي���زي���ن ال��م��ت��ن �أ�����س����ود ف��اح��م �أث����ي����ث ك���ق���ن���و ال���ن���خ���ل���ة ال��م��ت��ع��ث��ك��ل في �إدراكها ،ولكن ذكرت قول الأ�سدي: ويقول زهير بن �أبي �سلمى:
�����ش����رب����ن����ا م��������اء دج�����ل�����ة خ����ي����ر م����اء وق����د ع��ل��ق��ت م���ن ح��ول��ه��ا زي���ن���ة لها وزرن�������ا �أ������ش�����رف ال�������ش���ج���ر ال��ن��خ��ي�لا ق���ن���ادي���ل ي���اق���وت ب����أم���را����س ع�سجد
اجلوبة � -صيف 1434هـ 113
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
وال�شاعر محمود ح�سن �إ�سماعيل �شاعر ف���ي���ا ح����ب����ذا ب������رد ال���ن�������س���ي���م ب��ظ��ل��ه��ا وي�����ا ح���ب���ذا ذاك ال���ن���ق���ا وال���م���ن���ازل عا�شق للنخل ،فال ت��رى �إح��دى ق�صائده حتى تنت�صب في وجهك نخلة ،ولعل �أ�شهر ق�صائده و�أم��ا ال�شاعر الإح�سائي محمد الجلواح، النيل -يقول في مطلعها:فيقول فيها:
�����س����م����ع����ت ف�������ي �����ش����ط����ك ال���ج���م���ي���ل �����ف ..ت��ح��دت ج���ذوره ���ش��م��و ّخ ب�ل�ا زي ٍ ع����وادي ال��ل��ي��ال��ي وال��ف��ن��ا َء المُ�سهدا م���������ا ق�������ال�������ت ال���������ري���������ح ل���ل���ن���خ���ي���ل �أال ي���ا ن��خ��ي��ل اهلل ال جَ ����� ّذ ج��� َذع ِ���ك ي�����������س�����ب�����ح ال�������ط�������ي�������ر �أو ي����غ����ن����ي م���ن الأر�������ض ب��� ّت���ا ُر َي�����دُك ال��مُ�����شَ ��ي��دا وي�����������������ش��������رح ال���������ح���������ب ل����ل����خ����م����ي����ل
ديوان العرب المهجور.. هل تعيده الأغنية..؟
�أما ال�شاعر يو�سف �أبو �سعد ،فقال:
وقالت ال�شاعرة عاتكة وهبي الخزرجي في م����ن و����ش���و����ش���ات ال���ن���خ���ل ل��ل�����ش��ب��ع��ان النخلة:
ُ���ص��غ��تُ ال���ق���واف���ي ،وان��ت��زع��ت بياني ت����ب����ارك����ت ي�����ا ن���خ���ل���ة ال�������ش���اط���ئ���ي���ن وي���������ا �آي������������ة الأع�������������ص������ر ال����ب����اق����ي����ة و����ش���ح���ت���ه���ا ب����ال����زه����ر ي���ع���ب���ق ن�����ش��ره ح���ت���ى ب�����دت ����ض���رب���ا م����ن الأغ�������ص���ان َن����ه����ل����تِ ال����خ����ل����ود م�����ن ال����راف����دي����ن ف�������ب�������ورك�������ت م�����������س�����ق����� ّي�����ة �����س����اق����ي����ة و�سكبت م��ن ذوب ال��ف���ؤاد م�شاعري ف���ت���رن���ح���ت م���ث���ل ال�����دم�����ى �أوزان���������ي �أظ������ل������ي �أي���������ا ن���خ���ل���ة ال�������ش���اط���ئ���ي���ن ونت�أمل �إب��داع -عبداهلل الج�شي -ووفائه ف�����������������ؤادي ب�������أف������ي������ائ������ك ال����ح����ان����ي����ة
للنخلة ،هذه ال�شجرة المباركة ،لما تمثله من وللنخلة ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة تميز في عطائها الالمنتهي ال��دائ��م والوفير م�صداق ًا �أ�صالتها ،ولأهل الجزيرة ع�شق �أكثر من غيرهم لقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم «بيت لي�س لها؛ هذا الع�شق �سكب من خالله ق�صائد غزل .فيه تمر �أهله جياع»: ولعل �أروع ما قيل في هذا ال�صدد �أبيات لل�شاعر ي����ا ن��خ��ل��ة وق���ف���ت ب���ال�������ش���ط ب��ا���س��ق��ة محمد بن عبدالقادر الإح�سائي ،ي�صف فيها ي�����ص��ب ف����ي ت���اج���ه���ا �أ������ض�����واءه زح���ل اجتماعا له مع بع�ض ندمائه من الم�شايخ وطلبة مدت �إلى ال�شم�س �أيديها م�صافحة العلم في عين �أم �سبعة ،فيقول: و�أر����س���ل���ت ظ��ل��ه��ا ف���ي ال��ن��ه��ر يغت�سل
ك���ـ����أن ج��م��وع ال��ن��خ��ل ف���ي عر�صاتها ت���غ���ل���غ���ل ال�����م�����اء ف�����ي �أع�����راق�����ه�����ا ع��ذ ���ص��ف��وف ع�����ذارى حملتها ال��غ�لائ��ل ب��اً ف�أثمر ال���در وال��م��رج��ان والع�سل �إذا روح����ت ري����ح ال�����ش��م��ال ر�ؤو���س��ه��ا ل���ق���د وه����ب����ت ل���ن���ا ظ��ل��ا ت����ف����يء ل��ه ت��م��ي��ل ك��م��ا م���ال ال��م��ح��ب ال��م��وا���ص��ل ���س�لا خيمة رث���ة ف��ي ال��ب��ي��د ترتحل * كاتب من م�صر. 114اجلوبة � -صيف 1434هـ
■ خالد ربيع ال�سيد*
ينح�صر ال�شعر العربي منذ ثالثة عقود على الأقل ،بين نخبة محدودة من النقاد ال عن الجماهير ،وبين ال�شعراء �أنف�سهم الذين �أ�صبحوا الأكاديميين ،المنعزلين �أ�ص ً هائمين في �أوديتهم الذاتية ،بل �إنهم راح��وا يكونون �شرائح فيما بينهم وتق�سيمات ت�صنفهم �إلى �شعراء تفعيلة� ،شعراء عمود� ،شعراء نثر ،و�شعراء �شعبيين ونبطيين.. وكان نتيجة ذلك �أن فقد ال�شعر على م�ستوى العالم العربي �أجمع ،والخليجي على نحو خا�ص مكانته على م�سرح الحياة الفنية والثقافية. فيما ي�أتي ،محاولة للتطرق �إلى �أطراف ق�ضية «عزوف القاريء عن ال�شعر» ب�شكل �سريع وموح �أكثر منه مف�صل ،على �أن ي�ستكمل القاريء �أثناء قراءته بقايا النقاط المطروحة ،ويتمم ما بين ال�سطور وما لم يطرح في هذه الكتابة الخاطفة ،و�أول ما يلفت االنتباه في ق�ضية «عزلة ال�شعر» هي عالقة ال�شاعر بالقاريء ذاته. �إ�شكالية عالقة ال�شاعر بالقارىء ظلت العالقة بين ال�شاعر وقارئه محكومة بال�سياق الزماني والمكاني الذي ينتظم عبره كل منهما ،حيث تكت�سي هذه العالقة طابعًا ي��واك��ب طبيعة ذل��ك ال�سياق؛ ل��ذا ،ف ��إن �أي مقارنة بين مكانة ال�شاعر في الزمن العربي الغابر ،ومكانته في الزمن الحا�ضر ،لي�ست في محلها� ،إذ ال قيا�س مع وجود الفارق ،وعلى ه��ذا الأ�سا�س ينتفي وج��ود �أي �إ�شكالية في
عالقة ال�شاعر بالجمهور ،فالجمهور العربي والخليجي يجل ال�شاعر دائماً ،ولعل البرنامج التلفزيوني (�شاعر المليون) لفت �إلى ذلك م��ن �ضمن م��ا لفت ،و�إن ك��ان ال يرمي �إل��ى �إعادة ال�شعر لمكانته ،فهو تهييج �إعالمي ال طائل منه �سوى الك�سب المادي ،ولأن �إطالق م�صطلح (الإ� �ش �ك��ال �ي��ة) يعني م��ن ج�ه��ة.. اغتيال ال�شاعر ،وجعله يخاطب مخلوقات منظورة ولي�ست مح�سو�سة ..وهمية ولي�ست واقعية ،ومن زاوية �أخرى ي�شير �إلى غياب ُكلّي
اجلوبة � -صيف 1434هـ 115
116اجلوبة � -صيف 1434هـ
م��ن ه�ن��ا ،اتجهت �أن���ص��اف ال�م��واه��ب �إل��ى «ق�صيده النثر» �أو �إلى منابع لغوية �أخرى بعيدة عن اللغة الأ�صيلة� ،أو �إلى تيارات فكرية ال تدين ب��ال��والء للتراث الفكري والح�ضار ي العربي. ومع تراجع ال�شعر �إبداع ًا ،تراجع دور ال�شعراء وموقعهم على خريطة الأحداث ،فان�شغل الكبار منهم بال�سلطة والطموحات ،وان�شغل ال�شباب بق�صائدهم المتما�سة مع ق�ضايا التقوقع على ال ��ذات ،والإغ� ��راق ف��ي �شعرية الأن ��ا والمهمل والهام�شي والجوّانيّ الخا�ص ،وكل ذلك ب�شروط جمالية غربية ،وك��ل ذل��ك �أي�ض ًا في عزلة عن روح الجماهير ..ثم في جانب �آخر كانت اللغه ال�ع��رب�ي��ة -وه ��ي ت��اج ال���ش�ع��ر -ت�ت��راج��ع ب�شكل مت�سارع .. �إذ بد�أ التراجع في مناهج التعليم.. و�أ��ص�ب�ح��ت ه�ن��اك غ��رب��ة بين الأب �ن��اء ولغتهم المكرّ�سة بنماذج ال�شعر التي يدر�سها الطالب في المدار�س غير المالئمة لمراحلهم العمرية من �سوء االختيار و�سذاجة المو�ضوعات، رافق ذلك �إ�سفاف في الغناء ،والحوار ،وال�سلوكيات، ورف��ع من مكانة ال�شعر النبطي المُغنّى الذي �أ�سهم في تراجع تذوق الف�صيح الذي لم تُعلِ من �ش�أنه الف�ضائيات الخليجية� ،سواء في القنوات الغنائية المتخ�ص�صة� ،أو ف��ي المطبوعات الموجهة .
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
للقارئ ،ومن ثمة تهجيره من عالم ال�شاعر المنعزل �شاكر ال�سياب ذات االتجاه ،ون�شطت معه الحركة والق�صيّ .وهناك ما يطر�أ في هذه العالقة ،مثل ال�شعرية في الخليج ،واهتم النا�س بال�شعر الذي تناق�ص الإقبال على قراءة ال�شعر ،وهذا ال يعني الم�س حياتهم ،وعبّر ال�شعراء من خالله عن ما النفور منه �أو عدم قبوله ،بقدر ما يحيل على �أن يجي�ش في نفو�س �شعوبهم ،وك��ان الت�أثر وا�ضح ًا ال�سياق العام ا�ستحال وتبدل ،فاكت�شف الإن�سان /ب�شعراء م�صر (�أحمد �شوقي ،وحافظ �إبراهيم، القارئ ف�سحات وعوالم جديدة ا�ستبدل بها ال�شعر وعلي محمود ط��ه ،ون��اج��ي �إب��راه�ي��م وغيرهم)، خا�صة ،والقراءة عامة ،مثل التلفزيون والإنترنت فظهر محمد ح�سن عواد وحمزة �شحاتة ،وبعدهم والم�سرح وال�سينما والت�شكيل وغير ذلك .وكل هذه محمد العلي وح�سين عرب ،وغيرهم الذين �أ ْثرَوا الإبداعات الب�شرية لم تكن موجودة قديما ،ما مكّن ال�ساحة الخليجية ،وجمعوا النا�س حول ق�صائدهم. ال�شعر �آنذاك من الهيمنة على كل ُّ ال�صعُد ،فكان ثم ظهرت ق�صيده النثر في نهاية الخم�سينيات، طوال قرون عديدة الفن الأول الذي �ش ّد �إليه �أنظار بر�ؤية �أوروبية خال�صة ،مع ظهور مجلة �شعر على يد و�ألباب ونفو�س القراء ،من كل الأجنا�س وال�شرائح ال�شاعر �أدوني�س ورفاقه والم�ستويات. �أن���س��ي ال �ح��اج ومحمد الف�ضائيات ال ي�شغلها االرتقاء ال���م���اغ���وط وال����ج����راح ال�شعر من الداخل ال�شعر مكانة إعادة � ب أو � أغنية ل با و�شوقي بزيع و�سواهم، كما يمكن القول �إن واكت�سابهم مكانة كبيرة ال�شاعر العراقي «زهير الدجيلي» من �أ�سباب العزوف عن خ�ل��ال ال �ث �م��ان �ي �ن �ي��ات كتب �أكثر من � 100أغنية ف�صيحة ال�شعر �سقوط عدد كبير للأطفال وتذوقها كبار الخليجيين وال�ت���س�ع�ي�ن�ي��ات وح�ت��ى من ال�شعراء في العالم قبل �صغارهم الآن� ،إل� ��ى �أن اكتمل العربي في فخ التقليد ت��أث�ي��ره��م ع�ل��ى ال�شعر �شادي الخليج وطالل مداح وعو�ض ل� �ل� �ن� �م ��وذج ال� �غ ��رب ��ي، الدوخي وخالد ال�شيخ كان لهم الحظ الخليجي في الع�شرين خا�صة الفرن�سي منه، ��س�ن��ة الأخ� �ي ��رة ،ب��ذات الأوفر من �أغنية الق�صيدة واالت� �ج ��اه �إل���ى ال�شعر الر�ؤية (الفرنكو �آراب) ال� �ح ��ر ف� ��ي م�ن�ت���ص��ف والتي تحوّلت نحو التراث القرن الع�شرين من جهة العربي فيما بعد. الت�أثر ب�شعراء فرن�سا الحداثيين الكبار ،وبروز وال �شك �أن عدد ًا من �شعراء الأجيال الجديدة نازك المالئكة في ديوانها الأول (�شظايا ورماد) في العام 1949م بمثابة البيان الذي �أرخ انطالقة في الخليج ت�أثروا بالم ّد الحديث� ،سواء من دول ق�صيدة ال�شعر الحر ،وكان كتابها (ق�ضايا ال�شعر ال�ه�لال الخ�صيب �أو م��ن م�صر ،و��س��اي��روا ذلك المعا�صر) في العام 1962م من بين مباحثها التي االتجاه .. وال جدال في �أن مجموعة �شعراء مجلة ت�شهد بثقافة لغوية وعرو�ضية نادرة بين مجايليها «�شعر» كانوا �شعراء مثقفين �أ�صحاب ر�ؤى و�أفكار وي�ؤ�س�س مذهب الحداثة في ال�شعر ،وكر�س بدر متقدة.. ولكن ثمة من يرى بخطئهم في حق ال�شعر
العربي من جهة �أنهم جعلوا الع�شرات من ال�شعراء الأغنية الخليجية في مواجهة العزوف عن ال�شعر ال���ش�ب��اب ي�ن�ب�ه��رون بتجربتهم ،وه��م ال يملكون حافظت الأغنية الخليجية في العقود الأخيرة �أدواتهم �أو ثقافتهم �أو عالقتهم العميقة بالتراث ..على ال�شعر العربي ،ربما بتوجهات غير متق�صدة، لقد كانوا وال زالوا يمار�سون الهدم والبناء بوعي وب ��د�أت م��ن الأغ��ان��ي التي كتبها ال�شاعر «زهير كبير ،وه��ي الآل �ي��ة ال�ت��ي ت �ج��اوزوا بها ع�صرهم ال��دج�ي�ل��ي» ط ��وال ع�ق��د الثمانينيات ل�ل�أط�ف��ال، و�شعوبهم العربية ،وهي في جانب مقابل �آلية تبعتها وقدمتها التلفزيونات الخليجية ،من خالل برامج نخبة نائية عن ح�س الجماهير . «اف�ت��ح ي��ا �سم�سم» ،وم�ق��دم��ات حلقات الأط�ف��ال «عدنان ولينا» ،و«ب�سمة وعبدو» ،و«�سنان» ،و«الأمير ياقوت» وغيرها الكثير؛ والتي وجهت ذائقة الأطفال والكبار نحو الأغنية الف�صيحة .وقبل ذل��ك في بدايات القرن ..ت�أ�س�ست �أل��وان الغناء الحجازية «المج�س» ال��ذي ك��ان يفتتح المطربون ّ على ل��ون به �أغنياتهم ،وي�شترط �أن يكون من عيون ال�شعر العربي ،مثل :ق�صيدة �أحمد �شوقي (دعوه فتولى)، وق�صيدة �إبراهيم طوقان (مدائح النبوة) ،وكذلك ل��ون «ال��دان��ات» مثل (ياعرو�س ال��رو���ض ،لل�شاعر �إليا�س فرحات).
وت�ضافر في تلك الفترة ظهور �أعمال غنائية و�أوبرالية قدمها «�شادي الخليج» و«�سناء الخراز»؛ وه��ي ق�صائد ف�صحى تلتقي �أحيانا مع العامية المعرّبة ،وعمِ َل «خالد ال�شيخ» على النهج نف�سه، م��ن خ�لال �أغانيه الف�صحى والعامية المطعّمة بالف�صحى المب�سطة ،كما تغنّى الفنان «عو�ض الدوخي» ب�أغنيات ال�صوت الف�صحى و�أغنيات �أم كلثوم الق�صائد منها والعاميات ،وكانت تلك الفترة مكثفة االهتمام من قبل الجماهير بال�شعر الر�صين وبالكلمات الف�صحى ..ثم درج فنانون �آخرون على غناء ق�صائد ف�صحى ب�شكل متفرق ال يجعل منها لون ًا �سائداً� ،إذ نجد ط��ارق عبدالحكيم قد تغنّى ب�أنا�شيد دينية ووطنية وعاطفية من ال�شعر الف�صيح (�أهيم بروحي� ،شعر طاهر زمخ�شري) ،و(�سايره) عبداهلل محمد( ،هيجت ذكراه حبي) وغنى «غازي
اجلوبة � -صيف 1434هـ 117
118اجلوبة � -صيف 1434هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
علي» (�أن�صف الليل�،شعر ب�شارة الخوري)( ،على من ال�شباب �إلى �شعر نزار بالتحديد ،وا�ستمرت تلك ذكراك ،لطاهر زمخ�شري) ..وبرز «طالل مداح» الأغنيات في ذات الألق بتكري�س ال�شعر الف�صيح/ منذ بداياته بالغناء الف�صيح (زل الطرب ،كلمات القباني ،ولكنها لم تخلق حالة من االهتمام بقراءة بدر بن عبدالمح�سن)�( ،سويعات الأ�صيل ،كلمات ال�شعر �أو التغني به ،وبقيت كحالة فردية خا�صة محمد الأدري�سي)(،طفلة تحت المطر ،لبدر بن بكاظم ال�ساهر وح��ده ،ومع تكرر �أ�سلوب ال�ساهر عبدالمح�سن)( ،تعلق قلبي ،من ق�صيدة من�سوبة مو�سيقي ًا و�شعرياً ،وتخ�ص�صه التام في �شعر نزار لأم��رء ال�ق�ي����س)(،م��اذا �أق ��ول ،لفتى ال�شاطيء) من دون غيره ،فلم ي�شكّل توجه ًا خليجي ًا عام ًا نحو و(وطني الحبيب ،كلمات خالد ال�سعد) ،ف�ض ًال ال�شعر الف�صيح ،و�أدى ا�شتغال ال�ساهر بمفرده على عن مواويله العديدة التي كان يفتتح بها الغناء ،تكرار تجربته �إلى خفوت بريق هذا اللون ،وان�سحبت وغنى محمد علي �سندي (�أراك ع�صي الدمع ،لأبي جاذبية االهتمام بال�شعر الف�صيح المغنى ..غير �أنه فرا�س الحمداني) ،وتخلل ذلك �أغنيات ف�صحى في ال�سياق العام ،وبتتبع الأغنية الخليجية ب�شكل ل�ـ«م�ح�م��د ع �ب��ده» (ل ��ورا، ب��ان��ورام��ي ف��ي ال�ع�ق��ود الق�صيبي غازي كلمات لورا �شعر غازي الق�صيبي)، الأخ �ي��رة ،نجد �أنها لم ذاك حبي �إذا الجمال ر�آها (ع� ��ذب� ��ة �أن � � ��ت ،لأب� ��ي ت�سهم في �ش ّد المتلقي ذاب من فرط ح�سنها الفتان ال �ق��ا� �س��م ال �� �ش��اب��ي)، الخليجي �إل ��ى ال�شعر (�أن � �� � �ش� ��ودة ال �م �ط��ر ،لورا ..تلك لورا ..فداء لورا الغواني الف�صيح ط��وال الوقت، لبدر �شاكر ال�سياب)، تتوارى عن العيون احت�شام ًا رغ ��م ظ �ه��ور ال�ت�ج��ارب وعبادي الجوهر (نالت المتفرقة والمتباعدة وحنان ًا بمهجة الفنان ع �ل��ى ي ��ده ��ا ،ق���ص�ي��دة ال���س��ال�ف��ة ال��ذك��ر ،و�إن �أنت �شاد ومثلها ين�شد الرفق ل �ي��زي��د ب ��ن م �ع��اوي��ة)، كانت قد خلقت وج��ود ًا �صواب ًا في لجة من حنان (�إل�ي��ك ان�ق�ي��ادي� ،شعر لورا ..تلك لورا ..فداء لورا الغواني متميز ًا �أمتع المتتبعين عبدالعزيز خوجة).. م��ن الجماهير لأغنية وتوارت تحت الحنايا فكانت ال �ق �� �ص �ي��دة ،و�أغ � ��رت وح ��دث ان�ق�ط��اع عن ناب�ض ًا في م�شاعري وكياني ب �ط��ري �ق��ة �أو ب� ��أخ ��رى ال���ش�ع��ر ال�ف���ص�ي��ح بعد هواها عن �شاعري يا ت�سلني ال �إل ��ى ق� ��راءة ال��دواوي��ن منت�صف الثمانينيات ل�ساني يبوح أن � ال�سر يرف�ض ال �� �ش �ع��ري��ة واق �ت �ن��ائ �ه��ا �إل��ى �أن ظهر ف��ي بداية ال�ت���س�ع�ي�ن�ي��ات «ك��اظ��م لورا ..تلك لورا ..فداء لورا الغواني ب�شكل م �ح��دود ،ولكنه عندما ت�صبح القيود حنان ًا ف��اع��ل ورا� � �س� ��خ ،فيما ال� ��� �س ��اه ��ر» ب ��أغ �ن �ي��ات��ه وتمر ال�سنون مثل الثواني ك��ان التم�سك بال�شعر الف�صحى الم�أخوذة من ال�ع��ام��ي والنبطي هما ق�صائد ل �ن��زار قباني، عندها ت�صبح القيود انعتاق ًا ال� �م� ��� �س� �ي� �ط ��ران ع �ل��ى فكانت لها ح�ظ��وة عند وانطالقا �إلى عزيز الأماني الغالبية العظمى لدى الجماهير في بدايتها ،لورا ..تلك لورا ..فداء لورا الغواني ولفتت الأجيال ال�صاعدة الجماهير.
ناطحات ال�سحاب في القديم والحديث ■ غازي خريان امللحم*
ناطحات ال�سحاب ،عمارات عمالقة �شيّدها الإن�سان لم�آرب في نف�سه ،تراوحت بين الأم��ور الدينية والدنيوية .وهذا النوع من الأبنية لم يكن وقفاً على �شعب بعينه �أو ع�صر بذاته ،بل كان له وجوده على امتداد الأمكنة ،وكر الدهور ،و�شكّل هذا الوجود �أو عدمه عنواناً عري�ضاً لتقدم الأمم �أو تخلفها. وكان للعرب كما في كل حال ،ق�صبات ال�سبق في هذا المجال ،تمثلت في العديد من ال�صروح المعمارية العمالقة التي ال زالت �آثارها باقية �إلى اليوم ،نجدها ماثلة للعيان في الكثير من المواقع� ،شواهد تاريخية تنب�ض بعراقة هذه الأمة و�أ�صالتها. ومن تلك المعالم العمالقة التي ي�شهد لها التاريخ بالعظمة: برج بابل على مر الأجيال ،وتواتر الأزم��ان ،والنا�س تتخيل «برج بابل» من حيث ال�شكل وال�ضخامة وطريقة تو�ضعه على الأر� ��ض ،معتمدين في ت�صويره على م�صادر تاريخية ع��دة ،وعلى ا�ستنتاجات دقيقة ،هي خال�صة درا�سات مطولة ق��ام بها ب��اح�ث��ون مخت�صون ف��ي علم الآث ��ار، وممن تحدثوا عن هذا البرج و�أ�سهبوا ،الم�ؤرخ اليوناني« :هيرودتو�س» الذي ذكر �أنه ر�أى في العام 45ميالدية ،مدينة بابل ،و�شاهد فيها �شخ�صي ًا برج ًا ي�سمو �إلى الأعلى ،مكون ًا من عدة
طبقات مترا�صة ت�شبه ال�سطوح ،الواحد منها فوق الآخ��ر ،وكل طبقة �أ�صغر من التي تحتها، وهو من ال�ضخامة واالرتفاع حيث يبدو للناظر وك�أنه الطود العظيم. وق��د عثر �أخ �ي��ر ًا م��ن قبل بع�ض البعثات الأثرية على لوحة فخارية في المكان نف�سه، حُ فر عليها ن�ص يقول�« :إن برج ًا ك��ان هنا»، وتو�ضح هذه اللوحة �أن البرج كان يتكون من 33 طابقاً ،بارتفاع 91ذراع �اً ،وهو بال �شك برج بابل الذي �سلف ذكره في الكثير من الم�صادر الدينية والتاريخية. اجلوبة � -صيف 1434هـ 119
�صورة تخيليلة لبرج بابل
حدائق بابل المعلقة
ق�صر غمدان يعد �أول ناطحة �سحاب م�أهولة في العالم القديم، �إذ بني هذا الق�صر في مطلع القرن الأول الميالدي على �أر�ض اليمن ،وا�ستمر في حالة جيدة لمدة �ستة قرون .وذكر «الهمداني» الم�ؤرخ العربي المعروف، و�صف ًا دقيق ًا ومثير ًا لذلك البناء ال�شامخ ،الذي يت�ألف من ع�شرين طابقاً ،وكانت حجارته من الغرانيت الأ�سود ،والرخام الأبي�ض ،وكان م��ؤزر ًا من الخارج بالف�ضة ،وداخله مزيَّنٌ بالف�سيف�ساء و�صنوف الدرر والجواهر ،وقد و�صفه ال�شاعر بقوله:
�أمبير �ستيت
برجا الفي�صلية والمملكة في الريا�ض
ي�������س���م���و �إل�������ى ك���ب���د ال�������س���م���اء م�������ص���ع���داً ع�������ش���ري���ن ����س���ق���ف���اً ���س��م��ك��ه��ا ال ي��ق�����ص��ر وم��������ن ال���������س����ح����اب م���ع�������ص���ب ب���ع���م���ام���ة وم����������ن ال������غ������م������ام م����م����ن����ط����ق وم�������������ؤزر
ق�صر غمدان من �أهم معالم العا�صمة اليمنية �صنعاء
120اجلوبة � -صيف 1434هـ
ناطحات ال�سحاب حديث ًا ه��ذه الرغبة التي جعلت الإن�سان القديم يقوم ببناء برج بابل وق�صر غمدان ،وغيرها من عمالقة برج الراجحي ك�أعلى ناطحة �سحاب في المملكة
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
برج بابل بين الواقع والأ�سطورة
حدائق بابل المعلقة وم��ن الأواب ��د التي ت�ن��درج ف��ي ح�ساب ناطحات ال�سحاب ،حدائق بابل المعلّقة ،التي بنيت على هيئة م�صاطب ،كل واحدة منها فوق الأخرى ،ت�ستند على ق��وائ��م وع��وار���ض م��ن خ�شب ال �ل��زاب ،ال��ذي يحاكي ب�صالبته �صالبة الفوالذ ،وكان ارتفاع البناء يناهز 23متراً ،وق��د زرع��ت تلك الم�صاطب بالعديد من �أنواع الأ�شجار المثمرة والزهور ،والعنب ،وغيرها. ويتم ال�صعود والتنقل من م�صطبة �إل��ى �أخ��رى عن طريق �سلم رخامي ،ينتهي عند �أعلى نقطة في الحدائق ،ويتم ريّ تلك الم�صاطب بموا�سير على هيئة ال�شبكة ،م�أخوذة من الق�صب الفار�سي المجوف، وه��ذه الطريقة في ال�سقاية تمثل قمة التح�ضر في ذل��ك الوقت .وف��ي �أعلى نقطة في الحدائق �شيدوا ق�صر ًا م�ؤلف ًا من عدة طبقات ،كان غاية في الروعة والأناقة.
البنيان ،هي نف�سها التي دفعت الأجيال التالية وما تزال تدفع �إلى اليوم �أجياال �أخرى� ،إلى بناء عمارات و�أب��راج بلغت من ال�ضخامة حد ًا �أين من �ضخامتها برج بابل ومثيالته؟! لتكون لهم باب ًا �إل��ى الف�ضاء، تمام ًا كما كانت رغبة �أ�سالفهم في الزمن الغابر. ومع ذلك ،لم ت�ستطع هذه الرغبة �أن ترى النور ب�شكل واقعي �إال في العام 1929م� ،إذ يمكن القول �إن ع�صر ناطحات ال�سحاب قد بد�أ حقاً ،فن�ش�أ في مدينة نيويورك مبنى �شركة «كريزلر» ل�صناعة ال�سيارات، وبلغ ارتفاع هذا البناء 77طابقاً ،ثم تلته ناطحات �سحاب �أخ��رى و�صل ارتفاع بع�ضها �إل��ى 100طابق، وما لبثت هذه الأنواع من القالع الحديثة �أن انت�شرت ب�سرعة فائقة في معظم المدن الأمريكية الكبرى. �أمبير �ستيت �أ�شهر ناطحة �سحاب وتجدر الإ��ش��ارة هنا �إل��ى �أن «�أمبير �ستيت» في نيويورك ،تظل �أ�شهر مباني العالم جميع ًا و�أعالها و�أ�ضخمها ،وذلك على الأقل خالل القرن المن�صرم، �إذ بلغ ارتفاعها 102طابقاً ،وق��د بنيت بعد مبنى «ك��ري��زل��ر» بعام واح��د� ،أي ف��ي ال�ع��ام 1930م ،وقد �أ� �ش��رف ع�ل��ى و� �ض��ع ت�صاميمها ث�لاث��ة م��ن �أ�شهر المهند�سين الأم��ري �ك��ان ه��م� �« :ش��رف» و«الم ��ب» و«هارمون» ،وقد بنيت على هيئة طوابق هرمية ،ت�شبه �إلى حد بعيد «برج بابل» ال�سالف الذكر. ناطحات �سحاب عالمية �إن ن��اط�ح��ات ال���س�ح��اب ،ل��م ت�ع��د وق �ف � ًا على الواليات المتحدة الأمريكية ،فقد �شهدت بع�ض العوا�صم العالمية نه�ضة معمارية هائلة ،وكان من بينها ناطحات �سحاب �ضخمة ت�ضاهي تلك الموجودة في �أمريكا ،ومن تلك الأبنية ،نذكر: مبنى «جا�سبرو ل�ي�ب��رو» ف��ي مدينة ��س��ان باولو البرازيلية 80،طابقاً ،ومبنى جامعة «ميخائيل ل��وم��ون��وزوف» في مو�سكو ،ارتفاعها 89طابقاً، ومبنى «العلم والح�ضارة» في العا�صمة البولونية وار��س��و 83طابقاً ،وب��رج «بور�صة فكتوريا» في مونتريال بكندا ،بلغ ارتفاعه 74دوراً.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 121
ناطحات �سحاب في �أميركا
برج خليفة �أطول مبنى في العالم �شهدت بع�ض العوا�صم العربية نه�ضة معمارية كبرى ،ال �سيما في القرن الحالي ،وباتت ناطحات ال�سحاب ت�سمق بقاماتها المديدة في كل من :دم�شق، وبيروت ،والريا�ض ،و�أب��و ظبي ،والجزائر .وتون�س، والكويت ،وغيرها من العوا�صم العربية؛ حتى قيل �إن �أعلى ناطحة �سحاب في عالم اليوم توجد في البالد العربية ،وبالتحديد في مدينة دبي ،متمثلة ف��ي «ب��رج خليفة» ال��ذي يعد �أط��ول ناطحة �سحاب في العالم ب�أ�سره ،حيث يبلغ ارتفاعه 828متراً،
122اجلوبة � -صيف 1434هـ
الم�صعد الكهربائي والحديث عن ناطحات ال�سحاب ،يقودنا بال�ضرورة �إلى الحديث عن الم�صاعد الكهربائية ،التي لوالها لما قامت مثل هذه الأبنية ال�شامخة ،ولكان ال�صعود �إلى �أدوارها العليا من �أ�شق الأعمال ،لكن وجود تلك ال�ساللم الطائرة ،ح َّل الم�شكلة ،و�س َّه َل الحركة بين الطوابق ،و�أ�صبح ما على الراكب �سوى ال�ضغط على زر رقم الطابق الذي يريده ،في�صل �إلى مق�صده قبل �أن يرتد �إليه طرفه. ويعود الف�ضل في اختراع الم�صعد الكهربائي �إلى العالم الأمريكي« :لي�شا �أوتي�س» في العام 1856م، ومع مرور الوقت تطورت �صناعة الم�صاعد ،وتح�سنت م��ن حيث الأداء والأم���ان وال���س��رع��ة ،حتى و�صلت �سرعة بع�ضها �إلى 9 .609متر /الدقيقة ،ومثل هذه الم�صاعد الفائقة ال�سرعة تكون ملحقة في الأبنية ذات االرتفاعات القيا�سية.
خاتمة
لماذا ناطحات ال�سحاب؟! �إن �سكان العالم في تزايد م�ستمر ،و�أكثر ه�ؤالء ي�سكن المدن التي �أخذت تتو�سع على ح�ساب الأر�ض ال�صالحة للزراعة ،وهذا التمدد في كل االتجاهات، يلقي على كاهل الدول تبعات وم�شاكل كثيرة ،تتمثل في �شق طرق جديدة وتو�سعها ،و�إن�شاء �أنفاق ،وبناء ج�سور معلقة� ،إ�ضافة لخدمات �أخ��رى من كهرباء وماء وبنى تحتية مختلفة ،تحتاج �إلى ميزانية �ضخمة من المال والجهد والوقت. ولم يبق والحالة هذه �إال اللجوء �إل��ى بناء مدن تمتد ر�أ�سياً ،وعمائر تتطاول �إلى الأعلى ،،حتى تبلغ 3200متراً ،تتكون من 850طابقاً ،وت�ستوعب ن�صف مليون �ساكن ًا تقريباً. �شيكاغو
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
برج خليفة
ويمثل هذا البرج مدينة متكاملة ..ت�ضم العديد من الوحدات ال�سكنية والم�ساحات التجارية ،ومراكز ت�سويق وترفيه ،مثل «دبي مول» �أكبر مراكز الت�سويق والترفيه العالمية ،وي�ضم 1200متجر� ،إ�ضافة �إلى 160مطعم ًا ومقهى ،ومجموعة من �أه��م المرافق ال�سياحية والترفيهية ،ومجمع �سوق البحار.
ال ي�سمح ب�إن�شاء بنايات يزيد ارتفاعها على ثمانية طوابق ،فوجدوا �أن الطريقة المثلى والوحيدة المتاحة لبناء عمارات تزيد عن ذل��ك الحد �أن تكون تحت الأر�ض ،وهذه �إحدى �صراعات الح�ضارة التي نعي�شها اليوم! ال تزال الإن�سانية تبني �أبراج ًا م�ؤملين من خاللها �أن يبلغوا قمة الغبطة وال�سعادة المثلى ،التي ما لبثت ت�صبوا �إليها الأرواح وت�شتاقها الأفئدة ،منذ �أن ا�ستوطن الإن�سان الأر�ض ،و�أمر ب�إعمارها. وها هم� ،أبناء هذا الع�صر ،وبينهم وبين ع�صر بابل هوّة �سحيقة من الدهور ،يقلدون من �سبقهم، تايبي 101ثاني �أطول ناطحة �سحاب في العالم وقد ذكر �أحد المهند�سين المخت�صين :لقد قررنا ويتر�سمون خطاهم لإتمام ما بد�أه �أ�سالفهم ،ولكن �أن نبني مدن ًا �صغيرة متكاملة تتجه بيوتها �إلى فوق ،ب � ��أدوات مختلفة ،ولأغ��را���ض متباينة ،وم�صالح وت�ضم كل منها ما بين 4000-1500وحدة �سكنية .متعددة ،لكن الغاية تظل واحدة. وعمائر كهذه ،تكون معر�ضة لقوة الريح ،وكذلك وال نن�سى �أن نذكر �أن الذي مهّد لهذه االرتفاعات لهزات �أر�ضية زلزالية ،واحتياط ًا لهذه وتلك ..و�ضع لأمثال هذه العمائر ت�صميمات جديدة اقتب�ست من ال�شاهقة ،التطور الهند�سي الكبير الذي �أمكن �صناعة الطبيعة ،وهي على هيئة ال�شجرة ذات الجذور التي هيكل هذه المباني كلها من الحديد وال�صلب ،فهذه ت�ضرب ف��ي عمق الأر� ��ض ،فتقاوم بها فعل الريح الناطحات تبنى في الواقع من حديد �صلب جداً ،ثم وارتعا�ش الأر�ض. تملأ جدرانها بالطوب �أو الزجاج الم�صنع لهذه الغاية. ناطحات الأر�ض الم�صادر وم��ن المفارقات الم�ستحدثة في دنيا ناطحات م .ط :ناطحات ال�سحاب – مجلة العربي – �ص -147العددال�سحاب ،تلك التي قام بها فريق من المهند�سين – 116تموز 1968م – الكويت. المعماريين في المك�سيك ،عندما �أخ��ذوا بت�صميم هرم من الزجاج والفوالذ بارتفاع 65طابقا ،ليتم -غازي الملحم – مدائن الغد – مجلة الفي�صل العدد �– 49ص 76حزيران 1989م. بنا�ؤه في و�سط الميدان التاريخي في قلب العا�صمة المك�سيكية ،غير �أن��ه �إذا تم بنا�ؤه فلن يتمكن �أحد -هيلين كيرز – ت :ع�صام ع�سيران -ناطحات ال�سحاب في اليمن – عدن 1980م. من ر�ؤيته البتة ،ويعود ال�سبب في ذلك كونه �سيكون �أول بناء ناطحة �أر�ض في العالم ،حيث �سيتم بنا�ؤه -الع�صر الجاهلي الأع�شى د .محمد �صبري الأ�شتر ،مديرية على عمق 300م تحت الأر�ض ،لأن القانون المك�سيكي الكتب والمطبوعات الجامعية بحلب .ط1973-1972(2م).
اجلوبة � -صيف 1434هـ 123
مجلد يقع في (� )315صفحة باللغة العربية، �إ�ضافة �إلى (� )102صفحة باللغة االنجليزية، �ضمت ك��اف��ة ال�ب�ح��وث المتعلقة بالإن�سان والبيئة في وطننا العربي في �ضوء االكت�شافات الأث��اري��ة (ن��دوة �أدوم��ات��و الثانية) ،بم�شاركة نخبة من الباحثين والعلماء المخت�صين في �آثار الوطن العربي من جامعات ومراكز بحث عربية و�أجنبية من داخ��ل المملكة العربية ال�سعودية وخارجها. يعد هذا المجلد ع�صارة لأعمال علماء �أفذاذ ال ي�شك في قدراتهم في التنقيب والو�صول �إل��ى نتائج تذكر للمرة الأول��ى ..وكثير منها نتائج �أبحاث علمية ت�ؤدي �إلى معرفة خال�صة بحقائق الأمور.. جدير بالذكر �أن هذه الندوة �أقيمت في المقر الرئي�س لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري ال�خ�ي��ري��ة ب�سكاكا خ�ل�ال ال �ف �ت��رة 22-20 ج�م��ادى الأول ��ى 1431ه� �ـ ال�م��واف��ق /6-4 مايو2010/م .
124اجلوبة � -صيف 1434هـ
يقع الكتاب في (� )61صفحة من الحجم المتو�سط ..يت�ضمن( )24مقاال تنم جميعها عن �شعور متدفق بالحب نحو الأهل والوطن. �إذ تحمل في ثناياها ما حوته خزانة رحلة الكاتبة التربوية والأدبية واالجتماعية التي عا�شتها على �أر�ض الجوف .وما تزال تعي�شها وت��ر��ص��ده��ا ..وال غ��رو ف��ي ذل��ك؛ فهي ابنة الجوف -م�سقط ر�أ�سها -تنف�س�ست من هوائه وتنعمت في خيراته ..وترعرت بين ظهرانيه و�سط �أهلها ونا�سها. ق��دم ل�ه��ذا ال�ك�ت��اب ال��دك �ت��ور عبدالرحمن ال�شبيلي الذي يتطلع للم�ؤلفة من خالل موقعها الثقافي الرائد �أن ت�أخذ زمام المبادرة لتتبع م�سيرة فتاة الجوف من بداياتها و�صوال �إلى ما و�صلت �إليه من تفوّق في العلوم والفنون والآداب. وللم�ؤلفة �إ�صدار �سابق بعنوان «ر�ؤى و�آفاق» �صدر عام 1430هـ.
جاء الكتاب في (� )154صفحة من القطع المتو�سط ..وه��و لي�س مذكرات �شخ�صية.. و�إنما نغم عاطفي ..دندنه الم�ؤلف بقلمه.. �أ�شبه بتغريدات �شاردة ،يهديها لكل القلوب التي �أتلفها الغياب ..ومزقها الرحيل..
جاء الديوان في مئة و�سبع و�سبعين �صفحة من القطع المتو�سط� ،ضاما العديد م��ن الن�صو�ص ال�شعرية التي تجاذبتها مو�ضوعات الحياة اليومية، المتمثلة بالهم ال��ذات��ي والبعد ال��وج��دان��ي ت��ارة.. وبالهم الجماعي الإن�ساني تارة �أخرى ،فقد جاءت الق�صائد بلون �أراد به ال�شاعر �أن يكون له ت�شكالته الخا�صة عبر ري�شته الفنية ،التي دوّن بها ق�صائده المتناغمة على �أ�شجان الحياة و�آمالها و�آالمها.
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتـــــاب :الإن�سان والبيئة يف الوطن العربي يف الكتاب :ر�ؤى اجتماعية �ضوء االكت�شافات الأثارية امل�ؤلف :فهده حممود احل�سن الكريع املحررون� :أ.د .عبدالرحمن الأن�صاري ،د .خليل النا�شر :امل�ؤلف نف�سه 1434هـ املعيقل ،د .عبداهلل ال�شارخ النا�شــــر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
الكتاب :موعدي ال�ساعة ثمان امل�ؤلف :فار�س الرو�ضان النا�شر :دار مدارك للن�شر
الكتاب � :ضجيج قلب(�شعر) امل�ؤلف :عبدالكرمي النملة النا�شر :دار �أزمنة للن�شر ،عمان ،الأردن 2012م
ن�صو�ص الكتاب تمثل ذك��ري��ات تت�شابه بين ك��ل العا�شقين ..وحكاية م��ن حكايات نقتطف منه: الغياب .,.كتبت لكل قلب فقد نب�ضه وال يزال مهال يا من فر�شتِ لي العمر ع�شقا يبحث عنه!!.. مقتطفات
لم �أكن �أعلم �أن غيابك �سيجعلني خارج ح�سابات الزمن... ***
الغياب مدينة ال ي�سكنها �إال الوجع ***
في �آخر مواعيدنا كانت الدنيا مثل مراقب االختبارات تدق �أبواب قلوبنا لتقول لنا بال رحمة «انتهى الوقت»!
يا من فر�شتِ لي القلب �شوقا �أما كنت تدرين �أنك ع�شقي و�أنك في عيوني النظر �أما كنت تدرين �أن عينيك �أوقدت في عيوني ال�سهر �أما كنت تدرين �أنك يوما ودون اختيار رميتي بقلبيَ �سهما �أ�صم؟!
اجلوبة � -صيف 1434هـ 125
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
مركز الرحمانية الثقافي
ينظم يوم ًا طبي ًا تثقيفي ًا ل�صحة الفم والأ�سنان في الغاط ■ �إعداد -عماد املغربي
ن �ظ��م م ��رك ��ز ال��رح �م��ان �ي��ة ال �ث �ق��اف��ي في الغاط ي��وم الثالثاء الموافق 1434/6/27ه� �ـ (2013/5/7م) ،ب��ال �ت �ع��اون م��ع الجمعية ال�سعودية لطب الأ��س�ن��ان ي��وم� ًا طبي ًا تثقيفي ًا ل�صحة الفم والأ�سنان في محافظة الغاط. ا�ستقبلت �إدارة المركز الوفد المكون من
126اجلوبة � -صيف 1434هـ
اثني ع�شر طبيبا ،يرافقهم رئي�س الجمعية ال��دك�ت��ور محمد ب��ن �إب��راه �ي��م ال�ع�ب�ي��داء .وقد جرى توزيع الفريق �إلى مجموعتين رافقهم كل من مدير مركز الرحمانية الأ�ستاذ محمد بن را�شد الغنيم ،والأخ عبداهلل الخ�ضيري؛ زارت الأولى مدر�سة الو�سيعة االبتدائية ،وخ�ص�صت الثانية لزيارة ابتدائية ومتو�سطة مليح .قدم الأطباء من خاللها محا�ضرة توعوية للطالب تخللها عر�ض تثقيفي عن �صحة الفم والأ�سنان، كما �أج��روا فح�صا لأ�سنان الطالب والمعلمين الذين بلغ عددهم ( )215طالب ًا في مدر�سة الو�سيعة االبتدائية و ( )170طالب ًا في ابتدائية ومتو�سطة مليح ،ثم وزعت هدايا خا�صة بالعناية بالأ�سنان على الطالب ،ومطوية تثقيفية �أعدتها
�إدارة مدر�سة ابتدائية ومتو�سطة مليح. بعد ذلك زار الفريق الطبي مركز الرحمانية الثقافي ،وتجولوا في مرافقه .وبعد ا�ستراحة الغداء ،نظِّ مت للفريق الطبي جولة �شملت بلدة الغاط القديمة والمتنزه الوطني وف��ي ال�م���س��اء� ،أق�ي�م��ت م�ح��ا��ض��رة بعنوان (الوقاية من �أمرا�ض الفم والأ�سنان )� ،ألقاها ال��دك�ت��ور م�ع��اذ ب��ن محمد ال�شيبان ،و�أداره ��ا الأ�ستاذ محمد �صوانة� ،صاحَ بَها عر�ض مرئي وم��داخ�لات و�أ�سئلة من قبل الح�ضور .وجرى تكريم الأطباء الم�شاركين باليوم الطبي من قبل م�ساعد المدير العام الأ�ستاذ محمد بن �أحمد الرا�شد ،ب�شهادات تقديرية ومجموعة من �إ�صدارات الم�ؤ�س�سة.
اجلوبة � -صيف 1434هـ 127
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
من إصدارات اجلوبة
الجوبة :الوجه والنموذج ■ عبداهلل ال�سفر
ت�م� ّث��ل مجلة ال�ج��وب��ة وجها ث �ق��اف � ّي��ا م �� �ش��رق��ا ،ال لمنطقة ال �ج��وف وح��ده��ا ال �ت��ي ت�صدر عنها ،ول�ك��ن للثقافة المحلية وال �ع��رب �ي��ة .ك �م��ا �أن �ه��ا ن �م��وذج نا�ضج وم�شرّف لعمل م�ؤ�س�سات المجتمع المدني ذات النّف�س الطويل التي ال ي��أت��ي ن�شاطها ب��رق��ا خ��اط �ف��ا .ه �ن��ا ت��أ��س�ي����س ومتابعة وا�ستدامة. �إن «الجوبة» �صنعتْ مكانة للعمل الثقافي ولإنتاجه؛ قيم ًة وطريقةً .وال �أدلّ على ذلك من المحافظة على الم�ستوى ال��ذي يليق بالمطبوعة ويليق بقارئها عبر اال�ستمرار في طرح المحاور التي تهتمّ بالحالة الأدبية ولحظتها ال��راه�ن��ة ،وم��ا ُي�ث��ار م��ن ق�ضايا ثقافية تت�صل بالحا�ضر �أو مفارقة الما�ضي.
وتوافرها في ال�سوق داخل الحدود وخارجها بين يدي القارئ ،وهذا الجانب الذي تتفوّق فيه «الجوبة» من ناحية ثبات زمن الإ�صدار وال�ت��وزي��ع ،يتعالى تقديره عندما نقارنه بالمجالت المماثلة ال�صادرة محليّا عن منابر الفعل الثقافي الر�سمي؛ حيث الت�أخر في الإ�صدار وغياب التوزيع.
ما نتمناه �أن ت�ستمر هذه المطبوعة و�أن ولع ّل ما يجعل �إ�سهام «الجوبة» ماث ًال في تتوالى نجاحاتها في رف��د حياتنا الأدبية الحياة الثقافية هو تواتر �إ�صدارها بانتظام والثقافية.
* قا�ص و�شاعر وناقد من ال�سعودية. 128اجلوبة � -صيف 1434هـ
�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية