مجلة الجوبة 42 aljoubah

Page 1

‫درا�سات ونقد‬ ‫�سرية و�إبداع‬ ‫مواجهـــــات‬ ‫نوافـــذ‬

‫منتدى الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات‬ ‫ال�سعودية يف دورته ال�سابعة‪ :‬اإلعالم اليوم‪ ..‬عالم بال حواجز‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫أدب الرحالت‬

‫‪42‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫‪ -2‬دعم البحوث والر�سائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(�أ) ال�شروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy.org.sa‬‬


‫الـمحتويــــات‬

‫العدد ‪42‬‬ ‫�شتاء ‪1435‬هـ ‪2014 -‬م‬

‫االفتتاحية ‪4 ..........................................................‬‬

‫‪6.........................‬‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬

‫منتدى الأمير عبدالرحمن‬ ‫بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات‬ ‫ال�سعودية في دورته ال�سابعة‬

‫امل�شرف العام‬ ‫�إبراهيم احلميد‬ ‫�أ�سرة التحرير‬ ‫حممود الرحمي‪ ،‬حممد �صوانة‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫الإخراج الفني‬ ‫خالد بن �أحمد الدعا�س‬ ‫املرا�سالت‬ ‫توجه با�سم امل�شرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.aljoubah.org‬‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� - 1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مل ي�سبق ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب‪،‬‬ ‫على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫‪17.......................‬‬ ‫ملف العدد‪� :‬أدب الرحالت‬

‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ملف العدد‪� :‬أدب الرحالت‪ :‬د‪ .‬محمود عبدالحافظ‪ ،‬غازي خيران ‪17‬‬ ‫الملحم‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم الدهون‪� ،‬صالح بن محمد المطيري‪� ،‬إبراهيم‬ ‫الحجري‪ ،‬الزبير مهداد‪ ،‬د‪ .‬عو�ض البادي‪� ،‬سعيد بوكرامي‪ ،‬محمد‬ ‫ال�شحري‪ ،‬ر�ضوان ال�سائحي‪ ،‬ف�ؤاد ح�سن كابلي‪ ،‬مر�سي طاهر �أبو‬ ‫عوف ‪.............................................................‬‬ ‫درا�سات ونقد‪ :‬من �أين �أب��د�أ!!؟ قراءة في ديوان ال�شاعرة نبيلة ‪93‬‬ ‫الخطيب عتبات وعالمات لغوية ‪ -‬د‪ .‬بالل كمال ر�شيد ‪...........‬‬ ‫�س�ؤال اليومي والكتابة في مجموعة «ا�ستثناء» للقا�ص �إبراهيم ‪96‬‬ ‫الحجري ‪ -‬عبدالغني فوزي‪.......................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة‪ :‬ق�صتان ‪ -‬نورة عبداهلل ال�سفر‪99 ..................‬‬ ‫ق�صة‪� :‬شارع الجزارين ‪ -‬طاهر الزهراني‪100 .......................‬‬ ‫الظِّلُّ الهارِب ‪� -‬إيمان مرزوق‪101 ....................................‬‬

‫‪106......................‬‬ ‫حوار مع ال�شاعر عبداهلل ال�سفر‬

‫�شعر‪� :‬أمل ‪ -‬عبدالكريم محمد النملة ‪102 .............................‬‬ ‫�أ�صداء الذكرى ‪ -‬علي العلوي‪103 ....................................‬‬ ‫خري ُر الحنين ‪ -‬الطاهر لكنيزي‪104 .................................‬‬ ‫ن�صو�ص �شعرية ‪ -‬محمد خ�ضر‪105 ..................................‬‬

‫النا�شـــــــــر‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ املوافق‬ ‫‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام ‪1383‬هـ املعروفة با�سم دار‬ ‫اجلوف للعلوم‪ .‬وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‪ ،‬ودعم البحوث والر�سائل العلمية‪،‬‬ ‫و�إ�صدار جملة دورية‪ ،‬وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية‬ ‫الأهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬ويف عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة‬ ‫الغاط (مركز الرحمانية الثقايف)‪ ،‬له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف‬ ‫اجلوف‪ ،‬بوقف م�ستقل‪ ،‬من �أ�سرة امل�ؤ�س�س‪ ،‬لل�صرف على هذا املركز ‪ -‬الفرع‪.‬‬

‫منتدى الأمير عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‪6 :‬‬ ‫الإعالم‪ ..‬اليوم عالم بال حواجز ‪ -‬محمد �صوانة‪.................‬‬

‫مواجهات‪ :‬ال�شاعر عبداهلل ال�سفر ‪ -‬حاوره عمر بوقا�سم‪106 .........‬‬ ‫�سيرة و�إبداع‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبدالرحمن بن حمود العناد القا�ضب ‪114 ......‬‬

‫‪114......................‬‬ ‫�سيرة و�إبداع‪:‬‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن العناد‬

‫نوافذ‪ :‬ا�ستطالع عن �أزمة ال�شعر العربي ‪� -‬سعيد بوكرامي ‪118 .......‬‬ ‫ال الناهية‪ ..‬وال المتلقي‪125 ..........................................‬‬ ‫قراءات ‪126 ...........................................................‬‬ ‫عين على الجوبة‪128 ................................................‬‬

‫الغالف‪ :‬ت�صميم خالد دعا�س ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫■ �إبراهيم احلميد‬

‫تعد الرحلة و�أدبها �إح��دى �أق��دم المعارف االن�سانية التي �أنجزها الإن�سان‬ ‫العربي‪ ،‬فقد كانت الفتوحات الإ�سالمية وتو�سع الحدود الجغرافية للبالد الم�سلمة‬ ‫هدف �سامٍ‬ ‫حافزا للكثير من المغامرين على خو�ض غمار الرحلة‪ ،‬منطلقين من ٍ‬ ‫لرحالتهم‪� ..‬أال وهو الو�صول �إلى مكة المكرمة‪ ،‬مهما كلف الأمر‪ ،‬لأداء فري�ضة‬ ‫الحج وزيارة الأماكن المقد�سة؛ وكان بع�ضهم يجعل من رحلته �إلى مكة المكرمة‪،‬‬ ‫منطلقا �إلى �أماكن بعيدة عن موطنه‪ ،‬متحمال كل ال�صعاب والم�شاق التي يكابدها‬ ‫الظاعن في ذلك الزمان؛ ولم تقف الرحلة عند هذا الهدف‪ ،‬بل تجاوزته �إلى‬ ‫ا�ستك�شاف العديد من الوجهات منذ بدايات القرن الثالث الهجري �أو التا�سع‬ ‫الميالدي‪ ،‬ومن الكتب التي �سطرها الرحالة العرب في توثيق رحالتهم‪ :‬كتاب‬ ‫البلدان لليعقوبي المتوفى �سنة ‪284‬هـ‪،‬ومروج الذهب للم�سعودي‪ ،‬وكتاب �صورة‬ ‫الأر�ض البن حوقل‪ ،‬وكتاب الم�سالك للبكري‪ ،‬وكتاب «نزهة الم�شتاق في اختراق‬ ‫الآفاق» للإدري�سي الذي �أنجزه عام ‪548‬هـ‪1154/‬م في بالط ملك �صقلية روجر‬ ‫الثاني‪ ،‬وكتاب اال�ستب�صار وم�سالك الأب�صار للعمري‪ ،‬وكتاب رحلة ابن بطوطة‬ ‫(تُحفة ال ُنّظار في غرائب الأم�صار وعجائب الأ�سفار)‪ ،‬وكتاب العبر البن خلدون‪.‬‬ ‫وقد �شهدت القرون المختلفة منذ ع�صر الإ�سالم �ألوانا و�أ�شكاال من الرحالت‬ ‫التي اختلفت طرقها ووجهاتها‪� ،‬إال �أن القا�سم الم�شترك بينها هو الرغبة الأكيدة‬ ‫لدى مقترفيها في طلب العلم‪ ،‬واال�ستزادة في معرفة الب�شر وطبائع البلدان‪ ،‬وكان‬ ‫العديد من الرحالة يمثل نافذ ًة ا�ست�شرفت �آفاق الم�ستقبل‪ ،‬و�أو�صلت �صورا لم‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫افتتاحية‬ ‫ال����ع����دد‬

‫تكن لتبلغنا اليوم عن �أحوال النا�س وحياتهم قبل مئات �أو �آالف ال�سنين‪ ،‬لوال هذا‬ ‫التوثيق الذي قام به �أولئك الرحالة‪ ،‬مهما كان االختالف حول مقدار الم�صداقية‬ ‫والدقة في التدوين‪.‬‬ ‫لقد كان ابن بطوطة �أحد �أولئك الرحالة الذين واجهوا حمالت المعار�ضين‪،‬‬ ‫الذين لم ي�ستوعبوا حجم االختالف الذي وجدوه في طبائع النا�س‪ ،‬و �صور الحياة‬ ‫التي يعي�شون عليها في �أماكن مختلفة من العالم؛ حتى �أن العالم العربي ال�شهير‬ ‫ابن خلدون الذي عا�صر حقبة ابن بطوطة‪ ،‬لم ي�ستوعب ما كتبه ابن بطوطة‪..‬‬ ‫وكان يرى �أنه من ن�سج الخيال‪ ،‬لوال تدخل ال�سلطان �أبي عنان �سلطان فا�س‪،‬‬ ‫الذي �أن�صف ابن بطوطة‪ ،‬و�شهد له من خالل ت�أكيده على �أن الو�صف الذي �أورده‬ ‫لم�صر‪ ،‬يتطابق مع ال�صورة التي ر�آها في رحلته عبر م�صر �إلى مكة المكرمة‪.‬‬ ‫لقد كانت كتب الرحلة العربية ت�صور ح��ال البلدان التي عبر بها �أولئك‬ ‫الرحالون عبورا غير عابر‪ ،‬فقد كان الرحالة ي�ساكن النا�س و يعي�ش معهم ‪،‬‬ ‫وكان ابن بطوطة قا�ضيا في كثير من الممالك بالهند و جاوة �أثناء م�سيره �إلى‬ ‫ال�صين‪ ،‬فقد مكث في تلك البلدان �سنوات طويلة‪� ،‬سبر خاللها �أغوارها‪ ،‬ووثقها‬ ‫في كتابه المعتبر قبل �أكثر من ‪� 700‬سنة‪ ،‬وكان ذلك قبل �سقوط الأندل�س‪ ،‬وقبل‬ ‫بزوغ �شم�س الغرب‪ ،‬وقبل و�صول الإن�سان الأوربي �إلى �آ�سيا م�ستعمرا ب�أكثر من‬ ‫‪� 400‬سنة‪ ،‬وكان كتاب ابن بطوطة و�سيلة لمعرفة الكثير من نظم الحكم واالدارة‬ ‫والحياة في تلك الحقبة الزمنية الما�ضية‪ ،‬ومنها اعتماد الت�صوير في ال�صين‬ ‫لزوار ملك ال�صين‪ ،‬واال�ستعمال المبكر للعملة الورقية فيها‪ ،‬و نظام الحكم في‬ ‫جاوة‪ ،‬والفلبين‪ ،‬وفيتنام‪ ،‬و�أ�شكال الب�شر في تايالند والبنغال والهند و غيرها من‬ ‫الغرائب و العجائب‪.‬‬ ‫و�إذا كان �أدب الرحلة يوفر لنا نافذة نطل منها على التاريخ و�سيرة المكان‬ ‫والإن�سان في مواقع مختلفة من هذا العالم‪ ،‬ف�إن هذا الأدب وفر لنا �أي�ضا مجاال‬ ‫تتداخل فيه الرواية التاريخية مع ال�سرد‪ ،‬مقدم ًا مفهوم ًا متقدم ًا للح�ضارة التي‬ ‫عا�شتها �أمتنا في ما�ضيها الغابر‪ ،‬حيث الريادة التي �سادت بها العالم في زمانها‬ ‫قرونا‪ ،‬وتك�شف لنا مدى القاع الذي هوت �إليه الحقا حتى حا�ضرها اليوم‪..‬‬

‫‪5‬‬


‫منتدى الأمري عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‬

‫رئي�س مجل�س الإدارة في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري يتو�سط د‪ .‬عبدالرحمن ال�شبيلي وال�شيخ جميل الحجيالن‬

‫الغاط تحت�ضن المنتدى في دورته ال�سابعة‬ ‫بم�شاركة �إعالميين و�أكاديميين متخ�ص�صين ومثقفين‬ ‫■ حممد �صوانة*‬

‫نظمت م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية الدورة ال�سابعة لمنتدى الأمير عبدالرحمن‬ ‫ب��ن �أح��م��د ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‪ ،‬ف��ي مركز الرحمانية الثقافي بمحافظة الغاط‪،‬‬ ‫بعنوان‪« :‬الإعالم اليوم عالم بال حواجز»‪ ،‬وذلك يوم ال�سبت ‪ 6‬محرم ‪1435‬هـ (‪ 9‬نوفمبر ‪2013‬م)‪.‬‬ ‫و�شارك نخبة من العلماء والمتخ�ص�صين والمهتمين في مجال الإعالم من الجامعات ال�سعودية‬ ‫وبع�ض الدول العربية ال�شقيقة‪ ،‬بح�ضور محافظ الغاط عبداهلل النا�صر ال�سديري وجمع من‬ ‫�أهالي الغاط‪ ,‬وح�شد من الإعالميين والمهتمين‪ ,‬ومجموعة من طالب ق�سم الإعالم بجامعة‬ ‫الملك �سعود‪ .‬وقد ناق�ش المنتدى على مدار ثالث جل�سات عمل ثالثة محاور‪� ،‬شملت الإعالم‬ ‫الجديد عالم بال حواجز‪ ،‬والإعالم العربي الأهلي(�إعالم القطاع الخا�ص)‪ ،‬والإعالم الر�سمي‪:‬‬ ‫التحديات المعا�صرة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫وف ��ي ح �ف��ل ال �م �ن �ت��دى ت �ح��دث ف�ي���ص��ل بن‬ ‫عبدالرحمن ال�سديري رئي�س مجل�س �إدارة‬ ‫م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية‪ ،‬الذي‬ ‫�أ�شار �إل��ى �أن ه��ذا المنتدى هو �أح��د الأن�شطة‬ ‫الدورية التي تقيمها الم�ؤ�س�سة‪ ،‬وتحر�ص من‬ ‫خاللها على تناول مو�ضوعات معا�صرة تهم‬ ‫الوطن‪ ،‬جنبا �إل��ى جنب مع �أن�شطتها الأخ��رى‬ ‫التي ت�شمل مكتباتها العامة في كل من الجوف‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫وال���غ���اط‪ ،‬وم��ا ي�ق��دم��ه ب��رن��ام��ج الن�شر ودع��م‬ ‫الأبحاث والدرا�سات الميدانية؛ وهي �أن�شطة‬ ‫نفخر ب�ه��ا‪ ،‬ون�سهم م��ن خاللها ف��ي التنمية‬ ‫الثقافية والمعرفية في هذا الوطن الذي نعتز‬ ‫بانتمائنا �إليه وبقيادته الحكيمة‪ .‬و�أ�شار �إلى �أن‬ ‫اختيار هيئة المنتدى لهذا العام علما �سعوديا‬ ‫ليكون �شخ�صية المنتدى المكرمة ف��ي هذه‬ ‫الدورة‪ ،‬جاء لكونه مثا ًال في البذل والعطاء في‬

‫ما قدمه من خدمة لقطاع الإعالم ال�سعودي �إلى‬ ‫جانب عمله الدبلوما�سي‪.‬‬ ‫كما �أ�شار في كلمته �إل��ى المنتديات ال�ستة‬ ‫ال�سابقة التي نظمتها الم�ؤ�س�سة بالتناوب في‬ ‫كل من الجوف وال��غ��اط‪ ،‬و�شملت مو�ضوعات‪:‬‬ ‫الهيئات الخيرية ال�سعودية‪ ،‬والأزم��ة المالية‬ ‫العالمية‪ ،‬وال�ن�ظ��ام الق�ضائي ف��ي المملكة‪،‬‬ ‫والنظام ال�صحي‪ ،‬والإدارة المحلية والتنمية‪،‬‬ ‫و�آثار المملكة �إنقاذ ما يمكن �إنقاذه‪.‬‬ ‫وا�ستطرد ال�سديري قائال‪� :‬إن هذه الم�ؤ�س�سة‬ ‫ثمرة من ثمار م�ؤ�س�سها الأمير عبدالرحمن بن‬ ‫�أحمد ال�سديري‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬ال��ذي �أن�ش�أها‬ ‫لتكون م�ؤ�س�سة ثقافية غير ربحية‪ ،‬ت�سعى �إلى‬ ‫خ��دم��ة الثقافة والمثقفين‪ ،‬وتنظم البرامج‬ ‫والأن�شطة الثقافية‪ ،‬وتدعم البحوث والدرا�سات‬ ‫العلمية الميدانية الخا�صة بق�ضايا تهم المجتمع‬ ‫المحلي‪� ،‬إ�ضافة �إلى برنامج الن�شر والإ�صدارات‬ ‫الذي �صدر عنه حتى الآن نحو (‪� )125‬إ�صدارا‪..‬‬ ‫�شملت الكتب المحكّمة والدوريات التي ت�صدرها‬ ‫ال�م��ؤ��س���س��ة‪ ،‬وت���ش��رف عليها هيئة �أك��ادي�م�ي��ة‬ ‫متخ�ص�صة ت�ضم في ع�ضويتها عدد ًا من �أبناء‬ ‫الجوف والغاط‪.‬‬ ‫وفي ختام كلمته �شكر رئي�س مجل�س الإدارة‬ ‫كل مَ ن �شارك في �إقامة هذا المنتدى‪ ،‬كما �شكر‬ ‫رُعا َة المنتدى‪ ،‬و�أع�ضاء هيئته على ما بذلوه من‬

‫جهد كبير في تنظيم المنتدى و�إنجاحه‪.‬‬ ‫كما �أل�ق��ى د‪ .‬عبدالرحمن ال�شبيلي كلمة‬ ‫هيئة المنتدى‪،‬التي قدم من خاللها ال�شخ�صية‬ ‫المُكرّمة‪ ،‬م�ستعر�ضا �سجل العطاء والإنجازات‬ ‫التي قدمها ال�شيخ جميل الحجيالن‪ .‬و�أ�شار‬ ‫�إلى �أن فترة الحجيالن �شهدت تد�شين �إذاعة‬ ‫الريا�ض وافتتاح التلفزيون في �سبع محطات‪،‬‬ ‫وتحوّل ال�صحافة من ملكية فردية �إلى م�ؤ�س�سات‬ ‫�أهلية‪ ،‬كما �شهد الإعالم الخارجي طفرة نوعية‬ ‫مكثفة ق��وام�ه��ا الأف �ل�ام وال�ك�ت��ب الإع�لام�ي��ة‪،‬‬ ‫و� �ص��ارت المملكة قبلة ل��زي��ارة �أب ��رز رج��االت‬ ‫ال�صحافة العربية والأجنبية‪ ،‬وحظيت و�سائل‬ ‫الإعالم بفر�ص غير م�سبوقة من برامج التدريب‬ ‫التي و ّف��رت لل�شباب ال�سعودي فر�ص الت�أهيل‬ ‫الفني ليناف�س الكفاءات الوافدة‪.‬‬ ‫وا�ستطرد قائال �إنه على الرغم من �أن ال�شيخ‬ ‫الحجيالن �أم�ضى نحو �أربعين عاما في المجال‬ ‫الدبلوما�سي بينما لم يق�ض في المقابل في‬ ‫الإع�لام �سوى ثماني �سنوات ‪1970-1963‬م‪،‬‬ ‫لكن ا�سمه ارتبط ارتباطا وثيقا بالإعالم؛ �إذ‬ ‫مار�س العملية الإعالمية في فترة حرجة داخلي ًا‬ ‫وخارجياً‪ ،‬و�أبدع في الزمن ال�صعب بما ي�ستلزم‬ ‫درا�سة �سيرته والإفادة منها‪.‬‬ ‫ثم �ألقى ال�شيخ جميل الحجيالن (ال�شخ�صية‬ ‫المكرمة) كلمة �أ�شار فيها �إلى �أن هذا المنتدى‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫يعد وجه ًا من وجوه الوفاء للأمير عبدالرحمن‬ ‫بن �أحمد ال�سديري (ال��ذي عرفه عن قرب)‪،‬‬ ‫والذي امتازت م�سيرته بالف�ضائل والقيم‪ ،‬وكان‬ ‫بحق رجل دولة‪ ،‬و�أحد بناة هذا الوطن‪.‬‬ ‫كما ُ ق�� ّد ْر ال�شيخ الحجيالن للمنتدى‪ ،‬في‬ ‫ان�ع�ق��اده ال���س�ن��وي‪ ،‬ح�سنُ اخ�ت�ي��اره لموا�ضيع‬ ‫ال �ح��وار‪ ،‬القترابها م��ن اهتمامات المواطن‪،‬‬ ‫وهموم الوطن‪ ،‬ومو�ضوع هذا العام‪« ،‬الإعالم‬ ‫اليوم عالم بال حواجز»‪ ،‬هو واحد من موا�ضيع‬ ‫ال�ساعة‪ .‬وال�ح�ك��وم��ات ت��رى ف��ي �إدارة �شئون‬ ‫البالد �أمر ًا وقف ًا عليها‪ ،‬ال تك�شف من �سرّه �إال‬ ‫بالقدر الذي تراه‪ ،‬وال و�صاية لأحد غيرها عليه‪،‬‬ ‫والمنادون بال�شفافية يرون في موقف ال�سلطة‬ ‫هذا م�صادرة لحق المواطن في �أن يعرف كيف‬ ‫تدار �شئونه‪.‬‬ ‫و�أ� �ش��ار الحجيالن �إل��ى �أن المعركة بين‬ ‫ال�سلطة والمطالبين بال�شفافية في الحكم في‬ ‫العالم الغربي ظلت معركة متوا�صلة‪ ،‬عنيدة‪،‬‬ ‫�إل��ى �أن ان �ه��ارت تلك ال�ح��واج��ز عبر ع�شرات‬ ‫ال�سنين‪ ،‬من المواجهة بين �إم�ساك ال�سلطة‬ ‫بمفهومها الأن��ان��ي بالحكم‪ ،‬ودع��وة المفكرين‬ ‫�إلى ال�شفافية‪ ،‬وانت�صار الإع�لام الوطني على‬ ‫مفاهيم الحكم المت�شدّد‪.‬‬ ‫ثم ت�ساءل في كلمته عن �إعالمنا العربي‬ ‫فقال‪ :‬لقد جاءت الف�ضائيات‪ ،‬و�إف��رازات ثورة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�شخ�صية المنتدى‬ ‫اختارت هيئة المنتدى لهذا العام معالي ال�شيخ‬ ‫جميل بن �إبراهيم الحجيالن �شخ�صية المنتدى في‬ ‫دورته ال�سابعة؛ نظر ًا لما قدمه خالل م�سيرته من‬ ‫�إ�سهامات عديدة ومتميزة للإعالم في المملكة‪.‬‬ ‫والحجيالن يعد بحق عميد الإع�لام في المملكة‬ ‫العربية ال�سعودية؛ �إذ كان �أول وزير يتبو�أ من�صب‬ ‫وزارة الإع�لام بالمملكة في مار�س عام ‪1963‬م‪.‬‬ ‫�أ��ش��رف الحجيالن على �إق��ام��ة �شبكات الإذاع��ة‬

‫منتدى الأمري عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‬

‫الأ�ستاذ عقل ال�ضميري يلقي كلمة افتتاح الندوة‬

‫االت���ص��االت الحديثة م��ن التويتر واليوتيوب‬ ‫والفي�س بوك وما �إليها من �إبداعات تقنية مذهلة‬ ‫لتربك ما كان عليه الإعالم العربي من توا�ضع‬ ‫في التكوين والأداء‪ ،‬وكذلك‪ ،‬لتربك الحكومات‪،‬‬ ‫وهي ترى �أن و�سائلها التقليدية في الرقابة قد‬ ‫هزمتها و�سائل �أخرى ال حيلة في الرقابة عليها‪.‬‬ ‫و�أ� �ض��اف �أن م �ب��ادرات ال �ت �ح �وّل ف��ي بع�ض‬ ‫الإع�لام العربي‪ ،‬وقبول بع�ض ال��دول لتقديم‬ ‫بع�ض التنازالت‪ ،‬والتو�سّ ع في ما قد تمنحه من‬ ‫حرية لو�سائل الإع�لام‪ ..‬لم ت��أت طواعية عن‬ ‫قناعة‪ ،‬بل ا�ستجابة لحقائق جديدة ال تملك‬ ‫هذه الدول �إال االعتراف بها والتعامل معها؛ فقد‬ ‫تتح�صن بها وتلوذ‬ ‫ّ‬ ‫زال��ت الحواجز التي كانت‬ ‫خلفها دول كثيرة‪ ،‬وجاء �إعالم �آخر موازٍ ‪ ،‬حر‪،‬‬ ‫طليق‪ ،‬يتحدى الدول في ما قد تعلنه �أو تخفيه‪،‬‬ ‫ويذيع ‪ -‬في من�أى عن رقابتها‪ -‬ما ي�شاء من‬ ‫�أخبار قد تك�شف ع��ورة من ع��ورات الدولة‪� ،‬أو‬ ‫�سوءة من �سوءاتها‪ ،‬فتعجز الدولة عن احتواء‬ ‫تداعياتها!‬ ‫واختتم الحجيالن كلمته بال�شكر لل�شيخ‬ ‫ف�ي���ص��ل ب��ن ع �ب��دال��رح �م��ن ال �� �س��دي��ري راع��ي‬ ‫المنتدى‪ ،‬ولإخوانه‪ ،‬على ح�سن ظنهم‪ ،‬واختياره‬ ‫لهذا التكريم‪ ،‬وهو �سعيد بهذا التكريم معتز به‪،‬‬ ‫لأنه ي�أتي من م�ؤ�س�سة تحمل ا�سم الراحل الكبير‬ ‫الأمير عبدالرحمن ال�سديري‪ ،‬وتعمل لتحقيق ما‬ ‫بنـى عليه حياته من عمل جليل و�أهداف نبيلة‪.‬‬

‫الأ�ستاذ �صالح القالب ود‪ .‬عبدالرحمن العناد ود‪� .‬أ�سامة الن�صار ود‪ .‬محمد �شومان في الجل�سة الأولى‬

‫والتلفزيون‪ ،‬وعمل على تطوير العمل الإعالمي‪،‬‬ ‫محقق ًا �إنجازات كبيرة‪ .‬ثم عُ ين وزير ًا لل�صحة‪ ،‬ثم‬ ‫�سفير ًا للمملكة في �ألمانيا وفرن�سا‪ .‬كما عمل �أمينا‬ ‫عام ًا لمجل�س التعاون الخليجي‪ ،‬وكان عمله خالل‬ ‫تلك الـمُهمّة مو�ضع تقدير القادة والم�س�ؤولين‪،‬‬ ‫وقد ح�صل خاللها على �أو�سمة رفيعة‪ .‬تقاعـد عـام‬ ‫‪2002‬م‪.‬‬

‫ثالثين عاماً؛ هذه الم�س�ؤولية و�إن كانت بن�سب‬ ‫مختلفة ل��دى الم�ؤ�س�سات المماثلة الأخ��رى‪،‬‬ ‫�أ���ص��ب��ح��ت ع�لام��ة ع��ل��ى ارت���ب���اط الم�ؤ�س�سات‬ ‫بمجتمعها‪ ،‬وا�ست�شعار همومه واهتماماته‬ ‫والإ�سهام بدور تنموي ملمو�س يفيد الجميع‪.‬‬ ‫الجل�سة الأولى‬ ‫تر�أ�س الجل�سة د‪ .‬عبدالرحمن العناد �أ�ستاذ‬ ‫الإعالم بجامعة الملك �سعود‬

‫وفي بداية ندوة المنتدى‪� ،‬ألقى الأ�ستاذ عقل‬ ‫ال�ضميري مدير عام الم�ؤ�س�سة كلمة رحب فيها‬ ‫بالم�شاركين وال�ضيوف‪ .‬وقال �إن اختيار مو�ضوع‬ ‫المنتدى جاء للأهمية التي يمثلها الإعالم في‬ ‫الحياة وت�أثيره المبا�شر على النا�س وال��دول‬ ‫وعالقاتها و�أمنها واقت�صادها وم�ستقبلها؛ �إذ‬ ‫لم يعد الإعالم كالم ًا عابراً‪ ،‬بل هو قوة حقيقية‬ ‫يبني وي�س َوّق ويحفّز ويدافع ويو�ضح‪ ،‬وهو �أي�ض ًا‬ ‫يهاجم وقد ي�شوّه ويدمر وي�ؤذي وي�ضر‪.‬‬ ‫و�أ�شار ال�ضميري �إلى �أن �أوراق العمل ت�سلط‬ ‫ال�ضوء على الإع�لام من ع��دة محاور يقدمها‬ ‫م�خ�ت���ص��ون ذوو خ �ب��رة ع��ال�ي��ة ف��ي الإع �ل�ام‪،‬‬ ‫ن�شكرهم ونقدر لهم م�شاركتهم في �أعمال هذا‬ ‫المنتدى الذي يمثل �إيمان الم�ؤ�س�سة الحا�ضنة‬ ‫م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري ل��دوره��ا في‬ ‫تنمية المجتمع‪ ،‬والتي تُ�سخر كُل وال �أقول بع�ض‬ ‫مواردها للم�س�ؤولية الثقافية منذ ن�ش�أتها قبل‬

‫الورقة الأولى‬

‫فعاليات ندوة المنتدى‬

‫«الإعالم والمتغيرات ال�سيا�سية والإقليمية»‬

‫قدمها د‪ .‬محمد �شومان م��ن جامعة عين‬ ‫�شم�س ف��ي م�صر‪ .‬وج��اء فيها‪� :‬إن��ه تبنّى عام‬ ‫‪2000‬م فر�ضية وج��ود ن�ظ��ام �إع�لام��ي عربي‬ ‫مهدد بتحديات عولمة الإعالم وتطور تكنولوجيا‬ ‫االت�����ص��ال‪ ،‬وان ��دم ��اج الإع �ل��ام ف��ي ال�ت��رف�ي��ه‬ ‫والمعلوماتية والثقافة‪ ،‬مع التوجّ ه المت�سارع‬ ‫نحو ت�سليع الثقافة‪ ,‬ونمو دور الإع�لام الخا�ص‬ ‫الم�ستقل ع��ن ال ��دول‪ .‬وق�صد بذلك �أن تعدد‬ ‫النظم الإعالمية العربية وتنوّعها‪� ،‬سواء فيما‬ ‫يتعلق ب�أنماط ملكيتها والم�ضامين المقدمة‬ ‫ومدى تبعيتها للنظم ال�سيا�سية الحاكمة في كل‬ ‫قُطر ٍعربي‪ ،‬ف�ض ًال عن مدى تطور كلٍ منها مهني ًا‬ ‫وتكنولوجياً‪ ،‬ف�إنها ال تمنع من الت�سليم ب�أن النظم‬ ‫والممار�سات الإعالمية على الم�ستوى الوطني‬ ‫(القُطري) و(العربي القومي) ت�شكل فيما بينها‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪11‬‬

‫منتدى الأمري عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‬

‫‪10‬‬

‫نظام ًا فرعي ًا �ضمن النظام الإقليمي العربي‪ .‬و�سرعة ا�ستجابته للتحوالت في النظام الإقليمي‬ ‫ويت�سم النظام الإع�لام��ي العربي با�ستقالله العربي‪ ،‬وربما �إ�سهامه في الأحداث‪ ،‬والإ�سراع‬ ‫وتنامي قدراته المادية والمعنوية (الرمزية)‪ ،‬بهذا التحوّل‪.‬‬ ‫وتو�سطه في الوقت ذاته دائرة الفعل ال�سيا�سي‬ ‫الورقة الثانية‬ ‫والفعل الثقافي للنظام الإقليمي العربي‪.‬‬ ‫«ال�صحافة وو�سائل‪ ‬الإعالم الحديثة»‬ ‫وق��ال‪ :‬يمكن تحديد �ستة فاعلين رئي�سين‬ ‫قدّمها د‪� .‬أ�سامة الن�صار رئي�س ق�سم الإعالم‬ ‫ف��ي النظام الإع�لام��ي ال�ع��رب��ي‪ ،‬ه��م‪ :‬ال��دول��ة‪،‬‬ ‫وم�ؤ�س�سات القطاع الخا�ص‪ ،‬ومنظمات العمل بجامعة الملك �سعود‪ ،‬ا�ستعر�ض فيها �أب��رز‬ ‫العربي الم�شترك‪ ،‬وفعاليات المجتمع المدني‪ ،‬المراحل التي �شهدتها ال�صحافة‪ ،‬منذ ع�صر‬ ‫وال�م��واط��ن الإع�لام��ي �أو ال�صحفي‪ ،‬والإع�ل�ام الطباعة و�إل��ى وقتنا ال�ح��ال��ي‪ ،‬ال��ذي �أ�سهمت‬ ‫الأجنبي الناطق بالعربية‪ ،‬مع مالحظة �ضعف فيه التقنية والإنترنت ب�شكل خا�ص‪ ،‬وو�سائل‬ ‫دور الفاعلَين الثالث والرابع‪ ،‬وزيادة دور وت�أثير التوا�صل االجتماعي‪� ،‬سعي ًا منها للتعرف على‬ ‫ال�شركات متعددة الجن�سية وو�سائل الإع�لام �أب��رز المتغيرات والت�أثيرات التي طالت هذه‬ ‫الأجنبية الناطقة باللغة العربية في النظام المهنة و�أ�ساليب العمل فيها‪� ،‬سواء ك��ان على‬ ‫الإع�لام��ي العربي؛ نتيجة العولمة والتطورات �صعيد الم�ؤ�س�سة �أم ال�صحافي الممار�س لهذه‬ ‫الجيو�سيا�سية‪ ،‬بعد اح�ت�لال ال �ع��راق وان��دالع المهنة‪.‬‬ ‫ثورات الربيع العربي‪.‬‬ ‫ك�م��ا ا��س�ت�ع��ر���ض ال�ن���ص��ار ف��ي ورق �ت��ه �أب��رز‬ ‫كما �أنَّ تطور تكنولوجيا االت�صال والإنترنت ال�ت��أث�ي��رات ال�ت��ي �أح��دث�ه��ا الإع�ل�ام الجديد �أو‬ ‫وانت�شار الإع�ل�ام الجديد و�شبكات التوا�صل المعا�صر على ال�صحافة‪ ،‬وق ��راءة ت�أثيراتها‬ ‫االجتماعي قد تجاوزت قدرة الأنظمة العربية المحتملة على الواقع الإعالمي الحالي‪.‬‬ ‫والنظام الإع�لام��ي العربي على اح�ت��واء �آث��ار‬ ‫الورقة الثالثة‬ ‫ع��ول�م��ة الإع �ل��ام؛ وم ��ن ث ��م‪ ،‬ت�ع��ر���ض ال�ن�ظ��ام‬ ‫«الإعالم في زمن الخ�صخ�صة»‬ ‫الإعالمي العربي لتحوّلين مهمين‪:‬‬ ‫قدمها وزير الإعالم الأردني الأ�سبق‪ ,‬الأ�ستاذ‬ ‫الأول‪ :‬نجاح ال�شباب العربي ف��ي الدعوة �صالح القالب‪ ،‬وت�ساءل فيها‪ :‬هل انتهى الإعالم‬ ‫للثورة‪ ،‬والح�شد االفترا�ضي واالنتقال به �إلى الر�سمي بعد �أن ب��ات غير ق��ادر على القيام‬ ‫�أر���ض الواقع الفعلي‪ .‬وبرز المواطن الإعالمي بوظيفته‪ ،‬وبعد �أن �أ�صبح يغرّد في واد‪ ،‬والنا�س‬ ‫ال�ع��رب��ي (ال �م��واط��ن ال�شبكي) كفاعل �ضمن المعنيون يتابعون همومهم ويواجهون �إ�شكاالتهم‬ ‫الفاعلين في النظام الإعالمي العربي‪ ،‬يت�سم وم�شاكلهم‪ ،‬ف��ي وادٍ �آخ ��ر؟‪ ‬ال �أت �ح��دث ال عن‬ ‫بدرجة �أكبر من اال�ستقالل والقدرة على الدمج الو�سائل وال عن «التقنيات»‪� ،‬سواء القديمة �أم‬ ‫بين الفعل االت�صالي االفترا�ضي والواقعي‪.‬‬ ‫المتطورة‪ ،‬وال عن الكفاءات الإعالمية الب�شرية‪،‬‬ ‫والثاني‪ :‬تنامي ح�ضور وت�أثير الإعالم الناطق و�إن��م��ا ع��ن «ال �م �ح �ت��وى»‪� ..‬إن ال�م�ق���ص��ود هو‬ ‫بالعربية كفاعل جديد‪ ،‬وهو ما يدعم التوجّ ه الر�سالة التي تبثها الو�سيلة الإعالمية الر�سمية‬ ‫نحو نهاية النظام الإعالمي العربي‪ ،‬في �سياق الحكومية‪ ،‬ومدى ت�أثيرها على «المُتلقي»‪ ،‬هذا‬ ‫االتجاه �أي�ض ًا نحو �أُفول النظام الإقليمي العربي‪� .‬إنْ بقي هناك متلقون لما يبثه الإعالم الر�سمي‬ ‫وه �ن��ا‪ ،‬تت�ضح ح�سا�سية الف�ضاء الإع�لام��ي‪ ،‬الحكومي‪.‬‬

‫وق��ال ال�ق�لاب لعلنا نتفق على �أن الإع�لام‬ ‫الر�سمي (ال�ح�ك��وم��ي) ب�أ�ساليبه وبر�سالته‬ ‫القديمة المملّة والمكررة‪ ،‬وبمحتواه‪ ،‬عموماً‪،‬‬ ‫وطريقته التي �أ�صبحت خ��ارج �إط��ار الع�صر‪،‬‬ ‫لم يعد ق��ادر ًا على خدمة الذين يقفون خلفه‬ ‫من �أنظمة وحكومات‪ ،‬في ظل كل هذا االنفجار‬ ‫الإل�ك�ت��رون��ي‪ ،‬وف��ي ظ��ل ه��ذه ال�ث��ورة الإعالمية‬ ‫المعا�صرة؛ بل �إنه غدا قا�صر ًا عن �إي�صال وجهة‬ ‫نظر هذه الأنظمة والحكومات �إلى الم�ستهدفين‪،‬‬ ‫جانب من الح�ضور‬ ‫كما بات موئ ًال للبطالة المقنّعة‪ ،‬وي�شكل عبئ ًا‬ ‫ثقي ًال على �أ�صحابه‪ ،‬بعدما �أ�صبح «الروموت‬ ‫بال�ضرورة مع المقرّات الزاهية �أو بتحديث‬ ‫كونترول» و�سيلة �سهلة للهروب منه‪ ،‬والبحث‬ ‫ال �م �ع��دات‪ ،‬و�أن ت�ضخيم ال �ك��وادر ل��م يعد‬ ‫ب�سرعة عن البديل الموثوق والمحايد �أو �شبه‬ ‫المعادلة الأه��م في التفوّق‪ ،‬بل لعله ي�صبح‬ ‫المحايد‪ ،‬الذي يركز على الحقائق‪ ،‬ويبتعد بقدر‬ ‫�أحيان ًا عبئ ًا على عمليّات التطوير‪.‬‬ ‫الإمكان عن الترويج المملّ‪.‬‬ ‫ •�إن كثرة التلويح بخ�صو�صية المجتمع وثوابته‪،‬‬ ‫وخل�ص ال �ق�لاب ف��ي ورق �ت��ه �إل ��ى �أن ��ه ال بد‬ ‫والمبالغة في تقدير العنا�صر الإيجابية في‬ ‫للحكومات ب�ش�أن قطاع الإعالم من الخ�صخ�صة‪،‬‬ ‫المجتمع �أو في �إع�لام �أي دول��ة‪ ،‬تٌ�شكّالن‬ ‫�أو �شبه الخ�صخ�صة على الأق���ل‪ ،‬وال داع��ي‬ ‫�أحيان ًا �أع��ذار ًا للإبقاء على الحالة الراهنة‬ ‫لإ�ضاعة الوقت والأم��وال والجهود في «العزف‬ ‫و�أ�سباب ًا للإحجام ع��ن التغيير‪ ،‬ولتخدير‬ ‫رباب لم تعد �ألحانه تطرب النا�س»!‬ ‫على ٍ‬ ‫العزائم عن التفكير في الإ�صالح‪.‬‬ ‫الجل�سة الثانية‬ ‫ •لقد نجح القطاع الأه�ل��ي الخا�ص‪� ،‬أف��راد ًا‬ ‫وهي محا�ضرة للدكتور عبدالرحمن ال�شبيلي‬ ‫و�شركات‪ ،‬وبمباركة من الدولة ودعمها‪ ،‬في‬ ‫بعنوان‪� :‬أزمة الإعالم العربي الر�سمي‪ ،‬نقتطف‬ ‫اقتحام عالم الإع�لام الإخباري والترفيهي‬ ‫منها‪:‬‬ ‫والريا�ضي والثقافي ف��ي ال �خ��ارج؛ و�أ�س�س‬ ‫ •معظم الأج �ه��زة الر�سمية ت�م��ار���س عملها‬ ‫�إمبراطوريات عمالقة‪� ،‬أ�سهمت في تخفيف‬ ‫اليوم بعقلية الما�ضي مرتدي ًة ثوب الحا�ضر‬ ‫العبء على و�سائل الإعالم الر�سمية‪ ،‬و�شارك‬ ‫وتقنيته‪ ،‬ومن ثَمَّ ‪ ،‬ف�إن التطوّر الحقيقي لن‬ ‫بن�صيب واف���ر ف��ي دع ��م ج �ه��ود �إع�لام�ن��ا‬ ‫يتحقق �إال بتجديد الفكر وتغيير الأ�ساليب‬ ‫الخارجي‪ ،‬لكن نجاحه هذا هو �شهادة �إثبات‬ ‫وتحريك مياهه الراكدة‪� ،‬إلى جانب تحديث‬ ‫على عدم فاعلية �إعالمنا الر�سمي‪ ،‬ودليل‬ ‫الأجهزة و�إقامة المن�ش�آت؛ وعندما ي�ست�شعر‬ ‫على ق�صوره و�ضعفه؛ وكان الأحرى بنا‪� ،‬أن‬ ‫العنوان وجود �أزمة ف�إنه يعني الت�سليم بوجود‬ ‫نبحث ف��ي �أ�سباب ذل��ك‪ ،‬و�أن ن�ستفيد من‬ ‫خلل وق�صور‪ ،‬مع االعتراف بوجود �إيجابيّات‪.‬‬ ‫تجربة �إعالمنا المهاجر‪ ،‬لتعزيز ق��درات‬ ‫ •لقد �أثبتت نماذج مُعا�شة �أن الت�أثير ال يت�أتّى‬ ‫و�سائل الإعالم الوطنية‪ ،‬بل الأحرى �أن ن�سعى‬


‫منتدى الأمري عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‬

‫الأ�ستاذ �سمير عطا اهلل ود‪ .‬محمد الحيزان ود‪ .‬علي دبكل العنزي ود‪� .‬أحمد عبدالملك‬

‫‪12‬‬

‫لتوطينه و�إنهاء هجرته‪ ،‬في وقت يعرف الجميع‬ ‫الجل�سة الثالثة‬ ‫انتماءه �إلى هذه البالد‪.‬‬ ‫�أدارها د‪ .‬محمد الحيزان‪ ،‬ع�ضو هيئة التدري�س‬ ‫ •ما �أح��وج الإع�لام العربي اليوم في كل دولة‪ ،‬بكلية الإع�ل�ام بجامعة الإم��ام محمد بن �سعود‬ ‫�إل��ى غ��رف نقاهة للتفكير‪ ،‬مفتوحة النوافذ‪ ،‬الإ�سالمية‪.‬‬ ‫للت�أمل ف��ي ا�ستراتيجية �شاملة‪ ،‬ت��وزن فيها‬ ‫الورقة الأولى‬ ‫«الإعالم الورقي في مواجهة الإعالم‬ ‫الأمور‪ ،‬وتقا�س فيها جرعات الحرية وهوام�ش‬ ‫الإلكتروني»‬ ‫النقد‪ ،‬وتترجم فيها ال�سيا�سات الإعالمية �إلى‬ ‫تحدث فيها د‪ .‬علي بن دبكل العنزي‪ ،‬فقال‬ ‫ح��روف وكلمات و�صور‪ ،‬وتدر�س فيها �أ�سباب‬ ‫تفوّق الناجحين‪ ،‬وتراقب فيها النماذج وال�صيغ ال �شك �أن ال�صحافة الورقية تواجه �ضغط ًا قوي ًا‬ ‫المبتكرة ال�ت��ي تنا�سبنا‪ ،‬بعيد ًا ع��ن الإث ��ارة م��ن ال�صحافة الإل�ك�ت��رون�ي��ة؛ ب��ل �إن��ه ت�ح�وّل �إل��ى‬ ‫وال�صخب والغوغائية‪ ،‬وت�ؤخذ فيها المبادرات‪ ،‬تهديد لوجود ال�صحافة الورقية وكينونتها‪ ،‬ويتابع‬ ‫الجميع ع�شرات بل مئات ال�صحف الورقية وهي‬ ‫قبل �أن ي�أتي يوم نُ�ص َنّف فيه في عداد التخلّف تغلق �أبوابها وتوقف �صدورها؛ ما ي�ؤكد للمراقبين‬ ‫الإعالمي‪.‬‬ ‫�أن �أي��ام ال�صحف الورقية �أ�صبحت م�ع��دودة‪� ،‬أو‬ ‫ • لقد بلغ الإعالم الر�سمي العربي بكل و�سائله بالأحرى محدودة جداً‪ ،‬مع االختالف من مكان �إلى‬ ‫ووزارات � � ��ه‪ ،‬وم �ن��ذ ن �� �ش ��أة م�ع�ظ�م�ه��ا‪ ،‬مرحلة �آخر في دول العالم‪ .‬وتناول د‪ .‬العنزي في ورقته‬ ‫متقدمة من الن�ضج العمري بما يجعله يرتفع م�ستقبل ال�صحافة الورقية في ظل الو�ضع القائم‪،‬‬ ‫والمعطيات التي ت�ؤثر في م�ستقبل ال�صحافتين‬ ‫ع��ن ال�ت�ج��ارب وال �ت �ن��ازالت‪ ،‬و�أال يرت�ضي من‬ ‫الورقية والإلكترونية‪ ،‬وف��ق محاور �أرب�ع��ة ه��ي‪ :‬‬ ‫االحتراف ب�أقل من الكمال‪.‬‬ ‫تاريخ ال�صحافة الإلكترونية وبداياتها‪ ،‬ومفهومها‬ ‫واختتم محا�ضرته بدعوة مخل�صة لو�ضع نظام و�أنواعها؛ و�أ�سباب ازدهار ال�صحافة الإلكترونية؛‬ ‫�إعالمي �سعودي جديد‪ ،‬ي�أخذ في الح�سبان �أ�صالة وتراجع ال�صحافة الورقية؛ والعامل االقت�صادي‬ ‫الما�ضي وقيمه‪ ،‬ولغة �إعالم الحا�ضر والم�ستقبل و�أهميته‪ ‬في بروز ال�صحافة الإلكترونية‪ .‬كما قدم‬ ‫و�إبداع الآلة وابتكار العقل‪� ،‬أما ما لم يدركه الوقت في ورقته دالئ��ل و�أمثلة‪ ،‬لها عالقة مبا�شرة في‬ ‫في هذا المقام ف�إن له مكان ًا �آخر‪ ،‬ب�إذن اهلل‪.‬‬ ‫مو�ضوع م�ستقبل ال�صحافة الورقية في ظل بروز‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫رئي�س مجل�س الإدارة يكرّم �شخ�صية المنتدى ال�شيخ جميل الحجيالن‬

‫ال�صحافة الإلكترونية‪.‬‬ ‫الورقة الثانية‬

‫«الرقابة وع�صر التطورات التكنولوجية في‬ ‫الإعالم»‬

‫تحدث فيها د‪� .‬أحمد عبدالملك‪ ،‬الأكاديمي‬ ‫بجامعة قطر والم�ست�شار بوزارة الإعالم القطرية‪،‬‬ ‫م�ؤكد ًا �أن الإنجازات العلمية في و�سائل الإعالم قد‬ ‫تالحقت في ع�صرنا الحا�ضر تقني ًا (‪،)Hardware‬‬ ‫وات�سعت م�ساحة انتقال المعلومة (‪)Software‬‬ ‫لتعبر الحدود الجغرافية؛ الأمر الذي �أ�سقط كل‬ ‫الحواجز الرقابية‪ ،‬وحتّم تغيير ال��ر�ؤى الر�سمية‬ ‫ل ��دور و��س��ائ��ل الإع �ل�ام‪ ،‬وات���س��اع م�ساحة حرية‬ ‫التعبير‪ ،‬وت �ج��اوز ال ��ر�ؤى ال�ضيقة بالتعامل مع‬ ‫حالة تدفّق المعلومات في العالم‪ .‬وا�ستعر�ض د‪.‬‬ ‫عبدالملك �شكل ومحددات هذه التطورات‪ ،‬و�أثرها‬ ‫على الدور المهني لو�سائل الإعالم‪.‬‬ ‫الورقة الثالثة‬

‫«الرقابة في زمن العولمة»‬

‫تحدث فيها الكاتب وال�صحفي الم�شهور �سمير‬ ‫عطا اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬لقد بد�أت عالقتي برمتها بالإعالم‬ ‫العربي من خالل ال�شيخ جميل الحجيالن‪ ،‬وهو‬ ‫رجل في مقام الريادة‪ ،‬في �أي من�صب تبو�أه‪ ،‬وفي‬ ‫�أي م�س�ؤولية توالها؛ �إعالماً‪ ،‬وديبلوما�سية‪ ،‬و�إدارة‬

‫�إقليمية (كما في �أمانة مجل�س التعاون الخليجي)‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ف�ل���س�ف� ُة ج�م�ي��ل ال �ح �ج �ي�لان‪ ،‬وظ � َّل��ت‪،‬‬ ‫في الإع�ل�ام وف��ي الديبلوما�سية وف��ي ال�سيا�سة‪،‬‬ ‫ب�سيطة ومبا�شرة‪ :‬لماذا �أخو�ض حرب ًا محكومة‬ ‫بالم�صالحة ذات ي��وم؟ لماذا ال �أو ّف��ر على بلدي‬ ‫الخ�سائر التي �ستقع على الطريق؟‬ ‫وعندما كانت ال�سعودية تمار�س الرقابة على‬ ‫�إع�لام�ه��ا‪ ،‬كانت مت�شددة فيما يخ�ص �سواها‪.‬‬ ‫ل��م ت�ش�أ �أن ت�ك��ون ج ��زء ًا م��ن ع��ال��م ع��رب��ي تدب‬ ‫به ال�صحافة �إل��ى اال�ضطراب والفو�ضى‪ .‬وكان‬ ‫الملك في�صل‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬يتابع حروب ال�صحافة‬ ‫اللبنانية ويقلق‪ ،‬وق��د ك��رر �أم��ام��ي ال�ق��ول‪ ،‬م��اذا‬ ‫تفعلون ببلدكم؟ �أما منكم مَن يقدر �أنه �شرفة هذه‬ ‫الأمة؟‬ ‫وا�ستطرد قائال‪ :‬الرقابة �شيء غير مُ�ستحب‪.‬‬ ‫�إنها نقي�ض للرغبة في المعرفة‪ .‬لكنها مث ُل كلِّ‬ ‫�شيء �آخر‪ ،‬عادي ًا �أو عظيماً‪� ،‬إدارة �أوالً‪.‬‬ ‫وف��ي نهاية ك��ل جل�سة �شهدت ال �ن��دوة ح��وار ًا‬ ‫مثمر ًا بين الجمهور والم�شاركين ت�ن��اول��وا فيه‬ ‫مختلف الق�ضايا المطروحة في �أوراق العمل‪ .‬ومن‬ ‫المنتظر �أن ي�صدر عن الجهة المنظمة‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬ ‫عبدالرحمن ال�سديري في وقت الحق كتاب ي�ضم‬ ‫جميع �أوراق العمل وال�م��داوالت التي �شارك بها‬ ‫الجمهور‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪13‬‬


‫التو�صيات‬

‫‪ ‬في نهاية فعاليات المنتدى خرج الم�شاركون بعدد من التو�صيات منها‪:‬‬ ‫ •ت�شجيع الم�شاركة بين الإعالم الر�سمي و�إعالم القطاع الخا�ص‪ ،‬ل�صياغة ر�سالة �إعالمية‬ ‫تحظى بم�صداقية وتلتزم بالم�س�ؤولية االجتماعية‪.‬‬ ‫ •تطوير الإعالم الر�سمي وتعزيز حريته في العمل وفق المعايير المهنية االحترافية‪ ،‬لي�ستعيد‬ ‫ثقة المتلقي‪ ،‬بالنظر لتعدد قنوات الإعالم الخا�ص العابر للحدود وما يتوافر له من تقنيّة‬ ‫عالية و�سرعة وحرية‪.‬‬ ‫ •ت�أهيل كفاءات �إعالمية في مجاالت ال�صحافة الإلكترونية والإعالم الجديد‪.‬‬ ‫ •االرتقاء بالمهنة الإعالمية من خالل دعم كليات و�أق�سام الإعالم‪ ،‬وتوفير الت�أهيل الذي يتوافق‬ ‫والم�ستجدات التكنولوجية المتطورة في مجاالت الإعالم وال�صحافة الورقية والإلكترونية‪.‬‬ ‫ •تعزيز الم�س�ؤولية الإعالمية لدى القائمين على الإعالم‪ ،‬بما يتوافق والم�صلحة العليا للمجتمع‪.‬‬ ‫وتفعيل دور المجل�س الأعلى للإعالم في متابعه �أداء و�سائل الإعالم‪ ،‬ومدى التزامها بالمهنية‬ ‫ومواثيق ال�شرف الإعالمي‪.‬‬ ‫ •القيام بدرا�سات بحثية لدرا�سة ت�أثير و�سائل الإعالم الجديد على الن�شء‪.‬‬ ‫ •تطوير الت�شريعات المت�صلة بالإعالم‪ ،‬مع الأخذ بعين االعتبار الم�ستجدات التقنية التي جعلت‬ ‫من الر�سالة الإعالمية والخبرية عابرة للحدود‪.‬‬ ‫ •الت�أكيد على الم�ؤ�س�سات الإعالمية ب�ضرورة مواكبة التطورات التقنية في مجال الإعالم والتي‬ ‫تحظى باهتمام �شرائح الجمهور المختلفة‪.‬‬ ‫ •توعية الجمهور ‪ -‬وبخا�صة �صغار ال�سن ‪ -‬على اال�ستخدام الواعي لو�سائل الإعالم والتوا�صل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫ •ت�شجيع خ�صخ�صة و�سائل الإعالم الر�سمية �ضمن معايير ل�ضمان حماية المتلقي والإعالميين‬ ‫من هيمنة المعلنين و�سطوة الإعالن‪.‬‬ ‫ •�إعالء المعايير المهنية في الإعالم وااللتزام بمواثيق ال�شرف الإعالمي‪ ،‬وي�شمل ذلك العمل‬ ‫في الإعالم الرقمي �أي�ضا‪.‬‬ ‫ •تفعيل دور جمعيات الإعالم وال�صحافة في الدفاع عن الإعالميين وحريتهم‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫منتدى الأمري عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية‬

‫فعاليات م�صاحبة‬ ‫ت�ضمنت فعاليات المنتدى‪� ،‬إق��ام��ة معر�ض‬ ‫لإ�صدارات �ضمن برنامج الن�شر ودعم الأبحاث‬ ‫الذي ترعاه م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‪ ،‬و�صدر‬ ‫من خالله حتى الآن نحو (‪ )125‬كتابا ودورية في‬ ‫مختلف المجاالت والدرا�سات العلمية والإن�سانية‪،‬‬ ‫ومنها نتائج بحوث ودرا�سات ميدانية وي�شار �إلى‬

‫�أن برنامج الن�شر في الم�ؤ�س�سة محكّم وفق الأ�س�س‬ ‫العلمية المتبعة في الن�شر‪ .‬كما �أق��ام المنظمون‬ ‫معر�ض ًا لل�صور الفوتوغرافية بعنوان‪« :‬البيئة في‬ ‫الغاط في عيون الم�صورين»‪� ،‬شارك فيه عدد من‬ ‫الم�صورين ال�شباب في محافظة الغاط‪ ،‬وعر�ضوا‬ ‫نحو خم�سين ��ص��ورة فوتوفرافية ع��ن العنا�صر‬ ‫والمفردات البيئية الجميلة في الغاط‪.‬‬

‫على هام�ش المنتدى‬

‫الورق ‪ ..‬طريق الإبل‬ ‫املفــرج‬ ‫■ عبدالرحمن بن عبدالكرمي‬ ‫ّ‬

‫في اجتماع بم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية بتاريخ ‪2013/11 /08‬م وفي‬ ‫مركز الرحمانية الثقافي‪ -‬بمحافظة الغاط‪� ،‬ألقى معالي الدكتور عبدالواحد الحميد‬ ‫ال�ضوء الكا�شف على ن�شاطات و�إنجازات هيئة الن�شر في الم�ؤ�س�سة‪ ،‬و�أفا�ض و�صار �إلى‬ ‫�أن جميع الإ���ص��دارات الجديدة �أ�صبحت على موقع الم�ؤ�س�سة‪ ،‬و�إن��ه يمكن متابعتها‬ ‫وقراءتها على ال�شا�شات المُ�ضاءة في الحوا�سيب والأجهزة المحمولة الذكية‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫�أن البث والن�شر الرقمي (الديجيتال) قد ت�سيّدا الموقف‪.‬‬ ‫ا��س�ت��أذن��ت طالب ًا الحديث ف � ُ�أُذن��ت‪،‬‬ ‫وق�ل��ت متبا�سطاً‪ :‬و�أن ��ا الأم ��ي الرقمي‬ ‫�أرى �أن الن�شر ب��ال�ط��ري�ق��ة التقليدية‬ ‫�آف�لٌ‪ ،‬و�أن ال��ورق في طريقه لالنقرا�ض؛‬ ‫وت�ساءلت و�أن��ا �أدرك �ضخامة المهمة‪،‬‬ ‫ولماذا ال نحوّل جميع مقتنيات مكتبات‬ ‫الم�ؤ�س�سة في الغاط والجوف �إلى مكتبات‬ ‫�إلكترونية؟‬ ‫التقط ال�ح��دي��ث الأم �ي��ر في�صل بن‬

‫عبدالرحمن ال�سديري رئي�س مجل�س‬ ‫�إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‪،‬‬ ‫وق��ال ممازح ًا ‪ :‬لكنني �أن��ا �أح��ول الن�ص‬ ‫الرقمي �إل��ى من�شور ورق ��ي‪ ..‬ف�أ�ضحك‬ ‫ب�م��زح�ت��ه ال �ح �� �ض��ور‪ .‬ث��م ث � ّن��ى الع�ضو‬ ‫المنتدب الدكتور زي��اد بن عبدالرحمن‬ ‫ال�سديري وقال‪ :‬للمهمة جوانب عديدة‪،‬‬ ‫منها م��ا يتعلق بحقوق الطبع والن�شر‪،‬‬ ‫و�أخ ��رى بحقوق مالية وقانونية لي�ست‬ ‫بال�سهلة‪ ،‬ومَ َّر الأمر وا�ستمر الحديث‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪15‬‬


‫ما �أ�شبه الليلة بالبارحة‪ ،‬ومَ ن �شابه �أباه فما‬ ‫ظلم!‬

‫فهاهم �أط �ف��ال ال�سبعينيات م��ن القرن‬ ‫الهجري الما�ضي وكهول اليوم‪ ،‬ممن �أخذتهم‬ ‫المدنّية يخ�شون االق �ت��راب م��ن الإب ��ل حُ مر‬ ‫ال�ن�ع��م‪ ..‬وه��ي التي كانت جنوبها و�أرق��اب�ه��ا‬ ‫الأح�ضان والمنامات الدافئة �شتا ًء لآبائهم‬ ‫و�أج���داده���م‪ ،‬و�أي��ادي �ه��ا ال �م �خ��دات الطرية‬ ‫لنومهم �صيفاً‪ ،‬وقد كانت الإبل تعمر �صحون‬ ‫منازلهم‪ ..‬لكنها اليوم هي الق�صيّة‪ ،‬وهي �أبعد‬ ‫ما يكون عن معا�شهم اليومي‪ ،‬حتى ي�صعب‬ ‫ورده هذا �أعاد ذاكرتي �إلى طرح البارحة عليهم التمييز بين رُغائها وحنينها‪ ،‬والمع�ضلة‬ ‫في لقاء الجمعية العامة بالم�ؤ�س�سة‪ ،‬و�أذكى الكبرى معرفة �أ�سمائها طبق ًا لأعمارها �أو‬ ‫لدي تداعي المعاني‪ ،‬وقد ت�صورت �أطفالنا �ألوانها‪.‬‬ ‫وهم يلعبون في الآيبادات‪ ،‬و�أجهزة الهواتف‬ ‫وال غرابة لدي �إن �أق�صى الن�ش ُر الإلكتروني‬ ‫المحمولة الذكية‪ ،‬والحوا�سيب ال�صغيرة‪ ،‬الن�ش َر الورقيّ كما �أق�صت ال�سيار ُة والطيار ُة‬ ‫ويلهون بها ويمرونها بين �أي��دي�ه��م كما م ّر حم َر ال ِنعَم‪ !!..‬و�أنَّ ال��ورق �سائ ٌر على طريق‬ ‫�أطفال امرئ القي�س خذاريفهم المثقبة‪0‬‬ ‫الإبل �إلى الإق�صاء‪ ،‬لكنه‪ ..‬وللمفارقة قد تزداد‬

‫‪16‬‬

‫ور�أيتُ �أن ُه بعد عقد من الزمان �أو ما يزيد‬ ‫قلي ًال �ستكون �شا�شات الأجهزة الذكية الكاتبة‬ ‫المُ�ضاءة تلك‪ ،‬قد ب��د�أت تُق�صي ال��ورقَ كما‬ ‫�أق�صى الورقُ �سابقاته من الرق و�ألواح الطين‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫قيمته بحكم م��ا ي�ج��ري م��ن م��زاي��دات على‬ ‫مزاين الإب��ل‪ ،‬فاحفظوا �أوراق�ك��م‪ ،‬فقد تكون‬ ‫كنوز ًا لأحفادكم‪ .‬و�إن غد ًا لناظره قريب‪ ،‬وتلك‬ ‫�سُ َّن ُة اهلل في خلقه‪.‬‬

‫�أدب الرحالت‬ ‫■ �إعداد وتقدمي حممود عبداهلل الرحمي‬

‫هو ذلك الأدب الذي ي�صور فيه الكاتب ما جرى له من �أح��داث‪ ،‬وما �صادفه من �أمور �أثناء‬ ‫رحل ٍة قام بها �إلى �إحدى البلدان‪ .‬ويُع ُّد �أدب الرحالت من �أهم الم�صادر الجغرافية والتاريخية‬ ‫واالجتماعية؛ لأن الكاتب ي�ستقي المعلومات والحقائق من الم�شاهد الحيّة‪ ،‬والت�صوير المبا�شر‪،‬‬ ‫ما يجعل قراءته مفيدة وماتعة وم�سليّة‪.‬‬ ‫والرحالت �أو�سع �أبواب المعرفة والثقافة الإن�سانية لك�شف المجهول والو�صول �إلى الغاية‪،‬‬ ‫ومعرفة الحقيقة واالطالع على الآثار‪ ،‬واال�ستمتاع بم�شاهد التاريخ ومعالم الح�ضارات‪ ،‬ومظاهر‬ ‫الحياة‪ ،‬وما تزخر به من خيال ووهاد وبحار و�أنهار و�إن�سان ونبات‪.‬‬ ‫ا�ست�أثر �أدب الرحالت باهتمام كبير من مثقفي‬ ‫العالم قديم ًا وحديثاً‪ ،‬وعني به �أع�لام ب��ارزون عبر‬ ‫�أط���وار ال�ث�ق��اف��ة‪ ،‬على اخ �ت�لاف مناهج ال��رح��ل من‬ ‫�أجنا�س العالم‪ .‬في قراءة �أدب الرحالت متعة وفائدة‬ ‫ومعرفة‪ ،‬وفيها قدوة و�أ�سوة لمن يريد �أن يعتبر ويت�أمل‪.‬‬ ‫وربما لم تظهر الكتابة عن الرحلة �إال بعد الهجرة‬ ‫النبوية‪ ،‬والفتوحات الإ�سالمية‪ ،‬وازده��ار الح�ضارة‬ ‫العربية وثقافتها‪ ،‬وظهرت كتابات عن رح�لات قام‬ ‫بها رحّ الة عرب؛ �إذ‪ ،‬ظهر �أدب الرحالت لي�شكل �أحد‬ ‫�أهم تجليات الثقافة في ذلك الع�صر‪ ،‬وليجوب بع�ض‬ ‫الرحالة العرب بالد ًا عربية تجاور بالدهم‪ ،‬بل و�صل‬ ‫بع�ضهم �إلى بالد غير عربية وبعيدة؛ كال�صين والهند‬ ‫وبالد ما وراء النهر وتركيا وغيرها‪ .‬وقد قيل �إن في‬ ‫ال�سفر �سبع ف��وائ��د‪ :‬منها ال��رزق‪ ،‬وتح�صيل العلم‪،‬‬ ‫واكت�ساب الخبرات‪ ،‬والترفيه‪ ،‬ور�ؤي��ة بالد جديدة‪..‬‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫وقد �أ�سهمت كتابات �أدب الرحالت في نقل كثير‬ ‫من ال�صور الجميلة لتلك البالد‪ ،‬وظروفها المعي�شية‪..‬‬ ‫و�ألقى الرحالة ال�ضوء على تاريخها و�أفكار �سكانها‪،‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫وف��ي �صبيحة اليوم التالي انعقد منتدى‬ ‫الأم �ي��ر ع�ب��دال��رح�م��ن ب��ن �أح �م��د ال�سديري‬ ‫للدرا�سات ال�سعودية في دورته ال�سابعة – في‬ ‫الغاط بتاريخ ‪2013 /11/9‬م ‪ -‬الإع�ل�ام‪..‬‬ ‫اليوم عالم بال حواجز‪ .‬وكانت الورقة الأولى‬ ‫ف��ي الجل�سة ال�ث��ان�ي��ة ‪:‬الإع�ل��ام ال��ورق��ي في‬ ‫مواجهة الإعالم الإلكتروني‪ ،‬والمتحدث فيها‬ ‫الدكتور علي بن دبكل العنزي‪ ،‬ولم يكن لي‬ ‫عل ٌم بم�ضمونها �إال بعد �أن بد�أ حديثه‪ .‬فقال في‬ ‫معر�ض الحديث‪� :‬إن بع�ض ال�صحف تحوّلت‬ ‫�إلى الن�شر الإلكتروني كلياً‪ ،‬و�إن الأخرى على‬ ‫الطريق‪ .‬وذك��ر �أمثلة عالمية ومحلية‪ ،‬و�أكد‬ ‫�أن الن�شر الورقي منتهٍ ال محالة ‪ ،‬فهي م�س�ألة‬ ‫وقت فقط‪ .‬لكنه‪ ،‬في رده على المحاورين ممن‬ ‫فهموا منه �أنه يق�صد انتهاء الن�شر الورقي‪،‬‬ ‫�أخذ خط رجعة وقال‪� :‬إن الن�شر في ال�صحف‬ ‫يجري بالو�سيلتين معاً‪.‬‬

‫والخ�شب‪ ،‬و�سوف ي�صعب على �أطفال اليوم‬ ‫رج��ال الغد‪ -‬التعامل مع ال��ورق وت�صفيفه‬‫وحفظه في الملفات والأ�ضابير كما نفعل به‪،‬‬ ‫بل قد يخ�شون م�سّ ـه رغم مال�سته كي ال يجرح‬ ‫�أناملهم الناعمة‪.‬‬

‫وعاداتهم وتقاليدهم التي قد تختلف وقد تتفق مع‬ ‫ع��ادات البالد التي ج��اءوا منها؛ ف�أ�سهموا بذلك في‬ ‫نقل بع�ض ثقافات ال�شعوب الأخرى‪ ،‬و�إثارة االهتمام‬ ‫بها وت�شجيع المهتمين من العلماء وطلبة العلم على‬ ‫زيارة تلك البالد للنهل من معارفها وعلومها‪.‬‬ ‫�أم��ا الرحالة المعا�صرون ��س��واء ك��ان��وا عربا �أم‬ ‫غربيين‪ ،‬فهم كتاب بالدرجة الأول��ى‪ ..‬قد ت�سوقهم‬ ‫الظروف �إلى بالد معينة‪ ،‬فيكتبون عنها‪ ،‬و�إما ي�سافرون‬ ‫عن ق�صد �إلى �أماكن بعينها لدرا�ستها والكتابة عنها‪.‬‬ ‫ويتوقف م��دى نجاح الأدي��ب في كتابته في �أدب‬ ‫الرحلة ب�صفة خا�صة على مدى التعاي�ش الوجداني‬ ‫ال��ذي يخلقه في قلب ال�ق��ارئ و�ضميره‪ ،‬فكلما ت�أثر‬ ‫القارئ �أكثر واندمج في �أح��داث الق�ص‪ ،‬كان ذلك‬ ‫برهانا على قدرة الكاتب وتميزه في كتابته(‪.)1‬‬ ‫وك�ع��ادة الجوبه في مختلف �أع��داده��ا ارت���أت �أن‬ ‫ت�صحب متلقيها عبر ملف يتناول �أدب الرحالت من‬ ‫خ�لال محاور �شارك فيها كتّاب من داخ��ل المملكة‬ ‫وخارجها‪ ،‬علها تنقل له ال�صورة كاملة عن هذا الأدب‬ ‫و�أهميته قديما وحديثا‪..‬‬

‫(‪� )1‬سلوى حمام�صي ‪ -‬مغتربة في �سنغافورة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪17‬‬


‫■ د‪ .‬حممود عبداحلافظ – جامعة اجلوف‬

‫هي منبع المعرفة ل�شتيت من العلوم الإن�سانية‪� ،‬إذ يجد دار���س الآداب والم�ؤرخ‬ ‫والجغرافي وعالم االجتماع وعالم االقت�صاد وكثير غيرهم �ضالته فيها‪� ..‬إنها الرحلة‪،‬‬ ‫ذلك ال�سجل الحقيقي لمختلف مظاهر الحياة‪.‬‬ ‫هكذا كان حدها في المعاجم العربية‪ :‬الترحيل واالرتحال؛ فيقال رحل الرجل �إذا‬ ‫�سار‪ ،‬فالرحلة هنا بمعنى ال�سير وال�ضرب في الأر�ض‪ .‬وجاءت الرحلة بمعنى االرتحال‬ ‫�أي االنتقال من مكان لآخ��ر‪ ،‬وعليه ف��إن الترحل واالرت�ح��ال واالنتقال هو الرحلة‪،‬‬ ‫والرحلة ا�سم االرتحال‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫و من ه��ذا المعنى‪ ،‬يت�ضح �أن الرحلة‬ ‫قديمة قِدَ م الإن�سان ذاته‪ ،‬وقد لعبت دورًا‬ ‫كبيرًا في االكت�شاف الجغرافي‪ ،‬وبالأهمية‬ ‫نف�سها كانت ج�سرًا للتوا�صل بين ال�شعوب‬ ‫وتبادل المعرفة قبل التقعيد التاريخي؛‬ ‫فقد �أحدثت التنا�سل بين اللغات والعادات‬ ‫والتقاليد‪ ،‬وقد عدّها بع�ض العلماء – �أعني‬ ‫الرحلة – �أنها و�ضعت الجذور الأولى لمادة‬ ‫الإثنوجرافيا‪ ،‬التي ت�شكل بدورها قاعدة‬ ‫مهمة للمقارنة بين النظم االجتماعية لدى‬ ‫الب�شر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫لقد �أك��د الباحث الفرن�سي «م��ودوي»‬ ‫ع�لاق��ة ال��رح �ل��ة ب��الإث �ن��وج��راف �ي��ا عندما‬ ‫ذك��ر �أن ال��رح�ل��ة ال�ت��ي ق��ام بها القدماء‬ ‫الم�صريون عام ‪ 1493‬قبل الميالد‪ ،‬تعد‬ ‫من �أقدم الرحالت التجارية والإثنوجرافية‬ ‫على الإط�لاق؛ ذلك حين �أبحر في النيل‬ ‫�ول م�ك��و ًن��ا من‬ ‫ت�ج��اه ج�ن��وب م�صر �أ� �س �ط� اً‬ ‫خم�سة مراكب‪ ،‬وعلى متن كل مركب واحد‬ ‫وث�لاث��ون ف��ردًا‪ ،‬بهدف ت�سويق ب�ضائعهم‬ ‫النفي�سة من العطور والبخور وغيرها‪ .‬لقد‬ ‫نتج عن هذه الرحلة ات�صال الم�صريين‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أدب الرحالت‬ ‫(الن�ش�أة والتاريخ)‬

‫القدماء ب�أقزام �أفريقيا‪ ،‬وقد �صورت النقو�ش‬ ‫الفرعونية في معبد الدير البحري تطور عالقة‬ ‫الم�صريين ب�أهل هذه البالد‪ ،‬ف�أبرزت ا�ستقبال‬ ‫ملك وملكة ب�لاد «ب��ون��ت» (ال�صومال حاليًا)‬ ‫أي�ضا بع�ض‬ ‫لمبعوث م�صري‪ ،‬و�أو�ضحت النقو�ش � ً‬ ‫تفا�صيل ال�صفات الج�سمية لتلك ال�شعوب من‬ ‫تراكم ال�سمنة ب�إفراط في موا�ضع بعينها من‬ ‫الج�سد‪.‬‬ ‫أي�ضا في‬ ‫وج��اءت المادة الو�صفية للرحلة � ً‬ ‫كتابات الإغ��ري��ق‪ ،‬مثل كتابة ال�شاعر ال�شهير‬ ‫«هوميرو�س» �صاحب «الإلياذة والأودي�سة» الذي‬ ‫أي�ضا‬ ‫عا�ش في القرن التا�سع قبل الميالد‪ ،‬و� ً‬ ‫كتابات «هيرودت�س» ال��ذي عا�ش خ�لال القرن‬ ‫الخام�س قبل ال�م�ي�لاد؛ فقد دوَّنَ ف��ي كتابه‬ ‫«التواريخ» كثيرًا من التاريخ الإن�ساني عن حوالي‬ ‫خم�سين �شعبًا‪ ،‬من خالل رحالته وق��راءات��ه‪..‬‬ ‫�إل��ى جانب و�صفه الدقيق للحرب التي دارت‬ ‫بين الفر�س والإغريق في القرن ال�ساد�س قبل‬ ‫الميالد‪ ،‬فو�صف م�صر و�صفًا دقيقًا‪ ،‬وق��دم‬ ‫أي�ضا لقبائل البدو في ليبيا‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫و�صفًا دقيقًا � ً‬

‫النبوية‪ ،‬فكانت �أولى الرحالت الثابتة لدينا في‬ ‫القران الكريم باللفظ والداللة هي رحلة قري�ش‬ ‫التجارية ال�سنوية (رحلة ال�شتاء وال�صيف)‪،‬‬ ‫انطالقًا من مكة �إل��ى ال�شام واليمن‪� .‬أم��ا في‬ ‫ال�سُ نَّة النبوية‪ ،‬فقد روي عنه قوله – �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�« :‬إنما الأعمال بالنيات‪ ،‬و�إنما‬ ‫لكل ام��رئ ما ن��وى‪ ،‬فمن كان هجرته �إل��ى اهلل‬ ‫ور�سوله‪ ،‬فهجرته �إل��ى اهلل ور�سوله‪ ،‬ومن كان‬ ‫هجرته لدنيا ي�صيبها �أو امر�أة ينكحها‪ ،‬فهجرته‬ ‫لما هاجر �إليه» (�أخرجه البخاري)‪.‬‬

‫ورغم �أن هذه الكتابات بالطبع ال يمكن �أن‬ ‫تنعت ب��الأدب على �أي م�ستوى من الم�ستويات‪،‬‬ ‫�إال �أنها تعد ت�أ�صيلاً لقدم هذا النوع من الكتابة‪،‬‬ ‫وت�أكيدً ا لما جاء في �صدر حديثي عن �أن الرحلة‬ ‫قديمة قدم الإن�سان‪ ،‬ولها ف�ضل وثير على ع�صبة‬ ‫وت�أتي في هذا ال�سياق هجرتا الم�سلمين �إلى‬ ‫العلوم الإن�سانية‪.‬‬ ‫الحب�شة ويثرب في ال�سنوات الأول��ى من بعثة‬ ‫الرحلة في التراث العربي وتطورها النبي‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫التاريخي‬ ‫ب ��د�أ ت ��أم��ل ال �ع��رب للعالم م��ن ح��ول�ه��م من‬ ‫وردت الرحلة ف��ي ال �ق��ر�آن الكريم وال�سنة خالل �أ�سفار التجارة والفتوحات الإ�سالمية؛‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫يتفق جمهور الباحثين في الرحلة على �أن‬ ‫ع�صر الن�ش�أة والتطور ا�ستمر �إلى حدود القرن‬ ‫الثالث للهجرة‪� ،‬إذ كانت مجهودات العرب فيه‬ ‫موجهة �إلى الآفاق عن طريق البحر‪ ،‬بحكم �أن‬ ‫الفتوحات التي تمت �إبان هذا الع�صر قد جعلت‬ ‫ال��دول��ة محاطة ب��ه م��ن ث�لاث ج �ه��ات‪ ،‬وكانت‬ ‫الرحالت ذات طبيعة تجارية اقت�صادية �أكثر‬ ‫مما ترمي �إل��ى التعرف على البلدان الأخ��رى‪،‬‬ ‫ويف�سر ذلك �أن هذه الفترة لم تخلف م�ؤلفات‬ ‫ت�ؤرخ لهذه الرحالت‪ ،‬بحكم طبيعتها؛ غير �أنها‬ ‫فتحت �أبواب المغامرة والرحلة على م�صراعيها‬ ‫في وج��ه ال�ع��رب‪ .‬وتجلّت خ�لال القرن الثالث‬ ‫للهجرة �أول��ى ال�شذرات المعرفية عن الرحلة‬ ‫انطالقًا من رحلة «�سالم الترجمان» �إلى بالد‬ ‫ال�صين‪ ،‬لي�شاهد ال�سد الذي �شيّده الإ�سكندر‬ ‫الأك �ب��ر ف��ي ب�لاد ي ��أج��وج وم ��أج��وج ب ��إف��ادة من‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ون�شطت في القرن الرابع الهجري البعثات‬ ‫الدينية والدبلوما�سية �إلى الممالك المجاورة‬ ‫للإمبراطورية العربية الإ�سالمية‪ ،‬مثل بعثة‬ ‫«اب��ن ف�ضالن» �إل��ى ملك البلغار ع��ام ‪309‬ه �ـ‪/‬‬ ‫‪921‬م‪ .‬وظهر العديد من م�شاهير الرحالة في‬ ‫هذا الع�صر‪� ،‬أهمهم‪�( :‬أبو زيد البلخي‪ ،‬قدامة‬ ‫اب��ن جعفر‪ ،‬الم�سعودي‪ ،‬اب��ن حوقل‪� ،‬أب��و دلف‬ ‫م�سعر بن مهلهل‪ ،‬المقد�سي‪ ،‬المهلبي‪ ،‬يزرك بن‬ ‫�شهريار الناخداه) ولكل منهم نتاجه الم�ستقل‬ ‫في مجال الرحلة‪.‬‬ ‫�أم��ا في القرن الخام�س الهجري ف��إن رحلة‬ ‫البيروني تعد �أ�شهر رح�لات ه��ذا الع�صر‪� ،‬إذ‬ ‫رافق فيها ال�سلطان محمود الغزنوي في فتوحاته‬ ‫بالهند‪ ،‬وا�ستقر فيها نحو �أربعين عامً ا يبحث‪،‬‬ ‫ويفح�ص‪ ،‬وقد دوّن كل ما وقعت عليه عينه بكل‬ ‫دقة‪ ،‬فكان نتاجه في هذا المجال هو « تحقيق ما‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�إذ وف��ر ل�ه��م ذل��ك االح �ت �ك��اك ال�ح���ض��اري مع الخليفة الواثق (‪ 842‬م – ‪ 846‬م)‪.‬‬ ‫غ �ي��ره��م م ��ن الأج� �ن ��ا� ��س الأخ� � ��رى‪ ،‬وع�ن��دم��ا‬ ‫أي�ضا الرحالة «ابن وهب القر�شي» �إلى‬ ‫و قام � ً‬ ‫�سطع نجم ال��دول��ة الإ�سالمية انبرت مظاهر ال�صين‪� ،‬إذ التقى ب�سلطان البالد الذي عر�ض‬ ‫التالقح الح�ضاري تتوالى‪ ،‬وكان �أهمها حركة عليه �صورًا لأنبياء و�ضمنهم �صورة للر�سول‪،‬‬ ‫ال�ت��رج�م��ة‪ ،‬ف �ب��د�أ ال�م�ت��رج�م��ون ب�ت��رج�م��ة كتب ��ص�ل��ى اهلل ع�ل�ي��ه و� �س �ل��م‪ .‬ك�م��ا ق ��ام «�سليمان‬ ‫«الأقاليم ال�سبعة» عن الفر�س‪ ،‬و(المج�سطي) الب�صري»‪� ،‬أح��د تجار ال �ع��راق ب��رح�لات عبر‬ ‫�أو الجغرافيا عن بطليمو�س اليوناني‪ ،‬كما �أولوا المحيط الهندي والمحيط ال�ه��ادي �إل��ى بالد‬ ‫االهتمام بالح�سابات الفلكية‪ ،‬وانفتح الباب ال�صين والهند‪ ،‬وق��د دوّن ه��ذا التاجر رحلته‬ ‫على م�صراعيه �أم��ام علوم الفر�س والهنود‪� .‬سنة ‪237‬ه�ـ‪ 851/‬م في حجم كتاب ي�صف فيه‬ ‫و�أ�سهمت ه��ذه المجهودات – بال �شك ‪ -‬في طريقه �إلى ال�صين عبر البحار‪ .‬ويعد ذلك �أقدم‬ ‫تطوير علم الرحلة عند العرب الم�سلمين‪ ،‬عبر نتاج عربي في مجال الرحلة البحرية‪ .‬وقد توالى‬ ‫مراحل متتابعة لعبت فيها الظروف ال�سيا�سية بعد ذل��ك رحالة �آخ��رون‪� ،‬أهمهم‪« :‬محمد بن‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية التي مرت بها الدولة مو�سى المنجم‪ ،‬واليعقوبي‪ ،‬وابن خرداذبة وابن‬ ‫العربية الإ�سالمية دورًا بارزًا‪.‬‬ ‫ر�ستة وابن الفقيه»‪.‬‬

‫للهند من مقولة مقبولة في العقل �أو مرذولة»‪.‬‬ ‫واقتفى هذه الرحلة العديد من الرحالة العرب‬ ‫الذين طافوا الأر�ض في هذه الحقبة‪ ،‬و�أ�شهرهم‬ ‫ابن بطالن‪ ،‬و�أبو عبيد البكري‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وقد‬ ‫خلّف ك��ل منهم كتابًا يحمل ا�سمه ف��ي مجال‬ ‫الرحلة‪.‬‬ ‫و م��ن �أ� �ش �ه��ر ال��رح��ال��ة ال �ع��رب ف��ي ال�ق��رن‬ ‫ال���س��اد���س ال�ه�ج��ري‪ ،‬الإدري �� �س��ي‪ ،‬ال ��ذي تنقّل‬ ‫بين الأندل�س والمغرب وم�صر وال�شام و�آ�سيا‬ ‫حط رحاله في �صقلية‪ ،‬و�أ ّل��ف‬ ‫ال�صغرى‪ ،‬حتى َّ‬ ‫كتابه الم�شهور (نزهة الم�شتاق في اختراق‬ ‫أي�ضا في �أدب الرحالت‬ ‫الآفاق)‪ .‬وممن ا�شتهروا � ً‬ ‫في هذا الع�صر (�أبو بكر ابن العربي‪� ،‬أبو حامد‬ ‫الأندل�سي‪� ،‬أ�سامة بن منقذ‪ ،‬اب��ن جبير) وما وكان ما تركه ابن خلدون في كتابه (التعريف‬ ‫ي��زال نتاج الأخ�ي��ر تحديدً ا م��وردًا �شهيرًا في بابن خلدون ورحلته �شرقًا وغربًا) هو نهاية ما‬ ‫جاد به القرن الثامن الهجري‪.‬‬ ‫ال�شرق والغرب على ال�سواء‪.‬‬ ‫�أما القرن ال�سابع الهجري‪ ،‬فقد �أفرز الرحالة‬ ‫عبداللطيف ال �ب �غ��دادي ال��ذي خ� ّل��ف م�ؤلفات‬ ‫كثيرة في اللغة والفل�سفة والطب وعلوم الدين؛‬ ‫�أم��ا كتابه في الرحلة فهو (الإف ��ادة واالعتبار‬ ‫ف��ي الأم ��ور والم�شاهدة وال �ح��وادث والمعاينة‬ ‫ب��أر���ض م�صر)‪ .‬وق��د عا�صره رح��ال��ة �آخ��رون‪،‬‬ ‫�أ�شهرهم ياقوت الحموي‪ ،‬وابن �سعيد الأندل�سي‪،‬‬ ‫والعبدري‪ .‬و�أنتج القرن الثامن الهجري قمة ما‬ ‫خلّفه �أدب الرحالت عند العرب الم�سلمين من‬ ‫�أم�ث��ال اب��ن بطوطة المعروف برحالة العرب‪،‬‬ ‫وال��ذي خ�ص�ص من حياته ما يربو على (‪)26‬‬ ‫ع��امً ��ا م��ن ال�ت��رح��ال‪ ،‬نتج عنها كتابه ال�شهير‬ ‫(تحفة النُّظار في غرائب الأم�صار وعجائب‬ ‫الأ�سفار) ال��ذي �أم�لاه على الكاتب ابن جزي‪.‬‬

‫�أف��رزت القرون الع�شرة الأول��ى من الهجرة‬ ‫العديد من الم�صادر التي اعتمدت على الرحلة‪،‬‬ ‫انطلقت من كتب التعريف بالأقاليم‪ ،‬ثم �أعقبتها‬ ‫كتب الم�سالك والممالك‪ ،‬و�أخيرًا كتب الم�سالك‬ ‫وال�ب�ل��دان‪ .‬ق��ام بتدوين ه��ذه الم�صادر علماء‬ ‫وه��واة ومبعوثون ومغامرون وم�ستك�شفون؛ ما‬ ‫�أث��ر لي�س فقط ف��ي �أ�سلوب كتابة الرحلة‪ ،‬بل‬ ‫في تعدد مراميها و�أهدافها‪ ،‬حتى �صارت على‬ ‫ر�أ�س الم�صادر التاريخية التي يتم اعتمادها في‬ ‫كتابة تاريخ الفترة الو�سيطة‪ .‬وقد تجلى ذلك في‬ ‫بع�ض الدرا�سات التي قدمت العديد من ن�صو�ص‬ ‫ال��رح�لات‪ ،‬ال�ت��ي تغطي ال�ف�ت��رة الممتدة من‬ ‫القرن الثالث الهجري‪/‬التا�سع الميالدي �إلى‬ ‫القرن الثامن الهجري‪/‬الرابع ع�شر الميالدي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪21‬‬


‫اهتمام الغرب ب�أدب الرحالت العربي‬ ‫�شكّل �أدب الرحلة العربي �إرث ًا معرفيًا تناقله‬ ‫الرواة والمهتمون العرب الم�سلمون بعد القرن‬ ‫ال��راب��ع ع�شر ال�م�ي�لادي �إل��ى �أن �أث ��ار اهتمام‬ ‫الأوربيين‪ ،‬وبخا�صة مع فترة الحروب ال�صليبية‬ ‫التي كانت تتطلب منهم معرفة الإقليم الأو�سط‬ ‫لالمبراطورية الإ�سالمية‪ ،‬ونتج عن ه��ذا �أن‬ ‫ح�ظ��ي �أدب ال��رح�ل��ة ال�ع��رب��ي بعناية ال�غ��رب‪،‬‬ ‫�سيما �أن ��ه �أخ ��ذ ي�ستفيق م��ن �سبات ال�ق��رون‬ ‫الو�سطى‪ .‬وتبلورت بدايات هذا االهتمام بما‬ ‫قدّمه الجغرافي الإدري���س��ي من خدمة جليلة‬ ‫للغرب عبر و�ضع ما جمعه من علم ومعرفة بين‬ ‫�أيديهم؛ وجاءت مرحلة االكت�شافات الجغرافية‪،‬‬ ‫وما تطلبته من ر�صيد معرفي لمجموع الأقاليم‪،‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫وت�ضاعف هذا االهتمام مع ظهور اال�ست�شراق‪،‬‬ ‫�إذ عالج الم�ست�شرقون الأدب الجغرافي العربي‬ ‫بمنهج ت��اري �خ��ي‪ ،‬يهتم ب��ال�م���ص��ادر وطبيعة‬ ‫المعلومات وترتيبات الفلك و��ص��ورة الأر���ض‬ ‫و�أق�سامها لدى اليونان والفر�س والهنود‪ ،‬وما‬ ‫�أ�ضافه العرب في هذا المجال‪ .‬ومن �أ�شهر مَ ن‬ ‫برزوا في هذا المجال « فين�ستنفلد» الذي ن�شر‬ ‫«معجم البلدان» لياقوت الحموي‪ ،‬و«ديغويه»‬ ‫ال��ذي ن�شر المكتبة الجغرافية العربية‪ ،‬التي‬ ‫�شملت ع�شرة ن�صو�ص جغرافية‪ ،‬تنتمي جميعها‬ ‫�إل��ى القرنين الرابع والخام�س الهجريين‪ ،‬ثم‬ ‫ج��اء «كرات�شكوف�سكي» لي�ستند �إل��ى ن�شرات‬ ‫ال�سابقين للن�صو�ص ومالحظاتهم‪ ،‬فكتب كتابه‪:‬‬ ‫« تاريخ الأدب الجغرافي العربي»‪.‬‬ ‫وب��ع��د ال� �ح ��رب ال �ع��ال �م �ي��ة ال �ث��ان �ي��ة ع ��اود‬ ‫الم�ست�شرقون االهتمام ب�أدب الرحالت العربي‪،‬‬ ‫ال �سيما �أن الجزيرة العربية �أ�ضحت محط‬ ‫اهتمام ال�غ��رب بعد ظهور ثرواتها النفطية؛‬ ‫فانكبَّ الباحثون على درا�سة الرحالت العربية‬ ‫في البر والبحر‪ ،‬وتحليل ن�صو�صها من حيث ر�ؤى‬ ‫الذات والآخر‪ ،‬وكيفية تف�سير العرب للعالقات‬ ‫االج�ت�م��اع�ي��ة واالق�ت���ص��ادي��ة والإن���س��ان�ي��ة بين‬ ‫الممالك الإ�سالمية‪ ،‬والممالك الأخرى الدانية‬ ‫والقا�صية‪ ،‬وك��ان م��ن �أ�شهر ه��ذه ال��درا��س��ات‬ ‫كتاب (جغرافية دار الإ�سالم الب�شرية) للباحث‬ ‫الفرن�سي (�أندريه ميكيل)‪.‬‬

‫ومع التدافع اال�ستعماري على العالم العربي‪،‬‬ ‫زادت الدرا�سات التي اهتمت ب ��أدب الرحالت‬ ‫العربي‪ ،‬من خالل ن�شر المخطوطات العربية‬ ‫المتعلقة بهذا العالم وترجمتها للعديد من لغات‬ ‫العالم‪ ،‬وتدافعت البعثات اال�ستعمارية التي‬ ‫تمكنت من تعميق الدرا�سات حول البالد العربية‬ ‫وفهمها فهمًا عميقًا‪ ،‬فاطلعوا على كل ما كتبه‬ ‫الأولون عن هذه البالد و�أهلها؛ ومن �أ�شهر الكتب‬ ‫التي اعتمدوا عليها‪( :‬مروج الذهب للم�سعودي)‬ ‫عن �إفريقية و�أ�سيا‪ ،‬واهتموا بما ورد عند ابن‬ ‫خ��رداذب��ة ف��ي كتابه (الم�سالك والممالك)‪،‬‬ ‫و�أي�� ً��ض��ا ك�ت��اب (ال�ب�ل��دان لليعقوبي)‪ ،‬وم�ؤلفَي‬ ‫المراجع‬ ‫الإ��ص�ط�خ��ري واب��ن ح��وق��ل(ق ‪4‬ه �ـ ‪ /‬ق ‪10‬م)‬ ‫اللذين ظهرا في �سل�سلة الجغرافيين العرب التي ‪� -‬إب��راه�ي��م م�ضواح الأل�م�ع��ي (‪2012‬م)‪ :‬المدينة‬ ‫المنورة في كتابات ال�شيخ علي الطنطاوي ورحالته‪،‬‬ ‫ن�شرتها جامعة « ليدن»‪.‬‬ ‫�أدب الرحلة الحديث‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وهي في الغالب حزمة المذكرات التي �سجلها‬ ‫الرحالة يوميًا �أو بعد عودته من الرحلة‪� ،‬إذ‬ ‫دون فيها ما علق في ذهنه من ف�ضول المعرفة‬ ‫�أو متعة اال�ستك�شاف �أو حب التوا�صل مع الآخر‬ ‫المختلف داخل البالد الإ�سالمية �أو خارجها‪.‬‬

‫حتى يت�سنى لأوربا تحقيق م�شروعها التو�سعي؛‬ ‫ف��وج��دت ف��ي كتب ال��رح�ل��ة‪ ،‬وم��ا �أب��رزت��ه علوم‬ ‫الجغرافيا العربية م�صدرًا مهمًا لإغناء مواردها‬ ‫العلمية والمعرفية‪.‬‬

‫له‪ ،‬وهو بناء فني له مالمحه و�سماته الخا�صة‪،‬‬ ‫وقد عدّه �شوقي �ضيف في كتابه «الرحالت» �أنه‬ ‫�أ�صل الق�صة العربية‪ .‬ورغم اهتمام الدرا�سات‬ ‫الأدبية والنقدية الحديثة بهذا اللون الأدب��ي‪،‬‬ ‫�إال �أن البحث العلمي من وجهة نظر كثير من‬ ‫الأكاديميين ما يزال قليلاً في هذا المجال على‬ ‫م�ستوى الرحلة القديمة �أو الحديثة‪ ،‬ال �سيما‬ ‫�أن كثيرا من النقاد قد �أ�ضاف للرحلة �أبعادًا‬ ‫جديدة �أدخلت كثيرًا من الكتابات تحت مظلة‬ ‫�أدب الرحالت‪ ،‬بما فيها الكتابات عن التل�ص�ص‬ ‫�أو الجا�سو�سية الحديثة‪.‬‬

‫الأدب‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬عدد ‪.75‬‬

‫ ح�سين محمد فهيم (‪1989‬م)‪� :‬أدب الرحالت‪،‬‬‫في المنطقة العربية‬ ‫�سل�سلة علم المعرفة‪ ،‬المجل�س الوطني للثقافة‬ ‫في منت�صف القرن الع�شرين ب��د�أت تظهر‬ ‫والفنون والآداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪ ،138‬يونيو‪.‬‬

‫بع�ض الدرا�سات باللغة العربية‪ ،‬اتخذت من‬

‫ ��س�ع�ي��د ال� �ب ��وزي ��دي (‪2012‬م)‪� :‬أدب ال��رح �ل��ة‬‫الرحلة العربية م�صدرًا لها‪ ،‬فظهر ما يعرف‬ ‫الجغرافية العربية كم�صدر للمعرفة التاريخية‬ ‫في الدرا�سات الأكاديمية با�سم �أدب الرحالت‪.‬‬ ‫والأنثروبولوجية‪ ،‬مجلة الآداب والعلوم الإن�سانية‪،‬‬ ‫والرحلة لأنها تحتوي على �شواهد حية لفترات‬ ‫جامعة بن طفيل‪ ،‬القنيطرة‪ ،‬المغرب‪ ،‬عدد ‪.10‬‬

‫غابرة‪ ،‬اهتم علم االجتماع والجغرافيا والأدب‬ ‫بتراث الرحلة العربية بو�صفها طراز ًا حياً‪ ،‬يقدم ‪ -‬ف�ق�ي�ق��ي م �ح �م��د ال� �ك� �ب� �ي ��ر(‪2012‬م)‪ :‬التحقيق‬ ‫اال�ست�شراقي لرحلة ابن بطوطة‪ ،‬دوري��ة كان كان‬ ‫م��ادة علمية متداخلة ح��ول المكان وال��زم��ان‪،‬‬ ‫التاريخية‪ ،‬دار نا�شري للن�شر الإلكتروني‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫والعادات والتقاليد‪ ،‬ونمط حياة ال�شعوب التي‬ ‫ع ‪.17‬‬ ‫احتك بها الرحالة في فترة معينة‪ ،‬امتدت عند‬ ‫بع�ضهم �إلى ما يزيد عن ربع قرن‪.‬‬ ‫ ن��زار نجار (‪2012‬م)‪ :‬م��ن �أدب ال��رح�لات‪� :‬إل��ى‬‫ال�صين عالمة فارقة في الزمن الثقافي‪ ،‬الموقف‬ ‫و تناولت الدرا�سات الحديثة �أدب الرحالت‬ ‫الأدبي‪� ،‬سوريا‪ ،‬عدد ‪.498‬‬ ‫بو�صفه نثرًا �أدبيًا يتخذ من الرحلة مو�ضوعً ا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪23‬‬


‫ال�سمات الفنية‬ ‫في �أدب الرحلة‬ ‫■ الباحث غازي خريان امللحم – من �سوريا‬

‫كانت الرحلة واقعا م�ألوفا لدى العربي‪ ,‬وعادة متجذرة في حيثيات حياته اليومية‬ ‫التي تعتمد في كثير من ف�صولها على عملية الحل والترحال‪� ,‬أثناء بحثه عن الرزق‬ ‫والماء والكلأ‪� ,‬إلى جانب قيامه برحلة �إي�لاف ال�شتاء وال�صيف التجارية التي جاء‬ ‫القران الكريم على ذكرها‪ ,‬وخ�صها ب�سورة م�ستقلة في كتابه العزيز‪.‬‬ ‫ولما كانت البحار والمحيطات تطوّق �أر���ض��ه من معظم جهاتها‪ ،‬ك��ان يجهل ما‬ ‫يقع خلف الماء من طبيعة وموجودات ومخلوقات‪� ,‬سوى ما ينقله �إليه الرحالة من‬ ‫معلومات؛ فيروي م�شافهة �أو عبر الر�سائل والمخطوطات‪ ,‬ما وقع عليه ب�صره من‬ ‫م�شاهدات‪ ,‬وما �سمعت به �أذنه من �أخبار؛ ف�شكلت هذه المدونات جن�ساً �أدبياً خا�صا‪،‬‬ ‫ا�صطلح على ت�سميته فيما بعد بـ «�أدب الرحالت»‪.‬‬ ‫وقد بلغ من ولع العربي بالرحلة حدًّا‬ ‫جعله ال يركن �إلى المكوث بمكان‪� ،‬أو الميل‬ ‫�إل��ى اال��س�ت�ق��رار‪ ،‬ول���س��ان ح��ال��ه ي��ردد مع‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬

‫والحديث عن الرحلة يقودنا بال�ضرورة‬ ‫�إلى الحديث عن الرحالة‪ ،‬ذلك ال�شخ�ص‬ ‫الم�سكون بالحركة‪ ,‬ال�شغوف بحب التنقل‪,‬‬ ‫يُرود �أفاق الكون في �أ�سفار متالحقة‪ ,‬فال‬ ‫يكاد ينتهي من رحلة حتى يبد�أ بغيرها‪ ,‬نقِّل ركابك عن رب��ع ظمئت به‬ ‫وك�أنَّ ال�شاعر كان يق�صده حين قال‪:‬‬ ‫�إلىالجانبالذييهويبهالمطر‬

‫ل���م ي�����س��ت��ق��ر ب���ه دار وال وط��ن‬ ‫فان رددت لي�س في الرد منق�صة‬ ‫وال ت����دف�����أ م���ن���ه ق����ط م��و���ض��ع��ه‬ ‫عليك‪ ,‬قد رد قبلك البدو والح�ضر‬

‫‪24‬‬

‫ك�أنما �صنع من بع�ض ال�سحاب فما‬ ‫ومثل ذل��ك ما ُي��روى عن �أع��راب��ي كان‬ ‫ت� ��زال ري � � ُح ف��ي الأف � ��اق ت��دف�ع��ه يكثر من ال�سفر لفترات طويلة‪ ،‬قد تمتد‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�أح���ص��ي ال�سنين لغيبتي وت�صبُّري‬ ‫ •اب��ن بطوطة‪ :‬ال��رح��ال��ة العربي ال�شهير‪,‬‬ ‫وع�������دي ال�������ش���ه���ور ف�����إن����ه����ن ق�����ص��ار‬ ‫هاجمه الهنود وه��و على ت�خ��وم بلدهم‪,‬‬ ‫وا�ستولوا على متاعه‪ ,‬وم��زق��وا مذكراته‬ ‫ف�أجابته الزوجة بجواب مفحم‪:‬‬ ‫كلها‪ ,‬لكنه عاد ليروي من الذاكرة الذي‬ ‫اذك�������ر ����ص���ب���اب���ت���ن���ا �إل�����ي�����ك و����ش���وق���ن���ا‬ ‫حدث‪ ..‬كيف حدث‪.‬‬ ‫وارح������������م ب����ن����ات����ك �إن������ه������ن ����ص���غ���ار‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ل�سنوات كثيرة‪ ,‬فعاتبته زوجته بذلك‪ ,‬فقال‪:‬‬

‫ر�آه في �أ�سفاره كان �أروع و�أعذب‪.‬‬

‫ •الرحالة الأندل�سي ابن جبير‪ ,‬عانى الكثير‬ ‫وم��ا ك��اد الأع��راب��ي ي�سمع ق��ول زوجته حتى‬ ‫في رحالته �إلى ال�شرق لكنه في النهاية كان‬ ‫اقتنع واك�ت�ف��ى بما ق��ام ب��ه م��ن �سفر‪ ,‬ف�أطلق‬ ‫�سعيد ًا بما ر�أى وي�شكر اهلل على ذلك‪ ,‬وفي‬ ‫راحلته‪ ,‬وق��رر �أن ال يغادر �أ�سرته بعد اليوم‪،‬‬ ‫ختام �أ�سفاره ين�شد‪:‬‬ ‫والتفرغ لرعاية �أهله وبناته‪.‬‬

‫ه ��ذا‪ ،‬وت�ح�ف��ل ك�ت��ب ال �ت��اري��خ ب��ال�ع��دي��د من �أل���ق���ى ع�����ص��اه وا���س��ت��ق��ر ب���ه ال��ن��وى‬ ‫ك���م���ا ق���رع���ي���ن���ا ب�����الإي�����اب ال��م�����س��اف��ر‬ ‫الأ�سماء الكبيرة التي جذبها بريق الرحلة من‬

‫�أمثال‪:‬‬

‫فوائد الرحلة‬

‫ •هيرودوت الفيل�سوف اليوناني‪ ،‬الذي جاء‬ ‫م�صر ف��ر�أى العجائب‪ ،‬وع��اد �إل��ى ب�لاده‬ ‫من ف�ضائل الترحال وفوائده �أن �صاحبه يرى‬ ‫ليتغنى في مهرجانات �أثينا الكبرى بما‬ ‫من عجائب الأم�صار‪ ,‬ومحا�سن الآثار‪ ,‬ما يزيده‬ ‫ر�أى‪.‬‬ ‫علما بقدرة الخالق‪ ,‬و�آث��اره الوا�ضحة في بديع‬ ‫ •اال�سكندر المقدوني ال��ذي غ��زا الدنيا‪� ،‬صنعه‪.‬‬ ‫ا�ستجابة لهم�سة في �أذنه‪ ،‬من قبل عرافة‬ ‫و�إلى جانب هذا وذاك يظل للترحال فوائد‬ ‫�أباحت له ب�سر الكون‪.‬‬ ‫�أخرى‪� ,‬أوجزها ال�شاعر بقوله‪:‬‬ ‫ •ال�ق��ائ��د ه��ان�ي�ب��ال ال ��ذي �أق���س��م �أن يعبر‬ ‫ت��غ��رب ع��ن الأوط� ��ان تكت�سب العال‬ ‫البحر ويجعل م��ن �أم��واج��ه ب�ساطا �إل��ى‬ ‫و�سافر ففي الأ���س��ف��ار خم�س فوائد‬ ‫روما لت�أديبها‪ ,‬لجناية ارتكبتها بحق بلده‬ ‫ت����ف����ري����ج ه�����م واك����ت���������س����اب م��ع��ي�����ش��ة‬ ‫قرطاجة‪.‬‬ ‫يقول الثعالبي‪:‬‬

‫وع�����ل�����م و�أدب و�����ص����ح����ب����ة م���اج���د‬

‫ •الرحالة ماركو بولو الذي تقدم لفتاة رام‬ ‫ويقول الم�سعودي‪ ,‬يحث النا�س على الرحلة‪:‬‬ ‫خطبتها‪ ,‬وعندما رف�ضته رح��ل‪ ,‬واق�سم‬ ‫�أن ال يعود �إال بطال‪ ،‬تتعلق بركابه �أجمل يا مع�شر النا�س �سيحوا في الأر�ض تطيبوا‪ ,‬ف�إن‬ ‫ال �ج �م �ي�لات‪ ,‬ول �م��ا رج ��ع ل��م ي�ج��د �أح���د ًا الماء �إذا �ساح طاب‪ ,‬و�إذا طال مقامه في موقع‬ ‫بانتظاره‪ ,‬لكنه لم يغ�ضب �أو يحزن‪ ,‬فالذي واحد ف�سد وتغير طعمه‪ ,‬وان�شد‪:‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪25‬‬


‫والتبر ك��ال��ت��راب ملقى ف��ي مكامنه‬ ‫وال�ع��ود ف��ي �أر��ض��ه ن��وع م��ن الحطب‬ ‫ويذكر الرحالة العربي الحديث ح�سن العدل‪,‬‬ ‫في �سياق رحلة �إلى �أروبا عام ‪1889‬م‪ :‬وبعد‪...‬‬ ‫«ف�أخبركم �سادتي‪ ,‬وكلكم خبير بثمرات التجوال‬ ‫في الأقطار‪ ,‬ومالزمة ع�صا الت�سيار‪ ,‬هو ال�سفر‬ ‫طالما �أ�سفر عن العجائب‪ ,‬وهو الترحال كثر‬ ‫ما �أعرب من غرائب‪ ..‬يدرب الإن�سان وي�شحذ‬ ‫الأذهان‪.»..‬‬

‫‪26‬‬

‫وقد انتبهت لفوائده الأوربيون ف�ساحوا في‬ ‫الأق �ط��ار‪ ,‬وج��ا��س��وا خ�لال ال�ب�لاد والأم���ص��ار‪,‬‬ ‫فالمُ�شرّق والمُغرّب‪ ,‬يرتقون نجدا‪ ,‬وينحدرون‬ ‫غ��ورا‪ ,‬دائبين على ا�ستك�شاف البقاع ومعرفة‬ ‫�أح� � ��وال ال �� �ش �ع��وب ع �ل��ى اخ� �ت�ل�اف طبائعهم‬ ‫وعوائدهم؛ فح�صلوا من ذلك على ما �أك�سبهم‬ ‫المعرفة‪ ,‬و�أزال عنهم الجهالة‪ ،‬و�أو�سع من نطاق‬ ‫عِ لمَيّ الجغرافية والتاريخ اللذَ ين هما �أ�سا�س‬ ‫التمدّن‪ ،‬ومركز دائ��رة المعارف‪ .‬ولم ي ��ألُ كل‬ ‫�سائح منهم جهدا ف��ي ت��دوي��ن م��ا �شاهده من‬ ‫البلدان‪ ,‬وا�ستك�شفه من �أح��وال �أهلها المادية‬ ‫والأدبية‪ ,‬حتى �صارت م�ؤلفاتهم في ذلك عددا‬ ‫عديدا؛ فمنها ما هو في كتب م�ستقلة‪ ,‬ومنها ما‬ ‫هو طي الجرائد اليومية‪ ,‬ت�سهيال للمطالعين‬ ‫وتثقيفا لعقولهم؛ فل�ست ت��رى عائلة �أوروب�ي��ة‬ ‫�إال ولديها مجموع عظيم م��ن ذل��ك‪ ,‬يجلبون‬ ‫بمطالعته �أُن���س�ه��م‪ ،‬وي��و��س�ع��ون ب��ذك��ره دائ��رة‬ ‫�أفكارهم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫لم يكن كل الرحالة على �سويّة واح��ده من‬ ‫االهتمام والتفكير‪ ,‬ب��ل ك��ان لكل واح��د منهم‬ ‫هدف ي�ضعه ن�صب عينيه ويجهد في تحقيقه‪,‬‬ ‫فبع�ضهم ك ��ان ين�شغل ب�م���ش��اه��دة المعالم‬ ‫الح�ضارية‪ ,‬م��ن �آث ��ار ومعابد ومتاحف ودور‬ ‫عبادة‪ ,‬و�أواب��د تاريخية؛ في�صفها و�صفا دقيقا‬ ‫م�سهبا‪ ,‬وي�ستطرد في ذكر كل ما يت�صل بها من‬ ‫تواريخ و�أع�لام ووقائع؛ بينما كان غيره ي�سعى‬ ‫ق��در طاقته لالت�صال بال�سلطان �أو الحاكم‪,‬‬ ‫فين�صرف �إل�ي��ه دون ��س��واه؛ وه�ن��اك م��ن يعمل‬ ‫للقاء العلماء ورج��ال ال��دي��ن‪ ,‬واالنغما�س في‬ ‫مجال�س العلم‪ ..‬وهذا الن�شاط ي�أخذ جُ ّل وقته‪,‬‬ ‫ويعطيه م�ساحة �أكبر داخل ن�ص الرحلة‪ ,‬وموقفه‬ ‫من الطبقات الإن�سانية ونظرته �إليهم‪ ,‬ودرا�سة‬ ‫�أحوالهم االقت�صادية واالجتماعية والثقافية‪,‬‬ ‫ومحاولة اقترابه من فهم �أفكارهم وعاداتهم‬ ‫وتقاليدهم الفلكلورية‪ ,‬وال��وق��وف على و�سائل‬ ‫عي�شهم و�سبل حياتهم اليومية‪.‬‬ ‫�أنواع الرحلة‬ ‫مع تقدم الوعي وتجدد الحاجات‪ ,‬تنوّعت‬ ‫الرحالت وتعددت م�شاربها‪ ,‬لكنها عند التحقيق‬ ‫ال تخرج عن الإ��س��ار العام للرحلة‪ ,‬بما تحمل‬ ‫من م�ضامين فكرية و�أدبية وو�صفية‪ ,‬والتي من‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫‪1.1‬دي�ن�ي��ة‪ :‬ك���أن يرتحل الإن ���س��ان �إل��ى الحج‬ ‫وزيارة الأماكن المقد�سة؛ تلبية لنداء ربه‪,‬‬ ‫ولطلب الأجر والمغفرة‪.‬‬ ‫‪2.2‬علمية �أو تعليمية‪ :‬وه ��ذه ت�ك��ون لغر�ض‬ ‫اال�ستزادة من العلم في ب�لاد �أخ��رى من‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�إن����ي وج����دت وق����وف ال���م���اء يف�سده‬ ‫�إن �سال طاب و�إن لم يجر لم يطب‬

‫دواعي الرحلة‬

‫العالم‪ ,‬ا�شتهرت بمجاالت علمية معينة‬ ‫كالطب والهند�سة وال��زراع��ة وال�ع�م��ارة‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫‪�3.3‬سيا�سية‪ :‬كالوفود الدبلوما�سية وال�سفارات‬ ‫التي يبعث بها الملوك والحكام �إل��ى دول‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫‪�4.4‬سياحية‪ :‬وهذه تكون عن رغبة �شخ�صية‪,‬‬ ‫وحب لل�سفر ‪ ,‬وهواية التنقل وتغيير الأجواء‬ ‫والمناظر الم�ألوفة‪ ,‬لتجديد الدماء وتهذيب‬ ‫المزاج بالم�شاهدة والمغامرة‪ ,‬واالطالع‬ ‫على ك��ل م��ا ه��و جديد ومفيد‪ ,‬والتعرّف‬ ‫على المعالم ال�شهيرة كالآثار والمنارات‬ ‫والأب ��راج‪ ،‬وحتى الكهوف والأودي ��ة وقمم‬ ‫الجبال وما تحويه من غرائب الخلق و�إبداع‬ ‫الخالق عز وجل‪.‬‬ ‫‪5.5‬اقت�صادية‪ :‬وهدفها الأول التجارة وتبادل‬ ‫ال�سلع‪� ,‬أو فتح �أ��س��واق جديدة لمنتجات‬ ‫محلية‪� ,‬أو جلب �سلع تتوافر في بالد �أخرى‪,‬‬ ‫يندر وجودها في بلد الم�سافر‪� ,‬أو فرار ًا‬ ‫من غالء‪� ,‬أو �سعي ًا وراء الوفرة �أو العمل‪.‬‬ ‫ويظل لكل واح��دة من ه��ذه الأن��م��اط �شكله‬ ‫الخا�ص‪ ,‬لكنها جميعا تنتمي لخط واحد هو �أدب‬ ‫الرحلة‪.‬‬ ‫لغة الرحلة‬

‫التقليدية الثقيلة على الأ�سماع‪� ..‬إلى �آفاق بديلة‬ ‫�أرحب من �أ�ساليب الفنون الكتابية‪ ,‬التي ت�ش ّد‬ ‫القارئ وت�شحذ ذهنه بالأ�صداء المر�سلة‪ ,‬التي‬ ‫تقترب من لغة الأح��ادي��ث اليومية‪ ,‬مع بع�ض‬ ‫النقالت اللفظية المحببة التي تغني الن�ص‬ ‫وتُجمِّ لُه‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ,‬نجد هذه اللغة قد �سلكت اتجاهين‬ ‫متباينين‪ ,‬هما‪:‬‬ ‫‪ -1‬فَكِ هة‪ :‬الق�صد منها �إ�ضفاء الحيوية وتلوين‬ ‫الن�ص بالإثارة والت�شويق التي تمتع القارئ‬ ‫وت�شده‪ ,‬فخلط بع�ض كتاب ال��رح�لات بين‬ ‫الجد وال�ه��زل‪ ,‬اللذين �أوردوه �م��ا بطريقة‬ ‫يك�سوها الظرف غالباً‪ ,‬من �أم�ث��ال فار�س‬ ‫ال�شدياق‪ ,‬ال��ذي طبع و�صفه للرحلة بروح‬ ‫ال�سخرية والتهكم‪ ،‬ف�أ�ضفت على �أعماله‬ ‫نوع ًا من المرح الطبيعي‪ ,‬ال ت َكل َُّف فيه وال‬ ‫ت�صنُّع ينبعث من قلمه ب�سال�سة و�شفافية‪,‬‬ ‫فجاءت ن�صو�صه م�شبعة بمزاج �صاحبها‬ ‫الفكه العابث‪ ,‬حتى ال تدري �أحيانا �أجا ٌّد هو‬ ‫�أم هازل‪ ،‬وكان ال�شدياق �شاعر ًا وناثر ًا وا�سع‬ ‫المدى‪ ،‬يمتاز ب�أ�سلوبه العابث المتنافر‪.‬‬

‫في البداية‪ ،‬غلب على لغة الرحلة التكلّف‬ ‫والت�أنّق من �سجع وبديع‪ ,‬وقد �ساد هذا اللون في‬ ‫التعبير �أكثر في الأزمان ال�سابقة‪� ,‬إال �أن القلة من‬ ‫الأولين وبع�ض ًا من المت�أخرين‪� ,‬صاغوا و�صفهم ‪ -2‬ج ��ادة‪ :‬وه �ن��اك م��ن ك�ت��ب م��وا��ض�ي��ع رحلته‬ ‫بطريقة جادة ر�صينة‪ ,‬بعيدة عن الت�شرذم‬ ‫للرحلة بلغة واقعية بعيدا عن الح�شو بالمفردات‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪27‬‬


‫�أ‪ -‬ال��رح�لات التي يكتبها العلماء للتزود «ولقد �أم�ضينا دهرا تتقاذفنا الأ�سفار بقطع‬ ‫من العلوم والمعارف‪ ,‬التي تخ�ص�صوا‬ ‫ال �ق �ف��ار‪ ..‬ت��ارة على متن ال�ب�ح��ر‪ ..‬وط��ورا‬ ‫فيها‪ ,‬مثل علماء الحديث ال�شريف‪,‬‬ ‫على ر�أ�س البر‪ ..‬م�ستطلعين بدائع ال�شعوب‬ ‫والجغرافية والنبات وال�صيدلة‪ ,‬وغيرها‬ ‫بالم�شاهدة‪ ,‬والتعرف على خوا�ص الأقاليم‬ ‫من العلوم‪.‬‬ ‫بالمعاينة‪ ,‬ف�أحيانا في �أق�صى خرا�سان‪,‬‬ ‫ومرة في �أوا�سط �أرمينيا و�أذربيجان‪ ..‬وتارة‬ ‫ب‪ -‬ال��رح�لات ال �ت��ي كتبها رج ��ال البريد‬ ‫في العراق �أو بالد ال�شام‪ ,‬ن�سري في الآفاق‬ ‫والحكومة‪ ,‬التي غالبا ما تكون لإبانة‬ ‫�سرى ال�شم�س في الإ�شراق‪ ,‬ثم ين�شد‪:‬‬ ‫م �ع��ال��م ال��ط��رق وال �� �س �ك��ك‪ ,‬وت��و��ض�ي��ح‬ ‫الم�سالك بين البالد المختلفة‪ ..‬هداية ت�ي�م��م �أق� �ط ��ار ال �ب�ل�اد ف� �ت ��ارة‪ ،‬ل��دى‬ ‫لمن ي�سير عليها‪� ,‬إ��ض��اف��ة �إل��ى بع�ض‬ ‫�شروقها الأق�صى وطورا �إلى الغرب‬ ‫اال�ستطرادات ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫�سرى ال�شم�س ال ينفك يقذفه النوى‬

‫ت‪ -‬الأجزاء التي و�صف فيها الرحالة الدور‬ ‫والق�صور وما ماثلها من معالم البنيان‪ -2 ,‬ال�شعر‪ :‬ولل�شعر في معظم الرحالت وجود‬ ‫و�صفا تقريريا جافا‪ ,‬ال هدف منه �سوى‬ ‫ملحوظ ال يمكن اال�ستغناء عنه في ثنايا‬ ‫نقل المعرفة على �صورتها الواقعية‪.‬‬ ‫ن�ص الرحلة‪ ,‬وقد �أكثر بع�ضهم من �إي��راد‬ ‫ث‪ -‬التقارير التي تمثلت في رحالت البعثات‬ ‫ال�شعر في كتابتهم المختلفة ك�شواهد داعمة‬ ‫الدبلوما�سية وال�سفارات بعامة‪.‬‬ ‫لمو�ضوعاتهم النثرية المختلفة‪ ,‬ف�أ�سهبوا‬ ‫بذلك‪ ,‬حتى غدت مدوناتهم الكتابية �أقرب‬ ‫�أنواع �أدب الرحلة‬ ‫ما تكون بالمختارات ال�شعرية‪.‬‬ ‫تتجلى جماليات �أدب الرحلة‪ ,‬فيما يعر�ضه‬ ‫ه��ذا الفن من تنوّع في التعبير‪ ,‬ال��ذي ت��راوح وكان الرحالة «م�سعر بن مهلهل» �شاعر ًا كثير‬ ‫الملح والطرف‪ ,‬متعدد الأ�سفار واالغتراب‪,‬‬ ‫موا�ضيعه بين ��ض��روب الأدب المعروفة‪ ,‬من‬ ‫وق��د ط��اف الهند وال�صين‪ ،‬وب�لاد الترك‬ ‫نثر و�شعر وو�صف‪ ,‬وبين مذكرات الرحلة وما‬ ‫ال �ب��اردة‪ ,‬وغيرها من الأق �ط��ار‪ ,‬وف��ي ذلك‬ ‫تت�ضمنه م��ن �أ� �ص��داء �أدب �ي��ة ومرجعيات فنية‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫ن�ستعر�ضها فيما ي�أتي‪:‬‬

‫�إل��������ى �أف��������ق ن�������اء ي���ق�������ص���ر ب���ال���رك���ب‬

‫‪28‬‬

‫‪ -1‬ال�ن�ث��ر‪ :‬وه��و ج��زء مهم ف��ي �أدب الرحلة‪ ,‬م�������ن ك���������ان م�������ن الأح�������������رار‬ ‫ي�����������س�����ل�����و ��������س�������ل�������وه ال�����ح�����ر‬ ‫يتوا�صل مع القارئ عبر مقطوعات نثرية ال‬ ‫تقل روع��ة عن بقية فنون الآداب الأخ��رى‪ .‬ال �����س����ي����م����ا ف��������ي ال�����غ�����رب�����ة‬ ‫�أودى �أك���������ث���������ر ال����ع����م����ر‬ ‫ومثال ذلك‪ ,‬مقطوعة الم�سعودي التي يتحف‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الكالمي والعبث اللفظي‪ ,‬ومنها‪:‬‬

‫القارئ بها في مقدمة كتابه مروج الذهب‪:‬‬

‫و الرحالة المغربي‪�« :‬أبو الح�سن القرناطي»‬ ‫����������ش���������اه���������دت �أع��������اج��������ي��������ب‬ ‫و�أل�������������وان�������������ا م���������ن ال������ده������ر يميل في �أخباره �إلى الأدب وال�شعر‪ ,‬في تدوين‬ ‫رحالته‪ ,‬فقد كان �شاعرا ناثرا طريف ال�شمائل‪,‬‬ ‫دج�����ن�����ا ال�����دن�����ي�����ا ب����م����ا ف��ي��ه��ا‬ ‫م�����ن ال�������س���ه���ل �إل��������ى ال����وع����ر اطلعت له على و�صية و�ضعها البنه الذي �سار على‬ ‫خُ طى وال��ده في تعلّقه بال�سفر وحب الترحال‪,‬‬ ‫ف����ن���������س����ط����اف ع�����ل�����ى ال���ث���ل���ج‬ ‫�أتى فيها بغرر الكالم وجواهر المعاني‪ ،‬و�سرد‬ ‫ون�������������ش������ت������وا ب������ل������د ال����ت����م����ر‬ ‫فيها ق�صيدة مطربة مطولة �أولها‪:‬‬ ‫وه ��ذا ال���ش��اع��ر الأع �� �ش��ى ال ��ذي ت��دل �آث ��اره‬ ‫و�أ�شعاره على �أن��ه ك��ان كثير التنقل والأ�سفار �أودعتك الرحمن في غربتك‬ ‫م��رت��ق��ب��اً رح���م���اه ف���ي �أوب��ت��ك‬ ‫البعيدة ف��ي �أن �ح��اء ال�ج��زي��رة ي�م��دح �سادتها‬ ‫وما اختياري كان طوع الهوى‬ ‫و�أ�شرافها‪.‬‬

‫ل��ك��ن��ن��ي �أج�����ري ع��ل��ى بغيتك‬

‫وال يكتفي كما يدل عليه �شعره من الرحلة‬ ‫�إلى �أن قال بيتا �أنا �شغوف به‪ ,‬لهوج ًا ب�إن�شاده‬ ‫�إلى الحيرة واليمن وديار كندة في ح�ضرموت‬ ‫ونجران وعكاظ‪ ,‬بل يتعداها �إل��ى بالد فار�س وهو‪:‬‬ ‫وع �م��ان وال �� �ش��ام‪ ,‬متغلغال فيها �إل ��ى حم�ص وك���ل م���ا ك��اب��دت��ه ف���ي ال��ن��وى‬ ‫وال�ق��د���س و�أح�ي��ان��ا يجتاز البحر �إل��ى نجا�شي‬ ‫�إي�����اك �أن ي��ك�����س��ر م���ن همتك‬ ‫الحب�شة‪.‬‬ ‫و�شهد الع�صر الحديث رح�لات عديدة قام‬ ‫ويجري على ل�سانه ال�شعر الذي يتحدث فيه‬ ‫بها �أف ��راد وجماعات م��ن ب�لاد ال�شام خا�صة‪,‬‬ ‫عن هذه الرحالت البعيدة‪ ,‬فيقول‪:‬‬ ‫يرتادون مجاهل الأر���ض‪ ,‬ويفت�شون عن الرزق‬ ‫وق � ��د ط �ف ��ت ل �ل �م ��ال �آف ��اق ��ه‬ ‫بين جنباتها‪ ,‬وي�شقون في طريقها الوعر م�سالك‬ ‫ع���م���ان ف��ح��م�����ص ف��اور���ش��ل��م جديدة‪ ..‬ركبوا في �سبيلها الأخطار وتج�شموا‬ ‫لأجلها ال�صعاب‪ ,‬وك��ان م��ن بين ه���ؤالء �أدب��اء‬ ‫�أت���ي���ت ال��ن��ج��ا���ش��ي ف���ي �أر���ض��ه‬ ‫وموطن النبيط وبلد العجم و�شعراء‪ ،‬من �أمثال �إيليا �أبو ما�ضي الذي يقول‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪29‬‬


‫ال يقنعون من العال بالدون‬

‫‪ -3‬الق�صة‪ :‬يرقى و�صف الرحلة �أحيانا �إل��ى‬ ‫م�ستوى الق�صة المتكاملة‪ ,‬بما تحمل من‬ ‫م�ضامين و�أ�صداء �أدبية منوعة‪ ,‬ا�ستح�ضر‬ ‫فيها �صاحبها م�شاهد الرحلة بكل ترجيعاتها‪,‬‬ ‫ال�ت��ي تتفاوت بين ال�ط��ول والق�صر وال�ق��وة‬ ‫وال�ضعف‪ ,‬و�أحيانا من دون ترابط منطقي‬ ‫بين عنا�صرها المختلفة‪� ,‬سوى اللغة ال�سردية‬ ‫التي غالبا ما يملها القارئ‪ ,‬وقد ين�صرف عن‬ ‫مطالعتها كليا‪ ،‬ولكن هذا لم يمنع من وجود‬ ‫ق�ص�ص عالية الجودة وغاية في الت�شويق‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫كما تحدث عن بع�ض المجتمعات في الهند‬ ‫وال�صين وغيرهما من مختلف البلدان‪ ،‬من حيث‬ ‫طريقة عي�شهم‪ ،‬وحاالت الزواج والموت والحرب‪,‬‬ ‫وكان يروي بع�ض التفا�صيل عنهم ب�أ�سلوب يغلب‬ ‫عليه الطابع الق�ص�صي البحت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الق�صة الخيالية‪:‬‬

‫وقد قيل‪ ,‬وجد الإن�سان راحال‪ ,‬ف�إذا �أعجزته‬ ‫الرحلة المح�سو�سة رحل بخياله‪ ,‬فاجتز�أ من عالم‬ ‫الأحالم ق�ص�صا ورحالت الحظ لها من الواقع‪,‬‬ ‫مثل رح�ل�ات ال�سندباد ال�ب�ح��ري‪ ,‬ومغامراته‬ ‫التي تفوق الو�صف والت�صور‪ ,‬ورح�لات جليفر‬ ‫ �إال �أن��ه ف��ي الع�صر ال�ح��دي��ث‪� ,‬أخ ��ذت هذه‬ ‫َلي�س‬ ‫ل�سويفت‪ ،‬ولقائه بالعمالقة والأقزام‪ ,‬ورحلة �أ ْ‬ ‫الأعمال تن�أى بنف�سها عن ال�شكل التقليدي‬ ‫في بالد العجائب وولوجها عالم الأحالم‪.‬‬ ‫القديم‪ ,‬لتقترب بدرجة ما من ال�شكل الروائي‬ ‫ومن ميزات الرحلة الخيالية �أنها ال تقت�صر‬ ‫المعروف؛ فيما يتعلق بالكثير من مقوماتها‬ ‫الفنية‪ ,‬من مقدمة وحبكة و�شخو�ص وحدث‪ ,‬على الما�ضي وح�سب‪ ,‬بل تتعداه �إلى الحا�ضر‬ ‫المعا�صر‪ ,‬وتنتقل بلمح الب�صر �إلى الم�ستقبل‬ ‫الخ‪..‬‬ ‫عبر �آلة الزمان‪ ,‬للق�صا�ص الإنجليزي ولز‪.‬‬ ‫ وعلى �أي ح��ال‪ ,‬ف��إن الرحلة الأدب�ي��ة‪� ,‬إن لم‬ ‫وهناك رح�لات م�شابهة لتلك‪ ,‬مثل الرحلة‬ ‫تكن ق�صة �أو رواية بالمعنى الدقيق‪ ,‬فهي من‬ ‫�إلى النف�س وما تحتويه من �أغوار و�ألغاز‪ ,‬ت�ضاهي‬ ‫جن�سهما �أو الأخت ال�شقية لهما‪.‬‬ ‫ والق�صة في الرحلة تنق�سم �إلى فرعين هما‪ :‬الكون وما فيه من تعقيدات‪ ,‬وفي هذه الحالة ال‬ ‫بد �أن ي�ستعين الإن�سان بغيره ليفهم ذاته �أوالً‪،‬‬ ‫�أ‪ -‬الق�صة الواقعية‪:‬‬ ‫وي�سبر �أعماق كنهه ثانيا؛ فيلج�أ �إلى الكتب التي‬ ‫وه��ي التي يتحدث فيها الكاتب عن ح��وادث هي رحلة في عقول وتفكير الآخ��ري��ن‪ ,‬وو�سيلة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫وقد تجاوز بع�ضهم الأنماط ال�سابقة‪� ,‬إلى‬ ‫غيرها من الفنون الأدبية الأخرى‪ ,‬فمُلئت كتب‬ ‫رحالتهم بالأحاجي والمعميات والنوادر‪ ,‬كما‬ ‫عمد بع�ضهم �إل��ى الآي ��ات القر�آنية الكريمة‪,‬‬ ‫والأحاديث النبوية ال�شريفة‪ ،‬و�أدمجها في �سياق‬ ‫�أعماله �أو �أورده��ا ‪ -‬للحاجة �إليها‪ -‬ك�شواهد‬ ‫لتو�ضيح ما ذه��ب �إليه من �آراء �أو تعليق على‬ ‫مواقف ح�صلت معه �أثناء تجواله في المعمورة‬ ‫�أو الفلوات‪.‬‬ ‫و�صف الرحلة‬ ‫احتل الو�صف مكانة جلية في �أدب الرحلة‪,‬‬ ‫وعُ َّد �إحدى �سماته الفنية البارزة‪ ,‬لما يحتويه‬ ‫من عنا�صر متعة وت�شويق‪ ,‬يطرب لها ال�سامع‬ ‫ويلذ بمطالعتها القارئ‪ ,‬ال��ذي يجدها مبثوثة‬ ‫في حنايا كتب الرحالت قديمها وحديثها‪ ,‬ومن‬ ‫ذل��ك م��ا تحدث ب��ه ال��رح��ال��ة الم�صري ح�سن‬

‫بارحتها في �أ�سرع قطار في الآفاق طار‪ ,‬ولم يزل‬ ‫يزج بنا في �أودي��ة مونقة‪ ,‬بين �أ�شجار مورقة‪،‬‬ ‫حتى حط بنا في قرية يقال لها تون‪ ,‬ومنها بدون‬ ‫مو�سط نزلنا �سفينة بخارية على بحيرة كبيرة‪,‬‬ ‫وحينما �شقت تلك الجارية حباب الماء‪ ,‬ذهبت‬ ‫بقالعها نحو ال�سماء‪ ,‬عر�ضت علينا ال�شواطئ‬ ‫منظرها الرائق‪ ,‬وح�سنها ال�شائق‪ ,‬وقد انتثرت‬ ‫عليها �أخ�صا�ص �ساكنيها‪ ,‬ومنازل نازليها‪ ,‬ثم‬ ‫�أخذت تلك ال�شواطئ باالرتفاع تدريجيا‪ ,‬حتى‬ ‫تو�سطنا بين جبال �سامقة و�أعالم �شاهقة‪ ,‬حتى‬ ‫قربنا من م�صب نهر في تلك البحيرة الح لنا‬ ‫منظر بهيج‪ ،‬ورونق يهيج‪ ,‬ف�شاهدناه نهرا بين‬ ‫جبلين باذخين‪ ,‬وطودين منيفين‪ ,‬وقد مالت‬ ‫�إليه الغ�صون‪ ,‬ك�أنما تميل لر�شف ر�ضابه العذب‪,‬‬ ‫�أو تحنو �شفقة على هذا العا�شق ال�صب‪ ,‬كما‬ ‫قال ال�شاعر �إبراهيم القيرافي‪ ,‬وهو من �أح�سن‬ ‫موزوناته‪:‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫مبررا ابتعاده عن الأهل والوطن‪:‬‬ ‫واقعية جرت معه‪ ,‬كق�ص�ص �أحمد بن ف�ضالن‪,‬‬ ‫واب��ن بطوطة ولقائه بالعديد من الأق ��وام‪ ,‬وما‬ ‫ل�ب�ن��ان ال ت�ع��ذل بنيك �إذ هم‬ ‫ركبوا �إل��ى العلياء كل �سفين �صادفه في طريقه من مفاج�آت �سارة‪ ,‬و�أخرى‬ ‫تق�شعر لها الأبدان‪� ،‬أوردها في �سياق حديثه عن‬ ‫ل��م ي�ه�ج��روك م�لال��ة‪ ,‬لكنهم‬ ‫جماعات تتغذى على لحوم الب�شر! وهذه حقيقة‬ ‫خلقوا ل�صيد الل�ؤل ؤ� المكنون موجودة في جزء من �أدغال �إفريقيا‪� ,‬أثبتها العلم‬ ‫ول��م��ا ول��دت��ه��م ن�����س��ورا حلقوا‬ ‫الحديث‪.‬‬

‫للرحيل �إلى عوالم كثيرة تغلفها الر�ؤى ويكتنفها العدل �أثناء رحلته �إلى مدينة بازل ال�سوي�سرية‪,‬‬ ‫الخيال؛ وفي ذلك متعة ال تُجارى‪ ،‬تعقبها راحة قائال‪:‬‬ ‫نف�سية وهدوء بال‪ ,‬قد ي�ستمران لفترة طويلة‪.‬‬ ‫«ولما نلت من م�شاهدة تلك المدينة ما نلت‪,‬‬

‫‪31‬‬


‫م������ال������ت �إل�����������ى ر������ش�����ف�����ه ال����غ���������ص����ون ه������ل������م ي��������ا ��������ص�������اح �إل�������������ى رو�������ض������ة‬ ‫ي���ج���ل���و ب����ه����ا ال����ع����ان����ي ������ص�����دا ه��م��ه‬ ‫�أو كما قيل وما �أطربه من قول‪:‬‬

‫ن�����������س�����ي�����م�����ه�����ا ي������ع������ث������ر ف����������ي ذي�����ل�����ه‬ ‫ت���ث���ن���ى ال���غ�������ص���ن �إع����را�����ض����ا وع��ج��ب��ا‬ ‫وزه���������ره���������ا ي���������ض����ح����ك ف��������ي ك���م���ه‬ ‫ع�����ل�����ى ن�����ه�����ر ي�����������ذوب �أ��������س�������ا ع���ل���ي���ه‬ ‫وبينما نحن في لهونا و�سمرنا‪� ،‬إذ باغتتنا‬ ‫ف�������ر َّق ل�����ه ال���ن�������س���ي���م وج�������اء ي�����س��ع��ى‬ ‫م� �ل� ��اط � � � �ف� � � ��ة وم � � � � �ي � �ل � ��ا �إل � � � �ي� � � ��ه ال�سماء‪ ,‬ف�أبرقت و�أرع��دت‪ ,‬و�أر�سلت �سحائبها‬

‫فيا له من منظر عجيب يه�ش �إليه الخاطر‪ ,‬وهملت مقلها‪ ,‬والريح تعبث بالأغ�صان‪ ,‬وقد‬ ‫ويق ُر لرقة جماله الناظر‪ ,‬فك�أنَّ ابن خفاجة كان انحدرت الغدران‪ ،‬وهوى ما�ؤها فتك�سر‪ ،‬وجرى‬ ‫�سائ ًال �إلى المنحدر‪:‬‬ ‫يرمقنا بطرفه‪ ,‬حين �أن�شد �ضمن طرفه‪:‬‬

‫وت�ح��دث ال�م��اء م��ع الح�صى فجرى‬ ‫وال��ري��ح تعبث بالغ�صون وق��د جرى‬ ‫ال���ن�������س���ي���م ع���ل���ي���ه ي�����س��م��ع م����ا ج���رى‬ ‫ذه����ب الأ����ص���ي���ل ع��ل��ى ل��ج��ي��ن ال��م��اء‬ ‫�أو مجير الدين بن تميم قد حا�ضرنا‪ ,‬وقد ف����ك�����أن ف�����وق ال����م����اء و����ش���ي���اً ظ���اه���راً‬ ‫وك�������أن ت��ح��ت ال���م���اء ����س���راً م�����ض��م��را‬ ‫و�صف ف�أن�شدنا‪:‬‬ ‫ون��ه�� ٌر �إذا م��ا ال�شم�س ح��ان غروبها‬ ‫وعند ذل��ك عمدت للمبيت حتى ال�صباح‪,‬‬ ‫والح � � ��ت ع �ل �ي��ه غ�ل�ائ �ل �ه��ا ال �� �ص �ف��ر حتى �إذا ابي�ض الجناح‪ ,‬تجهزت للمغادرة وقد‬ ‫عقدت العزم على المغامرة»‪.‬‬ ‫ر�أي���ن���ا ال����ذي �أب��ق��ت ب��ه م��ن �شعاعها‬ ‫ك����أن���ا �أرق���ن���ا ف��ي��ه ن����دف م���ن ال��ع��ط��ر‬

‫ول��م ن��زل نمتّع ال�ط��رف بمحا�سن م��ا على‬ ‫اليمين وال�شمال من ال�ضفاف ذوات الأ�شجار‬ ‫والأثمار‪ ,‬وقد لب�ست ال�شم�س جلبابها الأ�صفر‬ ‫فرقا من فراقها لح�سن ذلك المنظر‪:‬‬

‫ما ا�صفر وجه ال�شم�س عند غروبها‬ ‫�إال ل���ف���رق���ة ح�������س���ن ذاك ال��م��ن��ظ��ر‬ ‫‪32‬‬

‫ولم نزل جذلين مبتهجين‪ ,‬حتى ر�ست بنا‬ ‫ال�سفينة على محطة ركبنا بها عربات بخارية‪,‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫و�صف رحلة الحج‬ ‫ف��ي ال�ع�ه��د الإ� �س�لام��ي ال �م �ي �م��ون‪ ،‬ن�شطت‬ ‫الرحالت ب�شكل ملحوظ‪ ,‬نظرا للحالة الأمنية‬ ‫الم�ستقرة التي بات المجتمع العربي ينعم بها‪,‬‬ ‫في ظل الدولة الإ�سالمية الفتية‪ ,‬ف�أدى ذلك �إلى‬ ‫ظهور رحالت من نوع خا�ص‪ ,‬ظاهرها الإ�سالم‬ ‫وباطنها الإي�م��ان‪ ,‬واعتُبر �أدا�ؤه ��ا من رحالت‬ ‫العمر‪ ,‬التي يجب على الم�ؤمن القيام بها ولو‬ ‫مرة في حياته على الأقل‪� ,‬أال وهي رحلة الحج‪.‬‬

‫نهج �أ�سالفهم القدماء‪ ,‬الرحالة التركي الدكتور‬ ‫مقداد يلجن‪ ,‬الذي يقول‪:‬‬

‫«كانت ر�ؤية هذه البالد �أُمنية و�أحالما منذ‬ ‫يَفاعتي‪ ،‬وكنت �أقول ال يكفي الذهاب �إلى الحج‬ ‫وال�ع�م��رة‪ ,‬ب��ل يجب �أن �أم�ك��ث ف��ي ه��ذه البالد‬ ‫المقد�سة فترة �أط��ول‪ ,‬لأزور تلك البقاع التي‬ ‫�شهدها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ,‬وم�شى‬ ‫على ث��راه��ا‪ ,‬والحمد هلل قد تحققت �أمنيتي‪،‬‬ ‫وه �ي ��أت ل��ي الإق��ام��ة �أ��ض�ع��اف� ًا م�ضاعفة مما‬ ‫كنت �أتمناه‪ ,‬فقد مكثت في ربوعها �أكثر من‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫قا�صدين بلدة يقال لها انترلكن‪ ,‬وبعد �أويقات‬ ‫ورب ن�����������ه�����������ر ل����������������ه ع��������ي��������ون‬ ‫ت�������ح�������ار ف���������ي و�������ص������ف������ه ال�����ع�����ي�����ون زج بنا في واديها‪ ،‬فالحت لنا عجائب مناظرها‬ ‫ونزلت بها‪ ,‬وقد ناداني ل�سان حالها‪:‬‬ ‫ل�����م�����ا غ���������دا ال�������ري�������ق م�����ن�����ه ع����ذب����ا‬

‫و�إذا م��ا حقق ال�م��ؤم��ن حلمه‪ ,‬يجد ل��زام� ًا ع�شر �سنوات‪ ,‬فتكوّنت لدي بع�ض االنطباعات‬ ‫عليه �أن ينقل لأهله ولجيرانه و�إخوانه ممن لم والمالحظات‪ ,‬منها‪:‬‬ ‫ت�ساعدهم الظروف لزيارة الأماكن المقد�سة‪,‬‬ ‫تلك التو�سعة الم�ستمرة للحرم المكي‪،‬‬ ‫م�شافهة �أو كتابة و�صفا لمعالم الحج ومنا�سكه‪,‬‬ ‫منذ بداية الإح��رام والتلبية حتى الوقوف في وت��زوي��ده بكل و�سائل ال��راح��ة خدمة ل�ضيوف‬ ‫عرفة �إلى يوم الإفا�ضة والتحلّل من المنا�سك‪ ,‬الرحمن‪ ,‬وكنت �سابقا �أت�صور �أن جميع �أر�ض‬ ‫وغالبا ما يتخلل ه��ذا الحديث ذك� ٌر لمحطات المملكة العربية ال�سعودية عبارة عن �صحراء‬ ‫�سيره التي اتبعها �أثناء رحلته‪� ,‬سواء كانت برا �أو ق��اح�ل��ة وغ �ب��ار وع �ف��ار‪ ,‬وحَ � � ٍّر ال ي �ك��اد ي�ط��اق؛‬ ‫بحرا‪ ,‬معرّفا بالآثار التي خلفها ال�سلف ال�صالح‪ ,‬ولكن عندما زرت هذه الربوع الطيبة‪ ,‬وجدت‬ ‫ومعطيا نبذة عن المواقع الجغرافية والتاريخية‬ ‫ت�ضاري�سها منوعة‪ ،‬ولي�ست �صحراء كلها‪ ،‬بل‬ ‫التي مر بها‪ ,‬بما تحتوي عليه من نعوت و�أو�صاف‬ ‫للكعبة الم�شرفة والحجر الأ�سود‪ ,‬ومقام �إبراهيم هناك مناطق خ�ضراء تحفل ب�م��زارع النخيل‬ ‫عليه ال�سالم‪ ,‬وجبل �أُحد وغيرها من الأماكن وال�غ��اب��ات الطبيعية‪ ,‬كما ف��ي منطقة الخرج‬ ‫والمواقع التي تتمتع ب�صفة دينية �أو تاريخية �أو والهفوف‪ ،‬والب�ساتين الوارفة في الباحة و�أبها‪.‬‬ ‫اجتماعية‪ .‬وال ين�سى الحاج ذكر لقائه ب�إخوان ولي�ست كل المناطق �شديدة ال�ح��رارة‪ ،‬بل �إن‬ ‫له من الم�سلمين الذين قدموا �إلى هذه الديار هناك مناطق معتدلة مثل الطائف‪ ,‬وهناك‬ ‫المباركة من بالد متعددة بعيدة‪ ,‬وكيف يتكلمون‬ ‫�أمطار غزيرة تهطل حتى في ال�صيف‪ ،‬وتنبت‬ ‫بلغات مختلفة و�ألوان ب�شرتهم متباينة‪ ,‬وما �إلى‬ ‫ذل��ك من �أح��ادي��ث وق�ص�ص م�شوّقة ا�ستقاها الزهور الطبيعية في بع�ض المناطق‪ ,‬ووجدت في‬ ‫بلجر�شي مياه ًا جارية وجباال خ�ضراء مكت�سية‬ ‫الحاج من جو رحلته‪.‬‬ ‫ومن الرحالة المحدثين الذين �ساروا على بالأ�شجار ت�شبه تماما ما يوجد في تركيا‪.‬‬ ‫ومنها �سرعة التغيير في المظاهر العمرانية‪,‬‬ ‫ففي ع�شر �سنوات الحظت ت�ط��ورات عمرانية‬ ‫م �ه �م��ة‪ ,‬م��ن ف �ت��ح ال �ط��رق وت�ج�م�ي��ل ج��وان�ب�ه��ا‬ ‫بالأ�شجار والأزه��ار التي تتنا�سب طبيعتها مع‬ ‫ك��ل بيئة‪ ,‬وب�ن��اء الج�سور والأب���راج المعمارية‬ ‫ذات الأ�شكال الهند�سية المتطورة والأنماط‬ ‫المختلفة‪ ,‬فما وجدت ‪ -‬والحق يقال‪ -‬في �أي بلد‬ ‫�أقمت فيه هذه ال�سرعة العمرانية الفريدة وعلى‬ ‫مختلف الم�ستويات‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪33‬‬


‫واليوم‪ ،‬تطورت الرحلة من حيث مفهومها‬ ‫و�أدوات �ه��ا‪ ,‬وطريقة ال�سفر والترحال‪ ,‬وارتبط‬ ‫ذل��ك كله بظروف تختلف عن ما ك��ان معتادا‬ ‫في الما�ضي‪� ,‬أب��رزه��ا و�سائل النقل الحديثة‪،‬‬ ‫التي تحوّلت من النقل ب��ال��دواب �إل��ى امتطاء‬ ‫�صهوة البوينج والإيربا�ص والكونكورد التي تفوق‬ ‫�سرعتها �سرعة ال�صوت‪.‬‬ ‫والآن‪ ,‬وبهذا التطور اختلف الأمر‪ ,‬ال �سيما‬ ‫في ظل و�سائل االت�صال الحديثة التي جاءت‬ ‫لت�شبع في الإن�سان رغبة �أكبر في المعرفة عن‬ ‫ق��رب‪ ,‬فكانت الف�ضائيات من �أق�م��ار و�أطباق‬ ‫و�إلكترونيات كفيلة بنقل العالم �إلى منزلك‪.‬‬

‫هذه �إلمامة �سريعة عن هذا النوع من الأدب‬ ‫الزاهي‪ ,‬ولمحة مكثفة حول �سماته الفنية التي‬ ‫تميزه عن غيره من �ضروب التعبير الأخ��رى‪,‬‬ ‫ال�ستناده ف��ي كثير م��ن مقوماته على ال��واق��ع‬ ‫المح�ض‪ ,‬والتجربة الحيّة المُعا�شة‪ ,‬التي زاولها‬ ‫ال��رح��ال��ة ع��ن ك �ث��ب‪ ..‬وب�ك��ل تجلياتها؛ حلوها‬ ‫ومرها‪ ،‬نجاحاتها و�إخفاقاتها حتى �أوبته �إلى‬ ‫الديار‪ ,‬وتحلُّلَه من الأ�سفار‪ ,‬ومكوثه قرير العين‬ ‫بين الأهل وتحت �سقف الدار‪ ،‬فيهتف في �أعماقه‬ ‫م�ستريحا‪:‬‬

‫وع �ل��ى م��ا ي �ب��دو ل��ي ‪ -‬وال �ح��ال��ة ه��ذه ‪� -‬أن‬ ‫زم��ن الرحّ الة العظام من �أم�ث��ال اب��ن بطوطة‬ ‫وم��اج�لان ق��د انتهى �أو ك��اد‪ ,‬بالنظر لو�سائل‬ ‫االت�صال الفائقة الدقة التي لملمت �أط��راف‬ ‫الكون‪ ,‬وخلقت من معظم الب�شر رحالة وهم‬ ‫في مو�ضعهم ال يبرحونه‪� ,‬أكثر اطالعا و�أ�سرع نقِّل ف����ؤادك حيث �شئت م��ن الهوى‬ ‫ت��رح��االً‪ ,‬حتى الأق�م��ار ال�صناعية ترجلت من‬ ‫م � ��ا ال � �ح � ��بُ �إال ل �ل �ح �ب �ي��ب الأول‬ ‫عليائها و�أ�صبحت متاحة لمن يرغب بت�سخيرها‪ .‬ك��م م�ن��زلٍ ف��ي الأر� ��ض ي�ألفه الفتى‬ ‫ وح� �ن� �ي� � ُن ��ه �أب� � � � � ��داً لأوّلِ م �ن ��زل‬ ‫فبعد ظهور موقع جوجل �إيرث‪� ,‬صار بالإمكان‬ ‫الم�صادر‪:‬‬

‫‪34‬‬

‫‪ -1‬ح�سني ح�سين ‪� -‬أدب الرحلة ‪ -‬القاهرة ‪ -‬الهيئة الم�صرية للكتاب ‪1976‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬ح�سين فوزي ‪ -‬حديث ال�سندباد القديم ‪ -‬القاهرة ‪ -‬لجنة الت�أليف والترجمة ‪1945‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬جورج غريب ‪� -‬أدب الرحلة‪ ،‬تاريخه و�إعالمه ‪ -‬بيروت ‪ -‬دار الثقافة ‪1979‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬نقوال زيادة ‪ -‬الرحالة العرب ‪ -‬القاهرة ‪ -‬دار الهالل – ‪1956‬م‪.‬‬ ‫‪� -5‬سويفت ‪ -‬رحالت جليفر ‪ -‬ت‪ :‬نور �شريف ‪ -‬كتاب اقر�أ ‪ -‬القاهرة ‪1983‬م‪.‬‬ ‫‪� -6‬شوقي �ضيف ‪ -‬الرحالت ‪ -‬دار المعارف ‪ -‬القاهرة ‪1956‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬د‪ .‬مقداد يلجن ‪ -‬الرحالت العلمية ‪ -‬دار عالم الكتب ‪ -‬الريا�ض ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�أدب ال ّرحلة بين ال ّتراث‬ ‫والمعا�صرة‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫خاتمة‬

‫ت�صفح �أرك��ان الدنيا من الأعلى‪ ،‬والرحيل �إلى‬ ‫�أي موقع يعتقد وجوده على الأر�ض‪ ,‬بما في ذلك‬ ‫ال�شوارع والمباني والمدار�س‪ ,‬و�أعماق البحار‬ ‫والمحيطات التي يتم م�سحها ب�أجهزة ال�سونار‪,‬‬ ‫وك�أن الكرة الأر�ضية تقل�صت لدرجة مكّنت من‬ ‫تفح�صها على �شا�شة الآيباد القزمة وهي قابعة‬ ‫بين يديك‪ ..‬وهنا ال ي�سعني �إال القول‪� :‬سبحان‬ ‫اهلل الذي �أح�سن �صنع كل �شيء‪ ،‬بقدرته و�سابق‬ ‫علمه‪ ،‬وجعله للإن�سان م�سخرا‪.‬‬

‫■ د‪� .‬إبراهيم الدهون‪ -‬جامعة اجلوف‬

‫تمثّل الرحلة نوعاً من الحركة والنّ�شاط للإن�سان‪ ،‬وتك�شف النّا�س والأق��وام؛ وهنا تتجلّى‬ ‫قيمة الرحالت كم�صدر رئي�س لو�صف �أنماط الب�شر و�سلوكياتهم وثقافاتهم‪ ،‬كما تعمل على‬ ‫ر�صد بع�ض جوانب حياة النّا�س اليوميّة في مجتمع معين خالل مدة زمنيّة محددة؛ لذلك‬ ‫نلم�س �أ َّن للرحالت قيمة تعليميّة وتثقيفيّة تطغى على ما يناله الفرد من المدار�س‪ ،‬والم�ؤ�س�سات‬ ‫التّعليميّة‪.‬‬ ‫على �أنَّ ثمار الرّحلة ال تتوقف عند التّعارف‬ ‫�أو �صقل ال�شّ خ�صية �أو ك�شف المجهول من‬ ‫طبائع ال�شّ عوب‪ ،‬لكنّها تجود بالمكا�سب العلميّة‬ ‫وبخا�صة �إذا‬ ‫ّ‬ ‫والأدبيّة‪ ،‬التي قد يتعذر ح�صرها؛‬ ‫كان الرّحالة متمتع ًا بقوة المالحظة‪ ،‬وحنكة‬ ‫التّطلع‪ ،‬ويقظة ال�ح��وا���س‪ ،‬وح��بّ المحاورة‬ ‫والرغبة في التّح�صيل والحر�ص على التّدوين‪،‬‬ ‫والتّ�سجيل(‪.)1‬‬ ‫ولع ّل �أبرز دور قامت به الرّحلة في العالم‬ ‫العربي هو الخدمة الكبرى‪ ،‬التي قدّمتها لعلم‬ ‫الجغرافيا‪ ،‬لأنّ ال��رح��ال��ة يكتب بقلم ال��ذي‬ ‫اتّ�صل بالظواهر الجغرافيّة والطبيعيّة اتّ�صا ًال‬ ‫مبا�شراً‪ ،‬ف��ر�أى و�سمع‪ ،‬كما �أ ّن��ه ك��ان ذا نفع‬ ‫للم�ؤرخ ولعالم االجتماع‪ ،‬وللأديب‪ ،‬والفلكي‪،‬‬ ‫والفيل�سوف‪ ،‬وال�سّ يا�سي‪ ،‬واالقت�صادي‪.‬‬

‫�أ ّم��ا القيمة الأدب� ّي��ة للرحالت فتتجلّى في‬ ‫م��ا تعر�ض فيه م��واده��ا م��ن �أ�ساليب ترتفع‬ ‫بها �إلى عالم الأدب‪ ،‬وترقى بها �إلى م�ستوى‬ ‫الخيال الفني‪ ،‬و�إذا ك��ان م��ن �أب��رز م��ا يميّز‬ ‫�أدب الرحالت تنو ٌع في الأ�سلوب من ال�سّ رد‬ ‫الق�ص�صي �إل��ى ال�ح��وار ث��مّ الو�صف وغيره؛‬ ‫ف�إنَّ �أبرز ما يميّز �أ�سلوب الكتابة الق�ص�صي‪،‬‬ ‫المعتمد على ال�سّ رد الم�شوق‪ ..‬ما يقدّمه من‬ ‫متعة ذهنيّة ك�ب��رى‪ ،‬وق��د �أف��اد �أدب الرّحلة‬ ‫بغنى مو�ضوعاته في �صرف �أ�صحابه في غالب‬ ‫الأحيان عن اللّهو‪ ،‬والعبث اللّفظي‪ ،‬والتّكلف‬ ‫ف��ي ت��زوي��ق ال�ع�ب��ارة‪� ،‬إي �ث��ار ًا للتعبير ال�سّ هل‬ ‫الم�ؤدي للغر�ض لن�ضجه بغنى تجربة �صاحبه‪،‬‬ ‫ممّا يفتقده كثير من الأدباء في بع�ض ع�صورنا‬ ‫الأدبيّة(‪.)2‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪35‬‬


‫ويلحظ �أنَّ هذا الفنّ من فنون الأدب العربي‬ ‫ال��ذي لم يظهر تحت م�سمّى �أدب الرحالت‪،‬‬ ‫و�إ ّن �م��ا ك��ان يظهر �أح�ي��ان� ًا تحت خ��ان��ة «كتب‬ ‫التّاريخ �أو الجغرافيا �أو ال�سّ يرة الذاتيّة‪� ،‬أو كتب‬ ‫االعتراف �أو �أدب االعتراف»‪ .‬وهكذا‪ ،‬ف�إنَّ هذه‬ ‫التّ�سمية‪�« :‬أدب الرحالت» ت�سمية وليدة هذا‬ ‫الع�صر‪ ،‬وما �شهده من درا�سات وم�صطلحات‬ ‫وتق�سيمات لفنون و�ألوان المعرفة الأدبيّة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ه��ذا‪ ،‬ف ��إنَّ العرب طوّفوا‬ ‫قديم ًا في �سفرهم البالد‪ ،‬ومار�سوا التّرحال‬ ‫في �شبه الجزيرة العربيّة والبلدان المجاورة‪،‬‬ ‫وال�صيف اللّتين ور َد‬ ‫وقاموا برحلتي ال�شّ تاء ّ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ذكرهما في القر�آن الكريم ‪.‬‬ ‫بيد �أنَّ ذروة ال��رح�لات بلغت خ�لال مدة‬ ‫الفتوحات الإ�سالميّة‪ ،‬وم��ا تالها في ع�صر‬ ‫اال�ستقرار واالزده ��ار‪ ،‬والمعرفة والح�ضارة‬ ‫حتّى م�شارف القرن الخام�س الهجري تقريباً‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫ولعلّه من المفيد الإ�شارة �إلى �أنَّ الرحالت‬ ‫ال �ع��رب � ّي��ة الإ�� �س�ل�ام� � ّي ��ة م� ��رت ف ��ي ف�ت��رت�ي��ن‬ ‫متباعدتين‪ ،‬اخت�صت ك � ّل منهما بظروف‬ ‫واهتمامات تختلف عن الأخ��رى؛ فقد ب��د�أت‬ ‫الفترة الأول��ى منذ ع�صر ما بعد الفتوحات‬ ‫الإ�سالميّة‪ ،‬ون�شطت باتّ�ساع الرقعة الأر�ضيّة‬ ‫للعالم الإ�سالمي جنب ًا �إل��ى جنب مع ازده��ار‬ ‫الفكر‪ ،‬وتنوّع منابع المعرفة‪� .‬أما الفترة الثّانية‬ ‫التي ازدهرت فيها الرّحلة‪ ،‬وكان لها ت�أثيرها‬ ‫على الفكر العربي الإ�سالمي‪ ،‬فقد ب��د�أت مع‬ ‫حركة النّه�ضة العربيّة الحديثة ف��ي القرن‬ ‫الثّالث ع�شر الهجري‪ .‬وما بين الفترتين لم‬ ‫يَجُ ب الرحالة الم�سلمون البلدان‪ ،‬بقدر ما‬ ‫فعلوا من قبل �إبان ع�صر الح�ضارة الإ�سالميّة‪،‬‬ ‫الع�صر الو�سيط الأوروبي؛ و�إن ا�ستثنينا عدد ًا‬ ‫قلي ًال من الرحالة‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم ابن بطوطة‪،‬‬ ‫وابن خلدون(‪.)5‬‬

‫وتجدر الإ�شارة هنا �إلى �أنَّ ابن خلدون قد‬ ‫الرحالة العرب‬ ‫�أ�شهر ّ‬ ‫�أعلن �صراحة �أهمية الرحالت‪ ،‬ف�أورد ذكرها‬ ‫ف��ي مقدمته ال�شّ هيرة‪� ،‬إذ ق��ال‪ :‬وال��رح�ل��ة ال‬ ‫اب��ن ف�ضالن‪� :‬صاحب ك�ت��اب ر��س��ال��ة ابن‬ ‫ب ّد منها في طلب العلم‪ ،‬والكت�ساب الفوائد‪ ،‬ف�ضالن‪ ،‬ول��د في القرن العا�شر الميالدي‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫والكمال بلقاء الم�شايخ ومبا�شرة الرجال ‪� .‬أر�سله الخليفة العبّا�سي المقتدر ب��اهلل من‬ ‫ه ��ذا‪ ،‬ول��م تقت�صر دواف ��ع الرحلة بغداد �إجابة لملك ال�صقالبة ‪ -‬في رو�سيا ‪-‬‬ ‫ ‬ ‫على ال�ت��زوّد بالعلم ومقابلة ال�شّ يوخ‪ ،‬و�أداء لتعليمه الإ�سالم وبناء م�ساجد وح�صن له من‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫يُع ّد �أدب الرحالت نوع ًا من الآداب الذي‬ ‫ي�صور فيه الأدي��ب ما ج��رى من �أح��داث وما‬ ‫قابله م��ن �أم��ور �أث�ن��اء رحلة ق��ام بها لإح��دى‬ ‫البلدان؛ كما ت�شكّل الرحالت م�صدر ًا رئي�س ًا‬ ‫للجغرافيا والتّاريخ واالجتماعيات؛ لأنَّ الكاتب‬ ‫ينهل من نبعها المعلومات والحقائق المثيرة‪.‬‬

‫فري�ضة ال�ح��ج‪ ،‬و�إ ّن �م��ا كانت ال� ّت�ج��ارة ع�لاوة‬ ‫على ذل��ك‪ ،‬ومنذ قديم الزمان �أم��ر ًا اقت�ضى‬ ‫القيام بالرحلة‪ ،‬وال�سّ فر البعيد‪ .‬ول�ع� ّل من‬ ‫�أ�شهر الرحالت البحريّة التّجاريّة في المحيط‬ ‫ال�ه�ن��دي ال �ت��ي ت � ّم��ت خ�ل�ال ال� ّن���ص��ف الثاني‬ ‫من القرن الثّالث الهجري هي رحلة التّاجر‬ ‫�سليمان ال�سيرافي‪.‬‬

‫�أع��دائ��ه‪ ،‬ف�أر�سل ابن ف�ضالن على ر�أ���س وفد �إدري�س‪� ،‬أحد كبار علماء الجغرافيا‪ ،‬كما �أنه‬ ‫العلماء والفقهاء و�أم�ضى ث�لاث �سنوات من كتب في التاريخ‪ ،‬والأدب‪ ،‬وال�شّ عر‪ ،‬والنبات‬ ‫(‪924 -921‬هـــ) في بالد الرو�س‪ّ ،‬‬ ‫وال�صقالبة‪ ،‬ودر�س الفل�سفة‪ ،‬والطب‪ ،‬والنجوم‪ ،‬في قرطبة‪.‬‬ ‫والخرز‪ ،‬واال�سكندنافية‪.‬‬ ‫ابن بطوطة‪ :‬ولد في طنجة �سنة (‪703‬هـ)‬ ‫ابن جبري‪� :‬صاحب كتاب تذكرة الأخبار عن ف��ي ال�م�غ��رب لعائلة عُ ��رف عنها عملها في‬ ‫اتفاقات الأ�سفار‪ ،‬عُ رف بـرحلة ابن جبير وهو الق�ضاء‪ ،‬وفي فتوّته در�س ال�شريعة وقرر وهو‬ ‫من الأندل�س‪ ،‬ا�سمه محمّد بن �أحمد بن جبير ابن ع�شرين عام ًا �أن يخرج حاجاً‪ ،‬كما �أمل من‬ ‫الكناني‪ ،‬المعروف بابن جبير‪ ،‬ولد في بلن�سية �سفره �أن يتعلم المزيد عن ممار�سة ال�شّ ريعة‬ ‫ب�إ�سبانيا �سنة (‪ 540‬هــ)‪ ،‬وتعلّم على يد �أبيه ف��ي �أن�ح��اء ب�لاد الإ� �س�لام‪ .‬وخ��رج م��ن طنجة‬ ‫وغيره من العلماء في ع�صره‪ ،‬ثمّ ا�ستخدمه �سنة(‪ 725‬هـ) فطاف بالد المغرب‪ ،‬وم�صر‪،‬‬ ‫�أمير غرناطة �أبو �سعيد بن عبدالم�ؤمن ملك وال�شّ ام‪ ،‬والحجاز‪ ،‬والعراق‪ ،‬وفار�س‪ ،‬واليمن‪،‬‬ ‫الموحدين في وظيفة كاتم ال�سّ ر‪ ،‬فا�ستوطن والبحرين‪ ،‬وترك�ستان‪ ،‬وما وراء النّهر‪ ،‬وبع�ض‬ ‫غرناطة‪.‬‬ ‫الهند‪ ،‬وال�صين‪ ،‬وجاوة‪ ،‬وبالد التتار‪ ،‬و�أوا�سط‬ ‫ال��ع�لام��ة الإدري�������س���ي‪� � :‬ص��اح��ب ك �ت��اب‪� :‬إفريقيا‪ ،‬واتّ�صل بكثير من الملوك‪ ،‬والأمراء‪،‬‬ ‫نزهة الم�شتاق ف��ي اخ�ت��راق الآف ��اق‪ ،‬وا�سمه ف�م��دح�ه��م‪ ،‬وك ��ان ينظم ال���ّ�ش�ع��ر‪ ،‬وا��س�ت�ع��ان‬ ‫�أبو عبداهلل محمد بن محمد بن عبداهلل بن بهباتهم على �أ�سفاره‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪37‬‬


‫�أدب الرحالت في الع�صر الحديث‬ ‫برز �أدب الرحلة في الع�صر الحديث ك�شكل‬ ‫فني داخ��ل في الأدب‪ ،‬ولي�س درا�سة تاريخيّة‬ ‫وجغرافيّة حيّة كما كان من قبل‪ .‬ومن نماذجه‪:‬‬ ‫«تخلي�ص الإبريز في تلخي�ص باري�س» لرفاعة‬ ‫الطهطاوي‪ ،‬ال��ذي راف��ق البعثة التي �أر�سلها‬ ‫محمّد علي للدرا�سة في فرن�سا‪ ،‬ليكون واعظ ًا‬ ‫و�إماماً‪ ،‬لهذا‪ ،‬ت�صور رحلة الطهطاوي انبهاره‬ ‫بمظاهر النّه�ضة الأوروب � ّي��ة‪ ،‬مع نقد لبع�ض‬ ‫عاداتهم في �أ�سلوب �أدبي‪.‬‬

‫رحالة الغرب‬ ‫قراءة في ّ‬

‫�إذا ت�أمّلنا �سيرة الرحالة الغربيين الأوائل‬ ‫�سنالحظ �أنّهم كانوا يقومون برحالتهم رغبة‬ ‫في الح�صول على المال‪ ،‬والذهب‪ ،‬والعطايا‬ ‫الملكية التي يمكن �أن تعود عليهم من وراء‬ ‫اكت�شاف ج�غ��راف��ي ج��دي��د؛ كما ك��ان يتمنّى‬ ‫كري�ستوفر كولومبو�س الإيطالي عندما كان‬ ‫�أ ّم��ا �أح�م��د ف��ار���س ال�شدياق‪ ،‬فهو م�شهور ي�سعى للو�صول �إل��ى الهند طمع ًا في كنوزها‪،‬‬ ‫بكتابه «ال��وا��س�ط��ة ف��ي �أح ��وال م��ال�ط��ة»‪ ،‬وقد فو�صل �إلى جزر الكاريبي في القرن الخام�س‬ ‫و�صف �صنوف ًا من العادات والتّقاليد‪ ،‬وبخا�صة ع�شر‪ ،‬وظنّ خط�أً �أنّها الهند‪.‬‬ ‫النّ�ساء المالطيات‪.‬‬ ‫وم �ث��ل ف��ا��س�ك��و داج��ام��ا ال�ب��رت�غ��ال��ي ال��ذي‬ ‫�أم��ا عي�سى بن ه�شام‪ ،‬فكتب �أدب الرواية اكت�شف الهند فيما بعد عن طريق ر�أ�س الرجاء‬ ‫ال�صالح في �أواخر القرن الخام�س ع�شر؛ ولن‬ ‫ّ‬ ‫العربيّة الحديثة‪ ،‬الذي يُع ّد من كتب الرحالت‬ ‫يق�ص رحلة قام بها البطل عي�سى نن�سى �أنّه لوال م�ساعدة الرحّ الة العربي �أحمد‬ ‫الخيالية‪� ،‬إذ ّ‬ ‫ابن ه�شام برفقة �أحد با�شوات م�صر‪ ،‬بعد �أن بن ماجد لما و�صل �إلى الهند‪ .‬ربما لم يكتب‬ ‫خرج هذا البا�شا من قبره‪ ،‬وكان قد مات منذ الرحالة الغربيون ب�أنف�سهم عن هذه الرحالت‪،‬‬ ‫زمن بعيد‪ ،‬ثمّ خرج يتج َوّل في �شوارع م�صر و�إنّما كتب عنهم من عا�صرهم وقتها‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫ودوائرها الحكوميّة‪ ،‬ومنها المحاكم‪ ،‬وي�صف‬ ‫و�إذا قارنّا بين الدافع وراء رحالت الرحالة‬ ‫لنا‪ ،‬ب�أ�سلوب �أدب��ي �ساخر‪ ،‬مظاهر التّحول ال�ع��رب‪ ،‬ف�سنجد �أ ّن�ه��م كانوا ي�سافرون طلب ًا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�أمّا الرحّ الة المعا�صرون �سواء كانوا عرب ًا‬ ‫�أم غربيين‪ ،‬فهم كتّاب بالدرجة الأول��ى‪ ،‬قد‬ ‫ت�سوقهم الظروف �إل��ى بالد معينة‪ ،‬فيكتبون‬ ‫عنها‪� ،‬أو ي�سافرون �إل��ى �أماكن بعينها بهدف‬ ‫درا�ستها والكتابة عنها‪.‬‬

‫ويمكن القول‪� :‬إنَّ �أدب الرحالت هو جن�س‬ ‫ف��ي الكتابة الأدب� � ّي ��ة‪ ،‬ي�ك��اد ي�ك��ون ق��د اندثر‬ ‫وتال�شى‪ ،‬ولكن �إذا �أعدنا النّظر في �أدب الرحلة‬ ‫في الع�صر الحديث نلحظ تراجعه عمّا كان‬ ‫عليه في الع�صور ال�سّ ابقة‪ ،‬وحتّى �أوائل القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬وذل��ك على الرغم من �أنَّ الع�صر‬ ‫الحالي ُي َع ُّد بحق ع�صر الرحلة وال�سّ فر‪ ،‬لتوافر‬ ‫الإمكانات‪ ،‬والتّ�سهيالت العظيمة التي ت�شكّلت‬ ‫بحيث �أ�صبح ال�سّ فر جزء ًا من الحياة العاديّة‬ ‫للرجل العادي‪ ،‬وال�سّ ياحة بمظهرها الحالي‬ ‫غدت نقي�ض ًا لما كانت عليه �سابقاً‪.‬‬

‫تكلف الرحالة ج�ه��داً‪ ،‬وتعب ًا �شديداً‪ ،‬ووقت ًا‬ ‫طويالً‪ ،‬قد ي�صل �إلى �أ�سابيع و�شهور للو�صول‬ ‫�إل��ى غايته؛ في حين �أنَّ و�سائل الموا�صالت‬ ‫المتطورة اليوم �سهلت على الأدي��ب التّنقل‪،‬‬ ‫ووفرت عليه الوقت وبع�ض الجهد‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫التّكلفة ربما �أكثر بكثير منها في الما�ضي‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫قام ابن بطوطة بثالث رحالت‪ ،‬وقد ا�ستغرق‬ ‫في مجموعها نحو ت�سع وع�شرين عاماً‪ ،‬وكان‬ ‫�أطولها الرحلة الأول��ى التي لم يترك �أثناءها‬ ‫ناحية من نواحي المغرب والم�شرق �إال زارها‪،‬‬ ‫وكانت �أطول �إقامة له في بالد الهند �إذ تولى‬ ‫الق�ضاء لمدة عامين‪ ،‬ثم في ال�صين �إذ تولى‬ ‫الق�ضاء فيها عام ًا ون�صف العام‪.‬‬

‫ال�سّ لبي التي �أ�صابت الحياة‪ .‬كما تلقانا رحلة‬ ‫�أمين الريحاني التي �أ�سماها الريحانيات‪،‬‬ ‫وقد �سجّ ل م�شاهداته في بلدان عربيّة وو�صف‬ ‫ع��ادات �أهلها‪ ،‬كما زار بع�ض ملوك العرب‪،‬‬ ‫وم��ن بينهم المغفور ل��ه الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫و�سجّ ل بع�ض �أحاديثه و�آرائ��ه‪ .‬وهناك كتَّاب‬ ‫�آخرون قدّموا �أعما ًال كثيرة في �أدب الرحالت‪،‬‬ ‫�أمثال‪ :‬زكى مبارك‪ ،‬كاتب م�صري له ذكريات‬ ‫بغداد وذكريات باري�س؛ ويحيى المعلمي‪ ،‬كاتب‬ ‫�سعودي له رحلة علميّة ورحالت �أخرى‪.‬‬

‫للحجّ �أو الرزق �أو العلم‪� ،‬إلى جانب الرغبة في م�شاهدته في ذاكرته‪� ،‬أمّا الآن فعادة الأديب‬ ‫المعرفة واال�ستك�شاف ويبقى ال�سّ بق في هذا هو ال�شّ خ�ص ال��ذي ي�سافر‪ ،‬ويكتب �أو ًال ب�أول‬ ‫المجال للرحّ الة العرب‪ ،‬ف�أوّل رحالة عربي كما م�شاهداته ب�أ�سلوب ب�سيط‪ ،‬و�أقل تعقيداً‪.‬‬ ‫ذكرنا هو ابن جبير‪.‬‬ ‫الجهد والوقت‪ :‬الرحلة في الما�ضي كانت‬

‫�سهولة الطباعة‪ :‬من ال�سّ هل �أي�ض ًا اليوم‪،‬‬ ‫الكتابات الأدب� ّي��ة بوجه ع��ام بو�سائل طباعة‬ ‫حديثة و�أن �ي �ق��ة‪ ،‬ف��ي حين ك��ان ال��رحّ ��ال��ة في‬ ‫ال�م��ا��ض��ي ي���ض�ط��رون ل�ت��دوي��ن كتاباتهم في‬ ‫م�خ�ط��وط��ات ك�ب�ي��رة‪ ،‬وث�ق�ي�ل��ة‪ ،‬وب��ال�ط�ب��ع ك��ان‬ ‫ي�صعب ن�سخها عدة مرات‪.‬‬

‫�سهولة االنت�شار‪ :‬و�سائل االتّ�صال الحديثة‬ ‫ال�صحف والإنترنت‪� ،‬سهلت �إلى درجة‬ ‫ومنها ّ‬ ‫كبيرة انت�شار فنّ �أدب الرحالت‪� ،‬سواء كان في‬ ‫وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق‪ ،‬ن�صل �إل��ى نتيجة �صورة مقاالت مقروءة‪� ،‬أو كتب ًا �إلكترونيّة‪.‬‬ ‫فحواها �أن تمايز �أدب الرحلة بين الما�ضي‬ ‫وف��ي نهاية الأم��ر‪ ،‬ال ب� ّد من الت�أكيد على‬ ‫والحا�ضر يمكن ح�صره فيما ي�أتي‪:‬‬ ‫الجهود المبذولة حالياً‪ ،‬والأعمال المن�شورة‬ ‫منهجيّة الأ�سلوب‪ :‬الرحّ الة العربي لم يكن هنا وهناك‪ ،‬من �إقامة م�ؤ�س�سات تُعنى بخدمة‬ ‫بال�ضرورة �أديب ًا يجيد التّعبير ب�أ�ساليب �أدبيّة‪ ،‬مثل هذا الفنّ ‪ ،‬كي يبقى موجود ًا يمار�سه �أهله‪،‬‬ ‫و�إ ّن�م��ا ك��ان يهوى ال�سّ فر وال� ّت��رح��ال‪ ،‬ويحفظ وي�ؤطره �أدبا�ؤه‪.‬‬

‫(‪� )1‬أدب الرحلة في التّراث العربي‪ ،‬ف�ؤاد قنديل‪ ،‬مكتبة الدّار العربيّة‪� ،‬ص‪.23‬‬ ‫(‪� )2‬أدب الرحلة عند العرب‪ ،‬ح�سني محمود ح�سين‪ ،‬المكتبة الثقافية‪� ،‬ص‪.10‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬رحلة ال�صيف �إلى اليمن‪ ،‬ورحلة ال�شتاء �إلى بالد ال�شّ ام‪.‬‬ ‫(‪ )4‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬عبدالرحمن بن خلدون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪2009 ،‬م‪� ،‬ص‪.403‬‬ ‫(‪� )5‬أدب الرحالت عند العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.95‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪39‬‬


‫لغة مالطة كما عاي�شها ال�شدياق‬ ‫■ �صالح بن حممد املطريي ‪ -‬ال�سعودية‬

‫تنداح هذه العربية بكافة لهجاتها الإقليمية على رقعة وا�سعة من الأر�ض‪ ،‬تمتد من �ساحل‬ ‫عُمان وغربي �إيران �شرقا‪� ،‬إلى �سواحل المغرب وموريتانيا في �أق�صى الغرب؛ ومن ال�شمال من‬ ‫تخوم الأنا�ضول و�سواحل المتو�سط‪� ،‬إل��ى الجنوب في بالد اليمن في جزيرة العرب وواح��ات‬ ‫ال�صحراء الكبرى في �إفريقيا‪ ،‬وفي كل قطر عربي ثمة لهجة �سائدة على البلد بطبيعة الحال‪،‬‬ ‫وكذلك ربما وُجدت في البلد الواحد لهجات �إقليمية تختلف عن بع�ضها بع�ضاً‪ ،‬كما هي الحال‬ ‫في البلدان الكبيرة‪ ،‬كال�سعودية وم�صر وال�سودان‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫ومن بين لهجات العربية المعا�صرة‪ ،‬تبزغ‬ ‫�أمامنا تلك اللهجة �أو اللغة ال�سائدة في جزيرة‬ ‫مالطة؛ فهذه اللغة جديرة حقا ب�أن يطمح نحوها‬ ‫نظر الدار�س اللغوي‪ ،‬وخليقة �أن تجذب اهتمامه‬ ‫على نحو خا�ص‪ .‬ومن العجيب �أن كثيرا من العرب‬ ‫�سينده�ش �إذا ع��رف �أن جزير ًة في المتو�سط‬ ‫وهي دولة �أوروبية الآن‪ -‬تتحدث لغة تُع ّد من‬‫لهجات العربية! فكيف و�صل ل�سان م�ضر �إلى تلك‬ ‫الجزيرة في قلب المتو�سط؟! ولكن هذا هو واقع‬ ‫الحال‪ ،‬فاللغة المالطية كما يقول المخت�صون �إنْ‬ ‫هي �إال لهجة من لهجات العربية(‪ ،)1‬ت�شترك مع‬ ‫بقية اللهجات العربية في المعجم ال�سائد (�أي‬ ‫المفردات الأ�سا�سية)(‪ )2‬وفي كثير من الأ�صوات‬ ‫المفردة �أي�ضا‪ ،‬كما �أن جُ ل الكلمات ال�ساميّة التي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�إن ردت بها هذه اللهجة لها تخريج من �أ�صول‬ ‫العربية القديمة‪ ،‬لكن تختلف هذه اللهجة عن‬ ‫بقية اللهجات العربية في �ضياع عدد من �أ�صوات‬ ‫العربية الأ�صيلة مثل ال�ح��اء وال �خ��اء والعين‬ ‫والغين وال�ق��اف‪ ،‬كما تتميز باقترا�ض جمهرة‬ ‫من المفردات الأوروبية (�إيطالية و�إنجليزية)‪،‬‬ ‫و�إدراجها �ضمن البناء ال�صوتي للهجة‪ ،‬وفيما‬ ‫عدا ذلك ف�إن جُ ّل المفردات الأ�سا�سية هي من‬ ‫العربية‪� ،‬إال �أن كتابتها تعتمد الحروف الالتينية‬ ‫مثل �سائر اللغات الأوروبية‪.‬‬ ‫ون� �ظ ��ر ًا الن �ق �ط��اع ال���ص�ل��ة ال�ث�ق��اف�ي��ة بين‬ ‫المالطية وب�ي��ن �أ ّم �ه��ا ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬فقد عدّها‬ ‫المخت�صون لغة م�ستقلة بذاتها ولي�ست مجرد‬ ‫لهجة‪ ،‬علما �أننا في هذا المقال قد ن�سميها‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الرحلة واللغة‬

‫تجوّزا «لهجة» باعتبار �أ�صولها التاريخية فقط‪،‬‬ ‫و�إال فال م�شاحة في اعتبارها لغة م�ستقلة؛ لأنها‬ ‫حقا قد انبثقت عن �أ�صولها العربية‪ ،‬وانف�صمت‬ ‫عن جذورها الثقافية‪ ..‬ولي�ست كبقية اللهجات‬ ‫العربية التي ما تزال تعي�ش في كنف العربية‪،‬‬ ‫وتت�أثر بمحيطها الثقافي‪ ،‬وت�ستمد عنا�صر‬ ‫بقائها منه‪.‬‬ ‫ولعل �أهم نواحي انف�صال المالطية وابتعادها‬ ‫عن �أ�صولها العربية كتابتها بالأحرف الالتينية‬ ‫منذ عام ‪1931‬م‪ ،‬وهذه الكتابة الالتينية قد‬ ‫�ضيعت �صوتي ال�ح��اء وال �خ��اء ف��ي المالطية‬ ‫ف�أ�صبحا يرمز لهما في الخط الالتيني برمز‬ ‫واح��د‪ ،‬وهكذا نجد مثال كلمتي خيط وحيط‬ ‫(�أي جدار) تكتبان في هجاء واحد‪ ،‬وال يفرق‬ ‫بينهما المالطي �إال من �سياق الكالم‪ ،‬والحال‬ ‫نف�سه في ال�سين وال�صاد في نحو �سيف و�صيف‪،‬‬ ‫والعين والغين في نحو عالي وغالي(‪)3‬؛ وهذا‬ ‫يعني �أن الخط الالتيني قد �أفقد هذه اللهجة‬ ‫عددا من �أ�صواتها الأ�صيلة؛ ما �أ�سهم حقا في‬ ‫قطع ال�صلة بينها وبين �أمها العربية‪ ،‬وفي هذا‬ ‫دليل وا�ضح على عدم كفاية الهجاء الالتيني‬ ‫في تمثيل �أ�صوات العربية وغيرها من اللغات‬ ‫ال�سامية‪ ،‬التي يمثلها الخط العربي على نحو‬ ‫وا�ضح‪.‬‬ ‫ونظرا لغرابة هذه اللهجة‪/‬اللغة وتميزها‬ ‫عن بقية اللهجات العربية في نواح عدة‪ ،‬فقد‬ ‫حظيت باهتمام خا�ص من الدار�سين‪ ،‬وقد‬ ‫عدّها بع�ضهم من بقايا العربية التي �سادت‬ ‫في جزيرة �صقلية حينا من الدهر‪ .‬وقد كَتب‬ ‫في علم المالطية و�صرفها و�أ�صواتها علماء‬ ‫لغويون مخت�صون من �أبنائها ومن غيرهم(‪،)4‬‬ ‫لكني �س�أتوقف هنا عند �أول من كتب عنها من‬

‫العرب‪ ،‬و�أول من ُقيّ�ض له �أن يعاي�شها بيا�ض‬ ‫يومه و�سواد ليله على مدى �سنين‪ ،‬وينظرها‬ ‫بعين الخبير‪ ،‬وهو �أحد ر�ؤو�س الكتاب في ع�صر‬ ‫النه�ضة العربية الحديثة‪� ،‬أال وهو اللغوي الأديب‬ ‫الرحالة �أحمد فار�س ال�شدياق‪.‬‬ ‫والمعروف �أن �أحمد فار�س ال�شدياق قد ولد‬ ‫في لبنان عام ‪1804‬م‪ ،‬وكان ا�سمه �أول الأمر‬ ‫فار�س‪ ،‬ق��ال عنه م��ارون عبود‪�« :‬أح��د �أقطاب‬ ‫الأدب العربي العظام‪ ،‬نِ�ش�أ في لبنان‪ ،‬و�شب‬ ‫في م�صر ومالطة‪ ،‬واكتهل في باري�س ولندن‬ ‫وتون�س‪ ،‬و�شيّخ في الق�سطنطينية‪ ،‬فمات ابن‬ ‫ثالث وثمانين �سنة‪ ،‬ما �أحوجته الثمانون �إلى‬ ‫ترجمان‪ ،‬ول��م ت�أخذ من ذل��ك ال��ر�أ���س �شيئا‪،‬‬ ‫فبقي ع��وده غ�ضا ونف�سه خ�ضراء‪ ،‬كما �شهد‬ ‫بذلك جرجي زيدان»(‪.)5‬‬ ‫وال���ش��دي��اق ع�لام��ة ل�غ��وي جليل ت��دل عليه‬ ‫كتابته التي يولع فيها ب�إحياء �أواب��د العربية‬ ‫التي ال توجد �إال بين دفتي المعجم‪ ،‬كما ي�شهد‬ ‫له طائفة من الكتب و�أهمها كتابه الذي تعقب‬ ‫فيه الفيروز�آبادي �صاحب القامو�س وعنوانه‬ ‫(الجا�سو�س على القامو�س)‪ ،‬وك��ان قد ت��أدّب‬ ‫بالعربية وفنونها في لبنان �أوالً‪ ،‬ثم ا�شتد عوده‬ ‫بها‪ ،‬وثقِ ف كافة علومها في م�صر على يد جلّة‬ ‫من ال�شيوخ‪ ،‬ثم ُقيّ�ض للرجل �أن ي�ضطرب في‬ ‫الأر���ض ويرحل �إل��ى عوا�صم الغرب وال�شرق؛‬ ‫وف��ي حله وترحاله ك��ان الرجل يثاقف النا�س‬ ‫ويخالطهم؛ فهو حقا رج��ل ق��د خبر البالد‬ ‫والعباد‪.‬‬ ‫وكما تقلّب في ال�ب�لاد‪ ..‬فقد تقلّب �أي�ضا‬ ‫في الأديان‪� ،‬إذ ن�ش�أ م�سيحيا �إنجيليا محافظا‪،‬‬ ‫وحاول نفر من الرهبان �أن يثنيه عن مذهبه‪ ،‬ال‬ ‫�سيّما وقد �شهد ا�ضطهاد �أخيه �أ�سعد وتعذيبه‬

‫‪41‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪42‬‬

‫ثم موته ليتحوّل عن مذهبه‪ ،‬ولكن محاوالتهم‬ ‫ف��ي اال�ستحواذ على الأخ الأ�صغر ف��ار���س قد‬ ‫ذهبت �أدراج الرياح‪ ،‬فت�شبّث ال�شدياق بمذهبه‪،‬‬ ‫و�ش ّد رحاله �إلى م�صر في ريعان �شبابه‪ ،‬وكان‬ ‫الرجل ع��ارف� ًا بمذاهب قومه وعالم ًا بتراثه‬ ‫الديني الم�سيحي كله‪ ،‬ثم اختار له اهلل بعد‬ ‫�أن تنفّ�س به العمر �أن يعتنق الإ�سالم‪ ،‬ويح�سن‬ ‫�إ�سالمه‪ ،‬بل انعك�س ذلك على كتابته و�أ�سلوبه‪،‬‬ ‫فترى فيه مالمح و�أقوال وعبارات وك�أنها لواحد‬ ‫من �شيوخ الدر�س في الم�ساجد وحلق العلم‪،‬‬ ‫ف�سبحان مغيّر الأحوال‪.‬‬ ‫و�أثناء تقلب هذا اللغوي الرحالة في البلدان‬ ‫وبين النا�س‪ ،‬كان كثيرا ما يرهف ال�سمع �إلى‬ ‫ك�لام العامة ولغطهم‪ ..‬وي�صغي �إل��ى لغاتهم‬ ‫ولهجاتهم‪ ،‬فا�ستوعب منها الكثير‪ ،‬وقيّد في‬ ‫واعيته جملة �صالحة من الخ�صائ�ص الل�سانية‬ ‫وال�سمات اللغوية لكالم النا�س �أينما كان‪ ،‬فال‬ ‫غ��رو �أن ر�أي�ن��اه يتوقف عند لغة مالطة‪-‬وقد‬ ‫لبث فيها م��ن عمره �سنين‪ -‬في�صف لنا ما‬ ‫تتميز به ه��ذه اللغة �أو اللهجة‪ ،‬وم��ا ي��راه من‬ ‫خ�صائ�صها‪ ،‬وما يظهر له من الأ�شباه والنظائر‬ ‫لها في لهجات العربية‪� ..‬سواء القديمة منها �أو‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫وب��داي��ة‪ ،‬ال ب��د م��ن التو�ضيح �أن ال�شدياق‬ ‫الأدي��ب الكاتب المتر�سل‪ -‬لم ي�شد الرحال‬‫�إلى مالطة مختارا من تلقاء نف�سه‪ ،‬رغم ميله‬ ‫�إلى النقلة والتحوّل‪ ،‬و�إنما ذهب هناك بتكليف‬ ‫من المر�سلين الأمريكان‪ ،‬وهم بعثة تن�صيرية‬ ‫ا�ستقرت في لبنان منذ �أوائ��ل القرن التا�سع‬ ‫ع�شر؛ ذلك �أنهم ر�أوا ت�ضلّعه في علوم العربية‬ ‫وعل ّو كعبه في الكتابة‪ ،‬ف�أوكلوا �إليه �أن يعاونهم‬ ‫في ت�صحيح مطبوعاتهم وفي ترجمة التوراة‬

‫�إلى العربية‪ ،‬و�أن يقوم �أي�ضا بتعليم العربية في‬ ‫«المدر�سة الجامعة» في مالطة‪ ،‬ف�أر�سلوه �إلى‬ ‫هناك‪ ،‬فلبث الرجل في هذه الجزيرة �أربعة‬ ‫ع�شر عاما بين عامي ‪1834‬م و‪1848‬م‪ .‬ورغم‬ ‫�أن ال�شدياق قد طال به المقام في مالطة‪� ،‬إال‬ ‫�أن��ه لم يحمد مقامه هناك‪ ،‬فلطالما وجدناه‬ ‫ينعي مقامه في هذه «ال�صخرة الدرنة» �أو «هذه‬ ‫ال�صخرة ال�صماء» كما ي�سميها �أحيانا‪.‬‬ ‫وقد �شرح ال�شدياق �أحوال مقامه في مالطة‬ ‫في كتاب �أف��رده بالت�أليف‪ ،‬عنوانه (الوا�سطة‬ ‫في معرفة �أحوال مالطة) �أتى فيه على و�صف‬ ‫البلد وجغرافيته ومناخه‪ ،‬وتحدث عن النا�س‬ ‫وع��ادات �ه��م وط��ب��ائ��ع��ه��م و�أخ�لاق��ه��م و�أن��م��اط‬ ‫معي�شتهم وطعامهم و�شرابهم‪ .‬والقارئ للكتاب‬ ‫يُخيّل �إليه �أن ال�شدياق لم يخرم من �أحوالهم‬ ‫�شيئا ر�آه �أو �سمعه‪ ،‬فهو حقا يمثل �صورة متكاملة‬ ‫ت�صور الحالة االجتماعية لل�شعب المالطي‬ ‫الذي عاي�شه ال�شدياق �أربعة ع�شر عاما‪،‬‬ ‫ولعل �أدقّ ما في مالحظات ال�شدياق عن‬ ‫ال�ن��ا���س ه�ن��اك ه��و م��ا �سجله لنا ع��ن طريقة‬ ‫كالمهم باللهجة المالطية‪ ،‬ال�سيما �أن الرجل‬ ‫قد اختلط بكل فئات النا�س فيها‪ ،‬فقد اختلف‬ ‫�إل��ى الخا�صة‪ ،‬وجال�س العامة‪ ،‬وا�ستمع �إلى‬ ‫حديثهم ودخ��ل بيوتهم و�أك ��ل م��ن طعامهم‪،‬‬ ‫وح�ضر الأ�سواق‪ ..‬فت�سمّع �إلى لغط الفالحين‪،‬‬ ‫وحفظ نداء الباعة‪ ،‬و�أ�صغى �إلى �صخب �أهل‬ ‫المرف�أ‪ ،‬وت�صايح رجال البحر‪ ،‬وعرف لغاتهم‬ ‫ولهجاتهم بل نكاتهم و�أ�ضاحيكهم‪ ،‬كما اختلط‬ ‫ال��رج��ل ب��الإن�ج�ل�ي��ز ف��ي م��ال �ط��ة‪-‬وه��م حكام‬ ‫الجزيرة وعلية القوم‪� -‬سواء من الع�سكر �أو من‬ ‫رجال الإدارة وقتها‪.‬‬ ‫يقول ال�شدياق عن لغة مالطة‪« :‬اعلم رعاك‬

‫اهلل و�صانك عن الزلل �أن اللغة المالطية فر ٌع‬ ‫عن دوح��ة العربية و�شي�ص ٌة من تمرها‪ ،‬وهي‬ ‫يُتكلّم بها في جزيرتي مالطة وغود�ش (غوزو)‪،‬‬ ‫و�سوا ٌء في ذلك العامة والخا�صة؛ غير �أن ه�ؤالء‬ ‫يتعلمون �أي�ضا الطليانية والإنكليزية الحتياجهم‬ ‫�إل��ى الأول��ى في المعامالت والتجارات وكتب‬ ‫ال�شرع‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ولتناف�سهم في الثانية لكونها‬ ‫لغة �أرب ��اب ال�ح�ك��م»(‪ ،)6‬وب�ه��ذا ن��رى �أن اللغة‬ ‫المالطية كانت زمن ال�شدياق �أ�شبه ما تكون‬ ‫باللغة المحلية لل�سكان‪� ،‬أي لغة البيت وال�شارع‬ ‫وال�سوق‪� ،‬أي لغة المحادثة العر�ضية بين النا�س‪،‬‬ ‫و�أنها كانت لغة منطوقة فقط ولي�س لها كتابة‪،‬‬ ‫�أما لغة الإدارة والتجارة والق�ضاء فقد كانت‬ ‫الإيطالية �أو الإنكليزية‪.‬‬ ‫ولنا �أن نت�أمل و�صف ال�شدياق للمالطية ب�أنها‬ ‫«فرع من دوحة العربية و�شِ ي�صة من تمرها»‪،‬‬ ‫(والمعروف �أن ال�شي�صة هي التمرة التي لم‬ ‫يتم ن�ضجها لف�ساد �أو �سوء تدبير)‪ ،‬وفي هذا‬ ‫ينظر ال�شدياق �إلى هذه اللهجة على �أنها لهجة‬ ‫قا�صرة قد لحقها ف�ساد وانحراف عن الأ�صل‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬و�أنها عبارة عن �ألفاظ يتداولونها‬ ‫(�أي لغة منطوقة فقط) «فيما هو من مقت�ضيات‬ ‫الأحوال ال�ساقطة»‪ ،‬وبطبيعة الحال كانت هذه‬ ‫ه��ي النظرة القديمة (الكال�سيكية) لتطور‬ ‫اللغات واللهجات حتى بداية ع�صرنا الحديث‪،‬‬ ‫�إذ ك��ان اللغويون القدامى‪ -‬ومنهم ال�شدياق‬ ‫بالتلمذة والتلقي‪ -‬ينظرون �إلى التطور اللغوي‬ ‫و�إل��ى لهجات العامة على �أن�ه��ا �أل�سنة مليئة‬ ‫باللحن والخط�أ والف�ساد(‪.)7‬‬ ‫كما ي��ذك��ر ال���ش��دي��اق �أن المالطية ت�أخذ‬ ‫من الإيطالية بع�ضا من المفردات وت�سبكها‬ ‫في قوالبها ال�صرفية يقول‪« :‬و�إذا �أخ��ذوا من‬

‫�أحمد فار�س ال�شدياق (‪1887-1804‬م)‬

‫الطليانية ما م�سّ ت الحاجة �إليه ملَطوه و�ألحقوه‬ ‫بتركيب لغتهم‪ ،‬كقولهم مثال‪( :‬مايرن�شي�ش) �أي‬ ‫ما يوافق و(كون�شيته) �أي عرفته‪ .‬ففي الأول ياء‬ ‫الم�ضارعة‪ ،‬وفي الثاني �ضمير المتكلم و�ضمير‬ ‫ال�غ��ائ��ب‪ ،‬و(ع �ن��دي بيا�شير) �أي � �س��رور»(‪،)8‬‬ ‫وي��ورد ال�شدياق هناك �أي�ضا جمهرة من هذا‬ ‫الكلم الأيطالي الم�سبوك في قوالب المالطية‪،‬‬ ‫وفي هذا االقترا�ض وال�سبك و(الملْط) ين�شد‬ ‫ال�شدياق قائال في و�صف هذه الحال‪:‬‬

‫ت�������� ّب��������اً ل��������ه ل�������غ������� ًة ب�����غ�����ي�����ر ق�����������راءة‬ ‫وك � � �ت� � ��اب� � ��ة ع � � �ي � � ��نٌ ب � �ل ��ا �إن� � ��� � �س � ��ان‬ ‫ت���ت���ب���ل���ب���ل الأف�������ك�������ار ف�����ي ت��رك��ي��ب��ه��ا‬ ‫وي � � �ك � � � ّل ع� �ن� �ه ��ا ح� � � ��دُّ ك� � ��ل � �ِ�س � �ن ��ان‬ ‫�أذن�������اب�������ه�������ا ور�ؤو���������س��������ه��������ا ع���رب���ي���ة‬ ‫ف�سدتْ و�أو�سطها من الطلياني(‪.)9‬‬ ‫وكان �أعيان النا�س في مالطة �أيام ال�شدياق‬ ‫يحبون االمتياز عن العامة ‪ -‬كما هي الحال‬ ‫دوما‪ ،‬فتجدهم «يحاكون الإفرنج في �أطوارهم‬ ‫وهيئاتهم‪ ،‬حتى اذا نطقوا بلغة �أنف�سهم (�أي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪43‬‬


‫ك����ل ام������رئ راج�������� ٌع ي���وم���ا ل�����ش��ي��م��ت��ه‬ ‫و�إن ت���خ��� ّل���ق �أح � �ي� ��ان� ��ا �إل � � ��ى ح �ي��نِ‬

‫‪44‬‬

‫طبعا تغيّر ه��ذا الو�ضع ال�ي��وم‪ ،‬ف�أ�صبحت‬ ‫المالطية منذ عقود اللغة الر�سمية للبلد يتحدث‬ ‫بها الكبير وال�صغير‪ ،‬والخامل وال�شهير‪ ،‬رغم‬ ‫مزاحمة الإنجليزية لها على نحو وا�سع وبخا�صة‬ ‫في التعليم الجامعي‪.‬‬ ‫وي�سجّ ل لنا ال�شدياق في �أيامه في مالطة‬ ‫بع�ضا من المفردات الم�ستعملة في المالطية‬ ‫ل�ي��دلّ على قربها وات�صالها بالعربية‪ ،‬فمن‬ ‫ذل��ك قولهم‪« :‬وح � ْل��ت بمعنى وق�ع��تُ ف��ي �أم��ر‬ ‫�صعب‪ ،‬و�أ�صله الوقوع في الوحل خا�صة‪ ،‬وقولهم‬ ‫الطلاّ ب للمتكفّف �أي ال�سائل‪ ،‬ومغلوب بمعنى‬ ‫نحيف‪ ،‬وفْتيت ب�إ�سكان الفاء بمعنى قليل‪ ،‬وهو‬ ‫من فتّ ال�شيء بمعنى ك�سّ ره و�صغّر جرمه»‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬نالحظ �إ�سكان الفاء هنا في فْتيت بمعنى‬ ‫بع�ض‬ ‫قليل‪ ،‬وه��ذا الإ�سكان يحدث �أي�ضا في ِ‬ ‫اللهجات القريبة من المالطية كالتون�سية مثال‪،‬‬ ‫ففيها كلمات مثل‪ :‬كبير ونحيف و�صغير كلها‬ ‫ب�إ�سكان الحرف الأول‪ ،‬والحال نف�سه يحدث‬ ‫�أي�ضا في بع�ض لهجات بالد ال�شام‪.‬‬ ‫كما نقل ال�شدياق بع�ض �أ�سماء الفاكهة‬ ‫و�أ��س�م��اء ال�سلع ف��ي �سوق مالطة‪ ،‬مثل ُتفّيح‬ ‫و ُرمّين‪� ،‬أي تفّاح ور ّم��ان لكنها تنطق بالإمالة‬ ‫نحو الياء‪� ،‬أي على طريقة قراءتنا للآية (ب�سم‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫بدتْ في الثياب ال�سود والوجه زاه ٌر‬ ‫وما�ست بق ٍّد يُخجل الغ�صن الغ�ضا‬ ‫ل��ه��ا م��ن��ط��قٌ ع����ذبٌ ع��ل��ى ق��ب��ح لحنه‬ ‫(‪)13‬‬ ‫وفي ح�سن مَن تهواه عن لحنه �إغ�ضا‬ ‫كما ي�سجل ال�شدياق بع�ض الأفعال ال�شائعة‬ ‫التي �سمعها في المالطية مثل تال �أي طلع‪ ،‬و�سما‬ ‫�أي �سمع‪ ،‬وحرج بالحاء �أي خرج‪ ،‬ويالحظ هنا‬ ‫طبعا بداية تفريط اللهجة المالطية بالأ�صوات‬ ‫الحلقية �أي منذ زمن ال�شدياق �سنة ‪1834‬م‪،‬‬ ‫ذل��ك التفريط ال��ذي اكتمل الح�ق��ا باعتماد‬

‫الأحرف الالتينية‪ ،‬وهي كتابة –كما �ألمحت‪-‬‬ ‫ال يمكنها تمثيل �أ�صوات العربية على نحو وا�ضح‬ ‫كالحاء والخاء والعين والغين والقاف وال�صاد‬ ‫وال�ضاد‪ ،‬ولك �أن تعد اعتماد الالتينية بمثابة‬ ‫الم�سمار الأخير في نع�ش العالقة بين المالطية‬ ‫و�أمها العربية‪ ،‬وما الكلمات والأوزان العربية‬ ‫الباقية �إال �شاهد القبر على تلك العالقة‬ ‫التاريخية!‬ ‫ويروي ال�شدياق �شعرا لبع�ض �أهل مالطة في‬ ‫�أيامه‪ ،‬يقول‪ :‬ومن �سفهاء المالطيين من يدّعي ال�����م�����ح�����ب�����وب ت��������ا ق�����ل�����ب�����ي �����س����اف����ر‬ ‫النظم بلغتهم هذه الفا�سدة‪ ،‬فمن ذلك قولهم‪:‬‬ ‫ل�������ي�������ل�������ي ون���������������ه���������������اري ن�����ب�����ك�����ي�����ح‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫المالطية) زال عنهم ذلك الرواء‪ ،‬وانجلى ذلك‬ ‫الإبهام»؛ ما يعني �أن المالطية كانت يومها لغة‬ ‫عاميّة يترفع عنها �أو يتحرّج من ا�ستعمالها‬ ‫�أولئك الأعيان من الطبقة الأر�ستقراطية �أو‬ ‫عِ لية القوم‪ ،‬و�أنهم متى ما تكلموا بها ف�إنهم‬ ‫ك��ال��ذي ينزل �إل��ى م�ستوى العامة وي�ع��ود �إل��ى‬ ‫الأ�صل‪ ،‬وهنا يردد ال�شدياق قول ال�شاعر‪:‬‬

‫اهلل مجراها ومر�ساها) في القر�آن الكريم(‪،)10‬‬ ‫وم��ن الفواكه الأخ ��رى يذكر ال�شدياق‪َ :‬بتّيح‬ ‫وح�ي��ار ولنجا�س (�إجّ ��ا���ص) ودل�ي��ع (د اُّلع �أي‬ ‫�شمّام) وحوح (خوخ)‪ ،‬و�أما حُ ب�س فهو الخبز‬ ‫و ِل�ل�م��ا يعني م ��اء‪ .‬وال���ش��دي��اق ينقل لنا هذه‬ ‫الطائفة من الكلم المالطي مت�أففا من هذا‬ ‫المنطق الفظيع في نظره‪ ،‬يقول‪« :‬ومما يكره‬ ‫�أي�ضا عدا طنطنة �أجرا�س الكنائ�س المتتابعة‬ ‫�أ�صوات الباعة الذين يطوفون في الأ�سواق لبيع‬ ‫الفاكهة والبقول وال�سمك والحليب والماء‪ ،‬ف�إن‬ ‫ومط �أ�صواتهم‪ ،‬وفظاعة لحنهم‬ ‫فغْر �أفواههم‪ّ ،‬‬ ‫على اختالف معنييه لمِ مّا يُ�ستعاذ منه‪ .‬كيف‬ ‫ال وهم يقولون للتفاح تفّيح‪ ،‬وللرمّان رمّين‪،‬‬ ‫وللبطيخ بتيح‪ ..‬ال��خ»(‪)11‬؛ وهو يعد ذلك لحنا‬ ‫�شنيعا ونُطقا فا�سدا رغ��م �أن��ه لهجتهم التي‬ ‫ول��دوا عليها فح�سب‪ ،‬غير �أن��ه‪ ،‬وه��و الأدي��ب‬ ‫المتر�سل المرهف‪ ،‬ين�ضاف �إلى �سلك الأدباء‬ ‫الذين يت�أففون من اللحن ويمقتونه �إال �إذا �صدر‬ ‫من الغيد الح�سان والجواري ال�شواب كما هو‬ ‫معروف من مذهب الجاحظ(‪ ،)12‬فيكون هنا‬ ‫م�ستح�سنا بل مرغوبا‪ ،‬وهنا ين�شد ال�شدياق في‬ ‫مليحة مالطية‪:‬‬

‫في البيت التالي �أن يدعو له بالبقاء في محبته!‬ ‫ومهما يكن الأم��ر فقد �صدّرها ال�شدياق كما‬ ‫ر�أي�ن��ا بقوله (وم��ن بع�ض �سفهاء المالطيين‬ ‫من يدّعي النظم)‪ ،‬و�إنما �أوردنا ذينك البيتين‬ ‫لمالحظة المفردات ال�شبيهة بالعربية فقط‪.‬‬ ‫لكننا ال ن�ع��دم بيتين �آخ��ري��ن م��ن المالطية‬ ‫يتراءى فيهما المعنى العام كما يتراءى لنا‬ ‫الآن ونحن نقر�أ ال�شعر العامي المعا�صر‪ .‬يذكر‬ ‫ال�شدياق عن راويته المالطي قوله‪:‬‬

‫ي���������ن ح�����ن�����ي�����ن�����ا �������س������اي������ر ن���������س����اف����ر‬ ‫ج����ع����ل����ت����ل����و ب�������دم�������وع�������ي ال����ب����ح����ر‬ ‫���س��اي��ر ن�����س��اف��ر م���ا ن��اح��دك�����ش ميعي‬ ‫وب��ال��ت��ن��ه��ي��دات ت���ا ق��ل��ب��ي ال����ري����ح‬ ‫ويعلّق ال�شدياق على البيتين‪« :‬وه��و معنى‬ ‫م�����������������ور وه � � � � �ي� � � � ��ا ب� � ��ال � � �� � � �س� �ل��ام� � ��ة‬ ‫(‪)14‬‬ ‫ح�سن‪ ،‬ولكنه مك�سور قبيح اللفظ وال�سبك»‪،‬‬ ‫اهلل ي�ضمك ف��ي ال��م��ح��ب��ة ت��ي��ع��ي‬

‫(‪)15‬‬

‫وي�شرح لنا ال�شدياق �أو بالأحرى يترجم لنا‬ ‫ه��ذا النظم‪ ،‬فـ (ي��ن) بمعنى �أن��ا‪ ،‬و(حنينا)‬ ‫بمعنى ي��ا حبيبي‪ ،‬و(� �س��اي��ر) بمعنى (راي��ح‬ ‫�أ�سافر) في ب�لاد ال�شام والحجاز‪� ،‬أو (داي��ر‬ ‫�أ�سافر) كما يقال في ال�سودان‪ ،‬و(م��ور) فعل‬ ‫�أمر �أي اذهبْ ‪ ،‬و(هيّا) فعل �أمر �أي�ضا بمعنى‬ ‫�أقبل‪ ،‬وال زلنا على �أي حال ن�ستعمل هذه الكلمة‬ ‫ف��ي قولنا (ه� ّي��ا ب�ن��ا) للح�ض على ال��ذه��اب‪.‬‬ ‫و�أم��ا قوله‪( :‬اهلل ي�ضمك في المحبة تيعي)‪،‬‬ ‫فهو دع��اء وت��و��س��ل‪ ،‬و(ت�ي�ع��ي) مثل (بتاعي)‬ ‫الم�ستخدمة في لهجة م�صر للملكية والإ�ضافة‪.‬‬ ‫وقد يت�ضح لنا البيتان من المفردات القريبة‬ ‫من لهجاتنا العربية‪ ،‬لكن المعنى العام طبعا‬ ‫تبدو عليه الركاكة بل التناق�ض‪ ،‬فتارة يتهدد‬ ‫العا�شق محبوبه ب�أنه �سي�سافر ويتركه وحيدا‬ ‫يجتر �آالم الفراق من بعده‪ ،‬ثم ال يلبث و�شيكا‬

‫و�أقول �إنه معنى وا�ضح و�شعر عامي مفهوم على‬ ‫�أي ح��ال‪ ،‬وقد غاب عن ذهن ال�شدياق رحمه‬ ‫اهلل �أن النظم العامي ال يحفل �أحيانا ‪�-‬أقول‬ ‫�أحيانا‪ -‬بقوانين العرو�ض �أو بمراعاة ال�سبك‬ ‫واللفظ‪ ،‬لأن كالم العامة ‪-‬في عرف اللغويين‬ ‫القدامى‪ -‬كالم ملحون يُعدّونه لحنا وف�سادا‬ ‫وانحرافا عن الأ�صل كما �أ�شرت �أعاله‪.‬‬

‫ويت�ساءل ال�شدياق بعد �أن ا�ستعر�ض جمهرة‬ ‫من الكلم المالطي هل المالطية لهجة م�شرقية‬ ‫�أم لهجة مغربية؟ وال���س��ؤال نف�سه قد طرحه‬ ‫المخت�صون ال��ذي��ن در� �س��وا ه��ذه ال�ل�ه�ج��ة(‪،)16‬‬ ‫ويخل�ص ال�شدياق �إلى ترجيح �أن تكون المالطية‬ ‫تمتّ �إلى اللهجات المغربية �أكثر من الم�شرقية‪،‬‬ ‫يقول‪« :‬والحا�صل �أنه ال �شك في كون المالطية‬ ‫عربية‪ ،‬ولكني ل�ستُ �أدري �أ��ص��ل ه��ذا الفرع‬ ‫�أ�شاميّ هو �أم مغربي؟ ف�إن فيها عبارات من كلتا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪45‬‬


‫ويورد ال�شدياق في و�صفه للغة مالطة طرائق‬ ‫مما يعده �أ�ساليب م�ضحكة في كالمهم‪ ،‬وهي‬ ‫في الحقيقة �أنماط لغوية‪� ،‬أو بالأحرى �أ�ساليب‬ ‫تخاطبية مما تنتهجه هذه الجماعة اللغوية �أو‬ ‫تلك؛ فمن ذلك يقول‪� :‬إذا ما �أرادو توكيد الخبر‬ ‫كرروا اللفظ خم�س مرات‪ ،‬كقولهم‪ :‬ما ريتو�ش‬ ‫قط قط قط قط قط‪ ،‬وما ي�سوى �شي �شي �شي‬ ‫�شي �شي‪ ،‬وما كان لي فلو�س خالف دا بز بز بز‬ ‫بز بز �أي ب�س‪ ،‬وخ��اده كله كله كله كله كله �أي‬ ‫�أخذه(‪.)17‬‬

‫‪46‬‬

‫وفي نهاية �إبحاره في غمار اللغة المالطية‬ ‫ي�صل ال�شدياق �إلى نتيجة على جانب عظيم من‬ ‫الأهمية‪� ،‬أال وهي �إن بقاء العربية في مالطة‬ ‫ول��و في و�ضعها ذاك لدلي ٌل على ق��وة العربية‬ ‫وتمكنّها‪ ،‬يقول‪« :‬ثم �إن بقاء اللغة العربية ولو‬ ‫محرّفة مع عدم تقييدها في الكتب دليل على‬ ‫ما لها من القوة والتمكن فيمن ت�صل �إليه من‬ ‫الأجيال‪� ،‬أال ترى �أن مالطة قد تعاقبت عليها‬ ‫دول ودّوا لو يحملون �أهلها على التكلّم بلغاتهم‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫(‪)20‬‬ ‫?‪Meta trid ejja ghamel weekend hawn‬‬

‫وترجمته الحرفية‪ :‬متى تريد �أن تم�ضي نهاية‬ ‫الأ�سبوع هنا؟ والمق�صود متى ت�ستطيع ق�ضاء‬ ‫العطلة هنا؟‬ ‫وهكذا نالحظ خ�صو�صية اللغة المالطية‬ ‫وغرابة الخطاب بها على �أذن ال�سامع العربي‪،‬‬ ‫ما يجعل فهم الخطاب ع�سيرا على ابن العربية‪،‬‬

‫فهل يا ترى تحافظ هذه المالطية على البقية‬ ‫الباقية من �أ�صولها العربية القديمة‪� ،‬أم �أنها‬ ‫تطوي �شيئا ف�شيئا تلك ال�سمات اللغوية ال�ساميّة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الجهتين والغالب عليها الثانية‪ ،‬غير �أن الألفاظ‬ ‫الدينية م��ن الأول� ��ى‪ ،‬فيقولون مثال القدي�س‬ ‫والقدا�س‪ ،‬والتقربن والأ�سقف وما �أ�شبه مما ال‬ ‫يفهمه �أهل المغرب»(‪ ،)17‬وهكذا يرى ال�شدياق‬ ‫�أن �صلة المالطية باللهجات المغربية �أي لهجات‬ ‫ال�شمال الأفريقي �أق��رب من �صلتها بلهجات‬ ‫ال�شام والم�شرق‪� ،‬إال �أنه ي�ستثني الألفاظ الدينية‬ ‫الم�سيحية‪ ،‬فهي في المالطية مثل ما هي في‬ ‫لهجات ال���ش��ام‪ ،‬وه ��ذا طبيعي لأن اللهجات‬ ‫المغربية لي�س فيها �ألفاظ دينية م�سيحية؛ فلي�س‬ ‫فيهم ن�صارى مت�أ�صلون كما هي الحال في بالد‬ ‫ال�شام‪.‬‬

‫فلم يتهي�أ لهم ذلك‪ ،‬وبقوا محافظين على ما‬ ‫عندهم منها خلفا بعد خلف»(‪.)18‬‬ ‫وهكذا ورغ��م م��رور �أكثر من ق��رن ون�صف‬ ‫ال�ق��رن على معاي�شة ال�شدياق وو�صفه للغة‬ ‫م��ال�ط��ة‪� ..‬إال �أن�ه��ا م��ا ت��زال تحتفظ بطابعها‬ ‫ال�صرفي العربي‪ ،‬وبمفرداتها ذات الأ�صول‬ ‫العربية‪ ،‬وكذلك بعبارات قريبة من نظائرها‬ ‫ال�شائعة ف��ي اللهجات العربية‪ ،‬لكنها الآن‬ ‫و�إن كانت كلماتها المجرّدة مفهومة للعربيّ ‪،‬‬ ‫�إال �أنها في �أ�سلوبها التخاطبي التلقائي غير‬ ‫مفهومة لأبناء العربية‪ ،‬نظرا لإدغام الأدوات‬ ‫في الكلمات �أثناء الكالم‪ ،‬وتغير �أبنية الكلمات‪،‬‬ ‫و�شيوع الإمالة في كثير من الكلمات‪ ،‬ف�ضال عن‬ ‫ا�ستعمال مفردات �أوروبية و�صوغها في قوالبها‬ ‫ال�صرفية وغيرها‪ .‬فمن �أمثلة ذلك هذه الجملة‬ ‫بالمالطية‪Kieku nirbah il-lotterija nikriha din :‬‬ ‫‪ )19(id-dar‬وترجمتها‪ :‬متى ما ربحتُ اليان�صيب‬ ‫ف�سوف �أ�ؤج��ر (�أُك ��ري) ه��ذه ال��دار‪ ،‬فنالحظ‬ ‫هنا قولهم (اللوتريا) وهو من الإنجليزية �أي‬ ‫اليان�صيب‪ ،‬وقد �أدخلت عليها �أل التعريف وزيد‬ ‫عليها مد بالألف لتنا�سب القوالب ال�صرفية‪،‬‬ ‫و(نكري) مفردة عربية قديمة بمعنى ي�ؤجر‪،‬‬ ‫و(ال�� ��دار) ه��ي ال� ��دار‪ .‬وف ��ي م �ث��ال �آخ ��ر من‬ ‫المالطية نجدهم يقولون‪:‬‬

‫بل ومتعذرا �إال بعد ُدرْبة ومِ ران‪ ،‬كمن يتعلم لغة‬ ‫�أخرى تماما‪ ،‬و�إن كانت الحال �أي�سر بالطبع‪،‬‬ ‫لت�شابه كثير من الأ�صول بين العربية والمالطية‬ ‫كما ذكرت‪.‬‬

‫وتنجذب �أكثر نحو ف�ضاء اللغات الأوروب�ي��ة؟‬ ‫وبخا�صة تحت ظروف هذه العولمة التي لم تدع‬ ‫ركنا من العالم �إال طوته في خ�ضمّها‪ ،‬وناهيك‬ ‫عن اختالف المحيط الثقافي للمالطية‪ ،‬وبُعده‬ ‫عن ثقافة العربية ومحيطها‪ ،‬ذل��ك المحيط‬ ‫ال�ث�ق��اف��ي ال ��ذي ي�ستم ّد ع�ن��ا��ص��ر ب�ق��ائ��ه من‬ ‫خ�صو�صية اللغة والدين واالجتماع‪.‬‬ ‫(‪ )11‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪ )12‬يقول الجاحظ‪« :‬واللحن من الجواري الظراف‪،‬‬ ‫ومن الكواعب النواهد‪ ،‬ومن ال�شواب المالح‪،‬‬ ‫ومن ذوات الخدور الغرائر �أي�سر‪ ،‬وربما ا�ستملح‬ ‫الرجل ذلك منهن ما لم تكن الجارية �صاحبة‬ ‫تكلف‪ ،‬ولكن �إذا كان اللحن على �سجية �سكان‬ ‫البلد‪ ،‬وكما ي�ستملحون اللثغاء �إذا كانت حديثة‬ ‫ال�سنّ ‪ ،‬ومقدودة مجدولة‪ ،‬ف�إذا �أ�سنت واكتهلت‬ ‫تغير ذلك اال�ستمالح»‪ .‬البيان والتبيين ‪.146/1‬‬ ‫(‪ )13‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.62‬‬ ‫(‪ )14‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.105‬‬

‫(‪� )1‬أحمد طلعت �سليمان‪ ،‬اللغة المالطية و�أ�صولها‬ ‫العربية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪1410 ،‬هـ‪،‬‬ ‫المقدمة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬المفردات الأ�سا�سية في �أي لغة ت�شمل كلمات مثل‬ ‫تلك التي تدل على �أع�ضاء الج�سم و�أح��وال الجو‬ ‫و�أيام الأ�سبوع والأعداد والألوان والأفعال ال�شائعة‬ ‫وغيرها)‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وهذه الأ�صوات الحلقية والمفخّ مة (ح‪ ،‬خ‪ ،‬ع‪ ،‬غ‪،‬‬ ‫ق‪� ،‬ص‪� ،‬ض) التي ال يظهرها الهجاء الالتيني قد‬ ‫اختفت �أي�ضا تقريبا من نطق المالطيين اللهم‬ ‫�إال ح��االت قليلة مما ي�سجله الباحثون اللغويون‬ ‫عن بع�ض كبار ال�سن‪ ،‬انظر ‪Albert Borg, Lectal‬‬ ‫(‪ )15‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪Variation in Maltese, in: Caruana et al, Variation‬‬ ‫‪ )16( and Change; the dynamics of Maltese in space,‬يخل�ص احمد طلعت �سليمان �إلى كون المالطية‬ ‫�أقرب �إلى لهجات ال�شمال الإفريقي‪ ،‬انظر اللغة‬ ‫‪time and society, Academia Verlag, Berlin,‬‬ ‫المالطية و�أ�صولها العربية‪� ،‬ص ‪.304‬‬ ‫‪.2011, p 16-17‬‬ ‫(‪ )4‬انظر مثال‪� :‬أحمد طلعت �سليمان‪ ،‬اللغة المالطية (‪ )17‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.101‬‬ ‫و�أ�صولها العربية‪ ،‬جامعة الملك �سعود‪ ،‬الريا�ض‪ )18( ،‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪1410‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )19‬الوا�سطة‪� ،‬ص ‪ ،111‬ويرى �ألبرت بورغ �أن انح�سار‬ ‫(‪� )5‬أحمد فار�س ال�شدياق‪ ،‬الوا�سطة في معرفة �أحوال‬ ‫الإ�سالم عن مالطة الذي حدث في القرن الثاني‬ ‫حررها‬ ‫مالطة وك�شف المخب�أ عن فنون �أوروب��ا‪،‬‬ ‫ع�شر الميالدي مع تن�صير ال�سكان الم�سلمين‬ ‫قا�سم وه��ب‪ ،‬دار ال�سويدي والم�ؤ�س�سة العربية‬ ‫وطرد بع�ضهم قد �أفقد المالطيين اللغة العربية‬ ‫ل�ل��درا��س��ات والن�شر‪2004 ،‬م‪��� ،‬ص ‪( 11‬مقدمة‬ ‫الف�صحى‪ ،‬وجعل اللهجة المحلية ت�سود وت�سيطر‬ ‫المحرر)‪.‬‬ ‫�شيئا ف�شيئا حتى �أ�صبحت لغة م�ستقلة‪ .‬انظر‬ ‫‪.98‬‬ ‫�ص‬ ‫مالطة‪،‬‬ ‫أحوال‬ ‫�‬ ‫معرفة‬ ‫في‬ ‫(‪ )6‬الوا�سطة‬ ‫‪Albert Borg, Maltese as a National Language,‬‬ ‫‪in: Weninger et al, The Semitic Languages, De‬‬ ‫(‪ )7‬وفي هذا ال�صدد يُذكر �أن ال�شعبي م ّر بنفر من‬ ‫الموالي يتذاكرون النحو فقال‪ :‬لئن �أ�صلحتموه‬ ‫‪.Gruyter Mouton, 2002, p 1035‬‬ ‫�إنكم لأول من �أف�سده! (العقد الفريد ‪.)307/2‬‬ ‫(‪Antoinette Grima, Giving Compliments in )20‬‬ ‫‪Maltese, in: Caruana et al, Variation and‬‬ ‫(‪ )8‬الوا�سطة في معرفة �أحوال مالطة‪� ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪Change, Academie Verlag, Berlin, 2011, p 48‬‬ ‫(‪ )9‬الوا�سطة‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص ‪.99‬‬ ‫(‪� )10‬سورة هود‪.41 :‬‬ ‫(‪ )21‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪47‬‬


‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�إ�سهام الن�ص الرحلي في ذلك؟‬

‫�أدب الرحلة وت�أثيره في الأجنا�س‬ ‫الأدبية الحديثة‬ ‫الح�ضور واالمتداد في ال�سردي والروائي‬ ‫■ �إبراهيم احلجري‪ -‬كاتب وباحث من املغرب‬

‫توطئة‬

‫ت�ؤكد �أغلب الأبحاث والدرا�سات في مجال الأدب �أن الأجنا�س الأدبية لم تولد من فراغ‪ ،‬ولي�ست‬ ‫م�ستقلة عن بع�ضها‪ ،‬بحكم �أن الإبداع الب�شري �سل�سلة متوا�صلة من الحلقات ي�ستحيل ف�صلها‬ ‫عن بع�ضها‪ .‬وهذا ال ينطبق على مجال الإبداع الأدبي وحده‪ ،‬بل هو خا�صية ترتبط بكل �أعمال‬ ‫الإن�سان؛ فدوما هنا �أر�ضية لتطوير المتو�صل �إليه‪ ،‬ودوما هناك ركائز و�أعمدة ي�ؤ�س�س عليها‬ ‫المبدعون �إنتاجاتهم المتوا�صلة‪ ،‬وي�شيدون عليها �أنماطهم الجديدة المتنا�سلة من الأنماط‬ ‫التي كانت �سائدة من قبل‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن الأجنا�س الأدبية الحديثة ما تنا�سلت �إال من رحم �أجنا�س‬ ‫عرفتها الأجيال ال�سابقة‪ ،‬ولم تعد بقوالبها و�أ�سئلتها ال�شكلية والم�ضمونية قادرة على ا�ستيعاب‬ ‫الهموم والمطامح الب�شرية في ن�سخها المتوالدة عبر الزمن؛ لذلك فالأنماط الأدبية تتبدل‬ ‫وتتغير قوالبها ومو�ضوعاتها تبعا للح�سا�سيات التي تنبثق عن الع�صر‪ ،‬وعن اهتمامات النا�س في‬ ‫المرحلة الزمنية‪ .‬وهذا ال يخ�ص �أمة دون �أمة وال �شعباً دون �شعب وال نوعا �أدبيا دون نوع �آخر‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫ل�ق��د ب� ��د�أت الأج �ن��ا���س قليلة م��ع ال�ي��ون��ان مجموعة من الأ�سئلة والإ�شكاليات المتعلقة بهذا‬ ‫والإغريق‪ ،‬كما ن�صت على ذلك كتابات �أر�سطو المو�ضوع؛ من قبيل‪:‬‬ ‫و�أفالطون‪ ،‬وقبلهما م�شافهات وخطب �سقراط‪،‬‬ ‫ •هل الرحلة جن�س �أدب��ي �أم نوع �أدب��ي �أم‬ ‫ثم �سرعان ما بد�أت تتوالد تدريجيا مع الزمن‬ ‫�أدب عام؟‬ ‫�إل��ى �أن و�صلنا �إل��ى ما و�صلنا �إليه من �أجنا�س‬ ‫ •هل يمكن ع ّد الأجنا�س ال�سردية العربية‬ ‫و�أنواع �أدبية في ع�صرنا الحديث‪ .‬لذلك‪ ،‬فقبل‬ ‫المعا�صرة ا�ستمرارا لن�صو�ص تراثية‬ ‫�أن نتناول مو�ضوع �أدب ال��رح�لات والأجنا�س‬ ‫قديمة ب�شكل م��ن الأ��ش�ك��ال‪ ،‬وم��ا درج��ة‬ ‫الأدب��ي��ة ال�م�ع��ا��ص��رة‪ ،‬ن��رى م��ن ال �ل�ازم ط��رح‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ •�ألي�ست �أغلب الروايات العربية والعالمية‬ ‫هي مجرد رحالت حقيقية �أو متخيلة؟‬ ‫ •�إذا ما �سلّمنا �أن الرحلة نوع �أدبي يندرج‬ ‫�ضمن جن�س كبير هو ال�سرد‪ ،‬ف�إلى �أي‬ ‫الأن��واع تقترب الآن‪ :‬ال�سيرة الذاتية �أم‬ ‫الرواية �أم االعترافات؟ �أم �أنها تظل رحلة‬ ‫فح�سب‪ ،‬وال يحق ت�صنيفها في �أي نوع‪ ،‬ما‬ ‫دامت هي الأ�سبق تاريخيا؟‬ ‫ •هل يمكن تناول المكوّنات ال�سردية في‬ ‫الن�ص ال�سردي الرحلي بالطريق نف�سه‬ ‫التي تتناول بها في الن�صو�ص الروائية‬ ‫والق�ص�صية والأ�سطورية والم�سرحية‪،‬‬ ‫�أم �أن بناها المختلفة ن�سبيا ت�ستوجب‬ ‫التفكير ف��ي ن�سق � �س��ردي منفتح يليق الرحلة وال�شعر في ديوان «دفتر العابر»‬ ‫ينطلق ع��دن��ان م��ن ت�صور للعالم ال�شعري‬ ‫بطبيعة الن�ص الرحلي �شكال وم�ضمونا؟؟‬ ‫و�إذا كانت الرحلة نوعا �أدبيا متخلال تح�ضر يت�أ�س�س على رهانين‪ :‬منح الأولوية للر�ؤية مقابل‬ ‫فيه �أن��م��اط م��ت��ع��ددة مثل ال�شعر‪ ،‬الحكايات �إرج ��اء التفكير ف��ي الجن�س الأدب ��ي‪ ،‬وتحيين‬ ‫القديمة‪ ،‬الأ� �س �ط��ورة‪ ،‬ال �خ��راف��ات‪ ،‬الخطبة‪ ،‬ال��ذاك��رة الإن�سانية م��ن خ�لال لعبة ال��ذه��اب‬ ‫ال�صوفي‪ ،‬والإي��اب في التاريخ الذاتي والجمعي‪ .‬وفي كال‬ ‫الأم�ث��ال‪ ،‬الأح��اج��ي‪ ،‬الحكم‪ ،‬الخبر ّ‬ ‫الأن �� �س��اب‪ ،‬ال � ّت��اري��خ‪ ،‬ال��جُ �غ��راف�ي��ة‪ ،‬ال� ّت��راج��م‪ ،‬المنطلقين‪ ،‬يجعل ال�شاعر الهوية محورا �أ�سا�سا‪،‬‬ ‫الإثنوغرافيا‪ ..‬ويت�سع للمّ �شتات �أغلب الأن��واع يدور عليه فلك التجربة الإبداعية‪.‬‬ ‫والأن���م���اط ال��خ��ط��اب��ي��ة‪ ،‬ف���إن��ه��ا �أي�����ض��ا‪ ،‬بحكم‬ ‫خ�صي�صاتها النّوعية والأ�سلوبيّة‪ ،‬تمتلك مقدرة‬ ‫عالية على انتهاك حرمة الن�صو�ص‪ ،‬واقتحام‬ ‫الأنماط على اختالف تلويناتها التي حددتها‬ ‫نظرية الأج�ن��ا���س والأن� ��واع الأدب �ي��ة‪ ،‬و�سنقف‬ ‫هنا‪ ،‬على طبيعة ح�ضورها في ال�شعر والرواية‬ ‫بو�صفهما نوعين �أدبيين معا�صرين‪.‬‬

‫وال�ه��وي��ة هنا ه��وي�ت��ان؛ ه��وي��ة ال �ف��رد الآت��ي‬ ‫من الهام�ش؛ الباحث عن ال��ذات و�سط غابة‬ ‫من الخيبات؛ وع��ن وه��ج يت�شيّد من الأح�لام‬ ‫والكلمات‪ ،‬وهوية �أمة تَراجع بريقها بعد �أن كانت‬ ‫ب�ؤرة ال�ضوء‪ ،‬وخَ فُتَ �صوتها بعد �أن كانت �سيدة‬ ‫للعالم في ما م�ضى‪ ..‬فما عاد هذا الوهج‪ ،‬بين‬ ‫فو�ضى التقاطبات والتحالفات‪� ،‬سوى ذكريات‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪49‬‬


‫وتحكم ه��ذه ال��ر�ؤي��ة ن��زع��ة «الأن��وي��ة» التي‬ ‫تنت�صر للذات الحائرة المغبونة في ر�صيدها‬ ‫الح�ضاري ال��ذي �أ�سهمت في تر�صي�صه �أم��ام‬ ‫�إ�صرار الآخر على الإنكار‪ ،‬م�ستمدة قوة حجاجها‬ ‫من خ�لال ا�ستح�ضار �آث��ار الح�ضارة العربية‬ ‫الإ�سالمية في الأندل�س و�أوروبا عامة‪ ،‬مدعومة‬ ‫بما ي�صادفه ال�شاعر هناك من �آث��ار �شاهدة‬ ‫على الإ�سهام العربي الإ�سالمي في ت�شييد �صرح‬ ‫الح�ضارة الإن�سانية‪ ..‬في وقت كانت فيه القارة‬ ‫العجوز تغط في نوم ثقيل وظالم دام�س‪.‬‬

‫وب��ذل��ك‪ ،‬ل��م يكن العبور ف��ي المكان الآخ��ر‬ ‫ع �ب��ورا �سل�سا‪ ،‬ب��ل ك��ان �صعبا تخلل ال��ذاك��رة‬ ‫والطفولة والأحالم والهوية‪ ،‬عبورا ترك �أثره في‬ ‫اللغة والذات والعالم من حولهما‪ ،‬يقول ال�شاعر‪:‬‬ ‫«هم�س الجار الجنب‪� ⁄:‬إنها قرطبة الآن‪� ⁄‬ساعة‬ ‫�أخ��رى من الرك�ض‪� ⁄‬أيها الفر�س ال�ه��ارب من‬ ‫ثيران مدريد‪� ⁄‬ساعة �أخ��رى ونترجل‪ ⁄‬خفافا‪⁄‬‬ ‫بباب الق�صر‪ ⁄‬م�ساء الخير ا�شبيلية‪ ⁄‬م�ساء الخير‬ ‫�أيها الوادي الكبير‪� ⁄‬أهال ‪� »...Sevilla‬ص ‪.112‬‬

‫يتميز عالم «دفتر العابر» بكونه ينه�ض على‬ ‫�سفريات �شعرية‪ ،‬وجوالت عابرة قام بها ال�شاعر‬ ‫لمجموعة من الآفاق والبلدان في �أزمنة مختلفة‬ ‫وم�ت�ب��اع��دة‪ ،‬ت�ف��رق بينها الم�سافة واللحظة‬ ‫والغاية‪ ،‬لكنها تتفق في معظمها حول الر�ؤية‬ ‫للعالم التي ت�صدر عن ال�شاعر‪ ،‬وتلتف حول كتلة‬ ‫لغوية واحدة ين�سجها المتخيل ال�شعري‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫يتنقل عدنان من الجنوب المغربي المهم�ش‬ ‫ال��ذي تكت�سحه الخيبات‪ ،‬وتطوقه ال�صحراء‬ ‫�إل��ى عالم �أوروب��ا المده�ش بح�ضارته وعلومه‬ ‫وانفتاحه وتحرره ون�سائه الجميالت‪ ،‬فيجوب‪،‬‬ ‫مثل �أي �شاعر ج��وال‪ ،‬حانات مدريد‪ ،‬و�شوارع‬ ‫باري�س‪ ،‬ومقاهي فرانكفورت‪ ،‬ومعار�ض لندن‪،‬‬ ‫وغيرها من الف�ضاءات التي ما كان لها �إال �أن‬ ‫تحرك ده�شة �شاعر قادم من عط�ش الأيام في‬ ‫منطقة ا�سمها «زاكورة»‪ ،‬م�شبعا برغبات و�أحالم‬ ‫ال ح ��دود ل�ه��ا‪ ،‬زاده اللغة وال��ذك��ري��ات‪ ،‬وت��وق‬ ‫جوعاني للمعرفة واال�ستطالع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫يزخر الديوان ال�شعري الذي ينوع بين ال�سرد‬ ‫وال�شعر تبعا للحمولة ال�شعورية وتدفقها؛ انفعاال‬ ‫بالم�شاهد ال�ت��ي يتلقاها ال�شاعر ف��ي رحلته‬ ‫العابرة للقارات؛ بالكثير من الم�ؤ�شرات التي‬ ‫تبدي �أ�سفه على تفريط ال�ع��رب والم�سلمين‬ ‫ف��ي ال�ف��ردو���س المفقود‪ ،‬وتخليهم ع��ن م�شعل‬ ‫الح�ضارة‪ ،‬وبخا�صة �أن��ه ي�صادف في �شوارع‬ ‫�أوروبا وكثير من ف�ضاءاتها �آثار الفترة الزاهرة‬ ‫للح�ضارة العربية الإ�سالمية‪ ،‬فيكون ذلك مدعاة‬ ‫ال�ستعادة التاريخ المجيد‪ ،‬بقاماته ال�شعرية‬ ‫التي ت�ؤثث ذاكرة ال�شاعر؛ فيتنا�ص مع مقولها‬ ‫ال�شعري الطافح بالداللة والمعنى‪ ،‬وي�سترجع‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫مرة نتجرعها على م�ض�ض‪ .‬وهذه هي الفل�سفة‬ ‫الإبداعية التي انبثق عنها «دفتر العابر»‪.‬‬

‫وفي كل تلك الجوالت الماتعة والم�ؤلمة في‬ ‫�آن‪ ،‬ما كان ال�شاعر يتحرك بج�سده فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫كانت تتحرك معه �أحالم �أمة وذكرياتها‪ .‬كان‬ ‫ينتقل من مكان �إلى �آخ��ر‪ ،‬في�سير معه التاريخ‬ ‫وال�ج�غ��راف�ي��ا‪ ،‬وت�سير معه مكتبته المرجعية‬ ‫التي تكون الخلفية الثقافية التي ي�صدر عنها‬ ‫انتقاداته ور�ؤي �ت��ه للعالم البراني عنه‪ ،‬وك��ذا‬ ‫تنا�صاته ومادته النووية الم�صوغ منها المتن‬ ‫ال�شعري‪.‬‬

‫ال �� �س �ي��ا� �س �ي �ي��ن وال� ��� �ش� �ع ��راء‬ ‫والفال�سفة ولحظاتهم الم�شعة‬ ‫والقاتمة‪ ،‬مبين ًا �أث��ر التراجع‬ ‫العربي الإ�سالمي على نف�سيته‬ ‫بو�صفه زائ ��ر ًا ل�ب�لاد ال�غ��رب‪،‬‬ ‫ويقارن بين و�ضعه وو�ضع كثير‬ ‫م��ن ال��رح��ال��ة الأدب� ��اء العرب‬ ‫الذين جابوا العالم في عهد‬ ‫الإمبراطورية الإ�سالمية مثل‬ ‫ابن بطوطة‪ ،‬وابن جبير‪ ،‬وابن‬ ‫ف�ضالن‪ ،‬واب��ن خ �ل��دون‪ ...‬يقول‬ ‫عدنان‪« :‬في مطارات العبور‪ ⁄‬نعلق �شخيرنا‪ ⁄‬على‬ ‫�أول بوابة‪ ⁄‬لكيال ي�صد�أ بين جفوننا‪ ⁄‬النعا�س‬ ‫(‪ )...‬اخرج من غيبك‪� ⁄‬أيها الفار�س الجوال‪⁄‬‬ ‫وترجل �إلى حين (‪ )...‬فهدنتك ال�صغيرة هنا‪⁄‬‬ ‫في �صالة الترانزيت‪� ⁄‬أ�شبه‪ ⁄‬ب�أغنية حزينة‪� ⁄‬أ�شبه‬ ‫بعزف على ن��اي �أعمى‪ ⁄‬و�سط قبيلة طر�شان‬ ‫(‪ )...‬كنت غريب ًا كحكاية غريبة‪ ،‬وحيد ًا كبطل‬ ‫خ��ارج م��ن الحبكة‪ ⁄‬متعباً‪ ⁄‬كما يليق برحالة الرحلي والروائي في «خريطة الحالم»‬ ‫قرو�سطي‪ ⁄‬وكنت �أق��ر�أ ابن خلدون‪� »...‬ص �ص‬ ‫ي�ضعنا عنوان رواية «خريطة الحالم» للكاتب‬ ‫‪.61 -58 -57 -56‬‬ ‫العُماني «محمود الرحبي» �أمام م�ساءلة كبرى‬ ‫ك��ان��ت رح�ل��ة ع��دن��ان ال�شعرية‪ ،‬على غ��رار لهوية الملفوظ و�إمكانية ت�أمل مراميه وغاياته‬ ‫كل رحالة العالم‪ ،‬مليئة بالت�أمل في تحوّالت الملتب�سة الداللة؛ فحتما هو عنوان �شاعري‪،‬‬ ‫الزمان والمكان‪ ،‬وك�أنه �آخر �شاعر �أندل�سي يمر لكنه يملك �إمكانية كبرى على التزحلق خلف‬ ‫ظالل المعاني الم�شتبكة بالذات والكون الذي‬ ‫من هناك‪� ،‬آ�سفا على الذي جرى؛ يمر �سريعا‬ ‫تنتمي �إليه هذه الذات‪� .‬إنه يرتبط بنظرة الذات‬ ‫بالمكان الذي يجعله مثقال بالم�شاعر والعواطف �إل��ى العالم م��ن خ�لال ملفوظ الخريطة التي‬ ‫المفارقة؛ بقدر ما يهزه الفرح بالمكان‪ ،‬يتملكه تقترح بديال لما هو كائن‪ ،‬والخريطة هي فل�سفة‬ ‫حزن دفين‪ ،‬بل �ألم كثوم؛ وهو يرى �آثار �أجداده �سيا�سية �أكبر منها �أنطولوجية‪ ،‬لذلك فهذه‬ ‫�شاهدة على ال�ضعف‪ ،‬وفا�ضحة ترهل الزمن المقولة هي �أقرب �إلى و�ضع ت�صور مغاير يحمل‬ ‫العربي‪ .‬لذلك ك��ان ي َُ�ص ّعدُ‪ ،‬حينا‪ ،‬من �إيقاع ر�ؤي��ة نقدية مواربة‪ .‬وله عالقة �أي�ضا بالذات‬

‫ال���ص��ورة ال�شعرية لي�صل بها‬ ‫درج� ��ة رف �ي �ع��ة م ��ن االم� �ت�ل�اء‪،‬‬ ‫ويهبط بها‪ ،‬حينا �آخ��ر‪ ،‬لت�صل‬ ‫م�ستوى التقرير؛ وهذا ين�سجم‬ ‫مع طبيعة تحول لحظة ال�شاعر‬ ‫م ��ن ال �م �ن �ف �ع��ل ب��ال �ح��دث �إل ��ى‬ ‫وا�صفه‪ ،‬ومن الم�شاهد المحايد‬ ‫�إل ��ى ال�م�ت��أم��ل ال �م �ت ��أث��ر‪ .‬يقول‬ ‫منفعال‪« :‬ك��م ك��ان��ت الأن��دل����س‬ ‫بعيدة؟‪� ⁄‬أم��ا �أن��ا فقد ق�صدت‬ ‫ال �ف �ن��دق عاريا‪ ⁄‬ب�ل�ا �أجنحة‪⁄‬‬ ‫فارغا من الحكايا‪ ⁄‬وكانت‪ ⁄‬ال�صور القديمة قد‬ ‫خثرت‪ ⁄‬بين عيني‪ ⁄‬ثم‪ ⁄‬رحلنا �إل��ى جنة النار‪⁄‬‬ ‫كنا نفلح دالية المو�شح‪ ⁄‬فنتعثر بالدنان‪ ⁄‬نتفقد‬ ‫طوق الحمامة فيغلبنا‪ ⁄‬الهديل‪ ⁄‬نبكي غرناطة‬ ‫فن�شتهي‪ ⁄‬الرمان‪ ⁄‬نرثي رندة‪ ⁄‬ونترحم على �أبي‬ ‫البقاء‪ ⁄‬ك�أنا لم نغادر قط‪ ⁄‬ك�أننا‪ ⁄‬ما زلنا هناك»‬ ‫�ص ‪.38-37‬‬

‫‪51‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫تمثل «خريطة العالم» �أكثر من رواي��ة‪ .‬هي‬ ‫اكت�شاف ه��ام للمختلف عنا‪ ،‬و�إن�صات عميق‬ ‫للذات وهي تجابه الآخر وت�صاديه‪ ،‬فلكي نفهم‬ ‫النيوزيلندي �أك�ث��ر‪ ،‬يتوجب علينا �أن نتعرف‬ ‫على البنيات المعرفية التي يعي�ش في �إطارها‬ ‫النيوزيلنديون‪ ،‬وطبيعة الم�ؤ�س�سات التي تقوم‬ ‫عليها الدولة‪ ،‬فقوة ه�ؤالء مح�صلة من التجربة‬ ‫التاريخية المتميزة والجهد المتوا�صل لإعادة‬ ‫ت�أهيل الأ�س�س المتينة للدولة‪ ،‬ب�شكل ي�ضع ن�صب‬ ‫الأعين طبيعة الع�صر‪ ،‬والأزم��ة التي يواجهها‪،‬‬ ‫وهذا هو �سر نجاحهم وتميزهم عن الآخرين‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪52‬‬

‫من خالل كلمة «حلم»‪ ،‬فالحلم �أقرب المكونات و�ضبطه للمواعيد‪ :‬الحافلة ت�صل في موعدها‪،‬‬ ‫�إل��ى التقاط �صور ال��ذات الهاربة والم�ستترة حياتهم خالية من ت�شنجات القلق‪ ،‬الو�ضوح هو‬ ‫والمتداخلة‪ .‬وهذه الرواية‪ ..‬و�إن كانت �أقرب �إلى �أ�سا�س كل العالقات‪ ،‬ا�ستيعاب الآخر بنقائ�صه‪.‬‬ ‫ال�سيرة الذاتية �أو المذكرات اليومية‪ ،‬فهي �أي�ضا‬ ‫وهنا تلعب ال��ذاك��رة دور ًا حا�سما في حياة‬ ‫رواي��ة �سجالية تجابه �أ�سئلة ال��ذات ومكوناتها‬ ‫العامل الذات في الرواية‪� ،‬إذ ي�ستح�ضر متراكمه‬ ‫الفل�سفية بمنطق ال �ح��وار وال�ع�ق��ل وال�ح�ي��اد‪،‬‬ ‫وتالم�س فكرة العن�صرية والتطرف والأحكام ال�سابق عند كل منعطف‪ ،‬لي�أخذ دور المر�آة‬ ‫الم�سبقة التي توقع الذات في الغالب في �أخطاء العاك�سة ل�صورة ما�ضية ‪ -‬حا�ضرة لفرد يتماهى‬ ‫ج�سيمة قد ت�ؤذي ب�صورة الثقافة والإن�سان‪ ،‬وهي في جماعته الدينية ‪ -‬ذات الأ�صول الإ�سالمية‬ ‫هفوات في التفكير ي�ؤدي �إليها التع�صب الجاهلي الرا�سخة‪ ،‬وما بين ح�ضارة هذا المجتمع الذي‬ ‫للفكرة والأنا‪ ،‬لي�ضع ال�صورة العامة في ت�شوي�ش يتخذ من القانون ال��ذي ترعاه الدولة‪ ،‬والذي‬ ‫خطير واهتزاز مرعب قد يكلف الح�ضارة قرونا يت�سم بالديمقراطية �أ�سا�س ًا لرقابة النف�س‬ ‫من الزمن لتداركهما‪.‬‬ ‫ومحفز ًا قويا لدى النا�س العاملين‪« :‬لذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫يتمظهر العامل ال��ذات‪ ،‬بطل ال��رواي��ة‪ ،‬في الفرد يكون المحامي المبا�شر لنف�سه ولدولته‪،‬‬ ‫� �ص��ورة ��ش��اب ف��ي مقتبل ال�ع�م��ر يعمل م ��ؤذن � ًا فتكون بذلك الراحة ثمن ًا في حد ذاتها‪ ،‬ولي�ست‬ ‫و�أ�ستاذ ًا لعلوم الدين بح�سب اخت�صا�صه في نتيجة لإر�ضاء �أحدٍ �أو م�س�ؤول»‪.‬‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وك��ان را�ضي ًا وم�ستكين ًا‬ ‫وت�شكل ال��ذاك��رة زاد ال�ه��وي��ة ال�شخ�صية‬ ‫�إل��ى ه��ذه الحياة الهادئة ال�ساكنة والروتينية للعامل الذات‪ ،‬بحيث‪ ،‬بات مهوو�سا بمقارنة ما‬ ‫في �آن معاً‪� ،‬إلى �أن ي�أتي يوم يتلقى فيه ر�سالة يعي�شه في بلده‪ ،‬وما ي��راه مُ�سطرا �أمامه على‬ ‫من الموارد الب�شرية لدولته تطلب منه �أن يعد �أر���ض ال��واق��ع‪ ،‬فعلم �أن كثيرا مما ي�صله عن‬ ‫نف�سه لل�سفر �إلى نيوزلندا‪ ،‬فيخبره الم�س�ؤول في هذه المجتمعات هو مجرد �إ�شاعات مغر�ضة‪،‬‬ ‫ال��وزارة �أن لديهم برنامج ًا لت�أهيل بع�ض �أئمة فوجد �أن هذا المجتمع منظم ب�شكل جيد‪ ،‬ومهي�أ‬ ‫الجوامع لدرا�سة اللغة ثالثة �أ�شهر وهم�س في بما فيه الكفاية المت�صا�ص نقط الت�شنج وب�ؤر‬ ‫�أذنه «�سافر تغنم»‪.‬‬ ‫الت�صدع المحتملة‪.‬‬ ‫تبد�أ رحلة العامل الذات �إلى الف�ضاء الجديد‪،‬‬ ‫�إن النيوزيلندي‪ ،‬كما �صورته ال��رواي��ة‪ ،‬ال‬ ‫عندما ي�سافر ويتعرف �إلى هذا العالم المختلف يعي�ش على م��ا ال تر�سمه ال��ذاك��رة‪ ،‬ب��ل يعي�ش‬ ‫من خالل تفاعله مع المحيطين به من المر�أة حا�ضره‪ ،‬وهذه العملية ال تغطي الجزء الثقافي‬ ‫العجوز التي �سكن في دارها‪ ،‬ثم المعهد الذي م��ن الما�ضي‪ ،‬ب��ل �أي���ض� ًا الجانب االجتماعي‬ ‫يتعلم فيه اللغة‪ ،‬وك��ذا الأ��ص��دق��اء المتحلقين وال�سيا�سي منه‪ ،‬وهنا ي�صحح بطل ال��رواي��ة‬ ‫حول طاولة الع�شاء في الم�ساء‪ ..‬فكان �أول �شيء �أفكار ًا خاطئة كان قد تلقاها في حياته ال�سابقة‬ ‫�أدركه هو دقة التخطيط لدى الآخر النيوزيلندي عن عقيدة النيوزلندي‪ ،‬وتنجلي هذه الحقيقة‬

‫بو�ضوح عندما تخبره المر�أة العجوز التي يقيم‬ ‫في بيتها «ب�أنها تحترم ديننا وتعرف منذ زمن‬ ‫بعيد عبارة «ال�سالم عليكم» وكلمة «ال�ق��ر�آن»‬ ‫(‪ )...‬و�أخبرتني ب�أنها تق�ضي ن�صف نهار كل‬ ‫�أ�سبوع للتعبد في الكني�سة‪ ،‬وهذه المدة تراها‬ ‫كافية للخلو والتقرب �إلى اهلل‪.»...‬‬

‫ •وظيفة الفعل‪� ،‬إذ ي�شارك الراوي في بناء‬ ‫الأحداث بتفاعله مع الوقائع‪ ،‬وتعالقه مع‬ ‫باقي ال�شخو�ص الروائية التي �أ�سهمت‬ ‫ف��ي تحريك العالم ال���س��ردي «العجوز‪،‬‬ ‫الأ��ص��دق��اء‪ ،‬ال�خ��ال‪ ،‬الم�ضيفات‪ ،‬رجال‬ ‫�أم ��ن ال �ط��ائ��رة‪ ،‬الأ� �ص��دق��اء‪ ،‬ال�صديقة‬ ‫ال �ت��ي ت �ع��رف عليها و�أح �ب �ه��ا ه �ن��اك في‬ ‫نيوزيلندة‪.»...‬‬

‫ومن منظور �آخر‪� ،‬أعتبر �أن الن�ص عبارة عن‬ ‫رحلة ذاتية من البلد الأ�صلي للكاتب �إلى بلدة‬ ‫نيوزلندة التي لم يكن يعرف عنها �شيئا‪ ،‬بل هم‬ ‫الآخرون ال يعرفون �شيئا عن بلده كما ي�صرح في‬ ‫�إحدى المقاطع ب�أنهم ال يعرفون �إال دبي وم�صر‬ ‫بحكم منظر الأهرامات‪ .‬وعليه فالن�ص له ميزة‬ ‫�أدبية وقيمة �إثنوغرافية ال ي�ستهان بهما في هذا‬ ‫الزمن‪� ،‬إذ بالرغم من �سيطرة و�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫فما زال الكثيرون ال يعرفون بلدانا برمتها وال‬ ‫على م�ستوى الخطاب ال�سردي‪ ،‬تدخل الرواية حتى مواقعها على الخريطة‪.‬‬ ‫�ضمن م��ا يدعى بالمحكي ال��ذات��ي‪� ،‬إذ ي��روي‬ ‫حمل الن�ص ‪ -‬بو�صفه عمال �سخّ ر ج��زءا‬ ‫ال�سارد حكايته ب�ضمير المتكلم‪ ،‬على �شاكلة كبيرا من محكيه للمقارنة بين البلدان وو�صف‬ ‫المذكرات �أو ال�سيرة الذاتية‪ ،‬وفعال‪ ،‬ت�صنف ع ��ادات ال�شعب الم�ضيف وت�ق��ال�ي��ده وثقافته‬ ‫ه��ذه المرويات‪ ،‬ل��وال المقولة التجني�سية التي وجغرافيته ‪ -‬الكثير من المواد التي ت�سمح ب�أخذ‬ ‫ذ ّي��ل بها الكاتب م�ؤلفه‪� ،‬ضمن جن�س ال�سيرة‪ ،‬فكرة ولو مب�سطة عن ثقافة ال�شعب النيوزيلندي‪،‬‬ ‫لكون ال��راوي يحكي يومياته في �شكل م�سرود ودياناته‪ ،‬و�أخالقه‪ ،‬وم�ستواه الح�ضاري‪ ،‬وهذا‬ ‫�شخ�صي ب�شكل تعاقبي‪ ،‬يحترم ال�صعود في ال��دور الذي لعبه الرحالون الم�سلمون والعرب‬ ‫الزمن والحركة في المكان‪ .‬ال��راوي هنا يقوم ف��ي ال �ق��رون ال��و��س�ط��ى‪ ،‬حيث ك��ان��وا م��ن جهة‬ ‫بوظيفتين‪:‬‬ ‫يعرفون بالإ�سالم والح�ضارة الإ�سالمية؛ ومن‬ ‫ •وظ�ي�ف��ة ال�ح�ك��ي‪� ،‬إذ ي ��روي م�شاهداته جهة �أخ��رى‪ ،‬ك��ان ينقل �إل��ى الم�سلمين �صورة‬ ‫وم ��ا � �ص��ادف��ه م��ن �أح � ��داث ف��ي ال�م�ق��ام عن ثقافة ال�شعوب التي رحل �إليها �أو �أقام فيها‬ ‫النيوزيلندي ب�ضمير المتكلم‪.‬‬ ‫م��ددا متفاوتة م��ن ال��زم��ن‪ ،‬وك��ان اب��ن بطوطة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪53‬‬


‫لقد و�صف المجتمع النيوزيلندي من حيث‬ ‫ثقافته المت�شبعة ب��روح الع�صر والم�سايرة‬ ‫ل �ل��رك��ب‪ ،‬ك �م��ا و� �ص��ف ال �ق��وم ب�ك��ون�ه��م �أن��ا� �س��ا‬ ‫يحترمون �أنف�سهم بقدر ما يحترمون الآخرين‪،‬‬ ‫وي ��أخ��ذون الأم��ور كلها بعين العقل‪ ،‬وي�ضعون‬ ‫الأفكار وال�ق��رارات في م�صفاة المنطق الذي‬ ‫يحكمه الع�صر‪ ،‬م��ن دون تع�صب �أو تطرف‬ ‫للذات والهوية والق�ضية‪.‬‬ ‫وم��ن ناحية �أنثروبولوجية‪ ،‬وظ��ف الروائي‬ ‫منظور الأ�سرة الأبي�سية في التن�شئة االجتماعية‬ ‫والثقافية للفرد‪ ،‬فالخال‪ ،‬وه��و المهيمن على‬ ‫ابن الأخت حد التماهي‪ ..‬من حيث ما تتداوله‬ ‫النظم والأع��راف‪ ،‬لكن هنا الكاتب يك�سر هذا‬ ‫العرف بنظرته النقدية التي تحول المنظور‬ ‫الخالوي (ن�سبة �إلى الخال) �إلى منظور �ضيق‬ ‫ال يتوافر على �أدنى �شروط الحياد والمو�ضوعية‬ ‫والعلمية‪.‬‬ ‫لقد لعب محمود الرحبي في ه��ذه الرواية‬ ‫الق�صيرة على واجهتين‪ :‬واجهة الرواية ك�شكل‬ ‫مهيمن الآن على ال�ساحة‪ ،‬بالنظر �إلى م�ستوى‬ ‫التداول مقارنة مع باقي الأجنا�س الأدبية‪ ،‬وفي‬ ‫‪54‬‬

‫■ الزبري مهداد ‪ -‬من املغرب‬

‫خاتمة‬ ‫�إذا كان �أدب الرحالت قد حقق في القرون‬ ‫الو�سطى تراكما مهماً‪ ،‬جعله ي�صبح ظاهرة‬ ‫�أدب �ي��ة وجن�سية‪ ،‬ف��إن��ه م��ع م��رور ال��زم��ن‪ ،‬ومع‬ ‫تطور نظرية الأجنا�س‪ ،‬والتحوّالت التي عرفتها‬ ‫الأن��واع الأدب�ي��ة‪ ،‬ا�ستطاع نوع الرحلة‪ ،‬بو�صفه‬ ‫نوعا �سرديا‪� ،‬أن يجد له �آفاقا متعددة‪ ،‬ويتنف�س‬ ‫�أهوية جديدة؛ �إذ‪� ،‬أ�صبح نوعا متخ ّلْال يجد له‬ ‫م�سربا في كل الأن��واع الأخ��رى‪� ..‬سواء منها ما‬ ‫يندرج �ضمن جن�س ال�شعر �أم ما يندرج منها‬ ‫�ضمن جن�س ال�سرد(‪.)1‬‬ ‫لذلك‪� ،‬أ�صبحنا نجد �أثر الرحلة في الأ�شعار‬ ‫وال ��رواي ��ات والق�ص�ص الق�صيرة والم�سرح‬ ‫واليوميات وال�سيرة الذاتية وغيرها‪� ..‬إنها ت�صنع‬ ‫ح�ضورها المتميز عبر الأزمنة‪ ،‬وتنحت حياتها‬ ‫في كل الخطابات‪ ،‬ما يدل على �أن الإن�سان �سيظل‬ ‫رحالة في فكره و�سلوكه وكتاباته‪ ،‬مهما تطورت‬ ‫ح�ضارته‪ .‬فال�شاعر يخلد رحالته في ق�صائده؛‬ ‫والقا�ص ي�سرد رحلة تحول حياة �شخو�صه من‬ ‫حالة �إلى �أخرى‪ ،‬وكذلك يفعل الروائي‪ ،‬والكاتب‬ ‫الم�سرحي‪ .‬وك�أن خطاب الرحلة ركيزة الأنواع‬ ‫الأدبية كلها‪.‬‬

‫(‪ )1‬تعد نظرية الأجنا�س �أن الأجنا�س الأدبية تتلخ�ص في �صنفين؛ ال�شعر وال�سرد؛ وما دونهما فهي �أنواع تندرج‬ ‫�ضمنهما‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫الرحلة في طلب العلم‪:‬‬ ‫�شاقة و�شيقة‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الرحالة المغربي ال�شهير �أول من طرق �أبواب‬ ‫هذه البلدان البعيدة‪ ،‬وعا�شر �أقوامها‪ ،‬وعرف‬ ‫فيها بالإ�سالم‪ .‬ولعمري �إن هذا الن�ص ي�سعى‬ ‫�إل��ى القيام بالجهد نف�سه‪ ،‬م��ن خ�لال هدمه‬ ‫لل�صورة النمطية التي نكوّنها خط�أ عن الإ�سالم‪،‬‬ ‫وكذا من خالل و�ضع الهوية الذاتية في ميزان‬ ‫المقارنة‪.‬‬

‫الوقت نف�سه يراهن على �أفق الرحلة الذي عاد‬ ‫الآن بقوة �إل��ى الواجهة بحكم ما يت�ضمنه من‬ ‫�أبعاد جمالية وداللية تحتاجها الأ�سئلة الب�شرية‬ ‫الآنية‪ .‬الأمر الذي منح هذا الن�ص الروائي نكهة‬ ‫قرائية مميزة‪ ،‬تراهن على المعنى‪ ،‬من دون �أن‬ ‫تن�سى ن�صيبها من الجمال‪.‬‬

‫كانت الرحلة منذ عهد الر�سول‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬أداة م�شوّقة ومغامرة مثيرة لأجل‬ ‫ك�سب المعرفة‪ .‬وبعد وف��اة الر�سول‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬توا�صلت ال��رح�لات‪ ،‬ف�شهدت بالد‬ ‫الحجاز طوفا هائال من جميع الأم�صار الإ�سالمية للحج‪� ،‬أو ل�سماع �أحاديث الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬وجمعها من �أفواه ال�صحابة‪.‬‬ ‫ظ��ل ال�ح�ج��از مق�صدا ل�ل��رح�لات‪ ،‬وكانت‬ ‫عاطفة الم�ؤمنين الدينية تدفع بهم للرحلة �إلى‬ ‫البيت الحرام‪ ،‬و�أداء الفري�ضة‪ ،‬وهذه المنا�سبة‬ ‫لم تكن دينية فح�سب‪ ،‬بل كانت فر�صة للتالقي‬ ‫والتبادل الثقافي بين �أجيال الأم��ة وطوائفها‬ ‫ونخبها العلمية‪.‬‬ ‫رحالت طلب العلم‬ ‫�أم��ا ال��رح�لات الخا�صة بطلب العلم‪ ،‬فهي‬ ‫ال��رح�لات ال�ت��ي ي�ك��ون داف�ع�ه��ا ل�ق��اء الم�شايخ‬ ‫والأخذ عنهم‪ ،‬والرجوع بالإجازات التي تخوّل‬ ‫طالب العلم ن�شر العلم ال��ذي تلقّاه ورواي�ت��ه‪.‬‬ ‫ف�ت��وجّ ��ه �أ��ص�ح��اب ال�ب�لاد المفتوحة ف��ي �آ�سيا‬ ‫و�إفريقيا و�أوروب��ا �إل��ى عا�صمة الخِ الفة‪ ،‬و�إلى‬ ‫مكة وال�م��دي�ن��ة‪ ،‬ب�صفتهما م��رك��زيّ ال��دع��وة‪،‬‬ ‫وم�ستقريّ ال�صحابة‪ ،‬وموطنيّ فطاحل اللغة‬ ‫وحفظة ال�شعر‪ ،‬والقراء‪ ،‬والفقهاء‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫وكان الر�أي ال�سائد �أن مَ ن رحل للدرا�سة خير‬ ‫ممن لم يرحل؛ لذلك اهتم الم�سلمون بالرحالت‬ ‫العلمية‪ ،‬وعدوها من �أنفع الطرق في طلب العلم‬ ‫واكت�ساب ال�م�ع��ارف‪ ،‬وو�سيلة مهمة للتحقيق‬ ‫العلمي ولالت�صال بالعلماء‪ .‬وج�ع��ل العلماء‬ ‫«الرحلة» مناط الثقة بالعالم‪ ،‬لذلك تناف�ست‬ ‫النخب الثقافية من �أهل المغرب والأندل�س على‬ ‫الرحلة في طلب العلم‪ ،‬ت�ؤهلهم لنيل المكانة‬ ‫المهمة والتقدير في بالدهم �أثناء عودتهم؛‬ ‫�إذ كانوا يدركون ب�أن الرحلة‪ ،‬محنة وامتحان‪،‬‬ ‫تعود عليهم بالفائدة �سواء في الر�صيد المعرفي‬ ‫�أو بالحظوة لدى الملوك الخلفاء‪ ،‬الذين كان‬ ‫الكثير منهم ي�ق��در ال�ع�ل�م��اء‪ ،‬وي�ح�ت��اج �إليهم‬ ‫لدعم القدرات التدبيرية لم�ؤ�س�ساته الق�ضائية‬ ‫والإداري��ة والمالية وغيرها‪ ،‬فيعين حملة العلم‬ ‫في هذه الوظائف المهمة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫الرحالت من المغرب �إلى الم�شرق‬ ‫ا�شتهر علماء الغرب الإ�سالمي (المغرب‬ ‫والأن��دل����س) بولعهم الكبير بالرحلة‪ ،‬وخا�ض‬ ‫الكثير منهم غمارها‪ ،‬كانوا ي�شدون الرحال‬ ‫لأداء فري�ضة الحج‪ ،‬والتملّي بزيارة الأماكن‬ ‫المقد�سة‪ ،‬وكثيرا م��ا ك��ان��ت الرحلة الحجية‬ ‫تقترن بطلب العلم‪ ،‬ولقاء العلماء والأخذ عنهم‪،‬‬ ‫وزيارة البقاع المقد�سة‪.‬‬ ‫ويعد �أبو الح�سن القاب�سي (ت‪403‬ه �ـ)‪ ،‬من‬ ‫�أب��رز الذين رحلوا �إل��ى الم�شرق‪ ،‬فحجّ و�سمع‬ ‫من طائفة من المحدثين والفقهاء‪ ،‬وحين عاد‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫مراكز العلوم‬ ‫ك��ان الحجاج يتوافدون �إل��ى مكة والمدينة‬ ‫ال�م�ن��ورة لأداء منا�سك الحج واالج�ت�م��اع �إل��ى‬ ‫ال�صحابة والتابعين والعلماء‪ ،‬وكانت المدينتان‬ ‫مركزيّ الإ�شعاع ومهوى �أفئدة الم�ؤمنين‪ ،‬ثم‬ ‫تفرّق كثير من ال�صحابة عبر الأم�صار �ضمن‬ ‫الفاتحين‪� ،‬أو المبتعثين لن�شر العلم بين النا�س‪،‬‬ ‫فذهب عبداهلل بن م�سعود قا�ضي ًا �إلى الكوفة‪،‬‬ ‫وانتقل �أن�س بن مالك �إلى الب�صرة ليفقه النا�س‪،‬‬ ‫وفي دم�شق كان �أب��و ال��درداء‪ ،‬وتوجه معاذ بن‬ ‫جبل �إلى فل�سطين‪ ،‬وعبداهلل بن عمرو بن العا�ص‬ ‫�صحب �أب��اه �إل��ى م�صر‪ ،‬فجعلوا من مقاماتهم‬ ‫مراكز �إ�شعاع علمي‪ ،‬ف�سعى �إليهم النا�س ليتلقوا‬ ‫عنهم الرواية والعلم‪.‬‬ ‫وكانت الرحالت طلبا للعلم‪ ،‬ت�سير غالبا من‬ ‫المغرب �إلى الم�شرق‪ ،‬و�أحيانا من الم�شرق �إلى‬ ‫المغرب‪ .‬كما كانت �إلى جانب هذه الرحالت بين‬ ‫الم�شرق والمغرب رح�لات داخلية بين �أقطار‬ ‫الغرب الإ�سالمي كله (بين المغرب والأندل�س‬ ‫وتون�س)‪� ،‬أو داخل القطر الواحد منها‪.‬‬

‫�إلى بلده القيروان‪� ،‬أ�صبح مجل�سه مركزا علميا‬ ‫ي�ستقطب طالبي العلم‪ ،‬فرحل �إليه كثير من‬ ‫طلبة العلم من الأندل�س والمغرب‪.‬‬ ‫وال�ب��اج��ي (ت‪474‬ه�� �ـ) زار ال���ش��رق وتفقّه‬ ‫بعلماء كبار في دم�شق وبغداد والحرمين‪ ،‬وعاد‬ ‫�إلى الأندل�س بعلم غزير‪ ،‬فكان له دور بارز في‬ ‫النهو�ض بالحركة العلمية في الأندل�س‪ ،‬وتفقّه‬ ‫عليه خلق كثير من العلماء‪.‬‬ ‫و�أبو بكر بن العربي المعافري (ت ‪543‬هـ)‬ ‫رحل بدوره �إلى الم�شرق مراهقا ب�صحبة والده‬ ‫ع��ام ‪485‬ه� �ـ‪ ،‬ف��زار ع��ددا مهما م��ن المراكز‬ ‫العلمية ال�شرقية‪ ،‬ولقي علماء �أمثال الغزالي‬ ‫وال�ت�ب��ري��زي وال���ش��ا��ش��ي‪ ،‬واح �ت��ل مكانة علمية‬ ‫مرموقة في الأندل�س بعد عودته �إليها‪.‬‬ ‫كما رحل ابن جبير (ت‪614‬هـ) ثالث مرات‪،‬‬ ‫ف��زار م�صر والحجاز وال�شام‪ ،‬ولقي ع��ددا من‬ ‫العلماء‪ ،‬وعاين مظاهر الحياة العلمية والثقافية‬ ‫في الم�شرق‪ ،‬ودون ذل��ك في مذكرات رحلته‪،‬‬ ‫التي ا�ستفاد منها ع��دد كبير م��ن المفكرين‬ ‫والباحثين �أمثال العبدري والبلوي والمقريزي‬ ‫والمقري وغيرهم‪.‬‬ ‫واب��ن رُ�شَ يْد الفهري (ت‪721‬ه �ـ) ال��ذي كان‬ ‫خ�لال رحلة حجه حري�صا على مالقاة علماء‬ ‫الم�شرق في كل بلد زاره‪ ،‬كم�صر وال�شام والحجاز‬ ‫وتون�س‪ ،‬لأجل تعميق تكوينه العلمي‪ ،‬ورجع �إلى‬ ‫بالده ب�أ�سانيد عليا وثروة علمية �أهّ لته الحتالل‬ ‫منا�صب مهمة في الدولة المرينية بفا�س‪.‬‬ ‫والتجيبي (ت ‪730‬ه� �ـ) دوّن ف��ي برنامجه‬ ‫�أخبار رحلته‪ ،‬ومَ ن لقيه من العلماء الذين ترجم‬ ‫لهم ب�إ�سهاب‪ ،‬ول��م يخل م�صنفه م��ن حديث‬ ‫عن الحياة العلمية وم�ؤ�س�ساتها في الدول التي‬

‫زارها ‪.‬‬ ‫واب��ن خ�ل��دون (ت ‪808‬ه� �ـ) �أي���ض��ا �صاحب‬ ‫رح�لات �شهيرة‪� ،‬سعى فيها لطلب العلم‪ ،‬وما‬ ‫يمنحها �أه�م�ي��ة ه��و �أن �ه��ا تت�ضمن ك�ث�ي��را من‬ ‫المفاتيح المُعينة على فهم تاريخه ومقدمته‬ ‫ال�شهيرة‪ ،‬وربطها بالظروف الزمانية لع�صره‪،‬‬ ‫والأ�صول الثقافية التي متّح منها �آراءه‪.‬‬ ‫الرحالت من الم�شرق �إلى المغرب‬ ‫كما �أن علماء م�شارقة كثيرين‪ ،‬كانت لهم‬ ‫رح�ل��ة معاك�سة نحو ب�لاد ال�غ��رب الإ��س�لام��ي‪،‬‬ ‫كانت غايتهم قا�صرة على طلب رواية �أو �سند‪،‬‬ ‫�أو ن�شر علم‪ ،‬ونذكر منهم‪ :‬حن�ش بن عبداهلل‬ ‫ابن عمرو بن حنظلة ال�صنعاني‪ ،‬تابعي‪ ،‬دخل‬ ‫الأن��دل����س ف��ي جملة مَ ��ن دخلها خ�لال الفتح‪،‬‬ ‫بنى جامع �سرق�سطة وت��وف��ي �سنة ‪100‬ه� �ـ(‪.)1‬‬ ‫وعبدالرحمن ب��ن ع�ب��داهلل ب��ن ب�شر الغافقي‪:‬‬ ‫تابعي‪ ،‬دخل الأندل�س في جملة الفاتحين‪ ،‬توفي‬ ‫�سنة ‪114‬ه �ـ(‪ .)2‬و�أبو عبدالرحمن عبداهلل ابن‬ ‫تابعي دخل الأندل�س(‪.)3‬‬ ‫يزيد المعافري الحُ ُبلِيّ ‪ٌّ ،‬‬

‫وتعاقب بعدهم على الرحلة �إلى الأندل�س علماء‬ ‫�آخ��رون‪ ،‬منهم معاوية بن �صالح الح�ضرمي‪،‬‬ ‫ال�شامي الحم�صي (ت ‪158‬هـ)‪ ،‬كان من �أوعية‬ ‫العلم‪ ،‬رحل �إلى الأندل�س و�شدت �إليه الرحال‬ ‫في مقامه الجديد‪� ،‬سافر زيد بن الحباب (ت‬ ‫‪203‬هـ) من الكوفة �إلى قرطبة للقائه والرواية‬ ‫عنه(‪ .)4‬وح�سين بن محمد القر�شي المرواني‪،‬‬ ‫من �أهل حران‪َ ،‬وفَدَ على الأندل�س نحو ‪350‬هـ‪،‬‬ ‫ولي ق�ضاء بجانة(‪)5‬؛ و�أبو الح�سن علي بن محمد‬ ‫بن �إ�سماعيل الأنطاكي (ت ‪377‬ه�ـ)‪ ،‬قدم �إلى‬ ‫الأندل�س �سنة ‪352‬هـ‪ ،‬و�أدخل علما جما‪ ،‬ف�أكرمه‬ ‫الخليفة الم�ستن�صر باهلل(‪)6‬؛ والمحدث �أبو الفتح‬ ‫ن�صر بن الح�سن التنكتي ال�شا�شي (ت ‪)486‬‬ ‫حلَّ بالأندل�س وروى فيها ال�صحيح(‪ ،)7‬و�آخرون‬ ‫غيرهم جعلوا من الأندل�س مركزا علميا مهماً‪.‬‬ ‫وامتد توافد علماء الم�شرق على بالد الغرب‬ ‫الإ�سالمي �إل��ى عهود مت�أخرة‪ ،‬فقد ورد على‬ ‫المغرب المحدث محمد �صالح ب��ن خير اهلل‬ ‫الح�سني الر�ضوي البخاري ال�سمرقندي الذي‬ ‫ق��دم �إل��ى فا�س خ�لال الأربعينيات من القرن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫عوامل ازدهار الرحالت‬ ‫وكان للخلفاء الم�سلمين دَو ٌر كبير في ت�شجيع‬ ‫طالب العِلم على ال�سفر �إلى مراكز الح�ضارة‬ ‫والثقافة‪ ،‬فرحبوا بهم‪ ،‬وو�صلوهم بهباتهم‪،‬‬ ‫و�أن�ش�أوا لهم دورا لإيوائهم‪ ،‬ومدار�س ومكتبات‪،‬‬ ‫فن�شطت ال��رح�لات �إل��ى ه��ذه ال�م��دن العلمية‬ ‫التي �أ�صبحت محط رح��ال ط�لاب العلم‪ .‬فما‬ ‫جعل الأندل�س‪ ،‬على حداثة عهدها بالإ�سالم‬ ‫وبالثقافة العربية‪� ،‬أر�ضا تعج بالعلماء من كل‬ ‫حدب و�صوب‪� ،‬إال �إك��رام الم�ستن�صر لهم‪� ،‬إذ‬ ‫�أ�صبح بالطه قبلة لعلماء الم�شرق والمغرب على‬ ‫ال�سواء‪.‬‬ ‫ك�م��ا ��س��اع��د ع�ل��ى �إق��ب��ال المتعلمين على‬ ‫الرحلة العلمية وك�سب جوار الجوامع ال�شهيرة‬ ‫والمدار�س وج��ود الأوق ��اف التي كانت ت�ضمن‬ ‫جرايات مهمة للطلبة‪ ،‬ت�شجعهم على الإقبال‬ ‫على الدرا�سة وت�ستقدمهم من بالد بعيدة‪ ،‬وهذه‬ ‫كانت غاية نور الدين الأيوبي حين عين للمغاربة‬ ‫خا�صة �أوقافا مهمة‪ ،‬بغية ا�ستقدامهم �إلى م�صر‬ ‫لطلب العلم وتن�شيط الحركة الثقافية والعلمية‬ ‫والتبادل المعرفي والتالقح الثقافي‪ ،‬وه��و ما‬ ‫�أثبته اب��ن جبير ف��ي كتاب رحلته‪ ،‬معربا عن‬ ‫�إعجابه بهذه المبادرة الثقافية المهمة‪ ،‬ووجه‬ ‫دعوته �إلى المغاربة ي�ستحثهم للرحلة �إلى هذه‬ ‫البالد وطلب العلم بها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫الرحلة قطعة من العذاب‬ ‫�سلك المغاربة والأندل�سيون طرقا متعددة في‬ ‫رحالتهم �إلى الم�شرق‪ ،‬فهناك من �سلك طريق‬ ‫البحر بالركوب �إل��ى م�صر‪ ،‬فبالد ال�شام عبر‬ ‫�سيناء �أو بالد الحجاز عبر بحر القلزم؛ وكان‬ ‫هذا الطريق الأخير ي�سلكه غالبا الأغنياء‪� ..‬إال‬ ‫�أن��ه ك��ان محفوفا بالمخاطر‪� ،‬إذ غ��رق العديد‬ ‫من ال�سفن و�سقط العديد من الكتب في �أعماق‬ ‫ال�ب�ح��ار‪ ،‬مثل ال�سفينة ال�ت��ي ك��ان على متنها‬ ‫�أفلح مولى النا�صر الذي غرقت جميع كتبه في‬ ‫البحر(‪ ،)10‬وال�سفينة التي ركبها عبدالرحمن‬ ‫ابن مو�سى الهواري خالل عودته �إلى الأندل�س‬ ‫عطبت فغرقت كتبه(‪ .)11‬وعبدالعزيز بن علي‬ ‫ال�شهرزوري‪ ،‬قدم الأندل�س �سنة ‪426‬هـ‪ ،‬ودخل‬ ‫(دان��ي��ة) ورك ��ب ال�ب�ح��ر من�صرفا منها �إل��ى‬ ‫الم�شرق‪ ،‬فقتله الروم في البحر �سنة ‪427‬هـ وقد‬ ‫قارب المائة(‪.)12‬‬ ‫وهناك العديد من العلماء توفوا �أثناء رحلتهم‬ ‫مثل عبداهلل بن محمد بن قا�سم المعروف بابن‬ ‫ملول من �أهل و�شقه الذي توفي في الم�شرق �سنة‬ ‫‪350‬هـ(‪ ،)13‬ومنهم مَ ن لم ي�ستطع العودة ب�سبب‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الما�ضي‪ ،‬وات�صل بعلماء القرويين(‪ ،)8‬كما زار‬ ‫المغرب الأق�صى مرتين (‪1287‬ه �ـ و‪1297‬ه�ـ)‬ ‫م�سند المدينة المنورة علي بن ظاهر الوتري‬ ‫(ت‪1322‬ه �ـ)‪ ،‬ف�أخذ الحديث عن قا�ضي فا�س‬ ‫محمد بن عبدالرحمن العلوي‪ ،‬وقا�ضي مكنا�س‬ ‫المهدي بن الطالب بن �سودة وغيرهما(‪.)9‬‬

‫وكان ركب الحاج ي�ضمن فر�صة مهمة لطلبة‬ ‫العلم ي�سافرون خاللها �صحبة الركب متمتعين‬ ‫بفر�ص ال�سفر الآم��ن التي يوفرها طيلة مدة‬ ‫ال�سفر‪ ،‬ذهابا و�إيابا‪ ،‬وذلك ما �شجع على الإقبال‬ ‫على الرحلة في طلب العلم �صحبة الحُ جّ اج‪ .‬كما‬ ‫�أن توافر الأمن واال�ستقرار ال�سيا�سي في المدن‬ ‫التي ت�شكل مراكز علمية‪� ،‬أ�سهم في ا�ستقطاب‬ ‫طلبة العلم �إليها‪ ،‬ليتعلموا في ظ��روف �آمنة‪،‬‬ ‫ولي�شبعوا نهمهم العلمي ويحققوا طموحهم �إلى‬ ‫االرتقاء االجتماعي‪.‬‬

‫ال�ضعف والوهن والكبر في ال�سن‪ ،‬وا�ستقر �أو‬ ‫ا�ستوطن ه�ن��اك‪ ،‬مثل �أب��و ع�ب��داهلل محمد بن‬ ‫�صالح القحطاني‪ ،‬ال��ذي ا�ستوطن بخارى �إلى‬ ‫�أن توفي بها �سنة ‪378‬هـ (‪ .)14‬وكذلك ابن جبير‪،‬‬ ‫فقد توفي ف��ي رحلته الثالثة ودف��ن ف��ي م�صر‬ ‫بعيدا عن موطنه و�أهله‪ ،‬و�أب��و بكر ابن العربي‬ ‫الذي توفي والده في اال�سكندرية‪ ،‬وكان الفقد‬ ‫�سببا كافيا البن العربي ليعود �إلى بلده‪.‬‬ ‫�أم��ا الطرق البرية فكانت بدورها محفوفة‬ ‫بالمخاطر من قبل الل�صو�ص وقطاع الطريق‪،‬‬ ‫من ذلك ما حدث لأحمد بن م�سرة (ت‪322‬هـ)‪،‬‬ ‫وك��ان معه ف��ي الرفقة ف��ي طريق م�صر عبيد‬ ‫اهلل ال�شيعي‪ ،‬فتعر�ضا لل�سلب(‪ ،)15‬والخوف من‬ ‫ال�سلب واالمتحان في الطريق‪ ،‬هو ال��ذي جعل‬ ‫طلبة العلم ي��ؤث��رون ال�خ��روج مع رك��ب الحاج‪،‬‬ ‫ل�ضمان رحلة م�أمونة‪ ،‬ويدل على هذا ما ورد في‬ ‫كثير من التراجم المغربية عن حجّ اج �صحبوا‬ ‫رك��ب ال�ح��اج‪ ،‬وان�صرفوا �إل��ى م�لاق��اة العلماء‬ ‫ولم يحجوا‪ ،‬و�آخرين قرنوا بين الحج ومالقاة‬ ‫العلماء وال�سماع منهم‪� ،‬أو حجوا وتخلفوا عن‬ ‫ركب العودة‪ ،‬حر�صا على �إكمال م�سيرتهم نحو‬ ‫المراكز العلمية للقاء العلماء‪.‬‬ ‫ف �ق��د ك� ��ان ط �ل �ب��ة ال �ع �ل��م ي �ح��ر� �ص��ون على‬ ‫مالقاة �أكبر عدد من العلماء ل�سماع رواياتهم‬ ‫وا�ستجازتهم‪ ،‬وكانوا يثابرون في �سبيل ذلك‪،‬‬ ‫حتى يعودوا مزودين بر�صيد معرفي ي�ضيفون به‬ ‫جديدا على الحياة العلمية لبلدانهم‪ ،‬ويجعلهم‬ ‫محل تقدير‪ ،‬جديرين بالمكانة والوظيفة التي‬ ‫تنتظرهم‪ .‬فقد روى عبدالرحمن القنازعي‬ ‫(ت‪413‬هـ) عن �أزيد من ‪ 700‬عالم(‪ ،)16‬وكذلك‬ ‫يحيى بن مالك بن عائد بن كي�سان؛ بينما روى‬ ‫اب��ن ال��زام��ر عبدالرحمن ب��ن عبيد اهلل (ت‬

‫‪369‬هـ) عن �أزيد من ‪ 400‬محدث(‪)17‬؛ و�آخرون‬ ‫كثيرون تجاوز عدد من لقي من ال�شيوخ والرواة‬ ‫المائة والمائتين‪ ،‬مثل بقى بن مخلد وخلف ابن‬ ‫قا�سم الدباغ ومحمد بن و�ضاح وغيرهم‪ ،‬ي�ضيق‬ ‫المجال بعدهم‪.‬‬ ‫ولم تكن هناك مدة محددة للرحالت‪ ،‬فهي‬ ‫�إم��ا �أن تطول �أو تق�صر ح�سب اكتفاء الطالب‬ ‫بالتح�صيل‪ ،‬وعموما كانت �إقامة الرحالة ت�ستغرق‬ ‫�سنوات كثيرة‪ ،‬ليح�صلوا خاللها على العلم‬ ‫الوفير‪« ،‬بقى بن مخلد» رحل مرتين‪� ،‬أق��ام في‬ ‫الأولى ع�شرة �أعوام‪ ،‬وفي الثانية خم�س ًة وع�شرين‬ ‫عاما‪� ،‬أما «الباجي» فلم يمنعه فقره من موا�صلة‬ ‫رحلته التي دامت ثالثة ع�شر عاما؛ بينما يو�سف‬ ‫بن محمد بن �سليمان الهمذاني من �أهل �شذونة‪،‬‬ ‫�أقام في رحلته ع�شرة �أعوام يتردد على مجال�س‬ ‫العلم والعلماء(‪ ،)18‬في حين اكتفى اب��ن ر�شيد‬ ‫الفهري بثالث �سنوات عاد بعدها �إلى بلده‪.‬‬ ‫كان طلبة العلم يالزمون حلقات العلماء في‬ ‫الم�ساجد‪� ،‬أو ينتظمون �ضمن طلبة المدار�س‬ ‫الكبرى �إذا وجدوا �إلى ذلك �سبيال‪ ،‬ي�ستعينون‬ ‫على تحمل نفقات العي�ش بما ي�صلهم من ريع‬ ‫الوقف؛ يقيمون في المدار�س �أو الرباطات �أو‬ ‫الزوايا والخوانق التي قد توفر لهم قوت يومهم‬ ‫وتكفيهم عناء البحث عنه‪ ،‬وكان الكثير منهم‬ ‫ي�ضطر �إلى امتهان �أي عمل للح�صول على مورد‬ ‫يتعي�ش منه وينفق منه على الدرا�سة‪ ،‬فالباجي‬ ‫�أجّ ��ر نف�سه ببغداد لحرا�سة درب(‪ ،)19‬وك��ان‬ ‫النا�س ي�ستهجنون عمل الطلبة وكانوا يرونه ال‬ ‫يليق بهم وبمكانتهم االجتماعية(‪.)20‬‬ ‫نتائج الرحالت و�آثارها‬ ‫ت�صدَّر الرحالة المغاربة والأندل�سيون عند‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪59‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫الرحلة متوا�صلة‬ ‫�إن �شوق المتعلمين للرحالت نحو الم�شرق‬ ‫يبرز العاطفة الدينية لديهم‪ ،‬وي�شهد على النهم‬ ‫العلمي الذي كانوا يتحلّون به‪ ،‬مع متانة تكوينهم‬ ‫العلمي وحر�صهم على التعلم واال�ستفادة‪ ،‬مهما‬ ‫كلفهم الأم��ر من م�شقة‪ ،‬ما جعلهم جديرين‬ ‫ب��االح�ت��رام والتبجيل وال��دع��م وال�ق�ب��ول ال��ذي‬ ‫يقابلون به �أينما حلوا وارتحلوا‪ ،‬هذا التعاطف‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪60‬‬

‫العودة �إلى موطنهم للإقراء والتدري�س وتولي‬ ‫الق�ضاء والإمامة �أو الكتابة لدى الأمراء‪ ،‬فتهي�أوا‬ ‫ل�شغل هذه المنا�صب التعليمية والدينية بف�ضل‬ ‫تكوينهم العلمي الذي �أهَّ لهم الحتالل المكانة‬ ‫المهمة والحظوة لدى ال�سلطان‪.‬‬ ‫كما كانت الرحالت العلمية من �أهم الطرق‬ ‫التي دخلت منها كتب الحديث والتف�سير و�سائر‬ ‫العلوم والفنون بمختلف فنونه �إل��ى المغرب‬ ‫والأن��دل ����س؛ ل��ذل��ك اعتنى الم�صنفون خالل‬ ‫ترجمتهم للعلماء‪ ،‬بذكر حر�صهم على جلب‬ ‫الكتب خالل رحالتهم‪� ،‬أو �أولويتهم في �إدخال‬ ‫حديث‬ ‫كتب معينة‪ ،‬وكان كتاب الموط�أ �أول كتاب ٍ‬ ‫دخل �إل��ى المغرب الأق�صى‪� ،‬أدخله عامر ابن‬ ‫محمد �سعيد القي�سي القا�ضي ال��ذي �سمع من‬ ‫مالك وال �ث��وري وروى عنهما م�ؤلفاتهما‪ ،‬كما‬ ‫�أدخل عمر بن الح�سن الهوزني �صحيح البخاري‬ ‫�إلى الأندل�س‪ ،‬و�أدخل �أبو بكر بن الأحمر محمد‬ ‫بن معاوية بن مروان (ت‪365‬هـ) �سنن الن�سائي‪،‬‬ ‫�أما زكريا بن بكر بن �أحمد الغ�ساني المعروف‬ ‫بابن الأ�شبح‪( ،‬ت ‪393‬هـ) فرحل �إلى الم�شرق‬ ‫ولقي في م�صر �أب��ا الطيب المتنبي ال�شاعر‪،‬‬ ‫و�أخذ عنه ديوانه‪ ،‬وحمله معه �إلى الأندل�س؛ بينما‬ ‫الفقيه الأندل�سي �أبو بكر بن العربي المعافري‬ ‫الإ�شبيلي المتوفى عام‪543‬هـ‪ ،‬فقد كان له ف�ضل‬ ‫�إدخال كتاب الإحياء للغزالي‪ ،‬في حين �أدخل �أبو‬ ‫بكر الكرماني (ت‪458‬ه�ـ) كتاب ر�سائل �إخوان‬ ‫ال�صفا‪ ،‬و�أدخل بقى بن مخلد (ت‪276‬هـ) كتاب‬ ‫الفقه لل�شافعي‪ ،‬وكتاب التاريخ لخليفة بن خياط‬ ‫وك�ت��اب �سيرة عمر ب��ن عبدالعزيز للدورقي‪،‬‬ ‫والقائمة طويلة‪.‬‬ ‫كما �أ�سهمت ال��رح�ل��ة �إل��ى طلب العلم في‬ ‫انت�شار الآراء والمذاهب على �أيدي طالب العِلم‪،‬‬

‫بع�ضها �أ�سهم في تكري�س ال��وح��دة المذهبية‬ ‫وتر�سيخ اال�ستقرار ال�سيا�سي واالجتماعي‪،‬‬ ‫بينما �أفكار �أخرى �ألهبت البالد و�أ�شعلت الفتن‬ ‫والقالقل‪.‬‬ ‫ف��ال �م��ذه��ب الأ���ش��ع��ري دخ ��ل �إل� ��ى ال �غ��رب‬ ‫الإ� �س�لام��ي ع�ل��ى ي��د �أب���ي ال�ح���س��ن القاب�سي‬ ‫(ت‪403‬هـ) الذي التقى خالل رحلته ب�أ�شاعرة‬ ‫�أث ��روا فيه ت��أث�ي��را قويا عك�سه ف��ي دف��اع��ه عن‬ ‫م�ؤ�س�س المذهب �أبي الح�سن الأ�شعري‪.‬‬ ‫�أم��ا اب��ن م�سرة الجبلي (ت‪883‬ه�� �ـ) فقد‬ ‫تحققت فيه نبوءة رفيقه في الرحلة ابن عي�سى‬ ‫الذي �أخبره ب�أنه �سيثير فتنة في الأندل�س تبقى‬ ‫�أبد الدهر‪ ،‬فتحقق ذلك بالفعل‪ ،‬وفتن ابن م�سرة‬ ‫النا�س بمذهبه ال��ذي م��زج فيه بين الت�صوف‬ ‫واالعتزال‪.‬‬ ‫و�إذا كان بع�ض الطلبة قد غنموا من رحالتهم‬ ‫علما وف �ي��را‪ ،‬وع��اد �آخ���رون محملين بالكتب‬ ‫ال �ج��دي��دة‪ ،‬و�أدخ� ��ل غيرهم �أف �ك��ارا وم��ذاه��ب‬ ‫م�ث�ي��رة‪ ،‬ف� ��إن �آخ��ري��ن‪ ،‬ع ��ادوا م��ن رح�لات�ه��م‪،‬‬ ‫يحملون ب��ذور ث��ورات وانتفا�ضات وانقالبات‬ ‫�سيا�سية‪ ،‬فعبد اهلل بن يا�سين (ت‪451‬هـ) الذي‬ ‫رحل �إلى الأندل�س طالبا للعلم‪ ،‬ومكث فيها �سبع‬ ‫�سنين‪ ،‬ولما عاد �إلى وطنه المغرب‪� ،‬أعلن حركته‬ ‫وانقلب على ال��دول��ة الإدري���س�ي��ة و�أ��س����س دول��ة‬ ‫المرابطين اللمتونين‪ .‬ورحل محمد بن تومرت‬ ‫(ت‪524‬ه�ـ) �إلى الأندل�س ثم �إلى الم�شرق‪ ،‬في‬ ‫رحلة �شهيرة التقى خاللها الغزالي �أي�ضا‪ ،‬وعاد‬ ‫�إلى المغرب م�شحونا‪ ،‬ليت�سمى با�سم المهدي‪..‬‬ ‫ويعلن انتفا�ضته ال�سيا�سية وانقالبه على ال�سلطة‬ ‫المرابطية وت�أ�سي�سه دولة الموحدين‪� .‬أما ابن‬ ‫�أبي محلي (ت‪1022‬هـ) فقد رحل �إلى الم�شرق‬

‫مرتين‪ ،‬المرة الأولى زار الحجاز معتمرا‪ ،‬وعانى‬ ‫الجوع والعط�ش في �صحراء برقة حتى كاد يهلك‪،‬‬ ‫ف�أنقذه �أحد الل�صو�ص من قطاع الطرق‪ ،‬ثم عاد‬ ‫�إل��ى الحجاز حاجا‪ ،‬ولقي كثيرا من العلماء‪،‬‬ ‫وحين عاد �إلى بالده �أ�س�س زاويته و�أعلن نف�سه‬ ‫المهدي المنتظر‪ ،‬وقاد ثورة في مواجهة الدولة‬ ‫ال�سعدية‪ ،‬حتى انتهت بمقتله‪.‬‬

‫الذي ك�سبوه كان خير معين لهم على التغلب على‬ ‫ال�صعاب وتجاوزها‪.‬‬ ‫وقد خلف ه�ؤالء العلماء كتبا ومذكرات دونوا‬ ‫فيها يوميات رحلتهم‪ ،‬ومَ ن لقوا فيها من العلماء‬ ‫والأع �ي��ان‪ ،‬وم��ا �شاهدوا‪ ،‬وم��ا �سلكوا من �سبل‬ ‫عانوا خاللها �ألم الفراق وم�شاق ال�سفر و�أهوال‬ ‫الطريق‪ ،‬مع �ضيق اليد وا�ستبداد النظم‪ .‬هذه‬ ‫الم�صنفات‪ ،‬تقف اليوم �شاهدة على تاريخ غني‬ ‫لهذه الأمة‪ ،‬ال يخلو من �إثارة �أو غرابة �أحيانا‪،‬‬ ‫تحفظ لنا تراجم و�سيرا ومعلومات مهمة حول‬ ‫�أ�شخا�ص و�أحداث ووقائع‪ ،‬ما كانت لت�صل �إلينا‬ ‫لوال ه�ؤالء العلماء الأعالم‪ ،‬الذين �أبَوا �إال �أن يلقوا‬ ‫ب�أقالمهم ومدوناتهم �أ�ضوا ًء كا�شف ًة على مراحل‬ ‫مهمة ودقيقة من تاريخ ح�ضارتنا المجيدة‪،‬‬ ‫يمهّدون ال�سبل لتوا�صل �أمتهم م�سيرتها ورحلتها‬ ‫الح�ضارية �ضمن �أمم العالم اليوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحميدي‪ :‬جدوة المقتب�س (الدار الم�صرية ‪1966‬م) �ص ‪.201‬‬

‫(‪ )2‬نف�سه‪� ،‬ص ‪.274‬‬ ‫(‪ )3‬المقري‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬بيروت دار �صادر ‪1988‬م (تحقيق �إح�سان عبا�س) ج ‪� 3‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ )4‬تاريخ ابن الفر�ضي‪ ،‬القاهرة مطابع �سجل العرب‪ ،‬الق�سم ‪� 2‬ص ‪.138‬‬ ‫(‪ )5‬نف�سه‪ ،‬الق�سم ‪�1‬ص ‪.115‬‬ ‫(‪ )6‬محمد �سالم محي�سن‪ :‬معجم حفاظ القر�آن عبر التاريخ‪ ،‬دار الجيل‪� ،‬ص ‪.172‬‬ ‫(‪ )7‬الذهبي‪� :‬سير �أعالم النبالء جزء ‪� 3‬ص ‪ 4017‬ترجمة رقم ‪.6395‬‬ ‫(‪ )8‬عبدالعزيز بنعبد اهلل مقال مجلة دعوة الحق (الرباط) العدد ‪ 240‬ذو الحجة ‪� /1404‬شتنبر ‪1984‬م‪.‬‬ ‫(‪ )9‬المرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )10‬ابن الفر�ضي‪ :‬ق�سم ‪�1‬ص ‪.83‬‬ ‫(‪ )11‬الزبيدي طبقات النحويين‪ ،‬القاهرة دار المعارف (تحقيق محمد �أبو الف�ضل) �ص ‪.253‬‬ ‫(‪ )12‬ابن ب�شكوال‪ :‬ال�صلة‪ ،‬دار الكتاب الم�صري ‪1990‬م (تحقيق الأبياري) �ص ‪.548‬‬ ‫(‪ )13‬ابن الفر�ضي‪ ،‬ق�سم ‪� 1‬ص ‪.230‬‬ ‫(‪ )14‬المقري‪ :‬ج ‪� 2‬ص ‪.142‬‬ ‫(‪ )15‬الخ�شني‪� :‬أخبار الفقهاء والمحدثين‪ ،‬مدريد ‪1992‬م (تحقيق ماريا لوي�سا �أبيال ولوي�س مولينا) �ص ‪.17‬‬ ‫(‪ )16‬ابن ب�شكوال‪ :‬ال�صلة �ص ‪.481‬‬ ‫(‪ )17‬ابن الفر�ضي �ص ‪.264‬‬ ‫(‪ )18‬ابن الفر�ضي �ص ‪.206‬‬ ‫(‪ )19‬القا�ضي عيا�ض‪ :‬ترتيب المدارك (بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1998‬م) جزء ‪� 2‬ص ‪.349‬‬ ‫(‪ )20‬ابن الحاج‪ :‬المدخل (دار التراث) جزء ‪� 2‬ص ‪.127‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪61‬‬


‫كان الرحالة الفنلندي «جورج �أوغ�ست والن»‬ ‫�أول رحالة �أوروب ��ي تط�أ قدمه منطقة الجوف‬ ‫ف��ي �سنة ‪1845‬م‪ ،‬و�أق ��ام ف��ي عا�صمتها دوم��ة‬ ‫الجندل وبين ظهراني �أهلها نحو ثالثة �أ�شهر‪،‬‬ ‫منتح ًال �صفة رجل دين م�سلم من بخارى‪ ،‬با�سم‬ ‫«عبدالولي»‪ .‬در�س «والن» و�سجل ملحوظاته حول‬ ‫المكان والإن�سان‪ ،‬لكن ما ن�شره حول رحلته ‪-‬‬ ‫وهو في غاية الأهمية‪ -‬غلب عليه الطابع العلمي‪،‬‬ ‫الذي كان هدفه المبا�شر من رحلته‪ ،‬ولم ي�صل‬ ‫�إلينا كام ًال لوفاته المبكرة �سنة ‪1852‬م‪ ..‬وقبل‬ ‫و�ضع روايته الكاملة لرحلته‪.‬‬

‫منطقة الجوف‬ ‫في �أدب الرحلة الأوروبي‬ ‫■ د‪.‬عو�ض البادي‬

‫ُي َع ًّد �أدب الرحلة من �أقدم �أنواع الأدب و�أو�سعها‪ ،‬وقد احتل مكانة مهمة في العلوم الإن�سانية‬ ‫واالجتماعية خالل القرون الثالثة الأخيرة‪ ،‬لما �أ�سهم به في المجاالت الثقافية والتاريخية‬ ‫والدينية والجغرافية والبيئية‪ ..‬وحتى ال�سيا�سية والفل�سفية؛ بتوفيره لمعرفة �أ�صيلة وقيّمة‬ ‫حول الإن�سان وجغرافيته وبيئته وظروفه عبر �أزم��ان طويلة‪ ،‬وفي كل �أرج��اء المعمورة‪ .‬وقد‬ ‫ا�ستحق ه��ذا الأدب �أن يكون مجا َال من مجاالت الدرا�سة الأكاديمية الم�ستقلة لثراء مادته‬ ‫وتنوّعها واختالفها‪ .‬ومع ما �شهده هذا الأدب من تغيّرات مرتبطة بالتغيرات العالمية؛ من حيث‬ ‫�سهولة التنقل واالت�صال‪ ،‬وات�ساع حركة الهجرة‪ ،‬وتنوّع و�سائل المعرفة‪ ،‬واكت�شاف المجهول‪.‬‬ ‫فقد حافظ هذا الأدب على �أهميته كو�سيلة من و�سائل معرفة الآخر‪ ،‬ور�سم �صورته‪ ،‬وفهمه في‬ ‫الحا�ضر كما في الما�ضي‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫في ع�صر ازدهار هذا النوع من الأدب الذي‬ ‫بلغ �أوجه في القارة الأوربية خالل القرون ال�سابع‬ ‫ع�شر والثامن ع�شر والتا�سع ع�شر الميالدية‪،‬‬ ‫كانت الجزيرة العربية �أحد مو�ضوعاته؛ فكان‬ ‫اليمن وال�ح�ج��از و�شمالي ال�ج��زي��رة وو�سطها‬ ‫وعُ �م��ان والخليج محطات ل��رح��ال��ة �أوروب�ي�ي��ن‬ ‫كثيرين �أ�سهموا في �إثراء هذا الأدب بمعلومات‬ ‫تاريخية مهمة ال توفرها �أي م�صادر �آخ��رى‪،‬‬ ‫ور�سموا �صور ًا وم�شاهد بعيونهم الأجنبية لأر�ض‬

‫الجزيرة العربية و�إن�سانها بدوي ًا وح�ضرياً‪ ،‬هي‬ ‫اليوم من الما�ضي؛ �إال �أنها ما تزال حا�ضرة في‬ ‫وجدان الآخر وت�صوراته حول �أر�ضنا و�إن�ساننا‪،‬‬ ‫�إيجاب ًا �أو �سلباً‪.‬‬ ‫�شغلت منطقة الجوف في �شمالي الجزيرة‬ ‫العربية حيز ًا مهم ًا في �أدب الرحلة الأوروبية‬ ‫خالل القرن التا�سع ع�شر؛ �إذ كانت معبر كثير‬ ‫منهم �إل��ى و�سط الجزيرة العربية‪ ،‬وق��د �شمل‬ ‫هذا الأدب تفا�صيل ومعلومات تاريخية و�سيا�سية‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫جورج �أوغ�ست والن (لوحة زيتية)‬

‫واقت�صادية و�سكانية وجغرافية مهمة ودقيقة‬ ‫ح��ول �أو�ضاعها كافة‪ .‬وه��ذه المقالة ال تهدف‬ ‫�إلى تناول ما كتبوه؛ �إذ �سبق للكاتب �أن قدم ما‬ ‫كتبوه حول �شمالي الجزيرة العربية وب�أل�سنتهم‬ ‫في عملين �شاملين(‪)1‬؛ بل ت�سجيل انطباعاتهم‬ ‫ال�شخ�صية وم�شاعرهم نحوها‪.‬‬

‫توزعت ملحوظات «وال��ن» بين المحا�ضرات‬ ‫والر�سائل والمذكرات والمقاالت‪ ،‬ولم ُيتَحْ لها �أن‬ ‫ُتقَدم كرواية واحدة وبلغة �أدبية متما�سكة لتحتل‬ ‫مكانتها الرائدة في �أدب الرحلة الأوروبية حول‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬فخلت ملحوظاته من االنطباعية‬ ‫ولغة ال�سرد التي ت�سم ه��ذا النوع من الأدب‪.‬‬ ‫ورغ��م ذل��ك‪ ،‬ولكونه الأول في �سل�سلة الرحالة‬ ‫الأوروبيين‪ ،‬فقد �شكّل ما تركه من �إرث معلوماتي‬ ‫مو�ضوعي ف��ي ت��اري��خ المنطقة و�أو�ضاعها في‬ ‫تلك المرحلة التاريخية‪ ،‬مرجعية لمن تبعه من‬ ‫الرحالة الآخرين‪ .‬لقد �صوّر «والن» بلغته العلمية‬ ‫المكان ب�شكل دقيق ج��داً‪ ،‬وعر�ض لجغرافيته‬ ‫وت�ضاري�سه م�ستح�ضر ًا مكانته التاريخية وتقلبات‬ ‫زمانه‪ .‬و�صوّر �أي�ض ًا و�ضع �أهله الذي تعامل معه‪،‬‬ ‫فنجده يذكر �أن القراءة والكتابة منت�شرة بينهم‬ ‫�أكثر مما هي في البلدان العربية التركية‪ .‬و�إنه‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ر�سم ق�صر خزام بدومة الجندل‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫منطقة الجوف‬ ‫في �أدب الرحلة الأوروبي‬

‫‪63‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪64‬‬

‫رغم �أن ال�سكان معروفون بنزاعاتهم وق�سوتهم‬ ‫ف��ي حروبهم فيما بينهم‪� ،‬إال �أن�ه��م معروفون‬ ‫ومعترف بهم من جميع النا�س ب�أنهم م�ضيافون‬ ‫ج��داً‪ ،‬ولطفاء م��ع ال�غ��رب��اء‪ .‬وي�ق��ول‪�« :‬إن��ه فيما‬ ‫يتعلق بي‪ ،‬فعليَّ االعتراف �أنه حتى من القبائل‬ ‫العربية الم�ضيافة في ال�صحراء لم �أقابل �أي‬ ‫قبيلة تفوق �أه��ال��ي الجوف في ه��ذه الف�ضيلة‪.‬‬ ‫ولم يعاملني من قبل �أحد بمثل ما عاملوني به‪.‬‬ ‫وذكر �أي�ض ًا �أن �أهل الجوف معروفون بمواهبهم‬ ‫ال�شعرية والمو�سيقية‪ »...‬وي��ؤك��د ذل��ك بقوله‪:‬‬ ‫«ن��ادر ًا ما ق�ضيت ليلة واح��دة دون رفقة بع�ض‬ ‫وليم غيفورد بلغريف‬ ‫ال�شباب الذين يغنون ب�صحبة الربابة‪ ،‬هذه الآلة‬ ‫البدوية الرتيبة وال�ساحرة في الوقت نف�سه‪ .‬وبما‬ ‫بين �أهل ال�صحراء الأحرار‪ .‬و�أنا م�ستعد �أن �أدير‬ ‫�أن موهبة ال�شعر والمو�سيقى منت�شرة بين البدو‪،‬‬ ‫ف�إنه ال يمكنني القول �إن �أه��ل الجوف يبزون ظهري �إل��ى الغرب و�أتجه نحو ال�شرق‪ ،‬و�سوف‬ ‫�أفعل ذلك عاج ًال �أم �آج�لاً»‪ .‬لقد كان القدر له‬ ‫الآخرين في هذا الجانب»‪.‬‬ ‫بالمر�صاد فحرم من هدفه‪ ،‬وحرمنا من روايته‬ ‫بهذه الروح المو�ضوعية ر�أى «والن» ال�صحراء‬ ‫الكاملة‪.‬‬ ‫و�أهلها‪ ،‬وتعلق بها وبهم‪ ،‬وكان �سعيه متوا�ص ًال‬ ‫على خ�لاف «وال ��ن» بلغته العلمية‪� ،‬أتيحت‬ ‫للعودة �إليها ب ��أي ثمن؛ ودي��دن��ه ي�ق��ول‪« :‬كانت‬ ‫�صحراء �شبه الجزيرة العربية هي الهدف الأكبر للرحالة البريطاني «وليم غيفورد بلغريف»‪-‬‬ ‫في حياتي‪ ،‬و�س�أحاول �أن �أنفذ خطتي للذهاب ال��ذي زار منطقة الجوف �سنة ‪1862‬م‪ ،‬ومكث‬ ‫�إلى هناك ب�أ�سرع ما يمكن‪ ...‬ويمكن �أن �أرجع فيها م��ا ي�ق��ارب الأ�سبوعين‪ -‬الفر�صة ليكتب‬ ‫�إلى هناك كرحالة �أوروب��ي لأبحث �أر�ض العرب رواية رحلته �إلى الجزيرة العربية بحا�سة فنانٍ‬ ‫المجهولة‪ ،‬و�سوف �أقدم نتائج �أبحاثي �إلى البالد ولغة �أدي��ب‪ .‬ك��ان «بلغريف» منذ ب��دء م�سيرته‬ ‫الغربية الطالبة للعلم‪�..‬أو ربما �أذهب من �أجل من معان باتجاه الجوف التي منها ذه��ب �إلى‬ ‫�سعادتي ال�شخ�صية‪ ..‬ف�سوف �أبعد عن حياة حائل والق�صيم والريا�ض والخليج يعبّر عن‬ ‫�أوروب ��ا ال�ضاغطة‪ ،‬و�أتمتع بطبيعة ال�صحراء هواج�سه و�أحا�سي�سه حول مغامرته‪ .‬وقد �صرح‬ ‫الغنية‪ .‬و�سوف �أنعم بحياة البدو المليئة بالحرية بذلك منذ البدء‪ ،‬بقوله‪« :‬للمرة الأخيرة دعونا‬ ‫وال��ن�����ش��اط‪ ،‬و�أ���س��ت��ري��ح م��ن ح��ي��اة المظاهر في نحاول الح�صول على معرفة مو�ضوعية و�شاملة‬ ‫�أوروبا‪ .‬ويمكن لي �أن �أحيا و�أموت كالبدوي الحر حول الجزيرة العربية‪� .‬إننا نعرف الكثير حول‬

‫مناطقها ال�ساحلية؛ ومعرفتنا بع�ضها حتى لو‬ ‫كانت قليلة فهي كافية؛ اليمن والحجاز ومكة‬ ‫والمدينة لم تعد ��س�رًّا‪ ،‬ولدينا معلومات حول‬ ‫ح�ضرموت وعُ مان‪� .‬أما داخل الجزيرة العربية‬ ‫ب�سهوله وج�ب��ال��ه وقبائله وم��دن��ه وبحكوماته‬ ‫وم�ؤ�س�ساته‪ ..‬وب�سكانه وع��ادات�ه��م و�أخالقهم‬ ‫و�أو�ضاعهم االجتماعية‪ ،‬وم�ستوى مدنيتهم �أو‬ ‫بدائيتهم‪ ،‬لي�س كذلك‪ .‬هل ما نعرفه حتى الآن‬ ‫دقيقًا وكامالً؟ لقد حان الوقت ل�سد هذا الفراغ‬ ‫في خارطة �آ�سيا‪ ،‬ومهما كانت الأخطار‪� ،‬سنقوم‬ ‫به؛ �إما �أن تكون هذه الأر�ض قبرًا لنا �أو نعبرها‬ ‫لم يبتعد «بلغريف» بلغته ال�شاعرية عن واقع‬ ‫من �أولها �إلى �آخرها‪ .‬ال عودة عن ذلك»‪ .‬بهذه‬ ‫هذه الواحة الوادعة و�سط �أر�ض مجدبة تحوط‬ ‫ال��روح و�صل «بلغريف» �إلى الجوف بعد م�سيرة‬ ‫بها‪ ،‬وقد وجد بها ما ي�سره بعد دخولها‪.‬‬ ‫�أكثر من �أربعمائة كيلومترا من معان �إلى الجوف‬ ‫ك��ان «بلغريف» قد ب��د�أ رحلته �إل��ى الجزيرة‬ ‫في �صحراء مجدبة‪.‬‬ ‫العربية من بيروت‪� ،‬إذ تقمّ�ص �شخ�صية طبيب‬ ‫اختزل «بلغريف» و�صفه للجوف وم�شاعره‬ ‫�سوري‪ ،‬واختار ا�سمًا عربيًّا له‪ ،‬هو «�سليم �أبو‬ ‫عند و�صوله �إليها بقوله‪« :‬وادٍ عميق يميل �إلى‬ ‫محمود العي�س»‪ ،‬وقد حمل معه ب�ضائع للمتاجرة‬ ‫االنخفا�ض‪ ،‬مرحلة بعد �أخ��رى حتى ي�صل �إلى‬ ‫ب�ه��ا‪ .‬وب�ع��د �أ�سبوعين م��ن الإق��ام��ة وممار�سة‬ ‫نهاية عميقة تحجبها عن النظر �سل�سلة جبلية‪،‬‬ ‫التجارة والطبابة في الجوف غادرها �إلى حائل‪.‬‬ ‫تتعرج ب�ألوانها المحمرة‪ ،‬والمنظر عبر هذا‬ ‫و�صف «بلغريف» فترة �إقامته ف��ي الجوف‬ ‫ال ��وادي وحتى نهايته تظلله ب�ساتين النخيل‪،‬‬ ‫و�أ�شجار الفاكهة‪ ،‬التي تحمل عناقيد ثمارها‪ ،‬متناو ًال تفا�صيل الحياة اليومية و�أدقها‪ ،‬وجاء‬ ‫كما يظللها لون �أ�سود �ضارب �إلى االخ�ضرار على في و�صفه لأهلها‪�« :‬إن العدد الإجمالي لل�سكان‬ ‫مدى تعرجات الوادي‪ ،‬وي�شمخ بناء غير منتظم‪ ،‬في كل المنطقة‪ ،‬ال يتجاوز بحال اثنين و�أربعين‬ ‫يلوح ككتلة �سمراء على قمة جبل في المنطقة �ألف ن�سمة‪ ،‬لكنها منطقة مو�صوفة بال�شجاعة؛‬ ‫الو�سطى‪ ،‬وه��ي قلعة عالية منفردة تطل على ف�أهلها تتوافر فيهم مواهب بدنية ق َّل �أن توجد‬ ‫الجانب الآخر من الوادي‪ .‬و�إلى الأدنى قلي ًال تلوح عند غيرهم؛ فهم عادة يمتازون بطول القامة‪،‬‬ ‫�أبراج دائرية �أ�صغر‪ ..‬ور�ؤو�س منازل م�سطحة‪ ،‬وح�سن البنية؛ �ألوانهم فاتحة‪ ،‬و�شعورهم �سوداء‪،‬‬ ‫تختفي وتظهر بين �أوراق �أ�شجار الب�ساتين‪ ،‬ويت�صفون عمومًا بالذكاء‪ ،‬ولهم مالمح دقيقة‪،‬‬ ‫وك�أن الوادي يغت�سل في تيار عمودي من ال�ضوء وفيهم كبرياء‪ .‬والجوفيون م��ن عن�صر جيد‪،‬‬ ‫والحرارة‪ .‬كان هذا هو �أول منظر لبلدة الجوف‬ ‫عند اقترابنا منها‪ ،‬من جهة الغرب‪ .‬لقد كان‬ ‫منظرًا خلاّ بًا‪ ،‬بدا لنا بعد رحلة طويلة‪� ،‬شرعنا‬ ‫بها من غزة وفل�سطين‪� ،‬إلى م�شارف المواطن‬ ‫ال�م��أه��ول��ة ف��ي �شبه ال�ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة‪ .‬كانت‬ ‫رحلتنا عبر �صحراء موح�شة طويلة‪ ،‬امتدت على‬ ‫وتيرة واحدة‪ ،‬فكانت الجوف �أ�شبه بجنة الخلد‬ ‫ال يدخلها �أح��د �إال بعد عبور ���ص��راط جهنم‪،‬‬ ‫ح�سب و�صف �شاعر عربي ي�صور منطقة �شبيهة‬ ‫بالجزائر‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫«�إن �صفاتهم البدنية المتميزة‪ ،‬ومُحيّاهم‬ ‫المقبول يناق�ض ب�شدة �صفات ال �ب��دو‪ .‬وهم‬ ‫بجانب ذلك قوم �أ�صحاء يحتفظون بن�شاطهم‬ ‫حتى حينما يتقدم بهم العمر‪ .‬ويبدو �شيئًا م�ألوفًا‬ ‫لا ع�ج��وزًا في ال�سبعين من العمر‬ ‫�أن ت��رى رج� ً‬ ‫م�سلحً ا بكامل عدته �ضمن جماعة من ال�شبان‪،‬‬ ‫و�إن كانت ظاهرة ربيع العمر الدائم يمكن �أن‬ ‫تجدها في الأقاليم الو�سطى �إل��ى الجنوب من‬ ‫الجوف‪ ،‬وق��د الحظت ذل��ك‪ .‬الطق�س هنا جيد‬ ‫وج��اف‪ ،‬وع��ادات الحياة خ��ارج ال�سكن‪ ،‬يمكن‬ ‫�أن ت � ��ؤدي دوره� ��ا ف��ي ال�ح�ف��اظ ع�ل��ى ال�صحة‬ ‫والحيوية‪ .‬وهم في �أخالقهم و�سط بين البدو‬ ‫والح�ضر‪� .‬إنهم يلتقون مع البدو في كراهيتهم‬ ‫للمهن ال�ي��دوي��ة‪ ،‬وع��دم اهتمامهم بالح�صول‬ ‫على الثقافة‪ ،‬وتقلب مزاجهم بال هدف محدد‪،‬‬ ‫حتى في �أ�ساليب الغدر والخيانة‪� .‬إال �أنهم عمومًا‬ ‫مت�أدبون ويحترمون �أنف�سهم �أكثر‪ ...‬وبالدرجة‬ ‫نف�سها بعيدون ع��ن الت�شريفات والمجامالت‬ ‫اللطيفة التي تجدها عند �شمّر وفي نجد‪ ،‬و�أقل‬ ‫بكثير من تلك التي تجدها في الإح�ساء وعُ مان»‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫«�أما فيما يتعلق بجوانب النظافة بالن�سبة لهم‬ ‫ولعاداتهم‪ ،‬وفي المهارة في الزراعة‪ ،‬وفي �ضبط‬ ‫الأع���ص��اب والإدراك ال�ع��ام‪ ،‬وف��ي �إح�سا�سهم‬ ‫باالنتماء لإقليمهم‪ ،‬وفي التعامل مع الغرباء‪،‬‬ ‫و�إدارة التجارة وقابليتهم للتطور‪ ،‬هم �أقرب �إلى‬ ‫�سكان المدن والقرى الكبيرة في �شبه الجزيرة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫منظر للجزء الغربي من دومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫ر�سم ق�صر مارد بدومة الجندل‬

‫قلعة مارد (هولت‪١٩٢٢ ،‬م)‬

‫في�صل بن حمود الر�شيد �أمير الجوف مع رجاله في ق�صر‬ ‫خزام بدومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫كان الرحالة الإيطالي «كالوديو غوارماني»‬ ‫الرحالة الأوروبي الثالث الذي وط�أ �أر�ض الجوف‬ ‫البلدة(دومة الجندل) والجوف المنطقة في‬ ‫�سنة ‪1864‬م ب�صفته تاجر خيل عثماني‪ ،‬وقد‬ ‫قدم روايته بلغته الإيطالية‪ ،‬وقد و�صل �إلينا من‬ ‫خالل ترجمته �إلى اللغة الإنجليزية خالل الحرب‬ ‫العالمية الأول ��ى لأهمية تفا�صيله الجغرافية‬ ‫التي كانت تحتاج �إليها القوات البريطانية في‬ ‫المنطقة‪ .‬وقد �شغلت المعلومات حول منطقة‬ ‫الجوف حيّز ًا مهم ًا من عمله الذي ابتعدت لغته‬ ‫بجفافها ومبا�شرتها عن لغة �أدب الرحالت‪.‬‬ ‫ب�ع��د ان �ق �ط��اع دام خم�سة ع�شر ع��ام � ًا في‬ ‫رحالت الأوروبيين �إلى و�سط الجزيرة العربية‬ ‫عبر منطقة الجوف‪ ،‬قامت الرحالة البريطانية‬ ‫االر�ستقراطية «الليدي �آن بلنت» برفقة زوجها‬ ‫«ويلفريد بلنت» برحلة �إل��ى و��س��ط نجد عام‬ ‫‪1879‬م‪ .‬روت «الليدي �آن بلنت» رحلتها في كتاب‬ ‫ُيعّد من �أبرز كتب �أدب الرحالت الأوروبية في‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬وحظي باهتمام بالغ بو�صف‬ ‫الكاتبة ام��ر�أة تج�شمت عناء رحلة طويلة في‬ ‫�أر�ض مجهولة‪ .‬حظيت منطقة الجوف بن�صيبها‬ ‫م��ن ال��و��ص��ف ف��ي ه��ذا ال �ك �ت��اب‪ ،‬وع�ل��ى خ�لاف‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫يمكن �أن يكون العن�صر العربي الإ�سماعيلي‬ ‫ال�شمالي ال�صافي‪ ،‬وهم الأ�صل الذي انبثق منه‬ ‫�سكان جبل �شمّر»‪.‬‬

‫العربية‪ .‬و�إذا حكمنا عليهم من خالل حكمنا‬ ‫على قبيلة طيئ التي تعود جذورهم لها‪ ..‬فهم‬ ‫متح�ضرون‪ ،‬ولهم ميل فطري‬ ‫ّ‬ ‫�إل��ى حد معقول‬ ‫�إيجابي ليكونوا كذلك‪ .‬مرة �أخرى لقد �أخرتهم‬ ‫الحروب والنزاعات‪� ،‬إ�ضافة �إلى النفوذ المقلق‬ ‫للقبائل البدائية الذين هم �إلى حدٍّ ما معزولون‬ ‫عنهم ب�سبب موقعهم الجغرافي»‪.‬‬

‫الرحالة ال��ذي��ن �سبقوها‪ ،‬ك��ان ق��دوم «الليدي‬ ‫بلنت» عن طريق دم�شق‪ ،‬فو�صفت كافة القرى‬ ‫الواقعة في �شمالي وادي ال�سرحان‪ ..‬وهي قرى‬ ‫ك��اف و�إث ��رة قبل و�صولها �إل��ى ال�ج��وف(دوم��ة‬ ‫الجندل العا�صمة)‪ ،‬وق��د �أتيحت لها الفر�صة‬ ‫ف��ي زي� ��ارة ب �ل��دة ��س�ك��اك��ا‪ ،‬وك��ان��ت �أول رح��ال��ة‬ ‫�أوروبية ت�صل �إليها‪ ،‬وت�صور الحياة االجتماعية‬ ‫فيها‪ .‬كانت رواية «الليدي بلنت» مت�أثرة برواية‬ ‫«وليم بلغريف» الذي �سبقها‪ ،‬والتي ت�أثر بها كل‬ ‫الرحالة ال��ذي��ن ج ��ا�ؤوا م��ن ب�ع��ده‪ .‬لقد و�صفت‬ ‫و�صولها �إلى بلدة الجوف (دومة الجندل) بما‬ ‫ال يختلف كثير ًا عن «بلغريف» بقولها‪« :‬كانت‬ ‫م�سيرتنا �شاقّة وطويلة لم�سافة ع�شرين ميالً‪،‬‬ ‫وكنا نتوقع با�ستمرار �أن ن��رى الجوف‪� ،‬إ َّال �أن‬ ‫�آمالنا تخيب دائ�م�اً‪ ،‬فقد تحولت الأر���ض �إلى‬ ‫تالل و�أودي��ة مذهلة‪ ،‬لكن كان م�ستوى الأر���ض‬ ‫�أقل ارتفاعً ا مما كان عليه بالأم�س‪� ،‬إذ كنا في‬ ‫حقيقة الأمر ننحدر على طول اليوم‪ .‬وكنا بين‬ ‫مدة و�أخرى نلحظ وادي ال�سرحان �إلى يميننا‪،‬‬ ‫على م�سافة بعيدة‪ .‬من الجهة الأخرى مرتفعات‬ ‫زرقاء‪ .‬بينما بدت الأر�ض �أمامنا �سل�سلة م�ستمرة‬ ‫من التالل ال�صخرية‪ .‬و�أخ�ي�رًا‪ ،‬ومن على قمة‬ ‫�أحدها‪ ،‬ظهر خط �أ�سود‪ ،‬ي�شمخ ب�سواده عاك�سً ا‬ ‫ب�صفاره خليط تالل ال�صخور الرملية‪ ،‬والأودية‬ ‫الجرداء‪ ،‬وعرفنا �أنها ال بد �أن تكون قلعة مارد‪.‬‬ ‫وبدت �شامخة في حقيقة الأمر‪ ،‬و�إن بدت مرعبة‬ ‫و�سط هذا العراء المقفر‪ .‬م�ضينا نحوها تحدونا‬ ‫الرغبة بم�شاهدتها عن ق��رب‪ .‬ومن ثم و�صلنا‬ ‫�إلى معبر طبيعي من الحجر الأبي�ض‪ ..‬و�سرنا‬ ‫على ه��ذا الطريق لب�ضعة �أميال حتى اختفى‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫‪68‬‬

‫قدّمت «الليدي بلنت» و�صفها لإقامتها في‬ ‫بلدة الجوف‪ ،‬ومن ثم انتقلت �إلى بلدة �سكاكة‬ ‫التي و�صفتها بقولها‪�« :‬إن �سكاكة‪ ...‬بلدة �أكبر‬ ‫من الجوف‪� ،‬إذ فيها �سبع مئة بيت‪ ،‬كما يقولون‪،‬‬ ‫وب�ساتين للنخيل على الأقل �ضعف ما في الأخرى‪.‬‬ ‫وم��رك��ز البلدتين ي�ك��اد ي�ك��ون واح���دً ا‪ ،‬تجويف‬ ‫عري�ض محاط بحروف من ال�صخور الرملية‪،‬‬ ‫ولكن حو�ض �سكاكة �أقل انتظامًا‪ ،‬وتنت�صب فيه‬ ‫تالل رملية وتالل نائية من ال�صخور‪ .‬و�سكاكة‬ ‫مثل الجوف فيها قلعة قديمة (قلعة زعبل)‪،‬‬ ‫ت�شمخ �أعلى مرتفع‪ ..‬علوه نحو مئة قدم‪ ،‬يُ�شرف‬ ‫على البلدة المقامة بطريقة غير هند�سية‪ ،‬وبال‬ ‫�سور مت�صل يحوط ب�ساتينها‪ .‬وكان هناك عدد‬ ‫كبير من الب�ساتين والدور المنف�صلة عن بع�ضها‪،‬‬ ‫وك��ان��ت ع��ام��رة ولي�ست خربة كتلك الموجودة‬ ‫بالجوف �إثر الحروب الأخيرة‪ .‬كل هذه الب�ساتين‬ ‫والدور ذات منظر مزدهر‪ ،‬وال يوجد فدان واحد‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫يوليو�س �أويتنغ‬

‫ت�شارلز هوبر‬

‫يمكن ر ّي��ه ولم ُ ي��زرع‪ .‬كل �شيء مرتب ونظيف‪،‬‬ ‫الأ� �س��وار جديدة ال�شرفات‪ ،‬وك��ل منزل من�سق‬ ‫وك�أنه حديث البناء‪ .‬والحقول المربعة ال�شكل‬ ‫المزروعة بال�شعير م�سيجة ب�أ�سيجة م�صنوعة‬ ‫من �أغ�صان النخيل المجدولة‪ ،‬وال�شوارع والأزقة‬ ‫منظمة ب�شكل دقيق»‪.‬‬ ‫لقد �شكّلت رواية «الليدي بلنت» لرحلتها �أول‬

‫بعد نحو �سنة ون�صف ال�سنة من زيارة «الليدي‬ ‫�آن بلنت»‪ ،‬قام الرحالة الفرن�سي «ت�شارلز هوبر»‬ ‫�سنة ‪1880‬م بعبور منطقة الجوف في طريقه‬ ‫�إلى حائل‪ .‬كان اهتمام هذا الرحالة جغرافيا‪،‬‬ ‫لكنه قدم روايته بلغته الفرن�سية‪ ،‬مت�ضمنة كثيرا‬ ‫من المعلومات الجغرافية والتاريخية وال�سيا�سية‬ ‫وال�سكانية حول المنطقة‪ .‬ويمكن القول �إن ما‬ ‫قدمه «هوبر» كان مهم ًا في �أدب الرحلة الفرن�سي‬ ‫الخا�ص بالجزيرة العربية‪� ،‬إال �أنه مثل الرحالة‬ ‫الفنلندي «والن» لم يتح له القدر �أن يكتب روايات‬ ‫رحالته بنف�سه؛ �إذ قتل خالل رحلته الثانية �إلى‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬وهو في طريق عودته �إلى حائل‬ ‫قلت‪�« :‬إنني �أ�سافر الآن في �أر�ض البدو‪ ،‬ولي�س‬ ‫قادم ًا من جدة في نهاية �شهر مار�س ‪1884‬م‪ .‬فيها هدوء وراحة‪ ،‬وال �أحتاج امر�أة‪ ،‬و�إال لكنتُ قد‬ ‫كان هذا الرحالة في و�صفه محايد ًا �إلى حد كبير �صحبت �إحداهن من بلدي»‪.‬‬ ‫في يومياته‪ ،‬ولم ي�سجل انطباعاته ال�شخ�صية‬ ‫قالت‪« :‬ن�سا�ؤكم ل�سن معتادات على ال�سفر‪،‬‬ ‫كمن �سبقوه‪ ،‬بل حاول �أن يكون علمي ًا في ق�صته‬ ‫�أما �أنا فيمكنني ركوب الإب��ل لي ًال ونهارًا جيدً ا‬ ‫غير الكاملة‪.‬‬ ‫مثلي مثل الرجل»‪.‬‬ ‫�أت�ي��ح للرحالة الأل�م��ان��ي «يوليو�س �أويتنغ»‪،‬‬ ‫قلت‪« :‬لكنني ال �أملك �إال ذل��و ًال واح��دة فقط‬ ‫وال ��ذي زار منطقة ال �ج��وف ب��رف�ق��ة «ت�شارلز‬ ‫كما تعلمين»‪.‬‬ ‫ه��وب��ر» �سنة ‪1883‬م الفر�صة كاملة لتقديم‬ ‫قالت‪« :‬هذا ال يهمُ ؛ �سوف �أركب رديفًا لك‬ ‫روايته لرحلته في المنطقة‪ ،‬وقد قدمها ب�صيغة‬ ‫اليوميات التي تحوي تفا�صيل ما كان يجري معه‪ ،‬ب�شكل جيد؛ �إن�ن��ي ال �أح�ت��اج �إل��ى حبل وال �إل��ى‬ ‫�إ�ضافة �إل��ى �صراحته في التعبير عن م�شاعره رباط»‪.‬‬ ‫قلت‪« :‬حقًّا‪ ،‬ولكن يعلم اهلل �أنني �أق�ضي كل‬ ‫و�أحا�سي�سه وانطباعاته‪ .‬كما كان «�أويتنغ» فنانا‬ ‫ور��س��ام��ا‪ ،‬فر�سم بري�شته كثيرا م��ن الم�شاهد حياتي هائمًا في بالد موح�شة‪ ،‬و�إنني يومًا ما‬ ‫حياتهم اليومية و�أو�ضاعهم االجتماعية‪ .‬وهذا‬ ‫الحوار بين «�أويتنغ» و�إح��دى الن�ساء الزائرات‬ ‫للقرية التي عبرت عن رغبتها بالزواج منه عن‬ ‫هذا القرب‪ .‬يقول �أويتنغ‪ :‬ج��اءت‪ ..‬فتاة جميلة‬ ‫ذات �سبعة ع�شر ربيعًا تقريبًا تدعى «لهود»‪،‬‬ ‫وبب�ساطة و�سذاجة كبيرتين عبرت هذه الفتاة‬ ‫عن �أمنيتها ب�أن �أتزوجها‪ .‬كذلك كانت الأخريات‬ ‫ورائ ��ي ب�شكل دائ��ب ليقنعنني ب��ال��زواج‪ .‬كيف‬ ‫يت�سنى لي �إذً ا �أن �أدافع م�ؤيدً ا حججي بالرف�ض؟‬ ‫قد يتبين ذلك من هذا الحديث المثير للده�شة‬ ‫بيني وبين «لهود»‪:‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫وفج�أة و�صلنا �إلى حافة قاع‪ ،‬وهنالك من تحتنا‬ ‫امتدت واحة كبيرة من النخيل‪ ،‬يحيط بها �سور‬ ‫ذو �أب��راج متباعدة‪ ،‬وقرية �صغيرة التفت حول‬ ‫القلعة ال���س��وداء‪ .‬لقد و�صلنا ال�ج��وف‪ ..‬لي�ست‬ ‫الجوف كما توقعنا �أبدً ا‪ .‬لقد اعتقدنا �أنها بلدة‬ ‫وا�سعة ومعتنى بزراعتها‪ ،‬وتبيّن �أنها مجرد بلدة‬ ‫�صغيرة‪ .‬ال �شيء �إطالقًا خ��ارج الأ��س��وار‪� ،‬سوى‬ ‫ب�ضع ب�ساتين مربعة ال�شكل‪ ،‬كل منها نحو ن�صف‬ ‫فدان‪ ،‬مخ�ضرة بالحنطة حديثة الزرع‪ .‬وت�سقى‬ ‫هذه من �آبار‪ ،‬وتروى تمامًا مثل الب�ساتين داخل‬ ‫الأ�سوار‪ ،‬بمجا ٍر �صغيرة خطت ب�أنماط مختلفة‪.‬‬ ‫وفي الواقع كل حو�ض الجوف بالكاد يبلغ ات�ساعه‬ ‫ثالثة �أميال في �أو�سع نقطة منه‪»...‬‬

‫رواية تغطي كافة �أو�ضاع بلدات وقرى المنطقة وال�شخ�صيات التي قابلها‪ .‬وكانت ر�سوماته �أول‬ ‫الم�أهولة خ�لال فترة زيارتها‪ ،‬وبذلك �أخ��ذت ر�سومات لم�شاهد و�آثار و�شخ�صيات المنطقة‪.‬‬ ‫المنطقة ب�أكملها و�ضعها ف��ي �أدب الرحالة‬ ‫�أق��ام «�أويتنغ» فترة طويلة في قرية ك��اف‪..‬‬ ‫الأوروبي‪.‬‬ ‫فاختلط بال�سكان‪ ،‬واقترب منهم‪ ،‬وقدم تفا�صيل‬

‫‪69‬‬


‫�سوف �أعود �إلى موطني في بلد الم�سيحية‪ ،‬و�إلى‬ ‫هناك ال يمكنك حًّ قا الذهاب معي»‪.‬‬ ‫ق��ال��ت‪« :‬ل �م��اذا ال يمكن ذل��ك؟ ه��ل �سيقوم‬ ‫الم�سيحيون ب�ضربي حتى الموت و�أنا امر�أة؛ �أال‬ ‫يمكنك �أن تحمي �أنثاك؟ �إنه �سيكفيني للعي�ش‬ ‫اليومي حفنة برغل‪� ،‬أو حفنة �أرز وب�ضع تمرات؛‬ ‫و�أن ت�شتري لي ثوبًا �إذا ما احتجت �إل��ى واحد‬ ‫منها»‪.‬‬ ‫قلت‪�« :‬إن ه��ذا لهو �أق��ل �شيء‪ ،‬لكنني �أعلم‬ ‫م�سبقًا �أنه �إذا ما جئتِ �إلى بالدنا فلن تفهمين‬ ‫اللغة‪ ،‬و�سترين ب�شرًا غرباء‪ ،‬وبعد ذلك �سوف‬ ‫تقلقينني ط��وال الوقت بالنواح والح�سرة على‬ ‫�أمك و�أبيك»‪.‬‬ ‫قالت‪�« :‬أتح�سبني مغفلة �أو مخبولة‪ .‬لماذا ال‬ ‫يمكنني �أن �أتعلم لغتكم؛ وكيف يتعلم �أطفالكم؟‬ ‫خذني امر�أة لك‪ ،‬و�سوف �أظل كذلك‪� .‬أما ب�ش�أن‬ ‫وال��ديّ و�أ�شقائي ف�سوف لن تنب�س �شفتي بكلمة‬ ‫�شكوى واحدة»‪.‬‬ ‫ب�سال�سة وطالقة ل�سان لم تترك لي حجة‪.‬‬ ‫هكذا بد�أ مو�ضوع الزواج يتداول ويُطرق كل‬ ‫يوم‪ ،‬وكانت الأحاديث البريئة وال�ساذجة حقًّا‬ ‫مثار ت�سلية كبيرة‪ ،‬وال بد لي �أن �أُقر ب�أنني لم �أجد‬ ‫�أي فتاة ذات جر�أة‪ ،‬وبالتالي �سهلة االنقياد»‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫علي الجارد‪ ،‬وكيل �أمير الجوف في بلدة �سكاكة (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫�آلن بلنت‬

‫�إلى حائل‪� -‬إلى بلدة الجوف(دومة الجندل)‪،‬‬ ‫فمكث فيها عدة �أيام‪� ،‬أتاحت له و�صفها وتقديم‬ ‫معلومات تاريخية جديدة عنها‪ ،‬وج��اء و�صفه‬ ‫مختلفا عن غيره‪� .‬صادف وج��ود «�أويتنغ» في‬ ‫الجوف عيد الأ�ضحى لعام ‪1300‬ه� �ـ‪ ،‬فو�صف‬ ‫االح�ت�ف��ال بالعيد‪« :‬ج ��رى نحر �أح ��د الجمال‬ ‫ا�ستعدادًا لهذه المنا�سبة‪ ،‬وتمت عملية النحر‬ ‫ب�سيف قطعت به رقبة الجمل‪ ،‬وفي �أثناء عملية‬ ‫ال��ذب��ح وقفت الجمال الأخ ��رى دون �أي حركة‬ ‫�أو انفعال‪ ،‬و�أخ��ذت ال�ضحية وقتًا طوي ًال حتى‬ ‫�سقطت على الأر���ض‪ ،‬وظل الجمل يُلقي بر�أ�سه‬ ‫هنا وهناك وهو يئن ويتوجع حتى فا�ضت روحه‪.‬‬

‫ب�ه��ذه الكيفية ك��ان «�أوي �ت �ن��غ» ي�ق��دم الكثير‬ ‫بالقلم والري�شة حول تفا�صيل �أو�ضاع المنطقة‬ ‫وقد الحظت النا�س جميعهم وقد دبت بينهم‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية والعمرانية والثقافية طفرة نظافة‪ .‬و�أينما نظر الإن�سان في �أي ركن �أو‬ ‫والجغرافية والبيئية‪.‬‬ ‫زاوي��ة‪ ..‬يرى من يغ�سل ر�أ�سه �أو يحلق ذقنه‪� ،‬أو‬ ‫بعد ك��اف‪ ،‬رح��ل «�أويتنغ» ‪ -‬وه��و في طريقه ي�ستبدل لبا�سه‪ .‬وك�أنها بلدة عامرة ظهرت مرة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫قلعة مارد ومحيطها (هولت‪١٩٢٢ ،‬م)‬

‫داخل ق�صر مارد بدومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫ق�صر خزام بدومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫بعد تناول طعام الع�شاء‪ ،‬كان هناك اجتماع‬ ‫�آخ ��ر‪ ،‬ومقابلة م��ع ال�ع��دي��د م��ن ال��رج��ال �أم��ام‬ ‫ال�ب��واب��ة‪ ،‬وك��ان جوهر (ع��ام��ل ال�ج��وف) نف�سه‬ ‫يرتدي عباءة �سوداء جديدة‪ ،‬وكوفية �صفراء‬ ‫بخطوط حمراء‪ ،‬وقد �أعطاه هذا اللبا�س وقارًا‬ ‫في �أثناء زيارته‪ .‬قبع هنا �أكثر من خم�سين رج ًال‬ ‫خلف �سور �صغير في حلقة حول النيران في �أثناء‬ ‫�إعداد القهوة‪ ،‬وحتى الجنود الذين كانوا يقفون‬ ‫في البداية خلف جوهر‪ ،‬ويبلغ تعدادهم نحو‬ ‫ع�شرين رجالً‪ ،‬تلقوا �إ�شارة من جوهر بالجلو�س‪،‬‬ ‫وق��د و�ضع ك��ل منهم �سيفه م �غ��روز ًا �أم��ام��ه في‬ ‫الرمل‪ .‬ت�ل�ألأت النيران‪ ،‬وك��ان �ضو�ؤها �ساحرًا‬ ‫مع القمر‪ ،‬لأن ال�ضوء وانعكا�سه يعطي انطباعً ا‬ ‫حيًّا وجماليًّا و�سط تلك المجموعة المظلمة‪.‬‬ ‫انتهت هذه المنا�سبة واالحتفال بعد �أداء �صالة‬ ‫طويلة‪ ،‬وبعد �أحاديث طويلة»‪ .‬وي�ضيف �أويتنغ‬ ‫�إن ��ه‪« :‬عند الظهر تقريبًا ع��ادت ركائبنا من‬ ‫المرعى‪ ،‬وعند الع�صر قررنا �أن نركبها عبر‬ ‫ال��وادي �إلى �سور البلدة المائل في غربها‪ .‬وفي‬ ‫طريق عودتنا وق��رب غ��روب ال�شم�س �شاهدنا‬ ‫منظرًا عجيبًا ر�سخ في ذاكرتي‪ ،‬لم �أ�شاهد مثله‬ ‫ثانية ط��وال رحلتي‪ .‬ففي �سهل وا�سع وف�سيح‪،‬‬ ‫جرت رق�صات رائعة‪� ،‬إذ وقف �صفان متقابالن‪،‬‬ ‫تف�صل بينهما ع�شرون خطوة‪ ،‬في ال�صف الأول‬ ‫عدد من الفتيات‪ ،‬وفي ال�صف الثاني عدد من‬ ‫الفتيان وف��ي الو�سط وقفت فتاتان ترق�صان‬ ‫بر�ؤو�س مك�شوفة و�شعر م�سدول �إلى الخلف‪ .‬بد�أ‬ ‫الرق�ص على �شكل خطوات ق�صيرة للأقدام‪ ،‬مع‬ ‫فرد الأذرع حيث تتقارب ال�صفوف وتتباعد‪ ،‬ثم‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫واحدة على وجه الأر�ض‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫غ��ادر «�أويتنغ» الجوف ولم ين�س �أن يودعها‬ ‫قائالً‪« :‬عند حافة المرتفع �ألقينا نظرة وداعية‬ ‫على تلك الواحة الوادعة خلفنا»‪.‬‬ ‫تعاقب على منطقة ال �ج��وف بعد «�أوي�ت�ن��غ»‬ ‫رحالة �آخرون‪ ،‬وكان من �أهمهم الرحالة الالتفي‬ ‫«البارون �إدوارد نولده» الذي عبر المنطقة �إلى‬ ‫حائل �سنة ‪1893‬م‪ ،‬والرحالة الت�شيكي «الوي�س‬ ‫مو�سيل» في �سنتي ‪1909‬م‪ ،‬و‪1915‬م‪ .‬لم يقدم‬ ‫«نولده» في روايته الكثير عن المنطقة‪ ،‬فقد كان‬ ‫في مهمة �سيا�سية �إلى و�سط الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫ويعد ما كتبه مهم ًا في ال�سياق ال�سيا�سي ولي�س في‬ ‫�أدب الرحلة‪� .‬أما الرحالة والعالم الكبير «الوي�س‬ ‫مو�سيل»‪ ،‬فقد قدم الكثير‪ ،‬ويعّد كتابه «ال�صحراء‬ ‫العربية» من �أهم كتب �أدب الرحالت في �شمالي‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬وق��د �شكلت منطقة الجوف‬ ‫و�أو�ضاعها وقبائلها جوهر محتوى هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ما بين هذين الرحالين كان هناك المب�شر‬ ‫«ارت�شيبالد ف��وردر» ال��ذي زار المنطقة مب�شر ًا‬ ‫بالم�سيحية في �سنة ‪1901‬م‪ ،‬لكن و�صفه لرحلته‬

‫خاتمة‬ ‫حظيت منطقة ال�ج��وف بمكانة خا�صة في‬ ‫�أدب الرحلة الأوروب� ��ي �إل��ى ال�ج��زي��رة العربية‬ ‫لأهمية موقعها في �شمالي الجزيرة العربية؛‬ ‫فكانت بوابتها �شما ًال وجنوباً‪� ،‬إذ عبرها عدد‬ ‫من الرحالة الأوروبيين المهمين‪ ،‬الذين �أ�سهموا‬ ‫في �إثراء �أدب الرحلة الأوروبي للجزيرة العربية‬ ‫مثل‪ :‬الرحالة الفنلندي «جورج �أوغ�ست والن»‪،‬‬ ‫والرحالة البريطاني «وليم غيفورد بلغريف»‪،،‬‬ ‫وال��رح��ال��ة الإي �ط��ال��ي «ك�ل�اودي��و غ��وارم��ان��ي»‪،‬‬ ‫والرحالة البريطانية «الليدي �آن بلنت»‪ ،‬والرحالة‬ ‫الفرن�سي «ت�شارلز هوبر»‪ ،‬والرحالة الألماني‬ ‫«يوليو�س �أويتنغ»‪ ،‬والرحالة الالتفي «البارون‬ ‫�إدوارد ن��ول��ده»‪ ،‬وال��رح��ال��ة الت�شيكي «الوي�س‬ ‫مو�سيل»‪ .‬لم يقدم ه�ؤالء الرحالة معلومات ذات‬ ‫�أهمية بالغة لتاريخ منطقة ال�ج��وف ف��ي هذا‬ ‫النوع من الأدب وح�سب‪ ،‬بل قدموها بفي�ض من‬ ‫الأحا�سي�س المتوهجة لما يت�أ�صل فيها من عبق‬ ‫التاريخ‪ ،‬و�أريج الأر�ض و�سخائها‪ ،‬وعمق االنتماء‪،‬‬ ‫وكرم الأهل‪.‬‬

‫(‪ )1‬عو�ض البادي‪ ،‬الرحالة الأوروبيون في �شمال الجزيرة العربية‪ :‬منطقة الجوف (الجوف‪ :‬نادي الجوف الأدبي‬ ‫الثقافي‪2011 ،‬م)؛ عو�ض البادي‪ ،‬الرحالة الأوروبيون في �شمال و�سط الجزيرة العربية‪ :‬منطقة حائل (حائل‪:‬‬ ‫نادي حائل الأدبي الثقافي‪2014 ،‬م)‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫نماذج من �أدب الرحالت‬

‫رحلة المرايا المه�شمة‬ ‫ال�صعود �إلى الجبل الأخ�ضر‬

‫(‪)1‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫مرة واحدة �أدارت الفتاتان ظهريهما لبع�ضهما‬ ‫و�أمالتا ر�أ�سيهما �إلى الخلف‪ ،‬وحركتاهما نحو‬ ‫بع�ضهما‪ .‬وق��ام �صف الفتيات بالت�صفيق لهما‬ ‫و�أي��دي�ه��ن متعامدة ف��وق ��ص��دوره��ن‪ .‬وف��ي هذه‬ ‫الأثناء كان الفتيان يترا�صون في الجهة المقابلة‪،‬‬ ‫وقد الت�صقت مناكبهم و�سيوفهم �أمامهم‪ ،‬وكانوا‬ ‫يغنون معًا ب�صورة �سريعة‪ ...‬لقد قيل لي �إن هذه‬ ‫الرق�صة ت�سمى الدّحة»‪.‬‬

‫كان مرتبط ًا بهدفه‪ ،‬ولم يعّد عمله مهم ًا في �أدب‬ ‫الرحلة‪ .‬وتبعه ال�ضابط البريطاني «���س‪� .‬س‪.‬‬ ‫بتلر» �سنة ‪ 1908‬وقد قدم و�صف ًا مهم ًا ومعلومات‬ ‫مهمة حول و�ضع المنطقة‪ ،‬قدمها في محا�ضرة‬ ‫عامة‪ ،‬لكنها �أي�ض ًا ال ُتعَد �ضمن �أدب الرحلة‪ ،‬وفي‬ ‫هذا ال�سياق �أي�ض ًا يمكن و�ضع رحلة «�سانت جون‬ ‫فيلبي» �سنة ‪1922‬م �إلى منطقة الجوف‪.‬‬

‫لل�شاعر العماني �سيف الرحبي‪.‬‬ ‫■ �سعيد بوكرامي ‪ -‬املغرب‬

‫(‪)1‬‬

‫�أ�صبح االبتعاد الم�ؤقت �أو الدائم عن الوطن �أحد المو�ضوعات الأكثر �إثارة في �أدب الحداثة‬ ‫وما بعد الحداثة‪ .‬لأن المفهوم عموما ظهر ك�شرط وجودي ومعرفي للأديب العابر للف�ضاءات‬ ‫�أو المنفي في هذه الف�ضاءات‪ ،‬التي تتحول جماليا �إلى �سياقات مجازية موغلة في تجربة ال�سفر‪,‬‬ ‫المف�ضية بال�ضرورة �إلى تغييرات في الهوية ال�شخ�صية والجغرافيات الرمزية الجديدة التي‬ ‫ي�شكك الأديب الرحالة في ثوابتها المعتادة؛ لأن الحالة االبداعية نف�سها غير م�ستقرة‪ ،‬فهي‬ ‫ت�سعى دائما �إلى خلق ت�صادم خلاّ ق بين المركز والهام�ش‪ ،‬بح�سا�سية م�ستك�شفة ونظرة ثاقبة‪.‬‬ ‫كان الإن�سان دائما مدفوعا وفي كل الع�صور‬ ‫بالرغبة في اكت�شاف بلدان وثقافات �أخ��رى‪،‬‬ ‫والتعرف �إلى �أ�شخا�ص �آخرين‪ ،‬ثم تقديم �شهادة‬ ‫عن عبوره‪ .‬وهذا ما جعل �أدب الرحلة يجترح‬ ‫لنف�سه ن��وع��ا �أدب �ي��ا مهما زاخ ��ر ًا بالمعطيات‬ ‫الثقافية واالجتماعية والأنتربولوجية‪.‬‬

‫و�أحمد محمد ح�سنين‪( :‬في �صحراء ليبيا)‪،‬‬ ‫وطاهر �أبو فا�شا (وراء تمثال الحرية)؛ و�أمين‬ ‫الريحاني‪( :‬المغرب الأق���ص��ى)؛ وم�صطفى‬ ‫محمود‪( :‬مغامرة في ال�صحراء – الغابة)؛‬ ‫وعبدالفتاح رزق‪( :‬م�سافر على الموج ‪ -‬رحلة‬ ‫�إل��ى �شم�س المغرب)؛ وخيري �شلبي‪( :‬فالح‬ ‫م�صري في ب�لاد الفرنجة)؛ وتركي الدخيل‪:‬‬ ‫(�سعوديون ف��ي �أم��ري�ك��ا)؛ وغ��ازي الق�صيبي‪:‬‬ ‫(العودة �سائحا �إلى كاليفورنيا)‪ .‬وعبدالرحمن‬ ‫بن زيدان‪( :‬رحلة �إلى اليابان) وغيرهم‪.‬‬

‫من بين ه ��ؤالء الأدب��اء العرب الرحالة في‬ ‫ع�صرنا الحالي‪ ،‬الذين كتبوا �أدب رحلة معا�صر ًا‬ ‫ومغايراً‪ ،‬نذكر‪ :‬محمود تيمور‪�( :‬أبو الهول يطير‬ ‫ �شم�س وليل)؛ و�أني�س من�صور‪( :‬حول العالم‬‫لكن �سنوات الت�سعينيات �ستعرف بروز �أدباء‬ ‫في ‪ 200‬ي��وم ‪ -‬اليمن ذل��ك المجهول ‪ -‬بالد‬ ‫اهلل خلق اهلل ‪� -‬أعجب الرحالت في التاريخ)؛ جدد قدموا لأدب الرحلة من ال�شعر والرواية‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪73‬‬


‫‪74‬‬

‫ه��ذا االه�ت�م��ام ب� ��أدب ال��رح�ل��ة ف��ي ع�صرنا‬ ‫ال�ح��ال��ي ت�ج��اوز ال��در���س الأك��ادي �م��ي النمطي‪،‬‬ ‫و�أ�صبح له ق��راء �شغوفون بهذا الأدب الزاخر‬ ‫بالده�شة‪ ،‬وال���ش�ع��ر‪ ،‬والأم �ك �ن��ة‪ ،‬وال�ط��رق��ات‪،‬‬ ‫والأح�لام‪ ،‬والخيبات‪ ،‬دفق من اللغة الجديدة‬ ‫المحتفية بالواقع الواخز للر�ؤية تارة‪ ،‬والمنع�ش المفتوحة‪ ،‬ل�ش�ساعة تجاربه وت�شعبها‪ ،‬وانفتاحه‬ ‫للحوا�س الم�ستنفرة ب�إيقاع الرحلة ال�سابرة على الح�سا�سيات الجديدة والمتجددة‪ .‬ويمكننا‬ ‫القول كذلك �إن الرحلة الأدبية نافذة مفتوحة‬ ‫للعوالم المجهولة تارة �أخرى‪.‬‬ ‫على‪ :‬النثر‪ ،‬وال�شعر‪ ،‬وال�سيرة الذاتية‪ ،‬وال�سيرة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الغيرية‪ ،‬والأنتربولوجيا‪ ،‬وال��دي��ن‪ ،‬والتاريخ‪،‬‬ ‫من النافذة يبد�أ ال�شاعر �سيف الرحبي توقه‪،‬‬ ‫والجغرافية‪ .‬تلتقط الرحلة من هذه الأبعاد ما‬ ‫الكت�شاف ما وراء الأمكنة المغلقة‪ .‬ومنها �أي�ضا‬ ‫يوافق ثقافة الرحالة وا�ستراتيجيته لت�أليف رحلة‬ ‫يبد�أ الحلم برحلة نحو الواقع الحقيقي وم�سالكه‬ ‫بموا�صفات معينة‪.‬‬ ‫الفاتنة‪ .‬هكذا يعقد ال�شاعر العماني الكبير‬ ‫�إن الرغبة في تقديم �شهادة لقراء محتملين‬ ‫�سيف الرحبي �أوا��ص��ر اللقاء بقرائه؛ م�ؤججا‬ ‫�أفق التلقّي‪ ،‬ومحفّزا نوا�صي الت�أويل في رحلته �ستدفع الكاتب ال��رح��ال��ة �أو ال��رح��ال��ة الكاتب‬ ‫المو�سومة ب «ال�صعود �إلى الجبل الأخ�ضر»(‪� .)2‬أن يكون و�صفه للأماكن �شامال وبعيدا عن‬ ‫ت�ؤ�شر ه��ذه البداية على رغبة جامحة لك�سر التغريب‪ ،‬معبرا عن م�شاعره ومخاوفه‪ ،‬و�ساعيا‬ ‫زجاج اللغة والحياة واالنطالق في وهاد المكان لفهم الواقع‪ ،‬المنزاح �أمامه كم�شاهد م�سرحية‪.‬‬ ‫الق�صي والوعر وال�سحري‪ ،‬ق�صد ت�شييد كيان وهذا يجعل القارئ �أمام رحلة مزدوجة‪ :‬الرحلة‬ ‫جديد ولغة جديدة بح�سا�سية جديدة‪.‬‬ ‫في المناطق النائية‪ ،‬ورحلة داخلية يكت�شف من‬ ‫يحلو للنقد الفني �أن ي�سمي الفن بالنافذة خاللها الرحالة نف�سه؛ ومن ثمَّ ‪ ،‬فالقارئ ي�شارك‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�إن ع�لاق��ة �سيف ال��رح�ب��ي بالجبل �شبيهة‬ ‫بعالقة بول �سيزان بجبل بلدة «�سانت فيكتوار»‪،‬‬ ‫الذي ارتبط به هذا الفنان الثوري في عالم الفن‪،‬‬ ‫بحيث ر�سم عنه �أكثر من ثمانين لوحة ج�سّ د‬ ‫فيها مناظره الطبيعية و�إيحاءاته الرمزية‪� .‬شيء‬ ‫غريب ومده�ش �أن ي�صرف الفنان �سنوات طويلة‬ ‫لر�سم الجبل نف�سه‪ ،‬ولفرط ع�شق �سيزان لهذا‬ ‫الجبل كان يرتقيه بوتيرة �شبه يومية‪ ،‬را�صدا‬ ‫زواي��اه وانعكا�سات ال�ضوء وتحوّالته الف�صلية؛‬ ‫ومن عجيب ال�صدف‪� ،‬أنه �سقط في حالة غيبوبة‬ ‫وهو ي�صعد الجبل نف�سه‪ ،‬ومات بعدها ب�أيام‪.‬‬ ‫وال يمكن �أن ننكر كذلك الح�ضور الثريّ‬ ‫للجبل في الأدب �ي��ات العالمية �سواء الغربية‪/‬‬ ‫الجبل ال�سحري لرائعة توما�س م��ان‪ ،‬وعند‬ ‫�شاتوبريان والمارتين وريلكه وجان جيونو‪� ،‬أو‬ ‫العربية؛ وعلى �سبيل المثال‪ ،‬نذكر ح�ضور جبل‬ ‫التوباد في ال�شعرية العربية القديمة‪� .‬إن الزخم‬ ‫الذي تمنحه الجبال في الثقافات العالمية دليل‬ ‫على ارتباط الإن�سان ثقافيا ووجدانيا وروحيا‬ ‫بالمرجعية الأ�سطورية والدينية للجبل‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫والق�صة‪ ،‬نذكر منهم‪ :‬محمد الحارثي‪( :‬عين‬ ‫وج �ن��اح)؛ و�سعد ال�ق��ر���ش‪�( :‬سبع ��س�م��اوات)؛‬ ‫ووارد بدر ال�سالم‪( :‬رحلة �إلى جبال الهماليا‬ ‫الهندية)؛ و�أح�م��د ه��ري��دي‪( :‬تون�س البهية)؛‬ ‫ويو�سف رخ��ا‪( :‬بورقيبة على م�ض�ض)؛ وخليل‬ ‫النعيمي‪( :‬كتاب الهند‪ :‬الحج �إلى هاري‪-‬دوار)‪،‬‬ ‫و�أمجد نا�صر‪( :‬في بالد ماركيز) �أو غيرها من‬ ‫الن�صو�ص‪.‬‬

‫في هذه المغامرة‪ ،‬ك�أن هناك اتفاقا �ضمنيا بين‬ ‫الكاتب الرحالة والقارئ الذي يطالب بحكايات‬ ‫مثيرة عن جغرافيات ال يعرفها؛ وهكذا ي�صبح‬ ‫اكت�شافنا للجبل الأخ�ضر هو اال�ستك�شاف نف�سه‬ ‫الذي خا�ضه الرحالة �سيف الرحبي بين مدارج‬ ‫الجبل الق�صي والع�صي كق�صيدة م�ستحيلة‪.‬‬

‫دم�شق‪� ،‬أحاول الكتابة �شعرا ونثرا‪ ..‬ذات �صباح‬ ‫معطر باليا�سمين الدم�شقي الأثير �إلى القلب‬ ‫الراحل نزار قباني‪ ،‬و�أنا �أ�شرب القهوة الأكثر‬ ‫فتنة و�سحرا في ذلك الجو ال�صباحي المبكر‪،‬‬ ‫ظهر لي الجبل الأخ�ضر‪ ،‬مجرة حنين و�أحداثا‬ ‫و�سالالت‪ ..‬حاولت ت�سلقه كتابيا‪ ،‬ب�أدوات وج�سد‬ ‫لم يتعودوا ت�سلق مثل هذه الوعورة والغمو�ض‪..‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك م�ضيت في التجربة‪.‬‬ ‫وه��ك��ذا ول� ��دت ت �ل��ك ال �ق �� �ص �ي��دة ال�ط��وي�ل��ة‬ ‫ب��أ��ص��وات�ه��ا وع�ث��رات�ه��ا‪ ،‬وال �ت��ي و�سمت الكتاب‬ ‫بكامله‪ ،‬حاولت ت�سلق الجبل الأخ�ضر كتابيا‪،‬‬ ‫مثلما �أح��اول اللحظة ت�سلقه واقعا و�إقامة‪ ،‬ولو‬ ‫ب�شكل عابر‪�...‬ص ‪ .)72/71‬ثم �أتيحت فر�صة‬ ‫الرحلة الأولى في مطلع الت�سعينيات خالل ف�صل‬ ‫ال�شتاء‪ .‬الرحلة الأولى م�ستع�صية لظروفها غير‬ ‫المي�سّ رة‪ ،‬فلم يكتب لها التدوين ب�صفة �شاملة‪،‬‬ ‫لكنها مع ذلك تحققت �شرارتها الأولى‪�( :‬أتذكر‬ ‫�أني دوّنت مالحظات �سريعة‪ ،‬لم �أعد الحقا �إلى‬ ‫�صوغها في �سياق‪ ..‬منها لقطات ن�سور م�سنة‬ ‫�أثقلها البرد وال��زم��ن‪ ،‬تحلق ذات �صباح على‬ ‫منحدرات «الفيا�ضية»‪� ...‬ص ‪.)23‬‬

‫�أم��ا ال��رح�ل��ة ال�ث��ان�ي��ة‪ ،‬فكانت خ�لال ف�صل‬ ‫ال�صيف‪( :‬ف��ي ه��ذه الرحلة نحو الجبل‪ ،‬كان‬ ‫ال�صيف على �أ�شده‪ ،‬وكان الهرب �إلى واحة الجبل‬ ‫الأخ�ضر �أحد الحلول المطروحة‪ ..‬على �سطح‬ ‫الجبل‪ ،‬وتوائمه من الجبال بالغة العلوّ‪ ،‬يمكنك‬ ‫تبد�أ رحلة �سيف الرحبي مع الجبل الأخ�ضر �أن تتبين الف�صول ومعالمها و�صفاتها‪ ،‬على‬ ‫قبل ال�شروع في الرحلة فعليا‪ ،‬قبل �سنوات خلت عك�س مدن ال�سهل وقراه‪ ،‬التي من هيمنة الجو‬ ‫عندما ��ص��رح ق��ائ�لا‪( :‬ك�ن��ت ع��ام ‪1979‬م في الحار والغبار الكوكبي والأر�ضي‪� ..‬ص ‪ .)24‬في‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪75‬‬


‫(‪)3‬‬

‫‪76‬‬

‫ي�شبه عرين �أ�سود‬ ‫تتجه بر�ؤو�سها الوبرية الغا�ضبة‬ ‫نحو البحر‪..‬‬ ‫ويتبدى حين يكون الجو غائما‪ ،‬على �شفا‬ ‫مطر‪� ،‬سفينة �أ�سطورية‬ ‫ت�����ش��ق ع���ب���اب ال� �ط ��وف ��ان وال� ��زم� ��ن وغ �ب��ار‬ ‫ال�����ص��ح��راء‪ ،‬حاملة م��ن ك��ل زوج��ي��ن اثنين‪،‬‬ ‫يقودها ال��ر ّب��ان ال��ذي �سيتحول الحقا �إلى‬ ‫رم ��ز لإن �ق��اذ ال�ب���ش��ري��ة ال �ت��ي �أ� �ش��رف��ت على‬ ‫االنقرا�ض والمحاق) �ص ‪.12‬‬

‫نعلم �أن ال��رح�ل��ه جن�س �أدب ��ي ت�ن�ع��دم فيه‬ ‫�ضوابط النوع‪ ،‬لأنه �سرد متلون‪ ،‬وعلى ا�ستعداد‬ ‫دائ��م ليكون مكتوبا في �أ�شكال �أخ��رى منفتحة‬ ‫على �أج�ن��ا���س �أخ���رى‪ ،‬يتنا�ص معها ب�سخاء‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك ال��رح�ل��ة الأدب �ي��ة عند �سيف الرحبي‪،‬‬ ‫فهي تزخر بمرجعيات عديدة تذوب في كتابته‬ ‫الرحلية على الن�سق التالي‪( :‬ال�سرد‪ ،‬الو�صف‪،‬‬ ‫اال�ستطرادات)‪ ،‬هذا الن�سق الأ�سلوبي في رحلة‬ ‫�سيف الرحبي تعقبه �إم��ا تعليقات �أو مقاطع‬ ‫يتقدم الرحالة ف��ي ه��ذا المكان الغام�ض‬ ‫�شعرية‪.‬‬ ‫والموغل في الأ�سطورة محتفي ًا باال�ستثناء الذي‬ ‫الرحله تقوم‪� ،‬إذاً‪ ،‬على تقاطع هذه الثوابت يحظى به وهو بين مناظره الطبيعية الفريدة‪.‬‬ ‫الخطابية الثالثة؛ ي�ستعيرها الكاتب بالتناوب معبرا في ذات الوقت عن ا�ستحالة التوا�صل مع‬ ‫على �شكل وظائف بالغية؛ تميز �أ�سلوبه وتمنحه مكان يفوق اللغة ويتجاوزها بذاكرته وتاريخه‬ ‫حرية اللعب‪ .‬ه��ذا المنهج ال�ع��ام ف��ي الكتابة و�أ��س��اط�ي��ره‪( :‬ال�ع�ن��اق ال��ذي ال يمكن �أن تعبر‬ ‫الرحلية ال نجده �إال عند ال�شعراء الرحالة‪� ،‬أو عنه الكلمات وال�صور‪� )...‬ص‪( ،12‬لكن عناق‬ ‫الرحالة ال�شعراء‪ .‬وطبعا ما دام ال�شاعر رحالة ال�صخرة وجذور ال�شجرة ظل هو مركز الروح‬ ‫بطبعه‪ ،‬وال�شعر رحلة في جوهره‪ ،‬ف�إننا نطلق المت�شظية في هذا الف�ضاء المهيب؛ ظل الأكثر‬ ‫�صفة الرحالة على �سيف الرحبي بكل اطمئنان‪ ،‬مهابة روحية وت�أمال؛ �أكثر انغرا�سا في الذاكرة‬ ‫بعدما راكم عددا من الن�صو�ص الرحلية التي التي لم يزدها هذا العناق المترامي �إال عذابا‬ ‫تحمل ب�صمة �شاعرية تذيب الطابع التوثيقي وتيها‪ ،‬ك�أنما كل تلك الح�شود من ال�سنين‪ ،‬كل‬ ‫التقريري الذي يطغى على بع�ض الرحالت التي تلك الحروب والبعاد‪ ،‬لم تزده �إال ن�ضارة وخفاء‬ ‫لم يكتبها �شعراء‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬يمكن القول �إن ي�ستحيل �سبر �أغ ��واره الدفينة المتراكمة‪)..‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫(‪)4‬‬ ‫من بين الأ�شياء التي يبحث عنها الكاتب‬ ‫ف��ي الجبل الأخ���ض��ر‪ ،‬نجد الطفولة البعيدة‪:‬‬ ‫(ف��ي طفولة بعيدة‪ ،‬على رغ��م م��رور �سنواتها‬ ‫ال�سريعة‪ ،‬ظلت ب�سكونها العميق‪ ،‬م�شهد بهاء‬ ‫ف��ي ال ��ذاك ��رة‪ ،‬وع�ل��ى ان��ف��راط ت��ل��ك ال�سنوات‬ ‫وتعاقبها؛ ظلت ك�أنما في ح�ضرة الأب��د وخارج‬ ‫�إع�صار الزمان‪ .‬منذ عهود طفولتنا البعيدة‪،‬‬ ‫في الداخل الحجري لعمان‪ ،‬والجبل الأخ�ضر‪،‬‬ ‫ي�سكن خ�ي��االت تلك الطفولة الغ�ضة وع�ش�ش‬ ‫فيها‪ ،‬حكايات وخرافات‪ ،‬جبا ًال وتال ًال تتنا�سل‬ ‫من مراب�ضه الغيبية‪ ..‬طيورا كوا�سر‪ ،‬وحروبا‬ ‫ال تهد�أ في رقعة التاريخ‪� ،‬إال وت�ستمر ويطول‬ ‫ا�ستمرارها في الوع��ي الجماعات وف��ي خيال‬ ‫الطفولة والمراهقة الملتهب‪� ..‬ص‪.)14‬‬ ‫لكن الما�ضي بالن�سبة لل�شاعر الرحالة‪ ،‬لي�س‬ ‫معينا جافا و�أطالال مهجورة‪ ،‬بل معينا خ�صبا‬ ‫وا��س�ت�ع��ادة خ�لاق��ة‪ ،‬تنبج�س لغة وا��س�ت�ع��ارات‬ ‫وت�ك��وي�ن��ا �إب��داع �ي��ا ج��دي��دا وم��راج �ع��ة للوعي‬ ‫وا�ستمرارية نحو الم�ستقبل‪.‬‬ ‫بهذا الوعي وهذه الح�سا�سية ي�صبح الجبل‬ ‫القا�سي وال���ش��اق وال�صلد ك�ن��زا م��ن التاريخ‬ ‫الجمعي ال�شفهي وال �م �ك �ت��وب‪ :‬ح�ك��اي��ات عن‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الجبل الأخ�ضر تبرز تدرّجات الف�صول‪ ،‬ويمكن‬ ‫للرحالة �أن ينعم بهواء رطب بعيدا عن مكيفات‬ ‫ال�ه��واء‪ ،‬يمكنه �أي�ضا �أن ينام بال �أرق‪ .‬الجبل‬ ‫الأخ�ضر يتحول �إلى ح�ضن رحيم يف�سح المجال‬ ‫للذكريات و�صفاء الر�ؤية ودقة المالحظة وفي�ض الجبل الأخ�ضر‬ ‫وهو ي�سترخي في ظهيرة قائظة‬ ‫ال�صور ال�شعرية‪.‬‬

‫رحالت ال�شعر �أكثر �شاعرية‪� ،‬إذ يح�ضر الوعي‬ ‫ال�شعري لغة ون�سقا ودالالت بين طيات تفا�صيل‬ ‫الرحلة ووقائعها‪ .‬ولكي نمثل لهذا االدع��اء‪،‬‬ ‫�إليكم مفتتح الرحلة‪:‬‬

‫���ص‪ .13‬هل �أ�صبح الجبل الأخ�ضر عند �سيف‬ ‫ال��رح�ب��ي ذري �ع��ة ال��س�ت��رج��اع ذاك���رة �ضائعة؟‬ ‫وهل فعل الرحالة نف�سه ج�سرا روحي ًا وفكري ًا‬ ‫و�إبداعي ًا لكتابة ن�ص �آخر مختلف ومفقود �أي�ضا‪.‬‬ ‫هل يق�ضي المبدع حياته جميعه ًا وهو يبحث عنه‬ ‫في الأمكنة والأزمنة والعالقات الوجودية؟‬

‫القبائل العمانية (بنو ري��ام‪ ،‬بنو رواح��ة‪� ،‬أهل‬ ‫�سمائل‪ ،‬و�سكان �صحار‪ ،‬نزوى‪ ،‬م�سقط‪� ،‬صور‪،‬‬ ‫ظفار‪� ،‬سرور‪ ،‬وادي من�صح‪ ،‬وادي الطائيين‪،‬‬ ‫وادي �سمائل‪ ،)...‬وال�شعراء (�أبو م�سلم‪ :‬نا�صر‬ ‫بن �سالم البهالني ال��رواح��ي) وق��ادة الحروب‬ ‫القديمة (محمد نور‪� ،‬أحمد ابن �سعيد‪ ،‬الجلندي‬ ‫بن م�سعود‪ ،‬ورد بن زياد‪ ،‬حف�ص بن را�شد‪)...‬؛‬ ‫وبهذا �أ�صبح الجبل م�صدرا للتاريخ العماني‬ ‫كما يقول الكاتب‪( :‬من هذه المنطقة الوعرة‬ ‫النائية‪ ،‬ك��ان العمانيون ي�شاركون بح�سم في‬ ‫�أح��داث العالم و�ش�ؤونه التجارية وال�سيا�سية‬ ‫والثقافية والمختلفة‪� ..‬ص ‪.)62‬‬ ‫وال يخلو هذا التاريخ من الخلفية الأ�سطورية‬ ‫التي تطبع عادة الجبال العربية‪ .‬ي�صرح الكاتب‬ ‫قائال‪( :‬لم يكن ذلك الجبل الواقعي الراب�ض‬ ‫على مقربة م��ن ق��رى طفولتنا‪� ،‬إال �أ�سطورة‪،‬‬ ‫ول��م يكن للواقع والتاريخ المتراكم �إال ظالل‬ ‫الأ��س�ط��ورة التي تغذيها رواف��د خ��راف��ات �شتى‬ ‫كثيرة المرايا وال�سحرة والأ�شباح‪ ،‬كما �أنا�شيد‬ ‫البطولة والقتال في الذاكرة‪� ...‬ص ‪.)17‬‬ ‫بحث ال�شاعر الرحالة في الذاكرة والمكان‬ ‫ال يتوقف عن ارتقاء م��دارج الأ�سطورة‪ .‬يقول‬ ‫ف��ي م�ك��ان �آخ ��ر‪( :‬ال��ذاك��رة وحكاياتها‪ ،‬ترفع‬ ‫الواقع وكائناته وحوادثه �إلى م�ستوى الأ�سطورة‬ ‫وم���ص�ب��ات�ه��ا‪ ،‬وب �خ��ا� �ص��ة ف��ي خ �ي��ال الأط �ف��ال‬ ‫الجبليين‪ ،‬ذلك الخيال الذاهب في البدايات‬ ‫الأول ��ى �إل��ى تلم�س �أ��ش�ي��اء ال��وج��ود وال�ع��ال��م‪..‬‬ ‫�ص‪.)18‬‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ك��ان ال�شاعر ط��وال الرحلة حائرا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪77‬‬


‫�إن ت�أثير المرجعية ال�شعرية وا��ض��ح بكل نف�سه‪ ،‬كانت الرحلة فر�صة للتعرف على الذات‬ ‫ت�أكيد‪ .‬كما �أن دُرب��ة ال�شاعر على المزج بين وما يتغلغل داخلها‪.‬‬ ‫ال�شعري والنثري في ن�صو�صه التي �أ�صبحت‬ ‫الرحلة لي�ست في الواقع‪ ،‬حيازة هوية بديلة‪،‬‬ ‫تحمل ب�صمة خا�صة‪ ،‬يمكن التعرف عليها حتى و�إن �م��ا معرفة وترميم الهوية الأ��ص�ل�ي��ة‪ .‬هذا‬ ‫و�إن حجبنا ا�سم كاتبها‪.‬‬ ‫التفاعل الكامل والحقيقي الذي حققه الرحالة‬ ‫ا�ستدعى وعيا جديدا ب�أهمية الما�ضي الذي لم‬ ‫(‪)5‬‬ ‫يعد يبدو عالما بعيدا‪ ،‬ولكن جزءا من المكان‬ ‫عم يبحث ال�شاعر الرحالة في رحلته �إلى الأ��ص�ل��ي و��ش�ج��رة الأ� �س�لاف ال�ت��ي منها يبد�أ‬ ‫الجبل الأخ�ضر؟‬ ‫الم�ستقبل‪.‬‬ ‫ن�لاح��ظ منذ ب��داي��ة ال��رح�ل��ة �أن ال�شاعر‪/‬‬ ‫ويمكن �أن نف�سر ول��ع الرحالة بالبحث عن‬ ‫الرحالة يبحث عن هويته ال�شخ�صية‪ ،‬من خالل ال �ع��ادات والتقاليد وق��واع��د ح�ي��اة الأ� �س�لاف‬ ‫تاريخ الأ�سالف‪.‬‬ ‫بتاريخهم و�أ�ساطيرهم التي �ساعدته في تطوير‬

‫‪78‬‬

‫في الواقع الرحلة عند �سيف الرحبي لي�ست تجربته ك�شاعر‪ ،‬وت�ح��دي��د �سماته ومظهره‪،‬‬ ‫ف�ق��ط ن �ت��اج ال �م��راج��ع الأخ�لاق �ي��ة والمعرفية برغبته الم�شروعة ف��ي ت�أ�سي�س خ�صو�صية‬ ‫المعقّدة التي حددها العالم الذي يعي�ش فيه‪� ،‬إبداعية وثقافية فردية ثرية والنهائية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫■ حممد ال�شحري ‪ُ -‬عمان‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫مترددا من الف�شل في تفكيك �شيفرة الجبل لغة ولي�ست فقط نتيجة مبا�شرة لل�سلف الذي ينحدر‬ ‫ورموز ًا ومعنى‪ .‬ومنه �صفة الأخ�ضر الم�ستحيلة‪ .‬منه‪.‬‬ ‫وب��ي��ن م �ع��ال��م ال �ح �ج��ر ال �غ��ام ����ض ب��ال��رم��وز‬ ‫�إن الهوية بالن�سبة �إليه‪ ،‬هي نتيجة لم�سار‬ ‫واال�ستعارات‪ .‬ي�صر ال�شاعر على الإق��ام��ة في ف��ردي طويل‪ ،‬ورحلة غريبة و�شاقة اختار �أن‬ ‫قلب الخرافة والخيال‪ ،‬م�صحوبا بذاكرة مبلبلة ي�ق��وم بها بعد التخلي ع��ن ج��زء م��ن طقو�سه‬ ‫وخطوات ت�صعد ال��ذروة ب�أحالم ال�شاعر وروح اليومية المعتادة‪ ،‬التي تتحكم‪ ،‬رغم كل �شيء‪،‬‬ ‫ال �ع��ارف ورغ�ب��ة ال�سابر‪ .‬ه�ك��ذا ينتظم �إي�ق��اع في وجوده‪.‬‬ ‫الرحلة بين �أفعال‪�( :‬أنظر‪� /‬أتوقف‪� /‬أح�س�ست‪/‬‬ ‫لقد ح��اول ال�شاعر �سيف ال��رح�ب��ي‪ ،‬بهذا‬ ‫�أت� ��ذك� ��ر‪ ،)...‬ال �ت��ي ت �ح��رك ال �� �س��رد وال��و��ص��ف المعنى‪ ،‬اكت�ساب وعي جديد‪ ،‬من خالل البحث‬ ‫والتعليق‪ .‬ه��ل تحكمت جغرافية ال�م�ك��ان في ال�شاعري عن المجهول الذي يعني بالن�سبة �إليه‬ ‫طريقة الكتابة؟ ال منا�ص من االع�ت��راف ب�أن فقدان العادات‪ ،‬والطقو�س المعتادة‪ ،‬والرتابة‪،‬‬ ‫رحلة الجبل الأخ�ضر كتبت ب�أ�سلوب �شاعري الجتياز حدود اليقين‪ ،‬وهذا ما مكنه من تحديد‬ ‫واقعي �أحيانا‪ ،‬وحلمي �أحيانا �أخرى و�سوريالي خرائط جديدة للجبل الأخ�ضر وفهم جغرافيته‬ ‫في كثير من المقاطع‪.‬‬ ‫الجيولوجية والثقافية المنيعتين؛ وفي الوقت‬

‫من مقدمة‬ ‫«الطرف المرتحل»‬ ‫الترحال وال�سفر‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والتنقل‪ ،‬حاالت عرفها الإن�سان العربي قديما وحديثاً‪ ،‬وقد �شهدت‬ ‫المنطقة العربية هجرات لأقوام وجماعات من مكان �إلى �آخر‪� ،‬سواء في البحث عن الكلأ والماء‪،‬‬ ‫�أو نتيجة لظروف مناخية؛ كما حدث عند انهيار �سد م�أرب‪ ،‬وتفرقت القبائل العربية الجنوبية‬ ‫على �إثره نحو ال�شمال‪� ،‬أو العبور �إلى القرن الأفريقي‪ .‬وقد يكون ال�سفر لدواعي التجارة؛ فقد‬ ‫كان العرب في الجزيرة العربية يقومون برحلتين في ال�سنة‪� ،‬إلى اليمن �شتاء و�إلى ال�شام �صيفا‪،‬‬ ‫وهذه الرحلة وردت في القر�آن الكريم في �سورة (قري�ش)‪} :‬رِحلَ َة ال�شِ تَا ِء وال�صَّ يفِ {‪.‬‬ ‫قال الأمام ال�شافعـي ‪:‬‬

‫«����س���اف���ر ت��ج��د ع��و���ض��ا ع��م��ن ت�����ص��اح��ب��ه‬ ‫وان�صب ف���إن لذيذ العي�ش في الن�صب‬ ‫�إن��������ي ر�أي����������ت وق��������وف ال�����م�����اء ي��ف�����س��ده‬ ‫�إن ��س��ال ط��اب و�إن ل��م ي�ج� ِر ل��م يطب»‬ ‫بعد �إن�شاء الدولة الإ�سالمية‪ ،‬زاد هذا الترحال‬ ‫والتنقل ف��ي الفتوحات الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬لن�شر الدين‬ ‫الجديد‪ ،‬والإقامة لدى �شعوب وقبائل �أخرى لتعليمهم‬ ‫�أ�صول الدين الإ�سالمي‪ .‬ولكن قبل ذلك هاجر بع�ض‬ ‫الم�سلمين من مكة �إلى الحب�شة‪ ،‬نتيجة للم�ضايقات‬ ‫التي تعر�ضوا لها على �أيدي قريـ�ش‪ ،‬وقد عرفت تلك‬ ‫الهجرة‪ ،‬بالهجرة الأولى والثانيـة‪.‬‬ ‫�أما في الع�صر الحديث وبالتحديد في منت�صف‬ ‫القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬فقد عرف عرب ال�شام الهجرة‬ ‫�إل��ى الأمريكيتين طلبا ل�ل��رزق وه��رب��ا م��ن الحكم‬ ‫العثماني ال��ذي حكم ب�لاد ال�شام‪ ،‬وفر�ض �أت��اوات‬ ‫على الأه��ال��ي و�أل��زم ال�شباب بالخدمة الع�سكرية‪،‬‬ ‫وكانت المنطقة تتعر�ض �إلى موجات من المجاعة‬ ‫والأم��را���ض؛ الأم��ر ال��ذي دفع بالإن�سان �إل��ى البحث‬ ‫عن مكان �أف�ضل‪� .‬أم��ا عرب المغرب فقد هاجروا‬ ‫باتجاه �أوروبا‪ ،‬وذلك لقرب الم�سافة بينهما‪ ،‬ونتيجة‬

‫ال�ح�م�لات اال�ستعمارية ف��ي الحقب ال�ت��ي تو�صف‬ ‫بالكولونيالية‪ ،‬وقد قدم المهاجرون العرب �إلى �أوروبا‬ ‫�إما للعمل �أو الدرا�سة �أو لاللتحاق بالجي�ش الفرن�سي‬ ‫�أو الإ�سباني؛ كما هاجر العرب الجنوبيون �إلى القرن‬ ‫الإفريقي و�إل��ى ال�سواحل ال�شرقية لإفريقيا التي‬ ‫�أ�صبحت في يومٍ ما تحت الحكم العُماني العربي‪ ،‬كما‬ ‫رحل بع�ض العرب اليمنيين �إلى جنوب �شرقي �آ�سيا‪،‬‬ ‫و�إلى ال�سواحل الغربية للهند‪ ،‬وهناك ن�شروا الإ�سالم‬ ‫وازدهرت تجارتهم‪.‬‬ ‫�أن��ا هنا ال �أروي هجرة وال اغترابا‪ ،‬و�إن�م��ا عن‬ ‫ال�سفر � �س ��أح �ك��ي‪ ..‬ع��ن ت �ب��دل الأم �ك �ن��ة والأج� ��واء‬ ‫والجغرافيا والثقافة والح�ضارة �س�أتحدث‪ ..‬و�س�أنثر‬ ‫على ب�ساط الحكايات مغامرتنا في الترحال بين مدن‬ ‫وجزر‪ ،‬عبر و�سائط النقل الحديثة في الجو والبحر‬ ‫وال�ب��ر‪ ،‬بوا�سطة ال�ط��ائ��رات وال�ق�ط��ارات وال�سفن؛‬ ‫�إذاً‪� ،‬س�أكتب عن تجربة خا�صة ع�شتها وعا�شتها‬ ‫معي ام��ر�أة هي زوج�ت��ي‪ ،‬رفيقة ال�سفر والترحال‪،‬‬ ‫ن��ودع �أنف�سنا ون�ستقبل بع�ضنا بع�ضا في مطارات‬ ‫ومرافئ ومحطات ال نعرف فيها �أح��د ًا وال يعرفنا‬ ‫فيها �أح��د‪ ،‬ا�ستغرقت الرحلة التي �أت�ح��دث عنها‬ ‫�شهرا كامال من �أواخر نوفمبر �إلى �أواخر دي�سمبر‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬تنقلنا فيها بين ثالث قارات (�آ�سيا و�أوروبا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪79‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫الرحلة‬ ‫في ظل الثورة الرقمية‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫‪80‬‬

‫و�إفريقيا)‪ ،‬كنا ن��درك �أن الحياة‬ ‫ق�صيرة وال ي�ؤتمن جانبها؛ لذا كان‬ ‫علينا �أن ن�ستغل العمر في كتابة‬ ‫م�شوار م�ؤثث ببع�ض المغامرات‬ ‫والق�ص�ص‪ .‬فما قيمة الحياة �إن‬ ‫لم تكن مليئة بالحكي والتجارب؟‬ ‫وما قيمة العي�ش في �إط��ار محدد‬ ‫م��ن ق �ب��ل الآخ� ��ري� ��ن؟! �إذاً‪ ،‬هل‬ ‫ي�سمى هذا المروق والخروج عن‬ ‫رتابة الجماعة خرقا لنوامي�سها؟‬ ‫�إذا ك��ان الأم��ر ك��ذل��ك!! فليكن‪،‬‬ ‫فما ال�سمو والعبقرية والإب��داع �إال‬ ‫الإتيان بما ال يعهده الأوائل‪.‬‬ ‫بد�أت الرحلة من م�سقط �إلى مدريد ثم �إلى جزر‬ ‫الكناري‪ ،‬ثم الرجوع مرة �أخرى �إلى مدريد ومنها �إلى‬ ‫قرطبة‪ ،‬وبعدها غرناطة ومنها �إلى بر�شلونة‪ ،‬ومن‬ ‫هناك �إلى باري�س ثم البندقية (فين�سيا)‪ ،‬وبعدها‬ ‫�إل��ى جزيرة باليرمو ومنها بحرا �إل��ى تون�س‪ ،‬ومن‬ ‫تون�س �إلى الجزائر‪ ،‬وبعدها الرجوع �إلى م�سقط‪.‬‬ ‫كنا �شخ�صين‪ ،‬ي�سافران معا من دون اللجوء �إلى‬ ‫�شركات الأ�سفار والحمالت ال�سياحية التي تنظم‬ ‫مثل هذه الرحالت‪ ،‬ف�أنا ال �أحبذ مثل هذا النوع من‬ ‫ال�سفر الم�ؤطر‪� ،‬إذ تحدد وكاالت الأ�سفار للم�سافر‬ ‫مواعيد الذهاب والإي��اب وتتدخل حتى في تحديد‬ ‫�ساعات النوم وتوقيت الفطور والغداء والع�شاء‪ ،‬بل‬ ‫�أحيانا يقوم المر�شد ال�سياحي ب�إف�ساد متعة البحث‬ ‫عن المعلومة ويقطع �أحبال الأفكار والتخيل‪ ،‬لذلك‬ ‫�أح��ب ال�سفر وح �ي��دا‪ ،‬واك�ت���ش��اف الأ� �ش �ي��اء وح��دي‬ ‫مع ن�صيبي من الحظ والتوفيق‪ ،‬لكن ه��ذه المرة‬ ‫�س�أ�صطحب معي �شخ�صا �آخر‪ ،‬و�ستكون هذه المرة‬ ‫الأولى التي ال �أ�سافر فيها وحيدا‪.‬‬ ‫�إن م��ا �سيجده ال�ق��ارئ ف��ي ه��ذا الكتاب لي�ست‬ ‫حكايات ع��ن هجرة وال منفى وال اغ�ت��راب��ا‪ ،‬و�إنما‬ ‫�سرد لوقائع �سفر لزوجين في �شهر الع�سل‪� ،‬سافرا‬ ‫معا وتنقال في �أكثر من مكان‪ ،‬و�سيطلع القارئ على‬ ‫مغامرات وثقافات ورحالت عدة توزعت على خم�س‬

‫دول وبين قارتين‪ ،‬ولمدة �شهر‬ ‫من نهاية �شهر نوفمبر �إلى نهاية‬ ‫دي�سمبر من العام ‪2009‬م‪.‬‬ ‫ل��وال المتعة ال �ت��ي وجدتها‬ ‫في هذه الرحلة لما كتبت عنها‬ ‫�شيئا؛ ففي ال�سفر ما يُمكن �أن‬ ‫وق�ص�ص يجب �أن تُ�سرد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يُحكى‬ ‫نكتب ع��ن ال�سفر رب�م��ا لنقول‬ ‫�إن ��ا ك�ن��ا ه�ن��ا ف��ي ه��ذا المكان‬ ‫�أو ذاك‪ ،‬على ر�صيف ال�شارع‬ ‫وداخل الغابة‪� ،‬أو على �شاطئ �أو‬ ‫فوق قمة جبل‪ ،‬ومع مرور الأيام‬ ‫ي�صبح المكان الذي زرناه جزءا‬ ‫من الذاكرة ومن الحنين‪.‬‬ ‫ف��ي �أغ �ل��ب الأح� �ي ��ان نف�ضح � �س��رائ��رن��ا ون�ب��وح‬ ‫بالعواطف العابرة ونك�شفها للمتلقي‪ ،‬وهذا ما يمكن‬ ‫�أن يُعد �سر الكتابة ف��ي �أدب الرحلة‪� ،‬إن�ه��ا كتابة‬ ‫الم�شاعر الم�ستدعاة من �أعماق الأمكنة‪ ،‬ومن �أرواح‬ ‫الثقافات المتجذرة‪ ،‬ومن �أطياف التخيل المارقة‪.‬‬ ‫قد يتفاج�أ القارئ بوجود رحالت كتبت في �سنوات‬ ‫�سابقة للعام ‪2009‬م‪ ،‬ولكنها كتابات عن الأماكن‬ ‫التي �أُعيد زيارتها من جديد في �شتاء ‪2009‬م‪ ،‬وهي‬ ‫تون�س والجزائر‪� ،‬إذ �سبق لي �أن زرت تون�س في �صيف‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬وهي الزيارة الأولى‪ ،‬ثم �أقمت فيها من �سنة‬ ‫‪2005‬م �إل��ى ‪2008‬م لدرا�سة الماج�ستير‪ ،‬وخالل‬ ‫فترة الإقامة تمكنت من التعمق �أكثر في المجتمع‬ ‫التون�سي‪ ،‬و�سنحت لي الفر�صة لزيارة الجزائر عن‬ ‫طريق البحر في �أغ�سط�س ‪2007‬م؛ ومن هنا‪ ،‬وجدت‬ ‫�أن �إدراج الكتابات ال�سابقة �إ�ضافة جمالية للكتاب‪،‬‬ ‫لأن ف��ي الكتابة الأول��ى م��ا ي�شبه المتعة �أو ده�شة‬ ‫التجربة الأول��ى والتي قد ال ت�سعف الكاتب فيما لو‬ ‫�أراد ا�ستعادة التدوين عن المكان الذي �سبق زيارته‪،‬‬ ‫لأن الكتابة عن الرحلة هي وجدانيات مقرونة ببكارة‬ ‫الأ�شياء‪ ،‬تتدفق مرة واحدة ومن ثم تن�ضب �أو تقلل‬ ‫من مجيئها؛ لهذا كله �أردت �أن ي�شاركني القارئ متعة‬ ‫الزيارة الأولى‪ ،‬واالكت�شاف الأول‪..‬‬

‫■ ر�ضوان ال�سائحي ‪ -‬املغرب‬

‫اعتدنا في �أدب الرحلة منذ القديم‪� ،‬أن يخو�ض الرحالة غمار �سفر طويل ال يعرف وجهته‬ ‫بالتحديد‪ ،‬وال الزمن الذي �سيق�ضيه خالل م�سار رحلته المجهولة‪ ،‬وال يعرف الم�سافة التي‬ ‫�سيقطعها‪ ،‬وال حتى الوجهة التي �سيق�صدها؛ و�إن كان بع�ضهم خرج في مهمة معينة وفي زمن‬ ‫معين‪ ،‬ف�أخذته مجريات الرحلة �إلى �أن يغير كل ح�ساباته‪� ،‬أو يحدثُ طارئ معين فيغير م�سار‬ ‫الرحلة وزمنها‪ ،‬ويعود بعد �سنين طويلة‪ ،‬وغيرها من الأم���ور‪ .‬وك��ان الرحالة يهتم بتدوين‬ ‫التجارب والأحداث التي عا�شها خالل الرحلة بعد عودته‪.‬‬ ‫مع تطور و�سائل النقل واالت�صال عبر التاريخ‬ ‫�أخذ طابع الرحلة يتغير‪� ،‬إذ تقل�صت م�سافات المكان‬ ‫وال��زم��ان‪ ،‬ول��م يعد الإن���س��ان يخو�ض تجربة �سفر‬ ‫طويل من دون �أن يعلم الوجهة التي �سيتجه �إليها؛‬ ‫فتطور الخرائط وو�سائل النقل واالت�صال والتطور‬ ‫الرقمي �أثر كذلك على طريقة التدوين التي �أ�صبحت‬ ‫م�شفوعة بال�صوت وال�صورة‪ ،‬ونقل الأح��داث ب�شكل‬ ‫مبا�شر و�أكثر واقعية‪ .‬و�أ�صبحت و�سائل الإعالم تواكب‬ ‫م�سار الرحلة من بلد �إلى �آخر‪ ،‬وتزود القراء بجميع‬ ‫حيثيات الرحلة وتطوراتها‪ .‬وبخا�صة و�أن الرحالة في‬ ‫ظل الثورة الرقمية يقوم بدرا�سة وافية لم�ستلزمات‬ ‫الرحلة‪ ،‬لي�ضع في الأخير مخططا ل�سفره م�ستغال‬ ‫جميع الو�سائل الرقمية لح�ساب الم�سافة ومعرفة‬ ‫البلدان التي �سيزورها ويحدد �أي�ضا تاريخ العودة‪.‬‬ ‫كما �أ�صبح بمقدور الإن�سان �أن ي�سافر �إلى عدد‬ ‫كبير من الدول من دون �أن ينقطع عن عمله‪� ،‬أو يفقد‬ ‫االت�صال ب�أقاربه وذويه‪ .‬ف�إذا كانت و�سائل النقل قد‬ ‫اخت�صرت الزمن والم�سافات‪ ،‬فالثورة الرقمية قد‬

‫�ألغت الزمن والمكان‪ .‬ولعل رحلة الأ�سرة المغربية‬ ‫تو�ضح بجالء �أن��ه بمقدور ال�م��رء �أن يقوم برحلة‬ ‫مع �أف��راد �أ�سرته حول العالم من دون �أن ي�ؤثر على‬ ‫م�ستقبل �أبنائه الدرا�سي‪� ،‬أو ترابطه العائلي‪.‬‬ ‫ف�ف��ي ال���س��اد���س م��ن �شهر �أغ���س�ط����س ‪2013‬م‪،‬‬ ‫ب��د�أت عائلة مغربية رحلتها ح��ول العالم انطالقا‬ ‫من مدينة ال��دار البي�ضاء‪ ،‬والرحلة تحمل عنوان‬ ‫«ب�لان�ي��ت خمي�سة» (‪� .)Planet Khmissa‬ستجوب‬ ‫العائلة (المكونة من �أب «�أنور العثماني ‪� 49‬سنة»‪ ،‬و�أم‬ ‫«مليكة الديوري ‪� 41‬سنة»‪ ،‬وثالثة �أطفال – مي�ساء‪،‬‬ ‫مايا‪ ،‬مهدي‪ )-‬العالم في خم�س �سنوات (من ‪� 6‬آب‬ ‫«�أوغ�ست» ‪2013‬م �إلى �سنة ‪2018‬م)‪.‬‬ ‫وقبل انطالق الرحلة ناق�شت الأ�سرة مع م�س�ؤولي‬ ‫المدينة م�سار ال��رح�ل��ة ال�ت��ي �ستبد�أ م��ن �أمريكا‬ ‫الجنوبية‪ ،‬م��رورا ب�آ�سيا و�أ�ستراليا‪ ،‬ثم العودة �إلى‬ ‫�إفريقيا بوا�سطة كارفان‪ ،‬اقتناها‪ ،‬خالل �إقامته في‬ ‫مراك�ش‪ ،‬من �شخ�ص كان ي�ست�أجرها لفرق ت�صوير‬ ‫الأفالم في جنوبي المغرب‪ ،‬كمنزل لإقامة نجوم الفن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪81‬‬


‫(‪�)1‬أعجب الرحالت في التاريخ‪-‬الجزء الأول‪� -‬أني�س من�صور‪ -‬ط‪ ،13‬مطابع الأهرام التجارية م�صر)‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫من تجاربي في ال�سفر‪:‬‬ ‫الطريق �إلى قرطبة‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫ال�سابع‪ .‬و�أطلقت عليها الأ�سرة ا�سم (م�سك الليل)‬ ‫ي�صل طولها ت�سعة �أم�ت��ار‪ ،‬ووزن�ه��ا �ستة �أط�ن��ان‪ ،‬تم‬ ‫تطويعها لت�صبح م�سكنا وو�سيلة لخو�ض هذه المغامرة‬ ‫الفريدة في نوعها‪ .‬و�سلم عمدة المدينة مجموعة من‬ ‫الهدايا التذكارية ور�سائل الدعم للعائلة‪ ،‬من �أجل‬ ‫ت�سليمها لعمداء مدن البلدان التي �سيزورونها من‬ ‫�أجل تقديم الدعم المادي والمعنوي لها‪.‬‬ ‫ول��م ت�شكل فكرة ا�صطحاب الأب�ن��اء في الرحلة‬ ‫ت �� �س��ا�ؤال ح��ول متابعتهم ل��درا��س�ت�ه��م‪ ،‬ح�ي��ث �سيتم‬ ‫متابعة الدرا�سة عبر المواقع الإلكترونية التابعة‬ ‫لوزارة التعليم الإ�سبانية التي تعترف بالدرا�سة عبر‬ ‫الإنترنت‪ ،‬و�سيكون ب�إمكانهم اجتياز امتحانات كل‬ ‫ثالثة �أ�شهر في القن�صليات �أو المدار�س الإ�سبانية‬ ‫عبر العالم‪.‬‬ ‫لقد ت��م التخطيط ل�ه��ذه ال��رح�ل��ة منذ �سنتين‪،‬‬ ‫والتفكير خاللها بروية و�إم�ع��ان في و�سيلة النقل‪،‬‬ ‫وال�ت��أم�ي��ن ال�صحي وغ�ي��ره��ا‪ ،‬وفيما يخ�ص تمويل‬ ‫الرحلة فقد تم توفيره من مدخرات الأب الخا�صة‪،‬‬ ‫والذي يتقن �أربع لغات‪ ،‬وتقلَّب في العديد من المهام‪..‬‬ ‫منها مدير عام �سابق في �إحدى ال�شركات في المغرب‬ ‫وا�شتغل في م�ؤ�س�سة بنكية‪.‬‬ ‫�ستتوجه العائلة ف��ي ب��داي��ة رحلتها �إل��ى مدينة‬ ‫طنجة‪ ،‬ثم بع�ض البلدان الأوروبية قبل التوجه �إلى‬ ‫�أميركا الالتينية لقطع المحيط الأطل�سي في اتجاه‬ ‫قارة �أمريكا الجنوبية‪ ،‬حيث �ستق�ضي العائلة هناك‬ ‫�سنة ون�صف ال�سنة‪ ..‬ت�ج��وب خاللها العديد من‬ ‫البلدان وبخا�صة الأوروغواي‪ ،‬والأرجنتين‪ ،‬وال�شيلي‪،‬‬ ‫والبرازيل‪ ،‬وبوليفيا‪ ،‬بعدها �سيتوجهون �إلى القارة‬ ‫الآ�سيوية‪ ،‬ثم �أ�ستراليا لتكون العودة �إلى �إفريقيا‪� .‬إذ‬ ‫خطط الزوجان لزيارة نحو (‪ )80‬بلدا‪.‬‬ ‫و�أو�ضح رب الأ�سرة �أن القيام بهذه الرحلة حول‬ ‫العالم بمعية عائلته‪ ،‬ت�شكل �أح�سن و�سيلة لتحمل‬ ‫م�س�ؤولية تربية �أبنائه والتدبّر في القيم الإن�سانية‪،‬‬ ‫و�إعطائهم فر�صة اكت�شاف �أنماط �أخرى من العي�ش‪،‬‬

‫واالنفتاح على الآخرين وعلى ثقافات �أخرى‪ .‬والرحلة‬ ‫ح�سب الأ�سرة هي محاولة لل�سير على خطى الرحالة‬ ‫المغربي ابن بطوطة‪ ‬بطريقة ع�صرية ومختلفة‪ ،‬تتيح‬ ‫التعرف على ح�ضارات العالم و عادات �سكانه‪.‬‬ ‫ه��ذا نموذج لرحلة في ظل ال�ث��ورة الرقمية‪� ،‬إذ‬ ‫تم التفكير في �أدق التفا�صيل كاختيار البلدان التي‬ ‫�سيزورونها‪ ،‬و�إع��داد التمويل‪ ،‬وك��ذا تعليم الأبناء؛‬ ‫هذا �إ�ضافة �إلى توفرهم على �آالت الت�صوير الرقمية‬ ‫التي ت�سهل توثيق الرحلة بجميع حيثياتها‪ ،‬و�أجهزة‬ ‫كمبيوتر محمولة تمكنهم م��ن االت���ص��ال ال��دائ��م‬ ‫بالعالم‪ ،‬بما فيها االطالع على معلومات �شاملة عبر‬ ‫الإنترنيت عن البلد ال��ذي �سيتم زي��ارت��ه‪ ،‬وخرائط‬ ‫دقيقة‪ ،‬ناهيك عن جهاز‪GPS Global Positioning( ‬‬ ‫‪ )System‬ال�ستقبال الإ�شارات والمعلومات من الأقمار‬ ‫ال�صناعية وتحليلها‪ ،‬لإع�ط��ائ��ك الإح��داث �ي��ات لأي‬ ‫نقطة على الأر���ض‪ ،‬كذلك خطوط الطول والعر�ض‬ ‫واالرتفاعات والزمن‪ ،‬ويمكنه التعامل مع �أكثر من‬ ‫قمر �صناعي‪ ،‬وغيرها من الو�سائل التقنية التي ت�سهل‬ ‫م�سار الرحلة‪.‬‬ ‫لقد كان ال�سفر قديما من م�ستلزمات و�ضروريات‬ ‫الحياة في المجتمعات‪ ،‬دافعه الأ�سا�سي البحث عن‬ ‫�سبل �أف�ضل للعي�ش‪ ،‬لكن هناك نوع من الأ�سفار كانت‬ ‫دوافعه �أعمق و�أقرب �إلى الجنون �أحيانا‪ ،‬لأنها ارتبطت‬ ‫بحب االطالع على مجتمعات �أخرى‪ ،‬واكت�شاف بلدان‬ ‫جديدة‪� ،‬أو البحث عن طرق مخت�صرة عبر البحر‪،‬‬ ‫ف � ُع��رف ه��ذا ال �ن��وع م��ن ال��رح�لات ب�صعوبته‪ ،‬لأن��ه‬ ‫ارتبط ب�سفر طويل الأم��د ي��دوم ع�شرات ال�سنين؛‬ ‫ولذلك كانت الرحلة تمثل م�سار ًا مجهو ًال �شائك ًا مليئ ًا‬ ‫بالم�صاعب والمخاطر‪ ،‬قد ال يعود منها الم�سافر‬ ‫�سالما‪ ،‬فالإن�سان «يف�ضل دائما �أن يعرف المجهول‬ ‫مهما كان الثمن‪ ..‬وكثيرا ما دفع الم�سافرون �أرواحهم‬ ‫من �أجل �أن يعرفوا‪ ..‬وماتوا وهم يعرفون �أكثر‪ ..‬وال‬ ‫بد �أن تعا�ستهم الوحيدة هي �أن الموت حرمهم من �أن‬ ‫يقولوا‪ ‬ما الذي ر�أوه»(‪.)1‬‬

‫■ ف�ؤاد ح�سن كابلي ‪ -‬املدينة املنورة‬

‫ذات يوم‪� ،‬سافرت من مطار بورجيه في باري�س متجها �إلى قرطبة عن طريق مدريد‪ .‬كان‬ ‫الجو يومها �شديد البرودة‪ ،‬وال�سماء تمطر بغزارة على ر�ؤو�سنا‪� ،‬إلى �أن ركبنا الطائرة وكنت‬ ‫وحيداً‪ ..‬جل�ست �إلى جانب النافذة‪� ..‬أت�أمل رذاذ المطر وهي تنعك�س عليه‪ ..‬و�إذا ب�شاب عرفتُ من‬ ‫لهجته الباري�سية �أنه فرن�سي؛ لأنني �أتقن هذه اللغة‪ ..‬فقد در�ست في فرن�سا‪.‬‬ ‫جل�س ه��ذا ال���ش��اب الو�سيم �إل��ى جانبي‪،‬‬ ‫وكان �أ�شقر اللون حلو ال�سمات‪ ،‬في عينيه حَ َو ٌل‬ ‫خفيفٌ يزيده مالحة‪ ،‬وكانت برفقته فتاة لعلها‬ ‫خطيبته‪� ،‬سمراء �سمرة لطيفة وا�سعة العينين‪،‬‬ ‫�أرخ ��ت على ��ص��دره��ا جديلتين �سوداويتين‬ ‫طويلتين‪ ..‬ولفَّت نف�سها في ثوب عنابي داكن‬ ‫�أدارت م��ن حوله ح��زام� ًا � ُ��ش��دَّ على خ�صرها‬ ‫فجعلها علة نحو يوحي بقوة ال�شباب!! جل�ست‬ ‫�إلى جانب هذا ال�شاب‪ ..‬وكنت �أعرف عن غزل‬ ‫الفرن�سيين‪ ،‬و�أع��رف �أن لهم طقو�س ًا خا�صة‬ ‫ال ت�ستطيع معظم ال�شعوب تقليدها‪ !..‬نظرت‬ ‫�إليهما‪ ،‬وبدت مفا�صلي ترتجف‪ ،‬وبد�أت عيوني‬ ‫تحدِّ ق في الفراغ ت�شرد وتذهل‪ ..‬و�أحيان ًا ت�شدني‬ ‫نحوهما‪ .‬وكنت �أتمنى ب�سبب هذا الحال �سرعة‬ ‫و�صولنا وهبوط الطائرة ب�أي حال من الأحوال‪،‬‬ ‫وغدوت �أحدق بعيني هنا وهناك‪� ،‬أت�أمل خلق‬

‫اهلل �سبحانه وتعالى‪ ..‬وجوه ًا �شابة ووجوه ًا �أكل‬ ‫عليها الزمن و�شرب‪� ..‬أخير ًا اخترت النظر من‬ ‫خالل نافذة الطائرة �إل��ى الأر���ض الخ�ضراء‪،‬‬ ‫وال�سحاب المتقطع يظهرها ويخفيها‪ ..‬وي�صعد‬ ‫الدخان من لفافة التبغ التي تدخنها هذه الفتاة‬ ‫التي ال يف�صل بيني وبينها �سوى هذا ال�شاب‪،‬‬ ‫ويدفع هواء مكيف الطائرة بالدخان الممزوج‬ ‫ب�أبخرة العطر نحوي‪ !..‬كنت �أكره رائحته ومن‬ ‫يومها تبدل ال �ح��ال‪� ..‬ضغطت على زر ن��داء‬ ‫الم�ضيف‪ ،‬فح�ضر فطلبت كوبا من ال�شاي �أو‬ ‫القهوة‪ ..‬فهذا هو الوقت المنا�سب‪ ،‬فقد تفتحت‬ ‫لدي منافذ الإح�سا�س على الرغم من �أنني ال‬ ‫�أتعاطى هذه المنبهات‪ ..‬وهبطت الطائرة في‬ ‫مطار مدريد‪ ،‬وحمدت اهلل‪ ،‬وغادرت الطائرة‬ ‫�إل��ى �أخ ��رى‪ ..‬متجها �إل��ى مدينة قرطبة‪ ،‬وال‬ ‫�أع��رف �أي��ن كانت وجهتهما‪ ،‬و�أقلعت الطائرة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪83‬‬


‫ين�سكب عليه‪� ،‬أبي�ض‪� ،‬أحمر‪� ،‬أخ�ضر‪ ،‬ال يعرف‬ ‫له لون محدد‪ ..‬تتعدد في �سقفه �صدفة �ضخمة‬ ‫من الرخام النا�صع‪ ،‬تحمل خطوطها الممتدة‬ ‫ال�صوت فتذيعه في �أنحاء الم�سجد‪..‬‬

‫‪84‬‬

‫مرة �أخرى و�أنا �أ�شعر بالوح�شة التي كانت تملأ‬ ‫نف�سي‪ ،‬ف�أح�س�ست وك�أني ماء محبو�س فتحت‬ ‫له فر�صة في الأر� ��ض‪ ،‬فجرى ين�ساح في كل‬ ‫اتجاه‪ ..‬م�شاعر مكبوتة �أرهفتها حدة الإح�سا�س‬ ‫بالوحدة وفورة الحياة في هذه ال�سن‪ ،‬فقررت‬ ‫وقفت مذهو ًال �أتطلع على ما ال يرى الإن�سان‬ ‫من يومها �أن تكون �أم العيال في المقعد الذي‬ ‫مثله �إال حينما ت�سعفه الأق��دار‪ ..‬وفج�أة غامت‬ ‫بجانبي قدر الم�ستطاع‪ ..‬وهذا ما يحدث‪..‬‬ ‫و�صلت قرطبة‪ ،‬وب ��د�أت ب��زي��ارة الم�سجد عيناي‪ ،‬وتخيل لي �أن �أع�م��دة الم�سجد تهتز‬ ‫فوجدته زاخر ًا بالنقو�ش وقد غامت فوقه الألوان �أمامي من خالل الدموع‪ ،‬ونف�سي ت�س�ألني‪ :‬ترى‬ ‫ال تحققها العين‪ ..‬اجتزت الباب ووقفت �أمام لماذا بكيته؟! عن يوم ذلك الما�ضي ال�شامخ‪..‬؟‬ ‫باب الم�سجد‪ ..‬فدفعته في رهبة‪ ،‬فطالعتني �أم الحا�ضر الذي نحن فيه؟؟ اهلل وحده �أعلم‪.‬‬ ‫عتمة خفيفة ما لبثت �أن �أ�شرقت فيها �أل��وان‬ ‫الرخام المجزع‪ ..‬وحجرة العقود المتداخلة‪..‬‬ ‫فلما �ألفت عيناي النور‪ ،‬بدت لي غابة ر�شيقة‬ ‫م��ن �أع� ��واد ال��رخ��ام وع �ق��ود م�ل��ون��ة ��س��اح��رة‬ ‫اال�ستدارة‪ ،‬وم�ستطيالت مزينة ب�آيات القر�آن‬ ‫الكريم‪ ..‬على مدى ال تح�صره العين‪ ..‬ف�سِ رت‬ ‫كالم�سحور بينهما حتى �أقبلت على المحراب‪..‬‬ ‫وهناك ر�أيت الجمال الذي يعقد الل�سان‪ ،‬ول�ست‬ ‫�أع��رف كيف يو�صف مثله‪ ..‬والمحراب حجرة‬ ‫�صغيرة من الرخام الم�صقول‪ ..‬يبين ك�أن الماء‬ ‫جامع قرطبة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫م�شاهير الرحالة‬ ‫حول العالم‬ ‫■ مر�سي طاهر �أبو عوف – دار اجلوف للعلوم‬

‫يزخر الإنتاج الفكري العربي بالحديث عن م�شاهير الرحالة حول العالم؛ وبا�ستعرا�ض هذا‬ ‫الإنتاج‪ ،‬نجد �أن الحديث عن ه���ؤالء الم�شاهير با�ستفا�ضة يمثل الحديث عن قطاع كبير من‬ ‫التراث الفكري والأدبي‪ ،‬لي�س العربي فقط‪ ،‬بل العالمي كذلك‪ .‬هذا التراث‪ ..‬يبحر بنا �أحياناً‬ ‫تجاه �أدب الرحالت‪ ،‬و�أحياناً �أخرى تجاه الجغرافيا والتاريخ‪ ،‬ولذلك �أ�سباب معروفة منها �أن‬ ‫�سبب �شهرة ه�ؤالء الرحالة هو في الواقع يمثل ا�ستك�شافاً لمناطق جغرافية‪ ،‬وكذلك تدوينهم‬ ‫للتاريخ العالمي المرتبط بوجود قوى عالمية �أو �إمبراطوريات في تلك الأزم��ان‪ ،‬كذلك اهتم‬ ‫ه�ؤالء بتدوين الحوادث والواقعات التي مروا بها �أو اكت�شفوها‪ .‬وفي رحاب تلك اال�ستك�شافات‪،‬‬ ‫ن�ش�أ نوع جديد من الكتابات‪� ،‬أُطلق عليه �أدب الرحالت؛ �أ�سهمت هذه الكتابات في نقل كثير‬ ‫من ال�صور الجميلة والم�شاهد المميزة لتلك البالد وطبيعتها الجغرافية‪ ،‬وظروفها المعي�شية‪،‬‬ ‫و�ألقت ال�ضوء على تاريخها و�أفكار �سكانها‪ ،‬وع��ادات وتقاليد قد تختلف وقد تتفق مع عادات‬ ‫البالد التي جاءوا منها؛ ما �ساعد على نقل بع�ض ثقافات ال�شعوب الأخرى‪ ،‬و�إثارة االهتمام بها‪،‬‬ ‫وت�شجيع المهتمين من العلماء وطلبة العلم على زيارة تلك البالد‪.‬‬ ‫وعلى طريقة المالحين‪ ،‬اكت�شفت الحدود‬ ‫المو�ضوعية لمقالي ع��ن م�شاهير الرحالة‪،‬‬ ‫حتى �أ�ستطيع �أن �أبحر معهم في �سياحة فكرية‬ ‫م��وج��زة ت�ح��اول التعريف بهم ق��در الإم�ك��ان‪،‬‬ ‫وتو�ضح للقارئ جانب ًا مهم ًا من التراث الإن�ساني‬ ‫الذي تركوه لنا‪ ،‬وف�ضلهم الكبير على الإن�سانية‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫عرف الإن�سان الرحلة �أو الترحال والتنقل‬

‫بفطرته التي جبل عليها منذ بدء الخليقة؛ منذ‬ ‫�أن هبط �آدم وحواء �إلى الأر���ض ليعبدوا اهلل‪،‬‬ ‫وليعمرا ب�أوالدهما الأر�ض وينت�شروا فيها‪ ،‬كما‬ ‫ذُ كرت الرحلة في القر�آن في �سورة الفيل‪ ،‬ما‬ ‫يدل على معرفة الإن�سان بالرحلة‪.‬‬ ‫�أم��ا ت��دوي��ن تلك ال��رح�لات �أو ت�سجيلها‪،‬‬ ‫فقد قام به الإن�سان بعد قرون طويلة‪ ،‬فبد�أوا‬ ‫ي�سجلون تلك الرحالت عن طريق الر�سم على‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪85‬‬


‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ابن جبير‬ ‫�صاحب كتاب «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات‬ ‫الأ�سفار»‪ ،‬ع��رف ب�ـ‪ :‬رحلة اب��ن جبير‪ ،‬وه��و من‬ ‫الأن��دل ����س‪ ،‬ا�سمه محمد ب��ن �أح �م��د ب��ن جبير‬ ‫الكناني‪ ،‬المعروف بابن جبير ولد في بلن�سية‬ ‫ب�إ�سبانيا �سنة ‪ 540‬هـ (‪1145‬م)‪ ،‬وتعلم على يد‬ ‫�أبيه وغيره من العلماء في ع�صره‪ ،‬ثم ا�ستخدمه‬ ‫�أمير غرناطة �أب��و �سعيد بن عبدالم�ؤمن ملك‬ ‫الموحدين في وظيفة كاتم ال�سر‪ ..‬فا�ستوطن‬ ‫غرناطة‪ ،‬وك��ان الأمير �أب��و �سعيد قد ا�ستدعاه‬ ‫يوما ليكتب عنه كتابا وهو ي�شرب الخمر‪ ،‬ف�أرغم‬ ‫ابن جبير على �شرب �سبعة ك�ؤو�س من الخمر‬ ‫و�أعطاه �سبعة �أق��داح دنانير‪ ،‬لذلك �صمم ابن‬ ‫جبير على القيام برحلة الحج بتلك الدنانير‬ ‫تكفيرا عن خطيئته‪ ،‬و�أق��ام في �سفره �سنتين‪،‬‬ ‫ودوَّن م�شاهداته ومالحظاته في يوميات‪ ،‬وذلك‬ ‫نحو �سنة ‪582‬ه��ـ‪1186( /‬م)‪ ،‬وت��داول كتابه‬ ‫ال�شرق وال�غ��رب‪ ،‬حتى ق��ام ال�م��ؤرخ والمترجم‬ ‫الإنجليزى «ويليام رايت» بن�شره وطبعه في كتاب‬ ‫جمع عددا كبيرا من الرحالت لرحالة وحجاج‬ ‫عرب و�أجانب م�سلمين وم�سيحيين ويهود‪.‬‬ ‫العالمة الإدري�سي‬ ‫�صاحب كتاب (نزهة الم�شتاق في اختراق‬ ‫الآف��اق)‪ ،‬وا�سمه �أبو عبداهلل محمد بن محمد‬ ‫ب��ن ع �ب��داهلل ب��ن �إدري� �� ��س‪� ،‬أح ��د ك �ب��ار علماء‬ ‫الجغرافيا‪ ،‬كما �أنه كتب في التاريخ‪ ،‬والأدب‪،‬‬ ‫وال�شعر‪ ،‬والنبات‪ ،‬ودر���س الفل�سفة‪ ،‬والطب‪،‬‬ ‫وال�ن�ج��وم ف��ي ق��رط�ب��ة‪ ،‬ول��د ف��ي مدينة �سبتة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫جدران مبانيهم‪ ،‬كما هو موجود على جدران‬ ‫معبد الدير البحري بم�صر العليا �صور رائعة‬ ‫ل�سفن الملكة حت�شب�سوت (من ملوك الأ�سرة‬ ‫الثامنة ع�شرة الفرعونية)‪ ،‬عند عودتها لم�صر‬ ‫بعد رحلتها �إلى بالد «بنت» في الجنوب‪.‬‬ ‫�أم��ا الفينيقيون فلهم رح�لات عديدة من‬ ‫خالل المحيط الأطل�سي �إلى الجزر البريطانية‪،‬‬ ‫وا�ستطاعوا �أن يقيموا م�ستعمرات على طول‬ ‫بحر الروم (الأبي�ض المتو�سط) وفي �إ�سبانيا؛‬ ‫وخَ لَفهم الإغريق‪ ،‬ف�أقاموا م�ستعمرات في بحر‬ ‫الروم والبحر الأ�سود‪ ،‬واختلفوا عن الفينيقيين‬ ‫ف��ي �أن�ه��م ت��رك��وا العديد م��ن المعلومات عن‬ ‫جغرافية العالم في زمانهم عن طريق التدوين‬ ‫والت�سجيل‪ .‬ثم ج��اء العرب الذين ورث��وا عن‬ ‫جدودهم ال�سابقين حب ال��رح�لات‪ ،‬وا�شتهر‬ ‫كثير م��ن ال��رح��ال��ة ال�ع��رب ال��ذي��ن �سجلوا كل‬ ‫م�شاهداتهم مع جغرافية البالد التي زاروها‪،‬‬ ‫وق ��د ب� ��دءوا ب��رح �ل��ة ال��ح��ج‪ ،‬ث��م ا��س�ت�ه��واه��م‬ ‫الترحال‪ ..‬فجابوا بقاع العالم الإ�سالمي كله؛‬ ‫ثم ب��د�أ بعد ذلك ن�شر الإ��س�لام‪ ،‬فجابوا بقاع‬ ‫العالم بر ًا وبحراً‪ ،‬ومن تلك الرحالت ن�ش�أت‬ ‫�أقا�صي�ص ال�سندباد البحري وال�سندباد البري‪.‬‬ ‫وربما لم تذكر الكتابة عن الرحلة �إال بعد‬ ‫الهجرة النبوية والفتوحات الإ�سالمية؛ �إذ‬ ‫ظهرت كتابات عن رح�لات ق��ام بها الرحالة‬ ‫ال�ع��رب ج��اب��وا ال�ب�لاد حتى و�صلوا �إل��ى بالد‬ ‫�أ�شهر الرحالة العرب‬ ‫ال�صين والهند وب�لاد ما وراء النهر وتركيا‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫ابن ف�ضالن‬ ‫و�أخ � ��ذت ج �ي��و���ش ال�م���س�ل�م�ي��ن ف��ي ع�صر‬ ‫�صاحب ك�ت��اب ر��س��ال��ة اب��ن ف���ض�لان‪ ،‬ولد‬ ‫الفتوحات الإ�سالمية تغزو الأر�ض �شرق ًا وغرب ًا في القرن العا�شر الميالدي‪� ،‬أر�سله الخليفة‬ ‫و�شما ًال وجنوباً‪ ،‬وكان �أكثر الخلفاء يطلب من العبا�سي المقتدر باهلل من بغداد �إجابة لملك‬ ‫ق��ادت��ه �أن ي�صفوا ل��ه ال�ب�لاد المفتوحة حتى ال�صقالبة ‪ -‬في رو�سيا ‪ -‬لتعليمه الإ��س�لام‪،‬‬

‫يعرفونها كمن ر�آها‪ ..‬و�أول من فعل ذلك عمر‬ ‫بن الخطاب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬حين طلب من‬ ‫عمرو بن العا�ص �أن ي�صف له م�صر‪ ،‬فبعث �إليه‬ ‫بخطاب م�شهور‪ ،‬ي�صف فيه جغرافية م�صر‬ ‫ونيلها ومدنها و�شعبها‪ .‬ويذكر ابن الأثير �أنه‬ ‫عندما غزا قتيبة بن م�سلم مدينة بخارى �سنة‬ ‫‪718‬ه�ـ‪ ،‬طلب منه ر�سم خارطتها وما حولها‪،‬‬ ‫ث��م جمع الخليفة وزراءه‪ ..‬ومنهم الحجاج‬ ‫بن يو�سف ال��ذي �أ�شار بخطة الفتح بناء على‬ ‫الر�سم‪ ،‬وبذلك نجح قتيبة في فتحها‪ .‬ومما‬ ‫يروى في ذلك �أن الخليفة الفاطمي المعز لدين‬ ‫اهلل(‪975-952‬م) ا�ستدعى فريق ًا من علماء‬ ‫الجغرافيا الم�سلمين‪ ،‬و�أمرهم �أن ير�سموا له‬ ‫خريطة كبيرة للعالم‪ ،‬لكي يُجَ مِّ ل بها جدران‬ ‫ق�صره في القاهرة‪ ،‬وقد و�صف المقريزي تلك‬ ‫الخريطة فقال‪� :‬إنها تكلفت اثنين وع�شرين‬ ‫�أل��ف درهما‪ ،‬وهي عبارة عن مقطع كبير من‬ ‫الحرير الأزرق‪ ،‬غريب ال�صفة‪ ،‬من�سوج بالذهب‬ ‫و�سائر �ألوان الحرير‪ ،‬فيه �صورة �أقاليم الأر�ض‪،‬‬ ‫وجبالها‪ ،‬وبحارها‪ ،‬ومدنها‪ ،‬وم�سالكها‪ ،‬وفيه‬ ‫�صورة مكة والمدينة‪ ،‬وقد ُكتِب ا�سم كل مدينة‬ ‫وجبل وبلد ونهر وطريق بالذهب �أو الف�ضة‪.‬‬ ‫ف��ي ال�سطور ال�ق��ادم��ة ن�ت�ن��اول ب�شيء من‬ ‫الإيجاز �أ�شهر الرحالة العرب والأجانب‪ ،‬الذين‬ ‫تركوا لنا تراث ًا كبير ًا اقترن ب�أ�سمائهم‪ ،‬و�صار‬ ‫منارة للعالم على مدار تاريخه‪.‬‬

‫وبناء م�ساجد وح�صن له من �أعدائه‪ ،‬ف�أر�سل‬ ‫ابن ف�ضالن على ر�أ�س وفد العلماء والفقهاء‪،‬‬ ‫و�أم�ضى ثالث �سنوات من (‪924 -921‬م) في‬ ‫بالد الرو�س وال�صقالبة والخرز واال�سكندنافيه‪.‬‬

‫�شمالي المغرب عام ‪ 493‬هـ (‪1100‬م)‪ ،‬ومات‬ ‫عام ‪ 560‬هـ (‪1166‬م)‪ .‬زار الحجاز وم�صر‪،‬‬ ‫وو�صل �سواحل فرن�سا و�إنجلترا‪ .‬و�سافر �إلى‬ ‫الق�سطنطينية و�سواحل �آ�سيا ال�صغرى‪.‬‬ ‫ا�ستُخْ دمت خرائطه في �سائر ا�ستك�شافات‬ ‫الرحالة الغربيين في ع�صر النه�ضة الأوربية‪،‬‬ ‫وق��د ح��دد ف��ي خ��رائ�ط��ه ال�ت��ي ن�شرت بكتابه‬ ‫اتجاهات الأن �ه��ار والمرتفعات والبحيرات‪،‬‬ ‫أي�ضا معلومات‬ ‫ومنابع نهر النيل‪ ،‬و�ضمنها � ً‬ ‫عن المدن الرئي�سة‪� ،‬إ�ضافة �إلى حدود الدول‪.‬‬ ‫كما انتقل الإدري�سي �إل��ى �صقلية بعد �سقوط‬ ‫الحكومة الإ�سالمية‪ ،‬لأن ملكها في ذلك الوقت‬ ‫«روج ��ر ال�ث��ان��ي» ك��ان محب ًا للمعرفة‪ ،‬ف�شرح‬ ‫الإدري���س��ي لروجر موقع الأر���ض في الف�ضاء‬ ‫م�ستخدمً ا في ذل��ك البي�ضة لتمثيل الأر���ض‪،‬‬ ‫�شبه الإدري�سي الأر�ض ب�صفار البي�ضة المحاط‬ ‫ببيا�ضها تماما‪ ،‬كما تهيم الأر���ض في ال�سماء‬ ‫محاطة بالمج َرّات‪.‬‬ ‫ابن بطوطة‬ ‫ولد في طنجة �سنة ‪ 703‬هـ (‪1304‬م) في‬ ‫المغرب‪ ،‬وينت�سب �إلى عائلة عرف عنها عملها‬ ‫في الق�ضاء‪ .‬وفي فتوته در�س ال�شريعة‪ ،‬وقرر‬ ‫عام ‪1325‬م وهو ابن ع�شرين عاماً‪� ،‬أن يخرج‬ ‫ح��اج�اً‪ ،‬كما �أ َّم��ل من �سفره �أن يتعلم المزيد‬ ‫عن ممار�سة ال�شريعة في �أنحاء بالد الإ�سالم‪.‬‬ ‫وخ��رج م��ن طنجة �سنة ‪725‬ه� �ـ‪ ،‬فطاف بالد‬ ‫المغرب‪ ،‬وم�صر‪ ،‬وال�شام‪ ،‬والحجاز‪ ،‬والعراق‪،‬‬ ‫وفار�س‪ ،‬واليمن‪ ،‬والبحرين‪ ،‬وترك�ستان‪ ،‬وما‬ ‫وراء النهر‪ ،‬وبع�ض الهند وال�صين و�أوا�سط‬ ‫�أفريقيا‪ .‬وات�صل بكثير من الملوك والأم��راء‬ ‫فمدحهم‪ ،‬وكان ينظم ال�شعر‪ ،‬وا�ستعان بهباتهم‬ ‫على �أ�سفاره‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪87‬‬


‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ومن رحالة الع�صر الحديث‬ ‫حممد ح�سني هيكل‪� :‬صاحب كتابي‪:‬ع�شرة‬ ‫�أيام في ال�سودان‪ ،‬ويوميات باري�س‪.‬‬ ‫�إب��راه��ي��م ع��ب��دال��ق��ادرامل��ازين‪� :‬صاحب‬ ‫كتاب رحلة الحجاز‪ ،‬وواحد من جيل العمالقة‪،‬‬ ‫وهو كاتب روائي و�شاعر م�صري عبقري‪ ،‬ولد‬ ‫في القاهرة في م�صر ‪1889/8/19‬م‪.‬‬ ‫زك��ى مبارك‪ :‬كاتب م�صري ل��ه ذكريات‬ ‫بغداد‪ ،‬وذكريات باري�س‪.‬‬ ‫يحيى املعلمي‪ :‬ك��ات��ب ��س�ع��ودي ل��ه رحلة‬ ‫علمية ورحالت �أخرى‪.‬‬ ‫�أني�س من�صور‪ :‬الكاتب الم�صري الكبير‬ ‫المعا�صر‪ ،‬الذي كتب �أجمل كتب �أدب الرحالت‬ ‫مثل‪« :‬حول العالم في ‪ 200‬ي��وم»‪ ،‬و«ب�لاد اهلل‬ ‫لخلق اهلل»‪« ،‬غريب في بالد غريبة»‪« ،‬اليمن‬ ‫ذلك المجهول»‪�« ،‬أنت في اليابان وبالد �أخرى»‪،‬‬ ‫«�أطيب تحياتي من مو�سكو»‪�« ،‬أعجب الرحالت‬ ‫في التاريخ»‪.‬‬ ‫د‪ .‬ع��زة ب��در‪ :‬كاتبة م�صرية‪� ،‬صاحبة‬ ‫كتاب �أم الدنيا‪ ،‬وكتاب «رحالت بنت قطقوطة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪88‬‬

‫وع ��اد �إل ��ى ال�م�غ��رب الأق �� �ص��ى‪ ،‬وذه ��ب �إل��ى‬ ‫ال�سلطان �أب��ي عنان (م��ن ملوك بني مرين)‬ ‫ف�أقام في بالده‪ .‬و�أملى �أخبار رحلته على محمد‬ ‫بن جزي الكلبي �أدي��ب ال�سلطان‪ ،‬بمدينة فا�س‬ ‫�سنة ‪ 756‬هـ‪ ،‬و�سماها(تحفة النُّظار في غرائب‬ ‫الأم�صار وعجائب الأ�سفار)‪،‬‬ ‫ت��رج�م��ت رح�ل�ت��ه �إل���ى ال �ل �غ��ات البرتغالية‬ ‫والفرن�سية والإنجليزية‪ ،‬ون�شرت بها‪ ،‬وترجمت‬ ‫ف�صول منها �إل��ى الألمانية ون�شرت �أي�ضا بها‪،‬‬ ‫وك��ان يُح�سن التركية والفار�سية‪ .‬وا�ستغرقت‬ ‫رحلته «‪� »27‬سنة (‪1352-1325‬م)‪ ،‬ومات في‬ ‫مراك�ش �سنة ‪779‬ه �ـ (‪1377‬م)‪ .‬تلقبه جامعة‬ ‫كامبريدج في كتبها ومو�سوعاتها ب�أمير الرحالة‬ ‫الم�سلمين‪ .‬و�أطلق علماء الع�صر ا�سم ابن بطوطة‬ ‫على �إحدى الفوهات البركانية على �سطح القمر‪.‬‬ ‫قام ابن بطوطة بثالث رحالت‪ ،‬وقد ا�ستغرق‬ ‫في مجموعها نحو ت�سع وع�شرين �سنة‪ ،‬وكان‬ ‫�أطولها الرحلة الأول��ى التي لم يترك خاللها‬ ‫ناحية من نواحي المغرب والم�شرق �إال زارها‪،‬‬ ‫وك��ان��ت �أط��ول �إق��ام��ة ل��ه ف��ي ب�لاد الهند‪ ،‬حيث‬ ‫تولى الق�ضاء �سنتين‪ ،‬ثم في ال�صين حيث تولى‬ ‫الق�ضاء �سنة ون�صف ال�سنة‪.‬‬ ‫وفي هذه الفترة و�صف كل ما �شاهده وعاينه‬ ‫فيهما‪ ،‬وذكر كل مَ ن عرفه من �سالطين ورجال‬ ‫ون�ساء‪ ،‬وو�صف مالب�سهم وعاداتهم و�أخالقهم‬ ‫و�ضيافتهم‪ ،‬وما حدث في �أثناء �إقامته من حوادث‬ ‫وحروب وغزو وفتك بال�سالطين والأمراء ورجال‬ ‫الدين‪ ،‬وكان ابن بطوطة خالل �إقامته هذه مندفعا‬ ‫بعاطفته الدينية �إلى لزوم الم�ساجد والزوايا‪ ،‬فلم‬ ‫يدع زاوية �إال وزارها ونزل �ضيفا عليها‪.‬‬ ‫�أما رحلته الثانية فكانت �إلى �إ�سبانيا‪ ،‬والثالثة‬ ‫�إلى ال�سودان‪.‬‬

‫ياقوت الحموي‬ ‫وهو رحالة جغرافي‪ ،‬و�أديب و�شاعر وخطاط‬ ‫ول �غ��وي‪ ،‬ول��د ف��ي مدينة ح�م��اة ع��ام ‪574‬ه��ـ‪/‬‬ ‫‪1178‬م‪ ،‬ويلقب بالحموي ن�سبة �إل��ى مدينته‬ ‫حماة‪ ،‬وا�سمه �شهاب الدين �أبو عبداهلل ياقوت‬ ‫بن عبداهلل الحموي (‪ 626 - 574‬هـ)‪� ،‬أديب‬ ‫وم�ؤلف مو�سوعات‪ ،‬وخطّ اط‪ ،‬من �أ�صل رومي‪..‬‬ ‫ا�شتعل بالعلم‪ ،‬و�أكثر من درا�سة الأدب‪ ،‬وقد‬ ‫�سمّى نف�سه (عبد الرحمن)‪ .‬و�أه��م م�ؤلفات‬ ‫ياقوت الحموي كتاب (معجم البلدان) الذي‬ ‫ترجم وطبع عدة مرات‪.‬‬

‫‪2007‬م»‪ ..‬ت�صف فيه رحلتها �إل��ى اليونان �سلوق�س نيكاتورا‪� ،‬إلى الملك الهندي �ساندراكو�ش‪،‬‬ ‫و�إيطاليا وبالد �أخرى‪.‬‬ ‫وقد �سجل رحلته �إلى الهند في كتابه‪ses indica :‬‬ ‫وهناك عميد الرحالين‪ ..‬الرحالة ال�سعودي اعتمد عليه كمرجع الم�ؤرخ �سترابون‪.‬‬ ‫المعروف حممد بن نا�صر العبودي (‪1345‬هـ‬ ‫بلينى(‪23‬ـ‪79‬ق‪.‬م)‬ ‫ ‪1930‬م) �أدي ��ب وم ��ؤل��ف ورح ��ال �سعودي‪،‬‬‫رحالة جغرافي التيني‪ ،‬توفي �أث�ن��اء هيجان‬ ‫ولد في مدينة بريدة‪ ،‬وي�شغل من�صب الأمين‬ ‫ال�ع��ام الم�ساعد لرابطة العالم الإ��س�لام��ي‪ .‬ب��رك��ان ف �ي��زوف �سنة ‪798‬ق‪.‬م‪� ،‬أل ��ف ال�ت��اري��خ‬ ‫�أتاح له عمله في الرابطة زيارة معظم �أ�صقاع الطبيعي‪ ،‬وهو مو�سوعة ودائرة معارف علمية في‬ ‫العالم‪ ،‬فكان لم�شاهداته العديدة واطالعاته (‪ )37‬مجلدا‪ ،‬وهو الذي �أ�شار �إلى وجود مخلوقات‬ ‫�أن تثمر �أكثر من مائة و�ستين كتاب ًا في �أدب غريبة ‪ -‬ي ��أج��وج وم ��أج��وج‪ -‬و�أن �سدا حديديا‬ ‫الرحالت‪ .‬منح ميدالية اال�ستحقاق في الأدب يح�صرهم ويعزلهم عن الب�شر‪.‬‬

‫ع��ام (‪1394‬ه� �ـ‪1974 -‬م)‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫�أن تعليم ال�شيخ محمد بن نا�صر العبودي كان‬ ‫تعليم ًا ديني ٌا في مجال ال�شريعة الإ�سالمية‪� .‬إال‬ ‫�أن معظم م�ؤلفاته كانت �أدبية‪ ،‬وي�صب الجانب‬ ‫الأكبر منها في مجال �أدب الرحالت‪ ،‬حيث يعد‬ ‫دمنغو باديا باي العبا�سي الإ�سباني‬ ‫من الرواد في هذا المجال‪ ,‬والجزء الآخر من‬ ‫م�ؤلفاته في مجال اللغة‪ ,‬وقد بلغ عدد م�ؤلفاته‬ ‫�أول رحالة �إ�سباني زار العالم الإ�سالمي‪ ،‬زار‬ ‫المطبوعة نحو (‪ )128‬كتاباً‪ ،‬ويوجد لديه نحو المغرب الأق�صى �سنة ‪1803‬م في عهد ال�سلطان‬ ‫(‪ )100‬كتاب �آخ��ر ما ت��زال مخطوطة تنتظر �سليمان ال�ع�ل��وي‪ ،‬وال �ج��زائ��ر‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وم�صر‪،‬‬ ‫الطبع‪.‬‬ ‫وال�شام‪ ،‬والجزيرة العربية‪ ،‬ودخل مكة والمدينة‬ ‫حاجا �سنة‪1807‬م‪ ،‬وله رحلة مهمة في مجلد‪..‬‬ ‫م�شاهير الرحالة الغربيين‬ ‫ن�شرت باللغة الإ�سبانية واق �ت��رح على مراكز‬ ‫هيرودوت (‪ )425 484‬ق‪ .‬م‬ ‫الترجمة في ال�سعودية �أو في دول الخليج ترجمتها‬ ‫م��ؤرخ ورحالة كبير لقب ب�أبي التاريخ‪ ،‬زار �إلى اللغة العربية وطبعها ون�شرها‪.‬‬ ‫م�صر و�آ�سيا ال�صغرى وبالد الإغريق و�صقلية‬ ‫هنري مونديل(‪665‬هـ‪1701-‬م)‬ ‫و�إيطاليا‪ ،‬و�سجل في تاريخه حياة مائتين من‬ ‫رحالة له كتاب (رحلة من حلب �إلى القد�س‬ ‫ال�شعوب والقبائل المختلفة الأجنا�س‪ ،‬وتاريخه‬ ‫�سنة ‪1697‬م) و�صف فيه رحلته �إلى بالد لبنان‬ ‫يعد من تراث الإن�سانية الخالد‪.‬‬ ‫والقد�س‪.‬‬ ‫ميغا�ستين (القرن الثالث قبل الميالد)‬ ‫ماركو بولو‬ ‫م�ؤرخ ورحالة يوناني قام ما بين �سنتى(‪302‬‬ ‫كان البحار الإيطالي ماركو واحدا من بين‬ ‫ـ‪ 207‬ق‪.‬م) بمهمة دبلوما�سية كلفه بها �أميره‬

‫بطليمو�س(القرن الثاني بعد الميالد)‬ ‫رح��ال��ة وجغرافي وفلكي‪ ،‬وه��و م��ؤل��ف دائ��رة‬ ‫معارف فلكية (المج�سطى) نقل عنه جغرافيو‬ ‫العرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪89‬‬


‫كري�ستوفر كولمب�س‬ ‫مكت�شف �أم�ي��رك��ا‪ ..‬الم�ستعمر ال�ق��ادم من‬ ‫�أورب��ا‪ ،‬يعد كولمب�س �أول من وطد العالقة بين‬ ‫الأمريكيين الأ�صليين والأوربيين‪.‬‬ ‫فا�سكو دي جاما‬ ‫ويعد �أع�ظ��م بطل ف��ي ت��اري��خ اال�ستك�شاف‬ ‫الأوربي‪ ،‬طاف هذا الرحالة حول ر�أ�س الرجاء‬ ‫ال�صالح‪ ،‬و�أعلى ال�ساحل ال�شرقي لإفريقيا‪،‬‬ ‫واكت�شف بعد ذلك الطريق التجاري �إلى الهند‪،‬‬ ‫�أ�صبح زعيما للهند البرتغالية عام ‪1524‬م‪،‬‬ ‫وذل���ك ب�ع��د ح���ص��ول��ه ع�ل��ى ال�م��اج���س�ت�ي��ر في‬ ‫الريا�ضيات والمالحة‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫فرديناند ماجالن‬ ‫م�ستك�شف برتغالي‪ ،‬كان �أول من دار حول‬ ‫العالم واكت�شف م�ضيق ماجالن �أق�صى جنوب‬ ‫�أمريكا الجنوبية‪ ،‬ولد في �سابوزا‪ ،‬لكنه تبنى‬ ‫الجن�سية الإ�سبانية الح�ق��ا كجن�سية الملك‬ ‫(ت�شارلز الأول)‪ ،‬لي�ستك�شف الطريق الم�ؤدي‬ ‫�إل��ى جزيرة الطيب‪ ،‬ويعد �صاحب �أول رحلة‬ ‫بحرية حول العالم‪.‬‬ ‫و�إذا م��ا ت�أملنا �سيرة ال��رح��ال��ة الغربيين‬ ‫الأوائ � � ��ل‪�� ،‬س�ن�لاح��ظ �أن��ه��م ك��ان��وا ي�ق��وم��ون‬ ‫ب��رح�لات�ه��م رغ�ب��ة ف��ي ال�ح���ص��ول ع�ل��ى ال�م��ال‬ ‫والذهب والعطايا الملكية‪ ،‬التي يمكن �أن تعود‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫و�إذا نظرنا �إلى الدافع وراء رحالت الرحالة‬ ‫العرب‪ ،‬نجد �أنهم كانوا ي�سافرون طلبا للحج �أو‬ ‫الرزق �أو العلم‪� ،‬إلى جانب الرغبة في المعرفة‬ ‫واال�ستك�شاف ويبقى ال�سبق في هذا المجال‬ ‫للرحالة العرب‪.‬‬ ‫�أما الرحالة المعا�صرون �سواء كانوا عربا‬ ‫�أم غربيين‪ ،‬فهم كتاب في الدرجة الأولى‪ ،‬قد‬ ‫ت�سوقهم الظروف �إل��ى ب�لاد معينة‪ ،‬فيكتبون‬ ‫عنها‪� ،‬أو ي�سافرون �إل��ى �أماكن بعينها بهدف‬ ‫درا�ستها والكتابة عنها‪.‬‬ ‫وتنطلق �سفينة الرحالة على مدار ال�سنين‬ ‫تجوب البحار والمحيطات والجبال والأنهار‬ ‫لتبحث لنا عن مكنون تراثنا الإن�ساني‪ ،‬وتكت�شف‬ ‫المزيد من مخلوقات اهلل على �أر�ضه‪ ،‬و�سبحان‬ ‫من قال «وما �أوتيتم من العلم �إال قليال» �صدق‬ ‫اهلل العظيم‪.‬‬

‫محمد العبودي‬ ‫رحالة �سعودي‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�أوائ��ل الأوربيين الذين زاروا ال�صين والهند‬ ‫وال�م�ن��اط��ق ال�شرقية البعيدة الأخ� ��رى‪ ،‬ولم‬ ‫يحظ �إخ �ب��اره ع��ن تلك الأم��اك��ن بالت�صديق‪،‬‬ ‫لكنه �شجع فكرة التجارة مع ال�شرق‪ ،‬وكان �أبوه‬ ‫وعمه تاجرين‪ ،‬ما �ساعده كثير ًا في التغلب على‬ ‫المفاهيم التقليدية للتثمين والتداول الأجنبي‬ ‫والتعامل مع �سفن ال�شحن‪.‬‬

‫عليهم من وراء ك�شف جغرافي جديد‪ ،‬كما كان‬ ‫يتمنى كري�ستوفر كولومبو�س الإيطالي عندما‬ ‫كان ي�سعى للو�صول �إلى الهند طمعا في كنوزها‪،‬‬ ‫فو�صل �إلى جزر الكاريبي في القرن الخام�س‬ ‫ع�شر‪ ،‬وظن خط�أً �أنها الهند‪ ،‬ومثله فا�سكو دي‬ ‫جاما البرتغالي الذي اكت�شف الهند فيما بعد‬ ‫عن طريق ر�أ���س ال��رج��اء ال�صالح في �أواخ��ر‬ ‫القرن الخام�س ع�شر ‪1498‬م‪ ،‬ولن نن�سى �أنه‬ ‫لوال م�ساعدة الرحالة العربي «�أحمد بن ماجد»‬ ‫لما و�صل �إل��ى الهند‪ .‬ربما لم يكتب الرحالة‬ ‫الغربيون ب�أنف�سهم عن هذه الرحالت‪ ،‬و�إنما‬ ‫كتب عنهم من عا�صرهم وقتها‪.‬‬

‫■ املحرر الثقايف‬

‫العالمة ال�شيخ محمد العبودي‪� -‬أمد اهلل في عمره – �شخ�صية ال توفيها الحروف �أو الكلمات‬ ‫والمقاالت‪ ..‬وال حتى الم�ؤلفات‪� ..‬شخ�صية �أفنت عمرها في البحث والت�أليف والترحال لأكثر من‬ ‫خم�سين عاماً‪ ،‬وهو الذي تم تكريمه من قبل النادي الأدبي بالريا�ض وبح�ضور نخبة من كبار‬ ‫الم�س�ؤولين والمفكرين وعلى ر�أ�سهم وزير الثقافة والإعالم‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز خوجة؛ ح�صل على‬ ‫و�سام الملك عبدالعزيز (طيب اهلل ثراه) من الدرجة الممتازة‪ .‬تحدث عنه المتحدثون وكتب‬ ‫عنه الكاتبون‪ ..‬تعد كتبه مرجعا لكل من يبحث عن الإفادة واال�ستزادة في مجال الرحالت‪.‬‬ ‫ولد الرحالة العبودي في مدينة بريدة عام‬ ‫‪1345‬ه� �ـ (‪1927/1926‬م) ف��ي بيئة م�شبعة‬ ‫بحب المعرفة‪ ،‬وفي بيت ال يخلو فرد فيه من‬ ‫حب المعرفة‪ .‬تقول ابنته الدكتورة فاطمة في‬ ‫حديث لها لإح��دى ال�صحف المحلية‪( :‬كان‬ ‫جدي نا�صر العبودي قا�صا من الدرجة الأولى‪،‬‬ ‫يحفظ الكثير من الق�ص�ص والروايات‪ ،‬ويرويها‬ ‫بطريقة م�ب�ه��رة‪ ،‬وق��د ت�ك��ون ط��ري�ق��ة وال��دي‬ ‫الم�شوقة وا�ستر�ساله ف��ي رواي��ة م�شاهداته‬ ‫وانطباعاته قد ورثها عن والده‪� .‬أما جد والدي‬ ‫عبدالرحمن العبودي فقد كان �شاعرا عاميا‪،‬‬ ‫�أورد له والدي �أبياتا عديدة ك�شواهد في كتابه‬ ‫«كلمات ق�ضت» وفي كتب �أخرى‪.‬‬

‫وم��ن ال �م ��ؤك��د �أن ح��ب االط�ل�اع وال�شغف‬ ‫بالمعرفة منذ ال�صغر كان له دور �أ�سا�سي في‬ ‫�إث��راء ثقافة والدي وتنوع اطالعه‪� ،‬إلى جانب‬ ‫ما حباه اهلل به من ق��وة في ال��ذاك��رة‪ ،‬وق��درة‬ ‫عالية على اال�ستيعاب‪� ،‬ساعد عليها جلده‬ ‫على التدوين؛ فقد كان يدون كل ما يمر به في‬ ‫مذكراته اليومية من قبل �أن نولد(‪.)1‬‬ ‫وعلى الرغم من عمق وكثافة �إنتاج العبودي‬ ‫في مختلف المجاالت‪ ،‬ف�إن الإنتاج الأوفر له كان‬ ‫في مجال �أدب الرحالت الذي بد�أه بكتابه «في‬ ‫�إفريقية الخ�ضراء‪ ..‬م�شاهدات وانطباعات‬ ‫و�أحاديث عن الإ�سالم والم�سلمين»‪ ،‬والذي طبع‬ ‫عام ‪1388‬ه�ـ‪1968/‬م‪ ،‬وقارب �إنتاجه في هذا‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫‪91‬‬


‫(‪ )1‬تمت اال�ستعانة بالموقع الر�سمي لمعالي ال�شيخ محمد العبودي عميد الرحالين‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫من �أين �أبد�أ!!؟‬

‫قراءة في ديوان ال�شاعرة نبيلة الخطيب‬ ‫عتبات وعالمات لغوية‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الميدان (‪ )116‬كتابا مطبوعا �إ�ضافة �إلى نحو الأن�ساب‪ ،‬ومرجع في الأ�سر والقبائل‪ ،‬ورغم �أنه‬ ‫(‪ )100‬كتاب مخطوط تناولت رحالته التي عمل بها منذ �أكثر من ثالثين عام ًا �إال �أنه ما‬ ‫�شملت قارات العالم �أجمع‪.‬‬ ‫ي�ستوف ما ي�ؤمل منه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يزال يعتقد �أنه لم‬ ‫يقول الدكتور الهويمل‪�( :‬إن العبودي اهتم في‬ ‫على �أي حال‪ ،‬فال�شيخ محمد العبودي كتاب‬ ‫كتاباته تلك «بتدوين المعلومات والمالحظات‪ ،‬مفتوح للجميع‪ ..‬لقد روى �أيام طفولته وو�صف‬ ‫من دون تكلف �أ�سلوبي �أو معا�ضلة تعبيرية‪ ،‬وما منزل العائلة الكبير‪ ،‬ومجل�س الرجال والفتحات‬ ‫في كتبه من �صياغة �أدبية ف�صيحة ف�إنما هي ال�صغيرة في �أعلى الجدار من الجهات الأربع‪،‬‬ ‫قدرة ذاتية ك�سبية؛ فهو عالم بالتراث‪ ،‬وم�ؤلف ومعرفة والدته بمواعيد دخول ف�صول ال�سنة‪.‬‬ ‫معرفي قبل �أن يفرغ لأدب الرحلة‪ ،‬والمتابع فعندما ت��دخ��ل ال�شم�س م��ن ال�ف��رج��ة ه��ذه‪،‬‬ ‫لكتبه ال يقدر على ت�صنيفه ال جغرافيا‪ ،‬وال فهذا معناه بداية تقديم الحنيني لأهل البيت‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬وال �سيا�سيا‪ .‬وم��ن ث��م فهو �أق��رب �صباحاً‪� ،‬إذ �إن مربعانية ال�شتاء قد بد�أت‪ .‬ومع‬ ‫�إلى المو�سوعيين؛ لتوافره على القيم العلمية دخول ال�شم�س من الفرجة الأخرى فقد دخلت‬ ‫ال�شبط‪ ،‬فيبد�أ فك الريق بالمرا�صيع �أو العبيط‬ ‫والأدبية‪ ،‬واللغة التي يعتمد عليها‪.‬‬ ‫وال�سمن‪ ،‬لت�ساعد في رف��ع م�ستوى التدفئة‪،‬‬ ‫ويعد العبودي بهذا الإنتاج العري�ض الذي‬ ‫وهكذا‪.)...‬‬ ‫ط��اف ب��ه ف��ي �أرج ��اء عالم الم�سلمين «عميد‬ ‫ورغم �أن الرحالة العبودي قد قارب الثمانين‬ ‫الرحالين العرب» في ن�صف القرن الأخير‪ ،‬كما‬ ‫�سماه الباحث «محمد بن عبداهلل الم�شوّح» في من عمره ف�إنه ما يزال عاكفا على الكتابة ال‬ ‫تنق�ضي م�شروعاته‪ ،‬يقول في حديثه لمجلة‬ ‫كتابه «حول العبودي» ال�صادر عام ‪2004‬م‪.‬‬ ‫المنار‪ :‬برنامجي اليومي في الوقت الحا�ضر‬ ‫ويقول محمد بن عبدالرازق الق�شعمي في‪:‬‬ ‫يختلف عما كان عليه في الما�ضي؛ لأنني �أعمل‬ ‫العبودي‪� ...‬أو العالم المو�سوعي كما ي�سميه‪..‬‬ ‫ف��ي الت�أليف‪ ،‬وق��د طبعت حتى الآن (‪)128‬‬ ‫(ال���ش�ي��خ ال �ع �ب��ودي ‪-‬ك �م��ا ع��رف �ت��ه‪ -‬رج��ل كتابا‪ ،‬ولدي الآن ما يزيد على مائة كتاب من‬ ‫متوا�ضع ب�سيط رقيق‪ ،‬يعطي كل ذي حق حقه‪ ..‬الكتب المخطوطة التي تنتظر الطبع‪ ،‬بع�ضها‬ ‫يحب المعلومة ويبحث عنها ف��ي م�صادرها في مجلدات كبيرة‪ .‬ومن �أجل هذا ال��د�أب في‬ ‫ويت�أكد من �صدق رواي��ات بع�ضهم لمقارنتها الكتابة والغزارة والتنوع في الإنتاج المعرفي‬ ‫بروايات غيرهم‪ ..‬فلديه ذخيرة ممتازة من ف�ق��د ت��م ت�ك��ري��م ال �ع �ب��ودي ك�شخ�صية ال�ع��ام‬ ‫المخطوطات‪ ،‬والكتب وق�سم خا�ص بم�سودات الثقافية في الدورة التا�سعة ع�شرة للمهرجان‬ ‫كتبه ال �ت��ي ل��م تن�شر‪ ،‬وم��ن �أه �م �ه��ا‪ :‬الأ� �س��ر الوطني ال�سعودي للتراث والثقافة‪ ،‬وذلك عام‬ ‫المتح�ضرة في الق�صيم؛ فله �إلمام تام بعلم ‪1424‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬

‫■ د‪ .‬بالل كمال ر�شيد*‬

‫من �أين �أبد�أ؟!‬ ‫�س�ؤال عادي ال فنية فيه‪� ..‬س�ؤال متاح‪ ..‬م�شاع تقترفه كل الأل�سنة‪ ..‬وهو �س�ؤال مبتذل‪ ..‬منهك‬ ‫�شاخ�ص على قارعة الطريق‪.‬‬ ‫فكيف يمكن لهذا ال�س�ؤال �أن يكون عنواناً لديوان �شعري؟!‬ ‫عتب ًة ن�صية �أولى تجمع وت�ؤالف بين المبدع والمتلقي!‬ ‫ن�ص يجمع الن�صو�ص ويختزلها!‬ ‫كيف يمكن لهذا ال�س�ؤال �أن يكون عنواناً؟ والعنوان بحد ذاته ٌ‬ ‫�إذ ًا هو �س�ؤال يف�ضي �إلى �أ�سئلة‪ ..‬وال�س�ؤال يدل‬ ‫من �أين �أبد�أ؟!‬ ‫على ال�سائل‪ ..‬فكيف �إذا ك��ان ال�سائل �شاعراً‪..‬‬ ‫�س�ؤال يف�ضي �إلى ف�ضاء من �أ�سئلة �شتى‪:‬‬ ‫�ضمير الأمة‪ ..‬الناطق ال�شعوري ب�آهاتها وويالتها‪،‬‬ ‫ت�ستفهم‪ ..‬ت�ستغرب‪ ..‬تتعجب‪ ..‬ت�ستنكر‪:‬‬ ‫وحبها وغ�ضبها؟! الذي يختزل الأزمنة والأمكنة‬ ‫ ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ل ي �� �ص �ـ �ـ �ـ �ل �ـ �ـ �ـ �ـ��ح ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ول‬‫بقول تنب�ض به القلوب قبل �أن تنطق به ال�شفاه؟!!!‬ ‫(‪)1‬‬ ‫�إن �ض ـ ــج ال��ـ��ـ��ـ��ـ��وج��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��بُ ب��ـ��ـ��ـ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا؟!‬ ‫من �أين �أبد�أ!!؟‬ ‫ م��اذا �أت��ى ب ��ك؟(‪ ،)2‬وكيف ت�ق�ب��ل؟(‪� ،)3‬أقلت‬‫عتبة �أولى‪ ..‬يحملها الغالف عالمة لغوية دالة‪،‬‬ ‫مات؟(‪ ،)4‬من �أين مروا ومالي ال �أرى �أحدا(‪.)5‬‬ ‫ت�ساندها عالمتا تعجب وعالمة ا�ستفهام‪ ..‬فلماذا‬ ‫ ك���ي���ف م���������ض����ى؟! وك������م م�����ن ال�����دم‬‫�سبقت عالمتا التعجب عالمة اال�ستفهام؟!‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ذال�������������ك ال��������ي��������وم ق��������د � ُ������س������ف������ك������ا؟‬ ‫ولماذا كانت عالمتا التعجب اثنتين وعالمة‬ ‫اال�ستفهام واحدة؟!‬ ‫ �أال تـ ــرى القلـ ــب مخ�ضـ ــراً ب ــه ط ـ ــربُ‬‫(‪)7‬‬ ‫حيرة‪ ..‬توجع‪ ..‬ت�أوه‪ ...‬ا�ستفهام‪� ...‬س�ؤال‪.‬‬ ‫والنار فــي جنبـات ال�صــدر ت�شتـعلُ؟!‬ ‫من هنا‪ ،‬بد�أ ال�س�ؤال يفارق العادية؛ ليدخل في‬ ‫ توحــــدت قِبلــــ ُة الم�سلميــــن فهــــل‬‫بـ ــاتتتفرقهــــمعـــن�شرعهــــمنِحَ ــــلُ؟!(‪ )8‬الف�ضاء الفني وال�شعري‪ ..‬ولعل �صورة الغالف من‬ ‫خالل خطوطها المتعددة والمتعرجة والمتداخلة‬ ‫ ه ـ ــو �إنم ــا وجـ ــع القل ــوب ون��اره��ا‬‫والمختلفة بالألوان واالتجاهات تطرح ال�س�ؤال من‬ ‫(‪)9‬‬ ‫�إن �أُججـ ـ ــت �أن ــى لهـ ــا �أن تُخمـ ـ ــدا جديد‪ ،‬بلغة جديدة‪ ،‬و�إيقاع مختلف‪ :‬من �أين �أبد�أ؟!‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪93‬‬


‫‪94‬‬

‫�أكانت ا�سم ًا �أم فعالً‪ ،‬وتوظّ ف‬ ‫من �أين �أبد�أ!!؟‬ ‫م��ن ح��روف��ه كلمات �أخ��ري��ات‬ ‫��س��ؤال يخرج ع��ن العادية‬ ‫اتباع ًا �إلى جر�س مو�سيقي‪� ،‬أو‬ ‫�إلى الفنية من خالل ال�سائلة‬ ‫ح�س �شعوري‪� ،‬أو لفته جمالية؛‬ ‫وم��ا � �س ��أل��ت‪ ،‬وك�ي��ف ��س��أل��ت؟‬ ‫لت�ؤكد المعنى؛ فتجعل «للعراق‬ ‫من خ�لال المو�ضوعات التي‬ ‫عروقاً»‪ ،‬وت�أتي بالفعل «ي�سود»‬ ‫اختارتها‪ ،‬والألفاظ التي �شادتها‪ ،‬فخرجت من‬ ‫العتبة الأولى عنوان ًا �إلى عناوين ق�صائدها التي لل�سودان(‪ ..)13‬ومن «الرزانة «ت�أزّرن‪:‬‬ ‫ج��اءت بعناوين‪( :‬من �أي��ن �أب��د�أ‪� ،‬أثقلت لوماً‪ ،‬فلقـ ــد َت��ـ��ـ��ـ��ـ���أَ ّز ْر َن ال��ـ��ـ��ـ��ـ��رزان��ـ��ـ��ـ��ة ع ـف ـ ًة‬ ‫(‪)14‬‬ ‫عا�شق الزنبق‪� ،‬أ�ضعت وجهي‪� ،‬أطلق جناحك‪..‬‬ ‫�أُحْ ِ�صـــنَّ ‪ ،‬ال َيمْـــدُدن طــرفاً �أو يـ ــداً‬ ‫ينزفون الح�سا�سين)‪ ،‬وكلها عناوين �شعرية‬ ‫وهذه العتبات تف�ضي �إلى عتبة اال�ستهالل‪:‬‬ ‫موحية دالة‪..‬‬ ‫م ــاذا �أتى بك؟! قــــال‪ :‬الوج ُد والو َلــــ ُه‬ ‫و�إذا كان ال�س�ؤال الأول (من �أين �أب��د�أ!!؟)‬ ‫(‪)15‬‬ ‫فَطِ ـــرتُ زه ــواًوخلتُ الك ــو َنلـيول ــه‬ ‫ف�إن النهاية تنتهي بها وبنا �إلى «الباذان» قريتها‬ ‫الأولى‪ ..‬حيث الجنة والنعيم والخلود‪.‬‬ ‫فتجد الثنائيات بين الوجد والوله‪ ،‬والذات‬ ‫في هذا الديوان تت�آخى المدن والقرى؛ لأن والآخ ��ر‪ ،‬تجد القافية تتغنى وحدها من�سابة‬ ‫القلب الناب�ض بها واح��د‪ ..‬فتجد «ال�ب��اذان» مريحة وم�ستريحة‪ ،‬وه��ي تماثل «ال��ول��ه» بــ‬ ‫ق��ري�ت�ه��ا وت �ج��د ال �ق��د���س وال� �ك ��رك وال��ع��راق العا�شق والمع�شوق بــ «ل��ي ول ��ه»‪ ،‬بالحا�ضر‬ ‫والغائب‪ ،‬ال يف�صل بينهما �إال الواو‪ ،‬بل تجمعها‬ ‫واليمن‪:..‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫فع ــدت �أ�ســـ�أل ع ّلـــي ل�ســـتُ حالمــ ًة‬ ‫مـاذا �أتـى بك؟! قال‪ :‬الوجـد والــولــه‬

‫(‪)16‬‬

‫وتقول‪:‬‬

‫ال�صب ــا فتـ ــوردا‬ ‫ال�صبـ ــا خـ ـ َّد ِّ‬ ‫َـ�س َّ‬ ‫م َّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫والقلـــب �أطـــربــه الجمــــال فغــــردا‬ ‫لم ــا ر�أت حَ ـ ـوَر العيـ ــون وحُ ــورَها‬ ‫(‪)18‬‬ ‫هُ ـــرعت بـــال وعــي تــرود المــــوردا‬ ‫فتجمع �أل �ف��اظ (ال �ب��وح وال �ن��وح � ��ص‪،)89‬‬ ‫و(ال � ��روح وال� � �رْوح �� ��ص‪ ،)89‬و(ال �ظ��ل وال�ط��ل‬ ‫���ص‪ ،)88‬و(الح�س والح�سن ���ص‪ ،)87‬و(حي‬ ‫وح��ري � ��ص‪ ،)87‬و(ظ��ل وط��ل � ��ص‪ ،)75‬و(هَ � ٌم‬ ‫وهِ م ٌم �ص‪ ،)70‬و(�آيٌ و�أيُّ �ص‪.)18‬‬ ‫وتظهر ف��ي ال��دي��وان �أب �ي��ات ت��ذه��ب مذهب‬ ‫المثل والحكمة �أو بيت الق�صيد‪:‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫وال معالم في الطريق؟! من �أي��ن �أب��د�أ وكل �صـــار العــراق عُروقـــاً كلهـــا ف ُِ�صـــدتْ‬ ‫�شيء متالطم‪ ..‬متداخل‪..‬‬ ‫وكلم ــا ق ــام فيه ــم عاق ــلٌ عَقلـ ــوا‬ ‫و�أنت ال تعرف المبتد�أ وال المنتهى؟!‬ ‫وال ال�سعي ــد �سعيـ ــداً ب ــات فــي يم ــنٍ‬ ‫(‪)11‬‬ ‫ �أطلق جناحكَ‬‫وال ي�س ــود على ال�سـ ــودان م ــن وَكلوا‬ ‫ال �سِ ْل ٌم وال �سَ لَ ٌم‬ ‫و�إذا كان الزمان متغير ًا ف�إن المكان ومكانة‬ ‫حيث ال�سالم الذي نهفو له‬ ‫المكان ثابتة‪:‬‬ ‫�صب�أ‬ ‫القد�س تورق‬ ‫ُ‬ ‫كيف الذي كان‪..‬‬ ‫والزمان يبابُ‬ ‫والدنيا تميد به‬ ‫وهي الح�ضو ُر‬ ‫(‪)12‬‬ ‫من هوله‪ ...‬خب ٌر‬ ‫�إذا الزمان غيابُ‬ ‫قد بات مبتد�أ‬ ‫تتفنن نبيلة الخطيب بلغتها‬ ‫وه��ي تقف �أم ��ام ال�م�ف��ردات؛‬ ‫من ذا ير ُّد �إلى الأطفال‬ ‫ف�ت�ق��ارن وت �ق��ارب ب�ي��ن لفظة‬ ‫�صحوتَهم‬ ‫و�أخرى‪ :‬جنا�س ًا وطباق ًا وتكون‬ ‫كيف ال�صباح انتهى‬ ‫�صور ًا �شعرية متعددة‪..‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫من حيثما ابتد�أَ؟!!‬ ‫تقف �أم��ام المفردة �سواء‬

‫الواو ات�صاالً‪ ،‬ويتحقق الوجد والوله والطيران‬ ‫والأحالم‪ ..‬ثم تنهي ق�صيدتها بما بد�أت‪:‬‬

‫�أبد�أ؟!» وهي ترى الدنيا �ضيقة مظلمة‪:‬‬ ‫}ما �أ�ضيق الدنيا‬ ‫و�أظلمها!‬ ‫ما �أبعد الحلم‬ ‫(‪)23‬‬ ‫حتى لو نراه دنا!{‬ ‫وهي تعدد الجراحات تلو الجراحات‪ ..‬وهي‬ ‫تتعذب‪ :‬عا�شقةً‪ ،‬ومواطنةً‪ ،‬وعربيةً‪ ،‬و�إ�سالميةً‪،‬‬ ‫فحيثما يممت وجهك فثمة جرح‪ ..‬بُعدٌ‪ ..‬غُ ربة‪..‬‬ ‫جراح‪ ..‬احتالل‪ ..‬ا�ستغالل‪ ..‬كذب‪ ...‬انقالب‪..‬‬ ‫ربيع دامٍ ‪ ..‬وبكل �ألم تقول للحجيج‪ :‬بيا�ض‬ ‫المحرمين دم(‪.)24‬‬ ‫من �أين �أبد�أ!!؟‬ ‫�إنه �س�ؤال ع��ادي‪ ،‬في زمن غير ع��ادي‪ ،‬وفي‬ ‫مكان يعدو عليه العوادي‪ ..‬ولم يبق غير ال�شعر‬ ‫نبكيه ويبكينا‪ ..‬وكما تقول نبيلة الخطيب‪:‬‬

‫هذا ه ــو ال�شع ــر ال ف ُّ�ض ــت مج ــال�ســه‬ ‫وال ا�ستح ــالــت �أهازيـ ـ ُج المن ــى نــوح ــا‬ ‫هذا هـ ــو ال�شع ــر �صه ــوات مُطَ َّهم ـ ـ ٌة‬ ‫(‪)25‬‬ ‫مرح ــى لخ َّي ــالهــا �إن �أقبل ــت َمـ ـ ْرحـ ــى‬

‫ فمـــن تبـــدّل داراً دون م ــوطن ــه‬‫(‪)19‬‬ ‫�أ ّن ــىيطي ــبل ــهف ــي َعيْ�شِ ـــه َبـــــدَلُ ؟!‬ ‫ وكـــلُّ كـــرب �إذا ا�ستف ــرجتَه فـ ـ َ َر ٌج‬‫(‪)20‬‬ ‫وك ـ ــل ج ــدب �إذا ا�ست�سقيت ــه خَ ِ�ضـــــ ُل‬ ‫من �أين �أبد�أ!!؟‪ ..‬وكيف �أنهي؟‪� ..‬س�ؤال نبد�أ‬ ‫ ال يلتق ــي الليــل والإ�شــراق ف ــي زمــنٍ (‪ )21‬به وننتهي �إليه‪ ..‬دي��وان �شعر قال عنا ما كان‬‫مــن رام ذاك فـــال �أم�ســـى وال �أ�ضحــــى‬ ‫فينا‪ ..‬و�إن ك��ان ال�ع��رب ق��ال��وا ي��وم �اً‪( :‬قطعت‬ ‫ ال يجم ــع الأغ�ص ــان �إال �س ــاقهـ ــا‬‫(‪)22‬‬ ‫جهيزة قول كل خطيب)‪ ..‬فنقول اليوم‪ :‬قطعت‬ ‫هــــل ي�ستـــوي نبـــتُ بــــال �سيقـــان؟!‬ ‫من حق ال�شاعرة �أن ت�سمي ديوانها «من �أين نبيلة قول كل خطيب‪..‬‬

‫* جامعة البلقاء التطبيقية (‪� )6‬ص‪.36‬‬ ‫(‪� )7‬ص ‪.67‬‬ ‫– عمان‪.‬‬ ‫(‪� )8‬ص‪.70‬‬ ‫(‪� )1‬ص‪.11‬‬ ‫(‪� )9‬ص‪.131‬‬ ‫(‪� )2‬ص‪.15‬‬ ‫(‪� )10‬ص‪.28‬‬ ‫(‪� )3‬ص‪.15‬‬ ‫(‪� )11‬ص‪.69‬‬ ‫(‪� )4‬ص‪.31‬‬ ‫(‪� )12‬ص‪.97‬‬ ‫(‪� )5‬ص‪.35‬‬

‫(‪� )13‬ص‪.69‬‬ ‫(‪� )14‬ص‪.139‬‬ ‫(‪� )15‬ص‪.15‬‬ ‫(‪� )16‬ص‪.19‬‬ ‫(‪� )17‬ص‪.130‬‬ ‫(‪� )18‬ص‪.131‬‬ ‫(‪� )19‬ص‪.69‬‬

‫(‪� )20‬ص‪.74‬‬ ‫(‪� )21‬ص‪.60‬‬ ‫(‪� )22‬ص‪.47‬‬ ‫(‪� )23‬ص‪.21‬‬ ‫(‪� )24‬ص‪.30‬‬ ‫(‪� )25‬ص ‪.62‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪95‬‬


‫■ عبدالغني فوزي*‬

‫توطئة‪� :‬صدر م�ؤخرا �ضمن من�شورات مجلة «مقاربات» المغربية مجموعة ق�ص�صية‬ ‫بعنوان «ا�ستثناء» للقا�ص المغربي �إبراهيم الحجري‪ .‬وتمتد على مدار �سبع و�سبعين‬ ‫�صفحة من الحجم المتو�سط‪ ،‬احتوت على �سبعة ع�شر ن�صا‪ ،‬منها‪ :‬النظر من تحت‪،‬‬ ‫حوار الأعين‪ ،‬مثل هذا الح�شر‪� ،‬أ�ضغاث �أح�لام‪ ،‬مغارة الحقيقة‪ .‬ومن المالحظ �أن‬ ‫القا�ص ق�سّ م م�ؤلَفه �إل��ى ج��ز�أي��ن دون الإ��ش��ارة لذلك‪ ،‬الأول ي�ضم ق�ص�صا ق�صيرة‪،‬‬ ‫والثاني يحتوي على ق�ص�ص ق�صيرة جدا‪ .‬وهي بمثابة �إقامة ق�ص�صية بغرف متنوعة‪،‬‬ ‫لكل منها ت�أثيثها الخا�ص بها‪ .‬وغير خ��اف هنا‪� ،‬أن جمالية الق�صة الق�صيرة جدا‬ ‫تثير جداال وا�سعا في عالقتها بنف�سها‪ ،‬وبالق�صة الق�صيرة‪ .‬ذاك �أن الق�صة الق�صيرة‬ ‫جدا تبحث في ن�صها ونقدها عن خ�صو�صيتها و�أفقها الجمالي الم�ستقل والخا�ص‪.‬‬ ‫�س�أقارب هنا في هذه المجموعة الق�ص�ص الق�صيرة‪.‬‬ ‫متن الق�ص�ص‬

‫‪96‬‬

‫تلفحك ح��رارة المجموعة‪ ،‬و�أن��ت تقر�أ‬ ‫متنها ق�صة ق���ص��ة‪ .‬ق�ص�ص تلعب مع‬ ‫اليومي وكثافته الطاوية على تناق�ضات‬ ‫المعي�ش وال�ح�ي��اة‪ .‬وه��ي ف��ي ه��ذا‪ ،‬ت�سعى‬ ‫�إلى امت�صا�ص المفارقات الل�صيقة �أ�سا�سا‬ ‫ب�شخو�ص �إ�شكالية‪� ،‬ضمن يومها وتقطيعها‬ ‫المكاني‪� .‬شخو�ص تفرقها �سبل البحث عن‬ ‫ما ي�ؤمن وجودها ويبرر وجودها؛ ولكنها‬ ‫تتوحد في ذاك العمق الم�شدود للأ�صول‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ال�صامتة والمتجلية في عبو�سة المالمح‬ ‫والمكان ومالمح �أفق مو�صد‪ .‬لكن �ضمن‬ ‫رق�ع��ة مكانية ُت � َع � ُّد ب�شكل م��ن الأ��ش�ك��ال‬ ‫ام �ت��دادا طبيعيا لفئة اج�ت�م��اع�ي��ة‪ .‬وم��ن‬ ‫ثمَّ يح�صل التداخل �إل��ى حد ت�شكيل تلك‬ ‫الوحدة الدائرية التي ي�ؤدي فيها كل ملمح‬ ‫�إلى �آخر؛ �ضمن ن�سج دائري �شبيه بدوامة‬ ‫حياة ووج��ود‪ .‬تقول المجموعة في ق�صة‬ ‫«النظر من تحت» �ص ‪:5‬‬ ‫«ان�ط�ف��أ وه�ي��ج ذل��ك ال �ن��ور ف��ي عينيه‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫�س�ؤال اليومي والكتابة‬ ‫في مجموعة «ا�ستثناء»‬ ‫للقا�ص �إبراهيم الحجري‬

‫فج�أة‪ ،‬وانقلبت �أوه��ام الحما�س الطفولي �إلى‬ ‫عتمة ليل مفزع‪ .‬ا�ستنجد مرات بالبحر‪ ،‬ذلك‬ ‫الأف��ق الع�صيب لعله يبلغ غمار حزنه‪ .‬يغو�ص‬ ‫كل م�ساء بعينيه الوا�سعتين في �صخبه‪ ،‬ي�سائل‬ ‫مالمحه الفرحة الغ�ضوبة‪ .‬يبت�سم يبكي قليال‬ ‫كثيرا‪ .‬وحده البحر كان يعرف �سيرته وبمرارة‬ ‫ي�صفق بجناحيه في وجه العالم»‪.‬‬ ‫تبقى ال�شخ�صية المركزية في المجموعة‬ ‫المت�شكلة م��ن م��داخ��ل تتمثل ف��ي ال��درا� �س��ة‬ ‫وال�شهادة وه��ي ب ��ؤرة ه��ذه الق�ص�ص‪ ..‬مالمح‬ ‫تتقاطع مع �شخو�ص �أخ��رى‪ ،‬لها الم�سار نف�سه‬ ‫والم�صير ذات��ه‪ .‬هنا‪ ،‬تبدو �أغ�ل��ب الن�صو�ص‬ ‫م�شدودة لأف��ق مو�صد‪ ،‬وليومي �سالب‪� ،‬إال من‬ ‫ذاك النور المطارد لحقيقة حياة �أخ��رى‪ ،‬في‬ ‫ال�سرد والمحتمل‪.‬‬ ‫كل �شيء‪ :‬المنحة‪ ،‬االنتقاء‪ ،‬النتائج‪ ،‬ال�شغل‪...‬‬ ‫و�أ� �ش �ي��اء من�سية‪ .‬م � َّد ب�صره مخترقا زج��اج‬ ‫تقنيات �سردية‬ ‫النافذة‪ ،‬الأ�شياء تجري الى الخلف كالأ�شباح‬ ‫ق�ص�ص مجموعة «ا�ستثناء» ت�سعى اعتمادا‬ ‫المتالحقة‪.»..‬‬ ‫على عين ال�سارد‪� ،‬إلى ت�شخي�ص حاالت ووقائع‬ ‫�أغ� �ل ��ب ال �ن �� �ص��و���ص ف ��ي ه���ذه ال�م�ج�م��وع��ة‬ ‫تحيا ت�شابكها في الظالل والخلجات والم�سالك‬ ‫االجتماعية‪ .‬فكانت ع�صا ال�سرد تخرج الأحداث الق�ص�صية لها �صلة من قريب �أو بعيد بحياة‬ ‫المنفلتة من الكمون �أو ظ�لام النظر �إل��ى نور ال�سارد‪ ،‬ك�شخ�صية عارفة تتقلب كحياة مكتظة‬ ‫الحكاية‪ ،‬فت�صف الم�شاهد بين ما�ض محفور في بالم�شاهد والمفارقات بين المدينة والقرية‪.‬‬ ‫�أخاديد الذات المتكلمة وواقع محا�صر ومطارد‪ .‬وب �ق��در م��ا يختلفان ف��ي هند�ستهما‪ ،‬ف�إنهما‬ ‫فكان الأفق محموال في الأج�ساد التي تلتحم في يلتقيان في تلك الإط ��ارات الحا�ضنة لحاالت‬ ‫الج�سد الواحد المقهور والموجع بال�ضربات‪ ،‬متوتّرة وم�ل� ّون��ة‪ ،‬ت�ل�وّن ك��ل �شيء عبر م�صفاة‬ ‫وهو يخطو بين المفارقات الكبرى التي ال يد له الإح�سا�س والتخيل‪ .‬ال�شيء الذي �أدى �إلى ح�ضور‬ ‫فيها‪ ،‬لكنه هنا يحكي ليكون‪ .‬تقول المجموعة ال�سير ذاتي‪ ،‬الل�صيق �أ�سا�سا بال�سارد الذي يفرغ‬ ‫كوامنه وجيوب ذاكرته و�شحنة �إح�سا�سه في‬ ‫في ق�صة بعنوان «مثل الح�شر»‪� :‬ص ‪:32‬‬ ‫«ع�صب ر�أ�سه المهرو�س من �شدة ال�صداع‪ .‬هذا المحمول الهام�شي الذي يخلق الر�ؤيا من‬ ‫لم تنفع الأ�سبرين وال الأ�سبرو مع هذا الغليان‪� .‬أ�سفل‪ ،‬بمعنى ميخائيل باختين للحياة والوجود‪.‬‬ ‫ت�شخي�ص وت�صوير للم�شاهد المكتظة‪� ،‬أدى‬ ‫تعب يفي�ض من الج�سد النحيل ممزوجا بهلع‬ ‫وترقب‪ .‬مل االنتظار من زمن �سحيق‪ .‬انتظار �إلى تو�سّ ل ال�شكل الكثيف‪ ،‬لبناء الق�صة‪�« .‬إن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪97‬‬


‫ * كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ ) 1‬محمد رم�صي�ص‪�« ،‬أ�سئلة الق�صة الق�صيرة بالمغرب»‪ ،‬مطبعة طوب بري�س‪ ،‬الرباط‪ ،‬دي�سمبر ‪2007‬م‪� ،‬ص ‪.5‬‬ ‫(‪ )2‬ح�سن بحراوي‪« ،‬بنية الن�ص الروائي» عن المركز الثقافي العربي‪� ،‬سنة ‪1990‬م‪� ،‬ص ‪.26‬‬ ‫(‪ )3‬محمد برادة‪« ،‬ف�ضاءات روائية»‪ ،‬من�شورات وزارة الثقافة الرباط المغرب �سنة ‪2003‬م‪� ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ق�صتان‬ ‫■ نورة عبداهلل ال�سفر*‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ق�صر الق�صة الق�صيرة يقت�ضي اقت�صارها �ضمن حكايا مقعّرة‪ ،‬بتو�صيف م�شهدي م�شدود‬ ‫على جانب واحد من الحياة �أو ال�شخ�صية من بخيط درامي‪ ،‬يتنامى كما عنف الحالة‪.‬‬ ‫دون التفا�صيل‪ ،‬مع مراعاة وحدة االنطباع وقوة‬ ‫�أم ��ا ال�ل�غ��ة‪ ،‬ف�لا تخلو م��ن �سخرية و َن� َف��� ٍ�س‬ ‫الأث��ر؛ فقوتها تكمن بالأ�سا�س في جمعها بين‬ ‫�شعريّ ‪ .‬فهذا الأخير يخيط الم�شاهد ويعمقها‬ ‫الق�صر وق�ضايا الوجود العميقة‪ ،‬مواكبة في‬ ‫ذلك طبيعة ع�صرنا ال�سريع»(‪ ،)1‬ال�شيء الذي في االنزياح واللعب ال�سردي‪ .‬و�سخرية �سارية‬ ‫يقت�ضي ح�ضور ثنائيات لها تجلياتها‪ :‬ال�ضيق في التالفيف بتو�صيف موغل وده�شة طافحة‬ ‫االت�ساع‪ ،‬الزرقة العبو�سة‪ ،‬الجفاف اال�ستثناء‪ ..‬تزحزح الثابت عبر اللغة والمخيلة وال��ر�ؤى‪.‬‬ ‫ولعل هذا اال�ستثناء‪ ،‬هو تلك اللحظة المنفلتة ف�ـ«ف��ي غمرة الحداثة و�أ�سئلتها‪ ،‬وف��ي خ�ضم‬ ‫عن طاحونة اليومي والزمن الموح�ش؛ لحظة التبدالت المتالحقة التي زعزعت اليقينيات‬ ‫تنذر بحياة �أخرى على �صلة بالآمال واالحتمال والأن�ساق المنغلقة على �أجوبتها‪ ،‬لم يعد الكاتب‬ ‫�ضمن المكان الذي ي�ؤطر تلك الم�شاهد؛ وهو المبدع يكتب ليترجم م�شاعر �أو ي�ؤكد حقائق‬ ‫بذلك امتداد طبيعي لها‪� ،‬أي ب�إمكان المكان �أن �أو ي�سند �إيديولوجيا‪ ..‬على العك�س‪ ،‬يكتب من‬ ‫يعبّر عن المالمح العامة والخا�صة لل�شخو�ص منطقة االرتياب والت�سا�ؤل والبحث عن الحقيقة‬ ‫والأح � � ��داث‪ .‬و«ال� �ح ��ال �أن ال �م �ك��ان ال يعي�ش المحفوفة بااللتبا�س والتعدد»(‪.)3‬‬ ‫منعزال عن باقي عنا�صر ال�سرد‪ ،‬و�إنما يدخل‬ ‫هنا تكون الكتابة بمثابة �س�ؤال حياة ووجود‬ ‫ف��ي ع�لاق��ات متعددة م��ع المكونات الحكائية‬ ‫الأخ � ��رى ل�ل���س��رد كال�شخ�صيات والأح � ��داث على الرغم من تخلقها الجمالي‪ .‬وهو المتحقق‬ ‫وال��ر�ؤي��ات ال�سردية‪ ..‬وع��دم النظر �إليه �ضمن مع القا�ص والمبدع �إبراهيم الحجري المتعدد‬ ‫ه��ذه العالقات وال�صالت التي يقيمها‪ ،‬يجعل االهتمام بين الق�صة وال�شعر وال�ب�ح��ث‪ ..‬كل‬ ‫من الع�سير فهم الدور الن�صيّ الذي ينه�ض به ذلك يخوّل له �أن يغذي �أي كتابة عنده‪ ،‬بلم�سات‬ ‫الف�ضاء داخل ال�سرد»(‪.)2‬‬ ‫في البناء المحيل بقوة الداللة �أو الإ��ش��ارة �أو‬ ‫ال�صياغة على ت�أمالت فل�سفية ون�صو�ص غائبة‬ ‫على �سبيل الختم‬ ‫�أدبية وفكرية و�شفوية‪..‬‬ ‫مجموعة «ا�ستثناء» تركب بحر الحكاية في‬ ‫�ضمن هذا الن�سيج الحكائي‪ ،‬يتتبع الكاتب‬ ‫الكتابة ال�سردية‪ ،‬لكن لي�س بالمعنى التقليدي‪.‬‬ ‫فكانت الق�ص�ص هنا‪ ،‬ذات مداخل تتمثل في ح��االت ال�شخو�ص؛ لبناء ذاك الكل ال�سردي‬ ‫اليومي للفئة المقهورة في المجتمع وزادها من ال��ذي يعد ف�صال لتالحم ملحمي في ال�ضيق‬ ‫ا�ستعماالت لغوية وت�صورات وثقافة �شعبية‪ .‬وهو بمعناه الواقعي والوجودي �أي�ضا؛ نظرا لتعدد‬ ‫بذلك ي�شتغل على هذا المتن‪ ،‬ليعيد بناءه �سرديا الأ�صوات الباحثة عن ا�ستثناء �أو �أفق �آخر‪.‬‬

‫للزمن فخ�سرتها‪ ،‬التهبت النكات وتكومت‪.‬‬ ‫�إندو�سكوبي روم‬ ‫مري�ض �أ�سهم �أم�سكت بقلبي رجفة ه� ّزت��ه‪ ،‬ج�رّدت��ه من‬ ‫ٍ‬ ‫في ال�خ��ارج‪ ..‬حيث كل‬ ‫في الفراغ بعينين ت�ضطجعان على جدار كتفين م�ث�ق�ل�ي��ن‪ ،‬واط� �م� ��أنّ ل�ف���ّ�ض غ��زل‬ ‫الترقب وال��وح��دة‪� .‬أم�سك بكتابي ال��ذي ال�سنين‪...‬‬ ‫ح�دّق بي طوي ًال ينتظرني‪ .‬ت��ردّدتُ خوف ًا‬ ‫�إنه هنا‬ ‫على �سمعتي من التلوّث بجريمة االنغما�س‬ ‫نظرتُ �إليها بينما �أن��ا مم�سكة بيدها‬ ‫ف��ي ل � ّذ ٍة ذات� ّي��ة بعيدة ع��ن �أناجيل الطب‬ ‫�أفح�ص النب�ض‪ ،‬ت�صوّرتها �أمامي ام��ر�أ ًة‬ ‫المقدّ�سة‪.‬‬ ‫الظلّ» تلقي بنكاتها يمنة وي�سرة‪،‬‬ ‫«خفيفة ِ‬ ‫ه �ن��ا‪ ،‬ف��ي غ��رف��ة ال �م �ن��اظ �ي��ر‪ ..‬حيث وت��دكّ الأر� َ��ض �شامخة عند دخولها كل‬ ‫التعذيب ال�ي��وم��ي ب ��إدخ��ال الأن��اب �ي��ب من مجل�س‪ .‬ما هي الآن �سوى ظلٍّ ملقى على‬ ‫الأعلى والأ�سفل والتفرج عبر ال�شا�شات حافّة الحياة‪ ،‬ج�س ٌد متق ّر ٌح وعق ٌل خَ رِ ف‪.‬‬ ‫على دواخ��ل الم�ستلقين �أمامنا‪ .‬تُم�سَ ك‬ ‫تجل�س قبالتها عاملة �آ�سيوية �سمراء‬ ‫الأي��دي وتُث َبّت الأرج ��ل‪ .‬في غرف ٍة ب��ارد ٍة‬ ‫يتعرى فيها المري�ض من كرامته و�أحيان ًا با�سمة على ال ��دوام‪ ،‬تطعمها وترعاها‪،‬‬ ‫�أ� �ش �ي��اء �أخ� � ��رى‪ ..‬ي��دخ �ل��ون وي �خ��رج��ون‪ .‬وتترجم بلبالت تتدحرج على م�سامعنا‬ ‫نح�صيهم ك �ع��ددٍ ونفتخر ب��إن�ج��ازات�ن��ا‪ .‬غير ذات معنى‪.‬‬ ‫لم نلتفت يوم ًا لنفك َر �أن هذا المبنى‬ ‫«ل��ن ي�ضيركم وعليكم �سال ٌم من اهلل»‪..‬‬ ‫تطمئنهم الكلمات‪ ..‬و�أدوية الن�سيان تجري ال��ذي يتختّل الموت بين ممراته‪ ،‬يقابل‬ ‫ف��ي عروقهم لتمّحي ُمقَلنا وكالمنا وما مبنانا ال��ذي ندر�س فيه وي�ضج بطاقات‬ ‫غ�ضة لم تم�س�سها حروق‬ ‫الفتوّة و�أغ�صان ّ‬ ‫اغت�صاب لفتحاتهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مرّوا به من‬ ‫م�سن يُ�شكّ بت�سرطن العي�ش‪..‬‬ ‫دخلَ �آخر مري�ض‪ٌّ .‬‬ ‫قولونه‪ .‬ومن بين �شفا ٍه قامرت بنداوتها‬

‫لم نعتذر لأنه م ّر ولم ننتبه �إليه‪..‬‬

‫ * قا�صة من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪99‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ق�صة‪�:‬شارع الجزارين‬ ‫■ طاهر الزهراين*‬

‫رجال‪ ،‬ون�ساء‪ ،‬و�أطفال‪..‬‬ ‫قطط مت�سكعة‪ ،‬وطيور في �أقفا�ص معلقة‪..‬‬ ‫روائح �شهية لم�أكوالت �شعبية‪..‬‬ ‫روائح نفاثة لمحالت العطارة‪..‬‬ ‫دكاكين لبيع اللحوم الحمراء‪ ،‬وعربيات لبيع‬ ‫الخ�ضار‪..‬‬ ‫مطاعم للكبدة البلدي والكوارع‪..‬‬ ‫معا�صر لق�صب ال�سكر‪..‬‬ ‫مت�سولون ومت�سوالت‪..‬‬ ‫�أطفال يلعبون (الفرفيرا)‪..‬‬ ‫ن�ساء �سيمنات يبعن الدفوف‪� ،‬إحداهن تقرع‬ ‫بحرفيّة‪ ،‬و�أخرى في الطرف المقابل (تغطرف)‬ ‫وتتمايل‪..‬‬ ‫عم (م�سعود) �أمامه قد ٌر كبير مليء بالر�ؤو�س‬ ‫المندية‪ ،‬وعلى الطاولة يف�سخ ب�ساطورة اللحم‪،‬‬ ‫وير�ش عليه بع�ض الكمون‪ ،‬ثم يقدم لزبائنه �ألذ‬ ‫(لحمة) ر�أ�س في البلد‪.‬‬ ‫الجزار (حنفي) يحاول �أن يعلق فخذ جملٍ‬ ‫عجوز‪ ،‬ولكنه يف�شل في و�ضعه في الخطاف؛‬ ‫لأن فتاة �سمراء تعر�ض مفاتنها على ال�شعب‬ ‫الـ(�صنيان)!‬ ‫ألفاظ‬ ‫ببغاء عم (برعي) يتلفظ على المارة ب� ٍ‬ ‫ * قا�ص من ال�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�سوقية‪ ،‬وهو (ي�شي�ش) وي�ضحك‪..‬‬ ‫�شاب يطلق �آهات ويقول‪:‬‬ ‫�أح يا بلح!‬‫لأن فتاة بخارية مرت بجواره!‬ ‫بنغالي في �أحد الأزقة يبيع �أفالم ًا جن�سية!‬ ‫محالت التنباك بجوار محالت بيع ال�سمك‬ ‫المقلي!‬ ‫�إفريقي يبيع م�ستح�ضرات جن�سية في قوارير‬ ‫�صفراء‪ ،‬وي�شير �إل��ى ال�م��ارة ب��إ��ش��ارات القوّة‪،‬‬ ‫وي�ضغط ب�أ�سنانه العليا على �شفته ال�سفلى!‬ ‫هندية تبيع الحناء والخالخل‪ ،‬وبجوارها‬ ‫الن�ساء ال�سمينات الالتي يبعن الدفوف‪ ،‬التي‬ ‫ك��ان��ت تتمايل �شعرت بحاجة للتبول‪ ،‬ذهبت‬ ‫خلف �إحدى ال�سيارات القديمة‪ ،‬الأطفال الذين‬ ‫كانوا يلعبون الـ (فيرفيرا) الحظوها و�أخ��ذوا‬ ‫ي�شاهدون المنظر من تحت ال�سيارة‪ ،‬وي�شاركهم‬ ‫قطٌ (عرّي) يقبع تحت ال�شكمان!‬ ‫ب�شر يحت�شدون في كل مكان‪..‬‬ ‫ج��زارون يقطعون اللحم‪ ،‬و�آخ��رون ينظرون‬ ‫للحم!‬ ‫انتهت المر�أة‪ ،‬ارتفعت عن الأر�ض‪..‬‬ ‫�أخ��ذ الأط�ف��ال ي�ضحكون‪ ،‬ي�ضحكووووون‪..‬‬ ‫ويرفعون ر�ؤو�سهم �إلى ال�سماء‪.‬‬

‫ِّ‬ ‫الظ ُّل الها ِرب‬ ‫■ �إميان مرزوق*‬

‫ف��ي �أول��ى ليالي �أي �ل��ولَ ال�م��اطِ ��رة‪ ..‬في بمقدور النا�س �أن يدفعوا لِلغَفير‪ ,‬لي�ستظلوا‬ ‫مدين ٍة ال قريب ٍة وال بعيدة؛ وكعادتهِ‪ ..‬خرجَ ب�أيِّ ظلٍ كان!!‬ ‫الظِّ ل الهاربُ ليتعمَّدَ بما ِء ال�سَّ ماء‪.‬‬ ‫«�إذا �أردتَ �أن ت �ط ��أ �أيَّ ظ�ل�الٍ في‬ ‫عليك �أنْ تدفع!‬ ‫كان ينتقلُ ب�سرع ٍة بينَ ال�شوار ِع والأ ِزقَّة‪ ،‬المدينة‪َ ..‬‬ ‫ي��راق�� ُ��ص �أ� �ض��وا َء ال���س�ي��اراتِ المُ�سرعة‪،‬‬ ‫و�إ َّال فال�شم�س �أولى ب�إ�شعال الجمر في‬ ‫و�أعمد ِة الإن��ارة‪ ،‬وي�شربُ مُنت�شي ًا بذكرى جمجمتك!!»‪.‬‬ ‫انت�صا ٍر عمره �ألف عام‪..‬‬ ‫ومنذُ ذل� َ�ك اليوم‪ ،‬لم َيعُد ب�إمكانِ �أيِّ‬ ‫في �أولى ليالي �أيلولَ الماطِ رة‪ ,‬قبلَ � ِ‬ ‫ألف �إن�سانٍ �أن ي�ستظِ لَّ ب ��أيِّ �شيءٍ ك��ان‪ ..‬حتى‬ ‫عام؛ طوى الظِّ ل ثوب ُه وهربَ من المدينة‪ .‬الغفير!‬ ‫فبعدَ ق ��را ِر ت��أج�ي��رِ ال��ظِّ �لال‪ ,‬ل��م َيعُد‬ ‫ * كاتبة وقا�صة من الأردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪101‬‬


‫�أمل‬ ‫■ عبدالكرمي حممد النملة*‬

‫بف�ؤادك‬ ‫�أورقت‬ ‫ذكرى بواكير ال�صباح‬ ‫ذكرى رغاب جائعات‬ ‫عانقت و�سن الم�ساء‬ ‫ذكرى دموع �شفها‬ ‫حزن لغوب‬ ‫�صامت‪..‬‬ ‫ظامئ‪..‬‬ ‫نحو ان�شقاق الغيم‬ ‫في كبد الم�ساء‬ ‫وم�ضيت تخطو بائ�سا‬ ‫في حلكة الليل القديم‬ ‫تم�ضي‬ ‫وفي عينيك‬ ‫طيف خياالت عذاب‬ ‫�أوم�ضت‬ ‫في غا�سق الروح‬ ‫ك‪ ..‬ومي�ض برق‬ ‫في �شبح ال�سماء‬ ‫تم�ضي ويلهج قلبك‬ ‫بدعاء �صبح ناعم‬ ‫فيما م�ضى‬ ‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫بدعاء �شم�س �أينعت‬ ‫في �شفة ال�صبح الو�ضيء‬ ‫ب�سمة‬ ‫عذبة‬ ‫فيها �شفاء الليل‬ ‫من �ض ّج المغيب‬ ‫تم�شي ويزجيك حنين‬ ‫نحو هطول ال�شم�س‬ ‫في الغ�سق البعيد‬ ‫في الفجر الجديد‬ ‫متو�سداً‬ ‫في دربك الآتي‬ ‫رغبات الأماني‬ ‫الفاتنات‪..‬‬ ‫الجائعات‪..‬‬ ‫الظامئات‪..‬‬ ‫ل�شعاع نف�س �أوم�ض‬ ‫في قاحل الليل البهيم‬ ‫بين فجاج ال�صبح‬ ‫ينحدر الم�ساء‬ ‫خائبا‬ ‫من بين �أهدابك‬ ‫الم�سبلة‬

‫■ علي العلوي*‬

‫�أَخَ افُ َعلَي ِْك مِ ن ِْك‬ ‫مِ نَ ا ْل َمرَايَا �إِ ْذ ُتكَ�سِّ ُر وَجْ ه َِك ا ْلبَاكِي‪.‬‬ ‫�أَطِ ي ُر َكمَا ِ�صغَا ُر الطَّ ْي ِر‬ ‫�أُخْ فِي ُل ْق َم ًة فِي الْجَ يْبِ‬ ‫�أَحْ مِ ُلهَا �إِ َلي ِْك‪.‬‬ ‫�أَنَا ال ِّذ ْكرَى‬ ‫َو�أَنْتِ ِبدَا َي ُة ال ِّذ ْكرَى‬ ‫كِلاَ نَا ُنقْطَ ٌة َت ْدنُو َو َت ْعلُو فِي �سَ دِي ِم ا ْل ُفلْكِ‬ ‫***‬

‫َي ْنتَحِ ُر ا ْلكَلاَ ُم �أَمَا َمنَا‬ ‫وَالدَّمْ ُع ُي ْل ِه ُمنِي ا ْل ُبكَا َء َعلَي ِْك‬ ‫َل ْم �أَغْ َ�ضبْ‬ ‫َو َل ْم �أَهْ رُبْ‬ ‫َو َلكِنَّ الْحَ نِينَ �أَمَا َتنِي َق ْهرَا‬ ‫َو ُب ْعدَكِ �شَ َّلنِي دَهْ رَا‬ ‫َو َهذَا ا ْلوَجْ ُد �أَ�سْ َك َرنِي بِ�شَ هْدِ َي َدي ِْك‬ ‫***‬

‫ُم ْر َتبِكٌ �أَنَا‬ ‫َتتَ�سَ اق َُط َْالأ ْورَاقُ فِي جَ ْفنِي‬ ‫�أُ َفت ُِّ�ش فِي جَ بِينِي َعن ِْك‬ ‫لَ�سْ تِ هُ نَا‬ ‫َولَ�سْ تِ هُ نَاكَ‬ ‫ف َْالأَ ْبوَابُ م�ؤ�صدة‬ ‫ِيك‪.‬‬ ‫َوبَ�سْ َمت ُِك اخْ َتفَتْ كَا ْل َبرْقِ ف ِ‬ ‫***‬

‫َت َب َّدلَتِ ال ِّديَا ُر‬ ‫ال�ص َو ُر ا ْلقَدِ ي َم ُة‬ ‫َوهَذِ ِه ُّ‬ ‫مَا َتزَالُ تَحِ نُّ فِي حَ زَنٍ �إِ َلي ِْك‪.‬‬ ‫تَجِ يئِينَ ا�شْ ِتيَاقَا‬ ‫ * �شاعر من المغرب‪.‬‬

‫ُث َّم َتم ِْ�ضينَ احْ تِراقَا‪.‬‬ ‫َو�أ َْ�صدَا ُء ا ْل َمكَانِ تَظَ لُّ تَ�سْ �أَ ُلنِي‬ ‫طَ وَا َل ال َوقْتِ َعن ِْك‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫�أ�صداء الذكرى‬

‫ن�شيد �شريد‬

‫�أَنَا �أَعْ مَى‬ ‫َومَا ِبيَدِ ي عَ�صَ ايْ‬ ‫�أَ�سِ ي ُر ِب ُم ْف َردِي‬ ‫مَا لِي �سِ وَايْ‬ ‫�أُكَ�سِّ ُر مَا َت َبقَّى‬ ‫مِ نْ َمرَايَا‬ ‫ِ ألَ�سْ َك َر مِ لْ َء حُ ْزنِي‬ ‫فِي َهوَايْ‬ ‫َو�أَرْ�سُ ُم مَا تَجَ لَّى‬ ‫فِي ال َمرَايَا‬ ‫ِ أَلنْظُ َر فِيَّ‬ ‫فِي َمرْ�سَ ى �أَنَايْ‬ ‫�أَنَا �أَعْ مَى‬ ‫يُطَ ِّو ُقنِي �أَ�سَ ايْ‬ ‫َو َي�أْخُ ُذنِي ال�سُّ كُونُ‬ ‫�إِلَى َعمَايْ‬ ‫َف�أَمْ كُثُ‬ ‫ال‬ ‫فِي لَظَ ى َ�ص ْمتِي طَ وِي ً‬ ‫َو�أ َْ�صمُتُ‬ ‫ُك َّلمَا نَطَ قَتْ َيدَايْ‬ ‫َك�أَنِّي دَمْ َع ٌة‬ ‫فِي َق ْع ِر َك�أ ٍْ�س‬ ‫َك�أَنِّي َن ْغ َم ٌة‬ ‫فِي لَحْ نِ نَايْ‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪103‬‬


‫خرير الحنين‬ ‫ُ‬

‫■ حممد خ�ضر*‬

‫■ الطاهر لكنيزي*‬

‫اَ� �ْ�س� � ِب ��لْ ُذي � � ��و َل ال �ب ����سْ �م��ة ال � َوط �ف��اء‬ ‫ل� �م� �ل� � ْم ع� � �ن � ��ادَك �إنّ ق �ل �ب��ي ق � ��ارثٌ‬ ‫واف�سحْ ل�شم�س ال��و ّد تم�ش الخَ يْزلى‬ ‫ك��ي ي ��ر ُت� � َق الأف � � ��را َح خ �ي� ُ�ط غزيلها‬ ‫وي�����س��ي�� َل وج�����دُك ج����دوال م��ت��رق��رق��ا‬ ‫وي� �ن� �م� �ن� � َم ال� � �ب � ��و ُح ال� �ب� �ه ��يُّ ل� �ق ��ا َءن���ا‬ ‫ون���ع���ان��� َق ال�������ش���و َق ال���ق���دي���م ح��دي�� َث��ه‬ ‫ه�ل�اّ ه � � َددْت ح�����ص��و َن ال�����ص�� ّد جُ ملة‬ ‫و َب � �ن � �ي� ��تَ ل �ل ��أح �ل��ام ُع� �� �ّ�ش ��ا ب ��اذخ ��ا‬ ‫ج������ ّر ْد ظِ �ل��ال ال �� �ش��كّ م ��ن �أ ْف �ي��ائ �ه��ا‬ ‫�����س ���ص��ب��اب��ت��ي ملتاعة‬ ‫ك���م ���سُ ��ق��تُ ع��ي َ‬ ‫ف��ت��د ّل��ه��تْ وال���ه���ج��� ُر �أدم������ى ���ش��و َق��ه��ا‬ ‫وخبلتُ حين �شربتُ كا�سات النوى‬ ‫وت���رك���تَ ع��ق��ل��ي ب��ي��ن ك��ث��ب��ان الأ���س��ى‬ ‫وي�������س���ائ��� ُل ال���ق���ل���بَ ال���مُ���ع��� ّل���ق ن��ب�����ض��ه‬ ‫���ش��اخ��تْ ح�سا�سينُ ال��ه��وى فينا وما‬ ‫ذرف���تْ على الما�ضي ل��ح��و َن مناحة‬ ‫�أل������ق������تْ ح���م���ائ���مُ���ن���ا ع����ل����ى �أق�����م�����اره‬ ‫َف� �� ِ��ص � ِ�ل ال� � �ف� � ��ؤا َد ب �ك �ل �م��ة م� �ط ��روزة‬ ‫ك����ي ت�������ور َق ال���ك���ل���م���اتُ م���ث���ل ف�����س��ي��ل��ة‬ ‫وي�����ص��وغ م��ن��ه ط��ن��ي�� َن��ه ن��ح�� ُل ال��ج��وى‬ ‫ف���ال��� ّن���ه��� ُر رغ����م ال �� �س � ّد ي��طْ �ف��ر م� ��دُّ ُه‬ ‫وال����������ور ُد ي���ط���رح ل��ل��ن�����س��ائ��م ع��ط��ره‬ ‫وال��ب��ح�� ُر ي��دف��ن ف��ي ال��رم��ال ه��دي�رَه‬ ‫ه� ��ذي ح� �ب ��الُ حُ �� �ش��ا� �ش �ت��ي م� �م ��دود ٌة‬ ‫ * �شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫وال� �ج� � ْم خ �ي��و َل ال�غ��ْ��ض�ب��ة ال��ح��م��راء‬ ‫ي���� ْ���س���ت���فّ ت����رب���� َة ال����وح����دة ال��� ْده���م���اء‬ ‫ف�����ي ق���ل���ب���ك ال���م�������ش���ن���وق ب������الأن������واء‬ ‫وي�����غ�����و َر َروْقُ ال���ظ���ل���م���ة ال���ظ��� ْل���م���اء‬ ‫ي���ن�������س���اب ب����ي����ن م�������ش���ات���ل الأح�����ن�����اء‬ ‫ون���������ذوبَ ف����ي ه��م�����س��ات��ن��ا ال���ع��� ْي���ط���اء‬ ‫ف� �ت� �ن� � ّز وهْ � � � � َوه � � � � ٌة م � ��ن الأح � �� � �ش� ��اء‬ ‫وم����� َددْتَ ج�����سْ ��ر ال���ص��راح��ة النجالء‬ ‫ل����ت����غ���� ّر َد ال� �ن ��جْ ��وى ِب� ��دغْ � ��ل خ��وائ��ي‬ ‫ل��� َت���رى غَ�������ض���ارة روحِ � � ��يَ ال�ب�ي���ض��اء‬ ‫ل � �م � �ن� ��اب� ��ع الأح� � � �ل � � ��ام والأه����������������واء‬ ‫ل���م���ا ن���� َ���ص���ب���تَ ك����م����ائ����نَ ال�������ش���ح���ن���اء‬ ‫م���م���ذ وق������� ًة ب���� ِ���ض ��رام ��ك ال� ��زرق� ��اء‬ ‫ّ�������س الأ�����س����م����ا َء ف����ي الأ����ش���ي���اء‬ ‫ي���ت���ل���م ُ‬ ‫ف�����ي ح����ي����رة ع�����ن واح�����ت�����ي ال����غ���� ّن����اء‬ ‫�����ص��ب��وت��ي ال��ه��ي��م��اء‬ ‫����ش���ا َخ ال��ح��ن��ي��ن ب َ‬ ‫ك����م����خ����ارم ال�����ن�����اي�����ات ب���ال�������ص���ح���راء‬ ‫�أ� �س �ج��ا َع � �س��حّ ��تْ م���ن غ��م��ي�����س ال����دّاء‬ ‫ب�����ال�����و ّد ال ب���ال���� ّ���ض���ح���ك���ة ال�����ش��ه��ب��اء‬ ‫�أو وردة ف�����ي روح��������ك ال������ج������رْداء‬ ‫وي�������ص��� ّب���ه ف�����ي روح��������ك ال���خ���ر����س���اء‬ ‫ل�����ي�����ب�����و َح ب������الأ�������س������رار ل���ل���ح���� ْ���ص���ب���اء‬ ‫ل����ت����د� ّ����س����ه����ا ف������ي خ�����اط�����ر ال������ع������ذراء‬ ‫ل��ي�����ص��ي��خ م����وجُ ����ه ل��ل��خ��ري��ر ال��ن��ائ��ي‬ ‫الخ�ضراء ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫فان�ش ْر غ�سي َل �شجونك‬

‫عن االعتقادات الخاطئة‬

‫وال القناديل الم�ضاءة على ت�شققات الألم‪،‬‬ ‫�أخ����اف �أن يت�سكع ال��ق��در ع��ل��ى م��ق��رب��ة من‬ ‫الق�صيدة‪،‬‬ ‫ويبني المجهول كوخا في كل ا�ست�شراف‪،‬‬ ‫وي�س�ألني عابر كيف حالك ب�صدق وحزم؟!‬ ‫�أخاف �أن يتواط�أ البرج مع اللغة‪،‬‬ ‫ويغرقان في �صميم البحر‪..‬‬ ‫�أن تطارحني ال�صحراء �سرابها‪،‬‬ ‫ف�أف�شل في �صياغة عبارة عن الأمل‬

‫قالت �إنها تحبهُ‪..‬‬ ‫قالت �إنها حاولت االنتحار لأجله مرتين‬ ‫قالت �إنها انتحلت �شخ�صية مو�صلة طلبات‬ ‫غداء من مطعم �شهير حتى يت�صادفا‪،‬‬ ‫لا و�أع ��اد لها ال�ب��اق��ي بين‬ ‫وتحقق ذل��ك ف�ع� ً‬ ‫يديها وهو يخمن‪�( :‬أين ر�أيت هذه الفتاة؟)‬ ‫قالت �إن الحنين ينثرها مثل ري��ح تجرف‬ ‫ق�ش �أ�سفل �شجرة‪..‬‬ ‫بينما كان �شخ�ص ما �أمامها‪..‬‬ ‫عراف لخطوتها‪..‬‬ ‫ي��ف��ركُ يديه ف��ي كنايه ج��دي��دة ع��ن تحطم‬ ‫�أعرفها من غيمة في القرى البعيدة‪..‬‬ ‫القلب‪..‬‬ ‫من تنوي ٍه �صغي ٍر للعائدين من ال�سفر‪..‬‬ ‫كف كالم�أوى‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫من �أغنية ع�شوائية على الراديو المبرمج‪..‬‬ ‫على الكتف ظلت �شامتها حائرة ل�سنوات‪ ..‬من ذعر الحمامات في فتحة التكييف‪..‬‬ ‫فكرت ذات م��رة ب�أنها قد تكون م�ضرّة مع ومن قبلة طويلة في فلم مملّ‪..‬‬ ‫مرور الوقت‪..‬‬ ‫�شا�شة‬ ‫قالت �شيئاً خافتاً ي�شبه كالم الكهنة حول‬ ‫كل ر�صيدي من القلق‪..‬‬ ‫الأقدار‬ ‫ي�ستهلك في �شا�شة الرحالت التي �أقلعت‪..‬‬ ‫وتذكرت �شامة مارلين مونرو‬ ‫ك���ي���ف ك���ان���ت ال���ح���ي���اة ���ص��ع��ب��ة م����ع ال��ري��ب��ة في ومي�ضها الفائت كغ�صة بين عا�شقين‪..‬‬ ‫واالحتياط ون�صائح الأطباء‬ ‫تر�صد‬ ‫بعد مدة تح�سنت الأو�ضاع‪..‬‬ ‫ق�صيدة فاتنة ملقا ُة في طريقي منذ �أيام‪..‬‬ ‫كان ثمة كفّ حنونة تقدر الأ�شياء الثمينة! تتحرك على الأوراق مثل ورد في عا�صفة‪..‬‬ ‫كلما حاولت �أن �أ�سلك طريقا �آخر‪..‬‬ ‫بعد قراءة �أبراج ماغي فرح‬ ‫تح�ضنني جيداً ب�أدوات التعبير‪..‬‬ ‫�أخاف يا ماغي فرح‪،‬‬ ‫تُطبق عليّ مع �سبق الإ�صرار‪..‬‬ ‫�أال ي�ستدل الغريب على الم�أوى‪،‬‬ ‫وال قوافل الحنين على غير العتمة‪،‬‬ ‫ف�أدخل فيها مثل طيّة في كتاب �ضخم‬ ‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ن�صو�ص �شعرية‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪105‬‬


‫عبداهلل ال�سفر‬ ‫■ حاوره‪ /‬عمر بوقا�سم*‬

‫ع��ب��داهلل ال�سفر‪� ..‬شاعر يعي بعالقته م��ع ذات��ه الإب��داع�ي��ة‪ ،‬ال�ت��ي ترافقه ف��ي كل‬ ‫االتجاهات‪ ،‬ومَن يجال�سه يتنبه لعمق ثقافته وحر�صه على اال�ستمرار والبحث عن‬ ‫الجديد‪ ..‬وه��ذا ما نلم�سه من �إجابته على �س�ؤالي عن ح�ضوره كناقد م��رة‪ ،‬و�شاعر‬ ‫مرة �أخ��رى؛ �إذ قال‪�« :‬أعتق ُد �أ ّن غالبَ ما �أقدّمه من ق��راءات في الأعمال الق�ص�صية‬ ‫والروائية وال�شعرية هو ا�ستمرار لـ «الذات الإبداعيّة» التي تكتبُ الن�صو�ص‪ .‬ما يم�سّ ني‬ ‫في تلك الأعمال من جمراتٍ تحدِثُ �أثرها في روح��ي‪ ،‬وت�ستق ُّر خال�ص ًة من الن�شوة‬ ‫«ن�ص» مرجع ّي ُت ُه‬ ‫والده�شة واالنبهار‪� ،‬أحاول التعبير عنها �أو �إعادة �إنتاجها في �صورة ٍّ‬ ‫ذلك العمل الإبداعي‪� .‬أ�سجّ ل ا�ستمتاعي‪ ،‬ولكَ �أن ت�سمّيها �شهادة �إعجاب م�صحوبة بماء‬ ‫الن�ص المقروء ومتداخلة معه»‪ ..‬هذه �إ�ضاءة لحوار قد يقرّب القارئ لعالم �شاعرنا‪..‬‬ ‫«الأعمال الكاملة» فقدت �سحرها‪!..‬‬

‫● ●ع��ب��داهلل ال�سفر م��ن الأ���س��م��اء التي‬ ‫ت��ق��ودن��ا �إل����ى ح��رك��ة ق�����ص��ي��دة النثر‬ ‫ال�����س��ع��ودي��ة؛ ف��ق��د �أه�����دى ال�����س��اح��ة‬ ‫ال�شعرية العديد من الإ�صدارات بين‬ ‫مجموعات �شعرية وكتب نقد «يفتح‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ال��ن��اف��ذة وي��رح��ل ‪1995‬م»‪« ،‬ج��ن��ازة‬ ‫ال��غ��ري��ب ‪2007‬م»‪« ،‬ي�������ص���رون على‬ ‫البحر ‪2007‬م»‪« ،‬ا���ص��ط��ف��اء ال��ه��واء‬ ‫‪2010‬م‪« ،»،‬حفرة ال�صحراء و�سياج‬ ‫المدينة ‪2010‬م»‪« ،‬يطي�ش بين يديه‬ ‫اال���س��م ‪2011‬م»‪« ،‬دل��ي��ل ال��ع��ائ��دي��ن‬ ‫�إل����ى ال��وح�����ش��ة ‪2012‬م»‪« ،‬ي��ذه��ب��ون‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ال�شاعر‬

‫والعودة �إل��ى تجربته‬ ‫ف�������ي ال���ج���ل���ط���ة‬ ‫ما �أقدّ مه من ق��راءات في الأعمال‬ ‫‪2013‬م»‪« ،‬و���س��م الق�ص�صية والروائية وال�شعرية هو ي�ستن�سخها‪ ،‬ك�أنما‬ ‫الأي�����ام ‪2013‬م»‪ ،‬ا�ستمرار لـ «ال��ذات الإبداعيّة» التي ي �ق � ّل��د ن�ف���س��ه وي��رف��ع‬ ‫ه���������������ل ب��������ه��������ذه‬ ‫�إ�شارة الحياة والبقاء‬ ‫تكتب الن�صو�ص‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الإ������������ص�����������دارات‬ ‫على قيد الكتابة‪ .‬ما‬ ‫ثمّة ع��وال��م م��ن الكتابة تنتظر من‬ ‫�أك��������������م��������������ل��������������ت ال��ك��ات��ب �أن ي��ذه��ب �إل��ي��ه��ا؛ م��ج��رّ ب�� ًا �أعنيه باالنفتاح؛ �أنّ‬ ‫م�������ش���روع���ك م��ع ومكت�شفاً‪ ..‬يختبر الحذف والإ�ضافة ثمّة عوالم من الكتابة‬ ‫الكلمة؟‬ ‫تنتظر من الكاتب �أن‬ ‫ويمتحن مناطق لم ي�سلكها مِن قبل‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال �أح� � � ��د ي��ق��ول‬ ‫��س��ب �أن هناك «���س��اح��ة» واح��دة يذهب �إليها؛ مجرّب ًا‬ ‫�أح��� ُ‬ ‫باكتمال م�شروعه لل�شعر العربي بو�صفها ميدان ًا للجمال وم �ك �ت �� �ش �ف �اً‪ .‬يختبر‬ ‫ال� �ك� �ت ��اب ��ي؛ لأن���ه ب�����ص��رف ال��ن��ظ��ر ع��ن ه��ويّ��ة ال�شاعر ال�ح��ذف والإ��ض��اف��ة‪،‬‬ ‫ويمتحن مناطق لم‬ ‫�أ� �ص��در مجموع ًة وانتمائه الجغرافي‪.‬‬ ‫من الأعمال خالل‬ ‫ي���س�ل�ك�ه��ا مِ ���ن ق�ب��ل‪.‬‬ ‫عقد �أو عقدين �أو‬ ‫وربما كانت كتابته في‬ ‫ثالثة عقود وحتّى �أكثر من ذلك‪ ،‬لعلّك تذكر‬ ‫المرحلة الما�ضية اخ�ت�م��ار ًا للو�صول �إل��ى‬ ‫«الأع�م��ال الكاملة» التي حملتْ لواءها دار‬ ‫«ع��روق ال��ذه��ب»؛ خال�صة التجربة ورحيق‬ ‫العودة في �سبعينيّات القرن الما�ضي‪ ،‬وقر�أنا‬ ‫يخ�ص الكاتب فقط‪� ..‬أما‬ ‫العمر‪ .‬هذا فيما ّ‬ ‫تحت هذه المظلّة نجوم ال�ساحة ال�شعرية في‬ ‫يخ�ص ال�ق��ارئ؛ ف ��إن �سيرورة التلقّي‬ ‫فيما ّ‬ ‫لبنان والعراق وم�صر و�سوريا وال�سعودية؛‬ ‫تظ ّل بال اكتمال �أب ��داً‪ .‬كتابُ الرمل الذي‬ ‫لكنّ هذه الت�سمية «الأعمال الكاملة» فقدتْ‬ ‫ن�صه الم�شهور وال تنفد‬ ‫فتحه بورخي�س في ّ‬ ‫�سحرَها �أو فاعليّتها‪� ،‬أو بالأحرى مطابقتها‬ ‫�صفحاته‪ .‬كذلك �أم��ر ال�ق��ارئ م��ع الكتاب‬ ‫لأ� �ص��ل غير م��وج��ود‪� ..‬أال وه��و «ال�ك�م��ال»‪،‬‬ ‫وكاتبه‪ .‬في كل ع�صر من الع�صور تجد عود ًة‬ ‫ول��و في ح��دِّ ه الأدن��ى «الإب�ل�اغ»‪ .‬وم��ع ظالل‬ ‫واجتراح ًا لآف��اق المكتوب و�سبر ًا مختلف ًا‬ ‫التو�صيف الكمّي لـ «الكاملة»‪ ،‬يكاد ا�ستخدام‬ ‫ي�ستجيب ل�ك��ل ع�صر وت �ح �وّالت��ه‪ .‬بمعنى‬ ‫هذا العنوان يختفي ليح ّل مكانه «الأعمال‬ ‫القابليّة للقراءة من جديد واكت�شاف بقعة لم‬ ‫ال�شعريّة»‪ ،‬مثالً‪ ،‬لتحيل على �إنجاز �إبداعي؛‬ ‫ي�صلْها ال�ضوء وبقيتْ مكنونة ومكنوزة حتّى‬ ‫مح�صور ًا في فترة زمنيّة معيّنة بال ا�ستدعاء‬ ‫ويف�ض «ر�سالةً»‬ ‫و�صلتْ �إلى قارئها؛ يكت�شف ّ‬ ‫قفلٍ للتجربة يعلنُ تماميّتها‪ .‬ذلك �أن م�شروع‬ ‫لم تبلَ رغم اختالف الأي��دي التي تبادلت‬ ‫�أيّ كاتب ب�صرف النظر عن هويّته الإبداعيّة‬ ‫هذه «الر�سالة» وثبات �سطورها‪ .‬مع الكتابة‪،‬‬ ‫والفكريّة يظ ّل مفتوح ًا ب�أكثر من معنى‪ ،‬دون‬ ‫�أن ن�ضع في الح�سبان مَ ن يقع في االجترارية‬ ‫رهانُ الكاتب دائم ًا الال اكتمال‪...‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪107‬‬


‫● ●من الوا�ضح توجّ ه الكثير من ال�شعراء في العالم‬ ‫العربي �إل���ى كتابة ال��رواي��ة‪ ،‬والكتابة ال�سردية‬ ‫ف��ي ال�سنوات الأخ��ي��رة‪ ،‬م��ا ال��م��ب��ررات خلف هذا‬ ‫التوجه‪ ،‬وهل هي ظاهرة �صحية �أم‪..‬؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال ُب � ّد من الإق��رار �أنّ هناك اندفاع ًا محموم ًا نحو‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫الكتابة الروائية و�إنتاجها بغزارة‪ ،‬بطريقة تثير االنتباه‬ ‫والت�سا�ؤل؛ �إذْ نجد �أنّ بع�ض المناطق التي عُ دت في‬ ‫وقت ما «مت�صحّ رة روائ ّياً» ح�ضرت بقوّة في الم�شهد‬ ‫ٍ‬ ‫ال��روائ��ي ‪� -‬إنْ في جهة الإن�ت��اج �أو في جهة التقدّم‬ ‫من�صة الجوائز‪ .‬ال يهمّ الآن ق��راءة‬ ‫ �إل��ى اعتالء ّ‬‫هذه الظاهرة تحت �أي الفتة نقديّة تحلّل بـ «ع�صر‬ ‫ال��رواي��ة»‪� ،‬أو التحوالت المجتمعية الهائلة‪ ،‬ومعها‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية في العقديْن الأخيرين‪� ..‬أو‬ ‫ال�صدى المبا�شر النفتاح الف�ضاء الإن�ساني والمعرفي‬ ‫ب�شكلٍ غير م�سبوق‪� ،‬أحدثَ ت�صدّع ًا في هيمنة الرقيب‬ ‫في وجهه الخارجي الذي يمثّل ال�سلطة‪� ،‬أو في وجهه‬ ‫الداخلي الذي يج�سّ د االمتثال لما هو من الأعراف‬ ‫والتقاليد والم�سكوت عنه الذي يح�سن االبتعاد عنه‪،‬‬ ‫غي َر �أن ال�صوت الجديد بنداء الحريّة اكت�سحَ الرقيب‬ ‫بوجهيه ال��داخ�ل��ي وال�خ��ارج��ي‪ ،‬و�شاهدنا الأع�م��ال‬ ‫الروائية تترى‪ ،‬وتطغى على ما �سواها من منتج �إبداعي‬ ‫الح�س اال�ستهالكي والت�سويقي‬ ‫ُّ‬ ‫�أو غيره‪ .‬هنا يتدخّ ل‬ ‫في ت�ضخيم الظاهرة و�إبالغها مدىً من المجانيّة‬ ‫والجر�أة دون رفّة جفن‪ ،‬وقبلَ ذلك من دون �أدوات؛‬ ‫فاختلط الحابل بالنابل‪ ،‬حتّى قر�أنا �أعما ًال روائية؛ كل‬ ‫�صفحاتها عامر ًة بالأخطاء والخطايا؛ فن ّي ًة ولغويّة‪.‬‬ ‫وبالن�سبة �إل��ى انخراط بع�ض ال�شعراء في الكتابة‬ ‫أعر�ضنا عن ركوب الموجة والتقليد‬ ‫الروائية‪� ،‬إذا ما � ْ‬ ‫واال�ستجابة �إل��ى رغ��وة الت�سويق‪ ،‬ف ��إن ذل��ك ي�صدر‬ ‫عن تاريخ في الكتابة‪ ،‬وخبرة في �أ�ساليبها وطرقها‪،‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫اندفاع ًا محموم ًا نحو الكتابة الروائية‪..‬‬

‫ب� � � ��ل ال� � � ��ري� � � ��ادة‬ ‫ف��ي ك��ل ع�صر م��ن ال��ع�����ص��ور تجد‬ ‫ف� ��ي ن� � ��وعٍ م �ن �ه��ا‪ .‬ع��ود ًة واجتراح ًا لآف��اق المكتوب‪،‬‬ ‫و�أع� �ن ��ي ال ��ري ��ادة و�سبر ًا مختلف ًا ي�ستجيب لكل ع�صر ● ●ك��ت��اب «ي�صرون‬ ‫ب�م��ؤدّاه��ا الفني‪ ..‬وتحوالته‪.‬‬ ‫ع��ل��ى ال��ب��ح��ر» ال�����ص��ادر‬ ‫م � �ث� ��ل ال� � ��رواي� � ��ة ال بُدّ من الإقرار �أنّ هناك اندفاع ًا عام ‪2007‬م‪ ،‬في الجزائر‬ ‫ال�ف��ان�ت��ا��س�ت�ي�ك�ي��ة محموم ًا نحو الكتابة ال��روائ��ي��ة وال���ذي �شاركك كتابته‬ ‫ال� �ت ��ي ب�� ��ر َع ف�ي�ه��ا و�إن��ت��اج��ه��ا ب��غ��زارة بطريقة تثير ال�شاعر محمد الحرز‪،‬‬ ‫وهو بمثابة انطولوجيا‬ ‫ال���ش��اع��ر ال �ك��ردي االنتباه والت�سا�ؤل!!‬ ‫ال� ��� �س ��وري ��س�ل�ي��م ال��ن��ق��د والإب�����داع ف��ي ال�سعودية‪ ،‬ل�����ش��ع��راء ال�����س��ع��ودي��ة‪..‬‬ ‫ب��رك��ات؛ �إذ ارت��ا َد وفي �أيّ مكانٍ �آخ��ر‪ ،‬لي�سا في حلبة واجه الكثير من النقد‪،‬‬ ‫م �� �س��اح� ٍ‬ ‫�ات ِب � ْك��را �صرا ٍع �أو م�ضما ٍر للجري ونحن نحمل وات����ه����م ب�����أن����ه ل����م ي��ك��ن‬ ‫ف��ي ه��ذا المجال‪،‬‬ ‫مو�ضوعيا‪ ،‬م��اذا تقول‬ ‫«ال�صافرة»‪!...‬‬ ‫ت �ع �� ّ��ض��ده م�خ� ّي�ل��ة‬ ‫في هذا االتجاه؟‬ ‫عامر ٌة تعك�س روحَ‬ ‫‪ρ‬‬ ‫‪ρ‬يُن�سَ ب �إلى العماد‬ ‫المكان و�شخ�صيّا ِت ِه وحيواناتِه و�أ�شياءَه‪.‬‬ ‫الأ�صفهاني ق��و ُل� ُه «�إن��ي ر�أي��تُ �أن��ه ال يكتب‬ ‫وثمّة �شعراء �آخ��رون ذهبوا �إل��ى ال��رواي��ة؛‬ ‫�إن�سا ٌن كتاب ًا في يومه‪� ،‬إال ق��ال في غ��ده لو‬ ‫لأن ن�صو�صهم ال�شعريّة اب�ت��دا ًء ال تخ�ضع‬ ‫للتو�صيف �أو القالبِ المعروف لل�شعر‪ .‬ثمّة‬ ‫�إمكاناتٌ خارج الحقل ال�شعري ت�سرّبت �إلى‬ ‫تلك الن�صو�ص ق��ادم� ًة م��ن ح�ق��ولٍ �أخ��رى؛‬ ‫الأمر الذي ال نتعجّ بُ معه �أن �أخذوا طريقهم‬ ‫�إل��ى الرواية مثل عبّا�س بي�ضون‪� ،‬أو �أمجد‬ ‫نا�صر‪� ،‬أو ح�سن نجمي‪� ،‬أو عبداهلل ثابت‪� ،‬أو‬ ‫عالء خالد‪ .‬و�شخ�ص ّياً‪ ،‬عندما �أطالع عم ًال‬ ‫روائيّا ال ت�شغلني هويّة الكاتب و«�صحيفة‬ ‫�سوابقه!!» الكتابيّة‪ .‬ما يهمّني هو «المكتوب»‬ ‫نف�سه‪ .‬هل يملك المقوّمات الفنيّة للمكوث‬ ‫والبقاء‪ .‬هل يتوافر على �إمكانيّة ال�صوغ‬ ‫وتحويل الحدث الخام ومتن الحكاية �إلى‬ ‫مبنى روائ ��ي حقيقي‪ .‬ه��ذا ال��ره��ان ال��ذي‬ ‫نحتكم �إليه‪.‬‬ ‫الم�ساحة فر�ضت‬ ‫نف�سها!!‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪109‬‬


‫● ●تناولت ع��ددا م��ن التجارب ال�شعرية ال�سعودية‬ ‫ب��ق��راءات نقدية‪ ،‬وكذلك حظيت بع�ض التجارب‬ ‫ال�شعرية العربية بهذا االهتمام منك‪ ،‬ما تقييمك‬ ‫لل�ساحة ال�شعرية ال�سعودية مقارنة بال�ساحات‬ ‫العربية؟‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫غُ يّر هذا لكان �أح�سن‪ ،‬ولو ُزيِّد كذا لكان �أف�ضل‪ ،‬ولو‬ ‫تُرِ َك هذا لكان �أجمل»‪ .‬فالثُّغرة تالحق �أي عمل من�شور‬ ‫�سواء من �صاحبه بحر�صه على مقاربة �أف�ضل ال�صور‬ ‫التي يريدها لعمله‪� ،‬أم من الآخرين الذين يالحظون‬ ‫النق�ص وي�سجلّونه على الكاتب‪ .‬وهذا المنطق ال تخرج‬ ‫عنه �أنطولوجيّة «ي�صرّون على البحر» التي جمعتْ نحو‬ ‫�أربعين �شاعر ًا و�شاعرة من ال�سعوديّة في مجلّد م�ؤلّف‬ ‫من (‪� )350‬صفحة فقط‪ .‬فالم�ساحة المحددة لهذه‬ ‫الأنطولوجية فر�ضتْ نف�سَ ها في العدد المحدود الذي ال‬ ‫يمكن تجاوزه تبع ًا لر�ؤية جهة الإ�شراف‪ ،‬وزارة الثقافة‬ ‫في الجزائر الذين تف�ضلوا م�شكورين بتبني �إخ��راج‬ ‫�سل�سلة �أنطولوجيات عربيّة �ضمن احتفاليّة «الجزائر‬ ‫عا�صمة الثقافة العربية للعام ‪2007‬م»‪ .‬وعليه كان‬ ‫الحرج ال�شديد في االختيار والفرز واالنتقاء‪ ،‬ولم يكن‬ ‫من مخرج �سوى اللجوء لـ «الذائقة ال�شخ�صية» التي‬ ‫ت�شربّت حداثة الثمانينيات في �ساحتنا المحليّة وما‬ ‫بعدها‪ ،‬التي �أحبّ �أن �أطلق عليها «الق�صيدة الجديدة»‪،‬‬ ‫م��ن دون �إغ �ف��ال ال��رم��وز الت�أ�سي�سية ل�ه��ذه الحركة‬ ‫ال�شعريّة‪ .‬وب�شكلٍ ع��ام‪ ،‬ف�إنني �أتفهّم و�أق� �دّر النقد‬ ‫ال��ذي واجهه الكتاب‪ ،‬و�أعتذر عن ال�سهو ال��ذي طالَ‬ ‫بع�ض الأ�سماء‪ ،‬وهي بالمنا�سبة قليلة‪ ،‬وهذا ال يقلّل‬ ‫من حجم اع�ت��ذاري‪ ،‬والتي وج��دتْ فر�صة الإن�صاف‬ ‫من �أنطولوجية «�أ�صوات �شعرية مختارات من ال�شعر‬ ‫ال�سعودي» ال�صادرة عن وزارة الثقافة والإعالم «قبل‬ ‫نحو عامين «‪1432‬ه�ـ»‪ ،‬ب�إ�شراف وتن�سيق ال�صديقين‬ ‫العزيزين يو�سف المحيميد و�سعود ال�سويدا‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بعد انهيار مقولة «المراكز والأطراف»‪ ،‬ال يكون ثمّة‬ ‫مجا ٌل للحديث عن «�ساحات» في �صيغة جمعٍ تحمل‬ ‫تراتب ومنازل فيها الأعلى والأدنى؛ طبق ًا لجغرافيا‬ ‫وت��اري��خ‪� .‬أح�سبُ �أن هناك «�ساحة» واح��دة لل�شعر‬ ‫العربي‪ ..‬بو�صفها ميدان ًا للجمال‪ ،‬ب�صرف النظر عن‬ ‫هويّة ال�شاعر وانتمائه الجغرافي‪ .‬ومن هذا المنطلق‪،‬‬ ‫�أنظ ُر �إلى ال�شعر المكتوب في ال�سعوديّة‪ ،‬وال يح�ضر‬ ‫ح�س المقارنة �إنْ باالفتخار �أو «الت�شاوف»‪،‬‬ ‫في البال ُّ‬ ‫�أو من باب العقدة القديمة عن �أطراف تريد االلتحاق‬ ‫بمركزٍ من المراكز في بيروت �أو دم�شق �أو بغداد �أو‬ ‫القاهرة‪ ،‬ب�إنتاج ن�سخة تحاول م�ضاهاة الأ�صل في‬ ‫العوا�صم المذكورة‪ .‬لدينا �أ�سماء �شعرية حا�ضرة‬ ‫بقوّة في الكتابة ال�شعرية الجديدة‪ ،‬حتّى لو كانت‬ ‫الأ�ضواء الموجّ هة �إلى تجربتها �شحيحة �أو معدومة‪،‬‬ ‫لكنها موجودة بثقلٍ ونفاذ في هواء ال�شعريّة العربية‬ ‫بما ال نحتاج معه �إل��ى مقارنة‪ .‬هي �أ�سماء حا�ضرة‬ ‫ب��ذات�ه��ا‪ ،‬ب ��أوراق �ه��ا المعتمدة م��ن �صناعة الجمال‬ ‫و�إتقانه‪ ،‬مثل �إبراهيم الح�سين‪ ،‬وحمد الفقيه‪ ،‬وزياد‬ ‫ال�سالم‪ ،‬و�أحمد المال‪ ،‬وعلى العمري‪ ،‬و�أحمد العلي‪،‬‬ ‫وعبدالعزيز الحميد‪ ،‬وع�ب��داهلل ح�م��دان النا�صر‪،‬‬ ‫وماجد الثبيتي‪..‬‬ ‫الإبداع �صدى وقتيّا للحدث ومبا�شر له‪!..‬‬

‫● ●في ظل التغيّرات ال�سيا�سية واالقت�صادية التي‬ ‫ي�شهدها العالم العربي‪ ،‬ما الأثر الذي قد تتركه‬ ‫ه��ذه ال��ت��غ��ي��رات على �شكل وم�ضمون الخطاب‬ ‫الإبداعي؟‬ ‫‪ρ ρ‬التغيرات العا�صفة بالعالم العربي الذي بد�أ مع ثورة‬

‫اليا�سمين التون�سية في �أواخر عام ‪1910‬م‪ ،‬وما تزال‬ ‫هذه ال��دورة م�شتغلة ولم ت�صل �إل��ى نهايتها‪ ،‬بل �إن‬ ‫بع�ض هذه الثورات تراجع نف�سها وت�صحّ ح م�سارها‬ ‫بعد �أن ركب موجته ف�صي ٌل �سيا�سي يبتغي احتكار‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪111‬‬


‫الذات الإبداعية‬

‫الأعمال الق�ص�صية والروائية وال�شعرية هو‬ ‫ا�ستمرار لـ «ال��ذات الإب��داع� ّي��ة» التي تكتبُ‬ ‫الن�صو�ص‪ .‬ما يم�سّ ني في تلك الأعمال من‬ ‫�رات ت�ح��دِ ثُ �أث��ره��ا في روح��ي وت�ستق ُّر‬ ‫ج�م� ٍ‬ ‫خال�ص ًة م��ن الن�شوة والده�شة واالنبهار‪،‬‬ ‫�أح��اول التعبير عنها �أو �إع��ادة �إنتاجها في‬ ‫«ن�ص» مرجع ّي ُت ُه ذلك العمل الإبداعي‪.‬‬ ‫�صورة ٍّ‬ ‫ولك �أن ت�سمّيها �شهادة‬ ‫�أ�سجّ ل ا�ستمتاعي‪َ ،‬‬ ‫�إع �ج��اب م�صحوبة ب�م��اء الن�ص المقروء‬ ‫ومتداخلة معه‪ .‬هو نو ٌع من التعالق الإبداعي‬ ‫�أطلقَ عليه ال�صديق �سعود ال�سويدا «النقد‬ ‫لا ع��ن � �س��وزان �سونتاج‪،‬‬ ‫الإي��روت �ي �ك��ي»‪ ،‬ن�ق� ً‬ ‫بمعنى مجا�سدة الن�ص والتداخل معه لي�س‬ ‫على نح ٍو معرفي بقدر ما هو على نح ٍو جماليٍّ‬ ‫ِ�صرْف؛ يتلمّ�س المتعة ويعبّر عنها‪ ،‬ما و�سعته‬ ‫المحاولة والكلمات‪ ،‬وفي الوقت نف�سه‪ ،‬يدعو‬ ‫القارئ �إلى م�شاركته واختبار تلك المتعة‪.‬‬

‫● ●في ح��وار لي مع محمد الحرز طرحت‬ ‫ع��ل��ي��ه ����س����ؤاال ع��ن ح�����ض��وره ك��ن��اق��د م��رة يبحثون في دفاتر التراث عن هذا الأب‪!!..‬‬ ‫وكمبدع «�شاعر» م��رة �أخ��رى‪ ،‬وه��ل ثمة‬ ‫ع�لاق��ة ج��دل�ي��ة ب�ي��ن ال�ن�ق��د والإب � ��داع‪«● ● ..‬ق�صيدة النثر ترتبط بالذائقة الأجنبية‬ ‫وال �ت��راث الأج �ن �ب��ي‪ ،‬ولي�ست ن��اب�ع��ة من‬ ‫رف�ض فكرة وج��ود �أي تنافر �أو تناق�ض‬ ‫ال �ت��راث ال �ع��رب��ي»‪ ،‬ه��ذه ال �ع �ب��ارة تحمل‬ ‫بين االتجاهين وق��ال «بكل ب�ساطة في‬ ‫ت�����ص��ور ال��ب��ع�����ض‪ .‬ع���ب���داهلل ال�����س��ف��ر م���اذا‬ ‫حالتي ه��و ت�ن�وّع تعبير ال ��ذات ب�أ�شكال‬ ‫يقول؟‬ ‫ك��ت��اب��ي��ة م��خ��ت��ل��ف��ة ل���م ي��ك��ن ي�ك�ف�ي�ه��ا ن��وع‬ ‫واح���د ت��دل��ف �إل��ي��ه ف��ي التعبير‪ ,‬ب�سبب ‪ρ ρ‬ال �أجد غراب ًة في هذا الت�صوّر الذي يعك�س‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ذهنيّة م�شغولة بالأ�صول (وهو �شاغ ٌل عربيٌّ‬ ‫بامتياز)‪ ،‬وال تقنع �إال بما هو منت�سِ بٌ �إلى‬ ‫الجذور وملتح ٌم بها عنوان ًا للأ�صالة والتحدّر‬ ‫من «� ٍأب» معروف‪ .‬هذا الهاج�س �أو االتهام‬ ‫جعلَ �آخرين يبحثون في دفاتر التراث عن‬ ‫هذا الأب‪ ،‬وربما عثروا عليه عند التوحيدي‬ ‫وال � ّن �ف��ري‪ ...‬ل�ع� ّل هاج�س االت �ه��ام يخفّف‬ ‫م��ن غ�ل��وائ��ه‪ ،‬ويطمئن �أنّ ع�شبة ق�صيدة‬ ‫النثر لي�ست نبت ًا �شيطان ّي ًا وال طارئ ًا على‬ ‫خارطة الكتابة العربية‪ ،‬وذلك بق�صد نيْل‬ ‫التقبّل واالع �ت��راف‪ .‬لنتوا�ض ْع ونعترف �أنّ‬ ‫«نقاء ال� ِع��رق» وه � ٌم من الأوه ��ام‪ .‬نجد من‬ ‫ي�شغ ُل ُه هذا الوهم �إل��ى درج��ة عدم االنتباه‬ ‫�إل��ى �أنّ «الإن���س��ان» قبل الإب��داع هو حا�صل‬ ‫تداخل ح�ضاري وتنافذ ب�شري عبر التاريخ‬ ‫بيتي الإبداعي هو الفي�سبوك‪..‬‬ ‫والجغرافيا والذاكرة‪� .‬إنّه تالقح وامتزاج ال‬ ‫● ●ما المواقع التي تزورها �أنت على ال�شبكة‬ ‫ي�سلم �أح� ٌد منه‪ .‬ومن هذه الوجهة‪ ،‬ال يهمّ‬ ‫العنكبوتية؟‬ ‫ال�ضفة التي �أقبلَ منها هذا ال�شكل �أو ذاك‬ ‫بقدر �أهميّة البحث عن نجاح هذا اللون من ‪ρ ρ‬هناك مواقع �أزوره��ا بانتظام‪ ،‬و�أخ��رى على‬ ‫الكتابة وتحقّقه فن ّياً‪.‬‬ ‫تباعد‪� .‬إ�ضافة �إل��ى مواقع بع�ض ال�صحف‬ ‫العربية التي تمنح الثقافة ف�ضا ًء عري�ض ًا من‬ ‫ل�ستُ حري�ص ًا‬ ‫الن�شر والمتابعة‪� ،‬إلى جانب بع�ض المدوّنات‬ ‫● ●كيف ترى قراءة النقاد لتجربتك؟‬ ‫المهتمة بالن�صو�ص المترجمة‪ ،‬لكنّي ب�شكل‬ ‫إخال�ص‪ ،‬ل�ستُ حري�ص ًا على الوقوف عند‬ ‫‪ρ ρ‬ب� ٍ‬ ‫رئي�س �أج��د «بيتي الإب��داع��ي» في المتابعة‬ ‫ه��ذه الم�سالة‪ .‬يكفيني كما ق��ال ال�صديق‬ ‫هو الفي�سبوك الذي و ّف� َر لي ك ّم ًا هائ ًال من‬ ‫قا�سم حدّاد «ت�سعة �أ�صدقاء وحبيبة واحدة»‪.‬‬ ‫ال �ت �ج��ارب المختلفة ف��ي م��روح��ة الإب���داع‬ ‫الفاتنة‪ .‬هناك �أعثر على الأ�صدقاء وعلى‬ ‫‪ ..‬لي�سا في حلبة �صراع‬ ‫الذخائر‪.‬‬

‫● ●«النقد في ال�سعودية تفوّق على الن�ص‬ ‫الإب���داع���ي» ه��ل تتفق م��ع ه���ذه ال��ع��ب��ارة ● ●وهل لنا �أن نتعرف على مكتبتك؟‬ ‫�أم‪..‬؟‬ ‫‪ρ ρ‬مجموعة م��ن الكتب ال� ّن���ض��رة‪ ،‬والب �ت��وب‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ربما ال �أتفّق معك في هذا التو�صيف‪ .‬النقد‬ ‫و�آيباد‪ ،‬وعزلة �شا�سعة‪..‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫الف�ضاء ال�سيا�سي واالجتماعي والثقافي؛ ما‬ ‫يعني �أن اال�ستقرار لم تبلغه تلك التغيرات‪.‬‬ ‫يخ�ص الإب��داع‬ ‫�أم��ا الجانب الآخ��ر فهو ما ّ‬ ‫الذي يحتاج م�سافة زمنية وم�ساحة لالختمار‬ ‫والإن�ضاج واال�ستواء‪� ،‬إذ �أنّ اعتبار الإبداع‬ ‫�صدى وقتيّا للحدث ومبا�شر له؛ لي�س �صحيح ًا‬ ‫ويبدو ��ض��ا ّر ًا ب��الإب��داع نف�سه‪ .‬ولنا مثاالن‪.‬‬ ‫نجيب محفوظ‪ ،‬مثالنا الأول‪ ،‬كتب في جزء‬ ‫من ثالثيته عن مناخ ثورة الزعيم ال�سيا�سي‬ ‫�سعد زغلول «‪1919‬م» في خم�سينيّات القرن‬ ‫الما�ضي؛ فكانت هذه الثالثيّة �سج ًال «فن ّياً»‬ ‫لي�س للثورة نف�سها‪ ..‬ولكن لمجتمعٍ بالكامل‪.‬‬ ‫وال�م�ث��ال الثاني ال��روائ��ي الليبي �إبراهيم‬ ‫الكوني ال��ذي تعجّ ل كتابة ال�ث��ورة في بلده‬ ‫ليبيا ليلحق الحدثَ ‪ ،‬لكنه لم يدرك الرواي َة‬ ‫وال فنيّتها وال نجاحها في كتابه «فر�سان‬ ‫الأح�لام القتيلة» (‪2012‬م)‪ ،‬رغم الر�صيد‬ ‫الجمالي الذي يتكّئ عليه الكوني‪ ،‬والتجربة‬ ‫المديدة في الكتابة الروائيّة‪ .‬و�أخ�شى �أن‬ ‫ما يُكتَب الآن ي�أخذنا فقط �إل��ى «الحدث»‬ ‫وانفعاليّته‪ ،‬وال ي�أخذنا �إلى «الرواية»‪.‬‬

‫تعقّد الحياة م��ن ج��ه��ة‪ ،‬وب�سبب حاجة‬ ‫الإن�����س��ان ف��ي التعبير ع��ن ه���ذا التعقد‬ ‫بطرق مختلفة»‪ .‬عبداهلل ال�سفر �أي�ضا‬ ‫يح�ضر كناقد مرة وك�شاعر مرة �أخرى‪،‬‬ ‫هل تتفق مع الحرز �أم لك ر�أي �آخر؟‬ ‫‪�ρ ρ‬أعتق ُد �أنّ غالبَ ما �أقدّمه من ق��راءات في‬

‫والإبداع في ال�سعودية‪ ،‬وفي �أيّ مكانٍ �آخر‪،‬‬ ‫لي�سا ف��ي حلبة � �ص��راعٍ �أو م�ضما ٍر للجري‬ ‫ونحن نحمل «ال�صفّارة» لنحدّد مَ ن �أح��ر َز‬ ‫ق�صب ال�سبق‪ ،‬وح� ّق��قَ ج��دارة حمل «ك�أ�س‬ ‫ال �ت �ف �وّق»‪ .‬ل�ك��ل ك��ات��ب م��ن ه � ��ؤالء؛ مبدع ًا‬ ‫وناقداً‪� ،‬شواغله المعرفيّة والجماليّة التي‬ ‫يعملُ عليها‪ ،‬ويحفر ال�ستجالء المكامن‬ ‫وا�ستق�صاء الينابيع وا�ستكناه مواطن النظر‬ ‫يتما�س كل واح ٌد‬ ‫ّ‬ ‫ومواقع التجربة الإن�سانيّة‪،‬‬ ‫منهما بعدّته الخا�صة‪ ،‬والناتج يتلقّاه القارئ‬ ‫ب�شكلٍ فردّي‪ ،‬ويتعامل معه‪ ،‬وي�سجّ ل ر�أيه �أو‬ ‫انطباعه ل�صالح العمل‪� ،‬أو �ضدّه‪� ،‬أو ينزلق‬ ‫من ذاكرته بحيادٍ �أو �إلى الن�سيان‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪113‬‬


‫����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن حمود العناد القاضب‬ ‫ا�سم ال�شهرة (عبدالرحمن العناد)‬

‫من مواليد �سكاكا – الجوف عام ‪1373‬هـ‪ ،‬تخ�صَّ َ�ص في الإعالم والعالقات العامة‪..‬‬ ‫ح�صل على بكالوريو�س �إع�لام وع�لاق��ات عامة ‪1979‬م من جامعة الملك �سعود في‬ ‫الريا�ض بتقدير ممتاز مع مرتبة ال�شرف الأولى‪ ،‬ف ُعيِّن معيدا‪ ،‬وابتعث ف�أكمل درا�ساته‬ ‫العليا في الواليات المتحدة الأمريكية‪ ..‬فح�صل على ماج�ستير ‪� /‬إع�لام ‪ /‬جامعة‬ ‫دنفر‪ ،‬دنفر‪ ،‬ك��ل��ورادو‪1982‬م‪ ،‬ثم الدكتوراه ‪ /‬كلية الإع�لام ‪ /‬جامعة �أوه��اي��و‪� ،‬أثينز‪،‬‬ ‫�أوهايو (‪1986‬م)‪.‬‬ ‫تميز في درا�ساته العليا‪َ ،‬فمُنح الع�ضوية في الأردن وفل�سطين وم�صر ودول الخليج‬ ‫ال�شرفية في جمعية المتفوقين من خريجي العربي‪� ،‬إ�ضافة �إلى الجامعات ال�سعودية‪..‬‬ ‫ال�صحافة والإعالم في الجامعات الأمريكية‬ ‫خ�لال م�سيرة عمله الأك��ادي�م��ي‪� ،‬شغل‬ ‫(كابا تاو الفا ‪ ..)Kappa Tau Alpha‬ع�شق منا�صب مهمة داخ��ل الجامعة‪ ،‬فتر�أ�س‬ ‫الت�أليف والبحث والتدري�س‪ .‬له عدد كبير ق�سم الإعالم بكلية الآداب بجامعة الملك‬ ‫من البحوث والدرا�سات والم�شاركات في �سعود ث�لاث ف �ت��رات‪ ،‬وع�م��ل وك�ي�لا لكلية‬ ‫الم�ؤتمرات العلمية‪ ..‬و�أ�صبح �أول �سعودي الآداب لل�ش�ؤون الأكاديمية‪ ،‬فوكيال للكلية‬ ‫يح�صل على درجة الأ�ستاذية في العالقات نف�سها لل�ش�ؤون الإدارية‪ ...‬ثم اختير ع�ضوا‬ ‫العامة والإع�ل�ام‪� ..‬أ ّل��ف كتابين‪� :‬أحدهما في مجل�س ال�شورى في دورت��ه الثالثة عام‬ ‫في العالقات العامة‪ ،‬والآخر في الحمالت ‪1422‬هـ وا�ستمر فيه ثالث دورات متتالية‪،‬‬ ‫الإع�لان�ي��ة‪� ،‬أ�صبحا من �أه��م الكتب التي هي الحد الأعلى للع�ضوية‪.‬‬ ‫ق��دم خ�لال فترة ع�ضويته ف��ي مجل�س‬ ‫تدر�س في �أق�سام الإعالم في العالم العربي‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫متحدثا في احدى الندوات‬

‫ال�شورى التي ا�ستمرت اثني ع�شر عاما عددا كبيرا الإن�سانية وما يزال‪..‬‬ ‫من التو�صيات الإ�ضافية وم�شروعات القرارات‪،‬‬ ‫�شارك مع �أربعين مواطنا ومواطنة في ت�أ�سي�س‬ ‫ومن �أه��م مبادراته والمو�ضوعات التي تبناها �أول جمعية تهتم بحقوق الإن�سان في المملكة‪،‬‬ ‫وحظيت بت�أييد في المجل�س وخارجه‪ ،‬م�شاركة �إذ طلب ه��ؤالء المواطنون من المقام ال�سامي‬ ‫المر�أة في االنتخابات البلدية التي قدمها ودافع الإذن لهم بت�أ�سي�س الجمعية الوطنية لحقوق‬ ‫عنها �أكثر من م��رة خ�لال �أرب��ع �سنوات‪ ،‬حتى الإن�سان‪ ،‬وتمت الموافقة في محرم ‪1425‬ه�ـ‪..‬‬ ‫نجحت التو�صية ب�أغلبية طفيفة؛ وج��اء ق��رار وك��ان �ضمن �أول دفعة من فريق جامعة الدول‬ ‫خادم الحرمين ال�شريفين بم�شاركة المر�أة في العربية للمراقبين العرب في �سوريا‪� ،‬إذ �شارك‬ ‫المجال�س البلدية‪ ،‬وفي مجل�س ال�شورى‪ ،‬لينهي في �أعمال المراقبة الميدانية حتى تقرر �سحب‬ ‫ج��دال‪ ،‬ويثبت حقا �أ�سا�سيا من حقوق المر�أة‪ .‬فرق المراقبة في �أواخر يناير ‪2012‬م‪.‬‬ ‫كما تبنّى وق��دم تو�صيات وم�شروعات ق��رارات‬ ‫يعمل حاليا م�ست�شارا وم�شرفا على البحوث‬ ‫لتطوير �صالحيات المجال�س البلدية‪ ،‬وال�سماح‬ ‫والدرا�سات في مركز �أ�سبار للدرا�سات والبحوث‬ ‫ل�شركات الطيران الخليجية لت�سيير رح�لات‬ ‫والإع�لام‪ ،‬و�شارك مع الباحثين والم�ست�شارين‬ ‫داخلية بالمملكة‪ ،‬وتعديل نظام المرور بما في ف��ي ال�م��رك��ز ب ��إج��راء ع��دد كبير م��ن البحوث‬ ‫ذلك �إلغاء تطبيق الحد الأعلى للمخالفات‪� ،‬أو ما الوطنية المهمة ال�ت��ي ن�ف��ذت ل�صالح جهات‬ ‫يعرف بم�ضاعفة مخالفات �ساهر‪ ،‬وغيرها‪..‬‬ ‫حكومية؛ كرئا�سة ديوان مجل�س الوزراء‪ ،‬ووزارة‬ ‫خ�ص�ص ل�ل�أع�م��ال التطوعية وق �ت��ا‪ ،‬فكان‬ ‫ع�ضوا في اللجان الإعالمية لجمعية الأطفال‬ ‫المعاقين لعدد من ال�سنوات‪ ،‬ثم �أ�صبح �أمينا‬ ‫عاما لجائزتها التي تمنح في مجاالت الخدمة‬

‫الداخلية‪ ،‬ووزارة الثقافة والإع�ل�ام وغيرها‪،‬‬ ‫و�شملت مو�ضوعاتها كافة المجاالت الحيوية‬ ‫ف��ي المجتمع ال���س�ع��ودي م��ن ال�ت�ط��رف والغلو‬ ‫والإره��اب‪� ..‬إلى انهيار �سوق الأ�سهم وت�أثيراته‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪115‬‬


‫����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع‬

‫فم�شكالت ال�شباب وتطلعاتهم‪ ،‬وا�ستخدامات‬ ‫الإنترنت في المجتمع ال�سعودي‪ ،‬وتقويم �أداء‬ ‫�أجهزة الإعالم ال�سعودية وغيرها‪.‬‬ ‫ير�أ�س هيئة تحرير المجلة العربية للإعالم‬ ‫واالت�صال‪ ،‬وهي دورية علمية محكمة متخ�ص�صة‬ ‫في بحوث الإع�ل�ام والإت���ص��ال‪ ،‬وه��و ع�ضو في‬ ‫الهيئة العلمية لكر�سي ال�شيخ عبدالرحمن‬ ‫الجري�سي ل��درا��س��ات حقوق الإن���س��ان بجامعة‬ ‫الإمام محمد بن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬ ‫مقتطفات من محا�ضرة له في‬ ‫جامعة الملك �سعود عن دور‬ ‫ال�شباب في تعزيز الوحدة الوطنية‪..‬‬ ‫بمنا�سبة اليوم الوطني‪:‬‬ ‫ •من المهم �أن ي�شارك ال�شاب في تطوير‬ ‫وط �ن��ه وال�م�ح��اف�ظ��ة ع�ل��ى ا��س�ت�ق��راره‬ ‫و�إن�ج��ازات��ه ومحبته لأف��راده ولقيادته‬ ‫ولعلمائه‪.‬‬ ‫ •تتجلى وطنية المواطن ال�سعودي من‬ ‫خالل حر�صه على �أمن وطنه الفكري‬ ‫واالق�ت���ص��ادي واالج�ت�م��اع��ي وقناعته‬ ‫ب ��دوره الكبير ف��ي ن�شر المحبة بين‬ ‫�أفراد وطنه‪.‬‬ ‫ •ع��دم المبالغة ف��ي العي�ش ف��ي العالم‬ ‫االفترا�ضي وال�خ��روج منه �إل��ى مواقع‬ ‫التوا�صل الحقيقي والوطني‪.‬‬ ‫ •ا���س��ت��غ�ل�ال ال� ��وق� ��ت ب��م��ا ه� ��و م�ف�ي��د‬ ‫ومنتج‪ .‬والتعاون مع الآخرين �أف��رادا‬ ‫وم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ •ال �م �� �ش��ارك��ة الإي �ج��اب �ي��ة ف��ي �صناعة‬ ‫القرار (االنتخابات البلدية نموذجا‪،‬‬ ‫التوا�صل مع �أع�ضاء المجال�س البلدية‪،‬‬ ‫وال�شورى‪ ،‬والم�سئولين)‪.‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫متحدثا في منا�سبة دولية‬

‫مقتطفات من مقابلة مع �إحدى‬ ‫ال�صحف المحلية حول الحوار الوطني‬

‫الحوار الوطني فل�سفة وهدفا وتطبيقا‬ ‫هو محاولة ج��ادة وجريئة لت�أ�صيل الحوار‬ ‫ال �ف �ك��ري وال �ث �ق��اف��ي وت�ط�ب�ي�ع��ه وت�شجيع‬ ‫ممار�سته في كافة الم�ستويات ال�شعبية منها‬ ‫والر�سمية في المجتمع ال�سعودي‪ ،‬الذي تعود‬ ‫على النظرة الأح��ادي��ة والتفكير المحكوم‬ ‫بتوجهات ور�ؤى محددة و�أع��راف وتقاليد‬ ‫بيئية ال تتيح مجا ًال كثير ًا لالختالف والتنوّع‬ ‫والتعدد‪ .‬وي�ؤمل �أن تتوافر للحوار المن�شود‬ ‫بيئة ثقافية وفكرية منا�سبة‪.‬‬ ‫والإ�� �ص�ل�اح االج�ت�م��اع��ي ال�سليم ال��ذي‬ ‫ترتكز عليه كافة الإ�صالحات يحتاج للحوار‬ ‫و�سيلة لتحقيقه؛ فالو�سيلة مهمة للو�صول‬ ‫للغاية الإ�صالحية التي نبتغيها‪ ،‬ومن المهم‬ ‫�أن ي�ستند الإ� �ص�لاح على نتائج ح��وارات‬ ‫�شفافة مفتوحة وحرة‪.‬‬

‫في م�ؤتمر دولي‬

‫وفي م�شاركة حول دور النخبة‬ ‫في و�سائل الإعالم الجديد‬ ‫�ضمن فعاليات �سوق عكاظ في ذي‬ ‫القعدة ‪1434‬هـ‬ ‫يلحظ المتابع لم�ستخدمي و�سائل الإعالم‬ ‫الجديدة في المملكة �أن هناك �إفراطا في‬ ‫ا�ستخدامات ه��ذه الو�سائل‪ ،‬لدرجة توحي‬ ‫�أحيانا �أن هناك انفالتا من نوع م��ا‪ ..‬فال‬ ‫�ضوابط وال قيود وال خ��ط��وط‪ ،‬و�أن هناك‬ ‫فراغا كبيرا لدى قطاع مهم منهم‪..‬‬ ‫كما يلحظ المتابع �سطحية في كثير من‬ ‫الم�شاركات‪ ،‬وتركيزا �شديدا على النقد‬ ‫والت�ضخيم �أح�ي��ان��ا للجوانب ال�سلبية في‬ ‫المجتمع‪ ،‬وعلى الأخطاء و�أوج��ه الق�صور‪،‬‬ ‫وعلى ترويج ال�شائعات التي ال ي�ستند كثير‬ ‫منها �إلى معلومات �صحيحة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪117‬‬


‫■ �إعداد �سعيد بوكرامي*‬

‫نقر�أ االبداعات ال�شعرية العالمية بلغتها الأ�صلية �أو بلغات و�سيطة‪ ،‬فنجد �أننا �أمام‬ ‫قارات �شعرية باهرة‪ .‬تجارب حقيقية تحفر ا�سمها عميقا في ديوان الخالدين‪.‬‬ ‫في ع�صرنا العربي الحالي‪ ،‬نكاد ال نجد �شعرا‪� .‬أين ال�شعر العربي المماثل؟‬ ‫�أيها ال�شاعر هل �أنت را�ض عن لغتك التي تكتب بها؟‬ ‫هل تحتاج �إلى مراجعة ذاتية وجمالية‪ ،‬لتعيد ا�ستنبات �شتالت �شعرية جديدة في‬ ‫ب�ستان الإبداع الإن�ساني الخالد؟‬ ‫من �أين ت�ستمد طاقتك للخلق والإبداع ال�شعري؟ �أمن التراث‪� ،‬أم من لغة الع�صر‪،‬‬ ‫�أم من طقو�س الحياة؟‬ ‫�أال ترى �أن �أزمة ال�شعر العربي الحالي‪ ،‬هي مع�ضلة تجديد لغوي وتثوير �شعري‪،‬‬ ‫وتفكير ر�ؤيوي؟‬ ‫هذه �أ�سئلة‪ ،‬من بين �أ�سئلة كثيرة‪ ،‬تفتح �أفق الحوار وتحفز تداعياته‪.‬‬ ‫ما �أقل الن�صو�ص الرائعة!‬

‫فتحي عبدال�سميع‪�/‬شاعر من م�صر‬

‫ننظر للم�شهد ال�شعري العربي‪ ،‬فنجد‬ ‫كمًّا هائال من ال�شعراء‪ ،‬وال نجد م��ردودا‬ ‫�شعريا ي��وازي هذا الكم‪� ،‬أو يتجان�س معه‪،‬‬ ‫فما �أق��ل الن�صو�ص ال��رائ�ع��ة ال�ت��ي تحمل‬ ‫لم�سات �إبداعية تلفت انتباهنا‪ ،‬وتجبرنا‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫على التوقّف �أمامها‪ ،‬والإقبال عليها ببهجة؛‬ ‫وما �أن��در ال�شعراء الذين يقنعونك ب�أنهم‬ ‫�شعراء بمعنى الكلمة‪ .‬وتلك الندرة قيا�سا‬ ‫بكمِّ ال�شعراء تجعلنا نتحدث ب�شجاعة �أن‬ ‫العالم العربي ي��أوي �أكبر قدر من �أدعياء‬ ‫ال�شعر في العالم!‬ ‫�إن الأ� �س��ا���س ف��ي ح��رك��ة ال���ش��اع��ر هو‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫ا�ستطالع عن �أزمة‬ ‫ال�شعر العربي‬

‫ال�سعي لتقديم ن�صو�ص جديدة‪ ،‬مده�شة وثرية‪،‬‬ ‫ن�صو�ص ت�ضيف وال ت�ك��رر‪ ،‬ن�صو�ص تمتح من‬ ‫النبع الخالق الموجود في �أعماق الب�شر عموما‪،‬‬ ‫وال�شعراء ب�شكل خا�ص؛ لأن طبيعة عملهم تفر�ض‬ ‫عليهم االنفتاح على العالم‪ :‬الداخلي والخارجي؛‬ ‫واالن�شغال الدائم بالر�صد والإ�صغاء والت�أمّل‪،‬‬ ‫وامتالك المهارات التي تمكّنهم من ا�صطياد‬ ‫لحظات الفي�ض الباطني‪ ،‬وال�سيطرة على اللغة‬ ‫بهدف ا�ستغالل طاقاتها وتروي�ض �إيحاءاتها‪،‬‬ ‫والتمكّن ف��ي النهاية م��ن تقديم عمل �إب��داع��ي‬ ‫يفاجئ المتلقي ويده�شه‪ ،‬ويثري نظرته للعالم‪،‬‬ ‫و�إح�سا�سه بالوجود‪.‬‬ ‫�إن كل �شاعر جاد يمتلك القدرة على �إب��داع‬ ‫ن�صو�ص فاتنة‪ ،‬ولها طعمها المميز‪ ،‬وب�صمتها‬ ‫الخا�صة‪ ،‬وت�ستحق الح�ضور في ذاكرة الفن‪ ،‬فكما‬ ‫ي�شترك مع �سواه في �سمات كثيرة‪ ،‬يت�سم �أي�ضا‬ ‫ب�سمات فريدة‪ ،‬وحياة فريدة تمتلئ بالتفا�صيل‪،‬‬ ‫وال�صور‪ ،‬والرموز‪� ،‬أو الأ�شياء التي ت�صلح لأن‬ ‫تكون رم��وزا خا�صة تفجر طاقاته‪ ،‬وتتبلور من‬ ‫خاللها نظرته للعالم‪.‬‬ ‫وفي تقديري‪� ،‬إن �أهم ما يحتاج �إليه ال�شاعر‬ ‫هو اال�شتباك مع عالمه الذي يعي�شه بتفا�صيله‪،‬‬ ‫وم �ف��ردات��ه‪ ،‬و�أن ي�ك��ون ه��ذا اال�شتباك مدخله‬ ‫الأ�سا�س ال�شتباك �آخ��ر مع اللغة‪ ،‬وم��ع الكتابة‬ ‫بو�صفها ممار�سة خالقة في حد ذاتها‪ ،‬ال مجال‬ ‫فيها للو�صفات ال�ج��اه��زة‪ ،‬وال�ق��واع��د المقررة‬ ‫�سلفا‪ ،‬ف�أمر ال�شعر لي�س مح�سوما‪ ،‬ال�شعر �أكبر‬ ‫من كل تعريف به‪ ،‬وبحاجة �إلى اكت�شاف دائم‪،‬‬ ‫تماما ك��الإن���س��ان‪ ،‬و�إال ف�لا حاجة لنا ل�ل�إب��داع‬ ‫�أ�صال‪ ،‬وال مجال النتظار الجديد‪ ،‬والمفاجئ‪،‬‬ ‫والمده�ش‪ ،‬والمثير‪.‬‬ ‫ال�شعر هو الرفيق الأكثر �إخال�صا للإن�سان‪..‬‬ ‫ذلك الكائن العجيب والملغّز‪ ،‬والذي لن يتوقف‬ ‫�أب��د ًا عن ق��راءة نف�سه‪ ،‬وال�ح��وار مع مكنوناتها‬

‫فتحي عبدال�سميع‬

‫بمعلومها ومجهولها‪.‬‬ ‫�إنني ال �أ�ؤمن بوجود لغة ت�ساعد ال�شاعر و�أخرى‬ ‫تعرقله‪� ،‬أ�ؤمن بوجود �شاعر حقيقي ومجتهد‪ ،‬يعي‬ ‫طبيعة ال�شعر والإبداع‪ ،‬ويخل�ص للكتابة بطموح ال‬ ‫حدود له‪ ،‬و�آخر زائف‪ ،‬ال ي�ستوعب طبيعة ال�شعر‬ ‫بالقدر المنا�سب‪ ،‬فيعرقل ال�شاعر ال��ذي بين‬ ‫جنبيه‪ ،‬بوعيه القا�صر‪ ،‬و�إخال�صه ال�ضعيف‪.‬‬ ‫والأم��ر نف�سه ينطبق على المكان‪ ،‬فالعبرة‬ ‫ببناء ال�شاعر‪ ،‬وم��ا �إذا ك��ان ال�شاعر يتحرك‬ ‫في م�سار حقيقي �أم زائ��ف‪ ،‬وال�شاعر الحقيقي‬ ‫ي�ستطيع �أن يبدع ولو كان مقيما في قرية نائية‪� ،‬أو‬ ‫حتى زنزانة‪ .‬وفي المقابل يعجز ال�شاعر الزائف‬ ‫عن الإب ��داع الحقيقي مهما ك��ان المكان الذي‬ ‫يقيم فيه‪.‬‬ ‫الم�شكلة ف��ي عالمنا ال�ع��رب��ي تتعلق ببناء‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬فال�صدفة وحدها ت�ضعه على الطريق‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬وغالبية ال�شعراء يق�ضون حياتهم في‬ ‫الم�سار الخط�أ‪ ،‬يقلدون وال يبدعون‪ ،‬ين�سخون وال‬ ‫يبتكرون‪ ،‬يقمعون ال�شاعر الذي يمتلكونه‪ ،‬بدال‬ ‫من تفجير طاقاته الخالقة‪.‬‬ ‫�إن المناخ العام في عالمنا العربي مناوئ‬ ‫لل�شاعر الحقيقي‪ ،‬و�أغلب ال�شعراء يُقتلون قبل‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪119‬‬


‫‪ 120‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫مَن ي�سعى لقتل ال�شعر العربي!؟‬

‫ال�شاعر �أ‪.‬د‪ /‬عبداهلل بن �أحمد ال َف ْيفي‬ ‫(�أ�ستاذ النقد الأدبي احلديث‬ ‫الريا�ض)‬ ‫بجامعة امللك �سعود يف ِّ‬

‫لي�س من ف��را ٍغ �أن ي�سعى ال�ساعون �إل��ى قتل‬ ‫ال�شِّ عر العربي‪ ،‬وتحييد الفنّ العربي‪ ،‬لكي ال‬ ‫يهيِّجا العواطف‪ ،‬ف ُيق ِّ�ضا الم�ضاجع‪ .‬و�إن لم يمكن‬ ‫قتل ال�شِّ عر‪ ،‬با�سم الرواية على �سبيل المثال‪� ،‬أو‬ ‫تحييد الفنّ ‪ ،‬با�سم المو�ضوعيّة‪ ،‬فليُ�صرفا �إلى‬ ‫التوافه من الأغ��را���ض‪ ،‬و�إل��ى �سراديب العبث‪،‬‬ ‫والغمو�ض الفارغ‪ ،‬والالمعقول والال�شيء‪ ،‬با�سم‬ ‫الحداثة وتجلّياتها الماورائيّة‪ .‬مثل ذل��ك كان‬ ‫ُي َع ّد من �أحاديث الجنون‪ ،‬ولوثاته قديمًا‪ .‬حتى‬ ‫�إن ما نُ�سب في ن��وادر الأع��راب لبع�ض الحمقى‬ ‫والمجانين‪ ،‬ليبدو في غاية الطرافة وال�شِّ عريّة‬ ‫اليوم‪ ،‬قيا�سً ا �إلى بع�ض ال�شِّ عر العربي الحديث‪.‬‬ ‫وذلك من قبيل ما نُ�سب �إلى ال�شاعر (�أبي حية‬ ‫النميري المجنون)‪ ،‬الذي قال مرةً‪« :‬عَ نَّ لي ظب ٌي‬ ‫يومًا فرميته‪ ،‬فراغ عن �سهمي‪ ،‬فعار�ضه ال�سهم‪،‬‬ ‫ثم راغ‪ ،‬فعار�ضه ال�سهم‪ ،‬فما ي��زال واهلل يروغ‬ ‫ويعار�ضه حتى �صرعه ببع�ض الجبانات!» وقال‬ ‫يومًا‪« :‬رميت‪ ،‬واهلل‪ ،‬ظبية‪ ،‬فلمّا نفذ �سهمي عن‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل بن �أحمد ال َفيْفي‬

‫القو�س‪ ،‬ذكرتُ بالظبية حبيب ًة لي‪ ،‬فعدوتُ خلف‬ ‫ال�سهم‪ ،‬حتى قب�ضتُ على قذذه قبل �أن يدركها!»‬ ‫وهو الم�شهور ب�سيفه‪� ،‬شهرة (دونكي�شوت)‪� ،‬أو‬ ‫�أ�شهر! فهذا النمط من الجنون والكذب ال يخلو‬ ‫م��ن ف��نٍّ وط��راف��ة‪ .‬وه�ك��ذا كانت فنون الجنون‬ ‫جميلة مده�شة‪.‬‬ ‫�أمّا بع�ض جنون ما يكتب اليوم با�سم الحداثة‬ ‫ال�شِّ عريّة‪ ،‬فيتدنَّى عن ذلك كثيرًا‪ ،‬ليبدو عَ َتهًا‬ ‫خال�صا‪ ،‬ال �أقلَّ‪ ،‬وربما �أكثر‪ .‬فعن �أي �شِ عر عربيٍّ‬ ‫ً‬ ‫حديث م�ؤثّر نتحدّث؟!‬ ‫�صحيح �أن البالغة العربية القديمة كانت‬ ‫تبالغ في ال�شكالنيّة كثيرًا‪ ..‬و�صحيح �أنها كانت‬ ‫تبالغ �أحيانًا في تطلّب الو�ضوح والتنا�سب‪ ،‬وتبني‬ ‫مقايي�سها على نماذج م�ح��دودة زم��ا ًن��ا ومكانًا‬ ‫وثقافة وحتى عَ ��ددًا؛ غير �أنها تظل في ر�ؤيتها‬ ‫�إج�م� اً�ال تتطلّب الأث��ر الفاعل لل�شِّ عر في الفكر‬ ‫والنفو�س والحياة؛ لأن التعبير البالغي‪ ،‬مهما‬ ‫ركب المجاز‪ ،‬لي�س بخبط ع�شواء‪ ،‬وال بهذيان‬ ‫مخبول‪ ،‬و�إنْ با�سم المجاز وال�شِّ عر‪.‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫ميالدهم‪ ،‬يُقتلون من قِبل الجهل بطبيعة ال�شعر‬ ‫ودوره‪ ،‬وقيمته على الم�ستوى العام‪� ،‬أو من قِبل ربط‬ ‫ال�شعر بمفهومات بائ�سة ال تطمح �إلى ما هو �أكثر‬ ‫من ا�ستن�ساخ م�ش ّو ٍه لتجارب قديمة‪ ،‬مفهومات ال‬ ‫تمنح لل�شاعر من الحرية ما منحته المجتمعات‬ ‫البدائية القديمة ل�شعرائها‪ ،‬مفهومات حنطت‬ ‫ال�شعر في توابيت وراحت تقد�سها‪� ،‬أو تلوكها بال‬ ‫حوار �أو مُ�ساءلة‪ ،‬مفهومات يت�شبث بها كهنة في‬ ‫المدار�س والجامعات‪� ،‬أو المنابر الثقافية‪� ،‬أو‬ ‫المحافل الأدبية‪ ،‬كهنة يعملون بوعي ومن دون‬ ‫وعي على تثبيت ال�سائد‪ ،‬والمعتاد‪ ،‬والمكرور‪،‬‬ ‫ويجفلون من كل م�سار تثويري �أو تجديدي‪� ،‬أو‬ ‫مختلف‪ .‬وه�ك��ذا ي�ستقبلون الأج �ي��ال الجديدة‬ ‫ب ��أرواح مقموعة وقامعة‪ ،‬ال يمكن �أن تتفتح في‬ ‫ح�ضرتها موهبة‪ ،‬وال تدبّ الخطى معها �إال في‬ ‫الم�سار الخط�أ‪.‬‬ ‫�إن ال�شعر بو�صفه رفيقا �أبديا للإن�سان في‬ ‫كل الثقافات قديمها وحديثها‪ ،‬يت�أثر بح�سا�سية‬ ‫مفرطة ب��أح��وال ه��ذا الإن���س��ان‪ ،‬وه��و يعطي بال‬ ‫ح��دود‪ ..‬لكن العطاء يبقى مرهون ًا بحدود هذا‬ ‫الإن�سان و�إرادته‪ ،‬فال�شعر ال يفر�ض نف�سه بالقوة‬ ‫�أب��داً‪ ،‬ال بد من حميمية في التعامل مع ال�شعر‪،‬‬ ‫وهذا الرفيق الأب��دي يتجاوب معنا بلطف بالغ‪،‬‬ ‫ن��ري��ده رفيقا ب�سيطا يَقبل‪ ،‬ن��ري��ده ق��وة خالقة‬ ‫ومبهرة يقبل‪ ،‬نكتفي بق�شرته الخارجية يقبل‪،‬‬ ‫نطمح في جوهره الداخلي العميق يقبل‪ .‬وتلك‬ ‫العالقة هي التي �أنتجت ذلك المخزون الهائل‬ ‫والمتنوع والمتفاوت م��ن الن�صو�ص‪ ،‬فال�شعر‬ ‫يعطى للقروية الب�سيطة التي تبكي فقيدا‪ ،‬كما‬ ‫يعطى للعامل ال��ذي يكد ط��وال ي��وم��ه‪ ،‬وكذلك‬ ‫يعطى للمبدع المحترف‪ ،‬والنفو�س التي تذهب‬ ‫�إليه ب�إرادة قوية‪ ،‬وطموح ال حدود له‪.‬‬ ‫تلك العالقة التاريخية بين ال�شعر والإن�سان‪،‬‬ ‫ال تجعل ال�شاعر منف�صال ع��ن واق�ع��ه خا�صة‬ ‫في عالمنا العربي‪ ،‬بما يحوي من قمع وف�ساد‬

‫وعبودية وكذب وتخلّف‪� ..‬إلى �آخره؛ ف�أمرا�ضنا‬ ‫الم�ستع�صية ت�سطع عبر مر�آته‪ ،‬وتفر�ض علينا‬ ‫توجهات معينة‪ .‬فال�شاعر الحقيقي في عالمنا‬ ‫العربي محكوم عليه بالمعاناة طول الوقت من‬ ‫م�شاكل كثيرة‪ ،‬تهدر طاقته‪ ،‬وتعرقل م�شروعه‬ ‫الإب��داع��ي‪ ،‬وت ��أخ��ذه �إل��ى تفريعات جانبية لها‬ ‫م��ردوده��ا ال�سلبي والمميت �أح �ي��ان��ا‪ ،‬كما �أن‬ ‫ال�شعر ف��ي ظ��ل ه��ذا ال�م�ن��اخ يتر�سخ بو�صفه‬ ‫و�سيلة لل�صراخ‪ ،‬ال للك�شف‪ ،‬م�صبا لل�شكوى‪ ،‬ال‬ ‫رفيقا لرحلة عظيمة؛ مالذا للهرب من الموت‪،‬‬ ‫ال للإقبال على الحياة؛ ثغرة للتنفي�س ال ف�ضا ًء‬ ‫لالبتكار والتجديد‪.‬‬

‫وب�ض ّد ذل��ك ي�سعى �آخ��رون ليُ�سهم الو�ضوح‬ ‫والمبا�شرة ف��ي ت�ضليل ال��وع��ي ال�ع��ام وتخدير‬ ‫ال�ضمائر‪ .‬وال�ن�� ّ��ص الأدب ��ي يَف�سد حين يغدو‬ ‫مح�ض مطيَّة �أيديولوجيّة‪ ،‬يرفع �شعاراتها قبل‬ ‫�شِ عريّتها‪ ،‬فيَ�سقط عندئذ تحت �سنابك الرك�ض‬ ‫م�ضرَّجً ا بالكلمات الميتة‪ .‬ذلك �أن للن�ص روحه‪،‬‬ ‫كائنة ما كانت تلك ال��روح‪ ،‬ف��إن كانت قد حلَّت‬ ‫حلول طبيعيًّا‪ ،‬كان‬ ‫الن�ص اً‬ ‫روح الأيديولوجيا في ّ‬ ‫ن�صا �سويًّا‪ ،‬و� اّإل قتلته‪ ،‬محاولة الإحالل‬ ‫الن�ص ًّ‬ ‫ّ‬ ‫الن�ص كان ها هنا وال‬ ‫الق�سري �أو المدَّعَ ى‪ ،‬فال ّ‬ ‫الأيديولوجيا‪.‬‬ ‫خال�صة ال �ق��ول‪� :‬إن ال�شِّ عر ال�ع��رب��ي‪ -‬وعلى‬ ‫الرغم من �أمرا�ضه الم�شار �إليها‪ -‬ما انفكّ زاهرًا‬ ‫ب�أ�صواته الأ�صيلة‪ ،‬وال�م�ج��دِّ دة‪ .‬غير �أن هناك‬ ‫�صوت كثيرة‪ ،‬تعليميَّة‪،‬‬ ‫في الواقع العربي كواتم ٍ‬ ‫و�إعالميَّة‪ ،‬و�سيا�سيَّة‪� .‬إن الأمر بكلّيته‪ -‬وفي �أيّ‬ ‫زمان ومكان‪ -‬متعلّق بـ(اللغة) و(الحريَّة)‪ .‬و�ش�أن‬ ‫اللغة العربيّة في العالم العربي ال يحتاج �إلى‬ ‫ت�شريح؛ فهو �أعرى من �أن يو�صف‪ .‬وحال الحريَّة‬ ‫معلوم كذلك‪ ،‬فهي في �أحطّ َدر ٍْك‪ ،‬منذ الع�صر‬ ‫الجاهلي �إلى اليوم‪.‬‬ ‫ومن ثَمّ َ‪ ،‬ف�إن تراجع ال�صوت ال�شِّ عري العربي‪،‬‬ ‫الم�سموع وال �م ��ؤ ِّث��ر‪ ،‬تح�صيل ح��ا��ص��ل لحالة‬ ‫ح�ضاريّة وثقافيّة عامّة‪.‬‬ ‫جهد التجربة وهويّتها المتحولة‬

‫(عبد اللطيف الوراري‪�/‬شاعر وناقد مغربي)‬

‫�أعتقد �أنّ �أجمل ما ُكتِبتْ به اللغة العربية‪،‬‬ ‫�ات من‬ ‫بقدر ما �أب��دع فيها وفتحها على �إم�ك��ان� ٍ‬ ‫الخلق ال تنتهي‪ ،‬هو ال�شّ عر‪� .‬إ ّن�ن��ا‪ ،‬ونحن نعود‬ ‫�إلى تراثنا ال�شعري‪ ،‬نكت�شف مدى القيمة اللغوية‬ ‫والجمالية والثقافية التي �صارت للغتنا بف�ضل‬ ‫ال�شعر الذي يقدم �إلينا‪ ،‬بطراوته وثرائه وعمقه‪،‬‬ ‫من مئات ال�سنين‪ ،‬وال يزال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪121‬‬


‫و�إذا ك��ان ال �ق��ر�آن ق��د حفظ اللغة العربية‬ ‫و�أواله ��ا بالمنزلة المحظيّة بين اللغات‪ ،‬ف��إنّ‬ ‫ال�شعر كان ما يني يبتكرها وي�صلها بالمعيو�ش‬ ‫والعابر والدنيوي ال��ذي يعبره الإن�سان في ُك ّل‬ ‫حاالته‪ .‬وعلى الرغم من الحمالت المغر�ضة التي‬ ‫ّ�ض لها لغتنا العربية‪ ،‬فتتّهمها بالعجز‬ ‫كانت تتعر ُ‬ ‫والتق�صير عن مواكبة الع�صر الحديث‪ ،‬ف��إنّ‬ ‫الأدباء من �أُمّتنا كانوا يواجهونها بما ببدعون بها‬ ‫من �شعر ونثر‪ .‬وال يهمّ ‪ ،‬بعد ذلك‪� ،‬إن كان ال�شعر‬ ‫�أو الرواية ديوان العرب‪.‬‬ ‫في وقتنا الحا�ضر‪ ،‬ومع غياب الدعم الذي‬ ‫يمكن �أن ت�سهم به الم�ؤ�سَّ �سة الثقافية العربية عن‬ ‫طريق ن�شره وتداوله وترجمته‪ ،‬ف�إنّ ال�شعر العربي‬ ‫ال يزال يحظى باهتمام مُتنامٍ ‪ ،‬وال يزال يمار�س‬ ‫جاذبيّته على قطاع مُهمّ من ال ُقرّاء حتى من داخل‬ ‫مواقع التوا�صل االجتماعي‪� .‬إنّ �شعرنا والحداثة‬ ‫ال�ت��ي يختطُّ ها منذ ع�ق��ود يُ�ضاهي �شعر ُل�غ��اتٍ‬ ‫يخت�ص بينها بقيم وموا�ضعات‬ ‫ّ‬ ‫�أخرى‪ ،‬بل نجده‬ ‫(مو�سيقية‪� ،‬شكلية‪ ،‬جمالية‪ )..‬لي�ست فيها‪ .‬ومن‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫عبداللطيف الوراري‬

‫نافل ال�ق��ول‪� ،‬أن ن�شير �إل��ى �أ ّن��ه في كل منعطف‬ ‫تاريخي �أو مرحلة يم ُّر بها ال�شعر �إلاّ عا�ش �أزمة‬ ‫على ُ�صعُدٍ ما‪ ،‬لكنّه �سرعان ما يخرج منها مُعافى‬ ‫و�أكثر ق ّو ًة وتجديداً‪ .‬و�إذا بدا �أنّ هناك �أزم ًة في‬ ‫�شعرنا المعا�صر فهي طبيعية‪ ،‬و�إن وج ْدتُها –‬ ‫لطبيعة المرحلة �أو �إب�ستيمي الع�صر‪� -‬أزم ًة مُركّبة‬ ‫يتداخل فيها ما هو لغوي بما هو ثقافي ووجودي‪،‬‬ ‫وتحتاج منّا‪ ،‬كمبدعين ودار�سين‪� ،‬إلى لحظة ت�أمّل‬ ‫لو�ضعها في �سياقها ال�شامل‪.‬‬ ‫بالن�سبة لي‪ ،‬وقيا�س ًا �إلى تجربتي ال�شعرية‪،‬‬ ‫ف�إنّ التراث ال�شعري العربي بوجوهه وعالماته‬ ‫الم�ضيئة كان دائم ًا �أحد م�صادري الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫�إذ تنوَّعت قراءاتي لل�شعر العربي بين القديم‬ ‫وال �ح��دي��ث‪ ،‬ف �ت �ع � ّرف��تُ ع�ل��ى ��س�ح��ر الجاهلية‪،‬‬ ‫وح� ��داث� ��ات ال �م �ت �ن �ب��ي و�أب�� ��ي ت��م��ام وال �م �ع��ري‬ ‫العابرة للأزمنة‪ ،‬ور ّق��ة �شعراء الغزل في ن�سج‬ ‫ر�ؤاه��م للحبّ ومعاناته‪ ،‬و�سخاء الطبيعة عند‬ ‫الأندل�سيّين‪ ،‬وفيما بعد ‪ -‬تحت �شعو ٍر بالعجب‬ ‫وال�صدمة‪ -‬تعرّفتُ على حيويّة ال�شعر الحر في‬ ‫عبوره �إل��ى الع�صر وحداثته ونهو�ضه بمتخيّل‬ ‫�شعريٍّ جديد‪ ،‬وعلى مفارقات محمد الماغوط‪،‬‬ ‫و�أم� ��ل دن �ق��ل‪ ،‬وم�ظ�ف��ر ال� �ن ��واب‪ ،‬و�أح �م��د مطر‬ ‫ال�ساخرة في نقد الواقع ال�سيا�سي واالجتماعي‪،‬‬ ‫وعلى �شعريّات محمود دروي�ش و�سعدي يو�سف‬ ‫و�أدوني�س وعلي جعفر العالق وقا�سم حداد و�أن�سي‬ ‫الحاج و�سركون بول�ص ومحمد بنطلحة‪ ،‬العابرة‬ ‫بال�شعر العربي �إلى الكونيّ ‪.‬‬ ‫�إ ّن ��ي �أن�ت�م��ي �إل ��ى �شجرة ال�شعرية العربية‬ ‫الأعر�ض التي ت�ضرب ب�أطنابها في عمق التاريخ‬ ‫واللغة والثقافة‪ ،‬وما طفقت تجدّد �آليات عملها‬ ‫الكتابي والتخييلي‪ ،‬وت�أويلها الخ�صيب للذات‬ ‫وال �ع��ال��م‪� .‬أن�ت�م��ي �إل ��ى الن�صو�ص ال�ت��ي تحمي‬ ‫العمق‪ ،‬وتتطور داخ��ل جماليات اللغة العربية‪.‬‬ ‫وترتيب ًا عليه‪� ،‬أزعم �أن ال�صفحة التي �أخط فيها‬ ‫�شعري هي‪� ،‬سلفا‪ ،‬مُ�سودّة بحبر �أولئك ال�شعراء‬

‫الذين �أتقا�سم معهم ميراث ًا عظيم ًا من الحبّ‬ ‫والم�س�ؤولية‪ .‬وداخ��ل ه��ذا االن�ت�م��اء الأع��ر���ض‪،‬‬ ‫�أتعلّم كيف �أن�صت �إل��ى ثقافتي المحلّية التي‬ ‫هي جزء �أ�سا�س ومختلف داخل الثقافة العربية‬ ‫الإ�سالمية‪ .‬وم��ن ثقافتي المغربية‪ ،‬بجذورها‬ ‫الأم��ازي�غ�ي��ة والإف��ري�ق�ي��ة والأندل�سية‪� ،‬أ�سترفد‬ ‫مُتخ ّي ًال مُ�صطخب ًا يَدلّني على التنوّع الذي يُلهمنا‬ ‫الحياة التي نتوجّ ه �إليها‪ ،‬ويجعل الهويّة التي‬ ‫نتكلّمها �أو نحلم بالعبور �إليها دائمة التحوّل‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يهمّني التعبير عن روح� ّي��ة ال�شعر‬ ‫المغربي وروائحه و�أمكنته ورم��وزه وهواج�سه‪.‬‬ ‫وال �أفهم �شاعر ًا مغرب ّي ًا ال يعبّر عن ذلك‪ ،‬ويظ ّل‬ ‫مغترب ًا في الأ�شباح بحث ًا عن حداث ٍة مزعومة �أو‬ ‫خال�ص كاذب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫و�إذاً‪ ،‬فلع ّل الروافد التي �شكّلت تلك �أقانيم‬ ‫تجربتي‪ ،‬فيما �أرى‪ ،‬متنوّعة ومتجاذبة‪ ،‬منها ما‬ ‫يعود �إل��ى التراث ال�شعري‪ ،‬ومنها ما يمتّح من‬ ‫اتّجاهات ال�شعر الحديث والمعا�صر‪ ،‬ومنها ما‬ ‫يرد عليّ من م�شاهدات للحياة اليومية وتجاربي‬ ‫فيها‪ .‬لكن ال معنى �أن يظ ّل �شعرك بمعزل عن‬ ‫ال�شعر الآخر‪ ،‬الفرن�سي �أو المترجم؛ فقد �أفادني‬ ‫ذلك ومنح قيم ًة مُ�ضافة جديدة ِللُّغة التي �أُبدع‬ ‫بها وعبرها؛ بل ك�شف لي معنى �أن ي�صير الآخر‬ ‫«مح ّكاً»‪ ،‬فلمّا نترجم �أو نقر�أ الآخ��ر مترجَ ماً‪،‬‬ ‫فك�أنّنا نلقى بين اللغتين �أو بين ال�شعرين تفاهم ًا‬ ‫هو من العمق واالن�سجام؛ ما يجعل الفجوة تتعثّر‬ ‫بمعنى جديد‪ ،‬و�أف��ق جديد‪ .‬وعلى العموم‪ ،‬ف�إنّ‬ ‫تجربتي ال�شعرية ال ت�ألو جهد ًا للتعلُّم والإ�صغاء‬ ‫كيما تبقى متيقّظة وحيّة ومنتمية �إل��ى زمنها‪،‬‬ ‫وتبقى هو ّيتُها متحوِّل ًة با�ستمرار‪.‬‬

‫جمال المو�ساوي‪�/‬شاعر و�إعالمي من المغرب‬

‫المواقع الإلكترونية في كل لحظة‪ ،‬ك�أنها �أنهار‬ ‫متدفقة �أو بحار متالطمة‪.‬‬ ‫ح�سناً‪ ،‬هل يتعلق الأم��ر ب�أزمة ق��راءة؟ ربما‪،‬‬ ‫بيد �أن ه��ذه الأزم ��ة ال تخ�ص ال�شعر تحديدا‪،‬‬ ‫و�إنما الكتاب الإبداعي ب�شكل عام‪ .‬قليلون �أولئك‬ ‫الذين تمكنوا في العالم العربي من بيع «�آالف»‬ ‫الن�سخ من كتبهم‪� ..‬أو بالأحرى من بع�ض كتبهم‬ ‫الإبداعية‪ .‬ثم �إن �أزمة القراءة ق�ضية تتداخل فيها‬ ‫�أ�سباب عدة �أدناها االهتمام ب�سفا�سف الأمور من‬ ‫قبل بع�ضنا‪ ،‬و�أعالها غياب ما يحفز على فعل‬ ‫القراءة بدءا بمناهج التعليم التي ال تترك فر�صة‬ ‫للطفل كي يتنف�س‪ ،‬فما بالك بالنظر في كتاب هو‬ ‫في النهاية ترف بعيد‪� ..‬أق�صد النظر‪.‬‬ ‫�آه نعم‪ ،‬يتعلق الأمر قبل هذا وذاك بجودة ما‬ ‫يكتب وما ين�شر‪ .‬لكن الجودة ن�سبية‪ ،‬ف�أنا �أنظر‬ ‫جمال املو�ساوي‪�/‬شاعر و�إعالمي من املغرب‬ ‫�إليها من موقعي‪ ،‬و�أحاكم الن�صو�ص انطالقا من‬ ‫�أت�ساءل �أين تتجلى عالمات الأزمة في ال�شعر قناعات ال يمكنها �أن ت�شكل «ر�أي� ًا عاماً» �شعري ًا‬ ‫المكتوب بالعربية؟ ال�ساحة تعجّ وت�ضج بال�شعراء‪� ،‬أم نقدياً‪� .‬إن هذا ال يقت�ضي االنتماء لمدر�سة �أو‬ ‫والمجالت تن�شر ق�صائدهم‪ ،‬ناهيك عما تحمله تيار؛ فهو نابع من انطباعات و�أحكام �شخ�صية‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪123‬‬


‫‪ 124‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫�أو كما نقول هو ق�ضية ذوق؛ طبعا مع احترام‬ ‫مبادئ الح ّد الفني الأدنى‪.‬‬ ‫�أم��ا عن م�س�ألة الر�ضى على ما �أكتب‪ ،‬فلن‬ ‫�أدّعي �أن هذا لي�س من �ش�أني بل من �ش�أن القارئ‬ ‫والناقد‪ .‬ف��إذا �سلمنا بوجود �أزم��ة ق��راءة و�أزمة‬ ‫نقد‪ ،‬فمعناه �أن ال �أحد يمكن �أن يعبّر عن قيمة‬ ‫ما �أكتب‪ ،‬ومن ثمَّ �س�أكون مجبرا بالت�أكيد على‬ ‫�أن الر�ضى م��وت‪ .‬و�إن��ي �إذا �أردت الإب�ق��اء على‬ ‫ال�شاعر حيا في داخلي‪ ،‬فعليّ �أن �أ�ضع ن�صب‬ ‫عيني �أن الن�ص «الكامل» لن �أكتبه يوما ما‪ ،‬و�أن‬ ‫كل ق�صيدة جديدة �أكتبها ما هي �إال تمرين فقط!‬ ‫في هذا ال�سياق‪ ،‬لي�س �ضروريا �أن �أعمد �إلى‬ ‫محو كل ما كتبته �أو قر�أته‪ ،‬كي �أف�سح المجال‬ ‫ل�شيء جديد‪ .‬ل��ديّ قناعة ب��أن كل ما ننتجه هو‬ ‫تنويعات على وج��ه الحياة‪ .‬قد �أراه اليوم على‬ ‫غير ما ر�أيته �أم�س‪ ..‬وهكذا‪ .‬والكتابة هي دائما‬ ‫م�ستمدة؛ ما ر�سّ ب في الأعماق من قراءاتنا ومن‬ ‫تجاربنا في الحياة‪ .‬ال �أرى كتابة من غير هذين‬ ‫النبعين؛ منهما ن�صنع ت�صوراتنا للواقع وللحلم؛‬ ‫للحا�ضر والم�ستقبل‪ .‬لهذا ال يبدو المحو فكرة‬ ‫جيدة‪ ،‬وال قابلة للتحقيق‪.‬‬ ‫في المقابل‪ ،‬ينبغي �أن يت�ضافر النبعان مع‬ ‫ان�شغال �شخ�صي �ضروري‪ ،‬لكل �شاعر‪ ،‬على كل‬ ‫حال‪ .‬يتمثل هذا االن�شغال في البحث المتوا�صل‬ ‫عن موطئ لم تط�أه ق��دم‪ .‬الإب ��داع في �صياغة‬ ‫المعنى من زاوي��ة لم يلج �إليها �أح��د بعد‪ .‬وهذا‬ ‫�أمر قليلون من ي�صلون �إليه‪ .‬لأنه يتطلب تكري�س‬ ‫الحياة لم�شروع وف��ق خطاطة ب��أه��داف و�آليات‬ ‫و�إم �ك��ان��ات‪ ،‬وه��و �أم��ر غير م�ت��اح للأغلبية من‬ ‫ال�شعراء في المنطقة التي ننتمي �إليها‪ ،‬بالنظر‬ ‫�إلى ظروف الحياة التاريخية واالجتماعية وحتى‬ ‫النف�سية‪ .‬ل�ه��ذا‪ ،‬ي�صير ال�شعر مكابد ًة وعناء‬ ‫متوا�صال في مجابهة اليومي البغي�ض‪ ،‬بكل ما‬ ‫فيه من �صغائر الأمور‪.‬‬

‫ال�شعر بهذا ال�شكل‪ ،‬مخا�ض لوالدة م�ستع�صية‬ ‫نتيجة المكونات «البيولوجية» المتعددة للمولود‪،‬‬ ‫�إذ تتمازج فيه بقايا تراثية (كل ما مر وا�ستقر‬ ‫في ثنايا الأم�س قريبا �أو بعيدا كان‪ ،‬هو تراث)‬ ‫بلغة الع�صر‪ ،‬ب�إكراهات الحياة وبال�ضرورات‬ ‫الوجودية ب�شكل عام و�شامل‪ .‬ولعل بع�ض �أزمة‬ ‫ال�شعر موجود في ه��ذا الجانب تحديدا في ما‬ ‫يتعلق بالتلقي والقراءة‪ .‬يدّعي ال�شاعر �أنه في‬ ‫حاجة �إل��ى ن��وع من ال�ق��ارئ العالم �أو المحيط‬ ‫بمكونات مولوده‪ ،‬حتى يتمكن من التوا�صل معه‪.‬‬ ‫ب�صيغة ما «لماذا ال تفهمون ما �أقول»!‬ ‫عندما ت��رى ك�ث��رة ال���ش�ع��راء‪ ،‬تت�ساءل �أي��ن‬ ‫ال�شعر؟ تفتح الإنترنت وتبحر‪ ،‬تتقاذفك بحار‬ ‫ال متناهية من الق�صائد والخواطر والكتابات‬ ‫المتنوعة‪ .‬تقول ه��ذا ج��واب �سريع على �س�ؤال‬ ‫يحتاج �إلى الكثير من الت�أمّل والتدبّر‪ .‬لكن هل‬ ‫هذا هو ال�شعر فعال؟ قد يكون‪ .‬ولكن مَ ن �أكون‬ ‫حتى �أطرح هذا ال�س�ؤال؟‬ ‫�أتذكر عندما �شرعت في اقتراف الكلمات‬ ‫قبل ب�ضعة وع�شرين عاما‪ .‬كان الإح�سا�س رائعا‬ ‫و�أنا �أقر�أ ما جادت به تلك البدايات من�شورا في‬ ‫هذه الجريدة �أو تلك المجلة‪ .‬هذا الإح�سا�س ال‬ ‫�أري��د له �أن يموت‪ .‬هو يجعلني �أ�شعر بما ي�شعر‬ ‫به كل ه�ؤالء الذين ي�ستهويهم �أن يروا �أ�سماءهم‬ ‫و�صورهم ف��ي ه��ذا الموقع �أو ذاك‪ .‬فقد نابت‬ ‫ع��ن �صفحات ال�شباب ال�ت��ي احت�ضنت �شغبنا‬ ‫الأول‪ ،‬وهي متنف�سهم كما كانت تلك ال�صفحات‬ ‫متنف�سنا‪ .‬ه��ذا يقودني �إل��ى القول �إن ال�شاعر‬ ‫في بداية دائمة‪ ،‬و�أن ما يمكن �أن نحكم عليه‬ ‫بالرداءة حاليا قد يحوّل �أ�صحابه مع الوقت �إلى‬ ‫�شعراء «م�س�ؤولين» يقدّرون معنى االكتواء بنار‬ ‫الحروف‪ ...‬وما دامت هذه الفر�ضية موجودة‪،‬‬ ‫�أي البداية الدائمة‪ ،‬ف�إني �أرى �أن �أزمة ال�شعر‪ ،‬في‬ ‫ذاته‪ ،‬لي�ست واردة‪ ...‬لكنها ربما خارجه!‬

‫ال الناهية‪..‬‬ ‫وال المتلقي‬ ‫■ عقل بن مناور ال�ضمريي*‬

‫قا�س‪ ،‬ال يبحث عن الإجادة في‬ ‫لن تقر�أ در�ساً في النحو‪� !..‬إنه في االمالء‪� ،‬إمال ٌء ٍ‬ ‫الكتابة‪ ،‬بل �إجادة االتباع‪.‬‬ ‫ال ُء ال�شُّ رطي وال ُء المدر�س‪ ،‬ال ُء البلدية‪ ،‬والء المدير‪ ،‬ال ُء الأب‪ ،‬وال ُء الجار‪ ..‬الءاتٌ‬ ‫بال نهاي ٍة �أبداً‪.‬‬ ‫الءاتٌ من كل الجهات وفي كل الأوقات‪ ..‬ال ٌء كبيرة حا�ضر ٌة دوماً‪ ،‬للحقوق والآمال‪،‬‬ ‫للأفعال والأقوال؛ بل تتوغل عمقاً وفجوراً لت�صفع حتى النيات‪.‬‬ ‫ال ت�سافر �إلى‪ ..‬ال ت�ضحك مع‪ ..‬ال تخالط‬ ‫ولأن ال �ج��زاء م��ن جن�س ال�ع�م��ل‪ ،‬فما‬ ‫ه ��ؤالء‪ ..‬ال تحب �أول�ئ��ك‪ ..‬ال تقر أ� لهذا �أو يُحجّ م تلك الناهية غير الء المتلقي‪.‬‬ ‫ذاك‪ ،‬ال تعمل كذا وك��ذا‪ ...‬و�ستعرف بعد‬ ‫�أل��م يحن وق��ت رف��ع ال�صوت بها على‬ ‫ا�ستقاللك المالي �أن �أ�شد الالءات وح�شي ًة‬ ‫ك��ل �أ ّف���اك؟! على ك��ل معتدٍ على حقوقك‬ ‫ال تتكلم‪ !..‬و�أكبرها خطر ًا ال ت�س�أل‪!..‬‬ ‫و�ش�ؤونك وعالمك واهتماماتك؟!‬ ‫ه ��ذه ال �ل�ا ُء ال�ن��اه�ي��ة ب��واب � ُة ا�ستالب‬ ‫ال ُء المتلقي ه��ي �س ّر ال�غ��رب وال�شرق‬ ‫الحرية‪ ،‬و� ُّأ�س الو�صاية لما بعد البلوغ وحتى‬ ‫الذي و�صل‪.‬‬ ‫المغيب‪.‬‬ ‫فما بين ال�لاءي��ن م�سافة تقا�س بها‬ ‫كم رُمِ يَت بوجه مُبادر؟! كم من �إبداع‬ ‫طَ مَ�ست؟! كم من عبودي ٍة لغير اهلل فر�ضت القدرة على مكافحة الف�ساد و�أ�شياء �أخرى‬ ‫يعرفها الباغي والمحروم‪..‬‬ ‫هذه الالء اللعينة؟!‬ ‫ * كاتب من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪125‬‬


‫�صدر الكتاب في ‪� 350‬صفحة من القطع المتو�سط‪،‬‬ ‫وحمل عنوان‪« :‬عابد خزندار‪ ..‬مفكر ًا ومبدع ًا وكاتباً»‬ ‫والذي �أهداه الم�ؤلف الق�شعمي �إلى محبي عابد خزندار‬ ‫و�إلى من �أحب وطنه‪ ..‬و�سار على دربه‪.‬‬

‫�صدرت م�ؤخرا لل�شاعر المغربي بو�شعيب عطران‬ ‫م�ج�م��وع��ة ��ش�ع��ري��ة ب �ع �ن��وان‪« :‬رع �� �ش��ات م��ن ر�صيف‬ ‫االنتظار»‪ ،‬تقع المجموعة في (‪� )72‬صفحة من الحجم‬ ‫المتو�سط‪ ،‬تت�صدر غالفها ل��وح��ة ت�شكيلية للفنان‬ ‫المغربي عبدالكريم الأزهر‪.‬‬

‫يحكي في مطلع مقدمته كيف تعرف بالناقد الخزندار‬ ‫منذ عام (‪1997‬م)‪ ،‬ب�صحبة �أ�ستاذه ال�شيخ عبدالكريم‬ ‫ت�ضم المجموعة ال�شعرية ع�شر �شذرات بعنوان‪:‬‬ ‫الجهيمان‪ ،‬ثم توالت اللقاءات بعد ذلك في جدة‪.‬‬ ‫«�صرخات‪ ..‬من زمن الخيبة» و(‪ )27‬ق�صيدة �شعرية‬ ‫انطوى الكتاب على ع��دة ف�صول‪ ،‬ك��ان من �أبرزها منها‪« :‬ترانيم �أح�لام‪ ..‬منفية»‪�« ،‬إ�شراقات �شاردة»‪،‬‬ ‫مقتطفات م��ن حياته‪ ،‬ث��م ي�ع��رج الق�شعمي �إل��ى بع�ض «�أ�شواق مغتربة»‪« ،‬نزوة بعين حالمة»‪« ،‬ل�سعات الأيام»‪،‬‬ ‫اللقاءات ال�صحفية وال �ح��وارات الجريئة‪� ،‬إ�ضافة �إلى «�شظايا ذاك ��رة ت��أب��ى االن���ش�ط��ار»‪« ،‬عا�شقة الليل»‪،‬‬ ‫كتابات الخزندار عن وال��ده وع��ن بع�ض الأدب��اء الذين «على حافة االنف�صام»‪�« ،‬شطحات الغياب»‪« ،‬تعويذة‬ ‫انتقلوا �إل��ى ال��دار الآخ ��رة ك �ـ‪ :‬عبدالكريم الجهيمان‪ ،‬الق�صيدة»‪..‬‬ ‫وع�ب��دال�ع��زي��ز م���ش��ري‪ ،‬وع �ب��داهلل ال �ج �ف��ري‪ ،‬وع �ب��داهلل‬ ‫وق��د ج��اء ف��ي ظ�ه��ر ال �غ�لاف مقطع م��ن ق�صيدة‬ ‫عبدالجبار‪ ،‬ونا�صر المنقور‪ ،‬وح�سن ن�صيف‪� ..‬إلى جانب «تعويذة الق�صيدة»‪:‬‬ ‫طائفة من الكلمات الرقيقة التي دبجها عدد من الأدباء‬ ‫«ذات وهج‬ ‫والمثقفين عن الناقد عابد خزندار في �أكثر من محفل‬ ‫ق�ضمت حزمة �ضوء‬ ‫�أدب��ي‪ ،‬كما يعقد الم�ؤلف ف�صالً عن م�شروعه التنويري؛‬ ‫تفتقت �أكمام ال�شعر؛‬ ‫فيورد ن�صو�ص ًا من كتاباته في زاويته «نثار» ليورد فيها‬ ‫حروفا دافئة الهبة‬ ‫�أبرز الأفكار التي طرحها عبر هذه الزاوية‪.‬‬ ‫الحت‪..‬‬ ‫وف��ي خاتمة ال�ك�ت��اب‪ ،‬يتحدث الق�شعمي ع��ن زوج��ة‬ ‫من منحدرات الحنين‬ ‫ال�خ��زن��دار ال�سيدة �شم�س الح�سيني – رحمها اهلل –‬ ‫ووخزات ال�سنين‬ ‫ودورها الأدبي وال�صحفي‪.‬‬ ‫تبدد ظل الفراغ‬ ‫و�ضباب العذاب‪»..‬‬ ‫كتاب قيّم ي�ستحق ال�ق��راءة‪ ،‬وق��د �ضرب فيه م�ؤلفه‬ ‫مثال في الوفاء للرواد والمفكرين بالكتابة عنهم �أحياء‪،‬‬ ‫وتعتبر المجموعة ال�شعرية «رع�شات من ر�صيف‬ ‫وتقديمهم للأجيال التي ربما في �سرعة الحياة التي االنتظار» الإ� �ص��دار الأول للكاتب المغربي بو�شعيب‬ ‫نعي�شها قد ال يعرفون الكثير عن الرواد‪.‬‬ ‫عطران‪.‬‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫�صدرت حديث ًا رواي��ة «عتق»‪ ،‬للأديب‬

‫يقع الكتاب في مائتي �صفحة‪ ،‬تت�ضمن محتويات الندوة‬ ‫التي �أقيمت في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية‬ ‫ع� ��ام(‪2012‬م) ومو�ضوعها �أع�ل�اه‪ ..‬وق��د هدفت الندوة‬ ‫�إلى ت�سليط ال�ضوء على �آث��ار المملكة العربية ال�سعودية‪،‬‬ ‫وبيان و�ضعها الحالي‪ ،‬و�إبراز �أهمية العناية بها‪ ،‬وحمايتها‬ ‫من مختلف �أنواع التعديات‪� ،‬سواء بالتخريب �أو النهب او‬ ‫التجارة �أو الإهمال؛ و�إبراز الدور الذي يمكن �أن ت�سهم فيه‬ ‫في تنمية ال�سياحة‪ ،‬واقتراح ت�صور عام لإث��ارة االهتمام‬ ‫العام بالآثار الوطنية و�ضرورة المحافظة عليها‪ ،‬كونها‬ ‫تمثل جزءا من التاريخ الإن�ساني والح�ضاري‪ ،‬وتمثل �أبعادا‬ ‫اقت�صادية في الدولة‪ ،‬والت�أكيد على ال��دور الإعالمي في‬ ‫هذا المجال‪ .‬وقد قدمت في هذه الندوة اثنتي ع�شرة ورقة‬ ‫عمل �ضمن ا لمحاور الآتية‪:‬‬ ‫ الو�ضع الحالي للمناطق الأثرية في المملكة‪.‬‬‫ االه�ت�م��ام ب��الآث��ار؛ الأب �ع��اد االج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬والثقافية‪،‬‬‫والح�ضارية‪ ،‬واالقت�صادية‪.‬‬ ‫ جهود الهيئة العامة لل�سياحة والآثار‪.‬‬‫ الر�ؤية الم�ستقبلية للعناية بالآثار‪.‬‬‫ الخطوات الم�أمولة من الدولة والمجتمع والمواطن‪.‬‬‫ نتائج ا�سترداد الآثار‪.‬‬‫وت�أمل هيئة الن�شر �أن ي�سهم هذا اال�صدار في خدمة‬ ‫الآث��ار في المملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬لما تمثله للمجتمع‬ ‫والوطن من بعد ح�ضاري و�إن�ساني وثقافي‪.‬‬

‫�إب��راه �ي��م م���ض��واح الأل �م �ع��ي‪ ،‬وذل ��ك في‬ ‫طباعة ف��اخ��رة‪ ،‬وع��دد �صفحات (‪،)72‬‬ ‫بقيا�س (‪.)21×14‬‬ ‫ق ��ال ال �م ��ؤل��ف ف��ي م�ق��دم�ت��ه‪ :‬ه��ا هي‬ ‫لحظة ال�م��واج�ه��ة ق��د ح��ان��تْ ‪ ،‬وه��ا هي‬ ‫ك��ذب��ات��ي ُت�خ�ج�ل�ن��ي الآن‪ ،‬ت�ح��ا��ص��رن��ي‪،‬‬ ‫ي�ؤنِّبني �ضميري‪ ،‬ولكن ماذا كان عليَّ �أن‬ ‫�أف�ع��ل؟! لقد �ضحَّ يت بالكثير من حياتي‬ ‫وم��ن حرِّيتي‪ .‬لماذا ت�ستكث ُر عليَّ الدنيا‬ ‫�أن �أعي�ش حياتي بمن�أىً عن هذه القيود‬ ‫التي ُت َك ِّبلُني‪ ،‬تكاد تحب�س �أنفا�سي؟! كيف‬ ‫أرت�شف من رحيق الحياة و�أنا م�شدو ٌد �إلى‬ ‫� ُ‬ ‫هذا المكان؟! قيو ٌد و ِل��دَ تْ معي‪ ،‬و�أخ��رى‬ ‫خلقتُها بنف�سي‪ ،‬و�أخ ��رى يحيطني بها‬ ‫النا�س الذين يفر�ضون عليَّ كيف �أعي�ش!‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫ب ‪ :‬عابد خزندار‪ ..‬مفكر ًا ومبدع ًا وكاتب ًا‬ ‫الكتا ‬ ‫ف ‪ :‬حممد الق�شعمي‬ ‫امل�ؤل ‬ ‫النا�شر ‪ :‬دار االنت�شار العربي ‪2013 -‬م‬

‫ب ‪ :‬رع�شات من ر�صيف االنتظار»(�شعر)‬ ‫الكتا ‬ ‫ف ‪ :‬بو�شعيب عطران‬ ‫امل�ؤل ‬ ‫النا�شر ‪ :‬دار العاملية للن�شر ‪ -‬الدار البي�ضاء‬

‫ب ‪ :‬عتق – رواية‪.‬‬ ‫الكتا ‬ ‫امل�ؤلف ‪� :‬إبراهيم م�ضواح الأملعي‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬جداول للن�شر والتوزيع ‪ -‬لبنان‬

‫الكتاب ‪� :‬آثار اململكة العربية ال�سعودية – انقاذ ما ميكن‬ ‫انقاذه(ندوة)‪.‬‬ ‫حترير ‪ :‬هيئة الن�شر‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية ‪2013‬م‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ ‪127‬‬


‫ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة‬

‫الجوبة‪ ...‬خطوات �إلى الأمام‬ ‫■ ر�شيد اخلديري*‬

‫ِب���ش�ك��لٍ م�غ��اي��ر وم�خ�ت�ل��ف‪ ،‬تخطو مجلة الجوبة‬ ‫خطواتها الحثيثة نحو التميّز والتفرّد‪ ،‬مازجة‬ ‫ب�ي��ن ال �ح��داث��ة والأ� �ص��ال��ة ف��ي ره ��ان �صعب‪،‬‬ ‫والم�ؤكد �أن تجربة مجلة الجوبة تبقى غنية‬ ‫بموادها وحرفيتها‪ ،‬ب��دء ًا من الغالف الذي‬ ‫ي��أت��ي ك��ل م��رة محم ًال ب ��دالالت عميقة‪ ،‬ثم‬ ‫التنوّع ف��ي عر�ض ال�م��واد المن�شورة‪ ،‬والتي‬ ‫توازي طموحات العديد من الكتّاب والمبدعين‬ ‫العرب من المحيط �إلى الخليج‪.‬‬ ‫�إنَّ مجلة الجوبة ا�ستطاعت ‪ -‬من خالل ح�ضورها الم�ستمر في ال�ساحة‬ ‫الثقافية العربية والإن�سانية ‪� -‬أن تلبّي حاجات كامنة في �أعماق المبدع العربي‪،‬‬ ‫و�أن تنال مكانة متميّزة بين باقي المجالت الأخرى‪ .‬وفي اعتقادي‪� ،‬أنها المجلة‬ ‫الوحيدة التي واظبت على ال�صدور في الموعد المحدد‪ ،‬على الرغم مما يكتنف‬ ‫�إ�صدار المجالت الثقافية من �صعوبات وعراقيل‪ ،‬وهذا راجع بالت�أكيد �إلى‬ ‫ال�سمعة الطيبة التي تحظى بها من جهة‪ ،‬ثم طبيعة المواد المن�شورة‪ ،‬والتنوّع‬ ‫الذي ت�سترفد به من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫وما �أتمناه �صادق ًا هو �أن توا�صل المجلة خطواتها بالتوهج نف�سه‪ ،‬وبالخط‬ ‫التحريري‪ ،‬الذي يزاوج بين الحداثة والأ�صالة‪ ،‬في ت�صادٍ تام مع تحديات‬ ‫ال�ش�أن الثقافي والإن�ساني في البلدان العربية‪.‬‬ ‫* �شاعر وكاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1435‬هـ‬

‫من �إ�صدارات اجلوبة‬


‫�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.