درا�سات ونقد ن�صو�ص �إبداعية �سرية و�إبداع مواجهـــــات نوافـــذ
ملف اللغة العربية بين تداعيات العدد :الحاضر وتحديات المستقبل
44
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy.org.sa
العدد � - 44صيف 1435هـ 2014 -م جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org / aljoubah@gmail.com
ردمد
االفتتاحية 4 ............................................................
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ت�صدره
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
ملف العدد :اللغة العربية بين تداعيات الحا�ضر وتحديات الم�ستقبل 6 د� .إبراهيم الدّهون� ،أ.د .ها�شم العزام ،الزبير مهداد� ،أ.د .خالدفهمي� ،سعيد بودبوز� ،أ.د.محمد �صالح ال�شنطي ،د .عبدالنا�صر هالل، د .هويدا �صالح ،غازي خيران الملحم ،محمد جميل �أحمد� ،صالح بن محمد المطيري ،مر�سي طاهر �أبوعوف ،عبداهلل ال�سفر ............. درا�سات ونقد :ال�سخرية ال�سوداء في «�ألوان العار» لألبير ق�صيري 80 -ه�شام بن�شاوي......................................................
الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
الدّالالت الأنثربولوجية عند �شعراء الجوف -د� .إبراهيم الدّهون 83 ... ق�ص�ص ق�صيرة� :صو ٌر من ذاكر ٍة على جدار �أخر�س -مياده قداح88 ... غيبوبة -عبد الرحمن الدرعان90 .................................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا � -شيمة ال�شمري 91 .............................
6......................... اللغة العربية بين تداعيات الحا�ضر وتحديات الم�ستقبل
4
اجلوبة � -صيف 1435هـ
ق�صة ق�صيرة :زوبعة في قعر الفنجان -عمار الجنيدي92 ............ نق�ش على القلب � -سليمان عبدالعزيز العتيق95 ................. �شعرٌ : و�أخير ًا ولي�س �آخر ًا -مو�سى بن عبداهلل البدري96 .......................... ال �شيء في غمراتها � -أحمد الخطيب97 .............................. نهر قديم -جمال المو�ساوي98 .......................................
99....................... الفنانة الت�شكيلية تغريد الجدعاني
�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام 1383هـ املعروفة با�سم دار اجلوف للعلوم .وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية ،ودعم البحوث والر�سائل العلمية ،و�إ�صدار جملة دورية ،وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي، كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية الأهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .ويف عام 1424هـ (2003م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) ،له الربامج والفعاليات نف�سها التي تقوم بها امل�ؤ�س�سة يف مركزها الرئي�س يف اجلوف ،بوقف م�ستقل ،من �أ�سرة امل�ؤ�س�س ،لل�صرف على هذا املركز -الفرع.
الـمحتويــــات
مواجهات :حوار مع الفنانة الت�شكيلية تغريد الجدعاني -حاورها 99 عمر بو قا�سم....................................................... حوار مع الناقد والأكاديمي الم�صري الدكتور م�صطفى ال�ضبع 106 - حاوره مح�سن ح�سن................................................ ح��وار م��ع ال��روائ �ي��ة الم�صرية م��روة متولي -ح��اوره��ا �إب��راه�ي��م 112 الحجري............................................................ �سيرة و�إبداع :عبدالرحمن الدرعان -المحرر الثقافي 117 ......... نوافذ� :شِ عريّة العتبة كيف يلتقي الت�شكيل والكتابة في بوابة الكتاب؟ 121 عبدالغني فوزي ..................................................م�ؤهالت الناقد الأدبي -ماجد �سليمان123 ...................................
117......................
من �شيء يولد �شيء -محمد �صوانه 124 ......................................
عبد الرحمن الدرعان
قراءات 126 .......................................................... عين على الجوبة 127 ...............................................
الغالف :من ت�صميم خالد دعا�س
الأن�شطة الثقافية 128 .............................................. اجلوبة � -صيف 1435هـ
5
■ �إبراهيم احلميد
يجمع العديد من الباحثين على المخاطر الكبيرة التي باتت تهدد اللغة العربية، فال تكاد تقر�أ في كتاب �أو دورية �إال وتجد همَّ اللغة العربية ،وانح�سار االهتمام بها، وبروز اللغات الأجنبية� ..أحد االهتمامات الوا�سعة التي ت�شغل حيّز ًا من الهموم التي يتم �سكبها على �صفحات الكتب والمطبوعات؛ بل �إن هذا ال�شعور كان ب��ارز ًا منذ بدايات القرن الما�ضي ،حينما خلّد حافظ �إبراهيم هموم العربية في ق�صيدته ال�شهيرة ،وال�سجاالت التي �شهدها ع�صره.. وفي ملف الجوبة الجديد حول اللغة العربية ،يتجدّد الحوار في م�ساقات هذا الملف باعتبار �أن اللغة العربية تج�سّ د منهجا فريداً ،وم�سار ًا بارعاً ،وملمح ًا بارز ًا لل�شخ�صية الإن�سانية؛ من كونها لغة القران الكريم ،وامتالكها خ�صائ�ص عجيبة وميزات جميلة؛ م�ؤكدة �أن الف�صحى ق��ادرة على م�سايرة الزمن ،وتلبية حاجات حياتنا اللغوية ،ومواكبة الم�ستجدات المعا�صرة؛ فهي لي�ست �أداة توا�صل فقط ..و�إنما غنيّة بذاتها ،تختزن بين �أحرفها وكلماتها فكر ًا و ثقافة وتطور ًا �أبعد ،وعمق ًا كبيراً. وم��ن مقارنة بين �أن اللغة منتج �إب��داع��ي ،وا�ستخدامها الحالي بو�صفها لغة ا�ستهالكية دعائية ،ومقارنة بين ر�ؤية هذه اللغة حا�ضر ًا وما�ضي ًا وامتداد ًا لذلك، ر�ؤية اللغة القوية والحيّة التي ت�أتي ن�صو�صها الإبداعية عاك�سة لهذه القوة ،بموازاة االنحدار واالنحطاط للمنتج ،كنتيجة مبا�شرة.. �إال �أن ورقة �أخرى ترى �أن تقوية اللغة العربية وبثها و ن�شرها يكت�سب �أهمية دينية و�سيا�سية و اجتماعية ،م�ؤكدة �أن دور الم�ؤ�س�سة التعليمية حا�سم في تنفيذ برنامج تعليمي يولي �أهمية بالغة لتقريب النا�شئة من التطورات التكنولوجية الحديثة في مجال 6
اجلوبة � -صيف 1435هـ
اجلوبة � -صيف 1435هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
اف �ت �ت��اح �ي��ة ال� � � � �ع � � � ��دد
التوا�صل والمعلومات ،في ع�صر �أ�صبحت فيه الثقافة القوية تلتهم الثقافات ال�ضعيفة ما يهددها باال�ضمحالل ،وهنا تبرز الحاجة لتعزيز الهوية المهددة وتعميقها.. �إلى ورقة �أخ��رى ترى �أهمية و�سائل تعليم اللغة و تركيزها عن طريق الأن�شطة المختلفة؛ كالم�سرح ،و ت�شجيع القراءة ،وغر�س محبة الكتاب ،وتنظيم م�سابقات القر�آن الكريم وتحفيز النا�شئة على ترتيله ،وكذلك الحديث ال�شريف ،ون�صو�ص ال�شعر العربي قديمه وحديثه ،وتفعيل الإعالم المدر�سي الذي يجعل من الطفل كاتب ًا وقارئ ًا و ناقد ًا ذكي ًا وفاع ًال في بيئة ثقافية تربوية ن�شطة؛ ما ي�ؤ�س�س لمجتمع قارئ مع �أهمية التدريب على الخطابة وتقديم العرو�ض لتر�سيخ خطابة توا�صلية تحترم اللغة العربية و�أ�ساليبها ،و�أن القر�آن هو المحور الذي ب�سببه �أ�صبحت لغة عالمية خالدة ال يمكن �إقامة الدين من دونها� ..إلى مَن ي�ؤكد في ورقته �أن المرونة التي تجعل التفكير بهذه اللغة �أو تلك يتخطى مختلف المفاهيم والنظريات المعقّدة؛ ومن هنا تجد الورقة �أن جان جاك رو�سو قد �أجاب على �س�ؤال :لماذا ال تب�سط اللغة العربية �سيادتها في مختلف الأقطار العربية؟ «�إن االمة بقدر ما تقر�أ وتتعلم تذوب لهجاتها فال تبقى»...؛ ما ي�ؤكد �أن العزوف عن القراءة هو المغذّي الرئي�س لنمو العاميات. و�صوال �إلى �أن ال�شكوى من �إهمال الف�صحى ،قديم ٌة ولي�ست حديثة ،ومنها كتاب ابن قتيبة الدينوري (�أدب الكاتب) الذي و�ضع في القرن الثالث الهجري ،وفيه ي�شكو الكاتب بمرارة من الجهل باللغة� ..إال �أن المخاطر التي تواجهها اللغة اليوم غير تلك التي �أ�شار �إليها ابن قتيبة وغيره من المتقدّمين مع تعاظم مناف�سة العاميات واللغات الأجنبية ب�سبب تق�صير العلماء العرب ..حتى باتت التهديدات تواجه العربية بالإق�صاء مع ا�ستبدالها باللغة االنجليزية في التوا�صل والتح�صيل ..على الرغم من ر�ؤية التقدي�س التي كانت ترى اللغة العربية مرادفة للإ�سالم ،حينما �س�أل �أبو جعفر المن�صور مولى له�شام بن عبدالملك عن هويته فقال المولى �« :إذا كانت العربية ل�سان ًا فقد نطقنا بها ،و�إن كانت دين ًا فقد دخلنا فيه». �إلى ورقة تقتفي عي�ش الثقافة العربية اليوم ،واقع ًا م�أزوماً ،وبلوغه مدى بعيد ًا في اغترابه وم�آزقه التي تراكمت ،وانعك�ست على خطاب الأجـيـال الجديدة ،ب�صورة جعلت من عـدم القدرة على االنتباه لذلك الم�أزق تعبير ًا طبيعياً ،ت�شهد عليه �أخطاء اللغة ،وركاكة التعابير؛ وغير ذلك من الخطايا ،و مدلال على خيانة ال�شعراء ال�شباب للغة..
7
■ �إعداد وتقدمي :حممود عبداهلل الرحمي
اللغة وعاء الفكر ،ومر�آة الح�ضارة الإن�سانية التي تنعك�س عليها مفاهيم التخاطب بين الب�شر، وو�سيلة للتوا�صل ال�سهل ،واللغة العربية من اللغات ال�سامية المتجذرة في التاريخ الإن�ساني، وهي لغة القر�آن الذي �شرفها اهلل بنزول كالمه المقد�س ،فقال ع َّز وجلَّ: } �إِنَّا �أَن َز ْلنَا ُه ُق ْر�آناً َع َر ِب ّياً َّل َع َّل ُك ْم َت ْع ِقلُو َن { كما ق��ال عنها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� :أُحِ ���بُّ ال ُّل َغ َة ا ْل َع َر ِب َّي َة ِل�� َث�لاَثٍ :لأَ ِن��ي عربيٌّ ، وال ُق ْر�آن عربيٌّ ،وكالم �أَهْ ل الْجَ نَّة عربيٌّ .. هذا الت�شريف العظيم لهذه اللغة ي�ستوجب ال بيد عمرو» ..ويكفينا فخر ًا �أنَّ لغتنا هي لغة منا نحن ال�ع��رب �أن نحافظ عليها ونقوِّيها ،القر�آن ،وبها �أُنزل على خاتم الأنبياء والمر�سلين �صلوات اهلل و�سالمه عليه. ونجعلها لغة معا�صرة بكل المقايي�س. �إنَّ ما يميز اللغة العربية عن اللغات العالمية حروف ٍ الأخرى هو قدرتها على التعبير بمخارج لي�ست م��وج��ودة ف��ي لغات عالمية �أخ��رى مثل ح��رف ال�ضاد ،وه��ي التِي وحّ ��دتِ العرب عبر تاريْخهم الطويل ،وكانت قديم ًا لغة الح�ضارة عبر الأزمانِ والآباد. وال�ل�غ��ة العربية م�سئولية ك��ل ن��اط��ق بها.. وكل فرد ينت�سب �إليها ،والتهاون في تعميمها وا�ستخدامها هو �إي ��ذان بانقرا�ضها وتال�شي هويتنا معها؛ ف�أهميّة اللغة ال تكمن فقط في كونها و�سيل َة تَخاطب ،لكنها عنوانُ هوي ٍة ودليلُ وجود .وتحمل في م�ضامينها ثقافة ال يجدر بنا التنازل عنها والتفريط فيها في وقت نحن �أحوج ما نكون فيه لأن نحافظ على هويتنا وثقافتنا ولغتنا التي تكاد تحت�ضر على �أيدينا ،و«بيدنا 8اجلوبة � -صيف 1435هـ
يقولون �إن اللغة الإنجليزية لغة عالمية.. ونحن نت�ساءل هنا :لغتنا هي لغة القر�آن الكريم وقد حوت كتاب اهلل ..فكيف ال ت�ستطيع �أن تكون هي اللغة العالمية؟!! وما علينا �إال الع�ض عليها بالنواجذ ،والعمل على تعليمها �أبناءنا ..و�أال يُغرينا بريق اللغات الأخرى ..فلي�س كل ما يلمع ذهباً.. ومن هذا المنطلق ،ارت��أت الجوبه �أن يكون ملف هذا العدد عن لغتنا العربية ..لغة ال�ضاد.. لغة ال�ق��ر�آن الكريم ..بين تداعيات الحا�ضر وتحديات الم�ستقبل� .شارك في الملف مجموعة م��ن المتخ�ص�صين ف��ي ه��ذا ال�م�ج��ال داخليا وخارجيا� ..آملين �أن نوفي لغتنا الجميلة حقها.. فنراها يوم ًا ما لغة عالمية للتوا�صل في العالم كله..
ن�ش�أ ُة ال ّلغة العرب ّي ِة و�أهمي ُتها
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
اللغة العربية بين تداعيات الحاضر وتحديات المستقبل
■ د� .إبراهيم الدّ هون -جامعة اجلوف
�أنا البح ُر في �أح�شا ِئ ِه الد ُّر كَامِ نٌ
َّا�ص عَنْ �صَ َدفَاتي َفهَلْ �سَ �أَلُوا ال َغو َ (حافظ �إبراهيم)
تج�سّ ُد اللّغ ُة العربيّة منهجاً ف��ري��داً ،وم�ساراً ب��ارع��اً ،وملمحاً ب��ارزاً لل�شخ�صية الإن�سانيّة، ويتجلّى ذلك في كونها لغة القر�آن الكريم التي انتقاها اهلل ع ّز وجل لتغدو بوتقة حاملة لر�سالة نبيه محمّد –عليه ال�صالة وال�سّ الم� -إلى الب�شريّة المتالكها خ�صائ�ص عجيبة وميزات جميلة. لذا ،قال عنها الثّعالبي« :من �أحبّ اهلل تعالى �أحبّ ر�سوله محمّد ًا � -صلى اهلل عليه و�سلم ،-ومن �أح��بّ الر�سول العربي � -صلى اهلل عليه و�سلم - �أحبّ العرب ،ومن �أحبّ العرب �أحبّ العربيّة ،ومن �أحبّ العربيّة عني بها ،وثابر عليها ،و�صرف همته �إليها». -1ت�أ�صيل اللّغة ي��ذه��ب ك�ث�ي��رون �إل ��ى �أنَّ ال� ّل�غ��ة �أخ ��ذت ثالثة اتّجاهات ،تبدّت في الآتي: االتجاه الأوّل :ي��رى �أ�صحاب ه��ذا االتجاه �أنَّ اللّغة توقيفيّة من ال�سّ ماء؛ بمعنى �أنَّ اهلل علّمها �آدم ..فهي وحي من ال�سّ ماء. االت��ج��اه ال � ّث��ان��ي ي �ق��ول� :إنَّ ال � ّل �غ��ة ُو��ض�ع��ت، وا�صطلحها الإن�سان. االتجاه الثّالث :يحاول �أن يوفق بين االتجاهين
الأوّل والثّاني. وق�سم �آخر يذهب �إلى �أنّ �أ�صل اللّغات كلّها� ،إنّما هو من الأ�صوات الم�سموعة ،كدويّ الريح ،وخرير الماء ،ثمّ ولدت اللّغات عن ذلك فيما بعد(.)1 ال�صاحبي وال غرابة� ،إذا ر�أينا من جهة �أخرى ّ يقول� :إنَّ لغة العرب توقيفيّة ،وي�ست�شهد بقوله تعالى« :وَعَ َلّمَ �آدَمَ الأَ�سْ مَا َء ُك َّلهَا»(.)2 وعقّب اب��ن عبّا�س على الآي��ة ال�سّ ابقة قائالً: علم الإن�سان الأ�سماء كلّها ،وهي هذه الأ�سماء التي يتعارفها النّا�س ،من دابة و�أر�ض وجمل و�أ�شباه ذلك من الأمم وغيرها(.)3 وت�شير الدّرا�سات �إلى �أنَّ بداية اللّغة العربيّة ال�ضبابيّة ،وع��دم ال� ّدق��ة ،وذل��ك للجهل تعتريها ّ بمعالم تاريخ العرب وج��ذور القدامى ،ونقو�شهم وك�ت��اب��ات�ه��م ال �م��وج��ودة ع�ل��ى ال ��ّ��ص �خ��ور ،وج��ذوع اجلوبة � -صيف 1435هـ 9
10اجلوبة � -صيف 1435هـ
�-4أهمية اللّغة العربيّة تمثّل اللّغة �أ ّي � ًا كانت �أه��م مالمح ال�شّ خ�صية الإن�سانيّة ،ف�ض ًال عن �أنّها ت�شكّل ركيزة �أ�سا�سيّة في فكر الإن�سان وتطوره؛ فاللّغة العربيّة غدت �أداة للتفكير ،وم�ستودع ًا للتراث ،وحاملة همَّ وثقافة ومنجزات العرب القديمة والحديثة. ومن هنا ،ف�إن لغ ًة اختارها اهلل تعالى لتكون وعا ًء لكتابه الخالد ،ال �شك �أنّها لغة تتربع على عر�ش الأل�سنة والمحافل واللّغات« ،فاللّغة العربيّة لغة كاملة عجيبة تكاد ت�صور �ألفاظها م�شاهد الطبيعة، وتمثّل كلماتها خ�ط��رات النّفو�س ،وت�ك��اد تتجلّى معانيها في �أجرا�س الألفاظ ،ك�أنّما كلماتها خطوات
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
النّخيل ،وجلود الحيوانات. ال�ح��ال على ه��ذه ال�شّ اكلة� ،إل��ى �أن ن��زل ال�ق��ر�آن م��ن هنا ،نلحظ �أنَّ هناك العديد م��ن الآراء الكريم ،الذي �أطّ ر واثبت رقيّ لغة قري�ش؛ ف�سمّيت والروايات ،والأقوال في �أ�صل العربيّة وموطنها عند اللّغة العربيّة الف�صحى؛ لقوله تعالى�} :إنَّا �أنزَلنَا ُه قران ًا عربي ًا لعلكم تعقلون{( )4وقوله تعالى} :وَهَ ذَ ا القدامى اللّغويين ،على النحو الآتي: لِ�سَ ا ٌن عَ َر ِب ٌّي ُمبِينٌ {(.)5 الر�أي الأوّل :ذهب �أ�صحابه �إلى �أنَّ يَعرب �أوّل -2مفهوم اللّغة العربيّة من �أعرب في ل�سانه ،وتكلم بهذا اللّ�سان العربي؛ ف�سمّيت اللّغة با�سمه .كما �أنَّ �أوّل من فتق اهلل ل�سانه تباينت �آراء الدّار�سين في تعريف اللّغة العربيّة، بالعربيّة المبينة هو �إ�سماعيل بن �إبراهيم ،وهو ابن �إذ �أجمع م�ؤلفو المعاجم على �أنَّ كلمة( :لغة) كلمة �أربع ع�شرة �سنة. عربيّة �أ�صيلة ذات ج��ذور عربيّة تداولها العرب، الر�أي الثّاني :يلحظ م�ؤيدوه �أنَّ العربيّة هي اللّغة وا�ستخدموها في كتاباتهم وكالمهم اليومي. التي تكلم فيها �آدم في الجنة� ،إ ّال �أنّه ال وجود لأدلة �أمّا الخليل بن �أحمد الفراهيدي ،فقد �أ�شار �إلى علميّة دامغة� ،أو �أحاديث نبويّة �صحيحة تثبت تلك �أنَّ العرب ت�شتق في كثير من كالمها �أبنية الم�ضعف المقوالت �أو الأطروحات. في بناء الثّالثي المثقل بحرف التّ�ضعيف ،وكالم وهكذا ،لو عدنا �إل��ى التّاريخ القديم وما عُ ِث َر العرب مبني على �أربعة �أ�صناف الثّنائي :والثّالثي عليه من نقو�ش قديمة� ،سنجد �أنَّ هناك لغتين والرباعي والخما�سي(.)6 وق�سم ثالث �أكّد على �أنَّ اللّغة العربيّة مغرقة انبثقت منهما �سائر اللّهجات العربيّة ،تمثلت بلغة في القدم ،فهي لغة مكتملة النّمو ،ا�ستطاعت �أن العرب الجنوبيين ،ولغة العرب ال�شّ ماليين. وممّا ال �شك فيه� ،أنَّ اللّغة العربيّة ال�سّ ائدة في تعبّر عن دقائق الم�شاعر الإن�سانيّة ،وال�دّالالت الجنوب قديم ًا كانت مختلفة عن اللّغة العربيّة والآراء والأحا�سي�س؛ وه��ي اللّغة التي ج�سّ دت ال�شّ ماليّة؛ ف�أهل الجنوب كانوا �أكثر اتّ�صا ًال باللّغة هوية ال�ع��رب��ي ،بما تملكه م��ن ب��واع��ث �إن�سانيّة الحب�شيّة ،والأكادية� .أ ّم��ا �أهل ال�شّ مال فقد كانوا و�آف ��اق عالميّة رح�ب��ة؛ وه��ذا م��ا ي ��ؤك��ده ،عندما ا�صطفاها اهلل �أن �أ�صبحت لغة الوحي الإلهي ولغة �أقرب �إلى اللّغة العبريّة والنّبطيّة. التّنزيل ،لقوله تعالىَ }:وكَذَ لِكَ �أَوْحَ ْينَا �إِ َليْك ُق ْر�آنًا و�أخذت اللّغة العربيّة تتطور ،وت�ستوعب دالالت ،عَ َر ِبيًّا{(.)7 ومفردات ،وم�شتقات جديدة؛ فبعد مرور �أكثر من -3مزية اللّغة العربيّة وفرائدها �ألفي �سنة من داللتها غدت – قبل الإ�سالم -يطلق عليها لغة( :م َُ�ضر) ،وا�شتهرت في �شمالي الجزيرة تفرّدت العربيّة بمزايا وخ�صائ�ص جعلت منها العربيّة ،وقد �سيطرت على اللّغة العربيّة ال�شّ ماليّة ،لغة راقية مليئة بالثّراء ،وكثرة الألفاظ ،و�إمكانيّة وحلّت مكانها .بينما �سُ مّيت اللّغة العربيّة الجنوبيّة الإب� ��داع الم�ستمر ،وال� ّت�ج��دي��د المتوا�صل .ومن القديمة لغة( :حِ ميَر) ن�سبة �إل��ى �أعظم ممالك الملحوظ على العربيّة الآتي: اليمن حينذاك ،وما انتهى النّ�صف الأوّل للألفيّة -اال��ش�ت�ق��اق ،وه��ي �سمة دف�ع��ت ال� ّل�غ��ة العربيّة الأولى للميالد حتّى ظهرت لغة قري�ش ،ولغة ربيعة، ال�صراع الم�ستمر �إلى البقاء على الرغم من ّ ولغة ق�ضاعة. والتّحديات المتالطمة ،والهجمات ال�شّ عواء عليها. وقد �أطلق عليها الدّار�سون م�سمّى لغات ،وبقيت
حركة الحرف الواحد :فالعربيّة توظّ ف وتفيدمن التّغيرات الطّ ارئة على الحرف في �إنتاج ال �دّالل��ة ،وابتكار المعنى ،ومثال ذل��ك كلمة: (البر) الثّالثيّة الباء. دقة التّعبير واخت�صا�ص ك ّل مفردة بداللة �أومعنى معين وم �ح��دود ،وهما م��ن ق��درة اللّغة ال�ع��رب� ّي��ة ،و��ص�ف��اء منهجيتهما ،نحو قولنا: م�شى بلفظه العام ،وقولنا :درج لل�صبي ،وحبا للر�ضيع ،وحجل للغالم �إذا رفع رج ًال وم�شى على �أخرى ،وخطر لل�شاب ،ودلف لل�شيخ :م�شى روي ��د ًا بخطى متقاربة ،وه��دج م�شى مثقالً، ور�سف للمقيد ،والتّبختر للمتكبر ،والقهقهرى لمن يرجع �إلى الخلف.
ال�ضمير ،ونب�ضات القلوب ،ونبرات الحياة»(.)8 ّ وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق ،بقيت اللّغة العربيّة �أر�سخ اللّغات ثبات ًا وبياناً ،لم تتغير بالغتها وف�صاحتها وقدرتها الإث��رائ� ّي��ة ،و�أبعادها اال�ست�شراقيّة منذ القديم �إلى يومنا الحا�ضر. ولع ّل قيمة العربيّة ،وعلو �ش�أنها دفع كثير ًا من ال�صحابة والعلماء والأدباء والمفكرين �إلى ت�شجيع ّ تعلّمها واالهتمام بها؛ فهذا عمر بن الخطّ اب يقول: « تعلموا العربيّة ف�إنّها تثبّت العقلَ ،وتزيد المروءة». كما نلحظ �أنَّ للعربيّة �أثر ًا ملحوظاً ،وفاعلية جادة على كثير من اللّغات الأخرى في العالم ،كالتركيّة، والفار�سيّة ،والأرديّة ،وغيرها. وخ�لا��ص��ة ال �ق��ول� :إنَّ ال� ّل�غ��ة العربيّة ه��ي لغة القر�آن الكريم ،ولغة ر�سولنا الكريم �صلى اهلل عليه و�سلم� ،إ�ضافة �إلى �أنّها لغة الآباء والأجداد والعرب القدامى؛ فالعربيّة هي �أداة الولوج في الإ�سالم، ثمّ �أداء فرائ�ض اهلل الواجبة ،ف�ض ًال عن �أنّها اللّغة الوحيدة التي ي�ستطيع �أبنا�ؤها قراءة ما كتب بها قبل �ألف وخم�سمائة �سنة. فالف�صحى ق��ادرة على م�سايرة الزمن وتلبية ح��اج��ات حياتنا ال � ّل �غ��و ّي��ة ،وم��واك �ب��ة ال � ّت �ط��ورات والم�ستجدات المعا�صرة و�صالحية بقائها ،فلقد بلغت ح��د الكمال ف��ي قلب ال� ّ���ص�ح��راء عند �أ ّم��ة ديدنها الح ّل والتّرحال؛ لذا ،لم تكن �أداة توا�صل فح�سب ،بل �إنّها تختزن بين �أحرفها وكلماتها فكر ًا وثقافة وتطور ًا وتاريخ ًا وحموالت ومعارف عديدة.
( )1انظر� :أبو الفتح عثمان بن جنّي ،الخ�صائ�ص ،القاهرة1913 ،م� ،ص.47-46 (� )2سورة البقرة :الآية .31 ( )3انظر� :أبو الح�سن �أحمد بن فار�س ،فقه اللّغة و�سنن العرب في كالمها ،لبنان ،بيروت� ،ص.33-31 (� )4سورة يو�سف :الآية .2 (� )5سورة النحل :الآية .103 ( )6انظر :الخليل بن �أحمد الفراهيدي ،العين.42/1 ، (� )7سورة ال�شّ ورى :الآية .7 ( )8عبد الرزاق عبدالرحمن ال�سّ عدي ،مقوّمات العالميّة في اللّغة العربيّة وتحدياتها في ع�صر العولمة ،مجلّة �آفاق الثّقافة والتّراث ،مركز جمعة الماجد للثقافة والتّراث ،دبي ،ع� ،63شوال1429 ،هــ� ،ص.47
اجلوبة � -صيف 1435هـ 11
■ �أ.د .ها�شم العزام -جامعة اجلوف
هذا مو�ضوع يفر�ض نف�سه في ك ّل ع�صر من الع�صور؛ لأ َّن ما�ضي اللّغة العربيّة كلما ذهبنا �إلى الوراء يذّكرنا بحا�ضرها في الزمن الذي تال تلك الع�صور الذهبيّة ,ال ل�شيء �إ ّال لأ ّن المنتَج الثّقافي في تلك الأزمان كان نموذجاً لك ّل علوم العربيّة في الع�صور التي تلته والذي فقدناه .وما ترومه هذه الدّرا�سة من جراء طرح هذه الإ�شكالية البالغة التز�أبق والمفرطة الروغان في دائرة الإب��داع برمتها( :المبدع ,المتلقي ,الن ّّ�ص) ,مبعثه الحنين والتوق �إلى اللّغة الرفيعة العابقة, والتي ظلّت محط نظر المدوّنة النّقديّة دائماً؛ طالما �شغلتها ردحاً من الزمن ,والقواعد ال�صّ ارمة التي �سنتها الم�ؤ�س�سة النّقديّة حول المفردة ,والتّركيب ,والن ّّ�ص برمته بحثاً عن اللّياقة ,فر�ضت م�س�ؤولية بالغة الأهمية على المبدع ,بحثاً عن �أف�ضل الو�سائل الواجب اتباعها �إر�ضاء لذائقته، ومراعاة لمقامه الطبقي ورتبته االجتماعيّة .وال نجانب الحقيقة �إذا قلنا� :إ َّن المتغيا من تجويد النّ�صو�ص هو المتلقي ,لذلك تطفو عملية المقارنة على ال�سّ طح في اللّغة ذاتها بين زمنين في ال�ضعف واالنحدار الذي لحق بها. ك ِّل ع�صر ,لمعالجة التّ�شوّهات وتالفي ّ لذلك ،ت�سير هذه الورقة النّقا�شية ،ابتداءً، م��ن التّدبر ف��ي االخ�ت�لاف بين اللّغة العربيّة ف��ي �أوج ازده��اره��ا ،بو�صفها منتج ًا ثقافي ًا �إبداعياً ،وبين حا�ضر هذه اللّغة بو�صفها لغة دعائيّة ا�ستهالكيّة ,الأم��ر ال��ذي يعك�س ذائقة الأمّة في الع�صرين .قلت التّدبر في االختالف ال��ذي ال يمكن معالجته �إال عبر التّفكير في ه��ذا االخ�ت�لاف ,وال��ذي ت��رك ه �وّة وا�سعة بين �أق�صد �أ ّن ��ه كلما كانت اللّغة ح� ّي��ة ،وقويّة الع�صرين ,هذه الهوّة هي مح ّل لت�أمّل �صيغة معينة� ,سنك�شف عند تحليلها �أم� ��ور ًا يمكن ج ��اءت ال� ّن���ص��و���ص الإب��داع � ّي��ة عاك�سة لهذه للمقارنة ال�سّ لبيّة وح��ده��ا �أن ت�ك��ون مثمرة؛ القوة ,ليك�شف هذا التّ�ضاد الحاد في طبيعة وخطاب التّقابل ه��ذا نحتاجه لعقد المقارنة كلما �ضعفت اللّغة �أو اعتراها ال��وه��ن .ولكي ال تكون المقارنة مجانبة� ،سيكون للدرا�سة �أكثر من فر�صة ،يطل من خاللها على تجليّات ال �ج��ودة وال �ق �وّة ف��ي المنتج الّثقافي قديماً، بموازاة االنحدار واالنحطاط للمنتج ذاته في الزمن الحا�ضر.
12اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
خ�صائ�ص العرب ّية بين القديم والحديث
المنتج الثّقافي ،والعمل الإبداعيّ عن �سخرية تحرك المتلقي خ��ارج محيطه الم�ألوف بحث ًا عن الأ�سباب ،ليك�شف �أنَّ عالقة اللّغة بالغائب المفقود ,والنّ�صو�ص الإبداعيّة اللّغويّة تتفوق على عالقتها بالحا�ضر ،و�إن كانت الثّانية �شرط ًا ال�ضعف. للعبور �إلى مناق�شة هذا ّ ول�ك��ي ال ت�ه��در تلك ال�ج�ه��ود ال�ت��ي �أحيطت ب��ال�ع�م��ل الإب���داع���ي ع �ب �ث �اً ،ي �ح��اول ال� �دّار� ��س االنعطاف �إلى الزمن الما�ضي ,انعطاف ًا ينعك�س من التّباكي عليه �إلى الت�أمّل ,ومن التّح�سر �إلى النّظر؛ لندر�س هاج�س العالقة بين الخ�صائ�ص وال ���ّ�س �م��ات للغة ذات �ه��ا ف��ي ال��زم��ن الما�ضي والحا�ضر؛ لن�ستنتج �أنَّ الموروث الثّقافي الذي و�صلنا ب�صورته النّا�صعة ما كان له �أن يكون بهذه القوة والجمال ،لوال �أنَّ م�ؤ�س�سة لغويّة نقديّة قويّة كانت تقف وراءه .فللنّ�ص موا�صفات ومقايي�س ال يمكن تجاوزها ،وعلى المبدع �شروط قا�سية تطالبه االلتزام بها ,والمبدع والمتلقي مطالبان مع ًا بثقافة عالية� .أقول وبكل فخر بذلك الزمن: �إنَّ مكت�سبه العقلي �شكّل مخزوناً ،ما تزال �أجيال و�أجيال تقتات منه وعليه. �إنَّ معايي َر م��ن م�ث��ل :الفحولة ،وال �ج��ودة, والف�صاحة ،والبالغة؛ و�أ�ساليب من مثل :ح�سن خا�صة التّخل�ص ،وبراعة اال�ستهالل؛ و�شروط ّ و�ضعت للفظ الف�صيح البليغ ,عملية تكرير و�إعادة تكرير للفظ قبل �أن يو�ضع في ال�سّ ياق؛ ون�ق��د ،و�إع ��ادة النّقد بعد دخ��ول الأل �ف��اظ في ال�سّ ياقات ,ومواءمة الألفاظ للمعاني ,ومراعاة ذائقة المتلقي ,حر�ص ًا على ا�ستر�ضائه ،وعدم خ��د���ش م���ش��اع��ره ،وتحقيق م �ب��د�أ اللياقة في ال��خ��ط��اب ..ك�� ّل ه��ذه ال��� ّ��ش��روط وغيرها كانت المولد الرئي�س وراء ك ّل �إبداع ،ف�ض ًال عن �أنّها
ن�ص ًا قو ّي ًا جريئ ًا الئقاً .والأديب في كانت ت�ضمن ّ ن�صه مرة ,ويحا�سب الزمن الما�ضي كان يعدّل ّ عليه مرّة �أخ��رى ,ويرف�ض مرّة ثالثة .ما كانت لتمر النّ�صو�ص ب�سهولة دون �أن تحقق �شروط ًا و�ضعتها م�ؤ�س�سة النّقد لك ّل علوم العربيّة؛ لذلك ظهرت كتب لأط��راف العمليّة الإبداعيّة كافة, فهذا �س ّر الف�صاحة الب��ن �سنان في الألفاظ, وعيار ال�شّ عر البن طباطبا ،ونقد ال�شّ عر لقدامة وال�صناعتين للع�سكري ،كلّها و�ضعت بن جعفرّ , في متناول ال�شّ اعر ل�ضمان �ضبط النّ�صو�ص في قطبها الفنّيّ ،ولتحقيق مبد�أ الجودة. فالذي دخل وفي �شعره �إقواء ،وهو عيب من عيوب القافية ,ما عاد الإق��واء �إلى �شعره قط؛ والذي مار�س �سوء االبتداء ،كوفئ �أ�سو�أ مكاف�أة؛ وال��ذي لم ي��را ِع قاعدة لك ّل مقام مقال ،رف�ض طلبه بل �شتم .وخير مثال على ذل��ك ،عندما مدح جرير الخليفة عبدالملك بن مروان ،فقال:
هذا ابن عمي في دم�شق خليفة ل����و ���ش��ئ��ت ���س��ـ��ـ��ـ��اق��ك��م �إ َل���������يَّ قطينا فلما �سمعه عبدالملك ق��ال :م��ا زاد على �أن جعلني �شرطي ًا -واهلل لو ق��ال( :ل��و �شاء) ل�سقتهم �إليه قطينا .وقد �أخط�أ جرير في قوله: (�شئت) ب�إ�سناد الفعل لنف�سه ،وجعل الخليفة �شرطي ًا عنده -وهذا ال يليق بمقامالخليفة ،ولو ا�ستبدل كلمة�( :شاء) �أي الخليفة مكان (�شئت) لحظي بما يريد. وم �ث��ال �آخ ��ر ع�ن��دم��ا دخ��ل ذو ال�� ُّر ّم��ة على عبدالملك بن م��روان فقال له� :أن�شدني �أجود �شعرك ،ف�أن�شده:
مَا بَالُ َع ْينِكَ مِ ْنهَا ا ْلمَا ُء َينْ�سَ كِبُ َك�������أَ َّن������ ُه مِ ������نَ كُ����ل����ىً مَ����فْ���� ِر َّي���� ٍة � َ����س����رِبُ اجلوبة � -صيف 1435هـ 13
مَا بَالُ َع ْينِي مِ ْنهَا ا ْلمَا ُء َينْ�سَ كِبُ َك�������أَ َّن������ ُه مِ ������نَ كُ����ل����ىً مَ����فْ���� ِر َّي���� ٍة � َ����س����رِبُ وه��ذا «ال�شّ اعر العراقي» علي بن الجهم، عندما قَدِ مَ على المتوكل -وكان بدويًّا جافي ًا - ف�أن�شده ق�صيدة قال فيها:
�أن�������تَ ك���ال���ك���ل���بِ ف����ي ح���ف���اظ���ك ل��ل��ود وك���ال���ت���ي�������س ف�����ي ق��������راع ال���خ���ط���وب �أن��������تَ ك���ال���دل���و ال ع���دم���ن���اك دل������واً م�����ن ك����ب����ار ال���������دّال ك���ث���ي���ر ال����ذن����وب فعرف المتوكل قوته ،ورقّة مق�صده وخ�شونة ل��ف��ظ��ه ،وذل���ك لأ ّن���ه و��ص��ف ك�م��ا ر�أى ،ولعدم المخالطة ومالزمة البادية .ف�أمر له بدار ح�سنة على �شاطئ دجلة ،فيها ب�ستان يتخلله ن�سيم لطيف والج�سر قريب منه ،ف�أقام �ستة �أ�شهر على ذلك ثمّ ا�ستدعاه الخليفة لين�شد،ف�أخرجه و�أ�سكنه بين دجلة والرّ�صافة وكان �أعرابي ًا جلف الطباع ,ثمّ �أعيد �إلى الوالي فقال له� :صفني، فقال ال�شّ اعر:
و َق َّيدْتُ نف�سي في ذراك محب ًة وم����ن وج����د الإح�������س���ان ق���ي���داً ت��ق��ي��دا فهذا �أدب جم ،وتوا�ضع وعرفان بالجميل. واقر�أ لأبي تمام في حب الأوطان� ،إذ يقول:
عُيونُ المَها بَينَ الرُ�صا َف ِة وَالجِ �س ِر َنقِّلْ ُف�ؤادَكَ حَ يثُ �شِ ئتَ مِ ن الهَوى جَ لَبنَ الهَوى مِ ن حَ يثُ �أَدري وَال �أَدري م����ا ال�����حُ �����بُّ �إ ّال ل���ل���حَ ���ب���ي���بِ الأوَّلِ أر����ض ي�أل ُف ُه الفَتى وت�أ�سي�س ًا على م��ا �سبق ،ف� ��إنَّ الكتابة في َك�� ْم مَ��ن��زِلٍ في ال ِ الما�ضي كانت فع ًال والكتابة اليوم انعكا�ساً؛ وحَ �����ن�����ي����� ُن����� ُه �أب������������داً لأوَّلِ مَ�����ن�����زِلِ
ف��ال�خ�ط��اب ال � ّن �ق��دي ك��ان يتجه �إل ��ى مكونات ولتقر أ� في مجال العواطف الإن�سانية قول العمليّة الإب��داع� ّي��ة برمتها �شك ًال وم�ضموناً, و�إلى �أطرافها مبدع ًا ومتلقٍ � .أمّا الكتابة اليوم ،البحتري: فهي �أم��ر في غاية ال�سّ هولة؛ لأ ّن��ه ال م�ؤ�س�سة َو َر َّق َن�����س��ي�� ُم ال��ري��حِ حَ �� ّت��ى حَ �سِ ب َتـ ـ ُه ��ا���س الأَحِ َّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِة ُنعَّما َي��ج��ي ُء ِب َ���أن��ف ِ لغويّة رقابية تفر�ض �شروطهاً ،لذلك تراها 14اجلوبة � -صيف 1435هـ
وت�أمّل كرم ال�شنفرى واحترامه ل�ضيوفه� ،إذ يقول:
و�إنْ ُم��دَّت الأي��دِ ي �إلى ال��زا ِد ل ْم �أكُنْ ب���أع��جَ �� ِل��هِ��م� ،إ ْذ �أج�����ش�� ُع ال��ق��و ُم �أعْ ��جَ �� ُل وانظر لب�شار بن بُرد في التّ�سامح� ،إذ قال:
�إِذَا كُ��� ْن���تَ فِ���ي كُ���� ِّل الأُ ُم�������و ِر مُ�� َع��ا ِت�� ًب��ا خَ �� ِل��ي��لَ��كَ َل���� ْم َت��� ْل��� َق ا َّل�����ذِ ي َال ُت�� َع��ا ِت�� ُب�� ْه ِ�����ش وَاحِ �����دًا �أَ ْو �ِ��ص��لْ �أَخَ �����اكَ َف���إِ ِّن�� ُه َف��ع ْ مُ������قَ������ارِفُ َذ ْن��������بٍ مَ�������� َّر ًة َومُ����جَ ����ا ِن���� ُب���� ْه �إِذَا �أنْتَ َل ْم تَ�شْ رَبْ مِ رَارًا َعلَى ا ْل َقذَى َّا�س ت َْ�صفُو مَ�شَ ا ِر ُب ْه ظَ مِ ئْتَ َ ،و�أَيُّ الن ِ َومَ��نْ ذَا ا َّل��ذِ ي ُترْ�ضَ ى �سَ جَ ايَا ُه ُك ُّلهَا �لا �أَنْ ُت�� َع�� َّد مَ�� َع��ا ِي�� ُب�� ْه َك�� َف��ى ال���مَ��� ْر َء ُن�� ْب ً وا�سمع لجرير في الرثاء ،قائالً:
ل����وال ال���ح���ي���ا ُء ل��ه��اج��ن��ي ا���س��ت��ـ��ـ��ع��ب��ا ُر ول��������زرت ق����ب����ركِ وال���ح���ـ���ب���ي���بُ ي�����زا ُر وقف عند امرئ القي�س في حديثه عن الإرادة والطموح ،فيقول:
بكى �صاحبي لما ر�أى ال���درب دون��ه و�أي������ق������ن �أ ّن����������ا الح�����ق�����ان ب��ق��ي�����ص��را ف���ق���ل���ت ل�����ه ال ت���ب���ك ع���ي���ن���ك �إ ّن����م����ا ن�����ح�����اول م���ل���ك���ا �أو ن����م����وت ف���ع���ذرا
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
وكانت عينا عبدالملك ت�سيالن م��اء ،قال: فغ�ضب عليه و�أمر به ،ف�أخرج مهان ًا وقد عرف مو�ضع خطئه .فلمّا كان من الغد دخل في زمرّة النّا�س و�أن�شد:
تتكاثر وتتنا�سل في الأخ�ط��اء؛ لأنَّ الكتُّاب لم يدركوا حجم المغامرة �أو المخاطر التي تكتنف م�سعاها ,في�ؤدي بهم �إلى االنزالق في متاهات لجيّة .لذلك ،يجب �أن تت�ضافر الجهود ل�ضبط فو�ضى الكتابة الإبداعيّة َوفْقَ قواعد اللّغة وف ّنيّة الألفاظ ,و�إيجاد م�ؤ�س�سات رقابيّة لغويّة بو�صفها �ضامن ًا �أ�سا�س ًا لإنتاج ن�ص متما�سك. ف��ي الما�ضي ل��م يكن ال����شُّ �ع��راء ،وال�ك� ّت��اب ال�ضرورات ال�شّ عريّة ,وال الرخ�ص ي�ست�سهلون ّ ال� ّل�غ��و ّي��ة ,و�إن وج��دت فبقلة؛ فكانت الأل�ف��اظ ّ�ص والمعاني تنتظم في تراكيب قويّة تعطي الن ّ ّ�ص مولد ًا لاللتذاذ. الأدب��يّ معنى ,وي�صبح الن ّ ه��ذه ال�����شّ ��روط ه��ي التي �أف ��رزت المتنبي و�أب��ا تمام ,والمعريّ ,وابن الرومي ,وب�شّ ار بن برد, و�أبا نوا�س ,والبحتري ,وه��ؤالء �أحفاد وتالميذ ام��رئ القي�س ,والأع���ش��ى ,وزه�ي��ر ,وطرفة بن العبد ,والنّابغة الذّبياني... فنت�أمّل كالم المتنبي� ،سيد الإن�شاد على كبر قامته ال�شّ عريّة ،وهو يخاطب �سيف الدّولة ،فيقول:
� َ���س�ل�امٌَ ،و�إنْ كَ�����ا َن ال�������سّ �ل�ا ُم َت���حِ ��� َّي���ةً، ف��وَجْ ��هُ��كَ دو َن ال��� ّر ّد يكفي المُ�سَ ِّلمَا
يتربعون على عر�ش �سلم القيم في ك ّل مجاالت الحياة �آتية فخراً؛ لأنَّ المكت�سب العقلي كان م�شغوف ًا في مختلف �صنوف المعرفة ،بدء ًا من اللّغة وانتها ًء بالمعرفة والعلم .كواكب منيرة مل�ؤها بالهيبة وال��وق��ار ال��ذي يلفك بح�ضرة المتنبي وام��رئ القي�س ,رج�لان مَ َلكَا نا�صية اللّغة ,عندما تقف �أمامهما ذات الهيبة والوقار ينتابك �أمام الخوارزمي في الريا�ضيات ،وجابر بن حيان في الكيمياء ،وابن ر�شد في الفل�سفة، واب��ن �سيناء ال�شّ يخ الرئي�س في الطب ,وابن خلدون في االجتماع ,وال��رازي وابن الهيثم في الب�صريات ,رجال عولموا العالم قبل 1400عام قبل �أن ت�صلنا العلوم ,فهموا العربيّة في القديم, ورجالها كانوا �أ ّم��ة ذات حظ �أوف��ر من الثّقافة ف�أثّروا في ثقافات الأمم المجاورة و�أجبروهم على تعلم العربيّة ،وترجمتها ونقل ما فيها من علوم �إلى بالدهم. �أمّا اليوم ،والتّذكر يبعث على الأ�سى ال�شّ فيف يلف المنتج الثّقافي في ذات اللّغة ،فلم الذي ّ ن � َر �إال الطال�سم والأل �غ��از ,و�سف�سطة ,و�شعر منا�سبات ,تمحل ومماحكة ,وك ��أَنَّ النّ�صو�ص تولد والدة قي�صرية غير مكتملة� ,أنزّه العربيّة من �أن �أورد �أمثلة لنماذج �شعريّة تزكم الأنوف, وما دمنا نذكر �أ�شعار ًا على �شاكلة قول المتنبي:
�أَنـا ُم مِ ـل َء جُ فُـوفـي عــن �شَ ـوا ِر ِدهـا ويَ�سْ ـهَـ ُر الخَ ـ ْلـقُ جَ ـ َرّاهــا و َيخـ َت ِـ�صـ ُم
�أي ث�ق��ة ت �م�ل�أ المتنبي ح � ّت��ى ي��دخ��ل ه��ذا �أم � ُّر على �ساحل اللّغة في الزمن الما�ضي التّحدي ,و�أيُّ جعبة ملئت بالنحو ,وثقافة ملئت عندما تطوف بي الذاكرة ،ف�أ�سمع �صدى �صوت باللّغة ،و�أيُّ ب�صيرة يرى بها ب�شّ ار بن برد عندما عظماء ال�شّ عراء و�أقطف من ريا�ض �شعرهم ,قال: �أق��ر�أ �سياقات جزلة ،وتراكيب قويّة ،في �أوج َك��������أَ َّن مُ���� َث����ا َر ال��� َّن���قْ��� ِع فَ������ ْو َق ُر�ؤو� ِ���س��� َن���ا ت�ألقها ،و�صور ًا ف ّنيّة� ،أتذكر قمم ال�شُّ عراء وهم َو�أَ� ْ���س��� َي���افَ��� َن���ا َل��� ْي���لٌ َت����هَ����اوَى َك���وَاكِ��� ُب���ه اجلوبة � -صيف 1435هـ 15
حقاً ،ينتابني الخجل ،عندما �أ�س�أل� :أين فحولة وجزالة وقوة المعلّقات ,والمذهبّات ,والم�سمطات, وال �م �ف �� �ض �ل �ي��ات ,وال��م��خ��ت��ارات ,وال �ح��ول �ي��ات, والمن�صفات ,والأ��ص�م�ع�ي��ات؟ ه��ذه المجاميع ال�شّ عريّة التي ان�ضبطت وَفق عرو�ض الخليل ,ونحو �سيبويه ،والك�سائي وقليل مَن يعرفهم. و�صفوة القول� :إنَّ هذه الورقة �أو المقالة الأدبيّة التي عنيت بالخ�صائ�ص بين القديم والحديث، ف�إنّها لتود ال ّت�أكيد على هذه الخ�صائ�ص المتمثلة في جزالة التّراكيب ،وف�صاحة الألفاظ ،وبالغة ال�سّ ياقات؛ ناهيك عن الأ�ساليب التي عك�ست امتالك الأدب ��اء للمعرفة اللّغويّة العميقة بما ت�ضمّنته من معانٍ وقيمٍ �إن�سانيّة ,و�صور ف ّنيّة و�أدبيّة� ،أ�شبه ما تكون بلوحة ف ّنيّة متكاملة ,ك ّل 16اجلوبة � -صيف 1435هـ
ومن �أجل تحقيق هذا� ،صنع النّقاد كتب ًا تدل عناوينها الجميلة على م�ضامينها الأجمل .وتذكر الورقة �أمثلة للتدليل على هذا من عناوين كتبهم، نحو :قرا�ضة الذهب في نقد �أ�شعار العرب البن ال�صدى الب��ن ه�شام ر�شيق ,وقطر ال� ّن��دى وب � ّل ّ الأن���ص��اري ,ونفخ الطيب م��ن غ�صن الأندل�س الرطيب للتلم�ساني ,والذّخيرة في محا�سن �أهل الجزيرة الب��ن ب�سّ ام ال�شّ نتريني .ن��رى �أ�سماء م�ؤلفات ك�شفت عن ارتفاع الذّوق ورقيه؛ �إذ كان الغذاء للعقل والنّف�س والروح ،بحق تهفو القلوب �إلى تلك الثّقافة العربيّة ،وال�شّ وق يغمر عقولنا �إلى �أن نرى ن�صو�ص ًا �إبداعيّة تحاكي تلك المرحلة.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
�صورة لمعركة وو�صف دقيق ,والرجل كفيف م�شهد فيها غاية في الدّقة والجمال والتّنا�سق، الب�صر ،وعندما ُي���س��أل :م��ن �أي��ن �أت�ي��ت بهذه الذي ما عدنا ر�أيناها. ال�صورة ال�شّ عريّة و�أنت �أعمى؟ الجواب :الأذن ّ ولقد �أ ّك��د الأوائ��ل الذين عملوا في الم�ؤ�س�سة تع�شق قبل العين �أحياناً؛ �إنه تفعيل كامل لحوا�س اللّغويّة والأدب� ّي��ة والنّقديّة على ت�ضافر الجهود، الإدراك. ه� ��ؤالء ،ه��م ف��ر��س��ان ال �ك�لام وع�ل�م��اء ذلك ليبعدوا النّ�صو�ص الإبداعيّة عن الركاكة ،وينقذوها الع�صر .هذه هي عربيّة الم�شرق العربي ..و�إذا من االبتذال ,فلن تجد ن�ص ًا �إبداعي ًا يحوي لفظ ًا ما يمّمت وجهك للمغرب �آنذاك ,فلن تجد �أقل حو�شي ًا �أو عامي ًا �ساقطاً ,وال غريب ًا م�ستهجن ًا �أو منه ،مثل :ابن �شهيد ،والأعمى التطيلي ،و�أبي نادراً ,ف�إنَّه حق المعنى ال�شّ ريف واللّفظ ال�شّ ريف. البقاء الرندي ,وابن زيدون. ولقد راعت العربيّة خ�صو�صية المخاطب ورتبته ومهما قلت ف��ي العربيّة ومكت�سبها الثّقافي فن�صوا على قاعدة لك ّل مقام مقال, والعقلي ,لن تفيها حقها ,لأني كلما طرقت باب ًا من االجتماعيّة؛ ّ �أبوابها� ،أو دخلت محراب ًا من محاريب العلم والأدب ولك ّل مقال مقام؛ فال مجال ل�سماع مَن لم ي�صطنع فيها� ,أ�ست�شعر قدا�سة غاية في الطهر والنّقاء ,عبارة مهذبة ,وال فر�صة لمن لم يح�سن التّخل�ص تلفُّ الزمان والمكان؛ لأنّها لغة تفرق بين المُقدّ�س �أو ال يعرف البدايات ال�شّ عريّة الجميلة في مفتتح والمُدنّ�س في الألفاظ والمعاني ،كما في ك ّل حقل خطابه ال�شّ عري ,وال مكان لمن ال يعرف كيف م��ن حقول المعرفة ,وتملك ال �ق��درة ،ف��ي الوقت ّ�ص ال�شّ عري. نف�سه ،على الف�صل والو�صل بين الأ�صل والمقلد .يحقق مبد�أ اللّياقة في الن ّ
لغ ُتنا هوي ُتنا: َ كيف ن�صو ُنها؟ ■ الزبري مهداد -املغرب
�إن م�شكل اللغة العربية مو�ضوع ال�ساعة ،وك��ل ال�ساعات ،و�سيظل ه��ذا الم�شكل مطروحا للنقا�ش الحيوي ،ما دمنا لم نفلح في ت�شخي�ص �أ�سباب التردي اللغوي و�ضعف ا�ستيعابنا لهذا الوعاء العلمي والح�ضاري ،والتراجع في م�سيرة ن�شره وبث محبته داخل الن�سيج االجتماعي العربي وبين الأمم ،في الوقت الذي نقف �شاهدين مكتوفي الأيدي �أمام الغزو ال�شنيع القوي للهجات غير الف�صيحة واللغات الأخرى. فف�ضال عما تمثله اللغة العربية من �أهمية في التوا�صل االجتماعي ،وتعبيرها عن حاجات النا�س و�أفكارهم ،ودورها في نموهم العقلي والوجداني واالجتماعي ،ف�إن تقويتها ودعمها وبثها ون�شرها يكت�سب �أهمية دينية و�سيا�سية وح�ضارية واجتماعية ،وبخا�صة في هذا الظرف الدقيق ال��ذي تعي�ش فيه دول العالم العربي الإ�سالمي ت��ح��وّالت اجتماعية خانقة بت�أثير العولمة؛ فالأخطار المحدقة بها تهددها بالتفكك و�ضياع هويتها ،والنا�شئة ت�سعى لم�سايرة الأح��داث والتغيرات الطارئة ،وتتخلى في المقابل عن �أ�صالتها وهويتها الثقافية .والم�ؤ�س�سات التعليمية مطالبة بتنفيذ برنامج تعليمي يولي �أهمية ق�صوى لتقريب النا�شئة من التطورات التكنولوجية الحديثة في مجال التوا�صل والمعلومات ،التي ال تخلو من حمولة ثقافية غربية تزيد من تعميق الأزمة وت�ستعجل التحوالت. الثقافة ذاكرة �أمة واللغة �أهم م�صادرها ف��ي ه��ذا ال�ع���ص��ر ،ع�صر ال�ع��ول�م��ة ،ال��ذي �أ�صبحت فيه الثقافات القوية تلتهم الثقافات ال�ضعيفة ،م��ا ي�ه��دد ال�ه��وي��ات باال�ضمحالل،
برزت الحاجة الملحة �إلى تعزيز الهوية المهددة وتعميقها ،وك��ذا الذاتية الثقافية المخترقة، لأج��ل �إق��داره��ا على ال�صمود ومواجهة الغزو و�آث ��ار العولمة الكا�سحة ،الم�سلّحة بالثورة التكنولوجية وو�سائل االت�صال الحديثة ،التي اجلوبة � -صيف 1435هـ 17
18اجلوبة � -صيف 1435هـ
المماليك :الهوية لغوية ولي�ست عرقية اللغة �أه��م العنا�صر ال�ت��ي ت�شكّل الهوية، والهوية اللغوية �أقوى ت�أثيرا ور�سوخا في النف�س م��ن ال�ه��وي��ة ال�ع��رق�ي��ة ،وخ �ي��ر م �ث��ال ل��ذل��ك هو المماليك ،فتاريخهم و�سيرتهم و�آثارهم تقدم لنا حجة قوية على �أهمية الهوية اللغوية. فالمماليك تم ا�ستقدامهم وجلبهم �صغارا �أو مراهقين من قوميات غير عربية كالتركمان والفر�س والروم وغيرهم ،ومع ذلك فقد �أبانوا عن ت�شبث قوي بالهوية العربية الإ�سالمية ،برز في �سيا�ستهم وتعاملهم وكل خططهم. والف�ضل في ذلك يحوزه ال�سالطين الذين عنوا بتر�سيخ الهوية العربية الإ�سالمية في نفو�س المماليك الذين ا�ستقدموهم �صغارا في مرحلة الطفولة القابلة لت�شكيل الهوية وتحديدها .ولما ك��ان التعليم هو المدخل المهم لغر�س القيم والتقاليد وتر�سيخ الهوية؛ فقد اهتم ال�سالطين بنظام التربية ،ف�أخ�ضعوا المماليك لتكوين دقيق ،قوامه نظام درا�سي يبد�أ بحفظ القر�آن الكريم ،ومبادئ العربية والكتابة ،ثم درو�سا في علوم الدين الإ�سالمي و�آداب اللغة العربية، وذلك كان ال يقل �أهمية عمّا يتلقونه من تدريبات ع�سكرية وريا�ضية ،ليكون بداية �أمرهم على الإ�سالم والثقافة العربية( .)3وكان ي�شرف على تعليمهم الفقهاء والم�ؤدبون والمدربون ،فت�شربوا
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
تعتمد لغات وتقاليد وقواعد غريبة ودخيلة على ثقافات مجتمعاتنا ،تهدد ثقافاتنا بال�ضمور والتفكك� ،أو الذوبان في ثقافات �أخرى مناف�سة. وعندما نتحدث عن الثقافة ،ف�أهم م�صادرها وعنا�صرها هي اللغة العربية والتراث .ولي�ست اللغة مجرد �أداة للتعبير ونقل الأفكار ،ولكنها لغة فكر �أي�ضا وق��واع��د تفكير و�سلوك وقيم؛ فالقر�آن الكريم حمّل اللغة العربية �شحنة وا�سعة من القيم والمبادئ ،وجعلها الإ�سالم لغة عقيدة وثقافة وخطاب وتوا�صل؛ ولذلك ،ف�إن االهتمام باللغة العربية ي�أتي من جانبين� :أولهما ديني، بو�صفها لغة ال�ق��ر�آن الكريم وال�سنة النبوية؛ وثانيهما قومي في المحافظة عليها حفاظا على التراث القومي العربي الثقافي والفكري. يقول هيجل« :اللغة وعاء الفكر» .فلوال اللغة التي تحفظ الفكر لتبعثر ه��ذا الفكر ،وحتى التفكير داخ��ل ذوات �ن��ا يتم م��ن خ�لال اللغة، لذلك قيل�« :إن التفكير ال�صامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية هو – في الحقيقة – مونولوج داخلي يتم بين الذات ونف�سها» .فاللغة ت�سيطر على كامل تفكيرنا�� ،س��واء ك��ان هذا التفكير داخليا بيننا وبين ذواتنا� ،أو خارجيا بيننا وبين الآخرين .ويقول الأديب يحيى حقي: «�إن اللغة قالب الفكر ،ف ��إذا كان هذا القالب مك�سورا ،فالفكر يكون مك�سورا ،ف�أنت ال ت�ستطيع �أن تفكر تفكيرا �صحيحا �إال بلغة �صحيحة»(.)1 فتعلّم اللغة و�إتقانها وامتالك نا�صيتها ي�ؤدي �إلى تقديرها والتم�سّ ك بها ،ويي�سر ا�ستعمالها ا�ستعماال �صحيحا ف��ي االت���ص��ال ب��الآخ��ري��ن، تحدثا وكتابة وا�ستماعا وقراءة ،وتكوين عادات لغوية �سليمة ،الأمر الذي يتيح تحقيق الم�صالح الم�شتركة وال�ت�ف��اه��م وال �ت �ع��اون والإح���س��ا���س
باالنتماء للجماعة .فاللغة العربية �أهم �أوعية الثقافة العربية وتراثها الغني المتنوّع( .ويكفي لال�ستدالل على �أهمية اللغة �أن نعرف قدرتها على �أن تكون رابطا اجتماعيا محكما ،باعتبارها و�سيلة توا�صل ثقافي فعال ،ومن هنا ،تعد �إجادة اللغة تنمية ل�ل��والء الثقافي ل�ل�أم��ة ،وال��وط��ن، والمجتمع ،والأ�سرة)(.)2
الثقافة العربية الإ�سالمية ،ون�ش�أوا على التم�سُّ ك بالدين والتقاليد الإ�سالمية والعربية(.)4 فا�ستوعب المماليك هذه الثقافة وت�شرّبوها، و�أج��اد كثي ٌر منهم اللغ َة العربية و�آداب �ه��ا ،بل وا�شتغل بع�ضهم بالعلم والأدب فكان منهم �شعراء وم�ؤلفون ،قال ابن �إيا�س عن ال�سلطان الم�ؤيد �شيخ�« :إنه كان عارفًا بالمو�سيقى وال�شعر» وقال عن الظاهر جقمق« :كان ف�صيحً ا بالعربية متف ِّقهًا ،له م�سائل في الفقه عوي�صة يُرجع �إليه فيها» .وق��ال عن ال�سلطان الأ��ش��رف قايتباي: «كان له ا�شتغال بالعلم ،كثير المطالعة ،وكان متق�شِّ فًا فيه نزعة �صوفيَّة»(.)5 وه���ؤالء المماليك الذين ت�شبعوا بالثقافة ال�ع��رب�ي��ة بف�ضل ال�ت�ك��وي��ن ال ��ذي خ�ضعوا ل��ه، ا�ستبدلوا هويتهم العرقية بالهوية اللغوية ،فغدا الإ� �س�لام وال�ع��روب��ة هوية ج��دي��دة لهم ،تجلّت خالل توليهم الحكم �آثار هويتهم في منجزات عملية مهمة ،منها عنايتهم بالدين وم�ؤ�س�ساته، ون�شرهم التعليم العربي وت�شجيعهم ودعمهم للثقافة ال�ع��رب�ي��ة و�آداب��ه��ا ف��ي ب �ل��دان ال�شرق الأو�سط التي كانت تخ�ضع لحكمهم وهي م�صر وبالد ال�شام ومناطق من العراق. ك�م��ا ظ� َه��ر م��ن �أب �ن��اء المماليك ع ��د ٌد من العلماء والم�ؤرِّخين ،منهم :اب��ن تغري بردي وابن دقماق (ت 809هـ1407/م) ،وابن �إيا�س، على الرغم من �أن ه��ؤالء لم يكونوا من �أ�صول عربية �إ�سالمية ،و�إنما تن�شئتهم في �صباهم هي التي �أك�سبتهم الهوية العربية الإ�سالمية وجعلهم يت�شبثون بها وينافحون عنها. وما يقال عن المماليك ك�أفراد يقال �أي�ضا ع��ن ب�ل�اد الأن��دل ����س وم���ص��ر و��ش�ع��وب �شمالي �إفريقيا وغيرها .فبف�ضل التعليم ا�ستبدل النا�س
هويتهم العرقية بالهوية اللغوية ،وتولّدت الهوية من خالل التفاعل اللغوي االجتماعي للذوات، وانتقلت اللغة بالتالي من الوظيفة التوا�صلية �إلى الوظيفة الوجودية .وهذا ما يبرهن على العالقة الجدلية بين اللغة والهوية ،فاللغة العربية التي دخلت بحمولتها �إلى البلدان الم�سلمة �أ�س�ست �صرح هويتها الثقافية والح�ضارية(.)6 التعليم محقن العقول �إن العمل التربوي بكل �أ�شكاله من تن�شئة اجتماعية وتعليم �أو تدريب� ،سواء في المدار�س �أو الم�ساجد �أو المنازل والزوايا �أو غيرها من الم�ؤ�س�سات ،هو و�سيلة المعرفة والتكوين ،وهو �أي���ض� ًا المحقن ال��ذي يحقن ع�ق��ول وع��واط��ف النا�شئة بقيم المواطنة وم �ح��ددات هويتهم الدينية والثقافة التي �ستطبع �شخ�صياتهم وتر�سم طريقهم وت�ؤطر ا�ستجاباتهم و�سلوكهم. وق��د تبين لنا من در���س المماليك� ،أهمية وقيمة الدور الذي قام به الم�ؤدبون والمعلمون وال���ش�ي��وخ ال��ذي��ن ت�ع�ه��دوا ال�م�م��ال�ي��ك �صغارا بالتربية والتدريب والتعليم والتكوين .والوعي الذكي الذي تمتّع به الملوك الذين �أدركوا �أهمية التعليم في الطفولة ،وهي الفترة الذهبية من عمر الن�شء ،فا�ستثمروا فيها ما وجهوه للمماليك من عناية ب�أخالقهم ودينهم وتعليمهم ،ما �أثمر نخبا ع�سكرية و�سيا�سية مت�شبّعة بالهوية العربية الإ�سالمية ومكوناتها الدينية واللغوية والثقافية، مندمجة ف��ي مجتمعها؛ فعظّ مت الإ���س�لام، ودافعت عن العروبة ،وحمت ا�ستقالل ال�شعوب ال�ع��رب�ي��ة ،وح��ر��ص��ت ع�ل��ى نه�ضتها وتقدمها و�إ�سهامها بحظها في م�سيرة التقدم الإن�ساني ب�إنتاج غزير ،مادي ومعنوي. �إن التعليم يجب �أن يحر�ص على ت�أ�صيل
اجلوبة � -صيف 1435هـ 19
�صرخة ابن خلدون يعد ابن خلدون (ت 808ه �ـ) من بين �أهم الذين لفتوا النظر �إل��ى م�ساوئ ط��رق التعليم وف�شلها في تمكين المتعلم من ا�ست�ضمار الن�سق اللغوي و�إتقان التوا�صل باللغة العربية؛ ف�أ�شار بو�ضوح �إلى �أن التمكّن من نا�صية اللغة ال يتم م��ن خ�لال حفظ الن�ص �أو فهم م��ا يلقى �إل��ى المتعلم ،بل ال بد من ط��رق توا�صلية تفاعلية متجددة .ويقترح ابن خلدون �أن يتم التفاعل من خالل در�س يعتمد الجدل والحوار بين المعلم والمتعلم ،باعتبار ذلك من �أهم و�سائل تمكين المتعلم من امتالك مهارات التعبير والتوا�صل والتعاي�ش وتدريبه على فنون ال�ح��وار وقبول االختالف في الم�سائل العلمية ،فهو الذي يقرب 20اجلوبة � -صيف 1435هـ
عيوب التعليم التلقيني �إن �إتقان هذه المهارات اللغوية (اال�ستماع، التحدث ،القراءة وفهم المقروء) يعتمد �أ�سا�سا على قابلية الطفل على ال�شعور بعمق� ،إال �أن ذل��ك غير متاح لمتعلمينا؛ لأن ط��رق التعليم التلقينية تحرمهم م��ن ذل��ك .ونتيجة غياب فر�صة هذا ال�شعور في مدار�سنا ،فقد ظل تعليم اللغة العربية في مدار�سنا متدهورا ،وخريجو هذه المدار�س ،و�إن كانوا يتقنون بع�ض مهارات القراءة والكتابة ،ف�إنهم ال يتقنون ا�ستعمال اللغة الف�صيحة بالتلقائية المطلوبة( ،وال يتقنون ال�ت�ح��دث ب�ط�لاق��ة ف��ي واق ��ع اال��س�ت�ع�م��ال ،لأن مناهج التعليم وطرقه �أهملت مهارات اال�ستماع
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
عنا�صر الهوية في وج��دان الن�شء ،من خالل تعليم اللغة والثقافة القوميتين اللتين تعدان من �أهم مكوناتها ،حتى ي�ستطيع الن�شء مقاومة الت�أثيرات ال�سلبية للعولمة؛ فالتم�سك بالهوية الأ�صيلة واللغة القومية �شرط �ضروري للحيلولة دون ا�ضمحالل الهوية �أو ذوبانها� ،إال �أن تعليم اللغة ،لم يكن دوما يتم ب�شكل يبعث على الر�ضا واالرت�ي��اح� ،إذ ك��ان مو�ضوع مالحظات كثيرة. وجهت �سهام النقد لهذا التعليم واتهمته بالف�شل في النهو�ض باللغة العربية وتمكين المتعلمين من امتالك نا�صيتها وتطويعها. وه��ذه االن �ت �ق��ادات لي�ست ول �ي��دة ع�صرنا؛ فمنذ قرون عديدة ،جهر كتاب ومثقفون بهذه االنتقادات ،منهم الجاحظ (ت 255هـ) م�ؤلف البيان والتبيين ،وابن العربي (ت 543هـ) في كتاب رحلته ،وابن خلدون وا�ضع المقدمة ،وابن الأزرق (ت 896ه� �ـ) م�صنف رو��ض��ة الإع�لام بمنزلة العربية من علوم الإ�سالم.
�ش�أنها ويح�صل مرامها. ي�ؤكد ابن خلدون «�أن التعليم التلقيني يجعل المتعلم ع��اج��زا ع��ن الت�صرف بالعلم ال��ذي حفظه ،فتجد طالب العلم منهم ،بعد ذهاب الكثير م��ن �أع�م��اره��م ف��ي م�لازم��ة المجال�س العلمية�� ،س�ك��وت� ًا ال ينطقون وال ي�ف��او��ض��ون؛ وعنايتهم بالحفظ �أك�ث��ر م��ن الحاجة»، «فال يح�صلون على طائل م��ن ملكة الت�صرف في العلم والتعليم؛ ثم بعد تح�صيل مَ ن يرى منهم �أنه قد ح�صل ،تجد ملكته قا�صرة في علمه� ،إن فاو�ض �أو ناظر �أو علَّم .وما �أتاهم الق�صور �إال من قبل التعليم وانقطاع �سنده ،و�إال فحفظهم �أب�ل��غ م��ن حفظ ��س��واه��م ،ل�شدة عنايتهم به، وظنهم �أنه المق�صود من الملكة العلمية؛ ولي�س كذلك». ويقترح �أن يعتمد التعليم طرقا جديدة تقوم على التوا�صل الحر بين المعلم والمتعلم، الذي يتيح لقدرات المتعلم ومهاراته التوا�صلية البروز ،ويمكنها من الن�ضج والتطور ،يقول ابن خلدون �شارح ًا فكرته« :و�أي�سر طرق هذه الملكة، فتق الل�سان بالمحاورة والمناظرة في الم�سائل ويح�صل ّ العلمية :فهو الذي يقرّب من �ش�أنها، مرامها». التعليم لرت�سيخ الهوية ملواجهة العوملة �إن تطوير �أ�ساليب تعليم اللغة العربية وطرقه ك��ان مطلبا قديما ،وال�ي��وم �أ�صبح ملحّ ا �أكثر من �أي وقت م�ضى ،لأن��ه �سالحنا في مواجهة ت��أث�ي��ر العولمة ال�ك��ا��س��ح ،ال ��ذي ي�ه��دد الهوية العربية الإ�سالمية ومكوناتها باال�ضمحالل والذوبان ،في ظل �سيادة وهيمنة الثقافة الغربية الم�سلحة بالتكنولوجيا الحديثة واالقت�صاد القوي والتر�سانة الع�سكرية والنظم ال�سيا�سية واالجتماعية الليبرالية ،والتي ت�سعى لتوحيد
الكرة الأر�ضية تحت قيادتها. وق��د ب��د�أن��ا نلم�س نتائج ه��ذا التهديد ،في حياتنا اليومية و�أن��م��اط عي�شنا وتوا�صلنا، وم�ضامين �إعالمنا ،نتيجة �إح�لال قيم ثقافية جديدة تت�صل بالح�ضارة الغربية وال ترتكز �إط�لاق� ًا على جذورنا الثقافية ،حتى �أ�ضحينا ن�ت��وا��ص��ل ع�ب��ر ال�ه��ات��ف ون �ق��ر�أ ف��ي الو�سائط الإعالمية كالما عربيا بحروف التينية �أو عامية محلية يمجّ ها ال��ذوق ال�سليم؛ َف َت َن َّكرْنا لهويتنا وتقاليدنا وح�ضارتنا وثقافتنا الأ�صيلة. فمن وظائف المدر�سة تعليم اللغة وتلقينها للمتعلمين حتى تكون و�سيلتهم لإب��راز هويتهم و�صونها ،واكت�شاف القيم الح�ضارية الإ�سالمية وال��وط �ن �ي��ة ،وال�ت�ف�ت��ح ع�ل��ى ال�ب�ي�ئ��ة الطبيعية والمحيط االجتماعي والحقل الثقافي ،ولإك�ساب �شخ�صياتهم التوازن الوجداني والفكري وتذوق جمال الأ�شياء وجمال الفعل الإن�ساني وجمال الكلمة واللغة� ،إل��ى جانب �إك�سابهم مهارات التوا�صل عن طريق اللغة كتابة وقراءة ومحادثة.
والتعبير ال�شفهي ،بل �أهملت اللغة كلها بو�صفها �أداة تبليغ «توا�صل» في الحياة عموما)(.)7 ال �ط��رق التعليمية ال���س��ائ��دة ف��ي مدار�سنا وداخل ف�صولنا الدرا�سية� ،إنما هي مجرد طرق تبليغ تقليدية تلقينية متوارثة ،ومقومات هذه الطرق تك�شف عن الت�صور المعطى لمكونات العملية التعليمية ولأ�شكال العالقات القائمة بينها ،وهذه المقومات هي: .1محورية المعلم ال��ذي يلقّن ويقرر ويحدد وينظم. .2ت�ج��زئ��ة ال �م��واد ال��درا��س�ي��ة وترتيبها وف��ق اعتبارات منطقية. .3ق�صور المتعلم و�سلبيته في مواقف الن�شاط والتعلم ،بو�صفه عن�صرا منفعال فقط(.)8 وق��د ك��ان ال��دك�ت��ور ن�ه��اد المو�سى �شجاعا جريئا حين �صارحنا بالحقيقة المرة (لي�ست لممار�سات المعلمين �أي نهج علمي وا�ضح منظم ،...فال�صورة ال�سائدة عن معلم اللغة العربية هو �أنه معلم غير متخ�ص�ص ،وال يتميز ب��أن��ه ي�ت�ن��اول م��ادة من�ضبطة ب��أ��ص��ول يتطلب تعليمها وعي علم ذلك كله.)9().. وم��ن م�ساوئ الطرق التعليمية القائمة في مدار�سنا �أنها تركز على تحفيظ التلميذ بع�ض ال �ع �ب��ارات وال�ت��راك�ي��ب وق��واع��د ال�ل�غ��ة ،وي�سود االع�ت�ق��اد ب� ��أن ال�سبيل ال��وح�ي��د لتعليم اللغة هو تلقين قواعدها المجردة للتلميذ؛ فتبذل المدر�سة ق���ص��ارى جهدها لتعريف التلميذ �أجزاء الكالم ،وت�صريف الفعل ،وغير ذلك من القواعد التي ال تمكن من اال�ستعمال الفعلي للغة في واقع الخطاب(.)10 يقول هايمز (« )Hymesاللغة لي�ست �أنماط ًا
اجلوبة � -صيف 1435هـ 21
اللغة ممار�سة حيّة قال هنري كوك ،وهو �أحد �أهم الباحثين في تعليم اللغة�« :إن تعليم الطفل اللغة والتمكن منها ال يت�أتيان من القراءة واال�ستماع التقليديين ،بل من الحركة والفعل والتجربة»(.)13 فال بد� ،إذاً ،من ن�شاط لغويّ فعليّ يمار�س خالله المتعلم ح�صيلته اللغوية من مفردات وت��راك �ي��ب و�أ� �س��ال �ي��ب ت�ع�ب�ي��ري��ة ف��ي مختلف الو�ضعيات وال��وظ��ائ��ف؛ فهذا اال�ستخدام هو ال ��ذي ي�ه��ب ال �ح �ي��اة للكلمات ال�م�خ�ت��زن��ة في الذاكرة� ،إذ (�إن كل كلمة تبدو في حد ذاتها كما لو كانت �شيئا ميتا ،وما الذي يعطيها الحياة؟ �إنها تكون �شيئا حيا �أثناء ا�ستخدامها ،فهل دبت فيها الحياة بهذا ال�شكل �أو �أن اال�ستخدام نف�سه هو حياتها؟)(.)14 22اجلوبة � -صيف 1435هـ
الأن�شطة �أداة التمهير �إن تنمية ال �م �ه��ارات اللغوية يتوقف على ممار�سة اللغة ممار�سة حيويّة فعّالة ومخططة وموجهة �إلى تحقيق هذه الأهداف؛ بدل االكتفاء بما يلقى في الدرو�س ال�صفية التي تعتمد على التلقين وتتو�سل بتمارين الكتاب المدر�سي. وعلى ذل��ك ،ينبغي على المدر�سة �أن تعمل على توفير كافة الو�سائل الممكنة التي ت�شعر بحيوية اللغة وفاعليتها ،وكذلك توفير كافة الفر�ص لممار�ستها وتج�سيدها تج�سيد ًا يرتبط فيه اللفظ بالمدلول واللفظ بالمعنى ،لتمكين المتعلمين م��ن �إح �ي��اء م��ا ي�ت��واف��ر لديهم من
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
و�صيغ ًا وتراكيب جامدة؛ بل و�سيلة للتعبير عن وظائف مختلفة ،كالطلب ،والترجّ ي ،والأم��ر، وال �ن �ه��ي ،واال� �س �ت �ف �ه��ام ،وال �ت �ق��ري��ر ،وال�ن�ف��ي، والإث�ب��ات ،وغيرها من الوظائف التي ي�صعب ح�صرها»(.)11 ف��ال�ل�غ��ة ،ل�ه��ا وظ�ي�ف��ة ت��وا��ص�ل�ي��ة وه ��ي �أه��م وظائفها؛ لذلك يظل تطوير تعليم اللغة العربية و�إ�ضفاء طابع الحيوية على تعليمها ،وتحريرها من الجمود �أم��را �ضروريا ،والجمود يكمن في �أنماط التعليم التقليدية القائمة في مدار�سنا التي تعلّم اللغة ب�شكل ممل ومرهق(.)12 فاللغة العربية مرتبطة بمادتين درا�سيتين تقليديتين اثنتين ،وهما م��ادة اللغة العربية، ومادة الدين� .أما المواد الدرا�سية الأخرى ف�إنها ال تدعم تعليم اللغة العربية في �شيء ،بل ت�سيء �إليها؛ لأنها تقدم بلغات هجينة ،هي خليط لغوي من عربية ولهجة محلية وم�صطلحات �أعجمية.
�إن النمو اللغوي يكون نتيجة تفاعل ،لذلك ف�إننا ال ن�ستطيع تنمية لغة الطفل بالتكلم معه فقط ،بل يجب �أن نتيح له الفر�صة ليقوم بتعلم ذاتي ،يمار�س اللغة ويجرب فر�ضياتها ويتحقق من �صدقها �أو خطئها ،ويركب ويفكك ويعبر ويفهم ويف�سر ويت�ساءل وي�ستح�ضر �إج��اب��ات ويبدع ويتخيل. يقول الأ�ستاذ نعيم عطية في كتابه التقييم التربوي الهادف «�إن المهارات اللغوية جميعها التي تنطبق على �أية لغة تنطبق �أي�ضا على اللغة العربية الف�صيحة ،والتي يمكن �أن نجملها في: ( )1الفهم ال�سماعي ( )2الكالم والخطاب ( )3القراءة ( )4التعبير الكتابي»(.)15 واالت �ج��اه ف��ي التربية الحديثة ي��رم��ي �إل��ى التمهير ال �إلى التحفيظ والت�سميع ،والتمهير هو الأداء المتقن في الوقت والجهد والقائم على الفهم ،و�سبيل ذلك الممار�سة والتكرار ،على �أن تتم الممار�سة في مواقف حيوية ومتنوعة وب�صورة طبيعية وقائمة على الفهم و�إدراك العالقات والنتائج.
تراكيبها و�ألفاظها ومعانيها ،وتنميتها من خالل الأن�شطة التربوية اللغوية التي تتيح ممار�سة اللغة ،ممار�سة واقعية حيوية باعثة على المتعة. ويُق�صد بالأن�شطة التربوية اللغوية الأل��وان المتنوعة من الممار�سة العملية للغة التي ت�ستغرق فنونها الأربعة( :الحديث ،والكتابة ،والقراءة، واال�ستماع) ،يقوم بها التالميذ برغبتهم داخل ح �ج��رات ال��درا� �س��ة ب�شكل م�صاحب للدر�س وخارجها كن�شاط حر م��واز للمنهج الدرا�سي، وي�ستخدمون فيها اللغة ا�ستخدام ًا موجها في المواقف الحيوية والطبيعية. فالأن�شطة اللغوية من الو�سائل الفعالة لتعليم اللغة ،لذلك ت�ستعين بها المدر�سة الحديثة في الأنظمة التعليمية المتقدمة لبلوغ �أهداف تعليم اللغة ،لأنها تتيح تعلّم اللغة بالتقليد والمحاكاة والممار�سة ال�سليمة ف��ي م��واق��ف ح� ّي��ة ت�شبه مواقف الحياة الطبيعية التلقائية. وتعد الأن�شطة الم�سرحية من �أهم الأن�شطة اللغوية التي تحقق ذلك ،فالم�سرح يمنح فر�صا مهمة لممار�سة اللغة ،لأنه حركة وفعل وحياة، وبخا�صة �إذا كانت الم�سرحية تت�ضمن فنونا �أخرى كالغناء والرق�ص التعبيري ،فالطفل يعي�ش اللغة ويمار�سها معبرا عن مختلف المواقف والم�شاعر ال�ت��ي تفر�ضها الأل �ع��اب التمثيلية الم�سرحية ،فتنمو لغته وتتطور ،وبخا�صة �أن تلميذنا يعي�ش تمزقا لغويا نتيجة البون ال�شا�سع بين لغته الأم واللغة التعليمية ولغة ال�شارع(.)16 والم�سرح بحواره و�آداب��ه وتقنياته وحركاته وم��ا يثيره ف��ي المتتبع والممثل م��ن م�شاعر و�أحا�سي�س ،وما يتطلبه من قدرات وتدريبات، كفيل �إذا �أح���س��ن ا�ستثماره وا�ستغالله ب ��أن ينمّي في المتعلم كثيرا من المهارات اللغوية،
كمهارات اال�ستماع ،و�إلقاء الكالم ،والقراءة، والتعبير الكتابي. كما ينبغي ت�شجيع المتعلمين على القراءة ال �ح �رّة ،وغ��ر���س محبة الكتاب ف��ي نفو�سهم، وتكري�س تعلقهم بالثقافة المكتوبة ،لمواجهة ال�ع��زوف عن ال�ق��راءة �أم��ام االنت�شار الطاغي للثقافة ال�شفوية وثقافة ال�صورة في ع�صرنا، بفعل الت�أثير المدمّر لو�سائل الإعالم الترفيهي على حياتنا االجتماعية والثقافية .فالتعامل م��ع ال�ث�ق��اف��ة المكتوبة يتطلب ج �ه��دا عقليا، وينمي ال��ذوق الأدب��ي والجمالي ،وي��درب على ترتيب الأفكار ،وفهم المقروء ،ويك�سب ر�صيدا معجميا� ،إلى جانب غايات كثيرة تتحقق بف�ضل القراءة الحرة للكتب والمجالت ،والتي ي�ضيق المجال ب�إح�صائها. الأطفال والنا�شئة في الأو�ساط الريفية �أولى بالعناية ،لقلة �إمكانات الح�صول على الكتاب المطبوع ،وينبغي التفكير في �إقامة موزعات �آلية للكتب في الم�ؤ�س�سات التعليمية وال�ساحات والأم��اك��ن العامة ومحطات الم�سافرين .هذه الموزعات الآلية التي تفرج عن الكتاب مقابل قطعة نقدية معدنية ،مثل ال�م��وزع��ات الآلية للم�شروبات والحلويات ،كفيلة بت�سهيل الو�صول �إلى الكتاب وترويجه على �أو�سع نطاق .وحبذا لو تنظم الم�ؤ�س�سات التعليمية حفالت توقيع كتب ومعار�ض �ضمن فعاليات �أن�شطتها المو�سمية وغير المو�سمية. �إلى جانب تنظيم مناف�سات في حفظ القر�آن الكريم وترتيله ،والحديث ال�شريف ،ون�صو�ص ال�شعر ال�ع��رب��ي القديمة وال�ح��دي�ث��ة ،وتفعيل الإعالم الثقافي المدر�سي ،يجعل من كل طفل كاتبا وقارئا وناقدا ذكيا ،وفاعال في بيئة ثقافية
اجلوبة � -صيف 1435هـ 23
هذه مجرد �أمثلة مقت�ضبة للأن�شطة التربوية اللغوية ال�ت��ي يمكن �إقامتها ف��ي الم�ؤ�س�سات التعليمية ،ون�ج��د ف��ي ال��درا� �س��ات الأكاديمية وكتب التربية واللغة� ،أمثلة �أخرى كثيرة لأن�شطة متنوعة ومختلفة تنمّي المهارات اللغوية لدى الأطفال والنا�شئة. وع��دم االل�ت�ف��ات �إل��ى �أهمية ه��ذه الأن�شطة
( )1حداد ،محمد :الخطر على العربية خطر على ثقافة العرب العلمية ،مجلة العربي (الكويت) العدد ،663 يناير 2014م� ،ص.19 : ( )2ال�سبعان ،ليلى خلف :المواطنة اللغوية ،مجلة العربي (الكويت) العدد ،663يناير 2014م� ،ص.14 : (� )3أبو علي ،نبيل خالد :المعطى الداللي ل�شعر المديح وطابعه الديني في ع�صر �سالطين المماليك والعثماني؛ مجلة الجامعة الإ�سالمية ،المجلد 15العدد ( 2يونيو 2007م)� ،ص .141 ( )4ماجد ،عبدالمنعم :نظم دولة �سالطين المماليك ور�سومهم ،القاهرة :مكتبة الأنجلو1979 ،م� ،ص .19-15 ( )5ابن �إيا�س :بدائع الزهور في وقائع الدهور ./http://www.alukah.net/Culture/1042/34934 (� )6أخ العرب ،عبدالرحيم :اللغة العربية بالمغرب ،بين لغة الهوية وهوية اللغة ،مجلة علوم التربية ،العدد ،58 يناير 2014م� ،ص 105 ( )7بو�شحدان ،ال�شريف ،طرائق تعليم اللغة لغير الناظقين بها ،الفي�صل العدد ( 250ربيع 1418هـ) �ص.31 ( )8بيدادة ،محمد :ت�صلب الطريقة ومحاوالت التجديد :مجلة التربية والتعليم العدد 1984( 10 – 9م) �ص .41 ( )9المو�سى ،نهاد :مقدمة في علم تعليم اللغة العربية .الريا�ض ،دار العلوم1405 ،هـ� ،ص .12 - 11 ( )10بو�شحدان ،مرجع �سابق� ،ص .31 ( )11بو�شحدان ،المرجع ال�سابق نف�سه. ( )12ح�سن �سعاد ،م�سرح الطفل والتربية :مقال بجريدة االتحاد اال�شتراكي1989/3/12 ،م� ،ص .2 ( )13ح�سن �سعاد ،المرجع نف�سه. ( )14المعتوق� ،أحمد محمد :الح�صيلة اللغوية ،الكويت :المجل�س الوطني للثقافة والفنون� .سل�سلة عالم المعرفة، 1996( 212م)� ،ص.263 ( )15عطية ،نعيم :التقويم التربوي الهادف :بيروت ،دار الكتاب اللبناني1970 ،م� ،ص .269 ( )16ح�سن �سعاد ،مرجع �سابق. 24اجلوبة � -صيف 1435هـ
في الطريق �إلى النور! �أهمية اللغة العربية لفهم القر�آن وال�سنة
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
تربوية ن�شطة ،الأم��ر ال��ذي ي�ؤ�س�س للمجتمع القارئ ومجتمع المعرفة .كما �أن �أن�شطة الإذاعة المدر�سية والتدريب على الخطابة ت�سهم في تر�سيخ ع��ادات توا�صلية تحترم اللغة العربية و�أ�ساليبها الجميلة والهوية القويمة .كما يمكن تنظيم مع�سكرات �صيفية لغوية لممار�سة اللغة خارج حجرة الدر�س وب�شكل طبيعي متحرر من قيود النظام التعليمي الم�صطنعة.
وقيمتها التربوية والتعليمية ،وعدم ا�ستثمارها بال�شكل المفيد ي َُ�ضيّع �أم��ام مدر�ستنا فر�صا ع��دي��دة وثمينة ل�ت��دري��ب �أب�ن��ائ�ن��ا ع�ل��ى �إت �ق��ان ال �م �ه��ارات ال�ل�غ��وي��ة ،وي�ع��د خ�ط��أ ينتق�ص من قيمة مناهج تعليم اللغة العربية وفعاليتها في مدار�سنا. ونعوّل على الأن�شطة التربوية اللغوية ،لإتاحة �أح�سن الظروف �أمام التالميذ لتعلمٍ جيدٍ للغات تكيف و�إتقان مهاراتها ،وم�ساعدتهم على تحقيق ٍ ذات��ي ومدر�سي واجتماعي ي�سهم ف��ي �إقبالهم على الدرا�سة ..ويحد قدر الإمكان من ت�سربهم وتخلفهم الدرا�سي ،ويطور �أ�ساليب تعليم اللغة العربية ،وين�شرها داخ��ل الن�سيج االجتماعي ويثبّت مكانتها ،ويغر�س حبها في نفو�س �أبنائنا، وي�ؤ�س�س المجتمع القارىء ،مجتمع المعرفة ليحتل المكانة التي هو جدير بها بين الأمم المتقدمة.
■ �أ.د .خالد فهمي -م�صر
-1عندما يفر�ض الأمرَ منطق الأ�شياء
لقد كان مما انت�شر وا�ستقر حقيقة علمية في تاريخ العلم عند الم�سلمين� ،أ َّن نزول القر�آن الكريم كان بالل�سان العربي .وهو الأمر الذي �أعلنه الذكر الحكيم في ملمح مهم من مالمح التعريف بنف�سه ،يقول تعالى }وهذا ل�سان عربي مبين{ [النحل ،]103ويقول عز وجل }نزل به الروح الأمين .على قلبك لتكون من المنذرين .بل�سان عربي مبين { [ال�شعراء ،]195-193 ويقول عز من قائل�} :إنا �أنزلناه قر�آنا عربيا لعلكم تعقلون{ [يو�سف ،]2ويقول } :وكذلك �أوحينا �إليك قر�آنا عربيا { [ال�شورى ،}7ويقول تبارك ا�سمه�} :إنا جعلناه قر�آنا عربيا لعلكم تعقلون { [الزخرف .]3 وك � ��ان م �م��ا ت ��رت ��ب ع �ل��ى ه� ��ذا الإع �ل��ان الم�ستفي�ض �أنْ فهم العلما ُء �أن منطق الأ�شياء يفر�ض �أن يُعتَنى بالعربية وقوانينها وعلومها جميعا .ول��م يفت�أ العلماء على م��رِّ الع�صور يبنون ذلك ويك�شفون عنه حتى �صارت ق�ضية منطقية من الزم عمل العقل عند النظر في مقدماتها؛ فترى ال�شافعي يقول في ر�سالته: (�ص 40بتحقيق العالمة �أحمد �شاكر)« :ومن جماع علم كتاب اهلل العلم ب�أن جميع كتاب اهلل �إنما نزل بل�سان العرب».
وتطور الأم��ر عند المعا�صرين ،فكان من نتائجه القول ب�أنه لوال القر�آن ما كانت العربية على حد تعبير العالمة رم�ضان عبدالتوابفي كتابه (ف�صول في فقه العربية) -قا�صدً ا بها�( :ص �« :)108أن القر�آن هو المحور» الذي فجر العلوم الل�سانية والعربية وغيرها .ولم يزل هذا الناتج قائما ي��زداد مع مرور الأيام �أن�صارا ،حتى �صح �أن نقرر �أن اللغة العربية لم يكن لها �أن ت�صير ل�سانا عالميا �إال بف�ضل نزول الكتاب العزيز بها .وم��ن هنا ،فَر�ض منطق الأ�شياء �أن تتقدم المعرفة بالل�سان العربي، اجلوبة � -صيف 1435هـ 25
26اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
وتتحول �إلى منظومة من علوم ل�سانية ت�ستهدف جميعا خدمة ق�ضية فهم الكتاب العزيز وما معه مما هو من مثله ،وه��و الحديث النبوي ال�شريف ،حتى �صار الزم��ا عقليا القولُ ب�أن تح�صيل فهم هذين الأ�صلين العظيمين غير محقق �إال بالت�ضلع والغو�ص ال�شديد وال�صبر الأكيد على تح�صيل العلوم اللغوية ،والتو�سع فيها وفي مقرراتها من ال�صوت �إلى الن�ص� ،أ .ال�صعقة الغ�ضبية للطوفي المتوفى 716هـ: و�أن كل تو�سّ ع في هذا الباب عائده �شهيّ �إلى حر�ص الطوفي على االنطالق من �أن �إرادة �أب�ع��د ال �ح��دود ،ال ي�ج��ادل ف��ي ذل��ك �أح��د على �صيانة الل�سان من دواع��ي الف�ساد ،والتي الإطالق. بدت مالمحها بت�أثير مُ �سلِمة الفتح ممن �سماهم (هذه الحمراء) ،وهو مق�صد مهم -2الوعي بق�ضية �أهمية اللغة العربية جدا يمنع عند ت�أمله من تطرُّق مادة الف�ساد لفهم الكتاب وال�سنة في التراث �إل��ى الذكر الحكيم وال�سنة ال�شريفة .ثم قراءة في الأدبيات جمع �أدلة ف�ضل العربية ووزعها على �أنواع ثالثة ه��ي� :أدل��ة ف�ضلها من الكتاب ومن وقد كان من �أثر منطقية العالقة وع�ضويتها ال�سنة وم��ن �صريح العقل ،ثم ع �رَّج على بين نزول الوحي بالل�سان العربي المبين وترقّي ح�صل علوم هذه اللغة وبيان ذكر ف�ضل مَ ن َّ العلوم اللغوية العربية ،ظهور م�ؤلفات م�ستقلة عيوب من �أخط�أ فيها وخال منها .على �أمر تفرغت لمناق�شة هذا الم�شكل العلمي ،المتعلّق �أهم ما ي�ستفاد من الكتاب في مو�ضوعنا ببيان �أهمية اللغة العربية لفهم القر�آن وال�سنة هو ما �أورده في الباب الرابع من بيان كون في التراث .وقد و�صل �إلينا من �أدبيات هذا العلم بهذه اللغة �أ�صال من �أ�صول الدين، الوعي ما ي�أتي: ومعتمدا من معتمدات ال�شريعة ،وك�شف �أ .ال�صعقة الغ�ضبية في ال��رد على منكري في هذا الباب على امتداد ف�صول ثالثة.. ال �ع��رب �ي��ة ،الب� ��ن ع �ب��دال �ك��ري��م ال �ط��وف��ي ت�أثير العلم باللغة في تح�صيل مراد القر�آن ال�صر�صري الحنبلي ،المتوفى 716هـ. وال�سنة ،وتخريج الأحكام بناء على قواعد ب .رو�ضة الإع�لان بمنزلة العربية من علوم العلم بها للدرجة التي قرر معها (�ص)631 الإ�سالم ،البن الأزرق الحميري الأ�صبجي قائال« :لو ا�ستق�صينا الم�سائل ال�شرعية الغرناطي ،المتوفى 896هـ. المعتمدة على ال�ق��واع��د العربية لكانت لقد اجتهد هذان العالمان في جمع الأ�سباب الموجبة للعناية باللغة العربية ،وجمعا ب�سبب ت�أخرهما الزمني �أدل��ة كثيرة تثبت الحاجة الما�سّ ة لترقية علوم ه��ذه اللغة من جوانب كثيرة ،كان �أهمها ما يتعلق بالكتاب العزيز وال�سُّ نَّة المطهرة ،وفيما يلي محاولة موجزة لقراءة �أهم ما ورد من حقائق في كل منهما:
مقدار ثلث الفقة على ما ت�ق��رر»! و�سواء و�أهميتها لتحقيق الإي�م��ان وت�أ�سي�سه ،وفهم �صح هذا التقدير �أو لم ي�صح ،ف�إنه كا�شف الكتاب وال�سنة جميعًا! ع��ن م��دى الأهمية التي ك��ان ي�ست�شعرها (� )3أهمية اللغة العربية لفهم القر�آن الوعي اللغوي في تراث درا�سات هذه اللغة، وال�سنة جميعًا :مقال في التجليات وعبرت عنه �أمثال كتاب ال�صعقة الغ�ضبية �إن م��ن �أك �ث��ر الأ� �ش �ي��اء ��ص�ع��وب��ة م�ح��اول��ة في كثير جدً ا من الموا�ضع. ا�ستيعاب القول في �أهمية اللغة العربية لفهم ب .رو�ضة الإع�لام بمنزلة العربية من علوم الكتاب العزيز وال�سنة الم�شرفة ،لت�شعّب الإ�سالم ،البن الأزرق الحميري الأ�صبحي المو�ضوع ،وات�ساع م�سائله .ولكن ربما كان الغرناطي ،المتوفى �سنة 896هـ. كافيا في ه��ذا ال�سياق �أن ن�شير �إل��ى مجمل و�إذا كان الوعي الم�شرقي ،كما تجلى في مالمح هذه الأهمية فيما ي�أتي: كتاب «ال�صعقة الغ�ضبية» ،ظهر وك�شف عن حقيقة تقدير �أهمية اللغة العربية لمن رام �أوال :ت�أ�سي�س الإيمان وفق الدليل اللغوي التعامل مع الكتاب وال�سنة وال�شريعة؛ ف�إن �إن �أول المالمح التي تتجلى في �سياق قراءة ال��وع��ي المغربي ل��م يكن ب�ع�ي��دا ،و�إن ت�أخر �أهمية اللغة العربية في فهم الكتاب وال�سنة بطبيعة الحال ن�سبيًا ،وجاء م�ستفيدً ا ومواكبا يكمن في �أن ت�أ�سي�س الإيمان ال يكون من دون �اك) منجز الم�شارقة في هذا الباب ،وهو ما نلم�سه ا�ست�صحاب الدليل اللغوي ،فقراءة (�إِ َّي� َ م��ن حجم ك��ت��اب اب��ن الأزرق ،وم��ن تنظيمه بك�سر حركة الكاف مثال يف�ضي �إلى م�شكالت الدقيق ،فقد تو�سع في ذكر الف�ضائل العقلية عقدية مرعبة تدخلنا �إل��ى جر الت�أنيث عليه والنقلية ،والمركبّة منهما ،ثم قرر �أن االحتياج �سبحانه مثال ،وهو ما يعني �أن تح�صيل قواعد �إليه في ملّة الإ�سالم �ضروري ،وهو ما يعني اللغة ابتدا ًء من ال�صوتيات فما فوقها �أمر الزم احتياج االعتقاد وال�شريعة �إلى اللغة العربية ،لبناء اعتقاد �صحيح مدعوم بالدليل ،ومانع من حتى تقرر عنده بالدليل �أن��ه «يلزم الخو�ض الوقوع في م�صائد الخلل االعتقادي الذي قد فيهما (�أي اللغة والنحو) ب�سبب ال�شرع؛ �إذ يخرج الإن�سان من الملّة� ،أو يجره �إلى م�ستنقع جاءت ال�شريعة بلغة العرب .وكل �شريعة فال عدم تنزيه اهلل تعالى� ،أو تقدير ما ي�صدر عنه، تظهر �إال بلغة �أهلها». مما هو داخل في �أ�صول االعتقاد �أو فروعه. �إن هذين الكتابين الم�ستقلين ف��ي بيان ف�ضائل العربية ،و�أهمية تح�صيل قواعدها ..ثانيًا :تحقيق حق التالوة للذكر الحكيم ل�ق��د ج��اء الأم���ر ال���ش��رع��ي ب �ت�لاوة ال��ذك��ر يك�شفان ع��ن وع��ي حقيقي م��دع��وم ب��الأدل��ة وال�ن�م��اذج التطبيقية بقيمة اللغة العربية ،الحكيم ح��ق ت�لاوت��ه ف��ي �سياق ام �ت��داح فعل
اجلوبة � -صيف 1435هـ 27
�أ .يقر�أونه حق القراءة ،وال تكون �إال بتح�صيل علوم لغة العرب �أ�صوات ًا و�أبني ًة و�إع��راب� ًا ونحواً. ب .يتّبعونه حق اتّباعه ،وال يكون �إال بعد فهمه، وتح�صيل معناه ،واال�ستنباط منه ،وقد ت�ق��دم �أن ذل��ك ال يتم م��ن دون فهم لغة الن�ص الكريم ،مجموع ًا �إليه ما ورد من �شروح في ال�سُّ نة الم�شرَّفة. ثالثًا :القيام بواجب تدبر الذكر الحكيم
وق��د تو�سّ ع اب��ن الأزرق –عن ح��ق -فقرر «�أن حفظ ال���ض��رورات الخم�س وه��ي الدين والنف�س والعقل والن�سل وال�م��ال م��ن �أعظم مقا�صد ال�شرع( ...و) �أنها واجبة الحفظ في كل ملة ،وحا�صل حفظها يرجع �إلى كل ما يقيم وجودها» ،وقد خل�ص من هذا �إلى �أن العناية باللغة العربية واالهتمام بها من موجبات هذا الحفظ. وق��د ن�ش�أ م��ن �أج��ل ذل��ك تفريع للأحكام الفقهية المختلفة ،تبعا الختالف الفهوم للأدلة ال�شرعية من قر�آن و�سنة من جهة قواعد اللغة، ومما يدُ لك على بع�ض هذا ،خالفهم في معنى (من) في قوله تعالى في �آية التيمم (ام�سحوا بوجوهكم و�أيديكم منه) �إذ حملها بع�ضهم على ابتداء الغاية ،وحملها �آخرون على التبعي�ض، مما كان منه اختالف الحكم الفقهي المتعلق بالتيمم على ر�أيين هما:
لقد �أمر اهلل تعالى بتدبر كتابه في �أكثر من �آية ،يقول تعالى (كتاب �أنزلناه �إليك مبارك ليدبروا �آياته) [�سورة �ص ،]28والتدبر مرتبة ال تكون �إال بعد الفهم ،المبنيّ على تطبيق قواعد اللغة العربية وا�ستثمارها .و�إذا كان التدبر م��ن الأ��س�ب��اب الحاكمة للتنزيل على ما قرره المف�سرون ف�إن تح�صيل قواعد اللغة �أ .ح�صول التيمم من دون النظر �إل��ى علوق تبعًا لذلك يعد من الأ�سباب الحاكمة ل�صناعة التراب الطاهر باليد لمن فهم من (من) التدبر ،وبناء ملكته. معنى ابتداء الغاية. رابعًا� :إقامة التكاليف ال�شرعية ب .ح�صول التيمم ب�شرط علوق التراب الطاهر �إن �أه�م�ي��ة اللغة العربية ف��ي ه��ذا الباب ظاهرة جدا ،والعمل فيما نقلناه عن الطوفي الحنبلي ي�ؤكد ذلك� ،إذ �إنه قرر �أن ثلث الفقه –في تقديره -معتمد على قواعد اللغة .وهذا 28اجلوبة � -صيف 1435هـ
باليد لمن فهم منها معنى التبعي�ض. وب�سبب م��ن ذل��ك ،ات�سعت م��د ّون��ة الفقه وغنيت وتمتعت ب�ث��راء عري�ض دالٍّ على ف�ضل العربية و�أهميتها في تحليل الأ�صلين
خام�سا� :أهمية اللغة العربية في رد �شبهات المنحرفين
�ساد�سً ا� :أهمية اللغة العربية لفهم الكتاب وال�سنة في بناء �أجيال الدعاة وتكوينهم وق��د ظ�ه��رت �أه�م�ي��ة كبيرة للغة العربية للقيام بواجب البالغ �إلى اهلل تعالى في فهم الكتاب وال�سُّ نَّة في مجال الرد على �إن �أهم م�صدر لتكوين الدعاة �إلى اهلل تعالى �شبهات المنحرفين و�أ�صحاب الأه ��واء من و�إمدادهم بمراده يتمثل في مداومة االت�صال �أهل الفرق والملل؛ �إذ اعتمد كثير منهم على بالكتاب العزيز وال�سُّ نَّة الم�شرفة ،وعلى هذا ن�صو�ص �شرعية حرفوها لت�سويغ مقاالتهم انعقد �إج�م��اع من �أ�َّ��ص��ل لثقافة الداعية من في االعتقاد وغيره ،من مثل احتجاج القدرية العلماء المعا�صرين ،ذلك �أن القر�آن وال�سُّ نَّة بالحديث المتفق عليه الذي رواه �أبو هريرة ال ي�ج��ودان بكنوزهما �إال لمن ملك مفاتيح عن ر�سول اهلل –�صلى اهلل عليه و�سلم -قال: التعامل معهما ،وهي تلك المفاتيح المتمثلة «احتج �آدمُ مو�سى فقال :يا �آدم �أن��ت �أبونا، في قواعد الل�سان و�أ�سراره .وتبرز �أهمية اللغة خيبتنا و�أخرجتنا من الجنة .فقال �آدم� :أنت في هذا المقام في مالمح بعينها ،من مثل: ال��ذي ا�صطفاك بكالمه ...تلومني على �أمر ق��دره اهلل ع �ل��يَّ ...ف�ح��جَّ �آدمُ مو�سى» برفع �أ .ترقية ملكة البيان ل��دى الدعاة مع دوام االت�صال بلغة الذكر الحكيم و�سمت كالم (�آدم) على �أنه فاعل (حج) ون�صب (مو�سى) النبي �صلى اهلل عليه و�سلم القائم على على �أنه (محجوج) ،يقول الطوفي (ت 358 الخلو�ص �إلى الق�صد من �أقرب طريق. هـ)« :وبيان ذلك �أن اهلل تعالى تقدم في �سابق علمه �إخ��راج �آدم من الجنة ب�سبب الأك��ل من ب .تح�صيل م��راد اهلل تعالى بدليله اللغوي ال�شجرة بدليل (�إني جاعل في الأر�ض خليفة) تمهيدا لبذله للنا�س. وما علمه اهلل �أن �سيكون فهو كائن ال محالة ،ج .ترقية م��روءة الدعاة؛ �إذ تح�سين الل�سان �إذ خالف معلوم اهلل تعالى محال ،وحين �إذٍ ، يزيد في مروءة الإن�سان ويُعلي من ت�أثيره ع��دم ع�صيان �آدم م�ح��ال ،وه��ذا �أك�ب��ر دليل في المدعوين. يُحتج به لأه��ل ال�سنة على �إثبات القدر» .ثم �سابعًا� :أهمية اللغة العربية في يقرر �أن القدرية حرفوا الرواية ون�صبوا �آدم. تح�صيل قوانين ترقية العمران من وهو دليل حا�سم على التفطن لأث��ر اللغة في القر�آن وال�سنة توجيه الآراء واالنت�صار لالعتقادات .و�أهل لقد ا�ستقر في درا�سات الح�ضارة المعا�صرة الأ�صلين (القر�آن وال�سنة) يلزمهما الت�ضلع
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
مَ ن يفعل ذلك ،يقول تعالى( :الذين �آتيناهم الباب مت�سع جدً ا �إلى درجة �أن مبحث حروف الكتاب يتلونه حق تالوته) [البقرة ،]121وقد الجر �أو حروف المعاني م�ؤثر جدا في كثير من م�سائل الفقه الموزعة على الأبواب جميعًا. جاء في تف�سير (حق تالوته) ر�أيان هما:
العظيمين وفهمهما واال�ستنباط منهما.
من علوم اللغة لخطرها على ما ي�ستنبط من هذين الأ�صلين في كل مجاالت الدين والحياة.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 29
� .1أن الظلم معيار وقانون مُ �سقِ ط للعمران. � .2أن العدل قانون يرقى بالعمران.
تمتدح ال�صبر وال�صدق والعفّة والأمانة والم�سئولية الفردية في ال�سياقات جميعا.
� .3أن ال� ُف�ح����ش و� �س��وء ال�خ�ل��ق وال���س�ف��ه في � .2إث�ب��ات مركزية ب��ذل ح�سن الخلق للنا�س جميعا ،م�ؤمنين وغير م�ؤمنين �إح�سانا وبرا ا�ستعمال الموارد مدمّر للح�ضارة. في الت�صور الإ�سالمي. � .4أن العمل ال �ي��دويّ �أ��ص��ل ث��اب��ت ف��ي ترقي الحياة ،فقد ك�شف التحليل اللغوي للقر�آن � .3إث �ب��ات م��رك��زي��ة رع��اي��ة ال��وج��ود ك�ل��ه في محيطه الإن�ساني والحيواني والبيئي ،فقد وال�سُّ نَّة امتداح العمل ،والإخبار عن كثير تقرر من فهم الكتاب وال�سُّ نَّة وفق قواعد من الأنبياء �أنهم عملوا �أعماال يدوية من اللغة ال��رف��ق بالحيوان ،وتحريم فجيعة حِ دادة ونجِ ارة وبِناء وت�شييد�...إلخ. الطير بولده والحفاظ على البيئة وح�سن .5لزوم الأخالق الفا�ضلة لتقدم العمران. ا�ستثمار مواردها. .6العناية بالإن�سان �أ�صل كل عناية بالعمران. .4الإعالء من القيم الأخالقية التي ت�صب في �إن فهم القر�آن وال�سُّ نَّة وفق مقررات اللغة حفظ بدن الإن�سان وتهذيب روحه وت�أمين وق��واع��ده��ا كا�شف ع��ن �أهميتها المركزية نف�سه. في ا�ست�صدار قوانين العمران وفق الت�صور �إن اللغة العربية ف��ي ق�ضية ت��وق��ف فهم الح�ضاري في الإ�سالم. الكتاب وال�سُّ نَّة عليها ثم تفعيلهما في الوجود ثامنًا� :أهمية اللغة العربية لفهم ت�صل �إل��ى �أن تكون محور ًا وعماد ًا �أ�سا�س ًا ال القر�آن وال�سُّ نَّة في الك�شف عن يمكن من دون��ه ت�صور �إقامة الدين .وه��و ما المنظومة الأخالقية الإ�سالمية يعني �أننا في طريقنا نحو النور القادم من اهلل ومما ُي َعبِّر عن �أهمية اللغة العربية في �سياق تعالى يلزمنا �أن نمتلئ بما تقرره �أحكام اللغة فهم الكتاب وال�سُّ نَّة �أنها طريق للك�شف عن العربية وقواعدها و�أ�سرارها في م�ستوياتها المنظومة الأخالقية التي �أر�ساها و�أ�س�سها جميعا. 30اجلوبة � -صيف 1435هـ
اللغة العربية بين العالمية والعلمية
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ال�م��رت�ب�ط��ة ب��ال�م��رج�ع�ي��ة الإ� �س�لام �ي��ة تقرير الت�صور الإ�سالمي .ومما يمكن بيانه في هذا �أن ال �ق��ر�آن وال�سنة م�صدر لترقية العمران ال�صدد ما ي�أتي: الإن�ساني ،وفق قوانين هذا الدين الثابتة في .1ال��ك�����ش��ف ع���ن ث��ب��ات م��ن��ظ��وم��ة الأخ��ل�اق الأ�صلين العظيمين .ومما �أ�سهمت به تطبيقات الإ�سالمية التي جاءت ن�صو�صها في الكتاب اللغة العربية في الك�شف عنه في هذا الباب: وال�سُّ نَّة مطلقة غير مقيّدة بقيود لغوية
■ �سعيد بودبوز -املغرب
لماذا ال تكون اللغة العربية عالمية؟ لـكي تجيب «اللغة» على هذا ال�س�ؤال ،ينبغي �أن تكون لغ ًة لل�شاعر وال�شارع معاً؛ �أن تكون ذات مرونة عالية ،وقدرة كبيرة على المناورات في كل االتجاهات؛ �أن تكون قادرة على ال�صعود �إلى ال�صعيد العالمي ،بما ي�ساوي قدرتها على النزول �إلى م�ستوى العامي .ينبغي �أن تنت�صر على بع�ض اللغات التي تناف�سها على م�ستوى العالم ،وتنت�صر على اللهجات العامية التي ت�سحب الأيام والأزقة من تحت قدميها .وقد يكون بلوغ قمة العالم �أ�سهل من بلوغ �أعماق الزقاق ،بقدر ما ي�صعب على العامية �أن ترقى من قاع ال�شارع �إلى قمة ال�شاعر. �إن المرونة التي تجعل اللغة قادرة على تخطّ ي الحدود الجغرافية والتاريخية واالجتماعية ،هي المرونة نف�سها التي تجعل «التفكير» ،بهذه اللغة �أو تلك ،يتحدى (ويتخطى) مختلف المفاهيم والنظريات والظواهر المعقّدة .ولكي نغو�ص في ه��ذا المو�ضوع ب�شيء من الدقة ،ال بد �أن نقرر بداية �أن اللغة العربية (الف�صحى) هي لغة «التوحيد» .ويمكننا �أن نتابع �سل�سلة طويلة م��ن ال �م �ف��ردات ال�ت��ي تنحدر م��ن �ساللة هذه المقولة� ،أي مقولة «التوحيد»؛ توحيد الخالق تبارك وتعالى ،والأم��ة ،والكلمات .بهذا نكون قد �أ�شرنا �إلى ثالثة مباحث ،وهي :الثيولوجيا والأنثروبولوجيا ،والفيلولوجيا.
و�إذا كانت العربية الف�صحى لغة التوحيد بهذا المفهوم ،فالبد �أن تكون في �صراع مع «االنف�صال»� ،أي «الإلحاد» بو�صفه «انف�صاال» عن الخالق ،واال�ستقالل ال�سيا�سي بو�صفه انف�صاال لجزء م��ن الأم ��ة ع��ن ال�ك��ل ،ون�شوء العاميات بو�صفه ا��س�ت�ق�لاال ل���س��ان�ي�اً ،وه �ك��ذا .كباحث �سيميائي� ،أرى �أن فعل التحدث باللغة العربية هو فعل حكائي قبل �أن يكون خطابيا؛ و�إذا ا�ستعرنا تعبيرا ل�سانيا قد نقول �أن هذه اللغة «�إخبارية» �أكثر منها «�إن�شائية» ،بمعنى �أن المتحدث باللغة العربية الف�صحى ،يقوم بفعل مزدوج في الآن ذاته؛ يخاطبـ(ك) ،ويحكي عنـ(ها) �أ�سطورة ب�إمكاننا �أن نطلق عليها «العودة» ،كعنوان داللي. اجلوبة � -صيف 1435هـ 31
وال �ل �غ��ة ه�ن��ا بمعنى م�ج�م��وع��ة م��ن ق��واع��د التوا�صل الأكثر يومية بين الأف��راد وال�شعوب انطالقا من حاجياتها الأك�ث��ر يومية والأكثر �أ�سا�سية ك��ذل��ك� .أن تتحدث باللغة العربية الف�صحى ،يعني �أن ت�ستح�ضر �أرواحا لكي تطرد بها �أخ��رى م�ؤقتا .فدائما يتم ا�ستح�ضار هذه اللغة كتراث في مقابل اليومي ،وكدين في مقابل ال��دن�ي��ا ،وكخطاب �أدب ��ي ف��ي مقابل الخطاب ال �ع��ام��ي .ل��م ي�ع��د (ون� ��ادرا م��ا ك ��ان) ب��إم�ك��ان الإن�سان �أن يتحدث باللغة العربية من دون �أن يترك عالمة ا�ستفهام وراءه؛ فهل هو ب�صدد محا�ضرة� ،أم خطبة جمعة� ،أم ن�شرة �أخبار� ،أم �إن الجواب المتواري خلفـ(ية) المتحدث ق�صيدة �شعر� ..إلخ؟ الم�س�ؤول (افترا�ضا) عن �سبب تحدثه بهذه �إن اللغة (الل�سانية) ال ت�صبح عالمية اعتمادا اللغة ،هو�« :إنني �أعود �إلى الأ�صل» .نعم ،ففي على جودتها الذاتية فح�سب ،فال نن�سى ب�أن اللغة الأ�صل (الزمان الما�ضي فقط) كنا �أمة واحدة .العربية لم تحقق هذا االنت�شار حتى وقد بلغت وهنا يكمن جزء كبير من الإ�شكال ،لأن مركز ذروة الجودة الذاتية �إ ّب��ان الع�صر الجاهلي، الثقل الجاذبي للغتنا العربية يقبع في الما�ضي ول�ك�ن�ه��ا ان �ت �� �ش��رت (وف� �ق ��ط) ح �ي��ن �أ��ص�ب�ح��ت المثالي وحده ،بو�صفه مجد ًا وانت�صاراً .و�سوف لغة ال �ق��ر�آن ،ونحن جميعا نعرف �أن ال�ق��ر�آن نرى �أن بع�ض اللغات (الحيّة) التي انتقلت فيها الكريم ن�شر العربية بين جميع مَ ��ن يفهمون مراكز الثقل الجاذبي �إل��ى الحا�ضر� ،شهدت ،لغته الثيولوجية قبل الل�سانية! والدليل على في الواقع ،انتقاال ح�ضاريا ملمو�سا من الزمن ذلك �أن هناك العديد من ال�شعوب ال يتحدثون المثالي �إل��ى الزمن العلمي� .إذا كنا �سنختلف اللغة العربية �أ�صال ،ولكنهم قر�آنيون ،بمعنى؛ ح��ول ع��دد ال�ف�ئ��ات الب�شرية ال�ت��ي ي�ستهويها «م�سلمون» .وهنا نالحظ بو�ضوح �أن «اللغة المثالي ،فلن نختلف ح��ول ع��دد الفئات التي الل�سانية» تنت�شر اعتمادا على «لغة �إن�سانية» ي�ستهويها العلمي .فقبل �أن نقول �إن لغة كذا بالمعنى ال�ب��راغ�م��ات��ي للكلمة (ال ��ذي ي�شكل �أ�صبحت عالمية (في الظاهر) ،ينبغي �أن ندرك المتح ّد الب�شري) ،حتى و�إن تعلق الأمر بالدين. ب ��أن العلم لغة عالمية (ف��ي الباطن) بمعنى �أ�شير �إلى �أن تعبير (اللغة الإن�سانية) ال �أعني �أنه لغة ذات النحو وال�صرف والمعاني التي ال به الأدبيات الأخالقية المعروفة عند الجميع،
32اجلوبة � -صيف 1435هـ
من ال�ضرائب التي دفعتها اللغة العربية، �أنها بقدر ما تبدو مرتبطة بالمقد�س ،بقدر ما تبدو بعيدة عن الإن�سان (العربي نف�سه) .ولي�س غريبا �أن تبدو لغة للما�ضي ،لأن جوهر الوعي القد�سي ،بطبيعته الدينية ،ينجذب �إلى ما قبل التاريخ ،فال نن�سى �أن «الجنة» ،بو�صفها جوهرا للميتافيزيقا ،توجد فيما قبل التاريخ .مثال :متى كان �آدم في الجنة؟ الجواب :قبل التاريخ .و�أين �آل م�صيره بعد اقتراف الخطيئة؟ الجواب :هبط �إلى التاريخ� .إذاً ،بقدر ما ينفتح وعي ال�شعوب على «ال �ت��اري��خ» ،ب�ق��در م��ا ي�صبحون بعيدين عن لغة المقد�س عموما ،واللغة العربية على وجه الخ�صو�ص .فما قمة الم�ستقبل ،بالن�سبة للإن�سان العامي� ،إال ذروة للعلوم والخبرات المتراكمة عبر «ال�ت��اري��خ» .وم��ا ق��اع الما�ضي، بالن�سبة للإن�سان الديني النموذجي� ،إال ذروة للميتافيزيقا المتمثلة في «الجنة» .وهكذا ،ف�إن ابتعاد الإن�سان العامي ،في حياته اليومية ،عن اللغة الف�صحى ال يعني �أنها رخي�صة ،بل يعني �أنها مكلفة ،لدرجة �أن ما يجنيه من ثقافته اليومية ال يكفي لدفع فاتورتها .ومن هنا ،ندخل في م�شكلة التعليم باللغة العربية. �إن العامل ال��ذي ارتقى باللغة العربية �إلى الم�ستوى ال��ذي نعرفه الآن ،هو العامل نف�سه الذي �أبعدها عن العامي .وكانت النتيجة �أنها، بقدر م��ا ارتفعت ع��ن ال�سوقي �إل��ى الر�سمي،
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
�إن ه��ذا الفعل «ال�ح�ك��ائ��ي» يتم �إدغ��ام��ه ال �شعوري ًا في الفعل «الخطابي» .وينبغي �أن نميز هنا بدقة بين المتحدث والكاتب؛ لأن الأول ي�ستطيع (وف ��ي ك��ل ب�ل��د ع��رب��ي) �أن يتحدث بعاميته ،لكن الثاني ن��ادرا ج��دا ما يتي�سر له ذل��ك .وبهذا ت�صبح منا�سبة «التحدث» �أكثر �إثارة لال�ستفهام ،من وجهة النظر العلمية� .إذا �سمعتك تتحدث بالعامية المغربية مثال ،فقد �أ��س��أل��ك« :م��اذا تق�صد؟» ،لكن من العبث �أن �أ�س�ألك« :لماذا تتحدث بهذه اللغة؟» .والعك�س قد يكون �صحيحا� ،أي �إذا قر�أت لك ن�صا باللغة العربية الف�صيحة ،فمن العبث �أن �أ�س�ألك: «لماذا تكتب بالف�صحى؟» ،بل ومن ال��وارد �أن �أ�س�ألك« :لماذا تكتب بالعامية؟»� .إذاً ،ال بد من التمييز �أوال بين «التحدث» و«الكتابة» لكي ن�صل بالقارئ �إلى عمق الفكرة.
يختلف حولها اثنان من الب�شر .و�إذا كان الأمر كذلك ،فقبل �أن نت�ساءل :لماذا ال تكون اللغة العربية (عالمية) ،يجب �أن نت�ساءل :هل تحمل هذه (العربية) لغة عالمية؟
بل �أعني بب�ساطة مجموعة من القيم والقواعد والم�صالح (دينية �أو دنيوية) ،التي ت�شكل قطبا قادرا على جذب عدة نماذج ب�شرية .ولقد ر�أينا �أن لغة العلم قادرة على ا�ستقطاب كل النماذج الب�شرية� ،أو معظمها على الأقل ،با�ستثناء بع�ض ال�شعوب البدائية التي غادرت التاريخ �إلى غير رجعة.
وارتفعت عن العامي �إلى العالم (بك�سر الالم)، بقدر ما تجاوزتها الحياة اليومية ،وتركتها في قالع الطقو�س والمنا�سبات؛ لأن العامي �أكثر التقاطا لتفا�صيل الزمان من العالم �أو الر�سمي، وهذا يعني �أن العامية �أكثر مواكبة للتاريخ من الف�صحى �شئنا �أم �أبينا .وبنا ًء على ذلك ،ف�إن التمثيل الثقافي ال��ذي �أخ��ذت��ه الف�صحى على عاتقها ي��واج��ه بع�ض ال�صعوبات ف��ي التقاط عنا�صر الإرتباط بين الإن�سان العربي وبيئته، لأن بيئة الناطق بهذه اللغة ال يمكن �إال �أن تكون محلية ،واللغة العربية الف�صحى بطبيعتها ال يمكن �إال �أن تكون لغة لجميع العرب ب�صرف النظر عن اختالف بيئاتهم؛ ولهذا ،ف�إن الإن�سان الناطق بهذه اللغة ال بد �أن يدفع �ضريبة تما�سكها وعبقريتها من خالل بع�ض تنازالته -كلما �أراد �أن يكتب �أو يتحدث بها -عن �أدق التفا�صيل التي تميز طبيعة تجاوبه مع بيئته المختلفة ،ب�شكل �أو ب�آخر ،عن غيرها. يح�س دائما �إن طالب العلم ،في هذه الحالةّ ، ب ��أن هناك م�ساف ًة م��ا بينه وبين م��ا يدر�سه، وال�سبب ف��ي ذل��ك �أن��ه يقطع بالفعل م�سافة ذهنية �سيكولوجية لكي ي�ستعمل ه��ذه اللغة (الف�صيحة) .لذلك� ،أعتقد ب�أنه لو كان يدر�س بلغته اليومية (�أو بعبارة �أخرى) ،لو كانت اللغة العربية لغة يومية ،لأ�صبحت هذه «الم�سافة» ق�صيرة ج��دا ح � ّد التال�شي ،ولأ��ص�ب��ح هناك �سرعة ملحوظة في ا�ستدعاء ملفاته الثقافية (�سرعة التفكير/دقة التحليل) .فلعلنا نالحظ، بخ�صو�ص اللغات الحية ،تال�شي هذه «الم�سافة» بين الطالب وبين ثقافتهم� ،سواء الأكاديمية� ،أم الدينية� ،أم التقنية� ،أم غيرها؛ فكل �شيء ي�صبح ب�سيطا ،ويتم عر�ضه ب�سهولة وب�ساطة .و�أعتقد �أنه بمجرد المقارنة بين كتابين؛ واحد غربي
اجلوبة � -صيف 1435هـ 33
لكي يدر�س الطالب العربي باللغة العربية الف�صحى ،عليه �أن «يعود» ذهنيا ،في كل در�س، �إلى «الأ�صل» .عليه �أن يجمع �شظايا انت�شاره عبر زمان الحا�ضر ومكان الح�ضور ،ويعود �إلى زمن كثافته� ،إذ يتعين عليه �أن يلعب دور ع�ضو في ج�سد الكل .ولكن هذا ال يعني �ضرورة التخل�ص من اللغة الف�صحى �أبدا؛ فهي �صاحبة دور كبير في هذه الح�ضارة العربية والإ�سالمية ،و�أنها تحتاج فقط �إلى مجهودات جبّارة لكي تم�سك بزمام الحياة المعا�صرة ،رغم ما يذهب �إليه ()1 بع�ض الباحثين� ،أذك��ر منهم زكريا �أوزون الذي هاجم كل �شيء في هذه اللغة ،وقد كتبت ردا �أو تعليقا على بع�ض ما جاء ب��ه( .)2و�أي�ضا قولنا بابتعاد العامّي عن لغة المقد�س ال يعني اب�ت�ع��اده ع��ن ال��دي��ن! ه��ذا ون�ضيف �أن��ه بحكم عمومية العامي ووفرته ،في مقابل خ�صو�صية الف�صيح وندرته ،ال يمكن للكائن الف�صيح �إال �أن ين�شغل بمقاومة االن�ق��را���ض ال��ذي يهدده على يد الكائن العامي .فلم يعد (وقلما كان) �إن الإن���س��ان العربي الآن ال يتحدث اللغة الف�صيح يقاوم العامي خارج �أ�سوار الطقو�س ال �ع��رب �ي��ة ب���ش�ك��ل م �ب��ا� �ش��ر ،ول �ك��ن م��ن خ�لال الدينية وغيرها من المنا�سبات التي يظهر فيها «م�ؤ�س�سة» .قد تكون هذه الم�ؤ�س�سة �أكاديمية� ،أو با�ستحياء ويختفي �أمام المارد العامي. �إعالمية� ،أو حكومية ،المهم �أنها لم تعد (وقلما �إذاً ،ف�إن التحدث بهذه اللغة نوع من العودة كانت) لغة الفرد والمجتمع� .إنه لمن ال�صعب �أن �إلى �أن��واع من الوحدات ،منها الظاهرة للعين �أت�صور يوما يتحدث فيه النا�س باللغة العربية المجردة ،ومنها ما يحتاج �إلى تحليل دقيق .لكي الف�صحى ف��ي ال �� �ش��وارع وال �م �ن��ازل .لأن هذا ي�سهل علينا فهم طبيعة «العودة» التي تن�شدها «ال�ي��وم» ال يمكن �إال �أن يكون �ضيف ًا واف��دا من 34اجلوبة � -صيف 1435هـ
و�إذا كان لنا �أن نتعمق في المو�ضوع قليال، ف�إن الإح�سا�س الوحدوي لدى الإن�سان العربي لي�س �إح�سا�سا ي��وم�ي��ا ،وال مقبوال تف�صيليا، و�إنما هو �إح�سا�س بالواجب ال��ذي ال وج��ود له �إال في ثقافة الت�أجيل؛ فهو مرتبط بالدين؛ وما االنف�صال ،في ال�شعور العربي� ،إال «خطيئة» تنحدر من �ساللة الخطيئة الأولى ،وهي خطيئة �آدم وحواء .فال تتوقع من العربي �أن ي�صرح ب�أنه �ضد الوحدة العربية ،وال تتوقع من الم�سلم �أن ي�صرح ب�أنه �ضد الوحدة الإ�سالمية ،حتى و�إن كانت جميع �أفعاله �ضد هذه الوحدة بالذات. وعلى غ��رار ذل��ك ،يندر �أن تجد عربيا يف�ضل العامية على الف�صحى بالقول ،ولكنه ال يملك �إال �أن يكر�س العامية على ح�ساب الف�صحى بالفعل، تماما كما يعي�ش «ال�شهادة» في الدنيا ،وين�شد «الغيب» في الآخرة.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
و�آخر عربي �سيتبين للقارئ الفرق؛ فكثيرا ما يعر�ض الأول فكرة معقدة بلغة ب�سيطة ،بينما نرى الثاني متعبا في ت�سلق لغة معقدة من �أجل �أن يعر�ض فكرة ب�سيطة ،هذه مالحظة عامة، وطبعا هناك ا�ستثناءات .كل هذا له دور فعال في االرتقاء� ،أو النزول ،باللغة من قمة العلم والعالم و�إليهما.
اللغة الف�صحى؛ فمن الجدير �أن نجري ا�ستقراء �سريعا لن�شوء ال�ع��ام�ي��ات� .إن ن�شوء العامية ي��دل على «التفرع»؛ �إذاً ،ف ��إن الف�صحى التي خرجت منها العامية تدل على «الت�أ�صل» .فال يمكن للتفرّع �إال �أن ينت�شر في ف�ضاء «الحا�ضر والح�ضور» ،كج�سر �إلى «الم�ستقبل» .وال يمكن للت�أ�صل �إال �أن يت�ضمن (يحافظ) على عملية معكو�سة ،فهو «ج�سر �إلى الما�ضي» .و�إذا كان الواقع الح�ضاري للأمة العربية ي�سير ،بطبيعة الحال ،نحو «التفرّع» كغيرهم من الأم��م؛ ف�إن الخبر الم�ؤ�سف عندي �أن حظ اللغة العربية ،في �أن ت�صبح لغة عالمية يوما� ،ضعيف جدا .فنحن نرى حتى بع�ض الح�ضارات المتقدمة حاليا لم ت�ستطع اللغة الالتينية مثال �أن تواكبها وت�شهد نموها �إل��ى ه��ذا الحد ،و�إذا �أخ��ذن��ا الالتينية ك�م�ث��ال ،ن��رى �أن �ه��ا خ��رج��ت منها ع��دة لغات مثل الفرن�سية التي لم ت�صبح عالمية ،لكنها اقتربت كثيرا� .أم��ا الإنجليزية ،ف ��إن ظروفها بر�أيي تختلف كليا عن ظ��روف العربية .وبلغة دقيقة �أقول :لم ت�صل الإنجليزية �إلى الم�ستوى العالمي �إال بعد �أن تغلب فيها الخطاب العلمي على «العمق المثالي» .وتغلب فيها العامي على الر�سمي ب�شكل مواز ،ولذلك ا�ستطاعت �أن تظل قريبة من الفرد والمجتمع والثقافة اليومية� .أما لغتنا العربية ،فما زالت تحكي نف�سها.
الما�ضي ،وفي مقولة «الما�ضي» هذه تندرج عدة مفاهيم� ،أولها «الوحدة العربية» ،ثانيها «توحيد اهلل تعالى» وثالثها» توحيد «ال�سلطة الأدبية» من خ�لال ف�صل رقبة الأدي��ب عن ج�سد المجتمع ال��ذي ال يمكن �إال �أن يكون عاميا� .أم��ا الوحدة العربية ،فهي قابلة للتحقيق على الم�ستوى االقت�صادي� ،أما على الم�ستوى الثقافي ،فال بد لنا من التمييز بين «الثقافة العربية الف�صيحة» و»الثقافات العربية العامية»� ،أي حين نقول «الثقافة العربية» بالمطلق ،ال ي�صح كالمنا �إال بالمعنى المجازي ،فالواقع يقول �إن هناك «ثقافات عربية» ولي�س ثقافة واحدة.
تلتقط مخت�صرات عامة وملخ�صات وخال�صات هذه الثقافات ال �أكثر� .إذاً ،فهي لغة الإجمال ولم تعد لغ ًة للتف�صيل حين تتحدث عن الإن�سان العربي المعا�صر.
(ل��و تتبعنا ن��زع��ة ال�ت��وح�ي��د �إل ��ى ح��دوده��ا الق�صوى في �أعماق الما�ضي اللغوي العربي، �سنجد �أن�ه��ا ،على �سبيل المثال ،كانت تظهر وا��ض�ح��ة ح�ت��ى ف��ي ُب�ن�ي��ة ال�ك�ل�م��ة ،وم��ن جملة ذل��ك الأل �ف��اظ التي «تقع على ال�شيء و�ضده في المعنى»( .)3فما هذا �إال توحيد ،لي�س بين معنيين فح�سب ،ب��ل بين «الأ���ض��داد» �أي�ضا، وطبعا هناك العديد من الم�ؤلفين تحدثوا عن هذه الم�س�ألة( ،)4لكني ال �أ�سوقها الآن من �أجل بيد �أن��ه ،بقليل م��ن ال��ت���أم��ل ،يظهر لنا �أن تحليل دقيق لبنية اللغة العربية ،و�إنما مجرد ال���س��ؤال ال�م�ط��روح ،ف��ي م�ستهل ه��ذه ال��ورق��ة، �إ�شارة �سريعة �إلى ما ي�صب في هذا المو�ضوع) .ي�ستمد معناه الكامل من بعده الأفقي فح�سب، �إن اللغات التي �أ�صبحت عالمية حققت ذلك لكن بالنظر �إل��ى بعده العمودي ،ف��إن الن�سخة من خالل االكت�شافات واالختراعات العلمية التي المتوا�ضعة منه يمكن �أن ت�أتي على هذا النحو: �أ�صبحت جزءا من الفرد والمجتمع والحا�ضر؛ لماذا ال تكون هذه اللغة عربية؟ بمعنى ب�سط �إن �ه��ا ف��ي ك��ل م �ك��ان؛ ف��ي ال �م �ن��ازل وال �� �ش��وارع �سيادتها على مختلف الأقطار العربية ،من قاع والم�ؤ�س�سات� .أما لغتنا العربية ،فهي موجودة ال�شارع �إل��ى قمة ال�شاعر كما �أ�شرنا �سابقا. في القوامي�س والمنابر الإعالمية والمنا�سبات يجيبنا جان جاك رو�سو قائال�« :إن الأمة بقدر الدينية (و رفوف المكتبة) ،فال يمكنها� ،إذاً� ،إال ما تقر�أ وتتعلم ت��ذوب لهجاتها ،فال تبقى في �أن تكون لغة منا�سبات .وهذه الحالة ال ت�ؤهلها الأخير �إال في �شكل رطانة لدى الجمهور الذي لمواكبة النمو االجتماعي ،وال حتى تفا�صيل يقر�أ قليال وال يكتب �أ�صال»()5؛ وبنا ًء على هذا الثقافة الدقيقة لهذا �أو ذاك المجتمع� ،إنما الجواب ،نفتر�ض �أن العزوف عن القراءة هو اجلوبة � -صيف 1435هـ 35
( )1زكريا �أوزون :جناية �سيبويه ،الرف�ض التام لما في النحو من �أوهام ،الطبعة الأولى ،تموز 2002م. (� )2سعيد بودبوز :زكريا �أوزون والنحو العربي ،مخطوط من�شور رقميا على �شبكة الأنترنت. (� )3أبو الطيب عبدالواحد بن علي اللغوي :الأ�ضداد في كالم العرب ،تحقيق :د.عزة ح�سن .الطبعة الأولى 1963م ط ثانية 1996م. (� )4أبو الطيب عبدالواحد بن علي اللغوي :المرجع ال�سابق -مقدمة ،وانظر :فقه اللغة لل�صاحبي 66؛ و�أ�ضداد �أبي حاتم ال�سج�ستاني. ( )5جان جاك رو�سو :محاولة في �أ�صل اللغات ،ترجمة :محمد محجوب ،تقديم :عبدال�سالم الم�سدي .دار ال�ش�ؤون الثقافية العامة-بغداد� .ص.47 36اجلوبة � -صيف 1435هـ
اللغة العربية في ع�صر العولمة
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
المغذي الرئي�س لنمو العاميّات التي تق�ضم اللغة مجدداً! وللأ�سف ،يكاد ي�سود هذا الإح�سا�س. من �أطرافها يوما بعد يوم ،حتى �أ�صبحنا �أخيرا �إن �صدور الكتاب ،في زمننا العربي هذا، ن�شاهد م�سل�سالت مدبّلجة باللجهات العامية �أ�صبح يدل �أوال على �أن �صاحبه مي�سورا ،لأنه وغير ذل��ك .ولكن ما ال��ذي يُغذّي العزوف عن بب�ساطة ا�ستطاع �أن يدفع ثمن الطبع .ولكن ،مع القراءة نف�سه؟ ذلك ،ليت معظمنا يملك وعيا مو�ضوعيا بحيث رب�م��ا ه�ن��اك م��ن يعد ه��ذا ال �� �س ��ؤال رهيب ًا ال ي�صدر �أحكاما جاهزة بهذا التعميم المخيف. و�صعبا ومعقداً ،وقد يكون على جانب كبير من ورغم كل قوى الرداءة والن�شر التجاري ،ما ال�صواب ،ولكن ،مع ذلك ،فلي�س �أمام الإن�سان الواقعي والمو�ضوعي �إال �أن يعيد �صياغة هذا ن��زال نعتقد ب��أن هناك عباقرة في ه��ذه الأم��ة ال�س�ؤال على النحو الآتي :هل هناك ما ي�ستحق قادرون على �إنجاز �أ�صعب ما يمكن �إنجازه في القراءة؟ �سبيل النهو�ض بهذه اللغة وغيرها ،لكن الم�شكلة ع �م��وم��ا -و�إذا م��ا ا��س�ت�ث�ن�ي�ن��ا ال�م�ج�لات �أن اكت�شافهم �صعب ،لي�س �صعبا علينا كقراء المحترمة ،وبخا�صة بع�ض المجالت الخليجية ومهتمين وباحثين فح�سب ،بل ي�صعب عليهم ذات العيار الثقيل -يمكن القول �إن دور الن�شر �أن يظهروا �أي�ضا .وبخا�صة ونحن في زمن ال العربية قد �أفل�ست ،كم�ؤ�س�سات ثقافية ،وتحوّلت ي�ستطيع �أحد �أن ين�شر فيه كتابا �إال �إذا كان من �إلى تجارة مح�ضة ،ما زاد في انت�شار الرداءة ،عائلة مي�سورة ،فمَن ي�ضمن لنا ب�أن جميع العقول الأم��ر الخطير ال��ذي ال يقابله �سوى العزوف الكبيرة تنتمي �إلى عائالت مي�سورة؟ هذا من الأخطر عن القراءة .لقد �أ�صبح في �إمكان دار ج�ه��ة ،وم��ن جهة �أخ ��رى؛ مَ ��ن ي�ضمن لنا ب��أن الن�شر �أن تطبع وتن�شر �أي �شيء ،ب�شرط �أن يدفع جميع الباحثين المي�سورين ي�ستحقون �أن تعر�ض �صاحبه ثمن الطبع ،وه��ذا في الواقع ال يهدد كتبهم على رفوف المكتبات؟ هنا �أتذكر ما قاله اللغة والثقافة والأدب العربي فح�سب ،بل يهدد هوية الأمة باالنقرا�ض من خالل الغرق الكارثي �أحد وزراء الثقافة المغربية ذات يوم« :يمكن في طوفان ال��رداءة .ينبغي �أال تغيب عنا هذه �أن يكون هناك عباقرة رعاة في الجبال» .و�أنا الحقيقة ،فحين نرى �إعالنا عن �صدور كتاب بدوري �أ�ضيف« :يمكن �أن يكون هناك عباقرة عربي في هذا الزمان ،كثيرا ما ن�شعر وك�أننا عراة يفتر�شون الرمال» .ومن الم�ؤكد �أن عبقرية ق��ر�أن��اه م��رارا وت�ك��رارا ،و�أن��ه ال داع��ي لقراءته الب�شر ال تجدي نفعا خلف قطيع من البقر.
بين �إق�صاء الأبناء وجحود العلماء ■ �أ.د.حممد �صالح ال�شنطي-الأردن
لن �أبد�أ كما هو معتاد بتعريف العولمة باعتبارها الم�صطلح الرئي�س في هذه المقالة ،ولكنني �س�أ�شير �إلى ظاهرة ذاعت ثم �شاعت وابتلينا بها بو�صفها عالمة على ما ح َّل باللغة العربية من �إق�صاء� ،إذ ا�ستبدلت بها اللغة الإنجليزية في التوا�صل وفي التح�صيل؛ الأمر الذي جعل الم�س�ألة في غاية الخطورة؛ ولعل ما يثير االهتمام �أن ثمة مَن تكتب له بالعربية ،فيرد عليك باللغة الإنجليزية. و�إذا كنا ف��ي عالم تال�شت فيه ال��ح��دود وال��ق��ي��ود ،وانفتح على م�صراعيه ف��ي ظ��ل م��ا عرف بالعولمة ،بحيث بدت الثقافات وقد ان�صهرت في ثقافة واحدة ،وفقدت خ�صو�صيتها؛ ف�إن ما ال ينبغي �أن يُن�سى �أن التعددية �أهم �سمات الوجود الإن�سانية ،في مقابل الوحدانية للواحد الأحد الفرد ال�صمد؛ ولذلك جاء قول اهلل تعالى مخاطبا الب�شر ب�صيغة الجمع }يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا �إن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم{. ومن المعروف� ،أن اللغة مادة الفكر ،و�أننا نفكر باللغة وم��ن خاللها؛ ول�ه��ذا ف ��إن لغتنا تحمل ��س�م��ات تفكيرنا .وم�ع�ج��زة الإ� �س�لام معجزة قولية ،ل��ذا ،كانت لغة اللغة العربية لغة ال �ق��ر�آن ال�ك��ري��م ،وك��ان��ت تحديا للعرب؛ لأنها حملت مالمح روحية وثروة تعبيرية �إلهية ال ي�ستطيع العرب �أن ي��أت��وا بمثلها؛ فهي في والعولمة �أ�سا�سا من�ش�ؤها اقت�صادي؛ �إذ �أن�ساقها و�صياغاتها تحمل مالمح هذا الإعجاز التعبيري الذي ينطوي على الر�سالة الإلهية؛ تمكنت ال�شركات المتعددة الجن�سيات من ول��ذل��ك ،ف� ��إن ال�ل�غ��ات ال�ت��ي ق��ارب��ت المعاني القر�آنية بمحاولة نقلها �إليها لم تجر�ؤ على ت�سمية تلك المحاوالت بترجمة القر�آن الكريم، بل عمدت �إل��ى القول ب�أنها ترجمة لمعانيه، والمعاني جزء من المذخور الروحي والداللي الذي يزخر به كتاب اهلل العزيز.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 37
وقد كان من �أهم الأ�سلحة التي ا�ستخدمها الفرن�سيون �ضد الجزائر لإحباط مقاومتهم � �س�لاح ال �ل �غ��ة� ،إذ ع�م�ل��ت ع �ل��ى م �ح��و ال�ل�غ��ة العربية ومنع تعليمها باعتبارها لغة �أجنبية، ور ّوج��وا للهجات العامية ،ودع��وا �إل��ى �ضرورة المحافظة على اللغة الأمازيغية زاعمين �أن الأم��ازي��غ م��ن �أ��ص��ل �أوروب ��ي ،وطم�س الثقافة العربية الإ��س�لام�ي��ة ،وك��ان لت�أ�سي�س جمعية العلماء الم�سلمين الجزائريين بزعامة ال�شيخ عبدالحميد بن بادي�س عام 1931م الأثر الأكبر في مواجهة اال�ستعمار الفرن�سي ،وقد عمل على ت�أكيد الهوية العربية الإ�سالمية عبر تعليم اللغة العربية.
وفي زمن العولمة ،عمد الغرب �إلى فر�ض لغاتهم وبخا�صة اللغة الإنجليزية ،بكل ما تحمله من �سمات ثقافتهم و�أ�سلوب معا�شهم وطرائق �سلوكهم ،لكي يعيدوا �صياغة ثقافة ال�شعوب على ه��واه��م وج � ّره��ا �إل��ى مربعات م�صالحهم .ومعروف �أن الأمم الغالبة تفر�ض لغاتها على الأمم المغلوبة على نحو ما �أو�ضح ذلك ابن خلدون في مقدمته ،ور�أينا كيف �أن فرن�سا ا�ستطاعت �أن ت�سيطر على الجزائر ما
من هنا ،عُ دّت الكتابة الأدبية بغير العربية لونا من �أل��وان ال�سجن؛ لذا ،قال مالك حداد قولته الم�شهورة «�إن اللغة الفرن�سية �أ�شبه بال�سجن» ،وقد اعتبرت الروايات التي كتبها بع�ض الجزائريين بالفرن�سية مثل محمد ديب تعبيرا عن �أزمة ،ب�سبب ا�ضطرابه في التعبير عن المجتمع الجزائري وا�ضطراره �إلى ترجمة ك�لام الفالحين والتعبير عنهم بلغة مثيرة لل�سخرية ،فقد كتب رواي��ة (الحريق) بلغة ال
38اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
احتكار التجارة العالمية ،وا�ستثمار الأي��دي العاملة الرخي�صة؛ ف�ضال عن المواد الخام المتوافرة في بلدان العالم الثالث؛ فانت�شرت تلك ال�شركات على م�ساحة الكرة الأر�ضية، وجعلت م��ن العالم ق��ري��ة �صغيرة ،وفر�ضت �أنماطا من ال�سلوك اال�ستهالكي الذي يخدم م�صالحها ويُ�سخّ ر �شعوب هذا العالم لخدمتها. ومعروف �أن من يهيمن على و�سائل الإنتاج تكون ال�سيادة له ،فهو الذي يتحكم بنمط العالقات في االقت�صاد .وكان من نتيجة ثورة االت�صاالت �أن �ساعدت على هذه الهيمنة ،و�أوجدت �شكال اقت�صاديا جديدا ،هو اقت�صاد المعرفة؛ الأمر الذي مكّنها من ب�سط نفوذ ثقافتها على العالم، ف�صادرت الهويات الوطنية ل�صالح هويتها الثقافية ،وم��ن َث��مَّ فر�ضت هيمنتها اللغوية. ولكن ال�شعوب العريقة التي تملك ر�صيدا ثقافيا هائال مثل الأم��ة العربية ،ال يمكن �أن تر�ضخ لهذه الهيمنة العاتية ،وبخا�صة �أن لغتها هي لغة القر�آن الكريم }�إنا نحن نزلنا الذكر و�إنا له لحافظون{ ،وراح فريق من �أبناء العربية يتنكّرون للغتهم فكانوا يمثلون تحديا �إ�ضافيا.
يقرب من مئة وثالثين �سنة ،وفر�ضت لغتها، ومن خالل هذه اللغة ت�سللت بثقافتها و�أ�سلوب حياتها �إل��ى عمق المجتمع ال�ج��زائ��ري ،ولم ي�ستطع الجزائريون �أن يهزموا فرن�سا ويخلّ�صوا بالدهم من نير اال�ستعمار الفرن�سي �إال بعد �أن �أ�شرعوا في وجهها �سيف المقاومة الثقافية من خالل رابطة العلماء.
ي�ستطيع الفرن�سي وال الجزائري فهمها كما ينبغي ،فهو كالغراب الذي �ضيّع م�شيته؛ لذا، ظهر ما ي�سمى باللغة الرابعة التي ا�ستخدمها ال��روائ��ي ال �ج��زائ��ري ك��ات��ب يا�سين �صاحب رواي��ة (النجمة) ،ملخ�ص هذه اللغة الرابعة الطرفة التي ت��روي �أن �شرطيا ق��ال ل�صاحب �سيارة «�أعطني رخ�صة ال�سيارة فلم يفهم، فقال له �أطني (البيرمي) فقال الرجل هكذا نفهمك ،تكلم يا خويا بالعربية» ،فهذا لون من �أل��وان ال�ضياع اللغوي نجده عند محمد ديب، المتما�سة مع العربية وتراثها ال�شعبي الف�صيح، وي ُِ�ص ُّر محمود قا�سم على �أن الأدب المكتوب وكذلك ال�شعور بالغربة عند مالك حداد وكذلك بالفرن�سية �أدب عربي ،على الرغم من �أنه عند كاتب يا�سين(.)1 يعترف �أن الفرن�سيين �شجعوا هذه الظاهرة وهذه ق�ضية مهمة ،وبخا�صة في ظل الفكر الع�ت�ق��اده��م �أن ال�ل�غ��ة ب��اع�ت�ب��اره��ا المنطوق العولمي ال�سائد؛ و�إذا كان ثمة مَ ن يقلل من الأ� �س��ا���س للب�شر يمكن �أن ت��زي��د م��ن انتماء �أهميتها باتخاذ موقف و�سطي (بين ،بين) ،المتحدث بها �إلى ثقافة هذه الدولة(.)4 على النحو الذي فعله الكاتب الناقد المغربي والحقيقة� ،أن��ه ال م��راء ف��ي ارت��ب��اط اللغة �أحمد المديني في حوار �أجرته معه الد�ستور بتراثها وهوية الناطقين بها ،ولكن ثمة تحديات الثقافي الأردنية ،حول الأدباء المغاربة الذين تفر�ضها طبيعة الع�صر ال��ذي نعي�ش ،على يكتبون بالفرن�سية باعتبار ه��ذا الأدب تراثا نحو ما ر�أينا من تحديّات فر�ضها اال�ستعمار �إن�سانيا معترفا به ،و�إن اعترف �أن هذا الأدب الفرن�سي في المغرب العربي؛ الأمر ،الذي دفع يتحرك في مدار «اللغة والثقافة الفرن�سيتين» ،بكثير من الأدب��اء �إلى ا�صطناع الفرن�سية لغة و�أن الأدب ال�م�ع�ت��رف ب��ه ح�ق��ا ه��و المكتوب للكتابة؛ فالعولمة بما �أ�سفرت عنه من تحكّم بالعربية ،ولكن ثمة ما ي�شبه الإجماع على �أن في االقت�صاد العالمي ،وهيمنة على مقدرات «اللغة جذر انتماء في مكونات الهوية القومية ال�شعوب ،و�سيطرة على �إنتاج المعرفة ،و�إم�ساك والثقافية ،و�أن �أدب كل لغة يحمل روحية من بزمام التقدم التكنولوجي ،كل ذلك جعل اللغة روحيتها ،كما يحمل خ�صائ�صها الأ�سلوبية الإنجليزية و�سيلة التوا�صل العلمي والح�ضاري، والتعبيرية ،وحاملة لثقافة الأمة الناطقة بها م��ا �أوق�ع�ن��ا ف��ي ��ش�رَك اال��س�ت�ب��داد اللغوي لها وتاريخها ور�ؤيتها للوجود والحياة»(.)2 و�إيالئها االهتمام الأكبر على ح�ساب لغتنا؛ بل
وثمة مَ ن يرى �أن هناك تراثا ثريا كتبه كتّاب بالفرن�سية ،مثل الذين ذكرناهم �سابقا� ،إ�ضافة �إل��ى ر�شيد ب��وج��درة ،وم��راد ب��ورب��ون ،و�أندريه �شديد ،ور�شيد ميموني ،و�آ�سيا جبار ،و�أمين معلوف ،و�أن عزله عن عربية كتابه يجعل من البنية القومية العربية بنية تكوينية وزاهية، و�أن المهم هو م�ضامين هذه الكتابات ،ولي�س لغتها ،ويتبنى ه��ذا ال ��ر�أي الناقد الم�صري محمود قا�سم في كتابه «الأدب العربي المكتوب بالفرن�سية»(.)3
اجلوبة � -صيف 1435هـ 39
ر�أينا �أن هناك من يُعلي من �ش�أنها في مختلف المجاالت ،ولي�س في ميدان العلم فح�سب؛ ف�إذا دخلت قاعة المحا�ضرات وجدت خليطا عجيبا من الكتابة بالإنجليزية ت��ارة ..والعربية تارة �أخ��رى؛ و�إذا دخلت الأ�سواق وجدت الالفتات المعلقة على واجهات المحالت مكتوبة بغير العربية ،تحمل �أ��س�م��اء ال�ع�لام��ات التجارية ومهما يكن من �أمر ،ف�إن مثل هذا التحدي باللغة الإنجليزية؛ و�إذا دار ح��وار بين اثنين قد واج��ه العرب حينما ات�صلوا بالح�ضارات من المثقفين ..ت�سمع �إلى خليط من الرطانة الأخ���رى عبر ال�ف�ت��وح��ات ،فلم ينغلقوا على الأجنبية! �أنف�سهم ،وواج �ه��وا ه��ذا التحدي الح�ضاري وقد �ساد وه� ٌم مفاده �أن اللغة الإنجليزية بحركة ترجمة ن�شطة �إلى اللغة العربية ،ولم لغة عالمية يتفاهم عبرها النا�س في مختلف يفعلوا كما نفعل الآن بهجرة لغتنا �إلى خريطة �أنحاء العالم ،ف ��إذا دخلت �إل��ى فندق في �أي لغوية جديدة ،بل �أفرغنا ت�ضاري�س الخرائط بلد عربي عليك �أن تتحدث بالإنجليزية ،وقد اللغوية الأخ��رى في لغتنا التي �أ�صبحت �أكثر ا�ستمر�أنا هذه اللعبة ،ورحنا ن�ستعر�ض معرفتنا ثراء؛ بل �أجبر العلماء والفال�سفة والأدباء على بها ،فكرّ�سنا وجودها لغة للتوا�صل و�أهملنا �إتقان لغتنا والإبداع فيها ،وقد حدث مثل هذا لغتنا؛ بل ذهبنا �إلى �أبعد من ذلك حين ر�ضخنا في بدايات ع�صر النه�ضة ،حين وجدنا عددا للتحريف الهائل في لغتنا وما �ألحقته العمالة من ال�شعراء الذين ينتمون �إل��ى �أ��ص��ول غير الأجنبية م��ن ت�شوهات بنيوية ف��ي التراكيب عربية يبدعون بالعربية مثل محمود �سامي اللغوية ،فجاريناهم في لكنتهم ورطانتهم ،البارودي و�أحمد �شوقي. ف�أ�صبح ذلك هو الأ�صل في التعاطي مع اللغة ثمة تحديات كثيرة ع��ر���ض لها كثير من في التداول اليومي ل�ش�ؤون الحياة مع ه�ؤالء ،الباحثين في هذا االتجاه غير العمالة والتحدي ول��م ُنعْنَ بت�صحيح كالمهم ،بل ان�سقنا �إلى التكنولوجي واالقت�صادي؛ فاالزدواجية اللغوية عُ جمتهم! بين العامية والف�صحى ،والخلل في الميزان ي�شير الدكتور �أحمد ال�ضبيب �إلى �أن ما هو �شائع عن اللغة الإنجليزية من �أنها لغة عالمية ادّعاء لي�س له ن�صيب من ال�صحة ،م�ست�شهدا بما ورد في كتاب �صموئيل هنتنجتون (�صدام ال�ح���ض��ارات)� ،إذ ي�شير �إل��ى �أن ع��دد الذين 40اجلوبة � -صيف 1435هـ
التعليمي والتربوي ال��ذي فر�ضه بع�ض الذين ت َلقّوا تعليمهم في الخارج ،فحاولوا �أن يُطبِّقوا المناهج الغربية حتى في مجال تعليم اللغة، وعملوا على تكري�س تعليم الإنجليزية في مرحلة مبكرة؛ الأمر الذي �أثّر على م�ستوى ا�ستيعاب
وقد ثبت عبر التاريخ �أن اللغة العربية قادرة ُق�صها على ال�صمود �أم��ام التحديات �إذا لم ي ِ �أبنا�ؤها ،ولم يتنكّر لها �أهلها .ولعلنا نتذكر تلك الحقبة المريرة التي مرت بها اللغة العربية، حين ت�صاعدت نبرة التتريك بعد �أن هيمنت جماعة االتحاد والترقّي على الدولة العثمانية وت�صاعدت النزعة الطورانية التي �أ�سفرت عن قيود بالغة كبّلت بها اللغة العربية ،وا�ستبدلت الحروف الالتينية بالحروف العربية في كتابة اللغة التركية ،و�شنّت ال�سلطات التركية �آنذاك حملة �شر�سة على كل ما هو عربي ،وبخا�صة في ظل بروز التوجه العربي بو�صفه رد فعل للتوجه الطوراني ،وعلق مدحت با�شا ال�سفاح رجاالت العرب على �أع��واد الم�شانق .وعلى الرغم من ذلك ،ظلت العربية �شامخة في وجه التحديات ال�سافرة ،وقد كانت �صحيفة الوقائع الم�صرية الر�سمية تحرّر بالتركية ثم تترجم �إلى عربية ركيكة ،ولكن رفاعة رافع الطهطاوي قلب الآية ف�أ�صبحت العربية هي اللغة الأولى التي تكتب
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
يتحدثون باللغة الإنجليزية بو�صفها لغة �أولى كان ال يتجاوز �سبعا و�ستة �أع�شار بالمئة ،متدنيا عما كان عليه الحال عام 1958م ،م�ستنتجا �أن «لغة �أجنبية لدى اثنين وت�سعين بالمئة من �سكان الأر�ض ال يمكن �أن تكون لغة عالمية؛ فهي لغة ات�صال بين الثقافات ،ولي�س لغة عالمية(.)5
الطالب للغتهم العربية ،ولعل تجربة الدكتور بها ال�صحيفة ثم تترجم �إلى التركية ،ولم تفلح عبداهلل الدنان التي طبقها في مدار�سه تثبت حركة العلمنة التركية في تغريب العرب عن �صحة ذلك؛ فقد ثبت �أن ا�ستنها�ض ال�سليقة لغتهم �أو في �إق�صائهم عنها. والفطرة في تعلم اللغة العربية منذ المراحل وف��ي مرحلة تالية حين تعالت ال��دع��وات الأول��ى في التعليم� ،إذ يتم تدريب المعلمين �إل��ى ا�ستخدام العامية ب��دال م��ن الف�صحى، على النطق بالعربية الف�صحى ،والحديث وو�صل ال�شطط ببع�ضهم ..وبخا�صة وزير الري مع الأطفال في الرو�ضة بها ،الأمر الذي �أدى البريطاني� ،إلى حد ا�ستبدال الحرف الالتيني �إل��ى �إتقانهم لها تدوين تعليم قواعدها؛ بل بالحرف العربي تحت دعاوى مختلفة ،فف�شل �إنهم كانوا ي�صححون �أخ�ط��اء معلميهم بعد نتيجة النحياز العرب �إلى لغتهم ،على الرغم حين ،فالمهم �أن تتحول اللغة �إلى لغة حياة في من ولوغ بع�ض المثقفين من الم�ستغربين في الدرجة الأولى. هذا الم�ستنقع؛ �إذ تنادى بع�ض �أ�صحاب الهوى �إلى الت�أليف بالعامية؛ الأمر الذي �أثار حفيظة العروبيين فقاوموه بكل ما �أوتوا من قوة .ولعل من �أب��رز ال�شواهد على ذل��ك ،ما فعله لوي�س عو�ض حين �أل��ف كتابا كامال بالعامية تحت عنوان (مذكرات طالب بعثة) ،وديوانا �شعريا هو (بلوتالند) ،وقد تنامت هذه الحركة في ال�ستينيات ،ع�صر ازدهار الم�سرح في م�صر، �إذ ك��ان م�شاهير ال�ك� ّت��اب ي ��ؤل�ف��ون للم�سرح بالعامية ،مثل :نعمان عا�شور ،وعلي �سالم، ولطفي الخولي ،ونجيب �سرور وغيرهم؛ و�إلى جانبهم مَ ��ن تم�سك بالف�صحى مثل توفيق الحكيم ف��ي م�سرحه الذهني واالجتماعي، وهو الذي دعا �إلى ا�ستعمال اللغة الثالثة في بيان �أ�صدره في مقدمة م�سرحيته (ال�صفقة) التي ي�ستخدم المتحاورون فيها لغة �إن �ضبطت بالحركات بدت ف�صيحة ،و�إذا �سكنت �أواخرها ت�صبح عامية ،وكان هناك م�سرح الجيب الذي كان ي�شرف عليه الدكتور ر�شاد ر�شدي ،وكانت تعر�ض عليه م�سرحيات �أجنبية تمثل االتجاهات
اجلوبة � -صيف 1435هـ 41
ومن مظاهر �إق�صاء اللغة العربية ،االهتمام المفرط بما ي�سمى بالمدار�س العالمية التي �أ�صبحت مظهرا من مظاهر الرقيّ االجتماعي، �إذ يتفاخر النا�س ب��إدخ��ال �أبنائهم �إل��ى هذه ال �م��دار���س ل �ي �ح��وزوا ع�ل��ى م�ك��ان��ة اجتماعية م �ت �ق��دم��ة ،زاع �م �ي��ن �أن��ه��م ح��ري �� �ص��ون على �ضمان م�ستقبل �أبنائهم من خ�لال �إتقانهم للإنجليزية ،وفي هذه المدار�س ت�صبح اللغة العربية هام�شية تحتل مرتبة مت�أخرة ،حتى �إن �أ�صحابها ال يهتمون باختيار مدر�سيّ اللغة العربية وفق معايير الجودة المطلوبة ،فيتخرج الأبناء وهم يعانون �ضعفا ملحوظا في م�ستوى �إتقانهم للغة العربية ،وفي الوقت ذاته ال يتقنون الإنجليزية. ولعل من �أب��رز مظاهر الإق�صاء ،الإ�صرار على تعليم التخ�ص�صات العلمية في الجامعات باللغة الإنجليزية ،حتى بلغ الأم��ر ببع�ضهم �إل��ى العزوف عن الجامعات التي تدر�س هذه 42اجلوبة � -صيف 1435هـ
و�إذا كانت اللغة �صانعة الثقافة ،ف�إن �أخطر ما تواجهه ثقافتنا تلك الحرب ال�شعواء التي تتبدى في �آف��اق العولمة �ضد الثقافة العربية الإ�سالمية ،ومن ثَمَّ ف�إنها تنال من لغتها وتقتحم عليها خ�صو�صيتها .فنحن �أم��ام م�شهد ثقافي منحاز ،ولعل من �أ��ص��دق ال�شواهد على ذلك كتاب نهاية التاريخ لفوكو ياما ال��ذي يكر�س الثقافة الغربية الديمقراطية �سيدة للثقافة العالمية ونهاية للتاريخ ،ويعد العدو الرئي�س لها الثقافة الإ�سالمية ،بعد هزيمة الثقافة ال�شيوعية وان �ح�لال الحا�ضنة الرئي�سة ل�ه��ا ،ممثلة في االتحاد ال�سوفييتي ،و�سقوط جدار برلين ،ف�ض ًال عما �آل �إليه �صراع الح�ضارات طبقا لهنتنجتون؛ الأمر الذي �أدّى �إلى ما ي�شبه الخواء الروحي ،ما �أدى كذلك �إلى �شيوع ثقافة الي�أ�س في تجليات
�إنَّ ال�شكوى م��ن �إه�م��ال الف�صحى وع��دم العناية بها لي�ست حديثة؛ بل قديمة؛ �إذ و�ضعت بع�ض الكتب القديمة ،مثل كتاب اب��ن قتيبة الدينوري (�أدب الكاتب) في القرن الثالث الهجري ،وفيه ي�شكو الكاتب بمرارة من الجهل باللغة ..ت�لاه بعد ذل��ك ك�ث�ي��رون؛ منهم �أب��و من�صور الأزه��ري في القرن الرابع الهجري، ال��ذي �أ ّل ��ف ك�ت��اب (درة ال�غ��وا���ص ف��ي �أوه��ام
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الحديثة في الم�سرح ،وكلها كانت مترجمة �إلى الف�صحى .ونتيجة للمواجهة العنيفة بين �أن�صار العامية والف�صحى ك��ان منح جائزة الدولة التقديرية لتوفيق الحكيم عام 1966م، انت�صارا حا�سما للمتم�سكين بلغتهم ،في حين اندحر دعاة العامية وخ�سروا المعركة ،و�أذكر في ذلك الوقت �أن محمود تيمور �أع��اد كتابة ح ��وارات �أع�م��ال��ه ال�سردية بالف�صحى ،وتم االحتفال بانت�صار الف�صحى في حفل مهيب تحدث فيه محمود تيمور م�ستدعيا �إلى الأذهان �سوق عكاظ.
العلوم باللغة العربية ،في حين �أثبتت التجربة �أن تعلم العلوم باللغة الأم �أي�سر و�أج��دى .وقد �أجريت تجارب في الفليبين وفي غيرها ثبت من خاللها �أن التعلم باللغة الوطنية يعطي نتائج مبهرة ،في حين يزداد الأمر �صعوبة �إذا كان التعليم بلغة �أجنبية ،وقد دلت نتائج بع�ض الدرا�سات التي قام بها �أ�ساتذة مار�سوا تعليم العلوم باللغة العربية على �أن ثمة توفيرا في الوقت ملحوظا ينجم عن ا�ستعمال العربية في هذا المجال؛ ففي درا�سة ا�ستطالعية نه�ض بها الدكتور زهير ال�سباعي ،ف�أجراها على طلبة الملك عبدالعزيز� ،أجاب �أغلب الم�شاركين في اال�ستطالع ب�أنهم يوفرون %50من وقتهم حين يدر�سون باللغة العربية.
�سلوكية تتزيّا ب��زيٍ �شعائريّ فل�سفيّ في �شكل نحل متعددة الأ�شكال ،مثل مَ ن عُ رفوا ب�أتباع �شريعة معبد ال�شم�س ،الذين ه�ي��أوا �أنف�سهم ليوم ال�سفر الأك�ب��ر ،كما ي�سمونه ،وانتهوا به �إلى االنتحار الجماعي الذي �أودى بحياة ثمانية و�أربعين في الدفعة الأول��ى� ،إذ حرقوا �أنف�سهم عام 1994م في �سوي�سرا ،و�أربعة و�سبعين في عام 1997م في كندا؛ ثم ما لبث عبدة ال�شيطان �أن انت�شروا في م�صر والأردن وغيرها من �أقطار العرب ،ممن انحازوا �إلى تلك الثقافة ،بعيدا عن ثقافتهم ولغتهم ،وكان ذلك ب�سبب تكري�س الفكر ال�صراعي الغربي الذي انتقل عبر الثقافة الغربية ولغتها(.)7
الخوا�ص) ،من �أجل ت�صحيح الأخطاء ال�شائعة بين المثقفين في ع�صره ،وظهرت كتب عديدة بعد ذلك؛ ولكن التحديات التي كانت تواجه اللغة في تلك الحقبة لم تكن على النحو الذي ن��راه الآن؛ �إذ ،تعاظمت ه��ذه التحديات من خالل العاميات العديدة المنت�شرة ،واللغات الأجنبية المناف�سة للغة العربية ،وا�ستخدام الأجهزة الحديثة في التوا�صل ،وقد ثبت علميا �أن اللغة العربية من �أو�ضح اللغات �صوتا في �أجهزة الحا�سوب؛ ولكن التق�صير ي�أتي من العلماء العرب الذين لم يكرّ�سوا جهدهم في هذا االتجاه خدمة للغتهم. �إن لغتنا العربية التي مرت بفترات تاريخية، ع��ان��ت خاللها م��ن الإه �م��ال المتعمد ب�سبب �سيطرة الحكام غير العرب على مُقدّرات الأمة في ع�صر ال��دول المتتابعة ،ثم واجهت حربا �شعواء من الذين حاولوا �أن ي�صادروا هويتها �إبّان �سيطرة القوميين الطورانييين في �أواخر العهد العثماني ،وت�صدت لأ�صحاب الم�شاريع االنف�صالية الم�شبوهة م��ن دع��اة الفينيقية والفرعونية ،ومن دعاة العامية.
( )1بغورة محمد ال�صديق ،عن الأدب الجزائري المكتوب بالفرن�سية� ،أنهار2008 ،م. ( )2ه�شام عودة ،من حوار �أجراه مع الدكتور �أحمد المديني ،جريدة الد�ستور الأردنية ،الملحق الثقافي /7/ 17 2009م. ( )3الم�صدر ال�سابق. كايد ها�شم ،الأدب العربي المكتوب بالفرن�سية ق�ضية لغة �أو م�ضمون ،جريدة الد�ستور ،الملحق الثقافي ،الجمعة 2009/7/24م. ( )4محمود قا�سم ،الأدب العربي المكتوب باللغة الفرن�سية ،وزارة الثقافة ،م�صر2010 ،م. ( )5د� .أحمد ال�ضبيب ،اللغة العربية في ع�صر العولمة ،مكتبة العبيكان ،الريا�ض1422 ،هـ� .ص.15 هنتنجتون� ،صدام الح�ضارات (بالإنجليزية) نيويورك 1997م �ص.59 ( )6ال�ضبيب (مرجع �سابق) �ص43 ( )7فوكو ياما ،نهاية التاريخ وخاتم الب�شر ،ترجمة ح�سين �أحمد �أمين ،مركز الأهرام1993 ،م.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 43
■ د .عبدالنا�صر هالل -جامعة امللك عبدالعزيز
ال ـل ـ َغ ـ ُة حياة ،وهي وعاء الفكر ،فال فكر من دون لغة ،وال لغة من دون معنى؛ وهي ُتـراثُ ُك ِّل �أُ َّم ٍة والم�شكّلة لح�ضارتها،هي الهوية الممتدة في باطن التاريخ .واللغة العربية ي�سْ يرة ،طيّعة، ال عُ�سْ َر فيها �إال على مَن تعنّت ،والأجيال المعا�صرة تملكها كما كان القدما ُء يملكونها .بذل العلماء الأول��ون جهدا كبيرا في �ضبطها وو�ضع قواعدها ،وا�ستنباط القيا�س فيها؛ فانت�شرت المدار�س وتعددت المذاهب؛ حتى �أ�صبح اللحن �أو الخط�أ في اللغة نُطقا وكتابة �أمرا خطيرا تهتز له وتنفر منه العامة ،ويحاربه المتخ�ص�صون ،فكانت �ساحة القيا�س هي المهيمنة ،ال مجال للخروج عليهِ؛ فاللحن �أو الخط�أ في اللغة كان جرما يهرب منه النا�س� ،أم��ا الآن فقد �أ�صبح الخط�أ في اللغة ال يكترث له العامة ،وال ين�شغل به المتخ�ص�ص؛ فالغـيـرة على اللغة ته�شمت، وتال�شت ،ولم تعد كما كانت من قبل! �أ�صبح الإن�سان محاطا ب�ضجيج من الأخطاء اللغوية؛ ففي كل ي��وم ،بل في كل �ساعة ،يرى وي�سمع وي���ش��اه��د ف��ي و� �س��ائ��ل الإع �ل�ام وف��ي ال�صحف وفي المتاجر وال�شوارع والإعالنات، وفي المدار�س الخط�أ تلو الآخر ،نُطْ قـا وكتابة في المذياع والتلفاز وفي غيرهما من و�سائل ب���د�أت �إره��ا���ص��ات ه��ذه ال��ظ��اه��رة قديما، الإعالم والإعالن ،وال نُـحَ ـرِّ كُ �ساكنا!! وتنبه علماء اللغة لخطورتها ،فت�صدوا لها �أ�صبحنا نعي�ش ون�ت�ح��اور م��ع مَ ��ن ين�صب لما فيها من ج��رم على اللغة وعلى المعنى، الفاعلَ ويرف َع المفعولَ به والحال ،وال يعرف فيروى عن العالم النحوي �أبي الأ�سود الد�ؤلي �إع� ��راب ال�صفة وال�م���ض��اف �إل �ي��ه والأ��س�م��اء �أن��ه �سمع ابنته ت�ق��ول(:م��ا �أج�م��لُ ال�سماءُ)، الخم�سة ،وم ��اذا تفعل ح��روف ال�ج��ر وع�لام الو�صل وهمزة تدخُ ـل ..وال يفـرِّ ق بين همزة ْ القطع ،وال بين (�أل)ال�شم�سية و(�أل) القمرية، وال يعرف قواعد الهمزات وال التنوين ،ويُخطئ في الحركات فيتغيّر المعنى.
44اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
اللغة العربية بين الأخطاء ال�شائعة وظاهرة الهجين الأ�سباب والحلول
فقال لها (نجومها) ،فقالت :ال �أ�س�أل ،ولكني �أتعجب .فقال لها :قولي( :ما �أجملَ ال�سماءَ) (بالفتح) .وفي �أيام الدولة العبا�سية يُروى عن الخليل بن �أحمد الفراهيدي �أنه ثار على رجُ ـل كان جال�سا يتلو قول اهلل تعالى}:و�أذا ٌن منَ اهلل هلل ور�سولِه �إل��ى النا�س يوم الحج الأكبر �أنَّ ا َ بري ٌء من الم�شركين ور�سولُـه{ نطقها الرجُ ل «ور�سو ِلهِ» بك�سر الالم ولي�س ب�ضمها كما نزلت على الر�سول (�صلّى اهلل عليه و�سلّم) ،فالمعنى يتغير بتغير حركة واح��دة على حرف واح��د.. فما ك��ان م��ن الخليل �إال �أن ثـار على الرجل قائالً :ماذا تقولُ يارجُ ل» ؟! قُـلْ «ور�سولُه» ب�ضم الالم ،فـبـ َّر َر الرجلُ خط�أه ب�أنَّ الم�صحف في ذلك الوقت لم يكنْ به �أية و�سيلة تقيد القارئ بالنطق ال�سليم؛ ومن هنا كان اهتمام الخلفاء الرا�شدين بالغ ًا ب�ضبط اللغة وو�ضع قواعدها، كما ي��روى من قول الإم��ام علي بن �أب��ي طالب ر�ضي اهلل عنه لأب��ي الأ��س��ود ال��د�ؤل��ي :ان��ح ما نحوت.
و�أ�صولها ،وت�سهيلها في اال�ستخدام ،فظهرت دع ��وة �إح �ل�ال ال�ل�غ��ة ال�لات�ي�ن�ي��ة م�ح��ل الخط العربي ،ومع مطلع القرن الع�شرين الدعوة �إلى �إحالل العامية محل الف�صحى ،وقد تبنّى هذه الدعوة بع�ض المفكرين العرب �آن��ذاك مثل: �سالمة مو�سى ،وبعده لوي�س عو�ض ،ونفو�سة �إبراهيم! ومنذ ه��ذه ال��دع��وات المبكرة وحتى الآن تعاني اللغة العربية من ت�آمر مق�صود وغير مق�صود ،يكمن ف��ي ال �ت �ه��اون ،وال�ل�ج��وء �إل��ى المهجور ،واالعتماد على اللهجة في معامالتنا اليومية. �أ�سباب انت�شار الأخطاء ال�شائعة -1ال�خ��وف م��ن تعلّم م�ب��ادئ اللغة ،وال�شعور ب�صعوبة علومها ،من نحو و�صرف وبالغة، و�أ��ص�ب��ح التخ�ص�ص �شماعة نعلق عليها �أخطاءنا ،فترك النا�س االجتهاد والحفاظ على القواعد والأ�صول. -2المناهج المدر�سية ،وما تعانيه من غياب ال��رق��اب��ة ال���ص��ارم��ة ،وبخا�صة على منهج اللغة العربية� ،إ�ضافة �إلى �سيا�سة العالقات ال�شخ�صية والمجامالت في اختيار المناهج. �أ�ضف �إل��ى ذل��ك �إخ��راج الكتاب وطباعته، وطريقة عر�ض المحتوى.
ثم توا�صلت جهود علماء اللغة في �ضبط ال �ق��واع��د وال �م �خ��ارج وال �ح��رك��ات(:ال �ف �ت �ح��ة والك�سرة وال�ضمة وال���س�ك��ون) ،وذك��ر (اب��ن ج� ّن��ي) ف��ي الخ�صائ�ص �أنّ رجُ �لا لحَ ن عند ر��س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم) فقال: (�أر�شدوا �أخاكم ف�إنه قد �ضل) .وقد كان (ابنُ عمر) (ر�ضي اهلل عنهما) ي�ضرب ابنه على � -3ضعف خريجي �أق�سام اللغة العربية و�آدابها، اللحن في الكالم. و�ضحالة م�ستواهم الفكري والعلمي ،وعدم وفي نهايات القرن التا�سع ع�شر تعر�ضت ت�أهيلهم تربويا وعلميا بال�شكل المنا�سب اللغة العربية للت�آمر على قانونها وقواعدها لمتطلبات الع�صر. اجلوبة � -صيف 1435هـ 45
نماذج من الأخطاء ال�شائعة وت�صويبها
-7ت�ع��د و��س��ائ��ل الإع �ل�ام ال�ح��دي�ث��ة ،المرئية والم�سموعة والمقروءة ،و�شبكات التوا�صل -1ر�أي� ��تُ بع�ض ال�م�غ� ِ�رّدي��ن ي�ستنكر كلمة االجتماعي ،م��ن �أك�ث��ر العوامل ت�أثيرا في (ج� ��وزي� ��ت) ،وي� �ق ��ول � َّإن ال� ��� �ص ��وابَ : انت�شار ظاهرة الأخ�ط��اء اللغوية بِمختلف (جُ ��زي��ت) ..ق�ل��تُ َّ � :إن كليهما ��ص��واب، �أن��واع �ه��ا؛ ح�ي��ث ت�ستخدم ه��ذه الو�سائل فـ(جوزيت) من (جازَى) و(جُ زيت) من مزيجا من اللغة واللهجة ،يمكن ت�سميته (جَ زى).. بـ(الف�صعمية)! توهم ًا �أنها �أكثر فاعلية وت�أثيرا في فكر المتلقي و�شعوره؛ ما خلق - 2م��ن الأخ��ط��اء ال�شائعة ج ��دً ا ف��ي اللغة وال�صوابُ �أن يقالَ : قولهم� :أمر رئي�سيَّ .. تَهجين المعْجم اللّغوي ،وتغْليب الأ ْل�ف��اظ �أم��ر رئي�س ..ل َّأن «رئي�س» �صفة ..مثل الأجنبيَّة على العربيَّة ،و�إل �غ��اء الإعْ ��راب «كبير» ال نقول� :أمر كبيري! تمامً ا� ،سوا ٌء في الإذاع��ة �أو التليفزيون �أو ال�سينما. -3م � ّم��ا ي �ق��ع ال��وه��م ف �ي��ه ال�ت�ع�ب�ي��ر بلفظ 46اجلوبة � -صيف 1435هـ
النا�س في -10ر�أي ��تُ بع�ض ال�م�غ� ِ�رّدي��ن يكتب ( ُك � ْ�فء) ِ -4ممّا يقع الخط�أ ف�ي��ه ..ق��ولُ بهمزة على ال�سطر ،و�آخرين ير�سمونها دعائهم( :اللهم �أرنا فيهم يومً ا �أ�سودًا).. بع�ضهم، ( ُك ُف�ؤ) ..ور�أيتهم ينكرون على ِ وال�صوابُ �أن يقالَ ( :يومً ا �أ�سودَ) ،فكلمة َّ وال�صوابُ � َّأن كليهما �صحيح. َّ �أ�سود غير م�صروفة.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
-4طريقة تدري�س اللغة العربية في المدار�س، �إذ تعتمد على التلقين ال��ذي يق�ضي بدوره علينا �أوال �أن ندرك �أنَّ اللحن والخط�أ في على ملكات التفكير والم�شاركة والإنتاج. اللغة �أم�� ٌر ل��ه خطورته م��ن الناحية الفكرية -5طريقة تدري�س النحو العربي في المدار�س وال�ع�ل�م�ي��ة ،و�أن���ه ي�ق�ل��بُ المعنى وي �غ � ّي��ره �إل��ى يدعو �إلى االن�صراف عنه ،بل النفور منه ،النقي�ض ،فال بد من: �إذ يتبع المدر�سون تقديم المو�ضوعات عبر مراجعة النظام التعليمي العربي من حيثالأمثلة ،ثم �شرح القاعدة ،والقواعد جافة المناهج ،وطباعتها ،و�إخراجها ،وموادها، ومنفرة ،وتفر�ض عزلة مع الإح�سا�س بحيوية وطرق تدري�سها ،و�إ�صالحه في ظل ال�ضوابط اللغة ومفرداتها. العلمية والتربوية الحديثة التي تحافظ على -6كثير من النخبة و�أ�صحاب ال��ر�أي يرون �أنَّ اللغة ،وت�صنع جيال لغويا جديدا. اللّغة مجرَّد و�سيل ٍة للتَّعبير كيْفما اتَّفق ،ال التخل�ص من اللغة الهجين والعودة �إلى اللغةداع��يَ للحِ رْ�ص على نظامها وقواعدها ما الف�صحى ،عبر قواعدها و�أن�ساقها. دام المقْ�صود يتحقَّق ب�أيّ �شكْلٍ من �أ�شْ كال التَّعبير .وظهرت م�سميات منها« :البالغة -العمل بميثاق �شرف �إعالمي ،لغوي ،يبتعد عن الأخطاء ال�شائعة ،ويلتزم ب�صواب اللغة، الع�صريَّة» ،و�سمَّاها بع�ضهم« :اللّغة الثالثة»، كي تُ�صححَ و�سائلُ الإع�لام هذه الأخطا َء م��ا ��س��اع��د ع�ل��ى ت ��رك ال �� �ص��واب واع�ت�ن��اق ال�صارخة التي تتكرر كل يوم. المهجور� ،أو انت�شار الخط�أ.. عالج الظاهرة
(الرومان) ظ ًنّا �أ َنّها جمع رومي ،وما هي وال�صوابُ � َّأن جمع رومي« :روم». بذاكَّ ..
وال�صوابُ �أن يقالَ :و�ضعتُ ال�شيء ن�صب َّ عيني(بالت�سكين).
النا�س �إلى � َّأن معنى كلمة (الم�أتم) ُ -11يذهبُ وال�صوابُ هو :االجتماع على الم�صيبةَّ .. �أ َنّه لي�س كذلك ..فالم�أتم :الن�ساء يجتمعن في الخير وال�شرّ.
- 5من التعبيرات الخاطئة التي ي�ستعملها النا�س كثرة قولهم :ح�ضر فال ٌن االجتماع ُ على ال��رغ��م م��ن ك��و ِن��ه م��ري��ً��ض��ا ..وه��ذا ي�صح لغةً ..ل َّأن (على الرغم) التعبير ال ُّ �أو (بالرغم) ت�ستعمل �إذا فعلتَ �شيئًا -12هذه الأخطاء ال ب� َّ�د لـ «تويتر» �أن يرتاحَ وهناك من يكرهه ..والتعبير ال�صحيح منها�« -1 ..شيء» ولي�س «�شئ»�»2 .س ِيّئ» في الجملة( :ح�ضر ف�لا ٌن االجتماع مع �صل على» ولي�س ولي�س «�سيء» « -3اللهم ِّ مري�ضا). كونِه ً «اللهم �صلّي على». � -6أر�سل لي �صديقي ر�سالة ُث� َّ�م ق��ال :هذه -13م��ن الأخ��ط��اء ال�شائعة ق��ول�ن��ا :ذُ هِ � ْل��ت ف�ت��وت��ان ع��ن ك ��ذا ..يق�صد تثنية كلمة ب�ضم ال��ذال وك�سر الهاء.. عن ال�شيء؛ ِّ (ف�ت��وى) ،وال� َّ���ص��وابُ في تثنية فتوى �أن وال�صوابُ �أن يقالَ :ذَ هَ لْت عن ال�شيء �أو َّ يقالَ :فتويان. ذَ هِ لْت عن ال�شيء.. � -7أرى -واهلل �أعلمَّ � -أن كلمة (ن َيّة) تُجمع -14نقول في دعائنا :اللهم ف�أَ�شْ ِغ ْل ُه بنف�سه.. �ول واح � ��دً ا ..وال يجوز على (ن�� َّي��ات) ق � اً والأف�صحُ �أن يقالَ :اللهم فا�شْ َغ ْل ُه بنف�سه؛ جمعها على (ن��واي��ا)؛ فهي ال ت�صح من بالهمزة المو�صولة ال المقطوعة وبفتح جهة ال�سماع وال القيا�س. الغين ال بك�سرها. -8يخطئ النا�س ف��ي �ضبط ه��ذا الحديث -15ف��ي كثير م��ن اللهجات ي�ق��ول��ون :عفطت ( ...و�أنت تجعل الحَ زْ نَ �إذا �شئت �سهالً) ال�شيء؛ بمعنى ثنيته ..ولو �سَ مِ عَنا �أعرابيُ وال�صواب ت�سكين فيقولون (ال��حَ ��زَ ن)َّ ، لأفرط في ال�ضحك ل َّأن ال�صوابَ :عطفت الزاي ومعناها :كل �أمر �شاقّ . ال�شيء. -9م � ّم��ا ي�شيع م��ن ال�خ�ط��أ �أي �� ً��ض��ا قولهم -16 :م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك :ع �م��ل ل �ق��اء �أج ��ر، وال�صحيح = عمل ب�أجر. و�ضعتُ ال�شيء نَ�صب عيني؛ بفتح النون.. اجلوبة � -صيف 1435هـ 47
- 18من الخط�أ قولك :خا�صة و�أن �أكثرهم -31 ،م ��ن ال �خ �ط ��أ ق ��ول ��ك :ع�م�ل�ن��ا � �ش��راك��ة، وال�صحيح = عملنا �شركة. وال�صحيح = خا�صة �أن �أكثرهم (من دون واو). -32م ��ن ال��خ��ط���أ ق ��ول ��ك :ت �ح �م��م ب��ال �م��اء، وال�صحيح = ا�ستحمَّ بالماء. - 19من الخط�أ قولك :يا �أبتي ،وال�صحيح = يا �أبتِ . -33من الخط�أ قولك :البرواز ،وال�صحيح = الإطار. -20م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك :ا� �س �ت ��أذن��ت م�ن��ك، وال�صحيح = ا�ست�أذنتك. -34م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك :دوالب ال�م�لاب����س، وال�صحيح = خزانة المالب�س. -21من الخط�أ قولك :كان معهم بنادق (جمع -22 -23 -24 -25 -26 -27 -28
-35من الخط�أ قولك :مو�ضوعك قا�صر على بندقية) ،وال�صحيح = بندقيات. ك��ذا ،وال�صحيح = مو�ضوعك مق�صور من الخط�أ قولك :لديه ثالث �أرا�ض (جمع على كذا. �أر�ض) ،وال�صحيح = لديه ثالث �أر�ضين. -36م��ن ال�خ�ط��أ ق��ول��ك :ق��ال �أث �ن��اء حديثه، من الخط�أ قولك :قدم ال�سواح ،وال�صحيح وال�صحيح = قال في �أثناء حديثه. = قدم ال�سياح. - -37م��ن الخط�أ ق��ول��ك :ذك��ر ب��أن��ك �شاعر، م��ن ال�خ�ط��أ ق��ول��ك :ه��و ن��اك��ر الجميل، وال�صحيح = ذكر �أنك �شاعر. وال�صحيح = هو منكر الجميل. -38من الخط�أ قولك :حيث �أن ،وال�صحيح = م��ن الخط�أ ق��ول��ك :تعرفت على �أحمد، حيث �إن. وال�صحيح = تعرفت �أحمد. -39من الخط�أ قولك :ه��ذا المو�ضوع عديم من الخط�أ قولك :بكى من �شدة الت�أثر، ال�ف��ائ��دة ،وال�صحيح = ه��ذا المو�ضوع وال�صحيح = بكى من �شدة الت�أثير. معدوم الفائدة. م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك :دق ع �ل��ى ال �ب��اب -40 ،من الخط�أ قولك :الما�س ،وال�صحيح = وال�صحيح = دق الباب. الألما�س. م��ن ال�خ�ط��أ ق��ول��ك :ال�م�ك��ان بعيد عنا -41 ،من الخط�أ قولك :ا�ستبيان ،وال�صحيح = وال�صحيح = المكان بعيد منا. ا�ستبانة.
-29م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك� :أك���د ع�ل��ى ك�لام��ه -42 ،من الخط�أ قولك :نوعيات من ال�صور، وال�صحيح = �أنواع من ال�صور. وال�صحيح = �أكد كالمه. 48اجلوبة � -صيف 1435هـ
والخط�أ خط�أ ،حتى تبقى لغتنا الف�صحى لغة حيّة ،متحركة ،طيّعة ،تفي بكل احتياجاتنا وال�� َوظ��ي��ف��اتُ وال���مُ���واظِ ���ـ���بُ وال��ـ�� ِك��ـ��ظّ ��ـ الفكرية والنف�سية. ����اظ ُة والإن����ـ���� ِت����ـ����ظ����ـ����ا ُر والإ ْل����ـ����ظ����ـ����ـ ُ التفرقة بين ال�ضاد والظاء و َوظ������ـ������ي������فٌ وظ�����ـ�����ا ِل�����ـ����� ٌع وع���ـ���ظ���ـ���ـ���ي��� ٌم لي�س هناك قاعدة معينة ،فالعرب ب�سليقتهم ـ��ل��اظ ����ظ والإغْ ����� ُ وظَ ���ـ���ه���ـ���ي��� ٌر وال����ـ���� َف����ـ ُّ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
-17م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك�� :س�ب��ق و�أن ق�ل�ن��ا -30 ،م��ن ال �خ �ط ��أ ق��ول��ك :يتحا�شى ال��وق��وع، وال�صحيح = يتحا�شى من الوقوع. وال�صحيح = �سبق �أن قلنا.
�آن �أن نتخل�ص من قاعدة :خط�أ �شائع خير وال���حَ ���ظ���ي���راتُ وال���مَ���ظِ ���ـ��� ّن��� ُة وال��ـ ِّ��ظ��ـ�� ّن��ـ م��ن ��ص��واب م�ه�ج��ور ،يبقى ال���ص��واب �صوابا ���اظ ُة وال����ك����اظِ ����م����ـ����و َن وال���ـ��� ُم���ـ��� ْغ���ـ���ت���ـ ُ
الف�صحى ك��ان��وا ي�ف� ّرق��ون بينهما ع��ن طريق ���ظ���رْفُ وال��ظّ ��لَ��فُ الـظّ ـا النطق من دون لحن .و�إليكم الكلمات التي و َن��ظ��ي��فٌ وال َّ تكتب بحرف الظاء ،وما عداها يكتب بحرف ����اظ هِ ������� ُر ث����� ّم ال���ـ��� َف���ـ���ظ���ـ���ي��� ُع وال����ـ���� ُو ّع����ـ ُ ال�ضاد كما ذكرها الحريري في منظومته:
�أي��ه��ا ال�����س��ائ��ل ع���نِ ال���ّ��ض��ـ��ا ِد وال��ـ��ظّ ��ـ��اء �����اظ ل���� َك����ـ����يْ��ل�ا ُت����ـ����� ِ����ض����ـ���� ّل����ـ���� ُه الأ ْل�����ـ�����ف�����ـ ُ
َ���ظ والـحـ ْنـ ���اظ وال َّ���ظ���عْ���نُ وال���م ُّ وعُ���ك ٌ ����اظ ظَ ������ ُل وال���ـ���ق���ـ���ا ِرظ���ـ���انِ والأ ْو�����ش����ـ ُ
����ظ����رّانِ وال�����شّ ��ظَ ��فُ الـبـا وظِ ������رابُ ال ِّ �إنّ حِ ��ف َ��ظ ال��ظّ ��اءات يُغنيكَ فا�سـمـعـ ّاظ هِ �����ظُ �����وا ل���ج��� ْع���ـ���ظَ ���ـ���ر ُّي���و ال���ـ���جَ ���ـ���و ُ ـاظ ه��ا ا���س�� ِت��م��ا َع ام�����رِئٍ ل��� ُه ا�سـتـيق ُ ه����يَ ظَ ���مْ���ي���ا ُء وال��ـ��م��ـ��ظ��ـ��ا ِل��ـ�� ُم والإظْ ������ـ ���ظ���راب���ي���نُ وال��حَ ��ن��اظِ ��ـ��بُ وال��ـ�� ُع��ـ�� ْن��ـ وال َّ ��اظ ال ُم وال َّ���ظ��� ْل��� ُم وال ُّ��ظ�� َب��ى وال��ـ�� ّلَ��ـ��ح��ـ ُ ������اظ ظُ ������بُ ث���ـ��� ّم ال���ـ���ظّ ���ـ��� ّي���انُ والأ ْرع������ـ ُ وال�� َع��ظ��ا وال��ظّ ��ل��ي�� ُم وال��ظ��ب��يُ والـ�شّ ـيْ الظبْـ وال�شناظِ يو ال�� َّد ْل��ظُ ��و ال��ظّ ���أ ُب��و َّ َّ ��واظ ظَ ���� ُم وال���ظّ ��� ُّل وال�� ّل��ظ��ـ��ى وال��ـ�����شّ ��ـ ُ ��اظ ظ���ا ُب���و ال���عُ���ن���ظُ ���وانُ وال��ـ��جِ ��ـ�� ْن��ـ��ع��ـ ُ ْ��ظ وال�� ّن��ظ��ـ�� ُم والـتـقـ وال�� ّت��ظَ �� ّن��ي وال�� ّل��ف ُ ���ظ وال�� َق��ي ُ��ظ وال��ظّ ��م��ا والـ ّلَـم ُ ري ُ ـاظ وال�����شّ ��ن��اظ��ي��رُوال�� ّت��ع��ـ��اظُ ��ـ�� ُل وال��ـ�� ِع��ـ��ظْ ��ـ وال��حِ ��ظ��ا وال�� ّن��ظ��ي�� ُر وال��ظّ ��ئ�� ُر والـجـا ���اظ لِ������ ُم وال��� َب���ظْ ���ـ��� ُر ب���ـ��� ْع���ـ��� ُد والإ ْن���ـ���ع���ـ ُ ���اظ �����ظ وال���ـ��� ّن���ـ���اظِ ���ـ���رو َن والأ ْي���ق���ـ���ـ ُ حِ ُ ه���يَ ه���ذي � ِ��س��وى ال���� ّن����وا ِد ِر فاحـفَـظْ ـ والظلفُ والعظ ُم والظّ ـنـ والتّ�شظّ ي ِّ ��اظ ه����ا ل�� َت�� ْق��ـ��ف��ـ��و �آث������ـ������ارَكَ ال��ـ��حُ ��ـ�� ّف��ـ ُ ـاظ وال�شظ ُ ب��وبُ وال َّ��ظ��هْ�� ُر وال�شّ ظا ِّ واق�ض في ما �صرّفتَ منها كما تقـ ِ والأظ����اف����ي���� ُر وال���م���ظَ ���ـ��� َّف���ـ��� ُر وال��ـ��م��ـ��حْ ��ـ ���ض��ي�� ِه ف��ي �أ� ْ���ص��� ِل��� ِه ك��قَ�� ْي ٍ��ظ وق��ـ��اظ��ـ��وا ���اظ ظ�����و ُر وال���ح���افِ���ظ���ـ���و َن والإحْ ���ـ���ف���ـ ُ اجلوبة � -صيف 1435هـ 49
■ د .هويدا �صالح -جامعة الطائف
ρ ρاللغات المحك ّية هل تم ّثل تهديد ًا للف�صحى قد�س وحماية اللغة العربية الم ّ ρ ρالن�ص ُ ث��ار الجدل طويال ح��ول اللغة العربية ،و�أقيمت الفعاليات والم�ؤتمرات لدعوة العرب �إلى الحفاظ عليها ،وتعالت الأ�صوات بدق ناقو�س الخطر والتحذير من �إعالن «وفاة اللغة العربية» ،وخطر العاميات واللغات المحكية في البلدان العربية المختلفة عليها. والمتابع لهذا الملف ال�شائك يطرح على نف�سه ه��ذه الأ�سئلة :هل العرب فعال مهددون ب�ضياع لغتهم رغم ارتباطها بالن�ص المقد�س؟ هل اللغة ترتبط بالهوية الثقافية لل�شعوب؟ هل العاميات المحلية خطر حقيقي يهدد اللغة الف�صحى؟ هل للأفكار الكولونيالية دور في �إع�لاء �ش�أن العاميات المحلية على ح�ساب الف�صحى، وبعد �سقوط الأفكار الكولونيالية ،وظهور �أفكار ما بعد الكولونيالية؟ �إن اللغة ف��ي �أي �أم��ة م��ن الأم��م تمثل بنيان وحدتها القومية ،وو�سيلة للتجان�س القومي؛ لأن ا�ستخدام لغة واحدة ي�ؤدي �إلى وحدة ال��ر�أي وال�شعور ،وانعكا�س �أنماطها على نمط تفكير �أ�صحابها ،وا�شتمالها على ثمة بديهية ال تحتاج منا �إل ��ى جهد تاريخ الأم��ة ،وثقافتها ،و�أدب�ه��ا ،وتراثها لإثباتها ،وهي �أن اللغة العربية لغة القر�آن الفكري .فكيف تتحقق ك��ل ه��ذه الأب�ع��اد الكريم ،ولغة العقيدة ال�صحيحة ،وهي �أو يحافظ عليها في ظل عمليات العولمة الثقافية واللغوية التي تتجاهل التنوعات، وت�سعى ج��اه��دة للتقريب بين الثقافات بتغليب النمط العربي للحياة؟
50اجلوبة � -صيف 1435هـ
� �ص��ارت العربية لغة دي��ن وح���ض��ارة وكتب لها القبول وال� ��رواج ،بحيث ب��د�أ يتناف�س في القيام على ن�شرها ،والت�أليف بها علماء لي�سوا بال�ضرورة من �أ�صول عربية ،بل هم من �أمم �شتى ولغات �شتى دخلوا في الإ�سالم ،و�أوقفوا حيواتهم على خدمة العربية ،وقد بذل علماء الأمة عبر القرون جهود ًا جبارة في خدمة هذه اللغة ،وتركوا من بعدهم تراث ًا هائالً ،يتمثل في �آالف الم�ؤلفات ،تخدم القر�آن الكريم وال�سُّ نَّة النبوية في �شتى علومها وفنونها ،ومنهم من كان في الأ�صل عجم ًا فعرّبه الإ�سالم حين عرّب ل�سانه ..فتكلم وكتب و�صنف بلغة القر�آن من �أمثال الح�سن الب�صري ،وابن �سيرين وعطاء و�سعيد ب��ن ج�ب�ي��ر ،و�أب���ي حنيفة وال �ب �خ��اري، وم�سلم ،و�أب��ي داود والترمذي والن�سائي وابن ماجة ،و�سيبويه وغيرهم من الأئمة الأع�لام، وعباقرة الإ�سالم. �إن اللغة العربية وع��اء ثقافتنا ،وع�ن��وان هويتنـا ،والمحافظة عليها تع ّد محافظة على الذات والوجود .وكان علماء الأمة في �صدرها الأول على وعي كامل ب�أثر اللغة في تكوين الأمة، وخطرها في بناء �شخ�صية الم�سلم؛ لذا حر�صوا
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
اللغة العربية وتحديات الع�صر
لغة فكر الأمة ،وقد اختارها اهلل �سبحانه لهذا الدين لما فيها من طابع في التعبير والبيان والمرونة واالت�ساع ،بحيث ا�ستطاعت �أن تحمل الر�سالة ال�سماوية ،وتو�صيلها للنا�س في �أرجاء المعمورة« :م�أخذ الأحكام ال�شرعية كلّها من ال�صحابة الكتاب وال�سُّ نّة ،وهي بلغة العرب من ّ والتابعين و�شرح م�شكالتها من لغاتهم ،فال ب ّد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا الل�سان لمن �أراد علم ال�شريعة»(.)1
حر�ص ًا �شديد ًا على المحافظة على لغة القر�آن وال�سُّ نّة« :تكمن الثورة في الدرا�سات اللغوية في القرن الع�شرين في الإقرار ب�أن اللغة لي�ست مجرد و�سيلة لتو�صيل الأفكار عن العالم ،بل �أداة لجعل العالم موجود ًا في المقام الأول ،لي�س الواقع بب�ساطة «معا�شاً» �أو «معكو�ساً» في اللغة، بل هو بالفعل محدَ ث بوا�سطة اللغة»(.)2 واللغة �صورة حيّة لوجود الأمة في �أفكارها ومعانيها وحقائق نفو�سها .ودقة التعبير اللغوي دليل على ق��وة ملكات الأم��ة ومواهبها ،وعمق اللغة دليل على عمق روح الأم ��ة ،وميلها �إل��ى التفكير والبحث في الأ�سباب والعلل .و�إذا ما ا�ستعملت الأمة اللغة ا�ستعماال قويا ،ف�أكثرت من الم�شتقات ،وت�صرفت في المترادفات ،ف�إن ذلك دليل حيّ على نزعة الحرية لديها وطموحها �إلى اال�ستقالل. وف��ي ال�ع���ص��ور الأول� ��ى ك ��ادت ال�ع��رب�ي��ة �أن تكون م��رادف� ًة للإ�سالم؛ فقد �س�أل �أب��و جعفر المن�صور –يوماً– مولىً له�شام بن عبدالملك (ت 132هـ) عن هويته؛ فقال المولى�« :إن كانت العربية ل�سان ًا فقد نطقنا بها ،و�إن كانت دين ًا فقد دخلنا فيه». وقد فر�ضت اللغة العربية ب�شكل عملي على ال�ب�لاد التي فتحها ال�ع��رب ،حينما وج��د غير العربي نف�سه م�ضطرا لتعلم العربية للتعبد بها �أوال؛ لأنها لغة الن�ص المقد�س ،ثم للتعامل مع ال�سلطة التي تحكمه ،ولنا فيما حدث في م�صر م�ث�لٌ ،فقد ق��اوم الم�صريون -رغ��م دخولهم الإ�سالم طواعية ،لأنهم وجدوا فيه دينا �سمحا حقق لهم ال�ع��دال��ة و�أن�ق��ذه��م م��ن ظلم ال��روم
اجلوبة � -صيف 1435هـ 51
ظلت اللغة العربية في ق��وة وازده��ار طوال حكم الأم��وي��ي��ن والعبا�سيين ،ول��ك��ن ب�سقوط بغداد على يد التتار ،و�ضعف الواليات العربية وتفتتها ،وتعاقب حكام غير عرب على حكمها و�صوال للعثمانيين ،انحدر م�ستوى اللغة العربية، وبخا�صة �أن ال��دول��ة العثمانية حاولت تتريك الدواوين والتعليم ،ون�شر التركية على ح�ساب العربية ،وظلت اللغة العربية تعاني حتى جاء علماء و�أدب��اء نه�ضوا بها في �شتى المجاالت، و�أحيوها بعد �أن �أ�صابها الموات ،ومن ه�ؤالء العلماء :جمال الدين الأفغاني ،ومحمد عبده، ورفاعة الطهطاوي ،ومحمود �سامي البارودي، و�أحمد �شوقي ،وغيرهم.
والأم��ة الحري�صة على لغتها الناه�ضة بها المت�سعة فيها ..ه��ي الأم��ة التي لديها نزعة المقاومة والغلبة ،و�أن �شعبها هو �سيد �أم��ره، يحقق وجوده ،و�إذا �أهمل �شعب لغته ،وتراخى في ا�ستعمالها ،وترك اللغة العامية ت�سيطر عليها، و�آثر غيرها عليها ..فهو �شعب ال يطيق �أن يحمل عظمة ميراثه .وتعددت و�سائل الم�ستعمر الأوربي لتنفيذ مخططاته؛ فوجدنا في المغرب العربي محاوالت فرن�سا في الجزائر مثال �إلى محو هوية الجزائر الثقافية العربية ،وفرن�سة التعليم لكي ت�صير الجزائر مجرد والية فرن�سية ،ولن ين�سى التاريخ دور م�صر في م�ساعدة الجزائر ع�سكريا على مقاومة الم�ستعمر ،وم�ساعدتها ثقافيا على مقاومة الفرن�سة ب�إر�سال المعلمين الم�صريين الذين �أ�سهموا في المحافظة على اللغة العربية، ومن ثم الهوية العربية للجزائر.
لكن ثمة خطب جديد تربّ�ص باللغة العربية، وه ��و اب �ت�لاء ال��وط��ن ال �ع��رب��ي بالم�ستعمرين الأوربيين الذي تقا�سموا البلدان العربية فيما بينهم؛ فجاء لهذا الوطن المحتل الإنجليزي والفرن�سي والإيطالي ،و�صارت البلدان العربية مفتت ًة �إل ��ى �أق �ط��ار ودوي �ل�ات ،و�أدرك الفكر الكولونيالي اال�ستعماري �أن الق�ضاء على هوية العرب ،وتمزيقهم ،والق�ضاء على مقاومتهم لهذا الفكر يكمن في الق�ضاء على لغتهم التي تمثل ع�صب الهوية الثقافية .فحاول �أن يبعد 52اجلوبة � -صيف 1435هـ
والأم ��ر ك��ان مختلفا بالن�سبة لإنجلترا في م�صر ،فا�ستعمارها لها لم يكن ا�ستعمارا ثقافيا، �صحيح �أن�ه��ا ح��اول��ت فر�ض اللغة الإنجليزية والتعليم بها ،لكن مقاومة ال�شعب الم�صري المحتمي بالأزهر ال�شريف ،جعل الم�صريين يرف�ضون ب�شكل قاطع كل خطوات الإنجليز �إلى تغييب الهوية العربية لم�صر ،ومن ثم تغييب
ول�م��ا ف�شلت دع ��اوى كتابة اللغة بحروف التينية تبنّى اال�ستعمار دعوة �أخرى ال تقل عنها خطورة على اللغة العربية ،وه��ي ال��دع��وة �إلى ا�ستخدام العامية بديال عن الف�صحى ،وح�شد لها رج��ال��ه المدافعين ع��ن ال�ف�ك��رة ،و��ص��ارت دعاوى الم�ست�شرقين فخا جديدا يحاك من �أجل النيل من اللغة العربية الف�صحى. و�� �ص ��ارت ال ��دع ��وة �إل� ��ى ال �ع��ام �ي��ة مرتبطة ب��اال� �س �ت �� �ش��راق� ،إذ�« :أ� �ص �ب �ح��ت م��ن �أه���داف الم�ست�شرقين الذين يريدون �ضرورة معار�ضة اللغة الف�صحى لغة القر�آن ،وتقدم جماعة من الغربيين ما بين مهند�سين وق�ضاة للت�أليف بالعامية ،وجمع ال�ت��راث المزيف حتى تنتقل الدعوة من الكالم عن اللهجة �إلى ما يطلق عليه لغة عامية في هذه المناطق قبل الإ�سالم» (.)3
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ال��ذي��ن ك��ان��وا يحتلون م�صر ف��ي ع�صر دخ��ول العرب �إليها -تعلُّمَ اللغة العربية ثالثمائة عام، وتم�سّ كوا بلغتهم القبطية التي كانت خليطا ما من اللغات الم�صرية القديمة واليونانية والرومانية، واعتبروا المحافظة على لغتهم القبطية نوعا من الحفاظ على هويتهم الم�صرية ،لكنهم في النهاية ا�ضطروا �إلى تعلم العربية؛ لأنها كانت لغة الوالية الجديدة ولغة دواوينها.
ال�شعوب العربية عن لغتها العربية التي تمثل خ�صو�صيتها ال�ث�ق��اف�ي��ة ،ف �ب��د�أ ب��ات�ه��ام اللغة بالق�صور والجمود ،وعجزها عن مجاراة العلوم الحديثة وم�سايرة ركب الح�ضارة .وللأ�سف، هناك من خدع ووق��ع بهذا الفخ عن جهالة �أو �سوء ق�صد ،ف��ي االنتقا�ص م��ن ��ش��أن العربية والقول ب�صعوبتها وع�سر قواعدها و�أنّها م�ؤدّية �إلى التخلّف.
اللغة العربية .عندها عمد الإنجليز �إلى الدعوة �إل��ى لغة �أخ��رى في م�صر ،بغية تعميمها على البالد العربية الم�ستعمرة من قبلهم ،تكتب هذه اللغة بحروف التينية ،لكن الأمر وجد مقاومة �شر�سة من المفكرين الم�صريين �ضد الإدّعاء الملفّق ب�أف�ضلية ا�ستعمال الحرف الالتيني في كتابة اللغة العربية ،على غ��رار ما ح�صل في كتابة اللغة التركية� ،إذ ال وجه لمقارنة اللغة التركية بلغة القر�آن التي هي لغة ت�سعمائة مليون م�سلم .ثم �إنّ االحتجاج بتي�سير الحرف الالتيني الن�ص العربي مناق�ض للحقيقة.. في ق��راءة ّ لعدم احتواء الحروف الالتينية على الكثير من �أ�صوات الحروف العربية.
الأم��م �إال بال�سيطرة على لغتها ،ف�أ�ضحت لغة الأمم هي الهدف الأول للم�ستعمرين ،فلن يتحول ال�شعب �إال بتحوّل لغته ،فمن�ش�أ التحول من �أفكاره وعواطفه و�آماله ،ف�إذا انقطع ال�شعب من ن�سب لغته انقطع من ن�سب ما�ضيه ،ورجعت قوميته �صورة محفوظة في التاريخ ال �صورة محققة في وج��وده .وذلة الأمة في تركها لغتها ،ومن هنا، يفر�ض الأجنبي الم�ستعمر لغته فر�ضا على الأمة الم�ستعمرة ،فهو -كما يقول م�صطفى �صادق الرافعي -يحكم عليهم �أحكاما ثالثة في عمل واحد ،الأول حب�س لغتهم في لغته �سجنا م�ؤبدا، والثاني الحكم على ما�ضيهم بالقتل محوا، ون�سيانا ،والثالث تقييد م�ستقبلهم في الأغالل التي ي�صنعها ،ف�أمرهم من بعدها لأمره. والغريب �أننا وجدنا مَ ن انخدع بهذه الأفكار، و�أع �ج��ب بلغة الم�ستعمر ،وم��ن الطبيعي �أن ينحازوا �إلى �أهل اللغة التي �أعجبتهم ،و�شعروا بالدونية والنق�ص تجاه هويتهم الثقافية التي تمثلها لغتهم العربية ،بل وخجلوا من قوميتهم، وت�ب��ر�ؤوا من �سلفهم ،وان�سلخوا من تاريخهم، وزُرعت في نفو�سهم الكراهية للغتهم و�آدابها، ولقومهم و�أ�شياء قومهم.
وا�ست�شرت هذه الدعوات المغر�ضة ا�ست�شراء ال �ن��ار ف��ي اله�شيم ،و� �ص��ار بع�ضهم ي ��ردّد �أن العامية هي اللغة الحيّة الم�شهورة بين النا�س، و�أن الف�صحى لغة ميّتة مهجورة ،و�أنّ حروفها ال تكفي ،ما �أدى �إلى غربة ه�ؤالء لي�س عن وطنهم وقوميتهم فقط ،بل عن ذواتهم؛ فاللغة كما هي وعاء التفكير ،كذلك لها قوة ال�سحر الذي يجعل �إذاً ،لغة الأمم الم�ستعمرة تكون الهدف له�ؤالء الإن�سان يتماهى في وج��وده الموجود بالفعل الم�ستعمرين ،ليقينهم �أنه ال بقاء لهم بين هذه ولي�س بالقوة� .إذاً ،مَ ن يدعو لهجران لغته �سوف اجلوبة � -صيف 1435هـ 53
وق��د ق��دم حافظ �إبراهيم لديوانه بمقدمة تحدّث فيها عن �أهمية الحفاظ على العربية، ويف�ضح فيها دعاة هدمها� ،إذ يقول« :وما �أحرى �أه��ل ب�لادن��ا �أن ين�شطوا م��ن عقالهم طالبين التحرر من رقّ لغة �صعبة المرا�س قد ا�ستنزفت �أوقاتهم ،وقُوى عقولهم الثمينة ،وهي مع ذلك ال تواليهم نفعا ،بل �أ�صبحت ثقال ي�ؤخرهم عن الجري في م�ضمار التمدّن وحاجزا ي�صدهم عن النجاح .ولي �أمل �أن �أرى الجرائد العربية ق��د غ� ّي��رت لغتها ،وب��الأخ����ص ج��ري��دة الهالل الغراء التي هي في مقدمتها ،وهذا �أعده �أعظم خطوة نحو النجاح ،وه��و غاية �أملي ،ومنتهى رجائي» (.)5 وت�صدى الرافعي لهذه الحملة ،وبيَّن للنا�س جميعا في مختلف البالد العربية والإ�سالمية �أن « :تلك الخدعة ال ينبغي �أن تنطلي عليهم ،لأن اال�ستعمار و�أذنابه يحاولون هدم اللغة العربية، وتقوي�ض �أركانها ،و�إحداث هوّة �سحيقة بين الأمة العربية والقر�آن الكريم الذي نزل بل�سان عربي مبين «هو الكاتب الإ�سالمي العظيم م�صطفى �صادق الرافعي» ،الذي لم ي�أل جهدا في بيان ما تنطوي عليه هذه الدعوة ،ولم يقت�صر جهده في ذلك على النثر ،بل قال في ذلك �شعرا» (.)6 و�أمّا الدعوة �إلى �إحالل اللهجات العامية مح ّل 54اجلوبة � -صيف 1435هـ
اللغة العربية وتحديات ع�صر ما بعد اال�ستعمار ول��م ي ��أت عقد ال�ستينيات �إال وق��د تخل�ص معظم البالد العربية من اال�ستعمار ،با�ستثناء الجزائر التي ت�أخر رحيل اال�ستعمار عنها عن بقية الدول العربية .وبرحيله انتبه العرب �إلى فكرة �أن اللغة العربية التي قاوموها من �أجل الحفاظ عليها هي هويتهم الثقافية ،ومعادل وجودهم ،ووع��اء تفكيرهم ،لذا بذلت الجهود في �شتى المجاالت التي تتعامل مع اللغة ،والتي ت�شكل وعي المواطن وانتمائه من �أجل النهو�ض باللغة العربية. ك��ان لو�سائل الإع�ل�ام الحديثة م��ن �إذاع��ة م�سموعة ومرئية ب��داي��ة م��ن ال�ستينيات� -إذ دخ��ل �أول تلفزيون لبلد عربي ف��ي م�صر في هذه الفترة� -أكبر الأثر في ن�شر اللغة العربية الف�صحى ،واالرتفاع بم�ستويات اللهجات العامية وتقريبها من م�ستواها ،ما زاد من توثيق الو�شائج بين �أب�ن��اء الأم��ة؛ �إذ �صارت لهم لغة واح��دة، وق� ّرب��ت الم�سافات بين ه��ذه اللغة واللهجات المحلية ،ما �ساعد على تقوية لغة التفاهم بين �شعوبها .ولم يقت�صر الأمر على الو�سائل المرئية �أو الم�سموعة ،فقد كان لل�صحف دور في دعم
كذلك بعد تحرر البالد العربية من هيمنة اال��س�ت�ع�م��ار الق��ت ح��رك��ة الن�شر ال �ت��ي تتبنى م�شاريع الت�أليف �أو الترجمة اهتماما كبيرا ،ما �ساعد بال�ضرورة على االهتمام بالف�صحى التي �أ�صبحت من �أه��مّ الو�سائل التي دعمت ن�شر الثقافة العامة وال��وع��ي ب�ضرورة �إي�ج��اد �إط��ار ثقافي واحد �سمّي بـ«الثقافة العربية» ،وكانت الف�صحى و�سيلته الأولى ،ما �ساعد على توحيد �شعوب هذه الأمة. �إنّ ال�شعب ال�ع��رب��ي وال�شعوب الإ�سالمية �أجمع تتعرّ�ض اليوم �إل��ى ا�ستعمار جديد ،هو في كثير من جوانبه �أب�شع و�أفظع من اال�ستعمار الراديكالي القديم� ،إن��ه اال�ستعمار الثقافي ال��ذي تقف خلفه �أف�ك��ار ال�صهيونية العالمية التي ترى في قوة العرب واتحادهم ،وما تمثله لغتهم من م�شترك ثقافي قوي وموحد للأمة، ت��رى في ه��ذه القوة وه��ذا التوحّ د خطرا على الكيان ال�صهيوني؛ فنحن �أمام غزو ثقافي وبيل، وهجمة ا�ستعمارية �شر�سة ت�شنّها ال�صهيونية على ك ّل ما هو عربي وك ّل ما هو �إ�سالمي .ولي�س في يد ال�صهيونية اليوم �سالح �أم�ضى من تفتيت عرى اللغة العربية ،لغة القر�آن ،وجامعة كلمة العرب والم�سلمين وموحّ دة فكرهم وثقافتهم؛ فما �أحرانا باليقظة وتوحيد الكلمة لدحر هذه الحملة العدوانية ال�شرّيرة ،ودرء هذا الخطر الجاثم.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
يبتعد عن وطنه وهو مقيم فيه .وقد و�صل الأمر �إل��ى �أن�« :أ َّل��ف �أح��د ق�ضاة محكمة اال�ستئناف في م�صر من الإنجليز ،وهو (القا�ضي ولمور)، كتابا �أ�سماه (لغة ال�ق��اه��رة) ،وو�ضع لها فيه قواعد ،واقترح اتخاذها لغة للعمل والأدب ،كما اقترح كتابتها بالحروف الالتينية» (.)4
العربية الف�صيحة فهي ال تختلف عن الدعوة �إلى اللغات الأجنبية في �أنها ال تتوخّ ى �سوى النيل من لغة القر�آن ،وتفتيت الروابط وقطع العالئق بين �أقطار هذه الأمة ،واجتثاث ال�صلة بين حا�ضرها وما�ضيها؛ فاللهجات العامية تختلف ،ال من قطر لآخر فح�سب ،بل حتى في �أجزاء القطر الواحد، وفي �أرجاء المدينة الواحدة في بع�ض الأحيان.
ت ��داول الف�صحى ،م��ا �ساعدها على مقاومة الل�سان المحكي �أو اللغات المحلية.
بع�ضهم �أن اللغة العربية لي�ست لغة �صالحة للعلم؟ ويمكن لنا �أن ننظر بنظرة مو�ضوعية تجاه هذه الق�ضية ،فال ت�أخذنا ال�شوفينية ،وعبادة الذات ون�شعر ب�أن العالم ي�ضطهدنا ويت�آمر �ضدنا طوال الوقت .الحقيقة هناك جزء من هذا الإخفاق الكبير ال��ذي يعانيه ال��وط��ن العربي ف��ي �شتى المجاالت ،يعود للعرب �أنف�سهم الذين توقّفوا من زمن بعيد عن �إنتاج العلم ،و�سنظل في ذيل الأم��م طالما ن�ستمر ف��ي ا�ستهالك م��ا ينتجه العالم من معارف وعلوم ،وطالما ال ن�سهم في م�سيرة الإن�سانية ب�إنتاج العلم .اللغة الإنجليزية هي لغة العلم ،لأن علماءها ينتجون العلوم وال يعي�شون عالة على المجتمع الإن�ساني .والعيب لي�س في اللغة العربية ،كما �أن الميزة لي�ست في اللغة الإنجليزية� .أنتجوا العلم و�أ�سهموا في م�سيرة الإن�سانية بمعارف ،ت�سيّدون لغتكم على بقية اللغات ،فاللغة تقوى بقوة �أهلها وريادتهم وفرادتهم ،وت�ضعف ب�ضعفهم. ازدواجية اللغة ،ازدواجية الوعي
لعل من معوقات دور العربية في تعزيز الذات االزدواج �ي � َة اللغوية التي نحياها ،والمفارقة العجيبة �أننا نتكلم ما ال نتعلم ،ونتعلم ما ال نتكلم؛ فالطفل العربي يتحدث العامية ،ويفكر بها ،لكنه يتعلم العربية .لن نتخل�ص من هذه االزدواجية اللغوية التي ت�سبب ازدواجية الوعي والفكر �إال �إذا تخل�صنا من هذه الم�شكلة� .إن الف�صحى هي اللغة المتعلَّمة ،وثمّ فرق بين ما هو مكت�سب ومتعلم؛ ومن هنا ،تتخلق االزدواجية ولي�س �أقوى من �أمة تلتفت �إلى العلم ليكون التي هي حالة لغوية تتمثل في وج��ود لهجات �سبيلها للنهو�ض .ويت�ساءل بع�ضهم :لماذا يعد محكية �إل��ى جانب م�ستوى رفيع ،تنحرف عنه اجلوبة � -صيف 1435هـ 55
لكن ما الذي يقوّي هذه االزدواجية اللغوية ويعزّزها؟
و�أخيرا �أ�ستطيع القول ب�أن
1ـ ال م�صداقية لمقولة �أن العربية ال ت�صلح �إن �أ���س��ال��ي��ب التعليم العربية ونظمه هي للغة العلم. التي تت�سبب ف��ي ه��ذه الم�شكلة ،فالمعلم في قاعة الدر�س يتحدث بالعاميّة حين يفرغ من 2ـ ا�ستخدام اللغات الأجنبية المتعددة في در�سه ،هذا �إن تحدث بها �أثناء التدري�س؛ ما مجاالت التعليم يمثل عائقا �أمام �إجادة يجعل طالبه ال يقدّرون كثيرا الف�صحى التي العربية في بالدها. يدر�سونها .لذا فالتعليم هو المرحلة الأول��ى، 3ـ ت��ع��ري��ب ال��ع��ل��وم ،ك��م��ا ف��ع��ل��ت ���س��وري��ة في وبخا�صة التعليم االبتدائي.
تعريب الريا�ضيات والفيزياء والطب وغ��ي��ره��ا م���ن ال��ع��ل��وم ،ق����وّى م���ن اللغة العربية ،وعلى الدول العربية �أن تحذو حذوها.
كذلك يمثل ا�ستعمال المفردات الأجنبية في ت�سمية المحالت وال�شوارع وال�شركات تكري�سا لهذه االزدواج�ي��ة ،بل وال�سماح لوجود العمالة الأجنبية في بيوت بع�ض الدول العربية و�شركاتها ومحالتها تكري�س لالزدواجية �أي�ضاً ،بل وي�صل الأم��ر �إل��ى �أن العرب في تلك البلدان يجدون 4ـ ال��ح�� ّد م��ن التعليم ال��خ��ا���ص ف��ي بلداننا ال��ع��رب��ي��ة لأن�����ه ي���ح���دث ان��ق�����س��ام��ات في �أنف�سهم �إما مطالبين بالحديث �إلى هذه العمالة الأجنبية باللغة الإنجليزية �أو بلغة تلك العمالة، ال��ه��وي��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة لأب���ن���اء المجتمعات فالعربي حين يذهب �إلى فندق داخل بلد عربي، العربية. وي�ص ُّر عمال وموظفو الفندق �أن يتحدث �إليهم العربي �إما بالإنجليزية �أو الهندية مثال ..ف�إالم .5ا���س��ت��خ��دام الأ����س���ات���ذة وال����ط��ل�اب للغة الف�صحى في قاعات الدر�س يُعد ركيزة ي�شير هذا الإ�صرار؟ هل يكون العربي في بلده م�ضطرا �إلى تعلم لغة عمالته الوافدة؟ وال يلزم �أ�سا�سية في تقويتها.
( )1ابن خلدون. ( )3انظر R. Lewin: In the Age of Mankind. New York: Smithsonian Institution, 1988, p. 80 :عن :تيرني�س ماكينا :طعام الآلهة (البحث عن �شجرة المعرفة الحقيقية) ،ترجمة� :سمية فلو عبود .د .م ،.تالة للطباعة والن�شر2005 ،م� ،ص .22 (� )3أنور الجندي الف�صحى لغة القر�آن� ،.ص .127 – 126 ( )4محمد محمد ح�سين ،االتجاهات الوطنية في الأدب المعا�صر ،،مكتبة م�صر ومطبعتها1980 ،م �ص .343 ( )5حافظ �إبراهيم ،ديوان حافظ �إبراهيم. ( )6محمد كامل الرافعي �شرح ديوان الرافعي ،مكتبة الإيمان بالمن�صورة ،م�صر. 56اجلوبة � -صيف 1435هـ
حرف ال�ضاد.. بين الخلط والتغيير
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
بدرجات ومقادير.
العربي العمالة الوافدة على تعلم العربية؟!
■ غازي خريان امللحم � -سوريا
ي�أتي ال�ضاد في المرتبة الخام�سة ع�شر في منظومة ح��روف الهجاء العربية ،وهو حرف ال ال بد ًال وال زائداً ح�سب �آراء الكثيرين من علماء اللغة ،وهو للعرب م�شهور يحل في الكلمة �أ�ص ً من دون �سواهم من الأمم ،العتقادهم �أن العربية هي الوحيدة التي تحتوي على هذا ال�صوت في �أبجديتها ،ويبدو �أن ال�ضاد كان ع َِ�صيَّ النطق على �أهل البالد التي فتحت من قبل العرب، وكذلك الحال بالن�سبة لقلة من القبائل العربية في �شبه الجزيرة العربية؛ وهذا يف�سر لنا تلك الت�سمية القديمة«:لغة ال�ضاد».
ويبدو �أن هذه اللفظة ترجع �إلى القرن الرابع ب�����������اع�����������ث ال���������ن���������ب���������ي ال�����������ه�����������ادي الهجري ،فقد �شاعت وذاع��ت حينئذ للتمييز م�����ف�����ح�����م�����اً ب�����ال�����ل�����������س�����ان ال�����������ض�����اد
بين العرب وغيرهم من الأعاجم .وكان هذا في
بغداد ،ثم انتقلت �إلى البالد العربية الأخرى .ك��������������ل م�����������������������������ض��������������ادّي ،م�����ح�����م�����د خ������ي������ر م���������ن ح�����������ض�����ر ال���������ن���������وادي ومع مرور الأيام� ،أ�صبحت من البدهيات الم�سلّم
بها ،من غير التفكير في �أ�صلها وف�صلها ،ومن دون االهتداء لمعرفة مَ ن �أطلق هذه ال�صفة على اللغة العربية �أول مرة. وي �ج��زم ال �ف �ي��روز�آب��ادي ف��ي م�ق��دم��ة كتابه «القامو�س المحيط» بقوله� :إن ال�ضاد حرف العرب خا�صة ،وال يمكن لأي ل�سان �أن ي�ضارعهم في لفظه ،و�أن�شد:
وف��ي الع�صر ال�ح��دي��ث ،ت �ع �زّز ه��ذا االعتقاد بالن�سبة للناطقين بالعربية� ،إذ نجد الكثير من �شعرائهم يدبج المقطوعات التي ت�شيد بلغة ال�ضاد وت�ج� ّل �أ�صحابها ،وم��ن ه ��ؤالء ال�شاعر ال�سوري: فخري البارودي ,الذي نظم ق�صيدة بهذا المو�ضوع لطالما رددن��ا مفرداتها ونحن لم ن��زل في ميعة ال�صبا وزهوة العمر� ،إبان المرحلة االبتدائية:
ب��������ل��������اد ال�������������ع�������������رب �أوط�������������ان�������������ي ال�����ح�����م�����د هلل م����ن����ط����ق ال����ب����ل����غ����اء ب��������ال��������ل��������غ��������ى ف�������������ي ال�������������ب�������������وادي م��������������ن ال�����������������������ش�����������ام ل����������ب����������غ����������دانِ اجلوبة � -صيف 1435هـ 57
وم�������������������ن ن����������ج����������د �إل�����������������������ى ي�����م�����ن �إل�����������������������ى م�����������������ص��������ر ف���������ت���������ط���������وانِ -خلو جذر اللغات الأخ��رى من غير العربية، على �صوت ال�ضاد. ل���������������س�������ان ال�������������������ض���������اد ي����ج����م����ع����ن����ا ب�������������غ���������������������������س�������������ان وع������������������دن������������������ان -عجز الناطقين بغير العربية ع��ن �إي�ج��اد وك��ان العالمة اللبناني بطر�س الب�ستاني ي �ق��ول« :ف���ص��وت ال���ض��اد بفخامته ون�ضارته وغنته� ،إنما هو �أوحى �أ�صوات الحروف الهجائية قاطبة ،فتح�س معه بم�شاعر ال�شهامة ،والمروءة وال�شمم ،وال �أدل على ذل��ك من �أن الأ��ص��وات الغنائية التي تعتمد في غنتها على التجويف الأنفي ،والتي ينفرد بها حرف ال�ضاد دون �سواه من ال�ح��روف� ,إنما هي �أ�شد �أ��ص��وات الطرب �إثارة لم�شاعر النخوة والرجولة وتنبيه العواطف النبيلة و�إيقاظ الهمم الجليلة». ��رف هذه حاله ،ي�ستحق في نظر العربي وح ٌ �أن يحمل ل�سانه م�شقة لفظه ،وتو�سم العربية بو�سمه ،وقديما قال المتنبي مفتخراً:
ال���ص��وت ال�ب��دي��ل ال��ذي يغنيهم ع��ن �صوت ال�ضاد في لغتهم. وت�ف�ي��د بع�ض ال��درا� �س��ات ال�ل�غ��وي��ة �أن ه��ذا اال�صطالح لم يكن قديم ًا ق��دم اللغة العربية ذات �ه��ا ،ول��م ي�ك��ن م �ع��روف � ًا ت�م��ام ال�م�ع��رف��ة في الجاهلية وال في �صدر الإ� �س�لام ،على الرغم من ت��داول��ه الم�ضمر في �سياق كالمهم ،فهم يمار�سونه في ال�سليقة وال يح�سّ ون به العتيادهم عفوي ًا على نطقه� ،إال �أن التنبيه �إلى قيمته لم تبرز وتت�ضح �إال عندما ت�ع�رَّب بع�ض العجم، وعج ُز ل�سان ه��ذه الأف ��واج الجديدة والطارئة على اللغة العربية التلفظ به ،وك�أن ال�شاعر كان يق�صد هذه الحالة تحديداً ،حينما قال:
������ض�����دان ل����م����ا ا����س���ت���ج���م���ع���ا ح�������س���ن���اً ال بعمومتي �شرفت ب��ل ���ش��رف��وا بي وال���������ض����د ي���ظ���ه���ر ح�������س���ن���ه ال�������ض���د وب���ن���ف�������س���ي ف�����خ�����رت ال ب�����ج�����دودي وب��ه��م ف��خ��ر ك���ل م���ن ن��ط��ق ب��ال�����ض��اد وغ�������ل ال����ج����ان����ي وغ��������وث ال���ط���ري���د والمتنبي ال يق�صد هنا بال�ضاد اللغة العربية ب�شكل عام ،و�إنما حرف ال�ضاد بالذات بو�صفه فخر لكل عربي ،لأن ال�ضاد كما يقول لم ينطق بها �أحد ال من قبل وال من بعد� ،إال العرب .وي�ؤيد هذا الر�أي ال�شيخ نا�صيف اليازجي ،بقوله :لم يثبت �أن ال�ضاد نطق بها غير العرب ،وذلك لعدة �أ�سباب �أهمها: �صعوبة نطق حرف ال�ضاد لدى غير العرب،بل وبالن�سبة لبع�ض الفئات العربية كالح�ضر، 58اجلوبة � -صيف 1435هـ
وانطالقا م��ن هنا ب��د�أ علماء اللغة يولون هذا الحرف االهتمام الذي ي�ستحقه ،كحرف متفرّد بخ�صو�صية لفظه وع�ن��وه بالدرا�سات الم�ستفي�ضة ،التي يحفل بحملها العديد من المجلدات العربية .ولعل �أقدم الن�صو�ص التي و�صلتنا بهذا ال�صدد ،ما روي عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم�« :أنا �أف�صح من نطق بال�ضاد، بيد �أني من قري�ش». و�إذا �صح ه��ذا الحديث القت�ضى ذل��ك �أن النطق بال�ضاد القديمة �صفة تميز بها الل�سان العربي �أيام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ومنذ ذلك الحين �أو قبله بقليل �أ�صبح من المعهود
ح��������������رف ال�������������������ض���������اد ل�����������ه ع������ي������ون ح�����������������ارت ب������و�������ص������ف������ه ال������ظ������ن������ون ع��������ج��������زت ال������ع������ج������م ع���������ن ن���ط���ق���ه ب������غ������ي������ر ال�������ع�������رب�������ي�������ة ال ي�����ك�����ون لغة ال�ضاد �أم الظاء؟ لقد �شاع كما قدمنا نعت الل�سان العربي ب�أنه لغة ال�ضاد ،فهل هذه ال�سمة �صحيحة؟ وهل العربية لغة ال�ضاد حق ًا وفعالً؟ �أم �أن ثمة �صوت �أخر يزاحم ال�ضاد على هذه المكانة التي تبو�أها منذ عرفت العربية طريقها �إلى الأل�سن� ،أم ماذا؟ �أثناء بحثي عن عالقة ال�ضاد ببع�ض حروف الأبجدية الأخ��رى ،وج��دت �أن ه��ذه اللغة تعود بجذرها الأول �إلى اللغة ال�سامية ،التي معظم فروعها اللغوية ت�شتمل على اثنين وع�شرين حرف ًا �صامت ًا ممثلة كتابياً ،جمعت بالكلمات التالية: «�أب�ج��د ه��وز حطي كلمن �سعف�ص قر�شت»، وب�إ�ضافة الروافد ال�ستة التي هي« :ثخذ �ضظغ». ت�صبح ثمانية وع�شرين حرفا ،وهو ما اتفق عليه العرب .ومعناها ن�سق الحروف العربية ومعاني الأبجدية ،ثم �أع��اد العرب ترتيبها �إذ �أعجموا بع�ضها� ،أي و�ضعوا فوقها النقاط ،وجعلوها على الوجه التالي وهو الترتيب الهجائي� ،أو الألف بائي المتداول حالياً�« :أ ب ت ث� ...إلخ». وه��ذا التو�ضيب هو الم�أخوذ به في ترتيب المواد اللغوية في المعاجم العربية ،عدا تلك
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
وهم �سكان المدن والقرى والأرياف.
والمقبول �أن تحمل اللغة العربية لقب ًا يطلق عليها هو «لغة ال�ضاد» .ذلك �أن العجم وثل ًة من العرب كما �أ�سلفنا في �سياق هذا البحث ،يخلطون بين ال�ضاد والظاء في النطق ،ما حدا بالأ�صمعي �إلى القول :لي�س للروم والفر�س والترك �ضاد .و�أن�شد غيره:
التي ت�أخذ بو�ضع المواد اللغوية بح�سب مخارج ال�ح��روف الأبجدية التي تمثل ح��روف الهجاء العربية الـثمانية والع�شرين �أو الأل��ف ب ت، واخت�صرت بمعنى �شعري واحد هو: «�أبجد بمعنى �أخذ ،هوز بمعنى ركب ،حطي بمعنى وقف ،كلمن بمعنى �أ�صبح متعلماً� ،سعف�ص بمعنى �أ�سرع في التعليم ،قر�شت بمعنى �أخذه بالقلب ،ثخذ بمعنى حفظ� ،ضظغ بمعنى �أتم». وعليه ت�ك��ون اللغة العربية �أوف ��ر �أخ��وات�ه��ا ال�ساميات حظ ًا من الإرث ال�صوتي لل�سامية الأم، والتي عدت حروفها ت�سعة وع�شرون حرفا. وغياب الر�سم الكتابي لهذه ال ��روادف في الكثير من ال�ساميات ،ال يرجع لكونها مفقودة في نظمها ال�صوتية ،و�إنما لندرة ا�ستعمالها، فلم يحتاجوا �إل��ى و�ضع رم��وز كتابية لها ،ثم ف �ق��دت ب��ال�ت��دري��ج ل �ع��دم ا��س�ت�ع�م��ال�ه��ا ،وبقيت ال��ل��غ��ة ال��ع��رب��ي��ة م��ح��اف��ظ��ة عليها ف��ي نظامها ال�صوتي وال�ك�ت��اب��ي ،وال��ظ��اء واح���دة م��ن تلك ال��روادف التي ا�شتركت فيها اللغات ال�سامية في الأ�صل ،وتلفظت بها في يوم ما ،كما تبين من مقارنة بع�ضها ببع�ض ،وق��د ك��ان موجودا في لهجات جنوبي الجزيرة العربية وغيرها. ويعد الفراهيدي اللغوي العربي الم�شهور من �أوائ��ل الذين �صرحوا ب�أن �صوت الظاء مخت�ص بالعربية واقت�صر عليها� ،إذ ذك��ر في مقدمة كتابه «العين» قائالً« :ولي�س في �شيء من الأل�سن ظاء غير العربية ،وكرر هذا المعنى في �أكثر من مو�ضع في الكتاب عينه ،بقوله :والظاء عربية لم تعط �أحدا من العجم ،و�سائر الحروف ا�شتركوا فيها ،بما فيها ال�ضاد». و�أجمع البع�ض من علماء اللغة العربية على �أن العرب خ�صت بحرف الظاء دون �سائر الأمم،
اجلوبة � -صيف 1435هـ 59
الخلط بين ال�ضاد والظاء وهنا يحق لنا �أن نت�ساءل :ماذا كان موقف العرب �أيام ظهور الإ�سالم من ال�صوتين ال�ضاد والظاء ،وهما اللذان اخت�صتهما اللغة العربية من دون �سائر ال�ساميات بالرمز لهما في �أن ال�ع��رب القدماء ك��ان��وا يميزون �ضمن ًا بينهما بو�ضوح ،لكن فيما يبدو هناك فئة قليلة منهم، يخلط �أفرادها بين ال�صوتين ،كقولهم «عظت الحرب بني تميم» ،بد ًال من ع�ضت ،ومن العرب من يعك�س فيبدل الظاء �ضاد ًا فيقول الظهر بد ًال من ال�ضهر .ويذكر الأ�صمعي« :تتبعت لهجات ال�ع��رب كلها فلم �أج��د فيها �أ�شكل م��ن الفرق بين ال�ضاد والظاء» ،ويروي ق�صة طريفة بهذا ال�صدد يقول فيها :قال رجل لعمر ر�ضي اهلل عنه م�ستفتياً�« :أيظحى ب�ضبي؟» فرد الخليفة: وما عليك لو قلت� :أي�ضحى بظبي؟ قال الرجل: �إنها لغتي ،قال الخليفة :انقطع العتاب ،وحق الجواب ،وال ي�ضحى ب�شيء من الوح�ش». وه��ذا الخلط في بع�ض اللهجات المغمورة �إن�م��ا ك��ان �سببه هذين ال�صوتين على ح�سب و��ص��ف �سيبويه لهما ،ال�شتراكهما ف��ي بع�ض ال�صفات ال�صوتية� ،أو بعبارة �أخرى لإيقاعهما المت�شابه في الأذن ،فكال الحرفين يخرجان من 60اجلوبة � -صيف 1435هـ
�أي���ه���ا ال�����س��ائ��ل ع���ن ال�������ض���اد وال���ظ���اء ل����ئ��ل�ا ت�������ض���ل���ه ف���ي���ه���م���ا الأل������ف������اظ �إن ح�����ف�����ظ ال����������ظ����������اءات ي���غ���ن���ي���ك ف����أح�������س���ن اال�����س����ت����م����اع والإي������ق������اظ ف�����������إذا ح���ف���ظ���ت ال�������ظ�������اءات ب���ع���ده���ا ت�������ق�������ف�������و �أث��������������������������ارك ال�������ح�������ف�������اظ الفرق بين ال�ضاد والظاء ل �ق��د اج �ت �ه��د ع �ل �م��اء ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة في تبيان ال�ف��روق بين هذين الحرفين؛ ف� ��أوردوا بخ�صو�صهما الأمثلة الكثيرة التي تبين �أن وجود �أحدهما في كلمة �أو جملة ربما عك�سها ر�أ�سا على عقب وغيَّر معناها كلياً ،ومن تلك الأمثلة قولهم: نظر �إليه بعينه ينظر ،بالظاء وكذلك ينظربقلبه� ،إذا تبدر ال�شيء ،ونظره ينظره بمعنى: انتظره.
الظنين بالظاء المتهم ب�صدقه� ،أو في دينه �أون�سبه �أو نحو ذلك من �أمور:
ف��ل��ا وي���م���ي���ن اهلل م�����ا ع�����ن ج��ن��اي��ة ه����ج����رت ،ول���ك���ن ال���ظ���ن���ي���ن ظ��ن��ي��ن ٌ ال�ضنين بال�ضاد :البخيل الذي ي�ضن بمالهع�ل��ى ال �ن��ا���س� ,أو ال�م�ق� ِّت��ر ال�ح��ري����ص ,ق��ال ال�شاعر:
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ولم يتكلم بها غيرهم ،وعلى هذا تكون العربية لغة الظاء ال ال�ضاد. ومما تقدم يمكن القول� :إن نعت العربية ب�أنها لغة الظاء �أول��ى من نعتها بكونها لغة ال�ضاد، وهناك �إ�شارات متناثرة في هذا المجال ت�شير بل تكاد تجزم على �أن �صوت الظاء ال ال�ضاد هو الخا�ص بالعربية ،ما �أدى �إلى بروز مع�ضلة لغوية خطيرة� ..أال وه��ي الخلط بين الظاء وال�ضاد �أثناء الكتابة �أو الكالم.
الل�سان ومخرجاهما متقاربان ،فال�ضاد تخرج من �إح��دى حافتي الل�سان مع �أط��راف الثنايا العليا ،وخروجها مع الجهة الي�سرى �أ�سهل و�أكثر ا�ستعماالً ،ومن اليمنى �أ�صعب و�أق��ل ا�ستعماالً، ومن الجانبين مع ًا �أعز و�أع�سر ،و�صفاته الجهر وال��رخ��اوة واال��س�ت�ع�لاء والإط �ب��اق والإ��ص�م��ات واال�ستطالة. اما الظاء فتخرج من ظهر طرف الل�سان مع �أ�صول الثنايا العليا ،وله نف�س �صفات ال�ضاد ما عدا اال�ستطالة .فهما �أ�صعب الحروف و�أ�شدها على النطق ،وقد قام الل�سان العربي بما حباه اهلل من مرونة بتطويع هذه الأ��ص��وات الخ�شنة و�إخ�ضاعها لقانون الخفة والي�سر التي تت�سم بهما اللغة العربية ،بوجه عام. هذه ال�سرعة العجيبة في ا�ضطراب الأل�سنة بالنطق بال�ضاد العربية ،وظهور الخلط بينها وبين الظاء في ال�شرق ب�صفة خا�صة ،جاء بعد تغلغل الفر�س والأت���راك ف��ي الو�سط العربي، وكلنا نعرف موقف ه�ؤالء الأقوام من ال�ضاد� ،إذ ن�سمعها منهم ظاء عامية� ،أي تلك التي يلتقي فيها ط��رف الل�سان ب�أ�صول الثنايا العليا كما هو ال�ش�أن في نطق العامية في كلمة م�ضبوط.. يلفظونها مظبوط ،و�ضابط ظابط ،وح�ضرتنا حظرتنا ،الخ.. يبدو �أن هذا الإ�شكال اللفظي بين الحرفين ق��د ب��دا ي�سترعي انتباه علماء اللغة ،عندما ا�ست�شعروا تبلبل الأل�سن في هذين ال�صوتين ال�ضاد وال��ظ��اء ،فظهرت في كل ع�صور اللغة رغبة التمييز بينهما من حيث الكتابة ال من حيث النطق ،كبادرة �أولى ثم تطبيقها ما �أمكن على النطق في الثانية. و�إزاء هذه المع�ضلة اللغوية التي ا�صطلح على
ت�سميتها الخلط بين ال�ضاد والظاء �ألف بع�ض اللغويين ر�سائل للتمييز بينهما ،وذك��روا فيها الألفاظ التي ت�أخذ بالظاء ،و�أخرى التي تعتمد ال�ضاد ،وقد �أوردوا �شروح ًا لهذه المفردات ،ما قد يفيد القارئ ويح�سّ ن من اعوجاج ل�سانه �إذا ما وجد ،ومنها الكتيب الذي و�ضعه ال�صاحب بن عباد و�سماه «الفرق بين ال�ضاد والظاء» ،وجاء في نحو الثمانين من مواد اللغة التي كانت مظنة الخلط بين ال�ضاد والظاء.. كما كتب ابن قتيبة �أرجوزة في تو�ضيح ذلك، ومقامة للحريري مكونة من ت�سعة ع�شر بيت ًا جمع فيها قدر ًا كبير ًا من الألفاظ الظائية ،ومنها على �سبيل المثال ال الح�صر قوله:
تنعمت �أوراقه.
��ض�ن�ن��ت ب �م��ال��ي م��ن ف ��رط ح��ر��ص��ي وق������������ول ال������ن������ا�������س �إن������������ي ����ض���ن���ي���نُ �������ش �أخ���������ش����ى ال����ف����ق����ر و�����ش����ظ����ف ع���ي ٍ وت���ع���ر����ض م���ال���ي ل��ن�����ض��ب ال��م��ع��ي��نٍ يقال ظل فالن يفعل كذا وك��ذا بالظاء� ،إذا فعله نهاراً ،وبات يفعل كذا وكذا� ،إذا فعله ليالً.. وهذا هو الم�شهور ،وقد ا�ستعمل ظل في جميع الأوق���ات :ق��ال اهلل تعال }فظلت �أعناقهم لها خا�ضعين{ [ال�شعراء ]٤ :وقال تعالى} :فظلتم تفكهون{ [الواقعة.]65 : و�أما �ضل بال�ضاد فتكون بمعنى تحيّر ،وتكون بمعنى �أخط�أ �أو تاه عن طريقه ،كقوله تعالى} :ال ي�ضل ربي وال ين�سى{ [طه.]٥٢ : ومنه قول طرفه بن العبد:
وك��ي��ف ت�ضل الق�صد وال��ح��ق وا�ضح ول���ل���ح���ق ب���ي���ن ال�����ص��ال��ح��ي��ن ���س��ب��ي��ل
وتكون �ضل �أي�ض ًا بمعنى غاب وتلف ،يقال �ضل الماء في اللبن ،و�ضل الرجل في الأر�ض. وقال اهلل عز وجل�} :أئ��ذا �ضللنا في الأر�ض{ ون�ضر وج �ه��ه ،بال�ضاد ي�ن���ض��ر�،إذا ح�سن[ .ال�سجدة.]١٠ :ون�ضر ُه اهلل �أي ح�سّ نه ،ون�ضر ال�شجر �إذا َّ والغيظ بالظاء� ،صورة الغ�ضب ،وقيل الغيظ اجلوبة � -صيف 1435هـ 61
62اجلوبة � -صيف 1435هـ
ال�شعراء ال�شباب وخيانة اللغة
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
لمن ال يقدر على االنت�صار ،والغ�ضب لمن يقدر ليتعلموا الف�صاحة من مناهلها؛ لأن مطلبها على على االن�ت���ص��ار ،ول�ه��ذا ُو��ص��ف ال �ب��اري تعالى الكبر ع�سير وبالغ الم�شقة. بالغ�ضب ولم يو�صف بالغيظ. �إال �أن �إ�شكالية الخلط بين ال�ضاد والظاء ،لم والغي�ض بال�ضاد النق�صان ومنه قوله تعالى :تتوقف عند هذين الحرفين فح�سب ،بل تعدتهما }وغي�ض الماء{ [هود .]٤٤ :والفعل من واحد �إلى �صوتين �آخرين هما حرفي الذال والثاء� ،إذ منهما غاظه يغيظه ،وغا�ضه يغي�ضه ،وا�سم يلفظ بع�ضهم الثاء �سينا ،فيلفظون الثرى �سرى، فاعلهما غائظ وغائ�ض ،وقال البرج بن م�سهر والثوب �سوبا ،واالختالف وا�ضح بين المعنيين. الطائي: ويلفظون ال��ذال داال �أو زاء مثل قولهم زهب �أو �إل������ى اهلل �أ����ش���ك���و م����ن خ��ل��ي��ل �أودّه متف�ش بكثرة دهب بدال من ذهب ،وهذا الخلط ٍّ ث��ل�اث����ة خ���ل��ال ك���ل���ه���ا ل�����ي غ��ائ�����ض في مجتمعات بالد ال�شام. خاتمة و�إن دلّ هذا على �شيء ف�إنما يدل على غنى لقد تعددت البحوث وت�شعبت الآراء ،حول اللغة العربية بمفرداتها المتنوّعة ،القادر ة على ماهية ال�ضاد و�شقيقه ال��ت��و�أم ال��ظ��اء ،وم��دى ا�ستيعاب كافة الأل�سن وجميع العلوم الحديثة ت�أثيرها في ن�سيج المفردات اللغوية ،وبينت وجوه منها والقديمة بكل �سال�سة وي�سر� .ألي�ست هي االختالف �أو الت�شابه بينهما ،من حيث المبنى لغة القر�آن الكريم؟! والمعنى واللفظ. وربما ب��دا للوهلة الأول��ى �أن هناك تناق�ضا الم�صادر: بين تلك الأق��وال ،ال �سيما فيما يخ�ص ال�ضاد - ،ابن مالك -االعتماد في نظائر الظاء وال�ضاد -دار لكنها عند التحقيق ال تخرج البتة عن كونها الب�شائر -دم�شق ٢٠٠٣م. درا�سات جادة ،ب�أقالم مجتهدة توا�صل ال�سعي لخدمة اللغة العربية -لغة ال �ق��ر�آن الكريم - ،مكي درار -ال�ضاد العربية �إلى �أين؟ -مجلة القلم – العدد - ١وهران – ٢٠٠١م. ومحتوى �آداب الحديث ال�شريف ،وعلوم الأولين والآخ��ري��ن ،بما في ذلك فعل ال�ضاد ،و�أ�سميته -عبدالعزيز مطر -تثقيف الل�سان وتلقيح الجنان - الفعل؛ لأن فيه تعرف حقيقة الف�صاحة من جـ -٢القاهرة ١٩٦٦م. عدمها ل��دى الناطقين ب��ه؛ فقد �أط�ل��ق العرب م�سمى ال �ج��زء و�أرادوا ب��ه ال �ك��ل ،ف�ق��ال��وا عن -رم�ضان عبدالتواب -م�شكلة ال�ضاد العربية والظاء - مجلة المجمع العلمي العراقي -بغداد – ١٩٧١م. العربية( :لغة ال�ضاد) .ولم يفعلوا ذلك �إال بعد درا�سة م�ستفي�ضة وتح ٍّر دقيق عن خ�صائ�ص � -أحمد الفراهيدي -مقدمة كتاب العين -مطبعة هذا الحرف الذي حيَّر الباحثين قديم ًا وحديثاً، بوالق -القاهرة – ١٩٤٥م. بل واجتهد المتعلمون الذين حاولوا �إتقانه على الكبر ،فما �أفلحوا كل الفالح؛ فال غرابة �إذ ًا �أن � -أبو بكر بن حماد � -إتحاف العباد في معرفة النطق بال�ضاد -مطبعة بوالق القاهرة – ١٩٤٠م. يعمد العرب قديم ًا �إلى �إلحاق �أبنائهم بالبادية
■ حممد جميل �أحمد -ال�سودان
تعي�ش الثقافة العربية اليوم ،واقعا م�أزوما ،بلغ مدىً بعيدا في اغترابه وم�آزقه التي تراكمت، وانعك�ست على خطاب الأج��ي��ال الجديدة ،ب�صورة جعلت من ع��دم القدرة على االنتباه لذلك الم�أزق تعبيرا طبيعيا ،ت�شهد عليه �أخطاء اللغة ،وركاكة التعابير؛ وغير ذلك من الخطايا. بيد �أن كل تلك التعبيرات الركيكة في الحديث باللغة العربية التي �أ�صبحت اليوم بمثابة حالة عادية جداً؛ �شوّ�شت عليها االنعكا�سات الم�ضللة لخطاب �إعالمي عربي مغترب عن ذاته، جعل من خطاب الحداثة الأداتية و�سياقاتها الم�ؤثرة في الوعي الجمعي عبر الكثير من ال�صور والتمثالت المتماهية مع خطابها؛ �أنموذجاً �ضاغطا لالحتذاء والتقليد الذي ال يكاد ينجو �أحد اليوم من التعر�ض له. و�إذا جاز لنا �أن ندرج تلك العاهة المقلدة ف��ي خطاب الأج �ي��ال الجديدة حيال احترام اللغة الإنجليزية مثال ،واالكتراث المو�سو�س بدقتها بما يجعل من الرطانة الإنجليزية في ل�سان تلك الأجيال الجديدة قيمة م�ضافة للثقة بالذات ،ف�إن العك�س من ذلك تماما �أ�صبح هو حال العربية في كونها في ظن الكثيرين معرة مُعيقة للتوا�صل مع الع�صر الحديث!
لغتها� ،إال �أن الأخ�ط��ر من ذل��ك هو االنطباع ال�سائد لدى كثيرين من ال�شعراء في التعامل م��ع اللغة ال�ع��رب�ي��ة ،بو�صفها � �ض��رورة تقنية ل�شكل الكتابة ال�شعرية ور�سمها ،بطريقة يمكن لل�شاعر �أن ي�ستغني عنها عبر �إيكالها �إلى مدقق لغوي مثال.
لقد �أ�صبح ذلك طبيعيا وبال غرابة في وعي وعلى الرغم من �أن هذا ال�شعور المر�ضي كثرة وافرة من ال�شعراء العرب ال�شباب؛ الأمر في ذاك��رة الأجيال العربية الحديثة ،ال يكاد ال��ذي ي�ستدعي �إع��ادة ��س��ؤال اللغة وعالقتها يوجد في �أي �أم��ة من الأم��م المعا�صرة حيال بال�شاعر وال�شعر. اجلوبة � -صيف 1435هـ 63
فاللغة العربية ،بطبيعتها ونحوها و�صرفها، و�إيقاعاتها ال�صوتية ..تكاد تغيب تماما عن تمثّل ال�شعراء ال�شباب لها ،وذل��ك �إح�سا�سا بتوّهم منهم ،رب�م��ا ،ف��ي �أن �أنماطها تلك ال عالقة لها بالحداثة المفتر�ضة في كتابتهم، ه��ذا ف�ضال عن �إه��دار العالقة التاريخية كما لو �أنهم يكتبون بلغة �أخرى غير العربية؟ ل�ل���ش��اع��ر ب�ل�غ�ت��ه .ف�ت�ل��ك ال �ع�لاق��ة ال �ت��ي تكاد �إن اغ�ت��راب ال�شعراء العرب ال�شباب عن تكون مقطوعة في ذهنية ال�شعراء ال�شباب لغتهم العربية ،تحت �ضغوط الأوهام الحداثوية المعا�صرين وتجاربهم ،ربما كانت ه��ي في ف��ي التعبير ،ه��و ف��ي حقيقته م� ��أزق مت�صل �صورة ما �سببا لغياب الهوية العربية في مدوّنة بالثقافة ،ولي�س ب��الإب��داع .وه��ذا ما غاب عن ال�شعراء ال�شباب مثال. كثيرين منهم. فالهوية ال�شعرية هنا ،ال عالقة لها بما ول �ع��ل �أب���رز ع�لام��ات ذل��ك االغ��ت��راب هو يتوهّ مه �أول�ئ��ك ال�شعراء �أي�ضا من الخ�ضوع اللجوء المجّ اني �إلى �شكل ق�صيدة النثر ،من �أو التمثل لبع�ض النماذج ال�شعرية التراثية حيث الحريّة التي تتيحها تلك الق�صيدة في عبر تقليد م��ا ،و�إن�م��ا تكمن الهوية ال�شعرية �شكلها المر�سوم ،من دون �أن يدرك ه�ؤالء �أن في ا�ستبطان طبيعة اللغة العربية ،وتجديد ذلك ال عالقة له بمو�ضعة اللغة داخل ال�شعر؛ ال�ت���ش�ك�ي�لات ال�ل�غ��وي��ة بمختلف �صيغها في الق�صيدة عبر توظيف �شعري حديث؛ �أي في كونها من �أهم ثيماته الجمالية والتعبيرية. فالعجز عن اجتراح �صياغة الكتابة ال�شعرية التكوين الإيحائي لروح العربية داخل النمط بنمط ال��وزن �أو حتى التفعيلة ،ول��و كتجريب ال�شعري� ،سوا ًء �أكان ذلك النمط :عموديا� ،أم مثال� ،سي�ضع ال�شعراء �أمام تحدٍّ لغويٍّ ،يتمثل تفعيلةً� ،أم ق�صيدة نثر. لكن ذلك اال�ستبطان المت�صل بهوية اللغة ف��ي ال�ح��دِّ الأدن ��ى م��ن معرفة النحو ل�سالمة التحريك الذي يقت�ضيه قول ال�شعر� ،أو ل�ضرورة في الن�ص ال�شعري ي�ضع ال�شاعر ال�شاب �أمام حركة الإعراب الموحَّ دة في نهاية القافية مثال .اال�ستحقاق الذي ذكرناه �آنفا في عالقته باللغة. 64اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
ف ��إذا ما �أمكننا بقيا�س بديهي القول� :إن اللغة بما ه��ي م��ادة ال�شاعر التي ي�شكل بها عالمه ال�شعري ،وو�سيلته التعبيرية المرقومة؛ ف�إننا بال�ضرورة �سنجد طبيعة تلك العالقة ،من الناحية ال�شكلية ،كطبيعة عالقة الحدّاد مع الحديد مثال!
ف�ه��ذه ال �ح��دود ال��دن�ي��ا والميكانيكية للغة حين تبدو كما لو �أنها عقبة في كتابة ال�شعراء ال���ش�ب��اب ،تجعلنا ن ��درك م��دى ال�ف�ق��ر ال��ذي �سيلحق ب�شعرهم حين يعجزون عن ا�ستثمار مو�سيقى التفاعيل مثال ،وامتداداتها التي تجعل من ج�سد الق�صيدة منظومة �إيقاعية ت�أخذ فيها اللغة نطاقا يتجاوز ال�صورة الميكانيكية والتقنية التي يتوهمها �أول�ئ��ك ال�شعراء �إلى االندراج في جماليات الق�صيدة ذاتها (�سعدي يو�سف� ،أنموذجا).
وبطبيعة الحال ،ف�إن �صيرورة تلك العالقة بين ال�شاعر ولغته ينبغي �أن تكون مت�صلة بالمعرفة والحرية ك��ي تولد الإب���داع .هكذا �سنجد �أن التذمر من نحو اللغة و�صيغها ،وال�شكوى من �صعوبتها لدى ال�شعراء ال�شباب (ولي�س لدى الأف� ��راد ال�ع��ادي�ي��ن) ،ه��و ��ض��رب م��ن الك�سل والعطالة الناتجين عن وعي م�شوّ�ش لطبيعة العالقة الع�ضوية الحميمة بين ال�شاعر واللغة.
غرابتها ،و�إنما ككلمة م�ضيئة ،وكما لو �أنها ال��دالل��ة المركزية ف��ي ال�سياق ذات ��ه؛ بحيث يت�صل مبناها الم�ضيء بمعناها الدقيق، ليمنح القارئ متعة جمالية مكتملة .فكلمات مثل (الحداثة ،ال��ره��ام ،الأف��اوي��ق) وغيرها جاءت في �شعره لت�شكل فيه فرادة ،ولتحيا حياة جديدة داخل التجربة ال�شعرية. لقد كانت �إح��دى العادات اللغوية اليومية لل�شاعر الكبير محمود دروي�ش رحمه اهلل فتح المعجم اللغوي يوميا ب�صورة ع�شوائية ،ليتعرف على روح الكلمات التي تقع عليها عينه ،وهي عادة تدل على العالقة القوية لل�شاعر باللغة.
�إن ال�شاعر في الأ�صل مبدع ،تقوم �صياغته لل�شعر عبر تكوين عوالم مختلفة بمعجم �شعري ال بدَّ �أن يكون داال على فرادته .ومن هنا ،ف�إن معمار الق�صيدة ال��ذي هو في حقيقته تكوين من اللغة والعالم� ،أو من الرموز والأ�شياء ،ال �إن ال���ش�ع��راء ه��م �صانعو م �ج��ازات اللغة ب ّد �أن يف�ضي �إلى اختيارات لغوية حيال طبيعة المفردات مثال� ،أو ا�ستخدام �صيغ لغوية من الكبرى ،وه��م بناة العالم ال��رم��زي في اللغة دون �صيغ �أخ��رى� ،أو ا�ستثمار خا�صية لغوية ب� �م ��وازاة ع��ال��م ال ��واق ��ع ،ك�م��ا �أن �ه��م (�أم� ��راء ما في دالل��ة اال�ستعارة ال�شعرية ،وغير ذلك الكالم) ،كما قال الأ�صمعي. من اال�ستخدامات التي تعطي ال�شاعر معجمه �إنَّ ال �ك�لام -بو�صفه ل�غ��ة -ال يتجلى في الخا�ص ،وفرادته ال�شعرية المتميزة. �أ�صفى �صوره و�أعمقها و�أجملها �إال من خالل ولن�ضرب مثال بال�شاعر ال�سوداني التيجاني ال�شعر؛ فال�شعراء هم المعنيون بت�سخين اللغة يو�سف ب�شير (�أحد �أكبر المجددين في ال�شعر �إل��ى ال�ح��دود التي تجعلها مطيعة لأخيلتهم، ال�سوداني الحديث) ،الذي ج�سّ د في تجربته ومندمجة في هويتهم الإبداعية �أثناء الخلق ال�شعرية اخ�ت�ي��ارات لغوية ج��دي��دة عبر �ضخِّ ال�شعري. م�ف��ردات مهملة من القامو�س اللغوي� ،أع��اد لكل تلك الحيثيات ،قد ال نعجب اليوم من �إن�ت��اج�ه��ا ك��دالل��ة جمالية خا�صة ف��ي تعبيره ال���ش�ع��ري .ل�ق��د ك��ان ه��ذا ال�ت�ج��ري��ب البديع عطالة ال�ساحة ال�شعرية ،وندرة الإبداع العميق للتيجاني يو�سف في اختياراته المعجمية للغة في الكتابة ال�شعرية ل�شعراء اليوم ،فيما هم قائما على تطبيع جماليّ و�سياقيّ عميق ،ال يجعلون من اللغة مح�ض توظيف تقنيّ يقوم به تظهر معه الكلمة المعجمية ككلمة �شاذة رغم الآخرون نيابة عنهم؟! اجلوبة � -صيف 1435هـ 65
■ �صالح بن حممد املطريي -ال�سعودية
تُرى لو كان يعي�ش في ع�صرنا َعلَ ٌم قديم ك�إمريء القي�س بن حجر الكندي� ،أو عمرو بن بحر الجاحظ� ،أو �أحمد بن الح�سين المتنبي ،فكيف لأيٍّ منهم �أن يتوا�صل مع جمهوره العري�ض في هذه الأيام؟ بالت�أكيد لن يجد الجاحظ الع�صري منا�صا من �أن ي�ستخدم �إحدى و�سائل التوا�صل الع�صرية� ،أو حتى جميعها ،مثل الـ(في�سبوك) ،و(تويتر) ،والـ (وات�س �أب) ،للتوا�صل مع قرائه وجمهوره على ال��دوام؛ و�سنجده �أي�ضا حري�صا على �أن ير�سل لنا ن�صو�صه طازجة من لوحة المفاتيح ،ولربما �شفعها ببع�ض ما تلتقطه واعيته اللماحة (ولربما كاميرته �أي�ضا) من �صور �ساخرة لبخالء الع�صر ،ولفال�سفته ومتكلميه ،وللعوام وال�سوقة ،بل وللحيوان و�أنواعه و�أحواله، َولأتحفنا على الفور ب�شي ٍء من قوّة المالحظة ودقتها التي �شُ هر بها الجاحظ من بين كتّاب العربية على الإطالق. لقد �أ�صبحت و�سائل االت�صال الع�صرية تلك هي التي ت�صنع حدث التوا�صل بين النا�س ،وهي التي تربط بينهم على اختالف الم�شارب ،وهي القناة التي تُبثّ عبرها الأفكار ،وتُن�شر الدعوات وااله �ت �م��ام��ات وال�ت�ف���ض�ي�لات واالق �ت��راح��ات والت�سا�ؤالت؛ لقد �أ�صبحت حقا �شبكات التوا�صل هذه ف�ضا ًء مفتوحا للحوار ،ت�سبح فيه الأفكار وال ��ر�ؤى بين جميع �أط�ي��اف المجتمع؛ بل لقد ونظرا لما تنطوي عليه ال�شبكات االجتماعية �أ��ض�ح��ت (مطبخا) كبيرا لإع���داد الحمالت من قوة في الت�أثير ،و�سرعة في الو�صول ،وكثافة الفكرية للترويج ل�صالح فكرة معينة �أو �ضدها .في االنت�شار؛ فال �ضير �أن نقول �إنّها �أ�صبحت فهاهنا تختمر الأف �ك��ار ،وت�ستح�صد ،وتبلغ لغة الع�صر ،وقد اكت�سحت هذه اللغة التقنية �أق�صى قواها ،وه��ي في �أثناء ذل��ك ت�سبح في ف�ضاء الإنترنت ،وتنتقل من ق��ارئ �إل��ى قارئ، ومن م�شاهد �إلى م�شاهد ،ومن �سامع �إلى �سامع، وربما خرجت هذه الأفكار -ب�صرف النظر عن نوعها� -إلى حيّز الفعل ،ف�أ�صبحت حدثا حقيقيا تتناقله الأخ �ب��ار وي�ت�ح��دث عنه المرا�سلون، وتزدحم به ال�شوارع!
66اجلوبة � -صيف 1435هـ
لقد كانت بداية هذه ال�شبكات االجتماعية في العالم العربي تقريبا منذ العام 2007م ،ومنذ ذلك الحين �أ�صبح كثير من النا�س ي�سجلون في هذه ال�شبكات ويتوا�صلون ويتناق�شون ويتحاورون؛ ثم انتبه ذوو ال�ش�أن من ال�شخ�صيات ،ف�أ�س�سوا لهم ح�سابات يتوا�صلون عبرها مع جمهورهم، ويبثون �أفكارهم ور�ؤاهم في كل �ش�أن يرونه مهماً، ثم يرقبون كيف يتفاعل النا�س تجاه ما يقولون، ويرون كل ما يثيرون من ت�سا�ؤالت ومالحظات وانتقادات �أو تحفظات .وبهذا� ،أ�صبح الجميع ي�ستخدم ال�شبكات االجتماعية ق�ن��ا ًة للحوار والتوا�صل باالتجاهين ،لأن المرء يطرح الفكرة، �أو لنقل ير�سل(التغريدة) في تويتر مثال ،ثم يتلقّى حيالها الع�شرات وربما الآالف من الردود والتغريدات من متابعيه ،وربما ظلّت الفكرة ت��دور في �أروق��ة تويتر والفي�س بوك المت�شابكة كالمتاهة �أياما وليالٍ ،بل وربما �شهورا ما وجدتْ لها تن�شيطا �أو �إعادة تغريد من هذا الم�ستخدم �أو ذاك ،وح�سبك �أن تعلم –عزيزي القارئ- �أن م�ستخدمي ال�شبكات االجتماعية في العالم العربي فقط قد �أربوا على ال�سبعين مليون ًا من كال الجن�سين(.)1
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
العربية في �شبكات التوا�صل االجتماعي
الجديدة جميع لغات العالم وطوتها في �سجلها، و�أثّرت في ا�ستعمالها وربما نظامها ت�أثيرا بيّنا. من هنا ،تبزغ �أمامنا الحاج ُة ما�سّ ًة للنظر في واقع اللغة العربية في هذه ال�شبكات االجتماعية مثل تويتر ،والـ(في�سوك) ،ور�سائل الجوال مثل (الوات�س �أب) والر�سائل الن�صية ،وال نن�سى �أي�ض ًا مواقع الدرد�شة على الإنترنت التي �سبقت هذه ال�شبكات بزمن.
المهتمون باللغة خيف ًة من و�ضع اللغة العربية في هذه ال�شبكات ،وقد �أ�شرت �سلفا �أن اللغات جميعا تت�أثر بو�سائل التوا�صل الحديثة ،و�أن العربية لي�ست بِدْ عا من اللغات في هذا ال�صدد ،ومن المعروف في كل لغة �أن ثمة فريق ًا من الغيورين �أو المحافظين ،وه�ؤالء عادة ما ينظرون بريبة ووجل �إلى كل و�سيلة حديثة (تبتذل) اللغة وتنزل بها عن الم�ستوى �أو (النموذج) الف�صيح الذي يرت�ضونه .والحق يقال �إن اللغة كائنٌ حي كما يقول العلماء ،والكائن الحي يت�أثر بمعطيات البيئة ،ويت�أثر بالو�سائل التي تظهر �أو تنجم في بيئته؛ �إذاً ،فت�أثير و�سائل االت�صال الحديثة في العربية هو �أمر متوقع ،لكن يجب علينا �أن ن�أخذ في االعتبار �أن فعل الت�أثير لي�س بال�ضرورة �أن يكون دوما ت�أثيرا �سلبيا ينق�ض من بنيان العربية وي��دكّ ح�صونها� ،إذ ربما يكون �أي�ضا ت�أثيرا �إيجابيا ي�ؤتي ثمارا جيدة ويزيد من قوة النموذج الأم�ث��ل وي�شد من �أزره( ،و�أع�ن��ي هنا العربية الف�صحى) التي يلتئم حولها الجميع.
ول�ع�ل�ن��ا ن �ب��د�أ ب��ال �ج��وان��ب الإي �ج��اب �ي��ة لهذه ال�شبكات االجتماعية على اللغة العربية .طبعا يتنوع محتوى هذه ال�شبكات -كما �ألمحت -بين مادة مقروءة (ن�ص) ،ومادة م�سموعة ،و�أخرى مرئية ،والتي غالبا ما تكون �صورة �أو مقطع فيديو ،لكن لعل النمط ال�سائد في التغريدات وال�ح��وارات والنقا�شات هو الن�ص� ،أي المادة المقروءة� .إن انت�شار الن�صو�ص �-أي المادة المقروءة -في هذه ال�شبكات قد زاد بال �شك من ر�صيد القراءة لدى النا�س ،و�شجّ ع �إلى حد ما في تر�سيخ هذه الملكة لدى الكثيرين ،وبخا�صة �إزاء ه��ذا (ال��زخ��م) ال�ه��ائ��ل م��ن محتوى �أولئك النفر ممن يعد من ح�سنات الدهر لو قر�أوا ال�شبكات االجتماعية وقوة ت�أثيرها ،ربما توجّ �س �شيئاً ،لأنهم يعتمدون دائما على الم�شاهدة �أو اجلوبة � -صيف 1435هـ 67
ويرتبط بهذا فائدة لل�شبكات االجتماعية قد لم�سها بع�ضنا وال ريب� ،أال وهي التقليل من الأمّية الثقافية بين الم�ستخدمين ،والأمر الذي ال �شك فيه �أن جمهور ال�ط�لاب ال�ع��رب قلّما ي �ق��ر�أون كتابا غير مقرراتهم المدر�سية ،بل ليتهم يقر�أون مقرراتهم هذه قراءة واعية حقا؛ فنتج عن محدودية القراءة هذه نوعا مخيفا من الأمية الثقافية بين ال�شباب ،فقد تجد �شابا خرّيجا يخطئ في ع��دد الخلفاء الرا�شدين، �أو ال ي��دري متى احتلت فل�سطين ،بل تجد مَ ن يجهل �أهم �أعالم ح�ضارته من القادة والعلماء الأركان ،كالذين ت�سمى بهم المدار�س والقاعات والأم��اك��ن العامة والميادين ،ول��و ا�ستعر�ضت �إح�صاءات القراءة في العالم العربي لر�أيت ما يندى له الجبين� ،إذ وُجد �أن ع�شرين �شخ�صا م��ن ال�ع��رب ي �ق��ر�أون م��ا مجموعه كتابا واح��دا في ال�سنة ،في حين �أن المواطن الألماني مثال 68اجلوبة � -صيف 1435هـ
ولكن لن ن�سرف في المثالية والخيال هنا، لأن ال �ق��ارئ ف��ي الإن�ت��رن��ت تعتر�ضه كثير من الملهيات المت�شعبة التي ت�أخذه من وادٍ �إلى واد، ومن �صيدٍ �إل��ى �صيد ،وه��ذه الت�شعّبات تجعلنا نعود �إلى الأ�صل فنقول �إن كل ال�صيد في جوف الفراء –و�أعني هنا الكتاب .-ولكن لعل في هذه ال�شبكات قدرا جيدا من القراءة مثال لحوارات ونقا�شات تتعلق بالثقافة العامة� ،أو بالتاريخ، �أو بعلوم الدين� ،أو تلك التي تحيل الم�ستخدم �إلى مقاالت مثيرة للجدل� ،أو مداخالت فكرية جديرة باالطالع� ،أو طروحات متنوعة تجذب القارئ المهتم بال�ش�أن العام .كل ذلك المحتوى الثقافي ي�أتي غالبا -ولي�س دائ�م��ا -في هيئة ن�ص مقروء ،كما يغلب �أن تكون لغتُه العربي َة الف�صحى بالطبع ،لأن النقا�شات الفكرية التي تت�سم بالجدية وال �م �ق��االت ال�صحفية تكتب ع ��ادة بالف�صحى� ،إن ف��ي ه��ذا ال �ت��داول بين الم�ستخدمين للتغريدات الفكرية والمقاالت والنقا�شات لتعزيز للف�صحى بال ريب. تلك كانت بع�ض المميزات التي انتفعت بها العربية من خ�لال ال�شبكات االجتماعية على الإنترنت ،ولكن نجد لزاما هنا �أن ننظر في الجهة الأخ��رى �أي�ضا ،فنتناول الآث��ار ال�سلبية التي تعاني منها العربية في الإنترنت عموما، وف��ي ه��ذه ال�شبكات االجتماعية بوجه خا�ص،
-1مزاحمة اللغات الأجنبية للعربية:
وع �ل��ى ر�أ�� ��س ه ��ذه ال �ل �غ��ات ت ��أت��ي ط�ب�ع��ا اللغة الإنجليزية� ،إذ وج��دوا في بع�ض الإح�صاءات �أن نحو ن�صف الم�ستخدمين لمواقع التوا�صل االج�ت�م��اع��ي ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي ي�ستخدمون الإنجليزية ،وه��ي حقا �إح�صائية مهولة �إذا �أخذت حرفيا ،لكن لعل المتفائل يقول �إن ه�ؤالء ي�ستخدمون الإنجليزية �إلى جوار العربية ،وهذا على �أي حال و�ضع �أهون خطرا من �سابقه ،وال �شك �أن �سيطرة الإنجليزية على ف�ضاء الإنترنت هي ج��زء من الهيمنة اللغوية� ،إذ الإنجليزية هي الذراع الطولي الم�سيطر على لغة التجارة وال���ص�ن��اع��ة والتعليم والإع �ل��ام وال�صحافة والإنترنت. وكان �أن ن�ش�أت -من ج�رّاء هذه المزاحمة الإنجليزية -بين الم�ستخدمين ،وبخا�صة من ال�شباب العربي المتعلم في مواقع الدرد�شة، لغ ٌة هجين ،ي�سميها بع�ضهم (العربيزي) ،وهي لغة تقع في المنزلة بين المنزلتين ،فال هي �إنجليزية �صرف وال هي عربية �صرف ،و�إنما ه��ي م��زي��ج غ��ري��ب منهما! وق��د �أ�صبحت هذه محط �إ�شكال ودر�س بين الجهات المعنية اللغة ّ بم�ستقبل العربية ،مثل مركز الملك عبداهلل الدولي للغة العربية« ،وتٌنطق ه��ذه اللغة مثل العربية� ،إال �أن الحروف الم�ستخدمة في كتابتها هي الحروف والأرق��ام الالتينية بطريقة ت�شبه ال�شيفرة ،وتكتب عادة باللهجة الدارجة ولي�س باللغة العربية الف�صحى ،وي�ضاف لهذه الطريقة
ف�أنت ترى �أي خطر ت�شكّله مزاحمة اللغات الأخ ��رى للعربية بين �أبنائها� ،إل��ى درج��ة �أن نتج عنها مثل تلك الطرق ال�سخيفة في كتابة العربية الدارجة بالأحرف الالتينية ،ومعلوم �أن الأحرف الالتينية قا�صرة ق�صورا وا�ضحا لكل ذي عينين عن تمثيل �أ�صوات العربية وغيرها م��ن اللغات ال�سامية ،وبخا�صة ف��ي الأ��ص��وات الحلقية وال�ل�ه��وي��ة ك��ال�ه�م��زة وال �ح��اء وال�خ��اء نن�س ال�صاد وال�ضاد والعين والغين والقاف ،وال َ والظاء ،ف�ضال عن ق�صورها في تمثيل الحركات الق�صيرة والحركات الطويلة ،وق��د وق��ع كثير من الم�ست�شرقين في �أخطاء فادحة في كتابة الأ��س�م��اء العربية ب�سبب اعتمادهم الأح��رف الالتينية في ر�سمها ،فالبلخي يمكن �أن يقر�أ في كتب الم�ست�شرقين (البلكي) لعدم وجود �صوت الخاء لديهم ،كما �أن ترميز الحروف العربية في �أوروبا (�أي ر�سمها بالالتيني) كان يختلف من مطبعة �إلى مطبعة ،ومن م�ست�شرق �إلى �آخر .وكل ذلك ي�ؤيد عدم كفاية الرموز والحروف الأجنبية في تمثيل العربية�« ،إذ �إن نظام الكتابة العربية لي�ست وظيفته مق�صورة على تمثيل المنطوق، بل تتعدى هذه الحدود وتعمل عملها في البنية ال�صرفية-النحوية للغة ،و�أن نظام الكتابة العربية-على ما فيه من هنات ي�سيرة -يفوق غيره من نظم لغات �أخ��رى ،وهو لح�سن الحظ متوافق مع المبد�أ ال�صوتي الم�شهور :رم ٌز واحد ٍ ل�صوت واحد»( ،)4بمعنى �أن حرف الفاء مثال له رمز واحد في العربية (فـ) وال يمكن �أن ي�أتي في
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
اال�ستماع في تلقّي المعلومة ،وقلّما يلتفتون �إلى القراءة؛ كما �أن هذه ال�شبكات في ذات الوقت ع �زّزت من دواف��ع الكتابة لدى الم�ستخدمين، لأن ال��ردود والتغريدات ال بد �أن تكون مكتوبة (�أي في هيئة ن�ص) ،والن�ص بطبيعة الحال ال بد �أن يكون مفهوما� ،أي جُ مال مفيدة مترابطة معنويا وبم�ستوى لغوي يفهمه المتلقي ،كل هذه االعتبارات ت��رد في ح�سبان الكثيرين عندما يكتبون ردوده� ��م ،وك��ل ه��ذه ال�شبكات تتيح للم�ستخدم مراجعة الرد وتنقيحه ،كما يمكن حذفه عند الحاجة� .إنّ فعل «المراجعة» في حد ذاته هو ممار�سة «واعية» للغة؛ �إذاً ،بهذه الطريقة ا�ستفدنا من هذه ال�شبكات في تنمية مهارتين رئي�ستين من مهارات اللغة� ،أال وهي ملكة القراءة ،وملكة الكتابة.
يقر�أ لوحده �سبعة كتب في ال�سنة! كما وجدت الإح�صاءات �أنه ي�صدر في الوطن العربي كتابٌ لكل (� )350أل��ف �شخ�ص ،بينما ي�صدر في �أوروب��ا كتابٌ لكل خم�سة ع�شر �ألف �شخ�ص(،)2 فجاءت هذه ال�شبكات الحديثة -والحق يقال- لتردم �شيئا من الفجوة ،وت�أخذ بيد المواطن من �أمة (اقر�أ) فتعيده �إلى حوزة القراءة من جديد.
ومعها �أي���ض��ا �شبكات ر��س��ائ��ل ال �ج��وال؛ فثمة الكثير من الكلمات الب�سيطة واالخت�صارات جمهرة من الم�شكالت التي تئنّ منها العربية المتعارف عليها في الإنجليزية ،كما ي�ستخدمها وتظهر جلي ًة لكل غيور ،ولعلي �أجمل بع�ضا منها ال�ب�ع����ض ف��ي ال �ك �ت��اب��ة ع �ب��ر م��واق��ع ال�ت��وا��ص��ل هنا ،فمن ذلك: االجتماعي �أو ر�سائل الجوال»(.)2
اجلوبة � -صيف 1435هـ 69
كما ال نن�سى الإ� �ش��ارة �إل��ى ا�ستعمال فئات كثيرة من ال�شباب العربي لعبارات �إنجليزية �أو فرن�سية في ر�سائلهم العربية ،وهي منت�شرة وم��ن مظاهر مزاحمة العامية للف�صحى بينهم انت�شار النار في اله�شيم ،فتجد الر�سالة خليطا عجيبا م��ن ه��ذه وت�ل��ك ،وت��ذ ّك��رن��ا هذه تغلغلها في ر�سائل الجوال ،ووجه الخطورة هنا الحال العربية الم�ستعجمة والمختلطة بقول �أبي -كما تقول �إحدى الباحثات�« -أننا نقلنا اللهجة العامية المحكية من حيّز المنطوق �إل��ى حيّز العالء: المكتوب في ر�سائل الجوال .وال تزال العربية �أي��������ن ام���������ر�ؤ ال���ق���ي�������س وال������ع������ذارى ����ط الف�صحى بخيرٍ م��ا ل��م ننقل لغاتنا العامية �إذ م���������ال م�������ن ت����ح����ت����ه ال����غ����ب����ي ُ من مجال (المحكي = المنطوق) �إل��ى مجال ا���س��ت��ن��ب��ط ال������عُ������رْبُ ف����ي ال���م���وام���ي (المكتوب) ,وهذا ما تفعله ر�سائل الجوال»(.)5
����ط ب�������ع�������دك وا�������س������ت������ع������رب ال����ن����ب����ي ُ
������و�������ض ك������������������أنّ دن���������ي���������اك م��������������ا ُء ح ٍ ������ط �آخ�����������������������������رُه �آجِ �����������������������������نٌ خ������ب������ي ُ وه �ك��ذا ،ال يعتّم ال �ق��ارئ المبحر ف��ي هذه ال�شبكات �أن يجد بقعا �آجنة تختلط فيها �أم�شاج غريبة من اللغات واللهجات والرطانات ،واهلل الم�ستعان. 70اجلوبة � -صيف 1435هـ
طبعا لعل مو�ضوع ه��ذه الر�سائل الن�صية ي�شجّ ع في ه��ذا ال�شيوع ،ففي ر�سائل الجوال بين الأهل والأ�صدقاء ت�سود العامية بال �شك، وبخا�صة في مو�ضوعات البيت والأ�سرة والأمور ّ ال�شخ�صية بين المعارف والأ�صدقاء .وفي الحق �إنّ ر�سائل الجوال في �أ�صلها ذات طبيعة برقية، �أع�ن��ي م��ن ناحية االخت�صار والق�صر ،فتجد
بروح الع�صر لل�سوق ،تخاويني؟ فير ّد هذا:مقدر �أخاويك ،مرتبط ،على فكرة و�ش �سويت ف مو�ضوع ال�شايب؟ (�أي الوالد)!! ذل��ك مثال ب�سيط من �آالف الر�سائل التي ت��دور ف��ي المحيط العائلي ف��ي المملكة ،وفي �سياق م�شابه� ،سجلت الباحثة فاطمة الزعبي بع�ض النماذج من ر�سائل الجوال العائلية في بالد ال�شام في �سوريا ،وذُ كرت منها هذه الأمثلة كما وردت في �سجلها:
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
�شكل �آخر ،بينما �صوت الفاء في الإنجليزية مثال يمكن �أن ي�أتي على عدة رموز ( )f، ph, oughوكذا �صوت الكاف ي�أتي في �صور عدة (،)k. c. ch. ناهيك عن الأح��رف التي تكتب وال تنطق وما �أكثرها! وهي بقايا من النطق القديم للكلمة في القرون ال�سالفة� ،إذ تطوّر نطقُ الكلمة بينما بقي الر�سم على حاله ،وكل هذه الم�شكالت الكتابية في الإنجليزية واللغات الأوروبية تُثبت لنا حقا مدى محافظة القوم على نظامهم الكتابي على علته ،لأن النظام الكتابي-و�إن كان في �أ�صله اّ مجرد تمثيل للغة� -إال �أنه يظل ركنا ركينا في المنظومة الثقافية لأي لغة.
-2مزاحمة العام ّية للف�صحى :وه��ذه م�شكلة عوي�صة تعاني منها العربية في الإعالم ع��ام��ة ،وف��ي و�سائل االت�صال الحديثة ب�شكل خا�ص ،ونحن ابتدا ًء ال نجادل في وجود العامية �إلى جوار الف�صحى؛ لأن من طبيعة كل لغة �أن يكون لها م�ستوى عامي �أو دارج �إلى جوار الم�ستوى (الر�سمي) الف�صيح ،ولكن وجه الإ�شكال هنا �أن الكتابة بالعاميّة في و�سائل التوا�صل الحديثة تكرّ�س من نفوذ العامية وتعزّزه ،وتقلّ�ص نفوذ الف�صحى� .إنّ الو�ضع الطبيعي للعامية �أن يظل �سلطانها ف��ي المجال الكتابي م �ح��دودا دون �سلطان الف�صحى بكثير� ،ألي�ست الف�صحى هي و�سيلة التوا�صل بين كل العرب على اختالف �أوطانهم ولهجاتهم وعامياتهم؟ �إذاً ،فال بد �أن تعلو دائما على كل العاميات.
�أحدهم عندنا �إذا �أراد �أن يقول لأخيه مثال: �س�أذهب بعد الع�صر �إل��ى ال�سوق فهل تذهب معي؟ تجده يكتب بالعامية:
بينما نتخاطب على ال�صعيد الر�سمي باللغة الف�صحى؛ فمن هنا ،يختلف م�ستوى الخطاب ح�سب طبيعة المتلقي .ولنا �أن نت�أمل مثال حال البنت التي تريد من والدها �أال ين�سى �شراء ما تريده ،فكيف �ستكتب يا تُرى؟ هل �ستقول بكل وقار�« :آليتُ عليك يا والدي �إال �أح�ضرت معك ال�ه��دي��ة» ،ب�لا ري��ب �ستتخيل �أن�ه��ا ف��ي م�سل�سل تاريخي هنا� ،أم �أنها �ستكتب مبا�شرة« :باهلل عليك يا بابا التن�س تجيب لي هدية»� .إنّ هذا الطرح لي�س ت�سويغا للأمر وال تهوينا من �ش�أنه، و�إنما في حقيقته و�ضع الأمر في حجمه الطبيعي، و�أن��ه �سيظل محتمال ما دام �أن��ه مح�صور في خطاب البيت والأ�سرة والأ�صدقاء.
� -1أناببيتخاليورحنامهونلأنو�أمخلدونبال�شام�ش -3تراجع الكتابة واخل��ط :وه��ذه �آخر وبدك. م�س�ألة نتوقف عندها في الت�أثيرات ال�سلبية �-2سالمالجامعةبدن�شهادةالتا�سعالأ�صليةو�صور ل�شبكات التوا�صل الحديثة واالعتماد على ثمار التقنية الحديثة� ،إذ �إنّ كثافة ا�ستخدام الأجهزة تينم�صدقات. في الكتابة وفي التوا�صل مع الآخرين قد �سببت -3كيفكعمبتت�صلعليبكون�سايقاوبلمحكمة�شوفيما تراجعا ملحوظا في مهارة الكتابة اليدوية� ،أعني ()6 فيولي�شماعمبتم�سج؟ الخط ،ففي ال�سابق كان المر�سل يكتب ر�سالته هذا وقد يحقّ للغيورين �إب��داء تخوفهم من �أو خطابه باليد ،وكذلك يكتب الطالب واجباته �شيوع العامية في ر�سائل الجوال كما تتخوّف هذه وبحوثه باليد� .أما الآن فال ت�سل عن الو�ضع الذي الباحثة ،لكنّ بع�ض ال�شر �أه��ون من بع�ض كما و�صلنا �إليه؛ �إذ ك ّل �شيء يتمّ عبر لوحة المفاتيح، يقال ،فلع ّل الأمر يكون محتمال مادام لم يبرح ف�أ�صبحت لوحة المفاتيح هي القلم بعد �أن َك ّل مجاله في �سياق البيت والأ��س��رة والأ�صدقاء ،القلم ون�ضب معينه من قلة اال�ستخدام ،وهذه فنحن� -إال من رحم ربك -نتكلم في بيتنا ومع ال �ح��ال �أن�ت�ج��ت ل�ن��ا ج�ي�لا تتعجب م��ن رداءة �أ�صدقائنا بالعامية ،وم��ا ر�سائل ال�ج��وال في خطوطهم وكتاباتهم ،في�أتيك الطالب ليدخل حقيقتها �إال نقال لر�سالة منطوقة بالعامية ،الجامعة ..فتنظر ف���إذا هو يكتب في خ ٍّ��ط قد �ألي�س من الطبيعي� ،إذاً� ،أن تنقل الر�سالة على اعْ �ت��ورت��ه ال�م�ح��ن وال �خ �ط��وب م��ن االل��ت��واءات هيئتها ح�سب الم�ستوى اللغوي الذي �صيغت فيه؟ والتعرّجات ،فال تدري �أهو طالب في الجامعة �أم �إننا نتخاطب في محيطنا ال�شخ�صي بالعامية� ،أنه لم يبرح الإعدادية بعد؟! �إنّه لخطب جلل من اجلوبة � -صيف 1435هـ 71
م����اذاج����ن����ي����تَ ع���ل���ي���ه���م�،أّي���ه���اال���ق���ل��� ُم
و�إذا ن����ط����ق����تُ ف�����إن����ن����ي ال������ج������وزا ُء
تلك هي الف�صحى ،و�ستبقى هذه الف�صحى واهلل م��ا ف��ي��ك �إ ّال ال�� ّن�����ص�� ُح وال��حِ ��ك�� ُم �سيدة الم�شهد اللغوي العربي ما بقي هناك �إ ّن����ي َل��ي��ح��زن��ن��ي �أن ي�����س��ج��ن��وك وه��م عربي ،وهي �ستبقى ما بقي القر�آن ،قال تعالى: لوالك في الأر�ض لم تثبت لهم قد ُم (�إنّا نحن نزلنا الذِّ كر و�إنّا له لحافظون) �صدق خُ ��ل��ق��تَ ح���� ّراً ك��م��وج ال��ب��ح��ر مندفعاً اهلل العظيم.
فما القيو ُد وم��ا الأ���ص��ف��ا ُد واللُجمُ؟
وختاما ،ن�س�أل اهلل �أن يلهمنا العون وال�سداد قف�ص �إن يحب�سوا الطائرَالمحكيَّ في ٍ ف��ي الحفاظ على ه��ذه العربية ،لغة ال�ق��ر�آن، نف�س فلي�س يُحب�س منه ال�صوتُ والنّغ ُم تلك اللغة العزيزة التي «�سكنت في كل ٍ تلك ه��ي �أه ��م المع�ضالت ال�ت��ي ت�ن��وء بها وتم�شت في دماها» ،كما كنا نردد حبها منذ �أيام العربية الف�صحى اليوم في ف�ضاء الإنترنت ،المدر�سة ،ويا لها من �أيام! ( )1موقع العربية نت الإخباري: ( )2الإح�صاءات مقتب�سة من :عبداهلل خلف الع�ساف ،ال�صلة بالكتاب ودعوة للقراءة� ،ص � ،13أبحاث الم�ؤتمر الدولي الثاني للغة العربية ،دبي – مايو ،alarabiyah.org ،2013 (� )3صحيفة االقت�صادية ،عدد الثالثاء 24ذو الحجة 1434هـ« :.العربيزي» ..تهدد «العربية» في �شبكات التوا�صل ( )4كمال ب�شر ،اللغة العربية بين الوهم و�سوء الفهم ،دار غريب ،القاهرة1999 ،م� ،ص 215 ( )5فاطمة الزعبي� ،أثراللهجات العامية ولغة الجوال على الف�صحى والعامية� ،ص � ،8أبحاث الم�ؤتمر الدولي الثاني للغة العربية ،دبي -مايو 3013م.alarabiah.org ، ( )6المرجع الآنف. .http://www.alarabiya.net/ar/technology/2013/08/20/70
72اجلوبة � -صيف 1435هـ
ُ الطـفـــل لـغـــــة ِ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الناحية التعليمية ،لأن طبيعة الخط تعك�س في العادة الم�ستوى التعليمي للطالب ،وما �أُتينا من هذه الناحية �إال ب�سبب قلة الكتابة وعدم تركيز المعلمين على كتابة طالبهم ،واالكتفاء بتقديم واجباتهم وبحوثهم مطبوعة بالحا�سوب .من �أجل ذلك علينا �أن نعيد دولة القلم ،و ُنرْجعه �إلى عر�ش الكتابة ،و�أال ننتظر حتى يُ�سحب الب�ساط م��ن تحته بالكلية ،ولعل الن�صاب الأك�ب��ر من هذا العبء يقع على الم�ؤ�س�سات التعليمية من مدار�س ومعاهد وجامعات ،لقد �أ�صبح القلم حقا ي�شكو ويج�أر لمّا �أزحناه عن �سدة الكتابة، وك�أني بال�شاعر �أبي ما�ضي ينظر �إلى حال القلم �أن���ا ���ص��خ��رة ال����وادي �إذا م��ا زوح��م��تْ الحبي�س في يوم النا�س هذا ،عندما قال:
ذلك الف�ضاء الذي تهيمن عليه �شبكات الدرد�شة والتوا�صل االجتماعي ،وت�ستحوذ على جمهوره الر�سائل الفورية من المغردين والمغردات، ولكن -رغم ذلك -ليطمئن القراء ،فما تزال العربية بخير والحمد هلل ،وم��ا ت��زال دولتها قائم ًة قوي ًة في الإع�لام العربي ،والم�ؤ�س�سات الحكومية ،والنظام التعليمي ،وهي ما�ضي ٌة �إن �شاء اهلل في علوّها على الرغم مما يزاحمها من لغات ومن عاميات ومن لهجات؛ �إنها ح ّق ًا �صخرة الوادي التي تثبت �أمام التيار المتالطم من حولها� ،ألم يقل المتنبي ذات مرة:
بين البيت والمدر�سة ■ مر�سي طاهر �أبوعوف -اجلوف
اهتم العلماء العرب والغربيون قديماً باكت�ساب اللغة وتوليدها عند الطفل بوجه عام ،وكان لعلماء العربية �إ�شعاعات نيّرة على الفكر اللغوي ،حتى ال نبالغ �إذا قلنا �إن القدماء �أتوا بكل �شئ، و�إن في تراثهم ما يغنينا عن الإط�لاع على الثقافات اللغوية المعا�صرة ،وع��رف عن اللغويين الأوائ��ل �أمثال الخليل بن �أحمد �إلمامهم بعلم المنطق والريا�ضيات ،ما �أ�ضفى على منهجيتهم في تناول المو�ضوع دق��ة ومو�ضوعية ،و�صو ًال �إل��ى الم�شاركة في ت�أ�سي�س علم قائم بذاته �سمي «علم اللغة» م�شتم ًال على العديد من الدرا�سات والنظريات التي تناولها علماء قدامى ومحدثون عرب وغربيون ،وكانت من بين �أهم النظريات ق�ضية اكت�ساب اللغة عند الأطفال؛ فظهرت نظرية ت�شوم�سكي �أو ما يطلق عليها «النظرية الفطرية» �أو «تحليل المعلومات» ،والتي تنظر للغة على �أنها عبارة عن ملكة �أو مهارة مفتوحة النهايات ،وهذه النظرية تقوم على ثالثة �أ�س�س رئي�سة: وتمييزه من بين �سائر الأنظمة اللغوية� ,أو ما الأ�سا�س الأول �إن كل طفل في هذا العالم ي�ستطيع بما حباه يطلق عليه اللغة الكلية. اهلل م��ن ق��درة فطرية �أن ي�ك�وِّن مجموعة من الأ�سا�س الثالث االفترا�ضات متزايدة في التعقيد ،كما �أن لديه يتمثل ف��ي �أن ك��ل ط�ف��ل ي�ستطيع ب�صورة جهاز ًا عقليًّا خا�ص ًا يميز بالفطرة الأمور العامة التي تحكم �أنظمة اللغات� ,أي �أن��ه يتمكن من طبيعية �أن يميز بين بنيتين مختلفين للغة معرفة ما هو داخل في لغته ,وما هو خارج عنها .هما« :البنية العميقة» Deep Structureو«البنية ال�سطحية» ،Surface Structureكما �أن��ه يلمّ الأ�سا�س الثاني بالقواعد التي تحوّل البنية العميقة المخزونة يقت�صر ع�م��ل ال�ط�ف��ل ف��ي م��راح��ل توليده ذهني ًا �إل��ى تج�سيد �أدن��ى� ،أي تركيب �سطحي المبكرة للغة على تحديد الإط��ار العام للغته « .»Performanceوهذا ي�ساعد الطفل على تكوين اجلوبة � -صيف 1435هـ 73
74اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
فر�ضيات عقلية� ,أو ذهنية ،ي�ستخل�صها من �أوالً :ي�سمع الطفل مجموعة متجددة من تراكيب الكالم الذي ي�سمعه ,وال��ذي يت�ألف«عادة» من اللغة. خليط غير مفهوم من الأ�صوات ,ويبد�أ بتعديل ثانياً :يحاول �أن يتكلم على نحو �إبداعي. هذه الفر�ضيات تدريجيا. ثالثاً :يمار�س هذا التكلم. وقد ا�ستفاد ت�شوم�سكي من �أفكار فال�سفة القرنين ال�سابع ع�شر وال�ث��ام��ن ع�شر �أم�ث��ال رابعاً :تتكرر عملية الممار�سة والتكرار ،في�ؤدي ذل��ك بالتالي �إل��ى ملكة اكت�ساب اللغة «ديكارت» الذي ر�أى �أن للإن�سان قدرات فريدة ال وتوليد �أنماطها المختلفة. يمكن تف�سيرها ،و�أظهر هذه القدرات و�أعظمها في نظره هي اللغة الإن�سانية التي ال تحدها وهكذا ،يت�ضح لنا كيفية مقدرة الطفل على �أي ارتباطات �أو قوالب تعبيرية ثابتة ,نتيجة توليد لغة بيئته التي يترعرع فيها باال�سـتناد لم�ؤثرات خارجية �أو حاالت ف�سيولوجية؛ ومن �إلى مقدراته الفطريـة ،و�أن ابن خلدون قد مهّد ثم فهي �صورة للعقل الب�شري بو�صفه �أداة عامة الطريق �أم��ام المفاهـيم اللغوية التي �أكدتها �صالحة لكي تالئم كل الحوادث واالحتماالت ،الدرا�سات اللغويـة النف�سية الحديثة. وم��ن ث��م �أ� �ض��اف ت�شوم�سكي على نظريته ما وعلى الرغم من ذلك �أثبتت الأبحاث العلمية �أ�سماه بــ«نظرية الإبداع واالبتكار». �أن الأ��س��رة هي المكان الأم�ث��ل لتربية الطفل وعلى جانب الفكر اللغوي العربي في هذا وتكوينه لغوياً ،ففي �أح�ضان البيت ..يكت�سب ال�سياق يرى كثير من اللغويين المحدثين �أن الطفل �أولى خبراته ال�صوتية من خالل البكاء علماء العربية القدامى قد �ألمحوا لكثير من وال�صراخ والمناغاة ،فالطفل يبد�أ بالمحاكاة الم�سائل اللغوية التي ا�شتملتها �آراء ت�شوم�سكي ،ثم بالتكلم ،ثم بعد ذل��ك ي�ستطيع فهم معنى فيما يخ�ص توليد اللغة؛ وبخا�صة فيما يتعلق بع�ض الكلمات ،ثم بعد ذل��ك ي�ستطيع و�صف بالتمييز بين البنيتين العميقة وال�سطحية من الأ�شياء ،وت�صنيفها بح�سب اللون ،وا�ستعمال ناحية ،والفرق بين القدرة والآراء من ناحية بع�ض الكلمات مثل ناعم ،وخ�شن ،وينطق ن�سبة �أخ��رى؛ فنجد اب��ن خلدون في مقدمته يقول :كبيرة من كلماته نطق ًا �صحيحاً؛ ويدرك مفهوم «ي�سمع ال�صبي ا�ستعمال المفردات في معانيها المكان بدقة ،فيعرف القريب والبعيد فيقول: فيُل َّقنُها �أوالً ،ثم ي�سمع التراكيب بعدها فيل ّقنُها هنا ،هناك ،هذه ،قريب ،بعيد ،ويدرك مفهوم كذلك ,ثم ال ي��زال �سماعُ هُم لذلك يتجدد في ال��زم��ن ،وق��د تقترن معرفة وق��ت النهار لديه كل لحظ ٍة وم��ن كل متكلمٍ ،وا�ستعمالُه يتكرر بطعام الإفطار ،ومعرفة وقت الليل بالنوم� ،أما �إلى �أن ي�صير ذلك ملك ًة و�صفة را�سخةً ,ويكون خياله فيت�صف بالغزارة والمبالغة واالبتكار ك�أحدهم ،هكذا ت�صيَّرت الأل�سُ ـنُ واللغات من وعدم التقيّد بالواقع المح�سو�س؛ ومن ثَمَّ ف�إن جيل �إلى جيل ،وتعلَّمها العَجَ مُ والأطفال». ا�ستعمال المحادثة في الحياة العامة �أو حكاية ويمكن تلخي�ص عملية اكت�ساب وتوليد الطفل الق�ص�ص بكافة �أنواعها ،والإك �ث��ار من تالوة للغة عند ابن خلدون على النحو الآتي: القر�آن الكريم ،و�سماع الأنا�شيد وتكرارها كل
ذلك له دور فعال في اكت�ساب الطفل للغة في المواقف الحياتية المختلفة. كما �أن هناك �إجماعا على اعتبار الأم المعلمة الأولى للغة الطفل� ،سواء من ناحية الزمن �أو من ناحية الأهمية؛ فبع�ضهم يرجع مرحلة اكت�ساب اللغة عند الطفل �إلى المرحلة الجنينية ،حينما يتفاعل مع لغة الأم ومع نغمات �صوتها؛ فالطفل قبل �أن يكون مر�سل لغة ..فهو متلقي لغة ،فالأم �سرعان ما تدخل في حوار مع مولودها الجديد، ذلك الحوار من نوع خا�ص ينتقل بعد ذلك �إلى حوار بالحركات مع الكالم ،فالأم تراقب �سلوك طفلها للت�أكد من ع��دم وج��ود ق�صور في �أحد الأجهزة ،ومنها الأجهزة الم�سئولة عن اللغة.. وهي �أجهزة ال�صوت وال�سمع؛ ومن هنا ،تحوز الأم ق�صب ال�سبق في التربية اللغوية للطفل، ولكنها ال تحتكر ه��ذا ال ��دور� ..إذ �سرعان ما ين�ضم �إليها الأب ،والأج��داد ،و�أق��ارب �آخرون، والمجتمع المحيط. وع �ل��ى ال�ع�ك����س م��ن ذل���ك ،ف�ف��ي ك�ث�ي��ر من
الأح �ي��ان ،نجد الأط�ف��ال الر�ضع الذين تربّوا ف��ي دور الح�ضانة عندما ي�ن��اغ��ون ،ن ��ادر ًا ما ي�ضحكون ،ولهم وج��ه غير معبّر تقريباً؛ لأن ال�ع�لاق��ات الأول� ��ى بين �أ��ش�ك��ال اللغة ل��م تلق ت�شجيع ًا من قبل المربي �أو مَ ن يقوم بدور الأم، كما ن�لاح��ظ ت�ك�وّن اللغة ل��دى الطفل م��ن فم العامالت الأجنبيات ،والتي تعطيه اللغة م�شوّهة وفقيرة وناق�صة ،ما ي�ؤثر �سلب ًا على نموه اللغوي. ومن هنا ،يبرز دور الوالدين في تلقين الطفل وتعليمه والتكلم �إل�ي��ه ،كما �أن وج��ود �أطفال �آخرين مع الطفل في الأ�سرة ي�سهل نمو �سلوكه اللغوي ،كذلك فالوالدان والأجداد وغيرهم من الأ�شخا�ص يعلّمون الطفل اللغة بكفاءة �أكثر من التليفزيون ..ال��ذي ي�ساء ا�ستخدامه الآن في كثير من البيوت ،ف�أحداثه و�صوره تكون �أ�سرع م��ن ال�ل�ازم؛ ف�لا ي�ستطيع ال�صغير متابعتها وفهمها ،وكذلك عدم ترابط برامجه ..ف�أ�صبح من ال�سهل جد ًا االنتقال من قناة لأخرى .كما يالحظ �أن البرامج التليفزيونية تفر�ض ات�صا ًال اجلوبة � -صيف 1435هـ 75
من جانب واحد �إلى حد �أن عدد ًا من الحاالت بين �أطفال �شمالي �أمريكا –كما يعلق بع�ض الخبراء -ولكونهم متروكين تمام ًا للتليفزيون -ب�إمكان �أف��راد العائلة �أن ي�ساعدوا وينمّوا كمرب لهم ،يفهمون الإنجليزية تماماً ،ولكنهم ملكات الطفل اللفظية بت�شجيعه على تقليد ال ي�ستطيعون التحدث بها ،وقد يكون من المفيد �أ��ص��وات الحيوانات المعروفة لديه ،وعلى في �سن الخم�س �أو ال�ست �سنوات م�شاهدة بع�ض �إ��ص��دار الأ��ص��وات الم�ألوفة عنده ،وكذلك البرامج التليفزيونية الق�صيرة المخ�ص�صة م�ساعدته على التعبير عن الأ�شياء الرئي�سة للأطفال ،ب�شرط �أن يقوم الكبار بال�شرح الدقيق التي يالحظها ،وذل��ك عن طريق الكلمة.. والتعليق عليها �أثناء العر�ض �أو بعده. مثل التعبير عن �سقوط �شيء بكلمة(بم)، وكالتعبير عن �ضرب الأ�شياء باليد �أو بالع�صا �أ�س�س التربية اللغوية وو�سائلها داخل الأ�سرة �أو نحو ذلك بكلمة (بم بم) ،وللتعبير عن من ال�ضروري �أن تتكلم الأم با�ستمرار وبودالجهد المبذول للنهو�ض(�أوبا) ،ومن المهم ولطف مع �صغيرها ،وي��ا حبذا لو �أ�سمعته كذلك والماتع �أي�ض ًا التعليق اللفظي الذي بالطريقة المالئمة وف��ي الوقت المنا�سب يقوم به الوالدان وبقية �أف��راد العائلة حول �أ�صوات ًا مختلفة ،ومن الأف�ضل �أن ت�صحب الخبرات التي يكت�سبها الطفل ،ب��أن يكون ذلك بابت�سامة ونظرة تجذب انتباه الطفل، م�شاهد ًا لها ،ويكون طرف ًا فيها« :ال�شربة ومن الأف�ضل كذلك �أن تقود الأم �صغيرها ج��اه��زة الآن»�« ،أم�سك �أن�ف��ك بالمنديل»، ع��ن ط��ري��ق الكلمة �إل ��ى �إدراك ال��ظ��واه��ر «خذ العرو�سة اللعبة»« ،الب�س حذاءك لأننا ال�سمعية وال�صوتية المختلفة والتمييز بينها. �سنخرج» .وب�سماع الطفل لترجمة الألفاظ وال نغفل هنا دور ال�لُّ� َع��ب ال�ت��ي لها �صوتوال�م�ف��ردات اللغوية للأ�شياء التي يعي�ش �إيقاعي ،والأ�صوات والنغمات المتباينة في بينها ..ف�إنه يكت�شف بهذا ال�شكل العالقة �أغاني الأطفال ،و�أدوات الطعام ،والعبارات ال�م��وج��ودة بين الكلمة والحقيقة ،ويتعلم ذات النبرة المختلفة ،في زيادة قدرة الطفل كيف يميز بين الأ�شياء المختلفة والتمييز ال�سمعية ،بل �إن الطفل الأ�صم في ال�شهور بين دالالت الكلمات على �أ�سا�س نغمتها، الأولى من حياته ي�سلي نف�سه ب�إ�صدار �أ�صوات ويتم ت�شجيع الطفل ودفعه �إلى تمييز �أجزاء غير محددة ،ولكنه �شيئ ًا ف�شيئ ًا يتخلّى عن ج�سمه وم�لاب���س��ه ،وك��ذل��ك ال�ت�ع��رف على ذل��ك لأن��ه يفتقد ال�ح��اف��ز ال��ذي يكمن في محتويات المنزل ،ويو�ضح هذا الكالم �أحد �إدراك��ه المبا�شر للأ�صوات التي ي�صدرها، الخبراء في هذا المجال بقوله :تكلموا مع وكذلك ال يلقى ت�شجيع ًا بالكالم ممن هم �أطفالكم ب�صوت مرتفع ع��ن ك��ل الأ�شياء مثله؛ وعلى العك�س تماماً ،ف�إن الطفل ي�ستمتع التي ترونها �أو تفعلونها ،علموهم �أن كل ب�سماع نف�سه و�سماع الكبار الذين يقلدون ن�شاط وكل �شيء له م�سمى ،و�إذا حاولتم �أن مناغاته وي�شجعونه على الكالم ،ومن ثم فهو تكلموهم بتمهل وو�ضوح ف��إن الفائدة التي يم�ضي في المناغاة محاو ًال �أن يقلّد الأ�صوات يح�صل عليها الطفل �ستكون �أكثر نفعاً ،وها 76اجلوبة � -صيف 1435هـ
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
الب�سيطة وبع�ض المقاطع ،وك��ذل��ك بع�ض الأ�صوات ال�صادرة عن البيئة حوله0
هو مثال يبين �أن ال�شيء الذي تفعلونه كل يوم يمكن �أن يكون فر�صة جيدة لمخاطبة الطفل و�إثراء لغته؛ فمث ًال عند �إعادة ترتيب حجرة م��ا ،ا��ش��رح��وا ل��ه ب��و��ض��وح ك��ل م��ا تفعلونه، وت�أكدوا �أن الطفل يهتم بما تقولون ..ف�إذا ما تحدثتم �إلى الطفل ،ف�إنه �سيهتم -بال �شك- بكم وبكلماتكم ،ف ��رددوا ع �ب��ارات كهذه: (انظر يا �صغيري� ،إنني �أ�ضع قطعة الخ�شب ف��ي ال �� �ص �ن��دوق) ،و�إذا رغ��ب ال�ط�ف��ل في ظ��روف مواتية للحوار ،يكون من الأف�ضل م�ساعدتكم في العمل يكون �أف�ضل ،وفي هذه اللجوء �إلى ال�صور والر�سومات؛ ف�إن ال�صور الحالة يمكنكم �أن تكلموه عما يفعله بمثل تخلق في الطفل وتوقظ فيه خبراته المبا�شرة قولنا له�( :أنت الآن تجمع الكتب) ،و�سيجد وتو�سّ ع �أفقه؛ كما �أنها توقظ في الطفل ملكة الطفل �سعادة في ذلك ،و�سيبد�أ في التجاوب التعليق على الأ�شياء ،وت�ساعده على القراءة، والتعليق ،فيحاول �أن ي�صف الموقف بعبارات وين�صح ب�أن تكون و�سيلة الحكاية في فترة موجزة خالية من �أدوات التعريف وحروف الطفولة الثانية ،ونظر ًا لأن الحكاية تتطلب الجر ،ومن المنا�سب هنا �أن يكرر الوالد �أو ا�ستعداد ًا وق��درة ل��دى الكبار ،ع�لاوة على فرد العائلة العبارة مع �إكمالها �أو ت�صحيحها، المهارة الروائية في الإلقاء� ،أ�صبح االتجاه فمثال عندما ينطق الطفل الكلمات ب�صورة القوي اليوم هو اللجوء �إل��ى اال�سطوانات خاطئة مثل(مك�سول) بد ًال من (مك�سور)، والكتب الم�صورة الم�صاحبة لها. �أو (�أ�شلب) بد ًال من(�أ�شرب) ،عندئذ من ال���ض��روري �أن ي�ب��ادر الكبار بالت�صحيح - ،ك��ل ه ��ذه ال��و� �س��ائ��ل ��ص��ال�ح��ة م��ن الناحية وغالب ًا ما يكون الت�صويب وت�صحيح الكلمة التربوية� ،شريطة �أال تكون بدي ًال عن الكلمة م�ؤدي ًا بالطفل �إلى تعديل وتح�سين لغته. وال �ح��وار م��ع الطفل داخ��ل الأ� �س��رة ،والتي تهدف �إل��ى تنمية لغة الطفل .وهنا يت�ضح �إن �أغ��ان��ي الأط �ف��ال التقليدية والأنا�شيددور الأج ��داد ف��ي حياة الأط �ف��ال؛ �إذ �أنهم الق�صيرة والأغاني التي ي�صحبها لحن ،ال محدثون بارعون ،يتميزون بالخبرة والإلمام ت�ساعد فقط على تقوية حبه للكلمة المنغّمة، باللغة(العامية والف�صحى). ولكن ت�ساعد كذلك وب�صورة تدريجية على ت�صحيح عيوب النطق عنده ،وعلى تخفيف -يمثل اال�ستماع �إلى القر�آن الكريم وتالوته حدّة ظاهرة التلعثم لديه. من �أهم الو�سائل التي تنمّي الطفل لغوياً، ويمثل الحر�ص من جانب الوالدين على ذلك م �� �س��اع��دة ال �ط �ف��ل ع �ل��ى ت�م�ي�ي��ز الأ� �ش �ي��اءالقدوة التي يتمثل بها الطفل ،ويحاول �أن والم�سميات وزي��ادة ثروته اللغوية وت�سهيل ا�ستخدامه للألفاظ ب�صورة مالئمة ،ولخلق يقلّدها ويكت�سب ما تقوم به.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 77
�إذا كانت الأ� �س��رة تحتفظ بال�صدارة فيمجال تربية الطفل اللغوية ،ف�إنه يتعين على مدر�سّ ة الرو�ضة �أن تجعل من نف�سها امتدادا طبيعي ًا لدور الأ�سرة ،ومن الأف�ضل �أن يكون ما ي�سمعه الطفل ويتكلمه في الرو�ضة مرتبط ًا -دور المعلم �أو المعلمة محوري في تطوير ب�ألعابه الفردية �أو الجماعية ،والأن�شطة التي القدرات اللغوية لدى كل تلميذ ..من خالل ي��ؤدي�ه��ا ،وك��ذل��ك بحياته العملية ..ليكون بناء عالقة ثقة واحترام عن طريق الحوار هناك مماثلة بين ما كان عليه في �أ�سرته وما وال�م�ح��ادث��ة ال�ت��ي ت��راع��ي ال �ف��روق الفردية هو عليه في الرو�ضة. للطالب ،و�إث��راء مفرداتهم اللغوية وتكوين ينبغي �أن يُنظر بحب وود �إلى طريقة كالمجمل وع �ب��ارات بطريقة �صحيحة تراعي الطفل ،وتحترم طريقته للتعبير و�إن كانت تطبيق قواعد ال�صرف ،وكذلك ا�ستثمار م�ضحكة وبدائية؛ كذلك ينبغي النزول �إلى ك��اف��ة الأن �� �ش �ط��ة التعليمية والم�سرحية م�ستوى اهتماماته ال�شخ�صية ،وو�ضع تفاوت والإذاعية في تكوين بنية لغوية �سليمة. نموه اللغوي مو�ضع االعتبار. بعد ه��ذا العر�ض ،يت�ضح لنا �أن القدرات تتيح المدر�سة مجا ًال وا�سع ًا من الخبراتالمتنوّعة والمتعددة للطفل ،فت�ضع بين يديه اللغوية واكت�سابها ه��ي ف��ي الأ��س��ا���س ق��درات �صور ًا من الن�شاطات التي تغر�س فيه الحافز فطرية ،و�ضعها اهلل �سبحانه وتعالى في الطفل، االجتماعي ،كما تعطيه جرعة ثقافية عن ومرتبطة بحا�سة ال�سمع لديه ،وتتطور معه وفق طريق المناظر الم�صورة ،عالوة على ذلك مجموعة من المتغيرات والبيئة المحيطة به، تقدم و�سائل تعليمية فعّالة ت�ساعد على وبخا�صة البيت والمدر�سة؛ كما ال يمكن �أن نُغفل ن�ضجهم اللغوي. دور الآب��اء والأم �ه��ات في تقويم �أداء �أبنائهم ت��واف��ر ت�ن�وّع وزي ��ادة ال�خ�ب��رات وال�ك�ف��اءات و�صقل مقدرتهم اللغوية؛ ي�ساعدهم على ذلكالتعليمية ،وك��ذل��ك ال��و� �س��ائ��ل التعليمية تعاون مثمر بينهم وبين المعلمين في ا�ستكمال المتطورة واال�ستخدام المنظم والمدرو�س وب��ن��اء المنظومة اللغوية ال�صحيحة للطفل، للطرق التعليمية المالئمة لتربية لغوية كما �أن على وزارات التربية والتعليم والإعالم �سليمة. وال�صحة والخدمة االجتماعية العمل �سوي ًا على ت �ب��ادل ال�خ�ب��رات والأف��ك��ار النافعة للنمو و�ضع برامج للطفل العربي ،تظهر قدرته علىالذهني من خالل المحادثة مع المعلمين اكت�ساب اللغة والتعلم كم ًا وكيفاً ،مع الأخ��ذ و�أقرانهم ،والتي تعمل على �إث��راء قامو�س في االعتبار ن�سب الذكاء عند الأطفال والواقع الطفل اللغوي ،وت�ضع بين يديه نماذج لغوية الثقافي والح�ضاري في الوطن العربي. 78اجلوبة � -صيف 1435هـ
مع ّلمون را�سخون في الذاكرة
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
�أ�س�س التربية اللغوية وو�سائلها في المدر�سة
من �ش�أنها �أن تعجّ ل ن�ضجه حرفي ًا وداللياً، كما �أنها تعمل على نمو الطفل االجتماعي، �إذ تُطلعه على لذة الحياة داخ��ل الجماعة وتدربه على انتظار دوره في الحديث ب�أدب و�صبر.
■ عبداهلل ال�سفر -ال�سعودية
للمع ّل ِم دو ٌر كبير في تحبيب اللغة العربية عند طالبه ،وقبل هذا الدور يُتو ّق ُع من ُه �أن يكون متمكّناً من لغ ِت ِه ومن طرق التو�صيل المالئمة للمرحلة العمريّة والدرا�سيّة. جميعنا م�� َّر عليه� ،أثناء �سنوات الدرا�سة في مراحلها المتعدّدة ،ح�ش ٌد من معلّمي اللغة العربية الذين يتفاوتون في الم�ستوى والأداء والت�أثير ،وذلك تبعاً لما ينطوون عليه من مقدرة علمية وكيفيّة خا�صة قادرة على ن�سج العالقة مع الطالب؛ ت�ؤ�سّ �س للتلقي المنا�سب ،بعيداً عن النفور من المعلّم ومادّته. ..ولح�سن حظي ،فقد تي�سّ َر لي عبر محطّ ات أحفظ لهم الدرا�سة معلّمون �أكفاء ما �أزال � ُ جميلهم بكثيرٍ من ال�شكر والعرفان والتقدير. ما �أذك �رُه جيّداً ،وما لن �أن�ساه لي�س المقرّر الدرا�سي المعلوم والمطلوب تدري�سه لنا ،لكن تلك الإ�ضافات واال�ستطاالت وال�شوارد النحوية والق�ص�صية وال�شعرية التي ت�سري بالن�سبة لي م�سرَى اللذة ،قبل �أن تكون تح�صي ًال �أ�شمل ونوافذَ �أو�س َع م�شرع ًة على «لغتنا الجميلة». وكم هي الإ�شارات التي بثّوها عن �أعالم اللغة العربية وكتبهم؛ فكانت مر�شد ًا وفنار ًا وملج�أً ال غنى عنه في م�سيرتي المهنيّة والأدبيّة. ف��ي المرحلة االبتدائية بمدر�سة الج�شة
بالأح�ساء ،وفي ال�صفين الخام�س وال�ساد�س، ك��ان مدر�سّ نا الأردن� ��ي الفل�سطيني «�سالم الزعاترة» الذي تعوّدنا منه في م�ستهلِّ العام ح�صة� ،أ�سمّيها الآن يخ�ص�ص ّ الدرا�سي �أن ّ ب�ع��د ال�ع�م��ر وال�ت�ج��رب��ة ،تحفيزيّة ت�ستدعي بنظرة �شاملة ال�سنة ال�سابقة تختبرنا وت�ؤكّد معلوماتنا وتعمل على تثبيتها ،ومعها كان در�سه الأثير عن الرجولة في الحياة وعن الم�ستقبل وع��ن االهتمام ال��ذي ينبغي �أن نوليه للمواد الدرا�سيّة ،وبخا�صة اللغة العربية التي لن تكون مقررا ونم�ضي عنه مثل �سائر المواد الأخرى، لكنها ح�صيلة م��ن التراكم يلزم تر�سيخها لأننا نحتاجُ ها ،وما �سوف ي�أتي من مقررات اجلوبة � -صيف 1435هـ 79
في المرحلة المتو�سطة� ،أوائل ال�سبعينيات ال �ت��ي � �ش �ه��دت ع� ��ودة ال �ع�لاق��ات الم�صرية ال�سعودية بعد وفاة جمال عبدالنا�صر وت�سلّم �أنور ال�سادات �سدّة الرئا�سة في ذلك العقد، انهم َر المعلمون الم�صريون على حقل التعليم �شخ�ص ٍ ب�إ�سهامٍ ال يُن�سَ ى ،ويختلف تقديره من �إل��ى �آخ��ر ،وم��ن ه ��ؤالء معلّمي «�شهدي» الذي ف��ات على ال��ذاك��رة االحتفاظ با�سم عائلته، غير �أنّها يانعة وتندى بجميل ف�ضلِه؛ معلّم ًا للغة العربية في ال�صفين الثاني والثالث متو�سط 80اجلوبة � -صيف 1435هـ
في المرحلة الثانوية وما بعدها من التعليم الجامعي ،م َّر �أكثر من معلّم للغة العربية مثل الأ�ستاذ �أحمد عبدالغفار (�أ�صبح دكتور ًا فيما بعد) في المرحلة الثانوية بمدر�سة الملك خالد بمدينة الهفوف؛ حا�ضرة الإح�ساء.. والدكتور محمدين محمدين بالكلية المتو�سطة في الدمام� ،أذك ُر هذين المعلمَين بتقديرٍ بالغ، رغم �أنّ �أثر القدوة لي�س بحا ِل ِه الذي كان عليه في مرحلتَيْ الإبتدائية والمتو�سطة؛ �أ�ستعيدُ هما لما كانا عليه من م�ستوى علميّ باهر ،ودقّة بالغة ،ومهار ٍة عالية في ا�ستظهار المرويّات اللغوية وال�شواهد المتناثرة في بطون الكتب؛
المعلّق الريا�ضي الفل�سطيني �أك��رم �صالح (1986 - 1929م) ال��ذي تعلّقتُ ب�سماعه و�شريكه في التعليق مو�سى ب�شوتي ،لكنّ لأكرم نبر ًة ومذاق ًا يجعلني ملت�صق ًا بالمذياع� ،أتابع �أن���ص��اف الأ���ش��واط �أو �أرب��اع��ه��ا (المقطوعة بالن�شرات الإخبارية من �إذاعة البي بي �سي) ومنتبه ًا لأدائه ال�سل�س والمتدفّق باللغة العربية الف�صحى ،والمطعّمة بين �آون ٍة و�أخرى بعاميّة فل�سطينية يل ُّذ وقعُها في الأذن .ومما �أدي��ن به لهذا الراحل الكبير �أنّي عرفت من خالله �أ�سلوب التعجّ ب ال��ذي وقتَها ل��م �أتعلّمه في المدر�سة بعد.
م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد
اللغة في المراحل القادمة ينبني عليها .كان الأ�ستاذ «�سالم الزعاترة» من ط��راز معلّمي تلك الفترة التي تق ُع في �أواخ��ر ال�ستينيات و�أوائل ال�سبعينيات من القرن الما�ضي؛ مُ �شرَب ًا بالجديّة وال�صرامة ،لئال �أق��ول الق�سوة .ال يتهاون في در�سه وال ي�ؤجّ ل العقاب بمرارته، وفي الوقت نف�سه ال يبخل بالت�شجيع «�صفقوا له يا �أوالد»« ..ع�ف��ارم» ..و�سواها من كلمات الت�شجيع �أو التربيت على الكتف بقوّة!! عندما ي�ستح�سن الإجابة �أو �إنجاز الواجب ب�صورة �صحيحة و«نظيفة» .من �صور الت�شجيع التي تظ ّل محفورة في الذاكرة �أنّ��ه كان ي�ستدعي طالب ًا متميّز ًا من ال�صف الخام�س �إلى ال�صف ال�ساد�س ليح ّل م�س�ألة تعثّر فيها طالب ذلك الف�صل ،وغالب ًا م��ا تكون ف��ي الإع���راب� .أيّ �أجنح ٍة ي�سّ رها لنا «�سالم ال��زع��ات��رة» �أردّد ا�س َم ُه الآن ب�إعزازٍ ال حدَّ له .فقد كان الأول الذي �أوقفني على النبع ،وز ّي��نَ لي االغتراف منه بمح ّب ٍة وثقة.
بمدر�سة الجفر بالأح�ساء الذي اكت�شفنا معه �أن م��ادّة التعبير لي�ست نافلة ولي�ست خفيفة في ميزان التقدير .فقد كان في هذه المادة �شديد الحر�ص على �سالمة اللغة ،وي�ست ّل من ال��در���س المكتوب في الدفتر بع�ض القواعد التي در�سناها ،ويعلّمنا طريقة اال�ستعمال ال�صحيحة في �أداءٍ مذهل ..مذهل ..نعم ،كان الأ�ستاذ «�شهدي» يذهلُنا في �إي�صال المعلومة يكف عن ربط وتر�سيخها؛ ا�ستخدام ًا وتذوّقاً .ال ّ در�سَ ُه بالأمثال ،وللطرافة لم تكن من اللغة العربية ،بل من «العاميّة الم�صريّة»� .أذك ُر منها «�إن دِ ْبلِتْ الوردة تبقَى ريحتها فيها» وكان يعني �أث َر الت�صريف وعوامل الإعراب التي تغيّر في �شكل الكلمة ،لكنّ ثمّة ما ينبئ عن المحذوف وينوب بالإخبار عنه و�أن��ه لم يذهب تماماً. جعلَ الأ�ستاذ «�شهدي» طالبه يتذوّقون الكلمة ويت�سابقون في ا�ستظهار ح�صيلتِهم في در�س التعبير ،و�إلى الآن بعد �أكثر من �أربعين عام ًا �أحتفظ بدفتر مذكرات �أزرق للعام 1973م، ح�صلتُ عليه غبَّ زيارة للخفجي «المحايدة»، وف �ي��ه ك �ن��تُ �أك �ت��ب م��و��ض��وع��ات التعبير قبل ت�سويدها في دفتر المدر�سة ،ومنها مو�ضوع عن «ح��رب �أكتوبر 1973م رم�ضان 1993ه�ـ» الذي نالَ ا�ستح�سان الأ�ستاذ «�شهدي» (ومعي كان في اال�ستح�سان ،المهند�س العزيز� :صالح ال�صندوق) وطلبَ �أن �أق ��ر�أَ ُه �أم��ام الطالب، وهو يقاطع بكلمات الت�شجيع ،وال يتخلّى في الوقت نف�سِ ِه عن تذكيرِ نا بالقواعد وبما يف ّر هنات �إمالئيّة� .إن الدر�س الكبير الذي منّا من ٍ
قدّمَ ُه لي معلّمي «�شهدي» كيف تو�صل مادتك يلمّان بها ويب�سطانها �أمام الطالب �ش�أن �ساحرٍ الدرا�سية؟ وكيف تحبّب الطالب فيها بطريقة في ر�شاق ٍة وخفّة وجمال. عمادها التمكّن من المادة و�أ�سلوب الطرفة ..هناك معلّم لم �أجل�س �أمامه في مدر�سة، واالبت�سامة ..وبقليلٍ من ال�سخريّة ت�ش ّع في وال تلقيتُ منه عن كتاب ،غير �أ ّن��ي في هذا �سماء الف�صل وتغنيه عن ا�ستخدام الع�صا. المقام من الذاكر ِة واللغة ال يغيب عنّي ا�سمُ
على وقع هذا التذكّر ب�شعلة الحنين المتّقدة، وتزداد اتّقاد ًا كلّما التفتُّ وكلّما ابتعدت العينُ �إل��ى ال��داخ��ل في غائر الأي��ام الأول ��ى ،والأث��ر العميق الطالع منها والباقي ي�صمد في مرتقى العمر ويعين ..على هذا الوقع ،ال �أ�ستطيع �أن �أك��ون محايد ًا في تقييم معلّمي اللغة العربية في الوقت الحا�ضر ،و�أخ�شى �أن �أك��ون مغالي ًا ف��ي تظهير ال��وج��ه ال�سلبي والنقي�ض؛ لهذا أف�ضل الإم�ساك مبرّر ًا لنف�سي بهذه الحكمة � ّ الذهبية«!!»: «عندما يجهز الطالب؛ يظهر المعلّم». اجلوبة � -صيف 1435هـ 81
■ ه�شام بن�شاوي*
ير�سم الكاتب الم�صري الفرنكفوني �ألبير ق�صيري (ال��ق��اه��رة 1913م -باري�س 2008م) في روايته الأخيرة�« :أل��وان العار» -ال�صادرة بلغة موليير عام 1999م ،والتي �صدرت في ترجمتين عربيتين (القاهرة 2011م ،دم�شق 2013م) -لوحة بانورامية �ساخرة مده�شة للقاهرة ال�سبعينية. ت��ب��د�أ ال���رواي���ة ب��و���ص��ف ال��ح�����ش��ود ال��ب�����ش��ري��ة ،ال��ت��ي �أ���ص��اب��ت��ه��ا ال��ب��ط��ال��ة بال�سكينة، والمت�سكعة تحت ال�شم�س الالهبة في �شوارع القاهرة ،التي �أ�ضحت �أ�شبه ببيت للنمل؛ ب�سبب النازحين القادمين من كل المحافظات والم�شبعين ب�أوهام حمقاء عن ازدهار العا�صمة ،والمباني �آيلة ال�سقوط� ..إزاء هذا الم�شهد القاهري المثير للرثاء ،يتعجب �أ�سامة كيف يعي�ش �أهالي هذه المدينة و�سط �أبواق ال�سيارات والغبار والقمامة والوحل «دون �إبداء ولو �أدنى بادرة عدوانية �أو �إ�شارة احتجاج؟! فمجرد �شعورهم ب�أنهم ال زالوا �أحياء قد �أعدم فيهم الرغبة في �أن ي�أخذوا �أي �شيء �آخر في اعتبارهم» �ص.7
82
ورغم تدهور المدينة ،فال �شيء ينال من طالقتهم ومرحهم ،وه��ذا الموقف الكريم والمترّفع ب�إباء يثير ده�شته؛ لأنه يعبر عن عجز المواطنين عن �إدراك الم�أ�ساة .وت�أمّل هذه الفو�ضى من فوق الج�سر يثير �سعادة �أ�سامة ،الل�ص �أنيق المظهر ،ال��ذي يرتاد اجلوبة � -صيف 1435هـ
الأماكن الفخمة؛ �إذ ي�سترخي �أ�ساتذته في الن�صب (الل�صو�ص ال�ك�ب��ار) ،وي�سرقهم في �أم��ان ت��ام ،من دون �أن يطمح �أن يكون �صاحب ح�ساب م�صرفي؛ لأن ه��ذا ذروة الفعل الم�شين في نظره .و�سرقاته ا�سترداد هزيل للمبالغ الطائلة ،التي يكتنزها ه�ؤالء
يزور �أ�سامة والده ال�ضرير ال�شيخ معاذ في حي ال�سيدة زينب ،وال��ذي َفقَدَ ب�صره ب�سبب �ضربة ع�صا �شرطي في ثورة 1952م ،ف�أهملته ال�سلطة ولم تعوّ�ضه ب�أي �شكل ،وت�شرّد االبن الوحيد وت�سوّل لي�ؤمن لقمة عي�شه و�أبيه .وكانت تجربة قا�سية بالن�سبة �إليه ،لأن ج�سده معافى ،وكان يغار من
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ال�سخرية ال�سوداء في «�ألوان العار» لألبير ق�صيري
المجرمون ،الذين �ضربوا عر�ض الحائط بب�ؤ�س �أ�صحاب العاهات ،الذين يمار�سون بفخر هذه المهنة الملكية ،وفكّر في لحظة ي�أ�س �أن يقطع ال�شعب. يرتاد �أ�سامة مبنى «ن��ادي الأع �ي��ان» ،وال��ذي يده �أو قدمه ،لكي ينال �إعجاب المُح�سنين الذين ت�شي الفتته ب�أنه ال يقبل الرعاع من بين �أع�ضائه ،تجذبهم الجروح الغائرة والأج�ساد النحيلة. في غياب الخادمة التي ترعاه ،يجد �أ�سامة ويعد ال�سارد �أ�سامة ل�صا تافها؛ لأن �شغله ال�شاغل هو الجانب الطريف والغام�ض للمغامرة ،لكن �أب ��اه ،جال�سا كعادته �أم ��ام ال�ن��اف��ذة المفتوحة مفهومه ال�ساخر لل�سرقة يجعله في معزل عن م�شرئبا بعنقه نحو �ضو�ضاء ال�شارع في تلذذ، ويخبره الأب ب�أنه كان «منهمكا في التفكير في الموقف المت�شائم والقلق لل�سارق العادي. وهو ينتظر طريدته الموعودة ،تقتحم عزلته م�آثر الثورة .لديَّ االنطباع ب�أن هناك مزيدا من «�سفيرة» ،المراهقة ال�شقية ،التي تطمح �أن يكون الحركة والن�شاط في الحي� .أ�سمع النا�س ي�ضحكون ارتباطها به نهاية لمعاناتها ،حتى لو كان ل�صا ،ويتنادون فكهين كما لو كانت الدنيا قد �أ�صبحت ويندم لأنه ك�شف لها عن مهنته بدافع من يقينه �شيئا رائعا بالن�سبة �إليهم» �ص .38ويتحا�شى االبن ب�أن ذلك الإ�سرار �سي�صرفها عنه؛ لكن ذلك �أعلى الحديث عن م�آثر ثورة ال وجود لها �إال في خيال م��ن �ش�أنه ف��ي نظرها ،وه��ي التي ت��و ّل��دت لديها �أبيه ال�ضرير ،الذي يرف�ض مغادرة البيت الآيل قناعة ،م��ن خ�لال ن��م��اذج بالغة ال��ث��راء تحظى لل�سقوط رغم �إلحاحات ابنه المتكررة .ويذهب لمقابلة معلمه نمر ،الذي يتهمه بخيانته وخيانة ب�شعبية كبيرة في ال�صحف� ،أن مهنة ال�سارق ك��ل �أع���ض��اء ال�ح��رف��ة ،وبالتنكر لطبقته ب�سبب مرادفة للمركز االجتماعي المرموق. مظهره الأنيق« .ال �شيء �أكثر انعداما للأخالق بعد مغادرتها ،ينت�شل حافظة نقود رجل وهو من ال�سرقة بدون مخاطر؛ فالخطر هو ما يفرّق يتجه نحو �سيارته ،و�سيعثر على ر�سالة قطيعة من �شقيق وزير الأ�شغال العامة المتورط مع مقاول البناء ،ب�سبب م�صرع خم�سين �شخ�صا في حادث ان��ه��ي��ار ع��م��ارات �صاحب المحفظة ،بعد وقت ق�صير من افتتاحها في احتفال فخم من طرف وفد حكومي .ويفكر �أ�سامة في بيع الر�سالة لإحدى ال�صحف ،لكن �سرعان ما يتراجع عن الفكرة ب�سبب تواط�ؤ ر�ؤ�ساء التحرير مع النظام الفا�سد.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 83
تبدو رواية �ألبير ق�صيري ك�أنها ن�سخة فرن�سية من �أج��واء نجيب محفوظ ،و«لكن بنبرة �إيقاعية �أكثر �سخرية في هجاء �أنماط العبودية الم�ستترة»، فهو ح��ال��ة م�ت�ف�رّدة مثل كتاباته؛ ع��ا���ش وحيدا وم�ع��زوال وك�سوال في �أح��د فنادق باري�س ،يكتب باللغة الفرن�سية عن مقاهي وح��واري القاهرة وهوام�شها الب�شرية ،التي لم تفارق مخيلته وال �إب��داع��ه ،ول��م ي�سع �إل��ى الح�صول على الجن�سية الفرن�سية� ،إذ كان ي�ؤكد �أن��ه لي�س في حاجة لأن يعي�ش في م�صر وال للكتابة بالعربية ،لأن م�صر في داخله ،وهي ذاكرته. 84
* كاتب من المغرب. اجلوبة � -صيف 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
بيننا وبين الم�صرفيين و�أقرانهم الذين يمار�سون وينبغي البناء لفترات محدودة ،و�إال وقعت الكارثة ال�سرقة القانونية تحت رعاية الحكومة� .أن��ا لم وان�ه��ارت �سوق العقارات �إل��ى الأب��د�« ،إذا بنيت �أر�سّ خ فني في ذهنك؛ لت�صبح ل�ص �سينما يتمثل عمارات بغر�ض الدوام �سوف ي�أتي اليوم الذي ال أرا�ض �شاغرة ت�شيد عليها غيرها. همّه الأكبر في عدم �إثارة نفور جمهوره» �ص .52تجد فيه � ٍ ي�ست�شير معلمه في �أم��ر الر�سالة ،فين�صحه انظر �إلى الأهرامات .لن يجول بخاطر �أي �إن�سان بزميله ال�صحافي المغ�ضوب عليه ،والذي �سجن في هذا البلد فكرة بناء ولو هرم واح��د؛ فالمكان ب�سبب هجاء رئي�س دولة مجاورة ،كرم اهلل «ر�سول م�شغول منذ �أربعة �آالف عام «�ص .»107-106 ال�سخرية ال��ذي يقطن �أح��د المدافن» ،ال�سعيد وال ي�ستعيد �سليمان الر�سالة ،لأن �أ�سامة جعلها بعي�شه و�سط الأموات ،تاركا خلفه كل �ألوان العار المتف�شية ف��ي المجتمع .ويخطط ال�صحافي تعويذة تحميه من المخاطر ،وي�شير �إل��ى قالدة لمقابلة مقاول البناء �سليمان ب�صحبة �أ�سامة تتدلى من عنقه ،وينفجر �سليمان غا�ضباً: ومعلمه ،فيح�ضر �إل��ى �أح��د المقاهي ال�شعبية« - ،قل لي يا �أمير� ،أل�ست ل�صا؟ ال�سترجاع الر�سالة ،وتبد�أ جل�سة ا�ستجواب له ،انت�صب �أ�سامة واقفا وانحنى ب�شكل ر�سمي �إذ يدعي كرم اهلل �أن المعلم نمر عالم اجتماع، متحدثا ب�صوت متوا�ضع ومت�شنج: و�أ�سامة �أمير من بقايا العائلة المالكة ،وي�ستدرجه �إلى البوح ب�أفكاره ال�شيطانية وفل�سفته في العمارة -ل�ص �صغير للغاية مقارنة بمعاليك! الم�ؤقتة« :كنت �أق��ول� ،إذاً� ،إن بع�ض العمارات ان�ف�ج��ر ن�م��ر �ضاحكا وق��د �أط �ل��ق �ضحكة ال يجب �أن تختفي لتترك مكانها للبنايات الجديدة» ت�ضاهيها ما عداها من ال�ضحكات� ،ضحكة ثورية، �ص ،108وي��رى �أنهم لي�سوا في زم��ن الفراعنة �ضحكة من اكت�شف لتوّه الوجه البغي�ض والهزلي لأقوياء هذا العالم» �ص .111
الدالالت الأنثربولوجية عند �شعراء الجوف ّ درا�سة في الم�ضامين االجتماع ّية والثقاف ّية ■ د� .إبراهيم الدّ هون*
�صدر عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سّ ديري كتاب بعنوان( :الدّالالت الأنثروبولولجية عند �شعراء من الجوف) ،للباحث عماد الخطيب ،وجاء الكتاب في (� )206صفحات من القطع المتو�سط. توثق الدّرا�سة لتجربة ال�شّ عر النبطي في منطقة الجوف ،من خالل الرحلة مع ع�شرين �شاعراً من �أبناء المنطقة. والقارئ للكتاب يلم�س �أ ّن الباحث قد جعل كتابه في ثالثة ف�صول ،ومهاد ،ومقدمة، وخاتمة .كما يلحظ �أ ّن الخطيب يعلن في مقدمة الدّرا�سة الدافع وراء ت�أليف الكتاب. وبناء على ما �سبق ،فقد عر�ض الخطيب في المهاد تفريقاً بين ال�شّ عر النبطي وال�شّ عر ال�شّ عبي� .إذ يرى �أ ّن ال�شّ عر ال�شّ عبي هو ما يعود لل�شعب ،وهم عامّة النا�س� ،أمّا النبطي فيرجع للأنباط ،والنبطي يوحّ د لهجات عدة تحت لفظة( :نبطي). -1المرحلة الهاللية ال�ت��ي تن�سب �إل��ى بني ه�لال ،و�سُ مّي ما �أن�شده بالبيت الهاللي والق�صيدة الهاللية ،وهو البحر المعروف بالطويل.
كما ي�ؤكد على �أنَّ ال�شّ عر ال�شّ عبي �أو النبطي وال�صور، عربي الألفاظ والعبارات والتّراكيب ّ و�إن تخلّى ع��ن بع�ض ال��ظ��واه��ر �أو المظاهر التي تعرف بها اللّغة العربية الف�صحى .ويعلن الخطيب �أنَّ ال�شّ عر النبطي م ّر بثالث مراحل -2 ،المرحلة المتداركة ،وا�ستخدم فيها البحر المتدارك والرجز. هي:
اجلوبة � -صيف 1435هـ 85
ويثبت الخطيب �أنَّ تدوين هذا ال�شّ عر تمّ في القرن الثالث ع�شر الهجري ،و�أنَّ �أوّل من د ّون��ه هو خالد الفرج في كتابه( :ديوان النبط) عام 1953م.
وتناول ال�شّ عراء الجوفيون في �شعرهم مفهوم ري���������م���������ي���������ة ط���������ال���������ع���������ت ل��������������ه زول ه����������ذي����������ك ح��������ل��������ي��������اه وا��������ش�������ب�������اه�������ه الوحدة ،ونبذ الفرقة� ،إذ وعى ال�شّ اعر الجوفي �أهمية الوحدة الوطنيّة بين العرب� ،إ�ضافة �إلى الوحدة بين �أغ������ل������ي������ك وارج��������ي��������ك �أن������������ا ي�������ا ح�����ول ي������������ا ق����������������رة ال��������ع��������ي��������ن وام��������ن��������اه��������ه قبائل الجوف ،وفي هذا يقول ال�شّ اعر خالد الحميد:
وي�ؤكد الخطيب �أنَّ كثير ًا من الدّرا�سات عن هذا ال�شّ عر �أ��ش��ارت �إل��ى �أ ّن��ه يُع ّد االب��ن ال�شّ رعي لل�شعر الف�صيح ،كما ي�ضيف �أنَّ معظم ال�شّ عراء النبطيين يعتمدون ر�أي الأخف�ش الأو�سط في م�س�ألة القافية، وهي الكلمة الأخيرة في �أبيات ال�شعر. وي�ق��ف الخطيب عند ال�شّ عر ال �ح��واري؛ �أو ما ي�سمّى بال�شّ عر الق�صيد ،وهو فن جماعي يتكون من و�صفّينِ من الرجال؛ يقوم ال�شّ اعر الأوّل �شاعرينَ ، ب�إلقاء البيت الأوّل ِبلَحْ نِه ،ف ��إذا انتهى يُغنّيه �أحد ال�صفين بغناء ال�شّ طر الثّاني من البيت ،ث��مّ ير ّد ّ ال�صفان ال�صف الآخر بال�شطر الأوّل ،وهكذا ،يتداول ّ ّ ال�شّ طرين حتى يوقفهما بالبيت الثاني.
ولم يقف ال�شّ عراء الجوفيون عند �صور المر�أة �����ش����ب����اب����ن����ا داع ال������وط������ن ي�����س��ت��ح��ث��ك��م �أن�����ت�����م �أم����ل����ن����ا ف�����ي ح�����ق�����وقٍ غ������دي ب��ه��ا ال�سّ ابقة ،بل نلحظ ا�ستح�ضار �صور المر�أة المجهولة،
المتح�ضرة. ّ والمر�أة المتلونة� ،صاحبة الحلية ،والمر�أة الذكوريّة في ال�شّ عر النبطي ،وتفنّنوا في تج�سيدها، وتمركزها ح��ول مو�ضوع( :ال��رج��ل) وحديثها عن ال�ك��رام��ة وكبريائه ،ف�ض ًال ع��ن م�ستويات حياته: االقت�صاديّة والتّعليميّة والثقافيّة.
وتباينت �صورة الرجل عند الجوفيين بين القدوة والقائد المرغوب فيه ،و�صورة الرجل المذموم ،غير وينهي الخطيب مهاده ب��الأه��داف المرجوة من المرغوب فيه ،نحو :الغ�شّ ا�ش ،والمحتال ،والخبيث. درا�سته لل�شعر النبطي الجوفي بالآتي: وي�ع�ق��د الخطيب م�ق��ارن��ة ب�ي��ن ال�م��رغ��وب فيه، -1الأن�ث��رب��ول��وج�ي��ا ال�ج��وف� ّي��ة و�سيلة لفهم ما�ضي وال�م��رغ��وب عنه ،ف ��الأوّل �أح��بّ ال��رج��ال ،وتت�شرف الجوفيين ،و�أثر ذلك على �شعرهم. ف�ع��ول��ه ،وي�ل�ت��زم ال ��ّ��ص��دق� ،أ ّم ��ا ال � ّث��ان��ي ،فهو ناكر ال�صالت االجتماعيّة التي يدعمها المعروف� ،شين العرق ،يرتدي ذل القناع. -2البحث في ّ المفهوم الأنثربولوجي من خ�لال االت�ك��اء على ويعرّج الخطيب على الحالة االقت�صاديّة للجوفيين م�ق��ول��ة( :ه��ل م��ن وظ��ائ��ف ال����شّ ��اع��ر �أن ي�صور من خالل ال�شّ عر الجوفي ،فتطرق ال�شّ عراء الجوفيون مجتمعه). �إلى �صور الغربة عند �أبناء الجوف؛ بحث ًا عن الرقي
وج � ��اء ال �ف �� �ص��ل الأوّل ب� �ع� �ن ��وان( :ال� �ج ��وف في ال�شّ هادة ،باحثين عن العي�ش الكريم. والأنثروبولوجيا مو�ضوع ًا �إن�سانياً) ،ويخل�ص الخطيب وا�شتمل الف�صل الأوّل الحديث عن �صورة المر�أة، فيه �إلى �أنَّ ال�شّ عر النبطي مغلّف بالقيم الإن�سانيّة فطمحوا �إلى الرمز الحلم ،والتي يحلم بها ك ّل رجل، ذات الجناحين الذكوري والأنثوي. كما عبّروا عنها ب�صور عديدة ،منها المر�أة ،والأم،
86
فقد �أكثر ال�شّ عراء الجوفيون من المو�ضوعات واالبنة.
اجلوبة � -صيف 1435هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
-3المرحلة الثالثة ،وارت�ب��ط ه��ذا ال�شّ عر ونمطه بالغناء ،في �أغلب مواقع وجود العرب؛ لقابليته الغناء.
ونقر�أ في هذا المجال غز ًال يفي�ض بطهر المعاني و�أ�شكالها ،نحو :الحنين �إلى م�سقط الر�أ�س ،واالنتماء ال�م�ت��داول��ة ،وال ي�خ��رج ع��ن م�ضامين م��ا ت�غ��زل به والذكريات واالعتزاز بالوطن ،فالمواطنة تقت�ضي الفخر بالوالء والفخر بالع�شيرة. ال�شّ عراء العرب القدماء ،كقول ال�شّ اعر:
وع� � ْن ��ونَ ال �م ��ؤل��ف ف�صله ال � ّث��ان��ي م��ن ال�ك�ت��اب بالأنثروبولوجيا م�ضمون ًا فكرياً ،متطرق ًا �إلى العادات والمواطنة ،والع�شيرة والوالء والوحدة. �إذ اهتمّ ال�شّ عراء الجوفيون بالعادات والتّقاليد، حاثين ال�شّ باب والمجتمع على التم�سك بعادات العرب؛ ومن �أهمّها منهج الدّين ،و�سلوكيات �أفراد المجتمع ال�سّ محة.
وانتقل الم�ؤلف في الف�صل الثّالث �إل��ى الثّقافة الإب��داع� ّي��ة الم�شكّلة لحموالت ال�شّ عراء الجوفيين ومعارفهم ،فعرّج على لغتهم ،و�صور التّنا�ص في وال�صور والأخيلة المنتجة ل�شعرهم .كما �شعرهمّ ، عالج فكرة التّ�ضاد ،وق��ال عنها� :إنّ التّ�ضاد ي�شكّل العمود الفقري للفكر الأنثروبولوجي ،وهو �أ�سلوب ال�صورة والمعنى. لتو�صيل ّ
ومن هنا ،ولجت درا�سة الخطيب �إلى المفاهيم الإبداعيّة ،مثل :المعجم اللّغوي ،و�سمات التّكرار ف �م��دح ال ��� ّ�ش �ع��راء ال �ج��وف �ي��ون ع� ��ادات ملوكهم الإب��داع��ي للنّ�ص ال�شّ عري عندهم� ،إذ نلم�س تنوع و�أمرائهم ،وربطوا تلك العادات بتاريخهم المحفوظ ،التكرار �أ�سلوب ًا �أنثروبولوجياً؛ فمنه ما جاء في بيت كقول ال�شّ اعر عبدالهادي الن�صيري: واحد ،ومنه ما جاء في بيتين ،ومنه ما جاء في �أكثر ع����ادات����ك����م ي����ا م���ي���ر �����ض����رب ال��ن��ي��ا���ش��ي��ن من ن�ص.
ل����ل����خ����ي����ر ب�������ذال�������ه وب�����ال�����������ض�����ر ف����ت����اك و�إت �م��ام � ًا ل �ل �دّرا� �س��ة الإب��داع � ّي��ة ع�ن��د ال����شّ �ع��راء ت���اري���خ���ك���م م���ح���ف���وظ ب���ي���ن ال�����دواوي�����ن الجوفيين ،فقد وقف الخطيب عند التنا�ص ب�أ�شكاله ام���ت���رج���م ل���ل�������ش���رق ول����غ����رب الأت��������راك المتعددة في �شعر الجوفيين ،نحو :التّنا�ص الدينيّ ، ويذكر الم�ؤلف �أنَّ من �أكثر العادات ظهور ًا عند والأدبيّ ،والتّاريخي ،والفلكلوري. ال�شّ عراء الجوفيين عادة التّرحيب بال�ضيف وما يرافق ف��ات�خ��ذ م��ن ال�ت�ن��ا���ص ال��دي �ن��ي ع�ن��د الجوفيين ذل��ك م��ن ح��بّ القهوة م��ن ال� �دّالل ،وع ��ادات الكرم طريقتين :الأولى التّنا�ص مع ق�ص�ص و�أحداث القر�آن العربي الأ�صيل ،وحماية الجار ،والعر�ض وال�شّ رف ،الكريم ،والثّانية التّنا�ص مع رموز و�شخ�صيات دينيّة وال�صفح عن الجاهل. ّ لها �أحداث م�شهورة. �أمّا المواطنة عند الجوفيين فقد تعددت �صورها
بينما التّنا�ص الأدب ��يّ ،ي�شير �إل��ى �أنَّ ال�شّ عراء
اجلوبة � -صيف 1435هـ 87
ال�����ج�����ه�����اد ال����و�����س����ي����ل����ة ا�����ش����ع����ل����و ن������اره ي������ا ح�����ي�����اة �����س����ع����ي����دة ي������ا ع����م����ر ف���ان���ي وهو تنا�ص لقول ال�شّ اعر الفل�سطيني عبدالرحيم محمود:
ف����������إم���������ا ح��������ي��������اة ت�����������س�����ر ال�����������ص�����دي�����ق و�إم��������������������ا م���������م���������ات ي������غ������ي������ظ ال���������عِ���������دا وي�ت�ك��رر الأم ��ر م��ع ال� ّت�ن��ا���ص الأدب� ��يّ � ،إذ تنا�ص الجوفيون مع ثمود ،وعاد ،فهذا خالد الحميد يقول:
ال������م������واق������ف ب�������ه ب�����ي�����ا������ض و��������س�������وادي ال����������� ّن�����������ا������������س ت����������رك����������ب ت�����ن�����اب�����ي�����ل�����ي وال�������م�������راج�������ل م�������ن ب�����غ�����اه�����ا ع���م���ده���ا و�أن������������������������تِ ع�������ل�������ى ح���������م���������ار م����������د اهلل
� ....إلى قوله: وال�صورة ولع ّل الخطيب لم يغفل جانب الخيال ّ وارث���������ي���������ن���������ه م����������ن ث��������م��������ود وع�������������ادي في �شعر الجوفيين ،وذكر �أنماطها البيانيّة والبديعيّة م�������ن ج�����������دود ت����ف����ع����ل ال�����خ�����ي�����ر ي����ده����ا والكنائيّة؛ وي��دل��ل على ذل��ك بقول عيد الخمعلي، تنا�صت قوة رجال عرب اليوم مع رجال عرب عندما لدغته ع�ق��رب وه��رب��ت ،ولكنه بحث عنها وقد ّ الأم�س ،ثمود وعاد ،واالبن على دين �أجداده ي�سير .ووجدها وقتلها ،فقال:
وارتبط التّنا�ص برابط مع ا�ستدعاء ال�شّ خ�صيات ي�������ا ك�����ث�����ره�����م ي�������ا ق����ل����ه����م ال ب���غ���ي���ت���ه���م م����ث����ل ال����ق����ب����ي���������س �إل����������ى ت������م������زّق ط����ار التّراثيّة التي ا�ستدعاها ال�شّ عراء الجوفيون من زاوية
88
واح��دة ،وهي زاوي��ة الحديث عن ال�شّ خ�صية ،ولي�س ف�شبّه ك�ث��رة الأ� �ص��دق��اء ع ��دداً ،وق�ل��ة وج��وده��م الحديث من خالل ال�شّ خ�صية. �إل��ى جانبه وق��ت الحاجة لهم بالغيم ال��ذي ال ماء ولم يقت�صر تنا�ص الجوفيين مع ال�سّ ابق فح�سب ،فيه(القبي�س)؛ فهم يطيرون وق��ت حاجتهم من بل نلحظ �أنَّ للجانب الفلكلوري �أثر ًا جلي ًا في �شعرهم؛ حولك ،كما تطير الغيم الفارغة. فق�صة( :حمار م��داهلل) كانت من �أ�شهر الق�ص�ص وي�صرّح الخطيب ع��ن �أث��ر ال� ّ���ص��ورة الكنائية، الواردة في �أ�شعارهم؛ �إذ ت�صدى �أحد �شعراء الجوف ف��ي �شعر ال�ج��وف�ي�ي��ن ،وي �م � ّث��ل ع�ل��ى ذل ��ك بكناية: لتلك الق�صة ،فقال: (�صقر الجزيرة) كناية عن �صفة ال�شّ جاعة للملك عبدالعزيز يرحمه اهلل ،ومن ذكرها ال�شّ اعر خالد ي����������ا �أم ال��������ع��������ي��������ون ال�����م�����ظ�����ال�����ي�����ل�����ي و����������������ش ج�������������������اكِ دون خ��������ل��������ق اهلل الحميد ،فقال: اجلوبة � -صيف 1435هـ
وكذلك نقر�أ من �أ�شهر الكنايات �أي�ض ًا (وادي النفاخ) ن�سبة لمو�صوف الجوف.
ونقف قبل �أن نختم هذه القراءة عند نظرات لي�س غر�ضها م�صادرة حق الآخرين في الكتابة �أو التحليل، ب�ق��در م��ا ي�ك��ون هدفها �أول��وي��ات الإب� ��داع والجمال للدرا�سة ،ف�ض ًال عن �شمولها وخروجها �إلى م�صاف التكامليّة ،ويمكن �إجمال تلك النّظرات فيما ي�أتي:
ال�صورة الجنا�سيّة فنلحظ �أنَّ الم�ؤلف يقول: �أما ّ «يكثر ت�شكّل الجنا�س عند ال�شّ عراء الجوفيين ،فقد ورد الجنا�س عندهم ب�أنماط غالبة الورود في ال�شّ عر العربي القديم عند العرب» ،ومنه قول ال�شّ اعر خالد -1يقول الباحث في المقدمة� :إنّه ق�سّ م الدّرا�سة �إلى البلهيد ،يرثي والدته: �أربعة ف�صول ،ولم ن َر �إ ّال ثالثة ف�صول.
ه��� ّز ال��خ��ب��ر ق��ل��ب��ي م���ن �أق�����ص��ى روا���س��ي��ه و���ش�� ّب��ت ع��ل��ي و���س��ط ال�����ض��م��اي��ر حريقه ويختم الخطيب بقوله� :إنَّ هناك �صور ًا ورم��وز ًا ومو�سيقى بديعة كثيرة في �شعر الجوفيين ،ا�ستثمروها من المحيط والبيئة المعي�شة. و�أخ �ي��راً :تو�صل الم�ؤلف من ه��ذه الدّرا�سة �إلى جملة من النتائج ،تمثّلت بالآتي: -1انت�شار ق�صائد الحكمة ،والو�صايا في �أ�شعار الجوفيين. -2بروز �صور المواالة في �شعرهم وق�صائدهم. -3غلب �شعر المديح و�شعر الو�صايا على باقي المو�ضوعات؛ كالغزل والرثاء وغيرهما. -4اتكاء �شعراء الجوف على �أ�ساليب ال�شّ عر العربي القديم ،وقدّموا �صور ًا وكنايات وجنا�سات قريبة للقارئ ،روح ًا ومعنى.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الجوفيين ا�ستثمروا انتماءهم لتاريخ �أدب��يّ �ضخم، وا�ستدعوا من ذاكرتهم الحيّة �أ�شهر معاني �أبيات �شعرائنا الكبار� ،أو �ألفاظها ومن ذلك قول ال�شّ اعر خلف العي�سى:
واث �ب��ت ف��ي ن�ه��اي��ة ال �ك �ت��اب ق��ائ�م��ة ب��ال�م���ص��ادر وحّ �����������ده ����ص���ق���ر ال�����ج�����زي�����رة ب���ال���ك���ف���اح وا����س���ت���ت���ب الأم��������ن ب�������أط������راف ال���� ّرم����اح والمراجع التي عاد �إليها في درا�سته الفنيّة.
-2تجاهل الباحث –�أحياناً -التّوثيق العلمي ،على نحو ما نلحظ في �صفحة (� )24إذ يقول « :ولقد �سمّاه العالمة ابن خلدون (ت 808هــ) بال�شّ عر الأ�صمعي» ،فكان الأجدر به �أن يُرجع هذا الكالم �إلى �صاحبه من خالل ذكر الم�صدر ،وهذا يتكرر في مواطن عديدة في الكتاب ،انظر� :صفحة ( )37عندما يقول« :فال�شّ عر كما يقول «مدخلي»: «حكمة وقول و�إح�سا�س». -3لو ت�أملنا في الف�صل الثّالث�( :شعراء الجوف الأنثروبولوجية ثقافة �إب��داع � ّي��ة) ووقفنا عند درا�سته للتنا�ص في �شعر الجوفيين ,لر�أينا �أنّه �أخفق �إلى درجة �أنّ همّه كان موجه ًا �إلى ذكر ا�سم التّنا�ص دون �أن ي�شير �إلى الهدف المق�صود من التنا�ص �أو الوظيفة الدالليّة �أو حتى نوعه الدقيق نحو التنا�ص المبا�شر �أو غير المبا�شر� ،أو التلميح �إلى الدور الحقيقي الذي �أ�ضافه التنا�ص للن�ص ال�شعري الجديد.
و�أنهى الدّار�س – الخطيب -م�ؤلَّفه بملحقين: وخال�صة ال�ق��ولُ :ي�ع� ّد ه��ذا التّوليف -حقيقة- الأوّل كان مقابلة �شخ�صية مع ال�شّ اعر خالد الحميد، �أم��ا ال�ث��ان��ي فقد اح�ت��وى على ف�ه��ر�� ٍ�س ف�ن��يٍّ ل�ل�دّوال �إ��ض��اف��ة �أدب�ي��ة قيّمة للمكتبة ال�سّ عوديّة ف��ي مجال الأنثروبولوجيّة التي وردت في الدّرا�سة. الدّرا�سات النّقديّة لل�شّ عر النبطي ال�سّ عودي. * كاتب من الأردن.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 89
■ مياده �إبراهيم قداح*
يكفي.. �أراده ��ا ال�ق��در �أن تبقى معي ,يقين ًا مخ�ص�صة �سي�أتي� ..صدقوني. �إذا لم يكن للوقت �ساعة ّ ل�ل�ف��رح ,اخ�ت��ر ��س��اع��ة ال�غ���س��ق ..مثل ك��ان��ت ت�ضم �إ�صبعها بين دفتي عينين �أرّقهما النّعا�س؛ فغدا الحلم هو �صدرها وتنام ,تتحدث للعابرين في الو�سيلة ..افعل كيمامة التقت به ذات حياتها� ..إن��ه ي�أتيها ك� ّل ليلة ,وحين يوم على كر�سي لمنبر كان ،وكان ما ت���ش��رق ال���ّ�ش�م����س ي��رح��ل م��ن ج��دي��د, كان ..ا�سمع معي :بعد منت�صف الليل فتنه�ض لعملها كوردة بعد ذبول. ب�ساعتين ،من كلِّ ليلة ,تم�سك طرف ف��ي ليلة م��ن الليالي ,نه�ضت من لقلب كان ي�شبه الخيط بيدٍ من حريرٍ , طائرة ورقية ,تترك له حرية الحركة على حافة االنتظار الذي طال ,جل�ست ليطير ,يبتعد �أح�ي��ان� ًا وي��دن��و �أحيان ًا بالقرب من جدار غرفتها ،حيث راحت �أخرى ،ملوّح ًا لها مثل ظل فا ٍ ّر من ظله! تتراءى لها �صور على الجدار ب�أ�شكال مختلفة ،تغدو وتجيء ,تهم�س �أحياناً، كطائر الفينيق ،ه��اج��ر �صاحب �أو ت�صرخ ،وت�صمت �أحيان ًا �أخرى. القلب الكبير في ليلة من ليالي الرحيل كانت ت�أمل �أن يتفجر من الجدار خلف جبال الأل��ب ,حتى لم يبق معها م��ن �أث��ره �إال بقايا خيط ,ظ��ل معلّق ًا نبع ماءٍ ،فتدهن منه �أطراف �أناملها ب�إ�صبعها .كانت تنظر له وتقول :هذا لتتحول �إل ��ى ط��ائ��ر يلحق ب��ه �أينما ال��خ��ي��ط م��ا ه��و �إال ع�لام��ة ارت��ب��اط ،ح��ل م��ن دون �أن يهبط .ول�م��ا كانت
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ذاكرة على جدار �أخر�س �صو ٌر من ٍ
الخطوط م�شوّ�شة المالمح؛ نه�ضت م�سرعة, �أح�ضرت قلم ًا وري�شة ,راحت تر�سم من دون �أن تكل �أو تمل .وحين ت�سربت ال�شم�س �إلى الغرفة كانت ال�صورة على الجدار الأول قد اكتملت.. وكانت �صورته بهيئة مالك� ،صورة ال ت�شبه �إاله. �أغم�ضت عينيها وعلى ثغرها ابت�سامة ،ومثل طفل نامت .عند الثانية ظهر ًا من اليوم نف�سه ا�ستيقظت لتجد نف�سها �أم���ام ف��راغ فو�ضوي قاتل ,بيد �أنَّ ما ر�سمته كان ما يزال يلوح على الجدار� ،أو ربّما يلوح في فراغ .مار�ست طقو�س يومها ب�شكل اعتيادي ,منتظرة فرح ًا قد ي�أتيها �أ�صابها هلع ,ارتجفت ..كان يلّوح لها مودع ًا ليالً ,فهي تكِ ُّد في �ساعات النهار كما لو كانت في حرب �ضرو�س ,كلما ت�صرمت �ساعة انزاح من على �أط��راف غيمة خريفية اللون ،كمارد ه ٌّم يجثم على �صدرها حتى تغيب ال�شم�س فتغلق خ��رج للتو م��ن عنق زج��اج��ة ،بيدين تعانقان ال�سماء ،وقدمين تالم�سان الأر���ض ,ث��مّ ..راح بابها منتظرة الثانية ليالً. يتال�شى �شيئ ًا ف�شيئاً .هاجت وماجت� ,صارت كان ك ّل �شيء مختلف ًا ذلك اليوم ,والوقت م َّر �سريعاً� ,أم�سكت ري�شتها من جديد ،وبد�أت تتمدد وتتقل�ص كزبد البحر ،لكن ..من دون تر�سم على الجهة الثانية من جدار الغرفة ما فائدة ترجى.
�أو ال�شياطين ال فرق بينهما ،وما يزال الخيط معقود ًا في �إ�صبعها .ربّما عقدته الريح ..وربّما هي من عقده في لحظة من لحظات الالوعي, ما نزال ال ندري .حين �أح�ضرت عدتها في الليلة الثالثة مقرّرة ر�سم بداية لطريق وا�ضح على الجدار الثالث؛ جفت الأل��وان ،وقامت تر�سم لوحتها بلون واح��د� ,إال �أن��ه ب��انَ بلونه و�شكله الحقيقيين «رم��ادي» ال �أبي�ض لونه وال �أ�سود, كخريف قلق ومقلق ،على حد ٍ مكفهر الوجه؛ �سواء.
يوحي لها من خطوط تلتقي تارة ..وتتقاطع تارة ك�سرت قلمها ،نتّفت ري�شتها نتفاً ،وب��د�أت �أخرى ,حتى اختلط الأمر عليها؛ فما كانت تجد ت�شهق ببكاء وعويل مريرين ..وكمغمية عليها بداية من نهاية!.. غفت بالقرب من ذاك الجدار. راح ��ت ت�صلّي �أم��ام��ه ع��لَّ م��ن ي�ستجيب, اللوحة الرابعة انتهت .وال�شم�س �أ�شرقت من لكن ال�صمم �أ�صابها و�أ��ص��اب ك� ّل ما حولها ,جديد. فانفجرت ببكاءٍ لم تعتده من قبل ,و�إذ بيدٍ وحين ا�ستيقظت ،كانت ج��دران الغرفة ما تخترق الجدار لتر�سم نهر ًا و�أ�شجاراً� ,شم�س ًا تزال تبكي على فراق ذكريات عامين ،ان�صرما وقمراً ،راح ي�ضحك لها ،وهي �صارت ت�ضحك معه ,تحادثه ،يحادثها ،ويغيبان معاً ،حتى تلوِّح كوم�ضة من عمر الزمان. لكن الرجل الم�س�ؤول عن عملية طالء الغرفة ال�شم�س بابت�سامتها على �أط��راف تلة؛ في�أوي ك ّل منهما �إلى �سريره ،فينامان كنوم المالئكة كان قد بد�أ عمله كما طلبت منه �أمها. * قا�صة من �سوريا.
90
اجلوبة � -صيف 1435هـ
اجلوبة � -صيف 1435هـ 91
غيبوبة
■ �شيمة ال�شمري* ■ عبد الرحمن الدرعان*
كان يا مكان
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة جدا ما يفعلون
ف��ي البلدة ال�صغيرة ،ف��ي العالم الكبير ..الحاكم ن��ائ��م ،والل�صو�ص وعندما نحاول �أن نحيا مجددا.. الكبار يُ�سرق لهم ! والل�صو�ص ال�صغار يمرحون ..على �ضياء ينبعث من تلك نحن ل�سنا على قيد الحلم ! الأعين الحمراء التي ي�أكلها الظالم ! هل حقا ؟ غيبوبة عندما �أموت حتما �س�أكون مبت�سمة.. ل��م ت�ستقر الر�صا�صة ف��ي ر�أ��س��ي الحياة والحزن وحتى الفرح، تماما ،وعندما ا�ستقرت.. يت�سللون �إلى �أحالمنا ،ويئدونها..
يقولون� :إنك تفتح عينيك الرائبتين بدمعهما حتى بعد �أن لوّحت لك بيدها، و�أ�سدلت الحجاب على وجهها باليد الأخرى واختفت؛ و�أنك كنت تغمغم :كيف �أتيت؟ ومَ ن الذي �أر�شدك �إلى �أنني الآن في حالة احت�ضار؟! و�أنك في �أحيان �أخرى َت ِف ُّز من �سباتك على نحو مباغت ،وتجدّف على �أنا�س غائبين ،وت�ستدعي �أ�سماء معينة تبدو لأ�شخا�ص مهمين ،وحين ت�س�أم من �صمت المتحلقين حولك، تطلب ال�سجائر بلغة الإ�شارة ،و�إذ يرديك الي�أ�س تتو�سّ ل الممر�ضات ب�صوت واهن: «�إذا لم ت�ستطيعوا �أن تحيوني ،فاذبحوني لئال �أ�شارك في ت�شييع جثماني». وحاولت �أن تنزل عن ظهر ال�سرير �أكثر من مرة ،غير �أن الأربطة خذلت كل محاوالتك ،و�أنك �آنئذ ثقبت هدوء الغرفة بن�أمة مدبّبة و�صغيرة� ..أ�سندت ر�أ�سك �إلى �صداها ،ودخلت في نفق الغيبوبة. وفي الحلم ،كان ا�سمها يتكرر كثيراً� ،شيء من �أ�سرارك العاطفية يعتبره بع�ضهم ف�ضائح ،بد�أ المرافق يطلع عليها.
* قا�ص من ال�سعودية.
92
اجلوبة � -صيف 1435هـ
لم �أختر �أي��ا منها ..لذا لن �أ�شغل لم �أع��د �أ�سمع ..لم �أع��د �أرى ..لم �أع��د �أتكلم ..لم �أع��د �إليهم ؛ لكنني بتوديعها!.. عدت ! ال مباالة موناليزا و�سط الأحداث �أفقد �أذني ول�ساني، ت �ج �ل ����س م��ت���أم��ل��ة م�لام �ح �ه��م.. و�أب �ق��ى بعين واح ��دة وق �ل��ب ..منهما وحركاتهم.. في عينيها حزن وغمو�ض ..وعلى ينهمر نهران بلونين ..ي�أتون على مر�أى من وجعي ،ويغرفون من كل نهر حتى �شفتيها ابت�سامة مغت�صبة... ك�أنها تت�أهب لعمل جنوني ..ربما تمتلئ ك�ؤو�سهم؛ فيقهقهون وي�شربون تقفز خارج �أ�سوار اللوحة ! نخب عجزي ! * قا�صة من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 93
زوبعة في قعر الفنجان ■ عمار اجلنيدي*
و�أنت ،هل ت�ؤمن بهذه الخزعبالت؟قال حازم ،م�ست�أنف ًا حديث ًا انقطع �أغلبه، بعد �أن اجتازت �سيارتهما ال�صغيرة �شارع ًا �ضيّق ًا ي ��ؤدي �إلـى القرية� ،إذ عقدا العزم على الذهاب �إلـى �أم بدوي ،لكي تقر�أ لهما الطالع. وتمهّل زياد قلي ًال قبل �أن يجاوب� :إنها لي�ست كما تدّعي ،لقد قر�أت لي الطالع غير مرّة ،وما خابت نبوءاتها �أبداً� .أنت ال تعرف �أن قراءة الطالع تعتمد على العلم والكثير من الفرا�سة ،لمعرفة الر�سومات والأحرف المتكوّنة في قعر الفنجان ،وعلى �أطرافه وحوافه ،لم تخب نبواتها مرّة واحدة ،فقد ك�شفت لي الكثير من رتو�ش م�ستقبلي ،قالت لي �ستنجب زوجتك طف ُال ذك��ر ًا و�ستكون لك مع �أح��د �أ�صدقائك م�صلحة عمل تد ّر عليكما �أم ��وا ًال ومكانة اجتماعيه ،وقالت �أ�شياء �أخرى كثيرة ،وكما ترى يا �صديقي فقد �صدقت جميع نبوءاتها؛ �أو على الأقل �أغلبها ،فكيف تقول عنها خزعبالت؟
94
خ��راف��ات تتكئ ع�ل��ى الأك ��اذي ��ب وت�ستند على ال�خ��داع ،وبالتحديد خ��داع المغفّلين �أمثالك� ،إن��ك ت�سيء �إلـى الحقيقة وتهين العلم عندما تقول �أن هذه الخرافات التي ت�سميها قراءة الطالع تعتمـد على العلم� ،أيّ علم هذا الذي يك�شف م�ستقبلك من خالل ر�سومات ع�شوائية تكونت في قعر فنجان �أنـت �أج�ه��زت على ما فيه من قهوة ،هذه الر�سومات والت�شكيالت الع�شوائية التي لي�س لها نهاية وال حتى بداية. كانا �صديقين ف��ي ال�ب��داي��ة ،جمعتهما ظ��روف العمل في م�صنع واح��د ،وبعد �أن توثقت عرى ال�صداقة بينهما كوّنا �شركة م��ق��اوالت ��ص�غ�ي��ره ب�ح�ج��م الأم � ��وال التي جمعاها خالل ال�سنوات الطويلة من العمل ال�شاق الم�ضني ،و�أخ��ذ النجاح يحالفهما منذ الم�شروع الأول.
ك��ان��ت ال �م �� �ش��اري��ع ال �� �ص �غ �ي��رة محط �أن��ظ��اره��م��ا ف���ي ب ��داي ��ة ال �م �� �ش��وار ،لكن الطموحات بالح�صول على م�شاريع �أكبر �ضحك ح��ازم ب�صوت ينمّ ع��ن امتالء تنا�سب ح�ج��م ال��ن��ج��اح ال���ذي حظيت به ال�صحة وق���ال� :إن �ه��ا ال ت �ع��دو ع��ن كونها ال�شركة� ،أخذت تتو�سع وتنمو مع مرور الزمن
اجلوبة � -صيف 1435هـ
الممكن عن الحجارة وال�صخور التي تزدحم بها الطريق حر�صا منه على ال�سيارة الفتيه.
ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�صة ق�صيرة:
زاهدين بن�صيبهما من الم�شاريع ال�صغيرة ،بعد نب�ضات الرموز والأرقام ،دعك من هذا التخوّف. �أن ظفرت ال�شركة بالحظوة واالح��ت��رام ،لكن ها قد و�صلنا. التخوّف من �أول م�شروع �ضخم �سيواجهانه جعل ت��رجّ �لا م��ن ال���س�ي��ارة .نظر النا�س �إليهما، حازم يت�أرجح بين تردد و�إحجام ،فانتهز زياد �أعجبوا بالمهابة والوقار اللذين يتحليان بهما .بُحَّ الفر�صة وخبّـره عن ق�صة �أم ب��دوي التي تقر�أ �صوت الجر�س وهو يزعق على �أهل البيت.و�أخير ًا الفنجان وتك�شف خفايا الم�ستقبل م��ن خالل جاء الفرج: الر�سومات والأ�شكال المتبقية في الفنجان مبدي ُا تف�ضال. �أهالً� ،أه ًال عم زيادّ .رغبته في الذهاب �إليها ،ومعرفة ما �ستئول �إليه ق��ال �ه��ا ط �ف��ل �أ� �ش �ع��ث؛ ع �ي �ن��اه ت� � ��دوران في الأمور. ل�ص متمرّ�س في الل�صو�صية، كانت ال�سيارة تنا�ضل من �أجل ال�صعود �إلـى محجريها ،كعيني ّ القرية ،ويبذل حازم ق�صارى جهده باالبتعاد قدر وقد بدا وا�ضحا جد ًا �أنه لم يغت�سل منذ �أيام. هل �أمك في البيت يا بدوي؟ -نعم �إنها هنا.
نظر حازم �إلـى ال�ساعة الإلكترونية المثبتة تف�ضل حازم وزياد بالدخول بعد �أن دفع حازم على لوحه القيادة وقال: بدينار �إلـى بدوي ،وقفز هذا الأخيـر فرحا وطار �أال ت��رى �أن��ه من العبث بوقتنا الثمين �أن �إلى الدكان �صافقا الباب خلفه.نجل�س مع تلك العرّافة ونبدده باال�ستماع �إلـى ا�ستقبلتهما �أم ب��دوي بالترحاب والتهاليل بدعها ،مدعية �أنها تقر�أ حظوظنا؟ وجل�سا بمحاذاة �شاب في مقتبل �شبابه. قال زي��اد مدافعا عن �أم ب��دوي� :إنها ماهرة «معدلك فوق ال�سبعين �إن �شاء اهلل».جدا في قراءة الخافي من �أمور الم�ستقبل ،وتتقـن تهلّل وج��ه ال���ش��اب ف��رح �اُ ،و�شكرها كثير ًا ببراعة تحليل الرموز والأ�شكال ،و�أنا �أعرف ذلك و�أنقدها ب�ضعة دنانير ال يتجاوز عددها �أ�صابع بحكم تجاربي معها. اليد الواحدة� .أم�سكت الدنانير ود�ستها في جيب تثاءب حازم بهدوء وقال مبدي ُا عدم ارتياحه د�شدا�شها الطويل وهي تقول: للفكرة :ومع �إيماني المطلق ب�أن قراءة الفنجان «الهدية الكبيرة يوم النتائج»..ماهي �إ ّال مح�ض خرافة وا�ستغالل لجهل النا�س غد ًا �ستظهر النتائج يا �أم بدوي ،اد ِع لنا.وب�ساطتهم� ،إ ّال �أن�ن��ي �س�أ�سايرك ه��ذه ال�م�رّة، و�سنرى ما تحذفه علينا تلك العرافة من خيالها و�شيّـعته �إلـى الباب وهي تدعو له بالنجاحات. الرحب في ابتداع الخرافات على �أنها حظوظ. �أح���ض��رت �أم ب��دوي القهوة ل�ضيفيها ،ولم ق��ال زي��اد بلهجة المحتج :ول�م��اذا تحاملك يترك لها زياد مجا ُال للثرثرة فبد�أ حديثه قائالً: عليها وقد �أثبتت التجارب الكثيرة �أنها متمر�سة ه��ذا الأ��س�ت��اذ ح��ازم� ،شريكي� ،سنذهب اليوم في هذا العمل؟ �إن لها عينان ثاقبتان تجو�سان لال�شتراك في مناق�صة كبيرة ،ولكن قبل �أن
اجلوبة � -صيف 1435هـ 95
زياد ودفع �إليها يده المم�سكة بع�شرين دينارا،
* قا�ص من الأردن.
96
اجلوبة � -صيف 1435هـ
-لماذا! لأنني ر�سبت!!!
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
نذهب نريد الت�أكد :هل �سير�سو العطاء علينا �أو كذلك فعل حازم ووعدها بالمثل عندما يح�صال ربما ال يكون لنا في الطيّبات ن�صيب. على المناق�صة. ا�شربا القهوة �إذاً.عبر ممر �ضيّق وغير معبّد كانت ال�سيارة و�شربا حتى الر�شفة الأخيرة .وقلبت الفنجان ترف�س الأتربة وهي تدخل �إلى القرية في �صبيحة الأول كما هو متّبع وعلى الطريقة ال�سائدة .نظرت ال �ي��وم ال�ت��ال��ي ،وك ��ان ح ��ازم يتميّز م��ن الغيظ في الطال�سم .جال ب�صرها في قعر الفنجان .والغ�ضب ،والنفور وا�ضح على ت�صرّفاته وهو تدحرج الفنجان ككرة في يدها ،ثم قالت :الخير يكظم غيظه بحدّه. من عند اهلل يا �سيد ح��ازم ،و�أن��ا �أرى زوبعة في وقبل �أن يقف ب�سيارته �أم��ام منزل �أم بدوي فنجانك ،وهنا �أي�ضا حمامة بي�ضاء� ،أنظر �إليها. ن��ظ��ر ح����ازم �إذ �أ����ش���ارت ف���أب�����ص��ر م��ن بين �أط ّل بر�أ�سه من نافذة ال�سيارة فر�أى ال�شاب الذي الطال�سم �شيئ ُا ما ي�شبه الحمامة �إلـى حد بعيد .قر�أتْ بالأم�س �أم بدوي طالعه. ه ّز ر�أ�سه عالمة �أنه ر�أى ما �أ�شارت �إليه ،وتابعت ناداه حازم ،وقبل �أن يتفوّه بكلمة واحدة بادره قولها :وهنا �أي�ضا مظروف كبير تقب�ض عليه يد ال�شاب بالقول: بقوة ،لعلها يدك يا �سيد حازم. �أهال .لقد ر�أيتك بالأم�س مع رجل �آخر عند �أموهنا تح�سّ �س ح��ازم ي��ده وتناثرت عالمات بدوي ،ترى �أي ريح �أتت بك �إلى هذا المكان المقفر؟! الر�ضا واالقتناع على وجهه. �إنه مقفر حقا .ففي هذا المنزل ا�ستوطنتت�ن��اول��ت �أم ب ��دوي ف�ن�ج��ان زي ��اد وف�ع�ل��ت به الأعاجيب� :أخ��ذت ت�شقلبه وتبعده عن م�ستوى امر�أة خبيث� .أريد �أن �أ�سترد منها الأربعين دينار ًا ب���ص��ره��ا .ت�ق��رب��ه ث��م ت�شقلبه ول���س��ان�ه��ا يلهج التي ا�ستولت عليها بالأم�س منّي ومن �شريكي. بالب�سمالت والتحميدات ،ث��م لعقت �إبهامها لماذا؟ودا� �س��ت ب��ه ق�ع��ر ال�ف�ن�ج��ان وق��ال��ت :خ�ب��ر ه��ام �سي�صلك قريب ًا �أو ر�سالة. لماذا!! لأنها قالت لنا �أن المناق�صة �ستر�سو�صمتت برهة ثم �أ�ضافت :مبلغ من النقود في علينا ،وف��ي ال��واق��ع ف��ازت بها �شركة مناف�سة. كانت تتحدث عن زوبعة في فنجاني وعن حمامة طريقه �إليك. نظرت �إليه بطرف عينيها لترى وقع كلماتها ،و�أ�شياء �أخرى ونحن ن�سمع لها كالأبلهين .ولكن ف� ��ر�أت ع�لام��ات ال��ر� �ض��ا وال �� �س��رور م��ن خ�لال �أنت� ،أتريد منها �شيئ ًا في هذا ال�صباح الباكر؟ ابت�سامة عري�ضة تكوّنت على وجهه ال�صغير، نعم� .أري��د �أن �أ�سترد الأربعة دنانير التيو�أردف��ت وك�أنها لت�ؤكّد :طبع ًا لن تن�س �أم بدوي �أعطيتها بالأم�س. عندما تملك النقود. لماذا؟�ضحك ح��ازم �ضحكته المعهودة ،بينما قام
ٌ نق�ش على القلب ■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
�أنـَقـ ٌْ�ش على القلب ..هذا الأ�سى؟ وحَ ـفـ ْ ٌر بتجويف ِة الروح.. هذا الحنينْ ؟ �أفي كل يو ٍم تنادمُك العـَبـَرَاتُ .. وتـ ُلهمُك الخـَطـ َراتُ .. لتكتبَ ذكراكَ للراحلينْ ؟ ُيـذكـّرُك ال�شج ُر الذي في البراري وتـ ُ�شْ جـ ِيكَ الحمائ ُم فوق الغ�صونْ ويجرحـ ُك اللي ُل في خدر ِه ال�سوق ِ وفي زحم ِة والعابرين ووحدَكَ ،تقتاتُ حز َن الأما�سي ُتجـ ّر ُع كا�ساتِ وجدٍ دفين �أنـَقـ ٌْ�ش على القلب ..هذا الأ�سى؟ وحَ ـفـ ْ ٌر بتجويفة الروحِ.. هذا الهُـيامْ؟ وح�ش ٌد من ال�شوق مرّتْ به * �شاعر من ال�سعودية.
طيوفٌ عليكَ ..تدي ُر ال�سال ْم تـ ُجَ افيـ ْكَ بالليل طع َم الكرى ّ�ض عينيكَ �ألاّ تنا ْم تـ ُحر ُ تـ ُ�ساقيكَ ..والك� ُأ�س بعد الع�شياتِ تالفيفُ ع�شقٍ وطع ُم نـ َوى ورج ُع جَ ـوى لتـَنـ ْزفَ �آهاتِ �شع ٍر حـزينْ ال�ضـنَى؟ �أقلبـ ُكَ يلتـذ ُطع َم َ وتـ ُ�سكِـ ُر ُه خفقاتُ الأنينْ وتجمعُه الذكرياتُ الغـ َوالي وتنثرُه وح�شة ُ الغائـ ِبين وي�سف ُح دمعـ َكَ هذا الهوى.. و�صوتُ غنائِكَ : هل تذكرين؟ �أما ترعوي �أما ت�ستحي، �أما يخجِ لـ ُك ال�شيب ُ عب َر ال�سنين؟ اجلوبة � -صيف 1435هـ 97
���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر
و�أخير ًا ولي�س �آخر ًا ■ مو�سى بن عبداهلل البدري*
ال ه ّ حبيبي! و قد �أثم َر �إح�ساناً جئتنا �أهال! و ُقدْماً ف�أتر ْع ك�أ�سنا �صنتُهِ ..فعْال و�صال! و ُقدْماً كان في قلبي حبي�س ال�صوْن �أحقاً ال يبلى �أنتَ في القرْب؟! و �أ�سقيه عناء الآه و �صارت مهجتي جذْلى! في �صغْره نبْال لقد �أفعمتَ نف�سي �إلى �أنْ بالهناء الح ْل ِو ك ُب َر الحبُّ يا �أحلى ال بماء ال�ص ْب ِر مبت ّ فمن دهْ رٍ نداه الأم ُل الفذُّ و نف�سي ترْتجي �إح�سانكَ الأغلى �أيا ح ْل ُو �إذا ما �شئتُ �شيئاً ال تقلْ :كالّ! و لو غيري �إذن.. ف�إنّ الليلة الح�سناء �إن تنع ْم ال م ّ تكنْ �أجْ لى �إلى �أنْ برع َم الحُ بُّ و من ُذ الآن وراح الحُ بُّ �أب�صرتُ عذاب ال�ص ْر ِم للأعلى ق ْد ولّى و م ّد الف ْر َع فرحا َن و من ُذ الآن ال و ق ْد �أ�صبح لي ظِ ّ �أب�صرتُ جميل ال�سعْد و ق ْد �أ ّر َج ال ق ْد ح ّ �أ�شواقي وروداً و من ُذ الآن ال تزدري ال ُف ّ ال �أب�صرتُ ب�أنّ الح�سْ ن قد ج ّ و ه��ا ن��ح��نُ حبيبي نقطف الأث���م���ا َر ال و من ُذ الآن� ..أب�صرتُ مهْال!.. عطاء الحبِّ ق ْ د 98
* �شاعر من ال�سعودية. اجلوبة � -صيف 1435هـ
ال �شيء في غمراتها ■ �أحمد اخلطيب*
هالك، أقب�ض الأ���ش��ي��ا َء وه��يَ َت�� ُغ ّ��ط في �صبّارتان على جدا ٍر ٍ خِ ل�س ًة � ُ وق�صيد ٌة ف ّع الحنينُ على يديها ،واختفتْ �أحالمها دون �أنْ تدري ب�أنّي ال �أذو ُد عن الغيو ِم فمكثتُ �أ�شربُها على َمهَلٍ �شرار َة الإيقا ِع ولي �أ�شيا�ؤها، خل�س ًة �أهوي �إلى و�أد الم�سا ِء وال����ن����ايُ ح���ن��� َو ال���ن���اي ي���ب���ري ���ص��ورت��ي أر�ض عن جنبي �أريقُ هذي ال َ ويراعي و�أ�سطع بالذي ما ردّني ال �شي َء يُغ�ضبني �أنا ال�ضوئيُّ لجريرتي وبقاعي مزالجي وقو ُع النه ِر في بح ٍر هالميِّ تل�ص�صي و�شراعي خل�س ًة ال �أ�ستر ّد ُّ لأركبَ ما �أرى من �صور ِة الينبو ِع لكنّني هذا ال�س ْي ُل ي�شب ُه في قاع هذا الو�أ ِد ُّ���س الأ���س��م��ا ِء وه��ي ه��ل ت��ري��نَ -ت��ق��و َ�أقر�أُ حيرتي و�ضياعي تحط في غمراتها ُّ ْ���س ال����ذي ع�� ّل��م�� ُت�� ُه �أنْ �أن����ا � ُ���ص��� ّر ٌة ال��ح��د ِ وت�صدُّ عن بابي قناعي؟ يهتدي بر�ؤى �أبي ال �شي َء وركن ُت ُه في �آخر المعنى في غمراتها لأ�شطبَ هام�شي ومتاعي غي ُر الأفاعي!! هو هكذا * �شاعر من الأردن.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 99
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
نهر قديم ■ جمال املو�ساوي*
نهر قديم يتبعني. ل�ست �صاحب فلك، وال بطال من الأ�ساطير. فقط ثمة ما ي�سّ اقط من علٍ ال هو منُّ وال هو �سلوى. نهر قديم يتبعني و�صفير. ك�أنني خارج الن�سق المفتر�ض. �أو ك�أنني الهارب الفعليُّ من جزيرة البنف�سجْ. لكنني ل�ست �صاحب فلك وال يد لي في كل ما يحدثُ . فكرة في �أعلى ال�سلَّم، في �شرفة، في �سحابة، مطري. إليك عجلت ُ � ِ ك�أن براقاً ما كانَ. واحت�شدتُ في اللغة وحيدا مثل جملة اعترا�ضية. «�أحبك كثيرا، لنعد �إلى الديار»، �آخر كلمات البطل في فيلم الليلة. *
قلب متوتر ونهر قديم يتبعني. ثمة �شامة على وجه الماء مفقودة، ووقع �أقدام ب�أثر قليل. الورد في �أق�صى الخطوة بينما ت�شرد واح��ة في ال�صحراء التي تهب في لهاث التعب. �إلى ال�صخرة، لما �أ�صاب القلبَ ن�صبٌ ، �آوت فتنة الوقت. لم يكن ثمة ما يدلني... لم يكن ثمة عبد�صالح يعلمني مما يعلمُ. لكنني على هدى �أو على الأرجح ،مددت يداً في لُجج ال�ضالل وك�أنني انك�شفتُ : يهرب العا�شق من زلة القلب, نهر قديم يتبعني بينما �أختل�س الخطوة فالخطوة، ثمة حياة �أ�سفل الهاوية بكعب عال، و�أنا �ألفت الخ�سارة: قلب متوت ٌر وغيم ٌة مثقل ٌة من غبارْ.
حوار مع الفنانة الت�شكيلية تغريد الجدعاني
الفنانة تغريد الجدعاني ،توثّق لنف�سها ح�ضورا متميزا ،في ف�ضاء الفن الت�شكيلي، وه��ي ت���ؤم��ن �أن ال��ف��ن م���ر�آة لحياة ال��ف��ن��ان؛ ل���ذا ،ف����إن التجريب يليق ب��ـ «قلقها» الفني الجريء ..وب�س�ؤالي عن تجربتها المعنونة بخواطر ،قالت« :تبلورت تجربة «خواطر» الفنية الت�شكيلية ف��ي ���ص��ور ال��ع�لاق��ة الجمالية والخيالية بين ان�ف�ع��االت الخطوط في الفراغ ،و�إ�سقاطات المعنى النف�سي والفكري لل�شخ�صية ،في مجموعة خا�صة من اللوحات الفنية التي ت�شكلت بروح الحبر الأ�سود ،على م�ساحات الورق البي�ضاء ،في نظم متنا�سق ،تمثل ق�صائد ت�شكيلية ،ت�ضمنت المحتوى النف�سي والفكري للتجربة الإن�سانية التي ع�شتها في فترات زمنية متعاقبة؛ لتعيد �صياغة الواقع بكل جمالياته ومفارقاته الزمنية والمكانية». الفنانة تغريد لها م�شاركات في المعار�ض المحلية والدولية ،كما ح�صدت الكثير من الجوائز ،ومنها جائزة اقتناء لمكتب الأمير عبدالعزيز بن نواف بن عبدالعزيز �آل �سعود، وجائزة اقتناء لوكالة وزارة الثقافة والإعالم لل�ش�ؤون الثقافية (المعر�ض الرابع للفنانات الت�شكيليات) ،لوحة (ر�ؤية) اقتناء من �سمو الأميرة نوف بنت مقرن بن عبدالعزيز �آل �سعود .وهي ت�شغل من�صب محا�ضرة بدرجة دكتوراه بكلية الت�صاميم والفنون بجامعة الملك عبدالعزيز ..هذه �إ�ضاءة قد تقودنا لعالمها ،وكبوابة لهذا الحوار... ■ حاورها عمر بوقا�سم -ال�سعودية
�شاعر من المغرب.
100اجلوبة � -صيف 1435هـ
اجلوبة � -صيف 1435هـ 101
�سوف ت�شهد ال�ساحة الفنية العربية والعالمية نقلة حديثة �ستغير معايير الفن ،وت�ضع مفاهيم جديدة للفنان والمنتج الفني �أ�صبح الح�ضور الفني الت�شكيلي ال�سعودي يتجاوز الح�ضور العربي في كثير من المحافل الفنية العالمية، لما له من تميز وخ�صو�صية مهتمة حالي ًا بعمل �شراكات فنية بهدف تطوير ال�ساحة الت�شكيلية و�إعادة �صياغتها فكري ًا وثقافي ًا لالرتقاء بالفنان الت�شكيلي
ال�ساحة ما يميزها الروح ال�شابة الغنية! «الفن» ..يت�أثر وي�ؤثر ● ● لديك الكثير من الم�شاركات المتميزة في ال��م��ع��ار���ض المحلية ،ق�����ص��دتُ م��ن الإ���ش��ارة ● ●«الفن الت�شكيلي عاجز على �أن ي�أتي بجديد»، ل��ه��ذه ال��م�����ش��ارك��ات ،اق��ت��راب��ك م��ن ال�ساحة الفنية ،ما تقييمك ل�ساحة الفن الت�شكيلي م�ضمون ه���ذه ال��ع��ب��ارة ت��ك��رر ف��ي ع���دد من
102اجلوبة � -صيف 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
بين �ألواني وري�شتي وم�ساحات اللوحة الحرّ ة� ،أجدني �أملك �إمكانية �صياغة فكري بالطريقة التي تنا�سبني ،و�أ�شكّل بفني واقع الآخر!
القراءات النقدية ،الفنانة الدكتورة تغريد الجدعاني ،ماذا تقول في هذا االتجاه؟ ρ ρاعتقد �أن الفن هو نتاج حراك اجتماعي فكري �إن�ساني ،يتفاعل مع التغيرات والتطورات التي ت�ؤثر وتت�أثر به عبر التاريخ ،والمجتمعات الإن�سانية في الفترة الحالية تواجه رك��ودا وج �م��ودا ،وت �ك��اد ت�ك��ون ال�ح��رك��ات الفكرية واالجتماعية ف��ي حالة نكو�ص �إل��ى فترات زمنية �سابقة ،ت�ستند عليها وت�ستقي منها فكرها ونتاجها ،في ظل الفقر الكلي الذي يعي�شه عالمنا اليوم ،لتحقيق اال�ستمرارية ولو في حالة �ضعف بدال من الموت والتوقف تماماً؛ ولكن مثل هذه االنتكا�سات غالب ًا ما تتزامن م��ع ب��داي��ات ث��وري��ة قوية تن�ضج في العمق ببطء ،و�سرعان ما �سيتغير حال الفن الت�شكيلي خالل ال�سنوات القادمة ،وتنطلق حركات جديدة تعيد للفن الحيوية والقوة لإنتاج الجديد والمختلف.
ال�سعودية مقارنة بال�ساحات العربية؟ ρ ρال���س��اح��ة ال���س�ع��ودي��ة ت�شكل �أر� �ض��ا خ�صبة م�ت�ج��ددة وم�ت�ن� ّوع��ة ،ت��واك��ب ال �ت �ط��ورات في ال�ساحات الفنية الت�شكيلية على الم�ستويين ال�ع��رب��ي وال��دول��ي ،تميزها ال ��روح ال�شابة الغنية علم ًا وفناً ،والتي ق��ادت حركة الفن الت�شكيلي ال�سعودي لتخترق ب��ه ال�ساحات الفنية ف��ي ال�ع��ال��م ب �ج��ر�أة وف� ��رادة ،جعلت الفنان ال�سعودي جزءا من الر�ؤية العالمية المعا�صرة بثقافته وفنه و�أ�صالته .و�أ�صبحت اللوحة الت�شكيلية ال�سعودية تحتل مكانتها �إلى جانب �أ�شهر اللوحات للفنانين العالميين في �صاالت �أوروبا و�أمريكا و�أ�سيا ،وبذلك �أ�صبح الح�ضور الفني الت�شكيلي ال�سعودي يتجاوز ت��غ��ري��د ،م����اذا ت��ب��وح ل��ن��ا ت��ح��ت م��ظ��ل��ة ه��ذه الح�ضور العربي في كثير من المحافل الفنية التفا�صيل؟ العالمية،؛لما له من تميز وخ�صو�صية جعلته يتجاوز مرحلة المقارنة العربية� ،إلى تحقيق ρ ρعالقتي بالفن ن�ضجت مع تطوري ال�شخ�صي عبر �سنوات ترافقت فيها ممار�سة الفن الهوية الفنية الخا�صة التي جمعت الأ�صالة م��ع ت �ج��ارب �شخ�صية متنوعة وم�ت�ع��ددة، العربية ذات الطابع الخا�ص ،والمعا�صرة وت�م��رح�ل��ت ف��ي ع ��دة ان �ت �ق��االت ��ش� ّك�ل��ت كل الغربية المتجددة. مرحلة الوعي الفني ال��ذي ت�صوّره لوحاتي ن�ضجت مع تطوري ال�شخ�صي ب�ألوانها وعنا�صرها وفراغها الناطق� ،إذ �إن �شخ�صيتي الفنية تجد مكانها في م�ساحات ● ●لكل فنان موعد وطق�س خا�ص مع ري�شته و�ألوانه؛ �أي عالقة الفنان بلوحته .الفنانة الفكر والعمق الذاتي .هناك �أحقق الإح�سا�س
اجلوبة � -صيف 1435هـ 103
«خواطر»..لوحات فنية ت�شكلت بروح الحبر الأ�سود على م�ساحات الورق البي�ضاء وتمثل ق�صائد ت�شكيلية ت�ضمنت المحتوى النف�سي والفكري للتجربة الإن�سانية التي ع�شتها
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
بالحرية والجمال ،و�أت �ج��اوز المحدود �إلى الالمحدود ،وبين �ألواني وري�شتي وم�ساحات اللوحة الحرّة �أجدني �أملك �إمكانية �صياغة فكري بالطريقة التي تنا�سبني ،و�أ�شكّل بفني واقع الآخر الذي يبحث عني في لوحاتي. ● ●ب����ر�أي����ك ،ه���ل الإع���ل��ام ي���ق���وم ب�����دوره ت��ج��اه ال���ف���ن ال��ت�����ش��ك��ي��ل��ي ب��ال�����ش��كّ��ل ال������ذي ي��ث��ق��ف العين و�إك�سابها الأدوات ل��ق��راءة الأع��م��ال الت�شكيلية؟ ρ ρي� ��ؤدي الإع�ل�ام ال���س�ع��ودي ح��ال�ي� ًا م �ب��ادرات عديدة لتغطية المجال الفني الت�شكيلي ،من خالل البرامج الثقافية التي تقدم للفنانين ال�سعوديين والمعار�ض الت�شكيلية ،ب�صورة اعتقد �أنها ت�سهم في تثقيف المجتمع حول الفن ودوره ف��ي خدمة المجتمع واالرت�ق��اء بالذوق العام والتطور الح�ضاري والإن�ساني. وهناك برامج ت�ست�ضيف نخبة من النقاد الفنيين ال�سعوديين والعالميين الذي لهم باع في مجال النقد الفني واتجاهاته المختلفة.
مواقع التوا�صل في المرتبة الأولى.. ● ●م��ا ال��م��واق��ع ال��ت��ي تهتمين ب��زي��ارت��ه��ا على ال�شبكة العنكبوتية؟ ρ ρبالطبع تحتل م��واق��ع التوا�صل االلكتروني المرتبة الأول��ى في �أولويات زياراتي لل�شبكة العنكبوتيه (الفي�س ب��وك ،التويتر)� ،إذ �أن ن�شاطي ال�شخ�صي متركز غالب ًا ف��ي ن�شر محتويات ثقافية وفنية وعلمية في مجاالت متنوعة ت�سهم في خدمة الفكر وتطوير الفرد وتنمية الإم�ك��ان��ات لجميع فئات المجتمع، وبخا�صة ال���ش�ب��اب� ،إ��ض��اف��ة �إل��ى التوا�صل والإطالع على المواقع العالمية المهتمة بالفن الت�شكيلي والمواقع الثقافية ب�شكل ع��ام.. �سواء العربية �أم العالمية. «خواطر» ..ت�شكلت بروح الحبر الأ�سود!.. ● ●م��ن خ�ل�ال تجربتك ال��م��ت��م��ي��زة ،المتميزة والمعنونة بـ «خواطر» ،و�أنا �أت�صفح ر�سومات ه��ذه التجربة ،وكذلك من خ�لال تعليقك ال�سريع على هذه التجربة� ،شعرت على �أنك تراهنين بما تحويه هذه التجربة من عمق، ع��ل��ى ع���دة م�����س��ت��وي��ات؛ ���س��وا ًء ع��ل��ى م�ستوى الأفكار �أم الأ�سلوب ،ما �أبعاد هذه التجربة؟ ρ ρتبلورت تجربة «خ��واط��ر» الفنية الت�شكيلية
معيار الحكم على �أ�صالة الفنان وفنه، يتوقف على م�ستوى تقييم الجوائز والقائمين على الإعداد للم�سابقات والمعار�ض الت�شكيلية!
ال�ساحة الت�شكيلية ال�سعودية ما تزال قا�صرة ونخبوية وربما غير عادلة في حق الفنان الت�شكيلي و�إنتاجه الفني ف��ي �صور العالقة الجمالية والخيالية بين انفعاالت الخطوط ف��ي ال��ف��راغ و�إ�سقاطات المعنى النف�سي والفكري لل�شخ�صية ،في مجموعة خا�صة م��ن ال�ل��وح��ات الفنية التي ت�شكّلت ب��روح الحبر الأ��س��ود على م�ساحات ال��ورق البي�ضاء ،في نظم متنا�سق ،تمثّل في ق�صائد ت�شكيلية ت�ضمنت المحتوى النف�سي والفكري للتجربة الإن�سانية التي ع�شتها في فترات زمنية متعاقبة ،لتعيد �صياغة الواقع بكل جمالياته ومفارقاته الزمنية والمكانية، وحددت تقنيات العمل الفني بطريقة خرجت ع��ن ال�م��أل��وف ف��ي ال�ط��رح الفني الت�شكيلي ال�سائد ف��ي ال�ساحة الت�شكيلية ال�سعودية؛ ِلتُحَ دِّ َد م�سار ًا فني ًا خا�ص ًا يعك�س هوي ًة فني ًة ت�شكيلي ًة ذات تميز يجعل لها وج��ود ًا مختلف ًا وطابع ًا م�ؤثراً. ثقافة االقتناء ما تزال قا�صرة ونخبوية!
104اجلوبة � -صيف 1435هـ
● ●ه��ل كمية اق��ت��ن��اء ال��ل��وح��ات للفنان وح�صد الجوائز ،دليل �أو معيار لنجاحه؟
اجلوبة � -صيف 1435هـ 105
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ρ ρيتوقف معيار الحكم على �أ�صالة الفنان وفنه على م�ستوى تقييم الجوائز والقائمين على الإعداد للم�سابقات والمعار�ض الت�شكيلية ،كذلك اقتناء اللوحات الفنية يت�أثر بطريقة الت�سويق التي يقدم بها الفنان في ال�ساحة الفنية والفر�ص التي تتاح ب�صرف النظر عن جودة المنتج الفني و�أف�ضليته. �إذ �أن ثقافة االق�ت�ن��اء ف��ي ال�ساحة الت�شكيلية ال�سعودية ما تزال قا�صرة ونخبوية ،وربما غير عادلة في حق الفنان الت�شكيلي و�إنتاجه الفني. مكتبتي متنوعة!.. ● ●وهل لنا �أن نتعرف على ما تحتويه مكتبتك؟ ρ ρبحكم التنوع في المجاالت العلمية والثقافية وااله�ت�م��ام��ات ال�شخ�صية� ،إ�ضافة �إل��ى مجال الدرا�سة والأبحاث العلمية ،ف�إن مكتبتي ت�ضم مجموعة من الكتب في مجاالت الفن الت�شكيلي، وعلوم الإ�سكان والعمارة والت�صميم الداخلي، وع�ل��وم تطوير ال��ذات وتنمية الإن���س��ان وتحليل ال�شخ�صية ،وعلوم الإدارة والتخطيط ،والعلوم الإن�سانية ب�صفة عامة والأدب وال�شعر. الفن الت�شكيلي المعا�صر يرافق التغيرات!.. ● ●في ظل التغيرات التي ي�شهدها العالم العربي �سيا�سيا واقت�صاديا ،هل ب��ر�أي��ك �سينعك�س �أثر ه��ذه التغيرات على الإب����داع الفني والخطاب الإبداعي ب�صفة عامة؟ ρ ρبما �أن الفن ه��و الحياة وانعكا�س جميل لكل ت���ص��ورات�ه��ا ال�م�خ�ت�ل�ف��ة ،وم � ��ر�آة للمجتمعات الإن�سانية وتاريخها عبر الع�صور ،ف ��إن الفن الت�شكيلي المعا�صر ي��راف��ق رح�ل��ة التغيرات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،ينمو معها ويقوى بقوتها وي�ضعف ب�ضعفها ،و�سوف ت�شهد ال�ساحة الفنية العربية والعالمية نقلة حديثة �ستغير معايير ال�ف��ن ،وت�ضع مفاهيم جديدة للفنان والمنتج الفني ،قد تختلف كليا عما كان
106اجلوبة � -صيف 1435هـ
عليه الفن في الفترات الما�ضية ،ل�صياغة عالم جديد بفكر جديد.
الموارد الأ�سرية والفردية .و�أ�سعى ب ��إذن اهلل �إلى ربط برامج التطوير الذاتي بالفن الت�شكيلي وتطوير ال�ساحة الت�شكيلية وتنميتها فكري ًا وثقافيا.
تنمية ال�شخ�صية وتطوير الذات ● ●م��ا الف�ضاء الآخ���ر ال���ذي تح�ضرين فيه غير جمعية لتنمية الوعي!.. ف�ضاء الفن الت�شكيلي؟ ρ ρمنذ فترة اتخذت توجهاتي م�سار ًا جديد ًا ركزت ● ●وماذا عن خطواتك الجديدة؟ فيه على االهتمام بعلوم تنمية ال�شخ�صية وتطوير ρ ρخطواتي الجديدة تهدف �إل��ى ت�أ�سي�س جمعية لتنمية الوعي الفكري في المجتمع ،كما �أنني ال��ذات ،وتح�سين المجتمع ،من خ�لال �إع��داد مهتمة حالي ًا بعمل �شراكات فنية بهدف تطوير ب��رام��ج تطويرية تحفيزية ،وتقديم مجموعة ال�ساحة الت�شكيلية و�إع ��ادة �صياغتها فكري ًا من ال��دورات التدريبية المتنوعة في مجاالت وثقافي ًا لالرتقاء بالفنان الت�شكيلي و�إنتاجه اكت�شاف ال��ذات الإن�سانية وتح�سين تكيّفها مع ليواكب التطور العالمي. الحياة� ،إ�ضافة �إلى برامج في التخطيط و�إدارة
اجلوبة � -صيف 1435هـ 107
د .م�صطفى ال�ضبع يظل واحداً من �أهم النقاد على ال�ساحة الم�صرية والعربية ،ممن ارتبطت با�سمهم �سجالت الإبداع النقدي وم�ساجالت الدرا�سات الأدبية والبالغية؛ وهو رغم ان�شغاالته الأكاديمية كمحا�ضر و�أ�ستاذ للأدب العربي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ،ورئي�س لق�سم البالغة والنقد والأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم في م�صر� ،إال �أنه فريد متميز فيما يقدمه لمهنة النقد من جهد حثيث متوا�صل ،يتطلع من خالله لتر�سيخ كيان نقدي متكامل على الم�ستوى العربي� .سيرته الوظيفية ال تخلو من منا�صب الرفعة وال�سمو ،كما ال تخلو �سيرته الإبداعية من جوائز التكريم واالعتراف بالف�ضل� .إن��ه الأ�ستاذ الدكتور م�صطفى ال�ضبع ،ال��ذي يرى في مهنة النقد فر�صة م�شرعة الآفاق لكل مَن يرغب مخل�صاً في �إعادة هيكلة الوعي العربي و�صياغته ،وفق معطيات الذوق الرفيع والتذوق الراقي البديع« .الجوبة» التقته بالقاهرة وحاورته في �شئون الثقافة والنقد والأدب. ■ حاوره :حم�سن ح�سن -القاهرة ● ●بداية ،ما �سر تراجع الحركة النقدية ف���ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ،ق��ي��ا���س��اً بحركة الطباعة والن�شر؟ ρ ρلدينا مجموعة من العوامل ي�أتي في مقدمتها التعليم وم��ا يت�سم ب��ه من ج �م��ود ،رغ��م م��ا ي�ت��اح م��ن �إم�ك��ان��ات؛
108اجلوبة � -صيف 1435هـ
فيوم �أن كان في م�صر خم�س جامعات فقط� ،شهدنا حركة نقدية كبرى في م�صر وال�ساحة العربية� ،أما اليوم ففي م�صر والعالم العربي مئات الجامعات الحكومية والخا�صة ،ومع ذلك تت�سم م�ساحة النقد بالت�ضا�ؤل وال�ضعف.
ث��م ي��أت��ي ت��راج��ع التربية ،وغ�ي��اب ال�ق��راءة بو�صفها الو�سيلة الأهم في تن�شئة المواهب وتنمية الذائقة منذ ال�صغر ،لتت�سع عوامل الق�صور؛ هذا �إ�ضافة �إلى افتقاد منظوماتنا الإعالمية بعامة و�صحافتنا الأدبية بخا�صة، �إل��ى م�شروع نقدي ينتج نقّادا ،ويجمع بين الأجيال. ● ●على ذك��ر النقد ،ه��ل م��ن اق��ت��راح عملي ما ال�ستنها�ض ال��ح�����ض��ور ال��ن��ق��دي ومعالجة الأخطاء؟
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
حوار مع الناقد والأكاديمي الم�صري
ρρيحلم بم�شروع نقدي يعيد ت�شكيـــــل خارطـــــة الأدب العربي على �أ�س�س علميـــــة ويقول :الأدب ال�سعودي على الطريق ال�صحيح ،وروائيو الخليج �إ�ضافة كبيرة لل�سرد العربي. ρ ρالنخبة م�س�ؤولة عن تغييب الجماهير ،و�أزم��ة القاريء العربي في ه��واة التغريب با�سم الحداثة. ρ ρيخطيء الكتّاب حين يقْ�صرون �أدوراهم في التنوير على مجرد الطبع والن�شر. ρ ρلدينا �أ�ساتذة في النقد ،لكن لدينا �أي�ض ًا جامعات لم تقدم ناقد ًا واحد ًا منذ ن�ش�أتها. ρ ρفي م�صر نقاد �أ�سهموا في ظهور دخالء على مهنة الأدب ،ودعاة النقد �أ�ساءوا للم�شهد النقدي والإبداعي. ρ ρالنقد الم�ؤ�س�سي ال يخدم الإبداع ،ورقابة الناقد الفرد هي الأولى باالهتمام والرعاية. ρ ρانبهارنا بمحفوظ الكاتب �شغلنا عن اال�ستغراق في محفوظ التجربة والإن�سان. ρ ρف��ي الحقيقة ت���ض��اف ه ��ذه ال �ع��وام��ل �إل��ى �سابقتها مما ذك��رت؛ فهناك غياب �شديد لقواعد البيانات؛ �إذ ال يجد الباحث في النقد وغيره �أي قاعدة بيانات �أو ببليوجرافيا، تمده بالمواد الأولية للبحث العلمي ،وبخا�صة ما يتعلق بقوائم المبدعين و�أعمالهم .ومما ي�صعب الأمور �أكثر و�أكثر �أن الكتاب �أنف�سهم يق�صرون في حق �أعمالهم ،ويعتقدون �أن مجرد ن�شرها يعني انتهاء دوره��م .وحتى دور الن�شر ..هي الأخرى ال تهتم بخدمة ما بعد الن�شر ،مكتفية بالح�صول على حقوقها المادية من الكاتب قبل الن�شر ،ومن ثم ال يعنيها و�صول الكتاب للقارئ بعد الن�شر، وال تقديم العمل بما يليق به نقديا من عقد ندوات �أو ن�شر مراجعات.
ρ ρنعم بالت�أكيد ،ف�أنا �أقترح �أن تقوم �إح��دى الدوريات العربية بتبنّي م�شروع نقدي يقوم على ا�ستكتاب ع��دد من النقاد من �أجيال مختلفة ،يعمل على �إع��ادة ت�شكيل الخارطة الإب��داع �ي��ة ،وال�ك���ش��ف ع��ن ال�م�ن��اط��ق غير الم�أهولة؛ وللعلم الم�شروع خِ ططه حا�ضرة ● ●كيف تقيّم �أمانة النقد والناقد عربياً؟ وجاهزة لمن يريد العمل. ρ ρعلى الم�ستوى العربي تتباين العملية النقدية ف��ي م�ستواها ب�ي��ن ال�ضعف وال �ق��وة ،بين ● ●لكن ماذا عن عوامل الق�صور المعلوماتي على الم�ستوى النقدي؟ الأمانة وما دونها؛ فم�شكلتنا النقدية تكمن
اجلوبة � -صيف 1435هـ 109
● ●م��ن وج��ه��ة ن��ظ��رك ،م��ا المعايير النقدية را�����ض ع��ن ال��م��خ��رج��ات النقدية ● ●ه��ل �أن����ت ٍ ال��ت��ي ت��ح��دد ال��خ��ط ال��ف��ا���ص��ل ب��ي��ن ت��ج��اوز حالياً؟ المبدع وان�ضباطه؟ ρ ρبالطبع ل�ست را� �ض �ي��ا؛ فالتعليم م��ا قبل ρ ρالذائقة �أوال والثقافة النقدية ثانيا ،والتعامل الجامعي ثم الجامعي ثم و�سائل الإع�لام مع النقد بو�صفه علما ،وم��ع الفن بو�صفه جميعها ت���ش��ارك��ت ف��ي ق�ت��ل ال��ذائ �ق��ة ل��دى عملية جمالية في المقام الأول ،ثم ت�أتي المتعلمين ،ورغ ��م ه��ذا ال�ك��م ال�ه��ائ��ل من عملية الخبرة التي ال تتحقق �إال بالممار�سة الجامعات ،ومن كليات الآداب ،ومن �أق�سام عبر قراءة التراث العربي والتراث الإن�ساني اللغة العربية و�أق�سام الآداب المختلفة� ،إال وق ��راءة الأدب العالمي ،فكل ه��ذا ي�شكل �أنه توجد لدينا جامعات لم تقدم ناقدا واحدا خبرة الناقد ووعيه بالن�صو�ص في قمتها منذ ن�ش�أتها؛ نعم لدينا �أ�ساتذة في النقد، الفنية .و�أح �ي��ان��ا يقابلني �أم���ران �أراه �م��ا ولكن لي�س لدينا نقاد من خريجي الم�ؤ�س�سة �شكال من �أ�شكال اال�ستحالة ،ال تجدهما �إال الأك��ادي�م�ي��ة ب��ال�ق��در ال ��ذي يليق بتاريخنا في �أكاديمياتنا العربية :باحث ي�شتغل في الأكاديمي �أو بعدد جامعاتنا ،وقد كان من الرواية ،فتكون �أول رواية يقر�أها في حياته المفتر�ض �أن تتكفل كل جامعة بتقديم ناقد هي الرواية التي �سي�شتغل عليها في البحث واحد كل خم�س �سنوات ،ولكن لم يحدث.. الأكاديمي .ثم �أ�ستاذ يعمل بالنقد لم يقرب فقط نملك المميزات وال ن�ستثمرها! الأدب العالمي ،و�آخ��ر يدر�س الم�سرح ولم ● ●في ر�أي��ك هل �أ�سهم النقاد الم�صريون في يح�ضر عر�ضا م�سرحيا في حياته!! ظهور دخالء على مهنة الأدب؟
● ●ما تف�سيرك للبون ال�شا�سع بين الأدب وبين الجماهير رغم ح�ضور النخبة؟
ρ ρبالت�أكيد؛ فقد كان لل�شللية واال ّدع��اء الدور ● ●في ر�أي��ك �أيهما �أكثر �إث��راء للإبداع :رقابة الأكبر في وجود كثير من الدخالء ،ال�شللية الناقد الفرد� ،أم رقابة الم�ؤ�س�سات الر�سمية؟
ρ ρال�ن�خ�ب��ة ح��ا� �ض��رة دون خ �ط��ة ،ح�ضورها ع�شوائي ،كثيرة لت�صدر الم�شهد �إعالميا
110اجلوبة � -صيف 1435هـ
● ●ك��ي��ف ت���ؤث��ر �سيطرة ن��م��وذج �أدب����ي م��ا على باقي �أجنا�س الأدب في ر�أيك؟
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ف��ي افتقادنا -ع��رب�ي� ًا -لأم��ري��ن �أراه �م��ا �أ�سا�سين في حياتنا :الأول غياب الم�شروع ال�ن�ق��دي ال �ق��ادر على ال�ق�ي��ام ب ��دوره تجاه الإب ��داع ،والثاني افتقادنا للوعي النقدي الذي يعمل على تو�سيع مفهوم النقد ،لينجز مراجعة �شاملة على كل �أم��ور الحياة ،وما �أح���وج ثقافتنا وت��اري�خ�ن��ا �إل ��ى المراجعة والتحليل واال�ستك�شاف؛ فال�شعوب ال تتقدم �إال بمراجعة دائ�م��ة عبر عملية نقد ذات��ي ت�ستثمر وعي النقد بالكثير من الأمور.
تدفع فواتيرها على ح�ساب الأدب؛ ما يعني �صعود �أعمال لي�ست جديرة بم�ستوى و�ضعت فيه؛ واال ّدع��اء هنا هو ادّعاء بع�ضهم للعمل النقدي ..والذين ا ّدع��وا العمل بالنقد وهم يفتقدون الموهبة �أوال ،و�أي مقومات ت�ؤهلهم للقيام بالنقد ثانيا وفي مقدمتها الذائقة، ه� ��ؤالء ك��ان لهم ال ��دور الأخ �ط��ر ف��ي �إق��رار �أعمال تفتقد القيمة ،وتقر �أخطاء دور الن�شر التي ن�شرت �أعماال ال قيمة لها.
ρ ρرقابة الناقد الفرد �أق��وى ،وبخا�صة الناقد �صاحب ال�م���ش��روع؛ �أم ��ا الم�ؤ�س�سة ،فهي تعمل على التنظير ال التطبيق ،وهي فقط تقدم عوامل التثقيف للناقد ،بينما ال تخدم الإبداع خدمة الناقد له؛ كما �أن الم�ؤ�س�سة في ممار�ستها للرقابة ت�ستهدف بقاء ال�شعوب ف��ي ط��ي الجهل ال التنوير ،خ�لاف��ا لهدف الناقد ال�ت�ن��وي��ري ،عمال بمقولة «الكاتب �ضمير المجتمع المتيقظ»� ،أو الذي يجب �أن يكون كذلك دائما.
ف�ق��ط ،وقليله ل�صالح العمل ال �ع��ام ،وقد ارتكبت النخبة في تاريخنا الطويل كثيرا من المغالطات وابتعدت عن الجمهور ،وهي �إن تقدمت خطوة للجمهور ..تتقدمها نحو الكبار ولي�س نحو ال�شباب في الجامعات والطالب في المدار�س ،لقد انغلقت النخبة على نف�سها ،وراح��ت ت�شكو غياب جمهور هي م�س�ؤولة عن غيابه قبل �أي عامل �آخر. َلكَم تمنيت لو ا�ستثمر اتحاد الكتاب جمهور الأدب��اء والنقاد في �إح��داث تنوير عبر عدد من الندوات يقومون بها في �أقرب مدر�سة لمقر �إقامة كل منهم.
ρ ρيتدخل في ذل��ك عامالن :الثقافة العربية ● ●كيف نفك الإ�شكالية القائمة بين التعاليم ال��دي��ن��ي��ة و�آف�������اق ال��ن�����ص��و���ص الإب���داع���ي���ة عامة في اعتقادها بفكرة ال�شخ�ص الواحد، والفنية؟ �إذ ترفع راية الكاتب الواحد طوال الوقت، وو�سائل الإعالم التي تر�سّ خ للنموذج الواحدρ ρ ،ب��إع��ادة االعتبار للقراءة الأدب �ي��ة ،و�إع�لاء قيمة الفن ،و�أن نتخل�ص من ادّعاء الخالف ما ي��ؤدي �إل��ى ت�سليط الأ�ضواء على منطقة بين الدين والجمال �أو الدين والفن ،الذين واحدة طوال الوقت ..وتغفل بقية الجوانب يكتفون (مدّعين) َفهْمَ الدين من دون معرفة ذات الت�أثير .ومث ًال وج��ود نجيب محفوظ الأدب ،ف�شلوا في َفهْمِ الحياة حين ر�سّ خوا في م�صر ال يعني انفراده بالرواية العربية، في الأذهان �أن الإبداع يخالف الدين. �صحيح �أن نجيب م�ح�ف��وظ ه��و ال�ن�م��وذج الأعظم ،لكنه لي�س النموذج الوحيد ،وهو ● ●في ر�أيك لماذا لم تظهر نوبل �أخرى عربية نف�سه �سمح لبراعم حوله �أن تنمو ،ولم يمنع بعد نجيب محفوظ؟ عنها �ضوء ال�شم�س مثلما يحدث الآن من ρ ρنجيب محفوظ نموذج لم ن�ستثمره تماما، بع�ض محتكري الأدب. تجربة الكاتب لها �شقان :م�شروعه المكتوب الذي بين �أيدينا ،وحياته و�أ�سلوبه في هذه الحياة؛ وال�شق الثاني لم نكت�شفه النبهارنا ب�م�ح�ف��وظ ال �ك��ات��ب ع�ل��ى ح���س��اب محفوظ التجربة الإن�سانية ،محفوظ الإن�سان قدم
اجلوبة � -صيف 1435هـ 111
● ●على ذك��ر نجيب محفوظ ال��ق��اريء ..كيف ت�صنف الكتّاب وفقاً لعالقتهم بالقراءة؟ �ρ ρأ�ضاف ر�ؤى جديدة للن�ص العربي ،وفتح �ρ ρأ�صنفهم كالتالي :طبقة مَ ن يقر�أ �أكثر مما الأف��اق النقدية الجديدة ،ولكنه لم ي�سلب يكتب ،فتكون �أعماله ف��ي المقدمة ،وهي متعمدا ،و�إنما طرائق التعامل مع الحداثة طبقة نجيب وم��ن �سار على ه��ذا ال��درب، �أو ط��رائ��ق ت�شغيلها و�آل �ي��ات تفعيل بع�ض وطبقة مَ ��ن ي�ق��ر�أ بالت�ساوي م��ع م��ا يكتب، النقاد والم�شتغلين بالنقد لها ..ت�سبّب في وه��ؤالء �أعمالهم مذبذبة الم�ستوى ،وطبقة ابتعاد الكثيرين عن الن�ص الأدبي؛ فقد وجد مَ ��ن يكتب �أك�ث��ر مما ي�ق��ر�أ ،وه��و ح��ال كثير القارئ نف�سه في م�أزق ،يقر�أ الن�ص الأدبي، من الكتّاب الآن� ،أعمالهم قد تثير �ضجة فيتوا�صل معه ،ويقر�أ ما يكتب عنه فيجد ولكنها ال تدوم .لقد تعلّم محفوظ في زمن نقدا مغرقا في الغمو�ض؛ ي�ضاف �إلى ذلك غير الزمن ،وهي�أ لنف�سه ظروفا كانت كفيلة �أن بع�ض المبدعين فهموا �أن الحداثة تعني وكافية لأن ت�صنع منه النموذج الذي ي�صعب التغريب والغمو�ض ،ف�أ�شبعونا منهما ما �أ�ساء لم�شروعهم الإبداعي ،جملة وتف�صيال. تكراره (ولكن ال ي�ستحيل بالطبع). وماذا �سلب منه؟
112اجلوبة � -صيف 1435هـ
ρ ρبعين الت�أمل للنماذج ذات الت�أثير ،التي �أ�سهم بها الأدب العربي في �سياق الأدب العالمي قديما ،النموذج الأعلى «�أل��ف ليلة وليلة»● ● ،وم����اذا ع��ن معطيات الإن���ت���اج ال���روائ���ي في وحديثا نموذج نجيب محفوظ ،والت�أمل هنا.. منطقة الخليج العربي بعيداً عن المملكة؟ �أننا لم نتخذ خطوة �إيجابية ال�ستثمار ما ρ ρفي الكويت ،يفر�ض الجيل الجديد نف�سه حققه الأدب العربي على الم�ستوى العالمي، روائيا ب�أ�سماء تعرف طريقها� ،أتابع باهتمام وه��و دور الترجمة �إل��ى اللغات الحيّة؛ فلن منذ �سنوات -تجربة بثينة العي�سى ،وبعدهاي�ق��دم �أدب �ن��ا ��س��وى م���ش��روع ع��رب��ي خال�ص �سعود ال�سنعو�سي ،حياة القلوب ،عبدالوهاب يهدف �إلى م�شاركة �أكثر فاعلية مما هو عليه الحمادي ،ا�ستبرق �أحمد – هديل الح�ساوي، الآن ،فلي�س دورنا الترجمة من الغرب ،ولكن وب�صفة عامة الرواية الخليجية ت�شق طريقها تقديم �أنف�سنا ب�أنف�سنا للعالم كله ..ولدينا ما بثبات لت�أخذ مكانا يليق بها ف��ي ال��رواي��ة يليق بنا �أن نقدّمه. العربية ،وتقدم �إنتاجا يليق بتقديمها لل�سرد ال�ع��رب��ي ،فقط الأم ��ر يتطلب ال�م��زي��د من ● ●كيف تقيم ال��ت��ط��ورات القائمة ف��ي الأدب الدرا�سات النقدية التي ال تنغلق على محلية ال�سعودي؟ عربية واحدة ،و�إنما تكون قادرة على �إعادة ρ ρتطورات على الطريق ال�صحيح على م�ستويي ت�شكيل الخريطة العربية ب�إ�ضافة م�ساحات الكم والكيف ،في البداية ومنذ �سنوات طويلة جديدة لهذه الخارطة ،التي من الظلم ،ومن ارتبطت بمقاالت عبداهلل الجفري قبل �أن غير الالئق بتاريخها �أن تظل على و�ضعها تتاح لي قراءة مجموعة الحفلة لباخ�شوين، الراهن. ورواي��ة �صالحة لعبدالعزيز م�شري ،وغازي ● ●في الختام ،ماذا عن الحلم الخا�ص بعالم الق�صيبي؛ وف��ي جيل ال�سبعينيات تابعت الدكتور م�صطفى ال�ضبع؟ فهد العتيق ويو�سف المحيميد .بعدهما جيل جديد �أحدث ما ي�شبه االنفجار الأعظم في �ρ ρأحلم بم�شروع نقدي يعمل على �إعادة ت�شكيل خريطة الأدب العربي على �أ�س�س علمية، ال��رواي��ة ال�سعودية الحديثة :ليلى الجهني و�أح �ل��م بجامعات عربية �أك�ث��ر فاعلية في �أحمد دهمان – رج��اء ال�صانع – يحييدرا�سة الأدب العالمي ،و�أحلم ب�أجيال قادرة �أمقا�سم – رجاء عالم – عوا�ض الع�صيمي على التعامل مع الن�ص العربي وفق ذائقتها – عائ�شة الدو�سري -هاني نق�شبندي، و�أ� �س �م��اء �أخ� ��رى ت�شكل خ��ارط��ة ال��رواي��ة الخا�صة المتميزة.
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ن��م��وذج ال��رج��ل الأع��ظ��م ف��ي �إدارة الوقت ● ●م��ا ال���ذي ت��ف��وّق فيه نجيب محفوظ ،من وجهة نظرك ،ونحتاج ال�ستح�ضاره الآن؟ في القرن الع�شرين ،وفي �صرامة التعامل مع الزمن ،وهو ما خدم محفوظ الكاتب�ρ ρ .أوال :الفن ولي�س �شيئا غير الفن .ي�ستطيع محفوظ �أخل�ص للرواية دون غيرها ،فلم المبدع �أن يقول كل �شيء من دون �أن يجور ي�شغل نف�سه بال�سفر واالرتحال (راجع مرات على المبادئ �أو القيم االجتماعية ..وهذا ما �سفره خ��ارج م�صر تجدها ن ��ادرة ،وراج��ع فعله نجيب محفوظ؛ ثانيا :الكتابة انطالقا حال ح�صوله على نوبل لم ي�سافر ال�ستالم من المعرفة ،بمعنى �أن يكتب المبدع فيما ال �ج��ائ��زة) ،لأن��ه ل��م ي�شغل نف�سه بغير ما يعرف (حتى على م�ستوى المو�ضوعات لم وطّ ��ن نف�سه على الإخ�لا���ص ل��ه ،ول��م ي�شغل يكتب نجيب محفوظ ع��ن ال�ق��ري��ة مثال) نف�سه بالجوائز ح��ال الكتابة (راج��ع حالة محافظا على خ�صو�صيته ،م�صداقا لمقولة: كتّاب الآن ،يكتبون للجوائز ،ويكتبون وفي كلما ا��ش�ت� َّد ح��ر���ص ال�ك��ات��ب على المحلية �أنف�سهم �شيء من الجوائز) .نعم اللحظة انفتح �أمامه الطريق �إلى العالمية ،ويمكنك التاريخية مختلفة ،ولكن تجربة محفوظ في مراجعة الإجابة على ال�س�ؤال ال�سابق لت�ضيف هذا الجانب �صالحة لإثارة الده�شة والعمل ك��ل العوامل ال�سابقة ،ت�أكيدا على منجز بها ط��وال الوقت ،ثم ي�أتي نجيب محفوظ نجيب محفوظ. القارئ. ● ●م��اذا �أ�ضاف تيار الحداثة ل�ل�أدب العربي،
● ●ب���أي عين تنظر لموقع الأدب العربي على خريطة الأدب العالمي؟
ال�سعودية؛ �إ�ضافة �إل��ى التجربة ال�شعرية ال�سعودية بما ت�ضم من م�ساحات لها تميزها ل��دى ال�ج�ي��ل المعا�صر وب�خ��ا��ص��ة :محمد الثبيتي ،عبدالوهاب فار�س.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 113
حوار مع الروائية الم�صرية مروة متولي ُعدّت رواية الكاتبة الم�صرية مروة متولي «الجوفار» ا�ستباقا حد�سيا لما حدث من ربيع م�صري� ،إذ و�صفت درجة مظاهر التجبّر والظلم والقهر التي عرفتها الجوفار، وتنب�أت ب�سقوط هذه الآل��ة الظالمة ..ولو على يد �أنا�س هدتهم �أغ�لال القمع طيلة عقود من الزمن. ■ حاورها� :إبراهيم احلجري -املغرب ● ●ب��ع��د ان��ت��ظ��ار ح���ل���و ،ج�����اءت ب��اك��ورت��ك ال��روائ��ي��ة الأول���ى م�ضمّخة بالق�سوة والوعثاء؛ فماذا يعني لك هذا الخروج الإبداعي القا�سي؟ «ρ ρال �ج��وف��ار» رواي �ت��ي الأول� � ��ى ..كانت كتابتها تجربة قا�سية بالفعل ،وقد ت�أجّ ل خو�ض هذه التجربة لمدة ثالث ���س��ن��وات؛ ن��ظ��ر ًا لخوفي م��ن كتابتها، وك��ذل��ك ب�سبب ال�ت��ردد ال�شديد حول فكرة كتابة رواية� ،أ�سا�ساً؛ فكنت �أكتب بع�ض الفقرات ثم �أتخلى عن الفكرة تماماً ،ثم �أع��ود �إل��ى الكتابة .وهكذا ظللت لفترات طويلة ال �أعلم هل �س�أكمل
114اجلوبة � -صيف 1435هـ
هذا العمل و�أتم كتابة الرواية بالفعل �أم ال؟!! ك��ان ه��ذا ف��ي خ�ضم العمل على �أطروحة الدكتوراه� ،إلى �أن قررت �أنني �إذا ا�ستطعت �أال �أكتبها فلن �أفعل، ولم �أ�ستطع ..فالرواية فر�ضت نف�سها فر�ضاً ،فا�ستغرقت في كتابتها ،وكنت �أود االنتهاء �سريع ًا منها ..وك�أنني كنت �أبحث �أنا �أي�ض ًا عن «خروج» من �أوجاع الجوفار و�آالمه وعذاباته. هذه الرواية �أحبها كثير ًا بكل ما تحمله من �ضعف و�أخطاء تجربة كتابة الرواية الأولى ،لذا �أتجنب �أن �أطلع عليها بعين الناقدة.
● ●ع��رف��ت ال��م��ر�أة عموما برهافة الم�شاعر، لذلك تميل �إلى المو�ضوعات الرومان�سية الرقيقة التي تباعد نوعا ما العنف �ضد ال��ذات والعالم ،عك�س ما ذهبت �إليه �أن��تρ ρ ،ال��رواي��ة �أت��ت ف��ي منت�صف الطريق �أثناء حيث العالم مقيت ،جاف وقا�س ...من �أين �سنوات العمل على �أطروحة الدكتوراه كما لك بهذه العوالم؟ ذك��رت �سالفاً ،لي�س من �شك في �أنني قد �أفدت من درا�ستي الأكاديمية ومن ممار�سة ρ ρل�ك��ل ك��ات��ب ه�م��وم��ه وم���ش��اغ�ل��ه وق���ض��اي��اه النقد� ،إال �أنني وبب�ساطة �شديدة �أفدت �أكثر و�أ�سئلته� .أم��ا ع��ن ال �م��ر�أة والمو�ضوعات من ذائقتي الخا�صة ،فكنت �أكتب ما �أحب الرومان�سية فهذا يتوقف على كيفية فهم �أن �أق��ر�أ ،و�أبتعد عن ما ال �أحبه في روايات الكاتبة للرومان�سية ،فبالن�سبة لي ال تعني الآخرين. رهافة الم�شاعر �أن ننف�صل عن الواقع و�أن نحلّق في ال�سماء؛ نطارد الأقمار ونهرول ● ●عرف الم�شهد الروائي العربي م�ؤخرا غزو خلف النجوم؛ بل هي تعني �أن ن�شعر بكل ما ن���وع ج��دي��د م��ن ال��ك��ت��اب��ة ت����روّج ل��ه كاتبات نعي�شه ويحيط بنا .هكذا ت�صبح الق�ضايا ج��ري��ئ��ات �أق��م��ن ال��دن��ي��ا و�أ���ش��غ��ل��ن ال��ن��ا���س. وه���و ال��ك��ت��اب��ة ع���ن ال��ج�����س��د ال����ذي ك���ان قد الحياتية ق�ضايا فنية وف�ك��ري��ة ،وت�صبح تناوله كتاب رجال فيما �سبق لكن بطريقة المعاناة مجا ًال للت�أمل .من هنا� ،أتيت بهذه مختلفة .ت���رى م��ا ال����ذي �أ���ض��ف��ت��ه ال��م��ر�أة ال�ع��وال��م المقيتة ال�ج��اف��ة والقا�سية ،من الكاتبة على ه��ذا ال��ن��وع م��ن المو�ضوعات عالمنا العربي ،من �أوط��ان�ن��ا ،من واقعنا ال�ساخنة في المحكي الروائي؟ الذي نعرفه جيداً؛ لذا ،جاءت الرواية تحمل الكثير من عنف اال�ستجابة للوقائع التي ρ ρه��ذه الظاهرة ن��راه��ا �أن��م��وذج�� ًا ت�ستوحيه ال يتحملها الإدراك ،كما �أنها ت�سعى �إلى الكاتبة تلو الأخرى ،ت�سير على منواله وتكرره «الجوفار» ،رواية �أحبها كثيراً بكل ما م��ن دون �أن تعار�ضه الخال�ص والنفاذ �إلى عالم الإمكان ،تحمله م��ن �ضعف و�أخ��ط��اء تجربة كتابة �أو ت� �ت� �ج ��اوزه ،ه�ك��ذا �إذ ي �م �ك��ن �إق��ام��ة ال��رواي��ة الأول����ى ،و�أت��ج��ن��ب �أن �أط��ل��ع عليها نرى الأم��ر� ،إال �أننا ال ال�صلة بيننا وبين بعين الناقدة. ن�ستطيع ا�ستنفاد هذه بالن�سبة لي ال تعني رهافة الم�شاعر �أن ال���ظ���اه���رة و���ش��رح��ه��ا الحياة. ● ●ت���م���ي���زت رواي����ت����ك ننف�صل ع��ن ال��واق��ع و�أن نحلق ف��ي ال�سماء في كليتها ،وكذلك ال ب����ال����م����ت����ان����ة ع��ل��ى نطارد الأقمار ،ونهرول خلف النجوم ،بل هي نرغب في الدخول �إلى تعني �أن ن�شعر بكل ما نعي�شه ويحيط بنا. الكثير من التفا�صيل. م�ستويي الخطاب
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
واللغة وال��دالل��ة .هل �أف��دت من تجربتك النقدية والأكاديمية� ،أم �أن ه��ذه الرواية كانت م�شروعا قبل مرا�سك النقدي؟
اجلوبة � -صيف 1435هـ 115
116اجلوبة � -صيف 1435هـ
م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات
ل� � �ق�� ��د � � �ش � �ه� ��دت هناك نمو هائل للرواية العربية ،وفي ع ��ن ذل� ��ك ال �ت��زاي��د، ال�سنوات الأخيرة توزيع جغرافي جديد ،وهو ازده��ار يعك�س وع��ن ال��دخ��ول اليومي زي� � ��ادة م�ل�ح��وظ��ة درجة ما من درجات التطور في مجتمعات للمزيد من الكاتبات ف��ي ه��ذه الأ��ش�ك��ال لم تعرف مثل هذا الكم من الإنتاج الروائي �إل��ى تلك الحلقة التي م��ن ال�ك�ت��اب��ة ،و�إذ من قبل. ت���س�ب�ب��ت ف ��ي ف��و��ض��ى يجب االع��ت��راف ب���أن الم�شهد ال��روائ��ي ك �ب �ي��رة ،وف� ��ي ظ�ه��ور ب� �ه ��ذه الأ�� �ش� �ك ��ال ت�� ��زداد وت�ن�ت���ش��ر ،الم�صري ال يعي�ش �أزه��ى ع�صوره ،بل �إنه �أ� �ش �ك��ال م��ن الكتابة وع � �ل� ��ى ك� ��ل ح ��ال يعاني لعنة ال�شهرة و�صناعة الأ�سماء التي يدرجونها جهر ًا تحت ه��ي رواي���ات باتت خلقت ُكتّاباً بال كتابة! م�سمى ال��رواي��ة ،على ال��رغ��م م��ن الإط��اح��ة م��وج��ودة بالفعل، بالتقاليد الأدبية برمّتها. تجد مَ ن يقوم بكتابتها ون�شرها وقراءتها، وه��ي ظاهرة ال نعتر�ض على وج��وده��ا من ● ●هل تعتقدين �أن كتابة الج�سد رهان جديد منطلق اعترا�ضنا على ف�ك��رة الإق���ص��اء ل�لارت��ق��اء ب�شكل ال���روائ���ي وت��ح��م��ي��ل��ه ه�� ّم بالأ�سا�س ،ولإيماننا الكامل بالحرية؛ لكن �إن�ساني طالما بات يحجبه ال�ستر والعيب؟ يظل ال�س�ؤال :وهل تعك�س مثل هذه الكتابات �ρ ρأرى �أن كتابة الج�سد وم��ا �إل��ى �آخ ��ره من الإح���س��ا���س ب��ال�ح��ري��ة؟ ك�م��ا �أن �ن��ا ف��ي ه��ذه م�سميات ،هي �أبعد ما تكون عن الهمّ الإن�ساني المرحلة التاريخية البائ�سة ل�سنا بحاجة �إلى وعن االرتقاء بال�شكل الروائي ،ف�أنا �أظن �أن مثل هذه الكتابات ،وعلى العك�س تماماً.. الهمّ الإن�ساني الأكبر يتركز في �أعلى الر�أ�س فنحن بحاجة �إل��ى الكتابة التي ب�إمكانها ولي�س في الج�سد ،و�أرى �أنَّ العيب الذي يجب م��واج �ه��ة الأ� �ش �ي��اء ال �ف��ادح��ة وال�خ�ط�ي��رة تخطيه وك�سر ح��واج��زه ه��و الفقر والظلم الأهمية ،ويمكننا القول �إن البروز المتزايد والقهر وال�خ��وف والمر�ض وال�ج��وع وال��ذلّ ، لهذه الأعمال قد انعك�س في التركيز على و�أرى �أنه يتوجب تحرير العقول والنفو�س قبل كاتباتها ،ونحن حينما ن�أخذ بعين االعتبار تحرير الأج�ساد ،ومن بعد فليقرر كل عقل ما حجم ن�شاط الإنتاج الذي ن�شهده ،فال بد لنا ي�شاء ب�ش�أن ج�سد �صاحبه. �أن ن�ؤكد �أكثر ف�أكثر على الطبيعة التجارية لهذه الروايات ،التي يظل هدفها الأ�سا�سي ● ●انتقلت من كتابة النقد �إلى كتابة الرواية. ك��ي��ف ت�����ص��وري��ن ���ص��ع��وب��ة ه����ذه ال��ت��ج��رب��ة هو �إثارة القارئ ب�شتى الأ�ساليب والموا�ضيع المزدوجة .وما الذي وجدته في الرواية التي تتناولها ،بهدف دفعه �إل��ى �شرائها، ولم تجديه في النقد؟ حتى و�إن انتهى به الأمر �إلى عدم قراءتها، وهنا ت�صبح دور الن�شر م�س�ؤولة �إلى حد كبير ρ ρال��رواي��ة �أ�صعب بكثير ،وه��ي دائ�م� ًا مهمة
مرعبة وم ��ؤرق��ة وممتعة �أي���ض�اً� ،إل��ى �أبعد الحدود� ،إال �إنني وجدت في الرواية الحرية الكاملة بعيد ًا عن �إ�شكاالت النقد ،و�أكثر ما �أحبه هو متعة مجهوالتها واحتماالتها المفتوحة �إلى ما ال نهاية �إذ ال حدود ،بينما يتقلّب الن�ص بالكاتب �إلى �أن تكتمل الرواية. ● ●كيف تقيّمين و�ضع الرواية العربية الآن ف��ي ظ��ل ال�سياقات الثقافية المتداخلة؟ وبخا�صة لما دخلت ال��م��ر�أة حلبة الكتابة الج�سدية من بابها الوا�سع؟ ρ ρهناك نمو هائل للرواية العربية وفي توزيع جغرافي جديد ،وهو ازده��ار يعك�س درجة م��ا م��ن درج ��ات التطور ف��ي مجتمعات لم ك��ل ه��ذا االزده ��ار ال��روائ��ي نتاج لكتابات تعرف مثل ه��ذا الكم من الإن�ت��اج الروائي حقيقية قيَمة ت�سعى نحو المعنى والحقيقة م��ن ق�ب��ل ،وه��و يعك�س ح��اج��ة م��ا ف��ي هذه ولي�ست كتابات تروّج لل�سائد والم�ستهلك من المجتمعات �إلى كتابة الرواية و�إلى قراءتها الأفكار ،ويبقى لهذا االزدهار على كل حال على حد �سواء؛ فالطاقة الأهم في الإن�سان فائدة �أ�سا�سية وهي �أنه �سوف يدفع ب�شكل هي المخيّلة الإبداعية .لكن ال�س�ؤال هو هل كل ما يُكتب في خ�ضم ه��ذا النمو الهائل �أو ب�آخر �إلى �إعادة النظر في معايير تحديد ه��و رواي��ة ح�ق�اً؟ وه��ل ت��أت��ي ه��ذه ال��رواي��ات القيمة وفهمها ب�شكل مغاير في �ضوء جديد. مُر�ضية لنا من حيث القيمة التي نتوقعها؟ ● ●في قمة الح�صار ،كتبت المر�أة الخليجية هنا �أتحدث كناقدة ،و�أقول �إننا ال ن�صادف رواي�������ات رائ����ع����ة .ف��ه��ل ال��ح�����ص��ار وال��م��ن��ع كثير ًا تلك الرواية التي تهزنا وتت�سبب في والرقابة �ضروري كي نكتب �أدبا جيدا؟ متعتنا الذهنية ،تلك التي تبهرنا بتراكيبها ومجازاتها ورم��وزه��ا ،وذل��ك الن�ص الذي ρ ρالكاتب حر على الدوام؛ مهما ا�شت َّد الح�صار والمنع والرقابة .دائم ًا و�أبد ًا �سيجد الكاتب يجد الناقد نف�سه م�ضطر ًا �إل��ى �أن يح�شد �سبيله ليقول ما ي�شاء؛ وف��ي المقابل ف�إن له �ضروب خبرته ومعرفته؛ لذا قليلة هي ال �ح��ري��ة الم�صطنعة وك���س��ر ال�ت��اب��وه��ات الروايات التي ت�ستحق �أن تحظى باهتمام مدرو�س ج��اد ،ولك �أن تتخيل م��اذا لو كان الفارغة ال يمكنها �أن ت�صنع �أديباً ،الحرية
اجلوبة � -صيف 1435هـ 117
● ●لم يعد النقد ق��ادرا على متابعة ما ين�شر من �إنجازات روائية ،وال قادرا على توجيه المنتوج الإبداعي وتقويمه� .إال َم يعود ذلك في نظرك؟ ρ ρبات الناقد ال ي�شعر ب�أهمية دوره بكل ت�أكيد، ناهيك عن معاداة الكثير من الكتّاب للنقد، فهم ربما يعدونه عدوهم الأول وال يحبذون وجوده �أ�صالً ،فبع�ضهم يهاجمه ب�شكل وا�ضح ي�صل �إلى ح ّد و�صفه بـ «الخزعبالت»! ● ●يُحتفى اليوم كثيرا بالرواية والق�صة على م�ستوى ال��ج��وائ��ز والمنتديات وال��ن��دوات والحمالت الإعالمية على ح�ساب ال�شعر الذي ت�سلطن لقرون من الزمن .هل يمكن القول ب�أننا في زمن الرواية؟ ρ ρالرواية اليوم هي الفن الأ�شيع والأقرب �إلى مجموع ال�ق��راء ،من ه��ذا المنطلق يمكننا القول ب�أننا في زمن الرواية� ،إال �أن هذا ال يعني �أننا نعي�ش زمنها الذهبي ،فمن كل مائة رواية ت�صدر ،كم رواية �ستبقى مع مرور الزمن؟ �أظن �أنه من الواجب �أن يتم طرح هذا الت�سا�ؤل.
● ●م���ع ال���ف���ج���وة ال��رق��م��ي��ة ،اخ��ت��ل��ط ال��ح��اب��ل بالنابل ،وتهدّمت �سلطة الم�ؤلف الرمزية، وان��ه��ارت �أب���راج ال��رق��اب��ة ،وفا�ضت ال�شا�شة ب��ال��م��ن��ت��وج الأدب�������ي غ��ث��ه و���س��م��ي��ن��ه .كيف تقيمين ه���ذا ال��و���ض��ع؟ وم���ا �آف����اق الو�ضع الأدبي في ما ي�ست�شرف من الزمن؟ ● ●كيف تجدين ال��رواي��ة الم�صرية مقارنة م��ع مثيالتها ف��ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي؟ و�أي���ن ρ ρربما ي�شعر مَ ن يقر�أ �س�ؤالك ب�أن ما ذكرته تكمن مواطن القوة فيها ،بو�صفك متابعة ي�ضيف ال�م��زي��د م��ن ال�ك��آب��ة �إل��ى الم�شهد وناقدة؟ الروائي� ،إال �إنني �أرى كل ذلك �إيجابياً ،و�أرى
ρ ρلي�س من �شك في وجود روايات م�صرية ذات قيمة م�شرقة وخالقة� ،إال �أنه يجب االعتراف
118اجلوبة � -صيف 1435هـ
�أنَّ مثل هذا الو�ضع �سوف ي�صحح �أخطاءه بنف�سه ،مع مرور الوقت.
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
والكتابة �أكبر و�أعمق من كل ذلك.
ب ��أن الم�شهد ال��روائ��ي الم�صري ال يعي�ش �أزه��ى ع�صوره ،بل �إن��ه يعاني لعنة ال�شهرة و�صناعة الأ��س�م��اء ال�ت��ي خلقت ُك�ت��اب� ًا بال كتابة .كما �أن ثمة ف�ساد ًا يحكم كافة الأمور، وهناك المحيط الثقافي والم�ؤ�س�سات التي تمار�س النفي والإق�صاء على كل من يعتمد الكلمة الحقة الأ�صيلة؛ لذا� ،صار كل ما هو حقيقي و�صالح يقبع في غربة �شديدة ممتدة بينه وبين محيطه ،الرواية الم�صرية وكل ما هو م�صري يخ�ضع لعملية التدهور الدائبة التي تعي�شها م�صر� ،إال �أنني �أتمنى �أن تندفع الرواية الم�صرية نحو المزيد من الت�أمل في الواقع بد ًال من نقله دون جدوى ،كما �أتمنى �أن يتم التخفف من لغة ال�صحافة ال�سائدة، و�أن �ألم�س المزيد من الع�شق للغة بعيد ًا عن كل امتهان وتمييع وت�شويه ،و�أتمنى �أن تبلغ الرواية الم�صرية درجة �أكبر من الحيوية والقوة والت�أثير.
عبدالرحمن الدرعان ■ املحرر الثقايف
عبدالرحمن �إ�سماعيل ب�لال ال��درع��ان ..من مواليد مدينة �سكاكا عام 1382هـ .قا�ص و�أديب و�شاعر من �أبناء منطقة الجوف (رئي�س النادي الأدبي بالجوف �سابقا) .عُرف عنه �أنه كاتب مقلّ ،وقلِق :فهو حينما �أ�صدر كتابه ْ���ض عنه ،فقام بحرقه!! له نكهة خا�صة، الأول (ن�صو�ص الطين) لم َي��ر َ ق�ص�صه محمّلة بال�شعر ،وعذابات البدو ،وبكاء الأمهات الحنونات ،و�صقيع الليالي ال�شمالية ،والأغاني ال�شعبية ،وذاكرة الطفولة الم�صادرة ..محمّلة بمطر العزلة ،و�صمت المدن الحدودية .ق�ص�ص تنتمي للإن�سان الب�سيط، للتجارب الح�سيّة البعيدة عن الت�صور الذهني �أو الر�سم الهند�سي الم�سبق، �أو اللعب بالكلمات المبهمة� ،صاحب لغة ر�شيقة و�شعرية وحادّة؛ وال عجب ال « :كنت �أفز من في ذلك ،لأنه ظهر لنا في البدايات ك�شاعر ،فيقول مث ً النوم عدة مرات ،ثم �أعود ف�أغفو من جديد ،والآن فتحت عيني ك�أن �ضوء ال�صبح يدخل ك�شراع �أبي�ض ،لكنني بقيت كامناً في فرا�شي مثل قطعة فحم تحت رماد الموقد� ،أدير ر�أ�سي ذات اليمين وذات ال�شمال ،و�أحاول �أن �أف�سر مفردات الحلم ،ثمة مطاردات ال �أتذكر تفا�صيلها ،وه�ضاب مفتوحة على �أفق �أ�سود».. اجلوبة � -صيف 1435هـ 119
����������������س�������ي�������رة و�إب�����������������������������������داع
وم ��ن خ�ل�ال غ�ل�اف م�ج�م��وع�ت��ه ال �ج��دي��دة ال�م��و��س��وم��ة ب �ـ (رائ �ح��ة ال�ط�ف��ول��ة) ال���ص��ادرة -كاتب عمود ف��ي �صحيفتي عكاظ والبالد عن برنامج الن�شر في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن � �س��اب �ق��ا ..ول ��ه م��ق��االت ع ��دة ف��ي �صحف ومجالت محلية وعربية. ال�سديري ،نكت�شف موهبته الت�شكيلية ،فلوحة الغالف الجميل جاءت بري�شة الم�ؤلف. �أحيا العديد من الأم�سيات الق�ص�صية داخلالمملكة وخارجها. م�ؤهله من �إ�صداراته البكالوريو�س في اللغة العربية. ن�صو�ص الطين :عن دار ال�شروق عام 1989م.منا�صب تقلدها رائحة الطفولة :مجموعة ق�ص�صية :دار معلم -م���ش��رف ت��رب��وي -م��دي��ر م��دار���سالجوف للعلوم – 2000م ،وهناك م�شروع لترجمتها �إلى اللغة الدانمركية ..المترجم الرحمانية الأهلية – م�ساعدا لمدير عام الأ�ستاذ :جمال جمعة. م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري للفترة من �أعمال مخطوطة لم تن�شر بعد.�1428/ 1 /1إلى 1431/1/1هـ. �أن�شطة ثقافية
120اجلوبة � -صيف 1435هـ
الدرعان مع وزير الإعالم
مع القا�ص والكاتب عبداهلل ال�سفر �أثناء زيارته لنادي الجوف الأدبي
مقتطفات معر�ض الكتاب ب�صفته فر�صة لت�سويق الكتاب ،و َّل� َد معادالت جديدة« ،لي�س على م�ستوىالكاتب بل على م�ستوى النا�شر والم�ستهلك �أي�ضاً ،ولذلك ف�إن �أطراف هذه المعادلة ي�ضبطون �ساعاتهم على هذا الموعد ،فنلم�س �سباق ًا محموم ًا على �صناعة الن�شر ،يتوازى مع �سباق المبدعين .و�أدى هذا �إلى غياب عن�صر الجودة ،وال تحتاج و�أنت تطالع �إح�صاءات المبيعات وال عدد الطبعات �إلى برهان .ولئال نتحامل كثير ًا �أو نعمّم ،فعلينا �أن نعترف �أن النا�شر -وهو الطرف المعنيّ بالدرجة الأولى -لم يتنازل عن �شروط الجودة اعتباطاً ،بقدر ما ي�ستقرىء كم�ستثمر مزاج ال�سوق� .إن غياب المجايلة والتراكم والقراءات النوعية هي التي يتطلب على الكاتب �أن يمر بمحرقتها ،و�صو ًال �إلى الحد الأدنى من الن�ضج الذي ي�ؤهله لخو�ض مغامرة الت�أليف». كان هاج�س كتابة الرواية ي�شغلني منذ فترة بعيدة ،وال �أخفيكم �أنني كتبت ما يمكن �أن �أطلقعليه (تمرين ًا روائياً) في مطلع الألفية ،و�س�أعترف لكم لأ�سبابي الخا�صة وبال ندم �أنني �صرفت النظر عن طباعتها .هل �س�أعاود التجربة ،ربما ..فما تزال الفكرة تالحقني.. (عبدالرحمن الدرعان) كتابات القا�ص عبدالرحمن الدرعان في مجموعته رائحة الطفولة ت�أتي من الذاكرة من منطقةبعيدة ،يثوي فيها كل ما هو طريّ ونديّ ،ومع هذه الطراوة والنداوة ثمة جروح غائرة بالوجع، ت�ستعاد بما فيها من لهب وملح؛ ك�أنها تتفتح الآن مع الألم وتقطع الطريق على الن�سيان. (عبداهلل ال�سفر) اجلوبة � -صيف 1435هـ 121
تقول عنه ال�شاعرة والكاتبة هدال الق�صار: تتجه �أبطال ق�ص�ص الكاتب دائما �إلى عدمالقدرة على تحمّل الواقع الذي فر�ض نف�سه؛ لذا ،نراه يحوم ويدور حول ال�شخ�صية التي يريد �أن يثبت �صورة عليها في �سرده على ع��دم مقدرته ال�ستيعاب ال��واق��ع .وه��و ما يزال يبحث عن قدرة وتكيّف الإن�سان فيه، محاوال �إقناع ال�شاهد على مجريات الوقائع بخ�صوبة �أبعاد الق�صة وقناعاته ،والقيم الموروثة باليقين الذي يدخل في �سطوره، وهو يك�شف لنا تلك المحاوالت من خلف �أدوار �أبطاله التي يقول فيها الكاتب في النهاية وبالالوعي �إن الكاتب �أنا� ،أنا هنا،
�أنا هناك ،و�أنا في كل زاوية من الق�صة، وفي تلك المدينة البعيدة ،وبكل الحاالت التي حملتها ن�صو�صه وعناوين ق�ص�صه؛ كما �أنه ي�سعى لإعادة بناء النف�س من جديد لتتنا�سب مع الواقع الزمني الحديث الذي يراه متناق�ضا للواقع الحالي. بماذا يمكنني �أن �أ�سميه؟ غير �إنه «ادكار�أل��ن بو» ال��ذي �أزاح �شعره ور�سوماته وتبع الرواية ،و�صنف �شفافية �سرده على �أوراقه. �أريد �أن �أ�سال الدرعان كيف يمكن لخ�شونةال�صحراء �أن تطلق مثل هذا الن�ص الذي تحول بين �أ�صابعه �إلى غزل �شعري رقيق في ق�صيدة «ديما» التي مطلعها:
ي�������ا ع�����������ازف ال�������ع�������ود غ�������ن ال�����ل�����ح�����ن ت���ن���غ���ي���م���ا و�أ��������ش�������ع�������ل ال��������وت��������ر ال�������غ�������اف�������ي ت����ق����ا�����س����ي����م����ا �إلى �أن يقول: ي����������اح����������ادي ال������غ������ي������م �أم�������ط�������ره�������ا م�������������رذرذة وح���������وم���������ي ي�������اط�������ي�������ور ال���������م���������اء ت����ح����وي����م����ا واغ������������زل ل����ه����ا م������ن و�������ش������اح ال������ب������رق �أردي����������ة وع�������ل�������م ال��������ب��������در ه����������ذا ال�����ح�����������س�����ن ت���ع���ل���ي���م���ا وام��������ل��������أ ع�������ي�������ون ذوي��������ه��������ا م��������ن ه����ن����اءت����ه����ا وام��������ل���������أ ل������ه������ا ق������������دح الأي��������������������ام ت�������س���ن���ي���م���ا ويختمها قائالً: �������ض������اق������ت ع������ل������ي ث�������ي�������اب ك������ن������ت �أل����ب���������س����ه����ا �أودى ب�����ه�����ا ال�����ع�����م�����ر ت����م����زي����ق����ا وت����ح����ري����م����ا ك������م ت���وه���ت���ن���ي ال�������س���ن���ي���ن ال���������س����ود م���رت���ح�ل�ا و�أ�������ش������ب������ع������ت������ن������ي ي���������د الأي���������������������ام ت���ح���ط���ي���م���ا ف���������������إن ر�أي����������������ت �����ص����ب����ي����ا ��������ض�������اع م��������ن زم������ن ف����������أق���������رئ���������ي���������ه �أم������������������������ان اهلل ي�������ادي�������م�������ا ط��������ف����ل���ا ت������������روع������������ه ن������������ي������������روز ي��������ا�أب��������ت��������ي ن��������ي��������رو ُز !! م�������ازل�������ت ط�����ف��ل��ا ع������م������ره دي����م����ا 122اجلوبة � -صيف 1435هـ
ِ�شعر ّية العتبة كيف يلتقي الت�شكيل والكتابة في بوابة الكتاب؟
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
مقتطفات
■ عبدالغني فوزي*
كلما ت�صفّحنا ك��ت��اب��ا� ،أو م��ررن��ا ع��ل��ى واج��ه��ة ك��ت��ب؛ �إال وح�ضرت بع�ض الأ�سئلة المتدافعة في الذهن و�أفق التلقّي حول غالف الكتاب الأدب��ي؛ ن�صوغ منها :هل الكاتب يختار لوحة الغالف من دون نظر الفنان الت�شكيلي؟ لهذا ترى ب��ع�����ض ال��ل��وح��ات غ��ارق��ة ف��ي ت��ج��ري��دي��ت��ه��ا؛ ف��ي ح��ي��ن ،تجد المحتوى واقعيا وت�سجيليا .ه��ل الكاتب يهتم بالعتبات، ومنها لوحة الغالف ،من خالل البحث عن منا�سبة و�شرط بين اللوحة ومحتوى الكتابة؟ و�إذا ا�ستح�ضرنا الع�صر وتحوالته المت�سارعة ،من المالحظ هنا �أن بع�ض الكتّاب يبحث عن جاذبية للغالف ،ق�صد ت�سويقه ولو من خالل اللوحة ،دون محتوى .ما نوع العالقة بين لوحات الأغلفة ومحتويات الكتابة؟ هذه بع�ض الأ�سئلة الحارقة التي ن�ستح�ضرها هنا ،لمناق�شة �أهمية اختيار اللوحة الفنية �ضمن ت�صاميم الكتب الأدبية العربية. في كتابه «ال�شاعر والتجربة» تراعى الن�سب المنطقية والمعرفية بين الأن��واع التعبيرية والفنية .وه��و ما ي�ؤكد� ،أن ه��ذه التعبيرات المختلفة في جدل دائ��م ،بو�صفها محكومة ب�سياقات واحدة ،مع مراعاة خ�صو�صية كل ن��وع تعبيري ،بو�صفه يتموقع في زاوي��ة ما، م�ستندا على م��ادة (خ��ام) تغتني بالتخييل والت�أمل الذاتي.
تعد العتبات في الأعمال الأدبية ملمحا �أ� �س��ا� �س��ا ،يمكن اع �ت �م��اده ك�م��رت�ك��ز ل��ول��وج م�ح�ت��وي��ات الأث� ��ر الإب ��داع ��ي .ون�ع�ن��ي بهذه ال�ع�ت�ب��ات :ال �ع �ن��وان ،الإه � ��داء ،الن�صو�ص الموازية ..اللوحة .غير �أن هذه الأخيرة ،من خالل ملئها لحيّز مهم من الغالف ،تت�صف بالكثير من الجاذبية والجمالية الآتية من خطاب �آخ��ر (الت�شكيل) ،ل��ه ميكانزماته و�آلياته في التعبير وتقطيع العالم .وهذا ال يبدو ف��ي الثقافة العربية� ،أن العالقة يعني �أنَّ هناك ح��دودا فا�صلة وقاطعة بين الخطاب الت�شكيلي والخطاب الأدب ��ي؛ بل بين الكتابة والت�شكيل حديثة ج��دا؛ نظرا ينبغي قراءة ذلك �ضمن �أفق م�شترك ،وبعين لت�صورات ظلت را�سخة في الأذه��ان ،ترفع جديدة على حدِّ تعبير ال�شاعر ح�سن نجمي م��ن قيمة المكتوب وت��ؤط��ر الكتابة� .إال �أن
اجلوبة � -صيف 1435هـ 123
* �شاعر وكاتب من المغرب.
124اجلوبة � -صيف 1435هـ
■ ماجد �سليمان*
لقد َر�أ ََ����س النابغة الذبياني �سوق عكاظ ،وجل�س تحت قبّة حمراء ليُحكّم ق�صائد ال�شعراء ،ويُ�شير �إلى م�آخذ في ق�صائدهم ،ويُعلن مراتبهم .وهنا ت�أ�صي ٌل ي�سير للحياة الأدبية؛ لذا ال يُحكّم ويُنظّ ر ال�شعر �إال �شاعر ،كذلك بقية الأجنا�س الأدبية .فم�ؤ�سفٌ جداً �أن ي�أتي مَن لم يكتب غير منهج المادة على �سبورة القاعة الجامعية� ،أو الف�صل المدر�سي ،ليُحكّم كتاباً غن ّياً بالر�سم الأدب���ي والخيال الخال�ص .النقد الأدبي ال يُنظّ ره �إال �أديب ،يُح�سن ال�شعر ،ويُبدع الق�صة ،ويُجيد الرواية ،و ُي�ؤ�صّ ل المقالة ،و�أح�سبه كذلك؛ فال يُقنعني �أن يخو�ض في نقد الأدب المتخ�صّ �ص درا�سيّا ً،لأنّه يدور في َفلَك المحا�ضرة� .أو المتذوّق �أدبيّا ً،لأنّه يُحكّم ذوقه ال�شخ�صي؛ �أو المتعلّم ذات ّياً ،لأنّه يُعوّل على مزاجه النف�سي؛ �أو المُحبّ للأدب بطبيعته ،لأنّه باقٍ تحت ت�أثير الذوق العام. فك ّل ه��ؤالء يُقدّمون انطباع ًا وت��أ ّث��ر ًا فقط ،وال يحرثون �أر�ض ًا للنقد ،وب�شكل �أدقّ (النقد والإبداع، كالعربة والح�صان) ،فال يمكن و�ضع الح�صان خلف العربة،؛ ل��ذا ،يبقى النقد يتبع الإب��داع دائماً .قد ي�س�ألني ه�ؤالء :ما هي م�ؤهالت الناقد �إذاً؟ ف�أجيبهم بتوا�ضع� :أن يكون الناقد قد حَ َم َل مِ نجله في �أر�ض الإبداع بعد �أن كوّن حقله الأدبي؛ �إذ تتوالد الر�ؤية الذاتية من داخ��ل الن�ص ،وتتمخّ �ض المالحظات في م�سارات نف�سية كثيرة ،ال تملكها العين النقدية المجرّدة من روح الإبداع الأدبي ،ويُدركها المبدع عبر الحا�سّ ة الأدبية الدقيقة الكامنة في نف�سه؛ ف ��الأدوات المعرفية والطريقة الإجرائية تُ�صبح الح�س الأدب��ي والتملّك النف�سيّ مَ�سْ خ ًا في غياب ّ للحالة الإبداعية المبذورة في المبدع. لذا ،فالناقد الحقيقي :هو الخارج من رحم التجربة الإبداعية الأدبية المح�ضة ،والمتمرّ�س ف��ي ن�سجها� ،شعر ًا ون �ث��راً ،حتى ُي��ؤم��ن جانبه النقدي ،ف��الأدب يُنتجه وينقدّه الأدب��اء ،مَ ن ال ِ�صلة لهم به �شعر ًا ونثراً ،وعم ًال و�صناعة هم الم�شكلة ،كالمت�سمّين بالنقّاد والأكاديميين والمتطفّلين على مائدة الأدب ،لأنّ التنظير
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
انفتاح الأعمال الأدبية ،وبخا�صة ال�شعر ..ك�سر من �صالبة تلك الت�صورات .فانخراط بع�ض ال�شعراء من هنا وهناك عربيا ،د�شّ ن لعالقة مختلفة مع الت�شكيل ،في �إط��ار من البحث الم�شترك لطرق �آفاق تعبيرية وجمالية جديدة .نذكر -على �سبيل التمثيل ف�ق��ط -تجربة ال�شاعر محمد بني�س، والفنان �ضياء العزاوي في «كتاب الحب» ،وال�شاعر ح�سن نجمي ،والفنان محمد القا�سمي في ديوان «الرياح البنية» ،وكذا ال�شاعر عبدالمعطي حجازي في ديوانه «كائنات مملكة الليل».. ه��ذا ف�ضال ع��ن هند�سة ال�غ�لاف وال�صفحة ب�صريا م��ن خ�لال عالقة ال���س��واد والبيا�ض مع �أدوني�س والتجربة الكاليغرافية الم�أ�سوف على توقفها .ويمكن القول �إن ال�شعر بذلك ومع �أ�سماء معينة ،يبحث عن جماليات ت�شكيلية في باطن الق�صيدة؛ وهو ما جعل ال�شعراء م�ؤخرا يلتفتون �إلى �أغلفة كتبهم ،في حوار مع الت�شكيليين ،لخلق تنا�سق م�ست�ساغ جماليا. وامتد ذلك� ،إلى الغالف الأدب��ي (مع الرواية والق�صة)� ،إذ تكون اللوحة بوابة كبرى ،قد ت�شكل �إ�ضاءة مهمة لمالم�سة مالحظات �أولية حول العمل الأدبي من الداخل .وبم�شاهدتنا المتريثة للكثير من الأغلفة ،على اختالف �أنواعها الأدبية ،نالحظ �أن الكتاب العربي الإبداعي الحديث والمعا�صر منفتح على مختلف المدار�س الت�شكيلية (الكال�سيكية، الواقعية ،ال�سريالية ،التجريدية .)...ف�إذا كانت ال��رواي��ة العربية من دون تعميم طبعاـ تميل �إلى لوحات مفتوحة ال��دالل��ة وت�شخي�صية �أك�ث��ر؛ ف�إن ال�شعر يجنح �إلى لوحات ت�ستند �إلى اللون المت�شكّل من الداخل كف�ضاءات وكوات مت�شظية عن لم�سات ذاتية ،محكومة بجوهر باطني. كانت الأغلفة ،فيما �سبق ،تثبت لملء الفراغ وللتزيين والإثارة؛ وهي بذلك لوحات مفارقة لمتن
الكتب الأدبية .لكننا اليوم �أ�صبحنا �أم��ام �أغلفة مهند�سة ب�شكل واع ،تحمل ب�صمة الفنان والكاتب معا ،ك�أن الأمر يتعلق بحوار داخلي بين الخطاب الت�شكيلي والأدبي «�ألي�س م�صدر الكائنين المكتوب والم�صور هو الج�سد؟» كما يت�ساءل ال�شاعر ح�سن نجمي في كتابه «ال�شاعر والتجربة». ان�ط�لاق��ا م��ن ه��ذه ال��زاوي��ة ،نتمنى �أن يمتد الحوار بين الخطاب الت�شكيلي والأدبي �إلى الواقع، حتى ال يبقى مختبر الفنان مغلقا على اللون ك�أنه �أ�صل وعلّة من دون ام �ت��دادات نف�سية وجمالية وتخييلية .وف��ي المقابل ،ينبغي على الأدي��ب �أن يفتح محبرته اليتيمة على الت�شكيل ،ليكون العمل م�صحوبا بلوحات �ضمن �أف��ق م�شترك ي�سهم في تطوير الأذواق والجماليات المف�صولة ق�سرا. ودون �أن تمر ه��ذه ال��ورق��ة ،ال بد من التنويه هنا بنوافذ �إلكترونية �سعت لهذا ال ��د�أب .على العموم ،فاللوحة المثبتة على غالف الكتاب الأدبي (الإبداعي منه) ،تعد نافذته؛ لهذا ،نتمناها �أن تكون جميلة بالمعنى الت�شكيلي ،وبعيدة المدى �أو النظر بالمعنى الأدبي. خاف �أن دور الن�شر العربية في غالبيتها وغير ٍ ال تُخ�ضع العمل الأدبي لنظر الفنان الت�شكيلي وال للجان ال �ق��راءة .فيكون االختيار �سريعا للوحة، و�أحيانا ارتجاليا؛ بل قد تجد الغالف غارقا في الألوان ك�أنه دمية للت�سلية وو�ضع غ�شاوة على عين الناظر .وفي المقابل ،هناك الأقلية التي تبحث عن مزاوجة طبيعية وخالقة بين لوحة الغالف ومحتويات الكتاب ..حتى ال تبقى اللوحة مجرد ديكور �أو �شيئا متروكا للخلف ال�ساطع للأ�سف. فاللوحة نافذة حقيقية ،لتقديم فكرة �أولية عن العمل الأدب��ي؛ ولو من خالل �إقامته مت�صلبا في مكانه ،في ظل �أزمة القراءة.
م�ؤهالت الناقد الأدبي..
من دون ممار�سة للعمل نف�سه ،برها ٌن على زجّ النف�س في ما لي�س من �صنيعها. المبدعون المدلجون تحت �سماء الإب ��داع هم �أعلم بما يط�أون .ولننظر كيف �أن النقد الأدبي يوزّع مجان ًا وال يُباع ،فخلف كل جدار ،و�أمام كل متجر، وتحت ك ّل و�سادة ،م�س ٌخ من النقّاد ،مُهمتهم �إ�شغال الم�شهد الأدبي ،واالتّجار ب�أعمال المبدعين. وقد قُلتُ رحمني اهلل� :إذا ر�أيتم المرء مُن�شغ ًال بالنقد والتنظير في فنّ لم يَخُ �ض م�ضماره ،ولم يُ�سرج مع �أهله ح�صانه ..فاعلموا �أنه مُت�س ّو ٌل جبان، فقبي ٌح �أن يُنظّ ر ف��ي الأدب مَ��ن ال نثر ل��ه فيه وال �شعر ،كما �أنّ �أهمّ �صفة يجب �أن يتمتّع بها الأديب هي اال�ستقالليّة ،ال �أن يكون تحت ت�أثير �آراء نقدية اعتباطية ال �أكثر ،مُطمئن ًا لمبادئه. لذا ،يُقال للمت�سمّي بالناقد المجرّد� :أرنا �إبداعك َب � َد ًال من �أن تُمطرنا بوابل ن�صائحك وهرطقاتك االرتجالية ،فالعمل الإبداعي هو المحك .فقد قيل: الناقد الأدب��ي ،همّه الأول الحُ كم والق�ضاء على ما يقر�أ ،لأن الحكم والق�ضاء يُ�ضيفان الجاه ،ال �أن َي َت َفهّم وَي َت َعلّم.
* كاتب وروائي من ال�سعودية.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 125
■ حممد �صوانه
الت�صميم لي�س منحة تعطى للقالئل فقط منذ والدتهم ،بل �إن في كل �إن�سان يولد على وجه الأر�ض �إبداعاً كامناً ،يمكنه �أن ينمّيه ويطوّره ،ليتمكن من تحقيق ثمرات �إبداعية ،يفيد منها في حياته ويفيد مجتمعه؛ وقد تنطلق �إبداعاته ليكون منها منتج عالمي يفيد منه النا�س جميعا. كتاب (من �شيء يولد �شيء :ملخ�ص لمنهجية الت�صميم) مترجم من اللغة الإيطالية ،م�ؤلفه (برونو موناري )Bruno Munariوترجمة د .جمال عليان ،ع�ضو هيئة التدري�س بكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك �سعود بالريا�ض .ج��اءت الترجمة ف��ي � 390صفحة م��ن المقا�س التقليدي للكتب (� 24 X 17سم) �صادر عن الن�شر العلمي بجامعة الملك �سعود بالريا�ض. ينطلق ال�ك�ت��اب م��ن مفهوم �أن ك��ل ت�صميم جديد ينتج عن ت�صميم �آخ��ر �سبقه �إليه مبتكر �آخر ..يبني عليه ويطوّره ويح�سّ نه بتفادي العقبات التي لوحظت �أثناء اال�ستخدام ،فهو مثل البناء المتكامل؛ كي يمنحه فر�صا �أف�ضل ليقدم للب�شرية منتج ًا يتوافق مع الع�صر المت�سارع الباحث عن الجديد والمتطور دائماً. كما يعالج الكتاب منهجية عملية من خالل �أمثلة واقعية ممكنة ،ويطلق العنان لخيال الم�صمم من خالل �شطحات فنية ابتكارية ،يمكن الح�صول عليها من خ�لال �إعمال الفكر واتباع المنهجية العلمية ال�صحيحة في البناء والتطوير؛ فالإبداع ال يعتمد على االرتجال ،بل يحتاج �إلى منهجية علمية وا�ضحة ف��ي ذه��ن المبدع المتحرر م��ن التقليد الباحث عن االبتكار ،و�صناعة منتج مبتكر ومفيد.
126اجلوبة � -صيف 1435هـ
ف��ي عتبة ال�ك�ت��اب ،تطالعك ��ص��ورة �إبداعية الفتة؛ يتوقف القارئ �أمامها مت�أمالً ،ولأول وهلة تبدو �أداة ب�سيطة الت�صنيع؛ لكن مع بع�ض الت�أمل تتك�شف �أمامك الأفكار الإبداعية التي ت�شكلت بها هذه الأداة غير المعقدة في مظهرها؛ �إذ �إن طريقة ت�شكيلها وتوظيف كل طرف فيها لعمل مختلف عن الآخر جعلها مجموعة من الأدوات جمعت في �أداة واحدة �صغيرة! (انظر �صورة الغالف). جاء الكتاب في خم�سة ف�صول؛ خ�ص�ص الأول منها لتعريف الت�صميم وال �ف��رق بين توظيفه البتكار �أدوات نافعة وبين البذخ؛ وف��ي الف�صل الثاني يقدم الم�ؤلف منهجية الت�صميم المبنية على التفكير العلمي ،ليعمم المنهجية ويجعل من الإبداع فنا ممكنا ،وكيف يقوم الم�صمم بتجزئة الم�شكلة الكبيرة �إل��ى م�شكالت �صغيرة ليتمكن
من التغلّب عليها؛ وفي الف�صل الثالث ي�ستعر�ض مهارات الت�صميم الأ�سا�سية مثل الر�سم الحر، والعمل للو�صول �إل��ى التجان�س ال�شكلي وعمل ال�م�ج����سّ �م��ات ،وك �ي��ف يمكن تحليل المنتجات وفهمها ،تمهيدا للبدء بالت�صميم الإبداعي� .أما الف�صل الرابع ،فيقدم تطبيقات عملية لمنهجية الت�صميم ،من ال�صغير �إلى الكبير ومن الب�سيط �إلى المعقّد؛ وفي الف�صل ال�ساد�س يتحدث الم�ؤلف عن مو�ضوعات مت�صلة بالفكر الحديث في مجال الت�صميم ،ومنها �إعادة تدوير المواد الم�صنعة،
ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ
من �شيء يولد �شيء ّ ملخ�ص لمنهجية الت�صميم
وا�ستخدام ال�صور المزدوجة ومراعاة الم�شهد الب�صري وتوظيف الفراغ وتح�سين ظروف العمل. الكتاب ب��وج��ه ع��ام ،ينمّي الفكر االبتكاري ل��دى الم�صممين والمبدعين ومنتجي ال�م��واد اال�ستهالكية ،وك��ذل��ك للمعماريين وم�صممي المباني ال�ضخمة والمتو�سطة �سواء كانت ق�صورا �أم م�ق��رات م�صانع �أم م�ب��انٍ ري��ادي��ة تقام فيها احتفاالت �أو ن�شاطات ثقافية �أو تجارية �أو معار�ض �ضخمة .وهو مفيد لدار�سي العمارة والت�صميم والعاملين في مجال ت�صميم الأدوات والمنتجات، و�أدوات ال�صيانة وغيرها .وهو محفّز لكل مبدع �أو راغ��ب بتطوير مهاراته �أن يوظفها ويفيد من �أ�ساليب الم�صممين ال�سابقين والمعا�صرين ومهاراتهم في اجتراح �آليات جديدة و�إبداعية في ابتكار نماذج من الت�صاميم المعا�صرة لمزيد من الرفاهية وتحقيق �أف�ضل م�ستوى من الجودة في ا�ستخدام المواد والفر�ص المتاحة وتعظيم وظائفها و�أدوارها و�أدائها. ومن دون �شك ،ف�إن الترجمة العلمية �أ�ضحت �ضرورة ملحّ ة؛ لأن التدري�س الجامعي في العالم العربي يعاني م��ن �سيادة التدري�س بغير اللغة العربية ،ما يزيد من الفجوة بين خريجي الكليات العلمية وبين لغتهم الأم؛ وم��ن ث��م ،ف ��إن تفاعل الخريجين – بوجه عام – مع متطلبات البحث العلمي المخبري والميداني يكون �أقل �إنتاجية.
�صورة الغالف �أداة لخزانة العر�ض ف��ي المحالت التجارية (الفترينا)� .إذ يحتاجها م�صمم الواجهة داخل الخزانة ال�ضيّقة؛ فتتيح له هذه �إمكانية الفك والتركيب وال�شد ونزع الم�سامير والبراغي ،فهي تحتوي على( :مطرقة ،ومفك ،وكما�شة ،وقطّ اعة ،ونازع م�سامير) .وت�صميمها يمكّن م�ستخدمها من �إنجاز �أعمال �أخرى �أي�ضا كما يظهر من ال�شكل العام لها .الأداة ت�سهل عمل العار�ض ،ويمكن تثبيتها في طرف حزام البنطال، فتكون دائما في متناول اليد ،وتغني عن حمل عدة �أدوات. اجلوبة � -صيف 1435هـ 127
يقع الكتاب في (� )450صفحة ،يكتب خاللها اللواء الطيار عبداهلل ال�سعدون- ب�أ�سلوب �أدبي ماتع -رحلته من القرية، �إذ لم يعرف �سوى الدراجة� ..إلى قيادة طائرة مقاتلة .وهذه الرحلة تجتاز حقبة زمنية �شهدت فيها المملكة العربية ال�سعودية ت�غ�ي��رات ك�ب�ي��رة ،كما تقدم و�ضعا لحياة القرية ال�ت��ي ع��ا���ش فيها طفال يافعا.
�صدر عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري كتاب: «الحجـــاز من بداية القرن الأول الهجري� إلى نهاية القرن الثالث الهجري (القرن ال�سابع �إلى التا�سع الميالدي)»
وهي ر�سالة تطرح �أمرا�ض المجتمع وم �ع��وق��ات ال �ت �ق��دم ،وت �� �ش��رح �أ��س�ب��اب ال�سعادة وال�صحة في عالم مليء بالجهل والأوه�� ��ام والأم���را����ض ،ع��ال��م مزّقته الحروب ،وهّ ده الفقر. ل�ق��د �أراد ال �ك��ات��ب �أن ي �ق��دم تربة �إن�سانية ت�شجع على مواجهة م�صاعب الحياة وتمنح الأم��ل ،لعلها ت�سهم في نجاح �إن�سان �أو م�ساعدة مري�ض� ،أو ر�سم ب�سمة على �شفتي يائ�س. 128اجلوبة � -صيف 1435هـ
■ عمار اجلنيدي*
للحجاز �أهمية متميزة في العالم الإ�سالمي؛ وقد م ّر خالل تاريخه ب�أحداث كثيرة ،تناولها الباحثون؛ لكنهم لم يتناولوا ال�ن��وازل والفتن كوحدة واح��دة م�ستقلة ،رغ��م �أهميتها؛ ول��م تذكر في الم�صادر التاريخية �إال في حاالت قليلة وب�إ�شارات عابرة. يعر�ض الكتاب لأهم النوازل والفتن التي وقعت م��ن ب��داي��ة ال�ق��رن الأول �إل��ى نهاية ال�ق��رن الثالث الهجريين (من القرن ال�سابع �إلى التا�سع للميالد)، كما يتناول الآث��ار التي ترتبت على تلك الأح��داث ودوره��ا في �إع��ادة �صياغة الحجاز ،عامة ،وب�شكل خا�ص مكة المكرمة والمدينة المنورة . ي���ص��در ال�ك�ت��اب �ضمن ب��رن��ام��ج الن�شر ودع��م الأب � �ح� ��اث ،وه ��و ب��رن��ام��ج م �ح �ك��م ،ف��ي م��ؤ��س���س��ة عبدالرحمن ال�سديري ،ون�أمل �أن يمثل �إ�ضافة �إلى الدرا�سات التي تدر�س تاريخ الحجاز.
ل��م ت�ك��ن م�ج�ل��ة «ال �ج��وب��ة» مجرد مطبوعة عربية عادية، ت�ضاف �إلى �أرقام المطبوعات العربية ال�ت��ي يخبو �ضوءُها بعد �صدور عددها الأول؛ بل �أعلنت بقوة عن ا�ستمرارية وج��وده��ا ،وق� �وّة ت�أثيرها، بانحيازها لكل ما هو �أ�صيلِ وج��ا ٍّد وراقٍ ومثابرٍ وم�ؤثّر على ال�ساحة الأدبية الإبداعية العربية. وقد حظي المبدعون العرب ،على اختالف م�شاربهم الإبداعية ،بمجلة «الجوبة» التي و�ضعت على �سُ لّم �أولوياتها تناول ملفّات في الإب��داع ومختلف الهموم الأدبية والإبداعية ال�ع��رب�ي��ة؛ فكانت رائ ��دة بانتقائها لملفات ذات �أَبعاد �إ�شكالية ومثيرة كملفي «الق�صة الق�صيرة جدا» ،و «ق�صيدة النثر» ،وتناولها لملفي «�أدب الأط��ف��ال» ،و»ال �خ��ط العربي» وغيرها ،وقريبا عن هموم الفن والت�صوير، وك��ان��ت رائ ��دة متميزة وجريئة ف��ي طرحها لمجمل هذه الملفات ،و�أتاحت لمعظم مبدعي ف�ن��ون الأج �ن��ا���س الأدب �ي��ة ب�ت�ن��اول نتاجاتهم
الإب��داع �ي��ة ن�ق��دي��ا ،وبن�شر �شهاداتهم على �صفحاتها، فكانت �صوتهم ومتنفّ�سا ل�ه��م لن�شرهم ،واالح�ت�ف��اء بما هو مبدع وجديد ومناف ٍِ�س منم.
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
ب :ع�شتُ �سعيدا الكتا امل�ؤلف :عبداهلل عبدالكرمي ال�سعدون النا�شر :املركز الثقايف العربي -الدار البي�ضاء -املغرب 1430هـ
ب :النوازل والفنت و�آثارها فـي بـالد احلجاز الكتا امل�ؤلف :د .جنالء حممد عوي�ض املطريي النا�شر :م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
الجوبة :ح�ضور متم ّيز..
وال � �ن � �ج� ��اح دوم � � ��ا ي�ج��ب الإ�شارة �إلى �أهله ،فالم�شرف العام للمجلة :الأ�ستاذ �إبراهيم الحميد كمبدع قا�ص معني بهموم الإبداع والمبدعين مثلهم، و�صحافي متمرّ�س ،كذلك �سكرتير التحرير ال�شاعر محمود الرمحي ،ذلك �أن �إثارة هكذا موا�ضيع �أدبية تتطلّب م�شاركة خا�صة مع من يحمل ويتنازع ويهج�س بالهمّ الإبداعي ح ّد القلق. هنيئا للمبدعين العرب بمجلة «الجوبة» ب�ت�م� ّي��زِ ه��ا وت��ف �رُّدِ ه��ا واح �ت��رام �ه��ا ل�ل�إب��داع الحقيقي ،وره��ان�ه��ا على ال� ُم� َك� َّر���س لخدمة الأمة وق�ضاياها الم�صيرية المُلحّ ة من خالل ح�ضورها ،وا�ستمرارية عطائها ،ومكانتها، ووجودها على ال�ساحة الثقافية العربية.
* قا�ص و�شاعر من الأردن.
اجلوبة � -صيف 1435هـ 129
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
من �إ�صدارات اجلوبة ■ �إعداد :عماد املغربي
وزير التجارة وال�صناعة يلتقي رجال الأعمال بمنطقة الجوف
وز
ير التجارة وال�صناعة د.
ا
عُ قد لقا ٌء مفتو ٌح لمعالي وزير التجارة وال�صناعة الدكتور توفيق بن ف��وزان الربيعة مع رجال و�سيدات الأعمال ،وجمع من المواطنين ،بنا ًء على دعوة من الغرفة التجارية ال�صناعية بالجوف� .أقيم اللقاء في قاعة العر�ض والمحا�ضرات بدار الجوف للعلوم التابعة لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري �صباح يوم الأربعاء 2014/4/9م ،بح�ضور الأ�ستاذ �أحمد بن عبداهلل �آل ال�شيخ ،وكيل �إم��ارة منطقة الجوف ،و�أداره الأ�ستاذ خالد بن عبدالرحمن العي�سى ،وتم نقله �إلى الق�سم الن�سائي ع�ب��ر ال��دائ��رة التليفزيونية المغلقة.
توفيق بن فوزان الربيعة
لأ�ست اذ �أحمد بن عبداهلل �آل ا ل�ش يخ وك يل � إ ما رة ال جو ف وجم ٌع من رجال الأعمال
130اجلوبة � -صيف 1435هـ
ي ��ذك ��ر �أن م ��ؤ� �س �� �س��ة ع�ب��دال��رح�م��ن ال���س��دي��ري د�أب��ت ومنذ ب��دء ن�شاطها ع� �ل ��ى ا� �س �ت �� �ض��اف��ة ك �ب��ار ال �م �� �س �ئ��ول �ي��ن وال �ع �ل �م��اء وال �م �ف �ك��ري��ن وال�م�ث�ق�ف�ي��ن و�إقامة العديد من الندوات والمحا�ضرات �ضمن خطة الن�شاط الثقافي بالم�ؤ�س�سة والتي ت�سهم ب�شكل كبير في التعريف بالمنطقة.
�صدر حديثاً عن برنامج الن�شر يف م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري