45 joba web

Page 1

‫درا�سات ونقد‬ ‫ن�صو�ص �إبداعية‬ ‫مواجهـــــات‬ ‫نوافـــذ‬ ‫ملف العدد‪:‬‬

‫األندية األدبية‬ ‫المسيرة والتحوالت‬

‫‪45‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫‪ -2‬دعم البحوث والر�سائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(�أ) ال�شروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - 45‬خريف ‪1435‬هـ ‪2014 -‬م‬ ‫جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫امل�شرف العام ‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫�سكرترياً‬ ‫�أ�سرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫حمرراً‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً‬ ‫عماد املغربي ‬ ‫ ‬ ‫�إخـــراج فني ‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫املرا�ســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.aljoubah.org/ aljoubah@gmail.com‬‬

‫ردمد‬

‫‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫الإدارة العامة ‪ -‬الجوف‬ ‫المدير العام‪ :‬عقل بن مناور ال�ضميري‬ ‫م�ساعد المدير العام‪� :‬سلطان بن في�صل ال�سديري‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقميا‪ً.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والكتاب‪،‬‬ ‫على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫‪6.........................‬‬ ‫الأندية الأدبية‬ ‫امل�سرية والتحوالت‬

‫‪71.......................‬‬ ‫�أوراق الغرفة (‪)8‬‬

‫ُيعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودع��م الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬يخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة‬ ‫(�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة �سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪.‬‬ ‫وي�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫‪115......................‬‬ ‫حوار مع ال�شاعر م�سفر الغامدي‬ ‫الغالف‪ :‬للفنان التركي ديكان‪.‬‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪4 ............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬الأندية الأدبية‪ ,‬الم�سيرة والتحوالت ‪ -‬د‪� .‬صالح زياد‪6 ,‬‬ ‫محمد علي قد�س‪ ,‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪ ,‬عبدالرحمن الدرعان‪ ,‬هاني‬ ‫الحجي‪� ,‬صالح محمد المطيري‪� ,‬شيمة ال�شمري‪ ,‬د‪ .‬عبداهلل الحيدري‪,‬‬ ‫رباب ح�سين النمر‪ ,‬هدى الدغفق‪ ,‬عبداهلل ال�سفر‪ ,‬تركية العمري‪,‬‬ ‫جبير المليحان‪� ،‬إبراهيم الحميد ‪....................................‬‬ ‫درا�سات ونقد‪ :‬الترجمة والع�صر الذهبي للعلم العربي ‪ -‬د‪ .‬محمد ‪64‬‬ ‫محمود م�صطفى ‪.....................................................‬‬ ‫رواي ��ة �شيخ ال��رم��اي��ة‪ :‬نحو ر�ؤي ��ة ��س��ردي��ة ج��دي��دة للعالم ‪ -‬رفعت ‪75‬‬ ‫الكنياري‪...........................................................‬‬ ‫خزانة �شهرزاد ‪ -‬ر�شيد الخديري ‪79 ..................................‬‬ ‫غيثة تقطف القمر ‪ -‬محمد العناز‪82 ..................................‬‬ ‫�أوراق الغرفة (‪ - )8‬ه�شام بن�شاوي ‪84 ................................‬‬ ‫بيت وفكرة ‪ -‬الحكمة في زمن الجنون ‪ -‬د‪ .‬بهيجة م�صري �إدلبي‪87 .........‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة‪ :‬مط ٌر في غَ يرِ �أَوَا ِنهِ‪� - ..‬إيمان مرزوق‪90 ..................‬‬ ‫َك ْل َب َن ٌة ‪ -‬محمد مباركي ‪91 ....................................................‬‬ ‫القطرة التي �سقطت على وجه الدب ‪ -‬علي عطار‪93 .........................‬‬ ‫رحَ لت وبقيت الذكرى ‪ -‬محمد المبارك ‪95 ..............................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا ‪ -‬ح�سن برطال‪96 ...............................‬‬ ‫�شعر‪� :‬ألقِ ع�صاكْ ‪ -‬مي�سون طه النوباني‪97 ..............................‬‬ ‫عنف ال�سنين ‪ -‬عبداهلل احمد الأ�سمري‪99 ............................‬‬ ‫�أكتبي ما �شئت والعني خطوي ‪ -‬نجاة الزباير ‪100 .............................‬‬ ‫�سنة �أولى ‪ -‬م�سفر الغامدي ‪101 ...............................................‬‬ ‫والتفت ال�ساق بال�ساق في عناقٍ �أخير ‪ -‬رامي هالل ‪102 .......................‬‬ ‫ن�صان �شعريان ‪ -‬محمد حبيبي ‪105 ....................................‬‬ ‫في رثاء ناهد المانع ‪ -‬د‪ .‬ن�سرين بنت ثاني الحميد ‪106 ................‬‬ ‫ناهد الزيد ‪ -‬مالك الخالدي ‪108 ......................................‬‬ ‫قُبل ُة �شتائي نحْ رُكِ لها ِقبْلة ‪ -‬يو�سف عايد العنزي ‪109 ........................‬‬ ‫كلنا �أحباب … ‪ -‬حامد �أبو طلعة‪110 .........................................‬‬ ‫�سُ مّار الدار ‪ -‬عبدالنا�صر الزيد‪113 ...........................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬ال�شاعر م�سفر الغامدي ‪ -‬حاوره عمر بوقا�سم ‪115 ...........‬‬ ‫نوافذ‪� :‬أدب البكاء وال�ضحك ‪ -‬عبد الرحيم الما�سخ‪122 ..................‬‬ ‫الإن�سان‪ ..‬وتقلب الأيام ‪ -‬غازي خيران الملحم ‪125 ...........................‬‬ ‫«جيران �أ�سفل الدرج»‪ ..‬جيران اللغة الإن�سانية‪ - !!..‬محمد خ�ضر ‪128 ........‬‬ ‫فيلم «الما�ضي» لأ�صغر فرهادي‪ - ..‬عبداهلل ال�سفر‪131 .......................‬‬ ‫قراءات ‪133 ...............................................................‬‬ ‫عين على الجوبة ‪135 ...................................................‬‬ ‫الأن�شطة الثقافية‪136 ..................................................‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫اف �ت �ت��اح �ي��ة‬ ‫ال� � � � �ع � � � ��دد‬ ‫■ �إبراهيم احلميد‬

‫منذ �أكثر من ثالثة عقود‪ ،‬بزغ فجر الأندية الأدبية‪� ،‬شاقة طريقها الطويل مع نخب‬ ‫الأدب والثقافة و�شيوخها‪� ،‬إذ كانت البدايات في المدن الرئي�سة مت�سمة بكثير من‬ ‫التبجيل‪ ،‬كون هذه الأندية بقيت نخبوية‪ ،‬يحتكرها نخبة من �شيوخ الأدب والمثقفين‪،‬‬ ‫وكان الإ�شراف الحكومي والتعيين الذي كان يتم من قبل الرئا�سة العامة لرعاية‬ ‫ال�شباب عامال حَ فِظ ا�ستقرار تلك الأندية‪ ،‬و�أ�ضفى على عملها كثير ًا من الرتابة‬ ‫والجمود‪ ،‬نظرا لبقاء بع�ض ر�ؤ�سائها �سنوات طويلة دون تغيير‪.‬‬ ‫وبقدر ما �أ�سهم وجود الأندية الأدبية في المدن التي وجدت بها في بروز �أ�سماء‬ ‫�أدبية وثقافية‪ ،‬وتحفيز �أدب��اء مجتمعاتها نحو الإب��داع والتمكين‪ ،‬فقد �أ�سهم عدم‬ ‫وجود الأندية الأدبية في المناطق الأخرى في تثبيط همم المبدعين و�شل ن�شاطهم‪،‬‬ ‫وردم وجودهم‪ ،‬وبالتالي �أ�سهم في نكو�ص التنمية الثقافية في تلك المناطق لأكثر‬ ‫من ثالثين عاما‪ ،‬ما ت�سبب في دفن مئات المواهب التي كان يمكن للأندية الأدبية‬ ‫الم�ساهمة في تكري�س اهتمامها و�إبرازها �إلى ال�ساحة الثقافية‪.‬‬ ‫وقد واجهت الأندية الأدبية محطات عديدة في م�سيرتها �صعود ًا وهبوطاً‪ ،‬بقدر ما‬ ‫ا�ستطاعت �أن تقدم لمجتمعاتها المحلية ولوطنها من منتج ثقافي‪ ،‬ومن مثقفين �أدوا‬ ‫دورهم في خدمة الإبداع الثقافي للبالد‪ .‬وبقدر ما قدمت هي للمثقفين والأدباء من‬ ‫خدمات و�أدوار وفقا لإمكاناتها و�أنظمتها التي يرى بع�ضهم �أنها قيّدت حِ راكها‪ ،‬وحدَّت‬ ‫من انفتاحها؛ و�إذا جاز لنا‪ ،‬مع �أبعاد الجوانب ال�شخ�صية �أو الم�سوغات الخارجية‪،‬‬ ‫فقد ا�ستطاعت �أن ت�ؤدي دورها ن�سبيا وفقا لمرحلتها‪.‬‬ ‫لم يتغيّر الو�ضع �إال بعد ك�سر الجليد‪ ،‬بت�أ�سي�س �أندية جديدة في مناطق لم تحظَ‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫بها من قبل‪ ،‬لتبد�أ م�سيرة جديدة‪ ،‬وليكتب تاريخ جديد من االنعتاق من الجمود‪،‬‬ ‫بتعيين وجوه تمثل الم�شهد الثقافي الجديد‪ ،‬من جيل يعتبر �أن مرحلة التجديد طالت‬ ‫كثيرا‪ ،‬حتى و�صلت �إليه؛ ومع هذا فقد بادر بع�ضهم �إلى التقليل من �أهمية المرحلة‬ ‫الجديدة‪� ،‬إذا لم ت�أت وفقا للم�ستجدات والمتغيرات التي ت�شهدها ال�ساحة المحلية‬ ‫والعالمية‪ ،‬معتبرين �أن الأندية الأدبية يجب �أن ال تقل �ش�أنا عن الغرف التجارية‪� ،‬أو‬ ‫المجال�س البلدية التي تنتخب �أع�ضاءها‪.‬‬ ‫وكان �أن ب��ادرت وزارة الثقافة باتخاذ قرار بالمجازفة بقرار االنتخابات‪ ،‬من‬ ‫دون �أن تلتفت �إلى �أهمية الأر�ضية التي ت�أتي على �أ�سا�سها‪ ،‬ومن دون �أن تلتفت �إلى‬ ‫اقتراحات الأندية و�شروطها لإدخال المهتمين �إلى �ساحة الثقافة‪ .‬و�أذكر من تجربتي‬ ‫ال�شخ�صية في فترة الإعداد النتخاب مجل�س جديد‪ ،‬وت�أ�سي�س جمعية عمومية‪� ،‬أننا‬ ‫بنينا على ا�ستمارة تم �إعدادها من قبل رئي�س النادي الأ�سبق‪ ،‬لنخرج با�ستمارة‬ ‫جديدة كانت كفيلة بكفاءة وجَ ودة �أي ع�ضو يمكن �أن يتم تر�شّ حه لع�ضوية الجمعية‬ ‫العمومية �أو النادي‪ ،‬وقد كنت قد ا�ستعر�ضت تلك اال�ستمارة مع وكيل الوزارة الذي‬ ‫�أبدى �إعجابه بها في حينه‪ ،‬وعندما �أجريت االنتخابات‪ ،‬تمت وفقا لمعادلة جديدة‬ ‫هدفها �إح�ضار �أكبر عدد من الأع�ضاء حتى ولو كانوا من خارج ال�سرب‪ ،‬ما ت�سبّب في‬ ‫ح�شد جموع كانت �أبعد ما تكون عن هموم الأندية الأدبية واهتماماتها‪ ،‬وت�سبب بالتالي‬ ‫في نكو�ص جديد للأندية الأدبية‪.‬‬ ‫وفي �سياق هذه التحوّالت‪ ،‬تطرح الجوبة ملفها لمناق�شة مو�ضوعات واقع الأندية‬ ‫الأدب�ي��ة وم�ستقبلها‪ ،‬نجاحاتها و�إخفاقاتها‪ ،‬والمقارنة بين التعيين واالنتخاب‪،‬‬ ‫وتفا�صيل حول تمويل الأندية الأدبية‪ ،‬ودوري��ات الأندية و�إ�صداراتها‪ ،‬والملتقيات‬ ‫الأدبية وجوائز الأندية الأدبية‪ ،‬والمر�أة في الأندية الأدبية‪ ،‬والمراكز الثقافية كبديل‬ ‫للأندية الأدبية �أو �إغالقها‪ ،‬والأندية الأدبية في ع�صر العولمة‪ ،‬وتجربتين واقعيتين‬ ‫في �إدارة الأندية الأدبية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫■ �إعداد وتقدمي‪ :‬حممود عبداهلل الرحمي‬

‫الأندية الأدبية ال�سعودية م�ؤ�س�سات ثقافية �أدبية فكرية‪ ،‬ب��د�أت فكرتها عام ‪1395‬ه��ـ‪ ،‬والتي‬ ‫ج��اءت عبر اق��ت��راح قُ��دم للأمير في�صل بن فهد ‪ -‬رحمه اهلل ‪� -‬أث��ن��اء دعوته ولقائه في العام‬ ‫المذكور ب�أربعين �أديباً من مختلف �أنحاء المملكة؛ لدرا�سة وتنظيم �إحياء �سوق عكاظ‪ ،‬وقد �أثمر‬ ‫هذا اللقاء عن �إن�شاء �ستة �أندية‪ .‬ويعد نادي جدة عميد الأندية الأدبية‪ ،‬تلته �أندية مكة المكرمة‪،‬‬ ‫والريا�ض‪ ،‬والمدينة المنورة‪ ،‬وجيزان والطائف؛ وذلك عام ‪1395‬هـ‪ .‬وي�ؤكد الأدباء في المملكة‬ ‫�أنه لوال حما�سة الأمير الأديب في�صل بن فهد رحمه اهلل‪ ،‬و�إرادته الحرة‪ ،‬و�إيمانه القوي بر�سالة‬ ‫الأدب‪ ،‬وقدرته الفائقة في الت�أثير في المجتمع‪ ،‬لما كان ت�أ�سي�س الأندية الأدبية من الأحداث‬ ‫الثقافية والأدبية المهمة في تاريخ �أدبنا ال�سعودي‪ .‬ثم توالت المطالبات بالتو�سع في افتتاح‬ ‫�أندية �أدبية مماثلة في جميع مناطق المملكة‪ ،‬وتحقق بع�ضها في ظل رعاية ال�شباب‪ ،‬وقد قدمت‬ ‫تلك الأندية جهدا ملمو�سا في الت�أ�سي�س لحراك �أدبي ثقافي‪ ،‬كان ي�سير وفق منظومة التطوير‬ ‫التنموي للوطن‪..‬‬ ‫وبعد �أربعين عاما مرت على �إن�شاء الأندية‬ ‫الأدب�ي��ة‪ ،‬ورغ��م �أن �أداء الأن��دي��ة الأدب�ي��ة تطور‬ ‫ب�شكل ملحوظ في الو�سط الثقافي‪ ،‬و�إن كان‬ ‫ل��م ي�صل �إل��ى طموح القائمين عليها؛ �سواء‬ ‫ب��ال��وزارة �أو الأن��دي��ة الأدب�ي��ة نف�سها‪ ،‬ت�ضاربت‬ ‫الآراء حولها‪ ..‬وكتب النقاد الكثير عن دورها‪..‬‬ ‫ما بين م�ؤيد ومعار�ض لأدائها وفعالياتها؛ فمن‬ ‫قائل �إل��ى حاجتها �إل��ى تو�سيع دوره��ا الثقافي‬ ‫وفق المعا�صرة والحداثة التي نعي�شها الآن‪�..‬إلى‬ ‫مطالب ب�إغالقها و�إن�شاء مراكز ثقافية جديدة‬ ‫تحمل روح الع�صر الرقمي والقيم الإن�سانية‬ ‫‪ 6‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الكونية‪ ..‬و�إلى �إنهاء حالة الت�شطير بين جمعيّات‬ ‫الثقافة والفنون وبين الأندية الأدبيّة‪ ،‬وجعلهما‬ ‫تحت مظ ّل ِة المركز الثقافي في جميع المناطق‬ ‫والمحافظات في المملكة‪.‬‬ ‫وق��د ارت� ��أت الجوبه تخ�صي�ص ه��ذا العدد‬ ‫لتقويم عمل الأندية الأدبية وعطائها‪ ،‬ور�صد‬ ‫�أث��ره��ا ‪ -‬ف��ي وق��ت تحتفل �ستة منها ب�م��رور‬ ‫�أربعين عام ًا على �إن�شائها‪ -‬على �أم��ل �أن هذا‬ ‫العدد الخا�ص من المجلة �سيكون مرجع ًا مهم ًا‬ ‫للباحثين والدار�سين الذين �سيت�صدون م�ستقب ًال‬ ‫لكتابة بحوث �أكاديمية عالية عن الأندية الأدبية‪.‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫األندية األدبية‬ ‫المسيرة والتحوالت‬

‫واقع الأندية الأدبية‬ ‫وم�ستقبلها‬ ‫■ د‪� .‬صالح زياد ‪ -‬الريا�ض‬

‫الأندية الأدبية من �أبرز مجاالت االهتمام الر�سمي بالثقافة في المملكة‪ ،‬وهو اهتمام يذهب‬ ‫�إلى الأدب (�شعرا‪ ،‬و�سرداً‪ ،‬ودرا�سات نقدية وتاريخية متعلقة بهما)‪ ،‬متحا�شياً غيره من �ألوان‬ ‫الفعل الثقافي والفني التي اخت�صت بها جمعيات الثقافة والفنون؛ فكانت قيا�ساً على ما تلقاه‬ ‫الأندية الأدبية من اهتمام مو�ضع تهمي�ش ر�سمي‪� ،‬سواء بعدم ال�صرف عليها من قبل الجهة‬ ‫الم�سئولة عن الثقافة‪ ..‬وهي وزارة الثقافة والإعالم (حتى �أعلنت التق�شّ ف في الآونة الأخيرة‬ ‫وتوقف كثير من منا�شطها وفعالياتها المجدولة)‪� ،‬أو بما تلقاه الفنون والمنا�شط الثقافية التي‬ ‫ترعاها (وهي الم�سرح‪ ،‬والت�شكيل‪ ،‬والمو�سيقى‪ ،‬والفولكلور ال�شعبي) من تراتبية القيمة على ما‬ ‫تخت�ص به الأندية الأدبية‪ ،‬و�ضيق المجال الحيوي الذي يعك�س �ض�آلة االهتمام‪.‬‬ ‫ف�إذا ما ت�ساءلنا عن �أ�سباب هذه الظاهرة‬ ‫وم��دل��ول �ه��ا‪ ،‬ف ��إن �ن��ا �سنفهم ال�ت���ص��ور ل�ل��أدب‬ ‫والوظيفة التي يُراد للأندية الأدبية �أن تنه�ض‬ ‫بها‪ ،‬ومن ثم نجاعتها في ممار�سة دور ثقافي‬ ‫فعّال‪ ،‬و�أ�سباب ال�صراع والم�شكالت التي تن�شب‬ ‫فيها‪ :‬بين �أع�ضائها المنت�سبين �إليها من جهة‪،‬‬ ‫وبينهم وب�ي��ن ال� ��وزارة م��ن جهة ثانية‪ ،‬وبين‬ ‫الأندية الأدبية والأدب��اء الذين لم يجدوا في‬ ‫الأندية ما يجذبهم �إليها من جهة ثالثة‪ .‬وقد‬

‫نقول �إن ال�صراع والم�شكالت لي�ست عامة في‬ ‫كل الأندية‪ .‬وهناك م�شروع الئحة جديدة �سيغلق‬ ‫الباب من دون �أي منفذ للم�شادّة واالختناق‪..‬‬ ‫ولكن علينا هنا �أن ننظر �إلى ال�صراع الحادث‬ ‫والم�شكالت الم�صاحبة من زاوي��ة مفهومية‬ ‫للأندية الأدب �ي��ة‪ ،‬بحيث لم يكن التعيين من‬ ‫جهة الوزارة لمجال�س �إدارات الأندية ب�أقل �إثارة‬ ‫للم�شكالت‪ ،‬و�أدعى للعزوف عن الأندية‪ ،‬و�أمعن‬ ‫في ت�شتيت جهدها‪ ،‬من التحوّل �إلى االنتخاب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪7‬‬


‫‪ 8‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫للمجال�س‪.‬‬ ‫ولي�س م��ن �ش�أننا هنا �أن نبحث ع��ن حلٍّ‬ ‫لل�صراع‪� ،‬أو براءة من الم�شكالت؛ بل قد نقول �إن‬ ‫ال�صراع والم�شكالت ظاهرة طبيعية و�ضرورية‬ ‫في الم�شهد الثقافي‪ ،‬وال يخلو منها م�شهد �إال‬ ‫كان الجمود م�آله‪ .‬لكن ال�صراع والم�شكالت‬ ‫قد تكون باعث ًا على الجمود‪ ،‬وقد تكون عر�ض ًا‬ ‫لمر�ض �أو اختناق يح�سن معالجته وتنفي�سه؛ وما‬ ‫�أعنيه هنا هو هذا ال�صنف الأخير‪.‬‬ ‫والم�س�ألة –من قبل ذلك ومن بعده‪ -‬يمكن‬ ‫�أن تكون مو�ضوع تقويم وتحليل خارج ح�سابات‬ ‫ال���ص��راع‪ ،‬وب�ع�ي��د ًا ع��ن متعلقاته �أو دواع�ي��ه؛‬ ‫فالبحث عن ج��دوى للأندية الأدبية وم�ضمار‬ ‫حيوي لن�شاطها‪ ،‬ال ي�ستقل عن بحث مفهوم‬ ‫الأدب الذي تنت�سب �إليه‪ ،‬والوظيفة التي ينه�ض‬ ‫بها‪ ،‬وعالقته في هذا وذاك بالفن في عمومه‪،‬‬ ‫الذي ال يمكن ت�صور الأدب بمعزل عنه‪� ،‬إال في‬ ‫لحظة الإ�شارة �إلى �أزمة في ثقافة المجتمع‪.‬‬ ‫�إن اخت�صا�ص الأندية الأدبية ب��الأدب (�أي‬ ‫بالفن ال��ذي يتركز ف��ي اللغة الل�سانية) هو‬ ‫اخت�صا�ص متعلق بنخبة اجتماعية محددة؛ ومن‬ ‫ثم‪ ،‬ف��إن الأدب هنا يمتلك وظيفة «توجيهية»‬ ‫تنزل من الأعلى �إل��ى الأ�سفل‪� ،‬أو من الأدي��ب‬ ‫�إلى جمهوره‪ .‬وهذه العالقة العمودية �أو�ضح ما‬ ‫تكون في ال�شعر وفي المحا�ضرة‪ ،‬وقد ن�ش�أت‬ ‫الأندية الأدبية في المملكة‪ ،‬في وقت كان �صدور‬ ‫رواية حدث ًا نادراً‪ ،‬ولم يكن المجال يتيح للق�صة‬ ‫الق�صيرة ما يتيحه لل�شعر‪.‬‬ ‫كان هذا الدور التوجيهي للأديب هو الدور‬ ‫ال��ذي قامت عليه الأن��دي��ة الأدب �ي��ة‪� ،‬أي ال��دور‬ ‫الذي ي�ستلزم ح�ضور الأدي��ب بذاته و�شخ�صه؛‬ ‫ويمكن �أن نفهم هذا الدور ونميزه بمقابلته بدور‬

‫الكاتب الم�سرحي الذي تختفي ذاته‪ ،‬مف�سحة‬ ‫�أمام الجمهور واقع ًا فني ًا مو�ضوعي ًا ب�شخ�صيات‬ ‫متعددة‪ ،‬وعالقة �أفقية مع الجمهور ال ر�أ�سية؛‬ ‫�أي لي�ست نازلة عليهم من الأعلى‪.‬‬ ‫وم��ا ي�ب��دو ف��ي الم�سرحية �أو ال�سينما من‬ ‫اختفاء �شخ�صية الكاتب وذات�ي�ت��ه‪ ،‬يبدو في‬ ‫الفنون ال�شعبية التي تمثِّل �ألوان الرق�ص والغناء‬ ‫التي ال تنت�سب لم�ؤلف محدد‪ .‬وحتى ال�شاعر‬ ‫ال�شعبي بالمعنى ال��ذي ي��ؤ ِّدي��ه في الرق�صات‬ ‫المحلية المختلفة‪ ،‬ي��ذوب موقعه ف��ي �إط��ار‬ ‫الجماعة‪� ،‬أو يكت�سب بحكم �صوته الفولكلوري‬ ‫موقع ًا �ضمن المجموع‪ ،‬ولي�س موقع ًا �شخ�صي ًا‬ ‫وذات �ي �اً؛ ولذلك فهو ينطق ب�صوت الجماعة‪،‬‬ ‫ويغنِّي على الألحان المتوارثة فيها‪.‬‬ ‫والمو�سيقى التي تتجرد من اللغة المبا�شرة‬ ‫هي ق�سيم الفنون الت�شكيلية في تجريد الذات‬ ‫و�إخفائها‪ ،‬وفي الخلو�ص �إلى واقعة فنية ع�صيَّة‬ ‫على اال�ستخدام والتوظيف؛ فهي مخدومة في‬ ‫ذاتها ولذاتها التي تج�سِّ د درج��ة �صافية من‬ ‫درج��ات الفن والخلو�ص الجمالي‪ .‬ولذلك ف�إن‬ ‫عالقة الجمهور بها عالقة �أفقية؛ �أي عالقة‬ ‫تفاعل وت�شارك ولذة فنية خال�صة‪� ،‬أو فرجة‪� ،‬أو‬ ‫ال عالقة‪ .‬وقد �أحاط بع�ض الفقهاء المو�سيقى‬ ‫وال �ف �ن��ون الت�شكيلية ب��الإن �ك��ار �أو التحفظ‪،‬‬ ‫با�ستدالالت نقلية هي مو�ضع نظر وتمحي�ص‬ ‫دقيق‪ ،‬ينتهي �إلى نفي �صحتها من �آخرين‪ ،‬وحين‬ ‫ي�ضعف الدليل النقلي في مواجهتها‪ ،‬ف�إن العلة‬ ‫العقلية لن تجد �سوى الخلو�ص الجمالي �أو الغائية‬ ‫الفنية فيها‪ ،‬التي ال تتيح وظيفة توجيهية ونفعية‬ ‫مبا�شرة‪ ،‬ال قيمة للجمال الفني عند الفقهاء‬ ‫بمعزل عنها‪ .‬وينبغي �أن نتذكر ه��ذه العلة ما‬ ‫دمنا ب�صدد التفكير في علة الف�صل للأدب عن‬ ‫الفنون الجميلة والتردد في مح�ضها‪ ..‬المنزلة‬

‫نف�سها التي نمح�ضها للأدب و�أنديته!‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن �أن��ه يمكن االحتجاج بما‬ ‫نَحَ تْه الق�صيدة الحديثة من تحا�شي الح�ضور‬ ‫الذاتي لل�شاعر بالمعنى التقليدي �أو الرومان�سي‪،‬‬ ‫والهروب من العاطفية‪ ،‬ومن اللغة المبا�شرة‪،‬‬ ‫وت�أكيد �صفة مو�ضوعية وجماعية للن�ص؛ ف�إن‬ ‫ال�شاعر وجمهوره ظال مولعين بنرج�سية ال�شاعر‬ ‫وطغيان �أناه‪ ،‬وظلت الأم�سيات ال�شعرية والأكف‬ ‫ال�ت��ي يع�صف بها الت�صفيق بين حين و�آخ��ر‬ ‫ت�أخذك �إلى �أجواء قديمة‪� .‬أما الرواية التي نعرف‬ ‫مقدار الم�سافة التي تباعد بينها وبين الق�صيدة‬ ‫من جهة اختفاء �شخ�صية م�ؤلفها فيها‪ ،‬وحفولها‬ ‫بالتعدد ال�صوتي والحوارية بما �أك�سبها ح�ضورا‬ ‫حديث ًا ب ��ارزاً‪ ،‬ه��و ح�ضور ال �ت�لا�ؤم م��ع جمهور‬ ‫�أكثر �شعور ًا باال�ستقاللية وت�صور ًا للحرية‪ ،‬ف�إن‬ ‫الرواية ال�سعودية في معظم �إنتاجها بما فيه‬ ‫مرحلة طفرتها منذ منت�صف الت�سعينيات و�إلى‬ ‫الآن‪ ،‬لم ت�شكِّل م�سافة تباعد عن كتَّابها‪ ،‬وظل‬ ‫ال�صوت التوجيهي �صوت المر�شد �إلى ال�صواب‬ ‫ال��ذي ي��راه م�ؤلفها م��ن وجهته‪ ،‬ح��ا��ض��راً‪ .‬وال‬ ‫نن�سى –رغم ذلك‪� -‬أن الق�صيدة الحديثة لم‬ ‫تكن مو�ضع ترحيب في معظم الأندية‪ ،‬وما تزال‬ ‫تحا�ش من بع�ضها‪.‬‬ ‫الرواية مو�ضع ٍ‬ ‫ول ��م يقت�صر ت ��أث �ي��ر ه ��ذا ال�ت���ص��ور ال��ذي‬ ‫انح�صرت فيه الأندية الأدبية على �سَ جْ ن الأدب‬ ‫في قف�ص الر�سمية والنخبوية‪ ،‬والحيلولة بينه‬ ‫وبين وه��ج الحياة وح��رارت�ه��ا وكدحها‪� ،‬أعني‬ ‫الحيلولة بينه وبين ما ي�صنع الأدب بو�صفه‬ ‫موقف ًا لم يكن وال يمكن �أن يكون لموظف برتبة‬ ‫مثقف‪ ،‬وال لأجير برتبة �شاعر‪ .‬بل تعدى ذلك‬ ‫�إلى ات�ساع دائرة المت�صفين بالأدب‪ ،‬وتزاحمهم‬ ‫على الوجاهة االجتماعية التي ت�صنعها لهم‬ ‫الأندية‪ ،‬من دون �أي قدرة على تحديد �ضوابط‬

‫�صلبة‪ ،‬يمكن بها الح ُّد من عددهم‪� ،‬أو �ضمان‬ ‫ق��در معقول م��ن التجان�س والت�شارك بينهم‪.‬‬ ‫ول�ق��د ح��اول الم�سئولون ع��ن الأن��دي��ة الأدب�ي��ة‬ ‫والعاملون فيها تدبير �ضوابط لمن ي�ستحق‬ ‫ع�ضويتها واالنت�ساب �إليها والعمل فيها‪ ،‬ولكنها‬ ‫كانت تتهاوى �أمام �سيولة المفهوم الأدبي ذاته؛‬ ‫�سواء نظرنا �إلى هذه ال�سيولة من زاوية الكثرة‬ ‫في �أع��داد ال�شعراء والكتاب ب�أي معنى‪� ،‬أو من‬ ‫زاوية القابلية للتمدد في كل اتجاه‪ ،‬زاوية الكتابة‬ ‫عن الأدب والثقافة ب�أي معنى‪ ،‬تلك التي كانت‬ ‫هي الأخرى م�ؤهِّ ال �إلى رتبة الأديب �أو المثقف‪،‬‬ ‫ي�ستطيع الولوج منها مَ ن لم يحظ ب�صفة ال�شاعر‬ ‫�أو ال�سارد �أو الكاتب‪ ،‬وي�صبح مو�صوف ًا للأدب‬ ‫في مقام باحث‪� ،‬أو م�ؤرخ‪� ،‬أو ناقد‪ ...،‬الخ‪.‬‬ ‫وقد يبدو الأمر �أكثر جالء �إذا ما نظرنا في‬ ‫ال�صفة التي يتحدد بها االنت�ساب �إل��ى الفنون‬ ‫الجميلة ف��ي جمعيات الثقافة وال�ف�ن��ون؛ فمن‬ ‫ال�سهولة بمكان �أن تتحدد في �أذهاننا �صفة‬ ‫الفنان الت�شكيلي‪ ،‬وهي �صفة قائمة على حدود‬ ‫�صلبة في التحديد للفن الذي ينت�سب �إليه؛ بحيث‬ ‫ال يغدو �سه ًال ادعا�ؤها من �أي �أحد‪ ،‬وال توافرها‬ ‫بكثرة ت�شبه كثرة ال�شعراء والأدباء؛ والأمر نف�سه‬ ‫يمكن ح�سابه لدى الم�سرحيين والمو�سيقيين‪.‬‬ ‫ونظرة �أخرى �إلى منت�سبي جمعيات الثقافة‬ ‫والفنون (ف��ي م�سافة االخ�ت�لاف ع��ن الأن��دي��ة‬ ‫الأدبية)‪ ،‬ف�إن �أحد ًا ال يمكنه �أن يرى تزاحم ًا على‬ ‫الوجاهة االجتماعية‪ ،‬كما هو الحال في الأندية‬ ‫الأدب��ي��ة التي امتازت بحظوة مالية ومعنوية‪،‬‬ ‫وبملتقيات وم��ؤت�م��رات وج��وائ��ز وا�ست�ضافات‬ ‫في ال��داخ��ل وال �خ��ارج‪ ،‬وت�شريفات على �أعلى‬ ‫الم�ستويات؛ ولهذا ن�ش�أت في الجمعيات روابط‬ ‫بين المنت�سبين �إل��ى الفنون التي تحفل بها‪،‬‬ ‫ال �سند لها �إال المحبة للفن واالل�ت�ق��اء عليه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪9‬‬


‫‪ 10‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫والت�شارك فيه‪ ،‬و�سجَّ لت منا�شط الجمعيات‬ ‫�صفحات م�شرقة لأع�ضائها في بذلهم وتطوّعهم‬ ‫والت�ضحية بجهدهم‪.‬‬ ‫ال بد –�إذاً‪ -‬من �أن نزهد في ت�صوراتنا‬ ‫ال�ق��دي�م��ة ت�ج��اه دالل ��ة الأدب والأدي � ��ب‪ ،‬التي‬ ‫�أ��ص�ب�ح��ت م�خ�ن��وق��ة بتعاليها ورومان�سيتها‬ ‫وامتالئها الميتافيزيقي‪ .‬وال بد �أن نعيد التفكير‬ ‫ف��ي حقيقة المح�صول ال��ذي يتوافر للثقافة‬ ‫من فهم العالقة بالأدب ب�أي معنى توجيهي �أو‬ ‫تعليمي‪ .‬فالأدب –هكذا‪ -‬يغدو ملوَّث ًا بالم�صالح‬ ‫والمنافع‪ ،‬يغدو ملوث ًا ب�ـ «�أن ��ا» مت�ضخمة في‬ ‫تك�سبها ب ��الأدب �أو �شعورها ال َمرَ�ضي ب�أنها‬ ‫قادرة على حُ كم الواقع‪ ،‬وتعليمه‪ ،‬والتفكير نيابة‬ ‫عن الجماعة الثقافية‪ .‬وه��ذا دور ظلت �صفة‬ ‫الأدب الر�سمية محتكِ رة �إ َّي��اه‪ ،‬ومتطابقة معه‪،‬‬ ‫حتى ا�ستنار الوعي الأدبي حديث ًا في المرحلة‬ ‫التي تلت الرومان�سية؛ ف�أ�صبح الأدب بال�صفة‬ ‫ال�سابقة تعتيم ًا على الواقع ال �إنارة‪ ،‬وتخلّف ًا عن‬ ‫حركته ال ريادة له‪ ،‬و�سبب ًا في م�ضاعفة االنق�سام‬ ‫والت�صادم م��ن حيث ي��راد ل��ه وب��ه اال�ضطالع‬ ‫بمهمة م�ضادّة لذلك تماماً‪ .‬ال بد من �أن نزهد‬ ‫في داللة الأدب والأديب بالمعنى القديم والذي‬ ‫ما يزال يكيّف نظرتنا‪ ،‬حتى اخت َ​َ�ص ْ�صنا الأدباء‬ ‫من دون غيرهم من المبدعين والفاعلين في‬ ‫�إنتاج الثقافة بالنوادي الأدبية‪.‬‬ ‫وح �ي��ن ن��زه��د ف��ي دالل� ��ة الأدب والأدي� ��ب‬ ‫ووظيفتهما بالمعنى المو�صوف �أعاله؛ ف�إننا ال‬ ‫نعني الزهد فيهما‪� ،‬أو ا�ستبدال التحقير لهما‬ ‫بما كانا يحظيان به من تعظيم‪ .‬كال‪ ،‬فالمق�صود‬ ‫هو �أن نحلّهما المحل الم�ستحق لهما في �إنتاج‬ ‫الجمال الفني‪ ،‬بالمعنى ال��ذي ال يميّز وظيفة‬ ‫الق�صيدة عن وظيفة المنحوتة‪� ،‬إال في اختالف‬ ‫مادتهما وجن�سهما الفني‪ .‬وهذا معناه ا�ستحداث‬

‫داللة للفعل الأدبي ووظيفة له في المنظور الذي‬ ‫ي�صله بغيره من الفنون و�أ�شكال الفعل الثقافي‪،‬‬ ‫وال يف�صله عنها‪ .‬ونتيجة ذل��ك ال تنح�صر –‬ ‫وح�سب‪ -‬في �إك�ساب الأدب والمنت�سبين �إليه‬ ‫موقع ًا جديد ًا في �سياق �أو�سع و�أدعى �إلى الحيوية‬ ‫والتالقح‪ ،‬و�أحفل بالمواهب المتنوّعة‪ ،‬و�أكثر‬ ‫تركيز ًا وتقطير ًا للخا�صية الأدبية؛ بل تفي�ض‬ ‫عن ذلك وتتعداه �إلى �إنعا�ش الفنون التي انح�سر‬ ‫االهتمام بها وت�ضاءل ت�شجيعها والحفاوة بها‪،‬‬ ‫فت�ستحيل من الهام�ش �إلى المتن‪.‬‬ ‫و�إذا ك��ان م��ن ال�م�ق��رر ف��ي ت��اري��خ الآداب‬ ‫والفنون �أن الأجنا�س الأدب�ي��ة والفنية تتمايز‬ ‫في ح�ضورها التاريخي‪ ،‬وتختلف تبع ًا الختالف‬ ‫الحقب �أو ال�سياقات التاريخية‪ ،‬والتطور الثقافي‬ ‫واالجتماعي؛ ف ��إن من المعاك�سة للتاريخ �أال‬ ‫يُتاح للفنون من فر�صة التطور وتكاف�ؤ الح�ضور‬ ‫ما يحقّق العدالة بينها‪ .‬فلي�س معقو ًال �أن تظل‬ ‫بنية ال��واق��ع الثقافي و�إدارت� ��ه م�صممة منذ‬ ‫�أربعين عام ًا على هذا النحو‪ ،‬فال ي�ساير الزمن‬ ‫وال يتطور معه �إال زي��ادة ع��دد الأن��دي��ة وف��روع‬ ‫الجمعيات‪� ،‬أو نقل �إدارة الثقافة والإ��ش��راف‬ ‫عليها من رعاية ال�شباب �إلى وزارة الإعالم‪.‬‬ ‫لنقل ب�صريح العبارة �إن من غير المجدي �أن‬ ‫ن�صنع تطوير ًا ثقافي ًا ما لم ُنعِد هيكلة الأجهزة‬ ‫المعنية بالفنون والآداب‪ .‬فكيف نطوِّر الثقافة‬ ‫بح�صر االهتمام بالأندية الأدب�ي��ة؟! كيف نطوِّر‬ ‫الأدب‪ ،‬ونحن نُق�صي الم�سرح ونُحارب ال�سينما‪،‬‬ ‫ونُ�ضيِّق الخناق على المو�سيقى‪ ،‬ونحتقر الفولكلور‪،‬‬ ‫ونقب�ض �أيدينا عن �أي دعم �أو م ��ؤازرة للفنانين‬ ‫الت�شكيليين‪..‬؟! لماذا ال نت�صور‪� ،‬أو ال نريد �أن‬ ‫تكون الفنون والآداب �أغ�صان �شجرة واحدة؟!‬ ‫ال بد من �أن تت�سع الأندية الأدبية لأق�سام‬

‫ومنا�شط جمعية الثقافة وال�ف�ن��ون‪� ،‬أو تت�سع‬ ‫الجمعية للأندية الأدب �ي��ة‪ ،‬فتتوحد الجهتان‬ ‫�أو تندمجا‪ ،‬وال بد من �إ�ضافة المكتبة العامة‬ ‫�إل��ى ه��ذا االن��دم��اج‪ ،‬وت�ت��اح الفر�صة الن��دراج‬ ‫�أق�سام فنية وثقافية �أخرى‪ ،‬لم تحظ باهتمام‬ ‫الجمعيات والأن��دي��ة م��ن ق�ب��ل‪ .‬ولي�ست هذه‬ ‫الفكرة جديدة؛ فقد ناق�شها ملتقى المثقفين‬ ‫ال�سعوديين الثاني المنعقد في الريا�ض خالل‬ ‫الفترة من ‪1432/11/30-27‬ه �ـ‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫«ال �م��راك��ز ال�ث�ق��اف�ي��ة»‪ ،‬وك��ان��ت م �ح��ور �إح��دى‬ ‫جل�ساته‪ .‬بل �إن �إحدى الأوراق التي تم طرحها‬ ‫في هذه الجل�سة ذهبت �إلى �أن تاريخ الفكرة بد�أ‬ ‫–في الأقل‪ -‬عام ‪1415‬هـ‪ ،‬على ل�سان الأمير‬ ‫في�صل بن فهد (رحمه اهلل)‪ ،‬الرئي�س العام‬ ‫لرعاية ال�شباب �آن��ذاك‪ ،‬في �إحدى المنا�سبات‬ ‫الثقافية‪ ،‬حين كانت الأندية الأدبية وجمعيات‬ ‫الثقافة والفنون تحت �إدارت �ه��ا‪ .‬وكانت بع�ض‬ ‫الأوراق تبارك الفكرة‪ ،‬وتبرهن على جدواها‬ ‫بالمقارنة بفكرة المراكز الثقافية في الدول‬ ‫الغربية‪ ،‬مثل‪ :‬فرن�سا‪ ،‬و�إيطاليا‪ ،‬و�أمريكا‪ .‬ولم‬ ‫تحدث معار�ضة للفكرة ب�شكلٍ ج��ديٍّ ‪ ،‬وظلت‬ ‫التحفظات عليها‪ ،‬ت�أتي من زاوية التحبيذ لتعدد‬ ‫�إدارات العمل الثقافي‪ ،‬و�أن الدمج �سي�ضيِّق‬ ‫وا��س�ع�اً‪ .‬وك��ان الإح�سا�س ال��ذي ل��م يكد يبين‬ ‫في كلمات �أن دعم الأندية الأدبية وامتيازات‬ ‫�أع�ضائها �ستت�ضاءل ب�سبب اندراجها في متعدد‬ ‫�أو تفرُّق مبالغ الدعم التي كانت خا�صة بها‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ف�إن �أق�صى ما يمكن‬ ‫�أن ن�صف به م�صير الفكرة لي�س الإلغاء‪ ،‬لأن‬ ‫�أح��د ًا من الم�سئولين لم يقل ذل��ك �صراحة؛‬ ‫و�إنما ت�أجيل الفكرة‪� ،‬أي التغا�ضي عنها م�ؤقت ًا‬ ‫وعما ين�ش�أ عنها من عناء‪ .‬لكن هذا الم�صير‬ ‫�أكثر �إرباك ًا وا�ستنفاد ًا للجهد والمال؛ فها هي‬

‫بع�ض الأندية الأدبية تفرغ من بناء مقراتها‪ ،‬وها‬ ‫هي �أخرى تو�شك �أن تت�سلم مقراتها‪� ،‬أو ت�شرع‬ ‫في �إن�شائها‪ ،‬وذل��ك بماليين ال��ري��االت‪ ،‬ولكن‬ ‫بت�صاميم ال ت�أخذ في الح�سبان �أدوار ًا م�ستقبلية‬ ‫يمكن �أن تتمثل فيها فكرة المراكز‪ .‬وي�ضاف �إلى‬ ‫ذلك جهد الالئحة المنظمة لع�ضوية الأندية‬ ‫الأدبية و�إدارتها التي ا�ستنفدت جهد ًا كبيراً‪.‬‬ ‫�إن فكرة �إن�شاء مركز ثقافي ي�شمل منا�شط فنية‬ ‫و�أدبية وثقافية عديدة‪ ،‬في كل منطقة هي طموح‬ ‫�أبعد في تطوير الثقافة‪ ،‬والمعار�ضون لها حين‬ ‫يعتقدون �أن تعدد الإدارات الثقافية �أجدى على‬ ‫الثقافة‪ ،‬يتحا�شون جناية الت�شتيت والف�صل بين‬ ‫الفنون على المفهوم ال��ذي يطبعها والوظيفة‬ ‫التي ت�ضطلع بها‪ ،‬وال يكترثون بقلة المتفاعلين‬ ‫من عموم النا�س مع الن�شاطات الأدب�ي��ة التي‬ ‫ُيغْدَ ق عليها المال‪ ،‬وال بما تلقاه جمعيات الثقافة‬ ‫والفنون من �شُ حٍّ وتقتير‪.‬‬ ‫�أم��ا الأم��ر المهم في الق�ضية كلها‪ ،‬فهو �أن‬ ‫طرحها على هذا النحو قد ال ي�صدر عن وزارة‬ ‫الثقافة والإع�ل�ام‪ .‬وه��ذا طبيعي‪ ،‬فالتخطيط‬ ‫ل�ق�ط��اع م��ن ق�ط��اع��ات ال�ع�م��ل‪ ،‬واك�ت���ش��اف ما‬ ‫ي�ؤدي �إلى النهو�ض به ال يحدث في العادة من‬ ‫المنهمكين فيه والغارقين في لجّ ته‪ ،‬بل من‬ ‫جهة يتوافر لها م�سافة ر�ؤية �إلى الأبعد‪ .‬والجهة‬ ‫التي يمكن �أن تتوافر لها م�سافة الر�ؤية هذه‬ ‫هي مجل�س ال�شورى‪ ،‬ولقد قدم مجل�س ال�شورى‬ ‫في ال�سابق تو�صية ب�إن�شاء مجل�س �أعلى للثقافة‬ ‫والفنون والآداب‪ ،‬ولي�س بعيد ًا �أن تتبنى لجنة‬ ‫ال���ش��ؤون الثقافية (وفيها �أ��س�م��اء م��ن خيرة‬ ‫المثقفين و�أكثرهم وعي ًا بالثقافة وطموح ًا �إلى‬ ‫ما يرقى بها) مق َترَح ًا ب�ش�أن المراكز الثقافية‪،‬‬ ‫و�أن تبادر �إلى تقديم تو�صية به �إلى المجل�س‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪11‬‬


‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الأندية الأدبية‪..‬‬ ‫النجاحات والإخفاقات‬ ‫■ حممد علي قد�س‬

‫تمهيد‬

‫منذ ت�أ�سي�س الأندية الأدبية عام ‪1975‬م ‪ -‬وكانت النواة �أندية جدة‪ ،‬الطائف‪ ،‬ومكة‪ ،‬والمدينة‪،‬‬ ‫والريا�ض‪ ،‬وجيزان ‪ -‬وهي تقوم بدورها الذي �أُن�شئت من �أجله على مدى �أربعين عاما‪ ،‬في دور‬ ‫وطني وقومي‪ ،‬غيّرت ‪ -‬من خالل �أن�شطتها الثقافية ور�سالتها الأدبية‪ -‬الم�شهد الثقافي برمّته‪،‬‬ ‫و�أ�سهمت في تكوين الوعي الثقافي وبلورته‪ ،‬والعمل على تفعيل الإنتاج الأدبي ودعمه‪ ،‬والإحتفاء‬ ‫بالمبدعين‪ ،‬والإ�سهام في التنمية الثقافية‪ ،‬ودفع م�سيرة النه�ضة الأدبية والثقافية في المملكة‪.‬‬ ‫تعد هذه الأندية بحق من م�ؤ�شرات النمو الثقافي والأدبي‪ ،‬من منظور ما قدّمته من عطاء‪ ،‬وما‬ ‫حقّقته للأدب والأدباء من �أهداف في م�شروع نه�ضوي يخدم ثقافتنا الوطنية والثقافة العربية‪.‬‬ ‫و�إن اختلفت الآراء في م�س�ألة تقويم �أداء هذه‬ ‫الأندية‪ ،‬وما الحظه عليها النقاد بر�ؤية �إيجابية‬ ‫من �سلبيات و�أخطاء لها ظروفها‪ ،‬ولمنتقدي �أداء‬ ‫الأندية مبرراتهم‪ ،‬ومالحظاتهم الجيدة‪ ،‬فكانت‬ ‫قراءاتهم من�صفة في حق الأندية العاملة‪ ،‬التي‬ ‫حققت ف��ي م�سيرتها منذ ت�أ�سي�سها‪ ،‬نجاحها‬ ‫بتنويع ن�شاطاتها الثقافية والأدب �ي��ة‪ ،‬و�سجلت‬ ‫تقدمها في تاريخها‪ ،‬بما تميزت به بمبادرات‬ ‫و�أولويات‪ ،‬وما حققته من انجازات‪ ،‬وهي �أندية‬ ‫التجربة الفريدة للأندية الأدبية‬ ‫معروفة عند المن�صفين‪ ،‬قامت بدورها الثقافي‬ ‫�أرب �ع��ون عاما م�سيرة عطاء عميد الأن��دي��ة‬ ‫والأدب��ي واالجتماعي‪ ،‬و�أ�سهمت في فتح قنوات‬ ‫جديدة متعددة للقراءات النقدية والم�شاريع الأدب�ي��ة‪ ،‬ن��ادي جدة الأدب��ي‪ ،‬منها ي�سجل تاريخ‬ ‫ال�ب�ح�ث�ي��ة‪ ،‬م��ن خ�ل�ال ال�م�ل�ت�ق�ي��ات وال� �ن ��دوات‬ ‫المتخ�ص�صة‪ .‬ويبقى بالفعل �أن تقوم بدورها في‬ ‫فتح قنوات جديدة للن�شاطات الثقافية المفتوحة‪،‬‬ ‫بتفعيل ن�شاطات الم�سرح وال�سينما والمقاهي‬ ‫الثقافية التي تنمّي الحوار الأدب��ي العفوي‪ ،‬لما‬ ‫ل�ه��ذه الن�شاطات‪ ،‬م��ن ت�أثيراتها االجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬وما ت�ضيفه ب�إيجابية لم�شاريع التنمية‬ ‫الثقافية الوطنية‪.‬‬

‫‪ 12‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الأندية بعطاء ثقافي‪ ،‬وقد احتفل �أدباء المملكة‬ ‫عام ‪1435‬ه �ـ‪ ،‬بت�أ�سي�س �ستة �أندية �أدبية‪ ،‬فبعد‬ ‫�صدور قرار �صاحب ال�سمو الملكي الأمير في�صل‬ ‫ابن فهد بن عبد العزيز‪ ،‬الرئي�س العام لرعاية‬ ‫ال�شباب‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬رقم ‪ 11/423‬وتاريخ ‪29‬‬ ‫�صفر ‪1395‬هـ‪ ،‬بت�أ�سي�س �أول نادٍ �أدبيٍّ في المملكة‪،‬‬ ‫ب�ن��اء ع�ل��ى ط�ل��ب ت�ق��دم ب��ه ك��ل م��ن الأ��س�ت��اذي��ن‬ ‫الكبيرين محمد ح�سن عواد‪ ،‬وعزيز �ضياء زاهد‪،‬‬ ‫با�سم (نادي جدة الأدبي)‪ ،‬ليكون منتدى وملتقى‬ ‫للأدباء والمفكّرين في مدينة جدة‪� ،‬صدر قرار‬ ‫مماثل في العام نف�سه وال�شهر نف�سه‪ ،‬بناء على‬ ‫طلبات الأدباء في مناطق المملكة الذي �صادف‬ ‫وجودهم في مدينة الريا�ض‪ ،‬لح�ضور اجتماع دعا‬ ‫�إليه �سموه حول م�شروع �إحياء (�سوق عكاظ)؛‬ ‫ف�أ�صدر �أم��ره بالموافقة على �إن�شاء �أندية‪ :‬مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬والطائف‪ ،‬والريا�ض‪ ،‬والمدينة المنورة‬ ‫وجيزان‪.‬‬ ‫قد �أك���ون‪ -‬في نظر بع�ضهم ‪ -‬متحيزا في‬

‫�شهادتي لنادٍ خدمته لأكثر من خم�س وع�شرين‬ ‫�سنة‪� ،‬إال �إنني ال �أتجاوز الحقيقة وال �أبالغ في‬ ‫القول‪ ،‬م�ست�شهد ًا ب ��آراء الكثير ممن كتبوا عن‬ ‫تجربتهم مع الأندية الأدب�ي��ة‪ ،‬وبخا�صة النادي‬ ‫الأدب��ي العريق في ج��دة‪ .‬ونعود بالتاريخ لليوم‬ ‫ال��ذي �شهدت فيه مدينة جدة �أول لقاء في �أول‬ ‫انتخابات للأدباء والمثقفين في المملكة‪ ،‬اجتمع‬ ‫فيها �أكثر من ثالثين �أديبا ومثقفا ومحبا للثقافة‬ ‫والأدب في مدينة ج��دة في ‪ 23‬جمادى الأول��ى‬ ‫عام ‪1395‬هـ‪ ،‬وقد كانت جدة على و�شك تحقيق‬ ‫حلم ثقافي كبير‪ ،‬اجتمعت له تلك النخبة من‬ ‫الأدباء والمثقفين‪ ،‬وهو اجتماع دعا �إليه الأديبان‬ ‫ال�ك�ب�ي��ران محمد ح�سن ع ��واد وع��زي��ز �ضياء‪،‬‬ ‫بعد عودتهما م��ن ال��ري��ا���ض وق��د منحا ال�ق��رار‬ ‫الر�سمي‪ ،‬بت�أ�سي�س ناديهم الأدب��ي‪ ،‬وفي منتزه‬ ‫ا�شتهر بلقاءات ال�صفوة ونخبة الأدب��اء والأحبة‬ ‫والأ�صدقاء‪ ،‬حيث يحلو ال�سمر وتحلو الحوارات‪،‬‬ ‫انتظم عقد الأدب��اء‪ .‬وت�ضم قائمة الأ�سماء التي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪13‬‬


‫‪ 14‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�سجلت لأول انتخابات �شهدتها مدينة جدة لأول‬ ‫نادٍ �أدبي ر�سمي �أ�س�س في منظومة الأندية الأدبية‬ ‫في المملكة‪.‬‬ ‫وحين ج��رت انتخابات ن��ادي مكة بعد مرور‬ ‫ثالثين �سنة على انتخابات ن��ادي ج��دة الأول��ى‬ ‫جاءت هذه العبارة(�إنها المرة الأول��ى في تاريخ‬ ‫الأندية �أن تحدث هذه االنتخابات)‪ .‬وه��ذا غير‬ ‫�صحيح؛ فالئحة الأندية الأ�سا�سية‪� ،‬صدرت بعد‬ ‫ت�أ�سي�س الأندية الأدبية ال�ستة‪ ،‬ولكنها ظلت معطلة‬ ‫منذ انتخابات نادي جدة الأدبي الأولى التي جرت‬ ‫في كازينو كيلو ع�شرة عام ‪1395‬هـ‪ ،‬وذلك بح�ضور‬ ‫كبار �أدب ��اء ج��دة‪ ،‬وم��ن بينهم‪ :‬ال �ع��واد‪ ،‬وعزيز‬ ‫�ضياء‪ ،‬والأمير عبداهلل الفي�صل‪ ،‬والزمخ�شري‪،‬‬ ‫والمغربي‪ ،‬ومحمود عارف‪ ،‬والقر�شي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وانتخبوا �أول مجل�س �إدارة لأدبي جدة؛ لذلك فهو‬ ‫عميد الأندية الأدبية في المملكة‪ ،‬و�أول نادٍ يجري‬ ‫االنتخابات العامة بح�ضور جمعية عمومية من‬ ‫الأدب��اء ال��رواد والمثقفين والإعالميين‪ .‬و�ضمت‬ ‫قائمة الذين ر�شحوا �أنف�سهم للدخول في �أول‬ ‫مجل�س �إدارة الأ�ساتذة‪ :‬ح�سن القر�شي‪ ،‬ومحمود‬ ‫عارف‪ ،‬ومحمد علي مغربي‪ ،‬وعبداهلل الح�صين‪،‬‬ ‫وعبداهلل مناع‪ ،‬والأمير عبداهلل الفي�صل‪ ،‬والأمير‬ ‫�سعود ب��ن �سعد‪ ،‬وعبدالفتاح �أب��و م��دي��ن‪ .‬ومن‬ ‫الحقائق �أن �سمو الأمير عبداهلل الفي�صل لم يدخل‬ ‫�أول مجل�س �إدارة‪ ،‬حيث حقق �سمو الأمير �سعود بن‬ ‫�سعد(فتى ال�شاطئ) �أ�صواتا �أكثر‪ ،‬وكان هو من‬ ‫دخل مجل�س الإدارة‪� .‬أما الأدب��اء الذين ح�ضروا‬ ‫و�شاركوا بالإدالء ب�أ�صواتهم‪ ،‬فكان منهم الأ�ساتذة‪:‬‬ ‫عبدالوهاب �آ�شي‪ ،‬ولقمان يون�س‪ ،‬ومطلق الذيابي‪،‬‬ ‫ومحمد �إب��راه�ي��م ج��دع‪ ،‬وها�شم عبده ها�شم‪،‬‬ ‫ومحمد �سعيد باع�شن‪ ،‬و�أحمد �شريف الرفاعي‪،‬‬ ‫ووهيب بن زقر‪ ،‬ومحمد بادكوك‪.‬‬

‫حما�سة �أمير ال�شباب والأدب و�شجاعتة‬ ‫ي�ؤكد الأدب��اء �أنه لوال حما�سة �أمير ال�شباب‬ ‫والأدب‪ ،‬في�صل بن فهد‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬و�إرادت��ه‬ ‫الحرة‪ ،‬و�إيمانه القوي بر�سالة الأدب‪ ،‬وقدرته‬ ‫الفائقة في الت�أثير في المجتمع‪ ،‬لما كان ت�أ�سي�س‬ ‫الأندية الأدبية من الأح��داث الثقافية والأدبية‬ ‫المهمة في تاريخ الأدب ال�سعودي‪ .‬ومن وجهة‬ ‫نظر الأديب الرائد عزيز �ضياء‪� ،‬أن هذه الأندية‬ ‫كان يمكن �أن تظهر في �أي وقت قبل الآن‪ ،‬ولكن‬ ‫ظهورها في الوقت الذي �أعلن عن ت�أ�سي�سها‪ ،‬كان‬ ‫له عدة وجوه‪ ،‬منها‪ :‬الطفرة التي عا�شتها المملكة‬ ‫ف��ي الثمانينيات الميالدية‪ ،‬وت��وف��ر الإمكانات‬ ‫للنه�ضة ال�شاملة وفق خطط التنمية في مختلف‬ ‫المجاالت االقت�صادية واالجتماعية والتعليمية‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫وب�ت��أ��س�ي����س الأن ��دي ��ة الأدب� �ي ��ة ف��ي �إط��اره��ا‬ ‫الم�ؤ�س�ساتي‪ ،‬وال�ت�ق��دي��ر ال�ك��ام��ل ل ��دور الأدب‬ ‫والأدب� ��اء ف��ي ه��ذه النه�ضة‪ ،‬ازده ��رت الحركة‬ ‫الأدبية‪ ،‬وتطوّر الم�شهد الثقافي ب�شكل كامل‪ .‬وبال‬ ‫�شك ف�إن االحتفاء بمرور (‪ )40‬عاما على ت�أ�سي�س‬ ‫ن��ادي ج��دة الأدب� ��ي‪ ،‬ك��ان حقا ر��ص��دا لم�سيرة‬ ‫الأندية الأدبية‪ ،‬وما �شهدته الحركة الأدبية من‬ ‫تطور‪ ،‬وما حدث من متغيرات ثقافية‪ ،‬وال يمكن‬ ‫�إنكار �سلبياتها ما دمنا ب�صدد �إبراز �إيجابياتها‪.‬‬ ‫نجد �أننا الب��د �أن نكون �صرحاء و�صادقين في‬ ‫�إي�ضاح �أ�سباب �إخفاقاتها‪.‬‬

‫والم�شجعين ل�م�ح��اوالت�ه��م ف��ي الإب � ��داع‪ ،‬فقد‬ ‫�شجع الأدي��ب��ة نجاة خياط ف��ي بدايتها‪ ،‬وطبع‬ ‫لها مجموعتها الق�ص�صية الأول���ى (مخا�ض‬ ‫ال���ص�م��ت)؛ فطمع ك��ل ال���ش�ب��اب ال�ط�م��وح كما‬ ‫�أ��س�م��اه��م ف��ي دع �م��ه وت�شجيعه‪ ،‬وه��م ال��ذي��ن‬ ‫عرفوا طبيعة الأ�ستاذ العواد‪ ،‬الذي كان يبحث‬ ‫في �إبداع ال�شباب عن المغامرة والحداثة‪ .‬كان‬ ‫هاج�سه رحمه اهلل التجديد كحقيقة من حقائق‬ ‫الحياة‪ ،‬واالختالف في الكتابة‪ .‬وبعد ت�أ�سي�سه‬ ‫للنادي الأدبي‪ ،‬وجد �أن فكرته قد تحققت ليكون‬ ‫النادي منبرا لهم‪ ..‬وحا�ضنا لإبداعهم‪ ،‬ومنطلقا‬ ‫لم�ستقبلهم‪ .‬منحني ع�ضوية الجمعية العمومية‬ ‫في النادي وطلب �أن �أكون �سكرتيرا له‪ ،‬بح�ضور‬ ‫الأ��س�ت��اذ الكبير محمود ع ��ارف‪ ..‬ع�شت �ست‬ ‫�سنوات قريبا منه ل�صيقا به‪� ،‬أ�سمع هم�سه و�أقر�أ‬ ‫نب�ض م�شاعره‪ ،‬وعرفت ال�شئ الكثير من جوانبه‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬وعواطفه الجيا�شة‪ ،‬وب�ساطة الحياة‬ ‫التي كان يعي�شها‪ ،‬والتوا�ضع الذي كان من �أبرز‬ ‫�سماته الإن�سانية‪ .‬وقر�أت �أفكار م�ؤ�س�س الأندية‬ ‫الأدبية‪.‬‬

‫كان العواد ي�ؤمن تماما ب�أنه ال بد �أن ترفع‬ ‫القيود عن �إب��داع المر�أة‪ ،‬وحقوقها االجتماعية‬ ‫التي �صرح بها في خواطره‪ ،‬ومنح ما تكتبه كل‬ ‫اال�ستثناءات‪ .‬ولعله نجح كثيرا‪ ،‬و�أثمر ت�شجيعه‬ ‫وتبنيه للكثير من الأ�سماء �أن �أغلبها قد برز‬ ‫وا��ش�ت�ه��ر‪ ،‬وك���س��ب ال �ع��واد ال��ره��ان ع�ل��ى تفوق‬ ‫تجاربهن الإبداعية‪ .‬ومن بين تلك الأ�سماء‪ :‬د‪.‬‬ ‫�أ�شجان هندي‪ ،‬ود‪ .‬فوزية �أبو خالد‪ ،‬ود‪ .‬خيرية‬ ‫ال�سقاف‪ ،‬ود‪ .‬فاطمة حناوي‪ ،‬ونورة خالد ال�سعد‬ ‫و�سميرة الري رحمها اهلل‪ .‬لذلك ت�ؤكد د‪ .‬فوزية‬ ‫�أب��و خالد �أن موقف العواد من ق�ضايا المر�أة‪،‬‬ ‫موقف وطني‪ ،‬ملتزم ومتقدم على زم��ن ذوات‬ ‫الخدر والخمار و�سقاية الحجيج‪ ،‬وق��د �أدرك��ت‬ ‫المر�أة �أن حلقة الخلخال ‪-‬و�إن كانت من ذهب‪-‬‬ ‫هي بع�ض قيدها‪.‬‬ ‫م��ا كتبه ف��ي خ��واط��ره الم�صرحة و�أح�لام��ه‬ ‫بم�ستقبل المر�أة اجتماعيا وثقافيا‪ ،‬ر�أيناه يتحقق‬ ‫في ال�سنوات الأخيرة‪ ,‬من خالل دخول الأديبة‬ ‫والمثقفة مجال�س �إدارات الأندية‪ ،‬ورئا�سة لجانها‬ ‫الفكرية والثقافية‪ ،‬و�أ�صبحت جزء ًا من نب�ضها‪،‬‬

‫�صاحب الفكرة والر�ؤية ال�صائبة‬ ‫عرفت الأ�ستاذ محمد ح�سن ع��واد‪ ،‬م�ؤ�س�س‬ ‫نادي جدة الأدبي‪ ،‬حين كنت طالبا في الثانوية‪،‬‬ ‫ق ��ر�أت م�ق��االت��ه الفل�سفية ف��ي ج��ري��دة ال�ب�لاد‪،‬‬ ‫و�أعجبني حما�سته الزائدة للتغيير والتجديد‪،‬‬ ‫وعرفت �أن��ه من المتحم�سين للأدباء ال�شباب‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪15‬‬


‫�إخفاقات الأندية في انتخاباتها‬ ‫رغ��م اجتهادات الإدارات للأندية الأدب�ي��ة‪،‬‬ ‫�إال �أنها �أخفقت في معالجة الكثير من الأخطاء‬ ‫التي وقعت فيها‪ ،‬من حيث تجاهل الأ�صوات التي‬ ‫ن��ادت بتعديل الئحة الأن��دي��ة‪ ،‬وع��دم اهتمامها‬ ‫بالمالحظات وال�شكاوى‪ ،‬التي طعنت في نتائج‬ ‫االن �ت �خ��اب��ات الأخ� �ي ��رة‪ .‬ووج ��د �أن الإخ �ف��اق��ات‬ ‫و�أ�سباب المعوقات حالت دون نجاحه في مهامه‪،‬‬

‫مع د‪ .‬الغذامي ود‪.‬ال�سريحي‬ ‫‪ 16‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫و�إن كانت ال تزال تعاني من التهمي�ش في كثير من‬ ‫الأندية‪.‬‬ ‫وفي ال�سنوات الأول��ى من ت�سي�س ن��ادي جدة‬ ‫الأدب��ي التف حوله ع��دد من الأدب ��اء وال�شعراء‬ ‫ال�شباب‪ ،‬وكنت �سعيدا ب�أنني كنت واحدا منهم‪،‬‬ ‫�أل�ت�ق��ي بال�شعراء �أح�م��د ال�صالح (م�سافر)‪،‬‬ ‫وع �ب��داهلل ال���ص�ي�خ��ان‪ ،‬و�أح �م��د ع��ائ��ل فقيهي‪،‬‬ ‫وعبدالوا�سع �سعيد عبده‪ ،‬وكانوا في بداياتهم‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬كما التقى به الأ�ستاذ عبداهلل نور الذي‬ ‫�سماه رائد الأدباء ال�شباب‪ .‬وتحققت بذلك‪� ،‬آمال‬ ‫الأ�ستاذ العواد‪ ،‬ور�ؤيته حول هدف ن��ادي جدة‬ ‫الأدبي وطموحاته الم�ستقبلية‪.‬‬

‫قدم ا�ستقالته‪ ،‬و�سط ده�شة المثقفين‪ ..‬و�صدق‬ ‫توقعاتهم‪ .‬وكانت الغالبية من الأدباء والمثقفين‪،‬‬ ‫يعلنون �صراحة �أن مجال�س �إدارات الأندية الأدبية‬ ‫المختارة بالتعيين في ال�سابق �أف�ضل من التي‬ ‫جاءت عبر الت�صويت في االنتخابات؛ فذلك لأنهم‬ ‫يدركون �أن الأندية الأدبية والم�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫من الأف�ضل �أن يُختار لإدارتها مَ ن هم الأجدر‬ ‫من �أهل الأدب‪ ،‬وبخا�صة المثقفين‪ .‬ولإيماننا ب�أن‬ ‫الديمقراطية م�سلك ح�ضاري‪ ،‬من الأولى بالثقافة‬ ‫�أن تهتم به‪ ،‬فلتكن االنتخابات مبد�أ �أ�سا�سا لعدد‬ ‫من الأع�ضاء‪ ،‬ويتم تعيين بقية الأع�ضاء من قبل‬ ‫الأمانة العامة للأندية الأدبية؛ وهذا ما يجري‬ ‫عليه في الالئحة االنتخابية لمجال�س �إدارات‬ ‫الغرف التجارية‪ .‬لم يكن العمل بهذه الآليات‬ ‫غريبا وال مفاجئا وق��د اعتقد بع�ضهم‪ ،‬حين‬ ‫رف�ض المثقفون والأدباء نتائج انتخابات الأندية‬ ‫الأدبية التي جرت قبل نحو �أرب��ع �سنوات‪ ،‬لي�س‬ ‫لأنهم �ضد مبد�أ الديمقراطية‪ ،‬لكنهم �شككوا في‬ ‫الآليات‪ ،‬واعتر�ضوا على النتائج للتكتالت غير‬ ‫الم�شروعة ولعدم ال�شفافية والم�صداقية‪ ،‬وعزوا‬

‫�أ�سباب الف�شل في الخلل الكبير والفجوات التي‬ ‫ن�صت عليها بنود الالئحة التنظيمية للأندية‬ ‫الأدب �ي��ة‪ .‬ك��ان م��ن �أه��م االعترا�ضات والطعون‬ ‫من المثقفين‪ ،‬انت�ساب الذين ج��رى ت�سجيلهم‬ ‫�أع�ضاء في الجمعيات العمومية للأندية‪ ،‬وكانوا‬ ‫�أع�ضاء لي�س لهم تجربة وال �إلماما واهتماما‬ ‫ب��الأدب‪ ،‬وال يوجد لهم ن�شاط �أو م�شاركات في‬ ‫الأن��دي��ة والم�شهد الثقافي؛ وب��دا وا��ض�ح��ا �أن‬ ‫ت�سجيلهم كان بهدف الت�صويت في االنتخابات‪.‬‬ ‫وك��ان التعديل الوحيد المقنع �إل��ى حد كبير في‬ ‫الالئحة الجديدة‪ ،‬هو النظر ب�صدق وواقعية‬ ‫ل�شروط المن�ضمين للجمعيات العمومية؛ والدليل‬ ‫على ذلك �أنه ثبت �أن الذين ان�ضموا في فترة ما‬ ‫قبل االنتخابات لم يجدد ع�ضويته منهم �إال القلة‬ ‫ممن لهم اهتمام بن�شاطات الأندية والمعنيين‬ ‫حق ًا بالأدب والثقافة‪ .‬وهو ما ي�ؤكد وجود اتفاق‬ ‫مع المر�شحين الفائزين �ضمن قائمة وتكتالت‬ ‫متفق عليها‪ ،‬وهو ما يتعار�ض مع المادة (‪ )20‬من‬ ‫الئحة الأندية الأدبية الجديدة‪ ،‬التي ثبت عدم‬ ‫جدواها‪ ،‬وال تتفق مع المنظومة الثقافية‪ ،‬ومع‬ ‫مبادئها الأ�سا�سية التي تحقق للأندية النهو�ض‬ ‫واال�ستمرار في نجاحاتها‪.‬‬ ‫ك��ان ال بد �أن تن�ص الالئحة الجديدة على‬ ‫ا�ستقاللية الأن��دي��ة الأدب�ي��ة كم�ؤ�س�سات ثقافية‬ ‫لها وجودها وكيانها �ضمن م�ؤ�س�سات المجتمع‬ ‫المدني‪ .‬وما نزال نطالب بالتم�سك بالديمقراطية‬ ‫في اختيار رئي�س و�أع�ضاء مجل�س الإدارة‪ ،‬على �أن‬ ‫تبقى ن�سبة تت�ساوى مع الن�سب المعمول بها في‬ ‫انتخابات المجال�س البلدية والغرف التجارية‪،‬‬ ‫يتم بها تعيين �أع�ضا ٍء من قبل وكالة ال�ش�ؤون‬ ‫الثقافية في وزارة الثقافة‪ .‬ل�ضمان وجود �أدباء‬ ‫ومثقفين معنيين بالهموم الثقافية‪ ،‬ولهم �إلمام‬

‫بمتطلبات الأدباء واحتياجات الم�شهد الثقافي‪.‬‬ ‫حقيقة‪ ،‬ال ي�شكك الأدب ��اء المعتر�ضون وال‬ ‫يقللون من ق��در و�أداء الذين ا�ستلموا �إدارات‬ ‫الأن��دي��ة الأدب��ي��ة‪ ،‬ويظل اعترا�ضهم قائما على‬ ‫الآل��ي��ة وال�لائ��ح��ة التنظيمية؛ ولكنهم ي�أملون‬ ‫م��ن الأم�ي��ن ال�ع��ام ل�ل�أن��دي��ة‪ ،‬وق��د اق�ت��رب موعد‬ ‫االنتخابات الجديدة‪ ،‬ت�صحيح الأو�ضاع‪ ،‬و�إعادة‬ ‫النظر في �شروط الأع�ضاء المنت�سبين للجمعيات‬ ‫العمومية‪ ،‬ودرا� �س��ة المقترحات المقدمة من‬ ‫الأدب��اء والمثقفين‪ .‬وال وجه للمقارنة بين حال‬ ‫الأن��دي��ة اليوم‪ ،‬وم��ا كانت عليه في ال�سابق من‬ ‫نجاحات‪ ،‬و�إقبال من الأدب��اء والمثقفين‪ ،‬رغم‬ ‫�أنها �إدارات ج��رى تعيين �أع�ضائها بكفاءة ما‬ ‫قدموا من عطاء �أدبي ون�شاط ثقافي وا�سع‪.‬‬ ‫المادة المختلف عليها م�صدر الإ�شكال‬ ‫ك��ان من الطبيعي �أن تف�شل الأن��دي��ة الأدبية‬ ‫في عقد جمعياتها العمومية بن�صابها الكامل‪،‬‬ ‫و�إن كان قدر لها �أن تعقدها بن�سب �أقل‪ .‬التخاذ‬ ‫ال��ق��رارات المهمة ل�صالح الم�شهد الثقافي‬ ‫والواقع الأدبي‪ .‬وال�سبب �أن الئحة الأندية الأدبية‬ ‫بها من الثغرات والخلل‪ ،‬ما ال يمكن تالفيه �إال‬ ‫من الأ�سا�س؛ فقد �أ��ص��رت ال ��وزارة على العمل‬ ‫ب��ال�ل�آئ�ح��ة‪ ،‬وال �ت��ي ك��ان��ت ق��د وزع ��ت م�سودتها‬ ‫على الأندية للم�شورة و�إب��داء المالحظات‪ ،‬وفي‬ ‫النهاية ج��رى تطبيقها م��ن دون �أي تعديالت‬ ‫جوهرية‪ ،‬وبخا�صة الباب الثاني‪ ،‬والمادة التي‬ ‫تخ�ص ع�ضوية المنت�سب للجمعية العمومية في‬ ‫الأندية الأدبية‪ .‬ففي �أول الئحة تم �صدورها عقب‬ ‫ت�أ�سي�س الأندية الأدبية عام ‪1395‬هـ (حين كان‬ ‫عددها �ستة �أندية‪� ،‬سبق ذكرها) ما ن�صه‪:‬‬ ‫«ي��ز ّك��ى الع�ضو المتقدم بطلب االنت�ساب‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪17‬‬


‫وج ��رى ت�ع��دي��ل ه ��ذه ال �ف �ق��رة ف��ي ال�لائ�ح��ة‬ ‫المعدلة‪ ،‬التي �صدرت بعد مرور خم�س �سنوات‬ ‫على ت�أ�سي�س الأن��دي��ة‪ ،‬بزيادة عدد الأندية �إلى‬ ‫اثني ع�شر ناديا‪ ،‬ب�إ�ضافة العبارة الآت�ي��ة‪�« :‬أن‬ ‫يكون الع�ضو المنت�سب له �إنتاج �أدبي �أو اهتمامات‬ ‫بالأدب والثقافة»‪.‬‬ ‫�أحدثت ه��ذه الإ�شكاالت فجوة كبيرة �أ ّث��رت‬ ‫ت�أثيرا وا�ضحا في نتائج االنتخابات ومح�صالتها‪،‬‬ ‫هي دخ��ول جمعيات الأن��دي��ة العمومية �أع�ضاء‬ ‫ال ع�لاق��ة لهم ب ��الأدب وال علم لهم بمعطيات‬ ‫الثقافة‪ ،‬والحال كذلك ال يمكن لهذا النوع من‬ ‫االن�ت�خ��اب��ات ف��ي ك��ل الم�ستويات ‪ -‬و�إن كانت‬ ‫محكمة ونزيهة �شكليا ‪� -‬أن تكون ناجحة مهما‬ ‫كانت نتائجها‪ ،‬عندما تكون مفتوحة ولم تحدد‬ ‫�شروط االلتحاق بالجمعيات العمومية للأندية‪.‬‬ ‫الخط�أ �أن الأب��واب فتحت على م�صراعيها لكل‬ ‫�شاب ب�صرف النظر عن ميوله الأدب��ي��ة‪� ،‬أو �أي‬ ‫اعتبار لمواهبه االبداعية‪� ،‬شريطة �أن يكون من‬ ‫خريجي اللغة العربية‪ ،‬وال ي�شترط كونه موهوبا �أو‬ ‫مهتما بالحراك الثقافي‪ ،‬ومن الطبيعي �أن يقاطع‬ ‫الأدب��اء والمثقفون الأندية‪ ،‬و�أن يخلو الجو لمن‬ ‫ال عالقة له بالثقافة والإب��داع الأدب��ي‪ .‬وتلك هي‬ ‫المح�صلة‪ .‬ما ن�شهده اليوم من تغييرات جذرية‬ ‫ّ‬ ‫في ال�ساحة الثقافية‪ ،‬والتوجّ هات الفكرية‪ ،‬وما‬ ‫يحدث من ح��راك غريب على المناخ الأدب��ي‪،‬‬ ‫�أوجد نوع ًا من ال�صراع والجدل‪ ،‬ت�سبّب في خلق‬ ‫مناخ غريب‪ ،‬وواق��ع م ��أزوم‪ ،‬ال يخدم ب��أي حال‬ ‫م�ستقبل الثقافة وال يحقق طموحات المثقفين‪.‬‬ ‫‪ 18‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫�أ�سئلة �شائكة تقلق الأدباء والمثقفين‬ ‫م��ن الأ�سئلة ال�شائكة المطروحة م��ؤخ��را‪،‬‬ ‫التي يبحث الأدب��اء والمثقفون عن �إجابات لها‪:‬‬ ‫لماذا ف�شلت الأندية الأدبية في عقد جمعياتها‬ ‫العمومية بن�صابها القانوني؟ �أ�ستاذنا محمد‬ ‫العلي ع َّد ما حدث تدمير ًا للثقافة‪ ،‬وبع�ضهم ي�ؤكد‬ ‫�أنها �إخفاقات ل��وزارة الثقافة‪ ،‬ت�سببت في ف�شل‬ ‫الأن��دي��ة‪ ،‬وال�سبب وه��و جوهر مبررات الطعون‬ ‫التي تقدم بها الأدباء القالئل الذين �شاركوا في‬ ‫االنتخابات ويمثلون الثقافة والأدب‪ .‬وعلى حد‬ ‫قول الدكتورة لمياء باع�شن‪ ،‬التي كانت �إحدى‬ ‫�ضحايا تكتالت االنتخابات؛ ف�إن �شروط الالئحة‬ ‫ك��ان��ت بحق العقبة وال�م��ان�ع��ة‪ .‬فحين �صدرت‬ ‫اللآئحة‪ ،‬عقب ت�أ�سي�س الأن��دي��ة ع��ام ‪1975‬م‪،‬‬

‫م�ستقبل الأندية الأدبية وفكرة المراكز‬ ‫الثقافية‬ ‫طغت فكرة المراكز الثقافية ال�شاملة‪ ،‬وو�ضع‬ ‫ت�صور م�ستقبلي للحركة الثقافية والأدبية‪ ،‬يحلم‬ ‫به الأدب ��اء والمثقفون على ح��وارات المثقفين‬ ‫ونقا�شهم‪ .،‬وجاءت الأخبار بما يب�شرهم ب�صدور‬ ‫ق��رار وزاري ر�سمي ب�إن�شاء مراكز ثقافية في‬ ‫وقت قريب‪ ،‬كبديل للأندية الأدبية‪ ،‬ولأن بع�ض‬ ‫الأندية كما ورد في الخبر‪ ،‬الآن في مرحلة بناء‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫لعمومية النادي من قبل ع�ضوين من مجل�س �إدارة‬ ‫النادي‪ ،‬ي�شهدان بكفاءته و�أحقيته في الع�ضوية‪،‬‬ ‫لن�شاطه واهتماماته الأدبية»‪.‬‬

‫ال�ش�ؤون الثقافية ومعالجة الإخفاقات‬ ‫رغ��م اج�ت�ه��اد الإدارات ال�سابقة للأندية‬ ‫الأدبية‪� ،‬إال �أنها �أخفقت في معالجة الكثير من‬ ‫الأخ �ط��اء ال�ت��ي وق�ع��ت فيها؛ م��ن حيث تجاهل‬ ‫الأ�صوات التي نادت بتعديل الئحة الأندية‪ ،‬وعدم‬ ‫اهتمامها بالمالحظات وال�شكاوي‪ ،‬التي طعنت‬ ‫في نتائج االنتخابات الأخيرة‪ .‬و�إذا كانت الغالبية‬ ‫م��ن الأدب� ��اء والمثقفين‪ ،‬يعلنون ��ص��راح��ة �أن‬ ‫مجال�س �إدارات الأندية الأدبية المختارة بالتعيين‬ ‫في ال�سابق‪� ،‬أف�ضل من التي جاءت عبر الت�صويت‬ ‫في االنتخابات؛ فذلك لأنهم يدركون �أن الأندية‬ ‫الأدبية والم�ؤ�س�سات الثقافية‪ ،‬من الأف�ضل �أن‬ ‫يُختار لإدارتها مَ ن هم الأج��در من �أهل الأدب‪.‬‬ ‫و��ض��رورة تعديل �شروط الفئات التي يحق لها‬ ‫الت�سجيل في الأندية �ضمن جمعياتها العمومية‪،‬‬ ‫تحديد ًا من تكون تخ�ص�صاتهم تتالءم مع طبيعة‬ ‫الدور الذي تقوم به هذه الأندية كـ(الآداب‪ ،‬اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬التاريخ‪ ،‬المعلومات‪ ،‬والإعالم)‪.‬‬

‫ا�شترطت �أن يكون الع�ضو المنت�سب للنادي‪ ،‬له‬ ‫�إنتاج �أدبي �أو اهتمامات ب��الأدب والثقافة‪ .‬لكن‬ ‫الالئحة ال�ج��دي��دة فتحت المجال لكل راغ��ب‬ ‫من دون ا�ستثناء وال �شروط؛ ما �أح��دث الفجوة‬ ‫الكبيرة التي �أثرت ت�أثيرا وا�ضحا في انتخابات‬ ‫الأندية‪ .‬فقد ت�شكلت الجمعيات العمومية للأندية‬ ‫م��ن �أع���ض��اء ال عالقة لهم ب ��الأدب‪ ،‬وال خلفية‬ ‫لديهم عن معطيات الفعل الثقافي ومتطلباته‪،‬‬ ‫وال ي�شترط ميولهم الأدبي واهتمامهم بالثقافة؛‬ ‫لذلك من الطبيعي �أن يقاطع الأدباء والمثقفون‬ ‫الأندية‪ ،‬و�أن يخلو الجو لمن ال عالقة له بالثقافة‬ ‫والعطاء الأدبي‪ .‬خا�صة و�أن الكثير منهم �أدركوا‬ ‫�أن مهمتهم كانت محددة بح�ضور االنتخابات‬ ‫والت�صويت‪ ،‬لمن ج��اءوا خ�صي�صا لإعطائهم‬ ‫�أ�صواتهم‪ ،‬وانتهى الأمر‪.‬‬ ‫ونعتقد جميعا �أن��ه ال حل �إال ب���إع��ادة النظر‬ ‫في الالئحة‪ ،‬و�إن ك��ان بع�ضهم يظن �أن الحل‬ ‫في العودة لما �سارت عليه الأندية في الفترات‬ ‫الما�ضية بتعيين مجال�س �إدارات الأندية‪ ،‬وهو‬ ‫يتعار�ض م��ع طموحاتنا؛ لكننا ن��رى �أن��ه �أه��ون‬ ‫و�أخ ��ف ��ض��ررا مما ه��و ال�ح��ال عليه الآن‪ ،‬فقد‬ ‫كان التعيين ال ي�أتي ب�أ�سماء بعيدة عن الثقافة‬ ‫وهمومها‪.‬‬

‫في ملتقى قراءة الن�ص مع ال�سريحي و�أبو مدين‬

‫الأ�ستاذ الزيدان يقدم محا�ضرة المفكر‬ ‫الدكتور المهدي بن عبود رحمهما اهلل‬

‫�أم�سية مع عبده خال‬

‫من �أر�شيف النادي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪19‬‬


‫خاتمة‬ ‫لمقرات جديدة‪ ،‬كنادي مكة الثقافي ونادي �أدبي‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬م�شروعان تحت الإن�شاء والإعمار منذ‬ ‫خم�س �سنوات‪ ،‬يرجّ ح بع�ض المثقفين �أن تقوم‬ ‫الوزارة ب�إن�شاء مراكز ثقافية والإبقاء حاليا على‬ ‫الأندية بو�ضعها الحالي‪ ،‬فيما رجّ ح غالبية الأدباء‬ ‫لجوء الوزارة للقيام بدمج الأندية الأدبية مع فروع‬ ‫جمعيات الثقافة والفنون‪ ،‬للخروج بمراكز ثقافية‬ ‫�شاملة لجميع �أطياف الثقافة والفكر والفن‪.‬‬ ‫فكرة المراكز الثقافية ال�شاملة التي تجمع‬ ‫الثقافة والأدب والفنون في كيان واح��د‪ ،‬فكرة‬ ‫باتت مطلب ًا ملح ًا من قبل المثقفين والفنانين‪،‬‬ ‫�إال �أن الجميع يتخوّفون م��ن ا�ستعجال تنفيذ‬ ‫ال�ف�ك��رة ق�ب��ل ن�ضوجها‪ ،‬وا��س�ت�ي�ف��اء حقها من‬ ‫البحث والدرا�سة ب�شكل جيد‪ ،‬لتعود بالنفع على‬ ‫الم�شهد الثقافي برمته‪ .‬لأن م�شروع المراكز‬ ‫الثقافية يحتاج لدرا�سة وافية من قبل ال��وزارة‪،‬‬ ‫ويُو�صى بتكلفة القيام بهذه الدرا�سة لذوي العقول‬ ‫وال�خ�ب��رة الوا�سعة ف��ي مجال العطاء الثقافي‬ ‫والإن �ت��اج الأدب���ي‪ ،‬وال�ت��ي حملت ال�ه��مَّ الثقافي‬ ‫على عاتقها‪ ،‬وخدمت ثقافة الوطن بوعي وجد‬ ‫و�إب��داع‪ .‬وكان عدد من المثقفين قد اقترح على‬ ‫وزارة الثقافة والإع�لام درا�سة بع�ض التجارب‬ ‫الحيّة للمراكزالثقافية في العالم‪ ،‬كنماذج يمكن‬ ‫تطبيقها في المملكة‪ ،‬منها تجربة مركز بومبيدو‬ ‫الثقافي في باري�س‪ ،‬والمراكز الثقافية الأمريكية‬ ‫‪ 20‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫بعد �أربعين �سنة من عمر الأن��دي��ة الأدب�ي��ة‪،‬‬ ‫ظهرت على ال�سطح تكهنات في الو�سط الأدبي‬ ‫حول الأندية الأدبية وفق ما يحدث في عالمنا من‬ ‫والمح�صالت الثقافية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متغيرات في المعطيات‬ ‫وم��ا تتطلبه ال�م�ع��ا��ص��رة ف��ي عالمنا الجديد‬ ‫بثقافته و�إع�لام��ه‪ ،‬وبخا�صة �أن �آم��ال المثقفين‬ ‫تجددت بعد قناعتهم بعدم واقعية نظام الأندية‬ ‫الأدبية و�آلياتها التي تلقى معار�ضة ونقدا من‬ ‫الأدباء والمثقفين‪ .‬خ�صو�صا فيما يتعلق ب�آليات‬ ‫انتخابات الأندية‪ ،‬وقواعدها و�شروطها‪ .‬و�إذا كان‬ ‫هذا النظام يلبّي بع�ض احتياجاتهم ويحقق جزءا‬ ‫من طموحاتهم‪ ،‬كم�ؤ�س�سات ثقافية م�ستقلة‪ ،‬لها‬ ‫دوره��ا الأدب��ي الذي له مقا�صده وخ�صو�صياته‪،‬‬ ‫�إال �أنها بحاجة �إل��ى تطوير؛ و�أي�� ًا كانت الآلية‬ ‫التي �ستتبعها ال���وزارة‪ ،‬لإب ��راز فكرة المراكز‬ ‫الثقافية‪ ،‬ف�إن �آمال المثقفين ال تتوقف عندها‪،‬‬ ‫لذلك نراهم يجددون مطالبتهم بعودة جائزة‬ ‫الدولة التقديرية في الأدب‪ ،‬وت�أ�سي�س ال�صندوق‬ ‫التعاوني لدعم الأدباء‪ .‬وت�شكيل المجل�س الأعلى‬ ‫للثقافة والآداب والفنون‪ .‬والتو�سع في الن�شاطات‬ ‫الم�سرحية وال�سينمائية‪.‬‬

‫الأندية الأدبية‪ ..‬بين‬ ‫االنتخابات والتعيين‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫في وا�شنطن ونيويورك ولو�س �أنجلو�س‪ ،‬والإفادة‬ ‫من �أن�شطة الأندية الطالبية ال�سعودية في �أوروبا‬ ‫ودول �شرقي �آ�سيا‪ ،‬والعمل على اختيار ما يتالءم‬ ‫مع حراكنا الثقافي وعطائنا الأدبي‪.‬‬

‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫تبدو فكرة االنتخابات‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬جذّابة لمعظم المثقفين‪� ،‬إن لم يكن جميعهم!‬ ‫وقد ال تجد مثقفاً يهاجم االنتخابات ك�آلية للو�صول �إل��ى «ال�سلطة»‪� ،‬أي��اً كانت هذه ال�سلطة‪،‬‬ ‫من دون �أن يقرر �أنه مع االنتخابات من حيث المبد�أ‪ ،‬ولكنه �ضدها في زمان معيّن �أو في مكان‬ ‫محدّد؛ لعدم توافر ال�شروط المو�ضوعية التي ت�ضمن نجاحها‪ ،‬هذه ال�شروط المو�ضوعية التي‬ ‫ال ت�أتي �أبداً‪!!..‬‬ ‫هذا ما حدث في �أعقاب النتائج التي �أ�سفرت‬ ‫عنها انتخابات الأندية الأدبية في بع�ض مناطق‬ ‫المملكة‪ ،‬فقد رف�ض بع�ض المثقفين تلك النتائج‪،‬‬ ‫ودعا �صراحة �إلى العودة �إلى �آلية التعيين‪ ،‬بدال‬ ‫من االنتخابات!‬ ‫ما حدث عندنا ربما يبدو �صادماً‪ ،‬ولكن‪ ،‬من‬ ‫الإن�صاف للمثقف ال�سعودي‪� ،‬أن نذكر �أنَّ رف�ض‬ ‫نتائج االنتخابات يكاد يكون تقليد ًا را�سخ ًا في‬ ‫العديد من اتحادات الأدباء والمثقفين في العالم‬ ‫العربي؛ فعلى �سبيل المثال ال الح�صر‪ ،‬يندر في‬ ‫ال�سنوات الأخيرة �أن يتم ت�شكيل هيئات �إداري��ة‬ ‫جديدة في رابطة الكتاب الأردنيين من دون �أن‬ ‫يعقب ذلك موجة من اال�ستقاالت واالحتجاجات‪،‬‬ ‫وهو الأم��ر الذي يحدث في العديد من اتحادات‬ ‫الكتاب والأدباء في العالم العربي‪.‬‬ ‫يروي الدكتور غازي الق�صيبي تجربة �شخ�صية‬

‫م َّر بها عندما كان عميد ًا لكلية التجارة بجامعة‬ ‫الملك �سعود‪ ،‬فيقول �إنه حاول جاهد ًا من خالل‬ ‫م�شاركاته في لجان الجامعة العملَ على �إلغاء‬ ‫نظام “تعيين” عمداء الكليات بقرارات �إدارية‪،‬‬ ‫وا�ستبداله بنظام يقوم على التر�شيح من مجال�س‬ ‫الكليات‪ .‬وقد نجح في ذل��ك‪ ،‬وتم اعتماد نظام‬ ‫االن�ت�خ��اب��ات ب ��د ًال م��ن ن��ظ��ام التعيين‪ ،‬واعتبر‬ ‫الق�صيبي �أن هذا الإنجاز هو �أحد �أهم الإنجازات‬ ‫ف��ي حياته‪ .‬لكن ال�ك��ارث��ة وق�ع��ت بعد �أن دخلت‬ ‫التجربة حيّز التنفيذ‪ .‬يقول الق�صيبي‪« :‬عندما‬ ‫بد�أ تطبيق الن�ص اندلعت الم�شاكل في كل كلية‬ ‫تقريباً‪ .‬كانت هناك انق�سامات‪ ،‬وتعذّر على بع�ض‬ ‫المجال�س تر�شيح �أحد‪ .‬كانت هناك �شكاوى �إلى‬ ‫�أعلى �سلطات الدولة”(‪.)1‬‬ ‫ير�ض “الدكاترة” بنتيجة االنتخابات‪،‬‬ ‫لم َ‬ ‫ودبّت الخالفات بينهم‪ ،‬ثم تطورت حتى و�صلت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪21‬‬


‫‪ 22‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�إلى درجة الخ�صومة المطلقة واال�ستعداء برفع‬ ‫خطابات �إل��ى وزي��ر الداخلية‪ ،‬و�إل��ى الملك! وقد‬ ‫ك��ان��ت النتيجة �أن ت��م �إل��غ��اء ن��ظ��ام االنتخابات‬ ‫والعودة �إلى نظام التعيين‪� ،‬أو كما يقول الق�صيبي‬ ‫�إلغاء «ن�ص» االنتخاب والعودة �إلى «ن�ص» التعيين!‬ ‫وهنا يت�ساءل‪:‬‬ ‫هل �أنا بحاجة �إلى القول �إن الديمقراطية ال‬ ‫تنبع من الن�صو�ص و�إنما من النفو�س؟ وهل �أنا‬ ‫بحاجة �إل��ى القول �إن الديمقراطية ال تنبع من‬ ‫النفو�س �إال بعد فترة من الحرث وو�ضع البذور‬ ‫وال�سقاية والعناية والرعاية؟ (‪.)2‬‬ ‫بالطبع ال يق�صد الق�صيبي �أن��ه �ضد فكرة‬ ‫االنتخابات‪ ،‬فهو معها ولي�س �ضدها‪ ،‬لكنه يقرر �أن‬ ‫وجود ن�صو�ص نظامية تفر�ض االنتخابات فر�ض ًا‬ ‫ال ي�ضمن نجاح الفكرة عند التطبيق‪ ،‬حتى لو تم‬ ‫التطبيق في بيئات ثقافية يعمل فيها �أنا�س يحملون‬ ‫�أعلى ال�شهادات العلمية‪ ،‬التي اكت�سبوها من بيئات‬ ‫ت�سودها الروح الديمقراطية المت�سامحة‪ .‬هو هنا‪،‬‬ ‫بب�ساطة‪ ،‬يرى �أن الديمقراطية‪ ،‬لكي تنجح‪ ،‬تحتاج‬ ‫�إلى «و�ضع البذور وال�سقاية والعناية والرعاية»‪،‬‬ ‫�أي تحتاج �إلى «الزمن»‪ .‬فهل بمقدورنا �أن نراهن‬ ‫على الزمن حتى ي�ؤمن النا�س بفكرة االنتخابات‬ ‫ويقبلون بنتائجها؟ وك��م نحتاج م��ن ال��وق��ت كي‬ ‫ين�ضج المجتمع‪ ،‬ويقبل بنتائج االنتخابات؟‬ ‫الم�ؤكد �أن «الحرث وو�ضع البذور وال�سقاية‬ ‫والعناية والرعاية» ال يمكن �أن تحدث من تلقاء‬ ‫نف�سها‪ .‬ال بد �أن يكون هناك مَن يحرث الأر�ض‪،‬‬ ‫ومَن ي�ضع البذور وي�سقي ويعتني ويرعى‪ .‬والم�ؤكد‬ ‫�أي�ضا �أن النخب المثقفة هي المر�شّ حة �أكثر من‬ ‫غيرها للقيام بهذا ال��دور‪ .‬لكن المزعج هو �أن‬ ‫هذه النخب المثقفة‪ ،‬عندنا‪ ،‬كانت دائم ًا تعثر على‬ ‫الذرائع التي تبرر بها عدم قبول نتائج االنتخابات‪.‬‬

‫نحن ال نجد مثل ه��ذا ال�ت�ب�رّم ل��دى التجار‬ ‫الذين كانوا وم��ا ي��زال��ون ينتخبون ممثليهم في‬ ‫ال �غ��رف ال�ت�ج��اري��ة منذ ع�ق��ود ط��وي�ل��ة‪ ،‬رغ��م �إن‬ ‫التجار والمثقفين ينتمون �إل��ى البيئة والعادات‬ ‫والتقاليد االجتماعية نف�سها‪ .‬نعم تحدث خالفات‬ ‫ح ��ول ن�ت��ائ��ج ان �ت �خ��اب��ات ال �غ��رف ال �ت �ج��اري��ة في‬ ‫بع�ض الأحيان‪ ،‬لكنها قليلة‪ ..‬وهي ال تكاد تذكر‬ ‫بالمقارنة مع الخالفات التي تثور بين المثقفين‬ ‫عندما تجري انتخابات الأندية الأدبية‪ .‬فما الذي‬ ‫يجعل التجار يقبلون بنتائج االنتخابات‪ ،‬وال يجعل‬ ‫المثقفين يقبلون بها؟! علم ًا ب�أن الغرف التجارية‬ ‫تحقق م�صالح حقيقية للتجار‪ ،‬فهي بمثابة نقابات‬ ‫تحمي م�صالحهم وت��داف��ع عنها �أم��ام الحكومة‬ ‫والم�ستهلكين المحليين وال���ش��رك��اء الأج��ان��ب‪،‬‬ ‫ومن ثَمَّ ‪ ،‬ف�إن نتائج االنتخابات تعني الكثير جد ًا‬ ‫بالن�سبة لهم‪ ،‬ولي�ست مجرد منا�صب وكرا�سي‬ ‫ومواقع فخرية!؟‬ ‫الواقع �أنه‪ ،‬على الرغم من التنظير الكثير‪،‬‬ ‫ف�إنه توجد عالقة ملتب�سة بين المثقّف وال�سلطة‪.‬‬ ‫فالمثقف رغم تظاهره بالعزوف عن ال�سلطة‪،‬‬ ‫يعتقد في ق��رارة نف�سه �أن��ه �أح��ق بها من غيره‪.‬‬ ‫وقد يكون المثقف “فرداً” �أو ربما “تياراً”‪ ،‬لكنه‬ ‫في كل الأح��وال يجد �صعوبة كبيرة في التنازل‬ ‫لغيره؛ لأنه يعتقد �أنه على حق‪ ،‬و�إن ما يراه هو‬ ‫ال�صواب‪ .‬ومن المده�ش �أن بع�ض المثقفين في‬ ‫تحوّالتهم الفكرية عبر مراحل زمنية مختلفة‬ ‫كانوا يتع�صبون دائم ًا للأفكار المتناق�ضة التي‬ ‫كانت تعبّر عن انتماءاتهم الفكرية في المراحل‬ ‫الزمنية المختلفة! هناك مثقفون كانوا يقفون‬ ‫التع�صب‬ ‫ّ‬ ‫في �أق�صى الي�سار‪ ،‬وك��ان��وا �شديدي‬ ‫لأفكارهم الي�سارية‪ ،‬ويعملون على �إق�صاء كل من‬ ‫ال ي�شاركهم الر�أي‪ ،‬ثم تحوّلوا في مراحل الحقة‬ ‫�إلى �أق�صى اليمين‪ ،‬و�أ�صبحوا �شديدي التع�صب‬

‫للأفكار اليمينية‪ ،‬فعملوا على �إق�صاء كل من ال‬ ‫ي�شاركهم �أفكارهم الجديدة‪ ،‬والعك�س �صحيح!‬ ‫قيل في تف�سير رف�ض بع�ض المثقفين لنتائج‬ ‫انتخابات النوادي الأدبية‪� ،‬إن بع�ض المر�شحين‬ ‫الذين خا�ضوا تلك االنتخابات وفازوا فيها هم‬ ‫من خ��ارج ال�ساحة الثقافية‪ ،‬و�إن النتائج التي‬ ‫حققوها �إنما كانت ب�سبب تكتالت وا�صطفافات‬ ‫ال ع�لاق��ة لها بالثقافة‪ ،‬ب�ق��در م��ا ه��ي نتيجة‬ ‫مخططات ذات دواف���ع �أي��دي��ول��وج�ي��ة هدفها‬ ‫الحقيقي هو توظيف ال�ن��وادي لتحقيق غايات‬ ‫�أ�صحاب تلك الأيديولوجيات‪.‬‬ ‫ربما يكون هذا �صحيح ًا في بع�ض الحاالت‪،‬‬ ‫ولكن هل وج��ود مثل هذه الحاالت يبرر رف�ض‬ ‫ف �ك��رة االن �ت �خ��اب��ات وال�م�ط��ال�ب��ة ب��ال �ع��ودة �إل��ى‬ ‫التعيين‪� ،‬أم يدعونا �إل��ى ب��ذل الجهد لإ�صالح‬ ‫نظام االنتخابات المعمول به؟‬ ‫من المعروف �أن عملية االنتخابات في �أي‬ ‫مجال �أو ن�شاط ال بد �أن تكون محكومة ب�شروط‬ ‫وقواعد‪ ،‬وعندما يتعلق الأمر بانتخابات النوادي‬ ‫الأدب�ي��ة‪ ..‬يجب �أن ال تتاح فر�صة التر�شّ ح لأي‬ ‫�شخ�ص ال تنطبق عليه ال�شروط والقواعد‪ .‬وعلى‬ ‫�سبيل المثال‪ ،‬يمكن ت�ضمين قواعد االنتخابات‬ ‫لع�ضوية مجال�س �إدارات ال�ن��وادي الأدب�ي��ة �أن‬ ‫يكون المتر�شح ذا �إنتاج �أدبي‪ ،‬ولي�س من خارج‬ ‫ال�ساحة الثقافية‪ .‬وم��ن الم�ؤكد �أن��ه لن يكون‬ ‫من الم�ستحيل و�ضع ال�شروط التي تمنع غير‬ ‫المعنيين بالثقافة ب�شكل حقيقي من التطفل‬ ‫على انتخابات النوادي الأدبية‪.‬‬ ‫واقع الأمر هو �أن الكثير من المثقفين ال يُطيق‬ ‫ال��ر�أي الآخ��ر‪ ،‬وال ي�ستطيع الت�أقلم مع �أي توجّ ه‬

‫ثقافي يختلف عن التيار الذي يميل �إليه‪ .‬وواقع‬ ‫الأم��ر هو �أن ال�شللية ج��زء من تركيبة ثقافتنا‬ ‫المحلية؛ ولذلك‪ ،‬يف�ضل الكثير من المثقفين‬ ‫االن�سحاب بالكامل بد ًال من التعاي�ش مع الآخرين‬ ‫في بيئة ثقافية تتنوّع فيها الميول والتوجّ هات‪.‬‬ ‫في ح��االت كثيرة حدثت خالفات �أدت �إلى‬ ‫تعطيل �أن�شطة بع�ض ال �ن��وادي الأدب �ي��ة ب�سبب‬ ‫الميول وال�شلليات‪ ،‬ولي�س ب�سبب وجود �أع�ضاء‬ ‫في مجل�س الإدارة من خارج ال�ساحة الثقافية‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬ال يمكن ن�سف فكرة االنتخابات بحجة‬ ‫�أنها ت�أتي ب�أ�شخا�ص من خارج ال�ساحة الثقافية‪،‬‬ ‫والقول �إن وجود مثل ه�ؤالء الأ�شخا�ص هو �سبب‬ ‫الفو�ضى الإداري��ة‪ ،‬والنزاعات الم�ستمرة التي‬ ‫تعاني منها بع�ض النوادي الأدبية‪.‬‬ ‫�إن فكرة االنتخابات فكرة ح�ضارية نبيلة‪،‬‬ ‫ويجب �أن يكون للنوادي الأدبية دو ٌر كبير في‬ ‫تر�سيخها ف��ي جميع الأن���ش�ط��ة وال�ق�ط��اع��ات‬ ‫بالمجتمع‪ ،‬ه��ذا ال��دور ال��ذي و�صفه الق�صيبي‬ ‫ب�ـ «ال�ح��رث وو��ض��ع ال�ب��ذور وال�سقاية والعناية‬ ‫والرعاية»‪.‬‬ ‫ربما لن تتحقق في المدى الق�صير ال�صورة‬ ‫المثالية التي يطمح �إليها معظم المثقفين‪ ،‬لكن‬ ‫ممار�سة االنتخابات واال�ستفادة من الأخطاء‬ ‫يثري التجربة وين�ضجها‪ .‬و�إذا كان المثقفون‬ ‫ي�ضيقون ذرع�� ًا باالنتخابات؛ لأن نتائجها ال‬ ‫تعجبهم ب�سبب حداثة التجربة ووجود الأخطاء‪،‬‬ ‫فلن تن�ضج ه��ذه التجربة �أب���داً‪ ،‬و���س��وف تظل‬ ‫ال�ن��وادي الأدب�ي��ة تعاني من الق�صور ال��ذي هو‬ ‫�صفة م�لازم��ة للعمل البيروقراطي الوظيفي‬ ‫الذي تحكمه لوائح التعيين وفر�ض الو�صاية‪.‬‬

‫(‪ )1‬غازي الق�صيبي‪ ،‬حياة في الإدارة‪ ،‬ط ‪( 13‬بيروت‪ :‬الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر‪2006 ،‬م) �ص ‪.93‬‬ ‫(‪ )2‬الم�صدر نف�سه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪23‬‬


‫الأندية الأدبية‬ ‫في ع�صر العولمة‬ ‫■ عبدالرحمن الدرعان‬

‫يقت�ضي نجاح �أي م�ؤ�س�سة‪ ،‬والثقافية منها على وجه الخ�صو�ص‪� ،‬أن تقر�أ ‪ -‬بال تعالٍ ‪ ‬وال‬ ‫مثالية ‪ -‬معطيات الواقع؛‪ ‬لكي تنطلق ‪ ‬بر�ؤية �إ�ستراتيجية ت�ست�شرف تحوّالت الم�ستقبل و�آفاقه‬ ‫وممكناته؛ ما يمكّنها من مواكبة ح��راك المجتمع‪ ،‬واالن�سجام مع ‪ ‬تحوّالته ومُتغيّراته‪ ،‬من‬ ‫خالل العمل على م�شروعات ثقافية‪ .‬‬ ‫و�إذا‪ ‬ما تتبّعنا تاريخ الأندية الأدبية‪ ،‬ف�إنه يتوجب ب��دءاً �أال نن�سى �أن ت�أ�سي�س الجيل الأول‬ ‫منها تزامن مع بواكير حركة (ال�صحوة)‪ ،‬وهو ما يدعوني �أت�ساءل بارتياب عن غياب �أثر هذه‬ ‫الم�ؤ�س�سات الثقافية‪ ،‬وعجزها عن الت�صدّي لرياح ال�صحوة التي ع�صفت بالمجتمع‪ ،‬ب�شكل لم‬ ‫يكن م�سبوقا من قبل‪ .‬‬ ‫ولكي نتو�صل �إل��ى �أ�سباب �إخفاق الم�ؤ�س�سة‬ ‫الثقافية ط��وال العقود الأربعة الما�ضية‪ ،‬علينا‬ ‫ق��راءة المراحل التي مرت بها الأندية الأدبية‪-‬‬ ‫نظريا‪� -‬إلى عدة مراحل تاريخية‪ ،‬بدايتها منذ‬ ‫عام‪٩٥‬هـ‪ .‬تلك الفترة الطويلة ن�سبيا‪ ،‬والتي‬ ‫ك��ان��ت ‪ ‬الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب تمثل‬ ‫مرجعية الأندية الأدبية‪ ،‬و�إذا ما ا�ستثنينا نادي‬ ‫‪ 24‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ج��دة الأدب ��ي‪ ،‬ال��ذي ك��ان ل��ه ح�ضوره المتميز‪،‬‬ ‫و�أث��ره في الم�شهد الثقافي؛ ف���إن معظم الأندية‬ ‫الأخ � ��رى ف��ي ت�ل��ك ال �ف �ت��رة ي�غ�ل��ب عليها طابع‬ ‫ال�خ�م��ول‪ ،‬وال�ع�م��ل التقليدي‪ ،‬والمح�سوبيات‪،‬‬ ‫و�سيطرة الذهنية الواحدية على جُ ��لِّ مجال�س‬ ‫الأندية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كانوا يمار�سون ‪� ‬أ�شد درجات‬ ‫الإق�صاء لكل من يختلف مع توجهاتهم الفكرية‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫والأيدلوجية؛ ذلك ‪� ‬أن ر�ؤ�ساء الأندية ال ي�ؤمنون‬ ‫بالعمل الم�ؤ�س�سي‪ ،‬بقدر ما كانوا يديرون العمل‬ ‫على طريقة الموظفين‪ .‬بل يحدث �أن تدار هذه‬ ‫الأندية لدى بع�ض ه��ؤالء ‪ -‬مع الأ�سف ‪ -‬كما لو‬ ‫�أنها ملكية خا�صة؛ يتجلى ذلك في ت�صريحات‬ ‫القائمين عليها‪ ،‬الذين لم ي�ستنكف بع�ضهم عن‬ ‫الت�صريح بكونه �شخ�صية اعتبارية يرى في هذا‬ ‫(المن�صب) مكاف�أة �شخ�صية‪ ،‬وذلك بعد الإعالن‬ ‫ال ��ش��ك �أن ال��ره��ان ع�ل��ى ان�ت�خ��اب �أع���ض��اء‬ ‫عن نية الوزارة في تغيير �أع�ضاء مجال�س الأندية‪ .‬مجال�س الأندية حالة يطمح لها ال�شارع الثقافي‪،‬‬ ‫‪ ‬وعندما تحوّلت الأن��دي��ة �إل��ى جهاز وزارة رغم ما قد يعتريها من تعثر في بداياتها‪ ،‬وها‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة والإع �ل��ام‪ ،‬وغ� ��ادرت الإدارات التي نحن نرى �أن مراجعة الالئحة وتعديلها �أ�صبح‬ ‫ا�ستحوذت عليها‪ ،‬ب��د�أت مالمح التجديد تظهر هاج�س الإدارة العامة للأندية الأدبية‪ ،‬فهل ثمة‬ ‫مجددا بعد طول انتظار‪ ،‬وعادت الأندية �إلى حالة وقت لتدارك الأخطاء المتراكمة عبر عقود في‬ ‫االنتعا�ش‪ ،‬وبد�أت تدخل في حالة من التناف�س‪ .‬ع�صر التحوّالت الثقافية‪ ،‬واالنفجارات المعرفية‪،‬‬ ‫حدث ذلك بعد �أن قامت وزارة الثقافة والإعالم والثقافة العابرة للحدود؟ وهل �سيتوقف العالم‬ ‫بم�ضاعفة ع��دد الأن��دي��ة الأدب�ي��ة‪ ،‬لت�شمل جميع في انتظار المتقاع�سين والمتخلّفين عن الركب؟!‪ ‬‬ ‫مناطق المملكة‪ .‬ولعلنا ن�شير في ه��ذا المقام‬ ‫ويبدو �أنه يتعين �أن نطرح ال�س�ؤال الآتي‪ ،‬بكل‬ ‫�إلى العديد من البرامج الثقافية‪ ،‬والم�سابقات ما فيه من حرقة‪ :‬هل هو زمن الأندية الأدبية‬ ‫الأدب� �ي���ة‪ ،‬والأن �� �ش �ط��ة ال �ن��وع �ي��ة ف��ي ع ��دد من التي عجزت عن مواجهة تحديات الما�ضي؟! وهل‬ ‫الأن��دي��ة‪ .‬وج��دي��ر بنا �أن نذكر بال�شكر ع �رّاب يمكنها التفاعل مع راهن الثقافة على ال�صعيد‬ ‫تلك المرحلة الدكتور عبدالعزيز ال�سبيّل‪ ،‬الذي المحلي والعالمي؟!‬ ‫ك��ان لجهوده المخل�صة �أث��ر كبير في ‪ ‬الحراك‬ ‫ال �أعتقد �أننا نغامر في االعتراف ب�أننا لن‬ ‫الإيجابي الذي طر�أ على هذه الأندية الأدبية ؛ ننتظر من هذه الأندية التي ما تزال تطوف في‬ ‫كما ال نن�سى احت�ضان الوزارة لمعر�ض الريا�ض الظالم‪ ،‬مكبّلة ب�أغالل العوز المعرفي وغياب‬ ‫الدولي ‪ ‬للكتاب‪ ،‬والفعاليات الثقافية الم�صاحبة الر�ؤية‪� ،‬أن تواكب الراهن‪ ،‬وال �أن تقدم الإ�ضافة‬ ‫له‪ ،‬التي كان لها دور كبير في �إث��راء الم�شهد‪ ،‬والتغيير‪ .‬غير �إن ما يجعلنا نبتهج قليال �أن هذه‬ ‫وك�سر حاجز القطيعة بين المثقفين‪ .‬‬ ‫الإدارة العامة للأندية تتداول ‪ -‬وهو ما لم يعد‬ ‫الئحة االنتخابات التي جلبت ‪ -‬ب�سبب غياب‬ ‫ال�ضوابط والمعايير التي كنا ن�ؤملها ‪ -‬الكثير‬ ‫من الطارئين و�أ�شباه المثقفين والأكاديميين‪،‬‬ ‫الذين وثبوا م�ستغلين ركاكة الالئحة‪ ،‬على هذه‬ ‫الم�ؤ�س�سات‪ ،‬و�أعتقد �أن الحالة الراهنة التي نحن‬ ‫ب�صددها الآن تنبئ عن الحال �أكثر مما يدوّنه‬ ‫المقال‪ .‬‬

‫وكان يجب �أن يتحرك العمل ت�صاعديا‪ ،‬ولكن خافيا‪ -‬هذه الأ�سئلة‪ ،‬وت�شاطرنا هذه الهواج�س‪،‬‬ ‫قدر هذه الم�سيرة �أن ترتد من جديد‪ ،‬بعد تطبيق بحث ًا (ربما) عن بدائل لهذه الأندية‪ .‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪25‬‬


‫■ هاين احلجي‬

‫يكت�سب مفهوم تمويل عمل الم�ؤ�س�سات الثقافية �أهمية حيوية؛ لأنه يفتح �آفاقاً كبيرة لتنمية‬ ‫الثقافة‪ .‬وعلى كل الم�ؤ�س�سات الثقافية �أن تراعي عدداً من ال�شروط لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬وذلك‬ ‫بتخفي�ض الم�صاريف من ناحية‪ ..‬وزي��ادة الدخل من ناحية �أخ��رى‪ ،‬عن طريق الإدارة الفعالة‬ ‫التي تحقق التوازن بين الم�صروفات والإيرادات‪ .‬من جانب �آخر‪ ،‬ف�إن �أمام الم�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫معادلة �صعبة؛ فالإحجام عن الإنفاق على �أن�شطتها الالزمة ب�سبب قلة مواردها يوازيها م�شكل‬ ‫ف��ي عملها؛ وم��ن المهم �أن تت�ضافر جهود الم�ؤ�س�سات الثقافية للتو�صل للن�سبة المعقولة‬ ‫للم�صاريف الإدارية‪.‬‬ ‫�إن تمويل العمل الثقافي ُي َع ُّد عن�صر ًا فاع ًال‬ ‫لزيادة الن�شاطات وتوفير الخدمات‪ ،‬كما �أن‬ ‫معظم الم�ؤ�س�سات العاملة في هذا الميدان هي‬ ‫م�ؤ�س�سات تعتمد على الإعانة ال�سنوية‪.‬‬ ‫ال��ش��ك �أن ال �م��وارد المالية تعد م��ن �أه��م‬ ‫العوائق التي تواجهها الأندية الأدبية؛ فالإعانة‬ ‫ال�سنوية المقررة بمليون ريال �سنويا ال تكفي‪،‬‬ ‫وقد يرى مَ ن هو خ��ارج نطاق عمل الأندية �أن‬ ‫هذا المبلغ كبير‪ ،‬لكن قبل �أن ننتقل �إلى معوقات‬ ‫ال�صرف والتطرق لكفاية المنحة من عدمها‪ ،‬ال‬ ‫بد من الإ�شارة �إلى �أن توزيع مبلغ المنحة نف�س‬ ‫لجميع الأندية‪ ،‬في حد ذاته‪ ،‬يحتاج �إلى �إعادة‬ ‫نظر؛ فهناك �أندية تقع في مدن رئي�سة‪ ،‬وتتبعها‬ ‫محافظات عديدة‪ ..‬بخالف الأندية التي تقع‬ ‫‪ 26‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫في الأط��راف‪ ،‬وال يعني ذلك تقليل الميزانية‬ ‫لمناطق الأط� ��راف‪ ،‬ب��ل رف��ع ميزانية المدن‬ ‫الرئي�سة‪ ،‬وبالخ�صو�ص ن��ادي العا�صمة الذي‬ ‫يمثل الواجهة الثقافية الأولى للوطن‪ ،‬ل�ضيوف‬ ‫المملكة في المهرجانات والملتقيات الثقافية‬ ‫من خارج المملكة‪.‬‬ ‫نعود لميزانية المليون ري��ال‪ ،‬وهي الإعانة‬ ‫ال�سنوية المخ�ص�صة للأنديةـ لو كانت تقت�صر‬ ‫على الأن�شطة والفعاليات الثقافية‪ ،‬لربما كانت‬ ‫مقبولة نوعا ما؛ فهناك عدة بنود �أولها رواتب‬ ‫الموظفين‪ ،‬ومكاف�آت مجال�س الإدارة واللجان‪،‬‬ ‫ولعل الرواتب ت�أخذ البند الأكبر من الميزانية؛‬ ‫خ�صو�صا �أن ل��دى الأن��دي��ة الأدب �ي��ة موظفين‬ ‫ر�سميين م��ن �أي ��ام ال��رئ��ا��س��ة ال�ع��ام��ة لرعاية‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫ميزانية الأندية الأدبية‬

‫ال�شباب‪ ،‬ورواتبهم مرتفعة‪ ،‬وتتجاوز المائة �ألف‬ ‫ريال �شهريا‪ ،‬ف�أحد الأندية تقاعد لديه موظف‬ ‫ر�سمي‪ ،‬ووفقا لنظام العمل والعمال ي�ستحق‬ ‫مكاف�أة نهاية خدمة مقدارها ربع مليون ريال‪،‬‬ ‫وهو يمثل ربع ميزانية النادي ل�سنة واحدة‪ ،‬وبعد‬ ‫مكاتبات مع ال��وزارة‪ ،‬تم �إلزامهم بدفع المبلغ‬ ‫للموظف؛ ه��ذه ح��ال��ة‪ ،‬وه �ن��اك ح ��االت كثيرة‬ ‫لل�صرف على هذا البند؛ �أي�ضا بند المكاف�آت‬ ‫الذي يت�ضمن مكاف�أة اللجان المخت�صة ح�سب‬ ‫ما ت�ضمنته المواد من الئحة الأندية الأدبية‪.‬‬ ‫وم�م��ا ال �شك فيه �أن زي ��ادة الميزانية هو‬ ‫المطلب الأهم للأندية‪� ،‬إذ طرح هذا المطلب‬ ‫من قبل ر�ؤ�ساء الأندية‪ ،‬وفي مقدمتهم معالي‬ ‫وزي��ر الثقافة والإع�ل�ام‪ ،‬وذل��ك عند ت�شرفهم‬ ‫بلقاء ولي العهد �صاحب ال�سمو الملكي الأمير‬ ‫�سلمان بن عبد العزيز‪ ،‬وبح�ضور معالي وزير‬ ‫الثقافة والإعالم‪ ،‬واقترحوا رفع الميزانية �إلى‬ ‫ثالثة ماليين ري��ال‪ ،‬لتغطي جوانب ال�صرف‬ ‫على الأن�شطة والفعاليات في الأندية الأدبية‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا �أن الأندية لديها توجّ ه للتو�سّ ع في‬ ‫ل��ج��ان ال��م��ح��اف��ظ��ات‪ ،‬وه��ي تتطلب ميزانيات‬ ‫�إ�ضافية‪.‬‬ ‫ولذا‪� ،‬أقترح هنا عدة تو�صيات ومقترحات‪،‬‬ ‫منها‪� :‬أه�م�ي��ة دع��م وزارة الثقافة والإع�ل�ام‬ ‫ممثلة ف��ي وك��ال��ة ال� ��وزارة لل�ش�ؤون الثقافية‪،‬‬ ‫للمهرجانات والملتقيات ال�سنوية الثابتة التي‬ ‫تعقدها الأندية الأدبية؛ وتوحيد الدعم لجميع‬ ‫مهرجانات الأندية في المملكة؛ وت�شكيل لجان‬ ‫ا�ستثمارية داخل الأندية الأدبية ب�إ�شراف من‬ ‫الإدارة المالية‪ ،‬تقوم بتعزيز التوا�صل مع الغرف‬ ‫التجارية وال�صناعية داخل المناطق التي توجد‬ ‫فيها الأندية؛ والتوا�صل مع رجال الأعمال من‬ ‫�أج��ل �إيجاد رع��اة ودع��م للأن�شطة والفعاليات‬ ‫الثقافية؛ وا�ستفادة الأندية من مبانيها‪ ،‬ب�أن‬ ‫تخ�ص�ص الأندية القائمة والتي �ستن�ش�أ م�ستقبال‬

‫م��واق��ع ا�ستثمارية داخ��ل ه��ذه ال�م�ب��ان��ي‪ ،‬مثل‬ ‫��ص��االت للت�أجير لإق��ام��ة فعاليات تتقارب مع‬ ‫ن�شاط النادي‪ ،‬و�إن�شاء مكاتب وت�أجيرها على دور‬ ‫الن�شر مثال؛ و�ضرورة الت�أكيد على اال�ستقالل‬ ‫المالي للأندية الأدبية‪ ،‬من خالل البحث عن‬ ‫قنوات وم�صادر تحقق �إيرادات �إ�ضافية لها‪.‬‬ ‫ون��ظ��ر ًا لما تتحمله الأن��دي��ة م��ن م�صاريف‬ ‫�صيانة وت�شغيل ت�صل �إل��ى ‪ %50‬م��ن الإع��ان��ة‬ ‫ال�سنوية‪ ،‬فهناك ح��اج��ة �إل��ى �أن ت�ق��وم وزارة‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة والإع �ل��ام ب �ط��رح م���ش��روع ال�صيانة‬ ‫والت�شغيل والحرا�سات الأمنية لجميع الأندية في‬ ‫مناف�سة عامة‪ ،‬وتتولى الوزارة توقيع عقد موحّ د‬ ‫عن جميع الأن��دي��ة‪ ،‬و�أهمية ا�ستقطاب الرعاة‬ ‫واال�ستفادة من تجارب بع�ض الأندية‪ ،‬والبحث‬ ‫عن �آلية لتوقيع عقد موحّ د مع �شركة لتوزيع كتب‬ ‫الأن��دي��ة الأدب�ي��ة‪ ،‬والم�شاركة بكتب النادي في‬ ‫معار�ض الكتب‪.‬‬ ‫كما يمكن تحقيق �إيرادات من بيع الكتب من‬ ‫خالل عدة قنوات منها‪:‬‬ ‫ �إق��ام��ة معر�ض م��وحّ ��د للكتاب ف��ي المدن‬‫الرئي�سة‪ :‬الريا�ض‪ ،‬جدة‪ ،‬الدمام‪.‬‬ ‫ �إق��ام��ة م�ع��ر���ض �أ� �س �ب��وع��ي م��ع ال�ج��ام�ع��ات‬‫الحكومية والأهلية‪.‬‬ ‫ البحث ع��ن �إمكانية �إي�ج��اد وق��ف للأندية‬‫الأدبية؛ �إما من خالل متبرعين‪� ،‬أو �شراء‬ ‫وقف موحّ د لجميع الأندية بعد درا�سة كافة‬ ‫الجوانب المالية والقانونية للمو�ضوع‪.‬‬ ‫ونظرا لأهمية �إيجاد م�صادر للتمويل وبحث‬ ‫ع��ن ال��رع��اة‪ ،‬ت��م ت�أ�سي�س ملتقى الم�سئولين‬ ‫الماليين بفكرة ومبادرة من كاتب هذا المقال‪،‬‬ ‫وعقد اللقاء الأول بنادي الريا�ض‪ ،‬بح�ضور عدد‬ ‫من الم�سئولين الماليين‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪27‬‬


‫■ �صالح حممد املطريي*‬

‫لعله ال �أحد يجادل في �أن الدوريات والمجالت التي ت�صدرها ا�ﻷ ندية ا�ﻷ دبية تعد من �أهم‬ ‫المنافذ التي يعبر خاللها النتاج الثقافي �إلى مجتمع القراء‪� .‬صحيح �أن ا�ﻹ�صدارات الأخرى؛‬ ‫كالكتب النقدية‪ ،‬والدواوين ال�شعرية‪ ،‬والمجموعات الق�ص�صية‪ ،‬والروايات‪ ..‬ت�شغل حيزا ال ب�أ�س‬ ‫به من قناة الن�شر لأي نادٍ‪� ،‬إال �أن الدوريات تتميز على الكتب بانتظام �صدورها ح�سب ت�صنيفها‪،‬‬ ‫وتنوّع مادتها‪ ،‬وتعدّد كتّابها‪ ،‬وحداثة محتواها‪ .‬لذا ما �إن حدثت تلك القفزة التاريخية في ت�شكيل‬ ‫ا�ﻷ ن��دي��ة الأدب��ي��ة‪ ،‬حتى �شرعت تخلخل البنية التقليدية لأن�شطة الأن��دي��ة‪ ،‬وط��ال ه��ذا التغيير‬ ‫الدوريات التي ت�صدرها هذه الأندية‪� ،‬صحيح �أن معظم هذه الدوريات مثل‪( :‬عالمات)‪ ،‬و(جذور)‪،‬‬ ‫و(الآطام)‪ ،‬و(ر�ؤى)‪ ،‬و(دارين)‪ ،‬و(قوافل)‪ ،‬و(مرافيء)‪ ،‬كانت موجودة قبل �إعادة ت�شكيل مجال�س‬ ‫ا�ﻷ ندية ا�ﻷ دبية‪� ،‬إال �أنها �شهدت تغيّرا ملحوظاً بعد عام ‪1427‬هـ‪� ،‬شمل ت�شكيل لجان خا�صة تعمل‬ ‫على تحرير كل مجلة ومتابعة �إ���ص��داره��ا‪ ،‬كما �شمل التغيير �أي�ضا ح��ذف بع�ض الأ�سماء التي‬ ‫كانت تترهل بها لوحة التحرير‪ ،‬من غير �أن يكون لهم دور ملمو�س في �إ�صدارها؛ كما بات من‬ ‫الملحوظ �أي�ضا تح�سن م�ستوى الطباعة وا�ﻹ خ��راج الفني‪ ،‬وا�ستخدام عنا�صر الإنتاج بال�شكل‬ ‫الذي يجذب القارئ �إلى الإ�صدار؛ هذا مع �أن المجلة الأدبية لي�س من ال�ضروري �أن تكون مطعّمة‬ ‫بالأ�صباغ ال�شكلية‪ ،‬مثل المجالت التي تو�ضع في واجهة مراكز الت�سوق والمحال التجارية‪� ،‬أعني‬ ‫تلك المجالت اال�ستهالكية المزدانة بالأغلفة ال�سميكة ال�ساطعة مع ال�صور والعناوين والبهارج‬ ‫الخاطفة؛ لأن للمجلة الأدبية خ�صو�صي ًة ‪ -‬في نظري ‪ -‬تقرب �أن تكون كخ�صو�صية الدوريات‬ ‫العلمية الر�صينة‪ ،‬تلك التي يتابعها الباحثون والمتخ�ص�صون كل في مجاله‪.‬‬ ‫�إن الحقيقة التي ال مراء فيها �أن المجلة التي‬ ‫ي�صدرها النادي‪ ،‬هي بمثابة ن�سغ الحياة له‪ .‬نعم‬ ‫هناك �أن�شطة �أخرى تم ّد النادي بالحياة �أي�ضا؛‬ ‫كا�ﻷ ن�شطة المنبرية من �أم�سيات ومحا�ضرات‬ ‫‪ 28‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ومنتديات‪� ،‬إال �أن هذه الأن�شطة مح�صورة طبعا‬ ‫بعامل ال�م�ك��ان‪� ،‬أي ال�ن�ط��اق المحلي للنادي‪،‬‬ ‫ومح�صورة �أي�ضا بعامل ال��زم��ان‪ ،‬لأن معظمها‬ ‫يُلقى في حينه‪ ..‬وق��د ال يُ�سجّ ل‪ ،‬و�إذا �سُ جّ ل‪..‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الدوريات ا�ﻷ دبية‪..‬‬ ‫مراجعة واقتراح‬

‫فيحفظ للأر�شيف فقط‪ ،‬وقد ال ين�شر‪ ،‬فت�ضيع‬ ‫علينا م ��ادة ق� ّي�م��ة‪ ،‬وق��د ال يبقى م��ن الن�شاط‬ ‫المنبري �إال فائدة واحدة‪� ،‬أال وهي تحريك المياه‬ ‫ال��راك��دة‪� ،‬أي تحريك العقول‪ ،‬و�إث��ارة التفكير‪،‬‬ ‫وتحفيز المتلقين‪ ،‬مع بعث الحياة طبعا في مقر‬ ‫النادي وبين رواده‪� .‬أما المجالت والدوريات‪..‬‬ ‫فتتجاوز قيود المكان والزمان‪ ،‬لأن من طبيعتها‬ ‫�أن ت�صدر وت�صل �إلى القارئ في �أي مكان‪ ،‬وقد‬ ‫تقع في يد القارئ في �أي زمان‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذه الناحية �إذ ًا تبرز �أمامنا �أهمية‬ ‫ال��دوري��ات في الو�صول �إل��ى الجمهور على ن�أي‬ ‫المكان واختالف الزمان‪ ،‬ولك �أخي القارئ �أن‬ ‫تتخيل ال��رواج ال��ذي حققته دوري��ة (عالمات)‬ ‫ال�ن�ق��دي��ة ال �ت��ي ي���ص��دره��ا ن ��ادي ج��دة ا�ﻷ دب� ��ي‪،‬‬ ‫وو��ص��ول�ه��ا �إل ��ى جمهورها م��ن ال �ق��راء والنقاد‬ ‫والباحثين ال�ع��رب م��ن المحيط‬ ‫�إلى الخليج‪.‬‬ ‫وك��م��ا ت�خ�ت�ل��ف الأن� ��دي� ��ة في‬ ‫�أن���ش�ط�ت�ه��ا‪ ،‬ت�خ�ت�ل��ف �أي �� �ض � ًا في‬ ‫دوري��ات �ه��ا‪ ،‬فالغالب عليها تلك‬ ‫الدوريات التي ير�سل �إليها الكاتب‬ ‫ب�إنتاجه‪ ،‬ك�أن يكون مقالة نقدية‪،‬‬ ‫�أو ق�صة ق���ص�ي��رة‪� ،‬أو ق�صيدة‬ ‫�شعرية‪� ،‬أو مراجعة لأحد الكتب‪..‬‬ ‫ال��خ‪ ،‬ثم تفح�ص لجنة التحرير‬ ‫ه ��ذه ال��م��واد ال�م��ر��س�ل��ة فح�صا‬ ‫ج �ي��داً‪ ،‬وتن�شر منها م��ا ي��واف��ق‬ ‫معايير الن�شر ل��دي�ه��ا‪ ،‬غير �إن‬ ‫هناك من ال��دوري��ات ا�ﻷ دب�ي��ة ما‬ ‫تكون دورية محكمة‪ ،‬مثل الأوعية‬ ‫الأكاديمية‪ ،‬حيث تر�سل الأبحاث‬

‫الم�ستلمة �إل��ى محكمين من �أه��ل االخت�صا�ص‬ ‫من خارج الدورية‪ ،‬ومن �أمثلة هذا النوع دورية‬ ‫(حقول) من نادي الريا�ض الأدبي‪ ،‬وكذلك دورية‬ ‫(العقيق) المحكّمة التي ي�صدرها نادي المدينة‬ ‫المنورة ا�ﻷ دب��ي منذ ع��ام ‪1412‬ه��ـ‪ ،‬والتي �أتيح‬ ‫لكاتب هذه ال�سطور العمل في تحريرها على مدى‬ ‫خم�س �سنين‪ ،‬ورغ��م �أن ه��ذه ال��دوري��ات ا�ﻷ دبية‬ ‫المحكمة قليلة حقا بالقيا�س �إل��ى ال��دوري��ات‬ ‫العامة‪� ،‬إال �أنها ت�سد ثغرة‪� ،‬أو بالأحرى ت�سعف في‬ ‫الحاجة الما�سة التي يجدها الأكاديميون عندما‬ ‫تعوزهم �أوعية الن�شر المحكمة‪ ،‬التي تمكث في‬ ‫بع�ضها الأبحاث فترة طويلة من الترب�ص والترقب‬ ‫واالنتظار‪ ،‬قد ت�صل �إلى عام كامل ليتم تحكيم‬ ‫البحث‪ ،‬ثم �إذا حظي بالقبول‪ ،‬قد يترقب عاما‬ ‫�آخر لي�أتيه دوره في الن�شر! وهذا واهلل ما ت�ضيع‬ ‫فيه الأعمار‪ ،‬ولذلك يكتفي غالب‬ ‫الباحثين بورقة قبول البحث‪..‬‬ ‫ويعتبرونها نهاية المطاف‪� ،‬أما‬ ‫م��ت��ى ي��ظ��ه��ر ال��ب��ح��ث ب�ي��ن دفتي‬ ‫المجلة فذلك في رحم الأيام‪.‬‬ ‫وت �ع��ان��ي دوري� � ��ات ا�ﻷ ن ��دي ��ة‬ ‫ا�ﻷ دب�ي��ة من م�شكلة ت ��ؤرق تفكير‬ ‫القائمين عليها والقراء على حد‬ ‫�سواء‪� ،‬أال وه��ي م�شكلة التوزيع‪،‬‬ ‫وهي م�شكلة عوي�صة م�ستع�صية‬ ‫والحق يقال‪ ،‬وبع�ض ا�ﻷ ندية يعاني‬ ‫منها منذ علقت تمائمه‪ ،‬والو�ضع‬ ‫القائم الآن �أن ال�ن��ادي الأدب��ي‪،‬‬ ‫اللهم ماعدا نادٍ واحدٍ ‪ ،‬هو الذي‬ ‫يقوم بتوزيع دوري��ات��ه عن طريق‬ ‫ال�ق��ائ�م��ة ال�ب��ري��دي��ة ال �ت��ي ل��دي��ه‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪29‬‬


‫‪ 30‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫وق ��د ي �ق��ول بع�ضهم �إن ه��ذا‬ ‫الإخ �ف��اق ي��رج��ع �إل��ى ��س��وء التن�سيق م��ن جانب‬ ‫الأن��دي��ة م��ع �شركات ال�ت��وزي��ع‪� ،‬إال �أن التجربة‬ ‫خير برهان كما يقول الم�سوِّقون‪ ،‬فكل مَ ن تولى‬ ‫م�س�ؤولية في تحرير هذه المجالت‪ ،‬ومنهم كاتب‬ ‫تن�صل ال�شركات من توزيع‬ ‫هذه ال�سطور‪ ،‬ي�ؤكد ّ‬ ‫مجالت الأندية وقبولها؛ بل ي�ؤكد �أي�ضا تحا�شي‬ ‫المكتبات الكبرى وتجافيها عن احتواء مطبوعات‬ ‫الأندية‪ ،‬فقد قمت باالت�صال الر�سمي وال�شخ�صي‬ ‫بمكتبتين كبريتين ال�ستيعاب مطبوعات النادي‬ ‫الأدبي ودورياته على �أرفف المكتبة‪ ،‬وتم التن�سيق‬ ‫غير مرة مع �إدارة الت�سويق في كل مكتبة‪ ..‬فجاء‬ ‫الرد باالعتذار‪ .‬وفي هذا ال�صدد يقول ال�شاعر‬ ‫عبداهلل ال�سفر عن تجربته في مجلة (دارين)‪،‬‬ ‫مع مع�ضلة التوزيع‪� :‬أت��ذ ّك��ر معاناة البحث عن‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫وت�ضم هذه القائمة طبعا �أ�سماء ي�أتيها �سيل عرم ع��ام ‪1920‬م ع�ن��دم��ا د ّك ��ت �أح �ي��اءه��ا مدفعية‬ ‫من المجالت والكتب من كل مكان‪ ،‬فال تدري ما الفرن�سيين‪:‬‬ ‫تقرا وما تدع‪� ،‬أما القارئ العام فال يجد المجلة ي���ف���� ّ���ص���ل���ه���ا ع����ل����ى ال����دن����ي����ا ب�����ري�����دٌ‪..‬‬ ‫الأدبية مع ال�صحف والمجالت في نقاط البيع‬ ‫و ُي����ج����م����ل����ه����ا ع����ل����ى الآف��������������اق ب������رقُ‬ ‫ومنافذ الت�سوق والمكتبات‪ ،‬وال تحين الفر�صة‬ ‫فالبريد يومها كان يحمل �صحف �سوريا �إلى‬ ‫له لالطالع على دوريات الأندية‪� ،‬إال �إذا قدر له‬ ‫زيارة مقر النادي بنف�سه �أو ر�ؤيتها في جناح وزارة م�صر‪ ،‬وي ��أخ��ذ معه �صحف م�صر �إل��ى �سوريا‬ ‫بالمقابل‪ .‬لكن الو�ضع تغير طبعا منذ عقود‪،‬‬ ‫الثقافة في معار�ض الكتب‪.‬‬ ‫و�أ�صبحت هناك �شركات وم�ؤ�س�سات تخت�ص‬ ‫م��ن هنا تبزغ �أم��ام�ن��ا � �ض��رورة ملحة لعالج‬ ‫ب�ت��وزي��ع ال�صحف وال ��دوري ��ات وال�م�ط�ب��وع��ات‪،‬‬ ‫م�شكلة التوزيع‪ ،‬فكيف ت�صل المجلة �إلى قرائها‬ ‫و�إي�صالها �إلى �أماكنها المق�سومة‬ ‫وه ��ي مق�صو�صة ال �ج �ن��اح‪� ،‬أي‬ ‫لها‪ ،‬و�أح�سب �أن لدينا �شركتين‬ ‫ب�لا ت��وزي��ع؟! �صحيح �إن بع�ض‬ ‫�أو ث�لاث��ا ل�ل�ت��وزي��ع ف��ي المملكة‪،‬‬ ‫ال� ��دوري� ��ات ح � ��اول ع �ل�اج ه��ذه‬ ‫لديهم �أ�سطول توزيع ي�صل �إلى‬ ‫الم�شكلة عن طريق التعاقد مع‬ ‫معظم المدن في المملكة‪ ،‬وهذه‬ ‫مكتبات محلية في بع�ض المدن‪،‬‬ ‫ال�شركات الوطنية توزع ال�صحف‬ ‫�إال �أن هذا التوزيع و�إن كان �أف�ضل‬ ‫والمجالت التي ت�صدر في البالد‪،‬‬ ‫من ال �شيء‪� ،‬إال �أنه ال ي�صل �إلى‬ ‫كما توزع �صحفا ومجالتٍ ت�صدر‬ ‫الأم��اك��ن التي ت�صلها ال�صحف‬ ‫م��ن خ��ارج ال�ب�لاد على اختالف‬ ‫والمجالت في الأ�سواق والمراكز‬ ‫�أل��وان �ه��ا و�أن ��واع� �ه ��ا‪ ،‬ل�ك��ن يبدو‬ ‫وال�م�ك�ت�ب��ات‪ ،‬وا�ﻷ م ��اك ��ن العامة‬ ‫�أن ��ش��رك��ات ال�ت��وزي��ع ه��ذه ظلت‬ ‫كالمطارات مثال‪ ،‬حيث ت�ستهدف‬ ‫«تتمنع» �أم��ام �إ��ص��دارات الأندية‬ ‫المجالت قرابة ن�صف جمهورها‬ ‫م��ن ك �ت��ب وم��ج�ل�ات ودوري � ��ات‪،‬‬ ‫هناك‪ ،‬كما �أن معظم الدوريات‬ ‫رغم �أن مطبوعات الأندية تعتبر‬ ‫ال تجدها في المكتبات التي تبيع‬ ‫«منتج ًا وطنياً»‪ ،‬بينما هي للأ�سف‬ ‫الكتب وال�صحف والمجالت‪.‬‬ ‫تفتح ذراع �ي �ه��ا ل�ت��وزي��ع مجالت‬ ‫في ال�سابق كان البريد يقوم‬ ‫ومطبوعات ت�صدر من الخارج‪ ،‬ما‬ ‫ب �ك��ل � �ش��يء ف��ي ت��وزي��ع ال�صحف‬ ‫والمجالت والكتب‪ ،‬فهو ال��ذي ك��ان يحملها في يحيلنا مرة �أخرى �إلى �أحمد �شوقي لنت�ساءل معه‬ ‫رح��ال��ه‪ ،‬ولعلنا نتذكر �أن��ه قبل ق��راب��ة ق��رن من بكل �أ�سف‪:‬‬ ‫الزمان‪ ،‬كانت �صحف الأخبار تنتقل بين البلدان �أح������������������را ٌم ع�����ل�����ى ب��ل��اب�����ل�����ه ال������������دو ُح‬ ‫بالبريد‪� ،‬ألم يقل �أحمد �شوقي عن فاجعة دم�شق‬ ‫�������س؟!‬ ‫ح���ل��الٌ ل��ل��ط��ي��ر م����ن ك����ل ج���ن ِ‬

‫وه �ك��ذا �أخ�ف�ق��ت الأن��دي��ة في‬ ‫ت��وزي��ع دوري��ات �ه��ا ع�ب��ر ��ش��رك��ات‬ ‫التوزيع‪ ،‬لكنا نقول‪� :‬إن لم ي�صبها‬ ‫واب��ل فطل‪ ،‬حيث نجحت الأندية‬ ‫في توزيع ن�صف الكتب على الأقل‪،‬‬ ‫وانت�شلتها م��ن وه ��دة التخزين‬ ‫بوا�سطة التعاقد مع دور ن�شر من‬ ‫خ��ارج ال�ب�لاد ف��ي لبنان وم�صر‬ ‫والمغرب‪� ،‬إال �أن غالب الدوريات‬ ‫م��ا ي��زال ي��وزع م��ن خ�لال جهود‬ ‫ال �ن��ادي ال �م �ح��دودة وال�ق��ا��ص��رة‪،‬‬ ‫وب�ع����ض ا�ﻷ ع � ��داد ال ي���زال يقبع‬ ‫ف��ي (ك ��رت ��ون) ب��ال�م�ط�ب�ع��ة منذ‬ ‫��ص��دوره‪ ،‬وق��د اط�م��أنّ به المقام‬ ‫في الم�ستودع‪� ،‬إلى �أن يكتب له �أن‬ ‫يخرج �إلى النور‪.‬‬

‫م���وزّع ي��ر��ض��ى‪ ،‬ول��ه الأج� ��ر‪� ،‬أن‬ ‫تكون مجلتنا «داري ��ن» م�شمولة‬ ‫برحمة المثول فوق حوامل تثقلها‬ ‫مثيالتها من ع�شرات المجالت‪،‬‬ ‫ثقيلة ال��وزن غ��ارق��ة ف��ي الأل��وان‬ ‫وجاذبية الغالف وخفّة المحتوى‬ ‫�إال فيما ندر‪ ،‬ولكم �أن تت�صوروا‬ ‫م �ق��دار ال�خ�ي�ب��ة ون �ح��ن نرتطم‬ ‫ب��اع �ت��ذار مكتبة محلية ك�ب��رى‪،‬‬ ‫لها �أفرع و�أذرع في �أغلب مدننا‪،‬‬ ‫وتمتد على �ضفاف الخليج‪« :‬ال‬ ‫مكان لدينا لمجلتكم»‪�( ..‬صحيفة‬ ‫اليوم ‪1435/5/28‬هـ)‪.‬‬ ‫وفي هذا ال�سياق �أي�ضا‪ ،‬يقول‬ ‫الناقد ح�سين بافقيه ‪-‬وقد عمل‬ ‫فترة ف��ي تحرير (ج ��ذور)‪�« :‬إن‬ ‫ال�ت��وزي��ع ل��دى ه��ذه الأن��دي��ة غير‬ ‫مر�ض للغاية‪ ،‬وقد يكون معدوماً‪ ،‬فمن �أجل �أن‬ ‫ٍ‬ ‫تح�صل على مجلة‪ ،‬ال بد �أن تتعب وتتكبّد الم�شقة‪،‬‬ ‫و�أن تكون لديك عالقة ب�أحد �أع�ضاء الأن��دي��ة»‬ ‫(�صحيفة الحياة ‪1433/12/21‬هـ)‪.‬‬ ‫طبعا كل �شركات التوزيع‪ ،‬وكل المكتبات �أي�ضا‬ ‫ي�سيّرها منطق ال�سوق‪ ،‬وتتحكم بها كميات البيع‬ ‫والت�صريف من كل مطبوعة‪ ،‬فالمطبوعة التي ال‬ ‫تحقق الح ّد الأدن��ى من البيع‪ ،‬ت�صبح عبئا على‬ ‫ال�شركة �أو المكتبة‪ ،‬ويبدو �أن دوريات الأندية التي‬ ‫قُدر لها ذات مرة �أن تحملها �سيارات التوزيع‪..‬‬ ‫لم تحقق البيع المطلوب‪ ،‬ولم تنجح في جذب‬ ‫يد الم�شتري �إليها‪�( ،‬أو بالأحرى جيبه)‪ ،‬عندما‬ ‫يراها في المكتبة‪� ،‬أو ال�سوق‪� ،‬أو في ركن ال�صحف‬ ‫في المحل القريب منه‪ ،‬ونجَ م عن ذلك بطبيعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪31‬‬


‫‪ 32‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫يتلخ�ص االقتراح في ت�أ�سي�س‬ ‫هيئة �أو �شركة تحت مظلة وزارة‬ ‫الثقافة‪ ،‬يكون ن�شاطها الح�صري‬ ‫توزيع مطبوعات ا�ﻷ ندية ا�ﻷ دبية‬ ‫ودوري��ات �ه��ا وت���س��وي�ق�ه��ا‪ ،‬ال�سيما‬ ‫�أننا ن�شهد الآن طفرة طاغية في‬ ‫النتاج الأدب��ي‪ ..‬في ال�شعر‪ ،‬والق�صة‪ ،‬والرواية‪،‬‬ ‫والم�سرحية‪ ،‬والنقد‪ ،‬والترجمة‪ ،‬والدرا�سات‪،‬‬ ‫والمراجعات الأدب �ي��ة‪ ،‬حتى لقد �أ�صبح ك��ل ناد‬ ‫�أدبي بمثابة دار ن�شر م�ستقلة‪ ،‬ف�إذا علمنا توجّ َه‬ ‫الوزارة نحو �إعادة هيكلة وكاالتها المختلفة‪ -‬مثل‬ ‫�إن�شاء هيئة ا�ﻹذاع��ة والتلفزيون‪ -‬لر�أينا �إمكانية‬ ‫ت�أ�سي�س هيئة خا�صة للتوزيع على ه��ذا الن�سق‪،‬‬ ‫و�إذا كنا �سن�أخذ وقتا طويال حتى نح�صل على مثل‬ ‫هذه الهيئة‪ ،‬فال �أقل �إذ ًا من �أن تتعاقد ال��وزارة‪،‬‬ ‫كما في �ش�ؤونها الأخ��رى‪ -‬مع �شرك ٍة ّم��ا لتوزيع‬ ‫مطبوعات الأندية ومطبوعات الوزارة‪ ،‬خا�صة و�أن‬ ‫م�ستودعات الوزارة في كل مدينة غدت تعجّ بركام‬ ‫الكتب‪ ،‬التي تنتظر فر�صتها على �أحر من الجمر‬ ‫لت�صل �إلى القارئ العام �أينما كان‪ ،‬ومتى كان‪.‬‬ ‫واهلل الموفق في كل الأحوال‪.‬‬

‫■ �شيمة ال�شمري ‪� -‬أديبة و�أكادميية‬

‫باتت الملتقيات الأدبية مو�ضة تت�سابق الأندية �إلى �إقامتها‪ ،‬ومع تجدّد المجال�س وم�ضي الزمن‪ ..‬ما‬ ‫تزال هذه الملتقيات تقام‪ ،‬بالنمط نف�سه‪ ،‬وبالوجوه ذاتها‪� ،‬إال ما �شاء اهلل؛ وهي �إ�شارة جميلة تد ّل على‬ ‫ن�شاط فكري و�إبداعي ونقدي‪ ،‬بل �إنها لت�صبح ذات بع ٍد مهم‪� ،‬إذا �أ�سهمت في الت�أ�سي�س العلمي‪ ،‬والمتابعة‬ ‫النقدية لم�شهدنا الأدبي الحافل‪.‬‬ ‫ولن يخفَ على المتابع الفوائد التي تتمخ�ض عنها الملتقيات التي تقيمها الأندية الأدبية؛ فهي تبثّ‬ ‫دماء جديدة‪ ،‬وت�شعل همّة المثقف‪ ،‬وتحرّك الراكد‪ ،‬وتمنح الجميع مبدعين ونقادا اللقاء‪ ،‬وفتح مجاالت‬ ‫النقا�ش والإ�ضافة‪..‬‬ ‫كما تجدر الإ�شارة �إلى الأعمال والإ�سهامات التي قدّمتها بع�ض الأندية‪ ،‬من خالل طباعة �أعمال هذه‬ ‫الندوات ون�شرها‪ ،‬وفي نادي الباحة الأدبي ونادي جدة الأدبي خير مثال‪ ،‬ولهما ال�سبق‪ ،‬وي�سجل لهما ذلك‪..‬‬ ‫بيد �أن هناك نقاطا مهمة الب��د من �سوقها لهذه‬ ‫الملتقيات‪ ،‬لتكون الفائدة �أ�شمل‪ ،‬وربما كان من المهم‬ ‫الإ�شارة �إليها؛ فال بد من اال�ستماع �إلى النقد الموجّ ه‬ ‫�إليها‪ ،‬والأخذ ب�آراء الآخرين من م�شاركين ومطلعين‪،‬‬ ‫لت�صل في كل مرة �إلى م�ستوى �أف�ضل من �سابقه‪� .‬أما‬ ‫الم�ضيّ على طريقة ووتيرة واحدة‪ ،‬ومع الأ�سماء نف�سها‬ ‫التي ت�شغل كل حيز مع فراغها! وحتى لو كانت تملك‬ ‫الكثير‪ ..‬فهو ين�ضب من كثرة تكراره‪ ،‬وبهذا ال�شكل ال‬ ‫يجد المتلقي والأديب ما يغريه بالح�ضور‪ ،‬لأنه يعرف‬ ‫م�سبقا م��ا ل��دى ه��ذا وتلك وانتهى الأم ��ر‪� ،‬إذ تفتقر‬ ‫�أغلب الملتقيات لدينا �إلى التجديد؛ بدءا من عناوين‬ ‫الملتقيات‪ .‬وربما يُالحظ‪ ،‬مثال‪� ،‬أن فنّا من الفنون‬ ‫الأدبية يتكرر في عدد من الأندية‪ ،‬وال �ضير �إذا كانت‬ ‫العناوين جديدة‪ ،‬لكنها �أحيانا تكون �أ�شكاال جديدة‬ ‫لم�ضامين م�ك��ررة‪ ،‬و�أعتقد �أن التكرار في الأ�سماء‬ ‫�إ�شكال كبير‪� ،‬سواء من داخل المملكة �أم من خارجها‪،‬‬ ‫كما �أني �أعتقد �أن وجود لجان علمية تفح�ص ما يقدم‬ ‫قبل تقديمه‪ ،‬بعيدا عن المجاملة‪� ..‬سي�سهم في �إيقاف‬ ‫الأوراق التي تقول ال �شيء‪� ،‬سوى المعاد المكرور في‬ ‫�أغلب نقا�شاتها! كما �أن الح�ضور من �ضيوف ال�شرف‬ ‫يتكرر دائما‪ ،‬وهم يُدعَ ون مجاملة‪ ،‬ال �أظنها تليق �أبدا‪،‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الحال تراكم الن�سخ المرتجعة‬ ‫ل��دى �شركة ال �ت��وزي��ع‪ ،‬ف�ك��ان �أن‬ ‫تن�صلت ال���ش��رك��ات م��ن ت��وزي��ع‬ ‫ّ‬ ‫دوريات الأندية‪.‬‬ ‫هذه النك�سة الت�سويقية –�إن‬ ‫�صح التعبير‪ -‬جعلت القائمين‬ ‫ع �ل��ى ه ��ذه ال� ��دوري� ��ات ي�ع�ي��دون‬ ‫النظر في �شكل المجلة و�إخراجها‬ ‫ال��ف��ن��ي‪ .‬ف �ه��ل � �ش �ك��ل ال �م �ج �ل��ة‪،‬‬ ‫�أو ب ��الأح ��رى وج�ه�ه��ا ال ي�شجّ ع‬ ‫ال �ق��راء على ا�صطحابها؟ رغم‬ ‫�أن ال��دوري��ة الأدب�ي��ة كما �ألمحت‬ ‫�أعاله‪ ،‬لي�س من �شرطها �أن تكون‬ ‫م�ث��ل ال�م�ج�لات الأخ � ��رى؛ لأن�ه��ا‬ ‫تعتمد على م��ادة من الن�صو�ص‬ ‫في ال��درج��ة ا�ﻷ ول ��ى‪ ،‬وت�ع�وّل على‬ ‫متعة القراءة وده�شة االنفعال مع الن�ص‪� ،‬أكثر‬ ‫مما تعول على البهرجة والزخرفة؛ ولكن بع�ض‬ ‫الدوريات ‪-‬على �أي حال‪� -‬أذعن لمنطق الت�سويق‬ ‫و�شروطه‪ ،‬فخرجت �أعدادها الجديدة في حلّة‬ ‫ق�شيبة‪ ،‬وغالف �صقيل‪ ،‬يزدهي بال�صور والعناوين‬ ‫والألوان‪ ،‬كما هي الحال في مجلة (ا�ﻵطام) من‬ ‫نادي المدينة ا�ﻷ دبي‪ ،‬التي تحولت من هيئة كتاب‬ ‫�إلى �شكل المجلة العامة بغالفها وت�صميمها‪ ..‬بل‬ ‫ومحتواها �أي�ضا‪ ،‬وكذلك مجلة (�ضفاف) من‬ ‫نادي تبوك الأدبي‪ ،‬و(مرافئ) من نادي جازان‪،‬‬ ‫ومجلة (قوافل) من نادي الريا�ض‪ ،‬وغيرها‪ ،‬رغم‬ ‫ما يعتر�ض هذه الدوريات من عدم االنتظام في‬ ‫ال�صدور �أحيانا‪.‬‬ ‫ول �ك��ن رغ ��م ه ��ذه التح�سينات ف��ي ال�شكل‬ ‫والمحتوى‪� ،‬إال �أن مجالت الأندية ما تزال تعاني‬

‫من ع�سر في التوزيع‪� ،‬أي ثمة وفرة‬ ‫في الإنتاج و�سوء في التوزيع‪ ،‬فهي‬ ‫رف ال�صحف‬ ‫ما تزال غائبة عن ّ‬ ‫�رف المكتنز‬ ‫والمجالت‪ ،‬ذلك ال� ّ‬ ‫بمجالت قادمة من �شتى الآفاق‪.‬‬ ‫تق�ض‬ ‫ول � ّم��ا ت��زل ه��ذه الم�شكلة ّ‬ ‫م�ضجع لجان التحرير في الأندية‬ ‫ا�ﻷ دبية‪ ،‬و�إزاء هذه الحال �أرى من‬ ‫المنا�سب �أن ننظر في االقتراح‬ ‫الآتي‪ ،‬علّنا ن�أخذ به‪.‬‬

‫الملتقيات الأدبية للأندية ودورها الثقافي‬

‫وخا�صة �أن مجموعة كبيرة منهم في بع�ض الملتقيات‬ ‫لي�س لها �أي م�شاركة ومداخلة في النقا�ش‪ ،‬وال ت�سمع لها‬ ‫�شيئا من �إ�ضافة �أو اعترا�ض �أو ت�صحيح!‬ ‫كما �أنه يلحظ على هذه الملتقيات �سمة غالبة على‬ ‫ملتقياتنا الداخلية التي �شهدتها‪ ،‬وهي �ضيق الوقت‬ ‫المتاح للباحث �أو الناقد ليتم ورقته‪ ،‬التي �أكاد �أجزم‬ ‫�أن �إع��داده��ا �أخ��ذ من وقته وجهده الكثير‪ ,‬ثم يتكبد‬ ‫عناء ال�سفر والح�ضور‪ ،‬ويطلب منه �أن ينهي ورقته في‬ ‫ع�شر دقائق! ولنا �أن نتخيّل الكلمات المتقاطعة التي قد‬ ‫ن�سمعها من بع�ضهم في حين تبتر فكرة �آخر‪ ،‬وهناك‬ ‫من يعطيك ر�ؤو���س �أق�لام لما كتب! والح�ضور ما بين‬ ‫وم�ستع�ص عليه الفهم‪ ،‬وهذا فيه هدر للجهد‬ ‫ٍ‬ ‫مدرك‬ ‫وا�ستخفاف بالمتلقي‪ ،‬وظلم للعلم والمعرفة‪ ،‬فلم ال‬ ‫نقلّ�ص ع��دد الم�شاركين لإعطائهم وقتا �أط��ول‪ ،‬ثم‬ ‫يعطى الح�ضور فر�صة للحوار والنقا�ش في مدة كافية‪،‬‬ ‫�أما (�سلق البي�ض) الذي يتم في كثير من الأحيان من‬ ‫خ�لال التر�ضية للح�ضور بدقائق هنا وهناك‪ ،‬فهذا‬ ‫عبث ال يليق! فلنحفظ ملتقياتنا عن هذا الترف المالي‬ ‫والعلمي‪ ،‬ولنقم ملتقيات ب�أ�سماء منوعة‪ ،‬لها ح�ضورها‪،‬‬ ‫ولها عملها المحكم‪ ،‬ولنتح الوقت للجميع‪ ،‬و�إال ف�سنظل‬ ‫ن�سير على الطريق ذاته!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪33‬‬


‫جائزة الإبداع‬

‫جوائز الأندية الأدبية‬

‫جدة‬

‫ج��ائ��زة ال��درا��س��ات الريا�ض‬ ‫وال�ب�ح��وث الخا�صة‬ ‫بالأدب ال�سعودي‬ ‫جائزة كتاب العام الريا�ض‬

‫تاريخ‬ ‫�إن�شائها‬ ‫‪1420‬هـ‬

‫النادي‬

‫‪1425‬هـ‬

‫النادي‬

‫‪1429‬هـ‬

‫بنك الريا�ض‬

‫■ د‪ .‬عبداهلل احليدري‬ ‫رئي�س جمل�س �إدارة النادي الأدبي بالريا�ض‬

‫�أُ�س�ست �أوائل الأندية الأدبية في عام ‪1395‬هـ‪ ،‬و�أُ�س�ست �أواخرها عام ‪1428‬هـ‪ ،‬وتبلغ حالياً �ستة‬ ‫ع�شر نادياً‪ ،‬تتوزع في مناطق المملكة المختلفة ومحافظاتها‪.‬‬ ‫وال يمكن لأي من�صفٍ را�صدٍ للحركة الأدبية والثقافية في المملكة �أن ينكر �أثرها و�أهميتها‬ ‫وحراكها‪ ،‬وبخا�صة مع بلوغها �شد الر�شد‪ ،‬واحتفال بع�ضها بمرور �أربعين عاماً على ت�أ�سي�سها‪.‬‬ ‫ن�صت الئحة الأندية الأدبية في ن�سختها‬ ‫وقد ّ‬ ‫القديمة ال�صادرة �إ ّب��ان ن�ش�أتها عندما كانت‬ ‫تابعة للرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب‪ ،‬وفي‬ ‫الالئحة الحالية ال�صادرة عن وزارة الثقافة‬ ‫والإعالم عام ‪1431‬هـ‪ ،‬على �أهمية �أن تنه�ض‬ ‫الأندية الأدبية بعقد الم�سابقات ور�صد الجوائز‬ ‫للأعمال الإبداعية(‪.)1‬‬ ‫وم��ن هنا‪ ،‬ظهرت فكرة �إن�شاء جوائز في‬ ‫الأندية الأدبية‪ ،‬تتجاوز الم�سابقات المرتبطة‬ ‫بت�شجيع ال�شباب‪ ،‬وتتوجّ ه �إلى تحفيز الأدب��اء‬ ‫والمثقفين والم�ؤلفين‪ ،‬وتُر�صد لها جوائز مالية‬ ‫عالية تمنح لل�شخ�ص الواحد‪� ،‬أو منا�صفة‪.‬‬ ‫ومع تعدّد الجوائز وح�ضورها في �أكثر من‬ ‫نادٍ ‪ ،‬ف�إنها لم تحظ بالتوثيق والت�أريخ لن�ش�أتها‬ ‫وم�سيرتها‪ ،‬ومراجعة لأنظمتها ولوائحها‪ .‬وكل‬ ‫المراجع التي �صدرت في هذا ال�سياق اهتمت‬ ‫‪ 34‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫بالجوائز المحلية �أو العربية القديمة؛ ولربما‬ ‫كان ال�سبب تق�صير الأندية الأدبية نف�سها في‬ ‫توثيق �أعمالها في كتب وم��راج��ع(‪ ،)2‬وحداثة‬ ‫ن�ش�أة معظمها‪.‬‬ ‫ويمكن تحديد الأندية الأدبية التي تتبنى‬ ‫جوائز ثقافية بالأندية التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬نادي جدة الأدبي الثقافي‬ ‫‪ .2‬نادي الريا�ض الأدبي‪.‬‬ ‫‪ .3‬نادي حائل الأدبي‪.‬‬ ‫‪ .4‬نادي الطائف الأدبي‪.‬‬ ‫‪ .5‬نادي الباحة الأدبي‪.‬‬ ‫‪ .6‬نادي مكة الثقافي الأدبي‬ ‫‪ .7‬نادي الق�صيم الأدبي‪.‬‬ ‫وف��ي الجدول التالي بيان بجوائز الأندية‬ ‫الأدبية وتواريخ ن�ش�أتها والممولين لها‪:‬‬

‫جائزة حائل للرواية حائل‬ ‫ال�سعودية‬

‫‪1430‬هـ‬

‫�أم� �ي ��ر منطقة‬ ‫حائل‪ ،‬والنادي‪،‬‬ ‫ورجال الأعمال‬

‫جائزة نادي الباحة الباحة‬ ‫الأدبي الثقافية‬

‫‪1431‬هـ‬

‫النادي‬

‫جائزة محمد ح�سن جدة‬ ‫عوّاد للإبداع‬ ‫ج��ائ��زة �أدب���ي ج��دة جدة‬ ‫الإب� � ��داع � � �ي� � ��ة ف��ي‬ ‫ال��درا��س��ات الأدب�ي��ة‬ ‫والنقدية‬ ‫ج��ائ��زة ن���ادي مكة مكة‬ ‫الثقافي الأدبي‬ ‫ج� ��ائ� ��زة ال �� �ش��اع��ر الطائف‬ ‫م��ح��م��د ال �ث �ب �ي �ت��ي‬ ‫للإبداع‬

‫‪1432‬هـ‬

‫�أح� �م ��د محمد‬ ‫باديب‬ ‫�أح� �م ��د محمد‬ ‫باديب‬

‫جائزة امرئ القي�س الق�صيم‬ ‫للإبداع ال�شعري‬ ‫ج� ��ائ� ��زة ال �ت �م � ّي��ز الق�صيم‬ ‫الن�سائي‬

‫‪1433‬هـ‬

‫توقفت بعد الدورة الثانية‪.‬‬ ‫وقد ح�صلت عليها رجاء عالم في الدورة الأولى‪ ،‬ومحمد الثبيتي‬ ‫في الدورة الثانية‪.‬‬ ‫توقفت بعد الدورة الأولى‪.‬‬ ‫وق��د ح�صل عليها د‪.‬ع �ب��داهلل الفيفي ود‪.‬ف��اط �م��ة الوهيـبي‬ ‫(منا�صفة)‪ ،‬وطبعت بحوثهما في كتابين عام ‪1426‬هـ‪2005/‬م‪.‬‬ ‫ح�صلت الكتب التالية على الجائزة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬باب ال�سالم في الم�سجد الحرام ودور مكتباته في النه�ضة‬ ‫العلمية والأدبية الحديثة‪ ،‬للدكتور عبدالوهاب �أبو �سليمان‬ ‫(الدورة الأولى)‪.‬‬ ‫‪ .2‬كتب ال��رح�لات في المغرب الأق�صى من م�صادر تاريخ‬ ‫الحجاز‪ ،‬د‪ .‬عواطف نوّاب‪ ،‬وحكاية ال�صبي الذي ر�أى النوم‪،‬‬ ‫لعدي الحرب�ش (الدورة الثانية‪ ،‬منا�صفة)‪.‬‬ ‫‪ .3‬معجم الأ�صول الف�صيحة للألفاظ الدارجة لل�شيخ محمد‬ ‫العبودي‪( ،‬الدورة الثالثة)‪.‬‬ ‫‪ .4‬ما يعوّل عليه في الم�ضاف والم�ضاف �إليه للمحبي‪ ،‬تحقيق‬ ‫د‪�.‬سعود الح�سين ود‪ .‬عبدالعزيز العقيل‪( ،‬الدورة الرابعة)‪.‬‬ ‫‪ .5‬م�ق��ارب��ات ح��وار ّي��ة للدكتور معجب ال��زه��ران��ي‪( ،‬ال��دورة‬ ‫الخام�سة)‪.‬‬ ‫‪ .6‬تاريخ �أُمّة في �سير �أئمّة لل�شيخ �صالح بن حميد‪( ،‬الدورة‬ ‫ال�ساد�سة)‪.‬‬ ‫تحوّل ا�سمها فيما بعد �إلى «جائزة الأمير �سعود بن عبدالمح�سن‬ ‫للرواية ال�سعودية»‪.‬‬ ‫وقد ح�صل على المركز الأول في الدورة الأولى محمد الرطيّان‪،‬‬ ‫وعلى المركز الأول في الدورة الثانية ماجد الجارد‪.‬‬ ‫فاز بالجائزة الأولى د‪.‬عبدالرحمن المح�سني‪ ،‬وبالجائزة الثالثة‬ ‫د‪.‬محمد بن عبداهلل ال�شدوي‪ ،‬وحجبت الجائزتان‪ :‬الثانية‬ ‫والرابعة‪.‬‬ ‫ح�صل عليها ال�شاعر عبداهلل الزيد في الدورة الأولى‪ ،‬وال�شاعر‬ ‫عبداهلل ال�صيخان في الدورة الثانية‪.‬‬ ‫ح�صل عليها الدكتور �أحمد العدواني عن كتابه «بداية الن�ص‬ ‫ال��روائ��ي‪ :‬مقاربة لآليات ت�شكّل ال��دالل��ة» ال�صادر عن النادي‬ ‫الأدبي بالريا�ض‪.‬‬

‫‪1434‬هـ‬

‫حجبت الجائزة في الدورة الأولى‬

‫‪1434‬هـ‬

‫نتيجة الدورة الأولى‪:‬‬ ‫فاز بالفرع الأول ال�شاعر علي الدميني‪ ،‬وبالفرع الثاني ال�شاعر‬ ‫الم�صري �أحمد ح�سن محمد‪ ،‬وبالفرع الثالث الدكتور طارق‬ ‫�شلبي‪.‬‬

‫‪1435‬هـ‬ ‫‪1435‬هـ‬

‫�أح� �م ��د محمد‬ ‫باديب‬ ‫بنك الريا�ض‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫ا�سم الجائزة‬

‫النادي‬

‫المموّل‬

‫ملحوظات‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪35‬‬


‫‪ 36‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫وفي ظنّي �أن من �أهم الأ�سباب التي دعت‬ ‫الأندية الأدبية �إلى �إن�شاء جوائز �أدبية وثقافية‪..‬‬ ‫هو �صعوبة الح�صول على جائزة الملك في�صل‬ ‫العالمية في مجال الأدب واللغة العربية‪� ،‬إذ لم‬ ‫يفز بها من ال�سعوديين طوال �أربعين عام ًا �سوى‬ ‫ثالثة‪ ،‬وهم‪ :‬ال�شيخ حمد الجا�سر‪ ،‬ود‪.‬من�صور‬ ‫الحازمي‪ ،‬ود‪.‬عبدالعزيز المانع‪.‬‬ ‫ومن الأ�سباب المهمة‪ ،‬توقف جائزة الدولة‬ ‫التقديرية في الأدب بعد دورت�ي��ن فقط عام‬ ‫‪1405‬ه �ـ‪ ،‬وف�شل محاولة �إعادتها �إل��ى الوجود‬ ‫عام ‪1429‬هـ‪� ،‬إذ لم يتم �شيء منذ الإعالن عن‬ ‫ذلك(‪.)3‬‬ ‫ومن المالحظ‪ ،‬تقارب تواريخ ن�ش�أة جميع‬ ‫الجوائز‪ ،‬وارتباط معظمها بمموّل من القطاع‬ ‫الخا�ص‪ ،‬وعناية الأكثرية منها بالإبداع‪.‬‬ ‫وبعد االط�لاع على �شروط جوائز الأندية‬ ‫الأدب�ي��ة‪ ،‬ات�ضح �أن خم�س ًا منها ا�شترطت �أن‬ ‫يكون المتقدم لها �سعودي الجن�سية‪ ،‬في حين‬

‫�أتاحت جائزتا‪ :‬محمد الثبيتي وامرئ القي�س‬ ‫في ناديي‪ :‬الطائف والق�صيم مجا ًال للمبدعين‬ ‫والباحثين العرب‪.‬‬ ‫ولكل من ه�ؤالء و�أولئك فل�سفة ور�ؤية‪ ،‬فالذين‬ ‫ا�شترطوا �أن يكون المبدع �أو الباحث �سعودياً‪..‬‬ ‫نظروا �إلى الئحة الأندية التي تحثّ على خدمة‬ ‫المنطقة التي يقع في �إطارها النادي ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ ،‬وخدمة الأدب في المملكة ب�شكل عام(‪،)4‬‬ ‫و�أن الأدي ��ب ال�سعودي ه��و الأح ��ق باالهتمام‬ ‫والتحفيز؛ لأن معظم الجوائز المحلية في‬ ‫العالم تتجه �إلى خدمة الأدباء في الدولة مقر‬ ‫الجائزة‪ ،‬وال يحق لغيرهم الح�صول عليها‪،‬‬ ‫با�ستثناء الجوائز ذات ال�صبغة العالمية‪.‬‬ ‫�أم� ��ا مَ ��ن ر�أوا ف �ت��ح ال �م �ج��ال للمبدعين‬ ‫والباحثين ال�سعوديين وغيرهم من العرب‪،‬‬ ‫ف ��أرادوا لفت االنتباه �إلى م�ؤ�س�ساتنا الثقافية‬ ‫وحراكها‪ ،‬و�إل��ى �إ�شراك الباحثين العرب مع‬ ‫ال�سعوديين في درا�سة الأدب في المملكة‪.‬‬

‫وت �ن � ّوع��ت م �ج��االت ك��ل ج��ائ��زة‪ ،‬فبع�ضها‬ ‫ح �دّد مجالها في ال�شعر مثل‪ :‬جائزة محمد‬ ‫ح�سن ع �وّاد‪ ،‬وجائزة ال�شاعر محمد الثبيتي‬ ‫ب�ن��ادي الطائف ف��ي بع�ض فروعها‪ ،‬وبع�ضها‬ ‫عُ ني بالبحوث وال��درا��س��ات الأدب �ي��ة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫جائزة الدرا�سات والبحوث الخا�صة ب��الأدب‬ ‫ال�سعودي بنادي الريا�ض‪ ،‬وجائزة �أدبي جدة‬ ‫الإب��داع�ي��ة ف��ي ال��درا��س��ات الأدب �ي��ة والنقدية‪،‬‬ ‫وج��ائ��زة الثبيتي‪ ،‬وج��ائ��زة ن��ادي الباحة‪ ،‬في‬ ‫حين تخ�ص�صت جائزة ن��ادي حائل بالرواية‬ ‫ال�سعودية‪.‬‬ ‫�أم��ا ج��ائ��زة ك�ت��اب ال �ع��ام ب �ن��ادي الريا�ض‬ ‫الأدبي فقد عُ نيت بالكتاب ال�سعودي‪� ،‬أي ًا كان‬ ‫مجاله‪ ،‬في حين �أن جائزة نادي مكة جديدة‬ ‫(‪1434‬ه� �ـ) ول��م تت�ضح ال�صورة تمام ًا حول‬ ‫ر�ؤي�ت�ه��ا‪� ،‬إذ خُ �ص�صت ال ��دورة الأول ��ى لتكون‬ ‫في مجال الدرا�سات التاريخية والح�ضارية‬

‫المتعلقة بمكة المكرمة‪ ،‬وال ندري عن الدورات‬ ‫القادمة‪ ،‬هل تقت�صر على ما يتعلق بتاريخ مكة‬ ‫المكرمة وجغرافيتها و�أدبها‪� ،‬أم تت�سع الدائرة‬ ‫فيما بعد‪ ،‬فت�شمل مناطق المملكة المختلفة؟‬ ‫وت�ضمنت �شروط الجوائز ب�شكل عام قدر ًا‬ ‫من الحياد والمو�ضوعية‪ ،‬بحيث ا�شترطت �أال‬ ‫يكون المر�شّ ح من �أع�ضاء مجل�س �إدارة النادي‪،‬‬ ‫�أو من هيئة الجائزة‪ ،‬وهذه زاوية مهمة‪� ،‬إذ قد‬ ‫يتطلع �إليها بع�ض العاملين في الأندية �أو من‬ ‫�أع�ضاء لجان التحكيم‪ ،‬فتفقد �سمعتها ويعزف‬ ‫عن الم�شاركة فيها الآخرون من خارج الأندية‬ ‫الأدبية‪.‬‬ ‫وثمّة �أ�سباب لتوقف جائزتي الإب ��داع في‬ ‫ن ��ادي ج ��دة‪ ،‬وج��ائ��زة ال��درا� �س��ات وال�ب�ح��وث‬ ‫الخا�صة ب ��الأدب ال�سعودي بنادي الريا�ض‪،‬‬ ‫فالأ�ستاذ محمد علي قد�س يروي �سبب توقّف‬ ‫جائزة الإب��داع في نادي جدة الأدب��ي الثقافي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪37‬‬


‫‪ 38‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫‪ .1‬جودة التخطيط للجائزة‪ ،‬وو�ضوح الأهداف‪،‬‬ ‫و�ضمان التمويل‪ ،‬ه��ي �أ�س�س مهمة تكفل‬ ‫نجاحها وا�ستمرارها مع تغيّر مجال�س �إدارة‬ ‫النادي‪.‬‬ ‫‪ .2‬ل�ضمان ا�ستمرار ج��وائ��ز الأن��دي��ة الأدب�ي��ة‬ ‫ونجاحها‪� ،‬أرى �ضرورة وجود مجل�س تن�سيقي‬ ‫في الأندية التي تتبنى جوائز؛ لتطوير �أداء‬ ‫الجوائز؛ ومراجعة ال�شروط وال�ضوابط‪،‬‬ ‫ويمكن انعقاده دوري ًا بين الأندية‪.‬‬ ‫‪ .3‬م��ن ال �م �ه��م ت��وث �ي��ق ك��ل ج��ائ��زة م��ن حيث‬ ‫الن�ش�أة والأه��داف واللوائح‪ ،‬وما طر�أ عليها‬ ‫م��ن تغيير‪ ،‬ور� �ص��د �أ��س�م��اء جميع الأدب ��اء‬ ‫والمثقفين الذين ح�صلوا عليها‪ ،‬وطباعة‬ ‫ذلك في كتاب‪ ،‬ومن ثم تحديث معلوماته كل‬ ‫عام‪.‬‬ ‫‪ .4‬من الأهمية بمكان تحديد رق��م لكل دورة‬ ‫من دورات الجائزة‪ ،‬مقرونة بالتاريخين‪:‬‬ ‫ال�ه�ج��ري وال �م �ي�لادي؛ ك��ي ي�سهل معرفة‬ ‫المعلومة وت�سل�سل الفائزين دورة بعد �أخرى‪.‬‬ ‫‪� .5‬أرى �أهمية ا�ستحداث جوائز خا�صة بالأدباء‬ ‫ال�شباب؛ ح�ف��ز ًا لهم‪ ،‬وت�شجيع ًا لهم على‬

‫‪� .6‬أق�ت��رح تنويع المحكّمين ف��ي ك��ل دورة من �أوالً‪ :‬الكتب‪:‬‬ ‫دورات الجائزة؛ ل�ضخّ �أفكار جديدة‪ ،‬وك�سر‬ ‫‪ .1‬جائزة كتاب ال�ع��ام‪ :‬خم�س �سنوات من النجاح‪،‬‬ ‫نمطية ال�ج��ائ��زة‪ ،‬و�إ� �ش��راك �أك�ب��ر ع��دد من‬ ‫ال�ط�ب�ع��ة الأول� � ��ى‪ ،‬ال��ري��ا���ض‪ :‬ال� �ن ��ادي الأدب � ��ي‪،‬‬ ‫القادرين في الو�سط الثقافي؛ لالقتراب من‬ ‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.‬‬ ‫الم�ؤ�س�سة الثقافية والوقوف على جوانب من‬ ‫‪ .2‬ق��ام��و���س الأدب والأدب � ��اء ف��ي المملكة العربية‬ ‫عملها وجهودها‪.‬‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الأول��ى‪ ،‬الريا�ض‪ :‬دارة الملك‬ ‫عبدالعزيز‪1435 ،‬هـ‪2014/‬م‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فال�شكر لمجلة (الجوبة)‪ ،‬ولرئي�س‬ ‫التحرير الزميل الأ��س�ت��اذ �إب��راه�ي��م الحميد ‪ .3‬محمد الربيّع‪ :‬العالم والإداري والإن�سان‪ ،‬الطبعة‬ ‫(رئي�س نادي الجوف الأدبي �سابقاً)‪ ،‬ولزمالئه‬ ‫الأولى‪ ،‬الريا�ض‪1432 ،‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬ ‫م��ن �أ���س��رة ال�ت�ح��ري��ر ع�ل��ى تخ�صي�ص ه��ذا ثانياً‪ :‬الدوريات‪:‬‬ ‫العدد من المجلة لتقويم عمل الأندية الأدبية‬ ‫‪ .1‬ج��ري��دة ال �ج��زي��رة‪ ،‬ع‪��2 ،13821‬ش�ع�ب��ان‪1431‬ه�ـ‬ ‫وعطائها‪ ،‬ور�صد �أثرها‪ ،‬في وقت تحتفل �ستة‬ ‫(‪�1‬أغ�سط�س ‪2010‬م)‪.‬‬ ‫منها بمرور �أربعين عام ًا على �إن�شائها‪ ،‬ول�ست‬ ‫�أ�شكّ في �أن ه��ذا العدد الخا�ص من المجلة ‪ .2‬جريدة الحياة‪1435/4/2 ،‬هـ (‪2014/2/2‬م)‪.‬‬ ‫�سيكون مرجع ًا مهم ًا للباحثين والدار�سين ‪ .3‬جريدة مكة‪1435/7/17 ،‬هـ (‪17‬مايو‪2014‬م)‪.‬‬ ‫ال��ذي��ن �سيت�صدون م�ستقب ً‬ ‫ال لكتابة بحوث ‪ .4‬المجلة الثقافية (ت�صدر عن جريدة الجزيرة)‪،‬‬ ‫�أكاديمية عالية عن الأندية الأدبية‪.‬‬ ‫ع‪1432/2/16 ،330‬هـ (‪2011/1/20‬م)‪.‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫فيقول‪�« :‬أثيرت حول الجائزة �شكوك �أدت �إلى‬ ‫حجب الجائزة‪ ,‬ومن ثم توقّفها‪ ،‬وهذا يعني �أن‬ ‫�آليات �إدارة هذا النوع من الجوائز تحتاج �إلى‬ ‫تنظيم ودعم ومتابعة»(‪.)5‬‬ ‫�أم��ا جائزة الدرا�سات والبحوث الخا�صة‬ ‫ب��الأدب ال�سعودي‪ ،‬فقد �أن�ش�أها رئي�س مجل�س‬ ‫�إدارة ن��ادي الريا�ض الأدب��ي ال�سابق الدكتور‬ ‫محمد الربيّع عام ‪1425‬هـ‪ ،‬وخرج من النادي‬ ‫ع��ام ‪1426‬ه��ـ‪ ،‬ف��ر�أى مجل�س الإدارة �إيقافها‬ ‫و�إن���ش��اء ج��ائ��زة ج��دي��دة با�سم «ج��ائ��زة كتاب‬ ‫العام»‪ ،‬وعن ذلك يقول الدكتور الربيّع‪« :‬من‬ ‫�أهم الن�شاطات التي تمت �إن�شاء جائزة خا�صة‬ ‫ب��الأدب ال�سعودي‪ ،‬وتتكون من فرعين‪ :‬الأول‪:‬‬ ‫للبحوث والدرا�سات‪ ،‬والثاني‪ :‬للإبداع الأدبي‪.‬‬ ‫وق��د توقفت تلك الجائزة‪� ،‬أو بتعبير �أدق تم‬ ‫تغيير مو�ضوعها و�أ�صبح يُطلق عليها (كتاب‬ ‫العام)‪ ،‬وكم كنت �أتمنى �أن ت�ستمر الجائزة‬ ‫مخ�ص�صة ل�ل��أدب ال�سعودي؛ لكن الزمالء‬ ‫ّ‬ ‫في المجل�س الجديد لإدارة النادي لهم ر�أي‬ ‫واجتهاد �آخر»(‪.)6‬‬ ‫وم ��ع �أن ه ��ذه ال �ج��وائ��ز ُوج� ��دت لخدمة‬ ‫المبدع والباحث ال�سعودي في المقام الأول‪،‬‬ ‫ف�إنها لم تخل من نقد وملحوظات قد تتجه‬ ‫�إل��ى الق�سوة والتحامل ف��ي كثير م��ن الآراء‬ ‫والنقود التي وجّ هت �إليها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تجاهل‬ ‫جائزة كتاب العام بنادي الريا�ض لعطاءات‬ ‫ال�شباب‪ ،‬ومنحها لكبار الم�ؤلفين والباحثين‬ ‫فقط‪ ،‬في حين �أن جائزة ال��دورة الثانية عام‬ ‫‪1430‬ه�ـ‪2009/‬م منحت ل�شابين‪ ،‬وهما‪ :‬عدي‬ ‫الحرب�ش‪ ،‬ود‪.‬عواطف ن�وّاب(‪)7‬؛ واتهام جائزة‬ ‫ال�شاعر محمد الثبيتي للإبداع ب�أنها تهمّ�ش‬ ‫المبدعين ال�سعوديين وتمنح الجائزة ل�شاعرين‬ ‫عربيين مغمورين(‪)8‬؛ ومهاجمة جائزة التميّز‬

‫الن�سائي التي �أعلن عنها نادي الق�صيم الأدبي‬ ‫بحجة �أنها جاءت لعزل المر�أة �أدبي ًا(‪.)9‬‬ ‫ول�ست �أ� �ش��كّ ف��ي �أن دواف ��ع بع�ض الآراء‬ ‫ال�سلبية تجاه جوائز الأندية الأدبية �شخ�صية‪..‬‬ ‫�إذ ربما كان يتطلع لنيلها‪ ،‬وعندما تذهب �إلى‬ ‫�آخرين ي�أخذ منه الغ�ضب كل م�أخذ!‬ ‫و�أخ� �ي ��راً‪� ،‬أ� �ض��ع بين ي��دي القائمين على‬ ‫ال �ج��وائ��ز ف��ي الأن��دي��ة الأدب �ي��ة بع�ض ال ��ر�ؤى‬ ‫وال �م �ق �ت��رح��ات؛ لعلها تحظى بمناق�شة في‬ ‫مجال�س الإدارة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫التجويد في الأعمال الإبداعية والبحثية‪.‬‬

‫مراجع البحث‬

‫ خ�ص�ص قامو�س الأدب والأدباء في المملكة العربية ال�سعودية مداخل تعريفيّة بجميع الأندية الأدبية‪( ،‬ينظر‪:‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫القامو�س‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬الريا�ض‪ :‬دارة الملك عبدالعزيز‪1435 ،‬هـ‪2014/‬م‪1653/3 ،‬ـ‪.)1691‬‬ ‫(‪ )2‬انظر المادتين‪ :‬الرابعة والخام�سة من الئحة الأندية الأدبية‪ ،‬وزارة الثقافة والإعالم‪1431 ،‬هـ‪( .‬موقع النادي‬ ‫الأدبي بالريا�ض ‪)http://www.adabiriyadh.com/page.php?page_id=7‬‬ ‫(‪� )3‬أ�صدر النادي الأدب��ي بالريا�ض كتاب ًا يوثّق م�سيرة خم�سة �أع��وام من جائزته التي يدعمها بنك الريا�ض‪،‬‬ ‫وعنوان الكتاب «جائزة كتاب العام‪ :‬خم�س �سنوات من النجاح (‪1429‬ـ‪1433‬ه�ـ)»‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬ ‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.‬‬ ‫(‪ )4‬لمزيد من المعلومات عن الجائزة‪ ،‬ينظر‪ :‬قامو�س الأدب والأدباء في المملكة العربية ال�سعودية‪.204/1 ،‬‬ ‫(‪ )4‬ورد في المادة الرابعة من الالئحة �ضمن �أهداف الأندية‪�« :‬إبراز واقع وتاريخ المنطقة الأدبي والثقافي بخا�صة‬ ‫والمملكة بعامة»‪(،‬موقع النادي الأدبي بالريا�ض ‪)http://www.adabiriyadh.com/page.php?page_id=7‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المجلة الثقافية (ت�صدر عن جريدة الجزيرة)‪ ،‬ع‪1432/2/16 ،330‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‪ :‬جريدة الجزيرة‪ ،‬ع‪� 2 ،13821‬شعبان ‪1431‬ه�ـ (‪� 1‬أغ�سط�س ‪2010‬م)‪ ،‬وانظر كذلك‪ :‬محمد الربيّع‬ ‫العالم والإداري والإن�سان‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬الريا�ض‪1432 ،‬هـ‪2011/‬م‪� ،‬ص‪.152‬‬ ‫(‪ )7‬انظر‪ :‬جائزة كتاب العام‪ :‬خم�س �سنوات من النجاح‪� ،‬ص‪.29‬‬ ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬جريدة الحياة‪1435/4/2 ،‬هـ (‪2014/2/2‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )9‬انظر‪ :‬جريدة مكة‪1435/7/17 ،‬هـ (‪17‬مايو‪2014‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪39‬‬


‫■ رباب ح�سني النمر‬

‫خلقة‪ ،‬وفكر منتج‪ ،‬و�شم�س متوهّجة‪ .‬فتقت ن�سيج ال�شرنقة الملتفّ‬ ‫المر�أة ال�سعودية طاقة اّ‬ ‫حولها‪ ،‬وب��د�أت تمار�س حقها في الم�شاركة و�صنع القرار على ال�ساحة االجتماعية والعلمية‬ ‫والفكرية والثقافية‪ ،‬عندما ارتقى م�ستواها ونالت حظها من الثقافة والتعليم‪.‬‬ ‫ولم تكن المر�أة هم ًال في اعتبار الدولة التي نظرت �إليها بعين االهتمام في كافة المجاالت‬ ‫الحياتية واالجتماعية‪ ،‬وال �سيما الحياتين‪ :‬الفكرية والثقافية‪.‬‬ ‫ومن هنا‪� ،‬سهلت الدولة انخراط المر�أة في العمل الثقافي والفكري‪ ،‬من خالل ع�ضويتها‬ ‫في المجال�س العمومية بالأندية الأدب��ي��ة‪ ،‬وم��ن خ�لال �إعطائها حق التر�شّ ح والت�صويت في‬ ‫مجال�س �إدارات الأندية؛ لكون هذه الأندية هي الواجهة الأمامية التي تمثل طبقة المثقفين‬ ‫في المجتمع ال�سعودي‪.‬‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬تكوّنت اللجان الن�سائية‬ ‫في الأندية الأدبية بالمملكة‪ ،‬منذ عدة �أعوام‪،‬‬ ‫ليفتح المجال �أمام المر�أة المثقفة في ممار�سة‬ ‫العمل الثقافي والإع� ��داد ل��ه‪ .‬ول�ك��ن م��ا ت��زال‬ ‫عالمات اال�ستفهام ت��راود المهتمين بال�ش�أن‬ ‫الثقافي عن مدى فاعلية هذه اللجان في اتخاذ‬ ‫ال �ق��رارات‪ ،‬وف��ي التخطيط لما تقدمه الأندية‬ ‫الأدب� �ي ��ة م��ن ب��رام��ج‪ ،‬وع ��ن دوره� ��ا‪ ،‬ومكانها‬ ‫الحقيقي في ف�ضاءات الأندية الأدبية‪..‬‬ ‫ي�شكو كثير من المثقفات تهمي�ش المر�أة‬ ‫في الأن��دي��ة الأدب �ي��ة‪ ،‬و�أن دوره��ا في ال�ن��ادي ال‬ ‫يتجاوز كونها �أداة لتنفيذ القرارات التي يتخذها‬ ‫الرجال‪ ،‬كما ت�شكو من �إق�صائها عن الم�شاركة‬ ‫في التخطيط واتخاذ القرار واالقتراحات‪ ،‬ولو‬ ‫حدث �أن �شاركت‪ ..‬ف�إن مجل�س الإدارة ي�شعرها‬ ‫تف�ض ًال منه ولي�س حقا‬ ‫ب�أن هذه الم�شاركة تعد ّ‬ ‫‪ 40‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫طبيعي ًا لها‪.‬‬ ‫وال ت�ستطيع المر�أة المثقفة المنتمية للجنة �أن‬ ‫تقدم �شيئ ًا ذا بال في الحركة الثقافية الن�سائية‪،‬‬ ‫�إال تحت و�صاية النادي الأدبي الممثلة بالرجل‪.‬‬ ‫وما تقدمه المر�أة من �أن�شطة ثقافية كالأم�سيات‬ ‫الق�ص�صية وال�شعرية‪ ،‬والدورات‪ ،‬وور�ش العمل‪،‬‬ ‫لي�س �سوى اجتهادات فردية من ع�ضوات اللجنة‬ ‫الن�سائية‪ ..‬ال تواكب متطلبات المثقفات اللواتي‬ ‫على اللجنة �أن ت�ستقطبهن في كل منطقة‪ ،‬و�أن‬ ‫تعمل على تنمية مواهبهن وتطويرها‪ ،‬وتفعيلها‬ ‫في المجتمع ب�شكل نافع‪.‬‬ ‫ولو فكّرنا في واق��ع الأم��ر‪ ..‬فما ال��ذي تنوي‬ ‫ال �م��ر�أة فِعله م��ع العمل النمطي ال��ذي ت�سير‬ ‫عليه الأندية الأدب�ي��ة‪ ،‬من حيث تعاقب الأدوار‬ ‫بين �إق��ام��ة الأم�سيات الق�ص�صية وال�شعرية‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫المر�أة في الأندية الأدبية‬

‫والمحا�ضرات؟!‬ ‫وتنقل بع�ض المثقفات �أن الرجال في مجال�س‬ ‫�إدارة الأن��دي��ة يت�شاورون ويتخذون ال�ق��رارات‪،‬‬ ‫ومن ثم يخبرون اللجنة الن�سائية بما تم االتفاق‬ ‫عليه‪ ،‬ولي�س لها �إال �أن تبارك وت�سهم في تنفيذه‪،‬‬ ‫وال يعدو دوره��ا عن المطالبة بتح�سين بع�ض‬ ‫ال�شروط لي�س �إال‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فلي�س للمر�أة دور في‬ ‫م�سرح القرارات والإدارة �سوى كر�سي المتفرج‪.‬‬ ‫وهناك معوقات تقف حجر عثرة في طريق‬ ‫عمل اللجنة الن�سائية في النادي بكفاءة وفاعلية‪،‬‬ ‫من �أهمها‪ :‬عدم االهتمام بما تقدمه اللجنة من‬ ‫مقترحات �أو اختيارات‪� ،‬إذ �إن �أع�ضاء مجل�س‬ ‫�إدارة الأن��دي��ة من الرجال هم الذين يتخذون‬ ‫القرار الحا�سم؛ وبع�ض هذه المجال�س ال يمنح‬ ‫اللجنة الن�سائية حق الم�شاركة؛ وبع�ضها يمار�س‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬ويتخذ منها ذريعة لتهمي�ش دور‬ ‫اللجان الن�سائية‪.‬‬ ‫ولو تنازل الرجال عن ممار�سة دور الو�صاية‬ ‫على الن�ساء‪ ،‬ول��و ابتعدوا عن احتكار ال�سلطة‬ ‫ال��ذات �ي��ة‪ ،‬ول��و �أت��اح��وا لها الفر�صة ل�ل�إب��داع‪،‬‬ ‫ال�ستطاعت المر�أة �أن تحقق كثيرا من طموحاتها؛‬ ‫�إ�ضافة �إلى ذلك‪ ،‬ال بد �أن تكون المر�أة متفرّغة‬ ‫نوعً ا ما لأن�شطة النادي‪ ،‬وال بد �أن تكون ذات‬ ‫�شخ�صية قوية تمتاز ب��الإب��داع والتجديد في‬ ‫الأفكار والر�ؤى‪ .‬غير �أن دورها في الأندية الأدبية‬ ‫ما يزال ثانوياً‪.‬‬ ‫ويعد دخول المر�أة مجال�س �إدارات الأندية‬ ‫الأدبية من �أبرز الأح��داث الثقافية في المملكة‬ ‫عام ‪2011‬م‪ .‬فقد و�صلت بع�ض المثقفات �إلى‬ ‫مجال�س �إدارات الأندية الأدبية في بع�ض مناطق‬ ‫المملكة‪� ،‬إذ فازت المر�أة في انتخابات مجل�س‬ ‫�إدارة نادي مكة الأدب��ي‪ ،‬ونادي الجوف‪ ،‬ونادي‬ ‫حائل‪ ،‬والريا�ض‪ ،‬و�أغلب الأندية‪ .‬جاء ذلك �إثر‬ ‫منح الوزارة المر�أة حقها في الت�صويت والتر�شح‬ ‫في انتخابات مجال�س �إدارات الأندية الأدبية‪.‬‬ ‫لكن و� �ص��ول ال �م��ر�أة �إل ��ى مجال�س �إدارات‬

‫الأندية الأدبية وعملها فيها ال يوازي طموحاتها‬ ‫بحال من الأحوال‪ .‬ولن ت�ستطيع المر�أة تقديم ما‬ ‫يوازي هذه الطموحات‪ ،‬ويواكب تلك التطلعات‪،‬‬ ‫ال �سيما في ظل ت�سلّط الرجل و�سطوته‪.‬‬ ‫فالأمر منوط على مدى التوجّ ه الفكري الذي‬ ‫ي�سيطر على رئي�س النادي و�أع�ضاء مجل�س الإدارة‬ ‫الرجال تجاه المر�أة‪ .‬ف�إن كان من النوع الذي‬ ‫ي�ؤمن بما للمر�أة من طاقة و�إبداع ومواهب‪ ،‬ويتيح‬ ‫لها المجال لتوظيف طاقتها ومواهبها‪ ،‬ف�سوف‬ ‫يجد المجتمع �صدى لطموحاتها‪ ،‬و�ستتحقق‬ ‫بع�ض تطلعاتها‪ .‬و�إن كان من النوع الذي يطغى‬ ‫على تفكيره �أن ف�ضاء المر�أة هو البيت‪ ،‬و�أنها‬ ‫خلقت لخدمة الرجل‪ ..‬فبالطبع �سوف تختنق‬ ‫ط�م��وح��ات ال��م��ر�أة‪ ،‬وت���و�أد تطلعاتها وه��ي في‬ ‫المهد‪ ،‬و�سوف تبقى حبي�سة �أ�ضالع �صاحبتها؛‬ ‫ليكون تواجدها في مجال�س �إدارة الأندية مجرد‬ ‫ح�ضور �صوري لإكمال العدد القانوني الجتماع‬ ‫المجل�س‪ ،‬والموافقة على ما يتخذه من قرارات‪،‬‬ ‫وك�أنما وجودها مجرد �صورة مح�سّ نة للنادي‬ ‫�أم��ام الم�ؤ�س�سات الأدبية والثقافية‪ .‬ولو قارنّا‬ ‫بين ع��دد الن�ساء في المجل�س وع��دد الرجال‪،‬‬ ‫لوجدناه قلي ًال ج��داً‪� ،‬إذ �إن المجل�س يتكون من‬ ‫ع�شرة �أع�ضاء‪ ،‬منهم ثالث ن�ساء والباقي رجال‬ ‫في �أغلب الأندية‪ .‬وهذا العدد ال يتنا�سب مع ما‬ ‫حققته المر�أة ال�سعودية من �إنجازات ونجاحات‬ ‫على الم�ستويين الفكري والثقافي عالمياً‪.‬‬ ‫وتبقى للمر�أة طموحات ت�سعى �إلى تحقيقها‪،‬‬ ‫و�إن تطلّب ذلك عمل �أجيال و�أجيال متعاقبة‪..‬‬ ‫فالمر�أة تطمح �إل��ى تن�شيط الأدب ودفعه �إلى‬ ‫الأم� ��ام‪ ،‬والنهو�ض بمخرجاته‪ .‬و�أن يخاطب‬ ‫الأدب كل �شرائح المجتمع‪ ،‬و�أن تت�صدر الثقافة‬ ‫ك��ل ب�ي��ت‪ ،‬و�أن ت�ستقطب ال���ش��اب��ات وال�شباب‬ ‫والطاقات الواعدة‪� ،‬إ�ضافة �إلى �إن�شاء المكتبات‬ ‫الورقية والرقمية؛ وقبل ه��ذا وذاك‪� ،‬أن يكون‬ ‫للمر�أة دور كبير في الحراك الثقافي‪ ،‬لأنها تمثل‬ ‫تطلعات المر�أة عمومًا والمثقفة والأديبة على‬ ‫وجه الخ�صو�ص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪41‬‬


‫■ هدى الدغفق‬

‫(الم�ؤ�س�سة و�أنا‬ ‫كلما تمادتْ بالعنف‪ ..‬تماديتُ في الكتابة‬ ‫وكلما تمادتْ في ال�ستر‪ ..‬تماديتُ في الكتابة‬ ‫وكلما تمادتْ في الحذف‪ ..‬تماديتُ في الإ�ضافة‬ ‫وكلما تمادتْ �أح�صنتها في الكبو‪ ..‬تمادت �أح�صنتي في العلو‬ ‫�أيتها الم�ؤ�س�سة‪ :‬لتعلمي �أنني ل�ست ابنك البار‪ ،‬وال خ�صمك اللدود‪...‬‬ ‫�أنا فقط «ل�ست من�سجماً وال مهي�أ لالن�سجام»)‬ ‫(من كتاب «التربية وم�ؤ�س�سات البرمجة الرمزية» علي �أحمد الديري)‪.‬‬

‫يمثل النادي الأدبي ال�سعودي �أنموذجا فريدا‬ ‫للم�ؤ�س�سة الثقافية الم�ستدامة‪ ،‬التي يفتر�ض �أن‬ ‫تفتح �أبوابها وروافدها الثقافية والأدبية لكل‬ ‫فرد‪ ،‬دون النظر �إلى �سِ نّه �أو نوعه �أو انتماءاته‬ ‫المذهبية �أو العرقية؛ وهي الر�سالة الفا�ضلة‬ ‫ال �ت��ي تبنتها ب�لادن��ا م��ن خ�ل�ال م�ؤ�س�ساتها‬ ‫الفكرية‪ .‬وبرغم ذل��ك‪ ..‬فالبيروقراطية التي‬ ‫يتعامل بها بع�ض عنا�صر تلك الم�ؤ�س�سة مع‬ ‫المثقف والمتلقي والمجتمع والإع�لام‪ ،‬تحفل‬ ‫ببع�ض الفر�ضيات والو�صاية التي يمكن �أن‬ ‫تقل�ص من �أدواره��ا ومزاياها‪ ،‬ما يحيلها �إلى‬ ‫‪ 42‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م�ؤ�س�سة م�ستفزّة �سلبياً‪ ،‬ت�ؤدي �إلى الق�ضاء على‬ ‫ما يمكن �أن يجتهد المبدع والمتلقّي في الحفاظ‬ ‫عليه‪ ،‬من روابط ثقافية يعبر بها عن حاجاته‬ ‫�إلى المناخ الثقافي ال�صحي‪ ،‬والمتلقّي الثقافي‬ ‫المتنوّر الأكثر تجان�سا‪ ،‬ومرونة‪ ،‬وتجاوبا مع‬ ‫متطلبات الحوار والر�أي الحر‪ ،‬والتعبير المتاح‬ ‫وفق ال�ضوابط الم�شروعة لوطننا‪� .‬إال �أن �إدارة‬ ‫تلك الم�ؤ�س�سة ت�ضيف مزيدا من ال�ضوابط‬ ‫ال �ط��اردة للبيئة الثقافية الفكرية ال�صحية‬ ‫الواعية بدورها المحايد‪ ،‬وال تكتفي بال�ضوابط‬ ‫المتاحة فح�سب‪ .‬ولي�س هناك من داع للتمثيل‪،‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�إدارة الثقافة من الفرد �إلى المجتمع‬

‫فالع�صف الذهني يوحي بكثير من ال�شواهد‬ ‫والأدلة‪.‬‬ ‫من جهتي‪ ،‬حاولت من خ�لال وج��ودي في‬ ‫اللجنة الن�سائية للنادي الأدب��ي بالريا�ض ‪-‬‬ ‫كرئي�سة لجنة �سابقا‪ ،‬وع�ضو مجل�س الحقا‪-‬‬ ‫الإ�سهام في بع�ض الم�شاريع الثقافية وتفعيلها‬ ‫واقعياَ‪ ،‬ودعم الثقافة ال�سعودية ال�شابة ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ ،‬والعربية ب�شكل عام؛ �إال �أنه كان هناك‬ ‫مَ ن يعار�ض في �أحيان مختلفة‪� ،‬أن يكون للمر�أة‬ ‫المثقفة ح��ق �أو ق��رار ف��ي �إدارة �أي م�شروع‬ ‫ثقافي‪� ،‬أو �أي دور رائد في الم�ؤ�س�سة الثقافية‪.‬‬ ‫ويدعوني الحديث حول المر�أة في الأندية‬ ‫الأدب �ي��ة ال�سعودية �إل��ى ط��رح ال���س��ؤال‪ :‬لماذا‬ ‫ا�ستمر ال �ج��دل ح��ول واق ��ع ال��م��ر�أة ف��ي تلك‬ ‫الأندية الأدبية حتى اليوم؟ فهل ال�سبب وراء‬ ‫ذلك هو كون النادي الأدب��ي م�ؤ�س�سة حكومية‬ ‫تلتقي فيها ال �م��ر�أة وال��رج��ل ف��ي ح��وار ثقافي‬ ‫فكري �إن�ساني ذي م�ستوى رفيع وعلى نحو ما‬ ‫من الرقيّ ؟ ربما كان ذلك �سبباً‪ ،‬وربما كان ما‬ ‫يختلق الجدل ‪-‬غالبا‪ -‬محاولة بع�ض المنتمين‬ ‫�إلى الواقع الثقافي ‪-‬من �إعالميين وغيرهم‪-‬‬ ‫تر�سيخ الثقافة التقليدية اجتماعيا وت�صعيدها‪،‬‬ ‫م�ستغال بذلك الرحابة التي عادة ما يتطلبها‬ ‫�أي جدل ي��دار حول الفكر الحرّ‪ ،‬و�أخالقيات‬ ‫الحوار‪ ،‬من مرونة وقابلية‪.‬‬ ‫وبالعودة �إلى ت�أريخ �أول لجنة ن�سائية �أن�شئت‬ ‫ب�أدبي الريا�ض عام ‪2008‬م‪ ،‬التي ر�أ�ستُ فيها‬ ‫�آنذاك لجنة بيت ال�شعر‪� ،‬إ�ضافة �إلى ع�ضويتي‬ ‫في مجل�س الإدارة لثالث �سنوات‪ ،‬ت�أكّد لي من‬ ‫تجربتي تلك‪ ،‬وتجارب ع�ضوات �أخريات في‬ ‫مناطق �سعودية مختلفة‪ ،‬ما تعي�شه المثقّفة‬ ‫ال�سعودية في الأندية الأدبية من واقع م�ؤ�سف‪،‬‬

‫ما يزال ي�ؤرخ لمحدودية دورها الثقافي الذي ال‬ ‫يتما�شى وطموحاتها الثقافية‪ ،‬وما ت�أمل القيام‬ ‫ب��ه م��ن دور على ك��اف��ة الأ� �ص �ع��دة‪ ،‬وف��ي �شتى‬ ‫المجاالت الثقافية الممكنة‪.‬‬ ‫في نظري‪� ،‬إن ال��داء الثقافي لم يكن في‬ ‫الئحة ���ص��درت‪� ،‬أو نظام �صيغ‪ ،‬ب��ل ف��ي مدى‬ ‫امتثال بع�ض ر�ؤ�ساء وم�سئولي تلك الم�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية‪ ،‬ومدى جديّتهم في تمثيلهم للأدوار‬ ‫التي تقت�ضيها تلك اللوائح؛ فمنهم من تحايل‬ ‫على �أمر تمكين المثقفة من �صنع القرار‪ ،‬وان�شغل‬ ‫بمحاوالته تهمي�ش �أي دور تقوم به‪ ،‬وتفنّن في‬ ‫ابتكار وا�ستحداث �أ�ساليب من (التطفي�ش)‬ ‫المبطنة‪ ،‬التي ا�ستجابت لها بع�ض المثقفات‪،‬‬ ‫�إذ �سبق �أن ا�ستوعبت �صورة ذل��ك التهمي�ش‬ ‫اجتماعياً؛ اعتقادا منها ب�أن المناخ الثقافي ال‬ ‫يختلف عن المناخ االجتماعي من حيث تعامله‬ ‫ال�سلطوي الأب��وي مع ال�م��ر�أة‪ ،‬وا�ضطرت تلك‬ ‫المواقف بع�ض المثقفات‪ ،‬و�أكرهتهن لي�سجلن‬ ‫ان�سحابهن ال�سريع‪ ،‬وا�ستقاالتهن؛ م�صدومات‪،‬‬ ‫متفاجئات بمواقف بع�ض زمالئهن المثقفين‪،‬‬ ‫غ�ي��ر راغ��ب��ات ف��ي م��واج�ه�ت�ه��م �أو ال�صمود‬ ‫�أمامهم‪ ،‬حتى تتحقق لهنَّ غاياتهن المرجوة‬ ‫من وجودهن في الم�ؤ�س�سات الثقافية‪ .‬ومنهن‬ ‫مَ ن رف�ضت �إدارة يمار�سها �أن�صاف مثقفين‬ ‫ت��ول��وا الم�ؤ�س�سة الثقافية‪ ،‬وع�ب��رت ع��ن عدم‬ ‫ر�ضاها باالن�سحاب �أو بال�سكوت عن ا�ستالب‬ ‫حقوق العقول الم�ؤنثة‪ ،‬ومنهن مَ ن دعاها ذلك‬ ‫اال�ستالب �أن تقف بالمر�صاد لمن ينتق�ص من‬ ‫م�شروعية �إدارتها الثقافية‪ .‬وال لوم على مَ ن لم‬ ‫تقاوم من الع�ضوات تحايل بع�ض الم�سئولين‬ ‫على وعيها‪ ،‬فل�سن مطالبات بقبول الت�ضييق‬ ‫عليهن في عملهن الثقافي �أو تحمّله‪ ،‬ال�سيما‬ ‫و�إن ح��دوث مثل ذلك الأم��ر في ن�سق م�ؤ�س�سة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪43‬‬


‫‪ 44‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫تعدها الدولة �أداتها التنويرية‪ ..‬الأقدر تغييرا‬ ‫لمكانة ال�م��ر�أة الثقافية والفكرية في الواقع‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والأ�شد ت�أكيدا لقيمتها الفكرية‬ ‫وت��أث�ي��ره��ا‪ ،‬وم��دى �إ�سهامها ف��ي ن�شر الوعي‬ ‫والتثقيف ب��ه‪ ،‬وتعزيز مكانتها الإن�سانية‪ ،‬ما‬ ‫�سوف يتبدل به واق��ع ما تعي�شه المثقفة من‬ ‫تهمي�ش اجتماعي‪.‬‬ ‫وب ��دت م �ح��اول��ة تقلي�ص ت�ل��ك الأن �� �ص��اف‬ ‫الثقافية ال��ذك��وري��ة م��ن ال�ف��ر���ص الممنوحة‬ ‫للمثقّفة‪ ،‬في �إدارة الم�ؤ�س�سة الثقافية في �أ�شكال‬ ‫متعددة‪ ،‬مثل تهمي�ش اقتراحاتها‪� ،‬أو تجاهل‬ ‫قراراتها‪� ،‬أو �إيذائها لفظي ًا و�سلوكياً‪ ،‬وربما �أ�ساء‬ ‫بع�ضهم �إليها‪ ..‬متجاوز ًا ب�سلوكه غير الم�سئول‬ ‫لأخالقيات الثقافة‪ ،‬و�إن�سانية الفكر المناه�ض‬ ‫للجندر‪ .‬و�سعي ًا من المثقفة‪/‬الع�ضو �إلى تقريب‬ ‫وجهات النظر‪ ،‬وتهيئة المجتمع للتخلّ�ص من‬ ‫الفروق المو�ضوعة ل�شروط تلقي الرجال لثقافة‬ ‫الن�ساء والعك�س‪ ،‬حاولت المثقفة‪/‬الع�ضو في‬ ‫الأندية الأدبية �أن تت�شارك والأن�شطة الأخرى‬ ‫للرجال‪ ،‬ونجحت في ذلك �إلى حدٍّ ما‪.‬‬ ‫ورب�م��ا عا�ش بع�ض الم�سئولين الثقافيين‬ ‫�صراع ًا بين موقفه التقليدي من المر�أة‪ ،‬وما‬ ‫يتطلبه ال�سلوك الثقافي من موقف ح�ضاري‬ ‫�إزاءه� ��ا ثقافيا‪ ،‬ول��م ي�ستطع �أن يتحرر من‬ ‫تقليديته‪ ،‬وبقي على نمطيته التي ال تتنا�سب‬ ‫ومدنيّة الوعي و�إن�سانيته‪.‬‬ ‫ول �� �س��ت م��ع ت�خ�ل��ي ال�م�ث�ق�ف��ة ال�ع���ض��و عن‬ ‫الم�سئولية الثقافية الأدبية الفكرية‪ ،‬وخدمة‬ ‫ال��وع��ي والتنوير �صناع ًة وتلقياً‪ ،‬ول�ست مع‬ ‫تهاونها في نيل حقوق �شراكتها التي منحتها‬ ‫�إياها وزارة الثقافة والإعالم ال�سعودية‪.‬‬ ‫وقد تتقا�سم المعوقات التي تحول دون تحقيق‬

‫المر�أة ال�سعودية طموحها ثقافيا لعوامل �أخرى‪،‬‬ ‫منها م��ا ي�ع��زى �إل��ى المثقف‪ ،‬وبع�ضها يرجع‬ ‫�إلى �ضيق نف�س المثقفة‪ ،‬وقلة تحملها لو�صاية‬ ‫م�سئولي الم�ؤ�س�سة الثقافية الم�ستمرة عليها‪،‬‬ ‫ومن ثم تنحّ يها عن القيام ب�أي دور ثقافي‪.‬‬ ‫وبعد؛ �أود الإ�شارة �إلى �أن هناك م�سئوالت‬ ‫�أ�سهمن في تعزيز ال��دور الثقافي للمر�أة‪ ،‬من‬ ‫حيث الحر�ص على وج��وده��ا وم�شاركتها في‬ ‫المنا�سبات الثقافية التي يقيمها النادي على‬ ‫م��دار ال �ع��ام‪ .‬م��ن خ�لال �إ� �ش��راك المبدعات‬ ‫والمفكرات في الأم�سيات ال�شعرية‪ ،‬والندوات‬ ‫الأدب �ي��ة‪ ،‬والم�سابقات الثقافية والإب��داع�ي��ة‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫كما عملت المثقفة‪/‬الع�ضو ف��ي ال�ن��ادي‬ ‫الأدبي على �شراكة المثقفة في تحكيم الم�ؤلفات‬ ‫الأدبية قبل طباعتها‪ ،‬وكتابة التقارير الخا�صة‬ ‫ببع�ض لجان النادي التي تر�أ�ستها‪ ،‬وعر�ضها‬ ‫على الجمعية العمومية في منا�سباتها ال�سنوية‪.‬‬ ‫كما كانت لهن م�شاركات فاعلة في جل�سات‬ ‫مجل�س الإدارة ب�����ص��ور مختلفة‪ ،‬تظهر في‬ ‫اقتراح ر�أي‪� ،‬أو ت�أييد ر�أي �آخ��ر �أو رف�ضه‪� ،‬أو‬ ‫عر�ض فكرة‪� ،‬أو تولّي مهمة‪� ،‬أو م�ساعدة ع�ضو‬ ‫لجنة منبثقة في الأن�شطة التي يقيمها النادي‪،‬‬ ‫�أو الإ��ش��راف على بع�ض المنا�سبات الثقافية‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫وال يكفي ما �سبق من عر�ض لبع�ض الأدوار‬ ‫التي قامت بها المثقفة في الم�ؤ�س�سة الثقافية‪،‬‬ ‫ليعد وثيقة تثبت بها المر�أة �أحقيتها وجدارتها‬ ‫في الإدارة الثقافية‪� ،‬إذ لم يزل المثقف يحظى‬ ‫ب�صناعة القرار في الم�ؤ�س�سة الثقافية دون‬ ‫المثقفة‪ .‬وقلّما يبدي حر�صه على م�شاركة‬ ‫ال �م��ر�أة واجتذابها للإ�سهام ببع�ض الأدوار‬

‫الثقافية وال�ف�ك��ري��ة ال�ت��ي ت �ع �زّز م��ن مكانتها م�ؤلفات �سواها‪.‬‬ ‫ال�ف�ك��ري��ة والأدب� �ي ��ة ف��ي الم�ؤ�س�سة الثقافية‬ ‫�سجلت تجربة ال�م��ر�أة في الأن��دي��ة الأدبية‬ ‫بمنطقتها‪.‬‬ ‫تراجعا فيما يتوقع لها من دور ثقافي يمكن‬ ‫وال �أُل �ق��ي ب��ال�ل��وم ع�ل��ى المثقف فح�سب‪ ،‬لها �أن ت�سهم به‪ .‬فان�سحاب كثير من المثقفات‬ ‫فبع�ض اللوم يقع على المثقفة التي لم ت�ستطع وا�ستقاالتهن في الأندية الأدبية بعد فترة وجيزة‬ ‫بعد التخل�ص من بع�ض عواطفها ال�شخ�صية‪ ،‬من تر�شّ حهن‪ ،‬لم يزل يحت�سب م�ؤ�شرا �سلبيا‬ ‫التي لم ت��زل ت�سيّر وعيها‪ ،‬وت�ؤثر فيه ت�أثيرا وم�ؤ�شرا على �ضعف �إرادة المثقفة في �إدارة‬ ‫�سلبيا؛ ول��رب �م��ا ا��س�ت�ع��ان��ت بح�شود غيرتها‬ ‫العمل الثقافي‪ ،‬ال ين�صب في م�صلحة الدور‬ ‫ونديتها وجنو�ستها‪ ،‬لتقف في الجهة الم�ضادة‪،‬‬ ‫الثقافي الذي ينبغي �أن ت�ضطلع به المر�أة‪� .‬إذ‬ ‫مناه�ضة لمثقفة �أخرى ت�شاركها الهمَّ الثقافي‬ ‫لم تثبت ج��دارة كافية في ما �أ�سند �إليها من‬ ‫ا�سم ًا ال �سلوكاً‪.‬‬ ‫م�سئوليات ثقافية‪ ،‬ولم تتم�سك به لتثبت قيمة‬ ‫من الأن�شطة التي ت�ستحق الثناء عليها في‬ ‫ما تثمره في المجتمع الثقافي من نتائج متوخّ اة‬ ‫محاولتها العادلة لإ�شراك المثقفة في �أنموذج‬ ‫ت�شجّ ع على الثقة باقتدارها وتمكينها ثقافيا‪.‬‬ ‫من االحترام والتقدير‪ :‬الحلقة الفل�سفية التي‬ ‫ويت�ضح م��ن تجربة بع�ض المنتميات �إل��ى‬ ‫جاء حر�صها على م�شاركة المر�أة فيها �أ�شد من‬ ‫حر�ص المر�أة ذاتها‪ ،‬و�أ�شكر الأ�ستاذ المفكر الم�ؤ�س�سة الثقافية م��ا تركته تلك الخبرة‬ ‫حمد الرا�شد على ذل��ك‪ .‬كما �أثبت الملتقى الثقافية من عتب ولوم‪ ،‬بل ربما قطيعة �أثرت‬ ‫الثقافي الذي كان يعده الدكتور �سعد البازعي في �صميم عالقاتهن الثقافية‪.‬‬ ‫ب�شكر دوري �سابقا‪ ،‬كفاءته ونبله في الرقيّ‬ ‫�شخ�صياً‪ ..‬ك�شفتْ لي تجربتي في العمل‬ ‫بالم�ستوى الثقافي للمر�أة‪ ،‬جنبا �إلى جنب مع ال�ث�ق��اف��ي ���ض��رورة م��ا ينبغي �أن ت�ت�ح� ّل��ى به‬ ‫�شقيقها الرجل‪ .‬و�أن�شطة �أخرى ال يت�سع المجال ال�شخ�صية الثقافية ب�شكل ع��ام‪ ،‬من مرونة‪،‬‬ ‫لذكرها‪ ..‬وربما تناولها �سواي‪.‬‬ ‫و�سماحة‪ ،‬وا�ستماع‪ ،‬وت�ج��اوب‪ ،‬وقبول للنقد‪،‬‬ ‫وي�ستدعي الحوار حول دور المر�أة الثقافي وامت�صا�ص لالنفعال‪ ،‬وكظم للغيظ‪ ،‬و�سعة بال‪.‬‬ ‫ف��ي الأن��دي��ة الأدب �ي��ة‪ ،‬الت�أكيد على م��ا تطلّبه‬ ‫في الختام‪ ،‬وب�صرف النظر عن ما تربى‬ ‫وج��وده��ا ذاك م��ن ت�ضحيات‪� ،‬إذ ح��رم ذلك‬ ‫المن�صب المثقفة كع�ضو مجل�س �إدارة مثال‪ ،‬عليه المثقف في بيئته االجتماعية من و�صاية‬ ‫من الم�شاركة ب�إبداعها‪� ،‬أو االن�ضمام �إلى كثير و�أبوية‪ .‬ف�أود التنويه‪� :‬إنني بما ذكرت لم �أ�شر‬ ‫من الم�سابقات الثقافية في منطقتها‪ ،‬ونيل �إلى كثير من الأ�سماء الأدبية التي ما �أزال �أ�شعر‬ ‫الجوائز التي تعدها وترعاها الم�ؤ�س�سة الأدبية باحترام كبير لتجربتها الإداري��ة ثقافيا‪ ،‬كما‬ ‫التي تنتمي �إليها‪ .‬كما حرمتها خدمتها للثقافة �أدين بكامل التقدير واالعتراف بالف�ضل لكل‬ ‫من حقها في الطباعة ون�شر �أي من �إ�صداراتها من �أخذ على عاتقه خدمة الثقافة والمثقف‪،‬‬ ‫من خالل الم�ؤ�س�سة الثقافية التي تتولى طباعة وبالتالي‪ ،‬المجتمع والوطن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪45‬‬


‫■ عبداهلل ال�سفر‬

‫عندما يدور الحديثُ حول تن�شيط حياتنا الثقافية «الر�سميّة» وتفعيلها‪ ،‬من خالل القنوات‬ ‫التي يُفتَر�ض ح�ضورها وفاعليّتها في تحريك هذه الحياة؛ يخطر على البال جمعيّات الثقافة‬ ‫والفنون‪ ،‬والأندية الأدبية‪ ،‬فهما الذراع التي يُعوّل عليها القيا ُم بذلك الدور‪ .‬غير �أن المع�ضلة‬ ‫تكمن في ت�شطير الدور وت�شعيثه؛ فبد ًال من �أن تكون الجمعيات والأندية تحت مظلة واحدة‬ ‫ا�سمها «مراكز ثقافيّة»‪ ،‬تحتوي على جميع المنا�شط الثقافية من الأدب بفروعه المتعدّدة‬ ‫�إل��ى الفنون بمروحتها الملوّنة الكبيرة‪ ..‬ب��د ًال من الجمع يجري الإف���راد‪ ،‬فكلٌّ في وا ٍد بمق ٍّر‬ ‫وبميزانيّة؛ و�إن كانت الم�أ�ساة واح��دة في المقر‪ ..‬حيث المباني الم�ست�أجرة على الغالب عند‬ ‫الجهتين‪� ،‬إال �أن االختالف في الميزانية المر�صودة لكل جهة وبحيفٍ وا�ضح‪ ..‬يثير اال�ستغراب‬ ‫ويرفع �آالف عالمات اال�ستفهام‪ .‬ففي الوقت الذي يتلقّى فيه كل نا ٍد �أدبي مليون ريال �سنو ّياً‪،‬‬ ‫ف�إن التعديل الجديد لميزانيات جمعيات الثقافة والفنون والذي جرى تطبيقه مع العام ‪٢٠١٤‬م‪،‬‬ ‫قد جعل الح�صّ ة ال�سنويّة لكل جمعيّة حوالي خم�سين �ألف ريال! نعم‪ ،‬خم�سون �ألف ريال ن�صيب‬ ‫وو�صل ما ينق�صها لتنه�ض بجدول‬ ‫ك ّل جمعيّة �سنو ّياً‪ ،‬وعليها �أن تتدبّر �أمرَها وثقوبَها لرتق ْ‬ ‫فعاليّاتها على مدار عا ٍم كامل‪.‬‬ ‫الأم��ر ال��ذي ي�ستدعي مراجع ًة وت�صحيح ًا من‬ ‫قبل وزار َت��ي الثقافة والماليّة‪ ،‬وع��دم التوقّف عند‬ ‫بيروقراطيّة الم�سميّات‪ ،‬والتي يترتّب عليها حك ٌم‬ ‫جائر وتح ّك ٌم خاطئ في توزيع الميزانيّات‪ ،‬بما يعود‬ ‫ب�أثرٍ �سلبي على ت�سيير العمل الثقافي وتو�سيع دائرة‬ ‫ت�أثيره مجتمع ّياً‪ ،‬وجذب مختلف الفئات االجتماعيّة‬ ‫�إل��ى منا�شطه‪ ،‬وبخا�صة الفئة ال�شبابية‪� ..‬أو التي‬ ‫ُت��راوح �أعمارها من الخام�سة ع�شرة �إلى الخام�سة‬ ‫‪ 46‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫والع�شرين‪ ،‬وهي الفئة الأكثر ا�ستهداف ًا من قِبل �أعداء‬ ‫الحياة‪ ،‬المترب�صين‪ ،‬الذين يعملون �أم��ام ال�سمع‬ ‫والب�صر؛ عن طريق المدار�س والتجمعات‪ ،‬وعن‬ ‫طريق و�سائل التوا�صل االجتماعي‪ ،‬لج ّر تلك الفئة‬ ‫الحيوية �إلى نطاق �أفكارهم الخطرة‪ ،‬وجعلها وقود ًا‬ ‫لمخططاتها الهدّامة والعدميّة المعادية للإن�سانيّة‬ ‫والحياة‪ .‬وه��ذا ما ي�ؤكّد ت�شميل النظرة ب�أبعد من‬ ‫الم�سميّات الت�صنيفيّة التي تُحرَم من الميزانيّة‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�إنهاء ت�شطي ِر العمل‬ ‫الثقافي في المملكة‬

‫المنا�سبة والم�ؤهّ لة للقيام بدو ٍر مهمٍّ ينت�صر للجمال‬ ‫وللوعي ولالرتفاع بالذائقة؛ وفي الوقت نف�سه‪ ،‬ي�صبح‬ ‫هذا الدور �سند ًا يحمي المجتمع من اختطاف �أبنائه‬ ‫�إل��ى دوائ��ر الجحيم ومطحنتها القا�سية والعا�صفة‬ ‫التي ال ت�شبع من التهامهم‪ ،‬كما ال يني الدّاعون في‬ ‫دفعهم �إلى هذه المحرقة‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬ه��ن��اك ان��ت��ظ��اران ُي��ل��حّ ��ان ع��ل��ى التنفيذ‪:‬‬ ‫�أوّلهما‪� ،‬إنهاء حالة الت�شطير بين جمعيّات الثقافة‬ ‫والفنون وبين الأندية الأدبيّة‪ ،‬وجعلهما تحت مظ ّل ِة‬ ‫المركز الثقافي في جميع المناطق والمحافظات في‬ ‫المملكة؛ ثانيهما‪ ،‬توفير الميزانيّة الكافية لأداء دو ٍر‬ ‫�إ�شعاعي ال يقت�صر على �أقليّة مغلقة‪ ،‬مهّرناها بختم‬ ‫«النخبة» وا�سترحنا‪ ،‬بل �أن يمت ّد هذا الدور لخدمة‬ ‫قطاع وا�سع من المجتمع‪ ،‬وهو في م�سي�س الحاجة �أن‬ ‫يُلتفَت �إليه‪.‬‬ ‫ومن العوامل التي ت�ستدعي ت�سريع �إقامة المراكز‬ ‫الثقافيّة؛ �إنقاذ الأندية الأدبية وفعاليّاتها من الركود‬ ‫والرتابة والت�شابه وال�ت�ك��رار‪ .‬فالواقع �أنها مجرّد‬ ‫محا�ضرات و�أم�سيّات �شعريّة وق�ص�صيّة ال يح�ضرها‬ ‫�إال قلّة‪ ..‬و�أحيان ًا الأقل من القلة‪ ،‬ويكفي �شاهد ًا �أن‬ ‫�أم�سيّة �أدبيّة في ن��ا ٍد �شهيرٍ من �أنديتنا الأدبية لم‬ ‫يح�ضرها �سوى اثني ع�شر ف��رداً‪ ،‬رغم �أن الأم�سية‬ ‫يحييها �أكثر من �أدي��ب (!؟ )‪ .‬ذل��ك �أن ما ينق�ص‬ ‫هو اللم�سة الجماليّة التي تحوّل الأم�سيّة �إلى م�شهد‬ ‫ب�صري تت�شارك الحوا�س في االت�صال به‪ ،‬وهذا ‪-‬‬ ‫مث ًال ‪ -‬ما برعت فيه جمعيّة الثقافة والفنون بالدمام‪،‬‬ ‫وقامت ب�إنجاز �أم�سيات �أدبيّة ال تُن�سَ ى لمن يح�ضرها‪.‬‬ ‫الأم�سية الخام في النادي الأدب��يّ ؛ يجري ت�سييلها‬ ‫واال�شتغال عليها في الجمعيّة ب�شكل جمالي‪ ..‬كما‬ ‫هو الحال في ب�ضع �أم�سيات في الربع الأول من العام‬ ‫‪٢٠١٤‬م‪� ،‬أُتيح لي متابعتها �أو ح�ضورها‪ ،‬نحو �أم�سية‬ ‫توقيع كتاب ترجمة ملحمة جلجام�ش لعبداهلل جمعة‪،‬‬ ‫و�أم�سية �شعراء يفدون لأول مرة �إلى الم�شهد الثقافي‬ ‫في المملكة (ع�ب��داهلل المح�سن؛ مهدي المطوّع؛‬ ‫�أحمد القطّ ان)‪ ،‬و�أم�سيتَين عن ال�شعر الأمريكي‬

‫«بويتك بوبري» من ترجمة و�إع��داد الدكتور مبارك‬ ‫الخالدي‪ ،‬و�أم�سية احتفاليّة بيوم ال�شعر العالمي‪..‬‬ ‫تلك الأم�سيات وغيرها جرى �إخراجها من الحالة‬ ‫الخام‪ ،‬ومن حالة االعتياد‪ ،‬ومن المنبرية ال�صرفة‪..‬‬ ‫�إلى حالة جماليّة تامّة‪ ،‬و�أزعم �أنها نادرة في حياتنا‬ ‫الثقافية المحليّة‪� ،‬إذ ت� ��آزرت الحوا�س والأدوات‬ ‫الإب��داع� ّي��ة من مو�سيقى و�أداء م�سرحي وم�شهديّة‬ ‫�سينوغرافيّة وم��ن �أغنية وم��ن فيديو وم��ن تمثيل؛‬ ‫كلّها في النهاية كوّنت عا�صفة جماليّة غير معهودة‬ ‫محل ّياً‪ ،‬تعجز عن �أدائها الأندية الأدبيّة وحدها �إذا‬ ‫لم يتي�سّ ر لها ظهي ٌر جماليّ يعينها على تنفيذ جدول‬ ‫فعاليّاتها‪ .‬وهنا �أتخيّل لو �أن ناد ّي ًا �أدب ّي ًا �أراد تكريم‬ ‫�شخ�صيّة �أدبيّة‪ .‬ما ال�صورة التي يكون عليها التكريم‬ ‫في النادي نف�سه‪ ،‬وما ال�صورة المتوقّعة لو كان هذا‬ ‫التكريم في �إح��دى جمعيّات الثقافة والفنون؟ لن‬ ‫تتعدّى ال�صورة في النادي عن كلمات متقاطرة تنتفخ‬ ‫بالمجامالت المنتظرة في مثل هذه المواقف‪ ،‬والتي‬ ‫ت�شفي على التذكير بمناخ جنائزي وك�أن ال�شخ�صيّة‬ ‫المكرّمة ال يُحتفى بها قدْر ما تُرثى بعينٍ دامعة‪ ،‬مع‬ ‫درع معتاد ليكتمل الم�شهد‪� .‬أمّا لو جرى التكريم عند‬ ‫الح�س الجنائزي �أوّل ما‬ ‫جمعيّة الثقافة والفنون ف�إن َّ‬ ‫يختفي؛ مو�سيقى احتفاليّة؛ �شريط �سينمائي توثيقي؛‬ ‫م��واق��ف ا�ستذكاريّة تنتقل بين ال�ج��اد والطريف؛‬ ‫م�شهد تمثيلي؛ غناء ق�صيدة من كلمات المحتفَى به‬ ‫�شاعراً‪ .‬وهذا هو الفرق والفارق الذي ي�ستدعي �إنهاء‬ ‫حالة الت�شطير بين الجمعيّات والنوادي الأدبية‪.‬‬ ‫�إن تحريك الم�شهد الثقافي الر�سمي ال يتمّ في‬ ‫معازل‪� ،‬أو باقتراح دور لكل جزء فيه‪ .‬هناك ك ٌّل ينبغي‬ ‫�أن يقوم‪ ،‬وينبغي �أن تت�ضافر الجهود و�أن تت�سارع‬ ‫لأن يكون‪ ،‬ولأن يم ُث َل في م��دار الفعل؛ ك ٌّل ال نريده‬ ‫مجرّد هيكلٍ فارغ‪ ،‬بل حياة قائمة ماثلة في المجتمع‬ ‫ولجميع فئاته‪ ،‬تقدّم لهم الرغيفَ الثقافي كواد ُر على‬ ‫دراية بالعمل الثقافي‪ ،‬ومرّوا بدورات عمليّة‪ ،‬وور�ش‬ ‫تدريبية عن ت�سيير هذا العمل الثقافي؛ باحترافيّة‬ ‫وبطريقة جماليّة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪47‬‬


‫■ تركية العمري‬

‫يعود تاريخ �إن�شاء الأندية الأدبية في المملكة �إلى فكرة اقترحها الأديب الراحل عزيز �ضياء‪،‬‬ ‫والتي تمثلت في �إن�شاء �أندية �أدبية في المدن الكبيرة‪ .‬وتم تنفيذ هذا االقتراح في ال�سبعينيات‬ ‫الميالدية‪ ،‬وتحديداً عام ‪1975‬م‪ ،‬وكان تنفيذ المقترح مهماً في تلك الفترة‪� ،‬إذ مثلت هذه الأندية‬ ‫اعترافا ر�سميا بالثقافة ب�شكل عام‪ ،‬وبدورها في رقيّ المجتمع في ذلك الوقت‪ ،‬و�أ�سهمت في‬ ‫تعريف المجتمع ب�أهمية الآداب‪ ،‬والتي تمثل ح�ضارة الأمم وتقدّمها‪ .‬وقد كانت الأندية الأدبية‬ ‫في بداية ت�أ�سي�سها ملحقة بالرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب‪ ،‬قبل �أن تنتقل �إلى وزارة الثقافة‬ ‫والإعالم عام ‪2005‬م‪.‬‬ ‫وقد قامت الأندية الأدبية بر�سالتها الثقافية‬ ‫والتي تحمل م�سماها‪� ،‬إذ �صار الأدب ب��ارزا‪،‬‬ ‫وبالتحديد ال�شعر والق�صة الق�صيرة‪ ،‬وظهر‬ ‫�أدب��اء متميزون �أ�سهموا في ت�أ�سي�س الحركة‬ ‫الثقافية في المملكة‪ ،‬كما مثّلوا المملكة في‬ ‫مهرجانات �إقليمية وع��رب�ي��ة‪ .‬وج��اء الع�صر‬ ‫الرقمي ال��ذي نحيا تَ�سارُع �إيقاعاته‪ ،‬ع�صر‬ ‫الثقافة العالمية‪ ،‬والإب��داع العالمي‪ ،‬والتثاقف‬ ‫الكوني‪ ،‬ذل��ك التثاقف ال��ذي د ّك��ت �أيقوناته‬ ‫ال �ح��دود المعرفية والثقافية بين ال�شعوب؛‬ ‫فتوا�صلت ال�شعوب مع بع�ضها بع�ضا‪ ،‬وبنت‬ ‫ج�سور محبة ولغة توا�صل ثقافي فيما بينها‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت توجه خطاها تجاه التقدم المعرفي‬ ‫‪ 48‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الثقافي من خ�لال م�ؤ�س�سات ثقافية جديدة‬ ‫تواكب الع�صر‪ .‬وللأ�سف بقيت الأندية الأدبية‬ ‫بعيدة ع��ن ذل��ك كله‪ ،‬وا�ستمرت بنمطيتها‪،‬‬ ‫و�أن�شطتها التقليدية‪ ،‬ولوائحها القديمة‪ ،‬وبيوتها‬ ‫المتهالكة ب�أقبيتها الموح�شة‪ .‬فالأندية الأدبية‬ ‫لم تواكب التطور الثقافي ال�سريع(‪ )1‬وبقيت‬ ‫على �أن�شطتها منذ ب��دء ت�أ�سي�سها‪� :‬أم�سيات‬ ‫ق�ص�صية و�شعرية؛ ولم تتفاعل مع الأن�شطة‬ ‫الثقافية والأيام العالمية التي تحتفي بها الدول‬ ‫المجاورة‪ ،‬وبد�أ يت�ضاءل ح�ضور المثقفين فيها‪،‬‬ ‫فما تقدمه ال يرقى �إلى م�ستوى �إبداعهم‪.‬‬ ‫وق��د ح��ان ال��وق��ت لإغ�ل�اق ه��ذه الأن��دي��ة‪,‬‬ ‫و�إن�شاء مراكز ثقافية جديدة تحمل روح الع�صر‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫�إغالق الأندية الأدبية‬

‫الرقمي‪ ،‬والقيم الإن�سانية الكونية المتمثلة‬ ‫بالحب والخير وال�سالم وال�ع��دال��ة واح�ت��رام‬ ‫الآخ��ر‪ ،‬وت�شمل الآداب والفنون‪ ،‬وتتوا�صل مع‬ ‫المجتمع ليتحقق التكامل الثقافي بينه وبين‬ ‫م�سارات الثقافة‪ :‬الكلمة‪ ،‬واللوحة‪ ،‬والمو�سيقى‪،‬‬ ‫والفنون الأخرى كالنحت والت�صوير‪.‬‬ ‫فالمراكز الثقافية العالمية تمد ج�سور‬ ‫التوا�صل الفكري والثقافي بينها وبين المجتمع‬ ‫وال�م��ؤ��س���س��ات التعليمية م��ن خ�ل�ال �أن�شطة‬ ‫وفعاليات متنوعة‪ ،‬ومنظّ مة ب�شكل جيد‪.‬‬ ‫قد يت�ساءل القارئ الكريم‪ ،‬ولماذا ال يتم‬ ‫تطوير الأندية الأدبية لتكون مراكز ثقافية؟‬ ‫والإجابة في و�ضع مجتمعنا النامي‪ ،‬ال بد من‬ ‫�إغ�لاق الأندية الأدب�ي��ة‪ ،‬وا�ستحداث المراكز‬ ‫الثقافية؛ لأن وزارة الثقافة �ستعين العقول‬ ‫ذاتها التي كانت تدير الأندية الأدبية لتدير‬ ‫المراكز‪ ،‬والتي �ستن�سخ الخطط ذاتها منذ‬ ‫ال�سبعينيات الميالدية‪ ،‬وال�ت��ي كتبت بالآلة‬ ‫الكاتبة‪ ،‬و�ستمار�س هذه الإدارات �إ�سقاطاتها‬ ‫وعقدها وتقادمها‪ ،‬وهذا يعيق تطور المثقفين‬ ‫ونتاجهم‪ ،‬وي�ؤثر على تطور الحراك الثقافي‬ ‫الوطني‪ ،‬ما �سي�صيبه بالجمود‪.‬‬ ‫ولكي تحقق المراكز الثقافية الهدف من‬ ‫وجودها‪ ،‬ال بد �أن تكون �أهدافها واقعية ومرنة‪،‬‬ ‫و�أن تتجدد كل ثالثة �أع��وام‪ ،‬وتكون لها ر�ؤى‬ ‫ا�ست�شرافية للم�ستقبل‪،‬وتخرج في فعالياتها‬ ‫عن الأن�شطة التقليدية‪ ،‬وال يبقى مَ ن ير�أ�سها‬ ‫�أكثر من عامين؛ حتى ال يطل الف�ساد الثقافي‬ ‫والمالي بر�أ�سه الثعباني‪.‬‬

‫ولكي تتزامن المراكز الثقافية مع الع�صر‬ ‫الرقمي‪ ،‬ال بد من تحديث بيانات المثقفين‪،‬‬ ‫والتوا�صل معهم عبر التقنية الحديثة‪ ،‬وو�ضع‬ ‫خطط لفعاليات ت�ستمر على م ��دار ال�ع��ام‪،‬‬ ‫ت�شمل‪ :‬قراءات �إبداعية ونقدية‪ ،‬وور�ش عمل في‬ ‫مجال الكتابة الأدبية والم�سرحية‪ ،‬والدراما‪،‬‬ ‫و�أدب الأط�ف��ال‪ ،‬والترجمة الأدب�ي��ة‪ ،‬وق��راءات‬ ‫من الأدب العالمي‪ ،‬وتوقيع كتب‪ ،‬ومناق�شات‬ ‫ق�ضايا فكرية – ثقافية‪ ،‬وا�ست�ضافات من داخل‬ ‫المملكة وخارجها‪.‬‬ ‫وق�ب��ل ذل��ك ك�ل��ه‪ ،‬ال ب��د �أن ت�ك��ون المراكز‬ ‫الثقافية في مبان حكومية‪ ،‬فالمثقف ال�سعودي‬ ‫ع��ان��ى م��ن �أم �ك �ن��ة م �ه �ج��ورة و��ض� ّي�ق��ة و�شبه‬ ‫متهالكة‪ ..‬و�أ�شبه ما تكون بالمقابر‪ ...‬كان‬ ‫ينثر فيها عبير �إبداعه‪ ،‬حتى �أن �أكثر المثقفين‬ ‫�أ�صبحوا يعتذرون عن �إقامة �أن�شطة لهم في‬ ‫الأندية؛ فهو ي�ستحق �أن يكون في �أمكنة تليق به‬ ‫كمثقف‪ ،‬وبنتاجه الإبداعي الذي ي�سهم ب�شكل‬ ‫كبير في تنمية وطنه ومجتمعه‪.‬‬ ‫�إن �إن���ش��اء م��راك��ز ثقافية يمثل انطالقة‬ ‫ثقافية جديدة في تاريخ الثقافة لدينا‪ ،‬تلك‬ ‫االنطالقة التي �ست�ساهم ف��ي ح��راك ثقافي‬ ‫تجديدي‪� ،‬إذا �أدارتها عقول م�ستنيرة �شابّة‪،‬‬ ‫ه��ذا ال�ح��راك ال��ذي تت�سع ف�ضاءاته‪ ،‬وتكتمل‬ ‫في تناغم �إبداعي‪ ،‬يحتفي ب�أعمالنا الروائية‬ ‫وال�شعرية والم�سرحية والدرامية‪ ،‬وبالأ�صوات‬ ‫التي نقلناها من هناك عبر الترجمة‪ ،‬ويكون‬ ‫ه��ذا االح �ت �ف��اء بم�شاركة �أن �غ��ام المو�سيقى‬ ‫وق�سمات اللوحة وعيون ال�صورة‪.‬‬

‫(‪ )1‬يظل النادي الأدبي الثقافي في جده له خطوات متميزة و�سط الأندية الأدبية في المملكة‪ ،‬من خالل �أن�شطته‪،‬‬ ‫و�إ�صداراته الدورية التي �شملت ال�شعر وال�سرد الق�ص�صي والروائي والترجمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪49‬‬


‫■ جبري املليحان‬

‫حين ات�صل �سعادة الدكتور عبد العزيز ال�سبيل‪ ،‬وكيل الوزارة لل�ش�ؤون الثقافية طالبا موافقتي‬ ‫لالن�ضمام �إلى مجل�س �إدارة نادي المنطقة ال�شرقية الجديد؛ �س�ألته عن الأ�سماء المر�شحة‬ ‫للمجل�س‪ ،‬ف�أجابني ب�أ�سماء �أ�ساتذة و�أ�صدقاء �أعرفهم‪ ،‬فوافقت على الفور‪.‬‬ ‫اجتمع بنا �سعادته في مبنى النادي بالدمام‬ ‫الختيار الهيئة الإدارية للنادي(الرئي�س‪ ،‬ونائبه‪،‬‬ ‫وال�م��دي��ر ال�م��ال��ي‪ ،‬وال�م��دي��ر الإداري)‪ ،‬وحيث‬ ‫�أوالن��ي �أغلب الزمالء ثقتهم برئا�سة المجل�س‪،‬‬ ‫وبعد انتهاء عملية الت�صويت ال�سريّة‪ ،‬قلت �أمام‬ ‫الزمالء ل�سعادة الدكتور عبدالعزيز ال�سبيل‪:‬‬ ‫«�أعتبر كل واحد من زمالئي في مجل�س الإدارة‬ ‫رئي�سا للنادي‪ ،‬و�سنعمل كفريق واحد»‪.‬‬ ‫اجتمعنا بعدها عدة م��رات‪ ،‬حدّثنا الالئحة‬ ‫القديمة للنادي‪ ،‬وحددنا �صالحيات كل فرد‪،‬‬ ‫وواجباته‪ ،‬واتفقنا على �آلية ح�سم النقا�ش في‬ ‫حالة وج��ود �أكثر من ر�أي لأي مو�ضوع نناق�شه‬ ‫في اجتماعاتنا الأ�سبوعية‪ .‬و�صلنا لقناعة تامة‪،‬‬ ‫التزمنا بها طيلة ال�سنوات الخم�س‪ ،‬وه��ي‪ :‬في‬ ‫حالة وجود �أكثر من ر�أي لمو�ضوع �أو حالة معينة‪،‬‬ ‫‪ 50‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫نلج�أ للت�صويت لح�سم الأم ��ر‪ .‬وع�ل��ى الجميع‬ ‫االلتزام بما تقرره غالبية �أع�ضاء المجل�س في‬ ‫ت�صويتهم‪ ،‬ب�صرف النظر عن قناعة ال�شخ�ص‪.‬‬ ‫�سارت �أم��ور النادي في اجتماعات مجل�سه‪،‬‬ ‫ولجانه‪ ،‬و�إ� �ص��دارات��ه‪ ،‬وجميع برامجه‪ ،‬ب�شكل‬ ‫�سل�س وجميل‪ .‬اختلفنا كثيرا‪ ،‬وتناق�شنا كثيرا‪،‬‬ ‫و�صوّتنا‪ ..‬ولكن لم تخرج خالفاتنا في �إدارة‬ ‫ال �ع �م��ل ع��ن غ��رف��ة االج �ت �م��اع��ات‪ ،‬وم�ح��ا��ض��ر‬ ‫الجل�سات‪.‬‬ ‫�إنَّ قيادة مجموعة ال تعني الت�سلّط‪� ،‬أو التفرّد‬ ‫ب��ال��ر�أي وال �ق��رار؛ وم��ن هنا‪ ،‬ك��ان نجاح مجل�س‬ ‫�إدارتنا‪ ،‬حين �أعطى كل فرد من الزمالء خال�صة‬ ‫خبرته‪ ،‬ور�ؤيته الثقافية‪.‬‬ ‫ربما يُقال �إننا �أ�صدقاء‪ ،‬و�إن�ن��ا متجان�سون‬ ‫في التفكير‪ ،‬ومت�شابهون في الخبرة الإداري��ة‪..‬‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫تجربة �إدارة نادي‬ ‫ال�شرقية الأدبي‬

‫و�أقول‪� :‬إننا فعال �أ�صدقاء‪ ،‬لكن تجاربنا الإدارية‬ ‫والعملية مختلفة‪ ،‬كما �أن ر�ؤيتنا لم�سار ال�ش�أن‬ ‫الثقافي والأدبي متنوّعة‪ .‬وهذا االختالق‪ ،‬والتنوع‬ ‫هو �سر نجاحنا؛ �إذ �أتيح لكل منا �أن يعطي �أف�ضل‬ ‫ما عنده في خدمة برامج النادي و�أن�شطته‪.‬‬ ‫بقي القول �إن وجود العن�صر الن�سائي كان له‬ ‫دور بارز في تنوّع البرامج‪ ،‬فالمر�أة ب�شكل عام‬ ‫كانت محرومة ‪ -‬في العهد ال��ذي �سبقنا ‪ -‬من‬ ‫دخ��ول مبنى ال�ن��ادي‪ ،‬ومحرومة من الم�شاركة‬ ‫في فعالياته‪ .‬وكان من �أول �أهدافنا بعد ت�شكيل‬ ‫المجل�س تكوين لجنة ن�سائية م�ستقلة‪ ،‬تم انتخاب‬ ‫ع�ضواتها من قبل الن�ساء �أنف�سهن‪ ،‬من دون تدخل‬ ‫من قبل المجل�س‪ ،‬و�أعطيت لهن ال�صالحيات‬ ‫الكاملة لبناء ال�ب��رام��ج والأن�شطة التي يرين‬ ‫�إقامتها‪ .‬كما منح لهيئة تحرير مجلة(دارين)‬ ‫الف�صلية �صالحيات كاملة في �إجازة مواد المجلة‬ ‫من دون رقابة من المجل�س‪ .‬وكذلك لجنة الكتب‬

‫والمطبوعات‪ .‬وقد فتحت كل الأبواب لل�شباب من‬ ‫الجن�سين لالن�ضمام �إلى اللجان الأدبية والثقافية‬ ‫العاملة في النادي‪ .‬وهكذا تم تفرغ مجل�س �إدارة‬ ‫ال �ن��ادي للتخطيط‪ ،‬وال��دع��م‪ ،‬مبعدا �أي �شبح‬ ‫للبيروقراطية‪.‬‬

‫الدكتور عبدالعزيز ال�سبيل يتر�أ�س مجل�س �إدارة نادي المنطقة ال�شرقية الأدبي‪� ،‬أثناء انتخابات الهيئة الإدارية للنادي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪51‬‬


‫■‬

‫�إبراهيم بن مو�سى احلميد*‬

‫يالحظ �أي مراقب محايد للفعل الثقافي �أن النادي الأدب��ي بمنطقة الجوف خالل فترة‬ ‫ت�شرفنا برئا�سته (‪1432-1429‬ه��ـ)‪ ،‬قد عمل جاهدا على دفع عجلة الحِ راك الثقافي بالمنطقة‬ ‫في جميع االتجاهات‪ ،‬توا�صال مع اال�ستراتيجيات التي تتبناها وزارة الثقافة والإع�لام‪ ،‬وفقا‬ ‫ل��ر�ؤي��ة خ��ادم الحرمين ال�شريفين‪ ،‬الملك ع��ب��داهلل ب��ن عبدالعزيز �آل �سعود‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬في‬ ‫التنمية والبناء لإن�سان هذه الأر�ض المباركة؛ على الرغم مما واجهته الأندية الأدبية‪ ،‬وخا�صة‬ ‫في منطقة الجوف من خطابات م�ضللة وم�ضادة لن�شاطاتها الأدبية والثقافية المتوازنة‪ ،‬و�صلت‬ ‫�إلى درجة الت�شنج‪.‬‬ ‫ول�ع�ل�م�ن��ا �أن �أ���ص��ح��اب ت �ل��ك ال �خ �ط��اب��ات‬ ‫ب�ع�ي��دون ك��ل البعد ع��ن ال���ش��أن الثقافي وعن‬ ‫معرفة �أ�سا�سات عمل الجهات التي واجهوها‬ ‫بالتحري�ض واالح �ت��داد؛ كما �أن منطلقاتهم‬ ‫لم تكن محايدة؛ فقد عملنا على احتواء تلك‬ ‫الخطابات‪ ،‬ومجابهتها بابتكار مختلف البرامج‬ ‫والآليات التي ت�ساعد على �أن يكون لكل مثقف‬ ‫و�شاب ومواطن موقع في هذا النادي‪ ،‬من خالل‬ ‫مختلف البرامج والفعاليات والأن�شطة‪ .‬ولهذا‪،‬‬ ‫فقد بادرنا �إلى الت�أ�سي�س لعدد من الأكاديميات‬ ‫وبرامج القراءة‪ ،‬وهي (�أكاديمية ال�صحافة)‪،‬‬ ‫‪ 52‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫و(ملتقى ال �ب��راع��م)‪ ،‬و(المقهى الثقافي)‪،‬‬ ‫و(ل�ق��اء الأح��د ل�ل�ق��راءة)‪ ،‬و(ل�ق��اء الأرب �ع��اء)‪،‬‬ ‫و(�أكاديمية الق�صة)‪ ،‬و(�أكاديمية ال�شعر)‪،‬‬ ‫و(�أكاديمية الفنون)‪.‬‬ ‫كما عملنا على �إيجاد عدد من الم�سابقات‬ ‫والجوائز التي من �ش�أنها �أن ت�سهم في زيادة‬ ‫الفعل الثقافي وتن�شيطه لدى مثقفي المنطقة‬ ‫وخ��ارج �ه��ا؛ وك��ان م��ن �أب ��رز �أه��داف �ه��ا ت�شجيع‬ ‫مثقفينا ومبدعينا على البحث والإبداع والتوا�صل‬ ‫مع مجتمعهم ووطنهم؛ لذا‪ ،‬كان �إطالق جوائز‬ ‫في مجاالت ال�شعر والق�صة والن�ص الم�سرحي‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫تجربتي‬ ‫في نادي الجوف الأدبي‬

‫والتحقيق ال�صحفي‪ ،‬كما �أطلقنا م�سابقات‬ ‫للت�أليف والإبداع الأدبي؛ من قبيل ديوان �شعر‪� ،‬أو‬ ‫مجموعة ق�ص�صية‪� ،‬أو رواية‪ ،‬وم�سابقة «�صوروا‬ ‫منطقة الجوف»‪ ،‬منطلقين من جماليات العمارة‬ ‫التقليدية في المنطقة هدفا لهذه الجائزة‪ .‬كما‬ ‫�أطلقنا م�سابقات على م�ستوى الأندية الريا�ضية‪،‬‬ ‫وم�سابقة لأف�ضل م�ؤلف عن الزيتون‪ ،‬وم�سابقة‬ ‫�إب��داع�ي��ة للزيتون‪ ،‬وم�سابقة �سنوية ل�ل�إب��داع‬ ‫ال�شعري والأدب���ي ح��ول منطقة ال �ج��وف‪ .‬كما‬ ‫�أطلقنا جائزة �سنوية للإبداع بمنا�سبة مبايعة‬ ‫خادم الحرمين ال�شريفين‪ ،‬الملك عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزيز �آل �سعود‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬وهي م�سابقة‬ ‫لأجمل ق�صيدة وق�صة ومقالة بالمنا�سبة �سنويا‪،‬‬ ‫كما �أطلقنا جائزة منطقة الجوف للدرا�سات‬ ‫الثقافية‪ ،‬والتي ت�شمل درا�سة الإب��داع الثقافي‬ ‫والأدب���ي والإن���س��ان��ي لمثقفي المنطقة ح�سب‬ ‫ال�شروط المعلنة‪ ،‬و�أطلقنا كذلك جائزة الكتابة‬ ‫للطفل‪� ،‬إ�ضافة �إلى الم�سابقات المتعلقة باليوم‬ ‫الوطني‪ ،‬وكان عدد الم�سابقات المعلنة اثنتي‬ ‫ع�شرة م�سابقة �سنويا‪.‬‬ ‫وقد حر�صنا على تفعيل الن�شاط الثقافي في‬ ‫مدن ومحافظات منطقة الجوف‪ ،‬ف�أ�س�سنا للجان‬ ‫الثقافية في محافظة القريات ودوم��ة الجندل‬ ‫وطبرجل و�صوير؛ �إيمانا منا بحق الجميع في‬ ‫الح�صول على البرامج التي يقدمها النادي‪ ،‬من‬ ‫خالل �أبناء كل مدينة‪ ،‬من الذين يمثلهم �أع�ضاء‬ ‫اللجنة الثقافية‪.‬‬ ‫و�إذا كان النادي قد �أقام ع�شرات الن�شاطات‬ ‫المنبرية م��ن محا�ضرات ون ��دوات و�أم�سيات‬ ‫ول �ق��اءات وور���ش عمل ف��ي جميع م��دن منطقة‬ ‫ال �ج��وف حتى ع��ام ‪2011‬م‪1432/‬ه� � � �ـ‪ ،‬بدعم‬ ‫وم ��ؤازرة �أهالي المنطقة ومثقفيها‪ ،‬ف�إنه �أمل‬ ‫�أن يتوا�صل ه��ذا الن�شاط لتحقيق �أك�ب��ر قدر‬

‫م��ن ط�م��وح��ات مثقفينا وم�ب��دع�ي�ن��ا‪ .‬ك�م��ا كنا‬ ‫واثقين ان انجاز النادي لموقعه التفاعلي على‬ ‫الإنترنت حينها وال��ذي يعد قاعدة معلومات‬ ‫مهمة‪ ،‬ومواقعه المتفرعة عنه وبرامجه للطباعة‬ ‫والن�شر التي �أ�سفرت عن ع�شرات الكتب وثالث‬ ‫دوري� ��ات وع���ش��رات ال�م�ط�ب��وع��ات‪ ،‬خير حافز‬ ‫للجميع للتوا�صل مع ناديهم‪ ،‬وتحقيق تطلعاتهم‬ ‫من خالله‪،‬؛ �إذ �أ�صبح النادي الأدب��ي بمنطقة‬ ‫الجوف من �أن�شط الأندية الأدبية في المملكة‪،‬‬ ‫ومن �أعمقها ت�أثيرًا‪ ،‬ب�شهادة كثير من المثقفين‬ ‫والمراقبين‪ ،‬حتى �أن ع��دد ًا منهم اعتبر �أن‬ ‫النادي الأدبي بمنطقة الجوف قدم ما لم تقدمه‬ ‫وزارات ر�سمية في عدة بلدان عربية‪ ،‬و�إ�صداراته‬ ‫متميزة منفتحة على الثقافة ال�سعودية والعربية‪.‬‬ ‫لقد نجحت تجربتنا في خالل تلك ال��دورة‬ ‫في خلق حراك ثقافي �أ�شادت به �أقالم عدة على‬ ‫الم�ستوى المحلي والعربي‪ ،‬فا�ستقطبت �أن�شطتنا‬ ‫وفعالياتنا اهتمام ًا �إع�لام�ي� ًا ك�ب�ي��راً؛ فمثالً‪،‬‬ ‫جريدة الحياة ال�سعودية ر�أت �أن برامج القراءة‬ ‫التي �أطلقها النادي لمختلف فئات المجتمع تعد‬ ‫تجربة فريدة على م�ستوى الأندية الأدبية‪ ،‬كما‬ ‫و�صفت عدة �صحف عربية النادي الأدب��ي ب�أنه‬ ‫�أ�صبح النادي الأكثر ن�شاط ًا والأعمق ت�أثير ًا على‬ ‫م�ستوى المملكة‪ ،‬و�أث�ل��جَ ه��ذا �صدورنا وجعلنا‬ ‫نفتخ ُر ب�أدبي الجوف‪.‬‬ ‫لقد �شرعنا منذ بداية عملنا في �إطالق حزم‬ ‫من الأن�شطة النوعية لتفعيل ح��راك مجتمعنا‬ ‫الثقافي بمختلف فئاته‪ ،‬مع التركيز على الأجيال‬ ‫ال�صاعدة التي تعد الركيزة الأ�سا�س لأي تقدمٍ‬ ‫من�شود‪ ،‬و�أكدنا منذ البداية �أننا نعمل تحت مظل ٍة‬ ‫كبرى هي ثقافة الحوار‪ .‬فكانَ “لقاء الأربعاء‬ ‫للقراءة” لطلبة المدار�س واليافعين لتر�سيخ‬ ‫عادة القراءة وتنميتها لدى الطالب‪ ،‬وتعريفهم‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪53‬‬


‫‪ 54‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫بالتراث الح�ضاري والفكري والثقافي للمنطقة‪،‬‬ ‫واالق �ت��داء ب��رم��وزه��ا ال�ب��ارزي��ن ف��ي المجاالت‬ ‫كافة؛ تعزيز ًا لروح االنتماء الوطني‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫ربطهم بالجديد في مختلف المجاالت العلمية‬ ‫والثقافية عبر العالم‪.‬‬ ‫ثم جاءت «�أكاديمية ال�شعر»‪ ،‬ملتقى ن�صف‬ ‫�شهري يتم فيه تدريب الهواة والمهتمين من‬ ‫ال�شباب على كتابة ال�شعر‪ ،‬وتعريفهم بعلم‬ ‫العرو�ض (بحور ال�شعر)‪ ،‬و�أ�صول كتابة ال�شعر‪،‬‬ ‫و�أه ��م م��دار��س��ه‪ ،‬وات�ج��اه��ات��ه قديم ًا وحديثاً‪.‬‬ ‫و َت��راف��ق م��ع ذل��ك ف��ي اللجنة الن�سائية “لقاء‬ ‫الأحد للقراءة”‪ ،‬م�ستهدف ًا الفتيات وال�سيدات‬ ‫من مثقفات المنطقة‪ ،‬و«ملتقى البراعم» لأطفال‬ ‫الرو�ضات والمدار�س االبتدائية‪ ،‬بقيادة الأديبة‬ ‫المبدعة م�لاك الخالدي‪ ،‬التي كانت �شريكة‬ ‫النجاح والإبداع بحق‪ .‬كما تم �إطالق «�أكاديمية‬ ‫الق�صة» للتدريب على كتابة الق�صة الحديثة‬ ‫و�أ�ساليبها‪ ،‬كما خططنا لتفعيل «�أكاديمية‬ ‫ال�صحافة»‪ ،‬لتدريب ال�شباب والمهتمين على‬ ‫�أه ��م م�ك��ون��ات الأخ��ب��ار و�أ���ص��ول التحقيقات‬ ‫ال�صحفية‪.‬‬ ‫كما �شرعت اللجنة الن�سائية ب�أدبي الجوف‬ ‫في تفعيل برنامج “رعاية الموهوبات”‪ .‬ولعل من‬

‫برامجنا النوعية التي القت �صدى طيبا حينها‬ ‫هو “المقهى الثقافي”‪ ،‬ال��ذي �أداره مجموعة‬ ‫من �شباب الجامعة‪ ،‬و�أخذ �شكل نادٍ �أدبي م�صغرٍ‬ ‫يتولى ال�شباب فيه �إدارة العمل الثقافي ودعوة‬ ‫المحا�ضرين والم�شاركين‪.‬‬ ‫وكان موقع النادي على الإنترنت �ضمن �أهم‬ ‫�أولوياتنا بحيث �أ�صبح قاعدة معلومات مهمة‬ ‫عن النادي‪ ،‬وم�صدر ًا تفاعلي ًا مع �أع�ضاء النادي‬ ‫وزواره‪ ،‬وكان الفتا �أن يكون الموقع الأب��رز بين‬ ‫مختلف المواقع الثقافية ال�سعودية‪ ،‬ح�سب ر�ؤية‬ ‫العديد من المثقفين والمتابعين‪ ،‬ولعل �إ�شادة‬ ‫وكيل وزارة الثقافة دكتور نا�صر الحجيالن ت�ؤك ُد‬ ‫ذلك‪ ،‬كما قال مدير عام الأندية الأدبية حينها‬ ‫الأ�ستاذ عبداهلل الكناني في ت�صريحات �صحفية‬ ‫�أنه لو كانت هناك جائزة لأف�ضل موقع �إلكتروني‬ ‫لنادي �أدبي لمنحناها لأدبي الجوف‪.‬‬ ‫لقد وا�صل النادي في فترة تكليفنا ر�سالته‬ ‫وبرامجه الثقافية والمنبرية‪ ،‬رغم كافة العوائق‬ ‫التي ح��اول بع�ضهم افتعالها لتعطيل م�سيرة‬ ‫ال�ن��ادي؛ �إذ نجح النادي في �إقامة الملتقيات‬ ‫الثقافية‪ ،‬مثل «ملتقى �سي�سرا»‪ ،‬وملتقى «جهات‬ ‫لدورتين»‪ ،‬كما �أق��ام الع�شرات من الن�شاطات‬ ‫المنبرية ال��م��ن��وع��ة‪ ،‬وق���ام بتد�شين الن�شاط‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪55‬‬


‫‪ 56‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الثقافي للجان التابعة للنادي في‬ ‫محافظة القريات‪ ،‬ومحافظة دومة‬ ‫الجندل‪ ،‬ومدينتي طبرجل‪ ،‬و�صوير‬ ‫وال�ت��ي احت�ضنت جميعها العديد‬ ‫م��ن الن�شاطات التي كانت �إدارة‬ ‫النادي الدافع الرئي�س لها بالتعاون‬ ‫مع اللجان الثقافية فيها؛ بهدف‬ ‫�إي �ج��اد ح ��راك ث�ق��اف��ي ف��اع��ل على‬ ‫م�ستوى المنطقة‪ ،‬ولإيماننا بحق كل‬ ‫مدينة في المنطقة بن�شاط النادي‬ ‫وبرامجه‪.‬‬ ‫وق��د نظم ال��ن��ادي ور��ش��ة مهمة‬ ‫لإع��ادة �إحياء �سوق دوم��ة الجندل‬ ‫ال �ت��اري �خ��ي‪ ،‬ب�م��واف�ق��ة �سمو �أم�ي��ر‬ ‫منطقة ال �ج��وف‪ ،‬وك��ان م��ن نتائج‬ ‫ه��ذه الور�شة ت�أكيد �أهمية تحديد‬ ‫موعد لملتقى �سوق دومة الجندل‪.‬‬ ‫وح�ق�ق��ت ب��رام��ج المطبوعات‬ ‫في النادي نجاحا طيبا‪� ،‬إذ تمكنا‬ ‫من �إ�صدار مجلة �سي�سرا‪ ،‬ومجلة‬ ‫�آفاق الجوف‪ ،‬ون�شرة �أدبي الجوف‪،‬‬ ‫�إ� �ض��اف��ة �إل ��ى ع��دد م��ن الن�شرات‬ ‫ال�م�ت�خ���ص���ص��ة‪ ،‬ك �م��ا ب ��د�أن ��ا في‬ ‫الت�أ�سي�س لمجلة كـــاف الثقافية‬ ‫ال �ت��ي ك��ان��ت �ست�صدر م��ن مدينة‬ ‫ال�ق��ري��ات؛ �إ�ضافة �إل��ى �إ� �ص��دارات‬ ‫النادي المختلفة من الكتب‪ ،‬والتي‬ ‫ت �ج��اوزت ثالثين ك�ت��اب��ا‪ ،‬ك��ان من‬ ‫�ضمنها �أول ديوان �شعري لفتاة من‬ ‫ال�ج��وف‪ ،‬و�أول رواي��ة من الجوف‪،‬‬ ‫وك ��ذل ��ك ك��ت��اب م��و� �س��وع��ي مهم‬ ‫للدكتور عو�ض البادي‪ .‬كما نجحنا‬ ‫حينها في ت�أ�سي�س مكتبة للطفل‪،‬‬

‫ومكتبة للجنة الن�سائية‪ ،‬و�أخرى خا�صة بمنطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى تزويد المكتبة الرئي�سة‬ ‫وتح�سين �أدائها‪.‬‬ ‫وقد �شرفنا في تلك ال��دورة بمخاطبة مقام‬ ‫خادم الحرمين ال�شريفين في ‪1432-2-1‬ه �ـ‪،‬‬ ‫لطلب مبلغ ع�شرة ماليين ريال لنادي الجوف‬ ‫الأدب ��ي‪ ،‬لتمكينه من بناء مقره‪ ،‬وق��د تجاوب‬ ‫م�شكورا حفظه اهلل خالل ثالثة �أ�سابيع‪ ،‬بمنح‬ ‫جميع الأن��دي��ة الأدب �ي��ة بالمملكة مبلغ ع�شرة‬ ‫ماليين ريال‪ ،‬ومنها نادي الجوف الأدبي‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي مكننا من مخاطبة �أمانة منطقة الجوف‬ ‫حينها لطلب ت�سليمنا �أر�ض النادي التي ت�أخرت‬ ‫فيها‪ ،‬وتمكيننا من تنفيذ الأم��ر الملكي بمنح‬ ‫النادي ع�شرة ماليين ري��ال لبناء مقره؛ وقد‬ ‫تجاوبت الأمانة بعد �أربعة �أع��وام من الطلب‪،‬‬ ‫و�سلمتنا الأر���ض على طريق الأم�ي��ر عبدالإله‬ ‫ابن عبدالعزيز بم�ساحة �سبعة �آالف متر مربع‪،‬‬ ‫لإق��ام��ة مبنى ال �ن��ادي‪ ,‬بعد م �ح��اوالت‪ ،‬خالل‬ ‫دورتين للمجل�س‪ ،‬وتم تعميد مكتب هند�سي بعد‬ ‫ا�ستدراج عرو�ض من قبل ثالث مكاتب هند�سية‪،‬‬ ‫لت�صميم مبنى النادي‪ ،‬وبِدْ ء الت�صاميم الأولية‬ ‫قبيل انتهاء مهمة رئا�ستنا للنادي منت�صف عام‬ ‫محطات في م�سيرة دورة رئا�ستنا للنادي‬ ‫‪ 1432‬هـ‪.‬‬ ‫كما كنا ق��د ت�شرفنا بتقديم طلب �إن�شاء ‪� -1‬إق��ام��ة �أكثر من (‪ )120‬ن�شاط منبري من‬ ‫م�ح��ا��ض��رات ون� ��دوات و�أم���س�ي��ات ول �ق��اءات‬ ‫(مركز ثقافي بمنطقة الجوف) بمبلغ ع�شرين‬

‫مليون ريال‪� ،‬إلى مقام خادم الحرمين ال�شريفين‬ ‫ال �م �ل��ك ع��ب��داهلل ب��ن ع �ب��دال �ع��زي��ز �آل �سعود‬ ‫�أث��ن��اء ال�سالم عليه (حفظه اهلل) مع �ضيوف‬ ‫المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته‬ ‫الرابعة والع�شرين‪ ،‬يوم الأح��د ‪ 11‬ربيع الأول‬ ‫‪1430‬ه �ـ الموافق ‪ 8‬مار�س ‪2009‬م‪ ،‬وموافقته‬ ‫حفظه اهلل على �إن�شاء المركز‪ ،‬وها هو اليوم‬ ‫يقف �شامخا في مدينة �سكاكا بانتظار االفتتاح‪.‬‬ ‫لقد عملنا جاهدين في �إدارة النادي الأدبي‬ ‫مع فريقنا وزمالئنا و�أ�صدقائنا لأج��ل نه�ضة‬ ‫ثقافية وفكرية‪ ،‬عمادها الأجيال ال�صاعدة في‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬وكنا ن�أملُ في مجل�س الإدارة‬ ‫المنتخب �أن يكملَ الم�سيرة لما فيه خدمة ورقيّ‬ ‫منطقتنا الغالية‪� ،‬إذ لم نتقدم للتر�شح لالنتخاب‬ ‫في ذلك الوقت رغم محاوالت الأ�صدقاء‪ ،‬حر�ص ًا‬ ‫على �إتاحة الفر�صة لوجوه جديدة فاعلة‪ ،‬يمكنها‬ ‫�أن ت�ضيف ب�صمتها الخا�صة‪ ،‬وعملنا على �إنجاح‬ ‫االنتخابات وفقا لر�ؤية ال��وزارة‪ ،‬رغم تحفظنا‬ ‫حينها على الآل �ي��ات ال�ت��ي ق��ادت �إل��ى تر�شيح‬ ‫قطاعات بعيدة عن الم�شهد الثقافي وتح�شيدها‬ ‫الذي انتهى �إلى الم�شهد الأخير‪.‬‬

‫المركز الثقافي بالجوف الذي �أمر به خادم الحرمين ال�شريفين الملك عبداهلل بن عبدالعزيز‬ ‫بعد تقديم طلب لمقامه حفظه اهلل من رئي�س ادبي الجوف ال�سابق الحميد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪57‬‬


‫‪ -3‬‬

‫‪ -4‬‬

‫‪ -5‬‬

‫وور���ش عمل في جميع مدن المنطقة‪ ،‬رغم‬ ‫التهديدات والحرائق والعراقيل‪.‬‬ ‫تد�شين برنامج ال�ق��راءة بالق�سم الن�سائي‬ ‫و�إق��ام��ة ع���ش��رات ال��ق��راءات ف�ي��ه لأدي �ب��ات‬ ‫و�أك��ادي �م �ي��ات‪( ،‬ل �ق��اء الأح� ��د ل �ل �ق��راءة)‪ -6 ..‬ت��أ��س�ي����س �أك��ادي �م �ي��ة ال���ص�ح��اف��ة والترتيب‬ ‫لقاء �أ�سبوعي بعد مغرب كل �أح��د باللجنة‬ ‫لإقامتها‪ .‬وهو ن�شاط ن�صف �شهري للتدريب‬ ‫الن�سائية‪ ،‬يتم فيه تقديم ق ��راءة لكتاب‪،‬‬ ‫على العمل ال�صحفي‪ ،‬يقدمه خ�ب��راء في‬ ‫والنقا�ش حوله من مثقفات وفتيات المنطقة‪،‬‬ ‫الإعالم‪ ،‬و�إعالميون متمر�سون في ال�صحافة‬ ‫تر�سيخ ًا لعادة القراءة ون�شر ثقافة الحوار‪.‬‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬وال�صحافة الأدبية ب�شكل خا�ص‪،‬‬ ‫وت�ستهدف الأكاديمية‪:‬‬ ‫تد�شين ب��رن��ام��ج ال �ق��راءة بمكتبة ال�ن��ادي‬ ‫الرئي�سة‪ ،‬و�إق��ام��ة ع�شرات البرامج فيها‪،‬‬ ‫ االرتقاء بالعمل ال�صحفي في المنطقة‪.‬‬‫بم�شاركة �أدب��اء المنطقة‪( ،‬لقاء الأرب�ع��اء‬ ‫ ال�ت��دري��ب على �أ�ساليب عمل ال�صحافة‬‫للقراءة) للطالب واليافعين‪ ..‬لقاء �أ�سبوعي‬ ‫الأدبية والثقافية‪.‬‬ ‫بعد ��ص�لاة م�غ��رب ك��ل �أرب �ع��اء‪ ،‬ي�ه��دف �إل��ى‬ ‫ ال �ت��دري��ب ع�ل��ى التحقيقات ال�صحفية‬‫تر�سيخ عادة القراءة وتنميتها لدى الطالب‬ ‫المتعلقة ب�ح�ق��وق الإن �� �س��ان والق�ضايا‬ ‫وتعريفهم ب��ال�ت��راث ال�ح���ض��اري وال�ف�ك��ري‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫وال�ث�ق��اف��ي للمنطقة‪ ،‬واالق��ت��داء ب��رم��وزه��ا‬ ‫البارزين في كافة المجاالت‪ ،‬تعزيز ًا لروح‬ ‫ التركيز على المهنية واالحترافية في العمل‬‫االنتماء الوطني �إ�ضافة �إلى ربطهم بالجديد‬ ‫ال�صحفي‪.‬‬ ‫في مختلف المجاالت العلمية والثقافية عبر‬ ‫ التدريب على كتابة التقارير ال�صحفية‬‫العالم‪..‬‬ ‫والأخبار والتحقيقات‪.‬‬ ‫تد�شين �أكاديمية ال�شعر لتدريب الموهوبين‬ ‫ ال �ت��دري��ب ع�ل��ى ك�ت��اب��ة ع�م��ل التحقيقات‬‫من ال�شباب على كتابة ال�شعر‪ ،‬وهي ملتقى‬ ‫ال�صحفية ذات ال���ص�ب�غ��ة الإن���س��ان�ي��ة‬ ‫ن�صف �شهري يتم فيه تدريب الهواة والمهتمين‬ ‫واالجتماعية وغيرها‪.‬‬ ‫من ال�شباب على كتابة ال�شعر وتعريفهم بعلم‬ ‫العرو�ض (بحور ال�شعر) و�أ�صول كتابة ال�شعر‪ -7 ،‬تد�شين برنامج ال�ب��راع��م ل�ل�ق��راءة بمكتبة‬ ‫الطفل بالنادي‪ .‬وه��و ن�شاط ن�صف �شهري‬ ‫و�أه��م مدار�سه واتجاهاته قديم ًا وحديثاً‪،‬‬ ‫بمكتبة الطفل يتم فيه ا�ست�ضافة مجموعة‬ ‫وذلك تحت �إ�شراف فريق من المتخ�ص�صين‬ ‫من �أطفال �إح��دى الرو�ضات لزيارة مكتبة‬ ‫وال�شعراء الكبار‪.‬‬ ‫الطفل بالنادي‪ ،‬وت�شجيعهم على القراءة‪،‬‬ ‫تد�شين برنامج �أكاديمية الق�صة‪ ،‬للتدريب‬ ‫وتوعيتهم ب�أهميتها‪ ،‬و�إهدائهم مجموعة من‬ ‫ع�ل��ى ك�ت��اب��ة ال�ق���ص��ة و�أب� ��رز ف�ن��ون�ه��ا‪ ،‬وه��ي‬ ‫كتب الأطفال‪.‬‬ ‫ملتقى ن�صف �شهري ي�شرف عليه كتاب‬ ‫ومتخ�ص�صون‪ ..‬ي�ق��وم��ون ب�ت��دري��ب ال�ه��واة ‪ -8‬ت�أ�سي�س وتد�شين (المقهى الثقافي)‪ .‬وهو‬

‫‪ 58‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫‪ -2‬‬

‫والمهتمين من ال�شباب على كتابة الق�صة‪،‬‬ ‫وتعريفهم بفنونها م��ن الحبكة وال���س��رد‬ ‫وال�شخ�صيات‪� ،‬إ�ضافة لأهم مدار�س الكتابة‬ ‫الق�ص�صية واتجاهاتها عربي ًا وعالمياً‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪59‬‬


‫‪ 60‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫ن�شاط ن�صف �شهري ي�ضم رئي�س ًا و�أع�ضاء‬ ‫من طالب الجامعة �أو المهتمين‪ ،‬ويتم خالله‬ ‫طرح كتاب �أو مجموعة من الكتب للمناق�شة‪،‬‬ ‫وذلك لن�شر ثقافة الحوار‪.‬‬ ‫‪ -9‬ت�شكيل ع��دد من اللجان الثقافية في مدن‬ ‫القريات وطبرجل ودوم��ة الجندل و�صوير‪،‬‬ ‫من عدد من ال�شباب المهتمين لإقامة �أن�شطة‬ ‫النادي في هذه المدن والتي تم خاللها �إقامة‬ ‫ع�شرات الفعاليات فيها‪.‬‬ ‫‪ -10‬تد�شين الن�شاطات الثقافية في مدن القريات‬ ‫وطبرجل ودومة الجندل و�صوير‪.‬‬ ‫‪� -11‬إ�صدار مجلة �سي�سرا الثقافية دوريا كل ثالثة‬ ‫�أ�شهر‪ .‬ومجلة �آفاق الجوف‪ ،‬وترتيب �إ�صدار‬ ‫مجلة كاف الثقافية من قبل مثقفي محافظة‬ ‫القريات‪..‬‬ ‫‪� -12‬إ�صدار �أكثر من ثالثين كتابا لأدباء ومثقفين‬ ‫و�أكاديميين‪.‬‬ ‫‪� -13‬إ�صدار عدد من الكتيبات للم�سابقات التي‬ ‫يتبناها النادي‪.‬‬ ‫‪� -14‬إ�صدار كتيبات بمنا�سبة البيعة و�سوق دومة‬ ‫الجندل‪.‬‬ ‫‪� -15‬إ�صدار �سبع كتب موجهه للأطفال‪.‬‬ ‫‪ -16‬تد�شين موقع النادي الأدبي على الإنترنت وتغذيته‬ ‫الم�ستمرة وتحديثه‪ ،‬وجعله ق��اع��دة معلومات‬ ‫�أ�سا�سية للنادي وموقعا تفاعليا ي�ستقطب �آالف‬ ‫المثقفين من المملكة والعالم العربي‪.‬‬ ‫‪� -17‬إقامة عدد من المعار�ض للكتب في �سكاكا‬ ‫وال �ق��ري��ات‪ ،‬وال�م���ش��ارك��ة ف��ي المهرجانات‬ ‫ال�صيفية‪.‬‬ ‫‪ -18‬الم�شاركة في معر�ض لكتب النادي في م�ؤتمر‬ ‫الأدباء‪.‬‬

‫‪ -19‬ال�م���ش��ارك��ة ف��ي م�ع��ار���ض ال�ك�ت��اب ال��دول�ي��ة‬ ‫بالريا�ض بجناح خا�ص بكتب النادي‪.‬‬ ‫‪ -20‬ت�أ�سي�س (مكتبة الطفل) وتد�شينها بالق�سم‬ ‫الن�سائي‪.‬‬ ‫‪ -21‬ت�أ�سي�س (مكتبة الق�سم الن�سائي) وتزويدها‬ ‫بمئات العناوين والكتب‪.‬‬ ‫‪ -22‬ت�أ�سي�س (المكتبة الجوفية) وتد�شينها ل�ضم‬ ‫جميع الكتب التي كتبت عن منطقة الجوف‪،‬‬ ‫�أو كتبها م�ؤلفون من الجوف‪ ،‬وكذلك لجمع ما‬ ‫يتوافر من دوريات ومطبوعات تتعلق بمنطقة‬ ‫الجوف‪.‬‬ ‫‪ -23‬ت�شكيل اللجنة الن�سائية من �أديبات ومثقفات‬ ‫من المنطقة‪.‬‬ ‫‪ -24‬طباعة �أول دي��وان �شعري لفتاة من منطقة‬ ‫الجوف‪.‬‬ ‫‪ -25‬طباعة �أول رواية لفتاة من منطقة الجوف‪.‬‬ ‫‪ -26‬طباعة كتاب مو�سوعي حول الرحالة الأجانب‬ ‫الذين زاروا منطقة الجوف‪.‬‬ ‫‪� -27‬إق��ام��ة ملتقى �سي�سرا ال�ث�ق��اف��ي‪ ،‬وت��م فيه‬ ‫ا�ست�ضافة العديد من الأدباء والمثقفين‪.‬‬ ‫‪� -28‬إق��ام��ة ملتقى ج�ه��ات‪ ،‬وت��م فيه ا�ست�ضافة‬ ‫مثقفي المنطقة ال�شرقية‪.‬‬ ‫‪� -29‬إقامة ملتقى جهات الدورة الثانية‪ ،‬وتم فيه‬ ‫ا�ست�ضافة مثقفي منطقة حائل‪.‬‬ ‫‪� -30‬إع���ادة ب�ن��اء � �ص��االت ال �ن��ادي‪ ،‬بعد جريمة‬ ‫�إحراقها عام ‪1430‬هـ‪.‬‬ ‫‪� -31‬إع��ادة بناء �صاالت ال�ن��ادي‪ ،‬بعد �إحراقها‬ ‫للمرة الثانية عام ‪1431‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -32‬ت�أ�سي�س م�سابقة الإب���داع الأدب ��ي لل�شباب‬ ‫بمنطقة الجوف‪ ،‬في الفنون الأدبية وال�سردية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪61‬‬


‫‪ 62‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م������������������ل������������������ف ال������������������ع������������������دد‬

‫الآت �ي��ة‪)1 :‬ال���ش�ع��ر ‪ )2‬الق�صة الق�صيرة‬ ‫‪ )3‬المقـال‪- :‬منطقة ال�ج��وف ‪ )4‬الن�ص‬ ‫الم�سرحي ‪ )5‬التحقيق ال�صحفي‪.‬‬ ‫‪ -33‬ت�أ�سي�س جائزة الإبداع الأدبي لمثقفي منطقة‬ ‫ال �ج��وف للكتب (دي���وان �شعر – مجموعة‬ ‫ق�ص�صية– رواي ��ة)‪ .‬هدفت الجائزة �إل��ى‬ ‫ت�شجيع المواهب الإبداعية في هذه المجاالت‬ ‫على �أن تكون الأعمال المقدمة لنيل الجائزة‬ ‫جديدة‪ ،‬ول��م ي�سبق ن�شرها؛ ليتم طباعتها‬ ‫من قبل النادي كمكاف�أة للفائز �إ�ضافة �إلى‬ ‫المكاف�أة المادية‪.‬‬ ‫‪ -34‬ت�أ�سي�س م�سابقة الت�صوير ال�ضوئي �أو الرقمي‪،‬‬ ‫ومو�ضوع الم�سابقة لعام ‪1432‬هـ‪( :‬جماليات‬ ‫العمارة التقليدية القديمة بمنطقة الجوف)‪.‬‬ ‫‪ -35‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة الأن��دي��ة الريا�ضية‪ :‬وهي‬ ‫م�سابقة �أدب��ي ال�ج��وف الإب��داع�ي��ة للأندية‬ ‫الريا�ضية‪ .‬والم�سابقة مخ�ص�صه لجميع‬ ‫من�سوبي الأندية الريا�ضية في المنطقة وهي‬ ‫(العروبة – القلعة – االنطالق‪ -‬الجندل ‪-‬‬ ‫الم�سيرة)؛ انطالقا من الأه��داف الثقافية‬ ‫التي يرعاها ن��ادي ال�ج��وف الأدب ��ي‪� ،‬سعيا‬ ‫لتحفيز العملية الثقافية وتن�شئة الأجيال‬ ‫عليها‪ ،‬ولما للأندية الريا�ضية من دور هام‬ ‫ب�صفتها �أح��د م�صادر الجذب للجميع من‬ ‫مختلف الأع��م��ار‪ .‬وق��د ج��اءت فكرة تنظيم‬ ‫م�سابقة ثقافية لمن�سوبي الأندية الريا�ضية‬ ‫في المنطقة لحثّ المبدعين على المناف�سة‬ ‫وخلق روح التناف�س ال�شريف بينهم في مجال‬ ‫الق�صة الق�صيرة وال�شعر الف�صيح‪.‬‬ ‫‪ -36‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة �سنوية لأف�ضل ك�ت��اب عن‬ ‫الزيتون‪.‬‬ ‫‪ -37‬ت�أ�سي�س م�سابقة �سنوية �إبداعية للزيتون‪:‬‬ ‫وذل��ك لأف���ض��ل ق�صيدة �شعرية‪� ،‬أو ق�صة‬

‫�إب��داع�ي��ة‪� ،‬أو مقال �أدب��ي‪� ،‬أو بحث متميّز‪،‬‬ ‫�أو لوحة ت�شكيلية‪� ،‬أو ��ص��ورة فوتوغرافية‪،‬‬ ‫تتناول الزيتون وارتباطه بمنطقة الجوف‬ ‫والمملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬تزامن ًا مع �إقامة‬ ‫مهرجان الزيتون ال�سنوي‪ ،‬وتكام ًال مع جهود‬ ‫�صاحب ال�سمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن‬ ‫عبدالعزيز‪� ،‬أمير منطقة الجوف‪ ،‬وحر�صه‬ ‫ال�شديد على دع��م وت�شجيع زراع��ة �شجرة‬ ‫الزيتون المباركة في بالدنا الحبيبة‪.‬‬ ‫‪ -38‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة �سنوية ل�ل�إب��داع بمنا�سبة‬ ‫مبايعة خ��ادم الحرمين ال�شريفين الملك‬ ‫عبداهلل بن عبدالعزيز �آل �سعود حفظه اهلل‪،‬‬ ‫وهي م�سابقة لأجمل ق�صيدة وق�صة ومقالة‬ ‫بالمنا�سبة‪� ،‬سنويا‪.‬‬ ‫‪ -39‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة �سنوية ل�ل�إب��داع ال�شعري‬ ‫والأدبي حول منطقة الجوف‪.‬‬ ‫‪ -40‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة �سنوية ل�ل�إب��داع للجميع‪:‬‬ ‫وج��ائ��زة «ال �ن��ادي ل�ل�إب��داع الأدب ��ي للجميع»‬ ‫يحق لجميع المبدعين الم�شاركة فيها‪:‬‬ ‫وهذه الجائزة خ�ص�صت للن�صو�ص ال�شعرية‬ ‫والق�ص�صية والدرا�سات النقدية والثقافية‬ ‫المتعلقة بالجوف‪.‬‬ ‫‪ -41‬ت�أ�سي�س جائزة منطقة الجوف للدرا�سات‬ ‫الثقافية‪ :‬والتي ت�شمل درا�سة الإبداع الثقافي‬ ‫والأدب��ي والإن�ساني لمثقفي منطقة الجوف‬ ‫ح�سب ال�شروط المعلنة‪.‬‬ ‫‪ -42‬ت�أ�سي�س م�سابقة ال�ي��وم الوطني الثقافية‪،‬‬ ‫والتي ينظمها النادي بمنا�سبة اليوم الوطني‬ ‫للمملكة العربية ال�سعودية �سنويا‪ ،‬لح�شد‬ ‫الوالء واالنتماء والتذكير بنعم اهلل على هذه‬ ‫البالد الغالية‪.‬‬ ‫‪ -43‬ت�أ�سي�س ج��ائ��زة الكتابة للطفل‪ :‬ال�ت��ي ت�أتي‬

‫لا م��ع اه�ت�م��ام �أدب ��ي ال�ج��وف بالطفل‬ ‫ت��وا��ص� ً‬ ‫والعناية ب��ه‪� ،‬إذ يقيم النادي م�سابقة �أدبية‬ ‫ثقافية خا�صة بالطفل ت�شمل‪ :‬ال��درا��س��ات‬ ‫الأدب �ي��ة ح��ول ال�ط�ف��ل ‪ -‬الق�صة الق�صيرة‬ ‫(مجموعة ق�ص�صية) ‪ -‬كلمات �أنا�شيد الطفل‪.‬‬ ‫‪ -44‬مخاطبة مقام خادم الحرمين ال�شريفين في‬ ‫‪1432-2-1‬هـ‪ ،‬لطلب مبلغ ع�شرة ماليين ريال‬ ‫لنادي الجوف الأدبي لتمكينه من بناء مقره‪،‬‬ ‫وتجاوبه حفظه اهلل خ�لال �أ�سبوعين بمنح‬ ‫جميع الأن��دي��ة الأدب�ي��ة بالمملكة مبلغ ع�شرة‬ ‫ماليين ريال‪ ،‬ومنها نادي الجوف الأدبي‪.‬‬ ‫‪ -45‬الح�صول على �أر�ض مميزة على طريق الأمير‬ ‫عبداالله بن عبدالعزيز بم�ساحة �سبعة �آالف‬ ‫متر مربع‪ ،‬لإقامة مبنى النادي‪ ،‬بعد محاوالت‬ ‫مع �أمانة المنطقة خالل دورتين للمجل�س‪.‬‬ ‫‪ -46‬تعميد مكتب هند�سي بعد ا�ستدراج عرو�ض‬ ‫من قبل ثالثة مكاتب هند�سية‪ ،‬لت�صميم مبنى‬ ‫النادي‪ ،‬وبدء الت�صاميم الأولية قبيل انتهاء‬ ‫مهمة رئا�ستنا للنادي منت�صف عام ‪ 1432‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -47‬الت�شرف بتقديم طلب �إن�شاء (مركز ثقافي‬ ‫بمنطقة الجوف) بمبلغ ع�شرين مليون ريال‪،‬‬ ‫�إلى مقام خادم الحرمين ال�شريفين الملك‬ ‫عبداهلل بن عبدالعزيز �آل �سعود �أثناء ال�سالم‬ ‫عليه (حفظه اهلل) مع �ضيوف المهرجان‬ ‫الوطني للتراث والثقافة في دورت��ه الرابعة‬ ‫والع�شرين‪ ،‬يوم الأحد ‪ 11‬ربيع الأول ‪1430‬هـ‬ ‫الموافق ‪ 8‬مار�س ‪2009‬م‪ ،‬وموافقته حفظه‬ ‫اهلل على �إن�شاء المركز‪ ،‬وها هو اليوم يقف‬ ‫�شامخا في مدينة �سكاكا بانتظار االفتتاح‪.‬‬ ‫‪ -48‬تعر�ض النادي الأدبي بالجوف العتداءين‬ ‫�آثمين من مجهولين حتى تاريخه‪ ،‬كانا على‬

‫�صورة لمخطط مبنى النادي الأدبي بمنطقة الجوف والذي‬ ‫كان مخططا البدء فيه عام ‪1432‬هـ‪ ،‬على �أر�ض النادي على‬ ‫طريق االمير عبداالله بن عبدالعزيز ‪ ،‬بناء على منحة خادم‬ ‫الحرمين ال�شريفين للنادي بمبلغ ‪ 10‬ماليين ريال‬

‫التوالي في عامي ‪ 2009‬م‪ ،‬و‪ 2010‬م‪ ،‬وكان‬ ‫الأول فجر ي��وم الثالثاء ‪2009-1-13‬م‪،‬‬ ‫ع�شية �أم�سية �شعرية لق�صيدة النثر حيث‬ ‫ت�م��ت ج��ري�م��ة �إح� ��راق ال�خ�ي�م��ة الثقافية‬ ‫و� �ص��االت ال��ن��ادي‪ ،‬وت�سببت ف��ي تعطيل‬ ‫م�سيرة النادي وحراكه لبع�ض الوقت‪� ،‬إال �أن‬ ‫النادي ما لبث �أن ا�سترد �أنفا�سه‪ ،‬ووا�صل‬ ‫م�سيرته الثقافية بدعم وم ��ؤازرة �صاحب‬ ‫ال�سمو الملكي الأم�ي��ر فهد ب��ن ب��در �أمير‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬الذي وجه ب�إقامة ن�شاط‬ ‫النادي في مركز الأمير عبدالإله الثقافي‪،‬‬ ‫حتى يتم �إعادة ت�أهيل مقره‪.‬‬ ‫وبعد �أن تم �إعادة بناء ال�صاالت من جديد‪،‬‬ ‫�أح��رق مجهول �صاالت النادي الأدب��ي مجددا‪،‬‬ ‫وذلك يوم الأحد ‪ 28‬فبراير ‪2010‬م‪ ،‬بعد توجيه‬ ‫ب�إلغاء �إقامة محا�ضرة مبرمجة للدكتور �سلطان‬ ‫القحطاني بعنوان «الرواية الن�سوية بالمملكة»‪،‬‬ ‫وذل��ك بعد �أن وردن��ا تهديد �شخ�صي بالقتل‬ ‫بموجب ر�سالة ن�صية من ج��وال مجهول‪ ،‬قبل‬ ‫الحريق ب�ساعتين‪.‬‬

‫* رئي�س التحرير ورئي�س مجل�س �إدارة النادي الأدبي بمنطقة الجوف �سابقا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪63‬‬


‫الترجمة‬ ‫والع�صر الذهبي للعلم العربي*‬ ‫■ ترجمة د‪ .‬حممد حممود م�صطفى**‬

‫«تتمثل �أهمية حركة الترجمة الإغريقية العربية في �أنها برهنت للمرة الأولى في‬ ‫التاريخ على عالمية الفكر العلمي والفكر الفل�سفي‪ ،‬وعلى �أن ذلك الفكر ال يقت�صر‬ ‫على لغة �أو ثقافة معينة»‪.‬‬ ‫(ديمتري غطا�س‪ ،‬الفكر اليوناني والثقافة العربية)‬ ‫ل��م��اذا ازده���ر الع�صر ال��ذه��ب��ي للعلم ال��ع��رب��ي بغتة �إب���ان ب��داي��ات ع�صر الخالفة‬ ‫العبا�سية؟ ولماذا �أفل نجم ذلك العلم في نهاية المطاف؟‬

‫‪64‬‬

‫لعل الإج��اب��ة عن ال�س�ؤال الثاني �أكثر‬ ‫�صعوبة وتعقيداً‪ ،‬ولعل مر ّد ذلك �أن هناك‬ ‫العديد من العوامل التي ت�ضافرت‪ ،‬ما نجم‬ ‫عنها ا�ضمحالل االمبراطورية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ولعل �أهم تلك العوامل لي�س �أكثرها و�ضوح ًا‬ ‫للعين المجردة‪ .‬ولكن ذل��ك هو ما نركّز‬ ‫عليه في النهاية‪ .‬لكننا ن�ستك�شف ‪-‬بادئ ذي‬ ‫بدء‪ -‬الإجابة عن ال�س�ؤال الأول التي تبدو‬ ‫من �أول وهلة وا�ضحة جليّة‪ .‬ويكاد يكون‬ ‫هناك اتفاق على �أن مناحي التقدم المبهرة‬ ‫التي تمت في مجاالت الريا�ضيات‪ ،‬وعلم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الفلك والفيزياء‪ ،‬والهند�سة‪ ،‬والكيمياء‪،‬‬ ‫والتقدم الطبي‪ ،‬وازده��ار الفل�سفة‪ ،‬التي‬ ‫ظهرت بداية الأم��ر في بغداد‪ ،‬ثم انتقلت‬ ‫�إلى باقي االمبراطورية الإ�سالمية‪ ،‬كانت‬ ‫جميعها بف�ضل ذلك النجاح العظيم لحركة‬ ‫ترجمة �ضخمة ا�ستمرت طيلة قرنين من‬ ‫الزمان‪ .‬و�إبّان تلك الحركة تم نقل الكثير‬ ‫من حكمة الح�ضارات الأول��ى الإغريقية‬ ‫والفار�سية والهندية �إلى العربية‪ .‬وما �أن‬ ‫ت�أ�س�ست ثقافة العلم وتوطّ دت في �أرج��اء‬ ‫االمبراطورية الإ�سالمية‪ ،‬حتى �أ�صبحت‬

‫و�إن كان العبا�سيون قد قاموا بالفعل برعاية‬ ‫وت�شجيع حركة ترجمة �ضخمة �أدت �إل��ى جلب‬ ‫كل �أن��واع المعارف العالمية تحت �سقف واحد؛‬ ‫ف�إنه يبقى الت�سا�ؤل‪ :‬لماذا قامت حركة الترجمة‬ ‫ذاتها في المقام الأول؟ �أو بالأحرى‪ :‬لماذا تم‬ ‫ذلك تحديد ًا مع بداية العهد العبا�سي‪ ،‬ولماذا‬ ‫اختلف العبا�سيون عن ح�ضارات العالم الأخرى‪،‬‬ ‫كح�ضارات الفر�س �أو ال�سا�سانيين �أو البيزنطيين‪،‬‬ ‫�أو حتى ح�ضارات الم�سلمين الأمويين في دم�شق؟‬ ‫فعلى الرغم من القوة الع�سكرية الجبارة التي‬ ‫تمتعت بها تلك االمبراطوريات‪� ،‬إال �أن �أي ًا منها‬ ‫لم يبد نية حقيقية في �إحياء الأم�ج��اد الأول��ى‬ ‫لمدينة الإ�سكندرية التي ازده��رت في القرون‬ ‫الأولى التي تلت ميالد الديانة الم�سيحية‪.‬‬

‫لم تكن حركة الترجمة عملية منف�صلة �أدت‬ ‫في نهاية المطاف �إل��ى الع�صر الذهبي للعلم‪،‬‬ ‫و�إنما ينبغي النظر �إليها عو�ض ًا عن ذلك على‬ ‫�أنها ج��زء ال يتجز�أ من الع�صر الذهبي ذات��ه‪.‬‬ ‫وما �أن بد�أت حركة الترجمة حتى �أ�صبحت جزء ًا‬ ‫�أ�صي ًال من ال�سعي للو�صول �إلى المعرفة‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫االمبراطورية مكتفية ذاتياً‪ ،‬ما �أدى �إلى حدوث‬ ‫نوع من الت�أليف ال�ضخم بين عنا�صر المعرفة‬ ‫العلمية‪ ،‬على نحو زاد كثير ًا ع��ن مجموع ما‬ ‫ح�صلت عليه االمبراطورية من قبل‪.‬‬

‫�إلى هذه الحركة‪ ،‬وعلى حد قول �أحد الم�ؤرخين‪:‬‬ ‫«لم تكن مجرد رغبة مزاجية �أو �إعجاب عاطفي‪،‬‬ ‫من جانب مجموعة من الأثرياء الذين ي�سعون‬ ‫لال�ستثمار في عمل خيري‪� ،‬أو في ق�ضية تمجّ د‬ ‫من قدرهم»‪.‬‬

‫وبمنت�صف القرن التا�سع الميالدي تحولت‬ ‫الترجمة �إل��ى ن��وع جديد من الأ�صالة العلمية‬ ‫والفل�سفية‪ ،‬م��ا �أدى �إل��ى تع�ضيد الطلب على‬ ‫المزيد من المترجمين‪� ،‬سواء من ناحية الكم �أو‬ ‫النوع‪ .‬لكن لماذا لم تُ�شكّل حركة الترجمة هذه‬ ‫بين اليونانية والعربية ف�ص ًال معروف ًا في التاريخ‬ ‫الثقافي للعالم جنب ًا �إل��ى جنب م��ع الأح��داث‬ ‫لقد تبدّل الأم��ر مع و�صول العبا�سيين �إلى الم�ؤثّرة الم�شابهة؟‬ ‫�سدة الحكم‪ ،‬فبد�أت حركة الترجمة في منت�صف‬ ‫�إن ب �غ��داد بين القرنين ال�ث��ام��ن والعا�شر‬ ‫القرن الثامن‪ .‬ولم يكد يم�ضي وقت طويل حتى الميالديين كانت ت�شبه الع�صر الذهبي الأثيني‬ ‫�شمل الأم��ر كل م�ستويات النخبة في المجتمع �إبّان ع�صر بيركلي�س في القرن الخام�س ق‪.‬م‪،.‬‬ ‫العبا�سي في بغداد‪ ،‬فلم يكن الأمر مجرد م�شروع �أو الإ�سكندرية في عهد البطالمة بعد ذلك بعدة‬ ‫�أثير لدى الخليفة‪ .‬لقد �أ�سهم عدد كبير من رعاة مئات من ال�سنين‪� ،‬أو فلورن�سا في عهد النه�ضة‬ ‫الترجمة ب��أم��وال طائلة في دع��م ه��ذه الحركة �إ ّب��ان فترة �أ�سرة ميديت�شي في القرن الخام�س‬ ‫وت�شجيعها‪ ،‬و�أ�صبحت الترجمة على نحو �سريع ع�شر‪ .‬ول��و ك��ان��ت ح��رك��ة الترجمة ه��ي ال�شيء‬ ‫م�شروع ًا مربحاً‪.‬‬ ‫الوحيد الذي ن�شكر عليه العبا�سيين‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫لقد �أ�سهم رع��اة الترجمة في ذلك لتحقيق‬ ‫م �ن��اف��ع ع�م�ل�ي��ة ف��ي م �ج��ال ال��م��ال وال ��زراع ��ة‬ ‫والم�شاريع الهند�سية والطبية‪ .‬كما �أن الرعاة‬ ‫حققوا من خالل الترجمة تميز ًا ثقافي ًا �أ�سهم في‬ ‫تعزيز مكانتهم في المجتمع‪ .‬لقد ان�ضم الجميع‬

‫ينبغي �أن يكون بمثابة عالمة فارقة في التاريخ‬ ‫الإن�ساني‪ .‬لكن ذلك لم يكن ال�شيء الوحيد الذي‬ ‫ن�شكرهم عليه‪ ،‬فلم تكن حركة الترجمة �سوى‬ ‫فاتحة للع�صر الذهبي‪ .‬ولــذا ف�إنه ينبغي علينا‬ ‫قبل �أن ن�ستك�شف طبيعة حركة الترجمة ومن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪65‬‬


‫لكن لنلقي ال�ضوء في البداية على الأ�سباب‬ ‫النمطية الثالثة التي تُ�ساق عادة لتف�سير �أ�سباب‬ ‫قيام حركة الترجمة وانت�شارها‪� .‬إنَّ ال�سبب الأول‬ ‫يكمن في �أن الحركة ب��د�أت بناء على اهتمام‬ ‫واح��د �أو اثنين من الخلفاء الم�ستنيرين‪ .‬وهو‬ ‫�أمر يمكننا �أن ن�ستنتجه من االهتمام ال�شديد‬ ‫للخليفة الم�أمون بالفكر الأر�سطي‪ ،‬وهو ما �أدى‬ ‫ف��ي نهاية المطاف �إل��ى اهتمامه طيلة حياته‬ ‫بالعلم الإغريقي‪ .‬لكن الواقع �أن حركة الترجمة‬ ‫ب��د�أت في وقت �أبكر من حكم الم�أمون‪� ،‬أي في‬ ‫عهد ج��ده الأك�ب��ر المن�صور‪ ،‬ال��ذي يعود �إليه‬ ‫الف�ضل ف��ي ت�أ�سي�س مدينة ب �غ��داد‪ .‬لكن عهد‬ ‫الخليفة الم�أمون �شهد �أكبر تو�سّ ع في حركة‬ ‫الترجمة‪ .‬لقد كان اهتمام الم�أمون ج��زء ًا من‬ ‫المناخ الثقافي المزدهر في ذلك الوقت؛ ولــذا‬ ‫فب�إمكاننا القول �إن اهتمام الم�أمون كان نتيجة‬ ‫لحركة الترجمة والمناخ الفكري الثريّ الذي‬ ‫ع�ضد حركة الترجمة‪.‬‬

‫و ال�سبب الثاني وراء ازدهار حركة الترجمة‪،‬‬ ‫�إن �م��ا يتمثل ف��ي انت�شار الإ� �س�لام ذات ��ه‪ .‬فلما‬ ‫ك��ان من واج��ب كل م�سلم من الناحية الدينية‬ ‫�أن ي�سعى لطلب العلم‪ ،‬ف�إن ذلك �أدى بال ريب‬ ‫�إل��ى ال�سعي للتعرّف على الن�صو�ص اليونانية‬ ‫العلمية والفل�سفية وترجمتها �إل��ى العربية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن الإ�سالم الأول قد �شجع ‪-‬‬ ‫بال ريب ‪ -‬روح ال�سعي �إل��ى المعرفة والف�ضول‬ ‫ب�ش�أن الكون‪ ،‬وهو ما لم يكن وا�ضح ًا تمام ًا في‬ ‫الم�سيحية �أو اليهودية؛ �إال �أن ذلك ال يجيب عن‬ ‫الت�سا�ؤل القائل‪ :‬لماذا بد�أت حركة الترجمة مع‬ ‫العبا�سيين‪ ،‬ول��م تبد�أ في �أوق��ات �أبكر؛ �أي مع‬ ‫الأمويين على �سبيل المثال؟‬

‫�أم��ا تمويل ح��رك��ة الترجمة‪ ،‬فقد �أت��ى من‬ ‫مجتمع بغداد ذاته‪ ،‬ف�إلى جانب الخليفة‪� ،‬أ�سهم‬ ‫�أف��راد الحا�شية‪ ،‬وق��ادة الجي�ش‪ ،‬والم�سئولون‬ ‫الحكوميون‪ ،‬ورجال الإدارة‪ ،‬وحتى كبار العلماء‬ ‫في حركة الترجمة‪ ،‬بل �أ�صبح بع�ضهم ثري ًا من‬ ‫ممار�سة الترجمة بنف�سه‪ ،‬ففي عهد الم�أمون ذاع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫كما �أن حركة الترجمة قد تخطت حدود الدين‪،‬‬ ‫فكان عدد كبير من المترجمين م�سيحيين‪ ،‬ولم‬ ‫يكن ليت�سنى لهم �أن يلعبوا هذا الدور المهم‪ ،‬لو‬ ‫كان الدافع الرئي�س من وراء الحركة هو دافع‬ ‫ديني وفق ًا لتعاليم القر�آن و�أحاديث النبي‪ .‬ولقد‬ ‫�شمل رعاة الترجمة في المجتمع مَ ن هم لي�سوا‬ ‫بم�سلمين‪� .‬إن تعاليم القر�آن والأحاديث القائلة‬ ‫ب�ضرورة ال�سعي للمعرفة‪ ،‬كانت بال ريب عام ًال‬ ‫�ضروري ًا في تطوير مدار�س فكرية دينية وفل�سفية‬ ‫وحتى علمية‪ ،‬لكن تلك المدار�س بد�أت في وقت‬ ‫الحق لحركة الترجمة‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫‪66‬‬

‫قام بها؛ ف�إنه ينبغي علينا �أن ننظر عن كثب �إلى‬ ‫الأ�سباب التي حدت �إلى قيام تلك الحركة في‬ ‫المقام الأول‪� .‬أما فيما يتعلق بالأ�سباب التي �أدت‬ ‫في نهاية المطاف �إلى �أفول نجم الع�صر الذهبي‪،‬‬ ‫ف�إن ذلك مرده �إلى مجموعة عوامل‪ ،‬لي�ست كلها‬ ‫وا�ضحة للعيان‪ ،‬فالعديد من الم�ؤرخين ي�سعون‬ ‫اليوم ل�سبر �أغوار تلك الأ�سباب‪ ،‬بالذهاب �إلى‬ ‫ما هو �أبعد من مجرد التف�سيرات التاريخية‬ ‫المفرطة في الب�ساطة‪.‬‬

‫�صيت بع�ض العلماء من �أمثال حنين بن ا�سحاق‪،‬‬ ‫وهو عالم لم يعمل بمعزل عن غيره‪ ،‬فقد قام‬ ‫بتوظيف فريق من الطلبة والمترجمين وكتاب‬ ‫المخطوطات ليعاونوه‪ .‬لكن يمكننا القول �إنه لوال‬ ‫م�ساعدة الخلفاء �أنف�سهم ودعمهم‪ ،‬ف�إن حركة‬ ‫الترجمة لم يكن ليقدَّر لها �أن تنه�ض على نحو‬ ‫ما قامت به في بغداد‪ .‬لكن الحما�سة وااللتزام‬ ‫المعرفي للخلفاء الأوائل لم يكن �سوى حلقة من‬ ‫حلقات هذه الحركة الفكرية‪.‬‬

‫ويقودنا ذل��ك �إل��ى ال�سبب ال��ذائ��ع االنت�شار المرموق �إلى بغداد‪ ،‬طلب ًا لل�شهرة والثروة‪.‬‬ ‫لحركة الترجمة‪� ،‬إذ يرجع التقدير كله �إل��ى‬ ‫ول �ـ �ـ��ذا‪ ،‬ف� ��إن ك��ان الأم ��ر ال يتعلق بانت�شار‬ ‫الم�سيحيين الذين كانوا يتحدثون اليونانية‪ ،‬الإ�سالم‪� ،‬أو بالخلفاء الم�ستنيرين‪� ،‬أو بالعلماء‬ ‫والذين عا�شوا في مناطق كانت خا�ضعة فيما الم�سيحيين الذين حملوا م�شعل علم اليونان‬ ‫قبل ل�لام�ب��راط��وري��ة البيزنطية‪ .‬وك��ان ه ��ؤالء وفل�سفتهم ف��ي العالم الإ��س�لام��ي‪ ،‬ف�م��اذا كان‬ ‫متبحرين في العلوم اليونانية‪ ،‬ومن ثم فقد نقلوا الأم��ر‪� ،‬إذاً؟ كيف ع��رف الم�أمون‪ ،‬على �سبيل‬ ‫هذه المعرفة �إل��ى العبا�سيين‪ .‬لكن واق��ع الأمر المثال‪ ،‬بوجود �أر�سطو في المقام الأول؟ وعلى‬ ‫مختلف �إل��ى حد ما عن ذل��ك؛ فدرا�سة �أعمال نحو �أكثر عمومية‪ ،‬كيف �أ�صبح العرب‪� ،‬أولئك‬ ‫فال�سفة يونان من قبل �أر�سطو و�أفالطون‪ ،‬ف�ض ًال ال�ق��وم ال��رحّ ��ل ال��ذي��ن يعي�شون ف��ي ال�صحراء‪،‬‬ ‫عن بع�ض الن�صو�ص الطبية والفلكية‪� ،‬إنما يرجع مهتمين‪ ،‬بغتةً‪ ،‬بفل�سفة اليونان؟ الإجابة �أنهم لم‬ ‫في حقيقة الأم��ر �إل��ى مراكز العلم البيزنطية‬ ‫يهتموا بتلك الفل�سفة �إال في �أعقاب بداية حركة‬ ‫ك�إنطاكية‪ ،‬و�إدي���س��ا ف��ي �شمالي �سوريا‪ ،‬حيث‬ ‫الترجمة‪.‬‬ ‫قامت حركة ترجمة محدودة من اليونانية �إلى‬ ‫لقد بد�أنا ن��رى ترجمات للن�صو�ص الطبية‬ ‫ال�سريانية (لهجة من لهجات الأرام �ي��ة‪ ،‬وهي‬ ‫لغة �سامية قديمة ترتبط بالعربية والعبرية)‪ .‬لجالينو�س‪ ،‬ولفل�سفة �أر�سطو‪ ،‬ولهند�سة �إقليد�س‪،‬‬ ‫ولكن بع�ضهم ي��رى �أن ه��ذه الترجمات كانت ولفلك بطليمو�س‪ .‬كانت الترجمة الأول��ى لن�ص‬ ‫منخف�ضة الجودة‪ ،‬مقارنة بما جاء بعدها‪ ،‬ولم يوناني تتم ع��ادة �إل��ى اللغة ال�سريانية‪ ،‬ثم تتم‬ ‫تكن خا�ضعة لمتطلبات الدقة العالية �أو متطلبات الترجمة من ال�سريانية �إل��ى العربية‪ .‬وقد تال‬ ‫ذلك القيام بترجمات �أكثر دقة على نحو مبا�شر‬ ‫المراجعة الفكرية ال�شاملة‪.‬‬ ‫من اليونانية �إلى العربية‪ ،‬بعد �أن تم فهم محتوى‬ ‫ومع انت�شار الإ�سالم في المنطقة ب�أ�سرها‪،‬‬ ‫الن�صو�ص الأ�صلية‪ ،‬وفهم اللغة اليونانية ذاتها‬ ‫�أ��ض�ح��ت ال �ح��واج��ز ال�سيا�سية وال��دي�ن�ي��ة بين‬ ‫فهم ًا تاماً‪.‬‬ ‫مختلف الفئات والطوائف �أق��ل �أهمية‪ .‬وهكذا‬ ‫ما هي‪� ،‬إذاً‪� ،‬أ�سباب حركة الترجمة؟ لقد ر�أينا‬ ‫�أ�صبح العلماء الم�سيحيون واليهود �أكثر حرية في‬ ‫تقا�سم المعرفة‪ ،‬في مناخ يت�سم ب�أنه �أكثر تعاون ًا �أن الم�ؤرخين ي�شيرون‪ ،‬قبل و�صول العبا�سيين‬ ‫من ذي قبل‪ ،‬وذلك على الرغم من وجود بع�ض �إلى الحكم‪� ،‬إلى ما يعرف بـ «�أن�شطة ترجمية»‬ ‫التوترات الدينية كتلك القائمة بين الم�سيحية على نحو ب�سيط‪ ،‬فلم تكن الحركة ق��د بلغت‬ ‫والتلمودية اليهودية‪� ،‬أو الجدل الطائفي داخل �أوجها بعد‪ .‬وق��د �شملت تلك الأن�شطة ترجمة‬ ‫الإ�سالم ذاته‪ .‬ولكن انفتاح الإ�سالم الأول على ن�صو�ص فلكية وطبية م��ن الهندية والبهلوية‬ ‫باقي الديانات ال يف�سر على نحو كامل ندرة من الأمبراطورية ال�سا�سانية‪ ،‬ومن اليونان �إلى‬ ‫الترجمات �إ ّب ��ان المائة ع��ام الأول ��ى م��ن حكم اللغة ال�سريانية �إبان االمبراطوريات البيزنطية‪،‬‬ ‫الأمويين‪ ،‬مع زيادتها زيادة كبيرة بمجرد تولي وال�سا�سانية‪ ،‬والأموية‪ .‬ثم حدث تحوّل درامي‬ ‫العبا�سيين ال�ح�ك��م‪ ،‬فقد ارت �ح��ل ال�ع��دي��د من م�ف��اج��ىء �إ ّب ��ان حكم الخليفة المن�صور عام‬ ‫المترجمين الم�سيحيين واليهود ذوي ال�صيت ‪754‬م‪ .‬و�أرى �أن هناك ثالثة عوامل �ساعدت في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪67‬‬


‫كانت دم�شق عا�صمة الأمويين ت�شكل جزء ًا‬ ‫من االمبراطورية البيزنطية الناطقة باليونانية‪،‬‬ ‫�أم��ا العبا�سيون فقد نقلوا عا�صمتهم �إل��ى قلب‬ ‫ال�شرق‪ ،‬فيما كان يُ�شكّل جزء ًا من امبراطورية‬ ‫الفر�س ال�سا�سانيين‪ .‬ول��م يكن ذل��ك من قبيل‬ ‫ال �م �� �ص��ادف��ة؟ ف���ذوي ال���س�ط��وة م��ن الع�شائر‬ ‫الفار�سية كالبرامكة قد �ساعدوا العبا�سيين في‬ ‫الو�صول لل�سلطة‪ ،‬كما وا�صلوا دعمهم‪ ،‬وكان لهم‬ ‫ت�أثير كبير في الحكومة لعدة �أجيال متالحقة‪.‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى‪ ،‬فقد كان العبا�سيون بحاجة‬ ‫لم�ساندة ذوي النفوذ من الفر�س‪ ،‬كما �أنهم‬ ‫عملوا على الت�أليف بين الثقافة والهوية العربية‬ ‫والفار�سية‪.‬‬

‫وهنا ي�أتي العامل الثاني‪� ..‬أال وهو الهو�س بعلم‬ ‫الفلك‪� .‬إن الأيديولوجية ال�سا�سانية التي ت�ستند‬ ‫�إلى الخرافات الزراد�شتية كانت مثار �إعجاب‬ ‫الخليفة المن�صور‪ ،‬الذي كان يهتم �شخ�صي ًا بعلم‬ ‫الفلك‪ .‬وكان ذلك الخليفة على علم باحتياجه‬ ‫للأر�ستقراطية الفار�سية الم�ؤثرة‪ ،‬و�أغلب ه�ؤالء‬ ‫كانوا من الزراد�شتية‪ ،‬ولم يتحولوا للإ�سالم‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬فعلى الرغم من اهتمام الخليفة الذي ال‬ ‫م��راء فيه بعلم التنجيم‪� ،‬إال �أن��ه قد توجد ثمة‬ ‫دوافع �سيا�سية ما‪ ،‬وراء ذلك‪� .‬إن علم التنجيم‬ ‫وه��و �صورة خا�صة من �صور علم الفلك‪ ،‬كان‬ ‫ج��زء ًا ال يتجز�أ من الثقافة الفار�سية‪ ،‬كما �أنه‬ ‫لعب دور ًا مهم ًا ف��ي الحياة اليومية للفر�س‪،‬‬ ‫وفي ذلك تناق�ض حا ّد مع العرب‪ ،‬الذين يرون‬ ‫�أن التنجيم يتعار�ض مع تعاليم الإ�سالم التي‬ ‫تربط علم الغيب باهلل‪ .‬لكن ت�أثير ال�سا�سانيين‬ ‫وثقافتهم على العبا�سيين ه��و ال��ذي �أدى �إل��ى‬ ‫�إحياء علم التنجيم في الن�صف الثاني من القرن‬ ‫الثامن‪.‬‬

‫لقد �أ�صبح علم التنجيم‪ ،‬وهو العلم المخت�ص‬ ‫بتحديد موا�ضع ال�ن�ج��وم‪ ،‬علم ًا مقبو ًال كفرع‬ ‫معرفي م�ستقل‪ .‬وقد �أطلق عليه في اللغة العربية‬ ‫ا�سم «علم النجوم»‪ .‬ولم يكن هذا العلم منف�ص ًال‬ ‫ع��ن ع�ل��م ال��ري��ا��ض�ي��ات وع�ل��م ال�ف�ل��ك‪� ،‬إذ ك��ان‬ ‫المهتمون بدرا�سة هذا العلم ينكبّون على درا�سة‬ ‫الخرائط والجداول الريا�ضية لموا�ضع النجوم‪.‬‬ ‫ول��ذا فقد �أدى ه��ذا االه�ت�م��ام العبا�سي بعلم‬ ‫التنجيم �إلى البحث عن الن�صو�ص الفلكية التي‬ ‫كانت موجودة بالفعل في اللغة البهلوية‪� ،‬أو تلك‬ ‫التي كانت لم تُترجم بعد من اللغة ال�سن�سكريتية‪،‬‬ ‫وهي لغة علماء الهند من ريا�ضيين وعلماء فلك‪.‬‬

‫ل �ك��ن ال �ع��رب �ي��ة �أ� �ض �ح��ت ال �ل �غ��ة ال��ر��س�م�ي��ة‬ ‫ل�لام�ب��راط��وري��ة‪ ،‬وم��ن ث��م ن�ش�أت حاجة فورية‬ ‫لترجمة الن�صو�ص البهلوية �إلى العربية‪ ،‬وقد م َّد‬ ‫الخلفاء يد العون لهذا الم�شروع‪ .‬وكانت بع�ض‬ ‫تلك الن�صو�ص بهلوية الم�صدر‪� ،‬إال �أن بع�ضها‬ ‫الآخ ��ر‪ ،‬مثل الن�صو�ص الطبية‪ ،‬والريا�ضية‪،‬‬ ‫والفلكية‪ ،‬فقد كانت مترجمة �إلى البهلوية عن‬ ‫اليونانية‪ ،‬والهندية‪ ،‬وكان يتم ا�ستخدامها في‬ ‫م��دن من قبيل جنديا�سابور‪ .‬ول��ذا‪ ،‬فقد تمثل‬ ‫العامل الأول‪ ،‬ولعله الأكثر �أهمية‪ ،‬في �إحداث‬ ‫حركة الترجمة هو ما تمثل في هو�س العبا�سيين‬ ‫بالثقافة الفار�سية‪ .‬وق��د عبَّر ع��ن ذل��ك �أح��د‬ ‫المترجمين ال��ذي��ن ك��ان��وا يبحثون ع��ن الكتب‬ ‫الفار�سية لترجمتها عن العربية؛ فعندما �سُ ئِلَ‬ ‫ذل��ك المترجم عن �سبب ذل��ك‪� ،‬أج��اب قائالً‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫لقد تم تعيين المنجمين في بالط الخليفة‪،‬‬ ‫وك��ان��ت وظيفتهم ال�ت�ك� ّه��ن‪ ،‬وت�ق��دي��م الن�صح‬ ‫والم�شورة للخليفة‪ ،‬ف�ض ًال عن تمجيد �إنجازاته‪.‬‬ ‫لقد ر�أي��ن��ا كيف �أن المن�صور ا�ستعان ب�أعظم‬ ‫ثالثة من منجميه ليُعلموه ب�أف�ضل ي��وم لبناء‬ ‫عا�صمة خالفته الجديدة‪.‬‬ ‫ولي�س من الغريب �إذ ًا �أن ن��رى �أن �أول فرع‬ ‫«علمي» تم ترجمته من البهلوية �إلى العربية كان‬

‫وقد كان الف�ضالي‪ ،‬وهو �أحد علماء التنجيم‬ ‫ال��ذي��ن عملوا ف��ي خ��دم��ة الخليفة المن�صور‪،‬‬ ‫والذي يُعزى �إليه بناء �أول ا�سطرالب في العالم‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬كان كذلك مترجم ًا �إذ تولى ترجمة‬ ‫العديد من ن�صو�ص علم الفلك من ال�سن�سكريتية‬ ‫�إل��ى العربية‪ .‬وي��رى بع�ض الم�ؤرخين �أن��ه يُعزى‬ ‫�إليه كذلك �إتمام الترجمة العربية الأولى لكتاب‬ ‫ال�سيدهانتا‪ ،‬ال��ذي و�ضعه ال�ع��ال��م الريا�ضي‬ ‫الهندي ال�شهير براهما جوبتا (‪668- 598‬م)‪.‬‬ ‫ولعل ذلك كان اللقاء الأول بين العبا�سيين وعلم‬ ‫الفلك الهندي‪ ،‬و�إن كان تاريخ وتوثيق الترجمة‬ ‫غير معروف على وجه الدقة‪ ،‬وذلك لوجود نوع‬ ‫من الجدل بين بع�ض علماء اليوم حول �شخ�صية‬ ‫الف�ضالي‪� ،‬إذ يوجد الكثيرون ممن يحملون هذا‬ ‫اال�سم في الع�صر العبا�سي‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫‪68‬‬

‫بعث حركة الترجمة‪ .‬لم تحدث ه��ذه العوامل‬ ‫معاً‪ ،‬كما �أن كل عامل بمفرده ال يمكِّننا من فهم‬ ‫ما ح��دث‪ .‬لكن و�ضع ه��ذه العوامل �إل��ى جانب‬ ‫بع�ضها بع�ضا يُمكّننا من الو�صول �إل��ى تف�سير‬ ‫مقنع لما حدث‪.‬‬

‫«نحن العرب لدينا كل الكلمات‪ ،‬لكن الفر�س‬ ‫لديهم كل الأف�ك��ار»‪� .‬إن هذه الحاجة للترجمة‬ ‫كانت تتم في بداية الأمر لأ�سباب عملية مح�ضة‪،‬‬ ‫ولذا كان من ال�ضروري �أن يتم النظر �إليها على‬ ‫�أنها نافعة و�ضرورية‪.‬‬

‫علم التنجيم‪ .‬وكان من �أول ما تُرجم هو كتاب‬ ‫زراد��ش��ت ال�ضخم‪ ،‬وه��و ي�ضم خم�سة �أج��زاء‪،‬‬ ‫ويُعرف با�سم كتاب البدايات‪ ،‬وقد تم ترجمة‬ ‫هذا ال�سفر ال�ضخم فيما بين عام ‪747‬م وعام‬ ‫‪754‬م‪.‬‬

‫وتعني كلمة �سيدهانتا‪ ،‬وهي كلمة �سن�سكريتية‪،‬‬ ‫(المذهب) �أو (الم�سلك)‪ .‬وقد و�ضع العلماء‬ ‫الهنود‪ ،‬كما جرى على ذلك العرف �إب��ان تلك‬ ‫الحقبة‪ ،‬هذا الكتاب �شعراً‪ .‬ولكن براهما جوبتا‬ ‫ل��م يقدم �أي ب��ره��ان على نظرياته الريا�ضية‬ ‫في هذا الكتاب‪ .‬وتُعرف الترجمة العربية لهذا‬ ‫الكتاب با�سم «ال�سند هند»‪ ،‬وقد كان لها ت�أثير‬ ‫عميق ع�ل��ى ع�ل�م��اء ب �غ��داد‪ ،‬وذل ��ك �إل ��ى جانب‬ ‫كتاب المج�سطي لبطليمو�س‪ ،‬وكتاب العنا�صر‬ ‫لإقليد�س‪ .‬ويبدو �أن كتاب ال�سيد هانتا قد تُرجم‬ ‫بادئ ذي بدء �إلى اللغة البهلوية‪ ،‬ولعل ذلك قد‬ ‫تم في مدينة جنديا�سابور على يد ال�سا�سان‪.‬‬ ‫ولم يحت ِو الكتاب على جداول وخرائط للنجوم‬ ‫فح�سب‪ ،‬ولكنه �ضم ك��ذل��ك عمليات ريا�ضية‬ ‫وهند�سية‪ .‬و�إن كان الكتاب يت�سم بقدر كبير من‬ ‫الغمو�ض‪ ،‬ما يجعل من الع�سير متابعته‪.‬‬ ‫وهناك رواي��ة م�شكوك في �صحتها ال تُرجِ ع‬ ‫ترجمة ال�سندهند �إلى زمن الخليفة المن�صور‪،‬‬ ‫لكنها ت�شرح كذلك �أ�سباب عدم الو�ضوح الذي‬ ‫يعتور الن�ص‪ .‬وت��روي الق�صة كيف �أن العرب‬ ‫فتحوا بالد ال�سند وا�ستقروا بها (تمثل ال�سند‬ ‫هند في الوقت الراهن �أحد مناطق باك�ستان)‬ ‫في �أول عهد الإ�سالم‪.‬‬ ‫وعندما و�صل العبا�سيون �إلى ال�سلطة‪ ،‬انتهز‬ ‫الم�سلمون المقيمون ف��ي منطقة ال�سندهند‬ ‫الفر�صة و�أعلنوا ا�ستقاللهم‪ .‬لكن المن�صور لم‬ ‫ير�ض عن ذلك‪ ،‬و�أر�سل جي�ش ًا لقمع التمرد‪ .‬وبعد‬ ‫�أن انت�صر‪ ،‬و�صل وفد من ال�سند المهزومين �إلى‬ ‫بغداد‪.‬‬ ‫وكان في المجل�س حكيم هندي يُدعى كانكاه‪،‬‬ ‫وك��ان يتكلم العربية والفار�سية‪ ،‬وك��ان يتعين‬ ‫ت��رج�م��ة ح��دي�ث��ه ال ��ذي ي�صف ع�ج��ائ��ب الفلك‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪69‬‬


‫‪70‬‬

‫لقد تم �إن�شاء �أول مكان لطباعة ال��ورق في‬ ‫االم�ب��راط��وري��ة العبا�سية ف��ي مدينة �سمرقند‬ ‫ف��ي �آ�سيا الو�سطى‪ ،‬على ط��ري��ق الحرير بين‬ ‫ال�صين وال�غ��رب‪ .‬وق��د كانت تلك المدينة من‬ ‫�أعظم المدن في االمبراطورية الفار�سية حتى‬ ‫قبل و�صول الإ�سالم بمئات ال�سنين‪ ،‬كما �أنها‬ ‫وا�صلت دورها بعد الإ�سالم كمركز للعلم‪ .‬لقد‬ ‫هزم جي�ش الم�سلمين ال�صينيين عام ‪751‬م على‬ ‫�ضفاف نهر الطال�س‪ ،‬على بعد مئات الأميال �إلى‬ ‫ال�شمال الغربي من �سمرقند في بالد قرغي�ستان‬ ‫الحالية‪ .‬ولقد �سجل ذل��ك االنت�صار العبا�سي‬ ‫ما يعد �أق�صى تو�سّ ع و�صلت �إليه �ساللة التانج‬ ‫ال�صينية �إلى الغرب‪ ،‬لكنه �سجل كذلك �أق�صى‬ ‫تو�سّ عٍ �إ�سالمي لالمبراطورية الإ�سالمية في‬ ‫�شرقي �آ�سيا‪.‬‬

‫لكن حتى القرن التا�سع‪ ،‬بد�أنا نرى من بين‬ ‫علماء وفال�سفة الم�سلمين مَ ن ر�أى �أن العقالنية‬ ‫والنزعة العلمية تتعار�ض مع التنجيم ال��ذي ال‬ ‫م�صاف علوم �أخ��رى‪ ،‬كالريا�ضيات‬ ‫ِّ‬ ‫يرقى �إل��ى‬ ‫والفلك‪ .‬وم��ع ذل��ك‪ ..‬فقد ا�ستمر بع�ض علماء‬ ‫الم�سلمين ف��ي النظر ب��اح��ت��رام ل��ذل��ك العلم‪،‬‬ ‫ومنهم ال�خ��وارزم��ي‪ .‬وق��د م�ضى بع�ض العلماء‬ ‫لإب��داء اهتمامهم بعلم التنجيم‪ ،‬حتى يح�صلوا‬ ‫على دعم مادي لم�شاريعهم‪ ،‬ومن ه�ؤالء العالم‬ ‫الفار�سي الطو�سي‪ ،‬ال��ذي ادع��ى اهتمامه بعلم‬ ‫التنجيم ليقنع الحاكم المغولي هوالكوخان‬ ‫بتمويل مر�صده الجديد في مدينة ماراجا في‬ ‫�شمال غربي ب�لاد فار�س في منت�صف القرن‬ ‫الثالث ع�شر‪ .‬لكن لو رجعنا �إلى القرن الثامن‬ ‫لوجدنا ذل��ك الهو�س ال��وا��س��ع بعلم التنجيم‪،‬‬ ‫وم��ا يهمنا هنا هو �أن��ه ك��ان من بين من تم‬ ‫وهو الأمر الذي �أذكى �شعلة الترجمة بالأعمال �أ�سرهم من ال�صينيين‪ ،‬مَ ن كانت لديهم الدراية‬ ‫اليونانية‪.‬‬ ‫والمعرفة ب�صناعة ال��ورق‪ ،‬وهو اختراع تم في‬ ‫�أما العامل الثالث الذي لعب دور ًا في توطيد ال�صين ف��ي ال�ق��رن ال�ت��ال��ي‪ .‬وق��د ت��م نقل تلك‬ ‫حركة الترجمة‪ ،‬فقد تمثل في م�صادفة الو�صول المعرفة التكنولوجية �إلى �سمرقند‪ .‬وقد كانت‬ ‫�إل��ى �أن ��واع ج��دي��دة م��ن التكنولوجيا‪ .‬لقد �أدى معرفة ال�صينيين �ضرورية لبناء مكان لطباعة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬ظهرت تكنولوجيا �إنتاج‬ ‫الكتب؛ �إذ تم تطوير الألياف والأحبار والل�صق‬ ‫والجلود و�أ�ساليب تجليد الكتب‪ ،‬وكل ذلك ظهر‬ ‫�إ ّب��ان وق� ٍ�ت وجيزٍ للغاية‪ .‬و�سرعان ما �أ�ضحى‬ ‫ال��ورق �أرخ�ص م��ادة للكتابة‪ ،‬مقارنة بالبردي‬ ‫والجلود‪ .‬و�أ�صبح من الممكن �إنتاج نُ�سخ متعددة‬ ‫من الن�صو�ص من جانب فريق متكامل من ال َك َت َب ِة‬ ‫الذين كانوا يعملون جنب ًا �إلى جنب‪.‬‬ ‫وقد �سبق اختراع ال��ورق ذات��ه اختراع فكرة‬ ‫التجليد ذاتها‪ .‬وقد ا�ستخدم الرومان والإغريق‬ ‫هذه الفكرة بادئ ذي بدء اعتماد ًا على البردي‬ ‫وجلود الحيوانات‪ ،‬ويقال �إن �صفحات القر�آن‬ ‫على عهد النبي محمد �صلى اهلل عليه و�سلم قد‬ ‫تم الحفاظ عليها على �ألواح خ�شبية‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬ف�إن حركة الترجمة تدين في بداياتها‬ ‫لذلك ال�شغف الذي حظيت به الثقافة الفار�سية‪،‬‬ ‫وكذلك لعلم التنجيم الذي �شغف به العبا�سيون‪،‬‬ ‫و�إلى ظهور تكنولوجيا �صناعة الورق التي تعلّمها‬ ‫العبا�سيون من ال�صين‪ .‬لكن ما �إن بد�أت حركة‬ ‫الترجمة تكت�سب زخماً‪� ،‬أدى ال�شغف بترجمة‬ ‫الن�صو�ص القديمة �إل��ى ب��زوغ الع�صر الذهبي‬ ‫للعلم العربي‪ .‬وقد حدثت زي��ادة م�ضطردة في‬ ‫عدد الكتب المترجمة على عهد هارون الر�شيد‬ ‫(‪809- 786‬م)‪ ،‬كما بد�أ المترجمون يترجمون‬ ‫ن�صو�ص ًا طبية وفلكية وريا�ضية ع��ن اللغات‬ ‫اليونانية وال�سريانية والفار�سية والهندية‪ .‬لكن‬ ‫حتى في هذه المرحلة المبكرة‪ ،‬كان المترجمون‬ ‫ُي�ب��دون حر�ص ًا بالغ ًا في اختيار المخطوطات‬

‫و�سُ رعان ما تم ال�سعي للح�صول على تلك‬ ‫الأ�صول اليونانية‪ .‬وعند هذا المنعطف‪ ،‬تحول‬ ‫العلماء الم�سلمون‪ ،‬ورعاة الترجمة من االهتمام‬ ‫بترجمة الن�صو�ص العلمية؛ كعلم التنجيم والطب‬ ‫وال��زراع��ة‪� ،‬إل��ى العلوم الريا�ضية وعلم الفلك‪.‬‬ ‫ولعل ما كان غائب ًا عن هذه القائمة المبدئية هما‬ ‫عَ لَما الفل�سفة اليونانية‪� :‬أفالطون و�أر�سطو‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫ف��إن الحركة المت�أخّ رة للترجمة عن اليونانية‬ ‫والعربية �إلى الالتينية بد�أت بالفل�سفة‪ ،‬ب�سبب‬ ‫الرغبة ف��ي فهم تلك الأع��م��ال العظيمة‪ .‬لكن‬ ‫االهتمام بالفل�سفة على يد العلماء الم�سلمين‬ ‫جاء مت�أخر ًا ن�سبياً‪ ،‬لكنه انطلق ب�سرعة كبيرة‬ ‫نتيجة ل�شعور العلماء الم�سلمين ب�أنهم يفتقدون‬ ‫�إلى اال�ستدالل ومهارات فن الجدل‪ ،‬ال�سيما في‬ ‫الم�سائل الدينية وذلك مقارنة بالمهارات التي‬ ‫ت��واف��رت لنظرائهم من الم�سيحيين واليهود‪،‬‬ ‫الذين كانوا في ذلك الحين على �إطالع ب�أعمال‬ ‫�أر�سطو و�أف�لاط��ون‪ ،‬وكانوا من َث��مَّ �أكثر دراي��ة‬ ‫بمناحي الجدل المنطقي‪.‬‬ ‫وم��ن المثير هنا �أن نالحظ �أن ع ��دد ًا من‬ ‫العلماء والفال�سفة اليهود قد �أ�سهموا �إ�سهام ًا‬ ‫كبير ًا في الفكر والثقافة في بغداد‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫�أع�م��ال�ه��م ق��د كتبت ف��ي مجملها بالعربية ال‬ ‫بالعبرية‪ .‬ومن ه ��ؤالء؛ الطبري (حوالي ‪-786‬‬ ‫‪845‬م)‪ ،‬ال ��ذي �أت ��ى �إل ��ى ب �غ��داد‪ ،‬و ُي �ق��ال �إن��ه‬ ‫تولّى �إح��دى �أول��ى الترجمات المعروفة‪ ،‬لكتاب‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫والريا�ضيات الهندية �إلى الفار�سية عن طريق‬ ‫مترجم ف��وري‪ ،‬ومن ثم �إلى العربية عن طريق‬ ‫مترجم فوري �آخر‪ ،‬وتلك عملية �أدت في نهاية‬ ‫المطاف �إل��ى غمو�ض ما قاله‪ .‬وق��د ك��ان ذلك‬ ‫الحكيم ي�صف كتاب ال�سيدهانتا لبراهماجوبتا‪.‬‬ ‫لكن علماء الم�سلمين ومنهم البيروني في القرن‬ ‫الحادي ع�شر رف�ضوا هذه الق�صة من منطلق �أنها‬ ‫لم تحدث على الأرج��ح‪ ،‬وقد ذك��روا �أن الأرجح‬ ‫هو �أن ال�سند هند كانت ترجمة لن�سخة فار�سية‬ ‫كانت موجودة بالفعل في مدينة جنديا�سابور‪.‬‬ ‫ولكن الحقيقة المرجّ حة الوحيدة هنا هو �أن‬ ‫ال�سيد هانتا قد ترجمت مرتين في طريقها �إلى‬ ‫اللغة العربية‪.‬‬

‫ال��و��ص��ول �إل��ى علوم مثل الهند�سة التي كانت‬ ‫مطلوبة لإنجاز الم�شاريع الهند�سية كالج�سور‬ ‫ذات الأقوا�س‪ ،‬والعجالت المائية والقنوات؛ �أدى‬ ‫كل ذلك �إلى �ضرورة الح�صول على بيانات فلكية‬ ‫دقيقة للتنب�ؤ بالأطوار المختلفة للقمر لتحديد‬ ‫الوقت بدقة‪ ،‬وكان لعلم الح�ساب دور حيوي في‬ ‫المحا�سبة‪ .‬وقد لعب كل ذلك دورا مهماً‪ .‬لكن‬ ‫الأمر كذلك بالن�سبة لكافة الح�ضارات ال�سابقة‪،‬‬ ‫فبماذا �إذ ًا نف�سّ ر الزيادة الم�ضطردة المفاجئة‬ ‫في حجم الأعمال المترجمة؟ الواقع �أن و�صول‬ ‫نوع محدد جديد من التكنولوجيا‪ ،‬هو الذي �أدى‬ ‫�إلى �إحداث هذا الفارق‪.‬‬

‫الورق‪ ،‬وقد �ساعد على ذلك توفر المواد الخام‬ ‫التي تدخل في �صناعة ال��ورق‪ .‬وقد ظهرت �أول‬ ‫مطابع بغداد في العقد الأخير من القرن الثامن‪.‬‬

‫التي يترجمونها‪ .‬وكان يُقا�س ت�أثير العمل العلمي‬ ‫للترجمة بمدى ت�أثيره‪ ،‬وكذلك �إ�ضافته العلمية‪،‬‬ ‫مقارنة بما قبله‪ .‬وق��د �أدرك المترجمون �أن‬ ‫العديد من الأعمال مترجم عن �أ�صول يونانية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪71‬‬


‫‪72‬‬

‫وي��رى بع�ض الم�ؤرخين �أن��ه على الرغم من‬ ‫�شغف العبا�سيين بكل ما هو فار�سي‪ ،‬وبالتبعية‬ ‫لعلوم وث�ق��اف��ة الهند ف��ي ال���ش��رق‪ ،‬ف���إن حركة‬ ‫والواقع �أن هناك وجهة نظر خاطئة‪ ،‬تميل‬ ‫الترجمة ب�أ�سرها قد ارتكزت على علوم الإغريق‪،‬‬ ‫للتعاطف م��ع الثقافة وال �ت��اري��خ الفار�سيين‪،‬‬ ‫ولعل ذلك حقيقي �إلى حدٍّ ما‪.‬‬ ‫وهي ت�ستند �إلى �أ�سطورة �شيّقة‪ ،‬ول��ذا‪ ،‬ارت�أينا‬ ‫لقد �أدى تو�سع امبراطورية الإ�سكندر الأكبر‬ ‫�أن نذكرها ه�ن��ا‪ .‬لقد غ��زا الإ��س�ك�ن��در الأك�ب��ر‬ ‫لت�صل �إلى تُخوم الهند‪ ،‬قبل الإ�سالم بعدة قرون‪،‬‬ ‫االمبراطورية الفار�سية ع��ام ‪ 333‬ق‪.‬م وخلع‬ ‫�إلى نقل ثمار العلم اليوناني �إلى ما وراء الجزر‬ ‫�آخر ملوك فار�س‪ ،‬داريو�س الثالث‪ .‬وقد م�ضى‬ ‫اليونانية‪ ،‬على الرغم من �أننا ال ينبغي �أن نغفل‬ ‫موكب الإ�سكندر في برو�سوبولي�س عا�صمة بالد‬ ‫طرق التجارة البحرية من م�صر‪ ،‬والتي لعبت‬ ‫فار�س‪ ،‬حيث وجد كتابات علمية في �شتى الفروع‬ ‫دور ًا مهم ًا في عملية النقل والترجمة‪ .‬ويمكننا‬ ‫التي ر�أى الفر�س �أنها مقد�سة‪ ،‬والتي و�صلت‬ ‫�أن نزعم هنا �أن هذه الحلقة التي كان مركزها‬ ‫�إليهم من زراد�شت نف�سه‪ ،‬وهو �أحد �أنبيائهم‪.‬‬ ‫اليونان‪ ،‬عبر الهند‪ ،‬ثم �إلى ق�صور العبا�سيين في وقد �أمر الإ�سكندر بترجمة كل تلك الن�صو�ص‬ ‫بغداد هي التي �أدت �إلى ازدهار حركة الترجمة‪ .‬من الفار�سية �إل��ى اليونانية‪ ،‬ثم قام بعد ذلك‬ ‫وقد و�صلت المعرفة اليونانية كذلك �إلى العالم بالتخل�ص من الن�صو�ص الأ�صلية‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫العربي عبر المدن الم�سيحية المهمة ك�إنطاكية بمئات ال�سنين‪� ،‬أمر ملوك ال�سا�سان بجمع كل‬ ‫و�إدي�سا‪ ،‬حيث ازده��رت الترجمة من اليونانية الأعمال اليونانية و�أع��ادوا ترجمتها من جديد‬ ‫�إل��ى ال�سريانية في القرون التي �سبقت و�صول �إلى اللغة الفار�سية‪ .‬وبهذه الطريقة برر الفر�س‬ ‫الإ�سالم �إلى المنطقة‪.‬‬ ‫ا�ستخدامهم للمعرفة اليونانية في الطب والفلك‬ ‫ولعل العرب يدينون بالف�ضل كله‪ ،‬وال�سيما والتنجيم‪ ،‬لأنهم زعموا �أن تلك المعارف كانت‬ ‫في مجاالت الطب والفل�سفة‪ ،‬لعلماء اليونان‪ ،‬ملكهم‪ ،‬لكن اليونان ا�ستولوا عليها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫وقد كان الرا�شد عالم ًا و�شاعراً‪ ،‬كما كان من‬ ‫كبار رعاة الفن‪ .‬وفي عهده بد�أ علماء الم�سلمين‬ ‫في درا�سة الأعمال العلمية اليونانية والهندية‬ ‫على نحو جديٍّ ‪ ،‬كما بد�أوا في دمج تلك المعارف‬ ‫في الثقافة العربية‪ .‬وكان بالط الرا�شد في بغداد‬ ‫يعجّ بالفنانين‪ ،‬والمو�سيقيين‪ ،‬وال�شعراء‪ ،‬وعلماء‬ ‫الدين من كافة الأ�صقاع والأم�صار‪ .‬لكن وزيره‬ ‫جعفر البرمكي‪ ،‬وكان معلم ًا للخليفة الم�أمون في‬ ‫�شبابه‪ ،‬هو الذي �أ�شرف على م�شاريع الترجمة‬ ‫الأول ��ى‪ .‬وك��ان للبرامكة‪ ،‬الذين دعموا و�صول‬ ‫العبا�سيين �إل��ى ال�سلطة‪ ،‬ومن ثم فقد كاف�أهم‬ ‫العبا�سيون بتعيينهم وزراء‪ ،‬كان لهم اليد الطولى‬ ‫ومن المترجمين الم�سيحيين البارزين في‬ ‫في �إدارة الدولة‪ .‬وكان البرامكة كذلك من �أ�شد بغداد في القرن التا�سع‪ ،‬نذكر كو�ستا بن لوقا‬ ‫�أن�صار حركة الترجمة‪ ،‬وذلك بغر�ض رفد ق�صور (ت��وف��ي نحو ‪912‬م) وك��ان ي��ون��ان�ي� ًا بيزنطياً‪.‬‬ ‫وكان ريا�ضيا بارعاً‪� .‬ش�أنه في ذلك �ش�أن �أغلب‬ ‫الخلفاء بالثقافة الفار�سية‪.‬‬ ‫مترجمي ع�صره‪ .‬وق��د ب��رع ك��ذل��ك ف��ي الطب‬ ‫وم��ن الأ�سر الفار�سية الأخ��رى التي دعمت‬ ‫والفلك والفل�سفة؛ وينحدر �أ�صله �إل��ى مدينة‬ ‫حركة الترجمة عائلة بخت�شيوع‪ .‬وقد تولى العديد‬ ‫بعلبك (هيليوبولي�س) في �سهل البقاع في لبنان‪.‬‬ ‫م��ن �أف ��راد ه��ذه العائلة ب�أنف�سهم عملية دعم‬ ‫وقد دعاه بع�ضهم‪� ،‬ش�أنه في ذلك �ش�أن حنين بن‬ ‫الترجمة‪ ،‬وال�سيما ترجمة الن�صو�ص الطبية‬ ‫ا�سحاق‪ ،‬للتحوّل �إلى الإ�سالم‪ ،‬لكنه لم يفعل‪ .‬ومن‬ ‫�إلى العربية‪ .‬والواقع �أن الفر�س كانوا على دراية‬ ‫بين الكتب التي ترجمها من اليونانية �إلى العربية‬ ‫بن�صو�ص �أبو قراط وجالينو�س‪ ،‬حتى قبل و�صول‬ ‫كتب ديوفنتو�س الريا�ضية‪ ،‬وكتب �أر�ستارخو�س‬ ‫العبا�سيين �إلى الحكم‪ ،‬وكان يتم تدري�س �أعمال‬ ‫وهو �أول عالم فلك يقترح وجود نموذج مركزي‬ ‫ه ��ؤالء الأط�ب��اء في مدينة جنديا�سابور‪ .‬ولعل للنظام ال�شم�سي‪ ،‬كما ترجم كذلك م�ؤلفات‬ ‫�أعظم المترجمين هنا‪ ،‬كان الطبيب والمترجم جالينو�س‪ .‬وق��د و�ضع كو�ستا كذلك ع��دد ًا من‬ ‫الم�سيحي حنين ب��ن �إ���س��ح��اق‪ ،‬وك���ان �أع��ظ��م الأعمال الأ�صيلة في مجال الطب والهند�سة‪ ،‬بل‬ ‫مترجمي ع�صره‪.‬‬ ‫و�ضع ر�سائل في الأ�سطرالب‪ ،‬وهو �أهم الأدوات‬ ‫وم��ن العلماء ال��ذي��ن ا��س�ت�ف��ادوا م��ن الدعم الفلكية التي �سبقت التل�سكوب‪.‬‬ ‫الكبير الذي تم تقديمه لحركة الترجمة نذكر‬ ‫وعندما بد�أت الحركة العلمية في ال�صعود �إلى‬ ‫ثابت بن قرة (نحو ‪901-836‬م) وكان �صابئ ًا القمة‪ ،‬في الن�صف الأول من القرن التا�سع‪ ،‬مع‬ ‫م��ن م��دي�ن��ة ح� ��اران ف��ي ��ش�م��ال غ��رب��ي تركيا ظهور ترجمات لأعمال �أ�صلية في مجال الفلك‪،‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫المج�سطي لبطليمو�س �إلى العربية‪ .‬وكان هذا‬ ‫العالم الفلكي اليهودي الذي يعني ا�سمه حرفي ًا‬ ‫«ابن الحاخام الطبر�ستاني»‪� ،‬إ�شارة �إلى مقاطعة‬ ‫في �شمالي �إيران‪ ،‬كان قد ا�ستقر في بغداد �إبّان‬ ‫حكم الخليفة الرا�شد‪ .‬وك��ان ابنه علي (نحو‬ ‫‪870-838‬م) قد تحوّل �إلى الإ�سالم‪ ،‬و�ألّف �أول‬ ‫مو�سوعة عربية في الطب‪ ،‬كما �أنه تولّى فيما بعد‬ ‫تعليم محمد بن زكريا الرازي‪ ،‬الذي �أ�صبح �أحد‬ ‫�أكبر الأطباء في تاريخ العرب‪.‬‬

‫من �أم��ث��ال‪� :‬أب��و ق��راط‪ ،‬وجالينو�س‪ ،‬و�أفالطون‬ ‫و�أر�سطو‪ .‬والواقع �أنه حتى في مجال الهند�سة‬ ‫ك��ذل��ك‪ ،‬ل��م يكن للهنود �أو الفر�س �إال معرفة‬ ‫محدودة‪ .‬لكن من الظلم �أن نغفل �إ�سهامهم في‬ ‫تطور العلم العربي �إ ّب��ان حركة الترجمة‪ .‬لأن‬ ‫العالم الإ��س�لام��ي‪� ،‬إن لم يتعر�ض لريا�ضيات‬ ‫الهند‪ ،‬لم يكن له �أن يتعرف على مفهوم الأعداد‬ ‫الع�شرية‪� ،‬أو هند�سة المثلثات وهي بالغة الأهمية‬ ‫في علم الفلك‪ .‬والواقع �أن علم الفلك العربي‬ ‫يعد ام�ت��داد ًا لعمل خبراء الفلك الفر�س‪ ،‬وهو‬ ‫نف�سه لم يكن له ليتطور من دون التعرف على‬ ‫الريا�ضيات الهندية‪.‬‬

‫الحالية‪ .‬وقد تولى ثابت ترجمة �أعمال �أقليد�س‬ ‫و�أرخميد�س و�أبو لونيو�س وبطليمو�س الريا�ضية‪،‬‬ ‫كما �أع ّد كذلك ملخ�صات وافية لأعمال �أر�سطو‪.‬‬ ‫لكن ثابت كان كذلك ريا�ضي ًا المعاً‪ ،‬فو�ضع عدد ًا‬ ‫من الأعمال في الهند�سة والإ�ستاتيكا‪ ،‬والمربعات‬ ‫ال�سحرية ونظرية الأعداد‪ .‬وقد م�ضى �إلى �أبعد‬ ‫من ذلك‪ ،‬فو�ضع م�ؤلفات في الفلك عندما بلغ‬ ‫به العمر �أرذل ��ه‪ .‬وق��د عيّنه الخليفة العبا�سي‬ ‫المعت�ضد فلكي ًا في ق�صره‪ ،‬وقد تُرجمت �أعماله‬ ‫هو �شخ�صي ًا فيما بعد �إلى اللغة الالتينية‪ ،‬وكان‬ ‫لها ت�أثير كبير على الغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪73‬‬


‫وق��د تُرجم العديد من الن�صو�ص اليونانية‬ ‫المهمة �إل��ى العربية ع��دة م��رات‪ .‬وم��ن الأمثلة‬ ‫الجدّية على ذلك كتاب العنا�صر لإقليد�س‪ ،‬والذي‬ ‫كان له ت�أثير بالغ الأهمية على علوم الريا�ضيات‬ ‫في العهد الإ�سالمي‪ .‬وقد تولى الترجمة الأولى‬ ‫لهذا الكتاب الحجّ اج بن يو�سف �إبّان حكم الرا�شد‬ ‫ف��ي ب��داي��ة ال �ق��رن ال�ت��ا��س��ع‪ .‬ث��م ت��ول��ى المترجم‬ ‫نف�سه �إعداد ترجمة ثانية لذات الكتاب للخليفة‬ ‫ال�م��أم��ون‪ .‬وق��د ترجم الن�ص كذلك حنين ابن‬ ‫ * هذه ترجمة للف�صل الثالث من كتاب‪:‬‬

‫‪74‬‬

‫لكن حركة الترجمة و�صلت �إل��ى نهايتها مع‬ ‫الن�صف الثاني من القرن العا�شر‪ ،‬وال يُعزى ذلك‬ ‫�إل��ى ت��راج��ع االهتمام بالعلم‪ ،‬ولكن لأن حركة‬ ‫الترجمة و�صلت �إلى �أوجها‪ ،‬فلم تعد هناك حاجة‬ ‫ما�سّ ة �إليها‪ .‬لقد تم عند ذلك التاريخ ترجمة كل‬ ‫الأعمال المهمة‪ ،‬و�إع��ادة ترجمتها‪ ،‬ودرا�ستها‪،‬‬ ‫والتعليق عليها‪ ،‬وه��و م��ا �أدى �إل��ى ظهور العلم‬ ‫العربي‪ .‬والواقع �أن بع�ض �أهم الأعمال اليونانية‬ ‫العظيمة‪ ،‬ككتاب المج�سطي لبطليمو�س‪ ،‬لم يعد‬ ‫يُنظر �إليها على �أنها تمثل «قمة التطور العلمي»‪،‬‬ ‫حيث تجاوزتها �أع�م��ال �أك�ث��ر ت�ط��ور ًا ف��ي مجال‬ ‫الفلك‪ .‬وعند ذلك اندمجت الحركة العلمية في‬ ‫مناخ بغداد الثقافي‪ .‬لكن �أعظم علماء الإ�سالم‬ ‫كان قد �سبق هذه الفترة بجيل كامل وما تزال‬ ‫حياته و�إنجازاته يحيط بها الغمو�ض‪ ،‬وهو يُعرف‬ ‫في الغرب با�سم جابر الكيميائي‪.‬‬

‫‪Jim Al-Khalili (2012). Pathfinders: The Golden Age of‬‬

‫‪.)Arabic Science. Penguin Books, London, UK (pp. 35-48‬‬ ‫** �أ�ستاذ باحث بمعهد ل�شبونة الجامعي‪ ،‬ل�شبونة‪ ،‬البرتغال‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫والجغرافيا‪ ،‬والريا�ضيات‪ ،‬والطب؛ ب��د�أ العرب‬ ‫كذلك يبحثون في تلك العلوم‪ ،‬ما دعا �إلى المزيد‬ ‫م��ن الطلب على الترجمة الدقيقة للن�صو�ص‬ ‫اليونانية �إلى العربية‪ .‬وقد �ألهمت المعرفة التي‬ ‫تم الح�صول عليها من تلك الن�صو�ص الكثير من‬ ‫العرب‪ ،‬لدرجة �أنهم كر�سوا حياتهم لدرا�سة تلك‬ ‫الموا�ضيع‪ .‬ففي عهد الم�أمون‪ ،‬كانت درا�سة كتاب‬ ‫المج�سطي لبطليمو�س ت�شكل جزء ًا ال يتجز�أ من‬ ‫الإع��داد العلمي لأي عالم‪ .‬وكانت المعرفة التي‬ ‫تم الح�صول عليها من ه��ذا الكتاب المهم هي‬ ‫التي مهدت الطريق لبناء المرا�صد الأول��ى في‬ ‫بغداد ودم�شق �إبّان حكم الم�أمون لالمبراطورية‬ ‫الإ�سالمية‪ .‬وقد عين الم�أمون في بالطه علماء‬ ‫فلك‪ ،‬وتولى ه ��ؤالء الدرا�سة المنهجية الدقيقة‬ ‫لر�صد وت�ح�رّي م��دى دق��ة خرائط النجوم التي‬ ‫�أتى بها بطليمو�س‪ .‬وقد مهّد ذلك لع�صر الفلك‬ ‫العربي الذي امتد لما يناهز �سبعمائة �سنة‪ ،‬وهو‬ ‫ما �أدى في نهاية المطاف �إلى بناء ج�سر علمي‬ ‫بين الإغريق وبين ثورة كوبر نيكو�س في �أوربا التي‬ ‫�أدت �إلى ميالد علم الفلك الحديث‪.‬‬

‫ا�سحاق‪ ،‬ثم تولى ثابت بن قرة ت�صحيح ترجمة‬ ‫حنين‪ .‬وفي نهاية المطاف‪ ،‬تولى الطو�سي عملية‬ ‫الترجمة للكتاب نف�سه بعد الترجمة الأول��ى نحو‬ ‫�أربعة قرون‪ .‬ولعل الكتاب قد �أخذ طريقه �إلى �أوربا‬ ‫على يد هذه الترجمة المت�أخرة �إل��ى الالتينية‪.‬‬ ‫ويُقال �إن الخليفة المن�صور كان على دراية بكتاب‬ ‫العنا�صر‪ ،‬وقد �أخبره بذلك عدد من الق�ساو�سة‬ ‫الم�سيحيين‪ ،‬ف ��أم��ر بن�سخة م��ن االم �ب��راط��ور‬ ‫البيزنطي‪ .‬لكن هناك جدل حول دقة الترجمة‬ ‫العربية لكتاب العنا�صر على عهد المن�صور‪،‬‬ ‫كما هو الحال بالن�سبة للكتب الريا�ضية التي تم‬ ‫ترجمتها مبكر ًا في عهد العبا�سيين‪.‬‬

‫رواية �شيخ الرماية‪:‬‬ ‫نحو ر�ؤية �سردية جديدة للعالم‬ ‫■ رفعت الكنياري*‬

‫بعد روا َي��� َت���يّ «ال��م�����ص��ري» و«ب��اري��و م��ال��ق��ة»‪ ،‬يطالعنا ال��ك��ات��ب وال��ن��اق��د الأك��ادي��م��ي‬ ‫المغربي محمد �أنقار برواية جديدة مو�سومة بعنوان‪�« :‬شيخ الرماية»‪ .‬وهي رواية من‬ ‫الحجم المتو�سطـ‪ ،‬تتوزّع �أحداثها على ثالثة ف�صول‪ ،‬يحمل كل ف�صل ا�سم �شخ�صية‬ ‫مف�صلية؛ لتلعب عتبة العناوين الرئي�سة والثانوية دور الدعائم الأ�سا�س في توجيه‬ ‫دفّة الأطروحة التي تتبناها الرواية‪ ،‬وفي فر�ض �سلطتها الجمالية‪� ،‬ضمن ن�سق محكم‬ ‫الن�سج‪ ،‬ودهاء روائي نتج عن مرا�س في الأدب وفنونه‪ .‬كذا‪ ،‬بالنقد ومعاييره‪� ،‬إذ رواية‬ ‫محمد �أنقار هي رواية ناقد له ت�صوّره الخا�ص عن الأدب‪ ،‬وعن الح�سا�سيات الجمالية‪،‬‬ ‫والذي بلوره في ما يُعرّفه هو بم�شروع ال�صورة الروائية(‪ .)1‬كما �أنها رواية رجل خبر‬ ‫ال�سرد و�أفانينه‪ ،‬وذل��ك ب�أنه راك��م مجموعة من الن�صو�ص الق�ص�صية قبل �أن يكتب‬ ‫الرواية الأولى له‪ ،‬والتي �صدرت عن من�شورات الهالل الم�صرية بعنوان «الم�صري»‪.‬‬ ‫الأدب عند �أنقار‪� ،‬إذاً‪ ،‬م�شروع �إن�ساني‪،‬‬ ‫يبحث فيه الإن�سان عن ذل��ك «الإن�سان‬ ‫ال��ذي ي�سكننا»؛ فقد بعدت ال�شقة بين‬ ‫الإن�سان ونف�سه‪ ،‬ف�صار يراها من خالل‬ ‫ما ي�صوّره له هذا العالم المخيف‪ ،‬ال يرى‬ ‫نف�سه �إال من خالل مر�آة الإعالم ومفاهيم‬ ‫اال�ستهالك‪ ،‬لقد �ضاع الإن�سان في تيه‬

‫ال �م��ادة‪ ،‬وم��ا الأدب �إال �شوق ال��روح �إلى‬ ‫معينها المترقرق الأول‪ ،‬وع��ودة بها �إلى‬ ‫لحظات الإ�شراق الأولى حين كان الإن�سان‬ ‫يتعرف على الأ��ش�ي��اء ب�سذاجة‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫ف��إن مهمة الكاتب هي م�سلة تلك الأم��ور‬ ‫التي �أ�صبحت تبدو لنا بدهية‪ ،‬والتغلغل‬ ‫في عمقها ومعرفة �سرها المكنون‪ ،‬وفي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫ال ��رواي ��ة ت���س��رد ق���ص��ة م�ح�م��د‪ ،‬الإن �� �س��ان‬ ‫الب�سيط ال��ذي يبحث عن حكايات ج��ده �شيخ‬ ‫الرماية؛ ونظرا لأنه ال يمتلك الكفاية اللغوية‬ ‫والقدرة الإبداعية على �صوغ الأح��داث‪ ،‬ف�إنه‬ ‫�سينيط ب�صديقه عبدالرزاق مهمة م�ساعدته‬ ‫على كتابة الأح ��داث‪ .‬ينطلق ال�صديقان في‬ ‫مغامرة البحث عن ال�شيخ‪ ،‬وهناك تعتر�ضهم‬ ‫�صعوبات ذلّلوها ب��الإ��ص��رار وال�ك�دّ‪ ،‬متتبعين‬ ‫م�آثر �شيخ الرماية‪ ،‬وكل منهما تحرّكه نوازع‬ ‫�إن�سانية تجمعها في بوتقة واح��دة الرغبة في‬ ‫تحقيق الذات ال�ضائعة‪ .‬فمحمد‪ ،‬الباحث عن‬ ‫�سرِّ الجدِّ ‪ ،‬يحمل رغبات ظاهرة تتعلق بالرغبة‬ ‫في الك�شف عن الإرث القديم لجده‪� ،‬إذ يعمل‬ ‫التداعي الذي تتيحه له المرويات التي يجمعها‬ ‫من فم ال�شيوخ‪ ،‬ومن القرى المتاخمة للمدينة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫النهاية الك�شف عن �أنماط �إن�سانية �أخرى غير‬ ‫الأنماط «ال�شائعة» والتي يمكن �أن تكون �أكثر‬ ‫�إن�سانية مما نعرفه الآن حتى عن �أنف�سنا‪ .‬يقول‬ ‫عبد ال��رزاق وهو �أحد �أبطال الرواية‪�« :‬أ�شعر‬ ‫الآن بارتياح �إثر �إ�سهامي في م�ساعدة محمد‬ ‫على �صياغة �أخباره‪ ،‬وحكايات جده‪ ،‬وتفا�صيل‬ ‫بع�ض مغامراته الن�سائية؛ بل حتى م�ساعدته‬ ‫ع�ل��ى االق� �ت ��راب م��ن ف�ه��م ن�ف���س��ه‪ ،‬م��ن خ�لال‬ ‫الإن�صات �إليه وم�شاركته وجدانيا» �ص‪� .22‬إنها‬ ‫فل�سفة عميقة‪ ..‬وفي نف�س الآن لطيفة‪ ،‬تقدم‬ ‫لك العالم في ر�ؤية �شفيفة‪ ،‬وتترك لك المجال‬ ‫لتعيد قراءة ذاتك في �ضوء ح�سا�سية جديدة‬ ‫تنطبع في كيانك على �إثر تغلغلها فيه‪ ،‬وذلك‬ ‫ب��ده��اء ال يت�سنى �إال لكبار الروائيين الذين‬ ‫�أثّروا في العالم �أكثر من عظماء القادة وكبار‬ ‫المفكرين �أحيانا‪.‬‬

‫بل ومن المكتبات الوطنية‪ ..‬فقد تج�شّ م عناء �أك�ث��ر؟ يجيب ت ��ودوروف ب ��أن الهدف النهائي‬ ‫ال�سفر م��رار ًا في الرواية‪ .‬يعمل هذا التداعي للأدب هو تحقيق معرفة �أعمق بالإن�سان‪.‬‬ ‫ع�ل��ى خ�ل��ق رغ�ب��ة ف��ي ال�ح�ي��اة ل��دي��ه‪ ،‬ك�م��ا �أن��ه‬ ‫�إن بحث مَ حمد عن �سر جده «العارف» وعثوره‬ ‫يعوّ�ض النق�ص الذي يح�سّ ه تجاه الن�ساء جراء على مروياته الخارقة في نهاية المطاف‪ ،‬لهو‬ ‫�إخفاقاته المتعددة تجاه هذا الجن�س اللطيف‪.‬‬ ‫دعوة �إلى �إعادة النظر في الخيالي والخارق بما‬ ‫كما �أن هذه التقنية في البحث تخلق �إمكانات‬ ‫هما جزء ال يتجز�أ من كياننا الإن�ساني‪ .‬فلربما‬ ‫�سردية ممتعة ت�ش ُّد ال �ق��ارئ �إل��ى الأح ��داث‪،‬‬ ‫في ذلك الخارق من العقالنية ما ال نعيه‪ ،‬ولكن‬ ‫وتقحمه في ت�سا�ؤالت الن�ص‪.‬‬ ‫علينا �أن نح�سن الإن�صات �إلى نوازعنا الدفينة‪،‬‬ ‫�سي�ستمر ال�صديقان ف��ي البحث �إل��ى �أن فما تمار�سه الحياة ب�ضغوطها علينا الآن ال‬ ‫ي�صال �إلى دوار ال�شقاقرة‪ ،‬حيث �سيعثران على يعدم «العقالنية» عما ن��راه ف��ي الأ��س�ط��ورة‪،‬‬ ‫خيط الق�صة؛ وهنا �سيتمحور الحكي حول فنحن نعي�ش الأ�سطورة من جديد‪.‬‬ ‫�شخ�صية ال�شيخ الخارقة‪� .‬إذ �سترد �أخباره‬ ‫على �أ�سا�س هذه المغامرة الطريفة‪ ،‬يبني‬ ‫على �شكل مرويات خ�ص�ص لها الكاتب الف�صل‬ ‫الثالث والذي عنونه بـ«ال�شيخ»‪ .‬هذه المرويات الن�ص �إمتاعه‪ ،‬ويجعل المتلقّي يتورط في عملية‬ ‫هي زبدة ما كان يبحث عنه ال�صديقان‪ .‬وهي تتبع الأحداث ب�شغف‪ ،‬وفي الآن نف�سه ينخرط‬ ‫ت��راوح ما بين �أخ�ب��ار عادية و�أخ�ب��ار كرامات في عملية التفكير التي يدعوه الن�ص من خالل‬ ‫خارقة يتحد فيها العجيب بالغريب بالواقعي‪ ،‬فل�سفته الداخلية �إلى ممار�ستها‪ ،‬وي�صوغها لك‬ ‫كما �أنها ت�سرد ب�شكل محايد لتترك القارئ الكاتب في ثوب ق�شيب‪ ،‬مليء بالمتعة والإثارة‪.‬‬ ‫في ده�شة من �أمره �أمام هذا الركام العجيب‬ ‫يقول ميالن كونديرا‪« :‬ال يمكن للإن�سان‬ ‫من الأح ��داث‪ .‬حيث ي�صبح الخيالي بمنزلة �أن يدرك ماذا عليه �أن يفعل لأنه ال يملك �إال‬ ‫الحقيقي والعك�س‪.‬‬ ‫حياة واحدة‪ ،‬ال ي�سعه مقارنتها بحيوات �سابقة‬ ‫�إنَّ «�شيخ الرماية» ن�ص يحاور ب�شكل غير وال �إ�صالحها في حيوات الحقة»‪ .‬مَ حمد رمز‬ ‫مبا�شر مفاهيم كرّ�سها الفكر المابعد حداثي‪ ،‬للإن�سان في بحثه عن معرفة نف�سه‪ ،‬وال�سبيل‬ ‫وال��ذي ق� ّد���س العلوم الإن�سانية على ح�ساب �أحد �أمرين‪ :‬الغو�ص في الما�ضي‪ ،‬في الأ�صل‪..‬‬ ‫الإن�سان وكينونته وعالمه الداخلي الذي يحتاج وا�ست�شراف تجليه في الم�ستقبل‪ .‬وهو ما تمثل‬ ‫�إلى مزيد من الت�أمل والإن�صات‪ .‬لذلك‪ ،‬فقد في بحثه عن جده الذي يمثل �أ�صال م�شرفا يعود‬ ‫حملت الرواية على عاتقها لواء فهم الإن�سان �إليه‪� .‬أ�صل يمثل المعرفة ال�صحيحة‪� .‬أو لي�س‬ ‫بما هو �إن�سان‪ .‬الإن�سان الذي يبحث عن حلول العالم العربي الآن ينظر �إلى الما�ضي بالنظرة‬ ‫لكومة الأ�سرار التي �أحاطه بها الوجود‪ ،‬هذا نف�سها؟ مَ حمد يبحث‪� ،‬أي�ضاً‪ ،‬عن امتدادٍ له‬ ‫البحث المتوا�صل هو الذي حقق المعرفة‪ .‬ف�أي في الم�ستقبل‪ ،‬من خ�لال البحث المتوا�صل‬ ‫معرفة هي التي تحقق معرفة الإن�سان بوجوده ع��ن �شريكه عمر‪ .‬ل�م��اذا ال ينجح مَ حمد في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪77‬‬


‫الرواية �أي�ضا جاءت نتيجة حوار مع �أعمال‬ ‫�إبداعية عالمية‪ ،‬وم�شاركة لهذا الركام الأدبي‬ ‫في تحليل الإن�سان‪� ،‬إذ كرّ�ست مبد�أ المغامرة‬ ‫كما هو الحال مع �سيرفانت�س الذي يرى �أن فهم‬ ‫العالم �شيء غام�ض‪ ،‬يتطلب قوة ال تقل عظمة‬ ‫عن «�أنا ديكارت»‪ ،‬كما يرى «كونديرا»‪ .‬لذلك‪ ،‬فـ‬ ‫«محمد» الإن�سان الب�سيط من الناحية الثقافية‬ ‫يخو�ض المغامرة‪ ،‬ي�ساعده في ذلك عبد الرزاق‬ ‫الأكثر ثقافة‪ .‬يجب على الكل مهما كانت ثقافته‬ ‫�أن ينخرط في م�شروع البحث عن الذات‪� ،‬أما‬ ‫مبد�أ التفوي�ض الذي يعي�شه العالم العربي فلن‬ ‫ي�ؤدي بنا �إال �إلى مزيد من االنطما�س‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الح�صول على امتداد في الم�ستقبل‪ ،‬فيف�شل في‬ ‫جميع عالقاته مع الجن�س الآخر؟ �ألأنه ال يريد‬ ‫�أن يتنازل عن ترفعه لم�صلحة امر�أة؟ �أم لأنه‬ ‫ما يزال ينظر �إلى المر�أة على �أنها �شيء؟ �شيء‬ ‫يزعج �إذا ما ناق�ش �أو �أبدى ر�أيا!؟‬

‫خزانة �شهرزاد‬

‫نحو قراءات جديدة للأنواع ال�سردية‬ ‫علبة الأ�سرار وم�ستويات المحكي العجائبي‬ ‫الكاتب محمد �أنقار‬

‫تماماً‪ ،‬كما هو الحال عند «جوي�س»‪.‬‬

‫■ ر�شيد اخلديري*‬

‫لقد عكفت «�شيخ الرماية» ‪ -‬خا�صة الف�صل‬ ‫الثالث ‪ -‬على ت��أم��ل ت��دخ��ل الالعقالني في‬ ‫ال�سلوك الب�شري‪ ،‬كما هو الحال في رواي��ات‬ ‫«تول�ستوي»‪ ،‬باعتبار الالعقالني يدخل لي�س‬ ‫بال�ضرورة في الواقع‪� ،‬إنما في الوجود بو�صفه‬ ‫ت�����س��ب��ر ال���رواي���ة ال��ل��ح��ظ��ة ال��م��ا���ض��ي��ة بكل‬ ‫حقال للإمكانات الإن�سانية‪ .‬فهل يبني الإن�سان‬ ‫غمو�ضها‪ .‬تعيد كتابة التاريخ بر�ؤيا �أكثر حيادية‪.‬‬ ‫م�ع��رف�ت��ه ب��وج��وده م��ن خ�ل�ال ن��ظ��رة �أح��ادي��ة‬ ‫تعيد �إل��ى الحا�ضر لحظات الما�ضي‪ ،‬كما هو‬ ‫محكومة ب�شروط «علمية» تبث كل يوم ن�سبيتها‪.‬‬ ‫الحال عند برو�ست‪ ،‬وتترك للقارئ حق تنظيم‬ ‫يبدو �أن �شيخ الرماية تحاول �أن ت�ؤ�س�س لفهم‬ ‫التاريخ وقراءته‪ .‬ثم تالعب اللحظة الحا�ضرة‬ ‫التي ال يمكن القب�ض عليها‪� .‬إنها لحظة مائعة جديد للعالم والوجود‪.‬‬

‫يُمثّل كتاب «خ��زان��ة �شهرزاد‪ ،‬الأن���واع ال�سردية في �أل��ف ليلة‬ ‫وليلة» للباحثة الدكتورة �سعاد م�سكين �إ�ضافة في نوعه للمكتبة‬ ‫ال وتمثالت جمالية‬ ‫ال�سردية العربية‪ ،‬منجزا ن�صياً و�أفقاً متخي ً‬ ‫ووظيفية لمفهوم الأن����واع ال�����س��ردي��ة؛ ولي�س ج��زاف��اً �أن تختار‬ ‫ال��ب��اح��ث��ة ك��ت��اب «�أل����ف ليلة ول��ي��ل��ة»‪ ،‬م��و���ض��وع درا���س��ت��ه��ا وم��ح��ور‬ ‫ان�شغالها؛ بل ه��ذا الكتاب يمثل نموذجاً حيا من نماذج الكتب‬ ‫التراثية التي يُراهَن عليها من �أج��ل ت�أثيت الأعمال ال�سردية‪.‬‬ ‫وال�شك �أن «كتاب �أل��ف ليلة وليلة» له قيمة تاريخية وهوياتية‬ ‫وجمالية؛ فهو يعك�س تلك العلبة المملوءة بالأ�سرار والمحكي العجائبي وتمثالث‬ ‫الخيوط ال�سردية‪� .‬أ�شارت �سعاد م�سكين في مقدمة الكتاب �إلى �أن «الليالي» بمفهومها‬ ‫الثقافي الفكري تعك�س الوعي الكليّ بالأن�ساق والنظم الحكائية والبنائية‪ ،‬وقد تُمكِّننا‬ ‫من �صياغة نظرية �سردية عربية‪ ،‬بمقدورها محاكاة الواقع العربي‪ ،‬والخروج من‬ ‫جدلية الحقيقة والوهم في درا�سة الم�صادر التراثية التاريخية‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انكف�أ الكاتب‪ ،‬منذ بداياته الأكاديمية‪ ،‬على تطوير ت�صور نقدي يروم تطوير �أدوات بالغية جمالية وتداولية‬ ‫لقراءة الأدب الإن�ساني‪ ،‬وقد كتب في هذا ال�صدد كتابات نقدية منها‪ :‬بناء ال�صورة في الرواية اال�ستعمارية‪،‬‬ ‫�صورة عطيل‪ ،‬بالغة الن�ص الم�سرحي‪ ،‬ظم�أ الروح �أو بالغة ال�سمات في رواية نقطة النور‪ ..‬وقد �أثبت الناقد‬ ‫والكاتب محمد �أنقار عن كفاية تحليلية م�ستغرقة لهذا المعيار الذي يُعرّفه في �أحد حواراته ب�أن‪« :‬ال�صورة‬ ‫لي�ست مجرد حلبة بالغية‪ ،‬و�إنما هي و�سيلة توا�صلية �إن�سانية‪ ،‬ن�سخّ رها يوميا في حياتنا المعي�شة‪ ،‬ون�ستغلها في‬ ‫�ش�ؤون تفكيرنا وكتاباتنا‪� ،‬أحالمنا وكواب�سنا‪ .‬وفي �ضوء هذا الخاطر التداولي �أحد�س �أن ال�صورة قد تنوب عن‬ ‫البالغة برمّتها‪� ،‬أو عن مجموع �ألوان التو�شية تعبيرية‪� ،‬أو �أن تغدو بابا من �أبواب البالغة الرئي�سة»‪.‬‬

‫وق��د ح��اول��ت الباحثة ر�صد مكونات‬ ‫الخطاب ال�سردي في «�ألف ليلة وليلة»‪،‬‬ ‫من خالل طرح بع�ض الأ�سئلة االفترا�ضية‬ ‫كمحور لال�شتغال على الأن�ساق الداللية‬ ‫والبنائية‪ ،‬ك�شكل من �أ�شكال الخروج من‬ ‫«الم�أزق» النظري نحو وعي جديد بقيمة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ال�ت��راث العربي ال���س��ردي‪ .‬وث�م� َة �س�ؤال‬ ‫جوهري مُ حدِّ د لطبيعة هذه الأن�ساق‪ :‬هل‬ ‫يمكن لتجلٍّ ن�صيٍّ مثل «�ألف ليلة وليلة»‬ ‫�أن يولِّد لنا نظرية في الأنواع ال�سردية؟‬ ‫�س�ؤال كهذا يبدو متاهة في ظل ارتباط‬ ‫النظريات ال�سردية بمعيارية الخطاب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪79‬‬


‫‪80‬‬

‫�إنَّ الباحثة �سعاد م�سكين من خالل نب�شها في هذا‬ ‫ال�ك�ت��اب‪ ،‬ت �ح��اول «ا�ستنبات» ق���راءات ج��دي��دة للمتن‬ ‫ال�سردي‪ ،‬وتجاوز المتون ال�سردية القديمة م�ستفيدة‪-‬‬ ‫كما قلنا‪ -‬م��ن النظريات ال��واف��دة ب��ر�ؤاه��ا الحديثة‬ ‫للأعمال الأدب�ي��ة‪ ،‬وال غ��رو �أن ه��ذا الحفر العميق في‬ ‫«الليالي» لكونها م�صدر الحكي ُيعَدَّ مجازفة في لملمة‬ ‫ت�صورات حكائية لخزانة �شهرزاد‪ ،‬وهذا ما �أ�شار �إليه‬ ‫الدكتور �سعيد يقطين في تقديمه للكتاب؛ كون المو�ضوع‬ ‫معقد و�شائك‪ ،‬وما يزال يثير الكثير من الأ�سئلة فيما‬ ‫يتعلق بنظرية «الأجنا�س الأدبية»‪ ،‬رغم �أن �سعاد م�سكين‬ ‫�سعت من منظور مختلف �إلى ترتيب هذه الخزانة الثرية‬ ‫وفق ت�صورات �أجنا�سية جديدة‪ ،‬ومن ثم يبقى رهان‬ ‫مقاربة النظم الحكائية و�أن�ساقها داخل الن�ص محكوم‬ ‫بطبيعة هذه الأنظمة وطرق تفاعلها مع باقي الم�ستويات‬ ‫الأخرى‪ .‬كذلك تنبهت الباحثة �إلى ال�سمات العامة التي‬ ‫تميزت بها الأن��واع ال�سردية‪ ،‬وحاولت جاهدة تفكيك‬ ‫علبة الأ�سرار بالإتكال على درا�سة ال�صفات المتغيرة‬ ‫والمتحوّلة لليالي‪ ،‬وت�صنيفها وف��ق «فهر�سة» جديدة‬ ‫تراعي الخ�صو�صيات ال�سردية‪ ،‬فو�ضعت كل نوع �سردي‬ ‫في �إطاره المنا�سب �ضمن ن�سق نقدي يعتمد على ثالثة‬ ‫معايير‪ :‬ال�شكل‪ -‬المو�ضوع‪ -‬الوظيفة‪ ،‬تحققا للمق�صدية‬ ‫الن�صية في ان�سجام تام مع الت�شكّالت الخطابية‪ ،‬كما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫وان�شغاله بالتحوّالت العميقة للأن�ساق ال�سردية‪ ،‬نتيجة‬ ‫االحتكاك بـ«المناهج الوافدة» من ال�ضفة الأخرى من‬ ‫جهة‪ ،‬ثم من جهة �أخرى تجدُّد الوعي الإن�ساني والعقل‬ ‫العربي ب�شكل خا�ص؛ رغ��م �أن �سعاد م�سكين حاولت‬ ‫ال��م��زاوج��ة بين م��ا ه��و تنظيري وم��ا ه��و تجريبي في‬ ‫�أفق ت�أ�سي�س نظرية الأجنا�س الأدبية‪ ،‬ككيان متحرك‬ ‫ومتج�سد داخل الممار�سة ال�سردية ب�صفة عامة‪.‬‬

‫�أنها رك��زت على عن�صر «الثقافة ال�شفهية»‬ ‫في تمرير الخطاب‪ ،‬والذي يحتمل ال�صدق �أو‬ ‫الكذب‪ ،‬في �إ�شارة �إلى الراوي والمروي بين‬ ‫الأمانة والوثوقية‪ .‬و�إن يكن‪ ،‬فخزانة �شهرزاد‬ ‫ب�ق��در م��ا تعتمد على التلقائية ف��ي ال�سرد‬ ‫والحكي‪ ،‬ف�إنها خا�ضعة �أي�ضا ل�سرد تراكمي‬ ‫يروم التجاور بين المحكيات ال تجاوزها‪ .‬وفي‬ ‫هذا الإطار ميّزت �سعاد م�سكين بين الحكاية‬ ‫الجادة �أو «الحكاية القدرية» التي تتحكم في‬ ‫م�صير ال��ذات والفرد‪ ،‬ثم الحكاية الهزلية‬ ‫ال �ت��ي تتميز ب�ط��اب��ع ال�م�ف��ارق��ة وال�م�غ��اي��رة‪،‬‬ ‫والحكاية العجيبة التي ت�سعى �إل��ى تحيين‬ ‫الممكن والمحتمل‪.‬‬ ‫ه��ذا الكتاب ي�ح��اول الك�شف ع��ن الأن��واع‬ ‫ال�سردية وتمظهراتها داخ���ل ع��ال��م م�سيّج‬ ‫بعوالم �شتى؛ ال�سيما �أن «�ألف ليلة وليلة» ُي َع ُّد‬ ‫كتابا تراثيا ين�شغل �أكثرَ ب�سرود داخل ال�سرد‪،‬‬ ‫لذلك ف�إن الخ�صي�صات البنائية والجمالية‬

‫والوظيفية خا�ضعة –بال�ضرورة‪ -‬لمنطق‬ ‫��س��ردي ي��روم التعبير ع��ن م��واق��ف تاريخية‬ ‫و�إن�سانية وثقافية واجتماعية‪ ،‬للتخفيف من‬ ‫مظاهر االخ��ت�لال النف�سي والعاطفي الذي‬ ‫تعي�شه الذات كنوع من التحدي‪� ،‬أو ردة فعل‬ ‫تجاه القيم ال�سائدة‪.‬‬ ‫ال �شك �أن �سعاد م�سكين ل��م تخرج عن‬ ‫الإطار النظري للأن�ساق ال�سردية‪ ،‬لكن هذا‬ ‫الكتاب –في جوهره‪ -‬يبقى دع��وة �صريحة‬ ‫للنقاد والباحثين في التراث من �أجل تتبّع هذا‬ ‫الم�شروع وتبنّي �أفكاره المرجعية‪ ،‬واال�ستفادة‬ ‫م�ن��ه ف��ي �إ� �ض��اءة ال�م�ت��ن ال �� �س��ردي ال�ع��رب��ي‪،‬‬ ‫ومتابعة التطورات النقدية التي يعرفها الن�ص‬ ‫التراثي العربي ب�شكل خا�ص‪.‬‬

‫* �شاعر وناقد من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪81‬‬


‫�أو البحث عن الوطن الم�ستباح‬ ‫■ حممد العناز*‬

‫�صدر عن دار الأم��ان بالرباط‪ ،‬رواي��ة جديدة للأديبة والناقدة المغربية زهور‬ ‫كرام‪ .‬الرواية تحمل عنوانا دا ًال «غيثة تقطف القمر»‪ ،‬والرواية من الحجم المتو�سط‬ ‫موزعة �إلى ع�شرين مقطعا مكثفا‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫تتناول الرواية حكاية فتاة ا�سمها «غيثة»‬ ‫تجد نف�سها ف��ي ال�سجن ب�سبب ف�ضحها‬ ‫للف�ساد‪ .‬وه��ي تعمل بجريدة «الفيترينا»‪،‬‬ ‫وب�سبب جر�أتها الفا�ضحة لل�سيد «�سيدا»‬ ‫�ستزج ف��ي ال�سجن‪ ،‬ليتخلى عنها زوجها‬ ‫ومحيطها‪ ..‬ت�خ��رج «غ�ي�ث��ة» م��ن ال�سجن؛‬ ‫ت�ستعيد الما�ضي الكئيب الذي حولّها �إلى‬ ‫فتاة �شاحبة وكئيبة‪ ،‬ت�سكّن جراحها ب�أقرا�ص‬ ‫تداوي كل �شيء‪ ،‬يظل جرحها غائرا ع�صيا‬ ‫ع���ن ال��ف��ه��م‪ ،‬ت��ن��خ��رط ف���ي ال��م��ج��ت��م��ع من‬ ‫جديد‪ ،‬لتكت�شف الأم��را���ض والأوه��ام التي‬ ‫ل�صقت ب��ه؛ تت�أمل االنتهازية وه��ي تنخر‬ ‫�أعماق المجتمع‪ ،‬تت�أمل الأوهام التي تتحول‬ ‫مع م��رور الوقت �إل��ى حقائق ثابتة‪ ،‬تت�أمل‬ ‫�أ�سرتها وهي تنهار‪ ،‬وكيف �أن زوجها تخلّى‬ ‫عنها بمجرد ا�ستدعائها لال�ستنطاق‪ ،‬الزوج‬ ‫ال��ذي �آم�ن��ت ببيا�ض قلبه‪ ،‬لكنه م��ع ذلك‬ ‫كانت ت�شك في تلك النقطة ال�سوداء التي‬ ‫تعمر قلبه‪ ،‬وتغذّي م�شاعره تجاه القبيلة‬ ‫التي ت�سكنه وت�سكن عائلته‪ .‬تخلّى عنها لأن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫بطنها لم ينتفخ‪ ،‬تخلّى عنها لأنها �أ�صبحت‬ ‫ت�شوّ�ش على م�ستقبله الوهمي‪ ..‬تتخلّى عنه‬ ‫لأنها ت�ؤمن �أن الجرح ال يخون‪.‬‬ ‫تخرج من معتقلها �إل��ى معتقل الحياة‬ ‫ل�ت��واك��ب ان�ه�ي��ارات ج��دي��دة‪ ،‬ل�ت��واك��ب حلم‬ ‫�شقيقها ع�م��ر ف��ي ال �ه �ج��رة �إل���ى ال��دي��ار‬ ‫الإيطالية؛ ق�صد ال�ع��ودة ب�سيارة حمراء‬ ‫تلهب م�شاعر بنات الحيّ ؛ تواكب والدتها‬ ‫وهي تنهار محلّقة في ال�سماء دون عودة؛‬ ‫تعيد ترميم خ�ساراتها‪� .‬شقيقها عمر يكتفي‬ ‫باالنتماء �إلى مجموعات المعطلين الذين‬ ‫يطالبون بالعمل‪ ،‬بينما «غيثة» تعود �إلى‬ ‫الجريدة لكي تفهم �س�ؤاال محوريا‪ :‬لماذا‬ ‫تخلت ال �ج��ري��دة عنها وه��ي ف��ي غياهب‬ ‫المعتقل؟ تكت�شف �أن جريدتها �أ�ضحت في‬ ‫ملكية «ال�سيد ال�سيدا» ال��ذي يطرد �أنفها‬ ‫المتل�ص�صة على الروائح‪ .‬تخرج من �سجنها‬ ‫�إلى خالد الذي ي�ستوعب حماقاتها وتهورها‪،‬‬ ‫خالد يبارك خروجها من ال�سجن‪ ،‬وي�شرع‬

‫زهور كرام‬

‫لها قلبه‪ ،‬كيف تنام فيه عارية؟ لكنها ت�ؤجّ ل كل‬ ‫�شيء؛ ت�ؤجل ق��راءة ر�سالته التي يعر�ض فيها‬ ‫على عمر �أن ي�شتغل معه في م�شروعه كم�ست�شار‬ ‫قانوني‪ ،‬حتى تتجاوز الألم ويتجاوز عمر العبث‪،‬‬ ‫وجاء خالد حامال معه الب�شارة لعمر‪ ،‬لكن عمر‬ ‫هو الآخ��ر حلّق في اتجاه والدته‪ ،‬مخلّفا وراءه‬ ‫غبار الك�آبة والأل��م؛ فترحل «غيثة» �إلى قدرها‪،‬‬ ‫ترحل �إلى مكاتب التحقيقات للت�أكد من تورطها‬ ‫في موقع �إلكتروني يف�ضح ف�ساد «ال�سيد ال�سيدا»‪،‬‬ ‫تخرج �سالمة وفي قلبها هدف واحد‪ ..‬هو ف�ضح‬ ‫«ال�سيد ال�سيدا»‪ ،‬تعود �إلى الكتابة ع�شقها الأول‬ ‫والأخير‪ ،‬تكتب مقالها «غيثة تقطف القمر»؛ لأن‬ ‫الوطن لن يعود �إال بالحب‪.‬‬ ‫«غيثة تقطف القمر»‪ ،‬رواية بمذاق خا�ص‪ ،‬فقد‬ ‫كتبت بروية وهدوء‪ ،‬والقلق الذي تحدثه الرواية‬ ‫لم يكن قلقا عبثيا بقدر ما هو قلق مخطط له؛‬ ‫فبقدر ما هي رواي��ة مكثّفة وم��وج��زة من حيث‬ ‫الم�ساحة الورقية والبنية التركيبية للجملة‪� ،‬إال �أن‬ ‫هذا الإيجاز والتكثيف عمّق �أحا�سي�سنا‪ ،‬وجعلنا‬ ‫نعيد فهم الم�سافات الحا�صلة بين الأح��داث‪،‬‬ ‫لنعيد ترتيبها وف��ق وعينا الجمالي والمعرفي؛‬ ‫رواية تتكلم با�سم الطبقة المتو�سطة‪� ،‬أو الطبقة‬ ‫المتنورة‪ ،‬ومن خاللها نفهم تمثّل الوطن عند‬ ‫ال�شعب والنخبة المثقفة والنخبة الفا�سدة‪ ،‬وهي‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫«غيثة تقطف القمر»‬

‫الطبقات التي تنتج ت�صوّرا خا�صا للوطن‪ ،‬يتراوح‬ ‫بين ال�ح��ب واالن�ت�ه��ازي��ة واال��س�ت�غ�لال‪ .‬و«غيثة»‬ ‫تمثل �صوت ال��وط��ن المندحر‪� ،‬إن�ه��ا تميل �إل��ى‬ ‫�صنف البطل الإ�شكالي الذي ال ينهزم‪ ،‬ويتحدى‬ ‫الإع��اق��ات؛ بينما عمر يمثل � �ص��ورة المجتمع‬ ‫االنهزامي ال��ذي يبحث عن الحلِّ الأ�سهل؛ �أما‬ ‫ال�سيد �سيدا‪ ،‬فهو يمثل الطبقة الفا�سدة التي‬ ‫ت�ستغل ثروات البالد والعباد‪ ،‬وكي تحافظ على‬ ‫مكت�سباتها تقمع كل �صوت قد يف�ضح رائحتها‪..‬‬ ‫�إن ��ه ك��ل ح��دث �أو �شخ�صية ينبني على دالل��ة‬ ‫�إيحائية احتمالية مفتوحة‪ ،‬لن تتحقق �إال �إذا قمنا‬ ‫ب�إعادة �إنتاج المحكي ال�سردي وفهمه في تعالقه‬ ‫ال�سردي‪.‬‬ ‫كما لج�أت زهور كرام �إلى �إيقاع �سردي �سريع‪،‬‬ ‫بهدف مواكبة التحوالت ال�سريعة التي يعي�شها‬ ‫المجتمع بطبقاته‪ ،‬بو�ساطة لغة ت��و ّزع��ت بين‬ ‫المخيال الواقعي المبا�شر وال�شاعرية الإيحائية‪،‬‬ ‫مع التنويع في �ضمائر ال�سرد‪ ،‬وتداخل الأزمنة‪..‬‬ ‫هي رواية ممتعة ال �شك �أنها �ستخلق الكثير من‬ ‫الأ�سئلة في وطن الحكاية‪� ،‬أق�صد وطننا‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪83‬‬


‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫�أوراق الغرفة (‪)8‬‬ ‫�شعرية الت�أمل الوجودي‬ ‫على �شفير الموت‬

‫ه�شام بن�شاوي*‬

‫مَن يقر�أ ديوان “�أوراق الغرفة (‪ ”)8‬لل�شاعر العربي �أمل دنقل (‪1983-1940‬م)‪،‬‬ ‫وهي الغرفة ذاتها التي �أق��ام فيها �أمل دنقل �أكثر من عام ون�صف في معهد الأورام‪،‬‬ ‫�سيلم�س ذل��ك الوعيّ ال�شقي والحاد ل��دى مبدعنا مرهف الإح�سا�س‪ ،‬وال��ذي يدرك‬ ‫بحد�سه �أن �أيامه في الدنيا باتت معدودة‪ ،‬و�سيالحظ هيمنة وطغيان ثيمة الموت‪،‬‬ ‫�إذ تتكرر مفردة الموت وم�شتقاتها كالر�صا�ص‪ ،‬الدم‪ ،‬ال�سكين‪ ،‬التراب‪ ..‬في الق�صيدة‬ ‫الواحدة �أكثر من مرة‪ ،‬وهذا يعزى �إلى الظروف النف�سية لل�شاعر‪ ،‬وهو ينتظر الموت‬ ‫كخال�ص من عذابات ال�سرطان الذي نخر ج�سده النحيل‪� .‬أمّا ك�شاعر‪ ..‬فقد انت�صر‬ ‫على المر�ض الخبيث‪ ،‬وترك للأجيال هذا الديوان الخالد في القلوب‪ ،‬و�سيجد القارئ‬ ‫نف�سه منبهرا ب�صوره ال�شعرية الناب�ضة‪« :‬هل �أنا كنت طفال‪� /..‬أم �أن الذي كان طفال‬ ‫�سواي»‪ ،‬وهو الجنوبي الذي يخ�شى قنينة الخمر والآلة الحا�سبة‪ ،‬وي�شتهي �أن يالقي‬ ‫«الحقيقة والأوج��ه الغائبة»‪ ،‬ولعل «الجنوبي» عك�س بقية ق�صائد الغرفة ‪ 8‬موغلة‬ ‫في الأ�سى ال�شفيف واالنك�سار النهائي‪ ،‬ك�أنما ال�شاعر يرفع الراية البي�ضاء‪ ،‬وينتظر‬ ‫م�صيره المحتوم في ا�ست�سالم موجع‪ .‬وعلى الرغم مما قيل عن �أم��ل دنقل‪ ،‬ونعته‬ ‫بال�شاعر ال�صعلوك‪ ،‬فقد بقي وفيا لق�ضية �شعبه‪ ،‬للب�سطاء الذين كان واحدا منهم‪،‬‬ ‫عميق االرت�ب��اط بوعي القارئ ووج��دان��ه‪ ،‬كما ت�شي بذلك ق�صائده ال�لاذع��ة‪ ،‬عفوية‬ ‫التعبير‪ ،‬من دون التواري خلف بهرجة اللفظ‪ ،‬وتزييف الحقائق‪ ،‬كما يفعل الكتبة‬ ‫والمت�شاعرون‪.‬‬ ‫في ق�صيدة «�ضد من؟ »‪ ..‬على ال�سرير‬ ‫الأبي�ض‪ ،‬يبدو لل�شاعر اللون الأبي�ض ‪ -‬رغم‬ ‫نقائه وطهارته‪ -‬معادال جماليا للفناء؛‬ ‫فكل ��ش��يء ف��ي الغرفة ي��ذ ّك��ره بالكفن‪..‬‬ ‫نقاب الأطباء‪ ،‬ولون المعاطف‪ ،‬المالءات‪،‬‬ ‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫�أرب�ط��ة ال�شا�ش والقطن‪ ،‬قر�ص المنوّم‪،‬‬ ‫�أنبوبة الم�صل‪ ،‬كوب اللبن‪« ،‬كل هذا ي�شيع‬ ‫بقلبي الوهن‪ /‬كل ه��ذا البيا�ض يذكرني‬ ‫بالكفن‪ /‬فلماذا �إذا مت‪ /..‬ي�أتي المعزون‬ ‫مت�شحين‪ /‬ب�شارات لون الحداد؟ »‪.‬‬

‫في «زهور» يكتب دنقل برهافة �شاعر‪ ،‬خبر‬ ‫تروي�ض خيول اللغة‪ ،‬و�صار ال�شعر بالن�سبة �إليه‬ ‫«ال �ف��رح المختل�س»‪ ،‬يلتقط ك��ل م��ا ه��و من�سي‬ ‫ومهمّ�ش في حياتنا اليومية‪ ..‬كتب عن الزهور‬ ‫التي تجود ب�أنفا�سها الأخيرة‪ ،‬ما «بين �إغفاءة‬ ‫و�إف��اق��ة»‪ ،‬وي�ستح�ضر رحلة ال�م��وت‪ ،‬التي تبد�أ‬ ‫بلحظة قطفها‪/‬ق�صفها‪ ،‬وانتزاعها من عر�ش‬ ‫جمالها‪ ،‬وتحويلها �إل��ى مجرد �شيء للزينة‪،‬‬ ‫يخ�ضع لمنطق البيع وال�شراء في زم��ن تعليب‬ ‫وت�سليع كل �شيء‪.‬‬ ‫�أم ��ا «ال �� �س��ري��ر»‪ :‬ف��رغ��م �أن ه��ذا الجماد‬ ‫(ال�سرير) جرّده من �إن�سانيته‪ ،‬من هويته و�صار‬ ‫�شاعرنا مجرد رقم‪ ،‬وبيانات على ورق �صقيل‬ ‫معلّق على واجهة ال�سرير‪ ،‬لكن �أمل دنقل ي�ؤن�سن‬ ‫ه��ذا ال�سرير‪� ،‬إن��ه كبقية الأ� �س �رّة‪ ،‬ال ي�ستريح‬ ‫لج�سد حتى ي�ألفه‪� ،‬إذ �سرعان م��ا ي�غ��ادر من‬ ‫ينام فوقه‪ ،‬باالنغما�س في نهر الحياة‪ ،‬و�صخب‬ ‫اليوميّ �أو ينحدر جهة القبر‪ ،‬هما طريقان ال‬ ‫ثالث لهما‪.‬‬ ‫في «دي�سمبر» ي�شبّه ال�شاعر الموت بطائر‬ ‫ال � ��رخّ ‪ ،‬ال� ��ذي ت �ه��دي��ه ال��راه��ب��ات ال �ت��واب �ي��ت‪،‬‬ ‫و«المبادلة الخائبة»‪ ،‬يحب ظلمة العدم الآ�سنة‪،‬‬

‫يتلقى النفايات تلو النفايات من دون كلل‪ ،‬وال‬ ‫يحب المطر‪ ،‬وال �أن يتطهر بــ«الرقة الفاتنة»‪.‬‬ ‫دي�سمبر‪� ،‬إن��ه �شهر ال��وداع والرحيل‪ ،‬ويثير في‬ ‫النف�س �شجنا و�أ��س��ى غام�ضا ل��دى الأ�سوياء‪،‬‬ ‫بالأحرى �شاعر عليل يترقب لحظاته الأخيرة‪.‬‬ ‫هذا الموت الذي ال يحبّ الب�ساتين‪ ،‬وال ف�صل‬ ‫الربيع‪ ..‬هو �صديق للخريف والنهايات وذبول‬ ‫الأوراق وال �غ �ب��ار وت �ع � ّف��ن ال �ث �م��ار وال��ج��دران‬ ‫المت�آكلة‪� ..‬إنه مثل ف�صل الخريف‪ ،‬الذي ال يحبه‬ ‫�أحد‪ ،‬لأنه مرادف للموت‪.‬‬ ‫ومن ق�صائد الديوان الجارحة بمتقابالتها‬ ‫و�أ�ضدادها «الطيور»‪� ،‬إذ يقارن بين الطيور التي‬ ‫ال تغادر علياءها‪ ،‬وال ت�ستكين للنا�س‪ ،‬بعك�س‬ ‫ال��دواج��ن ال�ت��ي تق�أقئ ح��ول الطعام المتاح‪،‬‬ ‫وتنتظر «�سكينة الذبح» من اليد الآدمية التي‬ ‫تهب القمح‪ ،‬و«تعرف كيف ت�سنّ ال�سالح» �أي�ضا‪.‬‬ ‫الطيور الأولى ال تحتوي الأر�ض جثمانها �إال‬ ‫عند اال�ستقرار النهائي‪ ،‬مع ال�سقوط الأخير‪،‬‬ ‫وك ��أنَّ ال��دواج��ن علمت �سلفا �أن «عمر الجناح‬ ‫ق�صير‪ .»..‬هي ر�ؤية للموت من خالل التحليق‪/‬‬ ‫الحياة‪ /‬االن��دف��اع‪ ،‬وك ��أن ال�شاعر تلب�سته روح‬ ‫المعرّي في هذا الن�ص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪85‬‬


‫«ال �خ �ي��ول»‪ :‬ك��ان��ت ب��ر ّي��ة طليقة‪ ،‬و��ص��ارت‬ ‫ل�ل��ره��ان‪ ،‬ال���س�ب��اق��ات‪ ،‬ال�م��رك�ب��ات ال�سياحية‪،‬‬ ‫والتقاط ال�صور‪..‬‬ ‫و«ف��ي بكائية ل�صقر قري�ش» يت�ساءل �أم��ل‪:‬‬ ‫«فمتى يقبل موتي‪ /‬قبل �أن �أ�صبح مثل ال�صقر‪/‬‬ ‫�صقرا م�ستباحا؟!»‪.‬‬ ‫في قالت امر�أة في المدينة‪« :‬كتب عن جيل‬ ‫الإحباط والخيبة‪ ،‬والقد�س التي لم ُت َر �إال في‬ ‫ال�صور‪ ،‬والمعتقلين ال�سيا�سيين الذين يحفرون‬ ‫�أ��س�م��اءه��م ب��أظ��اف��ره��م على ج ��دران ال��زن��ازن‬ ‫المعتمة‪ ،‬و«ال���ص��ور المنزلية لل�شهداء» التي‬ ‫يعلوها الغبار‪ ،‬وال �أحد يُلبّي نداء القد�س ال�سليبة‬ ‫غير �صورة الجد و�سيفه ال�صدئ المعلقين على‬ ‫ال�ج��دار‪ ،‬وه��و الم�شهد نف�سه ال��ذي ا�سته ّل به‬ ‫الق�صيدة‪.‬‬ ‫في ق�صيدته «�إلى محمود ح�سن �إ�سماعيل»‬ ‫ي�ستح�ضر وج��وه الغائبين‪ ،‬و�ألفة الوطن التي‬ ‫ت��رح��ل م��ن ال�ع�ي��ن‪ ،‬واالغ� �ت ��راب‪« :‬ن�ت�غ��رب في‬ ‫‪86‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫جدير بالذكر �أن �شاعرنا كان �ضد التطبيع‬ ‫مع الكيان ال�صهيوني‪ ،‬وق�صيدته ال�شهيرة «ال‬ ‫ت�صالح» خير دليل �إدان���ة‪ ،‬وك��ذل��ك ق�صيدته‬ ‫التي هجا فيها الهوان العربي والإح�سا�س العام‬ ‫باالنك�سار «البكاء بين ي��دي زرق��اء اليمامة»‪.‬‬ ‫فقد كانت ق�ضيته الأولى والأخيرة هي الحرية‪،‬‬ ‫فعا�ش عا�شقا لها‪ ،‬ممتلئا بحب الحياة وال�شعر‪.‬‬ ‫ك��ان يقا�سم �أ� �ص��دق��اءه غرفاتهم و�أ�سرتهم‬ ‫ورغيف خبزهم وكتبهم‪ ،‬كان «ينتمي �إلى الريح‬ ‫واال�ضطراب»‪ ،‬بتعبير زوجته الكاتبة والناقدة‬ ‫عبلة الرويني‪ ،‬كان «تاريخ الأر�صفة هو تاريخه‬ ‫ال�شخ�صي»‪.‬‬ ‫ع��ا���ش �أم��ل دن�ق��ل وت���ش�رّد م��ن �أج��ل الحب‬ ‫والحرية والكرامة‪ ،‬ول��م يبال بحطام الدنيا‪،‬‬ ‫ونختم هذه القراءة المتوا�ضعة ب�شهادة رفيقة‬ ‫دربه‪ ،‬وهي غنية عن التعليق‪« :‬يوم ال�سبت ‪21‬‬ ‫�أي��ار ‪1983‬م �س�ألته‪ :‬هل �أن��ت حزين؟ ف�أ�شار‬ ‫وه��و عاجز عن الكالم تماما ب ��أن‪ :‬نعم‪ .‬وفي‬ ‫الثالثة �صباحا ح��اول ن��زع حقنة الغلوكوز من‬ ‫يده‪ .‬رف�ضت الممر�ضة و�شقيقه نزعها‪ ،‬فنظر‬ ‫�إليّ وكانت عيناه تطلبان مني الراحة‪ ،‬فنزعت‬ ‫الحقنة من يده‪� .‬أغم�ض عينيه في هدوء ودخل‬ ‫في غيبوبة �أخيرة‪ ،‬لقد كان وجهه هادئا وهم‬ ‫يغلقون عينيه‪ ،‬وكان هدوئي م�ستحيال و�أنا �أفتح‬ ‫عيني»‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الأر�� ��ض‪ .‬ن�صبح �أغ��رب��ة ف��ي ال�ت��آب�ي�ـ��ن‪ /‬ننعي‬ ‫زه��ور الب�ساتين»‪ ،‬وال ي�ق��ر�أون من ال�صفحات‬ ‫الأولى للجرائد غير العناوين‪ ،‬ثم تغو�ص الأعين‬ ‫ف��ي ال�صفحات م��ا ق�ب��ل الأخ��ي��رة‪ ،‬م�ستعيدة‬ ‫�أل�ف��ة الأ� �ص��دق��اء‪ ،‬وذك��رى ال��وج��وه‪ ،‬والحيوية‪،‬‬ ‫والده�شة‪ ...‬والبيا�ض الوحيد المرتجى‪ ،‬الذي‬ ‫يتوحدون فيه هو «بيا�ض الكفن»‪.‬‬

‫بيت وفكرة‬ ‫الحكمة في زمن الجنون‬ ‫(‪)1‬‬

‫■ د‪ .‬بهيجة م�صري �إدلبي*‬

‫«اتركوا لل�شعر �أن يحكم هذي الأر�ض»‬

‫(�سليمان العي�سى)‬ ‫كلُّ ما يحتاجه ال�شاعر هو �أن يحلم كما تحلم الطبيعة‪ ،‬لتنبثق الق�صيدة من حلمه‪،‬‬ ‫كما القطرة من نبع عتيق‪ ،‬ولت�ستوي كما الفرا�شة على ب�ساط من رحيق؛ فال�شعر ‪-‬كما‬ ‫يرى ال�شاعر �سليمان العي�سى‪ -‬هو الإن�سان‪ ،‬لأنه غناء الفطرة وفطرة الكائن التي‬ ‫�أن�ش�أت �أحالمه �إن�شاء‪.‬‬ ‫�أن يحلم ال�شاعر‪ ،‬يعني �أن ين�شئ وجودا في الخيال‪ ،‬و�أن ين�شئ خياال في الوجود‪،‬‬ ‫لأنه ي�ؤول الحياة عبر حلمه‪ ،‬وي�ؤول الحلم في الحياة‪.‬‬ ‫فهل ح�ي��اة ال�شعراء حلم ��ض��ارب في‬ ‫ال �خ �ي��ال؟ �أم خ �ي��ال ال �� �ش �ع��راء ب�صيرة‬ ‫ت�ستقرىء المجهول وت�ستنبت الحكمة من‬ ‫قلق العتمة؟‬ ‫ال �شك �إن ال�س�ؤال الذي �سلكه الدكتور‬ ‫عبد ال�ع��زي��ز المقالح ف��ي مقدمة كتاب‬ ‫“بيت وفكرة”‪“ :‬هل ه��و زم��ن للحكمة‬ ‫�أم زم��ن للجنون؟ ” ي�ضعنا على حافة‬ ‫ال�ق�ل��ق ال��وج��ودي ل�ل�إن���س��ان ال ��ذي �أرب�ك��ه‬ ‫الرك�ض حير ًة بين الحكمة والجنون‪ ،‬وبين‬ ‫ُ‬ ‫الحافتين؛ حافة الحكمة‪ ،‬وحافة الجنون‬ ‫ينتبه ال�شعر لي�ستدرج الجنون �إلى الحكمة‬ ‫وي�ستقرئ الحكمة في الجنون‪ ،‬لأن ال�شعر‬

‫الذي ي�ستقرىء الإن�سان ال بد و�أن يغت�سل‬ ‫ف��ي نهر الجنون ح � َّد الك�شف‪ ،‬وف��ي نهر‬ ‫الحكمة ح � َّد ال�صمت‪ ،‬لت�ستوي ر�ؤاه في‬ ‫كثافة اللغة الغائبة في معناها والحا�ضرة‬ ‫في مبناها؛ ال لتر�سخ المبنى دون المعنى‪،‬‬ ‫و�إنما لت�شير بالمبنى �إلى �أ�سرار المعنى‪.‬‬ ‫وم��ن هنا‪ ،‬فالحكمة في ال�شعر لي�ست‬ ‫ه��رب��ا م��ن ال�لاوع��ي ال�شعري �إل��ى الوعي‬ ‫العقلي‪ ،‬و�إنما هي ا�ستدراج لقلق الكائن‬ ‫�إل��ى ب�صيرة ال�شاعر؛ وهي �أ�شبه بفاكهة‬ ‫المجهول ال�ت��ي يبدعها القلق كما يرى‬ ‫ال�شاعر �سليمان العي�سى‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪87‬‬


‫ومن ثَمَّ ‪ ،‬هي لحظة احتكاك الوعي بالالوعي‪،‬‬ ‫العقل بالجنون‪ ،‬ما يجعل عتمة الذات في لحظة‬ ‫�إ�شراق ت�ضيء الفكرة بالحلم والحلم بالفكرة؛‬ ‫لي�صبح الجنون ب��دء الحكمة‪ ،‬والحكمة ثمرة‬ ‫ارتجاج الروح على �أر�ض من القلق‪:‬‬

‫خذني �إلى ال�صهيل‬ ‫خذني �إلى الجنون‬ ‫يا �سيد الحكمة‬ ‫بدء الحكمة الجنون‪� .‬ص ‪202‬‬

‫ما العمر‬ ‫لذلك عندما يخت�صر ال�شاعر تجربته ب�أبيات ما التاريخ‬ ‫مختارة ا�ستلها من �أعماله الكاملة‪ ،‬فهو يعيد ما الدنيا‬ ‫�إنتاجها في المعنى‪ ،‬والمبنى‪ ،‬والر�ؤيا؛ �أي يعيد بال قيثارة حلم‪� .‬ص ‪99‬‬

‫‪88‬‬

‫لحظة االحتكاك بين الوعي والالوعي بين العقل‬ ‫والجنون‪ ،‬ليعيد ا�ستنباتها في زم��ن مختلف‪،‬‬ ‫ويعيد ا�ستب�صار ر�ؤاه ��ا وكثافتها ف��ي ال��ر�ؤي��ة‬ ‫ال�شعرية؛ ف� ��إذا بالتجربة ال�شعرية ت�ستنبت‬ ‫في مرايا ال��ذات‪ ،‬وت�ستدرج �إل��ى مقام الك�شف‬ ‫لي�ضعنا ال�شاعر �أمام مراياه ور�ؤياه وجها لوجه‪،‬‬ ‫لنقر�أ الذات عبر تحوّالتها في الوجود ق�صيدة‬ ‫ناه�ضة من �صدى المعنى في النف�س‪ ،‬ومن قلق‬ ‫النف�س في الحرف‪ ،‬وك�أن بال�شاعر �أراد �أن يكتب‬ ‫�سيرته عبر ت�أويل مختلف‪ ،‬وعبر التوقف عند‬ ‫انبثاقات ه��ذه الأب�ي��ات التي اغت�سلت في نهر‬ ‫الحكمة والجنون‪ ،‬حكمة التجربة وجنون ال�شعر‬ ‫لت�صبح �صدى للروح الطافحة بالحلم‪ ،‬وهي‬ ‫ت�ستدرج كثافة الزمن �إلى كثافة اللغة‪ ،‬وكثافة‬ ‫اللغة �إل��ى كثافة المعنى؛ لأن��ه �أراد م��ن هذه‬ ‫المختارات التي امتدت على مدى ت�سع وع�شرين‬ ‫مجموعة �أن تكون �أ�صداء لروحه في الق�صيدة‪،‬‬ ‫لتقارب في كثافتيها الر�ؤيوية وال�شعرية وعمقها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫وم��ن َث��مَّ ‪ ،‬ينه�ض ال�شعر ف��ي حلم ال�شاعر‬ ‫ليو�سّ ع الحياة‪ ،‬ويو�سّ ع الوجود‪ ،‬ويو�سّ ع الر�ؤيا‬ ‫ال�شعرية التي �أن�شيء عليها‪ ،‬ورفع قواعد روحه‬ ‫عليها‪:‬‬

‫ما �أ�ضيق الدنيا �إذا جردت‬ ‫من خلجات ال�شعر وال�شاعر‪� .‬ص ‪32‬‬ ‫ذلك لأن ال�شعراء الذين يتحدثون على عتبة‬ ‫الوجود‪ ،‬كما يرى با�شالر‪ ،‬وهم الذين ي�صنعون‬ ‫ه��ذا ال��وج��ود ب��أح�لام�ه��م‪ ،‬كما ي��رى ال�شاعر‬ ‫�سليمان العي�سى‪:‬‬

‫نحن هذا الحلم المجهد‬ ‫رواد ال�سماء‬ ‫ملحي بحار ال�شوق‬ ‫نحن اّ‬ ‫نحن ال�شعراء‪� .‬ص ‪118‬‬ ‫ولعل ما يميز هذه المختارات ال�شعرية التي‬

‫ت�ضع القارئ �أم��ام م�سيرة لم يغادرها الحلم‬ ‫لحظة �شعرية‪ ،‬ول��م يخفت بريق ال�سر فيها‪.‬‬ ‫فال�شاعر �سليمان العي�سى‪ ،‬وكما هو معروف عنه‪،‬‬ ‫لم يتخلَّ عن �أحالمه‪ ،‬رغم كل االنك�سارات التي‬ ‫�صدعت روحه‪ ،‬ورغم كل الهزائم التي منيت به‬ ‫�أمته‪ ،‬ليبقى متما�سكا حالما �شاعرا ي�ستب�صر‬ ‫الم�ستقبل؛ لأنه ال ي�ستطيع �أن يرى عالما من دون‬ ‫حب‪ ،‬ومن دون �شعر‪ ،‬ومن دون �أطفال‪:‬‬

‫�أيها ال�شعر‬ ‫�س�أوا�صل معك الرحلة‬ ‫لأني ال �أريد هذا العالم‬ ‫بدون حب‬ ‫بدون �شعر‬ ‫بدون �أطفال‪� .‬ص ‪140‬‬

‫غنى للطفولة‪ ،‬وللحياة‪ ،‬وللإن�سانية‪:‬‬

‫كل م�صلوب على الرمل رفيقي‬ ‫كل محروم على الأر�ض �شقيقي‪� .‬ص ‪91‬‬ ‫لتبقى �أغانية تنب�ض بالحياة بقدر ما فيها من‬ ‫�إخال�ص للكلمة‪ ،‬و�إخال�ص للتجربة‪ ،‬و�إخال�ص‬ ‫للذات؛ لأن ال�شعراء ي�شتعلون كي تتنف�س الدنيا‬ ‫بعطرها المختلف‪ ،‬وت�أتلف بوجودها البكر‪:‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫فاكهة المجهول‬ ‫ال يزرعها في الأر�ض‬ ‫ال يبدعها �سوى القلق‪� .‬ص ‪213‬‬

‫الإن�ساني �أ�صداء ال�سيرة الذاتية لنجيب محفوظ‬ ‫في هذا التعالق بين الذات والن�ص‪ ،‬بين ال�صدى‬ ‫والمعنى‪ ،‬بين ال�شاعر والحياة؛ �إال �أن ال�شاعر‬ ‫العي�سى ا�ستدرج ه��ذه الأ� �ص��داء م��ن �أزمنتها‬ ‫المختلفة التي �أن�شئت خاللها ليذر�أها في كتاب‬ ‫واح��د‪ ،‬ولم تكن �أ�صداء من�ش�أة لذاتها‪ ،‬و�إنما‬ ‫بب�صيرة ال��ذات لذاتها؛ حيث ت�ستوي �أحالمه‬ ‫و�آالمه وقلقه و�أ�سراره و�أ�سئلته ور�ؤياه عبر �أبيات‬ ‫جمعها حلم ال�شاعر في الحرية في الحياة في‬ ‫البحث عن ن�شيد للإن�سانية‪ ،‬حيث‪ /‬قمة الحلم‬ ‫�أن تكون ن�شيدا‪� /‬ص ‪ 97‬لأن ال �شيء ي�ستوي في‬ ‫الوجود �إال عبر هذا الحلم‪:‬‬

‫ارتدت ثوب الحكمة ال�شعرية المعا�صرة‪ ،‬ذلك يحلو ن�شيد الحب حيث‬ ‫االن�سجام الذي ت�ستوي فيه الذات بالعالَم؛ فهي �أكون حرا في غنائي‪� .‬ص ‪48‬‬

‫هم ال�شعراء ما زالوا‬ ‫حريق الغابة البكر‬ ‫وي�شتعلون كي تتنف�س الدنيا‬ ‫غريب اللون والعطر‪� .‬ص ‪152‬‬

‫الح�س العميق الذي تنبثق منه‬ ‫مدركا بذلك َّ‬ ‫ح�س الطفل ال�شاعر ال��ذي يتحرك‬ ‫الق�صيدة‪َّ ،‬‬ ‫وبالتالي ا�ستعاد تما�سك روحه بهذا االن�سجام في اللغة‪ ،‬والمعنى في الذات والعالم‪� .‬إنه الطفل‬ ‫بين الذات والق�صيدة‪ ،‬بين الق�صيدة والعالم ال��ذي ينب�ض ف��ي الق�صيدة كنب�ض النبع في‬ ‫خا�صة‪ ،‬عندما تحول �إلى الكتابة للأطفال الذين الأر�ض‪:‬‬ ‫كان يرى فيهم تعوي�ضا عن االنك�سار وهزيمة‬ ‫�أكتب ال�شعر مثلما ي�ضحك الطفل‬ ‫الحلم العربي؛ لأنه كما يقول‪:‬‬

‫ول�ست ب�شاعر �إني‬ ‫مواجع �أمة تولد‬ ‫�شاعر ولد وهو يحلم‪ ،‬وعا�ش وهو يحلم‪ ،‬ورحل‬ ‫وهو يحلم‪ ،‬لي�صبح م�سيرة من الحلم ال تنتهي‪،‬‬ ‫ولتبقى في �أحالمه مج�سّ دة في هذه المختارات‬ ‫التي �أرادها �أن تكون وجهه ال�شعري‪ ،‬و�سره في‬ ‫تحقيق ان�سجامه التام بين ذاته والعالم‪.‬‬ ‫هذا هو ال�شاعر �سليمان العي�سى الذي غنى‬ ‫للحلم‪ ،‬غنى للوطن‪ ،‬غنى للحرية‪:‬‬

‫ويبكي وي�ستغيث وي�شهق‪� .‬ص ‪74‬‬

‫فال�شاعر �سليمان العي�سى‪ ..‬بهذه المختارات‪،‬‬ ‫بل هذه المرايا‪� ،‬إنما يُن�شى ُء ذاك��رة للتجربة‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬وم��ن َث ��مَّ ُي�ن���ش��ى ُء ذاك ��رة ال�شاعر‬ ‫والمتلقي ال��ذي يبحث ع��ن وج��ه ال�شاعر في‬ ‫مراياه المختلفة عبر م�سيرته ال�شعرية‪ ،‬ليبقى‬ ‫ال�شاعر العي�سى ذاك ��رة لأج �ي��ال ت��رب��ت على‬ ‫ق�صائده‪ ،‬وعلى ح�سّ ه الإن�ساني الذي كان ينه�ض‬ ‫من الإن�سان‪ ،‬ومن �أجل الإن�سان‪ ،‬ليب�شر بالإن�سان‬ ‫القادم الذي يحمل �شعلة الخال�ص لهذا العالم‪.‬‬

‫ * �شاعرة وناقدة �سورية‪.‬‬ ‫(‪� )1‬سليمان العي�سى‪ ،‬بيت وفكرة‪ ،‬وزارة الثقافة‪� ،‬سورية‪2002 ،‬م‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪89‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ير �أَ َوا ِن ِه‪..‬‬ ‫مطر في َغ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫■ �إميان مرزوق*‬

‫ال �شي َء يُقلق الكاتبَ �أكثر من حالة «العجز» الإب��داع��ي‪ ،‬عندما ال تج ُد «�أف��ك��اره الجَ و ِفيَّة»‬ ‫ال للو�صولِ �إلى الق�شر ِة ال َورَقية!‬ ‫�سبي ً‬ ‫م َّر وقتٌ طوي ٌل من ُذ �آخر مرة ا�ستطاع فيها حياك َة حِ كاي ٍة �شَ يِّقة‪..‬‬ ‫ف ُكلَّما َه َّم بكتاب ِة �شيء جديد‪ ،‬وج َد نف�سه مَ�سلوباً‪ !!..‬وك�أنما جِ نّي ًة قد �سرقت كلماته‪ ،‬وتركت‬ ‫هواجِ �س ُه محبو�س ًة في قُمقُمٍ «مَر�صود» بح ّي ٍة ذاتِ �أربعة ر�ؤو�س‪..‬‬ ‫ما هو جَ ديد َُك؟؟ �س�ؤا ٌل قَمي ٌء يَكرَهُ هُ‪ ..‬لأنه‬ ‫ال يعرف له جواباً!‬

‫ان َتقَلَ خطو ًة للأمام‪..‬‬

‫ ل�ي����س م �ه �م � ًا �أن �أع� � ��رِ َف ال���س�ب��ب‪..‬‬‫فكَّر مل َّي ًا عَ َّل ُه يج ُد تف�سير ًا منطقي ًا لِما َي ُم ُّر و“عُ مرينُه” ما بَطُ لَ العَجَ ب‪!..‬‬ ‫بِه‪..‬هل هو تمرد ال �شعوري على كلمات بالكاد‬ ‫�أن��ا �أح�ت��اجُ ِل�ح��لٍّ ‪� ..‬أري � ُد �أن �أع��و َد لِلكتابة‪..‬‬ ‫ُت ِقمْنَ �أَ َودَه!‬ ‫ولي�س �أيّ كتابة!‬ ‫َ‬

‫�أمْ هو َت � َر ُّي��ثٌ قَ�سري و�سط ُرك��ام الكلمات‬ ‫المنزلقة ب�سماجة على الأ�سطح الح�سا�سة‪..‬‬ ‫زرق��اء وخ�ضراء‪ ،‬تغريدات وعبارات وثرثرات‬ ‫ت���وزع ب��ال�م�ج��ان ف��ي ك��ل م �ك��ان ت �ط ��أه عيناك‬ ‫الجافتان من ق��راءة �أ�شياء كثيرة ال تعرف لها‬ ‫نف�س �أم �سواه!‬ ‫ر�أ�سا من ق��دم‪ ،‬هل هي حديث ٍ‬ ‫حكمة هرمة‪� ،‬أم ق�صيدة‪� ،‬أم ن�صيحة �أم مقال‬ ‫�أم عظة‪ ،‬كلمات وكلمات وكلمات في كل مكان‪.‬‬

‫وجدتها‪..‬‬ ‫ف��ي ك��لِّ ي��ومٍ ح�ك��اي��ة‪ ..‬نعم �س�أكتب ف��ي ُك��لِّ‬ ‫ي ��ومٍ ح �ك��اي �ةً‪“ ..‬هِ يك خَ اوة”! ��س��أك� ُت��ب‪ ،‬لن‬ ‫يُهمَّني �أعجبني ما كتبتُ �أمْ لَمْ يعجبني‪ ..‬عَ لَيَّ‬ ‫ِبع�ض تمارينِ الإحما ِء قبل �أن تعو َد لي لياقتي‬ ‫ب ِ‬ ‫الإبداعية‪..‬‬

‫هكذا دونَ عميقِ تَفكير‪ ،‬و« ِبتَناحَ ة» منقطعة‬ ‫�أ�صبحت الكتابة �أ�سهل م��ن ت�ن��اول رقائق النظير؛ فتح جهاز «ال�لاب ت��وب» الخا�ص به‪،‬‬ ‫«ال�شيب�س»‪ ،‬و�أ�صعب من �إدخ��ال بهجة حقيقية �أن�ش�أ «فولدراً» جديد ًا �أ�سماه (كل يوم حكاية)‪..‬‬ ‫على قلب يتيم!‬ ‫ثم َت �ر َ​َك �أ�صا ِب َع ُه تَن ُق ُر َوج � َه «الكيبورد»‪..‬‬ ‫ربما ال يتجاوز الأمر ب ُرمَّته حالة ك�سلٍ كانت و�شَ َفتَي ِه ُتتَمتِم ب�أِولى ال َكلِمات‪ :‬مط ٌر في غَ يرِ‬ ‫عابرة‪ ..‬قبل �أن ت�ستطيب الإقامة في ظلِّ وِحدَ تِه! �أَوا ِن ِه على زَهرٍ يُحب ُِط ال َّثمَر‪..‬‬

‫‪90‬‬

‫ * كاتبة وقا�صة من الأردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫َك ْل َب َن ٌة‬ ‫■ حممد مباركي*‬

‫يلتقي ال�����سُّ �� ّي��ا ُح م��ن جن�سيات مختلفة ف��ي م��دي��ن��ة �ساحلية جميلة م��ن وط��ن��ي‪،‬‬ ‫لال�ستمتاع بحمّامات ال�شّ م�س وال�سّ هر في ال�سّ احات‪ ،‬حيث تقا ُم مهرجانات المو�سيقى‬ ‫الفولكلورية‪ .‬ي�أتي ه���ؤالء �صحبة كالبهم المدلّلة‪ .‬ي�شاركونها الم�أك َل والم�شربَ‬ ‫والأ�سرّة‪ ،‬ما كان يغيظ مُديري الفنادق والإقامات ومُ�سْ تخدميها‪ ،‬لكنّهم كانوا يُدارو َن‬ ‫َغيْظ ُه ْم باالبت�سامات وعباراتِ التّرحيبِ بال�سّ يّاح وكالبهم‪.‬‬ ‫كانت �أغ �ل��بُ ال�سّ ائحاتِ ُت�ـ�ن��ادي على‬ ‫كالبها كما تنادي الأمهاتُ على �أبنائها‪.‬‬ ‫ومِ نهنّ �سيد ٌة �أوربية‪ ،‬ا�صطحبتْ معها‪ ‬كلبا‬ ‫من نوع «الكاني�ش» ا�سمه‪�« ‬سو�سو»‪ .‬تحمله‬ ‫بين ذراعيها حيثما حلّت‪ ،‬بعد �أن تنظّ فه‬ ‫وتم�شط �شعره وتحوّله �إلى دمية متحركة‬ ‫لتباهي به ال�سّ ائحات الأخ��ري��ات‪ .‬ركبتْ‬ ‫مَ ّرةً‪� ‬صحبة كلبها عربة «كوت�شي» يجرّها‬ ‫ح�صا ٌن بربريٌ ق��ويٌ ‪ .‬و�أم��رتِ ال�سائقَ �أنّ‬ ‫اكت�شاف‬ ‫َ‬ ‫يتجوّل بها في الأط��راف‪� .‬أرادت‬

‫الوجه الخفيّ للمدينة الجميلة‪ .‬مكّـنتها‬ ‫هذه الجولة البطيئة من م�شاهدة مظاهر‬ ‫الفقر المدقع الباعث على التّقزّز‪ .‬كانت‬ ‫تخاطب كلبها بين الحين والآخر قائلة‪:‬‬ ‫ اُنظ ْر هناك يا «�سو�سو»‪ .‬اُنظ ْر هناك!!‬‫لكن الكلب ك��ان مُت�ضايقا من �سيّدته‬ ‫ومن عنايتها الكبيرة به‪ ،‬والتي جعلته ي�شعر‬ ‫بالأ�سر الدّائم‪ .‬لم تكن تتركه لحظة واحدة‬ ‫يُناجي فيها نف�سَ ه ويُحدّثها‪ .‬كره �أن تناديه‬ ‫بعبارة‪�« ‬سو�سو ابني العزيز»‪ .‬رف�ض �أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪91‬‬


‫وتنبّهت الكالب �إلى تلك القِال َد ِة المُذهّ ب ِة‬ ‫التي تُطَ ِوّقُ عُ نُقَ «الكاني�ش»‪ .‬و�س�أله جَ � ْروٌ‪« :‬ما‬ ‫في تلك الجولة‪ ،‬راق للكلب «�سو�سو» منظر‬ ‫هذه القالدة التي حول عنقك؟»‪.‬‬ ‫ال�ضالة‪� .‬شاهدها تنبحُ وتتهار�ش‪ ،‬فتمنى‬ ‫الكالب ّ‬ ‫«الكاني�ش» بعمقٍ واغْ � � َر ْو َر َق ��تْ عينا ُه‬ ‫ُ‬ ‫تَنهّدَ‬ ‫و�صرَخَ في‬ ‫لو كان معها ينبح ويتهار�ش هو الآخر‪َ .‬‬ ‫ب�صوت مخنوقٍ ‪« :‬هذه القالدة هي‬ ‫ٍ‬ ‫بالدّمو ِع و َر ّد‬ ‫داخله �صرخ ًة مدويةً‪:‬‬ ‫«ي��ا ع��ال��م!! ه��ذه ه��ي ال �ك�لابٌ الحقيقيةٌ‪ .‬القيد ال�سّ الِبَ لحُ رِ يَتي المهدورة»‪.‬‬ ‫اُنظروا كيف تتم ّت ُع بحريتها وتعت ّز بـ « َك ْل َب َنتِها»‪.‬‬ ‫كم هي جميلة‪ ‬ورائعة ٌ!!»‪.‬‬

‫وعاد ي�س�أله‪« :‬ما هذه الرّائحة الطّ يبة التي‬ ‫تفوح منك؟»‪.‬‬ ‫غ�ضن «الكاني�ش» مالمح وجهه وردّ‪« :‬هي‬ ‫ّ‬ ‫رائحة عطر خا�ص بالآدميين‪ ،‬و�أنا �أكرهها‪� .‬أنا‬ ‫�أح��بُ الرّائحة التي تفوح منكم‪ .‬من �أي��ن لكم‬ ‫بها؟‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫ * قا�ص من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الدب‬ ‫القطرة التي �سقطت على وجه ّ‬

‫�س�أله الجَ ْر ُو ثانية‪« :‬هل �أنت عب ٌد مملوكٌ ؟»‪.‬‬

‫ر ّد الكاني�ش َر ّد ًا حَ ��زي�ن�اً‪�« :‬أج ��لْ ‪� ،‬أن��ا عب ٌد‬ ‫غ��اف��لَ �سيّدت ُه ف��ي �صبيحة ال�ي��وم الموالي مملوكٌ »‪.‬‬ ‫وهرب من الفندق‪ ،‬واتّجه �إلى هوام�ش المدينة‪،‬‬ ‫نظر ال��جَ �� ْر ُو �إل��ى رف��اق��ه وق���ال‪�« :‬إ ّن �ن��ا ننعمُ‬ ‫حيث ر�أى تلك الكالب‪ .‬وقف مُتوجّ �سا يُراقبها‪،‬‬ ‫وهي منهمكة في اللّعب‪� ..‬شاهدته‪ ،‬فجرتْ �إليه بالحرّية وال نَ�شعر يا رفاق!‬ ‫وتَحَ ّلقَتْ حوله‪ .‬ت�شمّمتـ ُه وعط�ستْ ب�شدّة‪� .‬س�أله‬ ‫لحظتها‪� ،‬سَ مِ عَتِ الكالبُ جـَ َل َب ًة من ورائها‪،‬‬ ‫كبيرها‪« :‬مَ ن �أنت؟ »‪.‬‬ ‫ففرّت مُردّدة‪« :‬الهروب‪ .‬الهروب»‪.‬‬ ‫ر ّد «الكاني�ش» با�سما في �أدب‪�« :‬أنا �سو�سو»‪.‬‬ ‫ا�سْ تنفرتْ ال�سيّدة الأوربية ك ّل مُ�سْ تَخْ دِ مي‬ ‫ال�ضالُ �إلى رِفاق ِه وقال‪�« :‬إنّه كلب‬ ‫نظر الكلبُ ّ‬ ‫�سائح»‪.‬‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫يكون‪�« ‬آدميا»‪ ‬كما �أرادت �سيّدته‪� .‬أراد �أن يكون‬ ‫كلبا يتمتّع بكامل «كَـ ْل َب َن ِتهِ»‪ .‬حاول �إفهامها ذلك‬ ‫وع�ض الأطفال والعجائز‪ .‬وحاول بع�ض‬ ‫بالنّباح ّ‬ ‫معارفها �إقناعها بـ «كَـ ْلبَنة» «�سو�سو»‪ ،‬لكنّها كانت‬ ‫ترف�ض ذلك وتر ّد عليهم بعناد‪« :‬هو كلبي وابني‬ ‫العزيز»‪.‬‬

‫ال�ضالة من �س�ؤاله‪ ،‬ور ّد عليه‪ ‬‬ ‫�ضحكت الكالب ّ‬ ‫كبيرها‪« :‬هي رائحة البراغيث والتّراب‪ .‬نحن‬ ‫ال نَ�ستح ُّم مثلكم‪ .‬نحن ن�ستحمّ ُم ْكرَهينَ تحت‬ ‫المطر»‪.‬‬

‫ال�ف�ن��دق ‪ -‬ب�م��ا فيهم ال�م��دي��ر ‪ -‬للبحثِ عن‬ ‫كلبها‪ .‬وخَ ّ�ص َ�صتْ لمنْ يَعث ُر عليه مكاف�أ ًة مالية‬ ‫ُمغْرِ يَة‪ .‬وحين عُ ِث َر عليه وجيء به �إليها‪َ ،‬وبَّخَ ْت ُه‬ ‫و َربَطَ ْتهُ‪ ‬ب�سل�سل ٍة في �شرف ِة غُ رفتِها بالفندق‪.‬‬ ‫ال�ضالة الهائمة في‬ ‫منها كان يُراقبُ الكالبَ ّ‬ ‫وَ�سَ ِط المدين ِة م�سا ًء ويبادلها النُّباحَ و ُي َل ِوّحُ لها‬ ‫غياب‬ ‫بقائمتيه‪ ،‬مُماِر�سا جزء ًا من «كـَ ْل َبنَتهِ» في ِ‬ ‫�سَ يّدته‪.‬‬

‫■ علي عطار*‬

‫�إلى كل طفل من‪� 7‬إلى ‪�77‬سنة‬

‫ك��ان دبٌّ ي�سكن ف��ي بيت جميل‪�.‬صحيح �أن ت�صميمه ق��دي��م‪ ،‬لكنه مت�سع بما فيه‬ ‫الكفاية‪ ،‬ويتوافرعلى حديقة الينق�صها �سوى �شيء من العناية‪.‬‬ ‫اعتاد الدبّ ‪� ،‬صاحب البيت‪� ،‬أن ي�سهر �إلى �ساعة مت�أخرة خارج البيت‪ ،‬في مقهى الحي‬ ‫لكن برد هذا ال�شتاء �أجبره على الإقالع عن تلك العادة‪ ،‬في البيت يمكنه اال�ستمتاع‬ ‫بم�شاهدة التلفاز وهو ملفوف ب�أغطية �سميكة‪.‬‬ ‫بد�أت قطرات المطر ترتطم بزجاج النوافذ و�سرعان ما انهمرت بقوة‪ ،‬فقال الدبّ‬ ‫في نف�سه‪:‬‬ ‫ح�سنا فعلت‪ ،‬لو ت�أخرت في المقهى �إلى �آخر وو�ضع �سطال فارغا في المكان الذي‬ ‫كان فيه ال�سرير‪ .‬فكر بجديِّة‪�« :‬إن �سقف‬ ‫هذا الوقت لتبللت بهذا المطر‪.‬‬ ‫نزلت قطرة مطر مبا�شرة على وجه الحجرة بحاجة �إلى �إ�صالح»‪.‬‬ ‫توالت القطرات على ال�سطل مثل الأنغام‬ ‫الدبّ ‪،‬رفع الدبّ ر�أ�سه نحو �سقف الحجرة‪،‬‬ ‫لقد كانت قطرة �أخرى تت�أهب لأن ت�سقط المو�سيقية‪ .‬غط الدبّ في نوم عميق‪.‬‬ ‫على وجهه لكنه تلقاها بكفه‪.‬‬ ‫ف��ي ال�صباح ك��ان الجو �صحوا‪ ،‬ن�سي‬ ‫ق��ام ال ��دبّ وح� �وّل ��س��ري��ره �إل ��ى مكان ال��دبّ �أمطار تلك الليلة وم�شكل ال�سقف‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪93‬‬


‫عندما عاد الدبّ �إلى بيته في الم�ساء‪،‬كانت‬ ‫بقعة كالقر�ص مبللة على ال�سقف‪ .‬قال الدبّ‬ ‫لنف�سه‪�« :‬إن طق�س اليوم كان منا�سبا لإ�صالح‬ ‫�سقف البيت لكن ما العمل؟ لقد ن�سيت‪ .‬غدا‬ ‫�س�أقوم بما يجب‪� ..‬س�أت�صل بعامل البناء واتفق‬ ‫معه حول �إ�صالح ال�سقف‪ ..‬ربما ي�ستح�سن �أن‬ ‫�أعر�ض الم�شكل على �صديقي القط‪�،‬إنه يعرف‬ ‫الكثير من عمال البناء‪� ،‬سيدلني على �أكثرهم‬ ‫مهارة»‪.‬‬ ‫ف��ي تلك الليلة ل��م ي�ستطع ال��دبّ �أن ينام‪،‬‬ ‫�صارت القطرات بحجم حبات العنب و�صار لها‬ ‫�صوت �أقوى و�صار ال�سطل يمتلئ في وقت �أقل‪.‬‬ ‫في اليوم التالي ذهب الدبّ �إلى المقهى حيث‬ ‫وج��د �صديقه ال�ق��ط‪� .‬شربا معا القهوة ولعبا‬ ‫الورق‪.‬‬ ‫ لم ت�ستطع �أن تربح �أي دور‪� .‬أي م�شكل ي�شغل‬‫بالك يا �صديقي الدبّ ؟‬

‫هذا اليوم لإ�صالح �سقف بيتك‪.‬‬

‫■ حممد املبارك*‬

‫وت�أخّ ر �إ�صالح ال�سقف يوما �آخر‪.‬‬

‫�صاحَ َب ُه حتى و�صال �إل��ى الغرفة المطلّة على ال�شرفة‪ ،‬وقد خيّم عليها ال�صمت‪،‬‬ ‫فقال له اجل�س‪� ..‬أريدك في �أمر مهم‪ ،‬بعدما جل�سا طلب من (عبدو) �أن يح�ضر لهما‬ ‫ال�شاي‪ ،‬وما �أن جل�سا حتى �أخذ يحدّق في وجه �صاحبه‪ ،‬وك�أن نظراته ت�ستعجله في �أن‬ ‫يبوح بما �صحبه من �أجله‪.‬‬ ‫بد�أ حديثه ‪ -‬وهو ينظر �إلى الأعلى وي�ضع يده على ر�أ�سه وك�أنه يحاول �أن ي�سترجع‬ ‫الما�ضي لي�ستح�ضره �أمامه‪ -‬قائال‪� :‬أتذكر تلك الفتاة التي ر�أيناها وقد �صدمتها‬ ‫ال�سيارة الخ�ضراء بجانب مدر�سة الأم���ل‪ ،‬وك��م ك��ان ال�شارع مكتظا ب��ال��م��ارة‪ ،‬وكيف‬ ‫تجمهروا عند الحادث!‬

‫لم يعد �سطل واح��د كافيا لجمع القطرات‬ ‫التي تنزل من ال�سقف‪ ،‬لذلك و�ضع الدبّ عددا‬ ‫من الأوان ��ي في ع��دة �أرك��ان من البيت‪ ،‬وغيّر‬ ‫مو�ضع ال�سرير ع��دة م��رات‪ ،‬لكن في كل مرة‬ ‫كانت القطرات ت�صيبه‪ ،‬ونام في المطبخ‪.‬‬ ‫و�ضع البنّاء ال�سلم على جدار البيت وبخفة‬ ‫�صعد �إل��ى ال�سطح‪ ،‬ط�لاه بالإ�سمنت‪ ،‬ثم �أخذ‬ ‫ي�صفف قطع الزليج ب�سرعة ذكّرته بالطريقة‬ ‫التي ي�صفف بها �صديقه القط �أوراق اللعب على‬ ‫مائدة المقهى‪ ،‬وفي �أقل من ثانية كان كل �شيء‬ ‫قد تم �إ�صالحه‪ .‬نزل البنّاء الماهر من ال�سطح‪،‬‬ ‫و�ضع �سلّمه على الأر�ض‪�.‬شكره الدبّ وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬كم يلزمني �أن �أدفع لك؟‬

‫ �إنه م�شكل عوي�ص‪� ..‬إن �سقف بيتي بحاجة ‪ -‬ع�شرون ورقة نقدية‪.‬‬‫�إلى �إ�صالح‪� .‬صارت قطرات الماء تنفذ منه‪ - .‬هذا المبلغ كثير‪� ،‬صديقي القط قال لي‪� :‬إن‬ ‫�ضحك القط وقال �ساخرا‪:‬‬

‫‪94‬‬

‫رحلت وبقيت الذكرى‬ ‫َ‬

‫هذا العمل ال يكلف �سوى ورقتين نقديتين‪.‬‬

‫ �أتذكّرها جيدا‪ ،‬ولكن لم ال�س�ؤال عنها؟!‬‫وماذا تريد منها؟‬ ‫ �أب� ��داً‪ ..‬لقد �شدّتني وجذبتني نحوها‬‫ب�أخالقها العالية وتعاملها الراقي‪� ،‬أتذكر‬ ‫عندما حاول �صاحب ال�سيارة �أن يحركها‬ ‫ليرفعها من مكانها �إلى ال�سيارة‪ ..‬كيف‬ ‫رف�ضت ذل��ك مع حالتها تلك‪ ،‬وعندما‬ ‫تقدم لم�سكها من يدها‪ ،‬كيف و�ضعت‬ ‫عباءتها كي ال يم�سها ب�شكل مبا�شر‪.‬‬ ‫�أتذكر عندما ذهبنا بها �إلى الم�ست�شفى‬ ‫ب�صحبة وال ��ده ��ا‪ ،‬ك��م ك��ان��ت ل�ط�ي�ف��ة مع‬ ‫المر�ضى والممر�ضات والطبيبات‪ ،‬ومع كل‬ ‫مَن كان حولها في غرفتها‪.‬‬

‫اب �ت �� �س��م � �ص��اح �ب��ه اب �ت �� �س��ام��ة الم�شفق‬ ‫ال ��ذي ان�ت��اب��ه ال �ح��زن‪ ،‬وب��ان��ت ع�ل��ى وجهه‬ ‫ال �م��رارة وال�ح���س��رة‪�� .‬س��أل��ه بعد �أن الحظ‬ ‫ع�ل�ي��ه ال�ت�غ�ي��ر م��ا ب ��ك؟ م��ا ال���ذي ح ��دث؟!‬ ‫ق ��ال‪ :‬لعلك ال تعلم مَ ��ن تلك ال�ف�ت��اة التي‬ ‫ت �ت �ح��دث ع �ن �ه��ا ك ��ل ه� ��ذه ال� �م ��دة ب ��أن �ه��ا‬ ‫�صاحبة الأخ�ل�اق الفا�ضلة والأدب الجم‪،‬‬ ‫وربما ال تعلم �أي�ضا مَن هذه الزوجة الطيبة‬ ‫والأم الحنون؟‬ ‫زوجة طيبة و�أم حنون!! كيف‪..‬؟‬

‫ لذلك �أنت مزكوم‪..‬‬‫غ�ضب البنّاء و�أم�سك ال��دبّ من عنقه حتى‬ ‫ دعنا من ال�م��زاح‪ .‬قل ل��ي‪ :‬هل تعرف بنّا ًء كاد �أن يخنق‪.‬‬‫متخ�ص�ص ًا في �إ�صالح ال�سقوف؟‬ ‫ا�ستيقظ ال��دبّ م��ذع��وررا‪ ،‬وق��ال‪« :‬يا له من‬ ‫ طبعا �أعرف‪.‬‬‫كابو�س»‪..‬‬

‫لقد �أعجبتني �أخالقها كثيرا‪ ،‬وددت لو‬ ‫انتحب مت�أ�سفا لرحيل الطيبين من هذه‬ ‫كانت زوج � ًة لأح��د �إخ��وان��ي‪ ..‬فلو لم �أت��زوج‬ ‫لوددتها زوجة لي‪( ..‬ي�ضحك)‪.‬‬ ‫الدنيا‪ ..‬وكيف لها �أن ت�ستقيم بعد رحيلهم‪!!..‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫ * قا�ص من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫رغم �أنه اغت�سل بماء ال�سطل الذي كان مو�ضوعا ‪ -‬دلّني عليه‪� .‬أرجوك‪.‬‬ ‫في غرفة نومه‪.‬‬ ‫‪ -‬لو جئت في ال�صباح لطلبنا منه �أن يخ�ص�ص‬

‫نعم‪� ..‬إنها مَن �شيّعناها ودفنّاها بالأم�س!!‬ ‫�إنها زوجة �أخي الأ�صغر و�أم �أوالده‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪95‬‬


‫ألق ع�صاك‬ ‫� ِ‬

‫■ ح�سن برطال*‬

‫برج (الرقابة)‬ ‫في ال�صباح قر�أ الجريدة‪ ..‬وفي الم�ساء كان‬ ‫متهما بالتكتم عن مجموعة من الجرائم‪..‬‬ ‫الجريدة الر�سمية‬ ‫بيتنا بغرفة واحدة‪ ،‬ومع ذلك ال نعرف �أين يُخفي‬ ‫والدي جرائده‪..‬‬ ‫ولما ق�ص�صتُ عليه حلمي وتكلمتُ عن (�إع��ادة‬ ‫ت�صوير الجرائم)‪ ،‬و(تفكيك الع�صابات)‪ ،‬عاقبني‬ ‫على ا�ستعمال و�سادته والنوم في �سريره‪..‬‬

‫ال�صفحة الأخيرة‬ ‫تبللت الجريدة وطم�س ال�سائل (الأ�سود) معالم‬ ‫البيا�ض‪..‬‬ ‫ل��م �أ�ستطع ق ��راءة (ال �ح��روف) لكنني ت��ذك��رتُ‬ ‫(حروف) الوجه العزيز‪ ،‬حينما كان يختلط (الكحل)‬ ‫بالدمع في عين �أمي‪.‬‬ ‫رئي�سة التحرير‬ ‫و�صلتها ق�صة ع�شقه فمزقتها‪ ..‬كل ما كُتب بخط‬ ‫اليد يظل حبرا على ورق‪..‬‬

‫�صفحات من غبار‬ ‫(الح�سا�سية) الجديدة التي بحث عنها طويال‪،‬‬ ‫العدد رقم (‪)0‬‬ ‫انتقلت من الملحق الثقافي �إلى (�أنفه)‪�..‬إنه ي�شم وال‬ ‫�صنعتُ طيارة من جريدة ورقية‪ ..‬ولما ف�شلتُ في يقر�أ‪..‬‬ ‫ال�سفر عبر العالم‪� ،‬أدرك��تُ �أنها (محليّة) ال �أقل وال‬ ‫تغطية �إعالمية‬ ‫�أكثر‪..‬‬ ‫ذلك الذي يتوارى خلف الجريدة يوما بكامله‪ ،‬رجل‬ ‫خائف �أو خجول‪..‬‬ ‫واقية ورقية‬ ‫�أعداد غير �صحيحة‬ ‫ق��ال لي ول��دي‪ :‬ر�أ�سي يبرد خ�لال ف�صل ال�صيف‬ ‫رغ ��م زي��ارات �ه��ا (ال �ي��وم �ي��ة)‪(..‬الأ� �س �ب��وع �ي��ة)‪..‬‬ ‫كلما غطيتُه ب�صفحة من �صفحات الجرائد‪..‬‬ ‫و(ال�شهرية)‪ ..‬كان ي�شعر بالوحدة‪..‬هي لي�ست �صديقة‬ ‫ ربما لي�س فيها �شيء من الأحداث (ال�ساخنة)‪ ..‬جميلة كما كنتُ �أعتقد‬‫يا ولدي‪..‬‬ ‫بل �صحف ومجالت لي�س �إال‪..‬‬ ‫ * قا�ص من المغرب‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا‬

‫■ مي�سون طه النوباين*‬

‫�أدركَنا الوقتْ‬ ‫ق ْم كي نجمع �أمتعة الغ ْد‬ ‫نه ٌر في كفك لي‬ ‫و حدائق ور ْد‬ ‫و �أنا في كفي �ساقية و�سنابل‬ ‫�أعددتُ النار لنخبزها‬ ‫في يوم البر ْد‬

‫يذوب الثل ُج على ال�صحرا ْء‬ ‫�أرح ُل من ذاكرتي‬ ‫و �أغيّر ذاكرة الأ�شيا ْء‬ ‫�ألقِ ع�صاكَ‬ ‫�س�أرح ُل مني‬ ‫كي �أُولد من �ضلع العنقا ْء‬ ‫***‬

‫اقر أ�‬ ‫***‬ ‫تغري َد الطي ِر‬ ‫قم ف�أنا مثلك جائعة‬ ‫�أح���رق���ت �سنين ال��ع��م��ر لأ���ش��ع��ل بع�ض وتمتم َة الأغ�صانِ �صباحا‬ ‫و�صهيل الن�سماتْ‬ ‫النور‬ ‫و ا�سمعني حرفا حرفا‬ ‫يهربُ من كفي‬ ‫من خلفِ بحو ٍر وم�سافاتْ‬ ‫�سربُ �أيائل‬ ‫َفتَلقفْ بالك� ِأ�س مناقي َر الطير‬ ‫***‬ ‫دعها ت�شربُ من خمرتنا‬ ‫اقر�أ‬ ‫و اتركها ترح ُل في عالمنا‬ ‫دندنة العو ِد‬ ‫ال تُبقِ ولو ع�صفورا‬ ‫و �صمتَ الفيرو ِز‬ ‫في اليد‬ ‫و �صرخ َة طفلٍ‬ ‫***‬

‫�أدرِكني الآ َن‬

‫خانت ُه الكلماتْ‬ ‫أم�س‬ ‫و اقر�أ عينيَّ �إذا رحل ال ُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪97‬‬


‫***‬

‫خبِّئني بين ذراعيكَ‬ ‫�إذا ما لمع البرقْ‬ ‫و ا�س ُت ْر عور َة هذا الليل‬ ‫ما زال الزنبقُ في حجرتنا‬ ‫يترقَّبُ م�شيتنا‬ ‫ُدق‬ ‫يرك�ض كالأطفال �إذا البابُ ي ّْ‬ ‫***‬

‫ف ّتـ ِْ�ش عن �أزمن ٍة �أخرى‬ ‫ي�سقط فيها لون ال�صفرة في دمنا‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫فيهدُّ ندانا‬ ‫ال يحم ُّر الإ�سفلتُ‬ ‫فيقطفُ زه َر خطانا‬ ‫***‬

‫�أمطِ ْر بالخ�ضرة هذا الدربْ‬ ‫و تمهَّلْ‬ ‫كي ال ت�سقيَ برعم َة ال�صبا ِر‬ ‫فينبتَ بين �شفاهي‬ ‫من غيرك يجت ُّر الألوان من الأر�ض؟‬ ‫�أحم ُر‬ ‫أبي�ض‬ ‫� ُ‬ ‫�أخ�ضرُ‪..........‬‬ ‫فتعو ُد بال ذنبْ‬ ‫***‬

‫�أدركني الآنْ‬ ‫‪98‬‬

‫ *‬

‫كاتبة و�شاعرة من الأردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫***‬

‫أر�ض‬ ‫م�شّ ْط �شعر ال ِّ‬ ‫و ر َّد �أنوثتها‬ ‫�شم�س من رحم الأحجا ْر‬ ‫كي تول َد ٌ‬ ‫و تعو َد الري ُح تداعبُ وجنتَها‬ ‫ِي�ض الزهر على الأ�شجا ْر‬ ‫تنثر ب َ‬ ‫فيحلقُ ع�صفو ٌر بين الأغ�صانْ‬ ‫يبني من عيدان الزنبقِ عُ�ش ْه‬ ‫يهم�س في �أذن الأر�ض ن�شيدا‬ ‫ُ‬ ‫فيواري �سو�أتها‬ ‫و يكحّ ُل عينيها بالور ْد‬ ‫ينق�ش فوق يديها الحنا َء‬ ‫ُ‬ ‫و يغمرها بال�شه ْد‬ ‫أبي�ض‬ ‫تلب�س ثوبا � َ‬ ‫ال يعرف طعم البر ْد‬ ‫أر�ض بغاباتِ اللو ِز‬ ‫فيت َّو ُج ر� َأ�س ال ِ‬ ‫و �ألوانٍ تر�س ُم ب�سمتنا‬ ‫فيمي�س الق ْد‬ ‫ُ‬

‫عنف ال�سنين‬ ‫■ عبداهلل احمد الأ�سمري*‬

‫دهري يذكرني‬ ‫حديد �سال�سلي‬ ‫عنف ال�سنين‬ ‫َو ِر َّق َة المتفائل‬ ‫ما كنت �أعرف‬ ‫�أ َّن تحت‬ ‫�سمائنا ميالد عا�صفة ودمار منازلي‬ ‫�سدوا على النور في زنزانتي‬ ‫فتوهجت في القلب‬ ‫�شم�س م�شاعلي‬ ‫كتبوا على الجدران رقم هزيمتي‬ ‫َف َنمَتْ في البيادر‬ ‫َم َر ُح �سنابلي‬ ‫***‬

‫ر�سمت على‬ ‫الجدران‬ ‫�صورة ح�سرتي‬ ‫فمحت مالمحها‬ ‫ظالل �شجاعتي‬ ‫تذكرت �أيام‬ ‫الزمان الراحل‬ ‫و �أغمدت في لحن‬ ‫الظالم هزيمتي‬ ‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫تخط تعاريج القهوة‬ ‫�إذ جل�ست عرافتنا تت�أمل ما هو �آتْ‬

‫�ألقِ ع�صاكَ لتلقف‬ ‫هذا البركانْ‬ ‫وا�صنع من فوَّه ِة الموتِ‬ ‫قرابينَ و�شط�آنْ‬ ‫و �أعِ ْد لل�شجر الأخ�ض ِر ب�سمتنا‬ ‫ج ِّر ْد هذا ال�صب َح من العتمة‬ ‫و ا�شربْ من �شفة الفج ِر �ضيا ًء‬ ‫ال�شم�س‬ ‫ْ‬ ‫يوقظ دوا َر‬ ‫و ام�سح عن خد النور‬ ‫أم�س‬ ‫دموع ال ْ‬

‫وغرزت في �ضوء‬ ‫ال�شموع �أناملي‬ ‫ا�ستبكيت �أطاللي‬ ‫فلم �أجد غير‬ ‫منجلي‬ ‫***‬

‫طرحت ع�صا الترحال‬ ‫وعدت متعبا‬ ‫ناءت بي ال�سنين‬ ‫والعمر راحل‬ ‫�أ�صوات �أحفادي‬ ‫تغرد حول م�ضجعي‬ ‫�أردد �آهاتي‬ ‫و�أح�سب خطوتي‬ ‫ابني يردد‬ ‫تعبتَ من‬ ‫كثرة الترحال‬ ‫قف يا �أبي‬ ‫فقلت �إن اعتكفت‬ ‫على �سجادتي‬ ‫�أ�صبحت عابدا‬ ‫بزي مزارع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪99‬‬


‫■ جناة الزباير*‬

‫يُعجبها اندفاع النهر في الإيقاع‪..‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫تبللت ب�أمطار الو�ساو�س‬ ‫كن نهراً لتعجبها!‬ ‫(محمود دروي�ش) لكن �صوت يتمي قال‪:‬‬ ‫هي الهديل يرق�ص فوق ع�شب الب�صيرة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وانحنيت �أرجا فوق ق�صيدها‬ ‫كانتْ تم�شي الهوينى‬ ‫فتحتُ �أقوا�سا زرقاء‬ ‫والق�صيد‬ ‫بين الق�صيد‬ ‫ووقفت على الأطالل‬ ‫وكنت �أتعثر هم�سا‬ ‫كالظم�آن‬ ‫ولمجازها يغني الماء‬ ‫�أ�سكر من و�شو�شات العابرين‪.‬‬ ‫كلما التقيت الرفاق‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ر�سمتُ �ألوانها موناليزا‬ ‫قالت لي‪:‬‬ ‫وحولت خنجر ابت�سامتها‬ ‫بيني وبين هواك‬ ‫لأجنحة ت�صطلي بنار دمي‪.‬‬ ‫�أ�شجار ليل تمد �أعناقها‬ ‫ت�صببتُ �آيات هوى �أمامها‬ ‫هنا كاف المحال‬ ‫لعلي �أ�شرب من ك�أ�س ف�صولها‬ ‫وهناك نون الوهم‬ ‫ففي غربتي العط�شى‬ ‫ت�ستوطن مهجة ان�شطاري‬ ‫�أتلوى‬ ‫فكيف �أُ�شرق هوى‬ ‫و�أعد �أ�صابع هوى كفيف‬ ‫وف�ساتين الروح‬ ‫كي �ألم�س نورها‬ ‫مزقها �ضجيج الوجع؟‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫كنت �أتمطى بين �سطورها‬ ‫تركتْ خيول يدي ت�صهل‬ ‫ت�ضيق بي خيمة ال�صبابة‬ ‫عدوت في حيرتي‬ ‫ف�أعدو و�سط حبات رمالها‬ ‫وجل�ست بين خطوي‬ ‫�أبحث عن �شبيهي‬ ‫�أنف�ض عني غبار هواها‬ ‫المتعب �شغفا‬ ‫لكني في مُزقي انزويت‬ ‫(‪)3‬‬ ‫كيف لها �أن تو�صد باب نهري‬ ‫كانت الحيرة ت�شد جوارحي‬ ‫وتنثر ق�صا�صاتي بين رموزها‬ ‫�أخيط �شتات ذاتي بمفرداتها‬ ‫ف�أغدو مجرد حرف؟‬ ‫و�أ�س�ألني عن رحلة قوافيها‬ ‫تنهدتْ �سالل دمي‬ ‫فال �أجد غير منفاي في روابيها‬ ‫وعبت من ذكرياتي �أحزانها‪.‬‬ ‫ * �شاعرة من المغرب‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫■ م�سفر الغامدي*‬

‫�أمي تحيط عنقي بذيلين نحيلين لعمامة بي�ضاء‬ ‫تعقدهما من الخلف وتترك بقاياهما تتدلى على ظهري‬ ‫ت�ضع في حقيبتي ك�سرة من الخبز‬ ‫مع قطعة مثلثة من الجبن‬ ‫تو�صيني‪ :‬ال ت�أكلها قبل الف�سحة!‬ ‫تختتم م�سل�سل التمرين على الحذاء الجديدة ببروفة �أخيرة‪..‬‬ ‫تخلط الفردتين‪،‬‬ ‫تراقبني و�أنا �أعيد نف�س الخط�أ‪:‬‬ ‫�أ�ضع القدم اليمنى في الفردة الي�سرى‪,‬‬ ‫�أ�ضع القدم الي�سرى في الفردة اليمنى‪..‬‬ ‫ال بد �أنها ت�ضحك لكني ال �أرى �ضحكتها؛‬ ‫لأن ر�أ�سي يتدلى باتجاه الأ�سفل‬ ‫�أمي ت�ضع قدميَّ في مكانهما ال�صحيح‬ ‫ت�ضغط عليهما بقوة وك�أنها تريد‬ ‫�أن تل�صقهما بالفردتين‪..‬‬ ‫تو�صيني ثانية‪ :‬ال تجْ ِر حتى ال تختلط قدماك‪.‬‬ ‫تدفعني �إلى الطريق الذي تقع في نهايته‬ ‫مدر�سة عارية بال �أ�سوار �أو بوابات‬ ‫تظل واقفة على الباب‬ ‫فيما �أم�شي و�أنظر �إلى الخلف‬ ‫كان الطريق طويالً‪ ..‬طويال جداً‬ ‫رغم �أن المدر�سة لم تكن تبعد عن بيتنا‬ ‫‪� ..‬سوى ع�شرات الأمتار‪.‬‬

‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫�أكتبي ما �شئت والعني خطوي‬

‫�سنة �أولى‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪101‬‬


‫■ رامي هالل*‬

‫�أنا و�أنت حرفان في �أبجدية الحب‪..‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وك�سرتان في الإعراب‪..‬‬ ‫تنبت روحك على �ضفاف روحي‪..‬‬ ‫و�سكونان في النغمة‪..‬‬ ‫اخ�ضرت ثم �أزهرت و�أينعت‪..‬‬ ‫�أطلقت فرا�شات ربيع لتلوّن �سماء الروح‪ ..‬مائة �ألف ر�سالة بعثتها �إلى طيفك كي‬ ‫وتوقظ نباتات الأر�ض الناع�سة‪ ..‬وتزيح ال يزورني‪،‬‬ ‫�ستائر الغمام عن �شرفة القمر‪..‬‬ ‫وق���ل���ت ل���ه ك�ل�ام���ا ك��ث��ي��را ع���ن ن���وم���ي‪..‬‬ ‫و�أ�سرجت فتائل النجوم‪.‬‬ ‫فزارني في اليقظة‪.‬‬ ‫روح��ك علمت روح��ي الرك�ض في مروج طيفك ي���زرع ف��ي الليل �أ���ش��ج��ار ال���ورود‬ ‫ال�شم�س‪.‬‬ ‫على و�سادتي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ال تمنحيني ال�سكينة‪..‬‬ ‫يا نقطة غيّرت معنى وجودي‪..‬‬ ‫بل �أطلقي نوافير القلق في ال�شرايين‪ ..‬وال���وج���ود ك��م��ا ال��ك��ل��م��ات ت��غ�� ّي��ر معانيها‬ ‫يا وجهاً ي�ستنزف دموعي كل ليلة‪..‬‬ ‫النقط‪.‬‬ ‫ل��ق��د نبعت ف��ي خ��رائ��ب قلبي الأح����زان �أحبك‪..‬‬ ‫عندما هبت �أعا�صير الذكريات‬ ‫هم�سة غ��ائ��رة ك�صوت قطرة م��اء خرت‬ ‫من جبل‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫�أن���ا ع�لام��ة ا�ستفهام و�أن����ت م��ن ورائ��ه��ا �أحبك‪..‬‬ ‫عالمة تعجب‪..‬‬ ‫رعدة تنداح في الأعماق‪.‬‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫عناق �أخير‬ ‫والتفّت ال�ساق بال�ساق في ٍ‬

‫�أ�صابعي لم تزل تحكي لبع�ضها عنك‬ ‫�أحبك‬ ‫�أ�صابعي لم تزل تجه�ش بالبكاء‬ ‫نغمة مخنوقة في حلق الوتر‬ ‫�أ�صابعي في م�أتم بعد فراق �أ�صابعك‬ ‫�أحبك‬ ‫الفراق تجربة للموت‬ ‫كما تحب الأ�شجار الع�صافير‬ ‫الموت تج�سيد للفراق‬ ‫وكما يحب المطر الأطفال‬ ‫ربما ك��ان قي�س ه��و العاقل الوحيد ف��ي بني‬ ‫�أحبك‬ ‫ول��ن �أ�ستطيع �أن �أواج���ه �أع�ضائي في محنة عذرة‬ ‫الحب مرة �أخرى‬ ‫(‪)6‬‬ ‫�أحبك‬ ‫كيف افترق عنك؟!‬ ‫طوعا وكرها‬ ‫و�أنا ما زلت في ح�ضانة الحب‬ ‫خوفا و�أمنا‬ ‫الفراق‬ ‫�سرا وهم�سا‬ ‫هو وجه الذباح‬ ‫�أحبك في وح�شة الفراق �أكثر‬ ‫ال���ذي ك���ان ي��غ��م ع��ل��ى ال��ب��ي��وت بالليل ليذبح‬ ‫�أحبك بل�سان القلم وحبر القلب‬ ‫الأطفال في ع�صر فرعون‬ ‫�أحبك بلغة جديدة لم تت�شكل في النف�س‬ ‫�صوت الفراق‬ ‫هو �صراخ الأط��ف��ال و�أن��ي��ن الأم��ه��ات و�شخب‬ ‫(‪)5‬‬ ‫الدماء وانطفاء الحياة‪..‬‬ ‫�أنا و�أنت مذبوحان بمدية القدر‬ ‫الفراق‬ ‫ملقيّان على �شعب الطريق‬ ‫�سكين في الظهر‬ ‫تتخطفنا ن�سور الفراق الجائعة‬ ‫ويد �سقطت منها الراية‬ ‫تتقاذف �أ�شالءنا الريح العاوية‬ ‫وي��رق�����ص الليل رق�صة ال��ذئ��اب على �أن��خ��اب الفراق �أعمى‬ ‫الفراق �أحدب‬ ‫ال�شتات‬ ‫المجنون ق��رر �أن يعيد النظر ف��ي ا�سترداد الفراق حجر وقف في طريق الموج‬ ‫عقله‪ ..‬فليلى لي�ست من الظباء‪ ..‬ليلى من الأم������واج ع��رائ�����س ي���ت�ل��ألأ ف��ي وج��ن��ات��ه��ا ن��ور‬ ‫الب�شر المجنون‪ ..‬قرر �أن يرجع طفال حتى ال�شم�س‬ ‫كانت تتراق�ص‬ ‫يقابل ليلى عند جبل التوباد‪..‬‬ ‫�أنا و�أنت �سحابتان اكفهرّتا ف�ساقتهما الريح مع الن�سائم تحت ظالل الأ�شجار‬ ‫ارتطمت فج�أة‬ ‫�إلى بالد بعيدة‬ ‫ب�صخور ال�سد‬ ‫�أ�صابعي لم تزل فيها رائحة من �أ�صابعك‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪103‬‬


‫(‪)7‬‬ ‫�شمعتان ذائبتان من الحب‬ ‫من الأن�س تراق�ص �ضو�ؤهما‬ ‫لب�سا الف�ساتين البي�ضاء‬ ‫لعبا‪� ..‬ضحكا‪ ..‬ف�أ�ضاءا الغرفة‬ ‫وفر الظالم كف�أر هارب‪.‬‬ ‫تعانقا‪ ..‬ت�شاكيا‪ ..‬بكيا‪..‬‬ ‫وفج�أة قفز الإع�صار من النافذة ولطمهما‬

‫* معلم في مدار�س الرحمانية الأهلية للبنين في �سكاكا‪.‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫■ حممد حبيبي*‬

‫نقت�ص ثانية تكون لغيرنا‬ ‫دون �أن ّ‬ ‫�شرط‬ ‫ُ‬ ‫العمر م ّر‬ ‫العمر َم َّر‬ ‫ونحن في قلق نراو ُح بالمتاه ِة ذاتها‬ ‫ب�شرطها القا�سي‬ ‫ال نحن طلنا ما نري ُد من الحياةِ؛‬ ‫تعلمنا الحياة؛‬ ‫وال الحيا ُة ب�سيطة في �صفوها‪ ،‬ابت�سمتْ لنا لكي �أكونكِ ؛ �أو تكونيني‬ ‫العمر َم َّر‬ ‫نحبّ كما عرفنا‬ ‫ول��م ن��ع�� ْد ف��ي زهْ ���و ع�صفورين؛ م��ن غ�صنٍ �أن نحبَّ الآن بع�ضينا‬ ‫لآخ��� َر خائفَين؛ ب����أنْ ت��ه��بَّ ال��ري�� ُح تفزعنا؛ وال نف�شي �إلى �أحد‬ ‫وتف�شي ما نخاف‪..‬‬ ‫ب�إك�سي ِر الخلو ِد ل�س ّر هذا الحبٌ‬ ‫العمر َف َّر‬ ‫فيما بيننا‪..‬‬ ‫بن�صفه المملو ِء‬ ‫فناجين‬ ‫م�سحورَين؛ كيف �أنا و�أنتِ‬ ‫�شكراً لمنْ‬ ‫ُنرَى بعين النا�س!! �أبهى ما نكونُ ؛‬ ‫نثروا على جرحي ملوح َة ُودِّهم؛‬ ‫ُ�ص؛‬ ‫وغافلين عن الزمااان يق ُّ‬ ‫عبَروا بو ْق ِع كعوبه ْم قلبي؛‬ ‫ثاني ًة تمرُّ؛ ولي�س يمكنها تعود!!‬ ‫ول���م ي��ت��ب���ّ��ص��روا �أ َّن اله�شا�شة ف��ي ال�ضلو ِع‬ ‫نموتُ فقراً‪،‬‬ ‫الحانياتِ بحبهم فُلٌّ لبتْالتٍ �سهارى‪!!..‬‬ ‫ن�ستدينُ ؛‬ ‫قُلْ لهم يا ليلُ‪:‬‬ ‫نزي ُح �أحلى الذكريات؛‬ ‫فيمَ؟!‬ ‫لكي يروا �ضحك الحوائط لل�ستائر؛‬ ‫كل زاوي ٍة ت�ضجُّ �سعادةً؛ ال ع ْم َق في لمعانها �أنا وقلبي ال ننام؟!!‬ ‫�إال َم �صدري هكذا؟!‪:‬‬ ‫عمّا بنا‬ ‫�أوتا ُد خيم ِة عا�شقٍ ؛‬ ‫العمر ف َّر‬ ‫ت�ستقب ُل الغربا َء والأحبابَ‬ ‫ولو يعودُ؛‬ ‫ت�سقيهم دِال ًال من فناجينِ ال َغمَامْ؟!!‬ ‫تركت ذرّات الغبار على الجدار؛ بكل ركنٍ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫انفرقت‬ ‫الفراق كان ال�سد‬ ‫ع�������ص���ف���ورة ت��ن��ت��ظ��ر م���ن���ذ ث��ل��اث ل���ي���ال ق���رب‬ ‫الموعد‪..‬‬ ‫اقترب‬ ‫فاقتربت دقات القلب‬ ‫قبلتها ال�شم�س قبيل �أن تغرب‬ ‫وبعث �إليها البحر بن�سمة‬ ‫ابت�سمت ح��ي��ن زق��زق��ت ل��ه��ا ع�����ص��ف��ورة كانت‬ ‫تعرف �سر الموعد‪..‬‬ ‫نادتها �أ�شجار الطريق لكي ت�سوى لها زينتها‬ ‫كان ثمة ع�صفور هنالك منتظرا خلف زرقة‬ ‫ال�سماء‬ ‫ر�أته‪ ..‬انطلقت‪ ..‬تركت القلب يرفرف‪..‬‬ ‫انطلق دوي ال�صوت‬ ‫�صوت ر�صا�صة‬ ‫الآن ت�ساقط روحها ال�شفيفة في قطرات الدم‬ ‫�سقطت‬ ‫الفراق هو الر�صا�صة‬

‫بعنف‪..‬‬ ‫�سقطا‪ ..‬وجرى الظالم في الغرفة ككابو�س‬ ‫مرعب‬ ‫الإع�صار كان الفراق‬ ‫هل �سنلتقي عند جبل التوباد؟!‬ ‫�أم في مدخل ق�صائد ابن زيدون؟!‬ ‫�أم عند الم�شنقة؟!‬ ‫�أنا و�أنت محبو�سان في �أ�سلوب اال�ستثناء‪..‬‬ ‫�إذا قلت �أنا و�أنت فالواو التي بيننا كاذبة‪..‬‬ ‫وكل حروف العطف بيننا خادعة‪..‬‬ ‫يا �سرابا يتراءى لعيني‪..‬‬ ‫قر�أت في مذكرات �أبي �آدم‬ ‫(الفراق قرار �أزلي)‬ ‫«ل��ق��د ع�شت محنة ال��ف��راق �سنين ط��وي��ل��ة‪..‬‬ ‫كانت تجربة قا�سية �أن �أف���ارق ح��واء الجنة‬ ‫من غير ح��واء خ��واء فما ب��ال الأر����ض دوام��ة‬ ‫الالمعنى‬ ‫حواء حياة‬ ‫�أنا ل�ست �إلها‬ ‫ناق�ص ناق�ص‪.‬‬ ‫بيني وبينك واو العطف والحنان والو�صل‬ ‫ل��ن ي�ستطيع ال��ف��راق �أن ين�شب �أظ��ف��اره في‬ ‫القلب ف�أحبيني‪..‬‬ ‫ل���ن ي�����س��ت��ط��ي��ع ال���ف���راق �أن ي��ب��ع��ث��ر ���ص��ن��ادي��ق‬ ‫الذكريات فاذكريني‪..‬‬

‫ن�صان �شعريان‬

‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪105‬‬


‫■ د‪ .‬ن�سرين بنت ثاين احلميد*‬

‫ع�������ـ�������ـ�������ـ�������ادتْ �������ش������ه������ي������د ُة ع�����ل�����م�����ه�����ا ل�����ل�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����دّا ِر‬ ‫ب�������ح�������ج�������ابِ �������س������ت������رٍ ل������فّ������ه������ا و ِدث����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا ِر‬ ‫�����������وف ����ض��� َّم���ـ���ـ���ه���ا ‪ ‬‬ ‫وب�����ك�����ى ال�����ع�����ف�����افُ ب���ح�������ض���نِ جَ ٍ‬ ‫وارت���������������������دّتِ الأ�������������ش������������واقُ دم�����ع�����ـ�����ـ�����ـ�����اً ج����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����اري‬ ‫ع�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ادت م�������آق������ي������ن������ا ب������غ�������������ص������اتٍ وم����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا‬ ‫ع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا َد ال�����ه�����ن�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ُء ب����ع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ود ِة ال������������������زُّوارِ‪ ‬‬ ‫ع������������������ادتْ مُ�������ح�������مَّ�������ل������� ًة ول���������ك���������نْ ك���� ّل����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����م����ا‬ ‫غَ����������ف����������يَ ال����������������ف�����������������ؤادُ‪ ،‬ت��������ل��������فّ��������تَ الإ ْب���������������������ص����������ا ُر‬ ‫ل������ي������ت ال������ح������ن������ي������نُ ل������ه������ا ُي��������������������دا ُر ب����م����ق����ـ����ـ����ـ����ـ����و ٍد‬ ‫ل������ي������ت ال�������م��������آق�������ي ب�����ال�����ي�����دي�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����نِ ُت�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����دا ُر‬ ‫ل�������ك������� ّن������� ُه �أم������������������ ُر الإل�������ـ�������ـ�������ـ�������ه وق��������������� ْد قَ����� َ����ض����ـ����ـ����ى‬ ‫ق���������������د ٌر ي�����������ص�����ي�����ـ�����ـ�����ـ�����بُ وال ي������ف������ي������ ُد ق�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����را ُر‬ ‫ل��������وخ�������� َّي��������روه��������ا ل����������م ت����������������زلْ ِب������خِ ������م������ـ������ـ������ـ������ا ِره������ا‬ ‫ل�������مَّ�������ا ق�������������ض������تْ وال�����������م�����������وتُ ال ُي����خ����ت����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ارُ‪ ‬‬ ‫ذه���������ب���������تْ ك������ط������ي������رٍ ج���������ام���������حٍ ي���������ر ُن���������و ال�����عُ�����ل�����ى‬ ‫ع����������������ا َد ال�������ي�������م�������ـ�������ـ�������ـ�������امُ‪ :‬اغ��������ت��������ال��������ه ال�����������غ�����������دّا ُر‬ ‫غُ ���������������������دِ رَتْ ب�����ظ�����ل�����مٍ وال����� َع�����ل�����ي�����ـ�����ـ�����ـ����� ُم ق�������د اك���ت���ف���ى‬ ‫ب�������ال�������غ�������ادري�������نَ ي����زُجُّ ����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����م ب����ال���� ّن����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا ِر‬ ‫قُ������ت������ل������تْ وم�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ن������������دري �أَ ُي��������ق��������ت��������ل ب���ع���ده���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫غ������ي������ـ������ـ������دا ُء �أم �أ������س�����م�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ُء �أم �أب������ـ������ـ������ـ������ـ������رارُ!؟‬ ‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫في رثاء ناهد المانع‬ ‫ْ‬ ‫عادت �شهيدة علمها للدار‬

‫اح�����ت�����ـ�����ـ�����ار ������ص�����ب����� ُر ال������� ّ������ص������اب������ري������نَ ل�����م�����ا ج�����رى‬ ‫وت�����ط�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����اي�����رتْ ‪ ‬ب������ري������اح������ه������ا الأق������ـ������ـ������ـ������ـ������دا ُر‬ ‫وع������������زا�ؤن������������ا �أ َّن الإل������ـ������ـ������ـ������ـ������ه اخ����ت����اره����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا‬ ‫ل���������ج���������واره �أَن���� ِع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ���� ْم ِب������حُ �������������س������نِ ج����������وا ِر‬ ‫وق�������������ض������ى ب������خ������ات������م������ ِة ال�����������������ش��������ه��������اد ِة ح���ي���ن���م���ا‬ ‫خ��������رج��������تْ لِ������ع������ل������مٍ ‪ ‬؛ ‪ ‬ل��������م ت����� ُع�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ����� ْد ل��������ل��������دّا ِر‬ ‫ي��������ا ن������اع������ق������اً ب�������������������أذىً خ���������س����ـ����ـ����ئ����تَ ول�����������م ت������زل‬ ‫ال�����ع�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ُر ‪� ‬أن����������������تَ وم�����������ا ُت�����������غ����������� ِّر ُد ع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا ُر‬ ‫ب�����ئ�����������س ال�������ع�������ق�������ولُ ع�����ق�����ول�����ه�����م ول���ب���ئ�������س���ـ���ـ���م���ـ���ـ���ا‬ ‫���������ك ج����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����اروا‬ ‫خَ ��������طّ ��������ت ������ش�����م�����ائِ����� ُل�����ه�����م ب����������إف ٍ‬ ‫�آن الأوان‪ :‬ف�����ق�����د ت����ط����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����اول ب���ع�������ض���ه���م‬ ‫ف������� ْل������� ُي�������ن�������ذَروا �أو ُي������� ْب�������عَ�������ثَ ا����س���ت���ن���ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ُر‬ ‫ف�����ل�����ن�����ا �أ�������������س������������و ٌد ‪ ‬ح������ول������ن������ا ت�����ح�����م�����ي ال����ح����م����ى‬ ‫وت������������غ������������ا ُر ح�������ت�������ى ال ُ ي�����������������ش��������قُّ غ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ب����ا ُر‬ ‫�آه ع������ل������ى م��������ن �أَت��������ق��������ـ�������� َن��������تْ ب����ح����ج����ا ِب����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ه����ا‬ ‫��������اف ‪ ‬و ُدثّ������������������������رت ‪ ‬ب����خ����م����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا ِر‬ ‫ف������������نَّ ال��������ع��������ف ِ‬ ‫����������ش���������رفٌ ل������ن������اه������د ع����ل����م����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ه����ا وع�����ف�����اف�����ه�����ا‬ ‫ول���م���ث���ل���ه���ـ���ا ال���ت���ب���ج���ي���ـ���ـ��� ُل والإك���ب���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ُر ‪ ‬‬ ‫ي��������ا �أ ّم ن��������اه�������� َد ك����ف����ك����ف����ـ����ـ����ـ����ـ����ي دم�������ع�������ا ً ج��������رى‬ ‫ف�����ل�����ن�����اه�����دٍ ف�������ي ال����ع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ال����م����ي����نَ فَ����خ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا ُر‬ ‫ق�������د ُت��������� ِّوج���������تْ ل���ل���أت������ق������ي������ا ِء م���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ار ٌة‬ ‫ول����ل���������ش����ه����ـ����ـ����ـ����ي����دِ ب����ع����ل����م���� ِه �أن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���وا ُر‬ ‫ول������ه������ا ن�����������ص�����ي�����بٌ ف�������ي ق�������ل�������وبٍ ل�������م ت���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���زل‬ ‫ت����دع����ـ����ـ����ـ����ـ����و ل�����ه�����ا ف�������ي ال������غ������ي������بِ والإظ������ه������ـ������ـ������ـ������ا ِر‬ ‫ * جامعة نورا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪107‬‬


‫عرو�س من �ضوءٍ‬ ‫ٌ‬ ‫و�أمل‪ ،‬رحلتْ لتملأ‬ ‫أرواح‬ ‫أرجاء وال َ‬ ‫ال َ‬ ‫بح ًا ال ينتهي‬ ‫ُ�ص َ‬

‫ * �شاعرة وقا�صة من الجوف‪.‬‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫تناثرتِ ف��ي كُ�� ِّل ال�صباحاتِ �إ�شراقا‬ ‫و�أم�����س��ي��تِ ل�ل��أي���ا ِم ن��ب�����ض��اً و�أح���داق���ا‬ ‫تعي�شينَ كالنجمِ الم�ساف ِر في الدجى‬ ‫وتم�ضين ف��ي �أرواح��ن��ا تلكَ ترياقا‪ ‬‬ ‫ُت�����غ�����رّدكِ الأط�����ي�����ا ُر �أل�����ح�����ا َن خ���اف���قٍ‬ ‫نما ف��ي �سبيل ال�ضو ِء م��ا ًء و�أ�شواقا‬ ‫ف���ب��� ّل���ل �أ������ص�����دا ًء و�إن ك�����ان ُم���وجِ ���ع���اً‬ ‫ال�شم�س ف��ان��ث��ا َل ب��رّاق��ا‬ ‫ِ‬ ‫و ّل���و َن وج��� َه‬ ‫رحيلك �أدمى ال�صب َح والقلبَ والر�ؤى‬ ‫ِ‬ ‫و ل��ك�� ّن��ه ف���ي � ُ���س��� ّل���مِ ال���م���ج���دِ م��ي��ث��اق��ا‬ ‫ل ِ��ك ف��ي �سبيلِ العلمِ �أغ����رود ُة العُال‬ ‫ت����غ����رّده����ا ال����دن����ي����ا ف����ت����ن����دا ُح �آف����اق����ا‬ ‫�ستذكركِ الأح��ل�ا ُم وال��ع��ز ُم والثرى‬ ‫وي��ن�����س��ابُ ذك������راكِ ع���زي���زاً ورق���راق���ا‬ ‫�شهدناكِ في الدنيا ت�ضاهينَ ُ�صبحها‬ ‫ط���م���وح���اً و�آم��������ا ًال وف���ه���م���اً و�أخ�ل�اق���ا‬ ‫و ن�������ش���ه���دكِ ب���ع���د ال���رح���ي���لِ مُ���ه���اب��� ًة‬ ‫ُي�����ش��ي��ع ِ��ك الآالف ف���خ���راً و�إ���ش��ف��اق��ا‬ ‫ف������ي������اربُ م�����ا ه������ذا ال����ب����ه����اء ل���ن���اه���دٍ‬ ‫�إذا رحلتْ فا�ضتْ من ال�ضو ِء �إغداقا‬ ‫��رو���س» و�أط��ي��ابُ ال��دم��ا ِء خ�ضابُها‬ ‫«ع ٌ‬ ‫و ُزفّ������تْ �إل����ى ال��ع��ل��ي��ا ِء ورداً و�أط���واق���ا‬ ‫�أح������ار �إذا م���� ّر ال���رح���ي��� ُل ب��خ��اط��ري‬ ‫أبكيك �أم �أذرو من الفخ ِر �أوراق��ا؟!‬ ‫�أ� ِ‬ ‫���ك م����ن اهلل ال����ك����ري����مِ رح����ائ���� ٌم‬ ‫ع���ل���ي ِ‬ ‫�إذا ب���ا َن ل��ي��لٌ �أو �أت���ى ال�����ص��ب�� ُح خفّاقا‬

‫ُق ُ‬ ‫نح ُر ِك لها ِق ْبلة‬ ‫بلة �شتائي ْ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫ناهد الزيد‬

‫■ مالك اخلالدي*‬

‫■ يو�سف عايد العنزي*‬

‫ها هيَ قد ي ّممَت �إليكِ الرّكاب‬ ‫فال تُطيلي الغياب‪ ..‬‬ ‫و ال تُ�شْ هري على نا�صيَتي‪ ‬‬ ‫�سيفَ العتاب‬ ‫بعدكِ قد �أ�صبَحتُ هُ وَي�ساً‬ ‫�أ�شْ كو للجرا ِد عن م�ساوئِ ال ّنمْلة‬ ‫قُبل ُة �شتائي نحْ رُكِ لها ِقبْلة‬ ‫***‬

‫�أنتِ عذرائي �أنتِ �سمائي‪ ‬‬ ‫وحْ دكِ من ي ْهتِكُ �سِ تر كِبريائي‬ ‫يا �أرجوز ِة الف�صولِ الأربعة‬ ‫يا حنا َن الثّكلى‪..‬‬ ‫تموتُ عيْناها من �أجلِ دمْ عة‬ ‫�أنت �أ�شعاري‪� ..‬أنت �أوتاري‪ ‬‬ ‫�أنت تحتَ �أنغام النغم «مو�سيقاري»‬ ‫ال وربّ عينيكِ اللّتينِ �إليْهما ي�أْوي بنو �آدم‬ ‫ال �أ�صب ُر عنْكِ وهلة‪ ‬‬ ‫قُبل ُة �شتائي نحْ رُكِ لها ِقبْلة‬ ‫�أحبّك على محملِ الج ِّد‬

‫وهل للج ِّد عندَكِ محْ مَل‬ ‫�أحبّكِ �أكث ُر من‪ ‬عبث المت�سكّعين‬ ‫و �أكث ُر من رقَ�صَ اتِ الثمّل‬ ‫وجدْتُ فيكِ جمالُ الرّوح‬ ‫و حينَ لددْتُ للخِ ْل َق ِة ‪� ‬إذ بها �أجمل‬ ‫كفيل�سوف يعبثُ بحروفه‬ ‫ٍ‬ ‫�أحبّكِ‬ ‫م�صرَفي ال يقْبل غيركِ عمْلة‬ ‫قُبل ُة �شِ تائي نحْ رُكِ لها ِقبْلة‬ ‫***‬

‫فيكِ �أرى قافي َة ابن قبّاني‬ ‫فيِك �أراني‪ ..‬‬ ‫�أراني فيكِ �أناني‪ ‬‬ ‫نك‬ ‫و هل يجو ُد الحاتميُّ بحُ �سْ ِ‬ ‫تباً لي ولقريني‪ ..‬‬ ‫�إن كا َن لذاكَ ‪ ‬الفعل �أغْ واني‬ ‫�أنت �أجم ُل من �ألفِ ليلة وليْلة‬ ‫و ع�شِ ْقتُها �إن كُنتِ بينَ �أح�شائِها جُ مْلة‬ ‫قُبل ُة �شتائي نحْ رُكِ لها ِقبْلة‬

‫ * �شاعر من الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪109‬‬


‫■ حامد �أبو طلعة*‬

‫و�أب������������و ال���ح�������س���ي���ن وق��������د م�������ض���ـ���ى ف������ي �إث������ره������ ْم‬ ‫ل���ـ���ل���ـ���ه د ُّر �أول����ـ����ئ����ـ����ـ����ـ����ك الأ�ص ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابُ‪ ‬‬

‫وط�����ـ�����ن�����ـ�����ي‪ ،‬و�أر���������ض��������ـ��������ك ج������ن������ ٌة وع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ذابُ‬ ‫وم����ـ����ـ����ث����ـ����ـ����اب����ـ���� ٌة ي����ـ����ـ����ا م����ـ����وط����ـ����ن����ـ����ي وع����ـ����ق����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ابُ ‪ ‬‬

‫وال�����ـ�����ي�����ـ�����وم‪ ،‬ف����ـ����ي �أر�������������ض ال����ـ����ـ����ج����ـ����زي����رة دول����ـ����ـ���� ٌة‬ ‫وال����ـ���������ش����ـ����ـ����ـ����رع ف���ي���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ������س�����ن����� ٌة وك�������ت�������ابُ ‪ ‬‬

‫� ِ����س����ـ���� ْل����ـ���� ٌم �إذا � َ������ص������ـ������ َد َق ال���������ـ���������والءُ‪ ،‬و�إن ي���ك���ـ���ـ���نْ‬ ‫غ���ـ���ـ���ـ���ي���ـ���ر ال�����ـ�����ـ�����ـ�����والء ب����ـ����وات����ـ����ـ���� ٌر وحِ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���رابُ ‪ ‬‬

‫ع����ـ����ب����ـ����دال����ـ����ع����ـ����زي����ـ����ز �أق���ـ���ـ���ـ���ام���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ف�������ي ع�������ز ٍة‬ ‫������ار�������س و ُم���ـ���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ‪ ‬‬ ‫م����ـ����ل����ـ����كٌ �����ش����ـ����ج����ـ����ـ����ـ����ا ٌع ف������ـ ٌ‬

‫ف����ـ���������س����ح����ـ����ـ����ـ����ـ����اب���� ٌة ل���ـ���ل���ـ���م���خ���ـ���ل�������ص���ي���ن ت���ـ���ظ���ـ��� ّل���ـ���ـ���ه��� ْم‬ ‫وع����ـ����ل����ـ����ى ق����ـ����ل����ـ����وب ال����ـ����خ����ـ����ـ����ـ����ائ����ن����ي����ن �����ش����ه����ـ����ـ����ابُ ‪ ‬‬

‫ب���رج���ـ���ـ���ال���ـ���ـ���ه الأب�����ط�����ـ�����ـ�����ـ�����ال خ�����ا������ض م���ع���ـ���ـ���ارك���ـ���ـ���ـ���اً‬ ‫وال����ـ����ـ����وق����ـ����ت جِ ���������دُّ �����ش����ـ����ـ����ـ����دائ���� ٌد و� ِ���ص���ـ���ع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬

‫ال����ـ����ل����ـ����ه �أك������ـ������ب������ـ������ر‪ ،‬ج�����ن�����ـ����� ٌة ط�����ـ�����ـ�����ـ�����اب�����تْ ب���ـ���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫ل���ـ���م���ـ���ن ارت�������ض���اه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ل����ق����م����ـ���� ٌة و�������ش������ـ������رابُ‪ ‬‬

‫ن�����������ادى‪ :‬ال����ـ����ج����ـ����ه����ـ����اد‪ ،‬ف�����أق����ب����ل����تْ �أف���واج���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ْم‬ ‫و�إل�������ـ�������ى ال����ـ����ج����ـ����ن����ـ����ان ت�������س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اب���ق ال����ـ����ط����ـ����ـ����ـ��ل�اّبُ ‪ ‬‬

‫ول�����ـ�����م�����ـ�����ن �أب���������������ى‪ ،‬ف�����ج�����ه�����ن����� ٌم ي���������ص����ـ����ل����ـ����ى ب���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫ق����ـ����ـ����ل����ـ����ـ����ـ����بٌ ظ����ـ����ل����ـ����ـ����ـ����ـ����و ٌم خ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ائ����نٌ ك����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ذّابُ‪ ‬‬

‫ج����ـ����م����ـ����ع ال����ـ����ج����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����زي����رة ف�����ـ�����ي ك�����ـ�����ي�����ـ�����انٍ واح������ـ������دٍ‬ ‫وم���ـ�������ض���ـ���ـ���ـ���ى ال����ـ����ـ����ت����ف����ـ����رّق وان�����ت�����ه�����تْ �أح�����ـ�����ـ�����ـ�����زابُ ‪ ‬‬

‫ه�����ـ�����و م�����ـ�����وط�����ـ�����نٌ ت����ه����ف����ـ����و ال����ن����ف����ـ����ـ����و�����س لأر������ض�����ـ�����ه‬ ‫و�إل����ـ����ـ����ي����ـ����ـ����ـ����ه ي����ـ����ه����ـ����وي ال���ـ���خ���ـ���ـ���ـ���ـ���اف���ـ���ـ���ق الأوّابُ‪ ‬‬

‫وم����ح����ـ����ا ال���ج���ه���ـ���ـ���ـ���ال���ـ���ـ���ة وال��������ع��������داوة وان���ق�������ض���ـ���ـ���ى‬ ‫ع����ـ����ه����ـ���� ُد ال����ـ����ع����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����داء‪ ،‬ف���ـ���ك���ـ���ل���ـ���ن���ـ���ا �أح����ـ����ب����ـ����ـ����ابُ ‪ ‬‬

‫م�������ن �أر���������ض��������ه ����ش���ـ���م���ـ���ـ�������س ال������ه������داي������ة �أ������ش�����رق�����تْ‬ ‫وب���ـ���ـ���ـ���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ت����ـ����ج����ـ���� ّل����ـ����ـ����تْ غُ ����ـ���� َّم����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ���� ٌة و�����ض����ب����ـ����ابُ‪ ‬‬

‫م�������ل�������كٌ ‪ ،‬و�أ�������س�������������س دول�������������� ًة وب����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ا م�������ض���ـ���ى‬ ‫ل���ـ���ل���ـ�������س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ائ���ل���ـ���ي���ن ع������ن ال����ـ����ب����ـُ����ـ���� َن����ـ����ا ِة ج������ـ������وابُ ‪ ‬‬

‫ب���ـ���م���ـ���ح���ـ���م���ـ���دٍ �����ش����ـ����ـ���� َّع ال���ـ�������ض���ي���ـ���ـ���ـ���اء ف�����أب����ـ���������ص����ـ����رتْ‬ ‫ن������ـ������و َر ال���ـ���ـ���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دى الأروا ُح والأل����ـ����ـ����ـ����ب����ـ����ـ����ابُ‪ ‬‬

‫وت��������ـ��������وارث ال����ـ����م����ـ����ج���� َد ال���ـ���ك���ـ���ب���ـ���ي���ـ��� َر ب���ـ���وا����س���ـ���ـ���ـ���ـ���لٌ‬ ‫ه��������� ْم ������س�����ـ�����ـ�����ادة ال������دن������ي������ا‪ ،‬ه�������م الأن����ج����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ابُ ‪ ‬‬

‫ف�����ـ������أن�����ار ل���ـ���ل���ـ���ن���ـ���ا����س ال���ـ���ط���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ري��� َق ف�����وح�����ـّ�����دتْ‬ ‫م���ـ���ع���ـ���ب���ـ���و َده���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا وت�����ـ�����ف�����ـ�����رّق الأرب������ـ������ـ������ـ������ابُ ‪ ‬‬

‫ع�����������دلٌ وان�����������ص�����ـ�����ـ�����ـ�����افٌ وح�������س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���نُ ق������ي������اد ٍة‬ ‫وث������ـ������واب������ـ������تٌ وب����ـ���������ص����ـ����ي����ـ����ر ٌة وح���ـ�������س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬

‫و�أق�������������ام ف������ي الأر��������������ض ال���������ش����ـ����ري����ع���� َة ف����ا�����س����ت����وتْ‬ ‫وت����ـ����ه����ـ����ـ����ـ����ـ����اوت الأزال ُم والأن�������ص���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬

‫ن�����ح�����ن ال���������س����ـ����ـ����ـ����ع����ودي����ي����ن ن����ف����خ����ر ف�������ي ال������ـ������ورى‬ ‫ف���ـ���م���ـ���ل���ـ���وك���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ا ه������ـ������ ْم خ�������ي�������ر ٌة �أط���ـ���ي���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬

‫وم���������ض����ـ����ى ع�����ل�����ى ن����ف���������س ال�����ط�����ري�����ق ����ص���ح���ـ���ـ���اب��� ٌة‬ ‫خ�����ي����� ُر ال������ـ������ورى ال����ـ���������ص���� ّدي����قُ والـخطّ ـ ـ ـ ــابُ‪ ‬‬

‫ووال�ؤن��������ـ��������ـ��������ا ل����ـ����ل����ـ����ه ث�������م م���ـ���ل���ـ���ي���ـ���ك���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫ول����ـ����م����ـ����وط����ـ����ـ����نٍ ف���ـ���ي���ـ���ه ال�����ـ�����ت�����ـ�����رابُ ����س���ـ���ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ‪ ‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫كلنا �أحباب …‬

‫و�أت����اه����م����ـ����ـ����ـ����ا ع���ث���م���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ان ذو ال�����ـ�����ن�����وري�����ن ف��ـ��ي‬ ‫دربٍ ب���ـ���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ك�����ـ�����ان ال����ـ����ـ����ق����ـ����ـ����رار �����ص����ـ����ـ����ـ����وابُ‪ ‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪111‬‬


‫ن�����ح�����ن ال���ـ���ـ�������س���ـ���ـ���ع���ـ���ـ���ـ���ودي���ـ���ي���ـ���ن ن���ق�������س���ـ���ـ���ـ���ـ���م �أن�����ن�����ا‬ ‫م����ـ����ـ����ن دون �أم�����ـ�����ـ�����ن ب���ل��ادن������ا ال���خُ ���طَّ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬ ‫خُ ��������طَّ ��������ابُ �إح������������دى ال����حُ ���������س����ن����ي����ي����ن ع����ل����ى ه����دى‬ ‫ُم���ـ���ت���ـَ���ي���ـ��� ّق���ـ���ن���ي���ن ف���ـ���م���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ب���ـ���ن���ـ���ا ُم�����ـ�����رت�����ـ�����ابُ ‪ ‬‬ ‫ف�����ب�����ي�����وتُ ك�������� ِّل ال���ـ���م���ـ���خ���ـ���ل���ـ�������ص���ـ���ي���ن ع���ـ���وام���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ٌر‬ ‫وب�������ي�������وتُ ك�������� ِّل ال���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���خ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ائ���ن���ي���ن خَ ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����رابُ ‪ ‬‬ ‫وت�����ظ�����ل ي������ا وط�����ن�����ي ال����ح����ب����ي����ب ب���غ���ي���ر م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫أ�������س‪ ،‬ف�����ـ�����دون�����ـ�����كَ ي���ـ���ـ���ـ���ا ح����ب����ي����بُ رق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬ ‫ب������ـ������� ٍ‬ ‫وت������ظ������ل ف�����ـ�����ي ه������ـ������ذا ال�����ـ�����وج�����ـ�����ود مُ����ق���� ّدم����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����اً‬ ‫ف����ـ����ـ����ي ك�������� ّل �أم�������ـ�������رٍ ‪����� ‬س����ـ����ي����ـ���� ٌد و ُم���ـ���جَ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬ ‫ف����ـ����ي ك����ـ����ـ���� ّل َم����ـ���� ْف����ـ����خَ ����ـ����ر ٍة ر�أي�����ـ�����ت�����ـُ�����كَ ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ائ���ـ���زاً‬ ‫ل����ل���������س����ب����ق‪ ،‬ف����ا�����س����ل����ـ����م �أي���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ال��������وثّ��������ابُ‬ ‫ف���ـ���م���ـ���ح���ـ���ـ���ا����س���ن ال���ـ���دن���ـ���ي���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا �إل������ي������ك ت�������س���اب���ق���تْ‬ ‫ف���ـ���ع���ـ���ل���ـ���ي���ـ���ك م��ـ��ن��ـ��ـ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا حُ ������� ّل������� ٌة وث������ي������ابُ‪ ‬‬ ‫ف������ي ال�����ع�����ز ت�����رف�����ل ف������ي ال���زم���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ان مُ����� َن�����عَّ����� ٌم‬ ‫ف�����ارف�����ـ�����ل فُ�������دي�������تَ ف�����ـ�����ر ُّب�����كَ ال���ـ���وهّ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ابُ ‪ ‬‬ ‫واه����ـ����ـ����ن����ـ�����أ ب���م���ـ���ـ���ا �أوت�������ي�������ت ي����ـ����ا وط�����ن�����ـ�����ي‪ ،‬وف���ـ���ي‬ ‫�أف��������ـ��������واه ك������ل ال���ـ���ـ���ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اق���دي���ن ت����������رابُ ‪ ‬‬ ‫ف���ل���أن������ت ف������ي ال����دن����ي����ـ����ـ����ا ال���ـ���ـ���ك���ـ���ـ���ري���ـ���م ب��ـ��ف��ـ�����ض��ل��ه‬ ‫ولأن���������ت ف��ي��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ال����� َ����س���� ْل����� َ����س���� ُل ال���مُ���ن�������س���ـ���ابُ‪ ‬‬ ‫���������ض ف����ـ����ي ال�����ـ�����ف�����ـ������ؤاد و�أن������������ت ف��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫ولأن������������ت ن����ب ٌ‬ ‫ال���ـ���ع���ـ���ي���ـ���ن���ـ���ي���ـ���ن ذاك ال���ـ���ـ���م���ـ���ن���ظ���ـ��� ُر ال���ـ���ـ���خ���ـ���ـ���ـ���ـ�ل�اّ بُ‬ ‫ * �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ُ�س ّمار الدار‬

‫■ عبدالنا�صر الزيد*‬

‫خلق الأمانة والأمان‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫فا�سرج خيولك‬ ‫ي�س�ألونك عنه‬ ‫�أح��ق��اً ي��راه��ا وح��ق��اً ت���راه‪ ،‬فتبّت يداها �إن بدا لك‬ ‫وا�ستعد‬ ‫وتبّت يداه‬ ‫وك��ل ال��ذي ي�ضمرونه تحت ال�س�ؤال‪..‬‬ ‫‪٣‬‬ ‫�أذىً واعتزال‬ ‫تحمل في جيبك قطرة ماء‬ ‫و�شيئاً يُقال كما اليُقال‬ ‫ورغيفا من حجر �صمّاء‬ ‫و�شيئاً يُنال بوجه انتحال‬ ‫تتلو �أورادك كل م�ساء‬ ‫و�شيئاً يُزال قُبيل الزوال‬ ‫بذكاء تتلوها وغباء‬ ‫فقل هو طين‪ ..‬قل هو �أحمر‪ ..‬فاهتبلوه وتبحلق في وجه الأ�شياء‬ ‫وقل هو ماء‪ ..‬قل هو �أزرق‪ ..‬فانتهبوه �أ�صداء تتلوها �أ�صداء‬ ‫حي�ض �أبي�ض‬ ‫وقل هو �أبي�ض‪ٌ ..‬‬ ‫يا معنى الحاء‬ ‫ق��ل ه��و �أخ�����ض��ر‪ ..‬مثل ال��م��رم��ر �أو هو ما معنى الحاء‬ ‫�سكّر‬ ‫يا معنى الباء‬ ‫�أ�سمر‪� ،‬أ�صفر‪� ،‬أ�شقر‪� ،‬أزهر‬ ‫ما معنى الباء‬ ‫وق��ل هو ه��اه‪ ..‬ف�صكّت يداها وطا�شت �إعياء ي�أتي بالإعياء‬ ‫يداه‬ ‫‪٢‬‬

‫باباك مَدميّان‬ ‫والحيل البعيدة والقريبة‬ ‫وال�شقاوة والذكاء‬ ‫مثل الهباء‬ ‫مذ كان كان‬ ‫يحيي عروق ال�شامتين‬ ‫ويتقي غدر الزمان‪.‬‬ ‫فانذر �صيامك‬ ‫ال �أبا لك!‬ ‫�إن الذي خلق المكانة والمكان‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫�أم��������ـ��������نٌ و�إي����م����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����انٌ وط������ي������ب م���ع���ي�������ش���ـ���ـ���ـ��� ٍة‬ ‫م���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا راع����ـ����ـ����ن����ـ����ا غ�������ـ�������د ٌر وال �إره����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ابُ‬

‫‪٤‬‬

‫فلتتئد‬ ‫وان�شر عبير الورد‬ ‫تخ�ش الح�سد‬ ‫ال َ‬ ‫هذه ال�سُّ رّة �سِ ٌر‬ ‫حوله حام الر�صد‬ ‫مركز الجذب لديها‬ ‫وال�شقيّ المنطرد‬ ‫ا�ستدارت ف�أدارت‬ ‫كامناً في كل فرد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪113‬‬


‫و�إذا �أتيت اليوم يحدوك الغرام‬ ‫والبوم حولك والحمائم واليمام‬ ‫ف�سل اليمام الجافالت‬ ‫�أهو طبع �أم تطبّع؟‬ ‫و�سل اليمام الواقفات‬ ‫هل تع�شقين ت�صنّع؟‬ ‫و�سل اليمام النازفات‬ ‫اواه‪ ،‬كم تتوجّ ع؟‬ ‫‪6‬‬

‫رتّق فتوقك وانته�ض هذا �أوانك‬ ‫ها قد �شبعت اللهو‪ ،‬واللعب المباح‬ ‫ال�صراح‬ ‫ها قد بلوت اللغو‪ ،‬والك�سل ُ‬ ‫ها قد �أكلت ونمت ما �أعطيت �شيئا‬ ‫فلم تعمل‪ ..‬ولم تعجل‬ ‫ولم تكبد‪ ..‬ولم تكدح‬ ‫ب�أمر اهلل‬ ‫ولم ت�أرق‪ ..‬ولم تقلق‬ ‫ولم ت�شحذ‪ ..‬ولم تقدح‬ ‫دليل العقل‬ ‫وحكم الج�سم �إذ يعرق و�إذ ي�سبق‬ ‫و�إذ ي�سلك فجاج الأر�ض‬ ‫وخنت الحب �إذ ي�ضرب �شغاف القلب‬ ‫فادخل �إلى التنّور‬ ‫م�سحوراً بفي�ض النور‬ ‫منذوراً لوهج النار‬ ‫والراح المُباح‬ ‫رقّع خروقك واحترق من ذا يطالك‬ ‫ *‬

‫كاتب و�شاعر من الجوف ‪ -‬ال�سعودية‪.‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫‪5‬‬

‫‪7‬‬

‫من ذا يطال الليل‬ ‫حين يح ّل كال�ضيف الثقيل‬ ‫�إذ �أقبل الغول الطويل‬ ‫وبال‬ ‫في فم البئر‬ ‫ومن حول التالل‬ ‫ور�أينا فوقنا �سبع �سنابل‬ ‫فوقهم �سِ رب بِغال‬ ‫وغزال‬ ‫وتماثيل عجيبة‬ ‫و�أ�ساطير غريبة‬ ‫من تخاييل الظالل‬ ‫‪8‬‬

‫كنا ثالثة والكلب رابعهم‬ ‫وكانوا خم�سة �ساد�سهم خبثهم‬ ‫بقيلهم وقالهم بع�شقهم وعزفهم‬ ‫وجدهم وهزلهم‪ ..‬العطر فرّقهم‬ ‫و�أقداح ال�شفاه‬ ‫‪9‬‬

‫ثماني ٌة ه ُم �سُ مّار الدار‬ ‫ورابع الأ�شعار‬ ‫ملطّ خ بالعار‬ ‫يُقاد مثل بقرة‬ ‫وخدّه مورّم‬ ‫و�أ�شعثٌ �شعره‬ ‫ما �أتع�س ال�شجرة‬ ‫حتى �إذا قوّ�ست ظهرها فرا�شة قذرة‬ ‫فن�أى الناي عنها‪ ،‬وعاقبتها العيون‬ ‫تموت في �سكون‬ ‫هزيلة ثمِ لة‬

‫الجوبه تلتقي‬

‫ال�شاعر م�سفر الغامدي‬

‫ي�ستطيع �أن يقنعك بطريقة قد تزرع في بالك الده�شة؛ �شاعراً �أو كاتبَ مقال‪� ،‬أوفي مقارباته‬ ‫النقدية‪� ،‬أو حين تجال�سه‪ !..‬حتماً �أنا �أق�صد ال�شاعر م�سفر الغامدي‪� ،‬صاحب المجموعة ال�شعرية‬ ‫«حيناً من ال�ضوء»‪ ،‬ال�صادرة عن دار المدى – دم�شق‪2003 ،‬م‪ ،‬وهو يعد ال�ساحة ال�شعرية ب�إ�صدار‬ ‫مجموعته الجديدة قريباً‪ ،‬والتي �ستوثّق تميّز تجربته ال�شعرية؛ و�أنا �أثق �أنه يف�شل �أن يكون‬ ‫محابياً �أو مجامالً‪ ،‬نعم‪ ،‬يف�شل! لذا‪ ،‬تعمدت �أن �أطرح عليه هذا ال�س�ؤال‪ :‬تطفو على ال�سطح‬ ‫االتهامات بين الناقد والمبدع‪ ،‬من مثل‪« :‬النقد ال يواكب الحركة الإبداعية»‪« ،‬غياب الن�ص‬ ‫الإبداعي الجاد الذي ي�ستحق �أن يُقر�أ»‪ ،‬و�أنت بو�صفك �شاعراً هل تن�صف طرفا على الآخر ؟‬ ‫ف�أجاب‪« :‬حتى غياب الن�ص المتجاوز‪ ،‬المحر�ض على القراءة‪� ،‬إذا افتر�ضنا ذلك‪ ،‬يمكن �أن يكون‬ ‫محر�ضا على القراءة النقدية ب�شكل �أكبر‪ .‬م�شكلة النقد لدينا �أنه جبان (مثل ر�أ�س المال)‪ ..‬ال‬ ‫يحب اللعب �إال في المناطق الآمنة‪ .‬يقف عند حدود الروّاد‪ ،‬عند حدود الن�صو�ص الجاهزة‪ ،‬وال‬ ‫يتجاوزها �إال نادرا‪ »..‬هذه الديباجة قد تقودنا �إلى ف�ضاء �شاعرنا‪..‬‬ ‫■ حاوره‪ /‬عمر بوقا�سم ‪ -‬ال�سعودية‬

‫ال�شعر لم يعد كافي ًا للقارئ‪!..‬‬ ‫● ●�أن يكتب �شاعر «م���ا» رواي���ة �أو عمال‬ ‫���س��ردي��ا‪ ،‬ل��م ي��ع��د �شيئا غ��ري��ب��ا‪ ،‬فهذه‬ ‫الحالة �أ�صبحت منت�شرة في ال�ساحات‬ ‫الثقافية العربية؛ فمن ال��ك�� ّت��اب مَن‬

‫يرف�ض و�صف هذه الحالة بالتحوّل‪،‬‬ ‫ب����ل ي���ع��� ّده���ا ت���وا����ص�ل�ا ط��ب��ي��ع��ي��ا ب��ي��ن‬ ‫ف�����ض��اءات ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬وم��ن ح��ق ال�شاعر‬ ‫�أن يح�ضر في �أي ف�ضاء �إبداعي‪ ،‬و�أن‬ ‫ه���ذه ال��ح��ال��ة لي�ست ب��ال��ج��دي��دة على‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪115‬‬


‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ال�����ش��اع��ر؛ وم��ن��ه��م‬ ‫في الأ�سا�س‪ ،‬هو زاوية‬ ‫* ق�صيدة النثر هي محاولة للنفاذ‬ ‫مَ��������ن ي��������رى �أن����ه����ا‬ ‫ر�ؤي������ا‪ :‬ي��ن��ظ��ر ال��ن��ا���س‬ ‫�إل��ى جوهر ال�شعر مبا�شرة‪ .‬ربما‬ ‫ع��ق��دة الت�صنيف‪،‬‬ ‫فت�ش �أ�ستاذنا محمد العلي فلم يجد �إل��ى الأ�شياء بو�صفها‬ ‫ول����ه����ا ���س��ل��ب��ي��ات��ه��ا‬ ‫ذلك الجوهر فيما تناثر حوله من �أدوات‪ ،‬وينظر �إليها‬ ‫ال��ت��ي ت��ع��ان��ي منها‬ ‫ال�شعر بو�صفها ذوات‪..‬‬ ‫ن�صو�ص‪!!..‬‬ ‫ال�ساحة الثقافية‪.‬‬ ‫ك��ائ �ن��ات ح� � ّي ��ة؛ ت��ول��د‬ ‫* م�شكلة النقد لدينا �أنه جبان (مثل‬ ‫ال�������ش���اع���ر م�����س��ف��ر‬ ‫ر�أ�س المال) ال يحب اللعب �إال في وت�م��وت‪ ،‬تحب وتكره‪،‬‬ ‫ال�����غ�����ام�����دي‪ ،‬م�����اذا‬ ‫ت �ف��رح وت� �ح ��زن‪ .‬على‬ ‫المناطق الآمنة‪..‬‬ ‫ي������ق������ول ف�������ي ه�����ذا‬ ‫ال���ش��اع��ر �أن ي�ستثمر‬ ‫* ال�����ش��اع��ر ال���ذي يكتب وه���و يجر‬ ‫االتجاه؟‬ ‫ك��ل طاقاته وخياراته‬ ‫ق��راب��ة الأل���ف���ي ���س��ن��ة وراءه‪ ،‬ال‬ ‫ي�ستطيع �أن يكون وفيا لزمنه‪ ،‬للغته الكتابية‪ ،‬ب�شرط �أن‬ ‫‪�ρ ρ‬أعتقد �أن ال�شعر لم‬ ‫يظل وف��يّ�� ًا ل�شعريته؛‬ ‫يعد كافيا للقارئ‪،‬‬ ‫وذاته في المقام الأول‪.‬‬ ‫ف� � �ه � ��ي ال � ��وح� � �ي � ��دة‬ ‫وال حتى ال�شاعر‪.‬‬ ‫ال �ق��ادرة على تحريك‬ ‫«ال��ن��ث��ر ف�ضيحة‬ ‫الجمادات‪ ،‬وبث الحياة في عالم يحا�صره‬ ‫ال�شعراء»‪ ..‬ه��ذه المقولة لمحمود دروي�ش‬ ‫الموت من كل جهة‪.‬‬ ‫تنظر �إلى (الف�ضيحة) نظرة �سلبية‪ ،‬الآن في‬ ‫زمن يكثر فيه التل�ص�ص �أ�صبحت الف�ضيحة‬ ‫في يوم من الأيام‪!..‬‬ ‫مطلبا‪ ،‬الرواية من هذا الباب هي م�ساحة‬ ‫ك��اف�ي��ة ل�ك��ي نظهر ت��ح��ت ال�����ش��م�����س‪ ..‬لكي ● ●وهل نحن على موعد مع روايتك الأولى؟‬ ‫(نُفت�ضحَ ) بالمعنى الإيجابي للكلمة‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ك��ل منا م�سكون ب��رواي��ة م��ا‪ ،‬ق��د نفلح في‬ ‫كتابتها في يوم من الأيام‪ ،‬وقد ال نفلح �أبدا‪.‬‬ ‫في الأزمنة (الغنائية) التي كان يذوب فيها‬ ‫�إذا ا�ستطعت �أن �أكتبها دون خيانة لل�شعر‪،‬‬ ‫خطاب الفرد مع خطاب الجماعة‪ ،‬ويختلط‬ ‫ف�س�أفعل‪ ،‬بكل ت�أكيد‪.‬‬ ‫�صوته مع �أ�صواتهم‪ ،‬كان ال�شعر كافيا �إلى‬ ‫حد بعيد‪ .‬الآن‪ ،‬وق��د تفتت الجموع‪� ..‬أك��اد‬ ‫زالزل في عالمنا العربي‬ ‫�أق��ول‪ :‬حتى الفرد ذات��ه لم يعد واح��دا‪ ،‬لم‬ ‫يعد يكفي ال�شعر وحده‪ ،‬ال ب�صيغه التقليدية ● ●لي�س ه��ن��اك �أث���ر وا���ض��ح ع��ل��ى م�ضمون �أو‬ ‫�شكل الخطاب الإبداعي‪ ،‬في ظل التغيّرات‬ ‫الغنائية‪ ،‬وال حتى تلك ال�صيغ الحديثة التي‬ ‫ال�����س��ي��ا���س��ي��ة واالق��ت�����ص��ادي��ة ال��ت��ي ي�شهدها‬ ‫تنحاز للفرد وهمومه‪ .‬النثر (ومنه الرواية)‬ ‫العالم العربي في ال�سنوات الأخيرة‪ ،‬بر�أيك‬ ‫لي�س تعوي�ضا ع��ن ال�شعر‪ ،‬وال ب��دي�لا له‪،‬‬ ‫ما �سبب غياب الأثر؟‬ ‫ولكنه مكمل له‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ي�ستطيع ال�شاعر‬ ‫�أن يظل وفيا ل�شعره في كل ما يكتبه‪ .‬ال�شعر ‪ρ ρ‬ال ن�ستطيع �أن ننكر �أن هناك �أث��را ما‪ ،‬لما‬

‫يحدث الآن‪ ،‬قد ت�سرّب �إلى بع�ض الن�صو�ص‬ ‫الإبداعية (ال�سردية ب�شكل �أكبر)‪ ،‬بل �إن‬ ‫بع�ض ال�صيغ الإبداعية كالغناء �أو الغرافيتي‬ ‫كان في �صلب عملية التغيير‪ .‬لكن ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫هل ما كتب �أو يكتب ي��وازي �أو يقترب من‬ ‫ال ��زالزل التي تحدث ف��ي عالمنا العربي؟‬ ‫بالت�أكيد ال‪ .‬ما نعي�شه هو لحظة تاريخية‬ ‫بكل المقايي�س‪ ،‬قد ت�ؤدي �إلى �إعادة ت�شكيل‬ ‫هذه الدول ب�صيَغ ع�صرية قابلة للحياة‪ ،‬ولو‬ ‫عبر مخا�ض ع�سير‪ ،‬ربما يحتاج �إلى عقود؛‬ ‫وقد يكون ما نعي�شه ال �سمح اهلل هو �سكرات‬ ‫ال��م��وت‪ ...‬الأم ��م �أي���ض��ا ق��د ُي�ح�ك��م عليها‬ ‫بالذوبان �أو الفناء‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بالت�أكيد هناك �سلبيات‪ ،‬ربما �أ�سو�أها هو‬ ‫الإيهام بال�سهولة‪� ..‬سهولة �أن تكتب وت�صل‪.‬‬ ‫�أن يمدحك الآخرون كما تمدحهم‪� .‬أن تكتب‬ ‫من كل مكان‪ ،‬وف��ي �أي مكان‪ .‬ه��ذه الحالة‬ ‫�ستحيل الكتابة �إل��ى ��ش��أن ي��وم��ي ع��ادي‪..‬‬ ‫حالة بديهية وتلقائية ال تحتاج �إلى معرفة‬ ‫�أو مراجعة وتدقيق‪ ،‬مثل الم�شي‪� ،‬أو م�شاهدة‬ ‫التلفزيون‪� ،‬أو الدخول �إلى الحمام‪.‬‬ ‫بال حرية ال يمكن �أن تزدهر الفنون‬

‫● ●ف���ي ح�����وار ل���ي م���ع ال�����ش��اع��ر ع��ب��دال��ع��زي��ز‬ ‫المقالح‪� ،‬س�ألته عن ما قاله ال�شاعر �سعدي‬ ‫ي��و���س��ف‪� ،‬أي�����ض��ا �ضمن ح���وار ل��ي ك��ان معه‪:‬‬ ‫«�إنني متحمّ�س للعربية و�شعرائها‪ ،‬و�أعتقد‬ ‫�أن يمدحك الآخرون وتمدحهم‪!..‬‬ ‫�أن ال�����ش��ع��ر‪ ،‬ف��ن ي���ؤخ��ذ ب��ال��ج��د ال��ل�ازم من‬ ‫● ●تحدثنا كثيرا عن الإ�ضافات التي ت�ضيفها‬ ‫ل��دن ال�شعراء ال��ع��رب‪ ،‬لكن المقارنة بين‬ ‫ال�شبكة العنكبوتية وب�إيجابية‪� ،‬ألي�س لهذه‬ ‫�شعرنا الحالي‪ ،‬و�شعر الأم��م الأخ��رى‪ ،‬لن‬ ‫ال�شبكة �أي �سلبية على ال�شاعر �أو المثقف‬ ‫تجعل كفة ال��م��ي��زان تميل �إل���ى �صالحنا‪.‬‬ ‫ب�صفة عامة؟‬ ‫نحن ال ن��زال مكبّلين ب�أغاللنا»‪ ،‬فكان رد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪117‬‬


‫المقالح‪ ...« :‬لكنني ال �أت���ردد ع��ن القول‬ ‫ب���أن في �شعرنا المعا�صر نماذج ت�ساوي �إن‬ ‫لم تتفوق على بع�ض نماذج مما قر�أناه من‬ ‫�شعر عالمي‪ ،‬و�أرى �أن الأح���داث التي م َّر‬ ‫بها ال�شعراء العرب الحقيقيون قد �صهرت‬ ‫�أرواح���ه���م وجعلتهم ي��ق��ت��رب��ون ك��ث��ي��راً من‬ ‫المعنى الحقيقي لل�شعر»‪� .‬أنت ماذا تقول؟‬ ‫‪ρ ρ‬كون «الأحداث التي مر بها ال�شعراء العرب‬ ‫ق��د �صهرت �أرواح �ه��م وجعلتهم يقتربون‬ ‫كثيرا من المعنى الحقيقي لل�شعر»‪ ،‬كما قال‬ ‫�أ�ستاذنا المقالح‪ ،‬ال يعني �أنهم الأف�ضل‪.‬‬ ‫الم�شكلة كما قال‬ ‫�سعدي يو�سف تكمن * ‪� ...‬سلبيات»ال�شبكة العنكبوتية»‪،‬‬ ‫ربما �أ�سو�أها هو الإيهام بال�سهولة‪..‬‬ ‫ف ��ي (الأغ � �ل ��ال)‪.‬‬ ‫���س��ه��ول��ة �أن ت��ك��ت��ب وت�����ص��ل‪� .‬أن‬ ‫دون حرية حقيقية‬ ‫يمدحك الآخ��رون كما تمدحهم‪.‬‬ ‫ال يمكن �أن يزدهر‬ ‫�أن تكتب م��ن ك��ل م��ك��ان‪ ،‬وف��ي �أي‬ ‫ف ��ن م ��ن ال �ف �ن��ون‪.‬‬ ‫مكان‪.‬‬ ‫الأغ� �ل� ��ال ل�ي���س��ت‬ ‫�أغ�لاال �سيا�سية �أو * على ال�شاعر �أن ي�ستثمر كل طاقاته‬ ‫وخ��ي��ارات��ه الكتابية‪ ،‬ب�شرط �أن‬ ‫اجتماعية �أو دينية‬ ‫يظل وف ّي ًا ل�شعريته‪ ،‬فهي الوحيدة‬ ‫فقط‪ ،‬بل هي –وهذا‬ ‫القادرة على تحريك الجمادات‪!..‬‬ ‫هو الأخطر– �أغالل‬ ‫داخل ال�شاعر ذاته‪ * .‬ق�صيدة النثر ه��ي حاجة ما�سة‬ ‫لل�شاعر المعا�صر عربيا ك��ان �أم‬ ‫ال�شاعر الذي يكتب‬ ‫�أج��ن��ب��ي��ا‪ ،‬ال�شاعر ال���ذي ل��م يعد‬ ‫وه� ��و ي �ج��ر ق��راب��ة‬ ‫ينتمي �إلى قبيلة �أو دولة �أو لغة‪!..‬‬ ‫الألفي �سنة وراءه‪،‬‬ ‫ال ي�ستطيع �أن يكون * ال يكون يومي كامال حين يخلو من‬ ‫«�شرب �شاي ال�سماور»‪ ،‬هذا الطق�س‬ ‫وف� ّي� ًا لزمنه‪ ،‬للغته‬ ‫اللعين‪ ..‬عادة ما �أح��اول الكتابة‬ ‫وذات���ه ف��ي المقام‬ ‫في بدايته‪ ،‬وحين �أف�شل �أنتقل �إلى‬ ‫الأول‪ .‬ك��ي��ف ل��ه‬ ‫القراءة �أو م�شاهدة التليفزيون‪.‬‬ ‫�أن ي�ك�ت��ب ع�صره‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ول��ح��ظ��ت��ه وذات�����ه وف��ي‬ ‫فمه (حجر جاهلي)‪،‬‬ ‫بح�سب تعبير �صديقنا‬ ‫الراحل الكبير محمد‬ ‫الثبيتي؟!‬ ‫م�شكلة النقد لدينا‬ ‫�أنه جبان‬ ‫● ●ت������ط������ف������و ع����ل����ى‬ ‫ال�������س���ط���ح االت���ه���ام���ات‬ ‫بين الناقد والمبدع‪:‬‬ ‫«ال�����ن�����ق�����د ال ي����واك����ب‬ ‫ال��ح��رك��ة الإب���داع���ي���ة»‪،‬‬ ‫«غياب الن�ص الإبداعي‬ ‫ال���ج���ا ّد ال���ذي ي�ستحق‬ ‫�أن يقر�أ»‪ ،‬و�أنت‪� ،‬شاعراً‬ ‫هل تن�صف طرفا على‬ ‫�آخر؟‬ ‫‪ρ ρ‬ح� � �ت � ��ى غ � �ي� ��اب‬ ‫ال��ن�����ص ال��م��ت��ج��اوز‪،‬‬

‫المحرّ�ض على القراءة‪� ،‬إذا افتر�ضنا ذلك‪،‬‬ ‫يمكن �أن يكون محر�ضا على القراءة النقدية‬ ‫ب�شكل �أكبر‪ .‬م�شكلة النقد لدينا �أن��ه جبان‬ ‫هي �أي�ضا تطور طبيعي لل�شعر الذي بد�أ غناء‬ ‫(مثل ر�أ���س المال)‪ ..‬ال يحبّ اللعب �إال في‬ ‫وب�صوت عالٍ ‪ ،‬وانتهى �إلى حالة ت�أمُّلٍ و�إ�صغاء‬ ‫المناطق الآمنة‪ .‬يقف عند حدود ال��رواد‪..‬‬ ‫لما تنطق به الأ�شياء‪ ،‬وهي حالة تحتاج �إلى‬ ‫عند حدود الن�صو�ص الجاهزة‪ ،‬وال يتجاوزها‬ ‫�إال نادرا‪ .‬وحتى ال نكون منحازين‪ ،‬علينا �أن‬ ‫مزيد من التركيز والهدوء‪.‬‬ ‫نعترف �أن الم�شكلة عامة‪ ،‬ففي غياب ال�سياق‬ ‫جوهر ال�شعر‪!..‬‬ ‫الح�ضاري ال يمكن �أن ينه�ض الإب ��داع �أو‬ ‫الفكر �أو النقد‪ .‬حين تكون هناك نه�ضة في ● ●«ق�صيدة النثر ل��ون �أدب��ي‪ ،‬ولي�ست �شعرا»‪.‬‬ ‫هذه مقولة «�أحياها» الأ�ستاذ الأديب محمد‬ ‫مجتمع من المجتمعات‪ ،‬تنتقل عدوى النجاح‬ ‫م��ن حقل �إل��ى �آخ��ر‪ :‬ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫العلي في �أحد حواراته‪ ،‬ما ر�أيك؟‬ ‫والإبداع والنقد والفكر والريا�ضة‪� ...‬إلخ‪ .‬في‬ ‫‪ρ ρ‬من المعروف‪ ،‬ومنذ زمن بعيد‪� ،‬أنَّ ال�شعر‬ ‫لحظات االنحدار ال يمكن لنا �إال �أن ننه�ش‬ ‫م �ح �م��و ٌل م��ن �أك �ث��ر م��ن راف� �ع ��ة‪ :‬الإي� �ق ��اع‪،‬‬ ‫بع�ضنا بع�ضاً‪.‬‬ ‫المنا�سبة‪ ،‬ال�شعار‪ ،‬الأيديولوجيا‪�...‬إلخ‪ .‬مع‬ ‫ال�شاعر �أ�صبح ينتمي لذاته‪!..‬‬ ‫ذلك ظل النقاد الذين يُعت ُّد ب�آرائهم ُيلِحُّ ون‬ ‫على الدوام �أن ال�شعر ال يكمن في �أيٍّ من تلك‬ ‫● ●«ق�صيدة النثر ترتبط بالذائقة الأجنبية‬ ‫الروافع‪ ،‬بل في الروح التي ت�سكن الكلمات‪.‬‬ ‫وال����ت����راث الأج���ن���ب���ي‪ ،‬ول��ي�����س��ت ن��اب��ع��ة من‬ ‫التراث العربي»‪ ،‬هذه العبارة تحمل ت�صور‬ ‫ق�صيدة النثر هي محاولة للنفاذ �إلى جوهر‬ ‫بع�ضهم‪ ،‬م�سفر الغامدي‪ ،‬ماذا يقول؟‬ ‫ال�شعر مبا�شرة‪ .‬ربما فتّ�ش �أ�ستاذنا محمد‬ ‫العلي فلم يجد ذل��ك الجوهر فيما تناثر‬ ‫‪ρ ρ‬ق�صيدة النثر ال ترتبط ال بالذائقة الأجنبية‬ ‫حوله من ن�صو�ص‪ ،‬لكن ذلك ال يعني �أنه غير‬ ‫وال ب��ال�ت��راث ال�ع��رب��ي‪ .‬ق�صيدة النثر هي‬ ‫موجود وغير متحقق في الكثير من التجارب‪.‬‬ ‫حاجة ما�سّ ة لل�شاعر المعا�صر عربيا كان‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫�أم �أجنبيا‪ ،‬ال�شاعر ال��ذي ل��م يعد ينتمي‬ ‫�إلى قبيلة �أو دولة �أو لغة �أو دين �أو مذهب‪،‬‬ ‫ب��ل �أ�صبح ينتمي ل��ذات��ه فقط‪ .‬ه��ي �إع�لان‬ ‫ا�ستقالل‪ :‬من دونها ال يمكن �أن تكون له‬ ‫دولته ال�شعرية حتى لو كانت �صغيرة جدا‪،‬‬ ‫وغير مرئية بالن�سبة للكثيرين‪ .‬نعم هي‬ ‫حرّ�ضت على القطيعة مع الح�شود‪ ،‬ولكنها‬ ‫– في المقابل – �أتاحت لل�شاعر �أن يكون هو‬ ‫بالذات ولي�س �أحدا �سواه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪119‬‬


‫جهاز الآيباد حالة �شعرية‪!..‬‬ ‫● ●�أج������دك ح��ري�����ص��ا ع��ل��ى ا���ص��ط��ح��اب ج��ه��از‬ ‫«الأيباد»‪ ..،‬حتى في المقهى‪ ،‬ما ال�سرُّ؟‬ ‫‪ρ ρ‬جهاز الآيباد حالة �شعرية ب�شكل �أو ب�آخر‪،‬‬ ‫هو في ظني كال�شعر ال يحمل الأ�شياء بل‬ ‫�صورها‪/‬ظاللها‪ .‬قبل �سنوات كنت �أ�صطحب‬ ‫الجريدة �إلى المقهى‪ .‬تزعجني كثيرا حين‬ ‫�أح� ��اول �أن �أج ��د ل�ه��ا م�ساحة ك��اف�ي��ة على‬ ‫الطاولة‪ ،‬دون �أن يقع فنجان ال�شاي �أو علبة‬ ‫المناديل‪ ..‬الآن �أنا �أمتلك كل الجرائد و�آالف‬ ‫المواقع الإلكترونية الأخ ��رى ف��ي م�ساحة‬ ‫�ضيقة‪ ،‬يمكن �أن تكبر �أو ت�صغر بمجرد تباعد‬ ‫�أو تقارب الإبهام وال�سبابة‪ .‬لقد ا�ستعدنا مع‬ ‫الآيباد بع�ضا من طفولتنا‪ ..‬لقد تخلينا عن‬ ‫كثير من وَقارِنا‪ ،‬و�أ�صبحنا نلعب مع الحياة‬ ‫�أكثر مما نعي�شها!!‬ ‫«�شاي ال�سماور»‪ ..‬الطق�س اللعين‪!..‬‬ ‫● ●في جل�سة حميمة‪ ،‬وبين الأ�صدقاء‪� ،‬أذك��ر‬ ‫�أن��ك تحدثت عن «طق�س» يومي يرافقك‪،‬‬ ‫وتلتزم به وهو �شُ رب �شاي ال�سماور‪ ،‬هل هذا‬ ‫«الطق�س» يرافقك �أثناء القراءة �أم الكتابة‬ ‫�أم ماذا؟ وما هو «�شاي ال�سماور»؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال ي�ك��ون ي��وم��ي ك��ام�لا حين يخلو م��ن هذا‬ ‫الطق�س اللعين‪ ..‬عادة ما �أحاول الكتابة في‬ ‫بدايته‪ ،‬وحين �أف�شل �أنتقل �إل��ى القراءة �أو‬ ‫م�شاهدة التليفزيون‪ .‬الأمر محكوم بالمزاج‬ ‫في �أغلب الأحيان‪ .‬تعرّفت على �شاي ال�سماور‬ ‫في مطعم تركي في �شارع المكرونة منذ �أيام‬ ‫الجامعة‪ .‬ت�ستطيع �أن تقول �إنه وطّ د عالقتي‬ ‫بال�شاي‪ ،‬التي ب��د�أت منذ الطفولة‪ ،‬ونقلها‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫لن �أ�سرد عليك قائمة طويلة‪!..‬‬ ‫● ●ما �أهم الكتب التي قر�أتها‪ ،‬هذا العام؟‬

‫من حيّز الكم �إل��ى حيّز الكيف‪ .‬ال�سماور‬ ‫ي�سحب اللون الأحمر من �أوراق ال�شاي برقة‬ ‫ونعومة‪ ،‬عك�س الطريقة المت�سرعة والخ�شنة‬ ‫التي تعودنا عليها في ال�شاي االعتيادي‪ .‬على‬ ‫مدى ثالث �ساعات �أو �أكثر يتخمر ال�شاي‬ ‫وتت�صاعد حمرته مع كل موجة بخار تهبُّ‬ ‫على البراد ال�صغير من الأ�سفل‪ .‬ت�صب قليال‬ ‫من ال�شاي المتخمر وتحلّه بالماء ال�ساخن‪،‬‬ ‫وتظل ت�شرب‪ ،‬من دون �أن ت�صاب عالقتك‬ ‫معه بالفتور �أو البرود‪ .‬ال�سماور يجل�س في‬ ‫الركن منت�صبا بكل كبرياء‪ ،‬هو كائن يحترم‬ ‫نف�سه كثيرا‪ :‬ال ي�أتي �إل�ي��ك‪ ،‬و�إن�م��ا يفر�ض‬ ‫عليك الذهاب �إليه‪.‬‬ ‫�أتل�ص�ص �أحيانا على تويتر‬ ‫● ●«تويتر‪ ،‬في�س ب��وك‪ ،‬كيك‪ ،‬وغ��ي��ره��ا»‪ ،‬هذه‬

‫�أ�سماء لنوافذ للتوا�صل االجتماعي المهمة‬ ‫والمنت�شرة على ال�شبكة العنكبوتية‪ ،‬ما‬ ‫مدى اهتمامك بهذه النوافذ؟‬

‫‪�«ρ ρ‬أيها ال��روث‪� ،‬أيتها المياه القذرة‪� ،‬س�أجعل‬ ‫منك وردة‪ ..‬هذا ما تقوله �شجرة ال��ورد»‪.‬‬ ‫هذا ما كتبه نيكو�س كازانتزاكي على ل�سان‬ ‫كري�ستوفر كولومب�س‪ ،‬حين �أر�سله – في‬ ‫م���س��رح�ي��ة م��ن م���س��رح�ي��ات��ه – ف��ي مهمة‬ ‫لتو�سيع العالم‪ .‬وهذا ما �أقر�أه في هذا الأيام‬ ‫في مقدمة م�سرحية (عطيل يعود) والتي‬ ‫عرّبها نعيم عطية عن اليونانية‪ ،‬و�صدرت‬ ‫ع��ن المجل�س ال��وط �ن��ي للثقافة وال�ف�ن��ون‬ ‫والآداب في الكويت‪ .‬لن �أ�سرد عليك قائمة‬ ‫طويلة �أو ق�صيرة من الكتب التي قر�أتها‪� ،‬أو‬ ‫�س�أقر�ؤها‪ ،‬لأن ذلك ال يعنيني‪ .‬ما يعنيني �أن‬ ‫�أجد ما �أق��ر�أه الآن‪ ..‬الآن فقط‪ .‬ما يعنيني‬ ‫حقا �أن �أكون �شجرة ورد ال �أكثر وال �أقل‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ع��دا الفي�س ب��وك‪ ،‬وعلى ا�ستحياء‪ ،‬ل�ست‬ ‫م�ت�ف��اع�لا ب�شكل ج�ي��د م��ع ه ��ذه ال �م��واق��ع‪.‬‬ ‫�أتل�ص�ص �أحيانا على تويتر‪ ،‬وبع�ض المواقع‬ ‫ا�ستعارة الطفولة مجددا‪!..‬‬ ‫الأخ ��رى‪ .‬يهولني ك � ُّم الأم��را���ض والأح�ق��اد‬ ‫(ال�ف�ك��ري��ة) ال�ت��ي نعي�شها‪ .‬م��ع ك��ل ذل��ك‪ ..● ● ،‬ه��ن��ا �أج�����د ن��ف�����س��ي م��ل��ت��زم��ا ب��ال��خ��ات��م��ة‬ ‫التقليدية‪ ،‬و�أ�س�ألك عن جديدك؟‬ ‫ف ��إنَّ ه��ذا التعرّي‪� ،‬شبه الكامل‪ ،‬مهم جدا‬ ‫بالن�سبة لنا قبل �أي مجتمع �آخر‪ .‬في الغرب ‪ρ ρ‬جديدي هو بع�ض الن�صو�ص التي �أعكف على‬ ‫كتابتها مند عامين‪ ،‬محاوال ا�ستعارة الطفولة‬ ‫مثال هناك مجتمعات مك�شوفة في الغالب‪،‬‬ ‫مجددا‪� .‬أحاول �أال تكون اال�ستعارة هنا نوعا‬ ‫عرفت منذ وقت مبكر كيف تجعل م�شاكلها‬ ‫من الحنين �إل��ى الما�ضي‪� ،‬أو الهروب من‬ ‫دائما على ال�سطح‪ ،‬دون �أن يخلخلها ذلك‬ ‫الحا�ضر‪ ،‬بل ال�ستعادة الأ�شياء كما كانت‬ ‫�أو يفككها‪ .‬نحن‪ ،‬في العالم العربي‪ ،‬ع�شنا‬ ‫وكما يجب �أن تكون‪ :‬جديدة ومده�شة على‬ ‫قرون ًا طويلة من الخداع‪ :‬من الخارج يبدو‬ ‫الدوام! �أتمنى �أن تكون مكتملة في كتاب في‬ ‫الج�سد ف��ي �صحة ج �ي��دة‪ ،‬لكنه معطوب‬ ‫ومت�أزّم من الداخل‪ .‬هذه البثور الإلكترونية‬ ‫ال�سنة المقبلة‪.‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫هي محاولة من الج�سد لكي يطرد �أمرا�ضه‬ ‫�إلى الخارج‪� ..‬أو هذا ما �أتمناه على الأقل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪121‬‬


‫■ عبدالرحيم املا�سخ*‬

‫التزم الأدب في كل زمان ومكان بدوره الرائد‪ ،‬كلِ�سان حال مُعبِّر عن دقائق الأحداث‬ ‫ف��ي ال��ه��م��وم والأف�����راح‪ ،‬وك���ان بحق م����ر�آ ًة ك��ون�� ّي��ة عُ��ظ��م��ى‪ ,‬ت��رى الأج��ي��ال م��ن خاللها‬ ‫ت�شخي�صا �شامال للأحداث المهمة‪ ،‬ومُتنَّف�سا �صافيا لتبرير المواقف �أو رف�ضها‪ ،‬في‬ ‫كل الأحوال‪.‬‬ ‫ل��ك��ن اخ���ت�ل�اف ال���ظ���روف المحيطة الظروف المناخية‪ ،‬عكَ�س اختالفا بيِّنا‬ ‫بالحياة نف�سها‪ ،‬وتدرُّج الم�ساحة المتاحة في و�سائط التعبير‪ ،‬و�أجبر في كثير من‬ ‫للفكر والإب��داع بين انفتاح كامل ‪-‬مثلما الأح�ي��ان الأدب ��اء وال�شعراء على التلميح‬ ‫ي�شف عن ق�ضاياهم‬ ‫ح��دث ف��ي الع�صر العبا�سي م��ن حركة والرمز ال��ذي يكاد َّ‬ ‫وا�سعة للت�أليف والترجمة في ظل ت�شجيع‬ ‫دون ك�شفها؛ وكان وما يزال هذا النوع من‬ ‫وتكريم منا�سبين للنابهين‪ -‬وبين احتبا�س‬ ‫الأدب يقوم ب��دور فعّال في التنفي�س عن‬ ‫كامل في ظالم الي�أ�س ومالحقة محاكم‬ ‫هموم و�آمال وتطلعات المجتمع‪.‬‬ ‫التفتي�ش في ع�صور الظالم التي �أحاطت‬ ‫لم يتتبع ُك� ّت��اب التاريخ رواف��د الأدب‬ ‫بالواقع العربي طويال‪ ،‬هذا االختالف في‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫وعندما �أراد �أحد الفال�سفة الهنود الن�صح‬ ‫للملك �أ َّل � َ�ف «كليلة ودم �ن��ة»‪ ،‬ملحم ًة �إن�سانية‬ ‫متفرِّدة في مملكة الحيوانات‪ ،‬فح�صل بها ذلك‬ ‫الفيل�سوف على فائدة النُ�صح مع انتفاء �شرط‬

‫وح��رم الباقين م��ن الف�ستق تماما‪ .‬فت�صايح‬ ‫الأطفال متهمين �إياه بالكذب على اهلل بن�سبة‬ ‫هذه الق�سمة �إليه مع �أنها جائرة‪ ,‬فلم يغ�ضب‬ ‫جحا‪ ،‬وقال لهم‪ :‬انظروا �إلى فالن �أعطاه اهلل‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫�أدب البكاء وال�ضحك‬

‫ال�ساخر التي يبدو �أن�ه��ا �ضاربة ف��ي ال � ِق��دَ م؛ المحا�سبة‪.‬‬ ‫ففي متون الأه ��رام المُ�سماة «كتاب الموتى»‬ ‫كذلك دخلت امر�أة على �أحد الخلفاء قائلة‬ ‫والموجودة في لفائف من البردي في متحف له‪ :‬رفع اهلل قدرك‪ ،‬ففرح الخليفة بها‪ ،‬لكن �أحد‬ ‫لندن‪ ،‬والمن�سوخة في برديّات �أخ��رى وُجِ ��دت رفاقه هم�س في �أذنه‪� :‬إنها تق�صد في جاللتكم‬ ‫ق�صة الفالح الف�صيح التي حكت ق�صة �أحد قول ال�شاعر‪:‬‬ ‫الب�سطاء من �سكان جنوبي م�صر‪ ،‬والذي ظل‬ ‫م�������ا ط���������ار ط������ي������ ٌر وارت������ف������ع‬ ‫يزرع �أر�ضه ويغذّي ما�شيته‪ ،‬حتى جنى مح�صوله‬ ‫�إال ك��������م��������ا ط���������������ار وق��������ع‬ ‫الوفير الذي كانت تر�صده عيون كثيرة‪ ،‬و�إذ ذاك‬ ‫الأدب ال�ساخر ل�سانُ ح��ال الخائفين من‬ ‫لم يمهله القائم على �أمور الإقطاعية‪ ..‬فهجم‬ ‫عليه في جُ نده‪ ،‬وانتزع منه ثمرة كدِّ ه وجهده‪ ،‬اال�ضطهاد في كل زم��ان وم�ك��ان‪ .‬وق��د اخترع‬ ‫و�ضربه ثالثين مقرع ًة ليُمِ يْته خوفا‪ ،‬لم يي�أ�س العرب الأفذاذ �شخ�صية �أ�سطورية‪ ,‬ينتظم تحت‬ ‫ذلك الفالح‪ ..‬وذهب ما�شيا على قدميه حامال لوائها جُ ند الحكمة البالغة‪ ,‬فال يغادر بابها‬ ‫ال�صياحُ الدائم بكلمة الحق‪ ،‬لقد كان‬ ‫�شكواه �إل��ى قائد الجنوب في �أ�سيوط‪ ،‬الذي المفتوح ِ‬ ‫�سمع �شكواه ولم ي�صدّقه‪ ،‬ف�أمر بجَ لده ثالثين اختراع �شخ�صية «جُ حا» من �أعظم ما �أنتجت‬ ‫الح�س‪،‬‬ ‫مقرعة �أخرى‪ ،‬لكن الفالح لم يي�أ�س و�سار �إلى الب�شرية من الذع النقد‪ ،‬الذي يدغدغ َّ‬ ‫فرعون م�صر الأعظم‪ ،‬فا�ست�أذن عليه وتال عليه ويروي الظم�أ الفكري‪ ،‬الذي ي�صطدم في كثير‬ ‫مَ ظلمته؛ لقد كانت تلك ال�شكوى قطعة �أدبية م��ن الأح �ي��ان ب�صخور ن��اف��رة‪ .‬وق��د ورد فيما‬ ‫مُحكمة فائقة البيان‪� ،‬إذ بد�أها الفالح بذكر يُروى عن «جحا» �أنه كان يم ُّر ذات يوم ب�أطفال‬ ‫خ�ص الفرعون الحالي يت�شاجرون على الف�ستق‪ ،‬فاخت�صموا �إليه في‬ ‫�أمجاد الفراعنة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫بمحامد كثيرة فيه‪ ،‬ثم ذ ّك��ره ب�آمال �شعبه في ذلك‪ ،‬فقال لهم «جحا»‪� :‬س�أق�سم الف�ستق بينكم‬ ‫عدله ورحمته‪ ،‬ثم �شكا له حاله وما جرى له من ق�سمة النا�س‪.‬‬ ‫ظلم‪ ،‬وبعد �سماع ال�شكوى �أمر الفرعون بحب�س‬ ‫ الأطفال‪ :‬ال‪ .‬نحن نريد ق�سمة اهلل‪.‬‬‫لتق�صي الحقائق حتى‬ ‫الفالح‪ ،‬ثم �أر�سل لجنًة ِّ‬ ‫فاغترف جحا معظم الف�ستق مانِحا �إي��اه‬ ‫يثبت �صدق ال�شاكي من عدمه‪.‬‬ ‫لأحدهم‪ ،‬ثم فرّق الف�ستق الباقي بين بع�ضهم‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪123‬‬


‫يح�س‬ ‫ي��دو���س ال�ن�م��ل ب ��أق��دام��ه ال�ه��ائ�ل��ة‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ب�إح�سا�سه وال يت�ألم لألمه‪ ,‬وال يي�أ�س النمل من‬ ‫مقاومة هذا الظلم بالحيلة‪ ,‬وفي محاوله للدفاع‬ ‫عن النف�س يحفر النمل في طريق ذلك الفيل‬ ‫المغرور حفرة يغطيها بالبو�ص ث��م ي�سترها‬ ‫بالتراب‪ ،‬وي�أتي ال��دور على الفيل لي�صيح وهو‬ ‫داخ��ل الحفرة بعدما �سقط فيها‪ ،‬على حين‬ ‫غِ رَّة‪ ..‬فال يجد مِ ن مُنقذ له �إال ذلك النمل‪� ,‬إنها‬ ‫ق�صة رمزية تليق بمعظم �شعوب الأر�ض الذين‬ ‫يرزحون تحت وط�أة الظلم‪.‬‬ ‫ * كاتب من م�صر‪.‬‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ول �ق��د ت��ع��ددت ات �ج��اه��ات ال �� �س �خ��ري��ة في‬ ‫الأدب العربي كما ف��ي الآداب العالمية من‬ ‫كتاب «البخالء» و«ن ��وادر جحا»‪� ،‬إل��ى �أدبيات‬ ‫«زكريا الحجاوي ال�شعبية» و«�شعر عبدالحميد‬ ‫الديب»‪� ...‬إلخ‬ ‫وما يزال تجاوب الأدب ال�ساخر للأحداث‬ ‫يكمل ملحمة ال��درام��ا العبثية‪ ،‬مِ ��ن تناحُ ر‪،‬‬ ‫فتناثر‪ ،‬فتجميع في �إطار كوني جديد‪ ،‬كما يحلو‬ ‫للمبدعين في طريقهم الدائم لتجميل وتزيين‬ ‫الحياة على كل حال‪.‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫لقد تجاوز الأدب ال�ساخر �شعرا ونثرا هذه‬ ‫ق�صرا و�أمالكا وا�سعة‪ ،‬وانظروا �إلى فالن‪ ..‬لقد‬ ‫�أعطاه اهلل بيتا ورزق��ا متو�سطا‪ ،‬وانظروا �إلى الق�ص�ص الخيالية الهادفة �إلى منحنى ال�سخرية‬ ‫فالن وفالن وفالن‪ ،‬لم يعطهم اهلل رزقا‪ ،‬فهم من النف�س‪ ،‬كجزء من العالم بالإ�سقاط على‬ ‫العيوب الإن�سانية ال�شائعة كالجهل والبخل‪,‬‬ ‫�أُجَ راء عند غيرهم‪.‬‬ ‫فعندما يقول ال�شاعر‪:‬‬ ‫الأدب ال�ساخر له دور ناقد لكل مِ ْعوَجٍّ ‪ ،‬وهادٍ‬ ‫لكل �إ�صالح؛ وهو كالن�سيم ال��ذي يلطِّ ف الجو �أ���ص��ب��ح��تُ �أف��ق�� َر مَ��ن ي���روح ويغتدي‬ ‫م���ا ف���ي ي����دي م���ن ف��اق��ت��ي �إال ي��دي‬ ‫القائظ بحُ نوِّه و�شفافيته‪ ،‬وهو بعيد كل البعد عن‬ ‫فك�أنه يتمثل نهاية الوجود ب�أكمله‪ ,‬ف�إذا نظرنا‬ ‫م�ساحب التملُّق ومقا�صير الرياء؛ وكلما تطاول‬ ‫الظلم وانك�سر الحق وتكدر �صفو الحياة‪ ..‬برز �إلى خاتمة �أباطرة الظلم والطمع والف�سوق‪ ،‬فال‬ ‫دور الأدب ال�ساخر ح��ادًّا قاطعا ال يتوانى عن نب�صر �إال التجرد الكامل من كل تلك المعاني‬ ‫ت�صريف النُكتة الناقدة‪ ،‬ولكن لي�س على ح�ساب التي �سعوا �إلى تر�سيخها‪.‬‬ ‫�أحد‪ ،‬فنجاح الأدباء في اختراع هذا النوع من‬ ‫�إنها الدنيا بكل تناق�ضاتها المتوازية‪ ,‬وكما‬ ‫الأدب فاق كل نجاح‪ ,‬فهو عك�س �أدب المناف�سات قِيل‪« :‬الكالب تنبح والقافلة ت�سير»‪ ,‬فلن يفلح‬ ‫والأدب المك�شوف‪ ،‬وغيرهما م��ن الأ�صناف حاكم ظالم مهما تطاول في الظلم في �إخرا�س‬ ‫الأدبية اله�شة التي ُتلغى بالتقادم‪.‬‬ ‫الأف��واه ال�شاكية‪ ,‬كما لن يفلح حِ لم وع��دل �أي‬ ‫فعندما ي�ب��دع �أح��ده��م ق�صة الفيل ال��ذي حاكم عادل في �إخرا�س الأفواه الالهجة بال�شكر‪.‬‬

‫الإن�سانُ ‪ ..‬وتق ُّلب الأ ّيام‬ ‫■ غازي خريان امللحم*‬

‫الأيام دول؛ تارة مع المرء و�أخرى �ضده‪� .‬إنها لعبة الحياة وت�صاريف الدهر‪ ،‬ذلك‬ ‫ال�سرمدي المجهول المترع ب�صنوف المفاج�آت والتعرّجات‪ ،‬التي قد تباغت الفتى‬ ‫فت�صرعه‪� ..‬أو ت�أخذ بيده فترفعه‪ .‬وال ي�سع العاقل والحالة هذه �إال الت�سليم لق�ضاء‬ ‫اهلل تعالى وقدره‪ ،‬من دون التوقف عن ال�سعي واالجتهاد‪ ،‬وليتمثل قول ال�شاعر‪:‬‬ ‫عن «محمد المهلبيّ » الذي انتابه الفقر‪،‬‬ ‫دع الأي�����������ام ت���ف���ع���ل م�����ا ت�������ش���اء‬ ‫وط���ب نف�ساً ب��م��ا ف��ع��ل الق�ضاء بعد ط��ول غنى‪ ،‬و�شقاء بعد ط��ول م�سرة‪،‬‬ ‫�أثر نكبة �ألمّت به ف��أودت بالزرع وال�ضرع‬ ‫وال ت���ج���زع ل���ح���ادث���ة ال��ل��ي��ال��ي‬ ‫ف���م���ا ل�����ح�����وادث ال���دن���ي���ا ب��ق��ـ��اء والبناء‪ ،‬لدرجة لم يُعد يطيق البقاء في‬ ‫بلده‪ ،‬فالتحق بقافلة كانت م�سافرة �إلى‬ ‫وال ح������زن ي��������دوم وال ����س���رور‬ ‫�إفريقيا‪ ،‬وفي الطريق �ضاق �صدره‪ ،‬وهانت‬ ‫وال ب������ؤ������س ع���ل���ي���ك وال رخ�����اء عليه نف�سه‪ ،‬لكثرة م��ا الق��ى م��ن ن�صب‬ ‫ال�سفر‪ ،‬وقلة الزاد وانعدام الراحلة‪ ،‬فانتبذ‬ ‫�أو قول ال�شاعر‪:‬‬ ‫مكان ًا ق�صي ًا و�أخذ يردد‪:‬‬ ‫ج��دي��د ه��مُّ ��ك يبليه الجديدان‬

‫ف���ا����ص���ب���ر �إن ال�����ده�����ر ي���وم���ان‬ ‫ي����وم ي�����س��وء ف���ي���ك���ون‪ ،‬ف��ي��ذه��ب��ه‬ ‫ي������وم ي�������س���ر‪ ،‬وك������ل زائ��������ل ف���ان‬ ‫ومن م�أثور القول في هذا ال�صدد‪ ،‬ما‬ ‫�أتت به كنوز الحكمة والأمثال‪ ،‬فيقال‪�( :‬إن‬ ‫العطاء قد يكون في المنع‪ ..‬و�إن وراء كل‬ ‫محنة منحة)‪.‬‬ ‫ويح�ضرني ف��ي ه��ذا ال�م�ق��ام م��ا رُويَ‬

‫�أال م��������وتٌ ُي�����ب�����اع ف����أ����ش���ت���ري���ه‬ ‫ف��ه��ذا ال��ع��ي�����ش م���ا ال خ��ي��ر فيه‬ ‫�أال م����وت ل���ذي���ذ ال��ط��ع��م ي���أت��ي‬ ‫يخل�صني م��ن ال��و���ض��ع الكريه‬ ‫�إذا �أب�������ص���رت ق���ب���راً م���ن بعيد‬ ‫وددت ل�������و �أن �أك�������������ون ف���ي���ه‬ ‫�أال رح���م ال��مُ��ه��ي��م��ن ن��ف�����س حر‬ ‫ت�������ص��� َّد َق ب���ال���وف���اة ع���ل���ى �أخ���ي���ه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪125‬‬


‫االعتذار �إليـــــه‪ ،‬و�أخذ يتلو قول اهلل تعـــالى‪:‬‬

‫ويحك مَ ن �أنت؟ فك�شف عن وجهه وقال‪:‬‬

‫�أنا طُ لبتك معن بن زائ��دة‪ ..‬ف�سُ َّر به وقدّمه‬ ‫}مثل الذين يُنفقون �أموالَهم في �سبيل اهلل‬ ‫ك َمثَلِ ح َّب ٍة �أنبتت �سبع �سنابل‪ ،‬في كل �سنبلة مائة وكرّمه‪ ،‬ثم اّوله على اليمن‪.‬‬ ‫حبة واهلل يُ�ضاعف لمن ي�شاء واهلل وا�س ٌع عليم{‬ ‫وه�ك��ذا ت�ح�وّل معن بين ليلة و�ضحاها من‬ ‫(البقرة‪.)261 :‬‬ ‫راعٍ نكرة‪� ،‬إلى �أمير تُ�شد �إليه الرحال وتتحدث‬ ‫وهذه الق�صة بما فيها من عبر‪ ،‬تذكّرنا بقول بحديثه ال��رك�ب��ان‪ ،‬وك� ��أنَّ ال�شاعر ك��ان يرقبه‬ ‫عندما قال‪:‬‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬

‫ع���������س����ر وف����������رج ي�������أت������ي ب����ه����م����ا اهلل‬ ‫ل����ك����ل �����ض����ي����ق م������ن الأم�������������ور ���س��ع��ة‬ ‫ل������ه ك������ل ي�������وم ف������ي خ���ل���ي���ق���ت���ه �أم������ر‬ ‫وال����ل����ي����ل وال�������ص���ب���ح ال ب����ق����اء م��ع��ه‬ ‫�إذا الح ع�������س���ر ف�����ارت�����ج�����ا ل��ي�����س��ر‬ ‫ال ت��ب��خ�����س��نَّ قَ��������� ْد َر ال���ف���ق���ي���ر ع�� َّل��ك‬ ‫ب����ع����ده‪� ،‬إن ال��ع�����س��ر ي��ت��ب��ع��ه ال��ي�����س��ر‬ ‫ت���ل���ق���ا ُه ي����وم����اً وال�����ده�����ر ق����د رف��ع��ه‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ح������نَّ ع���ل���ى ي���و����س���ف رب ف����أخ���رج���ه‬ ‫م���ن ق��ع��ر ج���ب ع��م��ي��ق ح���ول���ه غمم‬

‫فا�ست�شعر الأم���ل ف��ي �آخ��ر النفق المظلم‪،‬‬ ‫ول�سان حاله يردد مع ال�شاعر‪:‬‬

‫�������س ب�����الآم�����ال �أرق���ب���ه���ا‬ ‫�أع����� ِّل����� ُل ال���ن���ف َ‬ ‫ما �أ�ضيق العي�ش لوال ف�سحة الأمل‬ ‫وبعد م�ضي ح��ولٍ �آخ��ر‪ ،‬ر�أى في الحلم من‬ ‫يهم�س في �أذنه‪:‬‬

‫ع�����������س�����ى ف������������رج ي����������أت���������ي اهلل ب���ه‬ ‫�إ َّن ل�������ه ف�������ي ك�������ل خ����ل����ي����ق����ة �أم�������ر‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫ف�سمعه رفيق له في القافلة كان يراقبه‪ ،‬فرثى‬ ‫لحاله‪ ،‬ومنحه بع�ض ال��زاد‪ ،‬ونقده مئة درهم‪،‬‬ ‫وقريب ًا من ذلك ما يروى عن معن بن زائدة‪،‬‬ ‫كي يتجّ ر بها‪.‬‬ ‫الذي كان �أحد وزراء الأمويين في �آخر عهدهم‪،‬‬ ‫ولما زال��ت دولتهم وح��لَّ محلهم العبا�سيون‪،‬‬ ‫‪-٢‬‬‫وتم ُّر الأي��ام تترى‪ ،‬يعتني المهلب خاللها �أخ��ذوا يالحقونه وجَ �دّوا في طلبه‪ ،‬لكنه �أفلت‬ ‫بنف�سه ويجتهد بعلمه وعمله‪ ،‬ففتح اهلل عليه منهم ب ��أع �ج��وب��ة‪ ..‬ع�ن��دم��ا تنكب ال�صحراء‬ ‫الكثير من �أب��واب الفالح‪ ،‬وترقّى في المراتب وتال�شى في مجاهلها‪ ،‬ي�ضرب في عبابها ليل‬ ‫نهار‪ ،‬يرعى الما�شية ويخالط الرعاة‪ ،‬وال يح�صل‬ ‫حتى �أ�صبح وزير ًا لأحد والة زمانه‪.‬‬ ‫�إال على القليل من غثّ الطعام‪ ،‬ويلب�س الخ�شن‬ ‫ولما كان �ش�أن الأيام التقلب‪� ،‬ضاقت الحال من الثياب‪ ،‬بعد ذلك العز وال�سلطان الذي ولّى‪.‬‬ ‫ب�صاحبه الذي �ساعده وهم في القافلة‪ ،‬فق�صد‬ ‫وذات يوم خرج الخليفة المن�صور في رحلة‬ ‫بابه‪ ،‬ولما لم يوفق بالدخول �إليه‪� ،‬أر�سل �إلى‬ ‫�صيد �إلى ال�صحراء‪ ،‬وت�شاء ال�صدف �أن يكون‬ ‫المهلبي مع �أحد �أعوانه �صحيفة كتب عليها‪:‬‬ ‫معن ف��ي تلك ال�م�ف��ازة القفر‪ ،‬عندما �شاهد‬ ‫�أال ق������ل ل�����ل�����وزي�����ر ف�����دت�����ه ن��ف�����س��ي‬ ‫��ش��رذم��ة م��ن � �ش �ذّاذ الآف� ��اق‪ ،‬تتعر�ض لموكب‬ ‫م��������ذك��������راً �إي��������������اه م�������ا ق�������د ن�������س���ي���ه الخليفة‪ ،‬وتُ�ضيِّق الخناق عليه‪ ..‬حتى �أ�شرف‬ ‫ه��و وم��ن معه على ه�لاك محقق‪ ،‬فيهبُّ معن‬ ‫�أت�����ذك�����ر �إذ ت����ق����ول ل�����ض��ن��ك ع��ي�����ش‬ ‫�أال م������������وت ي�������ب�������اع ف����ا�����ش����ت����ري����ه لنجدتهم ك�أنه الإع�صار‪ ،‬ي�ضرب في وجوههم‬ ‫وم��ا ك��اد المهلب ي�ق��ر�أ ال��رق�ع��ة‪ ،‬حتى �أم��ر حتى فرق جمعهم ونجا المن�صور‪ ،‬الذي التفت‬ ‫ب�إدخاله ف��وراً‪ ،‬ومنحـه �سبعة �آالف دره��م‪ ،‬مع �إليه وقال‪:‬‬ ‫‪-٣-‬‬

‫ث��م ان ��زوى مهموم ًا ف��ي ق��اع ال�ج��ب‪ ،‬يعاني‬ ‫‪-٤‬‬‫و�أب�ل��غ من ه��ذه وتلك‪ ،‬ما ورد عن يعقوب بن العط�ش والجوع والعتمة‪ ،‬ف�صلى الع�شاء ونام‪،‬‬ ‫داود‪ ،‬عندما اعتقله المهدي على �أثر و�شاية حيكت و�إذ بهاتف ي�أتيه في الحلم يقول‪:‬‬ ‫�ضده‪ ،‬ف��زجّ به في قعر بئر ن�صبت فوقها قبة‪ ،‬ع�����س��ى ال���ك���رب ال�����ذي �أم�����س��ي��ت فيه‬ ‫ي��������ك��������ون وراءه ف������������رج ق�����ري�����ب‬ ‫فمكث بمحب�سه خم�س ع�شرة �سنة‪ ،‬كان خاللها‬ ‫يدلى له كل يوم برغيف وكوز ماء‪ ،‬فلما كان ر�أ�س ف������ي�������أم������نُ خ������ائ������ف وي������ف������ك ع�������انٍ‬ ‫ع�شرة ذي الحجة‪� ،‬أتاه �أتٍ في المنام فقال‪:‬‬ ‫وي�������أت������ي �أه�����ل�����ه ال����ن����ائ����ي ال���غ���ري���ب‬ ‫ف�أخرج في �ضحى ذلك اليوم‪ ،‬وذهب �إلى داره‬ ‫واجتمع ب�أهله‪ ،‬و�صفا دهره بعد طول عناء وتكدير‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬هذه لقطات منوّعة‪ ،‬ا�ستقيت مادتها‬ ‫من واقع التراث العربي التليد‪ ،‬بما يحمل من‬ ‫م�ضامين �شعرية وق�ص�صيه وط��رائ��ف وعبر‪،‬‬ ‫يمكن لها الحدوث في �أي زمان ومكان‪ ،‬وب�صور‬ ‫�شتّى‪ ،‬غلفت م�صادرها بم�سوح المرح �أو الترح‪..‬‬ ‫وال�ضيق �أو الفرج‪ ،‬وكل ذلك يجري ب�أمر اهلل‬ ‫�سبحانه‪ ،‬وقد قال ال�شاعر معتبراً‪:‬‬

‫�إذا �أره������ق������ت������ك ه�����م�����وم ال����ح����ي����اة‬ ‫وم����� َّ����س����ك م���ن���ه���ا ع���ظ���ي���م ال�������ض���رر‬ ‫وذق���������ت الأم��������� َّريْ���������ن ح����ت����ى ب���ك���ي���تَ‬ ‫و��������ض������� َّج ف����������������ؤادك ح�����ت�����ى ان���ك�������س���ر‬ ‫و� ُ��������س��������دَّتْ ب����وج����ه����ك ك�����ل ال�����ده�����ور‬ ‫و�أو� � �ش � �ك� ��ت ال �� �س �ق ��وط ب��ال �م �ن �ح��در‬ ‫ف�����ي�����م�����م وج�������ه�������ك ������ش�����ط�����ر الإل����������ه‬ ‫وب���������ث ������ش�����ك�����واك ل���������رب ال���ب�������ش���ـ���ـ���ر‬

‫ومكث في معتقله عام ًا �آخر ال يرى �شيئاً‪ ،‬وال‬ ‫يتناهى ل�سمعه �سوى زئير الريح في الخارج‪،‬‬ ‫وعويل جنبات البئر في الداخل‪.‬‬ ‫وفي يوم رموا �إليه بالرغيف المعتاد‪ ،‬ففوجئ‬ ‫بجرذ �ضخم ينق�ض عليه ويخطفه‪ ،‬وعندما‬ ‫حاول الإم�ساك به تعثر بال�سراج فانطف�أ‪ ،‬وفي‬ ‫الظلمة ارتطمت رجله ب�إبريق الماء فك�سره‪،‬‬ ‫فحزن من هول ما مر به‪ ،‬لكنه تجلد‪ ،‬عندما الم�صادر‪:‬‬ ‫تذكر قول ال�شاعر‪:‬‬

‫ول������رب ن����ازل����ة ي�����ض��ي��ق ب���ه���ا ال��ف��ت��ى‬ ‫ذرع��������اً‪ ،‬وع���ن���د اهلل م��ن��ه��ا ال��م��خ��رج‬ ‫���ض��اق��ت‪ ،‬ول��م��ا ا�ستحكمت حلقاتها‬ ‫ف����رج����ت وك����ن����ت �أظ����ن����ه����ا ال ت���ف���رج‬ ‫ * باحث وكاتب من �سوريا‪.‬‬

‫‪ -١‬الغالي‪ ،‬الأمالي‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة ‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫‪ -٢‬الم�سعودي‪� ،‬شذرات الذهب‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬بيروت ‪١٩٩٨‬م‪.‬‬ ‫‪ -٣‬التنوخي‪ ،‬الفرج بعد ال�شده‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪١٩٨٨‬م‪.‬‬ ‫‪ -٤‬الإب�شيهي‪ ،‬الم�ستطرف‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬بيروت ‪١٩٨٦‬م‪.‬‬ ‫‪ ،٥‬الحموي‪ ،‬ثمرات الأوراق‪ ،‬دار الكتب بيروت ‪١٩٨٦‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪127‬‬


‫■ حممد خ�ضر*‬

‫هناك مقولة م�شهورة في �أوروب��ا تقول‪ :‬خاطب الهولنديين بال�شعر �إذا �أردت �أن‬ ‫يُ�صغوا لك‪ .‬بين يديَّ «جيران �أ�سفل ال��درج» مختارات �شعرية ترجمها ال�شاعر رائد‬ ‫الج�شي‪ ،‬وال�صادرة عن دار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت‪2013 ،‬م‪ .‬ما يميز ه��ذه الترجمة‬ ‫�أنها لمجموعة ن�صو�ص معا�صرة من الأدب الهولندي‪ ،‬و�أنها من الترجمات النادرة‬ ‫الم�أخوذة عن �شعراء مجايلين ومعا�صرين �أغلبهم ال يزال بيننا �إلى اليوم‪� ،‬أو ولدوا‬ ‫في بدايات القرن الما�ضي‪..‬‬ ‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬ج��اء ال�ف��رق ون�ح��ن ب�صدد الج�شي من الإنجليزية‪ ،‬بعد �أن ترجمت‬ ‫ق � ��راءة م �خ �ت��ارات م��ن ت��ج��ارب ح��دي�ث��ة عن الهولندية من قبل �آخرين‪..‬‬ ‫ومواكبة‪ ،‬نتقاطع معها �إن�سانيا ومعرفيا‬ ‫فتح نافذة‪!..‬‬ ‫و�شعريا كذلك؛ �إذ ال�شعر في مجمله م�أخوذ‬ ‫عرفت رائ��د الج�شي وه��و مهموم بهذا‬ ‫عن �أمكنة م�شتركة للوجدان والإح�سا�س‬ ‫العمل و�إن�ج��ازه منذ فترة طويلة‪ ..‬يبحث‬ ‫الإن�ساني باختالف ا�شتغاالته �أو تقنياته؛ وي �ح��اور وي �ح��اول �أن ي�صل �إل��ى التجربة‬ ‫يرف�ض �أن يرتهن لجملة �أو ذاكرة م�ؤقتة‪ ،‬الحديثة التي لم تترجم كثيرا نحو العربية‪،‬‬ ‫بل هو ديمومي و�سرمدي قادر على الو�صول رغبة منه في فتح نافذة جديدة للقارئ‬ ‫لأي مكان‪ .‬هذا ما ن�شعر به جليا في الكثير العربي‪ ،‬ي�أخذنا في «جيران �أ�سفل الدرج»‬ ‫من الن�صو�ص التي اختارها وترجمها رائد �إلى «روتجر كوبالند» الذي ولد عام ‪1934‬م‪،‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫«جيران �أ�سفل الدرج»‬ ‫جيران اللغة‬ ‫الإن�سانية‪!!..‬‬

‫وترجمت بع�ض دواوينه في العام ‪2001‬م والعام‬ ‫‪2005‬م‪ِ ،‬وف��ق رائ��د‪ .‬ن�صو�ص «ك��وب�لان��د» فيها‬ ‫الح�س الإن�ساني‪ ،‬والحالة الفردية العميقة‪،‬‬ ‫ذلك ُّ‬ ‫والمفارقات الموحية التي ت�شي‪ ،‬من جهة �أخرى‪،‬‬ ‫في كيف يفكر �شاعر في مكان �آخر على حدِّ تعبير‬ ‫«كونديرا»‪ ،‬وكيف يتقاطع معه �شعراء كثر في‬ ‫ال�صورة واال�ستخدام اللغوي للمفردات؛ وهذا هو‬ ‫الحال مع �شاعرة �أخرى يختارها لنا المترجم‪،‬‬ ‫وهي «�إيفا جيرلج» التي ولدت عام ‪1984‬م‪ ،‬ولها‬ ‫مجموعة حديثة (‪2006‬م)‪� ،‬إنها �شاعرة من هذا‬ ‫الجيل والعالم‪ ،‬في كونه الجديد وخطابه الجديد‬ ‫و�أ�سئلته وقلقه‪ ..‬لذا نقر�أ لها ن�صو�صا تتقاطع مع‬ ‫ذلك القلق الم�شترك وتلك الأ�سئلة الجديدة‪،‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬مو�ضوع ال�شعر �أو ناحيته التي‬ ‫مت�شظ ويحمل الكثير‬ ‫ٍّ‬ ‫تطرقها معبرة عن واق��عٍ‬ ‫من الت�سا�ؤالت‪.‬‬

‫�شعراء من �أ�صل عربي‪!..‬‬

‫لدى ال�شاعرة «�إيفا جيرلج» لحظات ت�سجلها‬ ‫ق �� �ص��ائ��د‪ ،‬وت�ق�ت�ن����ص ال �م �ف��ارق��ات وال �ح��االت‬ ‫الإن�سانية التي تنعك�س على واقعها و�أفكارها‪..‬‬ ‫وه��ذا �أك�ث��ر و��ض��وح��ا م��ع «م��اري��ا ف��ان دال�ي��ن»‪،‬‬ ‫و«ريمكو كامبرت»‪ ،‬ولنقر�أ مقطعا لـ«البرتينا‬ ‫�سويبور» في ق�صيدة عنوانها «دي�سمبر �أب��رد‬ ‫ال�شهور»‪« :‬لم ي�صبح القمر ثلجيا كهذه المرة‬ ‫من قبل‪ ،‬ا�شتريت له زوجا من القفازات الزرقاء‬ ‫الملكية ف��ي �أول ي��وم لنا لعب دور ال��ر��ض��ا‪..‬‬ ‫ال�سعادة النقية هي تحليق ع�شرة �أ�صابع خالل‬ ‫الف�ضاء من �شرفة النافذة‪ ..‬الأيدي متدفقة فوق‬ ‫الأبنو�س‪ ،‬والعاج تلتمع فوق الكري�ستال الثلجي‪،‬‬ ‫لم تقم بتعديل نغمة وح�سب‪ ،‬بل قامت بخلقها‪..‬‬ ‫كنا نبدو ونحن واقفين هناك الح�ق��ا‪ ..‬قرب‬ ‫النافذة �أبي�ضين كمو�سيقى �شتوية ودافئة‪»..‬‬

‫وم��ا يلفت في المجموعة وج��ود �شعراء من‬ ‫�أ� �ص��ل ع��رب��ي‪ ،‬كالفل�سطيني «رم ��زي نا�صر»‪،‬‬ ‫الملقب ب�شاعر مدينة انتروب‪ ،‬كما �أطلق عليه‬ ‫عام ‪2005‬م‪ ،‬يذهب مع ال�شعر في حالته الراهنة‬ ‫وف��ي ذوب ��ان هويته م��ع ه��ذا االن��دم��اج الكوني‬ ‫والإن�ساني‪ .‬وقد ظهر للمرة الأولى �شاعرا عام‬ ‫‪2000‬م في مجموعة ‪“ 27‬ق�صيدة وال �أغنية”‪..‬‬ ‫تبعها بديوان “�أزهار �سمج” عام ‪2004‬م‪ .‬وثمة‬ ‫�شاعر �آخ��ر ه��و «م�صطفى �ستيتو» ال��ذي ولد‬ ‫في المغرب‪ ،‬ثم عا�ش وكتب في هولندا باللغة‬ ‫الهولندية‪ ،‬يقول في �أح��د ن�صو�صه المترجمة‬ ‫التي يعبر فيها عن �أزمة وج��وده‪�« :‬أنا المغربي‬ ‫ال�شاب‪ ..‬وحديثه الأجنبي العقالني رثٌّ من‬ ‫القدا�سة‪� ..‬شعار �أبي و�أمي يذكرني كثيرا وب�شكل‬ ‫هام�شي بموطني الأم»‪.‬‬

‫المترجم رائد الحب�شي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪129‬‬


‫«وبين ��س��ؤال ال�شعر والترجمة وق�ضاياها‬ ‫التي طرحت عنها‪ ،‬عدة محاور و�أ�سئلة في فترة‬ ‫�سابقة حول ماذا قد نترجم؟ وهل الترجمة هي‬ ‫خيار �شخ�صي وعاطفي يخ�ضع للذائقة فقط‪،‬‬ ‫ولقدرتنا على الترجمة‪� ،‬أم هي خطة مدرو�سة‬ ‫لترجمة ما نحب وما ال نحب‪ ،‬حتى يكون الأمر‬ ‫�أكثر عملية و�إنتاجية؟ هل المترجم هو �سلطة‬ ‫على القارئ ويتعين علينا �أن نقر�أه فقط ح�سب‬ ‫ميوله وذائقته؟ �أم �أن هناك م�شروعا يترجم‬ ‫كعمل م�ستقل عن كل هذا‪ ،‬وكمحاولة لنقل �أكبر‬ ‫قدر من التجربة الإن�سانية الأدبية‪..‬؟‬

‫وال ب��د �أن ن��ذك��ر �أن روت � ��ردام ت�ست�ضيف‬ ‫«مهرجان ال�شعر العالمي» في حزيران من كل‬ ‫عام‪ ،‬ي�شارك فيه العديد من ال�شاعرات وال�شعراء‬ ‫العرب‪ .‬ع�لاوة على ذل��ك في ‪ 27‬كانون الثاني‬ ‫من كل عام‪ ،‬يقام «يوم ال�شعر» في مدن هولندا‬ ‫كافة‪ ..‬من�صات‪ ،‬وور�شات‪ ،‬وم�سابقات �شعرية»‪.‬‬ ‫�إل��ى جانب الج�شي و�صالح ح�سن‪ ..‬هناك‬ ‫ع ��دة ت��ج��ارب ج�م�ي�ل��ة وم� �ح ��اوالت رائ��ع��ة في‬ ‫ترجمة ال�شعر الهولندي الحديث؛ منها ترجمة‬ ‫مح�سن ال�سراج الذي �أقام في هولندا‪ ،‬وترجم‬ ‫لمجموعة �شعراء مهمين وج��دد‪ ،‬ومختارات‬ ‫لمهدي النفري‪ ،‬وترجمات مميزة لميادة �سامح‪.‬‬ ‫ف�ضاءات ال�شعر الهولندي و�أفقه ال��ذي قد ال‬ ‫نعثر عليه في �أدبنا العربي �أحيانا‪ ،‬االقتراب من‬ ‫الحالة قبل الموهبة ال�شعرية الخام‪ ،‬ومن العمق‬ ‫في الت�صورات و�أ�سئلة الحياة‪ ،‬الق�صيدة التي‬ ‫يبتكرها الهولنديون من �أمكنة ال متوقعة تالم�س‬ ‫�أدق تفا�صيل الحياة‪.‬‬

‫وهذا ما �أعتقد �أن المترجم الج�شي قد تنبه له‬ ‫وهو ب�صدد بحثه الطويل عن هذه التجارب‪ ،‬بل وهي‬ ‫الطريقة المثلى لترجمة عملية وجادة‪ ،‬ال تخ�ضع‬ ‫المعنى واللغة لمجرد ذائقة �شخ�صية ن�سبية بين‬ ‫�شخ�ص و�آخر‪ ،‬وهذا ما قد تح�سمه م�س�ألة اختيار‬ ‫التجربة الحديثة والجغرافيا والبحث فيهما‬ ‫كمحور محدد‪ ،‬ثمانية �شعراء قدمهم المترجم‪،‬‬ ‫في م�صافحة جديدة للقارئ العربي‪ ،‬وم��ن بلد‬ ‫يطلق عليه الأوروبيون «البلد الذي لغته ال�شعر»‪� ،‬أو‬ ‫ال�شعر لغة الهولنديين‪ ،‬فهناك‪ ،‬على �سبيل المثال‪،‬‬ ‫كما يذكر ال�شاعر والمترجم �صالح ح�سن في‬ ‫كتابه «انطولوجيا ال�شعر الهولندي المعا�صر» «في‬ ‫عيد القدي�س نيقوال يكون اجتماع العائلة لتبادل‬ ‫�أه��دى المترجم «جيران �أ�سفل ال��درج» �إلى‬ ‫الهدايا المرفقة بق�صائد ق�صيرة موزونة ومقفّاة‪،‬‬ ‫تتناول مو�ضوعات مختلفة‪ :‬كالعتاب والحب وطلب اللغة الإن�سانية التي تحت�ضن جميع اللغات‪..‬‬ ‫أ�سلوب فك ٍه ولغ ٍة وهي باكورة �أعماله في الترجمة‪ ،‬وخطوة �أولى‬ ‫الم�ساعدة �أو الزواج‪� ..‬إلخ‪ ،‬ولكن ب� ٍ‬ ‫مبا�شرة»‪ .‬كما �أن هناك بع�ض المدن الهولندية في هذا الم�ضمار ال�شيق‪..‬‬ ‫ * �شاعر �سعودي‪.‬‬ ‫‪ 130‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫فيلم «الما�ضي»‬ ‫لأ�صغر فرهادي‪..‬‬ ‫منمنمات درام ّية عامرة بالجمال‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫ماذا نترجم‪..‬؟!‬

‫ال�ت��ي ت��ز ّي��ن الق�صائد ج��دران �ه��ا؛ فمث ًال هناك‬ ‫ق�صيدة لل�شاعر والروائي العربي جبرا �إبراهيم‬ ‫جبرا «�أيّامنا كال�شتاء القطبيّ ‪ »..‬بالعربية مع‬ ‫ترجمة هولندية ق��ام بها زميلي الأ��س�ت��اذ ويلم‬ ‫�ستوتزر‪ ،‬تزيّن �أحد جدران مدينة ليدن‪.‬‬

‫■ عبداهلل ال�سفر*‬

‫فيلم «الما�ضي» للمخرج الإيراني �أ�صغر فرهادي لي�س فيلماً بولي�سيا‪ ً،‬ولي�س من‬ ‫�أفالم الإثارة والت�شويق‪ ،‬لكنه كذلك من باب الغمو�ض الذي يخفي الأ�سرار‪ ،‬ينطوي‬ ‫واحدها على �آخ��ر تباعاً‪ ،‬مثل لعبة الدمى الرو�سية‪ .‬وهو كذلك من جهة الأنفا�س‬ ‫المحبو�سة‪ ،‬والإيقاع المت�صاعد‪ ،‬الأ�شبه بلهاث‪ ،‬قبالة االحتدام والمواجهة‪ ،‬في غالبية‬ ‫الم�شاهد‪.‬‬ ‫من «انف�صال»‪ ،‬فيلم ف��ره��ادي الحائز على‬ ‫�أو��س�ك��ار ‪٢٠١٢‬م لأف�ضل فيلم �أج�ن�ب��ي‪ ،‬تعرّف‬ ‫المتابع على مو�ضوعة العائلة وال�شقاق الذي يقوم‬ ‫بين الزوجين وينتهي بطلب الطالق ال�ستحالة‬ ‫الحياة ب�سبب رف�ض �أحدهما طريقة الآخر وخطّ ته‬ ‫في ا�ستئناف الحياة‪ ،‬وعلى هذا العمود الرئي�س‬ ‫يجري ا�ستدماج حكاياتٍ ال تُع ّد تفريع ًا و�إنما‬ ‫حفر ًا في جوانب الم�شكلة‪ ،‬وبيان الم�أزق الذي‬ ‫يطال حياة الجميع‪ .‬في هذا الفيلم «الما�ضي»‬ ‫تتكرّر المو�ضوعة نف�سها بو�صفها �شاغ ًال �إبداع ّي ًا‬ ‫واج�ت�م��اع� ّي� ًا وث�ق��اف� ّي� ًا للمخرج‪ ،‬رغ��م اختالف‬ ‫الحا�ضنة البيئية والثقافية لكال الفيلمين‪ .‬فـ‬ ‫«ان�ف���ص��ال» ي��دور ف��ي �إي ��ران وباللغة الأم‪� .‬أم��ا‬ ‫«الما�ضي» فتربته فرن�سية ولغته كذلك‪ ،‬و�إن كان‬ ‫الأبطال بجذور ثقافية متعددة (فرن�سية؛ �إيرانية؛‬ ‫عربية)‪.‬‬ ‫بعد �سنواتٍ من القطيعة‪ ،‬يعود �أحمد «يقوم‬

‫بالدور علي الم�صطفى» �إل��ى باري�س قادما من‬ ‫وطنه �إي ��ران؛ ي�ع��ود‪ ،‬ال ليجتمع �شملُه ثاني ًة مع‬ ‫زوجته ماري «بيريني�س بيجو» وابنتيها؛ المراهقة‬ ‫لو�سي والطفلة ليا من زيجة �سابقة‪ ،‬ولكن ليتمّم‬ ‫�إجراءات الطالق في المحكمة لي�صبح االنف�صال‬ ‫ر�سميا‪ ،‬ت�ستطيع معه الزوجة االرتباط ب�صديقها‬ ‫ال�ع��رب��ي ال�ج��دي��د �سمير «ط��اه��ر رح�ي��م» وال��ذي‬ ‫يقيم معها ف��ي منزلها نف�سه ومعه طفله ف ��ؤاد‬ ‫من زوجته الواقعة الآن في غيبوبة عقب محاولة‬ ‫انتحار فا�شلة ل�شكّها في خيانة الزوج‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫نف�سه تطلب ماري من �أحمد �أن ي�ؤثّر على ابنتها‬ ‫لو�سي ليقنعها ب��زواج الأم الذي ترف�ضه ل�سببٍ ‪،‬‬ ‫في ال�سطح‪� ،‬أن الرجل الجديد �سوف يترك الأم‬ ‫ك�سالفيه الثالثة الذين ارتبطت بهم‪ ،‬غير �أن‬ ‫ال�سبب الأبعد �أنها ت�شعر بالم�س�ؤولية عن حادثة‬ ‫محاولة االنتحار لزوجة �سمير‪ ،‬وال تريد ذنبها‬ ‫ماث ًال �أمامها؛ فيما �سمير له روايته في محاولة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪131‬‬


‫ * كاتب من ال�سعودية‪.‬‬

‫‪ 132‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬د‪ .‬حممود عبد احلافظ و�آخرون‬

‫امل�ؤلف ‪� :‬إبراهيم زويل‬

‫النا�شر ‪ :‬نادي اجلوف الأدبي ‪2014‬م‬

‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة �أروقة للدرا�سات والرتجمة والن�شر‬

‫ي�ق��دم ه��ذا ال�ك�ت��اب ا��س�ت�ق��راء لكل م��ا يتعلق‬ ‫بتعليم التعبير ب�شقيه ال�شفوي والتحريري؛ �إذ‬ ‫انطلق من ت�شخي�ص واقعي لتعليم التعبير في‬ ‫عالمنا العربي‪ ،‬في جميع مراحل التعليم‪ ،‬بدء ًا‬ ‫بالأهداف‪ ،‬ومرورا بالمحتوى وطرائق التعليم‪،‬‬ ‫وانتهاء بالتقويم‪� .‬إال �أن��ه قد �أول��ى اهتماما‬ ‫بالنظريات التربوية والمداخل التدري�سية‪،‬‬ ‫واال�ستراتيجيات والطرائق التدري�سية المنبثقة‬ ‫عنها‪ ،‬التي �أولها الدرا�سات والبحوث الحديثة‬ ‫اهتماما في تعليم التعبير‪.‬‬ ‫تميز هذا الكتاب بعدة �سمات‪ ،‬ن�سردها لي�س‬ ‫على �سبيل تف�ضيله عن غيره من الكتب‪� ،‬أو‬ ‫تنزيهه عن النقائ�ص‪ ،‬فلي�س في ذلك مزية‪..‬‬ ‫فقيمة العلم ف��ي ت�أ�صيله للنق�ص لي�س في‬ ‫تر�سيخه للكمال؛ لأن ت�أ�صيل النق�ص يعد‬ ‫اكتماال في الت�سليم بالنق�صان‪.‬‬ ‫و�إذ ي���س��رد ال �� �س �م��ات‪ ..‬ف�ه��و ب �ه��دف تي�سير‬ ‫التعاطي مع هذا الكتاب من مختلف القراء‪..‬‬ ‫فهو �إذ يتبنى ق�ضية واح��دة‪� ،‬إال �أن��ه يخاطب‬ ‫جمهورا متنوعا؛ لذا �سوف ي�ستطيع كل قارئ‬ ‫بعد االطالع على هذه ال�سمات قراءة الكتاب‬ ‫من المنظور الذي ينا�سبه‪.‬‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫انتحار الزوجة‪ ،‬وتت�صل بعمله في مغ�سلة المالب�س‪،‬‬ ‫وخالف الزوجة مع زبونة‪ ،‬التي �أغلظت معاملتها ولم‬ ‫تقبل اعتذارا؛ فعنّفها �سمير وطردها في ح�ضور العاملة‬ ‫نعيمة‪ ،‬التي لها ن�صيبها �أي�ضا في وج ٍه �آخر من رواية‬ ‫االنتحار الفا�شلة‪.‬‬ ‫ه��ذه ال�شبكة المعقّدة من العالقات القائمة في‬ ‫الأزم���ات؛ ومن الأ���س��رار المحجوبة؛ ومن المنظورات‬ ‫ال�ت��ي تتبعها‪ ،‬يت�صدّى لها ف��ره��ادي بلغة �سينمائية‬ ‫تعتمد الب�ساطة؛ �إن في اختيار �أماكن الت�صوير (منزل‬ ‫بحديقة منزلية بائ�سة‪� ،‬شارع‪ ،‬محطة مترو‪ ،‬مطعم) �أو‬ ‫في زرع الدالالت التي ي�ست�شفّها الم�شاهد في ي�سر‪ ،‬مثل‬ ‫اللقاء الأول بين �أحمد وم��اري في المطار‪ ،‬والحديث‬ ‫غير الم�سموع بينهما عبر الزجاج الفا�صل‪ ،‬والذي يعبّر‬ ‫عن ال�ضفاف الثقافية المختلفة والت�شكيك في قابليتها‬ ‫لالندماج‪ ،‬كما هي �إ�شارة �إل��ى الهوّة بينهما‪ ،‬والأم��ر‬ ‫نف�سه في المنزل‪ ،‬بو�ضع �أغرا�ض �أحمد التي تركها قبل‬ ‫رحيله �إلى طهران في الم�ستودع‪ ،‬وفي الوقت عينه تقوم‬ ‫ماري بتجديد طالء المنزل كعالمة مزدوجة للتغيير‬ ‫المقبل مع �سمير‪ ،‬وللت�أكيد �أن �أحمد ينتمي �إلى مرحلة‬ ‫�سابقة‪ .‬علم ًا �أن الطالء لم ين�شف �إبّان مجيء �أحمد‪،‬‬ ‫وفي هذا �أي�ض ًا �إ�شارة �إلى الو�ضع الرجراج الذي تعي�شه‬ ‫ماري‪ .‬كذلك يُ�ضاف �إلى هذه الب�ساطة االختيار المالئم‬ ‫لطق�س ال�شتاء الممطر �أو الغائم ك�إطار زمني للأحداث؛‬ ‫لأن ما يجري �أبعد ما يكون عن ال�صفاء والإ�شراق‪.‬‬ ‫ب�ساط ُة فرهادي تنطوي على دق��ة متناهية تظهر‬ ‫في عمرانِ الفيلم بالتفا�صيل التي تنبج�س من حياة ك ّل‬ ‫�شخ�صية من �شخ�صيات الفيلم جميعها (�أحمد‪ ،‬ماري‪،‬‬

‫لو�سي‪ ،‬ليا‪� ،‬سمير‪ ،‬ف�ؤاد‪ ،‬زوجة �سمير‪ ،‬نعيمة العاملة في‬ ‫المغ�سلة)‪ ،‬وك�أنه يقوم بر�سم منمنماتٍ �صغير ٍة جداً‪،‬‬ ‫لكنّ داخلَها عام ٌر بحيواتٍ تزخ ُر بغنى‪ ،‬يتنوع ويتعدّد‬ ‫مع �إنعام النظر والتقاط الجمال الثاوي‪ ،‬ومعه �أي�ض ًا‬ ‫الدالالت الغائرة طيّة كل منمنمةٍ‪ ،‬ومما يزيدُها ‪ -‬تلك‬ ‫التفا�صيل؛ المنمنمات‪� -‬إيغا ًال في الت�أثير الحواراتُ‬ ‫والمواجهاتُ ب�صيغ ٍة احتداميّة‪� ،‬إذ يت�ض ّر ُج الوجه‪،‬‬ ‫بخا�صة بطلة الفيلم‪ ،‬بنو ٍر غامر‪ ،‬كما لو �أنه ي�أتي من‬ ‫بركانٍ داخليٍّ فوّار؛ فت�صطبغ المالمح ب�شتّى التعبيرات‬ ‫واالنفعاالت العالقة في الحيرة والتردد والوقوف على‬ ‫الأع��راف بين واجبين؛ الأول نحو ال��ذات وحقّها في‬ ‫التمتع بالحياة‪ ،‬والثاني نحو م��راع��اة ابنتيها وعدم‬ ‫تعري�ض حياتهما لزلزال ارتباطٍ جديد وف�شلٍ ينتظر‪.‬‬ ‫والغريب �أن هذه التحفة الفنية عنوانها هو «الما�ضي»‬ ‫لكن الم�شاهد لم ي� َر في الفيلم لقطاتٍ ا�سترجاعيّة‬ ‫«فال�ش ب��اك» تعود به القهقرى للإ�ضاءة واالكت�شاف‬ ‫والعود على ب��دء‪ .‬البناء يجري من لحظة المطار في‬ ‫ت�صاعد وف��ي تقاطعات م��ن دون ع��ودة �إل��ى الما�ضي‬ ‫الذي تنعدم حاجة العودة �إليه‪ .‬ذلك �أ ّن ُه عائ�شٌ ب�أثره‬ ‫في الحا�ضر ومم�سكٌ بتالبيبه‪ ،‬وهذا �أق�سى ما يكون �أن‬ ‫تخطو ال�شخ�صية في الحا�ضر ب�أقدام الما�ضي‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يعني غير �إنتاج الحا�ضر ب�صيغة الما�ضي وبالجروح‬ ‫ذاتها كما هو الحال مع م��اري التي تركّبُ خط�أَ حيا ٍة‬ ‫�سابقة على خط�أٍ م�ستن�أنف‪.‬‬

‫الكتاب ‪ :‬اجتاهات حديثة يف تعليم التعبري‬

‫الكتاب ‪ :‬من جهة معتمة‬

‫من جهة معتمة‪ ,‬عنوان الديوان الجديد لل�شاعر �إبراهيم زولي‪،‬‬ ‫ال�صادر م�ؤخرا عن م�ؤ�س�سة �أروقة للدرا�سات والترجمة والن�شر في‬ ‫القاهرة‪ .‬العمل هو ال�سابع منذ بداية م�شروعه ال�شعري‪ ,‬والذي‬ ‫ا�ستهلّه في العام ‪1996‬م بديوان «رويدا باتجاه الأر�ض»‪ ،‬تبعه بعدة‬ ‫�إ�صدارات هي‪�( :‬أول الر�ؤيا‪ ,‬الأج�ساد ت�سقط في البنف�سج‪ ,‬ت�أخذه من‬ ‫يديه النهارات‪ ,‬رجال يجوبون �أع�ضاءنا‪ ,‬ق�صائد �ضالة – كائنات‬ ‫تمار�س �شعيرة الفو�ضى)‪.‬‬ ‫جاء الديوان في (‪� )107‬صفحات‪ ,‬و�ضمّ �إحدى وثالثين ق�صيدة‪,‬‬ ‫منها‪( :‬تط ّل عليه �شياطينه‪ ,‬على حافة الفجر‪ ,‬عزلة فاجرة‪ ,‬داخل‬ ‫الحجرة العائلية‪ ,‬ال خال�ص من الرق�ص‪ ,‬فقرهم با�سط ذراعيه)‪.‬‬ ‫نقر�أ على الغالف الخلفي للكتاب‪:‬‬ ‫ربما تقبل الآن‪,‬‬ ‫في �ساعة ال�سهو‪,‬‬ ‫�أو تت�ساقط في دمعة المحبطين‬ ‫تقا�سمنا لغة تتراك�ض في �ساحة خالية‬ ‫لغة من نخي ّل و�شوق م�صفّى‬ ‫�ست�أتي على غيمة تتخفّى بذاكرتي‬ ‫�س�أع ّد الم�ساءات وحدي‬ ‫�أزخرف �آنية الكلمات‬ ‫ف�إن ح�ضر الليل و�شّ حته بالنعا�س‪.‬‬ ‫داخل الحجرة العائلية‬ ‫يفتر�س ال�شعر �أظفاره‬ ‫وال�شبابيك نائمة‬ ‫يدها في الفراغ معلّقة‪.‬‬ ‫لي�س لي بهجة في الع�شيّ �سواك‬ ‫�أريد �أق ّل القليل‬ ‫وت�أويل ن�صف الكالم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪133‬‬


‫امل�ؤلف ‪ :‬د‪� .‬إبراهيم م�صطفى الدهون‬

‫امل�ؤلف ‪� :‬إبراهيم م�ضواح الأملعي‬

‫النا�شر ‪ :‬نادي اجلوف الأدبي ‪2014‬م‬

‫النا�شر ‪ :‬جداول للن�شر والتوزيع ‪2008‬م‬

‫ي�سعى هذا الكتاب �إلى محاولة فهم �آليات الن�ص ال�شعري قديما‬ ‫وحديثا‪ ،‬وو�سائل تكوينه‪،‬والم�ضمرات الن�سقية التي �أ�سهمت في‬ ‫�إنتاجه‪ ،‬وتما�سكه‪.‬‬ ‫كما يهدف �إلى �إعادة قراءة المنجز ال�شعري العربي وو�ضعه في‬ ‫�إط��اره ال�صحيح‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى تفعيل �آليات النقد الحديثة‪ ،‬من‬ ‫خالل تو�سيع م�ساحة التقويم والتحليل الموجّ ه للخطاب ال�شعري‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على ت�سع درا�سات نقدية‪ ،‬طبقت على �سبع منجزات‬ ‫�شعرية قديمة ومنجزين اثنين معا�صرين‪ ،‬كان الأول ل�شاعرة‪،‬‬ ‫والثاني ل�شاعر من المملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫جاءت عناوين الدرا�سات النقدية مرتبة على النحو الآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬الت�أمل الفكري عند الهذليين؛ حفر في ر�ؤى �أبو ذ�ؤيب الهذلي‬ ‫ال�شعرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬لوحة الع�سل عند الهذليين بين الر�ؤية والإبداع الفني؛ �ساعدة‬ ‫ابن ج�ؤية �أنموذجا‪.‬‬ ‫‪ -3‬جمالية الن�ص القر�آني عند ح�سان بن ثابت و�أثرها في بناء‬ ‫الن�ص ال�شعري‪.‬‬ ‫‪ -4‬الإ�شعاع التنا�صي في �شعر �أبي العتاهية‪ :‬همزيته الزهدية‬ ‫�أنموذجا‪.‬‬ ‫‪ -5‬تمظهرات التكرار في �شعر ديك الجن الحم�صي؛ مرثيات‬ ‫الزوجة‪ -‬درا�سة تحليلية‪.‬‬ ‫‪ -6‬التنا�ص بين الر�ؤية والتطبيق؛ مرثية المعري الإن�سانية عالم‬ ‫اللفظة وال�صورة‪.‬‬ ‫‪ -7‬الن�ص الغائب ف��ي �شعر البهاء زه��ي��ر؛ ق���راءة م��ن منظور‬ ‫تنا�صي‪.‬‬ ‫‪� -8‬أثر الن�ص ال�شعري ال�سعودي في بناء المواطنة؛ ديوان غواية‬ ‫بي�ضاء كلمات تتقارب‪.‬‬ ‫‪ -9‬نماذج من التنا�ص في �شعر �أحمد ال�سالم؛ درا�سة وتحليل‪.‬‬

‫ت�ت�ع��دد ال �م��داخ��ل �إل ��ى رواي� ��ة (ج �ب��ل ح��ال�ي��ة)‪،‬‬ ‫الحائزة على جائزة ال�شارقة ل�ل�إب��داع العربي‬ ‫ع��ام ‪2008‬م؛ فهي رواي��ة مهمومة ب�إ�شكاليات‬ ‫كثيرة‪ ،‬وربما كانت �إ�شكالية الموت من المداخل‬ ‫المهمة لقراءة هذا العمل‪ ،‬فهو الكيان الذي يمر‬ ‫بالكائنات الحيّة جميعها‪ ،‬وال يتجلى هذا المدخل‬ ‫بعيدا ع��ن المداخل الأخ ��رى؛ فهي مت�شابكة‪،‬‬ ‫وميزة العمل الجيد �أن تت�شابك وتتعدد مداخله‪،‬‬ ‫فيكون الوقوف عند مدخل واح��د كفيال بتناول‬ ‫جزئيات عديدة؛ فالموت يلح في الرواية بو�صفه‬ ‫حقيقة ملمو�سة‪.‬‬ ‫و�إذا كان العنوان (جبل حالية) يجعل الرواية‬ ‫وثيقة ال�صلة بالمكان‪ ،‬ال��ذي يُحدّد هوية �أهل‬ ‫ال�سورَجَ ة ونزوعهم و�آمالهم و�إحباطهم؛ فكون‬ ‫ه��ذا الجبل يحتوي ال�م�ق�ب��رة‪ ،‬يجعل ال��رواي��ة‬ ‫�أي �� �ض��ا‪ -‬وث�ي�ق��ة ال�صلة ب��ال �م��وت‪ ،‬وبالأ�سئلة‬‫الوجودية التي تالزمنا على ا لدوام‪..‬‬

‫هذه حكاية الحكاية‬

‫■ عبد الهادي رو�ضي*‬

‫�أعترف بدءاً �أن الم�صادفة قد لعبت دورها في االهتداء �إلى مجلة الجوبة‪� ،‬إذ و�أنا �أبحث في‬ ‫محرك غوغل ال�سحري‪ ،‬وجدتني بين ظاللها‪ ،‬فكان لزاما عليّ �أوال �أن �أ�سبر �أغ��وار موادها‪،‬‬ ‫و�أبوابها‪ ،‬و�أتعرف على لفيف من كتّابها �أي�ضا‪ ،‬وخطها التحريري الثقافي والإبداعي‪ ،‬ثانيا‪ ،‬ولو‬ ‫من بعيد‪ ،‬تلك هي حكاية الحكاية‪.‬‬

‫‪ 134‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫م���ع ت���وال���ي الأي� � � ��ام ت��وط��دت‬ ‫العالقة بيننا‪ ،‬ه��ي كمجلة ج��ادة‬ ‫في ر�سالتها الثقافية‪ ،‬و�أن��ا كقارئ‬ ‫م �غ��رب��ي‪،‬م �ت��اب��ع ج �ي��د ل�ل�م���ش�ه��د‬ ‫الثقافي والإب��داع��ي العربي عبر‬ ‫ك��ل ال��و��س��ائ��ط الممكنة(�صحف‪،‬‬ ‫م� �ج�ل�ات‪ ،‬وغ� �ي ��ره ��ا)‪ ،‬وح��ري����ص‬ ‫�ولت��ه‪ ،‬وج��دي��د‬ ‫ع �ل��ى اق �ت �ف��اء ت��ح� اّ‬ ‫مبدعيه ومبدعاته‪ ،‬والتوا�صل معهم‪ ،‬من دون‬ ‫�إنكار �أن الن�شر لحظتها‪ ،‬لم يعد يغريني بما‬ ‫يكفي‪ ،‬لأ�سباب ولأخرى‪� ،‬أهمها الح�صار الذي‬ ‫يمار�سه بع�ض ر�ؤ�ساء تحرير المنابر الإعالمية‬ ‫المتخ�ص�صة في الثقافة والإبداع والأدب‪ ،‬تجاه‬ ‫الأ�سماء الإبداعية الجديدة غير المكرّ�سة من‬ ‫قبل الم�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية لبلدانها‪،‬‬ ‫وج�شع بع�ض مرا�سلي تلك المنابر‪ ،‬وتلك ق�صة‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫غير �أن رغبة ملحّ ة تملكتني في م ّد رئي�س‬ ‫تحرير ال�ج��وب��ة‪ ،‬الأ��س�ت��اذ �إب��راه�ي��م الحميد‪،‬‬ ‫ببع�ض المواد‪� ،‬أذكر �أنه كان من بينها ن�صو�صا‬ ‫�شعرية لكنها لم تن�شر لحد الآن‪ ،‬ومع ذلك بقيت‬ ‫محافظا على اقتفاء �أع��داد المجلة عبر بوابة‬ ‫موقعها الإلكتروني‪ ،‬بحكم �أنها ال توزَّع في الدار‬ ‫البي�ضاء بال�شكل الكافي والمنتظم‪ ،‬لأن و�شائج‬ ‫* �شاعر وكاتب من المغرب‪.‬‬

‫ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة‬

‫الكتاب ‪ :‬جماليات الن�ص ال�شعري(قراءات نقدية حديثة)‬

‫الكتاب ‪ :‬جبل حالية ‪ -‬رواية‬

‫متابعة الم�شهد الإب��داع��ي �شعرا‬ ‫ون�ق��دا وق�صة و�إ�� �ص ��دارا‪ ،‬ه��و ما‬ ‫كان ي�شغلني‪ ،‬والجوهر الذي بنيت‬ ‫عليه عالقتي لحد الراهن‪.‬‬ ‫ال �أت���ص��ور �شخ�صيا الم�شهد‬ ‫الإع�ل�ام ��ي ال �ث �ق��اف��ي ال���س�ع��ودي‬ ‫وال��ع��رب��ي م �ن �ق��و� �ص��ا م ��ن مجلة‬ ‫جليلة كالجوبة‪ ،‬التي قدَّمت على م ِّر �أعدادها‬ ‫ملفات ودرا�سات �إبداعية مهمة‪ ،‬م�سَّ ت الق�صة‬ ‫ال�ق���ص�ي��رة ف��ي ال�م�غ��رب م�ث�لا (ال �ع��دد ‪،)28‬‬ ‫و� �ش �ه��ادات �شعرية (ال �ع��دد ‪ ،)40‬و��ش�ه��ادات‬ ‫�إبداعية في الق�صة الق�صيرة (‪� ،)39‬إ�ضافة‬ ‫�إلى احتفائها بزخم وافر من الدرا�سات النقدية‬ ‫في متون �شعرية و�سردية ونقدية لأ�سماء عربية‬ ‫م�ت��داول��ة‪ ،‬ون�صو�ص ف��ي الق�صة وال�شعر‪ ،‬من‬ ‫دون ن�سيان ا�ست�ضافتها ومحاورتها لعدد من‬ ‫المبدعين والمبدعات في الوطن العربي‪.‬‬ ‫�إنَّ ال�ج��وب��ة ي�ح��قّ لها �أن تفتخر بنف�سها‪،‬‬ ‫وبح�ضورها الم�ستمر في و�سط �إعالمي ثقافي‬ ‫وازن‪ ،‬توافرت له من المقوّمات والإمكانات ما‬ ‫ال ُي َع ُّد وال ُي�ق��ارَن‪ ،‬وحُ ��قَّ لنا �أن نفتخر بت�ألُّقها‬ ‫وا�ستمراريتها في خدمة المبدعين والإب��داع‪،‬‬ ‫على حدٍّ �سواء‪ ،‬متمنين لها ولأ�سرة تحريرها‬ ‫دوام اال�ستمرارية والعطاء والت�ألق‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ ‪135‬‬


‫الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫من �إ�صدارات اجلوبة‬

‫المباني‬ ‫الحكومية‪..‬‬ ‫وظيفتها‬ ‫ودورها‬

‫■ �إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫ال‬ ‫مهند�س عبداهلل الدهام‪،‬‬ ‫وال‬ ‫مه‬ ‫ند�س �صالح الع�شي�ش‬

‫مداخالت الجمهور‬

‫�ضمن خ��ط��ة ال��ن�����ش��اط ال��ث��ق��اف��ي لم�ؤ�س�سة‬ ‫ع�ب��دال��رح�م��ن ال���س��دي��ري ل�ل�ع��ام ‪1436/35‬ه � �ـ‬ ‫�أقيمت محا�ضرة بعنوان‪« :‬المباني الحكومية‪..‬‬ ‫وظيفتها ودورها في الإ�ضافة الجمالية للمدن»‪،‬‬ ‫�ألقاها المهند�س �صالح بن ظاهر الع�شي�ش‪،‬‬ ‫وذلك م�ساء يوم الثالثاء ‪2014/06/24‬م‪ ،‬في‬ ‫قاعة دار الجوف للعلوم‪ ،‬و�أداره ��ا المهند�س‬ ‫عبداهلل الدهام‪ ،‬ونقلت للق�سم الن�سائي عبر‬ ‫الدائرة التليفزيونية المغلقة‪.‬‬ ‫المهند�س �صالح الع�شي�ش‪ ،‬ق� �دَّم ال�شكر‬ ‫لم�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري والقائمين‬ ‫عليها لدعوته لزيارة المنطقة وااللتقاء ب�أبنائها‪،‬‬ ‫ث��م ق��دم ع��ر���ض (ب��اورب��وي �ن��ت) ع��ن المباني‬ ‫‪ 136‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1435‬هـ‬

‫الحكومية وظائفها ومزاياها‪ ،‬ت�ضمّن‪ :‬الوظائف‬ ‫الثانوية ‪ -‬الثراء المعماري والمادي ‪� -‬إب��راز‬ ‫الهوية ‪ -‬العمارة النجدية ‪ -‬الطراز الحجازي‬ ‫الم�شربيات ‪� -‬إ�شهار المكان ‪ -‬الحماية المدنية‬ ‫للمبنى ‪ -‬والمباني التي ترمز لل�سلطة والهيبة‪،‬‬ ‫مثل‪( :‬مبنى المحكمة ‪ -‬مبنى وزارة الداخلية ‪-‬‬ ‫برج التليفزيون)؛ والمباني الحكومية الخدمية‬ ‫م�ث��ل‪( :‬الإداري�� ��ة ‪ -‬التعليمية ‪ -‬ال�صحية ‪-‬‬ ‫االجتماعية ‪ -‬الثقافية ‪ -‬الريا�ضية)؛ والمباني‬ ‫الدفاعية (القوات الم�سلحة ‪ -‬مراكز ال�شرطة‬ ‫ ال�سجون)‪.‬‬‫تال ذلك مداخالت و�أ�سئلة من الجمهور ‪.‬‬


‫�صدر حديثاً عن برنامج الن�شر يف‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.