درا�سات ونقد ن�صو�ص �شعرية و�سردية �سرية و�إبداع حمور خا�ص: ال�شاعر علي بافقيه
ملف العدد: الجوف تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته الثامنة بعنوان مدينة وعد الشمال ..والمسؤولية االجتماعية
46
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث (البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy.org.sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.aljoubah.org/ aljoubah@gmail.com
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. ّ -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والكتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية، ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودع��م الأبحاث والدرا�سات ،يخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء. وي�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www.alsudairy.org.sa 4
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
العدد � - 46شتاء 1436هـ 2015 -م
الدورة الثامنة -الجوف 22محرم 1436هـ ( 15نوفمبر 2014م)
مدينة وعد الشمال.. 6......................... والمسؤولية االجتماعية
اجلوف حتت�ضن منتدى الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري يف دورته الثامنة
72....................... محور خا�ص بال�شاعر علي بافقيه
101...................... �سرية و�إبداع.. د .ميجان بن ح�سني الرويلي
الـمحتويــــات االفتتاحية 4 ............................................................ ملف العدد :الجوف تحت�ضن منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري في دورته الثامنة بعنوان مدينة وعد ال�شمال ..والم�سئولية االجتماعية 6 ... ـ�ص مُلتقى الكـتابة والقراءة -د .فريد �أمع�ضـ�شـو 22 .... درا�سات ونقد :الن ُّ �شعرية الغياب في «مقهى ال�شباب ال�ضائع» لـ«باتريك موديانو» - ه�شام بن�شاوي29 .................................................... الحجي في مجموعتــه الق�صـ�صـيـــة (�سيد واوي) بين النزعتين «الروحانية وال�ساخرة» -حمد حميد الر�شيدي32 ................... االحتدام الدرامي وت�شظي الداللة قراءة في ديوان «ي�سقط �شقياً» - ر�شيد الخديري36 ................................................... ق�ضايا وهموم الحياة االجتماعية في فن الق�صة الخلـيـجـيــة - م�صطفى محمد علي ال�صوفي 42 ................................... ق�ص�ص ق�صيرة� :أوجاع علي �أمقا�سم -حمد �أحمد ع�سيري 45 ....... الزهرة البرية -منيرة ح�سن الع�سيري 47 ............................ ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا -محمد �صوانه 49 .............................. �صالح و�أحالم �سوف - !!..فار�س الرو�ضان 50 ........................ الأ�صدقاء الثالثة -ق�صة للأطفال -فاطمة �أحمد 52 ................. ديك النعناع � -إبراهيم �شيخ 54 ....................................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا -م�سعدة اليامي 56 ............................. �شعر :ابتهاالت �أمام الكعبة الم�شرفة -ن�سرين بنت ثاني الحميد 57 ... ن�صو�ص �شعرية -تركية العمري 58 ................................... محاكاة � -أحمد قران الزهراني60 .................................... رحيق بطعم الحريق -علي العلوي 62 ................................. �شجرة الليل ..مغزول ب�إبر الفقد والهزيمة� - ..إبراهيم زولي 63 ...... كن كما �أنتَ � -سليمان عبدالعزيز العتيق65 ........................... خو�ص رِوا َيةٍ - ..الطاهر لكنيزي 66 ........................... لَ�سْ نا �شُ َ منديل � -شاهر النهاري 67 ............................................ للبيت رب يحميه � -أ�سامة الزقزوق 68 ................................ �شهد الحب -نازك الخنيزي70 ....................................... محور خا�ص :ال�شاعر علي بافقيه -حاوره :عمر بوقا�سم72 .......... مواجهات :الروائي «حمّور زيادة» -حاوره :مح�سن ح�سن 89 .......... بلقي�س الملحم -حاورتها� :شم�س علي96 .............................. �سيرة و�إبداع :د .ميجان بن ح�سين الرويلي 101 ....................... نوافذ :ر�ؤية للمنهــج االجتمــاعــي في النقد -د� .صبري حمادي103 .... �أدباء يحكون مدنهم � -سعيد بوكرامي105 .............................. دائرة الإنجاز � -صالح محمد اللحيد125 ............................... قراءات 126 ............................................................. عين على الجوبة :د�.أحمد الدمناتي 128 ............................
�صورة الغالف :الجوف تكت�سي بالبيا�ض وتنت�شي بالغيوم الثلجية يوم الأحد 20ربيع الأول 1436هـ الموافق 11يناير 2015م. �صورة لهطول الثلوج بمنطقة الجوف ،دومة الجندل -الأ�ضارع ،ت�صوير :جميل ال�شمري.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
5
اف �ت �ت��اح �ي��ة ال� � � � �ع � � � ��دد ■ �إبراهيم احلميد
يقدم هذا العدد ملف منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية في دورته الثامنة ،المنعقد في مدينة �سكاكا بتاريخ 22محرم 15 ( 1436 نوفمبر 2014م) ،بعنوان «مدينة وعد ال�شمال ..والم�سئولية االجتماعية» ،ن�سج فيه م�شاركو المنتدى قراءاتهم لم�شروع المدينة وانعكا�سات �إن�شائها على واقع المنطقة ال�شمالية من مقر المدينة في طريف� ،إلى عرعر و�سكاكا و غيرها ..في محاور منها مدينة وعد ال�شمال والآث��ار التنموية المتوقعة ،وال�شركات والم�سئولية االجتماعية ومفهوم الم�سئولية االجتماعية؛ مقدمين تو�صياتهم التي ت�ؤكد �أهمية المدينة والآمال المعلقة على �إنجازها وتحقيق �أهدافها . وتت�سع ف�ضاءات الجوبة لت�شمل درا�سات وقراءات في الإنتاج الإبداعي و�إبداعات �شعرية ونثرية ،كما تقدم محورا خا�صا بال�شاعر علي بافقيه ،الذي جمع الإب��داع ال�شعري بكافة �أ�شكاله؛ �إذ يقدم المحور �شهادات وقراءات ،وحوار ًا خا�صا مع ال�شاعر بافقيه ال��ذي يع ّد من ال�شعراء المميزين في التجربة ال�شعرية الحداثية .يتميز بلم�سته الفنية الراقية التي يلتقط بها لحظاته ال�شعرية ،والأ�سلوب العذب والأنيق في مداعبة ال�صور والأحا�سي�س المتدفقة في زمن تحجّ رت فيه الم�آقي ،وت�آكلت فيه القيم الإن�سانية الجميلة. كما يقدم العدد حوارا مع الروائي «حمور زيادة» الأديب ال�سوداني البارز م�ؤخرا، و هو �صاحب رواية «�شوق الدروي�ش» الذي ع َّد عديد من النقاد روايته فتح ًا في الأدب العربي عامة ..وال�سودانى خا�صة ،و�أنه يعيد كتابة تاريخ الكتابة ال�سودانية ،وهو الذي ح�صل على جائزة نجيب محفوظ بعد �أيام قليلة من محاورة الجوبة له ،كما دخلت 6
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
اف�����������������ت�����������������ت�����������������اح�����������������ي�����������������ة روايته�« شوق الدروي�ش» في القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لأبرز منجزات الرواية العربية لعام 2015م. وفي مواجهة �أخرى ،تلتقي الجوبة الأديبة بلقي�س الملحم التي تخ�ص�صت في �أدب العراق ،وكتبت عنه في �أعمالها الأدبية كما لو كانت من �أهله. في �سيرة و�إبداع يطل الناقد الدكتور ميجان الرويلي ،الم�ؤلف الم�شارك لكتاب «دليل الناقد الأدبي» من �شُ رُفات الجوبة ،مقدما �سيرته العلمية والإبداعية الحافلة التي ب��د�أت من مدينة هديب م��رورا بمدينة �سكاكا الجوف ،و�صوال �إل��ى الواليات المتحدة الأميركية والريا�ض . وفي �شهادات مميزة ..يكتب بع�ض الأدب��اء مدنهم مقدمين ولعهم وتجلياتهم، معبّرين عن المدن التي تجري دما�ؤها في ن�صو�صهم ،وعن مدى ارتباطهم بها وتعلقّهم بذكرياتها؛ فمنهم مَن يرى عالقته عالقة ميثولوجية ت�شوبها حالة من القدا�سة والأ�سطورية �أكثر منها واقعية ،ومنهم مَن يراها عالقة ملتب�سة ،تكت�سي رداء الأمومة ،و�أحيانا رداء الع�شق ،و�أحيانا �أخرى رداء الألم والتيه؛ وبع�ضهم يرى �أن المدينة التي تح�ضر في كتاباته هي مدينة متخيلة ،و�آخر يرى �أن المدينة �أعطته ماءها وروحها وهواءها ،و�أن حنينه يعيده �إليها عبر دروب الكتابة؛ ومنهم مَن ي�ستلهم �أحداثا و �شخ�صيات و�أمكنة و�أزمنة؛ �إذ تمثل المدينة �أم الر�أ�س حا�ضرة بقوة في الذاكرة ؛ تت�سرب الروح ب�صحبة الج�سد في الأزقة ال�ضيّـقة م�ستعيدا زهر الرمان و�سعف النخيل و�سواقي الماء . اجلوبة � -شتاء 1436هـ
7
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته الثامنة -الجوف
مدينة وعد الشمال.. والمسئولية االجتماعية 8اجلوبة � -شتاء 1436هـ
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
الجوف تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري يف دورته الثامنة:
مدينة وعد ال�شمال ..وامل�سئولية االجتماعية 22حمرم 1436هـ ( 15نوفمرب 2014م)
■ �إعداد :حممود الرحمي – عماد املغربي
�ضمن البرنامج ال�سنوي لمنتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية ،ا�ست�ضاف مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي في مركزه الثقافي بدار العلوم في مدينة �سكاكا بمنطقة الجوف دورة المنتدى الثامنة ،بعنوان (مدينة وعد ال�شمال ..والم�سئولية االجتماعية) ،ولمدة يوم واحد 2014/11/15م ،بم�شاركة عدد من ذوي االخت�صا�ص في المملكة. اف ُتتِح المنتدى ال�ساعة التا�سعة من التنموية واالجتماعية في المملكة ب�شكل ��ص�ب��اح ي ��وم ال���س�ب��ت 2014/11/15م ،ع��ام ،وتر�سيخها لممار�سة متميزة في وت���ض�م��ن ك �ل �م��ات رئ �ي ����س م�ج�ل����س �إدارة مجال الم�سئولية االجتماعية. م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري ،في�صل ب ��د�أت جل�سة االف�ت�ت��اح بكلمة لرئي�س بن عبدالرحمن ال�سديري ،فكلمة هيئة مجل�س �إدارة ال�م��ؤ��س���س��ة ،في�صل بن ال�م�ن�ت��دى لمعالي ال��دك �ت��ور ع�ب��دال��واح��د عبدالرحمن ب��ن �أح�م��د ال�سديري ،التي الحميد ،فكلمة افتتاح الندوة لمدير عام �ألقاها نيابة عنه م�ساعد المدير العام الم�ؤ�س�سة الأ�ستاذ عقل ال�ضميري ،،وقد الأ�ستاذ �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن �شملت فعاليات المنتدى تكريم �شركة ال�سديري ،الذي رحب ب�ضيوف المنتدى، �أرامكو ال�سعودية ،وذلك نظر ًا لإ�سهاماتها الذين جاءوا لي�س�شهدوا انطالقة فعاليات اجلوبة � -شتاء 1436هـ 9
المنتدى ف��ي دورت��ه الثامنة للعام 1436ه��ـ، وال��ذي يعد �أح��د المنا�شط المنبرية الدورية ال�ت��ي يقيمها م��رك��ز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي ،ويحر�ص من خاللها على تناول بع�ض المو�ضوعات المعا�صرة ،الجديرة باالهتمام على م�ستوى الوطن. وذك��ر �أن المنتدى تناول على مدى دورات��ه ال�سبع الما�ضية ،مو�ضوعات عدة في المجاالت الثقافية واالقت�صادية واالجتماعية وال�صحية والإدارة والإع�ل�ام� .أم��ا في ه��ذا ال�ع��ام ،فقد اختارت هيئة المنتدى �أن يكون مو�ضوع الدورة ال�ث��ام�ن��ة« :م��دي�ن��ة وع��د ال�شمال والم�سئولية االجتماعية» ،ا�ست�شعار ًا منها لما لهذا المو�ضوع من �أهمية ،وبخا�صة مع �إطالق م�شروع الملك عبداهلل لتطوير مدينة «وعد ال�شمال» ،بمباركة من خادم الحرمين ال�شريفين حفظه اهلل ،وما �سيت�ضمنه الم�شروع من نقلة نوعية بم�ستوى التنمية االقت�صادية التي �ستنعك�س على المنطقة ال�شمالية في المملكة -ب�إذن اهلل -بالنفع والخير في مجاالت التنمية االقت�صادية واالجتماعية. �إذ ي�ؤ�س�س ه��ذا ال�م���ش��روع لمدينة �صناعية تعدينية ،تعد الأكبر في نوعها في المملكة بعيدا عن �شاطىء البحر. وتابع قائال �إنه في ندوة المنتدى لهذا اليوم، �سيجرى تناول هذا المو�ضوع بالبحث من خالل �أوراق عمل ،يقدمها نخبة م��ن الأكاديميين والخبراء من جامعات وم�ؤ�س�سات وطنية ،وكلنا �أم��ل �أن يحقق ه��ذا الملتقى ون��دوت��ه الفائدة المرجوة.
�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري م�ساعد المدير العام
�أرامكو ال�سعودية ،ال�شركة التي لها تاريخ حافل في مجال الم�سئولية االجتماعية ،والتي يتحدث عنها رئي�س هيئة الن�شر ودع��م الأب �ح��اث في مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي ،وع�ضو هيئة المنتدى الدكتور عبدالواحد الحميد. وق��ال �إن�ن��ا ن�سعد ف��ي ه��ذا المركز ب�شرف الإ�سهام في خدمة الثقافة على م�ستوى الوطن العزيز ،من خ�لال ما توفره مكتبات المركز العامّة في كل من الجوف والغاط ،وما تقدمه برامجه لدعم الأبحاث ،وما تُحييه منا�شِ طُ ُه المنبرية. وكل هذه المبادرات ما كانت لتثمر لوال اهلل عز وج��ل ،ثم مظلة الأم��ن ال��وارف��ة في وطننا الغالي ،التي نهن�أ بها والحمد اهلل ،والتي ينبغي علينا جميع ًا �أن نحر�ص دوما على �صونها قو ًال وعمالً.
وتجدر الإ�شارة هنا �إلى �أن هذه الثمار هي وا�ستطرد قائال ..ي�سرني �أن �أ�شير �إل��ى �أن من بنات فكر الم�ؤ�س�س – يرحمه اهلل – الذي �شخ�صية المنتدى المكرّمة هذا العام هي �شركة يحمل المركز ا�سمه ،رج� ٌل انطلق من �صميم
10اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وت �ح��دث ع��ن منتدى الأم �ي��ر عبدالرحمن ال�سديري للدرا�سات ال�سعودية الذي يقام ب�شكل �سنوي ،بالتناوب بين الجوف وال��غ��اط ،يختار الق�ضايا ذات الأهمية على ال�ساحة المحلية والوطنية ،لتكون مو�ضوع ًا رئي�س ًا له .وقد اختارت هيئة المنتدى مو�ضوع «مدينة وع��د ال�شمال والم�سئولية االجتماعية» لكي يكون مو�ضوع هذا ال�ع��ام ،وذل��ك لما تحمله مدينة وع��د ال�شمال م��ن وع ��و ِد خ�ي��رٍ لالقت�صاد المحلي للمناطق معالي د .عبدالواحد الحميد ال�شمالية ،ولالقت�صاد الوطني؛ وبخا�صة في ثقافة هذا المجتمع ،ومن منبعِه الأول الأ�صيل� .سياق الم�سئولية االجتماعية التي �سيتطرق �إليها العدي ُد من المتحدثين في هذا المنتدى. وف��ي ختام كلمته� ،شكر الجميع على تلبية ك�م��ا اخ �ت��ارت هيئة ال�م�ن�ت��دى ال�شخ�صية ال��دع��وة لح�ضور ه��ذا ال�م�ن�ت��دى ،و�أث �ن��ى على ال�ج�ه��ات ال��راع �ي��ة ل��ه ،وع�ل��ى �أع �� �ض��اء الهيئة المكرمة وفق قواعد تربط بين مو�ضوع المنتدى ال��م�����ش��رف��ة ،وف��ري��ق ال��ع��م��ل ال���ذي ���ش��ارك في و�إن �ج��ازات ال�شخ�صية التي تُختار للتكريم؛ �سواء كانت �شخ�صية معنوية �أم طبيعية .وقد تنظيمه. وقع اختيار الهيئة هذا العام على �شركة �أرامكو وق��د �أ���ش��ار �سعادته �إل��ى معر�ض �إ��ص��دارات ال�سعودية ،وذلك نظير �إ�سهامها التنموي البالغ برنامج الن�شر ف��ي المركز المقام ف��ي البهو للبيئة المحلية التي ت�أ�س�ست فيها ،وللمملكة خارج القاعة ،وذكر �أن �إ�صداراته زادت عن مئة ب�شكل ع��ام ،وتر�سيخها لممار�سة متميزة في وثالثين �إ�صدار ًا ما بين كتاب ودورية. مجال الم�سئولية االجتماعية. كلمة هيئة المنتدى وذكر في معر�ض حديثه عن �شركة �أرامكو
ثم �ألقى معالي الدكتور عبدالواحد الحميد كلمة هيئة المنتدى ،تحدث فيها ع��ن مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي ،الذي انطلق قبل نحو ن�صف قرن با�سم (مكتبة الثقافة العامة)، �أن�ش�أها معالي الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري ،رحمه اهلل ،على نفقته الخا�صة ،ثم تطورت على م َِر ال�سنين ،حتى تحولت �إلى مركز ثقافي �شامل ،ي�سهم ب�شكل فاعل في الحركة
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
الثقافية الوطنية.
ال�سعودية التي كانت تعرف با�سم �شركة الزيت العربية الأمريكية (�أرامكو) �أنها ت�أ�س�ست عام 1933م ،عندما وقَّعت حكومة المملكة العربية ال�سعودية اتفاقية مع �شركة �ستاندارد �أويل �أوف كاليفورنيا (�سوكال� ،شيفرون حالياً) ،منحت بموجبها ال�شرك َة امتياز ًا للتنقيب عن الزيت في المملكة .وا�ستطاعت �أرامكو �أن تعثر على النفط ال�خ��ام بكميات تجارية ع��ام 1938م،
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 11
مدينة وعد الشمال �إن�شاء مدينة وعد ال�شمال لل�صناعات التعدينية �شمالي مدينة طريف ،هو وفاء لوعد خادم الحرمين ال�شريفين لأهالي منطقة الحدود ال�شمالية�،إذ �ستتوفر فيها كافة مقومات ال�صناعة والتنمية الم�ستدامة لتوفير الفر�ص الوظيفية لل�شباب وتطوير المناطق النائية ،و�ستكون هذه المدينة والم�شاريع عند اكتمالها �إنجازاً ال للإنجاز الذي تم -بف�ضل من اهلل -في مدينة ر�أ�س الخير �آخر للوطن ..مماث ً لل�صناعات التعدينية ،وقبلها في مدن الجبيل وينبع ورابغ ال�صناعية. يبلغ حجم اال���س��ت��ث��م��ارات المبدئية المتوقعة ف��ي ال��م�����ش��روع ( )26مليار ري��ال �سعودي ،منها نحو ( )21مليار ريال في مدينة وعد ال�شمال في م�شروع �شركة معادن لل�صناعات الفو�سفاتية ،فيما �سينفق في هذه المدينة مبلغ ( )4.5مليار ريال �إ�ضافية للم�شروع؛ لإقامة البنية التحتية وال�سكنية والخدمات ،وكذلك الربط الكهربائي و�سكة الحديد لمدينة وعد ال�شمال� ،إ�ضافة �إلى ثالثة �أر�صفة بحرية في ميناء ر�أ�س الخير ،مو�ضحاً �أن هذا الم�شروع �سي�ضيف نحو خم�سة ع�شر مليار ريالٍ �سنوياً �إلى الناتج المحلي. �سيكون م�شروع �شركة معادن لل�صناعات الفو�سفاتية محوراً �أ�سا�ساً لإن�شاء مدينة وعد ال�شمال لل�صناعات التعدينية التي خ�ص�صت لها الدولة �أر�ضاً بم�ساحة ()440 كيلو متراً مربعاً ،مو�ضحاً �أن وجود خام الفو�سفات جنباً �إلى جنب مع حقول الغاز المتوفرة في منطقة حزم الجالميد ومناطق �أخرى مجاورة تجري فيها عمليات تنقيب حثيثة؛ ما يعزز قيام مدينة وعد ال�شمال لل�صناعات التعدينية والم�شاريع الم�صاحبة.
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
و�صدَّرت �أول �شحنة منه عام 1939م .وفي عام وكانت فر�ص العمل محدودة للغاية في المنطقة، 1980م ا�ستكملت الحكومة ال�سعودية تملُّك وتكاد تقت�صر على المجاالت الزراعية وبع�ض �شركة �أرامكو ،بعد �أن كانت قد بد�أت في عقد الأن�شطة التقليدية. ال�سبعينيات من القرن الما�ضي في �شرائها إ�سهامات كبيرة على ٍ لقد ق� َّدم��ت �أرام �ك��و � ب�شكل تدريجي .وفي عام 1988م تم ت�أ�سي�س �صعيد ال�م���س�ئ��ول�ي��ة االج �ت �م��اع �ي��ة ،فا�ستفاد �شركة �أرامكو ال�سعودية بموجب مر�سوم ملكي ،المجتمع المحلي كثير ًا من �أن�شطتها ،وتجاوزت والتي حلّت محل �شركة الزيت العربية الأمريكية تلك الأن�شطة المجتمع المحلي ال�صغير لت�شمل (�أرامكو). �أن�ح��اء كثيرة وبعيدة من المملكة .وق��د كانت وا�ستطرد في حديثه عن �أرامكو قائال� :إن �إ�سهاماتُ �أرام�ك��و تتم بمبادرات ذاتية منها اختيارها لتكون ال�شخ�صية المكرمة لمنتدى �أح �ي��ان �اً ،وبتوجيه ومتابعة م��ن الحكومة في هذا العام ،جاء نابع ًا من تقدير المنتدى لوعي �أحايين �أخرى .وقد ازدادت وتيرة �إ�سهام �أرامكو ال�شركة بمفهوم الم�سئولية االجتماعية في وقت في مجال الم�سئولية االجتماعية ب�شكل خا�ص، مبكّر ،وحتى قبل �أن ي�صبح ه��ذا الم�صطلح منذ منت�صف الخم�سينيات الميالدية من القرن متداو ًال في الأدبيات الإدارية واالقت�صادية على الما�ضي. النحو الذي نراه اليوم. و�أ�شار في حديثه �إلى �أنه من ال�صعب ح�صر فعندما بد�أت ال�شركة �أعمالها في المنطقة وتتبّع �إ�سهامات �أرامكو التي ت�صب في �سياق ال�شرقية من المملكة ،كانت المنطقة تفتقر الم�سئولية االجتماعية ب�شكل مبا�شر وغير �إلى الكثير مما ي�سمّى بالتجهيزات الأ�سا�سية مبا�شر ،وف��ق التعريفات المختلفة للم�سئولية المادية واالجتماعية ،وبخا�صة في قطاعات االجتماعية .لكننا نجد ،على �سبيل المثال� ،أن التعليم وال�صحة والموا�صالت وال�م�ق��اوالت؛ �أرامكو قد �أ�سهمت عبر تاريخها في ن�شر التعليم
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 13
افتتاح ندوة المنتدى وق��د افتتح ال �ن��دوة م��دي��ر ع��ام الم�ؤ�س�سة الأ�ستاذ عقل ال�ضميري ،بكلمة رحب فيها با�سمه ونيابة عن زمالئه العاملين بمركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي بالح�ضور الكريم� ،شاكرا كل من �أ�سهم بالإعداد لهذا المنتدى من اللجان التح�ضيرية ،ومقدمي �أوراق العمل ،ومديري الجل�سات ،و���ش��رك��اء الم�سئولية االجتماعية الذين �شاركوا في رعاية هذا المنتدى وهم: (الناقل الر�سمي ل�ضيوف المنتدى -طيران الأ�ستاذ عقل ال�ضميري المدير العام نا�س� ،شركة االت�صاالت ال�سعودية � ،STCشركة ومكافحة الأم �ي��ة ف��ي بيئتها المحلية� ،سواء بتيل ,المجموعة ال�سعودية للأبحاث والت�سويق، بين موظفيها �أو غيرهم .ف�ض ًال عن �إ�سهامها البنك الأهلي) ،وال�شركاء الإعالميين (�صحيفة ف��ي ق�ط��اع��ات ال�صحة وال�ن�ق��ل وال�م��وا��ص�لات الريا�ض ،وال�شرق الأو�سط ،واالقت�صادية). والثقافة التي �أو�ضحها معاليه بالتف�صيل في كما رحب ب�شخ�صية المنتدى في هذه الدورة كلمته؛ ما جعل �أرامكو �أنموذج ًا لما يمكن �أن “�شركة �أرامكو ال�سعودية” ،مقدما التهنئة لها تفعله الكيانات االقت�صادية ،وبخا�صة الكبرى على هذا التكريم الم�ستحق عن �أعمال �شهدها تجاه مجتمعاتها المحلية .على عك�س النموذج الجميع في دورها التنموي ،في مختلف مناطق المقابل المتمثل في �شركات تنظر �إلى الممار�سة المملكة ،وخالل مدة طويلة من الزمن. االقت�صادية وفق مفهوم �ضيق للربح؛ فتعي�ش في وذك��ر ف��ي �سياق كلمته �أن الجميع يتطلع ّ عزلة عن المجتمعات المحيطة بها، وتمت�ص ب�شغف لما �سيبحث في هذا المنتدى في دورته خيراتها من دون �أن ت�سهم في تقدُّم المجتمع الثامنة التي جاءت بعنوان« :مدينة وعد ال�شمال المحلي؛ �سواء ب�شراء عنا�صر الإنتاج الموجودة والم�سئولية االجتماعية» ..على �أمل �أن يكون هذا فيه -وفي مقدمتها عن�صر العمل الذي يتطلع اال�سم بما يحمله من رمزية جميلة وعد ًا منجز ًا �إلى التوظيف� -أم في �ضخِّ مخرجات من �إنتاجها في وقته و�أه��داف��ه ،ومحقق ًا لآم��ال الآالف من داخل المجتمع المحلي ،من �أجل خلق دورات �أبناء ال�شمال �شباب ًا ورجال �أعمال ،مع �إخوانهم �أخ ��رى ج��دي��دة م��ن الإن �ت��اج ال��ذي ي�ف��رز قيمة ف��ي المملكة عموماً ،وال�ت��زام� ًا ن�ق��دره ونثمنه م�ضافة لالقت�صاد المحلي ويُنع�شه؛ وبخا�صة لخادم الحرمين ال�شريفين الملك عبداهلل بن عندما يكون االقت�صاد المحليّ في � ِّ أم�س الحاجة عبدالعزيز (رحمه اهلل)اعتماده ،والأمر ببدء تنفيذه. �إلى التطوير والتحديث. 14اجلوبة � -شتاء 1436هـ
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد وا�ستطرد قائال� :أرى من واجبي -وقد جاءت الذي ي�ضطلع به هذا المركز �إ�سهاما في �أداء المنا�سبة مالئِمة ومن دون تكلّف -الإ�شارة �إلى الم�سئولية االجتماعية في مجال عمله. دور هذا المركز الثقافي في ممار�سة الم�سئولية ورغ��م �أن في ه��ذا ع��ب ٌء على مركز ثقافي االجتماعية ،تم�شيا مع تطلعات الم�ؤ�س�س يرحمه يعتمد بقدر كبير على �إمكانات فردية� ،إال �أنه اهلل ،وقناعته ب�أهمية ه��ذا ال���دور ،و���ض��رورة بف�ضل اهلل ،ثم ما �سخر لهذا المركز من قبل ممار�سته من كل قادر على ذلك. الم�ؤ�س�س والقائمين عليه ..تمكن من �إثبات و�أ���ش��ار �إل��ى عناية مركز الرحمانية بن�شر وج��وده ،ت�أكيدا ب��أن العمل ال��د�ؤوب ،والإ�صرار �إنتاج �أبناء المنطقة الإب��داع��ي في المجاالت على تحقيق الأهداف ..هو الذي يوفر الإمكانات الثقافية ،وم��ا ي�ؤلف عن المنطقة ومحافظة ب�إذن اهلل. الغاط من درا���س��ات ،وتي�سير و�صوله للجميع، و�أ�شار ال�ضميري في نهاية كلمته �إلى �أن �إقامة وتخ�صي�ص االعتمادات المالية الكافية لذلك ،المركز لمثل ه��ذا المنتدى ال�سنوي والعديد و�إ��ص��دار ال��دوري��ات الر�صينة با�سم المنطقة ،من الندوات والمحا�ضرات التي تناق�ش بع�ض و�إبرازها على ال�ساحة الثقافية للوطن العربي ،اهتمامات المجتمع ..ما هو �إال دع��م لثقافة وتكليف الباحثين ب�إجراء الدرا�سات التطبيقية الحوار والتوا�صل ب�شكل ح�ضاري ،و�إ�سهام في في مجاالت ال�صحة والبيئة والعمران وغيرها ..تحقيق التفاهم والتناف�س العلني لخدمة هذه ما يعد تطبيق ًا لهذه القناعة ،وممار�سة للدور البالد المباركة. اجلوبة � -شتاء 1436هـ 15
الجل�سة الأولى �أدارها �أ .عبداللطيف ال�ضويحي (م�ست�شار �إعالمي م�ؤ�س�س مركز الم�شرات الحديثة للدرا�سات)
المحور:مدينة وعد ال�شمال والآثار التنموية المتوقعة الورقة الأولى م�شروع مدينة وعد ال�شمال المهند�س �سعود بن محمد ال�سعدون (مدير برنامج تطوير المخطط العام لمدينة وعد ال�شمال بمنطقة الحدود) ال�شمالية ا�ستعر�ضت الورقة م�شروع الملك عبداهلل بقية الأعمال الإن�شائية. لتطوير مدينة وع��د ال���ش�م��ال ،وت�ط��رق��ت �إل��ى و�أو� �ض��ح �أن مدينة وع��د ال�شمال اعتمدت المراحل التاريخية لبدء فكرة �إن�شاء المدينة معايير الترفيه في الم�ساكن �شبيهة بمعايير وما تبعها من مراحل التخطيط والإن�شاء المقرر الجبيل وال��ت��ي تمثل ال��ج��ودة الأع��ل��ى ،كا�شف ًا عملها �ضمن الجدول الزمني المعتمد للم�شروع .عن تحويل الم�سئولية االجتماعية لعمل يومي وتحدث الباحث عن مراحل �إعداد المخطط العام لمدينة وعد ال�شمال ،و�أهم المعايير التي ت��م �أخ��ذه��ا باالعتبار �أث �ن��اء �إن �ج��از المخطط العام ،ومن ثم �شرح مكوّنات المدينة بق�سميها ال�سكني وال�صناعي ،و�أهم المعالم والتفا�صيل التخطيطية بالمنطقة ال�سكنية.
وق ��دم ال�ب��اح��ث م��وج��ز ًا لأه ��م الإن��ج��ازات على �أر���ض الم�شروع ،ومدى تطور ن�سبة العمل الإن�شائي ،وعدد من التواريخ المتوقعة لإنجاز
16اجلوبة � -شتاء 1436هـ
من �أ�شكاله خدمة المجتمع المحلي الموجود في المنطقة ال�شمالية� ،إذ �ألزمت مدينة وعد ال�شمال تحقيق �سعود ٍة في �أعمالها بما ن�سبته %12من �أبناء المنطقة ،والمدينة مركز للتنمية والتوطين ا�ستقبل حتى ال�ي��وم �أك�ث��ر م��ن �ستة �آالف �سيرة ذاتية يتم طرحها على المقاولين لال�ستقطاب� ،إ�ضافة لإلزام المقاولين ب�إنفاق %10من قيمة العمل في ال�سوق المحلية في المنطقة ال�شمالية.
ي�ضع «وع�� ُد ال�شمال» ال�شمالَ وجه ًا لوجه �أم��ام �أف��ق اقت�صادي جديد؛ فعلى الرغم من �أن منطقة ال �ح��دود ال�شمالية لديها مزايا منها م��وارده��ا الب�شرية المتوائمة م��ع العمل ال�ج��اد� ،إال �أن��ه من الم�ؤمّل �أن ي���ؤدي «الوعد» �إلى تحقيق طفرة نوعية في االقت�صاد المحلي لعرعر والمنطقة ال�شمالية برمّتها؛ ال�سيما �أن اال�ستثمارات المتوقعة من قبل الحكومة الموقرة تتجاوز ( )26ملياراً ،و�سينفق لإن�شاء المدينة نحو خم�سة مليارات ري��ال ،ويتوقع �أن ت�ضيف «وعد ال�شمال» خم�سة ع�شر مليار ريال �سنوي ًا �إل��ى الناتج المحلي الإج�م��ال��ي ،وف�ق� ًا للمعلن ر�سميا. وقد بد�أت ت�أثيرات هذا الإنفاق تفرز تغييرات ف��ي تنويع االق�ت���ص��اد المحلي ،فا�ستثمارات وع ��د ال �� �ش �م��ال �سينتج ع �ن �ه��ا :ب�ن�ي��ة تحتية، و�سعة اقت�صادية ،و�آل��ة محورية لتوليد القيمة االقت�صادية وتوليد فر�ص ا�ستثمار متو�سطة و�صغيرة ومتناهية ال�صغرّ ،وفر�ص توظيف بما ي�ؤدي �إلى تحقيق نقلة نوعية للمنطقة ونواحيها، وي�سهم في تعزيز االقت�صاد الوطني برمتهِ.
وعن الآفاق االقت�صادية الم�ستقبلية لمدينة وع��د ال�شمال �أو� �ض��ح د .ب��و حليقة �أن الآف��اق االقت�صادية واع��دة بالفعل ،ويعود ال�سبب �إلى حاجة ه��ذه المناطق �إل��ى التنوع االقت�صادي، ف�ض ًال عن التنمية المتوازنة التي بيّنها خادم الحرمين ال�شريفين يحفظه اهلل قبل نحو �ست �سنوات ،حين ق��ال :ال بد من ت�سريع خطوات التنمية في المناطق ال�شمالية ،ويكون من خالل توفير الخدمات الأ�سا�سية للمواطن من بنيه تحتية وتعليم و�صحة متكاملة� ،إ�ضافة �إلى �إيجاد من�ش�أة اقت�صادية توفر فر�ص العمل.
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
الورقة الثانية وعد ال�شمال بين التنمية والنمو د� .إح�سان علي بوحليقة -رئي�س مركز جواثا اال�ست�شاري لتطوير الأعمال
ووع��د ال�شمال منطلق ،والآف ��اق كبيرة وال يتم تحقيقها �إال بالإ�صرار والإنجاز المتوا�صل، و�إنتاج الفو�سفات لن يكون كافي ًا �إذا لم نقف عند توفير فر�ص العمل ودعم ال�صادرات ال�سعودية. ول�ك��ن تحقيق التنمية والنمو ل�ه��ذه المناطق بحاجة �إلى ر�ؤيا مركزة على وعد ال�شمال وهيئة عليا لتطوير منطقة ال�شمال ل�ضمان م�ساهمة ال�شمال في االقت�صاد ال�سعودي.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 17
الورقة الثالثة البعد التنموي المتوقع لمدينة وعد ال�شمال على منطقة الحدود ال�شمالية د .محمد بن هذلول الهذلول ق�سم االقت�صاد جامعة الملك �سعود
ق��ال د محمد الهذلول �إن واح��دة م��ن ثمرات التوجيه الملكي الكريم ،بالإِ�سراع في العمل على تحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة الإِدارية، تمثلت ف��ي ت�ب� ّن��ي ال�ح�ك��وم��ة ت��و��ص�ي��ات المجل�س االق�ت���ص��ادي الأع �ل��ى ،الخا�صة ب�ـ��إِن���ش��اء مدينة �صناعية في منطقة الحدود ال�شمالية با�سم «مدينة وعد ال�شمال لل�صناعات التعدينية» ،ت�شمل البنية التحتية الالزمة لل�صناعة ،والمرافق االجتماعية، لتكون جاذبة لال�ستثمارات ال�صناعية التحويلية الأخرى ،واعتماد المبالغ الالزمة لذلك. فالمدينة و�إِن ك��ان��ت ذات ق��اع��دة �صناعية تعدينية� ،إِال �أن البنية التحتية التي �ستنفذ (وقد بد�أ العمل على تنفيذها فعالً) ،روعي �أن تكون جاذبة ال�ستثمارات �صناعية �أخرى .ولأجل تحقيق ذلك.. تبنّى مجل�س ال��وزراء التو�صيات الالزمة لإِي�صال �أه��م خدمتين الزمتين لتحقيق تلك الجاذبية: ال �ن �ق��ل ،وذل ��ك بتكليف � �ص �ن��دوق اال��س�ت�ث�م��ارات العامة و�شركة �سار بربط مدينة (وعد ال�شمال) لل�صناعات التعدينية ب�سكة ح��دي��د ال�شمال – ال�ج�ن��وب ،وت��زوي��ده��ا ب��ال�م�ق�ط��ورات المنا�سبة،؛ واعتماد مبلغ لل�شركة ال�سعودية للكهرباء لتقوم
18اجلوبة � -شتاء 1436هـ
بربط مدينة (وعد ال�شمال) لل�صناعات التعدينية ب�شبكة ال�ضغط ال�ع��ال��ي بما ف��ي ذل��ك محطات التحويل. هذا االهتمام الملكي الكريم بتوازن التنمية ي�ستحق االهتمام م��ن الباحثين ،وم��ن الجهات الم�ستفيدة ،الت�ضافر والنظر ف��ي �سبل تحقيق وتفعيل هذا التوجيه الكريم ،والذي كان وال �شك المحرك الأ�سا�س لإِع��داد هذه الندوة المباركة. وحيث قد �أتاح لي منظمو الندوة م�شكورين فر�صة ل�ق��راءة انعكا�سات ه��ذا الم�شروع المبارك على تنمية المنطقة .ف�س�أحاول في ه��ذا الحديث �أن اطرح محاولة لقراءة الأثر المتوقع لم�شروع بهذا الحجم على م�ستقبل التنمية ،وا�ستدامتها في منطقة الحدود ال�شمالية. هذه القراءة تتطلب الإِجابة على �س�ؤالين� ،أو النظر في بُعدين: الأول :مدى جاهزية المنطقة لال�ستفادة من هذا الم�شروع ،وعلى وجه الخ�صو�ص فيما يتعلق بتوظيف الموارد المحلية في المنطقة� ،إِما مبا�شرة �أو عن طريق التعاقدات التي �ستن�شئها حاجة م�شروع ال�صناعات المعدنية �أو ال�صناعات الأخرى. ام��ا البعد ال�ث��ان��ي :فهو النظر �إِل���ى م��ا يتعلق با�ستعداد ال�شركات الم�شاركة في الم�شروع بمراعاة تعظيم البعد التنموي الم�ستدام لم�شاريعها في المنطقة. و�أو� �ض��ح ال�ب��اح��ث ال�ه��ذل��ول �أن اخ �ت�لاف وعد ال�شمال عن الجبيل ال�صناعية وينبع هو الوعد نف�سه ،وتطلع خ��ادم الحرمين ال�شريفين حفظه اهلل لمعالجة تباط�ؤ التنمية في الأقاليم وتنويع االقت�صاد ،داعي ًا �إلى ت�سويق المنطقة عبر هيئات تطوير المدن بالمناطق ال�شمالية والغرف التجارية ال�صناعية.
تُعرف الم�سئولية االجتماعية ب�أنها التزام م��ن الجهات الخا�صة بالقيام ب�أعمال داخ��ل البيئة ال�ت��ي تعمل فيها ،لتح�سين الخدمات والأن�شطة االجتماعية ،والإ�سهام مع الدولة في محاربة الم�شاكل التي تواجهها ،مثل :البطالة، والفقر ،ونق�ص الخدمات ،والإ�سكان ،وتح�سين البيئة .فمفهوم الم�سئولية االجتماعية يتجاوز الربح �إلى تقديم الخدمات للمجتمع. وق ��د اه�ت�م��ت دول ال �ع��ال��م ب �ه��ذا المفهوم فا�ستحثّت القطاع الخا�ص للقيام ب��دور فاعل تجاه المجتمع .كما �أن هذا الن�شاط ينعك�س على القطاع الخا�ص بتح�سين ال�سمعة والثقة وك�سب احترام المجتمع للمن�ش�أة .وقد خطت المملكة العربية ال�سعودية خطوات جادّة نحو الم�سئولية االجتماعية م��ن خ�لال الموافقة على �إن�شاء الم�ؤ�س�سات الخيرية ،ودع��م م�ب��ادرات الهيئة العامة لال�ستثمار ،و�إن�شاء جائزة �أف�ضل �شركة في ممار�سة الم�سئولية االجتماعية.
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
الجل�سة الثانية مدير الجل�سة د .محمد بن حمد القنيبط (ع�ضو هيئة تدريب بق�سم االقت�صاد الزراعي – جامعة الملك �سعود) المحور :ال�شركات والم�سئولية االجتماعية الورقة الأولى مفهوم الم�سئولية االجتماعية د .فالح بن فرج ال�سبيعي (ع�ضو هيئة التدري�س بجامعة الإمام محمد بن �سعود الإ�سالمية)
وقد تناول د .فالح ال�سبيعي في ورقته �أبعاد الم�سئولية االجتماعية ولخ�صها في ثالث نقاط ه��ي :البعد االقت�صادي؛ والبعد االجتماعي؛ والبعد البيئي. وذك��ر �أن الم�سئولية االجتماعية تطورت ف�أ�صبحت منذ م��ا ي�ق��ارب ال�ق��رن م��ن الزمان ه ّم ًا رئي�س ًا لكثير من الدول بل �إن الإ�سالم �سبق وه��ذه �إ���ش��ارة ال بد من الحديث عنها -هذهالأطروحات بمئات بل ب�آالف ال�سنين منذ البعثة النبوية� ،إذ حثّ ديننا الحنيف على الم�سئولية االجتماعية في كثير من المواقف؛ فهناك من الأحاديث ومن الآيات الكثير التي تحثّ على �أن يتحمل كل فرد وكل جهة من الجهات م�سئوليته نحو تقديم ما يمكنه في هذا ال�ش�أن. و في المملكة العربية ال�سعودية بد�أ االهتمام بمفهوم الم�سئولية االجتماعية بالترخي�ص للم�ؤ�س�سات الخيرية واالجتماعية ،وب��د�أ �أي�ض ًا ح��ثّ ال�����ش��رك��ات الكبيرة مثل �شركة �أرام��ك��و اجلوبة � -شتاء 1436هـ 19
ال�سعودية وغ�ي��ره��ا م��ن ال���ش��رك��ات ال�ت��ي لها ب�صمات وا�ضحة في تقديم �أو تمثيل الخدمة �أو الم�سئولية االجتماعية. وفي حديثه عن عوامل النجاح ...يرى �أن هناك عدة عوامل ت�سهم في نجاعة الم�سئولية االجتماعية� ..أولها اقتناع ال�شركة المطبقة لمفهوم الم�سئولية االجتماعية ،هذا االقتناع ينعك�س على �إن�����ش��اء ج��ه��از �أو ن�شاط �ضمن الهيكل التنظيمي لل�شركة ،لتدعيم هذا الموقف وتخ�صي�ص �إدارة في الهيكل التنظيمي ،لتقوم تلك الإدارة بالدور المطلوب منها ،واعتبار هذا البرنامج من الأن�شطة الرئي�سة لل�شركة. كما يرى �أن الم�سئولية االجتماعية تنعك�س �أي�ض ًا على المنظمة المطبقة لها ،وهناك فوائد فكما �أنها فوائد للمجتمع فهي تنعك�س كذلك على ال�شركة نف�سها؛ م��ن ه��ذه ال�ف��وائ��د �أنها �شكل من �أ�شكال التعاون على البر ،وهذا طبع ًا ينعك�س على �أداء ال�شركة واقتناعها ب�أنها �شكل من �أ�شكال التكافل االجتماعي بما يح�سن �سمعة المنظمة �أو ال�شركة في المجتمع. وخ �ت��م ال �ب��اح��ث ورق��ت��ه ب � ��أن الم�سئولية االجتماعية ال �ت��زا ٌم م��ن المنظمات الخا�صة بتقديم خدمات للمجتمع والإ�سهام مع الدولة في محاربة الم�شاكل التي تواجهها من بطالة،
20اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وفقر ،ونق�ص الخدمات ،والإ�سكان ،وتح�سين البيئة؛ فمفهوم الم�سئولية االجتماعية يتجاوز ال��رب��ح �إل ��ى ت�ق��دي��م ال �خ��دم��ات للمجتمع .وال تقت�صر الم�سئولية االجتماعية للقطاع الخا�ص على تحقيق الأرب���اح ،ب��ل تمتد لت�شمل البيئة والعاملين وفئات المجتمع؛ وه��ي كما ذكرت ب�أبعادها الثالثة :االقت�صادية ،واالجتماعية، والبيئية ،وهي العوامل التي ت�سهم بنجاح في تطبيق م��دى الم�سئولية االجتماعية لل�شركة، وو�ضع ا�ستراتيجية و�آلية للتنفيذ ،واعتمادها ن�شاط ًا مهم ًا من �ضمن �أن�شطة ال�شركة وهيكلها التنظيمي ،كما للم�سئولية االجتماعية انعكا�سات �إيجابية على ال�شركة.
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
الورقة الثانية عر�ض لتجارب ناجحة – التابالين �أنموذجا د� .صالح بن معاذ المعيوف نائب مدير عام معهد الإدارة العامة ل�ش�ؤون التدريب م���س�ئ��ول�ي��ة ال �� �ش��رك��ات ن �ح��و المجتمعات المحيطة بها لي�ست فكرة نظرية جديدة و�إن كانت بمفهومها الحديث تبلورت وتر�سخت و�أ�صبحت ممار�سات م�ؤ�س�ساتية ف��ي القرن الع�شرين في المجتمعات الغربية ،وانت�شرت بعد ذلك في معظم بالد العالم. ومن الأمثلة الناجحة والمتميزة للم�سئولية االجتماعية لل�شركات ف��ي المملكة العربية ال�سعودية «�شركة التابالين» ،التي �أم��ر بها الملك عبدالعزيز رحمه اهلل في �شهر يناير عام 1948م .و�شركة التابالين عبارة عن تجمّع ل�شركات �أمريكية �أوك�ل��ت �إليها مهمة �إن�شاء خط �أنابيب لنقل البترول من الخليج العربي �إلى البحر المتو�سط بطول ( )1664كم وذلك الخت�صار م�سافة االلتفاف حول �شبة الجزيرة العربية والتي تقدر بحوالي ( )6000كم. لم تكن «التابالين» بكل المقايي�س م�شروع ًا نفطي ًا خال�صاً ،بل يمكن القول �إنه كان م�شروع ًا ح�ضاري ًا بكل ما للكلمة من معنى .لقد تجاوز الم�شروع وبمراحل هدفه المبا�شر (�إن�شاء خط �أنابيب بترول) بل �أ�سهم في �إن�شاء مدن ح�ضرية
�شيّدت فيها المدار�س والم�ست�شفيات الحديثة، و�أقيمت محطات للمياه والكهرباء ،وعبّدت الطرق ،ا�ستفاد منها معظم �سكان المناطق ال�شمالية« .التابالين» بحق ق�صة جميلة تحكي تجربة رائ��دة لل�شراكة االجتماعية لل�شركات ت�ستحق �أن ت�ك��ون �أن �م��وذج � ًا يحتذى م��ن قبل ال�شركات في وقتنا الراهن.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 21
الورقة الثالثة تجارب غير ناجحة في مجال الم�سئولية االجتماعية د/علي خالد قطيــــ�شات �أ�ستاذ القانون التجاري الم�ساعد بجامعة الإمام محمد بن �سعود الإ�سالمية
ع��ر���ض ال�ب��اح��ث ف��ي ورق �ت��ه تجربتين غير ناجحتين في الم�سئولية االجتماعية ..الأول��ى: محا�سبة الم�سئولية االجتماعية في الم�صارف الإ�سالمية لعام 2012م ،ا�ستعر�ض فيها �أهمية محا�سبة الم�سئولية االجتماعية وم�شاكلها، مف�ص ًال تلك الم�شاكل على م�ستوى المنظمة، ومحا�سبة التكاليف وع��وائ��ده��ا االجتماعية، م�ستعر�ض ًا م�شكلة خلق المعايير المحا�سبية المالئمة للقيا�س المحا�سبي تو�صلت �إلى �أن �أحد البنوك يقوم بعملية قيا�س التكاليف ب�شكل كمي، مو�ضح ًا المبالغ المنفقه فعلياً ،على �أن البنك الآخر قام بعملية القيا�س ب�شكل و�صفي لم�شاركته
22اجلوبة � -شتاء 1436هـ
في الم�سئولية االجتماعية بال تفا�صيل. وفي التجربة الثانية :محا�سبة الم�سئولية االجتماعية لأكبر ثالث �شركات ات�صاالت في مدينة دلهي الهندية. �إذ يتكون قطاع االت�صاالت في مدينة دلهي من ثماني �شركات تقدم خدمات االت�صاالت الخلوية ،لكنه اختار ال�شركات ذات الح�ص�ص ال�سوقية الأك �ب��ر .وق��د و�ضع ث�لاث فر�ضيات تتلخ�ص في عدم �إ�سهام �شركات االت�صاالت في دلهي في تنمية مجتمعاتها عن طريق دعم الأن�شطة الريا�ضية والثقافية واالجتماعية، وتوفير فر�ص العمل لأبناء المجتمع ،وال ت�سهم ال�شركات في الحدِّ من التلوث الإ�شعاعي الناتج عن الأب��راج ،متو�ص ًال لنتائج متباينة في دعم الأن�شطة الريا�ضية واالجتماعية والثقافية. �أما بالن�سبة لتوفير فر�ص العمل ..ف�إن النتائج متقاربة ج��داً؛ كونها توفر تلك الفر�ص عند حاجتها ولي�س لغاية م�س�ؤوليتها االجتماعية�،أما بالن�سبة للتلوث الإ�شعاعي ،فقد �أنكرت بع�ض ال�شركات �أن يكون للإ�شعاعات �أي ت�أثير م�ؤذٍ ، وعند �س�ؤالهم ع��ن ن�سب الإ�شعاعات رف�ضوا �إعطاء تلك الن�سب ،وعدُّوها معلومات �سرية.
في ختام فعاليات المنتدى ،خرج الم�شاركون في ندوته بعدد من التو�صيات المتعلقة ب�إ�شاعة م�ف�ه��وم ال�م���س�ئ��ول�ي��ة االج�ت�م��اع�ي��ة ف��ي مجال الم�شاريع الكبرى التي تنفذ في المملكة ،وتفعيل توجهات تلك ال�شركات من �أجل �إيالء المجتمع المحلي ال��ذي تعمل وت�ستثمر فيه االهتمام الالزم من حيث خدمة المجتمع ،و�إتاحة المجال �أم��ام �أبنائه من �أج��ل اال�ستفادة من الت�شغيل والخدمات التي تقام �ضمن هذه الم�شاريع ،ومن �أهم هذه التو�صيات:
لت�سريع ال �ت �ن �وّع االق �ت �� �ص��ادي��ة ف��ي جميع �أنحاء المملكة ،و�إي�ج��اد «م��و ّل��دات للقيمة» (م�شاريع �إنتاجية محورية) لتحقيق النمو االقت�صادي محلي ًا في القرى والبلدات في �أنحاء المملكة ،والتطلّع ا�ستراتيجياً ،لتكون تجمعاتنا الح�ضرية جاهزة للم�ستقبل بما يجلب معه م��ن تناف�س .وتحقيق االرت�ق��اء الم�ستمر بم�ستوى ال��رف��اه وج��ودة الحياة، يقوم على تنوّع م�صادر الن�شاط االقت�صادي لتكون تنميتنا م�ستدامة.
م�������������������ل�������������������ف ال�������������������ع�������������������دد
التو�صيات
-1اعتماد ت�شريع خا�ص بالم�سئولية االجتماعية � -3أن ت�ؤخذ التجارب ال�سابقة في مجال تطبيق ر�سمياً، الم�سئولية االجتماعية بعين االعتبار وذلك -2تعزيز م�ب��د�أ الم�سئولية االجتماعية على بتعظيم الإيجابيات وتالفي ال�سلبيات. م�ستوى الدولة بتحفيز الجهات المطبقة لها، و�إدخ��ال مفهوم الم�سئولية االجتماعية في � -4أن تقوم ال�شركات في مدينة وعد ال�شمال ب ��إي �ج��اد ف��ر���ص ع �م��ل ل���س�ك��ان ال�م�ن��اط��ق التعليم ،ون�شر ثقافة الم�سئولية االجتماعية ال�شمالية ،و�إث ��راء التنمية وحماية البيئة عبر و�سائل الإع�ل�ام ،وج ��دوى المنهجية المحلية ،و�إيجاد فر�ص ا�ستثمارية حقيقية الجديدة لإنجاز المدن االقت�صادية ،ب�إتباع للم�ؤ�س�سات وال�شركات وخا�صة المن�ش�آت منهجية تنفيذ ابتداء ولي�س منهجية ت�سويق، وت �ط��وي��ر ح ��زام م��ن ال �م��دن االق�ت���ص��ادي��ة المتو�سطة وال�صغيرة في المناطق ال�شمالية.
جانب من الح�ضور
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 23
«الن�ص كتاب ٌة وقراء ٌة في الآن نف�سِ ه»!.. هذه واحدة من الأفكار المتميِّزة التي تب ْل َورَت في النقد الحَ داثي الغربي ،خال َل الرُّبع الأخير من القرن المن�صرم ،قبل �أن تنتقل �إلى بِيئاتٍ نقدية �أخرى؛ منها بع�ض الم�شهد النقدي العربي المعا�صر ،ال��ذي �أل َفيْنا َ ال رجاالته يتب ّنوْنها ويتعرَّ�ضون �إليها تو�ضيحاً وتحلي ً وتف�سيراً ،وفي طليعتهم الأدي��ب الجزائري المرموق د. عبدالملك مرتا�ض� ،صاحبُ الت�آليف الكثيرة في م�ضمار النقد الأدبي ،الذي طالما َع َّد الن�ص الأدبي ملتقى الكتابة والقراءة معاً .تُرى كيف نظَ ر �إلى الن�ص هذه النظرة؟ يطلق مرتا�ض «الن�ص» ،في �أكثر تعريفاته اال�صطالحية ل��ه ،على ما هو مكتوب م�ساير ًة لِما هو رائ�� ٌج بين جمهور النقاد المحدثين والمعا�صرين في الغرب وفي غيره� .إذ ح��دّده ب�أنه ن�سيج لغوي ت��ارة ،وب�أنه كيان لغوي م�ؤلّف من دال ومدلول تارة �أخرى ،وب�أنه ن�سَ ق كالمي ذو وجود مادّي على الورق تارة ثالثة .وت�شترك هذه التحديدات جميعُها في �إلْحاحها على خا�صية الكتابة في �أي ن�ص �أدبي .وتن�ضاف �إلى هذه التعريفات �أخرى �ألَحَّ ت على هذه الخ�صي�صة نف�سها، ■ د .فريد �أمع�ضـ�شـو* خوا�ص �أخرى �أحياناً؛ من ذلك قوله« :الن�ص ّ مُ�ضيف ًة �إليها الأدب��ي ،كما هو متعارَف عليه ،هو بال�ضرورة ابتكا ٌر لكتابة من خيال ،تقوم على جمال� ،إل��ى درج��ة �أنها ت�سعى �إل��ى �أنْ تجعل النا�س يعتقدون ك�أنها من واقع الخيال )1(».وقوله: «الن�ص كتابة ،والكتابة ق���راءة ،وال��ق��راءة ت�أويلية مه ّي�أة للتلقي المفتوح �إل��ى ي��وم القيامة )2(».وق��ول��ه�« :أي �شيء نقر�أ في الحقيقة؟ الن�ص �أم �صاحب الن�ص؟ الكتابة �أم كاتبها؟»()3؛ بحيث �إنه قابَل ،في كالمه هذا ،بين الن�ص ال �أراد به والكتابة (وبين �صاحبه وكاتبها �أي�ضاً) تقا ُب ً الترادُف ال التقابل بمعنى الت�ضا ّد والتعار�ض.
�������ص ال���ن���ـ ُّ ُم��ل��ت��ـ��ق��ى الكــتابـــــة والقــــراءة
24
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
و«الكتابة في ح ّد ذاتها� ،أ�صالً� ،إنما هي ،في ت�صور المعا�صرين ومنهم ب��ول ريكور ،تثبيتٌ لقولٍ ما كان ليكون لو لم تكن الكتابة»()4؛ �أي �إنها مرحلة تالية للكالم المنطوق .كما �أنها جها ٌز معقّد لإن�ت��اج الأف �ك��ار ،والتعبير عن المعاني، وتبليغ الم�ضامين المختلفة �إلى المتلقين ،ونقل الأ�شياء والوقائع ونحوها. وعليه ،ف�إنها ،كما يقول مرتا�ض« ،واج��بٌ محْ توم على الكاتب :ي�ؤدّيه للمجتمع ،وال ي�ستطيع الإفالت من فعله ...ال ي�سَ عه� ،إذاً� ،إال �أن يكتب، �إال �أن يقول �شيئاً� ،إال �أن يدبّج ن�سوج ًا لغوية ينفُخ فيها من روحه وخياله وعقله مع ًا طاقات داللية جديدة ال توجد� ،أو ال تكاد توجد ،في المعاجم؛ ك�أنها لغته هو وَحْ ��دَ ه من دون العالمين؛ لغتُه هو وحده؛ لأنه يمنحها من دفء جَ نانه ،و َدفْق حَ نانه ،و�سخاء خياله ،ما يجعلها تنطبع بطابعه، وتتّ�سم ب�شخ�صيته الأدبية )5(»...و�إذا كان هذا الطاب ُع في الكتابات الأدبية الإبداعية ال يثير كبير نقا�ش ،و�أكث ُر الدار�سين �سائرين في اتجاه الت�سليم ب��ه ،ف���إن ن��ق��اد ًا كُ��ث��ر ًا ُي��ن��ادون بتحْ رير الكتابات التحليلية� ،أو النقود ،من هذا الطابع، واالت�ج��اه بها نحو المو�ضوعية الم�ؤ�سَّ �سة على معطيات علمية ملمو�سة ،و�إنْ كان هذا المطلبُ ع�سير التحقق عملياً ،ل�صعوب ِة � -أو ،بالإحرى، ال�ستحال ِة -تملُّ�ص الناقد من ذاتيته خالل ممار�سته الفعل النقديّ ،وتخلُّ�صه من ذوقه ال�شخ�صي. والحق �أنه «ال يمكن �إق�صاء الذوق عن درا�سة الن�ص الأدبي؛ لأن ذلك مفتاح �أوّلي يمكن دخول عالم الن�ص من خالله .ف ��إذا �صادف الناقد ه��وىً في نف�سه �أو م ْي ًال لدرا�سة ن�ص مّ��ا ،ف�إن ()6 ذلك ال يمكن �أن يكون غير معلَّل �أو مبرَّر». وعلى ال��رغ��م م��ن �إق ��رار مرتا�ض ب ��أن الن�ص الأدبي «�أثقلته التعليقات الذاتية ،و�أجْ حفته حقه الأحْ كام التقليدية التي تجنح نحو المبدع ،وتذر
الإب��داع وراءه��ا ظهرياً ،تحت �أ�سماء ت�سمّيها، غايات َتبْغيها؛ وكلها يعني كل �شيء �إال ٍ وبهدف ()7 نقد الن�ص الأدبي وت�شريحه» - .على الرُّغم من ذلك ،-نجده م ُِ�ص ّر ًا على ا�ستح�ضار ذلك البُعد الذاتي في الدرا�سة النقدية � ْإ�صراره على ح�ضوره في الإبداع ال�صرف تماماً .يقول�« :إننا بقدر ما نلحّ على الطابع ال�شخ�صي في العمل الفني ال�صرف ،ف�إننا نلحّ على توافر هذا المبد�أ ذات��ه في العمل النقدي �أي�ضاً ،دون �أن نلحظ تناق�ض ًا في الحُ كم وال تعار�ض ًا في الر�أي»(.)8 �إن الن�ص ،حين نربطه بالكتابة ،يرمي �إلى تحقيق �أه ��داف ج� ّم��ة ،لعل �أهمها «�أن��ه يهيّئ �شروط ًا لحفظ الأف��ك��ار بالتقييد والت�سجيل، و�إزاح��ة ال��ذاك��رة من التفكير والتركيز ،ونقل ال��م��ع��رف��ة ب��ي��ن ال��ن��ا���س ،ث��م حفظها ل�ل�أج��ي��ال خلط بين التبا�س �أو ٍ ٍ الالحقة»( ،)9ودرْء ًا لكل مفهومي الن�ص والكتابة ،ب��ادَر مرتا�ض �إل��ى التفريق بينهما ،و�صرْف النا�س عن الوقوع في ذل��ك االلتبا�س؛ فقال...« :ع�ل��ى �أن��ه ال ينبغي، ولنقر ْر ذلك تارة �أخرى� -أن يلتب�س في الذهنمفهوم الكتابة بمفهوم الن�ص .فالكتابة غايتُها ر�صف ميكانيكية عظلية تنه�ض حركتها على ْ الحروف والت�أليف فيما بينها داخل لفظ واحد، ر�ص الألفاظ بع�ضها �إزاء بع�ض. )10(»... ثم ّ وم�م��ا ع� �رّف ب��ه م��رت��ا���ض ال�ن����ص ،بو�صفه تنا�ص ،مت�أثر ًا ببع�ض نقاد الغرب مكتوباً� ،أنه ّ تنا�صية؛ المعا�صرين ال��ذي��ن عَ � �دّوا ال�ن����ص ّ ككري�ستيڤا ،وب��ارط ال��ذي �أك��د �أن الن�ص لي�س «�سطر ًا من الكلمات ،ينتج عنه معنى �أح��ادي، �أو ينتج عنه معنى الهوتي («الر�سالة» �أر�سلها اهلل) ،ولكنها ف�ضا ٌء لأبعاد متعددة ،تتزاوج فيها كتابات مختلفة وتتنازَع ،دون �أن تكون �أي واحدة منها �أ�صلية؛ فالن�ص ن�سي ٌج لأق��وال ناتجة عن �ألف ب��ؤرة من ُب��ؤر الثقافة»( .)11ومن ن�صو�صه في هذا الإط��ار قوله معرِّف ًا الن�ص ب�أنه «ثمرة
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 25
26
من ثمرات القراءة واال�ستماع والمُثاقفة»(،)12 وب�أنه نَتاج «تفاعُ ل بينه وبين ن�صو�ص �أخْ ��رى مجهولة ومَ نْ�سية في الغالب؛ �أي ن�صو�ص �شاردة في جُ يوب ال��ذاك��رة التي تلفِظها �أث��ن��اء �إنجاز «تنا�صية»( )14بتعبير وجيز ّ الكتابة»( ،)13وب�أنه ��ا���ص�� ّي��ة»( .)15وي�ؤكد ومكثّف ،وب���أن��ه «ن��ت��اج ال��ت��ن ّ مرتا�ض �أن التنا�ص قدَ ُر �أي ن�ص �أدبي؛ يالحِ قه كالظل ،ويالزمه �أب����د ًا( ،)16و�أن ه��ذا الن�ص ال يتنا�ص -بوعي �أو ّ يولد من ف��راغ ،بل ال بد �أن بغيره ،وبطريقة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة -مع ن�ص �أو ن�صو�ص �أخ��رى �سابقة �أو مُجايِلة له، ب�أي �صيغة من �صيغ التنا�ص .ويظل �أرقى هذه ُتنا�ص معه ال�صيغ التنا�صية ال َعمْد �إلى الن�ص الم ّ وتحويله لإدْماجه في كنَف الن�ص المُولَّد .وي�شرح لنا �أحدُهم هذا التحويل بقوله�« :إن الن�ص حين يدخل في عالقة تنا�ص مع ن�صو�ص �أخرى �إنما يقوم بعملية تحويل؛ �أي جعْل الن�ص الآخر يدخل بو�صفه بنية من بُنى العمل نف�سه ،حيث ال يقتطع الن�ص بمحموالته وت�أثيراته وو�ضعية �شكله كلها، و�إنما يكون ال�شكل ذا وظيفة تتركز في نم ّو العمل الجديد ،وزي��ادة مقدرته على �إح��داث الت�أثير. �إن هذه العملية ربما تكون غير واعية ،تك�شف عن التر�سُّ بات العميقة لأنماط الثقافة� .إنها رغبة الن�ص الجديد في تعْ�ضيد م�سْ عاه لتو�صيل المعنى و�إحداث الت�أثير .)17(»...وجدي ٌر بالإ�شارة �إلى �أن التنا�ص لي�س حكْر ًا على مجال الأدب ،بل �إنه �ش�أ ٌن يهُمّ الفكر الإن�ساني ُر َّمتَه ،الذي يعد «فكر متواليات؛ بمعنى �أن��ه متكوِّن من �سل�سلة متوالية من الأف�ك��ار وال�م�ع��ارف؛ تلك الأفكار والمعارف لي�ست وليدة (الآن) ،و�إنما هي وليدة لحظات متعددة ومتنوعة من القراءة ،والتطلع في الن�شاط الغيْري على الأ�صعدة كافة»(.)18 �إن الن�ص ،بهذا المفهوم ،ب�ؤرة تلتقي عندها ُب�ؤ ٌر �أخرى ،وبُوتَقة تن�صهر فيها ن�صو�ص �أخرى؛ الأمر الذي يجعله منفتح ًا على غيره من الكتابات اجلوبة � -شتاء 1436هـ
والآث���ار� ،سواء التي ت�سْ بقه �أو التي تعا�صره. و�إلى جانب انفتاحه هذا ،نجده ينقتح انفتاح ًا �آخ��ر على ال �ق��راءات المتعددة ت �ع � ُّد َد �أنفا�س الخالئق()19؛ على ح ّد تعبير محمد مفتاح .ويدل هذا التعدّد القرائي على �أمر �أ�سا�س ،هو عطائية الن�ص وتعدّده. لقد عرّف مرتا�ض الن�ص ،مكتوباً ،بعطائيته وبتجدُّده وبتعدّده في موا�ضع كثيرة ،مت�أثر ًا بتعريفات بع�ض َنقَدَ ة الغرب المتميِّزين ،وفي مقدمتهم ب��ارط وكري�ستيڤا .يقول ناقدُنا �إن الن�ص «�شبكة من المعطيات الل�سانية والبنيوية والأي��دي��ول��وج �ي��ة ،تت�ضافر فيما بينها لتكوّن خطاباً .ف��إذا ا�ستوى مارَ�س ت�أثير ًا عجيب ًا من �أجل �إنتاج ن�صو�ص �أخ��رى .فالن�ص قائم على التجدُّدية بحُ كم مقروئيته ،وقائم على التعددية بحكم خ�صو�صية عطائيته تبع ًا لكل حالة يتعر�ض لها ف��ي مجْ هر ال���ق���راءة .فالن�ص ،م��ن حيث هو ،ذو قابلية للعطاء المتجدِّ د بتعدد تعر�ضه للقراءة .)20(»...ويقول كذلك�« :إن الن�ص الأدبي ال يبرح المجال الذي �إن ا�ضطربت فيه المَزابر �أفرز لها من المعاني الكبيرة ،والقيم الكريمة، والنتائج الجديدة ،والأف�ك��ار ال�سديدة ،ما هو قمينٌ ب�إمتاع النفو�س ،و�إينا�س القلوب ،و�إذكاء الألباب .فهو المتا ُع الذي ال ين�ضب ،والجمال الذي ال يذبل ،والمَعين الذي ال ينقطع ،والمعدن ي�صد�أ ،والقيمة التي ال تتغير وال تتبدّل. الذي ال ْ وهذا الن�ص بقدر ما تعمّقت البحث فيه ،و�أطلْت النظر �إليهُ ،مطْ لِق ًا العِنان عبر �أفقه البعيد، و�أك �ث��رت م��ن معاي�شته ،وك�ل�ف��ت بمُخامرته، و�أولعت بمخالطته� ،أعْ طاك من القيم والجواهر ما لم تكن تتوقّع ،ولفِظ لك من النتائج العجيبة، واللطائف البديعة ،ما كان ليكون �إال به ،وفيه، وح���ول���ه»( .)21وي��ح��دد مرتا�ض «ع��ط��اء الن�ص» ب�أنه «م��ا يمكن �أن يعطيه �إ ّي��ان��ا ن�ص �أدب��ي ما من خالل البحث في مكامنه وزواي��اه )22(».وهو
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
«متجدِّ د �أزلي ال ينفد �أبداً :فكلما ا�سْ تعْطاه قارئ �أعْ طاه )23(».وي�ؤكد ذلك ،في مو�ضع �آخر ،قائالً، �إنّ « :عطاءات الن�ص غير محدودة ،و�سخاءاته الثرّة غير مجدودة»(.)24 وبنا ًء على ما ورد في هذه الن�صو�ص ،نخلُ�ص �إلى �أن الن�ص ،وال�سيما الأدبي ،مِ عْطاء ،وغنيّ ، ومتعدد الدالالت ،ومنتِج ،ومتجدد مع كل قراءة نقترئها ،وكل كتابة ندبّجها من حوله .وكان قد عنوانات ،من ٍ طرحُ بارط هذه الفكرة تحت عدة مثل «الن�ص المتعدد» ( .)Le texte plurielومن الأمور التي ال يختلف حولها النقاد المعا�صرون والحداثيون ،و�سابِقوهم كذلك� ،أن عطائية الن�ص مرتهنة بالقارئ ،وب�آلياته في القراءة، وبقدراته ال�شخ�صية في مجال القراءة والت�أويل. فقد �أثبتت التجربة �أن ن�ص ًا �أدبي ًا بعينه يقترئه اثنان �أو �أكثر ،تختلف م�ؤهالتهم وطاقاتهم في ال�ق��راءة ،فت�أتي النتيجة متباينة ،وقراءاتهم مختلفة �سع ًة و�ضيقاً ،وعمق ًا و�سطحاً .يقول بع�ض الذي ذكرناه« :عطاء الن�ص مرتا�ض ُمثْبت ًا َ الأدبي مرهون بقدرة الدار�س على التناوُل؛ �أي �أنه خا�ضع للمنهج المتطلع القلق الراغب الذي ب��ه يعالجه .ف��ك���أيِّ��نْ م��ن دار���س يمر بق�صيدة مَ � ّر ًا عَ جِ الً ،فال تمكّنه من نف�سها ،فيحْ �سبها �شحيحة وهي كريم؛ حتى �إذا جاء �إليها مترفِّق ًا بها ،مت�أمِّ ًال �سطحها وعمقها ،مت�سائ ًال بتلطُّ ف عن �أ�سرارها الخفيّة ،ومكامنها الم�ستعْ�صية، �أ�سْ عفته طائعة ب�سخاءٍ »(.)25 و َلمّا كان نقادنا المعا�صرون �شديدي االنبهار بمثل هذه الأفكار ،زاعِ مينَها من نتائج جهود نقاد الغرب المحدثين بخا�صة ،ومُر ِّددِينَها في كتاباتهم مَ ْعزُوة عزْ و ًا ُ�صراح ًا �إلى بارط وغيره �أو غير معزوّة ،فقد �ألفيْنا مرتا�ضاً ،و�إنْ كان ،هو الآخر ،من تلك الزمرة؛ كما بدا لنا من خالل كتاباته النقدية الحداثية ،ينبّه �إلى �أن عطائية الن�ص متجذرة في تراث العرب النقدي ،قائالً:
«العرب من الأمم التي تعاملت مع الن�ص الأدبي على �أ��س��ا�� ٍ�س م��ن انفتاحيته وعطائيته ،منذ القدم ،بحيث �ألفيْناهم َيكْلفون كلَف ًا �شديد ًا ببع�ض الن�صو�ص الأدب��ي��ة الكبرى؛ مثل �شعر المتنبي الذي و�صلنا من ال�شروح التراثية �أكثر من ثالثين �شرح ًا �أو قراء ًة عنه»(.)26 �إن الكالم ال�سالف متمحِّ �ض للن�ص بو�صفه كتاب ًة في الأ�سا�س .والآن �سنتحوَّل �إلى الحديث عنه بو�صفه ق��راء ًة في حد ذات��ه� ،أو مو�ضوع ًا للقراءة بمفهومها النقدي الحداثي .فقد تقدَّم الإي �م��اء �إل��ى �أن الن�ص -الكتابة ق ��راءة؛ من النا�ص ،حين يكتب� ،إنما يقر�أ فكره �أو منطلق �أن ّ �أ�شياء الوجود وغير ذلك ،وهو ينتج (�أو يبدع) ق�صد �أو من دونه -مقروءَه مُ�ستحْ ِ�ضر ًا -عن ْ وما ترَاكَم في ذهنه من تجارب و�أفكار ونحوها؛ هذا من وجهة. ومن وجهة �أخ��رى ،ينطرح الن�ص ،بو�صفه حق ًال للقراءة( ،)27تعاقَب على تناوله النقاد، منذ ال �ق��دم ،ف��ي جميع ال�ث�ق��اف��ات ،متو�سِّ لين بمناهج قرائية مختلفة ومتفاوتة من حيث درجة فعّاليتها ،وم�ستوياتُ الن�ص التي ت�ستهدفها. ويميّز فيها مرتا�ض بين مناهج تقليدية ،و�أخرى حديثة �أو حداثية؛ مبيِّن ًا �أن الأول��ى «قُ�صاراها تناول الن�ص من حيث م�ضمونه :وهل هو نبيل �أو غير نبيل؟ وتناول اللغة من حيث �شكلها :وهل هي �سليمة �أم غير �سليمة؟ قبل �أن ت�صدِ ر �أحكام ًا ق�ضائية �صارمة على �صاحب الن�ص �أو له؛ وذلك كله م��ن م��وق��ف عَ ��لٍ ؛ �أي م��ن م��وق��ف القا�ضي المتغطر�س� ،أو الحَ كَم المتجبِّر ال��ذي ال م َر َّد لحُ كمه .وكانت -غاية -هذه المناهج ،في �أرقى �أط��واره��ا ،محاولة ر ْب��ط �صاحب الن�ص ببيئته وزمانه وعرْقه)28(»...؛ في حين �أن الثانية �أنجع و�أل��زم لكل درا�سة تن�شد العلمية والمو�ضوعية والحَ يْدودة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 27
28
يقول مرتا�ض في مقدمة درا��س� ٍة ل��ه ،طبّق فيها المنهج البنيوي« :مُحا ٌل �أن ندر�س ن�ص ًا �أدب�ي�اً� ،شعبي ًا ك��ان �أو ف�صيحاً ،درا�سة علمية مو�ضوعية دون �أن نفزع �إلى مثل هذه المناهج الحديثة لتبنّيها فيه .فلم يعد النقد �أحكام ًا اعتباطية انطباعية ،وال دراي���ة لفظية تقوم على �سرْد م�صطلحات جاهزة ،وتقليب جمل محفوظة؛ تُقال حول هذا الن�ص وذاك و�آخر دون تغيير فيها كبير .ول��م يعد ال�ن�ق��د؛ نق ُد الن�ص الأدب��ي �شيئ ًا من ه��ذا �أو �شبْهه ،و�إنما �أ�صبح علم ًا ذا �أ���ص��ول وق��واع��د لمحاولة فهْم الأدب وتقويمه بمو�ضوعية وح��ي��اد� .)29(»...إن عَ ْل َمنَة النقد هذه م�س�أل ٌة دعا �إليها مرتا�ض في بدايات عهده بالمناهج الحديثة ،ولم ي�ستم ّر على الأخذ بها في نقوده التطبيقية ،بل وجدْ ناه، في كتاباته النقدية الأخيرة ،يتخلى عنها؛ �إذ ق�صد ،مَ ْك َننَة التحليل لأي يقول« :نرف�ض ،عن ْ ن�ص �أدبي ...وهي �سيرة ما �أكثر ما يتورّط فيها زم�لاء لنا ،في الم�شرق وف��ي المغرب ،فتغدو كتاباتهم� ،أو بع�ض كتاباتهم على الأق�لّ ،ال هي غربية خال�صة ،وال هي عربية خال�صة؛ و�إنما ق�صداً) بين تراها تَظْ لَع (و�أ�صطنع لفظ «تظلع» ْ ذلك �سبيالً»(.)30 �إن القراءة ،بمختلف �ألوانها ،وب�صورة �أقوى لمّا يركب ال�ق��ارئ /الناقد مناهج حديثة �أو حداثية ،عملية �صعبة ،وغير منقادة لأيٍّ كان. ا�ست�شف مرتا�ض هكذا خال�صة بعد تجربة َّ وقد طويلة في م�ضمار النقد الأدب��ي ،فقال« :لقد مار�سْ نا القراءة الأدبية زمن ًا متطاو ًال ف�ألفيْناها ع�سيرة �شاقة ،ومَ هُولة ُمعْتا�صة .وما ت��راه من جمال ن�سْ جها ،وبهاء عرْ�ضها ...ال يت�أتّى �إال ب�شيء يُ�ضارع الوالدة القي َْ�صرية»(.)31 وعلى كثرة ما ُتنُووِل الن�ص الأدبي بمقاربات نقدية متعدّدة ومتنوّعة ،فقد تر�سَّ خ لدى مرتا�ض �أنْ ال طريقة قرائية يمكنها تقديم قراءة حا�سمة اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ونهائية له؛ لأنه «ال يوجد منهج كامل مثالي ال ي�أتيه ال�ضعف وال النق�ص من بين يديه وال من خلفه .)32(».يقول« :لي�ست القراءة؛ قراءة ن�ص من الن�صو�ص الأدبية مما ت�ستطيع نظرية من النظريات الحَ �سْ م في �أمره� .إن �إجراءات نظرية و�صفة لتح�ضير وجبة ت�ست�شيرها القراءة ال ت�شبه ْ �سيدة مُبتدئة حين ت��ري��د طَ ��هْ��ي ال��ط��ع��ام في مطبخها؛ �إن التزمت بمقاديرها و�أزمانها وكل موا�صفاتها ح�صل لها تح�ضير وجبة جيّدة �أو مقبولة»(.)33 وت�ستهدف درا�سة ن�ص من الن�صو�ص ،ب�أي منهج م��ن مناهجها ،فهم ف��حْ ��واه ،وال��وق��وف وخوا�ص جن�سه ّ خوا�صه على م�ضامينه ،وتعرُّف ّ من خ�لال��ه( ،)34والإف ��ادة من ر�سالته ،وك�شف العالقات القائمة بين �أفكاره وعنا�صره( .)35كما �أنها «تتيح لنا �أن نعرف كيف وقع ن�سْ ج الإبداع، وكيف ُركِّ����ب؟»� )36(.إن ه��ذه الأم��ور كلها مَ ��رامٍ رامَ الناقد تح�صيلها ،و�سعى وراء تحقيقها في مجموع درا�ساته النقدية ،و�إنْ كان الرجل يغلّب جانب ًا (�أو جوانب) على �آخ��ر (�أخ��رى) فيها؛ لإدراكه �صعوب َة تحقيق تلك الغايات ،مُجتمِ عةً، في درا�س ٍة بعيْنها. اِنطالق ًا مما �سبق ،يت�ضح �أن الن�ص كتابة، كما �أنه قراءة ومجال قرائي في الإ ّب��ان نف�سه. وبين الكتابة وال��ق��راءة ،بو�صفهما فعاليتيْن مرتبطتين ب��ال��ظ��اه��رة ال��ن�����ص��ي��ة ،ان��ف�����ص��ا ٌل وات�صالٌ؛ فهما منف�صلتان لتمايُز طبيعتيْهما، ومت�صلتان لترابطهما �سببي ًا ومنطقياً .ومن هنا ،تغدو تلك الظاهرة ملتقى تلك الفعّاليتيْن معاً؛ كما �أك��د الناقد الفرن�سي جيرار جينيت ف��ي ق��ول��ه« :الن�ص الأدب ��ي ه��و م��ا تنقرئ فيه الكتابة ،وتنكتب فيه القراءة با�ستمرار»(.)37 ويقول الناقد ال�سوري منذر عيا�شي ،في ال�سياق نف�سه� ،إن «هاتين الفعاليتين وجهان لفعل واحد. فالقراءة ال تنفكّ تدور في فلك الكتابة ،بل هي
* باحث مغربي – جامعة محمد الأول /وجدة. ( )1عبد الملك مرتا�ض :الدكتور عبداهلل الغذامي كما عرفته ،مجلة «عالمات في النقد» ،جُ دّة ،ج ،43.مج،11. مار�س 2002م� ،ص.148 ( )2مرتا�ض :نظرية الن�ص الأدبي ،دار هومة للن�شر ،الجزائر ،ط� ،2007 ،1.ص.11 ( )3مرتا�ض :القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي ،مجلة «تجليات الحداثة» ،الجزائر ،ع ،4.يونيو 1996م، �ص.37 ( )4مرتا�ض� :شعرية الق�صيدة ،دار المنتخب العربي ،بيروت ،ط1994 ،1.م� ،ص.7 ( )5المرجع ال�سابق نف�ســه� ،ص.94-89 ( )6مو�سى ربابعة :القيمة وقراءة الن�ص الأدبي ،عالمات في النقد ،ج ،53.مج2004 ،14.م� ،ص.170 ( )7مرتا�ض :بنية الخطاب ال�شعري ،دار الحداثة ،بيروت ،ط1986 ،1.م� ،ص.283 ( )8مرتا�ض« :الن�ص الأدبي :من �أين؟ و�إلى �أين؟» ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ط1983 ،1.م� ،ص.51 ( )9مرتا�ض :في نظرية الن�ص الأدبي ،مجلة «الموقف الأدبي» ،دم�شق ،ع1988 ،201.م� ،ص.89 ( )10المرجع ال�سابق نف�ســه. ( )11روالن بارط :نقد وحقيقة ،تر :منذر عيا�شي ،مركز الإنماء الح�ضاري ،حلب ،ط1994م� ،ص.17 ( )12مرتا�ض :فكرة ال�سرقات الأدبية ونظرية التنا�ص ،عالمات في النقد ،ج ،1.مج ،1.مايو 1991م� ،ص.82 ( )13المرجع ال�سابق نف�ســه. ( )14المرجع نف�ســه. ( )15المرجع نف�ســه� ،ص.83 ( )16مرتا�ض ،عبدالملك :مدخل في قراءة ال ِبنَوية ،عالمات في النقد ،ج ،29.مج� ،8.شتنبر 1998م� ،ص.94 ( )17ناظم عودة :تحوالت النظرية النقدية الحديثة ،عالمات في النقد ،ج ،53.مج� ،14.ص �ص.241-240 ( )18محمد �سالم �سعد اهلل« :،مملكة الن�ص :التحليل ال�سيميائي للنقد البالغي – الجرجاني نموذج ًا –» ،دار ج��دارا للكتاب العالمي (عَ مّان) وعالم الكتب الحديث (�إرب��د)� ،سل�سلة «النقد المعرفي» ،رق��م ،1ط،1.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
كتابة ولكنْ بطريقة �أخ��رى .والكتابة ال تنفكّ بدورها ت��دور في فلك ال�ق��راءة ،بل هي ق��راءة ول��ك��نْ بطريقة �أخ�����رى( .»)38وي��ق��ول �أح��د نقاد بحث له ،كتبه لتحليل الجزائر المعا�صرين ،في ٍ �إح��دى رواي��ات المرحوم الطاهر وطّ ��ار تحلي ًال �سو�سيولوجياً�« :إن الن�ص م�شهد للنّظر النقدي وال�ق��راءة والكتابة يحمل بين ثناياه م�ؤ�شِّ رات بالغية تجريبية و�سردية وداللية و�إيديولوجية توجِّ ه القارئ.)39( »... وي�ؤكد مرتا�ض ،هو الآخر ،ال�صلة الحميمة بين ن�شاطيِ الكتابة والقراءة ،ويع ّد الن�ص كِ يان ًا يلتقي على م�ستواه ه��ذان الأم��ران� .إذ يت�صور الرجل �أن «الكاتب حين يكتب ن�ص ًا �أدبي ًا مّا، �إنما هو يقر�أ ،من بع�ض ال� ُوج��وه ،نف�سَ ه ،قبل �أن يقذف بما يقر�أ �إلى قارئه �أو متلقيه .فبدون ه��ذه ال��ق��راءة التي ُت��خْ ��رج ن�ص ًا م��ن ع��دم �إل��ى
وج��ود ،ال يكون للن�ص الأدب��ي وج��و ٌد �أب���داً»(.)40 ويقول ،في الإطار نف�سِ ه� ،إن «الكتابة ال تكون �إال بف�ضل القراءة؛ فهذه �سابقة عليها ،ورائدة لها، ومتقدِّ مة عليها .ذلك ب�أني حين �أكتب ،ف�إنما، �أنا في الحقيقة� ،أق��ر�أ ما في نف�سي؛ ف�أطْ رَحه ن�ص ًا من�صو�ص ًا على قرْطا�س .و�إني ال �أ�ستطيع �أن �أكتب ،من منظور �آخر� ،إال �إذا كنت قر�أت، وقر�أت ،ثم قر�أتُ ...فك�أن القراءة �أمٌّ ،والكتابة ابنتُها� .أو ك�أن القراءة �أ�صلٌ ،والكتابة فر ٌع منها، �أو مظه ٌر لها»( .)41ويبدو �أن مرتا�ضاً ،وغيرَه من النقاد المعا�صرين ،قد ت�أثروا ،في هذا الربط الوطيد بين ال �ق��راءة والكتابة ،بنقاد الغرب المُحدثين؛ كجينيت ،وب��ارط الذي عَ ْنوَن �أحد ف�صول �إحدى درا�ساته حول اللغة ،والتي نُقلت �إلى العربية تحت عنوان« :الكتابة والقراءة»، بعبارة «كتابة القراءة»(.)42
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 29
2007م� ،ص.123 ( )19محمد مفتاح :بع�ض خ�صائ�ص الخطاب ،عالمات في النقد ،ج ،35.مج ،9.مار�س 2000م� ،ص.36 ( )20مرتا�ض�« :أ-ي :درا�سة �سيميائية تفكيكية لق�صيدة «�أين ليْالي؟» لمحمد العيد» ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ،ط 1992م� ،ص.55 ( )21مرتا�ض :في الأمثال الزراعية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ط 1987م� ،ص �ص( .6-5من فاتحة الكتاب) ( )22مرتا�ض :الن�ص الأدبي ،...م�.س� ،ص.54 ( )23المرجع ال�سابق نف�سـه� ،ص ،55بت�صرف. ( )24مرتا�ض :ممار�سة الع�شق بالقراءة ،مجلة «نِزوى» ،م�سقط ،ع� ،8.أكتوبر 1996م� ،ص ،59بت�صرف. ( )25مرتا�ض� :أ-ي� ،ص.18 ( )26مرتا�ض :التحليل ال�سيمائي للخطاب ال�شعري ،دار الكتاب العربي ،الجزائر ،ط 2001م� ،ص.16 ( )27مرتا�ض ،عبدالملك :التحليل ال�سيميائي للخطاب ال�شعري ،عالمات في النقد ،ج ،5.مج� ،2.شتنبر 1992م، �ص.143 ( )28المرجع ال�سابق نف�ســه. ( )29مرتا�ض :الألغاز ال�شعبية الجزائرية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ط 2007م� ،ص( .4من فاتحة الكتاب) ( )30مرتا�ض� :شعرية الق�صيدة ،م�.س� ،ص.233 ( )31مرتا�ض :ممار�سة الع�شق بالقراءة ،مجلة «نِزوى» ،م�سقط ،ع� ،8.أكتوبر 1996م� ،ص.58 ( )32مرتا�ض :التحليل ال�سيمائي للخطاب ال�شعري� ،ص.18 ( )33مرتا�ض :القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي� ،ص.13 ( )34وي�سمّيها جيرار جينيت (« )G. Génetteجامع الن�ص» ( ،)Architexteالذي يُعد ،في نظره ،مو�ضوع نظرية الأدب الداخلية .يقول« :لي�س الن�ص هو مو�ضوع ال�شعرية ،بل جامع الن�ص؛ �أي مجموع الخ�صائ�ص العامة �أو المُتعالية التي ينتمي �إليها كل ن�ص على حِ دَ ة«( ».مدخل لجامع الن�ص» ،تر :عبدالرحمن �أيوب ،دار توبقال للن�شر ،البي�ضاء ،ط1985 ،1.م� ،ص)9 ( )35يقول مرتا�ض �إن غاية الدرا�سة (�أو النقد) ،في بعديْها النظري والتطبيقي« ،ت ْمثُل في االهتداء �إلى حقيقة الن�ص بتعبير فل�سفي� ،أو فهمه بتعبير الهرمينوطيقا الغادَميرية� ،أو تف�سيره بم�صطلح الدّينيين� ،أو عالقة الدال بالمدلول بح�سب البنيويين� ،أو الك�شف عن نظام الإ�شارة فيه بتعبير ال�سيميوتيكيين� ،أو تفكيكه وت�شْ ريحه على طريقة التفكيكيين«( ».الن�ص :نقده ،نقاده والحقيقة الفعلية» ،مجلة «كتابات معا�صرة» ،بيروت ،ع،3. مج1989 ،1.م� ،ص)19 ( )36مرتا�ض :في نظرية الرواية� ،سل�سلة «عالم المعرفة» ،الكويت ،ع1998 ،240.م� ،ص.40 (.G. Génette: Figures II, Seuil, Paris, 1977, P18 )37 ( )38منذر عيا�شي :الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط1998 ،1.م� ،ص.5 الق�ص والإيديولوجية في رواية «الزلزال» ،مجلة «التبيين» ،الجزائر ،ع،7. ( )39عمار بلح�سن� :صراع الخطاباتّ : 1993م� ،ص.114 (« )40كيف يمكن جذب �سواد القراء �إلى القراءة الأدبية؟» (حوا ٌر �أجرتْه ميرزا الخويلدي مع مرتا�ض ،عقب �صدور كتابه «نظرية القراءة :ت�أ�سي�س للنظرية العامة للقراءة الأدبية» ،وذلك على هام�ش مهرجان الجنادرية 19في الريا�ض) ،جريدة «ال�شرق الأو�سط» ،ع ،9690.بتاريخ � ،2005/06/09ص.12 ( )41مرتا�ض :القراءة وقراءة القراءة ،عالمات في النقد ،ج ،15.مج ،4.مار�س 1995م� ،ص .202انظر� ،أي�ضاً، كتابه «نظرية الن�ص الأدبي» ،دار هومة للن�شر ،الجزائر ،ط� ،2007 ،1.ص – 12مقاله «القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي»� ،ص� + 17ص.25 ( )42روالن بارط :الكتابة والقراءة ،تر :عبدالرحيم حزل ،مطبعة تان�سيفت ،مراك�ش ،ط 1993م� ،ص.103-95
30
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ف���ي رواي�����ة «م��ق��ه��ى ال�����ش��ب��اب ال�����ض��ائ��ع» (ت��رج��م��ة المغربي محمد المزديوي ،مقاليد ،الملحقيّة الثقافيّة ال�سعوديّة في فرن�سا2012 ،م) ،ي�سعى الكاتب الفرن�سي، ال��ح��ائ��ز ع��ل��ى ج��ائ��زة ن��وب��ل ل��ل���آداب 2014م �إل����ى تقديم لوحة بانورامية لباري�س الأخرى� ،أو كما ي�سميها ال�سارد «المناطق المحايدة» ،من خالل مقهى «كوندي» ،التي تعد قبلة للكتاب والفنانين ال�ضائعين ،و�سيرهم المتقاطعة مع �سيرة بطلة ال��رواي��ة «ل��وك��ي» ،ه��ذه ال�سيرة المت�ضافرة مع محكي تحريات «كيزلي» ،ال��ذي كلفه زوج��ه��ا ،الأك��ب��ر منها �سنّا ،بالبحث عنها ،لمعرفة �سبب هجرها له ،في�ضطر �إلى �أن ي�ضلل زوجها ،بعد �أن وجد نف�سه كباقي رواد المقهى م�شدودا �إليها ب�شكل غام�ض. احتفظ «ك��ي��زل��ي» ب���أ���س��رار حياتها ال�شقية لنف�سه ،والتي كانت بمثابة �ألغاز بالن�سبة �إلى �أ�صدقاء المقهى ،ولكي يمنحها ال��وق��ت لكي ت��ك��ون ،ب�صفة نهائية ،بعيد ًة ع��ن المتناول .وقد بد�أت رحلة «لوكي» للتخل�ص من �ضياعها وت�شتتها الوجودي من خالل ولوجها عالم القراءة ،عبر �صديق زوجها «غي دي فير» ،التي ح�ضرت بع�ض محا�ضراته ،ون�صحها بقراءة كتاب «�آفاق �ضائعة» ،حتى �أنها في يوم ك�آبة ،ا�ستبدلت ،بقلم ،اال�سم ال�شخ�صي في غالف كتاب «لويز العدم» با�سم «جاكلين العدم» (جاكلين ا�سمها الحقيقي) .ولم تن�س «لوكي» جملة �صاحب المكتبة ،ال��ت��ي ك��ان��ت ت�ستعير منها ال��ك��ت��ب « :ل���م ت��ك��ن ه��ذه المكتبة فقط م�لاذا بل كانت �أي�ضا محطة في حياتي .كنت �أظ��ل فيها ،ف��ي كثير م��ن الأح��ي��ان� ،إل��ى �ساعة الإغ�ل�اق .كان ثمة مقعد بالقرب من الرفوف� ،أو كان بالأحرى «�إ�سْ كملة» كبيرة ،كنت �أجل�س عليها من �أجل ت�صفح الكتب والألبومات الم�صورة .كنت �أت�ساءل �إن كان على علم بوجودي .بعد ب�ضعة ■ ه�شام بن�شاوي* �أي��ام ،ومن دون �أن يتوقف عن قراءته ،ينطلق بجملة ،وهي دائ��م��ا نف�س الجملة�« :إذاً ،ه��ل تجدين �سعادتك؟» الحقا، قال لي �أحد الأ�شخا�ص ،وبكثير من الثقة في النف�س ،ب�أن ال�شيء الوحيد الذي ال يمكننا تذكُّره هو رنة الأ�صوات. �إال �أنني ،ال �أزال اليوم ،وخالل ليالي الأرق التي �أعي�شها، �أ�سمع كثيرا ال�صوت ذا النبرة الباري�سية � -صوت ال�شوارع المنحدرة -وهو يقول لي� « :إذاً ،هل تجدين �سعادتك؟» هذه الجملة لم تفقد �شيئا من لطافتها ومن لغزها»! اجلوبة � -شتاء 1436هـ 31
���ش��ع��ري��ة ال���غ���ي���اب ف��ي «مقهى ال�������ش���ب���اب ال�����ض��ائ��ع» لـ«باتريك م��ودي��ان��و»
اقتحمت «ل��وك��ي» عالم المقهى ،وتعرّفت ب�سرعة على معظم روّاده وطباعهم الغريبة، وب�شكل خا�ص ،على الكاتبين :موري�س رافائيل و�أرثير �أدام��وف .هذا الأخير كان يتم�شى من دون ج���وارب .ك��ان يطلب منها� ،أح �ي��ان��ا� ،أن ترافقه من المقهى �إلى فندقه ،لأنه كان يخ�شى الم�شي وحده ،في الليل.
32
�أثناء �إقامته مع «لوكي» في �شارع �أرجنتين، حيث ا�ست�أجرا غرفة في فندق يقع في «منطقة م���ح���اي���دة» ،وح���ي���ث ال �أح ��د يمكن �أن يتعرف عليه هناك، فالأ�شخا�ص القالئل الذين ك� ��ان ي�ل�ت�ق�ي�ه��م ه� �ن ��اك من الممكن �أنهم �أ�صبحوا �أمواتا بالن�سبة �إلى الحالة المدنية: «ذات ي� ��وم و�أن�� ��ا �أت���ص�ف��ح ��ص�ح�ي�ف��ة ق � ��ر�أت ف��ي زاوي ��ة «�إع�ل�ان���ات ق�ضائية» مقالة ��ص�غ�ي��رة ع �ن��وان �ه��ا�« :إع�ل�ان غ����ي����اب»��� .ش��خ�����ص يُ���دع���ى «ت��اري��د» لم يظهر في �سكنه وال �سُ معت �أخبا ُر ُه منذ ثالثين اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�سنة ،وق��ررت المحكمة االبتدائية الكبرى �أن تعلن �أنه «غائب»� .أريتُ هذا الإعالن للوكي .كنّا في غرفتي� ،شارع �أرجنتين .قلت لها �إني مت�أك ٌد من �أن هذا ال�شخ�ص كان يقطن في ال�شارع مع نحو ع�شرة �أ�شخا�ص تمّ �إعالنهم «غائبين» ،هم �أي�ضا .على كل ف��إن جميع البنايات المجاورة لفندقي تحمل كلها كتابة« :بنايات م�ؤثثة». �أمكنة عبور ال يُطلب فيها هوية �أحد وحيث يمكن للمرء �أن يختبئ بها. ()... في �شهر فبراير ،الذي توقفت فيه عن العودة �إلى بيت زوجها ،ت�ساقطت ثلوج كثيرة ،وخيّل �إلينا ،ونحن ف��ي ���ش��ارع �أرج��ن��ت��ي��ن� ،أن��ن��ا �ضائعان في فندق في جبل ���ش��اه��ق .الح���ظ���تُ �أن����ه من ال�صعب العي�ش في منطقة م �ح��اي��دة .وم ��ن الأف �� �ض��ل، ح �ق �ي �ق��ة ،االق� � �ت � ��راب م��ن الو�سط .ال�شيء الأكثر �إثارة للده�شة في �شارع �أرجنتين،
***
وفي بداية ال�صيف ،قررا ال�سفر �إلى وجهة غير محدّدة ،فالأمكنة لم تعُد لها �أي �أهمية، ويُ�شبه بع�ضها بع�ضا« :هدفنا الوحيد من ال�سفر هو التوجّ ه �إلى قلب ال�صيف ،حيث يتوقف الزمن وحيث عقربا ال�ساعة ي�شيران دائما �إلى ال�ساعة نف�سها :الظهيرة». وعند لقاء «كيزلي» ب ـ «غي دي فير» تحدث ع��ن م�لام��ح ب��اري ����س ال �ت��ي ت �غ � ّي��رت ك�ث�ي��را في ال�سنوات الأخ��ي��رة ،فت�أمله «غ��ي» وه��و يقطب حاجبيه ،و�س�أله « :ه��ل ما ت��زال ت�شتغل حول المناطق المحايدة؟» .ت�ساقط ال�س�ؤال بطريقة فجّ ة �إلى درجة �أنه لم يفهم مغزى تلميحه ،ثم �أعطاه عنوانه في المك�سيك ،وطلب منه زيارته هناك ،وتخلى «غي» عن وق��اره المعهود ،وقال ك�أنما يناجي نف�سه« :قل لي� ...أفكر كثيرا في لوكي ...ال �أزال �أجهل ال�سبب.»...
«�إن� �ه ��ا ب�ل�اه��ة م ��ا �أق���ول لك ...ال �شيء يمكن فهمه... حين نحبّ �شخ�صا ما ،ب�شكل حقيقي ،يجب �أن نقبل جزءه ال�غ��ام����ض ...ول �ه��ذا ال�سبب ن �ح �ب��ه� ...أل �ي ����س ك��ذل��ك ،يا روالند؟.»..
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
عِ لما �أنني �أح�صيتُ العديد من ال�شوارع الباري�سية التي ت�شبهه ،هو �أنه ال يتالءم مع المقاطعة ال�ت��ي يعد ج��زءا منها .لم يكن ي�شبه �شيئا، ك ��ان منف�صال ع��ن ال �ك��ل. بهذه الطبقة من الثلوج ينفذ ال �� �ش��ارع م��ن ج��ان�ب�ي��ه على ال �ف��راغ .ع�ل��يّ �أن �أع�ث��ر من جديد على قائمة ال�شوارع التي هي لي�ست فقط �شوارع محايدة ولكنها ثقوبٌ �سوداء في باري�س».
عن كلماته.
***
وف���ي ���ش��ه��ر ن��وف��م��ب��ر .في ي��وم �سبت� .صباحا وم��ا بعد الظهيرة ،في �شارع �أرجنتين ،وهو ي�شتغل على مو�ضوع المناطق المحايدة .وكان على موعد مع لوكي في ال�ساعة الخام�سة .قرر مغادرة �شارع �أرجنتين في الأي��ام القادمة .بدا له �أ ّن��ه �شُ في تماما من جراحات الطفولة والمراهقة« ،و�أنه من الآن ف�صاعدا لي�س ل��ديّ �أيّ �سبب للبقاء مختبئا في منطقة محايدة» .لكن الجرح الأكبر وال�لا ين�سى ف��ي حياته �سي�صير ه��و «ل��وك��ي»: «ان��ط�لاق��ا م��ن ه��ذه اللحظة ح��دث غ��ي��ابٌ في حياتي ،ف��راغٌ ،لم يُ�سبّب لي �إح�سا�سا بالفراغ فقط ولكني لم �أكن �أ�ستطيع تحمل النظر .كل هذا الفراغ يبهرني ب�ضوء حا ّد ومتوهّ ج .وهذه الحالة �ستظل على هذا الأمر ،حتى النهاية».
كانت «لوكي» موجودة في الغرفة مع �صديقتها «جانيت» الملقبة ب��ر�أ���س الميت ،خرجت �إلى ال�شرفة .و�ضعت �ساقا م��ن ف��وق ال��دراب��زي��ن. حاولت �صديقتها �أن تم�سك بها ،لكن بعد فوات الأوان .كان لديها الوقت للتلفّظ ببع�ض الكلمات، كان مت�أثرا ،وهو الذي كان يتحدث دائما من كما لو �أنها كانت تكلّم نف�سها ،كي تمنح لنف�سها دون تردد ،وبطريقة وا�ضحة جدا� ،أ�صبح يبحث ال�شجاعة« :انتهى الأمر .ا�ست�سلمي للتراخي».
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 33
الحجي في مجمو عتــه ا لق�صـ�صـيـــة (�سيد واوي) بين النزعتين «الروحانية وال�ساخرة» ■ حمد حميد الر�شيدي*
34
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
(�سيد واوي) ،مجموعة ق�ص�صية �صادرة حديثاً عن دار (بي�سان) للن�شر والتوزيع والإع�لام في بيروت ،عام 2013م ،للكاتب والإعالمي ال�سعودي هاني الحجي. ت��ت��ك��ون ه���ذه المجموعة م��ن ن��ح��و خم�سة ع�شر ن�صاً ق�ص�صياً جعلت من البيئة (الإح�سائية) بعمقها التاريخي والح�ضاري ,وبجوانبها االجتماعية والمعرفية والدينية المحور الرئي�س ،الذي تتحدث عنه هذه الق�ص�ص ب�أ�سلوب م��ت��م��ي��ز؛ ي��ن��ب��ئ ع��ن اع��ت��م��اد ك��ات��ب��ه ع��ل��ى م��خ��زون ت��اري��خ��ي وح�ضاري وثقافي ومعرفي كبير ,وعن امتالكه مهارة فائقة ف��ي التعبير ع��ن عنا�صر ه��ذا المخزون وطرحها بال�شكل المنا�سب ،ال��ذي ال يت�صادم مع التاريخ ومادته وحقائقه؛ وال يقحم القارئ في المتاهات المعقدة لفل�سفة الما�ضي بوقائعه و�أح��داث��ه ،ومجرياتها مهما كانت نتائجها ,بقدر ما كان يحاول من خالل طرحه هذا �أن يت�صالح مع واقعه المعا�ش ,و�أن يوجد عنا�صر التوافق التكاملي العام بين ما�ضي المجتمع وحا�ضره؛ مبتعداً – في الوقت ذات��ه – عن النزعات الأحادية ذات الميول النا�شزة ,وعن اللهجات الخطابية المتقعرّة المكرورة والمملّة في �آن واحد ,والتي ال ترتقي الن�سيج االجتماعي لأي مجتمع ف��ي �أي زم��ان ومكان ،بقدر ما تنب�ش خيوط هذا الن�سيج ،وتوقع التنافر الحاد فيما بينها.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ك�م��ا تنبئ �أي �� �ض � ًا ع��ن دراي���ة ال�ك��ات��ب دراي��ة وا�سعة ,ومعرفته الدقيقة بمظاهر الحياة العامة للمجتمع (الإح�سائي) من نواحٍ متعددة :اجتماعية وتاريخية واقت�صادية ودينية وح�ضارية� ...إلخ. وال �شك �أن معرفة الكاتب معرفة كافية لمجتمع تغريه الكتابة عنه ،مهما كانت مادتها ومو�ضوعها هو �أمر في غاية الأهمية ,ومن الأ�س�س التي يقوم عليها نجاح هذا الكاتب �أو ذاك في �أي عمل يقدمه للقارئ ،وفي �أي زمان ومكان. ف��ال�ك��ات��ب – �إذ ًا – ك�م��ا ي �ق��ال :ه��و (م ��ر�آة ع�صره) ،وكلما كان �أكثر قرب ًا من بيئته ،و�أكثر ط�ق��و��س��ه ,و�أه �م �ي��ة ال �ج��ان��ب ال��دي �ن��ي بالن�سبة الت�صاق ًا ب�أهلها ..كانت كتابته عنها �أكثر �صدق ًا للمجتمع ,وكيف �أنه هو العامل الرئي�س في بناء حياة �أفراده. وواقعية وو�ضوحاً. هذا كله من حيث الطرح وم�ضمونه� ,أما من حيث ال�شكل ،فقد تنوّعت ن�صو�ص هذه المجموعة بين (الق�ص�ص الق�صيرة) و(الق�ص�ص الق�صيرة جداً). وف��ي كال ال�شكلين حر�ص الكاتب على تنوّع الخطاب ال�سردي ,وتعدد �أ�ساليب التعبير بين ال�شخ�صيات ح�سب �أدواره � ��ا ,وع��ن الأح ��داث ووقائعها في جميع ن�صو�ص المجموعة ،التي تُراوح بين المبا�شرة ،حيناً ،وبين الأ�سلوبين الو�صفي والحواري ،حين ًا �آخر.
وه��و �-إ��ض��اف��ة �إل��ى ذل��ك -المعيار الأ�سا�س لتقييم �سلوكياتهم و�أقوالهم و�أعمالهم في جميع ما يتعلق ب�ش�ؤون حياتهم الدنيوية والأخ��روي��ة؛ ث��م �إن��ه كذلك �سمو بالنف�س ع��ن رذائ��ل الأم��ور و�سفا�سفها في الحياة الدنيا ,والموجب ل�صبرها تجاه كل ما يحزنها �أو ي�ضيرها في هذه الحياة، وا�ست�شعار لما �سوف تجده هذه النف�س ال�سامية ال�صابرة في مقابل ذل��ك كله من نعيم الآخ��رة و�سعادتها الأبدية.
لي�س ه��ذا فح�سب ,ب��ل �إن الكاتب – وعلى العك�س من ذلك – قد �أورد �أي�ض ًا من خالل بع�ض �إنَّ م��ن يت�صفح ن�صو�ص ه��ذه المجموعة ال�شخو�ص الق�ص�صية ونماذجها في مجموعته، الق�ص�صية ،يجد �أنها جميعها حافلة بنزعتين كيفية ا�ستغالل بع�ض عنا�صر المجتمع للجانب وا�ضحتين تخيّمان على الجو العام لهذه الن�صو�ص ال��دي�ن��ي ,و�أهميته ف��ي ح�ي��اة �أف� ��راده ,رغ�ب��ة في هما: ك�سب تعاطف المجتمع مع مثل ه��ذه النماذج، �أو م�ساندته تجاه �أي غاية يريد تحقيقها �أو �أي -1النزعة الروحانية �إ�شكالية تواجهه. وهذه النزعة وا�ضحة تماماً� ,إذ ا�صطبغت لغة ومثل ه��ذا النموذج يتمثل لنا ف��ي �شخ�صية الكاتب ب�صبغة دينية �أظهر من خاللها تديّنه, وا��س�ت�غ��راق��ه ف��ي التفكير ال��روح��ان��ي وممار�سة (�سيد واوي) ,وهي الق�صة التي حملت ا�سمها
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 35
المجموعة ككل� ,إذ �إن هذه ال�شخ�صية العجيبة (البوهيمية) ،هي نموذج وا�ضح يجمع بين الدين وقيمه و�شعائره وطقو�سه ،من جهة ,وبين ا�ستغالله في الوقت ذاته للجوانب الدينية في حياة المجتمع وت�أثيرها عليه ،لك�سب وده وتعاطفه تجاه �أي مبد�أ ي�ؤمن به �أو غاية ين�شدها ،من جهة �أخرى: (�سيد واوي ظاهرة غريبة في مجتمع الأح�ساء الذي اعتاد على الحياة الرتيبة .كان يدخل في نقا�شات مع الجميع ,ويختلف معهم� ،إال �أنهم كانوا يحبونه رغ��م اختالفاتهم ,فهو �سيد من �ساللة الر�سول� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،ول��ه احترامه,
عندما ع��اد �إل��ى الأح���س��اء ل��م يجد مهنة �سوى الخطابة يقتات منها ويحفظ م��اء وجهه بها, لأن �صوته كان �شج ّياً ،لكنه بد�أ ينتقد �سلوكيات المجتمع في خطبه ،والمجتمع الإح�سائي لم يتقبل هذا النقد ال�صريح. فهم كانوا يعقدون �أ�شبه ما يكون بال�صفقات م��ع الماللي ،...و�أن المجتمع ه��و النقي ،فلم يحتملوا �صراحة �سيد واوي؛ فرف�ض �أ�صحاب الم�آتم قراءته ,وانتقل للعمل عند حجي عبا�س في بيع الخ�ضار ،بعد �أن عطف عليه ب�سبب جوعه وفقره.)1()... �إن �شخ�صية متعددة الجوانب ،وغنية برموز كثيرة ك�شخ�صية (�سيد واوي) ،ال يمكن �أن نقول عنها �إنها �شخ�صية متناق�ضة مع نف�سها ،ال من حيث �أق��وال�ه��ا ،وال من حيث �أفعالها ،بقدر ما يمكن �أن نقول �إنها �شخ�صية �صنعتها الظروف المحيطة :اجتماعية وت��اري�خ�ي��ة واقت�صادية ودينية ,و�إن الجانب الديني ،تحديداً ،هو العامل الرئي�س في بنائها وبروزها ,حتى و�إن جعلت من هذا الدين �أحيان ًا و�سيلة مو�صلة لغايات دنيوية تعد – �أ�سا�س ًا – من الحقوق المباحة لها. وهذا بدليل �أنه (لم يجد مهنة �سوى الخطابة يقتات منها ويحفظ م��اء وجهه ب�ه��ا)!! وبدليل �آخر هو �أنه (انتقل للعمل عند حجي عبا�س في بيع الخ�ضار ،بعد �أن عطف عليه ب�سبب جوعه وفقره� ..إلخ).
36
وربما كان لهذه ال�شخ�صية ن�صيب من ا�سمها كما تقوله الحكمة الم�أثورة في ثقافتنا العربية: (كل له من ا�سمه ن�صيب) ،بحيث �إننا لو �أمعنا النظر في ا�سم �سيد (واوي) لوجدنا �أن ن�سبة ا�سمه لهذه (ال��واو) يعني لنا �أ�شياء كثيرة ذات �صلة وثيقة ب�شخ�صيته ,ومعطوفة على بع�ضها اجلوبة � -شتاء 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
في (واو) العطف :فهو رج��ل الدين ,والخطيب �سحيلة ,وفي يوم دخولي المدر�سة �سقط االتحاد الم�صقع ,وهو المكافح �أو المثابر من �أجل اكت�ساب ال�سوفيتي ..وبعدها �أ�صبحوا ي�سمونني ويعلقون (لقمة العي�ش) ،وهو المنتقد ل�سلوكيات مجتمعه .علي «منحا�ش بن المنحا�ش». كما �أن��ه كذلك ال�سيا�سي �أو الخبير بال�ش�ؤون ال �أُط �ي��ل عليكم...ا�ستطعت �أن �أ� �ص��ل �إل��ى ال�سيا�سية� ...إلخ. الجامعة بعد جهد كبير لتخرجي من الثانوية, وفي اليوم الذي قبلت فيه بالجامعة ،بد�أت حرب -2النزعة ال�ساخرة الخليج الثانية ،قد تعتقدون �أني طالب مهمل حتى وهي �أي�ض ًا وا�ضحة تمام الو�ضوح في ن�صو�ص ت�ستمر فترة درا�ستي االبتدائية وحتى دخولي المجموعة ,وهي – في الوقت ذاته – ت�سير في الجامعة ،بطول فترة هزيمة االتحاد ال�سوفيتي خ� ٍ�ط م��واز للنزعة (ال��روح��ان�ي��ة) التي تلبد بها ب�أفغان�ستان ،ول�ك��ن ت ��أخّ ��ري ال��درا� �س��ي ب�سبب الجو العام لهذه الن�صو�ص ,وقد �أك�سبت الم�شهد م�ؤامرات مدر�سيّ الدين �ضدي ,كانوا يقولون عني ال�سردي العام برمته �أبعاد ًا جديدة� ,أكثر عمق ًا �إمبريالي ،وتخرّجي خطر على الأمتين العربية و�أو�سع ِ�آفاقاً!! والإ�سالمية!)2()... ول��وال ه��ذه النزعة – ب�صراحة – الت�سمت وع �ل��ى ه ��ذا ال�ن�ح��و ي�ج��د ال��ق��ارئ لن�صو�ص الن�صو�ص جميعها بطابع روحاني وديني بحت ,مجموعة (�سيد واوي) خلوها من النبرة المتعالية, والنغلقت على نف�سها ف��ي �إط ��ار �ضيّق ي�ح�دّده والخطابية المتكلفة ،واالنفعاالت الم�صطنعة، الدين وروحانيته المت�سامية ,وطقو�سه المغرقة وانعتاقها من �أر�شيفية التاريخ القاتمة و�صراعاته في ت�أمالتها ,بعيد ًا عن الواقع الح�سيّ ؛ ما يعني وجدلياته الم�ستهلكة ,وفل�سفة الما�ضي ب��ر�ؤى انهماكها و���ش��روده��ا و(��س��رح��ان�ه��ا) فيما وراء مفتعلة قد ال تمتّ للحا�ضر ب�صلة. الطبيعة �أو الالوعي ,وهذا ما ي�ؤدي في نهاية الأمر و�إن�م��ا ك��ل م��ا يجده ال �ق��ارئ ،ه��و قيام الكاتب �إلى �سلخها عن واقعها الفعلي المعا�ش والمحيط ب�إف�ساح المجال ل�شخو�صه للتعبير ع��ن نف�سها بها ,وك�أنه ال يعنيها في �شيء. بنف�سها ،وع��ن مواقفها وم�شاعرها تجاه ك��ل ما وتت�ضح لنا هذه (النزعة ال�ساخرة) في كثير يحيط بها ,وع��دم تدخّ له المبا�شر في ان�سيابية من ن�صو�ص المجموعة� ،أهمها �شخ�صية الدكتور الأح��داث وترا�سلها وت�سل�سلها ،بحيث يحاول من (مقحا�ش بن منحا�ش) كما �أطلق عليه الكاتب وراء هذا كله عدم �إقحام نف�سه ور�أيه وعاطفته على ه��ذا اال� �س��م ال�م��رك��ب بطريقة (ك��اري�ك��ات��وري��ة) ال�شخ�صيات و�أدواره��ا الطبيعية ،كي ال ي�ؤثر على �ساخرة�( :أعرفكم بنف�سي� :أنا الدكتور مقحا�ش حرية كل من هذه ال�شخ�صيات على حدة ،ومرونتها، بن منحا�ش ...ول��دت في الفريج ال�شمالي .في والدور المخ�ص�ص لكل منها و�أهميته ال�ضرورية في يوم والدتي توفي عمدة القرية ،و�أجه�ضت بقرة �أم بناء م�شهد �سردي متكامل في نهاية المطاف. * كاتب من ال�سعودية. ( )1المجموعة� ,ص � ,8ص .9 ( )2المجموعة� ,ص � ,19ص..20
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 37
االحتدام ال����درام����ي وت�������ش���ظ���ي ال�����دالل�����ة ق��������������راءة ف���ي دي���وان «ي�����س��ق��ط ����ش���ق���ي��� ًا» ■ ر�شيد اخلديري*
38
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ن�ص «تتّفق �أغ��ل��ب ال��درا���س��ات النقدية على ع�� ِّد ك��لِ ٍ �شعريٍّ جيِّدٍ ف�ضا ًء ال متناهياً من ال��ر�ؤى ،والإيحاءات، وال�صور الت�أويلية الغزيرة التي ي�صب معظمها في ب�ؤرة ال�����ص��راع ال��درام��ي ،والت�شظي النف�سي ،والت�صدع ال��ذي كثيراً ما تن�ش ّق بموجبه الق�صيدة �إلى �صوتين يحاور كل منهما الآخر»()1؛ وهذه الأبعاد الثالثة نلم�سها في تجربة محمد اللغافي ال�شعرية ،و�صلت ح�� ّد ال��ت���أزّم واالحتبا�س في منجزه ال�شعري الأخ��ي��ر «ي�سقط �شقيا»( .)2ويبدو �أن ن�صو�ص هذه التجربة من�شغلة �أكثر بالجنوح نحو التمثل الدرامي ،منفتحة على الأف��ق العدمي المعتم ،وك�أننا �إزاء رحلة تراجيدية نحو كل ما هو ���س��وداوي؛ والواقع �أن ذات ال�شاعر مثقلة بالتفا�صيل والتوحّ د مع زمن طحلبي ،ال ين ّم عن قرب االنعتاق من ب�ؤر االحتدام الدرامي� .إننا �أمام تجربة تنطبع ب��ر�ؤي��ا تراجيدية ،وت��ت��رك ف��ي ذه��ن المتلقّي حالة من ال�شرود والإح�سا�س بالتفجع واالنك�سار ،بدءًا بالعنوان «ي�سقطُ �شقياً» ،الذي يحيل �إلى الوجه التراجيدي لل�شاعر، وه��و يتج�سد ف��ي التجربة ال�شعرية ككل ،ف�ضا ًء مجازيا مُعتما ،يَ�شُ ُل حركة المعنى ال�شعري ،ويدفعه لل�سقوط في ال�سلبية والفو�ضى ،وهذه التجربة ال يمكنها التجلّي خارج الر�ؤيا� ،أو بمعزل عن نظرة محمد اللغافي للأ�شياء ،بل ت���أت��ي عاك�سة لإ���ش��ارات جنائزية ،ف�ضال ع��ن م�صاحبتها لكينونة ه�شة ،ال تقوى على التخل�ص من �سطوة الزمن.
.1البناء الدرامي يمتلك ال�شاعر ب�صيرة تمكّنه من النفاذ �إل��ى الأ�شياء ،ور�ؤيتها ب�شكل مغاير ومختلف؛ «فلم يعد ذلك الملهم الذي يهبط عليه الإلهام ال�شعري ،وهو في حالة �أ�شبه بالغيبوبة ،و�إنما �أ�صبح عليه �أن يبذل �أخل�ص الجهد و�أ�ضناه في �سبيل ا�ستغالل تلك الموهبة الفذّة التي منحه اهلل �إياها ،والتي تمكّنه من النفاذ �إلى �صميم الوجود ،ور�ؤي��ة ما ال ي��راه ���س��واه»( ،)5فالموهبة وحدها ال تفيد �شيئا ،بل المكابدة والإح�سا�س بنب�ض ال��وج��ود ،هما ال�ل��ذان يمنحان المعنى ال�شعري قوة في الإيحاء والتعبير ال�صادق ،وهذا يخ�ص �شاعر ًا دون �آخ��ر ،فهو ينطبق القول ال ّ على كل ال�شعراء� ،سيما �أن الق�صيدة العربية الآن تمر من م�آزق ومنعرجات كثيرة ،ومحمد اللغافي -كما �أ�شرنا -تت�أ�سّ �س تجربته ال�شعرية على االحتدام الدرامي وت�شظّ ي الداللة ،بُغية لملمة الداخل وحفظه من االنهيار� ،ضمن حركة ت�ستوعب كل مفارقات الذات وقلقها الوجودي، �أو ب�شكل �أدق «�إنها تلغي ما ي�سميه الم�صطلح النقدي القديم بالغر�ض ،وت�صبح الحياة بجميع
�أبي يا �أبي ال�سماء تُمطر بالكاد وجعاً وعيون الكادحين بائ�سة كما ورقة الخريف ي�سقط القلب على عتبة الريح والأنباء هذا الم�ساء كاذبة لغة الحب كاذبة الأيام ومدينتي حين تبت�سم كاذبة حتى �أمي حين تطمئنني عن وطني كاذبة ق�صائد الأمل والأحالم والر�ؤى و�أنا�شيد الأطفال والفتات ال�سالم والوعود ومواثيق ال�سالم كاذبة يا �أبي
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
بهذا ال�سقوط في جوهر الأ�سئلة ،تت�ضاعف ح��االت القلق ال��وج��ودي ،ما ي�ستدعي «التوغّ ل ف��ي �أع �م��اق الن�ص ،وا�ستبطانه وال�غ��و���ص في عالمه ،من �أجل الوقوف على �أ�سراره التي لم يقلها المبدع �صراحة -الم�سكوت عنه -و�سماته الجمالية ال�ت��ي ق��د ال يتو�صل �إل�ي�ه��ا ال�ق��ارئ العابر»()3؛ �صحيح� ،أن هذه التجربة ال�شعرية لم تتجاوب ب�شكل مطلق مع العالم ،لكنها «تنطوي ع�ل��ى م �ب��د�أ ال�ت�ج��ري��ب ال�لام �ح��دود ف��ي اللغة والأ�شكال»( ،)4وتقدم نف�سها للمتلقي في �صورة الح�ضور والثبات في مدونة ال�شعر الإن�ساني.
مفارقاتها مو�ضوعها ال��رئ��ي�����س»( .)6م��ن هنا، تتمركز الق�صيدة ح��ول ال��ذات ،تنطبع بنبرة تفجعية درامية ،وتحاول �أن ت�ستوعب كل دالالتها وف��ق ر�ؤى ال���ش��اع��ر وح��رك��ة ال�ن����ص ال�شعري المدفوع بفعل االن�شطار الذاتي ،يقول ال�شاعر في ق�صيدة «كلها ..كاذبة يا �أبي»(:)7
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 39
يا جُ رحي الغائر يا عُمقي الدفين ما عالقة ال�صمت بن�شاز الأمكنة...؟ نلم�س ت�صعيد ًا دراميا في كل مفا�صل هذه الق�صيدة /البكائية .البداية تت�سربل في النهاية، وتر�سي بنيتها �ضمن �سيرورة كبرى من الحركات ال�صاعدة �إلى ذروة الر�ؤيا ال�شعرية؛ ال �شيء يوحي ب��االن�ف��راج ،وح��ده �صوت ال�شاعر يعلو ،ي�صرخ ملء الحياة� :إن كل �شيء باطل وزائف ،ويك�شف على الكثير من المفارقات التي «تحنط» ال�شعور ب��الأم��ل ..ف��ي المقابل ،تتنامى �سطوة الزمن وهي تع�صف بكل الأماني والأحالم والر�ؤى التي يحملها قلب ال�شاعر ،وعلى ما يبدو �أن «الأب» برمزيته وداللته ،يحيل على ال�صدق والمثالية، ف��ي مواجهة تقلبات الحياة وزي�ف�ه��ا ،محاولة ر�سم �صورة قاتمة ،و�سوداوية للوجود ،عن طريق �شحذ الذاكرة ال�شعرية بتوجهات درامية على �شكل �صراع بين الذوات� ،إنها ق�صيدة تروم بناء الطباقات عبر ا�ستدعاء َنف ٍَ�س �شعري ت�سل�سلي، ينتقل بالمعنى ال�شعري من �ضدٍ �إلى �آخ��ر ،من دون �شعور بالرتابة ،بل يتحرك وفق �إيقاع منتظم ومنظم لكل ال�صور والجمل وال� ُب�ن��ى الن�صية والجمالية ،داخل ت�صعيد درامي يعلو ويتقدم �إلى الأمام ،حتى يتك�سر على عتبات ال�صمت كو�سيلة احتجاج وتمرّد على تناق�ضات الحياة. «لقد ح��اول ال�شاعر �أن يجعل م��ن تجديد التجربة وعنا�صرها الإبداعية طريقا لكل كتابة �شعرية ،وه��ذا يعني �أن��ه ح��اول �أن يفتح كتابته تلك على مجاالت هام�شية بالن�سبة للمو�ضوعات التي باتت م�ستهلكة بكثرة من طرف العديد من ال�شعراء»(.)8 40
وال�ق��ول بذلك يحيل �إل��ى �سياقات الكتابة اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ال�شعرية عند محمد ال�ل�غ��اف��ي ،فهي ت�ستمد طاقاتها التعبيرية من هواج�س القلق الوجودي؛ وك�أي تجربة ،ال بد لها من جذور �إبداعية ت�ستند عليها في عملية الوالدة والتوالد ،فهي الموجّ ه والم�ؤ�س�س للحياة والكتابة .من هذه الت�صورات يعجن ال�شاعر معاني الق�صيدة ب�ع�ي��د ًا عن ال�سقوط في �سلبية االجترار والمحاكاة ،بل عن وعي متجذر بقيمة الوالدة ال�شعرية« ،فال�شاعر هو حار�س الأ�شياء المفقودة»( ،)9ومن ثم ،ف�إنه مطالب بتجاوز الخطابات التقليدية ،والبحث ع��ن تجديد ال�صلة ب��ال��ذات ،وت�ح��ري��ره��ا من الجمود والعتمة. لكن هذه الأبعاد الجديدة التي ي�صر محمد اللغافي على ا�ستنباتها في ف�ضاءاته ال�شعرية ،ال ينبغي لها التقوقع والتمركز في تيمة واحدة ،بل هو معنيٌّ في البحث لها عن �آفاق خارج الذات، و�إن بدا الأمر �صعبا ،نظر ًا لأن التجربة ال�شعرية ال�شخ�صية لها ارتباط وثيق بهواج�س ال��ذات وت�صدعاتها؛ و�إذاً« ،فالوعي بهذا ال�شرط هو وعي باالنقالبات الكبرى التي حدثت في الن�ص ال�شعري ،والقلب المعرفي �أو ال�شعري الكبير الذي حدث في الكتابة ال�شعرية المعا�صرة»(،)10 فقد كان لهذا ال�سقوط في بنية تفجعية درامية �أث��ر ف��ي ال ��والدات الأول ��ى؛ �صحيح �أن�ه��ا كانت خافتة مقارنة مع الديوان الأخير� ،إال �أنها تنبئ المتلقي بح�ضور ال�سقوط في وعي ال�شاعر ،لكنه يحمل �صورة للمبدع الإن�ساني والتراجيدي؛ ففي ت�صوري ،ال يمكن للمعنى ال�شعري �أن يكتمل من دون �إح��داث ارت�ج��اج في بنية ال��ذات ،ورف�ض م�سلماتها ونظرتها للعالم والأ�شياء .وال��ر�ؤى، وال ريب �أن الق�صيدة عند محمد اللغافي تعي�ش داخل بنية من التفتّت والتال�شي ،وبموجب ذلك
يتعلق الداخل �-ضمنيا -بالت�شكل الدرامي للق�صيدة ،بتعبير �آخر يمكن القول �إنها المدار ال��ذي تتحرك فيه �أغ�ل��ب ن�صو�ص المجموعة ال�شعرية ،فهذه المكت�سبات لم تكن وليدة اليوم، ب��ل لها �إره��ا��ص��ات �أول��ى ف��ي المتون ال�شعرية ال�سابقة ،وال�ت��ي -كما قلنا -يت�أ�س�س عليها التحوّل وال�ت��درج في البناء ال��درام��ي� ،إ�ضافة �إل��ى ذل��ك ،فال�شاعر يجهر بهذا التفتت الذي ي�صاحبه على م��دار تجربته ال�شعرية ،يقول: «فلتجهر كل ال��وح��دات ..كل القيا�سات ..كل العوالم المنك�سرة ..المن�شطرة ..كل الأفواه التي ال لجام لها ..لتجهر ..بانتكا�سة �أول حلم،)12(»... وال��واق��ع�« ،أن ال�شعر ال يمكن �أن ين�ش�أ في ظل راحة البال والطم�أنينة»( ،)13و�إنما من عذابات تختزل بكاء الروح و�أنين ال�صدر.
هنا كل حركة لها قيمتها الداللية والبنائية والجمالية ،منذ البدء حتى النهاية :الهدم ثم البناء ،وهذه ال�صور تتنا�سل معلنة تلك العذابات التي يعي�شها ال�شاعر وهو يقتفي �أثر امر�أة عبر ممرات الحلم ،وا�ضح �أن «ال�شاعر ال يرى المر�أة مخلوقة من لحم ودم و�أع�صاب ،و�إنما يراها �سبيكة نورانية �صاغتها المقادير وفقا للجوامح من �أهوائه ال�ساميات»( ،)15لكن لماذا هذا العزف على وتر التفجّ ع والحزن ،حتى في �أكثر اللحظات انفراجا؟ �سبب ه��ذه الظاهرة -ف��ي ت�صوري- راج��ع لبنية داخلية ه�شة ،م�صابة ب�شرخ كلي وب�أعطاب التف�سخ والتفتت ،ودوما هناك فراغات في الذات ال يقدر على ملئها لأنها وُلدت مملوءة بالعذابات والفواجع ،يقول ال�شاعر(:)16
.2ت�صدع الداخل
�إن�ن��ا �أم��ام منطق تنطلق منه ك��ل الدفقات ال�شعرية ،يمد ال�شاعر بالتوتّر والتوهّ ج ،حتى تتحول الطاقة التي تنمو في الداخل �إلى مدارات تتحرك فيها ال���ص��ور والكلمات والأ� �ص��وات، وي�ع�ن�ي�ن��ا ه�ن��ا ف��ي ه ��ذا ال �� �س �ي��اق� ،أن يرتبط المعنى ال�شعري عند محمد اللغافي بحاالت من التال�شي واالغتراب والهدم ،ثم بناء على الأن�ق��ا���ض ،لكنه بناء م��دف��وع بجدلية الكائن والممكن ،بالواقع والحلم ،بو�صايا نا�سك في هيكل الق�صيدة ،يقول ال�شاعر في ق�صيدة» �أقتفي �أثرا ما:)14(»....
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
تر�سم لنف�سها م�سارا من الحلم واالغ�ت��راب، وتظل خا�ضعة لبناء درامي يحدد ا�شتراطاتها وم�صيرها؛ فهي «ما فتئت تن�سف هذا ال�صرح ال�شامخ من الداخل ،م�ؤ�س�سة قيمها ومنظوراتها في محاولة الإجابة عن �أ�سئلة جديدة»(.)11
«تهدمين ما بداخلي من معابد» و�أنا �أ�شيد فيك معبدي �أقتفي �أثراً ترك و�شمه على ج�سد م�ضرج في دمه»
فاتنة �أنت مقبلة على كل تفا�صيل الحب و�أنا كهل يعد ج�سدي تفا�صيل خيباته فاتنة �أنت و�أنا �أ�سكن ج�سداً �أثريا يمتد الطين يائ�سا بيني وبينك يتف�صد حزني يمتد ع�شقي الجنوني. .3اللغة والمق�صدية
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 41
تعامل محمد اللغافي مع اللغة في ق�صائده بمنطق يتالءم مع الأبعاد الداللية والبنائية ،فهو قد اختارها وفق ر�ؤيته وتجربته؛ فاللغة كما يقول �أدوني�س «لي�ست ملك ال�شاعر ،لي�ست لغته �إال ب �ق��در م��ا يغ�سلها من �آث ��ار غ �ي��ره ،وي�ف��رغ�ه��ا من ملك ال��ذي��ن امتلكوها في الما�ضي ،وبما �أن المبدع يتحدد بالر�ؤيا واال�ستباق، ف� ��إن ال�ل�غ��ة ال�شعرية التي ي�ستخدمها ال تكون لغته �إال بقدر ما يفرغها من ما�ضيها ،وي�شحنها بالم�ستقبل ،)17(».ومن هذا المنطلق ،ن�ستطيع القول �إن محمد اللغافي يمتلك �أ�سلوبا �شعريا يمتح لغته م��ن معجم خ��ا���ص ب��ه ،فهو عك�س -ع�ب��دال�ه��ادي رو�ضي مثال -ال يبحث عن الف�سيف�ساء اللغوي ،بقدر ما ي�ستخدم لغة ب�سيطة ،لكنه ي�شحنها لحظة �إبداعه ب�سمات �أ�سلوبية -تفجرية ،انطالقا من ثقافته ومقروئيته ومناخه؛ وهذا ال يعني تردد معجم �شعري بعينه ،بل راهن على تعدد الروافد اللغوية ،بما يخدم داللة المعنى ال�شعري.
42
وب���ال���رج���وع �إل����ى دي�����وان «ي�����س��ق��ط ���ش��ق��ي��ا»، �سنلحظ هيمنة م��ف��ردات ال�ق�ل��ق وال�ت���ص��دع واالغ����ت����راب�( :أت�����ش��ظ��ى -ي��ت��ف��ت��ت -تمت�ص- تتفتق -ينق�شع ،)...-وه��ي �أف�ع��ال ت�شير �إل��ى هذا االحتدام الدرامي الذي ي�شكل ب�ؤرة المعنى ال�شعري ،مع �أن بنية الأفعال هنا تتخلى نهائيا عن وظائفها الم�ألوفة ،لتقوم بالربط بين الذات ودالالت الن�ص ال�شعري؛ �إنها تت�صاعد ،وتتناغم اجلوبة � -شتاء 1436هـ
مع ا�شتراطات الق�صيدة، فت�صبح م�سرحا لحركات ت��وال��د م�ستمر ،ف�ضال عن انخراطها في حركة الإيقاع ال��داخ��ل��ي؛ وت �ب �ع��ا ل��ذل��ك، ت�صير اللغة ال�شعرية نظاما ناقال لالنفعال والتجربة والر�ؤيا� .صحيح �أن ال�شعرية الجديدة ،الذت بالفراغات ون� �ق ��ط ال � �ح� ��ذف� ،أو م��ا ي�صطلح عليه ب��ـ «�شعرية البيا�ض»� ،إال �أن ذل��ك ،ال يعني التخلّي عن اللغة ،ففي «كل ق�صيدة عظيمة ق�صيدة ثانية هي اللغة»(،)18 ومحمد اللغافي راهن على «بالغة البيا�ض» كلغة ثانية ،ف�أكثر من نقط الحذف ،كو�سيلة ل�ضبط ال��داخ��ل ،و�أخ ��ذ نف�س تجديد اللغة ال�شعرية، �سيما �أن توالي الم�شاهد الدرامية تفر�ض نوعا م��ن ال�ه��دن��ة م��ع ال� ��ذات ..ح�ت��ى ت�ن��دف��ع دالالت الن�ص نحو الأم��ام بتدفق ومق�صدية ،ذلك «�أن لكل كتابة ق�صد ترمي �إليه ،ولكل ق�صد و�سائل و�أ�ساليب توظف لإظهاره ،و�إذا كان الق�صد غير معطى ،و�إن�م��ا يحتاج �إل��ى بناء وت��أوي��ل و�إع��ادة ترتيب من قبل القارئ ،ف�إنه يحتاج دائم ًا �إلى معنى �أولي على قدر من الو�ضوح لتكون عمليات القارئ -البناء والت�أويل -منتجة وفعالة ،و�إال ف�إن الكتابة حين تجافي الو�ضوح تقترب من العدم، بل ت�صير مرادفة ل���ه»( ،)19وعلى هذا الأ�سا�س ت�صير اللغة منفى ،وال وج��ود لها ف��ي الحدود الأدائية والجمالية ،ومحمد اللغافي يحر�ص - كل الحر�ص -على �إلبا�س المعنى بما يقت�ضيه ال�سياق ،حتى يتمر�أى في التجربة الذاتية ،ف�ضال عن هذا كله ،فال�شاعر ال ينجرف مع اللغة كمكوّن
ال ت�ستطيع الق�صيدة عند محمد اللغافي �أن تجيب عن هواج�س الكتابة والقلق الوجودي، بعيد ًا ع��ن ه��ذه اللغة ال�ت��ي تمتح م��ن اليومي والنب�ش في التفا�صيل ،فهو يجد نف�سه مرغما على رك��وب ه��ذه اللغة لأنها تك�شف عن خبايا ال���روح ،وت�سهم ف��ي بناء �إي��ق��اع �شعري يتتالي وي�ت�ج��اوب م��ع ال ��ر�ؤى وح ��االت ال�صخب ت��ارة، وال�سكون ت��ارة �أخ��رى ،رغ��م �أن ال�شاعر يبدو م��دف��وع��ا بفعل الت�شظي وال��ت�����ص��دّع وال�سفر
* كاتب من المغرب. ( )1بهاء بن نوار ،الكتابة وهاج�س التجاوز� ،ص .217 ( )2محمد اللغافي ،ي�سقط �شقيا ،مطبعة انفو برانت -فا�س -ط 2012.2 ،1م. (� )3صبري م�سلم ،النبرة ال�شعرية في الق�صيدة العربية المطلقة -ق�صيدة النثر في تناول جديد -مجلة الرافد ،عدد فبراير 2014م� ،198 ،ص .62 (� )4سلمان قا�صد ،ق�صيدة النثر� ،ص .45 ( )5علي ع�شري زايد ،عن بناء الق�صيدة العربية الحديثة� ،ص .12 ( )6محمد لطفي اليو�سفي ،في بنية ال�شعر العربي المعا�صر� ،ص .44 ( )7ديوان ي�سقط �شقيا� ،ص .78 -77 ( )8من�صف عبدالحق ،بع�ض رموز الوالدة ال�شعرية عند �إدري�س عي�سى ،العلم الثقافي ،عدد 17 ،929يونيو 1989م. ( )9خالد النجار� ،سراج الرعاة -حوارات مع كتاب عالميين� ،-ص .81 (� )10صالح بو�سريف ،ملف حول» ال�شعر المغربي الحديث غزارة الإنتاج وهزالة التلقي� ،إعداد دالل ال�صديقي، جريدة ال�صباح ،عدد .1123 ( )11قراءة في الخطاب الميتا لغوي عند �أدوني�س -،ر�سالة جامعية� -إعداد :عالل الحجام ،الملحق الثقافي- جريدة الإتحاد اال�شتراكي ،-العدد .289 ( )12توطئة «لم يكن بيدي» ،الديوان نف�سه� ،ص .05 (� )13أحمد ملحم ،التجني�س في ال�شعر ،مجلة الرافد ،عدد مار�س 2014م� ،ص .64 ( )14الديوان نف�سه� ،ص .07 ( )15زكي مبارك ،الع�شاق الثالثة ،من�شورات المجلة العربية ،العدد � ،442شتنبر � .2013ص .18 ( )16الديوان نف�سه ،نف�س الق�صيدة� ،ص .09 -08 (� )17أدوني�س ،زمن ال�شعر� ،ص .78 ( )18نقال عن ظواهر ن�صية ،نجيب العوفي ،مطبعة النجاح الجديدة ،البي�ضاء ،ط 1992 ،1م� ،ص .23 ( )19محمد عدناني ،بنية اللغة في الم�شهد ال�شعر المغربي الجديد ،مجلة عالم الفكر ،المجلد ،34عدد يناير- مار�س� ،ص .119
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
جمالي ،و�إنما تظل محكومة بدرجة الأداء داخل �سياقات �إنزياحية وت�أويلية.
التراجيدي �إلى عوالم الكتابة ،ووا�ضح� ،أن هذه التجربة يتداخل فيها ال�شخ�صي بال�شعري في توحّ د مطلق مع ال��ذات ،وتوحي بنزر قليل من الأم��ل ،مقابل ح�ضور مفارقات حياتية ،ترخي بظاللها على نف�سية ال�شاعر .ومهما يكن ،ف�إن ال�شاعر محمد اللغافي تجربة �شعرية ال يمكن التقافز عليها في الم�شهد ال�شعري المغربي، لأنها ولدت من الجوهر الوجودي للذات ،فكان «ي�سقط �شقيا» ديوانا �شعريا مليئا بالطاقات والأح�لام وال��ر�ؤى ،وي�ستح�ضر بع�ضا من جنون ال�شاعر وطقو�سه ف��ي مواجهة �سطوة الزمن وتقلّبات الحياة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 43
ق�������ض���اي���ا وه������م������وم ال�����ح�����ي�����اة االجتماعية في فن الق�صة الخلـيـجـيــة ■ م�صطفى حممد علي ال�صويف*
44
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
تميّز ف��ن ال��ق��� ّ��ص ف��ي دول الخليج ع��م��وم��اً بالتنوّع والتطور من حيث الأ�شكال الفنية وتقنيات الق�ص �أو الم�ضامين الإن�سانية واالجتماعية ،وقد ت�أثّر هذا الفن الأدبي �إلى ح ٍّد كبير بالمتغيرات والتطورات االجتماعية، واالقت�صادية ،وال�سيا�سية ،في دول الخليج التي ت�سارعت وتيرتها ب�شكل كبير ..وبخا�صة بعد اكت�شاف النفط. وهذه المتغيّرات �أخ�ضعت الآداب والفنون والثقافة �إلى م���ؤث��رات ق�سرية دفعها �إل��ى محاولة اللحاق بالمتغيرات االجتماعية ،ومواكبتها في الأ�شكال الفنية� ،أو الم�ضامين االجتماعية ،حتى ت�ستطيع �أن ت�ضيّق الهوة التي حدثت بين المتغيرات المادية ال�سطحية في المجتمع وبين الحالة الثقافية والعلمية ال�سائدة... يمتلك الفن الق�ص�صي وظيفة فنيّة �إبداعية واجتماعية ه��ادف��ة ،بحيث ي�ستطيع م��ن خ�لال تقنيات فنية ،ون�سيج ����س���ردي م��ح��ك��م ..ت��ق��دي��م �أخ���ط���ر ال��ق�����ض��اي��ا ال��ح��ي��ات��ي��ة في المجتمع. والم�ضامين االجتماعية للق�ص الق�صير في الخليج ارت��ب��ط��ت ب�شكل وث��ي��ق بالمتغيرات وال��ت��ط��ورات ال��م��ادي��ة الحديثة للمجتمع؛ فعبرت ه��ذه الم�ضامين عن هموم �أف��راده ومعاناتهم ،وطموحاتهم الم�شروعة ب�شكل مركّز ومعبر بو�ضوح ،وذلك من خالل ال�سمات التي ات�صف بها هذا الفن والتي يمكن �إيجازها بالحاالت الآتية:
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ارتباط الفن الق�ص�صي �أ�سا�س ًا بالواقع الحياتي والمعاي�شة اليومية للإن�سان الخليجي ،زادت من ارتباط المتلقي بهذا الفن ،وجعلته يتابعه باهتمام بالغ ،ور�سخّ ت لديه قناعة قوية وثيقة بهذا الفن. رواب��ط الفن الق�ص�صي الوثيقة والع�ضوية بالبيئة المحلية مكّنت القا�ص �أن يعبّر بو�ضوح وفعالية عن معاناته وانفعاالته بم�ؤثرات و�صور بيئة الحياة المحلية. ا�ستخدام الق�صا�ص للغة ال�سرد الق�ص�صي الب�سيطة ومفرداتها ،وم�صطلحاتها من البيئة المحلية جعلها �أق��در على تو�صيل ر�ؤي��ة القا�ص الفكرية والإب��داع�ي��ة للمتلقي ،وكانت �أدق في التعبير عن تف�صيالت مواقفه االجتماعية. واللغة ال�سردية الق�ص�صية يمكنها �أن ت�شمل �أيَّ مو�ضوع اجتماعي في الحياة ،فال�شخ�صيات الق�ص�صية ين�سجها الكاتب من الواقع كنماذج �إن�سانية ،مهمومة دائما بق�ضايا الحياة االجتماعية و�صراعاتها اليومية و�إرها�صاتها. ورغم غلبة ال�سرد الق�ص�صي التقليدي على معظم التجارب الق�ص�صية والخطاب التقريري المبا�شر, فما ت��زال التجربة الإب��داع�ي��ة المحلية قيد الإن�ج��از، وتحتاج �إلى الوقت لتن�ضج معالمها ,وتت�ضح اتجاهاتها, وتتطور م�ضامينها ,وترتقي ب�أ�شكالها و�أ�ساليبها الفنية المتطورة. وق��د ظ�ه��رت م ��ؤخ��ر ًا ف��ي ال�ساحة الأدب �ي��ة تجارب ق�ص�صية مبدعة ،قطعت مراحل بعيدة في هذا المجال, وت �ج��اوزت الأط ��ر المحليّة �إل��ى م�ضامين اجتماعية و�إن�سانية ذات ت�شكيالت فنية ق�ص�صية حديثة ،نذكر منها تجربة الأدباء :محمد ح�سن الحربي ،محمد المر، عبدالرحمن ال�سجواني ،ليلى �أحمد... وقد تعر�ضت الن�صو�ص الإبداعية الق�ص�صية للكتاب في الخليج �إلى �أهم مو�ضوعات الهموم االجتماعية التي يعي�شها ويعاني منها المجتمع الخليجي ومنها: �أوالً :ق�ضية ال�سحر وال�شعوذة :هذه الظاهرة التي ارتبطت عموم ًا بالجهل وقلة الوعي ،وغياب العلم الذي
�أعطى م�ساحة مهمة لهذه الم�ؤثرات الغيبية �أن تلعب دور ًا مهم ًا في الحياة االجتماعية ،وت�شكل ظاهرة متخلفة عن ركب التطور الح�ضاري ،مع ما تخلفه من م�ؤثرات �سلبية على عالقة الأف��راد في المجتمع ،لذلك نلحظ �أن هذه الظاهرة تحتل م�ساحة مهمة في الن�صو�ص الق�ص�صية للمبدعين عند غالبية الق�صا�صين الخليجيين بم�ستويات متعددة منها: القا�صة با�سمة يون�س في ق�صة «ا�ستغاثة» تمزج بين واقع وم�شكالت الحياة الزوجية ،وق�ضية عدم الإنجاب، وممار�سة ال�سحر وال�شعوذة التي ت�ؤدي �إلى تفكك الأ�سرة، وتوتر العالقات الزوجية وتزيد عذابات الزوجين. وال��ق��ا���ص محمد ال��م��ر ي��م��زج كثير ًا بين الظواهر ال�سحرية غير المعقولة وبين الواقعية الفنية ،في�ستخدم الرمز في التعبير عن اله ّم االجتماعي كما في ق�صة «ال���دب المو�سيقي» .والقا�صة �سلمى مطر �سيف في ق�صتها «هاجر» ،ت�ستخدم عوالم الجن ال�سحرية في خلق �أج��واء الفرح ،وال�سعادة في حياة الأ��س��رة ..من خالل ت�أثيرها على الزوج الذي يت�سم بعدم االتزان النف�سي... ثانياً :العالقات االجتماعية والزوجية في الأ�سرة التي �أ�صبحت ت�شكل هاج�س ًا كبير ًا عند الق�صا�ص، خا�صة بعد التطورات المادية الهائلة ،وارتفاع م�ستوى المعي�شة للأ�سرة ،وبعد ات�ساع الهوة الثقافية والعلمية بين الرجل والمر�أة ،وبروز طموحات جديدة للرجل في تعدّد الزوجات. و�أ��ص�ب��ح كثير م��ن ال �ع��ادات والتقاليد والمفاهيم التقليدية ال�سائدة يخلّف معاناة م��ري��رة للمر�أة في العالقة الزوجية �ضمن الأ�سرة ،ومع الرجل تحديداً .وقد عبّرت عن هذه المعاناة ب�شكل وا�ضح مث ًال القا�صة �سلمى مطر �سيف ف��ي ق�ص�صها خا�صة «ه��اج��ر وال�صندوق الأ�سود» .والقا�صة �شيخة الناخي ت�صور في ق�ص�صها الرجل �إيقاع ًا درامي ًا تعي�ش تحت وط�أته المر�أة ،وتعاني من �ضجيجه ،والعالقة بين الرجل والمر�أة عندها دائما �ضحيتها المر�أة. �أما القا�صة �أميمة الخمي�س فق�ص�صها تزخر ب�صور و�شكيات من �ضياع ومعاناة المر�أة ،ومن النظرة الدونية
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 45
للرجل الذي يمثل �سلطة المجتمع. والقا�صة بدرية الب�شر ت�صور �أي�ض ًا في ق�ص�صها � �ص��ورة ال �م��ر�أة الم�سحوقة دائ �م � ًا نتيجة ال�ت�ح�وّالت االجتماعية التي يقودها الرجل المت�سلط والمتربع على عر�ش ال�سلطة منذ القِدم. والقا�صة �شريفة ال�شمالن تبرز قي ن�صو�صها معاناة المر�أة من المتغيرات ال�سطحية التي حدثت في المجتمع التي ت�ستهلك المر�أة وت�سحقها �شيئ ًا ف�شيئاً. �أما القا�صة فاطمة يو�سف العلي في «تاء مربوطة»، فهي ت�صور العالقة الت�صادمية والمتوتّرة دائم ًا بين ال��رج��ل وال� �م ��ر�أة؛ ف��ال��م��ر�أة م��ن وج��ه��ة نظرها تعاني با�ستمرار من قهر ال��رج��ل ،وه��ي ت��رى فيه الم�ضطهد الأبدي للمر�أة ،وفي ق�صة «وجهها وطن» تعالج الكاتبة ت�سلط ال��رج��ل ،وم�شكلة ت�ع��دد ال��زوج��ات .وف��ي ق�صة «ال��ب��وم��ة» ،تعر�ض لهموم ال �م��ر�أة م��ن خ�لال ظاهرة العنو�سة ،لكن بحوارات هزلية ولغة دارجة. �أما العالقات االجتماعية عموم ًا بين الرجل والمر�أة، فقد ب��د�أت ت�أخذ مكانتها ،لكن ببطء �شديد كنتيجة للتطور االجتماعي ،وق�ضية التحرر من تبعية الرجل والمر�أة للتقاليد ،والأعراف ال�سائدة ،بقي يتردد �صداه على ا�ستحياء ،خا�صة ل��دى ال�ق��ا��ص��ات ،فقد تميزن بالمواربة وعدم الت�صريح عند الحديث عن العالقات االجتماعية ،با�ستثناء القا�صة ظبية الخمي�س التي تميز طرحها بالجر�أة وال�شجاعة والمواجهة. ثالثاً :وق�ضية الموت تحتل م�ساحة مهمة في ن�صو�ص الكتاب ،فهو القدر ال��ذي يالحق الجميع دون ا�ستثناء ودون ا�ستئذان ،والذي يخلف الآالم والأح��زان المريرة من الفراق والفقد ،لكن عموم ًا يتم طرحه �ضمن ر�ؤية فل�سفية للحياة والإي�م��ان والقدر كما نرى في ق�ص�ص محمد المر «�أم�سيات على ر�صيف ه��ادئ» ،وق�ص�ص �سلمى مطر �سيف في «اليقظة الأخ��ي��رة» ،التي تختار بط ًال لق�صتها رج ًال يعاني ال�ضياع والخوف والكوابي�س و�إرها�صات الموت. 46
* كاتب من �سوريا مقيم في الأردن. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وع �م��وم��ا ك��ان��ت ال �ه �م��وم وال �م �ع��ان��اة االج�ت�م��اع�ي��ة ومو�ضوعاتها واحدة وم�شتركة بين غالبية الق�صا�صين والمبدعين في الخليج؛ فهم يعي�شون ذات البيئة والواقع والمعطيات والنتائج ..غير �أن المعالجات والأ�ساليب الفنية في العر�ض كانت متعدّدة ،ومختلفة ومتنوّعة من قا�ص �إل��ى �آخ��ر ،كما تنوّعت ال��ر�ؤي��ة والم�ضامين والم�ستويات بين العمق وال�سطحية والوعي ،والمبا�شرة كما نرى في النماذج الإبداعية االتية: فاطمة محمد في مجموعتها «�آث��ار على النافذة»، ي�سيطر عليها هاج�س ال�ه��مِّ االجتماعي والإن�ساني، كما في ق�صة «حكاية �صباحية» التي تعالج فيها بوعي وجر�أة متميزة �صور معاناة الإن�سان من ق�ضايا الت�سلط والطغيان ،والظلم والم�شكالت االجتماعية ،والعالقات الزوجية واالنحراف والف�ساد. �أم��ا القا�صة ليلى �أح��م��د ف��ي ق�صة «رائ��ح��ة» ،فهي تظهر غيرتها القوية وخوفها على وطنها ومجتمعها من الجهل ،والتقاليد المتخلفة التي تجعله عر�ضة للتحديات والم�ؤامرات والمتغيرات العالمية ،التي تحاول غزونا ثقافياً ،وت�شويه هوية الوطن ،و�إ�ضعاف انتماء الإن�سان العربي لوطنه وتراثه و�أ�صالته. والقا�ص نا�صر الظاهري في مجموعته «عندما ندفن النخيل» ،نرى الهمَّ الإن�ساني االجتماعي ي�سيطر على ق�ص�صه التي ي�صور فيها م�شاهد �إن�سانية متميزة بر�ؤية عميقة ،ويبرز �أثر الغربة وال�شقاء والحنين �إلى الوطن، ف��ي رحلة الكفاح الطويلة ،التي يعود منها المغترب محمو ًال على نع�شه ج�سد ًا بال روح .ق�صة «اتهاد .كليج. بيان». ه �ك��ذا ن ��رى ت �ج��ارب ق�ص�صية م�ت�ن� ّوع��ة م�ت�ع�دّدة الم�ستويات الفنية ،لكنها على نحو عام تجارب ت�ضرب ج��ذوره��ا العميقة ف��ي البيئة الخليجية ,ومكوناتها الطبيعية واالجتماعية ،و�أي�ضا لها نكهة خا�صة ومميزة.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
�أوجاع علي �أمقا�سم
*
■ حمد �أحمد ع�سريي*
لم يُحدِّثني يوما عن وطنه ..كنت �أ�سمعه يقول :الأوط��ان التي نهرب منها نهارا ونعود �إليها خل�سة مع العتمة ال ن�ستحقها� .إال �أنها تغفر ..ال تحمل بين تربتها �أحقادا كما نفعل مع بع�ضنا!.. لم يكن يحمل �أوراقا تثبت �أنه على قيد الحياة ..مجرد �صورة قديمة كانت ترافقه با�ستمرار ل�شاب نحيل يقف على �صخرة كبيرة ،ومن خلفه �أ�شجار كثيفة.
لم يُخبرني عن ذلك ال�شاب.. وال عن المكان..
وعليها تناولت �سنيني ،وه��ا �أن��ا اليوم �أ�ستقبل نهارا قد يكون الأخير.
ما �أ�صعب �أن تودع كل الأ�صوات التي وال عن �سر ال�صورة التي ال تفارقه.. كانت ت�سامرك ،وتغني معك ،وتناديك م��ع ال �ف �ج��ر ،ي �خ��رج �إل ��ى م��زرع�ت��ه، عندما تبتعد لتعود من غيابك. كري�شة ط��ائ��ر ..ي�ف��رك وج��ه ال�صبح بلحيته وخ�شونة قدميه .يدو�س التراب تدفنهم بيديك ،ومن ثم تدير ظهرك البارد برفق وك�أنه يخ�شى عليه االختناق .عنهم وك�أنهم ال يعنون لك �شيئا� ..إنها حياتنا ن�شمّ فيها اق�ت��راب الموت كما يقول :فوق هذه الأر�ض وقفت �صغيرا، اجلوبة � -شتاء 1436هـ 47
ليجل�س في ظل جدار بال مالمح .ظ ُّل عجوز ن�شمّ المطر.. يجل�س في ظل ج��دار �أو�شك على الفناء .ال علي �أمقا�سم يتذكر الوجوه كثيرا ،ومع ذلك هو يبت�سم لها �شبح ب�سيط م��ن زم��ن المطحونين في وك�أنه ي�أذن لها بعناق �أخير ينهي عط�شها بعد الأر�ض .عندما يحكي عن زوجته التي �سرقها م�شوار طويل من الجفاف. ال�ط��اع��ون ،ف��إن��ه ي�م��وت �آالف ال �م��رات ..ال يتوقف عن فرك عينيه ب�شموخ الذين ي�ؤمنون يقولون �إنه اختفى ،بحثوا عنه ولم يجدوه. ب�أن البكاء على الأحبة ال يجلب العار .ما زال يروي نا�صر الأع��رج �إنه �آخر من �شاهده يتذكر �شجرة الريحان التي غر�ستها �إلى يم�شي نحو ال �غ��روب كعادته قاطعا طريق جوار باب الدار الذي تكون حولهما من �ألواح الوادي نحو الإ�سفلت ،ولم يعد بعدها. و�أعمدة خ�شبية وبع�ض الحبال البالية. ربما �أنه عندما �شاهد ال�صباح توك�أ على ك��ان دائ �م��ا م��ا ي ��ردد �أن ��ه ع�ل��ى م�شارف �أول �ضوء عابر ،وم�ضى دون �أن يلتفت �إلى الموت ،لم يعد لديه مت�سع من العمر ليحلم� ..أوراق��ه التي بعثرتها الريح ،والآن ال �شيء، و�أن��ه لو كان با�ستطاعته �أن يحلم لتمنى �أن مجرد ظل واختفى. يلحق ب�شريكته ليهديها ريحانتها التي كبرت، لتغر�سها �إلى جوار ريحانة الجنة التي �أهداها وفي الم�ساء ،كانوا يتحدثون عنه ،يقولون �إنهم �شاهدوه خلف الظالم كطيف �أبي�ض.. اهلل. كركام الورق المنثور. قبل الغروب ،يم�شي طويال ..وك�أنه يعيد ح�ساب خطواته التي ن�سي �أن يح�سبها؛ لأنه كان مجرد ظل يجل�س في ظل ..والظالل فقدها من �شدة العط�ش والجوع والخوف ..ال تبقى ك�ث�ي��را ،ت��رح��ل دائ �م��ا م��ع ال�شم�س وال�ضياء .حتى الريحانة التي كانت تغازله وربما لحزنه على من �سقطوا خلفه. ع�ن��دم��ا خ��رج��تُ م��ن ق��ري�ت��ي �أق�ت�ف��ي �أث��ر برائحتها و�أغ�صانها ،كلما مر �إلى جوارها المدينة كان اليزال ظ ًال يقترب من �ساعات نف�ضت �أوراقها وانحنت حزنا عليه.. ال�غ��روب الأخ �ي��رة .يجل�س طويال �إل��ى جوار ال �أحد يعرف �إلى �أين ذهب علي �أمقا�سم �شجرة الريحان ،وعندما ت�شتد ال�شم�س ينتقل والإ�سفلت الذي �أغواه ال يجيب! 48
* من المجموعة الق�ص�صية /رق�صة الغجر. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
الزهر ُة البر َّي ُة ■ منرية ح�سن الع�سريي*
كانت عيناه ت�شعّان �سعادة ،ترق�صان فرحا ،تكادان من ات�ساعهما تطويان الأر�ض؛ �أن تالهما ذلك الكيان المت�سق زهوا ،وهو مذهول ،م�أخوذ ،ال يكاد ي�صدق �أنه التقاها. لقد كانت ذات يوم حلما تغزله الم�شاعر ،تتلب�سه؛ فيباهي بها مر�آته ال�صغيرة. كانت �أمنية تتغنى بها �أهدابه حين يطبقها؛ فت�سري بها دنيا الخيال ليالٍ طويلة، ال تنتهي من ال�سهاد. ك��ان��ت ..وك��ان��ت ..وك��ان��ت ..ثم ها هي الآن تقف �أم��ام عينيه ك�أنها بلقي�س على عر�شها المن�ضود.
بادرها بت�سا�ؤالت لم تكن على ل�سانه� ،إذ �إن قلبه كان قد �سبقه �إليها ،وهو يرمقها في فرح وزه��و معا ،ي�س�ألها متلعثما :مَ ن �أنت �أيتها البهية؟ �أين كنت ،ولم لم يكن قبل الآن ،ولم الآن بالذات؟!!
ت�ت�ن�ف����س! ف �ي��دث��ره ع �ط��ره��ا ..تتلفت ف�ي��وم����ض ف��ي ��س�ح��ر ع �ي �ن �ي �ه��ا ..وتتكلم قالت له ،وهي تر�سم ب�أهدابها خارطة فتن�سكب من �شرايينه قطرات مرتعدة في وجهه على وجهها :حنانيك ،فقد �أكثرت رخيم �صوتها. اجلوبة � -شتاء 1436هـ 49
عليَّ ال�س�ؤال.
قالت� :أو لم تعرفه بعد!
قال لها :ف�إني قبلك لم �أكن �شيئا. ثم �إنه وقبل �أن ينب�س ببنت �شفه ،بادرته وهي ترمق الجواب في عينيه �أن «ال» ،بل هو �أجمل فقالت :و�أي �شيء هو �أنت الآن! منه و�أكمل ،هو �أحلى منه و�أبهى ،هو �أقوى منه، بك قال لها :كل �شيء� ..أن��ا هو الآن �أن��تِ .. هو طاهر ونقيّ ،لكنه هنا �أطهر و�أنقى ،ال �أجد لك �أنتِ . �أنتِ ،منك �أنتِ ِ ، له م�سمى وا�ضحا ،فقد تلب�س القلوب ،واتّحد مع قالت وعيناها غارقتان في بقعة عميقة في ذرات الهواء ،ونترات الماء. بحر عينيه ،وال تكادان ت�ستقران ،وال تدري �أهو �إذا!! لم يعد لل�س�ؤال مكان ،بل لم يعد له الخجل! �أم الخوف! �أم الفرح! �أم �شيء �آخر ال معنى. تدري كنهه :حملتني ما ال يطيق ل�ساني �أن ينطق ..... به ،فماذا �أقول؟! ا�ستدارت بهدوء وهي تودّع المكان ،وفيما هي ق��ال� :أو تظنين �أن ه��ذه المتاهة النجالء الحالمة التي ما ملَّت تعبث بكياني ،وت�ؤرجح تخطو ..تمتم ب�صوت يكاد من هدوئه �أن يمزق �شاف من تحنان �سكون الكون ،وكانت عيناه متعلقتين ب�ش�آبيب لفتاتها �أوردتي ال�ضامئة لترياق ٍ ظلها ،كان كل حرف ي�ستعطف وتين نب�ضها.. هم�سها لم تقل �شيئا؟! ت��رى! ه��ل �ستمنحنا الأي ��ام لقاء �آخ��ر! هل رفعت عينيها مت�سلقة قوامه الن�صف ممتلئ، في ت�سلل موح�ش ينبئ باحتالل ،وكان ال�صمت �سيكون بروعة هذا اللقاء! �أ�شبه بترنيمة ممو�سقة ي�شق �صدى �صوتها �أفق كان كمن يحدث نف�سه ،وكانت ت�سمع تمتماته الغيم المن�سدل على الجبال ،فيحيلها �أغنية من وهي مطبقة عينيها على حلم ،و�شفتيها على �ألم، مطر ،لكنها لم تقل �شيئا. ولم تجب ،بل ظلت تم�شي حتى غيّبها الظالم. كان لقاء خاطفا بال موعد ،وك��ان �أهزوجة هكذا جاءت ،وهكذا رحلت. غناها الحظ ليلة واح��دة فقط ،لكنه وقبل �أن ع��اد �أدراجَ �����ه وح��ي��دا� ،إال مما ي�شبه �شدو تتركه مغادرة� ،س�ألها في هدوء ممزوج بحيرة، وك�أنه يهذي� :أي �شيء ذل��ك ال��ذي �أرّق جفني البالبل يملأ �سمعه ،ووهج م�ضيء يملأ ب�صره، لف ج�سدها وان�سل و�أحاله �صفيحة من ن��ار..؟! ذلك ال��ذي ما �أن وعبق من �أريج معتق كان قد َّ يبتل ريقي بعذب ح��روف ا�سمك حتى تتهاوى من �أنفا�سها يعطر كل كيانه. ُي��حَ ��دِّ ثُ نف�سه ،ويُمنّيها ..يودّعها على �أمل منه رقائق جلدي قطعة قطعة! ي�سري برع�شة في كياني كحفيف الخريف بالأ�شجار !..هال اللقاء .ثم تمتم� :إلى اللقاء �أيتها الزهرة البريّة النقيّة. تف�ضلت برد! 50
* قا�صة من ال�سعودية. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا ■ حممد �صوانه*
()1حلم تفتحُ الطفل ُة عينيها.. تدو ُر بهما في �أرجا ِء “الخيمة».. ثم تُغمِ ُ�ض من جديد؛ عائد ًة �إلى حُ لمِ ها.. (� )2أمنية غروب حتميٍّ ، ال�شم�س حثيث ًا نحو ٍ ُ تَم�ضي أنفا�س، تت�سار ُع ال ُ يُمنِّي َنفْ�سَ هُ، �أنْ ، لي�س َبعْد.. َ
( )5ا�ست�سقاء �ات ووح��دان� ًا ي�ست�سقون ..ثم يذهبون زراف� ٍ �صوب البحر القريب، للتنزه ،والفرف�شة، وي�صمون �آذان �ه��م ع��ن ��ص��وت ال �م ��ؤذن في الم�سجد القريب! ( )6محاولة توغّ ل الموت وهو يطرق �أبواب مدينتي.. فتركت بابي مُ�شرعاً!
()7الكنزة الجديدة يراقبها ب�شغف وه��ي تدير �إب��رة المغزل.. مت�أم ًال الخيوط الملونة وهي تتحول ن�سج ًا يتمدد (�َ )َ 3صدَ فَةٌ ببطء �شديد ،ولكن بجمال الفت.. ظل �صمتها ي�شكل واجهة �أمام ت�سا�ؤالتهم.. مع كل م�ساحة جديدة من كنزة ابن الجيران، كل م�ساء تطفىء �شمعة �أخرى ،ثم تطلق نهر كنت �أح�سب كم من القرو�ش �ستكون ح�صتي، من �أجرها. الدموع من عقاله.. بد�أت �ألهو بالقِطَ ع المعدنية متباهياً�..أتفنن في �صباح غير مرتقب ،تظلل نافذتها غيمة برميها على الأر� ��ض ..ف�ت��دور وت ��دور ،قبل �أن حبلى.. ت�ستقرَّ؛ محدثة رنين ًا ماتعاً� ،أُ�سابق �أخي الأ�صغر (� )4شظايا للحاق بها.. يتلوّى �أمامَ ه في �صورتين! بعد �أ�سبوعين ،ج��اءت الجارة ومعها ابنها ب�أق�صى ما يملكُ من قوة ،ه َّز الع�صا التي ال ��ذي لب�س كنزته ال �ج��دي��دة ،و�أخ ��ذ يرق�ص متباهياً.. في يده؛ �أما �أنا فاختفيت وراء ظهر �أمي!.. تطايرت �شظاياهُ ،مُك ِّو َن ًة �صور ًة �أخرى!.. * قا�ص من الأردن.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 51
�صالح و�أحالم �سوف !!.. ■ فار�س الرو�ضان*
ال كبيراً لوزير ي�شغل وزارة خدمية في ليلة ال تتكرّر كثيراً� ..أقامت المدينة حف ً مهمة كان يزورهم زيارة تفقدية ،وكان �أهم �أهدافه هو �أن يبيع على الب�سطاء بع�ضاً من الكالم وكثيراً من الأحالم الرومان�سية التي تمنح ال�سعادة بال مقابل كما يفعل الوزراء من قبله!!.. هبَّ الأهالي «فزعة» و «نخوة» مع الم�سئولين ،متبرعين بما ي�ستطيعون من جهد ال في ومال ،لي�صبح حفلهم على �أعلى الم�ستويات ..احتفاء بال�ضيف ومرافقيه ،و�أم ً �أ َّن ما يقدمونه �سينعك�س �إيجابا عليهم تطبيقاً لمبد�أ «�أطعم الفم ت�ستحي العين»� ،أو «مَن قدّم ال�سبت يلقى الأحد» ،طبعاً هذا عدا حق ال�ضيافة وا�ستعرا�ض «الكرم»!!.. لهذا� ،أقام �أمير المدينة «�صيواناً» كبيراً زين بما يليق بالوزير ،و�أع��دت الوالئم، ونظم على �شرفه برنامج مميز.. ب�ع��د � �ص�لاة ال �ع �� �ش��اء ،ح���ض��ر ال�ضيف بموكب مهيب ،بح�ضور كل �أهالي المدينة، حتى امتلأت �ساحات الحفل بالكامل!!.. في رك��ن م��ن��زوٍ ..وبالقرب من «وج��ار» النار و«المعاميل» ،ت�سلّل «�صالح» ..ذلك الم�سن الهادئ ،بخطى مح�سوبة ،ثم جل�س دون �أن ي�شعر به �أحد ،وتناول «مركى» عتيق ًا رمى يده الي�سرى عليه بكل ر�شاقة.. ك��ان �صوت �إذاع��ة الحفل قوي ًا للدرجة التي ي�ستطيع معها �صالح �سماع كل ما يدور في ال�ساحة.. مذيع الحفل :الآن مع كلمة الوزير.. ���ض��جَّ ال �م �ك��ان ب��ال�ت���ص�ف�ي��ق وت �ع��ال��ت الهتافات.. 52
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ا�ستغرقت كلمة الوزير ربع �ساعة تقريباً، وف» � ..سوف وكان كل ما فيها يعود �إلى «�سَ َ نقوم بعمل � ..سوف نقدم لكم � ..سوف نبني لكم ..حتى غرق الم�ساء ب�أحالم «�سوف»، وتحوّل الحفل �إل��ى �سهرة رومان�سية مليئة ب��الأح�لام وال�ك�لام المع�سول ال��ذي يغيّب العقول!!.. ف��اح��ت رائ �ح��ة ح�ط��ب ي��وق��د م��ن �صدر �صالح بعد �سماع كلمات الوزير التخديرية الممّلة والمكررة!!.. فقد ك��ان �صالح ي��درك �أن م��ا �سيجده المواطن في مثل هذه الزيارات والحفالت ل��ن ي�ك��ون �أك�ث��ر م��ن «� �س��وف» و�أخ��وات��ه��ا .. هذه الكلمة التي ع�صفت ب�أحالم الب�سطاء في المدن المن�سية كحال مدينته ..ولكنه
* روائي وقا�ص من ال�سعودية.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
وف�ضل �أن يتمهل في ظن ظن ًا ح�سن ًا هذه المرةّ ، الحكم ،ولهذا قرر الح�ضور كم�ستمع من بعيد.. م َّر الوقت المتبقي من الحفل و�صالح يغلي من «�سوف» ،حتى نبتت في ذهنه ع�شرات الأفكار المجنونة التي ال يمكن �أن تخرج من رجل بعمره، وكان في كل مرة ي�صارعها.. انتهت الحفلة .وه��مَّ الوزير بالذهاب و�سط حفاوة بالغة ،وقبل �أن يركب �سيارته الفاخرة، فوجئ بيد �صالح الخ�شنة تم�سك به من كتفه!!.. ت�سلّل �صالح من بين كل الح�ضور والت�شديد الأمني حتى و�صل �إلى �سيارة الوزير وقد تطاير من بحر عينيه ال�شرر!!.. التفت �إليه الوزير با�ستغراب ثم قال � :آمر يا عم.. قال �صالح�« :س�أل �سائل بعذاب واقع»!!.. ا�ستغرب الوزير والأمير وكل مَ ن �سمع ما قاله �صالح!!.. قال الوزير :ما فهمت يا عم..؟!! ق��ال �صالح :ف��ي ي��وم م��ن الأي ��ام �أح��� ّ�س رجل من �أهالي الجوف بظلم في عهد الملك في�صل، وبعث للملك ببرقية لم يكتب فيها �سوى هذه الآية « �س�أل �سائل بعذاب واقع» ،ولم يمر �أ�سبوع حتى و�صلت لجنة كاملة من الملك في�صل ،ولم ت�سافر حتى �أزالت عنه الظلم!!.. قال الوزير� :أب�شر يا عم وما هو طلبك..؟!! �سكت �صالح ثم قال � :أن تنقذنا من «�سوف»� ،أو تنقذ النا�س من عبثك �أنت والم�سئولين الم�ؤتمنين على م�صالح النا�س من بيع الأحالم!!.. ال��وط��ن بخير ووالة الأم ��ر ل��م يق�صروا في تحقيق �أحالم النا�س ،ولكنكم تتفرغون للكالم
والوعود �أكثر من التنفيذ ..فقد �شابَ �شعري و�أنا وكل �أهالي المدينة المن�سية نعي�ش تحت رحمة «�سوف»!!.. � �ص��دم ال ��وزي ��ر م ��ن ك�ل�ام ال �م �� �س��ن ��ص��ال��ح و�صراحته القوية ،ولم يعرف �أن يجيب �إال بكلمة «ي�صير خير» !!..ثم ركب �سيارته من�سحب ًا من مواجهة رجل قال كلمة حق لأجل النا�س ولأجل الوطن ولي�س لأجله �شخ�صياً.. تحركت �سيارة ال��وزي��ر ،بينما �أ�صبح �صالح في قب�ضة الأم��ن يواجه م�صير ًا مجهوال ..لكنه �شعر ب��أن ال�سماء ب��د�أت تمطر في �أح�شائه بعد �أن قال �أهم كلمة �سمعها الوزير في هذا الحفل الرومان�سي الحالم!!.. ت��ذ ّك��ر �صالح� أنه ع � ّب��ر ع��ن ذل��ك ال�صوت المو�ؤد في �صدورنا منذ زمن بعيد ،بعد �أن طغت المجامالت والمكا�سب ال�شخ�صية على كلمة الحق التي تقيم وتقوم مَ ن �أوكلت لهم م�سئوليات مهمة لبناء الوطن ،فغاب العمل وكثر الكالم وزاد الف�ساد!!.. وعادت به الذاكرة �إلى � أن النقد �أو الن�صح للحاكم في عهد ال��ف��اروق والخلفاء الرا�شدين مفتو ٌح على م�صراعيه ،فقد قام الفاروق -ر�ضي اهلل عنه -يخطب فقال�« :أيها النا�س من ر�أى منكم فيّ اعوجاج ًا فليقومه» ،فقام له رجل وقال: واهلل لو ر�أينا فيك اعوجاج ًا لقومناه ب�سيوفنا، فقال عمر« :الحمد هلل الذي جعل في هذه الأمة مَ ن يقوم اعوجاج عمر ب�سيفه». وجاءه يوم ًا رجل فقال له على ر�ؤو�س الأ�شهاد: اتق اهلل يا عمر :فغ�ضب بع�ض الحا�ضرين من قوله و�أرادوا �أن ي�سكتوه عن الكالم ،فقال لهم عمر« :ال خير فيكم �إذا لم تقولوها وال خير فينا �إذا لم ن�سمعها».
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 53
ق�صة للأطفال
الأ�صدقاء الثالثة
■ فاطمة �أحمد*
وليد ،ما يزال يغم�ض عينيه حتى وقت مت�أخر من هذا النهار ،رغم مناداة �صديقته ال�شم�س له... ال�شم�س ،عندما لم ي�ستجب وليد لها ..و�أ�ضمرت في نف�سها �أمرًا.. ُ غ�ضبتْ ال�شم�س خلف غيمة ،بعد �أن تو�سّ دت �سحابة بي�ضاء.. ُ في �صباح اليوم التالي ،غفتْ ال�شم�س لت�أذن عن مقدم يوم جديد� ،أخذ ُ �صحا وليد من نومه ،وترقّب �أن ت�شر َق ال�شم�س هذا ال�صباح؟ ُ يتململ ويتقلّب في فرا�شه ،ت�ساءل ،هل ت�أخّ رت لم يكن من عادة ال�شم�س �أن تت�أخّ ر عن �صافية ،كانت قاتمة كئيبة ،وف��ي الأف��ق موعدها� ..إنها ت�أتي كل يوم لتر�سل �أ�شعتها غيوم كثيفة ..لم تظهر ال�شم�س وال زرقة منذ �أول الفجر� ،صحيح �أنه كان ينزعج من ال�سماء!.. قدومها باكرًا ..فتطرق ب�أ�شعتها الذهبية �أخرج ولي ٌد ر�أ�سه من النافذة ونادى: زجاج نافذته ..وتدخل مت�سللة �إلى عينيه، ال�شم�س؟ ُ �أين �أنتِ �أيتها ثم تقول :هيه ،وليد انه�ض! ه��ذا �صبا ٌح لماذا ت�أخرتِ هذا ال�صباح؟ جديد.. ال�شم�س من نعا�سها في ذلك ُ �أف��اق��ت كان يرجوها �أن تذهب بعيدا عنه؛ في�ش ُّد لحافه ب�ضجر ..ويختبئ تحته ،ويحاول �أن ال�صباح البارد لتر�سل �شعاعً ا �ضعيفًا.. يطرد �أي �شعاع �أتى ليوبخه لنومه الثقيل. «�أيها الفتى ،ماذا تريد؟ ابتعد ،دعنيولكن في هذا ال�صباح ال �أثر لأ�شعتها� !..أنام!»
ق��ال وليد :ولكن ،لم يكن من عادتك ال�شم�س التي َ نه�ض متثاقال ليتفقد ت����أخّ ���رت ،ون��ظ��ر �إل ��ى ال���س�م��اء ..ل��م تكن الت�أخير قبل اليوم.. 54
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ال�شم�س لأج��ل الغذاء الذي ِ �أجابت ال�شم�س بتثا�ؤب :لكنني �أريد �أن �أُجرّب كنت انتظر �ضوء الك�سل قليلاً .. يتغذى به النبات. تعجّ ب وليد؛ �إذ اعتاد �أن يرى ال�شم�س في «النباتات �صديقة الأر�ض ...تخزّن الجليكوز، كامل ن�شاطها كل ي��وم ،و�أن يو�صد في وجهها وتر�سل الأك�سجين للخارج ليتنف�سه الإن�سان»... نافذته حين توبّخه وت�سخر منه ب�شعاع �ساطع. هكذا ق��ال وليد وه��و ي�شكر النباتات �صديقته نظر وليد �إلى غرفته المظلمة ..كانت كئيبة و�صديقة الفالح. هذا ال�صباح ..فكّر �أن ي�شعل م�صباحً ا... فرحت ال�سنابلُ ومدّت �أوراقًا طويلة خ�ضراء �إنه يرغب الآن في الخروج ،وال �أثر لل�ضوء.. و�سيقانًا.. ربما ينير �شمعة عند خروجه من البيت! �إنه �صار وليد ي�ستيقظ باكر ًا بن�شاط؛ فهو على يحتاج ل�ل��ذه��اب �إل��ى ال�ح�ق��ل؛ ليرعى ال�ب��ذور ال�صغيرة التي خب�أها في الأر�ض م�ؤخرًا.. ال�شم�س ليترافقا معا �إلى الحقول. ِ موعد مع
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ُ قالت ال�شم�س :ولكني قررت هذا ال�صباح �أن باللون الأح�م��ر من ال�ضوء ..ووق��ف��تْ ال�سنابلُ ال�شم�س ِ �أنام و�أت�أخر مثلك؛ فكلما �أتيتك وجدتك نائمًا ال�صغيرة الجائعة ف��ي ���ش��وقٍ ل�ضو ِء وبقيت وحدي.. الدافئ. لكنني �أريدك الآن!..تنف َّ�س اليخ�ضو ُر ال�صعداء :مرحبًا وليد،
ال �شك �أن �أ�صدقاءه في الحقل ينتظرونه، وفي �صباحٍ جميلٍ ،وجد وليد حبات القمح وينتظرون ال�شم�س التي ت�أخّ رت هذا ال�صباح .يك�سوها اللون الذهبي الأ�صفر ال��ذي انعك�س ُ كانت ال�شم�س الوفيّة في هذا الوقت تراقبه عليها من لون الأ�شعة المر�سلة من ال�شم�س في ُ ب�صمت� ..ضحكت ال�شم�س ..فهي تعرف �أنه لن ال�سماء. يكفيه �شمعه.. قال وليد بفرح :جا َء الربيعُ.. تنحنحت وتململت ،و�أطلت من خلف ال�سحابة � �ص��ارت ال �ح �ق��ولُ �أج� �م ��لَ م �ن��ذ �أن تعاهد ال�سوداء التي انهمرت بقطرات المطر ...وعادت ال�شم�س والفتى وال�سنابلُ �أن ُ لت�شقَّ �أ�شعتُها طريقَها �إلى الأر�ض وب�ساطها ،بعد الأ�صدقا ُء الثالثةُ: يتعاونوا معًا.. �أن ا�ستيقظت من جديد. ال�شم�س وي�سير ِ فرح ولي ٌد وهو يت�أبط �ضو َء ال�شم�س وال�سنابلِ وق��ال: ِ ن��ظ�� َر ول��ي��د �إل���ى م�سرورًا نحو الحقول ..كان ينتظرهما الع�شبُ �أُحبّكم يا �أ�صدقائي .وعا�ش الأ�صدقا ُء الثالثة والخراف ،والفرا�شاتُ .. ُ الأخ�ضر ،والزرعُ، ب�سعادة منذ ذل��ك ال��وق��ت ،و�صار الحقلُ جن ًة تب�سّ متْ ال��زه��رةُ ..فهي �ست�صب ُغ بتالتها خ�ضراء . * قا�صة من ليبيا.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 55
ُ ديك النعناع ■ �إبراهيم �شيخ*
تعال يا عمي الديك� ،أنت كبير في ال�سنِّ ..ال تتحمّل الوقوف الطويل كال�شباب من الدجاج. دمعت عينيّ الديك ..كفكف دموعه بجناحه الأيمن ،قال وهو ينتحب�:صدق ال�شاعر �إذ يقول:
ف�أخبره بما فعل �شباب اليوم فينا
�أال ليت الزمان يعود يوما �ضحكت الدجاجة ال�صغيرة ،وقالت: يقول البيت يا عم ديك :ف�أخبره بما فعل الم�شيبُ . �أعرف يا ابنتي ،لكن �شباب اليوم فعل بي�أ�سو�أ مما فعل بي الم�شيب!.. هل تحكي لي ياعم ديك حكايتك؟ حكايتي ..حكاية ي�شيب لها الوليد.. لقد �شوقتني يا عم ديك ل�سماعها. �أنا �أُع �ر َُف بـ «ديك النعناع» ،ما عرفتنف�سي �إال وكل من حولي يدعونني بهذا اال�سم. ولماذا �أطلقوا عليك هذا اال�سم؟ خ�ص�ص �صاحب المزرعة الذي يملكنيوب��اق��ي ال��دج��اج ،قطعة �صغيرة منها ل��زرع النعناع ،كنت في البي�ضة تحت ح�ضن �أمي �أمن ،وحين خرجت من البي�ضة ،خطوتُ �أولى خطواتي مع �أم��ي و�إخوتي .ومع م��رور الوقت تعلّمت من �أمي كل �شيء. وفي يوم من الأي��ام ،ت�سلل قطٌ ماك ٌر �إلى المزرعة ،م�ستغال غياب الكلب عنها ..طاردني �أنا و�أمي و�إخوتي ،تفرقنا في المزرعة ،تبعني، 56
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
خفت منه كثيرا ..كنت �أجري و�أتذكر تحذير �أم��ي م��ن القطط وال�ث�ع��ال��ب� ..أ�صابني فزع ���ش��دي��د ..ك���ادت �أن��ف��ا���س��ي تنقطع� ،شاهدت �شجيرات النعناع ،جريت �إليها،اختب�أت بينها، فغطى عليَّ لونها القريب من لوني ،فلم يعد القط يراني ..تركني وذهب.. ثم عاد الكلب وطرد القط.. تفقّدت �أمي �صغارها ،فلم تجدني معهم.. ظنَّتْ �أن القط �أكلني ،فحزنت حزنا �شديدا، و�أجه�شت في البكاء على فراقي ،لكنها لم تي�أ�س ..فجدَّت في البحث عني في كل مكان.. ولم تي�أ�س ..وا�ستمرت في بحثها عني حتى عثرت عليَّ بين �شجيرات النعناع ،ففرحت فرحا �شديدا ،وقالت وه��ي ت�ضحك �ضحكة ممزوجة بدموع الفرح: الحمد هلل ،ظننت ال��ق��ط �أك��ل��ك ي��ا ديك النعناع. منذ ذل��ك ال��وق��ت ،غلب عليَّ ه��ذا اال�سم
* قا�ص من ال�سعودية.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
(دي��ك النعناع) ،و�أ�صبحت �أُعْ ����ر َُف ب��ه منذ تلك اللحظة. لكني �أود معرفة حياتكم القديمة في المزرعةيا ديك النعناع!! �صاحبي يملك مزرعة كبيرة ،يزرع فيها كل�أنواع الحبوب والثمار .كنا -مع�شر الدجاج -ن�أكل ما ل َّذ وطاب ،نلعب ونمرح ،فنملأ المزرعة ب�أ�صواتنا الجميلة في كل وقت من �أوقات وجودنا فيها. متى ت�صحون من النوم؟ �إذا طلع الفجر ،قمنا نحن الديكة ،بتوزيع�أنف�سنا في �أرجاء المزرعة ،لن�صدح بالأذان في كل ناحية منها ،فنوقظ مَن فيها.. نناديهم �إل��ى الفالح والنجاح وعبادة الواحد الأحد ..و�إذا طلعت ال�شم�س كان الجميع في �شغله، كل لما خُ لق له.. هل تقيلون وقت القيلولة؟ نعم و�أين تنامون؟ هل تنامون في قف�ص حديديمثل هذا؟! قف�ص حديدي!! واهلل ال �أعرفه من قبل حتىوجدته هنا. و�أين تنامون �إذاً؟ فوق المنامة. وما المنامة؟ خ�شبتان كبيرتان تثبتان على الأر���ض ،تو�ضعخ�شبة من فوقهما ،وتثبت عليهما� ..صناديق خ�شبية �أو عُ لباً ،ننام مع�شر الدجاج داخلها. هكذا في العراء تنامون؟ -نعم.
�أال تخافون الأع ��داء ،خا�صة الأوالد الذيني�سرقون الدجاج بالليل؟ الأع��داء من الثعالب والقطط تكفينا كالبالمزرعة �شرهم� ،أما �أوالد ذلك الزمان ف�إنهم ال ي�سرقون. وما الذي جاء بك �إلى هنا يا ديك النعناع؟وهنا ..بكى ديك النعناع ..ثم جثا على الأر�ض.. لكنه كفكف دموعه ،وارت��اح قليال ،ثم وق��ف على رجليه ،وقال: تحمّل �صاحب المزرعة َديْنا كثيرا ،فا�ضطرلبيع مزرعته ،فا�شتراها �شاب بما فيها ..كره وجود الدجاج فيها ،فجمعنا في قف�ص كبير ،وباعنا في ال�سوق. وماذا تنوي فعله؟ �إذا ح َّل الأجل ،هل للمخلوق ر�أي!! لماذا �أنت مت�شائم يا ديك النعناع؟ وه��ل ي�ت�ف��اءل َم��ن ُي�غ� َل��ق عليه ه��ذا القف�صالحديدي!! قالت الدجاجة ال�صغيرة وهي ت�ضحك :نعم. اهلل موجود ،والأمر بيده ،ع�سى �أن يجعل لنا فرجا ومخرجا. ابت�سم ديك النعناع للدجاجة ال�صغيرة وقال: ما �أجمل نظرتك للحياة ،ليتني مثلك. مَن يتوكل على اهلل ال ي�أتيه الي�أ�س ،وال ي�صيبهالقنوط من رحمته. اهلل �أكبر ،اللهم اعف عني ،واجعل لي ولمنمعي مخرجا يا �أرحم الراحمين.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 57
ق�ص�ص ق�صيرة جدا ■ م�سعدة اليامي*
كُ تاب اج�ت��ر قلم ُه م��ن جيب معطف ِه ال�صغير.. �سَ حبت قلمها من محفظتها ال�صغيرة ..التقيا في بداية ال�سطر ..ثم انتهى بهم الأم��ر على مفترق طرق؟! وفد ت�ن�ق� ّل��ت ع �ل��ى ه� ��ودج م�ج�ه��ز ل �ه��ا ،تمايلت خ�صالت �شعرها ال�شقراء ,مع حركات الجمل المح�سود من قبل الجمال! التي �أرخت �شفاها, وهي ترى وفد ال�سياحة القادم من الغرب تقود ُه امر�أة! �ضعف تجمّدت داخ��ل معطفه ف��ي ف�صل ال�شتاء, الذي نثر البيا�ض فوق �سواد الأر�ض. ماتت غرق ًا مع �شروق ال�شم�س ال�ساخطة على عالقتهم ,التي قوبلت بالرف�ض. ع��ا���ش��ت م��ا ت��ب��قّ��ى م��ن حياتها ع��ل��ى �أوراق الخريف ,بينما هو عا�ش في �أح�ضان الربيع متنا�سي ًا ال��دفء ,ال��ذي �أغدقه قلبها علي ِه في لحظة �ضعف! فراغ �رف ,ثم انتزعته من ح�ضن ِه و�ضعت ُه فوق ال� ّ الدافئ ,لت�ضعه فوق حِ جرها ,ثم َ�صدرها ،ثم وَجهها ..حتى داع��ب النعا�س عينيها� ,سقط بجوارها ،لتداعب �أوراقهُ� ,أنامل الهواء ال�صادرة عن التكييف ,المُبدّد لوحدتها. ل�صو�ص ع��رجُ الل�صو�ص على �صدر �شموعه ,التي 58
* قا�صة من ال�سعودية -نجران.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�أطف�أها بماء العن�صرية ال�ضحلة َِ! فو�ضى افتر�شوا المكان�،أحدثُوا �ضجة ,ثم رحلوا مخلفين ,خلفهم فو�ضى كبيرة! ظم�أ تَ�صاعدت نظرات ُه المتعط�شة ,تتابع خَ طوات تف�صد العرق عن جبينهِ ،ر�شف جَ �سدها المائلّ , ما ًء بارد ًا من خلف ال�شا�شة ,لم ير ِو ظم�أهُ! ت�سوّل �صعدوا على كتفيهِ ,حينما علموا �أن� ُه يتيم, ت�سولوا ب��وج�ع� َه خ��زائ��ن ال�سالطين ففا�ضت خزائنهم ذهباً ،بينما فا�ض ج�سد ُه �سقماً! �أمل قالت ل ُه ب�ألمٍ منك�سر� ،أدفئني ف�إن خ�صالت �شعري البي�ضاء ,ال تزال تتناثر فوق كتفك اله�ش! كفاح عَ قدت ثوبها حول خ�صرها النحيل ،م�شت تحت ال�شم�س ت�شوى وجه ًا �أثبت نف�سها و�سط الحقول العجاف ,ف�أنبت حولها ف�سائل� ،سرعان ما �أثمرت. ذكرى رطّ ���ب �شفتي ِه ب��ذك��ره��ا� ,سَ معت ذل��ك من قريب ,ف�شبت نار الغيرة في فوائدها من ج�سدٍ تحت الثرى! �أخرى ن��ام بين ذراعيها �إل��ى �أن ف��ارق��ت الحياة, فم�سح ذاكرت ُه بالنوم بين �أح�ضان �أخرى.
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ابتهاالت �أمام الكعبة الم�شرفة ■ ن�سرين بنت ثاين احلميد*
م���ن ث��ن��اي��ا ح��ج�� ٍر ال���� ِّرك����نِ انت�شـ ـ ــى خ�����ـ�����ل�����و ٌة ف������ي خ����ي����ر دا ٍر ل���ل���ـ���ـ���ورى ونرج�س ْ م�سك �أ ِر َج الأط���ي���ابِ م��ن ٍ �����س وم�����ن�����اج�����ا ٌة ب���ف���ج���رٍ ق�����د ت��ن��ـ��ـ�� ّف��ـ ْ �����ص����ل����واتٌ راح����ـ����ـ���� ُة ال�����ـ�����ـ����� ُرّوح ب��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ه�����ال�����كٌ ح��������� َّل ب����������وا ٍد م��ـُ��ـ��ـ��ـ��ع�����ش��ـ��ـ��ـ��بٍ �����س وات���������ص����الٌ ب���ح���ب���الِ اهلل ُم�������ؤ ِن��ـ��ـ��ـ ْ �����س ك������ ُّل م����ا ف���ي���ه ُي����غ����ذّي م����ا َت��ـ��ي��ـ��ب��ـ َّ ْ وت����ران����ي���� ُم ال���� َّت����رات����ي����ل ال��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ������ي ي��رت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وي م�����ن غ�����دي�����رٍ زم������زم ٍّ ����ص���د َح ال��� ّت���ال���ون ف��ي��ه��ا ب��ال��مُ��ق�� َدّ���س ����رو�����ض ل����م ُي��دن�����س ظ���امِ ���ئ���اً ح������� َّل ب ٍ ولآي ال���ذك��� ِر ف���ي ال���� ِّرك����ن �صـ ــدى وارف ٍ غ�����ائ�����ب ٌ ح����ـ����ـ����ـ����نّ ل����ب����ي����تٍ ي�ستثير ال�سّ مع فيها حين ُي��در���س ك����ل م����ا ف���ي���ه ي�������داوي م����ا ت��وجّ ��ـ��ـ�����س َق��� َم���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ر ُِّي ل���ي��� ُل���ه���ا ف����ي ن���اظ���ري ت�����ائ�����بٌ م�����ن ق���������س����و ِة الإث���������م وم ــا �����س ي��قِ��ظ ٌب���ال��� ّذك���ر ال ي��غ��فُ��و و َي�� ْن�� َع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ْ ��و���س ����س���او َر ال�� َّن��ف�����س ب��ظ��ل��مٍ ث���م َو���س ْ ت�������س���ت���ر ُي���ح ال���������� ُرّوح ف���ي���ه���ا ك��ـ��ـ��ـ��ـُ��ـ��ـ��ل��م��ا ل�����ي�����واري ������س�����وء َة ال������ َّذن������بِ ال��ـ��ـ��ـ��ذي �����س ذئِ������ب ال����ذن����بُ ب���خ���ب���ثٍ وت��ع�����س��ع��ـ ْ �����س ���س��ت��ر ال���رح���م���نُ م���ا �أخ���ف���ى و�أغ��ل ْ ي���ا ل���ه���ذا ال���� َّ���ص���ف���و ي��ج��ل��و بَذخ ـ َـ ـاً �أودع ال�����داع�����و َن غ����اي����اتِ ال��مُ��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ى َ�����س �����س ف��م��ا �أغْ ���ل���ى َو�أ ْن��ـ��ـ��ف ْ ك����د َر ال�� َّن��ف ِ لحفيظ لي�س م��ن ي��رج��وه ُيفـل ِْ�س ٍ وت����ه����اوت ك������ ُّل ه����ام����اتِ ال��غ��ـ��ـ��ـِ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى وا����س���ت���ك���ا َن ال���ع���ب��� ُد ل���ل���م���ول���ى كَ��م��ن ي��ب��ذر ال��ت��وب��ة ف��ي ال���َّ��ص��ح��نَ ويغر�س
�����س وا���س��ت��ق��ام��تْ ب��ع��م��ا ِد ال ِّ���دي���ن �أن�� ُف��ـ��ـ ْ
* �أكاديمية و�شاعرة �سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 59
ن�صو�ص �شعرية ■ تركية العمري*
طفلتي طفلتي ، مخب�أ ُة في غرفة وردية ، يالعبها �أطفال النجوم ، ويحر�سها القمر . .. طفلتي ال�شم�س ، ُ عندما تنثر م�سكَ �ضفائرها، ت�صحو كالن�سيم ، ف�أح�ضنها ، و�أزرع في �شعرها، من الورد وردتين ، واقبلها قبلتين ، في�ضحك الزهر . .. طفلتي ، كل �صباح ، تنتعل خُ َّفيْها ال�صغيرين ، الع�شبيين، 60
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وتعبر الطريق ، ويعبر المطر . .. طفلتي ، ت�شغلها دموع �أ�صدقائها ال�صغار ، وت�س�ألني دائما ، عن ا�سم �أم الع�صافير، و�أين تذهب لـوحدها طوال النهار؟ ومن يحني كفوف ال�شجر ؟! .. طفلتي ،مـالك . �شد ٌو با�سم هـناك ، لو وط�أت بقدميها �أديم الكون ، لغمر البيا�ض قلوب الب�شر .
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
غن لي �سامرية غن لي �سامريه ، �سامرية عا�شق قديم ، ترك لمحبوبته �سيفـه، وق�صائد غواية ندية ، ( وما ا�ستراح ) . .. غـن لي �سامـرية ، ودع عيوني تمازح ت�أرجح كتفيك ، ونعا�س يديك ، وهو يالم�س وجنة الطار ، فتثور غيرة ريحاً فريه .
.. غن لي �سامرية ، لنرق�ص ، وتهتز الأر�ض ، وتنبت من ج�سدينا ، و�صوتينا ، حبا فالنتينيا �أحمر ، تخلد م�ساءاته �سامرية . حبيبي ، هيا ، .. غن لي �سامرية .
�صديقتي ل�صدق �صديقتي ظبية . .. �صديقتي ، التي عرفتها منذ زمن ، هناك في بلدة الكذب ، وكانت تراني ، و�أنا �أرك�ض ،
خلف كلماتي ال�صغيرة ، وتبت�سم . ما تزال تحمل في جيوب معطفها ، �أ�شياءها الأثيرة ، ال�صدق ،و�صبح �سريرتها ، و�أ�سئلتها الحائرة الـمثيرة .
* قا�صة و�شاعرة من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 61
محاكاة
■ �أحمد قران الزهراين*
تعاندُ، لكنها �سوف تبعثُ فيك الحياة.
ربما الآن يحلو الحديثُ عن الحبِّ ، عنها بكاملِ زينتها، وتفا�صيل �أ�شيائها المرتجاة، *** عن الطرح ِة ال��ـ و�ضعتها على �شعرها قلت :هلل ما �أجملك. الك�ستنائي، بو ُح قلبك �أندى من الور ِد حال اختاللِ والكحلِ ي�سكن عينين من الزورد. الف�صولِ ، ح��دي��ث��ك ع�����ص��ف��ور ٌة ت���رق���بُ ال��� ّن���و َر في *** رجف ِة العا�شقين الغالة، قلت :هلل ما �أجملك. طعم «عينيك �أ�شهى قليال» من الحبِّ ،و�ضحكتُك الماءُ، �ضحكتك الغ�ض ِة ِ ال طع َم للما ِء من دون و«الروح من �أمر ربي» الم�شتهاة، وال �صوتَ للعطر �إال على �شفتيك، وال ث���� ّم م���ا ي�����س��ت��ح��ي��ل ال����ى ج���ن��� ٍة غير وال �شيء ي�شبهك الآن، ال �شيء، قولك� :إني �أحبك، في البد ِء وال�صد. ال �شيء ي�شبهك الآن، �إ ْذ ك ّل ما فيك يغني عن الأ�سئلة. ***
62
رب��م��ا الآن بين يديها ت�صبُّ حروفك *** ربما الآن توقظ فيك الحيا َة التي لم ع�شقا، تنلْ من تفا�صيلها غي َر حلم الطفولةِ ،وتوحي لها بالذي لن يكون على غير تحتل فيك م�ساح َة �ضو ٍء من الوجدِ ،رغبتها الأنثوية، تقر�أ، تمكرُ، ترمز، تغمرُ، ترق�ص، تحتدُّ ، تختال، ت�سرفُ ، تغنج، تبكي، اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
تفتن، وه�� َم الحكايات ت�سر ُح فيها بال �شجنٍ ت�شهق، واهنٍ م�ستبدٍ ، َ ترتد عن غيّها المرِّ ،كي توقظ الظ َّل ووه َم المكان الذي �سكنته على غير ما من ترب ٍة خلّقتها يداك. رغبة فيه، وه��� َم ال��غ��ري��بِ ال���ذي ظ�� ّل ي�شكو ت�ضاد *** الم�شاعر، قلت :هلل ما �أجملك. ح��ي��ن تم�شين ي��رق�����ص ن��ب�����ض ال��ت��راب وه َم الم�سافر حال ارتباك المواقيت، ال تبتئ�س بالذي قد تراه، انفعاال، وخذ من عيونك ما قد ي�شف، يحاكيك في خفة الم�شي، وظل على روحك المرت�ضاة. يخلق من نف�سه �شبها فيك، لكنّ :ال �شيء ي�شبهك الآن، *** �إذ كل ما فيك يخلو من الأمثلة. قلت :هلل ما �أجملك. �إنّ رائ��ح��ة ال��ق��م��ح ف��ي راح��ت��ي��ك ع��ب��و ُر *** الم�ساكين، ربما الآن ت�أتي بوزر الطفولة، �أردي ُة الفقراء الك�سالى، غير موهومة بالحكايا القديمة، وم�سرى ر�سولٍ الى قومه باليقين، ت�صبو، وموال مغترب ظن في �أو ِّل الأم ِر �أن له تخاطر، حظو ًة في الوجود، ت�سمو، ودف��ت�� ُر �أن��ث��ى ت���ؤن��ب ت�أريخها �إذ م�ضى ت�شاك�س، الحظ، دون �أن تقر�أ َّ تمعن، �أو دونما تقر�أ الحبَّ ، تن�أى، قد قلت :ال �شيء ي�شبهك الآن، تماري، فال تنت�شي دون �أن تعبر الج�سر نحو ال �شيء، حتى مالمح روحك انفعاالتها، �ضدّ ..و�ضد. وا�ستعد ما توهمته في الطفولة،
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 63
رحيق بطعم الحريق ()1
ِ�صرْتُ �أُب ِْ�ص ُر �أَنِّي �ضَ رِي ٌر َو�أَنِّي َي ٌد �سُ جِ نَتْ فِي �سَ رِي ْر فِي الطَّ رِيقِ تُطَ ِّو ُقنِي ُنقْطَ ٌة َويُطَ ِّو ُقنِي فِي ا ْلق َِ�صيدِ م َِ�صي ٌر �أَ�سِ ي ْر
ْ�ض جُ ْدرَانٍ وَحَ ْولِي َبع ُ َتزِي ُد ا ْل ُب ْع َد ُب ْعدَا �أَ َتمَاهَى َم َع ظِ لِّي ال�صمْتَ َمرَّاتٍ َو َمرَّاتٍ َو�أُعِ ي ُد َّ �إِلَى �أَنْ أَ�خْ َتفِي فِي َك ِلمَاتِي َو�أَ ُع َّد ا ْل َوقْتَ َعدَّا
َل ْم �أَكُنْ �أَعْ لَ ُم �شَ يْئاً عَنْ ب اَِلدِي �إِ َّنمَا ُكنْتُ ا ْل َغرِيبَ ا ْل ِغ َّر �أَعْ يَانِي ا ْلمَ�سِ ي ْر َي ْن َتهِي بِي ا ْل َب ْد ُء فِي ا ْل ُبعْدِ َوفِي ا ْل ُقرْبِ َف�أُ ْنهِي لَحْ ظَ َة ا ْل َب ْد ِء بِ�صَ مْتٍ َ�صائِتٍ �أَ ْو ِبك اََل ٍم ُي ْتعِبُ ا ْل ُع ْم َر ا ْلق َِ�صيرْ.
�صَ دِ يقِي َل ْم َي ُع ْد �أَبَداً َ�صدِ يقِي تَجَ ا َهلَنِي مِ ـرَاراً فِي الطَّ رِيقِ �أُ َهــا ِت ُف ُه عَـلَى َر ْقــمٍ جَ ــدِ يدٍ َت ـ ُر ُّد َع ـلَيَّ �أَ ْلــ�سِ َن ُة الْـحَ رِيقِ و ََ�ص ـوْتٌ مُـ ْتعَبٌ مِ ـ ْث َل ا ْل َمرَايَا ُي ـ ـ َر ِّد ُد َمـ ـ ــا �أُ َر ِّد ُد َكــا ْل َغرِيقِ
***
()2
�أَعُو ُد بِخُ فَّيْ حُ َنيْنٍ النِينْ َوتَ�سْ ِب ُقنِي طُ ُرقَاتُ َْ أ �أَعُودَُ ،ووَحْ دِ ي �أَجُ ُّر جِ دَا َر الْحَ نِينْ ف اََل ال�شِّ ْع ُر يَ�شْ فِي وَلاَ الدَّمْ ُع َي ْكفِي َوفِي قَ�سَ مَاتِ الْجَ بِينِ �سِ نِينٌ َتعُدُّ ال�سِّ نِينْ . ()3
�أُ ِريـ ُد ِكتَا َب َة ذَاتِي الْجَ رِيحَ ْه َو َلكِنْ تَجِ فُّ ُدمُو ُع ا ْل َقرِيحَ ْه َتـ ِف ُّر ا ْلقَ�صَ ا ِئ ُد مِ ـ ْنهَا وَمِ ـنِّي َف�أَ ْبدُو َك َ�أنِّي حُ رُوفٌ َذبِيحَ ْه ()4
�إِ َّننِي ُم ْر َتبِكٌ جِ ّداً 64
■ علي العلوي*
* �شاعر من المغرب. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
()5
()6
كُلُّ �شَ يْ ٍء َعلَى مَا ُيرَا ْم َه َكذَا كَا َن َ�صاحِ ُبنَا َيرْ�شُ فُ ا ْل َك ِلمَاتِ َو ُي ْنهِي ا ْلك اََل ْم
()7
ي�ص ...وَجَ ا�ؤُوا �أَبِي ِبقَمِ ٍ َو َق ْد َب َّللُو ُه َعلَى عَجَ لٍ بِنَبِيذٍ رَخِي�صْ َو�أَمَّا �أَنَا فَ�سَ ِكرْتُ ِبدَمْ عِي َوكَا َن لِيَ الدَّمْ ُع َورْداً َووَجْ داً ِي�ص َودَائِي ا ْل َعو ْ
■ �إبراهيم زويل*
ف��ي ال��ل��ي��ل ,ف��ي ال��ل��ي��ل ف��ق��ط؛ الجنون حكمة ،والذكريات حيّة ت�سعى! عندما تح�ضرين في البال� ،أ�سراب من تحط على نا�صيتي. الطيور ّ كانت ال�شم�س ت�شتبك مع العتمة ،حين تهجيت على يديك كلمة «ح ر ي ة» ،في الفناء الخلفي للبيت ،دون خ��وف من القتلة. ك��ع��ا���ش��ق (ع��ل��ى ا�ﻷ ق�����ل) �أق�����دّر ل��ك ه��ذا ال���دور ال��ت��اري��خ��ي ،ال���ذي جعلني �أح��بّ العذاب فج�أة. ال�سمرة المفرطة في وجوه الجنوبيين، لي�ست ب�سبب ال�شم�س الم�سعورة في �سماواتهم� ،إنها ح��زن �شر�س ،يفتر�س قاماتهم منذ �ساعات والدتهم ا�ﻷ ولى. ل��ي��ل��ك �أ����ش���ع���ث �أغ����ب����ر ،و�أن�������ت م���دجّ ���ج بمراهقتك الأولى .يا للف�ضيحة! ا�ﻷ بجدية تفتح ���ص��دره��ا ،وت��ق��ول لك دون حياء :هيت لك. منذ �سنوات ،و�أنت تحتكرين الق�صيدة. لم �أعرف� ،أنك بهذا الغمو�ض المقد�س يومئذ. عندما تكونين قريبة ،ال �أج���ر�ؤ على �إطفاء الم�صابيح .ج�سدك معبد بوذي،
له طقو�سه المقد�سة. على �شرف الليل ،تقيمين حفال �أمميّا في ج�سدي. النهار� :ساللة معدّلة من الليل ,منزوع عنه الوح�شة. ����س����أغ���ام���ر ب��ال��ي��ق��ي��ن ,ح��ت��ى ال ت��ت��ك��رّر المذبحة. في الليل ،ما ال ي�شبه الليل! الخرائط �شاخ�صة في ح�ضرة العط�ش, عط�ش ال مجاز به -وال��م��اء اليهت ّزله جفن. في �ساعات ال�ضحى ,تتجمهر الق�صائد ح�صتها. حول ظاللك ,في انتظار ّ �أيتها الأيام ..ال �أحب مزاحك ال�سخيف. ج�سدك �سيدتي ,ت��ح��وّل �إل���ى مرافعة تاريخية ,للدفاع عن الجمال المطلق. �أريد ظالماً ,يكفل لي عريي. ال ي��زال �أم��ام��ن��ا وق��ت لن�شتري و�سائد ل��ل��ذك��ري��ات ,ون��ح��ث��وا ال��رم��ل ف��ي وج��وه النائمين. ف��ي ال��ط��رق المكتظة ب��ال��م��ارة ,يعانق ظلّي ج�سدك بوح�شيّة ,دون �أن ن�شعر بت�أنيب ال�ضمير. تغم�ض عينيها ,ثم تهم�س� :إياك �إياك
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
�شجرة الليل ..مغزول ب�إبر الفقد والهزيمة� ..شذرات
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 65
�أن تقرب ال�شجرة . ها نب�صر نيرانهم تت�صاعد من كل الجهات، ي�ؤججون عداواتهم ،ال�ضوء لهم �إال م�شعل الفتنة ،و�أ�شباحهم التي ي�صطحبونها منذ ا�ﻷ زل. كيف ت��م�� ّري��ن ف��ي ال��ب��ال ,ول��م تطرقي باب الق�صيدة! ال تكتب �شيئاً ,حين ال تكون ال�سماء قريبة منك. لم �أعد �أكترث للثقوب الكثيرة في قمي�ص الليل. الق�صائد ال�ضالّة التي كتبها ال�شعراء في ال�صيف الما�ضي ,تجل�س الآن هادئة �أم��ام �صورتك ,وتفوح منها رائحة غريبة. ه��ذا ال�سلّم العالي من الحنين ,ول��م �أ�صل �إليك بعد! قدماك غارقتان في ماء حيائي. تحت نافذة الغواية ,تهزمني �سنابلك دائماً. قل لنا �أيها ال�شاعر :كيف انتخبتك الكوارث, وقلّدتْك تيجانها؟ من �أي��ن لي بعيون تب�صر ب�ساتين ج�سدك الالنهائية ..عينان ال تكفيان! ي�صطاده المطر ..مَن لي�س له مظلة. هذا الج�سد الذي �أ�سكنه ,لم يعد يكترث بي كثيرا. قلب ال�شاعر مغزول ب�إبر الفقد والهزيمة.. تعالوا لتروا الدم المبجّ ل. وحيدان� ,أنا والتبغ ,ن�صطاد فرا�شات الليل. البرد يقطع الم�سافة بين ج�سدين في قبلة واحدة. 66
* �شاعر من ال�سعودية. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
الفجر محبرة ا�ﻷ مل ،وغناء يمجّ د الحياة. في الثلث الأخير من الليل ,ق�صف مكثف من الوجع على قلوب العا�شقين. ال م��ع��ن��ى ل���ل���ج���دران ،دون ك��ت��اب��ة ال��ع�����ش��اق المهم�شين ،ورموزهم ال�سرية!. لي�س هناك داع للخجل ..ال �أحد بينكم يليق بالموت. ف��ي �ساعات الفجر ا�ﻷ ول����ى ،ي�ستعيد الليل �ضوء عينيه. ر�أ�سي نافذة مفتوحة ,هذا �صحيح ,لكنها ال تط ّل على �أحد. «���ض��م��د» م��دي��ن��ة ت��ره��ق ال��م��ع��ن��ى ،وتحتفي ب�آخر ع�شاقها ،المبلل بالغواية. ت��ث��اءب ف��ي ه���د�أة ال��ف��ج��ر ،ث��م �أل��ق��ى ع�صاه، وخلفها رائحة التبغ الثمل. �سئمت من مهادنة ا�ﻷ رق ،وهو يحرث حقول ال��روح بمخلب قا�س..بالت�أكيد له مبرراته ال�سرية!! يرغب في ابت�سامة ,لكن مالئكة الفرح لم ت�أت بعد! ه��ا �أن����ت م�����ص��ل��وب ف��ي ح��ق��ل ال���ك�ل�ام ,ترفع يمينك مهدّدا بالق�صيدة ,وطعم اللهب في فمك.
قال �أه ُل الوجدِ .. والوج ُد تباريح ارتحالْ وتراجي ُع �شجنْ وانثياالتٌ من البوح المعنـ ّى ..والخيال: كن وجوداً� ،أيُها الإن�سانُ في هذا الوجو ْد كن ح�ضوراً ،في �سجالت الخلو ْد كن كما �أنتَ و�أعلنْ ع�����ش��ق��ـَ��ك ال���ب���اه���ي ان����ح����ي����ازاً ..الج����ت��ل�اءاتِ الجمالْ للريا�ض الخُ �ضرِ ..لغرابيبِ الجبالْ للنجوم ال ُزهـ ْر ..ال�ستداراتِ الهاللْ لرحاب الطُ هر ،في كل ال�صداقاتِ الجميالتِ اللقاءاتِ الحميماتِ ، لأخالقِ الرجالْ
■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
لغدير المـ ُنحنى ،وِرداً ..على الماء الزُاللْ ال�شتعال الموقدِ الليـ ّليِّ ..قد لفَّ حواليه، الحكاياتِ الخلياتِ ،و�أ�شوا َق ال�سَ هارى.. واختالجاتِ الندامى وادكا َر االرتحالْ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
كن كما � َ أنت
�أيُها العا�شقُ : ف���ي ل��ي��ل ال��م��ح��ب��ي��ن م�������داراتٌ ،م���ن ال��وج��د المعنـ ّى.. ومن ال�شوقِ وفي�ض من تباريح الخيالْ ٌ لفيا�ض ِال�شيح ِوالقي�صوم ِع�شقاً ..للخـ ُزامى و�سرا ٌج كلما تطفئ ُه الريحُ، ولهباتِ ال�صَ با حين تهادتْ .. يعي ُد البو ُح نا َر اال�شتعالْ ا�شتياقاً وداللْ
لغ�صون ال�شجر ِالواقفِ ..في واجهة الريح، بهاءاً واخْ ـتِـيالْ �آهٍ ،ما �أعذبَ دمعاً �سال فو َق الخدِ ع�شقاً ..وتنزّى، لع�صافير ِالع�شيات ،التي �ضَ جتْ بت�سبيح ٍ، من �شغاف الروح ِ وحمدٍ ..وابتهالْ من ذكرى بو�سط القلبِ وتغنت في ال�صباحاتِ احتفاءاً بانتثار ِالنور ِمن قارور ِة الليلِ �أغ�ضى ثم �سال واختباء ال�شم�س ِخلف الغيمِ ، وا�ستدارت حول ُه �أطيافُ عمر ٍ حين ا ْنبَج�ستْ من ُه ا�شتهاءاتُ ال�صحارى، تق�ضى بنعيم القربِ ..واللقيا قد ّ وابتهاجاتُ التاللْ وب�ستان ِالو�صالْ . للظبا ِء العفر لمّا وردتْ * �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 67
خو�ص ِروا َي ٍة.. َل ْ�سنا ُ�ش َ ■ الطاهر لكنيزي*
َعا�صف ٍة تُ�شَ ّيعُها الرُّعو ْد ج��اءَتْ عَلى عَجَ لٍ ك ِ
نَ�سَ فَتْ مَ���زاراتِ الهُيا ِم و�أقْ�� َب��رَتْ ُك�� َّل ال�� ُوع��و ْد
ِتلْكَ الّتي كانَتْ تَحوكُ لِحُ ْلمِنا �أزْهى البُرو ْد
ْفا�س ال���وُرو ْد و ُت�� َد ِّب�� ُج النّجْ وى مُ�ضَ مّخَ ًة ب�أن ِ
قالَتْ � :أُعِ ��زُّكَ َب ْي َد �أ ّن��ي زَهْ �� َر ٌة تَخْ �شى الذُّبولْ
والْحُ بُّ في َزمَنيعَدي ُمال�صّ ْب ِركالطّ فْلِ المَلولْ
�إ ّن الهوى ف َْ�ص ٌل و�أ ّي���ا ُم الهوى َق�� ْد ال تَطولْ
م���ا �أ ْن������تَ �إ ّال واهِ ������ ٌم ي���ا ���سَ �� ّي��دي ف��ي��م��ا َت��ق��ولْ
خو�ص رِوا َي ٍة َتكْبو َف ُي ْنه ُِ�ضها ال�سُّ �ؤالْ لَ�سْ نا �شُ َ
جَ �سَ ٌد ورو ُح في ا ْعتِقادي �صَ ْف َو ُة الحُ بّ المِثالْ
َعي�ش على فُتاتِ الوَهْ ِم في َْدنْيا المُحالْ َفلِما ن ُ
ْقا�ض َبيْنَ رُكا ِمالخيالْ َق ْدنَ�سْ تَفي ُقغَداًعَلىالأن ِ
ال��حُ �� ْل�� ُم ِل�� ْل�� ُع�����شّ ��اقِ زا ٌد ط��ا َل��م��ا �أ ْوف����ى العَ�شيقْ
ل ِكنّني �أنْ�ضو ال�صّ با َب َة مِ ثْلما �أ�سْ لو الرّفيقْ
َل�� ْو َل�� ْم �أَجْ ��� ْد في روحِ ��� ِه �إ ّال َرم���اداً م��نْ حَ ريقْ
�أ ْو �شَ بَّ حُ ْل ٌم و�شا َخ ونَحْ نُ في َغ ْي ِر الطّ ري َْق..
طارَتْ فَخَ َّلفَتِ الح�شا َكهْفاً لأ�صدا ِء النَّحيبْ
وَتوا�شَجَ تْ في خاطِ ري الْح�سراتُ والْي�أْ�سُ ا ْلمُذيبْ
َو َتبَخّ َر الْحُ ْل ُم الغري ُر و�ضَ مّني �صَ مْتٌ رَهيبْ
�صمتٌ مهيبٌ موغِ ٌل في حكمة ال�شيخ الأريبْ :
ال َتبْكِ مِ ْث َل حَ ما َم ٍة َل�� ْو �سَ ّربَتْ م��ا َء ا ْلهَدي ْل
لَنْ يحْ َز َن ال�صّ ف�صافُ في الوادي و َي ْك َتئِبَ الأ�صي ْل
َر ِّم ْم �شُ رو َخ الرّو ِح بال�سُّ لْوانِ وال�صَّ ْب ِر الأثي ْل
َو ْل َتنْ�سَ �إِلْفاً كا َن وهْ ماً البِ�ساً ُعرْيَ الفُ�صولْ ..
* �شاعر من المغرب.
68
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
احتاج اليوم لمنديل منديل من جوف الأر�ض من ذرات رفات الجد من درع لجنود المجد �أبكي فيخفّف عبراتي �أ�ضحك فيجفّف دمعاتي �أحتاج لمنديل �أخ�ضر يزهر في كفّي باللوز بالخوخ الأ�صفر والتين بجبيني ير�سم �ألوان وبحزني يم�سح �ألوان �أحتاج لمنديل زا ٍه منديل ناعم �أعطاف تجريه الن�سمة بال�شوق من �أعلى ولفوق الفوق لحبيب قد غاب �سالمه وتلفلف وجدا بكالمه ويناظر من بعد البعد فلعل ال�صيف يناديني ولعل الخوف �إلى بعد احتاج لمنديل حاني يبعد عني حر ال�شم�س حر ال�شوق وحر القهر ي�ستر وجهي حين �أذوب بين الرقة والمحبوب ويالم�س كفا ويذوب ينثرني للبعد ال�سابع يدنيني من قلب عطارد
■ �شاهر النهاري*
�أحتاج لمنديل يدمع �إن الم�س نب�ضات الحزن في قلب م�صنوع النب�ض يطويني مثل الأحالم يم�سح ت�شويق الأ�سطورة يربطني بغ�صون الورد �أحتاج لمنديل ثائر ي�شطح بي بين الأزهار يعلق في �شوك الأهوال ويغالب كل الأحوال �أحتاج لمنديل �أ�صفر معقود في جرح �سياج والحار�س غ�ضب وفحيح والباكي قلب مذبوح �أحتاج لمنديل طائر يحملني فوق الأعناق وي�شد النحر بترنيمة ي�سمعها طير الوروار �أحتاج لمنديل العمر حر في قول �أو فعل �صدق يرفعني لل�شم�س بحبال من غزل العزم غ�صن يحملني للبدر �أحتاج لمنديل �سحري يكفيني من لوعة عمري ي�صحبني في غمة �صبري وينادي من حفرة قبري ما �أحلى ذاك المنديل
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
منديل
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 69
رب يحميه ِ للبيت ٌ ■ �أ�سامة الزقزوق*
�صهيب منذ خم�سين عاما �أو تزيد جلّد �سميه ونحن نبكيك يا قد�س �سواري �سراقه/ ننثر فوق جراحك بقايا �أطالل ك�سري هيكلك المغت�صب و�شجاعة القعقاع مقد�ساتك وحكمة �أبو عبيدة م�صلى �أنبيائك منذ خم�سين عاما �أو تزيد دماء ون��ح��ن ن����ؤرق ج��دن��ا ���ص�لاح ال��دي��ن في ودموع مثواه القري�ض نلوذ بحمي ر�سول اهلل الق�صيد وندعو بقلوب خا�شعة الم�سيح و�أكف مل�ؤها نلوذ بالذي كان من �صفحات تاريخك المجيد جراحات الأرامل ونجتر �أريج �س�ؤددك التليد و�أنّات الثكالي وزفرات المبقورين من الأطفال منذ خم�سين عاما �أو تزيد ندعو عقب كل �صاله ونحن ن�ستجير بالعمائم يا اهلل البي�ضاء ال�سوداء ك�أننا ن�سترجي ما �أُوعدنا به ن�ستنطق �سيف خالد الم�سلول وك�أننا قد تنا�سينا ب�أنا ل�سنا �أهال �أ�صداء �أذان بالل لهذا الوعد �صبر �أيوب ن�سترجي طيراً �أبابيال ب�شري عمار 70
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ع�صفاً �أو ق�صفاً �أو حتي ريحاً �سموما �أو نفثه من ملكة المقرب جبريال �أو حتى عذاب كعذاب هود �أو ثمود يحل بالقوم الظالمين اليهود الزناة الطغاة ويريحنا نحن المتعبين بينما نحن لم نزل على حالنا قاعدين وماكثين نعد حبات الأرز في ب�ؤب�ؤ المها ونغزل خ�صالت ال�شعر على ومي�ض نهود العذارى نبارك �شعر �أبي نوا�س الماجن نربت علي كتف المجنون ون�ستلهم فحولة عنترة في الفرا�ش تاركين لأقدامنا ولر�ؤ�ؤ�سنا حرية الغو�ص في دوامات الرمل وفوق ري�ش النعام بينما �أنت يا قد�س
على حالك تبقين عارية �أمام الجميع جائعة ظم�آنة محا�صرة مرتعدة �أمام الجميع �سوءاتك مباحة عوراتك متاحة مقد�ساتك منتهكة والكل من �أمامك ومن خلفك وعند �أعتابك وعند حدودك وما وراء حدودك... وجوم مح�ض �أطياف مح�ض �أ�صداء ومح�ض �أ�شباح ال تملك من �أمرها �شيئا ال تملك �سوي التنديد وال�شجب والخطب الع�صماء الجوفاء وا�ستلهام التراث للبيت رب يحميه للبيت رب يحميه
* �شاعر من م�صر.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 71
�شهد الحب ■ نازك اخلنيزي*
في طريقي� إليك ر�سمتكَ كرذاذ المطر و�سكون الم�ساء دثرتك بين� أ�ضلعي كر�ؤي الحياة ر�سمتك كلوحة ع�شق� سيريالية كمرا�سم� صلوات فتية ***
في طريقي� إليك تغنجت كعرو�س� شرقية ر�سمتُ ب�أحمر ال�شفاه �آالف الورود لأتنف�سك ربيعاً مخملياً راق�صتُ حنايا اللحن كطفلة� شقية على ج�سد البحر نثرتُ جدائل الأبجدية ***
72
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
في طريقي� إليك راجعت حوارنا مرات ومرات من الم�سافات ن�سجتُ لظى الطريق طبعتُ ابت�سامتي على� شفاهي الخجلى لترق�ص النوار�س حتى مطلع الفجر ***
في طريقي� إليك طويتُ البعد امتطيتُ الحرف رفعتُ راية اال�ست�سالم تمردتْ مدن الغ�ضب على حائط المطر ر�سمت مالمحك بالأرجوان ***
***
لم� أفرق بين العقل والجنون لم ي�ستوعب النب�ض م�شاعري لم� أبرر لجدائل العمر �سر ق�صائدي عانقت� سهام الحنين وغ�سق ال�شمو�س غفوت على حلم ب�شائره ميالد فجر ***
تحت جنح الظالم
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ابتهلت في محرابي توجتك بكرم عربي تباهيت بين الن�ساء بثورة الحنين خبزتُ الطيب ا�ستبحتُ النخيل اغت�سلت بماء الورد
في طريقي� إليك �سال حرفي عبير من نور رميتُ تقاويم الزمن هرولتُ � إلى المجهول عارية القدمين ابتكرت طرقاً� أخرى ت�سقط في البعد الأخير من تراكم ال�سنين قبل نزوح القمر وقبل� أن في طريقي� إليك تغادر الأحالم ذاكرتي �شهد الحب ***
في طريقي� إليك تمردت� أنوثة الحرف على حافة القمر جمعت النجوم� ضوءها انبثقت خيوط الر�ؤي مطرت ال�سماء ظم�أ �سجدت مالئكة التقوى على� أهازيج الرياح احتفاءً باكتمال في طريقي� إليك ملحمة الحنين في فردو�س عينيك
* �شاعرة من ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 73
ال�شاعر ع�����ل�����ي بافقيه ■ حاوره /عمر بوقا�سم*
74
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�سعدت كثيرا ب�إنجاز هذا الحوار مع �شاعر كبير ،له ح�ضوره المتميز ف��ي الم�شهد ال�شعري ال�سعودي منذ �سبعينيات ال��ق��رن ال��م��ا���ض��ي ..ال�شاعر علي بافقيه ،وال���ذي يده�شك بق�صيدته التي يحا�صرها بذاته ال�شاعرة ،والتي تن�صهر بدفء الذاكرة ،وتجربته الحياتية ،وعمق ثقافته« ،..جالل الأ�شجار 1993م»« ،رقيات 2007م»� ،إ���ص��داران حتما يقوداك لهذا ال�شاعر الكبير ،والمُقل ج��دا ،ولأ�سباب !..باح بها في ثنايا هذا الحوار.. لنقر�أ هذا المقطع من ن�ص لل�شاعر ،والمعنون بـ« ..م�شت امر�أة»، (مَ�شَ ت امر�أة خارج الباب ْ مَ�شَ ت ِامر�أة في الطريق �إلى بيتها مَ�شَ ت امر�أة في الطريق لبقـ َّالة الحيِّ مَ�شَ ت امر�أة ٌ مَن يُعيـ ُد لمدفونـ َة وجهها من يُعيـ ُد يَديها من يُعي ُد الحقو َل التي ذهبت في الغيابْ مَ�شَ ت امر�أة خار َج البابْ )..، هذا المقطع بمثابة �إ�ضاءة تقودنا للحوار ،ولف�ضاء ال�شاعر علي بافقيه..
ال�شاعر العربي �أغالله موجودة في داخله ،وفي الوعيه ،والوع��ي المحيط االجتماعي!.. ق�صيدة النثر تختلف من ق�صيدة �إلى �أخرى ،ومن �شاعر �إلى �آخر ،ومن �شظيّة �إلى �شظيّة ،بع�ضها �شعر وبع�ضها لون �أدبي
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية من �أه��م ميزاتها �أن البالد �شا�سعة مترامية الأطراف والثقافات ،وهذا ي�ضفي تنوّعا وتعدّ دا يثري العملية الإبداعية ،وربما يجعلها قابلة لإحداث نقلة في اللوحة ال�شعرية!..
كانت �أمي تقول� :أنت تعي�ش على الورق ..وعندما جاءتني البعثة �أخذوا كتبي من مكانها وو�ضعوها في م�ستودع كان في الأ�صل مطبخا ..وتركوها للعثة!! ظهور ق�صيدة التفعيلة بلغتها المختلفة.. ● ●«جالل الأ�شجار 1993م« ،رقيات 2007م» ،هذه الإ�صدارات حتما تقودنا لل�شاعر علي بافقيه، �أح��د �أب��رز الأ�سماء ال�شعرية ال�سعودية منذ �سبعينيات ال��ق��رن ال��م��ا���ض��ي ،وال��ت��ي ك��ان لها دور ف��ي ت�شكيل م�لام��ح التجربة ال�شعرية الحديثة ال�سعودية� ،شاعرنا الكبير والمتميز، هل نحظى ببوح خا�ص منك في اتجاه تلك المرحلة؟ ρ ρالمرحلة �أو المراحل التي ع�شتها وعاي�شتها فعليا في الحركة ال�شعرية في المملكة ،تبد�أ من �أوائ��ل ال�سبعينيات الميالدية ،ال �أع��رف �أي بوح تريد بخ�صو�ص تلك المرحلة ،ولكنها بحق مرحلة ثرية وت�أ�سي�سية وخا�صة من زاوية اللغة ال�شعرية والقيم الجمالية الجديدة في ق�صيدتنا المحلية� ،أي ظهور ق�صيدة التفعيلة بلغتها المختلفة تماما ،وجمالياتها الجديدة، وتجاوزها للغة ال�شعرية ال�سائدة والمبا�شرة. علينا �أن نتذكر �أن ه��ذه الق�صيدة �أو هذه النقلة العميقة في ق�صيدتنا المحلية ن�ضجت في الظهران ،في حرم كلية البترول والمعادن، ب �ي��ن ي ��دي ال �� �ش��اع��ر ع �ل��ي ال��دم �ي �ن��ي �أواخ� ��ر
ال�ستينيات وبدايات ال�سبعينيات الميالدية، وق��د ك�ن��ت م��ح��ظ��وظ�� ًا ب�سبب �إ����ص���راري على العائلة بالت�سجيل في كلية البترول والمعادن �أواخ���ر ع��ام 1972م ،فهناك تفتحت �آف��اق كثيرة �أمامي� ،آف��اق القراءة والكتابة ،و�آف��اق ال�سفر والكتب وال�صداقات ،وهناك عرفت اللغة ال�شعرية ،وكذلك لغة الفنون الت�شكيلية م��ع �صديقي خالد النزهة رحمة اهلل عليه. وقد كنا نزور معار�ض الفنون الت�شكيلية ،وال �أزال �أتذكر اندها�شي �أمام لوحات البق�شي في �أحد المعار�ض ،وبداية تعلمي للغة الت�شكيلية المذهلة التي دلني على دروبها خالد. ب ��د�أت الن�شر نحو ع��ام 1974م ف��ي �أدب�ي��ات الكلية ،وملحق جريدة اليوم بالدمام .هناك اكت�شفت الق�صيدة الجديدة ،وب��د�أت �أتجاوز مرحلتي ال�سابقة �شيئا ف�شيئاً� .أذك��ر �أنني جئت الظهران مغرما ب�أبي القا�سم ال�شابي، وجبران خليل جبران ،وبع�ض ال�شعراء الجدد الم�شهورين الذين ي�صعب عليّ الح�صول على كتبهم ..مثل ال�سياب ودروي ����ش والفيتوري وال��م��اغ��وط ..قبل ه��ذه المرحلة كنت �أي��ام ال��درا� �س��ة المتو�سطة وال �ث��ان��وي��ة غ��ارق��ا في ال�شعر العربي الكال�سيكي �أو العمودي ،قديمه
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 75
وحديثه ،وكنت �أعتقد �أن الم�س�ألة لي�ست �أكثر من خروج على �شكل البيت ،فقد كنت مغرما ب�شكل ال�شطرين والقافية ،ولم �أتخل�ص من هذه الحالة �إال بعد المرحلة الثانوية ،عندما اكت�شفت اللغة ال�شعرية الجديدة في التفعيلة وبع�ض ق�صائد النثر� .أي بعد قراءات وتجارب كثيرة في الحياة والفكر ،وكان من بين �أهم تجاربي في ال�شعر والحياة ،زياراتي للكويت.. وجلب الكتب ال�شعرية والفكرية التي كنت �أق��ر�أ �أو �أ�سمع عنها وال �أراه��ا .حدث هذا بعد مغادرتي للبيت والعائلة في مكة .فقد ن�ش�أت في عائلة محافظة جدا ،وت�شكلت ذائقتي على الق�صيدة العمودية ،وكتبتها كثيرا ،ون�شرت بع�ضها. كتبت كثير ًا وب�شغف في �أواخ��ر ال�سبعينيات الميالدية ،وربما تكون هي المرحلة التي كنت غزير الإنتاج فيها ،ولكنني للأ�سف لم �أ�ضع ق�صائدي تلك ف��ي ك�ت��اب ،ول��م �أحتفظ بها؛ ربما ب�سبب و�ضعي الأك��ادي�م��ي الم�ضطرب، و�شخ�صيتي النافرة .يقول بع�ض الأ�صدقاء ممن تعرّف على تلك التجربة� :إن هذا خط�أ كبير ،ومنهم �صديقي و�أ�ستاذي عبدالعزيز
م�شري ،الذي عندما قر�أ مجموعتي الأول��ى.. ات�صل بي �صارخا وم�ؤنباً ،لأن��ه لم يجد من ق�صائدي ��س��وى واح ��دة ف�ق��ط ،ه��ي ق�صيدة عروة بن الورد التي �أنقذها هو رحمه اهلل ،فقد كانت خارج المجموعة .ولكن هذا ما ح�صل، ولم �أعد �أكترث الآن .ولأنني ال �أومن بالكميات ف��ي الأع �م��ال الإب��داع �ي��ة ،فقد ن�شرت �صفوة ق�صائدي في المجموعتين اللتين ذكرتهما في �س�ؤالك. الم�س�ألة �شخ�صية!..
● ●�أن يكتب �شاعر «م��ا» رواي���ة �أو عمل �سردي، لم يعد �شيء غريب ،فهذه الحالة �أ�صبحت منت�شرة ف��ي ال�����س��اح��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة ال��ع��رب��ي��ة، فمن الكتّاب مَن يرف�ض و�صف هذه الحالة ب��ال��ت��ح��وّل ،ب���ل ي��ع��ده ت��وا���ص�لا طبيعيا بين ف�ضاءات الكتابة ،ومن حق ال�شاعر �أن يح�ضر في �أي ف�ضاء �إبداعي؛ و�إن هذه الحالة لي�ست بالجديدة على ال�����ش��اع��ر ..ومنهم مَ��ن يرى �أن��ه��ا ع��ق��دة الت�صنيف ،ول��ه��ا �سلبياتها التي تعاني منها ال�ساحة الثقافية ،ال�شاعر علي بافقيه ،ماذا يقول؟
�أ�ستطيع فقط �أن �أقول �إن ال�ساحة الأدبية مبعثرة �إلى حدٍّ كبير ،وتطغى عليها المزاجية ،وال�شطارة االجتماعية ،والعالقات العامة ،والعالقات ال�صحافية.. كتبت كثير ًا وب�شغف في �أواخر ال�سبعينيات ،ولكنني لم �أ�ضع ق�صائدي تلك في كتاب ،ولم �أحتفظ بها؛ ب�سبب و�ضعي الأكاديمي الم�ضطرب ،و�شخ�صيتي النافرة.. اكت�شفت اللغة ال�شعرية الجديدة في التفعيلة وبع�ض ق�صائد النثر ..بعد ق��راءات وتجارب كثيرة في الحياة والفكر ،ومن بين �أه��م تجاربي زياراتي للكويت ،وجلب الكتب ال�شعرية والفكرية التي كنت �أقر�أ �أو �أ�سمع عنها وال �أراها 76
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
ال�شاعر محمد الماغوط
بدر �شاكر ال�سياب
والق�ص بطبيعته ّ ρ ρهناك مَن يميل �إلى ال�سرد ال�شخ�صية ،وهذا ما يجعله ميا ًال �إلى الأعمال ال��روائ�ي��ة رب�م��ا ،ول�ه��ذا يبدو ل��ي �أن الم�س�ألة �شخ�صية ب��ح��ت��ة ،ف�لا غ��راب��ة ف��ي �أن يكتب �أي �إن�سان بالطريقة التي ي��راه��ا ،والأدوات الإب��داع�ي��ة التي يجدها مالئمة للتعبير عن تجاربه ومكنوناته.
ال��ح��ال��ي ،و���ش��ع��ر الأم����م الأخ�����رى ،ل��ن تجعل ك��ف��ة ال��م��ي��زان تميل �إل���ى ���ص��ال��ح��ن��ا .ن��ح��ن ال ن��زال مكبّلين ب�أغاللنا» ،فكان رد المقالح: « ...لكنني ال �أتردد عن القول ب�أن في �شعرنا المعا�صر ن��م��اذج ت�����س��اوي �إن ل��م تتفوق على بع�ض ن��م��اذج مما ق��ر�أن��اه م��ن �شعر عالمي، و�أرى �أن الأحداث التي م َّر بها ال�شعراء العرب الحقيقيون قد �صهرت �أرواح��ه��م ،وجعلتهم ي���ق���ت���رب���ون ك���ث���ي���راً م����ن ال��م��ع��ن��ى ال��ح��ق��ي��ق��ي لل�شعر» ..ما ر�أيك؟ ρ ρح���س��ب � �س ��ؤال��ك ،ف� ��إن ��س�ع��دي ي��و��س��ف ي��رى �أننا مكبّلين ب�أغاللنا ،لهذا لن تميل الكفة ل�صالحنا بالمقارنة مع �شعر الأم��م الأخ��رى. و�أعتقد �أن مع�ضلة الأغ�لال لها عمق ودالالت كثيرة ،ف�أغاللنا ،نحن العرب ،كثيرة ج��داً، بل �إنها متنوّعة ،وذات مخابىء �سحيقة تنهمر على ال�شاعر من كل ناحية لكي تغلّه .وهذه ناحية منطقية� ،إلى درجة �أن معظم ال�شعراء العرب �أغالله موجودة في داخله ،وفي الوعيه،
عمل كتابي ال �أعرف ت�صنيفه!..
● ●هل لك تجربة مع كتابة الرواية؟ �ρ ρأتمنى ذلك ،..و�إن ح�صل �شيء من هذا القبيل لا كتابيا ال �أع ��رف ت�صنيفه، ف�سيكون ع�م� ً ولكنني �أ�ستبعد �أن يكون رواية. ● ●في حوار لي مع ال�شاعر عبدالعزيز المقالح، �س�ألته ع��ن م��ا قاله ال�شاعر �سعدي يو�سف، �أي�����ض��ا ���ض��م��ن ح����وار ل���ي ك���ان م��ع��ه� ،إذ ق���ال: «�إنني متحم�س للعربية و�شعرائها ،و�أعتقد �أن ال�شعر ،فن ي�ؤخذ بالجد ال�لازم من لدن ال�شعراء ال��ع��رب ،لكن المقارنة بين �شعرنا
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 77
وف��ي الوع��ي المحيط االجتماعي �أو الثقافة االجتماعية ال�سائدة. بع�ضها �شعر وبع�ضها لون �أدبي
● ●«ق�صيدة النثر ل��ون �أدب����ي ..ولي�ست �شعرا»، هذه مقولة «�أحياها» الأ�ستاذ الأدي��ب محمد العلي في �إحدى مقاالته ،ما ر�أيك؟ ρ ρق�صيدة النثر تختلف من ق�صيدة �إلى �أخرى، ومن �شاعر �إلى �آخر ،ومن �شظيّة �إلى �شظيّة؛ بع�ضها �شعر وبع�ضها ل��ون �أدب����ي ،وال تن�س الأغ�لال التي ذكرناها في �س�ؤال �سابقِ .قلّة فقط م��ن ال�شعراء والمثقفين ال �ع��رب ..هم اال في ال��ذي��ن ك�شفوا وواج �ه��وا ب �ج��ر�أة �أغ �ل� ً داخلهم وخارجهم.
78
لنف�سها ،وبخا�صة في هذه الأيام ال�صعبة� ،إذ الدمار والتخلف ماثالن �أمام �أعيننا في البلدان العربية .ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية من �أهم ميزاتها �أن البالد �شا�سعة مترامية الأط��راف والثقافات ،وه��ذا ي�ضفي تنوّعا وتعدّدا يُثري العملية الإبداعية ،وربما يجعلها قابلة لإحداث نقلة في اللوحة ال�شعرية ..مثلما حدثت نقلة مباغتة لم تكن متوقعة في الرواية المحلية. لم يحن الوقت
● ●ل��ي�����س ه��ن��اك �أث����ر وا����ض���ح ع��ل��ى م�����ض��م��ون �أو �شكل الخطاب الإب��داع��ي ،ف��ي ظ��ل التغيرات ال�سيا�سية واالقت�صادية التي ي�شهدها العالم العربي في ال�سنوات الأخيرة ،بر�أيك ما �سبب غياب الأثر؟ ال�ساحة الأدبية مبعثرة �إلى حدٍّ كبير ρ ρربما ل��م يحن ال��وق��ت لظهور ولمالحظة �أث��ر ● ●تطفو ع��ل��ى ال�سطح االت��ه��ام��ات ب��ي��ن الناقد الأحداث واال�ضطرابات القائمة الآن في العالم والمبدع« ،النقد ال يواكب الحركة الإبداعية»، العربي على الأعمال الإبداعية. «غياب الن�ص الإبداعي الجاد الذي ي�ستحق �أن يقر�أ» ..هل تن�صف طرفاً على الآخر؟ لم يفاجئني �س�ؤالك ρ ρال .ال �أ�ستطيع �أن �أن�صف طرف ًا على الآخ��ر● ● ،ال�����ص��ح��اف��ة ج���ذب���ت ال��ك��ث��ي��ر م����ن الأ����س���م���اء وذل��ك لأن �أدوات الإن���ص��اف غير م��وج��ودة. الإبداعية� ..ألم تكن مغرية لك؟! ولماذا؟ �أ�ستطيع فقط �أن �أق��ول �إن ال�ساحة الأدب�ي��ة ρ ρالعمل في ال�صحافة من التجارب التي ندمت مبعثرة �إلى ح ٍّد كبير ،وتطغى عليها المزاجية، �أنني لم �أخ�ضها ،ولهذا لم يفاجئني �س�ؤالك. وال���ش�ط��ارة االجتماعية ،وال�ع�لاق��ات العامة جاءتني فر�صة في الدمام �أيام الجامعة ،و�أكثر والعالقات ال�صحافية ..وما �إلى ذلك .وهنا من فر�صة في الريا�ض بعد التخرج� .أذك��ر ال �أقول جديداً ،فهذا �أمر ال ينكره �أحد ..فقط �أن الزمالء اقترحوا عليّ زاوية في الجزيرة، بالنوع �أتمنى من الأ�ساتذة والزمالء �أن يكترثوا وعندما دخلت مكتب الدكتور �إبراهيم التركي، بعيداً عن الأ�سماء وال�صفات. تناول �أوراقي من يدي ،و�أخذني �إلى مكان خلف المكتب ،به طاولة �صغيرة م�ستديرة ،و�ضع عليها الدمار والتخلّف ماثالن �أمام �أعيننا!.. كومة من الورق ،و�أ�شار �إليّ كمن يقول :عليك ● ●هناك ت�صنيف يقيّم ال�ساحات ال�شعرية من بها ،لم نتكلم ،كان الرجل لطيفا معي� ،سوف بلد �إلى �آخر ...فمثال ،هناك �شعراء ي�صنفون ي�ساعدني لو قلت له �إنني �صفر في ال�صحافة �ساحاتهم ب�أنها الأك��ث��ر ت�ألقا وج��د ِّي��ة ،كيف والعالقات العامة ،لكنني خ�سرت التجربة، تقيّم ال�ساحة ال�شعرية ال�سعودية؟ وخ�سرت الرجل النبيل .قلت في نف�سي :يبدو الرجل �إداري ًا ناجح ًا و�أنا �أبدو �صعلوك ًا نافراً، ρ ρلي�س م��ن �صالح �أي �ساحة �أن تكيل المديح اجلوبة � -شتاء 1436هـ
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
وع ��دت �إل ��ى طريقتي نف�سها� ..أر� �س��ل ن�ص الزاوية بالفاك�س ،وال �أزور ال�صحف ،وال �أعرف ل�م��اذا .م��رة ،قبلها ب�سنوات كثيرة ،لم يكن ال�صديق ال�شاعر محمد جبر الحربي وا�ضح ًا عندما قال لي في مكتبه في اليمامة :هم �سبعة و�أنا �أ�شتغل لوحدي .كان يق�صد ثقافة جريدة الريا�ض� ،إذ كانت لي زاوية �أ�سبوعية �أيامها، عام 1986م .ولكن لو عر�ضت عليه الم�شاركة، لجربت نف�سي ،وتعلمت �شيئا منه ومن الزمالء هناك ،وال �أن�سى �أن محمد الحربي وخديجة العمري كانا �أول من زارن��ي عندما تخرجت وعدت من البعثة ،وكانا يرا�سالنني وين�شران ق�صائدي بين عامي 1980م و1986م ،هذه من �أخطائي الكثيرة ف�أنا من كبار الخطّ ائين كما هو معروف. الروابط والأخبار والمواقع
● ●ما المواقع التي تحر�ص على زيارتها على ال�شبكة العنكبوتية؟ ρ ρل��دي مجموعتان على ب��ري��دي الإل�ك�ت��رون��ي، ت�صلني من خاللهما الكثير من المعلومات والكتابات والروابط والأخبار والمواقع. في م�ستودع كان في الأ�صل مطبخا!
● ● ..هل لنا �أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟ ρ ρكانت �أمي -اهلل يرحمها -تقول �أنت تعي�ش على الورق ..عندما جاءتني البعثة �أخذوا كتبي من مكانها وو�ضعوها في م�ستودع كان في الأ�صل مطبخا ،ثم انتقلوا بعد فترة �إلى جدة وتركوها للعثة! معظم كتبي ف��ي الأدب وال�ف�ك��ر .في ال�سابق ،كان ال�سفر يعني الكتب ،وكانت العودة بالكتب مغنم ًا عندما تتخطى المداخل ،وعيد ًا عندما ت�صل البيت ،وتتكئ �إلى الجدار .الآن لم �أع��د �أهتم بت�صفيف الكتب والتحديق في وجوهها الحميمة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 79
�شاعر ي�صعب و�صفه!.. «من �أين جئتِ �إلى البال؟ ِ�شا�ش كيف �أقامتْ طيورُك هذي الع َ ب�أ�شجاريَ النائية؟» ■ م�سفر الغامدي
ال يتو�سل علي بافقيه ،في تجربته الفريدة ،اللغة �أو الق�ضايا الكبيرة، كما حدث مع معظم �أبناء جيله ،بل يحاول -كما في المقطع ال�سابق- �أن يالم�س الق�صيدة الحقيقية، مجردة من كل الر�شاوي اللغوية �أو الأيدلوجية .كثيرا ما يكتب ق�صيدة تتكئ على ذاتها فح�سب ..يكتبها أجو�س في ب��روح الخزاف القلقُ � « : الطين �أغ ��دو خالق ًا قلقاً /ك�أنما الطينُ من خالق ِه انفطرا» .يكتبها بطموح المبدع الذي يحاول �أن ي�صل �إلى درجة ي�صعب فيها و�صفه� « :أ�صفو /و�أ�صفو /في�صعب و�صفي» .لي�ست الم�س�ألة هنا حذلقة لغوية مجانية ،بل هي تعبير عن هاج�س يراوده على الدوام: درجة الكمال في الكتابة. بافقيه الذي (ي�صعب و�صفه) �شاعر (يمتلئ بالغرفة) التي يراقب منها العالم ،لم تعد الغرفة غرفة بل �أ�صبحت العالم ب�أ�سره .يحاور التبغ ويدّعي �أن حرفه �صغير في موازاة الدخان الذي يبكي. هو لي�س �صغيرا كما يقول ،لكن طبيعة النحّ ات الذي ي�سكنه ،تريده دقيقا وال يفي�ض عن الحاجة �أبدا .النحّ ات الذي خلق ليزيح الركام ،وليبحث عن جوهر الأ�شياء ،ال يريد لكلماته �أن تكون عالة على الحياة ،بل �سببا من �أ�سبابها.
80
حين ال يكون فينا� ،شاعرا يوا�صل نحته�« ،سيره و�أ�سئلته» ،زهده في الثرثرة واال�ستعرا�ض« ،ف�أي هواءٍ يكون هواءً؟ /و�أي حياة /تكون الحياة» اجلوبة � -شتاء 1436هـ
«�شاعر غابر في جزيرة العرب يغاوي الجن وي�ساهرهم ثم ينام جنب ناقته غاط�سا في الأوهام»... والمفارقة الكبرى� ،أن هذا ال�شاعر يعي�ش ،وحيدا ،في الم�ستقبل!
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
ال�شاعر الذي عا�ش وحيدا في الم�ستقبل
■ عبدالعزيز اخلزام
هذا ال�شاعر الكبير ،ال��ذي يعي�ش وحيدا ومحت�شدا وخارجا عن الم�ألوف� ،سيتذكره التاريخ الثقافي في البالد ،بو�صفه كذلك، واح��دا م��ن �أه��م الكتاب ال��ذي��ن عملوا على ت�صحيح الم�شهد وتخلي�صه م��ن الأوه ��ام وجعله �أك�ث��ر و��ض��وح��ا� .إن�ن��ا �أم ��ام ك��ات��ب «ال يكفُّ عن ت�أمل ذاته وت�أمل العالم من حوله». وطوال معرفتي بهذا الفنان الكبير ،ف�إنني لم �أجد من هو �أكثر منه اهتماما بتردّي ال�سلوك العام وت�شوّهه لدى المجتمع .و�أنا �شخ�صيا قمت بتحرير العديد من الملفات ال�صحافية عن «ال�سلوك العام» في «البالد» و«عكاظ» بعد �إلحاح كبير ومتكرر منه؛ �إذ كان يمنح هذا المو�ضوع النقطة العليا من االهتمام ،وكانت لديه �صرخة عظيمة يريد �أن ت�صل �إلى الجميع� .إنه كاتب �صادق ،ويحمل همّا حقيقيا .وحين يرى كثيرون �أن ال�شاعر علي بافقيه هو من �أهم ال�شعراء الذين كتبوا �شعرا حديثا في المملكة ،ف�إنني ،من زاويتي ال�صحافية� ،أعتقد �أن بافقيه هو �أي�ضا واح ٌد من �أهم الذين كتبوا المقالة ال�صحافية في المالحق الثقافية ،لكن هذه التجربة ،للح�سرة ،لم ي�ش�أ لها اال�ستمرار ،ربما ب�سبب عدم �إتقانه للعالقات العامة ،لتخ�سر ال�ساحة المحلية واحدا من �أقدر الكتاب و�أكثرهم وعيا في مناق�شة «الرقع» المظلمة التي تحيط بنا من كل �صوب. اجلوبة � -شتاء 1436هـ 81
علي بافقيه منذ الخام�سة ع�شرة!.. ■ علي بافقيه
و�إيابا .مدار�س الفالح ال�شهيرة ..حيث النظام ال�صارم وح�صة المكتبة ،وا�ستعارة الكتب، وكذلك ال�شيخ محمد ن��ور �سيف ال��ذي يجعل ح�صة المواد الدينية ممتعة؛ لغرامه بال�شعر وفنون اللغة العربية.
ال�شاعر علي بافقيه في المرحلة الثانوية
82
�أذكر دائما �أنَّ �أمي تحب ال�شعر والغناء و�أبي رحمهما اهلل -كان قليل الكالم كثير الت�أملربما لميوله الت�صوفية؛ هذه نقاط م�ؤثرة .ولكن م��دار���س ال�ف�لاح بمكة المكرمة ،والمكتبات ال�صغيرة التي كانت متناثرة �إلى جانب الحرم ال�م�ك��ي ع�ن��د ال�م���س�ع��ى ،عملت ع�ل��ى ت�شكيلي ودخولي �إلى عالم القراءة في وقت مبكر جداً. لماذا هذه المدار�س رغم بُعدها عن البيت !؟ ك��ان الوالد طالبا في مدار�س الفالح وزميال لل�سيد علوي مالكي رحمه اهلل ،ول��ه��ذا �أ�صر على ت�سجيلي هناك رغم وجود مدر�سة بالقرب من البيت في الحجون ،فكنت �أرك��ب البا�ص �إلى باب �أجياد ،ثم �أم�شي �إلى ال�شبيكة ذهابا اجلوبة � -شتاء 1436هـ
بعد �ساعة مراجعة مع �أحد المدر�سين في ال�ح��رم نخرج للعب .هناك اكت�شفت الكتب والمكتبات ال�صغيرة منذ (راب�ع��ة ابتدائي) هكذا كنا ن�سميها .بد�أت كقرء�آت ع�شوائية.. �أذكر منها �أحد مجلدات عنترة بن �شداد. في المرحلة المتو�سطة اكت�شفت غرامي ب��ال�����ش��ع��ر ،و���ش��ارك��ت ف��ي الإل���ق���اء ف��ي �إح���دى المنا�سبات بالمدر�سة� .صادفت ف��ي جريدة الندوة حوارا من �ضمنه اقتراح لل�شعراء ال�شبان ب��ق��راءة المعلّقات وال�شعر العبا�سي و�شعراء المهجر ،وذكر عددا من الكتب منها :جواهر الأدب ،ودي��وان �أبو القا�سم ال�شابي ،وعمر �أبو ري�شة ،و�إي�ل�ي��ا اب��و ما�ضي ،وغ�ي��ره��ا .ف��ي هذه اللحظة عرفت مكتبة الثقافة �أ�شهر مكتبات م�ك��ة ال�م�ك��رم��ة ،ث��م ع��رف��ت مكتبة ف��ي القبة (منطقة جنوب حارة الباب) تبيع كتبا رخي�صة وم�ستعملة� ،أذكر كتاب �أمراء ال�شعر العربي في الع�صر العبا�سي لأني�س المقد�سي ،وهو كتاب ر�صين ..به درا��س��ات ومختارات لثمانية من
كنت في الخام�سة ع�شرة وفي ال�سنة الأولى الثانوية -لم يكن نظام الف�صلين الدرا�سيين معموال به حينها -عندما طلبت من المدر�س ا�ستعارة رباعيات الخيام من المكتبة .اعتذر.. ولكنه جاءني فيما بعد بدفتر كتبه بيده وقال: (رجّ عه بكرة)� ،أفرغت الدفتر كله بيدي على دفتر جديد لكي �أعيده في اليوم الثاني .في تلك المرحلة كنت �أكتب و�أقر�أ ،عمر �أبو ري�شة� ،إيليا �أب��و ما�ضي ،ن��زار قباني ،والملحق الأدب��ي في الندوة وعكاظ ،و�أ�ضع ع�شرة رياالت في البريد �أر�سلها �إل��ى بيروت لكتاب �أو كتابين .جاءني منها مجموعة (�أزهار و�أ�ساطير) لل�سياب على عنوان مدار�س الفالح ،مكة .بعدها جاء م�سئول الإعالم ال�شاعر محمد عبدالقادر فقيه -والد وزي��ر العمل المهند�س ع��ادل فقيه� -إل��ى �أب��ي وق��ال :كنا نظنه مدر�س ًا في الثانوية ،و�أعارني بع�ض الكتب القيمة-رحمه اهلل -ولكنني توقفت عن الطلب بالبريد خجال منه. في الثاني الثانوي وجدت نف�سي في الف�صل الدرا�سي للق�سم العلمي� .أح��د الزمالء قالها مبا�شرة �( :أنا ما �أبغى الق�سم العلمي)� ،أجابه المدر�س ب�أن المدير اختاركم للعلمي ،ومن �أراد الق�سم الأدب��ي فليذهب �إلى المدير لت�سجيله.. �أنتم مخيرون� .أُ�سقط في يدي .كنت منده�شا
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
�شعراء تلك المرحلة .هذا الكتاب �أو�صلني �إلى المتنبي و�أبي العالء المعري و�أبي نوا�س ،وبقيت مغرم ًا ب��أب��ي القا�سم ال�شابي وج �ب��ران خليل جبران الذي كنت �أدور حارات مكة للبحث عن كتبه التي �أراها على الغالف.
ومحتارا هل �أذهب للأدبي!!؟ وبقيت منده�ش ًا �إلى اليوم .ال �أن�سى ف�ضل ال�سيد محمد ر�ضوان، مدير مدار�س الفالح عليّ ،فهو ال��ذي دفع بي للق�سم العلمي ،فبعد ث�لاث �سنوات �أ�صبحت طالبا في كلية البترول والمعادن في الظهران ال �ت��ي ه��ي الآن ج��ام�ع��ة ال�م�ل��ك ف�ه��د للبترول والمعادن. في الظهران ول��دت من جديد .ذهبت �إلى الكويت با�ستمرار من �أج��ل الكتب .في بداية الأمر ..كانت هناك كتب بالبال ،و�أ�سماء �شعرية، بحثت عنها وقر�أتها مثل :ال�سياب� ،أدوني�س، محمود دروي ����ش� ،أم��ل دن�ق��ل� ،سعدي يو�سف. �أع ��دت كثيرا ق ��راءة �أغ��ان��ي مهيار الدم�شقي لأدوني�س ..ثم في حفلة لطالب الجامعة وقف ال�شاعر علي الدميني على المن�صة وقر�أ ن�ص ًا عنوانه (ق�صيدة حب �إلى فتاة غامدية) ..كانت ق�صيدة مذهلة ،لغة �شعرية ج��دي��دة طازجة ومتدفقة ،بعدها عرفت علي الدميني ال�شاعر والإن�سان. ك��ان��ت م��رح�ل��ة ث��ر َّي��ة ب �ح��ق ،ق� ��راءة وكتابة و�صداقات ،فقد عرفت خاللها مجموعة من كتّاب المنطقة ال�شرقية ..منهم عبدالعزيز م�شري ،وجبير المليحان ،ومحمد الدميني، ومحمد عبيد ال�ح��رب��ي ال��ذي ك��ان زميلي في الجامعة؛ وتعرفت �إلى زمالء الن�شاط الثقافي الجامعي ،وب��د�أت الن�شر في مجالت الجامعة، وملحق جريدة اليوم الأدب��ي نحو عام 1974م. ربما ارتكبت خط ًا �أنني لم �أخ�ض تجربة العمل في ال�صحافة ،رغم �أن الفر�ص كانت �سانحة في
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 83
الدمام وفيما بعد في الريا�ض. تدهور �سجلي الأكاديمي .فكنت �أم��ام �أحد خيارين� :إما �أن �أحوّل �إلى كلية الآداب بجامعة الملك �سعود� ،أو �أن �أترك هذه الفو�ضى الجميلة الغائرة في طبعي التي كنت غارقا فيها و�أنكب على الهند�سة ،فذهبت �إل��ى الخفجي للعمل والقرب من المكتبات في الكويت وعلى �أ�سا�س ابتعاث �إل��ى ال�ي��اب��ان ،ث��م ع��دت �إل��ى الجامعة و�أقفلت �سجلي الأكاديمي ،و�أ�صبحت موظفا في الم�ؤ�س�سة العامة للكهرباء في الريا�ض .على وعد ببعثة لإكمال درا�ستي الجامعية والح�صول على تخ�ص�ص في الهند�سة المدنية ..وهذا ما ح�صل. بعد �سنتين في بو�ستن ب�أمريكا ،وقع اجتياح بيروت ،فخرجت من عزلتي ..و�شاركت الطالب العرب في فعالياتهم وتظاهراتهم ،كانت تجربة ف��ري��دة وث��ر َّي��ة ،بعدها ح�ضرت ع��دة جل�سات التحاد الطالب الفل�سطينيين بمعية �صديقي و�أ�ستاذي �أحمد الربعي ال��ذي كان يعد ر�سالة الدكتوراه في جامعة هارفارد �أيامها ،ولكنني بعد ح�ضور اجتماعين �أو ثالثة ..الحظت العداء ال�سافر بين �شباب منظمة فتح و�شباب الجبهة ال�شعبية فتركتهم لتناحرهم وع��دت لعزلتي. كتبت عدة ق�صائد في بو�ستن منها (الخزاف)، و(الم�سافة) ،و(�أ�شجار � :أوراق الحالج ،بيروت 1982م) ،الأخيرتان ن�شرتا في مجلة اليمامة التي كنت م�شتركا بها وت�صلني با�ستمرار.
84
ال�صيخان �إل���ى الأ���س��ت��اذ ع��ب��داهلل ن���ور ال��ذي عانقني ك�أنه يعرفني منذ �سنين ،وقال :يجب �أن تجمع ق�صائدك في كتاب ،ومن خالل ال�صيخان تعرفت �إلى بقية المجموعة الرائعة في الريا�ض، الذين جميعهم دفعوا بي �إلى الن�شر في ال�صحف. عر�ض علي �صالح ال�شهوان و�صالح الأ�شقر كتابة زاوية للملحق الأدبي بجريدة الريا�ض ،وخطر ببالي ا�سم (لوجه العا�شقة) ولكنهم اقترحوا “ال�ضفة الثالثة” فحذفت التعريف ون�شرت ال��زاوي��ة الأ�سبوعية (�ضفة ث��ال�ث��ة) 1986م، واتخذت ا�سم “لوجه العا�شقة” عندما عر�ض علي �صديقي وعديلي فهد العتيق الكتابة لمجلة الجيل ،وفي عام 2000م و2001م ،كتبت زاوية (منازل) ن�صف �شهرية لملحق جريدة الجزيرة الثقافي.
�صدرت مجموعتي الأولى “جالل الأ�شجار” �أواخر 1993م ،وكنت قد تخل�صت من ق�صائدي القديمة التي كتبتها قبل االبتعاث عام 1980م، ن�شرت بع�ضا منها في ال�صحف ..ولكنني لم �أحفظها ،ال �أعرف �سببا لعدم اكتراثي بالن�شر في تلك المرحلة ،في عام 2007م ،كانت لديَّ مخطوطة مجموعة �شعرية ،وفي لقاء ب�إذاعة الريا�ض �أتيت على ذكرها مع ال�صديق ال�شاعر عبداهلل الو�شمي فاقترح طباعتها .وتم االتفاق ع�ل��ى ط�ب��اع��ة ال�م�ج��وع�ي�ت��ن الأول� ��ى وال�ث��ان�ي��ة، و�صدرت المجموعتان في كتاب واح��د بعنوان (رقيات يليه جالل الأ�شجار)عن طريق النادي عندما عدت من �أمريكا زرت مجلة اليمامة ،الأدبي بالريا�ض والمركز الثقافي العربي بيروت ومن هناك انطلق بي ال�صديق ال�شاعر عبداهلل عام 2007م.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
محاولة لر�صد مداخل الكتابة
■ �إبراهيم احلجري -ناقد من املغرب*
ي �ع � ّد ال���ش��اع��ر ع�ل��ي ب��اف�ق�ي��ه م��ن ال���ش�ع��راء المميزين ف��ي التجربة ال�شعرية الحداثية، بالرغم من قلة المنجزات التي �أ�صدرها؛ نظرا للم�سته الفنية الراقية التي يلتقط بها لحظاته ال�شعرية ،والأ�سلوب العذب والأنيق في مداعبة ال�صور والأحا�سي�س المتدفقة في زمن تحجّ رت فيه ال �م ��آق��ي ،وت��آك�ل��ت فيه القيم الإن�سانية الجميلة ،مقابل التّهافت على تلبية الغرائز والماديّات اال�ستهالكية المفرطة. ظ� ّل علي بافقيه متم�سكا بجمالية الكتابة ال�شعرية الأ�صيلة ،وخ�صو�صيات الق�صيدة العربية المتناغمة مع �أهدافه وغاياته الإن�سانية والتوا�صلية من الكتابة� .إذ لم تجرفه الحداثة الهدّامة لمورفولوجية الأجنا�س الأدبية ومنها ال�شعر ،ول��م ترقه اال�ستكانة �إل��ى المرجعيات الثابتة والهيروغليفيات الم�سكوكة التي تحنط الكتابة ،وتربطها بحبال متما�سكة من الوهم. وبات ينتقي لب�صمته الأدبية ما بين هذا وذاك، منقبا عن الجمال حيث كان ،من دون خلفيات م�سبقة وال �إي��دي��ول��وج�ي��ا م��وجِّ �ه��ة ،وال �أح�ك��ام �سابقة لأوان �ه��ا؛ فهو ت��ارة يعود �إل��ى الق�صائد العربية القديمة التراثية ،م�ستعينا ب�أدبياتها الخ�صبة ،وم�ضيفا �إليها م��ن معين �إن�صاته للحداثة ال�شعرية العربية والعالمية ،وم�ضمّنا لها �أحا�سي�سه ك�إن�سان ينتمي �إلى جوهر الع�صر، وك�شاعر مت�شبّع بروح الإن�سان الرّاهن ،ملتهب تق�ض م�ضجع الب�شر بنار الأ�سئلة الحارقة التي ّ في زم��ن عولميّ ال يهادن وال يجارى ب�سرعته ومخترعاته التي تفاجئ العالم ،وتغزو الب�شرية من دون ا�ستئذان ،جارفة معها معطيات ،ومبدّلة
لأخرى ،ومزعزعة لثوابت ،ونا�صبة لقيم جديدة ت�سايرها وتناغم ن�سقها .لكن ما يميز �صوت هذا ال�شاعر؛ هو �أنه بات متم�سكا بالأ�صيل في التجربة ،وبالراقي في الأحا�سي�س ،وبالجميل من الأ�شكال الإ�ستطيقية. -1المرجعية ال�شعرية ينهل ال�شاعر ال�سعودي علي بافقيه من معين مرجعيات متنوّعة ،فهو ي�سعى �إلى �إعطاء زخم مرجعيّ لمحكياته ال�شعرية ،ويرفدها بكل ما يغذّيها من تجارب �شعرية عربية تخترق الأزمنة� ،سواء على م�ستوى ال�شكل الذي يتدفق فيه المعنى� ،أو على م�ستوى المعاني والثيمات نف�سيهما ،فنحن ال نلفي ال�شاعر يقد�س نموذجا واح��دا ،وال يحر�ص �أب��دا على الوفاء لمرجعية معينة� ،إذ يجعل الإبداع الإن�ساني برمته جنانا ف�سيحا لخيله التي ال تهادن التجربة .وبذلك ا�ستحقّت تجربته ال�شعرية هذا التنوّع واالنفتاح واالنتهاك ال��ذي يجعلها ال تخل�ص �سوى لقيم الجمال والإن�سان ،وتتجاوز ما دون ذلك .فلي�س ال�شكل هو المهم بالن�سبة �إليه ،وال حتى الكتابة نف�سها �إذا ما لم تحترم قيم الب�شرية وت�سمو بها ،وتنافح عنها ،وتحوطها بالعناية .لذلك نلحظ ب�أنه حتى في حالة توزيع ال�سواد والبيا�ض على ال�صفحة له ما يبرره في قوانين الق�صيدة ال�شعرية ،ذلك �أن اكت�ساح ال�سواد يبرز الموقف االنفتاحي ،والحاجة �إلى ملء الزمان والمكان ب�أ�شياء خارج الذات ،كما يبرز فراغا داخليا يتم التعبير عنه؛ وعلى العك�س من ذلك ،يعد اكت�ساح البيا�ضات لل�صفحة ت�أكيدا للموقف االنطوائي
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
التجربة ال�شعرية لدى ال�شّ اعر ال�سعودي عليّ بافقيه
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 85
86
والحاجة �إلى الوحدة و�إلى زمان ثابتين تملأهما �أ�شياء نابعة من الذات(.)1 فعلى م�ستوى المرجعيات الخا�صة بال�شكل ال�ف�ن��ي �أو ال�ق��ال��ب ال ��ذي ي���ص��بّ ف�ي��ه �سيولته الم�ضمونية ال�شعرية؛ فقد اختار التنويع بين النموذج ال�شعري القديم متمثال في الق�صيدة الهيكلية العربية المنبثقة ع��ن معيار عمود ال�شعر -كما حدده المروزقي على هام�ش �شرحه للمعلقات ال�شعرية العربية -فكتب ق�صائد ع��م��ودي��ة ت��ق��وم ع��ل��ى ن��ظ��ام ال��ب��ح��ر ال���ش�ع��ري، وال���ش�ط��ري��ن ،وال� � ��راوي ،وال �ق��اف �ي��ة ،وال�ع�ل��ل، والزحافات ،ونظام الم�شابهة الموزِّع للعالقة بين الدّال والمدلول والم�شبّه والم�شبه به؛ لكنه ا�ستدمج في ه��ذا الهيكل ال�شكلي مقت�ضيات الحداثة ،ومقوّمات ال�سياق؛ بمعنى �أن��ه كيّف ال�شكل مع ال�سيّاق التداولي ال�شعري ،وجعله قادرا على م�ساءلة معانٍ محايثة ومعاي�شة؛ ولع ّل الغاية من ذلك ،هي مخالفة الأ�صوات ال�شعرية العربية المتمردة التي فهمت الحداثة ال�شعرية على �أنها قفز على عمود ال�شعر وال�شكل ال�شعري القديم ،مدّعية �أنّ النّموذج التقليديّ الأ�صيل م��ا ع��اد ق ��ادرا على �أداء ر�سالته ف��ي الع�صر الحديث ،وما عاد ق��ادرا على ا�ستيعاب �أ�سئلة ال�شعراء والنا�س في الزمن الحالي .ولكي يبيّن �أنّ هذه النظرة هي نظرة قدحيّة ال �أ�سا�س لها ال�صحة ،بل هي مجرد انتهاك للأ�صول من ّ و�أقانيم الهويّة ال�شعرية العربية ،اقتدا ًء �أعمى ْ��ر���ض ق�صائده ب��ال��ن��م��وذج ال��غ��رب��يّ ،ف���راح ي��ق ُ وفق معيار العمود ال�شعريّ ،م�ضمّنا �إياها كل مقومات الع�صر؛ فك�أنك �أمام �شاعر من الع�صر الأمويّ �أو العبا�سيّ �أو ع�صر النه�ضة يعي�ش في الزمن الحالي ،فكانت ق�صائده الجميلة تجمع بين �أ�صالة القديم وحداثة الق�ضايا والأ�سْ يقة. �أم��ا على م�ستوى الثيمات الم�ست�ضمرة في اجلوبة � -شتاء 1436هـ
الق�صيدة ال�شعرية ،والتي تلمح �إلى المرجعية ال�شعرية العربية القديمة ،ف�إنه ي�سهل علينا ال��ع��ث��ور ع��ل��ى ب��ع�����ض ال��م���ؤ���ش��رات ف��ي مجموع �شعره ،فعلى �سبيل المثال ،ي�ستح�ضر ال�شاعر م�س�ألة الإلهام ال�شعري التي كانت �سائدة لدى القدامى ،خا�صة ما كان ي�صطلح عليه بـ «وادي عبقر» الذي كانت ت�سكنه توابع ال�شعراء العرب من الجنيين .يقول علي بافقيه:
«كما يت�ضور العا�شق زكما بت�ضور المطعون �أهلكني الت�أمل ك�شاعر غابر في جزيرة العرب يغاوي الجنّ وي�سايرهم ث ّم ينام جنب ناقته غاط�سا في الأوهام» وف�ضال ع��ن ت��ردد �أ� �ص��داء وع��وال��م البيئة العربية القديمة بطقو�سها البدوية ،وقيمها ال�شامخة ،وب�ساطة العي�ش ،وت�شبعها بفنون الأدب والقول ،نجد �أن التجربة ال�شعرية لعلي بافقيه ،تو�سّ ع �أفقها م��ا �أم �ك��ن ،وت�ستح�ضر �أ�سماء وم��راج��ع �شعرية بعينها ،للتدليل على هذه العوالم والق�ضايا ال�شعرية العربية القديمة الأ�صيلة ،مثل ال�شنفرى وامرئ القي�س ،وعنترة العب�سي ...وه��ذا اال�ستح�ضار لي�س م��ن باب الهدر ال�شعري �أو الح�شو ال��دالل��ي ،بل ليذكّر �أجيال الحداثة المعطوبة� ،أنّ الق�صيدة العربية القديمة ب�شكلها المخترق للأزمنة ،ما تزال تحتفظ براهنيتها ،وقيمها الجمالية التي تفوق، في كثير من الأحيان ،ما تزخر به ال�ساحة من ك�لام ع��ادٍ ال عالقة له بال�شعر ،وال يمتلك �أي مقوّم من مقوّمات ال�شّ عرية. وم��ن جهة �أخ ��رى ،نجد �أنّ ال�شاعر يكتب ق�صائد التفعيلة بروح �سل�سة ،وباحترام كبير لتقاليد الق�صيدة الحداثية الحرة ،كما نظر �إليها وقعّد لها الأوائل ،بعيدا عن االنتهاكات النثرية
-2الأنوية الم�ستبطنة يجد المت�أمل لأ�شعار علي بافقيه ح�ضورا م�ستبطنا لروح فردانية عالية ،ذلك �أن الذات تنكتب ،مع مكتوبها على الورق ،ويخرج الكالم الرفيع �شعرا ممزوجا بالم�شاعر والأحا�سي�س. �إذ ت�شكل ال� �ذّات منطلقا ف��ي الكتابة ،وب ��ؤرة التوتر التي تحدِ ث عالم النّ�ص ،متحفزة بعوامل خارجية ،ذل��ك �أن ما يقع في العالم البرانيّ عن ال��ذات؛ ال يكون بمن�أى عن الت�أثير فيها، بال�ضرورة ،يتفاعل مع فال�شاعر ابن بيئته ،وهو ّ ال�سيّاق المحيط به ،يت�أثر وي�ؤثر ،يفعل وينفعل. �إنه ي�سعى �إلى خلق عالم فنيّ قادر على الإيحاء ب�صراعية العالم الخارجي الحا�ضر فيه ،بل اتجاه عالم فني ي�شعرنا بانك�ساره(.)2 ويع ُّد القول ال�شعريّ هنا �أحيانا ،مالذا لدى ال�شّ اعر ،ي�سكب فيه عالمه الجوانيّ ،ي�شكو له، ويم�سح به جراحه الدّاخلية ،فف�ضال عن تيمة الع�شق التي تذوّتُ الخطاب ال�شعريّ ،ف�إن هناك �إ�شارات �أخرى للمعاناة الداخلية لل�شاعر .وهذا
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
الج�سيمة التي تطول بنية الق�صيدة العربية الحداثية التي تفتقد في كثير من جوانبها� ،إلى مقت�ضيات ال�شعرية بقيمها الجمالية والداللية، كما تخلو من كل ما يجعلها رهينة باالرتباط بروح الع�صر و�أ�سئلته .وكذا ي�ستح�ضر ال�شاعر تجارب ومراجع �شعرية حداثية قوية مثل تجربة ال�شاعر الأندل�سي الإ�سباني لوركا ،الذي بات �صوته المُدمى يترنّح في المنجزات الن�صية العربية �شعرا ونثرا ...كما �أنّ ال�شاعر قال �شعره �أي�ضا في �شكل �صيغ ق�صيدة النثر ،ليبرهن لمن يتهمه بالتقليدانية �أنه قادر على الكتابة بو�ساطة كل القوالب والنماذج ال�شعرية المعروفة ،خالقا نوعا من الت�صالح بين ال�صياغة والتيمة ،وبين المتن والمبنى.
الأمر لي�س مق�صورا على ال�شاعر بافقيه؛ بل هو مرتبط �أ�صال بالتجربة ال�شعرية ككل ،التي تعد خطابا جوانيا ،وقوال هجا�سيّا ينبثق عن الفرد- ال�شاعر �أوال؛ قبل �أن ي�ستعير الوجوه ،ويعالج خيبات الآخ��ري��ن ،فهو �أق ��رب الأج�ن��ا���س �إل��ى خطاب ال��ذات ،والبوح ديدنه الأ�صيل ،و�شدوه الجريح. يقول ال�شاعر في هذا ال�صدد:
عرّ�ش الفرح الم ُّر فيّ و�شارف الع ُج ع�شقي م�شارفكم حط طير على القلب ّ حطت نداة وحطت ح�صاة ها �أنا الآن �أ�شعل ناري ال�صغيرة زرقاء زرقاء تبغي �أنا تبغكم والم�سافة �أقرب من مدة في ال�ضلوع». -3التفكير المحايث للتجربة تدخل الكتابة ال�شعرية لدى علي بافقيه في �إطار ما ي�سمّى بالكتابة الواعية التي تجعل من ال�صوغ ،واالنفتاح المعرفة بالخطاب و�أ�ساليب ّ على ال�ع��ال��م وال�م�ع��رف��ة ،وتمحي�ص المواقف وال ّر�ؤى من العالم� ،أ�سّ ًا من �أ�س�س ا�ستراتيجيات الكتابة ال�شعرية .وهذا ين�سجم مع حدود وعيه بطرائق ا�شتغاله الإب��داع��يّ ،فهو يجرّب كافة �أن ��واع ال�خ�ط��اب ال�شعري؛ ع�م��ودي��ا وتفعيليا، ومنثورا� ...ضابطا الم�سافة بين الأنواع ،وواعيا بخ�صو�صيّاتها الم�شتركة وال�ف��ارق��ة ،فحينما يكتب بالتفعيلة تجد �أنه �شاعر حداثيّ مجيد،
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 87
وك�أنه من رواد هذا النوع؛ ولما يكتب بالعمود ال�شعري ،تجد �أنه �شاعر ت�أخّ ر عن زمنه ،ولما يكتب بالنثر تلفي �أن��ه خبير في ه��ذا المجال، وع��ارف بحدود تجليه ،ناهيك عن كونه� ،سواء كتب بهذا الأ�سلوب �أو ذاك� ،أو �صبّ مادة في هذا القالب �أو ذاك ،ف�إنّ روح الع�صر و�س�ؤال الإن�سان تظالن عامال م�شتركا بين �آفاق الكتابة لديه. -4الأنوثة المجازية
88
ي�صنّف المتتبعون تجربة بافقيه ال�شعرية، �ضمن خ��ان��ة ال�شعر العاطفي �أو ال��وج��دان��ي، لإ�سرافه في اتخاذ ال�م��ر�أة مو�ضوعة �أ�سا�سية في الكتابة ،وجنوحه �إلى اختيار الع�شق ن�سيجا مو�ضوعيا م�شتركا بين �أغلب ق�صائده؛ والأمر هنا ال يخلو من تمويه اال�شتغال� ،إذ ال يجب مقاربة الخطاب من هذه الزاوية ال�ضيقة ،فال�شاعر ال يعتمد القول بالت�صريح ،بل بالتلميح ،كما �أنه ال يورد ملفوظا �أو مقولة �إال وفق المقا�س الم َفكّر فيه وبه� ،إذ �إنّ خطابه يرتهن �إلى اال�ستعارة والإحالة والتلميح بدل التقرير والتّ�صريح .وهنا ،ال بد من ت�أويل الخطاب� ،إذ عادة ما تكون «المر�أة» مقولة ا�ستعارية تحت�ضن عالمات وخطابات قيميّة متعددة تُ�ستبطن في تلك المفردة الدالة البراقة خا�صة في ال�شّ عر العالميّ .ناهيك التي لها �إثارة ّ عن مو�ضوعة الع�شق ال�ع��ذريّ ال��ذي ي�ستوحيه ال�شاعر هنا للتدليل على بالغة �صوفية رقراقة، الهدف منها التحفيز على ال�ع��ودة �إل��ى القيم الإن�سانية الرفيعة التي جبل عليها الإن�سان، وتُختَزل هذه القيم كلّها في قيمة «الع�شق» بمعناه ال�سّ امي ،ال بمعناه القدحيّ الذي ي�ستعمل الآن، ف��ي زم��ن ال�م��ادي��ات للتغرير واال� �س �ت��دراج نحو حاجات بيولوجية غريزية� ،إذ �إنّ انهيار القيم كلها؛ يبتدئ من انهيار قيمة المحبة والع�شق في تجلياتهما المختلفة والمتداخلة. اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ويذهب الناقد محمد جميل المذهب نف�سه؛ حينما ي�ؤكد على �أن ال�شاعر بافقيه يقنّع مفهوم «الأن��وث��ة» ويو�سّ عه ما �أم��ك��ن؛ لي�ستعيد مخيال البداوة بكل تجلياته ،ويرمّم ذاكرة قديمة ،من رماد ن�صو�ص تظل تقرع الإن�سانية المفرطة التي تزخر بها �آذان بني الإن�سان ،ويعتقد �أنّ تجني�س النّ�ص ال�شعري لدى بافقيه ،وت�أنيث ن�صو�صه ينطوي على تعالق حميم بين ت�أنيث الن�ص ،وما يقابله من تعبير يحرّ�ض على �شعريّة من�سجمة مع هويّتها؛ حيث الرّقة ،والرّهافة ،وال�شفافية، واللمعان .فال�شاعر ال ير�سم معنى «الأن��وث��ة» كعالقة �إن�سانية �ضمن مفهوم الغزل القريب فح�سب ،ب��ل ي�خ�ت��رق الأن��وث��ة ك�م�ج��از جمالي للحياة ،معبّرا عن �إح�سا�سه ذاك عبر العديد من �أطيافها ،ومعانيها ،و�أ�شيائها في ت�أويل يدمج المعنى المجازي مع معناه الحقيقيّ (.)3 وب�صفة عامة ،يمكن القول �إن ال�شاعر يكثّف مقولة الأنوثة ،ويقتفي �آثار الدالالت المتفجرة من المعاني المتجاورة ،لتكون ،بذلك ،مقولة حاملة لقيم مختزلة موحية ،موظفا ال� ّرم��وز ال��ق��ادرة على �شحن ال���ذاك���رة ،ودع��وت��ه��ا �إل��ى الإف�صاح عن التفا�صيل ال�شّ اردة الم�ستبطنة، وهكذا تكون الق�صيدة �أكثر قدرة على تو�صيل ال �دّالالت المحايثة لمعنى الأن��وث��ة بقناع واحد وتمظهر فريد ،يكثفهما التّرميز ،ويجعل منهما غطاء �سميكا للفتنة(.)4 يقول ال�شاعر:
«�آن لهذا القلب �أن يغني �أو �أن يعود عودا �آن له �أن ير�شق الطريق �أن ير�شق الممر والزميل والبيت والإ�سفلت وال�صديق �آن لهذا القلب �أن يعودا»
-5المتناظرات الخطابية تتناظر الخطابات ف��ي كتابة علي بافقيه ال�شعرية ،فهو يكتب ال�شعر بكل ال�صيغ التي عرفها ال�شعر العربي طيلة مراحل تاريخية: الق�صيدة العمودية ،المرتبطة بعمود ال�شعر، والمطورة له ،ق�صيدة التفعيلة المرتبطة بال�شعر الحر وخ�صو�صياته المعروفة ،ثم ق�صيدة النثر وانتهاكاتها التي قوّ�ضت المعايير ال�سالفة التي �سطّ رها النموذجان ال�سابقان. ويتمظهر �أ�سلوب التناظر �أي�ضا ،بخ�صو�ص الخطابات ال�شعرية ،من خالل التّقابل داخل الديوان نف�سه ،بين الأ�شكال والقوالب� ،إذ ي�صبح العمل ال��واح��د ،مت�ضمنا لأك�ث��ر م��ن �صيغتين، فتتعاي�ش الأ�شكال والنماذج ،وتتجاور .وفي ذلك ر�سالة مغزاها �أن الإ�شكال ال يكمن في النوع �أو �أ�سلوب الخطاب ،بل يكمن في الداللة الم�سكوبة فيه ،وك�أنه ال يعير �أهمية للقوالب وال�صياغات، علما ب���أن الأ�شكال هي الأخ��رى �أ�صبحت دالة في ال�شعرية الحديثة؛ لذلك ،تفنن ال�شعراء في ر�سم لوحات بق�صائدهم طافحة بالتنوع والغنى والمعاني .يقول ال�شاعر ح��ول تجربته في التعدّد الخطابي« :كانت ق�صائدي الأول��ى �أو بواكيري� -إن �شئت -على ال�شكل العمودي.
حم�����������������������������������ور خ��������������ا���������������ص
بع�ض ح ��وارات ال�شاعر ف��ي و�سائل و ُت�ب� ّي��ن ُ الإعالم �أنه واع بطبيعة هذا التوظيف المجازيّ للأنوثة� ،إذ يقول« :ت�أخذ ال�م��ر�أة وتداخالتها وتجلياتها الإن�سانية والأنثوية الجزء الأوفر في مجموعتي ال�شعرية «رق���ي���ات»( ،)5وبخ�صو�ص م �ف��ردات (ال��رق��ة وال��ه��ي��ام واال���ش��ت��ي��اق) ،فهي مفردات الحياة الإن�سانية ال�سويّة ،و�سوف �أبقى و�أم��وت م�شتاقا وهائما .لي�س الأم��ر عذريا... فالمر�أة ام��ر�أة ،والرجل رجل ،كل ما في الأمر �أنني �أتعامل مع ال�م��ر�أة ب�شرا �سويّا ،ح ّب ًا في المر�أة والدفاع عن �إن�سانيّتها(.)6
ن�شرت منها قليال في ال�سّ بعينيات ،ثم اكت�شفت ج��وه��ر ق���ص�ي��دة ال�ت�ف�ع�ي�ل��ة ،وذه �ل��ت بغياهب النّ�ص و�شوارده وتجلياته في ق�صيدة التفعيلة. مجموعتي الأخ �ي��رة ق�صائد تفعيلية �أحيانا، تت�سرّب بينها �أبيات تناظرية (عمودية) .وفي المجموعة الأول��ى( )7توجد ق�صائد نثر»(� .)8إن تناظر الأ�صوات وتراكمها ،واللعب بالكلمات، وت�شاكل التركيب ،ودورية المعنى وكثافته ،وخرق ال��واق��ع ،على �أن ه��ذه الخ�صو�صيات احتمالية تتحقق بح�سب المق�صديّة االجتماعية(.)9 ول��م يقت�صر التناظر ف��ي تجربة ال�شاعر على الخطاب و�أ�ساليب ال�صياغة ،بل يتجاوز هذا الم�ستوى ،ليعرّج على م�ستوى االتجاهات ال�شعرية� ،إذ ي�ق��ول «ك��ان ت ��أث��ري ف��ي البداية وخا�صة ّ بال�شعر العربي القديم والمهجري، �شعر جبران خليل جبران ،ثم �أي��ام الجامعة، بد�أ اهتمامي بال�شعر المعا�صر العالمي والعربي. لم �أحدّد مدر�سة معينة ،غير �أنني كنت معجبا بال�سُّ رياليين في فترة معينة ...هذا �أكثر تدفقا وعفوية عامرة»(.)10 وال بد من الإ���ش��ارة �إل��ى �أنّ التناظر يطول م�ستوى �آخ��ر هو م�ستوى التفاعالت الن�صية، �إذ يتفاعل ال�شاعر مع الحداثة ال�شعرية بقدر ما يعود �إلى المرجعيات التراثية والفلكلورية، فالحداثة تفر�ض نف�سها عليه بحكم �أنه يعي�ش متغيراتها ،و�أما التراث والفلكلور فيقول عنهما: «الفلكلور ب�شكل عام� ،سواء في القرية �أو البادية �أو المدينة في البر �أو البحر به ث��راء التجربة الإن�سانية والإب��داع�ي��ة� .إن الت�شرّب بالفلكلور والتّراث قد ي�ضيف �إلى الن�ص الأ�ساطير التي ب�إمكانها �إث��راء النّ�ص الإبداعيّ �أ ّي� ًا كان نوعه، �إذا كانت مت�سرّبة في خاليا الن�ص ،وفي خاليا المبدع ،ولي�س على �شكل نتوءات .وهكذا ،يمكن ا�ستخدام مفردات البداوة في �أهازيج المدينة. وال نن�سى �أنّ كل المجتمعات الب�شرية كانت في
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 89
يوم من الأيام مجتمعات بدوية»(.)11 �إن ه��ذا ال�ت�ن��اظ��ر ال �ح �ي��ويّ المفعم ب��وع��يٍّ بخرائط الكتابة ،يجعل النّ�ص �أفقا مفتوحا على العالم وعلى �أجنا�س الخطاب ،قادرا على ا�ستيعاب الأ�سئلة الآن�ي��ة المتجددة للإن�سان العربي ال��ذي يتفاعل ،ب�شكل من الأ�شكال ،مع الم�ستجدات التي ت�سكبها الحداثة والعولمة. �إن المعار�ضة التي يقيمها ال�شاعر هنا؛ لي�ست معار�ضة �ساذجة تحاول �أن تتفوّق في ال�شعر فح�سب ،بل هي معار�ضة ا�ستعارتْ �إطارا قديما ما�ض وحا�ضرٍ ، لتبثّ ،من خالله� ،أحكاما على ٍ وتوحي� ،أثناءه ،بتوجيهات .تتحوّل المعار�ضة، بالمعنى الم�ؤ�سّ �س لها هنا� ،إل��ى مختبر فنيّ ، تتالقح فيه التّجارب الفنيّة المختلفة ،وتتبادل خالله ال ّت�أثيرات ،المبا�شرة وغير المبا�شرة، للداللة على العالقة التفاعلية(.)12
خاتمة تتميز تجربة ال�شاعر علي بافقيه بالثراء والتعدّد ،واالنفتاح ،خالقا بذلك� ،صوته الممتد الجذور �إل��ى الما�ضي العتيق ،بقيمه ال�شعرية وف�ضاءاته المتجددة عبر ال��ذاك��رة الن�صية، والم�ست�شرف لآف��اق �أ�سئلة ال�ف��رد والجماعة المتنا�سلتين من رحم التغيير الذي يطول العالم بف�ضل مبتكرات الع�صر ،وت�ب��دل الفل�سفات والإي��دي��ول��وج �ي��ات ،وال�ق�ي��م ال�ت��ي تنتجها هذه العقليات الجديدة. �إن ق�صيدة علي بافقيه بقدر ما ت�ست�ضمر تجربة �إن�سانية فردية وجماعية ،فهي �أي�ضا تُع ّد مخزونا ثقافيا ،لما تزخر به من معطيات تراثية وفلكلورية ،ولما تحمله بين طياتها من ن�صو�ص غائبة ،لتنطبق عليها ت�سمية التّحف الفنية المكتملة ،التي يلتحم فيها الإن���س��ان بعالمه الجواني والبراني ،وبمجاله الجغرافي المتعدد، مبرزا �أثره الفاعل والمنفعل.
(.Tajan, A. et G. Delage: écriture et structure, Payot, paris, France, 1968. P. 127 )1 ( )2يمنى العيد :في القول ال�شعري ،دار توبقال للن�شر ،الدار البي�ضاء ،المغرب ،الطبعة الأولى1987 ،م� ،ص. .166 ( )3محمد جميل �أحمد :علي بافقيه ،مجاز ال�شعر والأنوثة ،الحياة اللندنية ،عدد 7غ�شت 2007م. ( )4المرجع نف�سه. ( )5علي بافقيه :رقيات ،مجموعة �شعرية ،الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الأولى، 1993م. ( )6حوار �أج��راه مع ال�شاعر علي بافقيه ال�صحفي فتح الرحمن يو�سف ،في جريدة ال�شرق الأو�سط ،العدد ،11034بتاريخ 12فبراير 2007م. ( )7علي بافقيه :جالل الأ�شجار ،مجموعة �شعرية ،النادي الأدبي بالريا�ض والمركز الثقافي العربي ،بيروت، لبنان2007 ،م. ( )8حوار مع ال�شاعر علي بافقيه� ،سابق الذكر. ( )9محمد مفتاح :تحليل الخطاب ال�شعري (ا�ستراتيجية التنا�ص) ،المركز الثقافي العربي ،الدار البي�ضاء، المغرب ،الطبعة الرابعة2005 ،م� ،ص.16 . ( )10حوار مع ال�شاعر علي بافقيه� ،سابق الذكر. ( )11حوار مع ال�شاعر علي بافقيه� ،سابق الذكر. (� )12أحمد زنيبر :المعار�ضة ال�شعرية ،دار ابي رقراق للطباعة والن�شر� ،سال ،المغرب ،الطبعة الأولى2008 ،م، �ص.52 .
90
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
المركزية العربية �أ�سهمت في تهمي�ش الأدب ال�سوداني ،وفي جيل الغربة �أمل كبير في خلخلة ال�سلبيات وا�ستعادة الح�ضور
ال����������روائ����������ي ال�������س���ـ���ـ���ودان���ي «ح��� ّم���ور زي�����ادة» ل�����ل�����ج�����ـ�����وب�����ـ�����ة ال���ث���ق���اف���ي���ـ���ـ���ة: �شوق الدروي�ش نتـاج ان�شــغـــالي ب�أ�سـئــلة ال��ي��ق��ي��ن ال��م��ط��ل��ق وال�����ق�����ف�����ز ع��ل��ى النموذج الإن�ساني
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
الرواية ال�شفاهية �أقرب للذهنية ال�سودانية، وروايتي لي�ست تاريخ ًا للمهدية
الت�صوّف ال�سوداني ثقافة �شعبية �أكثر منه توجه ًا دينياً ،وحراكه ال�سيا�سي مهدد بالزوال تد�شين «نوبل عربية» يحتاج لمو�ضوعية ثقافية مفتقدة لدينا كعرب ،والجوائز الحالية تكفي الق�صة الق�صيرة جن�س مختلف وم�ستقل عن جن�س الرواية ،والخلط بينهما خط�أ �شائع الحركات الدينية واقعها مت�شابه في اعتقادها ملكية اليقين المطلق ،وفهم ر�سالة اهلل في محاكمة النا�س وحكم الأر�ض
رغم �آالم الغربة وهموم االغتراب ،يظل م�شغو ًال بم�شروعه ال على عاتقه الأدب��ي وتطلعاته الروائية والق�ص�صية ،حام ً �ضمن قافلة المهاجرين ال����رواد ،ع��بء تحقيق الح�ضور الالئق ل�ل�أدب ال�سوداني في الثقافة العربية المعا�صرة، والمحافل المحلية والعالمية الم�شرعة ،خا�صة في القاهرة محل �إقامته وغربته� ..إنه الروائي ال�سوداني ال�شاب «حمّور زيادة» م�ؤلف «�شوق الدروي�ش» �أحدث الروايات ال�سودانية في الم�شهد الثقافي الم�صري والعربي هذه الأيام ،والتي يطرح من خاللها نتاج ان�شغاالته بالعديد من �أ�سئلة الذات الثائرة ،والآخر الإن�سان ،عبر خلفية تاريخية رومان�سية، ■ حاوره :حم�سن ح�سن* وب��ن��اء ���س��ردي ج��ام��ع بين ارت��ج��ال الحكاية و�شفاهتها، وثبوت الوثيقة ودقتها... الجوبة التقت ال��روائ��ي ال�سوداني بالقاهرة ،فكان لها معه هذا الحوار: اجلوبة � -شتاء 1436هـ 91
الدروي�ش والمهدية
92
● ●روايتك «�شوق الدروي�ش» ا�ستلهمت الثورة ال���م���ه���دي���ة ..ل����م����اذا؟ وف�����ي ه�����ذا ال��ت��وق��ي��ت تحديداً؟ ρ ρف��ي ه��ذه ال��رواي��ة ل�ست معني ًا ب ��أي ق�صدية لمحاكاة الواقع المعا�صر� ،أو انتقاد �أحداث حا�ضرة؛ ف ــ«�شوق الدروي�ش» لي�ست «الزيني بركات» التي �أراد بها م�ؤلفها جمال الغيطاني انتقاد وزير الداخلية ،فهرب من نقد الواقع ال�ستح�ضار مثال تاريخي رم��زي يقدم به نقده .ولكنها رواي��ة ،منتهى غايتها تقديم حكاية ممتعة للقاريء ،يجد فيها لذة الحكي وا� �س �ت �ع��ذاب ال �� �س��رد ،وه ��ذا ه��و الأدب من وجهة نظري� .إ�ضافة �إل��ى اعتبارات �أخرى اجلوبة � -شتاء 1436هـ
منها �إث��ارة �أ�سئلة اليقين المطلق ،وانك�سار «النموذج» بالن�سبة للم�ؤمنين به ،ولم يكن �أبد ًا �ضمن غاياتها ،محاكمة الربيع العربي، �أو ال�ج�م��اع��ات ال��دي�ن�ي��ة� ،أو ح�ت��ى ال�ت��اري��خ ال�سوداني. ● ●وه���ل ك��ان��ت ل���ذة ال��ح��ك��ي ���س��ب��ب��اً ف��ي ترجيح تفا�صيل ق�ص�صية وت���رك �أخ���رى بالن�سبة للثورة المهدية؟ ρ ρنعم ،فقد انحزت (مثالً) للرواية الم�صرية الإنجليزية التي تقول �إن الجي�ش الغازي عندما دخل في 1898م� ،أخرج جثمان الإمام المهدي من تحت القبة و�أح��رق��ه ،ثم رمى بالرماد في النيل ،وه��ي ال��رواي��ة التي �أرى �أنها تتفق والتاريخ ال�صحيح ،كما �أنها تواكب
لذة الحكي الروائي وتُثريه �أكثر ،بينما تركت الرواية التي تقول ب�أن «كت�شنر» �سردار الجي�ش الم�صري �أخذ جمجمة الإمام المهدي ،و�أراد �أن ي�ستعملها �سقالة للورق على مكتبه ،لوال �أن لندن احتجت على هذا العمل البربري ،فقام بالطبع ال ،ف�أنا على الم�ستوى الوطني فخور جد ًا كت�شنر بدفن الجمجمة ،فقد اكتفيت بذكر بالثورة المهدية ،ولي�س لديَّ �أية اعترا�ضات ق�صة نب�ش الجثمان لقناعتي التاريخية بها، رغم �أن �أ�سرة الإم��ام المهدي تنكرها جملة على الأح �ك��ام الكلية الوطنية فيما يتعلق وتف�صيالً. بتلك الثورة .وه��ذا محور مختلف تمام ًا عن محور التناول الأدب��ي والكتابة الروائية؛ ففي ● ●بع�ض ال�سودانيين يتهمونك بت�شويه الثورة غو�ص في �أعماق الإن�سانية «�شوق الدروي�ش» ٌ المهدية من خالل هذه الرواية ،فما ردك؟ المهم�شة ،وا�ستخراج لمالمحها الغائبة بفعل ρ ρهذا �أمر ال يزعجني كثيراً ،لأنني �أو ًال م�ؤمن االحتفاء الثوري والنفاق ال�سيا�سي. ب �ج��دوى االخ �ت�لاف ف��ي ال� ��ر�أي ،وث��ان�ي� ًا لأن �أ�صوات االتهام لي�ست كثيرة ،على الأقل حتى ● ●لك بع�ض التحفظات على الرواية ال�سودانية الآن؛ ولعله من الجيد �أن ي�صادف الروائي في تناولها للثورة المهدية ..ما هي؟ بع�ض الأ�صوات المعار�ضة .وعموم ًا � -شئنا �أم �أب �ي �ن��ا -ال�م�ه��دي��ة ب����د�أت ث���ورة عظيمةρ ρ ،التحفظات على ال�ت�ن��اول ال���س��ودان��ي وعلى غير ال�سوداني �أي�ضاً؛ فقد ج��اءت الكتابات وانتهت كنظام حكم له ما له وعليه ما عليه ال���س��ودان�ي��ة ال��روائ �ي��ة والق�ص�صية وحتى من الأخطاء ،مثلها مثل الثورة الفرن�سية في ال�شعرية �أحادية التناول بالغية الأ�سلوب، فرن�سا ،والبل�شفية في رو�سيا ،بداية حالمة، محتفية بالثورة المهدية؛ فلم تبرز �إال �أوجه التبجيل والتمجيد والبطولة ،متجاهلة عن ق�صد �أو غير ق�صد تقديم الإن�سانيات بما فيها �أخطاء وهنات ترتكب ،و�شرور تحدث في حق الإن�سان ال�سوداني .بينما جاء التناول غير ال�سوداني �ضعيفاً؛ حيث جاء المهديون ف��ي رواي���ة «�أ���س��ي��رة المتمهدي» ل��ـ «جورجي زيدان» متعط�شين للدماء� ،شهوانيين للن�ساء، �أ�شرار ًا �أغبياء ،في مقابل الأ�سيرة الح�سناء الطيبة التي �أ�سرها المهدي ،والتي قتلته في النهاية ،وج��اءت الرواية في مجملها عبارة عن عدة �صفحات من ال�سب وال�شتم والقذف، ما �أخرجها عن نطاق العمل الأدبي.
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
ونهاية �شريرة تناق�ضها .وه��ذا ما طرحته الرواية. ● ●هل يعني ذل��ك �أن��ك تقف موقفاً �سلبياً من الثورة المهدية؟
بين الما�ضي والحا�ضر
● ●هل ترى في �سيرة «بخيت منديل» نموذجاً
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 93
94
متكرراً في الم�شهد العربي حالياً؟ ρ ρلي�س في الم�شهد العربي فح�سب� ،إنما هو ن�م��وذج متكرر ف��ي التاريخ الإن�ساني ككل؛ فالإن�سان الم�ست�ضعف الذي ال حيلة له ،والذي كلما بدت له بارقة �أمل� ..أعيد من جديد �إلى المربع الأول ،بل ربما �إلى ما هو �أ�سو�أ منه، وال ��ذي يحلم بالكثير خ��ارج ن�ط��اق ثقافته وبيئته ،لكنه ال ي�ستطيع تحقيق الأمل والحلم. هذا نموذج جَ �سَّ ده «بخيت منديل» في رمزية روائية ،ال �أزع��م مطلق ًا �أنني ق�صدت �إليها ق�صداً ،لكنها حا�ضرة ف��ي رواي �ت��ي ،وربما تما�سّ ت مع الكثير من مالمح الإن�سان العربي في �أزمنة كثيرة. ● ●بع�ض النقاد رب��ط بين ما ج��اء في روايتك ع���ن ج��ي�����ش ال��م��ه��دي وب��ي��ن داع�������ش ال��ع��راق الآن ..ما تعليقك؟ حاجة ملحة للرواية التاريخية؟ ρ ρمنطقية الربط هنا قد تكون مقبولة من حيث تاريخية الأحداث وت�شابهها بين جنود المهدي �ρ ρأت� ��ردد ك�ث�ي��ر ًا ف��ي ت�صنيف رواي �ت��ي �ضمن وجنود داع�ش الآن ،ومن حيث كون الحركات ال ��رواي ��ات ال�ت��اري�خ�ي��ة ،ف�ه��ي لي�ست �سيرة الدينية بنتُ واقعٍ واحدٍ فتت�شابه� ،سواء مالت تاريخية للإمام المهدي ،وال هي ر�صد كامل �إلى الجانب ال�صوفي مثل الثورة المهدية� ،أو لم�سيرة ثورته ،وهي في م�ضمونها بعيدة عن مالت �إل��ى الجانب الفقهي الن�صو�صي مثل المعنى الكال�سيكي للرواية التاريخية ،لكنني داع�ش ...في النهاية ي�شتركون في اعتقادهم رغم ذلك ل�ست عاتب ًا على مَ ن ي�ضعها في هذا ملكية اليقين المطلق ،وف��ه��م ر���س��ال��ة اهلل الت�صنيف. ف��ي محاكمة النا�س وح�ك��م الأر�� ��ض ،وه��ذا ● ●ه��ل ت��ع��د ه���ذه ال���رواي���ة وث��ائ��ق��ي��ة بالمفهوم لا ف��ي ال�ث��ورة المهدية ،حيث كان ك��ان م��اث� ً الأكاديمي؟ وما الأكثر ح�ضوراً في الذهنية ؤمن � ي ال �ن � مَ كفرية في يعتقدون المهديون ال�سودانية ..الرواية ال�شفاهية �أم الوثيقة بالمهدي؛ لكن الربط ال�سابق ذاته لم يكن المكتوبة؟ حا�ضر ًا حال ال�شروع في كتابة الرواية خالل مار�س 2011م حين كان الم�ستقبل واع��داً���ρ ρ ،ش��وق ال��دروي�����ش ه��ي رواي ��ة دق�ي�ق��ة علمياً، لكنها لي�ست وثائقية بالمفهوم الكال�سيكي، ول��م تكن داع�ش بادية في الأف��ق ،ال هي وال والرواية ال�شفاهية هي الأ�شهر والأقوى تاثير ًا تعقيدات الجماعات الأخ��رى ،وال ما و�صلت بين ال�سودانيين ،بل �إنها عند كثير منهم �إليه الأحداث في تون�س وم�صر وليبيا. هي الأكثر وثوقية وم�صداقية من المكتوبة. بين الرواية والتاريخ ومن جهتي حاولت �أن �أوازن بين ال�شفاهي والمكتوب ،حتى ال �أُح��دِ ث �شرخ ًا ما بينهما، ● ●ت�صنّف رواي��ت��ك على �أن��ه��ا الأق���رب للرواية وه��ذا يالحظه ق��ارىء ال��رواي��ة فيما يخ�ص التاريخية فما ر�أي����ك؟ وه��ل ت��رى �أن��ن��ا في اجلوبة � -شتاء 1436هـ
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
ال��روائ��ي ،ول��و ق�صم ال��روائ��ي ظهر التاريخ تمام ًا فال ت�ستطيع �أن تلومه؛ لأن الرواية في الأ�سا�س تمثل واقع ًا موازي ًا ال كتاب ًا علمياً. لكن ه��ذا ال يمنع م��ن �أن��ه كلما زادت دقة الأديب معلوماتي ًا داخل بنائه الروائي ،كلما قدم �أدب ًا جيداً .وفي النهاية لي�س مقبو ًال مث ًال �أن �أ�ستقي التاريخ العراقي من رواية «�أر�ض ال�����س��واد» ل��ـ «عبدالرحمن منيف»� ،أو ث��ورة 1919م من ثالثية «نجيب محفوظ»؛ لأنه من الخط�أ اال�ستعا�ضة عن الم�صادر التاريخية المح�ضة بالرواية� ،أو بال�سينما ومحركات ال��ب��ح��ث ،ورغ���م �أن���ي ف��ي «���ش��وق ال��دروي�����ش» انحزت �إلى الدقة التاريخية بقدر كبير� ،إال �أنني �أح��ذر من اعتمادها مرجع ًا تاريخي ًا للثورة المهدية ،وهنا تتجلى م�سئولية القارىء ولي�س م�سئولية الكاتب. بين تجربتين
ر�سائل الخليفة «عبداهلل التعاي�شي» للملوك والأمراء يدعوهم للدخول في الإ�سالم ،ومن بينهم الملكة فيكتوريا. ● ●الجيل الحالي ي�ستعي�ض غالباً بالرواية عن التاريخ ..ما ر�أيك؟ ρ ρهذه م�شكلة ثقافية عوي�صة بالت�أكيد ،فرغم �أننا في ع�صر المعلومات� ،إال �أن الواقع ينبيء بالكثير من الجهل والتجهيل؛ لأن محركات البحث عوّدت النا�س على الخال�صات ،وهي خال�صات غير م�ضمونة وال موثوقة ،وي�أتي اعتماد النا�س على ال�سينما والرواية كم�صادر للمعرفة التاريخية ،لي�ضيف هم ًا جديد ًا �إلى الهموم ال�سابقة. ● ●وماذا عن م�سئولية الكاتب الروائي في هذا الإطار؟ ρ ρالكاتب ال��روائ��ي لي�س ملزم ًا بالوقوف عند الحدث من منظوره التاريخي المح�ض ،لأن هذا يتنافى وطبيعة التناول الأدبي والخيال
● ●م��اذا �أ�ضافت ل��ك «���ش��وق ال��دروي�����ش» ككاتب روائ����ي م��ن ح��ي��ث تقنيات ال��ح��ك��ي وتطوير الأداء ال�سردي؟ �ρ ρأعتقد �أن��ي تطورت في �شوق الدروي�ش من حيث تقنيات ال�سرد والحكي ،عني في روايتي الأول ��ى «ال��ك��ون��ج» ،وال��ت��ي ه��ي رواي���ة �صغيرة م�ضغوطة ،عك�س «���ش��وق ال��دروي�����ش» التي �أخذت براح ًا �أكبر و�أو�سع ،من حيث الحكي وتموّجات ال�سرد في عوالم ممتدة ،ومثّلت لي تجربة مخيفة مقلقة تجاوزتها و�أ�ضافت ليَ الكثير. ● ●رغ���م ان�����ش��غ��ال «����ش���وق ال���دروي�������ش» ب��ال��ث��ورة ال���م���ه���دي���ة� ،إال �أن����ه����ا ات���ه���م���ت ب���االن���ح���ي���از لرومان�سية مفرطة ..ما ردك؟ ρ ρنعم ،هذا �صحيح ،فجانب الرواية الرومان�سي ر�أى البع�ض فيه ط��و ًال و�إف��راط �اً ،وه��ذا حق للقارئ وللناقد على ال�سواء ،ولي�س لى حق الت�سويغ �أو �إل�ق��اء المعاذير ،فهكذا جاءت الرواية ،وهكذا كتبتها ،وللجميع حق النقد،
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 95
في ال��رواي��ة ،بالن�سبة لي ككاتب ،وبالن�سبة للمتلقي كقارئ ،ولكنهما في النهاية محركان �أ�سا�سان نحو الكتابة في وقتهما وزمانهما المراوغ. ال�صوفية ال�سيا�سية والم�ستقبل
96
ولي حق الر�ضا عما كتبت. ● ●لك تجربتان روائيتان ،وتجربتان في كتابة الق�صة الق�صيرة ،هل هناك مالمح مختلفة بينهما؟ ρ ρقناعتي �أن الق�صة ف��ي طرائقها ال�سردية و�أ�ساليبها الق�ص�صية ،جن�س �أدب��ي مختلف عن ال��رواي��ة ،ولي�س كما ي��روّج بع�ضهم �أنها تدريب على كتابة الرواية� ،أو ا�ستراحة من كتابة ال��رواي��ة الطويلة ،و�أن��ا عندما �أكتب الق�صة قد �أ�صل بها �إلى �ستين �صفحة ،بفعل مقت�ضياتها واعتباراتها الق�ص�صية الخا�صة، وهذا موجود في «النوم عند قدمى الجبل»، وقليل مَ ��ن يقت�صر على كتابة الق�صة مثل «�ألي�س مونرو» التي ح�صلت على نوبل ،بينما الغالبية العظمى من الكتاب يجمعون بين الق�صة والرواية. ● ●ل��ك��ن م��ا الأق����رب �إل���ي وج��دان��ك ال�����س��ردي.. الق�صة �أم الرواية؟ ρ ρك �م��ا ق �ل��ت � �س��اب �ق �اً ،ال �م �ح��ك الأ� �س��ا���س في اختياراتي بهذا الخ�صو�ص هو لذة الحكي، وا�ست�شعار الإمتاع بالن�سبة للقاريء ،ومقيا�س اللذة والإمتاع كالهما مختلف في الق�صة عنه اجلوبة � -شتاء 1436هـ
● ●ال��م�����س��ح��ة ال�����ص��وف��ي��ة ح��ا���ض��رة ف���ي �أح����دث رواي����ات����ك ،ل��ك��ن م���ن خ��ل�ال ا���س��ت��ق��راءات��ك ال��وا���س��ع��ة ل��ت��اري��خ ال���������س����ودان ..ك��ي��ف ت��رى تفاوت الت�أثير ال�صوفي في حكام ال�سلطة ال�سودانية؟ ρ ρبداية ال يمكن الحديث عن ال�سودان بمعزل عن الت�صوف ،فب�شكل غريب ج��د ًا انح�سر الت�صوف م��ن ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي وا�ستقر في ال�سودان ،والأح��زاب ال�سيا�سية الكبيرة في ال�سودان هي �أبناء طرق �صوفية ،ومن ثم.. فالت�أثير ال�صوفي على حكام ال�سودان ي�أتي من كونهم �أبناء بيئتهم «ال�صوفية»؛ فجعفر نميري حينما �أعلن نف�سه �أم�ي��ر ًا للم�ؤمنين ب��دع��م م��ن ج�م��اع��ة الإخ � ��وان الم�سلمين، التي ترى في نف�سها فكرة �سنية �أكثر منها �صوفية ،كان يلب�س المرقعة ،ويرتدي مالب�س المت�صوفة ،وينزل حلقات الذكر ال�صوفي. والفكرة ال�صوفية �أ�شمل و�أع��مّ في ال�سودان من كل ال��والءات الأخ��رى المغايرة ،حتى �إن ال�شيوعيين والمالحدة في ال�سودان يحبون ال�صوفية ،فهي ثقافة �شعبية �أكثر منها توجّ ه ًا دينياً! ● ●ه��ل معنى ه��ذا ال��ك�لام �أن ه��ن��اك قابلية ما ل��ت��ح��ول ال��ح��رك��ات ال�����ص��وف��ي��ة �إل����ى ح��رك��ات �سيا�سية حاكمة في ال�سودان؟ ρ ρهناك محاوالت �سابقة من رم��وز ال�صوفية ِل� َل�ع��ب دور �سيا�سي� � ،س��واء م��ع ال�ح��رك��ات ال�م���س�ل�ح��ة ف��ي دارف� � ��ور� ،أو ف��ي خ�لاف��ات الإ�سالميين فيما بينهم ،وعلى الم�ستوى ال�شخ�صي �أت�م�ن��ى �أن ينح�سر ه��ذا ال��دور ال�سيا�سي لل�صوفية ،و�أال ينمو �أكبر من ذلك،
الأدب ال�سوداني والعالم
● ●ف��ي ت��ق��ي�� ّي��م ال��م��وق��ف ال��ث��ق��اف��ي ال��ع��رب��ي من الرواية ال�سودانية ت�شعر بالر�ضا �أم بعك�سه؟ ρ ρب�صرف النظر عن الر�ضا وعك�سه :الح�ضور ● ●كيف تقيّم الجوائز العربية في الأدب قيا�ساً الثقافي ال�سوداني في الو�سط الثقافي العربي بجائزة نوبل؟ عموم ًا �ضعيف ،والمعرفة العربية بالثقافة ال�سودانية قليلة؛ فهي معرفة نوعية؛ ففي ρ ρنوبل جائزة تعطى لمن �أ�سهم في التغيير والت�أثير في وجدان العالم ،وهي في الأغلب منطقة الخليج يعرفون «ع��ب��داهلل الطيب» ال تقا�س بغيرها من الجوائز العربية� ،أو حتى كقامة لغوية و�شعرية ،بينما هو غير معروف ف��ي م�صر �أو ال�م�غ��رب ال�ع��رب��ي .وبالن�سبة الغربية نف�سها ،فنوبل حالة قد تفوق كل هذه ل �ل��رواي��ة� ..ستجد ال��وط��ن ال �ع��رب��ي يعرف الجوائز ،وقد تكون في بع�ض الأحيان دونها «الطيب �صالح» ،وال يعرفون غيره في الغالب في المنزلة ،وه��ذا �أم��ر تابع حتى لنظرتنا الأعم ،وحالي ًا قد تجد بع�ضهم يعرف الروائي لمن يح�صلون عليها كل عام ،فقد نجد في «�أمير تاج ال�سر» ،بينما ال يهتمون بالتعرف ح�صول كاتب عليها ظلم ًا لكاتب �آخر ،وهكذا، على غيره ،وه��ذا الح�ضور ال�ضيق للثقافة والعتبارات كثيرة مت�شابكة ما بين الثقافي ال�سودانية نتحمله نحن �أهل ال�سودان �أوالً، وال�سيا�سي واالقت�صادي ،نحن كعرب ل�سنا ويتحمله القاريء العربي الذي وقفت معارفه ا عند «الطيب �صالح» وك��ف��ى ،وه��ن��اك طبع ً م�ؤهلين لتد�شين جائزة بحجم نوبل من حيث ظ ��روف مو�ضوعية �أخ ��رى منها الإع�ل�ام، المو�ضوعية..الم�ضمون ،والرمز والقيمة. وال�م��رك��زي��ة ،وك��ون ال���س��ودان يمثل هام�ش ًا واعتقادي �أن جوائز مثل «البوكر» ،وبع�ض ثقافي ًا و�سيا�سي ًا واجتماعي ًا مجهو ًال لكثيرين. الجوائز ال�سعودية الأخ��رى كافية للتجربة ● ●ف��ي ر�أي����ك ..ه��ل نجح الأدب����اء ال�سودانيون الروائية العربية التي لم تتجاوز ال�سبعين ال���م���ه���اج���رون ف���ي خ��ل��خ��ل��ة ه����ذا ال��ح�����ض��ور عام ًا من الن�ضج والعطاء. ال�ضيق للأدب ال�سوداني؟ ρ ρنعم بالت�أكيد ،فالدكتور «�أمير تاج ال�سر» في ● ●ف����ي ال����خ����ت����ام� ،إال َم ي��ط��م��ح ح���م���ور زي�����ادة م�ستقبالً؟ قطر ،ا�ستطاع االنفتاح بالأدب ال�سوداني عبر رواياته على الداخل العربي والخارج �أي�ضاً�ρ ρ ،أن �أ�ستطيع تقديم حكايات ممتعة للقاريء وو�صل �إلى قوائم «البوكر»� .أي�ض ًا الأديب «عبد العربي ،تعك�س مكوناتي التراثية ،و�أن �أ�ستطيع العزيز بركة �ساكن» كان يكتب داخل ال�سودان، تج�سيد حكايا ال�سودان ال�شفاهية من خالل والآن يحلق بالأدب ال�سوداني والترجمة نحو ال�سرد المكتوب ،و�أكبر تقييم �أح�صل عليه العالمية عبر وج��وده في النم�سا ،و�أن��ا �أزعم في حياتي هو اعتراف القاريء بمتعة الحكي �أن��ي �شكلت ح�ضور ًا �سوداني ًا ال ب�أ�س به في ولذته ،فيما �أكتبه �أنا ويقر�أه هو. الم�شهد الروائي الم�صري ،والذي ا�ستقبلني
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
وفي اعتقادي �أن في المرحلة القادمة �ستتغير �أمور كثيرة ،وقد ال تجد ال�صوفية ذلك الحيز الكبير الذي تتحرك فيه.
ا�ستقبا ًال حميماً ،ودعمني ب�شكل كبير .لكن رغ��م كل ه��ذا ،ما ي��زال خلفنا في ال�سودان عدد من الأ�سماء الكبيرة من بينهم مَ ن ينتمي لجيل «الطيب �صالح» ،ومنهم مَ ن ينتمي �إلى جيلي ،وهم للأ�سف مجهولون لكثيرين في منطقتنا العربية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 97
ب��ل��ق��ي�����س ال���م���ل���ح���م ل��ل��ج��وب��ه:
ال�����ش��ل��ل��ي��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة ت���ت���ح��� ّك���م ب��ال��و���س��ط الأدب������ي ■ حاورتها� :شم�س علي
98
اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ل���ن ت��ج��د �أدي���ب���ة ���س��ع��ودي��ة م��ث��ي��رة ل��ل��ج��دل ،ت��ط��ارده��ا ال�شائعات �أينما حلت كظلها ،مثل الأديبة والكاتبة ال�سعودية بلقي�س الملحم ،التي لن ي�صدقك بع�ضهم حينما تخبره �أنك التقيت بها؛ فهي في نظر ه�ؤالء بح�سب ال�شائعات �إما مقتولة �أو �شخ�صية وهمية ،لكن لي�س هذا جانب الده�شة ال��وح��ي��د ف��ي ح��ي��اة الأدي���ب���ة ال��م��ع��ج��ون��ة ب��ح��ب ال���ع���راق ح�� َّد الذهول ..رغم �أنها لم تزره قط ،فثمة جوانب ده�شة �أخرى، لي�س �أول��ه��ا اخ��ت��ف��اء �أخ��ي��ه��ا ال�����ش��اب ال���ذي ذه��ب للجهاد في العراق عام 2004م ،وال �آخرها �شائعة قتلها من قبل ذويها، ف�إلى ن�ص الحوار..
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
● ●ت��ع��ك��ف��ي��ن ع��ل��ى ك��ت��اب��ة رواي������ة ح����ول م���أ���س��اة ال��ب��و���س��ن��ة وال���ه���ر����س���ك ..ل����م����اذا ال��ب��و���س��ن��ة تحديدا؟ ρ ρه��ذا ال���س��ؤال ي�شبه �إل��ى ح��د َّم��ا ،م��ا ي�س�أله الكثير من قرائي :لِمَ تكتب بلقي�س الملحم عن العراق ،وتذهب �إلى مناطق لم تُعاي�شها �أو تم�شي على �أر�ضها وتختلط بنا�سها.. الكاتب الحقيقي لي�س بنجار موبيليا ،يُطلب منه كتابة ن�ص بمقا�سات محددة ،وفق ت�أطير يخدم م�صالح المتلقي .الكاتب �أكبر من �أن يكون مُوجَّ ها .لذا ،ف�إن طبيعة كتاباتي تنطوي تحت �أ�سئلة الوجود ال�صعبة ،والتي تحتاج �إلى تمعُّن وتمحُّ �ص في كيفية الولوج �إلى عوالم غريبة عن تجربتي� ..سواء كانت العراق �أم غيرها من الم�شاهد التي تل�سع القلم!
ي�ستحق �أن يُقر�أ!
● ●مَ���ن ي���ق���ر�أ ل��ب��ل��ق��ي�����س ..ل���ن ي��خ��ام��ره ال�شك لعلي هنا �أُذكِّر نف�سي بالكاتب والناقد «علي ب���أن��ه��ا ع��راق��ي��ة ،ب�سبب تماهيها ال��ك��ل��ي في �سعيد» ال���ذي و�صفني بكاتبة م��� ٍآ���س! و�أن��ا كتابتها مع البيئة العراقية ..ما �سبب ذلك �أوافقه �إلى حد كبير في ذلك ،لي�س من باب التماهي؟ التخ�ص�ص ،ولكن من باب واقعية الن�صو�ص ρ ρحين �أُ�س�أَل هذا ال�س�ؤال فك�أني �أُ�س�أَل :مَ ن �أنت ومتناوليها الذين و�صفوها بذلك �أي�ضا. يا بلقي�س؟! الإن�سانية المُدمَّاة هي ما تهبط على فكري و�أن��ا �أُ�صدقكم ال�ق��ول ب ��أن ال �ع��راق ه��و قدر وتلتب�س به! فال تنفط عني حالة القلق �إال حين �صعب ،و�س ٌّر �أ�صعب و�إجاب ٌة �أ�صعب و�أ�صعب! �أ�سكب دموعي على ال��ورق ،وه��ذا ما حدث التماهي ربما يكون �ضربٌ من التخيُّل �أمام ما تماما و�أنا �أ�شاهد ذكرى مذبحة �سربيرنت�شيا يمثله العراق لدي. على �إح��دى محطات التلفزيون ,ما ا�ستف َّز نعم من الغريب �أن تكتب عن العراق ب�شكل ابنتي ذات الثمانية ع�شر عاما لت�س�ألني: دقيق دون �أن تعي�ش فيه .لكن بلقي�س حدَّقت ومن هي البو�سنة؟ لأجيبها عبر هذه الرواية ف��ي ل��وح��ة زيتية لبيوت الق�صب وال �ب��ردي التي �أع��ده��ا م�شروع حياتي؛ لأن�ه��ا �أخ��ذت والم�شاحيف ..فوجدت قدرها بين الأه��وار من وقتي الجهد الكبير في �سبيل الح�صول وهي تخو�ض مياهه ب�ساقيها ،لتدخل �صرح على المعلومة ال�صحيحة ،وحبكها في �سرد
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 99
هل �أ�شفيت �س�ؤالك؟ �أرجو ذلك ..مع التذكير ب�أن المعنى يبقى في قلب ال�شاعر يا �شم�س!
البالد التي كان يحكمها جلجام�ش .الباحث ع��ن �سر الحياة ,و�أن��ا �أم��ار���س القلق نف�سه البحث الوجودي :-لم �أ�ؤمن بالماء العراقي ● ●ه���ل يمكننا ال���ق���ول �إن اخ��ت��ف��اء �أخ���ي���ك فيدون غيره من الأنهار؟ والنخيل العراقي الذي العراق هي �شرارة التَّما�س العاطفي الأولى كلما ه��ززت جذعا منه ت�ساقط العراق في بينك وب��ي��ن ال���ع���راق ،وه���ل لغيابه ه���ذا �أي قلبي؟ والحب العراقي الذي ابتكر مر�ض ليلى انعكا�سات على روح �سردك الحزين؟ ولم ي�شفها منه؟ والح�ضارة العراقية التي �أق�سم الغزاة على تدميرها؟ والفن العراقي �ρ ρأجل ..انطلقت نحو ذلك بالتزامن مع ق�ضية �أخي� ،أو لنقل ب�أن هذه الق�ضية قربتني �أكثر الذي يُدمي من حيث ال يعلم؟ والأدب العراقي م��ن الثقافة والأدب ال�ع��راق��ي .ح��دث ذلك ال��ذي تربع عر�ش هرم الإب��داع بال منازع!. عام 2004م،عندما اتجه �أخي عبدالرحيم وقبل هذا كله لم ي�سيطر عليَّ هاج�س النواح «�22سنة» �إل��ى ال��ع��راق ،مع مجموعة �شبان وال�م��وت العراقي ال��ذي ال ي�شبهه �أح��د .هل ��س�ع��ودي�ي��ن ،ان���ص�ي��اع� ًا ل�ف�ت��وى وخ �ط��اب ال�ـ يوجد دم �أزرق �صالح للكتابة؟! «الثالثة وع�شرين �شيخاً» الذين دع��وا فيها كيف ال تريدوني �أن �أكتب عنه هذا الكم الهائل ال�شباب ال�سعودي ،للذهاب للعراق من �أجل من الق�صائد ،والق�ص�ص ،و�أخيرا الرواية ال�ج�ه��اد ،فيما �أ��ص�ح��اب ال�ف�ت��وى ،وغيرهم ال �� �ص��ادرة ع��ام 2012م «ح��ري��ق الممالك متنعمين برغد العي�ش والأمان ،بينما ما تزال المُ�شتهاة» ..دعوني هنا �أقتب�س لكم �سطورا قلوب الأمهات ال�سعوديات تكتوي بنار فراق كتبتها من مفكرتي الخا�صة قبل �أن �أجيبكم: �أبنائهن الذين ذهبوا نحو الم�صير المجهول. لن �أخ��ذل �س�ؤالك و�س�أقول لك ب ��أن الحياة ثمة وجع �أداويه وثمة فقد �أبحث عنه و�أتعمَّد الحقيقية والإن�سانية ال�ت��ي ب�شَّ رت بالنور ف��ي ت�ضييع فر�صة وج ��وده؛ لأن��ي �أخ�شى لو وال�ع�ق��ل تكمن ف��ي ال��ع��راق .ال �ع��راق ال��ذي يجف قلمي ويبرد قلبي. انتهى الحزن �أن َّ لك في هذين الن�صين الق�صيرين: �أخت�صره ِ ● ●ل����م����اذا خ��ل��اف ك����ل ال���ك���ت���اب ال�����س��ع��ودي��ي��ن «لبلقي�س قلب ل��و تع�صره ي��ا ع��راق لجرف والكاتبات تُطاردك ال�شائعات؟ �شواهد القبور ρ ρالكتابة ب�شكل ا�ستثنائي من �ش�أنها �أن تجر دعني �ألم�سك ولو بالنظر �إليك». لنف�سها الأخبار المُغر�ضة .و�أنا ال �أعني بذلك تجريد اللغة اال�ستثنائية عن بع�ض الكتاب «حين تمرين يا بغداد على �شريط الأخبار: ال�سعوديين .هذا �إذا اعتبرنا ال�شائعة نوع ًا من تهدر في ج�سدي الأنهار ،وتُ�ضرب �أجرا�س العداء والتهمي�ش والغيرة من الآخر! ولن�أخذ ال��روح ..جميعهم ينظرون �إليك كفتاة اغب َّر مثاال على ما كتب حول بع�ض كتابنا ال�سعوديين وجهها� .إ َّال �أنا ف�أراك ملكة تم�شين على ب�ساط �أحمر.»!.. من ا�ستنقا�ص �أو تكفير �أو تخوين �أو تف�سيق
100اجلوبة � -شتاء 1436هـ
● ●ل���م���اذا ح�����ض��ورك ع��ل��ى ال��م�����س��ت��وى ال��ك��ت��اب��ي والم�شاركة في الم�شهد المحلي ال�سعودي م������ح������دود ..خ��ل�اف����ا ل���ح�������ض���ورك ال���ع���رب���ي والدولي؟
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
بع�ضهم ب�سبب بع�ض كتبهم �أو مقاالتهم .نعم ك��ان هناك ثمن لكلمتي ال�ح��رة .وثمنها هو اال�ستمرار ال التوقف .وحكاية الإ�شاعة التي تناولتها مئات المواقع العربية والأجنبية من �صحف ووكاالت �أنباء ومدونات �شخ�صية ,هي ال تتعدى كونها �إ�شاعة مغر�ضة تطال �أي قلم يك�شف الحقيقة ويتكلم بمو�ضوعية؛ و�شخ�صيا قمت بتكذيبها ر�سميا ف��ي ال�صحافة عدة مرات� ،إال �أنها تعود مرة �أخرى وعلى التوالي منذ 2009م حتى عامنا ه��ذا!! وال �أدري �إن ك�ن��ت م�ث�ي��رة ل�ل�ج��دل ح�ت��ى ت �ع��اد ط ��وال ه��ذه ال�سنوات .بالرغم �أنني لم �أتلق يوما ما في حياتي ر�سالة تهديد �أو ما �شابه ,فبريدي مليء بر�سائل ال�سالم والمحبة ال غير ,وبالطبع هذه الإ�شاعة لم ت�ؤثر نهائيا على م�سيرتي وهلل الحمد .وال �أعرف كاتبها بطبيعة الحال ،لأنه جبان وال يقوى �أن يف�صح عن ا�سمه!
ول�ب�ن��ان ورو� �س �ي��ا ..وين�شر ف��ي ال�صحافة الأجنبية ،ويُترجم وي�ق��ر�أه مئات الآالف.. فهذا يعني نجاح الأدي ��ب ال�سعودي ولي�س بلقي�س الملحم فقط .لأننا اليوم في حاجة �إلى �أن يفهمنا العالم كما نحن ،ال كما يُريد لنا الإعالم غير المن�صف �أحيانا. وم��ن الإن�صاف �أن �أق��ول �إنني ل�ست مُغيبة بال�شكل الذي قد يفهمه القارئ ,فم�شاركاتي و�إن كانت محدودة� ،إال �أنها كانت حا�ضرة في مهرجانات و�أم�سيات ثقافية محلية.
ρ ρمن الم�ؤ�سف �أن �أقول بان «ال�شُّ للية» الثقافية هي من تتحكم في الو�سط الأدب��ي .وهذا ما يُكر�س مفهوم الواحد �أو الأنا الذي من �ش�أنه ● ●من خالل تجربتك في كتابة الرواية .كيف وج��دت ال��رواي��ة؟ وما هو ر�أي��ك في المُنجز يُكرر الوجوه والتجارب ،ويعتمد على التلميع الروائي ال�سعودي؟ دون البناء والبحث الحقيقي عن الأديب الذي ي�ستحق. ρ ρالجميل في ال�شعر �أن��ه يتكلم عن التفا�صيل التي تداوي �شغف الإن�سان لتعرّي ذاته! وهو ولعل م��ا ذك��رت��ه م��ن الح�ضور المحدود هو ي�شكّل ل��دي م�ساحة �شا�سعة للتعبير رغم عالمة نجاح �أعدّها في حقّي ,فحين ي�صل التكثيف ال�صوري الذي تتميز به ن�صو�صي. ن�صي ومقاالتي وكتابي لفنزويال وال�سويد
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 101
وتبقى الرواية جن�س ًا �أدبي ًا ي�صلح لمن �أراد �أن ي�سرد الأحداث ويُخرجها من قالب �شخ�صنة الم�شاعر� ،إلى االنفعال الذهني المت�أمل لما حوله. التجربة ال�شخ�صية بالن�سبة لي �أعدّها في بدايتها ,باعتبار �صدور رواية واحدة والأخرى بين يدي الكتابة .وال �أخفيك ب�أنني �أ�ستمتع كثيرا في كتابة ال��رواي��ة؛ لأنني �أ�شتغل على البحث الم�ضني للتاريخ ،وكل ما يتعلق بالبقعة الجغرافية التي �أك�ت��ب عنها بكل جوانبها؛ خ�صو�صا في الرواية الأخيرة ،الرواية التي �أت��وق��ع لها مزيدا من جهد البحث والكتابة والدموع!.. �أم ��ا المنجز ال���س�ع��ودي ال���روائ���ي؟ فرفوف المكتبة وحدها ال ت�ستطيع �إجابتك عن �س�ؤالك. وال حتى �أع ��داد الطبعات وح�ف�لات التوقيع الرائجة! فما دامت الم�ؤ�س�سات الثقافية باقية على حالها من الجمود ,من دون االعتراف بما
102اجلوبة � -شتاء 1436هـ
عندنا وما ينق�صنا .لدينا الإن�سان ولكن لي�س لدينا ما يدعم تقديمه وب��روزه .لدينا فطرة �إبداعية وعقول تتطلع �إلى االنفتاح ،ولكن لي�س لدينا قنوات تفتح �أمامه المجال .كل ما لدينا هو ال�صعوبات ،والعقبات ،والفتاوى الم�ضادة، والمنع ،والإق�صاء ،والأعراف. ينق�صنا بناء الثقافة بمخرجاتها ,ينق�صنا الم�سرح ومعاهد الفنون الجميلة ،والنقابات الفنية ،والق�صور الثقافية ،والمهرجانات المحلية والدولية ذات الطابع المتميز الذي يلفت االن �ت �ب��اه .ال�م���س��اي��رة لعجلة الثقافة العالمية والمحاكية لكل عمل مبهر ين ُّم عن ن�ضوج توعوي ب�أهمية الثقافة :تربية وممار�سة وذوقا.. ولعل الرواية ال�سعودية هي من �أهم الأجنا�س الأدبية التي القت غيابا لعملية النقد البناء ولو ب�شكل مقبول .هذا �سي�ضعنا �أمام م�شهد مُخزٍ للرواية ال�سعودية التي �أثبتت جدارتها لت�صل �إلى البوكر مرتين على التوالي! وما �أعنيه من غياب نقدي وتحجيم ثقافي و�شللية� ،سيفرز المزيد م��ن ال��رواي��ات المح�شوَّة بالدراما المت�شابهة والمكررة؛ و�سيدخل �إلى عالمها دخالء يف�سدون ذائقة المتلقي ،حتى ال يكاد يفرق ما بين ما هو جيد وغير جيد. الم�شهد ال��روائ��ي ال���س�ع��ودي يتفجَّ ر �أم��ام جمهور يتفرج ,و�سريعا ما يذهب �إلى فرا�شه، وين�سى ما �شاهده من عرو�ض بع�ضها يدفع لل�سخرية وال�ضحك! لأن الرواية الحقيقية هي مَ ن �ستقول للأجيال القادمة «هكذا ر�أيتُ مَ ن حولي» ال «هكذا ر�أوني.»!..
����������������س�������ي�������رة و�إب����������������������������������داع
ال��دك��ت��ور ميجان بن ح�������س���ي���ن ال���روي���ل���ي
ولد الدكتور ميجان بن ح�سين الرويلي في 1951/1/17م في منطقة الجوف -المملكة العربية ال�سعودية. ن�ش�أ وترعر بين واحات النخيل البا�سقة ،حيث الخ�ضرة والماء و�صفاء ال�سماء ،وال�صحراء مترامية الأطراف في كل اتجاه. جمع الدكتور ميجان بن ح�سين الرويلي بين النقد والعمل الأك��ادي��م��ي والثقافي فبرع فيها جميعا .وت��ب��رز اهتماماته الأكاديمية بالنقد الأدبي ونظرية الدراما والنظرية الأدبية و نظرية م��ا بعد الحداثة و التقوي�ض وفكر ج��اك دري��دا، وم��دى تعلّقه بالفكر الأك��ادي��م��ي والثقافي ال��ذي �سخّ ر له حياته ك�أ�ستاذ بارز للنقد والنظريات الأدبية المعا�صرة لما بعد الحداثة. له �أعمال ثقافية بارزة انت�شرت بين المهتمين والمثقفين، لعل �أبرزها كتابه المرجعي الهام «دليل الناقد الأدب��ي» بالم�شاركة مع زميله الدكتور �سعد البازعي. اجلوبة � -شتاء 1436هـ 103
الت�أهيل الأكاديمي -1بكالوري�س في اللغة الإنجليزية -كلية الآداب جامعة الريا�ض (الملك �سعود حاليا) ،عام1977م. -2ماج�ستير في اللغة الإنجليزية ،جامعة �أيوا� -أيوا �سيتي -الواليات المتحدة ،مايو 1982م. -3دك �ت��وراه ف��ي الأدب الإن�ج�ل�ي��زي ع��ام 1986م، جامعة نيومك�سيكو ،مدينة الباكيركي -الواليات المتحدة. التخ�ص�ص :النقد الأدب���ي وال��درام��ا (تخ�ص�ص مزدوج). منا�صب �أكاديمية -1رئي�س ق�سم اللغة الإنجليزية -كلية الآداب- جامعة الملك �سعود -الريا�ض 2001-1997م. � -2أ�ستاذ م�شارك 1996م. � -3أ�ستاذ م�ساعد 1995-1986م. -4ع�ضو مجل�س كلية الآداب1998-1996 :م
104اجلوبة � -شتاء 1436هـ
-5ع �� �ض��و م �ج �ل ����س م��رك��ز ب��ح��وث ك �ل �ي��ة الآداب 1994م1996-م. -6ع�ضو مجل�س مركز جامعة الملك �سعود للترجمة 2004-2002م. -7ع�ضو ف��ي هيئة ال�ن���ش��ر ب�م��رك��ز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي. االهتمامات الأدبية -1النقد الأدبي ونظرية الدراما. -2النظرية الأدبية -3نظرية ما بعد الحداثة -4التقوي�ض وفكر جاك دريدا. الن�شر والبحوث -1الحيوان بين ال�م��ر�أة والبيان :ق��راءة في كتاب البيان والتبيين ،مجلة ف�صول( 12:3 ،القاهرة، خريف 1993م)� ،ص �ص.107-79 : -2ق�صة الق�صة ف��ي الأدب ال���س�ع��ودي الحديث: ق��راءة في المقدمة التاريخية ،مجلة (قوافل)، (1992م)� ،ص �ص .96-84 � -3أ�سرار البالغة بين ال�شم�س والآذريونة :قراءة في كتاب الجرجاني ،عالمات في النقد الأدبي1:4 ، (1992م)� ،ص �ص.119-67 : -4التقوي�ضية ،Deconstruction /الن�ص الجديد، (1996م).230- 191 ، -5دليل الناقد الأدب��ي ،الريا�ض ،المملكة العربية ال�سعودية (1995م) ،بالم�شاركة مع الدكتور �سعد البازعي. -6ق�ضايا نقدية ما بعد بنيوية� :سيادة الكتابة/ ال�ن����ص ،ون�ه��اي��ة ال �ك �ت��اب ،م��وت ال�ل�ف��ظ ،م��وت الم�ؤلف ،نادي الريا�ض الثقافي 1996م. �إلى جانب مقاالت و�أبحاث �أخرى عديدة باللغتين العربية والإنجليزية.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
ي�ستند المنهج االجتماعي �إل��ى فر�ضية �صحيحة هي �أن ثمة �صلة م�ؤكدة بين الظاهرة الأدبية والظاهرة االجتماعية؛ بمعنى �أن المجتمع ال بد �أن يعك�س ت�أثيره على بنية الظاهرة الفنية وم�ضمونها ،بيد �أن طبيعة هذه ال�صلة خ�ضعت الجتهادات النقّاد ،ول�سياقات �أبرزت مزالق هذا المنهج النقدي ،ومنها �أن تطغى �أحكام علم االجتماع ور�ؤاه على التحليل الأدبي ذي الطابع الجمالي، ال �سيما �إذا م��ا ح����اول ال��ن��اق��د ف��ي ظ��ل ه���ذا ال��م��ن��ه��ج �أن يف�سر الن�صو�ص الإبداعية ،بحيث تبدو مجرد ظ ٍّل باهتٍ للظواهر االجتماعية ،وب�أ�سلوب يتجاهل جوهر الن�ص الفني ،ويخرج �إلينا با�ستنتاجات جافة ال روح فيها. وي�ضع «ويلبري�س ���س��ك��وت» المنهج االج��ت��م��اع��ي تحت عنوان (الأدب والمثل االجتماعية) ،وي��ح��اول �أن يبرهن على �أن الفن ال يتخلّق في فراغ ،و�أ َّن الفنان -وينطبق هذا على كل فنون القول -محدَّد بزمان ومكان ،وهو ي�ستجيب لمجتمع هو جزءُه المعبّر الناطق .وما دام الفن يحتفظ ■ د� .صربي م�سلم حمادي* بروابطه مع المجتمع ،وهذا ال يمكن �إال �أن يكون قائماً؛ ف���إن النقد االجتماعي �سواء �أك��ان يتبع نظرية معينة �أم ال فعا ًال في النقد .ومن الوا�ضح �أن لم يكن� ،سيبقى عام ً «ويلبري�س �سكوت» ق�صد النقد المارك�سي حين تحدث عن النقد الذي ير�ضى ب�أن يكون ظال لنظرية معيّنة وتابعا ذليال لها.
ر�ؤية للمنهــج االجتمــاعــي ف�����ي ال���ن���ق���د
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 105
ومن المعروف� ،أن المدر�سة المارك�سية ا�ستطاعت �أن تق�ضي على المدر�سة ال�شكالنية ف��ي رو�سيا عام 1930م ،والتي يعود �أ�صلها �إل��ى ع��ام 1916 -1915م، وبلغت �أوجها بعد عام 1920م .والمدر�سة ال�شكالنية هي �إرها�ص بالمناهج النقدية التي ظهرت فيما بعد ،وان�صبَّ اهتمامها على البنية الفنية للن�ص ،ومنها المنهج البنيوي ذائع ال�صيت. وي�شير «�إنريك �أندر�سون �إمبرت» �إلى غزارة نماذج النقد المارك�سي ذات الطابع الم�ضموني بال�ضرورة؛ �إذ و�صفها ب�أنها �أكوام من النماذج على المنهج االجتماعي الذي طبّقه النقاد المارك�سيون .فك�أن النقد االجتماعي يبحث عن مقام الك�سر الم�شترك بين الكاتب و�أف��راد طبقته االجتماعية والتجربة التي يعبر عنها ،ي�شاركه فيها �أفراد �آخرون ومنهم المتلقي �أو القارئ ،ف�ض ًال عن �أن محتوى العمل الإبداعي غالب ًا ما ينه�ض على مالحظة الت�صرف الإن�ساني؛ �إذاً ،فمقام الك�سر الم�شترك -كما و�صفه �إمبرت -ي�شمل المبدع والن�ص والمتلقي على حد �سواء ،وبناء على ر�ؤية النقد االجتماعي. وينفتح النقد االجتماعي على المتلقّي �أو الجمهور – كما عبّر «ليفين ل� .شوكينج» في درا�سة له تحت عنوان: الذوق الأدبي – بحيث يكون الجمهور وعلى مر الأجيال هو معيار ج��ودة الن�ص؛ �إذ ،عندما يفوز عمل ما في االحتفاظ ب�شهرته على امتداد �أجيال كثيرة ،ال بد �أن يكون قد انتقل من طراز اجتماعي �إلى �آخر ،ولأنه ا�ستطاع �أن يقدم �شيئ ًا �إل��ى جماعات تختلف كثير ًا في مزاجها النف�سي ،ف�إنه يبرهن على �أنه يمتلك قيم ًا فنية وم�ضمونية متفردة قادرة على تجاوز ع�صر محدد� .ألي�س في بقاء رونقه على مر الع�صور دليل على جودته و�أ�صالته؟ ولنا في ال�شعر العربي الجاهلي -ك�شعر المعلقات على �سبيل اال�ستدالل -والع�صور التي تلته نماذج �شعرية رائعة ،ما تزال تن�سجم مع ذائقتنا ال�شعرية ،ونحلّق معها في �أجواء �شعرية مده�شة ،بل �إن ملحمة جلجام�ش – وينطبق هذا على الإل�ي��اذة والأودي�سة -تنفذ �إل��ى �أفكارنا وقلوبنا، فنح�س بعبقرية الفن ال��ذي ت�ضمنته ،على الرغم من ّ مرور نحو خم�سة قرون على كتابة ال�صيغة الأولى لها زمن ال�سومريين ،وكما تثبت ذلك الأرقام الطينية.
وف ��ي ال�ن�ق��د ال �ع��رب��ي ال �ق��دي��م ،ن�ج��د ج ��ذور النقد االجتماعي في كتاب «عيار ال�شعر» لمحمد بن طباطبا العلوي� ،إذ ي�شير �صاحب «عيار ال�شعر» -وعلى �سبيل اال�ستدالل � -إ���ش��ارة وا�ضحة �إل��ى �أن بع�ض الت�شبيهات – وينطبق هذا على ظواهر �شعرية �أخ��رى – ال يمكن فهمها �إال من خالل التقليد االجتماعي الذي قامت عليه �أو �أ�شارت �إليه .ت�أمل ما �أورده ابن طباطبا ن�ص ًا «ف�إذا اتفق لك في �أ�شعار العرب التي يحتج بها ت�شبيه ال تتلقاه بالقبول� ،أو حكاية ت�ستغربها ،فابحث عنهما ونقِّر عن معناهما ،ف�إنك ال تعدم �أن تجد تحتهما خبيئة �إذا �أثرتها عرفت ف�ضل القوم بها ،وعلمت �أنهم �أدق طبع ًا من �أن يلفظوا بكالم ال معنى تحته» .ويو�ضح ابن طباطبا هذه الم�س�ألة ،بل ويبرهن عليها ب�أ�سلوب مقنع ،ومن خالل ع�شرات النماذج ال�شعرية المرتبطة بظروف اجتماعية ومعتقدية خا�صة؛ نذكر منها �أنهم يعالجون اللديغ بالحلي التي يعلقونها عليه� ،أو �أنهم يفق�أون عين الجمل الفحل حين يبلغ عدد الجمال �ألفا! وفي ع�صرنا هذا نجد ع�شرات الأعمال الإبداعية، �سواء �أكانت في مجال الفن ال�شعري �أم ال�سردي ..يبدو النقد االجتماعي فيها هو المدخل الأمثل للنفاذ �إلى الم�سكوت عنه ،والو�صول �إلى ب�ؤرة الن�ص الإبداعي؛ وعلى �سبيل المثال نذكر ثالثية نجيب محفوظ« :بين الق�صرين، وق�صر ال�شوق ،وال�سكرية» ،التي ر�صد فيها محفوظ تطور المجتمع الم�صري وعبر ثالثة �أجيال ،مثل هذا العمل ال��روائ��ي ال�ضخم ،ال يمكن تجاهل المحور االجتماعي الذي قامت عليه هذه الثالثية .ومثل ذلك يقال عن كثير من الأعمال الروائية العالمية لـ«بلزاك» و«�ستاندال» و«ليو تول�ستوي» و«دي�ستويف�سكي» و«جبريل غار�سيا ماركيز»، وينطبق هذا تماما على ع�شرات الأعمال الأدبية الأخرى التي يبدو فيها النقد االجتماعي منا�سباً ،بل و�ضروري ًا من �أجل الدخول من خالل �آلياته �إلى مثل هذه الأعمال الفنية .وال نجد �ضرورة هنا من تكرار زخم من الأعمال الأدبية التي ي�صلح النقد االجتماعي مدخ ًال لها� ،سواء �أكانت هذه الأعمال الأدبية م�صوغة باللغة العربية �أم بلغات عالمية �أخرى.
* �أ�ستاذ اللغة العربية في ق�سم اللغات الأجنبية بكلية و�شتناو – �أن �آربر -ميت�شغن – الواليات المتحدة الأمريكية. 106اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
�أُ دب�����اء ٌ َيحكو نَ م��د َن��ه��م ■ �إعداد �سعيد بوكرامي*
ارتبط الكتاب ارتباطا وثيقا بمدن بعينها؛ الزمتهم والزموها؛ منحتهم �شخو�صها و�أمكنتها ،ومنحوها المجد الأدبي �شعرا ورواية وق�صة� ..صعدوا بها من الواقع �إلى الخيال .نقلوا واقعها بمنظور وح�سا�سية منتمية تارة.. ومتمردة تارة �أخرى .جيم�س جوي�س مع دبلن ،بول �أو�ستر مع نيويورك ،نجيب محفوظ مع القاهرة� ،أورهان باموق مع ا�سطنبول ،وفرناندو بي�سوا مع ل�شبونة ،و�سيلين مع باري�س.. م��ا ه��ي المدينة ال��ت��ي ت�سري دم��ا�ؤه��ا ف��ي ن�صو�صك؟ ول��م��اذا ارت��ب��ط��تَ �أ�سا�سا ب��ه��ذه المدينة؟ م��ا ه��ي ال��ظ��روف التي �ساقتك �إليها؟ وما هي تجلياتها في كتابتك؟ ولماذا كتبت عنها دون �سواها؟ هذه �أ�سئلة �ضمن �أخ��رى ،نحاول ا�ستق�صاءها ع��ن ع�لاق��ة الكاتب بمدينته ال��ت��ي اختارها ف�ضاء لت�شييد عوالمه الأدبية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 107
القا�ص والروائي �إ�سماعيل غزالي -هاو ّية ديدالو�س
المدينة كتاب؛ ثقب �أ�سود في رئة الوجود؛ هاوية ثمّة مدينة �سديميّة ت�سكن الخلفيّة ال�شبحيّة لتخييل ق�ص�صي ورواياتي ،مدينة لي�ست �أحادية ال�شكل والمعنى .لي�ست واقعيّة تماما ،و�إن كان ح�ضورها الفعلي له وجود حقيقي� .أجل متخيّلة هي المدينة التي تنت�صب كم�صدر عجائبي هائل لكتابتي ال�سردية.
مدينة �أطل�سية متخيّلة ،ذات هند�سة منفلتة، ال ترتهن �إليها عالقتي الطفولية ب «مريرت» وحدها .بل مجمل المدن التي عبرتها ..وكان ال�صطدامي بها حكاية مريبة ،عزّزتْ حكايتي ال�ضخمة الأ�صل الموجودة في خيالي بالمدينة ّ فقط.
بالت�أكيد �أنحدر من مدينة �صغيرة �أ�شبه ما تكون بقرية جبليّة ذات ا�سم غريب «مْ رِ يرْتْ »، وعالقتي الأنطولوجية بها هي عالقة ميثولوجية �أكثر منها عالقة واقعية .لي�س هناك و�شائج �أموميّة تربطني بالمكان و�أزليّته .بل مح�ض و�شائج رم��ز ّي��ة يغذّيها الخيال والحلم بقدر المحدود من الغرابة .ال ..لي�ست غرابة الحلم والخيال ،بل غرابة الحياة اليومية نف�سها .ثمة
و�إن كانت خلقتي الغجرية ال يروق مزاجها �إال للمدن النّهرية ،والغابوية �أو المدن المنت�صبة على ح��اف��ات ال �خ�لاءات ال�ضارية ..بما فيها القرى الطاعنة في الن�سيان ،فثمة مدن ملعونة لم �أق��م فيها طويال ،كان لحظوة عبوري فيها الظفر بموجز تاريخها ،مغربيّة،عربيّة� ،إفريقية و�أوروبيّة.
108اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�إنها برغم االختالف الدامغ بين �أ�شكالها،
ثمة مدن لم �أزرها فعليّا� ..أي�ضا تجمعني بها عالقة قويّة وغريبة �أكثر من مدن عرفتها ولم ت�ستطع �أن تدمغ ذاكرتي ب�أثر جليل ..مدن �سافر �إليها خيالي� ،أعرف خارطاتها ال�سرية� ،شارعا �شارعا ،زقاقا زقاقا ،بيتا بيتا ،غرفة غرفة، هناك م��دن ال وج��ود لها �أ��ص�لا ،ربما غير �شرفة �شرفة ،وحديقة حديقة... مرئية على طريقة �إيطالو كالفينو ،منذورة مثل ه��ذه ال�م��دن العجيبة التي ل��م تط�أها لل�سفر المتاهي .تتنا�سل فيها ال��ر�ؤى الدوّامة قدمي واق�ع��ا ،ع�شت فيها تجارب على �سبيل كلعبة كابو�سيّة ال �شاطئ لتداغل مويجاتها التخييل ،وك��ان��ت ه��ذه التجارب بمثابة واق��ع ال�صاخبة. م�ضاعف. مدن �أ�شبه بن�ساء خرافيّات ،غائرة و�شومهن ال مدينة �إذاً ،ر�سميّة ووا�ضحة ،ذات مرجع في ذاكرة اللحظة المارقة ،يلمعن كنجوم في وثيق .بل مكان متعدد ومت�شعّب الهويّة ،ي�شمل غ�سق الفراغ الأبدي. كل الجغرافيا ال�سّ حرية (بالمعنى العجائبي) م���دن ت �� �ض��اع��ف م ��ن ال��ر� �ص �ي��د ال �م �ت �ع �دّد للأطل�س المتو�سط غير المرئي ،وال يقت�صر والالنهائي للمدينة الواحدة التي ت�سكن هاوية الأمر على حدود الأطل�س المتو�سّ ط ..بل ي�شمل الخيال الخا�ص. ف�ضاءات مدن و�أمكنة مغربية �أخ��رى ،وعربية ه��ذا التعدد الالنهائي المريب ،يذكّرني و�إفريقية وعالمية .فحين يتعلق الأمر بالأطل�س بق�صة للأرجنتيني بورخي�س ،حول رجل انهمك ّ المتو�سط واق �ع��ا واخ �ت�لاق��ا ،فالكتابة ك�أنها ت�ؤطل�س العالم .وحين يتعلق الأم��ر بالأمكنة وقتا طويال بر�سم خارطة للعالم ،واكت�شف قبل الأخرى ،واقعا �أي�ضا واختالقا ،فالكتابة لي�ست موته �أنه ر�سم وجهه في الأخير. فكيفما كانت العالقة بالمدينة �أو المكان، مح�ض نزهة� ،أو يحكمها منطق �سياحي بليد، ب��ل مغامرة تمحو ال��وج��ود الفعلي لأطل�سيتي ديدالو�سية ،ا�ستغوارية ،اختالقية ،اختراقية، ومغربيتي و�إف��ري��ق��ي��ت��ي ،بلى ه��ي ان��خ��راط ال ا� �س �ت �ع��ادي��ة ،ت �ك��راري��ة� ،أي �ق��ون �ي��ة ،طقو�سية، م�شروط ،بمجازفة حرة داخل تجربة ان�سانية ان�شطارية ،عمودية ،وافترا�ضية...الخ ،يبقى وجمالية مغايرة ،نقي�ضة ومفتوحة .وفي كلتا عمل الكاتب �إزاء مدينته المبتكرة منطويا على ال�صور، التجربتين محليا وكونيّا ،تنت�صب مدينة واحدة خطورة مزدوجة ،ي�شبه في �صورة من ّ ق�صة بورخي�س الملمح �إليها �أعاله. عمل بطل ّ هائلة ت�ستمزج كل هذا التعدّد الالنهائي.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
بين روائ�ح�ه��ا ،بين عنف تجاربها وغ��واي��ات الحياة ال�سرية الكامنة في �شوارعها الخلفية. ه��ي ف��ي المح�صلة ت �ق �وّي بتعددها ال�شر�س العالقة المفتوحة والمبهمة بالمدينة الرّمزية الأ�صل ..المدينة المتغوّلة في خيالي وخيالي ال غير.
هناك مدن �أي�ضا ال وجود لها �إال في حكايات ُكتّاب مالعين .مدن مجنونة و�سريالية �صنعها ُكتّاب �أ�شاو�س تبدو �أ�ش ّد واقعيّة من التي ت�شبهها �أو تحيل عليها .دخول هذه المدن المختلقة في تجارب ه ��ؤالء الكتاب ،ال يفتر�ض �سهولة في الخروج منها .فنحن نعي�ش فيها �إلى الأبد حتى و�إن ُكنّا ال نعي ذلك .مدن ال يمكن الخال�ص من بالغة هند�ستها ال�شاهقة ،ومتاهة عالماتها الداغلة ،وغواية رموزها المت�ضاربة ..مهما كانت مدمرة وب�شعة ومفزعة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 109
القا�ص محمد عزيز الم�صباحي
مراك�ش المدينة الأم
عالقة الإن�سان بالمكان ملتب�سة� ،أحيانا والخيال الواقع ،والعبث... تكت�سي رداء الأمومة ،و�أحيانا رداء الع�شق، �أع�ت�ق��د ج��ازم��ا �أن �ن��ي �أرت �ب��ط ف��ي كتابتي و�أحيانا رداء الألم والتيه ...الن�شاز الملفت في بمراك�ش� ،أ�شعر بدمائها الحمراء ت�سري في هذه العالقة تج�سده عالقة الكاتب بالمدينة عروق كل ن�ص �أكتبه ،وب�صفة جلية في ن�صي الأم� ،أو الحبيبة� ،أو الع�شيقة الخائنة ...المعنون ب «م��راك�����ش» ...مراك�ش البهجة المالذ �أو المنفى ...بو�صفها الوعاء الالزم والحزن ال�صامت ...المذابة من ثلوج الأطل�س الحت�ضان ما �سيرويه من �أحداث... الكبير ،والنازحة من حرارة «تافياللت» بوابة �إذا ك��ان م��ن ال �ل�ازم �أن ن�ت��ذك��ر نجيب ال�صحراء ،والمنفلتة م��ن �سهول و�سهوب محفوظ ف��ي عالقته ب��ال�ق��اه��رة ،ف�سيكون الحوز ...وقبل ذل��ك ..وبعد ذل��ك ..مراك�ش م��ن الأ� �ص��وب �أن نتذكر �أن نجيب محفوظ هي فكرة ون�ص خفي� � ،س��رِّ ي ...كل الذين ب��الإ� �ص��رار وال�ت�ك��رار ت�ح��ول �إل��ى معلَمة من حاولوا �سرده انهارت قواهم اللغوية... معالم القاهرة ...كان جزءا منها �أكثر مما ارت� �ب� �ط ��تُ ب �ه��ا ب �ف �ع��ل ح �ل �ي��ب �أم �ه��ات��ي كانت هي خلفية لأعماله ،كتب عن �أماكنها ومر�ضعاتي المراك�شيات المتعددات( ،)1ومع و�أزقتها و�أرواحها ونفو�سها وقلوبها ...كتب حليبهن ر�ضعت مراك�ش ممزوجة بحب �أهلها، عن نف�سه فيها .ال همّ له �سوى �أن يتكلم من �أهلي ،الذين لقنوني �أ�صول المغربة واللغة داخلها �أو تتكلم م��ن داخ �ل��ه ...على عك�س كاتب �آخر من طينة فرانز كافكا ،الذي رغم والتخييل ...كما تفعل كل الأمهات... لي�ست م��راك ����ش بالن�سبة ل��ي دروب �ه��ا، ق�ضاء ك��ل حياته ب�ب��راغ عا�صمة الت�شيك، ف�إنه ظل يطاردها وظلت ت�ط��ارده ،يكرهها وحوماتها ،و�شخو�صها ،ولغاتها ،و�أ�صواتها، وتكرهه ،خ�ص�ص روايته «المحاكمة» لير�سم وروائحها فح�سب ...بل هي كتلة العالقات وجهها التجريدي المحكوم بثنائية الحقيقة ،والروابط والو�شائج التي تربطني بها ،والتي
110اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ وعندما �أكتب م�ستح�ضرا «�أن��اي»� ،أك��ون قد ا�ستح�ضرت مراك�ش �أو ا�ستح�ضرتني ...حتى َر�ضتْ عليَّ الحياة النفيَ من مراك�ش عندما ف َ �إلى مدن وف�ضاءات �أخرى ،ظللت منتميا �إليها وجدانا ولغة ور�ؤيا...
تنبج�س مت�سللة داخ��ل ن�صو�صي من خالل اللغة وال�سخرية وحكايات النا�س ،ومن خالل المُثل المرتبطة برجالها المئات(� .)2أ�ستطيع �أن �أق��ول �إن وج��دان��ي طبع ب�إيقاع ق��راءات الجماعة «الجزولية» ل «دل��ي��ل الخيرات». وهكذا ،قبل �أن �أكتب عنها �أو بها كانت قد اقر�ؤوا ق�صتي «مراك�ش» وقولوا لي (كيف كتبتني ،في ن�سختي الأ�صلية غير المنقّحة .جاءتكم؟). ( )1كان من عادة الأمهات في الخم�سينيات وال�ستينيات من القرن الما�ضي� ،أن ي�سمحن ل�صديقاتهن وجاراتهن ب�إر�ضاع �أوالدهن حديثي الوالدة ،ليحققن لهم �إخوة �إ�ضافيين ،و�أمهات ثانيات ،وو�شائج قرابة مقد�سة. ( )2ولي�س ال�سبعة رجال التي ظلت عالقتي بهم م�شوبة بال�شك والتوتر ..با�ستثناء ال�شيخ محمد بن �سليمان الجزولي ،الذي ولدت عند عتبة �ضريحه ...حيث ظلت القراءات الجماعية لكتابه« ،دليل الخيرات» كل ليلة خمي�س ،ت�صدح بترتيل ا�سم محمد ...وكان ا�سمي محمد ...تطربني تلك الأمداح ،ف�أند�س بين القراء مم�سكا ن�شوانا بكتاب يمجّ دني!..
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 111
ال�شاعر الم�صري ع�صام خليل
مدينتي هي مقهاي (مدينتي هي مقهاي ،والمقهى هو وقت الكتابة ومكانها) �أقيم حالي ًا في الخبر بال�سعودية وكتبت عن �أن��ا اب��ن مدينة بمعنى المقومات ال�لازم��ة لهذه ال�صفة ،وابن قرية ل�ضياع المقومات في جيوب �آخرين .مدينتي التى �أراها لأيامٍ في ال�سنة: (ب �ي��ت ث�ق��اف��ة دك��رن ����س) ،ال�م�ب�ن��ى الفخم تركنا البلد يحوي مكتبة للكبار والأطفال ،وغرفا للأن�شطة ليبقى مت�س ٌع في ال�شارع، والموظفين ،وهو المكان الأول لك ّل مجتهد في لن�أكل ، الأدب .وهناك �سمعتُ �أول نقد -مفيد �أو غير ليكون الخب ُز �صاحياً مفيد -لكنّه يظل الثمن الذى يدفعه الفرد داخل قفا ُه كوجهه /تا ُم الحمرة والدقيق لي�س ليَ ن�صيبٌ َ �أول عتبات الثقافة في م�صر. أ�شخا�ص عرفتُ معدنهم حتى من ر�صيف البلدية ٍ بركة اهلل كانت في � العينُ كانت تُفرغ حمولتها من �ألمِ ال�شوارع، من �أول تنازل عن فارق العمر ل�صالح كبد وعيون الكتابة وتطويرها ،وكان المقهى المكان المقد�س م�شاهد فرحٍ وحزنٍ ،حنينٌ �صعب الو�صف للأهل �وات م��ن غربة تبدو ال الذي تُقبَل منه �صالح �أعمالنا من �شعر ونقا�شات والأخ���وة بعد ث�م��انِ ��س�ن� ٍ تنتهي ..ك ّل الم�ؤونة �أ�ضعها �أمامي ،ونتحاور. حول �أحالم و�أحالم كالحرية لنا وللبلد. مدينتي (دكرن�س) من �إقليم المن�صورة ،كلُّ حلَم ٍة في (دكرن�س) ومقهانا المعتمد ك��ان �أيًّ من �أرب�ع� ٍة على فر ِع حنانٌ �ضاربٌ في البطن للنيل ،المهمّ �أن �أجل�س برفق ِة �أحد وثالثنا النيل� ،أكتبُ و�أخبئُ الحب َر مع الأُرز كنّا نحوم حوله كك ّل الحيوات الأخرى� :أهل البلد ،تحت �شقف ٍة مترّبة، وق��وتُ البلد من ال��زرع والخُ �ضرة ،المدار�س ،جعّدها ق ّل ُة الحيلة ، والبيوت �سعيدة الحظّ بط ّل ٍة تربط الجذور باليوم و�أفط ُر على «كوبري» الم�صرف. التالي من الحياة. ال �شئ ممي ٌز في مدينتي غير ذكرياتي ،وجو ُد يمكن �أن �أق ��ول :ف��ي ال�ب��دء ك��ان النيل ..ثم �أهلي فيها ،ويكفيني واح ٌد منهم كي �أخلّدها في دماغي. م�شينا حوله.
112اجلوبة � -شتاء 1436هـ
لي�س ه�ن��اك مدينة م�ح��ددة ت�سري دم��ا�ؤه��ا في ن�صو�صي .المدينة التي تح�ضر في كتاباتي� ،أحيانا، هي مدينة متخيلة� ،أتخيل في كل م��رة ،مدينة تكون م�سرحا لحدث ق�ص�صي ،و�إذا �أردت �أن �أك��ون دقيقا �أكثر في جوابي ،ف�س�أقول �إن��ي ال �أتخيلها بالمفهوم ال�صحيح للتخييل ،بل هي وحدها تح�ضر ،و�أنا �أ�سرد ن�صا ق�ص�صيا ج��دي��دا .ه��ي مدينة ب�لا ا��س��م ،وبال مالمح ،ي�ستطيع من خاللها المتلقي التعرف عليها. هي ف�ضاء غريب كل الغرابة عن المدينة التي �أعي�ش فيها ،وع��ن �أي مدينة �أخ��رى من المدن التي زرتها و�أع��رف�ه��ا ،ال��دار البي�ضاء التي ول��دت ون�ش�أت فيها و�أعي�ش فيها الآن ،يمكن �أن �أ�شبهها ب « ف�ضاء» مركز، �أو م�صنع كبير لإنتاج الأف�لام .بداخله الع�شرات من «الأمكنة» الأ�ستوديوهات التي ت�ضم مناظر تتفاوت في طريقة ت�شكيلها ،بنائها وكيفية ت�صورها .في داخل هذا الم�صنع «الف�ضاء» الكبير� ،أبني «�أمكنة» ،مدنا بِحاراتها و�شوارعها و�أزقتها ،فالدار البي�ضاء كف�ضاء ال تعنيني بالأ�سا�س ،بالقدر الذي يعنيني كيفية ت�صوري للمدينة «الأخ���رى» التي تح�ضر في مخيلتي بكل ما
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
عبد الحميد الغرباوي قا�ص وروائي مغربي ي�ؤثثها� .أنا ال �أكتب عن مدينة الدار البي�ضاء ،و�أكتب عن الأخرى التي �أتخيل� ،أو تح�ضرني لحظة الكتابة. �أما �إذا �أردت �أن �أعك�س مدينة الدار البي�ضاء في ن�ص ما ،وبعبارة �أ�صح �أن �أ�ستح�ضرها في كتابة ما، فلن �أكتب بالت�أكيد �إبداعا ..بل �س�أكتب مقالة تتحدث، مثال ،عن و�سخها وانعدام الأمن فيها .وعليه ،فلي�س لي ارتباط �أدبي وثيق بمدينة بعينها .فحيثما وجدت �أكتب .ال �أكتب �إال عن المدينة التي في ر�أ��س��ي ،في مخيلتي ..ولي�س التي �أك��ون حا�ضرا فيها .ال�شخو�ص والأمكنة هي خليط من هنا وهناك .قد �أ�ستعير مكانا عتيقا من مدينة �أوروب��ي��ة �شاهدته مثال في �شريط �سينمائي ،و�أ�ضيفه �إلى مكان ر�سخ في ذهني من مدينة عتيقة في �أق�صى المغرب ،و�أ�شكل منهما ف�ضاء يخدم عملي الق�ص�صي .وقد �أكتب عن موظف في مواجهة مدير عمل متعنت و�أنا �أ�ستح�ضر مكانا في قلب باري�س. ال حدود جغرافية للكاتب �أثناء الكتابة ،العالم ب�أ�سره في متناوله بقاراته ،ببلدانه ،بمدنه وقراه و�شخو�صه، ف�ضاءات لكتابته.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 113
القا�ص الم�صري �شريف �صبري
مدينتي ق�ص�صي يحتمي الروائي بالمدينة ،ي�ضبط �إيقاع عالمه على عالمها ،يعيد بكلماته بناءها ،ب�شوارعها ونا�سها وروائحها .يت�أملها طويالً :كيف ت�شكلت.. كيف تحوّلت؟ �أما كاتب الق�صة الق�صيرة ،مثلي، فهو يحتمي بالهام�شي ،والعابر .يدخل المدينة خائف ًا يترقب ،ومهما عا�ش فيها تظل عالقته بها متوترة ،وعدائية ،ولو كان عداء م�ضمراً .ال ير�سم لها �صورة كلية ..بل دائم ًا يراها مجز�أة مت�شظية. عالقة الروائي بمدينته ،قائمة على الألفة التي تدفعه ال�ستثمارها كم�شروع �سردي ممتد ،بينما كاتب الق�صة ال يعرف �أي ف�ضاء �سردي �سوف يخو�ض م�ستقالً .ربما يكتفي بمقهى� ،أو قطار، �أو �شجرة ك��اف��ور على �شاطئ نهر� .أذك���ر �أنني ر�أيت ذات مرة �سيدة �أنيقة تدلف �إلى كني�سة في الكويت ،فكتبت ق�صة «خطيئة الكعب» ،ولو كنتُ روائي ًا لكتبت عن الكني�سة ذاتها ،عن معمارها وتاريخها في الخليج المحافظ. وعندما هبت عا�صفة رملية ال مثيل لها ،كتبت عن ت�أثير العا�صفة وتعرية الب�شر وال�شوارع تحت وط�أتها .كانت «العا�صفة» كفعل تدميري مباغت.. هي ما ي�شغلني في ق�صة «�شعر غجري تتطاير منه الحجارة» ،ولي�س ر�سم مالمح مدينة الكويت. لي�س معنى ذلك �أن الق�صة الق�صيرة هي �سرد
114اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ال ف�ضاء له ،لكنها متجذرة في «زمكانية» عابرة، وم�ؤقتة ،تت�أرجح في المفارقة بين زمكانيتين متباعدتين ،كما ح��دث معي كثير ًا عندما �أجد ن�صي معلق ًا بين «القاهرة الكويت» ،م�ستثمراً، �أو م�ستك�شف ًا تجربتي ال�شخ�صية والحياتية طيلة ع�شرين عام ًا ق�ضيتهما بينهما بالت�ساوي ،من دون �أن �أن�سى لحظة �أنني غريب عنهما .جئتهما من �شمال الدلتا ،من قرية ب�سيطة ال تبعد كثير ًا عن �صخب البحر المتو�سط ..في القرية تع�ش�ش ذكرياتي الأولى وطفولتي ..و�أي�ض ًا يراودني البحر كثير ًا في �أحالمي. وهكذا ،ت�شكل ف�ضاء ن�صي ،ما بين المدينة «القاهرة الكويت» كم�صادفة قدرية� ،أو �إكراهية.. ب�م��ؤازرة «القرية البحر» كمالذ ،حلم ،طفولة، فردو�س مفقود� ،أول الرحلة والوعي .عبر �أربع مجموعات ق�ص�صية نُ�شرت لي ،ي�صعب �أن يت�شكل ن�صي خارج هذا الف�ضاء الرباعي. وك ��أن ن�ص الكاتب ،ه��و بطريقة م��ا� ،صورة لوجوده ال��ذات��ي .فعندما �أكتب عن «القاهرة»، ف�أنا �أكتب «قاهرتي» الخا�صة ،كما ِ���س��رْتُ في �شوارعها ور�أيتها ،وت�ألمت فيها ،وال عالقة لها ب��ـ«ق��اه��رة» نجيب محفوظ ،المعبرة �أي�ض ًا عن ذاته .وال �أدري �إلى �أي مدى انتبه النقاد �إلى �أن محفوظ يكتب عن �شرقي القاهرة فقط ..ولي�س
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
غربيها ،وعن القاهرة الإ�سالمية �أكثر مما يكتب عن القاهرة الخديوية ..في الأخير ،لم يكن يكتب عن تعقيدات المدينة الكبيرة بقدر ما كان يكتب عن حي الح�سين ..حيث ولد ور�أى الوجود هناك. ولأنني لم �أولد مثله فيها ،ف�إن م�سافة اغترابي كانت �أق��وى ،فقد كتبت عن عين �شم�س �شرق ًا و�شارع الهرم غرباً ،دون �أن ي�شغلني المكان قدر ان�شغالي بالعابرين ،والنازحين من الريف مثلي. في �آخر مجموعة لي «بي�ضة على ال�شاطئ»، كنت م�شغو ًال بفعل «الخروج» ،النزوح بين المدن وال��ب�لاد ،ب��دء ًا من قرية �شمالية بعيدة ،م��رور ًا بالقاهرة والكويت ..بحث ًا عن حياة �أف�ضل� ،أو لالرتقاء �إلى طبقة اجتماعية �أعلى. الخروج هو فعلنا الإن�ساني ،الحميم ،والعميق، ن�ب��د�أه م��ن رح��م الأم ..ث��م نوا�صله ب�لا ه��وادة، لت�صبح المدن ،كل المدن ،مجرد نقاط انف�صال، ننف�صل عنها �إلى ما ال نهاية ،فيما تظل تراودنا �صورها الغائمة وذكرياتنا فيها. ودائم ًا �أ�شعر بالمدينة وهي تنكم�ش وتتال�شى في روحي ،وفي ن�صي ،كجغرافيا ،فيما يكبر فعل
الإن�سان واغترابه و�ألمه وهام�شيته .هل يحدث ذلك مع الروائي؟ ال �أدري! في الرواية ،تبدو لي المدينة متزنة ،وم�ستقرة: متاجر ،وب�ن��اي��ات ،و��س�ي��ارات �أج ��رة ،والف�ت��ات. �أما المدينة في الق�صة الق�صيرة ،فهي �شاحبة ومهتزة ،و�إن ظلت تمار�س وط�أتها على فعلنا الإن�ساني ،وم�صائرنا. هل �أزعم �أن الروائي يلتقط �صورة فوتوغرافية بانورامية للمدينة؛ �أما كاتب الق�صة الق�صيرة فيكتفي بكتابة جملة بذيئة على �سورها المتهدم؟! ال �أملك قدرة �إ�صدار �أحكام قاطعة ،ومريحة، لكن م��ن واق ��ع تجربتي ال�خ��ا��ص��ة ،ف� ��إن ق��راءة «القاهرة» �أو «الكويت» في ق�ص�صي� ،سوف تتطلب وقت ًا و�صبر ًا ِل َل ْملَمِ ة �شظايا و�شذرات .وقد يكت�شف مَ ن يفعل ذلك �أن ما قلته عنهما ال ي�ستحق العناء، لأنه ال يختلف كثير ًا عما يمكن قوله عن طهران �أو الريا�ض ..وربما هو قدري ككاتب ق�صة ق�صيرة يكتب عن مدن يكرهها� ،أو على الأقل يعجز عن ر�ؤيتها ب�سبب ولعه بالتفا�صيل الهام�شية .تلك التفا�صيل التي تدو�سها المدن بال رحمة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 115
ال�شاعر جمال �أما�ش
ال�س ُ نابل تنبتُ ّ ُ حيث ال تدري مراك�ش مدينة قريبة مني ج��دا ،كظل ال يفارقني ف��ي ح�ي��ات��ي ،ف��ي الم�سكن والملب�س وال�ك�لام ،في الحب والأل��م ،في ال�شتاء �أو في ال�صيف ،في الطريق �إلى بيتي� ،أو في قطار منها �أو �إليها ،الأح�ي��اء ،والأب ��واب الت�سعة تعرفني، من خطواتي ،من لم�ساتي ،ومن نا�سها الذين يحدقون ف��يَّ ،ب��اح�ت��رام وبمحبة فائقة ,كلما �أح�س�ست بقلق ما� ،أو باكتئاب ج��راء توتر ما، ب�سب �إحراج ما� .أبحث في مراك�ش ،عن مو�سيقى تخفّف ع��ن �أ�ضلعي ثقل ال��زم��ن .كلما دخلت أح�س بهناء أح�س بروحي ،في بيتها � ُّ المدينة � ُّ كبير ..تزول الحدود ،تح�ضر العاطفة وذاكرة الطفولة؛ قد �أبحث عن عثراتي� ،شغبي الجميل، وتلقائيتي العاقلة .لل�صدفة قدرها و�إكراهاتها التي ن�ستقبلها ب�صدر رحب .وكلما خرجت من مراك�ش ،تتبدل اللغة والم�سكن وهوية الكلمات.. تكبر الحدود بين ال�شخ�صية وم�آلها. مراك�ش �أعطتني ماءها ،روحها ،هواءها، و�أع�ط�ي�ت�ه��ا دم��ي ال ��ذي ين�ساب ف��ي ع��روق��ي، الجنائن التي ت�سكعتُ في جنباتها ،تعرفني من �أقدامي الم�شققة ب�أحجارها� .أعرف �أنني تعلمت فيها �أنواع الطيور ،والأزهار والأ�شجار .و�أعرف
116اجلوبة � -شتاء 1436هـ
�أنني �ضيعتُ فيها وقتا كبيرا في تعلم الحياة. الجنائن والمقابر م�ساحات �أخ��رى الكت�شاف ال ��ذات ،حيث الف�ضاء المطلق ن�� ٌّ��ص يتنف�س �أرواحنا التي ن�سقيها بماء ال�س�ؤال. ال يمكن �أن �أن�ك��ر ف�ضاء جامع الفنا ،فيه ت�شبعت ب��أ��ص��وات �سردية وروائ �ي��ة ،بحركات الحكواتيين ..وبن�صو�صهم ال�شفوية ،الغنية بالرموز والمالحم والحوارات ،التي ال تنتهي؛ م�سرح متحرك يمتد على طول اليوم من الفجر �إل��ى ال�ف�ج��ر؛ ال��زم��ن ف��ي الحكاية ،ولي�س في دوران الأر�ض وال�شم�س� ،أو زوالها ،حيث الليل زمن مكثف بن�صو�ص �أخرى ،تنفتح على حيوات �أخرى ،للزائر والقادم وابن الدار. مراك�ش لي�ست تاريخا� ،أو عمارة مرابطية- القبة المرابطية� -أو موحدية-الكتبية -او تاريخ ًا �آخر ،حديثا �أو معا�صرا ,قبور ال�سعديين، ق�صر البديع الخ .ولكنها عمران ب�شري كما قال ابن خلدون .لها هيبتها المعمارية التي ت�ؤرخ لأزمنة و�أ�سر و�أ�سالف مروا منها� ،أو ا�ستقروا بها� ،أذك��ر الرجاالت ال�سبعة ،وكل مَ ن �أتت به محبة الهواء والنخيل والكالم المر�صع والحرف البراق؛ ولكنني �أح�سها في عالقاتي ال�صغيرة،
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ في �أ�سرتي ..في �صورة �أب��ي معلقة في بيتنا ،مراك�ش ،و�أخجل من �أ�سوارها ،التي علمتني �أن تذكرني بالخوف م��ن الآت ��ي ،بما راكمتُه من �أقول ال لالنغالق والركون �إلى الداخل. عثرات ،في حرارة �أمي التي �أ�صبحتْ ال تعرفني ما �أكتبه من ن�صو�ص �شعرية جديدة ،تمتح بعيونها ،ولكن بلم�سة دمها في يدي. من زياراتي المتعددة للحيِّ ال��ذي ول��دت فيه، م��راك ����ش ال �ي��وم تبتعد ع �ن��ي ،وت�ب�ت�ع� ُد عن حَ يُّ باب دكالة ،كتابة للمحكي المكاني ومحكي جلدها؛ االكت�ساح المعماري والعمراني والب�شري الطفولة وال�شباب؛ مدر�سة الطفولة ،خ��ارج الداخلي والأجنبي.اليوم �أدخل �إلى منزلنا ،في ال�سور ،كنت �ألعب الكرة مع �أق��ران��ي ،نت�سكع في الجنائن ،وفي المقبرة .نلعب لعبة الحرب، دربنا بالمدينة القديمة -التي �أ�صبحت تبتعد ن�ستعد بما تملكناه م��ن ذك��اء وم�ك��ر وده��اء، �أي�ضا -وال �أعرف نا�سه� ،أ�صادف �أجانب في كل نحتاط من كل قذيفة� ،أق�صد حَ جَ رة ،ونحتفل مكان� ،أ�صبحوا جيرانا لأمي! بانت�صاراتنا على الخ�صوم ،نحت�سي قليال من لم �أعد �أمر كما �سبق ،ال يعرفني النا�س كما البي�صارة(فول مدقوق وم��اء) .نمتهن المهن أح�س بغربة م�ضاعفة� ،أفقد حمرة ال�ت��ي ت��وج��د ب��ال�ح��يّ ،بيع الخ�ضار وال�سجائر من قبلُّ � ،
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 117
بالتق�سيط ،وفاكهة ال�شوك� ،أق�صد ال�صبار، وغيرها ،حيث نق�ضي النهار في ال �شيء ،خا�صة ّاب، في ال�صيف .نتعلم ما تي�سر من القر�آن بال ُكت ِ نت�شاجر كل يوم تقريبا .كبرنا قبل الوقت،ا�شتغلنا كثيرا قبل �سن المراهقة .ا�شتغلت في عدة مهن ل�شراء كتب الدرا�سة� ،أو ال�سفر مع �أ�سرتي في العطلة ال�صيفية .وبالمنا�سبة كانت م�صدر رزق لي ولأ�سرتي �أحيانا ،خالل غياب �أب��ي ،وكانت م�صدر علم ودرا�سة �أي�ضا ،لوالها لكنت من بين منتخب �أطفال الحي الم�شردين ،الذين ينامون على جنبات الطريق .ربما ال�صدف ت�أخذنا �إلى حقول �أخ��رى ،لأن ال�سنابل قد تنبت حيث ال تدري. الن�صو�ص الأول ��ى كتبتُها ،و�أن��ا �أم�شي في طرقاتها ،بين جنائنها ،ربما �أبحث عني في غيم الم�سافات؛ كتبت ن�صو�صي الأولى في حاناتها، وهوام�شها ،عن الحب والألم والوطن ،في «تاركة بول» ،في «توفليحت» في الطريق �إلى ورزازات، �صهريج المنارة ،وحدائق �أك��دال ،وفي غيرها من الأمكنة التي تحت�ضنني كغريب العائلة. �أكتب� ،أحاول و�أم��زق ،وال �أحد يعرف �شغبي الجميل ،ال��ذي وجدته ربما في لقاء مجهول، و�أن ��ا �أخ �ط��ط لأف��ك��اري� ،أل �ع��ب بالكلمات كما ح��واة الأف��اع��ي ،ونا�سجي الخيوط في �ساحات المدينة .حين طُ لِب مني �أن �أكتب �أول مرة عن مراك�ش ،من طرف مجلة «�آفاق مغاربية» ،بداية الت�سعينيات ،لم �أتردد ،كتبت ن�صا �شعريا بدون توقف« ،عن مراك�ش �أبكي وتنزف مني �أطالل ح��ب» ،كما كتبت في مجلة �أخ��رى عن الفنان المراك�شي الراحل عبا�س �صالدي ،وغيرها.
118اجلوبة � -شتاء 1436هـ
الن�صو�ص التي �أكتبها اليوم ت�شبهني ،تعك�س ثقافتي ،وطريقتي في الحياة بمراك�ش ،تلم�س فيها عالقتي بالكلمات والأ�شياء التي تلقيتها في مختلف �أمكنة المدينة و�أحيائها و�أ�صواتها. المدينة تختفي ،الجنائن تختفي ،ليختفي الهواء في جيوب الم�ستثمرين في الأر���ض وفي الهواء .الثقافة لي�ست نقطة �أولى في برامجهم، لأنها في نظرهم ترفيه،ال يحتاج �إلى �إمكانات �أو اعتبار ،والنتيجة خ��راب العقول وال�ضمائر والقيم .الكتابة ال ي�ؤمنون بها �إال في مكاتب الموثقين والعقاريين ،هم يبحثون عن ن�صو�ص ثقيلة ب�أر�صدتها في الأ�سواق والبنوك� ،أما �أنا ف�أبحث ع��ن ن�ص جديد ينع�ش عزلتي� ،آخ��ذ جرعة من عاطفة الأم ،و�أتفقد �أ�صابعي في حيطان بيت الطفولة .ال �أملك �إال بع�ض كلمات وحروف ،ت�شدني من ر�أ�سي وتقذف بي في بئر �أفكار دمرتني ورمت معاطفها ،وبقيتُ وحدي عاريا �إال من ا�شتعال ثلج في ي��دي� .أخطو وال أحر�س نب�ضا يكرر عثراتي ،كلما هوتْ �ألتفتُ ،و� ُ ب��ي المنخف�ضات� ،أن�ب�ع��ثُ م��ن رم��اد الكلمات كطائر الفينيق. ونا�س يتبادلون ن�صو�ص ،كلماتٌ ٌ ، ٌ مراك�ش الأدوار ف��ي ال ��زم ��ان ،وف ��ي ل�ع��ب دور البطل الأ�سطوري كما �أري��د لها� .أم��ا �أن��ا ف�أبحث في دروبها ،طرقها ،مائها وتاريخها عن دمي ،الذي ينب�ض في ر�أ�سي .المدينة بد�أت تفقد هواءها، طقو�سها ،بما حلَّ بها من حداثة الزمن ،ال �أطلب منها تعوي�ضا عما �أخذته مني من �أ�شالء ،فقط �آخ��ذ ج��زءا من كياني ،و�أعطيها توابل لغذاء �أرواحنا ،التي تحيا بماء الكلمات.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
الروائي �أحمد الكبيري:
و َّزان تلك المدينة ... في بداية الثمانينيات من القرن الما�ضي، لما ح�صلت على �شهادة البكالوريا� ،أح�س�ستني �شبيها بع�صفور كبرت له فج�أة �أجنحة ،و�أ�صبح ب�إمكانه �أن يترك الع�ش ويحلق بعيدا ..لم تكن لي وقتها خيارات كثيرة� ،إم��ا مغادرة مدينتي ال�صغيرة «وزان» لمتابعة درا�ستي الجامعية بكلية الحقوق بمدينة فا�س� ،أو الجلو�س بقاع ال��درب في انتظار اجتياز �إح��دى المباريات.. لولوج �سلك التعليم �أو الجي�ش .هذا النوع من الوظائف ،هو كل ما كانت �شهادة البكالوريا وقتئذ تفتحه من �آفاق.
وكلي عزم على موا�صلة التحليق في ف�ضاءات التح�صيل والمعرفة� ،شعرت ،ولأول م��رة في حياتي ،على الرغم من �سفريات �سابقة ،بوقع الفراق ،فراق المكان ،عليَّ �شديد ًا تهاوت من ثقله بنياني ،وت�صدعت بداخلي كل الجبال. واكت�شفت كم �أحب هذه المدينة.
تلك الليلة التي كنت �س�أغادر في �صبحها المدينة ،لم �أن��مِ .ب��تُّ �أناجي المدينة كفقيدة عزيزة �أ�شيعها �إل��ى مثواها الأخير ،وت�شيعني هي �إلى تيهي .لم يكن ينق�صني �إال النائحات لتكتمل �أن�شودة ال ��وداع� .أفرغتني بحرقة من ولأني اخترت مغادرة الع�ش /وزان �إلى فا�س ،كل الخواطر والكلمات ،وبللت �أوراق��ا عديدة
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 119
كنوع من الخال�ص .وكل ما كتبته تلك الليلة في مخيلتي ممزوجا بملح العين ومائها ،كان عن «وزان» المدينة ،ولي�س عن �أي �شيء �آخر ..وزان عبق التاريخ ودروب الذكريات .وزان المدينة والمدا�شر والقرى التي تبدو من ر�أ�س جبل �أبي هالل ،تلمع و�سط خ�ضرتها كما تتلألأ في الزرع �شقائق النعمان .وزان الزقاق والم�سجد والحمام وال�صوامع و�أجرا�س الكنائ�س .وزان الأ�ضرحة والمقابر و�أولياء اهلل .وزان الواقع والأ�سطورة. وزان الم�سلمة التي ر�سمت و�شما يهوديا و�سط دقنها ك�سيالة تجملها ،ا�سمه المالح .وزان محج �أهل الورع والبركات والدراوي�ش والباحثين فيها عن ال�ضمانة وال�سلم والأمان كدار �أبي �سفيان. وزان الأ�صالة والمو�سيقى والت�صوف والرق�ص على �سكاكين الح�ضرة والزهد .وزان ال�صهد والجفاف ورب�ي��ع بكل الأل���وان .وزان الأ��س��واق والحلقة وال�م��زاب��ل وال ��دواب وف�ن��ادق البهائم والتائهين .وزان العامة من النا�س وال�شرفاء. ق�صور وب�ي��وت واط �ئ��ة .وزان الأزق ��ة ال�ضيقة والأفران الملتهبة و�ساعة �شاهقة ت�شهد ال�سماء على �أعيادنا وموا�سمنا ورم�ضان .وزان اللهجة والخ�صو�صية و�شجر التين وال��زي�ت��ون وعبق الرياحين. هذا الحب الذي �أُكنّه لهذه المدينة الجميلة ف��ي ع�ي��ون��ي وع �ي��ون �أب �ن��ائ �ه��ا ،ه��و ال ��ذي جعل حنيني يعيدني �إليها عبر دروب الكتابة ،بعدما ت�ع��ذرت عليَّ ال�ع��ودة �إليها واال��س�ت�ق��رار فيها. ف�سمفونية الحنين ت�ستعمل فيها كل �آالت الطرب الإن�ساني ..من ناي الحزن ،وقيثار الألم ،وعود اللوعة ،وك�م��ان ال ��روح ،و�إي �ق��اع القهر ،وبيانو ال�ع�ن��اق ،وم��واوي��ل النحيب� ..سمفونية عذبة
120اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وموح�شة وقاهرة َلمّا يكون المغني هو الفقدان.. ويكون الم�ستمع الوحيد في الحفل هو الكاتب. لقد ظلت المدينة ت�سكنني و�أ�سكنها ،لذلك جعلت م��ن الحكاية ��س��واء ف��ي رواي �ت��ي الأول��ى «م�صابيح مطف�أة»� ،أو الثانية «مقابر م�شتعلة»، �أو «�أر�صفة دافئة» ..مطية للعودة �إل��ى المكان ال��ذي افتقدته منذ �سنين لإع��ادة ا�ستك�شافه، وتمثله بنية رد االعتبار �إليه ،واالنت�صار �إلى �أهله ،و�إ�سماع �صوتهم للعالمين ...تقول الناقدة زه��ور ك��رام في قراءتها لـ«م�صابيح مطفاة»: «عودة ال�سارد مجرد ذريعة فنية ،لال�ستر�سال في الحكي عن المكان و�أنا�سه و�أ�سئلته .عن الزمن الما�ضي الذي كان مفتوحا على الأحالم والآم ��ال ،عن الحا�ضر بو�صفه زمنا رتيبا لم يعرف التحوّالت االقت�صادية واالجتماعية ،مما �أدى �إل��ى العبث واالنتحار والجنون والجريمة والموت البطيء.»... طبعا ال يدخل ما كتبته في �سياق ال�سيرة الذاتية ،و�إن ك��ان ال بد من االع�ت��راف ب ��أن ما هو ذاتي حا�ضر بقوة �ضمن العنا�صر الأ�سا�س، والمكونات المتعددة والمتداخلة فيما بينها لكتابة ك��ل عمل تخييلي .وك�م��ا ي�ق��ول الناقد محمد معت�صم في درا�سة تناول فيها �أعمالي الروائية« :ف�إذا كان ال�سفر محركا فعليا لل�سرد في «م�صابيح مطف�أة» ،ف���إن المكان /الإقامة محرك فعلي لل�سرد في «مقابر م�شتعلة» ،وبين مفهومَ يّ الزمان والمكان يتغير ال�سرد ويت�شكل. ففي الزمان يجد ال�سرد حقيقته .لأنه ا�ستمرار وت �ح �وّل وح��رك��ة .بينما المكان يجعل ال�سرد عاجزا عن التحوّل دون الح�ضور القوي للو�صف بم�ستوياته ال�م�ت�ن��وع��ة ..وخ�صو�صا الو�صف
وهنا ال بد �أن �أ�شير ب�أن المكان بكل دالالته وحموالته كان حا�ضرا بقوة في وعيي والوعيي، على اعتبار �أن ما حاولت تمريره من خطابات هو محاولة مني لت�سليط ال�ضوء كنوع من العرفان ورد لالعتبار لهذه المدينة ،التي لم ي�شفع لها تاريخها وال موقعها وال زاويتها وال ن�ضاليتها ..من �أن تحظى باالهتمام الالزم لتنميتها اقت�صاديا واجتماعيا وثقافيا؛ بل على العك�س من ذلك، تُركت كالعديد من المدن المغربية العتيقة، لحالها ،تقا�سي عزلتها وت���داري ه�شا�شتها، عر�ضة لمخالب الفقر والجهل والب�ؤ�س والبدونة، وما ي�ستتبع ذلك من مظاهر االنحراف ،وتدنّي م�ستوى التعليم ،وارتفاع ن�سبة الجريمة ،وتبدّل القيم .يقول ال�شاعر جمال المو�ساوي في قراءة لـ «مقابر م�شتعلة»�« :إنه من ال�صعب �إنجاز قراءة واف�ي��ة ل�ه��ذا العمل ال��روائ��ي المنتقد ال�ساخر الهادف �إل��ى و�ضع الإ�صبع على ق�ضايا عديدة في الوقت نف�سه ،لكنها ق�ضايا تلتقي في �ضرورة �إعادة االعتبار للإن�سان ،الإن�سان المغربي ،ورفع التهمي�ش عنه وعن الطاقات الكامنة فيه ،بما يعيد �إليه حريته في التفكير واالنطالق ،وتمكينه من اعتناق �أحالمه بال�شكل الذي يريد ،بعيدا عن الت�أثيرات الخارجية والو�صاية التي تحوّله �إلى كائن هجين ومدجّ ن.»..
يقول الناقد محمد بوعزة عن «م�صابيح مطف�أة»« :تركز على ع��ودة ال��ذات من ال�شمال �إل ��ى ال �ج �ن��وب ،ح�ي��ث ي�ت��ول��د ن�سق ج��دي��د ك��ان مهم�شا ومغيبا في الرواية الح�ضارية ،يد�شن منه ال�سارد م�سارا جديد هو ا�ستعادة المكان المحلي بوعي ال����ذات .»..وبالفعل و�أن���ا �أكتب ال��رواي�ت�ي��ن ،ح��اول��ت �أن ي�ك��ون و�صفي للمكان ا�ستك�شافيا ،انتقائيا ودقيقا ومركزا وبعيدا عن �أي غلو تكون الغاية منه ،كما في بع�ض الكتابات، هي ت�ضخيم العمل ،وت�سويد �أكبر عدد ممكن من ال�صفحات ،بل جعلت من المكان� ،إ�ضافة �إلى كونه الوعاء الذي تدور على ركحه الأح��داث.. وتت�شابك فيه الم�صائر ،هو �أي�ضا محور �أ�سا�س في بناء الروايتين ،وي�ساعد على تطور الحكاية وترابط الأحداث ب�صفته منتجا للثقافة والوعي والقيم والمواقف .وهو ،ربما ال�شيء الذي يوهم ال�ق��ارئ ،بحقيقة الأمكنة وواقعيتها؛ مع �أنها مجرد حالة وجدانية تعي�شها �شخو�ص الروايات.. كل من زاوية نظره ،وذائقته الجمالية ،ومكانته االجتماعية داخل الف�ضاء العام لتلك الأمكنة. والدليل على ذلك� ،أن العديد من قرّائي ،الذين زاروا المدينة بعد قراءتهم لرواياتي ،لم يجدوا �إال �أني ككاتب ،ال �أرى �أنه من الممكن �إعادة في الواقع تلك المدينة التي كتبت عنها .تلك االعتبار للإن�سان وحفظ حريته و�صيانة كرامته ،المدينة ،كانت في خيالي وذاكرتي ووجداني ما لم يكن هنالك اهتمام بمجاله وبيئته وذاكرته ولغتي فقط!
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
الم�سرود »..وي�ضيف ،في نف�س الدرا�سة في فقرة �أخرى�« :إن �سيرة المحجوب ال تروي فقط حكاية حياة �شخ�صية� ،إنها تروي حكاية مدينة وحكاية وطن.»...
وثقافته وقيمه .و�أعتقد �أن ف�ضاءاتنا كيفما كان نوعها ،هي الكفيلة ب�صيانة هذه القيم والحفاظ على الهوية ،بل هي الكتاب الحقيقي الذي �سيقر�أ فيه حفدتنا تاريخ �أج��داده��م .ولذلك .عندما و�صفت الأمكنة في رواياتي ابتعدت بوعي ،قدر الإمكان ،على �أن يكون و�صفي تقليديا.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 121
�إبراهيم الحجري -ناقد وروائي من المغرب
مازكان :مدينة ا�ستعادة الأحالم والت�صالح مع الذاكرة لكل كاتب مرجعياته الواقعية التي ي�ستمد منها مادته ومعطياته خا�صة على م�ستوى ال�سرد. فغالبا ما ي�ؤثر فيه عالمها الواقعي ويومياته التي �ست�ؤثث ذاكرته ،منذ �أيام ال�صبا �إلى �أن ي�شيخ؛ وحتى لو غيّر المكان ،تظل المدينة �أم الر�أ�س حا�ضرة بقوة في الذاكرة ،وحا�ضرة في �إبداعه ال�سردي في كل الأعمال ،ب�شكل من الأ�شكال� .إن الحياة الأولى ،وال�صرخة الأولى ،والطعم الأول، والقبلة الأول��ى ،واالحتكاك الأول مع العالم لن يمحى �أبدا بتغيير المكان والزمان ،وك�أن المدينة التي نولد فيها تب�صمنا بطابعها الخا�ص.
يتحوّل ،بفعل ميكانيزم الإبداع� ،إلى وجود �إن�ساني كلي .فعادة ما يكون الم�شترك الذي ن�ست�شعره، ب�شكل ج�م�ع��ي ،م��ن خ�ل�ال مالم�ستنا ل�ل��واق��ع المعي�ش ،متواجدا في االعتيادي والب�سيط الذي ينفرط من بين �أيدينا دون �أن نعيه بحكم تكرره �أمام �أعيننا و�إح�سا�سنا المفرط بتداخلنا المزمن معه ،حتى �إنه يملأ علينا كل الفجوات ،وي�سكننا مثل الهو�س ..من دون �أن يترك لنا فر�صة للتفكير بعيدا عنه ،وتخيل عوالم �أخرى غريبة عنه كليا �أو جزئيا من غير �أن تكون له من خاللها تمثيال ما ل�سماته وخ�صو�صياته.
ن�ستلهم م��ن مدينتنا الأث �ي��رة على م�ستوى ُول��دتُ في قرية خ�صبة تدعى «�أوالد �أف��رج»، الوجدان� ،أحداثا و�شخ�صيات و�أمكنة و�أزمنة ...ترب�ض ب��وداع��ة في �سهل دك��ال��ة ..حافلة بغطاء نراها مف�صلية في ت�شكيل الوجود الذاتي الذي نباتي وفير ،خا�صة الكروم و�أ�شجار الكاليتو�س
122اجلوبة � -شتاء 1436هـ
ب�ع��د ال�ع���ش��ري��ن ،ج�ل��ت ال �م��دن مثلما جلت الأ���س��واق ،وات�ج�ه��ت غ��رب��ا نحو عا�صمة دكالة «م���ازك���ان» ،المدينة ال��ت��ي زاح��م��ت ال�ق��ري��ة �أم الر�أ�س في الح�ضور والع�شق .ت�سللت �إلى الدماء والخاليا مثل رذاذ ناعم ،خفيف .و�سكنت القلب. لم �أرها يوما بعيدة عن قريتي المع�شوقة الأولى، كانت �صورة �أخرى للخ�صب الذي ترعرعت فيه، الخ�صب الذي �أجَّ جَ ُه ح�ضور بحري باذخ .المحيط الأطل�سي ال�شهير في الواجهة المديدة ،وغابة ق��د ي �ك��ون ه ��ذا االف �ت �ق��اد ل�ل�م�ك��ان وال��زم��ان الحوزية التي تظلل الذكريات والخطوات الأولى الخ�صبين دافعا قويا �أي�ضا للكتابة ال�سردية ،نحو الكتابة ،والرمال التي طاردت فيها رفقة �شلة
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
ال��ت��ي تظلل ك��ل جنباتها وباحاتها و�أ���س��واق��ه��ا. وترعرعت فيها ذاك��رت��ي ،وت�شكلت �شخ�صيتي �شيئا ف�شيئا ،من دون �أن تكون لي فر�صة لل�سفر بعيدا عنها الكت�شاف مناطق غيرها �أو مختلفة عنها .فغالبا ما كانت زياراتي العائلية ال تتجاوز تخوم دكالة ،وهي في الغالب ت�شترك ال�سمات الجغرافية والثقافية نف�سها .لم �أكت�شف ،قبل الع�شرين ،عوالم غير هذه التفا�صيل التي ر�ضعتها مع الحليب .لذلك ظلت هذه العوالم ت�سكنني لما ابتعدت عنها في مرحلة ال�شباب� .أح�س�ست �أنني افتقدت جزءا مهما من كينونتي :ذلك الخ�صب المترف ،والعالقة التي تربطني بالتراب والماء والطبيعة ،وفي هذا البعد ،كان يج�سد هذا الع�شق ح�����ض��وره ف��ي �شكل ا�ستيهامات و�أح��ل�ام ور�ؤى و�سرود.
�إذ �أ�شعر ب�أنني ،من خ�لال الكتابة والتو�صيف ل��ل��ع��وال��م ال��ت��ي �أ�شتهيها وت�ح���ض��رن��ي ب �ق��وة في الغياب ،بل وتحا�صرني ب�شخو�صها وف�ضاءاتها، �أ�ستطيع القب�ض على تفا�صيل من ذاكرة من�سية، وا�سترجاع ج��زء من هويتي التي ت�شكّلت خالل الع�شرين �سنة.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 123
من الغاوين للكتابة� ..سرب الكلمات المحلّق في ال�ضباب ،قريبا من النوار�س و�أ�شعة ال�شم�س... والق�صور العتيقة التي تحتفظ بذاكرة من الوقائع والحروب والح�ضارات واالنت�صارات ...والطق�س ال �ب �ه��يّ ال ��ذي ينطق ب��اع �ت��دال��ه ال �ج �م��ادات... والفرا�شات المحلّقة في المما�شي وال��رده��ات وال�شوارع الكبرى الم�ؤدية �إل��ى �سندباد و�شارع النخيل ...وال��ورود التي تتفتح كل يوم عن ع�شق جديد ...كل ذلك حر�ض فيّ الع�شق القديم الذي احت�ضنته ذاكرتي في الزمن الطفولي الأول ،وتوج فيّ عطر الأما�سي لوعة تجديد الحلول في هذه التفا�صيل المورقة التي لن يت�أتى القب�ض عليها �إال بالكتابة. �أحتفظ لـ«مازكان» ،بمحبة البدايات في نحت الأبجديات الأولى ،والع�شق الأول للحياة والجمال. و�أحتفظ لمرا�سيها و�أ�ضرحتها وثغورها بب�صمة عميقة في تهييج ال�سرد ال�صوفي في وجداني ال�شخ�صي .كلما ر�أي��ت ��ص��ورة �ضريح ال�سيدة عائ�شة البحرية ح��ار��س��ة ال� ��وادي ،ور��س��وم��ات الع�شيقات والع�شاق و�أحالمهم الوردية في الظفر بالعري�س ،و�ضريح ال�سيد �أبي �شعيب ال�سارية مانح العذارى ،و�ضريح الأمغاري الفتى العا�شق القادم من �سو�س العالمة� ...أتذكر �صورة �سيدي م�سعود ابن الح�سين الذي ت�أتيه «فرائ�س وتعود عرائ�س»، و�أتذكر ال�صورة الماثلة في وجداني :تلك ال�صبية الجميلة التي كبلها الحفظان ،وتركوها في ليل الخوف بخلوة مظلمة عر�ضة للكوابي�س والمتاه �أم�لا في �شفاء ق��ادم� .أتذكر ب�سمتها ال�ساخرة م��ن ال �ق �ي��ود ،و��ص��راخ�ه��ا ال�م�ج�ن��ون � �ض��دا على تهافت الحفظان ..ظلت تلك ال�صورة الرهيبة الم�صحوبة ب��روائ��ح البخور وال �ج��اوي مخزونة في الذاكرة ،تجيّ�ش في مخيلتي عذابات و�آالما، ويوقظ فيّ مخاوف وهالو�س و�أ�سئلة مقلقة ،ظلت تكبر معي .لذلك ،تكاد ال تخلو كتاباتي من هذه
124اجلوبة � -شتاء 1436هـ
الطقو�س تو�صيفا وتقوي�ضا ونقدا... لقد ا�ستلهمت �أحداث روايتي الأولى «�صابون تازة» ،من تفا�صيل ذاكرة م�شحونة بوقائع فظيعة �شهدتها في الطفولة ،بينما كنا يوميا نعبر درب �سيدي م�سعود بن الح�سين ذهاب ًا و�إيابا من البيت �إلى المدر�سة ،وكنا نق�ضي قيلوالت م�أ�ساوية ،ونحن ن�ستريح في الح�صة البينية ،تحت ظل �أ�شجار الكاليتو�س ق��دام ال�ضريح ...حيث ك��ان بع�ض المجانين ينغ�صون علينا هدوءنا ،ويهاجموننا بعد ما يفلتون من �إ�سار الحفظان ،ويتخل�صون من �سجن الخلوات القديمة والعميقة ...وكثيرا ما اعتدوا على كل من يجدونه في طريقهم .بل و�أحدثوا عاهات م�ستديمة لدى بع�ضهم .وغالبا ما كان ينقطع التالميذ عن الدرا�سة تحت �ضغط ال�خ��وف م��ن ع��دوان المجانين و�ضيوف �سيدي م�سعود الأغراب ،الذين يبيتون في العراء ويمل�ؤون �شوارع القرية كلها .لقد �أح�س�ست و�أن��ا �أج�سد هذه ال�صور المنقو�شة في الذاكرة �سردا� ،أنني �أتخل�ص من ب�شاعة هذا العالم الذي ي�سكنني، و�أعو�ضه بال�صفاء. �أما روايتي الثالثة «العفاريت» ،فتمثل امتدادا للرواية ال�سابقة ،من حيث احتفائها بالأجواء نف�سها :طقو�س الح�ضرة ،اال�ست�شفاء من الحمق بالتعذيب الج�سدي ،و�إحيائها لتاريخ �صوفي ال يتردد �إال على م�ستوى الم�شافهة ،ويتعلق الأمر بكرامات و�أ�ساطير ترتبط بقدوم ال�سيد م�سعود �إلى البلدة «�أوالد �أفرج» ،و�صراعه مع الخ�صوم، وتوا�صله مع �صالح دكالة الآخرين الذين تخرجوا من مدر�سة م�شتراية القريبة .وت�شترك الروايتان معا في انتقاد الو�ضع الخرافي الذي يهيمن على البالد والعباد ،وا�ستلهام �أج��واء الخ�صب التي تحفل بها منطقة دك��ال��ة ،واال�شتغال ال�سردي على تاريخ المنطقة المن�سي ،وتفا�صيل الذاكرة ال�شخ�صية.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
ال�شاعر ب�سام حمد ال�سالمة
�سكاكا ..زهرة الجوف وب�ستان ال�شمال في الحارات المتال�صقة بحميمية ،تت�سرّب الروح ب�صحبة الج�سد في الأزقـّـة ال�ضيّقة ،حيث تثب الخطى ل��م�لاق��ا ِة خيوط ال�شم�س م��ن بين �سعف النخيل الوارف ..والذي يمت ّد على البيوت الطيني ِة المتال�صقة .هنا ،ك��ان قلبي ي�ستقبل الحياة بداياتِ يومه الممتد في �صخب الجمال، �أول كل نهار تتفتـ ّح فيه عيناي� ،أت�سلّل وحـدي فوق منزلقات الطين الأحمر� ،أخذ ًا بالح�سبانِ �سالمة نبتات الجوانب الرقيقة؛ فهي التي �ستزهر يوم ًا لتمنحني البهجة المن�شودة. وكمن ي��زي��حُ ب�ساتين الجيران ع��ن الطريقِ بب�صرة� ،أغدو �إلى ب�ستانِ جـدّي الغربي المط ّل على البئر الم�شتركة -والتي نتناوب فيها مواعيد ال�سقاية -ين�ساب الماء رقراق ًا في ال�سواقي.. وال��ذي ما تزال برودتة في ج�سدي ،ونقا�ؤه في�شغافي -كي ي�سقي �شجرة الرمّان الق�صيّة ،والتي �أ�ستريح متكئ ًا على جذعها كي �أ�شاهد �أوراقها بين �شعاعٍ يتماوج ،فيطب ُع �صورة الزهر في ذاكرتي. وال �أجمل من زهر الرمّان حين يتفتّح! م�ث� ُل ه��ذا ال�ج�م��ال ك��ان ه��و الح�صن ليومي من �شرور الحادثات! في الظهير ِة �أعو ُد لب�ستان �سعف النخيل ال�شرقي لأعتني بما �أزر ُع تحت ِ النخيل المتدلّي. هنا ثنائية الما ِء وال�شجر في مدين ٍة تحت�ضنُ الماء في جوفها لتن�شر منه الحياة! الحارة التي ن�ش�أت فيها كان ا�سمها الجفر،
غ��رب�ي�ه��ا ي�ق��ع ح��ي ال �ب �ح��ر ،وج�ن��وب�ي�ه��ا المطر، و�شماليها ال�شعيب ،و�شرقيها ال�صبخاء؟! الماء هنا يحيط بكل الجهات وبكل م�سمّياته!؟ وم��ن ه�ن��ا ،ك��ان م�ك��ان وزم��ن الت�أ�سي�س ومرتع الأح�لام؛ فال عجب �أن يك�سو هذا الزمن خليط الرهافة وطريق الرومان�سية المن�شود ،م�صادف ًة ربما! وح �ي��ن تنت�شلني الأي� ��ام ل���ش��ؤون�ه��ا الأخ ��رى كالدرا�سة والمنا�سبات االجتماعية ،تنقلب هذه لمتحف يجمع التاريخ من كل جوانبه، ٍ المدينة ف�أتنقل بين قالعها ،وك�أني رج ٌل من تلك الع�صور! تلب�س ح ُـلـّـتهـا في المنا�سبات كانت �سكاكا ُ االجتماعية ب�شكلٍ مختلف ،وهي تجمع الأ�ضداد ف��ي بوتق ٍة واح ��دة ،فكما ال �أن�سى �صوت �إيقاع العر�ضة في الأفراح ،و�أ�صوات ال�شعراء المجلجلة وهي تقود ال�صفوف بدق ّـ ٍة ملحوظة ،ال �أن�سى �أي�ض ًا هيجنة راكبي المطايا في �سباق الهجن ال�سنوي الكبير ،في حين تقفز بي الذاكرة لحقول البابونج الطبيعية في براري هذه المدينة العري�ضة ،حين أنوف ت�سكن البيوت! تهـّـب الن�سائمُ حامل ًة �أريجها ل ٍ ولعطايا البراري هذه موا�سمها التي ينتظرها ب�شغف بهيج ،حين �أق��ف و�سط زحام ٍ المولعون م��زاد الكم�أ وال�سمح و�شيء من ثمار الربحالء الطبيعي في �سوق العرب ال�شعبي في حي المطر.. �أنظر �إلى حكايا النا�س �أكثر مما �أ�ستمع ،و�أعود بده�ش ٍة ال تبرح!
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 125
ا�ستطيع ت�سمية هذا الزمن بزمن العذري ّـ ِة لها قبل �أن تنفجر الدنيا مع �سنوات الطفرة واالنفتاح في منت�صف �سبعينيات القرن الع�شرين ،حين أ�سي�س �آخـر ،جمع نواتج الحياة اتجهت بنا �إلى ت� ٍ من �شتى �أ�صقاع الأر�ض ،فبد�أنا معها في مرحلة أ�سي�س جديد ازدحمت فيه المعرفة من لهاث لت� ٍ ٍ نواتج بيروت والقاهرة الأدبية والفنية ،ونواتج اليابان التقنية ،فكانت ال�سينما والم�سرح والأندية الريا�ضية والعمل التطوعي والمهرجانات ومناخ المناف�سات والبناء هو ال�سمة التي باتت تغمر مدينتي عو�ض ًا عن الماء ،وك�أني لم �أدرك �أن الماء ين�ضب! وفيما كنت �أن�ع��م ب ��داللٍ مختلف م��ن رعاية م��دي��ر ال�ت�ع�ل�ي��م� ،آن � ��ذاك ،ال��دك �ت��ور ع ��ارف بن مف�ضي الم�سعر ،و�سعادة ممدوح بن عبدالحميد ال�سلطان مدير رعاية ال�شباب ،ا�ستوقفني �أن ال�شارة الخ�شبية للأ�ستاذ ممدوح كان قد ح�صل عليها من القد�س عام 1947م! �أدركت حينها �أن �سكاكا هي المح�ضن والحقل الذي يزرع بتاريخه وح�ضارته نبت المبدعين ،ثم يعيد �ضخـّـهم �إلى الحياة مر ًة �أخرى.
126اجلوبة � -شتاء 1436هـ
بعد درا�ستي للمرحلة الثانوية ،غادرت ل�ش�ؤون الحياة ،غير �أن��ي ا�ستح�ضر روح المكان �أينما ذهبت ،و�أجــد ريح كينونتها كل حين ،ف�أ�ستمع ما �أزال لحكايا الجدّات تحت عري�ش النخيل في الليالي ال�صيفية الباردة والمقمرة ،و�صوت �إيقاع العر�ضة ممتزج ًا ب�صوت �شاعرها المهيب والذي ال يزال يدقّ في �سمعي كما البارحة! اختلفت الحياة ولم يختلف وجه حبيبتي وال جوفها ،فهي لم تزل رحبة وغنيّة ومده�شة تع�شق التعاي�ش ،وت�ست�سقي ،و�إن كان وجهها قد خل ّلـته الريح ،و�إن كـُـن حبيباتي بها قد قـَـ�ضـين؟ �إال �أنها لم تزل كريم ًة كما عرفتها ،تح�سنُ ت�أ�سي�س النفو�س التي ت�ستطي ُع فهمها ،وال تنب ُذ من يجهلها! أطاريف مزرع ٍة غرب �سكاكا أ�سراب في � ِ وبين � ٍ �أختلي بنف�سي في كل عودة ،باحث ًا عن ح�ضن هذه المدينة العميقة ..و�أحمد اهلل �أنني ولدت هنا.. هنا كانت �أيام الت�أ�سي�س لروحي ،وال عجب �أن هذه ال��روح تحطُّ هنا كلما كان لها �ش�أ ٌن �أرادت �أن تبوح به ،ها هنا بين الروابي ،في ذرى �سحر التالل ،في �سكاكا ،زهرة الجوف وب�ستان ال�شمال.
■ �صالح حممد اللحيد*
لتحقيق �أهداف الإن�سان وتطلّعاته في هذه الحياة رغما عن الم�ؤثرات الخارجية ،ال بد من المرور بما ي�سمى دائرة الإنجاز ،فهي عملية م�ستمرة ن�شطة ال تقف عند هدف معين ،فكلٌّ منا له تطلّعاته وطموحاته التي ي�سعى �إلى تحقيقها .لذا ،فهي تبد�أ بالرغبة الحقيقية للإنجاز مروراً بالإرادة ،ثم اتخاذ القرار ،ثم تتوالى مراحل عملية التنفيذ حتى يتحقق الهدف المن�شود. �إذا ً،هي باخت�صار فكرة يعقبها عمل ،يعقبه �إنجاز. المهارات والمعارف الالزمة في دائرة الإنجاز: 1.1مهارات قيادية و�إدارية. 2.2مهارات �شخ�صية و�إن�سانية. 3.3مهارات تكنولوجية. �إن اال�ستخدام الأمثل لمثل هذه المهارات وتعلّمها ،يعني الح�صول على النتائج المطلوبة في الوقت المتاح ،وفي حدود الإمكان. المهارات القيادية والإدارية هي مهارات الزم��ة للعمل ،وم��ن دونها تق ُّل الكفاءة المن�شودة .وميزتها �أنها تعتمد على ا�ستخدام الموارد اال�ستخدام الأمثل .كما هي تركز على التفكير ف��ي �إع ��ادة �إي �ج��اد الطرق والحلول في حالة حدوث خط�أ� ،أو وجود م�شكلة، وه��و ما ي�سمى بعلم الإدارة (ال�ه�ن��دراة)؛ �أي �إع��ادة هند�سة الإدارة ،فهي دائما تعمل على تدوير الأف�ك��ار داخ��ل العقل الب�شري في حالة وج ��ود خ�ط��أ م��ا لإي �ج��اد ح �ل��ول ..ول�ك��ن ب�شكل مب�سط ،ومنها على �سبيل المثال: 1.1مهارات �إدارة الأزمات. 2.2مهارة حل الم�شكالت.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
دائرة الإنجاز
3.3مهارة �صيغة الخطط واتخاذ القرارات. المهارات الإن�سانية وال�شخ�صية وهذه المهارات نمار�سها في حياتنا اليومية، وه���ي ال��ت��ي ت��م�� ّي��ز الأ���ش��خ��ا���ص ب��ع�����ض��ه��م عن بع�ض ،وت�ك��ون مبنية على قيم تنبع م��ن ذات ال�شخ�ص ،مثل التفا�ؤل ..وهو النظرة االيجابية، وم�صدرها الثقة باهلل عز وجل ،وهذه المهارات دائ�م��ا م��ا ي�ح��اول الإن���س��ان اكت�سابها م��ن دون �أن ي�شعر ..لي�صل �إل��ى مرحلة الن�ضج ،مثل مهارات التفاو�ض ،فهي مهارة مهمة للمحافظة على العالقات ،وتحقيق الم�صالح الم�شتركة والأهداف بطريقة ودّية. المهارات التكنولوجية وه��ذه المهارات تتطلب االط�لاع والتدريب الم�ستمر ،وع��دم ال��رك��ون �إل��ى ال��راح��ة ،نتيجة القفزات ال�سريعة ف��ي عالم التقنية ،وتكمن �صعوبتها في التغيّر الم�ستمر الذي يطر�أ عليها دائ �م��ا ،وم�ن�ه��ا م �ه��ارات ا��س�ت�خ��دام الأج �ه��زة الحديثة ،والتقنيات التي ت�ساعد على �سهولة الإنجاز والتوا�صل مع الآخرين.
* الجوف -ال�سعودية.
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 127
الكتاب :االلتفاف الب�صري من الن�ص �إلى اخلطاب
الكتاب :لولوه يف باري�س ( رواية)
امل�ؤلف :د ,عبدالنا�صر هالل
امل�ؤلف :فار�س الرو�ضان
النا�شر :نادي اجلوف الأدبي 2014 -م
النا�شر :دار مدارك للن�شر 2014م
ح��اول ه��ذا الكتاب تحويل م�صطلح (االلتفات) من المفهوم البالغي الذي يتحقق عبر حركة اللغة ،وتغيّر م�ساراتها البنائية من حالة �إلى �أخ��رى ،ومن ن�سق �إلى �آخر ،وتبنّي مفهوم االلتفات الب�صري الذي يتحقق عبر حركة ا لمرئي الذي تخلقه اللغة و�آليات تعبيرية �أخرى. وكيفية ت�شكّلها ،و�إخراجها على ال�صفحة� /شعرية المكان، �إذ يتنقل المبدع /ال�شاعر م��ن �شكل كتابي �إل���ى �آخ��ر مختلف في بنيته الب�صرية ،ما يجعل من الن�ص مفتوحا متحركا متعدّد القراءة. و�إذا كانت الحركة الب�صرية التي تتحقق عبر تجاوز ن�صو�ص ب�صرية متحولة ،وامتزاجها ،تخلق �أبعادا داللية، ف�إنها تخلق التفاتا ب�صريا ،وهذا ا�شتغال يت�شكل عبر البعد الب�صري في ظل وعي عميق .وهو الذي يطرح بموجبه الن�ص مكوناته اللغوية في « ف�ضاء �صوري» عن طريق ا�ستخدام ال�شعراء للغتهم بطريقة خا�صة .وعن طريق �إدماج بنيات �سيموطقية �أو �أيقونات غير لغوية في الخطاب. وااللتفاف في اتجاهيه :اللغوي والب�صري ي�ؤدي �إلى الت�أمّل ،وك�سر النمط والرتابة ،ويحقق الإدها�ش ،وال يعني االن�صراف فقط من – �إل��ى ،و�إنما ي ��ؤدي �إل��ى االزدواج والتماهي في �آن ،بين المن�صرف عنه والمن�صرف �إليه. االلتفات اللغوي �أو الب�صري هو نتاج الإبداع الجديد الذي يعتمد على الحركة ،والت�شعب ،واالمتداد ،واالزدحام، والقدرة على الت�آلف بين المتناق�ضات.
�صدر �أخيرا عن دار مدارك للن�شر رواية «لولوه في باري�س» للروائي فار�س الرو�ضان. وقد جاءت الرواية في (� )212صفحة من القطع المتو�سط نقتطف منها:
128اجلوبة � -شتاء 1436هـ
(ك��ان��ت ال �� �س��اع��ة ت���ش�ي��ر �إل� ��ى ال�ث��ام�ن��ة والن�صف بتوقيت فرن�سا حينما خرج خالد من بوابة �صاالت مطار �شارل ديغول الدولي، وحينما ات�ج��ه �إل��ى جهة م��واق��ف �سيارات الأج��رة� ،سرت ق�شعريرة لذيذة في ج�سده من �أث��ر �أنفا�س ال�صباح المحمّلة بن�سمات الخريف الباردة.. كان في حالة غياب تام ،لم يدرك �أنه مر بكاونتر الجوازات ،وال في �صالة العف�ش ،وال الجمارك ،وال يدري هل تم ختم ج��وازه �أم ال ،ولكن ما يعلمه الآن -وهو مت�أكد منه - �أنه فوق تراب باري�س ،باري�س التي ظن �أن الع�شق بها يبد�أ على الأر���ض ،كما قالت له ال��رواي��ات وق�ص�ص الحالمين ،ولكن يبدو �أنهم لم يخبروه يوما �أن الع�شق قد يولد في الطريق �إليها ،هناك حيث ي�سكن القمر وت�سبح النجوم).
امل�ؤلف :بدر العلي البدر وحممد عبدالرزاق الق�شعمي
امل�ؤلف :حممد النجيمي
النا�شر :دار املفردات للن�شر والتوزيع 2014 -م
النا�شر :الدار الوطنية اجلديدة للن�شر والتوزيع
ج��اء الكتاب ف��ي (� )432صفحة ،ويتناول �إ�شادات و�شهادات في حمود بن عبدالعزيز البدر ال��ذي يعد قامة من قامات هذا الوطن ،وعلما من �أعالمه الذين عملوا ب�صمت ،وتحمّلوا �أعباء الم�سئولية بكل كفاءة واقتدار.
يمثل هذا الكتاب المجموعة الق�ص�صية الرابعة للقا�ص محمد النجيمي� .صدر عن نادي المنطقة ال�شرقية الأدب ��ي ،ف��ي � 109صفحات م��ن القطع المتو�سط ،..تحتوي 29ن�صاً ،احتلت فيه الق�صة الق�صيرة جد ًا غالبية الن�صو�ص .التي تنوع فيها الخطاب والحدث ،نقتطف منها: (كنا ثالثة �أ�صدقاء يقفون في ح�ضرة الطبيب. قال بو�ضوح تام «ثالثتكم �ستموتون بعد ثمان و�أربعين �ساعة� ،أحدهم �سمم �شرابكم». �صديقي الأول �أق�سم �أنه لن يتوقف عن البحث عن ترياق مهما تطلب ذلك من جهد �أو مال.. �صديقي الثاني وعدنا ب�أنه �سي�ستمتع بكل لحظة باقية من حياته� .أخبرنا �أنه �سيزور كل الأماكن التي بو�سعه زيارتها في اليومين المتبقيين له� .سيقابل كل الن�ساء اللواتي �سيقبلن المواعيد التي �سي�ضربها لهن ،ثم قال بابت�سامة ذابلة ب�أنه �سي�ستغل ال�ست �ساعات الأخيرة من حياته في التوبة.. �أم��ا �أن��ا فقد غادرتهم بهدوء ،جل�ست ب�سكينة �إلى جوار مكتبي ،و�شرعت في كتابة هذه الق�صة الق�صيرة).
يت�ضمن الكتاب �سيرة البدر وم�سيرته منذ الطفولة والتعليم ،وم�شواره الطويل في ال�صحافة، كما عر�ض �إنجازاته العلمية والخيرية ،وتجربته في االبتعاث الدرا�سي ،و�صور الوفاء المتبادل بينه وبين �أ�صدقائه ،كما احتوى على �شهادات الأوالد والأحفاد و�أمهم ،والأ�صدقاء البررة من �أمثال :د� .إبراهيم بن عبدالرحمن التركي ،و د. �إبراهيم العواجي ،والأ�ستاذ حمد القا�ضي ،و�سعد البواردي ،و�سعود الم�صيبيح ،وعابد خزندار، ود .عبدالرحمن ال�شبيلي ،وعمران العمران، ومحمد الطيار ،ومحمد الق�شعمي ،وها�شم عبده ها�شم ،و�آخرين... ك �م��ا اح �ت��وى ع �ل��ى م�لاح��ق و� �ص��ور ووث��ائ��ق وق�صا�صات طريفة ومفيدة ،ور�سائل و�أخبار، وخفايا و�أ�سرار من �أر�شيف البدر،
ق�����������������������������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :حمود البدر – الرب الكرمي
الكتاب :قبل �أن ي�صعد جلهنم
اجلوبة � -شتاء 1436هـ 129
ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة
الجو َبة مجلة ُ ِغ َوا َي ٌة َع َّم َر ْت ِب�أَ َل ِق َد ْه َ�ش ِت َها ■ د�.أحمد الدمناتي*
تكبر الغواية في رح��م الده�شة كلما م�سّ ها قب�س من جنون باذخ ي�ضيء العتبات المنهكة ب�صمت العزلة الفظيع، كان �ضروريا �أن تولد مجلة الجوبة بطريقة عادية ،ولي�س بعملية قي�صرية �أو م�شرط جراح محترف خبير في و�ضع الخرائط على الج�سد كلما تعبت اليد من ت�شخي�ص الحل. ولدت الجوبة ب�صحة جيدة وعافية مطمئنة ..على يد قابلة تقليدية خبيرة في توليد المجانين الأنيقين الذين يحدثون منعطفات حقيقية في الإن�سان والواقع والن�ص والكون واللغة. كان بالإمكان دفع تكاليف عيادة خا�صة مجهزة بمكيفات هوائية راقية لتولد الجوبة في عز الرفاهية .ولأنها �أعلنت انت�سابها منذ البدء ل�ساللة ال�شعراء ال�صعاليك ،اختارت والدتها المريحة قرب �شط ه��ادئ� ،أو نخلة فاتنة� ،أو نهر يمر بين غيمتين تكتبان و�صية التورط في بيا�ض قا�س .الآن، تُح�س منذ والدتها �أنها مبتهجة بح�ضور مكثف ،راق ،نوعي، مغاير ،م�شاغب ،مختلف ،م�شاك�س ،متمرد .قدمت كتيبة محترفة من ال�شعراء ،وقبيلة متنوعة من الكتّاب ،و�ساللة ال تنقر�ض من النقاد ،منحازة دائما للجديد والجيد ،ذاك �شرطها الوجودي ،وخيارها المعقلن ال��ذي �آمنت به منذ والدتها الأولى .راكمت �إرثًا جماليا و�إبداعيا خالقا جعلها من المجالت الثقافية الأكثر غِ نى ،والأكثر ح�ضورا ومتابعة وقراءة في الم�شهد الثقافي العربي ،تر�سم خطواتها ب�إتقان وحذر �شديد ،وك�أن الإ�سفلت مهي�أ لالنزالق ،والمنعرجات م�شتعلة بكمائنها و�ألغازها و�أ�سرارها. بِجر�أة نادرة تقدم مجلة الجوبة با�ستمرار الن�صو�ص التي تنع�ش ذاكرة المتلقي وتحدث في كينونة تلقيه الجمالي رج��ات متتالية وزل ��زال عنيفة ت�صل قوتها �سبع درج��ات على �سُ لّم الغواية والمتعة ،وك�أنها تُحارب ه�شا�شة العالم وخ��واءه ،غير معنية بال�شهرة والألقاب والنيا�شين ،تحفر ب�صمت طريقها بين المنعرجات الوعرة ،وت�ؤ�س�س تاريخها الطفولي في فلوات الربع الخالي ،متيمة بروح الأ�ساطير * �شاعر وناقد وباحث �أكاديمي من المغرب.
130اجلوبة � -شتاء 1436هـ
وقوة الخرافات؛ لت�ستعير �إك�سير الخلود من ثقافات الميثولوجيا. مجلة الجوبة في حُ �ضورها الدائم والمنتظم ُت�ؤ�س�س لم�شروعية حُ لم ثقافي و�إبداعي ال ي�شيخ �أب��دا؛ بل يتجدد با�ستمرار بطفولة �أن�ي�ق��ة ،بهية ،غنية� ،شيقة� ،شقية، �شاقة .وبِعناد يكبر مع الوقت لتحافظ على ا�ستقالليتها وخ�صوبتها وخ�صو�صيتها المميزة .دائما تنت�صر للجميل في تجربة الكتابة ،وهي تفتح مغارات المتخيل على ما هو كوني و�إن�ساني ،حيث الرحابة تظفر بنقاء الإبداع وديمومته و�أبديته في قلب الكائن المبدع. ا�ستوعبت مجلة الجوبة بمتعة نادرة عنف غزو الرغبة الم�شتهاة التي يعزفها القلب في الن�ص ،من منفى �إلى مقهى ،كانت اللغة تكت�سح الأرخبيالت الق�صية ،والجزر النائية ف��ي �أق���ص��ى المخيلة ،منقبة على ق��وة البيا�ض ب�أخاديده الماكرة ك�شرك العنكبوت للإيقاع بعناد الفري�سة. ال فر�صة لإيقاف توهج الحبر الذي �أ�سهم في تربية الجوبة على المغايرة في اقتنا�ص �شهوة الر�ؤية والر�ؤيا� .إنه التنا�سل الفظيع لعظمة المعنى حين تترك البيت والوطن ،وتُ�صر على الت�سكع برغبة في المقاهي والحدائق والمنافي .في الت�سكع الهادف خ��روج ال��ذات من �سجنها لرحابة �آ�سرة تع�شق المغامرة واالختالف. مجلة �أ�صبحت مرجعا عميقا مهم ًا لكل ذَاتٍ قارئة تعرف جيدا �أن ال�شرب من الينابيع الأ�صلية �أف�ضل من الك�ؤو�س البلورية و�إن كانت في غاية الجمال والأناقة .في الينابيع دائما تبني الخطاطيف �أع�شا�شها ،وتكتب الفرا�شات تواريخ انتحارها الإرادي .الينبوع �أ�صل ومركز للخ�صوبة المتفردة. �ستبقى الجوبة دائما احتفالية لحوا�س دَر َب��ت القلب ليعي�ش مجده بفائ�ض الغبطة والمتعة والغواية والده�شة.
من �إ�صدارات اجلوبة
�صدر حديثاً عن برنامج الن�شر في