ملف العدد:
درا�سات ونقد �سرية و�إبداع مواجهـــــات نوافـــذ
حروفيات الخط العربي
41
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy.org.sa
الـمحتويــــات
العدد 41 خريف 1434هـ 2013 -م 6.........................
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن
حروفيات الخط العربي
امل�شرف العام �إبراهيم احلميد �أ�سرة التحرير حممود الرحمي ،حممد �صوانة ،عماد املغربي الإخراج الفني خالد بن �أحمد الدعا�س املرا�سالت توجه با�سم امل�شرف العام ّ
هاتف)+966()4(6263455 : فاك�س)+966()4(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع.
56....................... قواعد الن�شر � - 1أن تكون املادة �أ�صيلة. - 2مل ي�سبق ن�شرها. - 3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. - 4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. - 5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
الفنان الت�شكيلي �أحمد نا�صر ال�سالمة
يوظف الحروف في فنه
63....................... ال�شاعر �سليمان الفل ّيح �صناجة ال�صحراء
النا�شـــــــــر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية �أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية، و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي ،كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) ،له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف اجلوف ،بوقف م�ستقل ،من �أ�سرة امل�ؤ�س�س ،لل�صرف على هذا املركز -الفرع. 2
اجلوبة -خريف 1434هـ
103...................... الكاتبة حرية �سليمان الغالف :نماذج من جماليات الخط العربي.
االفتتاحية 4 ........................................................ ملف العدد :حروفيات الخط العربي :د� .إبراهيم ال� ّده��ون ،الزبير 6 مهداد ،خلف �سرحان القر�شي ،عبدالغني فوزي� ،أ.د.خالد فهمي ،غازي خيران الملحم ،مع�صوم محمد خلف ،مر�سي طاهر ،هاني الحجي، الخطاط بدر عبيد الزارع ،الفنان الت�شكيلي �أحمد ال�سالمة............ درا�سات ونقد :ال�شاعر �سليمان الفليّح� ..صناجة ال�صحراء 63 - د .محمود عبدالحافظ خلف اهلل............................ الوجه الآخ��ر للغرب في رواي��ة «لم �أر ال�شالالت من �أعلى» 68 - فاطمة الزهراء بني�س.......................................... متعة ال�سرد في «�أجمل رجل قبيح في العالم» لف�ؤاد قنديل 71 - ه�شام بن�شاوي ................................................. عزيزي �صديق المرحوم للروائي العالمي �أندريه كوركوف 76 - �إينا�س العبا�سي ................................................ �شهوة الروح� :أو «�أ�شياء منك في القلب» لل�شاعر :محمد زيتون 78 رفعت الكنياري تطوان.......................................ق�ص�ص ق�صيرة� :أنهار الدمع -عبدالواحد الحميد 80 .......... ن�صو�ص -عبداهلل ال�سفر 83 ....................................... ق�ص�ص ق�صيرة -حنان بيروتي84 ..................................... لحظة -رامي هالل86 ................................................. ق�ص�ص ق�صيرة جدا � -شيمة ال�شمري 87 .............................. بال ذاكرة -عبدالرحيم الما�سخ88 .................................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا -محمد عز الدين التازي89 ..................... �شعر :اللقاء � -سليمان عبدالعزيز العتيق 90 ....................... �ش�آم يا وهجَ التّاريخ � -شاهر �إبراهيم91 .......................... ناجيتُ عينيك! -مالك الخالدي 92 .............................. �أنثى ال�سراب -د .فواز بن عبدالعزيز اللعبون93 ................. مواجهات :ال�شاعر محمد خ�ضر حاوره :عمر بوقا�سم95 .......... الكاتبة حرية �سليمان -حاورها :حمدي ها�شم 102 ................ نوافذ :القيمة الإن�سانية بين النحت الم�صري القديم والنحت 108 المعا�صر � -أ .د .علي ال�صهبي................................. كيف ينجح م�شروعك الإنتاجي ال�صغير؟ -محمد �صوانة 112 ..... تقنيات التعليم واالت�صال في عمليتي التعلم والتعليم -د117 . محمد عامر البلخي............................................ �سيرة و�إبداع :د .موافق بن فواز بن حالف الرويلي 119 ........... الأن�شطة الثقافية :التوعية ب�أمرا�ض �سرطان الثدي123 .......... قراءات 124 ......................................................... عين على الجوبة 128 .............................................. اجلوبة -خريف 1434هـ
3
■ �إبراهيم احلميد
عندما يدلف ال�سائح �إلى ق�صر الحمراء في غرناطة� ،أو �إلى الجامع الكبير في قرطبة� ،أو حتى بقايا الجامع الكبير في �إ�شبيلية ،وعندما يجيل �أحدنا النظر بالم�شاهدة ال�شخ�صية �أو عبر و�سائل االت�صال الحديثة في الم�أثورات الإ�سالمية والعربية ،م�شرقا ومغربا؛ �أو عندما يطالع في �إحدى المخطوطات القديمة� ،أو الم�صاحف ،والكتب اال�سالمية ،وي�شاهد العبارات التي خطّ ها الخطّ اطون والفنانون الم�سلمون قبل �أكثر من �ألف عام �أو �أق��ل ،يت�أكد حق الخطّ اط والفنان العربي اليوم �أن يفاخر بمرجعية ثقافية تاريخية ق َّل �أن توجد في عالم اليوم ،الذي ال توجد فيه ثقافة مت�صلة لفن كهذا بهذا االمتداد التاريخي الم�شرف. �إنه ،وعلى الرغم من حالة النكو�ص الح�ضاري التي ي�شهدها العالم العربي منذ �سنوات طويلة� ،إال �أن �صالت هذا العالم الكبير الممتد لم تنقطع مع جذوره وامتداداته الح�ضارية القديمة؛ ونجد ذلك متمثّال في المحافظة على �أعمدة ثقافية عديدة ،تمثّل مرتكزات لثقافة الأم��ة وموروثها العظيم ،و�أه��م ذلك القر�آن الكريم وال�سنة النبوية ال�شريفة ،التي كانت منهال للبحث والإبداع؛ �إذ، رغم كل ال�صعوبات التي مرت بها الأمة من انهيار وتفرّق وا�ستعمار ،فقد بقي 4
اجلوبة -خريف 1434هـ
اجلوبة -خريف 1434هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
افتتاحية ال����ع����دد
هذان الم�صدران مُل ِهمَين دائما لكل تغيير وتطوير ،ف�ضال عن ا�ستخدامهما كمعبّرين عن هذا الفن ونتاجا دائما يبهر الناظرين عندما تتحول عباراته �إلى �أجمل اللوحات والجداريات. و�إذا ولجنا �إل��ى الخط العربي بو�صفه و�سيلة من و�سائل حفظ القر�آن الكريم ،ندرك كيف بذل الخطاطون الأوائل جُ َّل حياتهم في هذه الحِ رفة التي لم تكن متي�سّ رة �إال لقلة من نخبة المجتمع في الدواوين والمراكز .وفي عالم اليوم ..نجد �أن الدولة المدنيّة الحديثة بذلت جهودا حثيثة لتحفيز الخطاطين للإبداع ،من خالل االعتناء بن�سخ القر�آن الكريم ون�شره من المغرب �إلى الم�شرق ،وقد �أ�سهم التعليم الحديث في ن�شر ثقافة الخط وا�ستمراريته، وو�صوله �إلى م�ستويات باذخة الجمال ،من خالل التوظيف الحروفي له في مختلف الأ�شكال. لقد �آن الأوان اليوم مع انت�شار التقنية الحديثة وانت�شار التعليم �أن يتم ن�شر ثقافة الخط العربي ب�شكل �أكبر و�أو�سع ،وا�ستخدامها في الحياة العامة والخا�صة ،وفي التعليم والتجميل؛ ف��إذا كان العرب الأوائ��ل قد حفظوا هذا الموروث و�أول��وه جُ َّل اهتمامهم ،فمن الأول��ى اليوم �أن يتم االحتفاء بالخط والخطاطين وت�شجيعهم ،وبث روح جديدة فيه ،من خالل توجيه الأجيال الجديدة لتعلّمه ورعاية الموهوبين فيه ،و�إبراز مواهبهم ،ف�ضال عن ا�ست�ضافة المعار�ض ل��رواده ومحترفيه .و�إن الكتابة حول الخط العربي ،كفن �أ�صيل بتجليّات خطوطه وحروفه و�أبعاد ذلك تاريخيا وثقافيا ،لها �أهمية بالغة للثقافة والإب��داع العربي لتحقيق غايات جليلة خدمة لهذا الفن ،وت�شجيعا ووفاء له، فقد كان و�سيلة لإي�صال موروثنا وثقافتنا على مر الع�صور.
5
■ �إعداد وتقدمي :حممود عبداهلل الرحمي
■ د� .إبراهيم الدّ هون -جامعة ا َ جلوف
لم يعد الخط العربي مفخرة للعرب وحدهم ،بل للم�سلمين عامة ،في م�شارق الأر����ض ومغاربها ،فقد �شكّل �أح��د المظاهر ال��ب��ارزة والرئي�سة ،للح�ضارة العربيّة الإ�سالميّة ،منذ �صيرورتها الأولى وحتى اليوم؛ فتطور مع تطورها ،وله خ�صائ�صه ومزاياه الت�شكيليّة والتعبيريّة ،التي �شهدت بدورها ،تطوراً كبيراً ،خالل مراحل تطور هذه الح�ضارة ،وال يزال حتى يومنا هذا ،مو�ضع اهتمام وبحث وتجريب.
لقد ك��رّم اهلل القلم والكتابة ،فذكرهما في ال��ق��ر�آن الكريم مبا�شرة دون مواربة �أو تلميح، فقال تعالى} :ا ْق َر�أْ بِا�سْ ِم َربِّكَ ا َّلذِي خَ لَقَ ،خَ لَ َق ْالإِن�سَ ا َن مِ نْ َعلَقٍ ،ا ْق َر ْ�أ َو َربُّكَ َْالأ ْك َرمُ ،ا َّلذِي َع َّل َم ْ���ض َي ِر ُثهَا عِ بَادِيَ الر َ بِا ْل َقلَمِ{( ،)1كما قال تعالىَ } :و َل َق ْد َك َت ْبنَا فِي ال َّزبُو ِر مِ ن َب ْع ِد ال ِّذ ْك ِر �أَ َّن ْ أَ ال�صَّ الِحُ ونَ{( ،)2و�أق�سم بالقلم في مو�ضع �آخر ،فقال ع ّز وجل} :ن وَا ْل َقلَ ِم َومَا يَ�سْ طُ رُونَ{(،)3 ف�أول �أمر �صدر للر�سول – عليه ال�صالة ال�سّ الم -هو (اقر�أ) ،و�أوّل �آلة �أو �أداة ذكرها اهلل و�أق�سم بها هي (القلم).
لقد ظ��لَّ الخط العربي محط اهتمام العرب والم�سلمين في �أ�صقاع انت�شارهم كلها ،كونه لغة القر�آن الكريم الذي كان وال يزال ،من �أهم عوامل حفظه وانت�شاره و�أبرزها.
ولعل من �أ�سباب ديمومة الخط العربي، وبقائه �أخّ ��اذا وملفتا ل�ل�أن�ظ��ار ،مرونته وقابليته للتقنية والم�ستجدات من دون �أن يفقد روح��ه وعمق ج��وه��ره و�سر �سحره؛ فالخط العربي ال��ذي ك��ان يكتب به على الجلود والرقاع والرق وورق البردى ،تطاوع ب�سال�سة مده�شة مع الورق حين اكت�شافه وب��دء ا�ستخدامه ،ناهيك ع��ن طواعيته لال�ستخدام حِ رف َّي ًا مع الخزفيات والمعادن وال �خ �� �ش��ب وال �م �� �ص �ن��وع��ات ال��زج��اج �ي��ة وال��زخ��رف��ة ال�ع��رب�ي��ة ،ال�سيما ت�ل��ك التي تزينت بها الق�صور والم�ساجد ،ومنازل ذوي الجاه والي�سار داخليا وخارجيا.
ولأهمية الخط العربي ،وما يتمتع به من قدرات ت�شكيليّة ت�ؤهّ له للتجاوب مع �إبداعات وابتكارات الفنان العربي والم�سلم ،في مجاالت الفنون كلها ،انكبّ الخطاطون على ح�شد كل مهاراتهم لال�ستفادة من خ�صائ�ص الخط العربي ومزاياه الفريدة والبديعة ،وا�ستنها�ض �أق�صى ما يمكن من الجماليات التي تكتنز عليها ت�شكيالت ح��روف��ه الر�شيقة المطواعة؛ ب��ل حر�ص ل�ه��ذا ك�ل��ه ،ارت� ��أت الجوبه تخ�صي�ص بع�ضهم ع�ل��ى ت�ط��وي��ره��ا ،واب �ت �ك��ار ط��رز ملفها لهذا ال�ع��دد ع��ن حروفيات الخط جديدة منها ،تتوافق وتن�سجم مع كل فن العربي ،والذي �شارك فيه نخبة من الكتاب جديد!! والباحثين من داخل المملكة وخارجها. 6
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
حروفيات الخط العربي
ّ الخط العربي؛ ن�ش�أة جذور وت�أريخ
للخط العربي �أهمية ّ ّ ومن هنا ،ف�إنَّ خا�صة بقلم غيره. ومكانة مرموقة؛ كونه يعتلي من�صة التّدري�س �أ ّم��ا ا�صطالحاً :فيق�صد به ت�صوير اللّفظ في بع�ض مراحل التعليم من ناحية ،ف�ض ًال ب��ر��س��م ح ��روف ه�ج��ائ��ه بتقدير االب��ت��داء به عن �أهميته الملحوظة لما له من �صلة وثيقة والوقوف عليه .كما عُ رّفت الكتابة :على �أنّها بالتطور الثّقافي للأمّة العربيّة ،وعن�صر مهم نقو�ش مخ�صو�صة دا ّل ��ة على ال �ك�لام دالل��ة من عنا�صر القوميّة العربيّة. الل�سان على ما في الجنان ،على ما في خارج الأعيان. الخط ّ تعريف لغةً :ا�شتق من الجذر الثالثي( :خطط)، و�أورده ابن منظور ب�أنّه الطريقة الم�ستطيلة في ال�شّ يء ،والجمع خطوط(.)4 والخط :الطريق ،ويقال :اتب ْع ذلك الخط وال تظلم عنه �شيئاً. وخ� ّ�ط القلم� :أي كتبَ ،وخَ � َّ�ط ال�شّ يء كتبه
وي�شير اب��ن خ �ل��دون ف��ي الف�صل الخا�ص بالخط والكتابة �إل��ى م�س�ألة ال�خ��ط ،قائالً: ّ «�إ ّن��ه ر�سم و�أ�شكال حرفية ت�دّل على الكلمات الم�سموعة الدّالة على ما في النّف�س ،فهو ثاني رتبة من الدّاللة اللّغويّة ،وهو �صناعة �شريفة، �إذ الكتابة من خوا�ص الإن�سان التي يميّز بها عن الحيوان ،و�أي�ضاً ..فهي تطّ لع على ما في اجلوبة -خريف 1434هـ
7
ج ��اء ف��ي ال �م��وازن��ة ب�ي��ن ال �خ��ط وال � ّل �ف��ظ: «�إنَّ الخط واللفظ يتقا�سمان ف�ضيلة البيان وي�شتركان فيها :من حيث �إنَّ الخط دا ٌّل على الألفاظ ،والألفاظ دا ّل��ة على الأوه��ام ،وذلك �أنّهما يعبّران عن المعاني� ،إال �أنَّ اللّفظ معنى متحرك ..والخط معنى �ساكن ،وهو �إن كان �ساكناً ،يفعل فعل المتحرك ب�إي�صاله ك ّل ما ت�ضمنه �إل��ى الإف�ه��ام ،وه��و م�ستقر في حيّزه، قائم في مكانه»(.)6 وت�ب��اي�ن��ت ت�ع��ري�ف��ات وت�ف���س�ي��رات العلماء والباحثين للخط ،فقيل� :إ ّن��ه علم يُعرف به �أح��وال ال�ح��روف في و�ضعها وكيفية تركيبها في الكتابة ،وقيل الخط� :آلة ج�سمانية ت َْ�ضعُف بالترك وتقوى بالإدمان(.)7 ومهما يكن من �أمر ،ف�إنَّ الخط يبقى مَ َل َك ًة تن�ضبط بها حركة الأنامل بالقلم على قواعد مخ�صو�صة. البحث في الجذور �إِنَّ الكالم عن جذور الخط العربي ومعرفة �أوّل من خَ َّط العربيّة ،يُع ّد �ضرب ًا من الم�ستحيل، واقتحام ًا لأمر ع�سير ،وذلك لعدم وجود الأ�صل التّاريخي الر�صين الذي يمكن �أنْ ي�ستند عليه ال��دّار���س ف��ي تحديد �شكل ال �ح��رف العربي وجذوره الأولية.
8
فما المعلومات وال�شّ ذرات المتناثرة التي �ساقها الم�ؤرخون في بطون الكتب القديمة� ،إ ّال خيوط واهية� ..سرعان ما تتال�شى عند لحظة اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ال�ضمائر وتت�أدى بها الأغرا�ض �إلى البلد البعيد ّ فُتق�ضى الحاجات.)5(»...
التمحي�ص العلمي ،ولع ّل ذلك يرجع ل�سببين، ه �م��ا� :إنَّ معظم ت�ل��ك الأح��ك��ام تعتمد على الروايات ال�شّ فويّة ال�سّ ريعة من ناحية ،ف�ض ًال عن عدم وجود دليل علمي منطقي �سليم ،يحدد الخط العربي ،من ناحية �أخرى. بداية ر�سم ّ و�إذا رجعنا �إلى �أ�صل الخط العربي ،فيرى بع�ض الم�ؤرخين �أنَّ الخط الذي كتب به العرب �أمر توقيفي من اهلل ع ّز وجل ،عرفه �آدم قبل موته بثالثمائة �سنة ،واعتمد �أولئك في ر�أيهم تف�سير ًا لقوله تعالى« :وَعَ � َّل��مَ �آدَمَ الأَ� ْ��س� َم��اء ُك َّلهَا»(.)8 ولم يكتفوا بهذا الر�أي و�إنّما اثبتوا �أنَّ �آدم الخط العربي في الطين، عليه ال�سّ الم -كتب ّفلما ك��ان م��ا �أ� �ص��اب الأر�� ��ض م��ن ال�ط��وف��ان وال �غ��رق ،وج��د ك � ّل ق��وم كتابهم ..فكتبوا به، فكان �إ�سماعيل -عليه ال�سّ الم -قد وجد كتاب العرب ،والذي يعد �أبا العرب الم�ستعربة ،والتي فيها قري�ش� ،أوّل من تكلّم العربيّة(.)9 وقيل� :إنَّ �أوّل من و�ضع الخط العربي رجل من طي ،كان له ثمانية �أبناء� ،سمي ك ّل واحد منهم بكلمة ،نحو�( :أب��ي ،ج��اد� ...إل��خ) ،بيد �أ ّن��ه هنالك رواي��ة �أكثر جمع ًا لحروف العربيّة تقول� :إنَّ �أوّل من اخترع و�أ ّل ��ف بين حروف الخط العربي �ستة �أ�شخا�ص م��ن ط�سم في جزيرة العرب ،كانوا نزو ًال عند عدنان بن �أدد، وكانت �أ�سما�ؤهم�(:أبجد ،هوّز ،حطي ،كلمن، �سعف�ص ،قر�شت) ،فو�ضعوا الكتابة والخط على �أ�سمائهم ،فلما وج��دوا الأل�ف��اظ حروف ًا لي�ست م��ن �أ�سمائهم �ألحقوها بها و�سموها الروادف ،وهي( :ث خ ذ� ،ض غ ظ) ،ثمّ انتقل
عنهم �إلى الأنبار ،واتّ�صل ب�أهل الجزيرة وف�شا 2.2الخط الحيثي :الذي كان م�ستعم ًال قديم ًا في ال�شّ ام ،وقد انقر�ض هذا النّوع �أي�ضاً؛ في العرب ولم ينت�شر ك ّل االنت�شار(.)10 لأنّ خ�ط� ًا �آخ��ر ح � ّل محلّه� ،أك�ث��ر واقعية والواقع �أنَّ هذه �أ�شهر الروايات التي تناولت و�أ�سهل ا�ستعماالً. ب��داي��ة ال�خ��ط ال�ع��رب��ي ،والمتمعن فيها يجد ال�صيني :وه��و ال�خ��ط الم�ستعمل االختالف جلي ًا وملحوظاً ،غير �أنَّ تلك الروايات 3.3ال�خ��ط ّ في جنوب �شرقي �آ�سيا ،وقد تفرّعت منه كلّها على ما فيها من غرابة ،وعلى ما هي عليه �أنواع مختلفة ،ما تزال م�ستعملة �إلى وقتنا من تناق�ض �أو اقتبا�س ..يفتقر �إل��ى الدّليل، الحا�ضر. ويعوزها �سند من العلم والتّاريخ ،وقد �أدرك 4.4الخط الم�صري :وهو الخط الذي انت�شر ابن خلدون خط�أ هذه الفكرة( :التوقيفية) �إذ ف��ي ال �ب �ل��دان ال �م �ج��اورة ،نتيجة ام�ت��زاج يقرّر �أنَّ الكتابة من جملة �إف��رازات و�صنائع الأم��م واحتكاكها بالح�ضارة الم�صرية؛ المدينة الإن�سانيّة المعي�شة. ومن فروعه الخط الفينيقي الأكثر �سهولة والأو�سع انت�شار ًا في �آ�سيا و�إفريقيا و�أوروبا. �إنَّ نظرة فاح�صة للروايات – الآنفة الذكر- تجعلنا نرجع الخطوط في الدّنيا لأربعة فروع، وع � ّد حفني نا�صف الخط الم�صري �أوّل تعد الأم �ه��ات لهذه الأ��ص�ن��اف المختلفة من حلقة من �سل�سلة الخط العربي ،وق�سّ مه �إلى ثالثة �أنواع ،هي: الحروف في العالم ،وهي(:)11 1.1الخط الم�سماري :الذي ا�ستعمل في بابل �أ -ال �خ��ط ال �م �� �ص��ري(:ه �ي��روغ �ل �ي��ف) ،وه��و خا�ص ًا بالكهّان وخَ ��دَ مَ ��ة الدين ال��ذي ك��ان ّ و�آ�شور وما حولها من مناطق العالم ،وقد وال يعرفه غيرهم؛ و�أط�ل��ق عليه الباحثون انقر�ض هذا النّوع ل�صعوبة التّعامل معه. اجلوبة -خريف 1434هـ
9
ب -خ� � ّ�ط ال��خ��ا� ّ��ص��ة :و�أط� �ل ��ق ع �ل �ي��ه ا� �س��م: (ه�ي��راط�ي��ق) ،وه��و خ� ّ�ط ع � ّم��ال ال��دواوي��ن وكتّاب الدولة. خط العامّة :وي�سمّى (ديموطيق) ،وهو خط جّ - الكاتبين من ال�شّ عب ،وهو �أب�سط الأ�صناف الثالثة. والحلقة من �سل�سلة الخط العربي الفينيقي ن�سبة �إلى فينقيا ،وهي �أر�ض كنعان على �ساحل البحر الأبي�ض المتو�سط ،بمحاذاة لبنان. وم��ن المعهود ع��ن الفينيقيين ا�شتغالهم بالتجارة واحتكاكهم بالأمم المجاورة؛ فكان لمخالطتهم بالم�صريين دور ف��ي تعلمهم حروف كتاباتهم ،ثمّ و�ضعوا لأنف�سهم حروف ًا خالية من التّعقيد ال�ستعمالها في المرا�سالت التجارية. ومن ك ّل ما تقدّم ،يت�ضح �أنَّ الروايات التي تناولت الخط العربي ،تنوّعت في م�صادرها بين را ٍو ين�سج حدثاً ،وم�ست�شرق باحث يجهد في البحث ،و�آخر ي�صنع حدثاً ،يدعم ما يذهب �إليه ..وفكرة يرجّ حها. �أعالم الخط العربي القدامى
10
بد�أ الخط العربي في بدايته بال نقاط� ،إلى �أنْ جاء �أبو الأ�سود الد�ؤلي في عهد عبدالملك الخط العربي ّ انت�شار اب��ن م� ��روان ،ف��و��ض��ع ال�ن�ق��ط ع�ل��ى ال �ح��روف بد�أت ال�شّ رارة الأولى النت�شار الخط العربي المت�شابهة ،مثل :التاء ،والثاء ،والعين ،والغين .في �إفريقيا مع فتح العرب لم�صر� ،إذ عُ رّبت ث��مّ و�ضع بعد ذل��ك �أب ��واب العطف ،والنعت ،الدواوين ،و�صكّت عملة جديدة بالخط العربي والتعجب ،واال�ستفهام. في عهد عبدالملك بن مروان في العام 87هـ، وبعد ذلك جاء الخليل بن �أحمد الفراهيدي ،ف�أدّى هذا �إلى انت�شار الكتابة بالخط العربي، اجلوبة -خريف 1434هـ
وم��ن هنا ،نجد انتقال الخط العربي من �شمالي �إفريقيا والأندل�س �إلى جنوبي فرن�سا، وو�صل �إل��ى �أقاليم اللوار الجنوبية في �أوائ��ل القرن الثاني للهجرة ،وا�ستعمل الخط العربي في �صقلية وجنوبي �إيطاليا مدة قرنين ون�صف القرن ،من 1091-832م ،وذل��ك بعد �أن تمّ للعرب فتح هذه البالد(.)14 كما ا�ستوطنت الجاليات العربيّة الأمريكيتين
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ا�سم(االندورا).
فو�ضع ثماني عالمات هي :الفتحة ،وال�ضمة، وال�صلة، والك�سرة ،وال�سّ كون ،وال�شّ دة ،والمدةّ ، والهمزة(.)12 كما نلحظ �أ ّن ��ه ف��ي �سنة 131ه � �ـ� ،أر��س��ى الخطاط «قطبة ال��م��ح��رر» ق��واع��د الخطوط ال�ك��وف� ّي��ة ،وم��ن �سنة 139 -136ه � �ـ ،اخترع �إبراهيم ال�شّ جري خطي الثلث والثلثين. وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق ،قام �أخ��و �إبراهيم ال�شّ جري ،الخطاط يو�سف ال�شّ جري باختراع خ��ط ج��دي��د ي�سمّى ال�خ��ط ال��ري��ا��س��ي( :خط التّوقيع حالياً). �أمّا في عهد الم�أمون ،فقد اخترع الخطاط ع �ل��ي ال��ري �ح��ان��ي خ �ط � ًا ج ��دي ��د ًا دع� ��اه خط الريحاني ..ن�سبة �إلى ا�سمه ،ثمّ تتابع ا�شتهار الخطاطين ،فهذا الخطاط �أبوعلي محمّد بن الح�سن بن مقلة الذي �أر�سى قواعد خط الثلث والن�سخ ،وقد حدّد طول الحرف ،وتولى الوزارة لثالثة من الخلفاء العبّا�سيين ،وفي �آخر �أيامه اعتقل ولقي ال�م�ك��اره ،وقطعت ي��ده اليمنى، ومات في ال�سّ جن �سنة 1328م(.)13 وا�ستم ّر الحال على هذه ال�شّ اكلة �إلى �أواخر القرن ال�سّ ابع الهجري ،فقد ب��رز في تجويد الخط ياقوت بن عبداهلل الرومي الذي يلقب بقبلة ال ُكتّاب.
ولو �أنَّ الكتابة بالحروف القبطية ظلّت قابعة فانتقل ال�خ��ط ال�ع��رب��ي �إل�ي�ه�م��ا ،و�أُ���ص��درت في الكنائ�س والأديرة ،ثمّ انت�شر الخط العربي ال�صحف العربيّة في الواليات المتحدة ،وكندا، ّ م��ن م�صر �إل��ى �شمالي �إفريقيا ،وت �ط �وّر في والمك�سيك ،والبرازيل ،والأرجنتين وغيرها. المغرب ،و�أ�صبحت له مميزات خاّ�صة ،ولو �أنّه وهكذا ،ا�ستعملت الخط العربي �أمم كثيرة لم يبعد كثير ًا عن �صورته الأ�صلية. مختلفة الأجنا�س وال�ع��ادات ،متعددة اللّغات ون�شر المغاربة الخط العربي بين الأم��م وال� ّل�ه�ج��ات؛ ك��ال�ع��رب ،والأت � ��راك ،وال�ف��ر���س، الإفريقية وبخا�صة في �إقليم النيجر الأو�سط، والهنود ،والماليو ،والأفغان ،والتتار ،والأكراد، وقد ا�ستخدم الأحبا�ش الخط العربي في تدوين والمغول ،والبربر ،و�أه��ل ال�سودان ،والزنوج، لغاتهم ولهجاتهم منذ هجرة الم�سلمين الأوائل وال�سواحليون ،وغيرهم(.)15 �إلى الحب�شة. وب�ع��د ،فهذه رحلة ماتعة ،و�صولة �سريعة مع الخط العربي مفهومه ون�ش�أته ،وانت�شاره؛ فالخط العربي مظهر داللي ،وبعد �إ�شراقي على اتّ�ساع العقلية العربيّة ،وا�ستيعابها لمظاهر ال�ح���ض��ارة الإن���س��ان� ّي��ة ،م��ن ج�ه��ة ،و�إب��داع � ّي��ة ابتكاريّة ،من خالل توظيفهم الخط العربي في ت�شكيل لوحات زخرفيّة في غاية الفنيّة والجماليّة.
�سورة العلق :الآيات .4-1 �سورة الأنبياء :الآية .105 �سورة القلم :الآية .1 ل�سان العرب ،ابن منظور الإفريقي ،دار �صادر ،بيروت ،مادة( :خطط). تاريخ ابن خلدون.348/1 ، �صبح الأع�شى في �صناعة الإن�شاء ،القلق�شندي� ،ص.5 الخط العربي و�آدابه ،محمّد طاهر المكي� ،ص.17 تاريخ ّ �سورة البقرة :الآية .31 الخط العربي؛ جذوره وتطوره� ،إبراهيم �ضمرة ،مكتبة المنار ،الزرقاء ،ط1988 ،2م� ،ص.11 الفهر�ست ،ابن النديم ،دار المعرفة ،بيروت.8 ، انظر :ن�ش�أة الخط العربي وتطوره ،محمود �شكر الجبوري. لال�ستزادة انظر :الخط العربي الإ�سالمي ،تركي عطية ،دار التّراث الإ�سالمي ،بيروت ،ط1395 ،1هـ. انظر :المجموعة النّادرة في الخط العربي والزخرفة ،م�صطفى �سعد ،مدر�سة الخطوط العربية ،طنطا1989 ،م. الخط العربي ،زكي �صالح ،الهيئة الم�صريّة العامّة للكتاب1983 ،م� ،ص.54 لال�ستزادة انظر :انت�شار الخط العربي في العالم الم�شرقي والعالم المغربي ،عبدالفتاح عبادة1983 ،م� ،ص.32 اجلوبة -خريف 1434هـ
11
رحلة �إبداع
■ الزبري مهداد -املغرب
انت�شرت الكتابة بين العرب منذ فجر الإ�سالم؛ فانفتحت �أمامهم �أبواب ف�سيحة لولوج عالم الكتابة والإبداع والتوا�صل الكتابي .وذكر ابن النديم �أ َّن خالدا بن �أبي الهياج كان �أول مَن و ُِ�صف بح�سن الخط في ال�صدر الأول ،وهو الذي كتب في قِبلة الم�سجد النبوي بالذهب �سورة ال�شم�س، وكتب للوليد بن عبدالملك الم�صاحف والأخبار .ثم جاء بعده مالك بن دينار ،وا�شتهر بتجويد الخط .وفي الع�صر الأموي برز قطبة المحرِّر ،يقول عنه ابن النديم :كان من �أكتب النا�س على الأر�ض بالعربية ،و�إليه ين�سب تحويل الخط العربي من الكوفي �إلى الخط الذي هو عليه الآن. �أما في الع�صر العبا�سي ،فقد انتهت جودة الخط �إل��ى ال�ضحاك بن عجالن .وممن جوَّد الخط في عهدي المن�صور والمهدي �إ�سحاق بن َ حمَّاد.
12
تعليم الخط حكى ثابت بن عجالن عن تعلّمه الكتابة، فقال :كان المعلم يقول لي اكتب الميم ،ف�إذا لم �أح�سنها قال د ِّو ْره��ا واجعلها مثل عين البقرة. وه��ذه ال�شهادة تفيد ب��أن العناية بتعليم الخط ك��ان��ت مو�ضع اه�ت�م��ام الم�سلمين ،منذ فجر النه�ضة ،وعي ًا ب�أهميته الثقافية والتوا�صلية. فبعد انت�شار مكاتب التعليم� ،أ�صبح معلم الكتاب مطالَب ًا بتحفيظ ال�صبيان القر�آن وتعليم الخط، وكان �شرط تح�سين الخط من الأمور المعتبرة في تقدير حدقة المعلم. اجلوبة -خريف 1434هـ
وت �ع��د ط��ري�ق��ة تعليم ال �خ��ط م��ن المظاهر الح�ضارية المرتبطة به ،وقد كان العلماء في ع�صر ابن خلدون يتناقلون الأخبار عن اهتمام �أهل م�صر بما «يحكى لنا عن م�صر ..و�أن بها معلمين منت�صبين لتعليم الخط ،يلقون على المتعلم قوانين و�أحكاما في و�ضع كل حرف، وي��زي��دون �إل��ى ذل��ك المبا�شرة بتعليم و�ضعه، والح�س في التعليم، ّ فتع�ضد لديه رتبة العلم وت�أتي ملكته على �أتم الوجوه» .والرغبة في تعليم ال�صبيان مهارات الكتابة وقواعد الخط الجيد، هي التي ح��ذت بالقائمين على ال�صبيان �إلى اختيار معلمين خا�صين للخط ي�سمون ال ُم َكتِّبون (جمع ُم َكتِّبٌ ) ،يتقنون فن التخطيط ويتفرغون لتعليم ال�صبيان مهاراته ،وال ي�شتغلون بغيره. �أم ��ا ال �م �غ��ارب��ة ،ف�ق��د اع �ت �م��دوا ع�ل��ى تقليد الخطوط ،وك��ان يتولى تعليم ال�صبيان الخط
مبدعو الخط العربي ولتي�سير تعليم ال �خ��ط ،در� ��س الخطاطون الحروف و�سطروا قواعد ر�سمها ،و�صنفوا كتبا، وو�ضعوا �أراج��ي��ز تحدد ال�شروط والقواعد ،من حيث حجم الحرف ون�سب �أجزائه ،ورقة الخط �أو غلظه ،والألوان ،و�أنواع الأقالم والورق وغير ذلك. وظ��ل ال �خ��ط ال�ع��رب��ي ي�ت�ط��ور وي �ج��ود ،وف��ي �أواخ ��ر ال�ق��رن الثالث الهجري عندما انتهت رئا�سة الخط �إلى الوزير ابن مقلة ،قام بح�صر الأنواع التي و�صل �إليها الخطُّ العربي في ع�صره �إل��ى �ستة �أن��واع هي :الثلث ،والن�سخ ،والتوقيع، والريحان ،والمحقق ،والرقاع .وق�دَّر مقايي�س النقط و�أبعادها ،و�أحكم �ضبطها وهند�ستها، ووا�صل ما بد�أه قطبة المحرِّر من تحويل الخط الكوفي �إلى ال�شكل الذي هو عليه الآن. وم ��ع ن�ه��اي��ة ال �ق��رن ال��راب��ع وب��داي��ة ال�ق��رن الخام�س الهجري برز ا�سم ابن البواب ،الذي بلغ في جودة الخط مبلغًا عظيمًا ،لم يبلغه �أحد مثله ..وك��ان يقال له :الناقل الأول؛ لأن��ه هذب خطوط ابن مقلة في الن�سخ والثلث اللذين قلبهما من الخط الكوفي ،وابتكر عدَّة خطوط. وف��ي القرن ال�سابع الهجري انتهت رئا�سة الخط �إل��ى عدد من الخطاطين منهم :ياقوت المُ�س َتع ِْ�صمي ،وهو من �أ�شهر مَ ن ج�وَّد الخط
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
الخط العربي
ف��ي �أغ�ل��ب الأح �ي��ان معلم ال�ك� ّت��اب نف�سه� ،إل��ى جانب قيامه بتعليم القر�آن وغيره من الدرو�س، وبخا�صة و�أن الخط المغربي لم يتم تقعيده �إال ف��ي ع�صور م�ت��أخ��رة؛ فكان يلقن ف��ي المكاتب القر�آنية العتيقة بطريقة ت�سمى التحني�ش؛ �إذ يكتب الفقيه ال�سورة من القر�آن للتلميذ بم�ؤخرة القلم الق�صبي ،في لوح خ�شبي عليه طبقة من ال�صل�صال الأب�ي����ض ،وي�ق��وم التلميذ بمتابعة الحروف والكلمات بالقلم.
تذهيب تركي
مخطوط فار�سي
�صفحة م�صحف مذهب
مخطوط فار�سي مذهب وم�صور اجلوبة -خريف 1434هـ
13
م�صحف مذهب
14
في ذلك الزمن ،قلَّد ابن مقلة واب��ن البواب.. بعد ياقوت وا�صل الخط العربي تطوره في م�صر وتركيا وف��ار���س و�سائر ال�م��راك��ز الثقافية في العالم الإ�سالمي. اجلوبة -خريف 1434هـ
طغرة ال�سلطان محمود -تركيا
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
م�صحف خط كوفي مذهب
ف �ف��ي م���ص��ر واب� �ت ��داء م��ن ع���ص��ر ال��دول��ة الطولونية ،ومرورا بالع�صر الفاطمي ثم الأيوبي، �سيبذل الخطاطون جهودا لتطوير و�إحكام الخط العربي ،الذي �سيبلغ ذروته في الع�صر المملوكي. كما اهتمت الدولة العثمانية في تركيا بتجويد الخط ،و�أن�ش�أت في الآ�ستانة في العام 1326هـ �أول مدر�سة لتعليم الخط والتذهيب ،وط �وَّروا ما و�صلهم من خطوط؛ كقلم الثلث والثلثين اللذين �أخذوهما من المدر�سة الم�صرية ،وخط الن�سخ ال�سلجوقي؛ وزادوا على ذل��ك بابتكار خطوط جديدة :كالديواني والهمايوني المتولد عنه ،وجلي الديواني ،وخط الإجازة الذي يجمع بين الن�سخ والثلث ،وت �ف��ردوا بخط الطغراء، كما �شملوا بعنايتهم ف��ن تذهيب الم�صاحف وزخرفتها. �أما الفر�س ،ف�إلى جانب نبوغهم في مجال التذهيب ،ط��وروا خطوطً ا خا�صة بهم؛ كخط ال�شك�سته ،وخط التعليق في �أواخر القرن ال�سابع الهجري ،وخ��ط الن�سخ تعليق ال��ذي يجمع بين خطي الن�سخ والتعليق ،ال��ذي ظهر في القرن التا�سع الهجري. �أما بالد المغرب ،فقد دخلها الخط العربي عن طريق القيروان ،ومنها انت�شر في �إفريقية والأن��دل�����س .وم��ن الخطوط التي ظهرت الخط
القيرواني الذي تولد عن الخط الكوفي ،والخط الأندل�سي ال��ذي احتل مكانة مهمة في �شمالي �إفريقيا ،ثم ظهر الخط المغربي� ،إل��ى جانب الخط ال�سوداني الذي انت�شر في �إفريقيا. �أدوات الكتابة ال ت�ستقيم الكتابة �إال ب�أربعة مكونات ،وهي: القلم والحبر والمحبرة وال ��ورق .وق��د �أ�صاب ال�صينيون بنعت ه��ذه ال �م��واد بكنوز المكتب الأربعة .وقد ارتبط تطور الخط العربي بتطور هذه المواد ،و�إتقان �صناعتها ،حتى غدت اليوم تزين متاحف العالم بو�صفها من روائع الح�ضارة العربية ،التي �أ�سهمت في �إغناء التراث الإن�ساني العلمي والتوا�صلي ،وما كان ذلك ليتحقق لوال العناية الفائقة التي كان يوليها الحكام لعالم الخط والكتابة ،وحريٌّ بنا �أن ن�ستعر�ض في هذا المقال ،بع�ضا من �أوجه التطور التي لحقت هذه المواد. الأقالم لعل المكانة الخا�صة التي حظي بها القلم في الإ�سالم ،هي الدافع لتطوير الخط وتجويده والعناية ب��الأق�لام و�إع��داده��ا ،وق��د خ�ص عدد من الم�صنفين القلم بف�صول من م�ؤلفاتهم، ي�صفونه ويذكرون كيفية ا�ستعماله ،وال�شروط التي تحدد جودته ،وت�أثيره على نوع الخط وجودة الكتابة ،وعلى تداول وانت�شار العلم الذي تت�ضمنه الكتب. ي�صنع القلم ع��ادة من ال�سّ عف �أو العود �أو الق�صب ..وبخا�صة من الق�صب الفار�سي؛ وكان الكتّاب يتبارون في ح�سن البري وجودته حتى قالوا« :تعليم البري �أكبر من تعليم الخط ،ومن ال يُح�سن البري ال يح�سن الخط» ،فكان ال�ضحاك ابن عجالن �إذا �أراد بري قلمه توارى عن الأنظار
مرملة
مقلمة �أبي الفداء �إ�سماعيل
محبرة الحاكم ب�أمر اهلل -من الكري�ستال ال�صخري بكتابة كوفية
بحيث ال ي��راه �أح��د� ،أم��ا الأن�صاري وه��و واحد ممن نبغوا في الخط ،حين يغادر المجل�س يقطع ر�ؤو���س �أقالمه حتى ال يراها �أحد ،حفاظا على �سر نبوغه! وكان من عادة الوجهاء والأعيان ،النق�ش على �أقالمهم ،و�شحذ �سنها على مقطع من ل�ؤل�ؤ �أو عاج �أو غيره .كما كانوا يتخذون لأقالمهم قرابا، وه��و �أ�سطوانة ت�صنع م��ن ال�ع��اج وغ�ي��ره ،وهي م�صمتة �إال من تجويف مركزي يت�سع قلم بو�ص اجلوبة -خريف 1434هـ
15
اجلوبة -خريف 1434هـ
من الرق �إلى الورق ك ��ان ال �ع��رب ي�ك�ت�ب��ون ع�ل��ى �أك��ت��اف الإب���ل، واللخاف (الحجارة البي�ضاء العري�ضة الرقيقة) وع�سيب النخل ،والجلود ،وا�ستخدم الخطاطون في بداية الأمر الرق ،وهو جلد رقيق كانوا يكتبون عليه ،وظهرت فيه المالمح الأولى لفن الكتابة الإ�سالمية؛ وظل الرق م�ستعمال في المغرب حتى بعد تركه ،والإقبال على الورق في مناطق �أخرى. وفي الع�صر العبا�سي �شاع ا�ستعمال الكاغد، ال��ذي �أ�سهم في تخفي�ض كلفة الكتب �إل��ى حد كبير ،وفي ترويجها على نطاق وا�سع ،و�إتاحتها لعموم النا�س بثمن ف��ي متناولهم؛ فانت�شرت الكتابة على الكاغد (الورق) في البالد العربية وبخا�صة ف��ي ب�غ��داد بعد �إدخ ��ال �صناعته �إل��ى �سمرقند ،ومنها انتقلت ه��ذه ال�صناعة �إل��ى البالد العربية ،ف�أ�صبح ال��ورق رخي�ص الثمن منت�شرا بين النا�س ،ما �ساعد على انت�شار الكتب ون�سخها .وك��ان الكاغد يقدم مجانا للعلماء وطلبة العلم في كثير من دور العلم والمدار�س. ث��م ت �ط��ورت �صناعة ال ��ورق ف��ي ف��ار���س� ،إذ ا�ستطاع الفر�س ف��ي ال�ق��رن التا�سع الهجري،
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
16
�أو �أكثر للحفاظ عليه من التلف ،و�أحيانا يتخذ الكاتب مِ ْقلَمة ،وهي وع��اء تحفظ فيه الأق�لام وتكون على �شكل دائ��ري �أو مربع ،وف��ي بع�ض الأحيان تكون مزخرفة. وعند الفراغ من الكتابة ،و�إغالق المحبرة، وقبل و�ضع القلم في قرابه �أو مقلمته ،يم�سح ب��اط�ن��ه بالمِ مْ�سحة ،ل�ئ�لا ي�ج��ف عليه الحب ُر فيف�سد ،والمم�سحة تُ�سمى �أي�ضا الدفتر ،وهي خِ ��رق��ة م�ت��راك�ب��ة م��ن � �ص��وف� ،أو ح��ري��ر ،ذات وجهين ،وغالب ًا ما تكون مدوّرة مخرومة الو�سط، �أو م�ستطيلة. للكتابة ،يغم�س القلم في المحبرة لت�ستمد ،ثم يخط الكاتب على الرق �أو الكاغد ،وكانت عملية اال�ستمداد تطرح �أحيانا م�شاكل مرتبطة بفراغ المحبرة ،و�أحيانا بما قد تتعر�ض له من حوادث كالك�سر .فكان �شغل الكتّاب البحث عن �أف�ضل طريقة لال�ستمداد لموا�صلة الكتابة ب�سهولة ومن دون انقطاع .ويذكر الم�ؤرخون �أن عبا�س ابن فرنا�س الأندل�سي من علماء القرن الثالث الهجري ،التا�سع الميالدي ،ابتكر �آلة �أ�سطوانية تتغذى بحبر �سائل ي�ستخدم للكتابة� ،أهداها �آنذاك �إلى الحاكم الأموي بالأندل�س. وكان «المعز» حاكم م�صر في القرن الرابع الهجري ،العا�شر الميالدي ،قد وجّ ه في خطاب ل��ه �إل��ى ال��وراق�ي��ن و�أ��ص�ح��اب ال�ح��رف ب�ضرورة تطوير قلم الكتابة ،وابتكار طريقة تريح الكاتب من �ضرورة غم�س قلمه بالمحبرة ،واخت�صار ذل��ك بجعل الحبر داخ��ل قلم محكم الإغ�لاق، وين�ساب �إلى ري�شته ذاتيًا عند الكتابة .وقد جاء و�صف هذا القلم الفريد في كتاب (المجال�س والم�سامرات) للقا�ضي النعمان� ،إذ قال« :ذكر المعز القلم فقال :نريد قلما يكتب بال ا�ستمداد من دواة ،بحيث يكون م��داده من داخله ،متى
�شاء الإن�سان كتب به ،ومتى �شاء تركه فارتفع ف�صنع له قلم بهذه الموا�صفات من ال�م��داد»ُ . الذهب الخال�ص. كما ذكر ابن ع�ساكر في ترجمة �صاعد بن الح�سن بن �صاعد الرحبي من �أه��ال��ي دم�شق ف��ي ال�ق��رن الخام�س ال�ه�ج��ري ،ال �ح��ادي ع�شر الميالدي� ،أنه اخترع �أ�شياء ،ومنها قلم الحبر ال�سائل من �أنبوب متخذ من الحديد ،وجعل له من ج�سمه �سنا مقطوطا وم�شقوقا ،وكان �أنبوب ه��ذا القلم ي��زود بالحبر من ذيله ،ول��ه غطاء ح�ل��زون��ي محكم ،وك ��ان م��ا ب��ه م��ن حبر يكفي الكاتب للكتابة به لمدة �شهر كامل.
الخام�س ع�شر الميالدي� ،أن ي�صنعوا ورقا فاخرا من الحرير والكتان ،اعتنوا ب�ضغطه وتلميعه ليليق بتدوين دواوين ال�شعر التي كانت تزخرف وتذهّ ب وتحلّى بالر�سوم الملوّنة. المداد والحبر �أع �م��ال الكتابة وال��زخ��رف��ة والتحلية كانت تتم بالحبر ،فمنه ما ينا�سب الكاغد ،وهو حبر ال� ّدخ��ان ،و�أج��وده ما اتّخذ من �سُ خَ ام النِّفط، ومنه ما ينا�سب ال��رق ..وه��و الحبر ال�صيني، وي�سمى الحبر الر�أ�س ،وال دخان فيه. �أنتج الم�سلمون الأحبار من الدخان وال�صمغ والعف�ص والرماد؛ ونجحوا منذ الع�صر العبا�سي في ابتكار �أن��واع كثيرة من الأح�ب��ار تتالءم مع �أنواع الورق ،كما �أن الرغبة في زخرفة كتاباتهم دفعتهم �إل��ى ابتكار �أح �ب��ار ب��الأل��وان الزاهية ال�ستخدامها في تحلية وتزيين الكتب؛ فن�ش�أ فن التذهيب؛ وهو فن يرتبط بفن الكتابة� ،إذ كانت هناك عالقة وثيقة بين الكتابة وا�ستخدام فن التذهيب في تلوين حوا�شي الكتب القيّمة وتذهيبها .وال �ق��ر�آن الكريم �أه��م الكتب التي حظيت باهتمام المذهّ بين ،و�سَ مّى ابن النديم في الفهر�ست عددا من رواد فن التذهيب .ما يدل على �أهميتهم ومكانتهم الرفيعة في عالم الثقافة و�صناعة الكتاب ،كان ذلك خالل الع�صر العبا�سي ،حين �أخذت العناية ب�شكل خا�ص تتجه نحو زخرفة الم�صحف وتذهيبه ،ومنه انتقل الفن لي�شمل �سائر الكتب الأخرى. و�صنع ال �ع��رب الأل� ��وان م��ن م ��واد مختلفة، منها ما هو من م�صادر نباتية :كالحناء واللبن وال��رز وال��ورد والأزه ��ار ،ومنها ما هو م�صنوع من الأحجار الكريمة والمعادن .وتتميز الألوان المعدنية ب�أنها ثابتة ال تتغير بعامل الزمن، وك��ان��ت الم�ساحيق المعدنية تخلط بال�صمغ
محبرة قيروانية من الج�ص
محبرة محالة بالذهب والف�ضة
والماء .وا�ستعمل الكتّاب اللونين الأ�سود والأحمر في البداية ،ثم �أ�ضافوا الألوان الأخرى ،وبع�ضهم كان يعجن حبره بالم�سك ،ويعطره بماء الورد. كانت عملية التذهيب تتم ب�إحدى طريقتين: الأولى بل�صق الأوراق الذهبية الرقيقة في موا�ضع التحليق ،والثانية عن طريق التلوين المبا�شر بماء الذهب المذاب ،وكان الكاتب ي�ستعين في ذلك بالم�صقلة ،وهي الآلة التي ي�صقل بها ماء الذهب بعد عملية ت�سخينه ،لي�صبح �سائال �سهل الكتابة على الورق. الدواة والمحبرة المحبرة ،وعاء �صغير يحمل فيه طالب العلم الحبر ال��ذي يحتاجه للكتابة ،ت�صنع من الزجاج �أو ال�خ��زف �أو غ�ي��ره ،و�أح�ي��ان��ا م��ن م�ع��ادن ثمينة كالذهب والف�ضة؛ وكان ال�صانع يَت�أنق في �صناعتها م�ستخدمًا فيها الألوان الجميلة .ومن باب العناية اجلوبة -خريف 1434هـ
17
دواة مملوكية
18
بالمحبرة ،كان يتخذ لها �أحيانا �صندوق ًا �أ�سطواني ًا �صغير ًا على قيا�سها ،ي�صنع من الأبنو�س �أو غيره مع تر�صيعات من الف�ضة �أو الذهب ،ومهمته تثبيت المحبرة لولبيًّا في القاعدة ،كما كانت تعب�أ بطبقات من حرير المت�صا�ص الحبر والحيلولة دون الإغراق في ت�شريب ال�سن. وقد عرفت حلقات الدر�س هذه المحابر منذ �شيوع مجال�س العلم وم�ؤ�س�ساته ،وك��ان المربون ين�صحون الطالب با�ستح�ضار المحبرة دوم��ا، خالل ح�ضور الدرو�س حتى ال ي�ضيع منه ما ي�سمعه. وال��دواة �أكبر من المحبرة ،ت�صنع من نحا�س وفوالذ و�أبنو�س .بلغت �صناعتها في الدولة الفاطمية غاية الإتقان والأبهة ،حتى �أنها �صارت من �شارات كبار موظفيها ،ومنهم قا�ضي الق�ضاة الذي اخت�ص بكر�سي لدواته .بينما اتخذ الخليفة الفاطمي لنف�سه دواة محالة بالذهب والف�ضة والمرجان ،وتمادى اجلوبة -خريف 1434هـ
المراجع
•ابن النديم :كتاب الفهر�ست. •ابن خلدون :المقدمة. •القلق�شندي� ،صبح الأع�شى في �صناعة الإن�شاء. •ال�سمعاني� :أدب الإمالء واال�ستمالء. •ال �ج �ب��وري ،يحيى وه �ي��ب :ال�خ��ط وال�ك�ت��اب��ة في الح�ضارية العربية ،بيروت ،دار الغرب الإ�سالمي، 1994م. •الم�سفر ،عبدالعزيز بن محمد :المخطوط العربي و�شيء من ق�ضاياه ،دار المريخ ،الريا�ض 1999م. •م��اج��د ،عبدالمنعم :التعليم عند الفاطميين؛ المجمع الملكي ل�ب�ح��وث ال�ح���ض��ارة ،الأردن؛ 1987م.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
دواة المن�صور محمد
ف��ي العناية بها ،ب ��أن خ�ص�ص لها �أم�ي��را ي�سمى حامل ال��دواة ،ي�ضعها على ال�سرج ،وي�سير بها في المواكب .ولعله كان ي�سجل �أي�ضا �أقوال الحا�ضرين في مجال�س الخليفة الر�سمية في الق�صر .وكانت بع�ض الدوايا يقدر ثمنها بمائتي دينار ،وهو الثمن الذي قدره الم�ؤرخون لدواة الملك بهرام �شاه بن فروخ�شاه التي �سرقها مملوكه. وت��رت�ب��ط بالمحبرة وال� ��دواة �أج �ه��زة �أخ��رى، كالم�سقاة ،وهي �إن��اء ي�صب الماء في المِ حْ بَرةِ، وت�سمى الما َورْديّة ،ويو�ضع فيها عو�ضا عن الماء ف��ي بع�ض الأح �ي��ان م��اء ال� ��ورد ،لتطييب رائحة الحبر؛ وتكون ه��ذه الآل��ة في الغالب من القواقع التي ت�ستخرج من البحر .ثم المِ رملة �أو المِ تربة، وهي �أداة ب�شكل دواة ،يجعل فيها الرمل الذي ير�شه الكاتب ليمت�ص ف�ضلة الحبر منه .كما �أن الرمل الناعم الأ�صفر �أو الأحمر الذهبي اللون ،يك�سب الكتابة جماال ،وتتخذ المرملة من جن�س الدواة �إن كانت الدواة نحا�سا� ،أو من النحا�س ونحوه �إن كانت خ�شبا ،على ح�سب ما يختاره رب ال��دواة ،ويكون في فمها �شباك يمنع من ت�سرب الرمل الخ�شن. وكان �أرباب الريا�سة من الوزراء والأمراء ونحوهم يتخذون مرملة كبيرة لها عنق في �أعالها.
الخط العربي والتقنية! ■ خلف �سرحان القر�شي -ال�سعودية
ال يختلف اثنان في �أن جمالية الخط العربي ،وح�سن هند�سته ،وتنا�سق حروفه ونقاطه ودوائره وزخرفته� ،سمة مميزة من �سمات الح�ضارة العربية عموماً ،ولغة ال�ضاد العظيمة ب�شكل خا�ص. لقد �شهد كثيرون من غير العرب للخط العربي بالفرادة والتميز ،ال �سيما بعد �أن �شرف الخط العربي بن�سخ وكتابة �أ�شرف كتاب ،و�أعظم كلمات (ال��ق��ر�آن الكريم) ،ما زاد في ذيوعه وانت�شاره واالهتمام به – تبعا لأهمية ما حملَ ،فبُهرت به � -أعني الخط العربي – �أمم و�شعوب و�أقوام من غير العرب كالفر�س والرومان والأتراك والبربر ،و�أ�ضاف -من �أ�سلم منهم – لهذا الخط مزيدا من الثراء والتنوّع ،من خالل تالقح الح�ضارات وت�أثر الفنون ببع�ضها بع�ضاً .ولم يعد الخط العربي مفخرة للعرب وحدهم ،بل للم�سلمين عامة في م�شارق الأر���ض ومغاربها، و�أ�ضيفت له انواع �أُخَ ��ر كالفار�سي والأندل�سي ،وبرع الأت��راك الم�سلمون في مرحلة الحقة في تفجير طاقات خالقة في هذا الفن. ول�ي����س ال �ع��رب وال�م���س�ل�م��ون ف�ق��ط ه��م مَ ��ن �إليها). بهر و�أعجب بالخط العربي ،بل �إن الأوربيين ول�ع��ل م��ن �أ��س�ب��اب ديمومة ال�خ��ط العربي، ال�م�ع��ا��ص��ري��ن – وك �م��ا ف�ع��ل �أ� �س�لاف �ه��م -قد وبقائه �أخاذا وملفتا للأنظار ..مرونته وقابليته ا�ستهواهم م��ا ح��واه الخط العربي م��ن �إب��داع للتقنية والم�ستجدات من دون �أن يفقد روحه وفن؛ ي�ؤكد ذلك ما قاله الر�سام العالمي ال�شهير وعمق جوهره و�سر �سحره ،فالخط العربي الذي (بيكا�سو)�( :إن اق�صى نقطة حاولت الو�صول كان يكتب به على الجلود والرقاع وال��رق وورق �إليها بالر�سم ،وجدت الخط العربي قد �سبقني البردى ،تطاوع ب�سال�سة مده�شة مع الورق حين اجلوبة -خريف 1434هـ
19
وه��ذه المرونة العالية امتدت ليقبل الخط ال �ع��رب��ي (ح��روف��ا ون �ق��اط��ا وح��رك��ات ودوائ���ر وقواعد) الحقا الطباعة الحديثة ب�آالتها المعقدة وال �ج��دي��دة ،ال�ت��ي اخ�ت��رع�ه��ا ال�ع��ال��م الأل�م��ان��ي (جوتنبرج) في العام 1447م ،وقد ت�أخر العرب كثيرا في التعاطي معها لأ�سباب لي�س هنا مجال تف�صيلها ..حيث ظهرت �أولى المطابع في م�صر �أثناء الحملة الفرن�سية ،وهي مطبعة �أح�ضرها نابليون في العام 1798م.
20
�إن تقبل الخط العربي للطباعة الحديثة ،كان بمثابة �أول اختبار حقيقي لهذا الفن في التعاطي الإيجابي مع م�ستجدات التقنية وا�ستثمارها والإف� ��ادة منها ،واج�ت�ي��از ه��ذا االخ�ت�ب��ار مهَّد الفر�صة الجتياز تحدٍ �آخر قد يكون �أقل �صعوبة.. لكنه �أعظم �أثرا ،و�أجدى نفعا ،و�أعني به اجتياز تحدي التقنية الحا�سوبية التي ظهرت في العالم العربي في �أواخر ال�سبعينيات الميالدية تقريبا. فمع ظهور �أجهزة الحا�سب الآلي ،كان الحرف العربي �أول �أهداف المبرمجين ومطوري النظم الحا�سوبية ،الراغبين في معالجة اللغة العربية حا�سوبيا� ..إذ ا�ستطاعوا بعد جهد ومعاناة وم��ح��اوالت ع��دي��دة م��ن �إن �ت��اج ب��رام��ج ت�سمح با�ستخدام الحرف العربي ،وعند ظهور برامج اجلوبة -خريف 1434هـ
ول��م يقف طموح الحا�سوبيين عند تمكين الحا�سوب من طباعة الحروف العربية ،والتعامل معها في برامج تن�سيق الن�صو�ص وغيرها من البرامج التي عُ رّبت �أو ُ�صمّمت عربية ،لتوليد الخطوط العربية �أليا ب�أنواعها المعروفة (الن�سخ، وال��رق��ع��ة ،وال��ك��وف��ي ،وال��ث��ل��ث) ،وتوليد خطوط جديدة قائمة �أو م�ستوحاة من تلك الخطوط، وظهرت في �أ�سواق البرامج العربية عدة خطوط قام بت�صميمها �أفراد وم�ؤ�س�سات برمجية تعمل تحت نظم مختلفة ،وكان �أغلبها موجها لخدمة �أغرا�ض الن�شر الإلكتروني؛ ومثال ذلك ما �أنتجته �شركتي (�أي.تي�.سي) و(مونوتايب) العالميتين في ه��ذا ال�صدد .وت��وال��ت �أم�ث��ال تلك البرامج و�أ�صبحت تعمل على نظم ت�شغيل مختلفة ،وزودت
�شركة (ميكرو�سوفت) برامجها (الويندوز) و(الأوف �ي ����س) وغيرهما بحزمة م��ن الخطوط العربية ،و�أ�سهمت �شركات مثل (حرف) �إحدى ال�شركات التابعة ل�شركة (�صخر) ب�إنتاج خطوط -2احتياجه للحركات (الت�شكيل) م��ن فتح مجموعة جواهر الخط العربي ،وظهرت ع�شرات و�ضم وك�سر و�سكون ،فال يوجد في العربية البرامج للخطوط ،ومنها على �سبيل المثال ح��روف �صائتة Vowel lettersما يزيد من (علوي) و(القلم) و(الحقباني) ،كما �أ�صدرت �صعوبة كتابة الحرف العربي� ،إذ ي�ضطر �شركة المعالم ال�سعودية في الت�سعينيات مو�سوعة الكاتب لكتابة حرفين �إن لم يكن �أكثر.. للخطوط العربية ،وبلغ عدد �أنواع الخطوط في في حال رغبته ت�شكيل كتابته دفعا للإبهام، بع�ض تلك البرامج �أكثر من مائتي خط .وقبل �أو لإ�ضفاء جمالية معينة من خالل ت�شكيل ثالثة �أع��وام تقريبا ،ظهر برنامج (الكلك)، الن�ص� .إن جميع الخطوط العربية المنتجة وهو نظام يتم من خالله توليد و�إنتاج خطوط حا�سوبيا تغفل ق�ضية الت�شكيل ،مثلها مثل عربية ،والبرنامج يعطي م�ستخدمه ال�ضليع فيه الكتابات العربية الحديثة ف��ي ال�صحف م�ساحة للإبداع ،تزداد بازدياد تمكن م�ستخدمه والمجالت ،وتلك المنتجة من قبل برامج ومعرفته بالخطوط العربية. تن�سيق الن�صو�ص ،وق��د يتغير ال�ح��ال بعد واليوم ،ومع انت�شار الأجهزة الذكية ..ومنها ظهور برامج فعالة للت�شكيل الآل��ي� ..سمعنا (الأيباد) و(الأيفون) و(الجالك�سي) ب�أنواعه، وق��ر�أن��ا عنها منذ �أكثر من ع�شر �سنوات، ظهرت تطبيقات وبرامج خطوط تنا�سب هذه ويبدو �أنها لم ت َر النور بعد� ،أو على الأقل الأجهزة وتتالءم معها. لم تنت�شر وت�صبح في متناول الم�ستخدم ومن �أبرز العقبات التي واجهت تطويع التقنية الحا�سوبية لخدمة الخط العربي ما يلي:
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
اكت�شافه وبدء ا�ستخدامه ،ناهيك عن طواعيته لال�ستخدام حِ � َّرف� ًي��ا م��ع الخزفيات والمعادن والخ�شب والم�صنوعات الزجاجية والزخرفة العربية (�أرابي�سك) ،ال�سيما تلك التي تزين بها الق�صور والم�ساجد ،ومنازل ذوي الجاه والي�سار داخليا وخارجيا.
تن�سيق الن�صو�ص العربية الأولى التي كانت تعمل تحت نظام الت�شغيل (دو�س ،)DOSلم يكن بها �إال نوع واحد من الخط ال يمكن تغييره �أو التحكم في حجمه ،ورغ��م ذل��ك كانت تعد فتحا مبينا في حينها؛ وذل��ك لأن الأنظمة التي كان يعمل من خاللها المطورون والمبرمجون هي �أنظمة م�صممة �أ�سا�سا للتعامل مع لغات �أجنبية ،في �أغلب الحاالت خ�صائ�ص حروفها تختلف عن خ�صائ�ص الحروف العربية ..التي منها تغيير �شكل الحرف ح�سب موقعه من الكلمة ،وبناء على ما قبله وما بعده من حروف ..ومثال ذلك حرف العين ف��ي الكلمات التالية( :وع ��ي)( ،لعبة) (منتجع) ،بينما نجد �أن حروف اللغة الإنجليزية وكثير من اللغات الأخرى تفتقد هذه الخا�صية، نظرا لكون حروفها تكتب منف�صلة في الغالب، ولكل حرف منها حالتان فقط� :صغير وكبير.
ب�شكلين مختلفين .وم��ن �ش�أن ه��ذا التعدد والتنوع �إعاقة التعامل �آليا ب�سال�سة مع الخط العربي.
العادي ،ومنذ عامين تقريبا ..طرحت لموقع البحث العالمي ال�شهير على النت (جوجل) خدمة تجريبية للت�شكيل الآلي ،ما لبثت �أن اختفت لعدم ن�ضجها ،ولكثرة الأخطاء فيها.
-1تعدد �أ�شكال كتابة الحرف ال��واح��د ،التي ت�صل في بع�ض الأحيان �إل��ى �أربعة �أ�شكال كما ذكرنا في مثال ح��رف العين ،ناهيك -3يبدو �أن��ه لي�س هناك قواعد محددة لطول ال �ح��رف ف��ي ال �خ��ط ال �ع��رب��ي ف��ي �أن��واع��ه عن الأ�شكال التي يمكن �أن ت�ستخدم من المختلفة ،فالتنا�سب الهند�سي �شبه معدوم، الناحية الفنية ،فالحاء مثال تكتب �إذا �أتت فبع�ض ال �ح��روف �صغير ،وبع�ضها كبير، ف��ي نهاية الكلمة بثالثة �أ��ش�ك��ال ،وكذلك ومنها ما ينزل بمقدار معين ،ولي�س هناك العين والراء ،وتكتب كل من الكاف ،والميم، م��ن ح��د معين دق �ي��ق ل��ذل��ك � �س��وى تقدير والنون ،والهاء ،وال�سين ،والياء ،والالم �ألف اجلوبة -خريف 1434هـ
21
الفنان لم�س�ألة التنا�سق والتناغم ،وهذه م�س�ألة ي�صعب التحكم فيها �أليا ،وتجعل من ال�ضرورة بمكان �أن يكون الم�صمم خطاطا في الأ�سا�س؛ لأن فاقد ال�شيء ال يعطيه� .أما ما يعرف بالخط القواعدي ،وما و�ضع له من قواعد ،detestمثل عدد النقاط لكل حرف.. فيظهر �أنها جاءت تالية ،وو�ضعت لأغرا�ض «ال �ح��رف ال �ع��رب��ي م�ن���ش��أ ال�ك�ل�م��ة الكتابي تعليمية فقط. ومنظومة الكلمات ت�شكل اللغة ,واللغة هي �أداة -4قابلية الحرف العربي للإطالة والتمطيط التفكير والتعبير ،وبين ه��ذا وذاك تقع حرية في �أغلب الحروف� ،سواء �أكانت م�ستقلة� ،أم االختيار والممار�سة .فالحرف الطباعي يعطي عند ورودها �أول الكلمة �أو و�سطها. هام�شا من حرية االختيار ،ويحجب كليا حرية وه �ن��اك م��ن ي ��رى �أن ال �خ��ط ال �ع��رب��ي بهذه الممار�سة والتطبيق التي يترتب عليها اكت�شاف الخ�صائ�ص وغيرها� ،أث��رى الناحية الجمالية جماليات و�إمكانات الحرف .وهذا بالطبع ي�ؤدي والخيالية لدى الخطاط� ،أو م�صمم الخط ..ليبدع �إل��ى عزلة كبيرة بين �شعوب ال��وط��ن العربي، �أكثر ،وينتج خطوطا و�أ�شكا ًال جديدة تزيد من ومتعة وحالوة ممار�سة كتابة لغتهم التي تعمق غناء الخط العربي ،وتثري متذوقيه؛ لأن الم�صمم في نفو�سهم مفهوم االرتباط .وقيمة االحترام لم يقيد نف�سه بقواعد �صارمة تح ّد من �إبداعه .للغة �أداة تفكيرهم ،والتي يترتب عليه �إغداقها ورغم كل هذه العقبات وغيرها� ،إال �أن الخط عليهم بمكنوناتها الفكرية والثقافية والإبداعية».
22
العربي تجاوزها في العموم ،وا�ستثمر التقنية وي��رى المنت�شري �أي�ضا �أن تطويع الحرف الحا�سوبية ل�صالحه باقتدار ،كما ا�ستثمر من قبل العربي للمعالجة الحا�سوبية ،هو ا�ستالب لجمال الورق وغيره ،وكما ا�ستثمر الطباعة الحديثة. الخط العربي ويقول: وتطويع الحا�سوب لخدمة الخط العربي كان «�إن تطبيع الحرف العربي وو�ضعه في قوالب وما يزال ،و�سيظل مثار جدل بين م�ؤيد ومعار�ض ميكانيكية جامدة ،كي يواكب تقنيات الحا�سوب، ومتحم�س ومتهم ،وهذا �ش�أن الإن�سان في تعاطيه لهو نوع �آخر من �أنواع اال�ستالب الجمالي للخط مع التقنية غالبا. العربي ،لي�صبح رقما ح�سابيا ،ون�سخا م�شوها من فهناك من يرى �أن توظيف التقنية الحا�سوبية الحرف الالتيني المنفرد في تركيبه للكلمات؛ �أ�ضر بالخط العربي كفن ،و�شوهّ ه كثيرا ،ولهم بينما نجد الحرف العربي يتميز في تراكيبه مبرراتهم ف��ي ه��ذا ال�ج��ان��ب ،ومنهم الدكتور المت�صلة ،كما له �إمكانية التداخل بين الكلمات عبدالرحمن المنت�شري ع�ضو هيئة التدري�س والجمل ،والم ّد والح�سر ب�إمكانات ال حدود لها. اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
بق�سم ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة بكلية الآداب بجامعة ال��ط��ائ��ف ،وه��و خ��ط��اط ..وم��ن المتعاملين مع البرامج الحا�سوبية� ،إذ يرى �أن الحا�سوب ي�سيء للخط العربي ،ويحد من اكت�شاف جمالياته، ويقول في (ريبورتاج) ن�شر في جريدة الجزيرة العدد 20ربيع الأول 1428هـ:
فالحرف هو �أ�سا�س اللغة كما �أ�سلفت الإ�شارة �إليه ..ومن هنا ت�أتي الخطورة ،ف ��إذا ما ذوب الحرف العربي في الحرف الالتيني ،طم�ست م�س تفكير �شخ�صيته ،وهدمت اللغة ،وبالتالي ّ الأم��ة ومعتقداتها وثقافتها وهويتها ،وبذلك ي�سهل اختراقها وتطبيعها ،وبذا ت�صبح الكلمة الوافدة الموحية ذات ال��دالالت التي تعمل علي طم�س الهوية �أمرا مي�سورا وعاديا وغير ملفت. وال�شواهد على ذلك كثيرة ،انظر �إلى م�سميات محالنا ال�ت�ج��اري��ة ،و�إل ��ى ال�لاف�ت��ات والقنوات الف�ضائية ..تجد الكثير مما �سبقت الإ�شارة �إليه �شكال وم�ضمونا».
والوعي هي ما نحتاج �إليه� ،إلى جانب الموهبة والفن ..لالرتقاء با�ستخدامات الخط العربي؛ ل�ن�ل� ّب��ي ال�م�ت�ط�ل�ب��ات ال �ت��ي ي�ط��رح�ه��ا ال �ت �ط��ور، وم�ستجدات الحياة ب�صيغ جمالية دائمة التطور تطال وظائفه كلها من �أدناها �إلى �أرقاها ،من الكتابة اليدوية �إلى اللوحة الفنية ،الأمر الذي �سي�ضر حق ًا بالن�سّ اخ ومهتمي الخط العربي، ولكنه �سيفتح الباب وا�سع ًا �أم��ام الفنانين من الخطاطين ذوي الموهبة والثقافة والوعي .وعلى ه�ؤالء تقع م�سئولية ت�صميم الأ�شكال المالئمة لبرامج الكمبيوتر وتطويرها با�ستمرار ،وهم ال �ق��ادرون على االرت �ق��اء بالخط العربي كفن ت�شكيلي ،و�إعادة �ألقه ورونقه �إليه».
ويرى الأ�ستاذ منير ال�شعراني وغيره الم�س�ألة ختاما ..تبقى ق�ضية خدمة التقنية للخط ب�شكل مختلف ،فيقول في مقالة له ن�شرت بمجلة العربي -كما ر�أينا -مثار ج��دل بين طرفين العربي الكويتية عدد يناير 1998م: �أحدهما ي��رى �أنها �أح�سنت �إليه كثيرا ،و�آخ��ر «�إن م��راج�ع��ة ب�سيطة لأق��اوي��ل وادع� ��اءات يرى �أنها �أ�ساءت له و�شوهته ،والذي يعنينا هنا الراف�ضين لبرمجة الخط العربي في الكمبيوتر، �أن الخط العربي تفاعل �إيجابيا مع هذه التقنية تبرز لنا مدى جهلهم بالكمبيوتر وا�ستخداماته، التي ولجت كثيرا من مناحي حياتنا ،و�أفاد منها وبرحلة الخط العربي وت�ط��وره� ،سواء ب�سواء؛ كما �أفاد من تقنيات �سبقتها. ناهيك عما تنطوي عليه من خلط بين المهني مراجع المقالة وال �ف �ن��ان ،وب�ي��ن ا��س�ت�خ��دام��ات ال�خ��ط العربي الوظيفية والفنية المتعددة ،ونظرهم �إليها •كتاب (ال�ك�ت��اب) ت�أليف (يوهن�س بيدر�سن). ترجمة حيدر غيبة. ب�سكونية وعيون مغم�ضة ال ترى �أن برمجة الخط العربي في الكمبيوتر باتت � �ض��رورة ،بل �إنها •كتاب (العرب وع�صر المعلومات) للدكتور نبيل علي. �أ�صبحت واقع ًا بعد كل هذه الأ�شكال التي �أفرزتها •مجلة (ال �ع��رب��ي) الكويتية ال �ع��دد 470يناير �شركات الكمبيوتر ،والتي قلّما نرى بينها �أ�شكا ًال 1998م. مدرو�سة جيداً .الأمر الذي ي�ضعنا في مواجهة •مجلة (الجوبة) العدد الثامن ع�شر �شتاء 1429هـ. هذا التحدي». •�صحيفة (الجزيرة) ال�سعودية بتاريخ 20ربيع وي�ضيف ال���ش�ع��ران��ي�« :إن العلم والثقافة
الأول 1428هـ.
اجلوبة -خريف 1434هـ
23
■ عبدالغني فوزي -املغرب
��اف� ،أن الكتابة الخطية �أو التخطيطية وج��ه من وج��وه الح�ضارة ،على اعتبار �أن غير خ ٍ هذه الأخيرة تعبّر عن وجودها ب�أ�شكال جمالية وفكرية مختلفة ،في انت�صار للأ�س�س الثقافية المميزة .و�أي�ضا اج��ت��راح ممكنات جمالية لتعميق اللم�سة الفنية ،ق�صد الإ�ضافة للثقافات الإن�سانية .في هذا المجال؛ فالخط ي�شتغل �أ�سا�سا على اللغة ،وال�سعي الحثيث لإخراج الحروف في هند�سات مختلفة ،تكت�سي معناها من البيئات والمخزون الثقافي .هذا ف�ضال عن خلفيات الفنانين �أو الخطاطين الممتدة عبر يد ماهرة للخلق �أو �إعادة ت�شكيل الحروف ،وفق �أر�ضيات ور�ؤى خالقة ال تقول الحرف وحده ،بل يكون هذا الأخير كتعلة �أو قناة لتمرير م�شاعر وقلق اتجاه هذا الآخر المحت�ضن للفعل.
24
وعليه ،فالخط العربي فن وت�صميم الكتابة، لذا ،تعددت الخطوط وتنوعت ،وفق �أ�شكال لها ح�س ال�شكل خ�صائ�ص جمالية تنطوي على ّ ورونق الهند�سة �ضمن ن�سق بديع .لكن ،ال ينبغي غ�ض النظر عن البدايات في فن الخط التي ّ كان مبعثها المعرفة والتعلّم ،بل �أحيانا الحاجة وال�ضرورة في نزوعها المادي .بعد ذلك و�ضعت للخط قوانين و�أ�س�س مو�ضوعية وعلمية ،تطورت بفعل ال �ت��درج ال�ت��اري�خ��ي وال�ث�ق��اف��ي على ممر الع�صور� ..إلى �أن �أ�صبح الخط المتعدد والمتنوع ف� ًّن��ا ق��ائ��م ال� ��ذات ،ف��ي �صلة جدلية بالفنون الأخرى ،وبخا�صة الب�صرية منها. اجلوبة -خريف 1434هـ
ودون الغو�ص في البدايات المثيرة للجدل دائما ،يمكن الإق��رار �أن الخط العربي ن�ش�أ في جدل مع �أرك��ان ال�شريعة الإ�سالمية ،وبخا�صة الو�سائط الإلهية الممثلة �أ�سا�سا في القر�آن الكريم والحديث ال�شريف ،فتم ت��داول��ه عبر الن�سخ والر�سائل .ومنها ر�سائل الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم) �إلى ملوك الروم والفر�س ..وهو ما يثبت �أن مجيء الإ�سالم توحّ دت معه اللهجات ب�ن��زول ال �ق��ر�آن على لهجة قري�ش ،فانت�شرت في فجر الإ���س�لام خطوط متعددة (الحيري، الأنباري ،المكي ،الكوفي ،الب�صري.).. تبعا لهذا المعطى التاريخي والثقافي ،تعددت
نحن� ،إذاً� ،أم��ام تعدّد في م��ادة اال�شتغال، وقد �أ�سهم في ذلك التكوين ،ت�شابك ال�سياقات و� �ض��رورات �سيا�سية ودينية واجتماعية؛ من دون نفي الوجه الآخر في ا�ستعمال الخط� ،أي انت�شاره كحرفة .لأن الخط على �صلة باليومي المعي�شي كنافذة توا�صلية .وف��ي الآن نف�سه، ن�ستح�ضر التطورات الإلكترونية الراهنة التي �سعت �إلى تعوي�ض اليد بوا�سطة ت�شكيل ب�صري، يقت�ضي الإدراك والتفكير الب�صري في هند�سة ال��ح��روف .ل�ك��ن ه��ذه ال �ت �ط��ورات ق��د ال ت��ؤث��ر على الجوانب الفنية المغلفة بالقيم الفكرية والروحية للإن�سان ،من خالل حميمية اللقاء بين اليد والحرف� ،ضمن �أفق تخييلي ور�ؤيوي ما .وهو ما يقت�ضي على مدار هذه الورقة ،ب�سط بع�ض الخ�صائ�ص الفنية والجمالية للخط ،في ا�ستح�ضا ٍر لمظاهر ت�سيء �إليه ،وت�سعى لت�سليعه، في غمرة اال�ستهالك الذي طال كل �شيء. جماليات الخط العربي ارت� �ب ��ط ف ��ن ال� �خ ��ط ك� ��� �ض ��رورة ج�م��ال�ي��ة بالأرابي�سك ،كتجليات زخرفية لمركزة بع�ض الأماكن كفواعل اجتماعية ودينية منها الم�ساجد والعمارة الإ�سالمية .وبالتالي ،فهذا الخط ،في
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
فن �أم ِحرفة؟ الخط العربيٌّ :
�أ�سماء الخطوط تبعا لأ�سماء مدن (النبطي، ال�ك��وف��ي ،ال �ح �ج��ازي ،ال�ف��ار��س��ي)� ،أو �أ�سماء مبدعين كالياقوتي ،والريحاني ،والغزالني.. �أو ن�سبة لمقادير الخط .نذكر هنا خط الثلث، الن�صف� ..أو ن�سبة ل�ل�أداة التي ت�سطره ،هذا ف�ضال عن هيئة الخط (خط الم�سل�سل مثال).
�صوره الجمالية ،ي�سعى �إلى تقديم المكان عبر حلة �أ�سا�سية ت�سعى �إل��ى ا�ستنطاق الجدران، حتى تبدو منخرطة في فعل الإن�سان و�أفقه .في هذا ال�سياق فالخطوط تتنوع في ت�شكلها و�شكلها تبعا للنوع والبيئة؛ هذا ف�ضال عن خلفية الفنان. فكلما كانت هذه الأخيرة ندية وثرة بالمعطيات والأ�سئلة� ..إال و�أ�ضافت لم�سات تدل على اليد التي عبرت الخط على الجدران �أو المخطوط.. وفي المقابل ،قد ي�ؤدي ذلك �إلى �إدراك ب�صري ناتج ع��ن مثيرات ح�سّ يّة ،م��ن خ�لال تفاعلنا الب�صري مع الخطوط؛ و�أحيانا من دون االرتهان للقواعد الخطية. وال � �ش��ك� ،أن ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة تمنح بع�ض ال�صفات ،لتغدو هند�سة ال �ح��روف مطواعة ومنفتحة على �أ��ش�ك��ال �إب��داع �ي��ة ،تعبيرا عن ج�م��ال�ي��ات وم�م�ك�ن��ات ف�ن�ي��ة ،م�ن�ه��ا :ال�م��رون��ة، والمطاوعة ،وقابلية الخطوط العربية للت�شكيل. هذا ف�ضال عن المقيا�س والن�سب .ال�شيء الذي �أك�سب الكتابة العربية �أ�شكاال هند�سية متنوعة من خالل لم�سات الم ّد واال�ستدارة� ،إ�ضافة �إلى الرجع والت�شابك؛ وبذلك ،فالم�ألوف في اللغة ماثل في جميع الحروف المتوازنة بكيفية عادية. ويبدو الإب��داع الخطي متجلٍّ في خلق ذاك التنا�سق بين الحروف �ضمن �إطار ما� .إنه تنا�سق ي�ؤلف بين جميع فروق النوع كقطعة مو�سيقية �أو لوحة ت�شكيلية �أو ق�صيدة .ويغلب الظن �أن هذا التنا�سب بين الخط والنقطة والدائرة ،ا�ستخدم ب�صيغٍ مختلفة في الفنون الت�شكيلية ،من خالل عنا�صر الخط والكتلة والحركة ال�سارية بين اجلوبة -خريف 1434هـ
25
الخط العربي و�سوء الفهم
الخليط المت�شكل .لكن يبدو ذلك في ت�شكيل الخطوط �أكثر حدّة ودق��ة ،لأنه ال يمكن تحقق الإب ��داع والخلق من دون قواعد خا�صة .ك�أن الفنان الخطاط يقوم بتروي�ض الكتابة من خالل تموجات وتقطيعات ،لتقول �أ�شياء و�أ�شياء. ول�ع��ل ال���ش��يء الأج �م��ل� ،أن ال �ح��روف العربية تجلي بواطنها المعبرة ع��ن �أ��س����س االنتماء للح�ضارة العربية .واللغة �أبرز مظهرها الثقافي والوجودي.
26
�أكيد �أن الخط العربي ي�ؤ�صل للهوية العربية الإ�سالمية كفن روحاني ي�ستند في ممار�سته على خ�صائ�ص فنية مرنة ،في حاجة دائمة �إلى الإ�ضافة والتطوير كاالرتفاع والدوران والميالن �ضمن مجال حرفي م�ؤثث؛ لأن الحرف يكره ال �ف��راغ .وغ�ي��ر خ��اف� ،أن االرت �ف��اع م��ن خالل الألف يوغل في ال�سمو على �أدراج �سفر تكويني؛ وال��دوران �ضمن الدائرة ك�إقامات في الحياة والوجود .فتعددت اللم�سات الفنية التي تنبني على االت��زان الخطي الممثل في الدقة و�ضبط ال �ح��روف .ه��ذا ف�ضال ع��ن التنا�سب الخطي الجلي في ت�صميم الحروف وهند�ستها .فالخط العربي بهذا ال�صنيع الفني لي�س نقال فتوغرافيا اجلوبة -خريف 1434هـ
يغلب ظني �أن الطفيليات معروفة ب�أ�شكال مختلفة �ضمن �أي فن ،وهي عنا�صر مد�سو�سة تبعد ال�شرط الفني والجمالي من اهتمامها. في هذا المجال ،يمكن الحديث عن الخط كفن يلتزم ب�ضوابط من دون تقليد .ولكنها �ضرورية لل�صقل والإب ��داع ال�خ�ّلقاّ ق ال��ذي ي�ضيف .وفي الآن نف�سه تعتر�ضنا فئة من الخطاطين التي ت�سند التقليد التقني بدواعي الفطرة �أو الحاجة االجتماعية كالفقر ..فترى الخطوط منت�شرة ف��ي ك��ل م�ك��ان؛ لكن الكثير منها م�شو ٌه وخ��الٍ من القيم الفنية والفكرية؛ ال�شيء الذي يقتل الحروف في حروفها .ويقدم �صورة م�شوّهة عن اللغة العربية ك�أجمل �أ�شكال التعبير والكتابة بين الح�ضارات الإن�سانية .فالخط ال يقت�ضي اليد فقط ،بل الفكرة �أي�ضا ،في تالزم تفاعلي خلاّ ق. الخطاط فنان بكل ت�أكيد ،ولي�س حرفيا .وهو ما يقت�ضي االهتمام بو�ضعيته ،نظرا للتحوالت المت�سارعة التي ب�إمكانها �أن تزحف على الخط العربي حين ال ندرك المخاطر التي تكبر يوما على �صدر يوم ،منها غياب المبادرات من طرف الم�ؤ�س�سات الثقافية العامة والخا�صة؛ �إ�ضافة �إلى عدم االحت�ضان والتفاعل ال�لازم من قبل الجمهور الذي ال يملك ثقافة جمالية ب�صرية؛ ومن ثَمَّ ،الخ�ضوع لغزو ال�صورة .وهو ما يقت�ضي الح�س ل��دى النا�شئين والمتعلمين من ّ تنمية
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
للحروف ،بل يعيد ت�شكيلها من جديد ،لتغدو أدوات ت�سبر الوجود والكون. � ٍ
خ�لال التربية على الفن ،و�إق��رار م��ادة الخط �ضمن البرامج والمقررات التعليمية .وفي الآن نف�سه فمن ال�ضروري �أن يكون الخطاط مزودا ب�إطارات فنية معا�صرة ،تغني خلفيته التقليدية في الخط العربي .كما يمكن توظيف التكنولوجيا كعون للخطاط من دون �أن تحل التقنية محل اليد الماهرة .لأن «الخط هند�سة روحانية كتبت ب�آلة ج�سمانية» ،كما يقول الخطاط فريد العلي في �أحد حواراته. على �سبيل الختم �إلى تنميط العالم ،و�إفراغ م�ساحات الهوية من في ه��ذا الختم� ،أخل�ص �إل��ى فكرة م�سلما محتواها. بها في هذا المو�ضوع ال�شائك والدقيق ،والذي ف��ي ه��ذا ال�سياق ،ن��ؤك��د م��ع المفكر محمد ال يقت�ضي خبطا وع�شوائية ال تف�ضي لأي �شيء. الفكرة تقول �إن الخط العربي على ممر التاريخ عابد الجابري في كتابه (الم�س�ألة الثقافية) ب�أن ارتبط بعلم الهند�سة ،وه��و ما يثبت العالقة الثقافة ال تخ�ضع للعولمة؛ لأنها مو�سومة بالتنوع التنا�سبية بين الحروف و�أجزائها .وهي فكرة والتعدد .من ه��ذا التعدد ..الخطوط العربية كفيلة بت�أكيد دقة وجماليات هذا الفن ،طبعا ك�أ�شكال وت�صاميم ،كهند�سات في الم�سجد ف��ي حاجة دائ�م��ة �إل��ى الإب ��داع والإ��ض��اف��ة ،من والمدينة والأب ��واب ..و�أكيد� ،إن هذه الأ�شكال خالل مداخل يتملكها الفنان كخلفية للممار�سة تنطوي على خ�صو�صية محلية ،ف��ي عالقتها الخطية. بالمعتقد والمرجعية؛ لكنها في الآن نف�سه ذات وقد امتد هذا الفن للعمارة الإ�سالمية ،من بعد كوني و�إن�ساني بو�صفها (تلك الأ�شكال) خالل تثبيت وتر�سيخ حروف عربية قر�آنية في ت�شخي�صا فنيا واب �ت �ك��ارا ف��ردي��ا وج�م��اع�ي��ا. الم�آذن والم�ساجد والإقامات ..ف�أ�ضحى ذلك فتنطرح الخطوط ك�إطارات فنية تمثيلية للدين قيمة ب�صرية تعزز �أ�س�س الهوية وتعمقها جماليا .والح�ضارة والمكان وال��زم��ان ..الحروف بهذا فتظهر بحق الدقة ووج��ازة التعبير في قوالب الطرح ،ال تبقى حبي�سة حروفها ،بل ت�شرع على فنية رائقة .فكثيرة هي الأ�سئلة التي يثيرها الآخ �رـ في ت�شكيلٍ جمالي يعيد بناء الحروف فن الخط اليوم ،في ظل التبدالت والتحوالت لتكون جديرة بحروفها بالمعنى العميق لهذا المت�سارعة ،والهادفة الآن في �إط��ار العولمة التعبير. اجلوبة -خريف 1434هـ
27
■ �أ.د.خالد فهمي -م�صر
( )1مدخل :الخطاطة �أو الكتابة العربية :غابة معرفية!
يمثل الخط العربي �أ�سا�سا لعدد كبير من العلوم التي ظهرت في الح�ضارة العربية الإ�سالمية، وعن طريقه وبف�ضله تطورت مجموعة من فروع العلم. والخطاطة �أو «علم الخط» هو العلم ال��ذى يبحث في �أ���ص��ول الكتابة ون�ش�أتها وتطورها والتعرف �إل��ى الخطاطين «على حد تعبير الدكتور عبدالعزيز الدالي في كتابه (الخطاطة، مكتبة الخانجى ،م�صر �سنة 1980م �ص .)5 وفح�ص هذا العلم يقود �إلى �إدراك حقيقة جلية ،تتمثل ف��ي �أن علم ال�خ��ط �شكّل غابة معرفية نه�ضت بعدد من الميادين المختلفة، و�أ�سهمت في تقدمها وترقيتها وتطويرها ،ومن �أهم هذه الميادين: �أوالً :مجال تطور الكتابة العربية� ،أو الر�سم. وقد كانت المحطات الأ�سا�سية في تطوير الخط العربي واالنتقال به �إل��ى �آف��اق غير م�سبوقة، كانت ب�سبب من �إرادة تي�سير ق��راءة القر�آن الكريم ،وتقريب �أمره للمتعبدين والمتعلمين.
28
الح�ضارة العربية الإ�سالمية ،يمثل ركيزة �أولية في كل تطبيقات تجويد هذا الخط الذى افتتح �أم��ره �إرادة تح�سين خطوط الم�صحف .وكان �أول من جود خط الم�صحف هو خالد بن �أبي الهياج؛ وت��وال��ى ظهور الخطاطين المجودين على امتداد التاريخ ،فظهر مالك بن دينار �سنة 131ه �ـ ،وال��وزي��ر اب��ن مقلة �سنة 328ه �ـ ،وابن �سعيد القارئ �سنة 410ه �ـ ،واب��ن البواب �سنة 413هـ ،وياقوت الم�ستع�صمي �سنة 626هـ.
ثالثاً :المجال الح�ضاري .وقد �أ�سهم تطور ثانياً :مجال الفنون والجماليات .لقد كان العناية بالخط ال�ع��رب��ي ف��ي تطوير ع��دد من ا�ستثمار الخط بما هو قاعدة �أ�سا�سية ت�أ�س�س التطبيقات الح�ضارية المادية ،فظهرت مدار�س ع�ل��ى ه��دي�ه��ا م�ن�ظ��وم��ة ال �ف �ن��ون ال�ج�م�ي�ل��ة في جمالية في عدد من الحوا�ضر الإ�سالمية في
اجلوبة -خريف 1434هـ
م�شاهير الأعالم
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
الخط العربي: مقال في �آفاق اال�ستثمار الل�ساني!
ال�شام والعراق ،وم�صر المملوكية وال�سلجوقية لم ينقطع: والعثمانية ،وتطوير الأق�لام وتنويعها ،وتطوير -اب��ن مقلة المتوفى �سنة 328ه �ـ -الأح��دب م��واد الكتابة ،وتنويع االبتكارات في مجاالتها المزور �سنة370هـ. المختلفة ،وا�شتبك هذا مع علوم التاريخ والآثار ابن �أ�سد الغافقي �سنة 410هـ -ال�سم�سمانيوغيرها. 415هـ. رابعاً :المجال اللغوي .كما �أ�سهم �أمر العناية بالخط العربي في تنمية بع�ض ف��روع الدر�س -الح�سن ناهوج �سنة 588هـ – القفطي 624هـ. اللغوي ،ما �أ�سهم في تف�سير عدد من الظواهر -ياقوت الم�ستع�صمي -ابن العفيف �سنة 736هـ. الل�سانية على هدىً من �إنجازات تاريخ الخط الطيب ��ش��اه ال���س�ه��رودي �سنة 720ه � �ـ- .ال�ع��رب��ي ،حتى غ��دا علم الخطاطة graphics الزفتاوي �سنة 806هـ. فرعا مهما من فروع علم اللغة ،يمتلك جهازا المرع�شي �سنة 896هـ -الأما�س �سنة 957هـ.ا�صطالحيا وم�ستقرا. ( )2تجليات الخط العربي :مقال في -ابن ال�صايغ 845هـ.
وف��ى ه��ذا ال���س�ي��اق ،تظهر �أدب �ي��ات كثيرة معا�صرة اعتنت بالترجمة له�ؤالء الأعالم عناية خا�صة ،وظهرت م�ؤ�س�سات �أكاديمية وبحثية قامت من �أج��ل ال��وف��اء بهذا التاريخ ،ومنجز �أعالمه الفني والجمالي.
تجلّت قيمة الخط العربي في هذه ال�شجرة الملتفة لعظماء الخطاطين على امتداد التاريخ، وات�سعت ات�ساعا كبيرا ،حتى ا�ستقلت معاجم كاملة للت�أريخ لخطاطي بع�ض الأقطار على ما يظهر من معجم الخطاطين الأت��راك مثال )3( ..الخط العربي والل�سانيات العربية: وفى هذا ال�سياق تجلت �أ�سماء رائ��دة وعظيمة مقال في �آفاق اال�ستثمار! لأعالم الخط العربي مثل: �إن فح�ص الل�سانيات المعا�صرة يك�شف عن علي بن �أبي طالب والح�سن الب�صري ،مثالن انتماء الخط �إليه ،وهو بع�ض ما يف�سر عنايةلجيل الن�ش�أة. معاجم الم�صطلحات اللغوية بتحرير مجموعة خ�شنام واب��ن �أب��ي الهياج واب��ن دينار وقطبة م��ن م�صطلحات علم ال�خ��ط ،على م��ا يظهرال�م�ح��رر وال�ضحاك ب��ن ع�ج�لان ،ممثلون م��ن عمل ال��دك�ت��ور رم��زي منير البعلبكي في لجيل الت�أ�سي�س. معجمه ال��رائ��د :معجم الم�صطلحات اللغوية ثم ات�سعت ال�شجرة وتفرعت غ�صونها ات�ساعا (ان �ظ��ر��� :ص 767-766م�سرد م�صطلحات وتفرعا مثيرا للإعجاب والتقدير ،فظهرت الخطاطة ،ومعجم دافيد كري�ستال �سنة 1992م الأ�سماء الآتية ،وهى مجرد عالمات على طريق للم�صطلحات اللغوية �ص 160وما بعدها ..بدءا اجلوبة -خريف 1434هـ
29
وق��د تميزت �سهمة الخط العربي في دعم بحوث الل�سانيات العربية على امتداد تاريخها تميزا وا�ضحا ،اتخذ مجموعة م��ن المراحل والحقب الزمنية والمو�ضوعية ،يمكن �إجمالها فيما ي�أتي: ثانياً :ا�ستقالل العناية بخط الم�صحف
�أوالً :مرحلة معرفة قواعد الكتابة وف��ى م��رح�ل��ة ت��ال�ي��ة ت�صنيفيا ،و�إن كانت العربية ،والفروق بين المتداخالت هي الأ�سا�س المن�شئ والمطور لقواعد الخط والأ�شباه الكتابية ال�ع��رب��ي ،ا�ستقل الت�أليف ف��ي م�ي��دان الر�سم وه� ��ذه ال �م��رح �ل��ة الأول�� ��ى ات��خ��ذت ��ش�ع��ارا الم�صحفي ر�صدا ،وجمعا ،وت�أريخا ،وقد ظهرت مو�ضوعيا ي�ستهدف التمييز ب�ي��ن ع��دد من �أدبيات متنوعة خادمة لهذه الأغرا�ض ،مثل: الحروف التي ين�ش�أ بينها ا�ضطراب وتداخل �أ -البديع ف��ي معرفة م��ا ر�سم ف��ي م�صحف مثل :التفريق بين ما يكتب بالألف والياء ،وبين عثمان ر�ضى اهلل عنه ،البن معاذ الجهني ما يكتب بالتاء والهاء �إلخ. �سنة 442هـ. وق��د ظهرت كتابات مهمة في ه��ذا ال�سياق ب -المحكم ف��ي نقط الم�صاحف ،للداني، المتوفى �سنة 444هـ. تنوّعت �أحجامها وخ�صائ�صها �صغرا وكبرا، واختالطا وا�ستقالال. ج -مخت�صر التبيين لهجاء التنزيل ،البن نجاح المتوفى �سنة 496هـ. وعرفت من �أدبيات هذه المراحل: وكانت الغاية الكبرى لهذا الجهد العلمي �أ� -أدب ال �ك��ات��ب ،الب��ن قتيبة �سنة 276ه� �ـ، و� �ش��رح��ه الب��ن ال���س�ي��د البطليو�سي �سنة الممتد متركز ًة حول حفظ الن�ص العزيز عن 521هـ. طريق حفظ ر�سمه وخ�ط��ه ،وحياطته الن�ص ب� -أدب الكتاب ،لل�صولي المتوفى �سنة 336هـ .الكريم في تجلياته المكتوبة بكل �أنواع الحفظ. ج�� -ص�ن�اّع ال �ك �ت��اب ،للنحا�س المتوفى �سنة 337هـ.
30
ثالثاً :ا�ستثمار التراث الخطي للمكتوبات العربية ،وللقر�آن الكريم ل�سانيا �أو لغويا.
ثم ظهرت بعد ذلك بع�ض الكتب في م�سائل وكانت المرحلة الحديثة خطوة جديدة في م�ستقلة ،تعالج بع�ض م�شكالت الخط العربي مثل :عمدة الأدب��اء في معرفة ما يكتب بالألف ا�ستثمار الخط العربي ،ظهرت عالماتها في والياء ،لأبى البركات ابن الأنباري المتوفى �سنة درا�سة هذه الخطوط ل�سانيا �أو لغويا ،بق�صد تف�سير ع��دد من الظواهر اللغوية؛ بما يجعل 577هـ. اجلوبة -خريف 1434هـ
-1درا�سة الخط العربي لغويا. الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه الرائد: (ر�سم الم�صحف :درا�سة لغوية تاريخية) .وكان -2درا�سة ر�سم الم�صحف لغويا. ومن �أ�شهر من در�س م�شكالت الخط العربي من �أهم نتائجها ع ّد الكتابة �أو الر�سم و�سيلة و�أث��ره��ا ف��ي ع��دد م��ن الأوه � ��ام ف��ي ع��دد من لحفظ القراءات الثابتة بالنقل. وقد ك�شفت مراجعة الإ�سهام المعا�صر في الم�سائل اللغوية الدكتور رم�ضان عبدالتواب، رحمه اهلل� ،سنة 2001م� ،إذ �صنع في كتابه :ميدان خدمة كتابة الم�صحف �أو خطه ،عن ف�صول في فقه العربية (طبعة مكتبة الخانجي وجود �إ�سهامات جيدة اتجه �أكثرها نحو الت�أريخ بالدمام في ال�سعودية �سنة 1433هـ ،مراجعة د .مثل: خالد فهمي �ص 357وما بعدها) ،ف�صال بعنوان 1.1ر�سم الم�صحف ونقطه ،للدكتور عبدالحي م�شكلة الخط العربي و�أوه��ام اللغويين ،تو�صل الفرماوي� ،أنجز �سنة 1975م. فيه �إلى الآتي: 2.2ر��س��م الم�صحف و�ضبطه بين التوقيف
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
من المدخل.)graph :
وك��ان��ت الغاية الأ�سا�سية م��ن ه��ذا الجهد العلمي التراثي هي �ضبط الكتابة العربية� ،سعيا نحو �شفافيتها ونقائها ،طلبا ل�شفافية الر�سائل المعرفية التي تحملها ه��ذه الكتابة ،بما هي الو�سيط المادي الحامل لفكر الأمة العربية.
درا�سات الخط جزءا �أ�صيال يقع في ال�صميم العريقة. من درا�سات فقه العربية ،واتخذت هذه المرحلة ومن �أ�شهر ه�ؤالء الذين توقفوا �أمام درا�سة م�سارين ظاهرين هما: ر�سم الم�صحف وفق الأ�صول العلمية لعلم اللغة:
�أ � -أدى ع��دم �إدراك وج��ود رم��وز خطية �أو كتابية للحركات �أو �أ�صوات العلة �إلى عدد من الأوهام اللغوية ،تتعلق بمحل الحركة�3.3 ،ضبط الم�صحف :ن�ش�أته وتطوره ،للدكتور وتتعلق باعتبار حروف المد �أ�صواتا �صامتة! عبدالتواب الأكرت �سنة 2008م. ب -عدم �إدراك بع�ض اللغويين لإمكان ا�ستقالل ومن كل هذه الم�سارات والمراحل والجهود الحركة بالنطق ،ب�سبب عدم تمثيلها خطيا يت�ضح لنا �أن الخط العربي تطور ب�شكل رائع �أو كتابيا. ب�سبب �إرادة خدمة القر�آن الكريم ابتداء ،وقد ج� -أدى ازدواج النظر �إلى كتابة (الألف والواو ك��ان ا�ستثماره فنيا وجماليا م ��ؤث��را ج��دا في والياء) �إلى عدد من الأخطاء ،في النظام التفريع والتطوير الذى �أ�صابه. ال�صرفي للعربية. وقد ظهرت مع مرور الوقت درا�سات تدر�س ومن جهة �أخرى ،ظهر في الع�صر الحديث ال�خ��ط ب�لاغ�ي��ا ،وتحلل جمالياته ،م�ستثمرة ات�ج��اه �آخ��ر م�ستقل ،اعتنى ب��درا��س��ة الر�سم �إمكانات البالغة العربية من ت�شبيه وا�ستعارة، العثماني الخا�ص بالقر�آن الكريم لغويا ،للك�شف ف��ي منحى ج��دي��د يتعامل م�ع��ه ،بو�صفه ن�صا عما ين�ضوي تحته من مظاهر نافعة في الت�أريخ ،جماليا مقنعا وم ��ؤث��را ف��ي ال��وج��دان العربي لواحدة من �أهم الحقب التاريخية لهذه اللغة الم�سلم على امتداد تاريخه.
واال�صطالحات الحديثة للدكتور �شعبان �إ�سماعيل �سنة 1999م.
اجلوبة -خريف 1434هـ
31
خـط الرِ قعـة ي�ستخدم في كتابة اليد العادية ..ويتداوله النا�س ,لتدوين معامالتهم اليومية ,من كتابة عقود ور�سائل.
جماليات الخط العربي (الخط الكوفي �أنموذج ًا)
الخـط الفـار�سي
■ غازي خريان امللحم� -سوريا
لم يكن العرب بمن�أى تام عن الفن ,ومحاوره المختلفة ,لكنهم لم يقبلوا على بع�ضه ال �سيما ذلك النوع الذي يت�سم بم�سوح الوثنية ,التي تذكّرهم بما كانوا عليه في الفترة ال�سابقة من غيٍّ وجاهلية .ولما كانت الطبيعة الب�شرية توّاقة لم�شاهدة الجمال وتق�صّ ي مكامنه� ,أخذوا بالبحث عن �ضروب بديلة تتنا�سب ومعتقدهم الجديد ,فوجدوا �ضالتهم المن�شودة في حروف خطهم العربي ,فانبروا ي�صلحون من �ش�أنه ,حتى بلغ الذروة من التح�سين والإتقان ,وبخا�صة خالل الحقبة العبا�سية ،ما دفع الخليفة الم�أمون �إلى القول«:لو فاخرتنا ملوك الأعاجم بما يملكون من فنون وتماثيل ,لفاخرناهم بما لدينا من �صنوف الخط ..الذي يقر�أ في كل مكان ..ويترجم على كل ل�سان.».. ول �م��ا ك��ان ال �م ��أم��ون نف�سه ع��ال�م��ا بالخط ف�أنتجوا �أروع اللوحات الخطية ،م�شفوعة بالألوان وديباجته ,ثقافة وممار�سة ,و�صفه ال�شاعر المت�ألقة والمت�آلفة ..ما يزال بع�ضها متربع ًا على عر�ش ال�صدارة في �أرقى المتاحف العالمية. بقوله:
ت����ج����م����ع����ت ل�������ع���ل���اه ك��������ل م���ن���ق���ب���ة وه����و ال��ب��ل��ي��غ �إذا م���ا ق����ال �أو �سمعا وك����م ل���ه م���ع���ان راق م�����س��م��ع��ه��ا من ف� �ن ��ون خ� �ط ��وط �أب � ��دع � ��ت ع�ج�ب��ا
32
وم��ن هنا ,انبرى الفنانون العرب ،وبنزوع ف�ط��ري نحو ال�ت�ج��دي��د ,لإح �ي��اء ك��ل ف��ن جميل لديهم ,يكون القلم و�سيلته ,والحرف غايته؛ اجلوبة -خريف 1434هـ
وي�ستمر الخط العربي في م�سيرته الإبداعية, لا ف��ي ط�ي��ات��ه ُب �ع��د ًا راق �ي � ًا م��ن ال�ب��راع��ة ح��ام� ً والجمال ,ويمثل وجه ًا نا�صع ًا من وج��وه الفن الت�شكيلي العربي الإ�سالمي؛ ت�شاهد كلماته وهي تتهادى في رونق �أنيق م�ستقل في �صورة حروفه من ت�شابك وتداخل وتركيب ,تراوحت بين الرقة والغِلظة كما في خط الن�سخ ,وبانحناء الحروف وامتدادها كما في الخط الفار�سي ,والتناظر
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
والميزان الذي يقا�س به براعة الخطاط ومدى مهاراته ,ويمتاز ه��ذا الخط بالجمال المطلق والدقة الفائقة في ر�سم حروفه.
وي�سمى العليق ,ابتكر في بالد فار�س ..وهو خط جميل ,نحيل القوام ,تمتاز حروفه بالدقة واالمتداد ,وهي وا�ضحة �سهلة الكتابة النعدام التعقيد فيها.
نماذج من خط الثلث
والتماثل كما في الخط الديواني ,وتبادل �إ�شعاع القوة والو�ضوح كما في حروف خط الثلث. واخت�ص كل خط من هذه الخطوط بوظيفة جمالية ,و�أخرى عملية ,توزعت على النحو الآتي:
خـط الرِ قعـة
خـط الن�سـخ م��ن م�م�ي��زات��ه ال��و� �ض��وح و��س�ه��ول��ة ال �ق��راءة, وي�ستعمل في كتابة المطبوعات اليومية المختلفة, من �صحف ون�شرات وكتب تعليمية وغيرها ,كما اخت�ص حديث ًا بالمواقع الإلكترونية. خـط الثُلث يعد �أ�صل الخطوط العربية و�أُ�سها الأول,
نماذج من الخط الفار�سي اجلوبة -خريف 1434هـ
33
نماذج من الخـط الـديواني
خـط ـديواني (جلي)
34
اجلوبة -خريف 1434هـ
ومن هنا� ,أخذ الخط الكوفي بالت�سامي ,لتبلغ �أنواعه �أكثر من خم�سين نوعا ,وبذلك �أ�صبح فنا جميال قائما بذاته ,يتحدى �أرق��ى الفنون المت�شابهة بخ�صو�صيته التي باتت تمثل روح الفن العربي و�سماته النبيلة ,و�أخ��ذت حروفه تتلألأ ب�آيات الذكر الحكيم ,وتزين المنابر، وتجمل القِباب وال �م ��آذن ,وتتحلى بها الحكم والأمثال والأ�شعار.
ي���أت��ي الخط الكوفي ف��ي مقدمة الخطوط ال�ستة المعتمدة ,وهي :خط الرقعة ,والديواني، والن�سخ ،وال�ث�ل��ث ،وال�ف��ار��س��ي ,وطبعا الخط الكوفي ,ال��ذي بلغ منزلة متقدمة من تجميل ر�سمه و�إتقان حرفه. �أ�سلوب مب�سط من الكوفي الحديث المزهر
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
وكل رملة ح�صباء عند العرب كوفة؛ وقد نقل الخـط الـديواني ي�م�ت��از ب��ال�ح�ي��وي��ة وال �ط��واع � ّي��ة ,وب��ال�ج�م��ال العرب �أثناء وفودهم �إليها من الحيرة وغيرها ال�شكلي ,تتماوج حروفه على الورق �أو على �صدر من البالد الأخرى خطوطهم المتنوعة� ,إذ كان اللوحة بر�شاقة ظاهرة ,و�أكثر ما ي�ستخدم في لكل فئة منهم خطها الخا�ص بها ,عُ رفت به. دواوين الدولة. ويذكر الم�ؤرخون� :إن عرب اليمن كان لهم ثم الخط الكوفي الذي ي�أتي في مقدمة تلك خط الم�سند الحميري ,والعرب الأن��ب��اط خط الخطوط ,نظر ًا لجماله ودقة موا�صفاته وات�ساع �سُ مِّيَ النبطي ،ثم ا�ستنتج �أهل الحيرة والأنبار خ��ط �سمي ال�ح�ي��ري �أو الأن��ب��اري ,وم��ن جملة ا�ستعماالته. هذه الأنواع ،تو�صلوا لخط تعارفوا على ت�سميته رحلة الخط الكوفي بالخط الكوفي ,ن�سبة �إلى مدينتهم الوليدة. على مقربة من الحيرة ,كانت هناك مدينة بد�أ هذا الخط في �أول �أمره بداية متوا�ضعة، نا�شئة ا�سمها الكوفة� ..شيّدت في رملة ح�صباء, ال تنم عن �شيء من الإج��ادة ,ولما كان الفنان العربي الم�سلم متقن ًا لعمله� ,صبور ًا على الأ�شياء الدقيقة ..تحول ه��ذا الخط الوليد على يديه �إلى �أجمل الخطوط العربية والأجنبية على حد �سواء ,لخروجه على الم�ألوف ,وظهوره بمظهر متميز ،فجمالياته تكمن في �ألفاته الواقفة, و�سطوره المم�شوقة الم�ستقيمة ,وحروفه الملتفة �أو الم�ستديرة التي تنمّ عن الحركة في تكوينها, وان�سجام في مظهرها الهند�سي.
خ�صائ�ص الخط الكوفي
وم��ن خوا�صه� ،أن��ه يتم�شى مع يد الخطاط كيفما ي�شاء ,وو�صف ب�أنه خط مرن ,و�أكثر قابلية ال�شتقاق حروف منه ,من دون الخروج عن �صفته الهند�سية ,وينق�سم ح�سب خوا�صه الفنية �إلى: -1كوفي الم�صاحف:
الكوفي المزهر
وهو �أول ظهور الفت للخط الكوفي ,واقت�صر وقتئذ على كتابة الم�صاحف الكريمة ,والأحاديث النبوية ال�شريفة ,وبذلك يكون الخطاط الم�سلم قد حاز على �أجرين� :أجر الدنيا و�أجر الآخرة. -2الكوفي الب�سيط:
كوفي مع�شق
وه��و ال��ذي ي�ستعمل في المواد التحريرية, ككتابة الر�سائل وتدوين العقود ,وانت�شر هذا النوع في العالم الإ�سالمي كله ،لما فيه من الب�ساطة والو�ضوح ,ومثله نراه على قبة ال�صخرة في القد�س ال�شريف ,وجامع اب��ن طولون في القاهرة ,وق�صر الكازار في الأندل�س. -3الكوفي الفاطمي:
كوفي منح�صر
ن�سبة �إل��ى الفاطميين الذين ابتكروا بع�ض ت�ك��وي�ن��ات��ه ,وزي��ن��وا ف�ي��ه ق���ص��وره��م وق��اع��ات جلو�سهم ,و�أ��ص�ب��ح ف��ي وقتهم الأك�ث��ر ت��داوال, وينق�سم هذا الخط �إلى �أق�سام مختلفة ح�سب اجلوبة -خريف 1434هـ
35
ف�����ت�����رى ل���������ص����ورت����ه رم�����������وزا ج��م��ة ف����ان����ظ����ر ب���ع���ي���ن ح���ق���ي���ق���ة ت���ت���ه���ذب
-4كوفي الأبنية: وهذا النوع يكون �أكثر تعقيدا من �سابقيه, ويعتمد في طياته على الأل��وان الزاهية ,التي ا�ستخرجها ال��خ��ط��اط ال��ع��رب��ي م��ن م�صادر نباتية و�صناعية متنوعة ,فجاء الأق ��رب �إل��ى اللوحة الفنية منه �إل��ى المدونة الخطية ,وهو يتنا�سب وهند�سة الأبنية وحركة العمارة التي باتت �صروحها زاخرة بفنون الخط وزخرفته، حيث ت�شاهد على الأ�سقف والجدران والنوافذ والأعمدة.
كوفي م�شعب
الخط المورّق: م�شتق من الخط الكوفي -خط القيروان
كوفي هند�سي
-5الكوفي التذكاري: وهو ي�ستخدم للتدوين على المواد ال�صلبة ك��ال �ح �ج��ارة والأخ� ��� �ش ��اب وب �ع ����ض ال���ص�ف��ائ��ح المعدنية ,وتكون الآي��ات القر�آنية والعبارات الدعائية وغيرها مادة �أولى له ,وهذا النوع من الخط ي�ستوقف ال�ق��ارئ ل�صعوبة فك حروفه لخلوها من النقط� ,إ�ضافة �إلى التداخل ال�شديد فيما بينها.
م�شتق من الخط الكوفي -خط القيروان
�أ�شكال الخط الكوفي
-6الكوفي الياب�س:
36
يكتب هذا الخط على �أ�س�س هند�سية بحته, ويكون على قدر عال من الدقة والجمال والليونة المخففة ل�شدة جفافه ,و�سمي كذلك ال�ستقامة حروفه وحِ َّد ِة زواياه وافتقاره �إلى الدوائر. اجلوبة -خريف 1434هـ
وقد ق�سّ م الفنانون العرب ,من �أمثال ابن مقلة وابن البواب وغيرهم ,الخط الكوفي� ,إلى عدة �أ�شكال ,ح�سب ال�سمة البارزة لهيئة الخط وتكوينه ،ف�أح�صوه في عدة �أ�شكال� ,أبرزها:
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ال��زخ��ارف الم�صاحبة ل��ه ,وال�م��راد ت�شكيلها, وهكذا يكون ا�سم الخط ومظهره م�ستوحى من �شكل زخرفته ,التي غالبا م��ا تكون ملونة �أو مذهبة.
���ص��ور ال���ح���روف ج��م��ي��ع��ه��ا م����أخ���وذة م�����ن ������ص�����ورة الإل���������ف ال����ت����ي ت��ك��ت��ب
كوفي زهر
وه��و الخط ال��ذي تر�سم ف��ي نهاية حروفه وريقات ,م�أخوذة من تحوير �أوراق الأ�شجار ,دون �أن ت�ؤدي �إلى �صعوبة قراءتها ,ومن غير الم�سا�س بال�شكل الأولي للحرف ,فبلغ �أوج رونقه وبهائه في العديد من البالد الإ�سالمية ,واخت�ص في زخرفة الكتب ,وتزويق المجلدات ال�ضخمة. الكوفي الزهر: هو الذي يقوم على ملء الفراغات الأر�ضية للوحة ,بزخارف نباتية على هيئة منظر الزهور المختلفة ,وهذه الزخارف تكون ب�ألوان افتح من لون الكتابة ,لكنها قريبة منها ,وتعد النماذج الموجودة في قاعة ال�سلطان ح�سن بالقاهرة من �أ�شهر تلك الكتابات التي دوّنت بالخط الكوفي المزهر.
ت�ضافرت جهود حثيثة ,للرقي بهذا الخط والو�صول به �إل��ى درج��ة تحاكي الكمال ,فكتب على �شكل دوائ��ر ومربعات وم�سد�سات ,وعلى هيئة الطير وال��زه��ر وال�شجر� ,أو على �صورة �شخ�صية لأحد ما ,يكاد الم�شاهد يتعرف عليه الكوفي الم�شجر: بمجرد النظرة الأول ��ى لر�سمه ,ول�ه��ذا �أ�شار �أما الكوفي الم�شجر ,فهو الخط الذي يكون ال�شاعر: في نهاية حروفه العلوية �أ�شكاال ت�شبه �أغ�صان ك����ل ال�����ح�����روف �إذا ن����ظ����رت ف����إن���ه���ا ال�شجر الملتوية والملفوفة ك��دال�ي��ة العنب، م������ن ن���ق���ط���ة �أج���������زا�ؤه���������ا ت���ت���رك���ب وهي تزهو بوريقاتها وبراعمها ,فتعطي �شكال اجلوبة -خريف 1434هـ
37
مميزا� ،أ�شبه ما يكون بال�شجرة الوارفة الأوراق والظالل. الكوفي الم�ضفر: وهو من التحف الكتابية ,ب�أخذه �شكل �ضفيرة زخرفيه متداخلة الحروف مت�شابكة ,وهو خط معقّد ج��داً� ,إل��ى حدٍّ ي�صعب معه التمييز بين الحرف و�أنواع الزخرفة الم�شاركة له ,العتماده ع�ل��ى ت�ضفير ال��ح��روف ال�ع��ال�ي��ة وال�م��رت�ف�ع��ة وتعقيدها �سوية ,لت�صبح كال�ضفيرة.
خط كوفي متناظر
بع�ضا ،وك�أنها م�شتاق ي�سعى �إلى م�شتاق ،ف�أن�شد: وهكذا ,ا�ستمرت المقطوعات الخطية الكوفية, بجاذبية ت�أخذ بمجامع الأل�ب��اب ,فتمتع العين, واني لأح�سد ال في �أ�سطر ال�صحف �إذا ر�أي�������ت اع���ت���ن���اق ال���ل��ام ب���الأل���ف وت�س ّر النف�س؛ فهذه الجاذبية ال تهتدى �إليها �إال روح الجمال ,وعبقرية الخيال ,وطبعا ال يدرك وم����ا �أظ��ن��ه��م��ا �إذا ط����ال اع��ت��ن��اق��ه��م��ا هذا االح�سا�س المعنوي ،وال يفهم كنهه الروحي �إال �إذا ل�����ق�����ي ������ش�����ـ�����دة ال�������ش���ق���ف �إال من �سما عقله ,ودق �إح�سا�سه ,ال من غلظ طبعه ,وتبلدت حوا�سه ,ولهذا ي�شير ال�شاعر: الخط الكوفي الحديث:
الخط الكوفي الحديث ,وه��و ال��ذي ابتكر وال������������ذي ن���ف�������س���ه ب����غ����ي����ر ج�����م�����ال،ال ي������رى ف�����ي ال������وج������ود �����ش����يء ج��م��ي�لا نتيجة ل�ضرورة �إعالمية ,بعد �أن �أ�صبح للمل�صق
وقد �أده�ش هذا ال�شكل �أحد ال�شعراء ,وهو يت�أمل في روعة هذا التداخل الزخرفي وتمازجه مع الحروف ,وطريقة انعقاد�،ألفاته ،مع الماته،
ال�ج��داري دور ب��ارز في الإع�ل�ان ,فجاء الخط ال�ح��دي��ث متنا�سبا م��ع الت�صميم الإع�لان��ي, لي�ؤدي دورا ت�شكيليا� ،إ�ضافة �إلى �أنه خط مقروء كوفي م�شجر
وجميل ,وتكون �أ�شكال حروفه �سهلة متنا�سقة في �أحجامها ,وت�سير على وتيرة واحدة برباط منطقي فيما بينها ,فازدانت بها �أغلفة الكتب، وت�صدرت عناوين الكثير من ال�صحف.
(وقفوهم �إنهم م�س�ؤولون) بخط كوفي مورق كتابة الخطاط جواد �سبتي �سنة 1411هـ
وعلى الرغم مما يبدو في ظاهر هذا الخط من تعقيد ،ف�إنه في حقيقته ب�سيط ،ويعتمد على �أ�صول وق��واع��د �سهلة ,ويمكن لأي �شخ�ص تعلمه بكل ي�سر� ..شريطة �أن يكون لديه النية والحد الأدنى من المعرفة الهند�سية ,ويتمتع بقدر من ال�صبر والمثابرة لإجراء الكتابات والت�صميمات الكوفية. الم�صادر: -
وعندما ت�ستخدم التقنية الحديثة في تظليل - ال�ح��روف لتجعلها ب�شكل نافر� ,أو مج�سم� ،أو
ت�ستطيل الحروف العالية� ,أو ت�ستدير الحروف
-
النازلة ف�إنه يحدث نوع من الخداع الب�صري - , وه��و المعروف بالفن الحديث (الأوب �أرت) -
الذي يعتمد على جذب النظر بوا�سطة الألوان خط كوفي
38
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
وهي �سادرة في عناق �سرمدي في حجر بع�ضها
خاتمة
كوفي مو�شح
المحدثة ,ذات البهرجة العالية.
-
محمد طاهر مكي -الخط العربي و�آدابه �-ص-127 الريا�ض1982م حقي ن��ا��ص��ف-ت��اري��خ الأدب ال�ع��رب��ي �� �-ص-133 القاهرة1910م عبدالفاتح عبادة -انت�شار الخط العربي � -ص- 72 القاهرة 1915م م �ه��دي ال�سيد م�ح�م��ود-ال�خ��ط ال�ع��رب��ي ���-ص-5 دارالف�ضيلة -القاهرة1995م ممدوح �سالم-مو�سوعة الخط الكوفي �-ص 8مكتبة طنطا2002-م ح�سن حب�ش -فن الخط العربي والزخرفة�-ص-82 در العلم -بيروت 2004م اجلوبة -خريف 1434هـ
39
■ مع�صوم حممد خلف � -سوريا
ال�شعر من �أهم الفنون التي تميز بها العرب .ولل�شعر العربي طبيعة فريدة ت�ضعه في مكانة خا�صة على �صعيد هذا الفن في العالم �أجمع. ومثلما �أثّر ال�شعر في نفو�س ال�شعراء ف�أبدعوا بق�صائد خالدات ،كذلك فعل الخط في نفو�س الخطاطين والفنانين ومعظم النا�س؛ �إذ فتحت قريحتهم ..فتجولوا بين حروف العربية �صوتاً و�صورة؛ ف�أك�سبوا لكال الفنّين لوحات رائعة ،تبهج ال�سمع والب�صر. �أم��ا الخطاط عدنان ال�شيخ عثمان� ،أ�ستاذ فالخطاط الذي يتعاي�ش مع الحروف ويلم�سها ويعي�ش بقربها ،ي�سكب من عبراته المختزنة بين الخط العربي في كلية الفنون الجميلة بجامعة تالفيف الحروف على اللوحة الخطية ،فتزيدها دم�شق يقول: جماال خلاّ با ال نظير لها. �روف غرامي �أف�ن�ي��تُ ف��ي مَ �شقِ ال �ح� ِ و�إذا كان ال�شعراء يُ�شَ بِّهون الحبيبة بالقمر، �ارف الأوه� ��ام ور� �ض �ي��تُ م �ن� ِ�ك زخ � � ُ وبالليل ،وبال�ضياء ،وب�أ�شياء �أخ��رى جميلة؛ كالورود والعطور وطيور الحمام؛ ف�إن ال�شعراء و�أ� �ض �ع��تُ �أ ّي ��ام ��ي ع �ل �ي� َ�ك ،ول ��م �أزل ال �أن� � ��تَ ُت�����س��ع��دن��ي ..وال �أي ��ام ��ي ال�خ�ط��اط�ي��ن ،ق��د ��ش� ّب�ه��وا ف��ي بع�ض حاالتهم ال�ح��روف العربية بالحبيبة ،وبع�ضهم �أفا�ض ويقول هذا الخطاط في مو�ضع �آخر ي�صف عليها المعاناة المريرة التي �أخذت من حياتهم الخطوط العربية وعمالقتها: �أ� �ش��واط � ًا ط��وي �ل �ةً ،ف�ك��ان��ت ق�صائدهم ��ص��ورة وجدانية رائعة .فهذا الخطاط �سيد �إبراهيم ،ث �ل��ث ال��خ��ط��وط ح���دائ���ق الأح�����داق � �ش �ه��د ي �ط �ي��ب ل �ن �خ �ب � ِة الأذواقِ عميد الخط العربي يقول:
40
بدوي* وه��ا��ش��م وال �ك �ب��ار جميعهم ق�����������������ض��������ي��������تُ زه����������������������رة ع�������م�������ري ذرف� ��وا ال �ب �ك��اء َ ل���ض��اح��ك الأوراق ������������������ط و���������ش��������ع�������� ِر م��������������ا ب���������ي���������ن خ ٍّ � �ص��اغ��وا ع �ي��ون � ًا م��ن ب��ري��ق عيونهم ه������������������������ذا ُي���������������������ف���������������������رِّج ه���������مّ���������ي ح� ��وراً ،ف��أ��ض�ح��ت م���ص��رع الع�شاق وذاك ي������������ ّ�����������س�����������ر �أم���������������������ري
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
توظيف الخط العربي في ال�شعر
ه��ذي خطوط الفاتحين وق��د علت ت��ل��ك ال� �م ��رات ��ب ال ُت� �ن���ال ت � َم �ن �ي � ًا راي�����ات�����ه�����ا ف������ي �����ش����ام����خ ال������ج������وزاء ف��اف �ت��ح ل �ع��زم��ك م �ن �ف��ذَ الإع� �ت ��اق اك���ت���ب ب���دم���ع ال��ع��ا���ش��ق��ي��ن ق�����ص��ائ��داً ف��ال �ح �م � ُد ل �ل � ّرح �م��ن ج�� � ّل ج�ل�ال � ُه ب���ال���ن�������س���خ وال����ث����ل����ث����ي وال�����ط�����غ�����راء َره � ��نَ ال��ع��ل��ومَ ب �� �ص��ال��حِ الأخ �ل��اقِ ق�����ل�����م ي�����������ص�����وغ لآل��������ئ��������اً ب����م����ـ����ـ����داده ث��م ال ��ّ��ص�لا ُة ع�ل��ى ال�ح�ب�ي��بِ محمّد و���س��ن��ا ال���ح���روف ج���واه���ر ال��ح�����س��ن��اء م��اح��ي ال �ظ�ل�ام وم �ب �ع��ث الإ�� �ش ��راقِ
ويقول الأ�ستاذ ال�شاعر مهدي فا�ضل المعمار ولل�شاعر �أمين نخلة ق�صيدة يمدح بها نابغة في ق�صيدة يمدح بها الخطاط العراقي محمد الزمان (الخطاط التركي حامد) فيقول: ها�شم ال �ب �غ��دادي ،ال��ذي ك��ان م��د ّر��س� ًا للخط ب�أحلى خطوط الو�شي ما خط حامد العربي في كلية الفنون الجميلة ببغداد ،قائال:
وت�����ف�����دي�����ه �أم ل����ل����رب����ي����ع ووال����������� ُد الحروف من ال�سَّ ما ِ �أ�ألهمتَ تنمي َق �أح������اول ب��ال��ت�����ش��ب��ي��ه و���ص��ف ���س��ط��وره ت��ن��مّ��قُ م��ا فيها م��ن الأن���ج���مِ ال�� ُّزه�� ِر و�إن �أع���ج���ز ال��ت�����ش��ب��ي��ه م���ا �أن����ا ن��ا���ش�� ُد �أم �أن ت���ل���ك ال�����خ�����ال�����داتُ ن���وا����س���خٌ ف��ك��ال��ج��ي�����ش ه����ذا ���ص��فّ��ه غ��ي��ر م��ل��ت�� ٍو بها ح�� َّل فن الخالدينَ على الدّه ِر وك���ال���غ���ي���د ه������ذا ����س���رب���ه ال����م����ت����وار ُد �أم ال����� ِّ����س���� ُر ال ه�����ذا وال ذاك �إن���م���ا ويقول في نهاية الق�صيدة: هو ال�سِّ ح ُر يجري في �أناملكَ الع�ش ِر هلل ك���م ف���ي ال�����سّ ��ي��ن رَو ٌح ل��م��ق��ل�� ٍة و ِ كما يقول �أحد ال�شعراء وا�صفا الكتابة وحال ل���ه���ا م����ن ت����ع����اري����جٍ ه����ن����اك و����س���ائ��� ُد الكاتب: ل��خ��ط��ك ب���ات ال��ح��ب��ر ك��ال��ت��ب��ر غ��ال��ي��اً وم���������ا م�������ن ك�������ات�������بٍ �إال ����س���ت���ب���ق���ى و�أط������ن������ب دالّل وف����� ّ����ص����ل ����ش���اه��� ُد ك�����ت�����اب�����ت�����ه و�إن ف�����ن�����ي�����ت ي������������دا ُه وف�����ي ال���� ّ���س���ب���جِ ال���ل���م���ا ِح ق�����ام م��ع�� ّي�� ٌر ف��ل��ا ت���ك���ت���ب ب���خ���ط���ك غ���ي���ر ���س��ط�� ٍر ي���ق���ول �أال �أي�����ن ال��ح��ل��ي وال���ف���رائ��� ُد ي���������س����رّك ف�����ي ال���ق���ي���ام���ة �أن ت������را ُه كما يبدع الخطاط وال�شاعر عبدالبا�سط بيرم قائال:
وهذا ال�شاعر �أحمد بن الخيمي يقول:
�إن ����ص���دغ ال��ح��ب��ي��ب وال����ف����م وال���ع���ا ����ط رو ُح ال���ك���ات���ب���ي���نَ ورو�����ض���� ٌة ال����خ ُ ر��������ض م�����ن�����ه :واو و�����ص����ـ����ـ����ـ����اد والم ل��ل��ن��ف ِ �����س ت�������س���ب��� ُح ح���ول���ه���ا الأروا ُح ه����ي و����ص���ـ���ل ب���ي���ن ال���م���ح���ا����س���ن ل��م��ـ��ا ن�ـ�ث��ر ا��س�م��ه ال�خ�ط��اط ف��ي جنباتها ت������ َّم ح�������س���ن���اً وب����ال����ع����ـ����ـ����ذار ال��ت��م��ـ��ـ��ام وب�����راح�����ت�����ي�����ه ع�����ط�����ره�����ا ال�����ف�����ـ�����وا ُح غ����ي����ر �أن����������ي �أرا ُه و������ص�����ل وداع ٍ ف��ي��ه ت��ق�����ض��ى اف��ت��راق��ـ��ن��ا وال�����س��ـ��ـ�لا ُم ويقول في مو�ضع �آخر: اجلوبة -خريف 1434هـ
41
ك����ل ال����ح����ـ����روف �إذا ن���ظ���رت ف���إن��ه��ا م�����ن ن����ق����ط���� ٍة �أج���������زا�ؤه���������ا ت���ت���رك���بُ ���ص��ور ال���ح���روف جميعها م���أخ��ـ��وذ ٌة م����ن �����ص����ورة الأل�������ف ال���ت���ي ت��ت��ق��ل��بُ ف����ت����رى ل�������ص���ورت���ـ���ه رم����������وزاً ج�� ّم��ـ��ـ��ة ف���ان���ظ���ـ���ر ب���ع���ي���ن ح���ق���ي���ق��� ٍة ت���ت���ه���ذّبُ وفي ذلك يقول ال�شاعر:
كما كتب �أح ��د الخطاطين ،بجانب لوحته الخطية التي ق�ضى زمنا طويال في انجازها قائال:
ُرب������� ُع ال���ك���ت���اب���ة ف����ي �����س����واد م���داده���ا وال����رب����ع حُ �������س���نُ ����ص���ن���اع��� ِة ال���كُ��� َّت���ابِ لئن كان هذا الرّ�س ُم يُعطيكَ ظاهري فلي�س يُريكَ الرّ�س ُم �صورتنا العُظمى َ وال����رب����ع م����ن ق���ل���م ُت���������س����وّى َب���ري���ـَ��� ُه �شخ�ص محجب ٌ ٌ وع���ل���ى ال���ك���ـ���واغ���دِ راب������� ُع الأ����س���ب���ابِ فث ًّم ورا َء ال�� ّر���س��مِ ل��� ُه هِ ��مّ�� ٌة تعـلو ب�أخم�صـها ال ّنجـما ومنه قول ابن عبدربه: وما المر ُء بالوج ِه ال�صبيـحِ افتخار ُه ي������ا ك�����ات�����ب�����اً ن���ق�������ش���ت �أن�������ام�������ل ك��ف��ه ول��ك��ـ�� ّن�� ُه ب��ال��ع��ـ��ل��مِ وال���خ���ل���قِ الأ���س��م��ى ���س��ح��ر ال���ب���ي���ان ب��ل�ا ل�������س���ان ي��ن��ط��قُ ويختم �أب��و الفتوح الب�ستي ،المتوفي �سنة �إال ���ص��ق��ي��ل ال��م��ت��ن م��ل��م��وم ال��ق��وى 400هـ قائال: ح�������دت ل����ه����ازم����ه و������ش�����قَّ ال����م����ف����رقُ �إذا �أق�����س��م الأب���ط���ال ي��وم��اً ب�سيفهم ف��������������إذا ت����ك����ل����م رغ������ب������ة �أو ره�����ب����� ًة وع����دّوه مما يك�سب المجد وال��ك��رم ف���ي م���غ���رب �أ���ص��غ��ى �إل���ي���ه ال��م�����ش��رقُ ك���ف���ى ق���ل���م ال����ك���� ّت����اب عِ ���������زاً ورف����ع���� ًة كما يقول ال�شاعر ح�سن البحيري في هذا م���دى ال��ده��ر �أن اهلل �أق�����س��م بالقلم
المقام: من كل هذا ،يتجلى لنا �أن ال�شعر هو القيمة و�إذا �أردت َ ال����خ����ط ف���ا����ص���ط���ف ِ الحقيقية التي تبوح بما في النف�س من �آهات م����������������ا ي�������������خ ٌّ �������������ط وم���������������������ا ك������ت������ب وانفعاالت ،لتعطي للمتلقي الن�شوة الكاملة في واح�������س���ب ي����راع����ك مِ ����رق����م الأل����م����ا اال�ستمتاع المزدوج مابين الكلمة المخطوطة ������������س ُي�������غ�������م���������������س ف�����������ي ال�������ذه�������ب واللحن المن�شود.
42
خطاط دم�شقيٌ م�شهور. ٌُ * بدوي الديراني: اجلوبة -خريف 1434هـ
�أعالم الخط العربي �إطاللة تاريخيــــة
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
وهذا الخطاط محمد طاهر المكي الكردي، �صاحب كتاب تاريخ الخط العربي و�آدابه يقول:
ال ع�������ق�������ل�������ة م��������ب��������ري��������ة ت����خ����ت����ا ر م������������ن عُ��������ق��������ـ��������ل ال�����ق�����������ص�����ـ�����ـ�����ب م����غ����م����و�����س����ة ف�������ي ال�����ح�����ب�����ر ك���ال���غ���ـ���ـ ���������س��������ق ال������������دج������������ي �إذا وق��������ب و�أج��������ل��������ه ف�������ي ال�������������درر ال�����ف�����رائ�����د م����������������ن ي����������ت����������ي����������م����������ات الأدب ل�����������ي�����������ك�����������ون �آي���������������������������ة ك�����������ات�����������بٍ ������ص�����ح�����ب ال�������خ�������ل�������ود ب������م������ا ك���ت���ب
■ مر�سي طاهر -م�صر
الخط والكتابة والتحرير والرقم وال�سطر والزبر بمعنى واحد ،وقد يطلق الخط على علم الرمل .وتطلق الكتابة في اال�صطالح الخا�ص ب��الأدب��اء على �صناعة الإن�شاء ،وف��ي ا�صطالح الفقهاء على عقد بين ال�سيد وعبده على مال يدفعه �إليه منجماً فيعتق ب�أدائه .وقال القلق�شندي �صاحب كتاب «�صبح الأع�شى» الخط ما تتعرف منه �صور الحروف المفردة ،و�أو�ضاعها وكيفية تركيبها خطاً ،وقال اقليد�س وهو من الفال�سفة الريا�ضيين :الخط هند�سة روحانية و�إن ظهرت ب�آلة ج�سمانية ،وزاد عليه �أمين الدين ياقوت الملكي فقال « :الخط هند�سة روحانية ظهرت ب�آلة ج�سمانية� ،إن جودت قلمك جودت خطك ،و�إن �أهملت قلمك �أهملت خطك». وتعددت التعاريف التي ت�صور معنى الخط وتو�ضحه ،حتى �أ�صبح را�سخ ًا في �أدبياتنا �أن الخط العربي هو كتابة الحروف العربية المفردة �أو المركبة بقالب الح�سن والجمال ،ح�سب �أ�صول الفن وقواعده التي و�ضعها كبار �أرباب هذا الفن الجميل. ورغ ��م �أن ال�خ��ط ال�ع��رب��ي ق��د ظ�ه��ر م�ت��أخ��را بالن�سبة لبع�ض الخطوط الأخ���رى مثل الخط ال�سن�سكريتي وال �خ��ط ال�ي��ون��ان��ي؛ ف ��إن��ه انت�شر ب�سرعة فائقة ،ول��م يكن انت�شاره م �ح��دود ًا في بالد العرب ،بل تعدى ذلك �إلى اللغات الأخرى، كاللغة الماليزية والإندوني�سية والأردية والبنجابية والك�شميرية والبلو�شية والأفغانية والفار�سية وال�ك��ردي��ة والعثمانية ف��ي �أ��س�ي��ا ،وك��ذل��ك اللغة ال�سنغالية والزنجبارية وال�صومالية والأريتيرية وال�سواحلية في �إفريقيا ،وا�ستخدمته بع�ض �شعوب
�أوربا لفترة محدودة في بالد البلقان. ومن المعروف �أن الإ�سالم كان له �أثره العظيم في انت�شار الكتابة العربية وتطورها وازدهارها، فقد �شجّ ع على القراءة والكتابة وا�ستخدام القلم، كما تطور الخط العربي في �أح�ضان القر�آن الكريم تطور ًا كبيراً ،وعُ ني به الم�سلمون عناية فائقة، حتى �أ�صبح تحفة فنية رائعة ،و�صارت الم�صاحف ال�شريفة مجا ًال لفن تجويد الخط وتنوعه. ونخل�ص م��ن ذل��ك �إل ��ى �أن ال �خ��ط العربي �صار علم ًا وف�ن� ًا ل��ه �أ�صوله وم��دار��س��ه وتاريخه عبر الع�صور ،كما ارتبط بمجموعة من الأعالم وال�شخ�صيات ،ال ي��زال التاريخ يذكرهم ويرجع لهم الف�ضل في تطوره وا�ستمراره. و� �س ��أح��اول �إل �ق��اء ال���ض��وء ع�ل��ى �أب���رز ه ��ؤالء الأعالم ،من خالل �إطاللة �سريعة على �أبرز من اجلوبة -خريف 1434هـ
43
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
44
ارتبطوا بهذا العلم �أو الفن منذ �أن عرف الإن�سان ال�خ��ط حتى ع�صرنا ال�ح��دي��ث ،و� �س ��أح��اول قدر الم�ستطاع اقتطاف زهرة من كل ب�ستان �أمر به من ب�ساتين وحدائق الخط العربي المترامية عبر الأجيال والع�صور. في البداية ،اختلف الم�ؤرخون حول �أول من و�ضع الخطوط ،وقيل �أن �آدم «عليه ال�سالم» �أول من و�ضعها وكتبها في طين وطبخه ،وذل��ك قبل موته بثالثمائة �سنة ،فلما �أظ��ل الأر���ض الغرق �أ�صاب كل قوم كتابهم ،وقيل �أخنوخ وهو �إدري�س «عليه ال�سالم». وذكر ابن النديم في كتابه الفهر�ست الذي �ألفه �سنة 377هـ عند الكالم على القلم ال�سرياني «�إن في �أحد الأناجيل �أو في غيره من كتب الن�صارى ملك ًا يقال له �سيمور�س علم �آدم الكتابة ال�سريانية على ما في �أيدي الن�صارى في وقتنا هذا». وقيل �إن اهلل �سبحانه وتعالى علم �آدم �سبعمائة �ألف لغة ،فلما وقع في �أكل ال�شجرة �سلب اللغات كلها �إال العربية ،فلما ا�صطفاه للنبوة رد �إليه جميع اللغات فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها �أوالده �إلى يوم القيامة من العربية والفار�سية والرومية وال�سريانية واليونانية وغيرها،فخرجت الأحرف على ل�سان �آدم بفنون اللغات فجعلها اهلل �صور ًا ل��ه ،ومثلت له ب�أنواع الأ�شكال. وقيل �إن �أول من و�ضعها بعد �آدم� ،إدري�س عليه ال�سالم ،كما ج��اء �أن «�أول من خط بالقلم بعد �آدم� ،إدري�س عليه ال�سالم» وجاء �أي�ض ًا «�أول الر�سل �آدم و�أخرهم محمد عليه ال�صالة وال�سالم ،و�أول �أنبياء بني �إ�سرائيل مو�سى و�آخرهم عي�سى ،و�أول من خط بالقلم �إدري����س» رواه الحكيم ،وق��ال ثم علّم نوح ًا حتى كتب ديوان �سفينته ،و�أول من كتب بالعربية �إ�سماعيل ،وقيل �أول من كتب بالعبرانية مو�سى عليه ال�سالم.
وع��ن اب��ن عبا�س� :إن �أول من كتب بالعربية وو�ضعها �إ�سماعيل بن �إبراهيم عليهما ال�سالم، وي��رى ف��ري��ق م��ن ال�م��ؤرخ�ي��ن �أن ال�خ��ط العربي م�شتق م��ن ال�خ��ط الم�سند ال��ذي ي�ع��رف با�سم الخط الحميري �أو الجنوبي ،ومن ثم انتقل الخط الم�سند عن طريق القوافل �إلى بالد ال�شام ،حيث يقال �إن �أول من و�ضع الخط ثالثة من طيء من قبيلة بوالن� ،سكنة الأنبار وهم :مرامر بن مرة، و�أ�سلم بن �سدرة ،وعامر بن جدرة؛ فو�ضعوا الخط وقا�سوا هجاء العربية على هجاء ال�سريانية، وقيل� :إن �أهل الأنبار تعلموا من �أهل الحيرة ،وقيل العك�س. ويقول �أ�صحاب هذا ال��ر�أي �إن الخط العربي تطور عن الخط النبطي ،وهذا ما ت�ؤكده النقو�ش التي ترجع �إل��ى م��ا قبل الإ� �س�لام وال�ق��رن الأول الهجري ،ثم انتقل الخط من حوران وهي �إحدى دي��ار الأن��ب��اط �إل��ى الأن��ب��ار وال��ح��ي��رة ،ومنها عن طريق دومة الجندل �إلى الحجاز. وي��رى فريق �أخ��ر �أن �أق��دم حلقة في �سل�سلة الخط العربي هي الكتابة الهيروغليفية ،وهي �إح��دى كتابات الم�صريين القدماء ،و�أنها �أ�صل الكتابة المعروفة الآن في العالم المتمدن� ،إذ حولها الفينيقيون �إلى الحروف الهجائية وعلموها لليونانيين في القرن ال�ساد�س ع�شر قبل الميالد، ومن اليونان انت�شرت في �أرجاء �أوربا. وغيرها من ال��رواي��ات في م�سيرة ه��ذا الفن عبر الع�صور المختلفة م�صاحبة لأ�سماء �أعالم ارتبطت بالمراحل الأولى التي تمثل م�سيرة تاريخ الم�سلمين والتي من الممكن �أن نوجزها في ثالث مراحل: المرحلة الأولى :الع�صر الجاهلي. المرحلة الثانية :ع�صر الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم. المرحلة الثالثة :ع�صر الخلفاء الرا�شدين.
و�أعالم هذه المراحل � -1أدم عليه ال�سالم. � -2إدري�س عليه ال�سالم. � -3أبو بكر ر�ضي اهلل عنه. -4عمر بن الخطاب ر�ضي اهلل عنه. -5عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه. -6علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه ،الذي يقال �إنه الناقل لر�سوم الخطوط القديمة �إل��ى الر�سم ال��ذي يطلق عليه ا�سم الخط الكوفي �أو م�ؤ�س�س هذا الخط ،وكان خطه يتمتع بالقوة والجمال ،وظلت كتاباته بمثابة نماذج يحتذيها كتاب العالم حتى عام 316ه�ـ ،وكان �أبنا�ؤه الح�سن والح�سين من مجودي الخط �أي�ضاً. ثم انتقل الخط �إلى مرحلة برز فيها كعلم وفن ،له قواعده و�أ�صوله ،وانطلق مع انت�شار الفتوحات الإ�سالمية من الجزيرة العربية وتو�سعها �شرق ًا وغ��رب� ًا و�شماالً ،فقد م� ّر في رحلته بالع�صور التالية: -1الع�صر الأموي. -2الع�صر العبا�سي. -3الع�صر الأندل�سي. -4الع�صر الفاطمي. -5الع�صر العثماني. وارتبطت هذه المراحل ب�أ�سماء �أعالم كثير من الخطاطين، فكان يوجد بين ال�صحابة الكرام من ا�شتهر بكتاباته كعبداهلل ابن عمر ،وكان مروان بن الحكم بن �أبي العا�ص يجود الخط في مدر�سة مع ابن عم �سيدنا عثمان ،وا�ستحدث في خالفته وظيفة الكاتب. وب�شيء من الإيجاز �سوف نبحر مع ًا مع بع�ض ه�ؤالء الأعالم، لنرى �إ�سهاماتهم التي �أثرت تاريخنا وتراثنا العربي الزاخر والممتد عبر الع�صور والأجيال.. •معاوية بن �أبي �سفيان :هو �أن�ضج ما �أثمرته ال�شجرة الأموية، رغم �أن��ه كان كاتب ًا للوحي؛ ف�إنهم اختلفوا في كونه كاتبا للوحي ،خاطبه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قائالً« :الق الدواة ،وحرف القلم ،وان�صب الياء ،وفرق ال�سين ،وال تغور على الميم ،و�أح�سن اهلل ،ومد الرحمن ،وجوّد الرحيم» توفي اجلوبة -خريف 1434هـ
45
اجلوبة -خريف 1434هـ
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
46
عام 60هـ. •عبد الملك بن م��روان :نقلت الدواوين في عهده �إلى اللغة العربية ،وتغيرت نقو�ش الدينار والدرهم �إلى اللغة العربية، وكان من قبل قدومه ينق�ش الدينار بالخط الرومي ،والدرهم بالخط العربي والفار�سي ،وظهر هذا في عام 76هـ ،يقول ابن خلكان في حقه «ولم يكن في زمانه من يكتب المن�سوب مثله وناق به الأوائل والأواخر ،وبه تقدم عند الخليفة». •الح�سن الب�صري :جود الخط الب�صري وي�شتبه في ن�سبة الخط �إليه� ،إذ يحتمل �أن يكون كاتبه هو «ح�سن الف�صيح» �أخو ابن مقلة الم�شهور. في �إ�سحاق ب��ن حماد ال�ب�غ��دادي ،م��ن �أ�شهر الخطاطين • �أوائل حكم الخلفاء العبا�سيين ،جود الخط الجليل والخط ال�ط��وم��اري ،واخ�ت��رع تالميذه �أي�ض ًا كثيرا م��ن الخطوط الموزونة الأ�صلية. •�إبراهيم ال�سكزي :ال�سج�ستاني قام بترقيق الخط الجليل، واخترع خط الثلث والثلثين. •محمد بن �إ�سماعيل البخاري� :صاحب ال�صحيح ،و�أح��د �أ�صحاب الم�ؤلفات ال�ستة في الحديث ،كان ح�سن الخط وبارعا في الكتابة بيديه اليمنى والي�سرى في الوقت نف�سه، توفي عام 250هـ. •الأ�ستاذ الأح��ول ال�سكزي� :أ ّل��ف ر�سائل عن �أ�صول الخط وقوانين الكتابة ،اخترع خط الثلث الخفيف من الثلث ،وخط الن�صف من خط الثلث والثلثين ،وكان يكتب خطوط حروفه مربوطة ومت�صلة �أ�سماه بالخط الم�سل�سل ،وكتب �أي�ض ًا خط ًا رقيق ًا للغاية �أ�سماه غبار الحلية وهناك خطوط �أخرى وهي ال�م��ؤام��رات والق�ص�ص والجوانحي ،كما ا�ستحدث خط ًا �أ�سماه الخط الرئا�سي وهو ي�شبه التوقيع. •�أبو عبداهلل محمد بن ح�سين بن مقلة :ذاع �صيته في �أوائل القرن الرابع ،نقل الأثر المتبقي من الخط الكوفي �إلى خط الن�سخ المن�سوب على العراق ،ح�صل على لقب الم�شق و�إمام الخطاطين من الأ�ستاذ الأحول. •�أبو الح�سن عالء الدين علي بن البواب :خطاط م�شهور ،من
�أهل بغداد ،ا�شتهر بن�سخ الم�صاحف والعناية ب�إخراجها، والت�أنق بجمالها ،ون�سخ القر�آن الكريم بيديه �أربع ًا و�ستين مرة ،ويعد مبتدع الخط الريحاني والخط المحقق ،كما يعد �أكبر خطاطي ع�صره ،وبرع في ال�شعر كما في الخط. •ياقوت الم�ستع�صمي :عمدة الخطاطين في العالم ،وعلم من م�شاهير الخطاطين العظام ،كان مملوك ًا فا�شتراه الخليفة العبا�سي الم�ستع�صم باهلل �أخر الخلفاء العبا�سيين ،ا�شتهر بجمال الخط ولقب بـ «قبلة الكتاب» وا�ستطاع �أن يكتب �ألف م�صحف ،واخترع خط ًا جديد ًا له �شكل جديد وكتب بقلم الجزم ثم حرف قلم القط. •الحافظ عثمان :هو عثمان بن علي المعروف بحافظ القر�آن وه��و الخطاط الكبير و�صاحب القلم الذهبي ،من �أ�شهر الخطاطين الأت��راك و�أغزرهم انتاجاً ،كتب الحافظ «»25 م�صحف ًا بيده وكانت في غاية الإتقان ،وطبعت م�صاحفه في �سائر البالد العربية مئات المرات ،وكان �أف�ضل من كتب بالثلث. تجدر الإ�شارة �إل��ى �أن هناك من الخطاطين مَن كان من ال�سالطين والأمراء في تلك المراحل ومن الن�ساء ،وكذلك من العلماء ،وذلك عبر الع�صور فنذكر من ال�سالطين والأم��راء والبا�شوات الخليفة الم�ستظهر باهلل والخليفة الم�ستر�شد باهلل وال�سلطان �أحمد خان الثالث ،وال�سلطان �سليمان خان الثاني، وال�سلطان محمود الثاني بن ال�سلطان عبدالحميد الأول ،محمد خلو�صي �أفندي ،عبداهلل زهدي �أفندي� ،سامي �أفندي ،محمد �أمين يازجي ومح�سن زاده ال�سيد عبداهلل ،و�إبراهيم با�شا ومحرم راغب با�شا وغيرهم. ومن العلماء الخطاطين الإمام البو�صيري �صاحب البردة ال�م���ش�ه��ورة ،والإم� ��ام ال �ب �خ��اري ،وال �ج��وه��ري �صاحب كتاب ال�صحاح وغيرهم. وم��ن �أ�شهر من ا�شتهر من الن�ساء بالخط �أم الم�ؤمنين حف�صة بنت عمر بن الخطاب ر�ضي اهلل عنها وال�شفاء بنت عبداهلل العدوية ر�ضي اهلل عنها وفاطمة البغدادية. وقبل االنتقال �إلى الخط والخطاطين في الع�صر الحديث نجد العبارة ال�شهيرة التي قالها الخطاط التركي ال�شهير حامد الآمدي بمنا�سبة وفاة الخطاط العراقي الكبير ها�شم البغدادي
47
اجلوبة -خريف 1434هـ
■ هاين احلجي
ها�شم محمد البغدادي: ه ��و ه��ا� �ش��م ب ��ن م �ح �م��د بن درب��ا���س �أب��و راق��م القي�سي البغدادي (ول��د �سنة 1335ه �ـ 1917وتوفي عام 1973م)� ،أخذ الخط في طفولته الأول��ى عن الخطاط مال ع��ارف ثم رحل �إلى تركيا ،والتقى بكبار الخطاطين ،مثل الخطاط الكبير حامد الآم��دي �أخر الخطاطين العظام في العالم ،كما يعد البغدادي �صاحب �أرقى مجموعة للخطوط العربية حتى الآن تدر�س في العراق وم�صر وال�شام وتركيا و�إيران.
لقد كان الخط العربي و�سيلة لنقل العلوم والمعارف العربية �إلى العالم الآخر قبل اختراع الطباعة ،وعليه كان العماد في دفع الحركة العلمية في �أوروبا التي كانت مظلمة ،وقت �أن كان العرب هم رواد العلوم والفنون والمعارف.. وال نن�سى ف�ضل الخط العربي في حفظ مقومات اللغة العربية والإ�سالمية ،فعليه كان العماد في حفظ القر�آن كتابةً ،منذ ع�صر �سيدنا محمد (�صلى اهلل عليه و�سلم) �إلى ع�صرنا هذا، وكذلك جمع ال�سنة وعلومها منذ القرن الثاني الهجري �إلى ع�صر الطباعة ،وينطبق القول على كافة علوم الدين الإ�سالمي؛ لذلك �أخذ القدماء ،بجميع الو�سائل التي ترتقي بالخط العربي حتى �صار في ذاته ف ًنّا عالم ًيّا له مكانته ال�سامقة في جميع الثقافات ،و�أ�صبحت له �صور و�أ�شكال وقوالب عديدة ،وال يزال الباب مفتوحً ا نحو ابتكار الجديد في مجال الخط العربي ..ولكن ذلك قا�ص ٌر على قل ٍة من الخطاطين..
وت �ع��ددت م��دار���س تعليم ال�خ��ط ال�ع��رب��ي في ك��اف��ة الأم �� �ص��ار والأوط� ��ان ال�ع��رب�ي��ة ،وارتبطت هذه المدار�س ب�أ�سماء �أعالم كثيرة �شاركت في ت�أهيل و�إع��داد الخطاطين في كل مكان حتى ال نكاد نح�صيهم من كثرة عددهم وذل��ك خالل العقود ال�سابقة ،من �أب��رزه��م الخطاط يو�سف ذنون العراقي ،والخطاط التركي حامد الآمدي، والخطاط الم�صري �سيد �إبراهيم ،ومحمد طاهر الكردي خطاط الحرمين ال�شريفين وغيرهم كثير ممن يمثلون ثروة فنية في عالمنا العربي و�أعالم الخط العربي في كل مكان.
وفي الوقت ال��ذي �شهدنا فيه تراجع الإقبال �آنذاك،ونتج عنها انتخاب: على الخط العربي في ب�لادن��ا ب�سبب عوامل �أ .ابراهيم الزاير رئي�س ًا للجمعية .د .عبداهلل كثيرة منها عدم وجود مدار�س مخت�صة في فتيني نائبا للرئي�س ,و�إبراهيم العرافي الخطوط العربية ،ومن �أجل الحفاظ م�س�ؤوال �إداري��اً ،و�أحمد �أب��و �سرير على الخط ودعم الحركة الخطية م �� �س ��ؤو ًال م��ال�ي��ا؛ وان � ُت �خ��ب بقية في المملكة ،تم ت�أ�سي�س الجمعية �أع���ض��اء مجل�س االدارة وه��م: ال�سعودية للخط العربي في -27 ح�سن �أحمد �آل ر�ضوان ،وعبا�س 1429-12هـ. علي �أب ��و م �ج��داد ،وم�صطفى ووف � �ق� ��ا الن� �ت� �خ ��اب ��ات ت�م��ت عبدالباقي العرب ،ونافع مهدي ب ��إ� �ش��راف وك�ي��ل ال� ��وزارة لل�ش�ؤون ت �ح �ي �ف��اء ،ون��ا� �ص��ر ع�ب��دال�ع��زي��ز ال �ث �ق��اف �ي��ة د.ع �ب��دال �ع��زي��ز ال�سبيل الميمون ،وب�شار �أبو بكر عالوه..
الجمعية ال�سعودية للخط العربي بين الواقع والطموح
رئي�س الجمعية
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
48
«ول��د الخط وم��ات في بغداد» في �إ��ش��ارة منه لمولد الخط على ي��د ال �ب��واب وم��وت��ه حين توفي ها�شم البغدادي. وال ي �خ �ف��ى �أن الأت � ��راك ب �ع��د �أن ان �ت �ق �ل��ت ال �خ�لاف��ة �إليهم اعتنوا بالخط العربي اعتناء كبيراً؛ فتقدم تقدم ًا م �ط��رداً ،وب�ل��غ �أع�ل��ى درج��ات الكمال والجمال .وقد كان من احتفائهم وتقديرهم للخط العربي �أن خطاط ال�سلطان الخا�ص ك��ان يتقا�ضى �أربعمائة جنيه عثماني ذه�ب��ا ف��ي ال�شهر ،غير �أن �ه��م بعد ا�ستقاللهم ا�ستعا�ضوا الخط العربي بالحروف الالتينية و�أبدلوا بالمطابع العربية -الالتينية بعد �أن كان ي�ضرب المثل بمطابع الأ�ستانة ،وبخا�صة في طبع الم�صحف ال�شريف ،ومن ح�سن الحظ �أن قامت م�صر بعدهم ،وبذلت جهدها في رف��ع م�ستوى الخط العربي ،فن�شرته بين �أبنائها و�شجعت على الإقبال عليه ،وبلغ مكانة �سامية؛ ف�صارت م�صر الآن مركز ًا للرئا�سة في الخط العربي ،وانت�شر فيها فتح مدار�س تعليم الخطوط العربية ،وكذلك ك��ان الو�ضع في الحجاز ،فقد تقدم الخط فيه كثير ًا بف�ضل الجهود المبذولة ،وكذلك �إن�شاء المدار�س الأهلية ،ومن �أ�شهرها مدار�س الفالح الأهلية والتي ي�شرف عليها ال�شيخ محمد �صالح جمجوم بجده. وبزغت �أعالم عديدة ارتبطت بتجويد الخط العربي الحديث في القرن الع�شرين �أ�شهرهم: ال�شيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي :من كبار الخطاطين الأت��راك في القرن الع�شرين ،و�أطلق عليه �أمير الخط العربي في القرن الع�شرين، وامتاز ب��الأداء البارع في الكتابة الخطية لأنواع
الن�سخ والثلث ،وكان من �أ�شهر تالمذته محمد علي مكاوي ال� ��ذي �أك� ��د ط��ري�ق�ت��ه ور� �س��خ تقاليده و�سار على النهج الذي ي�سير عليه .وكذلك كان هناك ال�شيخ محمد ط��اه��ر ك��ردي (ال�����س��ع��ودي) وه���و ع��راق��ي الأ�� �ص���ل ،ول �ك��ن ج���ده لأب �ي��ه ا�ستوطن مكة المكرمة.
49
من �أعمال الفنان بمنطقة الجوف -بدر الزارع
50
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
من �أعمال الفنان يو�سف �إبراهيم
وك��ان مجموع �أع���ض��اء الجمعية الت�أ�سي�سية للجمعية ال�سعودية للخط العربي (� )104أع�ضاء، ومجموع المر�شحين لع�ضوية مجل�س الإدارة 47 مر�شحا . وقد لقي �إعالن ان�شاء الجمعية �صدى وتفا�ؤال كبيرين من خطاطي المملكة والمهتمين بهذا الفن العربي والإ�سالمي الأ�صيل ..لتكون الجمعية و�سيلتهم لتحقيق تطلعاتهم و�آمالهم في انت�شار ودعم هذا الفن ب�شكل ر�سمي وتحت مظلة ر�سمية كوزارة الثقافة واالعالم. ومن �أهداف الجمعية تنظيم الحركة الخطية في المملكة ورعايتها والعمل على ازدهارها ،والإ�سهام في تنمية الوعي الفني ل��دى المجتمع ،وتنمية الإب ��داع وال�ت��ذوق الفني ،وتوثيق �أوا�صر ال�صلة الفنية واالجتماعية بين الخطاطين ،وتوطيد العالقة بين الجمعية والجمعيات الأخ��رى في ال��داخ��ل وال �خ��ارج� ،إلى جانب العمل على حفظ الحقوق الفنية والفكرية وال�م��ادي��ة للخطاطين وتمثيلهم �أم ��ام الجهات ذات العالقة ،واالهتمام بالت�أليف والن�شر ودعم الباحثين في مجال الخط العربي ،والتعاون مع الجهات الحكومية والخا�صة ذات ال�صلة من �أجل تحقيق الأهداف الم�شتركة . وق��د با�شرت الجمعية اجتماعاتها ف��ي عدد من مناطق المملكة ,لإع��داد الخطط والتنظيم والأن�شطة للعام الأول بعد ان�شائها ،وق��د قدم مجل�س ادارة الجمعية ل��وك��ال��ة ال� ��وزارة خطته العامة للعام الأول للجمعية من �أن�شطة وتنظيمات وفعاليات ومقترحات. لكنها وب�ع��د م ��رور خم�س ��س�ن��وات م��ا ت��زال الجمعية ت��راوح مكانها متعثرة لم تملك ال�سير في برامجها و�أهدافها ب�سبب عدم وجود الدعم المادي والمعنوي فال مقر لها وال ميزانية.
الخطاط ال�سعودي بدر عبيد الزارع ولد عام ١٩٨٣م في مدينة دومة الجندل -على م�سافة ( )55كيلومترا جنوب غربي مدينة �سكاكا ،حا�ضرة منطقة الجوف -حيث �أ�شجار النخيل البا�سقة ..وتدفق المياه الجوفية العذبة الرقراقة ..تلقى تعليمه العام في مدار�سها ،وح�صل على الثانوية العامة عام 1421هـ ثم البكالوريو�س في اللغة العربية من كلية التربية في �سكاكا عام 1426هـ ويعمل معلما خارج المنطقة .مار�س الخط مذ نعومة �أظفاره عندما كان في المرحلة االبتدائية و�أبدع فيه عندما �صار معلما.. ■ حاوره :هايل حميد احلميد و�أنور عبدال�سالم احلميد*
æ æكيف بد�أت رحلتك مع الخط؟ ρ ρمذ كنت في ال�صف الرابع االبتدائي، بد�أت الخط على �سبورة ال�صف ،ثم ب��الأق�لام ،وفي المرحلة المتو�سطة والثانوية بد�أت اكتب ب�أقالم البو�ص التي هي الق�صب.. æ æممن �أخذت الخط وتعلمته؟ ρ ρبداية عن خالي عبداهلل �سكر الزارع، وقد ا�ستفدت منه كثيرا ،حيث كان خطاطا ومهتما بذلك ،ثم الأ�ستاذ
نا�صر عبداهلل الميمون في الريا�ض وه��و حا�صل على ع��دد من الجوائز المحلية والدولية ،وقد ح�صلت منه على تقدير ف��ي ال�خ��ط ،ث��م ال�شيخ عثمان ط��ه خ��ط��اط الم�صحف في المدينة ال �م �ن��ورة ،وق��د �أث �ن��ى على خ�ط��ي و��ص�ح��ح ل ��ي ..فتعلمت منه كثيرا ،وقد وقَّع لي عددا من لوحاتي المخطوطة. ρ ρث��م �أب��و �سامي �أح�م��د �ضياء الدين �إبراهيم المدني ،وه��و من تالميذ اجلوبة -خريف 1434هـ
51
اجلوبة -خريف 1434هـ
�أنا خطاط.. �أوظف ا لأعمال الفنية مع الخط.. �أتوا�صل مع الخطاطين في الداخل ولدي طالب في كثير من المناطق الأ�سلوب الأمثل للتجديد في الخط العربي يكمن في تطويره وتطوير حروفه الخ طوط الإعالنية ركيكة جدا و�ضع يفة ،والذين يكتبونها لي�س لد ى بع�ضهم خبرة في الخط
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
52
الخطاط ال�شهير ال�شيخ حامد الآم��دي �شيخ الخطاطين في العهد العثماني ،وهو �شيخ وعميد خطاطي العالم حاليا ،ولديه مقتنيات لأكثر الخطاطين في العالم.. �أطال اهلل في عمره. æ æماهي �أبرز �أعمالك؟ �ρ ρأع�م��ال��ي ك�ث�ي��رة� ..أب��رزه��ا لوحة (ال �إل��ه اال اهلل)متناظرة ،قلدتها من الخطاط عثمان �أوزج��اي ،ول��دي لوحة (ال �إل��ه اال اهلل محمد ر�سول اهلل) �شاركت فيها في م�سابقة مكة المكرمة ،ك��ذل��ك اللوحة ال�ف��ائ��زة ف��ي م�سابقة التعليم ف��ي مكة المكرمة ،ثم عملي الأخير الذي �أعتز به كثيرا وكان في م�سابقة عكاظ – اللوحة ال�ح��رة – واخ�ت��رت منها خ��ط الطغرة وخط جلي الديواني وخط الن�سخ. æ æهل �شاركت في معار�ض؟ �ρ ρشاركت محليا ولم �أ�شارك دوليا ..وعلى الم�ستوى المحلي �شاركت ف��ي معر�ض الريا�ض الثاني ،ثم المعر�ض المتنقل في منطقة الجوف التابع لجمعية الفنون، كما �شاركت في المعر�ض الأخير (عزف الحرف) في المنطقة الغربية.
æ æكيف تقوم بتوظيف الخط في �أعمالك الفنية؟ �ρ ρأ�سا�سا �أنا خطاط� ..أوظف الأعمال الفنية مع الخط� ..أي �أنني �أقوم بعك�س ال�س�ؤال!! �أوظ��ف ال�ح��روف م��ن �أج��ل الخط ولي�س لأعمال �أخرى.. æ æه�����ل ت���ل���ق���ى ت�����ش��ج��ي��ع��ا م�����ن ال��م��ج��ت��م��ع والجمعيات؟ ρ ρمن المجتمع كثيرا ،وهلل الحمد� ..أما على م�ستوى الجمعيات فمحدود جدا ..فلي�س هناك دعم مادي �أو معنوي ..و�أ�س�أل اهلل �أن يلتفتوا �إل��ى الخطاطين عموما ،من دون ا�ستثناء. æ æهل تتوا�صل مع الفنانين والخطاطين؟ �ρ ρأتوا�صل مع كثير من الخطاطين في جازان وع�سير ومكة المكرمة والمدينة المنورة.. وفي الخارج� ،أتوا�صل مع خطاطين في �سوريا والأردن وال�ك��وي��ت والإم� ��ارات.. �إ�ضافة �إلى بع�ض الخطاطين في
منطقة الجوف ،ولدي طالب في كثير من المناطق. æ æكيف ترى الأ�سلوب الأمثل للتجديد في الخط العربي وتوظيفه؟ ρ ρالأ�سلوب الأمثل للتجديد في الخط العربي يكمن في تطويره وتطوير حروفه ،وكتابته وال �خ��روج ع��ن ال�ق��اع��دة كما ح�صل في قاعدة الن�سخ الذي كان يكتب بربع مللي.. وامتد ليكتب بـ 2مللي او 3مللي ب�شرط �أن ال يخرج عن القاعدة المعروفة لدى الخطاطين ،وال ي�ؤدي �إلى ت�شويه الخط. ρ ρكانت الكتابة بالحبر والورق ،ومع دخول التقنية الحديثة يجوز للخطاط �أن يدخل بع�ض التقنية وتجميل ال �� �ص��ورة ق��در الإمكان� ،أو ح�سب ما يطلب منه ،ويظل الحبر والورق والقلم هو الأ�سلوب الأمثل والأف�ضل ،رغم التجديد في الخط. æ æه��ل ي��م��ك��ن تنمية م��وه��ب��ة ال��خ��ط ل��دى الأطفال والنا�شئة؟ ρ ρيمكن ذلك ..بل ومن ال�سهل جدا.. �ρ ρأنا معلم ،و�أعمل في هذا المجال .طالبي وهلل الحمد يفيدون منّي كثيرا ،وقد وجدت ال�ع��دي��د منهم م�ج�ي��دا ل�ل�خ��ط ،فقومت خطوطهم و�أر�شدتهم �إلى بع�ض الكراري�س المفيدة في تعليم الخط العربي ،و�أي�ضا اال�ستعانة بكتابة الم�صحف ال�شريف.. وهناك �إقبال �شديد على الخط ،وعلى المعلم �أن يكون لديه �إل�م��ام ف��ي �ضبط الحروف وكتابتها.. æ æكيف ت��رى الن�شاطات والفر�ص لتعزيز �أهمية الخط العربي؟
53
اجلوبة -خريف 1434هـ
æ æفو�ضى الخط واللوحات التجارية ..هل لك ر�أي فيها؟ ρ ρوه��ذه ت�سمى الخطوط الإع�لان��ي��ة ،وهي ركيكة ج��دا و�ضعيفة ،وال��ذي��ن يكتبونها بع�ضهم لي�ست لديه خبرة حقيقية في الخط ،وق��د وج��دت تلك الكتابات نقدا كبيرا وفيها �أخطاء كثيرة.
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
54
ρ ρوه��ذه تكمن في كتابة الأحاديث ال�شريفة، وال�شعر ،وقبل كل �شيء كتابة القر�آن الكريم، وم�شاركتهم ف��ي ت�ق��وي��م ال�ك�ت��اب��ة العربية وت�صحيحها ..كل هذه الن�شاطات ت�سهم في تعزيز الخط العربي واالهتمام به.. ρ ρو�إذا كان هناك �ضعف في الكتابة ،فب�سبب ال��ع��زوف ع��ن ال �خ��ط؛ و�إذا م��ا رجعنا ووجدنا البيئة المنا�سبة للتعليم ف�ستكون هناك فر�صة ون�شاط لتعزيزه ،وبخا�صة �أن كثيرا ممن �أقابلهم ي�شيدون باللوحات، ق��ائ�ل�ي��ن �إن �ه��م ي�ف�ت�ق��دون ه ��ذا ال���ش��يء؛ فهناك رغبة من النا�س ..ولكن ال يوجد الرابط ..والرابط هنا عبارة عن ور�ش ومعار�ض تقام في المنطقة �أو خارجها يفيد منها الجميع من دون ا�ستثناء ،وهو التراث اال�سالمي الذي يحمل لنا القر�آن الكريم والأحاديث النبوية ال�شريفة التي كتبت بالخط العربي ،وبقيت لنا و�ستبقى للأجيال القادمة �إن �شاء اهلل. æ æه����ل ت���ت���ع���اون م��ع��ك��م ب���ل���دي���ات و�أم����ان����ة المنطقة وغيرها لتجميل �أو الم�شاركة في تح�سين الر�ؤية الب�صرية ،ومن َث َّم ت�شجيع �إحياء الخط العربي؟ ρ ρال تتعاون معنا ..وال ن��دري �سببا لذلك، ونتمنى تعاونها ..و�شخ�صيا لم �أل��ق �أية دع��وة للم�شاركة في �إحياء هذا التراث. وهناك فر�صة لتوظيف الخط في تجميل الأماكن العامة ،وقد وجدنا الكثير من ذلك في العالم اال�سالمي ..نتمنى منهم التعاون معنا في ه��ذا المجال وبخا�صة �أننا ن��رى بع�ض الكتابات التي تت�ضمن �أخ�ط��اء �إمالئية وخطية يخرجون فيها
ج��دران م�سجد �شي�شلي بكتابته ..وعلى الخطاط �أن يكون متقنا لكتابته.
æ æمَ��ن ه��م �أب���رز خطاطي المنطقة حالياً و�سابقاً ،وهل هناك ريادية لأحد؟ ρ ρقديما ال �أعرف �إال خالد بن �سعد الزارع.. وف��ي ال��وق��ت الحا�ضر ال��خ��ط��اط نا�صر ال�شريطي ،وال �أعرف ريادة لأحد في هذا المجال. æ æماذا قدمت الجمعيات لكم مثل جمعية الخط (ج�سفت)؟
عن القاعدة ،فتخرج الكتابة ركيكة جدا، �إ��ض��اف��ة �إل��ى الأخ �ط��اء ف��ي كتابة بع�ض ρ ρال �أع ��رف ه��ذه الجمعية ول��م ي�سبق لي التعامل معها ..والجمعيات على وجه الآيات الكريمة. ال �ع �م��وم ل�ن��ا معها م �� �ش��ارك��ات طفيفة، æ æر�أي���ك ف��ي تجميل الم�ساجد بالخط.. كجمعية الجوف وجمعية تبوك. وهل ي�شارك الخطاطون في تجميلها؟ æ æهل من كلمة �أخيرة في هذا المجال؟ ρ ρتجميل الم�ساجد بالخط فيه خ�لاف.. و�أترك الخالف الديني لأهله ..وقد عرف �ρ ρأتمنى من الم�سئولين والجمعيات ومَ ن لهم دور في الثقافة والإع�ل�ام االلتفات التاريخ اال�سالمي �أن الخطاطين يكتبون �إلى الخط والخطاطين ،و�إلى كل الفنون خطوط الم�ساجد ،ومنهم عبداهلل زهدي ب�صفة ع��ام��ة ..واالل�ت�ف��ات �إل��ى الموهبة التميمي ،الذي قام بكتابة جدران الم�سجد النبوي ..وكذلك �أحمد الآمدي الذي زيَّن المرتبطة بالري�شة والقلم والورقة. اجلوبة -خريف 1434هـ
55
56
حين تقف �أمام لوحاته تدرك عمق تجربته التي هي بمثابة مر�آة لر�ؤيته الفنية. فمنذ بداياته ،وثق لنف�سه مكانا في ف�ضاء الفن ،وتميز �أ�سلوبه بالب�ساطة والعفوية النابعتين من روح الفن التي ي�ؤمن بها .لم يتحرج ال�سالمة من �أي خطوة يمكن �أن ي�ستفيد منها ،لذا التحق بعدد من الدورات الفنية والتربوية داخل المملكة وخارجها، وحر�ص على الم�شاركة والح�ضور ال��دائ��م في المحافل والمعار�ض .ح�صد الكثير من الجوائز؛ منها ميدالية اال�ستحقاق من الدرجة الثالثة ب�أمر خ��ادم الحرمين ال�شريفين الملك فهد «رحمه اهلل». اهتم كبار النقاد بفنه .ي�شغل من�صب م�ست�شار للمعار�ض و�أ�ستاذ التربية والفنون الجميلة .مدينة عرعر ال تعني له مجرد مدينة ينت�سب �إليها والدة ون�ش�أة ،بل هي بمثابة نجم في ال�سماء يهتدي به .هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذا الفنان ،وما هذه الأ�سطر �إال ديباجة لحوار ندخل به عالمه.. ■ حاوره /عمر بوقا�سم* لك �أن تقر�أ علينا ه��ذه الم�سيرة و�أه��م �æ æأحمد ال�سالمة فنان له م�سيرة خا�صة المحطات الم�ؤثرة فيها؟ ف��ي ف�ضاء ال��ف��ن الت�شكيلي ال��ح��روف��ي، ول��ه م�شاركات متميزة ف��ي الكثير من ρ ρلكل فنان م�سيرة عطاء تنبع من �أ�صل ال��م��ع��ار���ض ع��ل��ى ال��م�����س��ت��وي��ي��ن المحلي ه��ذا المجتمع ،ك��ارت�ب��اط��ه ال��وث�ي��ق في وال���ع���رب���ي؛ ون��ح��ن ن��ق��ف �أم�����ام ل��وح��ات��ه انتمائه �إلى هذا البلد .البداية كانت منذ ن�ست�شف عمق هذا الفنان وح�سا�سيتة.. ال�صغر� ..أحببت الر�سم ،رغم عدم وجود يدخلك في قب�ضة �إبداعاته ،ويحركك مقومات له ،ولكن بد�أت بالخط والزخرفة كقارئ ،لتكرر وقفتك �أمام لوحاته .هل والت�صميم والر�سومات الجدارية بكتابات اجلوبة -خريف 1434هـ
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
ا ل ف ن ا ن ا ل ت �ش ك يل ي � أ ح م د ال�سالمة يوظف الحروف في فنه
ور�سومات عفوية ،وت�صميم ال�صحف الحائطية ف��ي ال�م��در��س��ة فاكت�سبت م �ه��ارة ف��ي ال�ل��ون والخط .ومن خالل المراحل التعليمية حتى ح�صولي على ال�شهادة الجامعية «بكالوريو�س ف �ن��ون ج�م�ي�ل��ة» ،وث �ق��ت لنف�سي ع�لاق��ة بهذا الفن؛ فر�سمت لها خطا � ِأ�صل به �إلى الهدف المن�شود� ،إذ تميز �أ�سلوبي بالب�ساطة والعفوية �إل��ى ج��ان��ب العمق وو� �ض��وح ال��ر�ؤي��ة� .شققت طريقي متكال على اهلل فيما �أتمناه و�أعطتني مجاال وا�سعا للبحث والغو�ص في م�سيرة الفن، من خالل الدرا�سة باحثا وكاتبا وناقدا ما بين �أنا جزء من هذه المنظومة الفنية مجال العمل ك�أ�ستاذ للفنون والتربية والتعليم الت�شكيلية لفنون بالدنا وللفنون وال�م��دار���س ال�م�ط��ورة ،وم�ست�شارا للمعار�ض الإ�سالمية ،وح�ضارة هذا الكيان العظيم الفنية ،وم�صمما ف��ي ت�صميم المج�سّ مات التي تميزنا بين الأمم ال�ج�م��ال�ي��ة وال�م���ش��ارك��ات ف��ي ع��دة محافل. حافظت على مجموعة كبيرة من لوحاتي وال ا�ستطاع الفنان الت�شكيلي بلوحته تزال موجودة ،ف�أعطتني البحث �أكثر في مجال محاكاة �شعراء الوطن والدخول والعمق الفنون الت�شكيلية حتى ا�ستقريت على الأ�سلوب في وجدانهم ال�شعبي البيئي بزخرفة النمنمات ال�شعبية، و�سميت (المرحلة الذهبية) �أو (الزخرفة �أنا ملت�صق بالفن منذ ال�صغر بمدينة الأح �م��دي��ة) ،كما �أط�ل��ق عليها بلوحاتي من عرعر م�سقط الر�أ�س والنمو والموهبة قبل المتخ�ص�صين في الفنون؛ لذا �أ�صبح لي والح�ضارة ب�صمة في �أ�سلوبي الزخرفي لم يناف�سني فيه �أح��د .كان الفن واالختيار �صعبا في بداياته� ،أتمنى عندما ي�شكل الفنان الحروف ف�إما النجاح و�إم��ا الف�شل ..ولكن �أحمد اهلل �أن يرجع �إلى الأ�صول حتى ال يقع في تعالى �أن تحقق ما �أريده .الفن �أعطاني الكثير حرج ،ويقع في خط�أ �أثناء ت�شكيل في �شخ�صيتي وحياتي ،فقد �ضحيت في وقتي حروفه في لوحة فنية حتى و�صلت وهلل الحمد �إلى الهدف المر�سوم، وال��رغ�ب��ة الأك �ي��دة التي �أر��س��ت ق��واع��د �صلبة ومتينة في حياتي وهي (الب�صمة) والأ�سلوب المميز ،ف�أنا والفن تو�أمان متالزمان .عالجت الكثير من ق�ضايا �أمتي في لوحاتي ،ومن �أهم المحطات الفنية في �أ�سلوبي (لوحة ق�ضية الع�صر) ،والتي خاطبت بها �شعوب العالم �أج �م��ع ف��ي �أه��م ق�ضية� ..أال وه��ي الت�صدي للحملة ال�شر�سة لأع��داء الإ�سالم �ضد خاتم
57
اجلوبة -خريف 1434هـ
نحن كفنانين ت�شكيليين لنا خط واحد واتجاه واحد في رقي هذه الفنون الجميلة للعالمية في الم�شاركات الدولية و�إقامة المعار�ض داخليا وخارجيا وتمثيل بالدنا بما يليق
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
58
الأنبياء والمر�سلين �صلى اهلل عليه و�سلم والتي اعدها (لوحة الع�صر) �إ�ضافة �إلى الأ�سلوب (التنقيطي الخطي). æ æما تقييمك للفن الت�شكيلي ال�سعودي ،مقارنة بال�ساحات العربية ،وم��ا المواقع التي تهتم ب��زي��ارت��ه��ا ع��ل��ى ال�����ش��ب��ك��ة ال��ع��ن��ك��ب��وت��ي��ة؟ وم��ا خطواتك الجديدة؟ �ρ ρأوال �أن ��ا ج ��زء م��ن ه ��ذه ال�م�ن�ظ��وم��ة الفنية الت�شكيلية لفنون بالدنا وللفنون الإ�سالمية، وح���ض��ارة ه��ذا الكيان العظيم ال�ت��ي اعدها تمييزا لنا جميعا �أمام الفنون الأخ��رى .نحن كفنانين ت�شكيليين لنا خ��ط واح ��د وات�ج��اه واحد نحو رقي هذه الفنون الجميلة للعالمية ف��ي الم�شاركات ال��دول�ي��ة و�إق��ام��ة المعار�ض داخليا وخارجيا ،وتمثيل بالدنا بما هو جميل؛ (فالعطاء) هو التميز ،وما قدمته في مجموعة كبيرة من �أعمالي الأخ�ي��رة هو دع��م للفنون بح�صيلة تزيد على ( )700لوحة فنية ،وال
�أزال �أ�صمم و�أنفذ �أكبر لوحة تنفيذية في تاريخ الفن ،والتي �ستعر�ض �إن �شاء اهلل تعالى قريبا (�أ�سماء اهلل الح�سنى) ،وبم�شاركات داخليا وخ��ارج�ي��ا لمعر�ض الف�ضاء م��ن �أج��ل كوكب الأر�ض .مثلت المملكة في منا�سبات عدة منها معر�ض المملكة العربية بين الأم����س واليوم ف��ي ع��دة دول ،وم�ع��ار���ض للخط ال�ع��رب��ي في اليابان وكثير من الدول العربية والإ�سالمية، كذلك الم�شاركات والمعار�ض (الإن�سانية) الخيرية دعما للجمعيات الخيرية في رعايتها للأيتام والمعوقين وذي االحتياجات الخا�صة، ومر�ضى ال�سرطان وغيرها .وكذلك م�شاركتي في المنا�سبات الوطنية والمعار�ض التي تقيمها وزارة الثقافة والإع �ل�ام ،والرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب وقطاع الحر�س الوطني في مهرجاناته ال�سنوية ووزارة الدفاع والطيران وغيرها م��ن القطاعات الحكومية والقطاع ال �خ��ا���ص ..ف��ال�ع�ط��اء ه��و ال�ت�م�ي��ز ،وال�ف�ن��ون الت�شكيلية هي بوابة على العالم ونافذة م�ضيئة ي�ستلهم الفنان ف��ي ب�لادن��ا �إل��ى ر�ؤي��ة العالم ب�أكمله من دون حواجز �أو عوائق� .إنها م�سئولية تقع على الفنانين ب�إبداعاتهم ينثرونها في ف���ض��اءات العالم لينظروا نظرة جمال �إل��ى ح�ضارة الأم��ة الم�سلمة .مما ال �شك فيه �أن العولمة �أ�صبح لها دور كبير في تقارب ال�شعوب والأمم ،ففي كل يوم بل كل �ساعة �أو ثانية ننتقل بين جنبات ه��ذا العالم ف��ي زي ��ارة م��ن دون حواجز وننظر �إلى العالم ونتفاعل معه. æ æفي ظل التغيرات التي ي�شهدها العالم العربي �سيا�سيا واقت�صاديا ،بر�أيك هل �سينعك�س �أثر هذه التغيرات على الإب��داع الفني والخطاب الإبداعي ،ب�صفة عامة؟ ρ ρللفنون دور كبير ف��ي نقل ح���ض��ارة �أي �أم��ة وتاريخها ،وبخا�صة في عالمنا ال��ذي ي�شهد الكثير م��ن ال�ت�غ�ي��رات ال�ك�ب�ي��رة ع�ل��ى جميع الأ� �ص �ع��دة .ل�ق��د ت�ع��ام��ل ال�ف�ن��ان م��ع ال�ح��رب
ا�ستقريت على الأ�سلوب ال�شعبي البيئي بزخرفة النمنمات ال�شعبية ،ف�أ�سلوبي الزخرفي لم ولن يناف�سني فيه �أحد
العالمية الأول��ى والثانية ،حين تولى توثيقها على لوحات ب�أنامل فنانين عالميين �صوروا ل�شعوب العالم الحديث الم�آ�سي التي مرت على بع�ض دول العالم من حروب وت�شريد وقتل؛ فقد �أ�صبحت اللوحة هي الوثيقة ال�صادقة لتلك الم�آ�سي وتوثيق تلك الأح��داث؛ فهذا الإب��داع الفني جاء �صادقا من الفنان في وطنه .كما ن�شاهد الآن ما يحدث في عالمنا من تغيير. و�أ�شير هنا �إلى ما حدث -مع الأ�سف -لبع�ض المتاحف من حرق ونهب ،والتي ت�ضم العديد من المخطوطات والقطع الثمينة ب�سبب تلك الفو�ضى التي تنجم من الفراغ بين الحكومات و�شعوبها� ،إنها م�أ�ساة حقيقية ،وال زلنا ن�أمل ونت�أمل ع��ودة تلك المقتنيات الم�سروقة �إلى �أهلها ،وبخا�صة في تلك الدول التي �أ�صابتها الحروب.
اجلوبة -خريف 1434هـ
59
اجلوبة -خريف 1434هـ
اجلوبة -خريف 1434هـ
م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد
60
æ æقر�أت في �إحدى ال�صحف� ،أن الأمير ال�شاعر ب��در ب��ن عبدالمح�سن ت��وق��ف عند لوحاتك ال��ث�لاث ولوحتك المعروفة با�سم (ال��ب��در)، والتي �شاركت بها في معر�ض ق�صائد البدر و�أن����ه ي��ن��وي �ضمها ف��ي دي��وان��ه ال�����ش��ع��ري ،ما ر�أيك في وقفة البدر وانطباعاته؟ ρ ρال �ف��ن ل �ل �ن��ا���س ف ��ي م��ا��ض�ي�ه��م وح��ا� �ض��ره��م وم�ستقبلهم ،كما نلم�س منهم ردات الفعل �سوا ًء بالمدح �أو الذم ،ولكن في هذا المعر�ض المتميز عن بقية المعار�ض ا�ستطاع الفنان الت�شكيلي بلوحته م�ح��اك��اة ��ش�ع��راء ال��وط��ن وال��دخ��ول والتعمق في وجدانهم ،ومعرفة ما بداخل ال�شاعر من حب ومعاناة .في �إح��دى لوحاتي الم�شاركة في معر�ض ق�صائد البدر ا�ستوقف الأمير ال�شاعر بدر بن عبدالمح�سن عند لوحة (ال �ب��در) وك��ان��ت مفاج�أة ل��ه �أنها با�سمه ،الحظ الجديد وبالأ�سلوب التنقيطي، وو�صفها ب�أنها لوحة �أك�ث��ر م��ن رائ�ع��ة ،وه��ذه �شهادة نعتز بها من �شاعر له من �أبواب ال�شعر الكثير والكثير ،وتميزه عن غيره �أن��ه البدر
بلوحة دونت ب�أكثر من (� 500ألف نقطة) والتي �أعجب بها كثيرا ،ونتمنى �أن تكون في ديوانه، وهي مهداة للأمير على دوره الكبير في مجال ال�شعر. æ æع��ن��دم��ا اق���ت���رح الأ����س���ت���اذ �إب���راه���ي���م ال��ح��م��ي��د الم�شرف العام على مجلة «الجوبة»� ،أن �أجري ح���وار م��ع ال��ف��ن��ان �أح��م��د ال�����س�لام��ة �أ�سعدني هذا االقتراح ،فتوا�صلت معكم ،ومن خالل حديثك� ،أدركت �أنني �أمام فنان لديه فل�سفة خا�صة يُطعم فنه بر�ؤيته وثقافته ،فدعمت نف�سي بالقراءة عن الحرف ،ف�أوقفتني بع�ض العبارات ومنها« :يقوم الحرف العربي على البعد الواحد ،وهذا يعني �أن الوجود يتحقق ب��ال��ع��ودة م���ن ال��ح��ج��م �إل����ى �أ���ص��ل��ه ال�����ش��ك��ل��ي، ومن ال�شكل �إلى �أ�صله الخطي ،ومن العالم ال��خ��ارج��ي �إل���ى طبيعة روح��ي��ة� ،أي �أن���ه غير ت�صويري ،وغير الت�صويري يعبر عن نف�سه ب��ال��ح��رف .ه��ذه ال��ر�ؤي��ة الفل�سفية الخا�صة ل��ل��ح��رف ال��ع��رب��ي ،تمثل رح��ل��ة معاك�سة من ال�����ش��ج��رة �إل����ى ال���ب���ذرة� ،أو م���ن ال��ح��ج��م �إل���ى
الحرف ،وك�أنها مروحة في يد امر�أة جميلة، ت�ضمها فتختفي الر�سوم والألوان في مقب�ض المروحة ال�شبيه بحرف الأل���ف� ،أو تفتحها فيتحول الحرف �إلى حدائق و�أزهار و�شمو�س م�شرقة و���س��اح��رة»� ،أن���ت بثقافتك ور�ؤي��ت��ك وك���ف���ن���ان ،ك��ي��ف ت���ت���داخ���ل م���ع ه����ذه ال���ر�ؤي���ة الفل�سفية؟ �ρ ρأ��ش�ك��رك و�أ��ش�ك��ر الأ� �س �ت��اذ الكبير �إب��راه�ي��م الحميد الهتمامه واخ�ت�ي��ار ه��ذا المو�ضوع «الخط العربي» ملفا للعدد ،ودليل على �إظهار جماليات الخطوط العربية وفك رموزها من ب��داي��ة الخطوط القديمة �إل��ى ح��داث��ة الخط وجمالياته؛ فلكل فنان فل�سفة ف��ي م�سيرته الفنية و�أ�سلوبه المتبع له .ما الحظته في الفترة الأخيرة اهتمام الفنان الم�سلم وبالذات في المملكة العربية ال�سعودية بت�شكيل الخط العربي م��ن دون ال��رج��وع �إل��ى ق��اع��دة الخط ومعرفة �أ�صوله وعدده؛ وهذا ال يفي بالمعرفة والو�صول �إلى البحث �أكثر و�أكثر ،و�إنما تمنيت �أن الفنان عندما ي�شكل هذا الحرف ال بد له من الرجوع �إلى الأ�صول حتى ال يقع في حرج
مع نف�سه �أثناء ت�شكيل الحروف في لوحة فنية. وكما الحظت ف�إن كثيرا من الفنانين ينقلون الحرف كما هو وك��أن الخط له ،هذه (�سرقة فنية وا�ضحة)� ،أم��ا بع�ض �أع�م��ال الفنانين، ف�أتمنى النظر فيها من خالل ا�شتراك �أي فنان في �أي م�سابقة كانت على م�ستوى ال��وزارة �أو غيرها .لعب الفنانون بالحروف وما �أ�سموه بالحروفيات ,بت�شكيل ال�ح��روف وتكرارها، (الجمال يكمن بنطق الحرف �أمامك ولي�س التكرار) وبخا�صة في اللوحة ،وما في داخلها م��ن ج �م��ال �ي��ات ت��وح��ي ل��ك ك�م���ش��اه��د ب��أن�ه��ا تحاكيك ،واال�ستمرار بالمحاكاة من دون ملل.. �إنه الحرف العربي ب�أنواعه وفل�سفته ،فال بد لكل فناني عالم الحروفيات من معرفة الأ�صل قبل الخو�ض في ذلك الف�ضاء الجميل ،والذي ينثر لنا في �أبهى �صورة و�أجملها. ..æ æو�أي�������ض���ا م���ن خ��ل�ال ح��دي��ث��ي م��ع��ك لفت ان��ت��ب��اه��ي ح��ب��ك الكبير لمدينة ع��رع��ر وه��ي م�سقط الر�أ�س والنمو ،ما الأث��ر ال��ذي تركه ال��م��ك��ان ف���ي ن��ف�����س �أح���م���د ال�����س�لام��ة ك��ف��ن��ان و�إن�سان؟
61
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ال�شاعر �سليمان الفل ّيح
�صناجة ال�صحراء
■ د .حممود عبداحلافظ خلف اهلل*
62
ρ ρع��رع��ر ه��ي ق�ل��ب ال���ش�م��ال ال�ن��اب����ض ،ال��وط��ن غالي علينا جميع ًا ب�أر�ضه و�سمائه ،ومهما ابتعد الإن�سان عن الوطن بج�سمه ،لن يبتعد عنه بحبه وانتمائه وفكره�،إنما يزيده تم�سك ًا وحب ًا وع�شق ًا وعطاءاً ،طبع ًا الت�صقت بالفن منذ ال�صغر في مدينة عرعر م�سقط الر�أ�س والنمو والموهبة والح�ضارة؛ فالمكان له �أثره في نف�سي ،فحبي لل�شمال ..وبخا�صة مدينتي ال�صغيرة التي �أ�صبحت اليوم كبيرة في قلبي، هي وطنٌ لذكريات الطفولة الجميلة ،ومهما ابتعدت عنها لظروف العمل وغيره� ،سيبقى ال�شمال رم��زا للحب بوجود �أع��ز مخلوق فيه «والدي». æ æت��ت��ف��رد ب���أ���س��ل��وب��ك التنقيطي ،وه���و م��ا يميز �أع��م��ال��ك ..وم���ن ي��ق��ف �أم����ام ل��وح��ات��ك ي�شعر ب��ع��م��ق ه����ذا الأ����س���ل���وب و�أب�����ع�����اده ال��ج��م��ال��ي��ة الأ�سا�سية في العمل� ،أي هو ج��زء من فكرة العمل .هل تكمل لنا هذا االنطباع؟ اجلوبة -خريف 1434هـ
ρ ρف��ي ب��داي��ة �أعمالي تميز الأ��س�ل��وب الزخرفي ال�شعبي ف��ي المرحلة الأول �ي��ة التي �أعطتني منطلق ًا للبحث وال�غ��و���ص ف��ي ع��ال��م الفنون الجميلة ،وه��ذا الأ�سلوب الزخرفي ال�شعبي الموجود في بيئتنا منذ البداية كعن�صر �أ�سا�سي في اللوحة كما هو موجود في �أغلب الأعمال بن�سبة ك�ب�ي��ره ،والآن وهلل الحمد �أ�صبحت �أعمالي ت�أخذ الطابع والأ�سلوب الأكثر تميز ًا من خالل النقلة الجديدة لأعمالي. ρ ρوبخا�صة المرحلة (الذهبية) زخرفة الخط، و�أ� �س �ت �ح��دث خ�ط��ا ج��دي��دا ي�ك�م��ل الأ� �س �ل��وب الزخرفي ال�شعبي (بالتنقيطية) ،من خالل ا�ستخدام نقطة لونية لتكوين لوحة ب�إيقاع جذاب ،والم�ستخدم في �أ�سلوبي بالتكرار ،مع مراعاة �إظهار الظل والنور في الم�ساحة ،حتى و�صلت �إل��ى �أ�سلوب الزخرفة التنقيطية في �أعمالي الأخيرة بعد المرحلة الأولى (الزخرفة الأحمدية).
�آخر الفر�سان ال�صعاليك� ،أنجبته ال�صحراء ،وظل يترحل في ف�ضاءات ق�سوتها كل وبع�ضا من �شبابه .بحثًا عن النقاء واكت�شاف الذات الإن�سانية ،بعيدًا عن ركام طفولتهً ، التعقيد المزجج بين الغابات الخر�سانية ،حيث حريات المدينة الزائفة. يقول – يرحمه اهلل – «توفِّي �أبي و�أنا ابن �أربع �سنوات ،و�أ�صبحت يتيمًا ،ولم يكن لي �أخوة ،فقلت حينما �أتزوج �سوف �أنجب قبيلة من الأبناء تعو�ضني م�أ�ساة اليتم؛ كي ال يذوقوا ما ذقت من مرارة الوحدة دون �إخوة ...و�ضعتني �أمي تحت �شجيرة في ال�صحراء، ولفتني بطرف عباءتها ،ثم �سارت تغني في ركب القبيلة الظاعنة نحو حدود الغيم». �إن ق�سوة ال�ح�ي��اة ال�ت��ي عا�شها الفليح في طفولته بما اكتنفت من فقر وعوز و�شظف طبيعي ق��د نحتت ملكته ال�شعرية ع�ل��ى ��ش��اك�ل��ة ن�ح��ت ال��ري��اح ال�صر�صر للجبال ،و�أث��رت خبراته ث��راء �صحراء النفود هكذا ق��ال« :ع�شت مع قبيلتي ب��ال��رم��ال ،فاكت�شفته ال�صحراء المتنقلة عبر ال�صحراء من ظعن �إلى قبل �أن يكت�شفها ،ففتحت ل��ه كنوزها ،ظعن ،فتملكتني بجوها المليء بالأ�ساطير، فعرف من خاللها الت�أمل دالل � ًة قبل �أن و�أذه�ل�ن��ي التاريخ ال�شفهي للقبائل ،فبت
يعرفه ا��ص�ط�لاحً ��ا ،و�أ�سلمته كنوز م�ف��ردات�ه��ا ..فع�صفت قريحته ت �ج��وب وادي ال �ح �م��اد ت �ق��ر�أه حجرًا حجرًا ،وت�سبره ر�سمًا ر�سماً ،ثم تن�ضده في �سبك لغوي ر�صين ور�صف �أخاذ.
اجلوبة -خريف 1434هـ 63
�إلى اليمين :الفليح في �إحدى �أم�سياته
64
اجلوبة -خريف 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
حتى فا�ضت م��روجً ��ا غنّاء تزهر �شعرًا ونثرًا �أختزن في ذاكرتي هذا الزخم المثير». يفهم من يتمعن هذه العبارة �أن ذاكرة الغالم يحمل عبق ال�صحراء ،ورائ�ح��ة الحياة التي كانت تتمدد بتمدد �أفكار الأ�ساطير التي ال تنتهي ،ت�شتمها حين تقبل الماء �شفاة الأر�ض البا�سة. وهذا التفرد في التكوين ال�شعري للفليّح ،هو وتت�سع بات�ساع ال�صحراء على مد ب�صره ،فكانت تعني له الكون الذي ال ينتهي ،تت�سع بات�ساع �أفقه ..الذي فرّده عن غيره من �شعراء ع�صره؛ فت�شعر في �شعره (الف�صيح �أو ال�شعبي) بتمدد الفكرة، وتترامى كلما �أ�سرع فيها الخطى. و�شفافية المعنى ،و�صالبة اللفظ وجزالته ،وقوة �إن ح��رم��ان ال�ف��ار���س النبيل م��ن الدرا�سة الإيقاع رغم ب�ساطته؛ فقد انطبعت ال�صحراء ب�سبب الفقر قد دفعه �إلى العمل مبكرًا؛ وكانت في �شعره بن�سخ متعددة في الفكرة والمعنى ه��ذه المرحلة العمرية ه��ي نقطة تحول لي�س واللفظ والإيقاع� ،إذ م�س ب�أدبه فطرة الإن�سان في عمره الزمني ،لأنه كان بلغة الزمن مازال التي ا�ستلهمها من فطرة ال�صحراء ،فكانت ط�ف�ًل�اً ،لكنه بلغة الفكر والعقل �صار رج�ًل�اً .قريحته التي ن�سجت من ن�سيج عبقري فريد تقود �ألب�سته الحاجة ق��وة ومثابرة ،و�صبغته حياة القارئ �إلى �أن ي�ستجمع كل حوا�سه؛ ليتح�س�س ال�صحراء جلدً ا و�صرامة ،فهو الذي كان يبيت بها المعاني والأفكار والألفاظ والإيقاع في ن�شوة ليله على ظهر البعير ال ي�ؤن�سه �إال عواء الذئاب .ممتدة بين العقل والوجدان. وبمجرد و�صوله �إل��ى الكويت بحثًا عن العمل يقول الفليح في ق�صيدته (قطيعة م�ؤقتة): انكب على القراءة يروى بها قريحته ال�شا�سعة، وي�ؤطر بها �أفكاره ليغم�سها في خزائن معرفته ال�شعر غادرني وهو الذي: التي اكت�شف عمق ثرائها حينما انطلق �شريان �شاركني /الجوع والترحال والظم�أ المعرفة يتخلل ت�شققاتها ،ويتغلل في �أعماقها ****
�صديقي الذي �صاحبني طوال هذا العمر في ت�شردي الطويل في المدائن ال�صماء لم يخلُ �شعره من نكهة البداوة حتى بعد �أن غادر �إلى المدينة ،فقد ظل نقاء البادية يغلف �شعره؛ لأن ال�شعر – من وجهة نظره -روح ت�سري في وج��دان ال�شاعر ،وذلك ما حداه �أن يخرج كثيرًا مما يتفوّه به بع�ض المتطفلين على موائد ال�شعر -مع ف�سحة الق�صيدة النثرية، وتحررها من كثير من قوانين ال�شعر العمودي، وت�سلل بع�ض رويب�ضة الع�صر من هذه الم�سام ببع�ض النظم المنثور -من عباءة ال�شعر و�أهله.
فمن �أقواله في هذا المعنى« :ال�شعر هو التعبير عن م�شاعر ال�شعور ،فعالقته بالم�شاعر مثل عالقة ال��روح بالج�سد؛ لذلك ف ��إن الق�صيدة النثرية الحقيقية ال ي�ستوعبها �إال م��ن كان يمتلك �شفافية كاملة؛ لأنها ت�سترعي التركيز على ما وراء الكلمات من معان وتفرد للجمل والمو�سيقى». �أما عن الرمز في �أدب �سليمان الفليح ..ف�إنه ي�صعب ف�صله في مقالة واحدة؛ لأنه يحتاج �إلى درا�سات وت�أمل من كثير من الباحثين�..إال �أنني �أ�سوق �أنموذجً ا واح��دً ا هنا على �سبيل المثال، وهو(القبيلة)؛ لقد �أكثر الفليح من ا�ستخدام
اجلوبة -خريف 1434هـ 65
�أتذكر �أن القبيلة اجتاحها في ال�صحاري الجفاف و�سبع �سنين عجاف فانحدرت للمدن ال�ساحلية كي ت�شرب البحر ملحً ا �أجاج لكي تجرع النفط ماء ثجاجً ا �أو (ت��ه��ن���أ) ال��ن��وق ف��ي��ه� ،إذ ���ص��اب��ه��ا ال��ج��رب الم�ستطير �أو تترك (الح�شو) للطير �أو ينعق البوم في ليلها في الهزيع الأخير، وحتى ال�صباح �سالمًا لذاك الزمان الذي قد تولى وراح ���س�لامً��ا �إل��ي��ك ���س�لامً��ا �إل�����يَّ ��� ،س�لامً��ا لتلك القبائل تحدو بتلك البطاح.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
لفظ القبيلة في �شعره ونثره ،فقد كان يرمز به �إلى الأمة ،في�ستنه�ضها تارة ،ويق�سو عليها معاتبًا مرات ..يقول في ق�صيدته (باتجاه البردويل):
النثرية منها – ب�أنها تمثل الأدب ال�ساخر، ويتج�سد ذلك في مقاالته ال�صحفية المنداحة تحت ع �ن��وان (ه��ذرل��وج �ي��ا) ،فيقول ف��ي �أح��د مقاالته « :مع �أني �-أجلكم اهلل -ال �أهتم بنوع الحذاء ،لأن��ي ق�ضيت جلَّ طفولتي وج��زء ًا من �شبابي حفيان كحيان».
ومن �آرائه في ال�سخرية� ،أنها موهبة ي�صعب تعلمها ،لأنها جزء من ن�سيج ال�شخ�صية ،وهي تحتوي على مكونين �أ�سا�سين من دونهما ال تكون �سخرية ،الأول يتمثل في قدرة الكاتب على �أن يدغدغ م�شاعر المتلقي ،حتى يكاد �أن ي�ضحك �أو ي�شرع فيه بالفعل ،ثم يوخزه وخزة (تراجيدية) تحمل الهدف من ال�سخرية ،وتجعله -يق�صد المتلقي -ال ين�سى الهدف من العبارة ال�ساخرة لزمن بعيد ،ب��ل ق��د يكون ل�ل�أب��د .وب ��ذا ،ف�إنه يرى �أن الكتابة ال�ساخرة ال بد �أن تنطوي على وت�صنف كثير من كتابات الفليح – �سيما هدف ،و�إال فهي �شيء �آخر؛ وذلك ما جعله ينعت
ال�سخرية من دون هدف ب�أنها م�سخرة من دون ل�صحيفة ال�سيا�سة الكويتية التي ات�سعت لموهبته أي�ضا. هدف � ً وكتاباته ال�ساخرة لوقت غير ق�صير ،ولم يذكر لها وعن دور ال�صحافة في الكتابة ال�ساخرة ،يومًا �أن �أكرهته على �شيء �أو �ألزمته بكتابات يومية �أو دوام يومي ،بل كانت تت�سع ف � ��إن� ��ه ي � ��رى �أن � �ه� ��ا � �س�لاح للترا�شق بينه وب�ي��ن (�أح�م��د ذو ح ��دي ��ن؛ ف� � ��إذا �أع �ط��ت الجار اهلل) ،فكان يهاجمهم ال�صحافة الكاتب �أو الأديب (ال �ج��ار اهلل) ف��ي ال�صفحة ف�سحة من الوقت كي تجود الأول � � ��ى ..وي � ��ردون ع�ل�ي��ه في قريحته ويكتب م��ا ي�ستحق ال���ص�ف�ح��ة الأخ� �ي ��رة ،وي��ذك��ر �أن يلب�سه ال�ث��وب ال�ساخر، ب �ك��ل خ �ي��ر رف �ق��ائ��ه ف ��ي ه��ذه ك��ان��ت ع��و ًن��ا وق �ن��اة مفتوحة المرحلة (ناجي العلي ،محمود تدفع الأديب �إلى ن�شر فكره، ال�سعدني ،عبداهلل المحيالن). وتحفّزه ب�أن تريه �أثر كتابته على ال�شارع بمجرد االنتهاء رحم اهلل �صناجة ال�شمال منها؛ وقد يكون لها دور �سلبي �آخ ��ر ال���ش�ع��راء ال�صعاليك �إذا �سخَّ رت الكاتب للعمل ال� ��ذي م�ل��أ ال��دن �ي��ا بخلقه اليومي ،و�أجبرته على ابتذال الموقف ،ف�إنه مع ال�ج��م ،وط�لاق��ة وجهه التي ت�شبه ال�صحراء مرور الوقت ين�ضب �إبداعه وتُقبر موهبته. في رحبتها و�صدق كلماته التي امتزجت فيها ووفا ًء منه ،كان دائمًا يذكر �أنه مدين بالف�ضل البداوة بفطرتها والمدينة بخبرتها. * كاتب وناقد و�أكاديمي في جامعة الجوف.
66
اجلوبة -خريف 1434هـ
اجلوبة -خريف 1434هـ 67
■ فاطمة الزهراء بني�س*
بر�ؤية عميقة ،وبرهافة ،تعك�سان حِ َّ�س ال�شاعر ووعيه الفني والجمالي المتقدم، كتب المبدع الأ�ستاذ محمد ميلود غَرافي روايته الأولى «لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى»، ال�صادرة حديثا عن دار الغاوون بلبنان .رواي��ة تحتفي ب�سر ٍد ينهل من الواقع ،بكل توتراته و�إكراهاته ،ويعيد �إنتاجَ ه �ضمن ر�ؤي��ة فنية وجمالية ،ال توغل في التخييل والحلم ،بقدر ما تقدم للقارئ ر�ؤي َة الكاتب لواقع المهاجرين المغاربة في عراكهم المتوا�صل مع ذات مُتغرّبة� ،آلت على نف�سها مُراكمِة ر�صيدها من الفَقد والخ�سران والمرارة والغربة ،بدءا من هجرة �أر�ض الوطن الأم بحثا عن �أفق اجتماعي �آخر �إلى العا�صمة الفرن�سية .تلك المدينة الرحبة الم�ضيئة ،التي يحلم بالعي�ش في �أرجائها كل من اكتوى بنيران الخوف والعبودية. في باري�س تتك�سر الأحالم والتطلعات، مُ ف�سحة المجال لإخفاقات و�إحباطات متوا�صلة ال تني تُلقي بظاللها القاتمة على الذات .تفا�صيل كثيرة يتداخل فيها اليومي بالثقافي ,التاريخ بالحا�ضر ,تجعل ال�صورة البرّاقة والأخاذة للغرب كف�ضاء للحرية والديمقراطية وحقوق الإن�سان 68
اجلوبة -خريف 1434هـ
والرفاه االجتماعي مجرد �أوهام ال �صلة لها ،على الإطالق ،بالواقع المعي�ش؛ ذلك ما يدركه �أبطال الرواية ،على اختالف �أعمارهم ومواقعهم ،وهم يكت�شفون ما تخفيه ال��واج�ه��ة المنمطة بال�شعارات الرنانة التي تت�سابق على ت�سويقها و�سائل الإعالم .هذا االكت�شاف ي�ضاعف لديهم
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الوجه الآخر للغرب في رواية «لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى»
�إح�سا�سا فادحا بال�ضياع يَطال الذات والهوية والم�ستقبل ،وحتى وجودهم نف�سه .نقر�أ في �ص ( :)43ن�شرات الأخبار مملّة وفيها الكثير من االنتقاء والزيف والأك��اذي��ب ،و�صلتُ �إلى باري�س �أياما قبل بداية ق�صف العراق للكويت، و�شاهدتُ �شريطا مُ فبركا لمقدم ن�شرة القناة الأول��ى ال�شهير وهو ي�ستجوب �صدام ح�سين، كان قد فعل ال�شيء نف�سه �سابقا حين ادّعى �أنه ا�ستجوب فيديل كا�سترو» .هكذا ي�صطدم ال��راوي بالوجه الآخ��ر للإعالم الغربي الذي يدعي الم�صداقية والحيادية ،وهو ما يجعل ��ص��ورة باري�س لديه ت��زداد قتامة ..مبتعد ًة عن �صورتها الم�ألوفة كف�ضاء للفن والأدب والمعرفة والأنوار .يعترف هذا الراوي �أن �أبرز خط�أ ارتكبه كان يوم ركب ذات خريف حافلة مُ تجهة �إل��ى مدينة باري�س؛ لم يكن ي��دري �أنَّ فرن�سا ال تريد �إال عماال يَكِ دُّون ويكدحون في �أورا���ش البناء وحقول العنب .ويقولون« :وي مي�سيو» كما ف��ي �أي��ام اال�ستعمار .فرن�سا ال حاجة لها بطالب عرب و�أفارقة بد�ؤوا يفهمون �أنَّ الديمقراطية ما تزال م�شروعا لم يتحقق بعد على هذه الأر�ض ،و�أن حقوق الإن�سان �أمر يهم ال�سا�سة الفرن�سيين حين يتعلق الأمر فقط بمواطنيهم.
بذكرياته وهمومه و�إحباطاته .تقتحم ريبيكا، كرمز للأنثى الحلم ،حياة البطل/الراوي لتقدم نموذجا في الحنان والعطف والبذل، الذي يتجاوز كل االعتبارات الدينية والعرقية وال�ث�ق��اف�ي��ة ،دون �م��ا اك �ت��راث ب� ��أي اع�ت�ب��ارات �أخرى قد تَحُ ول بين قلبين ينتميان لثقافتين مختلفتين .هنا ي�صبح الحب �سلطة �أخ��رى َت��خْ � ِل� ُ�ط الأوراق وتجعل الم�ستحيل ممكنا، والممكن َ مُ تجاوزا ،وتنعطف بهذه العالقة في ظل ه��ذا ال�صدمة الثقافية المتعددة العاطفية �صوب وجهة �أخ ��رى ي�صبح معها الأب �ع��اد ،وال�ت��ي تربك ك��ل ح�سابات ال��راوي، تظهر ريبيكا الإن�ج�ل�ي��زي��ة الأ���ص��ل ،الأن �ث��ى الحب قدرا ال فكاك منه. ت�صف الرواية ريبيكا كامر�أة تنتمي لثقافة ُ الم�شعة ك�شم�س ربيعية �صافية مت�ألقة ،لتعيد بع�ض التوازن النف�سيّ �إلى هذا الراوي المثقل مغايرة ،تحمل �أفكارا تتعار�ض مع �أفكار الرجل
اجلوبة -خريف 1434هـ 69
* كاتبة و�شاعرة من المغرب.
70
اجلوبة -خريف 1434هـ
متعة ال�سرد في «�أجمل رجل قبيح في العالم» لف�ؤاد قنديل
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
المغربيّ /واهتمامات تبدو له �أحيانا �سخيفة مقارنة باهتماماته ،لكنها ام��ر�أة �صادقة في ع�شقها وعطائها الالمحدودين لهذا المهاجر القادم من الجنوب .هكذا ,وب�إ�شارات �إن�سانية بليغة ودالة بد�أت الق�صة العاطفية على �ضفاف نهر ال�سين ،وانك�سرت في �أوج انغما�سهما على مرمى حجر نهر التايمز؛ لأن منعرجات الواقع كانت �أقوى و�أعنف من حلمهما الجميل المُ�شترك وهي �أي�ضا �صورة ايجابية منحها المبدع في بناء �أ�سرة متعددة الجذور الثقافية ،ت�ؤمن محمد ميلود غرَّافي للمر�أة العربية المهاجرة، بقيم االختالف والتعدد وقبول الآخر كيفما كان. عك�س ما يُروج له بع�ضهم من �صور مخزية عن وعلى الرغم من حبه لريبيكا التي �آوت��ه الن�ساء العربيات المهاجرات. و�أعطته كل �شيء ..وكانت مالذه الروحيّ في هكذا ،وبلغة �سردية نا�صعة المعنى تك�شف منفاه� ،إال �أن البطل ب��دا عاجزا عن تجاوز لنا رواية (لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى) عن �سل�سة الإك��راه��ات المرتبطة بالنظام االجتماعي من المعاناة المادية والمعنوية لمهاجرين لم والثقافي ال��ذي ينتمي �إليه ،ما جعل عالقته يختاروا المنفى رغبة ،و�إنما تحت �إكراهات بريبيكا ،المتحررة في �أفكارها الجن�سية, متعددة الم�صادر. المهتمة ب�ظ��واه��ر ال تعنيه �إط�ل�اق��ا ،تتعثر في ختام هذه الورقة ،يمكن اعتبار رواية وت�صطدم باالختالفات الجوهرية الكبرى بينهما .فالبطل مُ �صر على �أنه لو رزق بطفلة« ..ل��م �أ َر ال�شالالت م��ن �أع �ل��ى»� ،إ�ضافة مهمة ف�سيحر�ص على ط��ول �ضفائرها ،و�إذا رزق ونوعية للمنجز ال��روائ��ي المغربي والعربي بطفل �سي�شتري له م�سد�س ًا وح�صان ًا خ�شبي ًا فيما يتعلق بمو�ضوعة «العالقة مع الغرب» بكل ويقول له :كن رجال! هذا الإرث من التقاليد �أبعادها الثقافية واالجتماعية والرمزية .و�إذا والقيم والأفكار التي ت�شرّبها البطل /الراوي كانت هذه العالقة قد تعددت �أوجه ح�ضورها منذ نعومة �أظافره ،والذي لم ي�ستطع التخلّ�ص في الرواية العربية المعا�صرة ،ف��إن الرواية منه رغم �إقامته في بلد غربي ،بدا في لحظة التي بين �أيدينا ت�ح��اول االق �ت��راب �أك�ث��ر من كحاجز ثقافي ورمزي يباعد بينه وبين حبيبته هذه العالقة في �إ�شكاالتها الراهنة المرتبطة ريبيكا التي تبدو غير م�ستعدة لمغادرة عالمها بالهجرة والهوية و�صراع الح�ضارات وغيرها الثقافي وااللتحاق بعالم �آخ��ر ,ه��ذا �إن دلّ من الق�ضايا.
ف�إنما يدل على منح �صورة �إيجابية للمهاجرين المغاربة؛ بمعنى عدم ان�سالخهم الكليّ من موروثاتهم التي فيها من الإيجابيّ ما فيها من ال�سلبيّ ,هذه ال�صورة ج�سّ دتها �أي�ضا المهاجرة الجزائرية نادية التي كانت تقاتل على جبهات متعددة من �أجل الح�صول على قوتها اليومي من دون الم�سا�س ب�أنفتها.
■ ه�شام بن�شاوي*
ت��ط��غ��ى ث��ي��م��ة ال�����ش��ي��خ��وخ��ة ع��ل��ى ن�����ص��و���ص ال��م��ج��م��وع��ة الق�ص�صية الأخيرة للكاتب الم�صري ف�ؤاد قنديل�« :أجمل رجل قبيح في العالم» ،والفائزة بجائزة الطيب �صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثانية (2012م)، وه���ذا م��ا يف�سر طغيان اال�ستح�ضار ،الحنين ،الت�أمل والحكمة ،كما يليق بكاتب خبر الحياة والأدب ،ورغم ذلك فثمة ب�صي�ص �أم��ل يبرق بين �أج���واء الق�ص�ص ،كما ت�شي بذلك ق�صة« :غفوة» ،حيث كادت الحفيدة �أن تغرق الحفيدة في غاف فوق كر�سيّه على �شاطئ البحر ،علمًا �أن الكاتب ينتمي �إلى جيل البحر ،والجد ٍ ال�ستينيات ،الذي عا�ش النك�سة ،ف�سيطرت الر�ؤية ال�ضبابية والروح االنهزامية على �إبداعات كتّاب ذلك الجيل .كما تهيمن على ن�صو�ص المجموعة الفنتازيا ،ولن نغالي �إن اعتبرنا ف�ؤاد قنديل رائد الواقعية ال�سحرية في الأدب العربي ،وهو �صاحب الرواية ال�شهيرة« :روح محبات» التي �أن�سن فيها الديك. ف��ي فاتحة ه��ذه الن�صو�ص ال�سردية :لم يفتر رغم الأيام« ،يده�شان لهذا الحب «حب خريفي بطعم العوا�صف» نعاين حيرة الذي يزداد عمق �آباره وتمتد فروع �شجرته الطبيب �إزاء حمل امر�أة تجاوزت الثمانين ،لت�صبح الدنيا كلها حبهما» (�ص.)11 في�ست�شير زم�لاءه الذين �أذهلهم الأم��ر، وح �ي��ن ت�ح�ي��ن ل�ح�ظ��ة ال��و� �ض��ع ،تكتب ويفاج�أ الزوجان بالخبر ،وعبر الفال�ش -ال���ص�ح��اف��ة ع��ن ال� �م ��ر�أة ،و ُت �ج��رى معها باك نتعرف على ما�ضيهما ،وحبهما الذي الحوارات قبل ال��والدة ،في�ضحك الأحفاد
اجلوبة -خريف 1434هـ 71
ال�صغار ا�ستهزاء ،ويتنف�س �آبا�ؤهم في �أ�سى.. و�أح��د �أبناء ال�شيخين �ضرب كفا بكف ،وقال ب�صوت خفي�ض« :كبر الآباء وخرّفوا .كان يجب الحجر عليهما منذ �سنوات� ،أو نقلهما �إلى دار الم�سنين!!» (�ص .)14 في الفجر الثالث بعد الوالدة ،ا�ستيقظت الأم وا�ستطلعت حولها في �إعياء ،وتذكرت وليدها ف�ج��اءوه��ا ب��ه� ،أبقته �إل��ى ج��واره��ا ،وانهمرت دموعها حزنًا ،وفي �صباح اليوم التالي ،فوجئت ب�إ�صابتها ب��ال�ع�م��ى ،وظ �ل��ت م�ف��زوع��ة تم�سك بوليدها دون �أن تبكي ،وم�ضت تقبل كل �سنتمتر في ج�سده ،وهي ت�شكر اهلل عز وجل ،لأنه �أتاح لها �أن ترى وليدها قبل �أن تفقد ب�صرها ،والذي ف�ؤاد قنديل اختاروا له من الأ�سماء نبيل؛ ا�سم االبن البكر على الأبناء ،وتذكروا جميعا �أن الوالدين كانا الذي مات في �سن الثالثة. مختلفين ،وكانا رائعين ،لكنهم حاولوا �إغالق بعد �شهور من الوالدة ،فوجئت المر�أة بوفاة الباب على ذكريات حب الخريف وعوا�صفه». زوج �ه��ا ،فاكتفت بالبكاء ال�صامت ومعانقة *** الوليد ،ورف�ضت عرو�ض �أبنائها بالعي�ش معهم في بيوتهم ،و�سرعان ما كبر ال�صغير ،و�صار من الن�صو�ص البديعة في هذه المجموعة ي�صطحبها �أينما ذهبت ،ف�أ�صبح بمثابة الزوج ق�صة« :حدثني عن البنات» ،والتي تروى على والأخ واالبن وال�صديق« ،وبات قلبها ال ي�ستطيع ل�سان الحفيد ،الذي يطلب من جده �أن يحدثه �أن يتحمل كل هذا الكم من الفرح»(�ص.)17 ع��ن ال�ب�ن��ات ،فيتذكر ه��ذا الأخ �ي��ر ي��وم �سقط ف �ك��رت �أن ت�خ�ط��ب ل��ه ب �ع��د ظ �ه��ور نتيجة من فوق فر�سه .وك��ان الحفيد يود ال��زواج من الجامعة ،لكنه كان يفكر في الهجرة ،وباحت محبوبته التي يرف�ضها ،ف�س�أل جده عن كيفية له بمخاوفها من الحلم (تموت بعد �أن يتزوج) ،االخ�ت�ي��ار ،وب��دا ل��ه عاطفيًّا على غير ال�ع��ادة. لكن بعد االم�ت�ح��ان م�ب��ا��ش��رة ،م��زق��ت ج�سده لقد تغير منذ �سقوطه عن الفر�س التي �أحبها �سيارة طائ�شة يقودها ولد في ال�ساد�سة ع�شرة .و�أح�ب�ت��ه ،فقرر الحفيد م�صارحة ج��ده ،لكي لم تبك ..لم تحزن ..نامت في غرفتها ..تتذكر ي�ضغط على �أبيه الراف�ض للزيجة ،بذريعة �أن كالم زوجها عن الدنيا« ،ولم تر�ض �أن ت�صحو والد الفتاة «�شرّيب ومنفلت الل�سان». 72
�أو ت�شرب قهوتها ..كانت ال�صدمة كبيرة للغاية
اجلوبة -خريف 1434هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
فوافق الأب على م�ض�ض.
أح�س الجد بالأ�سى ،ورقَّ قلب الحفيد لحاله، � َّ
�سُ مِ ع �صهيل الح�صان فابت�سم الجد؛ فب�سبب هذا الح�صان �أ�سقطته الفر�س ،وهو في طريقه �إل��ى جنازة �صديقه ،حين لكزها لكي ت�سرع.. هزت مقدمتيها وته�شمت عظامه ،ولمحها وهو مغمى عليه ت�ضرب �ساقها الخلفية الي�سرى في اتجاه �صديقها الح�صان لكي يبتعد ،وانحنت عليه تلعقه معتذرة ،وفا�ضت عيناها بدمعتين �ساخنتين �سقطتا على وجه الجد. طلب العم �أخ��ذ الفر�س ،وح��اول منعه �أحد الإخوة من اال�ستحواذ على الفر�س حتى ال يحزن ال�ج��د ،لأن��ه ك��ان يخ�شى �أن يبيعها لمعاطي، �صاحب الح�صان ال��ذي يحب فر�سهم ،والذي رف�ض بدوره بيع ح�صانه ،ولم يكن من �سبيل �إال �إبعادها عن الجد �إ�شفاقا عليه .و�أيقن الحفيد �أن الفر�س غيرت من طباع جده ،كما فعلت به الجدة« ،فقد �سرّبا �إل��ى روح��ه ق��درا كبيرا من ويقذفون الجنود بالحجارة وي�شعلون الحرائق ف��ي �إط� ��ارات ال���س�ي��ارات ،ويدفعونها فتجري الرقة بعد �أن كان خ�شن الطباع». م�ت��دح��رج��ة ف��ي ات �ج��اه � �س �ي��ارات ال�ج�ي��ب التي *** يركبونها ،وال يهابون الجنود ،وه��م يطلقون في ق�صة «�سهى وال�ك�لاب» يتطرق الكاتب عليهم القنابل الم�سيلة للدموع وقنابل الدخان �إل��ى ذل��ك الجرح الجغرافي والتاريخي الذي والر�صا�ص المطاطي. ال يندمل ،وي�ستهلها بو�صف ال�صبية الجميلة، تعجب �سهى ب�ن��ا��ص��ر ،ال ��ذي ق ��اوم ال��دم��ع التي تلوح �صفحة روحها للكاتب بي�ضاء طاهرة بعد وفاة �أبيه بر�صا�ص ال�صهاينة ،وراح يلقي ك�شا�شة ال�ك�م�ب�ي�ت��ور ،وال �ت��ي ل��م ي�ك��ن ل�ه��ا وال الحجر تلو الحجر ،وهو ي�صرخ من قلبه مع كل لمثيالتها من �صبايا «مخيم بالطة» طفولة ،حجر« :ي��ا ك�لاب» .وبكت كثيرًا لوفاة �أخيها، وان�ضمت �إلى قافلة الرجال مبكرًا ،وال يعرف حين نا�صر الأم التي اعتر�ض الجنود الم�سلحون ماذا حدث حتى طر�أ عليها هذا التغيير؟ الطريق �أمامها ،فدفعوها بق�سوة �أوقعتها على ل��م تكن �سهى ت�غ��ار م��ن �صبية ال�ح��ي وهي الأر���ض ،وحين ا�ستف�سرت عن �سبب منعها من تراهم يلعبون ،بيد �أنها كانت تغار منهم حين الت�سوق و�إقامة كل تلك الحواجز دفعوها مرة تراهم ي�ستطيعون مواجهة الدبابات الإ�سرائيلية �أخرى حتى �سقطت ،وتمرغت �سهى في �صدرها
اجلوبة -خريف 1434هـ 73
و�سارت �سهى في اتجاه �أر�ض جرفتها �آالت العدو ،وحقول مدمرة .لم تعب�أ بالجوع ووا�صلت الم�سير �إلى �أن تفي�أت ظل �شجرة زيتون كبيرة. م�سحت المكان بنظراتها ،فلم تر �أح��دً ا ،وما لبثت �أن راحت في نوم عميق ،وا�ستيقظت على زمجرة �سيارات ت�صعد التل في اتجاه مع�سكر �إ�سرائيلي .انبطحت على الأر� ��ض مت�أملة ما يحدث ،ور�أت الجنود ينقلون �صناديق �صفراء من �سيارات نقل كبيرة �إلى �أحد العنابر الزرقاء، وهبّت واقفة تنف�ض عن ثيابها ووجهها ذرات الرمل. ت���س��اءل��ت �سهى ع��ن كيفية التخل�ص من الأعداء وهي في طريق العودة �إلى بيتها ،وفكرت ف��ي �أن تعلّم ال�ط��ري��ق ب�ع�لام��ات وتخبر عمها الفدائي بما ر�أت ،وجدت البيت مغلقًا ،ف�أخبرت حافظ �صديق عمها ،ف�شكرها ون�صحها بالعودة، وحذرها من �أن تخبر �أحدً ا بما ر�أت. بعد يومين ،اقتحم الفدائيون المع�سكر، ال���ذي ك ��ان ي�خ�ب��ئ ف�ي��ه الأع � ��داء �أ�سلحتهم، وانتابتها ال�سعادة لأن�ه��ا �شاركت -وف��ي تلك ال�سن المبكرة -في مقاومة المغت�صبين ،وهذا ما �سيحفزها للم�شاركة في عمليات �أكبر. ***
74
ق��ام مفزوعً ا من ال�ن��وم ،حمل م�شعل النار ورك�ض خلف الذئاب التي الذت بالفرار ،وبقي م�ستيقظً ا حتى ال�صباح ،وات�ج��ه بالم�شاعل الم�شتعلة في اتجاه الذئاب الم�سترخية ،و�أبهجه ذعرها ،وتفرقها في كل اتجاه. مزقته الح�سرة ،وهو يرى مزرعته جرداء، وه��اج �م��ه ك�ب�ي��ر ال ��ذئ ��اب ،وت�م�ك��ن م��ن طعنه ب�سكينه ،و�أ�صيب بجرح في بطنه .لم ي�ستطع الحركة ،والأل��م يمزقه ..وبعد لحظات ،لمح عنزة وعدة دجاجات تطل بر�ؤو�سها في رعب. ابت�سم ،وان�شغل بالجرح الذي تكويه ال�شم�س، ور�آى حد�أة ،ففكر وهو عاجز �أن م�صيره الموت البطيء �إن لم يقم ،و�أن الذئاب �ستعود �أقوى، بينما تف�صله �أم �ت��ار ع��ن ال�م��زرع��ة ،وال��ذب��اب ينه�ش جرحه المفتوح ،وكانت روحه ته�ش للأمل ال��ذي ت�شكل على وجه الأف��ق ،وتمنى لو يمتلك القدرة على الغناء. ***
الق�صة التي تحمل عنوان المجموعة تتطرق في «جرح مفتوح» يكتب ف�ؤاد قنديل عن الأمل الذي ينبلج من عمق الي�أ�س وي�شق عتمته .تبد�أ �إل��ى ج�شع رج��ال الأع �م��ال عديمي ال�ضمير، اجلوبة -خريف 1434هـ
بف�ضل تلك الر�شوة� ،ستعمل م�صانعه طوال العام مع �شركة �أمريكية ،لذا وافق على تغيير �سيارات �أوالده الثالثة وحتى ابنته التي لم تبلغ ال�ساد�سة ع�شر ،وواف��ق على فتح �شركة با�سم ال��زوج��ة ،وفكر في تزيين رقبة ع�شيقته بعقد الما�س الذي طلبته. وه��و في �سيارته ،تلقى مكالمة هاتفية من �سكرتيره �أبلغه �أن ابنه ده�س �أ�سرة مكونة من �سبعة �أف��راد كانوا يجل�سون على كوبري رو�ض الفرج: «انطلق �صوته وقد ازداد خ�شونة: ي�ستاهلوا ..لماذا يجل�سون هناك؟
وج ��اءه ن�ب��أ �سقوط العمارتين .ابتهج ،ووع��د �سكرتيره ب��م��ك��اف���أة ،رغ��م �سقوط العمارتين فوق ال�سكان� ،إذ انتظر هذا الخبر منذ �سنين. �أغ�ل��ق هاتفه ال �ج��وال ،وح�ك��ى لع�شيقته ق�صة العمارتين؛ فمنذ ع�شرين عامً ا ،ا�شترى ثالثة بيوت قديمة متجاورة في حي الوايلي ،ولم يفلح في الح�صول على ت�صريح بهدم �إح��داه��ا �إال بالر�شوة ،وب�سقوطهما ح�صل على م�ساحة كبيرة من الأر�ض تتجاوز الألفي متر في قلب القاهرة، فاعتبر نف�سه عبقريًا ،لم تلد مثله اّولدة ،ووعد نف�سه برحلة لمدة �شهر في �أورب��ا ،حيث هناك من يختلفن عن ع�شيقته هيام.
تنهد من �أعماقه ،وتمنى �أن ينزل �إلى البحر يتنف�سون الهواء الذي ال يدخل بيوتهم. ليحدثه عن �صفقاته ،التي ما تزال تختمر في ك �ث��رة الن�سل ه��ي الم�شكلة ول�ي����س نق�ص ر�أ�سه ،لكنه �شعر �أن قلبه يدق بعنف ،وا�ضطر الهواء.. �أن يميل على الأريكة المريحة في �صدر ال�شاليه، كان يتنف�س ب�صعوبة ،ولم ي�ستطع �أن يرى من العمل يا با�شا؟ خالل �ضبابية نظراته هيام ،وهي تتقدم نحوه، ت�ع��رف ال�ع�م��ل ..ت���ص�رّف �أوال ف��ي مح�ضر وعطرها يخترق كل من يلقاه وي�صرعه. ال�شرطة ث��م ا��ص��رف لهم خم�سة �آالف» (�ص .)107 *** «�أجمل رجل قبيح في العالم» ق�ص�ص كتبت في الظهيرة ،وهو في طريقه للقاء محافظ الإ�سكندرية ،رنَّ الهاتف ..ف�أخبره �سكرتيره ب�أ�سلوب روائ��ي ،يحتفي بالتفا�صيل اليومية، ب ��أن ابنته حطمت ك�شكًا ف��ي �شبرا ،وك��ان به ويغو�ص في �أعماق �شخو�صها ب�سرد �شاعري، خم�سة �أوالد و�أمهم .لقوا حتفهم ،فاعتبر الرجل وهي �إ�ضافة جديدة ونوعية للمكتبة العربية، المخملي �أن غباءهم هو الم�شكلة ولي�س الفقر .وت�ستحق ق� ��راءات �أُخَ � ��ر ت�لام����س م��ا خلف ف��ي طريقه �إل��ى «ال�شاليه» ،تذكر الحادثتين ال�سطور.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وانهمرت دموعها ال�ساخنة ،و�شرعت تنف�ض عن ثوبها التراب وتنظر �إليهم بحقد ،وعندما حاول الخال نجدة الأم لقي حتفه ،وان�شقت الأر���ض عن �أكثر من ع�شرين ولدً ا في مثل �سنها ،انهالوا على الجنود بالحجارة.
الق�صة بهجوم ال��ذئ��اب على مزرعة ال��راوي، الذي يراقبها من خالل خ�صا�ص النافذة ،فتهب الن�سائم محملة بروائح الدم واللحم والعفونة، وال ��ذئ ��اب ت�ت�خ��اط��ف �أف��خ��اذ ال �م��اع��ز .يح�س باالختناق ،وه��و ي�شهد تحطم م��زرع��ة ،ق�ضى �سنوات وهو يبنيها حتى �صارت حديث الح�ساد. ك��ان��ت ال��ذئ��اب تثقب بعيونها زج ��اج الظلمة ببريقها ،ويلوم ال�سارد نف�سه على تقاع�سه في اال�ستعداد لها ،ويحتار في معرفة ال�سبيل �إلى طردها.
وي�ستهلها الكاتب ب�صرف رجل الأعمال ر�شوة ب�شكل عابر ،وقال لنف�سه« :الندم غير م�سموح لمحا�سب ،وا�ستعادته لما يتردد عنه في �أجواء له باالقتراب مني .الندم يق�صف عمر العظمة». الأن��دي��ة والأح ��زاب من �إ� �ش��ادات ،فهو «�س�.س وف��ي ظهيرة ال�ي��وم ال�ت��ال��ي ،ان��دف��ع الرنين �أجمل رجل �أعمال في م�صر». متلهفًا ،بعد �أن �أط�ل��ق ��س��راح هاتفه المغلق،
اجلوبة -خريف 1434هـ 75
■ �إينا�س العبا�سي*
بخطوات ثابتة ومدرو�سة ،يعمل المترجم التون�سي وليد �سليمان ،فبعد ترجمته لكتاب «�إيرو�س في الرواية» لماريو بارغو�س يو�سا ،يتحفنا هذه المرة بترجمة جميلة من الرو�سية �إلى العربية ،فاتحاً لنا نافذ ًة �أدبي ًة على الأدب الأوكراني المعا�صر ،من خالل رواي��ة «عزيزي �صديق المرحوم» التي �صدرت في طبعة �أنيقة عن من�شورات وليدوف ،وهذا العمل للروائي العالمي «�أندريه كوركوف» الكاتب الأكثر مبيعاً في �أوروبا ال�شرقية ،والذي تُرجمت رواياته �إلى �أكثر من ( )35لغة.
76
منذ ال�صفحات الأول ��ى ،نتذكر مناخات كافكا ،نتذكر بطل روايته «المحكمة» ،وهو تائ ٌه في �أروقة المحكمة مُحاكَما عن ق�ضية ال يعرف تهمته فيها� ..إال �أنَّ بطل «كوركوف» هذه المرة تائه في �أروقة ي�أ�سه و�ضياعه ،وهو يعرف جيد ًا تهمته :البطالة والالجدوى؛ ال معنى لحياته ،ال عمل لديه ،عالقته بزوجته و�صلت �إلى ح�ضي�ض الالمباالة ،وال �أً�صدقاء لديه ،و�أيامه تت�شابه في رتابة خانقة وقاتلة .فج�أة يلتمع الحل كبارقة بديهية ،بما �أنه عاجز عن االنتحار ف�إن الحل المثالي يتمثل في الموت قتالً! هكذا �س�أدخل التاريخ ..فكر� ،ستكتب عني ال�صحف وتتناقل اجلوبة -خريف 1434هـ
و�سائل الإع�لام خبر اغتيالي ،و�سيبحثون في مالب�سات الجريمة ،ويبحثون عن قاتلي ..هكذا فكر «توليا» بحما�سة الغريق الباحث عن ق�شة �أمل وهمية. البطل ال��ذي اخ�ت��ار دور ال�ضحية يبحث ع��ن �شخ�ص ليقتله ،ي��ؤج��ر ق��ات�لا ع��ن طريق �أح��د �أ�صدقائه النادرين ،ويتبادل المكالمات مع قاتله دون �أن يلتقيا ،وم��ن دون �أن يعرف القاتل من �سيقتل بال�ضبط �إال من خالل �صورة ي�ضعها توليا في �صندوق بريده ح�سب االتفاق.. يُحددان المكان والزمان لتنفيذ عملية القتل،
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
«عزيزي �صديق المرحوم» للروائي العالمي «�أندريه كوركوف»
وينتظر بطلنا اليوم الموعود بلهفة �إلى درجة ال يهتم فيها بكل ما يحدث من حوله؛ فال يهتم برحيل زوجته العلني مع ع�شيقها و�أخذها لأثاث البيت ،وبد ًال عن ذلك يهتم ب�أيامه و�ساعاته وقهوته الأخيرة ..يكون في الموعد تماما ،في ركنه المعتاد في المقهى متلمظا �آخ��ر فنجان قهوة ل��ه� ..إال �أن القاتل يخلف موعده ويخرج هو من المقهى متحررا وم�ستعيدا رغبته في الحياة ،خا�صة بعد �أن يلتقي ليلتها بفتاة الليل «لينا» الجميلة والمده�شة ،التي تدخل البهجة �إلى حياته، وت�صبح مواعيد لقاءاتهما المتفرقة والمتباعدة حينا والمتقاربة حينا �آخر ،هي الخيط الذي يجعله يتعلق بالحياة من جديد ..وين�سى هكذا حكاية موته المبرمج؛ �إال �أن القاتل ال ين�ساه ..وهنا تبد�أ العقدة، حيث يحاول «توليا» الهرب من قاتله� ،إال �أنه يعرف من خالل الو�سيط ال��ذي رتب الم�س�ألة ب��أن القاتل �س ُيتِم المهمة على �أتم وجه. ونظرا ال�ستعادته الرغبة في الحياة ،يبحث «توليا» عن ح ّل ما ،وال يفكر �سوى في ا�ستئجار قاتل جديد ليحميه من القاتل الأول ويُخل�صه منه بقتله .وهذا ما يحدث ..تتطور الحكاية بجريمة قتل يلتقط خاللها «توليا» في غيبوبة ال�صدمة حافظة القتيل ،ويجد فيها �صورة زوجته وعنوانها .بعد �أ�شهر من التردد يقرر زيارتها و�إعطاءها المبلغ المالي المتفق عليه، مدعيا �أن��ه �صديق زوجها المرحوم ،و�أن��ه مدين له بهذا المال .ب�شكل ما تُغرم المر�أة به دون �أن تعرف �أي �شيء ،معتقدة �أن��ه فع ًال �صديق زوجها .وهكذا يقول لنا «توليا» �أن��ه وبعد �أ�شهر قليلة ت��زوج زوجة قاتله -قتيله و�أ�صبح طفله ابن ًا له .وحين يفتح ذات �صباح �صندوق بريد «المرحوم» ويجد ا�سم �شخ�ص من المفرو�ض �أن يُقتل في ذلك اليوم ،يتجه للمكان المن�شود ليتعرف على الرجل ،وي�ستمر في مراقبته، فيرتعب هذا الأخير ،وينه�ض محاوال الهرب� ،إال �أنه يموت جراء �أزمة قلبية ..وهكذا يُعتبر «توليا» ب�شكل �أو
ب�آخر من ت�سبب في قتله ..ما يجعلنا نفكر ب�أن «توليا» فعلي ًا قد ا�ستحوذ كلي ًا على حياة «المرحوم» ،تزوج زوجته ،و�أ�صبح طفله ابنه ،ويقطن في بيته ،و�أخيرا امتهن مهنته! هل كان هذا هو الحل؟ امتالك حياة �شخ�ص �آخر هو ال�سبيل للخال�ص من جحيمه الذاتي؟ نرى من خالل القاع الذي تردى فيه «توليا» القاع الذي تردت فيه �أوكرانيا في تلك الفترة اقت�صادي ًا واجتماعياً. ولي�س م��ن ب��اب الم�صادفة �أن يتحدث «ك��ورك��وف» على ل�سان بطله عن رو�سيا وعالقتها ب�أوكرانيا في �آخر الرواية في لمحة خاطفة و�سريعة ..وك�أن حكاية «توليا» تختزل حكاية �أوكرانيا المُتخبطة في محاولة ا�ستعادة قوتها بعد انهيار االتحاد ال�سوفييتي. ي�شدنا «�أن��دري��ه ك��روك��وف» بلغة �سل�سة وذك��اء �سينمائي (وبالفعل �سبق و�أن تحولت ال��رواي��ة �إلى �شريط �سينمائي كتب كوركوف ال�سيناريو الخا�ص به) منذ ال�صفحات الأولى للحياة الداخلية لبطله، ومن خالله بلده �أوكرانيا ،ي�شدنا بخبرة الحاوي الذي يعرف �أن حكايته �ستبهرنا ،و�أن قبعته الروائية تخفي لنا الكثير من المفاج�آت المُبهرة!
* كاتبة ومترجمة تون�سية.
اجلوبة -خريف 1434هـ 77
�شهوة الروح� :أو «�أ�شياء منك في القلب»
لل�شاعرالمغربي :محمد زيتون
■ رفعت الكنياري تطوان*
م�سكونا بهاج�س الجمال ،جاء يجري عبر مدى الكلمات ،م�ضرجا ب�إفك الغواية، غواية كل من امتدت يداه فاقترفت «الكتابة» .ب�أ�شيائه التي ت�سكن �سويداء القلب.. يطل من �شرفاته الثالث. ب���إ���ش��راق ال��ن��ور ف��ي الكلمات ،يعلن ال��ع��دوان على الغثاثة ،ليح�صد �شهوة ال��روح، يقطفها متوح�شة تحرق �أغ�صانه المتفيئة من لظى الوجد .وجد �شاعر يعرف جيدا من �أين ت�ؤتى المعاني.. ي�صر على البوح ب�ضمير المتكلم الذي يعربد في الديوان ،يعانق «الأن��تِ »� ،ضمير المخاطبة ..يعود �إلى خطيئة الب�شرية الأولى حين اقترف نزوة الحب.
غا�ص بال�شوق والوله �أمطط ل�ساني ... عله يبلغ الندى الذي ي�شع بين عناقيدك المتدلية في فجر خاطري 78
اجلوبة -خريف 1434هـ
ال�ضميران في الن�صو�ص اتحاد بين الأنا والآخر ،وهدم لحواجز الذات ،وا�شتغال في م�ساحة البين� ،إنه انتقال من الخ�صو�صية �إلى الكونية التي يرومها كل �شاعر. ن�ح��و و��س��ط ال��دي��وان ت�ت��وج��ه ..تغو�ص، ومحمد ف��ي معمعة ال�شعر ،و«�أن ��ت» تق�سم على الق�صيدة �أال تنتهي ،لأن��ك م��ا روي��ت بعد منها ما ت�شتهي .ويدخل الديوان مرحلة يتح ّد فيها المعنى بالكون حوله ،فتنمحي
هكذا هو ال�شراع يتطاول في كل هبوب لتخفق في الأفق الرياح
ثورة زيتون الح ّد لها ،ت�صنع مقدماتها التي تعي جيدا �شاعرية الر�سالة .ونجدنا في ن�ص محمد �أمام �أدب من نوع رفيع يمزج بين الإمتاع الآ�سر في حفاظ �شديد على قدا�سة المعنى والر�سالة؛ فلي�س زيتون ممن ا�ست�سلم لغواية الكلمات ف�أخذ ير�صها هكذا مجانا ،بل �إن قارئه يح�س معاناته في كبح جماح اللغة في قالب يحترم ذاته ،وحدوده النوعية ،ويبدو جليا �أنه لم يكتب الن�صو�ص عبثا، �إنها هي �أنّات م�شفرة بلغة �شفيفة ت�سري بالروح �إلى علياء من دون �أن تجترح ه�شا�شة المعنى .وهو ما يمكن �أن ن�صفه بال�سهل الممتنع� .إذ ما يروج الآن مما ي�سمى �شعرا ال يعدو �أن يكون في معظمه ت�سابق محموم نحو مالحقة الهباء... هكذا يقدم محمد وجبة متكاملة لمتذوقي الأدب الرفيع ،وقد كان من قبل قد �أتحف ال�ساحة المغربية والعربية بن�صو�ص ق�ص�صية( )1من النوع الرفيع ،هكذا يعيد الكرة ويقدم لقارئه �شعرا هذه المرة ،اختارت وزارة الثقافة �أن تتولى ن�شره �ضمن �سل�سلة الكتاب الأول في عدده الخام�س والثمانين. ويبدو �أن غواية ال�سرد لم تفارق محمد زيتون وهو يمهر حروف الديوان ،فنجد الق�صائد تتخذ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الخ�صو�صيات وي�صبح الن�ص للكل .ت�صير الن�صو�ص «حكما» ذات �أب �ع��اد �إن�سانية �أك�ث��ر يغرق زيتون في «ر�سالة الكتابة» :تغيير وجه الأر���ض !!.لنت�أمل داللة «كل» في هذا المقطع:
طابع الحكي في تماه متقن بين ال �� �س��ردي وال �� �ش �ع��ري ..م��ن دون فقد �أحدهما لخ�صو�صيته ،تماه يذكرنا بالن�صو�ص المتمردة على الحدود الجن�سية ال�ضيقة م�ؤ�س�سة لرحابة الإب ��داع الإن�ساني ال��ذي ال يعرف ال �ح��دود ،وه��و ف��ي الآن نف�سه ي�ست�شرف ح��دودا ..حدودا جمالية ..في ن�صه ه��ذا ..هكذا يتمازج ال�سردي وال�شعري يقول:
نزل ال�صبح كقافية دخان.... .....و�أنا �أجوب حواف الأرق. .................... ........مو�شك على العفن �أو االحتراق لأن الموت اليريدني هو الآخر..
ثم ي�ستمر في �سرد الق�صة في �شكل �شعر يمحو الحدود من دون تع�سف. لقد �أثبث محمد زيتون في «�أ�شياء منك في القلب» �أن��ه «رب ت��ال بد �ش�أو مقدم» ،و�أن معين الق�صيدة ال ي�ضمحل �أب��دا .فا�ستطاع �أن يفترع لنف�سه لغة ذات خ�صو�صية ،من دون �أن يتع�سف على حرماتها في�سقطها ف��ي ال �م��وت با�سم �أو ب�آخر .ا�ستطاع �أن ينت�صر للجمال على ح�ساب كل �شيء �سواه ،ولم تغب عنه هموم المثقف في�شرد في «طوبوية» نحو �سدرة منتهاه مفتعال ،بل بقي محايثا للواقع عائ�شا حميميته وم�صائبه .تالعب ال�شاعر بالم�ؤ�س�سة الإجنا�سية بطريقة ت�ؤكد امتالكه «للكفاية الإجنا�سية» ،ف�صهر خطابات ع��دة من دون �أن يفقد الن�ص خ�صو�صيتة ،وهو لي�س بالرهان ال�سهل.
* كاتب من المغرب. ( )1فاز هذه ال�سنة بالجائزة الأولى في الق�صة الق�صيرة« :م�سابقة االبداع الأدبي لل�شباب» التي تنظمها القناة الثانية.
اجلوبة -خريف 1434هـ 79
■ د .عبدالواحد احلميد*
�أدخل يده في جيبه وت�أكد �أن محفظته ما تزال هناك .جالت اليد بين زحمة الأ�شياء المكنوزة في الجيب؛ ميدالية مفاتيح قديمة ب�شكل قلب يخترقه �سهم� ..سبحة طويلة من خرز البال�ستيك الف�سفوري الرخي�ص ،وجدها ذات يوم ملقاة في الطريق ..علبة معدنية �صغيرة فارغة ..ف�صف�ص ..علبة �سجائر ..والع��ة �صدئة قديمة رخي�صة.. والمحفظة. �أخرج المحفظة وفتحها .حدق في الورقتين النقديتين بداخلها ،واحدة من فئة الع�شرين رياال والثانية من فئة ريال واحد .كل ما يملكه هو واح ٌد وع�شرون ريا ًال ال تزيد وال تنق�ص� .سحب الورقتين وتح�س�سهما ب�أ�صابع كفه اليمنى و�شعر بالرغبة في �أن يب�صق عليهما .هذه هي كل ثروته العظيمة ،وهو على �أي حال يكره ورقة العملة من فئة الع�شرين رياالً ،وطالما ت�ساءل كيف خطر ببال �أحدهم �إ�صدار عملة من هذه الفئة البليدة.
80
ا��س�ت�ن��د ع �ل��ى ج� ��دار ف��ي ف��م ال �� �ش��ارع الطويل ال��ذي يف�ضي �إل��ى مخبز التمي�س، ل�صاحبه افتخار �أن���ص��اري ،رغ��م �شهادة الملكية ال�شكلية المعلقة على الجدار لرجل يعتمر غترة وعقا ًال وي�ضع �صورته الواثقة ع�ل��ى ال���ش�ه��ادة .تمنى ل��و ت�ط��اوع��ه ق��دم��اه اجلوبة -خريف 1434هـ
المرتجفتان فينطلق �إلى الكلب الو�ضيع بائع التمي�س في فرنه الكائن في نهاية ال�شارع، وينظر �إليه ،في عينيه تماماً ،ثم يب�صق على الوجه المتغ�ضن اللزج ،المت�صبب عرق ًا من لفح �أل�سنة اللهب المنبعثة من التنور .تمنى لو �أنه يملك ال�شجاعة الآن في هذه اللحظة،
الع�شرون ريا ًال التي كان ي�أخذها من �أن�صاري ف��ي نهاية ك��ل ي��وم م��ع رغيفَي تمي�س �أف�ضل من الال�شيء ال��ذي ي�أتيهم من الخال .ي�شتري علبة �سجائر ،وبع�ض الطعام القليل له ولوالدته ويذهب قبل منت�صف الليل �إلى البيت ليجد �أمه بانتظاره تت�ضور جوعاً .كل ال�سبل �سُ دَّت في وجهه ،فلم يجد ما يتعيَّ�ش منه �سوى العمل مع �أن�صاري في الفترة الم�سائية بمقابل مالي هزيل ،وبما تر�شقه به النظرات المرتابة والأل�سنة الحادة عن عالقة يحزنه �أن يتذكر كيف �صمم ع�شرات المرات غام�ضة بين �شاب �صغير مع رجل غريب في �سن ع�ل��ى ال��ذه��اب �إل ��ى اف �ت �خ��ار ف��ي م�ع�ق��ل مخبزه والده. الح�صين في نهاية هذا ال�شارع المزدحم بالمارة ذات ي��وم ق��ال ل��ه ول � ٌد م��ن ال�ح��ارة وه��و يغمز وال�سيارات ،فقط لكي يقول ل��ه� :إن��ه �أحقر من بعينه :اذه��ب �إل��ى الأفغاني الثاني �صاحب محل �أي مخلوق �شاهده في �أي مكان من هذه البلدة ،ال�سجاجيد ،ربما ي�ضاعف لك الأج��ر .وعندما لكنه كان ينك�ص في كل مرة ويتراجع ،ثم يغرق تعاركا وتعالى ال���ص��راخ ،ح�ضر رج��ل م��ن �أه��ل من جديد في ب�ؤ�سه ومهانته وا�ست�سالمه ل�سلطة الحارة وطرحه �أر�ضاً ،ثم �ضربه �ضرب ًا مبرح ًا �أن�صاري. وقال له �أنت ولد فا�سد ،اخرج و�أمك من الحارة. يتناهى �إليه ما يهم�س به النا�س عن عالقته الغام�ضة الملتب�سة بهذا الرجل القادم من بالد الأفغان؛ فيحزن� .ضربه خاله مرات كثيرة ،ومنعه من الذهاب �إلى فرن افتخار �أن�صاري والعمل حتى �ساعة مت�أخرة من الليل ،وحين توقف عن الذهاب �إلى الفرن وحب�س َنفْ�سه في البيت كاد يهلك و�أمه العمياء من الجوع .ه�ؤالء ال�سفلة ال يعرفون معنى �أن تخطف لقمة عي�شك في هذه البلدة من براثن وغد مثل �أن�صاري.
تمنى لو �أن بو�سعه �أن ي�صرخ ب�أعلى �صوته �أمام الخلق جميعاً� :أمك هي الفا�سدة يا ابن الفا�سدة! لم ي�سارع �أح � ٌد لنجدته .لي�س له �أح��د هنا �سوى �أمه� ،أما والده فقد اختفى منذ زمن ،وهو على �أي حال ال يملك �أوراق ًا ثبوتية وال بطاقة هوية وطنية، وك��ان �أبناء خاله يعيّرونه في �أ�صل وال��ده الذي هرب بجلده من البلدة عندما عرف �أهل الحارة اال�سم الحقيقي لقبيلته و�أم��روه بطالق الزوجة والرحيل و�إالّ!..
قال لأمه� :س�أقتل خالي ذات يوم! ل�ستُ طفالً،
بقي و�أم ��ه ف��ي ه��ذه ال �ح��ارة كاللعنة .مجرد
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
�أنهار الدمع
فيذهب �إل��ى افتخار �أن�صاري في فرنه المكتظ بالزبائن ،ويقول له ب�صوت جهوري على م�سمع من زبائنه� :أنت خنزير قذر� ..أنت �أو�سخ من ذبابة و�أح�ق��ر م��ن كلب .ل��و ذه��ب �إل��ى افتخار �سيجده حتم ًا هناك منحني ًا �أم��ام فوهة ال�ف��رن ُي�دْخِ ��ل العجين المفرود ،ثم يلتقط �أرغفة التمي�س ال ُم َقمَّر النا�ضج ويطرحها على قطع الكرتون المتناثرة عند فتحة الفرن .لو �أن��ه كان �شجاع ًا بما يكفي لذهب �إلى هناك و�أفرغ كل ما يعتمل في داخله من م�شاعر الحقد والمقت لهذا المخلوق ،و�صب عليه كل ما التقطه طوال حياته في ت�سكعه بال�شوارع من مفردات ال�سباب التي �ستذهل افتخار �أن�صاري ال��ذي لم يعرفه �إال ذليال خنوع ًا محتاجاً ،لكنه للأ�سف كان �أجبن من �أن يفعل ذلك.
أخوك و�س�أك�سب لقمتي بعرق جبيني ..وليذهب � ِ �إلى الجحيم؛ ف�أنا �أعمل ب�شرف .وعندما عاد �إلى الفرن قال له افتخار �أن�صاري� :أنت ولد ال ي�صلح ل�شيء وال ينفع في �شيء ..معلوم!؟ هيا اطلع من هنا! يوجد �شخ�ص �آخر �سيعمل بد ًال منك.
اجلوبة -خريف 1434هـ 81
82
ف��ي لحظة �أ�صبحت الدنيا ال ت�ساوي جناح بعو�ضة ،وتمنى لو �أن اهلل في هذه اللحظة الواحدة فقط ،التي تتقلب فيها �أمه من الجوع والمر�ض ي�سبغ عليه من ال�شجاعة ما يكفي لكي ي�سحب �سيخ التمي�س المدبب عند فتحة الفرن ،وي�سدد به طعنة محكمة قاتلة �إلى عنق افتخار �أن�صاري التي بعيرين �أجربين ال يريد �أح � ُد االق�ت��راب منهما .ت�شبه رقبة ثور �سمين من فرط ما يح�شر فيها من حتى الخال ،ال يح�ضر �إلى الخرابة التي ي�سكنها الم�آكل والم�شارب! و�أم��ه ،وي�سميانها بيتاً� ،إال لكي يهدده �أو ي�ضربه لحظ ٌة ك�أنها الدهر ،و�صمتٌ ثقيل ،وي ٌد مرتجفة لأتفه الأ�سباب! تمتد �إل��ى ال�سيخ المدبب� .شعر ب��أن قلبه الهادر ال ملج�أ �إال �أن�صاري ،هذا البغل المنتن .عاد �سيحطم قف�ص ال�صدر وينفجر ،والحقد الكبير �إليه واعتذر عن انقطاعه ،لكن �أن�صاري تجاهله .الفائر يدمدم في الأعماق وي�ستنه�ض اليد العاجزة لقمة عي�شي مغمو�سة بالذل يا �أن�صاري� ،أعلم ذلك الجبانة كي تُحكِم القب�ضة على ال�سيخ وتطعن كما ولكني �أتو�سل �إليك! �صحيح �أن��ت حقير و�سافل يفعل الرجال الفر�سان ،لكن دفقة حارة من الخدر ومنتن لكنك �أرحم من مفت�ش البلدية ،الذي �صادر البليد ت�سري في ال�شرايين والأوردة وت�شل حركة ب�سطتي لأنني �س�أقطع رزق �أ�صحاب المعار�ض اليد! الفاخرة� .أنقذني يا �أن�صاري �أيها الوغد اللئيم، ي�ستكين وينكم�ش قبل �أن يباغته �أن�صاري: لي�س من �أجلي بل من �أجل هذه المخلوقة العمياء «ام ����ش م��ن ه �ن��ا ،ال �أري� ��د م���ش��اك��ل م��ع ال�ن��ا���س البائ�سة الجائعة .بكى عند قدميه مثلما يفعل والحكومة» .يدفعه وي�ؤ�شر ب�أ�صبعه �إلى ال�شارع، الأطفال لكن �أن�صاري ت�شاغل عنه وراح يغم�س بينما يلعلع �صوت من الداخل برطانة م�ستفزة قطع ًا من التمي�س في كوب ال�شاي العمالق و ُي ْعلِف حر�شاء ك�أنها م�سامير ويتجاوب �أن���ص��اري مع نف�سه ثم ي�شفط ال�شاي بنهم. ال�صوت بنف�س الرطانة الثقيلة. ظل افتخار �أن�صاري �صامت ًا متجهماً .كلمة كم �أنت وحيد وذليل ،فاذهب �إلى ح�ضن �أمك واحدة ينطق بها افتخار وي�أتي الفرج ،لكن افتخار واطلق �أنهار الدمع! اجلوبة -خريف 1434هـ
ن�صو�ص ■ عبداهلل ال�سفر*
�إ�صغاء فقط ي�صغي ،وي�ؤجّ ل. يجم ُع نُثا َر ال�شظايا ،وينتظ ُر �صمغ ًا مواتيا. عندما دن��تْ اللحظ ُة ب�صمغِها ..بعطرِ ها وبوْحِ ها؛ انك�سرتْ عينا ُه في وهجِ ال�شظايا .غام في ال�صمت؛ التفريط فيها. َ نعمته الأولى ال يري ُد �أرق تكاثرتْ عليه الوحدة. مروح ُة الحنينُ تنفخُ على �أرقِه. َد�أَب
متر�صد ًا ّ يمكثُ ربما ،تفلت التفات ٌة تك�سو عذابَ انتظارِه. يطيلُ المكوثَ غي َر منتبهٍ �إلى جلدِ ِه العاري يلم ُع بالخ�سارة. عين لم ي ��أتِ الوج ُع الأخير مع ان�صرافها ،كما ق �دّر .ا�ستقرّتْ ال�سكين في قلبه وتحا�شى �أن يلم�س مقب�ضها. انتز َع الأم��اك��ن الم�شتركة من حقلِ �أيامِ ه، و�أخذَ يبني جدار ًا ت�شت ّد خ�شونته يوما بعد يوم. رف طائ ٌر غريب ،نث َر ري�شَ هُ .في في الظالم َّ كل ري�ش ٍة عينٌ تلمع وتمت ّد منها خيوطٌ رهيفة. الخيوط تلتم ُع على مقب�ض ال�سكين ُ هال ْت ُه تدي ُر دور َة الوجع الأخيرة.
وداع �شهقتْ يده في موجة التوديع. عادتْ ذابل ًة تغط�س في الجيب، تنقف �أيام ًا رماديّة وتط�شّ ها في وج ِه اللوعة. عبور تجرحُ بعبورِها �صمتَ المقهى. يندل ُع في الأ�صابع المقبو�ض ِة كالمٌ، وفي الريقِ نظر ٌة ال يطفئُها ك�أ�س. غب�ش العط�ش �إلى ا�ستواء ال�صورة. ُ يذبحُ ُه غدرتْ به ذاكر ٌة الغب�ش على زجاجها. ُ ي�سيلُ طحْ ن وقف على جرف الظالم، َ �أطلقَ �صيح َت ُه تمخ ُر العتمة. أجرا�س تطحنُ رئت ْيهِ. عادتْ له برنينِ � ٍ ـ �أيّها الدليلُ ،ماذا تفعل به؟ توبة أدرك �أغني َت ُه عندما � َ تابتْ عن ُه الأوجاع. عَ دْ وٌ كثير ًا ما يَرك ُز ر�أ�سَ ُه في النوم ،لأنّ �شهو َة العَدْ ِو ال تواتيه �إال في الأحالم.
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ال يتكلم! هي� ،إذ ًا م�ؤامرة من الخال .ربما من �أهل الحارة جميعاً .ربما كل الدنيا تت�آمر عليه. وافتخار �أن�صاري ي�ضر وينفع في هذا الزمان! �أنت بال �أوراق ثبوتية� .إذاً� ،أنت ال �شيء! طز فيك وفي قبيلتك الو�ضيعة التي ربما تكون قد هبطت من المريخ �أو جاءت من جزر الواق واق .يجب �أن تحمد اهلل� ،أيها الو�ضيع� ،أن يكون م�سموح ًا لك �أن تتنف�س مجاناً.
* كاتب وقا�ص و�شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة -خريف 1434هـ 83
■ حنان بريوتي*
حِ راب تجرحها من الداخل ،ظ ّل ير ُّد عليها مظلة بابت�سامته ال�ساذجة ،عندما كفّت عن باغتهما المطر وهما ي�سيران ،احتمتْ الكالم ،ابتد�أ كالم ًا كثير ًا عن اال�شتياق.. به ال �شعوريا� ،أبعدها بال ق�صد وهو يرف ُع لكنها لم ت�ستطع �أن ترد بابت�سامة؛ لأنها ياق ًة معطفه .المعطف الأ��س��ود ذو الوبر ابتعدتْ ! الخفيف ،تخيلته حنون ًا دافئا .تمنتْ للحظة يبا�س �أن يرف َع معطفه مظلة لهما ،لكنه وا�صل االختباء من المطر مثل طفل خائف ،لم ال �م��ر�أ ُة التي يب�ستْ روحها وج� ّ�ف نبع ُ تقلْ �شيئا ..تركتْ المطر يختلط بدموعها! فرحها �أو ك��اد ،غالبتْ دمعا خجو ًال حين ر�أتْ ب��اق� َة وردٍ على ال�ط��اول��ة ف��ي بيتها، كالم.. �راف روح�ه��ا بانتظار ،لكنها �أورق���تْ �أط�� ُ قالت له:ا�شتقتُ لك! ع ��ادتْ ل��ذب��ول�ه��ا ..حين احت�ضنَ زوجُ �ه��ا فابت�سم با�ستخفاف مَ ن عث َر على عمل ٍة المتعجل دوم ًا الحا�ضر بغياب الباقةَ ،وهو نقدي ٍة لي�ست بذات قيمة،انتظرتْ في زاوية ي�س�ألُ عبر مكالمته عن عنوان الم�ست�شفى الإه �م��ال ،ا�ستطالَ زم��نُ انتظارها مثل الذي فيه �صديقه المري�ض! 84
اجلوبة -خريف 1434هـ
الرجلُ الرزين بربطة العنق المالزمة والبدلة الأنيقة رغم قدمها وتكرار ارتدائها ك�أنها زيٌ موحّ د ،والتي اعتاد الذهابَ بها �إلى الوظيفة .ال يجر�ؤ �أن يرف َع عينيه عن مكتبه ،مت�شاغ ًال حين تم ّر الموظفة الجديدة بعطرها الأنثوي الآ�سر، يح�س برفيف روحه مثل ع�صفور �سجين.. لكنه ّ
حين ظنتْ �أن�ه��ا �أكملتْ اجتثاث ح�ضوره وك�شط مالمحه التي ت�سكنُ ِ من رحمِ الأ�شياء، الأمكن َة وتمتزجُ مثل الحبر في الزمان ..وجدته غافيا مثل طفلٍ وديعٍ بين �أ�ضالعِ ها!
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة
هدية
طفل
اعتيا ُد الأ�شياء حتى تفقد ده�شتها �شك ٌل �وت �آخ��ر، ل�ل�م��وت ،ك�س ُر االع�ت�ي��اد م�خ��ا�� ٌ�ض ل�م� ٍ عاد �إلى بيته ،فوجدَ زوجته في حالة هياجٍ الت�أرجح بينهما موتٌ جدي ٌد متكرّر ال يموت! وت�صارعٍ مع الأوالد الم�شاك�سين ،ورائحة الطبيخ تعلق بثوبها البيتي الف�ضفا�ض ،مثل خيمة بال لوحة �أوت��اد ،والقرف عال ٌق بمالمحها؛ كا َد �أن يفقدَ قالتْ وهي تحزمُ القلبَ ل�سفر غرب ٍة جديد: �صوابه ويخرج عن هدوئه ورزانته المعهودة، لماذا حين تنك�سر �أرواحنا نتحايلُ على الألم لكنه ت�م��ال��ك �أع���ص��اب��ه و�أم �� �س��ك ب�ي��د زوج�ت��ه المرتجفة وم�سحَ على وجهها على غير العادة ،بال�ضحك؟ الفرحُ الزائف دواء المك�سورين! ابت�سم بحنان ..ا�ستحالتْ بلحظة �أنثى م�شبعة �أج��اب�ه��ا وه��و ي��رق��بُ ل��ون ال �غ��روب الحزين بالفرح ،لم تد ِر ال�س ّر في الهدية ،زجاجة عطر بعينيها دون �أن يدركه: ثمينة يقارب �سعرها �إيجار البيت! لنوا�صلَ اقتراف الحياة! �شرفة تمتمتْ وهي تل ُّم �أطراف دموعِ ها.. العط�ش في عينيها ،نث َر ِ ا�صطا َد ع�صافي َر �إجابتُك دائما على مقا�س الجرح!..في �صحراء روحها يا�سمينَ حنين ،دعاها ب�ألف وح��ده الحب و�ض َع اللم�ساتِ الأخ �ي��ر َة على كلم ٍة ودمعة ل�شرف ِة قلبه ...لحظة تلفتَ قلبها لعينيه عاملها مثل بعو�ض َة مزعجةٍ! لوحتهما المك�سورةِ ..بالفراق! * قا�صة من الأردن.
اجلوبة -خريف 1434هـ 85
لحظة
■ �شيمة ال�شمري* ■ رامي هالل*
وج��ه �أ�صفر ممزوج بح�شرجة �صوت تو�سطت ال�شم�س كبد ال�سماء و�أر�سلت �أ�شعتها ال�ح��ارق��ة ،دون�م��ا رح�م��ة� ..شبَّ يائ�س ،وحدقتان تدوران في الفراغ ..كان ال�صغير وهدية ال�شم�س تبرق في فمه ..ال�شيخ يحت�ضر. ولكنه ن�سى تلك اللحظات ال�ت��ي وقف فارقت ال�شم�س الكون.. يلتم�س فيها ويترجى.. ففارقت روحه الج�سد. انحرفت ال�شم�س واه��ي��ة الخيوط.. ال�سكون �أ� �س��ود ،وال �ظ�لام عنكبوت فانحنى �شيخا على ع�صا غليظة ودقت �أج��را���س الأف���ول ف��ي �أو� �ص��ال��ه ،فعفرت ين�سج ب�ي��وت ال �خ��وف ف��ي تلك الحفرة �صل�صلتها وجهه المكدود بغبار ال�سنين .البعيدة. فج�أة ،ان�شقَّ ظالم ال�صمت عن �صوت نكثت ال�شم�س عهدها معه حين �أنكر الهدية فت�ساقطت �أ�سنانه ،و�أم�سى فمه �أ�سنانه في فكيّ الأر���ض تطحن ج�سده الهامد.. كمغارة مظلمة.. �أ�سفرت ال�شم�س في النهار �ضاحكة عند ال�غ��روب كانت ال�شم�س �صفراء تعاني من �آالم الوداع ،و�أحالم الرجوع ..م�ستب�شرة.
القا�ضي رف�ض �سفري �إلى خارج البالد مع �أختي ،حتى بعد موافقة والدي و�إخوتي تخرج كعادتها كل خمي�س مع �أطفالها �شفهي ّا وخطي ّا كما طلب ..رف�ض بحجة �أنه �إلى مدينة المالهي.. ال يوافق على �سفري ،و�أنه يخاف عليّ !! تتفرج عليهم وهم يلعبون ،وي�صرخون، طريق �آخر وي�ستمتعون.. �أخبرني طبيبي �أني مري�ضة و�أن �ساعتي ه��ذه الليلة وعلى غير عادتها جل�ست اقتربت� .صعقت ..ت�ألمت ..بكيت .بعدها نه�ضت و�أ�صبحت �أخ ��رى! �أف�ع��ل م��ا �أري��د في اللعبة المزعجة التي يع�شقها �أطفالها, وقتما � أريد..لم �أكن �أعي �أن الموت بداية ..حيث ال� ��دوران ،وال�ح��رك��ات ال�م�ف��اج��أة.. االرتفاع ال�سريع والهبوط الأ�سرع.. وب�شكلٍ �آخر!... هذه الليلة ،وعلى غير عادتها الهادئة، من �أول نظرة ما �إن ب��د�أت اللعبة حتى ب��د�أت ال�صراخ.. خلف ق�ضبان الوجع �أتلو �صالتي ،و�أكبر حيث ال �أحد ي�سمعها ! ا�ستمرت بال�صراخ تكبيرة الإلهام بينما تهطل علي مبت�سمة والبكاء.. ومت�سائلة ..وح��دك!؟ ال �أدري لم قلت لها وبعد �أن انتهت اللعبة...كفكفت دموعها تف�ضلي! ربما البت�سامتها �أو لأنها هزمت ثم نزلت وا�ستعادت هدوءها المعتاد. �صمتي هذا اليوم ..لم تتردد لقبول دعوتي للجلو�س ..ال �أع��رف�ه��ا وال تعرفني لكننا قاع �صير �أم�ضينا النهار معاً ،كنا في غاية ال�سعادة.. خ���ارج ال�م��دي�ن��ة ف��ي م �ك��ان م��رع��ب.. ف��ي نهاية اللقاء وال��ذي تخللته �أح��ادي��ث ي �ت �ج �م �ع��ون ح� ��ول ن �ي��ران �ه��م ؛ ل�ي�ق�ي�م��وا عن العالم والأزمات العربية ،والماركات, وال�م��ر�أة� ،أعطتني رقمها و�أخ��ذت رقمي ,احتفاالتهم بهزيمة الإن�سان ! و�أعلنا بداية �صداقة من النظرة الأولى..
* مدر�س في ثانوية الرحمانية للبنين بالجوف.
* قا�صة من ال�سعودية.
كان جذالً ..حينما ر�أى جنين ال�صبح ين�سلخ من رحم الظلمات ،ورع�شة الحنين هزّت قلبه ال�صغير حين ر�أى ال�شم�س في ال�صباح �ضاحكة م�ستب�شرة؛ تغزل خيوطها �شباكا لقطرات الندى المت�ساقط.. طفق يبحث هنا وهناك عن وديعته ،التي طالما انتظر ال�شم�س حتى تبدله خيرا منها. �أخيرا:عثر على ثنيته ال�صغيرة منكم�شة في جيب قمي�صه راف�ضة هذا العقد الذي بينه وبين ال�شم�س� .أخرجها مرغمة ،حب�سها في كفه ..ثم نظر �إلى ال�شم�س بعين راجية قائال: «يا �شم�س يا �شمو�سه خذي �سنتي وهاتِ �سِ نّ العرو�سة» وقذفها ب�ساعده ال�ضعيف بعيدا.
86
�أحجية
ف�ضف�ضة
اجلوبة -خريف 1434هـ
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة جدا
ال�سيدة الأنيقة ..الهادئة..
اجلوبة -خريف 1434هـ 87
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
بال ذاكرة ■ عبدالرحيم املا�سخ*
لم يتذكر حدثا واحدا من �أحداث كان عاينها معي بنف�سه ,لو تلقاها عن مُخبر ما كان عليه من حرج جرّاء ن�سيانها ,و�أنا ال �أزال على حالتي من ال�سمع والطاعة� ،أفرغ طاقتي ال�ستر�ضائه, وقد حببني فيه جفافه الذي ي�صل الجفاف من دمه ,وكلما اقترب ميعاد �إعالن نتيجة امتحان ال�سنة ازدادت �أع�صابه توترا ,فكثر وعيده لي بالويل� :إما النجاح الباهر �أو الف�شل الذريع ,ما من و�سط في هذا الأمر؛ فهذه ال�سنة نهائية� ،إذا تفوقتَ ذهبتَ �إلى المدر�سة العالية ،ف�صرت فخرًا لنا ،ت�ستحق بذلك ت�ضحياتنا؛ لتكون ،يو َم �إذ ْ،العَلم ال�صاعد الذي يرفُّ على هاماتنا ,تتقدم بنا جميعا �إلى قمة المجد �صعودا ..عائلتك يا بني تحتاج �إلى من يعيد �إليها مجدها ال�ضائع بجهلها� ,أنت تعرف طريقك؛ �إلى جنة �أم �إلى نار. �أره�ق�ت�ن��ي وع���وده ووع��ي��ده ,وك�ل�م��ا ح��اول��ت مقاطعته مرة لتذكيره ،جف حلقي ,وفي ترابه ال� ُم�ث��ار رق��د ل�ساني المُكفّن ب�لا ح ��راك ,مَ ن يو�صل كالمي �إل �أبي؟ كل من حولي يعرفون وال ِّ ينطقون �إال مُداهنة ,الحق يتوارى عن ذاكرة �أب��ي ،ويتثنى متراكما في �صدري ال�ضيق ,لقد كان االمتحان الأخير امتحانا لقدرات خرافية تركتْني خياالتها الأ�سطورية فري�سة للبالء, يقترب الموعد ,كاقتراب النار من اله�شيم, �أحفظ لأن�سى ,و�أعود للحفظ و.. ال �أن ��ام لأ��ص�ح��و ،و�إن �م��ا ه �ف��وات تر�صدها الكوابي�س ,الكتب الروتينية العمياء �أطف�أت �سجائرها المُ�سمَّمة في عيني� ,أخيرا ترامت �أم ��واج ال�ضعف �إل��ى �أط��راف��ي ,الن��تْ عظامي �إل��ى ح��د التفكك ,ع�شى ب���ص��ري ,ا�ضطربت �أع�صابي ,ما هذا الرعب ال�شوكيّ الم�شتعل في الح�س, داخلي؟ �إن له دورانا يتقارب في طيّات ّ يتداخل .و�أمام الوهن المتدحرج من قمة الهوان ت�ق�ه�ق��رتُ ؛ فما وق��وف��ي �إال ا�ستعجال للموت. 88
* قا�ص من م�صر. اجلوبة -خريف 1434هـ
ف��ي ال�ساعات الحرجة ب��د�أت �أدخ��ل الغيبوبة ال�م�ت�ق�ط�ع��ة ,الم�ستقبل ال�خ�ط�ي��ر ,ال �ظ��روف ال�صعبة ,ال��وال��د الجافي ال�ط�م��وح ،تهويمات تتقاطع وتتفكك م ��رار ًا وت��ك��راراً .ف��ي غب�شة الفجر قامت �أم��ي تجمع �أدوات ��ي المدر�سية, همزتْني مرات بال فائدة� ,صاحت م�ستغيثة ب�أبي وقد ح�سبتني ميِّتا ،قلبني �أب��ي فعرف مر�ضي لكنه �أخفاه ,وخ��رج فجاء بحماره لقريب لنا, والزمالء في ف�صل االمتحان من خلفه يزفّون, حملوني �إلى ظهره حمال ,و�أبي ركب بعد ذلك �أمامي ,و ّدع��تْ �أم��ي الموكب دامعة العين� ,أي رعب هذا؟ في الطريق تهتُ عن وجودي و�أفقت كثيرا لأرى و�أ�سمع ,على �سرير الك�شف �سمعتُ ولم �أر الطبيب ي�صيح ب�أبي :ال�صحة �أهم من االمتحان ,بينما كرر �أبي رجاءه بخفوت ورجاء: االمتحان يا دكتور ,وبالكاد وجدتني محموال �إلى ف�صل االمتحان ,ومن غيبوبة �أفقت ويد المراقب تهزّني و�صياحه يثقب �أذني :قمّة الي�أ�س �أن تنام مع بداية االمتحان!
ق�ص�ص ق�صيرة جدا ■ حممد عز الدين التازي*
( )1ح�سرة
( )4انت�صار
طالما تح�سر الرجل على ما فات من الوقت ،وكلما ازداد م�ضي الأيام وال�شهور وال�سنوات زادت ح�سرته على ما �ضاع منه. عا�ش متح�سرا ،ومات متح�سرا.
�سماها وال��ده��ا «ان�ت���ص��ار» ،وه��ي لم تنت�صر على والدها الذي قمع رغباتها في الحياة المتحررة ،ولم تنت�صر على �شيخ القبيلة العجوز الذي تزوجها على الرغم منها ،ول��م تنت�صر �إال على �سباقها مع الريح.
(� )2أيها النهار �أي �ه��ا ال�ن�ه��ار ك��م تق�ضي م��ن ال�ث��وان��ي والدقائق وال�ساعات و�أن��ت تنتظر الليل، وكم تق�ضي من الثواني والدقائق وال�ساعات وقد حجبك الليل و�أنت تنتظر �أن يعود �إليك نهارك؟
( )5مدن عارية
تعرت المدن من �أبنيتها� ،صارت كامر�أة تن�ضو ث��وب�ه��ا ،وه��ي وح �ي��دة ف��ي ال �ع��راء، ( )3الموت حبا تموت موتا رخي�صا كما ي��أت��ي الموت من دون �أن تنتبه �إل��ى �أن ثمة رَاءٍ يحمل بالمر�ض �أو بحادثة �سير �أو ب�شيخوخة الكاميرا.. متعبة ،فهل تختار �أن تموت حبا ،ومن لم يكن يُ�صور عري المر�أة ،كان يُ�صور ي�ستحق منك ذلك الحب الذي �سوف تموت عري المدن. من �أجله؟ * قا�ص من المغرب.
اجلوبة -خريف 1434هـ 89
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
اللقـــــــــاء ■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
�شجنٌ عَ ـلـقـ ُت ُه في �سدرة الروح.. أراك و�أيقنتُ ب�أني �س� ِ هكذا حدثني قلبي ،وقالت �أمنياتي �سوف تجتازين درب الفقد.. طواك وبُعاد ًا قد ِ تتم�شين ع�شي ًا في ال�صباباتِ ، لماك وتـُ ْروِين �ضمايا من ِ تزرعينَ الوردَ ،والودَ ..ب�ساتيناً.. فارهات ٍ تـ ُ�شيدينَ ق�صور ًا ر�ضاك.. ِ بف�ؤادي من حينما �آوي �إليها، للقاك في انثياالت حنينيِ .. يحدوك الجوى ِ حينما ت�سعينَ ، �سوف تلقين و�سوم ًا حية ً.. وو�شوم ًا من جراح القلب، عا�شها قلبي الذي ..ت�أ�سره النجوى، ع�شقاك. ِ وعيناي اللواتي �أنا يا �ساكنة الروحْ .. هواك ما زلت �سجين ًا في ِ لم يزلْ بوحُ �أغانيّ ..ق�صيد ًا �شذاك. ِ مفعماً� ..شوق ًا وعطراً ،من لم يزلْ طيف ُِك يرتا ُد ف�ؤادي أراك. ف�أراه و� ِ ذكراك ،في كل تفا�صيلي.. ِ لم تزلْ غيمة ً تمط ُر �أحلى ذكرياتي. كنت تمرين، من هنا ِ يداك وذاك الباب ُ..م�ست ُه ِ َ كنت ترتدين، ذلك الف�ستانُ ِ َ * �شاعر من ال�سعودية.
90
اجلوبة -خريف 1434هـ
ببهاك. وذاك العق ُد يزدان جما ًال ِ َ أراك �أنا ما زلت � ِ في زوايا الدار.. في ال�صاالت.. في غرف البيت التي ..قد �صاغها.. ذوقك الباذخُ ِ فناً ،و�شعراً ،وجما ًالً.. طيف ُِك ،كان �أني�سي ونديمي ،وجلي�سي.. ن�شربُ ال�شاي مع ًا و�سقاك. ِ مثلما ن�شربُ وجداً ..قد �سقاني كلما �أدخلُ � ،أو �أخرجُ �أو �أكتبُ � ،أو �أقر�أ أراك. في كل التفا�صيل ِِ � .. أراك في �شغاف الروح.. و� ِ جوف الليالي وفي ِ في ال�صباحات التي ت�شرقُ .. ك�سناك. ِ نوراً.. في الفيا�ض المع�شباتِ الخ�ضرْ، في ظالل الطلح.. والطلحُ � :أراجيحٌ ،لطير المنحنى. وحمامٌ :من على الأغ�صان غنّى.. ي�سْ تـَبيني �شدوهُ، ويوجِ عُني التباكي. يا ربي َع العمر ،يا زهر ابتهاجاتي، ويا غيم َة ع�شقٍ .. �سماك. في�ضها :وج ٌد نديٌ ..من ِ ُ
وهج التّاريخ �ش�آم يا َ ■ �شاهر �إبراهيم*
ــواك قلبــي ترقّــقَ �إذْ جابتْـــــ ُه نــج ِ ُــــك كالأوداقِ تُهطلُــها وان�ساحَ وجه ِ رف في الدُّنيا وي�شغِلنـي �أُمَ ـــ ِّر ُر الطَ َ هلل در ُِّك! مـــا جالتْ بنف�ســــي ر�ؤى ال�صدرماي�سطوبذاكرتي وطاف في َ َ هلل في قلبــي َرمـــى �شَ غفــ ًا ك�أ ّنمـــا ا ُ وكلمـــا وقــعتْ عينــي علــى مــدنٍ �شــــ�آمُ يا وهــجَ التاريخ مذ ق�صدتْ ظنوك �سائغ ًة ِ لـــو كانَ يعلـــــمُ مَ ن فينــــيقُ �أ َْ�ضرمتِ النِّيرانَ �شاخ�ص ًة ـــاب البحـــر ماخر ًة و�أبــحرتْ ب ُعب ِ تعانـــقتْ وذرى الأعـــالمِ نخوتُهم و�شيَّدوا عتبـــــاتِ الفَخرِ مِ ـــن �ألقٍ �شـــ�آمُ �أنتِ لروحــــي كلما انتبهتْ مـــهما تنـــاهبــــتِ الأي��امُ موعدنا
�اك و�أَبهجـــتْ ُمقــلَ العينينِ ُر�ؤي� ِ �آه��اتُ �صدريَ �إذْ �أ�ضناه لحظاك عنها ح�ضورك ،والأبهى تجالّك �إال وع��طَّ � َر رو� �َ�ض ال � �رُّوحِ ملفاك و�ألهــبَ ال�شـوقَ في قلبي مُحيّاك وق��ال ك��نْ ف ��إذا بي ِ�صرتُ موالك ما كنتُ �أب�صـــ ُر في عينيَّ �إالك �آرامُ مِ ن �شَ عثِ التِّرحالِ �سُ كناك ت��اري��خَ �أه �ل� ِ�ك م��ا ه � ُّم��وا ب�غ��زواك لل�ضيف مَ لقــاك ِ للعـابرين ،قرىً وزينتْ في ربـــى قرطاج م�سماك و�س ّيجـــــوا ب�صدو ِر العزِّ مبناك بحروف المجدِ ذكراك ِ و�سطَّ روا �شط ٌر و�إ ّن��ي �إذا ما نِمتِ �شطراك �إنّـــي لأرج� � َو مِ ــن م��واليِ لُقياك
* �شاعر من �سوريا -طبيب بم�ست�شفى الأمير عبدالرحمن ال�سديري ب�سكاكا.
اجلوبة -خريف 1434هـ 91
■ مالك اخلالدي*
ن�����اج�����ي�����تُ ع����ي����ن����ي����كَ ع����ـ����ـ���� َّل ال����ـ����ب����ـ����ـ����و َح ُي���خ���ـ���ـ���ب���ـ���رن���ي ع������ن ال�����ب�����ه�����ا ِء ال����ـ����ـ����ـ����ـ����ذي م������ن ق���ل���ب���ـ���ـ���ـ���كَ ان���ه���ـ���م���ـ���ـ���را ع�����ن ب�������س���م���ة ال�������ض���ـ���ـ���ـ���و ِء ف�����ي خ����� َّدي�����ـ�����ـ�����كَ ت����أ����س���رن���ي ���������ض حُ ��������ب ه����ن����ا ف������ي خ���اف���ـ���ـ���ق���ـ���ـ���ي ان���ف���ج���را ع������ن ف����ي ِ ع������ن ه���م�������س���ة ال�������������ش������وقِ �إذ ت���ـ���ـ���غ���ـ���ـ���دو ت���ن���ازع���ـ���ـ���ن���ي ف����ي����ر� ُ����س���� ُم ال����� ُ����ص����ب���� ُح م������ن �أ����ش���واق���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ط���ـُ���ـ���ه���ـ���ـ���را ع������ن ن����غ����م����ة ال����ب����ـُ����ـ����ع����دِ �إذ ت���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ����أت���ي ل���ت���م���ـ���ـ�ل��أن���ي وج���������������داً وي�����م�����������ض�����ي ف������������������ؤادي ل����ل����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����وى وت��������را �������������ض ال����م����ح����م����و ِم م����ن����ذ م�������ض���تْ ع������ن ق����ل����ب����كَ الأب������ي ِ ح������ك������اي������ ُة ال����ع���������ش����ـ����ـ����قِ ف�������ي �أرواح�����ن�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ا م���ط���ـ���ـ���را ر�����س����م����ـ����ـ����ـ����ـ����تُ ق�����ل�����ب�����كَ ف�������ي ع����ـ����ي����ـ����ن����يَ �أغ����ـ����ـ����ـ����ن����ـ����ي����ـ����ـ���� ًة ول�������������ذتُ ب����ال���������ص����م����ـ����ـ����تِ �أروي خ���ف���ق���ـ���ت���ي � ِ����ش����ع����ـ����را �أن��������������تَ ال�����ح�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����روفُ ال������ت������ي ب������ات������ت ت���داع���ب���ن���ـ���ـ���ي وت���������س����ت����ـ����ف����ـ����ـ����ـ���� ُز ق���������ص����ي����ـ����ـ����ـ����دي ك����ل����م����ا ان���ك���ـ�������س���ـ���ـ���ـ���را �أن�������������تَ ال���������س����ح����ـ����ـ����ابُ ال�����������ذي �أم�����������س�����ى ي�����راودن�����ـ�����ـ�����ي ����ل���ا ال������������������رو َح م��������ن �أن������دائ������ـ������ـ������ـ������ ِه ع���ط���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���را وي��������م ُ �أن������������تَ ال�����ن�����ه�����ا ُر ال����������ذي م������ا ان������ف������كَ ي���وق���ـ���ـ���ظ���ـ���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ي م�������ن غ����ي����ه����ب ال��������ح��������زنِ ب�������الأب�������ي�������اتِ وال����ب����ـُ���������ش����رى �أن�������������تَ ال�����دم�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ُء ال������ت������ي ت���������س����ـ����ـ����ـ����ري ب������أوردت�����ـ�����ـ�����ي وم����������ن ب�����ه�����اه�����ا �������ش������ـُ������ع������ا ُع ال�������ح�������بِ ق�������د ك���ب���ـُ���ـ���ـ���ـ���ـ���را �أح�������������بُ ع����ي����ن����ي����كَ �إذ ت����ت����ل����و ال����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����وى ب���وح���ـ���ـ���ـ���اً ف�������ي خ�����اف�����ق�����ي ف�������ي ك�����ي�����ان�����ي ه�������ا ه�����ن�����ا ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���درا وال���������ي���������و َم ت����م���������ض����ي ول��������������ونُ ال�����������ص�����ب�����حِ ي���خ���ب���رن���ي ب�������������أن ع����ي����ن����ي����ك ل�������ن ت����ـ����ـ����رن����ـ����ـ����ـ����و ه����ـ����ـ����ـ����ن����ا � ِ����س����ح����ـ����را و�أن ل�����ح�����ن الأغ������ان������ـ������ـ������ـ������ي ب����������ات م����رت����ج����ـ����ف����ـ����ـ����ـ����ـ����اً و�أن ن����ب���������ض����ي وق������ل������ب������ي ي����ح����ت���������س����ي ج���ـ���م���ـ���ـ���ـ���ـ���را ع�����ـُ�����ت�����ب�����اك ي�������ا �أج�������م�������ل الأ��������ش�������ع�������ار ف�������ي ل���غ���ـ���ـ���ـ���ت���ـ���ـ���ـ���ي م������ن �أي����������ن ل������ي ال���������ش����ع���� ُر �إن غ�����ادرت�����ن�����ي ����س���ـَ���ف���ـَ���را وك��������ي��������فَ ت�����خ�����ب�����و دم��������وع��������ي �إن م�����������ض�����ي�����تَ غ������دا �����������ض ك�������رى؟ وك������ي������ف �أ�������س������ل������و وه����������ل ل����ل����ع����ي����نِ ب�����ع ُ ���������س ح����ن����ي����ن دم���ـ���ـ���ـ���ـ���ي ف�������������إن م�����������ض�����ي�����تَ ف����ل���ا ت����ـ����ـ����ن َ �������ش������وق������اً وه����������ا �أن������������ت ف��������ي ن����ب���������ض����ي ه�����ن�����ا قَ������������دَرا 92
* �شاعرة من ال�سعودية. اجلوبة -خريف 1434هـ
�أنثى ال�سراب ■ د .فواز بن عبدالعزيز اللعبون*
مِ ��نْ َق�� ْب��لِ عِ �����شْ �� ِر ْي��نَ عَ��ام��اً كُ�� ْن��تُ �أَعْ �شَ قُها َو ِب���ال��� َّر� ِ���ش��� ْي���قِ مِ �����نَ الأَ� ْ����ش���� َع����ا ِر �أَ ْر� ُ���ش���قُ���ه���ا
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
ناجيتُ عينيك!
َل����هَ����ا َل��������دَيَّ مِ ������نَ ال�������وِجْ �������دَانِ �أَطْ ������هَ������ ُر ُه وَمِ ����نْ � َ��ص�� َب��ا َب��اتِ �أَهْ ����لِ ال��عِ�����شْ ��قِ �أَ�ْ��ص�� َدقُ��ه��ا �����ض َي�����سْ ��حَ �� ُق��ه��ا �أَفْ���� َر ْد ُت����هَ����ا ف���ي ُف��������ؤادِي ال ����شَ ��� ِر ْي���كَ َل�� َه��ا فِ��� ْي���هَِ ،وكَ�����ا َد عَ��نِ�� ْي��فُ ال�� َّن�� ْب ِ �����س ُي��ـ��حْ �� ِرقُ��ه��ا كَ�����ا َن�����تْ فَ�����رَا� َ�����ش����� َة َن�������ا ٍر مَ�����ا ُت��� َب���ارِحُ ��� ِن���ـ���ي َورَغْ ������� َم هَ����ذا َل��ـ��هِ�� ْي�� ِب��ـ��ي َل�� ْي َ كُ��� َّن���ا مَ���ع���اً ..ال خَ ���فِ���يُّ ال���حُ ���بِّ ُي��رْهِ ��قُ�� ِن��ـ��ي وَال هَ���������وَايَ ال������ذي �أُ ْب�������دِ يْ������� ِه ُي���رْهِ ���قُ���ه���ا َو َن������ ْل������ َت������قِ������ي َو�أَمَ��������ا ِن�������� ْي�������� َن��������ا مُ������فَ������ َّرقَ������ ٌة وَحِ ����� ْي�����نَ َن���ـ���جْ ���مَ���عُ���هَ���ا ،عَ�����مْ�����داً ُن��� َف��� ِّرقُ���ه���ا فَ�����مَ�����ا ُت����� َو ِّدعُ����� ِن�����ـ�����ي �إ ّال َو َت���� ْ���س���بِ���قُ��� ِن���ـ���ي �إل�����ى ال���� ِّل����قَ����اءِ ،وَحِ ��� ْي���ن���اً كُ���� ْن����تُ �أَ� ْ��س��بِ��قُ��ه��ا َوف�������ي لِ������قَ������ا ِء غَ�������دٍ َت������������� ْزدَا ُد � َ���ص��� ْب��� َو ُت��� َن���ا َو ُر َّب���مَ���ا حَ ���� ْو َل � َ���ص��� ْدرِي ال��ـْ��ـ�� َت��فَّ مِ �� ْر َف��قُ��ه��ا وَطَ ����ا َل����مَ����ا ا� ْ���ص���طَ ��� َن��� َع���تْ بِ�������الآ ِه َزفْ��� َر َت���هَ���ا فَ��مَ��ا َدرَتْ كَ�� ْي��فَ مِ �� ْن�� َه��ا � ِ���ص���رْتُ �أَ���شْ �� َه��قُ��ه��ا كَ��� ْم َب���ْ��ص��مَ�� ٍة ف��ي ِ���ش��فَ��ا ِه ال�� َّل�� ْي��لِ َن��طْ �� َب�� ُع�� َه��ا َو َل��ـ��حْ ��ظَ �� ٍة مِ ���نْ جُ ��� ُن���وْنِ ال��� َوقْ���تِ نَ�سْ ـ ِرقُها ����اف َومَ�� ْن��طِ ��قُ��ه��ا َ������اظ ُن����� َر ِّد ُدهَ�����ا َومَ��� ْن���طِ ��� ِق���ـ���ي عَ�������سَ ���لٌ � َ����ص ٍ ْ�������س أَ� ْل������ف ٌ َل��� َن���ا مِ �����نَ ال���هَ���م ِ فَ����مَ����ا َت������مَ������ادَتْ ِب���� َن����ا َي����� ْوم�����اً � َ���ص��� َب���ا َب��� ُت��� َن���ا َو َل������ ْم ُي���� َب����ا ِر ْح مَ��� ِن��� ْي��� َع ال��قِ�����شْ ��ـ�� ِر فُ�����سْ �� ُت��قُ��ه��ا ْ�����س طُ ���هْ��� ٍر عَ��لَ��ى الأَ ْروَا ِح ُن��هْ�� ِرقُ��ه��ا َو َل�������� ْم َن��������زَلْ َن��� َت�������سَ ���ا َق���ـ���ى مِ ������نْ َب����رَا َءتِ���� َن����ا ُك�����ؤُو َ ْ�س مَ�شْ ـ ِرقُها عَ��اهَ�� ْد ُت�� َه��ا �أَنْ �أَ� ُ���ص��� ْو َن ال��ـ��حُ ��بَّ مَ��ا َب��قِ�� َي��تْ ُروْحِ ��ي َو َل�� ْو خَ ا َن َع ْه َد ال�شَّ م ِ َومَ���������� َّر مَ������ا مَ������� َّر حَ ����� َّت�����ى ال َح ل�����ي �أُفُ���������قٌ وَحُ �� ْل�� َو ِت��ـ��ي فِ��� ْي��� ِه مِ ��� ْث��� َل ال��طَّ �� ْي��فِ �أَ ْر ُم���قُ���ه���ا �أَ ْن���� َك����رْتُ مِ �� ْن��ه��ا طِ �� َب��اع��اً َل�����سْ ��تُ أَ�عْ ���هَ��� ُدهَ���ا َورَا َب���ـ��� ِن���ـ���ي عُ��� ْن���فُ���هَ���ا! حَ ��� َّت���ـ���ى َت��ـ�� َر ُّف��ـ��قُ��ه��ا! َر�أَ ْي����� ُت�����هَ�����ا ُت�����زْمِ ����� ُع ال���� َّت����ـ����رْحَ ����ا َل ال ���سَ �� َب��بٌ �أَ ْدرِي ِب�����هِ ،غَ��� ْي��� َر َ�أ ِّن������ي قُ���مْ���تُ َ�أ ْل��ـ��حَ ��قُ��ه��ا َت�������شَ ��� َّب��� َث���تْ رَاحَ ��� ِت���ـ���ي ف���ي َذيْ�������لِ مِ ��� ْئ��� َز ِرهَ���ا وَحِ ��� ْي���نَ َل���� ْم �أَ ْل������ َق ���شَ �� ْي��ئ��اً رُحْ �����تُ �أُطْ �� ِل��قُ��ه��ا َوفَ�������جْ ��������أَ ًة َي���تَ�ل�ا� َ���ش���ى غَ���� ْي���� ُم � ُ����ص���� ْو َر ِت����هَ����ا َو ُي���مْ���طِ ��� ُر ال��� َي����أ ُْ����س ف��ي ُروْحِ �����ي َو ُي��غْ�� ِرقُ��ه��ا اجلوبة -خريف 1434هـ 93
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
�أَطْ ���� َرقْ����تُ َل��ـ��حْ ��ظَ �� َت�� َه��ا ف��ي وَجْ ���� ِه ذَاكِ�� َر ِت��ـ��ي َوكَ������ ْم عُ���� ُي����وْنٍ ُي��������وَارِي ال������ذُّ لَّ مُ��طْ �� ِرقُ��ه��ا ���سَ ��ا َء ْل��تُ عَ�� ْن�� َه��ا َب�� َق��ا َي��ا ال����� ُّر ْو ِح هَ���لْ َب��قِ�� َي��تْ َل����هَ����ا َب����قِ���� َّي���� ُة ِذكْ���������رَى طَ �������ابَ ُم���� ْو ِرقُ����ه����ا؟ فَ���مَ���ا ����سَ ���مِ ���عْ���تُ جَ �����وَاب�����اً غَ���� ْي���� َر �أَ َّن َي����دِ ي � َ�����س����� َع�����تْ لأَ ْب������������������وَابِ �آمَ�������������الٍ �أُعَ���� ِّت����قُ����ه����ا َك���� َّ���س���ـ���رْتُ مِ ��� ْن���هَ���ا ال�����ذي أَ�غْ ���لَ���قْ��� ُت��� ُه َزمَ���ن���اً َو ُر َّب�������مَ�������ا كَ���� َّ���س���ـ��� َر الأَ ْب����������������وَابَ مُ���غْ��� ِل���قُ���ه���ا َورُحْ �����������تُ �أَ� ْ��������س���������أَلُ عَ���� ْن����هَ����ا كُ������� َّل قَ����افِ����لَ���� ٍة َوكِ��������دْتُ مِ �����نْ كَ���� ْث���� َر ِة ال��� َّت���� ْ���س����آلِ ُ�أقْ��� ِل���قُ���ه���ا طَ ���لَ��� ْب��� ُت���هَ���ا ف����ي ُد ُروْبٍ مَ�������ا َج طَ ����ا ِرقُ����هَ����ا َوف���ي ال�������دُّ ُروْبِ ال��ت��ي ال َركْ�����بَ َي��طْ �� ُرقُ��ه��ا َف��� َّت���� ْ���ش���تُ عَ��� ْن���هَ���ا َورَا َء ال��� َغ��� ْي���مِ ..ال َ�أ َث����� ٌر وَال َب�����قِ����� َّي����� َة عِ �����طْ �����رٍ كُ����� ْن�����تُ أَ� ْن����� َ����ش����قُ����ه����ا مَ��� َ��ض��ى ِب��ـ��يَ ال��عُ��مْ�� ُر ال طَ ��� ْي���فٌ وَال خَ �� َب�� ٌر عَ��� ْن���ه���ا ،وَال قَ������ َّل ف����ي قَ��� ْل��� ِب���ـ���ي َت�� َع�� ُّل��قُ��ه��ا َو� َ����ض����ا َع مِ ����نْ � َ���س��� َن���وَاتِ ال��� ُع���مْ��� ِر �أَجْ ���مَ��� ُل��� َه���ا َوقَ��� ْد َذوَى ف��ي ا ْرتِ��قَ��ابِ ال�� َو�ْ��ص��لِ َر ْو َن�� ُق��ه��ا ْ�����س ُم�����سْ �� َت�����سْ �� ِل�� ٌم ِل��� ْل��� َي����أ ِْ����س َب�� ْي�� َرقُ��ه��ا وَعِ ���� ْ���ش���تُ مَ����ا عِ ���� ْ���ش���تُ ال حُ ��� ْل��� ٌم وَال �أَمَ�����لٌ وَال�� َّن��ف ُ
الشاعر محمد خضر �أعتقد �أن بع�ض ا لأ�شكال ال�شعرية لم تعد قادرة على تمثيل الم�شهد ال�شعري ق�صيدة النثر عانت من تهمي�ش و�إق�صاء، وكانت كمن يحمل الحلم في الجيب مخافة �أال يعود
َو َب����عْ���� َد عِ ���� ْ���ش���ـ��� ِر ْي���نَ عَ���ام���اً ال َح ل���ي ���شَ �� َب��حٌ َل����ـ����مَ����حْ ����تُ فِ����� ْي����� ِه َب����قَ����ا َي����ا ال �أُحَ ����قِّ����قُ����ه����ا �����ص�� َع��قُ��ه��ا ِل����� َ����ص���� ْو ِت���� ِه �إ ْذ َدعَ����ا ِن����ـ����ي مِ ���� ْث���� ُل َك����هْ���� َر ِب���� ٍة � َ�����س�����رَتْ ِب����ذَاكِ���� َر ِت����ـ����ي وَالآ َن َت ْ
■ حاوره /عمر بوقا�سم*
ال َل�����سْ ��تِ أَ� ْن������تِ َ ،ب��لَ��ى �أَ ْن������تِ ال��ت��ي رَحَ ���لَ���تْ ال الَ ،ب��لَ��ى �أَ ْن������تِ ! عَ�� ْي�� ِن��ـ��ي ال �أ َُ���ص�� ِّدقُ��ه��ا!
ع�شقه للتجريب جعل لن�صه ح�ضورا متميزا في ال�ساحة ال�شعرية ..ال�شاعر محمد خ�ضر ,ومنذ مجموعته الأولى «م�ؤقتا تحت غيمة 2002م» ،وهو يلزم القارئ ب�أن يتوقع المفاج�أة� !..إذ يخبئ داخل ن�صه وم�ضة قد تكون هي ما �سعى لكتابته للن�ص .وق�صيدة النثر ف�ضاء يليق بع�شقه .في �إجابته على �س�ؤالي عن موعده مع كتابة ق�صيدته قد تعرفك �شيئاً على ثقافته و�شخ�صيته� ...« :أكتب في �أح��وال متعددة ومتباينة؛ في الهدوء ،وال�صخب ،وبخا�صة في الأمكنة الجديدة عليّ ؛ ما يحدث �أنني ال �أ�شعر ب�شيء حولي �إطالقا وقت الكتابة ،وربما ال �أنتبه لعابر �أو جلي�س مفاجئ �أو تحية ،ولم �أحاول يوما فهم ما يجري تماما ،بل �أتعمد �أال �أكر�س لطقو�س محددة و�أال �أفهم تلك الحالة.. �أعتقد �أن لحظة القب�ض على الكتابة والرغبة فيها لحظة مهمة والبحث عنها م�ضنٍ �أحيانا»� ،شاعرنا قال الكثير والمده�ش في هذا الحوار..
َن����� َع����� ْم َن����� َع����� ْم هِ ������يَ ال َر ْي���������بٌ مُ��� َع��� ِّذ َب��� ِت���ـ���ي وَحِ ���� ْي���� َن����هَ����ا َل����ـ���� َّج ِب�����ال����� ِّذكْ�����رَى َت��� َدفُّ���قُ���ه���ا َل���كِ���نْ مَ�لامِ ��ـ��حُ ��هَ��ا َل��� ْي�������سَ ���تْ مَ�لامِ ��ـ��حَ ��هَ��ا َو َن�����ا ُب�����هَ�����ا حَ �����الِ�����كُ الأَ ْل���������������وَانِ �أَ ْز َرقُ������ه������ا جَ ��بِ�� ْي�� ُن��ه��ا مِ ����نْ غُ ���� َب����ا ِر ال��� ُع���مْ��� ِر ُم��ـ��مْ�� َت��ـ�� ِق��ـ�� ٌع َوتِ������� ْل�������كَ َب����� ْ����ش����ـ���� َر ُت����هَ����ا َب���������ا ٍد َت�������شَ ���قُّ���قُ���ه���ا �أَمَ�����امَ�����هَ�����ا َو َل������������دَانِ ا� ْ����ش���� َت���� َّد جَ ��� ْر ُي���هُ���مَ���ا وَخَ ����� ْل�����فَ�����هَ�����ا طِ �����فْ�����لَ����� ٌة عَ����������ذْبٌ َت���� َرقُّ����قُ����ه����ا هَ���مَّ���تْ ُت��ـ��حَ �� ِّدثُ�� ِن��ـ��ي عَ�����نْ عُ������ ْذ ِر غَ�� ْي�� َب�� ِت��هَ��ا َو�أَجْ �����هَ������ َ�����ش�����تْ ِب�����كَ��ل��ا ٍم َك����ـ����ا َد َي��ـ��خْ ��ـ�� ُن��ـ��قُ��ه��ا �أَعْ ��� َر� ْ���ض���تُ عَ�� ْن��هَ��ا َو َل���كِ���نْ وَجْ ����� ُه طِ ��فْ��لَ�� ِت�� َه��ا �أَ� ْ�����س�����رَى ُر َك����ـ����ا َم هُ ����مُ���� ْو ٍم هَ������ا َج مُ�� ْب��ـ�� ِرقُ��ه��ا َورُحْ ��������تُ مِ �����نْ ُدوْنِ �أَنْ �أَ ْدرِي �أُ َق��� ِّب��� ُل���هَ���ا هَ������ذِ ي ال������ َب������رَا َء ُة كَ����� ْم َي���ـ���حْ ��� ُل���و َت��� َذ ُّوقُ���ه���ا
�أ�شعر بانعتاق وف�ضاء جديد..
���شَ �� َف�� ْي��تُ عَ�� ْي�� ِن��ـ��ي مِ ���نَ ال�� ُّل��قْ�� َي��ا َومَ���ا �شُ ِفيَتْ حُ �����شَ ��ا���شَ �� ٌة كَ�����ا َد طُ ������وْلُ ال��� ُب���عْ���دِ ُي��زْهِ ��قُ��ه��ا
(æ æم����ؤق���ت���ا ت��ح��ت غ��ي��م��ة ع����ام 2002م)، (���ص��ن��دوق �أق���ل م��ن ال�ضياع 2007م)، (ال���م�������ش���ي ب��ن�����ص��ف ����س���ع���ادة 2008م)، (تماما كما كنت �أظ��ن 2009م)( ،منذ �أول تفاحة 2013م) ..هذه �إ�صداراتك
�������س ال��ـ��حُ ��بِّ �أَنْ َت�����شْ �� َق��ـ��ى ِب��� َع��� ْو َدتِ��� ِه َو�أَنْ َت���هِ��� ْي��� َم ِب����أُ ْن���ـ��� َث���ـ���ى � َ����ش����ابَ مَ���فْ��� ِرقُ���ه���ا َف����أَ ْت��� َع ُ * �أ�ستاذ في جامعة الإمام محمد بن �سعود الإ�سالمية.
94
اجلوبة -خريف 1434هـ
الخم�س ال��ت��ي �صافحت بها ال�ساحة ال�شعرية .وم��ن الوا�ضح �أن��ك تختلف عن الكثير من ال�شعراء بتقارب تواريخ الإ� � �ص ��دارات ،ه��ل ه��ذا ب�م�ث��اب��ة �شرط تراه �أنت يجب �أن يتميز به ال�شاعر �أم ماذا..؟
اجلوبة -خريف 1434هـ 95
قراءة جريئة ومحايدة ومفيدة..
96
الوحيد في تلك الدرا�سة المهمة ،من ناحية �أخرى ..وهو ال�شق الآخر في محورك �سعدت كثيرا بقراءات ومقاالت م�ست تجربتي ب�شكل واعٍ ،وبخا�صة الكتابات التي تتوازى نقديا مع قيمة الن�ص الفنية ،تلك الرابطة التي يفيد منها المتلقي في نهاية الأمر.
æ æال���دك���ت���ور ���ص��ال��ح م��ع��ي�����ض ال���غ���ام���دي وف��ي قراءته الأولى لق�صيدة النثر في ال�سعودية، ك��ان��ت م��ج��م��وع��ت��ك الأول������ى «م����ؤق���ت���ا تحت ال �أفهم الأمر ك�سباق �أو حلبة م�صارعة! غيمة» هي النموذج الذي طبق عليه معياره ال��ق��رائ��ي� ،أن���ا ال �أري���د �أن �أق�� ّي��م �أو �أت��داخ��ل æ æفي الأع���وام الأخ��ي��رة �أقيمت ع��دة ملتقيات و�أن�����ش��ط��ة خ��ا���ص��ة بق�صيدة ال��ن��ث��ر ف��ي ع��دة م��ع ق���راءة الدكتور �صالح لمجموعتك �أو مدن عربية ،هل هذا يعني ت�صدّر ق�صيدة انطباعاته عن ق�صيدة النثر ،لكن �أت�ساءل ال��ن��ث��ر للم�شهد ال�����ش��ع��ري وت��ق�� ّدم��ه��ا على هل و�صل النقاد �إل��ى تجربة محمد خ�ضر العمودية والتفعيلة؟ التي تليق بالتجربة �أو تر�ضيك؟ ρ ρتعليقا على الجزء الأول من المحور ..قراءة ρ ρلنقل �إن ق�صيدة النثر عانت في �أزمنة طويلة م��ن تهمي�ش و�إق���ص��اء ،وك��ان��ت كمن يحمل الدكتور �صالح معي�ض قراءة جريئة ومحايدة الحلم في الجيب مخافة �أال يعود ،بعد هذا توقف عند �إ�شكاليات مفهوم ق�صيدة ومفيدةَ ، ات�ضحت ال�صورة �أكثر �سواء بجالء فكرة النثر من خالل «م�ؤقتا تحت غيمة» ،والتي الن�ص بعيدا عن التقليدية الحديثة وحاالت لم تكن حتما ت�شمل كل المجموعة ،بل كنت اال�ست�سهال والتنا�سخ� ،أو بتميز تجاربه �أنطلق في وعيي الأول بكتابة الن�ص بعيدا في العالم العربي حتى بات ي�شكل الم�شهد عن ت�صنيفه ،ولم يكن م�سمى ق�صيدة النثر ال�شعري عموما في بلدان كثيرة؛ ال �أفهم ي�شغلني في كل الن�صو�ص ..ولعل هذا م�أخذي اجلوبة -خريف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ρ ρم��ا ي �ح��دث �أن �ن��ي ح ��ال �إ�� �ص ��داري لتجربة �شعرية� ،أ�شعر بانعتاق وف�ضاء جديد و�أبحث عن �أفق مختلف .الإ�صدارات جاءت ب�شكل ع�ف��وي م��ن ن��اح�ي��ة ت��وال��ي طباعتها ،وتلك ال �ت �ج��ارب المختلفة فنيا �أو ع�ل��ى �صعيد الم�ضمون جعلتني ال �أرى ب�أ�سا في �إ�صدارها متتالية؛ على �سبيل المثال عندما كتبت «�أق��ل من ال�ضياع» كانت مجموعة «الم�شي بن�صف �سعادة» جاهزة لكنها تحمل قيمة فنية مختلفة ع�ن��ه م�ث�لا ،وف��ي «م�ن��ذ �أول تفاحة» وجدتني م�ضطرا لإعادة ن�شر بع�ض الن�صو�ص القديمة والمن�شورة �سابقا لأ�سباب لها عالقة بالتوزيع ال�سيئ الذي نالته بع�ض �إ��ص��دارت��ي ،الأم��ر كله بحاجة �إل��ى �أال نلزم الكاتب ب�أعوام �أو م��دارات محددة وقوانين �أ�سوة بالكاتب ال�سابق �أو بالتجارب ال�شبيهة.
وجد وجدتنيتني م�ض إعادة م�ضطراطلرا لإ عادة ن�شرن�شر ب بع�ضع�ض الن�صو الن�صو�ص�ص القد القديمة يمة والمن�شو والمن�شورةرة �ساب �سابقاقا للأ�سبا أ�سبابب ل لهاها عالق عالقةة بالتوزيع بالتوزيع!!!! � �أكت أكتبب ف فيي� �أحوا أحوالل متعد متعددةدة ومتباين ومتباينةة ف فيي الهد وء وال�صخ الجديدة الهدوء وال�صخببواواللأمكن أمكنةة الجدي دة ع عليّليّ ..القر اء وحده النجاح يحددوا القراء .... وحدهمم ممنن يحدد وا النجاح من من عدمه عدمه في في مجمل مدى مجمل ما نكتب، نكتب ،وو��أي�ض أي�ض ًا ًا مدى الر�ضا نكتب الر�ضاال�شخ�صي ال�شخ�صيععممّاّانكتب لدي لديمكتبة مكتبةقديمة التي قديمةتحوي تحوي�أو�لأولالكتب ا الكتبلتي قر� قرأت�ها، أتها،وعالقتي كتب وعالقتيبهابهاتتعدى تتعدىكونها كونهاكتب للقراءة للقراءةفقط ،ب ذاكرتي فقط،لبلهيهيجزء م جزءن ذ مناكرتي
الأم��ر ك�سباق �أو حلبة م�صارعة مع �أ�شكال �أخ��رى �شعرية لها قيمتها باعتبار كل منها ي�شكل فنا �شعريا م�ستقالً ،لكني �أعتقد �أن بع�ض الأ�شكال ال�شعرية لم تعد ق��ادرة على الم�ضي قدما على تمثيل الم�شهد ال�شعري، وربما لأن الدر�س ال�شعري لم يعد ي�ستوعب التغيرات ..وهذا لي�س في كل التجارب حتما. ال�شعر لديّ لم يكن بعيد ًا عن لغة ال�سرد
«æ æال�����س��م��اء لي�ست ف��ي ك��ل م��ك��ان» طبعا ه��ذا ال��ع��ن��وان ل��ه وق���ع خ��ا���ص ف��ي ن��ف�����س��ك؛ فهو ع���ن���وان رواي���ت���ك ال��وح��ي��دة وال���ت���ي ���ص��درت عام 2011م .من الوا�ضح توجّ ه الكثير من ال�شعراء في العالم العربي لكتابة الرواية والكتابة ال�سردية في ال�سنوات الأخيرة ،ما المبررات خلف هذا التوجّ ه؟ �ρ ρس�أتحدث عن تجربتي ب�شكل خا�ص ،قلت ذات حوار �أنه لم يكن تحوال ،و�إن ما يحدث هو �أنه في الكتابة الإبداعية ال ي�ستطيع �أي
مبدع �أن ي�شترطها �أو يقنن ف�ضاءاتها ،ومن ثَمَّ ال �أعرف هل هو انتقال �أو تجربة �أخرى ذات ع��وال��م فنية مختلفة؟ �أت �ح��دث عن العوالم ،لأن ال�شعر لديّ لم يكن بعيد ًا عن لغة ال�سرد ،بل كتب في مجموعات �شعرية لدي بلغة ال�سرد؛ �أعني لغة �أن يكون هناك ر�ؤي��ة تخ�صني �شعريا ،ف��أن��ا ل�ست ملتزم ًا ب�ت�ج��ارب �أخ ��رى وال ب ��أن��واع �أو ت�صنيفات �شعرية مثالً� .أعتقد �أن القراء وحدهم هم َم��ن يحددون النجاح من عدمه في مجمل م��ا نكتب ،و�أي���ض� ًا م��دى الر�ضا ال�شخ�صي ع� ّم��ا نكتب� .إن ه��ذا الن�ص ال��روائ��ي ظل حبي�س ًا داخلي لزمن طويل ،ولكني لم �أكتبه �إال بعد نحو ثمانية �أع���وام .بمعنى �أن له �أزمنة عدة في داخلي ..فقد ت�أملته طويالً، وهذا ما جعله ن�ص ًا مكثف ًا في نهاية الأمر، وقد �أوافق �أحيانا الر�ؤية التي تقول بق�صور ال�شعر �أحيانا وع�ج��زه �أم��ام الحياة اليوم المليئة بالتفا�صيل ،وهذا �صحي؛ �إذ �ستنجو اجلوبة -خريف 1434هـ 97
�صرخة �أمل دنقل
98
æ æفي ظل التغيرات ال�سيا�سية واالقت�صادية ال��ت��ي ي�شهدها العالم ال��ع��رب��ي ،ه��ل تتوقع �أن ت��ت��رك ه���ذه ال��ت��غ��ي��رات �أث����را ع��ل��ى �شكل الخطاب الإبداعي وم�ضمونه؟ ρ ρكانت لدي فكرة مثالية جدا ،وهي �أن الإبداع بو�سعه �أن يقوم بالت�أثير �أكثر مع مبدعين ً �شريطة �أن ي�ظ��ل خ�ط��اب��ا �إب��داع �ي��ا ي�ن��أى على وع��ي ت��ام بالت�صاق الن�ص بواقعهم بنف�سه عن العن�صرية والطائفية ،ويقترب ومتغيراته ال�سيا�سية واالقت�صادية وغيرها، من الإن�سان في محاولة فهم ذل��ك الواقع لكن يبدو �أن هناك دائما ما ننتظره لنبد�أ وت�شظياته ومخرجاته. الرك�ض م��ن ج��دي��د ..وه��ذا م��ا �أت��وق�ع��ه في تجربة المنتديات الإلكترونية ظل الراهن العربي اليوم بل ،هذا ما ت�شهد به �أزمنة م�ضت حين االنك�سارات العربية æ æو�أن������ت م���ؤ���س�����س «م��ل��ت��ق��ى م�����دد» ال��ث��ق��اف��ي واالنت�صارات والهزيمة والإب��داع��ات التي الإلكتروني ،طبعا مدد كان حا�ضنا للكثير بقيت را�سخة ف��ي ال�شارع الإب��داع��ي ،كلنا من التجارب ال�شبابية ،ومن خالله وثقت نتذكر (ال�م�ه��رول��ون) و�صرخة �أم��ل دنقل، �أ�سماء �شعرية في خطواتها الأولى .هل لنا و�أب��ي تمام الم�ستعاد من البردوني ،وغرفة �أن نتعرف على تجربتك مع الملتقى ،وهل الماغوط ذات ماليين ال��ج��دران ،وعائ�شة هناك معايير فنيه خا�صة للن�شر في مثل ال�ب�ي��ات��ي ،وال�ن��ا���س ف��ي ب�لاد عبدال�صبور، هذه المواقع؟ وقرا�صنة �سعدي يو�سف ،و�أنا�شيد توفيق ال��زي��اد ،وج��داري��ة دروي����ش ،وغيرهم..كان ρ ρمن المهم ونحن ب�صدد الحديث عن تجربة المنتديات الإلكترونية على الإنترنت كمواقع المبدع على وع��ي ت��ام بالموقف الإن�ساني ثقافية ،و«مدد» ب�شكل خا�ص� ،أن نذكر �أنها والأدب��ي ،وال �شك �أن ه��ذا ما �سيحدث وما ج ��اءت بعد درا� �س��ة م��ا تقدمه الكثير من �سيمنح ه��وا ًء جديدا ور�ؤي��ة �أو��س��ع للإبداع المنتديات والمواقع االجتماعية والترفيهية، مع تكاتف الزمن ال�سريع والأك�ث��ر انفتاحا اجلوبة -خريف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
الق�صيدة من الزوائد ،ومما يثقلها ،و�سيكون لها �أن تر�سم لوحة مختلفة ل��دى التجارب الخالقة والمت�صلة بالواقع ..لعل هذا فيه تف�سير مقنع لكتابة ال�شعراء كذلك للرواية؛ و�س�أ�ضيف� ،إنه من ناحية �أخرى ظل ال�شعر حبي�سا لتلك المدار�س البالغية والأ�شكال التي ال تتيح له �أن يقدم ر�ؤية فنية و�إن�سانية �أحيانا� ،إزاء ما نحن ب�صدده في هذا العالم المليء والمزدحم.
�أو ما ي�سمى بالمجموعات البريدية التفاعلية، وبعد فترة انت�شرت فيها المواقع ال�شخ�صية والمجالت وال�صحف الإلكترونية ،ومنها ما كان مميزا �أو قادرا على �أن يقدم ما هو مختلف ..مع �أن هذا كان ي�صعب على غالبية المواقع في ظل ال�صعوبات والتحديات التي تواجه تلك المواقع والمنتديات ،ال�سيما مع وجود �صحافة ورقية ،وانت�شار وا�سع للكتاب، وو�سائل �أخرى يمكن �أن تكون �أكثر جدوى في خيارات المبدع �أو المثقف من االفترا�ضي، �أو ما يعامل على �أنه افترا�ضي في الكثير من الت�صورات؛ مع �أن دور ال�صحافة والمجالت كان قد تراجع ،ومثلها دور الن�شر التي لم ت�شهد دعما ،والأن��دي��ة الثقافية التي كانت قُطرية �أو محلية؛ وم��ن جهة �أخ��رى كانت تلك المواقع الثقافية التفاعلية تعاني من ابتعاد المثقف عنها نظرا لخوفه من هذه التجربة ،وظل يعاملها بكثير من الح�سابات التي تعنيه ..فلم تجد ه��ذه المواقع كثيرا
من تفاعل المبدعين وا�ستجابتهم� ،إال في تلك المواقع التي غازلت اهتمامهم وك�سرت حاجز الخوف والح�سابات داخلهم ،ذلك الحاجز النف�سي والح�ضاري في التوا�صل م��ع ه��ذه ال �ث��ورة التكنولوجية ال�ج��دي��دة. وا�ستطاعت بع�ض تلك المواقع �أن تحدث توفيقا في تقديم مادتها مع ما يقنع مثقفا ومبدعا يحمل الكثير من تراكمه الذي يجعله مت�شبثا ب�أدواته التقليدية ومتم�سكا بها ،بل ويعتبر �أن ا�ستخدامه �أو ا�شتراكه في موقع ما يم�س تجربته وا�سمه� ،إلى �آخر تلك الأوهام التي يعي�شها مثقفنا العربي وال�سعودي ب�شكل خا�ص ،ولم تكن موجودة لدى مجايليهم في البلدان الأخرى وبخا�صة الأوروبية ،والتي لم تكت�سب ا�سمها من وجود مثقف ما �أو �شاعر �أو روائي معروف بل مما قدمته وهي ت�ستثمر هذه التقنيات الجديدة �آنذاك؛ تلك التقنيات التي بقيت لدى الكثير من المثقفين تقنيات ع��ال��م ج��دي��د ،وع�ل�ي��ه �أن يح�سب خطواته باتجاهه ول��و ك��ان ذل��ك على ح�ساب رغبته الداخلية الكبيرة في ا�ستخدامها ،فمر وقت طويل من �أواخ��ر الت�سعينيات لم نر �سوى مواقع محلية متفرقة وغير م�ستمرة� ،إذ لم تكن �سوى �س�ؤالٍ وحالة من المختبر الذي ينتظر حكمه وم�صيره م��ن مثقف منعزل وقابع خلف �أوراق��ه .ومن جهة �أخرى ،كانت هناك منتديات وم��واق��ع تفاعلية كثيرة لم تتبلور فكرة التخ�ص�ص �أو تقديم م��ا هو مختلف عن ال�سائد لديها ،ولم يكن هاج�سها �إل��ى �أن ظهرت منتديات ثقافية وانت�شرت الأدبية على اختالف م�ستوياتها وفل�سفتها، وم��ن َث��مَّ �أ�صبح هناك مبدعون ومبدعات ول��دت ن�صو�صهم الأول��ى في ه��ذا الف�ضاء، وا�ستطاعوا �أن يقدموا ن�صا �إبداعيا مختلفا بر�ؤى جمالية مغاير ًة موظّ فينَ تلك التقنيات
اجلوبة -خريف 1434هـ 99
100اجلوبة -خريف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
حينا �أو بدخولهم في ن�سيج الإلكترون ليكتبوا ن�صو�صا تعبر ع��ن ده�شتهم ومقارباتهم مع ما يعتبروه ما�ضيا بالن�سبة لهم في كل �أ�شكال الكتابة التقليدية الأول��ى؛ ف�صدرت مجموعات �شعرية �إلكترونية لأكثر من �شاعر و��ش��اع��رة ،و�أح�ي��ان��ا ت�ك��ون م ��زودة بو�سائط مختلفة �صوتية �أو با�ستخدام الألوان وال�صور ال�م��راف�ق��ة؛ و�أخ ��رى ف��ي ال��رواي��ة ال�ت��ي كتب بع�ضها كامال على �صفحات المواقع حتى قبل والدتها الورقية؛ وقاد هذا �إلى وجود �أم�سيات �إلكترونية عبر م��واق��ع الفيديو وم��ا ي�سمى بالدرد�شة ال�صوتية ،والبطاقات ال�شعرية �أو الإبداعات الم�سجلة عبر مواقع متخ�ص�صة. كل ه��ذه القوالب الفنية ا�ستثمرها ووظف تقنياتها بع�ض المبدعين ..وبخا�صة من لم تكن له عالقة �سابقة بالورقي ،بل كان الأقرب �أن تنتج ن�صو�صا تعبر عن اللحظة المعا�شة، ن�صو�صا مبتكرة وع��وال��م ج��دي��دة ف��ي كل �أو اللحظة الإلكترونية� ،أو ما ي�شبه التداعي مرة ..جيل للحظة مختلفة تماما ،لم ي�صدر الملهم الأول من لوحة المفاتيح مبا�شرة، لأن هناك مواقع متاحة كما يحب البع�ض وتلك الأرق ��ام المبعثرة ال�ج��اه��زة للكتابة �أن يطلق هذه العبارة دوم��ا ،وبخا�صة ممن والن�شر حاال؛ كان هذا يغري الكثيرين من �شعروا ب�أن النخبوية الإبداعية ال�سلطوية قد المبدعين لال�ستمرار في االبتكار الخالق، تحركت من تحت �أيديهم ،بل التجربة تقول و� �ص��وال �إل ��ى �أن بع�ض ال�م�ب��دع�ي��ن ال�ج��دد �إن هناك تجارب كثيرة ومهمة تجاوزت عقدة ا�ستطاع �أن يكتب ب�شكل يومي ،ومن ثم �أن الأ�سماء المكر�سة وذهبت بعيدا في تحطيم ُيدخل كل تلك الكتابات في غرباله الخا�ص الوثن بنقرة زر! بعد الن�شر ولي�س قبله كما هو معهود ،وك�أنها لم ي�شغلني هذا �أبداً.. �ساحة ف�ضفا�ضة لعمل ور�شة جماعية مع عدد من المبدعين والأ�شباه والمهتمين«æ æ ..ق�صيدة النثر ترتبط بالذائقة الأجنبية والتراث الأجنبي ،ولي�ست نابعة من التراث يناق�شون من خاللها الن�ص من زوايا مختلفة العربي» ،ه��ذه العبارة تحمل ت�صور بع�ض ع��ن النقد ال�م�ع��روف حتى ل��و ك��ان حديثا، الأدباء ،محمد خ�ضر ماذا يقول؟ فهناك ما قد �أ�سميه بالنقد الإلكتروني الذي قد يناق�ش طريقة ا�ستخدام رابط �إلكتروني ρ ρوليكن ،ل��م ي�شغلني ه��ذا �أب��دا ورب�م��ا يعود ما� ،أو تقنية حديثة� ،أو توظيفا �سلبيا وهكذا؛ ال�سبب �إلى �أنني �أكتب باللغة العربية و�ضمن ما خلق فيما بعد ن�صا تفاعليا ورقميا يختلف م�شتركات �إن�سانية؛ فالقالب ال تملكه ثقافة في م�ستوى وعيه وطرحه ..بل وال يزال يخلق معينة �أو جهة محددة ،وبو�سعي �أن �أ�سكب
ال�شبكة العنكبوتية؟ فيه ما �أريد ،و�أظن هذا ما يحدث مع غالبية تماما �شعراء ق�صيدة النثر ،والذين �أعرف إبداعي وفهم ρ ρحاليا �أتابع مواقع المجالت وال�صحف �أكثر، مدى اطالعهم على تراثهم ال وموقع جهة ال�شعر ومكتبة النيل والفرات معظمهم للغة ككائن حيّ ومتطور ومرن. وموقع نف�س الفني ال�شهير� ،أظن هذه المواقع �شعراء اليوم ينبغي �أن يقر�أوا التراث هي التي ناف�ست على البقاء معي. ���«æ æش��ع��راء ال��ي��وم ،ال يملكون �أدوات ل��ق��راءة �أ�صبحت ت�شكل جزءا من ذاكرتي ق�����ص��ي��دة ال���ت���راث ه����ذا ي��ت�����ض��ح م���ن خ�لال كتاباتهم و�أح��ادي��ث��ه��م» ،كيف ت��رى ذل��ك �أو æ æهل لنا �أن نتعرف على مكتبتك؟ ماذا تقول في هذا االتجاه؟ ρ ρيوجد لدي مكتبة في مكان �إقامتي وعملي �ρ ρأوافقك الر�أي ،لكني �أ�س�أل �أحياناً..ما الذي الآن ،ومكتبة �أخ��رى في الجنوب في مدينة �ست�ضيفه معرفة تلك الأدوات ف��ي ق��راءة �أب�ه��ا ،المكتبة القديمة ال ت��زال تحوي �أول ق�صيدة التراث؟ بل �أعتقد �أن �شعراء اليوم الكتب التي ق��ر�أت�ه��ا ،وعالقتي بها تتعدى ينبغي �أن يقر�أوا ذلك التراث الأدبي ويفككوه مجددا؛ لمعرفة الكم الهائل الذي ا�ستلبته كونها كتب للقراءة فقط ،بل �أ�صبحت ت�شكل القراءات التي لم تتجاوز البالغي والفني.. جزءا من ذاكرتي ..ال تزال �أيام طه ح�سين وبخا�صة القراءات الموجهة والمدر�سية.. رف الروايات المترجمة لديكنز بالقرب من ّ التي �ضيعت على المبدع في بداية قراءاته وج��وت��ه وج ��ورج �أوروي� ��ل وك��اف�ك��ا وكثير من فر�صة الغو�ص داخل �إن�سانية تلك الأدبيات، كتّاب الرواية الكال�سيكية في �أوروب��ا ،وجيل واهتمت بالدر�س ال�شكلي والمو�سيقي �أكثر. الحداثة ال�شعري الأول في العالم العربي، ال �أ�شعر ب�شيء من حولي.. وكتب متفرقة في الفل�سفة والدين واالقت�صاد وع�ل��م النف�س وال�ن�ق��د ،وه��ي كتب متنوعة æ æمتى تكتب الق�صيدة؟ ومتفرقة العناوين والمدار�س� ،أما المكتبة ρ ρال ي��وج��د طق�س م �ح��دد وال وق��ت ك��ذل��ك.. ال�ج��دي��دة فهي �أك�ث��ر تخ�ص�صا ف��ي الأدب �أكتب في �أحوال متعددة ومتباينة في الهدوء وال�صخب والأم�ك�ن��ة ال�ج��دي��دة عليّ ب�شكل والفن� ،إ�ضافة �إل��ى ركن �صغير لل�صوتيات خا�ص؛ ما يحدث �أنني ال �أ�شعر ب�شيء حولي وبع�ضها ت�سجيالت نادرة ل�شعراء من العالم �إطالقا وقت الكتابة ،وربما ال �أنتبه لعابر �أو العربي. جلي�س مفاجئ �أو تحية ،ولم �أحاول يوما فهم ما يجري تماما ،بل �أتعمد �أال �أكر�س لطقو�س ρ ρوماذا عن جديدك؟ محددة ،و�أال �أفهم تلك الحالة�..أعتقد �أن �ρ ρأ��ص��درت م��ؤخ��را (منذ �أول تفاحة) ،وهي لحظة القب�ض على الكتابة والرغبة فيها مجموعة �شعرية �صغيرة تحوي على ن�صو�ص لحظة مهمة والبحث عنها م�ضنٍ �أحيانا. لم ي�سبق �أن ن�شرت من قبل ،و�أخرى �سبق �أن مكتبة النيل والفرات ن�شرتها ..وب�صدد التخطيط لعمل م�شترك æ æما المواقع التي تحر�ص على زيارتها على فني و�آخر في الن�ص.
اجلوبة -خريف 1434هـ 101
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
عبدال�صبور� ،أمل دنقل وغيرهم.
الكاتبة
حرية �سليمان �أع�شق الكتابة النف�سية و�أقدمها في قالب جديد ،ولعل روايتَيّ �( :سهر) و(طعم امبارح) ج�سدتا هذا الم�ضمون بو�ضوح ،من دون ا�ستعمال قوالب نمطية، لأن التجديد كان �سمة عامة لهما.
�أدبية م�صرية جريئة في كتابتها الق�ص�صية ،كغمامة تهطل متى �شاءت ..عميقة في �سردها الروائي ،كحكماء الإغريق ..ت�سكنها ربة ال�شعر،حين تكتب الق�صيدة ،ت�شعر و�أنت تقر�أ �أنها تعبر عما بداخلك وت�سبر �أعماقك� ،إنها الكاتبة حرية �سليمان.. ■ حاورها :حمدي ها�شم*
æ æللمبدع دوم��ا رواف���ده التي يت�شكل منها �إبداعه و�شخ�صيته� ،أال تحدثنا ρ ρكانت تلك المكتبة كن ٌز �أن�ه��ل منه حرية �سليمان عن هذه الروافد في وقتما �شئت ،لكننى وجدت اهتمامي حياتها. مُن�صبا على الأدب ب�شكل خا�ص. �ρ ρأتذكرها مكتبة كبيرة تحتل الجدار ف ��ي الأدب ال �ع��ال �م��ي ال �م �ت��رج��م، الرئي�س في حجرة المعي�شة ..كانت ق ��ر�أت ل��ول�ي��ام �شك�سبير ،ت�شارلز لوالدي وفيها �شتى �أن��واع المعارف ديكنز ،ان�ط��ون ت�شيكوف� ،أرن�ست م ��ن ال��ع��ل��وم والآداب ب �ف��روع �ه��ا هيمنجواي ،ماركيز ودي�ستوفي�سكي المتعددة..كان �شاعرا ،ولم يفارقه و�آخرين. الكتاب .ع�شقت تلك ال�صورة التي تركت انطباعا بداخلي عن ماهية �ρ ρأم���ا ع��ن ال �� �ش �ع��ر ..ف �ك��ان ب�ستانا ل �ل �ح��روف ،ج���اوز ال���س�م��اء وع��ان��ق الإن�سان وحتمية وجوده ككائن مفكر، �أحالمي ،بيوتوبيا تكاد ت�ستوعب كل ليتدبر الحكمة من وجوده الإن�ساني الب�شر ،ق��ر�أت لكثيرين ،ال�سياب، �أوال ،ثم ليعمل لعمارة الكون ..و�إال م �ح �م��ود دروي� �����ش ،م �ط��ر�� ،ص�لاح ما هو الفرق بين الإن�سان وغيره من مخلوقات اهلل.
102اجلوبة -خريف 1434هـ
ρ ρفي مجال الق�صة وال��رواي��ة الم�صرية، �أي�ضا كانت الجذور عالقة بانتماء ،كان كتابنا ال�ك�ب��ار الأر�� ��ض الخ�صبة التى �أدمنت المكوث فيها من دون رغبة في الرحيل؛ �أخذتني ثالثية نجيب محفوظ وجُ بت �أروقته� ،أزقته ،نوا�صيه .حدثتنى ن�ساء �إح�سان عبدالقدو�س عن عوالمهن، وال��راق��ي يو�سف ال�سباعى ب�أدبه الجم، و�صبري مو�سى عن ف�ساد �أمكنته ،وكان يو�سف �إدري�س في مجال الق�صة �أ�ستاذي، تبعه �آخ��رون من الجيل الجديد ،وقتها ك��ان د .محمد المخزنجي من �أقربهم لمخيلتي ،و�أكثرهم ق��درة على التعبير باختالف وحداثة.. ρ ρوالآن ال �أج��د كتابا �إال وطالعته� ..أجد �أن القراءة معرفة ال ح��دود لها ،وتراثا �إن�سانيا �سيخلده التاريخ æ æالكتابة كالو�شم ي�صعب �إزال��ت��ه ..كيف تتوالد الفكرة الإبداعية لدى كاتبتنا، وم��ت��ى ت�شعر بن�ضج ال��ف��ك��رة و���ض��رورة والدتها على الأوراق؟ ρ ρميز اهلل الكاتب ب�صفات تختلف كثيرا عن الآخرين� ،أهمها على الإطالق ح�سا�سيته ال�شديدة في تناول الأمور وت�أثره ال�شديد بما يحدث حوله ،وم��ا ي�صيب مجتمعه من م�شكالت ،وعندي قناعة تامة �أن اهلل لم يخلق موهبة �سدى �أو ه�ب��اءً ..ولكن الكتابة يلزمها دافع هو ما يحركها فينا وي�ستثيرنا للتعبير ،ثم للإم�ساك بالقلم
ومتابعة ن��زف��ه ح � ّد ال��وج��ع .لكن �أول�ه��ا تجربة �إن�سانية عميقة تترك �أثرا ال يمكن محوه ،وي�شبه �أ�سير ًا لها تمت�صها حوا�سه وتعلق بجدران ذاكرته ،يتقولب فيها ،وقد ت�أخذ منه وقتا ليتجاوزها ،وقد ال يمكنه ذلك �أبدا.. �ρ ρأعظم الكتابات ما كانت وليدة معاناة �إن�سانية ،تلك الأم��ور تحثّ على التفكير وم�ح��اول��ة مَ نطَ قة الأم ��ور ب�شكل خا�ص على الورق ،وهو ال�شيء الذى يميز كاتبا عن �آخر ،وتلك تكون ب�صمته الخا�صة.. من هنا ،يكون التفكير والت�أمل عادتين مالزمتين ال بديل عنهما ،قد تولد فكرة نتيجة تجربة �شخ�صية ،و�أخ ُر م�ستمدات من الواقع .هنا ،تتكون ال�شخو�ص ،وتولد الأح ��داث ،وتت�صاعد العقدة ،وتتفاقم الأم��ور ب�شكل يكاد يخرج عن ال�سيطرة،
اجلوبة -خريف 1434هـ 103
«æ æربما يكون مغلقا» ،هذا عنوان �إ�صدارك الأول ،ت��وال��ت م��ن ب��ع��ده �أع��م��ال��ك التي ك��ان �آخ��ره��ا رواي��ت��ك الأخ��ي��رة (�سهر).. حدثينا ع��ن تلك ال��ت��ج��ارب ،وه��ل ول��وج ع��ال��م ال���رواي���ة ل���ه ط��ق�����س خ��ا���ص ل��دى ρ ρا�ستطاعت (��س�ه��ر) �أن ت�خ��رج بذاتها كاتبتنا...؟ خارج حدود الأق�صو�صة ،لنعاي�ش عالمها «ρ ρربما يكون مغلقا» هو ثاني �إ�صدار �أتى في رواية من الحجم المتو�سط ،ولنختبر بعد ديوان ن�صو�ص نثرية بعنوان «عناقيد م�شاعرها ك�أنثى تبحث عن ذاتها ..كان ملونة» ..كان تجربة مميزة ،لأننى بد�أت ال بد من منحها م�ساحة معقولة ،لتنطلق بكتابة بع�ض الخواطر والأ�شعار ب�صفحتي بكل ما فيها من �أحالم ور�ؤى و�إحباطات ب�شكل يومي على الفي�س ب��وك ومدونتي وث��ورات مجه�ضة ،وتداعيات لم �أكن الخا�صة ..كنت �أطير فرحا عندما �أجد ردود الأف �ع��ال م��ن ال ��زوار لل�صفحتين؛ ما حفزني على اال�ستمرار ..تكّونَ لديَّ ر�صيد ال ب�أ�س به من الكتابات ،معظمها ذو ط��اب��ع روم��ان���س��ي ،واق �ت��رح بع�ضهم جمعها ف��ي ك�ت��اب لحفظها ،واقتنعت بالفكرة.
ρ ρكان �شعورا رائع ًا �أن �أ�ضم كتابي الأول و�أت���ص�ف�ح��ه ،ولأن �ن��ى كنت م��ن محبي ال �ق��راءة والق�ص�ص ب�شكل �أ��س��ا���س، اعتبرت الق�ص فن ًا متفرداً� ..أ�ستطيع من خالله التحليق دونما قيود ،وخلق ع��وال��م لأب �ط��ال وب��ط�ل�ات� ..أت �ح��رك من خاللهم و�أع��ان��ي لهم و�أف��رح من �أجلهم� ،أ�شهد لحظات انت�صارهم وانك�سارهم ،و�أخ�ل��ق لهم م�ساحات
104اجلوبة -خريف 1434هـ
القراءة معرفة ال حدود لها ،وتراثا �إن�سانيا �سيخلده التاريخ �أعظم الكتابات ما كانت وليدة معاناة �إن�سانية الحالة ال�شعورية هي ما تفر�ض نوع الك تابة ..ال �أقرر �أننى اليوم �س�أكتب ق�صة �أو ق�صيدة ،هو �شعور مباغت ال مفر منه.. يدفعك دفعا ل�شحذ طاقتك باتجاه ما.. الكتاب ال يموت ،يخلد كاتبه وتخلد �أفكاره ،وي�ؤرخ لفترة زمنية ما. الرواية العربية عامل جذب كبير نظرا لما تقدمه للقارئ من مغريات كثيره، و تجعله يعاي�ش �ألوانا مختلفة من الحياة ال عالقة لها بواقعه المرير
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
هنا ال يتكلم الأدي��ب ،ولكنها الق�صة �أو الرواية مَ ن تتحدث عن نف�سها من تلقاء ذاتها ..وتعلن ميالدها.
من الأمل والتحليق خارج حدود الي�أ�س، كنت �أك�ت��ب الق�ص�ص م��ن حين لآخ��ر، و�أه�ب�ه��ا ج ��زءًا م��ن �أح�لام��ي وتوقعاتي ور�ؤاي ..فجاء (ربما يكون مغلقا) كتابا ب�شكل مجموعة ق�ص�صية بها ( )32ق�صة مختلفة ،تتناول الكثير من الأفكار لرجال ون���س��اء اخ �ت��رت �سجنهم داخ ��ل ح��دود �صفحاتي ،وبين طيات غالفه.
لأمنحها ك��ل ذل��ك ف��ي ق�صة ق�صيرة.. كانت تجربة غنية ..بالفعل ال �أعرف من فينا قد �أ�ضاف للآخر� ،أنا �أم (�سهر).. فهي �إ�ضافة فعلية في حياتي. æ æرواي��ت��ك الأخ��ي��رة (���س��ه��ر) تتحدث عن معاناة الأنثى في ظل عالم ذكوري ..هل تريْنَ �أن المر�أة المبدعة م�ضطهدة في المجتمع الذكوري؟ ρ ρللإجابة �شقان� ،أولهما خا�ص بالرجل وبنظرته ال�م�ع�ت��ادة ل �ل �م��ر�أة ..وال �ت��ي ال �أن�ك��ره��ا �أي���ض��ا ،فالكاتبة ه��ي �أن�ث��ى في æ æك���ان الأدي�����ب ال��رو���س��ي دو�ستويف�سكي المقام الأول ..و�صدقا ال �أحمل �ضغينة ي��ج��ي��د و���ص��ف �شخ�صياته م��ن جانبها للرجل ال�شرقي �أب��دا ،و�إنما �أتحدث عن ال���ن���ف�������س���ي ،ون��ل�اح����ظ ه������ذا ج���ل���ي���ا ف��ي واقع ما ب�شكل محايد ،برغم �أن الكثيرات �أعمالك ،فما مغزى تركيزك على البعد مبدعات في مجال الأدب ..تظل الأنثى النف�سي ل�شخ�صياتك؟ زوج��ة و�أم ف��ي المقام الأول ،ومطالبة �ρ ρأعتقد �أن كل ما يلم�س النف�س الب�شرية دوما ب�أال تتخطى حدود كينونتها لتنطلق يحمل عمقا ما وم�ضمونا وفل�سفة خا�صة.. مثال ،كما هو متاح للرجل بخبراته وما ال�ن�ف����س الإن���س��ان�ي��ة غنية بالكثير من منحه له المجتمع من ح��ري��ة ..الكاتبة التفا�صيل� ،أجدها منطقة خ�صبة وثرية كائن يبحث عن �سطر نف�سه بدفتر �أحوال وحافلة ..ما �أجمل �أن نر�صدها ون�سلط الإن�سانية ب�شكل خا�ص ،نظرا لما تحتمله ال�ضوء عليها بكل ما فيها من ت�صدعات.. من �ضغط نف�سي وربما قهر ذكوري؛ لأن والأجمل �أنك عندما تنتهى تترك انطباعا مجتمعنا �أعطى الرجل ن�صيب الأ�سد من عميقا يعلق بالنف�س ..جميل �أن يخبرك كعكة الإب��داع ..والتقدير والتعبير ربما �أحد قرائك �أن تلك الق�صة الم�ست وترا �أي�ضا فى الكثير من الأحوال. معينا بحياته و�أنها �أبكته �أو �أ�ضحكته.. �ρ ρأم��ا ع��ن ال�شق ال�ث��ان��ى ،فكونها �ضحية �أدرك تماما �أن ما يلم�س النف�س الب�شرية محتملة لبنات جن�سها ،فالعقل الب�شرى قد يبدو م�ؤلما ،و�أنها تعد كتابة درامية.. واح ��د ف��ي الجن�سين ..ال�غ�ي��رة غريزة ولكن �أعظم الأعمال قاطبة بكل الفنون ب�شرية ..وم��ا ي��زال بع�ضهن يعتقد �أن هي ما تتطرق لهذا البعد الإن�ساني وت�سلط ال�ضوء عليه ..بمجموعتي الق�ص�صية ظهور �أخريات جديدات ببداية الطريق قد يدفعهن للتقهقر واالنزواء وتلك لي�ست حقيقة ..فلكلٍ ب�صمته الخا�صة.
اجلوبة -خريف 1434هـ 105
æ æم��اذا تخفي حرية �سليمان ف��ي جعبتها لقارئها العربي ..هل من �أع��م��الٍ �سيتم طرحها قريبا؟
ρ ρتلك م�شكلة فعال ..فال�شعر كما قر�أته �صغيرة يب�شر بيوتوبيا جميلة ،كم تعلقت عيوننا بتلك المدينة الفا�ضلة ،كم �أرهفنا
ρ ρل�ل�آن ما �أزال �أعتقد �أننى لم �أكتب ما �أتمنى بعد� ،أ�شعر �أن��ه م��ا ي��زال �أمامي الكثير والكثير لأقدمه .كل ما ي�سعدني حقا �أن �أكتب عنا� ،أن �أكتبنا كما نحن، بال زخارف �أو نقو�ش ملونة ،نحن حقائق �أزلية ..فلم نتلون ،كل الأقنعة غالبا ما
æ æم��ا ه��ي ر�ؤي��ت��ك ل��واق��ع ال��رواي��ة العربية الآن ،وه��ل �سحبت ال�ب���س��اط م��ن تحت �أقدام ال�شعر؟
106اجلوبة -خريف 1434هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
الأول���ى كتابة م��ن ه��ذا ال �ن��وع ج�سدتها مجموعة م��ن الق�ص�ص �أه�م�ه��ا« :ربما ρ ρال�ح��ال��ة ال���ش�ع��وري��ة ه��ي م��ا ت�ف��ر���ض ن��وع يكون مغلقا ..النافذة ،نغمة ،الأخ��رى، الكتابة ..ال �أقرر �أنني اليوم �س�أكتب ق�صة بع�ض حقيقة ،دوالب الذكريات» ،ولكن �أو ق�صيدة ،ه��و �شعور مباغت ال مفر المجموعة الثانية جاءت كلها لتحمل هذا منه ..يدفعك دفعا ل�شحذ طاقتك باتجاه البعد� .أع�شق الكتابة النف�سية و�أقدمها م��ا ..كانت الفترة الما�ضية من �أ�صعب في قالب جديد ..ولعل روايتي (�سهر) الفترات؛ لكل ال�ظ��روف التى م��رت بها و(طعم امبارح) ج�سدتا هذا الم�ضمون م�صر ،تركتْ رغبة عميقة في الكتابة، بو�ضوح ،من دون ا�ستعمال قوالب نمطية، الغريب �أن تجدها منطلقة ب�شكل �سطور لأن التجديد كان �سمة عامة لهما. من العامية �أو الف�صحى ،بتكثيف لتعبر æ æق��دم��ت للمكتبة ال��ع��رب��ي��ة �أع���م���ا ًال في عن �شعور م�سيطر حاد برف�ض الواقع، م���ج���االت ع����دة ،م��ن��ه��ا ال��ن�����ص ال�����ش��ع��ري ورغبة م�ؤكدة بغد م�شرق با�سم ومطمئن، كما في عملك «عناقيد ملونة» ،ومنها ل�ك��ن ب�شكل ع���ام� ..أع ��د نف�سي قا�صة ال��م��ج��م��وع��ة ال��ق�����ص�����ص��ي��ة كمجموعتك وروائية في المقام الأول ..ذلك النوع من «رب���م���ا ي��ك��ون م��غ��ل��ق��ا» م�����رورا ب��رواي��ت��ك الكتابة الذي يخلق عالما �شا�سعا و�أبطا ًال الأخ����ي����رة (����س���ه���ر) ،ك��ي��ف ت�ستطيعين يتحركون ،وحياة كاملة يمكن �أن ت�سردها، التوفيق بين هذه الألوان الأدبية ،و�أيها ه�ؤالء الأ�شخا�ص عادة ما يتقم�صوننى �أو العك�س ،لأفكر بهم وتحملهم خالياي، وي�ستوطنون ذاك��رت��ي ،هم من يدفعني للم�سير يوميا بحجم كبير من الأحا�سي�س والم�شاعر ،وط��اق��ة �أتمنى �أال تن�ضب، فهم امتداد �أبدي؛ لأن الكتاب ال يموت.. الكتاب يخلد كاتبه وتخلد �أفكاره ،وي�ؤرخ لفترة زمنية ما. �أحب �إلى قلبك؟
ال�سمع لدروي�ش وال�سياب ودنقل ومطر وغ �ي��ره��م ،ك��م تعلقنا ب�ه��م وا��س�ت��أث��روا بحوا�سنا جميعها؛ تهذبا ورق�ي��ا وحلما وتحليقا ،ك��م وك��م داع�ب��ت كلمات ن��زار م�شاعرنا ولكن ..اختلف الزمان وتغيرت الأمور ،بقدر ما عبّر ال�شعر عن م�آ�سينا، بقدر ما عبّر عنا ور�سم �أحالمنا وا�ستوطن خيالنا ،وبقدر ما كان مالذا �آمنا �أو نقدا الذعا؛ تغير الو�ضع كثيرا وعزف القارئ العربي عن ال�شعر ،انتهى من ح�ساباته تقريبا ،يمكنه �أن ي�ستمع �إليه في �أم�سيات ومهرجانات �إن �شاء ،ولكن �إن فكر باقتناء كتاب �سيكون رواية ،الرواية العربية عامل جذب كبير نظرا لما تقدمه للقارئ من مغريات كثيرة ،وتجعله يعاي�ش �أل��وان��ا مختلفة من الحياة ال عالقة لها بواقعه المرير ،ت�ستهويه الأل��وان والرك�ض بين ال�شخو�ص ليتوحّ د معها ،لين�سى ولو لبع�ض الوقت �آالمه ،ليلوّن �أحزانه ويختبر عوالما مختلفة وتجارب �أخرى.
ت�سقط بم�ضي الوقت ،لي�ست تعرية لنا، �إنما هو نقل للواقع بكل ما فيه؛ ما يزال في �إمكاني التعبير عن دواخلنا وذواتنا، �أح�لام �ن��ا� ،أوه��ام �ن��ا ،ع�ث��رات�ن��ا ،قيامنا ورك�ضنا ..كلها �أ�شياء تحدث؛ ال �أقف عند حدود الأنثى ،كتبت (طعم امبارح) وبطلها رجل يبحث عن نف�سه بعد �أن قدر له ال�شتات .النف�س هنا هي الجذور العالقة في الأر���ض ،حنيننا للبدايات الجميلة، وتلك روايتي القادمة والتى انتهيت منها بالفعل ،و�أي�ضا مجموعة ق�ص�صية جديدة ب�ع�ن��وان (ال �ن �ف��ق) وت �ل��ك �أي���ض��ا ب�صدد الن�شر ..و�أعد القارئ العربي بنوع خا�ص ومميز وغير نمطي من الكتابة� ..أعتقد �أنه �سي�سعده �إلى حد كبير.
اجلوبة -خريف 1434هـ 107
■ �أ .د .علي ال�صهبي*
حول مقولة النحات هنري مور �« :Henry Mooreأريد ان �أك�سب قيمة �إن�سانية ،من التمثال الم�صري ،و�أن �أفقد كل �شيء»! يعد «م��ور» رائ��دًا لفن النحت المعا�صر في بريطانيا ،كما يعد في الوقت نف�سه من �أكثر المثالين المعا�صرين ت�أثيرًا في تطور فن النحت الحديث. ذاعت �شهرته بين الإنجليز منذ �أن �أقام �أول معار�ضه في العام 1928م ،وهو المعر�ض الذي مهّد ل�شهرته الوا�سعة بعد ذلك. و�إذا كانت �أعماله قد تنوعت بين �أ�سلوب النحت الم�صري القديم) ،ما مكّنه من النحت �شبه المو�ضوعي و�أ�سلوب النحت ت�ن��وي��ع مطابقته ال�شكلية للمو�ضوعات الالمو�ضوعي ،فقد اعتمد في الكثير مما نف�سها. قدمه م��ن �أع�م��ال على مو�ضوع «الج�سم م��ن �أه ��م م��ا ذك ��ره «م ��ور» ع��ن موقف الم�ضطجع» ،وك��ان �أب��رز �أعماله النحتية النحات المعا�صر من النحت الم�صري التمثال الم�سمى «ا�ضطجاع» ،الذي انتهى القديم�« :أريد �أن �أك�سب قيمة �إن�سانية من منه في عام 1938م. التمثال الم�صري ،و�أن �أفقد كل �شيء»! �شُ كلت �أعمال «مور» لكي تبدو وك�أن قوى الطبيعة هي التي �شكلتها� ،إذ �أنها من�سجمة لماذا غابت القيم الإن�سانية عن النحت المعا�صر؟ م��ع البيئة المحيطة ب�ه��ا .وق��د ا�ستخدم والإج��اب��ة على ه��ذا الت�سا�ؤل ت�ستدعي العديد من الخامات (الخ�شب ،والحجر، والمعدن) .وهناك �شواهد لإعجابه بتماثيل منا التعرف على مفهوم القيم الإن�سانية النحت الكال�سيكية الإغريقية (وكذلك في الفن ،وكذلك بع�ض مظاهر التعبير
108اجلوبة -خريف 1434هـ
يق�صد بالقيمة الإن�سانية تلك المعاني التي �أن ن��ذك��ر ع�ل��ى �سبيل ال �م �ث��ال ،مجموعة من تنتقل م��ن الأع �م��ال الفنية �إل��ى الم�شاهدين ،الأعمال النحتية الم�صرية القديمة التي تعك�س وتمثل مدر�سة �أخالقية كبرى ،نتعلم من خاللها هذه القيم الإن�سانية الرفيعة ،فيما ي�أتي: درو���س التعاطف والتناغم و�شتى �أح�سا�سي�س تمثال الملك زو�سر :من الأ�سرة الثالثة –الم�شاركة الوجدانية؛ ذل��ك �أن الفن ك��ان وال الدولة القديمة – من الحجر الجيري – ويعك�س يزال �أعمق مظاهر الن�شاط الب�شري تعبيرًا عن الوقار. االت�صال ،و�أ�شدها �إثارة لالنفعال. تمثال الملك منقرع وزوج �ت��ه :م��ن الأ��س��رةفالفن لي�س مجرد ن�شاط ي��دوي للإنتاج، الرابعة – الدولة القديمة – من الحجر- ويعك�س جمال الرجولة والأنوثة مع االحتفاظ ولكنه ن�شاط �إب��داع��ي نمائي هدفه الأول نقل بجالل ال�شخ�صية. قيمة �سامية للآخرين .وال�ف��رق بين الأعمال الفنية الإعجازية والأعمال الفنية العادية يكمن -تمثال �شيخ البلد (ك��اع �ب��ر) :م��ن الأ� �س��رة في قدرة الفن على ال�سيطرة على لغة ال�شكل، الخام�سة -الدولة القديمة – من الخ�شب بحيث تف�صح ب�شكل وا�ضح عن قيمة معنوية ذات – ويعك�س وجهه زهوه بمنزلته واعتزازه بمكانته ،وتت�ضح الب�ساطة الرائعة والإن�سانية طراز هي في الأ�صل داخل فكر الفنان ووجدانه، ال�ج��ذاب��ة وال��ر��ش��اق��ة ال�ت��ي تتجلى ف��ي يده �أو تف�صح – بمعنى �آخر – عن معنى ي�ستطيع المم�سكة بالع�صا. التاثير على الآخرين ،ويجعلهم في حالة تعاطف وم�شاركة جمالية فعلية مع م�ضمونه. ر�أ� ��س تمثال الملك �سيزو�سترين الثالث:الأ�سرة الثانية ع�شر – الدولة الو�سطى – ويعمل على �إبراز القيم الإن�سانية ،من خالل م��ن الحجر – ويعك�س م�سحة م��ن القلق، الن�شاط الفني ،على تعميق الإح�سا�س بالوجود، ويت�ضح ذلك في التجاعيد الموجودة بجبهته فقد تحمّل هذه القيم معاني :القوة؛ ال�سالم؛ نتيجة الكفاح والحروب التي خا�ضها. الرجولة؛ الأنوثة؛ االنت�صار؛ ال�شموخ؛ الخوف؛ وقد ان�صرف بع�ض النحاتين المعا�صرين الخلود؛ العظمة؛ الكبرياء؛ الوقار؛ ال�صرامة؛ العمل؛ الأمومة؛ الرخاء؛ الخير؛ الوفاء؛ الحنان؛ عن تج�سيد القيم الإن�سانية فيما ي�أتي: اليقظة؛ ال�شجاعة�..إلخ. بدال من �أن ي�ستفيد نحاتو ع�صر النه�ضة،وت�شمل كل من هذه المعاني م�ضمونًا ًّ خا�صا ومَ ��ن ج���ا�ؤوا ب�ع��ده��م ،م��ن ال�ت�ج��ارب الروحية
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
القيمة الإن�سانية بين النحت الم�صري القديم والنحت المعا�صر
عنها ف��ي النحت الم�صري ال�ق��دي��م ،تمهيدً ا ي�صبغ العمل الفني ب�صبغته المعنوية المميزة له لإل�ق��اء ال�ضوء على �أ�سباب ظاهرة ان�صراف من خالل ال�شكل في العمل النحتي. بع�ض النحاتين المعا�صرين عن تج�سيد المعاني وق��د تميزت الأع �م��ال النحتية الم�صرية الإن�سانية ،بهدف تحديد ر�ؤي��ة الفن الحديث القديمة منذ �أق ��دم الع�صور ب�ه��ذه المعاني للتعبير عن مفهوم القيم الإن�سانية. الإن�سانية الرفيعة لتلك القيم الإن�سانية ،ويمكننا
اجلوبة -خريف 1434هـ 109
التي عا�شها الرجال الذين �أنتجوا ذلك الفن الكال�سيكي ،ف�إنهم قد ثابروا فقط على نقل مظاهره الخارجية ،والن�سخ منها ،بما يتالءم مع الم�شاعر ال�سطحية لع�صرهم. �أ�صبح الع�صر الحديث ،كما �أ�شار �إلى ذلكالكثيرون من علماء النف�س ،وعلى ر�أ�سهم العالم «يونج» ..قد �أ�صبح يعاني �أزمة في الإن�سانيات والقيم .وهو ما يجعلنا نعتقد �أن ع�صرًا قلت فيه هذه المعاني الإن�سانية ،ومن ثَمَّ ال ي�ستطيع فنانوه �أن يعبروا عن هذه القيم في �أعمالهم الأرجح تركيب معقّد يقت�ضي النظر �إلى �أطراف متعددة. الفنية. و�أي حكم بالقيمة ،ين�صبُّ على عمل معين، �أ�صبح الإن�سان الحديث المتح�ضر ينظر�إل��ى ال�صفات الروحية والحيوية فيما يتعلق ينطوي على هذه القيمة بف�ضل ما بُذل فيه من بالأ�شياء غير الحيّة ،كداللة على مرحلة بدائية جهد �إن�ساني وابتكار جديد ،لأن القيم ال ت�صل �إلينا �إال من خ�لال عمل معين؛ وم��ن َث��مَّ ،ف�إن من مراحل التقدم الإن�ساني. فقدت الحياة تما�سكها �أمام عين الإن�سان ،النحات والمتذوق هما الطرفان اللذان تنتقلففقدت بذلك �شكلها ،و�أ�صبحت القيم النفعية القيمة دائمًا من �أحدهما �إلى الآخ��ر بوا�سطة (المادية) هي الم�ؤ�شر والموجّ ه لحياة الأفراد .العمل الفني. رف�ض الفن ف��ي ال�ق��رن الع�شرين نهائيًّاااللتزام بحرفية الواقع �أو �أن يحاكي مظاهره، وق��د ب��د�أ ذل��ك منذ ال��رب��ع الأخ �ي��ر م��ن القرن التا�سع ع�شر على �أيدي االنطباعيين.
وق��د تمكّن الإن �� �س��ان المعا�صر م��ن خالل العلم والتكنولوجيا الحديثة من الحركة و�سط المجموعات ال�شم�سية ،ومكّنته الآلة من �سرعة الحركة ،وتي�سير االت�صال بالأبعاد ال�شا�سعة؛ ما �أدى �إلى تغيير مفاهيم الإن�سان عن المكان والزمان.
�أ�صبح الفن الحديث ي��رى �أن القيمة هي – قبل كل �شيء – عالقة تقوم بين الذات و�إذ �صح لنا �أن نكرر اكت�شافًا علميًّا �أو ننقل الإن���س��ان�ي��ة ،وال��واق��ع ،وم��ا ب��ه م��ن مو�ضوعات اخ�ت��راعً ��ا �صناعيًّا ،مما تحفل ب��ه الح�ضارة و�أحداث. التكنولوجية الغربية ،فلي�س من الجائز �أن ننقل وم��ن ه�ن��ا ،فلي�ست القيمة م�ج��رد �إ�سقاط القيم الأخالقية نف�سها �أو �أ�ساليب ال�سلوك� ،أو حاجات الإن�سان ،ورغباته ،وميوله ،بل �إنها على نحيا الوجدانات والم�شاعر نف�سها؛ لأن هذه
110اجلوبة -خريف 1434هـ
وي�ستطيع ال�ف�ن��ان المعا�صر �أن يعبر عن م�شاعر الحب والكراهية وال�شجاعة والخوف، على �سبيل المثال ،ب�أ�شكال و�صور متعددة ،وال يلزم �أن ينقلها عن غيره بالأ�شكال وال�صور نف�سها التي بها عبر القدماء عن م�شاعرهم؛ ذلك �أن الم�شاعر قد تكون واحدة ،كما قد تلتقي الأفكار ،ولكن �أ�سلوب ال�صياغة ،و�شكل التعبير يختلف من ع�صر لآخ��ر ،كما يختلف من فرد لآخر.
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
القيم الثقافية يمكن �أن ن�صوغها ب�أ�شكال وب�صور ورموز مختلفة.
الإن�سانية ،ينبغي �أال يجعل النحات المعا�صر يي�أ�س من �إمكانية انح�سار االتجاهات الفنية الهاربة من تج�سيد القيم الإن�سانية لتعود هذه القيم ،مرة �أخرى ،فت�صبح مو�ضوعً ا فنيًّا مهمًّا، مثلما كانت في الما�ضي ،و�إن اختلفت �أ�ساليب تناول م�ضمونها؛ فهذه القيم هي الأكثر خلودًا، حتى ولو لم يكن �أم��ام النحات الحديث �سوى مجرد التمني فقط ،مثلما فعل النحات «هنري مور» نف�سه! المراجع:
ومن ذلك ،يت�ضح �أن اختالف فل�سفة ع�صرنا ال�ح��دي��ث وم�ن�ج��زات��ه العلمية والتكنولوجية، مدبولي ،القاهرة1965 ،م. بالمقارنة بفل�سفة الع�صور القديمة ،قد حكم على النحات المعا�صر �أن يكون له موقف مختلف •ح�سن محمد ح�سن« ،الأ� �س ����س التاريخية للفن الت�شكيلي المعا�صر» ،دار الفكر العربي ،القاهرة، عن النحات القديم ب�ش�أن التعبير عن القيم الإن�سانية وتج�سيدها في �أعماله النحتية. 1979م. •�أم �ي��رة حلمي مطر« ،القيم وال�ح���ض��ارة» ،مكتبة
من كل ما تقدم ،يت�ضح لنا �أن الإ�شكالية •زكريا �إبراهيم« ،الفنان والإن�سان» ،مكتبة غريب، الفنية التي �أثارتها كلمات النحات «هنري مور» القاهرة1974 ،م.
لي�س من ال�سهل حلها تمامً ا ،وبخا�صة بعد �أن •عز الدين �إ�سماعيل« ،الفن والإن�سان» ،دار القلم،
�أ�صبحت فل�سفة الع�صر الحديث م��ادي��ة في جوهرها ،كما �صار التقدم العلمي التكنولوجي •نعمت �إ�سماعيل« ،فنون الغرب في الع�صر الحديث»، هو الم�صدر الأ�سا�س الذي يمد النحات المعا�صر دار المعارف ،القاهرة1978 ،م. أي�ضا كيفية بالخامات الحديثة ،بل يملي عليه � ً •Hamilton, george heard, «19th 20th century Art التحكم ف��ي ت�شكيلها و�صياغتها ،ف�ضال عن .painting, Sculpture, Architecture», New York, 1970 �إف���راط بع�ض االتجاهات الفنية الحديثة في االهتمام بالت�شكيل والبناء على ح�ساب التعبير •نوال حافظ – حول مقولة النحات المعا�صر «هنري عن القيم الإن�سانية. م��ور» عن قطعة من النحت الم�صري القديم – القاهرة1974 ،م.
على �أن عدم تج�سيد النحت المعا�صر (وال ينطبق ذلك على كل اتجاهاته الفنية) للقيم
درا�سات وبحوث – المجلد الثاني – القاهرة – دي�سمبر – 1979م.
* �أ�ستاذ النحت كلية التربية جامعة عين �شم�س في القاهرة.
اجلوبة -خريف 1434هـ 111
■ حممد �صوانة*
�إن ولوج عالم الم�شاريع الإنتاجية ال�صغيرة من دون درا�سة م�سبقة يُع ُّد مجازفة، ق��د ت��ودي بالعمل كله �إل��ى الف�شل� ،أو ق��د ت���ؤخ��ر تطور الم�شروع� ،أو تدني �إي��رادات��ه لفترة طويلة؛ في الوقت الذي كان يمكن فيه ل�صاحب الم�شروع �أن يكون واعياً لتلك الأم��ور التي قد ت�ؤثر على م�ستوى نجاح الم�شروع منذ البداية ،ليتمكن من �إيجاد الحلول المنا�سبة في الوقت المنا�سب ،ولكي يعمل على توفير البدائل التي من �ش�أنها ال منا�سباً ل�صاحبه بد ًال من �أن النهو�ض بالم�شروع ،وجعله م�شروعاً منتجا ً،يوفر دخ ً يكون عالة عليه ،ي�ضطره في كثير من الأحيان ل�ضخ �أموال جديدة فيه ليتمكن من اال�ستمرارية ال�شكلية. و�إذا ت� ��واف� ��رت ال ��درا�� �س ��ة م�شروع �إنتاجي �صغير يدر دخلآً على �أ�سرته ،وقد ي�صبح في المت�أنية المتفح�صة لجميع الم�ستقبل م�شروع ًا كبيراً، عنا�صر الم�شروع الإنتاجي مثله م�ث��ل ك��ل الناجحين ال���ص�غ�ي��ر ،ف� ��إن �صاحبه ال��ذي��ن ب� ��د�أوا � �ص �غ��ار ًا ثم ��س��وف يجني ث�م��ار نجاح كبرت م�شاريعهم وكبروا م�شروعه في فترة زمنية م� �ع� �ه ��ا ،ح� �ت ��ى �أ� �ص �ب �ح��ت ق��ي��ا���س��ي��ة .وق � ��د ي���ص�ب��ح م�شاريعهم الناجحة منارات الم�شروع رائ��داً� ،إذا توافرت ي�شار �إليها ويُهتدى بها في مجال له المتابعة الفعلية الم�ستمرة .و�إن الأع �م��ال .فهل تكون �أن��ت� /أن��تِ واح��داً/ ت��رك العاملين فيه يعملون على هواهم، واح��دة من �أ�صحاب مثل تلك الم�شاريع يجعل الم�شروع في مهبّ الريح. الرائدة؟ هذا ما يمكن �أن يقرره �صاحب وما هذه الر�سالة المتوا�ضعة �إال قائمة كل م�شروع ح�سب الطريقة التي �سيدير بها مراجعة جديرة بالنظر ،لكل من يفكر في م�شروعه.
112اجلوبة -خريف 1434هـ
خطورة تعجّ ل الربح م��ن المهم �أن ي��درك مَ ��ن يفكر ف��ي �إق��ام��ة م�شروع �صغير �أنَّ تعجّ ل الربح قد ي�ؤدي �إلى نتائج تق�صر عمر الم�شروع ،كما �أن ا�ستهالك عك�سية ّ ر�أ���س المال لغايات مخالفة لتطوير الم�شروع ذاته ي�ؤدي �إلى �ضمور الم�شروع يوم ًا بعد يوم، حتى ينتهي �إلى الف�شل؛ لذا ،ينبغي �أن يحر�ص �صاحب الم�شروع على ا�ستثمار فر�ص النجاح الممكنة وتالفي الهدر المتعمد لأ�صول ر�أ���س
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
كيف ينجح م�شروعك الإنتاجي ال�صغير؟
ما هو الم�شروع ال�صغير؟ �إذا �أردنا تعريف الم�شروع ال�صغير من حيث ال�صفات المميزة له ،ف�إنه هو الم�شروع الذي يمتاز بال�صفات الآتية: •يتولى �أ�صحابه �إدارته ب�شكل مبا�شر. •يحمل الطابع ال�شخ�صي ،ب�شكل وا�ضح وكبير. •يعد محلي ًا �إلى حد كبير ،في المنطقة التي يوجد فيها. •بالقيا�س �إل��ى ر�أ���س المال ،ف��إن حجمه �صغير ن�سبي ًا في القطاع ال��ذي ينتمي �إليه� ،سواء �أكان �صناعي ًا �أم زراعي ًا �أم خدماتياً ..الخ. • يجري تكوين ر�أ�س ماله ب�شكل ذاتي من قبل �صاحب الم�شروع� ،أو من المقربين م �ن��ه� ،أو م��ن خ�ل�ال دع��م ح�ك��وم��ي �أو م�ؤ�س�سات �إقرا�ض محلية. •ي �ع �م��ل ف �ي��ه ع���دد م� �ح ��دود وق �ل �ي��ل من العاملين� ،سواء �أكانوا �إداريين �أم فنيين. وق��د يقت�صر ال�م���ش��روع ال�صغير على �شخ�ص واحد في بع�ض الأحيان ،و�أحيان ًا ي�صل عدد العاملين فيه �إلى ما يقارب ما هو في الم�شروعات المتو�سطة.
المال �أو ا�ستغاللها في غير �أهداف الم�شروع. كما �أن��ه م��ن المهم لل�شخ�ص ال��راغ��ب في �إقامة م�شروع �إنتاجي �أن يعرف نف�سه ويعرف �إمكاناته المالية والإداري��ة ،و�أن يكون واثق ًا من نف�سه ،و�أن يقدم �أفكار ًا جديدة وال يكون تقليدي ًا مح�ضاً؛ وليكن ق��ادر ًا على االبتكار� ،إذ يمكن �إن�شاء م�شروع �إنتاجي جديد في النوع �أو في �شكل المنتج /الخدمة يختلف عن ما تنتجها �أو تقدمها الم�شاريع الم�شابهة القائمة في منطقته، وكلما ُوفِّقَ في تقديم منتج جديد �أو توفير خدمة مبتكرة في �شكلها �أو في نوعها وموا�صفاتها، �أو مالءمتها لأذواق الجمهور كلما كانت فر�ص نجاحه �أكبر. الحكمة في �إدارة الم�شروع يف�شل الكثير من الم�شاريع ال�صغيرة بعد وق��ت ق�صير م��ن �إن�شائها ،لأن�ه��ا تمثل قفزة في ال�ف��راغ ،ورغبة في الو�صول �إل��ى النتيجة، من دون مقوّمات حقيقية ق��ادرة على تقدمه ونجاحه ،كمن يريد �إنتاج طبخة جاهزة من دون توافر جميع موادها الالزمة ،فيخلط في القِدْ ر المتوافر منها على عجل ،وينتظر الطبق الم�أمول! ولكن هيهات �أن يحظى بمراده. �إن الحكمة تقت�ضي �أن تتخذ القرارات المتعلقة
اجلوبة -خريف 1434هـ 113
الف�شل ال يعني النهاية ولوحظ �أن العديد من الم�شروعات ال�صغيرة تتعر�ض للف�شل في �سنتها الأول ��ى ،وق��د ت�صل الن�سب ًة �إل��ى نحو %60من الم�شاريع المنفذة، بينما يف�شل نحو %30في ال�سنة الثانية؛ ما ي�ؤكد �أهمية الدرا�سة المت�أنية قبل البدء بم�شروع �إنتاجي ما في منطقة ما ،وكذلك ي�ؤكد �أهمية درا�سة الجدوى قبل البدء في الم�شروع .لكن �إذا �أعطت درا�سة الجدوى نتيجة غير �إيجابية لم�شروع ما ،ف�إن ذلك ال ينبغي �أن يدفع �صاحب الفكرة �إل��ى النكو�ص عن العمل والتوقف عن فكرة �إن�شاء الم�شروع الإنتاجي ،بل يجب �أن يحفزه ذلك �إلى درا�سة م�شروع �آخر والتفكير في م�شروع �أكثر مالءمة للمنطقة ،ويتنا�سب و�إم�ك��ان��ات��ه المالية والمعرفية .مت�سلح ًا في هذه المرة بالخبرة التي تحققت له من خالل درا��س��ة فكرة الم�شروع الأول ودرا��س��ة ج��دواه االقت�صادية.
114اجلوبة -خريف 1434هـ
-3
- 4 -5 -6
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
بالبدء ب�أي م�شروع �صغير بعد درا�سة وافية لكل المتطلبات الالزمة لإن�شائه ،والت�أكد من توافر �أ�سباب نجاحه وعوامل ا�ستمراره وتطوره. وم��ن المهم �أي�ض ًا �أن تتوافر ل��دى �صاحب الم�شروع �آلية وا�ضحة ومحددة للتقويم ،و�أن ت�ستمر عملية التقويم على �ضوء النتائج العملية للم�شروع وم��راح�ل��ه وظ��روف��ه المتغيرة .و�إذا امتلك �صاحب الم�شروع المعلومات والبيانات الأ�سا�سية المتعلقة بقائمتي المراجعة والتقويم، ف�إنه ي�صبح قادر ًا على اتخاذ القرارات ال�سليمة في الوقت المنا�سب ،وي�سير بالم�شروع قدم ًا نحو الأم��ام .وينبغي �أن يعلم �صاحب الم�شروع �أن التراجع عن �أي خط�أ يمكن �أن يحدث خالل �سير الم�شروع – قبل �أن يكبر ويتفاقم – هو من القرارات الحكيمة ،التي تقوّي الم�شروع وتوفر له عام ًال مهم ًا من عوامل تقدمه ونجاحه.
عوامل نجاح الم�شروع ال�صغير -1الحاجة الفعلية ف��ي المنطقة لمثل هذا الم�شروع المراد ت�أ�سي�سه ،ويعرف ذلك من خالل ا�ستطالع ودرا�سة مت�أنية الحتياجات التجمعات ال�سكانية والر�سمية والأهلية الموجودة في المنطقة التي ي��راد تنفيذ الم�شروع فيها. -2وجود هدف وا�ضح ومحدد للم�شروع .ومن دون وجود هدف ف�إن الم�شروع �سيكون كمن يقفز في ال�ظ�لام ،فال ي��دري �أي��ن ت�سقط قدماه! �أما عن كيفية تحقيق الأهداف التي ي�ضعها لم�شروعه فتتمثل في: • �أن يكون الهدف وا�ضح ًا ومحدداً. •�أن يكون الهدف �سامي ًا يعبر عن طموح. •عدم الخوف من �صعوبة تحقيق الهدف. •و�ضع خطة عملية لتحقيق الهدف. •بذل الجهد في �سبيل تحقيق الهدف. فالعمل وحده هو طريق تحقيق النتائج، و�أحالم اليقظة ال تطعم خبزاً. •�أن يكون هناك �أم��ل في تحقيق الهدف، يعمل على بث روح الحما�س لدى �صاحب الم�شروع في اال�ستمرار في تطوير م�شروعه والعمل على توافر �سبل النجاح له. • التحلي بال�صبر خالل مراحل تحقيق الهدف. •الحر�ص على �إجراء تقييم مرحلي �أثناء التنفيذ ،لت�صويب الخطوات العملية. •المتابعة الم�ستمرة.. • �إج� ��راء اخ �ت �ب��ارات لمختلف عنا�صر ال �م �� �ش��روع (ال� �م ��واد الأول� �ي ��ة ،و��س��ائ��ل
الإنتاج :المكائن وااللآت والبنية التحتية وال �م �خ��رج��ات (ال �م �ن �ت��ج) ب �ي��ن ف�ت��رة و�أخ� ��رى ،ويف�ضل �أن ي�ك��ون ذل��ك على فترات يختارها �صاحب الم�شروع خالل العام دون �أن يعلن وقت ذلك للعاملين، ويمكن �أن يعهد بذلك �إلى طرف خارجي �شريطة �أن ال يكون من الجهاز العامل في الم�شروع ،و�أن ال تكون هناك �أي عالقة بينه وب�ي��ن ال�ج�ه��از ال�ع��ام��ل حتى يكون التقويم محايد ًا ويقدم معلومات �صحيحة فروع متجر م�شهور بمدينة الريا�ض ولم تكن غير مجاملة لأي طرف .والحر�ص على المالحظة �آنية و�إنما كانت تنطلق من متابعة ع��دم الركون �إل��ى النتائج التي يقدمها على مدى عدة �أ�شهر ،ولوحظ بعد فترة وجيزة الموظفون العاملون في الم�شروع. من تقديم االقتراح حدوث تح�سن وا�ضح في كاف لتنفيذ الم�شروع توافر م�صدر تمويل ٍ االهتمام بجودة الخ�ضراوت المعرو�ضة .و�إن وت�شغيله م�ن��ذ ال �م��راح��ل الأول� �ي ��ة ،وحتى دلّ ه��ذا على �شيء ف�إنما ي��دل على اهتمام ي�ستطيع الم�شروع تحقيق االكتفاء الذاتي �إدارة المتجر ب�صندوق االقتراحات واحترام والبدء بتحقيق الأرباح. وجهة نظر الزبائن وتقديرها. المكان المنا�سب لتنفيذ الم�شروع. -7التقويم والمتابعة ب�شكل دوري لجميع عنا�صر الم�شروع ،من دون ا�ستثناء؛ للت�أكد من �أنها توافر فريق عمل م�ؤهل �إداري ًا وفنياً. تعمل جميعا وفق ما خُ طط لها ،ولالطمئنان تفاعل المجتمع المحلي وتقبله لل�سلع/ على فاعليتها وعملها ب�شكل يخدم الهدف ال�خ��دم��ات .وق��د يكون م��ن المنا�سب و�ضع الأ�سمى للم�شروع .فجميع عنا�صر الم�شروع ���ص��ن��دوق خ ��ا� ��ص ل �م�لاح �ظ��ات ال��زب��ائ��ن ت� ��ؤدي �أدوار ًا م�ح��ددة �صغيرة ت� ��ؤدي كلها واقتراحاتهم حول م�ستوى الخدمات المقدمة ب�صورة مجتمعة لنجاح الم�شروع ،و�أي خلل في الم�شروع .ويو�ضع ال�صندوق في مكان ي�صيب عن�صر �أو �أكثر من عنا�صر الم�شروع، بارز ،ويف�ضل توفير ا�ستمارة خا�صة لتقديم ف�إنه �سيكون بال �شك عام ًال ه��دام� ًا يدفع اق�ت��راح��ات�ه��م وم�لاح�ظ��ات�ه��م ب���ش��أن ال�سلع بالم�شروع �إل��ى الف�شل� ،إذا لم يجر تدارك �أو الخدمات التي يقدمها الم�شروع .ومن الخلل وت�صويبه في الوقت المنا�سب. المهم درا�سة تلك المالحظات واالقتراحات بعناية ،وتقدم ه��ذه الخطوة خدمة ذهبية وم��ن ال�ضروري �أن يتولى عملية المتابعة والتقويم �صاحب الم�شروع �أو من يفو�ضه. مجانية ل�صاحب الم�شروع ،تنعك�س �إيجابي ًا وكذلك ف�إن الجهة المانحة -في حالة �إذا على تح�سين م�ستوى خ��دم��ات الم�شروع. كان الم�شروع ممو ًال من جهة تمويل حكومية وقد حدث ذلك مع كاتب هذه ال�سطور قبل �أو م�ؤ�س�سة متخ�ص�صة – يترتب عليها �سنوات عندما ق��دم اقتراح ًا يتعلق بتدني االهتمام بعملية المتابعة والتقويم للم�شروع م�ستوى الخ�ضروات الورقية المباعة في �أحد
اجلوبة -خريف 1434هـ 115
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
االت��ج��اه ق�ب��ل �أن ي�ت�ح��ول �إل���ى ان �ح��راف، والتراجع عن الخط�أ قبل �أن يكبر ويتفاقم. ومن الحكمة الإفادة من التجارب والأخطاء وت�صويبها �أو ًال ب�أول.
-8توافر المعلومات والبيانات الالزمة لجميع العنا�صر والن�شاطات الداخلة في الم�شروع، و�إدامة متابعة تحديثها �أو ًال ب�أول ،واالطالع ع �ل��ى �آخ� ��ر ال�م���س�ت�ج��دات ف��ي ال �م �ج��االت المتعلقة بالمنتج الخا�ص بالم�شروع� ،إ�ضافة للت�أكد من نجاحه وتقديم الن�صح والتوجيه �إل��ى متابعة ك��ل م��ا يتعلق ب��ال�م��واد الأول�ي��ة ل�صاحب الم�شروع والدعم المعنوي ل�ضمان ال�ضرورية لت�شغيل الم�شروع ،وتطور ال�سوق نجاحه وعدم ف�شله .ويترتب على ذلك حفز وعملية ت�سويق المنتج. �صاحب الم�شروع على العمل بجدية لإنجاح ال�م���ش��روع وت �� �ض��ا�ؤل ن�سبة التفريط التي -9التن�سيق الم�ستمر مع الجهات ذات العالقة تالحظ في حال الم�شروعات المدعومة من بالتنفيذ وتوريد اللوازم والت�سويق وغيرها0 الجهات الحكومية. -10المحافظة على ا�ستمرارية جودة الإنتاج. ومن المهم �أن ت�ستمر عملية التقويم على �ضوء النتائج العملية والظروف المتغيرة -11الحذر من العوامل التي ت�ؤدي �إلى �إ�ضعاف �أو ف�شل الم�شروع وتالفي حدوثها منذ البداية. لتن�ضج على ن��ار ه��ادئ��ة ،وم��ن َث��مَّ تعديل
* كاتب ،ومدرب �سابق في مجال الم�شروعات ال�صغيرة. 116اجلوبة -خريف 1434هـ
تقنيات التعليم واالت�صال في عمليتي التع ّلم والتعليم ■ د .حممد عامر البلخي -جامعة اجلوف*
تعددت االتجاهات حول ماهية تقنيات التعليم؛ فبع�ضها يركز على الآلة والجهاز، ك�أجهزة التلفزيون ،وال�سبورة ال�ضوئية ،والفيديو ،والحا�سوب؛ وبع�ضها الآخر يركز على البرنامج ال��ذي يُنقل للمتعلمين بوا�سطة الآل��ة والجهاز ،كبرامج التلفزيون، و�شفافيات ال�سبورة ال�ضوئية ،والفيديو ،وبرامج الحا�سوب. يت�سم ك��ل م��ن االتجاهين ال�سابقين بالق�صور وع��دم ال�شمولية ،لعدم �إمكانية ا�ستخدام الجهاز �أو البرنامج ب�صورة م�ستقلة عن الأخرى. ل�ي����س الأم� ��ر ق��ا� �ص��را ع �ل��ى الأج��ه��زة وال�ب��رام��ج ،بل �إن التعريف النظامي في التربية ينظر �إل��ى تقنيات التعليم نظرة نظامية« ..فتقنيات التعليم ،تعني ا�ستخدام الو�سائل والأج�ه��زة والأ�ساليب والبرامج والمنتجات العلمية من �أجل تح�سين فعالية التدري�س» (ال�ق�لا ،فخر ال��دي��ن:1985 ، «ب»)« .وه��ي التطبيق المنظم للمعرفة في ت�صميم عمليات التعلم وتخطيطها» (الح�صري1995 ،م.)391 ، وقد �أورد (الفرجاني) ب�أن التكنولوجيا Technologyم�صطلح مركب من مقطعين:
« »Technoوهي كلمة يونانية بمعنى حرفة �أو �صنعة �أو ف��ن ،و« »Logyبمعنى عِ لم، وهناك من يعتبر الجزء الأول من كلمة Technologyم�شتق ًا من الكلمة الإنكليزية « »Techniqueبمعنى «التقنية» �أو «الأداء التطبيقي» ،م�ستندا �إل��ى �أن هناك �صلة بين الكلمتين اليونانية والإنكليزية من حيث اال�شتقاق اللغوي ،ومن حيث المعنى، فالحرفة �أو ال�صنعة ما هي �إال تقنية �أو تطبيق �أدائ��ي لفكرة معينة (الفرجاني: 1993م.)20 ، فتقنيات التعليم م�صطلح يُ�ستخدمُ بدال اجلوبة -خريف 1434هـ 117
118اجلوبة -خريف 1434هـ
د .موافق بن فواز الرويلي
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
من تكنولوجيا التربية �أو تكنولوجيا التعليم .وقد �أو من �آلة �إلى �آلة �أخرى» (حمدان ،محمد زياد, �أ�شارت الدرا�سات والبحوث �إلى �أن ا�ستخدام « :1982ب»). تقنيات التعليم واالت�صال ،يوفر الجهد والوقت �أم��ا بريتز ( )Bretzeفقد ع �رّف االت�صال الذي يبذله المدر�س مع طالبه ،ويعطي مردودا الفعال ب�أنه «حالة من المطابقة بين �شخ�صين تعليميا �أف�ضل .فقد ذك��ر ك��ود ( )Goodهـذا مو�صلين �أو �أكثر ،بحيث يجيب كل منهما الآخر» المعنى «ب� ��أن وج��ود و��س��ائ��ل ات���ص��ال تعليمية (.)Bretze، R: 1983, 13 منا�سبة بين �أي��دي الأط�ف��ال والمعلمين ،يقلل ويتبين من التعريفات ال�سابقة� ،أن االت�صال من االلتبا�س في فهم وتف�سير �أ�سئلة المعلمين و�إجابات الأطفال» ( ،Goodعن :الحاج عي�سى /عملية هادفة متكاملة ،ال ت�سير باتجاه واحد ،بل تت�أثر بالتفاعل المتبادل بين عنا�صرها .ويمكن والعمري 1988م.)68 ، �أن يتخذ االت�صال �صورا ثالث: وذك��ر محمد ها�شم الح�سن �أن التقنيات التربوية ،ت�سهم في �إي�صال المعارف والحقائق -1االت �� �ص��ال ب�ي��ن الإن �� �س��ان والإن�����س��ان :مثل م��ا ي�ح��دث بين ال�م��در���س وال�ط��ال��ب ،وبين وال�م�ع�ل��وم��ات للطالب بجهد �أق ��ل ،وف��ي وقت المدر�سين �أنف�سهم ،وبين الطالب وزمالئه. �أق�صر (الح�سن1990 :م)71 ،؛ �أي �أنها ذات فاعلية وكفاءة منا�سبة في �أنظمة التعليم. -2االت���ص��ال بين الإن���س��ان والآل� ��ة :وه��و �آخ��ذ باالنت�شار في مجاالت التعليم نظرا للتقدم ت�سهم عملية االت�صال في عمليتي التعلم التقني والعلمي ،وما ترتب عليه من ات�صال والتعليم ،فقد ع��رف (ال�ط��وب�ج��ي) االت�صال المتعلم ب ��الآل ��ة ،ك��ا��س�ت�خ��دام ال�ح��ا��س��وب تعريفا �إج��رائ�ي��ا «ب ��أن��ه العملية التي يتم من والتلفزيون التعليمي والفيديو ،وف��ي هذه طريقها انتقال المعرفة من �شخ�ص لآخر ،حتى الحالة يتفاعل المتعلم مع البرنامج التعليمي ت�صبح م�شاعا بينهما ،وت�ؤدي �إلى التفاهم بين ال��ذي �سبق �إع���داده ،ويتحكم ب��ه المدر�س هذين ال�شخ�صين �أو �أكثر ،وبذلك ي�صبح لهذه والمتعلم معا وف��ق حاجاتهما ،م��ا يي�سر العملية عنا�صر وم�ك��ون��ات ،ولها ات�ج��اه ت�سير عملية التقويم ال �ف��وري ع��ن طريق تثبيت فيه ،وهدف ت�سعى �إلى تحقيقه ،ومجال تعمل اال�ستجابات ال�صحيحة وت�صحيح الخاطئة فيه وي�ؤثر فيها؛ ما يخ�ضعها للبحث والتجريب وفق مبد�أ التغذية الراجعة. وال��درا� �س��ة العلمية ب��وج��ه ع ��ام» (الطوبجي: 1988م.)25 ، -3االت�صال بين الآلة والآلة :ومن �أمثلته التفاعل بين الفيديو والحا�سوب ،ما ي�سمى الفيديو �أم��ا (ح �م��دان) ف�ع�رَّف االت�صال بمفهومه التفاعلي� ،أو االت�صال بين �شبكات الحا�سوب ال��وا� �س��ع ب ��أن��ه «ع�م�ل�ي��ة ي �ت��م ب��و��س��اط�ت�ه��ا نقل العالمية و�أجهزة التلك�س والفاك�س ،والهاتف المعلومات �أو المهارات �أو الميول والقيم من المزود ب�إ�ضافات وو�صالت بينية ،واللوحات فرد لآخر� ،أو من فرد �إلى مجموعة من النا�س، الإخبارية الإلكترونية ،والبريد الإلكتروني �أو من فرد �إلى كائن حيواني� ،أو من فرد �إلى �آلة، �أو من مجموعة من النا�س �إلى مجموعة �أخرى، (.)Schiller: 1993، 36
■ املحرر الثقايف
ولد د .موافق بن فواز بن حالف الرويلي عام 1371ه��ـ في بلدة قارا ،على م�سافة اثني ع�شر كيلومترا جنوب �شرقي مدينة �سكاكا حا�ضرة منطقة الجوف. تلقّى علومه االبتدائية والمتو�سطة والثانوية في مدار�سها ،وانتقل عام 1390هـ �إلى الريا�ض العا�صمة التي لم ي�شعر فيها قط بالغربة �أو االغتراب على حد تعبيره ،وربما يعود ذلك �إلى عدم وجود تباين كبير بين «حوا�ضر» ال�شمال والريا�ض في ذلك الوقت، �إ�ضافة �إلى �أن هناك «�شِ لالً» �شمالية كبيرة هاجرت باكراً للعمل والدرا�سة فيها ،وكان هو «ع�ضواً» في غالبها(.)1 يدين كثيراً �إلى تخ�ص�صه «المناهج»� ،إذ علّمه كيف يتفاعل مع الحياة ومتغيراتها المختلفة ..له نتاج علمي داخلي وخارجي ،خرج من الجامعة ليبد�أ رحلة جديدة مع القطاع الخا�ص ين�شد من خالله البحث عن الجديد والبعد عن القوالب التي قد يمل منها الإن�سان في م�شواره.. ال جديداً في حياته ،ويكر�س كل خبراته وعلمه في دخل مجل�س ال�شورى ليبد�أ ف�ص ً �صياغة ومراجعة قرارات تهم المجتمع وم�ؤ�س�ساته.. ال يذكر ا�سمه �إال وتلوح ق�ص�ص ال�شهادات الوهمية وحملته الإلكترونية عليها. م�ؤهالته العلمية
الأمريكية1986/8/1 ،م.
ال��دك �ت��وراه :مناهج التعليم الثانوي - ،الماج�ستير :مناهج التعليم الثانوي،ك�ل�ي��ة ال��درا���س��ات ال�ع�ل�ي��ا -جامعة كلية الدرا�سات العليا -جامعة �أيوا، �أي ��وا� ،أي��وا �ستي ،ال��والي��ات المتحدة �أي��وا �ستي� ،أي ��وا ،ال��والي��ات المتحدة
اجلوبة -خريف 1434هـ 119
البكالوريو�س :تدري�س االجتماعيات ،كليةالتربية -جامعة الملك �سعود ،الريا�ض، المملكة العربية ال�سعودية1398 ،هـ. الحياة العملية ع�ضو مجل�س ال�شورى1430 ،هـ. نائب رئي�س �أول – مدير التعيينات والتدريب– بنك الريا�ض2005/6/11 ،م. م�ست�شار التدريب (غير متفرغ) المعهدالم�صرفي م�ؤ�س�سة النقد العربي ال�سعودي، 1417هـ. ع�ضو لجنة ال��درا� �س��ات العليا بالمعهدال�م���ص��رف��ي -م��ؤ��س���س��ة ال �ن �ق��د ال�ع��رب��ي ال�سعودي1418 ،هـ. ال �م �� �ش��رف ع �ل��ى االب��ت��ع��اث وال��ت��دري��ب،الم�ؤ�س�سة العامة للت�أمينات االجتماعية، 2005-2003م.
كلية التربية ،جامعة الملك �سعود ،الريا�ض، 1406/11/27هـ.
-م�ست�شار االبتعاث والتدريب (غير متفرغ)، الم�ؤ�س�سة العامة للت�أمينات االجتماعية - ،معيد علمي :المناهج وطرق التدري�س ،كلية التربية ،جامعة الملك �سعود ،الريا�ض، 2003-2002م. 1398/7/27هـ. �أ�ستاذ م�شارك :المناهج وطرق التدري�س،كلية التربية ،جامعة الملك �سعود ،الريا�ض - ،م �� �س��اع��د ر�� �س ��ام خ� ��رائ� ��ط :ال �م �� �س��اح��ة الجوية ،وزارة البترول والثروة المعدنية، 1413/9/10هـ. 1390/7/23هـ. م�س�شار التدريب (غير متفرغ) ،م�ؤ�س�سةالإنتاج العلمي �أنظمة نجوم الخليج1996-1994 ،م. � -أ�ستاذ م�ساعد :المناهج وطرق التدري�س،
120اجلوبة -خريف 1434هـ
-
McLure.
J.
&
Al-Ruweili
M.
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
الأمريكية1982/12/18 ،م.
�سلك ال��دك��ت��ور م��واف��ق ب��ن ف��واز الرويلي ع�ضو جمل�س ال�شورى دربا طويلة� ,أخذت من وقته وجهده �أكرث من خم�س �سنوات ليك�شف عن �أكرث من � 7000آالف �شخ�ص يحملون ال�شهادات الوهمية يف اململكة بني م�س�ؤولني يف القطاعني العام واخلا�ص وا�ست�شاريني ومدربني ,وليتح�صل على م�شروع قرار من جمل�س ال�شورى �ضد َح َملة هذه ال�شهادات ,وتو�صية ب�إن�شاء مركز وط��ن��ي مل��ع��ادل��ة وت��وث��ي��ق ال�شهادات العليا. �سره كثري ًا هذا االنت�صار� ,ضد وقد ّ َح َملة ال�شهادات الوهمية ,م�ؤكدا �أن الت�صويت ل�صالح ال��ق��رار ب���أك�ثر من � 106أ�صوات يعد انت�صارا كبريا ودعما واف���را م��ن �أع�����ض��اء جمل�س ال�شورى, حيث يعد من �أعلى ن�سب الت�أييد على م�شروع يطرحه املجل�س للت�صويت(.)2
«Organizational Arrangements in the North
of
Journal
»School.
Middle
Carolina League of Middle Schools, 9 (1), .(1987), 8-10
لكيفية معالجة المنهج لمحاوره» .مجلة جامعة الملك �سعود (العلوم التربوية)، م� ،)2( 2ص �ص1990( ،574-555 .م). الريا�ض.
- M. Al-Ruweili, & J. McLure. Core-Typeموافق بن ف��واز الرويلي« .تحليل ما وراءPrograms in the Middle School.» Middle ال �خ �ط��اب ف��ي ك�ت��ب ال�ج�غ��راف�ي��ا لمرحلة .School Journal, 20 (1), (1988), 41-43 ال�ت�ع�ل�ي��م الأ� �س��ا� �س��ي ب��ال�م�م�ل�ك��ة ال�ع��رب�ي��ة ال���س�ع��ودي��ة» .مجلة جامعة الملك �سعود موافق بن فواز الرويلي وعبد الفتاح محمد(العلوم ال�ت��رب��وي��ة) ،م ��� ،)2( 3ص �ص. ال �ج �ب��ر« .م��ا وراء ال �خ �ط��اب :تحليل ما 1991( ،480-451م) ،الريا�ض. وراء الخطاب ف��ي ن�صو�ص كتب المواد االجتماعية» .درا�سات تربوية ،م ،6ج - ،31م��واف��ق ب��ن ف��واز ال��روي�ل��ي وع�ل��ي ب��ن �سعد �ص ���ص1991-1990( ،120 - 99 .م)، ال� �ق ��رن ��ي« .م � ��ؤه �ل�ات ووظ���ائ���ف م��دي��ر القاهرة. المدر�سة :درا�سة ا�ستطالعية لآراء مديري -موافق بن ف��واز الرويلي« .درا��س��ة تحليلية
التعليم بالمملكة العربية ال�سعودية» .مجلة
اجلوبة -خريف 1434هـ 121
علي ب��ن �سعد ال�ق��رن��ي وم��واف��ق ب��ن ف��وازال ��روي� �ل ��ي« .م � ��ؤه �ل�ات وم� �ه ��ام ال �م��وج��ه التربوي من وجهة نظر مديري التعليم في المملكة العربية ال�سعودية» .ر�سالة التربية وعلم النف�س ،ع � ،2ص ���ص،139-111 . (1990م) ،الجمعية ال�سعودية التربوية النف�سية ،جامعة الملك �سعود ،الريا�ض.
درا�سات قدمت لندوات علمية موافق بن فواز الرويلي« .النمو الإدراك��يوالنمو الج�سمي ودرا��س��ات المخ ك�أ�سا�س لمناهج المتحولين (� 10سنوات �إل��ى 14 � �س �ن��ة)» .ن ��دوة ال�ط�ف��ل وال�ت�ن�م�ي��ة-24( ، 26نوفمبر 1987م) ،وزارة التخطيط، الريا�ض.
موافق بن ف��واز الرويلي« .برنامج مقترح -موافق بن فواز الرويلي« .الكتاب المدر�سي:لتدريب المدر�سين �أثناء الخدمة مبني على منظور �إدراك��ي».ال �ن��دوة الثالثة لمديري �أ�سا�س احتياجاتهم التدريبية» .مجلة كلية التعليم بالمملكة العربية ال�سعودية-28( ، التربية ،ع ،16ج � ،1ص �ص،161-135 . 30م��ار���س 1988م) ،وزارة ال�م�ع��ارف، (1991م) ،جامعة عين �شم�س ،القاهرة. الريا�ض. موافق بن فواز الرويلي« .العلوم والتقنية م��واف��ق ب��ن ف ��واز ال��روي �ل��ي« .الإر�� �ش ��اداتفي خطط المنهج :درا�سة تحليلية نقدية». ال �ل �غ��وي��ة ف��ي ن���ص��و���ص ك �ت��ب ال�ج�غ��راف�ي��ا م��رك��ز البحوث ال�ت��رب��وي��ة ،كلية التربية، للمرحلة الثانوية» .اللقاء ال�سنوي للجمعية جامعة الملك �سعود1992( ،م) ،الريا�ض. الجغرافية ال�سعودية ،الجمعية ال�سعودية �أل��ن ج�لات�ه��ورن .ق�ي��ادة المنهج .ترجمةال�ج�غ��راف�ي��ة (1990م) ،ج��ام�ع��ة الملك �إبراهيم ال�شافعي� ،سالم �سيد �سالم ،ربيع �سعود ،الريا�ض. حموده ،موافق الرويلي ،مركز الترجمة، ح�ضر العديد من الم�ؤتمرات ،و�شارك فيجامعة الملك �سعود ،الريا�ض1995( ،م)، الريا�ض. كثير من الندوات والن�شاطات العلمية ،و�أ�شرف موافق بن فواز الرويلي« .مخالفات المنهج على عدة ر�سائل ماج�ستير في مجال المناهج.العلمي :مراجعة نقدية لكتابات علي مدكور وع�ضو فعال في كثير من اللجان والمجال�س ،له في المنهج» .درا�سات تربوية ،م ،10ج ،77الكثير من المهارات واالهتمامات. ( )1لقاء مع �صحيفة الحياة ٣٠مايو .٢٠١٢ ( )2لقاء مع �صحيفة الريا�ض 25مايو .2013
122اجلوبة -خريف 1434هـ
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
كلية التربية ،ع � ،13ص �ص،276-257 . (1989م) ،جامعة عين �شم�س ،القاهرة.
�ص �ص1995( ،330-320 .م) ،القاهرة.
التوعية ب�أمرا�ض �سرطان الثدي ندوة وور�شة عمل في منطقة الجوف ■ �إعداد :عماد املغربي*
نظمت م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري �إيمان بن يمين -مديرة برنامج الماج�ستير ال�خ�ي��ري��ة ،وب��ال �ت �ع��اون م��ع جمعية زه��رة بجامعة الملك في�صل. ل���س��رط��ان ال �ث��دي م���س��اء ي ��وم/الأرب� �ع ��اء �أل�ق��ت الأ��س�ت��اذة ه�ن��ادي ال�ع��وذة كلمة 2013/5/8م ف��ي الق�سم الن�سائي ب��دار ع��ن�« :إن �ج��ازات وخ��دم��ات جمعية زه��رة الجوف للعلوم ،ندوة عن�« :أمرا�ض �سرطان ل�سرطان الثدي» ،وتناولت �أوراق العمل: ال �ث��دي»� ،شاركت فيها متخ�ص�صات من «الك�شف المبكر لمر�ض �سرطان الثدي» م�ست�شفى ال�م�ل��ك في�صل التخ�ص�صي، للدكتورة �سعاد عامر ،والأ�ستاذة �إيمان بن ومركز الأبحاث بالريا�ض ،وهن :الدكتورة �سعاد محمد عامر-رئي�سة وح��دة �أبحاث يمين ،و«ال�صحة النف�سية» للأ�ستاذة هيفاء �سرطان الثدي ،والأ�ستاذة نوف ال�ضويان ال�شام�سي ،ثم ور�شة عمل عن« :الفح�ص –�أخ�صائية ع�لاج طبيعي ،والأ��س�ت��اذة الذاتي» للأ�ستاذة �أريج النجار.بعد ذلك ��س��ام�ي��ة محمد ع��ام��ر – ع�ضو م�ؤ�س�س قامت ال�ضيفات بجولة في متحف معالي بجمعية زهرة ل�سرطان الثدي بالريا�ض ،الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري، والأ�ستاذة �شريفة عبدالمنعم �-أخ�صائية ترافقهن الأ� �س �ت��اذة ب�سمة بنت محمود معلوماتية �إكلينيكية ،والأ��س�ت��اذة هيفاء ال�م��دن��ي –م�ست�شارة م��دي��ر ع��ام �إدارة ال�شام�سي�-أخ�صائية نف�سية ،والأ�ستاذة التربية والتعليم بالجوف. اجلوبة -خريف 1434هـ 123
يمثل الكتاب الطبعة الثانية من �أوراق عمل قدمت في ندوة ال�شعر العربي� ،سبق �أن عقدت في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية في العام 1406ه�ـ ،ونظرا لنفاد الطبعة الأولى ارت�أت الم�ؤ�س�سة �إ�صدار طبعة جديدة .ا�شتملت مادة الكتاب على ثالث ق�ضايا:
يمثل الكتاب الطبعة الثانية من �أوراق عمل قدمت في ندوة ال�شعر ال�شعبي� ،سبق �أن عقدت في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية في العام 1405هـ ونظرا لنفاد الطبعة الأولى ارت�أت الم�ؤ�س�سة �إ�صدار طبعة جديدة .ا�شتملت مادة الكتاب على:
-1م�شكالت نقد ال�شعر في المملكة. -2ال�شعراء المحدثون وتجربتهم في المملكة. -3دور ال�صحافة في النقد الأدبي.
-1الدور التاريخي والجغرافي لل�شعر العامي- الأ�ستاذ �سعد بن عبداهلل الجنيدل.
-2العامية لها جذور قديمة -الأ�ستاذ معي�ض البخيتان. �شارك فيها كل من :الدكتور �سعد البازعي، الأ�ستاذ �سعد م�صلح ال�سريحي ،الأ�ستاذ عبداهلل � -3ضوابط و�أوزان ال�شعر النبطي -الأ�ستاذ ابن �إدري�س ،الدكتور عبداهلل الحامد ،والدكتور عبدالعزيز الغزي. عبداهلل الغذامي. -4ال�شعر النبطي -الأ�ستاذ روك�س بن زائد كما ا�شتملت الندوة على وقفتين مع ال�شعر العزيزي. وال�شعراء �شارك في الأول��ى ال�شعراء� :أحمد عبداهلل ال�سالم ،و�أحمد عائل فقيه ،ومعي�ض -5كلمة نقدية تحليلية لل�شعر النبطي -الأ�ستاذ �أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري. البخيتان ،وف��ي الثانية :محمد ها�شم ر�شيد، ومعي�ض البخيتان ،و�أحمد عائل فقيه ،و�أحمد -6كما ت�ضمن الكتاب الق�صائد التي �ألقيت في تلك الندوة. زين العابدين ،ور�ضا حمود. 124اجلوبة -خريف 1434هـ
امل�ؤلف :حمزة كاملي
امل�ؤلف :حممد معت�صم
النا�شر :نادي جازان الأدبي
النا�شر :دار الوطن لل�صحافة والطباعة والن�شر
�أ�صدر نادي جازان الأدبي مجموعة ق�ص�صية بعنوان�« :أقمار خائفة» ،للقا�ص حمزة كاملي �ضمت �سبعة ع�شر ن�صا ق�ص�صيا ،جاءت تحت عناوين متنوعة ،منها« :نب�ض ال يتوقف»« ،جنون راق»« ،المحموم»�« ،أقمار خائفة»« ،كل �شيء يترمد»« ،ر�سالة» ،و«عادة».
�صدر للإعالمي والقا�ص المغربي محمد معت�صم عن دار الوطن لل�صحافة والطباعة والن�شر بالرباط مجموعة ق�ص�صية ،بعنوان: «�سيمفونية النوار�س» .في طبعة �أنيقة ،تزينها لوحة للفنان الت�شكيلي عبداللطيف الدري�سي. وت�ضم خم�س ع�شرة ق�صة نذكر منها:عتمة, انتظار ,لن �أ�سامح البحر ,ر�ؤى...
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :ندوة ال�شعر العربي حترير :هيئة الن�شر النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية الطبعة :الثانية 2013م
الكتاب :ندوة ال�شعر النبطي حترير :هيئة الن�شر النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية الطبعة :الثانية 2013م
الكتاب � :أقمار خائفة
الكتاب � :سيمفونية النوار�س
جاء في ن�ص «�أقمار خائفة»( :هناك ..تقبع �أن�صاف حيّة ،و�أقمار حالمة ،تخ�شى هي الأخرى الحار�س ..ذلك العجوز البدين الذي ال يتحدث ف��ي ميزانهم �إال �صدقا وال يكتب �إال واق�ع��ا.. جاهل ..ال يكتب لكنه يملي ويكتبون له .تتذكر الطالبات ق�صة زميلتهن ه��دى حين فتحت النافذة ذات ليلة لت�ستن�شق ريح المطر وتنام.. لتتفاج�أ في �صباح اليوم التالي ب�إعالن معلق وتبقى الإ�شارة �إلى �أن القا�ص محمد معت�صم في �أكثر من مكان« ..على الطالبة هدى الريفي يعد م�ؤ�س�س نادي الق�صة بالبروج �سنة 1996م، مراجعة مكتب م�شرفة ال�سكن للأهمية» قر�أتها كما ين�شر �إبداعاته وكتاباته في جرائد ومجالت هدى ..و�أحاطها القلق). مغربية وعربية. وقد قدم للمجموعة القا�ص والناقد المغربي �سعيد بوكرامي ،بتقديم بعنوان «نظرة مختلفة» نقر�أ منه ...« :يبدو بعد قراءة هذه المجموعة �أن القا�ص اختار الق�صة الواقعية التي تبحث في حياة بع�ض النا�س الذين يحاربون تاريخا من خيبة الأمل ،التي تتكرر كحلقة تعيد دورانها دون توقف ،وكلما كان الأمل �أكبر كانت الخيبة �أعنف.»...
اجلوبة -خريف 1434هـ 125
امل�ؤلف � :سمر حمد
امل�ؤلف � :إبراهيم م�ضواح الأملعي
النا�شر :دار عامل الكتب للن�شر والطباعة
النا�شر :م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي -ط2013( 2م)
ع��ن دار ع��ال��م ال�ك�ت��ب � �ص��در كتاب «م�شاعر محرمة» ت�أليف �سمر حمد، ت�ضمّن العديد من الخواطر التي كُتبت ب�شفافية ..
ج��اء الكتاب ف��ي (� )288صفحة يتحدث الم�ؤلف من خاللها عن مراحل مبكرة جدا للكثير من الأعالم والم�شاهير ف��ي دن�ي��ا الثقافة وال�ف��ن والأدب وال��دي��ن والإبداع� ،إذ تحتل كثير من هذه الأ�سماء �أبوابا يعتبر كل منها �أ�شبه بتحفة �أدبية �أو جل�سة ا�ستذكار لتاريخ هذا اال�سم �أو ذاك في متعتها ت�ساوي كتابا م�ستقال.
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :م�شاعر حمرمة
الكتاب :عندما كان الكبار تالمذة
دمى بال �أجنحة (رواية)
امل�ؤلف :حممد الفالج العنزي
تقول الكاتبة : دعونا نختلق الفرح وحياتنا ن�صنعها ب�أيدينا ن�سافر �إلى موطن ال�سعادة ومرافئ الدفء لنعي�ش ال�صباحات كلها ..نجعلها فائقة الجمال لن�أخذ من النور حيز ومن الهدوء مكان وقلي ًال من ال�شم�س والكثير الكثير من الفرح الفرح الأبدي الذي ال يرحل الذي نب�صمه على �أوراق �أيامنا بحبر ال يُمحى �أبداً .. 126اجلوبة -خريف 1434هـ
وقد �ضم الكتاب ف�صو ًال مهمة وطريفة لجمهرة من �أولئك العلماء والأدباء وال�شعراء في الوطن العربي �أمثال طه ح�سين ،ونجيب محفوظ ،وعلي الطنطاوي ،ومحمد ال�غ��زال��ي ،وعبدالوهاب البياتي ،ومتولي ال�شعراوي، ومحمد علي �شم�س الدين ،ويو�سف القر�ضاوي ،وجبرا �إبراهيم جبرا ،و�أحمد ال�سباعي ،وبنت ال�شاطئ ،وفدوى طوقان ،ورجب البيومي ،وجابر ع�صفور وغيرهم. وقد تتبع الألمعي �سيرهم وتراجمهم ودوَّن مراحل مبكرة م��ن حياتهم وه��م ف��ي مقاعد ال��در���س ومرحلة الت�شكل الثقافي وتحديد م�سارهم العلمي ب�أ�سلوب م�شوق يدفعك �إلى قراءة الكتاب الذي يحمل م�ضامين �إن�سانية وم�شاعر فيا�ضة.
النا�شر :امل�ؤلف نف�سه ال�سنة
2012 :م
«دم ��ى ب�لا �أج �ن �ح��ة» ..ن�ص يتحدث بعفوية عن الحرب الأمريكية على العراق من زاوية �إن�سانية بالغة ،تك�شف العديد من خفايا النف�س الإن�سانية .تعتمد الرواية -في �إحدى تقنياتها على تدفق الحوارات التي تثري الن�ص ،بين�شخ�صيات �إن�سانية باهرة بتلقائيتها ونبلها وعمق وعيها بالحياة ..والمالحظ في الرواية ثراء ال�شخ�صيات الإن�سانية ،وربما كان نموذج جاكلين الأمريكية �أروع ما جاء في الرواية. بد�أت «جاكلين» رحلة العمل مع مجموعة من الموظفين� ،ضمن المن�سقين في المنظمات الإن�سانية ،لإح�صاء عدد المحتاجين والفقراء الذين يفتقدون �أدن��ى و�سائل العي�ش والبقاء. جاكلين ف��ي ه��ذه ال��رواي��ة تمثل الإن���س��ان في ذروت��ه العليا ،الإن�سان ال��ذي يبت�سم ،وي�شعر كل من حوله بقيم التوا�ضع .جاكلين ال�شابة الأمريكية التي ما تمنت �شيئ ًا �سوى �أن تعود لبالدها ولم تتلطخ يداها �إال ب�إطعام الفقراء،
وال تنحني -ح�سب قولها � -إال لـ (العراقيين المهم�شين) ولي�س لها هوية �سوى الجن�سية الب�شرية. يختتم الكاتب روايته بتقديم و�صف بديع للطفل العراقي ال�صغير «يا�سر» ال��ذي ج��اء حام ًال دميته وقدميه الحافيتين اللتين ذاقتا �أ�شواك الأل��م والفقر واليتم ،ج��اء م�ه��رو ًال لجاكلين الوجه الب�شو�ش ،عله يجد م�أوى ،فمدت يديها ورفعته لأع�ل��ى ك��ي ترميه على �صدرها بكل ق��وة ،لكنها كانت النهاية .فقد دوى انفجار بطريقة ت�شبه الأف�لام ال�سينمائية ،فتناثرت �أطهر الأج�ساد ،مختلطة بقطع حديد ال�سيارة المفخخة ،وبدمية يا�سر التي �سقطت بنف�س المكان ال��ذي كان يلعب فيه .وتنتهي الرواية وقد �ضاع ج�سد جاكلين الذي تناثر �أ�شالء في كل مكان ،ومختلط ًا بدمى بال �أجنحة. �إنها رواية مترعة ب�آمال نفو�س ال�ضعفاء التواقة �إلى قيم الحق والخير والجمال.
اجلوبة -خريف 1434هـ 127
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
من �إ�صدارات اجلوبة
تجربة متميزة ■ حممد جميل �أحمد*
ظ�ل��ت ال�ك�ت��اب��ة ف��ي مجلة (ال �ج��وب��ة) ،وغيرها ،من خالل مقاربات �شكلت ر�صيدا بالن�سبة لي ،تجربة متميزة لجهة انطالقها مهما في ر�ؤيتها ور�صيدها وتجربتها. م��ن خ�ل�ال ع�لاق � ٍة ك��ان الأ� �س��ا���س فيها: ربما كانت تجربة مجلة (الجوبة) تفاعال خالقا ق��ام منذ البداية في ا�ستقطابها للكتابة العربية ع �ل��ى اال� �س �ت �ج��اب��ة ل �ت �ح��دي المبدعة العابرة ب�شرطها ح�سا�سية ن��وع�ي��ة ل�ل�إب��داع الإن �� �س��ان��ي ت�ج��رب��ة ف��ري��دة ب �ح �ث��ت ع �ن �ه��ا ال �م �ج �ل��ة، ف��ي ن��وع�ه��ا ف��ي المنطقة وانخرط فيها الكثير من العربية؛ �إذ ،ا�ستطاعت المبدعين ال�ع��رب؛ كُتاب ًا (الجوبة) تحقيق التناغم و�شعرا ًء ونقاداً ،من خالل الفريد في الكتابة العربية منابر حرة ،عرف �صديقنا حين �شكلت مجازا مندمجا الأ� �س �ت��اذ �إب��راه �ي��م الحميد ب�ي��ن �أق��ال �ي��م ال�ك�ت��اب��ة العربية رئي�س تحرير مجلة (ال�ج��وب��ة)، ومناخاتها؛ فهي كتابة منعك�سة من كيف يربطهم بخيارات المجلة لكونها في دوائ��ر متداخلة محلية �سعودية وعربية، الأ�سا�س خياراتهم هم �أنف�سهم في الكتابة بطريقة ال يمكن تمثلها �إال وف��ق تعريف والإب ��داع .وهكذا ،راكمت المجلة بمرور الكتابة ذاتها بو�صفها �إبداعا. الأعوام قاعدة من الكتّاب والمبدعين عبر وب �� �ص��دوره��ا ع ��ن م ��ؤ� �س �� �س��ة الأم �ي��ر ح�سا�سيات عربية مختلفة ،وا�ستطاعت �أن عبدالرحمن ال�سديري الخيرية بمنطقة تعك�س من خاللهم تجارب متجددة في الجوف التاريخية والأثرية؛ �ستظل مجلة الكتابة. (ال �ج��وب��ة) �إح� ��دى �أه ��م ت �ج��ارب العمل �إن الكتابة في (الجوبة) على الرغم من �إطاللتها الف�صلية ،راهنت با�ستمرار على تدوين ملفات ومحاور ثقافية مهمة في ال�شعر والق�صة والرواية و�أدب الطفل
* كاتب من ال�سودان. 128اجلوبة -خريف 1434هـ
الثقافي الأهلي الذي ثابر على الكثير من التحوالت من �أج��ل تقديم م��ادة �إبداعية مرموقة وناظمة لمعنى الكتابة بين مختلف تلك الدوائر.
�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية