41 الجوبة Aljoubah مجلة

Page 1

‫ملف العدد‪:‬‬

‫درا�سات ونقد‬ ‫�سرية و�إبداع‬ ‫مواجهـــــات‬ ‫نوافـــذ‬

‫حروفيات الخط العربي‬

‫‪41‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫‪ -2‬دعم البحوث والر�سائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(�أ) ال�شروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy.org.sa‬‬


‫الـمحتويــــات‬

‫العدد ‪41‬‬ ‫خريف ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‬ ‫‪6.........................‬‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬

‫حروفيات الخط العربي‬

‫امل�شرف العام‬ ‫�إبراهيم احلميد‬ ‫�أ�سرة التحرير‬ ‫حممود الرحمي‪ ،‬حممد �صوانة‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫الإخراج الفني‬ ‫خالد بن �أحمد الدعا�س‬ ‫املرا�سالت‬ ‫توجه با�سم امل�شرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.aljoubah.org‬‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‪.‬‬

‫‪56.......................‬‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� - 1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مل ي�سبق ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب‪،‬‬ ‫على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫الفنان الت�شكيلي �أحمد نا�صر ال�سالمة‬

‫يوظف الحروف في فنه‬

‫‪63.......................‬‬ ‫ال�شاعر �سليمان الفل ّيح‬ ‫�صناجة ال�صحراء‬

‫النا�شـــــــــر‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ املوافق‬ ‫‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام ‪1383‬هـ املعروفة با�سم دار‬ ‫اجلوف للعلوم‪ .‬وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‪ ،‬ودعم البحوث والر�سائل العلمية‪،‬‬ ‫و�إ�صدار جملة دورية‪ ،‬وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية‬ ‫الأهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬ويف عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة‬ ‫الغاط (مركز الرحمانية الثقايف)‪ ،‬له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف‬ ‫اجلوف‪ ،‬بوقف م�ستقل‪ ،‬من �أ�سرة امل�ؤ�س�س‪ ،‬لل�صرف على هذا املركز ‪ -‬الفرع‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪103......................‬‬ ‫الكاتبة حرية �سليمان‬ ‫الغالف‪ :‬نماذج من جماليات الخط‬ ‫العربي‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4 ........................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬حروفيات الخط العربي‪ :‬د‪� .‬إبراهيم ال� ّده��ون‪ ،‬الزبير ‪6‬‬ ‫مهداد‪ ،‬خلف �سرحان القر�شي‪ ،‬عبدالغني فوزي‪� ،‬أ‪.‬د‪.‬خالد فهمي‪ ،‬غازي‬ ‫خيران الملحم‪ ،‬مع�صوم محمد خلف‪ ،‬مر�سي طاهر‪ ،‬هاني الحجي‪،‬‬ ‫الخطاط بدر عبيد الزارع‪ ،‬الفنان الت�شكيلي �أحمد ال�سالمة‪............‬‬ ‫درا�سات ونقد‪ :‬ال�شاعر �سليمان الفليّح‪� ..‬صناجة ال�صحراء ‪63 -‬‬ ‫د‪ .‬محمود عبدالحافظ خلف اهلل‪............................‬‬ ‫الوجه الآخ��ر للغرب في رواي��ة «لم �أر ال�شالالت من �أعلى» ‪68 -‬‬ ‫فاطمة الزهراء بني�س‪..........................................‬‬ ‫متعة ال�سرد في «�أجمل رجل قبيح في العالم» لف�ؤاد قنديل ‪71 -‬‬ ‫ه�شام بن�شاوي ‪.................................................‬‬ ‫عزيزي �صديق المرحوم للروائي العالمي �أندريه كوركوف ‪76 -‬‬ ‫�إينا�س العبا�سي ‪................................................‬‬ ‫�شهوة الروح‪� :‬أو «�أ�شياء منك في القلب» لل�شاعر‪ :‬محمد زيتون ‪78‬‬ ‫ رفعت الكنياري تطوان‪.......................................‬‬‫ق�ص�ص ق�صيرة‪� :‬أنهار الدمع ‪ -‬عبدالواحد الحميد ‪80 ..........‬‬ ‫ن�صو�ص ‪ -‬عبداهلل ال�سفر ‪83 .......................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة ‪ -‬حنان بيروتي‪84 .....................................‬‬ ‫لحظة ‪ -‬رامي هالل‪86 .................................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا ‪� -‬شيمة ال�شمري ‪87 ..............................‬‬ ‫بال ذاكرة ‪ -‬عبدالرحيم الما�سخ‪88 ....................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا ‪ -‬محمد عز الدين التازي‪89 .....................‬‬ ‫�شعر‪ :‬اللقاء ‪� -‬سليمان عبدالعزيز العتيق ‪90 .......................‬‬ ‫�ش�آم يا وهجَ التّاريخ ‪� -‬شاهر �إبراهيم‪91 ..........................‬‬ ‫ناجيتُ عينيك! ‪ -‬مالك الخالدي ‪92 ..............................‬‬ ‫�أنثى ال�سراب ‪ -‬د‪ .‬فواز بن عبدالعزيز اللعبون‪93 .................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬ال�شاعر محمد خ�ضر حاوره‪ :‬عمر بوقا�سم‪95 ..........‬‬ ‫الكاتبة حرية �سليمان ‪ -‬حاورها‪ :‬حمدي ها�شم ‪102 ................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬القيمة الإن�سانية بين النحت الم�صري القديم والنحت ‪108‬‬ ‫المعا�صر ‪� -‬أ‪ .‬د‪ .‬علي ال�صهبي‪.................................‬‬ ‫كيف ينجح م�شروعك الإنتاجي ال�صغير؟ ‪ -‬محمد �صوانة ‪112 .....‬‬ ‫تقنيات التعليم واالت�صال في عمليتي التعلم والتعليم ‪ -‬د‪117 .‬‬ ‫محمد عامر البلخي‪............................................‬‬ ‫�سيرة و�إبداع‪ :‬د‪ .‬موافق بن فواز بن حالف الرويلي ‪119 ...........‬‬ ‫الأن�شطة الثقافية‪ :‬التوعية ب�أمرا�ض �سرطان الثدي‪123 ..........‬‬ ‫قراءات ‪124 .........................................................‬‬ ‫عين على الجوبة ‪128 ..............................................‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫■ �إبراهيم احلميد‬

‫عندما يدلف ال�سائح �إلى ق�صر الحمراء في غرناطة‪� ،‬أو �إلى الجامع الكبير‬ ‫في قرطبة‪� ،‬أو حتى بقايا الجامع الكبير في �إ�شبيلية‪ ،‬وعندما يجيل �أحدنا‬ ‫النظر بالم�شاهدة ال�شخ�صية �أو عبر و�سائل االت�صال الحديثة في الم�أثورات‬ ‫الإ�سالمية والعربية‪ ،‬م�شرقا ومغربا؛ �أو عندما يطالع في �إحدى المخطوطات‬ ‫القديمة‪� ،‬أو الم�صاحف‪ ،‬والكتب اال�سالمية‪ ،‬وي�شاهد العبارات التي خطّ ها‬ ‫الخطّ اطون والفنانون الم�سلمون قبل �أكثر من �ألف عام �أو �أق��ل‪ ،‬يت�أكد حق‬ ‫الخطّ اط والفنان العربي اليوم �أن يفاخر بمرجعية ثقافية تاريخية ق َّل �أن‬ ‫توجد في عالم اليوم‪ ،‬الذي ال توجد فيه ثقافة مت�صلة لفن كهذا بهذا االمتداد‬ ‫التاريخي الم�شرف‪.‬‬ ‫�إنه‪ ،‬وعلى الرغم من حالة النكو�ص الح�ضاري التي ي�شهدها العالم العربي‬ ‫منذ �سنوات طويلة‪� ،‬إال �أن �صالت هذا العالم الكبير الممتد لم تنقطع مع جذوره‬ ‫وامتداداته الح�ضارية القديمة؛ ونجد ذلك متمثّال في المحافظة على �أعمدة‬ ‫ثقافية عديدة‪ ،‬تمثّل مرتكزات لثقافة الأم��ة وموروثها العظيم‪ ،‬و�أه��م ذلك‬ ‫القر�آن الكريم وال�سنة النبوية ال�شريفة‪ ،‬التي كانت منهال للبحث والإبداع؛ �إذ‪،‬‬ ‫رغم كل ال�صعوبات التي مرت بها الأمة من انهيار وتفرّق وا�ستعمار‪ ،‬فقد بقي‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫افتتاحية‬ ‫ال����ع����دد‬

‫هذان الم�صدران مُل ِهمَين دائما لكل تغيير وتطوير‪ ،‬ف�ضال عن ا�ستخدامهما‬ ‫كمعبّرين عن هذا الفن ونتاجا دائما يبهر الناظرين عندما تتحول عباراته �إلى‬ ‫�أجمل اللوحات والجداريات‪.‬‬ ‫و�إذا ولجنا �إل��ى الخط العربي بو�صفه و�سيلة من و�سائل حفظ القر�آن‬ ‫الكريم‪ ،‬ندرك كيف بذل الخطاطون الأوائل جُ َّل حياتهم في هذه الحِ رفة التي‬ ‫لم تكن متي�سّ رة �إال لقلة من نخبة المجتمع في الدواوين والمراكز‪ .‬وفي عالم‬ ‫اليوم‪ ..‬نجد �أن الدولة المدنيّة الحديثة بذلت جهودا حثيثة لتحفيز الخطاطين‬ ‫للإبداع‪ ،‬من خالل االعتناء بن�سخ القر�آن الكريم ون�شره من المغرب �إلى‬ ‫الم�شرق‪ ،‬وقد �أ�سهم التعليم الحديث في ن�شر ثقافة الخط وا�ستمراريته‪،‬‬ ‫وو�صوله �إلى م�ستويات باذخة الجمال‪ ،‬من خالل التوظيف الحروفي له في‬ ‫مختلف الأ�شكال‪.‬‬ ‫لقد �آن الأوان اليوم مع انت�شار التقنية الحديثة وانت�شار التعليم �أن يتم‬ ‫ن�شر ثقافة الخط العربي ب�شكل �أكبر و�أو�سع‪ ،‬وا�ستخدامها في الحياة العامة‬ ‫والخا�صة‪ ،‬وفي التعليم والتجميل؛ ف��إذا كان العرب الأوائ��ل قد حفظوا هذا‬ ‫الموروث و�أول��وه جُ َّل اهتمامهم‪ ،‬فمن الأول��ى اليوم �أن يتم االحتفاء بالخط‬ ‫والخطاطين وت�شجيعهم‪ ،‬وبث روح جديدة فيه‪ ،‬من خالل توجيه الأجيال‬ ‫الجديدة لتعلّمه ورعاية الموهوبين فيه‪ ،‬و�إبراز مواهبهم‪ ،‬ف�ضال عن ا�ست�ضافة‬ ‫المعار�ض ل��رواده ومحترفيه‪ .‬و�إن الكتابة حول الخط العربي‪ ،‬كفن �أ�صيل‬ ‫بتجليّات خطوطه وحروفه و�أبعاد ذلك تاريخيا وثقافيا‪ ،‬لها �أهمية بالغة للثقافة‬ ‫والإب��داع العربي لتحقيق غايات جليلة خدمة لهذا الفن‪ ،‬وت�شجيعا ووفاء له‪،‬‬ ‫فقد كان و�سيلة لإي�صال موروثنا وثقافتنا على مر الع�صور‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫■ �إعداد وتقدمي‪ :‬حممود عبداهلل الرحمي‬

‫■ د‪� .‬إبراهيم الدّ هون ‪ -‬جامعة ا َ‬ ‫جلوف‬

‫لم يعد الخط العربي مفخرة للعرب وحدهم‪ ،‬بل للم�سلمين عامة‪ ،‬في م�شارق‬ ‫الأر����ض ومغاربها‪ ،‬فقد �شكّل �أح��د المظاهر ال��ب��ارزة والرئي�سة‪ ،‬للح�ضارة العربيّة‬ ‫الإ�سالميّة‪ ،‬منذ �صيرورتها الأولى وحتى اليوم؛ فتطور مع تطورها‪ ،‬وله خ�صائ�صه‬ ‫ومزاياه الت�شكيليّة والتعبيريّة‪ ،‬التي �شهدت بدورها‪ ،‬تطوراً كبيراً‪ ،‬خالل مراحل تطور‬ ‫هذه الح�ضارة‪ ،‬وال يزال حتى يومنا هذا‪ ،‬مو�ضع اهتمام وبحث وتجريب‪.‬‬

‫لقد ك��رّم اهلل القلم والكتابة‪ ،‬فذكرهما في ال��ق��ر�آن الكريم مبا�شرة دون مواربة �أو تلميح‪،‬‬ ‫فقال تعالى‪} :‬ا ْق َر�أْ بِا�سْ ِم َربِّكَ ا َّلذِي خَ لَقَ‪ ،‬خَ لَ َق ْالإِن�سَ ا َن مِ نْ َعلَقٍ ‪ ،‬ا ْق َر ْ�أ َو َربُّكَ َْالأ ْك َرمُ‪ ،‬ا َّلذِي َع َّل َم‬ ‫ْ���ض َي ِر ُثهَا عِ بَادِيَ‬ ‫الر َ‬ ‫بِا ْل َقلَمِ{(‪ ،)1‬كما قال تعالى‪َ } :‬و َل َق ْد َك َت ْبنَا فِي ال َّزبُو ِر مِ ن َب ْع ِد ال ِّذ ْك ِر �أَ َّن ْ أَ‬ ‫ال�صَّ الِحُ ونَ{(‪ ،)2‬و�أق�سم بالقلم في مو�ضع �آخر‪ ،‬فقال ع ّز وجل‪} :‬ن وَا ْل َقلَ ِم َومَا يَ�سْ طُ رُونَ{(‪،)3‬‬ ‫ف�أول �أمر �صدر للر�سول – عليه ال�صالة ال�سّ الم‪ -‬هو (اقر�أ)‪ ،‬و�أوّل �آلة �أو �أداة ذكرها اهلل و�أق�سم‬ ‫بها هي (القلم)‪.‬‬

‫لقد ظ��لَّ الخط العربي محط اهتمام‬ ‫العرب والم�سلمين في �أ�صقاع انت�شارهم‬ ‫كلها‪ ،‬كونه لغة القر�آن الكريم الذي كان‬ ‫وال يزال‪ ،‬من �أهم عوامل حفظه وانت�شاره‬ ‫و�أبرزها‪.‬‬

‫‏ولعل من �أ�سباب ديمومة الخط العربي‪،‬‬ ‫وبقائه �أخّ ��اذا وملفتا ل�ل�أن�ظ��ار‪ ،‬مرونته‬ ‫وقابليته للتقنية والم�ستجدات من دون �أن‬ ‫يفقد روح��ه وعمق ج��وه��ره و�سر �سحره؛‬ ‫فالخط العربي ال��ذي ك��ان يكتب به على‬ ‫الجلود والرقاع والرق وورق البردى‪ ،‬تطاوع‬ ‫ب�سال�سة مده�شة مع الورق حين اكت�شافه‬ ‫وب��دء ا�ستخدامه‪ ،‬ناهيك ع��ن طواعيته‬ ‫لال�ستخدام حِ رف َّي ًا مع الخزفيات والمعادن‬ ‫وال �خ �� �ش��ب وال �م �� �ص �ن��وع��ات ال��زج��اج �ي��ة‬ ‫وال��زخ��رف��ة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ال�سيما ت�ل��ك التي‬ ‫تزينت بها الق�صور والم�ساجد‪ ،‬ومنازل‬ ‫ذوي الجاه والي�سار داخليا وخارجيا‪.‬‬

‫ولأهمية الخط العربي‪ ،‬وما يتمتع به من‬ ‫قدرات ت�شكيليّة ت�ؤهّ له للتجاوب مع �إبداعات‬ ‫وابتكارات الفنان العربي والم�سلم‪ ،‬في‬ ‫مجاالت الفنون كلها‪ ،‬انكبّ الخطاطون‬ ‫على ح�شد كل مهاراتهم لال�ستفادة من‬ ‫خ�صائ�ص الخط العربي ومزاياه الفريدة‬ ‫والبديعة‪ ،‬وا�ستنها�ض �أق�صى ما يمكن من‬ ‫الجماليات التي تكتنز عليها ت�شكيالت‬ ‫ح��روف��ه الر�شيقة المطواعة؛ ب��ل حر�ص‬ ‫ل�ه��ذا ك�ل��ه‪ ،‬ارت� ��أت الجوبه تخ�صي�ص‬ ‫بع�ضهم ع�ل��ى ت�ط��وي��ره��ا‪ ،‬واب �ت �ك��ار ط��رز ملفها لهذا ال�ع��دد ع��ن حروفيات الخط‬ ‫جديدة منها‪ ،‬تتوافق وتن�سجم مع كل فن العربي‪ ،‬والذي �شارك فيه نخبة من الكتاب‬ ‫جديد!! ‏‬ ‫والباحثين من داخل المملكة وخارجها‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫حروفيات الخط العربي‬

‫ّ‬ ‫الخط العربي؛‬ ‫ن�ش�أة‬ ‫جذور وت�أريخ‬

‫للخط العربي �أهمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫خا�صة بقلم غيره‪.‬‬ ‫ومكانة مرموقة؛ كونه يعتلي من�صة التّدري�س‬ ‫�أ ّم��ا ا�صطالحاً‪ :‬فيق�صد به ت�صوير اللّفظ‬ ‫في بع�ض مراحل التعليم من ناحية‪ ،‬ف�ض ًال ب��ر��س��م ح ��روف ه�ج��ائ��ه بتقدير االب��ت��داء به‬ ‫عن �أهميته الملحوظة لما له من �صلة وثيقة والوقوف عليه‪ .‬كما عُ رّفت الكتابة‪ :‬على �أنّها‬ ‫بالتطور الثّقافي للأمّة العربيّة‪ ،‬وعن�صر مهم نقو�ش مخ�صو�صة دا ّل ��ة على ال �ك�لام دالل��ة‬ ‫من عنا�صر القوميّة العربيّة‪.‬‬ ‫الل�سان على ما في الجنان‪ ،‬على ما في خارج‬ ‫الأعيان‪.‬‬ ‫الخط‬ ‫ّ‬ ‫تعريف‬ ‫لغةً‪ :‬ا�شتق من الجذر الثالثي‪( :‬خطط)‪،‬‬ ‫و�أورده ابن منظور ب�أنّه الطريقة الم�ستطيلة في‬ ‫ال�شّ يء‪ ،‬والجمع خطوط(‪.)4‬‬ ‫والخط‪ :‬الطريق‪ ،‬ويقال‪ :‬اتب ْع ذلك الخط‬ ‫وال تظلم عنه �شيئاً‪.‬‬ ‫وخ� ّ�ط القلم‪� :‬أي كتبَ ‪ ،‬وخَ � َّ�ط ال�شّ يء كتبه‬

‫وي�شير اب��ن خ �ل��دون ف��ي الف�صل الخا�ص‬ ‫بالخط والكتابة �إل��ى م�س�ألة ال�خ��ط‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«�إ ّن��ه ر�سم و�أ�شكال حرفية ت�دّل على الكلمات‬ ‫الم�سموعة الدّالة على ما في النّف�س‪ ،‬فهو ثاني‬ ‫رتبة من الدّاللة اللّغويّة‪ ،‬وهو �صناعة �شريفة‪،‬‬ ‫�إذ الكتابة من خوا�ص الإن�سان التي يميّز بها‬ ‫عن الحيوان‪ ،‬و�أي�ضاً‪ ..‬فهي تطّ لع على ما في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫ج ��اء ف��ي ال �م��وازن��ة ب�ي��ن ال �خ��ط وال � ّل �ف��ظ‪:‬‬ ‫«�إنَّ الخط واللفظ يتقا�سمان ف�ضيلة البيان‬ ‫وي�شتركان فيها‪ :‬من حيث �إنَّ الخط دا ٌّل على‬ ‫الألفاظ‪ ،‬والألفاظ دا ّل��ة على الأوه��ام‪ ،‬وذلك‬ ‫�أنّهما يعبّران عن المعاني‪� ،‬إال �أنَّ اللّفظ معنى‬ ‫متحرك‪ ..‬والخط معنى �ساكن‪ ،‬وهو �إن كان‬ ‫�ساكناً‪ ،‬يفعل فعل المتحرك ب�إي�صاله ك ّل ما‬ ‫ت�ضمنه �إل��ى الإف�ه��ام‪ ،‬وه��و م�ستقر في حيّزه‪،‬‬ ‫قائم في مكانه»(‪.)6‬‬ ‫وت�ب��اي�ن��ت ت�ع��ري�ف��ات وت�ف���س�ي��رات العلماء‬ ‫والباحثين للخط‪ ،‬فقيل‪� :‬إ ّن��ه علم يُعرف به‬ ‫�أح��وال ال�ح��روف في و�ضعها وكيفية تركيبها‬ ‫في الكتابة‪ ،‬وقيل الخط‪� :‬آلة ج�سمانية ت َْ�ضعُف‬ ‫بالترك وتقوى بالإدمان(‪.)7‬‬ ‫ومهما يكن من �أمر‪ ،‬ف�إنَّ الخط يبقى مَ َل َك ًة‬ ‫تن�ضبط بها حركة الأنامل بالقلم على قواعد‬ ‫مخ�صو�صة‪.‬‬ ‫البحث في الجذور‬ ‫�إِنَّ الكالم عن جذور الخط العربي ومعرفة‬ ‫�أوّل من خَ َّط العربيّة‪ ،‬يُع ّد �ضرب ًا من الم�ستحيل‪،‬‬ ‫واقتحام ًا لأمر ع�سير‪ ،‬وذلك لعدم وجود الأ�صل‬ ‫التّاريخي الر�صين الذي يمكن �أنْ ي�ستند عليه‬ ‫ال��دّار���س ف��ي تحديد �شكل ال �ح��رف العربي‬ ‫وجذوره الأولية‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫فما المعلومات وال�شّ ذرات المتناثرة التي‬ ‫�ساقها الم�ؤرخون في بطون الكتب القديمة‪� ،‬إ ّال‬ ‫خيوط واهية‪� ..‬سرعان ما تتال�شى عند لحظة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ال�ضمائر وتت�أدى بها الأغرا�ض �إلى البلد البعيد‬ ‫ّ‬ ‫فُتق�ضى الحاجات‪.)5(»...‬‬

‫التمحي�ص العلمي‪ ،‬ولع ّل ذلك يرجع ل�سببين‪،‬‬ ‫ه �م��ا‪� :‬إنَّ معظم ت�ل��ك الأح��ك��ام تعتمد على‬ ‫الروايات ال�شّ فويّة ال�سّ ريعة من ناحية‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن عدم وجود دليل علمي منطقي �سليم‪ ،‬يحدد‬ ‫الخط العربي‪ ،‬من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫بداية ر�سم ّ‬ ‫و�إذا رجعنا �إلى �أ�صل الخط العربي‪ ،‬فيرى‬ ‫بع�ض الم�ؤرخين �أنَّ الخط الذي كتب به العرب‬ ‫�أمر توقيفي من اهلل ع ّز وجل‪ ،‬عرفه �آدم قبل‬ ‫موته بثالثمائة �سنة‪ ،‬واعتمد �أولئك في ر�أيهم‬ ‫تف�سير ًا لقوله تعالى‪« :‬وَعَ � َّل��مَ �آدَمَ الأَ� ْ��س� َم��اء‬ ‫ُك َّلهَا»(‪.)8‬‬ ‫ولم يكتفوا بهذا الر�أي و�إنّما اثبتوا �أنَّ �آدم‬ ‫الخط العربي في الطين‪،‬‬ ‫عليه ال�سّ الم‪ -‬كتب ّ‬‫فلما ك��ان م��ا �أ� �ص��اب الأر�� ��ض م��ن ال�ط��وف��ان‬ ‫وال �غ��رق‪ ،‬وج��د ك � ّل ق��وم كتابهم‪ ..‬فكتبوا به‪،‬‬ ‫فكان �إ�سماعيل ‪-‬عليه ال�سّ الم‪ -‬قد وجد كتاب‬ ‫العرب‪ ،‬والذي يعد �أبا العرب الم�ستعربة‪ ،‬والتي‬ ‫فيها قري�ش‪� ،‬أوّل من تكلّم العربيّة(‪.)9‬‬ ‫وقيل‪� :‬إنَّ �أوّل من و�ضع الخط العربي رجل‬ ‫من طي‪ ،‬كان له ثمانية �أبناء‪� ،‬سمي ك ّل واحد‬ ‫منهم بكلمة‪ ،‬نحو‪�( :‬أب��ي‪ ،‬ج��اد‪� ...‬إل��خ)‪ ،‬بيد‬ ‫�أ ّن��ه هنالك رواي��ة �أكثر جمع ًا لحروف العربيّة‬ ‫تقول‪� :‬إنَّ �أوّل من اخترع و�أ ّل ��ف بين حروف‬ ‫الخط العربي �ستة �أ�شخا�ص م��ن ط�سم في‬ ‫جزيرة العرب‪ ،‬كانوا نزو ًال عند عدنان بن �أدد‪،‬‬ ‫وكانت �أ�سما�ؤهم‪�(:‬أبجد‪ ،‬هوّز‪ ،‬حطي‪ ،‬كلمن‪،‬‬ ‫�سعف�ص‪ ،‬قر�شت)‪ ،‬فو�ضعوا الكتابة والخط‬ ‫على �أ�سمائهم‪ ،‬فلما وج��دوا الأل�ف��اظ حروف ًا‬ ‫لي�ست م��ن �أ�سمائهم �ألحقوها بها و�سموها‬ ‫الروادف‪ ،‬وهي‪( :‬ث خ ذ‪� ،‬ض غ ظ)‪ ،‬ثمّ انتقل‬

‫عنهم �إلى الأنبار‪ ،‬واتّ�صل ب�أهل الجزيرة وف�شا ‪2.2‬الخط الحيثي‪ :‬الذي كان م�ستعم ًال قديم ًا‬ ‫في ال�شّ ام‪ ،‬وقد انقر�ض هذا النّوع �أي�ضاً؛‬ ‫في العرب ولم ينت�شر ك ّل االنت�شار(‪.)10‬‬ ‫لأنّ خ�ط� ًا �آخ��ر ح � ّل محلّه‪� ،‬أك�ث��ر واقعية‬ ‫والواقع �أنَّ هذه �أ�شهر الروايات التي تناولت‬ ‫و�أ�سهل ا�ستعماالً‪.‬‬ ‫ب��داي��ة ال�خ��ط ال�ع��رب��ي‪ ،‬والمتمعن فيها يجد‬ ‫ال�صيني‪ :‬وه��و ال�خ��ط الم�ستعمل‬ ‫االختالف جلي ًا وملحوظاً‪ ،‬غير �أنَّ تلك الروايات ‪3.3‬ال�خ��ط ّ‬ ‫في جنوب �شرقي �آ�سيا‪ ،‬وقد تفرّعت منه‬ ‫كلّها على ما فيها من غرابة‪ ،‬وعلى ما هي عليه‬ ‫�أنواع مختلفة‪ ،‬ما تزال م�ستعملة �إلى وقتنا‬ ‫من تناق�ض �أو اقتبا�س‪ ..‬يفتقر �إل��ى الدّليل‪،‬‬ ‫الحا�ضر‪.‬‬ ‫ويعوزها �سند من العلم والتّاريخ‪ ،‬وقد �أدرك‬ ‫‪4.4‬الخط الم�صري‪ :‬وهو الخط الذي انت�شر‬ ‫ابن خلدون خط�أ هذه الفكرة‪( :‬التوقيفية) �إذ‬ ‫ف��ي ال �ب �ل��دان ال �م �ج��اورة‪ ،‬نتيجة ام�ت��زاج‬ ‫يقرّر �أنَّ الكتابة من جملة �إف��رازات و�صنائع‬ ‫الأم��م واحتكاكها بالح�ضارة الم�صرية؛‬ ‫المدينة الإن�سانيّة المعي�شة‪.‬‬ ‫ومن فروعه الخط الفينيقي الأكثر �سهولة‬ ‫والأو�سع انت�شار ًا في �آ�سيا و�إفريقيا و�أوروبا‪.‬‬ ‫�إنَّ نظرة فاح�صة للروايات – الآنفة الذكر‪-‬‬ ‫تجعلنا نرجع الخطوط في الدّنيا لأربعة فروع‪،‬‬ ‫وع � ّد حفني نا�صف الخط الم�صري �أوّل‬ ‫تعد الأم �ه��ات لهذه الأ��ص�ن��اف المختلفة من حلقة من �سل�سلة الخط العربي‪ ،‬وق�سّ مه �إلى‬ ‫ثالثة �أنواع‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الحروف في العالم‪ ،‬وهي(‪:)11‬‬ ‫‪1.1‬الخط الم�سماري‪ :‬الذي ا�ستعمل في بابل �أ‪ -‬ال �خ��ط ال �م �� �ص��ري‪(:‬ه �ي��روغ �ل �ي��ف)‪ ،‬وه��و‬ ‫خا�ص ًا بالكهّان وخَ ��دَ مَ ��ة الدين‬ ‫ال��ذي ك��ان ّ‬ ‫و�آ�شور وما حولها من مناطق العالم‪ ،‬وقد‬ ‫وال يعرفه غيرهم؛ و�أط�ل��ق عليه الباحثون‬ ‫انقر�ض هذا النّوع ل�صعوبة التّعامل معه‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫ب‪ -‬خ� � ّ�ط ال��خ��ا� ّ��ص��ة‪ :‬و�أط� �ل ��ق ع �ل �ي��ه ا� �س��م‪:‬‬ ‫(ه�ي��راط�ي��ق)‪ ،‬وه��و خ� ّ�ط ع � ّم��ال ال��دواوي��ن‬ ‫وكتّاب الدولة‪.‬‬ ‫خط العامّة‪ :‬وي�سمّى (ديموطيق)‪ ،‬وهو خط‬ ‫ج‪ّ -‬‬ ‫الكاتبين من ال�شّ عب‪ ،‬وهو �أب�سط الأ�صناف‬ ‫الثالثة‪.‬‬ ‫والحلقة من �سل�سلة الخط العربي الفينيقي‬ ‫ن�سبة �إلى فينقيا‪ ،‬وهي �أر�ض كنعان على �ساحل‬ ‫البحر الأبي�ض المتو�سط‪ ،‬بمحاذاة لبنان‪.‬‬ ‫وم��ن المعهود ع��ن الفينيقيين ا�شتغالهم‬ ‫بالتجارة واحتكاكهم بالأمم المجاورة؛ فكان‬ ‫لمخالطتهم بالم�صريين دور ف��ي تعلمهم‬ ‫حروف كتاباتهم‪ ،‬ثمّ و�ضعوا لأنف�سهم حروف ًا‬ ‫خالية من التّعقيد ال�ستعمالها في المرا�سالت‬ ‫التجارية‪.‬‬ ‫ومن ك ّل ما تقدّم‪ ،‬يت�ضح �أنَّ الروايات التي‬ ‫تناولت الخط العربي‪ ،‬تنوّعت في م�صادرها‬ ‫بين را ٍو ين�سج حدثاً‪ ،‬وم�ست�شرق باحث يجهد‬ ‫في البحث‪ ،‬و�آخر ي�صنع حدثاً‪ ،‬يدعم ما يذهب‬ ‫�إليه‪ ..‬وفكرة يرجّ حها‪.‬‬ ‫�أعالم الخط العربي القدامى‬

‫‪10‬‬

‫بد�أ الخط العربي في بدايته بال نقاط‪� ،‬إلى‬ ‫�أنْ جاء �أبو الأ�سود الد�ؤلي في عهد عبدالملك‬ ‫الخط العربي‬ ‫ّ‬ ‫انت�شار‬ ‫اب��ن م� ��روان‪ ،‬ف��و��ض��ع ال�ن�ق��ط ع�ل��ى ال �ح��روف‬ ‫بد�أت ال�شّ رارة الأولى النت�شار الخط العربي‬ ‫المت�شابهة‪ ،‬مثل‪ :‬التاء‪ ،‬والثاء‪ ،‬والعين‪ ،‬والغين‪ .‬في �إفريقيا مع فتح العرب لم�صر‪� ،‬إذ عُ رّبت‬ ‫ث��مّ و�ضع بعد ذل��ك �أب ��واب العطف‪ ،‬والنعت‪ ،‬الدواوين‪ ،‬و�صكّت عملة جديدة بالخط العربي‬ ‫والتعجب‪ ،‬واال�ستفهام‪.‬‬ ‫في عهد عبدالملك بن مروان في العام ‪87‬هـ‪،‬‬ ‫وبعد ذلك جاء الخليل بن �أحمد الفراهيدي‪ ،‬ف�أدّى هذا �إلى انت�شار الكتابة بالخط العربي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وم��ن هنا‪ ،‬نجد انتقال الخط العربي من‬ ‫�شمالي �إفريقيا والأندل�س �إلى جنوبي فرن�سا‪،‬‬ ‫وو�صل �إل��ى �أقاليم اللوار الجنوبية في �أوائ��ل‬ ‫القرن الثاني للهجرة‪ ،‬وا�ستعمل الخط العربي‬ ‫في �صقلية وجنوبي �إيطاليا مدة قرنين ون�صف‬ ‫القرن‪ ،‬من ‪1091-832‬م‪ ،‬وذل��ك بعد �أن تمّ‬ ‫للعرب فتح هذه البالد(‪.)14‬‬ ‫كما ا�ستوطنت الجاليات العربيّة الأمريكيتين‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ا�سم(االندورا)‪.‬‬

‫فو�ضع ثماني عالمات هي‪ :‬الفتحة‪ ،‬وال�ضمة‪،‬‬ ‫وال�صلة‪،‬‬ ‫والك�سرة‪ ،‬وال�سّ كون‪ ،‬وال�شّ دة‪ ،‬والمدة‪ّ ،‬‬ ‫والهمزة(‪.)12‬‬ ‫كما نلحظ �أ ّن ��ه ف��ي �سنة ‪131‬ه � �ـ‪� ،‬أر��س��ى‬ ‫الخطاط «قطبة ال��م��ح��رر» ق��واع��د الخطوط‬ ‫ال�ك��وف� ّي��ة‪ ،‬وم��ن �سنة ‪139 -136‬ه � �ـ‪ ،‬اخترع‬ ‫�إبراهيم ال�شّ جري خطي الثلث والثلثين‪.‬‬ ‫وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق‪ ،‬قام �أخ��و �إبراهيم‬ ‫ال�شّ جري‪ ،‬الخطاط يو�سف ال�شّ جري باختراع‬ ‫خ��ط ج��دي��د ي�سمّى ال�خ��ط ال��ري��ا��س��ي‪( :‬خط‬ ‫التّوقيع حالياً)‪.‬‬ ‫�أمّا في عهد الم�أمون‪ ،‬فقد اخترع الخطاط‬ ‫ع �ل��ي ال��ري �ح��ان��ي خ �ط � ًا ج ��دي ��د ًا دع� ��اه خط‬ ‫الريحاني‪ ..‬ن�سبة �إلى ا�سمه‪ ،‬ثمّ تتابع ا�شتهار‬ ‫الخطاطين‪ ،‬فهذا الخطاط �أبوعلي محمّد بن‬ ‫الح�سن بن مقلة الذي �أر�سى قواعد خط الثلث‬ ‫والن�سخ‪ ،‬وقد حدّد طول الحرف‪ ،‬وتولى الوزارة‬ ‫لثالثة من الخلفاء العبّا�سيين‪ ،‬وفي �آخر �أيامه‬ ‫اعتقل ولقي ال�م�ك��اره‪ ،‬وقطعت ي��ده اليمنى‪،‬‬ ‫ومات في ال�سّ جن �سنة ‪1328‬م(‪.)13‬‬ ‫وا�ستم ّر الحال على هذه ال�شّ اكلة �إلى �أواخر‬ ‫القرن ال�سّ ابع الهجري‪ ،‬فقد ب��رز في تجويد‬ ‫الخط ياقوت بن عبداهلل الرومي الذي يلقب‬ ‫بقبلة ال ُكتّاب‪.‬‬

‫ولو �أنَّ الكتابة بالحروف القبطية ظلّت قابعة فانتقل ال�خ��ط ال�ع��رب��ي �إل�ي�ه�م��ا‪ ،‬و�أُ���ص��درت‬ ‫في الكنائ�س والأديرة‪ ،‬ثمّ انت�شر الخط العربي‬ ‫ال�صحف العربيّة في الواليات المتحدة‪ ،‬وكندا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫م��ن م�صر �إل��ى �شمالي �إفريقيا‪ ،‬وت �ط �وّر في والمك�سيك‪ ،‬والبرازيل‪ ،‬والأرجنتين وغيرها‪.‬‬ ‫المغرب‪ ،‬و�أ�صبحت له مميزات خاّ�صة‪ ،‬ولو �أنّه‬ ‫وهكذا‪ ،‬ا�ستعملت الخط العربي �أمم كثيرة‬ ‫لم يبعد كثير ًا عن �صورته الأ�صلية‪.‬‬ ‫مختلفة الأجنا�س وال�ع��ادات‪ ،‬متعددة اللّغات‬ ‫ون�شر المغاربة الخط العربي بين الأم��م وال� ّل�ه�ج��ات؛ ك��ال�ع��رب‪ ،‬والأت � ��راك‪ ،‬وال�ف��ر���س‪،‬‬ ‫الإفريقية وبخا�صة في �إقليم النيجر الأو�سط‪،‬‬ ‫والهنود‪ ،‬والماليو‪ ،‬والأفغان‪ ،‬والتتار‪ ،‬والأكراد‪،‬‬ ‫وقد ا�ستخدم الأحبا�ش الخط العربي في تدوين‬ ‫والمغول‪ ،‬والبربر‪ ،‬و�أه��ل ال�سودان‪ ،‬والزنوج‪،‬‬ ‫لغاتهم ولهجاتهم منذ هجرة الم�سلمين الأوائل‬ ‫وال�سواحليون‪ ،‬وغيرهم(‪.)15‬‬ ‫�إلى الحب�شة‪.‬‬ ‫وب�ع��د‪ ،‬فهذه رحلة ماتعة‪ ،‬و�صولة �سريعة‬ ‫مع الخط العربي مفهومه ون�ش�أته‪ ،‬وانت�شاره؛‬ ‫فالخط العربي مظهر داللي‪ ،‬وبعد �إ�شراقي على‬ ‫اتّ�ساع العقلية العربيّة‪ ،‬وا�ستيعابها لمظاهر‬ ‫ال�ح���ض��ارة الإن���س��ان� ّي��ة‪ ،‬م��ن ج�ه��ة‪ ،‬و�إب��داع � ّي��ة‬ ‫ابتكاريّة‪ ،‬من خالل توظيفهم الخط العربي‬ ‫في ت�شكيل لوحات زخرفيّة في غاية الفنيّة‬ ‫والجماليّة‪.‬‬

‫�سورة العلق‪ :‬الآيات ‪.4-1‬‬ ‫�سورة الأنبياء‪ :‬الآية ‪.105‬‬ ‫�سورة القلم‪ :‬الآية ‪.1‬‬ ‫ل�سان العرب‪ ،‬ابن منظور الإفريقي‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬مادة‪( :‬خطط)‪.‬‬ ‫تاريخ ابن خلدون‪.348/1 ،‬‬ ‫�صبح الأع�شى في �صناعة الإن�شاء‪ ،‬القلق�شندي‪� ،‬ص‪.5‬‬ ‫الخط العربي و�آدابه‪ ،‬محمّد طاهر المكي‪� ،‬ص‪.17‬‬ ‫تاريخ ّ‬ ‫�سورة البقرة‪ :‬الآية ‪.31‬‬ ‫الخط العربي؛ جذوره وتطوره‪� ،‬إبراهيم �ضمرة‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م‪� ،‬ص‪.11‬‬ ‫الفهر�ست‪ ،‬ابن النديم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.8 ،‬‬ ‫انظر‪ :‬ن�ش�أة الخط العربي وتطوره‪ ،‬محمود �شكر الجبوري‪.‬‬ ‫لال�ستزادة انظر‪ :‬الخط العربي الإ�سالمي‪ ،‬تركي عطية‪ ،‬دار التّراث الإ�سالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1395 ،1‬هـ‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬المجموعة النّادرة في الخط العربي والزخرفة‪ ،‬م�صطفى �سعد‪ ،‬مدر�سة الخطوط العربية‪ ،‬طنطا‪1989 ،‬م‪.‬‬ ‫الخط العربي‪ ،‬زكي �صالح‪ ،‬الهيئة الم�صريّة العامّة للكتاب‪1983 ،‬م‪� ،‬ص‪.54‬‬ ‫لال�ستزادة انظر‪ :‬انت�شار الخط العربي في العالم الم�شرقي والعالم المغربي‪ ،‬عبدالفتاح عبادة‪1983 ،‬م‪� ،‬ص‪.32‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪11‬‬


‫رحلة �إبداع‬

‫■ الزبري مهداد‪ -‬املغرب‬

‫انت�شرت الكتابة بين العرب منذ فجر الإ�سالم؛ فانفتحت �أمامهم �أبواب ف�سيحة لولوج عالم‬ ‫الكتابة والإبداع والتوا�صل الكتابي‪ .‬وذكر ابن النديم �أ َّن خالدا بن �أبي الهياج كان �أول مَن و ُِ�صف‬ ‫بح�سن الخط في ال�صدر الأول‪ ،‬وهو الذي كتب في قِبلة الم�سجد النبوي بالذهب �سورة ال�شم�س‪،‬‬ ‫وكتب للوليد بن عبدالملك الم�صاحف والأخبار‪ .‬ثم جاء بعده مالك بن دينار‪ ،‬وا�شتهر بتجويد‬ ‫الخط‪ .‬وفي الع�صر الأموي برز قطبة المحرِّر‪ ،‬يقول عنه ابن النديم‪ :‬كان من �أكتب النا�س على‬ ‫الأر�ض بالعربية‪ ،‬و�إليه ين�سب تحويل الخط العربي من الكوفي �إلى الخط الذي هو عليه الآن‪.‬‬ ‫�أما في الع�صر العبا�سي‪ ،‬فقد انتهت جودة‬ ‫الخط �إل��ى ال�ضحاك بن عجالن‪ .‬وممن جوَّد‬ ‫الخط في عهدي المن�صور والمهدي �إ�سحاق بن‬ ‫َ‬ ‫حمَّاد‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫تعليم الخط‬ ‫حكى ثابت بن عجالن عن تعلّمه الكتابة‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬كان المعلم يقول لي اكتب الميم‪ ،‬ف�إذا لم‬ ‫�أح�سنها قال د ِّو ْره��ا واجعلها مثل عين البقرة‪.‬‬ ‫وه��ذه ال�شهادة تفيد ب��أن العناية بتعليم الخط‬ ‫ك��ان��ت مو�ضع اه�ت�م��ام الم�سلمين‪ ،‬منذ فجر‬ ‫النه�ضة‪ ،‬وعي ًا ب�أهميته الثقافية والتوا�صلية‪.‬‬ ‫فبعد انت�شار مكاتب التعليم‪� ،‬أ�صبح معلم الكتاب‬ ‫مطالَب ًا بتحفيظ ال�صبيان القر�آن وتعليم الخط‪،‬‬ ‫وكان �شرط تح�سين الخط من الأمور المعتبرة‬ ‫في تقدير حدقة المعلم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وت �ع��د ط��ري�ق��ة تعليم ال �خ��ط م��ن المظاهر‬ ‫الح�ضارية المرتبطة به‪ ،‬وقد كان العلماء في‬ ‫ع�صر ابن خلدون يتناقلون الأخبار عن اهتمام‬ ‫�أهل م�صر بما «يحكى لنا عن م�صر‪ ..‬و�أن بها‬ ‫معلمين منت�صبين لتعليم الخط‪ ،‬يلقون على‬ ‫المتعلم قوانين و�أحكاما في و�ضع كل حرف‪،‬‬ ‫وي��زي��دون �إل��ى ذل��ك المبا�شرة بتعليم و�ضعه‪،‬‬ ‫والح�س في التعليم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فتع�ضد لديه رتبة العلم‬ ‫وت�أتي ملكته على �أتم الوجوه»‪ .‬والرغبة في تعليم‬ ‫ال�صبيان مهارات الكتابة وقواعد الخط الجيد‪،‬‬ ‫هي التي ح��ذت بالقائمين على ال�صبيان �إلى‬ ‫اختيار معلمين خا�صين للخط ي�سمون ال ُم َكتِّبون‬ ‫(جمع ُم َكتِّبٌ )‪ ،‬يتقنون فن التخطيط ويتفرغون‬ ‫لتعليم ال�صبيان مهاراته‪ ،‬وال ي�شتغلون بغيره‪.‬‬ ‫�أم ��ا ال �م �غ��ارب��ة‪ ،‬ف�ق��د اع �ت �م��دوا ع�ل��ى تقليد‬ ‫الخطوط‪ ،‬وك��ان يتولى تعليم ال�صبيان الخط‬

‫مبدعو الخط العربي‬ ‫ولتي�سير تعليم ال �خ��ط‪ ،‬در� ��س الخطاطون‬ ‫الحروف و�سطروا قواعد ر�سمها‪ ،‬و�صنفوا كتبا‪،‬‬ ‫وو�ضعوا �أراج��ي��ز تحدد ال�شروط والقواعد‪ ،‬من‬ ‫حيث حجم الحرف ون�سب �أجزائه‪ ،‬ورقة الخط �أو‬ ‫غلظه‪ ،‬والألوان‪ ،‬و�أنواع الأقالم والورق وغير ذلك‪.‬‬ ‫وظ��ل ال �خ��ط ال�ع��رب��ي ي�ت�ط��ور وي �ج��ود‪ ،‬وف��ي‬ ‫�أواخ ��ر ال�ق��رن الثالث الهجري عندما انتهت‬ ‫رئا�سة الخط �إلى الوزير ابن مقلة‪ ،‬قام بح�صر‬ ‫الأنواع التي و�صل �إليها الخطُّ العربي في ع�صره‬ ‫�إل��ى �ستة �أن��واع هي‪ :‬الثلث‪ ،‬والن�سخ‪ ،‬والتوقيع‪،‬‬ ‫والريحان‪ ،‬والمحقق‪ ،‬والرقاع‪ .‬وق�دَّر مقايي�س‬ ‫النقط و�أبعادها‪ ،‬و�أحكم �ضبطها وهند�ستها‪،‬‬ ‫ووا�صل ما بد�أه قطبة المحرِّر من تحويل الخط‬ ‫الكوفي �إلى ال�شكل الذي هو عليه الآن‪.‬‬ ‫وم ��ع ن�ه��اي��ة ال �ق��رن ال��راب��ع وب��داي��ة ال�ق��رن‬ ‫الخام�س الهجري برز ا�سم ابن البواب‪ ،‬الذي‬ ‫بلغ في جودة الخط مبلغًا عظيمًا‪ ،‬لم يبلغه �أحد‬ ‫مثله‪ ..‬وك��ان يقال له‪ :‬الناقل الأول؛ لأن��ه هذب‬ ‫خطوط ابن مقلة في الن�سخ والثلث اللذين قلبهما‬ ‫من الخط الكوفي‪ ،‬وابتكر عدَّة خطوط‪.‬‬ ‫وف��ي القرن ال�سابع الهجري انتهت رئا�سة‬ ‫الخط �إل��ى عدد من الخطاطين منهم‪ :‬ياقوت‬ ‫المُ�س َتع ِْ�صمي‪ ،‬وهو من �أ�شهر مَ ن ج�وَّد الخط‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الخط العربي‬

‫ف��ي �أغ�ل��ب الأح �ي��ان معلم ال�ك� ّت��اب نف�سه‪� ،‬إل��ى‬ ‫جانب قيامه بتعليم القر�آن وغيره من الدرو�س‪،‬‬ ‫وبخا�صة و�أن الخط المغربي لم يتم تقعيده �إال‬ ‫ف��ي ع�صور م�ت��أخ��رة؛ فكان يلقن ف��ي المكاتب‬ ‫القر�آنية العتيقة بطريقة ت�سمى التحني�ش؛ �إذ‬ ‫يكتب الفقيه ال�سورة من القر�آن للتلميذ بم�ؤخرة‬ ‫القلم الق�صبي‪ ،‬في لوح خ�شبي عليه طبقة من‬ ‫ال�صل�صال الأب�ي����ض‪ ،‬وي�ق��وم التلميذ بمتابعة‬ ‫الحروف والكلمات بالقلم‪.‬‬

‫تذهيب تركي‬

‫مخطوط فار�سي‬

‫�صفحة م�صحف مذهب‬

‫مخطوط فار�سي مذهب وم�صور‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪13‬‬


‫م�صحف مذهب‬

‫‪14‬‬

‫في ذلك الزمن‪ ،‬قلَّد ابن مقلة واب��ن البواب‪..‬‬ ‫بعد ياقوت وا�صل الخط العربي تطوره في م�صر‬ ‫وتركيا وف��ار���س و�سائر ال�م��راك��ز الثقافية في‬ ‫العالم الإ�سالمي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫طغرة ال�سلطان محمود ‪ -‬تركيا‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫م�صحف خط كوفي مذهب‬

‫ف �ف��ي م���ص��ر واب� �ت ��داء م��ن ع���ص��ر ال��دول��ة‬ ‫الطولونية‪ ،‬ومرورا بالع�صر الفاطمي ثم الأيوبي‪،‬‬ ‫�سيبذل الخطاطون جهودا لتطوير و�إحكام الخط‬ ‫العربي‪ ،‬الذي �سيبلغ ذروته في الع�صر المملوكي‪.‬‬ ‫كما اهتمت الدولة العثمانية في تركيا بتجويد‬ ‫الخط‪ ،‬و�أن�ش�أت في الآ�ستانة في العام ‪1326‬هـ‍‬ ‫�أول مدر�سة لتعليم الخط والتذهيب‪ ،‬وط �وَّروا‬ ‫ما و�صلهم من خطوط؛ كقلم الثلث والثلثين‬ ‫اللذين �أخذوهما من المدر�سة الم�صرية‪ ،‬وخط‬ ‫الن�سخ ال�سلجوقي؛ وزادوا على ذل��ك بابتكار‬ ‫خطوط جديدة‪ :‬كالديواني والهمايوني المتولد‬ ‫عنه‪ ،‬وجلي الديواني‪ ،‬وخط الإجازة الذي يجمع‬ ‫بين الن�سخ والثلث‪ ،‬وت �ف��ردوا بخط الطغراء‪،‬‬ ‫كما �شملوا بعنايتهم ف��ن تذهيب الم�صاحف‬ ‫وزخرفتها‪.‬‬ ‫�أما الفر�س‪ ،‬ف�إلى جانب نبوغهم في مجال‬ ‫التذهيب‪ ،‬ط��وروا خطوطً ا خا�صة بهم؛ كخط‬ ‫ال�شك�سته‪ ،‬وخط التعليق في �أواخر القرن ال�سابع‬ ‫الهجري‪ ،‬وخ��ط الن�سخ تعليق ال��ذي يجمع بين‬ ‫خطي الن�سخ والتعليق‪ ،‬ال��ذي ظهر في القرن‬ ‫التا�سع الهجري‪.‬‬ ‫�أما بالد المغرب‪ ،‬فقد دخلها الخط العربي‬ ‫عن طريق القيروان‪ ،‬ومنها انت�شر في �إفريقية‬ ‫والأن��دل�����س‪ .‬وم��ن الخطوط التي ظهرت الخط‬

‫القيرواني الذي تولد عن الخط الكوفي‪ ،‬والخط‬ ‫الأندل�سي ال��ذي احتل مكانة مهمة في �شمالي‬ ‫�إفريقيا‪ ،‬ثم ظهر الخط المغربي‪� ،‬إل��ى جانب‬ ‫الخط ال�سوداني الذي انت�شر في �إفريقيا‪.‬‬ ‫�أدوات الكتابة‬ ‫ال ت�ستقيم الكتابة �إال ب�أربعة مكونات‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫القلم والحبر والمحبرة وال ��ورق‪ .‬وق��د �أ�صاب‬ ‫ال�صينيون بنعت ه��ذه ال �م��واد بكنوز المكتب‬ ‫الأربعة‪ .‬وقد ارتبط تطور الخط العربي بتطور‬ ‫هذه المواد‪ ،‬و�إتقان �صناعتها‪ ،‬حتى غدت اليوم‬ ‫تزين متاحف العالم بو�صفها من روائع الح�ضارة‬ ‫العربية‪ ،‬التي �أ�سهمت في �إغناء التراث الإن�ساني‬ ‫العلمي والتوا�صلي‪ ،‬وما كان ذلك ليتحقق لوال‬ ‫العناية الفائقة التي كان يوليها الحكام لعالم‬ ‫الخط والكتابة‪ ،‬وحريٌّ بنا �أن ن�ستعر�ض في هذا‬ ‫المقال‪ ،‬بع�ضا من �أوجه التطور التي لحقت هذه‬ ‫المواد‪.‬‬ ‫الأقالم‬ ‫لعل المكانة الخا�صة التي حظي بها القلم‬ ‫في الإ�سالم‪ ،‬هي الدافع لتطوير الخط وتجويده‬ ‫والعناية ب��الأق�لام و�إع��داده��ا‪ ،‬وق��د خ�ص عدد‬ ‫من الم�صنفين القلم بف�صول من م�ؤلفاتهم‪،‬‬ ‫ي�صفونه ويذكرون كيفية ا�ستعماله‪ ،‬وال�شروط‬ ‫التي تحدد جودته‪ ،‬وت�أثيره على نوع الخط وجودة‬ ‫الكتابة‪ ،‬وعلى تداول وانت�شار العلم الذي تت�ضمنه‬ ‫الكتب‪.‬‬ ‫ي�صنع القلم ع��ادة من ال�سّ عف �أو العود �أو‬ ‫الق�صب‪ ..‬وبخا�صة من الق�صب الفار�سي؛ وكان‬ ‫الكتّاب يتبارون في ح�سن البري وجودته حتى‬ ‫قالوا‪« :‬تعليم البري �أكبر من تعليم الخط‪ ،‬ومن‬ ‫ال يُح�سن البري ال يح�سن الخط»‪ ،‬فكان ال�ضحاك‬ ‫ابن عجالن �إذا �أراد بري قلمه توارى عن الأنظار‬

‫مرملة‬

‫مقلمة �أبي الفداء �إ�سماعيل‬

‫محبرة الحاكم ب�أمر اهلل ‪ -‬من الكري�ستال ال�صخري بكتابة كوفية‬

‫بحيث ال ي��راه �أح��د‪� ،‬أم��ا الأن�صاري وه��و واحد‬ ‫ممن نبغوا في الخط‪ ،‬حين يغادر المجل�س يقطع‬ ‫ر�ؤو���س �أقالمه حتى ال يراها �أحد‪ ،‬حفاظا على‬ ‫�سر نبوغه!‬ ‫وكان من عادة الوجهاء والأعيان‪ ،‬النق�ش على‬ ‫�أقالمهم‪ ،‬و�شحذ �سنها على مقطع من ل�ؤل�ؤ �أو‬ ‫عاج �أو غيره‪ .‬كما كانوا يتخذون لأقالمهم قرابا‪،‬‬ ‫وه��و �أ�سطوانة ت�صنع م��ن ال�ع��اج وغ�ي��ره‪ ،‬وهي‬ ‫م�صمتة �إال من تجويف مركزي يت�سع قلم بو�ص‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪15‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫من الرق �إلى الورق‬ ‫ك ��ان ال �ع��رب ي�ك�ت�ب��ون ع�ل��ى �أك��ت��اف الإب���ل‪،‬‬ ‫واللخاف (الحجارة البي�ضاء العري�ضة الرقيقة)‬ ‫وع�سيب النخل‪ ،‬والجلود‪ ،‬وا�ستخدم الخطاطون‬ ‫في بداية الأمر الرق‪ ،‬وهو جلد رقيق كانوا يكتبون‬ ‫عليه‪ ،‬وظهرت فيه المالمح الأولى لفن الكتابة‬ ‫الإ�سالمية؛ وظل الرق م�ستعمال في المغرب حتى‬ ‫بعد تركه‪ ،‬والإقبال على الورق في مناطق �أخرى‪.‬‬ ‫وفي الع�صر العبا�سي �شاع ا�ستعمال الكاغد‪،‬‬ ‫ال��ذي �أ�سهم في تخفي�ض كلفة الكتب �إل��ى حد‬ ‫كبير‪ ،‬وفي ترويجها على نطاق وا�سع‪ ،‬و�إتاحتها‬ ‫لعموم النا�س بثمن ف��ي متناولهم؛ فانت�شرت‬ ‫الكتابة على الكاغد (الورق) في البالد العربية‬ ‫وبخا�صة ف��ي ب�غ��داد بعد �إدخ ��ال �صناعته �إل��ى‬ ‫�سمرقند‪ ،‬ومنها انتقلت ه��ذه ال�صناعة �إل��ى‬ ‫البالد العربية‪ ،‬ف�أ�صبح ال��ورق رخي�ص الثمن‬ ‫منت�شرا بين النا�س‪ ،‬ما �ساعد على انت�شار الكتب‬ ‫ون�سخها‪ .‬وك��ان الكاغد يقدم مجانا للعلماء‬ ‫وطلبة العلم في كثير من دور العلم والمدار�س‪.‬‬ ‫ث��م ت �ط��ورت �صناعة ال ��ورق ف��ي ف��ار���س‪� ،‬إذ‬ ‫ا�ستطاع الفر�س ف��ي ال�ق��رن التا�سع الهجري‪،‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪16‬‬

‫�أو �أكثر للحفاظ عليه من التلف‪ ،‬و�أحيانا يتخذ‬ ‫الكاتب مِ ْقلَمة‪ ،‬وهي وع��اء تحفظ فيه الأق�لام‬ ‫وتكون على �شكل دائ��ري �أو مربع‪ ،‬وف��ي بع�ض‬ ‫الأحيان تكون مزخرفة‪.‬‬ ‫وعند الفراغ من الكتابة‪ ،‬و�إغالق المحبرة‪،‬‬ ‫وقبل و�ضع القلم في قرابه �أو مقلمته‪ ،‬يم�سح‬ ‫ب��اط�ن��ه بالمِ مْ�سحة‪ ،‬ل�ئ�لا ي�ج��ف عليه الحب ُر‬ ‫فيف�سد‪ ،‬والمم�سحة تُ�سمى �أي�ضا الدفتر‪ ،‬وهي‬ ‫خِ ��رق��ة م�ت��راك�ب��ة م��ن � �ص��وف‪� ،‬أو ح��ري��ر‪ ،‬ذات‬ ‫وجهين‪ ،‬وغالب ًا ما تكون مدوّرة مخرومة الو�سط‪،‬‬ ‫�أو م�ستطيلة‪.‬‬ ‫للكتابة‪ ،‬يغم�س القلم في المحبرة لت�ستمد‪ ،‬ثم‬ ‫يخط الكاتب على الرق �أو الكاغد‪ ،‬وكانت عملية‬ ‫اال�ستمداد تطرح �أحيانا م�شاكل مرتبطة بفراغ‬ ‫المحبرة‪ ،‬و�أحيانا بما قد تتعر�ض له من حوادث‬ ‫كالك�سر‪ .‬فكان �شغل الكتّاب البحث عن �أف�ضل‬ ‫طريقة لال�ستمداد لموا�صلة الكتابة ب�سهولة‬ ‫ومن دون انقطاع‪ .‬ويذكر الم�ؤرخون �أن عبا�س‬ ‫ابن فرنا�س الأندل�سي من علماء القرن الثالث‬ ‫الهجري‪ ،‬التا�سع الميالدي‪ ،‬ابتكر �آلة �أ�سطوانية‬ ‫تتغذى بحبر �سائل ي�ستخدم للكتابة‪� ،‬أهداها‬ ‫�آنذاك �إلى الحاكم الأموي بالأندل�س‪.‬‬ ‫وكان «المعز» حاكم م�صر في القرن الرابع‬ ‫الهجري‪ ،‬العا�شر الميالدي‪ ،‬قد وجّ ه في خطاب‬ ‫ل��ه �إل��ى ال��وراق�ي��ن و�أ��ص�ح��اب ال�ح��رف ب�ضرورة‬ ‫تطوير قلم الكتابة‪ ،‬وابتكار طريقة تريح الكاتب‬ ‫من �ضرورة غم�س قلمه بالمحبرة‪ ،‬واخت�صار‬ ‫ذل��ك بجعل الحبر داخ��ل قلم محكم الإغ�لاق‪،‬‬ ‫وين�ساب �إلى ري�شته ذاتيًا عند الكتابة‪ .‬وقد جاء‬ ‫و�صف هذا القلم الفريد في كتاب (المجال�س‬ ‫والم�سامرات) للقا�ضي النعمان‪� ،‬إذ قال‪« :‬ذكر‬ ‫المعز القلم فقال‪ :‬نريد قلما يكتب بال ا�ستمداد‬ ‫من دواة‪ ،‬بحيث يكون م��داده من داخله‪ ،‬متى‬

‫�شاء الإن�سان كتب به‪ ،‬ومتى �شاء تركه فارتفع‬ ‫ف�صنع له قلم بهذه الموا�صفات من‬ ‫ال�م��داد»‪ُ .‬‬ ‫الذهب الخال�ص‪.‬‬ ‫كما ذكر ابن ع�ساكر في ترجمة �صاعد بن‬ ‫الح�سن بن �صاعد الرحبي من �أه��ال��ي دم�شق‬ ‫ف��ي ال�ق��رن الخام�س ال�ه�ج��ري‪ ،‬ال �ح��ادي ع�شر‬ ‫الميالدي‪� ،‬أنه اخترع �أ�شياء‪ ،‬ومنها قلم الحبر‬ ‫ال�سائل من �أنبوب متخذ من الحديد‪ ،‬وجعل له‬ ‫من ج�سمه �سنا مقطوطا وم�شقوقا‪ ،‬وكان �أنبوب‬ ‫ه��ذا القلم ي��زود بالحبر من ذيله‪ ،‬ول��ه غطاء‬ ‫ح�ل��زون��ي محكم‪ ،‬وك ��ان م��ا ب��ه م��ن حبر يكفي‬ ‫الكاتب للكتابة به لمدة �شهر كامل‪.‬‬

‫الخام�س ع�شر الميالدي‪� ،‬أن ي�صنعوا ورقا فاخرا‬ ‫من الحرير والكتان‪ ،‬اعتنوا ب�ضغطه وتلميعه‬ ‫ليليق بتدوين دواوين ال�شعر التي كانت تزخرف‬ ‫وتذهّ ب وتحلّى بالر�سوم الملوّنة‪.‬‬ ‫المداد والحبر‬ ‫�أع �م��ال الكتابة وال��زخ��رف��ة والتحلية كانت‬ ‫تتم بالحبر‪ ،‬فمنه ما ينا�سب الكاغد‪ ،‬وهو حبر‬ ‫ال� ّدخ��ان‪ ،‬و�أج��وده ما اتّخذ من �سُ خَ ام النِّفط‪،‬‬ ‫ومنه ما ينا�سب ال��رق‪ ..‬وه��و الحبر ال�صيني‪،‬‬ ‫وي�سمى الحبر الر�أ�س‪ ،‬وال دخان فيه‪.‬‬ ‫�أنتج الم�سلمون الأحبار من الدخان وال�صمغ‬ ‫والعف�ص والرماد؛ ونجحوا منذ الع�صر العبا�سي‬ ‫في ابتكار �أن��واع كثيرة من الأح�ب��ار تتالءم مع‬ ‫�أنواع الورق‪ ،‬كما �أن الرغبة في زخرفة كتاباتهم‬ ‫دفعتهم �إل��ى ابتكار �أح �ب��ار ب��الأل��وان الزاهية‬ ‫ال�ستخدامها في تحلية وتزيين الكتب؛ فن�ش�أ‬ ‫فن التذهيب؛ وهو فن يرتبط بفن الكتابة‪� ،‬إذ‬ ‫كانت هناك عالقة وثيقة بين الكتابة وا�ستخدام‬ ‫فن التذهيب في تلوين حوا�شي الكتب القيّمة‬ ‫وتذهيبها‪ .‬وال �ق��ر�آن الكريم �أه��م الكتب التي‬ ‫حظيت باهتمام المذهّ بين‪ ،‬و�سَ مّى ابن النديم‬ ‫في الفهر�ست عددا من رواد فن التذهيب‪ .‬ما‬ ‫يدل على �أهميتهم ومكانتهم الرفيعة في عالم‬ ‫الثقافة و�صناعة الكتاب‪ ،‬كان ذلك خالل الع�صر‬ ‫العبا�سي‪ ،‬حين �أخذت العناية ب�شكل خا�ص تتجه‬ ‫نحو زخرفة الم�صحف وتذهيبه‪ ،‬ومنه انتقل‬ ‫الفن لي�شمل �سائر الكتب الأخرى‪.‬‬ ‫و�صنع ال �ع��رب الأل� ��وان م��ن م ��واد مختلفة‪،‬‬ ‫منها ما هو من م�صادر نباتية‪ :‬كالحناء واللبن‬ ‫وال��رز وال��ورد والأزه ��ار‪ ،‬ومنها ما هو م�صنوع‬ ‫من الأحجار الكريمة والمعادن‪ .‬وتتميز الألوان‬ ‫المعدنية ب�أنها ثابتة ال تتغير بعامل الزمن‪،‬‬ ‫وك��ان��ت الم�ساحيق المعدنية تخلط بال�صمغ‬

‫محبرة قيروانية من الج�ص‬

‫محبرة محالة بالذهب والف�ضة‬

‫والماء‪ .‬وا�ستعمل الكتّاب اللونين الأ�سود والأحمر‬ ‫في البداية‪ ،‬ثم �أ�ضافوا الألوان الأخرى‪ ،‬وبع�ضهم‬ ‫كان يعجن حبره بالم�سك‪ ،‬ويعطره بماء الورد‪.‬‬ ‫كانت عملية التذهيب تتم ب�إحدى طريقتين‪:‬‬ ‫الأولى بل�صق الأوراق الذهبية الرقيقة في موا�ضع‬ ‫التحليق‪ ،‬والثانية عن طريق التلوين المبا�شر‬ ‫بماء الذهب المذاب‪ ،‬وكان الكاتب ي�ستعين في‬ ‫ذلك بالم�صقلة‪ ،‬وهي الآلة التي ي�صقل بها ماء‬ ‫الذهب بعد عملية ت�سخينه‪ ،‬لي�صبح �سائال �سهل‬ ‫الكتابة على الورق‪.‬‬ ‫الدواة والمحبرة‬ ‫المحبرة‪ ،‬وعاء �صغير يحمل فيه طالب العلم‬ ‫الحبر ال��ذي يحتاجه للكتابة‪ ،‬ت�صنع من الزجاج‬ ‫�أو ال�خ��زف �أو غ�ي��ره‪ ،‬و�أح�ي��ان��ا م��ن م�ع��ادن ثمينة‬ ‫كالذهب والف�ضة؛ وكان ال�صانع يَت�أنق في �صناعتها‬ ‫م�ستخدمًا فيها الألوان الجميلة‪ .‬ومن باب العناية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪17‬‬


‫دواة مملوكية‬

‫‪18‬‬

‫بالمحبرة‪ ،‬كان يتخذ لها �أحيانا �صندوق ًا �أ�سطواني ًا‬ ‫�صغير ًا على قيا�سها‪ ،‬ي�صنع من الأبنو�س �أو غيره‬ ‫مع تر�صيعات من الف�ضة �أو الذهب‪ ،‬ومهمته تثبيت‬ ‫المحبرة لولبيًّا في القاعدة‪ ،‬كما كانت تعب�أ بطبقات‬ ‫من حرير المت�صا�ص الحبر والحيلولة دون الإغراق‬ ‫في ت�شريب ال�سن‪.‬‬ ‫وقد عرفت حلقات الدر�س هذه المحابر منذ‬ ‫�شيوع مجال�س العلم وم�ؤ�س�ساته‪ ،‬وك��ان المربون‬ ‫ين�صحون الطالب با�ستح�ضار المحبرة دوم��ا‪،‬‬ ‫خالل ح�ضور الدرو�س حتى ال ي�ضيع منه ما ي�سمعه‪.‬‬ ‫وال��دواة �أكبر من المحبرة‪ ،‬ت�صنع من نحا�س‬ ‫وفوالذ و�أبنو�س‪ .‬بلغت �صناعتها في الدولة الفاطمية‬ ‫غاية الإتقان والأبهة‪ ،‬حتى �أنها �صارت من �شارات‬ ‫كبار موظفيها‪ ،‬ومنهم قا�ضي الق�ضاة الذي اخت�ص‬ ‫بكر�سي لدواته‪ .‬بينما اتخذ الخليفة الفاطمي لنف�سه‬ ‫دواة محالة بالذهب والف�ضة والمرجان‪ ،‬وتمادى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫المراجع‬

‫•ابن النديم‪ :‬كتاب الفهر�ست‪.‬‬ ‫•ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪.‬‬ ‫•القلق�شندي‪� ،‬صبح الأع�شى في �صناعة الإن�شاء‪.‬‬ ‫•ال�سمعاني‪� :‬أدب الإمالء واال�ستمالء‪.‬‬ ‫•ال �ج �ب��وري‪ ،‬يحيى وه �ي��ب‪ :‬ال�خ��ط وال�ك�ت��اب��ة في‬ ‫الح�ضارية العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪،‬‬ ‫‪1994‬م‪.‬‬ ‫•الم�سفر‪ ،‬عبدالعزيز بن محمد‪ :‬المخطوط العربي‬ ‫و�شيء من ق�ضاياه‪ ،‬دار المريخ‪ ،‬الريا�ض ‪1999‬م‪.‬‬ ‫•م��اج��د‪ ،‬عبدالمنعم‪ :‬التعليم عند الفاطميين؛‬ ‫المجمع الملكي ل�ب�ح��وث ال�ح���ض��ارة‪ ،‬الأردن؛‬ ‫‪1987‬م‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫دواة المن�صور محمد‬

‫ف��ي العناية بها‪ ،‬ب ��أن خ�ص�ص لها �أم�ي��را ي�سمى‬ ‫حامل ال��دواة‪ ،‬ي�ضعها على ال�سرج‪ ،‬وي�سير بها في‬ ‫المواكب‪ .‬ولعله كان ي�سجل �أي�ضا �أقوال الحا�ضرين‬ ‫في مجال�س الخليفة الر�سمية في الق�صر‪ .‬وكانت‬ ‫بع�ض الدوايا يقدر ثمنها بمائتي دينار‪ ،‬وهو الثمن‬ ‫الذي قدره الم�ؤرخون لدواة الملك بهرام �شاه بن‬ ‫فروخ�شاه التي �سرقها مملوكه‪.‬‬ ‫وت��رت�ب��ط بالمحبرة وال� ��دواة �أج �ه��زة �أخ��رى‪،‬‬ ‫كالم�سقاة‪ ،‬وهي �إن��اء ي�صب الماء في المِ حْ بَرةِ‪،‬‬ ‫وت�سمى الما َورْديّة‪ ،‬ويو�ضع فيها عو�ضا عن الماء‬ ‫ف��ي بع�ض الأح �ي��ان م��اء ال� ��ورد‪ ،‬لتطييب رائحة‬ ‫الحبر؛ وتكون ه��ذه الآل��ة في الغالب من القواقع‬ ‫التي ت�ستخرج من البحر‪ .‬ثم المِ رملة �أو المِ تربة‪،‬‬ ‫وهي �أداة ب�شكل دواة‪ ،‬يجعل فيها الرمل الذي ير�شه‬ ‫الكاتب ليمت�ص ف�ضلة الحبر منه‪ .‬كما �أن الرمل‬ ‫الناعم الأ�صفر �أو الأحمر الذهبي اللون‪ ،‬يك�سب‬ ‫الكتابة جماال‪ ،‬وتتخذ المرملة من جن�س الدواة �إن‬ ‫كانت الدواة نحا�سا‪� ،‬أو من النحا�س ونحوه �إن كانت‬ ‫خ�شبا‪ ،‬على ح�سب ما يختاره رب ال��دواة‪ ،‬ويكون‬ ‫في فمها �شباك يمنع من ت�سرب الرمل الخ�شن‪.‬‬ ‫وكان �أرباب الريا�سة من الوزراء والأمراء ونحوهم‬ ‫يتخذون مرملة كبيرة لها عنق في �أعالها‪.‬‬

‫الخط العربي والتقنية!‬ ‫■ خلف �سرحان القر�شي‪ -‬ال�سعودية‬

‫ال يختلف اثنان في �أن جمالية الخط العربي‪ ،‬وح�سن هند�سته‪ ،‬وتنا�سق حروفه ونقاطه‬ ‫ودوائره وزخرفته‪� ،‬سمة مميزة من �سمات الح�ضارة العربية عموماً‪ ،‬ولغة ال�ضاد العظيمة ب�شكل‬ ‫خا�ص‪.‬‬ ‫لقد �شهد كثيرون من غير العرب للخط العربي بالفرادة والتميز‪ ،‬ال �سيما بعد �أن �شرف‬ ‫الخط العربي بن�سخ وكتابة �أ�شرف كتاب‪ ،‬و�أعظم كلمات (ال��ق��ر�آن الكريم)‪ ،‬ما زاد في ذيوعه‬ ‫وانت�شاره واالهتمام به – تبعا لأهمية ما حمل‪َ ،‬فبُهرت به ‪� -‬أعني الخط العربي – �أمم و�شعوب‬ ‫و�أقوام من غير العرب كالفر�س والرومان والأتراك والبربر‪ ،‬و�أ�ضاف ‪ -‬من �أ�سلم منهم – لهذا‬ ‫الخط مزيدا من الثراء والتنوّع‪ ،‬من خالل تالقح الح�ضارات وت�أثر الفنون ببع�ضها بع�ضاً‪ .‬ولم‬ ‫يعد الخط العربي مفخرة للعرب وحدهم‪ ،‬بل للم�سلمين عامة في م�شارق الأر���ض ومغاربها‪،‬‬ ‫و�أ�ضيفت له انواع �أُخَ ��ر كالفار�سي والأندل�سي‪ ،‬وبرع الأت��راك الم�سلمون في مرحلة الحقة في‬ ‫تفجير طاقات خالقة في هذا الفن‪.‬‬ ‫ول�ي����س ال �ع��رب وال�م���س�ل�م��ون ف�ق��ط ه��م مَ ��ن �إليها)‪.‬‬ ‫بهر و�أعجب بالخط العربي‪ ،‬بل �إن الأوربيين‬ ‫ول�ع��ل م��ن �أ��س�ب��اب ديمومة ال�خ��ط العربي‪،‬‬ ‫ال�م�ع��ا��ص��ري��ن – وك �م��ا ف�ع��ل �أ� �س�لاف �ه��م ‪ -‬قد وبقائه �أخاذا وملفتا للأنظار‪ ..‬مرونته وقابليته‬ ‫ا�ستهواهم م��ا ح��واه الخط العربي م��ن �إب��داع للتقنية والم�ستجدات من دون �أن يفقد روحه‬ ‫وفن؛ ي�ؤكد ذلك ما قاله الر�سام العالمي ال�شهير وعمق جوهره و�سر �سحره‪ ،‬فالخط العربي الذي‬ ‫(بيكا�سو)‪�( :‬إن اق�صى نقطة حاولت الو�صول كان يكتب به على الجلود والرقاع وال��رق وورق‬ ‫�إليها بالر�سم‪ ،‬وجدت الخط العربي قد �سبقني البردى‪ ،‬تطاوع ب�سال�سة مده�شة مع الورق حين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪19‬‬


‫وه��ذه المرونة العالية امتدت ليقبل الخط‬ ‫ال �ع��رب��ي (ح��روف��ا ون �ق��اط��ا وح��رك��ات ودوائ���ر‬ ‫وقواعد) الحقا الطباعة الحديثة ب�آالتها المعقدة‬ ‫وال �ج��دي��دة‪ ،‬ال�ت��ي اخ�ت��رع�ه��ا ال�ع��ال��م الأل�م��ان��ي‬ ‫(جوتنبرج) في العام ‪1447‬م‪ ،‬وقد ت�أخر العرب‬ ‫كثيرا في التعاطي معها لأ�سباب لي�س هنا مجال‬ ‫تف�صيلها‪ ..‬حيث ظهرت �أولى المطابع في م�صر‬ ‫�أثناء الحملة الفرن�سية‪ ،‬وهي مطبعة �أح�ضرها‬ ‫نابليون في العام ‪1798‬م‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫�إن تقبل الخط العربي للطباعة الحديثة‪ ،‬كان‬ ‫بمثابة �أول اختبار حقيقي لهذا الفن في التعاطي‬ ‫الإيجابي مع م�ستجدات التقنية وا�ستثمارها‬ ‫والإف� ��ادة منها‪ ،‬واج�ت�ي��از ه��ذا االخ�ت�ب��ار مهَّد‬ ‫الفر�صة الجتياز تحدٍ �آخر قد يكون �أقل �صعوبة‪..‬‬ ‫لكنه �أعظم �أثرا‪ ،‬و�أجدى نفعا‪ ،‬و�أعني به اجتياز‬ ‫تحدي التقنية الحا�سوبية التي ظهرت في العالم‬ ‫العربي في �أواخر ال�سبعينيات الميالدية تقريبا‪.‬‬ ‫فمع ظهور �أجهزة الحا�سب الآلي‪ ،‬كان الحرف‬ ‫العربي �أول �أهداف المبرمجين ومطوري النظم‬ ‫الحا�سوبية‪ ،‬الراغبين في معالجة اللغة العربية‬ ‫حا�سوبيا‪� ..‬إذ ا�ستطاعوا بعد جهد ومعاناة‬ ‫وم��ح��اوالت ع��دي��دة م��ن �إن �ت��اج ب��رام��ج ت�سمح‬ ‫با�ستخدام الحرف العربي‪ ،‬وعند ظهور برامج‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ول��م يقف طموح الحا�سوبيين عند تمكين‬ ‫الحا�سوب من طباعة الحروف العربية‪ ،‬والتعامل‬ ‫معها في برامج تن�سيق الن�صو�ص وغيرها من‬ ‫البرامج التي عُ رّبت �أو ُ�صمّمت عربية‪ ،‬لتوليد‬ ‫الخطوط العربية �أليا ب�أنواعها المعروفة (الن�سخ‪،‬‬ ‫وال��رق��ع��ة‪ ،‬وال��ك��وف��ي‪ ،‬وال��ث��ل��ث)‪ ،‬وتوليد خطوط‬ ‫جديدة قائمة �أو م�ستوحاة من تلك الخطوط‪،‬‬ ‫وظهرت في �أ�سواق البرامج العربية عدة خطوط‬ ‫قام بت�صميمها �أفراد وم�ؤ�س�سات برمجية تعمل‬ ‫تحت نظم مختلفة‪ ،‬وكان �أغلبها موجها لخدمة‬ ‫�أغرا�ض الن�شر الإلكتروني؛ ومثال ذلك ما �أنتجته‬ ‫�شركتي (�أي‪.‬تي‪�.‬سي) و(مونوتايب) العالميتين‬ ‫في ه��ذا ال�صدد‪ .‬وت��وال��ت �أم�ث��ال تلك البرامج‬ ‫و�أ�صبحت تعمل على نظم ت�شغيل مختلفة‪ ،‬وزودت‬

‫�شركة (ميكرو�سوفت) برامجها (الويندوز)‬ ‫و(الأوف �ي ����س) وغيرهما بحزمة م��ن الخطوط‬ ‫العربية‪ ،‬و�أ�سهمت �شركات مثل (حرف) �إحدى‬ ‫ال�شركات التابعة ل�شركة (�صخر) ب�إنتاج خطوط ‪ -2‬احتياجه للحركات (الت�شكيل) م��ن فتح‬ ‫مجموعة جواهر الخط العربي‪ ،‬وظهرت ع�شرات‬ ‫و�ضم وك�سر و�سكون‪ ،‬فال يوجد في العربية‬ ‫البرامج للخطوط‪ ،‬ومنها على �سبيل المثال‬ ‫ح��روف �صائتة ‪ Vowel letters‬ما يزيد من‬ ‫(علوي) و(القلم) و(الحقباني)‪ ،‬كما �أ�صدرت‬ ‫�صعوبة كتابة الحرف العربي‪� ،‬إذ ي�ضطر‬ ‫�شركة المعالم ال�سعودية في الت�سعينيات مو�سوعة‬ ‫الكاتب لكتابة حرفين �إن لم يكن �أكثر‪..‬‬ ‫للخطوط العربية‪ ،‬وبلغ عدد �أنواع الخطوط في‬ ‫في حال رغبته ت�شكيل كتابته دفعا للإبهام‪،‬‬ ‫بع�ض تلك البرامج �أكثر من مائتي خط‪ .‬وقبل‬ ‫�أو لإ�ضفاء جمالية معينة من خالل ت�شكيل‬ ‫ثالثة �أع��وام تقريبا‪ ،‬ظهر برنامج (الكلك)‪،‬‬ ‫الن�ص‪� .‬إن جميع الخطوط العربية المنتجة‬ ‫وهو نظام يتم من خالله توليد و�إنتاج خطوط‬ ‫حا�سوبيا تغفل ق�ضية الت�شكيل‪ ،‬مثلها مثل‬ ‫عربية‪ ،‬والبرنامج يعطي م�ستخدمه ال�ضليع فيه‬ ‫الكتابات العربية الحديثة ف��ي ال�صحف‬ ‫م�ساحة للإبداع‪ ،‬تزداد بازدياد تمكن م�ستخدمه‬ ‫والمجالت‪ ،‬وتلك المنتجة من قبل برامج‬ ‫ومعرفته بالخطوط العربية‪.‬‬ ‫تن�سيق الن�صو�ص‪ ،‬وق��د يتغير ال�ح��ال بعد‬ ‫واليوم‪ ،‬ومع انت�شار الأجهزة الذكية‪ ..‬ومنها‬ ‫ظهور برامج فعالة للت�شكيل الآل��ي‪� ..‬سمعنا‬ ‫(الأيباد) و(الأيفون) و(الجالك�سي) ب�أنواعه‪،‬‬ ‫وق��ر�أن��ا عنها منذ �أكثر من ع�شر �سنوات‪،‬‬ ‫ظهرت تطبيقات وبرامج خطوط تنا�سب هذه‬ ‫ويبدو �أنها لم ت َر النور بعد‪� ،‬أو على الأقل‬ ‫الأجهزة وتتالءم معها‪.‬‬ ‫لم تنت�شر وت�صبح في متناول الم�ستخدم‬ ‫ومن �أبرز العقبات التي واجهت تطويع التقنية‬ ‫الحا�سوبية لخدمة الخط العربي ما يلي‪:‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫اكت�شافه وبدء ا�ستخدامه‪ ،‬ناهيك عن طواعيته‬ ‫لال�ستخدام حِ � َّرف� ًي��ا م��ع الخزفيات والمعادن‬ ‫والخ�شب والم�صنوعات الزجاجية والزخرفة‬ ‫العربية (�أرابي�سك)‪ ،‬ال�سيما تلك التي تزين بها‬ ‫الق�صور والم�ساجد‪ ،‬ومنازل ذوي الجاه والي�سار‬ ‫داخليا وخارجيا‪.‬‬

‫تن�سيق الن�صو�ص العربية الأولى التي كانت تعمل‬ ‫تحت نظام الت�شغيل (دو�س ‪ ،)DOS‬لم يكن بها‬ ‫�إال نوع واحد من الخط ال يمكن تغييره �أو التحكم‬ ‫في حجمه‪ ،‬ورغ��م ذل��ك كانت تعد فتحا مبينا‬ ‫في حينها؛ وذل��ك لأن الأنظمة التي كان يعمل‬ ‫من خاللها المطورون والمبرمجون هي �أنظمة‬ ‫م�صممة �أ�سا�سا للتعامل مع لغات �أجنبية‪ ،‬في‬ ‫�أغلب الحاالت خ�صائ�ص حروفها تختلف عن‬ ‫خ�صائ�ص الحروف العربية‪ ..‬التي منها تغيير‬ ‫�شكل الحرف ح�سب موقعه من الكلمة‪ ،‬وبناء على‬ ‫ما قبله وما بعده من حروف‪ ..‬ومثال ذلك حرف‬ ‫العين ف��ي الكلمات التالية‪( :‬وع ��ي)‪( ،‬لعبة)‬ ‫(منتجع)‪ ،‬بينما نجد �أن حروف اللغة الإنجليزية‬ ‫وكثير من اللغات الأخرى تفتقد هذه الخا�صية‪،‬‬ ‫نظرا لكون حروفها تكتب منف�صلة في الغالب‪،‬‬ ‫ولكل حرف منها حالتان فقط‪� :‬صغير وكبير‪.‬‬

‫ب�شكلين مختلفين‪ .‬وم��ن �ش�أن ه��ذا التعدد‬ ‫والتنوع �إعاقة التعامل �آليا ب�سال�سة مع الخط‬ ‫العربي‪.‬‬

‫العادي‪ ،‬ومنذ عامين تقريبا‪ ..‬طرحت لموقع‬ ‫البحث العالمي ال�شهير على النت (جوجل)‬ ‫خدمة تجريبية للت�شكيل الآلي‪ ،‬ما لبثت �أن‬ ‫اختفت لعدم ن�ضجها‪ ،‬ولكثرة الأخطاء فيها‪.‬‬

‫‪ -1‬تعدد �أ�شكال كتابة الحرف ال��واح��د‪ ،‬التي‬ ‫ت�صل في بع�ض الأحيان �إل��ى �أربعة �أ�شكال‬ ‫كما ذكرنا في مثال ح��رف العين‪ ،‬ناهيك ‪ -3‬يبدو �أن��ه لي�س هناك قواعد محددة لطول‬ ‫ال �ح��رف ف��ي ال �خ��ط ال �ع��رب��ي ف��ي �أن��واع��ه‬ ‫عن الأ�شكال التي يمكن �أن ت�ستخدم من‬ ‫المختلفة‪ ،‬فالتنا�سب الهند�سي �شبه معدوم‪،‬‬ ‫الناحية الفنية‪ ،‬فالحاء مثال تكتب �إذا �أتت‬ ‫فبع�ض ال �ح��روف �صغير‪ ،‬وبع�ضها كبير‪،‬‬ ‫ف��ي نهاية الكلمة بثالثة �أ��ش�ك��ال‪ ،‬وكذلك‬ ‫ومنها ما ينزل بمقدار معين‪ ،‬ولي�س هناك‬ ‫العين والراء‪ ،‬وتكتب كل من الكاف‪ ،‬والميم‪،‬‬ ‫م��ن ح��د معين دق �ي��ق ل��ذل��ك � �س��وى تقدير‬ ‫والنون‪ ،‬والهاء‪ ،‬وال�سين‪ ،‬والياء‪ ،‬والالم �ألف‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪21‬‬


‫الفنان لم�س�ألة التنا�سق والتناغم‪ ،‬وهذه‬ ‫م�س�ألة ي�صعب التحكم فيها �أليا‪ ،‬وتجعل من‬ ‫ال�ضرورة بمكان �أن يكون الم�صمم خطاطا‬ ‫في الأ�سا�س؛ لأن فاقد ال�شيء ال يعطيه‪� .‬أما‬ ‫ما يعرف بالخط القواعدي‪ ،‬وما و�ضع له من‬ ‫قواعد ‪ ،detest‬مثل عدد النقاط لكل حرف‪..‬‬ ‫فيظهر �أنها جاءت تالية‪ ،‬وو�ضعت لأغرا�ض‬ ‫«ال �ح��رف ال �ع��رب��ي م�ن���ش��أ ال�ك�ل�م��ة الكتابي‬ ‫تعليمية فقط‪.‬‬ ‫ومنظومة الكلمات ت�شكل اللغة‪ ,‬واللغة هي �أداة‬ ‫‪ -4‬قابلية الحرف العربي للإطالة والتمطيط التفكير والتعبير‪ ،‬وبين ه��ذا وذاك تقع حرية‬ ‫في �أغلب الحروف‪� ،‬سواء �أكانت م�ستقلة‪� ،‬أم االختيار والممار�سة‪ .‬فالحرف الطباعي يعطي‬ ‫عند ورودها �أول الكلمة �أو و�سطها‪.‬‬ ‫هام�شا من حرية االختيار‪ ،‬ويحجب كليا حرية‬ ‫وه �ن��اك م��ن ي ��رى �أن ال �خ��ط ال �ع��رب��ي بهذه الممار�سة والتطبيق التي يترتب عليها اكت�شاف‬ ‫الخ�صائ�ص وغيرها‪� ،‬أث��رى الناحية الجمالية جماليات و�إمكانات الحرف‪ .‬وهذا بالطبع ي�ؤدي‬ ‫والخيالية لدى الخطاط‪� ،‬أو م�صمم الخط‪ ..‬ليبدع �إل��ى عزلة كبيرة بين �شعوب ال��وط��ن العربي‪،‬‬ ‫�أكثر‪ ،‬وينتج خطوطا و�أ�شكا ًال جديدة تزيد من ومتعة وحالوة ممار�سة كتابة لغتهم التي تعمق‬ ‫غناء الخط العربي‪ ،‬وتثري متذوقيه؛ لأن الم�صمم في نفو�سهم مفهوم االرتباط‪ .‬وقيمة االحترام‬ ‫لم يقيد نف�سه بقواعد �صارمة تح ّد من �إبداعه‪ .‬للغة �أداة تفكيرهم‪ ،‬والتي يترتب عليه �إغداقها‬ ‫ورغم كل هذه العقبات وغيرها‪� ،‬إال �أن الخط عليهم بمكنوناتها الفكرية والثقافية والإبداعية»‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫العربي تجاوزها في العموم‪ ،‬وا�ستثمر التقنية‬ ‫وي��رى المنت�شري �أي�ضا �أن تطويع الحرف‬ ‫الحا�سوبية ل�صالحه باقتدار‪ ،‬كما ا�ستثمر من قبل العربي للمعالجة الحا�سوبية‪ ،‬هو ا�ستالب لجمال‬ ‫الورق وغيره‪ ،‬وكما ا�ستثمر الطباعة الحديثة‪.‬‬ ‫الخط العربي ويقول‪:‬‬ ‫وتطويع الحا�سوب لخدمة الخط العربي كان‬ ‫«�إن تطبيع الحرف العربي وو�ضعه في قوالب‬ ‫وما يزال‪ ،‬و�سيظل مثار جدل بين م�ؤيد ومعار�ض ميكانيكية جامدة‪ ،‬كي يواكب تقنيات الحا�سوب‪،‬‬ ‫ومتحم�س ومتهم‪ ،‬وهذا �ش�أن الإن�سان في تعاطيه لهو نوع �آخر من �أنواع اال�ستالب الجمالي للخط‬ ‫مع التقنية غالبا‪.‬‬ ‫العربي‪ ،‬لي�صبح رقما ح�سابيا‪ ،‬ون�سخا م�شوها من‬ ‫فهناك من يرى �أن توظيف التقنية الحا�سوبية الحرف الالتيني المنفرد في تركيبه للكلمات؛‬ ‫�أ�ضر بالخط العربي كفن‪ ،‬و�شوهّ ه كثيرا‪ ،‬ولهم بينما نجد الحرف العربي يتميز في تراكيبه‬ ‫مبرراتهم ف��ي ه��ذا ال�ج��ان��ب‪ ،‬ومنهم الدكتور المت�صلة‪ ،‬كما له �إمكانية التداخل بين الكلمات‬ ‫عبدالرحمن المنت�شري ع�ضو هيئة التدري�س والجمل‪ ،‬والم ّد والح�سر ب�إمكانات ال حدود لها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫بق�سم ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة بكلية الآداب بجامعة‬ ‫ال��ط��ائ��ف‪ ،‬وه��و خ��ط��اط‪ ..‬وم��ن المتعاملين مع‬ ‫البرامج الحا�سوبية‪� ،‬إذ يرى �أن الحا�سوب ي�سيء‬ ‫للخط العربي‪ ،‬ويحد من اكت�شاف جمالياته‪،‬‬ ‫ويقول في (ريبورتاج) ن�شر في جريدة الجزيرة‬ ‫العدد ‪ 20‬ربيع الأول ‪1428‬هـ‪:‬‬

‫فالحرف هو �أ�سا�س اللغة كما �أ�سلفت الإ�شارة‬ ‫�إليه‪ ..‬ومن هنا ت�أتي الخطورة‪ ،‬ف ��إذا ما ذوب‬ ‫الحرف العربي في الحرف الالتيني‪ ،‬طم�ست‬ ‫م�س تفكير‬ ‫�شخ�صيته‪ ،‬وهدمت اللغة‪ ،‬وبالتالي ّ‬ ‫الأم��ة ومعتقداتها وثقافتها وهويتها‪ ،‬وبذلك‬ ‫ي�سهل اختراقها وتطبيعها‪ ،‬وبذا ت�صبح الكلمة‬ ‫الوافدة الموحية ذات ال��دالالت التي تعمل علي‬ ‫طم�س الهوية �أمرا مي�سورا وعاديا وغير ملفت‪.‬‬ ‫وال�شواهد على ذلك كثيرة‪ ،‬انظر �إلى م�سميات‬ ‫محالنا ال�ت�ج��اري��ة‪ ،‬و�إل ��ى ال�لاف�ت��ات والقنوات‬ ‫الف�ضائية‪ ..‬تجد الكثير مما �سبقت الإ�شارة �إليه‬ ‫�شكال وم�ضمونا»‪.‬‬

‫والوعي هي ما نحتاج �إليه‪� ،‬إلى جانب الموهبة‬ ‫والفن‪ ..‬لالرتقاء با�ستخدامات الخط العربي؛‬ ‫ل�ن�ل� ّب��ي ال�م�ت�ط�ل�ب��ات ال �ت��ي ي�ط��رح�ه��ا ال �ت �ط��ور‪،‬‬ ‫وم�ستجدات الحياة ب�صيغ جمالية دائمة التطور‬ ‫تطال وظائفه كلها من �أدناها �إلى �أرقاها‪ ،‬من‬ ‫الكتابة اليدوية �إلى اللوحة الفنية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سي�ضر حق ًا بالن�سّ اخ ومهتمي الخط العربي‪،‬‬ ‫ولكنه �سيفتح الباب وا�سع ًا �أم��ام الفنانين من‬ ‫الخطاطين ذوي الموهبة والثقافة والوعي‪ .‬وعلى‬ ‫ه�ؤالء تقع م�سئولية ت�صميم الأ�شكال المالئمة‬ ‫لبرامج الكمبيوتر وتطويرها با�ستمرار‪ ،‬وهم‬ ‫ال �ق��ادرون على االرت �ق��اء بالخط العربي كفن‬ ‫ت�شكيلي‪ ،‬و�إعادة �ألقه ورونقه �إليه»‪.‬‬

‫ويرى الأ�ستاذ منير ال�شعراني وغيره الم�س�ألة‬ ‫ختاما‪ ..‬تبقى ق�ضية خدمة التقنية للخط‬ ‫ب�شكل مختلف‪ ،‬فيقول في مقالة له ن�شرت بمجلة‬ ‫العربي ‪ -‬كما ر�أينا ‪ -‬مثار ج��دل بين طرفين‬ ‫العربي الكويتية عدد يناير ‪1998‬م‪:‬‬ ‫�أحدهما ي��رى �أنها �أح�سنت �إليه كثيرا‪ ،‬و�آخ��ر‬ ‫«�إن م��راج�ع��ة ب�سيطة لأق��اوي��ل وادع� ��اءات‬ ‫يرى �أنها �أ�ساءت له و�شوهته‪ ،‬والذي يعنينا هنا‬ ‫الراف�ضين لبرمجة الخط العربي في الكمبيوتر‪،‬‬ ‫�أن الخط العربي تفاعل �إيجابيا مع هذه التقنية‬ ‫تبرز لنا مدى جهلهم بالكمبيوتر وا�ستخداماته‪،‬‬ ‫التي ولجت كثيرا من مناحي حياتنا‪ ،‬و�أفاد منها‬ ‫وبرحلة الخط العربي وت�ط��وره‪� ،‬سواء ب�سواء؛‬ ‫كما �أفاد من تقنيات �سبقتها‪.‬‬ ‫ناهيك عما تنطوي عليه من خلط بين المهني‬ ‫مراجع المقالة‬ ‫وال �ف �ن��ان‪ ،‬وب�ي��ن ا��س�ت�خ��دام��ات ال�خ��ط العربي‬ ‫الوظيفية والفنية المتعددة‪ ،‬ونظرهم �إليها •كتاب (ال�ك�ت��اب) ت�أليف (يوهن�س بيدر�سن)‪.‬‬ ‫ترجمة حيدر غيبة‪.‬‬ ‫ب�سكونية وعيون مغم�ضة ال ترى �أن برمجة الخط‬ ‫العربي في الكمبيوتر باتت � �ض��رورة‪ ،‬بل �إنها •كتاب (العرب وع�صر المعلومات) للدكتور نبيل‬ ‫علي‪.‬‬ ‫�أ�صبحت واقع ًا بعد كل هذه الأ�شكال التي �أفرزتها‬ ‫ •مجلة (ال �ع��رب��ي) الكويتية ال �ع��دد ‪ 470‬يناير‬ ‫�شركات الكمبيوتر‪ ،‬والتي قلّما نرى بينها �أ�شكا ًال‬ ‫‪1998‬م‪.‬‬ ‫مدرو�سة جيداً‪ .‬الأمر الذي ي�ضعنا في مواجهة‬ ‫ •مجلة (الجوبة) العدد الثامن ع�شر �شتاء ‪1429‬هـ‪.‬‬ ‫هذا التحدي»‪.‬‬ ‫ •�صحيفة (الجزيرة) ال�سعودية بتاريخ ‪ 20‬ربيع‬ ‫وي�ضيف ال���ش�ع��ران��ي‪�« :‬إن العلم والثقافة‬

‫الأول ‪1428‬هـ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪23‬‬


‫■ عبدالغني فوزي‪ -‬املغرب‬

‫��اف‪� ،‬أن الكتابة الخطية �أو التخطيطية وج��ه من وج��وه الح�ضارة‪ ،‬على اعتبار �أن‬ ‫غير خ ٍ‬ ‫هذه الأخيرة تعبّر عن وجودها ب�أ�شكال جمالية وفكرية مختلفة‪ ،‬في انت�صار للأ�س�س الثقافية‬ ‫المميزة‪ .‬و�أي�ضا اج��ت��راح ممكنات جمالية لتعميق اللم�سة الفنية‪ ،‬ق�صد الإ�ضافة للثقافات‬ ‫الإن�سانية‪ .‬في هذا المجال؛ فالخط ي�شتغل �أ�سا�سا على اللغة‪ ،‬وال�سعي الحثيث لإخراج الحروف‬ ‫في هند�سات مختلفة‪ ،‬تكت�سي معناها من البيئات والمخزون الثقافي‪ .‬هذا ف�ضال عن خلفيات‬ ‫الفنانين �أو الخطاطين الممتدة عبر يد ماهرة للخلق �أو �إعادة ت�شكيل الحروف‪ ،‬وفق �أر�ضيات‬ ‫ور�ؤى خالقة ال تقول الحرف وحده‪ ،‬بل يكون هذا الأخير كتعلة �أو قناة لتمرير م�شاعر وقلق‬ ‫اتجاه هذا الآخر المحت�ضن للفعل‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالخط العربي فن وت�صميم الكتابة‪،‬‬ ‫لذا‪ ،‬تعددت الخطوط وتنوعت‪ ،‬وفق �أ�شكال لها‬ ‫ح�س ال�شكل‬ ‫خ�صائ�ص جمالية تنطوي على ّ‬ ‫ورونق الهند�سة �ضمن ن�سق بديع‪ .‬لكن‪ ،‬ال ينبغي‬ ‫غ�ض النظر عن البدايات في فن الخط التي‬ ‫ّ‬ ‫كان مبعثها المعرفة والتعلّم‪ ،‬بل �أحيانا الحاجة‬ ‫وال�ضرورة في نزوعها المادي‪ .‬بعد ذلك و�ضعت‬ ‫للخط قوانين و�أ�س�س مو�ضوعية وعلمية‪ ،‬تطورت‬ ‫بفعل ال �ت��درج ال�ت��اري�خ��ي وال�ث�ق��اف��ي على ممر‬ ‫الع�صور‪� ..‬إلى �أن �أ�صبح الخط المتعدد والمتنوع‬ ‫ف� ًّن��ا ق��ائ��م ال� ��ذات‪ ،‬ف��ي �صلة جدلية بالفنون‬ ‫الأخرى‪ ،‬وبخا�صة الب�صرية منها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ودون الغو�ص في البدايات المثيرة للجدل‬ ‫دائما‪ ،‬يمكن الإق��رار �أن الخط العربي ن�ش�أ في‬ ‫جدل مع �أرك��ان ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫الو�سائط الإلهية الممثلة �أ�سا�سا في القر�آن‬ ‫الكريم والحديث ال�شريف‪ ،‬فتم ت��داول��ه عبر‬ ‫الن�سخ والر�سائل‪ .‬ومنها ر�سائل الر�سول (�صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم) �إلى ملوك الروم والفر�س‪ ..‬وهو‬ ‫ما يثبت �أن مجيء الإ�سالم توحّ دت معه اللهجات‬ ‫ب�ن��زول ال �ق��ر�آن على لهجة قري�ش‪ ،‬فانت�شرت‬ ‫في فجر الإ���س�لام خطوط متعددة (الحيري‪،‬‬ ‫الأنباري‪ ،‬المكي‪ ،‬الكوفي‪ ،‬الب�صري‪.)..‬‬ ‫تبعا لهذا المعطى التاريخي والثقافي‪ ،‬تعددت‬

‫نحن‪� ،‬إذاً‪� ،‬أم��ام تعدّد في م��ادة اال�شتغال‪،‬‬ ‫وقد �أ�سهم في ذلك التكوين‪ ،‬ت�شابك ال�سياقات‬ ‫و� �ض��رورات �سيا�سية ودينية واجتماعية؛ من‬ ‫دون نفي الوجه الآخر في ا�ستعمال الخط‪� ،‬أي‬ ‫انت�شاره كحرفة‪ .‬لأن الخط على �صلة باليومي‬ ‫المعي�شي كنافذة توا�صلية‪ .‬وف��ي الآن نف�سه‪،‬‬ ‫ن�ستح�ضر التطورات الإلكترونية الراهنة التي‬ ‫�سعت �إلى تعوي�ض اليد بوا�سطة ت�شكيل ب�صري‪،‬‬ ‫يقت�ضي الإدراك والتفكير الب�صري في هند�سة‬ ‫ال��ح��روف‪ .‬ل�ك��ن ه��ذه ال �ت �ط��ورات ق��د ال ت��ؤث��ر‬ ‫على الجوانب الفنية المغلفة بالقيم الفكرية‬ ‫والروحية للإن�سان‪ ،‬من خالل حميمية اللقاء‬ ‫بين اليد والحرف‪� ،‬ضمن �أفق تخييلي ور�ؤيوي‬ ‫ما‪ .‬وهو ما يقت�ضي على مدار هذه الورقة‪ ،‬ب�سط‬ ‫بع�ض الخ�صائ�ص الفنية والجمالية للخط‪ ،‬في‬ ‫ا�ستح�ضا ٍر لمظاهر ت�سيء �إليه‪ ،‬وت�سعى لت�سليعه‪،‬‬ ‫في غمرة اال�ستهالك الذي طال كل �شيء‪.‬‬ ‫جماليات الخط العربي‬ ‫ارت� �ب ��ط ف ��ن ال� �خ ��ط ك� ��� �ض ��رورة ج�م��ال�ي��ة‬ ‫بالأرابي�سك‪ ،‬كتجليات زخرفية لمركزة بع�ض‬ ‫الأماكن كفواعل اجتماعية ودينية منها الم�ساجد‬ ‫والعمارة الإ�سالمية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهذا الخط‪ ،‬في‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫فن �أم ِحرفة؟‬ ‫الخط العربي‪ٌّ :‬‬

‫�أ�سماء الخطوط تبعا لأ�سماء مدن (النبطي‪،‬‬ ‫ال�ك��وف��ي‪ ،‬ال �ح �ج��ازي‪ ،‬ال�ف��ار��س��ي)‪� ،‬أو �أ�سماء‬ ‫مبدعين كالياقوتي‪ ،‬والريحاني‪ ،‬والغزالني‪..‬‬ ‫�أو ن�سبة لمقادير الخط‪ .‬نذكر هنا خط الثلث‪،‬‬ ‫الن�صف‪� ..‬أو ن�سبة ل�ل�أداة التي ت�سطره‪ ،‬هذا‬ ‫ف�ضال عن هيئة الخط (خط الم�سل�سل مثال)‪.‬‬

‫�صوره الجمالية‪ ،‬ي�سعى �إلى تقديم المكان عبر‬ ‫حلة �أ�سا�سية ت�سعى �إل��ى ا�ستنطاق الجدران‪،‬‬ ‫حتى تبدو منخرطة في فعل الإن�سان و�أفقه‪ .‬في‬ ‫هذا ال�سياق فالخطوط تتنوع في ت�شكلها و�شكلها‬ ‫تبعا للنوع والبيئة؛ هذا ف�ضال عن خلفية الفنان‪.‬‬ ‫فكلما كانت هذه الأخيرة ندية وثرة بالمعطيات‬ ‫والأ�سئلة‪� ..‬إال و�أ�ضافت لم�سات تدل على اليد‬ ‫التي عبرت الخط على الجدران �أو المخطوط‪..‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬قد ي�ؤدي ذلك �إلى �إدراك ب�صري‬ ‫ناتج ع��ن مثيرات ح�سّ يّة‪ ،‬م��ن خ�لال تفاعلنا‬ ‫الب�صري مع الخطوط؛ و�أحيانا من دون االرتهان‬ ‫للقواعد الخطية‪.‬‬ ‫وال � �ش��ك‪� ،‬أن ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة تمنح بع�ض‬ ‫ال�صفات‪ ،‬لتغدو هند�سة ال �ح��روف مطواعة‬ ‫ومنفتحة على �أ��ش�ك��ال �إب��داع �ي��ة‪ ،‬تعبيرا عن‬ ‫ج�م��ال�ي��ات وم�م�ك�ن��ات ف�ن�ي��ة‪ ،‬م�ن�ه��ا‪ :‬ال�م��رون��ة‪،‬‬ ‫والمطاوعة‪ ،‬وقابلية الخطوط العربية للت�شكيل‪.‬‬ ‫هذا ف�ضال عن المقيا�س والن�سب‪ .‬ال�شيء الذي‬ ‫�أك�سب الكتابة العربية �أ�شكاال هند�سية متنوعة‬ ‫من خالل لم�سات الم ّد واال�ستدارة‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫الرجع والت�شابك؛ وبذلك‪ ،‬فالم�ألوف في اللغة‬ ‫ماثل في جميع الحروف المتوازنة بكيفية عادية‪.‬‬ ‫ويبدو الإب��داع الخطي متجلٍّ في خلق ذاك‬ ‫التنا�سق بين الحروف �ضمن �إطار ما‪� .‬إنه تنا�سق‬ ‫ي�ؤلف بين جميع فروق النوع كقطعة مو�سيقية �أو‬ ‫لوحة ت�شكيلية �أو ق�صيدة‪ .‬ويغلب الظن �أن هذا‬ ‫التنا�سب بين الخط والنقطة والدائرة‪ ،‬ا�ستخدم‬ ‫ب�صيغٍ مختلفة في الفنون الت�شكيلية‪ ،‬من خالل‬ ‫عنا�صر الخط والكتلة والحركة ال�سارية بين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪25‬‬


‫الخط العربي و�سوء الفهم‬

‫الخليط المت�شكل‪ .‬لكن يبدو ذلك في ت�شكيل‬ ‫الخطوط �أكثر حدّة ودق��ة‪ ،‬لأنه ال يمكن تحقق‬ ‫الإب ��داع والخلق من دون قواعد خا�صة‪ .‬ك�أن‬ ‫الفنان الخطاط يقوم بتروي�ض الكتابة من‬ ‫خالل تموجات وتقطيعات‪ ،‬لتقول �أ�شياء و�أ�شياء‪.‬‬ ‫ول�ع��ل ال���ش��يء الأج �م��ل‪� ،‬أن ال �ح��روف العربية‬ ‫تجلي بواطنها المعبرة ع��ن �أ��س����س االنتماء‬ ‫للح�ضارة العربية‪ .‬واللغة �أبرز مظهرها الثقافي‬ ‫والوجودي‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫�أكيد �أن الخط العربي ي�ؤ�صل للهوية العربية‬ ‫الإ�سالمية كفن روحاني ي�ستند في ممار�سته‬ ‫على خ�صائ�ص فنية مرنة‪ ،‬في حاجة دائمة �إلى‬ ‫الإ�ضافة والتطوير كاالرتفاع والدوران والميالن‬ ‫�ضمن مجال حرفي م�ؤثث؛ لأن الحرف يكره‬ ‫ال �ف��راغ‪ .‬وغ�ي��ر خ��اف‪� ،‬أن االرت �ف��اع م��ن خالل‬ ‫الألف يوغل في ال�سمو على �أدراج �سفر تكويني؛‬ ‫وال��دوران �ضمن الدائرة ك�إقامات في الحياة‬ ‫والوجود‪ .‬فتعددت اللم�سات الفنية التي تنبني‬ ‫على االت��زان الخطي الممثل في الدقة و�ضبط‬ ‫ال �ح��روف‪ .‬ه��ذا ف�ضال ع��ن التنا�سب الخطي‬ ‫الجلي في ت�صميم الحروف وهند�ستها‪ .‬فالخط‬ ‫العربي بهذا ال�صنيع الفني لي�س نقال فتوغرافيا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫يغلب ظني �أن الطفيليات معروفة ب�أ�شكال‬ ‫مختلفة �ضمن �أي فن‪ ،‬وهي عنا�صر مد�سو�سة‬ ‫تبعد ال�شرط الفني والجمالي من اهتمامها‪.‬‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬يمكن الحديث عن الخط كفن‬ ‫يلتزم ب�ضوابط من دون تقليد‪ .‬ولكنها �ضرورية‬ ‫لل�صقل والإب ��داع ال�خ�ّلقاّ ق ال��ذي ي�ضيف‪ .‬وفي‬ ‫الآن نف�سه تعتر�ضنا فئة من الخطاطين التي‬ ‫ت�سند التقليد التقني بدواعي الفطرة �أو الحاجة‬ ‫االجتماعية كالفقر‪ ..‬فترى الخطوط منت�شرة‬ ‫ف��ي ك��ل م�ك��ان؛ لكن الكثير منها م�شو ٌه وخ��الٍ‬ ‫من القيم الفنية والفكرية؛ ال�شيء الذي يقتل‬ ‫الحروف في حروفها‪ .‬ويقدم �صورة م�شوّهة عن‬ ‫اللغة العربية ك�أجمل �أ�شكال التعبير والكتابة بين‬ ‫الح�ضارات الإن�سانية‪ .‬فالخط ال يقت�ضي اليد‬ ‫فقط‪ ،‬بل الفكرة �أي�ضا‪ ،‬في تالزم تفاعلي خلاّ ق‪.‬‬ ‫الخطاط فنان بكل ت�أكيد‪ ،‬ولي�س حرفيا‪ .‬وهو‬ ‫ما يقت�ضي االهتمام بو�ضعيته‪ ،‬نظرا للتحوالت‬ ‫المت�سارعة التي ب�إمكانها �أن تزحف على الخط‬ ‫العربي حين ال ندرك المخاطر التي تكبر يوما‬ ‫على �صدر يوم‪ ،‬منها غياب المبادرات من طرف‬ ‫الم�ؤ�س�سات الثقافية العامة والخا�صة؛ �إ�ضافة‬ ‫�إلى عدم االحت�ضان والتفاعل ال�لازم من قبل‬ ‫الجمهور الذي ال يملك ثقافة جمالية ب�صرية؛‬ ‫ومن ثَمَّ ‪ ،‬الخ�ضوع لغزو ال�صورة‪ .‬وهو ما يقت�ضي‬ ‫الح�س ل��دى النا�شئين والمتعلمين من‬ ‫ّ‬ ‫تنمية‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫للحروف‪ ،‬بل يعيد ت�شكيلها من جديد‪ ،‬لتغدو‬ ‫أدوات ت�سبر الوجود والكون‪.‬‬ ‫� ٍ‬

‫خ�لال التربية على الفن‪ ،‬و�إق��رار م��ادة الخط‬ ‫�ضمن البرامج والمقررات التعليمية‪ .‬وفي الآن‬ ‫نف�سه فمن ال�ضروري �أن يكون الخطاط مزودا‬ ‫ب�إطارات فنية معا�صرة‪ ،‬تغني خلفيته التقليدية‬ ‫في الخط العربي‪ .‬كما يمكن توظيف التكنولوجيا‬ ‫كعون للخطاط من دون �أن تحل التقنية محل‬ ‫اليد الماهرة‪ .‬لأن «الخط هند�سة روحانية كتبت‬ ‫ب�آلة ج�سمانية»‪ ،‬كما يقول الخطاط فريد العلي‬ ‫في �أحد حواراته‪.‬‬ ‫على �سبيل الختم‬ ‫�إلى تنميط العالم‪ ،‬و�إفراغ م�ساحات الهوية من‬ ‫في ه��ذا الختم‪� ،‬أخل�ص �إل��ى فكرة م�سلما‬ ‫محتواها‪.‬‬ ‫بها في هذا المو�ضوع ال�شائك والدقيق‪ ،‬والذي‬ ‫ف��ي ه��ذا ال�سياق‪ ،‬ن��ؤك��د م��ع المفكر محمد‬ ‫ال يقت�ضي خبطا وع�شوائية ال تف�ضي لأي �شيء‪.‬‬ ‫الفكرة تقول �إن الخط العربي على ممر التاريخ عابد الجابري في كتابه (الم�س�ألة الثقافية) ب�أن‬ ‫ارتبط بعلم الهند�سة‪ ،‬وه��و ما يثبت العالقة الثقافة ال تخ�ضع للعولمة؛ لأنها مو�سومة بالتنوع‬ ‫التنا�سبية بين الحروف و�أجزائها‪ .‬وهي فكرة والتعدد‪ .‬من ه��ذا التعدد‪ ..‬الخطوط العربية‬ ‫كفيلة بت�أكيد دقة وجماليات هذا الفن‪ ،‬طبعا ك�أ�شكال وت�صاميم‪ ،‬كهند�سات في الم�سجد‬ ‫ف��ي حاجة دائ�م��ة �إل��ى الإب ��داع والإ��ض��اف��ة‪ ،‬من والمدينة والأب ��واب‪ ..‬و�أكيد‪� ،‬إن هذه الأ�شكال‬ ‫خالل مداخل يتملكها الفنان كخلفية للممار�سة تنطوي على خ�صو�صية محلية‪ ،‬ف��ي عالقتها‬ ‫الخطية‪.‬‬ ‫بالمعتقد والمرجعية؛ لكنها في الآن نف�سه ذات‬ ‫وقد امتد هذا الفن للعمارة الإ�سالمية‪ ،‬من بعد كوني و�إن�ساني بو�صفها (تلك الأ�شكال)‬ ‫خالل تثبيت وتر�سيخ حروف عربية قر�آنية في ت�شخي�صا فنيا واب �ت �ك��ارا ف��ردي��ا وج�م��اع�ي��ا‪.‬‬ ‫الم�آذن والم�ساجد والإقامات‪ ..‬ف�أ�ضحى ذلك فتنطرح الخطوط ك�إطارات فنية تمثيلية للدين‬ ‫قيمة ب�صرية تعزز �أ�س�س الهوية وتعمقها جماليا‪ .‬والح�ضارة والمكان وال��زم��ان‪ ..‬الحروف بهذا‬ ‫فتظهر بحق الدقة ووج��ازة التعبير في قوالب الطرح‪ ،‬ال تبقى حبي�سة حروفها‪ ،‬بل ت�شرع على‬ ‫فنية رائقة‪ .‬فكثيرة هي الأ�سئلة التي يثيرها الآخ �رـ في ت�شكيلٍ جمالي يعيد بناء الحروف‬ ‫فن الخط اليوم‪ ،‬في ظل التبدالت والتحوالت لتكون جديرة بحروفها بالمعنى العميق لهذا‬ ‫المت�سارعة‪ ،‬والهادفة الآن في �إط��ار العولمة التعبير‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪27‬‬


‫■ �أ‪.‬د‪.‬خالد فهمي ‪ -‬م�صر‬

‫(‪ )1‬مدخل‪ :‬الخطاطة �أو الكتابة العربية‪ :‬غابة معرفية!‬

‫يمثل الخط العربي �أ�سا�سا لعدد كبير من العلوم التي ظهرت في الح�ضارة العربية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وعن طريقه وبف�ضله تطورت مجموعة من فروع العلم‪.‬‬ ‫والخطاطة �أو «علم الخط» هو العلم ال��ذى يبحث في �أ���ص��ول الكتابة ون�ش�أتها وتطورها‬ ‫والتعرف �إل��ى الخطاطين «على حد تعبير الدكتور عبدالعزيز الدالي في كتابه (الخطاطة‪،‬‬ ‫مكتبة الخانجى‪ ،‬م�صر �سنة ‪1980‬م �ص ‪.)5‬‬ ‫وفح�ص هذا العلم يقود �إلى �إدراك حقيقة‬ ‫جلية‪ ،‬تتمثل ف��ي �أن علم ال�خ��ط �شكّل غابة‬ ‫معرفية نه�ضت بعدد من الميادين المختلفة‪،‬‬ ‫و�أ�سهمت في تقدمها وترقيتها وتطويرها‪ ،‬ومن‬ ‫�أهم هذه الميادين‪:‬‬ ‫�أوالً‪ :‬مجال تطور الكتابة العربية‪� ،‬أو الر�سم‪.‬‬ ‫وقد كانت المحطات الأ�سا�سية في تطوير الخط‬ ‫العربي واالنتقال به �إل��ى �آف��اق غير م�سبوقة‪،‬‬ ‫كانت ب�سبب من �إرادة تي�سير ق��راءة القر�آن‬ ‫الكريم‪ ،‬وتقريب �أمره للمتعبدين والمتعلمين‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫الح�ضارة العربية الإ�سالمية‪ ،‬يمثل ركيزة �أولية‬ ‫في كل تطبيقات تجويد هذا الخط الذى افتتح‬ ‫�أم��ره �إرادة تح�سين خطوط الم�صحف‪ .‬وكان‬ ‫�أول من جود خط الم�صحف هو خالد بن �أبي‬ ‫الهياج؛ وت��وال��ى ظهور الخطاطين المجودين‬ ‫على امتداد التاريخ‪ ،‬فظهر مالك بن دينار �سنة‬ ‫‪131‬ه �ـ‪ ،‬وال��وزي��ر اب��ن مقلة �سنة ‪328‬ه �ـ‪ ،‬وابن‬ ‫�سعيد القارئ �سنة ‪410‬ه �ـ‪ ،‬واب��ن البواب �سنة‬ ‫‪413‬هـ‪ ،‬وياقوت الم�ستع�صمي �سنة ‪626‬هـ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬المجال الح�ضاري‪ .‬وقد �أ�سهم تطور‬ ‫ثانياً‪ :‬مجال الفنون والجماليات‪ .‬لقد كان العناية بالخط ال�ع��رب��ي ف��ي تطوير ع��دد من‬ ‫ا�ستثمار الخط بما هو قاعدة �أ�سا�سية ت�أ�س�س التطبيقات الح�ضارية المادية‪ ،‬فظهرت مدار�س‬ ‫ع�ل��ى ه��دي�ه��ا م�ن�ظ��وم��ة ال �ف �ن��ون ال�ج�م�ي�ل��ة في جمالية في عدد من الحوا�ضر الإ�سالمية في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م�شاهير الأعالم‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الخط العربي‪:‬‬ ‫مقال في �آفاق‬ ‫اال�ستثمار الل�ساني!‬

‫ال�شام والعراق‪ ،‬وم�صر المملوكية وال�سلجوقية لم ينقطع‪:‬‬ ‫والعثمانية‪ ،‬وتطوير الأق�لام وتنويعها‪ ،‬وتطوير ‪ -‬اب��ن مقلة المتوفى �سنة ‪328‬ه �ـ ‪ -‬الأح��دب‬ ‫م��واد الكتابة‪ ،‬وتنويع االبتكارات في مجاالتها‬ ‫المزور �سنة‪370‬هـ‪.‬‬ ‫المختلفة‪ ،‬وا�شتبك هذا مع علوم التاريخ والآثار‬ ‫ ابن �أ�سد الغافقي �سنة ‪410‬هـ ‪ -‬ال�سم�سماني‬‫وغيرها‪.‬‬ ‫‪415‬هـ‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬المجال اللغوي‪ .‬كما �أ�سهم �أمر العناية‬ ‫بالخط العربي في تنمية بع�ض ف��روع الدر�س ‪ -‬الح�سن ناهوج �سنة ‪588‬هـ – القفطي ‪624‬هـ‪.‬‬ ‫اللغوي‪ ،‬ما �أ�سهم في تف�سير عدد من الظواهر ‪ -‬ياقوت الم�ستع�صمي ‪ -‬ابن العفيف �سنة ‪736‬هـ‪.‬‬ ‫الل�سانية على هدىً من �إنجازات تاريخ الخط‬ ‫ الطيب ��ش��اه ال���س�ه��رودي �سنة ‪720‬ه � �ـ‪- .‬‬‫ال�ع��رب��ي‪ ،‬حتى غ��دا علم الخطاطة ‪graphics‬‬ ‫الزفتاوي �سنة ‪806‬هـ‪.‬‬ ‫فرعا مهما من فروع علم اللغة‪ ،‬يمتلك جهازا‬ ‫ المرع�شي �سنة ‪896‬هـ ‪ -‬الأما�س �سنة ‪957‬هـ‪.‬‬‫ا�صطالحيا وم�ستقرا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تجليات الخط العربي‪ :‬مقال في ‪ -‬ابن ال�صايغ ‪845‬هـ‪.‬‬

‫وف��ى ه��ذا ال���س�ي��اق‪ ،‬تظهر �أدب �ي��ات كثيرة‬ ‫معا�صرة اعتنت بالترجمة له�ؤالء الأعالم عناية‬ ‫خا�صة‪ ،‬وظهرت م�ؤ�س�سات �أكاديمية وبحثية‬ ‫قامت من �أج��ل ال��وف��اء بهذا التاريخ‪ ،‬ومنجز‬ ‫�أعالمه الفني والجمالي‪.‬‬

‫تجلّت قيمة الخط العربي في هذه ال�شجرة‬ ‫الملتفة لعظماء الخطاطين على امتداد التاريخ‪،‬‬ ‫وات�سعت ات�ساعا كبيرا‪ ،‬حتى ا�ستقلت معاجم‬ ‫كاملة للت�أريخ لخطاطي بع�ض الأقطار على ما‬ ‫يظهر من معجم الخطاطين الأت��راك مثال‪ )3( ..‬الخط العربي والل�سانيات العربية‪:‬‬ ‫وفى هذا ال�سياق تجلت �أ�سماء رائ��دة وعظيمة‬ ‫مقال في �آفاق اال�ستثمار!‬ ‫لأعالم الخط العربي مثل‪:‬‬ ‫�إن فح�ص الل�سانيات المعا�صرة يك�شف عن‬ ‫ علي بن �أبي طالب والح�سن الب�صري‪ ،‬مثالن انتماء الخط �إليه‪ ،‬وهو بع�ض ما يف�سر عناية‬‫لجيل الن�ش�أة‪.‬‬ ‫معاجم الم�صطلحات اللغوية بتحرير مجموعة‬ ‫ خ�شنام واب��ن �أب��ي الهياج واب��ن دينار وقطبة م��ن م�صطلحات علم ال�خ��ط‪ ،‬على م��ا يظهر‬‫ال�م�ح��رر وال�ضحاك ب��ن ع�ج�لان‪ ،‬ممثلون م��ن عمل ال��دك�ت��ور رم��زي منير البعلبكي في‬ ‫لجيل الت�أ�سي�س‪.‬‬ ‫معجمه ال��رائ��د‪ :‬معجم الم�صطلحات اللغوية‬ ‫ثم ات�سعت ال�شجرة وتفرعت غ�صونها ات�ساعا (ان �ظ��ر‪��� :‬ص ‪ 767-766‬م�سرد م�صطلحات‬ ‫وتفرعا مثيرا للإعجاب والتقدير‪ ،‬فظهرت الخطاطة‪ ،‬ومعجم دافيد كري�ستال �سنة ‪1992‬م‬ ‫الأ�سماء الآتية‪ ،‬وهى مجرد عالمات على طريق للم�صطلحات اللغوية �ص ‪ 160‬وما بعدها‪ ..‬بدءا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪29‬‬


‫وق��د تميزت �سهمة الخط العربي في دعم‬ ‫بحوث الل�سانيات العربية على امتداد تاريخها‬ ‫تميزا وا�ضحا‪ ،‬اتخذ مجموعة م��ن المراحل‬ ‫والحقب الزمنية والمو�ضوعية‪ ،‬يمكن �إجمالها‬ ‫فيما ي�أتي‪:‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ا�ستقالل العناية بخط الم�صحف‬

‫�أوالً‪ :‬مرحلة معرفة قواعد الكتابة‬ ‫وف��ى م��رح�ل��ة ت��ال�ي��ة ت�صنيفيا‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫العربية‪ ،‬والفروق بين المتداخالت هي الأ�سا�س المن�شئ والمطور لقواعد الخط‬ ‫والأ�شباه الكتابية‬ ‫ال�ع��رب��ي‪ ،‬ا�ستقل الت�أليف ف��ي م�ي��دان الر�سم‬ ‫وه� ��ذه ال �م��رح �ل��ة الأول�� ��ى ات��خ��ذت ��ش�ع��ارا الم�صحفي ر�صدا‪ ،‬وجمعا‪ ،‬وت�أريخا‪ ،‬وقد ظهرت‬ ‫مو�ضوعيا ي�ستهدف التمييز ب�ي��ن ع��دد من �أدبيات متنوعة خادمة لهذه الأغرا�ض‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫الحروف التي ين�ش�أ بينها ا�ضطراب وتداخل �أ‪ -‬البديع ف��ي معرفة م��ا ر�سم ف��ي م�صحف‬ ‫مثل‪ :‬التفريق بين ما يكتب بالألف والياء‪ ،‬وبين‬ ‫عثمان ر�ضى اهلل عنه‪ ،‬البن معاذ الجهني‬ ‫ما يكتب بالتاء والهاء �إلخ‪.‬‬ ‫�سنة ‪442‬هـ‪.‬‬ ‫وق��د ظهرت كتابات مهمة في ه��ذا ال�سياق ب‪ -‬المحكم ف��ي نقط الم�صاحف‪ ،‬للداني‪،‬‬ ‫المتوفى �سنة ‪444‬هـ‪.‬‬ ‫تنوّعت �أحجامها وخ�صائ�صها �صغرا وكبرا‪،‬‬ ‫واختالطا وا�ستقالال‪.‬‬ ‫ج‪ -‬مخت�صر التبيين لهجاء التنزيل‪ ،‬البن نجاح‬ ‫المتوفى �سنة ‪496‬هـ‪.‬‬ ‫وعرفت من �أدبيات هذه المراحل‪:‬‬ ‫وكانت الغاية الكبرى لهذا الجهد العلمي‬ ‫�أ‪� -‬أدب ال �ك��ات��ب‪ ،‬الب��ن قتيبة �سنة ‪276‬ه� �ـ‪،‬‬ ‫و� �ش��رح��ه الب��ن ال���س�ي��د البطليو�سي �سنة الممتد متركز ًة حول حفظ الن�ص العزيز عن‬ ‫‪521‬هـ‪.‬‬ ‫طريق حفظ ر�سمه وخ�ط��ه‪ ،‬وحياطته الن�ص‬ ‫ب‪� -‬أدب الكتاب‪ ،‬لل�صولي المتوفى �سنة ‪336‬هـ‪ .‬الكريم في تجلياته المكتوبة بكل �أنواع الحفظ‪.‬‬ ‫ج‪�� -‬ص�ن�اّع ال �ك �ت��اب‪ ،‬للنحا�س المتوفى �سنة‬ ‫‪337‬هـ‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ا�ستثمار التراث الخطي‬ ‫للمكتوبات العربية‪ ،‬وللقر�آن الكريم‬ ‫ل�سانيا �أو لغويا‪.‬‬

‫ثم ظهرت بعد ذلك بع�ض الكتب في م�سائل‬ ‫وكانت المرحلة الحديثة خطوة جديدة في‬ ‫م�ستقلة‪ ،‬تعالج بع�ض م�شكالت الخط العربي‬ ‫مثل‪ :‬عمدة الأدب��اء في معرفة ما يكتب بالألف ا�ستثمار الخط العربي‪ ،‬ظهرت عالماتها في‬ ‫والياء‪ ،‬لأبى البركات ابن الأنباري المتوفى �سنة درا�سة هذه الخطوط ل�سانيا �أو لغويا‪ ،‬بق�صد‬ ‫تف�سير ع��دد من الظواهر اللغوية؛ بما يجعل‬ ‫‪577‬هـ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪ -1‬درا�سة الخط العربي لغويا‪.‬‬ ‫الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه الرائد‪:‬‬ ‫(ر�سم الم�صحف‪ :‬درا�سة لغوية تاريخية)‪ .‬وكان‬ ‫‪-2‬درا�سة ر�سم الم�صحف لغويا‪.‬‬ ‫ومن �أ�شهر من در�س م�شكالت الخط العربي من �أهم نتائجها ع ّد الكتابة �أو الر�سم و�سيلة‬ ‫و�أث��ره��ا ف��ي ع��دد م��ن الأوه � ��ام ف��ي ع��دد من لحفظ القراءات الثابتة بالنقل‪.‬‬ ‫وقد ك�شفت مراجعة الإ�سهام المعا�صر في‬ ‫الم�سائل اللغوية الدكتور رم�ضان عبدالتواب‪،‬‬ ‫رحمه اهلل‪� ،‬سنة ‪2001‬م‪� ،‬إذ �صنع في كتابه‪ :‬ميدان خدمة كتابة الم�صحف �أو خطه‪ ،‬عن‬ ‫ف�صول في فقه العربية (طبعة مكتبة الخانجي وجود �إ�سهامات جيدة اتجه �أكثرها نحو الت�أريخ‬ ‫بالدمام في ال�سعودية �سنة ‪1433‬هـ‪ ،‬مراجعة د‪ .‬مثل‪:‬‬ ‫خالد فهمي �ص ‪ 357‬وما بعدها)‪ ،‬ف�صال بعنوان ‪1.1‬ر�سم الم�صحف ونقطه‪ ،‬للدكتور عبدالحي‬ ‫م�شكلة الخط العربي و�أوه��ام اللغويين‪ ،‬تو�صل‬ ‫الفرماوي‪� ،‬أنجز �سنة ‪1975‬م‪.‬‬ ‫فيه �إلى الآتي‪:‬‬ ‫‪2.2‬ر��س��م الم�صحف و�ضبطه بين التوقيف‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫من المدخل‪.)graph :‬‬

‫وك��ان��ت الغاية الأ�سا�سية م��ن ه��ذا الجهد‬ ‫العلمي التراثي هي �ضبط الكتابة العربية‪� ،‬سعيا‬ ‫نحو �شفافيتها ونقائها‪ ،‬طلبا ل�شفافية الر�سائل‬ ‫المعرفية التي تحملها ه��ذه الكتابة‪ ،‬بما هي‬ ‫الو�سيط المادي الحامل لفكر الأمة العربية‪.‬‬

‫درا�سات الخط جزءا �أ�صيال يقع في ال�صميم العريقة‪.‬‬ ‫من درا�سات فقه العربية‪ ،‬واتخذت هذه المرحلة‬ ‫ومن �أ�شهر ه�ؤالء الذين توقفوا �أمام درا�سة‬ ‫م�سارين ظاهرين هما‪:‬‬ ‫ر�سم الم�صحف وفق الأ�صول العلمية لعلم اللغة‪:‬‬

‫�أ ‪� -‬أدى ع��دم �إدراك وج��ود رم��وز خطية �أو‬ ‫كتابية للحركات �أو �أ�صوات العلة �إلى عدد‬ ‫من الأوهام اللغوية‪ ،‬تتعلق بمحل الحركة‪�3.3 ،‬ضبط الم�صحف‪ :‬ن�ش�أته وتطوره‪ ،‬للدكتور‬ ‫وتتعلق باعتبار حروف المد �أ�صواتا �صامتة!‬ ‫عبدالتواب الأكرت �سنة ‪2008‬م‪.‬‬ ‫ب‪ -‬عدم �إدراك بع�ض اللغويين لإمكان ا�ستقالل‬ ‫ومن كل هذه الم�سارات والمراحل والجهود‬ ‫الحركة بالنطق‪ ،‬ب�سبب عدم تمثيلها خطيا يت�ضح لنا �أن الخط العربي تطور ب�شكل رائع‬ ‫�أو كتابيا‪.‬‬ ‫ب�سبب �إرادة خدمة القر�آن الكريم ابتداء‪ ،‬وقد‬ ‫ج‪� -‬أدى ازدواج النظر �إلى كتابة (الألف والواو ك��ان ا�ستثماره فنيا وجماليا م ��ؤث��را ج��دا في‬ ‫والياء) �إلى عدد من الأخطاء‪ ،‬في النظام التفريع والتطوير الذى �أ�صابه‪.‬‬ ‫ال�صرفي للعربية‪.‬‬ ‫وقد ظهرت مع مرور الوقت درا�سات تدر�س‬ ‫ومن جهة �أخرى‪ ،‬ظهر في الع�صر الحديث ال�خ��ط ب�لاغ�ي��ا‪ ،‬وتحلل جمالياته‪ ،‬م�ستثمرة‬ ‫ات�ج��اه �آخ��ر م�ستقل‪ ،‬اعتنى ب��درا��س��ة الر�سم �إمكانات البالغة العربية من ت�شبيه وا�ستعارة‪،‬‬ ‫العثماني الخا�ص بالقر�آن الكريم لغويا‪ ،‬للك�شف ف��ي منحى ج��دي��د يتعامل م�ع��ه‪ ،‬بو�صفه ن�صا‬ ‫عما ين�ضوي تحته من مظاهر نافعة في الت�أريخ‪ ،‬جماليا مقنعا وم ��ؤث��را ف��ي ال��وج��دان العربي‬ ‫لواحدة من �أهم الحقب التاريخية لهذه اللغة الم�سلم على امتداد تاريخه‪.‬‬

‫واال�صطالحات الحديثة للدكتور �شعبان‬ ‫�إ�سماعيل �سنة ‪1999‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪31‬‬


‫خـط الرِ قعـة‬ ‫ي�ستخدم في كتابة اليد العادية‪ ..‬ويتداوله‬ ‫النا�س‪ ,‬لتدوين معامالتهم اليومية‪ ,‬من كتابة‬ ‫عقود ور�سائل‪.‬‬

‫جماليات الخط العربي‬ ‫(الخط الكوفي �أنموذج ًا)‬

‫الخـط الفـار�سي‬

‫■ غازي خريان امللحم‪� -‬سوريا‬

‫لم يكن العرب بمن�أى تام عن الفن‪ ,‬ومحاوره المختلفة‪ ,‬لكنهم لم يقبلوا على بع�ضه ال �سيما‬ ‫ذلك النوع الذي يت�سم بم�سوح الوثنية‪ ,‬التي تذكّرهم بما كانوا عليه في الفترة ال�سابقة من غيٍّ‬ ‫وجاهلية‪ .‬ولما كانت الطبيعة الب�شرية توّاقة لم�شاهدة الجمال وتق�صّ ي مكامنه‪� ,‬أخذوا بالبحث‬ ‫عن �ضروب بديلة تتنا�سب ومعتقدهم الجديد‪ ,‬فوجدوا �ضالتهم المن�شودة في حروف خطهم‬ ‫العربي‪ ,‬فانبروا ي�صلحون من �ش�أنه‪ ,‬حتى بلغ الذروة من التح�سين والإتقان‪ ,‬وبخا�صة خالل‬ ‫الحقبة العبا�سية‪ ،‬ما دفع الخليفة الم�أمون �إلى القول‪«:‬لو فاخرتنا ملوك الأعاجم بما يملكون‬ ‫من فنون وتماثيل‪ ,‬لفاخرناهم بما لدينا من �صنوف الخط‪ ..‬الذي يقر�أ في كل مكان‪ ..‬ويترجم‬ ‫على كل ل�سان‪.»..‬‬ ‫ول �م��ا ك��ان ال �م ��أم��ون نف�سه ع��ال�م��ا بالخط ف�أنتجوا �أروع اللوحات الخطية‪ ،‬م�شفوعة بالألوان‬ ‫وديباجته‪ ,‬ثقافة وممار�سة‪ ,‬و�صفه ال�شاعر المت�ألقة والمت�آلفة‪ ..‬ما يزال بع�ضها متربع ًا على‬ ‫عر�ش ال�صدارة في �أرقى المتاحف العالمية‪.‬‬ ‫بقوله‪:‬‬

‫ت����ج����م����ع����ت ل�������ع���ل���اه ك��������ل م���ن���ق���ب���ة‬ ‫وه����و ال��ب��ل��ي��غ �إذا م���ا ق����ال �أو �سمعا‬ ‫وك����م ل���ه م���ع���ان راق م�����س��م��ع��ه��ا من‬ ‫ ف� �ن ��ون خ� �ط ��وط �أب � ��دع � ��ت ع�ج�ب��ا‬

‫‪32‬‬

‫وم��ن هنا‪ ,‬انبرى الفنانون العرب‪ ،‬وبنزوع‬ ‫ف�ط��ري نحو ال�ت�ج��دي��د‪ ,‬لإح �ي��اء ك��ل ف��ن جميل‬ ‫لديهم‪ ,‬يكون القلم و�سيلته‪ ,‬والحرف غايته؛‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وي�ستمر الخط العربي في م�سيرته الإبداعية‪,‬‬ ‫لا ف��ي ط�ي��ات��ه ُب �ع��د ًا راق �ي � ًا م��ن ال�ب��راع��ة‬ ‫ح��ام� ً‬ ‫والجمال‪ ,‬ويمثل وجه ًا نا�صع ًا من وج��وه الفن‬ ‫الت�شكيلي العربي الإ�سالمي؛ ت�شاهد كلماته وهي‬ ‫تتهادى في رونق �أنيق م�ستقل في �صورة حروفه‬ ‫من ت�شابك وتداخل وتركيب‪ ,‬تراوحت بين الرقة‬ ‫والغِلظة كما في خط الن�سخ‪ ,‬وبانحناء الحروف‬ ‫وامتدادها كما في الخط الفار�سي‪ ,‬والتناظر‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫والميزان الذي يقا�س به براعة الخطاط ومدى‬ ‫مهاراته‪ ,‬ويمتاز ه��ذا الخط بالجمال المطلق‬ ‫والدقة الفائقة في ر�سم حروفه‪.‬‬

‫وي�سمى العليق‪ ,‬ابتكر في بالد فار�س‪ ..‬وهو‬ ‫خط جميل‪ ,‬نحيل القوام‪ ,‬تمتاز حروفه بالدقة‬ ‫واالمتداد‪ ,‬وهي وا�ضحة �سهلة الكتابة النعدام‬ ‫التعقيد فيها‪.‬‬

‫نماذج من خط الثلث‬

‫والتماثل كما في الخط الديواني‪ ,‬وتبادل �إ�شعاع‬ ‫القوة والو�ضوح كما في حروف خط الثلث‪.‬‬ ‫واخت�ص كل خط من هذه الخطوط بوظيفة‬ ‫جمالية‪ ,‬و�أخرى عملية‪ ,‬توزعت على النحو الآتي‪:‬‬

‫خـط الرِ قعـة‬

‫خـط الن�سـخ‬ ‫م��ن م�م�ي��زات��ه ال��و� �ض��وح و��س�ه��ول��ة ال �ق��راءة‪,‬‬ ‫وي�ستعمل في كتابة المطبوعات اليومية المختلفة‪,‬‬ ‫من �صحف ون�شرات وكتب تعليمية وغيرها‪ ,‬كما‬ ‫اخت�ص حديث ًا بالمواقع الإلكترونية‪.‬‬ ‫خـط الثُلث‬ ‫يعد �أ�صل الخطوط العربية و�أُ�سها الأول‪,‬‬

‫نماذج من الخط الفار�سي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪33‬‬


‫نماذج من الخـط الـديواني‬

‫خـط ـديواني (جلي)‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ومن هنا‪� ,‬أخذ الخط الكوفي بالت�سامي‪ ,‬لتبلغ‬ ‫�أنواعه �أكثر من خم�سين نوعا‪ ,‬وبذلك �أ�صبح‬ ‫فنا جميال قائما بذاته‪ ,‬يتحدى �أرق��ى الفنون‬ ‫المت�شابهة بخ�صو�صيته التي باتت تمثل روح‬ ‫الفن العربي و�سماته النبيلة‪ ,‬و�أخ��ذت حروفه‬ ‫تتلألأ ب�آيات الذكر الحكيم‪ ,‬وتزين المنابر‪،‬‬ ‫وتجمل القِباب وال �م ��آذن‪ ,‬وتتحلى بها الحكم‬ ‫والأمثال والأ�شعار‪.‬‬

‫ي���أت��ي الخط الكوفي ف��ي مقدمة الخطوط‬ ‫ال�ستة المعتمدة‪ ,‬وهي‪ :‬خط الرقعة‪ ,‬والديواني‪،‬‬ ‫والن�سخ‪ ،‬وال�ث�ل��ث‪ ،‬وال�ف��ار��س��ي‪ ,‬وطبعا الخط‬ ‫الكوفي‪ ,‬ال��ذي بلغ منزلة متقدمة من تجميل‬ ‫ر�سمه و�إتقان حرفه‪.‬‬ ‫�أ�سلوب مب�سط من الكوفي الحديث المزهر‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وكل رملة ح�صباء عند العرب كوفة؛ وقد نقل‬ ‫الخـط الـديواني‬ ‫ي�م�ت��از ب��ال�ح�ي��وي��ة وال �ط��واع � ّي��ة‪ ,‬وب��ال�ج�م��ال العرب �أثناء وفودهم �إليها من الحيرة وغيرها‬ ‫ال�شكلي‪ ,‬تتماوج حروفه على الورق �أو على �صدر من البالد الأخرى خطوطهم المتنوعة‪� ,‬إذ كان‬ ‫اللوحة بر�شاقة ظاهرة‪ ,‬و�أكثر ما ي�ستخدم في لكل فئة منهم خطها الخا�ص بها‪ ,‬عُ رفت به‪.‬‬ ‫دواوين الدولة‪.‬‬ ‫ويذكر الم�ؤرخون‪� :‬إن عرب اليمن كان لهم‬ ‫ثم الخط الكوفي الذي ي�أتي في مقدمة تلك خط الم�سند الحميري‪ ,‬والعرب الأن��ب��اط خط‬ ‫الخطوط‪ ,‬نظر ًا لجماله ودقة موا�صفاته وات�ساع �سُ مِّيَ النبطي‪ ،‬ثم ا�ستنتج �أهل الحيرة والأنبار‬ ‫خ��ط �سمي ال�ح�ي��ري �أو الأن��ب��اري‪ ,‬وم��ن جملة‬ ‫ا�ستعماالته‪.‬‬ ‫هذه الأنواع‪ ،‬تو�صلوا لخط تعارفوا على ت�سميته‬ ‫رحلة الخط الكوفي‬ ‫بالخط الكوفي‪ ,‬ن�سبة �إلى مدينتهم الوليدة‪.‬‬ ‫على مقربة من الحيرة‪ ,‬كانت هناك مدينة‬ ‫بد�أ هذا الخط في �أول �أمره بداية متوا�ضعة‪،‬‬ ‫نا�شئة ا�سمها الكوفة‪� ..‬شيّدت في رملة ح�صباء‪,‬‬ ‫ال تنم عن �شيء من الإج��ادة‪ ,‬ولما كان الفنان‬ ‫العربي الم�سلم متقن ًا لعمله‪� ,‬صبور ًا على الأ�شياء‬ ‫الدقيقة‪ ..‬تحول ه��ذا الخط الوليد على يديه‬ ‫�إلى �أجمل الخطوط العربية والأجنبية على حد‬ ‫�سواء‪ ,‬لخروجه على الم�ألوف‪ ,‬وظهوره بمظهر‬ ‫متميز‪ ،‬فجمالياته تكمن في �ألفاته الواقفة‪,‬‬ ‫و�سطوره المم�شوقة الم�ستقيمة‪ ,‬وحروفه الملتفة‬ ‫�أو الم�ستديرة التي تنمّ عن الحركة في تكوينها‪,‬‬ ‫وان�سجام في مظهرها الهند�سي‪.‬‬

‫خ�صائ�ص الخط الكوفي‬

‫وم��ن خوا�صه‪� ،‬أن��ه يتم�شى مع يد الخطاط‬ ‫كيفما ي�شاء‪ ,‬وو�صف ب�أنه خط مرن‪ ,‬و�أكثر قابلية‬ ‫ال�شتقاق حروف منه‪ ,‬من دون الخروج عن �صفته‬ ‫الهند�سية‪ ,‬وينق�سم ح�سب خوا�صه الفنية �إلى‪:‬‬ ‫‪ -1‬كوفي الم�صاحف‪:‬‬

‫الكوفي المزهر‬

‫وهو �أول ظهور الفت للخط الكوفي‪ ,‬واقت�صر‬ ‫وقتئذ على كتابة الم�صاحف الكريمة‪ ,‬والأحاديث‬ ‫النبوية ال�شريفة‪ ,‬وبذلك يكون الخطاط الم�سلم‬ ‫قد حاز على �أجرين‪� :‬أجر الدنيا و�أجر الآخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكوفي الب�سيط‪:‬‬

‫كوفي مع�شق‬

‫وه��و ال��ذي ي�ستعمل في المواد التحريرية‪,‬‬ ‫ككتابة الر�سائل وتدوين العقود‪ ,‬وانت�شر هذا‬ ‫النوع في العالم الإ�سالمي كله‪ ،‬لما فيه من‬ ‫الب�ساطة والو�ضوح‪ ,‬ومثله نراه على قبة ال�صخرة‬ ‫في القد�س ال�شريف‪ ,‬وجامع اب��ن طولون في‬ ‫القاهرة‪ ,‬وق�صر الكازار في الأندل�س‪.‬‬ ‫‪ -3‬الكوفي الفاطمي‪:‬‬

‫كوفي منح�صر‬

‫ن�سبة �إل��ى الفاطميين الذين ابتكروا بع�ض‬ ‫ت�ك��وي�ن��ات��ه‪ ,‬وزي��ن��وا ف�ي��ه ق���ص��وره��م وق��اع��ات‬ ‫جلو�سهم‪ ,‬و�أ��ص�ب��ح ف��ي وقتهم الأك�ث��ر ت��داوال‪,‬‬ ‫وينق�سم هذا الخط �إلى �أق�سام مختلفة ح�سب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪35‬‬


‫ف�����ت�����رى ل���������ص����ورت����ه رم�����������وزا ج��م��ة‬ ‫ف����ان����ظ����ر ب���ع���ي���ن ح���ق���ي���ق���ة ت���ت���ه���ذب‬

‫‪ -4‬كوفي الأبنية‪:‬‬ ‫وهذا النوع يكون �أكثر تعقيدا من �سابقيه‪,‬‬ ‫ويعتمد في طياته على الأل��وان الزاهية‪ ,‬التي‬ ‫ا�ستخرجها ال��خ��ط��اط ال��ع��رب��ي م��ن م�صادر‬ ‫نباتية و�صناعية متنوعة‪ ,‬فجاء الأق ��رب �إل��ى‬ ‫اللوحة الفنية منه �إل��ى المدونة الخطية‪ ,‬وهو‬ ‫يتنا�سب وهند�سة الأبنية وحركة العمارة التي‬ ‫باتت �صروحها زاخرة بفنون الخط وزخرفته‪،‬‬ ‫حيث ت�شاهد على الأ�سقف والجدران والنوافذ‬ ‫والأعمدة‪.‬‬

‫كوفي م�شعب‬

‫الخط المورّق‪:‬‬ ‫م�شتق من الخط الكوفي ‪ -‬خط القيروان‬

‫كوفي هند�سي‬

‫‪ -5‬الكوفي التذكاري‪:‬‬ ‫وهو ي�ستخدم للتدوين على المواد ال�صلبة‬ ‫ك��ال �ح �ج��ارة والأخ� ��� �ش ��اب وب �ع ����ض ال���ص�ف��ائ��ح‬ ‫المعدنية‪ ,‬وتكون الآي��ات القر�آنية والعبارات‬ ‫الدعائية وغيرها مادة �أولى له‪ ,‬وهذا النوع من‬ ‫الخط ي�ستوقف ال�ق��ارئ ل�صعوبة فك حروفه‬ ‫لخلوها من النقط‪� ,‬إ�ضافة �إلى التداخل ال�شديد‬ ‫فيما بينها‪.‬‬

‫م�شتق من الخط الكوفي ‪ -‬خط القيروان‬

‫�أ�شكال الخط الكوفي‬

‫‪ -6‬الكوفي الياب�س‪:‬‬

‫‪36‬‬

‫يكتب هذا الخط على �أ�س�س هند�سية بحته‪,‬‬ ‫ويكون على قدر عال من الدقة والجمال والليونة‬ ‫المخففة ل�شدة جفافه‪ ,‬و�سمي كذلك ال�ستقامة‬ ‫حروفه وحِ َّد ِة زواياه وافتقاره �إلى الدوائر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وقد ق�سّ م الفنانون العرب‪ ,‬من �أمثال ابن‬ ‫مقلة وابن البواب وغيرهم‪ ,‬الخط الكوفي‪� ,‬إلى‬ ‫عدة �أ�شكال‪ ,‬ح�سب ال�سمة البارزة لهيئة الخط‬ ‫وتكوينه‪ ،‬ف�أح�صوه في عدة �أ�شكال‪� ,‬أبرزها‪:‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ال��زخ��ارف الم�صاحبة ل��ه‪ ,‬وال�م��راد ت�شكيلها‪,‬‬ ‫وهكذا يكون ا�سم الخط ومظهره م�ستوحى من‬ ‫�شكل زخرفته‪ ,‬التي غالبا م��ا تكون ملونة �أو‬ ‫مذهبة‪.‬‬

‫���ص��ور ال���ح���روف ج��م��ي��ع��ه��ا م����أخ���وذة‬ ‫م�����ن ������ص�����ورة الإل���������ف ال����ت����ي ت��ك��ت��ب‬

‫كوفي زهر‬

‫وه��و الخط ال��ذي تر�سم ف��ي نهاية حروفه‬ ‫وريقات‪ ,‬م�أخوذة من تحوير �أوراق الأ�شجار‪ ,‬دون‬ ‫�أن ت�ؤدي �إلى �صعوبة قراءتها‪ ,‬ومن غير الم�سا�س‬ ‫بال�شكل الأولي للحرف‪ ,‬فبلغ �أوج رونقه وبهائه‬ ‫في العديد من البالد الإ�سالمية‪ ,‬واخت�ص في‬ ‫زخرفة الكتب‪ ,‬وتزويق المجلدات ال�ضخمة‪.‬‬ ‫الكوفي الزهر‪:‬‬ ‫هو الذي يقوم على ملء الفراغات الأر�ضية‬ ‫للوحة‪ ,‬بزخارف نباتية على هيئة منظر الزهور‬ ‫المختلفة‪ ,‬وهذه الزخارف تكون ب�ألوان افتح من‬ ‫لون الكتابة‪ ,‬لكنها قريبة منها‪ ,‬وتعد النماذج‬ ‫الموجودة في قاعة ال�سلطان ح�سن بالقاهرة من‬ ‫�أ�شهر تلك الكتابات التي دوّنت بالخط الكوفي‬ ‫المزهر‪.‬‬

‫ت�ضافرت جهود حثيثة‪ ,‬للرقي بهذا الخط‬ ‫والو�صول به �إل��ى درج��ة تحاكي الكمال‪ ,‬فكتب‬ ‫على �شكل دوائ��ر ومربعات وم�سد�سات‪ ,‬وعلى‬ ‫هيئة الطير وال��زه��ر وال�شجر‪� ,‬أو على �صورة‬ ‫�شخ�صية لأحد ما‪ ,‬يكاد الم�شاهد يتعرف عليه‬ ‫الكوفي الم�شجر‪:‬‬ ‫بمجرد النظرة الأول ��ى لر�سمه‪ ,‬ول�ه��ذا �أ�شار‬ ‫�أما الكوفي الم�شجر‪ ,‬فهو الخط الذي يكون‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫في نهاية حروفه العلوية �أ�شكاال ت�شبه �أغ�صان‬ ‫ك����ل ال�����ح�����روف �إذا ن����ظ����رت ف����إن���ه���ا‬ ‫ال�شجر الملتوية والملفوفة ك��دال�ي��ة العنب‪،‬‬ ‫م������ن ن���ق���ط���ة �أج���������زا�ؤه���������ا ت���ت���رك���ب وهي تزهو بوريقاتها وبراعمها‪ ,‬فتعطي �شكال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪37‬‬


‫مميزا‪� ،‬أ�شبه ما يكون بال�شجرة الوارفة الأوراق‬ ‫والظالل‪.‬‬ ‫الكوفي الم�ضفر‪:‬‬ ‫وهو من التحف الكتابية‪ ,‬ب�أخذه �شكل �ضفيرة‬ ‫زخرفيه متداخلة الحروف مت�شابكة‪ ,‬وهو خط‬ ‫معقّد ج��داً‪� ,‬إل��ى حدٍّ ي�صعب معه التمييز بين‬ ‫الحرف و�أنواع الزخرفة الم�شاركة له‪ ,‬العتماده‬ ‫ع�ل��ى ت�ضفير ال��ح��روف ال�ع��ال�ي��ة وال�م��رت�ف�ع��ة‬ ‫وتعقيدها �سوية‪ ,‬لت�صبح كال�ضفيرة‪.‬‬

‫خط كوفي متناظر‬

‫بع�ضا‪ ،‬وك�أنها م�شتاق ي�سعى �إلى م�شتاق‪ ،‬ف�أن�شد‪:‬‬ ‫وهكذا‪ ,‬ا�ستمرت المقطوعات الخطية الكوفية‪,‬‬ ‫بجاذبية ت�أخذ بمجامع الأل�ب��اب‪ ,‬فتمتع العين‪,‬‬ ‫واني لأح�سد ال في �أ�سطر ال�صحف‬ ‫�إذا ر�أي�������ت اع���ت���ن���اق ال���ل��ام ب���الأل���ف وت�س ّر النف�س؛ فهذه الجاذبية ال تهتدى �إليها �إال‬ ‫روح الجمال‪ ,‬وعبقرية الخيال‪ ,‬وطبعا ال يدرك‬ ‫وم����ا �أظ��ن��ه��م��ا �إذا ط����ال اع��ت��ن��اق��ه��م��ا‬ ‫هذا االح�سا�س المعنوي‪ ،‬وال يفهم كنهه الروحي‬ ‫�إال �إذا ل�����ق�����ي ������ش�����ـ�����دة ال�������ش���ق���ف �إال من �سما عقله‪ ,‬ودق �إح�سا�سه‪ ,‬ال من غلظ‬ ‫طبعه‪ ,‬وتبلدت حوا�سه‪ ,‬ولهذا ي�شير ال�شاعر‪:‬‬ ‫الخط الكوفي الحديث‪:‬‬

‫الخط الكوفي الحديث‪ ,‬وه��و ال��ذي ابتكر وال������������ذي ن���ف�������س���ه ب����غ����ي����ر ج�����م�����ال‪،‬ال‬ ‫ي������رى ف�����ي ال������وج������ود �����ش����يء ج��م��ي�لا‬ ‫نتيجة ل�ضرورة �إعالمية‪ ,‬بعد �أن �أ�صبح للمل�صق‬

‫وقد �أده�ش هذا ال�شكل �أحد ال�شعراء‪ ,‬وهو‬ ‫يت�أمل في روعة هذا التداخل الزخرفي وتمازجه‬ ‫مع الحروف‪ ,‬وطريقة انعقاد‪�،‬ألفاته‪ ،‬مع الماته‪،‬‬

‫ال�ج��داري دور ب��ارز في الإع�ل�ان‪ ,‬فجاء الخط‬ ‫ال�ح��دي��ث متنا�سبا م��ع الت�صميم الإع�لان��ي‪,‬‬ ‫لي�ؤدي دورا ت�شكيليا‪� ،‬إ�ضافة �إلى �أنه خط مقروء‬ ‫كوفي م�شجر‬

‫وجميل‪ ,‬وتكون �أ�شكال حروفه �سهلة متنا�سقة‬ ‫في �أحجامها‪ ,‬وت�سير على وتيرة واحدة برباط‬ ‫منطقي فيما بينها‪ ,‬فازدانت بها �أغلفة الكتب‪،‬‬ ‫وت�صدرت عناوين الكثير من ال�صحف‪.‬‬

‫(وقفوهم �إنهم م�س�ؤولون) بخط كوفي مورق كتابة الخطاط‬ ‫جواد �سبتي �سنة ‪1411‬هـ‬

‫وعلى الرغم مما يبدو في ظاهر هذا الخط من‬ ‫تعقيد‪ ،‬ف�إنه في حقيقته ب�سيط‪ ،‬ويعتمد على �أ�صول‬ ‫وق��واع��د �سهلة‪ ,‬ويمكن لأي �شخ�ص تعلمه بكل‬ ‫ي�سر‪� ..‬شريطة �أن يكون لديه النية والحد الأدنى‬ ‫من المعرفة الهند�سية‪ ,‬ويتمتع بقدر من ال�صبر‬ ‫والمثابرة لإجراء الكتابات والت�صميمات الكوفية‪.‬‬ ‫الم�صادر‪:‬‬ ‫‪ -‬‬

‫وعندما ت�ستخدم التقنية الحديثة في تظليل ‪-‬‬ ‫ال�ح��روف لتجعلها ب�شكل نافر‪� ,‬أو مج�سم‪� ،‬أو‬

‫ت�ستطيل الحروف العالية‪� ,‬أو ت�ستدير الحروف‬

‫‪ -‬‬

‫النازلة ف�إنه يحدث نوع من الخداع الب�صري‪ - ,‬‬ ‫وه��و المعروف بالفن الحديث (الأوب �أرت) ‪ -‬‬

‫الذي يعتمد على جذب النظر بوا�سطة الألوان‬ ‫خط كوفي‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وهي �سادرة في عناق �سرمدي في حجر بع�ضها‬

‫خاتمة‬

‫كوفي مو�شح‬

‫المحدثة‪ ,‬ذات البهرجة العالية‪.‬‬

‫‪ -‬‬

‫محمد طاهر مكي ‪ -‬الخط العربي و�آدابه ‪�-‬ص‪-127‬‬ ‫الريا�ض‪1982‬م‬ ‫حقي ن��ا��ص��ف‪-‬ت��اري��خ الأدب ال�ع��رب��ي ‪�� �-‬ص‪-133‬‬ ‫القاهرة‪1910‬م‬ ‫عبدالفاتح عبادة ‪ -‬انت�شار الخط العربي ‪� -‬ص‪- 72‬‬ ‫القاهرة ‪1915‬م‬ ‫م �ه��دي ال�سيد م�ح�م��ود‪-‬ال�خ��ط ال�ع��رب��ي ‪���-‬ص‪-5‬‬ ‫دارالف�ضيلة ‪ -‬القاهرة‪1995‬م‬ ‫ممدوح �سالم‪-‬مو�سوعة الخط الكوفي ‪�-‬ص‪ 8‬مكتبة‬ ‫طنطا‪2002-‬م‬ ‫ح�سن حب�ش‪ -‬فن الخط العربي والزخرفة‪�-‬ص‪-82‬‬ ‫در العلم ‪-‬بيروت ‪2004‬م‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪39‬‬


‫■ مع�صوم حممد خلف ‪� -‬سوريا‬

‫ال�شعر من �أهم الفنون التي تميز بها العرب‪ .‬ولل�شعر العربي طبيعة فريدة ت�ضعه في مكانة‬ ‫خا�صة على �صعيد هذا الفن في العالم �أجمع‪.‬‬ ‫ومثلما �أثّر ال�شعر في نفو�س ال�شعراء ف�أبدعوا بق�صائد خالدات‪ ،‬كذلك فعل الخط في نفو�س‬ ‫الخطاطين والفنانين ومعظم النا�س؛ �إذ فتحت قريحتهم‪ ..‬فتجولوا بين حروف العربية �صوتاً‬ ‫و�صورة؛ ف�أك�سبوا لكال الفنّين لوحات رائعة‪ ،‬تبهج ال�سمع والب�صر‪.‬‬ ‫�أم��ا الخطاط عدنان ال�شيخ عثمان‪� ،‬أ�ستاذ‬ ‫فالخطاط الذي يتعاي�ش مع الحروف ويلم�سها‬ ‫ويعي�ش بقربها‪ ،‬ي�سكب من عبراته المختزنة بين الخط العربي في كلية الفنون الجميلة بجامعة‬ ‫تالفيف الحروف على اللوحة الخطية‪ ،‬فتزيدها دم�شق يقول‪:‬‬ ‫جماال خلاّ با ال نظير لها‪.‬‬ ‫�روف غرامي‬ ‫�أف�ن�ي��تُ ف��ي مَ �شقِ ال �ح� ِ‬ ‫و�إذا كان ال�شعراء يُ�شَ بِّهون الحبيبة بالقمر‪،‬‬ ‫�ارف الأوه� ��ام‬ ‫ور� �ض �ي��تُ م �ن� ِ�ك زخ � � ُ‬ ‫وبالليل‪ ،‬وبال�ضياء‪ ،‬وب�أ�شياء �أخ��رى جميلة؛‬ ‫كالورود والعطور وطيور الحمام؛ ف�إن ال�شعراء و�أ� �ض �ع��تُ �أ ّي ��ام ��ي ع �ل �ي� َ�ك‪ ،‬ول ��م �أزل‬ ‫ال �أن� � ��تَ ُت�����س��ع��دن��ي‪ ..‬وال �أي ��ام ��ي‬ ‫ال�خ�ط��اط�ي��ن‪ ،‬ق��د ��ش� ّب�ه��وا ف��ي بع�ض حاالتهم‬ ‫ال�ح��روف العربية بالحبيبة‪ ،‬وبع�ضهم �أفا�ض‬ ‫ويقول هذا الخطاط في مو�ضع �آخر ي�صف‬ ‫عليها المعاناة المريرة التي �أخذت من حياتهم الخطوط العربية وعمالقتها‪:‬‬ ‫�أ� �ش��واط � ًا ط��وي �ل �ةً‪ ،‬ف�ك��ان��ت ق�صائدهم ��ص��ورة‬ ‫وجدانية رائعة‪ .‬فهذا الخطاط �سيد �إبراهيم‪ ،‬ث �ل��ث ال��خ��ط��وط ح���دائ���ق الأح�����داق‬ ‫� �ش �ه��د ي �ط �ي��ب ل �ن �خ �ب � ِة الأذواقِ‬ ‫عميد الخط العربي يقول‪:‬‬

‫‪40‬‬

‫بدوي* وه��ا��ش��م وال �ك �ب��ار جميعهم‬ ‫ق�����������������ض��������ي��������تُ زه����������������������رة ع�������م�������ري‬ ‫ذرف� ��وا ال �ب �ك��اء َ ل���ض��اح��ك الأوراق‬ ‫������������������ط و���������ش��������ع�������� ِر‬ ‫م��������������ا ب���������ي���������ن خ ٍّ‬ ‫� �ص��اغ��وا ع �ي��ون � ًا م��ن ب��ري��ق عيونهم‬ ‫ه������������������������ذا ُي���������������������ف���������������������رِّج ه���������مّ���������ي‬ ‫ح� ��وراً‪ ،‬ف��أ��ض�ح��ت م���ص��رع الع�شاق‬ ‫وذاك ي������������ ّ�����������س�����������ر �أم���������������������ري‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫توظيف الخط العربي‬ ‫في ال�شعر‬

‫ه��ذي خطوط الفاتحين وق��د علت‬ ‫ت��ل��ك ال� �م ��رات ��ب ال ُت� �ن���ال ت � َم �ن �ي � ًا‬ ‫راي�����ات�����ه�����ا ف������ي �����ش����ام����خ ال������ج������وزاء‬ ‫ف��اف �ت��ح ل �ع��زم��ك م �ن �ف��ذَ الإع� �ت ��اق‬ ‫اك���ت���ب ب���دم���ع ال��ع��ا���ش��ق��ي��ن ق�����ص��ائ��داً‬ ‫ف��ال �ح �م � ُد ل �ل � ّرح �م��ن ج�� � ّل ج�ل�ال � ُه‬ ‫ب���ال���ن�������س���خ وال����ث����ل����ث����ي وال�����ط�����غ�����راء‬ ‫َره � ��نَ ال��ع��ل��ومَ ب �� �ص��ال��حِ الأخ �ل��اقِ‬ ‫ق�����ل�����م ي�����������ص�����وغ لآل��������ئ��������اً ب����م����ـ����ـ����داده‬ ‫ث��م ال ��ّ��ص�لا ُة ع�ل��ى ال�ح�ب�ي��بِ محمّد‬ ‫و���س��ن��ا ال���ح���روف ج���واه���ر ال��ح�����س��ن��اء‬ ‫م��اح��ي ال �ظ�ل�ام وم �ب �ع��ث الإ�� �ش ��راقِ‬

‫ويقول الأ�ستاذ ال�شاعر مهدي فا�ضل المعمار‬ ‫ولل�شاعر �أمين نخلة ق�صيدة يمدح بها نابغة‬ ‫في ق�صيدة يمدح بها الخطاط العراقي محمد‬ ‫الزمان (الخطاط التركي حامد) فيقول‪:‬‬ ‫ها�شم ال �ب �غ��دادي‪ ،‬ال��ذي ك��ان م��د ّر��س� ًا للخط‬ ‫ب�أحلى خطوط الو�شي ما خط حامد‬ ‫العربي في كلية الفنون الجميلة ببغداد‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫وت�����ف�����دي�����ه �أم ل����ل����رب����ي����ع ووال����������� ُد‬ ‫الحروف من ال�سَّ ما‬ ‫ِ‬ ‫�أ�ألهمتَ تنمي َق‬ ‫�أح������اول ب��ال��ت�����ش��ب��ي��ه و���ص��ف ���س��ط��وره‬ ‫ت��ن��مّ��قُ م��ا فيها م��ن الأن���ج���مِ ال�� ُّزه�� ِر‬ ‫و�إن �أع���ج���ز ال��ت�����ش��ب��ي��ه م���ا �أن����ا ن��ا���ش�� ُد‬ ‫�أم �أن ت���ل���ك ال�����خ�����ال�����داتُ ن���وا����س���خٌ‬ ‫ف��ك��ال��ج��ي�����ش ه����ذا ���ص��فّ��ه غ��ي��ر م��ل��ت�� ٍو‬ ‫بها ح�� َّل فن الخالدينَ على الدّه ِر‬ ‫وك���ال���غ���ي���د ه������ذا ����س���رب���ه ال����م����ت����وار ُد‬ ‫�أم ال����� ِّ����س���� ُر ال ه�����ذا وال ذاك �إن���م���ا‬ ‫ويقول في نهاية الق�صيدة‪:‬‬ ‫هو ال�سِّ ح ُر يجري في �أناملكَ الع�ش ِر‬ ‫هلل ك���م ف���ي ال�����سّ ��ي��ن رَو ٌح ل��م��ق��ل�� ٍة‬ ‫و ِ‬ ‫كما يقول �أحد ال�شعراء وا�صفا الكتابة وحال‬ ‫ل���ه���ا م����ن ت����ع����اري����جٍ ه����ن����اك و����س���ائ��� ُد الكاتب‪:‬‬ ‫ل��خ��ط��ك ب���ات ال��ح��ب��ر ك��ال��ت��ب��ر غ��ال��ي��اً‬ ‫وم���������ا م�������ن ك�������ات�������بٍ �إال ����س���ت���ب���ق���ى‬ ‫و�أط������ن������ب دالّل وف����� ّ����ص����ل ����ش���اه��� ُد‬ ‫ك�����ت�����اب�����ت�����ه و�إن ف�����ن�����ي�����ت ي������������دا ُه‬ ‫وف�����ي ال���� ّ���س���ب���جِ ال���ل���م���ا ِح ق�����ام م��ع�� ّي�� ٌر‬ ‫ف��ل��ا ت���ك���ت���ب ب���خ���ط���ك غ���ي���ر ���س��ط�� ٍر‬ ‫ي���ق���ول �أال �أي�����ن ال��ح��ل��ي وال���ف���رائ��� ُد‬ ‫ي���������س����رّك ف�����ي ال���ق���ي���ام���ة �أن ت������را ُه‬ ‫كما يبدع الخطاط وال�شاعر عبدالبا�سط‬ ‫بيرم قائال‪:‬‬

‫وهذا ال�شاعر �أحمد بن الخيمي يقول‪:‬‬

‫�إن ����ص���دغ ال��ح��ب��ي��ب وال����ف����م وال���ع���ا‬ ‫����ط رو ُح ال���ك���ات���ب���ي���نَ ورو�����ض���� ٌة‬ ‫ال����خ ُ‬ ‫ر��������ض م�����ن�����ه‪ :‬واو و�����ص����ـ����ـ����ـ����اد والم‬ ‫ل��ل��ن��ف ِ‬ ‫�����س ت�������س���ب��� ُح ح���ول���ه���ا الأروا ُح ه����ي و����ص���ـ���ل ب���ي���ن ال���م���ح���ا����س���ن ل��م��ـ��ا‬ ‫ن�ـ�ث��ر ا��س�م��ه ال�خ�ط��اط ف��ي جنباتها‬ ‫ت������ َّم ح�������س���ن���اً وب����ال����ع����ـ����ـ����ذار ال��ت��م��ـ��ـ��ام‬ ‫وب�����راح�����ت�����ي�����ه ع�����ط�����ره�����ا ال�����ف�����ـ�����وا ُح غ����ي����ر �أن����������ي �أرا ُه و������ص�����ل وداع ٍ‬ ‫ف��ي��ه ت��ق�����ض��ى اف��ت��راق��ـ��ن��ا وال�����س��ـ��ـ�لا ُم‬ ‫ويقول في مو�ضع �آخر‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪41‬‬


‫ك����ل ال����ح����ـ����روف �إذا ن���ظ���رت ف���إن��ه��ا‬ ‫م�����ن ن����ق����ط���� ٍة �أج���������زا�ؤه���������ا ت���ت���رك���بُ‬ ‫���ص��ور ال���ح���روف جميعها م���أخ��ـ��وذ ٌة‬ ‫م����ن �����ص����ورة الأل�������ف ال���ت���ي ت��ت��ق��ل��بُ‬ ‫ف����ت����رى ل�������ص���ورت���ـ���ه رم����������وزاً ج�� ّم��ـ��ـ��ة‬ ‫ف���ان���ظ���ـ���ر ب���ع���ي���ن ح���ق���ي���ق��� ٍة ت���ت���ه���ذّبُ‬ ‫وفي ذلك يقول ال�شاعر‪:‬‬

‫كما كتب �أح ��د الخطاطين‪ ،‬بجانب لوحته‬ ‫الخطية التي ق�ضى زمنا طويال في انجازها قائال‪:‬‬

‫ُرب������� ُع ال���ك���ت���اب���ة ف����ي �����س����واد م���داده���ا‬ ‫وال����رب����ع حُ �������س���نُ ����ص���ن���اع��� ِة ال���كُ��� َّت���ابِ لئن كان هذا الرّ�س ُم يُعطيكَ ظاهري‬ ‫فلي�س يُريكَ الرّ�س ُم �صورتنا العُظمى‬ ‫َ‬ ‫وال����رب����ع م����ن ق���ل���م ُت���������س����وّى َب���ري���ـَ��� ُه‬ ‫�شخ�ص محجب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وع���ل���ى ال���ك���ـ���واغ���دِ راب������� ُع الأ����س���ب���ابِ فث ًّم ورا َء ال�� ّر���س��مِ‬ ‫ل��� ُه هِ ��مّ�� ٌة تعـلو ب�أخم�صـها ال ّنجـما‬ ‫ومنه قول ابن عبدربه‪:‬‬ ‫وما المر ُء بالوج ِه ال�صبيـحِ افتخار ُه‬ ‫ي������ا ك�����ات�����ب�����اً ن���ق�������ش���ت �أن�������ام�������ل ك��ف��ه‬ ‫ول��ك��ـ�� ّن�� ُه ب��ال��ع��ـ��ل��مِ وال���خ���ل���قِ الأ���س��م��ى‬ ‫���س��ح��ر ال���ب���ي���ان ب��ل�ا ل�������س���ان ي��ن��ط��قُ‬ ‫ويختم �أب��و الفتوح الب�ستي‪ ،‬المتوفي �سنة‬ ‫�إال ���ص��ق��ي��ل ال��م��ت��ن م��ل��م��وم ال��ق��وى‬ ‫‪400‬هـ قائال‪:‬‬ ‫ح�������دت ل����ه����ازم����ه و������ش�����قَّ ال����م����ف����رقُ‬ ‫�إذا �أق�����س��م الأب���ط���ال ي��وم��اً ب�سيفهم‬ ‫ف��������������إذا ت����ك����ل����م رغ������ب������ة �أو ره�����ب����� ًة‬ ‫وع����دّوه مما يك�سب المجد وال��ك��رم‬ ‫ف���ي م���غ���رب �أ���ص��غ��ى �إل���ي���ه ال��م�����ش��رقُ‬ ‫ك���ف���ى ق���ل���م ال����ك���� ّت����اب عِ ���������زاً ورف����ع���� ًة‬ ‫كما يقول ال�شاعر ح�سن البحيري في هذا‬ ‫م���دى ال��ده��ر �أن اهلل �أق�����س��م بالقلم‬

‫المقام‪:‬‬ ‫من كل هذا‪ ،‬يتجلى لنا �أن ال�شعر هو القيمة‬ ‫و�إذا �أردت َ ال����خ����ط ف���ا����ص���ط���ف ِ‬ ‫الحقيقية التي تبوح بما في النف�س من �آهات‬ ‫م����������������ا ي�������������خ ٌّ‬ ‫�������������ط وم���������������������ا ك������ت������ب وانفعاالت‪ ،‬لتعطي للمتلقي الن�شوة الكاملة في‬ ‫واح�������س���ب ي����راع����ك مِ ����رق����م الأل����م����ا‬ ‫اال�ستمتاع المزدوج مابين الكلمة المخطوطة‬ ‫������������س ُي�������غ�������م���������������س ف�����������ي ال�������ذه�������ب واللحن المن�شود‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫خطاط دم�شقيٌ م�شهور‪.‬‬ ‫ٌُ‬ ‫* بدوي الديراني‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫�أعالم الخط العربي‬ ‫�إطاللة تاريخيــــة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وهذا الخطاط محمد طاهر المكي الكردي‪،‬‬ ‫�صاحب كتاب تاريخ الخط العربي و�آدابه يقول‪:‬‬

‫ال ع�������ق�������ل�������ة م��������ب��������ري��������ة ت����خ����ت����ا‬ ‫ر م������������ن عُ��������ق��������ـ��������ل ال�����ق�����������ص�����ـ�����ـ�����ب‬ ‫م����غ����م����و�����س����ة ف�������ي ال�����ح�����ب�����ر ك���ال���غ���ـ���ـ‬ ‫���������س��������ق ال������������دج������������ي �إذا وق��������ب‬ ‫و�أج��������ل��������ه ف�������ي ال�������������درر ال�����ف�����رائ�����د‬ ‫م����������������ن ي����������ت����������ي����������م����������ات الأدب‬ ‫ل�����������ي�����������ك�����������ون �آي���������������������������ة ك�����������ات�����������بٍ‬ ‫������ص�����ح�����ب ال�������خ�������ل�������ود ب������م������ا ك���ت���ب‬

‫■ مر�سي طاهر ‪ -‬م�صر‬

‫الخط والكتابة والتحرير والرقم وال�سطر والزبر بمعنى واحد‪ ،‬وقد يطلق الخط على علم‬ ‫الرمل‪ .‬وتطلق الكتابة في اال�صطالح الخا�ص ب��الأدب��اء على �صناعة الإن�شاء‪ ،‬وف��ي ا�صطالح‬ ‫الفقهاء على عقد بين ال�سيد وعبده على مال يدفعه �إليه منجماً فيعتق ب�أدائه‪ .‬وقال القلق�شندي‬ ‫�صاحب كتاب «�صبح الأع�شى» الخط ما تتعرف منه �صور الحروف المفردة‪ ،‬و�أو�ضاعها وكيفية‬ ‫تركيبها خطاً‪ ،‬وقال اقليد�س وهو من الفال�سفة الريا�ضيين‪ :‬الخط هند�سة روحانية و�إن ظهرت‬ ‫ب�آلة ج�سمانية‪ ،‬وزاد عليه �أمين الدين ياقوت الملكي فقال‪ « :‬الخط هند�سة روحانية ظهرت ب�آلة‬ ‫ج�سمانية‪� ،‬إن جودت قلمك جودت خطك‪ ،‬و�إن �أهملت قلمك �أهملت خطك»‪.‬‬ ‫وتعددت التعاريف التي ت�صور معنى الخط‬ ‫وتو�ضحه‪ ،‬حتى �أ�صبح را�سخ ًا في �أدبياتنا �أن‬ ‫الخط العربي هو كتابة الحروف العربية المفردة‬ ‫�أو المركبة بقالب الح�سن والجمال‪ ،‬ح�سب �أ�صول‬ ‫الفن وقواعده التي و�ضعها كبار �أرباب هذا الفن‬ ‫الجميل‪.‬‬ ‫ورغ ��م �أن ال�خ��ط ال�ع��رب��ي ق��د ظ�ه��ر م�ت��أخ��را‬ ‫بالن�سبة لبع�ض الخطوط الأخ���رى مثل الخط‬ ‫ال�سن�سكريتي وال �خ��ط ال�ي��ون��ان��ي؛ ف ��إن��ه انت�شر‬ ‫ب�سرعة فائقة‪ ،‬ول��م يكن انت�شاره م �ح��دود ًا في‬ ‫بالد العرب‪ ،‬بل تعدى ذلك �إلى اللغات الأخرى‪،‬‬ ‫كاللغة الماليزية والإندوني�سية والأردية والبنجابية‬ ‫والك�شميرية والبلو�شية والأفغانية والفار�سية‬ ‫وال�ك��ردي��ة والعثمانية ف��ي �أ��س�ي��ا‪ ،‬وك��ذل��ك اللغة‬ ‫ال�سنغالية والزنجبارية وال�صومالية والأريتيرية‬ ‫وال�سواحلية في �إفريقيا‪ ،‬وا�ستخدمته بع�ض �شعوب‬

‫�أوربا لفترة محدودة في بالد البلقان‪.‬‬ ‫ومن المعروف �أن الإ�سالم كان له �أثره العظيم‬ ‫في انت�شار الكتابة العربية وتطورها وازدهارها‪،‬‬ ‫فقد �شجّ ع على القراءة والكتابة وا�ستخدام القلم‪،‬‬ ‫كما تطور الخط العربي في �أح�ضان القر�آن الكريم‬ ‫تطور ًا كبيراً‪ ،‬وعُ ني به الم�سلمون عناية فائقة‪،‬‬ ‫حتى �أ�صبح تحفة فنية رائعة‪ ،‬و�صارت الم�صاحف‬ ‫ال�شريفة مجا ًال لفن تجويد الخط وتنوعه‪.‬‬ ‫ونخل�ص م��ن ذل��ك �إل ��ى �أن ال �خ��ط العربي‬ ‫�صار علم ًا وف�ن� ًا ل��ه �أ�صوله وم��دار��س��ه وتاريخه‬ ‫عبر الع�صور‪ ،‬كما ارتبط بمجموعة من الأعالم‬ ‫وال�شخ�صيات‪ ،‬ال ي��زال التاريخ يذكرهم ويرجع‬ ‫لهم الف�ضل في تطوره وا�ستمراره‪.‬‬ ‫و� �س ��أح��اول �إل �ق��اء ال���ض��وء ع�ل��ى �أب���رز ه ��ؤالء‬ ‫الأعالم‪ ،‬من خالل �إطاللة �سريعة على �أبرز من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪43‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪44‬‬

‫ارتبطوا بهذا العلم �أو الفن منذ �أن عرف الإن�سان‬ ‫ال�خ��ط حتى ع�صرنا ال�ح��دي��ث‪ ،‬و� �س ��أح��اول قدر‬ ‫الم�ستطاع اقتطاف زهرة من كل ب�ستان �أمر به‬ ‫من ب�ساتين وحدائق الخط العربي المترامية عبر‬ ‫الأجيال والع�صور‪.‬‬ ‫في البداية‪ ،‬اختلف الم�ؤرخون حول �أول من‬ ‫و�ضع الخطوط‪ ،‬وقيل �أن �آدم «عليه ال�سالم» �أول‬ ‫من و�ضعها وكتبها في طين وطبخه‪ ،‬وذل��ك قبل‬ ‫موته بثالثمائة �سنة‪ ،‬فلما �أظ��ل الأر���ض الغرق‬ ‫�أ�صاب كل قوم كتابهم‪ ،‬وقيل �أخنوخ وهو �إدري�س‬ ‫«عليه ال�سالم»‪.‬‬ ‫وذكر ابن النديم في كتابه الفهر�ست الذي �ألفه‬ ‫�سنة ‪377‬هـ عند الكالم على القلم ال�سرياني «�إن‬ ‫في �أحد الأناجيل �أو في غيره من كتب الن�صارى‬ ‫ملك ًا يقال له �سيمور�س علم �آدم الكتابة ال�سريانية‬ ‫على ما في �أيدي الن�صارى في وقتنا هذا»‪.‬‬ ‫وقيل �إن اهلل �سبحانه وتعالى علم �آدم �سبعمائة‬ ‫�ألف لغة‪ ،‬فلما وقع في �أكل ال�شجرة �سلب اللغات‬ ‫كلها �إال العربية‪ ،‬فلما ا�صطفاه للنبوة رد �إليه جميع‬ ‫اللغات فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات‬ ‫المختلفة التي يتكلم بها �أوالده �إلى يوم القيامة من‬ ‫العربية والفار�سية والرومية وال�سريانية واليونانية‬ ‫وغيرها‪،‬فخرجت الأحرف على ل�سان �آدم بفنون‬ ‫اللغات فجعلها اهلل �صور ًا ل��ه‪ ،‬ومثلت له ب�أنواع‬ ‫الأ�شكال‪.‬‬ ‫وقيل �إن �أول من و�ضعها بعد �آدم‪� ،‬إدري�س عليه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬كما ج��اء �أن «�أول من خط بالقلم بعد‬ ‫�آدم‪� ،‬إدري�س عليه ال�سالم» وجاء �أي�ض ًا «�أول الر�سل‬ ‫�آدم و�أخرهم محمد عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬و�أول‬ ‫�أنبياء بني �إ�سرائيل مو�سى و�آخرهم عي�سى‪ ،‬و�أول‬ ‫من خط بالقلم �إدري����س» رواه الحكيم‪ ،‬وق��ال ثم‬ ‫علّم نوح ًا حتى كتب ديوان �سفينته‪ ،‬و�أول من كتب‬ ‫بالعربية �إ�سماعيل‪ ،‬وقيل �أول من كتب بالعبرانية‬ ‫مو�سى عليه ال�سالم‪.‬‬

‫وع��ن اب��ن عبا�س‪� :‬إن �أول من كتب بالعربية‬ ‫وو�ضعها �إ�سماعيل بن �إبراهيم عليهما ال�سالم‪،‬‬ ‫وي��رى ف��ري��ق م��ن ال�م��ؤرخ�ي��ن �أن ال�خ��ط العربي‬ ‫م�شتق م��ن ال�خ��ط الم�سند ال��ذي ي�ع��رف با�سم‬ ‫الخط الحميري �أو الجنوبي‪ ،‬ومن ثم انتقل الخط‬ ‫الم�سند عن طريق القوافل �إلى بالد ال�شام‪ ،‬حيث‬ ‫يقال �إن �أول من و�ضع الخط ثالثة من طيء من‬ ‫قبيلة بوالن‪� ،‬سكنة الأنبار وهم‪ :‬مرامر بن مرة‪،‬‬ ‫و�أ�سلم بن �سدرة‪ ،‬وعامر بن جدرة؛ فو�ضعوا الخط‬ ‫وقا�سوا هجاء العربية على هجاء ال�سريانية‪،‬‬ ‫وقيل‪� :‬إن �أهل الأنبار تعلموا من �أهل الحيرة‪ ،‬وقيل‬ ‫العك�س‪.‬‬ ‫ويقول �أ�صحاب هذا ال��ر�أي �إن الخط العربي‬ ‫تطور عن الخط النبطي‪ ،‬وهذا ما ت�ؤكده النقو�ش‬ ‫التي ترجع �إل��ى م��ا قبل الإ� �س�لام وال�ق��رن الأول‬ ‫الهجري‪ ،‬ثم انتقل الخط من حوران وهي �إحدى‬ ‫دي��ار الأن��ب��اط �إل��ى الأن��ب��ار وال��ح��ي��رة‪ ،‬ومنها عن‬ ‫طريق دومة الجندل �إلى الحجاز‪.‬‬ ‫وي��رى فريق �أخ��ر �أن �أق��دم حلقة في �سل�سلة‬ ‫الخط العربي هي الكتابة الهيروغليفية‪ ،‬وهي‬ ‫�إح��دى كتابات الم�صريين القدماء‪ ،‬و�أنها �أ�صل‬ ‫الكتابة المعروفة الآن في العالم المتمدن‪� ،‬إذ‬ ‫حولها الفينيقيون �إلى الحروف الهجائية وعلموها‬ ‫لليونانيين في القرن ال�ساد�س ع�شر قبل الميالد‪،‬‬ ‫ومن اليونان انت�شرت في �أرجاء �أوربا‪.‬‬ ‫وغيرها من ال��رواي��ات في م�سيرة ه��ذا الفن‬ ‫عبر الع�صور المختلفة م�صاحبة لأ�سماء �أعالم‬ ‫ارتبطت بالمراحل الأولى التي تمثل م�سيرة تاريخ‬ ‫الم�سلمين والتي من الممكن �أن نوجزها في ثالث‬ ‫مراحل‪:‬‬ ‫المرحلة الأولى‪ :‬الع�صر الجاهلي‪.‬‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬ع�صر الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪.‬‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬ع�صر الخلفاء الرا�شدين‪.‬‬

‫و�أعالم هذه المراحل‬ ‫‪� -1‬أدم عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫‪� -2‬إدري�س عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫‪� -3‬أبو بكر ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪ -4‬عمر بن الخطاب ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪ -5‬عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪ -6‬علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬الذي يقال �إنه الناقل‬ ‫لر�سوم الخطوط القديمة �إل��ى الر�سم ال��ذي يطلق عليه ا�سم‬ ‫الخط الكوفي �أو م�ؤ�س�س هذا الخط‪ ،‬وكان خطه يتمتع بالقوة‬ ‫والجمال‪ ،‬وظلت كتاباته بمثابة نماذج يحتذيها كتاب العالم‬ ‫حتى عام ‪316‬ه�ـ‪ ،‬وكان �أبنا�ؤه الح�سن والح�سين من مجودي‬ ‫الخط �أي�ضاً‪.‬‬ ‫ثم انتقل الخط �إلى مرحلة برز فيها كعلم وفن‪ ،‬له قواعده‬ ‫و�أ�صوله‪ ،‬وانطلق مع انت�شار الفتوحات الإ�سالمية من الجزيرة‬ ‫العربية وتو�سعها �شرق ًا وغ��رب� ًا و�شماالً‪ ،‬فقد م� ّر في رحلته‬ ‫بالع�صور التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الع�صر الأموي‪.‬‬ ‫‪ -2‬الع�صر العبا�سي‪.‬‬ ‫‪ -3‬الع�صر الأندل�سي‪.‬‬ ‫‪ -4‬الع�صر الفاطمي‪.‬‬ ‫‪ -5‬الع�صر العثماني‪.‬‬ ‫وارتبطت هذه المراحل ب�أ�سماء �أعالم كثير من الخطاطين‪،‬‬ ‫فكان يوجد بين ال�صحابة الكرام من ا�شتهر بكتاباته كعبداهلل‬ ‫ابن عمر‪ ،‬وكان مروان بن الحكم بن �أبي العا�ص يجود الخط‬ ‫في مدر�سة مع ابن عم �سيدنا عثمان‪ ،‬وا�ستحدث في خالفته‬ ‫وظيفة الكاتب‪.‬‬ ‫وب�شيء من الإيجاز �سوف نبحر مع ًا مع بع�ض ه�ؤالء الأعالم‪،‬‬ ‫لنرى �إ�سهاماتهم التي �أثرت تاريخنا وتراثنا العربي الزاخر‬ ‫والممتد عبر الع�صور والأجيال‪..‬‬ ‫ •معاوية بن �أبي �سفيان‪ :‬هو �أن�ضج ما �أثمرته ال�شجرة الأموية‪،‬‬ ‫رغم �أن��ه كان كاتب ًا للوحي؛ ف�إنهم اختلفوا في كونه كاتبا‬ ‫للوحي‪ ،‬خاطبه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قائالً‪« :‬الق‬ ‫الدواة‪ ،‬وحرف القلم‪ ،‬وان�صب الياء‪ ،‬وفرق ال�سين‪ ،‬وال تغور‬ ‫على الميم‪ ،‬و�أح�سن اهلل‪ ،‬ومد الرحمن‪ ،‬وجوّد الرحيم» توفي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪45‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪46‬‬

‫عام ‪ 60‬هـ‪.‬‬ ‫ •عبد الملك بن م��روان‪ :‬نقلت الدواوين في عهده �إلى اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وتغيرت نقو�ش الدينار والدرهم �إلى اللغة العربية‪،‬‬ ‫وكان من قبل قدومه ينق�ش الدينار بالخط الرومي‪ ،‬والدرهم‬ ‫بالخط العربي والفار�سي‪ ،‬وظهر هذا في عام ‪76‬هـ‪ ،‬يقول‬ ‫ابن خلكان في حقه «ولم يكن في زمانه من يكتب المن�سوب‬ ‫مثله وناق به الأوائل والأواخر‪ ،‬وبه تقدم عند الخليفة»‪.‬‬ ‫ •الح�سن الب�صري‪ :‬جود الخط الب�صري وي�شتبه في ن�سبة‬ ‫الخط �إليه‪� ،‬إذ يحتمل �أن يكون كاتبه هو «ح�سن الف�صيح»‬ ‫�أخو ابن مقلة الم�شهور‪.‬‬ ‫في‬ ‫�إ�سحاق ب��ن حماد ال�ب�غ��دادي‪ ،‬م��ن �أ�شهر الخطاطين •‬ ‫�أوائل حكم الخلفاء العبا�سيين‪ ،‬جود الخط الجليل والخط‬ ‫ال�ط��وم��اري‪ ،‬واخ�ت��رع تالميذه �أي�ض ًا كثيرا م��ن الخطوط‬ ‫الموزونة الأ�صلية‪.‬‬ ‫ •�إبراهيم ال�سكزي‪ :‬ال�سج�ستاني قام بترقيق الخط الجليل‪،‬‬ ‫واخترع خط الثلث والثلثين‪.‬‬ ‫ •محمد بن �إ�سماعيل البخاري‪� :‬صاحب ال�صحيح‪ ،‬و�أح��د‬ ‫�أ�صحاب الم�ؤلفات ال�ستة في الحديث‪ ،‬كان ح�سن الخط‬ ‫وبارعا في الكتابة بيديه اليمنى والي�سرى في الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫توفي عام ‪250‬هـ‪.‬‬ ‫ •الأ�ستاذ الأح��ول ال�سكزي‪� :‬أ ّل��ف ر�سائل عن �أ�صول الخط‬ ‫وقوانين الكتابة‪ ،‬اخترع خط الثلث الخفيف من الثلث‪ ،‬وخط‬ ‫الن�صف من خط الثلث والثلثين‪ ،‬وكان يكتب خطوط حروفه‬ ‫مربوطة ومت�صلة �أ�سماه بالخط الم�سل�سل‪ ،‬وكتب �أي�ض ًا خط ًا‬ ‫رقيق ًا للغاية �أ�سماه غبار الحلية وهناك خطوط �أخرى وهي‬ ‫ال�م��ؤام��رات والق�ص�ص والجوانحي‪ ،‬كما ا�ستحدث خط ًا‬ ‫�أ�سماه الخط الرئا�سي وهو ي�شبه التوقيع‪.‬‬ ‫ •�أبو عبداهلل محمد بن ح�سين بن مقلة‪ :‬ذاع �صيته في �أوائل‬ ‫القرن الرابع‪ ،‬نقل الأثر المتبقي من الخط الكوفي �إلى خط‬ ‫الن�سخ المن�سوب على العراق‪ ،‬ح�صل على لقب الم�شق و�إمام‬ ‫الخطاطين من الأ�ستاذ الأحول‪.‬‬ ‫ •�أبو الح�سن عالء الدين علي بن البواب‪ :‬خطاط م�شهور‪ ،‬من‬

‫�أهل بغداد‪ ،‬ا�شتهر بن�سخ الم�صاحف والعناية ب�إخراجها‪،‬‬ ‫والت�أنق بجمالها‪ ،‬ون�سخ القر�آن الكريم بيديه �أربع ًا و�ستين‬ ‫مرة‪ ،‬ويعد مبتدع الخط الريحاني والخط المحقق‪ ،‬كما يعد‬ ‫�أكبر خطاطي ع�صره‪ ،‬وبرع في ال�شعر كما في الخط‪.‬‬ ‫ •ياقوت الم�ستع�صمي‪ :‬عمدة الخطاطين في العالم‪ ،‬وعلم من‬ ‫م�شاهير الخطاطين العظام‪ ،‬كان مملوك ًا فا�شتراه الخليفة‬ ‫العبا�سي الم�ستع�صم باهلل �أخر الخلفاء العبا�سيين‪ ،‬ا�شتهر‬ ‫بجمال الخط ولقب بـ «قبلة الكتاب» وا�ستطاع �أن يكتب �ألف‬ ‫م�صحف‪ ،‬واخترع خط ًا جديد ًا له �شكل جديد وكتب بقلم‬ ‫الجزم ثم حرف قلم القط‪.‬‬ ‫ •الحافظ عثمان‪ :‬هو عثمان بن علي المعروف بحافظ القر�آن‬ ‫وه��و الخطاط الكبير و�صاحب القلم الذهبي‪ ،‬من �أ�شهر‬ ‫الخطاطين الأت��راك و�أغزرهم انتاجاً‪ ،‬كتب الحافظ «‪»25‬‬ ‫م�صحف ًا بيده وكانت في غاية الإتقان‪ ،‬وطبعت م�صاحفه‬ ‫في �سائر البالد العربية مئات المرات‪ ،‬وكان �أف�ضل من كتب‬ ‫بالثلث‪.‬‬ ‫تجدر الإ�شارة �إل��ى �أن هناك من الخطاطين مَن كان من‬ ‫ال�سالطين والأمراء في تلك المراحل ومن الن�ساء‪ ،‬وكذلك من‬ ‫العلماء‪ ،‬وذلك عبر الع�صور فنذكر من ال�سالطين والأم��راء‬ ‫والبا�شوات الخليفة الم�ستظهر باهلل والخليفة الم�ستر�شد باهلل‬ ‫وال�سلطان �أحمد خان الثالث‪ ،‬وال�سلطان �سليمان خان الثاني‪،‬‬ ‫وال�سلطان محمود الثاني بن ال�سلطان عبدالحميد الأول‪ ،‬محمد‬ ‫خلو�صي �أفندي‪ ،‬عبداهلل زهدي �أفندي‪� ،‬سامي �أفندي‪ ،‬محمد‬ ‫�أمين يازجي ومح�سن زاده ال�سيد عبداهلل‪ ،‬و�إبراهيم با�شا‬ ‫ومحرم راغب با�شا وغيرهم‪.‬‬ ‫ومن العلماء الخطاطين الإمام البو�صيري �صاحب البردة‬ ‫ال�م���ش�ه��ورة‪ ،‬والإم� ��ام ال �ب �خ��اري‪ ،‬وال �ج��وه��ري �صاحب كتاب‬ ‫ال�صحاح وغيرهم‪.‬‬ ‫وم��ن �أ�شهر من ا�شتهر من الن�ساء بالخط �أم الم�ؤمنين‬ ‫حف�صة بنت عمر بن الخطاب ر�ضي اهلل عنها وال�شفاء بنت‬ ‫عبداهلل العدوية ر�ضي اهلل عنها وفاطمة البغدادية‪.‬‬ ‫وقبل االنتقال �إلى الخط والخطاطين في الع�صر الحديث‬ ‫نجد العبارة ال�شهيرة التي قالها الخطاط التركي ال�شهير حامد‬ ‫الآمدي بمنا�سبة وفاة الخطاط العراقي الكبير ها�شم البغدادي‬

‫‪47‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫■ هاين احلجي‬

‫ها�شم محمد البغدادي‪:‬‬ ‫ه ��و ه��ا� �ش��م ب ��ن م �ح �م��د بن‬ ‫درب��ا���س �أب��و راق��م القي�سي البغدادي (ول��د �سنة‬ ‫‪1335‬ه �ـ‪ 1917‬وتوفي عام ‪1973‬م)‪� ،‬أخذ الخط‬ ‫في طفولته الأول��ى عن الخطاط مال ع��ارف ثم‬ ‫رحل �إلى تركيا‪ ،‬والتقى بكبار الخطاطين‪ ،‬مثل‬ ‫الخطاط الكبير حامد الآم��دي �أخر الخطاطين‬ ‫العظام في العالم‪ ،‬كما يعد البغدادي �صاحب‬ ‫�أرقى مجموعة للخطوط العربية حتى الآن تدر�س‬ ‫في العراق وم�صر وال�شام وتركيا و�إيران‪.‬‬

‫لقد كان الخط العربي و�سيلة لنقل العلوم والمعارف العربية �إلى العالم الآخر قبل اختراع‬ ‫الطباعة‪ ،‬وعليه كان العماد في دفع الحركة العلمية في �أوروبا التي كانت مظلمة‪ ،‬وقت �أن كان‬ ‫العرب هم رواد العلوم والفنون والمعارف‪..‬‬ ‫وال نن�سى ف�ضل الخط العربي في حفظ مقومات اللغة العربية والإ�سالمية‪ ،‬فعليه كان‬ ‫العماد في حفظ القر�آن كتابةً‪ ،‬منذ ع�صر �سيدنا محمد (�صلى اهلل عليه و�سلم) �إلى ع�صرنا هذا‪،‬‬ ‫وكذلك جمع ال�سنة وعلومها منذ القرن الثاني الهجري �إلى ع�صر الطباعة‪ ،‬وينطبق القول على‬ ‫كافة علوم الدين الإ�سالمي؛ لذلك �أخذ القدماء‪ ،‬بجميع الو�سائل التي ترتقي بالخط العربي‬ ‫حتى �صار في ذاته ف ًنّا عالم ًيّا له مكانته ال�سامقة في جميع الثقافات‪ ،‬و�أ�صبحت له �صور و�أ�شكال‬ ‫وقوالب عديدة‪ ،‬وال يزال الباب مفتوحً ا نحو ابتكار الجديد في مجال الخط العربي‪ ..‬ولكن ذلك‬ ‫قا�ص ٌر على قل ٍة من الخطاطين‪..‬‬

‫وت �ع��ددت م��دار���س تعليم ال�خ��ط ال�ع��رب��ي في‬ ‫ك��اف��ة الأم �� �ص��ار والأوط� ��ان ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وارتبطت‬ ‫هذه المدار�س ب�أ�سماء �أعالم كثيرة �شاركت في‬ ‫ت�أهيل و�إع��داد الخطاطين في كل مكان حتى ال‬ ‫نكاد نح�صيهم من كثرة عددهم وذل��ك خالل‬ ‫العقود ال�سابقة‪ ،‬من �أب��رزه��م الخطاط يو�سف‬ ‫ذنون العراقي‪ ،‬والخطاط التركي حامد الآمدي‪،‬‬ ‫والخطاط الم�صري �سيد �إبراهيم‪ ،‬ومحمد طاهر‬ ‫الكردي خطاط الحرمين ال�شريفين وغيرهم كثير‬ ‫ممن يمثلون ثروة فنية في عالمنا العربي و�أعالم‬ ‫الخط العربي في كل مكان‪.‬‬

‫وفي الوقت ال��ذي �شهدنا فيه تراجع الإقبال �آنذاك‪،‬ونتج عنها انتخاب‪:‬‬ ‫على‪ ‬الخط العربي‪ ‬في ب�لادن��ا ب�سبب عوامل‬ ‫�أ‪ .‬ابراهيم الزاير رئي�س ًا للجمعية‪ .‬د‪ .‬عبداهلل‬ ‫كثيرة منها عدم وجود مدار�س مخت�صة في‬ ‫فتيني نائبا للرئي�س‪ ,‬و�إبراهيم العرافي‬ ‫الخطوط العربية‪ ،‬ومن �أجل الحفاظ‬ ‫م�س�ؤوال �إداري��اً‪ ،‬و�أحمد �أب��و �سرير‬ ‫على الخط ودعم الحركة الخطية‬ ‫م �� �س ��ؤو ًال م��ال�ي��ا؛ وان � ُت �خ��ب بقية‬ ‫في المملكة‪ ،‬تم ت�أ�سي�س الجمعية‬ ‫�أع���ض��اء مجل�س االدارة وه��م‪:‬‬ ‫ال�سعودية للخط العربي في ‪-27‬‬ ‫ح�سن �أحمد �آل ر�ضوان‪ ،‬وعبا�س‬ ‫‪1429-12‬هـ‪.‬‬ ‫علي �أب ��و م �ج��داد‪ ،‬وم�صطفى‬ ‫ووف � �ق� ��ا الن� �ت� �خ ��اب ��ات ت�م��ت‬ ‫عبدالباقي العرب‪ ،‬ونافع مهدي‬ ‫ب ��إ� �ش��راف وك�ي��ل ال� ��وزارة لل�ش�ؤون‬ ‫ت �ح �ي �ف��اء‪ ،‬ون��ا� �ص��ر ع�ب��دال�ع��زي��ز‬ ‫ال �ث �ق��اف �ي��ة د‪.‬ع �ب��دال �ع��زي��ز ال�سبيل‬ ‫الميمون‪ ،‬وب�شار �أبو بكر عالوه‪..‬‬

‫الجمعية ال�سعودية للخط العربي‬ ‫بين الواقع والطموح‬

‫رئي�س الجمعية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪48‬‬

‫«ول��د الخط وم��ات في بغداد»‬ ‫في �إ��ش��ارة منه لمولد الخط‬ ‫على ي��د ال �ب��واب وم��وت��ه حين‬ ‫توفي ها�شم البغدادي‪.‬‬ ‫وال ي �خ �ف��ى �أن الأت � ��راك‬ ‫ب �ع��د �أن ان �ت �ق �ل��ت ال �خ�لاف��ة‬ ‫�إليهم اعتنوا بالخط العربي‬ ‫اعتناء كبيراً؛ فتقدم تقدم ًا‬ ‫م �ط��رداً‪ ،‬وب�ل��غ �أع�ل��ى درج��ات‬ ‫الكمال والجمال‪ .‬وقد كان من‬ ‫احتفائهم وتقديرهم للخط‬ ‫العربي �أن خطاط ال�سلطان‬ ‫الخا�ص ك��ان يتقا�ضى �أربعمائة جنيه عثماني‬ ‫ذه�ب��ا ف��ي ال�شهر‪ ،‬غير �أن �ه��م بعد ا�ستقاللهم‬ ‫ا�ستعا�ضوا الخط العربي بالحروف الالتينية‬ ‫و�أبدلوا بالمطابع العربية ‪ -‬الالتينية بعد �أن كان‬ ‫ي�ضرب المثل بمطابع الأ�ستانة‪ ،‬وبخا�صة في طبع‬ ‫الم�صحف ال�شريف‪ ،‬ومن ح�سن الحظ �أن قامت‬ ‫م�صر بعدهم‪ ،‬وبذلت جهدها في رف��ع م�ستوى‬ ‫الخط العربي‪ ،‬فن�شرته بين �أبنائها و�شجعت على‬ ‫الإقبال عليه‪ ،‬وبلغ مكانة �سامية؛ ف�صارت م�صر‬ ‫الآن مركز ًا للرئا�سة في الخط العربي‪ ،‬وانت�شر‬ ‫فيها فتح مدار�س تعليم الخطوط العربية‪ ،‬وكذلك‬ ‫ك��ان الو�ضع في الحجاز‪ ،‬فقد تقدم الخط فيه‬ ‫كثير ًا بف�ضل الجهود المبذولة‪ ،‬وكذلك �إن�شاء‬ ‫المدار�س الأهلية‪ ،‬ومن �أ�شهرها مدار�س الفالح‬ ‫الأهلية والتي ي�شرف عليها ال�شيخ محمد �صالح‬ ‫جمجوم بجده‪.‬‬ ‫وبزغت �أعالم عديدة ارتبطت بتجويد الخط‬ ‫العربي الحديث في القرن الع�شرين �أ�شهرهم‪:‬‬ ‫ال�شيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي‪ :‬من كبار‬ ‫الخطاطين الأت��راك في القرن الع�شرين‪ ،‬و�أطلق‬ ‫عليه �أمير الخط العربي في القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫وامتاز ب��الأداء البارع في الكتابة الخطية لأنواع‬

‫الن�سخ والثلث‪ ،‬وكان من �أ�شهر‬ ‫تالمذته محمد علي مكاوي‬ ‫ال� ��ذي �أك� ��د ط��ري�ق�ت��ه ور� �س��خ‬ ‫تقاليده و�سار على النهج الذي‬ ‫ي�سير عليه‪ .‬وكذلك كان هناك‬ ‫ال�شيخ محمد ط��اه��ر ك��ردي‬ ‫(ال�����س��ع��ودي) وه���و ع��راق��ي‬ ‫الأ�� �ص���ل‪ ،‬ول �ك��ن ج���ده لأب �ي��ه‬ ‫ا�ستوطن مكة المكرمة‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫من �أعمال الفنان بمنطقة الجوف ‪ -‬بدر الزارع‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫من �أعمال الفنان يو�سف �إبراهيم‬

‫وك��ان مجموع �أع���ض��اء الجمعية الت�أ�سي�سية‬ ‫للجمعية ال�سعودية للخط العربي (‪� )104‬أع�ضاء‪،‬‬ ‫ومجموع المر�شحين لع�ضوية مجل�س الإدارة ‪47‬‬ ‫مر�شحا‪ .‬‬ ‫وقد لقي �إعالن ان�شاء الجمعية �صدى وتفا�ؤال‬ ‫كبيرين من خطاطي المملكة والمهتمين بهذا‬ ‫الفن العربي والإ�سالمي الأ�صيل‪ ..‬لتكون الجمعية‬ ‫و�سيلتهم لتحقيق تطلعاتهم و�آمالهم في انت�شار‬ ‫ودعم هذا الفن ب�شكل ر�سمي وتحت مظلة ر�سمية‬ ‫كوزارة الثقافة واالعالم‪.‬‬ ‫ومن �أهداف الجمعية‬ ‫تنظيم الحركة الخطية في المملكة ورعايتها‬ ‫والعمل على ازدهارها‪ ،‬والإ�سهام في تنمية الوعي‬ ‫الفني ل��دى المجتمع‪ ،‬وتنمية الإب ��داع وال�ت��ذوق‬ ‫الفني‪ ،‬وتوثيق �أوا�صر ال�صلة الفنية واالجتماعية‬ ‫بين الخطاطين‪ ،‬وتوطيد العالقة بين الجمعية‬ ‫والجمعيات الأخ��رى في ال��داخ��ل وال �خ��ارج‪� ،‬إلى‬ ‫جانب العمل على حفظ الحقوق الفنية والفكرية‬ ‫وال�م��ادي��ة للخطاطين وتمثيلهم �أم ��ام الجهات‬ ‫ذات العالقة‪ ،‬واالهتمام بالت�أليف والن�شر ودعم‬ ‫الباحثين في مجال الخط العربي‪ ،‬والتعاون مع‬ ‫الجهات الحكومية والخا�صة ذات ال�صلة من �أجل‬ ‫تحقيق الأهداف الم�شتركة‪ .‬‬ ‫وق��د با�شرت الجمعية اجتماعاتها ف��ي عدد‬ ‫من مناطق المملكة‪ ,‬لإع��داد الخطط والتنظيم‬ ‫والأن�شطة للعام الأول بعد ان�شائها‪ ،‬وق��د قدم‬ ‫مجل�س ادارة الجمعية ل��وك��ال��ة ال� ��وزارة خطته‬ ‫العامة للعام الأول للجمعية من �أن�شطة وتنظيمات‬ ‫وفعاليات ومقترحات‪.‬‬ ‫لكنها وب�ع��د م ��رور خم�س ��س�ن��وات م��ا ت��زال‬ ‫الجمعية ت��راوح مكانها متعثرة لم تملك ال�سير‬ ‫في برامجها و�أهدافها ب�سبب عدم وجود الدعم‬ ‫المادي والمعنوي فال مقر لها وال ميزانية‪.‬‬

‫الخطاط ال�سعودي بدر عبيد الزارع‬ ‫ولد عام ‪١٩٨٣‬م في مدينة دومة الجندل ‪ -‬على م�سافة (‪ )55‬كيلومترا جنوب غربي‬ ‫مدينة �سكاكا‪ ،‬حا�ضرة منطقة الجوف‪ -‬حيث �أ�شجار النخيل البا�سقة‪ ..‬وتدفق المياه‬ ‫الجوفية العذبة الرقراقة‪ ..‬تلقى تعليمه العام في مدار�سها‪ ،‬وح�صل على الثانوية‬ ‫العامة عام ‪1421‬هـ ثم البكالوريو�س في اللغة العربية من كلية التربية في �سكاكا عام‬ ‫‪1426‬هـ ويعمل معلما خارج المنطقة‪ .‬مار�س الخط مذ نعومة �أظفاره عندما كان في‬ ‫المرحلة االبتدائية و�أبدع فيه عندما �صار معلما‪..‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬هايل حميد احلميد و�أنور عبدال�سالم احلميد*‬

‫‪æ æ‬كيف بد�أت رحلتك مع الخط؟‬ ‫‪ρ ρ‬مذ كنت في ال�صف الرابع االبتدائي‪،‬‬ ‫بد�أت الخط على �سبورة ال�صف‪ ،‬ثم‬ ‫ب��الأق�لام‪ ،‬وفي المرحلة المتو�سطة‬ ‫والثانوية بد�أت اكتب ب�أقالم البو�ص‬ ‫التي هي الق�صب‪..‬‬ ‫‪æ æ‬ممن �أخذت الخط وتعلمته؟‬ ‫‪ρ ρ‬بداية عن خالي عبداهلل �سكر الزارع‪،‬‬ ‫وقد ا�ستفدت منه كثيرا‪ ،‬حيث كان‬ ‫خطاطا ومهتما بذلك‪ ،‬ثم الأ�ستاذ‬

‫نا�صر عبداهلل الميمون في الريا�ض‬ ‫وه��و حا�صل على ع��دد من الجوائز‬ ‫المحلية والدولية‪ ،‬وقد ح�صلت منه‬ ‫على تقدير ف��ي ال�خ��ط‪ ،‬ث��م ال�شيخ‬ ‫عثمان ط��ه خ��ط��اط الم�صحف في‬ ‫المدينة ال �م �ن��ورة‪ ،‬وق��د �أث �ن��ى على‬ ‫خ�ط��ي و��ص�ح��ح ل ��ي‪ ..‬فتعلمت منه‬ ‫كثيرا‪ ،‬وقد وقَّع لي عددا من لوحاتي‬ ‫المخطوطة‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ث��م �أب��و �سامي �أح�م��د �ضياء الدين‬ ‫�إبراهيم المدني‪ ،‬وه��و من تالميذ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪51‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫�أنا خطاط‪..‬‬ ‫�أوظف ا‬ ‫لأعمال الفنية مع الخط‪..‬‬ ‫�أتوا�صل‬ ‫مع الخطاطين في الداخل‬ ‫ولدي‬ ‫طالب في كثير من المناطق‬ ‫الأ�سلوب‬ ‫الأمثل للتجديد في الخط‬ ‫العربي‬ ‫يكمن في تطويره وتطوير‬ ‫حروفه‬ ‫الخ‬ ‫طوط الإعالنية ركيكة جدا‬ ‫و�ضع‬ ‫يفة‪ ،‬والذين يكتبونها لي�س‬ ‫لد‬ ‫ى بع�ضهم خبرة في الخط‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪52‬‬

‫الخطاط ال�شهير ال�شيخ حامد الآم��دي‬ ‫�شيخ الخطاطين في العهد العثماني‪ ،‬وهو‬ ‫�شيخ وعميد خطاطي العالم حاليا‪ ،‬ولديه‬ ‫مقتنيات لأكثر الخطاطين في العالم‪..‬‬ ‫�أطال اهلل في عمره‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ماهي �أبرز �أعمالك؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أع�م��ال��ي ك�ث�ي��رة‪� ..‬أب��رزه��ا لوحة (ال �إل��ه‬ ‫اال اهلل)متناظرة‪ ،‬قلدتها من الخطاط‬ ‫عثمان �أوزج��اي‪ ،‬ول��دي لوحة (ال �إل��ه اال‬ ‫اهلل محمد ر�سول اهلل) �شاركت فيها في‬ ‫م�سابقة مكة المكرمة‪ ،‬ك��ذل��ك اللوحة‬ ‫ال�ف��ائ��زة ف��ي م�سابقة التعليم ف��ي مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬ثم عملي الأخير الذي �أعتز به‬ ‫كثيرا وكان في م�سابقة عكاظ – اللوحة‬ ‫ال�ح��رة – واخ�ت��رت منها خ��ط الطغرة‬ ‫وخط جلي الديواني وخط الن�سخ‪.‬‬ ‫‪æ æ‬هل �شاركت في معار�ض؟‬ ‫‪�ρ ρ‬شاركت محليا ولم �أ�شارك دوليا‪ ..‬وعلى‬ ‫الم�ستوى المحلي �شاركت ف��ي معر�ض‬ ‫الريا�ض الثاني‪ ،‬ثم المعر�ض المتنقل في‬ ‫منطقة الجوف التابع لجمعية الفنون‪،‬‬ ‫كما �شاركت في المعر�ض الأخير (عزف‬ ‫الحرف) في المنطقة الغربية‪.‬‬

‫‪æ æ‬كيف تقوم بتوظيف الخط في �أعمالك‬ ‫الفنية؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أ�سا�سا �أنا خطاط‪� ..‬أوظف الأعمال الفنية‬ ‫مع الخط‪� ..‬أي �أنني �أقوم بعك�س ال�س�ؤال!!‬ ‫�أوظ��ف ال�ح��روف م��ن �أج��ل الخط ولي�س‬ ‫لأعمال �أخرى‪..‬‬ ‫‪æ æ‬ه�����ل ت���ل���ق���ى ت�����ش��ج��ي��ع��ا م�����ن ال��م��ج��ت��م��ع‬ ‫والجمعيات؟‬ ‫‪ρ ρ‬من المجتمع كثيرا‪ ،‬وهلل الحمد‪� ..‬أما على‬ ‫م�ستوى الجمعيات فمحدود جدا‪ ..‬فلي�س‬ ‫هناك دعم مادي �أو معنوي‪ ..‬و�أ�س�أل اهلل‬ ‫�أن يلتفتوا �إل��ى الخطاطين عموما‪ ،‬من‬ ‫دون ا�ستثناء‪.‬‬ ‫‪æ æ‬هل تتوا�صل مع الفنانين والخطاطين؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أتوا�صل مع كثير من الخطاطين في جازان‬ ‫وع�سير ومكة المكرمة والمدينة المنورة‪..‬‬ ‫وفي الخارج‪� ،‬أتوا�صل مع خطاطين في‬ ‫�سوريا والأردن وال�ك��وي��ت والإم� ��ارات‪..‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى بع�ض الخطاطين في‬

‫منطقة الجوف‪ ،‬ولدي طالب في كثير من‬ ‫المناطق‪.‬‬ ‫‪æ æ‬كيف ترى الأ�سلوب الأمثل للتجديد في‬ ‫الخط العربي وتوظيفه؟‬ ‫‪ρ ρ‬الأ�سلوب الأمثل للتجديد في الخط العربي‬ ‫يكمن في تطويره وتطوير حروفه‪ ،‬وكتابته‬ ‫وال �خ��روج ع��ن ال�ق��اع��دة كما ح�صل في‬ ‫قاعدة الن�سخ الذي كان يكتب بربع مللي‪..‬‬ ‫وامتد ليكتب بـ ‪ 2‬مللي او ‪ 3‬مللي ب�شرط‬ ‫�أن ال يخرج عن القاعدة المعروفة لدى‬ ‫الخطاطين‪ ،‬وال ي�ؤدي �إلى ت�شويه الخط‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬كانت الكتابة بالحبر والورق‪ ،‬ومع دخول‬ ‫التقنية الحديثة يجوز للخطاط �أن يدخل‬ ‫بع�ض التقنية وتجميل ال �� �ص��ورة ق��در‬ ‫الإمكان‪� ،‬أو ح�سب ما يطلب منه‪ ،‬ويظل‬ ‫الحبر والورق والقلم هو الأ�سلوب الأمثل‬ ‫والأف�ضل‪ ،‬رغم التجديد في الخط‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ه��ل ي��م��ك��ن تنمية م��وه��ب��ة ال��خ��ط ل��دى‬ ‫الأطفال والنا�شئة؟‬ ‫‪ρ ρ‬يمكن ذلك‪ ..‬بل ومن ال�سهل جدا‪..‬‬ ‫‪�ρ ρ‬أنا معلم‪ ،‬و�أعمل في هذا المجال‪ .‬طالبي‬ ‫وهلل الحمد يفيدون منّي كثيرا‪ ،‬وقد وجدت‬ ‫ال�ع��دي��د منهم م�ج�ي��دا ل�ل�خ��ط‪ ،‬فقومت‬ ‫خطوطهم و�أر�شدتهم �إلى بع�ض الكراري�س‬ ‫المفيدة في تعليم الخط العربي‪ ،‬و�أي�ضا‬ ‫اال�ستعانة بكتابة الم�صحف ال�شريف‪..‬‬ ‫وهناك �إقبال �شديد على الخط‪ ،‬وعلى‬ ‫المعلم �أن يكون لديه �إل�م��ام ف��ي �ضبط‬ ‫الحروف وكتابتها‪..‬‬ ‫‪æ æ‬كيف ت��رى الن�شاطات والفر�ص لتعزيز‬ ‫�أهمية الخط العربي؟‬

‫‪53‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪æ æ‬فو�ضى الخط واللوحات التجارية‪ ..‬هل‬ ‫لك ر�أي فيها؟‬ ‫‪ρ ρ‬وه��ذه ت�سمى الخطوط الإع�لان��ي��ة‪ ،‬وهي‬ ‫ركيكة ج��دا و�ضعيفة‪ ،‬وال��ذي��ن يكتبونها‬ ‫بع�ضهم لي�ست لديه خبرة حقيقية في‬ ‫الخط‪ ،‬وق��د وج��دت تلك الكتابات نقدا‬ ‫كبيرا وفيها �أخطاء كثيرة‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪54‬‬

‫‪ρ ρ‬وه��ذه تكمن في كتابة الأحاديث ال�شريفة‪،‬‬ ‫وال�شعر‪ ،‬وقبل كل �شيء كتابة القر�آن الكريم‪،‬‬ ‫وم�شاركتهم ف��ي ت�ق��وي��م ال�ك�ت��اب��ة العربية‬ ‫وت�صحيحها‪ ..‬كل هذه الن�شاطات ت�سهم في‬ ‫تعزيز الخط العربي واالهتمام به‪..‬‬ ‫‪ρ ρ‬و�إذا كان هناك �ضعف في الكتابة‪ ،‬فب�سبب‬ ‫ال��ع��زوف ع��ن ال �خ��ط؛ و�إذا م��ا رجعنا‬ ‫ووجدنا البيئة المنا�سبة للتعليم ف�ستكون‬ ‫هناك فر�صة ون�شاط لتعزيزه‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫�أن كثيرا ممن �أقابلهم ي�شيدون باللوحات‪،‬‬ ‫ق��ائ�ل�ي��ن �إن �ه��م ي�ف�ت�ق��دون ه ��ذا ال���ش��يء؛‬ ‫فهناك رغبة من النا�س‪ ..‬ولكن ال يوجد‬ ‫الرابط‪ ..‬والرابط هنا عبارة عن ور�ش‬ ‫ومعار�ض تقام في المنطقة �أو خارجها‬ ‫يفيد منها الجميع من دون ا�ستثناء‪ ،‬وهو‬ ‫التراث اال�سالمي الذي يحمل لنا القر�آن‬ ‫الكريم والأحاديث النبوية ال�شريفة التي‬ ‫كتبت بالخط العربي‪ ،‬وبقيت لنا و�ستبقى‬ ‫للأجيال القادمة �إن �شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ه����ل ت���ت���ع���اون م��ع��ك��م ب���ل���دي���ات و�أم����ان����ة‬ ‫المنطقة وغيرها لتجميل �أو الم�شاركة‬ ‫في تح�سين الر�ؤية الب�صرية‪ ،‬ومن َث َّم‬ ‫ت�شجيع �إحياء الخط العربي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال تتعاون معنا‪ ..‬وال ن��دري �سببا لذلك‪،‬‬ ‫ونتمنى تعاونها‪ ..‬و�شخ�صيا لم �أل��ق �أية‬ ‫دع��وة للم�شاركة في �إحياء هذا التراث‪.‬‬ ‫وهناك فر�صة لتوظيف الخط في تجميل‬ ‫الأماكن العامة‪ ،‬وقد وجدنا الكثير من‬ ‫ذلك في العالم اال�سالمي‪ ..‬نتمنى منهم‬ ‫التعاون معنا في ه��ذا المجال وبخا�صة‬ ‫�أننا ن��رى بع�ض الكتابات التي تت�ضمن‬ ‫�أخ�ط��اء �إمالئية وخطية يخرجون فيها‬

‫ج��دران م�سجد �شي�شلي بكتابته‪ ..‬وعلى‬ ‫الخطاط �أن يكون متقنا لكتابته‪.‬‬

‫‪æ æ‬مَ��ن ه��م �أب���رز خطاطي المنطقة حالياً‬ ‫و�سابقاً‪ ،‬وهل هناك ريادية لأحد؟‬ ‫‪ρ ρ‬قديما ال �أعرف �إال خالد بن �سعد الزارع‪..‬‬ ‫وف��ي ال��وق��ت الحا�ضر ال��خ��ط��اط نا�صر‬ ‫ال�شريطي‪ ،‬وال �أعرف ريادة لأحد في هذا‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ماذا قدمت الجمعيات لكم مثل جمعية‬ ‫الخط (ج�سفت)؟‬

‫عن القاعدة‪ ،‬فتخرج الكتابة ركيكة جدا‪،‬‬ ‫�إ��ض��اف��ة �إل��ى الأخ �ط��اء ف��ي كتابة بع�ض ‪ρ ρ‬ال �أع ��رف ه��ذه الجمعية ول��م ي�سبق لي‬ ‫التعامل معها‪ ..‬والجمعيات على وجه‬ ‫الآيات الكريمة‪.‬‬ ‫ال �ع �م��وم ل�ن��ا معها م �� �ش��ارك��ات طفيفة‪،‬‬ ‫‪æ æ‬ر�أي���ك ف��ي تجميل الم�ساجد بالخط‪..‬‬ ‫كجمعية الجوف وجمعية تبوك‪.‬‬ ‫وهل ي�شارك الخطاطون في تجميلها؟‬ ‫‪æ æ‬هل من كلمة �أخيرة في هذا المجال؟‬ ‫‪ρ ρ‬تجميل الم�ساجد بالخط فيه خ�لاف‪..‬‬ ‫و�أترك الخالف الديني لأهله‪ ..‬وقد عرف ‪�ρ ρ‬أتمنى من الم�سئولين والجمعيات ومَ ن‬ ‫لهم دور في الثقافة والإع�ل�ام االلتفات‬ ‫التاريخ اال�سالمي �أن الخطاطين يكتبون‬ ‫�إلى الخط والخطاطين‪ ،‬و�إلى كل الفنون‬ ‫خطوط الم�ساجد‪ ،‬ومنهم عبداهلل زهدي‬ ‫ب�صفة ع��ام��ة‪ ..‬واالل�ت�ف��ات �إل��ى الموهبة‬ ‫التميمي‪ ،‬الذي قام بكتابة جدران الم�سجد‬ ‫النبوي‪ ..‬وكذلك �أحمد الآمدي الذي زيَّن‬ ‫المرتبطة بالري�شة والقلم والورقة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫حين تقف �أمام لوحاته تدرك عمق تجربته التي هي بمثابة مر�آة لر�ؤيته الفنية‪.‬‬ ‫فمنذ بداياته‪ ،‬وثق لنف�سه مكانا في ف�ضاء الفن‪ ،‬وتميز �أ�سلوبه بالب�ساطة والعفوية‬ ‫النابعتين من روح الفن التي ي�ؤمن بها‪ .‬لم يتحرج ال�سالمة من �أي خطوة يمكن �أن‬ ‫ي�ستفيد منها‪ ،‬لذا التحق بعدد من الدورات الفنية والتربوية داخل المملكة وخارجها‪،‬‬ ‫وحر�ص على الم�شاركة والح�ضور ال��دائ��م في المحافل والمعار�ض‪ .‬ح�صد الكثير‬ ‫من الجوائز؛ منها ميدالية اال�ستحقاق من الدرجة الثالثة ب�أمر خ��ادم الحرمين‬ ‫ال�شريفين الملك فهد «رحمه اهلل»‪.‬‬ ‫اهتم كبار النقاد بفنه‪ .‬ي�شغل من�صب م�ست�شار للمعار�ض و�أ�ستاذ التربية والفنون‬ ‫الجميلة‪ .‬مدينة عرعر ال تعني له مجرد مدينة ينت�سب �إليها والدة ون�ش�أة‪ ،‬بل هي‬ ‫بمثابة نجم في ال�سماء يهتدي به‪ .‬هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذا الفنان‪ ،‬وما‬ ‫هذه الأ�سطر �إال ديباجة لحوار ندخل به عالمه‪..‬‬ ‫■ حاوره‪ /‬عمر بوقا�سم*‬ ‫لك �أن تقر�أ علينا ه��ذه الم�سيرة و�أه��م‬ ‫‪�æ æ‬أحمد ال�سالمة فنان له م�سيرة خا�صة‬ ‫المحطات الم�ؤثرة فيها؟‬ ‫ف��ي ف�ضاء ال��ف��ن الت�شكيلي ال��ح��روف��ي‪،‬‬ ‫ول��ه م�شاركات متميزة ف��ي الكثير من ‪ρ ρ‬لكل فنان م�سيرة عطاء تنبع من �أ�صل‬ ‫ال��م��ع��ار���ض ع��ل��ى ال��م�����س��ت��وي��ي��ن المحلي‬ ‫ه��ذا المجتمع‪ ،‬ك��ارت�ب��اط��ه ال��وث�ي��ق في‬ ‫وال���ع���رب���ي؛ ون��ح��ن ن��ق��ف �أم�����ام ل��وح��ات��ه‬ ‫انتمائه �إلى هذا البلد‪ .‬البداية كانت منذ‬ ‫ن�ست�شف عمق هذا الفنان وح�سا�سيتة‪..‬‬ ‫ال�صغر‪� ..‬أحببت الر�سم‪ ،‬رغم عدم وجود‬ ‫يدخلك في قب�ضة �إبداعاته‪ ،‬ويحركك‬ ‫مقومات له‪ ،‬ولكن بد�أت بالخط والزخرفة‬ ‫كقارئ‪ ،‬لتكرر وقفتك �أمام لوحاته‪ .‬هل‬ ‫والت�صميم والر�سومات الجدارية بكتابات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫ك‬ ‫يل‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫د ال�سالمة‬ ‫يوظف الحروف في فنه‬

‫ور�سومات عفوية‪ ،‬وت�صميم ال�صحف الحائطية‬ ‫ف��ي ال�م��در��س��ة فاكت�سبت م �ه��ارة ف��ي ال�ل��ون‬ ‫والخط‪ .‬ومن خالل المراحل التعليمية حتى‬ ‫ح�صولي على ال�شهادة الجامعية «بكالوريو�س‬ ‫ف �ن��ون ج�م�ي�ل��ة»‪ ،‬وث �ق��ت لنف�سي ع�لاق��ة بهذا‬ ‫الفن؛ فر�سمت لها خطا � ِأ�صل به �إلى الهدف‬ ‫المن�شود‪� ،‬إذ تميز �أ�سلوبي بالب�ساطة والعفوية‬ ‫�إل��ى ج��ان��ب العمق وو� �ض��وح ال��ر�ؤي��ة‪� .‬شققت‬ ‫طريقي متكال على اهلل فيما �أتمناه و�أعطتني‬ ‫مجاال وا�سعا للبحث والغو�ص في م�سيرة الفن‪،‬‬ ‫من خالل الدرا�سة باحثا وكاتبا وناقدا ما بين‬ ‫�أنا جزء من هذه المنظومة الفنية‬ ‫مجال العمل ك�أ�ستاذ للفنون والتربية والتعليم‬ ‫الت�شكيلية لفنون بالدنا وللفنون‬ ‫وال�م��دار���س ال�م�ط��ورة‪ ،‬وم�ست�شارا للمعار�ض الإ�سالمية‪ ،‬وح�ضارة هذا الكيان العظيم‬ ‫الفنية‪ ،‬وم�صمما ف��ي ت�صميم المج�سّ مات‬ ‫التي تميزنا بين الأمم‬ ‫ال�ج�م��ال�ي��ة وال�م���ش��ارك��ات ف��ي ع��دة محافل‪.‬‬ ‫حافظت على مجموعة كبيرة من لوحاتي وال‬ ‫ا�ستطاع الفنان الت�شكيلي بلوحته‬ ‫تزال موجودة‪ ،‬ف�أعطتني البحث �أكثر في مجال محاكاة �شعراء الوطن والدخول والعمق‬ ‫الفنون الت�شكيلية حتى ا�ستقريت على الأ�سلوب‬ ‫في وجدانهم‬ ‫ال�شعبي البيئي بزخرفة النمنمات ال�شعبية‪،‬‬ ‫و�سميت (المرحلة الذهبية) �أو (الزخرفة �أنا ملت�صق بالفن منذ ال�صغر بمدينة‬ ‫الأح �م��دي��ة)‪ ،‬كما �أط�ل��ق عليها بلوحاتي من عرعر م�سقط الر�أ�س والنمو والموهبة‬ ‫قبل المتخ�ص�صين في الفنون؛ لذا �أ�صبح لي‬ ‫والح�ضارة‬ ‫ب�صمة في �أ�سلوبي الزخرفي لم يناف�سني فيه‬ ‫�أح��د‪ .‬كان الفن واالختيار �صعبا في بداياته‪� ،‬أتمنى عندما ي�شكل الفنان الحروف‬ ‫ف�إما النجاح و�إم��ا الف�شل‪ ..‬ولكن �أحمد اهلل �أن يرجع �إلى الأ�صول حتى ال يقع في‬ ‫تعالى �أن تحقق ما �أريده‪ .‬الفن �أعطاني الكثير‬ ‫حرج‪ ،‬ويقع في خط�أ �أثناء ت�شكيل‬ ‫في �شخ�صيتي وحياتي‪ ،‬فقد �ضحيت في وقتي‬ ‫حروفه في لوحة فنية‬ ‫حتى و�صلت وهلل الحمد �إلى الهدف المر�سوم‪،‬‬ ‫وال��رغ�ب��ة الأك �ي��دة التي �أر��س��ت ق��واع��د �صلبة‬ ‫ومتينة في حياتي وهي (الب�صمة) والأ�سلوب‬ ‫المميز‪ ،‬ف�أنا والفن تو�أمان متالزمان‪ .‬عالجت‬ ‫الكثير من ق�ضايا �أمتي في لوحاتي‪ ،‬ومن �أهم‬ ‫المحطات الفنية في �أ�سلوبي (لوحة ق�ضية‬ ‫الع�صر)‪ ،‬والتي خاطبت بها �شعوب العالم‬ ‫�أج �م��ع ف��ي �أه��م ق�ضية‪� ..‬أال وه��ي الت�صدي‬ ‫للحملة ال�شر�سة لأع��داء الإ�سالم �ضد خاتم‬

‫‪57‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫نحن كفنانين ت�شكيليين لنا خط واحد‬ ‫واتجاه واحد في رقي هذه الفنون‬ ‫الجميلة للعالمية في الم�شاركات‬ ‫الدولية و�إقامة المعار�ض داخليا‬ ‫وخارجيا وتمثيل بالدنا بما يليق‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪58‬‬

‫الأنبياء والمر�سلين �صلى اهلل عليه و�سلم والتي‬ ‫اعدها (لوحة الع�صر) �إ�ضافة �إلى الأ�سلوب‬ ‫(التنقيطي الخطي)‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ما تقييمك للفن الت�شكيلي ال�سعودي‪ ،‬مقارنة‬ ‫بال�ساحات العربية‪ ،‬وم��ا المواقع التي تهتم‬ ‫ب��زي��ارت��ه��ا ع��ل��ى ال�����ش��ب��ك��ة ال��ع��ن��ك��ب��وت��ي��ة؟ وم��ا‬ ‫خطواتك الجديدة؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أوال �أن ��ا ج ��زء م��ن ه ��ذه ال�م�ن�ظ��وم��ة الفنية‬ ‫الت�شكيلية لفنون بالدنا وللفنون الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وح���ض��ارة ه��ذا الكيان العظيم ال�ت��ي اعدها‬ ‫تمييزا لنا جميعا �أمام الفنون الأخ��رى‪ .‬نحن‬ ‫كفنانين ت�شكيليين لنا خ��ط واح ��د وات�ج��اه‬ ‫واحد نحو رقي هذه الفنون الجميلة للعالمية‬ ‫ف��ي الم�شاركات ال��دول�ي��ة و�إق��ام��ة المعار�ض‬ ‫داخليا وخارجيا‪ ،‬وتمثيل بالدنا بما هو جميل؛‬ ‫(فالعطاء) هو التميز‪ ،‬وما قدمته في مجموعة‬ ‫كبيرة من �أعمالي الأخ�ي��رة هو دع��م للفنون‬ ‫بح�صيلة تزيد على (‪ )700‬لوحة فنية‪ ،‬وال‬

‫�أزال �أ�صمم و�أنفذ �أكبر لوحة تنفيذية في تاريخ‬ ‫الفن‪ ،‬والتي �ستعر�ض �إن �شاء اهلل تعالى قريبا‬ ‫(�أ�سماء اهلل الح�سنى)‪ ،‬وبم�شاركات داخليا‬ ‫وخ��ارج�ي��ا لمعر�ض الف�ضاء م��ن �أج��ل كوكب‬ ‫الأر�ض‪ .‬مثلت المملكة في منا�سبات عدة منها‬ ‫معر�ض المملكة العربية بين الأم����س واليوم‬ ‫ف��ي ع��دة دول‪ ،‬وم�ع��ار���ض للخط ال�ع��رب��ي في‬ ‫اليابان وكثير من الدول العربية والإ�سالمية‪،‬‬ ‫كذلك الم�شاركات والمعار�ض (الإن�سانية)‬ ‫الخيرية دعما للجمعيات الخيرية في رعايتها‬ ‫للأيتام والمعوقين وذي االحتياجات الخا�صة‪،‬‬ ‫ومر�ضى ال�سرطان وغيرها‪ .‬وكذلك م�شاركتي‬ ‫في المنا�سبات الوطنية والمعار�ض التي تقيمها‬ ‫وزارة الثقافة والإع �ل�ام‪ ،‬والرئا�سة العامة‬ ‫لرعاية ال�شباب وقطاع الحر�س الوطني في‬ ‫مهرجاناته ال�سنوية ووزارة الدفاع والطيران‬ ‫وغيرها م��ن القطاعات الحكومية والقطاع‬ ‫ال �خ��ا���ص‪ ..‬ف��ال�ع�ط��اء ه��و ال�ت�م�ي��ز‪ ،‬وال�ف�ن��ون‬ ‫الت�شكيلية هي بوابة على العالم ونافذة م�ضيئة‬ ‫ي�ستلهم الفنان ف��ي ب�لادن��ا �إل��ى ر�ؤي��ة العالم‬ ‫ب�أكمله من دون حواجز �أو عوائق‪� .‬إنها م�سئولية‬ ‫تقع على الفنانين ب�إبداعاتهم ينثرونها في‬ ‫ف���ض��اءات العالم لينظروا نظرة جمال �إل��ى‬ ‫ح�ضارة الأم��ة الم�سلمة‪ .‬مما ال �شك فيه �أن‬ ‫العولمة �أ�صبح لها دور كبير في تقارب ال�شعوب‬ ‫والأمم‪ ،‬ففي كل يوم بل كل �ساعة �أو ثانية ننتقل‬ ‫بين جنبات ه��ذا العالم ف��ي زي ��ارة م��ن دون‬ ‫حواجز وننظر �إلى العالم ونتفاعل معه‪.‬‬ ‫‪æ æ‬في ظل التغيرات التي ي�شهدها العالم العربي‬ ‫�سيا�سيا واقت�صاديا‪ ،‬بر�أيك هل �سينعك�س �أثر‬ ‫هذه التغيرات على الإب��داع الفني والخطاب‬ ‫الإبداعي‪ ،‬ب�صفة عامة؟‬ ‫‪ρ ρ‬للفنون دور كبير ف��ي نقل ح���ض��ارة �أي �أم��ة‬ ‫وتاريخها‪ ،‬وبخا�صة في عالمنا ال��ذي ي�شهد‬ ‫الكثير م��ن ال�ت�غ�ي��رات ال�ك�ب�ي��رة ع�ل��ى جميع‬ ‫الأ� �ص �ع��دة‪ .‬ل�ق��د ت�ع��ام��ل ال�ف�ن��ان م��ع ال�ح��رب‬

‫ا�ستقريت على الأ�سلوب ال�شعبي البيئي‬ ‫بزخرفة النمنمات ال�شعبية‪ ،‬ف�أ�سلوبي‬ ‫الزخرفي لم ولن يناف�سني فيه �أحد‬

‫العالمية الأول��ى والثانية‪ ،‬حين تولى توثيقها‬ ‫على لوحات ب�أنامل فنانين عالميين �صوروا‬ ‫ل�شعوب العالم الحديث الم�آ�سي التي مرت على‬ ‫بع�ض دول العالم من حروب وت�شريد وقتل؛ فقد‬ ‫�أ�صبحت اللوحة هي الوثيقة ال�صادقة لتلك‬ ‫الم�آ�سي وتوثيق تلك الأح��داث؛ فهذا الإب��داع‬ ‫الفني جاء �صادقا من الفنان في وطنه‪ .‬كما‬ ‫ن�شاهد الآن ما يحدث في عالمنا من تغيير‪.‬‬ ‫و�أ�شير هنا �إلى ما حدث ‪ -‬مع الأ�سف ‪ -‬لبع�ض‬ ‫المتاحف من حرق ونهب‪ ،‬والتي ت�ضم العديد‬ ‫من المخطوطات والقطع الثمينة ب�سبب تلك‬ ‫الفو�ضى التي تنجم من الفراغ بين الحكومات‬ ‫و�شعوبها‪� ،‬إنها م�أ�ساة حقيقية‪ ،‬وال زلنا ن�أمل‬ ‫ونت�أمل ع��ودة تلك المقتنيات الم�سروقة �إلى‬ ‫�أهلها‪ ،‬وبخا�صة في تلك الدول التي �أ�صابتها‬ ‫الحروب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪59‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪60‬‬

‫‪æ æ‬قر�أت في �إحدى ال�صحف‪� ،‬أن الأمير ال�شاعر‬ ‫ب��در ب��ن عبدالمح�سن ت��وق��ف عند لوحاتك‬ ‫ال��ث�لاث ولوحتك المعروفة با�سم (ال��ب��در)‪،‬‬ ‫والتي �شاركت بها في معر�ض ق�صائد البدر‬ ‫و�أن����ه ي��ن��وي �ضمها ف��ي دي��وان��ه ال�����ش��ع��ري‪ ،‬ما‬ ‫ر�أيك في وقفة البدر وانطباعاته؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال �ف��ن ل �ل �ن��ا���س ف ��ي م��ا��ض�ي�ه��م وح��ا� �ض��ره��م‬ ‫وم�ستقبلهم‪ ،‬كما نلم�س منهم ردات الفعل‬ ‫�سوا ًء بالمدح �أو الذم‪ ،‬ولكن في هذا المعر�ض‬ ‫المتميز عن بقية المعار�ض ا�ستطاع الفنان‬ ‫الت�شكيلي بلوحته م�ح��اك��اة ��ش�ع��راء ال��وط��ن‬ ‫وال��دخ��ول والتعمق في وجدانهم‪ ،‬ومعرفة ما‬ ‫بداخل ال�شاعر من حب ومعاناة‪ .‬في �إح��دى‬ ‫لوحاتي الم�شاركة في معر�ض ق�صائد البدر‬ ‫ا�ستوقف الأمير ال�شاعر بدر بن عبدالمح�سن‬ ‫عند لوحة (ال �ب��در) وك��ان��ت مفاج�أة ل��ه �أنها‬ ‫با�سمه‪ ،‬الحظ الجديد وبالأ�سلوب التنقيطي‪،‬‬ ‫وو�صفها ب�أنها لوحة �أك�ث��ر م��ن رائ�ع��ة‪ ،‬وه��ذه‬ ‫�شهادة نعتز بها من �شاعر له من �أبواب ال�شعر‬ ‫الكثير والكثير‪ ،‬وتميزه عن غيره �أن��ه البدر‬

‫بلوحة دونت ب�أكثر من (‪� 500‬ألف نقطة) والتي‬ ‫�أعجب بها كثيرا‪ ،‬ونتمنى �أن تكون في ديوانه‪،‬‬ ‫وهي مهداة للأمير على دوره الكبير في مجال‬ ‫ال�شعر‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ع��ن��دم��ا اق���ت���رح الأ����س���ت���اذ �إب���راه���ي���م ال��ح��م��ي��د‬ ‫الم�شرف العام على مجلة «الجوبة»‪� ،‬أن �أجري‬ ‫ح���وار م��ع ال��ف��ن��ان �أح��م��د ال�����س�لام��ة �أ�سعدني‬ ‫هذا االقتراح‪ ،‬فتوا�صلت معكم‪ ،‬ومن خالل‬ ‫حديثك‪� ،‬أدركت �أنني �أمام فنان لديه فل�سفة‬ ‫خا�صة يُطعم فنه بر�ؤيته وثقافته‪ ،‬فدعمت‬ ‫نف�سي بالقراءة عن الحرف‪ ،‬ف�أوقفتني بع�ض‬ ‫العبارات ومنها‪« :‬يقوم الحرف العربي على‬ ‫البعد الواحد‪ ،‬وهذا يعني �أن الوجود يتحقق‬ ‫ب��ال��ع��ودة م���ن ال��ح��ج��م �إل����ى �أ���ص��ل��ه ال�����ش��ك��ل��ي‪،‬‬ ‫ومن ال�شكل �إلى �أ�صله الخطي‪ ،‬ومن العالم‬ ‫ال��خ��ارج��ي �إل���ى طبيعة روح��ي��ة‪� ،‬أي �أن���ه غير‬ ‫ت�صويري‪ ،‬وغير الت�صويري يعبر عن نف�سه‬ ‫ب��ال��ح��رف‪ .‬ه��ذه ال��ر�ؤي��ة الفل�سفية الخا�صة‬ ‫ل��ل��ح��رف ال��ع��رب��ي‪ ،‬تمثل رح��ل��ة معاك�سة من‬ ‫ال�����ش��ج��رة �إل����ى ال���ب���ذرة‪� ،‬أو م���ن ال��ح��ج��م �إل���ى‬

‫الحرف‪ ،‬وك�أنها مروحة في يد امر�أة جميلة‪،‬‬ ‫ت�ضمها فتختفي الر�سوم والألوان في مقب�ض‬ ‫المروحة ال�شبيه بحرف الأل���ف‪� ،‬أو تفتحها‬ ‫فيتحول الحرف �إلى حدائق و�أزهار و�شمو�س‬ ‫م�شرقة و���س��اح��رة»‪� ،‬أن���ت بثقافتك ور�ؤي��ت��ك‬ ‫وك���ف���ن���ان‪ ،‬ك��ي��ف ت���ت���داخ���ل م���ع ه����ذه ال���ر�ؤي���ة‬ ‫الفل�سفية؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أ��ش�ك��رك و�أ��ش�ك��ر الأ� �س �ت��اذ الكبير �إب��راه�ي��م‬ ‫الحميد الهتمامه واخ�ت�ي��ار ه��ذا المو�ضوع‬ ‫«الخط العربي» ملفا للعدد‪ ،‬ودليل على �إظهار‬ ‫جماليات الخطوط العربية وفك رموزها من‬ ‫ب��داي��ة الخطوط القديمة �إل��ى ح��داث��ة الخط‬ ‫وجمالياته؛ فلكل فنان فل�سفة ف��ي م�سيرته‬ ‫الفنية و�أ�سلوبه المتبع له‪ .‬ما الحظته في الفترة‬ ‫الأخيرة اهتمام الفنان الم�سلم وبالذات في‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية بت�شكيل الخط‬ ‫العربي م��ن دون ال��رج��وع �إل��ى ق��اع��دة الخط‬ ‫ومعرفة �أ�صوله وعدده؛ وهذا ال يفي بالمعرفة‬ ‫والو�صول �إلى البحث �أكثر و�أكثر‪ ،‬و�إنما تمنيت‬ ‫�أن الفنان عندما ي�شكل هذا الحرف ال بد له‬ ‫من الرجوع �إلى الأ�صول حتى ال يقع في حرج‬

‫مع نف�سه �أثناء ت�شكيل الحروف في لوحة فنية‪.‬‬ ‫وكما الحظت ف�إن كثيرا من الفنانين ينقلون‬ ‫الحرف كما هو وك��أن الخط له‪ ،‬هذه (�سرقة‬ ‫فنية وا�ضحة)‪� ،‬أم��ا بع�ض �أع�م��ال الفنانين‪،‬‬ ‫ف�أتمنى النظر فيها من خالل ا�شتراك �أي فنان‬ ‫في �أي م�سابقة كانت على م�ستوى ال��وزارة �أو‬ ‫غيرها‪ .‬لعب الفنانون بالحروف وما �أ�سموه‬ ‫بالحروفيات‪ ,‬بت�شكيل ال�ح��روف وتكرارها‪،‬‬ ‫(الجمال يكمن بنطق الحرف �أمامك ولي�س‬ ‫التكرار) وبخا�صة في اللوحة‪ ،‬وما في داخلها‬ ‫م��ن ج �م��ال �ي��ات ت��وح��ي ل��ك ك�م���ش��اه��د ب��أن�ه��ا‬ ‫تحاكيك‪ ،‬واال�ستمرار بالمحاكاة من دون ملل‪..‬‬ ‫�إنه الحرف العربي ب�أنواعه وفل�سفته‪ ،‬فال بد‬ ‫لكل فناني عالم الحروفيات من معرفة الأ�صل‬ ‫قبل الخو�ض في ذلك الف�ضاء الجميل‪ ،‬والذي‬ ‫ينثر لنا في �أبهى �صورة و�أجملها‪.‬‬ ‫‪ ..æ æ‬و�أي�������ض���ا م���ن خ��ل�ال ح��دي��ث��ي م��ع��ك لفت‬ ‫ان��ت��ب��اه��ي ح��ب��ك الكبير لمدينة ع��رع��ر وه��ي‬ ‫م�سقط الر�أ�س والنمو‪ ،‬ما الأث��ر ال��ذي تركه‬ ‫ال��م��ك��ان ف���ي ن��ف�����س �أح���م���د ال�����س�لام��ة ك��ف��ن��ان‬ ‫و�إن�سان؟‬

‫‪61‬‬


‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫ال�شاعر �سليمان الفل ّيح‬

‫�صناجة ال�صحراء‬

‫■ د‪ .‬حممود عبداحلافظ خلف اهلل*‬

‫‪62‬‬

‫‪ρ ρ‬ع��رع��ر ه��ي ق�ل��ب ال���ش�م��ال ال�ن��اب����ض‪ ،‬ال��وط��ن‬ ‫غالي علينا جميع ًا ب�أر�ضه و�سمائه‪ ،‬ومهما‬ ‫ابتعد الإن�سان عن الوطن بج�سمه‪ ،‬لن يبتعد‬ ‫عنه بحبه وانتمائه وفكره‪�،‬إنما يزيده تم�سك ًا‬ ‫وحب ًا وع�شق ًا وعطاءاً‪ ،‬طبع ًا الت�صقت بالفن‬ ‫منذ ال�صغر في مدينة عرعر م�سقط الر�أ�س‬ ‫والنمو والموهبة والح�ضارة؛ فالمكان له �أثره‬ ‫في نف�سي‪ ،‬فحبي لل�شمال‪ ..‬وبخا�صة مدينتي‬ ‫ال�صغيرة التي �أ�صبحت اليوم كبيرة في قلبي‪،‬‬ ‫هي وطنٌ لذكريات الطفولة الجميلة‪ ،‬ومهما‬ ‫ابتعدت عنها لظروف العمل وغيره‪� ،‬سيبقى‬ ‫ال�شمال رم��زا للحب بوجود �أع��ز مخلوق فيه‬ ‫«والدي»‪.‬‬ ‫‪æ æ‬ت��ت��ف��رد ب���أ���س��ل��وب��ك التنقيطي‪ ،‬وه���و م��ا يميز‬ ‫�أع��م��ال��ك‪ ..‬وم���ن ي��ق��ف �أم����ام ل��وح��ات��ك ي�شعر‬ ‫ب��ع��م��ق ه����ذا الأ����س���ل���وب و�أب�����ع�����اده ال��ج��م��ال��ي��ة‬ ‫الأ�سا�سية في العمل‪� ،‬أي هو ج��زء من فكرة‬ ‫العمل‪ .‬هل تكمل لنا هذا االنطباع؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪ρ ρ‬ف��ي ب��داي��ة �أعمالي تميز الأ��س�ل��وب الزخرفي‬ ‫ال�شعبي ف��ي المرحلة الأول �ي��ة التي �أعطتني‬ ‫منطلق ًا للبحث وال�غ��و���ص ف��ي ع��ال��م الفنون‬ ‫الجميلة‪ ،‬وه��ذا الأ�سلوب الزخرفي ال�شعبي‬ ‫الموجود في بيئتنا منذ البداية كعن�صر �أ�سا�سي‬ ‫في اللوحة كما هو موجود في �أغلب الأعمال‬ ‫بن�سبة ك�ب�ي��ره‪ ،‬والآن وهلل الحمد �أ�صبحت‬ ‫�أعمالي ت�أخذ الطابع والأ�سلوب الأكثر تميز ًا‬ ‫من خالل النقلة الجديدة لأعمالي‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬وبخا�صة المرحلة (الذهبية) زخرفة الخط‪،‬‬ ‫و�أ� �س �ت �ح��دث خ�ط��ا ج��دي��دا ي�ك�م��ل الأ� �س �ل��وب‬ ‫الزخرفي ال�شعبي (بالتنقيطية)‪ ،‬من خالل‬ ‫ا�ستخدام نقطة لونية لتكوين لوحة ب�إيقاع‬ ‫جذاب‪ ،‬والم�ستخدم في �أ�سلوبي بالتكرار‪ ،‬مع‬ ‫مراعاة �إظهار الظل والنور في الم�ساحة‪ ،‬حتى‬ ‫و�صلت �إل��ى �أ�سلوب الزخرفة التنقيطية في‬ ‫�أعمالي الأخيرة بعد المرحلة الأولى (الزخرفة‬ ‫الأحمدية)‪.‬‬

‫�آخر الفر�سان ال�صعاليك‪� ،‬أنجبته ال�صحراء‪ ،‬وظل يترحل في ف�ضاءات ق�سوتها كل‬ ‫وبع�ضا من �شبابه‪ .‬بحثًا عن النقاء واكت�شاف الذات الإن�سانية‪ ،‬بعيدًا عن ركام‬ ‫طفولته‪ً ،‬‬ ‫التعقيد المزجج بين الغابات الخر�سانية‪ ،‬حيث حريات المدينة الزائفة‪.‬‬ ‫يقول – يرحمه اهلل – «توفِّي �أبي و�أنا ابن �أربع �سنوات‪ ،‬و�أ�صبحت يتيمًا‪ ،‬ولم يكن‬ ‫لي �أخوة‪ ،‬فقلت حينما �أتزوج �سوف �أنجب قبيلة من الأبناء تعو�ضني م�أ�ساة اليتم؛ كي ال‬ ‫يذوقوا ما ذقت من مرارة الوحدة دون �إخوة‪ ...‬و�ضعتني �أمي تحت �شجيرة في ال�صحراء‪،‬‬ ‫ولفتني بطرف عباءتها‪ ،‬ثم �سارت تغني في ركب القبيلة الظاعنة نحو حدود الغيم»‪.‬‬ ‫�إن ق�سوة ال�ح�ي��اة ال�ت��ي عا�شها‬ ‫الفليح في طفولته بما اكتنفت‬ ‫من فقر وعوز و�شظف طبيعي‬ ‫ق��د نحتت ملكته ال�شعرية‬ ‫ع�ل��ى ��ش��اك�ل��ة ن�ح��ت ال��ري��اح‬ ‫ال�صر�صر للجبال‪ ،‬و�أث��رت‬ ‫خبراته ث��راء �صحراء النفود‬ ‫هكذا ق��ال‪« :‬ع�شت مع قبيلتي‬ ‫ب��ال��رم��ال‪ ،‬فاكت�شفته ال�صحراء‬ ‫المتنقلة عبر ال�صحراء من ظعن �إلى‬ ‫قبل �أن يكت�شفها‪ ،‬ففتحت ل��ه كنوزها‪ ،‬ظعن‪ ،‬فتملكتني بجوها المليء بالأ�ساطير‪،‬‬ ‫فعرف من خاللها الت�أمل دالل � ًة قبل �أن و�أذه�ل�ن��ي التاريخ ال�شفهي للقبائل‪ ،‬فبت‬

‫يعرفه ا��ص�ط�لاحً ��ا‪ ،‬و�أ�سلمته كنوز‬ ‫م�ف��ردات�ه��ا‪ ..‬فع�صفت قريحته‬ ‫ت �ج��وب وادي ال �ح �م��اد ت �ق��ر�أه‬ ‫حجرًا حجرًا‪ ،‬وت�سبره ر�سمًا‬ ‫ر�سماً‪ ،‬ثم تن�ضده في �سبك‬ ‫لغوي ر�صين ور�صف �أخاذ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪63‬‬


‫�إلى اليمين‪ :‬الفليح في �إحدى �أم�سياته‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫حتى فا�ضت م��روجً ��ا غنّاء تزهر �شعرًا ونثرًا‬ ‫�أختزن في ذاكرتي هذا الزخم المثير»‪.‬‬ ‫يفهم من يتمعن هذه العبارة �أن ذاكرة الغالم يحمل عبق ال�صحراء‪ ،‬ورائ�ح��ة الحياة التي‬ ‫كانت تتمدد بتمدد �أفكار الأ�ساطير التي ال تنتهي‪ ،‬ت�شتمها حين تقبل الماء �شفاة الأر�ض البا�سة‪.‬‬ ‫وهذا التفرد في التكوين ال�شعري للفليّح‪ ،‬هو‬ ‫وتت�سع بات�ساع ال�صحراء على مد ب�صره‪ ،‬فكانت‬ ‫تعني له الكون الذي ال ينتهي‪ ،‬تت�سع بات�ساع �أفقه‪ ..‬الذي فرّده عن غيره من �شعراء ع�صره؛ فت�شعر‬ ‫في �شعره (الف�صيح �أو ال�شعبي) بتمدد الفكرة‪،‬‬ ‫وتترامى كلما �أ�سرع فيها الخطى‪.‬‬ ‫و�شفافية المعنى‪ ،‬و�صالبة اللفظ وجزالته‪ ،‬وقوة‬ ‫�إن ح��رم��ان ال�ف��ار���س النبيل م��ن الدرا�سة‬ ‫الإيقاع رغم ب�ساطته؛ فقد انطبعت ال�صحراء‬ ‫ب�سبب الفقر قد دفعه �إلى العمل مبكرًا؛ وكانت‬ ‫في �شعره بن�سخ متعددة في الفكرة والمعنى‬ ‫ه��ذه المرحلة العمرية ه��ي نقطة تحول لي�س‬ ‫واللفظ والإيقاع‪� ،‬إذ م�س ب�أدبه فطرة الإن�سان‬ ‫في عمره الزمني‪ ،‬لأنه كان بلغة الزمن مازال‬ ‫التي ا�ستلهمها من فطرة ال�صحراء‪ ،‬فكانت‬ ‫ط�ف�ًل�اً ‪ ،‬لكنه بلغة الفكر والعقل �صار رج�ًل�اً ‪ .‬قريحته التي ن�سجت من ن�سيج عبقري فريد تقود‬ ‫�ألب�سته الحاجة ق��وة ومثابرة‪ ،‬و�صبغته حياة القارئ �إلى �أن ي�ستجمع كل حوا�سه؛ ليتح�س�س‬ ‫ال�صحراء جلدً ا و�صرامة‪ ،‬فهو الذي كان يبيت بها المعاني والأفكار والألفاظ والإيقاع في ن�شوة‬ ‫ليله على ظهر البعير ال ي�ؤن�سه �إال عواء الذئاب‪ .‬ممتدة بين العقل والوجدان‪.‬‬ ‫وبمجرد و�صوله �إل��ى الكويت بحثًا عن العمل‬ ‫يقول الفليح في ق�صيدته (قطيعة م�ؤقتة)‪:‬‬ ‫انكب على القراءة يروى بها قريحته ال�شا�سعة‪،‬‬ ‫وي�ؤطر بها �أفكاره ليغم�سها في خزائن معرفته ال�شعر غادرني وهو الذي‪:‬‬ ‫التي اكت�شف عمق ثرائها حينما انطلق �شريان �شاركني‪ /‬الجوع والترحال والظم�أ‬ ‫المعرفة يتخلل ت�شققاتها‪ ،‬ويتغلل في �أعماقها‬ ‫****‬

‫�صديقي الذي �صاحبني طوال هذا العمر‬ ‫في ت�شردي الطويل‬ ‫في المدائن ال�صماء‬ ‫لم يخلُ �شعره من نكهة البداوة حتى بعد �أن‬ ‫غادر �إلى المدينة‪ ،‬فقد ظل نقاء البادية يغلف‬ ‫�شعره؛ لأن ال�شعر – من وجهة نظره ‪ -‬روح‬ ‫ت�سري في وج��دان ال�شاعر‪ ،‬وذلك ما حداه �أن‬ ‫يخرج كثيرًا مما يتفوّه به بع�ض المتطفلين على‬ ‫موائد ال�شعر ‪ -‬مع ف�سحة الق�صيدة النثرية‪،‬‬ ‫وتحررها من كثير من قوانين ال�شعر العمودي‪،‬‬ ‫وت�سلل بع�ض رويب�ضة الع�صر من هذه الم�سام‬ ‫ببع�ض النظم المنثور ‪ -‬من عباءة ال�شعر و�أهله‪.‬‬

‫فمن �أقواله في هذا المعنى‪« :‬ال�شعر هو التعبير‬ ‫عن م�شاعر ال�شعور‪ ،‬فعالقته بالم�شاعر مثل‬ ‫عالقة ال��روح بالج�سد؛ لذلك ف ��إن الق�صيدة‬ ‫النثرية الحقيقية ال ي�ستوعبها �إال م��ن كان‬ ‫يمتلك �شفافية كاملة؛ لأنها ت�سترعي التركيز‬ ‫على ما وراء الكلمات من معان وتفرد للجمل‬ ‫والمو�سيقى»‪.‬‬ ‫�أما عن الرمز في �أدب �سليمان الفليح‪ ..‬ف�إنه‬ ‫ي�صعب ف�صله في مقالة واحدة؛ لأنه يحتاج �إلى‬ ‫درا�سات وت�أمل من كثير من الباحثين‪�..‬إال �أنني‬ ‫�أ�سوق �أنموذجً ا واح��دً ا هنا على �سبيل المثال‪،‬‬ ‫وهو(القبيلة)؛ لقد �أكثر الفليح من ا�ستخدام‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪65‬‬


‫�أتذكر �أن القبيلة اجتاحها في ال�صحاري الجفاف‬ ‫و�سبع �سنين عجاف‬ ‫فانحدرت للمدن ال�ساحلية‬ ‫كي ت�شرب البحر ملحً ا �أجاج‬ ‫لكي تجرع النفط ماء ثجاجً ا‬ ‫�أو (ت��ه��ن���أ) ال��ن��وق ف��ي��ه‪� ،‬إذ ���ص��اب��ه��ا ال��ج��رب‬ ‫الم�ستطير‬ ‫�أو تترك (الح�شو) للطير‬ ‫�أو ينعق البوم في ليلها في الهزيع الأخير‪،‬‬ ‫وحتى ال�صباح‬ ‫�سالمًا لذاك الزمان الذي قد تولى وراح‬ ‫���س�لامً��ا �إل��ي��ك ���س�لامً��ا �إل�����يَّ ‪��� ،‬س�لامً��ا لتلك‬ ‫القبائل تحدو بتلك البطاح‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫لفظ القبيلة في �شعره ونثره‪ ،‬فقد كان يرمز به‬ ‫�إلى الأمة‪ ،‬في�ستنه�ضها تارة‪ ،‬ويق�سو عليها معاتبًا‬ ‫مرات‪ ..‬يقول في ق�صيدته (باتجاه البردويل)‪:‬‬

‫النثرية منها – ب�أنها تمثل الأدب ال�ساخر‪،‬‬ ‫ويتج�سد ذلك في مقاالته ال�صحفية المنداحة‬ ‫تحت ع �ن��وان (ه��ذرل��وج �ي��ا)‪ ،‬فيقول ف��ي �أح��د‬ ‫مقاالته ‪« :‬مع �أني ‪�-‬أجلكم اهلل‪ -‬ال �أهتم بنوع‬ ‫الحذاء‪ ،‬لأن��ي ق�ضيت جلَّ طفولتي وج��زء ًا من‬ ‫�شبابي حفيان كحيان»‪.‬‬

‫ومن �آرائه في ال�سخرية‪� ،‬أنها موهبة ي�صعب‬ ‫تعلمها‪ ،‬لأنها جزء من ن�سيج ال�شخ�صية‪ ،‬وهي‬ ‫تحتوي على مكونين �أ�سا�سين من دونهما ال تكون‬ ‫�سخرية‪ ،‬الأول يتمثل في قدرة الكاتب على �أن‬ ‫يدغدغ م�شاعر المتلقي‪ ،‬حتى يكاد �أن ي�ضحك �أو‬ ‫ي�شرع فيه بالفعل‪ ،‬ثم يوخزه وخزة (تراجيدية)‬ ‫تحمل الهدف من ال�سخرية‪ ،‬وتجعله ‪ -‬يق�صد‬ ‫المتلقي ‪ -‬ال ين�سى الهدف من العبارة ال�ساخرة‬ ‫لزمن بعيد‪ ،‬ب��ل ق��د يكون ل�ل�أب��د‪ .‬وب ��ذا‪ ،‬ف�إنه‬ ‫يرى �أن الكتابة ال�ساخرة ال بد �أن تنطوي على‬ ‫وت�صنف كثير من كتابات الفليح – �سيما هدف‪ ،‬و�إال فهي �شيء �آخر؛ وذلك ما جعله ينعت‬

‫ال�سخرية من دون هدف ب�أنها م�سخرة من دون ل�صحيفة ال�سيا�سة الكويتية التي ات�سعت لموهبته‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫هدف � ً‬ ‫وكتاباته ال�ساخرة لوقت غير ق�صير‪ ،‬ولم يذكر لها‬ ‫وعن دور ال�صحافة في الكتابة ال�ساخرة‪ ،‬يومًا �أن �أكرهته على �شيء �أو �ألزمته بكتابات يومية‬ ‫�أو دوام يومي‪ ،‬بل كانت تت�سع‬ ‫ف � ��إن� ��ه ي � ��رى �أن � �ه� ��ا � �س�لاح‬ ‫للترا�شق بينه وب�ي��ن (�أح�م��د‬ ‫ذو ح ��دي ��ن؛ ف� � ��إذا �أع �ط��ت‬ ‫الجار اهلل)‪ ،‬فكان يهاجمهم‬ ‫ال�صحافة الكاتب �أو الأديب‬ ‫(ال �ج��ار اهلل) ف��ي ال�صفحة‬ ‫ف�سحة من الوقت كي تجود‬ ‫الأول � � ��ى‪ ..‬وي � ��ردون ع�ل�ي��ه في‬ ‫قريحته ويكتب م��ا ي�ستحق‬ ‫ال���ص�ف�ح��ة الأخ� �ي ��رة‪ ،‬وي��ذك��ر‬ ‫�أن يلب�سه ال�ث��وب ال�ساخر‪،‬‬ ‫ب �ك��ل خ �ي��ر رف �ق��ائ��ه ف ��ي ه��ذه‬ ‫ك��ان��ت ع��و ًن��ا وق �ن��اة مفتوحة‬ ‫المرحلة (ناجي العلي‪ ،‬محمود‬ ‫تدفع الأديب �إلى ن�شر فكره‪،‬‬ ‫ال�سعدني‪ ،‬عبداهلل المحيالن)‪.‬‬ ‫وتحفّزه ب�أن تريه �أثر كتابته‬ ‫على ال�شارع بمجرد االنتهاء‬ ‫رحم اهلل �صناجة ال�شمال‬ ‫منها؛ وقد يكون لها دور �سلبي‬ ‫�آخ ��ر ال���ش�ع��راء ال�صعاليك‬ ‫�إذا �سخَّ رت الكاتب للعمل‬ ‫ال� ��ذي م�ل��أ ال��دن �ي��ا بخلقه‬ ‫اليومي‪ ،‬و�أجبرته على ابتذال الموقف‪ ،‬ف�إنه مع ال�ج��م‪ ،‬وط�لاق��ة وجهه التي ت�شبه ال�صحراء‬ ‫مرور الوقت ين�ضب �إبداعه وتُقبر موهبته‪.‬‬ ‫في رحبتها و�صدق كلماته التي امتزجت فيها‬ ‫ووفا ًء منه‪ ،‬كان دائمًا يذكر �أنه مدين بالف�ضل البداوة بفطرتها والمدينة بخبرتها‪.‬‬ ‫* كاتب وناقد و�أكاديمي في جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪67‬‬


‫■ فاطمة الزهراء بني�س*‬

‫بر�ؤية عميقة‪ ،‬وبرهافة‪ ،‬تعك�سان حِ َّ�س ال�شاعر ووعيه الفني والجمالي المتقدم‪،‬‬ ‫كتب المبدع الأ�ستاذ محمد ميلود غَرافي روايته الأولى «لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى»‪،‬‬ ‫ال�صادرة حديثا عن دار الغاوون بلبنان‪ .‬رواي��ة تحتفي ب�سر ٍد ينهل من الواقع‪ ،‬بكل‬ ‫توتراته و�إكراهاته‪ ،‬ويعيد �إنتاجَ ه �ضمن ر�ؤي��ة فنية وجمالية‪ ،‬ال توغل في التخييل‬ ‫والحلم‪ ،‬بقدر ما تقدم للقارئ ر�ؤي َة الكاتب لواقع المهاجرين المغاربة في عراكهم‬ ‫المتوا�صل مع ذات مُتغرّبة‪� ،‬آلت على نف�سها مُراكمِة ر�صيدها من الفَقد والخ�سران‬ ‫والمرارة والغربة‪ ،‬بدءا من هجرة �أر�ض الوطن الأم بحثا عن �أفق اجتماعي �آخر �إلى‬ ‫العا�صمة الفرن�سية‪ .‬تلك المدينة الرحبة الم�ضيئة‪ ،‬التي يحلم بالعي�ش في �أرجائها‬ ‫كل من اكتوى بنيران الخوف والعبودية‪.‬‬ ‫في باري�س تتك�سر الأحالم والتطلعات‪،‬‬ ‫مُ ف�سحة المجال لإخفاقات و�إحباطات‬ ‫متوا�صلة ال تني تُلقي بظاللها القاتمة‬ ‫على الذات‪ .‬تفا�صيل كثيرة يتداخل فيها‬ ‫اليومي بالثقافي‪ ,‬التاريخ بالحا�ضر‪ ,‬تجعل‬ ‫ال�صورة البرّاقة والأخاذة للغرب كف�ضاء‬ ‫للحرية والديمقراطية وحقوق الإن�سان‬ ‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫والرفاه االجتماعي مجرد �أوهام ال �صلة‬ ‫لها‪ ،‬على الإطالق‪ ،‬بالواقع المعي�ش؛ ذلك‬ ‫ما يدركه �أبطال الرواية‪ ،‬على اختالف‬ ‫�أعمارهم ومواقعهم‪ ،‬وهم يكت�شفون ما‬ ‫تخفيه ال��واج�ه��ة المنمطة بال�شعارات‬ ‫الرنانة التي تت�سابق على ت�سويقها و�سائل‬ ‫الإعالم‪ .‬هذا االكت�شاف ي�ضاعف لديهم‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الوجه الآخر للغرب في رواية‬ ‫«لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى»‬

‫�إح�سا�سا فادحا بال�ضياع يَطال الذات والهوية‬ ‫والم�ستقبل‪ ،‬وحتى وجودهم نف�سه‪ .‬نقر�أ في‬ ‫�ص (‪ :)43‬ن�شرات الأخبار مملّة وفيها الكثير‬ ‫من االنتقاء والزيف والأك��اذي��ب‪ ،‬و�صلتُ �إلى‬ ‫باري�س �أياما قبل بداية ق�صف العراق للكويت‪،‬‬ ‫و�شاهدتُ �شريطا مُ فبركا لمقدم ن�شرة القناة‬ ‫الأول��ى ال�شهير وهو ي�ستجوب �صدام ح�سين‪،‬‬ ‫كان قد فعل ال�شيء نف�سه �سابقا حين ادّعى‬ ‫�أنه ا�ستجوب فيديل كا�سترو»‪ .‬هكذا ي�صطدم‬ ‫ال��راوي بالوجه الآخ��ر للإعالم الغربي الذي‬ ‫يدعي الم�صداقية والحيادية‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫��ص��ورة باري�س لديه ت��زداد قتامة‪ ..‬مبتعد ًة‬ ‫عن �صورتها الم�ألوفة كف�ضاء للفن والأدب‬ ‫والمعرفة والأنوار‪ .‬يعترف هذا الراوي �أن �أبرز‬ ‫خط�أ ارتكبه كان يوم ركب ذات خريف حافلة‬ ‫مُ تجهة �إل��ى مدينة باري�س؛ لم يكن ي��دري �أنَّ‬ ‫فرن�سا ال تريد �إال عماال يَكِ دُّون ويكدحون في‬ ‫�أورا���ش البناء وحقول العنب‪ .‬ويقولون‪« :‬وي‬ ‫مي�سيو» كما ف��ي �أي��ام اال�ستعمار‪ .‬فرن�سا ال‬ ‫حاجة لها بطالب عرب و�أفارقة بد�ؤوا يفهمون‬ ‫�أنَّ الديمقراطية ما تزال م�شروعا لم يتحقق‬ ‫بعد على هذه الأر�ض‪ ،‬و�أن حقوق الإن�سان �أمر‬ ‫يهم ال�سا�سة الفرن�سيين حين يتعلق الأمر فقط‬ ‫بمواطنيهم‪.‬‬

‫بذكرياته وهمومه و�إحباطاته‪ .‬تقتحم ريبيكا‪،‬‬ ‫كرمز للأنثى الحلم‪ ،‬حياة البطل‪/‬الراوي‬ ‫لتقدم نموذجا في الحنان والعطف والبذل‪،‬‬ ‫الذي يتجاوز كل االعتبارات الدينية والعرقية‬ ‫وال�ث�ق��اف�ي��ة‪ ،‬دون �م��ا اك �ت��راث ب� ��أي اع�ت�ب��ارات‬ ‫�أخرى قد تَحُ ول بين قلبين ينتميان لثقافتين‬ ‫مختلفتين‪ .‬هنا ي�صبح الحب �سلطة �أخ��رى‬ ‫َت��خْ � ِل� ُ�ط الأوراق وتجعل الم�ستحيل ممكنا‪،‬‬ ‫والممكن َ مُ تجاوزا‪ ،‬وتنعطف بهذه العالقة‬ ‫في ظل ه��ذا ال�صدمة الثقافية المتعددة‬ ‫العاطفية �صوب وجهة �أخ ��رى ي�صبح معها‬ ‫الأب �ع��اد‪ ،‬وال�ت��ي تربك ك��ل ح�سابات ال��راوي‪،‬‬ ‫تظهر ريبيكا الإن�ج�ل�ي��زي��ة الأ���ص��ل‪ ،‬الأن �ث��ى الحب قدرا ال فكاك منه‪.‬‬ ‫ت�صف الرواية ريبيكا كامر�أة تنتمي لثقافة‬ ‫ُ‬ ‫الم�شعة ك�شم�س ربيعية �صافية مت�ألقة‪ ،‬لتعيد‬ ‫بع�ض التوازن النف�سيّ �إلى هذا الراوي المثقل مغايرة‪ ،‬تحمل �أفكارا تتعار�ض مع �أفكار الرجل‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪69‬‬


‫* كاتبة و�شاعرة من المغرب‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫متعة ال�سرد في‬ ‫«�أجمل رجل قبيح في العالم»‬ ‫لف�ؤاد قنديل‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫المغربيّ ‪ /‬واهتمامات تبدو له �أحيانا �سخيفة‬ ‫مقارنة باهتماماته‪ ،‬لكنها ام��ر�أة �صادقة في‬ ‫ع�شقها وعطائها الالمحدودين لهذا المهاجر‬ ‫القادم من الجنوب‪ .‬هكذا‪ ,‬وب�إ�شارات �إن�سانية‬ ‫بليغة ودالة بد�أت الق�صة العاطفية على �ضفاف‬ ‫نهر ال�سين‪ ،‬وانك�سرت في �أوج انغما�سهما على‬ ‫مرمى حجر نهر التايمز؛ لأن منعرجات الواقع‬ ‫كانت �أقوى و�أعنف من حلمهما الجميل المُ�شترك‬ ‫وهي �أي�ضا �صورة ايجابية منحها المبدع‬ ‫في بناء �أ�سرة متعددة الجذور الثقافية‪ ،‬ت�ؤمن‬ ‫محمد ميلود غرَّافي للمر�أة العربية المهاجرة‪،‬‬ ‫بقيم االختالف والتعدد وقبول الآخر كيفما كان‪.‬‬ ‫عك�س ما يُروج له بع�ضهم من �صور مخزية عن‬ ‫وعلى الرغم من حبه لريبيكا التي �آوت��ه الن�ساء العربيات المهاجرات‪.‬‬ ‫و�أعطته كل �شيء‪ ..‬وكانت مالذه الروحيّ في‬ ‫هكذا‪ ،‬وبلغة �سردية نا�صعة المعنى تك�شف‬ ‫منفاه‪� ،‬إال �أن البطل ب��دا عاجزا عن تجاوز‬ ‫لنا رواية (لم �أ َر ال�شالالت من �أعلى) عن �سل�سة‬ ‫الإك��راه��ات المرتبطة بالنظام االجتماعي‬ ‫من المعاناة المادية والمعنوية لمهاجرين لم‬ ‫والثقافي ال��ذي ينتمي �إليه‪ ،‬ما جعل عالقته‬ ‫يختاروا المنفى رغبة‪ ،‬و�إنما تحت �إكراهات‬ ‫بريبيكا‪ ،‬المتحررة في �أفكارها الجن�سية‪,‬‬ ‫متعددة الم�صادر‪.‬‬ ‫المهتمة ب�ظ��واه��ر ال تعنيه �إط�ل�اق��ا‪ ،‬تتعثر‬ ‫في ختام هذه الورقة‪ ،‬يمكن اعتبار رواية‬ ‫وت�صطدم باالختالفات الجوهرية الكبرى‬ ‫بينهما‪ .‬فالبطل مُ �صر على �أنه لو رزق بطفلة‪« ..‬ل��م �أ َر ال�شالالت م��ن �أع �ل��ى»‪� ،‬إ�ضافة مهمة‬ ‫ف�سيحر�ص على ط��ول �ضفائرها‪ ،‬و�إذا رزق ونوعية للمنجز ال��روائ��ي المغربي والعربي‬ ‫بطفل �سي�شتري له م�سد�س ًا وح�صان ًا خ�شبي ًا فيما يتعلق بمو�ضوعة «العالقة مع الغرب» بكل‬ ‫ويقول له‪ :‬كن رجال! هذا الإرث من التقاليد �أبعادها الثقافية واالجتماعية والرمزية‪ .‬و�إذا‬ ‫والقيم والأفكار التي ت�شرّبها البطل‪ /‬الراوي كانت هذه العالقة قد تعددت �أوجه ح�ضورها‬ ‫منذ نعومة �أظافره‪ ،‬والذي لم ي�ستطع التخلّ�ص في الرواية العربية المعا�صرة‪ ،‬ف��إن الرواية‬ ‫منه رغم �إقامته في بلد غربي‪ ،‬بدا في لحظة التي بين �أيدينا ت�ح��اول االق �ت��راب �أك�ث��ر من‬ ‫كحاجز ثقافي ورمزي يباعد بينه وبين حبيبته هذه العالقة في �إ�شكاالتها الراهنة المرتبطة‬ ‫ريبيكا التي تبدو غير م�ستعدة لمغادرة عالمها بالهجرة والهوية و�صراع الح�ضارات وغيرها‬ ‫الثقافي وااللتحاق بعالم �آخ��ر‪ ,‬ه��ذا �إن دلّ من الق�ضايا‪.‬‬

‫ف�إنما يدل على منح �صورة �إيجابية للمهاجرين‬ ‫المغاربة؛ بمعنى عدم ان�سالخهم الكليّ من‬ ‫موروثاتهم التي فيها من الإيجابيّ ما فيها من‬ ‫ال�سلبيّ ‪ ,‬هذه ال�صورة ج�سّ دتها �أي�ضا المهاجرة‬ ‫الجزائرية نادية التي كانت تقاتل على جبهات‬ ‫متعددة من �أجل الح�صول على قوتها اليومي‬ ‫من دون الم�سا�س ب�أنفتها‪.‬‬

‫■ ه�شام بن�شاوي*‬

‫ت��ط��غ��ى ث��ي��م��ة ال�����ش��ي��خ��وخ��ة ع��ل��ى ن�����ص��و���ص ال��م��ج��م��وع��ة‬ ‫الق�ص�صية الأخيرة للكاتب الم�صري ف�ؤاد قنديل‪�« :‬أجمل‬ ‫رجل قبيح في العالم»‪ ،‬والفائزة بجائزة الطيب �صالح‬ ‫العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثانية (‪2012‬م)‪،‬‬ ‫وه���ذا م��ا يف�سر طغيان اال�ستح�ضار‪ ،‬الحنين‪ ،‬الت�أمل‬ ‫والحكمة‪ ،‬كما يليق بكاتب خبر الحياة والأدب‪ ،‬ورغم ذلك‬ ‫فثمة ب�صي�ص �أم��ل يبرق بين �أج���واء الق�ص�ص‪ ،‬كما ت�شي‬ ‫بذلك ق�صة‪« :‬غفوة»‪ ،‬حيث كادت الحفيدة �أن تغرق الحفيدة في‬ ‫غاف فوق كر�سيّه على �شاطئ البحر‪ ،‬علمًا �أن الكاتب ينتمي �إلى جيل‬ ‫البحر‪ ،‬والجد ٍ‬ ‫ال�ستينيات‪ ،‬الذي عا�ش النك�سة‪ ،‬ف�سيطرت الر�ؤية ال�ضبابية والروح االنهزامية على‬ ‫�إبداعات كتّاب ذلك الجيل‪ .‬كما تهيمن على ن�صو�ص المجموعة الفنتازيا‪ ،‬ولن نغالي‬ ‫�إن اعتبرنا ف�ؤاد قنديل رائد الواقعية ال�سحرية في الأدب العربي‪ ،‬وهو �صاحب الرواية‬ ‫ال�شهيرة‪« :‬روح محبات» التي �أن�سن فيها الديك‪.‬‬ ‫ف��ي فاتحة ه��ذه الن�صو�ص ال�سردية‪ :‬لم يفتر رغم الأيام‪« ،‬يده�شان لهذا الحب‬ ‫«حب خريفي بطعم العوا�صف» نعاين حيرة الذي يزداد عمق �آباره وتمتد فروع �شجرته‬ ‫الطبيب �إزاء حمل امر�أة تجاوزت الثمانين‪ ،‬لت�صبح الدنيا كلها حبهما» (�ص‪.)11‬‬ ‫في�ست�شير زم�لاءه الذين �أذهلهم الأم��ر‪،‬‬ ‫وح �ي��ن ت�ح�ي��ن ل�ح�ظ��ة ال��و� �ض��ع‪ ،‬تكتب‬ ‫ويفاج�أ الزوجان بالخبر‪ ،‬وعبر الفال�ش‪ -‬ال���ص�ح��اف��ة ع��ن ال� �م ��ر�أة‪ ،‬و ُت �ج��رى معها‬ ‫باك نتعرف على ما�ضيهما‪ ،‬وحبهما الذي الحوارات قبل ال��والدة‪ ،‬في�ضحك الأحفاد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪71‬‬


‫ال�صغار ا�ستهزاء‪ ،‬ويتنف�س �آبا�ؤهم في �أ�سى‪..‬‬ ‫و�أح��د �أبناء ال�شيخين �ضرب كفا بكف‪ ،‬وقال‬ ‫ب�صوت خفي�ض‪« :‬كبر الآباء وخرّفوا‪ .‬كان يجب‬ ‫الحجر عليهما منذ �سنوات‪� ،‬أو نقلهما �إلى دار‬ ‫الم�سنين!!» (�ص ‪.)14‬‬ ‫في الفجر الثالث بعد الوالدة‪ ،‬ا�ستيقظت الأم‬ ‫وا�ستطلعت حولها في �إعياء‪ ،‬وتذكرت وليدها‬ ‫ف�ج��اءوه��ا ب��ه‪� ،‬أبقته �إل��ى ج��واره��ا‪ ،‬وانهمرت‬ ‫دموعها حزنًا‪ ،‬وفي �صباح اليوم التالي‪ ،‬فوجئت‬ ‫ب�إ�صابتها ب��ال�ع�م��ى‪ ،‬وظ �ل��ت م�ف��زوع��ة تم�سك‬ ‫بوليدها دون �أن تبكي‪ ،‬وم�ضت تقبل كل �سنتمتر‬ ‫في ج�سده‪ ،‬وهي ت�شكر اهلل عز وجل‪ ،‬لأنه �أتاح‬ ‫لها �أن ترى وليدها قبل �أن تفقد ب�صرها‪ ،‬والذي‬ ‫ف�ؤاد قنديل‬ ‫اختاروا له من الأ�سماء نبيل؛ ا�سم االبن البكر‬ ‫على الأبناء‪ ،‬وتذكروا جميعا �أن الوالدين كانا‬ ‫الذي مات في �سن الثالثة‪.‬‬ ‫مختلفين‪ ،‬وكانا رائعين‪ ،‬لكنهم حاولوا �إغالق‬ ‫بعد �شهور من الوالدة‪ ،‬فوجئت المر�أة بوفاة الباب على ذكريات حب الخريف وعوا�صفه»‪.‬‬ ‫زوج �ه��ا‪ ،‬فاكتفت بالبكاء ال�صامت ومعانقة‬ ‫***‬ ‫الوليد‪ ،‬ورف�ضت عرو�ض �أبنائها بالعي�ش معهم‬ ‫في بيوتهم‪ ،‬و�سرعان ما كبر ال�صغير‪ ،‬و�صار‬ ‫من الن�صو�ص البديعة في هذه المجموعة‬ ‫ي�صطحبها �أينما ذهبت‪ ،‬ف�أ�صبح بمثابة الزوج ق�صة‪« :‬حدثني عن البنات»‪ ،‬والتي تروى على‬ ‫والأخ واالبن وال�صديق‪« ،‬وبات قلبها ال ي�ستطيع ل�سان الحفيد‪ ،‬الذي يطلب من جده �أن يحدثه‬ ‫�أن يتحمل كل هذا الكم من الفرح»(�ص‪.)17‬‬ ‫ع��ن ال�ب�ن��ات‪ ،‬فيتذكر ه��ذا الأخ �ي��ر ي��وم �سقط‬ ‫ف �ك��رت �أن ت�خ�ط��ب ل��ه ب �ع��د ظ �ه��ور نتيجة من فوق فر�سه‪ .‬وك��ان الحفيد يود ال��زواج من‬ ‫الجامعة‪ ،‬لكنه كان يفكر في الهجرة‪ ،‬وباحت محبوبته التي يرف�ضها‪ ،‬ف�س�أل جده عن كيفية‬ ‫له بمخاوفها من الحلم (تموت بعد �أن يتزوج)‪ ،‬االخ�ت�ي��ار‪ ،‬وب��دا ل��ه عاطفيًّا على غير ال�ع��ادة‪.‬‬ ‫لكن بعد االم�ت�ح��ان م�ب��ا��ش��رة‪ ،‬م��زق��ت ج�سده لقد تغير منذ �سقوطه عن الفر�س التي �أحبها‬ ‫�سيارة طائ�شة يقودها ولد في ال�ساد�سة ع�شرة‪ .‬و�أح�ب�ت��ه‪ ،‬فقرر الحفيد م�صارحة ج��ده‪ ،‬لكي‬ ‫لم تبك‪ ..‬لم تحزن‪ ..‬نامت في غرفتها‪ ..‬تتذكر ي�ضغط على �أبيه الراف�ض للزيجة‪ ،‬بذريعة �أن‬ ‫كالم زوجها عن الدنيا‪« ،‬ولم تر�ض �أن ت�صحو والد الفتاة «�شرّيب ومنفلت الل�سان»‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫�أو ت�شرب قهوتها‪ ..‬كانت ال�صدمة كبيرة للغاية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫فوافق الأب على م�ض�ض‪.‬‬

‫أح�س الجد بالأ�سى‪ ،‬ورقَّ قلب الحفيد لحاله‪،‬‬ ‫� َّ‬

‫�سُ مِ ع �صهيل الح�صان فابت�سم الجد؛ فب�سبب‬ ‫هذا الح�صان �أ�سقطته الفر�س‪ ،‬وهو في طريقه‬ ‫�إل��ى جنازة �صديقه‪ ،‬حين لكزها لكي ت�سرع‪..‬‬ ‫هزت مقدمتيها وته�شمت عظامه‪ ،‬ولمحها وهو‬ ‫مغمى عليه ت�ضرب �ساقها الخلفية الي�سرى في‬ ‫اتجاه �صديقها الح�صان لكي يبتعد‪ ،‬وانحنت‬ ‫عليه تلعقه معتذرة‪ ،‬وفا�ضت عيناها بدمعتين‬ ‫�ساخنتين �سقطتا على وجه الجد‪.‬‬ ‫طلب العم �أخ��ذ الفر�س‪ ،‬وح��اول منعه �أحد‬ ‫الإخوة من اال�ستحواذ على الفر�س حتى ال يحزن‬ ‫ال�ج��د‪ ،‬لأن��ه ك��ان يخ�شى �أن يبيعها لمعاطي‪،‬‬ ‫�صاحب الح�صان ال��ذي يحب فر�سهم‪ ،‬والذي‬ ‫رف�ض بدوره بيع ح�صانه‪ ،‬ولم يكن من �سبيل �إال‬ ‫�إبعادها عن الجد �إ�شفاقا عليه‪ .‬و�أيقن الحفيد‬ ‫�أن الفر�س غيرت من طباع جده‪ ،‬كما فعلت به‬ ‫الجدة‪« ،‬فقد �سرّبا �إل��ى روح��ه ق��درا كبيرا من ويقذفون الجنود بالحجارة وي�شعلون الحرائق‬ ‫ف��ي �إط� ��ارات ال���س�ي��ارات‪ ،‬ويدفعونها فتجري‬ ‫الرقة بعد �أن كان خ�شن الطباع»‪.‬‬ ‫م�ت��دح��رج��ة ف��ي ات �ج��اه � �س �ي��ارات ال�ج�ي��ب التي‬ ‫***‬ ‫يركبونها‪ ،‬وال يهابون الجنود‪ ،‬وه��م يطلقون‬ ‫في ق�صة «�سهى وال�ك�لاب» يتطرق الكاتب عليهم القنابل الم�سيلة للدموع وقنابل الدخان‬ ‫�إل��ى ذل��ك الجرح الجغرافي والتاريخي الذي والر�صا�ص المطاطي‪.‬‬ ‫ال يندمل‪ ،‬وي�ستهلها بو�صف ال�صبية الجميلة‪،‬‬ ‫تعجب �سهى ب�ن��ا��ص��ر‪ ،‬ال ��ذي ق ��اوم ال��دم��ع‬ ‫التي تلوح �صفحة روحها للكاتب بي�ضاء طاهرة بعد وفاة �أبيه بر�صا�ص ال�صهاينة‪ ،‬وراح يلقي‬ ‫ك�شا�شة ال�ك�م�ب�ي�ت��ور‪ ،‬وال �ت��ي ل��م ي�ك��ن ل�ه��ا وال الحجر تلو الحجر‪ ،‬وهو ي�صرخ من قلبه مع كل‬ ‫لمثيالتها من �صبايا «مخيم بالطة» طفولة‪ ،‬حجر‪« :‬ي��ا ك�لاب»‪ .‬وبكت كثيرًا لوفاة �أخيها‪،‬‬ ‫وان�ضمت �إلى قافلة الرجال مبكرًا‪ ،‬وال يعرف حين نا�صر الأم التي اعتر�ض الجنود الم�سلحون‬ ‫ماذا حدث حتى طر�أ عليها هذا التغيير؟‬ ‫الطريق �أمامها‪ ،‬فدفعوها بق�سوة �أوقعتها على‬ ‫ل��م تكن �سهى ت�غ��ار م��ن �صبية ال�ح��ي وهي الأر���ض‪ ،‬وحين ا�ستف�سرت عن �سبب منعها من‬ ‫تراهم يلعبون‪ ،‬بيد �أنها كانت تغار منهم حين الت�سوق و�إقامة كل تلك الحواجز دفعوها مرة‬ ‫تراهم ي�ستطيعون مواجهة الدبابات الإ�سرائيلية �أخرى حتى �سقطت‪ ،‬وتمرغت �سهى في �صدرها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪73‬‬


‫و�سارت �سهى في اتجاه �أر�ض جرفتها �آالت‬ ‫العدو‪ ،‬وحقول مدمرة‪ .‬لم تعب�أ بالجوع ووا�صلت‬ ‫الم�سير �إلى �أن تفي�أت ظل �شجرة زيتون كبيرة‪.‬‬ ‫م�سحت المكان بنظراتها‪ ،‬فلم تر �أح��دً ا‪ ،‬وما‬ ‫لبثت �أن راحت في نوم عميق‪ ،‬وا�ستيقظت على‬ ‫زمجرة �سيارات ت�صعد التل في اتجاه مع�سكر‬ ‫�إ�سرائيلي‪ .‬انبطحت على الأر� ��ض مت�أملة ما‬ ‫يحدث‪ ،‬ور�أت الجنود ينقلون �صناديق �صفراء‬ ‫من �سيارات نقل كبيرة �إلى �أحد العنابر الزرقاء‪،‬‬ ‫وهبّت واقفة تنف�ض عن ثيابها ووجهها ذرات‬ ‫الرمل‪.‬‬ ‫ت���س��اءل��ت �سهى ع��ن كيفية التخل�ص من‬ ‫الأعداء وهي في طريق العودة �إلى بيتها‪ ،‬وفكرت‬ ‫ف��ي �أن تعلّم ال�ط��ري��ق ب�ع�لام��ات وتخبر عمها‬ ‫الفدائي بما ر�أت‪ ،‬وجدت البيت مغلقًا‪ ،‬ف�أخبرت‬ ‫حافظ �صديق عمها‪ ،‬ف�شكرها ون�صحها بالعودة‪،‬‬ ‫وحذرها من �أن تخبر �أحدً ا بما ر�أت‪.‬‬ ‫بعد يومين‪ ،‬اقتحم الفدائيون المع�سكر‪،‬‬ ‫ال���ذي ك ��ان ي�خ�ب��ئ ف�ي��ه الأع � ��داء �أ�سلحتهم‪،‬‬ ‫وانتابتها ال�سعادة لأن�ه��ا �شاركت ‪ -‬وف��ي تلك‬ ‫ال�سن المبكرة‪ -‬في مقاومة المغت�صبين‪ ،‬وهذا‬ ‫ما �سيحفزها للم�شاركة في عمليات �أكبر‪.‬‬ ‫***‬

‫‪74‬‬

‫ق��ام مفزوعً ا من ال�ن��وم‪ ،‬حمل م�شعل النار‬ ‫ورك�ض خلف الذئاب التي الذت بالفرار‪ ،‬وبقي‬ ‫م�ستيقظً ا حتى ال�صباح‪ ،‬وات�ج��ه بالم�شاعل‬ ‫الم�شتعلة في اتجاه الذئاب الم�سترخية‪ ،‬و�أبهجه‬ ‫ذعرها‪ ،‬وتفرقها في كل اتجاه‪.‬‬ ‫مزقته الح�سرة‪ ،‬وهو يرى مزرعته جرداء‪،‬‬ ‫وه��اج �م��ه ك�ب�ي��ر ال ��ذئ ��اب‪ ،‬وت�م�ك��ن م��ن طعنه‬ ‫ب�سكينه‪ ،‬و�أ�صيب بجرح في بطنه‪ .‬لم ي�ستطع‬ ‫الحركة‪ ،‬والأل��م يمزقه‪ ..‬وبعد لحظات‪ ،‬لمح‬ ‫عنزة وعدة دجاجات تطل بر�ؤو�سها في رعب‪.‬‬ ‫ابت�سم‪ ،‬وان�شغل بالجرح الذي تكويه ال�شم�س‪،‬‬ ‫ور�آى حد�أة‪ ،‬ففكر وهو عاجز �أن م�صيره الموت‬ ‫البطيء �إن لم يقم‪ ،‬و�أن الذئاب �ستعود �أقوى‪،‬‬ ‫بينما تف�صله �أم �ت��ار ع��ن ال�م��زرع��ة‪ ،‬وال��ذب��اب‬ ‫ينه�ش جرحه المفتوح‪ ،‬وكانت روحه ته�ش للأمل‬ ‫ال��ذي ت�شكل على وجه الأف��ق‪ ،‬وتمنى لو يمتلك‬ ‫القدرة على الغناء‪.‬‬ ‫***‬

‫الق�صة التي تحمل عنوان المجموعة تتطرق‬ ‫في «جرح مفتوح» يكتب ف�ؤاد قنديل عن الأمل‬ ‫الذي ينبلج من عمق الي�أ�س وي�شق عتمته‪ .‬تبد�أ �إل��ى ج�شع رج��ال الأع �م��ال عديمي ال�ضمير‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫بف�ضل تلك الر�شوة‪� ،‬ستعمل م�صانعه طوال‬ ‫العام مع �شركة �أمريكية‪ ،‬لذا وافق على تغيير‬ ‫�سيارات �أوالده الثالثة وحتى ابنته التي لم تبلغ‬ ‫ال�ساد�سة ع�شر‪ ،‬وواف��ق على فتح �شركة با�سم‬ ‫ال��زوج��ة‪ ،‬وفكر في تزيين رقبة ع�شيقته بعقد‬ ‫الما�س الذي طلبته‪.‬‬ ‫وه��و في �سيارته‪ ،‬تلقى مكالمة هاتفية من‬ ‫�سكرتيره �أبلغه �أن ابنه ده�س �أ�سرة مكونة من‬ ‫�سبعة �أف��راد كانوا يجل�سون على كوبري رو�ض‬ ‫الفرج‪:‬‬ ‫«انطلق �صوته وقد ازداد خ�شونة‪:‬‬ ‫ي�ستاهلوا‪ ..‬لماذا يجل�سون هناك؟‬

‫وج ��اءه ن�ب��أ �سقوط العمارتين‪ .‬ابتهج‪ ،‬ووع��د‬ ‫�سكرتيره ب��م��ك��اف���أة‪ ،‬رغ��م �سقوط العمارتين‬ ‫فوق ال�سكان‪� ،‬إذ انتظر هذا الخبر منذ �سنين‪.‬‬ ‫�أغ�ل��ق هاتفه ال �ج��وال‪ ،‬وح�ك��ى لع�شيقته ق�صة‬ ‫العمارتين؛ فمنذ ع�شرين عامً ا‪ ،‬ا�شترى ثالثة‬ ‫بيوت قديمة متجاورة في حي الوايلي‪ ،‬ولم يفلح‬ ‫في الح�صول على ت�صريح بهدم �إح��داه��ا �إال‬ ‫بالر�شوة‪ ،‬وب�سقوطهما ح�صل على م�ساحة كبيرة‬ ‫من الأر�ض تتجاوز الألفي متر في قلب القاهرة‪،‬‬ ‫فاعتبر نف�سه عبقريًا‪ ،‬لم تلد مثله اّولدة‪ ،‬ووعد‬ ‫نف�سه برحلة لمدة �شهر في �أورب��ا‪ ،‬حيث هناك‬ ‫من يختلفن عن ع�شيقته هيام‪.‬‬

‫تنهد من �أعماقه‪ ،‬وتمنى �أن ينزل �إلى البحر‬ ‫يتنف�سون الهواء الذي ال يدخل بيوتهم‪.‬‬ ‫ليحدثه عن �صفقاته‪ ،‬التي ما تزال تختمر في‬ ‫ك �ث��رة الن�سل ه��ي الم�شكلة ول�ي����س نق�ص ر�أ�سه‪ ،‬لكنه �شعر �أن قلبه يدق بعنف‪ ،‬وا�ضطر‬ ‫الهواء‪..‬‬ ‫�أن يميل على الأريكة المريحة في �صدر ال�شاليه‪،‬‬ ‫كان يتنف�س ب�صعوبة‪ ،‬ولم ي�ستطع �أن يرى من‬ ‫العمل يا با�شا؟‬ ‫خالل �ضبابية نظراته هيام‪ ،‬وهي تتقدم نحوه‪،‬‬ ‫ت�ع��رف ال�ع�م��ل‪ ..‬ت���ص�رّف �أوال ف��ي مح�ضر‬ ‫وعطرها يخترق كل من يلقاه وي�صرعه‪.‬‬ ‫ال�شرطة ث��م ا��ص��رف لهم خم�سة �آالف» (�ص‬ ‫‪.)107‬‬ ‫***‬ ‫«�أجمل رجل قبيح في العالم» ق�ص�ص كتبت‬ ‫في الظهيرة‪ ،‬وهو في طريقه للقاء محافظ‬ ‫الإ�سكندرية‪ ،‬رنَّ الهاتف‪ ..‬ف�أخبره �سكرتيره ب�أ�سلوب روائ��ي‪ ،‬يحتفي بالتفا�صيل اليومية‪،‬‬ ‫ب ��أن ابنته حطمت ك�شكًا ف��ي �شبرا‪ ،‬وك��ان به ويغو�ص في �أعماق �شخو�صها ب�سرد �شاعري‪،‬‬ ‫خم�سة �أوالد و�أمهم‪ .‬لقوا حتفهم‪ ،‬فاعتبر الرجل وهي �إ�ضافة جديدة ونوعية للمكتبة العربية‪،‬‬ ‫المخملي �أن غباءهم هو الم�شكلة ولي�س الفقر‪ .‬وت�ستحق ق� ��راءات �أُخَ � ��ر ت�لام����س م��ا خلف‬ ‫ف��ي طريقه �إل��ى «ال�شاليه»‪ ،‬تذكر الحادثتين ال�سطور‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫وانهمرت دموعها ال�ساخنة‪ ،‬و�شرعت تنف�ض عن‬ ‫ثوبها التراب وتنظر �إليهم بحقد‪ ،‬وعندما حاول‬ ‫الخال نجدة الأم لقي حتفه‪ ،‬وان�شقت الأر���ض‬ ‫عن �أكثر من ع�شرين ولدً ا في مثل �سنها‪ ،‬انهالوا‬ ‫على الجنود بالحجارة‪.‬‬

‫الق�صة بهجوم ال��ذئ��اب على مزرعة ال��راوي‪،‬‬ ‫الذي يراقبها من خالل خ�صا�ص النافذة‪ ،‬فتهب‬ ‫الن�سائم محملة بروائح الدم واللحم والعفونة‪،‬‬ ‫وال ��ذئ ��اب ت�ت�خ��اط��ف �أف��خ��اذ ال �م��اع��ز‪ .‬يح�س‬ ‫باالختناق‪ ،‬وه��و ي�شهد تحطم م��زرع��ة‪ ،‬ق�ضى‬ ‫�سنوات وهو يبنيها حتى �صارت حديث الح�ساد‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ال��ذئ��اب تثقب بعيونها زج ��اج الظلمة‬ ‫ببريقها‪ ،‬ويلوم ال�سارد نف�سه على تقاع�سه في‬ ‫اال�ستعداد لها‪ ،‬ويحتار في معرفة ال�سبيل �إلى‬ ‫طردها‪.‬‬

‫وي�ستهلها الكاتب ب�صرف رجل الأعمال ر�شوة ب�شكل عابر‪ ،‬وقال لنف�سه‪« :‬الندم غير م�سموح‬ ‫لمحا�سب‪ ،‬وا�ستعادته لما يتردد عنه في �أجواء له باالقتراب مني‪ .‬الندم يق�صف عمر العظمة»‪.‬‬ ‫الأن��دي��ة والأح ��زاب من �إ� �ش��ادات‪ ،‬فهو «�س‪�.‬س‬ ‫وف��ي ظهيرة ال�ي��وم ال�ت��ال��ي‪ ،‬ان��دف��ع الرنين‬ ‫�أجمل رجل �أعمال في م�صر»‪.‬‬ ‫متلهفًا‪ ،‬بعد �أن �أط�ل��ق ��س��راح هاتفه المغلق‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪75‬‬


‫■ �إينا�س العبا�سي*‬

‫بخطوات ثابتة ومدرو�سة‪ ،‬يعمل المترجم التون�سي وليد �سليمان‪ ،‬فبعد ترجمته‬ ‫لكتاب «�إيرو�س في الرواية» لماريو بارغو�س يو�سا‪ ،‬يتحفنا هذه المرة بترجمة جميلة‬ ‫من الرو�سية �إلى العربية‪ ،‬فاتحاً لنا نافذ ًة �أدبي ًة على الأدب الأوكراني المعا�صر‪ ،‬من‬ ‫خالل رواي��ة «عزيزي �صديق المرحوم» التي �صدرت في طبعة �أنيقة عن من�شورات‬ ‫وليدوف‪ ،‬وهذا العمل للروائي العالمي «�أندريه كوركوف» الكاتب الأكثر مبيعاً في‬ ‫�أوروبا ال�شرقية‪ ،‬والذي تُرجمت رواياته �إلى �أكثر من (‪ )35‬لغة‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫منذ ال�صفحات الأول ��ى‪ ،‬نتذكر مناخات‬ ‫كافكا‪ ،‬نتذكر بطل روايته «المحكمة»‪ ،‬وهو تائ ٌه‬ ‫في �أروقة المحكمة مُحاكَما عن ق�ضية ال يعرف‬ ‫تهمته فيها‪� ..‬إال �أنَّ بطل «كوركوف» هذه المرة‬ ‫تائه في �أروقة ي�أ�سه و�ضياعه‪ ،‬وهو يعرف جيد ًا‬ ‫تهمته‪ :‬البطالة والالجدوى؛ ال معنى لحياته‪ ،‬ال‬ ‫عمل لديه‪ ،‬عالقته بزوجته و�صلت �إلى ح�ضي�ض‬ ‫الالمباالة‪ ،‬وال �أً�صدقاء لديه‪ ،‬و�أيامه تت�شابه في‬ ‫رتابة خانقة وقاتلة‪ .‬فج�أة يلتمع الحل كبارقة‬ ‫بديهية‪ ،‬بما �أنه عاجز عن االنتحار ف�إن الحل‬ ‫المثالي يتمثل في الموت قتالً! هكذا �س�أدخل‬ ‫التاريخ‪ ..‬فكر‪� ،‬ستكتب عني ال�صحف وتتناقل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫و�سائل الإع�لام خبر اغتيالي‪ ،‬و�سيبحثون في‬ ‫مالب�سات الجريمة‪ ،‬ويبحثون عن قاتلي‪ ..‬هكذا‬ ‫فكر «توليا» بحما�سة الغريق الباحث عن ق�شة‬ ‫�أمل وهمية‪.‬‬ ‫البطل ال��ذي اخ�ت��ار دور ال�ضحية يبحث‬ ‫ع��ن �شخ�ص ليقتله‪ ،‬ي��ؤج��ر ق��ات�لا ع��ن طريق‬ ‫�أح��د �أ�صدقائه النادرين‪ ،‬ويتبادل المكالمات‬ ‫مع قاتله دون �أن يلتقيا‪ ،‬وم��ن دون �أن يعرف‬ ‫القاتل من �سيقتل بال�ضبط �إال من خالل �صورة‬ ‫ي�ضعها توليا في �صندوق بريده ح�سب االتفاق‪..‬‬ ‫يُحددان المكان والزمان لتنفيذ عملية القتل‪،‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫«عزيزي �صديق‬ ‫المرحوم»‬ ‫للروائي العالمي‬ ‫«�أندريه كوركوف»‬

‫وينتظر بطلنا اليوم الموعود بلهفة �إلى درجة ال يهتم‬ ‫فيها بكل ما يحدث من حوله؛ فال يهتم برحيل زوجته‬ ‫العلني مع ع�شيقها و�أخذها لأثاث البيت‪ ،‬وبد ًال عن‬ ‫ذلك يهتم ب�أيامه و�ساعاته وقهوته الأخيرة‪ ..‬يكون في‬ ‫الموعد تماما‪ ،‬في ركنه المعتاد في المقهى متلمظا‬ ‫�آخ��ر فنجان قهوة ل��ه‪� ..‬إال �أن القاتل يخلف موعده‬ ‫ويخرج هو من المقهى متحررا وم�ستعيدا رغبته في‬ ‫الحياة‪ ،‬خا�صة بعد �أن يلتقي ليلتها بفتاة الليل «لينا»‬ ‫الجميلة والمده�شة‪ ،‬التي تدخل البهجة �إلى حياته‪،‬‬ ‫وت�صبح مواعيد لقاءاتهما المتفرقة والمتباعدة‬ ‫حينا والمتقاربة حينا �آخر‪ ،‬هي الخيط الذي يجعله‬ ‫يتعلق بالحياة من جديد‪ ..‬وين�سى هكذا حكاية موته‬ ‫المبرمج؛ �إال �أن القاتل ال ين�ساه‪ ..‬وهنا تبد�أ العقدة‪،‬‬ ‫حيث يحاول «توليا» الهرب من قاتله‪� ،‬إال �أنه يعرف‬ ‫من خالل الو�سيط ال��ذي رتب الم�س�ألة ب��أن القاتل‬ ‫�س ُيتِم المهمة على �أتم وجه‪.‬‬ ‫ونظرا ال�ستعادته الرغبة في الحياة‪ ،‬يبحث «توليا»‬ ‫عن ح ّل ما‪ ،‬وال يفكر �سوى في ا�ستئجار قاتل جديد‬ ‫ليحميه من القاتل الأول ويُخل�صه منه بقتله‪ .‬وهذا ما‬ ‫يحدث‪ ..‬تتطور الحكاية بجريمة قتل يلتقط خاللها‬ ‫«توليا» في غيبوبة ال�صدمة حافظة القتيل‪ ،‬ويجد‬ ‫فيها �صورة زوجته وعنوانها‪ .‬بعد �أ�شهر من التردد‬ ‫يقرر زيارتها و�إعطاءها المبلغ المالي المتفق عليه‪،‬‬ ‫مدعيا �أن��ه �صديق زوجها المرحوم‪ ،‬و�أن��ه مدين له‬ ‫بهذا المال‪ .‬ب�شكل ما تُغرم المر�أة به دون �أن تعرف‬ ‫�أي �شيء‪ ،‬معتقدة �أن��ه فع ًال �صديق زوجها‪ .‬وهكذا‬ ‫يقول لنا «توليا» �أن��ه وبعد �أ�شهر قليلة ت��زوج زوجة‬ ‫قاتله ‪ -‬قتيله و�أ�صبح طفله ابن ًا له‪ .‬وحين يفتح ذات‬ ‫�صباح �صندوق بريد «المرحوم» ويجد ا�سم �شخ�ص‬ ‫من المفرو�ض �أن يُقتل في ذلك اليوم‪ ،‬يتجه للمكان‬ ‫المن�شود ليتعرف على الرجل‪ ،‬وي�ستمر في مراقبته‪،‬‬ ‫فيرتعب هذا الأخير‪ ،‬وينه�ض محاوال الهرب‪� ،‬إال �أنه‬ ‫يموت جراء �أزمة قلبية‪ ..‬وهكذا يُعتبر «توليا» ب�شكل �أو‬

‫ب�آخر من ت�سبب في قتله‪ ..‬ما يجعلنا نفكر ب�أن «توليا»‬ ‫فعلي ًا قد ا�ستحوذ كلي ًا على حياة «المرحوم»‪ ،‬تزوج‬ ‫زوجته‪ ،‬و�أ�صبح طفله ابنه‪ ،‬ويقطن في بيته‪ ،‬و�أخيرا‬ ‫امتهن مهنته!‬ ‫هل كان هذا هو الحل؟ امتالك حياة �شخ�ص �آخر‬ ‫هو ال�سبيل للخال�ص من جحيمه الذاتي؟ نرى من‬ ‫خالل القاع الذي تردى فيه «توليا» القاع الذي تردت‬ ‫فيه �أوكرانيا في تلك الفترة اقت�صادي ًا واجتماعياً‪.‬‬ ‫ولي�س م��ن ب��اب الم�صادفة �أن يتحدث «ك��ورك��وف»‬ ‫على ل�سان بطله عن رو�سيا وعالقتها ب�أوكرانيا في‬ ‫�آخر الرواية في لمحة خاطفة و�سريعة‪ ..‬وك�أن حكاية‬ ‫«توليا» تختزل حكاية �أوكرانيا المُتخبطة في محاولة‬ ‫ا�ستعادة قوتها بعد انهيار االتحاد ال�سوفييتي‪.‬‬ ‫ي�شدنا «�أن��دري��ه ك��روك��وف» بلغة �سل�سة وذك��اء‬ ‫�سينمائي (وبالفعل �سبق و�أن تحولت ال��رواي��ة �إلى‬ ‫�شريط �سينمائي كتب كوركوف ال�سيناريو الخا�ص‬ ‫به) منذ ال�صفحات الأولى للحياة الداخلية لبطله‪،‬‬ ‫ومن خالله بلده �أوكرانيا‪ ،‬ي�شدنا بخبرة الحاوي الذي‬ ‫يعرف �أن حكايته �ستبهرنا‪ ،‬و�أن قبعته الروائية تخفي‬ ‫لنا الكثير من المفاج�آت المُبهرة!‬

‫ * كاتبة ومترجمة تون�سية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪77‬‬


‫�شهوة الروح‪� :‬أو «�أ�شياء منك في القلب»‬

‫لل�شاعرالمغربي‪ :‬محمد زيتون‬

‫■ رفعت الكنياري تطوان*‬

‫م�سكونا بهاج�س الجمال‪ ،‬جاء يجري عبر مدى الكلمات‪ ،‬م�ضرجا ب�إفك الغواية‪،‬‬ ‫غواية كل من امتدت يداه فاقترفت «الكتابة»‪ .‬ب�أ�شيائه التي ت�سكن �سويداء القلب‪..‬‬ ‫يطل من �شرفاته الثالث‪.‬‬ ‫ب���إ���ش��راق ال��ن��ور ف��ي الكلمات‪ ،‬يعلن ال��ع��دوان على الغثاثة‪ ،‬ليح�صد �شهوة ال��روح‪،‬‬ ‫يقطفها متوح�شة تحرق �أغ�صانه المتفيئة من لظى الوجد‪ .‬وجد �شاعر يعرف جيدا‬ ‫من �أين ت�ؤتى المعاني‪..‬‬ ‫ي�صر على البوح ب�ضمير المتكلم الذي يعربد في الديوان‪ ،‬يعانق «الأن��تِ »‪� ،‬ضمير‬ ‫المخاطبة‪ ..‬يعود �إلى خطيئة الب�شرية الأولى حين اقترف نزوة الحب‪.‬‬

‫غا�ص بال�شوق‬ ‫والوله‬ ‫�أمطط ل�ساني‬ ‫‪...‬‬ ‫عله يبلغ الندى‬ ‫الذي ي�شع بين عناقيدك‬ ‫المتدلية‬ ‫في فجر خاطري‬ ‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ال�ضميران في الن�صو�ص اتحاد بين الأنا‬ ‫والآخر‪ ،‬وهدم لحواجز الذات‪ ،‬وا�شتغال في‬ ‫م�ساحة البين‪� ،‬إنه انتقال من الخ�صو�صية‬ ‫�إلى الكونية التي يرومها كل �شاعر‪.‬‬ ‫ن�ح��و و��س��ط ال��دي��وان ت�ت��وج��ه‪ ..‬تغو�ص‪،‬‬ ‫ومحمد ف��ي معمعة ال�شعر‪ ،‬و«�أن ��ت» تق�سم‬ ‫على الق�صيدة �أال تنتهي‪ ،‬لأن��ك م��ا روي��ت‬ ‫بعد منها ما ت�شتهي‪ .‬ويدخل الديوان مرحلة‬ ‫يتح ّد فيها المعنى بالكون حوله‪ ،‬فتنمحي‬

‫هكذا هو ال�شراع‬ ‫يتطاول‬ ‫في كل هبوب‬ ‫لتخفق في الأفق الرياح‬

‫ثورة زيتون الح ّد لها‪ ،‬ت�صنع مقدماتها التي تعي‬ ‫جيدا �شاعرية الر�سالة‪ .‬ونجدنا في ن�ص محمد‬ ‫�أمام �أدب من نوع رفيع يمزج بين الإمتاع الآ�سر‬ ‫في حفاظ �شديد على قدا�سة المعنى والر�سالة؛‬ ‫فلي�س زيتون ممن ا�ست�سلم لغواية الكلمات ف�أخذ‬ ‫ير�صها هكذا مجانا‪ ،‬بل �إن قارئه يح�س معاناته‬ ‫في كبح جماح اللغة في قالب يحترم ذاته‪ ،‬وحدوده‬ ‫النوعية‪ ،‬ويبدو جليا �أنه لم يكتب الن�صو�ص عبثا‪،‬‬ ‫�إنها هي �أنّات م�شفرة بلغة �شفيفة ت�سري بالروح‬ ‫�إلى علياء من دون �أن تجترح ه�شا�شة المعنى‪ .‬وهو‬ ‫ما يمكن �أن ن�صفه بال�سهل الممتنع‪� .‬إذ ما يروج‬ ‫الآن مما ي�سمى �شعرا ال يعدو �أن يكون في معظمه‬ ‫ت�سابق محموم نحو مالحقة الهباء‪...‬‬ ‫هكذا يقدم محمد وجبة متكاملة لمتذوقي‬ ‫الأدب الرفيع‪ ،‬وقد كان من قبل قد �أتحف ال�ساحة‬ ‫المغربية والعربية بن�صو�ص ق�ص�صية(‪ )1‬من النوع‬ ‫الرفيع‪ ،‬هكذا يعيد الكرة ويقدم لقارئه �شعرا هذه‬ ‫المرة‪ ،‬اختارت وزارة الثقافة �أن تتولى ن�شره �ضمن‬ ‫�سل�سلة الكتاب الأول في عدده الخام�س والثمانين‪.‬‬ ‫ويبدو �أن غواية ال�سرد لم تفارق محمد زيتون‬ ‫وهو يمهر حروف الديوان‪ ،‬فنجد الق�صائد تتخذ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الخ�صو�صيات وي�صبح الن�ص‬ ‫للكل‪ .‬ت�صير الن�صو�ص «حكما»‬ ‫ذات �أب �ع��اد �إن�سانية �أك�ث��ر يغرق‬ ‫زيتون في «ر�سالة الكتابة»‪ :‬تغيير‬ ‫وجه الأر���ض‪ !!.‬لنت�أمل داللة «كل»‬ ‫في هذا المقطع‪:‬‬

‫طابع الحكي في تماه متقن بين‬ ‫ال �� �س��ردي وال �� �ش �ع��ري‪ ..‬م��ن دون‬ ‫فقد �أحدهما لخ�صو�صيته‪ ،‬تماه‬ ‫يذكرنا بالن�صو�ص المتمردة على‬ ‫الحدود الجن�سية ال�ضيقة م�ؤ�س�سة‬ ‫لرحابة الإب ��داع الإن�ساني ال��ذي‬ ‫ال يعرف ال �ح��دود‪ ،‬وه��و ف��ي الآن‬ ‫نف�سه ي�ست�شرف ح��دودا‪ ..‬حدودا‬ ‫جمالية‪ ..‬في ن�صه ه��ذا‪ ..‬هكذا‬ ‫يتمازج ال�سردي وال�شعري يقول‪:‬‬

‫نزل ال�صبح‬ ‫كقافية دخان‪....‬‬ ‫‪ .....‬و�أنا �أجوب حواف الأرق‪.‬‬ ‫‪....................‬‬ ‫‪ ........‬مو�شك على العفن �أو االحتراق‬ ‫لأن الموت اليريدني هو الآخر‪..‬‬

‫ثم ي�ستمر في �سرد الق�صة في �شكل �شعر يمحو‬ ‫الحدود من دون تع�سف‪.‬‬ ‫لقد �أثبث محمد زيتون في «�أ�شياء منك في‬ ‫القلب» �أن��ه «رب ت��ال بد �ش�أو مقدم»‪ ،‬و�أن معين‬ ‫الق�صيدة ال ي�ضمحل �أب��دا‪ .‬فا�ستطاع �أن يفترع‬ ‫لنف�سه لغة ذات خ�صو�صية‪ ،‬من دون �أن يتع�سف‬ ‫على حرماتها في�سقطها ف��ي ال �م��وت با�سم �أو‬ ‫ب�آخر‪ .‬ا�ستطاع �أن ينت�صر للجمال على ح�ساب كل‬ ‫�شيء �سواه‪ ،‬ولم تغب عنه هموم المثقف في�شرد‬ ‫في «طوبوية» نحو �سدرة منتهاه مفتعال‪ ،‬بل بقي‬ ‫محايثا للواقع عائ�شا حميميته وم�صائبه‪ .‬تالعب‬ ‫ال�شاعر بالم�ؤ�س�سة الإجنا�سية بطريقة ت�ؤكد‬ ‫امتالكه «للكفاية الإجنا�سية»‪ ،‬ف�صهر خطابات‬ ‫ع��دة من دون �أن يفقد الن�ص خ�صو�صيتة‪ ،‬وهو‬ ‫لي�س بالرهان ال�سهل‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬فاز هذه ال�سنة بالجائزة الأولى في الق�صة الق�صيرة‪« :‬م�سابقة االبداع الأدبي لل�شباب» التي تنظمها القناة الثانية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪79‬‬


‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد*‬

‫�أدخل يده في جيبه وت�أكد �أن محفظته ما تزال هناك‪ .‬جالت اليد بين زحمة الأ�شياء‬ ‫المكنوزة في الجيب؛ ميدالية مفاتيح قديمة ب�شكل قلب يخترقه �سهم‪� ..‬سبحة طويلة‬ ‫من خرز البال�ستيك الف�سفوري الرخي�ص‪ ،‬وجدها ذات يوم ملقاة في الطريق‪ ..‬علبة‬ ‫معدنية �صغيرة فارغة‪ ..‬ف�صف�ص‪ ..‬علبة �سجائر‪ ..‬والع��ة �صدئة قديمة رخي�صة‪..‬‬ ‫والمحفظة‪.‬‬ ‫�أخرج المحفظة وفتحها‪ .‬حدق في الورقتين النقديتين بداخلها‪ ،‬واحدة من فئة‬ ‫الع�شرين رياال والثانية من فئة ريال واحد‪ .‬كل ما يملكه هو واح ٌد وع�شرون ريا ًال ال‬ ‫تزيد وال تنق�ص‪� .‬سحب الورقتين وتح�س�سهما ب�أ�صابع كفه اليمنى و�شعر بالرغبة في‬ ‫�أن يب�صق عليهما‪ .‬هذه هي كل ثروته العظيمة‪ ،‬وهو على �أي حال يكره ورقة العملة‬ ‫من فئة الع�شرين رياالً‪ ،‬وطالما ت�ساءل كيف خطر ببال �أحدهم �إ�صدار عملة من هذه‬ ‫الفئة البليدة‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫ا��س�ت�ن��د ع �ل��ى ج� ��دار ف��ي ف��م ال �� �ش��ارع‬ ‫الطويل ال��ذي يف�ضي �إل��ى مخبز التمي�س‪،‬‬ ‫ل�صاحبه افتخار �أن���ص��اري‪ ،‬رغ��م �شهادة‬ ‫الملكية ال�شكلية المعلقة على الجدار لرجل‬ ‫يعتمر غترة وعقا ًال وي�ضع �صورته الواثقة‬ ‫ع�ل��ى ال���ش�ه��ادة‪ .‬تمنى ل��و ت�ط��اوع��ه ق��دم��اه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫المرتجفتان فينطلق �إلى الكلب الو�ضيع بائع‬ ‫التمي�س في فرنه الكائن في نهاية ال�شارع‪،‬‬ ‫وينظر �إليه‪ ،‬في عينيه تماماً‪ ،‬ثم يب�صق على‬ ‫الوجه المتغ�ضن اللزج‪ ،‬المت�صبب عرق ًا من‬ ‫لفح �أل�سنة اللهب المنبعثة من التنور‪ .‬تمنى‬ ‫لو �أنه يملك ال�شجاعة الآن في هذه اللحظة‪،‬‬

‫الع�شرون ريا ًال التي كان ي�أخذها من �أن�صاري‬ ‫ف��ي نهاية ك��ل ي��وم م��ع رغيفَي تمي�س �أف�ضل من‬ ‫الال�شيء ال��ذي ي�أتيهم من الخال‪ .‬ي�شتري علبة‬ ‫�سجائر‪ ،‬وبع�ض الطعام القليل له ولوالدته ويذهب‬ ‫قبل منت�صف الليل �إلى البيت ليجد �أمه بانتظاره‬ ‫تت�ضور جوعاً‪ .‬كل ال�سبل �سُ دَّت في وجهه‪ ،‬فلم‬ ‫يجد ما يتعيَّ�ش منه �سوى العمل مع �أن�صاري في‬ ‫الفترة الم�سائية بمقابل مالي هزيل‪ ،‬وبما تر�شقه‬ ‫به النظرات المرتابة والأل�سنة الحادة عن عالقة‬ ‫يحزنه �أن يتذكر كيف �صمم ع�شرات المرات غام�ضة بين �شاب �صغير مع رجل غريب في �سن‬ ‫ع�ل��ى ال��ذه��اب �إل ��ى اف �ت �خ��ار ف��ي م�ع�ق��ل مخبزه والده‪.‬‬ ‫الح�صين في نهاية هذا ال�شارع المزدحم بالمارة‬ ‫ذات ي��وم ق��ال ل��ه ول � ٌد م��ن ال�ح��ارة وه��و يغمز‬ ‫وال�سيارات‪ ،‬فقط لكي يقول ل��ه‪� :‬إن��ه �أحقر من بعينه‪ :‬اذه��ب �إل��ى الأفغاني الثاني �صاحب محل‬ ‫�أي مخلوق �شاهده في �أي مكان من هذه البلدة‪ ،‬ال�سجاجيد‪ ،‬ربما ي�ضاعف لك الأج��ر‪ .‬وعندما‬ ‫لكنه كان ينك�ص في كل مرة ويتراجع‪ ،‬ثم يغرق تعاركا وتعالى ال���ص��راخ‪ ،‬ح�ضر رج��ل م��ن �أه��ل‬ ‫من جديد في ب�ؤ�سه ومهانته وا�ست�سالمه ل�سلطة الحارة وطرحه �أر�ضاً‪ ،‬ثم �ضربه �ضرب ًا مبرح ًا‬ ‫�أن�صاري‪.‬‬ ‫وقال له �أنت ولد فا�سد‪ ،‬اخرج و�أمك من الحارة‪.‬‬ ‫يتناهى �إليه ما يهم�س به النا�س عن عالقته‬ ‫الغام�ضة الملتب�سة بهذا الرجل القادم من بالد‬ ‫الأفغان؛ فيحزن‪� .‬ضربه خاله مرات كثيرة‪ ،‬ومنعه‬ ‫من الذهاب �إلى فرن افتخار �أن�صاري والعمل حتى‬ ‫�ساعة مت�أخرة من الليل‪ ،‬وحين توقف عن الذهاب‬ ‫�إلى الفرن وحب�س َنفْ�سه في البيت كاد يهلك و�أمه‬ ‫العمياء من الجوع‪ .‬ه�ؤالء ال�سفلة ال يعرفون معنى‬ ‫�أن تخطف لقمة عي�شك في هذه البلدة من براثن‬ ‫وغد مثل �أن�صاري‪.‬‬

‫تمنى لو �أن بو�سعه �أن ي�صرخ ب�أعلى �صوته �أمام‬ ‫الخلق جميعاً‪� :‬أمك هي الفا�سدة يا ابن الفا�سدة!‬ ‫لم ي�سارع �أح � ٌد لنجدته‪ .‬لي�س له �أح��د هنا �سوى‬ ‫�أمه‪� ،‬أما والده فقد اختفى منذ زمن‪ ،‬وهو على �أي‬ ‫حال ال يملك �أوراق ًا ثبوتية وال بطاقة هوية وطنية‪،‬‬ ‫وك��ان �أبناء خاله يعيّرونه في �أ�صل وال��ده الذي‬ ‫هرب بجلده من البلدة عندما عرف �أهل الحارة‬ ‫اال�سم الحقيقي لقبيلته و�أم��روه بطالق الزوجة‬ ‫والرحيل و�إالّ‪!..‬‬

‫قال لأمه‪� :‬س�أقتل خالي ذات يوم! ل�ستُ طفالً‪،‬‬

‫بقي و�أم ��ه ف��ي ه��ذه ال �ح��ارة كاللعنة‪ .‬مجرد‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫�أنهار الدمع‬

‫فيذهب �إل��ى افتخار �أن�صاري في فرنه المكتظ‬ ‫بالزبائن‪ ،‬ويقول له ب�صوت جهوري على م�سمع‬ ‫من زبائنه‪� :‬أنت خنزير قذر‪� ..‬أنت �أو�سخ من ذبابة‬ ‫و�أح�ق��ر م��ن كلب‪ .‬ل��و ذه��ب �إل��ى افتخار �سيجده‬ ‫حتم ًا هناك منحني ًا �أم��ام فوهة ال�ف��رن ُي�دْخِ ��ل‬ ‫العجين المفرود‪ ،‬ثم يلتقط �أرغفة التمي�س ال ُم َقمَّر‬ ‫النا�ضج ويطرحها على قطع الكرتون المتناثرة‬ ‫عند فتحة الفرن‪ .‬لو �أن��ه كان �شجاع ًا بما يكفي‬ ‫لذهب �إلى هناك و�أفرغ كل ما يعتمل في داخله من‬ ‫م�شاعر الحقد والمقت لهذا المخلوق‪ ،‬و�صب عليه‬ ‫كل ما التقطه طوال حياته في ت�سكعه بال�شوارع من‬ ‫مفردات ال�سباب التي �ستذهل افتخار �أن�صاري‬ ‫ال��ذي لم يعرفه �إال ذليال خنوع ًا محتاجاً‪ ،‬لكنه‬ ‫للأ�سف كان �أجبن من �أن يفعل ذلك‪.‬‬

‫أخوك‬ ‫و�س�أك�سب لقمتي بعرق جبيني‪ ..‬وليذهب � ِ‬ ‫�إلى الجحيم؛ ف�أنا �أعمل ب�شرف‪ .‬وعندما عاد �إلى‬ ‫الفرن قال له افتخار �أن�صاري‪� :‬أنت ولد ال ي�صلح‬ ‫ل�شيء وال ينفع في �شيء‪ ..‬معلوم!؟ هيا اطلع من‬ ‫هنا! يوجد �شخ�ص �آخر �سيعمل بد ًال منك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪81‬‬


‫‪82‬‬

‫ف��ي لحظة �أ�صبحت الدنيا ال ت�ساوي جناح‬ ‫بعو�ضة‪ ،‬وتمنى لو �أن اهلل في هذه اللحظة الواحدة‬ ‫فقط‪ ،‬التي تتقلب فيها �أمه من الجوع والمر�ض‬ ‫ي�سبغ عليه من ال�شجاعة ما يكفي لكي ي�سحب‬ ‫�سيخ التمي�س المدبب عند فتحة الفرن‪ ،‬وي�سدد به‬ ‫طعنة محكمة قاتلة �إلى عنق افتخار �أن�صاري التي‬ ‫بعيرين �أجربين ال يريد �أح � ُد االق�ت��راب منهما‪ .‬ت�شبه رقبة ثور �سمين من فرط ما يح�شر فيها من‬ ‫حتى الخال‪ ،‬ال يح�ضر �إلى الخرابة التي ي�سكنها الم�آكل والم�شارب!‬ ‫و�أم��ه‪ ،‬وي�سميانها بيتاً‪� ،‬إال لكي يهدده �أو ي�ضربه‬ ‫لحظ ٌة ك�أنها الدهر‪ ،‬و�صمتٌ ثقيل‪ ،‬وي ٌد مرتجفة‬ ‫لأتفه الأ�سباب!‬ ‫تمتد �إل��ى ال�سيخ المدبب‪� .‬شعر ب��أن قلبه الهادر‬ ‫ال ملج�أ �إال �أن�صاري‪ ،‬هذا البغل المنتن‪ .‬عاد �سيحطم قف�ص ال�صدر وينفجر‪ ،‬والحقد الكبير‬ ‫�إليه واعتذر عن انقطاعه‪ ،‬لكن �أن�صاري تجاهله‪ .‬الفائر يدمدم في الأعماق وي�ستنه�ض اليد العاجزة‬ ‫لقمة عي�شي مغمو�سة بالذل يا �أن�صاري‪� ،‬أعلم ذلك الجبانة كي تُحكِم القب�ضة على ال�سيخ وتطعن كما‬ ‫ولكني �أتو�سل �إليك! �صحيح �أن��ت حقير و�سافل يفعل الرجال الفر�سان‪ ،‬لكن دفقة حارة من الخدر‬ ‫ومنتن لكنك �أرحم من مفت�ش البلدية‪ ،‬الذي �صادر البليد ت�سري في ال�شرايين والأوردة وت�شل حركة‬ ‫ب�سطتي لأنني �س�أقطع رزق �أ�صحاب المعار�ض اليد!‬ ‫الفاخرة‪� .‬أنقذني يا �أن�صاري �أيها الوغد اللئيم‪،‬‬ ‫ي�ستكين وينكم�ش قبل �أن يباغته �أن�صاري‪:‬‬ ‫لي�س من �أجلي بل من �أجل هذه المخلوقة العمياء «ام ����ش م��ن ه �ن��ا‪ ،‬ال �أري� ��د م���ش��اك��ل م��ع ال�ن��ا���س‬ ‫البائ�سة الجائعة‪ .‬بكى عند قدميه مثلما يفعل والحكومة»‪ .‬يدفعه وي�ؤ�شر ب�أ�صبعه �إلى ال�شارع‪،‬‬ ‫الأطفال لكن �أن�صاري ت�شاغل عنه وراح يغم�س بينما يلعلع �صوت من الداخل برطانة م�ستفزة‬ ‫قطع ًا من التمي�س في كوب ال�شاي العمالق و ُي ْعلِف حر�شاء ك�أنها م�سامير ويتجاوب �أن���ص��اري مع‬ ‫نف�سه ثم ي�شفط ال�شاي بنهم‪.‬‬ ‫ال�صوت بنف�س الرطانة الثقيلة‪.‬‬ ‫ظل افتخار �أن�صاري �صامت ًا متجهماً‪ .‬كلمة‬ ‫كم �أنت وحيد وذليل‪ ،‬فاذهب �إلى ح�ضن �أمك‬ ‫واحدة ينطق بها افتخار وي�أتي الفرج‪ ،‬لكن افتخار واطلق �أنهار الدمع!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ن�صو�ص‬ ‫■ عبداهلل ال�سفر*‬

‫�إ�صغاء‬ ‫فقط ي�صغي‪ ،‬وي�ؤجّ ل‪.‬‬ ‫يجم ُع نُثا َر ال�شظايا‪ ،‬وينتظ ُر �صمغ ًا مواتيا‪.‬‬ ‫عندما دن��تْ اللحظ ُة ب�صمغِها‪ ..‬بعطرِ ها‬ ‫وبوْحِ ها؛‬ ‫انك�سرتْ عينا ُه في وهجِ ال�شظايا‪ .‬غام في‬ ‫ال�صمت؛‬ ‫التفريط فيها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫نعمته الأولى ال يري ُد‬ ‫�أرق‬ ‫تكاثرتْ عليه الوحدة‪.‬‬ ‫مروح ُة الحنينُ تنفخُ على �أرقِه‪.‬‬ ‫َد�أَب‬

‫متر�صد ًا‬ ‫ّ‬ ‫يمكثُ‬ ‫ربما‪ ،‬تفلت التفات ٌة‬ ‫تك�سو عذابَ انتظارِه‪.‬‬ ‫يطيلُ المكوثَ غي َر منتبهٍ �إلى جلدِ ِه العاري‬ ‫يلم ُع بالخ�سارة‪.‬‬ ‫عين‬ ‫لم ي ��أتِ الوج ُع الأخير مع ان�صرافها‪ ،‬كما‬ ‫ق �دّر‪ .‬ا�ستقرّتْ ال�سكين في قلبه وتحا�شى �أن‬ ‫يلم�س مقب�ضها‪.‬‬ ‫انتز َع الأم��اك��ن الم�شتركة من حقلِ �أيامِ ه‪،‬‬ ‫و�أخذَ يبني جدار ًا ت�شت ّد خ�شونته يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫رف طائ ٌر غريب‪ ،‬نث َر ري�شَ هُ‪ .‬في‬ ‫في الظالم َّ‬ ‫كل ري�ش ٍة عينٌ تلمع وتمت ّد منها خيوطٌ رهيفة‪.‬‬ ‫الخيوط تلتم ُع على مقب�ض ال�سكين‬ ‫ُ‬ ‫هال ْت ُه‬ ‫تدي ُر دور َة الوجع الأخيرة‪.‬‬

‫وداع‬ ‫�شهقتْ يده في موجة التوديع‪.‬‬ ‫عادتْ ذابل ًة تغط�س في الجيب‪،‬‬ ‫تنقف �أيام ًا رماديّة‬ ‫وتط�شّ ها في وج ِه اللوعة‪.‬‬ ‫عبور‬ ‫تجرحُ بعبورِها �صمتَ المقهى‪.‬‬ ‫يندل ُع في الأ�صابع المقبو�ض ِة كالمٌ‪،‬‬ ‫وفي الريقِ نظر ٌة ال يطفئُها ك�أ�س‪.‬‬ ‫غب�ش‬ ‫العط�ش �إلى ا�ستواء ال�صورة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يذبحُ ُه‬ ‫غدرتْ به ذاكر ٌة‬ ‫الغب�ش على زجاجها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي�سيلُ‬ ‫طحْ ن‬ ‫وقف على جرف الظالم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫�أطلقَ �صيح َت ُه تمخ ُر العتمة‪.‬‬ ‫أجرا�س تطحنُ رئت ْيهِ‪.‬‬ ‫عادتْ له برنينِ � ٍ‬ ‫ـ �أيّها الدليلُ‪ ،‬ماذا تفعل به؟‬ ‫توبة‬ ‫أدرك �أغني َت ُه‬ ‫عندما � َ‬ ‫تابتْ عن ُه الأوجاع‪.‬‬ ‫عَ دْ وٌ‬ ‫كثير ًا ما يَرك ُز ر�أ�سَ ُه في النوم‪ ،‬لأنّ �شهو َة‬ ‫العَدْ ِو ال تواتيه �إال في الأحالم‪.‬‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ال يتكلم! هي‪� ،‬إذ ًا م�ؤامرة من الخال‪ .‬ربما من‬ ‫�أهل الحارة جميعاً‪ .‬ربما كل الدنيا تت�آمر عليه‪.‬‬ ‫وافتخار �أن�صاري ي�ضر وينفع في هذا الزمان!‬ ‫�أنت بال �أوراق ثبوتية‪� .‬إذاً‪� ،‬أنت ال �شيء! طز فيك‬ ‫وفي قبيلتك الو�ضيعة التي ربما تكون قد هبطت‬ ‫من المريخ �أو جاءت من جزر الواق واق‪ .‬يجب �أن‬ ‫تحمد اهلل‪� ،‬أيها الو�ضيع‪� ،‬أن يكون م�سموح ًا لك �أن‬ ‫تتنف�س مجاناً‪.‬‬

‫* كاتب وقا�ص و�شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪83‬‬


‫■ حنان بريوتي*‬

‫حِ راب تجرحها من الداخل‪ ،‬ظ ّل ير ُّد عليها‬ ‫مظلة‬ ‫بابت�سامته ال�ساذجة‪ ،‬عندما كفّت عن‬ ‫باغتهما المطر وهما ي�سيران‪ ،‬احتمتْ‬ ‫الكالم‪ ،‬ابتد�أ كالم ًا كثير ًا عن اال�شتياق‪..‬‬ ‫به ال �شعوريا‪� ،‬أبعدها بال ق�صد وهو يرف ُع‬ ‫لكنها لم ت�ستطع �أن ترد بابت�سامة؛ لأنها‬ ‫ياق ًة معطفه‪ .‬المعطف الأ��س��ود ذو الوبر‬ ‫ابتعدتْ !‬ ‫الخفيف‪ ،‬تخيلته حنون ًا دافئا‪ .‬تمنتْ للحظة‬ ‫يبا�س‬ ‫�أن يرف َع معطفه مظلة لهما‪ ،‬لكنه وا�صل‬ ‫االختباء من المطر مثل طفل خائف‪ ،‬لم‬ ‫ال �م��ر�أ ُة التي يب�ستْ روحها وج� ّ�ف نبع‬ ‫ُ‬ ‫تقلْ �شيئا‪ ..‬تركتْ المطر‬ ‫يختلط بدموعها! فرحها �أو ك��اد‪ ،‬غالبتْ دمعا خجو ًال حين‬ ‫ر�أتْ ب��اق� َة وردٍ على ال�ط��اول��ة ف��ي بيتها‪،‬‬ ‫كالم‪..‬‬ ‫�راف روح�ه��ا بانتظار‪ ،‬لكنها‬ ‫�أورق���تْ �أط�� ُ‬ ‫قالت له‪:‬ا�شتقتُ لك!‬ ‫ع ��ادتْ ل��ذب��ول�ه��ا‪ ..‬حين احت�ضنَ زوجُ �ه��ا‬ ‫فابت�سم با�ستخفاف مَ ن عث َر على عمل ٍة المتعجل دوم ًا الحا�ضر بغياب الباقةَ‪ ،‬وهو‬ ‫نقدي ٍة لي�ست بذات قيمة‪،‬انتظرتْ في زاوية ي�س�ألُ عبر مكالمته عن عنوان الم�ست�شفى‬ ‫الإه �م��ال‪ ،‬ا�ستطالَ زم��نُ انتظارها مثل الذي فيه �صديقه المري�ض!‬ ‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫الرجلُ الرزين بربطة العنق المالزمة والبدلة‬ ‫الأنيقة رغم قدمها وتكرار ارتدائها ك�أنها زيٌ‬ ‫موحّ د‪ ،‬والتي اعتاد الذهابَ بها �إلى الوظيفة‪ .‬ال‬ ‫يجر�ؤ �أن يرف َع عينيه عن مكتبه‪ ،‬مت�شاغ ًال حين‬ ‫تم ّر الموظفة الجديدة بعطرها الأنثوي الآ�سر‪،‬‬ ‫يح�س برفيف روحه مثل ع�صفور �سجين‪..‬‬ ‫لكنه ّ‬

‫حين ظنتْ �أن�ه��ا �أكملتْ اجتثاث ح�ضوره‬ ‫وك�شط مالمحه التي ت�سكنُ‬ ‫ِ‬ ‫من رحمِ الأ�شياء‪،‬‬ ‫الأمكن َة وتمتزجُ مثل الحبر في الزمان‪ ..‬وجدته‬ ‫غافيا مثل طفلٍ وديعٍ بين �أ�ضالعِ ها!‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ق�ص�ص ق�صيرة‬

‫هدية‬

‫طفل‬

‫اعتيا ُد الأ�شياء حتى تفقد ده�شتها �شك ٌل‬ ‫�وت �آخ��ر‪،‬‬ ‫ل�ل�م��وت‪ ،‬ك�س ُر االع�ت�ي��اد م�خ��ا�� ٌ�ض ل�م� ٍ‬ ‫عاد �إلى بيته‪ ،‬فوجدَ زوجته في حالة هياجٍ‬ ‫الت�أرجح بينهما موتٌ جدي ٌد متكرّر ال يموت!‬ ‫وت�صارعٍ مع الأوالد الم�شاك�سين‪ ،‬ورائحة الطبيخ‬ ‫تعلق بثوبها البيتي الف�ضفا�ض‪ ،‬مثل خيمة بال‬ ‫لوحة‬ ‫�أوت��اد‪ ،‬والقرف عال ٌق بمالمحها؛ كا َد �أن يفقدَ‬ ‫قالتْ وهي تحزمُ القلبَ ل�سفر غرب ٍة جديد‪:‬‬ ‫�صوابه ويخرج عن هدوئه ورزانته المعهودة‪،‬‬ ‫لماذا حين تنك�سر �أرواحنا نتحايلُ على الألم‬ ‫لكنه ت�م��ال��ك �أع���ص��اب��ه و�أم �� �س��ك ب�ي��د زوج�ت��ه‬ ‫المرتجفة وم�سحَ على وجهها على غير العادة‪ ،‬بال�ضحك؟ الفرحُ الزائف دواء المك�سورين!‬ ‫ابت�سم بحنان‪ ..‬ا�ستحالتْ بلحظة �أنثى م�شبعة‬ ‫�أج��اب�ه��ا وه��و ي��رق��بُ ل��ون ال �غ��روب الحزين‬ ‫بالفرح‪ ،‬لم تد ِر ال�س ّر في الهدية‪ ،‬زجاجة عطر بعينيها دون �أن يدركه‪:‬‬ ‫ثمينة يقارب �سعرها �إيجار البيت!‬ ‫لنوا�صلَ اقتراف الحياة!‬ ‫�شرفة‬ ‫تمتمتْ وهي تل ُّم �أطراف دموعِ ها‪..‬‬ ‫العط�ش في عينيها‪ ،‬نث َر‬ ‫ِ‬ ‫ا�صطا َد ع�صافي َر‬ ‫�إجابتُك دائما على مقا�س الجرح‪!..‬‬‫في �صحراء روحها يا�سمينَ حنين‪ ،‬دعاها ب�ألف‬ ‫وح��ده الحب و�ض َع اللم�ساتِ الأخ �ي��ر َة على‬ ‫كلم ٍة ودمعة ل�شرف ِة قلبه‪ ...‬لحظة تلفتَ قلبها‬ ‫لعينيه عاملها مثل بعو�ض َة مزعجةٍ!‬ ‫لوحتهما المك�سورةِ‪ ..‬بالفراق!‬ ‫ * قا�صة من الأردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪85‬‬


‫لحظة‬

‫■ �شيمة ال�شمري*‬ ‫■ رامي هالل*‬

‫وج��ه �أ�صفر ممزوج بح�شرجة �صوت‬ ‫تو�سطت ال�شم�س كبد ال�سماء و�أر�سلت‬ ‫�أ�شعتها ال�ح��ارق��ة‪ ،‬دون�م��ا رح�م��ة‪� ..‬شبَّ يائ�س‪ ،‬وحدقتان تدوران في الفراغ‪ ..‬كان‬ ‫ال�صغير وهدية ال�شم�س تبرق في فمه‪ ..‬ال�شيخ يحت�ضر‪.‬‬ ‫ولكنه ن�سى تلك اللحظات ال�ت��ي وقف‬ ‫فارقت ال�شم�س الكون‪..‬‬ ‫يلتم�س فيها ويترجى‪..‬‬ ‫ففارقت روحه الج�سد‪.‬‬ ‫انحرفت ال�شم�س واه��ي��ة الخيوط‪..‬‬ ‫ال�سكون �أ� �س��ود‪ ،‬وال �ظ�لام عنكبوت‬ ‫فانحنى �شيخا على ع�صا غليظة ودقت‬ ‫�أج��را���س الأف���ول ف��ي �أو� �ص��ال��ه‪ ،‬فعفرت ين�سج ب�ي��وت ال �خ��وف ف��ي تلك الحفرة‬ ‫�صل�صلتها وجهه المكدود بغبار ال�سنين‪ .‬البعيدة‪.‬‬ ‫فج�أة‪ ،‬ان�شقَّ ظالم ال�صمت عن �صوت‬ ‫نكثت ال�شم�س عهدها معه حين �أنكر‬ ‫الهدية فت�ساقطت �أ�سنانه‪ ،‬و�أم�سى فمه �أ�سنانه في فكيّ الأر���ض تطحن ج�سده‬ ‫الهامد‪..‬‬ ‫كمغارة مظلمة‪..‬‬ ‫�أ�سفرت ال�شم�س في النهار �ضاحكة‬ ‫عند ال�غ��روب كانت ال�شم�س �صفراء‬ ‫تعاني من �آالم الوداع‪ ،‬و�أحالم الرجوع‪ ..‬م�ستب�شرة‪.‬‬

‫القا�ضي رف�ض �سفري �إلى خارج البالد‬ ‫مع �أختي‪ ،‬حتى بعد موافقة والدي و�إخوتي‬ ‫تخرج كعادتها كل خمي�س مع �أطفالها‬ ‫�شفهي ّا وخطي ّا كما طلب‪ ..‬رف�ض بحجة �أنه‬ ‫�إلى مدينة المالهي‪..‬‬ ‫ال يوافق على �سفري‪ ،‬و�أنه يخاف عليّ !!‪ ‬‬ ‫تتفرج عليهم وهم يلعبون‪ ،‬وي�صرخون‪،‬‬ ‫طريق �آخر‬ ‫وي�ستمتعون‪..‬‬ ‫�أخبرني طبيبي �أني مري�ضة و�أن �ساعتي‬ ‫ه��ذه الليلة وعلى غير عادتها جل�ست‬ ‫اقتربت‪� .‬صعقت‪ ..‬ت�ألمت‪ ..‬بكيت‪ .‬بعدها‬ ‫نه�ضت و�أ�صبحت �أخ ��رى! �أف�ع��ل م��ا �أري��د في اللعبة المزعجة التي يع�شقها �أطفالها‪,‬‬ ‫وقتما ‪� ‬أريد‪..‬لم �أكن �أعي �أن الموت بداية‪ ..‬حيث ال� ��دوران‪ ،‬وال�ح��رك��ات ال�م�ف��اج��أة‪..‬‬ ‫االرتفاع ال�سريع والهبوط الأ�سرع‪..‬‬ ‫وب�شكلٍ �آخر‪!...‬‬ ‫هذه الليلة‪ ،‬وعلى غير عادتها الهادئة‪،‬‬ ‫من �أول نظرة‬ ‫ما �إن ب��د�أت اللعبة حتى ب��د�أت ال�صراخ‪..‬‬ ‫‪ ‬خلف ق�ضبان الوجع �أتلو �صالتي‪ ،‬و�أكبر حيث ال �أحد ي�سمعها ! ا�ستمرت بال�صراخ‬ ‫تكبيرة الإلهام بينما تهطل علي مبت�سمة والبكاء‪..‬‬ ‫ومت�سائلة‪ ..‬وح��دك!؟ ال �أدري لم قلت لها‬ ‫وبعد �أن انتهت اللعبة‪...‬كفكفت دموعها‬ ‫تف�ضلي! ربما البت�سامتها �أو لأنها هزمت‬ ‫ثم نزلت وا�ستعادت هدوءها المعتاد‪.‬‬ ‫�صمتي هذا اليوم‪ ..‬لم تتردد لقبول دعوتي‬ ‫للجلو�س‪ ..‬ال �أع��رف�ه��ا وال تعرفني لكننا‬ ‫قاع �صير‬ ‫�أم�ضينا النهار معاً‪ ،‬كنا في غاية ال�سعادة‪..‬‬ ‫خ���ارج ال�م��دي�ن��ة ف��ي م �ك��ان م��رع��ب‪..‬‬ ‫ف��ي نهاية اللقاء وال��ذي تخللته �أح��ادي��ث‬ ‫ي �ت �ج �م �ع��ون ح� ��ول ن �ي��ران �ه��م ؛ ل�ي�ق�ي�م��وا‬ ‫عن العالم والأزمات العربية‪ ،‬والماركات‪,‬‬ ‫وال�م��ر�أة‪� ،‬أعطتني رقمها و�أخ��ذت رقمي‪ ,‬احتفاالتهم بهزيمة الإن�سان !‬ ‫و�أعلنا بداية �صداقة من النظرة الأولى‪..‬‬

‫* مدر�س في ثانوية الرحمانية للبنين بالجوف‪.‬‬

‫ * قا�صة من ال�سعودية‪.‬‬

‫كان جذالً‪ ..‬حينما ر�أى جنين ال�صبح ين�سلخ من رحم الظلمات‪ ،‬ورع�شة الحنين هزّت‬ ‫قلبه ال�صغير حين ر�أى ال�شم�س في ال�صباح �ضاحكة م�ستب�شرة؛ تغزل خيوطها �شباكا‬ ‫لقطرات الندى المت�ساقط‪..‬‬ ‫طفق يبحث هنا وهناك عن وديعته‪ ،‬التي طالما انتظر ال�شم�س حتى تبدله خيرا منها‪.‬‬ ‫�أخيرا‪:‬عثر على ثنيته ال�صغيرة منكم�شة في جيب قمي�صه راف�ضة هذا العقد الذي بينه‬ ‫وبين ال�شم�س‪� .‬أخرجها مرغمة‪ ،‬حب�سها في كفه‪ ..‬ثم نظر �إلى ال�شم�س بعين راجية قائال‪:‬‬ ‫«يا �شم�س يا �شمو�سه خذي �سنتي وهاتِ �سِ نّ العرو�سة» وقذفها ب�ساعده ال�ضعيف بعيدا‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫�أحجية‬

‫ف�ضف�ضة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا‬

‫ال�سيدة الأنيقة‪ ..‬الهادئة‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪87‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫بال ذاكرة‬ ‫■ عبدالرحيم املا�سخ*‬

‫لم يتذكر حدثا واحدا من �أحداث كان عاينها معي بنف�سه‪ ,‬لو تلقاها عن مُخبر ما كان عليه‬ ‫من حرج جرّاء ن�سيانها‪ ,‬و�أنا ال �أزال على حالتي من ال�سمع والطاعة‪� ،‬أفرغ طاقتي ال�ستر�ضائه‪,‬‬ ‫وقد حببني فيه جفافه الذي ي�صل الجفاف من دمه‪ ,‬وكلما اقترب ميعاد �إعالن نتيجة امتحان‬ ‫ال�سنة ازدادت �أع�صابه توترا‪ ,‬فكثر وعيده لي بالويل‪� :‬إما النجاح الباهر �أو الف�شل الذريع‪ ,‬ما من‬ ‫و�سط في هذا الأمر؛ فهذه ال�سنة نهائية‪� ،‬إذا تفوقتَ ذهبتَ �إلى المدر�سة العالية‪ ،‬ف�صرت فخرًا‬ ‫لنا‪ ،‬ت�ستحق بذلك ت�ضحياتنا؛ لتكون‪ ،‬يو َم �إذ‪ ْ،‬العَلم ال�صاعد الذي يرفُّ على هاماتنا‪ ,‬تتقدم‬ ‫بنا جميعا �إلى قمة المجد �صعودا‪ ..‬عائلتك يا بني تحتاج �إلى من يعيد �إليها مجدها ال�ضائع‬ ‫بجهلها‪� ,‬أنت تعرف طريقك؛ �إلى جنة �أم �إلى نار‪.‬‬ ‫�أره�ق�ت�ن��ي وع���وده ووع��ي��ده‪ ,‬وك�ل�م��ا ح��اول��ت‬ ‫مقاطعته مرة لتذكيره‪ ،‬جف حلقي‪ ,‬وفي ترابه‬ ‫ال� ُم�ث��ار رق��د ل�ساني المُكفّن ب�لا ح ��راك‪ ,‬مَ ن‬ ‫يو�صل كالمي �إل �أبي؟ كل من حولي يعرفون وال‬ ‫ِّ‬ ‫ينطقون �إال مُداهنة‪ ,‬الحق يتوارى عن ذاكرة‬ ‫�أب��ي‪ ،‬ويتثنى متراكما في �صدري ال�ضيق‪ ,‬لقد‬ ‫كان االمتحان الأخير امتحانا لقدرات خرافية‬ ‫تركتْني خياالتها الأ�سطورية فري�سة للبالء‪,‬‬ ‫يقترب الموعد‪ ,‬كاقتراب النار من اله�شيم‪,‬‬ ‫�أحفظ لأن�سى‪ ,‬و�أعود للحفظ و‪..‬‬ ‫ال �أن ��ام لأ��ص�ح��و‪ ،‬و�إن �م��ا ه �ف��وات تر�صدها‬ ‫الكوابي�س‪ ,‬الكتب الروتينية العمياء �أطف�أت‬ ‫�سجائرها المُ�سمَّمة في عيني‪� ,‬أخيرا ترامت‬ ‫�أم ��واج ال�ضعف �إل��ى �أط��راف��ي‪ ,‬الن��تْ عظامي‬ ‫�إل��ى ح��د التفكك‪ ,‬ع�شى ب���ص��ري‪ ,‬ا�ضطربت‬ ‫�أع�صابي‪ ,‬ما هذا الرعب ال�شوكيّ الم�شتعل في‬ ‫الح�س‪,‬‬ ‫داخلي؟ �إن له دورانا يتقارب في طيّات ّ‬ ‫يتداخل‪ .‬و�أمام الوهن المتدحرج من قمة الهوان‬ ‫ت�ق�ه�ق��رتُ ؛ فما وق��وف��ي �إال ا�ستعجال للموت‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫ * قا�ص من م�صر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ف��ي ال�ساعات الحرجة ب��د�أت �أدخ��ل الغيبوبة‬ ‫ال�م�ت�ق�ط�ع��ة‪ ,‬الم�ستقبل ال�خ�ط�ي��ر‪ ,‬ال �ظ��روف‬ ‫ال�صعبة‪ ,‬ال��وال��د الجافي ال�ط�م��وح‪ ،‬تهويمات‬ ‫تتقاطع وتتفكك م ��رار ًا وت��ك��راراً‪ .‬ف��ي غب�شة‬ ‫الفجر قامت �أم��ي تجمع �أدوات ��ي المدر�سية‪,‬‬ ‫همزتْني مرات بال فائدة‪� ,‬صاحت م�ستغيثة ب�أبي‬ ‫وقد ح�سبتني ميِّتا‪ ،‬قلبني �أب��ي فعرف مر�ضي‬ ‫لكنه �أخفاه‪ ,‬وخ��رج فجاء بحماره لقريب لنا‪,‬‬ ‫والزمالء في ف�صل االمتحان من خلفه يزفّون‪,‬‬ ‫حملوني �إلى ظهره حمال‪ ,‬و�أبي ركب بعد ذلك‬ ‫�أمامي‪ ,‬و ّدع��تْ �أم��ي الموكب دامعة العين‪� ,‬أي‬ ‫رعب هذا؟ في الطريق تهتُ عن وجودي و�أفقت‬ ‫كثيرا لأرى و�أ�سمع‪ ,‬على �سرير الك�شف �سمعتُ‬ ‫ولم �أر الطبيب ي�صيح ب�أبي‪ :‬ال�صحة �أهم من‬ ‫االمتحان‪ ,‬بينما كرر �أبي رجاءه بخفوت ورجاء‪:‬‬ ‫االمتحان يا دكتور‪ ,‬وبالكاد وجدتني محموال �إلى‬ ‫ف�صل االمتحان‪ ,‬ومن غيبوبة �أفقت ويد المراقب‬ ‫تهزّني و�صياحه يثقب �أذني‪ :‬قمّة الي�أ�س �أن تنام‬ ‫مع بداية االمتحان!‬

‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا‬ ‫■ حممد عز الدين التازي*‬

‫(‪ )1‬ح�سرة‬

‫(‪ )4‬انت�صار‬

‫طالما تح�سر الرجل على ما فات من‬ ‫الوقت‪ ،‬وكلما ازداد م�ضي الأيام وال�شهور‬ ‫وال�سنوات زادت ح�سرته على ما �ضاع منه‪.‬‬ ‫عا�ش متح�سرا‪ ،‬ومات متح�سرا‪.‬‬

‫�سماها وال��ده��ا «ان�ت���ص��ار»‪ ،‬وه��ي لم‬ ‫تنت�صر على والدها الذي قمع رغباتها في‬ ‫الحياة المتحررة‪ ،‬ولم تنت�صر على �شيخ‬ ‫القبيلة العجوز الذي تزوجها على الرغم‬ ‫منها‪ ،‬ول��م تنت�صر �إال على �سباقها مع‬ ‫الريح‪.‬‬

‫(‪� )2‬أيها النهار‬ ‫�أي �ه��ا ال�ن�ه��ار ك��م تق�ضي م��ن ال�ث��وان��ي‬ ‫والدقائق وال�ساعات و�أن��ت تنتظر الليل‪،‬‬ ‫وكم تق�ضي من الثواني والدقائق وال�ساعات‬ ‫وقد حجبك الليل و�أنت تنتظر �أن يعود �إليك‬ ‫نهارك؟‬

‫(‪ )5‬مدن عارية‬

‫تعرت المدن من �أبنيتها‪� ،‬صارت كامر�أة‬ ‫تن�ضو ث��وب�ه��ا‪ ،‬وه��ي وح �ي��دة ف��ي ال �ع��راء‪،‬‬ ‫(‪ )3‬الموت حبا‬ ‫تموت موتا رخي�صا كما ي��أت��ي الموت من دون �أن تنتبه �إل��ى �أن ثمة رَاءٍ يحمل‬ ‫بالمر�ض �أو بحادثة �سير �أو ب�شيخوخة الكاميرا‪..‬‬ ‫متعبة‪ ،‬فهل تختار �أن تموت حبا‪ ،‬ومن‬ ‫لم يكن يُ�صور عري المر�أة‪ ،‬كان يُ�صور‬ ‫ي�ستحق منك ذلك الحب الذي �سوف تموت‬ ‫عري المدن‪.‬‬ ‫من �أجله؟‬ ‫ * قا�ص من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪89‬‬


‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫اللقـــــــــاء‬ ‫■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*‬

‫�شجنٌ عَ ـلـقـ ُت ُه في �سدرة الروح‪..‬‬ ‫أراك‬ ‫و�أيقنتُ ب�أني �س� ِ‬ ‫هكذا حدثني قلبي‪ ،‬وقالت �أمنياتي‬ ‫�سوف تجتازين درب الفقد‪..‬‬ ‫طواك‬ ‫وبُعاد ًا قد ِ‬ ‫تتم�شين ع�شي ًا في ال�صباباتِ ‪،‬‬ ‫لماك‬ ‫وتـُ ْروِين �ضمايا من ِ‬ ‫تزرعينَ الوردَ‪ ،‬والودَ‪ ..‬ب�ساتيناً‪..‬‬ ‫فارهات‬ ‫ٍ‬ ‫تـ ُ�شيدينَ ق�صور ًا‬ ‫ر�ضاك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫بف�ؤادي من‬ ‫حينما �آوي �إليها‪،‬‬ ‫للقاك‬ ‫في انثياالت حنيني‪ِ ..‬‬ ‫يحدوك الجوى‬ ‫ِ‬ ‫حينما ت�سعينَ ‪،‬‬ ‫�سوف تلقين و�سوم ًا حية ً‪..‬‬ ‫وو�شوم ًا من جراح القلب‪،‬‬ ‫عا�شها قلبي الذي‪ ..‬ت�أ�سره النجوى‪،‬‬ ‫ع�شقاك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وعيناي اللواتي‬ ‫�أنا يا �ساكنة الروحْ ‪..‬‬ ‫هواك‬ ‫ما زلت �سجين ًا في ِ‬ ‫لم يزلْ بوحُ �أغانيّ ‪ ..‬ق�صيد ًا‬ ‫�شذاك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مفعماً‪� ..‬شوق ًا وعطراً‪ ،‬من‬ ‫لم يزلْ طيف ُِك يرتا ُد ف�ؤادي‬ ‫أراك‪.‬‬ ‫ف�أراه و� ِ‬ ‫ذكراك‪ ،‬في كل تفا�صيلي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لم تزلْ‬ ‫غيمة ً تمط ُر �أحلى ذكرياتي‪.‬‬ ‫كنت تمرين‪،‬‬ ‫من هنا ِ‬ ‫يداك‬ ‫وذاك الباب ُ‪..‬م�ست ُه ِ‬ ‫َ‬ ‫كنت ترتدين‪،‬‬ ‫ذلك الف�ستانُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫ببهاك‪.‬‬ ‫وذاك العق ُد يزدان جما ًال ِ‬ ‫َ‬ ‫أراك‬ ‫�أنا ما زلت � ِ‬ ‫في زوايا الدار‪..‬‬ ‫في ال�صاالت‪..‬‬ ‫في غرف البيت التي‪ ..‬قد �صاغها‪..‬‬ ‫ذوقك الباذخُ‬ ‫ِ‬ ‫فناً‪ ،‬و�شعراً‪ ،‬وجما ًالً‪..‬‬ ‫طيف ُِك‪ ،‬كان �أني�سي‬ ‫ونديمي‪ ،‬وجلي�سي‪..‬‬ ‫ن�شربُ ال�شاي مع ًا‬ ‫و�سقاك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مثلما ن�شربُ وجداً‪ ..‬قد �سقاني‬ ‫كلما �أدخلُ ‪� ،‬أو �أخرجُ‬ ‫�أو �أكتبُ ‪� ،‬أو �أقر�أ‬ ‫أراك‪.‬‬ ‫في كل التفا�صيل ِ‪ِ � ..‬‬ ‫أراك في �شغاف الروح‪..‬‬ ‫و� ِ‬ ‫جوف الليالي‬ ‫وفي ِ‬ ‫في ال�صباحات التي ت�شرقُ ‪..‬‬ ‫ك�سناك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نوراً‪..‬‬ ‫في الفيا�ض المع�شباتِ الخ�ضرْ‪،‬‬ ‫في ظالل الطلح‪..‬‬ ‫والطلحُ ‪� :‬أراجيحٌ‪ ،‬لطير المنحنى‪.‬‬ ‫وحمامٌ‪ :‬من على الأغ�صان غنّى‪..‬‬ ‫ي�سْ تـَبيني �شدوهُ‪،‬‬ ‫ويوجِ عُني التباكي‪.‬‬ ‫يا ربي َع العمر‪ ،‬يا زهر ابتهاجاتي‪،‬‬ ‫ويا غيم َة ع�شقٍ ‪..‬‬ ‫�سماك‪.‬‬ ‫في�ضها‪ :‬وج ٌد نديٌ ‪..‬من ِ‬ ‫ُ‬

‫وهج التّاريخ‬ ‫�ش�آم يا َ‬ ‫■ �شاهر �إبراهيم*‬

‫ــواك‬ ‫قلبــي ترقّــقَ �إذْ جابتْـــــ ُه نــج ِ‬ ‫ُــــك كالأوداقِ تُهطلُــها‬ ‫وان�ساحَ وجه ِ‬ ‫رف في الدُّنيا وي�شغِلنـي‬ ‫�أُمَ ـــ ِّر ُر الطَ َ‬ ‫هلل در ُِّك! مـــا جالتْ بنف�ســــي ر�ؤى‬ ‫ال�صدرماي�سطوبذاكرتي‬ ‫وطاف في َ‬ ‫َ‬ ‫هلل في قلبــي َرمـــى �شَ غفــ ًا‬ ‫ك�أ ّنمـــا ا ُ‬ ‫وكلمـــا وقــعتْ عينــي علــى مــدنٍ‬ ‫�شــــ�آمُ يا وهــجَ التاريخ مذ ق�صدتْ‬ ‫ظنوك �سائغ ًة‬ ‫ِ‬ ‫لـــو كانَ يعلـــــمُ مَ ن‬ ‫فينــــيقُ �أ َْ�ضرمتِ النِّيرانَ �شاخ�ص ًة‬ ‫ـــاب البحـــر ماخر ًة‬ ‫و�أبــحرتْ ب ُعب ِ‬ ‫تعانـــقتْ وذرى الأعـــالمِ نخوتُهم‬ ‫و�شيَّدوا عتبـــــاتِ الفَخرِ مِ ـــن �ألقٍ‬ ‫�شـــ�آمُ �أنتِ لروحــــي كلما انتبهتْ‬ ‫مـــهما تنـــاهبــــتِ الأي��امُ موعدنا‬

‫�اك‬ ‫و�أَبهجـــتْ ُمقــلَ العينينِ ُر�ؤي� ِ‬ ‫�آه��اتُ �صدريَ �إذْ �أ�ضناه لحظاك‬ ‫عنها ح�ضورك‪ ،‬والأبهى تجالّك‬ ‫�إال وع��طَّ � َر رو� �َ�ض ال � �رُّوحِ ملفاك‬ ‫و�ألهــبَ ال�شـوقَ في قلبي مُحيّاك‬ ‫وق��ال ك��نْ ف ��إذا بي ِ�صرتُ موالك‬ ‫ما كنتُ �أب�صـــ ُر في عينيَّ �إالك‬ ‫�آرامُ مِ ن �شَ عثِ التِّرحالِ �سُ كناك‬ ‫ت��اري��خَ �أه �ل� ِ�ك م��ا ه � ُّم��وا ب�غ��زواك‬ ‫لل�ضيف مَ لقــاك‬ ‫ِ‬ ‫للعـابرين‪ ،‬قرىً‬ ‫وزينتْ في ربـــى قرطاج م�سماك‬ ‫و�س ّيجـــــوا ب�صدو ِر العزِّ مبناك‬ ‫بحروف المجدِ ذكراك‬ ‫ِ‬ ‫و�سطَّ روا‬ ‫�شط ٌر و�إ ّن��ي �إذا ما نِمتِ �شطراك‬ ‫�إنّـــي لأرج� � َو مِ ــن م��واليِ لُقياك‬

‫* �شاعر من �سوريا ‪ -‬طبيب بم�ست�شفى الأمير عبدالرحمن ال�سديري ب�سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪91‬‬


‫■ مالك اخلالدي*‬

‫ن�����اج�����ي�����تُ ع����ي����ن����ي����كَ ع����ـ����ـ���� َّل ال����ـ����ب����ـ����ـ����و َح ُي���خ���ـ���ـ���ب���ـ���رن���ي‬ ‫ع������ن ال�����ب�����ه�����ا ِء ال����ـ����ـ����ـ����ـ����ذي م������ن ق���ل���ب���ـ���ـ���ـ���كَ ان���ه���ـ���م���ـ���ـ���را‬ ‫ع�����ن ب�������س���م���ة ال�������ض���ـ���ـ���ـ���و ِء ف�����ي خ����� َّدي�����ـ�����ـ�����كَ ت����أ����س���رن���ي‬ ‫���������ض حُ ��������ب ه����ن����ا ف������ي خ���اف���ـ���ـ���ق���ـ���ـ���ي ان���ف���ج���را‬ ‫ع������ن ف����ي ِ‬ ‫ع������ن ه���م�������س���ة ال�������������ش������وقِ �إذ ت���ـ���ـ���غ���ـ���ـ���دو ت���ن���ازع���ـ���ـ���ن���ي‬ ‫ف����ي����ر� ُ����س���� ُم ال����� ُ����ص����ب���� ُح م������ن �أ����ش���واق���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ط���ـُ���ـ���ه���ـ���ـ���را‬ ‫ع������ن ن����غ����م����ة ال����ب����ـُ����ـ����ع����دِ �إذ ت���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ����أت���ي ل���ت���م���ـ���ـ�ل��أن���ي‬ ‫وج���������������داً وي�����م�����������ض�����ي ف������������������ؤادي ل����ل����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����وى وت��������را‬ ‫�������������ض ال����م����ح����م����و ِم م����ن����ذ م�������ض���تْ‬ ‫ع������ن ق����ل����ب����كَ الأب������ي ِ‬ ‫ح������ك������اي������ ُة ال����ع���������ش����ـ����ـ����قِ ف�������ي �أرواح�����ن�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ا م���ط���ـ���ـ���را‬ ‫ر�����س����م����ـ����ـ����ـ����ـ����تُ ق�����ل�����ب�����كَ ف�������ي ع����ـ����ي����ـ����ن����يَ �أغ����ـ����ـ����ـ����ن����ـ����ي����ـ����ـ���� ًة‬ ‫ول�������������ذتُ ب����ال���������ص����م����ـ����ـ����تِ �أروي خ���ف���ق���ـ���ت���ي � ِ����ش����ع����ـ����را‬ ‫�أن��������������تَ ال�����ح�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����روفُ ال������ت������ي ب������ات������ت ت���داع���ب���ن���ـ���ـ���ي‬ ‫وت���������س����ت����ـ����ف����ـ����ـ����ـ���� ُز ق���������ص����ي����ـ����ـ����ـ����دي ك����ل����م����ا ان���ك���ـ�������س���ـ���ـ���ـ���را‬ ‫�أن�������������تَ ال���������س����ح����ـ����ـ����ابُ ال�����������ذي �أم�����������س�����ى ي�����راودن�����ـ�����ـ�����ي‬ ‫����ل���ا ال������������������رو َح م��������ن �أن������دائ������ـ������ـ������ـ������ ِه ع���ط���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���را‬ ‫وي��������م ُ‬ ‫�أن������������تَ ال�����ن�����ه�����ا ُر ال����������ذي م������ا ان������ف������كَ ي���وق���ـ���ـ���ظ���ـ���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ي‬ ‫م�������ن غ����ي����ه����ب ال��������ح��������زنِ ب�������الأب�������ي�������اتِ وال����ب����ـُ���������ش����رى‬ ‫�أن�������������تَ ال�����دم�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ُء ال������ت������ي ت���������س����ـ����ـ����ـ����ري ب������أوردت�����ـ�����ـ�����ي‬ ‫وم����������ن ب�����ه�����اه�����ا �������ش������ـُ������ع������ا ُع ال�������ح�������بِ ق�������د ك���ب���ـُ���ـ���ـ���ـ���ـ���را‬ ‫�أح�������������بُ ع����ي����ن����ي����كَ �إذ ت����ت����ل����و ال����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����وى ب���وح���ـ���ـ���ـ���اً‬ ‫ف�������ي خ�����اف�����ق�����ي ف�������ي ك�����ي�����ان�����ي ه�������ا ه�����ن�����ا ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���درا‬ ‫وال���������ي���������و َم ت����م���������ض����ي ول��������������ونُ ال�����������ص�����ب�����حِ ي���خ���ب���رن���ي‬ ‫ب�������������أن ع����ي����ن����ي����ك ل�������ن ت����ـ����ـ����رن����ـ����ـ����ـ����و ه����ـ����ـ����ـ����ن����ا � ِ����س����ح����ـ����را‬ ‫و�أن ل�����ح�����ن الأغ������ان������ـ������ـ������ـ������ي ب����������ات م����رت����ج����ـ����ف����ـ����ـ����ـ����ـ����اً‬ ‫و�أن ن����ب���������ض����ي وق������ل������ب������ي ي����ح����ت���������س����ي ج���ـ���م���ـ���ـ���ـ���ـ���را‬ ‫ع�����ـُ�����ت�����ب�����اك ي�������ا �أج�������م�������ل الأ��������ش�������ع�������ار ف�������ي ل���غ���ـ���ـ���ـ���ت���ـ���ـ���ـ���ي‬ ‫م������ن �أي����������ن ل������ي ال���������ش����ع���� ُر �إن غ�����ادرت�����ن�����ي ����س���ـَ���ف���ـَ���را‬ ‫وك��������ي��������فَ ت�����خ�����ب�����و دم��������وع��������ي �إن م�����������ض�����ي�����تَ غ������دا‬ ‫�����������ض ك�������رى؟‬ ‫وك������ي������ف �أ�������س������ل������و وه����������ل ل����ل����ع����ي����نِ ب�����ع ُ‬ ‫���������س ح����ن����ي����ن دم���ـ���ـ���ـ���ـ���ي‬ ‫ف�������������إن م�����������ض�����ي�����تَ ف����ل���ا ت����ـ����ـ����ن َ‬ ‫�������ش������وق������اً وه����������ا �أن������������ت ف��������ي ن����ب���������ض����ي ه�����ن�����ا قَ������������دَرا‬ ‫‪92‬‬

‫ * �شاعرة من ال�سعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫�أنثى ال�سراب‬ ‫■ د‪ .‬فواز بن عبدالعزيز اللعبون*‬

‫مِ ��نْ َق�� ْب��لِ عِ �����شْ �� ِر ْي��نَ عَ��ام��اً كُ�� ْن��تُ �أَعْ �شَ قُها َو ِب���ال��� َّر� ِ���ش��� ْي���قِ مِ �����نَ الأَ� ْ����ش���� َع����ا ِر �أَ ْر� ُ���ش���قُ���ه���ا‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ناجيتُ عينيك!‬

‫َل����هَ����ا َل��������دَيَّ مِ ������نَ ال�������وِجْ �������دَانِ �أَطْ ������هَ������ ُر ُه وَمِ ����نْ � َ��ص�� َب��ا َب��اتِ �أَهْ ����لِ ال��عِ�����شْ ��قِ �أَ�ْ��ص�� َدقُ��ه��ا‬ ‫�����ض َي�����سْ ��حَ �� ُق��ه��ا‬ ‫�أَفْ���� َر ْد ُت����هَ����ا ف���ي ُف��������ؤادِي ال ����شَ ��� ِر ْي���كَ َل�� َه��ا فِ��� ْي���هِ‪َ ،‬وكَ�����ا َد عَ��نِ�� ْي��فُ ال�� َّن�� ْب ِ‬ ‫�����س ُي��ـ��حْ �� ِرقُ��ه��ا‬ ‫كَ�����ا َن�����تْ فَ�����رَا� َ�����ش����� َة َن�������ا ٍر مَ�����ا ُت��� َب���ارِحُ ��� ِن���ـ���ي َورَغْ ������� َم هَ����ذا َل��ـ��هِ�� ْي�� ِب��ـ��ي َل�� ْي َ‬ ‫كُ��� َّن���ا مَ���ع���اً‪ ..‬ال خَ ���فِ���يُّ ال���حُ ���بِّ ُي��رْهِ ��قُ�� ِن��ـ��ي وَال هَ���������وَايَ ال������ذي �أُ ْب�������دِ يْ������� ِه ُي���رْهِ ���قُ���ه���ا‬ ‫َو َن������ ْل������ َت������قِ������ي َو�أَمَ��������ا ِن�������� ْي�������� َن��������ا مُ������فَ������ َّرقَ������ ٌة وَحِ ����� ْي�����نَ َن���ـ���جْ ���مَ���عُ���هَ���ا‪ ،‬عَ�����مْ�����داً ُن��� َف��� ِّرقُ���ه���ا‬ ‫فَ�����مَ�����ا ُت����� َو ِّدعُ����� ِن�����ـ�����ي �إ ّال َو َت���� ْ���س���بِ���قُ��� ِن���ـ���ي �إل�����ى ال���� ِّل����قَ����اءِ‪ ،‬وَحِ ��� ْي���ن���اً كُ���� ْن����تُ �أَ� ْ��س��بِ��قُ��ه��ا‬ ‫َوف�������ي لِ������قَ������ا ِء غَ�������دٍ َت������������� ْزدَا ُد � َ���ص��� ْب��� َو ُت��� َن���ا َو ُر َّب���مَ���ا حَ ���� ْو َل � َ���ص��� ْدرِي ال��ـْ��ـ�� َت��فَّ مِ �� ْر َف��قُ��ه��ا‬ ‫وَطَ ����ا َل����مَ����ا ا� ْ���ص���طَ ��� َن��� َع���تْ بِ�������الآ ِه َزفْ��� َر َت���هَ���ا فَ��مَ��ا َدرَتْ كَ�� ْي��فَ مِ �� ْن�� َه��ا � ِ���ص���رْتُ �أَ���شْ �� َه��قُ��ه��ا‬ ‫كَ��� ْم َب���ْ��ص��مَ�� ٍة ف��ي ِ���ش��فَ��ا ِه ال�� َّل�� ْي��لِ َن��طْ �� َب�� ُع�� َه��ا َو َل��ـ��حْ ��ظَ �� ٍة مِ ���نْ جُ ��� ُن���وْنِ ال��� َوقْ���تِ نَ�سْ ـ ِرقُها‬ ‫����اف َومَ�� ْن��طِ ��قُ��ه��ا‬ ‫َ������اظ ُن����� َر ِّد ُدهَ�����ا َومَ��� ْن���طِ ��� ِق���ـ���ي عَ�������سَ ���لٌ � َ����ص ٍ‬ ‫ْ�������س أَ� ْل������ف ٌ‬ ‫َل��� َن���ا مِ �����نَ ال���هَ���م ِ‬ ‫فَ����مَ����ا َت������مَ������ادَتْ ِب���� َن����ا َي����� ْوم�����اً � َ���ص��� َب���ا َب��� ُت��� َن���ا َو َل������ ْم ُي���� َب����ا ِر ْح مَ��� ِن��� ْي��� َع ال��قِ�����شْ ��ـ�� ِر فُ�����سْ �� ُت��قُ��ه��ا‬ ‫ْ�����س طُ ���هْ��� ٍر عَ��لَ��ى الأَ ْروَا ِح ُن��هْ�� ِرقُ��ه��ا‬ ‫َو َل�������� ْم َن��������زَلْ َن��� َت�������سَ ���ا َق���ـ���ى مِ ������نْ َب����رَا َءتِ���� َن����ا ُك�����ؤُو َ‬ ‫ْ�س مَ�شْ ـ ِرقُها‬ ‫عَ��اهَ�� ْد ُت�� َه��ا �أَنْ �أَ� ُ���ص��� ْو َن ال��ـ��حُ ��بَّ مَ��ا َب��قِ�� َي��تْ ُروْحِ ��ي َو َل�� ْو خَ ا َن َع ْه َد ال�شَّ م ِ‬ ‫َومَ���������� َّر مَ������ا مَ������� َّر حَ ����� َّت�����ى ال َح ل�����ي �أُفُ���������قٌ وَحُ �� ْل�� َو ِت��ـ��ي فِ��� ْي��� ِه مِ ��� ْث��� َل ال��طَّ �� ْي��فِ �أَ ْر ُم���قُ���ه���ا‬ ‫�أَ ْن���� َك����رْتُ مِ �� ْن��ه��ا طِ �� َب��اع��اً َل�����سْ ��تُ أَ�عْ ���هَ��� ُدهَ���ا َورَا َب���ـ��� ِن���ـ���ي عُ��� ْن���فُ���هَ���ا! حَ ��� َّت���ـ���ى َت��ـ�� َر ُّف��ـ��قُ��ه��ا!‬ ‫َر�أَ ْي����� ُت�����هَ�����ا ُت�����زْمِ ����� ُع ال���� َّت����ـ����رْحَ ����ا َل ال ���سَ �� َب��بٌ �أَ ْدرِي ِب�����هِ‪ ،‬غَ��� ْي��� َر َ�أ ِّن������ي قُ���مْ���تُ َ�أ ْل��ـ��حَ ��قُ��ه��ا‬ ‫َت�������شَ ��� َّب��� َث���تْ رَاحَ ��� ِت���ـ���ي ف���ي َذيْ�������لِ مِ ��� ْئ��� َز ِرهَ���ا وَحِ ��� ْي���نَ َل���� ْم �أَ ْل������ َق ���شَ �� ْي��ئ��اً رُحْ �����تُ �أُطْ �� ِل��قُ��ه��ا‬ ‫َوفَ�������جْ ��������أَ ًة َي���تَ�ل�ا� َ���ش���ى غَ���� ْي���� ُم � ُ����ص���� ْو َر ِت����هَ����ا َو ُي���مْ���طِ ��� ُر ال��� َي����أ ُْ����س ف��ي ُروْحِ �����ي َو ُي��غْ�� ِرقُ��ه��ا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪93‬‬


‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫�أَطْ ���� َرقْ����تُ َل��ـ��حْ ��ظَ �� َت�� َه��ا ف��ي وَجْ ���� ِه ذَاكِ�� َر ِت��ـ��ي َوكَ������ ْم عُ���� ُي����وْنٍ ُي��������وَارِي ال������ذُّ لَّ مُ��طْ �� ِرقُ��ه��ا‬ ‫���سَ ��ا َء ْل��تُ عَ�� ْن�� َه��ا َب�� َق��ا َي��ا ال����� ُّر ْو ِح هَ���لْ َب��قِ�� َي��تْ َل����هَ����ا َب����قِ���� َّي���� ُة ِذكْ���������رَى طَ �������ابَ ُم���� ْو ِرقُ����ه����ا؟‬ ‫فَ���مَ���ا ����سَ ���مِ ���عْ���تُ جَ �����وَاب�����اً غَ���� ْي���� َر �أَ َّن َي����دِ ي � َ�����س����� َع�����تْ لأَ ْب������������������وَابِ �آمَ�������������الٍ �أُعَ���� ِّت����قُ����ه����ا‬ ‫َك���� َّ���س���ـ���رْتُ مِ ��� ْن���هَ���ا ال�����ذي أَ�غْ ���لَ���قْ��� ُت��� ُه َزمَ���ن���اً َو ُر َّب�������مَ�������ا كَ���� َّ���س���ـ��� َر الأَ ْب����������������وَابَ مُ���غْ��� ِل���قُ���ه���ا‬ ‫َورُحْ �����������تُ �أَ� ْ��������س���������أَلُ عَ���� ْن����هَ����ا كُ������� َّل قَ����افِ����لَ���� ٍة َوكِ��������دْتُ مِ �����نْ كَ���� ْث���� َر ِة ال��� َّت���� ْ���س����آلِ ُ�أقْ��� ِل���قُ���ه���ا‬ ‫طَ ���لَ��� ْب��� ُت���هَ���ا ف����ي ُد ُروْبٍ مَ�������ا َج طَ ����ا ِرقُ����هَ����ا َوف���ي ال�������دُّ ُروْبِ ال��ت��ي ال َركْ�����بَ َي��طْ �� ُرقُ��ه��ا‬ ‫َف��� َّت���� ْ���ش���تُ عَ��� ْن���هَ���ا َورَا َء ال��� َغ��� ْي���مِ ‪ ..‬ال َ�أ َث����� ٌر وَال َب�����قِ����� َّي����� َة عِ �����طْ �����رٍ كُ����� ْن�����تُ أَ� ْن����� َ����ش����قُ����ه����ا‬ ‫مَ��� َ��ض��ى ِب��ـ��يَ ال��عُ��مْ�� ُر ال طَ ��� ْي���فٌ وَال خَ �� َب�� ٌر عَ��� ْن���ه���ا‪ ،‬وَال قَ������ َّل ف����ي قَ��� ْل��� ِب���ـ���ي َت�� َع�� ُّل��قُ��ه��ا‬ ‫َو� َ����ض����ا َع مِ ����نْ � َ���س��� َن���وَاتِ ال��� ُع���مْ��� ِر �أَجْ ���مَ��� ُل��� َه���ا َوقَ��� ْد َذوَى ف��ي ا ْرتِ��قَ��ابِ ال�� َو�ْ��ص��لِ َر ْو َن�� ُق��ه��ا‬ ‫ْ�����س ُم�����سْ �� َت�����سْ �� ِل�� ٌم ِل��� ْل��� َي����أ ِْ����س َب�� ْي�� َرقُ��ه��ا‬ ‫وَعِ ���� ْ���ش���تُ مَ����ا عِ ���� ْ���ش���تُ ال حُ ��� ْل��� ٌم وَال �أَمَ�����لٌ وَال�� َّن��ف ُ‬

‫الشاعر محمد خضر‬ ‫�أعتقد �أن بع�ض ا‬ ‫لأ�شكال ال�شعرية لم تعد قادرة على تمثيل الم�شهد ال�شعري‬ ‫ق�صيدة النثر عانت من تهمي�ش و�إق�صاء‪،‬‬ ‫وكانت كمن يحمل الحلم في الجيب مخافة �أال يعود‬

‫َو َب����عْ���� َد عِ ���� ْ���ش���ـ��� ِر ْي���نَ عَ���ام���اً ال َح ل���ي ���شَ �� َب��حٌ َل����ـ����مَ����حْ ����تُ فِ����� ْي����� ِه َب����قَ����ا َي����ا ال �أُحَ ����قِّ����قُ����ه����ا‬ ‫�����ص�� َع��قُ��ه��ا‬ ‫ِل����� َ����ص���� ْو ِت���� ِه �إ ْذ َدعَ����ا ِن����ـ����ي مِ ���� ْث���� ُل َك����هْ���� َر ِب���� ٍة � َ�����س�����رَتْ ِب����ذَاكِ���� َر ِت����ـ����ي وَالآ َن َت ْ‬

‫■ حاوره‪ /‬عمر بوقا�سم*‬

‫ال َل�����سْ ��تِ أَ� ْن������تِ ‪َ ،‬ب��لَ��ى �أَ ْن������تِ ال��ت��ي رَحَ ���لَ���تْ ال ال‪َ ،‬ب��لَ��ى �أَ ْن������تِ ! عَ�� ْي�� ِن��ـ��ي ال �أ َُ���ص�� ِّدقُ��ه��ا!‬

‫ع�شقه للتجريب جعل لن�صه ح�ضورا متميزا في ال�ساحة ال�شعرية‪ ..‬ال�شاعر محمد‬ ‫خ�ضر‪ ,‬ومنذ مجموعته الأولى «م�ؤقتا تحت غيمة ‪2002‬م»‪ ،‬وهو يلزم القارئ ب�أن يتوقع‬ ‫المفاج�أة‪� !..‬إذ يخبئ داخل ن�صه وم�ضة قد تكون هي ما �سعى لكتابته للن�ص‪ .‬وق�صيدة‬ ‫النثر ف�ضاء يليق بع�شقه‪ .‬في �إجابته على �س�ؤالي عن موعده مع كتابة ق�صيدته قد‬ ‫تعرفك �شيئاً على ثقافته و�شخ�صيته‪� ...« :‬أكتب في �أح��وال متعددة ومتباينة؛ في‬ ‫الهدوء‪ ،‬وال�صخب‪ ،‬وبخا�صة في الأمكنة الجديدة عليّ ؛ ما يحدث �أنني ال �أ�شعر ب�شيء‬ ‫حولي �إطالقا وقت الكتابة‪ ،‬وربما ال �أنتبه لعابر �أو جلي�س مفاجئ �أو تحية‪ ،‬ولم �أحاول‬ ‫يوما فهم ما يجري تماما‪ ،‬بل �أتعمد �أال �أكر�س لطقو�س محددة و�أال �أفهم تلك الحالة‪..‬‬ ‫�أعتقد �أن لحظة القب�ض على الكتابة والرغبة فيها لحظة مهمة والبحث عنها م�ضنٍ‬ ‫�أحيانا»‪� ،‬شاعرنا قال الكثير والمده�ش في هذا الحوار‪..‬‬

‫َن����� َع����� ْم َن����� َع����� ْم هِ ������يَ ال َر ْي���������بٌ مُ��� َع��� ِّذ َب��� ِت���ـ���ي وَحِ ���� ْي���� َن����هَ����ا َل����ـ���� َّج ِب�����ال����� ِّذكْ�����رَى َت��� َدفُّ���قُ���ه���ا‬ ‫َل���كِ���نْ مَ�لامِ ��ـ��حُ ��هَ��ا َل��� ْي�������سَ ���تْ مَ�لامِ ��ـ��حَ ��هَ��ا َو َن�����ا ُب�����هَ�����ا حَ �����الِ�����كُ الأَ ْل���������������وَانِ �أَ ْز َرقُ������ه������ا‬ ‫جَ ��بِ�� ْي�� ُن��ه��ا مِ ����نْ غُ ���� َب����ا ِر ال��� ُع���مْ��� ِر ُم��ـ��مْ�� َت��ـ�� ِق��ـ�� ٌع َوتِ������� ْل�������كَ َب����� ْ����ش����ـ���� َر ُت����هَ����ا َب���������ا ٍد َت�������شَ ���قُّ���قُ���ه���ا‬ ‫�أَمَ�����امَ�����هَ�����ا َو َل������������دَانِ ا� ْ����ش���� َت���� َّد جَ ��� ْر ُي���هُ���مَ���ا وَخَ ����� ْل�����فَ�����هَ�����ا طِ �����فْ�����لَ����� ٌة عَ����������ذْبٌ َت���� َرقُّ����قُ����ه����ا‬ ‫هَ���مَّ���تْ ُت��ـ��حَ �� ِّدثُ�� ِن��ـ��ي عَ�����نْ عُ������ ْذ ِر غَ�� ْي�� َب�� ِت��هَ��ا َو�أَجْ �����هَ������ َ�����ش�����تْ ِب�����كَ��ل��ا ٍم َك����ـ����ا َد َي��ـ��خْ ��ـ�� ُن��ـ��قُ��ه��ا‬ ‫�أَعْ ��� َر� ْ���ض���تُ عَ�� ْن��هَ��ا َو َل���كِ���نْ وَجْ ����� ُه طِ ��فْ��لَ�� ِت�� َه��ا �أَ� ْ�����س�����رَى ُر َك����ـ����ا َم هُ ����مُ���� ْو ٍم هَ������ا َج مُ�� ْب��ـ�� ِرقُ��ه��ا‬ ‫َورُحْ ��������تُ مِ �����نْ ُدوْنِ �أَنْ �أَ ْدرِي �أُ َق��� ِّب��� ُل���هَ���ا هَ������ذِ ي ال������ َب������رَا َء ُة كَ����� ْم َي���ـ���حْ ��� ُل���و َت��� َذ ُّوقُ���ه���ا‬

‫�أ�شعر بانعتاق وف�ضاء جديد‪..‬‬

‫���شَ �� َف�� ْي��تُ عَ�� ْي�� ِن��ـ��ي مِ ���نَ ال�� ُّل��قْ�� َي��ا َومَ���ا �شُ ِفيَتْ حُ �����شَ ��ا���شَ �� ٌة كَ�����ا َد طُ ������وْلُ ال��� ُب���عْ���دِ ُي��زْهِ ��قُ��ه��ا‬

‫‪(æ æ‬م����ؤق���ت���ا ت��ح��ت غ��ي��م��ة ع����ام ‪2002‬م)‪،‬‬ ‫(���ص��ن��دوق �أق���ل م��ن ال�ضياع ‪2007‬م)‪،‬‬ ‫(ال���م�������ش���ي ب��ن�����ص��ف ����س���ع���ادة ‪2008‬م)‪،‬‬ ‫(تماما كما كنت �أظ��ن ‪2009‬م)‪( ،‬منذ‬ ‫�أول تفاحة ‪2013‬م)‪ ..‬هذه �إ�صداراتك‬

‫�������س ال��ـ��حُ ��بِّ �أَنْ َت�����شْ �� َق��ـ��ى ِب��� َع��� ْو َدتِ��� ِه َو�أَنْ َت���هِ��� ْي��� َم ِب����أُ ْن���ـ��� َث���ـ���ى � َ����ش����ابَ مَ���فْ��� ِرقُ���ه���ا‬ ‫َف����أَ ْت��� َع ُ‬ ‫* �أ�ستاذ في جامعة الإمام محمد بن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫الخم�س ال��ت��ي �صافحت بها ال�ساحة‬ ‫ال�شعرية‪ .‬وم��ن الوا�ضح �أن��ك تختلف‬ ‫عن الكثير من ال�شعراء بتقارب تواريخ‬ ‫الإ� � �ص ��دارات‪ ،‬ه��ل ه��ذا ب�م�ث��اب��ة �شرط‬ ‫تراه �أنت يجب �أن يتميز به ال�شاعر �أم‬ ‫ماذا‪..‬؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪95‬‬


‫قراءة جريئة ومحايدة ومفيدة‪..‬‬

‫‪96‬‬

‫الوحيد في تلك الدرا�سة المهمة‪ ،‬من ناحية‬ ‫�أخرى‪ ..‬وهو ال�شق الآخر في محورك �سعدت‬ ‫كثيرا بقراءات ومقاالت م�ست تجربتي ب�شكل‬ ‫واعٍ‪ ،‬وبخا�صة الكتابات التي تتوازى نقديا مع‬ ‫قيمة الن�ص الفنية‪ ،‬تلك الرابطة التي يفيد‬ ‫منها المتلقي في نهاية الأمر‪.‬‬

‫‪æ æ‬ال���دك���ت���ور ���ص��ال��ح م��ع��ي�����ض ال���غ���ام���دي وف��ي‬ ‫قراءته الأولى لق�صيدة النثر في ال�سعودية‪،‬‬ ‫ك��ان��ت م��ج��م��وع��ت��ك الأول������ى «م����ؤق���ت���ا تحت ال �أفهم الأمر ك�سباق �أو حلبة م�صارعة!‬ ‫غيمة» هي النموذج الذي طبق عليه معياره‬ ‫ال��ق��رائ��ي‪� ،‬أن���ا ال �أري���د �أن �أق�� ّي��م �أو �أت��داخ��ل ‪æ æ‬في الأع���وام الأخ��ي��رة �أقيمت ع��دة ملتقيات‬ ‫و�أن�����ش��ط��ة خ��ا���ص��ة بق�صيدة ال��ن��ث��ر ف��ي ع��دة‬ ‫م��ع ق���راءة الدكتور �صالح لمجموعتك �أو‬ ‫مدن عربية‪ ،‬هل هذا يعني ت�صدّر ق�صيدة‬ ‫انطباعاته عن ق�صيدة النثر‪ ،‬لكن �أت�ساءل‬ ‫ال��ن��ث��ر للم�شهد ال�����ش��ع��ري وت��ق�� ّدم��ه��ا على‬ ‫هل و�صل النقاد �إل��ى تجربة محمد خ�ضر‬ ‫العمودية والتفعيلة؟‬ ‫التي تليق بالتجربة �أو تر�ضيك؟‬ ‫‪ρ ρ‬تعليقا على الجزء الأول من المحور‪ ..‬قراءة ‪ρ ρ‬لنقل �إن ق�صيدة النثر عانت في �أزمنة طويلة‬ ‫م��ن تهمي�ش و�إق���ص��اء‪ ،‬وك��ان��ت كمن يحمل‬ ‫الدكتور �صالح معي�ض قراءة جريئة ومحايدة‬ ‫الحلم في الجيب مخافة �أال يعود‪ ،‬بعد هذا‬ ‫توقف عند �إ�شكاليات مفهوم ق�صيدة‬ ‫ومفيدة‪َ ،‬‬ ‫ات�ضحت ال�صورة �أكثر �سواء بجالء فكرة‬ ‫النثر من خالل «م�ؤقتا تحت غيمة»‪ ،‬والتي‬ ‫الن�ص بعيدا عن التقليدية الحديثة وحاالت‬ ‫لم تكن حتما ت�شمل كل المجموعة‪ ،‬بل كنت‬ ‫اال�ست�سهال والتنا�سخ‪� ،‬أو بتميز تجاربه‬ ‫�أنطلق في وعيي الأول بكتابة الن�ص بعيدا‬ ‫في العالم العربي حتى بات ي�شكل الم�شهد‬ ‫عن ت�صنيفه‪ ،‬ولم يكن م�سمى ق�صيدة النثر‬ ‫ال�شعري عموما في بلدان كثيرة؛ ال �أفهم‬ ‫ي�شغلني في كل الن�صو�ص‪ ..‬ولعل هذا م�أخذي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫‪ρ ρ‬م��ا ي �ح��دث �أن �ن��ي ح ��ال �إ�� �ص ��داري لتجربة‬ ‫�شعرية‪� ،‬أ�شعر بانعتاق وف�ضاء جديد و�أبحث‬ ‫عن �أفق مختلف‪ .‬الإ�صدارات جاءت ب�شكل‬ ‫ع�ف��وي م��ن ن��اح�ي��ة ت��وال��ي طباعتها‪ ،‬وتلك‬ ‫ال �ت �ج��ارب المختلفة فنيا �أو ع�ل��ى �صعيد‬ ‫الم�ضمون جعلتني ال �أرى ب�أ�سا في �إ�صدارها‬ ‫متتالية؛ على �سبيل المثال عندما كتبت‬ ‫«�أق��ل من ال�ضياع» كانت مجموعة «الم�شي‬ ‫بن�صف �سعادة» جاهزة لكنها تحمل قيمة‬ ‫فنية مختلفة ع�ن��ه م�ث�لا‪ ،‬وف��ي «م�ن��ذ �أول‬ ‫تفاحة» وجدتني م�ضطرا لإعادة ن�شر بع�ض‬ ‫الن�صو�ص القديمة والمن�شورة �سابقا لأ�سباب‬ ‫لها عالقة بالتوزيع ال�سيئ الذي نالته بع�ض‬ ‫�إ��ص��دارت��ي‪ ،‬الأم��ر كله بحاجة �إل��ى �أال نلزم‬ ‫الكاتب ب�أعوام �أو م��دارات محددة وقوانين‬ ‫�أ�سوة بالكاتب ال�سابق �أو بالتجارب ال�شبيهة‪.‬‬

‫وجد‬ ‫وجدتنيتني م�ض‬ ‫إعادة‬ ‫م�ضطراطلرا لإ‬ ‫عادة‬ ‫ن�شرن�شر ب‬ ‫بع�ضع�ض‬ ‫الن�صو‬ ‫الن�صو�ص�ص القد‬ ‫القديمة‬ ‫يمة والمن�شو‬ ‫والمن�شورةرة �ساب‬ ‫�سابقاقا‬ ‫للأ�سبا‬ ‫أ�سبابب ل‬ ‫لهاها عالق‬ ‫عالقةة بالتوزيع‬ ‫بالتوزيع!!!!‬ ‫� �أكت‬ ‫أكتبب ف‬ ‫فيي� �أحوا‬ ‫أحوالل متعد‬ ‫متعددةدة ومتباين‬ ‫ومتباينةة ف‬ ‫فيي‬ ‫الهد‬ ‫وء وال�صخ‬ ‫الجديدة‬ ‫الهدوء‬ ‫وال�صخببواواللأمكن‬ ‫أمكنةة الجدي‬ ‫دة ع‬ ‫عليّليّ‬ ‫‪ ..‬القر‬ ‫اء وحده‬ ‫النجاح‬ ‫يحددوا‬ ‫القراء‬ ‫‪....‬‬ ‫وحدهمم ممنن يحدد‬ ‫وا النجاح‬ ‫من‬ ‫من عدمه‬ ‫عدمه في‬ ‫في مجمل‬ ‫مدى‬ ‫مجمل ما نكتب‪،‬‬ ‫نكتب‪ ،‬وو��أي�ض‬ ‫أي�ض ًا ًا مدى‬ ‫الر�ضا‬ ‫نكتب‬ ‫الر�ضاال�شخ�صي‬ ‫ال�شخ�صيععممّاّانكتب‬ ‫لدي‬ ‫لديمكتبة‬ ‫مكتبةقديمة‬ ‫التي‬ ‫قديمةتحوي‬ ‫تحوي�أو�لأولالكتب ا‬ ‫الكتبلتي‬ ‫قر�‬ ‫قرأت�ها‪،‬‬ ‫أتها‪،‬وعالقتي‬ ‫كتب‬ ‫وعالقتيبهابهاتتعدى‬ ‫تتعدىكونها‬ ‫كونهاكتب‬ ‫للقراءة‬ ‫للقراءةفقط‪ ،‬ب‬ ‫ذاكرتي‬ ‫فقط‪،‬لبلهيهيجزء م‬ ‫جزءن ذ‬ ‫مناكرتي‬

‫الأم��ر ك�سباق �أو حلبة م�صارعة مع �أ�شكال‬ ‫�أخ��رى �شعرية لها قيمتها باعتبار كل منها‬ ‫ي�شكل فنا �شعريا م�ستقالً‪ ،‬لكني �أعتقد �أن‬ ‫بع�ض الأ�شكال ال�شعرية لم تعد ق��ادرة على‬ ‫الم�ضي قدما على تمثيل الم�شهد ال�شعري‪،‬‬ ‫وربما لأن الدر�س ال�شعري لم يعد ي�ستوعب‬ ‫التغيرات‪ ..‬وهذا لي�س في كل التجارب حتما‪.‬‬ ‫ال�شعر لديّ لم يكن بعيد ًا عن لغة ال�سرد‬

‫‪«æ æ‬ال�����س��م��اء لي�ست ف��ي ك��ل م��ك��ان» طبعا ه��ذا‬ ‫ال��ع��ن��وان ل��ه وق���ع خ��ا���ص ف��ي ن��ف�����س��ك؛ فهو‬ ‫ع���ن���وان رواي���ت���ك ال��وح��ي��دة وال���ت���ي ���ص��درت‬ ‫عام ‪2011‬م‪ .‬من الوا�ضح توجّ ه الكثير من‬ ‫ال�شعراء في العالم العربي لكتابة الرواية‬ ‫والكتابة ال�سردية في ال�سنوات الأخيرة‪ ،‬ما‬ ‫المبررات خلف هذا التوجّ ه؟‬ ‫‪�ρ ρ‬س�أتحدث عن تجربتي ب�شكل خا�ص‪ ،‬قلت‬ ‫ذات حوار �أنه لم يكن تحوال‪ ،‬و�إن ما يحدث‬ ‫هو �أنه في الكتابة الإبداعية ال ي�ستطيع �أي‬

‫مبدع �أن ي�شترطها �أو يقنن ف�ضاءاتها‪ ،‬ومن‬ ‫ثَمَّ ال �أعرف هل هو انتقال �أو تجربة �أخرى‬ ‫ذات ع��وال��م فنية مختلفة؟ �أت �ح��دث عن‬ ‫العوالم‪ ،‬لأن ال�شعر لديّ لم يكن بعيد ًا عن‬ ‫لغة ال�سرد‪ ،‬بل كتب في مجموعات �شعرية‬ ‫لدي بلغة ال�سرد؛ �أعني لغة �أن يكون هناك‬ ‫ر�ؤي��ة تخ�صني �شعريا‪ ،‬ف��أن��ا ل�ست ملتزم ًا‬ ‫ب�ت�ج��ارب �أخ ��رى وال ب ��أن��واع �أو ت�صنيفات‬ ‫�شعرية مثالً‪� .‬أعتقد �أن القراء وحدهم هم‬ ‫َم��ن يحددون النجاح من عدمه في مجمل‬ ‫م��ا نكتب‪ ،‬و�أي���ض� ًا م��دى الر�ضا ال�شخ�صي‬ ‫ع� ّم��ا نكتب‪� .‬إن ه��ذا الن�ص ال��روائ��ي ظل‬ ‫حبي�س ًا داخلي لزمن طويل‪ ،‬ولكني لم �أكتبه‬ ‫�إال بعد نحو ثمانية �أع���وام‪ .‬بمعنى �أن له‬ ‫�أزمنة عدة في داخلي‪ ..‬فقد ت�أملته طويالً‪،‬‬ ‫وهذا ما جعله ن�ص ًا مكثف ًا في نهاية الأمر‪،‬‬ ‫وقد �أوافق �أحيانا الر�ؤية التي تقول بق�صور‬ ‫ال�شعر �أحيانا وع�ج��زه �أم��ام الحياة اليوم‬ ‫المليئة بالتفا�صيل‪ ،‬وهذا �صحي؛ �إذ �ستنجو‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪97‬‬


‫�صرخة �أمل دنقل‬

‫‪98‬‬

‫‪æ æ‬في ظل التغيرات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫ال��ت��ي ي�شهدها العالم ال��ع��رب��ي‪ ،‬ه��ل تتوقع‬ ‫�أن ت��ت��رك ه���ذه ال��ت��غ��ي��رات �أث����را ع��ل��ى �شكل‬ ‫الخطاب الإبداعي وم�ضمونه؟‬ ‫‪ρ ρ‬كانت لدي فكرة مثالية جدا‪ ،‬وهي �أن الإبداع‬ ‫بو�سعه �أن يقوم بالت�أثير �أكثر مع مبدعين‬ ‫ً �شريطة �أن ي�ظ��ل خ�ط��اب��ا �إب��داع �ي��ا ي�ن��أى‬ ‫على وع��ي ت��ام بالت�صاق الن�ص بواقعهم‬ ‫بنف�سه عن العن�صرية والطائفية‪ ،‬ويقترب‬ ‫ومتغيراته ال�سيا�سية واالقت�صادية وغيرها‪،‬‬ ‫من الإن�سان في محاولة فهم ذل��ك الواقع‬ ‫لكن يبدو �أن هناك دائما ما ننتظره لنبد�أ‬ ‫وت�شظياته ومخرجاته‪.‬‬ ‫الرك�ض م��ن ج��دي��د‪ ..‬وه��ذا م��ا �أت��وق�ع��ه في‬ ‫تجربة المنتديات الإلكترونية‬ ‫ظل الراهن العربي اليوم بل‪ ،‬هذا ما ت�شهد‬ ‫به �أزمنة م�ضت حين االنك�سارات العربية ‪æ æ‬و�أن������ت م���ؤ���س�����س «م��ل��ت��ق��ى م�����دد» ال��ث��ق��اف��ي‬ ‫واالنت�صارات والهزيمة والإب��داع��ات التي‬ ‫الإلكتروني‪ ،‬طبعا مدد كان حا�ضنا للكثير‬ ‫بقيت را�سخة ف��ي ال�شارع الإب��داع��ي‪ ،‬كلنا‬ ‫من التجارب ال�شبابية‪ ،‬ومن خالله وثقت‬ ‫نتذكر (ال�م�ه��رول��ون) و�صرخة �أم��ل دنقل‪،‬‬ ‫�أ�سماء �شعرية في خطواتها الأولى‪ .‬هل لنا‬ ‫و�أب��ي تمام الم�ستعاد من البردوني‪ ،‬وغرفة‬ ‫�أن نتعرف على تجربتك مع الملتقى‪ ،‬وهل‬ ‫الماغوط ذات ماليين ال��ج��دران‪ ،‬وعائ�شة‬ ‫هناك معايير فنيه خا�صة للن�شر في مثل‬ ‫ال�ب�ي��ات��ي‪ ،‬وال�ن��ا���س ف��ي ب�لاد عبدال�صبور‪،‬‬ ‫هذه المواقع؟‬ ‫وقرا�صنة �سعدي يو�سف‪ ،‬و�أنا�شيد توفيق‬ ‫ال��زي��اد‪ ،‬وج��داري��ة دروي����ش‪ ،‬وغيرهم‪..‬كان ‪ρ ρ‬من المهم ونحن ب�صدد الحديث عن تجربة‬ ‫المنتديات الإلكترونية على الإنترنت كمواقع‬ ‫المبدع على وع��ي ت��ام بالموقف الإن�ساني‬ ‫ثقافية‪ ،‬و«مدد» ب�شكل خا�ص‪� ،‬أن نذكر �أنها‬ ‫والأدب��ي‪ ،‬وال �شك �أن ه��ذا ما �سيحدث وما‬ ‫ج ��اءت بعد درا� �س��ة م��ا تقدمه الكثير من‬ ‫�سيمنح ه��وا ًء جديدا ور�ؤي��ة �أو��س��ع للإبداع‬ ‫المنتديات والمواقع االجتماعية والترفيهية‪،‬‬ ‫مع تكاتف الزمن ال�سريع والأك�ث��ر انفتاحا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الق�صيدة من الزوائد‪ ،‬ومما يثقلها‪ ،‬و�سيكون‬ ‫لها �أن تر�سم لوحة مختلفة ل��دى التجارب‬ ‫الخالقة والمت�صلة بالواقع‪ ..‬لعل هذا فيه‬ ‫تف�سير مقنع لكتابة ال�شعراء كذلك للرواية؛‬ ‫و�س�أ�ضيف‪� ،‬إنه من ناحية �أخرى ظل ال�شعر‬ ‫حبي�سا لتلك المدار�س البالغية والأ�شكال‬ ‫التي ال تتيح له �أن يقدم ر�ؤية فنية و�إن�سانية‬ ‫�أحيانا‪� ،‬إزاء ما نحن ب�صدده في هذا العالم‬ ‫المليء والمزدحم‪.‬‬

‫�أو ما ي�سمى بالمجموعات البريدية التفاعلية‪،‬‬ ‫وبعد فترة انت�شرت فيها المواقع ال�شخ�صية‬ ‫والمجالت وال�صحف الإلكترونية‪ ،‬ومنها‬ ‫ما كان مميزا �أو قادرا على �أن يقدم ما هو‬ ‫مختلف‪ ..‬مع �أن هذا كان ي�صعب على غالبية‬ ‫المواقع في ظل ال�صعوبات والتحديات التي‬ ‫تواجه تلك المواقع والمنتديات‪ ،‬ال�سيما مع‬ ‫وجود �صحافة ورقية‪ ،‬وانت�شار وا�سع للكتاب‪،‬‬ ‫وو�سائل �أخرى يمكن �أن تكون �أكثر جدوى في‬ ‫خيارات المبدع �أو المثقف من االفترا�ضي‪،‬‬ ‫�أو ما يعامل على �أنه افترا�ضي في الكثير من‬ ‫الت�صورات؛ مع �أن دور ال�صحافة والمجالت‬ ‫كان قد تراجع‪ ،‬ومثلها دور الن�شر التي لم‬ ‫ت�شهد دعما‪ ،‬والأن��دي��ة الثقافية التي كانت‬ ‫قُطرية �أو محلية؛ وم��ن جهة �أخ��رى كانت‬ ‫تلك المواقع الثقافية التفاعلية تعاني من‬ ‫ابتعاد المثقف عنها نظرا لخوفه من هذه‬ ‫التجربة‪ ،‬وظل يعاملها بكثير من الح�سابات‬ ‫التي تعنيه‪ ..‬فلم تجد ه��ذه المواقع كثيرا‬

‫من تفاعل المبدعين وا�ستجابتهم‪� ،‬إال في‬ ‫تلك المواقع التي غازلت اهتمامهم وك�سرت‬ ‫حاجز الخوف والح�سابات داخلهم‪ ،‬ذلك‬ ‫الحاجز النف�سي والح�ضاري في التوا�صل‬ ‫م��ع ه��ذه ال �ث��ورة التكنولوجية ال�ج��دي��دة‪.‬‬ ‫وا�ستطاعت بع�ض تلك المواقع �أن تحدث‬ ‫توفيقا في تقديم مادتها مع ما يقنع مثقفا‬ ‫ومبدعا يحمل الكثير من تراكمه الذي يجعله‬ ‫مت�شبثا ب�أدواته التقليدية ومتم�سكا بها‪ ،‬بل‬ ‫ويعتبر �أن ا�ستخدامه �أو ا�شتراكه في موقع ما‬ ‫يم�س تجربته وا�سمه‪� ،‬إلى �آخر تلك الأوهام‬ ‫التي يعي�شها مثقفنا العربي وال�سعودي ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ ،‬ولم تكن موجودة لدى مجايليهم في‬ ‫البلدان الأخرى وبخا�صة الأوروبية‪ ،‬والتي لم‬ ‫تكت�سب ا�سمها من وجود مثقف ما �أو �شاعر‬ ‫�أو روائي معروف بل مما قدمته وهي ت�ستثمر‬ ‫هذه التقنيات الجديدة �آنذاك؛ تلك التقنيات‬ ‫التي بقيت لدى الكثير من المثقفين تقنيات‬ ‫ع��ال��م ج��دي��د‪ ،‬وع�ل�ي��ه �أن يح�سب خطواته‬ ‫باتجاهه ول��و ك��ان ذل��ك على ح�ساب رغبته‬ ‫الداخلية الكبيرة في ا�ستخدامها‪ ،‬فمر وقت‬ ‫طويل من �أواخ��ر الت�سعينيات لم نر �سوى‬ ‫مواقع محلية متفرقة وغير م�ستمرة‪� ،‬إذ لم‬ ‫تكن �سوى �س�ؤالٍ وحالة من المختبر الذي‬ ‫ينتظر حكمه وم�صيره م��ن مثقف منعزل‬ ‫وقابع خلف �أوراق��ه‪ .‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬كانت‬ ‫هناك منتديات وم��واق��ع تفاعلية كثيرة لم‬ ‫تتبلور فكرة التخ�ص�ص �أو تقديم م��ا هو‬ ‫مختلف عن ال�سائد لديها‪ ،‬ولم يكن هاج�سها‬ ‫�إل��ى �أن ظهرت منتديات ثقافية وانت�شرت‬ ‫الأدبية على اختالف م�ستوياتها وفل�سفتها‪،‬‬ ‫وم��ن َث��مَّ �أ�صبح هناك مبدعون ومبدعات‬ ‫ول��دت ن�صو�صهم الأول��ى في ه��ذا الف�ضاء‪،‬‬ ‫وا�ستطاعوا �أن يقدموا ن�صا �إبداعيا مختلفا‬ ‫بر�ؤى جمالية مغاير ًة موظّ فينَ تلك التقنيات‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪99‬‬


‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫حينا �أو بدخولهم في ن�سيج الإلكترون ليكتبوا‬ ‫ن�صو�صا تعبر ع��ن ده�شتهم ومقارباتهم‬ ‫مع ما يعتبروه ما�ضيا بالن�سبة لهم في كل‬ ‫�أ�شكال الكتابة التقليدية الأول��ى؛ ف�صدرت‬ ‫مجموعات �شعرية �إلكترونية لأكثر من �شاعر‬ ‫و��ش��اع��رة‪ ،‬و�أح�ي��ان��ا ت�ك��ون م ��زودة بو�سائط‬ ‫مختلفة �صوتية �أو با�ستخدام الألوان وال�صور‬ ‫ال�م��راف�ق��ة؛ و�أخ ��رى ف��ي ال��رواي��ة ال�ت��ي كتب‬ ‫بع�ضها كامال على �صفحات المواقع حتى قبل‬ ‫والدتها الورقية؛ وقاد هذا �إلى وجود �أم�سيات‬ ‫�إلكترونية عبر م��واق��ع الفيديو وم��ا ي�سمى‬ ‫بالدرد�شة ال�صوتية‪ ،‬والبطاقات ال�شعرية �أو‬ ‫الإبداعات الم�سجلة عبر مواقع متخ�ص�صة‪.‬‬ ‫كل ه��ذه القوالب الفنية ا�ستثمرها ووظف‬ ‫تقنياتها بع�ض المبدعين‪ ..‬وبخا�صة من لم‬ ‫تكن له عالقة �سابقة بالورقي‪ ،‬بل كان الأقرب‬ ‫�أن تنتج ن�صو�صا تعبر عن اللحظة المعا�شة‪،‬‬ ‫ن�صو�صا مبتكرة وع��وال��م ج��دي��دة ف��ي كل‬ ‫�أو اللحظة الإلكترونية‪� ،‬أو ما ي�شبه التداعي‬ ‫مرة‪ ..‬جيل للحظة مختلفة تماما‪ ،‬لم ي�صدر‬ ‫الملهم الأول من لوحة المفاتيح مبا�شرة‪،‬‬ ‫لأن هناك مواقع متاحة كما يحب البع�ض‬ ‫وتلك الأرق ��ام المبعثرة ال�ج��اه��زة للكتابة‬ ‫�أن يطلق هذه العبارة دوم��ا‪ ،‬وبخا�صة ممن‬ ‫والن�شر حاال؛ كان هذا يغري الكثيرين من‬ ‫�شعروا ب�أن النخبوية الإبداعية ال�سلطوية قد‬ ‫المبدعين لال�ستمرار في االبتكار الخالق‪،‬‬ ‫تحركت من تحت �أيديهم‪ ،‬بل التجربة تقول‬ ‫و� �ص��وال �إل ��ى �أن بع�ض ال�م�ب��دع�ي��ن ال�ج��دد‬ ‫�إن هناك تجارب كثيرة ومهمة تجاوزت عقدة‬ ‫ا�ستطاع �أن يكتب ب�شكل يومي‪ ،‬ومن ثم �أن‬ ‫الأ�سماء المكر�سة وذهبت بعيدا في تحطيم‬ ‫ُيدخل كل تلك الكتابات في غرباله الخا�ص‬ ‫الوثن بنقرة زر!‬ ‫بعد الن�شر ولي�س قبله كما هو معهود‪ ،‬وك�أنها‬ ‫لم ي�شغلني هذا �أبداً‪..‬‬ ‫�ساحة ف�ضفا�ضة لعمل ور�شة جماعية مع‬ ‫عدد من المبدعين والأ�شباه والمهتمين‪«æ æ ..‬ق�صيدة النثر ترتبط بالذائقة الأجنبية‬ ‫والتراث الأجنبي‪ ،‬ولي�ست نابعة من التراث‬ ‫يناق�شون من خاللها الن�ص من زوايا مختلفة‬ ‫العربي»‪ ،‬ه��ذه العبارة تحمل ت�صور بع�ض‬ ‫ع��ن النقد ال�م�ع��روف حتى ل��و ك��ان حديثا‪،‬‬ ‫الأدباء‪ ،‬محمد خ�ضر ماذا يقول؟‬ ‫فهناك ما قد �أ�سميه بالنقد الإلكتروني الذي‬ ‫قد يناق�ش طريقة ا�ستخدام رابط �إلكتروني ‪ρ ρ‬وليكن‪ ،‬ل��م ي�شغلني ه��ذا �أب��دا ورب�م��ا يعود‬ ‫ما‪� ،‬أو تقنية حديثة‪� ،‬أو توظيفا �سلبيا وهكذا؛‬ ‫ال�سبب �إلى �أنني �أكتب باللغة العربية و�ضمن‬ ‫ما خلق فيما بعد ن�صا تفاعليا ورقميا يختلف‬ ‫م�شتركات �إن�سانية؛ فالقالب ال تملكه ثقافة‬ ‫في م�ستوى وعيه وطرحه‪ ..‬بل وال يزال يخلق‬ ‫معينة �أو جهة محددة‪ ،‬وبو�سعي �أن �أ�سكب‬

‫ال�شبكة العنكبوتية؟‬ ‫فيه ما �أريد‪ ،‬و�أظن هذا ما يحدث مع غالبية‬ ‫تماما‬ ‫�شعراء ق�صيدة النثر‪ ،‬والذين �أعرف‬ ‫إبداعي وفهم ‪ρ ρ‬حاليا �أتابع مواقع المجالت وال�صحف �أكثر‪،‬‬ ‫مدى اطالعهم على تراثهم ال‬ ‫وموقع جهة ال�شعر ومكتبة النيل والفرات‬ ‫معظمهم للغة ككائن حيّ ومتطور ومرن‪.‬‬ ‫وموقع نف�س الفني ال�شهير‪� ،‬أظن هذه المواقع‬ ‫�شعراء اليوم ينبغي �أن يقر�أوا التراث‬ ‫هي التي ناف�ست على البقاء معي‪.‬‬ ‫‪���«æ æ‬ش��ع��راء ال��ي��وم‪ ،‬ال يملكون �أدوات ل��ق��راءة‬ ‫�أ�صبحت ت�شكل جزءا من ذاكرتي‬ ‫ق�����ص��ي��دة ال���ت���راث ه����ذا ي��ت�����ض��ح م���ن خ�لال‬ ‫كتاباتهم و�أح��ادي��ث��ه��م»‪ ،‬كيف ت��رى ذل��ك �أو ‪æ æ‬هل لنا �أن نتعرف على مكتبتك؟‬ ‫ماذا تقول في هذا االتجاه؟‬ ‫‪ρ ρ‬يوجد لدي مكتبة في مكان �إقامتي وعملي‬ ‫‪�ρ ρ‬أوافقك الر�أي‪ ،‬لكني �أ�س�أل �أحياناً‪..‬ما الذي‬ ‫الآن‪ ،‬ومكتبة �أخ��رى في الجنوب في مدينة‬ ‫�ست�ضيفه معرفة تلك الأدوات ف��ي ق��راءة‬ ‫�أب�ه��ا‪ ،‬المكتبة القديمة ال ت��زال تحوي �أول‬ ‫ق�صيدة التراث؟ بل �أعتقد �أن �شعراء اليوم‬ ‫الكتب التي ق��ر�أت�ه��ا‪ ،‬وعالقتي بها تتعدى‬ ‫ينبغي �أن يقر�أوا ذلك التراث الأدبي ويفككوه‬ ‫مجددا؛ لمعرفة الكم الهائل الذي ا�ستلبته‬ ‫كونها كتب للقراءة فقط‪ ،‬بل �أ�صبحت ت�شكل‬ ‫القراءات التي لم تتجاوز البالغي والفني‪..‬‬ ‫جزءا من ذاكرتي‪ ..‬ال تزال �أيام طه ح�سين‬ ‫وبخا�صة القراءات الموجهة والمدر�سية‪..‬‬ ‫رف الروايات المترجمة لديكنز‬ ‫بالقرب من ّ‬ ‫التي �ضيعت على المبدع في بداية قراءاته‬ ‫وج��وت��ه وج ��ورج �أوروي� ��ل وك��اف�ك��ا وكثير من‬ ‫فر�صة الغو�ص داخل �إن�سانية تلك الأدبيات‪،‬‬ ‫كتّاب الرواية الكال�سيكية في �أوروب��ا‪ ،‬وجيل‬ ‫واهتمت بالدر�س ال�شكلي والمو�سيقي �أكثر‪.‬‬ ‫الحداثة ال�شعري الأول في العالم العربي‪،‬‬ ‫ال �أ�شعر ب�شيء من حولي‪..‬‬ ‫وكتب متفرقة في الفل�سفة والدين واالقت�صاد‬ ‫وع�ل��م النف�س وال�ن�ق��د‪ ،‬وه��ي كتب متنوعة‬ ‫‪æ æ‬متى تكتب الق�صيدة؟‬ ‫ومتفرقة العناوين والمدار�س‪� ،‬أما المكتبة‬ ‫‪ρ ρ‬ال ي��وج��د طق�س م �ح��دد وال وق��ت ك��ذل��ك‪..‬‬ ‫ال�ج��دي��دة فهي �أك�ث��ر تخ�ص�صا ف��ي الأدب‬ ‫�أكتب في �أحوال متعددة ومتباينة في الهدوء‬ ‫وال�صخب والأم�ك�ن��ة ال�ج��دي��دة عليّ ب�شكل‬ ‫والفن‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى ركن �صغير لل�صوتيات‬ ‫خا�ص؛ ما يحدث �أنني ال �أ�شعر ب�شيء حولي‬ ‫وبع�ضها ت�سجيالت نادرة ل�شعراء من العالم‬ ‫�إطالقا وقت الكتابة‪ ،‬وربما ال �أنتبه لعابر �أو‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫جلي�س مفاجئ �أو تحية‪ ،‬ولم �أحاول يوما فهم‬ ‫ما يجري تماما‪ ،‬بل �أتعمد �أال �أكر�س لطقو�س ‪ρ ρ‬وماذا عن جديدك؟‬ ‫محددة‪ ،‬و�أال �أفهم تلك الحالة‪�..‬أعتقد �أن ‪�ρ ρ‬أ��ص��درت م��ؤخ��را (منذ �أول تفاحة)‪ ،‬وهي‬ ‫لحظة القب�ض على الكتابة والرغبة فيها‬ ‫مجموعة �شعرية �صغيرة تحوي على ن�صو�ص‬ ‫لحظة مهمة والبحث عنها م�ضنٍ �أحيانا‪.‬‬ ‫لم ي�سبق �أن ن�شرت من قبل‪ ،‬و�أخرى �سبق �أن‬ ‫مكتبة النيل والفرات‬ ‫ن�شرتها‪ ..‬وب�صدد التخطيط لعمل م�شترك‬ ‫‪æ æ‬ما المواقع التي تحر�ص على زيارتها على‬ ‫فني و�آخر في الن�ص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪101‬‬


‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫عبدال�صبور‪� ،‬أمل دنقل وغيرهم‪.‬‬

‫الكاتبة‬

‫حرية �سليمان‬ ‫�أع�شق الكتابة النف�سية و�أقدمها في قالب جديد‪ ،‬ولعل روايتَيّ ‪�( :‬سهر)‬ ‫و(طعم امبارح) ج�سدتا هذا الم�ضمون بو�ضوح‪ ،‬من دون ا�ستعمال قوالب نمطية‪،‬‬ ‫لأن التجديد كان �سمة عامة لهما‪.‬‬

‫�أدبية م�صرية جريئة في كتابتها الق�ص�صية‪ ،‬كغمامة تهطل متى �شاءت‪ ..‬عميقة‬ ‫في �سردها الروائي‪ ،‬كحكماء الإغريق‪ ..‬ت�سكنها ربة ال�شعر‪،‬حين تكتب الق�صيدة‪ ،‬ت�شعر‬ ‫و�أنت تقر�أ �أنها تعبر عما بداخلك وت�سبر �أعماقك‪� ،‬إنها الكاتبة حرية �سليمان‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬حمدي ها�شم*‬

‫‪æ æ‬للمبدع دوم��ا رواف���ده التي يت�شكل‬ ‫منها �إبداعه و�شخ�صيته‪� ،‬أال تحدثنا ‪ρ ρ‬كانت تلك المكتبة كن ٌز �أن�ه��ل منه‬ ‫حرية �سليمان عن هذه الروافد في‬ ‫وقتما �شئت‪ ،‬لكننى وجدت اهتمامي‬ ‫حياتها‪.‬‬ ‫مُن�صبا على الأدب ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫‪�ρ ρ‬أتذكرها مكتبة كبيرة تحتل الجدار‬ ‫ف ��ي الأدب ال �ع��ال �م��ي ال �م �ت��رج��م‪،‬‬ ‫الرئي�س في حجرة المعي�شة‪ ..‬كانت‬ ‫ق ��ر�أت ل��ول�ي��ام �شك�سبير‪ ،‬ت�شارلز‬ ‫لوالدي وفيها �شتى �أن��واع المعارف‬ ‫ديكنز‪ ،‬ان�ط��ون ت�شيكوف‪� ،‬أرن�ست‬ ‫م ��ن ال��ع��ل��وم والآداب ب �ف��روع �ه��ا‬ ‫هيمنجواي‪ ،‬ماركيز ودي�ستوفي�سكي‬ ‫المتعددة‪..‬كان �شاعرا‪ ،‬ولم يفارقه‬ ‫و�آخرين‪.‬‬ ‫الكتاب‪ .‬ع�شقت تلك ال�صورة التي‬ ‫تركت انطباعا بداخلي عن ماهية ‪�ρ ρ‬أم���ا ع��ن ال �� �ش �ع��ر‪ ..‬ف �ك��ان ب�ستانا‬ ‫ل �ل �ح��روف‪ ،‬ج���اوز ال���س�م��اء وع��ان��ق‬ ‫الإن�سان وحتمية وجوده ككائن مفكر‪،‬‬ ‫�أحالمي‪ ،‬بيوتوبيا تكاد ت�ستوعب كل‬ ‫ليتدبر الحكمة من وجوده الإن�ساني‬ ‫الب�شر‪ ،‬ق��ر�أت لكثيرين‪ ،‬ال�سياب‪،‬‬ ‫�أوال‪ ،‬ثم ليعمل لعمارة الكون‪ ..‬و�إال‬ ‫م �ح �م��ود دروي� �����ش‪ ،‬م �ط��ر‪�� ،‬ص�لاح‬ ‫ما هو الفرق بين الإن�سان وغيره من‬ ‫مخلوقات اهلل‪.‬‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪ρ ρ‬في مجال الق�صة وال��رواي��ة الم�صرية‪،‬‬ ‫�أي�ضا كانت الجذور عالقة بانتماء‪ ،‬كان‬ ‫كتابنا ال�ك�ب��ار الأر�� ��ض الخ�صبة التى‬ ‫�أدمنت المكوث فيها من دون رغبة في‬ ‫الرحيل؛ �أخذتني ثالثية نجيب محفوظ‬ ‫وجُ بت �أروقته‪� ،‬أزقته‪ ،‬نوا�صيه‪ .‬حدثتنى‬ ‫ن�ساء �إح�سان عبدالقدو�س عن عوالمهن‪،‬‬ ‫وال��راق��ي يو�سف ال�سباعى ب�أدبه الجم‪،‬‬ ‫و�صبري مو�سى عن ف�ساد �أمكنته‪ ،‬وكان‬ ‫يو�سف �إدري�س في مجال الق�صة �أ�ستاذي‪،‬‬ ‫تبعه �آخ��رون من الجيل الجديد‪ ،‬وقتها‬ ‫ك��ان د‪ .‬محمد المخزنجي من �أقربهم‬ ‫لمخيلتي‪ ،‬و�أكثرهم ق��درة على التعبير‬ ‫باختالف وحداثة‪..‬‬ ‫‪ρ ρ‬والآن ال �أج��د كتابا �إال وطالعته‪� ..‬أجد‬ ‫�أن القراءة معرفة ال ح��دود لها‪ ،‬وتراثا‬ ‫�إن�سانيا �سيخلده التاريخ‬ ‫‪æ æ‬الكتابة كالو�شم ي�صعب �إزال��ت��ه‪ ..‬كيف‬ ‫تتوالد الفكرة الإبداعية لدى كاتبتنا‪،‬‬ ‫وم��ت��ى ت�شعر بن�ضج ال��ف��ك��رة و���ض��رورة‬ ‫والدتها على الأوراق؟‬ ‫‪ρ ρ‬ميز اهلل الكاتب ب�صفات تختلف كثيرا عن‬ ‫الآخرين‪� ،‬أهمها على الإطالق ح�سا�سيته‬ ‫ال�شديدة في تناول الأمور وت�أثره ال�شديد‬ ‫بما يحدث حوله‪ ،‬وم��ا ي�صيب مجتمعه‬ ‫من م�شكالت‪ ،‬وعندي قناعة تامة �أن اهلل‬ ‫لم يخلق موهبة �سدى �أو ه�ب��اءً‪ ..‬ولكن‬ ‫الكتابة يلزمها دافع هو ما يحركها فينا‬ ‫وي�ستثيرنا للتعبير‪ ،‬ثم للإم�ساك بالقلم‬

‫ومتابعة ن��زف��ه ح � ّد ال��وج��ع‪ .‬لكن �أول�ه��ا‬ ‫تجربة �إن�سانية عميقة تترك �أثرا ال يمكن‬ ‫محوه‪ ،‬وي�شبه �أ�سير ًا لها تمت�صها حوا�سه‬ ‫وتعلق بجدران ذاكرته‪ ،‬يتقولب فيها‪ ،‬وقد‬ ‫ت�أخذ منه وقتا ليتجاوزها‪ ،‬وقد ال يمكنه‬ ‫ذلك �أبدا‪..‬‬ ‫‪�ρ ρ‬أعظم الكتابات ما كانت وليدة معاناة‬ ‫�إن�سانية‪ ،‬تلك الأم��ور تحثّ على التفكير‬ ‫وم�ح��اول��ة مَ نطَ قة الأم ��ور ب�شكل خا�ص‬ ‫على الورق‪ ،‬وهو ال�شيء الذى يميز كاتبا‬ ‫عن �آخر‪ ،‬وتلك تكون ب�صمته الخا�صة‪..‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يكون التفكير والت�أمل عادتين‬ ‫مالزمتين ال بديل عنهما‪ ،‬قد تولد فكرة‬ ‫نتيجة تجربة �شخ�صية‪ ،‬و�أخ ُر م�ستمدات‬ ‫من الواقع‪ .‬هنا‪ ،‬تتكون ال�شخو�ص‪ ،‬وتولد‬ ‫الأح ��داث‪ ،‬وتت�صاعد العقدة‪ ،‬وتتفاقم‬ ‫الأم��ور ب�شكل يكاد يخرج عن ال�سيطرة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪103‬‬


‫‪«æ æ‬ربما يكون مغلقا»‪ ،‬هذا عنوان �إ�صدارك‬ ‫الأول‪ ،‬ت��وال��ت م��ن ب��ع��ده �أع��م��ال��ك التي‬ ‫ك��ان �آخ��ره��ا رواي��ت��ك الأخ��ي��رة (�سهر)‪..‬‬ ‫حدثينا ع��ن تلك ال��ت��ج��ارب‪ ،‬وه��ل ول��وج‬ ‫ع��ال��م ال���رواي���ة ل���ه ط��ق�����س خ��ا���ص ل��دى‬ ‫‪ρ ρ‬ا�ستطاعت (��س�ه��ر) �أن ت�خ��رج بذاتها‬ ‫كاتبتنا‪...‬؟‬ ‫خارج حدود الأق�صو�صة‪ ،‬لنعاي�ش عالمها‬ ‫‪«ρ ρ‬ربما يكون مغلقا» هو ثاني �إ�صدار �أتى‬ ‫في رواية من الحجم المتو�سط‪ ،‬ولنختبر‬ ‫بعد ديوان ن�صو�ص نثرية بعنوان «عناقيد‬ ‫م�شاعرها ك�أنثى تبحث عن ذاتها‪ ..‬كان‬ ‫ملونة»‪ ..‬كان تجربة مميزة‪ ،‬لأننى بد�أت‬ ‫ال بد من منحها م�ساحة معقولة‪ ،‬لتنطلق‬ ‫بكتابة بع�ض الخواطر والأ�شعار ب�صفحتي‬ ‫بكل ما فيها من �أحالم ور�ؤى و�إحباطات‬ ‫ب�شكل يومي على الفي�س ب��وك ومدونتي‬ ‫وث��ورات مجه�ضة‪ ،‬وتداعيات لم �أكن‬ ‫الخا�صة‪ ..‬كنت �أطير فرحا عندما �أجد‬ ‫ردود الأف �ع��ال م��ن ال ��زوار لل�صفحتين؛‬ ‫ما حفزني على اال�ستمرار‪ ..‬تكّونَ لديَّ‬ ‫ر�صيد ال ب�أ�س به من الكتابات‪ ،‬معظمها‬ ‫ذو ط��اب��ع روم��ان���س��ي‪ ،‬واق �ت��رح بع�ضهم‬ ‫جمعها ف��ي ك�ت��اب لحفظها‪ ،‬واقتنعت‬ ‫بالفكرة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬كان �شعورا رائع ًا �أن �أ�ضم كتابي الأول‬ ‫و�أت���ص�ف�ح��ه‪ ،‬ولأن �ن��ى كنت م��ن محبي‬ ‫ال �ق��راءة والق�ص�ص ب�شكل �أ��س��ا���س‪،‬‬ ‫اعتبرت الق�ص فن ًا متفرداً‪� ..‬أ�ستطيع‬ ‫من خالله التحليق دونما قيود‪ ،‬وخلق‬ ‫ع��وال��م لأب �ط��ال وب��ط�ل�ات‪� ..‬أت �ح��رك‬ ‫من خاللهم و�أع��ان��ي لهم و�أف��رح من‬ ‫�أجلهم‪� ،‬أ�شهد لحظات انت�صارهم‬ ‫وانك�سارهم‪ ،‬و�أخ�ل��ق لهم م�ساحات‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫القراءة معرفة ال حدود لها‪ ،‬وتراثا‬ ‫�إن�سانيا �سيخلده التاريخ‬ ‫�أعظم الكتابات ما كانت وليدة معاناة‬ ‫�إن�سانية‬ ‫الحالة ال�شعورية هي ما تفر�ض نوع‬ ‫الك‬ ‫تابة‪ ..‬ال �أقرر �أننى اليوم �س�أكتب ق�صة‬ ‫�أو‬ ‫ق�صيدة‪ ،‬هو �شعور مباغت ال مفر منه‪..‬‬ ‫يدفعك دفعا ل�شحذ طاقتك باتجاه ما‪..‬‬ ‫الكتاب ال يموت‪ ،‬يخلد كاتبه وتخلد‬ ‫�أفكاره‪ ،‬وي�ؤرخ لفترة زمنية ما‪.‬‬ ‫الرواية العربية عامل جذب كبير نظرا‬ ‫لما تقدمه للقارئ من مغريات كثيره‪،‬‬ ‫و‬ ‫تجعله يعاي�ش �ألوانا مختلفة من الحياة‬ ‫ال عالقة لها بواقعه المرير‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫هنا ال يتكلم الأدي��ب‪ ،‬ولكنها الق�صة �أو‬ ‫الرواية مَ ن تتحدث عن نف�سها من تلقاء‬ ‫ذاتها‪ ..‬وتعلن ميالدها‪.‬‬

‫من الأمل والتحليق خارج حدود الي�أ�س‪،‬‬ ‫كنت �أك�ت��ب الق�ص�ص م��ن حين لآخ��ر‪،‬‬ ‫و�أه�ب�ه��ا ج ��زءًا م��ن �أح�لام��ي وتوقعاتي‬ ‫ور�ؤاي‪ ..‬فجاء (ربما يكون مغلقا) كتابا‬ ‫ب�شكل مجموعة ق�ص�صية بها (‪ )32‬ق�صة‬ ‫مختلفة‪ ،‬تتناول الكثير من الأفكار لرجال‬ ‫ون���س��اء اخ �ت��رت �سجنهم داخ ��ل ح��دود‬ ‫�صفحاتي‪ ،‬وبين طيات غالفه‪.‬‬

‫لأمنحها ك��ل ذل��ك ف��ي ق�صة ق�صيرة‪..‬‬ ‫كانت تجربة غنية‪ ..‬بالفعل ال �أعرف من‬ ‫فينا قد �أ�ضاف للآخر‪� ،‬أنا �أم (�سهر)‪..‬‬ ‫فهي �إ�ضافة فعلية في حياتي‪.‬‬ ‫‪æ æ‬رواي��ت��ك الأخ��ي��رة (���س��ه��ر) تتحدث عن‬ ‫معاناة الأنثى في ظل عالم ذكوري‪ ..‬هل‬ ‫تريْنَ �أن المر�أة المبدعة م�ضطهدة في‬ ‫المجتمع الذكوري؟‬ ‫‪ρ ρ‬للإجابة �شقان‪� ،‬أولهما خا�ص بالرجل‬ ‫وبنظرته ال�م�ع�ت��ادة ل �ل �م��ر�أة‪ ..‬وال �ت��ي ال‬ ‫�أن�ك��ره��ا �أي���ض��ا‪ ،‬فالكاتبة ه��ي �أن�ث��ى في ‪æ æ‬ك���ان الأدي�����ب ال��رو���س��ي دو�ستويف�سكي‬ ‫المقام الأول‪ ..‬و�صدقا ال �أحمل �ضغينة‬ ‫ي��ج��ي��د و���ص��ف �شخ�صياته م��ن جانبها‬ ‫للرجل ال�شرقي �أب��دا‪ ،‬و�إنما �أتحدث عن‬ ‫ال���ن���ف�������س���ي‪ ،‬ون��ل�اح����ظ ه������ذا ج���ل���ي���ا ف��ي‬ ‫واقع ما ب�شكل محايد‪ ،‬برغم �أن الكثيرات‬ ‫�أعمالك‪ ،‬فما مغزى تركيزك على البعد‬ ‫مبدعات في مجال الأدب‪ ..‬تظل الأنثى‬ ‫النف�سي ل�شخ�صياتك؟‬ ‫زوج��ة و�أم ف��ي المقام الأول‪ ،‬ومطالبة‬ ‫‪�ρ ρ‬أعتقد �أن كل ما يلم�س النف�س الب�شرية‬ ‫دوما ب�أال تتخطى حدود كينونتها لتنطلق‬ ‫يحمل عمقا ما وم�ضمونا وفل�سفة خا�صة‪..‬‬ ‫مثال‪ ،‬كما هو متاح للرجل بخبراته وما‬ ‫ال�ن�ف����س الإن���س��ان�ي��ة غنية بالكثير من‬ ‫منحه له المجتمع من ح��ري��ة‪ ..‬الكاتبة‬ ‫التفا�صيل‪� ،‬أجدها منطقة خ�صبة وثرية‬ ‫كائن يبحث عن �سطر نف�سه بدفتر �أحوال‬ ‫وحافلة‪ ..‬ما �أجمل �أن نر�صدها ون�سلط‬ ‫الإن�سانية ب�شكل خا�ص‪ ،‬نظرا لما تحتمله‬ ‫ال�ضوء عليها بكل ما فيها من ت�صدعات‪..‬‬ ‫من �ضغط نف�سي وربما قهر ذكوري؛ لأن‬ ‫والأجمل �أنك عندما تنتهى تترك انطباعا‬ ‫مجتمعنا �أعطى الرجل ن�صيب الأ�سد من‬ ‫عميقا يعلق بالنف�س‪ ..‬جميل �أن يخبرك‬ ‫كعكة الإب��داع‪ ..‬والتقدير والتعبير ربما‬ ‫�أحد قرائك �أن تلك الق�صة الم�ست وترا‬ ‫�أي�ضا فى الكثير من الأحوال‪.‬‬ ‫معينا بحياته و�أنها �أبكته �أو �أ�ضحكته‪..‬‬ ‫‪�ρ ρ‬أم��ا ع��ن ال�شق ال�ث��ان��ى‪ ،‬فكونها �ضحية‬ ‫�أدرك تماما �أن ما يلم�س النف�س الب�شرية‬ ‫محتملة لبنات جن�سها‪ ،‬فالعقل الب�شرى‬ ‫قد يبدو م�ؤلما‪ ،‬و�أنها تعد كتابة درامية‪..‬‬ ‫واح ��د ف��ي الجن�سين‪ ..‬ال�غ�ي��رة غريزة‬ ‫ولكن �أعظم الأعمال قاطبة بكل الفنون‬ ‫ب�شرية‪ ..‬وم��ا ي��زال بع�ضهن يعتقد �أن‬ ‫هي ما تتطرق لهذا البعد الإن�ساني وت�سلط‬ ‫ال�ضوء عليه‪ ..‬بمجموعتي الق�ص�صية‬ ‫ظهور �أخريات جديدات ببداية الطريق‬ ‫قد يدفعهن للتقهقر واالنزواء وتلك لي�ست‬ ‫حقيقة‪ ..‬فلكلٍ ب�صمته الخا�صة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪105‬‬


‫‪æ æ‬م��اذا تخفي حرية �سليمان ف��ي جعبتها‬ ‫لقارئها العربي‪ ..‬هل من �أع��م��الٍ �سيتم‬ ‫طرحها قريبا؟‬

‫‪ρ ρ‬تلك م�شكلة فعال‪ ..‬فال�شعر كما قر�أته‬ ‫�صغيرة يب�شر بيوتوبيا جميلة‪ ،‬كم تعلقت‬ ‫عيوننا بتلك المدينة الفا�ضلة‪ ،‬كم �أرهفنا‬

‫‪ρ ρ‬ل�ل�آن ما �أزال �أعتقد �أننى لم �أكتب ما‬ ‫�أتمنى بعد‪� ،‬أ�شعر �أن��ه م��ا ي��زال �أمامي‬ ‫الكثير والكثير لأقدمه‪ .‬كل ما ي�سعدني‬ ‫حقا �أن �أكتب عنا‪� ،‬أن �أكتبنا كما نحن‪،‬‬ ‫بال زخارف �أو نقو�ش ملونة‪ ،‬نحن حقائق‬ ‫�أزلية‪ ..‬فلم نتلون‪ ،‬كل الأقنعة غالبا ما‬

‫‪æ æ‬م��ا ه��ي ر�ؤي��ت��ك ل��واق��ع ال��رواي��ة العربية‬ ‫الآن‪ ،‬وه��ل �سحبت ال�ب���س��اط م��ن تحت‬ ‫�أقدام ال�شعر؟‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الأول���ى كتابة م��ن ه��ذا ال �ن��وع ج�سدتها‬ ‫مجموعة م��ن الق�ص�ص �أه�م�ه��ا‪« :‬ربما ‪ρ ρ‬ال�ح��ال��ة ال���ش�ع��وري��ة ه��ي م��ا ت�ف��ر���ض ن��وع‬ ‫يكون مغلقا‪ ..‬النافذة‪ ،‬نغمة‪ ،‬الأخ��رى‪،‬‬ ‫الكتابة‪ ..‬ال �أقرر �أنني اليوم �س�أكتب ق�صة‬ ‫بع�ض حقيقة‪ ،‬دوالب الذكريات»‪ ،‬ولكن‬ ‫�أو ق�صيدة‪ ،‬ه��و �شعور مباغت ال مفر‬ ‫المجموعة الثانية جاءت كلها لتحمل هذا‬ ‫منه‪ ..‬يدفعك دفعا ل�شحذ طاقتك باتجاه‬ ‫البعد‪� .‬أع�شق الكتابة النف�سية و�أقدمها‬ ‫م��ا‪ ..‬كانت الفترة الما�ضية من �أ�صعب‬ ‫في قالب جديد‪ ..‬ولعل روايتي (�سهر)‬ ‫الفترات؛ لكل ال�ظ��روف التى م��رت بها‬ ‫و(طعم امبارح) ج�سدتا هذا الم�ضمون‬ ‫م�صر‪ ،‬تركتْ رغبة عميقة في الكتابة‪،‬‬ ‫بو�ضوح‪ ،‬من دون ا�ستعمال قوالب نمطية‪،‬‬ ‫الغريب �أن تجدها منطلقة ب�شكل �سطور‬ ‫لأن التجديد كان �سمة عامة لهما‪.‬‬ ‫من العامية �أو الف�صحى‪ ،‬بتكثيف لتعبر‬ ‫‪æ æ‬ق��دم��ت للمكتبة ال��ع��رب��ي��ة �أع���م���ا ًال في‬ ‫عن �شعور م�سيطر حاد برف�ض الواقع‪،‬‬ ‫م���ج���االت ع����دة‪ ،‬م��ن��ه��ا ال��ن�����ص ال�����ش��ع��ري‬ ‫ورغبة م�ؤكدة بغد م�شرق با�سم ومطمئن‪،‬‬ ‫كما في عملك «عناقيد ملونة»‪ ،‬ومنها‬ ‫ل�ك��ن ب�شكل ع���ام‪� ..‬أع ��د نف�سي قا�صة‬ ‫ال��م��ج��م��وع��ة ال��ق�����ص�����ص��ي��ة كمجموعتك‬ ‫وروائية في المقام الأول‪ ..‬ذلك النوع من‬ ‫«رب���م���ا ي��ك��ون م��غ��ل��ق��ا» م�����رورا ب��رواي��ت��ك‬ ‫الكتابة الذي يخلق عالما �شا�سعا و�أبطا ًال‬ ‫الأخ����ي����رة (����س���ه���ر)‪ ،‬ك��ي��ف ت�ستطيعين‬ ‫يتحركون‪ ،‬وحياة كاملة يمكن �أن ت�سردها‪،‬‬ ‫التوفيق بين هذه الألوان الأدبية‪ ،‬و�أيها‬ ‫ه�ؤالء الأ�شخا�ص عادة ما يتقم�صوننى �أو‬ ‫العك�س‪ ،‬لأفكر بهم وتحملهم خالياي‪،‬‬ ‫وي�ستوطنون ذاك��رت��ي‪ ،‬هم من يدفعني‬ ‫للم�سير يوميا بحجم كبير من الأحا�سي�س‬ ‫والم�شاعر‪ ،‬وط��اق��ة �أتمنى �أال تن�ضب‪،‬‬ ‫فهم امتداد �أبدي؛ لأن الكتاب ال يموت‪..‬‬ ‫الكتاب يخلد كاتبه وتخلد �أفكاره‪ ،‬وي�ؤرخ‬ ‫لفترة زمنية ما‪.‬‬ ‫�أحب �إلى قلبك؟‬

‫ال�سمع لدروي�ش وال�سياب ودنقل ومطر‬ ‫وغ �ي��ره��م‪ ،‬ك��م تعلقنا ب�ه��م وا��س�ت��أث��روا‬ ‫بحوا�سنا جميعها؛ تهذبا ورق�ي��ا وحلما‬ ‫وتحليقا‪ ،‬ك��م وك��م داع�ب��ت كلمات ن��زار‬ ‫م�شاعرنا ولكن‪ ..‬اختلف الزمان وتغيرت‬ ‫الأمور‪ ،‬بقدر ما عبّر ال�شعر عن م�آ�سينا‪،‬‬ ‫بقدر ما عبّر عنا ور�سم �أحالمنا وا�ستوطن‬ ‫خيالنا‪ ،‬وبقدر ما كان مالذا �آمنا �أو نقدا‬ ‫الذعا؛ تغير الو�ضع كثيرا وعزف القارئ‬ ‫العربي عن ال�شعر‪ ،‬انتهى من ح�ساباته‬ ‫تقريبا‪ ،‬يمكنه �أن ي�ستمع �إليه في �أم�سيات‬ ‫ومهرجانات �إن �شاء‪ ،‬ولكن �إن فكر باقتناء‬ ‫كتاب �سيكون رواية‪ ،‬الرواية العربية عامل‬ ‫جذب كبير نظرا لما تقدمه للقارئ من‬ ‫مغريات كثيرة‪ ،‬وتجعله يعاي�ش �أل��وان��ا‬ ‫مختلفة من الحياة ال عالقة لها بواقعه‬ ‫المرير‪ ،‬ت�ستهويه الأل��وان والرك�ض بين‬ ‫ال�شخو�ص ليتوحّ د معها‪ ،‬لين�سى ولو لبع�ض‬ ‫الوقت �آالمه‪ ،‬ليلوّن �أحزانه ويختبر عوالما‬ ‫مختلفة وتجارب �أخرى‪.‬‬

‫ت�سقط بم�ضي الوقت‪ ،‬لي�ست تعرية لنا‪،‬‬ ‫�إنما هو نقل للواقع بكل ما فيه؛ ما يزال‬ ‫في �إمكاني التعبير عن دواخلنا وذواتنا‪،‬‬ ‫�أح�لام �ن��ا‪� ،‬أوه��ام �ن��ا‪ ،‬ع�ث��رات�ن��ا‪ ،‬قيامنا‬ ‫ورك�ضنا‪ ..‬كلها �أ�شياء تحدث؛ ال �أقف‬ ‫عند حدود الأنثى‪ ،‬كتبت (طعم امبارح)‬ ‫وبطلها رجل يبحث عن نف�سه بعد �أن قدر‬ ‫له ال�شتات‪ .‬النف�س هنا هي الجذور العالقة‬ ‫في الأر���ض‪ ،‬حنيننا للبدايات الجميلة‪،‬‬ ‫وتلك روايتي القادمة والتى انتهيت منها‬ ‫بالفعل‪ ،‬و�أي�ضا مجموعة ق�ص�صية جديدة‬ ‫ب�ع�ن��وان (ال �ن �ف��ق) وت �ل��ك �أي���ض��ا ب�صدد‬ ‫الن�شر‪ ..‬و�أعد القارئ العربي بنوع خا�ص‬ ‫ومميز وغير نمطي من الكتابة‪� ..‬أعتقد‬ ‫�أنه �سي�سعده �إلى حد كبير‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪107‬‬


‫■ �أ‪ .‬د‪ .‬علي ال�صهبي*‬

‫حول مقولة النحات هنري مور ‪�« :Henry Moore‬أريد ان �أك�سب قيمة �إن�سانية‪ ،‬من‬ ‫التمثال الم�صري‪ ،‬و�أن �أفقد كل �شيء»! يعد «م��ور» رائ��دًا لفن النحت المعا�صر في‬ ‫بريطانيا‪ ،‬كما يعد في الوقت نف�سه من �أكثر المثالين المعا�صرين ت�أثيرًا في تطور‬ ‫فن النحت الحديث‪.‬‬ ‫ذاعت �شهرته بين الإنجليز منذ �أن �أقام �أول معار�ضه في العام ‪1928‬م‪ ،‬وهو المعر�ض‬ ‫الذي مهّد ل�شهرته الوا�سعة بعد ذلك‪.‬‬ ‫و�إذا كانت �أعماله قد تنوعت بين �أ�سلوب النحت الم�صري القديم)‪ ،‬ما مكّنه من‬ ‫النحت �شبه المو�ضوعي و�أ�سلوب النحت ت�ن��وي��ع مطابقته ال�شكلية للمو�ضوعات‬ ‫الالمو�ضوعي‪ ،‬فقد اعتمد في الكثير مما نف�سها‪.‬‬ ‫قدمه م��ن �أع�م��ال على مو�ضوع «الج�سم‬ ‫م��ن �أه ��م م��ا ذك ��ره «م ��ور» ع��ن موقف‬ ‫الم�ضطجع»‪ ،‬وك��ان �أب��رز �أعماله النحتية‬ ‫النحات المعا�صر من النحت الم�صري‬ ‫التمثال الم�سمى «ا�ضطجاع»‪ ،‬الذي انتهى‬ ‫القديم‪�« :‬أريد �أن �أك�سب قيمة �إن�سانية من‬ ‫منه في عام ‪1938‬م‪.‬‬ ‫التمثال الم�صري‪ ،‬و�أن �أفقد كل �شيء»!‬ ‫�شُ كلت �أعمال «مور» لكي تبدو وك�أن قوى‬ ‫الطبيعة هي التي �شكلتها‪� ،‬إذ �أنها من�سجمة لماذا غابت القيم الإن�سانية عن‬ ‫النحت المعا�صر؟‬ ‫م��ع البيئة المحيطة ب�ه��ا‪ .‬وق��د ا�ستخدم‬ ‫والإج��اب��ة على ه��ذا الت�سا�ؤل ت�ستدعي‬ ‫العديد من الخامات (الخ�شب‪ ،‬والحجر‪،‬‬ ‫والمعدن)‪ .‬وهناك �شواهد لإعجابه بتماثيل منا التعرف على مفهوم القيم الإن�سانية‬ ‫النحت الكال�سيكية الإغريقية (وكذلك في الفن‪ ،‬وكذلك بع�ض مظاهر التعبير‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫يق�صد بالقيمة الإن�سانية تلك المعاني التي �أن ن��ذك��ر ع�ل��ى �سبيل ال �م �ث��ال‪ ،‬مجموعة من‬ ‫تنتقل م��ن الأع �م��ال الفنية �إل��ى الم�شاهدين‪ ،‬الأعمال النحتية الم�صرية القديمة التي تعك�س‬ ‫وتمثل مدر�سة �أخالقية كبرى‪ ،‬نتعلم من خاللها هذه القيم الإن�سانية الرفيعة‪ ،‬فيما ي�أتي‪:‬‬ ‫درو���س التعاطف والتناغم و�شتى �أح�سا�سي�س‬ ‫ تمثال الملك زو�سر‪ :‬من الأ�سرة الثالثة –‬‫الم�شاركة الوجدانية؛ ذل��ك �أن الفن ك��ان وال الدولة القديمة – من الحجر الجيري – ويعك�س‬ ‫يزال �أعمق مظاهر الن�شاط الب�شري تعبيرًا عن الوقار‪.‬‬ ‫االت�صال‪ ،‬و�أ�شدها �إثارة لالنفعال‪.‬‬ ‫ تمثال الملك منقرع وزوج �ت��ه‪ :‬م��ن الأ��س��رة‬‫فالفن لي�س مجرد ن�شاط ي��دوي للإنتاج‪،‬‬ ‫الرابعة – الدولة القديمة – من الحجر‪-‬‬ ‫ويعك�س جمال الرجولة والأنوثة مع االحتفاظ‬ ‫ولكنه ن�شاط �إب��داع��ي نمائي هدفه الأول نقل‬ ‫بجالل ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫قيمة �سامية للآخرين‪ .‬وال�ف��رق بين الأعمال‬ ‫الفنية الإعجازية والأعمال الفنية العادية يكمن ‪ -‬تمثال �شيخ البلد (ك��اع �ب��ر)‪ :‬م��ن الأ� �س��رة‬ ‫في قدرة الفن على ال�سيطرة على لغة ال�شكل‪،‬‬ ‫الخام�سة‪ -‬الدولة القديمة – من الخ�شب‬ ‫بحيث تف�صح ب�شكل وا�ضح عن قيمة معنوية ذات‬ ‫– ويعك�س وجهه زهوه بمنزلته واعتزازه‬ ‫بمكانته‪ ،‬وتت�ضح الب�ساطة الرائعة والإن�سانية‬ ‫طراز هي في الأ�صل داخل فكر الفنان ووجدانه‪،‬‬ ‫ال�ج��ذاب��ة وال��ر��ش��اق��ة ال�ت��ي تتجلى ف��ي يده‬ ‫�أو تف�صح – بمعنى �آخر – عن معنى ي�ستطيع‬ ‫المم�سكة بالع�صا‪.‬‬ ‫التاثير على الآخرين‪ ،‬ويجعلهم في حالة تعاطف‬ ‫وم�شاركة جمالية فعلية مع م�ضمونه‪.‬‬ ‫ ر�أ� ��س تمثال الملك �سيزو�سترين الثالث‪:‬‬‫الأ�سرة الثانية ع�شر – الدولة الو�سطى –‬ ‫ويعمل على �إبراز القيم الإن�سانية‪ ،‬من خالل‬ ‫م��ن الحجر – ويعك�س م�سحة م��ن القلق‪،‬‬ ‫الن�شاط الفني‪ ،‬على تعميق الإح�سا�س بالوجود‪،‬‬ ‫ويت�ضح ذلك في التجاعيد الموجودة بجبهته‬ ‫فقد تحمّل هذه القيم معاني‪ :‬القوة؛ ال�سالم؛‬ ‫نتيجة الكفاح والحروب التي خا�ضها‪.‬‬ ‫الرجولة؛ الأنوثة؛ االنت�صار؛ ال�شموخ؛ الخوف؛‬ ‫وقد ان�صرف بع�ض النحاتين المعا�صرين‬ ‫الخلود؛ العظمة؛ الكبرياء؛ الوقار؛ ال�صرامة؛‬ ‫العمل؛ الأمومة؛ الرخاء؛ الخير؛ الوفاء؛ الحنان؛ عن تج�سيد القيم الإن�سانية فيما ي�أتي‪:‬‬ ‫اليقظة؛ ال�شجاعة‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫ بدال من �أن ي�ستفيد نحاتو ع�صر النه�ضة‪،‬‬‫وت�شمل كل من هذه المعاني م�ضمونًا ًّ‬ ‫خا�صا ومَ ��ن ج���ا�ؤوا ب�ع��ده��م‪ ،‬م��ن ال�ت�ج��ارب الروحية‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫القيمة الإن�سانية بين‬ ‫النحت الم�صري القديم والنحت المعا�صر‬

‫عنها ف��ي النحت الم�صري ال�ق��دي��م‪ ،‬تمهيدً ا ي�صبغ العمل الفني ب�صبغته المعنوية المميزة له‬ ‫لإل�ق��اء ال�ضوء على �أ�سباب ظاهرة ان�صراف من خالل ال�شكل في العمل النحتي‪.‬‬ ‫بع�ض النحاتين المعا�صرين عن تج�سيد المعاني‬ ‫وق��د تميزت الأع �م��ال النحتية الم�صرية‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬بهدف تحديد ر�ؤي��ة الفن الحديث القديمة منذ �أق ��دم الع�صور ب�ه��ذه المعاني‬ ‫للتعبير عن مفهوم القيم الإن�سانية‪.‬‬ ‫الإن�سانية الرفيعة لتلك القيم الإن�سانية‪ ،‬ويمكننا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪109‬‬


‫التي عا�شها الرجال الذين �أنتجوا ذلك الفن‬ ‫الكال�سيكي‪ ،‬ف�إنهم قد ثابروا فقط على نقل‬ ‫مظاهره الخارجية‪ ،‬والن�سخ منها‪ ،‬بما يتالءم‬ ‫مع الم�شاعر ال�سطحية لع�صرهم‪.‬‬ ‫ �أ�صبح الع�صر الحديث‪ ،‬كما �أ�شار �إلى ذلك‬‫الكثيرون من علماء النف�س‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم العالم‬ ‫«يونج»‪ ..‬قد �أ�صبح يعاني �أزمة في الإن�سانيات‬ ‫والقيم‪ .‬وهو ما يجعلنا نعتقد �أن ع�صرًا قلت‬ ‫فيه هذه المعاني الإن�سانية‪ ،‬ومن ثَمَّ ال ي�ستطيع‬ ‫فنانوه �أن يعبروا عن هذه القيم في �أعمالهم الأرجح تركيب معقّد يقت�ضي النظر �إلى �أطراف‬ ‫متعددة‪.‬‬ ‫الفنية‪.‬‬ ‫و�أي حكم بالقيمة‪ ،‬ين�صبُّ على عمل معين‪،‬‬ ‫ �أ�صبح الإن�سان الحديث المتح�ضر ينظر‬‫�إل��ى ال�صفات الروحية والحيوية فيما يتعلق ينطوي على هذه القيمة بف�ضل ما بُذل فيه من‬ ‫بالأ�شياء غير الحيّة‪ ،‬كداللة على مرحلة بدائية جهد �إن�ساني وابتكار جديد‪ ،‬لأن القيم ال ت�صل‬ ‫�إلينا �إال من خ�لال عمل معين؛ وم��ن َث��مَّ ‪ ،‬ف�إن‬ ‫من مراحل التقدم الإن�ساني‪.‬‬ ‫ فقدت الحياة تما�سكها �أمام عين الإن�سان‪ ،‬النحات والمتذوق هما الطرفان اللذان تنتقل‬‫ففقدت بذلك �شكلها‪ ،‬و�أ�صبحت القيم النفعية القيمة دائمًا من �أحدهما �إلى الآخ��ر بوا�سطة‬ ‫(المادية) هي الم�ؤ�شر والموجّ ه لحياة الأفراد‪ .‬العمل الفني‪.‬‬ ‫ رف�ض الفن ف��ي ال�ق��رن الع�شرين نهائيًّا‬‫االلتزام بحرفية الواقع �أو �أن يحاكي مظاهره‪،‬‬ ‫وق��د ب��د�أ ذل��ك منذ ال��رب��ع الأخ �ي��ر م��ن القرن‬ ‫التا�سع ع�شر على �أيدي االنطباعيين‪.‬‬

‫وق��د تمكّن الإن �� �س��ان المعا�صر م��ن خالل‬ ‫العلم والتكنولوجيا الحديثة من الحركة و�سط‬ ‫المجموعات ال�شم�سية‪ ،‬ومكّنته الآلة من �سرعة‬ ‫الحركة‪ ،‬وتي�سير االت�صال بالأبعاد ال�شا�سعة؛‬ ‫ما �أدى �إلى تغيير مفاهيم الإن�سان عن المكان‬ ‫والزمان‪.‬‬

‫�أ�صبح الفن الحديث ي��رى �أن القيمة هي‬ ‫– قبل كل �شيء – عالقة تقوم بين الذات‬ ‫و�إذ �صح لنا �أن نكرر اكت�شافًا علميًّا �أو ننقل‬ ‫الإن���س��ان�ي��ة‪ ،‬وال��واق��ع‪ ،‬وم��ا ب��ه م��ن مو�ضوعات‬ ‫اخ�ت��راعً ��ا �صناعيًّا‪ ،‬مما تحفل ب��ه الح�ضارة‬ ‫و�أحداث‪.‬‬ ‫التكنولوجية الغربية‪ ،‬فلي�س من الجائز �أن ننقل‬ ‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬فلي�ست القيمة م�ج��رد �إ�سقاط القيم الأخالقية نف�سها �أو �أ�ساليب ال�سلوك‪� ،‬أو‬ ‫حاجات الإن�سان‪ ،‬ورغباته‪ ،‬وميوله‪ ،‬بل �إنها على نحيا الوجدانات والم�شاعر نف�سها؛ لأن هذه‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وي�ستطيع ال�ف�ن��ان المعا�صر �أن يعبر عن‬ ‫م�شاعر الحب والكراهية وال�شجاعة والخوف‪،‬‬ ‫على �سبيل المثال‪ ،‬ب�أ�شكال و�صور متعددة‪ ،‬وال‬ ‫يلزم �أن ينقلها عن غيره بالأ�شكال وال�صور‬ ‫نف�سها التي بها عبر القدماء عن م�شاعرهم؛‬ ‫ذلك �أن الم�شاعر قد تكون واحدة‪ ،‬كما قد تلتقي‬ ‫الأفكار‪ ،‬ولكن �أ�سلوب ال�صياغة‪ ،‬و�شكل التعبير‬ ‫يختلف من ع�صر لآخ��ر‪ ،‬كما يختلف من فرد‬ ‫لآخر‪.‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫القيم الثقافية يمكن �أن ن�صوغها ب�أ�شكال‬ ‫وب�صور ورموز مختلفة‪.‬‬

‫الإن�سانية‪ ،‬ينبغي �أال يجعل النحات المعا�صر‬ ‫يي�أ�س من �إمكانية انح�سار االتجاهات الفنية‬ ‫الهاربة من تج�سيد القيم الإن�سانية لتعود هذه‬ ‫القيم‪ ،‬مرة �أخرى‪ ،‬فت�صبح مو�ضوعً ا فنيًّا مهمًّا‪،‬‬ ‫مثلما كانت في الما�ضي‪ ،‬و�إن اختلفت �أ�ساليب‬ ‫تناول م�ضمونها؛ فهذه القيم هي الأكثر خلودًا‪،‬‬ ‫حتى ولو لم يكن �أم��ام النحات الحديث �سوى‬ ‫مجرد التمني فقط‪ ،‬مثلما فعل النحات «هنري‬ ‫مور» نف�سه!‬ ‫المراجع‪:‬‬

‫ومن ذلك‪ ،‬يت�ضح �أن اختالف فل�سفة ع�صرنا‬ ‫ال�ح��دي��ث وم�ن�ج��زات��ه العلمية والتكنولوجية‪،‬‬ ‫مدبولي‪ ،‬القاهرة‪1965 ،‬م‪.‬‬ ‫بالمقارنة بفل�سفة الع�صور القديمة‪ ،‬قد حكم‬ ‫على النحات المعا�صر �أن يكون له موقف مختلف •ح�سن محمد ح�سن‪« ،‬الأ� �س ����س التاريخية للفن‬ ‫الت�شكيلي المعا�صر»‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫عن النحات القديم ب�ش�أن التعبير عن القيم‬ ‫الإن�سانية وتج�سيدها في �أعماله النحتية‪.‬‬ ‫‪1979‬م‪.‬‬ ‫ •�أم �ي��رة حلمي مطر‪« ،‬القيم وال�ح���ض��ارة»‪ ،‬مكتبة‬

‫من كل ما تقدم‪ ،‬يت�ضح لنا �أن الإ�شكالية •زكريا �إبراهيم‪« ،‬الفنان والإن�سان»‪ ،‬مكتبة غريب‪،‬‬ ‫الفنية التي �أثارتها كلمات النحات «هنري مور»‬ ‫القاهرة‪1974 ،‬م‪.‬‬

‫لي�س من ال�سهل حلها تمامً ا‪ ،‬وبخا�صة بعد �أن •عز الدين �إ�سماعيل‪« ،‬الفن والإن�سان»‪ ،‬دار القلم‪،‬‬

‫�أ�صبحت فل�سفة الع�صر الحديث م��ادي��ة في‬ ‫جوهرها‪ ،‬كما �صار التقدم العلمي التكنولوجي‬ ‫ •نعمت �إ�سماعيل‪« ،‬فنون الغرب في الع�صر الحديث»‪،‬‬ ‫هو الم�صدر الأ�سا�س الذي يمد النحات المعا�صر‬ ‫دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1978 ،‬م‪.‬‬ ‫أي�ضا كيفية‬ ‫بالخامات الحديثة‪ ،‬بل يملي عليه � ً‬ ‫ •‪Hamilton, george heard, «19th 20th century Art‬‬ ‫التحكم ف��ي ت�شكيلها و�صياغتها‪ ،‬ف�ضال عن‬ ‫‪.painting, Sculpture, Architecture», New York, 1970‬‬ ‫�إف���راط بع�ض االتجاهات الفنية الحديثة في‬ ‫االهتمام بالت�شكيل والبناء على ح�ساب التعبير •نوال حافظ – حول مقولة النحات المعا�صر «هنري‬ ‫عن القيم الإن�سانية‪.‬‬ ‫م��ور» عن قطعة من النحت الم�صري القديم –‬ ‫القاهرة‪1974 ،‬م‪.‬‬

‫على �أن عدم تج�سيد النحت المعا�صر (وال‬ ‫ينطبق ذلك على كل اتجاهاته الفنية) للقيم‬

‫درا�سات وبحوث – المجلد الثاني – القاهرة –‬ ‫دي�سمبر – ‪1979‬م‪.‬‬

‫* �أ�ستاذ النحت كلية التربية جامعة عين �شم�س في القاهرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪111‬‬


‫■ حممد �صوانة*‬

‫�إن ولوج عالم الم�شاريع الإنتاجية ال�صغيرة من دون درا�سة م�سبقة يُع ُّد مجازفة‪،‬‬ ‫ق��د ت��ودي بالعمل كله �إل��ى الف�شل‪� ،‬أو ق��د ت���ؤخ��ر تطور الم�شروع‪� ،‬أو تدني �إي��رادات��ه‬ ‫لفترة طويلة؛ في الوقت الذي كان يمكن فيه ل�صاحب الم�شروع �أن يكون واعياً لتلك‬ ‫الأم��ور التي قد ت�ؤثر على م�ستوى نجاح الم�شروع منذ البداية‪ ،‬ليتمكن من �إيجاد‬ ‫الحلول المنا�سبة في الوقت المنا�سب‪ ،‬ولكي يعمل على توفير البدائل التي من �ش�أنها‬ ‫ال منا�سباً ل�صاحبه بد ًال من �أن‬ ‫النهو�ض بالم�شروع‪ ،‬وجعله م�شروعاً منتجا‪ ً،‬يوفر دخ ً‬ ‫يكون عالة عليه‪ ،‬ي�ضطره في كثير من الأحيان ل�ضخ �أموال جديدة فيه ليتمكن من‬ ‫اال�ستمرارية ال�شكلية‪.‬‬ ‫و�إذا ت� ��واف� ��رت ال ��درا�� �س ��ة‬ ‫م�شروع �إنتاجي �صغير يدر دخلآً‬ ‫على �أ�سرته‪ ،‬وقد ي�صبح في‬ ‫المت�أنية المتفح�صة لجميع‬ ‫الم�ستقبل م�شروع ًا كبيراً‪،‬‬ ‫عنا�صر الم�شروع الإنتاجي‬ ‫مثله م�ث��ل ك��ل الناجحين‬ ‫ال���ص�غ�ي��ر‪ ،‬ف� ��إن �صاحبه‬ ‫ال��ذي��ن ب� ��د�أوا � �ص �غ��ار ًا ثم‬ ‫��س��وف يجني ث�م��ار نجاح‬ ‫كبرت م�شاريعهم وكبروا‬ ‫م�شروعه في فترة زمنية‬ ‫م� �ع� �ه ��ا‪ ،‬ح� �ت ��ى �أ� �ص �ب �ح��ت‬ ‫ق��ي��ا���س��ي��ة‪ .‬وق � ��د ي���ص�ب��ح‬ ‫م�شاريعهم الناجحة منارات‬ ‫الم�شروع رائ��داً‪� ،‬إذا توافرت‬ ‫ي�شار �إليها ويُهتدى بها في مجال‬ ‫له المتابعة الفعلية الم�ستمرة‪ .‬و�إن‬ ‫الأع �م��ال‪ .‬فهل تكون �أن��ت‪� /‬أن��تِ واح��داً‪/‬‬ ‫ت��رك العاملين فيه يعملون على هواهم‪،‬‬ ‫واح��دة من �أ�صحاب مثل تلك الم�شاريع‬ ‫يجعل الم�شروع في مهبّ الريح‪.‬‬ ‫الرائدة؟ هذا ما يمكن �أن يقرره �صاحب‬ ‫وما هذه الر�سالة المتوا�ضعة �إال قائمة كل م�شروع ح�سب الطريقة التي �سيدير بها‬ ‫مراجعة جديرة بالنظر‪ ،‬لكل من يفكر في م�شروعه‪.‬‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫خطورة تعجّ ل الربح‬ ‫م��ن المهم �أن ي��درك مَ ��ن يفكر ف��ي �إق��ام��ة‬ ‫م�شروع �صغير �أنَّ تعجّ ل الربح قد ي�ؤدي �إلى نتائج‬ ‫تق�صر عمر الم�شروع‪ ،‬كما �أن ا�ستهالك‬ ‫عك�سية ّ‬ ‫ر�أ���س المال لغايات مخالفة لتطوير الم�شروع‬ ‫ذاته ي�ؤدي �إلى �ضمور الم�شروع يوم ًا بعد يوم‪،‬‬ ‫حتى ينتهي �إلى الف�شل؛ لذا‪ ،‬ينبغي �أن يحر�ص‬ ‫�صاحب الم�شروع على ا�ستثمار فر�ص النجاح‬ ‫الممكنة وتالفي الهدر المتعمد لأ�صول ر�أ���س‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫كيف ينجح م�شروعك الإنتاجي ال�صغير؟‬

‫ما هو الم�شروع ال�صغير؟‬ ‫�إذا �أردنا تعريف الم�شروع ال�صغير من حيث‬ ‫ال�صفات المميزة له‪ ،‬ف�إنه هو الم�شروع الذي‬ ‫يمتاز بال�صفات الآتية‪:‬‬ ‫ •يتولى �أ�صحابه �إدارته ب�شكل مبا�شر‪.‬‬ ‫ •يحمل الطابع ال�شخ�صي‪ ،‬ب�شكل وا�ضح‬ ‫وكبير‪.‬‬ ‫ •يعد محلي ًا �إلى حد كبير‪ ،‬في المنطقة‬ ‫التي يوجد فيها‪.‬‬ ‫ •بالقيا�س �إل��ى ر�أ���س المال‪ ،‬ف��إن حجمه‬ ‫�صغير ن�سبي ًا في القطاع ال��ذي ينتمي‬ ‫�إليه‪� ،‬سواء �أكان �صناعي ًا �أم زراعي ًا �أم‬ ‫خدماتياً‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫ • يجري تكوين ر�أ�س ماله ب�شكل ذاتي من‬ ‫قبل �صاحب الم�شروع‪� ،‬أو من المقربين‬ ‫م �ن��ه‪� ،‬أو م��ن خ�ل�ال دع��م ح�ك��وم��ي �أو‬ ‫م�ؤ�س�سات �إقرا�ض محلية‪.‬‬ ‫ •ي �ع �م��ل ف �ي��ه ع���دد م� �ح ��دود وق �ل �ي��ل من‬ ‫العاملين‪� ،‬سواء �أكانوا �إداريين �أم فنيين‪.‬‬ ‫وق��د يقت�صر ال�م���ش��روع ال�صغير على‬ ‫�شخ�ص واحد في بع�ض الأحيان‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫ي�صل عدد العاملين فيه �إلى ما يقارب ما‬ ‫هو في الم�شروعات المتو�سطة‪.‬‬

‫المال �أو ا�ستغاللها في غير �أهداف الم�شروع‪.‬‬ ‫كما �أن��ه م��ن المهم لل�شخ�ص ال��راغ��ب في‬ ‫�إقامة م�شروع �إنتاجي �أن يعرف نف�سه ويعرف‬ ‫�إمكاناته المالية والإداري��ة‪ ،‬و�أن يكون واثق ًا من‬ ‫نف�سه‪ ،‬و�أن يقدم �أفكار ًا جديدة وال يكون تقليدي ًا‬ ‫مح�ضاً؛ وليكن ق��ادر ًا على االبتكار‪� ،‬إذ يمكن‬ ‫�إن�شاء م�شروع �إنتاجي جديد في النوع �أو في‬ ‫�شكل المنتج‪ /‬الخدمة يختلف عن ما تنتجها �أو‬ ‫تقدمها الم�شاريع الم�شابهة القائمة في منطقته‪،‬‬ ‫وكلما ُوفِّقَ في تقديم منتج جديد �أو توفير خدمة‬ ‫مبتكرة في �شكلها �أو في نوعها وموا�صفاتها‪،‬‬ ‫�أو مالءمتها لأذواق الجمهور كلما كانت فر�ص‬ ‫نجاحه �أكبر‪.‬‬ ‫الحكمة في �إدارة الم�شروع‬ ‫يف�شل الكثير من الم�شاريع ال�صغيرة بعد‬ ‫وق��ت ق�صير م��ن �إن�شائها‪ ،‬لأن�ه��ا تمثل قفزة‬ ‫في ال�ف��راغ‪ ،‬ورغبة في الو�صول �إل��ى النتيجة‪،‬‬ ‫من دون مقوّمات حقيقية ق��ادرة على تقدمه‬ ‫ونجاحه‪ ،‬كمن يريد �إنتاج طبخة جاهزة من‬ ‫دون توافر جميع موادها الالزمة‪ ،‬فيخلط في‬ ‫القِدْ ر المتوافر منها على عجل‪ ،‬وينتظر الطبق‬ ‫الم�أمول! ولكن هيهات �أن يحظى بمراده‪.‬‬ ‫�إن الحكمة تقت�ضي �أن تتخذ القرارات المتعلقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪113‬‬


‫الف�شل ال يعني النهاية‬ ‫ولوحظ �أن العديد من الم�شروعات ال�صغيرة‬ ‫تتعر�ض للف�شل في �سنتها الأول ��ى‪ ،‬وق��د ت�صل‬ ‫الن�سب ًة �إل��ى نحو ‪ %60‬من الم�شاريع المنفذة‪،‬‬ ‫بينما يف�شل نحو ‪ %30‬في ال�سنة الثانية؛ ما ي�ؤكد‬ ‫�أهمية الدرا�سة المت�أنية قبل البدء بم�شروع‬ ‫�إنتاجي ما في منطقة ما‪ ،‬وكذلك ي�ؤكد �أهمية‬ ‫درا�سة الجدوى قبل البدء في الم�شروع‪ .‬لكن‬ ‫�إذا �أعطت درا�سة الجدوى نتيجة غير �إيجابية‬ ‫لم�شروع ما‪ ،‬ف�إن ذلك ال ينبغي �أن يدفع �صاحب‬ ‫الفكرة �إل��ى النكو�ص عن العمل والتوقف عن‬ ‫فكرة �إن�شاء الم�شروع الإنتاجي‪ ،‬بل يجب �أن‬ ‫يحفزه ذلك �إلى درا�سة م�شروع �آخر والتفكير‬ ‫في م�شروع �أكثر مالءمة للمنطقة‪ ،‬ويتنا�سب‬ ‫و�إم�ك��ان��ات��ه المالية والمعرفية‪ .‬مت�سلح ًا في‬ ‫هذه المرة بالخبرة التي تحققت له من خالل‬ ‫درا��س��ة فكرة الم�شروع الأول ودرا��س��ة ج��دواه‬ ‫االقت�صادية‪.‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪ -3‬‬

‫‪- 4‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫‪ -6‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫بالبدء ب�أي م�شروع �صغير بعد درا�سة وافية لكل‬ ‫المتطلبات الالزمة لإن�شائه‪ ،‬والت�أكد من توافر‬ ‫�أ�سباب نجاحه وعوامل ا�ستمراره وتطوره‪.‬‬ ‫وم��ن المهم �أي�ض ًا �أن تتوافر ل��دى �صاحب‬ ‫الم�شروع �آلية وا�ضحة ومحددة للتقويم‪ ،‬و�أن‬ ‫ت�ستمر عملية التقويم على �ضوء النتائج العملية‬ ‫للم�شروع وم��راح�ل��ه وظ��روف��ه المتغيرة‪ .‬و�إذا‬ ‫امتلك �صاحب الم�شروع المعلومات والبيانات‬ ‫الأ�سا�سية المتعلقة بقائمتي المراجعة والتقويم‪،‬‬ ‫ف�إنه ي�صبح قادر ًا على اتخاذ القرارات ال�سليمة‬ ‫في الوقت المنا�سب‪ ،‬وي�سير بالم�شروع قدم ًا‬ ‫نحو الأم��ام‪ .‬وينبغي �أن يعلم �صاحب الم�شروع‬ ‫�أن التراجع عن �أي خط�أ يمكن �أن يحدث خالل‬ ‫�سير الم�شروع – قبل �أن يكبر ويتفاقم – هو من‬ ‫القرارات الحكيمة‪ ،‬التي تقوّي الم�شروع وتوفر‬ ‫له عام ًال مهم ًا من عوامل تقدمه ونجاحه‪.‬‬

‫عوامل نجاح الم�شروع ال�صغير‬ ‫‪ -1‬الحاجة الفعلية ف��ي المنطقة لمثل هذا‬ ‫الم�شروع المراد ت�أ�سي�سه‪ ،‬ويعرف ذلك من‬ ‫خالل ا�ستطالع ودرا�سة مت�أنية الحتياجات‬ ‫التجمعات ال�سكانية والر�سمية والأهلية‬ ‫الموجودة في المنطقة التي ي��راد تنفيذ‬ ‫الم�شروع فيها‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجود هدف وا�ضح ومحدد للم�شروع‪ .‬ومن‬ ‫دون وجود هدف ف�إن الم�شروع �سيكون كمن‬ ‫يقفز في ال�ظ�لام‪ ،‬فال ي��دري �أي��ن ت�سقط‬ ‫قدماه!‬ ‫ �أما عن كيفية تحقيق الأهداف التي ي�ضعها‬ ‫لم�شروعه فتتمثل في‪:‬‬ ‫ • �أن يكون الهدف وا�ضح ًا ومحدداً‪.‬‬ ‫ •�أن يكون الهدف �سامي ًا يعبر عن طموح‪.‬‬ ‫ •عدم الخوف من �صعوبة تحقيق الهدف‪.‬‬ ‫ •و�ضع خطة عملية لتحقيق الهدف‪.‬‬ ‫ •بذل الجهد في �سبيل تحقيق الهدف‪.‬‬ ‫فالعمل وحده هو طريق تحقيق النتائج‪،‬‬ ‫و�أحالم اليقظة ال تطعم خبزاً‪.‬‬ ‫ •�أن يكون هناك �أم��ل في تحقيق الهدف‪،‬‬ ‫يعمل على بث روح الحما�س لدى �صاحب‬ ‫الم�شروع في اال�ستمرار في تطوير م�شروعه‬ ‫والعمل على توافر �سبل النجاح له‪.‬‬ ‫ • التحلي بال�صبر خالل مراحل تحقيق‬ ‫الهدف‪.‬‬ ‫ •الحر�ص على �إجراء تقييم مرحلي �أثناء‬ ‫التنفيذ‪ ،‬لت�صويب الخطوات العملية‪.‬‬ ‫ •المتابعة الم�ستمرة‪..‬‬ ‫ • �إج� ��راء اخ �ت �ب��ارات لمختلف عنا�صر‬ ‫ال �م �� �ش��روع (ال� �م ��واد الأول� �ي ��ة‪ ،‬و��س��ائ��ل‬

‫الإنتاج‪ :‬المكائن وااللآت والبنية التحتية‬ ‫وال �م �خ��رج��ات (ال �م �ن �ت��ج) ب �ي��ن ف�ت��رة‬ ‫و�أخ� ��رى‪ ،‬ويف�ضل �أن ي�ك��ون ذل��ك على‬ ‫فترات يختارها �صاحب الم�شروع خالل‬ ‫العام دون �أن يعلن وقت ذلك للعاملين‪،‬‬ ‫ويمكن �أن يعهد بذلك �إلى طرف خارجي‬ ‫�شريطة �أن ال يكون من الجهاز العامل في‬ ‫الم�شروع‪ ،‬و�أن ال تكون هناك �أي عالقة‬ ‫بينه وب�ي��ن ال�ج�ه��از ال�ع��ام��ل حتى يكون‬ ‫التقويم محايد ًا ويقدم معلومات �صحيحة‬ ‫فروع متجر م�شهور بمدينة الريا�ض ولم تكن‬ ‫غير مجاملة لأي طرف‪ .‬والحر�ص على‬ ‫المالحظة �آنية و�إنما كانت تنطلق من متابعة‬ ‫ع��دم الركون �إل��ى النتائج التي يقدمها‬ ‫على مدى عدة �أ�شهر‪ ،‬ولوحظ بعد فترة وجيزة‬ ‫الموظفون العاملون في الم�شروع‪.‬‬ ‫من تقديم االقتراح حدوث تح�سن وا�ضح في‬ ‫كاف لتنفيذ الم�شروع‬ ‫توافر م�صدر تمويل ٍ‬ ‫االهتمام بجودة الخ�ضراوت المعرو�ضة‪ .‬و�إن‬ ‫وت�شغيله م�ن��ذ ال �م��راح��ل الأول� �ي ��ة‪ ،‬وحتى‬ ‫دلّ ه��ذا على �شيء ف�إنما ي��دل على اهتمام‬ ‫ي�ستطيع الم�شروع تحقيق االكتفاء الذاتي‬ ‫�إدارة المتجر ب�صندوق االقتراحات واحترام‬ ‫والبدء بتحقيق الأرباح‪.‬‬ ‫وجهة نظر الزبائن وتقديرها‪.‬‬ ‫المكان المنا�سب لتنفيذ الم�شروع‪.‬‬ ‫‪ -7‬التقويم والمتابعة ب�شكل دوري لجميع عنا�صر‬ ‫الم�شروع‪ ،‬من دون ا�ستثناء؛ للت�أكد من �أنها‬ ‫توافر فريق عمل م�ؤهل �إداري ًا وفنياً‪.‬‬ ‫تعمل جميعا وفق ما خُ طط لها‪ ،‬ولالطمئنان‬ ‫تفاعل المجتمع المحلي وتقبله لل�سلع‪/‬‬ ‫على فاعليتها وعملها ب�شكل يخدم الهدف‬ ‫ال�خ��دم��ات‪ .‬وق��د يكون م��ن المنا�سب و�ضع‬ ‫الأ�سمى للم�شروع‪ .‬فجميع عنا�صر الم�شروع‬ ‫���ص��ن��دوق خ ��ا� ��ص ل �م�لاح �ظ��ات ال��زب��ائ��ن‬ ‫ت� ��ؤدي �أدوار ًا م�ح��ددة �صغيرة ت� ��ؤدي كلها‬ ‫واقتراحاتهم حول م�ستوى الخدمات المقدمة‬ ‫ب�صورة مجتمعة لنجاح الم�شروع‪ ،‬و�أي خلل‬ ‫في الم�شروع‪ .‬ويو�ضع ال�صندوق في مكان‬ ‫ي�صيب عن�صر �أو �أكثر من عنا�صر الم�شروع‪،‬‬ ‫بارز‪ ،‬ويف�ضل توفير ا�ستمارة خا�صة لتقديم‬ ‫ف�إنه �سيكون بال �شك عام ًال ه��دام� ًا يدفع‬ ‫اق�ت��راح��ات�ه��م وم�لاح�ظ��ات�ه��م ب���ش��أن ال�سلع‬ ‫بالم�شروع �إل��ى الف�شل‪� ،‬إذا لم يجر تدارك‬ ‫�أو الخدمات التي يقدمها الم�شروع‪ .‬ومن‬ ‫الخلل وت�صويبه في الوقت المنا�سب‪.‬‬ ‫المهم درا�سة تلك المالحظات واالقتراحات‬ ‫بعناية‪ ،‬وتقدم ه��ذه الخطوة خدمة ذهبية وم��ن ال�ضروري �أن يتولى عملية المتابعة‬ ‫والتقويم �صاحب الم�شروع �أو من يفو�ضه‪.‬‬ ‫مجانية ل�صاحب الم�شروع‪ ،‬تنعك�س �إيجابي ًا‬ ‫وكذلك ف�إن الجهة المانحة ‪-‬في حالة �إذا‬ ‫على تح�سين م�ستوى خ��دم��ات الم�شروع‪.‬‬ ‫كان الم�شروع ممو ًال من جهة تمويل حكومية‬ ‫وقد حدث ذلك مع كاتب هذه ال�سطور قبل‬ ‫�أو م�ؤ�س�سة متخ�ص�صة – يترتب عليها‬ ‫�سنوات عندما ق��دم اقتراح ًا يتعلق بتدني‬ ‫االهتمام بعملية المتابعة والتقويم للم�شروع‬ ‫م�ستوى الخ�ضروات الورقية المباعة في �أحد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪115‬‬


‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫االت��ج��اه ق�ب��ل �أن ي�ت�ح��ول �إل���ى ان �ح��راف‪،‬‬ ‫والتراجع عن الخط�أ قبل �أن يكبر ويتفاقم‪.‬‬ ‫ومن الحكمة الإفادة من التجارب والأخطاء‬ ‫وت�صويبها �أو ًال ب�أول‪.‬‬

‫ ‬

‫‪ -8‬توافر المعلومات والبيانات الالزمة لجميع‬ ‫العنا�صر والن�شاطات الداخلة في الم�شروع‪،‬‬ ‫و�إدامة متابعة تحديثها �أو ًال ب�أول‪ ،‬واالطالع‬ ‫ع �ل��ى �آخ� ��ر ال�م���س�ت�ج��دات ف��ي ال �م �ج��االت‬ ‫المتعلقة بالمنتج الخا�ص بالم�شروع‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫للت�أكد من نجاحه وتقديم الن�صح والتوجيه‬ ‫�إل��ى متابعة ك��ل م��ا يتعلق ب��ال�م��واد الأول�ي��ة‬ ‫ل�صاحب الم�شروع والدعم المعنوي ل�ضمان‬ ‫ال�ضرورية لت�شغيل الم�شروع‪ ،‬وتطور ال�سوق‬ ‫نجاحه وعدم ف�شله‪ .‬ويترتب على ذلك حفز‬ ‫وعملية ت�سويق المنتج‪.‬‬ ‫�صاحب الم�شروع على العمل بجدية لإنجاح‬ ‫ال�م���ش��روع وت �� �ض��ا�ؤل ن�سبة التفريط التي ‪ -9‬التن�سيق الم�ستمر مع الجهات ذات العالقة‬ ‫تالحظ في حال الم�شروعات المدعومة من‬ ‫بالتنفيذ وتوريد اللوازم والت�سويق وغيرها‪0‬‬ ‫الجهات الحكومية‪.‬‬ ‫‪ -10‬المحافظة على ا�ستمرارية جودة الإنتاج‪.‬‬ ‫ومن المهم �أن ت�ستمر عملية التقويم على‬ ‫�ضوء النتائج‪ ‬العملية والظروف المتغيرة ‪ -11‬الحذر من العوامل التي ت�ؤدي �إلى �إ�ضعاف �أو‬ ‫ف�شل الم�شروع وتالفي حدوثها منذ البداية‪.‬‬ ‫لتن�ضج على ن��ار ه��ادئ��ة‪ ،‬وم��ن َث��مَّ تعديل‬

‫* كاتب‪ ،‬ومدرب �سابق في مجال الم�شروعات ال�صغيرة‪.‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫تقنيات التعليم واالت�صال‬ ‫في عمليتي التع ّلم والتعليم‬ ‫■ د‪ .‬حممد عامر البلخي ‪ -‬جامعة اجلوف*‬

‫تعددت االتجاهات حول ماهية تقنيات التعليم؛ فبع�ضها يركز على الآلة والجهاز‪،‬‬ ‫ك�أجهزة التلفزيون‪ ،‬وال�سبورة ال�ضوئية‪ ،‬والفيديو‪ ،‬والحا�سوب؛ وبع�ضها الآخر يركز‬ ‫على البرنامج ال��ذي يُنقل للمتعلمين بوا�سطة الآل��ة والجهاز‪ ،‬كبرامج التلفزيون‪،‬‬ ‫و�شفافيات ال�سبورة ال�ضوئية‪ ،‬والفيديو‪ ،‬وبرامج الحا�سوب‪.‬‬ ‫يت�سم ك��ل م��ن االتجاهين ال�سابقين بالق�صور وع��دم ال�شمولية‪ ،‬لعدم �إمكانية‬ ‫ا�ستخدام الجهاز �أو البرنامج ب�صورة م�ستقلة عن الأخرى‪.‬‬ ‫ل�ي����س الأم� ��ر ق��ا� �ص��را ع �ل��ى الأج��ه��زة‬ ‫وال�ب��رام��ج‪ ،‬بل �إن التعريف النظامي في‬ ‫التربية ينظر �إل��ى تقنيات التعليم نظرة‬ ‫نظامية‪« ..‬فتقنيات التعليم‪ ،‬تعني ا�ستخدام‬ ‫الو�سائل والأج�ه��زة والأ�ساليب والبرامج‬ ‫والمنتجات العلمية من �أجل تح�سين فعالية‬ ‫التدري�س» (ال�ق�لا‪ ،‬فخر ال��دي��ن‪:1985 ،‬‬ ‫«ب»)‪« .‬وه��ي التطبيق المنظم للمعرفة‬ ‫في ت�صميم عمليات التعلم وتخطيطها»‬ ‫(الح�صري‪1995 ،‬م‪.)391 ،‬‬ ‫وقد �أورد (الفرجاني) ب�أن التكنولوجيا‬ ‫‪ Technology‬م�صطلح مركب من مقطعين‪:‬‬

‫«‪ »Techno‬وهي كلمة يونانية بمعنى حرفة‬ ‫�أو �صنعة �أو ف��ن‪ ،‬و«‪ »Logy‬بمعنى عِ لم‪،‬‬ ‫وهناك من يعتبر الجزء الأول من كلمة‬ ‫‪ Technology‬م�شتق ًا من الكلمة الإنكليزية‬ ‫«‪ »Technique‬بمعنى «التقنية» �أو «الأداء‬ ‫التطبيقي»‪ ،‬م�ستندا �إل��ى �أن هناك �صلة‬ ‫بين الكلمتين اليونانية والإنكليزية من‬ ‫حيث اال�شتقاق اللغوي‪ ،‬ومن حيث المعنى‪،‬‬ ‫فالحرفة �أو ال�صنعة ما هي �إال تقنية �أو‬ ‫تطبيق �أدائ��ي لفكرة معينة (الفرجاني‪:‬‬ ‫‪1993‬م‪.)20 ،‬‬ ‫فتقنيات التعليم م�صطلح يُ�ستخدمُ بدال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪117‬‬


‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫د‪ .‬موافق بن فواز الرويلي‬

‫����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع‬

‫من تكنولوجيا التربية �أو تكنولوجيا التعليم‪ .‬وقد �أو من �آلة �إلى �آلة �أخرى» (حمدان‪ ،‬محمد زياد‪,‬‬ ‫�أ�شارت الدرا�سات والبحوث �إلى �أن ا�ستخدام ‪« :1982‬ب»)‪.‬‬ ‫تقنيات التعليم واالت�صال‪ ،‬يوفر الجهد والوقت‬ ‫�أم��ا بريتز (‪ )Bretze‬فقد ع �رّف االت�صال‬ ‫الذي يبذله المدر�س مع طالبه‪ ،‬ويعطي مردودا الفعال ب�أنه «حالة من المطابقة بين �شخ�صين‬ ‫تعليميا �أف�ضل‪ .‬فقد ذك��ر ك��ود (‪ )Good‬هـذا مو�صلين �أو �أكثر‪ ،‬بحيث يجيب كل منهما الآخر»‬ ‫المعنى «ب� ��أن وج��ود و��س��ائ��ل ات���ص��ال تعليمية (‪.)Bretze، R: 1983, 13‬‬ ‫منا�سبة بين �أي��دي الأط�ف��ال والمعلمين‪ ،‬يقلل‬ ‫ويتبين من التعريفات ال�سابقة‪� ،‬أن االت�صال‬ ‫من االلتبا�س في فهم وتف�سير �أ�سئلة المعلمين‬ ‫و�إجابات الأطفال» (‪ ،Good‬عن‪ :‬الحاج عي�سى‪ /‬عملية هادفة متكاملة‪ ،‬ال ت�سير باتجاه واحد‪ ،‬بل‬ ‫تت�أثر بالتفاعل المتبادل بين عنا�صرها‪ .‬ويمكن‬ ‫والعمري ‪1988‬م‪.)68 ،‬‬ ‫�أن يتخذ االت�صال �صورا ثالث‪:‬‬ ‫وذك��ر محمد ها�شم الح�سن �أن التقنيات‬ ‫التربوية‪ ،‬ت�سهم في �إي�صال المعارف والحقائق ‪ -1‬االت �� �ص��ال ب�ي��ن الإن �� �س��ان والإن�����س��ان‪ :‬مثل‬ ‫م��ا ي�ح��دث بين ال�م��در���س وال�ط��ال��ب‪ ،‬وبين‬ ‫وال�م�ع�ل��وم��ات للطالب بجهد �أق ��ل‪ ،‬وف��ي وقت‬ ‫المدر�سين �أنف�سهم‪ ،‬وبين الطالب وزمالئه‪.‬‬ ‫�أق�صر (الح�سن‪1990 :‬م‪)71 ،‬؛ �أي �أنها ذات‬ ‫فاعلية وكفاءة منا�سبة في �أنظمة التعليم‪.‬‬ ‫‪ -2‬االت���ص��ال بين الإن���س��ان والآل� ��ة‪ :‬وه��و �آخ��ذ‬ ‫باالنت�شار في مجاالت التعليم نظرا للتقدم‬ ‫ت�سهم عملية االت�صال في عمليتي التعلم‬ ‫التقني والعلمي‪ ،‬وما ترتب عليه من ات�صال‬ ‫والتعليم‪ ،‬فقد ع��رف (ال�ط��وب�ج��ي) االت�صال‬ ‫المتعلم ب ��الآل ��ة‪ ،‬ك��ا��س�ت�خ��دام ال�ح��ا��س��وب‬ ‫تعريفا �إج��رائ�ي��ا «ب ��أن��ه العملية التي يتم من‬ ‫والتلفزيون التعليمي والفيديو‪ ،‬وف��ي هذه‬ ‫طريقها انتقال المعرفة من �شخ�ص لآخر‪ ،‬حتى‬ ‫الحالة يتفاعل المتعلم مع البرنامج التعليمي‬ ‫ت�صبح م�شاعا بينهما‪ ،‬وت�ؤدي �إلى التفاهم بين‬ ‫ال��ذي �سبق �إع���داده‪ ،‬ويتحكم ب��ه المدر�س‬ ‫هذين ال�شخ�صين �أو �أكثر‪ ،‬وبذلك ي�صبح لهذه‬ ‫والمتعلم معا وف��ق حاجاتهما‪ ،‬م��ا يي�سر‬ ‫العملية عنا�صر وم�ك��ون��ات‪ ،‬ولها ات�ج��اه ت�سير‬ ‫عملية التقويم ال �ف��وري ع��ن طريق تثبيت‬ ‫فيه‪ ،‬وهدف ت�سعى �إلى تحقيقه‪ ،‬ومجال تعمل‬ ‫اال�ستجابات ال�صحيحة وت�صحيح الخاطئة‬ ‫فيه وي�ؤثر فيها؛ ما يخ�ضعها للبحث والتجريب‬ ‫وفق مبد�أ التغذية الراجعة‪.‬‬ ‫وال��درا� �س��ة العلمية ب��وج��ه ع ��ام» (الطوبجي‪:‬‬ ‫‪1988‬م‪.)25 ،‬‬ ‫‪ -3‬االت�صال بين الآلة والآلة‪ :‬ومن �أمثلته التفاعل‬ ‫بين الفيديو والحا�سوب‪ ،‬ما ي�سمى الفيديو‬ ‫�أم��ا (ح �م��دان) ف�ع�رَّف االت�صال بمفهومه‬ ‫التفاعلي‪� ،‬أو االت�صال بين �شبكات الحا�سوب‬ ‫ال��وا� �س��ع ب ��أن��ه «ع�م�ل�ي��ة ي �ت��م ب��و��س��اط�ت�ه��ا نقل‬ ‫العالمية و�أجهزة التلك�س والفاك�س‪ ،‬والهاتف‬ ‫المعلومات �أو المهارات �أو الميول والقيم من‬ ‫المزود ب�إ�ضافات وو�صالت بينية‪ ،‬واللوحات‬ ‫فرد لآخر‪� ،‬أو من فرد �إلى مجموعة من النا�س‪،‬‬ ‫الإخبارية الإلكترونية‪ ،‬والبريد الإلكتروني‬ ‫�أو من فرد �إلى كائن حيواني‪� ،‬أو من فرد �إلى �آلة‪،‬‬ ‫�أو من مجموعة من النا�س �إلى مجموعة �أخرى‪،‬‬ ‫(‪.)Schiller: 1993، 36‬‬

‫■ املحرر الثقايف‬

‫ولد د‪ .‬موافق بن فواز بن حالف الرويلي عام ‪1371‬ه��ـ في بلدة قارا‪ ،‬على م�سافة‬ ‫اثني ع�شر كيلومترا جنوب �شرقي مدينة �سكاكا حا�ضرة منطقة الجوف‪.‬‬ ‫تلقّى علومه االبتدائية والمتو�سطة والثانوية في مدار�سها‪ ،‬وانتقل عام ‪1390‬هـ �إلى‬ ‫الريا�ض العا�صمة التي لم ي�شعر فيها قط بالغربة �أو االغتراب على حد تعبيره‪ ،‬وربما‬ ‫يعود ذلك �إلى عدم وجود تباين كبير بين «حوا�ضر» ال�شمال والريا�ض في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى �أن هناك «�شِ لالً» �شمالية كبيرة هاجرت باكراً للعمل والدرا�سة فيها‪ ،‬وكان‬ ‫هو «ع�ضواً» في غالبها(‪.)1‬‬ ‫يدين كثيراً �إلى تخ�ص�صه «المناهج»‪� ،‬إذ علّمه كيف يتفاعل مع الحياة ومتغيراتها‬ ‫المختلفة‪ ..‬له نتاج علمي داخلي وخارجي‪ ،‬خرج من الجامعة ليبد�أ رحلة جديدة مع‬ ‫القطاع الخا�ص ين�شد من خالله البحث عن الجديد والبعد عن القوالب التي قد يمل‬ ‫منها الإن�سان في م�شواره‪..‬‬ ‫ال جديداً في حياته‪ ،‬ويكر�س كل خبراته وعلمه في‬ ‫دخل مجل�س ال�شورى ليبد�أ ف�ص ً‬ ‫�صياغة ومراجعة قرارات تهم المجتمع وم�ؤ�س�ساته‪..‬‬ ‫ال يذكر ا�سمه �إال وتلوح ق�ص�ص ال�شهادات الوهمية وحملته الإلكترونية عليها‪.‬‬ ‫م�ؤهالته العلمية‬

‫الأمريكية‪1986/8/1 ،‬م‪.‬‬

‫ ال��دك �ت��وراه‪ :‬مناهج التعليم الثانوي‪ - ،‬الماج�ستير‪ :‬مناهج التعليم الثانوي‪،‬‬‫ك�ل�ي��ة ال��درا���س��ات ال�ع�ل�ي��ا ‪ -‬جامعة‬ ‫كلية الدرا�سات العليا ‪ -‬جامعة �أيوا‪،‬‬ ‫�أي ��وا‪� ،‬أي��وا �ستي‪ ،‬ال��والي��ات المتحدة‬ ‫�أي��وا �ستي‪� ،‬أي ��وا‪ ،‬ال��والي��ات المتحدة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪119‬‬


‫ البكالوريو�س‪ :‬تدري�س االجتماعيات‪ ،‬كلية‬‫التربية ‪ -‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية‪1398 ،‬هـ‪.‬‬ ‫الحياة العملية‬ ‫ ع�ضو مجل�س ال�شورى‪1430 ،‬هـ‪.‬‬‫ نائب رئي�س �أول – مدير التعيينات والتدريب‬‫– بنك الريا�ض‪2005/6/11 ،‬م‪.‬‬ ‫ م�ست�شار التدريب (غير متفرغ) المعهد‬‫الم�صرفي م�ؤ�س�سة النقد العربي ال�سعودي‪،‬‬ ‫‪1417‬هـ‪.‬‬ ‫ ع�ضو لجنة ال��درا� �س��ات العليا بالمعهد‬‫ال�م���ص��رف��ي ‪ -‬م��ؤ��س���س��ة ال �ن �ق��د ال�ع��رب��ي‬ ‫ال�سعودي‪1418 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ ال �م �� �ش��رف ع �ل��ى االب��ت��ع��اث وال��ت��دري��ب‪،‬‬‫الم�ؤ�س�سة العامة للت�أمينات االجتماعية‪،‬‬ ‫‪2005-2003‬م‪.‬‬

‫كلية التربية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬ ‫‪1406/11/27‬هـ‪.‬‬

‫ ‪ -‬م�ست�شار االبتعاث والتدريب (غير متفرغ)‪،‬‬ ‫الم�ؤ�س�سة العامة للت�أمينات االجتماعية‪ - ،‬معيد علمي‪ :‬المناهج وطرق التدري�س‪ ،‬كلية‬ ‫التربية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬ ‫‪2003-2002‬م‪.‬‬ ‫‪1398/7/27‬هـ‪.‬‬ ‫ �أ�ستاذ م�شارك‪ :‬المناهج وطرق التدري�س‪،‬‬‫كلية التربية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪ - ،‬م �� �س��اع��د ر�� �س ��ام خ� ��رائ� ��ط‪ :‬ال �م �� �س��اح��ة‬ ‫الجوية‪ ،‬وزارة البترول والثروة المعدنية‪،‬‬ ‫‪1413/9/10‬هـ‪.‬‬ ‫‪1390/7/23‬هـ‪.‬‬ ‫ م�س�شار التدريب (غير متفرغ)‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬‫الإنتاج العلمي‬ ‫�أنظمة نجوم الخليج‪1996-1994 ،‬م‪.‬‬ ‫‪� -‬أ�ستاذ م�ساعد‪ :‬المناهج وطرق التدري�س‪،‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬‬

‫‪McLure.‬‬

‫‪J.‬‬

‫&‬

‫‪Al-Ruweili‬‬

‫‪M.‬‬

‫����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع‬

‫الأمريكية‪1982/12/18 ،‬م‪.‬‬

‫�سلك ال��دك��ت��ور م��واف��ق ب��ن ف��واز‬ ‫الرويلي ع�ضو جمل�س ال�شورى دربا‬ ‫طويلة‪� ,‬أخذت من وقته وجهده �أكرث‬ ‫من خم�س �سنوات ليك�شف عن �أكرث من‬ ‫‪� 7000‬آالف �شخ�ص يحملون ال�شهادات‬ ‫الوهمية يف اململكة بني م�س�ؤولني يف‬ ‫القطاعني العام واخلا�ص وا�ست�شاريني‬ ‫ومدربني‪ ,‬وليتح�صل على م�شروع قرار‬ ‫من جمل�س ال�شورى �ضد َح َملة هذه‬ ‫ال�شهادات‪ ,‬وتو�صية ب�إن�شاء مركز‬ ‫وط��ن��ي مل��ع��ادل��ة وت��وث��ي��ق ال�شهادات‬ ‫العليا‪.‬‬ ‫�سره كثري ًا هذا االنت�صار‪� ,‬ضد‬ ‫وقد ّ‬ ‫َح َملة ال�شهادات الوهمية‪ ,‬م�ؤكدا �أن‬ ‫الت�صويت ل�صالح ال��ق��رار ب���أك�ثر من‬ ‫‪� 106‬أ�صوات يعد انت�صارا كبريا ودعما‬ ‫واف���را م��ن �أع�����ض��اء جمل�س ال�شورى‪,‬‬ ‫حيث يعد من �أعلى ن�سب الت�أييد على‬ ‫م�شروع يطرحه املجل�س للت�صويت(‪.)2‬‬

‫‪«Organizational Arrangements in the‬‬ ‫‪North‬‬

‫‪of‬‬

‫‪Journal‬‬

‫»‪School.‬‬

‫‪Middle‬‬

‫‪Carolina League of Middle Schools, 9 (1),‬‬ ‫‪.(1987), 8-10‬‬

‫لكيفية معالجة المنهج لمحاوره»‪ .‬مجلة‬ ‫جامعة الملك �سعود (العلوم التربوية)‪،‬‬ ‫م‪� ،)2( 2‬ص �ص‪1990( ،574-555 .‬م)‪.‬‬ ‫الريا�ض‪.‬‬

‫ ‪ - M. Al-Ruweili, & J. McLure. Core-Type‬موافق بن ف��واز الرويلي‪« .‬تحليل ما وراء‬‫‪Programs in the Middle School.» Middle‬‬ ‫ال �خ �ط��اب ف��ي ك�ت��ب ال�ج�غ��راف�ي��ا لمرحلة‬ ‫‪.School Journal, 20 (1), (1988), 41-43‬‬ ‫ال�ت�ع�ل�ي��م الأ� �س��ا� �س��ي ب��ال�م�م�ل�ك��ة ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫ال���س�ع��ودي��ة»‪ .‬مجلة جامعة الملك �سعود‬ ‫ موافق بن فواز الرويلي وعبد الفتاح محمد‬‫(العلوم ال�ت��رب��وي��ة)‪ ،‬م ‪��� ،)2( 3‬ص �ص‪.‬‬ ‫ال �ج �ب��ر‪« .‬م��ا وراء ال �خ �ط��اب‪ :‬تحليل ما‬ ‫‪1991( ،480-451‬م)‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫وراء الخطاب ف��ي ن�صو�ص كتب المواد‬ ‫االجتماعية»‪ .‬درا�سات تربوية‪ ،‬م ‪ ،6‬ج ‪ - ،31‬م��واف��ق ب��ن ف��واز ال��روي�ل��ي وع�ل��ي ب��ن �سعد‬ ‫�ص ���ص‪1991-1990( ،120 - 99 .‬م)‪،‬‬ ‫ال� �ق ��رن ��ي‪« .‬م � ��ؤه �ل�ات ووظ���ائ���ف م��دي��ر‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫المدر�سة‪ :‬درا�سة ا�ستطالعية لآراء مديري‬ ‫‪ -‬موافق بن ف��واز الرويلي‪« .‬درا��س��ة تحليلية‬

‫التعليم بالمملكة العربية ال�سعودية»‪ .‬مجلة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪121‬‬


‫ علي ب��ن �سعد ال�ق��رن��ي وم��واف��ق ب��ن ف��واز‬‫ال ��روي� �ل ��ي‪« .‬م � ��ؤه �ل�ات وم� �ه ��ام ال �م��وج��ه‬ ‫التربوي من وجهة نظر مديري التعليم في‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية»‪ .‬ر�سالة التربية‬ ‫وعلم النف�س‪ ،‬ع ‪� ،2‬ص ���ص‪،139-111 .‬‬ ‫(‪1990‬م)‪ ،‬الجمعية ال�سعودية التربوية‬ ‫النف�سية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬

‫درا�سات قدمت لندوات علمية‬ ‫ موافق بن فواز الرويلي‪« .‬النمو الإدراك��ي‬‫والنمو الج�سمي ودرا��س��ات المخ ك�أ�سا�س‬ ‫لمناهج المتحولين (‪� 10‬سنوات �إل��ى ‪14‬‬ ‫� �س �ن��ة)»‪ .‬ن ��دوة ال�ط�ف��ل وال�ت�ن�م�ي��ة‪-24( ،‬‬ ‫‪ 26‬نوفمبر ‪1987‬م)‪ ،‬وزارة التخطيط‪،‬‬ ‫الريا�ض‪.‬‬

‫ موافق بن ف��واز الرويلي‪« .‬برنامج مقترح ‪ -‬موافق بن فواز الرويلي‪« .‬الكتاب المدر�سي‪:‬‬‫لتدريب المدر�سين �أثناء الخدمة مبني على‬ ‫منظور �إدراك��ي»‪.‬ال �ن��دوة الثالثة لمديري‬ ‫�أ�سا�س احتياجاتهم التدريبية»‪ .‬مجلة كلية‬ ‫التعليم بالمملكة العربية ال�سعودية‪-28( ،‬‬ ‫التربية‪ ،‬ع ‪ ،16‬ج ‪� ،1‬ص �ص‪،161-135 .‬‬ ‫‪ 30‬م��ار���س ‪1988‬م)‪ ،‬وزارة ال�م�ع��ارف‪،‬‬ ‫(‪1991‬م)‪ ،‬جامعة عين �شم�س‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫الريا�ض‪.‬‬ ‫ موافق بن فواز الرويلي‪« .‬العلوم والتقنية‬‫ م��واف��ق ب��ن ف ��واز ال��روي �ل��ي‪« .‬الإر�� �ش ��ادات‬‫في خطط المنهج‪ :‬درا�سة تحليلية نقدية»‪.‬‬ ‫ال �ل �غ��وي��ة ف��ي ن���ص��و���ص ك �ت��ب ال�ج�غ��راف�ي��ا‬ ‫م��رك��ز البحوث ال�ت��رب��وي��ة‪ ،‬كلية التربية‪،‬‬ ‫للمرحلة الثانوية»‪ .‬اللقاء ال�سنوي للجمعية‬ ‫جامعة الملك �سعود‪1992( ،‬م)‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫الجغرافية ال�سعودية‪ ،‬الجمعية ال�سعودية‬ ‫ �أل��ن ج�لات�ه��ورن‪ .‬ق�ي��ادة المنهج‪ .‬ترجمة‬‫ال�ج�غ��راف�ي��ة (‪1990‬م)‪ ،‬ج��ام�ع��ة الملك‬ ‫�إبراهيم ال�شافعي‪� ،‬سالم �سيد �سالم‪ ،‬ربيع‬ ‫�سعود‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫حموده‪ ،‬موافق الرويلي‪ ،‬مركز الترجمة‪،‬‬ ‫ ح�ضر العديد من الم�ؤتمرات‪ ،‬و�شارك في‬‫جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪1995( ،‬م)‪،‬‬ ‫الريا�ض‪.‬‬ ‫كثير من الندوات والن�شاطات العلمية‪ ،‬و�أ�شرف‬ ‫ موافق بن فواز الرويلي‪« .‬مخالفات المنهج على عدة ر�سائل ماج�ستير في مجال المناهج‪.‬‬‫العلمي‪ :‬مراجعة نقدية لكتابات علي مدكور وع�ضو فعال في كثير من اللجان والمجال�س‪ ،‬له‬ ‫في المنهج»‪ .‬درا�سات تربوية‪ ،‬م ‪ ،10‬ج ‪ ،77‬الكثير من المهارات واالهتمامات‪.‬‬ ‫(‪ )1‬لقاء مع �صحيفة الحياة ‪ ٣٠‬مايو ‪.٢٠١٢‬‬ ‫(‪ )2‬لقاء مع �صحيفة الريا�ض ‪ 25‬مايو ‪.2013‬‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫كلية التربية‪ ،‬ع ‪� ،13‬ص �ص‪،276-257 .‬‬ ‫(‪1989‬م)‪ ،‬جامعة عين �شم�س‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫�ص �ص‪1995( ،330-320 .‬م)‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫التوعية ب�أمرا�ض �سرطان الثدي‬ ‫ندوة وور�شة عمل في منطقة الجوف‬ ‫■ �إعداد‪ :‬عماد املغربي*‬

‫نظمت م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري �إيمان بن يمين‪ -‬مديرة برنامج الماج�ستير‬ ‫ال�خ�ي��ري��ة‪ ،‬وب��ال �ت �ع��اون م��ع جمعية زه��رة بجامعة الملك في�صل‪.‬‬ ‫ل���س��رط��ان ال �ث��دي م���س��اء ي ��وم‪/‬الأرب� �ع ��اء‬ ‫�أل�ق��ت الأ��س�ت��اذة ه�ن��ادي ال�ع��وذة كلمة‬ ‫‪2013/5/8‬م ف��ي الق�سم الن�سائي ب��دار‬ ‫ع��ن‪�« :‬إن �ج��ازات وخ��دم��ات جمعية زه��رة‬ ‫الجوف للعلوم‪ ،‬ندوة عن‪�« :‬أمرا�ض �سرطان‬ ‫ل�سرطان الثدي»‪ ،‬وتناولت �أوراق العمل‪:‬‬ ‫ال �ث��دي»‪� ،‬شاركت فيها متخ�ص�صات من‬ ‫«الك�شف المبكر لمر�ض �سرطان الثدي»‬ ‫م�ست�شفى ال�م�ل��ك في�صل التخ�ص�صي‪،‬‬ ‫للدكتورة �سعاد عامر‪ ،‬والأ�ستاذة �إيمان بن‬ ‫ومركز الأبحاث بالريا�ض‪ ،‬وهن‪ :‬الدكتورة‬ ‫�سعاد محمد عامر‪-‬رئي�سة وح��دة �أبحاث يمين‪ ،‬و«ال�صحة النف�سية» للأ�ستاذة هيفاء‬ ‫�سرطان الثدي‪ ،‬والأ�ستاذة نوف ال�ضويان ال�شام�سي‪ ،‬ثم ور�شة عمل عن‪« :‬الفح�ص‬ ‫–�أخ�صائية ع�لاج طبيعي‪ ،‬والأ��س�ت��اذة الذاتي» للأ�ستاذة �أريج النجار‪.‬بعد ذلك‬ ‫��س��ام�ي��ة محمد ع��ام��ر – ع�ضو م�ؤ�س�س قامت ال�ضيفات بجولة في متحف معالي‬ ‫بجمعية زهرة ل�سرطان الثدي بالريا�ض‪ ،‬الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري‪،‬‬ ‫والأ�ستاذة �شريفة عبدالمنعم ‪�-‬أخ�صائية ترافقهن الأ� �س �ت��اذة ب�سمة بنت محمود‬ ‫معلوماتية �إكلينيكية‪ ،‬والأ��س�ت��اذة هيفاء ال�م��دن��ي –م�ست�شارة م��دي��ر ع��ام �إدارة‬ ‫ال�شام�سي‪�-‬أخ�صائية نف�سية‪ ،‬والأ�ستاذة التربية والتعليم بالجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪123‬‬


‫يمثل الكتاب الطبعة الثانية من �أوراق عمل‬ ‫قدمت في ندوة ال�شعر العربي‪� ،‬سبق �أن عقدت‬ ‫في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية‬ ‫في العام ‪1406‬ه�ـ‪ ،‬ونظرا لنفاد الطبعة الأولى‬ ‫ارت�أت الم�ؤ�س�سة �إ�صدار طبعة جديدة‪ .‬ا�شتملت‬ ‫مادة الكتاب على ثالث ق�ضايا‪:‬‬

‫يمثل الكتاب الطبعة الثانية من �أوراق عمل‬ ‫قدمت في ندوة ال�شعر ال�شعبي‪� ،‬سبق �أن عقدت‬ ‫في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية في‬ ‫العام ‪1405‬هـ ونظرا لنفاد الطبعة الأولى ارت�أت‬ ‫الم�ؤ�س�سة �إ�صدار طبعة جديدة‪ .‬ا�شتملت مادة‬ ‫الكتاب على‪:‬‬

‫‪ -1‬م�شكالت نقد ال�شعر في المملكة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�شعراء المحدثون وتجربتهم في المملكة‪.‬‬ ‫‪ -3‬دور ال�صحافة في النقد الأدبي‪.‬‬

‫‪ -1‬الدور التاريخي والجغرافي لل�شعر العامي‪-‬‬ ‫الأ�ستاذ �سعد بن عبداهلل الجنيدل‪.‬‬

‫‪ -2‬العامية لها جذور قديمة ‪ -‬الأ�ستاذ معي�ض‬ ‫البخيتان‪.‬‬ ‫�شارك فيها كل من‪ :‬الدكتور �سعد البازعي‪،‬‬ ‫الأ�ستاذ �سعد م�صلح ال�سريحي‪ ،‬الأ�ستاذ عبداهلل ‪� -3‬ضوابط و�أوزان ال�شعر النبطي‪ -‬الأ�ستاذ‬ ‫ابن �إدري�س‪ ،‬الدكتور عبداهلل الحامد‪ ،‬والدكتور‬ ‫عبدالعزيز الغزي‪.‬‬ ‫عبداهلل الغذامي‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�شعر النبطي‪ -‬الأ�ستاذ روك�س بن زائد‬ ‫كما ا�شتملت الندوة على وقفتين مع ال�شعر‬ ‫العزيزي‪.‬‬ ‫وال�شعراء �شارك في الأول��ى ال�شعراء‪� :‬أحمد‬ ‫عبداهلل ال�سالم‪ ،‬و�أحمد عائل فقيه‪ ،‬ومعي�ض ‪ -5‬كلمة نقدية تحليلية لل�شعر النبطي‪ -‬الأ�ستاذ‬ ‫�أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري‪.‬‬ ‫البخيتان‪ ،‬وف��ي الثانية‪ :‬محمد ها�شم ر�شيد‪،‬‬ ‫ومعي�ض البخيتان‪ ،‬و�أحمد عائل فقيه‪ ،‬و�أحمد ‪ -6‬كما ت�ضمن الكتاب الق�صائد التي �ألقيت في‬ ‫تلك الندوة‪.‬‬ ‫زين العابدين‪ ،‬ور�ضا حمود‪.‬‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬حمزة كاملي‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬حممد معت�صم‬

‫النا�شر ‪ :‬نادي جازان الأدبي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار الوطن لل�صحافة والطباعة والن�شر‬

‫�أ�صدر نادي جازان الأدبي مجموعة ق�ص�صية‬ ‫بعنوان‪�« :‬أقمار خائفة»‪ ،‬للقا�ص حمزة كاملي‬ ‫�ضمت �سبعة ع�شر ن�صا ق�ص�صيا‪ ،‬جاءت تحت‬ ‫عناوين متنوعة‪ ،‬منها‪« :‬نب�ض ال يتوقف»‪« ،‬جنون‬ ‫راق»‪« ،‬المحموم»‪�« ،‬أقمار خائفة»‪« ،‬كل �شيء‬ ‫يترمد»‪« ،‬ر�سالة»‪ ،‬و«عادة»‪.‬‬

‫�صدر للإعالمي والقا�ص المغربي محمد‬ ‫معت�صم عن دار الوطن لل�صحافة والطباعة‬ ‫والن�شر بالرباط مجموعة ق�ص�صية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬ ‫«�سيمفونية النوار�س»‪ .‬في طبعة �أنيقة‪ ،‬تزينها‬ ‫لوحة للفنان الت�شكيلي عبداللطيف الدري�سي‪.‬‬ ‫وت�ضم خم�س ع�شرة ق�صة نذكر منها‪:‬عتمة‪,‬‬ ‫انتظار‪ ,‬لن �أ�سامح البحر‪ ,‬ر�ؤى‪...‬‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬ندوة ال�شعر العربي‬ ‫حترير ‪ :‬هيئة الن�شر‬ ‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪2013‬م‬

‫الكتاب ‪ :‬ندوة ال�شعر النبطي‬ ‫حترير ‪ :‬هيئة الن�شر‬ ‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪2013‬م‬

‫الكتاب ‪� :‬أقمار خائفة‬

‫الكتاب ‪� :‬سيمفونية النوار�س‬

‫جاء في ن�ص «�أقمار خائفة»‪( :‬هناك‪ ..‬تقبع‬ ‫�أن�صاف حيّة‪ ،‬و�أقمار حالمة‪ ،‬تخ�شى هي الأخرى‬ ‫الحار�س‪ ..‬ذلك العجوز البدين الذي ال يتحدث‬ ‫ف��ي ميزانهم �إال �صدقا وال يكتب �إال واق�ع��ا‪..‬‬ ‫جاهل‪ ..‬ال يكتب لكنه يملي ويكتبون له‪ .‬تتذكر‬ ‫الطالبات ق�صة زميلتهن ه��دى حين فتحت‬ ‫النافذة ذات ليلة لت�ستن�شق ريح المطر وتنام‪..‬‬ ‫لتتفاج�أ في �صباح اليوم التالي ب�إعالن معلق‬ ‫وتبقى الإ�شارة �إلى �أن القا�ص محمد معت�صم‬ ‫في �أكثر من مكان‪« ..‬على الطالبة هدى الريفي يعد م�ؤ�س�س نادي الق�صة بالبروج �سنة ‪1996‬م‪،‬‬ ‫مراجعة مكتب م�شرفة ال�سكن للأهمية» قر�أتها كما ين�شر �إبداعاته وكتاباته في جرائد ومجالت‬ ‫هدى‪ ..‬و�أحاطها القلق)‪.‬‬ ‫مغربية وعربية‪.‬‬ ‫وقد قدم للمجموعة القا�ص والناقد المغربي‬ ‫�سعيد بوكرامي‪ ،‬بتقديم بعنوان «نظرة مختلفة»‬ ‫نقر�أ منه‪ ...« :‬يبدو بعد قراءة هذه المجموعة‬ ‫�أن القا�ص اختار الق�صة الواقعية التي تبحث‬ ‫في حياة بع�ض النا�س الذين يحاربون تاريخا‬ ‫من خيبة الأمل‪ ،‬التي تتكرر كحلقة تعيد دورانها‬ ‫دون توقف‪ ،‬وكلما كان الأمل �أكبر كانت الخيبة‬ ‫�أعنف‪.»...‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪125‬‬


‫امل�ؤلف ‪� :‬سمر حمد‬

‫امل�ؤلف ‪� :‬إبراهيم م�ضواح الأملعي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار عامل الكتب للن�شر والطباعة‬

‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي ‪ -‬ط‪2013( 2‬م)‬

‫ع��ن دار ع��ال��م ال�ك�ت��ب � �ص��در كتاب‬ ‫«م�شاعر محرمة» ت�أليف �سمر حمد‪،‬‬ ‫ت�ضمّن العديد من الخواطر التي كُتبت‬ ‫ب�شفافية‪ ..‬‬

‫ج��اء الكتاب ف��ي (‪� )288‬صفحة يتحدث الم�ؤلف‬ ‫من خاللها عن مراحل مبكرة جدا للكثير من الأعالم‬ ‫والم�شاهير ف��ي دن�ي��ا الثقافة وال�ف��ن والأدب وال��دي��ن‬ ‫والإبداع‪� ،‬إذ تحتل كثير من هذه الأ�سماء �أبوابا يعتبر كل‬ ‫منها �أ�شبه بتحفة �أدبية �أو جل�سة ا�ستذكار لتاريخ هذا‬ ‫اال�سم �أو ذاك في متعتها ت�ساوي كتابا م�ستقال‪.‬‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬م�شاعر حمرمة‬

‫الكتاب ‪ :‬عندما كان الكبار تالمذة‬

‫دمى بال �أجنحة (رواية)‬

‫امل�ؤلف ‪:‬حممد الفالج العنزي‬

‫تقول الكاتبة‪ :‬‬ ‫دعونا نختلق الفرح‪ ‬‬ ‫وحياتنا ن�صنعها ب�أيدينا‪ ‬‬ ‫ن�سافر �إلى موطن ال�سعادة ومرافئ‬ ‫الدفء‪ ‬‬ ‫لنعي�ش ال�صباحات كلها‪ ..‬نجعلها‬ ‫فائقة الجمال‪ ‬‬ ‫لن�أخذ من النور حيز‪ ‬‬ ‫ومن الهدوء مكان‪ ‬‬ ‫وقلي ًال من ال�شم�س‪ ‬‬ ‫والكثير الكثير من الفرح‪ ‬‬ ‫الفرح الأبدي الذي ال يرحل‪ ‬‬ ‫الذي نب�صمه على �أوراق �أيامنا‪ ‬‬ ‫بحبر ال يُمحى �أبداً‪ ..‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫وقد �ضم الكتاب ف�صو ًال مهمة وطريفة لجمهرة من‬ ‫�أولئك العلماء والأدباء وال�شعراء في الوطن العربي �أمثال‬ ‫طه ح�سين‪ ،‬ونجيب محفوظ‪ ،‬وعلي الطنطاوي‪ ،‬ومحمد‬ ‫ال�غ��زال��ي‪ ،‬وعبدالوهاب البياتي‪ ،‬ومتولي ال�شعراوي‪،‬‬ ‫ومحمد علي �شم�س الدين‪ ،‬ويو�سف القر�ضاوي‪ ،‬وجبرا‬ ‫�إبراهيم جبرا‪ ،‬و�أحمد ال�سباعي‪ ،‬وبنت ال�شاطئ‪ ،‬وفدوى‬ ‫طوقان‪ ،‬ورجب البيومي‪ ،‬وجابر ع�صفور وغيرهم‪.‬‬ ‫وقد تتبع الألمعي �سيرهم وتراجمهم ودوَّن مراحل‬ ‫مبكرة م��ن حياتهم وه��م ف��ي مقاعد ال��در���س ومرحلة‬ ‫الت�شكل الثقافي وتحديد م�سارهم العلمي ب�أ�سلوب م�شوق‬ ‫يدفعك �إلى قراءة الكتاب الذي يحمل م�ضامين �إن�سانية‬ ‫وم�شاعر فيا�ضة‪.‬‬

‫النا�شر ‪ :‬امل�ؤلف نف�سه‬ ‫ال�سنة ‬

‫‪2012 :‬م‬

‫«دم ��ى ب�لا �أج �ن �ح��ة»‪ ..‬ن�ص يتحدث بعفوية‬ ‫عن الحرب الأمريكية على العراق من زاوية‬ ‫�إن�سانية بالغة‪ ،‬تك�شف العديد من خفايا النف�س‬ ‫الإن�سانية‪ .‬تعتمد الرواية ‪ -‬في �إحدى تقنياتها‬ ‫ على تدفق الحوارات التي تثري الن�ص‪ ،‬بين‬‫�شخ�صيات �إن�سانية باهرة بتلقائيتها ونبلها‬ ‫وعمق وعيها بالحياة‪ ..‬والمالحظ في الرواية‬ ‫ثراء ال�شخ�صيات الإن�سانية‪ ،‬وربما كان نموذج‬ ‫جاكلين الأمريكية �أروع ما جاء في الرواية‪.‬‬ ‫بد�أت «جاكلين» رحلة العمل مع مجموعة من‬ ‫الموظفين‪� ،‬ضمن المن�سقين في المنظمات‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬لإح�صاء عدد المحتاجين والفقراء‬ ‫الذين يفتقدون �أدن��ى و�سائل العي�ش والبقاء‪.‬‬ ‫جاكلين ف��ي ه��ذه ال��رواي��ة تمثل الإن���س��ان في‬ ‫ذروت��ه العليا‪ ،‬الإن�سان ال��ذي يبت�سم‪ ،‬وي�شعر‬ ‫كل من حوله بقيم التوا�ضع‪ .‬جاكلين ال�شابة‬ ‫الأمريكية التي ما تمنت �شيئ ًا �سوى �أن تعود‬ ‫لبالدها ولم تتلطخ يداها �إال ب�إطعام الفقراء‪،‬‬

‫وال تنحني ‪ -‬ح�سب قولها ‪� -‬إال لـ (العراقيين‬ ‫المهم�شين) ولي�س لها هوية �سوى الجن�سية‬ ‫الب�شرية‪.‬‬ ‫يختتم الكاتب روايته بتقديم و�صف بديع للطفل‬ ‫العراقي ال�صغير «يا�سر» ال��ذي ج��اء حام ًال‬ ‫دميته وقدميه الحافيتين اللتين ذاقتا �أ�شواك‬ ‫الأل��م والفقر واليتم‪ ،‬ج��اء م�ه��رو ًال لجاكلين‬ ‫الوجه الب�شو�ش‪ ،‬عله يجد م�أوى‪ ،‬فمدت يديها‬ ‫ورفعته لأع�ل��ى ك��ي ترميه على �صدرها بكل‬ ‫ق��وة‪ ،‬لكنها كانت النهاية‪ .‬فقد دوى انفجار‬ ‫بطريقة ت�شبه الأف�لام ال�سينمائية‪ ،‬فتناثرت‬ ‫�أطهر الأج�ساد‪ ،‬مختلطة بقطع حديد ال�سيارة‬ ‫المفخخة‪ ،‬وبدمية يا�سر التي �سقطت بنف�س‬ ‫المكان ال��ذي كان يلعب فيه‪ .‬وتنتهي الرواية‬ ‫وقد �ضاع ج�سد جاكلين الذي تناثر �أ�شالء في‬ ‫كل مكان‪ ،‬ومختلط ًا بدمى بال �أجنحة‪.‬‬ ‫�إنها رواية مترعة ب�آمال نفو�س ال�ضعفاء التواقة‬ ‫�إلى قيم الحق والخير والجمال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ ‪127‬‬


‫ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة‬

‫من �إ�صدارات اجلوبة‬

‫تجربة متميزة‬ ‫■ حممد جميل �أحمد*‬

‫ظ�ل��ت ال�ك�ت��اب��ة ف��ي مجلة (ال �ج��وب��ة)‪ ،‬وغيرها‪ ،‬من خالل مقاربات �شكلت ر�صيدا‬ ‫بالن�سبة لي‪ ،‬تجربة متميزة لجهة انطالقها مهما في ر�ؤيتها ور�صيدها وتجربتها‪.‬‬ ‫م��ن خ�ل�ال ع�لاق � ٍة ك��ان الأ� �س��ا���س فيها‪:‬‬ ‫ربما كانت تجربة مجلة (الجوبة)‬ ‫تفاعال خالقا ق��ام منذ البداية‬ ‫في ا�ستقطابها للكتابة العربية‬ ‫ع �ل��ى اال� �س �ت �ج��اب��ة ل �ت �ح��دي‬ ‫المبدعة العابرة ب�شرطها‬ ‫ح�سا�سية ن��وع�ي��ة ل�ل�إب��داع‬ ‫الإن �� �س��ان��ي ت�ج��رب��ة ف��ري��دة‬ ‫ب �ح �ث��ت ع �ن �ه��ا ال �م �ج �ل��ة‪،‬‬ ‫ف��ي ن��وع�ه��ا ف��ي المنطقة‬ ‫وانخرط فيها الكثير من‬ ‫العربية؛ �إذ‪ ،‬ا�ستطاعت‬ ‫المبدعين ال�ع��رب؛ كُتاب ًا‬ ‫(الجوبة) تحقيق التناغم‬ ‫و�شعرا ًء ونقاداً‪ ،‬من خالل‬ ‫الفريد في الكتابة العربية‬ ‫منابر حرة‪ ،‬عرف �صديقنا‬ ‫حين �شكلت مجازا مندمجا‬ ‫الأ� �س �ت��اذ �إب��راه �ي��م الحميد‬ ‫ب�ي��ن �أق��ال �ي��م ال�ك�ت��اب��ة العربية‬ ‫رئي�س تحرير مجلة (ال�ج��وب��ة)‪،‬‬ ‫ومناخاتها؛ فهي كتابة منعك�سة من‬ ‫كيف يربطهم بخيارات المجلة لكونها في دوائ��ر متداخلة محلية �سعودية وعربية‪،‬‬ ‫الأ�سا�س خياراتهم هم �أنف�سهم في الكتابة بطريقة ال يمكن تمثلها �إال وف��ق تعريف‬ ‫والإب ��داع‪ .‬وهكذا‪ ،‬راكمت المجلة بمرور الكتابة ذاتها بو�صفها �إبداعا‪.‬‬ ‫الأعوام قاعدة من الكتّاب والمبدعين عبر‬ ‫وب �� �ص��دوره��ا ع ��ن م ��ؤ� �س �� �س��ة الأم �ي��ر‬ ‫ح�سا�سيات عربية مختلفة‪ ،‬وا�ستطاعت �أن عبدالرحمن ال�سديري الخيرية بمنطقة‬ ‫تعك�س من خاللهم تجارب متجددة في الجوف التاريخية والأثرية؛ �ستظل مجلة‬ ‫الكتابة‪.‬‬ ‫(ال �ج��وب��ة) �إح� ��دى �أه ��م ت �ج��ارب العمل‬ ‫�إن الكتابة في (الجوبة) على الرغم‬ ‫من �إطاللتها الف�صلية‪ ،‬راهنت با�ستمرار‬ ‫على تدوين ملفات ومحاور ثقافية مهمة‬ ‫في ال�شعر والق�صة والرواية و�أدب الطفل‬

‫* كاتب من ال�سودان‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1434‬هـ‬

‫الثقافي الأهلي الذي ثابر على الكثير من‬ ‫التحوالت من �أج��ل تقديم م��ادة �إبداعية‬ ‫مرموقة وناظمة لمعنى الكتابة بين مختلف‬ ‫تلك الدوائر‪.‬‬


‫�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.