درا�سات ونقد �سرية و�إبداع مواجهـــــات نوافـــذ
ملف العدد:
علم القراءات القرآنية 43
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy.org.sa
العدد - 43ربيع 1435هـ 2014 -م جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد. �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س. املرا�سالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية
الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. ّ -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والكتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية.
www.aljoubah.org / aljoubah@gmail.com
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية �أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية ،و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي، كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) ،له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف اجلوف ،بوقف م�ستقل ،من �أ�سرة امل�ؤ�س�س ،لل�صرف على هذا املركز -الفرع. 2
اجلوبة -ربيع 1435هـ
6......................... علم القراءات القر�آنية
89....................... الروائي طاهر الزهراني
112...................... �سيرة و�إبداع: د�.صالح بن معاذ المعيوف المخلف الغالف :من ت�صميم خالد دعا�س
الـمحتويــــات االفتتاحية 4 ............................................................ ملف العدد :علم القراءات القر�آنية -خالد عبداللطيف ,د .محمود 6 عبدالحافظ ،د� .إبراهيم الدّهون ،غازي الملحم ،رو�ضة المهايني، د.محمّد العيا�صرة ,م�صطفى ربيعة� ،أ .د .خالد فهمي............. درا�سات ونقد :رواي��ة «تحت �أق��دام الأمهات» ال�سرد العائلي ونقد 52 القيم � -إبراهيم الحجري.......................................... الإيقاع في مجموعة �صالحة غاب�ش ال�شعرية «بانتظار ال�شم�س» -د56 . �صبري م�سلم حمادي............................................. الطبيعة واغتراب الذات في �شعر الثبيتي � -شيمة ال�شمري63 ......... في ديوانه الجديد «�أكلت ثالث �سمكات وغلبني النوم» �أبو زيد يتناول 70 م�ضادات الرومان�سية -محمد عيد �إبراهيم ..................... قراءة في ق�صة «�أنهار الدمع» -د .هويدا �صالح 74 ................... ق�ص�ص ق�صيرة :جلد الثعبان � -إبراهيم �شيخ76 ..................... ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -ح�سن علي البطران 78 ........................ ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -محمد �صوانه 79 .............................. م�سافات �إلى :يا�سمين - ...ه�شام بن�شاوي 80 ......................... �شعر� :أطفئ ال�سراج � -سليمان عبدالعزيز العتيق81 ................... �أن�شودة للقد�س -حمدي ها�شم ح�سانين 82 ........................... النغم ُة الأدهى -مالك الخالدي 84 ................................... عَ لَى حَ ا َّف ِة ال َقلْبِ -عالء الدين رم�ضان 86 ............................ ليلة الطرب الأ�صيل -حامد �أبو طلعة 87 .............................. مقاطع من ق�صيدة عا�شـق الكمـان -خالد مزياني88 ................. مواجهات :الروائي طاهر الزهراني89 ..................................... ال�شاعر الفل�سطيني مو�سى حوامده -عمار الجنيدي94 ............... حوار مع النحات� :أ .د .علي ال�صهبي � -سمر زكي102 .................. �سيرة و�إبداع :د�.صالح بن معاذ المعيوف المخلف -المحرر الثقافي 112 . نوافذ :الأندية الأدبية ..تاريخ نه�ضة الأدب -محمد قد�س115 ............... �ضجيج النقد الروائي وتراجع النقد ال�شعري -د .عبدالنا�صر هالل 117 اللغة وق�صيدة النثر -عبدالهادي �صالح 119 ........................... الهند�سة والمجتمع -مهند�س� :صالح الع�شي�ش121 ..................... قراءات 125 .................................................................. �أن�شطة الم�ؤ�س�سة :عماد المغربي 127 .................................... عين على الجوبة :الجوبه ..والم�ستقبل الواعد � -أ.د .خالد فهمي 128 ... اجلوبة -ربيع 1435هـ
3
■ �إبراهيم احلميد
تبرز عظمة الإ�سالم وت�سامحه ،منذ نزول الوحي على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،في �شتى الأمور التي تنظّ م حياة النا�س وتتوافق مع م�صالحهم ،دون هيمن ٍة لفريق �أو �إلغا ٍء لفكرة؛ �إذ� ،أقر الإ�سالم كثير ًا من القيم التي كان النا�س عليها قبل وجوده ،وكان «خياركم في الجاهلية خياركم في الإ�سالم» ،وفي الممار�سة الرا�سخة ل�شعائر الإ�سالم الأ�صيلة الثابتة خير رد على الم�شككين والمغالطين الذين يرومون هدم ال�صورة المت�سامحة لهذا الدين .ومن ذلك ،مو�ضوع قراءات كتاب اهلل المنزل« القر�آن الكريم» ،حيث تعددت هذه القراءات ب�صورة متغايرة ومختلفة باختالف اللهجات العربية (اللغات) ال�سائدة وق��ت ن��زول القر�آن الكريم ،وقد كتب فيها العديد من الفقهاء والقراء :من ال�سخاوي في جمال القراء ،وابن الجزري في طيبة الن�شر� ،إلى عديد غيرهم من الف�ضالء ،حتى �أن بع�ض ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم لم ي�ستوعبوا هذا االختالف الختالفه عما عهدوه من تالوة بلهجتهم المعتادة؛ ففي( حديث مرفوع)�« :أَخْ َب َرنَا� أَبُو الْحَ �سَ نِ عَ ِل ُّي بْنُ ا ْلقَا�سِ مِ ا ْلب َْ�صرِ يُّ ،قَالَ :حَ َّد َثنَا عَ ِل ُّي بْنُ �إِ�سْ حَ اقَ ،قَالَ :حَ َّد َث َنا مُحَ َّم ُد بْنُ �أَحْ َم َد بْنِ حَ مَّادٍ ،قَالَ :حَ َّد َثنَا� إِ�سْ مَاعِ ي ُل بْنُ �أَبِي خَ الِدٍ ،قَالَ :حَ َّد َثنَا عَ ْب ُد اللهَّ ِ بْنُ َم ْيمُونٍ ،قَالَ :حَ َّد َثنَا عُ َب ْي ُد اللهَّ ِ بْنُ عُ َمرَ ،عَ نْ نَا ِفعٍ ،عَ نِ ابْنِ عُ َمرَ� :سَ مِ َع عُ َم ُر رَجُ ال َي ْق َر�أُ ا ْل َق ْر�آنَ َ ،ف َق َر�أَ �آ َي ًة عَ لَى غَ يْرِ مَا �سَ مِ َع مِ نَ ال َّنبِيِّ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،فَجَ ا َء ِب ِه عُ َم ُر �إِلَى ال َّنبِيِّ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ ،فقَالَ � :إِنَّ هَ ذَا َق َر�أَ �آ َي َة َكذَا َو َكذَاَ ،فقَالَ َاف». اف ك ٍ ال َّن ِب ُّي َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ « :نزَلَ ا ْل ُق ْر�آنُ عَ لَى �سَ ْب َع ِة �أَحْ ر ٍُف ُكلُّهَا �شَ ٍ هلل عَ ْنهُ :هَ ذَا الرَّجُ لُ :هِ �شَ ا ُم بْنُ حَ كِيمِ قَالَ ال�شَّ يْخ الْ إِمَام الْحَ افِظُ �أَبُو َبكْر ر َِ�ضيَ ا ُ 4
اجلوبة -ربيع 1435هـ
اجلوبة -ربيع 1435هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
اف �ت �ت��اح �ي��ة ال� � � � �ع � � � ��دد
بْنِ حِ زَامِ بْنِ خُ َو ْيلِدٍ الأَ�سَ دِ يُّ . �إن علم القراءات من �أجَ ِّل الموا�ضيع التي �أقرها الإ�سالم ،وجاء بها في قراءة القر�آن بلهجات العرب الأ�سا�سية؛ ففي الحديث :روى البخاري وم�سلم عن عبيدِ لل �صلى اهلل عليه َّا�س حَ َّد َثهُ� ،أَنَّ رَ�سُ ولَ ا ِ اللهَّ ِ بْن عبداللهَّ ِ بْنِ عُ ْتبَة� ،أَنَّ ابْنَ عَ ب ٍ و�سلم قَال�« :أَ ْق َر�أَنِي جِ بْرِ ي ُل عَ لَى حَ ر ٍْفَ ،فرَاجَ ْع ُت ُه َفلَمْ �أَزَلْ �أَ�سْ تَزِ ي ُد ُه َفيَزِ ي ُدنِي حَ تَّى ا ْن َتهَى �إِلَى �سَ ْب َع ِة �أَحْ �ر ٍُف» .زاد م�سلم :قَالَ ابْنُ �شِ هَابٍ َ « :ب َل َغنِي �أَنَّ ِتلْكَ ال�سَّ ْب َع َة الأَحْ ر َُف �إِ َّنمَا هِ يَ فِي الأمْرِ الَّذِ ي َيكُونُ وَاحِ دًا؛ ال يَخْ َتلِفُ فِي حَ اللٍ وَالحَ رَامٍ ». وهذا ت�أكيد لر�ؤية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم المت�سامحة ،فقد راجع عليه ال�صالة وال�سالم جبريل في القراءة حتى �أو�صلها �إلى �سبع .ورغم وجاهة الهدف الجليل الذي �أوجد من �أجله علم القراءات في ترتيل القر�آن الكريم وتجويده� ،إال �أننا نجد �أن فيها� أبلغ دليل على مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق النا�س؛ �إذ ،لم يكتف النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بقراءة القر�آن بلهجة واح��دة ،و�إنما �أعطى لجميع اللهجات الأ�سا�سية ذات الحقوق في ق��راءة القر�آن بلهجاتهم، ولو نزل القر�آن بلهجة واحدة ل�صعب كثيرا على بع�ض القبائل قراءة القر�آن، ولألزمهم بنطقٍ لم يدرجوا عليه ،ففي �إحدى لغات العرب مثال �أنهم ال يهمزون، ما ي�صعب عليهم نطق بع�ض الكلمات كما في قراءة «ور�ش» ،وهو الأمر الذي وافقه القر�آن الكريم حينما نزل بالقراءات ال�سبع �أو الع�شر. وفي هذا ر�سالة وا�ضحة من الإ�سالم �أتت الحقا في ا�ستيعاب العديد من ال�شعوب ،ومنع محاولة اختزال الإ�سالم في �صورة واحدة ،بل ت�أكيد على مفاهيم التعددية والحرية والت�سامح ،والتي و�صلت �إليها ال�شعوب المحِ بّة لل�سالم والعدل في العالم ،كنتيجة لتجاربها المريرة طوال الع�صور ،بعيدا عن الإ�سالم . وفي محور ق��راءات القر�آن الكريم ال��ذي تطرحه الجوبة ،محاولة ت�سليط ال�ضوء على هذا العلم الجليل الذي بات غريبا في بالد كثيرة ،حيث غلب الحرف الواحد في تالوة القر�آن الكريم ،كما هيمن ال�صوت الواحد في غيره من �أمور الحياة ،رغم �سعة الإ�سالم ورحابته التي و�سعت الكثير ،والتي تعني �أن الإ�سالم لي�س �شعائر فقط ،بل عالما كامال من القيم والإبداع ،ال ينتهي عند حد.
5
■ �إعداد وتقدمي :حممود عبداهلل الرحمي*
الحمد هلل الذي منَّ علينا بالقر�آن العظيم ،و�أكرمنا بر�سالة �سيد المر�سلين ،الذي بعثه رحمة للعالمين ،المنزل عليه�« :إنا نحن نزلنا الذكر و�إنا له لحافظون». �أجمع �أهل العلم على �أن القر�آن الكريم نُقل �إلينا عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بروايات متعددة متواترة ،وو�ضع العلماء لذلك علماً �أ�سموه علم «القراءات القر�آنية» ،بينوا فيه المق�صود من هذا العلم ،و�أق�سام تلك القراءات و�أنواعها ،و�أهم القراء الذين رووا تلك القراءات� ،إ�ضافة �إلى �أهم الم�ؤلفات التي دوَّنت في هذا المجال.
6
وعلم ال �ق��راءات علم يعرف كيفية النطق ب��ال�ك�ل�م��ات ال �ق��ر�آن �ي��ة ،وط ��رق �أدائ��ه��ا اتفاقا واخ�ت�لاف��ا ،م��ع ع��زو ك��ل وج��ه لناقله .وه��و من �أ�شرف العلوم ال�شرعية؛ لتعلّقه المبا�شر بكالم رب العالمين .وغايته معرفة م��ا ي�ق��ر�أ ب��ه كل واحد من الأئمة والقرّاء .وهو فر�ض كفاية تعلّما وتعليما. ويفيد علم القراءات القر�آنية في: 1.1الع�صمة من الخط�أ في النطق بالكلمات القر�آنية. �2.2صيانة كلمات ال �ق��ر�آن ع��ن التحريف والتغيير. 3.3العلم بما ي�ق��ر�أ ب��ه ك��ل �إم ��ام م��ن �أئمة القراءة. 4.4التمييز بين ما يقر�أ به. 5.5الت�سهيل والتخفيف على الأمة. 6.6ا���س��ت��ن��ب��اط الأح���ك���ام ال��ف��ق��ه��ي��ة نتيجة الختالف القراءات. والقراءات التي و�صلت �إلينا بطريق متواتر ع�شر قراءات ،نقلها �إلينا مجموعة من القراء، اجلوبة -ربيع 1435هـ
امتازوا بدقة الرواية ،و�سالمة ال�ضبط ،وجودة الإتقان ،وهم: نافع المدني ،وابن كثير المكي ،و�أبي عمرو ال�ب���ص��ري ،واب��ن ع��ام��ر ال���ش��ام��ي ،وعا�صم الكوفي ،وحمزة الكوفي ،والكِ �سائي الكوفي، و�أب ��ي جعفر ال�م��دن��ي ،وي�ع�ق��وب الب�صري، وقراءة خَ لَف. وكل ما نُ�سب لإمام من ه�ؤالء الأئمة الع�شرة، ي�سمى (ق��راءة) ،وك��ل ما نُ�سب للراوي عن الإم��ام ي�سمى (رواي��ة) فنقول مثالً :قراءة عا�صم برواية حف�ص ،وق��راءة نافع برواية ور�ش ،وهكذا. ولأهمية هذا العلم ،ارت ��أت الجوبه �أن يكون ملفها للعدد ( )43خا�صا ب�ـ «علم ال �ق��راءات ال �ق��ر�آن �ي��ة» ،ل�ت�ع��ري��ف المتلقين ب �ه��ذا ال�ع�ل��م، و�إطالعهم عليه من خ�لال محاور متخ�ص�صة ت�ت�ن��اول �أه ��م ج��وان �ب��ه� � ،ش��ارك فيها نخبة من المخت�صين والمتخ�ص�صين في الداخل والخارج. ف�ط��وب��ى ل�م��ن ق ��ر�أ ك�ت��اب اهلل ح��قّ ت�لاوت��ه، وواظب على تالوته �آناء الليل و�أطراف النّهار.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
علم القراءات القرآنية
علم القراءات القر�آنية و�أبرز علمائه ■ خالد عبداللطيف -املغرب
يعد علم قراءات القر�آن الكريم دعامة جوهرية في ترتيل القر�آن وتجويده ،وفق قواعد دقيقة وقوانين م�ضبوطة و�صارمة؛ ليتمكن �صاحبه من اكت�ساب الأجر من جهة ،وتقريب ال�سامعين �إلى جمالية �صوت القارئ وح�سنه ،الكت�ساب الخ�شوع وال�ضراعة ،وت�سهيل حفظ القر�آن الكريم، من جهة �أخرى .والدليل على �أهمية ال�صوت في القراءة�« ،أن عبداهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه كان قارئا نديَ ال�صوت ،يجيد تالوة القر�آن» .وللتالوة الجيدة �أثرها لدى القارئ والم�ستمع في فهم معاني القر�آن ،و�إدراك �أ�سرار �إعجازه في خ�شوع و�ضراعة ،وقد قال الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم فيه« :مَن �أحب �أن يقر�أ القر�آن غ�ضا كما �أنزل ،فليقر�أه على قراءة ابن �أم عبد» ،يعني «ابن م�سعود»(.)1 ي �ق��ول ال �ع�لام��ة �أب���و ��ش��ام��ة «ظ ��ن ق ��وم �أن القراءات ال�سبع الموجودة الآن هي التي �أريدت في الحديث (�أنزل القر�آن على �سبعة �أحرف)، وهو خالف �إجماع �أهل العلم قاطبة ،و�إنما يظن ذلك بع�ض �أهل الجهل»(.)2 «والحقيقة التي يقرها العلماء �أن القراءات ال�سبع لي�ست ه��ي المعتمدة وح��ده��ا .ولي�ست هي �أق��وى ال �ق��راءات ،بل هناك ث�لاث ق��راءات ت�صل ب��ال�ق��راءات �إل��ى ع�شر .وه��ي ال تقل قوة عن ال�سبع ..بل قيل فيها ما هو �أقوى من بع�ض القراءات ال�سبع»( )3ويذهب بع�ض الباحثين �إلى
وجود قراءات �أخرى مروية فوق الع�شر عددها �أرب��ع ،وبذلك تكون جملة ال�ق��راءات المعروفة �أرب��ع ع�شرة .و�إن ك��ان هناك م��ا ه��و �أك�ث��ر من ذل ��ك .لكن ه��ذه ه��ي ال�ت��ي �ضبطت وجمعت. ويرجع العلماء �شهرة القراءات ال�سبع� ،إلى �أن بع�ض الم�ؤلفين في علم القراءات وقفوا في �سرد علماء ال�سرد عند �سبع .ال لأنهم هم الموثوق بهم وحدهم .وال لأن من عداهم �أ�ضعف منهم. ولكن هذا اختار حتى و�صل �إلى �سبع ووقف .ثم ا�شتهر ت�أليفه وذاع ،وا�شتهر تبعا لذلك م�صطلح القراءات ال�سبع. اجلوبة -ربيع 1435هـ
7
منهم �أب��و ه��ري��رة ،واب��ن عبا�س ،وع�ب��داهلل بن ال�سائب ،و�أخذ ابن عبا�س عن زيد �أي�ضا.
و�أخ��ذ عن ه ��ؤالء ال�صحابة ع��دد كبير من التابعين في كل الأم�صار .كان منهم في المدينة (ابن الم�سيب ،وعروة �سالم ،وعمر بن العزيز، و�سليمان وعطاء ابنا ي�سار ،ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ). وفي مكة (عبيد بن عمير ،وعطاء بن �أبي رباح ،وطاوو�س ،ومجاهد ،وعكرمة ،وابن �أبي علبكة). ومن الكوفة نذكر (�أبو عبدالرحمن ال�سلمي، و�سعيد بن جبير ،والحارث بن قي�س ،وعلقمة، والأ�سود ،وم�سروق).
8
ومن الب�صرة (�أبو عالية ،و�أبو رجاء ،ون�صر اب��ن عامر ،ويحيى بن يعمر ،والح�سن ،وابن اجلوبة -ربيع 1435هـ
ونقل عن الإمام الداني قوله �إن�« :أئمة القراء ال تعمل في �شيء من حروف القر�آن على الأف�شى في اللغة ،والأقي�س في العربية ،بل على الأثبت في الأثر ،والأ�صح في النقل والرواية� ،إذا ثبتت عنهم لم يردها قيا�س عربية ،وال ف�شو لغة، لأن القراءة �سُ نة متبعة يلزم قبولها والم�صير �إليها»(.)5 «وي�م�ي��زال�ع��ارف��ون ب��ال �ق��راءات بين ال�ق��ارئ والمقرئ تمييزا دقيقا يقوم على �أ�سا�س التمكن الجزئي �أو الكلي من القراءات ،فالقارئ عندهم هو المبتدئ الذي �شرع في الإفراد �إلى �أن يفرد ثالثا من القراءات ،فهو على هذا الحد قارئ. والمقرئ فوق ذلك ،فهو العالم بالقراءات �سبعا وع�شرا ،ال��راوي لها م�شافهة ،الناقل لأكثرها و�أ�شهرها»(.)6 وق��د �أ��س�ه��م ال �م ��ؤل �ف��ون ف��ي ال� �ق ��راءات في
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ما ينبغي التنبيه �إليه �أن ال�ق��راءات ال�سبع �سيرين ،وقتادة). المعروفة لي�ست هي الأحرف ال�سبعة التي وردت وم���ن ال �� �ش��ام(ال �م �غ �ي��رة ب ��ن �أب� ��ي ��ش�ه��اب في الحديث .و�إن كانت القراءات �شيئا من هذه المخزومي �صاحب عثمان ،وخليفة بن �سعد الأحرف� ،سواء �أكانت �سبعا �أو �أكثر ،ولي�س كل �صاحب �أبي الدرداء). الأح��رف؛ بعدما �أ�صبح الخط ال��ذي كتبت به قال ال�سيوطي�( :أول من �صنف في القراءات م�صاحف عثمان هو الفي�صل ،مع تواتر الرواية �أبو عبيد القا�سم بن �سالم ،ومبادئ ثم �أحمد وموافقتها للغة العربية. اب��ن جبير الكوفي ،ث��م �إ�سماعيل ب��ن �إ�سحاق وترتبط ال�ق��راءات القر�آنية وقرائها بعهد المالكي �صاحب قالون ،ثم �أبو جعفر بن جرير ال�صحابة الذين �أقاموا النا�س على طرائقهم الطبري ،ثم �أبو بكر محمد بن �أحمد بن عمر في ال�ت�لاوة .وم��ن �أ�شهر القراء (�أب��يّ ،وعليّ ،الدجوني ،ثم �أبو بكر بن مجاهد .ثم قام النا�س وزي ��د ب��ن ث��اب��ت ،واب ��ن م���س�ع��ود ،و�أب���و مو�سى في ع�صره وبعده في الت�أليف في �أنواعها جامعا الأ�شعري وغيرهم) .وعنهم �أخ��ذ الكثير من ومفردا وموجزا وم�سهبا .و�أئمة ال�ق��راءات ال ال�صحابة والتابعين في الأم�صار ،وكلهم ي�سند يح�صون .وقد �صنف طبقاتهم حافظ الإ�سالم �إلى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم. �أب��و عبيداهلل الذهبي ،ث��م حافظ ال�ق��راء �أب��و وق��د ق��ر�أ على «�أب��ي» جماعة من ال�صحابة الخير بن الجزري»)(.)4
االقت�صار على ع��دد معين .لأنهم �إذ ي�ؤلفون مقت�صرين على عدد مخ�صو�ص من �أئمة القراء ميز العلماء بين ثالثة �أن��واع من القراءات: يكون ذلك من دواعي �شهرتهم ،و�إن كان غيرهم م �ت��وات��رة ،و�آح� ��اد ،و� �ش��اذة ،وج�ع�ل��وا المتواتر �أجلَّ منهم قدرا ،فيتوهم النا�س بعد �أن ه�ؤالء ال�سبع ،والآحاد الثالث المتممة لع�شرها ،ثم ما الذين اقت�صرالت�أليف على قراءتهم هم الأئمة يكون من قراءات ال�صحابة ،وما بقي فهو �شاذ، المعتبرون في القراءات. وقيل :الع�شر متواترة .وقيل :المعتمد في ذلك «وق��د �صنّف اب��ن جبر ال�م�ك��يّ كتابا في ال�ضوابط� ..سواء �أكانت القراءة من القراءات ال �ق��راءات فاقت�صر على خم�س ،اختار من ال�سبع� ،أو الع�شر �أو غيرها .قال �أبو �شامة« :ال كل م�صر �إماما ،و�إنما اقت�صر على ذلك لأن ينبغي �أن يغتر بكل قراءة تعزى �إلى �أحد ال�سبعة الم�صاحف التي �أر�سلها عثمان كانت خم�سة ويطلق عليها لفظ ال�صحة ،و�أنها �أنزلت هكذا �إال �إلى هذه الأم�صار .ويقال �إنه وجه �سبعة ،هذه �إذا دخلت في ذلك ال�ضابط ،وحينئذ ال ينفرد الخم�سة وم�صحفا لليمن و�آخر �إلى البحرين .بنقلها م�صنف عن غيره ،وال يخت�ص ذلك بنقلها لكن لما لم ي�سمع لهذين الم�صحفين خبر ،عنهم ،بل �إن نقلت عن غيرهم من ال�ق��راء.. و�أراد اب ��ن م �ج��اه��د وغ �ي��ره م��راع��اة ع��دد فذلك ال يخرجها عن ال�صحة ف�إن الإعتماد على الم�صاحف ..ا�ستبدلوا من م�صحف البحرين ا�ستجماع تلك الأو�صاف ال على من تن�سب �إليه، وم�صحف اليمن قارئين كمل بهما العدد ،ف�إن القراءة المن�سوبة �إلى كل قارئ من ال�سبعة ولذلك قال العلماء� :إن التم�سك بقراءة �سبعة وغيرهم منق�سمة �إل��ى المجمع عليه وال�شاذ، من القراء دون غيرهم لي�س فيه �أثر وال �سنة .غير �أن ه�ؤالء ال�سبعة ل�شهرتهم وكثرة ال�صحيح و�إنما هو من جمع بع�ض المت�أخرين فانت�شر ،المجمع عليه في قراءتهم تركن النف�س �إلى ما فلو �أن ابن مجاهد مثال كتب عن غير ه�ؤالء نقل عنه فوق ما ينقل عن غيرهم»(.)9 ال�سبعة بالإ�ضافة �إليهم ال�شتهروا» (.)7 ول�ل�ق�ي��ا���س ع�ن��ده��م ف��ي � �ض��واب��ط ال �ق��رءاة وقال �أبوحيان« :لي�س في كتاب ابن مجاهد ال�صحيحة ما ي�أتي: ومن تبعه من القراءات الم�شهورة �إال النزر الي�سير ،فهذا �أب��و عمرو ب��ن ال�ع�لاء ا�شتهر /1موافقة القراءة للعربية بوجه من الوجوه: �سواء �أكان �أف�صح �أم ف�صيحا ،لأن القراءة عنه �سبعة ع�شر راوي��ا ،ثم �ساق �أ�سماءهم، �سنة متبعة يلزم قبولها والم�صير �إليها واقت�صر في كتاب ابن مجاهد على اليزيدي، بالإ�سناد ال بالر�أي. وا�شتهر عن اليزيدي ع�شرة �أنف�س ،فكيف يقت�صر على ال�سو�سي وال��دوري ،ولي�س لهما /2موافقة القراءة لأحد الم�صاحف العثمانية ول ��و اح �ت �م��اال :لأن ال���ص�ح��اب��ة ف��ي كتابة مزية على غيرهما ،لأن الجميع م�شتركون في الم�صاحف العثمانية اجتهدوا في الر�سم ال�ضبط والإتقان واال�شتراك في الأخذ .قال: على ح�سب م��ا ع��رف��وا م��ن لغات ال�ق��راءة، وال �أعرف لهذا �سببا �إال ما ق�ضى من نق�ص فكتبوا «ال�����ص��راط» مثال ف��ي قوله تعالى: العلم»(.)8 �أنواع القراءات وحكمها و�ضوابطها
9
تلك هي �ضوابط القراءة ال�صحيحة ،ف�إن اجتمعت الأركان الثالثة:
10
القراءات القر�آنية في المغرب و�أعالمها
لقرون طويلة ظل المغرب بلدا منفتحا على �أ :موافقة العربية. الم�شرق ،متم�سكا بالدين الإ�سالمي الحنيف، ب :ر�سم الم�صحف. ن��اه�لا م��ن المنابع ال�شرعية ،م�ستفيدا من ج� :صحة ال�سند. ذلك التدفق المعرفي الباهر لأئمته وعلمائه فهي القراءة ال�صحيحة ،ومتى اخت ّل ركن ومذاهبه ،راغبا في �صيانة الأ�صول ،ومحافظا منها �أو �أكثر� ،أطلق عليها �أنها �ضعيفة� ،أو �شاذة ،على مواكبة التطور الحا�صل في العلوم الدينية
اجلوبة -ربيع 1435هـ
وق��د اختار المغاربة الأق��دم��ون رواي��ة ور�ش ع��ن ن��اف��ع ،مثلما اختارها جيرانهم م��ن �أه��ل الأندل�س منذ �أن �أدخل هذه الرواية -عن طريق /2وف��رة المقرئين بينهم :لقد ظ��ل ال�ق��ر�آن الرحلة �إلى الم�شرق -محمد بن و�ضاح القرطبي الكريم مطلبا روحيا بالن�سبة لمجموعة من (ت 286ه �ـ) عن عبدال�صمد بن عبدالرحمن القراء ف�سعوا �إلى حفظه. العتقي ،عن ور�ش الم�صري ،عن نافع بن �أبي � /3أثر الن�صو�ص الحديثة الواردة في الترغيب نعيم �إل��ى الأندل�س ،وفي ذلك يقول �أب��و عمرو في حفظ القر�آن الكريم وتحفيظه :من ذلك الداني« :زم��ن وقته اعتمد �أه��ل الأندل�س على قوله �صلى اهلل عليه و�سلم« :من قر�أ حرفا رواي��ة ور���ش ،وكانوا قبل معتمدين على قراءة من كتاب اهلل فله به ح�سنة ،والح�سنة بع�شر الغازي بن قي�س بن نافع»(.)14 �أمثالها ،ال �أقول (�ألم) حرف ولكن (�ألف) ()17 وقد نقل ال�شيخ محمد الطاهر بن عا�شور عن ح��رف .و(الم) ح��رف و(م�ي��م) ح��رف» ابن ر�شد� ،أن �سبب اختيارهم لهذه القراءة بهذه وقال �أي�ضا�« :إن الذي لي�س في جوفه �شيء الرواية يعود �إلى ما فيها من ت�سهيل الهمز ،وكان من القر�آن كالبيت الخرب»(.)18 مالك بن �أن�س يكره القراءة بالنبر� ،أي بتحقيق /4ت�شجيعات المجتمع و�أولي الأمر :لقد كانت الهمز في ال�صالة ،لما جاء من �أن الر�سول �صلى نظرة المغاربة �إلى حفظة القر�آن والقراء اهلل عليه و�سلم لم تكن لغته الهمز� ،أي لم يكن المهتمين بالقراءات القر�آنية نظرة مل�ؤها يظهر الهمز في الكلمات المهموزة مثل :ياجوج الت�شجيع واالح��ت��رام وال�ت�ق��دي��ر ،ويتطوع وماجوج ومثل :الذيب في الذئب ومثل :مومن في المح�سنون من النا�س ب�أوقاف من ممتلكاتهم م�ؤمن. على الحزابين من القراء(� ،)19أو على مدر�سة وال يخفى �أن في اختيار المغاربة هذا حكمة قر�آنية( ،)20ت�شجيعا على الم�ضي في العناية الجمع بين فقه عالم المدينة مالك بن �أن�س بالقراءات القر�آنية ،ثم ما يخ�ص به بع�ض الأ�صبحي( )15وقراءة مقرئها و�إمامها نافع بن �أول ��ي الأم ��ر ه�����ؤالء الحفظة م��ن الإك����رام �أبي نعيم المدني ،مع العلم �أن نافعا �شيخ مالك والتوقير واالحترام. في الإقراء ،ومالك �شيخ نافع في علم الحديث. فقد كان ال�سلطان الح�سن الأول كما تذكر لقد و�ضع الدكتور �إبراهيم ال��واف��ي ع�شرة كتب ال�ت��اري��خ «ي�ن��زل على �سيدي ال��زوي��ن في �أ�سباب الهتمام المغاربة بالقراءة القر�آنية مدر�سته بالحوز ،ت�شجيعا منه لما يقوم به من نذكرها على ال�شكل الآتي: جهود في خدمة ال�ق��راءات ال�ق��ر�آن�ي��ة( ،)21كما /1مكانة كتاب اهلل في نفو�سهم :باعتبار القر�آن كان يعفي كل من حفظ كتاب اهلل بالقراءات الكريم ظ��ل محط عناية و�إج�ل�ال وتقدير ال�سبع �أو الع�شر من الأعمال ال�شاقة( .)22و�أكثر لديهم .و�صار يمثل كل �شيء في حياتهم من ذل��ك ك��ان يخ�ص حفاظ «خليل» بمرتبات اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
«اه��دن��ا ال�����ص��راط الم�ستقيم» «بال�صاد» �أو باطلة. المبدلة بال�سين ،وعدلوا عن «ال�سين» التي والغريب ف��ي الأم��ر �أن النحاة دخ�ل��وا على هي الأ�صل ،لتكون قراءة «ال�سين» (ال�سراط) الخط ،وذهبوا �إلى تخطئة القراءة ال�صحيحة و�إن خالفت الر�سم من وجه .فقد �أتت على ال�ت��ي ت�ت��واف��ر فيها ت�ل��ك ال �� �ض��واب��ط ..لمجرد الأ�صل اللغوي المعروف .فيعتدالن وتكون مخالفتها لقواعدهم النحوية التي يقي�سون قراءة الإ�شمام محتملة ذلك. عليها �صحة اللغة؛ ف�إنه ينبغي �أن نجعل القراءة والمراد بالموافقة االحتمالية ما يكون من ال�صحيحة حكما على القواعد النحوية واللغوية. نحو هذا ،كقراءة( :مالك يوم الدين)( ،)10ال �أن نجعل هذه القواعد حكما على القر�آن� .إذ ف�إن لفظة «مالك» كتبت في جميع الم�صاحف القر�آن هو الم�صدر الأول الأ�صيل القتبا�س قواعد ب�ح��ذف الأل ��ف .ف�ت�ق��ر�أ «م�ل��ك» وه��ي توافق اللغة .والقر�آن يعتمد على �صحة النقل والرواية الر�سم تحقيقا ،وتقر�أ «مالك» وهي توافقه فيما ا�ستند �إليه القراء على �أي وجه من وجوه احتماال .وهكذا ،في غير ذلك من الأمثلة .اللغة .ولقد تنبّه �أحد النحويين والم�سمى �أحمد ابن يحيى ثعلبا �إلى خطئه في تخطئة القراءة وال ي�شترط في القراءة ال�صحيحة �أن تكون ال�صحيحة فقال« :ا�شتغل �أهل القر�آن بالقر�آن موافقة لجميع الم�صاحف ،ويكفي الموافقة ففازوا ،وا�شتغل �أهل الحديث بالحديث ففازوا، لما ثبت في بع�ضها، وذلك كقراءة ابن عامر :وا�شتغل �أهل الفقه بالفقه ففازوا ،وا�شتغلت �أنا ()11 «وبالزبر وبالكتاب» ب�إثبات الباء فيهما ،بزيد وعمرو ،فليت �شعري ماذا تكون حالي في ف�إن ذلك ثابت في الم�صحف ال�شامي. الآخرة»(.)12 � /3أن تكون القراءة مع ذلك �صحيحة الإ�سناد: وع��ن زي��د ب��ن ث��اب��ت ق ��ال« :ال� �ق ��راءة �سنّة لأن ال �ق��راءة �سنّة متبعة يعتمد فيها على متبعة»( )14ق��ال البيهقي�« :أراد �أن اتباع مَ ن �سالمة النقل و�صحة الرواية ،وكثيرا ما ينكر قبلنا في الحروف �سنّة متبعة ،ال يجوز مخالفة �أهل العربية قراءة من القراءات لخروجها الم�صحف الذي هو �إمام ،وال مخالفة القراءات عن القيا�س� ،أو ل�ضعفها في اللغة ،وال يحفل التي ه��ي م�شهورة ،و�إن ك��ان ذل��ك �سائغا في �أئمة القراء ب�إنكارهم �شيئا. اللغة»(.)13
وال�شرعية والفقهية.
وثقافتهم وواقعهم الح�ضاري والعمراني(،)16 ومن ثَمَّ فهم يعتزون به ويعتنون بحفظه في درجات �أعلى و�أدق.
11
كما �سعى ال�سلطان م��والي عبدالعزيز على اتباع �سنة �أبيه ونهجه ،حيث ف�سح المجال لأ�شهر عالم ومقرئ مجود في المدينة المنورة ،لي�ستقر ف��ي المغرب ،وين�شر علم التجويد التطبيقي بين ط�لاب العلم ف��ي ف��ا���س ،وي��ؤل��ف ف��ي ذلك م�ؤلفا يهديه �إلى ال�سلطان موالي عبدالعزيز، ويطلب منه �إقامة مدر�سة خا�صة بتدري�س هذا الفن»(.)25
12
تاريخ القراءات القر�آنية في المغرب و�أهم �شيوخها الم�ؤلفين
من المعلوم تاريخيا �أن مدر�سة القراءات ال �ق��ر�آن �ي��ة ف��ي ال �م �غ��رب ،ل�ه��ا ع�لاق��ة وط�ي��دة ف��ي الن�ش�أة وال��ظ��ه��ور واال�ستقالل بالمدر�سة الأندل�سية( ،)29وتعد من الوارثين ال�شرعيين لعلم ه��ذه ال�م��در��س��ة القديمة الأ��ص�ي�ل��ة التي �أنجبت علماء �أفذاذ في علم القراءات ،ما يزال كما �أمر ال�سلطان المولى عبدالحفيظ بطبع ينتفع بعلمهم منذ القرن الخام�س الهجري �إلى «تف�سير» �أبي حيان الغرناطي ..الذي اهتم فيه اليوم(.)30 �صاحبه بتتبع القراءات القر�آنية والتحقيق فيها �أم ��ام التحفيزات والت�شجيعات ال�ت��ي قام مع مَ ن �سبقه من المف�سرين ،مثل الزمخ�شري ،بها �أول��ي الأم��ر في المغرب والعناية بالعلماء وابن عطية( ،)26كما كان �شيخ هذا ال�سلطان في وتقديرهم� ،شد ال��رح��ال مجموعة من علماء القراءات القر�آنية ال يفارقه ،وواله ق�ضاء فا�س الأندل�س �إل��ى المغرب على اختالف طبقاتهم الجديد من باب الإكرام والبر واالحترام( .)27وتباين درجاتهم العلمية ،و�شرعت مدار�س و�سعى ال�سلطان محمد الخام�س �إلى ت�شجيع ال �ق��راءات القر�آنية تت�شكل ف��ي المغرب منذ القرن ال�ساد�س الهجري( ،)31ثم بد�أت تقف على المقرئين والمجودين والمف�سرين والباحثين في جهود قراء مغاربة ،وبخا�صة في مجال الت�أليف علم القراءات القر�آنية ،)28(.وحذا حذوه الملك الذي برعوا فيه وتفوّقوا ،في حين اتجه العلماء الح�سن الثاني ..فقد دعا العلماء �إلى طبع كتاب المهاجرون من الأندل�س �إل��ى ميدان تدري�س «المحرر الوجيز في تف�سير الكتاب العزيز» القراءات( )32وتخريج �أفواج من الطلبة. لم�ؤلفه «العالمة الأندل�سي عبدالحق بن �أبي بكر وقد ر�صد الباحث المجراد ال�سالوي تنامي بن عبدالمالك الغرناطي المعروف بابن عطية». ه��ذه الطفرة العلمية/القرائية ف��ي المغرب /5ا�ست�ساغهم لنقلية القراءات. فقال« :ولما كانت قراءة نافع رحمه اهلل تعالى /6دواعي المناف�سة والغيرة. �سُ نَّة �أهل المدينة� ،صارت لأهل المغرب �أعظم حلية و�أك ��رم زي�ن��ة ،و�أك �ث � َر علما�ؤهم فيها من /7التخوّف من �آفة الن�سيان. الت�صانيف ،و�ألّفوا عليها جملة تواليف� ،سالكين /8الت�أثر بالأقارب. ف��ي ذل��ك م��ذه��ب ال�ح��اف��ظ �أب��ي ع�م��رو ال��دان��ي وطريقه ،وهدفهم تقريب مذهبه في م�صنفاتهم /9دافع الرحلة. اجلوبة -ربيع 1435هـ
ومن بين �أ�شهر �أئمة القراءة القر�آنية في المغرب ،نذكر: -1ال�شيخ ال�ع�لام��ة �أب ��ي زي��د اب��ن القا�ضي الفا�سي (ت1082هـ) الذي تتلمذ على يديه مجموعة من الطالب المقرئين .وقد قال فيه «�صاحب ال�سلوة»(� )37إمام القراء و�شيخ المغرب ال�شهير� ،أ�ستاذ الأ��س��ان�ي��د .ومن م�ؤلفاته ال�شهيرة« :الفجر ال�ساطع وال�ضياء
-2وفي القرن الثاني ع�شر الهجري كان رائد ال�ق��راءات القر�آنية في المغرب �أب��و العالء �إدري�����س ال�م�ن�ج��رة (ت 1137ه� � �ـ) ،ال��ذي �أ�س�س مدر�سته على �أنقا�ض مدر�سة ابن القا�ضي ،وو� ّ��س��ع دائرتها� ،سواء من حيث العلم �أو الإ�شعاع .من �أهم م�ؤلفاته« :نزهة الناظر وال�سامع في �إتقان الأداء والإرداف للجامع»(.)38
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
�شهرية( ،)23ويقوم بتقريب �شيوخه من العلماء /10الرغبة في الحفاظ على كتاب اهلل غ�ضا طريا كما و�صل �إلينا و�صيانته من ال�ضياع. ويوليهم الوظائف ال�سامية �إكراما لهم(.)24
وتحقيقه ،فكان من �أج��ل ما فيها �صنف ،وفي ط��ري��ق ق��راءت�ه��ا �أل��ف �أرج� ��وزة ال�شيخ الإم��ام الأكمل �أبي الح�سن علي بن محمد بن الح�سين الرباطي( )33التازي (ت 731هـ) ،والذي يمكن اعتباره من �أهم القراء المغاربة الذين د�شنوا هذه المرحلة ،وذلك بمنظومته ال�شهيرة «الدرر اللوامع في �أ�صل مقرئ نافع» ،التي نالت عناية كبيرة من القراء المغاربة ب�شكل خا�ص ،ومن قراء �إفريقية الإ�سالمية عموما ،وال �أدلّ على ذلك من �أن ال�شروح التي و�ضعت عليها تزيد على الثالثين �شرحا( ،)34ثم توالت نخبة من جهابذة القراء الم�ؤلفين ،يتوّج كل واحد منهم المائة �سنة التي وجد فيها �إلى م�شارف القرن الرابع الهجري .فظهر في القرن العا�شر نجم الأ�ستاذ محمد بن �أحمد بن محمد العثماني المكنا�سي، نزيل فا�س ..المعروف بابن غ ��ازي( ،)35فقيه مف�سر مقرئ مجود� ،صدر في القراءات متقن لها ،عارف بوجوهها وعللها� ،ألف فيها العديد من الكتب �أهمها�« :إن�شاد ال�شريد في �ضوال الق�صيد» ،علق فيه على منظومة «حرز الأماني» ف��ي ال��ق��راءات ل�ل�إم��ام ال���ش��اط�ب��ي ،وال�م�ق��رئ محمد بن �أبي جمعة الهبطي تلميذ ابن الغازي المذكور ،الذي ن�سب �إليه وقف القر�آن الكريم المعمول به في المغرب اليوم(.)36
الالمع في �شرح الدرر اللوامع».
-3وتوجّ ت مطالع الثالث ع�شر الهجري بوجود �شيخ ال �ق��راءات وال�ق��راء �سيدي محمد بن عبدال�سالم الفا�سي (ت1214ه��ـ) .خاتمة المنفردين بتحقيق توجيه �أحكام القراءات ف��ي المغرب ،وكتابه «ال�م�ح��اذي» ف��ي علم القراءات� ،أو�سع ما كتبه مَ ن ت�أخر في هذا العلم. كما �أن م��دار �إ��س�ن��اد المغاربة ال �ق��راء في المائتين الثالثة ع�شرة والرابعة ع�شرة ظل ينتهي �إلى هذا ال�شيخ الفا�شي .وقد �شكّلت نخبة من تالمذة ابن عبدال�سالم الفا�سي ،الذين ورثوا عنه ال��ول��وع بالت�أليف فيها ،حلقة من حلقات الإ� �س �ن��اد؛ فعنهم وع��ن تالميذهم �أخ��ذ ق��راء المائة الرابعة ع�شرة للهجرة في المغرب»(.)39 ولعل تتبعنا لالئحة �أعالم القراءات القر�آنية في المغرب يتطلب منا الكثير من المجلدات، ولعل تتبع �سيرتهم والترجمة لهم تقت�ضي �أي�ضا الكثير من ذكر تفا�صيل حياتهم وم�سيراتهم العلمية ،وتتبع �آثارهم و�إنتاجاتهم وم�ؤلفاتهم وتعليقاتهم ف��ي �شكل تف�سيرات �أو تحليالت �أو ح��وا�� ٍ�ش ..وتبيان علو كعب كل واح��د منهم. و��س�ن��ذك��ر الئ �ح��ة التابعين ل�ل�أول �ي��ن ف��ي علم اجلوبة -ربيع 1435هـ
13
� /1أبو العالء �إدري�س بن عبداهلل الودغيري ال�ب��دراوي� .صاحب الم�ؤلفات الكثيرة في القراءات. بد�أت با�سم اهلل ذي الجالل /2م�ح�م��د ال�ت�ه��ام��ي الأوب� �ي ��ري �صاحب �أحمده جل في كل حال الق�صيدة التهامية ف��ي ال��وق��ف على و�آخرها: الهمز لحمزة وه�شام.
فا�س�أل النفع بدون منتهى /3ع� �ب ��داهلل ال �� �س �ك �ي��اط��ي ال��رج��راج��ي به لكل قارئ هنا انتهى ال�شياظمي.
/4الأ�ستاذ �أحمد النجاري البعمراني، �أ�ستاذ مدر�سة �سيدي وكاك ،ب�أكلو قرب ال�ساحل. /5الأ��س�ت��اذ محمد ب��ن �إب��راه�ي��م �أعجلي البعقيلي. � /6أب ��و ح��ام��د محمد ال�م�ك��ي ال�ب�ط��اوري ال��رب��اط��ي� ،شيخ ج�م��اع��ة المقرئين بالرباط ،ت�صدّر لتدري�س علوم العربية وال�ف�ق��ه وال �ح��دي��ث والتف�سير �سنين بالزاوية التهامية .ومن م�ؤلفاته�« :شرح مورد الظم�آن للخراز». /7م �ح �م��د ال �ت �ه��ام��ي ال �غ��رف��ي ��ص��اح��ب م�ؤلف «ن�صرة الكتاب المبينة لمختار الأ�صحاب» ،وهي منظومة رجزية في ال�ح��ذف ف��ي الم�صحف الكريم طبع على الحجر بفا�س.
14
/8م�ح�م��د ال �ع��رب��ي ب��ن ب �ه �ل��ول ب��ن عمر الرحالي .له كتاب «انت�صار المجتهد».. وك�ت��اب «تحفة ال�ق��راء ف��ي بيان ر�سم القر�آن» ،وهو ق�صيدة رجزية في بيان ر�سم القر�آن على رواية ور�ش ،تقع في اجلوبة -ربيع 1435هـ
� /9إبراهيم بن مبارك بن علي الهاللي المكنا�سي� ،أ�ستاذ القراءات القر�آنية، يحفظ الع�شرين ،و�أجازه في ذلك عدة علماء كبار من مدينة مكنا�س وغيرها. اخ��ت��اره ال���س�ل�ط��ان م�ح�م��د الخام�س لع�ضوية المجل�س اال��س�ت���ش��اري في المغرب برئا�سة المهدي بن بركة لمدة ث�لاث �سنوات .ان�ت��دب لع�ضوية لجنة ت�صحيح الم�صحف ال�شريف على رواية قالون في القطر الليبي �سنة 1980م، ولع�ضوية لجنة التحكيم في الم�ؤتمر ال�سنوي الدوري الثالث لحفظ القر�آن وتجويده وتف�سيره في المملكة العربية ال�سعودية (1401هـ). /10ال�شيخ �أب��و معاذ محمد ب��ن ال�شريف ال�سحابي :ح��از على ال��رت�ب��ة الأول ��ى ف��ي ال��ق��راءات ال���س�ب��ع ،ف��ي ال�م�ب��اراة التي نظمتها وزارة الأوق��اف وال�ش�ؤون الإ�سالمية في حفظ ال�ق��راءات ،لنيل جائزة الح�سن الثاني بمنا�سبة عيد العر�ش �سنة 1971م .بعد درا�سته بعدة معاهد ل�ل�ق��راءات ال�ق��ر�آن�ي��ة� ..أ�س�س
/11الأ�ستاذ �إبراهيم بو�شعرة.
المدار�س القرائية في المغرب
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
القراءات القر�آنية في المغرب:
واحد وثمانمائة و�أل��ف بيت (،)1081 نظمها في ع��ام1372ه �ـ ،وطبعها في عام 1376هـ ،مطلعها:
مدر�سة التوحيد القر�آنية م��ع بع�ض الم�شايخ و�أهل الف�ضل في مدينة �سال �سنة 1400هـ 1980-م .التي اتخذ منها مقرا ،وكر�س كل جهده لإلقاء عدد من الدرو�س العلمية� ،إ�ضافة �إلى تحفيظ القر�آن الكريم وتدري�س القراءات.
الإ�شكاالت .وتجديد تيمات القراءات القر�آنية، م��ن خ�لال م�ساءلتها وتفكيكها ،وف��ق مناهج وميكانيزمات فاعلة وناجعة وعلمية .وربطها بكل المرجعيات المعرفية التي من �ش�أنها �أن تفتح �آفاقا جديدة في تمثل القراءات القر�آنية، و�إعادة فهمها تقويما ونقدا.
/12الأ�ستاذ بوعزة العيا�شي. ع ��رف ال �م �غ��رب ع ��دة م ��دار� ��س ا��ش�ت�ه��رت ول �ع��ل رغ �ب��ة ال �م �غ��رب وع �ل �م��ائ��ه وب��اح�ث�ي��ه بالقراءات القر�آنية �س�أقت�صر على التعريف ل��م ت�ت��وق��ف ع�ن��د �أ� �ص��ول ال� �ق ��راءات ال�ق��ر�آن�ي��ة ببع�ضها: وا�ستيعابها ،بل يكفي المغرب فخرا �أنه لأول مرة /1المدر�سة التانكرفائية :ا�شتهر مَ ن مر بها من ينظم الم�ؤتمر العالمي للقراءات في مو�ضوع: ال�شيوخ محمد بن عبداهلل ال�ضحاكي ،الذي «القراءات القر�آنية في العالم الإ�سالمي �أو�ضاع تخرجت على يده فيها ع�شرات المقرئين في ومقا�صد» ،خالل �شهر يونيو المن�صرم 2013م، الرواية. والتي غطت ثالثة �أيام في مدينة مراك�ش. /2ال �م��در� �س��ة ال �ب��وج��رف��اوي��ة :ا��ش�ت�ه��رت في وق��د �سعى الم�ؤتمر ف��ي دورت ��ه الأول ��ى �إل��ى مطالع القرن الرابع ع�شر الهجري بال�شيخ مدِّ ج�سور التعارف بين العلماء والباحثين في ال�ضحاكي المذكور ،ومَ ن تلقّى عنه في هذه ��ش��ؤون علم ال �ق��راءات القر�آنية ،وا�ستك�شاف المدر�سة ال�سيد جامع البعمراني. الو�ضعية العلمية والمناحي الثقافية له .وب�سط ما عرفه علم القراءات في تاريخه من تطورات /3ال�م��در��س��ة ال�ب��وب�ك��ري��ة :وت �ع��رف بمدر�سة الخمي�س �أو �سيدي ح�ساين �أي�ضا(� ،)40أ�شهر واجتهادات ،كما �سعى الم�ؤتمرون �إلى ا�ستك�شاف مَ ��ن م��ر فيها محمد ب��ن م��ول��ود الحمزاوي �أو�ضاع القراءات القر�آنية في العالم الإ�سالمي الروائي .زاول فيها التدري�س �سنوات ،وهو من خالل �صيرورتها التاريخية ،و�أحوال تلقيها �أ�ستاذ عالي الكعب في الفن ،مثابر على بثه عبر ا�ستعرا�ض الروايات ودراي��ة بتنوعها ،وما في النا�س ب�صبر كبير ،حتى كان كل الطلبة �أث��ارت��ه مقا�صد �أهلها من ق�ضايا واجتهادات في تلك الجهة من تالميذه. �أعربت عنها مكنونات المكتبة القرائية عبر القرون والأجيال ،والتطرق �إلى ما تبلور فيها من /4مدر�سة �سيدي همو الح�سن االخت�صا�صية: ا�شتهرت بالروايات على يد المقرئ محمد �إ�سهامات ك�شفت عن جهود الأعالم من العلماء ابن الح�سن الما�سي الذي توفي فيها ،وهو والقراء المغاربة وغير المغاربة. من تالميذ �أحمد النجاري. وقد �شكل هذا الم�ؤتمر العالمي الأول للقراءات
في مراك�ش ،محطة مهمة في �إعادة �صياغة كافة /5المدر�سة الإغرمية الجرارية� :أ�شهر مَ ن در�س
اجلوبة -ربيع 1435هـ
15
ال�شيوخ ال �ح��اج محمد ال�م�ق��رئ ال�سبعي، �أخذها عن عبداهلل الركراكي �شيخ مدر�سة 5.5جامع البيان للداني ���ص ،42ومنجد المقرئين المزار بم�سكينة(.)41 4.4ال�سيوطي «الإتقان في علوم القر�آن» ،ج� 1ص.73
���ص ،65والإتقان في علوم القر�آن لل�سيوطي1 ، �ص.75
/7مدر�سة ال �م��زار :ا�شتهرت ه��ذه المدر�سة الم�سكينية ب��ال�ق��راءات القر�آنية ،على يد 6.6منجد المقرئين البن الجزري� ،ص.3 ال�شيخ المقرئ �سيدي عبداهلل الركراكي 7.7م �ن��اع ال �ق �ط��ان« ،م�ب��اح��ث ف��ي ع �ل��وم ال��ق��ر�آن»، الذي �أخذ القراءات في �سو�س(.)42 مكتبة المعارف للن�شر والتوزيع ،الطبعة الثالثة، /8مدر�سة �إم��ي لثنين :ا�شتهرت في الن�صف الأول من القرن الرابع الهجري بالأ�ستاذ مبارك الملكي الحمزاوي� .أخذ عن عبداهلل الركراكي حتى تخرج ،ثم تلقّى المعارف على يد �أعبو ،المتوفى �سنة 1332هـ.
�ص.175
8.8ال�سيوطي «الإتقان في علوم القر�آن» ،ج� 1ص.81-80 9.9المرجع ال�سابق نف�سه ،ج� 1ص .75 �1010سورة الفاتحة ،الآية .4 �1111سورة �آل عمران ،الآية .184
خاتمة 1212عبد الرحمن بودراع «الأ�سا�س المعرفي للغويات العربية» ،من�شورات ن��ادي الكتاب لكلية الآداب لقد �سعت ه��ذه ال��درا��س��ة المتوا�ضعة �إل��ى بتطوان .ط2000 ,1م.
تو�صيف ال��ق��راءات ال�ق��ر�آن�ي��ة ب�صفة ع��ام��ة، والقراءات القر�آنية في المغرب ب�صفة خا�صة؛ م��ع الإ� �ش��ارة �إل��ى بع�ض �أع�لام�ه��ا ومدار�سها 1414القا�ضي ع�ي��ا���ض« ،ت��رت�ي��ب ال �م��دارك وتقريب الم�سالك لمعرفة �أع�لام مذهب مالك» ،وزارة و�شيوخها .وهي محاولة اعتمدت على مقاربة الأوق ��اف وال���ش��ؤون الإ�سالمية ،مطبعة ف�ضالة �أكاديمية ت�ستهدف التعامل م��ع ك��ل المراجع المحمدية� 4 ،ص .436 وال �م �� �ص��ادر وال� ��دوري� ��ات ال �ت��ي ت �ن��اول��ت علم 1515ترتيب المدارك ،نف�سه ،ج� 1ص.32 ال �ق��راءات ال�ق��ر�آن�ي��ة ،وتوثيقها لما ت�ستوجبه 1616عبدالقادر زمامة «العقلية القر�آنية ومظاهرها الأمانة المعرفية .ونتمنى من العلي العظيم �أن االجتماعية الفكرية في المغرب» ،دع��وة الحق نكون قد وفقنا ن�سبيا في التعريف بالقراءات ع� 4س 10ذو القعدة 1386ه �ـ/م��ار���س 1967م �صفحات .117 110 القر�آنية. 1717الترمذي« ،ف�ضائل القر�آن» ،الباب 16ح .3075 المراجع والم�صادر 1.1مناع القطان« ،مباحث في علوم القر�آن» مكتبة 1818المرجع ال�سابق نف�سه ،ح .3080 المعارف للن�شر والتوزيع الطبعة الثالثة �ص1919 .171قراءة الحزب بال�سبع �أو الع�شر بعد �صالة الع�صر �1313أخرجه �سعيد بن من�صور في �سننه.
16
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
فيها القراءات المقرئ محمد بن علي الفور 2.2ابن حجر «فتح الباري في �شرح البخاري» ،طبعة الحلبي �ص 1378 ،406هـ ـ1959م. كالئي الر�سموكي ،وكان فيها نحو مائة طالب. 3.3عبدالمنعم النمر «ع�ل��وم ال �ق��ر�آن الكريم» دار /6المدر�سة التزنيتية� :آخر مَ ن كان فيها من الكتب الإ�سالمية ط � 2ص 1403 ،160هـ ـ1883م.
ا�شتهرت بالمغرب �إل��ى الفترة المعا�صرة� ،إذ 3131محمد حجي المرجع ال�سابق .الجزء وال�صفحة كانت لها �أوقاف خا�صة ي�ستفيد منها المقرئون، نف�سهما. وقد عرف ذلك بالرباط وفا�س ومكنا�س( ...متعة المقرئين للأ�ستاذ ع�ب��داهلل ال�ج�ي��راري ���ص3232 92المرجع ال�سابق نف�سه. و«التبيان لمعركة م��اء �أب��ي ف �ك��ران» ،للأ�ستاذ �3333إي�ضاح الأ�سرار والبدائع وتهذيب الغرر والمنافع ال�شيخ �إبراهيم الهاللي� ،ص 85و.)149 و�شرح الدرر اللوامع ،في �أ�صل مقرئ الإمام نافع. 2020مثل �صنيع �سيدي ال��زوي��ن ال�ح��وزي ال��ذي وقف الخزانة الأزاريفية (مخطوط). جميع ممتلكاته على مدر�سته ال�سبعية ،و�أم�ضى له ذلك الوقف ال�سلطان الح�سن الأول( .الإعالم 3434د� .سعيد �أع ��راب« :بين ي��دي م�صحف الح�سن ال �ث��ان��ي» مجلة دع ��وة ال �ح��ق ع 2ـ 3رب �ي��ع الأول المراك�شي 108 :7 ،ـ.)109 والثاني 1398هـ فبراير مار�س 1978م ،بل فاقت «2121الإعالم المراك�شي» ،نف�سه ( 108 :7ـ.)109 الخم�سين ،ح�سب �أطروحة د .عبدالهادي حميتو. 2222عبداهلل الجيراري« :المحفظ الحافظ» �ص.17 2323م��ن �أع�ل�ام الفكر المعا�صر وم��ا ي ��زال يحكي 3535فهر�س الفهار�س �« 890 .2سلوة الأنفا�س» 73 :2 «�إتحاف �أعالم النا�س» 4:2ـ 11الفكر ال�سامي، عن رحلة الح�سن الأول ل�سو�س ع��ام1303ه�ـ �أن المقرئ كان ي�ستقبل ال�سلطان وهو يقر�أ حرف .4:266 حمزة ،ويقوم علماء الموكب ال�سلطاني حفظه. 3636حقق تقييد وقف القر�آن الكريم للهبطي الأ�ستاذ 2424محمد بوجندار «االغتباط بتراجم �أعالم الرباط» ح�سن وكاك ،وقدمه ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات �ص 204الإعالم المراك�شي � 9ص 263:ـ 7ـ.35 العليا العليا من دار الحديث الح�سنية بالرباط 2525ذاك ه��و ال�شيخ عبدالكريم ب��ن م��راد ال�شامي تحت �إ�شراف الدكتور التهامي الراجي الها�شمي الطرابل�سي ثم المدني الحنفي ،مبعوث ال�شرق �سنة 1397هـ وطبع م�ؤخرا. �إلى المغرب .ورد على فا�س عام 1324هـ (-1906 1907م) (محمد المنوني« :الطابع الإ�سالمي 3737ال�سلوة.2:233 ، للوطنية المغربية في مطالع القرن الع�شرين» حوليات كلية الآداب عين ال�شق -الدار البي�ضاء 3838ال���س�ل��وة ،2:272 ،ف�ه��ر���س ال �ف �ه��ار���س2:568 ، «االعالم للمراك�شي».19 :3 ، ع1985- 2م �ص.)51 2626د.ال�ت�ه��ام��ي ال��راج��ي ...« :ازده� ��ار ال �ق��راءات 3939عبدالحي الكتاني« ،فهر�س الفهار�س» .948 :2 القر�آنية في المغرب» دعوة الحق ع 2 1ذو القعدة 4040المق�صود به �سيدي ح�ساين ال�شرحبيلي الذي كان 1390هـ �ص.14 له الف�ضل في �إحياء المدار�س وبعثها وبعث �أ�سواق 2727ابن زيدان «�إتحاف �أعالم النا�س» 2:107الإعالم �آيت باعمران بعد ثورة بوحالي�س (�إيليغ قديما المراك�شي � 2ص.98 وحديثا �ص 279الهام�ش )559 �2828إبراهيم الهاللي :التبيان� ....ص.151 4141مدار�س �سو�س العتيقة� ،ص .95 2929د.م �ح �م��د ح �ج��ي :ال �ح��رك��ة ال �ف �ك��ري��ة ف��ي عهد ال�سعديين .66/1 4242ترجمته ف��ي المع�سول 132 ،14نعته المختار ال�سو�سي ب�أ�ستاذ الجيل في ال�ق��راءات (م�ؤلف 3030مثل الداني ،ومكي والمهدوي ،واب��ن �شريح (ت )476وغيرهم. �سو�س العالمة �ص.)164 اجلوبة -ربيع 1435هـ
17
قراءة ق�شدية في علم القراءات ■ د .حممود عبداحلافظ – جامعة اجلوف
ن��ظ��رًا ال�شتغال �أهلها بالتجارة ،ووج��وده��م عند بيت اهلل ال��ح��رام ،وقيامهم على ال�سدانة بع�ضا من اللهجات والكلمات التي تعجبهم من �أغيارهم؛ ذاع والرفادة ،ف�ضلاً عن اقتبا�سهم ً �صيتهم ،وتب ّو�أت لغة قري�ش ال�صدارة ،مقارنة بغيرها من لهجات العرب. وكان من الطبيعي �أن ينزل اهلل قر�آنه الحكيم باللغة التي يفهمها العرب �أجمع لتي�سير فهمها، أي�ضا لتي�سير قراءته وحفظهم وللإعجاز والتحدي لأرباب الف�صاحة بالإتيان ب�سورة �أو ب�آية .و� ً له ،وبيانًا لإعجازه في ذاته ،وتبيانًا لتعجيزه غيره ،فهو معجزة النبي الخاتم – �صلى اهلل عليه و�سلم � -إلى يوم القيامة ،وهو مالذ الدين ،ي�ستند �إليه في عقائده وعباداته ومعامالته و�آدابه و�أخالقه؛ فالقر�آن الكريم كنز العقائد الإيمانية ،وم�صدر الأحكام ال�شرعية ،ودليل الحقائق الكونية ،وهو منهج اهلل تعالى الذي ال ت�صلح الحياة �إال به ،وهو هادي النا�س �إلى الطريق القويم، قال تعالى�} :إِ َّن هَـذَا ا ْل ُق ْر�آ َن ِي ْهدِي ِل َّلتِي هِ َي �أَ ْق َومُ{ (الإ�سراء.)9 : يتعلق بدرا�سة القر�آن الكريم علوم كثيرة م��ن �أهمها :علم ال �ق��راءات ال��ذي ي��ؤث��ر -بال ا�ستثناء -في كل علوم ال�ق��ر�آن الكريم؛ فهو ال��ذي يع�صم الإن�سان من الخط�أ في النطق بالكلمات القر�آنية ،وي�صونها من التحريف والتبديل والتغيير ،ويرتبط بعلم التجويد وعلم وال �ق��ر�آن الكريم يحتاج ف��ي درا��س�ت��ه �إل��ى التف�سير الذي يعد الطريق الوحيد لفهم كتاب �إظهار العالقة التي توجد بين علومه المختلفة، اهلل تعالى ،و�إدراك ما فيه من معانٍ وف�صاحة لأن القر�آن الكريم لي�س كغيره من الكتب في وبالغة و�أ�سرار و�إعجاز؛ كذلك علم الفقه؛ �إذ الترتيب وال�ت�ب��وي��ب ..فنجده ف��ي �آي��ة واح��دة �أنه ي�ستمد �أدلته الأولى من القر�آن الكريم بكل قراءاته ،فالقر�آن ا�شتمل على كثير من الأحكام الفقهية ،ك�أحكام العبادات والحدود والجنايات و�أحكام الأحوال ال�شخ�صية المتعلقة بالأ�سرة من نكاح وطالق ونفقة� ...إلخ.
18
اجلوبة -ربيع 1435هـ
ول �م��ا ك��ان لعلم ال� �ق ��راءات ه��ذه الأه�م�ي��ة العظمى؛ �أفردت له العديد من المباحث اللغوية والبالغية� ،إال �أن القارئ غير المتخ�ص�ص قد يجد في ذلك عنا ًء كثيرًا.
ج -العالقة بين القر�آن والقراءات
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
يجمع بين الو�سائل والمقا�صد ،وبين الدليل وال�م��دل��ول ،وبين الترغيب والترهيب ،وبين العلوم الأ�صولية والفرعية ،وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية.
ومن المالحظ �أن التعريفين متقاربان� ،إال �أن الأول �أجمل في اللفظ ،فقال� :إنه علم بكيفية الأداء ،ون�سبة هذا الأداء لقائله ،والثاني ف�صل في كيفية الأداء من حيث التحريك والت�سكين والحذف والإثبات... للعلماء في العالقة بين القر�آن والقراءات �أقوال عدة ،كما ي�أتي:
وبنا ًء عليه ر�أيت �أن �أقدم -ب�شكل مخت�صر وعميق في الوقت نف�سه� -أه��م ال��دالالت التي ( )1القر�آن وال�ق��راءات حقيقتان متغايرتان، فالقر�آن هو الوحي المنزل على الر�سول تبرز �أهمية هذا العلم ،من خالل �إبراز عالقته محمد � -صلى اهلل عليه و�سلم -للبيان بعلوم القر�آن الأخرى.. والإع�ج��از ،وال�ق��راءات هي اختالف �ألفاظ �أ -تعريف القراءات في اللغة الوحي المذكورة في الحروف وكيفيتها من ال �ق��راءات جمع ق���راءة ،وه��ي ف��ي الأ��ص��ل تخفيف وتثقيل وغيرهما. م�صدر للفعل قر�أ ،وقر�أ الكتاب قراءة وقر�آنا :وت �ب��ع ال��زرك���ش��ي ف��ي ذل��ك بع�ض العلماء تتّبع كلماته نظرًا ونطق ًا بها ...وق��ر�أ ال�شيء كالق�سطالني في لطائف الإ�شارات ،و�شهاب قرءًا وقر�آنا جمعه و�ضم بع�ضه �إلى بع�ض. الدين الدمياطي في �إتحاف ف�ضالء الب�شر، وال� �ق ��ر�آن وال� �ق ��راءات ك�لاه�م��ا م��ن م��ادة واحدة ،وهي مادة (قر�أ) ،وهي تدور في كالم العرب حول الجمع وال�ضم. ب -تعريف القراءات في اال�صطالح ع � ّرف �ه��ا اب���ن ال� �ج ��زري و�أب � ��و � �ش��ام��ة في اال�صطالح ب�أنها« :علم بكيفية �أداء كلمات القر�آن ،واختالفها معز ٌو لناقلها».
وذه��ب �إل��ى ه��ذا م��ن المعا�صرين �صبحي ال�صالح وغيره.
( )2ر�أي محمد �سالم محي�سن� :أن ك�لا من القر�آن وال�ق��راءات حقيقتان بمعنى واحد، م�ستندا �إل ��ى �أن تعريف ال �ق��ر�آن م�صدر م��رادف للقراءة ،وال �ق��راءات جمع ق��راءة، فهما عنده بمعنى واح��د ،كما ا�ستند �إلى بع�ض الأح��ادي��ث التي ي��أم��ر فيها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ب ��أن يقر�أ �أمته على �سبعة �أحرف.
وعرّفها بع�ض الباحثين ب�أنها «علم يعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب اهلل تعالى ،واختالفهم ف��ي ال�ح��ذف والإث �ب��ات والتحريك والت�سكين والف�صل والو�صل ،وغير ذلك من هيئة النطق ( )3ر�أي جمهور العلماء المقرئين :التفرقة بين والإبدال وغيره من حيث ال�سماع». ما توافرت فيه �شروط القراءة ال�صحيحة اجلوبة -ربيع 1435هـ
19
( )4اع�ت�ب��ار ك��ل ق ��راءة ق��ر�آن��ا حتى ال �ق��راءة ال�شاذة ،وهو ر�أي بن دقيق العيد. د .فوائد تعدد القراءات لتعدد القراءات فوائد جمة� ،أهمها:
1.1التي�سير على الأمة الإ�سالمية في قراءتها للقر�آن الكريم ،فمن المعروف �أن القر�آن نزل على �أمة عربية ،لها لهجات متعددة، لهجة قري�ش وتميم والأزد وربيعة وهوازن؛ فلو �أل��زم اهلل ه��ذه الأم��ة ب�ق��راءة واح��دة ل�صعب عليها الأمر ،ول�صار الأمر ع�سيرًا؛ ف�ك��ان م��ن رح�م��ة اهلل ت�ع��ال��ى عليهم �أن��ه 3.3بيان حكم م��ن الأح �ك��ام المجمع عليها، �أن��زل القر�آن الكريم على ح��روف كثيرة، كقراءة �سعد بن �أب��ى وقا�ص -ر�ضي اهلل وق���راءات م�ت�ع��ددة ،حتى ت�سهل ق��راءت��ه؛ عنه -في قوله تعالىَ « :و�إِنْ كَانَ رَجُ ٌل يُورَثُ والدليل على ه��ذا حديث �أب��يّ ب��ن كعب، كَلاَ َل ًة �أَ ِو امْ َر�أَ ٌة َو َل ُه �أَ ٌخ َ�أ ْو �أُخْ تٌ َف ِلكُلِّ وَاحِ دٍ قال :كنت في الم�سجد فدخل رجل ي�صلي، مِ ْن ُهمَا ال�سُّ د ُُ�س» الن�ساء (.)12 فقر�أ ق��راءة �أنكرتها عليه ،ثم دخل رجل ق��ر�أ �سعد بن �أب��ي وقا�ص «ول��ه �أخ �أو �أخت �آخ��ر ،فقر�أ ق��راءة �سوى ق��راءة �صاحبه، من �أم» ،فتبين �أن المراد بالأخوة في هذا فلما ق�ضينا ال�صالة دخلنا على ر�سول الحكم الإخوة للأم دون الأ�شقاء ومن كانوا اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،فقلت� :إن هذا لأب ،وهذا �أمر مجمع عليه. قر�أ قراءة �أنكرتها عليه ،ودخل �آخر فقر�أ قراءة �سوى �صاحبه ،ف�أمرهما ر�سول اهلل 4.4الداللة على حكمين �شرعيين مختلفين، كما في قوله تعالى «يَا �أَ ُّيهَا الَّذِ ينَ �آَمَ نُوا �صلى اهلل عليه و�سلم ،فقر�آ ،فح�سّ ن النبي ال�صلاَ ِة فَاغْ �سِ لُوا وُجُ وهَ كُمْ �إِذَ ا ُق ْمتُمْ �إِلَى َّ �صلى اهلل عليه و�سلم � -ش�أنهما ،ف�سقطَو�أَيْدِ َيكُمْ �إِلَى ا ْل َمرَافِقِ وَامْ �سَ حُ وا ِب ُرءُو�سِ كُمْ في نف�سي من التكذيب ،وال �إذ كنت في َو�أَرْجُ َلكُمْ �إِلَى ا ْل َك ْع َبيْنِ » (المائدة.)6: الجاهلية ،فلما ر�أى ر��س��ول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -ما قد غ�شيني �ضرب في ق��ر�أ نافع واب��ن عامر ويعقوب والك�سائي �صدري ،فف�ضت عرقا ،وك�أنما �أنظر �إلى وح�ف����ص بالن�صب ف��ي �أرج �ل �ك��م ،وق ��ر أ� الباقون بالجر. اهلل عز وجل فرقا ،فقال لي :يا �أبيّ �أر�سل 2.2ال���دالل���ة ال��ع��ظ��م��ى ع��ل��ى ن��ه��اي��ة ال��ب�لاغ��ة، وكمال الإعجاز ،وغاية االخت�صار ،وجمال الإيجاز� ،إذ كل قراءة بمنزلة الآية� ،إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام �آية ،ولو جعلت يخف ما داللة كل لفظ �آية على حدة ..لم َ كان في ذلك من التطويل.
20
اجلوبة -ربيع 1435هـ
وق ��ر�أ اب��ن م�سعود «ف��اق�ط�ع��وا �أيمانهما» (المائدة ،)38 :وه��ذه القراءة دلت على �أن الواجب قطع اليمين في ال�سرقة الأولى.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
(�صحة ال�سند ،موافقة العربية ،مطابقة الر�سم) فيعد قر�آنا ،وبين ما تختلف فيه ولو �شرط منها فيعد قراءة.
�إل��ىَّ �أنْ �أق��ر�أ القر�آن على ح��رف ،فرددت �إليه �أن ه�وّن على �أمتي ،فرد �إل��ى الثانية اق��ر�أه على حرفين ،ف��رددت �إليه �أنْ هوٍّن على �أم�ت��ي ،ف��رد �إل��ى الثالثة ،اق��ر�أه على �سبعة �أحرف ،فلك بكل ردة رددتها م�س�ألة ت�س�ألنيها ،فقلت« :اللهم اغفر لأمتي ،اللهم اغفر لأمتي ،و�أخرت الثالثة ليوم يرغب �إليَّ الخلق كلهم ،حتى �إبراهيم عليه ال�سالم» (م�سلم ،د-ت.)561 : ،
فمن �أخ��ذ ب �ق��راءة الن�صب اعتبر غ�سل الرجل فر�ضا من فرائ�ض الو�ضوء ،ومن �أخ ��ذ ب �ق��راءة ال�ج��ر اعتبر م�سح الرجل فر�ضا من فرائ�ض الو�ضوء. 5.5في تنوع القراءات ما يدل داللة قاطعة على �أنه من عند اهلل تعالى� ،إذ هو مع كثرة هذا االختالف وتنوعه ،لم يتطرق �إليه ت�ضاد وال تناق�ض وال تخالف؛ بل كله ي�صدق بع�ضه بع�ضا ،وي�شهد بع�ضه بع�ضا ،ويبين بع�ضه ً ً لبع�ض على نمط واحد ،و�أ�سلوب واحد؛ وما ذاك �إال �آية بالغة وبرهان قاطع على �صدق ما جاء به (�صلى اهلل عليه و�سلم). 6.6البحث في مخارج ال�ح��روف ،واالهتمام ب�ضبطها على وجوهها ال�صحيحة ،لتي�سير ت�لاوة كلمات القر�آن الكريم على �أف�صح وج��ه و�أب�ي�ن��ه ،ك��ان م��ن �أب�ل��غ ال�ع��وام��ل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الف�صحى و�أ� �س��راره��ا ،وك��ان��ت ثمرة ه��ذا االهتمام والجهد �أن ال�ق��راء ت�شربوا بمزايا اللغة العربية وقواعدها ودقائقها؛ ومما ي�ؤيد ذلك �أن كثيرًا من قدماء النحويين كالفراء ك��ان��وا م�ب��رزي��ن ف��ي علم ال��ق��راءات ،كما كان الكثيرون من �أئمة القراء ك�أبي عمرو والك�سائي بارعين في علم النحو. �7.7أفاد علم القراءات علوما كثيرة ،مثل :علوم اللغة العربية ،وعلم التف�سير ،وعلم الفقه. 8.8فتح �أبواب الخير لكل م�شتغل بهذا العلم؛ لأن تعلم القراءات يحتاج �إلى قراءة القر�آن ب��أك�ث��ر م��ن رواي� ��ة ،و�أك �ث��ر م��ن م��رة حتى يتقنها ،وفي هذا نفع وثواب عظيم. 9.9بيان ما هو مبهم �أو مجمل من الأحكام، ف�ق��د ق���ر�أ �أب���ي ب��ن ك�ع��ب واب���ن م�سعود: «ف َِ�صيَامُ ثَلاَ َث ِة �أَ َّي��امٍ متتابعات» (المائدة:
)89بزيادة لفظ متتابعات ،فهذه القراءة قد بينت �أن كفارة اليمين يجب �أن تكون ثالثة �أي��ام متوالية ،ولي�ست متفرقة ،ولم ي�خ��ال��ف ف��ي وج ��وب ال�ت�ت��اب��ع ��س��وى عطاء ومالك وال�شافعي والمحاملي.
1010دفع توهم ما لي�س مرادا ،قال تعالى} :يَا ِل�ص اَل ِة مِ نْ َيوْمِ �أَ ُّيهَا الَّذِ ينَ �آَمَ نُوا �إِذَ ا نُودِيَ ل َّ الْجُ ُم َع ِة فَا�سْ َعوْا �إِلَى ذِ كْرِ اللهَّ ِ وَذَ رُوا ا ْل َب ْي َع ذَ ِلكُمْ خَ ْي ٌر َلكُمْ �إِنْ ُك ْنتُمْ َت ْع َلمُونَ { (الجمعة: ،)9فقد يظن بع�ض النا�س �أن «فا�سعوا» تعني الإ� �س��راع في الم�شي �إل��ى ال�صالة، وهذا يخالف قول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم�« :إذا ن��ودي لل�صالة ف�أتوها و�أنتم تم�شون ،وعليكم ال�سكينة ،فما �أدرك�ت��م ف�صلوا وما فاتكم ف�أتموا» (م�سلم ،د-ت: ( ،)421 ،420ابن ماجه ،د-ت.)255 : ، ولكن ق��ر�أ عمر بن الخطاب «فام�ضوا �إلى ذكر اهلل» (الإمام مالك )109 :1990 ،ف�أزالت هذا التوهم وبينت �أن المراد من قوله «فا�سعوا» هو الم�شي ،ولي�س الإ�سراع. وق��ول��ه تعالىَ } :و َت � ُك��ونُ ا ْل��جِ � َب��الُ كَا ْل ِعهْنِ ُو�ش{ (القارعة )5:قرئ «وتكون الجبال ا ْل َم ْنف ِ كال�صوف المنفو�ش» فهذه ال�ق��راءة بينت �أن المراد بالعهن هو ال�صوف. ما �سبق من فوائد لعلم القراءات يدل داللة قاطعة على ال�صلة الوثيقة بينها وبين التف�سير والفقه ،وال�ت��ي ينبغي على دار���س ال�ق��راءات �أن يدر�سها حتى يقف على �أهمية هذا العلم، ويبينه للنا�س. اجلوبة -ربيع 1435هـ
21
■ د� .إبراهيم الدّ هون -جامعة اجلوف
لمّا كان القر�آن الكريم كالم اهلل ع ّز وجل ،وخطابه الراقي ،الذي �أُنز َل على �أ�شرف المر�سلين �سيدنا محمّد بن عبداهلل� ،صلى اهلل عليه و�سلم؛ فمن ال�ضروري �أن يهتم الباحثون ب�آياته، ويبيّنوا �إعجازاته ،ويف�سّ روا معانيه ،وي�شرحوا �صوره. ومن هنا� ،ستقف هذه الدّرا�سة عند علمٍ انفتق من رحم الخطاب الرباني ،وبد�أ ينت�شر ويُعنى به ،ما دام القر�آن الكريم يُقر�أ ،ويُرتل ،وهو علم القراءات القر�آنيّة. وانطالق ًا من منهجية الدّ را�سة ال�سّ ليمة -1 ،الجمع وال�ضم ،ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته(:)1 يتحتّم علينا قبل الخو�ض في علم القراءات ال ٍء الوقوف عند مفاهيم ذات �صلة وتقارب مع تُرِ يْكَ �إِذَا دَخَ لَتْ َعلَى خَ ـ َ علم القراءات ،كالقر�آن الكريم ،والأحرف َوقَدْ �أَمِ نْتَ عُ ُي ْو َن الكَا�شِ حِ ْي َنـا ال�سبعة ،و ُت��ع� ُّد تعريفات �أ�سا�سية لإظهار ِذرَاعِ ��ـ��ي َعيْطَ لٍ أَ� َد َم��ـ��ا َء ِبكْـرٍ �صورة القراءات ومدلوالتها. هِ جَ ـانِ ال َّلوْنِ لَمْ َت ْق َر�أ جَ ِن ْي َنـا
22
�أوالً :تعريف القر�آن وعليه؛ �أ�شار �أبو عبيدة معمّر بن المثنى، القر�آن في اللّغة :لفظ القر�آن في اللغة في كتابه مجاز القر�آن» �إنّما �سمّي قر�آناً؛ م�شتق من مادة(:قر�أ) ،وهو م�صدر مرادف لأنّه يجمع ال�سور وي�ضمّها»(.)2 للقراءة ،على وزن(:فعالن) ،وهذا اللّفظ -2التالوة :يقوم على �ضم الألفاظ بع�ضها �إلى بع�ض في النطق. ي�ستعمل للمعاني التي ا�ستعمل لها لفظ قراءة وهي: �أمّ ���ا ال��ق��ر�آن ا�صطالحاً :فقد نُقل لفظ اجلوبة -ربيع 1435هـ
فالتّعريف ال�سّ ابق ي�شكل حقيقة الكتاب، ل��ك��ون��ه ك�ل�ام اهلل ت��ع��ال��ى ،وه���و م�����ص��دره، �سبحانه تعالى ،ث��مّ يظهر الو�ساطة بين المر�سل والمر�سَ ل �إليه -وه��و محمّد -ثمّ ِ يبيّن المخاطبين بهذه الر�سالة والهدف منها(.)4 ثانياً :مفهوم الأحرف ال�سّ بعة جاء في اللّغة �أنَّ الحرف في �أ�صل كالم ال��ع��رب معناه ال��ط��رف وال��ج��ان��ب؛ وح��رف ال�سّ فينة والجبل جانبهما(.)5 �أمّ ��ا ا�صطالحاً :فقد اتّفق العلماء على �أنَّ الأح��رف ال�سّ بعة� :سبعة �أوج��ه ف�صيحة من اللّغات ،والقراءات �أُنزل عليها القر�آن الكريم. ثالثاً :الأحرف ال�سّ بعة في الحديث النبوي
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
علم القراءات ..لغة وا�صطالح ًا
القر�آن الكريم من معناه اللّغوي �إلى معناه �أحرف»(.)6 اال�صطالحي ،وتباينت تعريفات الباحثين كما نلحظ ما رُوي عن عمر بن الخطاب، والدّ ار�سين له ،لعلّ ما تمّ االتفاق عليه ،ما ر�ضي اهلل عنه� ،إذ ق��ال�« :سمعت ه�شام عرّفه بع�ضهم ،فقال« :هو كالم اهلل تعالى اب��ن حكيم ي��ق��ر�أ ���س��ورة الفرقان ف��ي حياة ف��ي ال���ّ��ص��دور ،المكتوب ف��ي الم�صاحف ،ر�سول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم ،فا�ستمعت المنقول بالتواتر ،المتعبّد بتالوته ،المبدوء لقراءته ،ف�إذا هو يقر�أ على حروف كثيرة لم ()3 ب�سورة الفاتحة ،المختوم ب�سورة النّا�س» ُ .يقْرِ ئنيها ر�سول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم، فت�صبرت حتى ال�صالةَّ ، فكِ دت �أ�ساوِره في ّ �سلّم ،ف َل َّب ْب ُت ُه بردائه ،فقلت من �أقر�أك هذه ال�سّ ورة التي �سمعتك تقر�أ ،قال� :أقر�أ ِنيْها ر���س��ول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم ،فقلت ل��ه :ك��ذب��ت� ،أقرانيها على غير م��ا ق��ر�أت، فانطلقت ب��ه �أق���وده �إل��ى ر���س��ول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم ،فقلت� :إن��ي �سمعت هذا يقر�أ �سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال�« :أر�سله ،اقر�أ يا ه�شام» ،فقر�أ القراءة التي �سمعته ،فقال ر�سول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم« :كذلك �أُن��زل��ت» ثمّ قال ر�سول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم« :اقر�أ يا عمر» ،فقر�أت التي �أقر�أني .فقال« :كذلك �أُنزلت� ،إن هذا القر�آن �أُنزل على �سبعة �أحرف ،فاقر�ؤوا ما تي�سر منه»(.)7 رابعاً :تعريف القراءات
ظ��ه��رت الأح����رف ال�سّ بعة ف��ي الحديث القراءات لغة
النبوي ال�شريف ،فعن ابن عبا�س ،ر�ضي اهلل عنهما� ،أنَّ ر�سول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم قال�« :أقر�أني جبريل على حرف ،فلم �أزل �أ�ستزيده ،ويزيدني حتّى انتهى �إل��ى �سبعة
القراءات جمع ق��راءة ،وهي م�صدر من قر�أ يقر�أ قراءة وقر�آناً ،وا�سم الفاعل منه ق��ارئ ،وجمعه ق���رّاء( .)8وي�أتي الفعل غير مهموز كقرى ،وال يختلف مع الأوّل في معناه. اجلوبة -ربيع 1435هـ
23
القراءات ا�صطالح ًا
ق��دّ م علماء ال��ق��راءات تعريفات كثيرة، يطول بنا الحديث �إذا ذكرناها جميعاً، ونكتفي ب�أ�شهرها. قال الزرك�شي :القراءات اختالف �ألفاظ الوحي ،المذكور في الحروف وكيفيتها ،من تخفيف وت�شديد وغيرها.
24
هذا ،وقد ا�شتهر في كلّ طبقة من طبقات الأئمة جماعة تحفظ القر�آن وتقرئه النّا�س. ال�صحابة بالإقراء( :عثمان بن فا�شتهر من ّ عفّان ،وعلي بن �أبي طالب ،و�أبيّ بن كعب، وابن م�سعود ،وزيد بن ثابت ،و�أبو الدرداء و�أبو مو�سى الأ�شعري) ر�ضي اهلل عنهم.
و�إذا ت�أمّ لنا م��ا كتبه اب��ن ال��ج��زري عن القراءات ،نلحظ قوله« :ب�أنّها علم بكيفية �أداء كلمات القر�آن الكريم ،واختالفها بعزو كما ا�شتهر م��ن التابعين �أئ��م��ة �أع�لام الناقلة ،وه��ذا التعريف اعتمده كثير من موزعون في الأم�صار .فكان في مكة :عطاء، الم�ؤلفين في علم القراءات(.)10 ومجاهد ،وط��اوو���س ،وعكرمة ،واب��ن �أب��ي بيدَ �أنَّ الدمياطي �أ�سهب في التعريف ،مليكة ،وعبيد بن عمير ،وغيرهم؛ وكان في ف��ق��ال« :ال���ق���راءات ع��ل��م يعلم م��ن��ه ات��ف��اق المدينة� :سعيد بن الم�سيب ،وعروة ،و�سليمان الناقلين لكتاب اهلل ،واختالفهم في الحذف بن ي�سار ،وعطاء بن ي�سار ،وزيد بن �أ�سلم، والإث��ب��ات ،والتحريك والت�سكين ،والف�صل وم�سلم بن جندب ،وعمر بن عبدالعزيز، وال��و���ص��ل ،وغ��ي��ر ذل���ك م��ن ه��ي��ئ��ة النطق واب��ن �شهاب ال��زه��ري ،وعبدالرحمن بن هرمز ،ومعاذ القارئ ،وغيرهم؛ وكان في والإبدال وغيره من حيث ال�سّ ماع»(.)11 الب�صرة� :أبو العالية ،و�أبو رجاء ،ون�صر بن خام�ساً:جذور علم القراءات عا�صم ،ويحيى بن يعمر ،والح�سن ،وابن كان االعتماد الرّ�صين في قراءة القر�آن �سيرين وقتادة ،وجابر بن زيد ،وعامر بن اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ق��ال اب��ن فار�س (ق��رى) القاف ،وال��راء وال��ح��رف المعتل �أ���ص��ل �صحيح ي��دل على جمع واجتماع ،و�إذا همز ه��ذا الباب كان هو والأول �سواء ،ويطلق لفظ ق��ر�أ ،وي��راد منه عدة معانٍ :ف��إذا قلت :ق��ر�أت القر�آن، معناه لفظت به مجموعاً؛ �أي �ألقيته ،و�أقر�أت حاجتك �إذا دنت ،وقر�أت ال�شيء قر�آناً� ،إذا جمعته و�ضممت بع�ضه �إلى بع�ض(.)9
ال��ك��ري��م على التلقّي والأخ����ذ ع��ن الثقات والأئ��م��ة و���ص��و ًال �إل��ى النبي �صلّى اهلل عليه ال�صحابة ،ر�ضي اهلل عنهم، و�سلم ،ثمّ �إنَّ ّ ق��د اختلف �أخ��ذه��م ع��ن ر���س��ول اهلل �صلّى اهلل عليه و�سلم ،فمنهم من �أخ��ذ القر�آن عنه بحرف واح��د ،ومنهم من �أخ��ذه عنه بحرفين ،ومنهم من زاد ،ث��مّ تفرقوا في البالد .و�أقر�أ كلّ منهم بح�سب ما �سمع من النبي �صلّى اهلل عليه و�سلم؛ فاختلف ب�سبب ذلك �أخذ التابعين عنهم ،وكذلك �أخذ تابعو التّابعين �إلى �أن و�صل الأمر �إلى الأئمة القرّاء الم�شهورين الذين تخ�ص�صوا في القراءات.
عبدالقي�س ،وغ��ي��ره��م؛ وك��ان ف��ي الكوفة: �سعيد بن جبير ،والنخعي ،وال�شعبي ،و�أبو 1ـ ال��ق��راءات ال�سّ بع :وه��ي المن�سوبة �إل��ى زرعة بن عمرو ،وزر بن جي�ش ،وعمرو بن الأئمة ال�سّ بعة المعروفين ،وهم( :نافع ميمون ،و�أبو عبدالرحمن ال�سمي ،وعبيد بن «المدينة» ،وعا�صم ،وحمزة ،والك�سائي فقلة ،وعلقمة والأ�سود ،وم�سروق ،وغيرهم؛ «الكوفة» ،وابن كثير «مكة» ،و�أب��و عمرو وك��ان ف��ي ال�شام :المغيرة ب��ن �أب��ي �شهاب «الب�صرة» وابن عامر «ال�شام»). المخزومي ،وخليد بن �سعيد ،وغيرهما. ث��مّ اه��ت��م بعد التابعين ق��وم ب��ال��ق��راءة 2ـ القراءات الع�شر :وهي ال�سّ بع المذكورة �آنفاً ،وزيادة قراءة الأئمة الثالثة ،وهم: وتخ�ص�صوا بها و�ضبطوها وعُ نوا بها عناية (�أبو جعفر ،ويعقوب ،وخلف). فائقة؛ فكان ف��ي مكة :ع��ب��داهلل ب��ن كثير، وحميد بن قي�س الأعرج ،ومحمّد بن محي�ض3 ،ـ القراءات الأربع ع�شرة :بزيادة �أربع على وكان في المدينة �أبو جعفر يزيد بن القعقاع القراءات الع�شر ال�سّ ابقة ،وهي قراءات: ثم �شيبة بن ن�صاح ثم نافع بن �أب��ي نعيم؛ (ال��ح�����س��ن ال��ب�����ص��ري ،واب����ن محي�ض، وكان في الب�صرة :عبداهلل بن �أبي �إ�سحاق، ويحيى اليزيدي ،وال�شنبرذي) وبع�ضهم وعي�سى بن عمرو ،و�أب��و عمرو بن العالء، يجعل الأعم�ش بد ًال من ال�شنبرذي. وعا�صم الحجدري ثم يعقوب الح�ضرمي؛ ويتّ�ضح ممّا �سبق� ،أهمية ذل��ك العلم، وكان في الكوفة :يحيى بن وثاب ،و�سليمان الأعم�ش ثم حمزة ثم الك�سائي؛ وك��ان في وف��وائ��ده الجمّة ال��ت��ي ت��ع��ود على الإن�سان ال عن علو م�ستوى الخطاب ال�شَّ ام :عبداهلل عامر ،وعطية بن قي�س ،الم�سلم ،ف�ض ً و�إ�سماعيل بن عبداهلل ،ثمّ يحيى الذماري ،الرّباني ،وقيمة البالغة ،والف�صاحة التي ثم �شريح بن يزيد الح�ضرمي. يحملها كتاب اهلل. �ساد�ساً� :أعداد القراءات
( )1انظر :ل�سان العرب ،ابن منظور ،مادة( :قر�أ). ( )2مجاز القر�آن ،ابن قتيبة.1/1 ، ال�صابوني� ،ص.6 ( )3انظر� :إر�شاد الفحول :ال�شّ وكاني� ،ص .29والتبيانّ : ( )4علم القراءات :نبيل �آل �إ�سماعيل� ،ص .17 ( )5ل�سان العرب ،مادة( :حرف). (� )6صحيح البخاري ،في كتاب ف�ضائل القر�آن الكريم ،باب �أُنزل القر�آن على �سبعة �أحرف.100/6 ، (� )7صحيح البخاري ،في كتاب ف�ضائل القر�آن ،باب �أُنزل القر�آن على �سبعة �أحرف ،حديث رقم .4706 ( )8ل�سان العرب ،مادة( :قر�أ). ( )9معجم مقايي�س اللّغة ،ابن فار�س ،مادة( :قر�أ). ( )10ابن الجزري :غاية النهاية.616-610/1 : ( )11يُنظر :البنا الدمياطي :اتحاف ف�ضل ،والب�شر.67-60/1 : اجلوبة -ربيع 1435هـ
25
■ غازي خريان امللحم � -سوريا
القر�آن الكريم ,مفخرة العرب في لغتهم و�آدابهم ,والحافظ الأمين للهجاتهم� ,أوح��اه اهلل لر�سوله الكريم بل�سان عربي مبين ,ليب�شر به المتقين ,وينذر به قوما ُلدّا؛ فخاطب فيه القلوب بالموعظة الوا�ضحة ,والعقول بالدليل القاطع ,ولفت الأنظار �إلى ما في الكون من عجائب وعبر؛ فانطلقت به الأفكار من عقالها ,وتحرّكت بعد جمودها وخمودها ,محلقة في ف�ضاءات الكون ,تخترق الأقطار وتجوب الأم�صار ,على �أجنحة �آيات محكمات من لدن عزيز عليم.
26
وما هي �إال هنيهة من زم��ان ,حتى ا�ستبان الحق ،وو�ضح النهج ،وقامت الحجة ،وانزاحت ال�شبهة وق��د ن��زل ت��أي�ي��دا ل��دع��وت��ه ،و�شاهدا ل�صدق ر�سالته؛ فتحدى العرب �أجمعين في ف�صيح لغتهم ،ول��م يخ�ص في ذل��ك فئة دون �أخرى� ،أو قبيلة دون غيرها. وكان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ,ال يكاد يم�ضي في تالواته حتى يبهر �سامعيه ,وي�أخذ بمجامع قلوبهم ,فانحنى �أع� ��دا�ؤه لجزالته �صاغرين؛ لأن��ه ب��ز ف�صاحتهم ,وظ�ه��ر فوق بالغتهم ،حتى قال قائلهم وهم له ناكرون: (واهلل لقد �سمعت من محمد كالم ًا لي�س ب�ك�لام الإن ����س ،وال م��ن ك�لام ال �ج��ن ,و�إن له لحالوة ،و�إن عليه لطالوة ،و�إن �أعاله لمثمر، و�إن �أ�سفله لمغدق). وفعال عجز العرب عن مجاراته ،و�صمتوا اجلوبة -ربيع 1435هـ
عن معار�ضته ،وما لبث هذا النور الإلهي �أن ذاع وانت�شر؛ ما هي�أ النقالب وا�سع في �سفر اللغة العربية ولهجاتها المختلفة. وق ��د �أف � ��ادت ال��درا���س��ات ال�ق��دي�م��ة منها والحديثة� ،أن القر�آن الكريم كله وفي حد ذاته، ما هو �إال �أثر من هذه اللهجات العربية ،وقد دلّ القر�آن نف�سه على ذلك �صراحة ،بقوله: }وم��ا �أر�سلنا م��ن ر��س��ول �إال بل�سان قومه ليبين لهم في�ضل اهلل م��ن ي�شاء وي�ه��دي من ي�شاء وهو العزيز الحكيم{ (�إبراهيم.)4: وعند التحقيق ،ما اللغة العربية �إال مجموع لغات �أو لهجات �أو لحون ،كان يلوكها العرب. وما القر�آن الكريم �إال مزيج محكم من مجموع هذه اللهجات ،وقد اختار اهلل �سبحانه �أبلغها و�أف�صحها و�أبيَنها و�أ�سل�سها ،و�أنزل �آخر كتبه فيها ،وجعله معجزة �آخر �أنبيائه ،عليه ال�صالة
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
القر�آن الكريم ..واللهجات العربية
وال�سالم. وه��ذه اللغة ،هي لغة قري�ش ،وه��ي �أف�صح لهجات العرب و�أ�صرحها ،لبعدها عن بالد العجم ،ف�صانها هذا البعد من الف�ساد والت�أثر ب�أ�ساليبهم ول�سانهم المعوج ,حتى �إن �سائر ال�ع��رب على ن�سبة بعدهم م��ن قري�ش ,كانوا ي�ست�شهدون بلغتهم ويجعلونها حكما في كل خالف لغوي يقع بينهم� .إال �أن هذا لم يمنع من ورود �ألفاظ كثيرة لقبائل عربية �أخرى ,احتج بها القر�آن الكريم بم�سائل معينة. ومن المعروف �أن القر�آن الكريم ,لم ينزل دفعة واحدة ,وال في مكان واحد ,بل نزل منجّ ما على مدار ثالث وع�شرين �سنة ,بمكة المكرمة والمدينة ال�م�ن��ورة ,وك��ان��ت الآي ��ات ينزل بها جبريل عليه ال�سالم ,ويبلغها للر�سول �صل اهلل عليه و�سلم �أوال ب�أول ,فيتلقاها الم�ؤمنون من فم النبي مبا�شرة ,ويكتبها رجال عُ رفوا بـ(كتّاب الوحي) ,تماما كما يمليها عليهم النبي الكريم �صلوات اهلل و�سالمه عليه. ومعلومٌ� ,أن الإ�سالم كان في مكة محدود االنت�شار ,و�أت�ب��اع��ه قلة ,فلما هاجر النبي، �صلى اهلل عليه و�سلم� ,إل��ى المدينة المنورة, ات�سعت رقعته ،وازداد عدد �أف��راده ,وهم من قبائل �شتى ,لهم ع��ادات �صوتية تخ�ضع لها �أل�سنتهم ,وتتحكم فيها �ألفاظهم؛ فكان من �سماحة الدين الحنيف� ,أن ترك الأل�سن على �سجيتها وحريتها ,من �إمالة (ك�سر) وتفخيم, وترقيق ,وما �شابه ذلك من طرائق في �إدار ٍة للفظ ،بنغمة ت�ستجيب لها طبيعتهم اللغوية, ال�ت��ي ورث��وه��ا ع��ن �أهلهم الأول �ي��ن ,وال يمكن التخلي عنها ب�سهولة .وهذه الإباحة �أر�شد �إليها الحديث ال�شريف المرفوع عن النبي �صل اهلل عليه و�سلم ,بقوله�( :إق ��ر�أوا ال�ق��ر�آن ,بلحونِ العرب و�أ�صواتهم).
ويروى �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قر�أ, ف�أمال (يحيى) ,فلما �سُ ئل في ذلك ,قال( :هي لغة الأخوال بني �سعد). وف ��ي ر�أي� ��ي �أن ه ��ذا ال �ح��دي��ث ال ي ��راد به التخ�صي�ص ,بل ي��راد به الترخي�ص لقبائل العرب ,كي تقر�أ بلهجاتها المختلفة ,من مدٍّ و�شدٍّ و�إمالة ,وتحريك الحروف وت�سكينها ،حتى ال يجدوا م�شق ًة وثق ًال في بع�ض �ألفاظها .وذكر ال�سج�ستاني في كتابه( :الكبير في القر�آن)، قوله: ق��ر�أ عليّ �أع��راب��ي ونحن في الحرم المكي ال�شريف «ال��ذي��ن �آم �ن��وا وعملوا ال�صالحات طيبى لهم وح�سن م�آب». فقلت :طوبى فقال :طيبى. فلم ي�ستطع �أن يثني طبعه؛ لأن لهجته القبلية تقلب حرف الواو �إلى ياء ,ولم ينفع في الأعرابي لفت ال�سج�ستاني له ,ولم ي�ستفد من تدريبه على نطق طوبى ب�شكلها ال�صحيح. ولمثل ذلك وغيره تعددت قراءات القر�آن, تخفيفا للم�شقة في تالوته ،فجاء هذا الت�سهيل من�سجما مع طبيعة هذه اللهجات على الرغم من كثرتها ,والأمثلة تطول في هذا المجال. والقر�آن ,الذي نقر�أه الآن ,هو القر�آن الذي تاله الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم على �أ�صحابه, و�أماله على كُتاب وحيه ,ولم ي�ضع �أو ينق�ص منه �شيء .م�صداقا لقوله تعالى�} :إِ َّن��ا نَحْ نُ َن َّز ْلنَا الذِّ ْك َر َو�إِنَّا َل ُه لَحَ افِظُ ونَ { (الحِ جْ ر .)9 : �أم��ا ال�ق��راءات التي ُت�ق��ر�أ ويختلف بع�ضها عن بع�ض ،ما هي �إال روايات نقلت عن الر�سول الكريم �صلى اهلل عليه و�سلم ,وك��ل �صاحب قراءة انتهت �إليه رواية اطم�أن �إليها وتثبَّتَ من �صحتها ف�أخذ بها؛ وا�شتهرت منها روايات �سبع,
27
28
ما هي اللهجات؟ اللهجة هي مجموعة ال�صفات الل�سانية ،التي تنتمي �إلى بيئة اجتماعية معينة ،ي�شترك فيها جميع �أف��راد هذه البيئة ومحيطها ،وهي جزء من و�سط �أو�سع و�أ�شمل ،وت�ضم عدة لهجات، ولكل واحدة منها خ�صائ�صها المنفردة� .أما قديما ،فكان العرب يطلقون على اللهجة لغة، ولم ت�ستعمل اللهجة بمعناها اال�صطالحي� ،إال حديثا؛ فكان يقال لغة القبيلة ،بدال من لهجة القبيلة كلغة قري�ش ،ولغة تميم ،وهكذا. والعالقة بين اللغة ,واللهجة ,كالعالقة بين الحكمة من تعدّ د اللهجات الأ�صل والفرع� ،إذ ت�شمل اللغة ع��ادة مجموع �أم��ا الحكمة ف��ي �إن ��زال ال �ق��ر�آن على هذه لهجات ،لكل منها ما يميزها عن �شقيقاتها في اللهجات الأخ��رى� .إال �أنها جميعا لها �صفات اللهجات المختلفة ,فهي �أن العرب الذين نزل القر�آن بل�سانهم يلوكون لغات ع��دة ,ولهجات لغوية عامة م�شتركة. متباينة ،ويتعذر على الواحد منهم �أن ينتقل القر�آن الكريم ومراعاة اللهجات من لغته الأم التي درج عليها ,ومرَّنَ ل�سانه على وتخفيفا على القبائل وم��راع��اة لهجاتها التخاطب بها منذ نعومة �أظفاره ,و�صارت جزء ًا المختلفة ،كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،من �سجاياه ,واختلطت بلحمه ودمه ,بحيث ال يتلو مفردات القر�آن الكريم ،بلهجات متعددة ،يمكن االبتعاد عنها ب�أي حال من الأحوال .ولو تي�سيرا على �أهل تلك القبائل في تالوته ،وكان عن طريق التعليم والتدريب ,وبخا�صة الرجل يحدث �أن �أح��د ال�صحابة يقر�أ �آي��ات بلهجة الم�سنّ والمر�أة العجوز. �سمعها م��ن ال��ر��س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم فلو كلفهم اهلل تعالى العدول عن لهجتهم �شِ فاهاً ،في حين قد �سمع غيره الآيات نف�سها ،التي فطروا عليها ,واالنتقال عنها ,و�إتباع لهجة �أو ال�سورة كاملة بلهجة �أخ��رى تغاير اللهجة �أخ��رى ,ل�شقّ عليهم غاية الم�شقة ,ولكان من الأولى ،على نحو ما رُويَ عن عمر بن الخطاب قبيل التكليف بما ال تتحمله طبيعتهم النف�سية ر�ضي اهلل عنه� ،إذ �سمع ه�شام بن حكيم بن وطاقتهم الإن�سانية؛ فاقت�ضت رحمة اهلل بعباده حزام يتلو �سورة الفرقان في ال�صالة ،على غير �أن يخفف عليهم ,و�أن يي�سر لهم حفظ كتابهم ما حفظ ،وكاد �أن ي�أخذ بتالبيبه ،لكنه تريث العزيز ,وت�لاوة د�ستورهم الإلهي ,و�أن يحقق حتى فرغ من �صالته ،وذه��ب به �إل��ى الر�سول لهم �أمنية نبيهم ,وقد �أتاه جبريل عليه ال�سالم، �صلى اهلل عليه و�سلم ،ثم قال لحكيم :اق��ر�أ ،فقال له: اجلوبة -ربيع 1435هـ
قاعدة اللهجات �أو القراءات ك��ل ق ��راءه طابقت �أوج ��ه اللغة العربية, وواف �ق��ت ر� �س��م �أح ��د الم�صاحف المعتمدة مثل العثماني؛ �أي بمعنى �أن تكون ثابتة ولو في بع�ضها ,كقراءةَ } :و� َ��س��ارِعُ ��و ْا �إِ َل��ى مَ ْغ ِف َر ٍة مِّ ن َّر ِّب� ُك��مْ { �آل ع�م��ران ،133بحذف /ال��واو/ التي قبل/ ،ال�سين ،/فهذه القراءة ثابتة في الم�صحف ال�شامي ,وك �ق��راءة« :ت�ج��ري من تحتها الأنهار» ,الواردة في المو�ضع الأخير من �سورة التوبة ,بزيادة لفظ «م��ن» قبل تحتها, فهي ثابتة في الم�صحف المكي ،وهكذا... �أو �أن ت�ك��ون ال �ق��راءة م��واف�ق��ة للم�صاحف العثمانية ,وقد تكون تحقيقية كقراءة «ملك يوم الدين» في �سورة الفاتحة ,بحذف /الألف /فيها. و�أن تكون ثابتة بطرق التواتر ,وهذا �أهم �أركانها. وال �ت��وات��ر ه ��و :م��ا ن�ق�ل��ه ج�م��اع��ة ال يمكن ت��واط��ؤه��م على ال �ك��ذب ,وع��ن جماعة قبلهم كذلك ,من �أول �سند نزل على الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إل��ى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم� ،إلى منتهاه.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
تلتها ثالث �أقل قوة ,ثم �أربع �أقل من �سابقتها, فهي �أربع ع�شرة رواية ,وما فوقها يعد �شاذا وال ي�ؤخذ به.
فقر�أ ،فقال :هكذا �أنزلت ،ثم �أقر�أ عمر ر�ضي اهلل عنه ،فقر�أ ،فقال :هكذا �أنزلت .ثم قال: «�إن القر�آن نزل على �سبعة �أحرف ،فاقرءوا ما تي�سر منه» ،وهو ال يق�صد بال�سبعة �أحرف عددا معينا� ،إنما يريد كثرة الحروف واللهجات ،التي نزل بها القر�آن الكريم؛ ت�سهيال على العرب، �أن ينطقوا من كلماته بلهجاتهم ،ما لم يمكنهم �أن ينطقوه بلغة قري�ش ،ولهجاتها الخا�صة؛ و�أخذ هو نف�سه ي�صنع ذلك تي�سيرا وت�سهيال. وه�ك��ذا ،نجد �أن ال �ق��ر�آن الكريم ق��د �ضم �ألفاظا من معظم لهجات القبائل العربية ,تجد فيه كل قبيلة من مفرداتها وتراكيبها اللغوية ال�ت��ي ان �ف��ردت بها دون ��س��واه��ا م��ن القبائل الأخرى.
«�إن اهلل ي�أمرك �أن تُقرئ �أمتك القر�آن على حرف» �أي على ل�سان واحد .فقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم�« :أ�س�أل اهلل معونته ,ف�إن �أمتي ال تطيق ذل��ك»؛ وما زال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يردد الم�س�ألة ويلحّ في الرجاء ,حتى �أذِ نَ اهلل له �أن يُقرئ �أمته على �سبعة �أحرف, بدال من حرف واحد� ،أي بجميع لهجات العرب الم�شهورة عندهم ،والأكثر تداوال بينهم. ف�أخذ الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،يقرئ كل قبيلة بما يتوافق بلغتها وينا�سب لهجتها.
ماهية الحروف ال�سبعة ،وك��ان لهم في ذلك ت�آويل �شتى .نختار منها ما خل�ص �إليه الإمام �أبو الف�ضل ال��رازي في كتابه (اللوائح) ,وهو �أن المراد بهذه الأحرف التي وقع فيها الت�ضاد واالتفاق ,ال تخرج عن كونها �سبع لغات ,ميزت اللهجات العربية بع�ضها عن بع�ض. ون���ورد ه�ن��ا �أوج���ه االخ �ت�لاف ك�م��ا ج��اءت في �أكثر الأعمال التي تناولت هذا المو�ضوع بالبحث والإفا�ضة ,وقد ا�ستوحت مادتها من الكتاب العزيز وال�سنة المطهرة ,وه��ي في مجملها ال تخرج عن مجموع الأطر التالية: 1ـ اختالف الأ�سماء
من �إفراد وتثنية وجمع وتذكير وت�أنيث ,مثال قوله تعالى« :وال��ذي��ن هم لأمانتهم وعهدهم راعون» (المعارج ،)19قرئ لأمانتهم بالإفراد والجمع. -2اختالف ت�صريف الأفعال
من ما�ض وم�ضارع و�أمر ,ومثال ذلك قوله تعالى} :فقالوا ربنا باعد بين �أ�سفارنا{ (�سب�أ ,)19قرئ/ربنا /بفتح الباء على �أنه منادى و/باعد /بك�سر العين و�إ�سكان الدال ,على �أنه فعل �أمر� ,أو دعاء ,وقرئ برفع باء ربنا على �أنه مبتدئ ,وباعد بفتح العين والدال على �أنه فعل ما�ض. -3اختالف وجوه الإعراب:
مثل قوله تعالى} :ال ت�ضار والدة بولدها{ (البقرة )233قرئ بن�صب الراء ورفعها. -4االختالف بالنق�ص والزيادة
مثل قوله تعالى} :وما عملته �أيديهم{ (ي�س ،)35قرئ عملته بحذف/الهاء /و�إثباتها ,وفي اللهجات �أو الحروف ال�سبعة قوله تعالى} :و�أعد لهم جنات تجري من تحتها وق��د وق��ع بع�ض ال�خ�لاف بين العلماء في الأن �ه��ار{ (التوبة �آي��ة ،)100ق��رئ بزيادة/ اجلوبة -ربيع 1435هـ
29
-5االختالف في التقديم والت�أخير
مثل قوله تعالى} :وقاتلوا واقتلوا{ (البقرة ،)19ق��رئ بتقديم قاتلوا على اقتلوا ,وترى العك�س. -6االختالف بالإبدال
م�ث��ل ق��ول��ه ت��ع��ال��ى} :وان��ظ��ر �إل���ى العظام كيف نن�شزها{ (البقرة ،)259قرئ بالزاي المعجمة وال� ��راء المهملة ,وم�ث��ل }وجعلوا المالئكة ال��ذي��ن ه��م ع�ب��اد ال��رح�م��ن �إن��اث��ا{ (الزخرف ,)19وقرئ }عند الرحمن{ ،ومثل قوله تعالى} :فتبينوا{ (الحجرات ،)6قرئ }فتثبتوا{. -7اختالف اللهجات
كالفتح والإم��ال��ة (ال�ك���س��ر)� ،أو الإدغ ��ام والإظ� �ه ��ار والإخ� �ف ��اء ,وال�ت�ف�خ�ي��م وال�ت��رق�ي��ق والت�سهيل والتحقيق ,والإب��دال �إل��ى غير ذلك من اللهجات ,التي اختلفت فيها �أل�سن قبائل العرب. وي���ؤخ��ذ م��ن ه ��ذه ال �� �ش��روح��ات �أن جميع ال �ق��راءات مت�ساوية ف��ي الأه�م�ي��ة ,كونها حق و�صواب ,فمن قر�أ ب�أي ق��راءة منها ,فهو على الطريق ال�صحيح ,وي�ؤخذ هذا من قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم« :ف�أيما حرف قرءوا عليه فقد �أ�صابوا».
30
ما معنى حرف؟ يطلق لفظ حرف في اللغة على عدة �أوجه, منها ذروة ال�شيء �أو �أع�ل�اه� ,أو على �شفرة ال�سيف �أو ح��ده ,ويطلق على ح��رف الهجاء, وعلى اللهجة ,وهو المنا�سب لمو�ضوعنا ,وقد وردت �آراء كثيرة حول هذا المو�ضوع ,تف�سر وتفند معنى الحروف ال�سبع �أو ال�ق��راءات �أو اجلوبة -ربيع 1435هـ
من نتائج اختالف القراءات الغاية من نزول القر�آن على هذه الهيئات من الحروف ,بح�سب بع�ض الآراء هي التهوين والتي�سير على الأم���ة ,والتو�سعة عليها في قراءاتها للقر�آن الكريم ,كما تدل على ذلك الأح��ادي��ث النبوية ال ��واردة ف��ي ه��ذا المقام, ومنها: � -1إث��راء التف�سير والأح�ك��ام ال�شرعية بتعدد الأح� ��رف؛ لأن تعددها يترتب عليه تعدد المعاني وت��زاح�م�ه��ا على �سبيل الإث� ��راء, والت�أكيد على مدى التعار�ض �أو التناق�ض. � -2إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز؛ لأن كل حرف مع الآخ��ر بمنزلة الآي��ة مع الآي��ة ,في داللتها وفيما �شملت عليه. -3تفيد بع�ض اختالف القراءات في فهم معان فرعية كثيرة ,وتوجيه بع�ض المعاني وجهة
ولما انتقل الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إلى
الم�صادر
م��ن ه�ن��ا ،ن�ستنتج �أن ت �ن �وّع ال �ق��راءات �أو اللهجات �أو الحروف يقوم مقام تعدد الآيات، وذل ��ك ن��وع م��ن � �ض��روب ال�ب�لاغ��ة والإع �ج��از, ي�ضاف �إلى ما في ت�شكّل القراءات من براهين دامغة و�أدل��ة �صادقه ،تفيد �أن ال�ق��ر�آن كالم اهلل المنزل على نبيه ,و�أن االختالف في تنوع ال �ق��راءات م��ع كثرتها ,ال ت���ؤدي �إل��ى تناق�ض وت���ض��ارب ،وال �إل��ى تهافت �أو ت�خ��اذل؛ ب��ل �إن القر�آن كله وعلى تعدد لهجاته ,ي�صدق بع�ضه بع�ضا ,وي�شهد بع�ضه لبع�ض ,على نمط واحد من الأ�سلوب والتعبير ,وهدف واحد من �سمو الهداية والتعليم ,وال �شك �إن ذلك يفيد تعدّد الإعجاز بتعدّد الأوجه واللهجات والقراءات.
الرفيق الأعلى ,طلب �أبو بكر من زيد بن ثابت -
الأن�صاري �أن يكتب القر�آن كله ،على الترتيب ال��ذي تلقاه ه��و وم��ن معه م��ن الحفظة ,عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،بالألفاظ ذاتها وال �ح��روف واللهجات نف�سها ,وال���ص��ورة في العر�ضة الأخيرة التي تدار�س فيها القر�آن مع جبريل عليه ال�سالم بعد تمامه؛ فكتب زيد ومن �أ�سهموا معه هذا العمل الجليل في قِطع الأدم «الجلد» وغيرها ,وحُ فظت �صحفه عند �أبي بكر حتى توفي ,ثم عند عمر ،حتى انتقل �إلى بارئه, ثم عند ابنته حف�صة �أم الم�ؤمنين ر�ضي اهلل عنهم جميعاً.
-
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
من./
اللغات ال�سبع ,وه��ي لهجات قبائل العرب, على معنى �أن القر�آن نزل بلغة قري�ش ,وبع�ضه بلغة كنانة ,و�أ�سد وهذيل وتميم وقي�س عيالن, وبع�ضه بلغة �أهل اليمن ,و�أخذ بهذا الر�أي �أبو عبيدة بن �سالم ،وابن عطية و�آخرون؛ ودليلهم على عدم معرفة بع�ض ال�صحابة لبع�ض �ألفاظ القر�آن �إال من بع�ض الأعراب؛ لذا يقال �إن كلمة فاطر الواردة في القر�آن ,كما في قوله تعالى: }فاطر ال�سماوات والأر���ض{ لم يكن معناها معلوما محددا ,حتى �سمع حديث �أعرابي يقول في بئر له ن��و ِز َع فيها« :بئري �أنا فطرتها»� ،أي �أنا حفرتها و�صنعتها ,فكان هذا الكالم موحيا بمعنى كلمة }ف��اط��ر{ �أي خالق ال�سماوات والأر�ض و�صانعها هو اهلل �سبحانه وتعالى. وهناك لهجات كثيرة ن�سبت لبع�ض القبائل, فقد قالوا� :إن بني مازن كانوا يبدلون/الميم/ با ًء نحو قولهم :بكة بدال من مكة وهكذا.
جديدة ,ومنها ا�ستناد الفقهاء المجتهدون في ا�ستنباط �أحكام فقهية مختلفة ,وهذه الخالفات �أك�سبت الفقه الإ�سالمي مرونة و�سعة ,وكل ذلك جائز وم�ست�ساغ ما دامت الرواية �صحيحة.
الخاتمة وه�ك��ذا ،لم يعد ال�ق��ر�آن الكريم مو�ضوعا للدرا�سات ال�شرعية واللغوية التقليدية ,والتي تناوله فيها العلماء من كل جانب فح�سب ,بل �صار الآن مو�ضوع درا��س��ات ل�سانية و�صوتية حديثة ,بما تمنحه قراءاته المختلفة من فر�ص لمعرفة لهجات العرب التي نطق بها القر�آن الكريم ,و�ساير بها �أل�سنتهم المختلفة. وق��د ب ��ادت تلك اللهجات كلها �أو جلها، واندثرت وذهبت بذهاب الناطقين بها ,ولوال ما �سجله العلماء قديما من مختلف القراءات واال�ستدالل عليها بلهجات القبائل� ,أو لغاتهم ولحونهم ,لما �أمكننا ال�ي��وم معرفة الفروق ال��دق�ي�ق��ة ,بين لهجات تلك ال�ق�ب��ائ��ل ,والتي عا�صرت نزول الوحي� ,أو معرفة وجوه االختالف بين علماء اللغة ,فيما يذهبون �إليه من �أقوال يعللون بها ما يثيرونه من م�سائل نحوية �أو �صرفية ,و�شروح و�شواهد �أدبية و�شعرية .وما �إلى ذلك من �ش�ؤون اللغة و�شجونها المتنوعة. د� .إبراهيم �أبو النجا – اللهجات العربية – مطبعة ال�سعادة – القاهرة – 1969م. د� .إبراهيم �أني�س – في اللهجات العربية – مطبعة بوالق -القاهرة – 1952م. مجموعة من الم�ؤلفين – اللهجات العربية في ال�ق��راءات القر�آنية – دار المعارف – القاهرة 1968م. د .زياد طالفحه – لهجات القبائل العربية الواردة في القر�آن الكريم – دائرة الآثار العامة – عمان 1990م. جواد علي – اللهجات العربية – مكتبة النه�ضة – القاهرة 1963م. عبدال�ستار ف��راج – القبائل وال��ق��راءات مجلة الر�سالة – العدد 9 – 827مايو – 1949م. اجلوبة -ربيع 1435هـ
31
القراءات وعالقتها بالأحرف ال�سبعة ■ رو�ضة ر�ضوان املهايني -دار اجلوف للعلوم
} َو َل َق ْد يَ�سَّ ْرنَا ا ْل ُق ْر�آن لِل ِّذ ْك ِر َف َه ْل مِ نْ ُم َّدكِر{القمر 15 } َو�إِ َّن ُه َلتَنزِي ُل رَبِّ ا ْلعَا َلمِينَ َ ،ن َز َل ِب ِه الرُّو ُح الأَمِ ينُ َ ،علَى َق ْلبِكَ ِل َتكُو َن مِ نَ ا ْلمُن ِذرِينَ ِ ،بلِ�سَ انٍ َع َربِيٍّ مُّ بِينٍ { ال�شعراء 195 -191 الحمد هلل الذي �أنزل على نبيّه كتابا يهدي �إلى الح ّق و�إلى طريق م�ستقيم ..وطوبى لمن تال كتاب اهلل ح ّق تالوته ،وواظب عليها �آناء الليل و�أطراف النّهار..
32
َّا�س� ،أَنَّ َر��ُ�س��ولَ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ ��نِ ا ْب��نِ عَ ب ٍ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،قَالَ �« :أَ ْق� َر�أَ ِن��ي جِ بْرِ ي ُل عَ لَى حَ ر ٍْف, َفرَاجَ ْع ُتهَُ ,فلَمْ �أَزَلْ �أَ�سْ تَزِ ي ُدهَُ ,فيَزِ ي ُدنِي حَ تَّى ا ْن َتهَى �إِ َل��ى �سَ ْب َع ِة �أَحْ �ر ٍُف» .قَالَ الزُّهْ رِ يُّ َ :و إِ� َّنمَا هَ ذِ ِه الأَحْ ر ُُف فِي �أَمْرٍ وَاحِ دٍ ال يَخْ َتل ُِف فِي حَ اللٍ وَال حَرَامٍ .رواه البخاري وم�سلم 0 وعَ نْ �أُبَيِّ بْنِ َكع ٍْب� :أَنَّ ال َّنبِيَّ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ كَانَ عِ نْدَ �أ ََ�ضا ِة َبنِي غِ فَارٍَ ،ف�أَتَا ُه جِ بْرِ ي ُل عَ َل ْي ِه لل عَ َّز وَجَ َّل َي�أْ ُمرُكَ �أَنْ َت ْق َر�أَ ال�سَّ المُ َفقَالَ �« :إِنَّ ا َ �أُ َّمتُكَ ا ْل ُق ْر�آنَ عَ لَى حَ ر ٍْف ،قَالَ � :أَ�سْ �أَلُ اللهَّ َ ُمعَافَا َت ُه وَمَ ْغ ِف َر َتهَُ ،و�إِنَّ �أُ َّمتِي ال تُطِ يقُ ذَ لِكَ ،ثُمَّ �أَتَا ُه الثَّا ِن َي َة لل َي�أْ ُمرُكَ �أَنْ َت ْق َر�أَ �أُ َّمتُكَ ا ْل ُق ْر�آنَ عَ لَى َفقَال� :إِنَّ ا َ حَ ْر َفيْنِ ،قَالَ � :أَ�سْ �أَلُ اللهَّ َ َتعَالَى ُمعَافَا َت ُه وَمَ ْغ ِف َر َتهُ، �إِنَّ �أُ َّمتِي ال تُطِ يقُ ذَ لِكَ ،ثُمَّ جَ ا َء ُه الثَّا ِل َثةََ ،فقَالَ : اجلوبة -ربيع 1435هـ
لل َي�أْ ُمرُكَ �أَنْ َت ْق َر�أَ �أُ َّمتُكَ ا ْل ُق ْر�آنَ عَ لَى ثَال َث ِة �إِنَّ ا َ �أَحْ ر ٍُفَ ،فقَالَ � :أَ�سْ �أَلُ اللهَّ َ ُمعَافَا َت ُه وَمَ ْغ ِف َر َتهَُ ،و�إِنَّ �أُ َّمتِي ال تُطِ يقُ ذَ لِكَ ،ثُمَّ جَ ا َء ُه الرَّا ِب َعةََ ،فقَالَ � :إِنَّ لل َي��أْ ُم�رُكَ أَ�نْ َت ْق َر َ�أ �أُ َّمتُكَ ا ْل� ُق� ْر�آنَ عَ لَى �سَ ْب َع ِة ا َ �أَحْ �ر ٍُفَ ،ف�أَ ُّيمَا حَ �ر ٍْف َق � َرءُوا عَ َل ْي ِه َفقَدْ �أ ََ�صابُوا» رواه م�سلم. نزول القر�آن على �سَ ْبعَةِ أَ� ْحرُ ٍف َ�صرَّحَ البيان ال�سابق ،في الأحاديث المذكورة �آنفًا �أَنَّ القر�آن الكريم قد نزل على �سبع ِة �أَحْ ر ٍُف، حرف واحدٍ ،وب�أيِّ هذه الحروف ولم ينزل على ٍ قر�أتِ الأم ُة �أ�صابت. و�أفادتِ الروايات �أَنَّ هذه الأحرف ُم َت َلقًّاة عن الوحي الإلهيِّ ،ولي�س اختيارًا وال مذهبًا ب�شريًّا في
فالخالف هنا من جن�س «الخالف اللفظي»، «اختالف التن ِّوعِ» ..فلي�س َ �أو �سَ ِّم ِه �-إِنْ �شئتَ - اخ�ت�لا ًف��ا حقيقيًّا �أو اخ �ت�لاف ت �� �ض��ادٍّ ..و�إن�م��ا ��ت�لاف تَ��نَ��وُّعٍ .وهذه اختالفًا لفظيًّا �أو �سمِّه اخ َ الأحرف ال�سبعة هي المترادفات ال�سبعة للمعنى ال��واح��د ،ولي�ست �سبعة اخ�ت�لاف��ات متباينة �أو مت�ضادة ..فهي �سبعة �أوج ٍه متوافقة متوائمة من اللفظ ،يُ�ستفاد ِ حيثُ المعنى ،مختلف ًة من حيثُ منها تقرير المعجزة ب��أك�ث��رِ م��ن ل�ف� ٍ�ظ عربيٍّ �صحيحٍ ،كما ي�ستفاد منها التخفيف على قبائل العرب جميعًا بمخاطبتِها بل�سانها ال��ذي تقدر على النطق به ،مع زيادة الإعجاز في المعجزة ال��واح��دة ..فهي م�ع�ج��زاتٌ م�ت�ع��دِّ د ٌة ف��ي �صور ِة معجز ٍة واحد ٍة ا�سمها «القر�آن الكريم». معنى الأ َْحرُ ِف ال�سَّ ْبعَة بن�ص وا�ضحٍ في الم�س�ألة ،ثم نذهب ولنبد�أ ٍّ �إلى �أقوال العلماء لنرى الراجح منها في ذلك. َروَى البخاريُّ ( ،)4992وم�سل ٌم ( )818من اب قَالَ � :سَ مِ عْتُ هِ �شَ امَ بْنَ رواي ِة عُ َم َر بْنَ الْخَ طَّ ِ حَ كِ يمِ بْنِ حِ زَ امٍ َي ْق َر�أُ �سُ و َر َة (ا ْل ُف ْرقَانِ ) فِي حَ يَا ِة َر� ُ��س��ولِ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،فَا�سْ َت َمعْتُ ُوف َكثِي َر ٍة لَمْ ِل ِقرَا َء ِتهَِ ،ف ��إِذَ ا هُ َو َي ْق َر ُ�أ عَ لَى حُ �ر ٍ ُيقْرِ ْئنِيهَا رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،فَكِ دْتُ ال�صالةَِ ،فت ََ�ص َّبرْتُ حَ تَّى �سَ لَّمَ َ ،ف َل َّب ْب ُت ُه �أ�سَ ا ِو ُر ُه فِي َّ ِب��رِ دَا ِئ �هَِ ،ف ُقلْتُ :مَ ��نْ أَ� ْق� � َر�أَكَ هَ ��ذِ ِه ال�سُّ و َر َة ا َّلتِي لل َ�صلَّى اللهَّ ُ �سَ مِ ْعتُكَ َت ْق َر�أُ؟ قَالَ � :أَ ْق َر َ�أنِيهَا رَ�سُ ولُ ا ِ
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
القر�آن ،و�إنما هي امتنا ٌن من اهلل عز وجل على هذه الأم��ة ال�ضعيفة بالتي�سير والتخفيف ،كما لفظ الحديث المذكور �آنفًا في م�ضى �صريحً ا في ِ هذه الم�س�ألة.
عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ ،ف ُقلْتُ :كَذَ بْتَ َ ،ف�إِنَّ رَ�سُ ولَ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ قَدْ �أَ ْق َر�أَنِيهَا عَ لَى غَ يْرِ مَ ا َق َر�أْتَ ، فَانْطَ َلقْتُ ِب� ِه َ�أ ُق ��و ُد ُه �إِ َل��ى َر� ُ��س��ولِ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ ،ف ُقلْتُ � :إِنِّي �سَ مِ عْتُ هَ ذَ ا َي ْق َر ُ�أ بِ�سُ و َر ِة ُوف َل��مْ ُتقْرِ ْئنِيهَا؟ َفقَالَ (ا ْل� ُف� ْر َق��انِ ) عَ لَى حُ �ر ٍ رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ �« :أَرْ�سِ ْلهُ ،ا ْق َر�أْ يَا هِ �شَ امُ »َ ،ف َق َر َ�أ عَ َل ْي ِه ا ْل ِقرَا َء َة ا َّلتِي �سَ مِ ْع ُت ُه َي ْق َر�أُ، لل عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ « :كَذَ لِكَ َفقَالَ رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى ا ُ �أُنْزِ لَتْ » ،ثُمَّ قَالَ « :ا ْق َر�أْ يَا عُ َمرُ» َف َق َر�أْتُ ا ْل ِقرَا َء َة ا َّلتِي �أَ ْق� َر�أَ ِن��يَ ،فقَالَ رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ « :كَذَ لِكَ �أُنْزِ لَتْ � ،إِنَّ هَ ذَ ا ا ْل ُق ْر�آنَ أُ�نْزِ لَ عَ لَى �سَ ْب َع ِة �أَحْ ر ٍُف ،فَا ْق َرءُوا مَ ا َتيَ�سَّ َر مِ ْنهُ». ول ُنلْقِ نظر ًة الآن على اختالف النا�س في ذلك ،مع المعنى الراجح ب�أد َّلتِه� ،إن �شاء اهلل عز وجل. النا�س في بيان الأحرف ال�سبعة وقد اختلف ُ اختالفًا عظيمًا :ف�أو�صلها بع�ضهم �إل��ى خم�س ٍة وثالثين قوالً ،يقول ابن الجزري رحمه اهلل :بقيت �أعمل فكري بهذا الحديث ع�شرين �سنة ،ونقَّح ابنُ الجوزي الأق��وال فاختار منها �أربعة ع�شر قوالً، بينما اختار غيره ع�شرة� ،أو �سبعة� ،أو �ستةً� ..إلخ. و�أح� �ج ��مَ بع�ضهم ع��ن ال �ك�لام ف��ي ال�م���س��أل��ة، وزع � ��م �أن� �ه ��ا م ��ن ال �م �ت �� �ش��اب��ه �أو ال�م���ش�ك��ل. اختلف كثي ٌر من العلماء في معنى الأحرف ال�سبعة ولكن القول الذي يميل له القلب ،و�أظنه القولَ الف�صلَ في هذا الأمر ،وهو ما ذهب اليه الإمامُ �أب��و الف�ضل ال ��رازي� ،أن ال�م��راد بهذه الأح��رف ال�سبعة «الأوجه التي يقع بها التغاير واالختالف وهي ال تخرج عن �سبعة»: الأول :اختالف الأ�سماء في الإف��راد والتثنية والجمع والتذكير والت�أنيث مثل -قوله
33
الثالث :اخ �ت�لاف وج ��وه الإع � ��راب ن�ح��و قوله ت �ع��ال��ى} :وال ُت �� �س �ئ � ُل ع��ن �أ� �ص �ح��اب الجحيم{ ،قرئ ب�ضم التاء ورفع الالم على �أن (ال) نافية ،وق��رئ بفتح التاء وجزم الالم هكذا (وال تَ�سئلْ ).
ال��راب��ع :االخ �ت�لاف بالنق�ص وال��زي��ادة كقوله ت�ع��ال��ى} :و� �س��ارع��وا �إل ��ى م�غ�ف��رة من ربكم{ ،ب�إثبات الواو قبل ال�سين ،وقرئ بحذفها (�سارعوا). الخام�س :االخ�ت�لاف بالتقديم والت�أخير كقوله ع��ز وج ��ل} :و َق��ا َت � ُل��وا و ُق � ِت � ُل��وا{ ق��رئ ه� �ك ��ذا ،وق� ��رئ ب �ت �ق��دي��م (و ُق� � ِت� � ُل ��وا) وت�أخير(وقَا َتلُوا). 34
�رف هنا ومَ ��نْ معه ،القائلين ب��أن المراد ب��الأح� ِ اللغات ،والقول الثاني :قول مَ نْ قال� :إِنَّ المراد �رف ال�سبعة ف��ي الحديث ت��أدي��ة المعنى ب��الأح� ِ باللفظ المرادف ،ولو كان مِ نْ لغة واحدة. ِ
ل�ك��ن اخ�ت�ل��ف �أ� �ص �ح��اب ال �ق��ول ف��ي ال�ل�غ��ات لقري�ش، ٍ المق�صودة هنا على التعيين ،فقيل :لغة ول�غ��ة لليمن ،ول�غ��ة لتميم ،ول�غ��ة ل��جُ �رْهُ ��م و... وعلى هذا القول عِ �دَّة �إ�شكاالت ،منها� :أَ َّن��ه لم يح�صر لغات العرب التي فوق ال�سبع؛ لأنَّ لغات العرب �أكثر مِ ن �سبع؛ ولكنهم �أجابوا ب�أَنَّ المراد هنا مِ ن لغات العرب �أف�صحها. �إِذاً ،ما المراد بالحرف هنا؟
�رف هنا :ال � ِق��راءة التي ُت�ق��ر�أُ ال �م��راد ب��ال�ح� ِ ال�ساد�س :االخ�ت�لاف ب��الإب��دال� ،أي جعل حرف ع�ل��ى �أَوجُ � � ��ه ،ه ��ذا م��ا ن �ج��ده ف��ي ل �غ � ِة ال �ع��رب،
اجلوبة -ربيع 1435هـ
أي�ضا على مخت�صا بمو�ضوعنا ،ويُطلق الحرف � ً ًّ الجه ِة والطَّ رَف ،كما يطلق على حَ �ر ِْف الهجاء الخام�س� :أَنَّ الأح��رف ال�سبعة �شي ٌء والقراءات المعروف ،وله �إطالقات �أخرى ،لكن الذي يهمنا ال�سبع التي �صنَّفها بع�ض ال ُقرَّاء �شي ٌء هنا معناه الخا�ص بمو�ضوعنا ف��ي الأح ��رف. �آخ ��ر ،ولي�سا واح�� �دًا ،وق��د َن � َّب��ه على لكن ال بد من التنبيه هنا على �أمور: ذلك الجماعات من �أهل العلم قديمًا وح��دي � ًث��ا ،ك��اب��ن عبدالبر واب��ن حجر الأول� :أنَّ هذه الوجوه هي بمثابة المترادفات وغيرهما.. لمعنًى واحدٍ ،ولي�ست اختالفًا حقيقيًّا �أو اختالف ت�ضادّ ،و�إنما هي اختالف قراءات الأئمة الع�شرة اللفظ للتعبيرِ عن َم ْعنًى واحدٍ ، تنوُّع في ِ و�صلتها بالأحرف ال�سبعة زي��اد ًة في البالغة والف�صاحة وتقرير �إن قراءات الأئمة الع�شرة التي يقر�أ بها النّا�س المعجزة القر�آنية.. اليوم داخلة في الأح��رف ال�سّ بعة التي نزل بها الثاني� :أنها وحي ،ولي�ست من اختيار الب�شر ،القر�آن الكريم ,وورد فيها حديث (�أُنزل القر�آن بل هي جز ٌء مِ ن الوحي ،تلقَّاها النبي على �سبعة �أح ��رف) .وه��ي كلّها ثابتة بطريق �صلى اهلل عليه و�سلم وح� ًي��ا ،وعَ َّلمَها التواتر عن ر�سول اهلل . �أ�صحابُه �صلى اهلل عليه و�سلم ،فبلَّغوها وه��ذه ال �ق��راءات الع�شر موافقة لخط �أح��د مَ نْ بعدَ هم. الم�صاحف العثمانية على الأق��ل التي وجهها الثالث� :أنها متفرِّقة في القر�آن الكريم كله ،وال عثمان �إلى الأم�صار ولو احتماال. �رف �أن كل يعني نزوله على �سبعة �أح� ٍ ال�صحابة عليها وعلى ط��رح ك��ل ما و�أج�م��ع ّ كلمة منه ُتقْر�أ على �سبع ِة �أوجهٍ ،فهذا خالفها ،فلو خالفت ق��راءة منها م�صحفا من مما لم يقل به �أح � ٌد ق��ط ،وق��د �أنكره ه��ذه الم�صاحف وافقت غيره ،فالمعتبر عدم العلماء ونبّهوا عليه ،وقد م�ضى تنبيه مخالفتها جميع الم�صاحف. �أبي عبيد وابن عبدالبر وغيرهما على ا�ستنتاج هذا. �أوال� :إنّ القراءات التي نقر�أ بها اليوم� ,سواء الرابع :ال ي�صح اعتقاد ال��زي��ادة في القراءة ع�ل��ى �سبع ِة �أوج � �هٍ؛ لأ َّن ��ه ل��م ي��زد في ك��ان��ت �سبعية �أم ع�شرية داخ �ل��ة ف��ي الأح��رف الحديث على �سبعةٍ ،وم��ا ذك��روه في ال�سّ بعة كما ذكرنا. نحو }�أ ٍُّف{ زي��اد ًة على ثالثين وجهًا ثانيا�:إن القراءات كلّها على اختالفها منزَ لة كما حُ كِي عن الرماني فال ي�صح ،ف�إما من عند اهلل تعالى ,م�أخوذة بالتلقّي والم�شافهة �أنْ يعود �إلى �سبع ِة �أوجهٍ� ،أو ُي�ؤْخَ ذ منه من فيّ ر�سول اهلل .ال دخل لأحد من الب�شر الأوج��ه ال�سبعة الموافقة للم�صحف ،فيها ,ي �دّل على ذل��ك ق��ول��ه (ك��ذل��ك �أن��زل��ت), اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
تعالى} :وَعَ لَى الَّذِ ينَ يُطِ يقُو َن ُه فِدْ َي ٌة }هنالك تبلو كل نف�س ما �أ�سلفت{، طَ � َع��امُ مِ ���ْ�س��كِ �ي��نٍ { ..ه�ك��ذا ب��الإف��راد ، وق��رئ «مَ �سَ اكِ ين» بالجمع ،ومثل قوله قرئ هكذا بتاء مفتوحة فباء �ساكنة، }ف�أ�صلحوا بين �أخويكم{ ،قرئ هكذا وقرئ بتاءين :الأولى مفتوحة والثانية بالتثنية ،وق��رئ (�إخ��وت�ك��م) بالجمع، �ساكنة (تتلوا). وم�ث��ل ق��ول��ه ت�ع��ال��ى} :وال يقبل منها ال�سابع :االختالف في اللهجات كالفتح والإمالة �شفاعة{ ،ق��رئ هكذا بياء التذكير، والإظهار والإدغام والت�سهيل والتحقيق وقرئ (تقبل) بتاء الت�أنيث. والتفخيم والترقيق ،وكذلك يدخل في الثاني :اختالف ت�صريف الأف�ع��ال من ما�ض هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها وم�ضارع و�أمر نحو قوله تعالى }فمن لغة القبائل( .خُ طُ وات) تقر�أ بتحريك تطوَّع خيرًا{ ،قرئ هكذا على �أنه فعل ال �ط��اء ب��ال���ض��م �أو ت�سكينها ،ونحو م��ا���ض ،وق��رئ (ي��طَّ ��وعْ)ع�ل��ى �أن��ه فعل (البيوت) تقر�أ ب�ضم الباء وك�سرها. م�ضارع مجزوم ،وكذلك قوله تعالى: فهذه �سبعة �أوجه ،ال يخرج االختالف عنها. }ق ��ال رب��ي يعلم ال �ق��ول ف��ي ال�سماء و�سنقت�صر هنا على �أ�شهرِ الأقوال في الم�س�ألةِ. والأر����ض{ ،ق��رئ هكذا على �أن��ه فعل وبعد البحث والتمحي�ص ور ِّد النَّظير �إلى نظيره، ما�ض ،وقرئ (قل) على �أنه فعل �أمر .ر�أيتُ �أن �أ�شهر الأقوال في الم�س�ألة :قول �أبي عبيد مكان حرف كقوله تعالى:
و ُي ْترَك ما �سواها.
35
اجلوبة -ربيع 1435هـ
وقد �أ�صبح من المُ�سَ لّم به �أن باب االجتهاد منقطع تماما فيما يتعلق برواية القر�آن الكريم تالوته و�أدائ ��ه ،ولي�س لعلماء ال�ق��راءة في هذا الباب �أدنى اجتهاد� ,إال في حدود �ضبط الّرواية عن المع�صوم �صلى اهلل عليه و�سلم. وبذلك ،ف��إن �سائر القراءات المتواترة قر�أ و�أق��ر�أ بها ،ويلزم الت�سليم هنا بها النّبيّ �أن النبيّ قر�أ بتحقيق الهمزات ,وت�سهيلها, و�إ�سقاطها ,وقر�أ بالفتح والتقليل والإمالة ,وقر�أ بالإدغام ال�صغير والكبير. ذلك كله من ر�سول اهلل فلي�س لأحد كائنا من كان �أن يقر�أ ح�سب هواه ،فيغير عبارة �أو ي�أتي باللفظ ال�م�ت��رادف ،وق��د ق��ر�أ ر��س��ول اهلل ب�سائر الفر�شيات التي تن�سب �إلى الأئمة الع�شرة، وج��رى ك��ل وج��ه ج��اء م��ن النبي على �أن��ه وحي مع�صوم ،له ما لأخيه من منزلة في الحجة والداللة وجواز التعبّد0 ث��ال�ث�اً� :أن ��ه ال ي�ج��وز للم�سلمين �أن يجعلوا اختالف ال�ق��راءات مثار ن��زاع وج��دل ,وال �سبب ت�شكيك وتكذيب ,لأن ن��زول ال �ق��ر�آن على هذه الوجوه المختلفة لحكمة التهوين والتي�سير على الأمّة ،فال ينبغي لها �أن تجعل من الي�سر ع�سرا، ومن ال�سعة �ضيقا ،ومن المنحة محنة ،وي�ؤخذ هذا من حديث ر�سول اهلل في حديث عمرو ابن العا�ص «وال تماروا فيه ،ف�إنّ المراء فيه كفر �أو �آية من الكفر» م�سند الإمام �أحمد.
�إن اختيار كل �إمام من الأئمة الع�شرة لقراءة معينة ال يمنع من اختيار الإمام الآخر لقراءته وال ينكرها عليه ،بل يعتقد �صحتها .وتواترها ويجيز قراءتها والإق ��راء بها ,بل يقر�أ هو بها ويُتعبّد بتالوتها �أي�ضا. ترى هل القراءات الع�شر التي نقلت �إلينا في القرن الع�شرين هي الحروف ال�سبعة �أم بع�ضها؟ �أم �إنها حرف واحد من الأحرف ال�سبعة؟ كل هذه الأ�سئلة خا�ض فيها العلماء ،ومنهم مَ ن قال �إن القراءات المنقولة �إلينا هي الأحرف ال�سبعة .ولكنّ كثير ًا من القراءات انقطع �إ�سنادها مع كونها مدونة في كتب ال�ق��راءات ،فاعتبرت قراءات �شاذّة ,وهي من الأحرف ال�سبعة� ,إال �أننا ال نقر�أ بها اليوم لعدم ات�صال �سندها.
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
36
وق��ول��ه ال �م �خ��ال��ف ل���ص��اح�ب��ه� :أق��ر�أن �ي �ه��ا ر��س��ول اهلل ,و�إق� ��رار ال� ّر��س��ول ل�ك� ّل على ذل��ك. حتى �شاعت القاعدة الم�شهورة لعلماء القراءة: تعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات ,وذلك �ضرب من �ضروب البالغة يبتدئ من جمال هذا الإيجاز ،وينتهي �إلى كمال الإعجاز. �أ�ضف �إل��ى ذل��ك ما في تنوّع ال �ق��راءات من البراهين ال�ساطعة ،والأدل��ة القاطعة على �أن ال�ق��ر�آن من عند اهلل ,وعلى �صدق مَ ��ن ج��اء به وهو ر�سول اهلل ؛ ف�إن هذه االختالفات في ال �ق��راءة على كثرتها ال ت ��ؤدي �إل��ى تناق�ض في المقروء وت�ضادّ؛ بل القر�آن كله على كثرة قراءاته ي�صدق بع�ضه بع�ضا ،وي�شهد بع�ضه لبع�ض ,وذلك من غير �شكّ يفيد تعدد الإعجاز بتعدد الحروف والقراءات .فالقر�آن يعجز �إذا قرئ بهذه القراءة، ويعجز �أي�ضا �إذا قرئ بقراءة ثانية وثالثة وهلمّ ج�رّا ...وال ريب �أن ذلك �أدلّ على �صدق محمّد ,لأنه �أعظم في ا�شتمال القر�آن على مناح جمّة في الإعجاز والبيان على كل حرف ووجه, } ِل َي ْهلِكَ مَ نْ هَ لَكَ عَ نْ َب ِّي َن ٍة َويَحْ يَى مَ نْ حَ يَّ عَ نْ َب ِّي َنةٍ{ الأنفال .42 ثم �أ�ضف �إلى ذلك �أنه لو �صحّ لأحد �أن يغير من القر�آن ما �شاء بمرادف ,لبطلت قر�آنية القر�آن و�أنه كالم اهلل ،ولما تحققّ قوله تعالى�} :إِنَّا نَحْ نُ َن َّز ْلنَا الذِّ ْك َر َو�إِنَّا َل ُه لَحَ افِظُ ونَ { الحجر .9 ثم �إن التبديل والتغيير م��ردود من �أ�سا�سه َات لقوله �سبحانه } َو�إِذَ ا ُت ْت َلىٰ عَ َل ْيهِمْ �آيَا ُتنَا َب ِّين ٍ قالَ الَّذينَ ال َيرْجونَ لقاءَنا ائْتِ ِب ُق ْر�آنٍ غَ يْرِ هذا �أَ ْو بَدِّ ْلهُ ،قُلْ ما يَكونُ لي �أَنْ �أُبَدِّ َل ُه مِ نْ ِت ْلقَا ِء َنفْ�سِ ي اف ِ �إنْ عَ َ�صيْتُ �إِنْ �أَ َّت ِب ُع �إ اَِّل مَ ا يُوحَ ى �إِلَيّ َ� ،إِنِّي �أَخَ ُ َربِّي عَ ذَ ابَ َيوْمٍ عَ ظِ يمٍ { يون�س .15
ف�إذا كان �أف�ضل الخلق تحرّج من تغيير القر�آن وتبديله؛ فكيف ي�سوغ لأحد -مهما كان �أمره � -أنّ يبدّل فيه ويغير بمرادف �أو غير مرادف؟ }�سُ بْحَ ان ََك هَ ذَ ا ُب ْهتَا ٌن عَ ظِ يمٌ{ النور .16
راب�ع��ا� :أن��ه �إذا �أ�ضيفت �أي��ة ق��راءة �إل��ى �أي �صحابيّ فقيل هذه قراءة �أبيّ بن كعب� ,أو قراءة عبداهلل بن م�سعود� ,أو قراءة عليّ بن �أبي طالب, وهكذا ..فلي�س معنى الإ�ضافة �أن ال�صحابي ال يعرف غير هذه القراءة� ,أو �أن القراءة لم ترو �إال عنه� ،أو �أنه ابتدعها من تلقاء نف�سه ،بل يعني ال�صحابي كان �أ�ضبط لهذه القراءة و�أكثر �أن ّ قراءة بها و�إق��راء بها فا�شتهر بها و�أخذت عنه, وهذا ال يمنع �أن يعرف غيرها ..ف�إن �أيّ قراءة ن�سبت �إلى �شخ�ص ما من القرّاء قد قر�أها غيره ممن ال يح�صون ع��ددا ،و�إنما ن�سبت �إليه لأنه �أم�ضى حياته ب�إقرائها ،فعرف بها وا�شتهرت عنه ،و�أخ��ذت عنه فن�سبت �إليه ..كما يقول ابن الجزري رحمه اهلل ن�سبة اختيار ولزوم ودوام ,ال ن�سبة اختراع ور�أي واجتهاد وتتميما .لكل ما تقدم نقول:
�إذ ًا القراءات الع�شرة التي بين �أيدينا لي�ست هي الأحرف الّ�سبعة كلّها بل هي منها .فقد �أقر�أ كال «ح�سب لهجة قبيلته� ,أقر�أ ر�سول اهلل ال�صحابة التابعين بعدهم ,والتابعون �أق��ر�ؤوا ّ تابعي التابعين وهكذا ك ّل واح��د ح�سبما تعلّم، حتى ظ�ه��رت طبقة م��ن ال � �رّواة �أ��ص�ح��اب همّة عالية ،فلم يكتفوا بالقراءة والأخ��ذ عن �شيخ واحد ،بل �صاروا يذهبون �إلى �أكثر من �شيخ حتى غدوا �أئمة الإقراء في زمانهم ،وطالت �أعمارهم، وق�صدهم النا�س من �أقا�صي المعمورة ينقلون عنهم القراءة .وقد قيّ�ض اهلل تعالى لهذا القر�آن ق���راء ع��ظ��م��اء ،وك���ان ع��ن��ده��م ت�لام��ي��ذ نجباء الزموهم و�أخذوا منهم ،حتى �إن قالون قر�أ على �شيخه نافع ع�شرين �سنة ،حتى م ّل �سيدنا نافع وقال له في حرم ر�سول اهلل � :إلى متى تقر�أ عليّ ؟؟ اذهب �إلى تلك الأ�سطوانة حتى �أر�سل لك مَ ن يقر�أ عليك فقد �أ�صبحت �شيخاً». و�إن �أول م��ن �أ ّل��ف ف��ي ال �ق��راءات ال�سّ بع هو الإمام العظيم �أبو بكر بن مجاهد المتوفى عام 325للهجرة ،ويقول عنه القرّاء �إنه �أول مَ ن �سبع ال�سبعة� ،أي �أول من جمع القراءات ال�سّ بع. ف�ق��د ج�م��ع الإم� ��ام اب��ن م�ج��اه��د رح�م��ه اهلل القراءات ال�سبع من �أ�شهر القراء الذين و�صلت �أ�سانيدهم �إليه وو�ضعها في كتاب �سماه (ال�سّ بعة في القراءات) ،ف�صار بع�ض العوام بعد وفاة ابن مجاهد يظنّون �أن الأح��رف ال�سّ بعة التي �أنزل عليها القر�آن هي القراءات ال�سبع التي ذكرها اب��ن مجاهد ف��ي كتابه ,وه��ذا ال ��ر�أي بعيد عن ال�صواب ومخالف للإجماع ،وذلك لأمرين: الأول� :أن الأئمة ال�سبعة لم يكونوا قد وجدوا على ظهر الدنيا �إبّان نزول الأحرف ال�سبعة.
37
38
�أن قراءات الأمة ال�سّ بعة بل الع�شرة التي يقر أ� 1.1قراءة نافع المدني براوييه� :إذ يقر�أ �أهل ليبيا وبع�ض تون�س وم�صر برواية قالون عن نافع. بها اليوم هي جزء من الأحرف ال�سّ بعة التي نزل بها القر�آن ,وهي جميعها موافقة لخط م�صحف ويقر�أ �أهل المغرب كلها والجزائر كلها وبع�ض عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه. م�صر وتون�س وال���س��ودان ب��رواي��ة ور���ش عن نافع. قال مكيّ بن �أب��ي طالب رحمه اهلل في بيان هذه الم�س�ألة :ف�أما من ظنّ �أن قراءة ك ّل واحد 2.2رواي��ة حف�ص عن عا�صم :انت�شر ت ب�شكل من ه ��ؤالء القراء كنافع ,وعا�صم ،و�أب��ي عمرو كبير ف��ي جميع الم�شرق (ال �ع��راق وال�شام التي ن�ص عليها النّبيّ ،فذلك خط�أ عظيم وم�صر وت��رك�ي��ا وال�ه�ن��د وباك�ستان والهند لأن فيه �إبطاال للعمل ب�شئ من الأحرف الّ�سبعة, و�أفغان�ستان). و�أن يكون عثمان ما �أفاد فائدة بما �صنع من حمل 3.3ق ��راءة �أب��ي عمر وال�ب���ص��ري :ف��ي ال�سودان النّا�س على م�صحف واحد وحرف واحد.. ال �م �ج��اور لم�صر ,وب�ع����ض �أري �ت��ري��ا وت�شاد والخرطوم.مع �أنها كانت القراءة التي عليها قال ابن تيمية ،رحمه اهلل :ال نزاع بين العلماء �أهل ال�شام واليمن وم�صر زمن ابن الجزري، المعتبرين �أن الأح��رف ال�سبعة التي ذكر النبيّ رحمه اهلل ،لكنّها لم تكد تجد �أح��دا يتقن لي�ست هي قراءات القراء ال�سّ بعة. حرفها حتى تراجعت القراءة بها.. ولنعلم �أن الأئمة قد �أودع��وا كتبهم ما و�صل المراجع: �إليهم من ال�ق��راءات ال�صحيحة ال�سّ ند ,فابن مجاهد و�صلته �سبع قراءات ف�ألّف كتاب «ال�سبعة -كتاب الب�سط في القراءات الع�شر� ،سمر الع�شا. في القراءات» ,وابن غلبون و�صلته ثماني قراءات -الوافي في �شرح ال�شاطبية ،ال�شيخ عبدالفتاح القا�ضي. �أودعها كتابه «التذكرة» ،وكذلك كتاب «المبهج» -محا�ضرات ال�شيخ �أيمن �سويد. اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الثاني� :أن الأحرف نزلت في �أول الأمر للتي�سير على الأمة ،فكان ر�سول اهلل ي�سمح لل�صحابة بالقراءة بالمترادف من الكلمات؛ ت�سهيال على ال�ع��رب ،حتى تتع�شق قلوبهم ال�ق��ر�آن.ف�ق��د �سمح بقراءة (وتكون الجبال كال�صوف المنفو�ش) بدال من }كالعهن المنفو�ش{ ،لأنه لي�س من عادة قبيلته �أن يقولوا العهن بل ال�صوف ،ثم منع ذلك ون�سخ و�أخيراً ،نود التنويه �أنه من النّاحية النّظرية منها بالعر�ضة الأخيرة من القر�آن؛ ما حدا بالخليفة هناك ع�شر قراءات �صحيحة متواترة. عثمان بن عفان �إلى كتابة الم�صاحف التي بعثت �أما من الّناحية العملية ف�إنه ال توجد �إال ثالث �إلى الأم�صار و�أحرق ما عداها من الم�صاحف. ق��راءات متواترة حيّة مقروءة ي�أخذها جيل عن وال�صواب جيل وهي: ل�سبط الخياط فيه �إحدى ع�شرة قراءة� ,أما كتاب «الكامل» لأبي القا�سم الهذلي فهو �أو�سع كتاب في القراءات فيه خم�سون قراءة ,الع�شر قراءات المعروفة المتواترة ,و�أربعون ق��راءة �شاذة مما انقطع �إ�سنادها؛ لأنها لم يتهي�أ لها مَ ن ينقلها �إلى الأجيال من بعدهم..
ال�سبعة التعريف بال ُق ّراء ّ ■ د.حم ّمد العيا�صرة -جامعة اجلوف
الحمد هلل ربِّ العالمين ،وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف المر�سلين ،وخاتم النبيين� ،سيدنا محمد ،وعلى �آله و�صحبه �أجمعين. بعث اهلل �سبحانه وتعالى محمداّ ر�سو ًال خاتماً �إلى الب�شرية جمعاء ،وابتد�أ نزول القر�آن عليه في ليلة القدر على مدى ثالث وع�شرين �سنة .وكان �إذا نزل علية جبريل عليه ال�سالم بالآيات القر�آنية يُحرِّك ل�سانه و�شفتيه ليُ�سرِع في حفظها؛ في�شُّ ق عليه ذلك ،فتعهّد ل ُه هلل �أنْ يُحفِّظَ ُه ما نزل .فكان �إذا �أتاه جبريل علية ال�سالم ا�ستمع الآيات ،ف�إذا ذهب عنه قر�أها ا ُ كما وعده اهلل تعالى؛ و�أمر بكتابتها ،ويُخبر �صحابته -ر�ضوان اهلل عليهم -بمو�ضع الآيات من ال�سور .وكان �صحابة ر�سول اهلل يحفظونه بعد نزوله فوراً؛ وفي كل عام من رم�ضان كان جبريل عليه ال�سالم يُعر�ض القر�آن مع النبيِّ مرة واحدة �إ ّال في ال�سّ نة التي تُوفي فيها � ،إذ عر�ض عليه القر�آن مرتين(.)1 ومن المعلوم� ،أنَّ المرتكز في نقل كتاب اهلل تعالى على الحفظ في ال�صدور �أوالً ،ثُمَّ الحفظ في ال�سطور .ولمَّا مات النبيّ خرج جماعة من ال�صحابة في �أيام �أبي بكر وعمر – ر�ضي اهلل عنهما – �إل��ى م��ا افتتح م��ن الأم���ص��ار، ليُعلِّموا النا�س القر�آن والدين؛ فعلَّم كل واحدٍ منهم مِ �صرَه على ما كان يقر�أ على عهد النبي ؛ فاختلفت قراءة �أهل الأم�صار على نحو ما اختلفت قراءة ال�صحابة الذين علَّموهم»(.)2
وبعد �سنة واحدة من خالفة عثمان ،ر�ضي اهلل عنه ،ا�ست�شرى الخالف بين الم�سلمين في القراءات ،فقال حذيفة( )3لعثمان ،ر�ضي اهلل عنهما« :يا �أمير الم�ؤمنين �أدرك هذه الأُ َّم��ة قبل �أن يختلفوا في الكتاب اختالف اليهود وال �ن �� �ص��ارى»()4؛ ف�شكّل عثمان لجنة لكتابة القر�آن الكريم ،وكانت اللجنة مكونة من :زيد ب��ن ث��اب��ت ،وع �ب��داهلل ب��ن ال��زب�ي��ر ،و�سعيد بن العا�ص ،وعبدالرحمن بن ال�ح��ارث؛ ف�أخذوا الم�صحف ون�سخوا منه �سبع نُ�سخ ،و�أر�سلها �إلى اجلوبة -ربيع 1435هـ
39
40
الإمام الأول :نافع المدني (ت 169هـ): ه��و الإم ��ام نافع ب��ن عبدالرحمن ب��ن �أب��ي نُعيم� ،أبو عبدالرحمن الليثي موالهم المدني، و�أحد القراء الع�شرة ،و�إمام القراء في المدينة النبوية ،ولد نحو 70هـ ،وتوفي في المدنية عام 169هـ؛ وهو من الطبقة الثالثة بعد ال�صحابة؛ وكان �أ�سود اللون حالكاُ؛ عالم ًا خا�شع ًا مجاب ًا في دع��ائ��ه� ،إم��ام� ًا في علم ال�ق��ر�آن وف��ي علم العربية(.)8 قال عنه مالك بن �أن�س« :نافع �إمام النا�س في ال�ق��راءة»؛ وق��ال �سعيد بن من�صور -وهو �أحد تالميذ الإمام نافع�« :-سمعت مالكا يقول ق��راءة نافع �سنّة»؛ قال عبداهلل بن �أحمد بن حنبل� :س�ألت �أبي� :أيّ القراءة �أحبّ �إليك .قال: قراءة �أهل المدينة � -أي قراءة الإمام نافع - قلت ف��إن لم يكن ،ق��ال :ق��راءة الإم��ام عا�صم اجلوبة -ربيع 1435هـ
الإمام الثاني :ابن كثير المكي (ت197هـ): ه��و ع �ب��داهلل ب��ن كثير ب��ن ع �م��رو ال ��داري المكيّ ،فار�سي الأ�صل ،كان من �أبناء فار�س الذين بعثهم ك�سرى �إلى اليمن ،فطُ رِ دوا عنها �إلى الحب�شة ،ثُمَّ ا�ستوطن في مكة ،وكان بها عطار ًا(.)13 ��ش�ه��د ل��ه �أق ��ران ��ه ب��ال�ع�ل��م وال �ف �� �ض��ل ،ق��ال الأ�صمعي :قلتُ لأب��ي عمرو الب�صري« :ق��ر�أت على ابن كثير ،قال :نعم ،ختمتُ على ابن كثير بعد ما ختمت على اب��ن مجاهد ،وك��ان �أعلم بالعربية من ابن مجاهد(.)14 ف��اب��ن كثير �أح ��د الأئ �م��ة ال�سبعة ،و�إم ��ام المكيين في القراءة� ،أخذ القراءة عر�ض ًا عن عبداهلل بن ال�سائب ،وع��ن مجاهد بن جبير المكي ،وعن دربا�س مولى ابن عبا�س(.)15 والجدير ذك��ره �أنَّ اب��ن كثير ك��ان ف�صيح ًا
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الأم�صار ،و�أر�سل مع كل م�صحف رج ًال عالم ًا خبير ًا يُعلِّم النا�س ما في هذا الم�صحف من كالم؛ لأنَّ العُمدة فيه على التلقّي والم�شافهة(.)5 ثُمّ تلقى التابعون القراءات عن ال�صحابة، وتلقى تابعو التابعين ذلك عن كبرائهم( ،)6ولم يخلُ ع�صر من الأع�صار من فحولٍ مدققين، و�أئ�م��ة محققين ،ه��م �أه��ل ال �ق��ر�آن العارفون العاملون المتفرغون لتعليم القر�آن الكريم، فارتحل �إليهم النا�س ليتعلّموا منهم القر�آن، و�أط�ب��ق �أه��ل بلدانهم على ق��راءت�ه��م ،واهتم العلماء بها تدوين ًا وجمع ًا وتوجيهاً ،وكان من �أب��رزه��م ال �ق��راء الع�شرة ال��ذي��ن رزق�ه��م اهلل �صبر ًا عجيب ًا على القراءة والإق��راء ،فحفلت كتب الطبقات والتراجم( )7ب�أخبارهم ،وبيان �أحوالهم.
الكوفي(.)9 وتجدر الإ�شارة �إلى �أنَّ الإمام نافع ًا كان �إذا تكلَّم يُ�ش ُّم من فِي ِه رائحة الم�سك؛ فقيل له: �أتتطيب كلما قعدتَ تُقرئُ النَّا�س؟ فقال� :إنِّي ال �أقرب الطيب وال �أم�سَّ هُ ،ولكن ر�أيتُ فيما يرى النائم �أنَّ النبيّ يقر�أُ في فِيَّ ،فمن ذلك الوقت يُ�ش ُّم من فمي هذه الرائحة(.)10 وممّا ذُ كر عن الإم��ام نافع �أ َّن��ه قر�أ القر�آن على �سبعين من التابعين ،منهم� :أب��و جعفر يزيد ب��ن القعقاع ،وعبدالرحمن ب��ن هرمز الأع� ��رج ..كما روى ال �ق��راءة عنه ط��وائ��ف ال يح�صى عددهم ،ومِ مَن تلقّوا عنه الإمام مالك ابن �أن�س ،والليث بن �سعد 169هـ ،ومن �أ�شهر رواته «قالون»( ،)11و«ور�ش»(.)12
بليغ ًا مفوّها ،عليه ال�سكينة وال��وق��ار ،وك��ان عبدالعزيز ال���دوري( ،)22و�صالح بن زي��اد بن قا�ضي الجماعة ف��ي مكة ،و�إم ��ام النا�س في عبداهلل ال�سو�سي(.)23 القراءة بها ،لم ينازعه فيها منازع ،ومن �أ�شهر الإمام الرابع :ابن عامر ال�شامي (ت رواته� :أحمد بن محمد بن عبداهلل البزي «170 118هـ): 250ه � � �ـ»( ،)16ومحمد ب��ن عبدالرحمن بنهو عبداهلل بن عامر بن يزيد بن تميم بن محمد المكيّ ولد �سنة «291 – 195هـ» ولقبه ربيعة اليح�صبي ،ن�سبه �إلى يح�صب بن دهمان قنبل(.)17 ويُكنى ب�أبي عمرانُ ،ولِد في قرية (ارحاب) في قال ابن مجاهد :ولم يزل عبداهلل بن كثير المفرق ،ثُمَّ رحل �إلى دم�شق وعمره ت�سع �سنين، هو الإم��ام المجتمع عليه في القراءة في مكة �إمام �أهل ال�شام في القراءة ،والذي �إليه انتهت حتى مات فيها �سنة ع�شرين ومائة رحمه اهلل م�شيخة الإقراء بها بعد وفاة �أبي الدرداء ،و�أحد تعالى(.)18 القراء ال�سبعة و�أعالهم �سنداً� ،أمَّ الم�سلمين في الجامع الأموي �سنين كثيرة زمن عمر بن الإمام الثالث� :أبو عمرو الب�صري (154هـ): عبدالعزيز وقبله ،ولجاللته في العلم والإتقان هو ز َّب��ان بن العالء بن عمَّار بن ال ُعرْيان جمع له الخليفة بين الق�ضاء والإمامة ،وم�شيخة التميميّ المازنيّ ،المُقرئ النحوي الب�صري الإقراء في دار الخالفة «دم�شق» محط رحال الإم ��ام� ،أح��د ال�ق��راء ال�سبعة ،وك��ان لجاللته العلماء والتابعين ،ف�أجمع النا�س على قراءته ال ي�س�أل عن ا�سمه ،وك��ان من �أ�شراف العرب وعلى تلقيها بالقبول ،وهم ال�صدر الأول الذين ووجوهها ،مدحه الفرزدق وغيره من ال�شّ عراء ،هم �أفا�ضل الم�سلمين(.)24 وك��ان �أعلم النا�س بالعربية وال �ق��ر�آن ،و�أي��ام قر�أ ابن عامر على �أبي ها�شم المغيرة بن العرب وال�شعر مع ال�صدق والأمانة والثقة(� .)19أبي �شهاب ،وعلى �أبي الدرداء ر�ضي اهلل عنه، وقال ابن كثير في البداية والنّهاية« :كان ومن �أ�شهر روات��ه :ه�شام بن عمار الدم�شقي �أب��و عمرو عالّمة زمانه في القراءات والنحو �إمام �أهل دم�شق وعالمهم وقارئهم ومفتيهم، وعبداهلل بن �أحمد بن ب�شر بن ذكوان الدم�شقي والفقه ومن كبار العلماء العاملين»(.)20 ()25 المُقرئ� ،إمام الجامع الأموي . �أخ ��ذ ال��ق��راءة ع��ن �أه ��ل ال �ح �ج��از ،و�أه��ل الب�صرة ،فعر�ض في مكة على مجاهد و�سعيد الإمام الخام�س :عا�صم الكوفي (ت137هـ): اب��ن جبير وع�ط��اء ،واب��ن كثير ..وع��ر���ض في الب�صرة على يحيى بن يعمر ،ون�صر بن عا�صم هو عا�صم بن بهدلة �أب��ي النَّجود ،الإم��ام والح�سن وغيرهم ،وقر�أ عليه خلق كثير؛ منهم :الكبير مقرئ الع�صر� ،شيخ القراء بالكوفة، ال�صمعي ،وعبداهلل بن مبارك ،تُوفي رحمه �أحد ال�سبعة ،قر�أ القر�آن على �أبي عبدالرحمن اهلل �سنة �أربع وخم�سين ومائة(.)21 ال�سُّ لمي ،ووزر ب��ن حبي�ش الأ� �س��دي ،وح��دَّ ث و�أ�شهر من روى قراءته :حف�ص بن عمر بن عنهما ،وع��دّه �أ�صحاب التراجم والطبقات
41
الإمام ال�ساد�س :حمزة الكوفي (ت156هـ): هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن �إ�سماعيل الكوفي التميمي ،ويُكنى ب�أبي عمارة� ،أحد الأئمة ال�سبعة ،يُعرف بالزيات لأنه كان يجلب الزيت من العراق �إلى حلوان ،ويجلب الجبن والجوز منها �إلى الكوفة ،يُع ُّد �إمام النا�س في القراءة بالكوفة بعد عا�صم والأعم�ش ،وكان ثقة حجة، قيم ًا بكتاب اهلل تعالى ،ب�صير ًا بالفرائ�ض، عارف ًا بالعربية ،حافظ ًا للحديث(.)27 ق��ال ل��ه �أب��و حنيفة ي��وم �اً�« :شيئان غلبتنا فيهما ال ننازعك في واح��دٍ منهما ،ال�ق��ر�آن، والفرائ�ض» ،وكان �شيخه الأعم�ش �إذا ر�آه مقب ًال يقول« :ه��ذا حبر ال �ق��ر�آن» ،ور�آه يوم ًا مقب ًال فقال« :وب�شر المح�سنين» ،وقال �سفيان الثوري: «ما قر�أ حمزة حرف ًا من كتاب اهلل �إال ب�أثر»(.)28 وروى عنه القراءة �أُنا�س كثيرون؛ �أ�شهرهم: خلف بن ه�شام بن ثعلب الأ��س��دي البغدادي البزاز ،وخالد بن خالد ال�شيباني ال�صيرفي الكوفي»(.)29
هو الإم��ام علي بن حمزة بن عبداهلل بن عثمان الك�سائي ،ويُكنى ب�أبي الح�سن ،ويُلقب بالك�سائي لأنه �أحرم في ك�ساءٍ ،تُوفي الك�سائي �سنة ت�سع وثمانين ومائة على �أ�شهر الأق��وال عن �سبعين �سنة� ،أح��د القراء ال�سبعة ،وكان �إم��ام النا�س في القراءة في زمانه ،و�أعلمهم بالقراءة ،و�أ�ضبطهم لها ،وانتهت �إليه ريا�سة الإقراء بالكوفة بعد الإمام حمزة(.)30 ق��ال �أب��و بكر ب��ن الأن �ب��اري« :اجتمعت في الك�سائي �أم���ور :ك��ان �أع �ل��م ال�ن��ا���س بالنحو، و�أوح��ده��م ف��ي ال �غ��ري��ب ،و�أوح� ��د ال�ن��ا���س في القر�آن ،فكانوا يكثرون عنده فيجمعهم ويجل�س على كر�سي ،ويتلو القر�آن من �أول��ه �إلى �آخره وه��م ي�سمعون وي�ضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ»(.)31 وللك�سائي م�ؤلفات عدة في القراءات والنحو ذكر العلماء �أ�سماءها ولكن لم نرها ،ولم نعرف �شيئ ًا عنها ..و�أ�شهر من روى قراءته :الليث بن خالد المروزي البغدادي ،وحف�ص الدوري.
( )1انظر الأحاديث الواردة في معار�ضة القر�آن في� :صحيح البخاري في «كتاب ف�ضائل القر�آن» ،باب كان جبريل يعر�ض القر�آن على النبيّ �صلى اهلل عليه و�سلم ،102 ،101/6 :وابن �شامة :المر�شد الوجيز.96 : ( )2مكي بن �أبي طالب :الإبانة عن معاني القراءات.37 : ( )3حذيفة بن اليمان ،المعروف باليماني� ،صحابي جليل ،وهو �صاحب �س ِّر النبي .انظر :ابن حجر :الإ�صابة– 332/1 : .333 ( )4من حديث �أخرجه البخاري في �صحيحه « كتاب :ف�ضائل القر�آن» ،باب :جمع القر�آن «.99/6 : ( )5يُنظر :البنا الدمياطي :اتحاف ف�ضالء الب�شر.67/1 : ( )6يُنظر :مكي بن �أبي طالب :الإبانة عن معاني القراءات ،31 – 23 :و�أبو �شامة المقد�سي :المر�شد الوجيز.155 : ( )7يُنظر :تراجم القُراء في الذهبي :معرفة القراء الكبار ،وابن الجزري :غاية النهاية ،لترى كيف كانت همم القوم. ( )8يُنظر :ابن مجاهد :ال�سبعة ،63 :وابن الجزري :غاية النهاية.331/2 :
42
اجلوبة -ربيع 1435هـ
( )9يُنظر :الذهبي� :سير �أعالم النبالء ،336/7 :وابن العماد� :شذرات الذهب.270/1 : ( )10يُنظر :ابن خلكان :وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان.368/5 : ( )11لقبه نافع «قالون» لجودة قراءته ،ومعناه جيد بالرومية ،وهو عي�سى بن مينا بن وردان الزُّرقي «220 – 120هـ» ،قارئ �أهل المدينة في زمانه ونحويُّهم� ،أجل �شيوخه نافع ،وقر�أ عليه ب�شر كثير ،منهم ولدي ِه �أحمد و�إبراهيم .يُنظر :معرفة القرَّاء الكبار ،156-155/1 :وابن الجزري :غاية النهاية.616-615/1 : ( )12هو عثمان بن �سعيد الم�صري « 197-110ه �ـ» ،لقَّب ُه �شيخه نافع بور�ش ل�شدة بيا�ضه ت�شبيه ًا بالطائر المعروف بور�شان� ،شهد له العلماء ب�أنّه ح�سن ال�صوت ،جيد القراءة ال يمله �سامع ،مع براعته في العربية ومعرفته بالتجويد، ت�صدر للإقراء زمان ًا ف�أخذ عنه جماعة كثيرة منهم :يون�س بن عبدالأعلى ،ويو�سف بن عمرو الأزرق .يُنظر :ابن الجزري :غاية النهاية ،503-502/1 :والذهبي :معرفة القراء الكبار.155-152/1 : ( )13يُنظر :ابن �سعد :الطبقات الكبرى ،484/5 :والذهبي� :سير �أعالم النبالء.445-443/5 : ( )14يُنظر :الذهبي� :سير �أعالم النبالء ،318/5 :وابن خلكان :وفيات الأعيان )2( .41/3 :يُنظر :ابن الجزري :غاية النهاية.443/1 : ( )15الذهبي :معرفة القراء الكبار.80-79/1 : (� )16أحمد بن محمد بن عبداهلل بن �أبي بزَّة المكي ،مُقرئ مكة ،وم�ؤذن الم�سجد الحرام� ،أخذ القراءة عن �أبيه ،وعكرمة ابن �سليمان و�آخرين ،يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار ،178-173/1 :وابن الجزري :غاية النهاية-119/1 : .120 (� )17شيخ القراء في الحجاز بزمانهُ ، ،لقِبَ بقنبُل؛ لأنه من بيت بمكة يُقال له :القنابلة� ،أخذ القراءة عن البزي وغيره، وعنه خلق كثير /منهم� :أبو بكر ابن مجاهد ،وابن �شنبوذ .يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار.230/1 : ( )18يُنظر :الزركلي :الأعالم .115/4 :والذهبي� :سير �أعالم النبالء ،320/5 :وابن العماد� :شذرات الذهب.157/1 : ( )19يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار.105 – 101/1 : ( )20ابن كثير :البداية والنهاية120/10 : ( )21يُنظر :الذهبي� :سير �أعالم النبالء ،410- 407/6 :وابن الجزري :غاية النهاية.292 – 288/1 : (� )22إمام القراء في ع�صره ،ثقة مثبت كبير �ضابط� ،أول من جمع القراءات و�صنف فيها ،قال الأهوازي�« :إنه رحل في طلب القراءات ،وقر�أ ب�سائر الحروف متواترها و�صحيحها و�شاذها و�سمع من ذلك �شيئ ًا كثيراً ،وق�صده النا�س من الآفاق لعلو �سنده و�سعة علمه» ،من م�صنفاته�« :أحكام القر�آن وال�سنن»« ،ما اتفقت �ألفاظه ومعانيه من القر�آن»، «ف�ضائل القر�آن» ،توفي في �شواال �سنة �ست و�أربعين ومائتين .يُنظر :ابن الجزري :غاية النهاية،257 – 255/1 : والداودي :طبقات المف�سرين.163 – 162/1 : ( )23هو �أبو �شعيب ال�سو�سي الرثي ،توفي �سنة «261هـ» ،مقرئ� ،ضابط ،محرر ،ثقة� ،أخذ القراءة عر�ض ًا و�سماع ًا على �أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي وهو من �أجلِّ �أ�صحابه و�أكبرهم ،وروى عنه القراءة �أحمد بن �شعيب الن�سائي الحافظ ،ومو�سى بن جرير ،ومحمد بن �إ�سماعيل القر�شي ،و�آخ��رون .يُنظر :الزركلي :الأع�لام ،191/3 :وابن الجزري :غاية النهاية.332/1 : ( )24يُنظر :ابن �سعد :الطبقات الكبرى ،449/7 :والذهبي :معرفة القراء الكبار ،86 – 82/1 :وابن الجزري :غاية النهاية.425 – 423/1 : ( )25يُنظر :الذهبي� :سير �أعالم النبالء.293 – 292/5 : ( )26يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار ،4)- 88/1 :وابن الجزري :غاية النهاية.349 – 346/1 : ( )27يُنظر :ابن عماد الحنبلي� :شذرات الذهب في �أخبار من ذهب400/2 : ( )28يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار.140/1 : ( )29يُنظر :ابن الجزري :غاية النهاية..255 – 254/1 : ( )30يُنظر :الذهبي :معرفة القراء الكبار.128 – 120/1 : ( )31يُنظر :ابن عماد الحنبلي� :شذرات الذهب في �أخبار من ذهب ،321/1 :وابن الجزري :غاية النهاية.540–535/1 : اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
من التابعين ،وقر�أ عليه خل ٌق كثير؛ �أ�شهرهم: حف�ص بن �سليمان بن المغيرة البزار ،و�شعبة ابن عيا�ش بن �سالم النه�شلي الكوفي(.)26
الإمام ال�سابع :الك�سائي الكوفي (ت189هـ):
...................
43
■ م�صطفى �سعد ربيعة -م�صر
الحـمد هلل الذي ا�صطفى من خـلقه جملة كتـابه ،و�أوجـب عليهم تجوي ــده والعمل بما فيه، ووعدهم على ذلك جزيل ثوابه «ووفقهم للمداومة على قراءته و�إقرائه» و�سقاهم لذيذ �شرابه، وف�ضلهم على وخ�صهم بمزايا بين العباد وجعلهم من خوا�ص �أحبابه ،ف�سبحانه من �إله اختارهم ّ من �سواهم لحفظ كتابه الكريم ،و�صونه عن التبديل والتغيير والتحريف ،فح ـ ــفظوه و�صانوه عن الزيادة والنق�ص والت�أخير والتقديم ،وحرروا طرقه ورواياته ،فطوبى لمن تاله حق تالوته، حتى �صار ممتزجا بلحمه ودمه.
44
ج��دي��ر ب �ن��ا �إذا �أردن � ��ا ال �ح��دي��ث ع��ن علم ال �ق��راءات� ،أن ن�ستهل حديثنا ب�ه��ذا الحديث ال�شريف: عن عمر بن الخطاب ،ر�ضي اهلل عنه ،قال: (�سَ مِ عْتُ هِ �شَ امَ بْنَ حَ كِ يمٍ َي ْق َر�أُ �سُ و َر َة ا ْل ُف ْرقَانِ فِي لل َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،فَا�سْ َت َمعْتُ حَ يَا ِة رَ�سُ ولِ ا ِ ُوف َكثِي َر ٍة لَمْ ِل ِقرَا َء ِت ِه َف ��إِذَ ا هُ � َو َي� ْق� َر ُ�أ عَ لَى حُ �ر ٍ ُيقْرِ ْئنِيهَا رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ،فَكِ دْتُ ال�صلاَ ةَِ ،فت ََ�ص َّبرْتُ حَ تَّى �سَ لَّمَ َ ،ف َل َب ْب ُت ُه �أُ�سَ ا ِو ُر ُه فِي َّ بِرِ دَا ِئهِ(�أي� :أخذته بردائه وجمعته عند �صدره، ونحره ،م�أخوذ من اللبة وهي المنحر)َ ،ف ُقلْتُ مَ نْ �أَ ْق َر�أَكَ هَ ذِ ِه ال�سُّ و َر َة ا َّلتِي �سَ مِ ْعتُكَ َت ْق َر�أ ُ؟ قَالَ �أَ ْق َر َ�أنِيهَا رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ ،ف ُقلْتُ : كَذَ بْتَ � ،أَ ْق َر َ�أنِيهَا عَ لَى غَ يْرِ مَ ا َق َر�أْتَ .فَانْطَ َلقْتُ ِب ِه �أَقُو ُد ُه �إِلَى رَ�سُ ولِ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ َ ،ف ُقلْتُ : ُوف �إِنِّي �سَ مِ عْتُ هَ ذَ ا َي ْق َر ُ�أ �سُ و َر َة ا ْل ُف ْرقَانِ عَ لَى حُ ر ٍ اجلوبة -ربيع 1435هـ
لَمْ ُتقْرِ ْئنِيهَاَ ،فقَالَ �أَرْ�سِ ْلهُ ..ا ْق َر�أْ يَا هِ �شَ امُ َ ،ف َق َر�أَ ا ْل ِقرَا َء َة ا َّلتِي �سَ مِ ْع ُتهَُ ،فقَالَ رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ لل عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ كَذَ لِكَ �أُ ْن��زِ َل��تْ ُ ،ث��مَّ َق��الَ رَ�سُ ولُ ا ِ َ�صلَّى اللهَّ ُ عَ َل ْي ِه وَ�سَ لَّمَ ا ْق َر�أْ يَا عُ مَرَ ُ ،ف َق َر�أْتُ ا َّلتِي �أَ ْق� َر�أَ ِن��يَ ،فقَالَ كَذَ لِكَ أُ� ْن��زِ َل��تْ �(.إِنَّ هَ ��ذَ ا ا ْل ُق ْر�آنَ �أُنْزِ لَ عَ لَى �سَ ْب َع ِة �أَحْ ر ٍُف فَا ْق َرءُوا مَ ا َتيَ�سَّ َر مِ ْنهُ). كانت القراءات في العهد النبوي نبعًا يلبي حاجة ما�سّ ة عند القبائل ،ويقع منهم مواقع ح�سنة ،ويوقفهم على �أ�ساليب القر�آن الكريم، ولكن تنوّع هذه القراءات خا�صة في عهد الخليفة الثالث� ..أخ��ذ ي�سير في منحىً يناق�ض م�سوغ وجودها الذي هو التي�سير على الأمة .و�أ�صبح يثير من المخاوف على �ضياع �شئٍ من القر�آن بقراءاته المتعددة ،وكذا الخوف على وحدة الم�سلمين، ما ا�ستنه�ض الخليفة عثمان لدرء هذه الفتنة، وذلك بتوحـيد الم�صاحف على القراءات المجمع
�أولها� :صحة ات�صال ال�سند (راوي القراءة) عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من دون انقطاع �أو �ضعف في روايته. ثانيا :موافقة الر�سم العثماني. ثالثا :موافقة اللغة العربية ولو بوجه واحد. قال العالمة ابن الجزري في �شروط القراءات المتواترة:
ف���ك���ل م����ا واف�������ق وج������ه ن��ح��ـ��و وك��ان للر�سم احتماال يحوي و����ص���ح �إ�����س����ن����ادا ه����و ال���ق���ـ���ران ف���ـ���ه���ذه ال���ث�ل�اث���ة الأرك���ـ���ـ���ـ���ان وح��ي��ث��م��ا ي��خ��ت��ل رك���ـ���ن اث��ب��ت ���ش��ـ��ـ��ذوذه ل��و ان���ه ف��ي ال�سبعة
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
القراءات المقبولة والمردودة وال�شاذة
عليها ،وه��و ما ي�سمى بالقراءات المتواترة �أو المقبولة. ومن هنا ،بد�أت تتعدد القراءات بين العرب، م��ا بين ق���راءات مقبولة ،وق� ��راءات م ��ردودة، وقراءات �شاذة وغيرها من القراءات المتعددة. �إل��ى �أن و�ضع ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم في ذل��ك الوقت لجمع ال�ق��ران الكريم �شروطا للقراءات المتواترة �أو المقبولة:
عليها؛ فقد كره كثير من علماء الم�سلمين حَ َملَتها و�أطلقوا عليهم عبارات منفّرة ،كقول ابن �أبي عبلة «من حمل �شاذ العلماء حمل �شرًا كبيرًا»، وتعرّ�ض بع�ضهم لل�ضرب من قبل والة الأم��ر، �إ�ضافة �إلى موتهم واحدًا تلو الآخر. وكان �أول من �أطلق عليها م�صطلح ال�شذوذ هو الإمام ابن جرير الطبري في تف�سيره في مطلع القرن الرابع ،عندما تعرّ�ض لقراءة ابن م�سعود في �سورة �إبراهيم (و�إن كاد مكرهم) بالدال بد ًال من النون ،والأ�صل في الآية الكريمة }وان كان مكرهم لتزول منه الجبال{ [الآية ( ،]46ب�أنها �شاذة ال تجوز ال�ق��راءة بها لخالفها م�صاحف الم�سلمين). وهكذا ،ن�ش�أت القراءات ال�شاذة وانح�سرت دائرتها م��ع م��رور ال��زم��ن ،وت�ح��ددت معالمها، ف�أ�صبحت عِ لما م��ن العلوم التي لها �أهميتها و�أثرها الوا�ضح في �إثراء اللغة العربية والأحكام ال�شرعية ،وكذلك �إثراء علم التف�سير. وقد عرفت القراءات ال�شاذّة من قبل بع�ض العلماء؛ فقال ابن الجزري عنها« :كل قراءة اختل فيها ركن �أو �أكثر من �أركان القراءة المقبولة»(.)1 وقال ال�سيوطي« :هي ما لم ي�صح �سنده»(.)2 ف��ال�ق��راءة ال���ش��اذّة بناء على ذل��ك ق��د تكون مرفوعة �إلى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من طرق قوية �أو �ضعيفة ،وقد توافق خط الم�صحف وقد تخالفه ،وقد يكون لها وجه �صحيح في اللغة ،وقد تكون مردودة ،وهي دون قراءة الجماعة؛ ويندرج تحتها نوعان من القراءات:
و�إذا اخ��ت�� َّل �شرط م��ن ه��ذه ال�����ش��روط كانت القراءة �شاذة. وم��ع � �ش��ذوذ ه��ذه ال �ق��راءات وخ��روج�ه��ا عن الإجماع في الوقت المبكر� ،إال �أن القراءة بها لم تتوقف عند عدد من القراء ،بل تم�سكوا بها مقتنعين ب�أن ما �صحَّ عن النبي �صلى اهلل عليه -1الـقـراءة الآحـاد: وه��ي ال �ق��راءة التي �صحَّ �سندها ،وخالفت و�سلم ال يمكن تجاهله. وهكذا ا�ستمر الو�ضع ثالثة قرون متتالية� ،إلى الر�سم �أو وجها من وجوه العربية �أو كليهما ،ولم �أن جاءت عوامل قوية �أدت بها �إلى الف�صل التام ت�شتهر .ومن �أمثلتها قوله تعالى: }ل �ق��د ج��اءك��م ر� �س��ول م��ن �أن�ف���س�ك��م عزيز عن المتواتر ،وتحديد معالمها ،و�إطالق ال�شذوذ
اجلوبة -ربيع 1435هـ
45
( )1الن�شر ،9/1 :بت�صرف ي�سير. ( )2الإتقان.216/1 : ( )3مخت�صر ف��ي � �ش��واذ ال��ق��ر�آن ،اب��ن خ��ال��وي��ه،60: المحت�سب ،ابن جني ،426/1 :الكامل ،الهذلي: � ،396إتحاف ف�ضالء الب�شر ،الدمياطي،308 : القراءات ال�شاذة ،القا�ضي.52: ( )4الإتقان ،ال�سيوطي.216/1 : ( )5ف �� �ض��ائ��ل ال � �ق� ��ر�آن� ،أب� ��و ع� �ب� �ي ��د� ،195:صحيح
ال �ب �خ��اري ،1012/2 :رق��م ال�ح��دي��ث (،)4519 كتاب الم�صاحف ،اب��ن �أب��ي داود ،84:مخت�صر في �شواذ ال�ق��ر�آن ،ابن خالويه ،19:الم�ستدرك، ال �ح��اك��م ،332/2:تف�سير ال �ق��ر�آن العظيم ،ابن كثير ،247/1:الثمرات اليانعة ،الثالئي.439/1: ( )6البرهان ،الجويني.667/1: ( )7المنخول ،الغزالي.282 : (� )8شرح �صحيح م�سلم ،للنووي.130/5 :
-2الـقـراءة الـمـدرجـة:
وه� ��ي م ��ا زي� ��د ف ��ي ال � �ق� ��راءات ع �ل��ى وج��ه التف�سير( .)3ومن �أمثلتها :ق��راءة �سعد بن �أبي وقا�ص( :ول��ه �أخ �أو �أخ��ت) (من �أم) [الن�ساء: ،]12وق��ر�أ ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما« :لي�س عليكم جناح �أن تبتغوا ف�ضال من ربكم في موا�سم الحج»( ،)4بزيادة( :في موا�سم الحج) ،وقراءة الفريق الثاني: الجماعة بدونها. ي��رى �أن ال�ق��راءة ال�شاذة حجة في الأحكام ولكن هل يجوز اال�ست�شهاد بالقراءات ال�شاذة ال�شرعية ،وينزلونها منـزلة خبر الآح��اد ،وهو �أم ال؟ انق�سم العلماء في االحتجاج بالقراءة ال�شاذة مذهب الحنفية ،والحنابلة ،والزيدية. ويظهر لنا �أنَّ القول الثاني هو الأق��رب �إلى في الأحكام ال�شرعية �إلى فريقين: ال�صواب؛ لأنَّ القراءة ال�شاذة �إمَّا �أن تكون مما الفريق الأول: نُ�سخت تالوته دون حكمه ،و�إ َّم��ا �أنْ تكون مما ي��رى �أن ال �ق��راءة ال�شاذة لي�ست بحجة في نقله ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم ،وهم عدول، الأح�ك��ام ال�شرعية لعدم ثبوتها عندهم قر�آنا كما �أنَّهم حري�صون على نقل ال�شريعة وحفظها، وال خ�ب��راً ،وه��و مذهب ال�شافعية ،والمالكية ،بعيدون عن التقوّل فيها ب��دون م�ستند �شرعي، وال��ظ��اه��ري��ة .ق��ال ال��غ��زال��ي« :ال��ق��راءة ال�شاذة فتنـَزَّل منـزلة خبر ال��واح��د� ،إذا ُر ِوي��ت ب�سند المت�ضمنة لزيادة في القر�آن مردودة» .و�أدلتهم� :صحيح ،ب�شرط �أ َّال يعار�ضها ما هو �أقوى منها، � -1إنَّ الدواعي متوافرة على نقل القر�آن الكريم؛ �أو تكون من قبيل تف�سير ال�صحابي ،و�أقوالهم لها لأنَّه قاعدة الإ�سالم ،وقطب ال�شريعة ،و�إليه مكانتها ..واهلل �أعلم.
46
اجلوبة -ربيع 1435هـ
معاجم م�صطلحات القراءات المعا�صرة و ِق َي ِمها الح�ضارية
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
عليه ما عنتم حري�ص عليكم بالم�ؤمنين رءوف رحيم{ [التوبة ،]128:فقد قر�أت عائ�شة وفاطمة ر�ضي اهلل عنهما« :من �أنفَ�سِ كم»( )3بفتح الفاء وك�سر ال�سين ،وه��ذه ال�ق��راءة �سندها �صحيح، ورويت �آحادا.
رج ��وع جميع الأ���ص��ول ،ول��و ك��ان��ت ال �ق��راءة ال�شاذة منه ال�ستفا�ض نقلُها وتواتر(.)6 � -2إنَّ �أ�صحاب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أجمعوا في زمن �أمير الم�ؤمنين عثمان ر�ضي اهلل عنه على ما بين الدفتين وطَ ��رْح ما ع��داه؛ فكل زياد ٍة ال تحويها الدفتان فهي غير معدودة من القر�آن(.)7 � -3إنَّ ال �ق��راءة ال���ش��اذة ال تنـزل منـزلة خبر ال��واح��د ،لأنَّ ناقلها لم ينقلها �إال على �أنَّها قر�آن ،والقر�آن ال يثبت �إال بالتواتر بالإجماع، و�إذا لم يثبت قر�آن ًا ال يثبت خبر ًا(.)8
■ �أ .د .خالد فهمي -م�صر
( )0ال حدود للنور (مدخل)
لقد ا�ستق َّر يقيناً ومن �أَ�ص َر ِح طريق النظر �إلى الذكر الحكيم على �أنه نور ،بكل ما تعنيه هذه المفردات من دالالت ،وهو المعنى الم�صرح به في قوله تعالى} :و�أنزلنا �إليكم نورا مبينا{، [�سورة الن�ساء ]174:ويعلق الماوردي في النكت والعيون ( 454 /1طبعة دار ال�صفوة ،القاهرة �سنة 1993م) فيقول« :يعني القر�آن� ،سمي نورا ،لأنه يظهر به الحق ،كما تظهر المرئيات بالنور». وفح�ص ال�سمات الداللية لهذه الكلمة يقود �إلى �إدراك قيمة ما يحققه ذلك الكتاب العزيز من �إ�ضاءة ل��دروب الحياة ،وتمكن من التب�صر في م�سالكها ،حتى و�صل �إلى �أن يفهم من الكمال المطلق؛ وهو ما يقرره مفيد كرماني في كتابه المهم :بالغة النور :جماليات الن�ص القر�آني: (�ص 484من�شورات الجمل ،بغداد وبيروت �سنة 2008م) ،فيقول �إن «ال�ق��ر�آن هو العمل الفني المطلق لكافة الح�ضارات الإ�سالمية» .وربما ف�سرت هذه الجملة المحورية التي تقرر حقيقة �أ� -إقامة تكليف �شرعي �أمر به ال�شارع �سبحانه الكتاب العزيز حجم الحراك والمنجز المعرفي في كثير من �آيات القر�آن الكريم ،عندما �أمر الجبار الذي خرج للحياة ب�سبب من �إرادة خدمة بقراءته وتالوته وترتيله ،يقول تعالى} :ورتل وتي�سير الكتاب. القر�آن ترتيال{ [�سورة المزمل ،]4:ويقول جل وعز} :فاقرءوا ما تي�سر من القر�آن{ علم القراءات :مفهومه وغايته ومقا�صده [�سورة المزمل.]20: يعرف ه��ذا العلم ب�أنه «علم بكيفية النطق ب�ألفاظ القر�آن الكريم ،اتفاقا واختالفا مع عزو ب -الإع��ان��ة على تي�سير ت�لاوت��ه للنا�س ببيان
ك ّل لناقله» .ومن هذا التعريف الذي �أورده الدكتور عبدالعلي الم�سئول في :معجم م�صطلحات علم القراءات (�ص )508/256نكت�شف غايته الجليلة المتمثلة في �ضبط �أداء الذكر الحكيم ونطقه ،مع ا�ست�صحاب التنوّعات و�إ�سنادها. وه��ذا العلم ..بهذا المفهوم وبهذه الغاية، يهدف �إل��ى تحقيق ع��دد من المقا�صد الجليلة يمكن �إيجازها في النقاط الآتية:
اجلوبة -ربيع 1435هـ
47
48
م�صطلحية القراءات القر�آنية :مقال في حدود الم�صادر وق��د ا�ستكمل ه��ذا ال�ع�ل��م ال���ش��ري��ف ج�ه��اوه اال�صطالحي� ،أو مجموعة م�صطلحاته منذ فترة مبكرة في تاريخ العلم عند الم�سلمين ،ب�سببٍ من منزلة الكتاب العزيز المحورية في هذه الح�ضارة العريقة. وق��د ت��واف��رت م ��ادة ه��ذه الم�صطلحية من مجموعة من الم�صادر ،يمكن ت�صورها �إجماال فيما ي�أتي: �أوال :ال �ق��ر�آن ال�ك��ري��م ،ذل��ك �أن��ه بحكم ما �أم��ر ب��ه م��ن ق��راءت��ه وت�لاوت��ه وترتيله، ا��س�ت�ع�م��ل ع� ��ددا م ��ن الأل� �ف���اظ ال�ت��ي ��ص��ارت م�صطلحات ف��ي ج�ه��از العلم اال� �ص �ط�لاح��ي؛ ف��ال��ق��راءة وال��ت�ل�اوة والترتيل نماذج من هذه الم�صطلحات المركزية ،ا�ستعملت م�شتقاتها بمعانيها العلمية �أوال في الذكر الحكيم ،يقول تعالى} :الذين �آتيناهم الكتاب يتلونه حق تالوته{ [�سورة البقرة ،]121:وما يلحق بهذا الم�صدر عظيم الموثوقية اجلوبة -ربيع 1435هـ
رابعا :
خام�سا :
�ساد�سا :
�سابعا :
()3 معاجم م�صطلحات علم القراءات القر�آنية مقال في الأدبيات والت�صنيف وق��د عرفت الم�صطلحية العربية ع��ددا من معاجم م�صطلحات علم ال �ق��راءات القر�آنية، يمكن تق�سيمها �إلى ثالثة �أق�سام: �أوال :م �ع��اج��م ج��زئ �ي��ة ج �م �ع��ت ع � ��ددا من م�صطلحات ه��ذا العلم ،وه��ي معاجم م�صطلحات التجويد ،ويمثلها« :التجريد لمعجم م�صطلحات التجويد» ،للدكتور �إبراهيم بن �سعيد الدو�سري (طبعة دار الح�ضارة الريا�ض �سنة 1429هـ). ثانيا :م� �ح���اوالت م�ع�ج�م�ي��ة ت��راث �ي��ة يمكن اع�ت�ب��اره��ا ب�ق��در م��ن التو�سع معاجم لم�صطلحات علم القراءات القر�آنية، ويمثلها: �أ« -مر�شد القارئ �إلى تحقيق معالم المقارئ» ،البن الطحان ال�سحائي ال�م�ت��وف��ى �سنة 561ه� �ـ (بتحقيق ال��دك�ت��ور ح��ات��م �صالح ال�ضامن، ال�شارقة �سنة 2007م). ب« -ال�ق��واع��د والإ�� �ش ��ارات ف��ي �أ��ص��ول ال�� �ق� ��راءات» ،الب ��ن �أب� ��ي ال��ر��ض��ا ال �ح �م��وي ،ال�م�ت��وف��ى �سنة 791ه��ـ (بتحقيق الدكتور عبدالكريم بن محمد الح�سن ب�ك��ار ،دار القلم،
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الكيفية ،وا�ستيعاب طرقها. ج -الإ�سهام في فهمه وتدبّره� ،إذ حُ �سن قراءته ثانيا : �سبي ٌل الزم ٌة �إلى ح�سن فهمه. د -تحقيق حفظ الدين بحفظ �أ�صله �صحيحا من�ضبطا متمثال في �ضبط الذكر الحكيم. هـ -الإ�سهام في ترقية العقل الم�سلم بترقية بع�ض العلوم ال�شرعية الزمة التح�صيل. ورف��ع الحرج ودف��ع الم�شقة بالقيام بواجب �ضبط كيفية الكتاب العزيز. ز� -صيانة �أداء الذكر الحكيم من �أي �صورة من ثالثا : �صور تطرُّقِ الخط�أ �إليه.
من كتب التف�سير وكتب علوم القر�آن. ال�سنّة ال�شريفة ،وذلك �أنه بحكم كون ال�سنّة الم�شرّفة بيانا للذكر الحكيم، ف ��إن �ه��ا ا��س�ت�ع�م�ل��ت ع� ��ددا �أك� �ب ��ر من الألفاظ التي �صارت جزءا �أ�صيال من م�صطلحات علم ال�ق��راءات القر�آنية، م�ث��ل :الإق� ��راء واالق� �ت ��راء والتح�سين والتبيين ،وه��ي جميعا م�صطلحات قرائية �أقرت بها ال�سنة عند التعامل مع كتاب اهلل عز وجل. كتب علم القراءات التي تعر�ض لم�سائله و�أ��ص��ول��ه وف��ر���ش ح��روف��ه ،وه��ي كثيرة ج��دا ،ومتنوعة المناهج ج��دا ،مثل: كتاب ال�سبعة البن مجاهد ،وغيره. كتب التجويد بما ه��و ج��زء م��ن علم القراءات ،يق�صد �إلى الإتيان بالقر�آن بريئا من �أي �صور رديئة النطق ،وهي كثيرة جدا ومتنوعة كذلك مثل :جهد المقل ل�ساجقلي زاده وغيره. كتب الوقف واالبتداء ،وهي فرع وفرع م��ن علم ال �ق��راءات ،وه��ي كثيرة جدا مثل :القطع واالئتناف للنحا�س ،وكتب الر�سم وهجاء الم�صاحف ككتاب ابن نجاح وغ �ي��ره ،وكتب طبقات ال�ق��راء، ككتابي الذهبي وابن الجزري وغيرهما. كتب اللغة ..وال �سيما :كتب ال�صوتيات، وكتب النحو التراثية التي ان�شغلت في جزء من بنائها وتكوينها المعرفي ببيان مخارج الأ�صوات و�صفاتها ،مثل :كتاب �سيبويه ،وكتاب «�سر �صناعة الإعراب» البن جنّي وغيرهما. م�ع��اج��م الم�صطلحات ال �ت��ي جمعت م�صطلحات ال�ع�ل��وم المختلفة التي عرفتها الح�ضارة العربية الإ�سالمية،
وه��ي كثيرة ومتنوعة الترتيب مثل: «م��ف��ات��ي��ح ال� �ع� �ل ��وم» ل� �ل� �خ ��وارزم ��ي، و«ال�ت�ع��ري�ف��ات» للجرجاني ،و«ك�شاف ا�صطالحات الفنون» للتهانوي وغيره. ثامنا :م �ع��اج��م م���س�ت�ق�ل��ة ا� �س �ت �ق �ل��ت بجمع م�صطلحية هذا العلم قديما وحديثا، وهي م�شغلة ما بقي من هذه الورقة.
دم�شق �سنة 1986م). ثالثا :معاجم م�صطلحات علم ال �ق��راءات القر�آنية ف��ي الع�صر ال�ح��دي��ث ،وهي �أو�سع هذه الم�صادر ،و�أكثرها تنظيما ووف���اء ب�����ش��روط ال�صناعة المعجمية مقارنة بما �سبقها ،ويمثلها: �أ�« -إ�سهام في و�ضع م�صطلحات علم القراءات» ،للدكتور محمد المختار ولد �أباه (مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ع 85ق ،ل�سنة 1420ه �ـ 1999م). ب�« -أ�شهر الم�صطلحات في فن الأداء وعلم ال �ق��راءات» ،لأح�م��د محمود عبدال�سميع الحفيان( ،دار الكتب العلمية ،ببيروت �سنة 2000م). ج« -معجم م�صطلحات علم القراءات القر�آنية وم��ا يتعلق ب��ه» ،للدكتور عبدالعلي الم�سئول (دار ال�سالم، القاهرة �سنة 2007م /والطبقة الثانية 2011م). د« -م �خ �ت �� �ص��ر ال� �ع� �ب ��ارات ل�م�ع�ج��م م�صطلحات ال �ق��راءات» للدكتور �إبراهيم بن �سعيد الدو�سري( ،دار الح�ضارة ،الريا�ض �سنة 2008م). وفح�ص منهجيات ترتيب المعاجم الحديثة في ه��ذا الباب يك�شف عن مجموعة مهمة من العالمات هي: �أوال :ا��س�ت�ع�م��ال منهج ال�ت��رت�ي��ب الأل�ف�ب��ائ��ي وفق �شكل الكلمة النهائي� ،أي من دون تجريد ..وهو �أمر مق�صود ،اتجهت له تطبيقات ال�صناعة المعجمية الحديثة تلبية للتي�سير على الم�ستعملين. ثاني ًا :ب �ي��ان ال�م�ع��ان��ي ال�ل�غ��وي��ة ل�ل�أل �ف��اظ ،ثم
49
اجلوبة -ربيع 1435هـ
()4 معاجم م�صطلحات علم القراءات القر�آنية في الع�صر الحديث وظائفها وقيمتها الح�ضارية �إن ت�أمّل هذه المعجمات ،وما ت�ؤديه من �أدوار ووظ��ائ��ف ،يك�شف عن مجموعة من العالمات ترقى بقيمتها الح�ضارية ،وفيما يلي محاولة لر�صد �أهم هذه الوظائف الكا�شفة عن قيمتها و�أهميتها معا: �أوال :الوظيفة االعتقادية ،ذلك �أن هذه الكتب ب�سعيها نحو �ضبط كيفيات قراءة الذكر الحكيم ،تحقّق �أدوات تنزيه اهلل تعالى بتنزيه كتابه المنزل من تطرق الأخطاء �إلى قراءته. ثانيا :الوظيفة الدينية (العبادية) ،ذلك �أن اهلل تعالى �أم��ر ب�ت�لاوة كتابه ،و�أم��رت وف�صلت الأمر في تحبير قراءته، ال�سنة َّ واالجتهاد في تح�سينها ،وهو ما ال يمكن
اجلوبة -ربيع 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
50
المعاني الدائرة في ا�ستعمال القراء، وهى المعاني اال�صطالحية. ثالث ًا :م�ح��اول��ة اال��س�ت�ي�ع��اب وال �� �ش �م��ول ،ولها وجهان: -1االج�ت�ه��اد ف��ي جمع الم�صطلحات ال �ق��رائ �ي��ة وا� �س �ت �ي �ع��اب �ه��ا ف ��ي ه��ذه المعجمات ،و�إي� ��راد م��ا يتعلق بها وي��دور في فلكها من �أل�ف��اظ العلوم الأخرى الم�شتبكة معها. -2االجتهاد في جمع دالالت الم�صطلح ال��واح��د ،عند ت�ع�دّد معانيه؛ فمث ًال ي��ورد الدكتور الم�سئول (�ص /122 )188معنيين لم�صطلح التحقيق عند القراء هما: �أ� -إع� �ط ��اء ال� �ح ��روف ح�ق��وق�ه��ا، وتنزيلها مراتبها ،وه��و المعنى ال �م �ق �� �ص��ود ف ��ي ب� ��اب م��رات��ب القراءة. ب -نطق الهمزة كاملة في �صفاتها م �ق �ط��وع � ًا ب �ه��ا ال �ن �ف ����س :وه��ى بهذا المعنى �ضد التخفيف �أو الت�سهيل. رابع ًا :العناية ببيان م�ستوى اال�ستعمال� ،أي ذكر العبارات التى تك�شف عن موا�ضع ا�ستعمال الم�صطلحات المختلفة في �أب��واب�ه��ا المختلفة� ،إع��ان��ة على �إدراك معانيها من�ضبطة �صحيحة. خام�س ًا :ا�ستعمال ط��رق ��ش��رح ت�ستهدف بيان ال�سمات الداللية ال�ف��ارق��ة� ،سعي ًا �إل��ى تحرير مفاهيم الم�صطلحات مع �ضرب الأم�ث�ل��ة التو�ضيحية ،وم��ن �أج��ل ذلك انت�شر فيها جميعا ا�ستعمال طريقين من طرق �شرح المعنى هما:
�أ -ط��ري�ق��ة ال���ش��رح ب��ال�م�ح�ك��م ،وه��ى ط ��ري� �ق ��ة ت� �ك ��ون ب �ج �م��ع � �ص �ف��ات الم�صطلح المعرّف. ب -طريقة ال�شرح بالهجين ،وهي جماع �أم��ري��ن م �ع��ا ..ا�ستجماع �صفات الم�صطلح المعرّف مقرون ًا ب�أمثلة تو�ضيحية في الوقت نف�سه. �ساد�س ًا :ال�ع�ن��اي��ة ف��ي �أح��ي��ان ظ��اه��رة ببع�ض المعلومات المو�سوعية مثل� :أ�سماء بع�ض القراء الم�شهورين ،و�أ�سماء بع�ض الكتب المخت�صة في هذا الباب. �سابعا :العناية ب�ضبط الم�صطلحات تي�سيرا لتح�صيل نطقها. ثامنا :العناية والتوثيق.
ت���ص�وّره م��ن غير ال�ق�ي��ام ب��واج��ب هذا المق�صد ،وهو بع�ض ما ت�سهم به هذه الم�صطلحات عندما تحرّر مفاهيم هذا العلم وتبينها. ثالثا :الوظيفة المعرفية ،ونعني بها تح�صيل مفاهيم هذا العلم و�ضبطها وتحريرها، وتوثيقها ،والك�شف عن مذاهب القوم وات �ف��اق��ات �ه��م واخ �ت�لاف��ات �ه��م ف��ي ه��ذا الميدان. وق�ضية تح�صيل المفاهيم التي يقوم بها �ضبط الجهاز اال�صطالحي �أمر م�ستقر، ذلك �أن الم�صطلحات مفاتيح العلوم، تمهد الطريق لفهم م�سائله. رابعا :ال��وظ �ي �ف��ة ال �ل �� �س��ان �ي��ة ،ذل ��ك �أن ه��ذه المعجمات بما تجمعه في داخلها بحكم بنائها ال�م�ع��رف��ي ،ت��ر��ش��د �إل ��ى �سمات الأ�صوات العربية ،وكيفيات نطقها على الوجه ال�صحيح ،والمذاهب المختلفة لنطق بع�ضها ،وما يجوز وما ال يجوز، وما الأف�صح؟ وما الف�صيح؟ �إل��ى غير ذلك مما يكون تح�صيله نافع ًا في خدمة المعرفة ال�ل�غ��وي��ة ،ف�ضال عما تقدمه لميدان اكت�ساب اللغة بتدريب الأل�سن على النطق ال�صحيح. خام�سا :الوظيفة التاريخية ،ونعني بها الوقوف على تطور ه��ذا الجهاز اال�صطالحي، ومراحل ان�ضمام بع�ض الم�صطلحات �إلى هذا العلم ،والوقوف على حجم ما �أن�ج��زه العلماء في ه��ذا ال�ب��اب ،وتطور الت�أليف فيه مع مرور الزمان. �ساد�ساً :الوظيفة الأخ�لاق�ي��ة ،وذل��ك �أن ت�أمُّل منجز ع�ل�م��اء ال��ق��راءات يوقفنا على تقدير ما قاموا به ،مما يلزم معه تقدير مجهودهم ،والوفاء له بنوع وفاء عملي
�إيجابي ،بتطويره ،والبناء عليه. �سابع ًا :الوظيفة الح�ضارية ،ونعني بها ت�أكيد �أث��ر الكتاب العزيز ف��ي ترقية العلوم ف��ي ال �ح �� �ض��ارة ال �ع��رب �ي��ة والإن �� �س��ان �ي��ة ب��وج��ه ع� ��ام ..ب�م��ا �أوج � ��ده م��ن ع�ل��وم، وت�ح��ري��ره للم�صطلحات ال�ت��ي ظهرت وهدفها المبا�شر خدمة الكتاب الكريم م��ن ج��وان�ب��ه المختلفة ،ن�ط�ق� ًا و�أدا ًء وكيفية ،وه��و م��ا ان�شغل ب��ه ه��ذا النوع من المعجمات� ،إمعانا في �أن الحكم الم�ستقر ب�أن القر�آن الكريم هو ال�سبب المبا�شر ،ال��ذي انتقل بالحياة العربية النقلة الجبارة غير الم�سبوقة في التاريخ يت�أكد على الزمان. وتك�شف هذه الوظيفة �أي�ض ًا �أدل��ة مت�ضافرة على قدرة العقل العربي المعا�صر على ا�ستثمار منجز التطبيقات المعا�صرة ،في مجاالت مختلفة لتحقيق خ��دم��ات جليلة للعلوم ال�شرعية؛ فقد ات�ضح �أن المعاجم المعا�صرة ف��ي ه��ذا الباب �أف��ادت نوع �إف��ادة من تطبيقات �صناعة المعجم الحديث. ك �م��ا ت �ك �� �ش��ف ه� ��ذه ال��وظ �ي �ف��ة �أي� ��� �ض� � ًا عن ق ��درة ال�ل���س��ان ال�ع��رب��ي (�أل �ف��اظ��ا /وت��راك�ي��ب/ واخ�ت���ص��ارات) ،على ا�ستيعاب حقائق العلوم المختلفة ،وال��وف��اء بواجباتها؛ فقد ر�أينا كيف تنوعت �أنماط الم�صطلحات القرائية ،و�أب��دت اللغة مرونة وا�ضحة في هذا المجال. �إن الكتاب العزيز �سيظل نور ًا عامراً ،يزداد عطا�ؤه مع ازدياد خدمته ،والعكوف عليها ،وتطوير م�سارات هذه الخدمة� .إن ال�صوت النهائى الذى �سيعلن عن نف�سه هنا ..هو �أن النور الذى ي�ش ّع من الكتاب الكريم ال حدود له وال لطاقاته الفريدة..
51
رواية «تحت �أقدام الأمهات» ال�سرد العائلي ونقد ال ِق َيم ■ �إبراهيم احلجري*
ت���ب���دو �أط����روح����ة ال�������س���رد ال��ع��ائ��ل��ي م��ه��ي��م��ن��ة في رواي��ة «تحت �أق��دام الأمهات» لبثينة العي�سى ،بحكم ان�صرافها �إلى النب�ش في التاريخ العائلي لل�شخ�صية الرئي�سة -ال��راوي ،را�صدة العالقات المت�شابكة بين الأف����راد ونزوعاتهم العاطفية .وق��د �أهَّ��� َل الروائية لذلك ،خبرتها الكبيرة في ميدان ال�سو�سيولوجيا وتاريخ الأ�سرة العربية ،و�شدة ارتهانها النو�ستالجي للذاكرة ال�شخ�صية؛ �إذ ،ي�صعب على �أيٍّ كان �أن ي�ضع بين �أي��دي القراء �سيرة الأ�سرة ،بكل ذلك التف�صيل والتدقيق. ال�سرد العائلي
52
الرواية ال ت�سرد عالقات بين �أ�شخا�ص افترا�ضيين �أو متخيلين ،بل ت�سعى �إلى �سرد تاريخ العالقات الأ�سرية ،بوعي نقدي يعيد اقتراح بناءات �أخرى بديلة عن تلك الأبنية والأَن�ساق ،التي كانت تقوّ�ض مبد�أ ال�شخ�صية والكرامة والحياة والحق في اجلوبة -ربيع 1435هـ
التعبير ،واتخاذ القرارات في الم�صائر ال�شخ�صية لأي اعتبار مهما ك��ان .و�إن كانت ال��ر�ؤي��ة ترتكز �أ�سا�سا على الثقب الأ� �س��ود ل �ل��ذات الأن �ث��وي��ة م��ن خ�لال هذا التفاعل ،وك�أن الرواية ت�سلّط ال�ضوء على دواخل �شخو�صها؛ مبرزة ت�أثرها بمخا�ض ال�صراعات والت�شنجات ،والإنكا�صات
تقول ال�ساردة« :كيف يمكن �أن �أكون حقيقة، فيم كل �شيء �أعرفه عني هو مح�ض كذب؟ منذ لحظة الميالد وحتى اال�سم الم�ستعار ،والأبوين المجهولين وال�ت��اري��خ الفجيعة ،ال داع��ي لأن يعرف ال�صغار مَ ن �أنا؛ تكون تلك هي اللحظة التي يفقد فيها العالم �أمامهم �سمعته الطيبة؛ ف�ل�أ ْب��ق ه�ك��ذا �إذاً ،ف��ي ال�غ��رف��ة الخلفية من الحو�ش� ،أ�شرّع لهم عالم ًا من الخواء والأدراج أق�ص عليهم ق�ص�ص ًا لم تحدث� ،أ�سمع الفارغةّ � ، منهم ق�ص�ص ًا لم تحدث� ،أ�ساعد حيواتهم على في هذه الرواية ،وهي (الرواية) بقدر ما تحكي الم�ضي؛ الحيوات التي تم�شي على عكازين. ك�ن��ت �أن� ��ا ..ط ��وال وج� ��ودي ه �ن��ا ،م��ع ه��ذه عن تاريخ ال��ذات العائلية وهي تتنا�سل وتكبر العائلة ،مجرد عكاز مرمي في الغرفة الخلفية وت�شتبك عالقاتها بحميمية ونو�ستالجية ،بقدر م��ن الحو�ش ،الأم ال���س��وداء التي وج��دت قبل ما تن�صرف �إل��ى ت�ضمين ه��ذا ال�سرد الذاتي �أن يوجدوا ،التي هي جزء من هذا العالم من ن��وع��ا م��ن النقد المبطن ال��ذي يعيد النظر دون �أن يفقهوا كيف و�صلت �إليه ،و�إذا ما كنت فيما كان ،وما �سبّبه للذات من كبوات وجروح قريبة �أو جارة �أو ابنة �أو �صديقة �أو عدوة .ه�ؤالء تت�أبّى على االندمال� .أي �أنها ال تقر�أ التاريخ الأطفال -وهلل الحمد -ال يت�ساءلون بما يكفي؛ ال�شخ�صي لتمجده �أو تفخر به ،بل لتدعو من فلتبق الأمور هكذا �إذا ،في الغرفة الخلفية من خالله وعبره� ،إلى �إعادة النظر في بناء تواريخ ذاكرة العائلة» (الرواية �ص .)45 �أجيال عائالتنا و�أ�سرنا المقبلة على �أ�سا�س �شكّل المزج بين المحكي الذاتي والغيري التعاقد االجتماعي ،والنظر الديمقراطي �إلى مع التاريخ المن�سي للذات و�أ�سرتها ،ومحكي التداعي الذي ي�ستلهم اللحظات الم�ستعادة من الجن�سين ،ونبذ الخرافات والمعتقدات الخاطئة ج��وارب الذاكرة المليئة بالتجارب واللمحات التي ال تت�أ�س�س على تفهّم �شامل لر�سالة الكون، ال�صعبة التي ر�سمتها �إكراهات الأعراف وتقاليد واعتبار المقايي�س الإن�سانية في بناء العالقات المجتمع المتخلفة ،لحمة ال�سرد الروائي هنا ،الجديدة بين الأ�شخا�ص.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
المتعلقة ب��ر�ؤي��ة ال�ن��ا���س ال��دون �ي��ة �إل ��ى بع�ض ال�سمات الفيزيولوجية والطبيعية التي ال ذنب للذات فيها.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 53
54
تعيد ،بهكذا وق�ف��ة م��ع ال���ذات ،م��ع البوح ال�شخ�صي ،مع ال�سجل الذي ي�شتغل في الغياب؛ ليوجه ال�سلوك قراءة عالقة المر�أة بعواطفها، بطبيعتها ،بج�سدها ،منتقدة كل الديبلوما�سيات ت �ق��ول ال �� �س��اردة م�ب��دي��ة ا��ش�م�ئ��زازه��ا مما التي �أ�صبح الج�سد يكت�سيها ا�صطناعيا ليعبر ع��ن لغة لغته الطبيعية .تكتب ال��رواي��ة وهي يمار�س من �سلوكيات في المجتمع« :لم يكتفوا تت�أفف من حال الج�سد ،ال��ذي �أنهكته حروب بالوقوف عند عتبة البيت ،بل دخلوا ب�أحذيتهم واهمة ت�سعى �إلى جعله �إيقونة الإيقونات. الملوثة �إل��ى عقر الح�ضن ،وو�سخوا ال�سجاد جرّبت الروائية تقنية التناوب على الحكي بالطين ،وفعلوا كل ما احتاجوا �إلى فعله لكي كطريقة ل�سبر �أغ��وار ال�شخو�ص وال��رواة معا .تذعر الن�ساء بح�ضورهم ،النجوم على الأكتاف �إذ كل �شخ�صية تنتظر دوره��ا لتبوح بما في والأ�سلحة على الخوا�صر والغبار على الأحذية. دواخلها ،وتخرج ما في ذخيرتها وجعبتها من دخلوا مملكة الأمومة الم�شيّدة وانتزعوا ال�صبي �آالم و�أحالم ،وهي طريقة تن�سجم مع الغاية من من �سال�سل �أذرعنا ،الأخالق و�آداب ال�ضيافة ال�سرد؛ �إذ يتيح هذا الأ�سلوب لكل فرد على حدة لم تكن تعني لنا �أو لهم �شيئا .و�ضعوا ال�سال�سل التعبير عن لواعجه وعن عالقاته مع الآخرين ،في يديه ،والعبرات في عينيه ،وال�صمت في كما يتيح للراوي الرئي�س فر�صة ك�شف خبايا �شفتيه ،والخوف في قلبه�( »...ص .)176 �شخو�صه بطريقة فنية غير مبا�شرة ،مما يرى تندرج ه��ذه ال��رواي��ة �ضمن الخطاب الذي العالم الروائي ويغني تفا�صيله الدقيقة ،ويمنح يعمل على خلق حوارية ثقافية تروم طرح �أ�سئلة فر�صة �أكبر للقارئ ليعي�ش تجربة مكتملة حول ثقافية تدور حول ال�سياق العام الذي يعي�ش فيه حكاية متخيّلة. الفرد� ،ضمن �سيرورة مجتمعية تتحكم فيها يدخل ال�سرد العائلي ال �ق��ارئ �إل��ى دائ��رة منظومة من القيم ال�سلوكية والثقافية ،التي البوح ،بحيث �إن ال�شخ�صيات بما فيها الراوي تتحدد بو�صفها مرجعيات كبرى ت�شكلت عبر ال�ف��اع��ل ف��ي الحكاية وال���س��رد م�ع��ا؛ ال تحكي ال��زم��ن ،وي�صعب اختراقها وتفتيت بنياتها، واقعا ،بل تن�سج عالقات على مقا�س �أطروحة نظرا ل�صبغتها الهوياتية الملت�صقة بالفرد م�سبقة تعتمل فيها عوامل ذاتية ومو�ضوعية ،والجماعة .وي�سعى ه��ذا العمل ال��روائ��ي الذي تعك�س بالأ�سا�س ،نظرة الكاتبة �إل��ى المجتمع كتب ب�أنامل مو�صولة بالمتخيل والفكر� ،إلى والتكوين الأ�سري ،على اعتبار �أن الأ�سرة هي زع��زع��ة التنميطات الثقافية وال��دع��وة �إل��ى اللبنة الأولى ،وهي ال�صورة الم�صغرة للمجتمع� ،إعادة النظر الكثير من بنياتها؛ لأنها ذات بعد وتر�سم ر�ؤاه��ا للعالم الذي انبثقت عنه .وهي �إيديولوجي مف�صول عن منطق التفكير ال�سليم. اجلوبة -ربيع 1435هـ
ويحيل العنوان كما اختارته الكاتبة «تحت �أق��دام الأمهات» على هذا الوعي؛ فما تق�صد تلك مقولة العنوان الجنة التي تحدث عنها الخطاب الديني «الجنة تحت �أقدام الأمهات»، بل يق�صد الجحيم ال��ذي ت�سوق �إليه الطاعة العمياء ل�ل�أع��راف والتقاليد التي تر�ضع مع الحليب في قوالب جاهزة عفا عليها الزمنُ ، وتجاوزتها خطابات العولمة. ت�سعى الرواية ،من خالل تبئير هذه العتبة العنوانية� ،إلى تقوي�ض الم�سبقات القيمية التي با�سم الهوية والأ�صول ت�سعى �إلى تكبيل الذات الفردية للإن�سان الميّالة �إلى المبادرة والتّمرد الع�صر الّتي تتجدّد على ال�سّ ائد ،تما�شي ًا مع روح ْ دما�ؤها بتجدّد دوران الأفالك وتَدَ اوُل الأزْمنَة. ومع ذلك ،ال تخلو هذه العتبة من �إ�شارة ف�ضل الأم على ال�ساردة البطلة التي ،على ما يبدو تمار�س �أي�ضا فعل الكتابة .وتعلن عن ذلك �سواء في الديمقراطية التي توزع بها الأم الحنان على �إخوتها� ،أو في الدور الذي تلعبه ت�شجيعا وتهييئا لها ،لأن تكون ناجحة ف��ي م�سارها الحياتي والدرا�سي والإبداعي؛ تقول« :كانت �أمي مولعة بن�صو�صي ،بما فيها من �أخطائي الإمالئية و�سرقاتي الأدبية ،وكانت تعرف ب�أن معظم ما �أكتبه م�ستعار من كتب زودتني هي بها ،ولكنها مع ذلك لم تكترث� ،أرادت لي �أن �أكتب ،ر�أت فيّ ما لم �أره فيّ ،و�آمنت بي بما ال يدع مجاال لتخاذلي.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
عالم ن�سائي
نظرة بقدر م��ا تتوق �إل��ى التغيير الإي�ج��اب��ي؛ فهي ت�شرح نقديا العالقات والأن�ساق الذهنية القائمة ،وف��ق قناعات �سو�سيولوجية ،ووع��ي عميق ببنية المجتمع العربي وتحوالته ،ودور كل عن�صر فيه.
جحيم الذات
ك��ان علي -في تلك الأي��ام على الأق��ل� -أن �أجاريها� ،أن �أكتب لها� ،أن �أن�سخ �أي �شيء من �أي كتاب و�أقدمه لها�« ..شوفي يا ماما كتبت ق�صة»! وكان وجهها ي�شرق ،وك�أن كل �شيء تفعله هو من �أجل هذه اللحظة ،لحظة �أ�ضع ن�صا بين يديها، حيث ي�شرق وجهها» (�ص � .)203 -202إذ تبدو الأم ،عبر الن�ص ،ق��وة رم��زي��ة غيبية ت�شحن ذات ال�ساردة البطلة على �صنع نف�سها خارج �إكراهات الزمن الفيزيقي وان�شغاالت الذات ال�صغرى ،وال تتورع عن تقديم الدعم النف�سي والمادي لأن تكون البنت في م�ستوى تطلعاتها، و�أن تحقّق حلمها في االمتداد الرمزي خارج دائرة العمر المادي المحدود. ال��رواي��ة رواي��ة ن�ساء ،تك�شف �أحا�سي�سهن ومعاناتهن وعالقاتهن بع�ضهن ببع�ض ،و�إذا ح�ضر ال��رج��ل ،فهو لي�س �إال �أداة ومَ �ع� َب��را؛ والمفارق في هذا الن�ص �أن الرجل والمر�أة كليهما ي��رزح��ان تحت �سلطة م��ا ،و�أن هذه ال�سلطة ال ت�صدر ،بال�ضرورة عن الرجل ،بل قد تكون �صادرة عن ذات امر�أة ما .وقد تكون ال �م��ر�أة ف��ي الن�ص �ضد ذات �ه��ا؛ متميزة عن روايات الكاتبات العربيات اللواتي يُرجعن ،في الغالب� ،سبب قهر المر�أة �إلى الرجل ،متجاوزة بذلك ،ال�صراع التقليدي بين الذكورة والأنوثة، مُرجعة الإ�شكال ،في الأ�سا�س� ،إلى �سلطة ثقافة ما تتر�سخ في متخيّل كل من الرجل والمر�أة العربيين.
* ناقد من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 55
«بانتظار ال�شم�س»
■ د� .صربي م�سلم حمادي*
ي���ب���رز الإي����ق����اع ب��و���ص��ف��ه �أداة ف��ن��ي��ة م��ه��م��ة تنتظم الق�صيدة وتهبها كيانها ال�����ش��ع��ري ،وه���و يت�سلّل �إل��ى قلوبنا قبل عنا�صر ال�شعر الأخ����رى .وه���ذا م��ا يف�سر لنا ا�ستجابة الطفل لجمال الجر�س ف��ي ال�شعر قبل �إدراك��ه جمال معانيه و�أخيلته و�صوره الفنية( .)1ومن الم�ؤكد �أن ارتباط الإيقاع بال�شعر هو ارتباط م�صيري، فالإيقاع هو «الروح التي ت�ضفي على الكلمات حياة فوق ح��ي��ات��ه��ا»( .)2ويتالحم الإي��ق��اع م��ع العنا�صر ال�شعرية الأخ����رى ك��ي يمنح ال��ن�����ص ق��درت��ه ع��ل��ى ال��ت���أث��ي��ر ،وه��و يتبادل مع ال�صورة ال�شعرية الت�أثير والت�أثر ،بل �إنهما يجريان معاً في حلبة ال�شعر، كما تعبِّر �إليزابت درو( .)3ومن الممكن القول – وح�سبما �أورد وردزورث – �إ ّن الأثر الممتع للإيقاع ثالثي :عَقلي وجمالي ونف�سي؛ فهو عقلي لأنه ي�ؤكد �أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل؛ وهو جمالي� ،إذ يخلق ج�� ّواً من حالة الت�أمل الخيالي الذي ي�ضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة �شبه واعية على المو�ضوع كله؛ وفوق كل ذلك ،فهو نف�سي؛ لأن حياتنا في مجملها �إيقاعية :الم�شي والنوم وال�شهيق والزفير وانقبا�ض القلب وانب�ساطه(.)4
56
وم�صطلح الإي �ق��اع م��ن الم�صطلحات م�شتركة بين الفنون جميعاً ،تبرز وا�ضحة التي يقترب معناها اللغوي م��ن معناها في المو�سيقى وال�شعر والنثر الفني ،بل �إنها اال�صطالحي .فهو ف��ي المعاجم اللغوية تبدو في كل الفنون المرئية(.)6 «�إيقاع �ألحان الغناء»( .)5ولكن دائرة المعنى ويق�سّ م الدار�سون المعا�صرون الإيقاع اال�صطالحي ت�ب��دو �أك�ث��ر �سعة ،فالإيقاع �إل��ى خ��ارج��ي وداخ �ل��ي ،ويختلفون ب�ش�أن ه��و :التواتر المتتابع بين حالتي ال�صوت حدّهما وحدودهما( .)7بيد �أن ثمة ما ي�شبه وال�صمت� ..أو الحركة وال�سكون� ،أو الإ�سراع االتفاق على �أن الإيقاع الخارجي هو الوزن والإبطاء ...الخ؛ وبهذا يكون الإيقاع �صفة ال�شعري ال��ذي ا�صطلح عليه القدامى بـ اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الإيقاع في مجموعة �صالحة غاب�ش ال�شعرية
(البحر)� ،إ�شارة �إلى �أن معينه ال ينفد� ،إذ تمتد ح��دود ا�ستثماره �إل��ى م��ا ال نهاية .ف�ض ًال عن القافية التي ينتهي بها البيت ال�شعري التقليدي ذو ال�شطرين .وفي ق�صيدة التفعيلة التي تقع في دائرة ما ا�صطلح على ت�سميته بـ (ال�شعر الحر)، يعتمد الإي�ق��اع الخارجي على طبيعة التفعيلة المنتقاة ،ف�ض ًال عن القافية المتنوعة في نهاية كل �سطر �شعري. و�أما الإيقاع الداخلي ،ف�إنه ينتمي �إلى ظواهر ذات طابع له �صلة بجر�س الألفاظ التي ت�شكّل بنية الق�صيدة ،وال�سيما التكرار الذي قد يكون تكرار ًا لمقطع �أو جملة �أو ا�سم �أو فعل .وربما يكرر ال�شاعر حرف ًا معيناً ،بهدف خلق تجمعات �صوتية ذات جر�س خا�ص ،يعزز الت�أثير المو�سيقي للبيت ذي ال�شطرين �أو ال�سطر ال�شعري في ق�صيدة التفعيلة .وقد يلج�أ ال�شاعر �إلى القوافي الداخلية والموازنة والجنا�س بنمطيه التام والناق�ص.. ويلحظ القارئ لمجموعة (بانتظار ال�شم�س) و�سواها في �إطار ما يدعى بـ (الإيقاع الداخلي) .ميل ال�شاعرة لبحر الرمل ،بخا�صةً� ،أو لمجزوئه وتبدو تجربة ال�شاعرة �صالحة غاب�ش في �أو لتفعيلته (فاعالتن) ذات الإيقاع ال�سريع؛ �إذ مجموعتها ال�شعرية (بانتظار ال�شم�س) غنية ي�ست�أثر بحر الرمل بع�شر ق�صائد من مجموع من حيث �إيقاعها ،ذلك �أنها ا�ستثمرت ال�شكل ق�صائد المجموعة ال�شعرية الثماني والع�شرين، التقليدي للق�صيدة العربية ذات ال�شطرين ،وبواقع �أربع ق�صائد ذات �شطرين ،و�ست ق�صائد كما نظمت على ال�شكل الجديد القائم على ح��رة .و�أم��ا بحر الوافر وتفعيلته (مفاعلتن)، التفعيلة .ب��ل �إن الكفّة ل��م تكن متعادلة� ..إذ ف ��إن �ست ق�صائد م��ن المجموعة ت�ست�أثر به، رجحت كفة الق�صيدة الحرة ،ففي الوقت الذي �أرب��ع ق�صائد ح��رة في مقابل ق�صيدتين ذات تجد فيه ت�سع ع�شرة ق�صيدة حرة ،ف�إننا نقر�أ �شطرين .ويتطابق معه بحر الكامل وتفعيلته في هذه المجموعة ال�شعرية ت�سع ق�صائد ذات (متفاعلن)� ،إذ يرد بالقدر ذاته (�أربع ق�صائد ��ش�ط��ري��ن( ،)8وال تخفى الحرية ال�ت��ي تمنحها حرة وق�صيدتان من ذوات ال�شطرين) .يليهما ق�صيدة التفعيلة� ،إذ تجوب ال�شاعرة من خاللها بحر المتقارب الذي يتكرر خم�س م��رات� ،أربع في مديات و�آف��اق �أف�سح ،ذلك �أن قيد ق�صيدة م��رات منها في الق�صائد الحرة وم��رة واح��دة التفعيلة وقوافيها المتنوعة يبدو �أخف بكثير من في ق�صيدة ذات �شطرين ،وي�أتي بحر الرجز قيود البحر والقافية الموحدة للق�صيدة ذات وتفعيلته (م�ستفعلن) في ذيل القائمة� ،إذ تنفرد ق�صيدة حرة واحدة به. ال�شطرين.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 57
ومما يلفت نظر القارئ �أن ال�شاعرة نظمت الإه��داء ال��ذي ا�ستهلّت به مجموعتها ال�شعرية على وفق بحر الطويل ،في حين لم تنظم عليه �أية ق�صيدة من ق�صائدها في غ�ضون المجموعة. ومن الوا�ضح �أن التنويع في البحر ال�شعري مما ين�سجم مع الطبيعة الب�شرية� ،إذ تمل الإيقاع الرتيب المتكرر .وهو مبد�أ يمكن تلم�سه في هذه المجموعة على وجه العموم. ولو تق�صينا �صلة البحر المنتقى لق�صيدة ال�شاعرة �صالحة غاب�ش بالمعنى ال��ذي تحمله تلك الق�صيدة ،لوجدنا �أن بحر الرمل وقد ت�صدر قائمة البحور التي ا�ستثمرتها ال�شاعرة ،قد يحمل معنى المناجاة والت�ضرع �أم��ام ح�ضرة البارى جل �ش�أنه في ق�صيدة (ال تغيب)( .)9وق�صيدة (�أمنيات �صغيرة)( .)10وقد يتجه �صوب ال�شكوى من ظلم العالم في ق�صيدة (�أدناها ثمن)(.)11 وتقترب ق�صيدة (كلهم ط�ف��ل)( - )12وه��ي من بحر الرمل �أي�ضاً -من الق�صيدة ال�سابقة في مو�ضوعها .بيد �أن الق�صائد( :بانتظار ال�شم�س) و(نحو ال�سحاب) و(�أ��ش��رع��ة)( ،)13وقد نظمت جميع ًا على وفق بحر الرمل ..تحمل طابع الأمل والثقة بالحياة. وتت�سم ق�صيدة (مديرة)( )14المنظومة على تفعيلة الرمل �أي�ضاً ،بكونها ذاتية وتعتمد على ا�سترجاع الما�ضي .مما يدل على قدرة ال�شاعرة على �أن تكيف �إيقاع الرمل وتفعيلته (فاعالتن)، بحيث يتنا�سب م��ع الجو النف�سي للق�صيدة، وينطبق هذا على بقية البحور التي نظمت وفق ًا لها.
58
وق ��د ان�ت�ب��ه كثير م��ن ال�ب��اح�ث�ي��ن ال�ق��دام��ى والمحدثين �إلى م�س�ألة ال�صلة بين الوزن والمعنى منذُ كتاب (منهاج البلغاء) لحازم القرطاجني اجلوبة -ربيع 1435هـ
وحتى ال��درا��س��ات المعا�صرة( ،)15من دون ان يتفقوا على ر�ؤي��ة موحدة بهذا ال�ش�أن ،ما يدل على �أن البحر يظل الأقرب �إلى الأداة �أو الوعاء، وتكمن مهارة ال�شاعر في قدرته على ملء ذلك الوعاء بعبير الم�شاعر الإن�سانية وال�صور الدالة واللغة الموحية� ،ش�أنه ف��ي ذل��ك ��ش��أن اللفظ المفرد ال��ذي يبدو م�ح��اي��د ًا وه��و ف��ي المعجم اللغوي ،بيد �أنه ي�شحن بطاقات تعبيرية م�ضافة في �سياق الق�صيدة الحية ،وح�سب متطلبات التجربة ال�شعرية الخا�صة. وف ��ي م��ا ي�خ����ص ق��واف��ي ه ��ذه ال�م�ج�م��وع��ة ال�شعرية ،ف�إن ال�شاعرة ا�ستثمرت في ق�صائدها ذات ال�شطرين ح��روف ال��روي (ال�ب��اء ،النون، ال��راء ،الالم) مرتين لك ّل منها .وختمت �أبيات �أربع ق�صائد من ذوات ال�شطرين بحروف الروي (الهاء ،القاف ،الهمزة ،الجيم) ،ولكل حرف من هذه الحروف طاقته الإيقاعية .وما لجوء ال�شاعر �إلى التنويع �إال مما يدخل في باب توخّ ي ق��وة الت�أثير ،م��ن خ�لال الإي �ق��اع المنتقى لكل تجربة �شعرية يعر�ضها الن�ص ال�شعري. وف��ي ق���ص��ائ��ده��ا ال �ح��رة ،ي�لاح��ظ ال �ق��ارئ
ظاهرة التنويع التي تطغى على كل قوافيها، وربما تركت ال�شاعرة ال�سطر ال�شعري وقافيته من غير ان تجد �ضرورة لتكرارها .ففي ق�صيدة (نحو ال�سحاب)( ،)16تتكرر حرف الروي (الباء) �إح��دى وع�شرين مرة .ولكن حرف (الياء) في مفردة (الباكيه) ،ومثله (الهمزة) في مفردة (انحناءه) ،والكاف في (ن�ضحك) ،والتاء في (�صامتا) ،والهمزة (في ال�شتاء) ،وال�سين في (�شم�سا) ،ال تتكرر �أبداً ،و�إنما ترد جميع ًا �سائبة، في حين يتكرر حرف الروي (العين) في (�سعة) وري����م ال�����س��ع��د منطلق ب��ن��ا ع��ب��ـ��ـ..... ثالث مرات ,وال يخ�ضع تكرار القافية لأي قاعدة ()20 ����ص����اف �أن������ي������ق ر ح���ل���م �أخ���������ض����ر � ٍ مفرو�ضة من الخارج ،و�إنما ينبع التكرار من فيكون حرفا العين والباء من لفظة (عبر) �سياق الق�صيدة ذاتها. ف��ي ال�شطر الأول ،وت �ك��ون ال ��راء ف��ي ال�شطر ورب �م��ا اق�ت��رب��ت ال���ش��اع��رة ك�ث�ي��ر ًا م��ن �شكل الثاني .وفي كل النماذج ال�شعرية المدورة تهدف الق�صيدة ذات ال�شطرين في تكرار قوافيها ،و�إن ال�شاعرة �إل��ى ك�سر رتابة البحر ال�شعري من اختارت ال�شكل الحر �إهابا لها ،كما في ق�صيدتها خ�لال ظاهرة التدوير ،ف�ض ًال عن رغبتها في (�أحرف الحب) التي تقول فيها: �إتمام المعنى الذي تتوخاه من البيت ال�شعري، وت�سبح في ف�ؤادي �أحرف الحب وال��ذي يحت�ضن ه��ذه الظاهرة .ول��م تتكلّفها.. ف�أنثرها ندى في كوننا الرحب بل اعتمدت على ال�سياق الذي يقت�ضيها ،فت�أتي فت�سمو الروح في العلياء مكملة للإيقاع الخارجي في البيت ال�شعري ذي كمثل حمامة بي�ضاء ال�شطرين.
فت�صغر ت�صغر الأ�شياء و�ألقى اهلل رغم �ستائر الغيب ()17 و�أهم�س �إنني �أهواك يا ربي
فيتكرر ح��رف ال��روي (ال�ب��اء) �أرب��ع م��رات، و(ال�ه�م��زة) ث�لاث م��رات� ،إذ �إن ت�ك��رار قافية واحدة �أو قافيتين بكثافة ،يحيل �إلى الق�صيدة ذات ال�شطرين. وت�ستفيد ال�شاعرة من ظاهرة التدوير التي لها عالقة بالإيقاع الخارجي في البيت ال�شعري، وتكررها كثير ًا في بع�ض ق�صائدها وال�سيما ق�صيدة (كلهم طفل)( – )18من مجزوء الرمل
وق� ّل�م��ا نجد ف��ي ال�شعر ال��ع��رب��ي مَ ��ن ينظم على بحر ال��واف��ر التام (مفاعلتن ،مفاعلتن، مفاعلتن)� ،إذ �إن الق�صائد في هذا البحر ،ومنذ معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي ..ت�أتي على زنة (مفاعلتن مفاعلتن فعولن)� ،أي بقطف عرو�ض البيت و�ضربه – كما يعبر العرو�ضيون(.- )21 ولكن ال�شاعرة تختار الوافر التام ،ما يدل على �أنها تنتقي �إيقاعها الخا�ص الذي تود �أن تتميز به ق�صيدتها (وجهك �أنت يا وطني)( .)22وينطبق هذا على ق�صيدتها (رحيل زه��رة)(� ،)23إذ قلما نجد ق�صيدة من بحر الرمل ت�أتي عرو�ضها على
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
– وقد ا�شتملت على �سبعة وع�شرين بيتاً ،بدت ظاهرة التدوير في واح��د وع�شرين بيت ًا منها. وتقل الظاهرة تدريجي ًا في ق�صائد �أخرى .ففي ق�صيدة (�أمنيات �صغيرة)( ،)19وهي من مجزوء الرمل �أي�ضاً ،نجد فيها ثمانية �أبيات مدورة من �أ�صل �أبيات الق�صيدة الخم�سة والع�شرين .وقد ينفرد بيت واح��د في ق�صيدة واح��دة بظاهرة التدوير ،كما في ق�صيدة (�صداقة) من بحر الوافر:
اجلوبة -ربيع 1435هـ 59
60
اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وفق (فاعالتن فاعالتن فاعالتن)� ،إذ غالب ًا ما تكون عرو�ض الرمل محذوفة (فاعلن)( .)24وما اختيار ال�شاعرة تفعيلة الرمل التام (مفاعلتن) في عرو�ض الرمل و�ضربه �إال مما يدخل في باب محاولة التميز واختيار الإيقاع الخا�ص للتجربة ومثل ذلك يقال عن تكرار مقطع (�أنت وحدك ال�شعورية. ال تغيب) في ق�صيدة (ال تغيب)(� ،)26إذ تتوجه وف��ي �إط��ار ظاهرة الإي�ق��اع الداخلي ،ي�شيع ال�شاعرة �إل��ى اهلل – ج ّل �ش�أنه – بالمناجاة، ال�ت�ك��رار بكل �أن�م��اط��ه ف��ي ق�صائد المجموعة وبما �أن ب�ؤرة الق�صيدة هي ر�صد تغيّر الأ�شياء ال�شعرية (بانتظار ال�شم�س)؛ م�ضفي ًا جر�سا وانزوائها وغيابها وينطبق هذا على كل �شيء من �ش�أنه �أن ي�ؤازر الإيقاع الخارجي للق�صيدة ،ما عدا الذات الإلهية ،ف�إن المقطع ي�شي بطاقة وين�سجم معه م��ن ج��ان��ب ..ف�ض ًال ع��ن دالل��ة �إيقاعية م�ستندة �إل��ى المعنى المق�صود من التكرار المعنوي التي ت�ستمد قوتها م��ن هذا الق�صيدة. ()27 الجانب الإيقاعي .ويتنوع التكرار بتنوع ال�سياق وت�ستهل ق���ص�ي��دة (دوام� ��ة ال �� �ش �ت��ات) ال�شعري ال��ذي ي��رد فيه .فثمة ت�ك��رار المقطع �سطرها ال�شعري الأول بقولها: ف��ي ق�صيدة (ن�ح��و ال �� �س �ح��اب)()25؛ �إذ يتكرر (�شتات غربة يدور في كل اتجاه) ال�سطر ال�شعري (لي�س في الوقت �سعه) ثالث مما يدل على �أهمية اال�سمين (�شتات ،غربة) م ��رات .وترتكز ال��دالل��ة الإي�ق��اع�ي��ة على دالل��ة معنوية يعك�سها تكرار هذا المقطع؛ فالق�صيدة الدالين على التمزق والإح�سا�س بالوح�شة ،وي�أتي ج��اءت معب�أة بالحياة والأم��ل ونبذ الذكريات تكرارهما خم�س مرات ..ما ي�شي بب�ؤرة الق�صيدة الباكية و�إح�سا�سات االغتراب والي�أ�س؛ ولذلك ،القائمة على التعبير عن غربة الإن�سان و�ضياعه، ف�إن اغتنام عن�صر الزمن ،ممّا يلحّ على ذهن وما تكرار اال�سمين� :شتات وغربة� ،إال مما يدل ال�شاعرة ،فتكرره (لي�س في الوقت �سعه) �إ�شارة على ثبوت هذه الحالة في هذا العالم و�سكونيتها. �إل��ى نزوعها �صوب الحركة باتجاه ال�سّ حاب، كما تولع ال�شاعرة بحرف النداء (ي��ا)� ،إذ الذي هو رمز من رموز ال�سمو والخ�صب؛ ولذلك تكرره في موا�ضع من مجموعتها ال�شعرية ..مما فقد تكرر لفظ ال�سحاب ،في الق�صيدة �أرب��ع له داللته الإيقاعية والمعنوية على ح ّد �سواء. م��رات ،ف�أفادت الق�صيدة منه �إيقاع ًا ومعنى .ففي ق�صيدة (منطق الآالم فينا م�شهر) ()28 وف��ي الق�صيدة ذات �ه��ا يتكرر الفعل (نغني) يتكرر ح��رف ال�ن��داء (ي��ا) �أرب��ع م��رات ،اثنتان م�شكّال �سطر ًا �شعري ًا من خ�لال تكراره ثالث منها في ن��داء الدوحة (يا دوح��ة) ،وثمّة نداء م��رات (ونغني ونغني ونغني) ،في�ؤكد �أج��واء للطائر (ي��ا ط��ائ��ري) ،ف�ض ًال ع��ن ت�ك��رار ن��داء ال�ت�ف��ا�ؤل ويكر�سها ،وه��و ب ��دوره يخلق تجمع ًا الطائر ب�صيغة �أخ��رى (يا عا�شق النهر) .وفي �صوتي ًا لحرف (ال�ن��ون) ،وبخا�صة حين يتكرر تكرار النداء لغير العاقل �أكثر من هدف فني في هذا ال�سطر ال�شعري ت�سع مرات ،ف�ض ًال عن ف�ض ًال عن الهدف الإيقاعي واالمتداد ال�صوتي تكرار حرف (العين) ثالث مرات ،وحرف المد ال ��ذي ينطوي عليه ح��رف ال �ن��داء (ي ��ا)؛ لأن (الياء) ثالث مرات ،ما ي�سمح بامتداد النف�س، وبما ي�شبه حركة التنف�س في ال�شهيق والزفير، م�سج ًال �أق�صى درج��ات االرتياح والر�ضا على الرغم من �أنف الجرح – كما عبّرت الق�صيدة.
النداء ي�ضفي الأن�سنة على الأ�شياء من حولنا �أنها ت�ؤكد هذه الم�ضاهاة بين ال�شاعرة والطائر، (ال��دوح��ة وال�ط��ائ��ر) ،وب��ذل��ك يت�شخ�صان في معززة �أن�سنة الطائر و�إح�سا�سات ال�شاعرة التي �إطار ا�ستعارتين مكنّيتين تتكرران مرتين ،يكون عك�ستها عليه. الم�ستعار له فيهما (الدوحة ،والطائر) ،ويكون وتمتزج نماذج �أخرى من الموازنة بالتقفية الم�ستعار منه (الإن�سان)؛ لأن النداء �أ�صيل في الداخلية ،يرد في ق�صيدة (�أمنيات �صغيرة) الكائن العاقل الذي يعي العالم من حوله ،وهو قول ال�شاعرة: م�ستعار فيما �سواه(.)29 في ذراعيها ر�ضي ُع
ي�ستقي قحل اليباب وال تكتفي ال�شاعرة بالقافية الخارجية التي ينتهي بها البيت �أو ال�سطر ال�شعري ،ولكنها وبعينيهـا دم ـ ـ ــو ُع ()31 وتبـ ـ ــاريـ ـ ُح ع ـ ــذاب ت�أتي بالقافية الداخلية التي من �ش�أنها �أن ت�ؤازر
الإيقاع ال��ذي تثيره القافية الخارجية في �أذن المتلقي .فها هي ق�صيدة (منطق الآالم فينا م�شهر)( )30تنطوي على هذا النمط من القافية في قول ال�شاعرة:
ومو�ضع ال�شاهد في البيتين يتبين من خالل خلق قافية داخلية عبر اللفظين (ذراعيها، بعينيها) ،ف�ض ًال عن زنة اال�سمين التي تتطابق مُ�شكّلة م��وازن��ة ت��رف��د البيت ال�شعري بطاقة �إيقاعية م�ضافة من �ش�أنها �أن تعزز ال�صورة الم�ؤلمة ،التي ر�سمتها ال�شاعرة للأم البائ�سة.. �إف�صاح ًا عن ق�سوة هذا العالم وال مباالته.
فت�شكّل لفظتا (ابت�سامة ،وغيمة) قافية لا ع��ن ال�ق��اف�ي��ة ال�خ��ارج�ي��ة في داخ �ل �ي��ة ،ف���ض� ً اللفظين (ي��وم��ن��ا ،همنا) .وينطبق ه��ذا على �سطرين �آخرين في الق�صيدة ذاتها:
ونجد نماذج من الجنا�س الناق�ص وال�سيما في قوافي ق�صائد المجموعة .ففي ق�صيدة (م�شاهد للوحدة)( )32يرد لفظان هما (بعيدة� ،سعيدة)، حيث ي�شكالن جنا�س ًا ناق�ص ًا يعد م��ن ل��وازم الإٌيقاع الداخلي ،ومثل ذلك يقال عن اللفظين (�سنة و�سو�سنة) في ق�صيدة (�سو�سنة)(،)33 ينطوي اللفظان على جنا�س ناق�ص ،ف�ض ًال عن جر�س حرف (ال�سين) الم�أنو�س في المفردتين كلتيهما.
في واحة الأمل المعطر �أحتوي غ�صن الفر ْح و�صدى ابت�سامة يومنا وجالء غيمة همّنا
حلّقتُ �إذ �أوقعته و�ضحكت �إذ �أبكيته يا طائري
في�شكل الفعالن (حلّقتُ � ،ضحكتُ ) قافية داخ�ل�ي��ة ت��دع��م ت��أث�ي��ر ال�ق��اف�ي��ة ال�خ��ارج�ي��ة في ال�سطرين ال�شعريين ،وف��ي التقفية الداخلية للنموذج ال�سابق ،ثمة م��وازن��ة تتكرر نماذج منها في هذه المجموعة ال�شعرية .وتبدو هنا من خالل الألفاظ (حلّقت� ،أوقعته� ،ضحكت، �أبكيته) ،وهي مما يُعزز ت�أثير القوافي الداخلية، ويهب المقطع ال�شعري �إيقاع ًا م�ضافاً ،ف�ض ًال عن
وب �ع��د ،ف � ��إن ال �� �ش��اع��رة ��ص��ال�ح��ة غ��اب ����ش في مجموعتها ال�شعرية (ب��ان��ت��ظ��ار ال�شم�س) ،قد توا�صلت مع الق�صيدة العربية في �شكلها الجديد القائم على التفعيلة ،وفي �صيغتها التقليدية ذات ال�شطرين ..ومالت �إلى ال�شكل الجديد ،كما �أنها انتقت من البحور والتفعيالت ما ينا�سب تجاربها
اجلوبة -ربيع 1435هـ 61
* كاتب عراقي مقيم في الواليات المتحدة. 1.1ينظر :د� .إبراهيم �أني�س ،مو�سيقى ال�شعر ،مطبعة الأمانة ،ط ،5القاهرة 1978م� ،ص .9 2.2المرجع نف�سه� ،ص .21 3.3ينظر� :إليزابيت درو ،ال�شعر كيف نفهمه ونتذوقه، ترجمة :محمد �إبراهيم ال�شو�ش ،مطبعة منيمنة، بيروت 1961م� ،ص .60 4.4د .عزالدين �إ�سماعيل ،الأ�س�س الجمالية في النقد العربي ،دار ال�ش�ؤون الثقافية العامة ،ط ،3بغداد 1986م� ،ص.361 5.5ال�ف�ي��روز�أب��ادى ،القامو�س المحيط ،دار الفكر، بيروت( ،د.ت) ،مادة (و ق ع). 6.6مجدي وهبة ،معجم م�صطلحات الأدب ،مكتبة لبنان ،بيروت 1974م� ،ص .42 7.7ينظر :د .عبدالرحمن ياغي ،مقدمة في درا�سة الأدب الحديث ،المطبعة الأردنية ،عمان 1975م، ���ص .94كما ينظر :د .خالد �سليمان ،في الإيقاع الداخلي في الق�صيدة العربية المعا�صرة ،من بحوث مهرجان المربد ال�شعري العا�شر ،بغداد 1989م� ،ص .4 �8.8صالحة غاب�ش ،بانتظار ال�شم�س ،من�شورات اتحاد كتاب و�أدباء الإمارات ،ال�شارقة� ،ص .90 – 89 9.9المرجع نف�سه� ،ص 7 1010المرجع نف�سه� ،ص .11 1111المرجع نف�سه� ،ص .29 1212المرجع نف�سه� ،ص .32 1313ال�م��رج��ع نف�سه��� ،ص ��� ،57ص ��� ،67ص 84على التوالي. 1414المرجع نف�سه� ،ص .60 1515ينظر :القرطاجني ،منهاج البلغاء ،تحقيق :محمد الحبيب بن الخوجة ،تون�س 1966م� ،ص . ،266
كما ينظر :د .عزالدين �إ�سماعيل التف�سير النف�سي للأدب ،دار العودة ،بيروت (د.ت)� ،ص .59وينظر ك��ذل��ك :د .مح�سن اطيم�ش ،دي��ر ال �م�لاك ،دار الر�شيد للن�شر ،بغداد 1982م� ،ص .301 �1616صالحة غاب�ش� ،ص .68 1717المرجع نف�سه� ،ص .10 1818المرجع نف�سه� ،ص .32 1919المرجع نف�سه� ،ص .11 2020المرجع نف�سه� ،ص .74 2121ينظر� :أحمد الها�شمي ،ميزان الذهب في �صناعة �شعر العرب ،المكتبة التجارية الكبرى (د.ت)، �ص .48كما ينظر :ال�شيخ جالل الحنفي ،العرو�ض تهذيبه و�إع���ادة ت��دوي�ن��ه ،دار ال���ش��ؤون الثقافية العامة ،ط ،3بغداد 1991م� ،ص.549 �2222صالحة غاب�ش� ،ص .15 2323المرجع نف�سه� ،ص .43 2424ينظر� :أحمد الها�شمي� ،ص .69 �2525صالحة غاب�ش.67 ، 2626المرجع نف�سه� ،ص .7 2727المرجع نف�سه� ،ص .35 2828المرجع نف�سه� ،ص .48 2929ينظر :د .وج���دان ع��ب��دالإل��ه ال�صائغ ،ال�صورة اال�ستعارية ف��ي �شعر االخ�ط��ل ال�صغير ،ر�سالة دكتوراه ،مقدمة �إلى كلية الآداب /جامعة المو�صل 1995م� ،ص .25 �3030صالحة غاب�ش� ،ص .48 3131نف�سه� ،ص .11 3232نف�سه� ،ص .71 3333نف�سه� ،ص .62
اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
62
ال�شعورية .وجاء ت�سل�سل البحور ال�شعرية وح�سب ا�ستثمارها لها هو :الرمل ثم الوافر ثم الكامل فالمتقارب فالرجز .ولل�شاعرة ق�صيدتان حاولت �أن تميزهما ب�إيقاع مختلف م�ستمد من بحري الرمل والوافر ..وقد نوّعت ال�شاعرة في قوافيها عامة ،وكان لحروف الرويّ (الباء ،النون ،الراء، الالم) ح�ضور في ق�صائدها ذات ال�شطرين .وقد
تكررت ظاهرة التدوير في بع�ض ق�صائدها .وكل ما ذكرناه يدخل في �إطار ظواهر الإيقاع الخارجي. في حين ي�شيع التكرار بكل �أنماطه (تكرار مقطع، وتكرار ا�سم ،وتكرار فعل ،وتكرار حرف) ،م�شكال �إيقاع ًا داخلياً .وت�أتي القوافي الداخلية والموازنة والجنا�س الناق�ص ك��ي ت�ع��زز مجتمعة ظاهرة الإيقاع الداخلي في هذه المجموعة ال�شعرية.
الطبيعة واغتراب الذات في �شعر الثبيتي ■ �شيمة ال�شمري*
يعد و�صف الطبيعة من الأغرا�ض البارزة في ال�شعر العربي قديمه وحديثه ،وقد حظي هذا اللون من ال�شعر في الع�صر الحديث بما لم يحظ به في الع�صور ال�سابقة. «وما تم له ذلك �إال لأنه �صورة انطباعات النفو�س ال�شاعرة حيال مدركاتها من �أحوال الكون والنا�س ..ولأن الدافع �إلى الو�صف رغبة ملحّ ة في النف�س لم تدفعها رهبة، ولم تجتذبها منفعة ،و�إنما قادها �شعور ذاتي بالقبح �أو الجمال �أو ال�ضعف �أو القوة �أو نحو ذلك»( .)1ولقد �أقبل �شعراء هذا الع�صر على الو�صف �إقبا ًال منقطع النظير ،وكان �إقبال �شعراء الع�صر الحديث على و�صف الطبيعة �أكثر من غيرها و�إن اختلفوا في و�صفهم .وت�أتّيهم لها وانطباع ذاتيتهم في �أ�شعارهم ،فهناك عالقة وثيقة بين الو�صف والطبيعة من ال�صعب �أن نف�صله ،فالو�صف في غالب �إطالقه ال يتعدى الطبيعة بما فيها من متحرك و�ساكن (بر وبحر و�أر�ض و�سماء و�صحارى وريا�ض). «وتعد الطبيعة والفن م�صدري الجمال في ال�ك��ون ،ويق�صد بالطبيعة من وجهة مو�ضوعية مجموعة الكائنات من حيوان ونبات وجماد ،ومن وجهة ذاتية الأخالق والطبائع ،وقد �سادت منذ القدم النظرية القائلة �أن جمال الفن م�شتق من جمال الطبيعة و�أن الفن تقليد لها»(.)2 وال��ذات الب�شرية معقّدة التكوين �أودع
الخالق عز وج��ل في جبلتها غريزة حب الحياة مع وع��ي الإن�سان بحتمية الفناء و�إدراك��ه لموته المحتم ووجوده العابر في الحياة المو�شك على االنتهاء. وق��د يت�ضخم الإح�سا�س ب��ال��ذات لدى ال�شاعر ،فهو ي�شعر �أنه مجموع من الذوات ف��ي ذات واح� ��دة وذل ��ك ع��ائ��د الم�ت�لاك ال�شاعر �إح�سا�سً ا م��ره� ًف��ا ف��ائ� ًق��ا ق��ادرًا اجلوبة -ربيع 1435هـ 63
وق��د �أكثر �شعرا�ؤنا ال�سعوديون من و�صف الطبيعة المحيطة بهم من جبال و�أنهار وحدائق وم�شاهد كونية عديدة ،ما وقعت عليه �أب�صارهم وت�صوّرته مداركهم .ومن خالل اقتفائي لأثر الثبيتي ال�شعري تبين �أنه ا�ستقى معظم �صوره و�أخيلته من رحم الطبيعة ،وما بها من �سماء ونجوم و�أ�شجار وغ�صون ونباتات ،كما �أث��رت الحياة اليومية التي كان يعاي�شها ال�شاعر في �أح�ضان الطبيعة على �أخيلته؛ فجاء �شعره زاخرًا بكثير من �ألفاظ الطبيعة كالنور وال�ضياء والبدر والقمر ،لما لهذه الأ�شياء من مكانة رفيعة في حياة العرب.
وقد ارتبط الثبيتي ببيئته؛ فو�صف جبالها و�سهولها و�سواحلها و�شواطئها ،وتغنى بمعالمها.. بدافع الهرب من الحياة ،والهيام بالطبيعة كما نجده عند �أدباء الرومان�سية ،ويت�ضح ذلك في �أبيات متعددة في �شعره ومن ذلك قوله:
الطبيعة عندما يتقاطع معها (االغ �ت��راب) الطبيعة بمالمحها واالغتراب بمظاهره -في�شعر دي��وان (موقف ال��رم��ال) لل�شاعر محمد الثبيتي ،وهو رائ��د من رواد الحداثة ال�شعرية ال�سعودية ،ع��ا���ش فيما بين ع��ام��ي (-1366 1430هـ) وهو متنوّع الم�شارب ,مختلف المنهج, مما م� ّك��ن ل��ه م��ن تكوين ��ص��وت �شعري مميز ل��ه ح���ض��وره ف��ي ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية ف��ال�ع��رب�ي��ة ،وك�ت��ب ل�شعره ال���س�ي��رورة ل�ف��رادة ن�صو�صه ومفارقتها لغيرها.
ف�ق��د ع���ش��ق الثبيتي الطبيعة م��ن ح��ول��ه، فنجد االنغما�س واالمتزاج مع عنا�صر الطبيعة عنده مثلما نجد عند ال�شعراء «الرومان�سيين» الذين �أغرقوا في الذاتية ،وجعلوا من الطبيعة وعنا�صرها مالذ ًا وملج�أ لهم ،وكان من �سمات �أدبهم االنفراد والغربة ،ما يدل على ال�شخ�صية الم�ؤرقة المهمومة والذهنيـة المفارقة لتقلبات الحياة ،فتنطلق قريحته ال�شعرية المخ�ضوبة ب��ال�م�ن��زع ال��روم��ان���س��ي ال�م�ت�م��اه��ي ف��ي ن�سقه ال�شعري؛ لتغنّي لكل مفردات الطبيعة ،وينعتق في رباها من حيز المكانية وغربتها �إلى رحابة الأفق ال�شعري الذي يحلق في عالمه ،ب�أجنحة الإب ��داع ووق��ع �إيقاعها المتنامي عبر تمادي المعاي�شة لت�شكالت اللوحة المكانية الماثلة في تجليّات الطبيعة.
«للنخل للكثبان لل�شيح ال�شمالي وللنفحات من ريح ال�صبا للطير في خ�ضر الربى لل�شم�س للجبل الحجازي وللبحر ()3 تحاول هذه الدرا�سة الموجزة �أن تبرز مفهوم التهامي»
64
ت�شكل ال�صحراء الجزء الأكبر من تكوين ال�ج��زي��رة العربية ال�ج�غ��راف��ي ,وه��و و�إن كان ج ��زءا ق �ف��را م��اح�لا ,ف�ق��د غ��ر��س��ت ال�ج��زي��رة العربية في �أبنائها �صفات يندر وجودها عند غيرهم ,وتكوّنت مع الأي��ام عالقة و ّد ومحبة اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
على الت�أمّل وال�شعور بخلجات الحياة ..ومن ثم التعبير الجمالي القائم على اللغة الموحية والخيال الخ�صب والعاطفة المت�أججة والر�ؤية المختلفة ،فهو يقف عند مكابدات الحياة على نحو �أعمق يت�أثر بها ويلتقطها.
بين ال�صحراء و�ساكنيها ،وظ��ل العربي في كل الأزم�ن��ة يدين ل�صحراء الجزيرة العربية بالحب ،ويجد فيها بيته الأول الذي �إنْ �ضاق به، بقيت له في الف�ؤاد جملة من العواطف الفيا�ضة الرقيقة لعل من �أهمها ت�أكيد االنتماء والأ�صالة.
فقد كان ح�ضور ال�صحراء في ديوان (موقف الرمال) للثبيتي الفتا قويا ،كما يالحظ كثرة ول��وج ال�شعر �إليها؛ ف��رارا م��ن واق�ع��ه و�شعوره باالغتراب الذي تعي�شه ذاته المرهقة ،ما ي�شي بحيرة ال�شاعر وقلقه في �أخريات حياته ،كون الديوان �آخر ما بثه ال�شاعر من �أ�شعار ,يقول:
الرم�س نبكي ِ �سادرانِ على ونندبُ �شم�ساً تهاوت وبدراً هلك وكالنا تغ�شته حُ مى الرمال فلم يدر �أي ريا ٍح تلقى و�أيَّ طريقٍ �سلك(...)4
()5
�إن��ه �شعور النف�س الداخلية� ،شعور القلق من لفّ حول حدائق روحك هذا ال�شرك؟
وال���ض�ي��اع ال��داخ �ل��ي ال ��ذي ينطلق م��ن خالله ال�شاعر �إلى تلمّ�س �صداه في الطبيعة التي تقف �أمامه ،حيث تتغ�شى حمى الرمال ال�صديقين، فيذهب كل واحد منهما اتجاها ال يعرف مداه �أو �صوابه ،وهي في الحقيقة �صورة روحه التي افتقدها ،وطبيعته التي حولتها المدنية الحديثة �إلى �ضياع ما بعده �ضياع. �إن ال�صورة هنا لتظهر معتمدة على البيئة ال�صحراوية اعتمادا مبا�شرا ،فمعاناة الفكرة وال�شعور بها لم يجد له الثبيتي �أف�ضل من �صورة ال�صحراء ،حيث انقطاع ال�صديقين وابتعادهما لم يجد ال�شاعر للتعبير عنه �سوى من خالل ال �� �ص �ح��راء ال �ت��ي �أ� �ض��اع��ت ري��اح �ه��ا وت��راب�ه��ا ال�صديقين ،وف�صلتهما ع��ن ب�ع����ض ..فتاها طويال عن بع�ضهما ،على الرغم من كل عالمات الت�شابه المبدئي بينهما. و�ضاحْ : يقول في ق�صيدتهَّ :
�صاحبي.. ما الذي غيرك؟ ما الذي خدر الحلم في �صحو عينيك؟
�إن ال�صحراء المعنوية تح�ضر �أي�ضا عبر ا�ستح�ضارها موازية لل�صحراء الحقيقية في الن�ص ال�سابق؛ فهي تح�ضر م�ضيعة «لل�صاحب» �أو ال�صديق كما في الأبيات ال�سابقة ،بكل ما فيه من روع��ة ،فحدائق الداخل (جمال الداخل) يقابلها ق�سوة ال�صحراء المعنوية التي تحا�صر ال ��ذات الخ�صبة ،ال ��ذات الحديقة م��ن دون االنطالق في عالم يليق بها. ي ��ؤي��د ه��ذا المنطلق م��ا �أم�ل�ت��ه ال�م�ف��ردات ال�صحراوية الحا�ضرة بقوة ،وهي ت�شكل مبعثا وم��آال لن�صو�ص الديوان ب��دء ًا الرمال ,ويت�ضح ذلك في عدد من ق�صائد ال�شاعر التي تهيمن ال�صحراء على عناوينها منها ق�صيدة بعنوان (الأعراب� :ص ،)33 :الأعراب �سكان ال�صحراء من العرب ،وبين المفردة وال�صحراء تالزم مطرد. �إن ال �� �ص �ح��راء ارت �ب �ط��ت ك�ث�ي��را ب��وج��دان ال�شعراء المعا�صرين عامة ،بمعانيها المختلفة: الجدب والن�ضوب والتال�شي والزوال واالنتهاء..
اجلوبة -ربيع 1435هـ 65
وتظهر لنا معاني ال�ي��أ���س وال�م�ع��ان��اة عند ال���ش��اع��ر بح�ضور ال�ل�ي��ل بمكوناته (ال �ه�لال، النجوم ،)..وممار�ساته (ال�سرى ،الإدالج) في تلك ال�صحراء الوا�سعة؛ فالليل ب�سواده وطوله وحلكته م��ع ال�صحراء بات�ساعها وام�ت��داده��ا وجدبها ومُحُ ولها ،ووجودهما مع ًا ي�سوق ال�شاعر �إلى �صناعة �صوره من خالل مخزونه الثقافي والوجداني الحياتي قراءة ومعاي�شة:..
«ليتهم حين �أ�سرجوا خيلهم وتنادوا �إلى �ساحتي �أوقدوا نارهم تحت نافذتي وا�ستراحوا ليتهم حينما �أدلجوا في غياهب ظني بلوا حناجرهم بن�شيد ال�سرى وا�ستبانوا �صباحي ()6 �إذ ي�ستبان �صباح»
كنا هناك قوافل في البيد يحدوها القمر وتغو�ص في جوف المدى المجهول والأفق الرحيب ت�ستف �أكوام الرمال �إذا ُّ �ساءت مواعيد الثمر وتعبُّ �ألوان ال�سراب �إن خانها ماء المطر فيهدُّ ها الليل الرهيب يغتال في �أحداقها �ضوء النهار وي�سومها خطط الهزيمة كالموج يفتك بال�سفينة ويهز �أعماق البحار (.)7
ول��م تكن ال�صحراء والثبيتي ابنها البار رمزا لل�ضالل وال�ضياع فقط ،لقد ح�ضرت لديه في �صورة ا�ستعارية خيالية� ،أما ال�صحراء في جانبها الم�ضيء فقد كانت لل�شاعر كما كانت لأج���داده الأم ��ل وال�ح�ي��اة وال�سكينة والأغ��ان��ي العذبة الجميلة ..يقول في ق�صيدته «�أح�ضان ال�سكون»:
�إن التمنّي عبر البالغة العربية الحا�ضرة في وعي الثبيتي هو تمنّي ح�صول الم�ستحيل؛ وت�أتي �أدات��ه ليت هنا مفعمة ب��الأل��م حين ت�ستح�ضر �صورة الراحلين الذين �أ�ساءُوا الظن والتقدير، فلم ي�ستمعوا لأم��ر الثبيتي تماما كما �ضيع �أ�صحاب دريد بن ال�صمّة �صرخاته ،وهو يقول :هنا �أنح ُر الليل� ،أغني الزما َن
�أم��رت��ه��م �أم���ري بمنعرج ال��ل��وى فلم ي�ستبينوا ال�����ص��ب��ح �إال �ضحى الغد
66
ف�أي ق�سوة �أ�شد عذابا من �صرخات التحذير تعلن وال ت �ج��اب �إال ب�م��زي��د م��ن ال���س�ي��ر نحو ال�ضالل ،وما �أ�شبه الليلة بالبارحة! �إنها القرار اجلوبة -ربيع 1435هـ
هنا �أتلقى حديث القم ْر هنا �أقتل ال�شعر عند الغروبِ و�أبعثه حين ي�أتي ال�سح ْر هنا �أ�صهر النور حتى يذوبَ و�ألقي به في عيون الزه ْر هنا يرقد الهمُّ في خاطري
وي�سلبني �أملي المنتظ ْر ه��ن��ا ي��وم�����ض ال��ل��ح��ن في �أ�ضلعي وينزع �أ�سراره من دمي وي�����ن�����ح�����ت م�������ن م���ق���ل���ت���ي الر�ؤى وتطرب �أوتاره �أنجمي وي���غ���رق���ن���ي ف����ي ال�����ش��ق��اء اللذيذ ()8 وتملأ �أوهامه عالمي.. �إن �ه��ا ال���ص�ح��راء ذات�ه��ا التي يتوه فيها الراف�ضون ل���ص��وت ال�ع�ق��ل وال�ح�ك�م��ة ،وي �ت ��أل��م بق�سوتها الذاهبون في طريق ال�ضالل ،تغدو هنا حديقة يجد ال�شاعر فيها روح��ه و�صوته وزوال همه، فال�شاعر يجد نف�سه المت�ألمة الحزينة ليال بمعية القمر .ول��وال القمر وم�سامرته �إي��اه في ح�ضن مع�شوقته ال�صحراء ..ما ا�ستطاع قول ال�شعر ،وال خرجت تجربته ال�شعرية التي تظل في داخله تعت�صره وتذيقه مـ َّر الآالم ،وت�أكل من وجدانه ،وتنحت من عظامه ،ليخرج هذا ال�شعر الرائق بعد المعاناة ..وهو ما يدعوه بال�شقاء اللذيذ ،في�سامر القمر بلغة العين الباحثة عن وثبات التجلي الإب��داع��ي ،لين�سج من خيوطه الو�ضاءة ن�سق ًا �شعري ًا ينبعث لحظة ال�سحر المن�صهرة في وهج النور القمري ،وليطرح في امتداده هم الخاطر ،وا�ستالب الأمل ،ومعه ت�أتي لوحته الفنية معب�أة بفيو�ض من ذلك التالقي المكاني وف��ق تداعيات ال�صحراء ،والزماني وفق تجليات الليل و�أنا�سِ يِّه القمرية والكوكبية، فتتعانق جميع ًا لتوم�ض �أ�شعة الت�صوير ال�شعري في عالمه المركب .فهو ينظر في الليل للقمر دون الليل ،ويبعد الليل عن زاوية ر�ؤيته ،مركزا
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
كما ارتبطت بهم خيرا وعطاء وانطالقا �أي�ضا، ومتى اقترنت مع الليل عند الثبيتي دلَّــت على معانٍ �أكثر �إي�لام��ا ،ي�أ�سا و�ضياعا وحرمانا.. وبخا�صة عند �أولئك ال�شعراء الذين يحملون بين جوانحهم هـمـ ًّا يعت�صرهم ،و�ألما ي�ؤرقهم.
الخاطئ الذي تتحمله الذات �ضالال في الحياة المدنية وتفا�صيلها و�سيا�ستها كما كان �ضالال في ال�سابق ،ال يجد ال�شاعر خيرا من ال�صحراء وخطورتها� ،ألي�ست هي الوهم الذي يبحث عنه الباحثون المغيبون ع��ن الحقائق ليقود �إل��ى الهالك..؟ يقول في ق�صيدته (الوهم):
اهتمامه فقط بنور القمر، وبم�شاعره الداخلية ،فك�أنه بذلك ينحر الليل. ويغدو التوظيف الرمزي ل��وح��ة م �ح��اي��دة ي �ح��اول من خ�لال�ه��ا ال���ش��اع��ر �أن يبعث الأ���س��ئ��ل��ة وال��م�لاح��ظ��ات من دون �أن ي �ج �ي��ب ،ك �م��ا في ال�سابق ،يظهر ذلك في قوله:
«و�أجوب بيداء الدجى ح��ت��ى ت��ب��اك��رن��ي ���ص��ب��اح��ات الحجا
�أرقا وظامي �إني ر�أيت �ألم تر؟ عيناي خانهما الكرى و�سهيل �ألقى في يمين ال�شم�س مهجته وولى ،والثريا حل في �أفالكها بدر ()9 �ش�آمي»
ال �ح��وار هنا عبر «ال��دي��ال��وج» ،ه��و متنف�س ال�شاعر كي يقول ما ي�شعر به دون قدرته على الإجابات ،وال�صحراء ببدرها وثرياها و�سهيلها رم��وز كونية ،يوظفها ال�شاعر ف��ي ا�ستجماع حواره المبا�شر:
�ألم تر!
ث��م ت��أت��ي ال��رم��وز التي ت�شي بعبقرية المكان و��س�ك��ون ال��زم��ن الليلي ال��داج��ي وال�صاخب بحركة �سهيل والثريا والبدر في مدارات العالم المتوازي بعالم ال�شاعر المغترب. فهل كان هذا الح�ضور لل�صحراء ذات ًا مغتربة عن مجتمعها المدني الحديث الذي تعي�ش فيه؟
اجلوبة -ربيع 1435هـ 67
�إن المت�أمل لديوان ال�شاعر يجد به ثالثة ن�صو�ص متوالية تبين مدى معاناة ال�شاعر مما حوله ،و�ضيقه به ،وارتمائه في تجليات الطبيعة من حوله وتوظيف م�شاهدها؛ لتعك�س حالته، بل والتوغل في الما�ضي وا�ستدعاء �شخ�صيات ق��دي�م��ة ل�ه��ا ح���ض��وره��ا ف��ي وج� ��دان المتلقي العربي ،وهذه الن�صو�ص هي( :تعارف� :ص )35 و(قرين� :ص )37و(و�ضاح� :ص .)41 وه��و ح���ض��ور ل �ه��ذه ال���ص�ح��راء ف��ي ح��االت نف�سية �شتى! حيث الحكمة في الن�ص الأول، والغناء والمتعة وذهاب الهم في الن�ص الثاني، والت�أمل والحوار والت�سا�ؤل في الن�ص الثالث، وهي حاالت متعددة لذات واحدة ،تتنوع حاالتها وتتباين خوفا وقلقا وا�ستمتاعا وغناء وت�أمال وت�سا�ؤال ،وفي كل الحاالت تح�ضر هذه ال�صحراء بتفا�صيلها مع ال�شاعر!!
�أما عن الأنثى /الأر�ض هي المعنية بخطاب ال�شاعر في ق�صيدته (يا امر�أة� :ص ,)43كما تظهر في ق�صيدة (�أغنية):
�أ�أنت هنا قاب قو�سين من �أرقى العذب كي ال �أنام �أ�أنت هنا يا التي �أ�سكنتني حدائقها �إن �ه��ا ال���ص�ح��راء ال �ت��ي تح�ضر ع�ب��ر بع�ض وحبتني �شقائقها مفرداتها مع ال�شاعر وهو يبحث في معادلها ()11 و�سقتني رحيق الغمام»
المو�ضوعي «المدينة» ،تح�ضر هنا عبر الأراك ف�ف��ي ه��ذه اللقطة الت�صويرية تت�ضاعف الذي ال يرى ال�شاعر في مدينته �سوى �صاحبه، الذي كان! �صاحبه الذي ي�ستح�ضره عبر روعة لغة الخطاب ال�شعري ،وتتكثف مفرداتها في ت�ضاعيف ال���ص��ورة الممتدة عبر المخزون �شجر الأراك: الإن���س��ان��ي ،وال�ت��ي تت�شكل وف��ق ق��رائ��ن الأن��وث��ة يا طاعنًا في الن�أي المجازية والحقيقة الأر���ض/ال�م��ر�أة ،لترت�سم ا�سلم، تداعياتها في الذاكرة المتلقية رموز ًا للخ�صوبة �إذا عثرت خُ طاك وال�سكنى وال�سكون ،لتك�شف عن �صالت القربى وا�سلم، بين الأنوثة/المر�أة والذات ال�شاعرة من جانب، �إذا عثرت عيون الكاتبين على خَ طاك وبين النموذج المقابل/الأر�ض ال�صحراء في وما خَ طاك؟! احت�ضانها لتكوينه وتَ�شَ كُّلِ ذاتيته المبدعة من �أني �أحدق في المدينة كي �أراك جانب �آخر. فال �أراك ()10
68
�إال �شميما من �أراك»
اجلوبة -ربيع 1435هـ
وال غ��رو؛ فهي المر�أة ال��روح التي اعتاد �أن
�ألفيتها وطني وبهجة �صوتها �شجني ومجد ح�ضورها ال�ضافي منادي وريقها ال�صافي ()12 مدامي»
كان يثوي بقربي حزيناً ويطوي على �ألم �ساعده قلت :مَن؟ لقد ر�أى ال�شاعر من نف�سه مخلّ�صا يتحدث قال :حاتم طيء ،و�أنت؟ من خالل تجربته ومعرفته بال�صحراء التي ال فقلت: ()14 �أنا معن بن زائدة
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
مرتحلة �إلى حيث ال�سكون!
�إن��ه الأراك ال�صاحب والحديقة المحبوبة التي يراها ال�شاعر عبر المدينة لونا من �ألوان ال�صحراء الجميلة ،وهو ما ي�ؤكد للقارئ فحوى ال��دي��وان ،حيث االغ �ت��راب وال�م�ف��ارق��ة ،وحيث الرحيل والترك والفرار من المدينة ب�أوجاعها، وح�ي��ث اللغة الموحية م��ع الجنا�س الموظف توظيفا راقيا �صعد بفنية الن�ص ،وحيث الطبيعة تتعانق والذات المنطلقة نحو البيداء من م�أزق المدينة ،وتظهر معه جمالية ال�سبك ال�شعري وف��ق ه��ذا التعانق لوظائف الجنا�س الجمالية التي تمليها دفقاته اللغوية الرامزة.
تكون له الوطن:
ولكنهم ت��رك��وه يعانق �صحراءه وي�ب��ذل لها حبه ،وي�شكو �إليها توجعه �أي�ضا ،تركوه لكنهم تركوه مع الكرام البررة الذين بذلوا حياتهم، و�أنفقوا معي�شتهم في منح الآخرين دون مَ نِّ �أو �أذى:
تك�شف �سرها �إال له؛ ولذا ،تتحول اللغة في مفتتح �أ َو لي�س البقاء مع الرموز في عالمه الغيبي الن�ص القادم �إلى �س�ؤال مبا�شر ،ي�شير �إلى ح�س يقيني في ر�سم االنعتاق والخال�ص لقومه .يقول خ �ي��ر ًا م��ن ال�ب�ق��اء م��ع الغافلين والمتغافلين والنفعيين وطالب المنفعة الذاتية على ح�ساب في ق�صيدة الأعراب: م�صلحة الإن�سان العربي الم�سلم..؟ لقد �صافح ليتهم �س�ألوني الثبيتي عبر �شعره حاتم ًا ومعناً ،وك�أنه كان يطلق كيف مخرت لهم جانب الليل �صرخته في الغيب �أن �أوان الرحيل �إليهم قد حتى تدلت عناقيده حان ،و�أن �أمنيته قد اقتربت ،ف�شاء اهلل �أن يودع وا�ستوى تحت عر�ش غدائره عالمه راح�لا �إل��ى ال�سابقين من �صنّاع الكلمة قمر نا�صع ورجال المواقف والنبل ،لتظل الأجيال تذكرهم ()13 وغرام مباح حين يذكر الكرم الأ�صيل والكلمة ال�شاعرة. * () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14
كاتبة من ال�سعودية. د .محمد بن �سعد بن ح�سين :الأدب الحديث� ,ص ,96 :ال�سعودية 1411هـ 1990م. روز غريب :النقـد الجمالي و�أثره في النقد العربي� ,ص ,31 :لبنـان 1983م. محمد الثبيتي :الأعمال الكاملة �صــ ،30النادي الأدبي بحائل ،دار االنت�شار ،بيروت ،ط2009 ,1م. محمد الثبيتي :الأعمال الكاملة �صــ .37 محمد الثبيتي :الأعمال الكاملة �صــ .41 الديوان� :صـ .34 ،33 الديوان� :صـ .34 ،33 ديوان :عا�شقة الزمن الوردي. ديوان :موقف الرمال �ص .24 ديوان :موقف الرمال �ص.20 ديوان :موقف الرمال �ص .31 محمد الثبيتي :الأعمال الكاملة �ص .28 محمد الثبيتي :الأعمال الكاملة �ص.34 ال�سابق �ص .36
اجلوبة -ربيع 1435هـ 69
في ديوانه الجديد «�أكلت ثالث �سمكات وغلبني النوم» �أبو زيد يتناول م�ضادات الرومان�سية ■ حممد عيد �إبراهيم*
«ذلك النزاع الأحمق على قطرة ماء لن تروي حتى �ضفدعاً» ،هو تعريف ال�شاعر الم�صريّ ع�صام �أبو زيد للحبّ في ديوانه الجديد «�أكلت ثالث �سمكات وغلبني النوم»، فالحبّ عبثيّ ال جدوى منه وال �شروى نقير ،لكننا نحاول معه لربما «ن�صعد الجبل»، مع �أننا ال نعرف �إلى �أين نذهب ،فنحن «ال نفكّر طول الوقت �إال خارج ر�ؤو�سنا .يقول ال�شاعر في ق�صيدته «�إح�سا�سي العميق»:
�إقامتي في نهاية ال�سباق و�إقامتك عند نقطة االنطالق ذلك النزاع الأحمق على قطرة ماء لن تروي حتى �ضفدعاً الإ�صرار على �ضرب النجوم بال�صواعق و�إتالف محطة البث الغنائيّ �أو يقول:
70
نحن جئنا من قلب مغارة مظلمة ولم يكن �ضرورياً �أن نخرج �إلى النور �أنا خرجت لأنني ولد طائ�ش ومجنون �إل��ى �أي��ن �أذه��ب في هذه الحياة� ...إلى �أين �أذهب؟! اجلوبة -ربيع 1435هـ
ول��و قمنا بتفكيك م��ا ي�ق��دم��ه عالم «ع�صام �أبو زيد» ال�شعريّ الكت�شفنا �أنه ي�ستخدم عدة �أنماط في ق�صيدة النثر، كما �أعرفها ،وال يقف عند نمط واحد، وقد تراه في ق�صيدته ال يفرّق �أحيان ًا بين الكالم العاديّ المُر�سَ ل(خا�صة بق�صائده الق�صيرة ،في �أواخ��ر ال��دي��وان) ،حيث يريد كتابة ق�صيدة من دون مُ ك�سبات طعم بالغية �أو مجازية ،وبين الق�صيدة بالمعنى ال�م�ت�ع��ارف عليه ،ف��ي العلوم ال�ن�ق��دي��ة لق�صيدة ال�ن�ث��ر المعا�صرة، بمحاورها المركّبة.
كيف تفعل كل ه��ذا يا �أج��م�� َل المجرمينَ في كل تواريخ المحبة؟! ت��ل��كَ ال���زه���ور ال��ت��ي ط����ارت ف����و َق ال�����س��و ِر تعيدني كل يوم �إليك ح��ت��ى م�لام��ح��ك ال���ل���ذي���ذ ُة ت��ت�����س��ربُ �إل���ى مالمحي وتك�سوني �أنا البي�ضاء التي تذوبُ في عا�شق �أ�سمر �أنا النعنا ُع في �شاي حبيبي
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
يقول ال�شاعر في ق�صيدته «م��ن يوميات حبيبتي» ،وك�أنه يناظر «ن�شيد الإن�شاد الذي ل�سليمان» في العهد القديم:
ك��ن��تُ �أم��ت��ل��ك ف��ن��دق��اً ف��ي ال�����ش��ارع القريب م���ن ال�����ص��ح��راء� ،أو ه��ك��ذا ك��ن��تُ �أع��ت��ق��د. دخ��ل��ت غ��رف��ت��ي وف����وق ال�����س��ري��ر ارت��م��ي��تُ . والخيط ُ ك��ان ال�سقفُ �أبي�ض كما ترك ُتهُ، الرفي ُع ال��ذي يطوّحه الهواء يتدلّى من ال�سقف .هذا الخيط ال يراه �سواي .لكنه حقيقيّ وواق���ع���يّ .و�أح��ي��ان��اً ك��ن��ت �أ�سحبه بيدي و�أه���زه ه��زاً عنيفاً فيترنّح الفندق بالكامل ويتناثر م��ع ال��ري��ح .ك��ان م�شهد نزالء الفندق وهم يتطايرون الواحد تلو الآخر يجعلني �أموت� .أموت ب�سببِ جرع ٍة زائد ٍة من ال�ضحك.
ثم يقول في ق�صيدته «ليلة الأنفلونزا»، هكذا نرى ال�شاعر يجرب يده في طريقة، ينف�ض عنها �إلى طريقة �أخرى� ،إلخ. وك�أنه ي�صوّر م�شهد ًا �سينمائياً ،مع �أنه يفعمه ثم ّ بال�شاعرية ،في طريقة حديثة تنتهجها بع�ض يت�أرجح ع�صام �أبو زيد �إذن بين التقنيات �أنماط ق�صيدة النثر الجديدة: التي �شاعت في العالم ال�شعريّ القديم «فترتَي ال�ستينيات وال�سبعينيات» ،وب�ي��ن ال�شائع والم�ألوف في ق�صيدة النثر اليوم ،لكنه يميل �إل��ى ا�ستخدام حكاياته الو�صفية الب�سيطة، مطعّم ًا �إياها بقليل من ال�سوريالية ،مع قليل من م�ضادات الرومان�سية ،ليكتب ن�ص ًا لنف�سه في النهاية بمحاولة منه �أن يكون بريئ ًا �إلى �أق�صى درجة ،ولو با�صطناع البراءة �أحياناً. يقول ال�شاعر في ق�صيدته «نظارتي»:
النظارة ال�سوداء تبقيني مع نف�سي مع بقايا النوم مع كلمة �صغيرة ك�أنها ح�شرة مع �أبي و�أمي يتناوالنِ �إفطاراً �شهياً تلم�س خدي م َع يدي ُ
اجلوبة -ربيع 1435هـ 71
وال �أكونُ �أفك ُر وال �أكونُ �شارداً ك�أنني قائ ٌد لهذ ِه ال�سفينة �سفينة تغويها الأطياف والأ�شباح. ي�ت�ك� ّل��م �أب ��و زي ��د ع��ن حبيبته ال�م��وه��وم��ة ف��ي معظم ال��دي��وان ،ال��ذي يخلو تقريب ًا من الإ�شارات االجتماعية� ،أو حتى المكانية ،في محاولة لكتابة ن�ص �إن�سانيّ بال�شكل الوا�سع، من دون �أن تبت ّل ي��داه بما يعجّ في المجتمع من �صراعات و�أعا�صير و�سفن هائجة ووحو�ش يغ�ض الطرف عنها جميعاً ،في �سبيل كا�سرةّ ، �أن يكتب ق�صيدة «نظيفة» ،مغ�سولة من �أدران المجتمع و�شوائبه كا ّفةً� ،إذ يقول:
عط�شان و�أريد �أن �أ�شرب �سقتني من ماء عينيها حنا َن كل الأمهات.
لمثل هذه القيم ،بل وي�سعى لتهديمها في �سبيل وفي ق�صيدته «دي�سكو» يقول: ق�صيدته الخا�صة الب�سيطة ،يقول ع�صام في و�أح���بّ �أن ت��ك��ون ق���ربَ ال�سري ِر �ساقي ٌة بع�ض ق�صائده:
ح��م��را ُء تنث ُر ق��ط��راتِ ���ض��و ٍء على �شعري الأ����س���ود ال��ف��اح��م ال��غ��زي��ر .الأف����ك����ا ُر كلها مرتبطة بخ�صيالت �شعري .ال �شيء في ر�أ���س��ي .ر�أ���س��ي ف��ارغ��ة ت��م��ام��اً� .أف��ك��ر ط��وال الوقت خارج ر�أ�سي.
72
«ال���ح���بّ ل��م ي��ع��د ينتج ���ش��ي��ئ��اً ي�ستحقّ �أن نحياه» «�أحدنا يبكي والآخر يبكي لأجله» «الحياة مخزن كبير ،ونحن �سرقناه» «�أراد �أن يعبر ال�����ش��ارع ف�سقط ف��ي حفرة واختفى» «ه����و ����س���ك���ران ف���ي ط��ري��ق��ه �إل�����ى ق�����ص��ي��دة جديدة»� ..إلخ.
كما يحاول �أبو زيد �أن يتر�سّ م عالم الحبّ في �صوفيته الب�سيطة ،من دون �أن يت�صوّف، من دون �أن ينخرط في ال�صراع الجدليّ مع الق�ضايا الكبرى� ،أو حتى ال�صغرى ،لكتابة مع ذلك ،ال �أرى ع�صام يجترح المقد�سات ن�صه ه��و ،ن�صه ال ��ذي ي�ت�ب��ر�أ م��ن ال �ت��راث، بم�ضامينه ال�شعرية الكثيفة ،وي�ت�ب��ر�أ من �أو يرتكب المحارم� ،أو يزيّن الواقع بما لي�س الحداثة التي تعرف �أهمية القيم الفنية في فيه؛ فعالقته مع ال�م��ر�أة في ال��دي��وان تدخل قواعدها المعروفة ،فهو ال يقيم وزن � ًا كبير ًا ب��اب ال �ع��واط��ف ال�ب��ري�ئ��ة ،و�إن خ��رج��ت منه اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ف��إل��ى ال�سوريالية بمفهومها الإي�ج��اب��يّ � ،أيّ المجاز المفتوح م��ن دون �أن يتخطّ اه �إل��ى المجاز العدميّ � ،أو ا�ستحالة التحقّق بالمعنى البالغيّ ،ال الواقعيّ .كما يحاول ع�صام �أن ي�ستخدم ما يمكن �أن نطلق عليه «م�ضادات الرومان�سية» ،من قبيل�« :أحبك لأنني كنتُ �أحبّ العقارب ال�سوداء في طفولتي» ،فالحبّ هنا ب�سيط وا�ضح ،لكنه ي�ستخدم المفارقة بح�س طفوليّ بريء. ال�سوداء ،و�إن كانت ّ
وكن لطيفاً مع الح�صان لأن �ساقه تحطّ مت تحت عجالت عربة غادرة/ و�أو�صاني �أن �أ�صن َع لك من الحلوى طائر ًة حربي ًة مع كامل ذخيرتها الحية مع الهواء الذي يتفتّت بعد رحيلها وال�ضحايا الذين ي�سقطون.
ب�شكل عام ،نرى ع�صام �أبو زيد في ديوانه الرابع ،بعد «�ضلوع ناق�صة»« /النبوءة»« /كيف يقول ال�شاعر في ق�صيدته» خذيني قليال ت�صنع كتاب ًا يحقّق �أعلى المبيعات» ،يحرز تقدم ًا من يدي �إليك: نوعي ًا في بع�ض ق�صائده ،الطوال ن�سبياً ،مثل كلنا هناك نحبك ونهواك (ن��ان��ا� /إح�سا�سي العميق /دي�سكو /ال �أظنه تحبك جدتي وهي تغ�سل عينيها �سيدوم /ليلة الأن�ف�ل��ون��زا)� ،إل��ى درج��ة عالية يحبك �أب��ي ال�صياد وهو ينظر في �أعماق من ال�شعرية ،فهو يعا�صر ما يُكتب حالي ًا في عين ال�سمكة/ �أح��دث تجليات ق�صيدة النثر ،بينما ال يزال قلنا �أكيد هو الآن �سكران في طريقه �إلى في بع�ض ق�صائده ال�صغيرة (مك�سور /فكرة/ ق�صيدة جديدة م�سافرون /بونجور) متما�شي ًا مع بع�ض تكرارات وغدا يفيق ويكون عندنا ق�صيدة النثر ال�شائعة التي �أراها �أق ّل �شاعرية. غداً يعود بي القطار يا حبيبي
خذني قليال من يدي �إليك. كما انظروا �إليه هنا ،في ق�صيدته «�أو�صاني �أب��وك يا زبيدة» ،كيف ي�سخر من ال�صوفية، كيف ي�سخر من و�صفات الغرام التقليدية، كيف يركب خياله من دون لجام قد يعيده:
وقال لي ال تعد �إلى البيتِ قبل �أن ت��ود َع ال�صخر َة وال�شجر َة والكلبَ الناع�س العجوز َ
والمميز في هذا الديوان ،ولدى ع�صام �أبو زيد عموماً� ،أنه مع التجريب دائماً� ،شفّاف دائ�م�اً ،رائ��ق البال �أب ��داً ،ال يعنيه �أن يعتمد الن�ص �أو يزينها� ،أما «الق�صدية» ال�شعرية في ّ فتكاد �أن تنتفي من بنيان ق�صيدته ،فهو ال يكتب �إال على هواه� ،سوا ًء كانت �سجيته توافق الم�ألوف �أو تت�أبّى عليه ،من دون تثاقف �أو معرفية زائدة.
* �شاعر ومترجم م�صريّ .
اجلوبة -ربيع 1435هـ 73
■ د .هويدا �صالح*
د�أب الكثير من كتاب الق�صة الق�صيرة على اال�شتغال على اللغة ،بم�ستوياتها المتعددة� ،سواء كانت لغة �شعرية �أو ذهنية ت�أملية ،وغيّب ه�ؤالء الكتاب تفا�صيل الحياة االجتماعية من الف�ضاء الن�صي ،وك�أ ّن الق�صة الق�صيرة هي مجرد ن�ص لغوي يخلو م��ن تفا�صيل الحياة وال��ن��ا���س ،وال ت�صلح لك�شف الهم االجتماعي ،مثل الرواية مثال؛ لكن بع�ض الكتاب ما يزالون ي�صرون على الق�صة الق�صيرة التي تكون م�شبعة ويمكن لها �أن تحمل عوالم �إن�سانية وهواج�س و�أحالم النا�س ،تعا�ساتهم و�سعاداتهم ال�صغيرة.
74
وي�صير الف�ضاء الن�صي و�سيلة لالنت�صار للإن�سانية واالنحياز لأح�لام الب�سطاء والمهم�شين الذين تن�ساهم الن�صو�ص الفوقية التي تختزل العالم في مجرد ت�شكيل لغوي. بهذا الوعي ،يعمد عبدالواحد الحميد في ن�صه �« :أنهار الدمع» �إلى ك�شف الم�سكوت عنه في حياة �سارده الذي ينثال الن�ص منه ب�ضمير الراوي الكلي العلم. يفتتح الكاتب ال�سرد بفعل دينامي يوحي ب�أن �سارده رجل فاعل ،ف�إخراج المحفظة ك��ان مفتتحا ديناميا داال ،ثم �سرد لنا ال��راوي التفا�صيل ال�صغيرة الموجودة في هذه المحفظة ،فيك�سر �أف��ق التلقّي لدى القارئ؛ فها هو رجل لي�س فاعال وال ديناميا� ،إنه رجل من المهمّ�شين الفقراء، �إذ ال تحتوي محفظته �إال على تلك الأ�شياء الرخي�صة ،وب�ضع رياالت ال ت�سد رمقه ، اجلوبة -ربيع 1435هـ
وال ت�أتي بالدواء لأمه القعيدة. يجيد الحميد الو�صف ،وي�شتغل على اللغة الم�شهدية الب�صرية؛ فك�أننا �أمام كادرات �سينما ن��رى م��ن خاللها ف��رن التمي�س وال�ب���س�ط��اء ال��ذي��ن ي�ه�ف��ون �إل���ى وجبة �ساخنة من يد بائع التمي�س ،لكن الكاتب يقوم بانحراف داللي ،ويك�سر �أفق توقع القارئ؛ فال نجد من بائع الخبز الذي هو م�صدر الخير في الحياة االجتماعية �أي خير ،فالخبز رمز للعدالة االجتماعية. ن�ج��د ال �ك��ات��ب ي �ق��وم ب��ذل��ك االن �ح��راف الداللي ،فنكره نحن القراء الذين ك�سر �أف��ق توقعهم ذل��ك البائع للتمي�س� ،أن��ه م�صدر التعا�سة للبطل ،وي�ب��د�أ ال��راوي العليم ي�سر�سب لنا تفا�صيل تلك العالقة المعقّدة بين البطل وبائع التمي�س والخال والمجتمع ال ��ذي ل��م يقبل ب��ه وي�ح��اول ط��رده ،فيجد البطل نف�سه واقفا �أم��ام
* كاتبة من م�صر.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
قراءة في ق�صة «�أنهار الدمع»
بائع التمي�س الأفغاني يتجهز لقتله ،ويترك لنا الكاتب �أن نكمل نحن الن�ص ،فهل �سيح�سم البطل �أم��ره ويغلبه الغ�ضب وال�ث��أر لكرامته ويقتل الرجل� ،أم يقع فري�سة للتردد والتخاذل: «ا�ستند على جدار في فم ال�شارع الطويل الذي يف�ضي �إل��ى مخبز التمي�س ل�صاحبه افتخار �أن�صاري رغم �شهادة الملكية ال�شكلية المعلقة على الجدار لرجل يعتمر غترة وعقا ًال وي�ضع �صورته الواثقة على ال�شهادة .تمنى لو تطاوعه قدماه المرتجفتان فينطلق �إلى الكلب الو�ضيع بائع التمي�س في فرنه الكائن في نهاية ال�شارع، وينظر �إليه في عينيه تماماً ،ثم يب�صق على الوجه المتغ�ضن اللزج المت�صبب عرق ًا من لفح �أل�سنة اللهب المنبعثة من التنور .تمنى لو �أنه يملك ال�شجاعة الآن في هذه اللحظة». ي �ح��اول ال�ك��ات��ب ع�ب��ر ن�صه الق�ص�صي �أن يتلم�س الم�سكوت عنه في المجتمع ،وينحاز للمهم�شين ،يعري الثقافة العن�صرية ،ويك�شف الم�سكوت عنه ف��ي العالقات المثلية ،بلغة موحية ودالّة ،وال يقع في الفجاجة والت�صريح. البطل ينتمي لقبيلة فقيرة معدمة ،فيعاني من عن�صرية المجتمع �ضده و�ضد �أمه الكفيفة، ويمار�س الخال مزيدا من القهر والمذلة، فالجميع تَخلوا عنه حتى عائلته« :ق��ال لأمه �س�أقتل خالي ذات يوم! ل�ستُ طفالً ،و�س�أك�سب لقمتي ب �ع��رق جبيني ول�ي��ذه��ب �أخ���وك �إل��ى الجحيم ،ف�أنا �أعمل ب�شرف». ثم يطرح ق�ضية المثلية الجن�سية حين ي�شير �إل��ى تلميح النا�س �إل��ى عالقة مرفو�ضة من المجتمع قد تجمعه وبائع التمي�س ،ويرف�ض بائع التمي�س �أن يعيده للعمل خوفا من قهر المجتمع العن�صري« :يتناهى �إليه ما يهم�س
ب��ه النا�س ع��ن عالقته الغام�ضة الملتب�سة بهذا الرجل القادم من بالد الأفغان فيحزن. �ضربه خاله مرات كثيرة ومنعه من الذهاب �إلى فرن افتخار �أن�صاري والعمل حتى �ساعة مت�أخرة من الليل في المخبز ،وحين توقف عن الذهاب �إلى الفرن وحب�س َنفْ�سه في البيت كاد يهلك و�أمه العمياء من الجوع .ه�ؤالء ال�سفلة ال يعرفون معنى �أن تخطف لقمة عي�شك في هذه البلدة من براثن وغد ،مثل �أن�صاري». �إن ال�سرد هو الأولى بك�شف خبايا المجتمع من دون غيره من بقية الفنون ،وهو الذي ي�ستطيع من خالله الكاتب �أن يكتب التاريخ ال�شخ�صي له�ؤالء المهم�شين ،وينت�صر لهم .وقد �أجاد الحميد ت�صوير هذه العوالم ،لكنه كان يقع �أحيانا في فخ اللغة المجازية التي قلّلت من فنيّات الت�شكيل ال�سردي؛ فالمجاز القديم تم تجاوزه ،حتى في ال�شعر ال��ذي يعتمد في المقام الأول على ال�صور المجازية ،فما بالنا بال�سرد الق�ص�صي الذي يجب �أن يعتمد على الت�شكيل ال�سردي ال المجاز القديم .ولم ي�سلم من هذا المجاز حتى العنوان ،فرمزية النهر وهي ترتبط بالدمع ت�شير �إلى ذلك التوظيف البالغي للمجاز. اجلوبة -ربيع 1435هـ 75
جلد الثعبان ■ �إبراهيم �شيخ*
م��رّت �سنوات طويلة ،لم يرزقها اهلل ول��دا ،تت�ضرع �إليه �سبحانه وتعالى �صباحا وم�ساء �أن يحقق لها رغبتها ،حتى تمنّت �أن يرزقها اهلل بمولود ولو على هيئة ثعبان!.. وي�شاء المولى لـ «رقيّة» �أن تحمل ..ولكن ما ي�ؤرقها �أثناء الحمل ،ويق�ض م�ضجعها ابتهالها ودعا�ؤها لربها �أن يرزقها مولودا ولو كان ثعبانا. ي�صيبها ذعر �شديد كلما تذكرت دعاءها ،خ�شية �أن تتحقق �أمنيتها وتلد ثعبانا.. فهي تخاف من الثعابين ،فكيف �إذا كان مولودها ثعبانا؟! وهنا ت�ضرعت �إلى اهلل �أن ال ي�ستجيب لدعائها و�أن يرزقها ،طفال جميال مثلها.
76
وج��اءت ال ��والدة ،وتتذكر رق� ّي��ة �صورة تتراجع قليال.. الثعبان ،فتخاف ،وتفزع ،وتتف�صد عرقا، وي�أتي زوج رقية على �صياحها ،ظانا �أن تم�سك بها القابلة ،تحت�ضنها وتوا�سيها مكروها �أ�صاب زوجته. قائلة: ي�خ��رج ال �م��ول��ود ،ي�خ��اف منه ��ض��رار، ال ت �خ� ِ �اف ي��ا رق �ي��ة�� ،س��وف ي�سهل اهلل فيخرج من الغرفة ،وي�أتي بع�صا ،فيرى ما والدتك.. ال ت�صدقه عيناه. و كانت م�شيئة اهلل �أن يحقق لها ما زوجته تحت�ضن المولود المرعب ،تقبله �أرادت ...فيطل ال�م��ول��ود ب��ر�أ��س��ه ،وتمد وتبت�سم في وجهه القبيح ،والكل منده�ش القابلة يدها ،فترى �شيئا �أفزعها ،ت�صيح ،لفعلها.. اجلوبة -ربيع 1435هـ
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
�أده�شها ،وقف الثعبان عند حو�ض الماء ،تلفت يا اهلل..هل جُ نّت رقية؟! في كل اتجاه .وبعدما ت�أكد �أن المكان خال من ما الذي يحدث؟! النا�س ،خلع جلد الثعبان ،فخرج منه �شاب رفعت رقية ب�صرها ،وابت�سامتها الجميلة �أبي�ض و�سيم ،لم تر عين باهرة �أجمل منه من تملأ وجهها ،طم�أنت زوجها والقابلة قائلة: قبل ،اغت�سل ال�شاب ،ثم عاد مرة �أخرى في جلد ال تخافا� ،إنه ابني ثعيبين� ،إنه ال ي�ؤذي �أحدا .الثعبان ،ورجع �إلى البيت .كتمت البنت �سره، خذه� ..إنه ابنك يا �ضرار ،ال تخف منه ..فلن و�س�ألت اهلل �أن يجعله من ن�صيبها. ي�ؤذيك. �أن� ��داده يبحثون ع��ن زوج ��ات ،و�أم ��ه و�أب��وه خرجت القابلة م��ن بيت رق�ي��ة ،ولحق بها يتمنيان زواج��ه مثل �أق��ران��ه .ت��دور �أم��ه على �ضرار ،طالبا منها �أال تخبر �أحدا بما ر�أت.. البيوت باحثة عن زوجة البنها الثعبان ،والنا�س كبر الطفل الثعبان ف��ي ح�ضن وال��دي��ه ،ال ي�ستغربون ،ثعبان يريد الزواج!! ي�ؤذي �أحدا كالثعابين ،يتحرك في البيت ،وعينا مَ ��ن تلك التي �ست�ضحي بنف�سها وتر�ضى والديه ترعاه.. بالزواج منه؟! علم به جيرانه ،وك��ل �أه��ل القرية� ،أ�صبح كل البنات رف�ضن االقتران به �إال باهرة!!.. يخرج مع الأطفال ،الكل يعرف �أنه ال ي�ؤذي� ،إنه با اهلل !! �أجمل بنات القرية ر�ضيت به زوجا. مخلوق غريب ،هو ثعبان ،ويعي�ش مع الآدميين. ال ي�شبههم ،لكنه يت�صرف مثلهم .ال يتكلم ،وال حاول والداها وكل �أقاربها ثنيها عن قرارها، يطلب من �أح��د �شيئا ،ف�أمه و�أب��وه يدركان ما فقالت: يريده من نظراته. �أنا متوكلة على اهلل ،ولن ي�ضيعني ربي �أبدا. يلعب مع �أ�صحابه ويدافعون عنه ،فقد �أحبهم تم زواج الثعبان في بيته ،وتظاهرت باهرة و�أحبوه. بالنوم ،فخلع الثعبان جلده ،ونام بجوارها. كبر ،و�أ�صبح يخرج كل يوم �إل��ى بئر الماء �سمعت باهرة له غطيطا ،فقامت و�أخ��ذت القريب من القرية ،يحر�ص �أال يراه �أحد هناك. جلده و�أ�شعلت به النار. ذات نهار جاء �إلى البئر ،وعليه بنت تدعى �صحا من نومه قبل الفجر ،وبحث عن جلده باهرة� ،أجمل بنات القرية ،تملأ جرتها ماء، ر�أت الثعبان مقبال على البئر ،هي مثل �أهل في كل مكان فلم يجده ، ،عرف �أن باهرة �أخفته، القرية تعرف �أن الثعبان ي�أتي �إلى البئر بمفرده فغ�ضب وتلون وجهه غ�ضبا ،نظر �إليها ،فر�آها كل يوم ،ف�أرادت �أن تعرف �سر مجيئه �إلى البئر في �أجمل �صورة ،ابت�سم لها ،وحمد اهلل على بمفرده ،ابتعدت قليال ،و�أخذت تراقبه ،ر�أت ما نعمته ،و�أقبل عليها يقبلها ..ون�سي جلده!.. * قا�ص من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 77
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا ■ ح�سن علي البطران*
( )1حيرة رف�ع��ت ي��ده��ا وت �ح��ررت م��ن حجابها.. زف �إليها ورد ًا وبع�ض �صرخت من �ألمهاّ .. �أق�ل�ام وورق ..ففارقت روح�ه��ا الحياة.. واحتاروا من يواري ج�سدها!!..
( )6اغتراب �سقط على الأر�ض ..ابت�سم. ك�سر قلمه.. في ظالم الليل باع مالب�سه الداخلية!!..
( )7نهر دون ماء ( )2ثقوب ر�ؤية فتحت ذراعيها لكي تحت�ضنه.. ت�أمل ال�سماء.. ق��ال� :إن ال�شم�س ال تبدو م�شرقة هذا نظر �إليها نهاراً ..ا�شتكى� :سماء الليل اليوم!. �أجمل من �سماء النهار. ( )8زوبعة ( )3دوران م َّد رجليه و�أعطي درهماً.. طهر ثيابه من دن�س ال�سنين الما�ضية.. طُ لب منه �أن يمد يده ..مدها فقطعت!!.. ارتاد الم�سجد ،اتهموه في عقيدته ..فكر ( )9تروية ف��ي ما�ضيه ،ا�ستغفر رب��ه ،واعتكف في بيته ..در�س �أطفاله الألوان وفل�سفتها!. �أو�صدت الأبواب.. (� )4سهو وقالت :ها �أنا لك كما تتمنى. همَّ بالخروج.. و�سط الزحام.. �أوقفته وقالت له� :أن��ت في عيني �أكبر �أراد �أن يتكلم ..تذكر �أنه �أخر�س!. من جبل �شاهق. (� )5صوت �أ�سود ( )10هوية غرد البلبل ذات �صباح.. زاحم النا�س في كل مكان.. خرجت �إلى ب�ستانها ..تحررت لأول مرة �سئل :لماذا �أنت تفعل هكذا..؟ من قيودها في ذلك ال�صباح ..عادت �إلى بيتها فوجدت �أفراخها منزوعة الري�ش. �أجاب� :أبحث عن نف�سي!.. * قا�ص من ال�سعودية.
78
اجلوبة -ربيع 1435هـ
■ حممد �صوانه*
تعلّق.. في كل �صباح تغادر الطيور �أع�شا�شها تنتظر القوارب على ال�شاطىء تنطلق عجلة يوم جديد �أما �أنا؛ ف�أ�سابق الخطو؛ مت�شبث ًا بخيوط ذِ كراك.. �سباق محموم.. يتخلّى عن ظله؛ يجري خلف ال�شم�س ،يطمع في الو�صول.. لحظة انت�شائه بالتالقي؛ يخيّم عليه الظالم! نرج�سية يرقبه.. يتعثر بين خطوة و�أخرى ..في�شتم ويلعن، يهم�س له: -لو �أبعدت المر�آة عن وجهك!..
�أده�شتهم جُ ر�أته.. رفعوه.. �صار ينظ ُر �إليهم من فوق!...
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا
ت�شابك.. لوّحت له بيدها طويالً.. ظلت تغازل الأمل ،تراهن عليه.. في لحظة اال�ستواء، �سدت الأيدي الأفق!.. �أبو زرع قال لها� :أنتِ �أُم زرعي.. من يومها ظلت تبذر «الحبَ » في طريقه.. يجمعه وي�ضعه في كي�سه.. ثم يم�ضي!..
نداء تتجاهل نداءات �أمها باال�ستعجال.. تطور.. تت�شاغل بنثر الحبَّ على �سطح البيت، يُ�لازم��ه ��ش�ع��و ٌر بـق�صر ال �ق��ام��ة ..وع��دم ال يهمها تدافع الحمام.. جَ هورية ال�صوت.. ت�صيخ ال�سمع.. راعَ ُه هديرهم في الميدان.. اندفع يُدرب حنجرته.. لنداء من الأعماق!..
* قا�ص من الأردن.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 79
■ ه�شام بن�شاوي*
بنبرة تلقائية ،تهم�س في �أذن جارك :المقرّب ،وفي قلبك �شالل دموع... «دخان ال�سجائر �سي�ؤذيه» ،م�شيرا بب�صرك لم ت�ستمتع ب�سحر المكان منذ و�صولك ناحية ر�ضيع ،ك��ان يلعب ب��أط��راف��ه ،وهو �إليه؛ ففي �أعماقك ح�ضارة ح��زن تف�سد م�ستلق على ظهره .كانت الأم وبقية �أفراد طعم كل الأ�شياء ،وحتى ر�سائل زوجتك الأ�سرة -المجاورة طاولتهم لطاولتكم -التي تبدد وح�شة هذا الح�ضور انقطعت. غير عابئين به ،بينما يعلو ت�صايحهم �أثناء تذكرت �أولى ر�سائلها الق�صيرة ،و�أنت تقف تناولهم الطعام ،وي�أتيك �صوت �أحدهم ،في طابور المطار في انتظار توقيع جواز وه��و يعنّف �أح��د ال�صغيرين ،اللذين لم ال�سفر ،وه��ي تعاتبك على ع��دم توديعك يتجاوزا ربيعهما الثالث.. البنتك ذات ال�شهرين.
�أح�س�ست بال�ض�آلة ،وقد بدا لمواطنك، وك� ��أن الأم ��ر ال يعني ل��ه �أي ��ش��يء ،وع��اد ل �ل �ح��دي��ث م ��ع ج � ��اره .ت�ن��ا��س�ي��ت نف�سك ووج��ودك ،حيث وليمة الع�شاء في الهواء الطلق ،تحت خيمة �صحرواية� .أح�س�ست ب��أن��ك تنغم�س ف��ي قوقعة وح��دت��ك �أكثر، وان��ت��ظ��رت على �أح��� ّر م��ن الجمر انتهاء الع�شاء ،والعودة �إلى الغرفة بالفندق. رغم عدم حما�سك للدرد�شة من خالل مواقع التوا�صل االجتماعي ،وجدت نف�سك مدفوعا �إلى فتح بابها -الذي تغلقه دوما- في هذه الأم�سية ،غبّ نفاد ر�صيد هاتفك ال �ج��وال ،لعلك تجد �أخ�ي��ك �أو �صديقك * قا�ص من المغرب.
80
اجلوبة -ربيع 1435هـ
تفتح خريطة رقمية ،وتخترق الم�سافة التي تقطعها الطائرة ف��ي �سبع �ساعات مرهقة ،ب�سرعة و��ص��ول ر�سائل الهاتف الق�صيرة نف�سها ..توقفت عند مدينتك، تمهّلت لحظة -قبل �أن تقوم بعملية تكبير للخريطة -وفي �أذنيك ترنّ مناغاة ابنتك و�ضحكتها البريئة كلحن م��رج��ع ،وهي ت�ح��اول �أن تقلد �إح��دى كلماتك ..فكرت في �أن تختل�س نظرة �إلى �شارعكم في هذه الأم�سية المخ�ضبة بحناء الوحدة ،قبل �أن ت�ضغط على �أيقونة معلمة تاريخية ،قريبة من بيتكم ،تركت الحا�سوب ،ورك�ضت في الالاتجاه...
■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
�سراجَ كَ �أطفئهُ ،هذا الم�سا وفي الوجدِ نارٌ.. ت�ضيء الظال ْم تعالوا ا�شْ َهدُوني �إذا ما التقى بطيف.. ٍ حنيني لها في المنام �أغيبوبة ُالع�شق مرتْ بكَ ؟ ونوبة ُ�شوق ٍ.. �سقتك الهـ ُيامْ؟ ولوعة فقدٍ � ،سهرتَ لها عن الذكرياتِ .. تميط اللثا ْم �أراكَ تغنّي، وفي جانحيكَ لهيبُ الأ�ساةِ، ونا ٌر ِ�ضرام وتهوى �أنيناً.. برجع التباكي على كل غ�صن ٍ، ينو ُح الحمام وقلبُك يخفـ ُقُ في كل طيف يمـ ُر عليكَ .. يـديـ ُر ال�سالم ونخلـ ُك هذا الذي قد �سقت ُه فـقـيدة قـلبـ ِكَ ..يا مُ�ستـ َهام ورحتَ تميلُ� ،إذا ما انحنى �إذا مال �شرقاً..
* �شاعر من ال�سعودية.
جنوباً و�شا ْم و�سدرة ُبوح.. نمت في ح�شاك على دفق دمع ٍ.. رعا ُه الغـ َرام وظبي ُة رو�ض ٍ، تنام بعـ�شبٍ تحر�ض قـلبكَ ،الاّ يـنام وخيلـ ُكَ طافت، ب�صحراء فقدٍ .. تفت�ش في التيهِ، ُ �أو في الزَحام فال الظبيُ عانقَ ،ري َح ال�صَ با وال ال�صافناتُ ،رعت في الجِ مام وعذركَ وعدٌ ..قطعتَ ب ِه على عهدِ قلبكَ .. �أال تـ ُالم متى �شع�شعتْ ،رونقاتُ ال�ضحى ورفرفَ فوق الفيا�ض الغمام ب�أنكَ تبقى� ..أ�سي َر الهوى تغني لـلـيالكَ .. �أحلى الكـالم �سراجَ كَ �أطفئهُ ،هذا الم�سا وفي الوجدِ نارٌ.. ت�ضيء الظالم
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
م�سافات �إلى :يا�سمين.. حبة القلب ومهجة الروح
�أطفئ ال�سراج
اجلوبة -ربيع 1435هـ 81
■ حمدي ها�شم ح�سانني*
ف��ي ال��ق��د���س ت�سمو لل�سمــاء ق ـبــاب ���س��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ر ت��ـ��ن��ـ��ـ��زل ب��ال�����س��ـ�لام وب��ال��م��ن��ى ت��غ��ف��و ع���ل���ى ����س���رر ال���ق���ل���وب ف��را���ش��ة ف��ي��ـ��ـ��ه��ا رح��ـ��ـ��ي��ق الأن���ـ���ب���ـ���ي���اء وح��ول��ه��ا ع���ـَ���ـ���ر َج ال��ن��ب��ي م��ح��ـ��ـ��م��د م��ـ��ـ��ن ب��ـ��ـ��اب��ه��ا غ��ـ��ـ��ي��داء تخطر ف��ي ال��ق��ل��وب كن�سمة ت��غ��ـ��ـ��ف��و ك������أي �أم��ـ��ـ��ـ��ي��رة ف���ي خ��ـ��ـ��ـ��دره��ا �إن ال��م�����س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا َء ُم��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ل��ك��ن�� ُه ل��م ي��ب��ق م��ن �أه����ل ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��وى �أح����د وال ك���ل ال�����ص��ب��اح��ات ال���ت���ي ق���د �أق��ل��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت
وال���ط���ي���ب ب��ي��ن رب��ـ��ـ��وع��ه��ا ي��ـ��ن��ـ��ـ�����س��اب ُ �آي���ـ���ـ���ات���ه ب��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��د ال��ج��ـ��ـ��م��ـ��ـ��ال عِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ذابُ وو����س���ـ���ـ���اده���ا الأزه����ـ����ـ����ـ����ار والأع���������ش����ابُ ي��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��م��و ه��ـ��ـ��وان��ا ال���ـ���ـ���رائ���ع ال��ـ��ـ��وث��ـ��ـّ��ابُ ف��ـ��ت��ـ��ف��ـ��ت��ح��ت ل��ع��ـ��ـ��ـ��روج��ـ��ه الأب���ـ���ـ���ـ���وابُ ف����ي ح�����س��ـ��ـ��ن��ه��ا ك����م ح���ـ���ـ���ارت الأل����ب����ابُ ح��ـ��ـ��را���س��ه��ا الأح���ـ���ـ���ـ���داق والأه����ـ����ـ����دابُ ع��ن��د ال��دج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ى ت��ت�����ش��ت��ت الأط��ـ��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ابُ ق��ي��ـ��ـ��ـ��ـ�����س ه��ن��ـ��اك وال ه��ن��ـ��اك رب��ـ��ـ��ـ��ـ��ابُ ع��ن��ا ت�����س��اف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ر م���ا ه��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اك �إي��ـ��ـ��ـ��ابُ
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
�أن�شودة للقد�س
وال��ل��ح��ن �أ���ص��ب��ح م�����ض��ج��را م��ت��ك��ـ��ـ��ـ��ررا وال��ق��د���س ف���وق م������آذن م���ن دمعهـ ـ ــا وال���ن���ا����س ب��ي��ن مُ��خ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دَّر ومُ��غ��ـ��ـ��ـ�� ّي��ب وال���ف���ار����س ال��ع��رب��ي �أف���ن���اه اله ـ ـ ــوى ي��ت��ق��ا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م��ون ال��م��ـ��ـ��ـ��وت ك���ل ع�شية ه���ذا ت����راب ال��ق��د���س ي��دم��ع ح ــ�ســرة وال������روح ت��ح��ل��م �أن ت�����ض��م��كِ خلــ�سة ي��ا �أي��ه��ا ال��ف��ر���س��ان ي��ا �أم��ـ��ـ��ـ��ل ال��ـ��ـ��ـ��ورى وت��ف��ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��روا ك���ال���م���اء ال ت����ت����رددوا ه���ـ���ـ���ذى دم�����ا�ؤك�����م ال���زك���ـ���ـ���ي���ة ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��ه��ـ��ا طبتم وط��اب��ت ف��ي ال�سماء عرو�شكم ت�ستن�شقون ال��ع��ط��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ع��ط��ر ���ش��ه��ادة وت��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��رول��ون ع��ل��ى ال��ل��ه��ي��ب بب�سمة �أن����ت����م ع��ب��ي��ر الأغ���ـ���ـ���ن���ي���ات ووه��ج��ـ��ـ��ه��ا �أن�������ش���ودة ل��ل��ق��ـ��ـ��ـ��د���س ت��رق��ـ��ـ��ـ�����ص ن�شــوة ي���ا �أي���ه���ا الأح���ب���اب ف���ي �أر������ض ال��ه��وى ف���ي مو�س ـ ـ ــم ال��م��ي�لاد �إذ تتفتحوا وي����رف����رف ال��ط��ي��ر ال��م�����س��اف��ر راج��ع��ا والأن��ب��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اء الأن��ق��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��اء ت��ب�����سَّ ��م��وا وت��رى المالئك ح��ول �أق�صانا ال��ذي ح��ف��وا ���س��م��اء ال��ح��ل��م ل��م يتخاذلـ ـ ــوا وت��م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ددوا ب���ي���ن ال��خ��ل��ي��ل وغ��ـ��ـ��ـ��ـ��زة وت����ه����رول الأق���������داح خ���ل���ف خ��ط��اه��ـ��م د���س��ـ��ـ��ـ��ـ��وا فل�سطين ال���ه���وى بعيونهم ه���م ف��ت��ي��ة وق����ت ال��م�����س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اء تخالهم وه����م ال�����س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ���ؤال َل��� َك��� ْم ُي��ح��ي��ر كنهه
م��ـ��ـ��ت��ـ��ـ��ن��ا وم���ـ���ـ���ـ���ات ب����أذن���ـ���ـ���ن���ـ���ا زري���ـ���ـ���ابُ ت��ح��ن��و وي��ح��ن��و ال��م��ـ��ـ��ـ��ـ��وع�� ُد ال��ك��ـ��ـ��ـَّ��ـ��ذابُ ���ص��ن��ف��ان ع���ن ك���ل ال��م��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ام��ع غ��اب��وا َّ���س ِنــ�شـ ــاب ُ ي��رم��ى ن��ـ�����ش��اب��ا ك���ي ُي��ـ��ـ��د َ ك��ـ��ـ��ـ���أ���س ال��م��ن��ي��ة ف���ي ال���ف���داء ���ش��ـ��ـ��رابُ وي���ئ���ن ح���ـ���زن���ا ه��ـ��ـ��ل ي���ئ���ن ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��رابُ ؟ ب��ـ��ي��ن��ي وب��ـ��ي��ن��ك ف���ي ال����غ����رام ح��ـ��ج��اب ق��وم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وا ف��ف��ي��ك��م ح��م��ـ��ـ��ـ��زة وح���ب���ابُ ق���د ُي��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��زم ال��م��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دام �إذ ي��رت��ابُ للق ــد�س ف��ي ع��ي��د ال��وف��اء خِ ــ�ضاب ُ �أن��ـ��ـ��ت��ـ��ـ��م ���ص��ـ��ـ��ن��وب��ر وال��خ��ـ��ـ��ن��ا ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ب�لابُ ولكـ ــم ُ ت��ف��ت��ح ف��ي ال�سـ ــما الأب��ـ��ـ��وابُ غ��ـ��ـ��ـ��ـ��راء ل��ي�����س م���ع ال��ح��ن��ي��ن َع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ذابُ �أن��ـ��ـ��ت��م رح��ي��ـ��ـ��ق ال��ح��ـ��ـ��ب ح ــين ي��ـ��ذاب ُ ت��ـ��ـ�����س��ـ��ـ��ري ك���م���اء ال���م���زن �إذ ي��ن��ـ�����س��اب ُ �إنّ ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى م���ن دون���ك���م غ��ـ��ـ��ـ��ـ ّ�لابُ ت��ت��ف��ت��ح الأزه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ار والأع���ـ���ـ�������ش���ـ���ـ���ـ���ابُ وي���ـ���ـ���ـ���ـ����ؤب �آه ك��ـ��ـ��ـ��ـ��م ط���ـ���ـ���ـ���واه غ��ـ��ـ��ـ��ي��ابُ وك��ـ��ـ��ـ���أن��ه��م ُب��ع��ث��ـ��ـ��ـ��وا ه��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ال��ـ��ك �آب��ـ��ـ��ـ��وا ن���ـ���ـ���ادى ع��ـ��ـ��ل��ي��ن��ا ���ض��م��ه��ـ��ـ��م م��ح��ـ��ـ��ـ��ـ��رابُ ق��ط��ف��وا ال��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��روم ف�����أورق����ت �أع���ن���ابُ ك��ال��م��ـ��ـ��ـ��وج ي�����س��رى ل��ي�����س ف��ي��ه ع��ـ��ـ��ب��ابُ ف��ب��ـ��ـ��ـ��دون��ه��م ال ُت��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��رع الأن��ـ��ـ��خ��ـ��ـ��ـ��ابُ ف��ت��راق�����ص��ـ��ـ��ت وت��غ��ـ��ـ��ن��ت الأه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دابُ ك��ال�����ش��ه��ب ك���م ط����ال ال���ع���دو �شه ـ ــابُ م��ه��م��ا ���س��ـ��ـ��ـ���أل��ت��م م���ا ه���ن���اك ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��واب
* كاتب و�شاعر من م�صر.
82
اجلوبة -ربيع 1435هـ
اجلوبة -ربيع 1435هـ 83
■ مالك اخلالدي*
الق�صيدة ال��ف��ائ��زة بالمركز الأول ف��ي م�سابقة �أج��م��ل ق�صيدة ع��ن اللغة العربية ،الم�سابقة التي �أطلقها نادي الف�صحى والنادي الأدبي بجامعة الملك �سعود ،بالتعاون مع ق�سم اللغة العربية بكلية الآداب بمنا�سبة اليوم العالمي للغة العربية ٢٠١٣م ..وقد خُ �صَّ تْ بها مجلة الجوبه: �أ������ض�����ي�����ئ�����ي ع������ي������ون ال�����ل�����ي�����ل وا������س�����ت�����م�����ط�����ري ال����� ّ����ش����ع����را وغ���������� ّن����������ي ف������������������إن ال��������ق��������ل��������بَ ي���������������ش�������ت�������اقُ ل������ل������ذك������رى ف��������ف��������ي ُل�������������جّ ������������� ِة الأي�����������������������������ا ِم ت�����������أت����������ي����������نَ ب�����ل�����������س�����م�����اً وت������م�������������ض������ي������نَ م����������ن ب�������ي�������ن ان�������ك���������������س�������ارات�������ه�������ا ن�����ه�����را �أري����������������������������دكِ �������ش������م�������������س������اً ال �أف����������������������������ارقُ حُ �����������س����� َن�����ه�����ا �أل�����������������������و ُذ ب�������ه�������ا ح�������ي�������ن�������اً و�أ����������������ش���������������رقُ ف����������ي �أخ��������������رى ���������������������������ض ه�����ي�����ب����� ًة �أري���������������������������دكِ ن������ب�������������ض������اً ي���������م����ل�����أ الأر� َ ����������������ك �أ�����������س����������رى ف����������ك����������لُّ ق������������ل������������وبِ ال�������ع�������ال�������م�������ي�������ن ل ِ �أري����������������������������دكِ ف�������ي���������������ض�������اً م�����������ن ت����������رات����������ي����������لِ ع������ا�������ش������قٍ ت��������������������داوي ج���������راح���������ات���������ي ف�������أ�������س������ت������ل������ه������ ُم ال������ف������خ������را �أع�������������ي������������� ُد ل������ق������ل������ب������ي ف���������ج��������� َر م���������ج���������دٍ �أرى ه����ن����ا �أزاه���������������ي���������������ر ُه ف���������اح���������تْ ف����ل���اح��������ت ل������ن������ا ال������ ُب�������������ش������رى ل������ق������د ك��������ن��������تِ ت������������اج ال������ع������ل������م وال��������ف��������ك�������� ِر وال��������ه��������وى وه�������������ا �أن��������������������تِ ل������ل������ع������ل������ي������ا ِء ي����������ا غ����������ادت����������ي م�����������س�����رى ���������ك غ��������ف��������و ًة ف�������������������إن غ������ف������ل������ت �أب���������������������ص����������ا ُره����������م ع���������ن ِ �������ك ال ي�������غ�������ف�������و و�أن�������������������������������������دا�ؤك ت������ت������رى ف�������ن�������ب�������� ُ�������ض ِ �����������������������ض �أغ�����������������������رودة ال������عُ���ل��ا ������������ك ف���������ي رح�����������������ابِ الأر� ِ ل ِ ُ�������ك عِ ������ط������را وف�����������ي ك��������ل �������ش������ب������رٍ ق��������د م�����������ض�����ى ر��������س�������م ِ ��������ك خ����������ي���������� َر ح������ل������ ٍة ف�������ح�������ي�������ن ارت���������������������������دوا م��������ي��������ث��������اق ِ ت����ل����اق���������ف���������ه���������م ع�������������������� ٌز وزادوا ب���������������ك ق���������������درا ف�������������������س���������ادوا م��������ي��������ادي��������ن ال���������ح���������ي���������ا ِة و�أ����������س���������رج���������وا م�������������ص������اب������ي������ َح ����������ض���������و ٍء �أ����������ش���������رق���������تْ ل���������ل���������ورى فِ������ك������را 84
اجلوبة -ربيع 1435هـ
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
ُ النغمة الأدهى
وو ّدع���������������������������������تْ ال����������دن����������ي����������ا ُدج���������������اه���������������ا و�أي����������ن����������ع����������تْ ن�����������ه�����������اراتُ ه�����������ذي الأر���������������������ض م���������ن ج������دب������ه������ا زه���������را ����ل���ا وم����������������ا زل��������������������تِ ك������������ن������������زاً ال ي�����������������������ض����������� ّر ُه خ��������ام ً وال ج�����������اه�����ل�����اً ل��������ك��������ن �إذا ن�������ه���������������ض�������وا �أث���������������رى �������������������ض م�������ن م������ج������دِ ن���ط���قِ���ه���ا ن�����������س�����وا �أن م�����ج�����د الأر� ِ و�أن ل�����������������س��������ا َن ال����������ق����������وم ي���������زج���������ي ل�������ه�������م ن�����������ص�����را وق�������������د ق���������ي��������� َل ن���������ط���������قُ ال������������م������������ر ِء ��������ص�������ن������� ُو ذك���������ائ��������� ِه ف���������������إن ��������ض������� ّل ف���������ي �إح���������داه���������م���������ا خ�����������اب ل���������ن ي�����ب�����رى ه����������ي ال�������ل�������غ�������ة ال�����ف�����������ص�����ح�����ى �إذا ق����������������ا َم �������ش�������أ ُن������ه������ا �������������ض ال������ف������ج������را ي����������ق����������و ُم ل�������ن�������ا ع���������ق���������لٌ ون�������������س������ت������ن������ه ُ ن������������ل������������وّنُ وج�������������ه ال��������ع��������م�������� ِر ب��������ال�����������������ض��������و ِء وال������ن������ه������ى وت�������ك������� ُت�������ب�������ن�������ا الأي�����������������������������ا ُم ف�����������ي وح��������ي��������ه��������ا � ِ�������س�������ف�������را ه����������ي ال�������ل�������غ�������ة ال������ف�������������ص������ح������ى �أن���������ا����������ش���������ي��������� ُد خ�������اف�������قٍ وم���������ي���������ن���������ا�ؤن���������ا ال��������ع��������ال��������ي وث����������روت����������ن����������ا ال������ك������ب������رى ه��������ي ال������ف������ت������ن������ ُة الأ��������ش�������ه�������ى ك������م������ا ال�����������ش�����ه�����د ح���ي���ن���م���ا ي�����������������ص��������اف�������� ُح �أرواح���������������������������������اً ف��������ت��������غ��������دو ب�����������ه ������س�����ك�����رى ه���������ي ال������ن������غ������م������ ُة الأده��������������������ى ل������ه������ا �أذع��������������������نَ ال����ح����ج����ا ������و�������ش واع������ت������ل������ى ال������ع������ل������ ُم وا�����س����ت���������ش����رى وق�������ي�������دت ج������ي ٌ ه���������ي ال�������ل�������غ������� ُة ال�����ف�����������ض�����ل�����ى ب������ه������ا ي������ه������ت������دي ال�����������ورى و�أل�������ب���������������س�������ه�������ا الإ���������������س�������ل������ام م�����������ن ن���������������������ور ِه ِذك��������������را ف������������ذا ال����������خ����������ا ُء وال��������ع��������ي��������نُ ال������ج������م������ي������ ُل و��������ض�������ا ُده�������ا م����������خ����������ارجُ ����������ه����������ا ت�����������ب�����������دو ف��������خ��������ام�������� ُت��������ه��������ا ب�������ح�������را ف����������ي����������ا ل������������غ������������ ًة ال �أ�����������س����������ت����������ط����������ي����������بُ ب��������دي��������لَ��������ه��������ا ب��������ن��������ي��������تِ ل����������������كِ ف������������ي ك������������ل �أرواح�����������������ن�����������������ا ق�������������ص������را ل�����������كِ ال�������م�������ج������� ُد وال�������ع�������ل�������ي�������ا ُء وال����������ح����������بُ وال����������������ر�ؤى ُت�������ن�������ي�������ري�������ن ه��������������ذا ال�����������ك�����������ون ي�����������ا م������ق������ل������ت������ي ب�����������درا * �شاعرة من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 85
■ حامد �أبو طلعة*
■ عالء الدين رم�ضان*
تَحُ لِّينَ بين انْ�سِ دالِ الجُ فُونِ .. َورِعْ �شَ تِها العَا ِب َرةْ.. َوت َْ�صطَ خِ بِينَ َعلَى حَ ا َّف ِة ال َقلْبِ .. حتَّى ُت َهدْهِ دُكِ ال ُهدْبُ في الذَّا ِك َرةْ.. و َتنْ�سَ لُّ مني َفرَا�شَ اتُ هَذا ال ِودَاد.. تَحُ ُّط على َه ْد�أَ ِة ال َغ ْف َو ِة الهَا ِد َرةْ.. َفيَجْ ُف ُل منك الم�سا ُء قليالً.. وتُ�شْ ِر ُع �أحْ ال َمنَا نح َو ُه َفرْحَ ًة غَامِ َرةْ.. ُترَى.. �أَيُّ �شَ يْ ٍء �سيطل ُع في ال ُم ْب َتدَى.. ال�صدَى.. ويَظَ لُّ ُيعِي ُد َّ في ال َمدَى� ..إِ ْذ ُيرَا ِو ُح بين التَّجَ لِّي.. وبين الأُفُولْ .. ِلرُو ٍح َتلُوبُ على َدرَجَ اتِ ال َّت َذ ُّكرِ.. في وَحْ �شَ ِة الخَ اطِ َرةْ.. ُترَى.. �أَيُّ �شي ٍء �سَ ينْبتُ في َهمْ�سَ ٍة حَ ائِرةْ.. ُت َر ْق ِر ُقهَا في َليَالِي ال ِغنَاءْ. على ِ�ض َّف ٍة في ال ُف�ؤَا ِد ـ غُ الالتُ �شَ وْقٍ �إلى َر َبوَاتِ ال َبوَادِي.. 86
�أُنَادِي ..فال تَ�سْ تَجِ يبُ ِل َق ْلبِي.. وتَجْ رَحُ ُه َل ْف َت ٌة جَ ا ِئ َرةْ.. َو َت ْت ُر ُك ُه �ضَ امِ راً.. وَحَ �سِ يراً.. َفمَا َب ْع َثرَتْ دَمْ َعهَا ال�سُّ حُ بُ ال�سَّ اهِ َرةْ.. على جَ ْدوَلٍ من نَ�سِ يمٍ حَ زِين.. ُيغَا ِد ُر ُه النَّايُ �سِ ّراً جَ هِيراً.. فَن�سْ قي ِه خَ ْم َر ال ُعيُونْ .. ُي َر ْفرِفُ مِ نْ �أَوَّلِ ال ُع ْمرِ.. حتَّى يَحُ ُّط على �آخِ ِر اللَّحْ نِ .. في الخَ ا ِت َمةْ.. َف َيقْطِ فُ َو ْر َد الجُ فُونْ .. تُرى.. �أيُّ �شي ٍء �سَ َتهْمِ ُ�س للرو ِح في خَ فَرٍ ـ ذَا ُت ُه الهَا ِئ َمةْ.. « :هُ نا.. �أنت في القَلبِ .. والذَّا ِك َرةْ».. .!! ....
* �أ�ستاذ م�ساعد اللغة العربية و�آدابها في كلية العلوم والدرا�سات الإن�سانية بال�سليل. اجلوبة -ربيع 1435هـ
يقتاتني ج��رح ال�صديق وخـاف ـق ــي لب�س ال��ف��ـ���ؤا ُد �ســوا َد ُه مِ ��ـ��نْ �أج��ل مَ��نْ َ يقـتـات رغ��ـ��م ال�ش ـ ـ ــامتـيـن ودا َد ُه و�أق���ـ���ام ف��ـ��ي ���س��ـ��ـ��اح ال��زم��ـ��ـ��ـ��ـ��ان ح����دا َد ُه �أواه م ــن ُو ٍّد ت��ـ��ـ�� َق��ـ��ـ�� ّلَ��ـ��ـ��بَ ط ـع ـ ُم ـ ـ ـ ُه ـ�سطــر ح��ز َن��ه ف��ي �صمت ِه وم�ضــى ُي ِّ مـ ـ ــا ع��ـ��ـ��دتُ �أق��ب�� ُل �ش ـ ــر َب ُه �أو زا َد ُه م��ـ��ن نب�ضه �سـكـبَ ال��ـ��وف��ـ��ـ��ـ ُّ��ي مِ ����دا َد ُه ح��ل�� ٌو �إذا �أرخ���ى الزم ـ ـ ـ ـ ــان حبال ــه �سلْ عنه �أوراق ال�سنين ُت��جِ �� ْب��كَ في مُ���� ٌّر �إذا �ض ـ ــرب الأ�سـ ـ ـ ـ ــى �أوت�����ا َد ُه ح��ـ��ـ��ال ال��مُ��حِ ِّ��ب �إذا ذك����رتَ �سُ ـ َع ـ ــا َد ُه ما كنتُ �أعلم م ـ ــا ال��دم��وع ونارهـ ــا �آ ٍه ع��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ى ذاك الإخ����������اء ب�����ذر ُت����� ُه حتـى ر�أي����تُ م ــن ال��ت��ق ِّ��ي ف�س ـ ـ ــا َد ُه و�أن��ـ��ـ��ا ال��م���ؤم��ـ��ـِّ�� ُل زر َع��ـ��ـ��ـ��ـ��ه وح�صـ ــا َد ُه دمـعـتْ مـ ـ ــن النكران عينٌ وانثنى
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
َع َلى َحا َّف ِة ال َق ْل ِب
ليلة الطرب الأ�صيل
ق��ل��بٌ ينــادي فـي اللبيب ر�ش ـ ـ ــا َد ُه
حتــى وقـفـتُ علـ ــى الـتـالل ر�أي�� ُت�� ُه وال��ري��ح ت��ذرو ف ــي الطـريق رم��ـ��ـ��ا َد ُه �ضــاعت عل ــى وت��ر الغنــاء مـودتـي طـوبــى لمـن خطــم الغنـاء وقـ ــا َد ُه الن���تْ لـه ُز َب���� ُر الجف ـ ـ ـ ـ ــاء ف�ص َّبه ــا
ف��ـ��ـ���أق��ـ��ـ��ام للـنـدم ال��م��ق��ي��تِ عمـ ـ ـ ــا َد ُه ع�� ّلَ��ق��تُ ف��ي م�سمــار ع�����ش��ر ِت��هِ ،الـذي ف ــي ليلـة الط ـ ـ ــرب الأ���ص��ي��ل �أب���ا َد ُه طـ ــارت ب��ه ري��ح الـمـاللة فامتط ــى �آن الأوان لكــي �أزم��ج��ر �س ـ ـ ـ ــاخراً ظَ ��هْ�� َر الخنا ،والـ�سـ ــر ُج ب��ـ��اع ج���وا َد ُه مــن ط ـ ـ ــائ ٍر هج َر الن�س ـ ـيـ ُم ب�لا َد ُه �آوت �إلـيـه ال�سنبالتُ الخُ ْ�ض ُر ف ـ ــي ف ــي ليلة الطـ ــرب الأ�صيل بري�شـ ِه �أر���ض��ي ف�أطلق ف��ي الحقــول ج���را َد ُه عـ ــزف الـتنك ُر لل ــورى �إن�شـ ـ ـ ــا َد ُه ن��ب��ئ �صـح ـ ـ ـ ــابتَكَ ال��ـ��ك��ـ��ـ��را َم ب�أنـنـي ُي ْملـي عليـه الج ـ ـ ــال�س ــون مالمه ْم رج���لٌ �أزاح ع ــن ال ـعـ ـتــاب ف��ـ��ـ��ـ��ـ���ؤا ّد ُه ل ـكـ َنـ ُه ي ـخـ ـت ــار ف ـي ــكَ عِ ـن ـ ـ ــا َد ُه * �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 87
■ خالد مزياين*
�أيها الكمان الغالي هناك على تلك الأر�ض البعيدة حيث ت�سكن الغيوم بال مطر وينام الليل بال قمـر وخلف ال�شباك الحديدي في غرفة تحت الأر�ض بال �ضوء وال قمـر تنام ق�صيدتي بال حريـر وال �أ�سـاور ت�أكل بال �شوكة وال �سكين وتر�سم على الجدران بالأظافـر هناك ق�صيدتي تنام وال�سياف خلف الباب يقتلها لو م�سها الهواء ***
�أيها الكمان الغالي �أخبر ق�صيدتي ..مات ال�شاعـر اغتيل ال�شاعـر و�ألف ق�صيدة بلون عينيك نمت فوق ج�سدي فوق الم�شاعـر واكتب في الدفاتـر �أن الوردة للعا�شقين تموت في يد ال�ساحر ***
* �شاعر وقا�ص من المغرب.
88
اجلوبة -ربيع 1435هـ
�أيها الكمان الغالي �سي�س�ألك عني الأهالي ال تقل مات ال�شاعـر ال تقل اغتيل ال�شاعـر قل :ال�شاعر يرقد هناك ومن كفيه تولد الزنابق ومن ماء عينيه تروى الحدائق �سي�س�ألونك عن ق�صيدتي وق�صيدة كل العرب ال تقل احترقت الق�صيدة ال تقل ماتت بموتي الق�صيدة بل �سقطت من بين �أ�صابعكم كما �سقطت البنـادق وقل لأمي التي تبكي تحت �شرفة القمـر وت�س�أل من غير لون ال�سماء؟ من �سرق نجوم الم�ساء؟ قل لأمي ابنك يقرئك ال�سالم ابنك العا�شق البطل ما يزال الهواء برئتيه ي�صفـر تبا �أبي لهب وما تزال الق�صيدة خنجرا تذبح ..عنق �أبي لهـب..
الزهراني طاهر الزهراني الروائي طاهر الروائي
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
مقاطع من ق�صيدة عا�شـق الكمـان
حر�صت على �إج���راء ه��ذا ال��ح��وار مع �أب��رز الأ�سماء الروائية ال�شابة في ال�ساحة ال�سعودية ،ط��اه��ر ال��زه��ران��ي ،ال���ذي �أ���ص��در مجموعة م��ن ال��رواي��ات ال��ت��ي ت��دل على حر�صه المبكر لقراءة واقعه ،وخلقِ ف�ضا ٍء حقيقي ل�صوته الذي رافقه منذ الطفولة �إلى مرحلة التكوين والإب��داع�« .. ،أطفال ال�سبيل» ،هذا عنوان روايته الأخيرة ،التي توثّق تميز طاهر الزهراني على عدة م�ستويات؛ ك�إن�سان ،وروائي ،و�شاهد ،بكل �أعين �أبطال روايته و�أ�صواتهم ،!..ومن خالل �إجابته على �س�ؤالي عن ما تحتويه مكتبته، اقتربت من عالمه�( :أنا والوالد «حفظه اهلل» ن�شترك في مكتبة واحدة ،تحوي جميع الفنون ،دين ،وتراث ،و�أدب ،و�أن�ساب ،وفن ،وطب ،وفلك ،وحيوان ،ونباتات ،ومو�سوعات ووثائق ،وحجج ،ومجالت قديمة :العرب ،العربية ،العربي ،قافلة الزيت ،جرائد منذ � 50سنة...الخ� ،أحاول قدر الإمكان �أن ال �أ�ضم �إلى مكتبتي كتابا رديئا!) ..هذه الأ�سطر تقودنا �إلى حوار جريء.. ■ حاوره -عمر بوقا�سم
الم�س�ألة ال عالقة لها بتاريخ ● ●«ال �أحد يمكن �أن يلغي عوامل الت�أثير الذي تركته الرواية العربية؛ ولكني �أرى �أن ه��ن��اك م��ا ه��و �أك��ب��ر و�أخ��ط��ر، وهو المغامرة غير المح�سوبة للكثير م��ن ال��ك�� ّت��اب ..وبخا�صة جيل م��ا بعد عام 2000م ،فهو جيل يكتب من دون م��رج��ع��ي��ة وا����ض���ح���ة ،د َف���� َع���� ُه الإع��ل��ام، و�شجّ عته دور الن�شر العربية الربحية
�أك����ث����ر م����ن الإي�����م�����ان ب��ق��ي��م��ة ال��ن�����ص ال��روائ��ي .فظهرت �أع��م��ال م�ستفزة.. يبحث �أ�صحابها عن �شهرة �أكثر من ت�����س��ج��ي��ل ا����س���م �أدب������ي ،والإ����س���ه���ام في ت��ح�����س��ي��ن ب��ي��ئ��ة ال��ن�����ص��و���ص ال��روائ��ي��ة جمالياً وفكرياً» هذا ما قاله الدكتور ال���ن���اق���د ح�����س��ن ال��ن��ع��م��ي ف���ي �إح����دى ح���وارات���ه .. ،ط��اه��ر ال��زه��ران��ي ،و�أن��ت �أح��د الروائيين ال�سعوديين ال�شباب، اجلوبة -ربيع 1435هـ 89
90
هل تتفق مع ما ذهب �إليه الدكتور النعمي �أم لكلمتك اتجاه �آخر؟ ρ ρفي البداية كنت مهوو�سا بقراءة هذا الفن، في المرحلة المتو�سطة بد�أت اقر�أ الروايات ρ ρنعم؛ هناك بع�ض مَ ن كتب على هذه ال�شاكلة، الكال�سيكية� ،أحببت الأدب ال��رو��س��ي ،ثم وهناك مَ ��ن كتب وت�ج��اوز الجيل القديم.. الفرن�سي ،ث��م الأورب� ��ي ،ث��م �أدب �أمريكا تجاوزهم فني ًا وم�ضموناً؛ والدليل �أن هناك الجنوبية ،ول��م اق ��ر�أ ال��رواي��ة العربية �إال �أع �م��اال روائ �ي��ة � �ص��درت بعد ع��ام 2000م م�ؤخراً. مميزة ونا�ضجة ،وت�ستحق الإ�شادة .وكما �أن هناك روايات �ضعيفة ومثيرة لل�شفقة كتبها ث��م كانت الكتابة؛ ك��ل م��ا كتبته ه��و مجرد الجيل القديم ،فكذلك الأمر بالن�سبة للجيل محاوالت متفاوتة ،و�أزعم �أني �أ�شعر بتطور الجديد ..الم�س�ألة ال عالقة لها بتاريخ ،وال م��ع ك��ل تجربة؛ فالكتابة موهبة و�صنعة، بجيل دون �آخر ..الأمر يعود على مدى وعي ت�صقل بكثرة الكتابة والممار�سة ،و�أتوقع �أن الكاتب بالفن ،والتراكم المعرفي ،وكذلك القارئ هو الوحيد ال��ذي ي�ستطيع �أن يقيّم التجارب الحياتية التي تلعب دور ًا بارز ًا في التجربة ،ف�أنا دوري ينتهي بمجرد �إر�سال ن�ضج الكاتب. المخطوطة �إلى النا�شر. �أن يغامر الإن�سان ويكتب ،هو �أم��ر �صحي ● ●هل لنا �أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟ مهما ك��ان مق�صده� ،أم��ا بالن�سبة للقيمة �ρ ρأن���ا وال��وال��د حفظه اهلل ن�شترك ف��ي مكتبة والجودة فالزمن كفيل بالغربلة ،و�سيبقى واح��دة ،تحوي جميع الفنون ،دي��ن ،وت��راث، الجيد. و�أدب ،و�أن�ساب ،وفن ،وطب، �أ�شعر بتطور مع كل وجود الناقد �ضروري جدا، وف�ل��ك ،وح �ي��وان ،ونباتات، تجربة و�صحي جداً ،لكنه �شبه معدوم ومو�سوعات ووثائق ،وحجج، ● ●«ج������ان������ج������ي» رواي����������ة ،عندنا ،مقارنة بدول عربية وم �ج�لات ق��دي�م��ة :ال�ع��رب، �أخرى العربية ،العربي الكويتية، 2007م« ،نحو الجنوب قافلة ال��زي��ت ،ج��رائ��د منذ «رواية2010 ،م�« ،أطفال �أحببت الأدب الرو�سي ،ثم ال���������س����ب����ي����ل» ،رواي���������ة ،الفرن�سي ،ثم الأوربي ،ثم �أدب خم�سين �سنة...الخ� ،أحاول قدر الإمكان �أن ال �أُدخل �إلى �أمريكا الجنوبية ،ولم اقر�أ 2013م« ،ال�����ص��ن��دق��ة» م���ج���م���وع���ة ق�����ص�����ص��ي��ة الرواية العربية �إال م�ؤخراً .مكتبتي كتابا رديئا! « 2010م .ه��ل ل��ك �أن ورغ � ��م � �ش �غ �ف��ي ال �� �ش��دي��د �أحب �أن �أجمع الروايات ثم تر�صد لنا �أ�سطرا عن �أوزعها على المقاهي ،والأماكن ب ��ال ��رواي ��ات� ،إال �أن �ن��ي ال م�������ش���وارك م����ع ك��ت��اب��ة �أقتني �إال ذاك النوع الذي العامة ،الروايات هي �أفكار الرواية ،ن�ستطيع من يجعلني �أعيد قراءته ،مثل وتجارب ينبغي تدويرها خاللها ال��ت��ع��رف على دون ك �ي �خ��وت��ه ،ورواي� ��ات اجلوبة -ربيع 1435هـ
د�ستويف�سكي ،ومك�سيم غ��ورك��ي ،وبع�ض ال��رواي��ات العربية التي �أح��ب ..وه��ي قليلة الرواية ديوان الع�صر ج��دا� .أح��ب �أن �أجمع ال��رواي��ات ثم �أوزعها على المقاهي ،والأماكن العامة ،الروايات ● ●م��ن ال��وا���ض��ح ت��وج��ه ال��ك��ث��ي��ر م��ن الأ���س��م��اء في ال�سعودية لكتابة الرواية في ال�سنوات هي �أفكار وتجارب ينبغي تدويرها ،فالرواية الأخيرة ،هل لهذا التوجه تف�سير لديك؟ التي ال تتوقع �أنك �ستقر�ؤها مرة �أخرى حتى و�إن كانت جميلة ،ينبغي �أن تناولها لغيركρ ρ ،قبلها ك��ان ال�شعر ،وق�ب��ل ال�شعر الق�صة ثم لآخرين ،وهكذا. الق�صيرة ،والآن ال��رواي��ة� ،إل��ى درج��ة �أن �أحدهم ذكر �أن الرواية ديوان الع�صر ،في هناك �أن��ا���س متخ�ص�صون لهذا النوع من الكتابة! النهاية هي قوالب يختار ● ●وم������اذا ع���ن ت��ج��رب��ت��ك كل الروايات التي تتحدث عن ال� �م� �ب ��دع ال� �ق ��ال ��ب ال���ذي ف��ي ك��ت��اب��ة ال�سيناريو الثورات وكانت محورها ،كانت ينا�سبه ،والعبرة بالجمال. ال�سينمائي� ،أذك��ر �أنك مجرد «�سلق بي�ض» ومحاوالت الم�شكلة هو ان�سياق هذه للتنمر وال�صراخ ذك����رت ���ش��ي��ئ��ا ف���ي ه��ذا الأ�سماء لمواقع التوا�صل االتجاه؟ �أحب �أن �أتذوق ال�شعر ،خا�صة االج� �ت� �م ��اع ��ي ،وم � ��ن ث��م ρ ρل ��ي ث �ل�اث م� �ح ��اوالت ذلك النوع خفيف اللغة ،عظيم ان�شغال المبدع �شاعر ًا كان المعنى ،ي�سحرك بمو�سيقاه �أو ق��ا��ص� ًا ب�ه��ذا ال�ضجيج ف ��ا�� �ش� �ل ��ة ،وال �أف� �ك ��ر المن�سابة دون تكلف!.. ال��ذي يخبو �سريع ًا ويخبو �أن �أج�� � � � ��رب م� ��رة معه العمر من دون �أن ي�شعر �أخ� ��رى ،ه�ن��اك �أن��ا���س هناك �أنا�س متخ�ص�صون متخ�ص�صون في هذا لكتابة ال�سيناريو ال�سينمائي ،ال�شخ�ص ب �ه��ذه الأوق���ات ال� �ن ��وع م ��ن ال �ك �ت��اب��ة ،المبدع ينبغي �أن يعمل على ما التي تهدر� ،إذا لم ينتبه لها المبدع �سوف ي�سرق �أعظم ال� �م� �ب ��دع ي �ن �ب �غ��ي �أن يح�سنه م��ا ي�م�ل�ك��ه� ،أه���م هاج�س يعمل على ما يح�سنه، وي �ن �ت �ه��ي دوره ع�ن��د في حياة المبدع �أن يكون اكتمال عمله ،كون �أن الن�ص يعجب مخرج ًا م�شروعه الإبداعي ن�صب عينيه. ما �أو �شركة منتجة ،ف�أت�صور �أن المبدع ال �ستكون لها ظالل وانعكا�سات على ب��د �أن يكون خ��ارج ال��دائ��رة ،لأن ال�صورة الأعمال الإبداعية الن�صية لي�ست كال�صورة ال�سينمائية ،كل عالم مختلف عن الآخ��ر تماماً ،والمخرج ● ●ك���ي���ف ت�����رى �أث������ر ال���ت���غ���ي���رات ال�����س��ي��ا���س��ي��ة واالقت�صادية التي ي�شهدها العالم العربي، ربما يخرج عمله ب��ر�ؤي��ة مختلفة عن ر�ؤي��ة على �شكل وم�ضمون الخطاب الإبداعي؟ الروائي والقا�ص ،وهذا بالن�سبة لي �أمر رائع وثري جداً؛ الإبداع والفن عظمته في التجدد ρ ρنحن الآن ف��ي ح��ال��ة مخا�ض فظيعة ،وال
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
عالَم الروائي طاهر الزهراني؟
والتفرد ولي�س في التكرار.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 91
�أت�صور �أنها �ستغير ..و�إنما �ستكون لها ظالل وانعكا�سات على الأع�م��ال الإب��داع�ي��ة فيما بعد ،هذا �إذا عرف الأدي��ب مهمته.المبدع ال يوثق وال ننتظر منه ت�صريحات ومواقف �سيا�سية وتحليالت اقت�صادية في ثنايا العمل الإبداعي ،الأدب حالة �إن�سانية� ،إذا ابتعد الأديب عن هذه الحالة ت�شوّه. وال مانع �أن ي�صدح المثقف بموقفه ..لكن خارج الن�ص الإبداعي ،وبع�ض المبدعين الكبار يمرر موقفه بذكاء من دون �أن يجرح الن�ص. لهذا كل ال��رواي��ات التي تتحدث عن الثورات وك��ان��ت محورها ،كانت مجرد «�سلق بي�ض» عالم الأدب الموثق ،هل تجد هذا االنت�شار وم�ح��اوالت للتنمر وال�صراخ؛ لكن انظر �إلى ل��م��ث��ل ه�����ذه ال����م����واق����ع ،ظ����اه����رة ���ص��ح��ي��ة ثالثية نجيب محفوظ كيف نجح هذا العمالق، للإبداع؟ في جعل محورها الإن�سان ،في وقت تمر فيه م�صر بثورات وق�ضايا م�صيرية� ،إال �أن هذا «ρ ρج�سد الثقافة» وق�سم الق�صة الق�صيرة تحديد ًا هو الموقع الوحيد ال��ذي ا�ستفدت المبدع عرف كيف يتناول الفنان ق�ضاياه. م�ن��ه ف��ي ��ص�ق��ل ت�ج��رب�ت��ي ف��ي ف��ن الق�صة «ج�سد الثقافة» ..هو الموقع الوحيد ال�ق���ص�ي��رة ،وال�ق���ص�ي��رة ج� ��داً ،و�أع �ت��رف الذي �أهتم به بهذا ،ولقد ا�ستفدت منه ب�شكل كبير جداً، وبخا�صة من مالحظات الأ�صدقاء والزمالء ● ●ان��ت�����ش��رت ع��ل��ى ال��ن��ت م���واق���ع ،ت��دع��ي �أن��ه��ا ه�ن��اك ،وق��د كانت ك��ل ق�ص�ص مجموعتي الحا�ضنة للتجارب الإب��داع��ي��ة ال�شبابية، الق�ص�صية «ال�صندقة» ن�صو�صا ن�شرتها في وك�أنها تلزمهم بالح�ضور كبوابة لدخول الج�سد قبل خروجها بين دفتي كتاب ,وبال �شك كانت ظاهرة �صحية جداً ،لم تعد الآن حا�ضرة بقوة.
وج��ود الناقد �ضروري ج��دا ،و�صحي جداً، لكنه �شبه معدوم عندنا ،مقارنة بدول عربية �أخرى؛ فعلى �سبيل المثال هناك ملتقى في عمان يقام �سنوي ًا لقراءة كل النتاج ال�سردي المحلي ،لماذا ال نقيم مثل هذه الملتقيات ب��د ًال م��ن �إق��ام��ة ملتقيات م�شرقة ومغربة ومكررة ومدورة.. ● ●الغريب عندما ت�سمع مَ��ن يقول« :لي�ست وظيفة الناقد متابعة النتاج»؛ �إذاً ،ما هي وظيفته؟! ρ ρلنقل �أن الناقد لي�س ملزم ًا بمتابعة النتاج، ماذا عن الأعمال الجيدة والمميزة؟ حتى الأعمال الجيدة يهملها النقاد.
● ●�أي���ن ال�شعر م��ن اه��ت��م��ام��ات��ك ،وه��ل ت�ؤمن بمبد�أ التخ�ص�ص؟ قراءة ال�شعر محطة �إذا تعبت من المطوالت، �أح��ب �أن �أت��ذوق ال�شعر ،خا�صة ذلك النوع خفيف ال�ل�غ��ة ،عظيم ال��م��ع��ن��ى ،ي�سحرك بمو�سيقاه المن�سابة دون تكلف..
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ρ ρال�ن�ق��اد م��ع اح�ت��رام��ي ال�شديد ل��م يقوموا ب��دوره��م ف��ي ال�ساحة ،وف��ي ال��وق��ت نف�سه يت�ضجرون م��ن �سوء النتاج ،وه��ذا ال�سوء �سببه ع��دم ق��ي��ام ال��ن��اق��د ب��واج��ب��ه ،فيظن الكاتب بنف�سه خيرا ،فنبتلى بكمٍّ هائل من النتاج لم يتعر�ض للنقد!
�أحب �أن �أتذوق ال�شعر
ال �أ�ؤمن بالتخ�ص�ص ،لكن ال�شاعر ال ينبغي له �إال �أن يكون �شاعراً. م�شغول بمر�ض والدي ● ●وماذا عن جديدك؟ ρ ρال جديد من حيث الكتابة ،م�شغول بمر�ض ال��وال��د وم��راف�ق�ت��ه� ،أح ��اول �أن �أح ��رز حال ال���ص�ح��و ق�ص�صه وح�ك��اي��ات��ه وم��روي��ات��ه، وق�صائده التي ينقلها لنا بانت�شاء ،ومخزونه الهائل من المواقف والأحداث والذكريات، وخا�صة المروي منها وغير ال�م��دون ،و�إذا وجدت وقت ًا �أفزع للقراءة.
النقاد لم يقوموا بدورهم في ال�ساحة
والده في المكتبة
92
اجلوبة -ربيع 1435هـ
● ●حين ذهبنا �إلى �سوق جدة القديم �أنا و�أنت، طبعاً ،تحدثنا كثيرا � ..أذكر �أن لديك ر�أي ف��ي النقد على الم�ستوى العربي ..كيف تقيّم ال�ساحة النقدية ال�سعودية مقارنة بال�ساحات العربية؟ اجلوبة -ربيع 1435هـ 93
ال�شاعر الفل�سطيني
مو�سى حوامده عنوانه الريح و�ساللته المطر.. ■ حاوره يف عمان :عمار اجلنيدي
يميل ال�شاعر الفل�سطيني مو�سى حوامده �إلى �أن« :ال�شاعر الذي يكتب الق�صيدة، وهو ينتظر اعترافا ً،لن يحقق معنى ال�شعر ،ولو �أني �أملك الإجابة عن �س�ؤال ال�شعر لتوقفت عن كتابة ال�شعر» .ويرى مدير تحرير الدائرة الثقافية في جريدة الد�ستور الأردنية �أن ال�صحافة م�صدر رزقه ،لكن ال�شعر يحميه من انحطاط الروح ،وال يجب على ال�صحافة �أن تهيمن على ال�شعر.. ال�شاعر مو�سى ح��وام��ده� ،صاحب ال��دواوي��ن ال�شعرية�« :شجري �أع��ل��ى» ،و«�أ�سفار مو�سى العهد الأخير» ،و«من جهة البحر» ،و«�ساللتي الريح وعنواني المطر» ،و«موتى يجرون ال�سماء»؛ وهي الق�صيدة التي ح�صلت على جائزتين فرن�سيتين عام 2006م، وهما جائزة م�ؤ�س�سة �أورياني الثقافية الفرن�سية في مدينة نان�سي ،وجائزة البلوم من مهرجان تيرانوفا ال�شعري ،كما ح�صل على جائزة المهاجر اال�سترالية لل�شعر عام 2011م .وترجمت بع�ض ق�صائده �إلى الفرن�سية ،والإنجليزية ،والألمانية ،والكردية، والتركية ،والرومانية ،وال�سويدية ،وغيرها. عن ال�شعر وهمومه ،كان للجوبة مع ال�شاعر مو�سى حوامده هذا الحوار:
94
عن �س�ؤال ال�شعر لتوقفت عن كتابة ال�شعر، ال�شعر �ضرورة.. �أعترف؛ ولو �أن كل �شاعر ،طرح على نف�سه كل ما قيل محاوالت لتف�سير �سر غام�ض، �س�ؤال ال�شعر ،الكت�شف �إن كان يميل �إلى يدفع ال��روح للق�صيدة ،وي��وم��ئ للمعنى ،جهة الحكيم العاقل �أفالطون ،الذي طرد بعيد ًا عن الم�ألوف ،ولو �أني �أملك الإجابة كثيرا من ال�شعراء من مدينته الفا�ضلة� ،أم اجلوبة -ربيع 1435هـ
و�إذا تجاوزنا كل النقود والتحاليل والآراء القديمة والحديثة التي قيلت في تعريف ال�شعر وماهيته ،ف�إن ال�شعر ال ينتظر ح�سن ًة من �أحد للتعريف �أو للإعتراف بوجوده و�ضرورته؛ هو موجود ،كالوجود ذات��ه ،وكل يوم يولد �شعراء جدد .وال يتوقف ال�شاعر قبل التلعثم بق�صيدته، لي�س�أل نف�سه (لماذا ال�شعر؟) ،كما �أن الع�صافير ال تتوقف عن التغريد ،وال ت�س�أل نف�سها لماذا تغرد ،وال ت�س�أل الأزهار نف�سها لماذا ينبعث منها ال�شذى للوجود .وحين تتوقف ال�شم�س لتعرف معنى ال�ن�ه��ار ،ق��د يجل�س (��ش��اع��ر) مهجو�س بالتحاليل وال�شروحات المدر�سية ،ليف�سر هذا ال�س�ؤال القائم منذ �آالف ال�سنين.
لذا ،فال�شعر لي�س �ضروريا للجماد ،والموتى، لكنه ��ض��روري لكل زه��رة تتفتح ،ولكل مولود يهبط ،ول�ك��ل فل�سفة �أو فكر يبحث ف��ي رق��يّ الإن�سان ،ويرفعه من الطين� ،إل��ى ال��ذرى ،من الرماد �إل��ى ال�شرفات ،ي�سمو ال�شعر بالحياة، ومن دونه يتحول الب�شر �إلى كائنات تبحث عن الغذاء ،والتنا�سل البيولوجي.
ك��ل م��ن ي�ح��اول تبرير وج��ود ال�شعر؛ حتم ًا �سيف�شل؛ فال�شعر قائم وباق وم�ستمر ،حتى لو ت�أثر وتراجع دوره ،لأ�سباب اجتماعية� ،أو ب�سبب �شيوع ال��رواي��ة� ،أو العلم ال�ح��دي��ث� ،أو ب�سبب
لكن ال �إجابة �شافية توفي ال�شعر حقه ،وال منطق ناجزاً ،يفي �س�ؤال (لماذا ال�شعر؟) حقه، ول��و وج��د ه��ذا المنطق ،لما ك��ان هناك �شعر، ولتحوّل «ال�شعراء» �إلى مهند�سيّ كلمات ..كلمات بال روح :مثل برامج الحا�سوب الجامدة.
�س�ؤال ال�شعر..
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
�إلى جهة الفيل�سوف المتمرد �أر�سطو الذي �أعطى ال�شعر حقه ومكانته.
و�سائل التكنولوجيا ،فلن يتبخر من الوجود، ويك َُّف عن دوره المبهم ،البتعاد كثير من النا�س عنه .وال�شاعر الذي يكتب الق�صيدة ،وهو ينتظر اعتراف ًا لن يحقق معنى ال�شعر .ال��ذي يتوقف على الآخرين في تعريف نف�سه ،لأن��ه بب�ساطة فوق العادية ،وهو قبل الوجود ،كما قال هيدغر.. وقبل الكينونة ،وقبل الكلمات ،وف��ي ن�سغ كل خيال ،وفي قلب كل بذرة وبحيرة.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 95
96
ال حاجة لل�شاعر �إل��ى ف�ضيلة �أخ��رى، �أن تكون �شاعر ًا يعني �أن ت�ت�ج��رع وح ��دك، ح� ��� �س ��رة ال� ��وج� ��ود، خ��ط��اي��ا ال �م�لائ �ك��ة قبل الب�شر ،ع�صيان ال � �م� ��اء ف� ��ي ق�ب���ض��ة لكل ق�صيدة طريقة والدة.. البحر ،ولك �أن تتحمل رع�شة الكون في ج�سد ال طقو�س للق�صيدة م�ح��ددة ،ك��ل ق�صيدة الحروف والأنغام وال�صور. تفر�ض طق�سها ،وط��ري�ق��ة والدت �ه��ا وت�أثيرها �أن تكون ��ش��اع��ر ًا يعني �أال تكون ع��ادي� ًا �أو و�أثرها ،بع�ض الق�صائد تحب الفنادق الفخمة، ا�ستن�ساخ ًا �أو تكراراً� ،أو �صدى لغيرك ،ال تابعا �أو بع�ضها تخرج من كوخ �شبه فارغ� ،أو من بيت �شبه ملحقاً ،رديئ ًا ال تكون ،حتى لو كنت بوم خراب ،معدم ،بع�ضها تحب �أن ي�سبقها ،موكب �سلطاني، �أو غراب ًا ينعق لته�شيم الكون والحلم ،فكن كما بع�ضها تحب الت�سلّل كل�ص خفيّ ،بع�ضها تهطل تريد الق�صيدة ،ولكن �إياك �أال تكون نار ًا تتطاير كرذاذ ناعم ،وبع�ضها تتفجر كبركان� ،أو زلزال من تلقاء ذاتك. ي�صيب عظام الروح ،ويهزها من جذورها ،ثم �أن تكون ��ش��اع��ر ًا يعني �أن ت��واك��ب �إطاللة يتركها ال كما كانت ،بل ك�أنها ن�شء جديد! ال�شم�س ،وت�سبح في ملكوت المجرات ،وتباهي في كل م��رة �أكت�شف طق�س ًا ج��دي��داً ،وحالة الالمرئي ،بح�صة الكبريت الم�شتعل. جديدة ،وطريقة تح�ضير ،وتهيئة مختلفة ،لي�س و�أن تكون �شاعر ًا يعني �أن تنال من زرقة لأني باحث عن اختالف� ،أو تغيير وفذلكة ،بل ال�سماء ،وخ�صوبة الحقول ،و�ضحكات الأطفال ،لأن الق�صيدة تفعل فعلها بي ،قبل تكوُّن بذرتها ورجرجة الإ�سفنج الليّن ،ورق�صة الأ�سماك ،في الأول���ى ،وقبل تخلقها ،ولحظة ال���والدة ،تحدد �أعماق العتمة ،ونباهة النجوم في التقاط بريق ه��ي طريقة والدت �ه��ا ،و�شكل جنينها ،و�آث ��اره، ال�شم�س في و�ضح ال�شهوات ..يعني �أن تحلق في ومالمحه ،وقوة �سحره� ،أو بهوت وجهه. تعاويذ القبائل ،وتمزق حجب البالدة ،وال تتردد أترك كلماتي تمار�س حرّ يتها.. � ُ في ت�سليم نف�سك ،لالمرئي ،والالمتوقع ،ال تخف من جالدي الحياة ،وبياعي المرارة. ك��ل م��ول��ود ،ي�شق طريقه وح��ده ،وال �أحب�س الق�صيدة وردة في ملكوت ال�شعر ،حبة قمح �ساللتي في نمط محدد ،ليخرج الوليد كما تخرج اجلوبة -ربيع 1435هـ
�أهمية الثقل الح�ضاري للغة.. حين ي�صل �شعره للعالم ،قد ي�صبح ال�شاعر عالمياً ،وال يعني ف��وز �شاعر ع��رب��ي بجائزة �أوروبية �أو غربية �أن��ه �أ�صبح عالمياً؛ العالمية مختلفة كثيرا عن ق�صة الجوائز ،فربما يكون ال�شاعر عالمي ًا ولم يفز ب�أي جائزة ،هذا الأمر لي�س له عالقة بالعالمية ،لكن ال�شاعر الذي يفكر ب�أن ي�صبح عالمي ًا لي�س عالمياً .الم�سار مختلف كلياً ،هناك �شعراء عالميون مثل ر�سول ح�م��زات��وف ،ك� َّر���س ك��ل كتاباته لبلده ال�صغير داغ�ستان ،وباللغة الآف��اري��ة ،التي ال يتحدث بها �سوى عدد قليل من الب�شر ،ال يزيدون على المليون ن�سمة ،و��ص��ار عالميا ،ومثله لوركا، وناظم حكمت ،وبابلو نيرودا ،ال ينت�شر ال�شاعر برغبته في العالمية ،هذا الأمر له عالقة بالثقل الح�ضاري للغة التي يمثلها ال�شاعر ،وبالثقل ال�سيا�سي والثقافي الذي يمثله بلده �أو �أمته.
الجنيات ،من ج�سد الم�سكون والموهوم ،مالي �أنا بالعوار�ض والأ�سباب والنتائج ،حر ًة �أتركُ الكلمات ،وهي تنوح �أو ترق�ص ،كما ت�شاء ،تولد �أو تختفي كما تحب ،وما على ال�شاعر �إال المثول، وما على الطقو�س �إال تو�ضيب نف�سها ،كما يليق بمثول المريدين في ح�ضرة �صاحب الطق�س.
ال�شاعر العالمي يحمل �ألم ًا �أممياً،
�ساللتي الريح عنواني المطر..
ووجع ًا �إن�سانياً..
ρ ρف����ازت ق�����ص��ي��دة (���س�لال��ت��ي ال��ري��ح ع��ن��وان��ي ال��م��ط��ر) ب��ج��ائ��زة «الب���ل���وم» م��ن م��ه��رج��ان تيرانوفا الفرن�سي ،والجائزة الكبرى من م�ؤ�س�سة �أوري���ان���ي الفرن�سية ع��ام 2006م، وف��ي ع��ام 2011م ف��ازت المجموعة نف�سها التي �صدرت عام 2007م عن دار ال�شروق في عمان ،وعن الهيئة العامة لق�صور الثقافة ف��ي م�����ص��ر ،وع���ن وزارة ال��ث��ق��اف��ة الأردن��ي��ة �ضمن م�شروع مكتبة الأ���س��رة لعام 2014م
نعم؛ وكلما ات�سعت الر�ؤيا وغمر الكونَ بنوره وكلماته وب�ساطته ،ق��د يكون ال�شاعر عالميا وه��و في قرية منعزلة� ،أو لغة �شبه منقر�ضة؛ هناك فرق بين العالمية واالنت�شار ..العالمية؛ �أن تح�س ب�آالم العالم والب�شر جميعاً� ،أن يكون �ألمك �أممياً ،ووجعك �إن�سانيا� ،أال تكون �ضيق الأف ��ق� ،ضيق الحلم ،متع�صب ًا لأي �شكل من �أ�شكال الع�صبية .و�أن تخلق �أ�سلوب ًا جمالي ًا فريد ُا للتعبير والكتابة ،والأدب عموماً ،ال يجب �أن
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
�أن تكون �شاعر ًا يعني �أال تكون عادياً..
تنمو في �سهوب الغيب؛ تتكاثر حبات القمح، وتزداد الخ�ضرة ،والحبات تتكاثر ،وتتحول �إلى �سبع �سنوات من الخ�صب ،وبيادر من ال�شغف.. وحين تجف الق�صيدة ،تجف ال�سهول ،تفرغ ال�صوامع من قمحها ،وتهزل �سنوات الحلم، فالق�صيدة ح�ل��م يمتد ح�ت��ى ي�شمل ال��وج��ود كله ،منذ بدء الأه��زوج��ة ،والترويدة والأمومة وال���ص�ب��اب��ة ،وح�ت��ى م���ش��ارف ال�ط�ي��ب ،و�شجر الخاطر الذي يثمر كلما منحته ال�شم�س دفئها، والماء ليونته و�شهوته.
بجائزة المهاجر لل�شعر في �أ�ستراليا.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 97
الق�صيدة بالتحديد ،وال�شعر على وجه الخ�صو�ص ،هو روح الطبيعة والكون ،قبل �أن يكون روح الإن�سان نف�سه .وال�شاعر قبل ال�شعر ويح�س ّ هو �إن�سان يت�ألم ويفرح ويت�أمل ويتخيّل وي���ش�ع��ر ،وال���ش�ع��ر م��ن دون ال�ح����س الإن���س��ان��ي لي�س �شعراً؛ ول��ذا ،من ال�سهل �أن تجد ال��ذات ف��ي الق�صيدة ،وال�شعر ال��ذي يخلو م��ن ذات �صاحبه ،ربما يكون مفتعالً .من هنا ،ال بد �أن تن�سكب �إن�سانية ال�شاعر ف��ي ق�صائده ،قبل
حتى تكون الق�صيدة �أكثر �شاعرية..
الجوائز ،حتى لو هطلت على ال�شاعر كالمطر
ربما ي�ضيف الفوز بجائزة �أدبية عالمية ميزة �أو �سبب ًا ي�ساعد في التعريف بنتاجك الإبداعي، قد يلفت النظر �إلى هذا النتاج ،و�إلى وجودك، وربما ال ي�شكل �شيئ ُا في الو�سط الثقافي العربي، لأن العرب ال يت�أثرون بالجوائز ،وال يتحم�سون للكتب وال�ك�ت��اب ،ف�لا يقومون بمتابعة �شاعر ال�شعر ال يحب النمطية.. �أو روائ��ي ب�سبب خبر فوز هنا �أو هناك ،بل قد تحدث ردة فعل عك�سية ،فيقال �أنه يلبي �شروط ت�أخذك الق�صيدة �إل��ى ما بعد الواقع ،و�إن الغرب ،وال ي�ستحق القراءة� ،أو لأي �سبب �آخر ،ت�شبثْتَ بالأر�ضي ،وحِ ��دْ تَ عن مالحقة نب�ض ونحن نعي�ش في و�سط يمتلئ بالنميمة والإ�شاعة ،ق�صيدتك وان �ط�لاق �ه��ا ،ف �� �س �ت��راوح م�ك��ان��ك. وال ن�أخذ الأ�شياء على محمل الجد. وم�شكلتي دائماً ،تكمن بين ال�شعري والواقعي، لكن ال �ف��وز و�إ��ش�ك��االت��ه وتبعاته ال ي�ضيف حتى في الحياة؛ فال�شعر ال يحب النمطية وال للق�صيدة �شيئاً ،ق��د يُنبه لها� ،أو ي�شير على التقاليد؛ بينما المجتمع يريدك نمط ًا محدد ًا �صاحبها ،ولكنه ال ي�ؤثر في ماهية الق�صيدة ،وقالب ًا تقليدي ًا معروفاً .ولذا ،يتمزق ال�شاعر بين �أو �شاعرية ال�شاعر ،ال��ذي �أراه بعيد ًا عن كل ال�شعر والمجتمع� ،إن هو ا�ست�سلم للواقع ،ابتعد الجوائز ،حتى لو هطلت عليه كالمطر. �شط معها ن�أى عن المعروف عن الق�صيدة ،و�إن َّ وال�سهل وال ُمتّبع. ال�شعر؛ هو روح الطبيعة والكون..
98
اجلوبة -ربيع 1435هـ
�شخ�صي ًا �أعطي الق�صيدة حقها ،لي�س وقت الكتابة ،ولكن قبل الكتابة ،وخاللها ،ال �أزعم �أني �أعي�ش طيلة اليوم ،من خاللها ومعها ،و�إال �صرت مجنوناً ،لكن هي مراوحة ومزاوجة ،وكلما �أخذتني الق�صيدة بعيد ًا كان �أف�ضل ،و�أمتع و�أكثر �شاعرية. الق�صيدة� :شقاوة ال�شاعر.. الق�صيدة �شقاوتي نف�سها ،وبدونهما ،ال �أكون
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
يعرف الحدود ،والأقاليم والع�صبية �أو الطائفية �أو حتى القومية ال�ضيقة.
ح�ضوره وانت�شاره؛ و�إن كان ال يهتم ب�أي �شكل من االنت�شار ،فعليه �أن يكون نف�سه ،قبل كل �شيء� ،أن يكتب ذاته وانفعاالته و�أحا�سي�سه وخياالته ور�ؤاه، و�أن يكون قادر ًا على بث روحه في �شعره ،وربما هناك من يخفي هذه الروح ،عن ق�صد وحرفة، وله في ذلك مق�صد ،وهناك من يعجز عن بثها و�إبرازها في ن�صو�صه .وهنا ،يتوقف الأمر على �شكل �آخر من ال�شعر ،ربما يكون ال�شعر الدرامي �أو الم�سرحي؛ ومع ذلك حتى �شك�سبير لم ي�ستطع �إغفال روحه بعيد ًا عن حواراته الم�سرحية.
�أن��ا ،فالق�صيدة الرزينة ال تمثلني ،بل تغريني الخفة والطي�ش ،ومماحكة ال��وج��ود ،والعبث بالثوابت والراكد؛ ول�ست ممن يبحثون عن جدية �شعرية ،ت�شبه جدية �أب��ي العتاهية� ،أو محمود �سامي ال�ب��اردوي ،و�إن كانت الق�صيدة نف�سها على �شقاوتها وطي�شها؛ تذهب عميق ًا في خد�ش الوجود ،وقلب الثوابت والم�ستقرات ،وال �أعمد �إل��ى ربطها ،ب�أوتاد العقل ،فالعقل والق�صيدة لي�سا رفيقين �أبداً. ال�شعر �أعطاني الكثير ،ولم ي�أخذ حقه مني بعد.. ال�شعر محيط وا�سع ،وتراكماته التاريخية وال�ك��ون�ي��ة ،لي�س لها ح ��دود ،وم��ن الع�سير �أن ي�سكب �شاعر مهما ك��ان ،نهر ًا �أو حتى ج��دوالً، في ه��ذا الأرخبيل المتالطم ،ربما ير�ش وجه البحر ببع�ض ال��رذاذ ،وهيهات �أن يكلف البحر نف�سه عناء الإحتفاء بقطرات من الرذاذ الذي ي�صيبه ،ولكن ال�شعر هو من �أعطاني ،ولم ي�أخذ حقه مني� ،أو بع�ض حقه ،منحني -قبل الكلمات والعرو�ض والأوزان والمو�سيقى وااليقاع -روحه، فبتُّ �أفكر بطريقته ،ات�أمل وفق نظريته التي ال تعتمد منهج ًا علمي ًا محدداً� ،أو طريقة للت�أمل وال�ت�ن��اول؛ �سكن ف��ي روح��ي ،وح �رّك �أجنحتي، كما ي�شاء ..ودائما �أطيع حرائقه ،وال �أتلك�أ في تلبية ندائه ،وال �أفكر لحظةً ،فيما �سيمنحني، و�أمنحه ،وال يعنيني� ،إن تركتُ على وجهه ندبة، �أو حفرت كو ًة في ج��داره� ،أو قب�ضت موجة من ما�ض هو مائه ،ال اتفاق وال تواط�ؤ بيني وبينهٍ ، في كبريائه ،وما�ض �أنا في فلكه وع�شقه ،ال �أدرك الم�ستقر ،وال �أ�سعى لمعراج ،بل �أورثني القلق، وعدم الركون ،وعدم اليقين ،وال �أن�صاع ل�سواه.
ال �أقبل العي�ش �صعلوكاً.. حين كانت ال�صحافة م�صدر رزق �أخذتني من الكتابة ،وحين �صارت الكتابة ج��زء ًا من وجودي� ،صرت �أعطيها ما �أ�ؤمن به ،وما تعلمته من الق�صيدة .حين �أخ�ضع ل�شروط المهنة، تت�ضرر الق�صيدة ،وحين تعلو قامتها ،تت�ضرر ال�صحافة؛ هما نقي�ضان ،رب�م��ا يلتقيان في مرحلة مبكرة من العمر ،ولكن النفور واجب ومطلوب ،و�إال هيمنت الأول ��ى على الأخ�ي��رة، وفر�ضت عليها رداءت �ه��ا ،ل��ذا دائ�م��ا �أح ��اول، حماية نف�سي من �آثارها ال�سلبية ،ولكنني مدين لها� ،أعني لل�صحافة ،بم�صدر الرزق ،فال�شعر وحده ال ي�شتري خبز ًا ولبا�ساً ،وال يدفع فواتير العي�ش ،لكنه يحمي من انحطاط ال��روح ،حين تتوافر البديهات ومقومات الحياة الكريمة، ويعلو ب�صاحبه �إل��ى ال�سمو ،ويدفع كلماته �إلى
اجلوبة -ربيع 1435هـ 99
يمكن القول بثقة؛ �إن هناك تجارب عربيةو�صلت ،لأ��س�ب��اب لي�ست �شعرية ،ومنها هذا االفتعال الجهوي ،الذي ي�ضخّ في بع�ض الأ�سماء لأ�سباب �إقليمية ،ولكن هناك ت�ج��ارب ت�صل لأ�سباب �شعرية ،وال عالقة لها بالإقليم ،لكن هذه التق�سيمات ،ال ي�أخذها ال�شعر بعين االعتبار ،وال يعنيه موطن ال�شاعر� ،أو م�سقط ر�أ�سه ،بل تعنيه ال�سويّة ال�شعرية التي تتحقق عند القراءة� ،أو «لذة الن�ص» كما ي�سميها (روالن بارت) .وكي ال نتوا�ضع �أرى �أن هناك �أ�سماء ،كر�ست في العالم العربي ب�سبب الجغرافيا والأح��زاب والأنظمة، ولكنها لم ت�ضف لل�شعر �شيئاً؛ من هنا ال �أبحث عن ب�صمة لتق�سيم ،ال �أواف��ق عليه ،و�أظ��ن �أن الق�صيدة التي ت�ستحق المتابعة ،تلك التي ال تكتب ،وفق �إقليم �أو م�ؤ�س�سة �أو رقعة جغرافية، �أو حقبة زمنية ،كما يقول حميد �سعيد في كتابه ب��رزخ ��س��اح��ر ،يقي العقل م��ن عطب الدنيا ،الجديد عن ال�شعر. الح�س .لكني ال �أتكىء عليه وخمول العقل وبالدة ّ حتى ال تهبط الق�صيدة بروح ال�شاعر.. بدي ًال عن العمل ،وال �أقبل العي�ش �صعلوكاً� ،أو بال�ضرورة �أن يرتقي ال�شاعر �أوالً� ،إل��ىعال ًة عليه ،مدعي�أ �إخال�صي له .وبال�ضرورة �أن م�ستوى الق�صيدة الحديثة ،وبال�ضرورة �أن يرتقي ي�ستفيد الطرفان من بع�ضهما ،وتكمن المهارة الجمهور بذائقته ،و�أن يحرر نف�سه و�أذنيه من هنا ،في عدم ر�ضوخ الإبداع لمتطلبات العمل ،رداءة الم�سموعات وال�شفاهية التي راكمت طبقات وتدنّي م�ستواه ،بل في �ضخ روح المبدع في ج�سد من الت�شوّهات في ذائقة القراء والمهتمين؛ ومن ال�صحافة� ،إن ت�سنّى ذلك. ال�ضروري �أن تتحرّر اللغة المكتوبة والمقروءة، من ديكتاتورية المتلقي ،ونفوذ المنابر و�سلطنة لغة ال�شعر.. العرّابين ،ولذا يجب �أن تتفجر الق�صيدة ،في وجه ال�شعر في لغته له وطن واحد ،هو اللغة التي متلقيها ،كما تتفجر من قبل بين يدي من�شئها، يُكتب بها ،ونحن نكتب باللغة العربية ،وهي وحين ي�صبح التو�سّ ل م�سار ًا للعالقة بين ال�شاعر ب��دوره��ا ت�ستفيد حتى م��ن �آداب العالم كله ،والجمهور ،تتحول الق�صيدة �إلى بيان �شعبي �أو هناك من ّ يو�ضب نظريات نقدية على مقا�سات خطاب �سيا�سي� ،أو كتاب ا�ستدعاء ُم��ذل يهبط بروح ال�شاعر �إلى الح�ضي�ض. �سايك�س بيكو ،لكني ال �أتقن ذلك.
100اجلوبة -ربيع 1435هـ
مرهون لخراب العالم ،هو ال�شاعر ،ولي�سمرهونا ال�صالح عطب ال��ري��ح ،و��ص��د�أ الماء، على نوافذ البيت ،وال�شاعر الذي ين�سى الكون، ويتوقف عند عتبات منزله� ،سيتحول �إلى مجرد
ج��دي��دة ،لن �أعمل عليها �إال بعد الإنتهاء من (�سيرة �أب��ي) ،والتي ب��د�أت العمل عليها منذ وفاته عام 2003م ،وتهت فيها ،لكني اهتديت هذا العام �إلى خطة عمل ،لإكمالها.
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ال�شعر الأردني وب�صماته..
كاتب مهنة ،يريد تحويل الكتابة �إل��ى حرفة الجمهور لي�س �ضرورة مطلقة.. �صحيح �أن ال�ج�م�ه��ور � �ض��روري للكتابة اقت�صادية ،تد ُّر عليه دخ ًال جيداً ،يناف�س دخلالحرفيين. وللق�صيدة ،ولكنه لي�س ال���ض��رورة المطلقة ال �أطلبُ �أن يترك ال�شاعر بيته لينهار ،ب�إمكانه والأول��ى ،لتكوّنها ونموها وفرادتها ،وكثير من الجماهير تجافي ال�ح��داث��ة ،فهل نر�ضخ لها �أن يدعم �سقفه بطاقته ال�شعرية ،و�أن يحمي لننال �إعجابها؟ �أ�سا�سا عملية الت�صفيق التي جدرانه بالذهاب ال�صالح عطب الكون بطريقته ينتظرها ال�شاعر ،وه��و يلقي ق�صيدته ت�شبه ال�شعرية ،وحين يتراجع للنظر في داخل كفه، ذاك ال�شاعر المتك�سب الذي كان يقف مادح ًا لن يتخطى طاقة قراء الكف ،وفناجين القهوة، �أحد الوالة والحكام بانتظار الأعطية .كل �شاعر بينما طاقته على الر�ؤيا ،تتجاوز قدرات ال�سحرة ينتظر الأعطية ،لي�س جدير ًا ب�سماء الق�صيدة ،والم�شعوذين؛ فلماذا يقلل من �ش�أن نف�سه� ،إال �إذا كان �أق��ل من ق�صيدته ،و�أكثر حر�ص ًا على وال �أر�ضها وتربتها الحمراء. النمطية من جنون ال�شعر ،و�شطط الق�صيدة مهمّة ال�شعر.. و�شطحها. ال �� �ش �ع��ر ل�ي����س ��س�ج�لا ي��وم �ي��ا ل�ل��أح��داث�سيرة �أبي.. واليوميات ،و�إن كان بع�ضهم يريد �أن يحوله �إلى ف��ي ب��داي��ة ه��ذا ال�ع��ام 2013م� ،أ��ص��درتدفتر مذكرات� ،أو �شعرنة تفا�صيل ،بال�شكل الذي تكتب فيه اليوم ،فال �أظن �أن مهمة ال�شعر �سرد الهيئة الم�صرية ال�ع��ام��ة للكتاب م�شكورة، الحياة ب�شكلها الواقعي ،بل مهمة ال�شعر كما مجموعتي ال�شعرية «م��وت��ى ي�ج��رون ال�سماء» يرى �أر�سطو �أبعد من الواقع واليومي ،و�أعمق �ضمن �سل�سلة �إب��داع عربي ،وقد �أع��ادت وزارة و�أكثر ت�أثير ًا من التاريخ ،وال�شاعر الذي يهتم الثقافة الأردنية طباعة «�ساللتي الريح عنواني بكتابة تفا�صيل حياته اليومية �شعراً ،تحت مظلة ال�م�ط��ر»� ،ضمن م�شروع مكتبة الأ� �س��رة لعام اليومي والتفا�صيل بعيدا عن روح الق�صيدة2014 ،م ،وكانت هذه المجموعة قد �صدرت عام 2007م في عمان ورام اهلل ،عن دار ال�شروق، �سيكت�شف �أنه يكتب يوميات ،ال ق�صائد ،وحتى و�أعادت هيئة ق�صور الثقافة الم�صرية طباعتها لو �صفق له بع�ضهم ،وامتدح �إنجازه الذي ي�شبه عام 2010م ،حينما كان ي�شرف عليها الروائي لَيَّ عنق الغيمة ،لت�صبح نارجيلة تنفث الدخان. الراحل �إبراهيم �أ�صالن. ال�شاعر حينما يكون �أقل من ق�صيدته.. حالي ًا تراكمت لديّ ق�صائد ت�شكل مجموعة
اجلوبة -ربيع 1435هـ 101
■ حاورته� :سمر زكي من القاهرة
ل��ق��ا�ؤن��ا م��ع ال��ن��حّ ��ات و�أ���س��ت��اذ ال��ن��ح��ت�:أ.د /علي ال�صهبي ك��ان ل��ق��اء ط��وي�لا ات�سم بالحيويّة ،فحياته الفنية تتفرع �إلى فرعين؛ الأول �أكاديمي يت�صل بالحياة الجامعية، وعمل الأب��ح��اث ،وح�ضور الم�ؤتمرات ،والإ���ش��راف على الر�سائل الجامعية؛ والثاني ممار�سة النحت في مجال خا�ص ..هو النحت الملون؛ ما جعل الحوار يتوزع بين محاولة تنظيرية �سهلة مب�سطة عن فن النحت ،والنحت الملون ،وتوظيف اللون في النحت ب�شكل خا�ص ،ثم خ�صو�صية هذا التوظيف في �أعماله النحتية ،وكذلك معالجة ق�ضايا تخ�ص الفن الت�شكيلي ب�صفة عامة ،والنحت ب�صفة خا�صة :ك��دور ال�صنعة، و�إ�شكاليات تلقي الفنون الت�شكيلية في الوطن العربي� ..إلخ. تت�ضمن �أعماله النحت الملون بنوعيه التمثيلي والالتمثيلي ،وقد �أقام العديد من المعار�ض الخا�صة (الفردية)� ،إ�ضافة �إلى ا�شتراكه في بع�ض المعار�ض العامة، وع��دده��ا ( )27معر�ضً ا .ل��ه العديد م��ن الأب��ح��اث العلمية المتعلقة بمجال النحت الحديث والنحت المعا�صر ،ونال العديد من الجوائز. ● ●ما مفهوم النحت الملون؟ وم��ا الفرق بين فن النحت وفن النحت الملون؟ �ρ ρأ�ستطيع �أن �أق��ول في البداية �إن��ه لي�س هناك ل��ون يفتر�ض-من حيث المبد�أ- ا�ستعماله في فن النحت ب�صفة عامة، ولكن يمكننا القول �إنه لي�س هناك �شكل من دون لون ،ولي�س هناك لون من دون ��ش�ك��ل ..وق��د يمكننا تتبع ال�شكل حتى �أ��س��ا��س��ه ،وه��و �أث��ر القوانين الطبيعية والملم�س ال�سطحي ،لمثل هذه الأ�شكال النحتية الملونة. وقد عرف فن النحت منذ فجر التاريخ
102اجلوبة -ربيع 1435هـ
ت��وظ�ي��ف ال �ل��ون� ،إم ��ا لأغ��را���ض رم��زي��ة �أو ل�م�ح��اك��اة ال ��واق ��ع ،وه ��ذه الحقيقة تت�ضح دائمًا في بقايا الأعمال النحتية للح�ضارات ال�سابقة .وبالرغم من �أن فن النحت في ع�صر النه�ضة قد قدم �إن �ج��ازات �إب��داع�ي��ة ،لم تحقق من قبل، وه��ي التي ر�أى فيها كثير م��ن م�ؤرخي الفن �إن �ج��ازات ت�صل �إل��ى حد الإعجاز الإبداعي ،ف�إن تلك الفترة لم يكن لها �أي دور يذكر في النحت الملون �إال في اتجاه بع�ض النحاتين �إلى الأعمال البرونزية. وب � ��إع� ��ادة درا�� �س ��ة ال �ف �ن��ون ال�ق��دي�م��ة
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
حوار مع النحات� :أ .د .علي ال�صهبي
والبدائية ..اكت�شف النحاتون والفنانون �أن تلك الفنون امتلكت ق��درًا �أك�ث��ر على التعبير م��ن الفنون الأكاديمية الم�ستمدة من التقاليد الإغريقية الرومانية ،والمعتمدة على تقاليد ع�صر النه�ضة الأوربية ،الأمر الذي �أثمر عن اكت�شاف النحات الحديث كيفية توظيف اللون للتعبير عن م�شاعره وانفعاالته بطرق م�ستقلة ومبا�شرة. كما ارتبط التلوين في هذا الع�صر الحديث بالتقدم العلمي والتكنولوجي �سواء كان في خ�صائ�ص الألوان �أو فيما تعك�سه على ال�شكل من تعبير� ،أو في الخامات الم�صنوعة التي لم تكن موجودة من قبل مثل البال�ستيك واللدائن وغيرها، وهذا معناه ثورة فعالة في �إمكانات فن النحت. ● ●ما توظيف اللون في النحت؟ ρ ρيظهر توظيف اللون في النحت الحديث والمعا�صر ،ك�إحدى ظواهر التعبير العري�ضة� ،إذ ي�ستخدم النحات اللون كجانب تركيبي في ال�شكل النحتي ..لما له من قدرة على �إحداث ت�أثيرات مختلفة على العنا�صر الت�شكيلية المتعددة لل�شكل النحتي ،بغر�ض الو�صول �إلى قيم جمالية ،وكنقظة حيوية للتجديد. وي�ستخدم النحات كذلك اللون كجانب تعبيري في ال�شكل النحتي ،لما له من قدرة على �إ�ضفاء تعبيرات مختلفة ،ذات معانٍ ودالالت على الت�شكيل النحتي وبنائه ،وذل��ك ك�أحد الحلول الت�شكيلية والتعبيرية للأ�شكال النحتية الملونة. ● ●ك��ي تت�ضح ال��ر�ؤي��ة ل��ل��ق��ارئ �أك��ث��ر ،ن�س�ألك م��ا ع�لاق��ة فن النحت باللون؟ ρ ρفي البداية� ،إذا نظرنا �إلى فن النحت ،نجد �أنه يت�ضمن كل التمثيالت في النحت الثنائي الأبعاد والنحت الثالثي الأبعاد المج�سم .وهناك طريقتان في فن النحت؛ الأولى ،عن طريق الت�شكيل النحتي بمعنى الإ�ضافة �إل��ى ال�شكل من خامات لينة قابلة للت�شكيل ،مثل :الطين الأ�سواني �أو ال�صل�صال �أو البال�ست�سين ،ثم يقوم النحات بعمل قالب لعمله النحتي، وبعد ذلك يقوم ب�صب مواد �صلبة داخل القالب النحتي ،مثل الجب�س� .أما الطريقة الثانية ،فتكون بقيام الفنان بالحذف من ال�شكل في الخامات ال�صلبة ،مثل :الخ�شب ،والرخام،
�أمل -بول�ستر ملون
اعتزاز -خامة البرونز
البحث عن طريق -بول�ستر ملون
اجلوبة -ربيع 1435هـ 103
انتظار -خامة البرونز
انزالق -بول�ستر ملون 104اجلوبة -ربيع 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
التواء -بول�ستر ملون
والحجر� ..إلخ. وفي هاتين الطريقتين� ،إما �أن يتقبل النحات اللون الطبيعي للخامة؛ فيحافظ عليها وي�صقلها وين�شر عليها ال�صبغات لإبراز ال�شكل� ،أو ال يتقبل اللون الطبيعي للخامة؛ في�ستخدم اللون ،الذي يغير من ال�صفات الظاهرية للخامة ،ويجعلها متباينة عن الأ�صل الذي كانت عليه؛ �إذ ،ي�صبح اللون هو الملم�س ،ما يي�سر على النحات اتباع هذا الأ�سلوب التوظيفي للون �أن ي�صيغ ت�شكيالته المبتكرة بحرية تامة من دون التقيد بال�صفات الأ�صلية للخامة الم�ستخدمة؛ م�ستفيدًا من هذا الأ�سلوب في تجريد ال�شكل من �صفات الخامة ،وتحريره منها ب�صفة تكاد تكون تامة؛ الأمر الذي لم يكن بمقدروه �أن يتحقق في تاريخ الفن كله لوال اكت�شاف �أثر ظاهرة توظيف اللون في الت�شكيالت النحتية المعا�صرة واال�ستفادة منها. ● ●حدثنا عن ا�ستخدامك للون في �أعمالك النحتية الملونة؟ ρ ρوظفت في �أعمالي اللون ،نظر ًا لقدرته على التحكم في ال�صفات الظاهرية للخامة ،لي�صبح اللون هو الملم�س بدال من �سطح الخامة ،ما يتيح �صياغة ت�شكيالت نحتية ملونة، وبحرية تامة ال تقيدها ال�صفات المعروفة م�سبقًا للخامة الم�ستخدمة. وفيما ي�ساعد توظيف اللون الواحد على �إ�ضفاء ال�شكل العام على العمل النحتي الملون ،ومنحه وحدة في ال�شكل ،ف�إن �إث��راء التكوين بدرجات مختلفة من اللون نف�سه يزيد من فاعلية هذا الربط الجمالي لعنا�صر الت�شكيل النحتي. �أما ا�ستخدام �أكثر من لون في �أعمالي النحتية الملونة في�ؤدي �إلى ف�صل العنا�صر التي يتكون منها التكوين .وبو�سع اللون، أي�ضا ،ف�صل تلك العنا�صر التي يتركب منها العمل �إلى الحد � ً الذي تبدو معه هذه العنا�صر وك�أنها وحدات م�ستقلة ،وهو ما أي�ضا ،الإفادة منه ،وذلك بتعزيز تناق�ضات ال�شكل يمكنً � ، بعمل تنافرات لونية متوازية من الألوان بدرجاتها المختلفة. كما يمكن الإفادة من الألوان لإبراز القيمة البعدية للألوان من حيث الت�أثير الأفقي للألوان المن�سوب �إلى الم�ؤثرات النظرية الب�صرية الم�ستخدمة في الت�صوير ،فتبدو الأ�شياء البعيدة قريبة� ،أو العك�س.
كذلك ا�ستخدمت اللون في �أعمالي النحتية الملونة كقيمة تعبيرية ت�ساعد على �إبراز القوة التعبيرية للعمل النحتي الملون وت�أكيدها ..من خالل ت�أثير اللون على كل من الكتلة والحجم أي�ضا على وال �ف��راغ النحتي؛ وه��و م��ا �ساعد � ً ا�ستخدامي ل�ل��ون ك��ام�ت��داد للقوة التعبيرية لل�شكل والحجم والفراغ. الفنان علي ال�صهبي وتكريمه في معر�ض بورتريه و�سعيت في �أعمالي النحتية الملونة �إلى توظيف بالإ�سماعلية 2013م اللون لعمل ت�أثيرات ملم�سية متنوعة ،للت�أكيد �أعمالك النحتية؟ و�أث��ر ال�ضوء والظل على على ال�سطح ،و�إبراز الإح�سا�س بالظل وال�ضوء ر�ؤيتها؟ على العمل النحتي الملون ،ول��زي��ادة امتداد القوة التعبيرية لل�شكل الناتج. ρ ρكان لتعدد الخامات النحتية الم�ستخدمة في النحت الملون ،مثل( :الخ�شب ،والنحا�س، أي�ضا ،في �أعمالي من وكان ا�ستخدام اللونً � ، والبولي�ستر ال�م�ل��ون ،والبولي�ستر الممزوج �أجل تدعيم الإح�سا�س بالغرابة والغمو�ض في ب��الأل��وان)� ،أث��ره في تنوّع �أ�شكال الفراغ من الت�شكيل النحتي الملون. ناحية ،وفي معالجة �سطوح الخامات من ناحية كما ا�ستخدمت اللون كنظام ريا�ضي �صارم �أخرى ،وذلك لأن لكل خامة �إمكاناتها ال�شكلية بالأ�شكال النحتية المت�سل�سلة والملونة ،وقد والتعبيرية .ومن هنا ،فقد ظهرت معالجات اع��ت��م��د ه���ذا ال��ن��ظ��ام ال��ري��ا���ض��ي ع��ل��ى ت�ك��رار خا�صة ،انت�شرت على �سطح الخ�شب لتعميق الأ�شكال والألوان بن�سب ثابتة على هيئة متوالية خ�صائ�ص اللون الطبيعي �أو �إبرازها؛ وكذلك ريا�ضية تنبع من التفكير العقلي الريا�ضي، ف��إن ا�ستخدام النحا�س �شديد اللمعان ينتج وذل��ك بو�ضع قانون �أو نظام ريا�ضي يح�سب عنه انعكا�س ال�ضوء على �سطح العمل النحتي، ويتحكم من خالله في عالقة الجزء بالكل فيظهر بريق اللون ال��ذي ي�ساعد على وجود من حيث ال�شكل واللون ،ويكون هذا النظام ت�أثير مزدوج لل�شكل الحقيقي والعاك�س� ،أ�ضيف بمثابة ع��ام��ل �أ��س��ا���س ل��وح��دة ال�ع�لاق��ات في �إل��ى ذل��ك �أن ا�ستخدام ال�ل��ون ف��ي الأ�شكال التكوين ،وال تحيد عنه؛ �إذ تكون بمثابة خطوط النحتية بخامة البولي�ستر �سواء كان ذلك عن عمل مح�سوبة ت�سهم في حل م�شاكل التكوين طريق التلوين �أو مزج الألوان ،ما يوحد العمل ريا�ضيًّا. النحتي ،كما ي�ؤكد على ال�سطح الداخلي لهذا العمل. وق��د ا�ستخدمت اللون لإظهار التناق�ض بين ال �ج��زءي��ن ال��داخ �ل��ي وال �خ��ارج��ي ع��ن طريق ي�م�ك��ن ت��وظ �ي��ف ال �ل��ون ال ��واح ��د ع �ل��ى �سطح التلوين ،ما �أ�ضفى حيوية على ال�شكل النحتي البولي�ستر في الأع�م��ال النحتية الملونة في ال�م�ل��ون ،الأم��ر ال��ذي �أدى �إل��ى الت�أكيد على توحيد العمل النحتي ،وربط عنا�صره من �أجل ال�سطح الداخلي. ا�ستغالل االنعكا�سات ال�ضوئية ال�ساقطة على العمل ف��ي تكوين درج��ات لونية مختلفة من ● ●م��ا عالقة ال��ل��ون بالخامة الم�ستخدمة في
اجلوبة -ربيع 1435هـ 105
انطواء -بول�ستر ملون
تالقي -بول�ستر ملون 106اجلوبة -ربيع 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ان�سجام -خامة الخ�شب
اللون نف�سه نتيجة ل�سقوط ال�ضوء ،وانعكا�سه على �سطح العمل النحتي ،وكذلك الإح�سا�س الم�ستمر بالظل وال�ضوء الناتج عن اختالف لوني الخامة الفاتحة والداكنة ،الأمر الذي �أثرى التكوين النحتي الملون بدرجات لونية من اللون نف�سه. يمكن توظيف اللون الواحد الممزوج بالبولي�ستر بعد �صقله لتوحيد العمل النحتي ،والت�أكيد على �أهمية اللون في ال�شكل النحتي ،من خالل �سقوط ال�ضوء وانعكا�سه بدرجات لونية مختلفة ،ت�ساعد على �صياغة ال�شكل وت�شكيله من �أجل توحيد عنا�صره و�أجزائه وربطها ،و�صياغة ال�شكل العام للكتل التي يت�ضمنها العمل النحتي و�سطوحها في وحدة واحدة ،وكذلك زي��ادة عنا�صر ال�شكل النحتي فتزداد �أوا�صر الوحدة بين عنا�صره؛ وما ا�ستتبع ذلك من ثبات اللون من �أجل ا�ستغالل االنعكا�سات ال�ضوئية في تكوين درجات لونية مختلفة من اللون نف�سه ،فيتحدد الظل بلون متدرج ،الأمر الذي �أثرى القيمة اللونية لهذا الفن ،وكذلك الإح�سا�س الم�ستمر بالظل وال�ضوء على �سطح العمل النحتي الناتج عن اختالف لوني الخامة الفاتحة والغامقة� ،إ�ضافة �إلى الإح�سا�س بالملم�س، وت�أكيده على �سطح العمل النحتي. ومن المعلوم� ،أن ال�ضوء في �أغلب الأعمال النحتية يكون �ساقطً ا على الأ�شكال النحتية و�سطوحها من الخارج ..لإبراز الإح�سا�س بالظل وال�ضوء على العمل النحتي؛ في حين نجد �أن ال�ضوء في هذه التراكيب النحتية الملونة يكون ناتجً ا من داخل العمل النحتي �إلى خارجه ،لإ�ضفاء «نورانية» على ال�شكل النحتي نتيجة للتلوين� ،إ�ضافة �إلى �سقوط ال�ضوء الطبيعي على ال�شكل النحتي من الخارج ،الأمر الذي �أدى �إلى الإح�سا�س بالغرابة والغمو�ض في العمل النحتي الملون. الكثير من الخامات النحتية تحوي �ألوانًا طبيعية ت�صبح ج��زءًا مكمال من القطعة النحتية التي تم عملها من هذه الخامة .وم��ن المحتمل �أن يختار النحات خامة طبيعية معينة ليحقق �أ�شكاال خا�صة منها ،وهكذا ف�إنه من المحتمل �أن ي�ضطر �إلى قبول اللون الطبيعي لهذه الخامة. و�إذا ما اعترف الفنان و�سلم بهذه القيود التي تحدّه ،فمن
الممكن �أن يوافق ويالئم بين الت�صميم واللون فينتفع به؛ فالعديد من الخامات يمكن �أن ت�صنع من خالل العديد من المعالجات الخا�صة بها ،لتتنوع الت�أثيرات اللونية؛ ف�سطح الخ�شب يمكن �أن ي��أخ��ذ �صبغات ومعالجات تن�شر على �سطحه لتعميق اللون الطبيعي و�إبرازه. �إن �سطح البرونز ،كذلك ،يمكن �أن ي�أخذ باتينه (�أثر الزمن على العمل النحتي) قاتمة عن طريق ت�سخينه ومعالجته بالكيماويات ليكت�سب قتامة ب�شكل دائم وم�ستمر ،في حين يمكن �صقل �سطح البرونز ليعطي لمعانًا ذا ت�أثير مختلف عن ال�سطح غير الم�صقول للخامة نف�سها ،الأمر الذي ي�ؤدي �إل��ى انعكا�سات ال�سطح الم�صقول التي ت�صبح ج��زءًا من اللون الطبيعي للخامة. ف�سطح البرونز الم�صقول له بريقه ،ويمنحنا �شعورًا بمعدن جديد لم يفقده الرجوع �إلى �ألوان الآثار القديمة ببريقه، فمن الممكن �أن ينقل لنا البرونز الم�صقول ظواهر االنبثاق ال�ضوئي من �أج�سامنا� ،إذ �أن االنعكا�س يثري العمل النحتي، وبالتالي فالمعدن المطلي هو رم��ز حداثته ،ويقترب من المعنى الحقيقي للأ�شياء. ونظرًا ل�صقل �سطح الخامة لإبراز اللون الطبيعي الواحد لها ،فقد �ساعد ذلك على انعكا�س ال�ضوء على �سطح الخامة الم�صقولة انعكا�سً ا منتظمًا ،فاكت�سب ال�شكل النحتي لمعانًا؛ م��ا �ساعد على �إخ�ف��اء ال�ضوء على �سطح العمل النحتي الملون. ● ●هل ن�ستطيع �أن نقول �إن اللون في �أعمالك الفنية له داللة خا�صة تظهر في كافة �أعمالك ،تختلف عن داللته العامة، �أم �أ َّن كل عمل يلعب فيه اللون دورًا مختلفا؟ �آملين �إمدادنا ب�أمثلة مو�ضحة على ذلك؟ ρ ρال �أرحب بفكرة �أن يكون اللون له داللة عامة في كافة �أعمالي النحتية ،ولم �أ�س َع �إلى ا�ستخدام اللون كناحية �سيكولوجية؛ ولكنني �أجد �أن كل عمل نحتي من �أعمالي يلعب فيه اللون دورًا مختلفًا ،طبقًا لطبيعة العمل و�إح�سا�سي تجاهه ور�ؤيتي له؛ وعلى �سبيل المثال نجد �أن ال�شكل الم�سمى «التواء»، يظهر فيه اللون الأ�صفر الداخلي في ال�شكل الذي يختلف
�سل�سلة نحتية
�ضياع -بول�ستر ملون
عدالة -بول�ستر ملون
اجلوبة -ربيع 1435هـ 107
غالف مجلة ارت مولد�س
كبرياء بول�ستر ملون 108اجلوبة -ربيع 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
عناق بول�ستر ملون
عن اللون الأزرق المحيط بال�شكل� ،إذ كان هدف اللون فيه الت�أكيد على الجزء الداخلي في العمل ،في حين �أن ا�ستخدام اللون الأ�صفر في البورتريه «�أمل» كان لتوحيد العمل النحتي وربط عنا�صره. ● ●ف��ن النحت م��ن الفنون ال��ت��ي ترتبط بالمهارة وتقنيات ال�صنعة ،فهل يكفي ذلك لعمل نحتي متميز؟ يتطلب فن النحت �أوال �أن يكون لدى ال�شخ�ص الذي يمار�سه ا�ستعداد فني� ،إ�ضافة �إلى المهارة الفنية في مجال النحت، وكذلك الممار�سة ،واالطالع على الفنون القديمة والحديثة والمعا�صرة؛ ف ��إذا ما توافرت تلك العوامل جميعًا بجوار الر�ؤية الفنية للنحات ،ف�إننا ن�ستطيع �أن نقدم نحتًا متميزًا. ● ●بالنظر �إلى �أ�سماء �أعمالك النحتية الملونة ،نجد �أن كثيرًا منها يحمل معانٍ رومان�سية� ،أح�لام ،عناق ،تالقي� ،إلخ، وبع�ضها الآخ��ر يعك�س معانٍ �أو قيمًا اجتماعية ،عدالة.. �إلخ ،وبع�ضها يتعلق بحيرة الإن�سان وموقفه من الحياة، كمفترق ط��رق ،ازدواج ،البحث عن طريق ،ان��زالق� ..إلخ، فما ر�ؤيتك الفنية التي تعك�سها �أعمالك الفنية ككل� ،أو يمكن �أن يتميز بها كل معر�ض من معار�ضك الفنية؟ �ρ ρإن المجتمع الذي نعي�ش فيه يت�ضمن العديد من المعاني الإن�سانية ،قد يكون بع�ضها رومان�سية ،وبع�ضها يتعلق بحيرة الإن�سان ،وموقفه واختياراته في الحياة ،وبع�ضها يتعلق بقيم اجتماعية .ونظرًا لطبيعة الفنان ومعاي�شته للبيئة من حوله وت�أثره بها ،نجد �أن الفنان مندف ٌع �إل��ى التعبير عن ر�ؤيته الفنية تجاه كل هذه المعاني التي قد تتناق�ض فيما بينها �أحيانا ،فالفنان ي�ؤثر في البيئة من حوله ،ويت�أثر بها، ويتفاعل معها ،وال يمكنه �أن ينعزل عنها؛ ومن هنا ت�شغله كافة الأ�سئلة والمحاور المتعلقة بالإن�سان وموقفه من الحياة والبيئة من حوله. و�إلى جانب تلك الر�ؤية العامة هناك ر�ؤى جزئية لكل معر�ض على ح��دة كفرع م��ن ال��ر�ؤي��ة الكلية ،وعلى �سبيل المثال معر�ض :تراكيب نحتية ملونة من وج��ه فتاة ،ال��ذي القى رواجً ا و�إقباال جماهيريًّا� .إن التعبير الأ�سا�سي في التراكيب هو تحول من ر�ؤية «�شكل البورتريه» �إلى �إبداع العمل النحتي
«البورتريه» ،والتي تج�سدت في التخلّي كلية عن المفاهيم التقليدية للبورتريه ،وانح�صرت في �إب��داع نماذج جديدة م�ستمدة من الطبيعة ،لي�ست بهدف نقلها �أو تقليدها� ،إنما تتخطى هذا بتجنبها للمدى الت�شكيلي التقليدي وا�ستخدام و�سائل ت�شكيلية جديدة ،مثل :الخطوط ،والزوايا ،وتراكم ال�سطوح ،والفراغ واللون التي بف�ضلها جُ علت العالقة بين الأ�شكال قابلة ل�ل��إدراك من دون اال�ستعانة ب ��أي ظاهرة ت�شكيلية تقليدية؛ من �أج��ل تحقيق الأه��داف الفنية ،عن طريق جعل ال�شكل الطبيعي «وجه فتاة» �شيئًا فنيًّا. وكمثال �آخ��ر ،معر�ض :ر�سومات نحتية في ال�ف��راغ ،فهو محاولة لإنتاج �أعمال نحتية من الخط وال�ف��راغ ،ترتبط بال�شكل النحتي المعبر عن االنفعاالت الذاتية التي ت�صل �إلى حد الب�ساطة واالكتمال ،وتج�سد ر�ؤيتي الفنية وتلتقي مع المتلقي الواعي ،ويظهر فيه دور الفراغ في �إنتاج الأعمال النحتية ،ويبرز من خالل ال�شكل المغلق وال�شكل المفتوح. وهو الأمر ذاته في بقية المعار�ض ،فال يمكن القول �إنني �أتبع اتجاه ًا فني ًا محدداً ،ولكنني �أتعامل مع ال�شكل النحتي الملون ،بنوعيه التمثيلي (مو�ضوعي �أو ت�شخي�صي) ،وهو الفن ال��ذي يمثل �إن�سانا �أو طائرا �أو حيوانا �أو نباتا كما في معر�ض «جدليات اللون في الت�شكيل المج�سم – طيور م�صرية ملونة» ،عر�ضت �إحدى محاوالتي ال�ستنباط المعاني الإن�سانية التي �أطمع في التو�صل �إليها من خالل الر�ؤية الفنية ل�شكل الطائر ،والتي قد تكون م�ألوفة ب�صريًّا بالن�سبة للم�شاهد ،ولكنها هنا تحمل معانٍ �إن�سانية متعددة� ،أترك لذاتية ر�ؤية الم�شاهد فر�صة �إثرائها حين تجتاحه فتحللها م��راي��اه الداخلية بقدر درج��ة �صفائها الإن�ساني العامر بالألوان في �شفافية تداخالتها الجدلية. وكذلك النحت الالتمثيلي (الالمو�ضوعي �أو الالت�شخي�صي) الذي ال يمثل �أ�شكاال تمثيلية �أو ت�شخي�صية �أو مو�ضوعية ،كما في معر�ض« :ثقوب في النحت الملون» ،و�أحيانًا كنت �أجمع بين النوعين في معر�ض واحد ،كمعر�ض :توازن الر�ؤى بين االنغالق واالنطالق فراغيًّا في النحت الملون ،وغيرها مما ال يت�سع المجال للتحدث عنها با�ستفا�ضة.
لقاء -خامة الخ�شب
مفترق طق -بول�ستر ملون
اجلوبة -ربيع 1435هـ 109
110اجلوبة -ربيع 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
● ●والآن نعود �إلى البدايات :هل اتجهت �إلى فن النحت منذ ال��ب��داي��ة� ،أم ل��ك ب��داي��ات م��ع فن الت�صوير الزيتي ،وهل تمار�سه الآن؟ ρ ρفي البداية ،ك��ان اهتمامي بفن النحت وفن الت�صوير الزيتي معًا ،وكنت دائمًا �أ�شارك في معار�ض فنية عديدة ،في هذين المجالين، وذل��ك منذ ع��ام 1977م؛ غير �أن�ن��ي وج��دت �أن ال�ن�ح��ت ال �م �ل��ون ،ه��و ع�لاق��ة ت��رب��ط بين فن الت�صوير الزيتي وف��ن النحت ،من حيث ا��س�ت�خ��دام ال �ل��ون ف��ي الت�شكيالت النحتية الملونة ،وم��ن هنا ك��ان اهتمامي الأكبر بفن النحت الملون ،وقليال ما ا�ستخدم فن الت�صوير الزيتي. ● ●من المعروف �أن ال�سنوات الأول���ى من حياة الفنان ت�ؤثر في عمله الفني ،ما الم�ؤثرات الأول���ى ف��ي حياتك التي جعلتك تتجه لفن النحت دون غيره؟ منذ طفولتي ،كان وال��دي �شاعرًا رحمه اهلل، دائمًا كان ي�صحبني �إلى المتحف الم�صري، وكنت �أ�شاهد دائ� ًم��ا ف��ي المتحف الم�صري القديم تمثال «رع حتب» ،وزوجته «نفرت»– الدولة القديمة -وهو من خامة الحجر الجيري، وهو ملون ،وكنت �أنبهر به و�أت�ساءل دائمًا لماذا ا�ستخدم الفنان �أو النحات الم�صري القديم اللون في بع�ض الأعمال النحتية؟ وفي ذلك الوقت لم �أكن �أجد �إجابة ،وظل الت�سا�ؤل عن ا�ستخدام اللون في النحت ي�شغلني �إلى �أن قمت بعمل ر�سالة الماج�ستير ع��ام 1985م ،وكان عنوانها :توظيف اللون في النحت الحديث، و�أث�ن��اء بحثي في �إع��داد الر�سالة ،وج��دت �أن الفنان الم�صري القديم كان ي�ستخدم اللون في محاكاة الواقع .ومع ذلك ف�إنني لم �أت�أثر في �أعمالي النحتية بتوظيفات الفن الم�صري القديم للون� ..سواء �أك��ان ا�ستخدامه بهدف
محاكاة للواقع �أم بهدف رمزي. و�أع�ت�ق��د �أن ن�ش�أتي ف��ي �أ� �س��رة فنية تمار�س الإب��داع ،كان من عوامل اتجاهي للفن عامة، فقد كان عمي رحمه اهلل خريج فنون جميلة، وك���ان ي��دف�ع�ن��ي �إل���ى ال �ف��ن ع��ن ط��ري��ق عمل م�سابقات بيني وبين �أخي الأكبر في ر�سم بع�ض ال�صور ،ومنها �صور لميدان التحرير بالقاهرة وهو مكتظ بالنا�س والباعة ،وكنت حين ذاك في المرحلة االبتدائية ،وكان �أخي يتفوق عليّ لكبر �سنه ،وحينما اتجه �أخي �إلى ال�شعر ،لم يكن لي مناف�سً ا في تلك الم�سابقات الأ�سرية. وف��ي المرحلة التالية ك��ان يبهرني اب��ن عمي ب�أعماله في فن الت�صوير الزيتي ،وحبه للفن، ولكنني فوجئت بدرا�سته للطب ،وعمل درا�سات عليا به� ،إال �أنه عاد بعد ذلك �إلى ممار�سة الفن مرة �أخ��رى ،وعمل معار�ض ت�شكيلية مميزة، وهو الفنان د� .أحمد الح�سيني. وحينما ح�صلت على الثانوية العامة ،فوجئت ب�أ�سرتي تدفعني �إل��ى االلتحاق بكلية التربية الفنية نظرًا لموهبتي الفنية �إ�ضافة �إلى �أنه لم يكن �أحد في الأ�سرة قد در�س الفن درا�سة �أكاديمية ،وقد كان ذلك حلمي الذي تحقق. ● ●هل ي�ؤثر مكان العر�ض في تلقي العمل الفني ب�صورة عامة ،والنحت خا�صة؟ وه��ل �شعرت يومًا ما �أن �صالة العر�ض امت�صت من قيمة �أعمالك النحتية؟ ρ ρبالت�أكيد مكان العر�ض ي�ؤثر على ر�ؤية العمل الفني ..م��ن حيث الإ� �ض��اءة الم�سلطة على العمل النحتي التي ت�ساعد على �إبراز ال�شكل، ومن حيث مكان العر�ض نف�سه؛ فهو ي�ؤثر على ر�ؤية العمل النحتي ،فال يمكن �أن نرى العمل النحتي �إال م��ن خ�لال البيئة المحيطة به، بحيث يجب �أن يُرى من جميع الزوايا ،وكذلك
الأل��وان في مكان العر�ض ،فماذا لو و�ضعنا تمثا ًال �أخ�ضر اللون و�سط حديقة؟! فعند و�ضع تمثال ملون و�سط �أعمال نحتية �أخ��رى ف�إنه ي�ش ّد انتباه الم�شاهد ،ويلتفت �إليه منذ الوهلة الأولى ،وعند اختياري لقاعة العر�ض� ،أحاول قدر الإمكان تنظيم الأعمال لتحقيق �سميفونية لونية تجذب الم�شاهد �إلى هذه الأعمال ور�ؤيتها من زوايا متعددة لتحقق الفل�سفة وال��ر�ؤي��ة التي �أ�سعى لإب��رازه��ا في الأعمال النحتية. ● ●لماذا يعاني الفنانون الت�شكيليون في الوطن ال��ع��رب��ي وال��ن��ح��ات��ون بخا�صة م��ن انف�صال الجمهور عنهم؟ وم��ا اقتراحاتك لتخطى هذه المع�ضلة؟ ρ ρنـالحظ دائ � ًم��ا �أن جمهور معار�ض الفن الت�شكيلي ،والنحت ب�صفة خا�صة ،قليل ال��ع��دد ،م��ا ي�ع�ن��ي ك�م��ا ت�ق��ول�ي��ن انف�صال الجمهور ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي ع��ن الفنان الت�شكيلي ب�صفة عامة ..والنحات ب�صفة خا�صة؛ وذلك على الرغم من جهود بع�ض الم�ؤ�س�سات في الوطن العربي في مجال الفن الت�شكيلي� ،إذ نجد �أن الفنان يقدم ر�ؤي �ت��ه الفنية ف��ي م�ج��ال ال�ن�ح��ت ليرتقي بالجمهور ،ف��ي حين �أن الجمهور عندما ي��دخ��ل ال�ق��اع��ة ..وف��ي ذه�ن��ه ر�ؤي ��ة متوقعة مختلفة عما يراه ،ي�صطدم بالمعر�ض ،ومن هنا ت�أتي الفجوة بين الجمهور والفنان ،ف�إذا ما �أ�ضفنا �إلى ذلك �أن الدعاية الم�صاحبة للمعر�ض ،قليلة و�سطحية في �أغلب الأحيان، وكذلك تغطيات و�سائل الإع�ل�ام الخا�صة بالفن الت�شكيلي قليلة ،وغ��ال� ًب��ا ال تتعدى الأخ �ب��ار �أو العرو�ض الق�صيرة التي ترى الأعمال من ال�سطح فقط ،وبالطبع هناك بع�ض ال�ن�ق��اد الت�شكيليين ولكنهم قليلو
العدد ،وتت�ضح الفجوة خا�صة عندما ننظر بعين المتفح�ص �إلى المناهج التعليمية في المراحل الأول�ي��ة ما قبل الجامعة ،فنجد �أنها ال تهتم بالفن الت�شكيلي ،و�إذا وجدت تقت�صر على معلومات عن الفنان ،ولي�س فيها �أي تفا�صيل عن المدار�س الفنية في الفن الت�شكيلي �أو النحت� ،أو ن�م��اذج من الأعمال الفنية والنحتية ،و�أنها مناهج ال ت�سعى لتنمية التذوق الفني والر�ؤية الجمالية لدى الطالب. كل ذل��ك من عوامل انف�صال الجمهور عن الفن الت�شكيلي عامة ،والنحت ب�شكل خا�ص. ولكي نتجاوز تلك المع�ضلة علينا �إعادة النظر �أوال في المناهج التعليمية ،ما يجعلها مناهج تنمّي الر�ؤية الجمالية لدى الطالب ،وعدم التعامل مع م��ادة التربية الفنية ك�أن�شطة، ولكن ك�م��ادة �أ�سا�سية تنمو عبر ال�سنوات، وت�ساعد الموهوبين من الطالب على االلتحاق ب��ال�ك�ل�ي��ات ال�ف�ن�ي��ة ،وك��ذل��ك ال�ت��رك�ي��ز على الم�سابقات الفنية ب�أ�شكالها المختلفة. ه ��ذا م��ن ج��ان��ب ،وم ��ن ج��ان��ب �آخ� ��ر يجب االه�ت�م��ام بعمل �أف�ل�ام ع��ن الفن الت�شكيلي والنحت ،وزي��ادة البرامج الفنية في و�سائل الإع �ل�ام ،تنمي ق ��درة المتلقي على ت��ذوق الفنون .وتخ�صي�ص م�ساحة �أكبر للفنون في ال�صحف والمجالت بحيث تتجاوز العرو�ض ال�سطحية �إل��ى التعمق ف��ي �آل �ي��ات ال�ت��ذوق، فتكون مدخال يمكن �أن ينميه المتلقي عند م�شاهدته المعر�ض. وع �ل��ى دور ال �ع��ر���ض و� �ص��االت �ه��ا االه �ت �م��ام ب��ال��دع��اي��ة ،وو��ص��ول�ه��ا للجماهير ،بطريقة جذابة وماتعة.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 111
د�.صالح بن معاذ المعيوف المخلف ■ املحرر الثقايف
من مواليد منطقة الجوف ,قرية الطوير (�سابقاً ) حي الطوير (حالياً) ,وذلك في عام (1379ه��ـ) .ح�صل على الثانوية العامة من ثانوية �سكاكا عام (1399ه��ـ) ،والتحق بعدها بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ،وح�صل منها ع��ام (1403ه���ـ) على ال�شهادة الجامعية تخ�ص�ص علم االجتماع .ثم التحق بمعهد الإدارة العامة في مدينة الريا�ض، و ُعيِّنَ في وظيفة معيد ,وعمل في مختلف �إدارات المعهد لمدة عام ،ولمدة عام الحق تفرغ لدرا�سة اللغة الإنجليزية في المعهد. ح��ظ��ي �أث��ن��اء درا���س��ت��ه ال��ل��غ��ة بالقبول في جامعة بن�سلفانيا الحكومية لدرا�سة الماج�ستير في حقل الإدارة العامة .وفي ع��ام (1405ه� �ـ) ابتعثَه المعهد للجامعة نف�سها ،ح�ي��ث ق�ضى ف�ت��رة ق�صيرة في 112اجلوبة -ربيع 1435هـ
درا�سة اللغة ،وبعدها ح�صل على موافقة ال�ج��ام�ع��ة ل�لال�ت�ح��اق ب�ب��رن��ام��ج ال��درا��س��ة الأك��ادي�م�ي��ة ف��ي ب��رن��ام��ج الإدارة العامة ف��ي ع��ا��ص�م��ة والي���ة بن�سلفانيا (ه��ر���س ب��رق) .وبحكم اخ�ت�لاف التخ�ص�ص في
البكالوريو�س عن الماج�ستير فقد ا�شترطت الجامعة �أن يدر�س ما يقارب (� )60ساعة ح�سب النظام الف�صلي ،علم ًا �أن ما يُطلب في العادة للح�صول على ال�شهادة فقط (� )36ساعة .وفي
عمل في المعهد في العديد من المجاالت.. في البداية عمل خبير ًا في �أمانة اللجنة العليا للإ�صالح الإداري (الآن اللجنة العليا للتنظيم الإداري) ،ثم عمل مدرب ًا متفرغاً ،ثم مدير ًا لإدارة الندوات واللقاءات العلمية ،ثم مدير ًا لإدارة البحوث ،فمدير ًا عام ًا لمركز البحوث، ثم مدير ًا عام ًا للبرامج الإداري��ة والقانونية. وفي عام (1429هـ) �صدر قرار مجل�س الوزراء بتعيينه نائب ًا لمدير عام معهد الإدارة العامة
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
عام (1408هـ) تخرج من الجامعة وح�صل على �شهادة تفوق درا�سي .عاد �إلى العمل في معهد الإدارة العامة بعد التخرج مبا�شرة ،فعمل مدرب ًا في حقل الإدارة العامة ،وكان مقتنع ًا باالكتفاء ب�شهادة الماج�ستير مثل العديد من الزمالء م��ن ح��ول��ه ف��ي المعهد ،وع ��دم خ��و���ض تجربة جديدة للح�صول على �شهادة الدكتوراه نتيجة المعاناة التي واجهها خالل مرحلة الماج�ستير. وبعد ب�ضعة �أ�شهر بد�أ هاج�س الطموح ًي��راوده من جديد ،ف�أعاد تقييم ق��راره ال�سابق بعدم التقدم لدرا�سة الدكتوراه ،وبعد فترة وجيزة ق��رر مرا�سلة ع��دد قليل ج��دًّا م��ن الجامعات الأمريكية المعروفة للح�صول على قبول لدرا�سة الدكتوراه ،وح�صل على قبول غير م�شروط من جامعة بيت�سبرج لاللتحاق ببرنامج الدكتوراه. وفي نهاية العام الذي با�شر فيه العمل وجد نف�سه يحزم �أمتعته مرة �أخرى للذهاب �إلى الواليات المتحدة الأمريكية ،حيث بد�أ الدرا�سة في مطلع عام (1409هـ) ،وخالل ثالث �سنوات انتهى من متطلبات الح�صول على �شهادة الدكتوراه ،وعاد �إلى المملكة وبا�شر العمل في المعهد.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 113
114اجلوبة -ربيع 1435هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
ل�شئون التدريب. -ت��رج�م��ة ك �ت��اب «ال��دل �ي��ل ال�ع�م�ل��ي لتطبيق الجودة». وخالل ما يربو على الثالثين عاماً� ،أ�سهم في جوانب عديدة من �أن�شطة المعهد ،منها ما هو -بحث ميداني «العوامل الم�ؤثرة على عدم االنتظام في الدوام الر�سمي». مت�صل بن�شاط التدريب ،مثل :ت�صميم البرامج، و�إعداد الحقائب التدريبية ،وتنفيذ العديد من -الوالء التنظيمي في الأجهزة الحكومية. البرامج والحلقات والندوات واللقاءات العلمية، الأ�سئلة الكبرى في التعليم في مجال الإدارةو�إع��داد ا�ست�شارات �إداري��ة للعديد من الأجهزة العامة. الحكومية� ،إ� �ض��اف��ة �إل ��ى رئ��ا��س��ة ال�ع��دي��د من اللجان وفرق العمل ،والم�شاركة في العديد من -العوامل المحددة الختيار العمالء ال�سعوديين للبنوك في المملكة. الم�ؤتمرات والمنتديات المحلية والدولية. و�إ�ضافة �إلى مهامه كنائب لمدير عام المعهد وفيما يتعلق بالإنتاج العلمي فقد حظي منه باهتمام وجهد خ��ا���ص� ،إذ �أن�ج��ز العديد من ل�شئون التدريب ،فقد كلف كذلك بمهام نائب الأع�م��ال العلمية المحكّمة والمن�شورة ،وتمت مدير ع��ام المعهد للبحوث والمعلومات لنحو ترقيته بنا ًء عليها �إل��ى درج��ة �أ�ستاذ م�شارك .ثالث �سنوات ،ورئي�س ًا للمجل�س العلمي ،ورئي�س ًا ومن �أهم الأعمال العلمية التي �أنجزها ،الآتي :للجنة البحوث العلمية ،وم�شرف ًا ع��ام� ًا على مجلة الإدارة العامة ومجلة التنمية الإداري��ة، ترجمة كتاب «مجتمع ما بعد الر�أ�سمالية» .ورئي�س ًا للجنة ا�ستقطاب ال�شهادات العليا في ترجمة كتاب «القيادة الإداري���ة :النظرية المعهد ،وم�شرف ًا عام ًا على الندوات واللقاءاتوالتطبيق». والم�ؤتمرات التي يقيمها المعهد.
الأندية الأدبية ..تاريخ نه�ضة الأدب ■ حممد علي قد�س*
ف��ي ال��وق��ت ال��ذي احتفل فيه الأدب���اء ب��م��رور �أربعين �سنة على ت�أ�سي�س ن��ادي جدة الأدب��ي� ،أول ن��ادي �أدب��ي في المملكة (1395ه��ـ1975/م) .يكون قد م َّر على نه�ضة الحركة الأدبية، والتغيير ال��ت��ح��ول��ي ال���ذي ط���ر�أ ع��ل��ى الم�شهد ال��ث��ق��اف��ي في المملكة �أرب��ع��ون ع��ام��ا .يبرز هنا ���س���ؤال :كيف ظهرت فكرة الأن���دي���ة الأدب���ي���ة؟ وك��ي��ف تحقق ح��ل��م الأدب�����اء ف��ي المملكة ب�إنطالقة م�سيرة هذه الأندية التي �أ�صبحت بالفعل الكيان الم�ؤ�س�سي الذي تطلع لوجوده الأدباء. ي�ق��ول الأدي ��ب وال�شاعرالكبير محمد ح�سن عواد ،وهو �أول مَ ن ترجم فكرة الأندية �إلى حقيقة مع زميله الأديب الرائد الأ�ستاذ عزيز �ضياء ،في مذكراته :في �ساعة م�شرقة �أواخ��ر ال�شتاء في مدينة الريا�ض ،ولدت فكرة الأن��دي��ة الأدب�ي��ة ،حين دار ح��وار في مكتب �سمو الأمير ال�شاب ،في�صل بن فهد، الرئي�س العام لرعاية ال�شباب ،وقد ح�ضر اللقاء ثلّة من �أدباء المملكة و�شعرائها الذين دُعوا للم�شاركة في �إحياء �سوق عكاظ ،و�أخذ الأم�ي��ر الأدي��ب يطوف بنا بحديثه ال�شيّق و�إيمانه بر�سالة الأدب واهتمامه بال�شعر، و�أكد �أنه عقد العزم على فتح مجاالت �أدبية
وا�سعة في المملكة ،و�أعلن �شوقه ال�صادق و�أمنيته الحقيقية في �أن تكون هناك �أندية �أدب�ي��ة كتلك الأن��دي��ة التي �أقامتها الدولة للريا�ضة .وانبثاقا من هذه ال�صراحة التي تالقت فيها �أمنية الأمير الأدي��ب ورغبات الأدباء في ت�أ�سي�س �أندية �أدبية تحمل ر�سالة الأدب ال�سعودي وتنه�ض بم�سيرته�.أبدى لنا �سموه رغبته قائال« :ونحن ن�سعى لإحياء فكرة �سوق عكاظ التاريخية� ،أطرح عليكم الخطوة التالية في هذا االجتماع المبارك، وهي فكرة المنتديات الأدب�ي��ة ،وثقوا �أننا �سن�سعى ب ��إذن اهلل لدعم ه��ذه المنتديات ماديا ومعنويا ..و�أنا واثق من �أنَّ ما عزمنا
اجلوبة -ربيع 1435هـ 115
(ت�سلمت خطابكم الم�ؤرخ في � 28صفر عام 1395ه �ـ ،الذي تطلبون فيه الترخي�ص للأدباء ورجال الفكر في جدة بت�أ�سي�س نادٍ با�سم (نادي جدة الأدب��ي) وقد �أ�سعدني هذا الإتجاه النبيل. وب�ه��ذه المنا�سبة ال ي�سعني �إال �أن �أب ��ارك لكم هذه الخطوة الطيبة ،و�إنني �إذ �أ�شكر لكم هذه الجهود ،ي�سرني �أن �أبلغكم موافقتنا على ت�سجيل ناديكم الأدبي). وبذلك يعد ن��ادي ج��دة عميد �أن��دي��ة الأدب، حيث تال طلب الأ�ستاذين العواد و�ضياء كل من �أدباء مكة المكرمة ،الريا�ض ،المدينة المنورة، جيزان والطائف ،وه��ي الأن��دي��ة الأدب�ي��ة ال�ستة الأُوائل التي �أن�شئت في عام 1395هـ. ي��ؤك��د الأدب ��اء ف��ي المملكة �أن��ه ل��وال حما�سة الأمير الأديب �أمير ال�شباب في�صل بن فهد رحمه اهلل ،و�إرادته الحرة و�إيمانه القوي بر�سالة الأدب، وقدرته الفائقة في الت�أثير في المجتمع ،لما كان ت�أ�سي�س الأندية الأدبية من الأح��داث الثقافية والأدب �ي��ة المهمة ف��ي ت��اري��خ �أدب �ن��ا ال�سعودي، ومن وجهة نظر الأديب الرائد عزيز �ضياء� ،أن ه��ذه الأن��دي��ة ك��ان يمكن �أن تظهر في �أي وقت قبل الآن ،ولكن ظهورها في الوقت الذي �أعلن عن ت�أ�سي�سها فيه ،كان له عدة وج��وه ،الطفرة التي عا�شتها البالد في الت�سعينيات الهجرية، * كاتب من ال�سعودية. 116اجلوبة -ربيع 1435هـ
�ضجيج النقد الروائي وتراجع النقد ال�شعري
�أزمة نقد �أم �أزمة �إبداع
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
عليه ونفكر فيه يتفق ويلتقي مع رغباتكم ..و�أتمنى �أن يكون �ضمن م�س�ؤلياتكم للرقيّ والنهو�ض ب�أدب ه��ذه ال �ب�ل�اد .»..وخ�ل�ال �أرب ��ع وع�شرين �ساعة ت�سلمنا الإذن الر�سمي من �سموه بت�أ�سي�س نادي جدة الأدبي في � 28صفر 1395هـ ،وكان �أول طلب يتلقاه �سموه من الأدباء الذين ح�ضروا االجتماع، لأول الأندية الأدبية ت�أ�سي�سا:
وتوافرالإمكانات للنهو�ض ،وفق خطط التنمية في مختلف المجاالت الإقت�صادية واالجتماعية والتعليمية والثقافية ،وبت�أ�سي�س الأندية الأدبية في �إطارها الم�ؤ�س�سي ،وما تلقاه من دعم الدولة، والتقدير الكامل لدور الأدب والأدب��اء ،ومنحهم ما ي�ستحقون من رعاية واهتمام .والمملكة ووفق �سيا�ستها الحكيمة ،ال تقبل في عطاءات م�سيرة تطورها وازدهارها ،ب�أقل من �أرفع الم�ستويات. انتهج نادي جدة الأدبي في ر�سالته للنهو�ض بدوره ،في تحقيق �أهدافه ،م�ؤكدا �أن �أندية الأدب منابر للثقافة والمثاقفة ،ت�أخذ في عطاءاتها وتوجّ هاتها ب�سياق التيارات الفكرية المتخلفة، وتتيح فر�ص الحوار فيها ب�شكل عادل ومتوازن بين ال��ر�أي وال��ر�أي الآخ��ر .وقد د�أب ن��ادي جدة على �إعطاء الفر�صة لكل المتحاورين �أ�صحاب الأفكار المختلفة ،والآراء المت�ضاربة ،من خالل التعليق على المحا�ضرات والمداخالت المثيرة والمثمرة ،ما �أوقعه في �إ�شكاالت وم�آخذ عدة. وهي �ضريبة كل عامل مجتهد ي�سعى ،لفتح كل الأب��واب والنوافذ وع��دم الحجر على ر�أي دون �آخ��ر� ،أو تبنّي مبادئ و�أفكار بعينها دون �أُخ��ر. واالختالف -كما ن�ؤمن -دائما �أمر من طبيعة الب�شر ،يحدث بين �أ�صحاب الفرق المختلفة، والثقافات المت�ضادة ،لكن ينبغي �أن ال ي�صل �إلى درجة الخالف �أو ال�صراع. حقاً ،كان قدر النادي �أن يكن م�ؤ�س�سه رائدا للتجديد ،وم�ضى في م�سيرته ،يتبنى التحديث والتميز في العطاء ،وه��ذا ما ا�شتهر به نادي ج��دة الأدب ��ي ال��ذي ك��ان ال�ق��دوة الحقيقية لكل الم�ؤ�س�سات الثقافية التي تتطلع ،للقيام بدور ت�سهم من خالله في الت�أثير الإيجابي على ثقافة المجتمع ،والنهو�ض بم�ستوى الثقافة عموماً.
■ د .عبدالنا�صر هالل*
�شهدت حقبة ال�سبعينيات والثمانينيات من القرن المن�صرم تحوّالت عميقة في ال�شعرية العربية واكبت التغيرات ال�سيا�سية والثقافية التي �شهدها العالم العربي، حتى حدثت فجوة بين حركة الإب��داع ال�شعري وحركة التلقّي ،وو�سم ال�شعر الطليعي بالغمو�ض من قبل القارئ الذي ا�ستكان زمنا طويال لآليات ر�سّ ختها �شعرية العمود التقليدي ،لكن متابعة نقدية فعّالة حاولت ا�ستكناه �شعرية التجريب� ،أظهرت �أ�سماء المعة في معظم �أقطار الوطن العربي يالحقون كل جديد تطرحه الق�صيدة المعا�صرة. وفى ت�سعينيات القرن نف�سه ،ح�صل نجيب م�ح�ف��وظ ع�ل��ى ج��ائ��زة ن��وب��ل ،وت�غ�ي��رت حركة التلقي مع تغير �صعود ال�سرد �إلى واجهة الن�شر والإع�ل�ام� ،إذ ب��د�أت مرحلة ح�ضارية وثقافية جديدة ..بد�أ يتحول معها الإبداع والتلقّي معا، ف�سيطر ال�سرد على الم�شهد ،ف��ي حين ظل ال�شعر يتمدد ف��ي حركته الطامحة للتجديد والتجريب. ما الذي حدث؟
بالم�شكالت ،وتفاقم الأو� �ض��اع االقت�صادية واالجتماعية ،وتعدد �صور النماذج الب�شرية التي تزخر بها؛ ومن هنا ،كان الأف��ق مفتوحا �أم��ام الروائي �أن يقدم هذه المدن ال�صاخبة بنماذجها المتنوعة ،وهو ما جعلنا نطلق على ال�سرد �إبداع العامة والخا�صة. ومن خالل ال�صعود لعالم ال�سرد �إلى واجهة الإب���داع �أط�ل��ق بع�ضهم على �سنوات الإب ��داع الراهنة« :ع�صر الرواية».
هل تم تغير في حالة التذوق والتلقي؟! �أم هو ه��ل ت��راج�� َع ال�شعر ف��ي ظ��ل �صعود تحوّل في ماهية النوع الذي يطرح قراءة الوجود الرواية؟ من منظور يتفق وثقافة اللحظة والقارئ معا؟ الإجابة بالنفي؛ فقد �شهدت ال�شعرية العربية �سيطرت ال��رواي��ة على الم�شهد الإب��داع��ي تفاقما جماليا وتجريبا متحوال في �إطار ك�سر نتيجة ت �ف �وّق االت �ج��اه��ات العلمية والعملية ،هيمنة النوع ،ومحاولة خلق �أفق جمالي يت�سم ومعطيات التكنولوجيا ،وازدياد رغبة الإن�سان بالتماهي وتراجع حدود النوع وظهور كتابات ف��ي ال�ت�ع�رّف على �أح ��وال النا�س والمجتمع ،هجينة ..كان من �أهم ق�ضاياها ظاهرة ق�صيدة وب �خ��ا� �ص��ة ف��ي ال��م��دن ال �ك �ب��رى ال�م��زدح�م��ة النثر بكل ق�ضاياها وجمالياتها و�أ�سئلتها
اجلوبة -ربيع 1435هـ 117
هل تراجع ال�شعر في نظر المتلقي �أم في نظر النقاد؟ �إذا ك��ان التراجع ف��ي نظر المتلقي االعتيادي ال ��ذي ان �ح��از �إل��ى ال���س��رد -ف�ه��ذا ��ش��يء طبيعي؛لأن ال�شعر ال يحتفل ب�شئون الحياة ونماذج الب�شر وتحوّالت المجتمع الظاهرة التي تحت�ضنها الرواية، لكنه يحتفل باللغة وجمالياتها :الإي�ج��از ،المجاز، الكثافة وال�ت��وت��ر ،ور�ؤي �ت��ه الباطنية ،وا�ست�شراف الم�ستقبل ،واحت�ضان الم�ستحيل ،و�إدم��ان الده�شة التي تنبع من عالقات التكوين الن�صي الخا�ص ،الذي ال يجرى على �أن�ساق �سابقة يمكن القيا�س عليها؛ �إنه فن (الميتا لغة) .لذا ،يذهب القارئ -الذي ال يجد نف�سه مع ن�ص يعتمد على لغة ال�شك بو�صفها لغة �أكيدة – �إلى و�سم ال�شعر بالغمو�ض والتراجع ،لأنه ال ير�ضي ذائقته االعتيادية. القراءة المتخ�ص�صة والمتابعة النقدية القراءة المتخ�ص�صة عبر �إجراءات منهجية، ال تقل كثيرا عن تلك القراءة االعتيادية .و�إن نظرة �سريعة في ما يطرح من درا�سات نقدية ،تك�شف �سيطرة النقد ال�سردي وتراجع النقد ال�شعري� ،سواء في ما تطرحه و�سائل الإعالم �أو الم�ؤ�س�سات العلمية والتعليمية ،فالن�سبة تراوح من � 3إلى ،1تقريبا ،هذه الن�سبة الحظتها من خالل متابعتي وعملي الأكاديمي في الدرا�سات العليا في ق�سم اللغة العربية� ،إذ وجدت �أن معظم الطالب يقبلون على درا���س��ة ال�سرد في مقابل فئة قليلة تقبل على ال�شعر. وك��ذل��ك ال�م�ط�ب��وع��ات ال�ن�ق��دي��ة ال�ت��ي ت��دف��ع بها دور الن�شر ال�ع��رب�ي��ة� ،أو م��ا ي�ق��دم ف��ي المجالت * �أكاديمي وكاتب م�صري مقيم في ال�سعودية. 118اجلوبة -ربيع 1435هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
وم�شكالتها التلقائية حينا ،والمفتعلة حينا �آخر� ،إذ كانت هذه الظاهرة �سببا ال منهجيا علق عليه النقاد تراخيهم عن متابعة حركة ال�شعر.
المتخ�ص�صة ،ي�سيطر عليها نقد ال�سرد ..وذلك من خالل متابعتنا الإح�صائية عبر ببلوجرافية الن�شر النقدي ،ف��ي ال��وق��ت ال��ذي ي��أت��ى فيه كثير م��ن هذه الدرا�سات يغلب عليها النقد ال�صحفي القائم على التف�سير ،بعيدا عن النقد العلمي المو�ضوعي القائم على الإج����راءات المنهجية التي تحلّل الظاهرة، وتك�شف �أبعادها خارج �إطار الذوق ال�شخ�صي. �إن معظم القراءات النقدية لعالم ال�سرد يعتمد على طريقة �شرح ال��رواي��ة �أو تلخي�صها ،ك ��أن تعاد الرواية بتمام ن�صو�صها في التناول النقدي� ،إ�ضافة �إل��ى الركاكة والتغريب ف��ي لغة التناول والأخ�ط��اء الفادحة والترهل والثرثرة. كما �أن االحتفال النقدي عبر الم�ؤتمرات الثقافية والنقدية التي تعقد في معظم �أرجاء الوطن العربي، ي�ؤكد هيمنة الم�شهد ال�سردي �إذا دققنا النظر في عدد الم�ؤتمرات ..وما يتمخ�ض عنها من مطبوعات في مقابل تراجع النقد ال�شعري. كما �شهدت �سنوات �صعود الإبداع الروائي� ،صعودا نقديا �أ�سهم في ظهور �أ�سماء المعة في معظم �أقطار ال��وط��ن العربي م��ن ال�شيوخ وال�شباب .ف��ي الوقت الذي تحوّل فيه بع�ض النقاد من نقد ال�شعر �إلى نقد الرواية. ون�ستطيع �أن ن ��ؤك��د �أن ه�ن��اك ع��وام��ل �أخ��رى- �إ�ضافة�إلى ما�سبق� -أدت �إلى �ضجيج نقد الرواية في مقابل هم�س في نقد ال�شعر ..منها ما هو �إعالمي �أو اقت�صادي �أو نف�سي �أو �إدراكي �أو معرفي. و�أخ�ي��راً ،هل �سينه�ض ج��واد النقد ال�شعري من كبوته وي��دخ��ل ف��ي حلبة ال�سباق م��ع ج ��واد النقد ال�سردي؛ حتى ن�ستطيع �أن نقر�أ الرغبات والنزاعات الفطرية والمكت�سبة ،وحاجتنا الما�سّ ة للتجريب الدائم والم�ساءلة وجماليات اللحظة الراهنة؟!
اللغة وق�صيدة النثر ■ عبدالهادي �صالح*
تمثّل اللغة ال�سالح الأه��م ال��ذي يمتلكه ال�شاعر في كتابة الق�صيدة ،واالع��ت��داد بما يمتلكه من مهارات وق��درات ،في �إيجاد القرابة اللغوية بين الكلمات وا�ستحداث عالقات جديدة بينها ،و�إذا لم تكن هذه المهارة �أو القدرة في يد ال�شاعر؛ ف�أغلب الظن �أن الق�صيدة �ستخرج مقلَّدة وغير مبتكرة �أو محدثة. ال يمكن في الواقع �أن تح�ضر اللغة في �شكل �شعري كق�صيدة النثر من دون �أن تكون ابنة ع�صرها؛ �أي �أن تكون في كامل ر�شاقتها وحداثتها ،مبتكرة في معانيها، غير مُخلّة ب�أي قاعدة من قواعد النحو وال�صرف العربي الأ�صيل .وال�شاعر حينئذ ال ُب َّد و�أن يكون على وعي تام بالمهارة الم�شار �إليها �آنفاً ،وا�ستخال�ص مفردات الق�صيدة مما هو م�ألوف في حياة النا�س؛ وكلما كانت اللغة �أكثر قرباً منهم كانت الق�صيدة �أكثر ا�ستئنا�ساً ومودة بينهم. �إن �إل�صاق مفردات المعاجم والقوامي�س ع��ن ع�صرها وزم��ان�ه��ا ،ولربما �أ�شعرت بق�صيدة كق�صيدة ال�ن�ث��ر ،ه��و ن��وع من القارئ بالنفور �أو الهروب من ال�شعر ،ككل. المخاطرة ..و�أعني �أي مفردة تُ�ستخرج من المفيد الإ��ش��ارة هنا �إل��ى ق�صيدة من القامو�س ا�ستخراج ًا و ُي��ز ُّج بها عنوة �شاعر حقق نبوغ ًا الفت ًا في لغة الق�صيدة، في ثنايا الق�صيدة؛ فت�سيطر على كيانها ،وعدَّه النقاد �شفيعا لق�صيدة النثر العربية، وتكبَّل �صورها ال�شعرية ،وتقلَّل من حيويتها لي�س لأنه �صانع لغة فح�سب؛ بل لأن محمد وحركة مو�سيقاها الداخلية؛ فتخرج غريبة ال��م��اغ��وط ا���س��ت��ط��اع �أن ي��ب��ره��ن ع��ل��ى �أن
اجلوبة -ربيع 1435هـ 119
ومثل هذه اللغة الراقية والفاتنة� ،سنجدها عند �شاعر م�صري �شاب ،هو عماد �أبو �صالح، ويقول« :ح��اول في ال�صباح �أن ينه�ض قبل �أن يوقظه عامل الحديقة بخرطوم المياه /لكن الع�شب كان قد نبت في ج�سده كله /فرح لأنه لم ي�شعر بحرارة ال�شم�س /ولأن��ه �سينام على راحته دون �أن ينهره �أحد /م ّر يوم يومان �أيام كثيرة /وهو لم يعد يرغب في النهو�ض /و�شيئا ف�شيئا تحلَّل ج�سده تماماً /لم يعد منه �سوى ابت�سامة خفيفة تحرك الن�سيم حين ينادي ب��ائ��ع ال�ب��ال��ون��ات /ث�لاث ق�ب�لات قديمة كانت لبنت الجيران تحجّ رت حتى �أنها تدمى �أقدام الأطفال الذين يتقافزون فوقه/خوف يرع�ش الع�شب حين تغادر �آخ��ر �أ�سرة ويبقى وحيداً/ ي� ٌأ�س يجعله �أحيان ًا ال ينبت للحياة في الربيع ويظل بقعة جرداء ب�شكل رجُ ل تتو�سط الحديقة». * �شاعر و�إعالمي من ال�سعودية. 120اجلوبة -ربيع 1435هـ
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
الق�صيدة تولد من بيئتها ،ولي�س بينها وبين النا�س قطيعة �أو غربة ،يقول الماغوط« :يطيب لي كثير ًا يا حبيبة� /أن �أجذب يدك بعنف� /أن �أفقد ك�آبتي �أمام ثغرك الع�سلي /ف�أنا جارح يا ليلى /منذ بدء الخليقة و�أنا عاطل عن العمل/ �أدخّ ن كثيراً ،ولكَم طردوني من حارات كثيرة/ �أنا و�أ�شعاري وقم�صاني الفاقعة اللون /غد ًا يحنُّ �إليَّ الأقحوان /والمطر المتراكم بين ال�صخور/ وال�صنوبرة التي في دارنا� /ستفتقدني الغرافات الم�سنة /وهي تئن في ال�صباح الباكر /حيث القطعان الذاهبة �إل��ى المروج والتالل /تحنُّ �إلى عينيَّ الزرقاوين /ف�أنا رجل طويل القامة/ وفي خطوتي المفعمة بالب�ؤ�س وال�شاعرية /تكمن �أجيال �ساقطة بلهاء /مكتنزة بالنعا�س والخيبة والتوتر».
�إن �شعر ًا جميال كهذا ال يمكن �إال و�أن تقف خلفه لغة ط��ازج��ة ور�شيقة ،ت�صنع ال�صورة ال�شعرية دون عناء �أو جهد ،وتبتكر المعنى ب�أقل ما يمكن من الأحرف والجُ مل ،لي�صل ال�شاعر بالقارئ في نهاية الن�ص والده�شة تعتلي محيّاه، وتبقى الق�صيدة في ذهنه حا�ضرة؛ اليوم وغداً. ال يجب في حقيقة الأمر�أن نتجاهل اللغة التي ي�ستخدمها �أي �شاعر عندما نتحدث عن �إ�شكالية تلقِّي ق�صيدة النثر لدى الجمهور؛ فاللغة قادرة على ا�ستقطاب القراء �أو ا�ستبعادهم .وعلى �شعراء ق�صيدة النثر عدم تجاهل هذا القارئ �أو التعالي عليه بتعقيد اللغة وتعتيم المعنى، و�إ�شعاره بعدم القدرة على التعاي�ش معها. م��ا �سبق ،ال يعني �أن�ن��ا نتنكر لتاريخ اللغة العربية ،وجواهرها ،وبالغتها من المفردات والمعاني� ،أو نفيها وع��دم االعتزاز بها؛ لكننا ن�شدّد على �أن اللغة تولد في ع�صرها ،وتخرج من بيئتها ،وت�ضاف �إلى معاجم اللغة وقوامي�سها، وال�شعراء �أ�شجع النا�س في المبادرة بتوظيفها وا�ستخدامها؛ �ألي�ست اللغة تنتقل بانتقال ال�شعوب وحياتها من خالل التجريب والممار�سة �إلى ما هو �أحدث و�أجدّ؟!
الهند�سة والمجتمع
ت�صميم الم�سكن �أنموذج ًا ■ مهند�س� :صالح بن ظاهر الع�شي�ش*
الهند�سة كلمة معرّبة عن كلمة �إندازة الفار�سية، وت��ع��ن��ي ال���م���ق���ادي���ر (ت���ق���دي���ر م���ج���اري ق��ن��ى ال��م��ي��اه وم��وا���ض��ع��ه��ا) ،وم��ن��ه��ا ا���ش��ت��ق��ت ال���ه���ن���دزة ف���ي ال��ل��غ��ة الفار�سية ،ف�صيرت ال��زاي �سيناً في الإع����راب(� ،)1أما القامو�س المحيط فيقدم ثالثة تعاريف للهند�سة وهي: العلمية في بناء الأ�شياء وتنظيمها، وتقويمها .وه��و ما يعرف بالهند�سة التطبيقية.
1.1ال�ع�ل��م ال��ري��ا� �ض��ي ال���ذي ي�ب�ح��ث في الخطوط والأبعاد وال�سطوح والزوايا والكميات والمقادير ال�م��ادي��ة؛ من حيث خوا�صها وقيا�سها� ،أو تقويمها ك �م��ا �أن ه �ن��اك ت �ع��اري��ف �أخ � ��رى في وعالقة بع�ضها ببع�ض. �أدب �ي��ات الهند�سة مثل :ال�ق��درة على حل 2.2المبادئ والأ��ص��ول العلمية المتعلقة الم�شكالت الفنية ،و�أي�ض ًا تعني التطبيقات ب �خ��وا���ص ال��م��اده وم �� �ص��ادر ال�ق��وى التي تح�صل عليها من �أي ن��وع من �أن��واع الطبيعية وطرق ا�ستخدامها لتحقيق المعرفة ،والتي تخوّلنا �إلى بناء �أو تعديل �أغ ��را� ��ض م ��ادي ��ة .وه ��ي م��ا ي�ع��رف وحتى �صيانة جهاز �أو نظام. بالهند�سة النظرية. �أما تعريف الهند�سة عند �شيخ الإ�سالم 3.3ف��ن الإف���ادة م��ن ال�م�ب��ادئ والأ� �ص��ول ابن تيمية رحمه اهلل في معر�ض رده على
اجلوبة -ربيع 1435هـ 121
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
ي�ؤديها ،تبد�أُ بالإيواء ،وتنتهي بتحقيق الذات، م��رور ًا بالخ�صو�صية والإنتاجية والن�شاطات الف�سيولوجية واالجتماعية والفكرية والتربوية؛ ول�ك��ون ه��ذه الوظائف تت�أثر بهذه الن�شاطات المتكئة على العادات والتقاليد وال�سلوك ،ومن ثَمَّ ال بُد للم�سكن من تلبيتها ،وال بُد للت�صميم من تحقيق ذلك. �إن بناء الم�سكن يبد�أ من الت�صميم ،ولهذا �أخذناه كنموذج للعالق ِة بين الهند�س ِة والمجتمع.
اب �أرباب العلوم الدنيوية فقال «ف�إنَّ عِ لْمَ الحِ �سَ ِ الَّذِ ي هُ َو عِ ْل ٌم بالكَمِّ ال ُم ْنف َِ�صلِ ،وال َهنْدَ �سَ ِة ا َّلتِي هِ يَ عِ ْل ٌم بالكَمِّ ال ُمت َِّ�صلِ عِ ْل ٌم َي ِق ْينِيٌّ ال يَحْ تَمِ لُ ال َّن ِقي َْ�ض ال َب َّتةَ».
��ش��ؤون��ه ،وم��ن �شبكة العالقات ه��ذه يتكون ما ي�سمى بالعرف والعادات والتقاليد ،وهي التي ت�ؤطر �سلوك المجتمع ،وت�شكل طبيعة تعامالت �أفراده ،وهذا يقودنا �إلى تعريف كلٍّ من العادات والتقاليد وال�سلوك.
�أم��ا تعريف المجتمع ل��غ��ة ً،فهو م�شت ٌق من ج�م��ع ،وه��و �ضم الأ��ش�ي��اء المُتفقة ،وه��و �ضد العادات :هي جمع عادة ،وهي من الفعل تعَّودَ، التفريق والإف ��راد ،ويعني مو�ضع االجتماع �أو وه��و ما يح�صل بالتكرار حتى ي�صبح ديدناً، الجماعة من النا�س. وال�ع��ادات تعني بالمفهوم العام لدى النا�س.. ويعرّفه علماء االجتماع على �أنه« :مجموعة هي تلك الأ�شياء التي درج �أفراد المجتمع على من النا�س ت�شكّل نظام ًا ن�صف مغلق ،يت�شكل من عملها �أو القيام بها �أو االت�صاف بها� ،إذ ال يجد �شبكة عالقات بينها؛ �أو هي مجموعة من النا�س المرء غراب ًة في فعلها ،بل يجد غراب ًة في عدم تعي�ش �سوية ً في �شكل ٍ منظم ،و�ضمن جماع ٍة القيام بها �أو االت�صاف بها ،وت�ستمد وجودها منظم ٍة تقطن في موقعٍ جغرافيٍ معينٍ ،ترتبط من الفطرة االجتماعية ،وهي بذلك تُمار�س من فيما بينها بعالقات ثقافي ٍة واجتماعي ٍة ي�سعى كل خالل �سلطة المجتمع القائمة على قبول �أفراده واحدٍ منهم لتحقيق الم�صالح واالحتياجات» .لها. �أم��ا التقاليد :جمع لكلمة تقليد ،وه��ي من ح�ي��ن ي �ك��ون مجتم ٌع م��ا ،تن�ش�أ �شبكة من العالقات االجتماعية والثقافية كما ورد في الفعل قلَّدَ ،ومعناها �أن يقلد جي ٌل �أ�ساليب وطرق التعريف �آنفاً؛ هذه ال�شبكة من العالقات تنظم الجيل الذي قبله وي�سير عليها� ،أي يتبعه ويحاكيه عمليات التعامل بين �أفراد هذا المجتمع وت�سير من دون حج ٍة �أو دليلٍ .وفي كتاب المنجد يُعرَّف
122اجلوبة -ربيع 1435هـ
يُع ُد الت�صميم المكون من وثائق تحتوي على المخططات المعمارية والهند�سية وموا�صفات وجداول كميات ،هي المرحلة الأولى في �إيجاد الم�سكن ،وه��ذه المرحلة ت�ؤ�س�س لمرحلة بناء الم�سكن وت�شييده؛ فمرحلة البناء تتم وفق ما التقليد ب�أنه ما انتقل �إلى الإن�سان ون�ش�أ عليه من ت�ضمنته وثائق الت�صميم الم�شار �إليها �آنفاً. �آبائه ومعلميه ومجتمعه من العادات وال�سلوك ف��الأع��راف والتقاليد وال�سلوك ت��ؤث��ر على وغيرها .وعند علماء االجتماع ..هي �سلوك �أو الت�صميم المعماري ومخرجاته للم�سكن ،فما نمط من ال�سلوك يتغير بتغير الأزمنة وتعاقب هو م��وج��و ٌد في مجتمعٍ م��ا ،يختلف عن ما هو الأج �ي��ال ،يختلف ع��ن ال�ع��ادة بقبول المجتمع م��وج��ود ف��ي مجتمعٍ �آخ��ر ،وم��ا ه��و مقبو ٌل من و�سلوك ل��دى مجتمعٍ م��ا ،هي ٍ �راف وتقاليدٍ عموم ًا له من دون موانع ،عدا التم�سك بما عليه �أع� ٍ الأ�سالف. مرفو�ض ٌة عند مجتمعٍ مغايرٍ ،وهكذا. و�أما ال�سلوك :فيعرفه المخت�صون ب�أنه كل الأفعال والن�شاطات التي ت�صدر عن الفرد �سوا ًء كانت ظاهر ًة �أم م�ستترة ،وال�سلوك لي�س �شيئ ًا ثابتاً ،ولكنه يتغير وفق م�ؤثرات البيئة المحيطة. ما تقدم ،كان تمهيد ًا ال بُد منه لتبيان مدى ت�أثير العادات والتقاليد وال�سلوك على العمل الهند�سي ..وتحديد ًا ت�صميم الم�سكن ،وهو مو�ضوع هذا المقال. ل�ك��ل م�ج�ت�م��عٍ ع��ادات��ه وت�ق��ال�ي��ده و��س�ل��وك��ه، ولكون الم�سكن له وظيف ٌة �أو وظائف ال بُد �أن
ولكون الم�سكن مت�أثر ًا بها ،لهذا يجب على مخرجات الت�صميم المعماري للم�سكن مراعـاة المجتمع الإ�سـالمي المحافظ ،ففي هذا المجتمع يف�صل ال��رج��ال والن�ساء الأج��ان��ب (بالمعنى ال�شرعي) ،لذلك يلزم ت�صميم الم�سكن �أن يكون بمدخلين ،مع وجود مجل�س ال�ستقبال الزوار من الرجال ،و�آخر ال�ستقبال الزائرات من الن�ساء، على �أن ال يكونا متجاورين ،وال ي�سمحا بانتقال ال�صوت ،كذلك مراعاة خ�صو�صية الجيرة ،فال يك�شف جا ٌر بيتَ جارهِ؛ �إذ على الم�صمم �أن ي�أتي بالحلول الهند�سية لتحقيق ذلك ،وهي ممكن ٌة
اجلوبة -ربيع 1435هـ 123
�شرط �أن نُعمِ ل ملكة الإبداع في الت�صميم .ومن الأمثلة �أي�ض ًا لتلك المراعاة �أن تكون هناك حري ًة لحركة �أهل البيت في الو�صول �إلى مختلف عنا�صر المنزل ،حتى مع وجود زوار وزائرات، فال ينبغي �أن يكون وجود ه�ؤالء الزوار �سبب ًا في �أن يح ّد من حركة �أه��ل البيت واالنتظار حتى ي �غ��ادروا .كما تكثُر ف��ي مجتمعنا المنا�سبات الكبيرة ،ما يتطلب معه وجود مجال�س ال�ستقبال ال�ضيوف تفي بالغر�ض ،ومعها وج��ود �صاالت طعام منا�سبة ،كذلك �سهولة تزويدها بالطعام من الخارج من دون �أن ي�شعر بذلك ال�ضيوف، وهذا �أي�ض ًا يتطلب وجود مغا�سل كافية عدداً، ك��ون ال�ضيوف ي�ستخدمون �أيديهم ف��ي الأك��ل بخالف مجتمعات �أخرى. ولكون هذا المجتمع مجتمع ًا �إ�سالمي ًا -بحمد اهلل -كما �أ�سلفنا ،عماده الترابط والرحمة، ل��ذا توجد �أحيان ًا في الآن نف�سه ثالثة �أجيال تقيم في المنزل ال��واح��د (الأج ��داد ،الأب�ن��اء،
الأح��ف��اد) ،ول��ذل��ك ،ال بد من المحافظة على خ�صو�صية ك��لٍ منهم ،فتكون هنالك فراغات ل�ل�أب��وي��ن (ال� �ج ��دان) .كما �أن ه��ذا الترابط الأ�سري يفر�ض في �أحيان كثيرة بقاء الأبناء �أو بع�ضهم بعد �أن يكبروا ويتزوجوا ،لذا ال بد �أن يكون ت�صميم الم�سكن قابال للتو�سعة الر�أ�سية �أو الأف�ق�ي��ة ال�ستيعاب ه��ذه الأ� �س��ر الجديدة. وبوجود عادة ال�ضيافة والكرم وهي من مكارم الأخالق ،فال بُد من وجود فراغ بمنافعه لمبيت ال�ضيوف القادمين من خ��ارج المدينة� ،سوا ًء كانوا �أقارب �أم معارف .ونظر ًا لوجود بحبوح ًة من العي�ش و�سع ًة في الرزق والحمد هلل ،فوجود �سائق وخادمة �أ�صبحا من الظواهر االجتماعية، فال بُد للمنزل �أن يت�ضمن فراغ ًا معماري ًا لكلٍ منهما ،م��ع م��ا يترتب على ذل��ك م��ن �سهولة الحركة وت�أدية الوظيفة المناطة بكلٍ منهما، بي�سر وفاعلية.
* مهند�س وكاتب من ال�سعودية. ( )1كتاب [مفاتيح العلوم] للخوارزمي ،الباب :الخام�س� ،صفحة. 85 :
124اجلوبة -ربيع 1435هـ
� �ص��در ح��دي�ث��ا ع��ن ب��رن��ام��ج ال�ن���ش��ر بم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية كتاب يدر�س القيم والعالقات االجتماعية ،والعالقات بين النا�س في الحياة اليومية في منطقة الجوف ،من خالل درا�سة نماذج ل�شعراء نبطيين فيها. ج��اء ال�ك�ت��اب ف��ي (� )206صفحات م��ن القطع ال �م �ت��و� �س��ط ،در�� ��س ف �ي��ه ال �ب��اح��ث ت�ق�ي�ي��م ال �ح �ي��اة الأنثروبولوجية الثقافية واالجتماعية ب�ساكنيها، ومنها المو�ضوعات الذكورية عند ال�شعراء الجوفيين، والمو�ضوعات الأنثوية ،وم�ضامين عامة ,وخا�صة؛ ومنها ما ك��ان حكايات �أو ع��ادات �أو غير ذل��ك .ثم در�س الثقافة الإبداعية للعيّنة المختارة من �شعراء الجوف؛ بغر�ض البحث عن الوجه الذي يُكمل الحياة الأنثروبولوجية ،وه��و الوجه الإب��داع��ي ال��ذي يخ�ص (�أنا) ال�شاعر ويكمل وجه (نحن) المجتمع. وت�ضمن الكتاب نماذج لع�شرين �شاعر ًا من الجوف، وهم :خالد البليهد ،خالد الحميد ،خ�ضير ال�شمري، خلف ال�شراري ،خلف العي�سى ،داب�س المرخان ،زايد الخلف� ،سهو ال�شمري� ،شهاب الجنيدي ،عبدالرحمن البازعي ،الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري، ع �ب��دال �ه��ادي ال�ن���ص�ي��ري ،ع�ب�ي��داهلل القنيفد ،عيد الخمعلي ،عيد النعيم ،غ�ضبان ال�سرحاني ،محمد الطراد ،محمد العطا ،محمد العوي�ضة ،هالل ال�سياط.
ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :الدالالت الأنرثوبولوجية عند �شعراء من اجلوف امل�ؤلف :د .جمال علي اخلطيب النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري �سنة الن�شر1435 :هـ (2014م)
الكتاب :هل كان قلبي معي امل�ؤلف :عبدالكرمي النملة النا�شر :دار �أزمنة للن�شر والتوزيع – عمان – الأردن 2013م
«ه��ل ك��ان قلبي معي» كتاب يت�ضمن العديد من الق�ص�ص الق�صيرة منها :ن�شوة هاربة.. و�إح�سا�سات �صغيرة ..وحدثني �صاحبي ..ونحو ال�شم�س ..وك�ن��ا ي��وم � ًا ه �ن��اك ..ول�ست �أن ��ت.. وهموم ..وامتطاء الزمن القديم ..وقاع الألم.. يقول في �إحدى ق�ص�صه: «فتح العلبة المغلفة تغليف ًا ف��اخ��راً .كانت الهدية قلم ًا من الذهب الخال�ص ،تتلألأ حبات الألما�س الحر في م�شبكه .فرح .قلّب القلم مرات �أمام عينيه .بدا له القلم قيماً .كان بحاجة فع ًال �إلى قلم ي�سري ناعم ًا على الورق� .إذ �إن �أفكاره القيمة و�أدبه الجميل ال يمكن �أن ين�سابا على ورق �أبي�ض نا�صع البيا�ض �إال بقلم مثل هذا القلم. �أعد طقو�س الكتابة بعناية ،و�ضع الورق الأبي�ض النا�صع البيا�ض �أم��ام��ه على ال�ط��اول��ة ،وع��دل الكر�سي في و�ضع مريح ،تناول القلم الفاخر وبد�أ يكتب �أفكاره و�آراءه .القلم كان ي�سير �سل�س ًا على الورق وبنعومة .بعد �أن انتهى من الكتابة اكت�شف �أن الورقة �أمامه ما زالت بي�ضاء».
اجلوبة -ربيع 1435هـ 125
� �ص��درت ح��دي�ث��ا المجموعة الق�ص�صية ال �ث��ان �ي��ة للكاتبة ال�سعودية زكية نجم التي جاءت ب�ع�ن��وان (ظ�ل�ال ب�ي���ض��اء)� ،إذ �سبق لها �أن �أ�صدرت مجموعتها الق�ص�صية الأول��ى عام 1994م ب �ع �ن��وان «الآخ � � ��رون م��ا زال ��وا يمرون». ج� � ��اءت ه � ��ذه ال �م �ج �م��وع��ة ف��ي (� )88صفحة م��ن القطع ال�صغير ،كما جاءت المجموعة م��زدان��ة ب �ل��وح��ة غ�ل�اف �آث ��رت ال �ق��ا� �ص��ة زك� �ي ��ة �أن ت�ب��دع�ه��ا بنف�سها ،فتكاملت ل�ه��ا ر�ؤي ��ة الم�ضمون والغالف. ومن �أج��واء هذه المجموعة: «ل���م �أدرك لحظتها �أن تلك الخفقة الخاطفة التي باغتت �� �ص ��دري � �س �ي �ك��ون ل �ه��ا � �ص��دق ال�ن�ب��وءات التي ي��ؤرخ�ه��ا الحب ع �ل��ى ج� ��دران ال �ق �ل��وب عندما ترتاد مزاراته». 126اجلوبة -ربيع 1435هـ
امل�ؤلف :د .عبدالرحمن بن �أحمد اجلعفري النا�شر :امل�ؤلف نف�سه 1435 -هـ (2014م)
ي� �ق ��دم ال� �ك� �ت ��اب ق � ��راءات وت�أمالت للأحداث المحلية في المملكة والوطن العربي ،يطرح ال �م ��ؤل��ف ر�أي�� � ًا ح ��ول م��رك��زي��ة المملكة ف��ي معادلة النه�ضة العربية ،وي�ستقرئ مخا�ضات النهو�ض في الم�سيرة التنموية، وم�آالت الثورات التي مرت وتمر بها الأم ��ة العربية .يقول عن جيل ع�صره «كان همّنا الأكبر في �أي��ام الدرا�سة ،وف��ي عقود ال�ستينيات وال�سبعينيات من ال �ق��رن المن�صرم ،ه��و وح��دة ال��وط��ن وت �ق��دم��ه وت �ط��وي��ره.. ال ��وط ��ن ف ��ي ت �ل��ك الأي� � ��ام لم يكن يقف عند ح��دود المملكة ال�ع��رب�ي��ة ال���س�ع��ودي��ة ،ب��ل ك��ان يتعداها �إل ��ى ال��وط��ن العربي الكبير .كنا عروبيين من دون ت�ح�زّب ،و�إ�سالميين م��ن دون ت �ع ��ّ��ص��ب ،ج �ي�ل�اً ي �ط �م��ح �إل ��ى ال �ب �ن��اء ،متطلعين �إل���ى ع��زة الوطن العربي ونه�ضة الأمة». ي �ع��ر���ض ال �ك �ت��اب لأ� �س �ب��اب وم�سببات الأح� ��داث ال��دائ��رة
حولنا ،ويعزو ذلك الف�شل �إلى ع��دم ب��ن��اء النظم ال�سيا�سية ال��د���س��ت��وري��ة ال �م �ب �ن �ي��ة على الم�شاركة ال�شعبية ،والتداول ال�سلمي لل�سلطة ،و�سلوكيات ال��والي��ات المتحدة الأمريكية ف��ي المنطقة ،ون �ق��د �سيا�سة اال� �س �ت �ب��اق �ي��ة ال �ت��ي اب�ت��دع�ه��ا المحافظون ال��ج��دد ،وي��ح��ذّر من الفتن المذهبية التي يجد الطامعون مدخال منها لتحقيق �أه��داف �ه��م ف��ي ت�ج��زئ��ة ال��وط��ن العربي ،والحيلولة دون تحقيق �أهداف الأمة في الوحدة. ي �ق��ع ال �ك �ت��اب ف��ي ()192 �صفحة من القطع المتو�سط، ويمتاز بقراءة مت�أنية و�شمولية ل �ك �ث �ي��ر م ��ن ال �ق �� �ض��اي��ا ال �ت��ي ا�ستعر�ضها الم�ؤلف ،الذي كان ع�ضوا لثالث دورات متتالية ف��ي مجل�س ال �� �ش��ورى ،و�شغل م��ن�����ص��ب �أم���ي���ن ع���ام منظمة الخليج لال�ست�شارات ال�صناعية ب��ال��دوح��ة ،ث��م م�ح��اف��ظ هيئة االت�صاالت وتقنية المعلومات.
خط وا ت ف ي ط ر ي ق ال ن جا ح محا �ضرة للواء عبداهلل ال�سع �ضمن خطة الن�شاط
دون
الثقافي النجاح»� ،ألقاها اللواء طيار لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سد ير ي، � أق يم ت م حا �ض رة بع متقاعد نوان« :خطوات في طريق العر�ض بدار الجوف للعلوم م�ساء ي عبداهلل بن عبدالكريم ال�سع دو ن، ع� ضو م جل �س ال �ش ور وم الأ ى ،وذلك في قاعة ال�ضميري .تحدث اللواء ال�سعدون عن :حد 2014/3/9م� ،أدارها مد ير ع ام ا لم � ؤ� س� سة ا ل أ �ست اذ رحلته عقل بن مناور مكتبة �صغيرة وهو في المرحلة المتو�سطة ،من القرية �إلى المدينة ،وع�ش قه ل لق را ءة ال تي جعل ته يق فالقرا وم بت�أ�سي�س البيئة و�أهمية الوقت والريا�ضة .ح�ضر اللقاء ءة �أف�ضل ما يت�سلح به الإن�س ان للت فو ق، ك ما ت حد ث عن احترام م�ساعد وعدد من �أع�ضاء المجل�س الثقافي منهم ال�شيخ عب المدير العام �سلطان بن في� صل بن عب دال رح من ال �س دي ري دال �إلى الق�سم الن�سائي عبر الدائرة التليفزيونية المغ رحمن الملحم وجمهور من ا لمهتمين ،ونقلت المحا�ضرة لقة. كما نظمت الم�ؤ�س�سة ل قا ً ء لل �ضي ف ل ط ال ب ال مرحلة ال ثانوية ،تحدث ال�ضيف فيه عن ق � صة ن جا حه وت ج رب ته في الحياة لتكون حافز ًا للطال عبر الدائرة التليفزيونية ال ب على النجاح ونقل اللقاء مغل المرحلة الثانوية بمدار�س ال قة للق�سم الن�سائي لطالبات رحمانية الأهلية للبنات.
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
الكتاب :ظالل بي�ضاء (جمموعة ق�ص�صية) امل�ؤلف :زكية جنم النا�شر :دار الفارابي للن�شر والتوزيع 2013م
الكتاب :مع نب�ض الوطن قراءات وت�أمالت يف الأحداث
■ �إعداد عماد املغربي -اجلوف
م�شاركة ال م � ؤ �س �س ة ف ي م ع ر � ض الريا�ض للكتاب �شاركت م�ؤ�س�سة عبدال
رحمن ال�سديري في معر�ض ال ريا �ض ال دو لي لل كتا ب الأول��ى 1435ه �ـ14-4 / م ار �س 014 2م )، و� لهذا العام ( 13-3جمادى ضم جناح الم�ؤ�س�سة جميع �إ�صدا ودعم الأبحاث ,التي تجا وز ت ما ئة وخ م� سة و راتها �ضمن برنامج الن�شر ع� شر (المتخ�ص�صة بالدرا�سات الآثارية) والجوبة .ين �إ�صدارا� ،ضمت الكتب ،و جميع �أعداد مجلتي �أدوماتو ل وحظ اهتمام وا�ضح بالكتب ال ج دي دة ال �ص اد رة حد يثا وا وبخا� قتناء الأعداد ال�سابقة صة من قبل طلبة الدرا�سات ا لعل يا، وا لم ثق من مجلتي الجوبة و�أدوماتو، في ن. من ا ل إ عوامل �صدارات الجديدة ال الهجرات ال�سكانية �إلى م كة ال مك رم ة، تي طرحتها الم�ؤ�س�سة :كتاب و كتا ب ند وة ال�ش ال�شعر النبطي (ال عر العربي (ط .)2ومن الكت ب ال تي الق ت � إ طبعة الثانية) ،وكتاب ندوة قب اال من ال عبدال جمهور :ف�صل من تار رحمن ال�سديري �أمير منطقة ال جو ف، و يخ وطن و�سيرة رجال الأمير كتا ب عوا مل ا له الع جرات ال�س �صر العثماني ،وتخطيط الم كانية �إلى مكة المكرمة خالل دينة المنورة ،والجوف وادي الن فاخ ،و�آثار المملكة العربية ال�سعودية .وبحوث في �آثار ال جوف� .شارك في العمل في مخلف ,وعبداهلل الخ�ض جناح الم�ؤ�س�سة كل من �أحمد يري .ك ان �شعار المعر�ض (الكتاب قنطرة ح�ضارة) و�إ�سبانيا هي �ضيف ال�شرف لهذا العام.
اجلوبة -ربيع 1435هـ 127
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
من �إ�صدارات اجلوبة
الجوبه ..والم�ستقبل الواعد ■ �أ.د .خالد فهمي*
ع��رف��تُ مجلة الجوبة منذ �سبعة �أع��وام ،وك��ان لها ف�ضل في دعم معرفة جمهور القراء ال��ع��رب ب �م��ا ن �� �ش��رت��ه ل��ي من م�ق��االت وب�ح��وث مخت�صرة، وهو ما يفتح الباب �أم��ام ما يمكن �أن تقدمه المجالت الثقافية للواقع العربي ،من دون التفريط ف��ي التعبير عن الملمح الإقليمي المحلي الذي ت�صدر عنه.
ث��ان��ي��ا :ت �ق��دي��ر ال �ح��ال��ة النقدية العربية المتنوعة الأ� �ص��وات ،والمتعاطية مع المنجز المعا�صر نقديا. ثالثا :العناية بالقراءات النقدية والجمالية التطبيقية لأع�م��ال ال�شعراء العرب على اخ�ت�لاف �أق�ط��اره��م ،و�إن بدا اهتمام بالمبدعين ال�سعوديين فهو مفهوم ومقدّر.
�إن مجلة الجوبة برهان جيد على ما تملكه رابعا :الإ�سهام في خلق التعارف والتوا�صل الأق�لام العربية من طاقات فكرية و�إبداعية بين المثقفين والمبدعين والنقاد العرب. رفيعة. خام�سا :تقديم �أنموذج حيٍّ لما تتمتع به وهي من جانب �آخر تخدم مجاالت متنوعة منطقة الجوف من تاريخ ح�ضاري طويل وله ت�صب في النهاية في خدمة الثقافة العربية طوابعه ال�شعبية والثقافية المتميزة. المعا�صرة ،ولعل �أهم عالمات تميزها يكمن �ساد�سا :التعريف بعدد واف��ر من الأدب��اء فيما ي�أتي: ال���ش�ب��ان ،و�صقل مواهبهم ون�ق��ل �أ�صواتهم �أوال :ت�ق��دي��ر ال�ح��ال��ة الإب��داع �ي��ة العربية للقارئ العربي على امتداد العالم العربي. الم�شرقية والمغربية في فنون القول و�أجنا�س �إن هذه المالمح وغيرها �أ�سهم في �أن تكون الأدب المتنوعة ،مع حفاوة ظاهرة بعالمات مجلة الجوبة واح ��دة م��ن المجالت الأدب�ي��ة المعا�صرة في هذه الأعمال التي تتبناها. والثقافية التي ينتظرها م�ستقبل واعد. * كلية الآداب -جامعة المنوفية -م�صر. 128اجلوبة -ربيع 1435هـ
�صدر حديثاً عن برنامج الن�شر يف م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري