درا�سات ونقد ن�صو�ص �شعرية و�سردية مواجهات قراءات
47
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والر�سائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (�أ) ال�شروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بــ») يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy.org.sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية
www.aljoubah.org | aljoubah@gmail.com
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب ،على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،يخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة(�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة(اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من(:دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وي�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www.alsudairy.org.sa 2
اجلوبة -ربيع 1436هـ
العدد - 47ربيع 1436هـ 2015 -م
6......................... يوميات نائب يف الأرياف: َمن قتل َمن؟
11....................... غازي الق�صيبي الذات وجدل الزمن
99....................... حوار مع ال�شاعر �أحمد الزهراني
الـمحتويــــات االفتتاحية4 ................................................................ درا�سات ونقد :يوميات نائب في الأرياف � -صالح المطيري 6 ........... غازي الق�صيبي الذات وجدل الزمن -د .بهيجة �إدلبي 11 ............... الكتابة و�أ�سئلة الخطاب في تجربة �سعدية مفرح ال�شعرية � -إبراهيم الحجري 18 ............................................................. التجريب في الق�صة الق�صيرة جدا -محمد يوب23 ...................... قراءة في رواية لولوة في باري�س -محمود عبدالحافظ 37 ............... مواقع التّوا�صل بين االجتماعيّة والإبداعيّة الأدبيّة � -إبراهيم الدّهون41 ... �شعريّة الذاكرة في ديوان «قوت الحمام» -ثامر الم�صاروة48 ............ قراء ٌة في ديوان (ورد ٌة ثاني ٌة مِ نْ دَمِ المـتـنـبِّـي) � -أ .د .خالد َفهْمي51 .... بنيات االنـك�سـار في ديواني «لأميرة الغبار �شهوتها» و«مقبرة الحبيبات» لل�شاعر المغربي محمد الإمام ماء العينين -عبدالهادي رو�ضي 57 .... وداد بنمو�سى ..الق�صيدة المع�شبة بين �أه��داب الإن�سانية -نجاة الزباير65 ............................................................... ق�ص�ص ق�صيرة :رنينُ الوم�ض ِة على تقطّ ٍع جارف -عبداهلل ال�سفر69 .... الخروف الذي �شاهد الرجل على حقيقته -محمد النجيمي 71 .......... �أزرق -بثينة محمد 72 .................................................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا � -شيمة ال�شمري74 ................................. حقول الذرة -عبداهلل �ساعد 75 .......................................... المعرا�ض الأخير -نا�صر بن محمد العُمري 77 .......................... ق�ص�ص ق�صيرة جدا - ..محمد المبارك 80 .............................. �شعر :ن�سوة في المدينة � -أحمد قران الزهراني 81 ........................ باب الحبيبٍ �صلى اهلل عليه و�سلم -عالء الدين رم�ضان 85 .............. الطائ ُر المهاج ُر -محمود الرمحي 86 .................................... انثياالتُ الغـُربة � -سليمان عبدالعزيز العتيق88 ........................... �شاعر كان �صديقي � -أمين الع�صري90 ................................... �أعترف � -أنو �سرحان 91 .................................................. رحمة اهلل -عبدالهادي �صالح92 ......................................... الكرديّات �شاعرات �أي�ض ًا -عماد الدين مو�سى 93 ........................ مواجهات :ال�شاعر �أح�م��د ق��ران ال��زه��ران��ي للجوبه -ح ��اوره� :سعيد بوكرامي ومحمود الرمحي 99 ............................................. محمد عز الدين التازي -حاوره :ه�شام بن�شاوي 105 ...................... نوافذ� :شعر البديهة ..و�سحر االرتجال -غازي خيران الملحم 115 ........ اليوم ولد محفوظ رحمه اهلل حكاية م�سروقة -فهد الم�صبّح120 .......... علي محمود طـه ال�شاعر المهند�س � -صالح بن ظاهر الع�شي�ش 124 ........ �إرها�صات ق�صيدة النثر والوقوف على المُهاد � -سعيد نوح127 ............. معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب في ن�سخة 2015وم�شاركة مركز عبدالرحمن
ال�سديري الثقافي -محمد �صوانه130 .......................................... قراءات -المحرر الثقافي 132 ............................................ �أن�شطة ثقافية 136 ........................................................
�صورة الغالف :لقطة للربيع في منطقة الجوف -ت�صوير :جميل ال�شمري اجلوبة -ربيع 1436هـ
3
اف �ت �ت��اح �ي��ة ال� � � � �ع � � � ��دد ■ �إبراهيم احلميد
يجيء هذا العدد من مجلة الجوبة مميزا بمنجزات نخبة من الأدب��اء والكتاب المبدعين ،الذين �أرت�أينا �أن نخ�ص�ص �أكبر م�ساحة ممكنة لهم بدْا من هذا العدد والأعداد القادمة ،عدا عن حاالت قد ت�ستجد ،وتتطلب تخ�صي�ص ملفات بعينها ،بناء على ر�ؤية هيئة الن�شر التي كانت �سباقة �إلى ا�ستكناه تف�ضيالت القراء ،وتنحو �إلى عدم االنجرار �إلى الملفات الثقافية التي قد تبعد بع�ض القراء ممن تقع مو�ضوعات الملفات خارج اهتماماتهم. �إن تنوّع مو�ضوعات المجلة و�إثراء �أبوابها بالن�صو�ص الإبداعية والمقاالت الثقافية والدرا�سات الأدبية ،يمكن �أن يمنح المتابع �أجمل فكرة عن حالة الإب��داع المحلي والعربي ،من خالل هذه المنتخبات التي تن�شر في مختلف الأبواب وال�صفحات؛ فنونا و�إبداعات وتراكيب و�صياغة؛ خا�صة عندما ت�أتي متنوعة حاملة معظم �أ�شكال الإبداع المتداولة اليوم. �إن كون العمل الثقافي متجددًا غير قابل للتوقّف وال�سكون ،هو �أجمل ما يواجهه العاملون في الحقل الثقافي ،فالقراءة فعل متجدّد ..والكتابة كذلك؛ لذا ،فمهما عمل فريق الجوبة من جهد ،فالمعيار الحقيقي للر�ضا ،هو ما نجده من ت�شجيع ور�ضا من قراءنا ومبدعينا الكرام ،ب�أنهم هم الدافع الأول لموا�صلة التطوير والتغيير. لذا فقد حر�صت الجوبة على �أن ت�صل بقرائها �إلى مدارج الإبداع والغواية الحالل، وتوفير ن�سخها لهم بكل الو�سائل التقنية والورقية ،محاولين تطوير عملنا قدر ما ن�ستطيع ..ووفقا لإمكانات المجلة التي وفرها مركز الأمير عبدالرحمن ال�سديري الثقافي ،الذي يقوم بجهد متوا�صل وكبير في خدمة الثقافة المحلية والعربية ،من 4
اجلوبة -ربيع 1436هـ
اجلوبة -ربيع 1436هـ
اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة
خالل �أفرع المركز ون�شاطاته ،ب�إبدا ٍع وتفانٍ و�صبر ،لم تقم به جامعات وم�ؤ�س�سات ثقافية ب�إمكاناتها الالمتناهية. �إن اهتمام المجلة بكافة المو�ضوعات الإبداعية ،والثقافية ،نابع من �أهمية �إثراء المحتوى العربي وترجمة الحالة الفكرية والأدبية التي تعجّ بها ال�ساحة العربية من المحيط �إلى الخليج؛ لذا ،يجيء الحر�ص على �أن ت�أت الجوبة بكل ما هو مفيد ومتجدد ومتناغم مع روح الع�صر ومتطلباته. وي�شرفنا في هذا العدد �أن نقدم موا�ضيع متنوعة ،بمحتوياتها ،وموا�ضيعها، عاك�سة �أ�شكاال من التحوّالت والر�ؤى لمبدعيها في ن�صو�صهم المن�شورة هنا� ،سردا و�شعرا ،ومن ذلك ن�ص ال�شاعر الدكتور �أحمد قران «ن�سوة في المدينة» التي ت�أتي كا�شفة عن م�ستوى التحوّالت في ال�شكل واللغة ال�شعرية في تجربته الإبداعية؛ ما يُمكّن من �إعادة النظر والت�أمل في مجمل التجربة ،والإم�ساك باللحظة ال�شعرية التي تميز هذا الن�ص الباذخ ،الذي تجاوز فيه ال�شاعر الأ�شكال التقدليدية ،محمّال ب ـ «التجاوز» بكل ما تحمله الكلمة من معنى في العملية الإبداعية ،مد�شّ نًا م�شروعً ا �شعريًا تعبر عنه «ن�سوة في المدينة» .وتوا�صال مع هذا الن�ص ي�أتي حوار الدكتور قران الذي يعتبر �أن «الكتابة تعبير عن حالة الوجود بكل انفعاالته وتناق�ضاته» ،وي�ؤكد في جانب �آخر من م�سئوليته الوظيفية «�أن هناك مَن يتجنى على الأندية الأدبية ..ويدّعي �أنها بددت الدعم ال�سابق؛ م�ؤكدا �أن «جميع الأندية الأدبية بالمملكة لها مقرات.. عدا ناد واحد» .و�أن «الجزء الكبير من المبلغ « 10مليون ريال» موجود في ح�سابات الأندية.» ... ال تت�سع الم�ساحة للكتابة ،و�إال كان الحديث �أي�ضا عن ا�ست�ضافة الكاتب والناقد محمد عز الدين التازي �صاحب الح�ضور الالفت في الم�شهد الثقافي العربي ،وعن محمد ماء العينين «ال�شاعر الذي �شرب حليب الق�صيدة من �شرفة العيون» �أو عن تحقيق الكرديات �شاعرات �أي�ضا ،وعن درا�سات جادة ومقاالت متنوعة ون�صو�ص �إبداعية و�سردية ت�ستحق الإ�شادة والتقدير في معظمها.
5
يوميات نائب في الأرياف:
َمــن قتــل َمــن؟
■ �صالح بن حممد املطريي*
ال �أظن �أن قارئا قر�أ �أعمال رواد النه�ضة الأدبية في م�صر يجهل (يوميات نائب في الأري���اف) لتوفيق الحكيم ،فهذا العمل ال��روائ��ي العظيم قد حفر وج��وده بقوة وعمق في ذاكرة الأدب الروائي العربي منذ ظهر �أول مرة عام 1937م ،ولي�س �أد ّل على االحتفاء بهذه الرواية من توالي طبعاتها العربية ،وتكرر ترجماتها الأجنبية على م ِّر ال�سنين ،ناهيك عن الأعمال الدرامية وال�سينمائية التي ا�ستلهمت من العمل ،فقد �أُنتج م�سرحي ًة �إذاعية ،وفيلماً �سينمائيا ،و�أخيراً ولي�س �آخراً �أعيد �إنتاجه �صوتيا في المجمع الثقافي في «�أبوظبي». ي�صوّر هذا العمل الروائي بطريقة �شائقة ماتعة الحياة في الريف الم�صري في ثالثينيات القرن المن�صرم ،وما فيها من عناء و�شقاء وفقر وجهل ومر�ض وجريمة، وي�صور كيف يتعامل الفالحون م��ع رج��ال الإدارة ف��ي كثير م��ن التهيب وال�صغار. كما يُ�صوِّر حياة موظفي الإدارة ه��ن��اك ،وتالعبهم بم�صير الأه��ال��ي ،وا�ستغاللهم لم�صالحهم ال�شخ�صية .وفي الكتاب كذلك ت�صوير مبدع لم�شكالت الق�ضاء والنيابة والتحقيق ،كما يُ�سلِّط ال�ضوء على طبيعة عمل �أولئك الرجال المنوط بهم تحقيق العدالة. 6
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وي ��دور م��و��ض��وع توفيق الحكيم ف��ي رواي�ت��ه هذه على �شيئين :فكرة رئي�سة ،وحدث رئي�س؛ فالفكرة بمثابة روح العمل ،وال�ح��دث بمثابة الج�سد. ف�أما الفكرة الرئي�سة هنا ،فهي كيف لنا �أن ف�صلت بنوده وم��وادّه في فرن�سا نطبق قانونا ّ �أو �إنجلترا على الفلاّ ح الم�سكين ،الغارق في وَحْ ل الريف؟ من دون مراعاة اختالف النا�س والمكان� ،أي من دون النظر في اختالف البيئة؛ فهذا القانون كان يعاقب الفلاّ ح الذي يع�صف به الجوع على �أخذ كوز ذرة وهو يم�شي بجانب �أحد الغيطان ،ويعاقبه �إذا غ�سل ثيابه في الترعة- وهو �أ�صال يعي�ش في بيوت طينية لي�س بها ماء �أو حنفية -ويعاقبه �أي�ضا �إذا لم ي�سجّ ل كلبه عند الحكومة ،مع �أن الفلاّ ح نف�سه قد ال يكون م�سجال في ديوان الحكومة! وللقانون �أن يقب�ض على �أي �شخ�ص لي�س له عمل �أو �صنعة بتهمة(الت�شرّد)، �إلى �آخر تلك الأحكام التي ي�سخر منها الحكيم، ويعجب كيف يراد لها �أن تطبق على فلاّ ح م�سكين يعي�ش على الفطرة ويفتك ب��ه ثالثي الب�ؤ�س: الجهل والجوع والمر�ض! كما يُ�صوّر الحكيم في روايته كيف يت�ساهل بع�ض ال�ق���ض��اة ف��ي تطبيق ال �ع��دال��ة م��ن غير تح ٍّر وتثبّت من حيثيات الحكم ال��ذي ي�صدره؛ فبع�ضهم -لغر�ض ال�سرعة -كان ينطق بالحكم في الق�ضية ،ثم – ويا للعجب -يُ�شرع في جمع الحيثيات التي تبرر هذا الحكم ويدوّنها ،مع �أن الحيثيات هي الأ�سا�س ،وهي القاعدة التي يرتكز عليها الحكم متى ما �صدر. و�أما الحدث الرئي�س �أو المحوري في الرواية، والذي هو جذع الرواية وعمودها ،فهو التحقيق في مقتل(قمر الدولة علوان) ،وهذا هو مربط الفر�س وقطب الأحداث؛ �إذ ،ينتظم هذا التحقيق الرواية منذ بدايتها .و�أما الأحداث الأخرى التي
يذكرها الحكيم هنا �أو هناك ..فما هي �إال بمثابة الح�صى الذي يملأ الفجوات بين �أجزاء الحدث الرئي�س ،و�إن كانت الأحداث ال�صغيرة بمجموعها تخدم الفكرة الرئي�سة المذكورة �أعاله. والذين ق��ر�أوا ال��رواي��ة� ..سيجدون بال ريب �أن التحقيق في تلك الق�ضية المع�ضلة(ق�ضية القتل المذكورة) قد و�صل �إلى طريق م�سدود، وذلك بموت البنت ريم ،وموت الم�صاب نف�سه قمر الدولة علوان قبلها بقليل؛ وكانت البنت هي ال�شاهد الوحيد الذي في حوزة العدالة للو�صول �إل��ى قاتل قمر ال��دول��ة ،لكن م��ا �إن و�صل بالغ موت البنت غرقا ،حتى �أخذ وكيل النيابة ملف الق�ضية وكتب عليه(:تحفظ الق�ضية لعدم معرفة القاتل) ،معلنا بذلك �إقفال التحقيق في تلك الق�ضية المع�ضلة .وهذه النهاية غير المر�ضية للعدالة قد ت�شعر القارئ باالمتعا�ض؛ لأن الكاتب الحكيم نف�سه لم يبخل علينا بتفا�صيل ت�ساعد في و�ضع اليد على الفاعل الحقيقي للجريمة ،فكيف ذلك؟ اجلوبة -ربيع 1436هـ
7
ي�ق��ف ق �ط��ار الأح � ��داث ف��ي ال ��رواي ��ة -كما �ألمحنا -عند موت البنت ريم غرقاً .وفي الحقيقة �إن القارئ ي�شعر بهذا �أن الرواية غير مكتملة، �أو �أنها ذات نهاية مفتوحة لم تتم؛ لأن التحقيق وقف عند موت البنت ريم ،ولم يك�شف �إالمَ تنتهي خيوط الق�ضية ،و�إلى مَ ن ت�صل يد العدالة ،ومن هو قاتل الرجل(قمر الدولة)؟ �إن القارئ يتوقع حقا نهاية مقنعة لهذه الق�صة البولي�سية ،مثل ما يجد في ما �شابهها من ق�ص�ص التحرّي والعدالة. وق��د ي�ق��ول ق��ائ��ل �إن الحكيم ق��د كتب عمله الق�ص�صي ه��ذا في �شكل يوميات ،واليوميات لي�س من المفتر�ض منها �أن تعامل الحدث معاملة ال��رواي��ة فت�صل به �إل��ى نهاية .ونقول لمن يرى هذا� :إن اليوميات ما هي في الحقيقة �إال قالب �شكلي كتب الحكيم فيه روايته ،وقد يكتب الروائي ق�صته في �شكل يوميات ،وقد يكتبها في �شكل ر�سائل متبادلة �أو في مذكرات �شخ�صية �أو في حوار بين �شخ�صين؛ المهم قد تختلف القوالب، ويظل العمل رواي���ة؛ فال�شكل �إذ ًا ال ينفي عن الكتاب �صفة الرواية ما دام �أن الحدث الرئي�س فيها تتابع حلقاته في انتظام ،كما هي الحال في حادثة م�صرع(قمر الدولة علوان). ف ��ي ت �ل��ك ال��ح��ادث��ة ال��رئ �ي �� �س��ة ،ك���ان ذل��ك الرجل(قمر الدولة علوان) ي�سير في الليل �إلى ج��ان��ب �إح ��دى ال �م��زارع (ال�غ�ي�ط��ان) ،ف�ك��ان �أن �سددت �إليه بندقية من مزرعة ق�صب مجاورة ت�صيبه ف��ي الكتف �إ��ص��اب� ًة بالغة ،يختفي على �إثرها القاتل تحت جنح الظالم ،بينما يظ ّل الرجل الم�صاب ينزف �إل��ى �أن ت�أتي النيابة وتبد�أ في فح�ص الرجل ومكان الحادثة ،وي�ؤخذ الم�صاب �إلى الم�ست�شفى وبه رمق يتردد .وت�ستدعي النيابة ال�شهود من الأ��س��رة ،فال تجد ال زوج � ًة وال �أخ ًا وال �أختاً ،اللهم �إال بنت ًا في ربيع العمر هي �أخت زوجة الم�صاب المتوفاة .وكانت بنا ًء على و�صف الحكيم فتاة فائقة الجمال� ،آ�سرة المالمح ،كانت 8
اجلوبة -ربيع 1436هـ
هذه البنت الح�سناء تعي�ش مع الم�صاب وزوجته �أختها ،وقد توفيت �أختها منذ �أ�شهر وتركت لها طفال من زوجها تقوم هذه البنت على رعايته بعد موت �أمه. حققت النيابة مع تلك البنت ،وظهر �أنها، �أي البنت ،لم تعرف بمقتل زوج �أختها �إال من التحقيق� ،س�ألها النائب �إن كانت مخطوبة �أم ال ،فقالت� :إنه قد تقدم لخطبتها فتىً من قرية �أخ��رى ،لكن زوج �أختها ال��ذي هو بمقام وليّها الوحيد لم يقبل به ورف�ضه ،ويظهر من التحقيق �أن البنت والفتى كانت تربطهما و�شائج الحب، غير �أن ذلك الم�صاب حال بينهما وما يريدان. ويفيق الم�صاب من �إ�صابته �إفاقة �أق�صر من ح�سو الطير للماء ،فيهرع النائب وم�ساعده �إلى الم�ست�شفى فيزورا الم�صاب علّه يجود عليهما بما يك�شف عن خيوط الق�ضية ،في�س�أالنه :من تعتقد �أنه �أ�صابك يا قمر الدولة علوان؟ فال يرد عليهما ،بل يغمغم في كالم بين النوم واليقظة، وال ي�سمعان منه �إال(ري� ��م ...ري ��م ،)..في�س�أله النائب :هل تتهم ريم ب�إ�صابتك؟ فال يرد بنعم �أو ال ،وي�سكت ويعود �إلى غيبوبته التي دامت �إلى موته بعد �أيام قليلة. يرجع النائب وم�ساعده من الم�ست�شفى ،وهما �أ�شد حيرة من ذي قبل ،فكيف لذلك الجمال الآ�سر ،وكيف لتلك المالمح التي تحوطها هالة من الطهر وال�صفاء �أن ترتكب جريمة قتل؟ هل كانت البنت تتظاهر �أو(تمثل) عليهم عندما �شهقت في �أول التحقيق ومعرفة الم�صاب! الق�ضية تبدو �أم��ام النائب وم�ساعده �شائكة ومعقدة ،وت�صبح �أمام القارئ كالمعادلة الجبرية ذات المجهوالت المتعددة ،حتى ذلك الخطيب الذي تقدم للبنية الح�سناء وحال ذلك الـ(قمر ال��دول��ة)دون��ه ..ه��ذا ال�شاهد المهم ق��د ف�شل النائب في التعرف �إليه ،رغم �أنه قد طلب �إح�ضار
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
كل من ا�سمه ح�سين في كل القرى المجاورة! ويتخذ التحقيق منعطفا خطيرا �أي�ضا ،بل ت�صبح الق�ضية ق�ضي ًة مركبة ،وذلك عندما يرِ د خطابٌ �سري �إلى النائب يك�شف النقاب عن �أن زوجة الم�صاب قمر الدولة المتوفاة منذ �أ�شهر، كانت في حقيقة الأمر قد ماتت خنقا ،ولي�س ميت ًة طبيعية� ،أي �أنها قتلت جنائيا! هنا يتثبت النائب من ه��ذه التهمة ،ويت�أكد من منطوق هذا الخطاب ،في�أمر بالتعرف على مقبرة تلك الزوجة المتوفاة من جارة لها حيث تدلهم عليها ،ويتم ا�ستخراج جثمان المتوفاة من المقبرة ،ويقوم الطبيب ال�شرعي بت�شريحها، فيتبين حقا �أن المتوفاة قد ماتت خنقا! هنا �أ�صبح �أمام النائب وم�ساعده ق�ضيتا قتل ،كالهما �أعقد من الأخ��رى ،وكالهما ق�ضية يعوزها ال�شهود، وتعوزها الدالئل� ،إذ يموت الم�صاب الحالي قمر الدولة في الم�ست�شفى مت�أثرا ب�إ�صابته ،وتموت البنت ريم ال�شاهد الوحيد غرقا في �إحدى الترع الكبيرة ،وذلك بعد �أن هربت من النيابة ب�صحبة مجذوب القرية (ال�شيخ ع�صفور) الذي طار بها �إلى مكان غير معلوم. وه�ن��ا يقع ال �ق��ارئ ه��و الآخ ��ر ف��ي ح�ي��رة من الق�ضية ،ويظل ي�ضرب �أخما�سا في �أ�سدا�س ،فمَن قتل مَ ن يا ترى؟ من قتل قمر الدولة الآن؟ ومن قتل زوجته من قبل؟ هذه الحيرة هي التي تجعل الرواية تبدو �أمام القارئ رواية غير مكتملة� ،أو ذات نهاية مفتوحة ،فالقارئ يريد �أن ي�صل �إلى نهاية الخط ،والتحقيق لم ي�صل �إل��ى نتيجة، فلم ي�صل �إلى التعرّف �إلى القاتل ال في الق�ضية الرئي�سة ،وال في ق�ضية الزوجة التي ق�ضت خنقا من قبل .والغريب �أن الحكيم لم يُثر �أي �أ�سئلة �أو �أي احتمال حول مَ ن يمكن �أن يكون قاتل تلكم الزوجة؟ ول�ع��ل الحكيم ك��ات��ب ال��رواي��ة �آث��ر �أن تبقى
النهاية مفتوحة هكذا ،ولعله ر�أى بحنكته الروائية �أن يجتهد القارئ ويعمل ذهنه في لملمة خيوط الق�ضية وح��لِّ مع�ضلة ال��رواي��ة .وقديما الحظ النقاد �أن الحكيم كان ي�ؤثر النهايات المفتوحة، يقول �سيد قطب� :إن الحكيم «ير�سم لمحات ولم�سات للموقعة ..ولكنه ال ير�سم مرة واحدة نتيجة لل�صراع� ...إنه يدع الخط غير منتهٍ ،ويدع الم�شكلة قائمة ،يدعها قائمة حلها في �ضمير الغيب ،وحينما ينتهي هو من عر�ض الق�صة ،تبد�أ الم�شكلة في ذهن القارئ!»(.)1 وك�أني ب�سيّد قطب يح�س حقا الم�شكلة التي تثيرها ه��ذه ال��رواي��ة ،رغ��م �أن��ه ل��م يكن يتكلم عنها ،بل عن عمل �آخر للحكيم هو (بجماليون)، وقد ذكر �سيّد �أن العقاد كتب مرة نقدا لـ(عهد ال�شيطان) للحكيم ،واق�ت��رح فيه تكملة معينة للعمل ،وك��ذل��ك اق �ت��رح ال �ع �ق��اد تكملة �أخ��رى لـ(الأميرة الغ�ضبى) �أي�ضا( ،)2ما يعني �أن النقاد ولي�س القراء فح�سب ،قد ال حظوا �أن بع�ض �أعمال الحكيم ال ت�صل �إلى نهاية مقنِعة� ،أو تبدو وك�أنها تقف قبل النهاية� ،أي تبدو غير مكتملة. و�إزاء هذه الحال ،يمكننا هنا �أن ن�ضع نهاية افترا�ضية للرواية� ،أقول افترا�ضية ..لأن الرواية قد كتبت ون�شرت على الملأ هكذا منذ عقود من الزمن� ،إذ ًا فلن�شرع الآن في �صياغة نهاية تبدو لنا معقولة وممكنة ،وت�ضع �أيدينا على الفاعل الحقيقي في الق�ضية �ضمن �أ�شخا�ص الرواية، وبناء على المتوفر من خيوط الق�ضية يمكننا �أن نقدم بين �أيدينا جملة من المعطيات ،وحقا ف�إن الكاتب لم يبخل علينا بـ(المعطيات) التي ت�ساعد في فكّ لغز الجريمة الرئي�سة ،خا�صة بعد تك�شّ ف موت زوجة الم�صاب خنقا من قبل. والمعروف �أن المعطيات هي الحيثيات التي يبنى عليها التفكير المنطقي في حل �أي ق�ضية �أو �أي م�س�ألة ريا�ضية كانت �أو منطقية.
9
من هذا المنطلق ،يمكن للقارئ �أن يفتر�ض الق�ضية قد و�صلت �إلى نهاية مقنعة ،ولعلها تكون �أن القاتل الحقيقي لقمر الدولة هو خطيب البنت الحلقة الأخيرة المفقودة من هذا العمل العظيم الفتى الذي لم يعثر عليه التحقيق ،كيف يت�أتى لنا لتوفيق الحكيم. ذلك االفترا�ض؟ �إليكم التف�صيل: وبعد ،هل ر�أيتم �أُ�س ال�صراع الذي �أحدث كال من معطيات الرواية نعرف �أن خطيب البنت الجريمتين؟ طبعا �إنه ال�صراع على اال�ستحواذ الم�سمى(ح�سين) ،بعد �أن وقع في �إ�سار حبها قد على ال �م��ر�أة ،وه��ي تلك البنت الح�سناء ري��م، تقدم لخطبتها ليقترن بها ،فرف�ضه زوج �أختها فالزوج قتل زوجته ليُخلي البيت منها ..في�ستحوذ (قمر الدولة) ،لماذا رف�ضه يا ترى؟ ولماذا حال على �أختها ،تلك الدرة اليتيمة التي ال �أب وال �أم هذا الحمو بينهما؟ بالطبع كانت البنت جميلة وال �سند وال ظهر لها ،و�آية ذلك رف�ضه المتكرر وذات مالمح �آ��س��رة ،فال ي�ستبعد �أن الرجل -لأي خاطب ،ولكل الأي��دي التي تلتم�س االقتران �أعني قمر الدولة -قد طمع فيها ليتخذها زوجا ،بهذه ال�صبية .و�أما الخاطب القاتل فدفعه الدافع ونظرا لأنه ال ي�ستطيع الجمع بينها وبين �أختها نف�سه للث�أر لحبّه ولآماله التي تحطمت على تلك (زوجته) ،ف�إنه قد يكون �-أي قمر الدولة نف�سه- هو الذي خنق زوجته ليخلو له الجو فيتزوج �أختها ال�صخرة� ،أعني زوج �أختها المتعنت؛ �إذ ًا تبين لنا ال�صغيرة ،تلك ال�صبية الح�سناء اليتيمة التي ال �أن ب�ؤرة ال�صراع في الحدث هي المر�أة ،وقديما تملك من �أمرها �شيئا ،وال تعرف �إال �أن �أختها قال الإنجليز :فت�ش عن المر�أة! قد ماتت ميتة طبيعية (موتة رب�ن��ا) ،وال ريب بقيت ف��ي الجعبة مالحظة نقدية �أرى �أن �أن قمر الدولة هو الم�ستفيد الوحيد من موت �أختم هذا المقال بها ،فقد الحظ الناقد محمد زوجته �إذا كان يميل �إل��ى �أختها ويتطلع �إليها ،البوهي �أن ا�سم (ريم) الذي �أطلقه الحكيم على ولما كانت و�شائج الحب بين ال�صبية الح�سناء البنت التي ال تزال في ميعة ال�صبا ،والتي فتنت والفتى الخاطب را�سخة متينة ،وتيار العاطفة المحقق ورج��ال الإدارة ال ين�سجم م��ع �أ�سماء بينهما مندفعا قويا ،ف�إنه ما كان له �أن ي�صطدم ال��ري��ف ،والناقد محقّ في نقده ه��ذا ،ف�أ�سماء بمعار�ضة زوج الأخ��ت من غير �أن يحدثا دويا ،الن�ساء الأخ��ري��ات في ال��رواي��ة تنتمي حقا �إلى حيث حقد الخاطب على ه��ذا المتعنت ال��ذي عالم الريف ،مثل نبوية وفوقية و�ستّ �أبوها� ،أما يريد في حقيقة الأمر �أن ي�ستحوذ على ال�صبية (ريم) فهو ا�سم مختلف بال ريب ،ولعل الحكيم لنف�سه ،ف�أ�س ّر الخاطب في نف�سه �أمرا خطيرا ،لم اختاره ليتنا�سب مع هالة الحُ �سن والجمال التي يلبث �أن تك�شّ ف عن رغبة جامحة في قتل الرجل �أ�ضفاها على بطلته ه��ذه� ،أل��م يقل ال�شاعر في (قمر الدولة) و�إنهاء حياته ب�أي و�سيلة ،وهكذا �شعر م�شهور: يبيّت الفتى النية ،ويتر�صد للرجل وهو ي�سير ليال في�سدد �إليه بندقية �أ�صابته في مقتل. ري���� ٌم ع��ل��ى ال���ق���ا ِع ب��ي��ن ال���ب���انِ وال��ع��ل��مِ بهذه الحبكة �أو الحلقة الختامية تكون �أحداث �أح��� َّل �سفكَ دم��ي ف��ي الأ���ش��ه�� ِر الحر ِم * كاتب من ال�سعودية. (� )1سيد قطب ،كتب و�شخ�صيات ،دار ال�شروق ،القاهرة1403 ،هـ� ،ص 124 ()2المرجع ال�سابق نف�سه� ،ص 125
10
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
غازي الق�صيبي الذات وجدل الزمن ■ د .بهيجة م�صري �إدلبي*
ال�شاعر قارّة مجهولة ال يكتمل ك�شفها �إال عبر الإ�شارات التي يتركها والخرائط التي يوحي بها عبر ن�صو�صه ال�شعرية؛ ومن َثمَّ� ،إذا كانت تلك الإ�شارات الظاهرة �أو الباطنة ،المدركة �أو المغيبة في غيابات الن�ص �إ�شارات غير منتهية� ،سواء با�ستقرائها �أو بتحرك �أ�سرارها ،فال�شاعر ال يمكن اكت�شافه عبرها ،ليب َق ال�شاعر ذلك المجهول، الذي غالبا ما يهتدي ب�ضالله في غيابات ذاته ،التي ت�ضل هي الأخ��رى في غيابات الوجود والعالم ،وال�ضالل ،بمعنى الرحلة عبر الغواية ال�شعرية ،التي ت�ستدرج ال�شاعر �إلى مظان المجهول ،والعتمة في لحظات االنخطاف ال�شعري. ومن َث��مَّ ،ت�ضعنا القراءة �أم��ام بوابتين للمجهول؛ بوابة ال�شاعر ،وبوابة الن�ص. ف�إذا �أعيانا الدليل �إلى �أي منهما ا�ست�أثر بنا القلق ،وا�ستبدّت بنا الحيرة ،وبين القلق والحيرة ال بد من المغامرة للدخول عبر بوابة الن�ص بدليل ال�شاعر وعبر بوابة ال�شاعر بدليل الن�ص ،ذلك لأن كل من المجهولين عالمة على الآخ��ر� ،إذا اعتبرنا الن�ص عالمة كلية بالمعنى ال�سيميائي ،يمكن اختبارها قبل القيام بعملية التفكيك؛ ف���إن ه��ذه العالمة الن�صية ،ق��ادرة على ت�أويل الكثير من العالمات المجهولة التي تت�صل بال�شاعر ذاته. المر�آ ة وتعرية الذات الدكتور ال�شاعر غ��ازي الق�صيبي ،ممن ي�شغلهم الزمن حد الهاج�س ويقلق وجودهم، وي��رب��ك �أح�لام�ه��م ،ولعل ه��ذا م��ا دع��اه �إل��ى التوقف �أمام مر�آة الذات بين مرحلة و�أخرى، وك�أنه يحاول �أن يطمئن على وج��وده كي ال يفاجئه الزمن ،في لحظة غفلة ،من دون �أن
يكون م�ستعدا لهذه التحوّالت التي تطر�أ على الذات ،وعلى الحياة� .إنه في حالة ا�ستك�شاف دائمة لكائنه المادي عبر تعالقه مع كائنه الزمني؛ يدخل في حالة من االعتراف الذاتي �أم��ام م��ر�آة ال��ذات� ،أو م��ر�آة الآخ��ر ،ليك�شف ع��ن �أ� �س��رار ال��ذات وتحوّالتها ،كما �سنرى في ا�ستقرائنا لق�صائد (حديقة الغروب)، وق�صيدة (خم�سون) ،وق�صيدة (�صدى من اجلوبة -ربيع 1436هـ 11
الأطالل). فالق�صائد ال� �ث�ل�اث( )1ت���أخ��ذ �شكل خطاب م�ت�ق��ارب ف��ي الت�شكيل ال���ش�ع��ري ،خ�لا ق�صيدة «�صدى الأط�لال» التي كتبت على �شكل رباعيات تتنا�ص مع ق�صيدة الأطالل لإبراهيم ناجي� ،أما ق�صيدتا (خم�سون) و(حديقة ال �غ��روب) ،فقد خط دراميٍّ متقارب في بنائه كانتا ت�سيران عبر ٍ وحواره ،وتخطيبه للزمن عبر البوح الذاتي. ال �شك �أن لحظة المكا�شفة الزمنية هي لحظة �أ�شبه بالتوقف �أم��ام ع��راء الظل ،ع��راء اللحظة التي ينتبه فيها ال�شاعر �إل��ى �سريان الزمن في كائنه الإن�ساني وكينونته الب�شرية؛ هذا االنتباه هو ال��ذي يخلق لحظة الده�شة والمواجهة ،ومن ثَمَّ يولّد ال�س�ؤال بم�ستوياته المعرفية المتفاوتة ،الذي �سيبني عليه ال�شاعر ن�صه ال�شعري. ولعل التوقف المتكرر �أمام مر�آة الذات وعبر مراحل مختلفة من عمر الكائن ،ينبئ عن عمق القلق الوجودي الذي يتحرك في تلك الذات ،وك�أن الكائن حار�س على ظالله و�أحالمه. وب��ا��س�ت�ق��رائ�ن��ا ل�ل�خ�ط��اب ال���ش�ع��ري ف��ي ه��ذه الق�صائد ،تنه�ض ر�ؤى ال�شاعر الإب��داع�ي��ة في تخطيب ال��زم��ن ال��ذي ي�شتغل عليه عبر الن�ص وعبر الذات؛ �إذ كانت االفتتاحية المتمثلة بالأبيات الأول��ى من كل ق�صيدة هي العتبة التي يعبر من خاللها القارئ �إلى قراءة الن�ص كامال. ففي الن�ص الأول (خم�سون) ،يتخذ ال�شاعر من الإ�شارة �أو العالمة الزمنية التي ت�شير �إلى مرحلته العمرية منا�صا وعنوانا للن�ص؛ ما يوجه قراءة الن�ص منذ ال�ب��داي��ة ،ويك�شف طبيعة المو�ضوع الذي ي�سعى ال�شاعر �إلى ا�ستدراجه �شعريا� ،إال �أن هذا الك�شف عبر العنوان لم يكن كامال ،ولم يكن م�ستغرقا كل اال�ستغراق لمعاني الن�ص؛ �أي لم يكن �إ�شارة مبا�شرة ت�صادر متعة التلقي ،رغم �إحاطته 12
اجلوبة -ربيع 1436هـ
بدائرة الن�ص الم�ضمونية التي تدور حول مرحلة الخم�سين من عمر ال�شاعر. ولن ينتظر القارئ طويال حتى يكت�شف �أهمية هذا العنوان ،بل �سيدرك �أهميته من الكلمة الأولى في الق�صيدة التي يفتتح بها ال�شاعر البيت الأول، ليكررها مرتين في المقطع االفتتاحي ،وع�شر م��رات في الن�ص كامال؛ وم��ن هنا ،ن��درك مدى ال�ضغط الزمني الذي تمار�سه هذه الكلمة وهذه المرحلة من الزمن على ذات ال�شاعر ،و�إنها تمثل لي�س مفتاحا لقراءة الن�ص فح�سب ،بل مفتاحا لقراءة الذات ال�شاعرة �أي�ضا:
خم�سون ..تدفعك ال��ر�ؤي��ا ..فتندف ُع رف����ق����ا ب��ق��ل��ب��ك ك������اد ال���ق���ل���ب ي��ن��خ��ل�� ُع ولعل دافع هذه المواجهة هي حالة الالجدوى التي يك�شفها البيت الرابع من الق�صيدة ،والذي يوجز النتيجة التي و�صل �إليها ال�شاعر بعد كل تلك المغامرات والرحالت ،خلف الطموح والأحالم:
خم�سون ..ما بلغ ال�ساري �ضحى غده وال ال���غ���ي���وم ال���ت���ي ت��خ��ف��ي��ه ت��ن��ق�����ش�� ُع فالق�صيدة مكا�شفة ال �ك��ائ��ن �أم� ��ام حياته وتجاربه كلها ،فالتجربة ال�شعرية لدى ال�شاعر منفتحة على التجربة الحياتية ،ما يجعل المواقف متداخلة عبر التجربتين ،ذلك لأن ال�شعر ما هو �إال يتق�صى �أ�سرار الحياة. ت�أويل لوجود الكائن ،الذي ّ ليختم ال�شاعر االفتتاحية �أو اال�ستهالل ال�شعري ببيتين �شكال دعوة للإقرار ب�أثر الزمن ،وبالتحول الذاتي ،وبالتالي دعوة للرجوع �ش�أن الذين رجعوا، ودعوة للراحة بعد كل هذا التعب الذي نهب الذات من ذاتها. ليكون ال�س�ؤال هو النافذة التي يطل من خاللها ال�شاعر على ذاته وفاتحة لالعتراف:
�أم���ا ت��ع��ب��ت..؟! ف����إن ال��ق��وم ق��د تعبوا
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
�أال رج��ع��ت..؟! ف����إن ال��ق��وم ق��د رجعوا ه ّال ا�سترحت؟! ف�أقران ال�صبا هد�أوا ه ّال غفوت؟! ف�أن�ضاء ال�سُ رى هجعوا �أما افتتاحية ق�صيدة (�صدى الأط�لال) ،فقد كانت مختلفة عن افتتاحية ق�صيدة(خم�سون) �سواء ب�ضمير الخطاب �أو بطبيعة الطرح الذي يقدمه ال�شاعر عبرها ،فالخطاب فيها عبر �ضمير ال�غ��ائ��ب ،على غير م��ا ك��ان عليه ف��ي الق�صيدة ال�سابقة وه��و �ضمير المخاطب� ،أي �أن ال��ذات حا�ضرة في الغياب ،تقف على حافة ال�ستين ،بينما ما يزال �صدى الخم�سين حا�ضرا في غيابها:
ك�������ت�������م ال�����������������ش��������وق ول�������������و ب�������������اح ب����ه ق�����ه�����ق�����ه ال�����������ش�����ي�����ب ع�����ل�����ى م�����ف�����رق����� ِه ������ش�����ب�����ح ال�����������س�����ت�����ي�����ن ف���������ي خ������اط������ره و������ص�����دى ال���خ���م�������س���ي���ن ف�����ي م��ن��ط��ق�� ِه وفي هذه «اللحظة يكون فيها الوعي بفاعلية الزمن في �أق�صى درج��ات توهّ جه ،عند ال��ذات المنك�سرة �أم��ام المر�آة وهي في حالة ا�ستجداء
يائ�سة ،وبهذه ال�صورة الر�ؤيوية لطرفي الحالة (ال��ذات و ال�م��ر�آة) في مطلع الق�صيدة تتج�سد العالقات الجدالية بين �صدق المر�آة مع نف�سها، وم��ع غيرها ،ومخادعة الآخ��ر لها ولنف�سه»(،)2 وم��ن هنا ،ك��ان اختالف الموقف عن الق�صيدة الح�س من االنك�سار ال�سابقة التي لم يكن فيها هذا ّ واال��س�ت�ج��داء م��ن ال��زم��ن ،وذل��ك لأن ال ��ذات في هذه المرحلة �أ�صبحت مدركة لقيمة الزمن الذي ه��رب منها ،فهي تحاول �أن ت�ستجديه كما كان يفعله «كزنتزاكي» في ا�ستجداء بع�ض الدقائق من الزمن. وهذه الالجدوى من الزمن ،هي ما �سنراها في ق�صيدة (حديقة الغروب) ،والتي ت�شي منذ العنوان ما �ست�ؤول �إليه الق�صيدة؛ فالذات ال�شاعرة �صارت �أكثر ا�ست�سالما ،و�أكثر تقبّال لأثر الزمن� ،سواء على الحالة النف�سية �أو الج�سدية؛ فالق�صيدة ت�ستك�شف ال��زم��ن وت �ح��اور ال ��ذات على م�شارف الخام�سة وال�ستين ،ولهذه المرحلة �أ�سرارها ،ومواقفها �أي�ضا �سواء الفكرية والفل�سفية �أو الإن�سانية ،والتي تبرز اجلوبة -ربيع 1436هـ 13
طبيعة عالقة الكائن مع الآخر ،وطبيعة مواقفه من ل��ل��ذات �أم � ��ام ان��دف��اع��ات �ه��ا ف��ي رح �ل��ة ال�ح�ي��اة الحياة وق�ضاياها المختلفة: وم�غ��ام��رات�ه��ا ،حيث ي��أت��ي االع �ت��راف ع��ن طريق الأفعال وردود الأفعال ،من الظواهر والعالقات، خ��م ٌ�����س و���س�� ُت��ونَ ..ف��ي �أج��ف��ان �إع�����ص��ا ِر �أم ��ا ��س�ئ�م��تَ ارت �ح ��ا ًال �أ ّي���ه���ا ال�����س��اري؟ والأ�شياء والأفكار ،والآخرين ،كل ذلك عبر �صوت ال��ذات ال��ذي يقدم التحوّالت على م�ستوى الذات �أم����ا م��ل��ل��تَ م��ن الأ����س���ف���ارِ ..م��ا ه���د�أت والعالم ،ب�صوت الذات� ،أمام المر�آة االفترا�ضية:
�إال و�أل����ق����ت����ك ف����ي وع�����ث�����ا ِء �أ����س���ف���ار؟ خم�سون� ..صبت لك الأق���داح مترعة فال�شاعر في هذه االفتتاحية يتخذ من ال�س�ؤال ون����ادم����ت����ك ..ف�����أن����ت ال������ري وال�����ش��ب�� ُع الإنكاري �سبيال لمكا�شفة الذات ،فقد �أ�صبح �أكثر وعيا لحركة الزمن ،و�أكثر ا�ستجابة للتغيرات التي �أعطتك م��ا ام��ت�ل�أت عين الطموح به وم������ا ت���م��� ّن���اه ف����ي �أوه������ام������ه ال��ج�����ش�� ُع طر�أت على الذات:
لينتقل بنا �إلى تحوّالت الذات عبر مر�آة الآخر بلى! اكتفيتُ ..و�أ�ضناني ال�سرى! و�شكا ق��ل��ب��ي ال���ع���ن���اءَ !..ول��ك��ن ت��ل��ك �أق����داري ومر�آة العالم ،وك�أن المكا�شفة هنا تك�شف عن عمق العالقة الزمنية مع الكائن عبر هذه التحوّالت، االعترافات والمكا�شفة وعبر هذه العالقات التي تظهر �آثارها في ذات ب��إدراك ال��ذات لحركة الزمن وانتباهها لأثره الكائن ،فتتحوّل �إلى هذا البوح مع الظل في المر�آة: البيولوجي وال�سيكولوجي عليها ،ت�ستوي في مقام خم�سون ..في و�صلها �ص ُّد �إذا �سمحت ال�س�ؤال والحيرة والقلق ،لأنها ال ت�ستطيع �أن توقف وف����ي ال�������ص���دود و����ص���ال ح��ي��ن ت��م��ت��ن�� ُع هذه الحركة و�سيرورتها داخل الذات ،وخارجها، ومعها ،وال ت�ستطيع �أن تتخل�ص من �آثارها ،وال من و�أن�����������ت غ�������� ٌّر ب����������ريء ف������ي ح���ب���ائ���ل���ه���ا م��ا زل���ت ب��ال�����ص��د �أو ب��ال��و���ص��ل تنخد ُع ظاللها. وتلتفت الذات �إلى جانب �آخر ،وهو الغربة عن وعبر هذه الحالة من العجز ،تجد الذات نف�سها الآخ��ر رغم االت�صال معه ،فهو ال يعرف �إن كان �أمام مر�آة االعتراف والمكا�شفة ،لت�صل �إلى حالة �سيذكره ه�ؤالء الذين حمل جراحهم �أم ال ،بعدما الإقرار بالعجز من �أي فعل �أو تحرك عك�س اتجاه �ألقى عليه الزمن عباءة العتم لي�شرف على النهاية الزمن� ،أو الخال�ص من �آثاره ،التي تتك�شف وتت�ضح من �شرفة الوهم: �أكثر ف�أكثر كلما تقدم العمر بالكائن. وف��ي الق�صائد ال�ث�لاث��ة ال�ت��ي ت�شتغل عليها خم�سون ..تحمل جرح النا�س يا رجال ج���راح���ه م���ن ع�����ذاب ال���ك���ون ت��رت�����ض�� ُع الدرا�سة ،ينتبه ال�شاعر �إلى هذا التغيير ،كما ينتبه �إلى العجز في مقاومة الزمن ،مدركا �أن االنتقال �أعطيتهم من ك��روم ال��روح ما عجزت عنه الكرام ..فهل �ساغوا الذي كرعوا من مرحلة �إلى مرحلة� ،إنما هو تحوّل ال يملك �إال االعتراف به. وهنا ،يك�شف عن حالة ال�صراع الم�ستمرة التي ف �ف��ي ق���ص�ي��دة (خ �م �� �س��ون) ي �ب��د�أ ال���ش��اع��ر لم تكن لتهد�أ في ذات ال�شاعر وهو يواجه الحياة بالمكا�شفة الم�شوبة باللوم والعتب ،والمحا�سبة والعالم والوجود ،فالخم�سون �أورثته ال�صراع بين 14
اجلوبة -ربيع 1436هـ
خم�سون م��ا م�� َّر ي���و ٌم دون ج��رح هوى �أل�����م ي���م���زق ح�����ش��اك ال���وج���د وال���ول��� ُع خ��م�����س��ون ..م���ا م���� َّر ي����وم دون �أغ��ن��ي��ة �أم ��ا ��س�ئ�م��ت ال �ق��واف��ي وه ��ي ت���ص�ط��ر ُع ***
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الذات والحلم بين الذات والطموح ،ليكون الحب �أحد هذه ال�صراعات التي تركت �أثرا وا�ضحا في نف�س ال�شاعر ،لأنها �أكثر التجارب ت�أثرا بحركة الزمن:
وبالتالي يت�أجج ال�صراع بين ال��ذات والزمن، الذي ي�ضعها �أمام حقائقه و�أمام واقعها ،لتدخل الذات بعدها في حالة تك�سر حدة هذا ال�صراع، م��ن خ�لال انتقال ال�ح��وار م��ن الطرفين(الذات المر�آة) �إلى (الذات المر�أة) ،فيدخل الكائن في هذه اللحظة حالة من االنفالت من قيد الزمن، وبالتالي يتخل�ص من كل �آث��اره التي تركها عليه، وك ��أن فعل ال �م��ر�أة التي الح��ت ل��ه ك��ان �أق��وى من فعل الزمن� ..إذ غيرت الحقائق وطبيعة الأ�شياء بانبثاقها ال�سحري �أمام ال�شاعر:
ل����ك����ل �����ش����ق����راء �أو �����س����م����راء م��ت�����س��ع وت�������ل�������وح�������ي�������ن ..ف�������أن�������������س������ى �أن������ن������ي ف���ي���ا ل��ق��ل��ب��ك م����ا ي����ح����وي وم������ا ي�����س�� ُع خ������ب������ر �أ��������ص�������ب�������ح ف���������ي ذم������������ة ك������ان لذلك ،و�ضمن هذا التجاذب والجدل والتناق�ض وي�������ع�������ود ال�����ع�����م�����ر ط�����ف��ل��ا ج����ام����ح����ا وال�ت�ح�وّالت الذاتية والمو�ضوعية ،واالنفتاحات ل����ي���������س ي����ل����وي����ه ع������ن ال����ل����ه����و ع���ن���ان
المختلفة على ال�ع��ال��م .ك��ل ذل��ك ك��ان ي�ستوجب هذا االعتراف وهذا التوقّف والت�أمل من �أجل �أن ي�ستدرج ال�شاعر ذاته عبر مر�آة اعترافاتها ،لتقف بعد ذلك على حافة الوعي المختلف ،الذي نه�ض من طبيعة التجربة وطبيعة التحوّل الزمني في الذات. �أم��ا الخطاب االعترافي في ق�صيدة «�صدى من الأط�ل�ال» ،في�أتي من�سجما مع الإيقاع العام للق�صيدة� ،سواء على م�ستوى فكرة الزمن� ،أو على م�ستوى بُنية الخطاب ال�شعري ،فالق�صيدة مبنية على خلفية درامية بين الذات والمر�آة بعد تحوّل �ضمير ال��راوي من �ضمير الغائب في االفتتاحية �إلى �ضمير المتكلم الأكثر الت�صاقا بالذات ،ليكون االعتراف محاولة للإجابة على �س�ؤال اال�ستجداء ال��ذي جاء في نهاية المفتتح ،ب�س�ؤاله للمر�آة �أن تمنحه بع�ض ما يغرب عنه ،وهذا ما يحدث حالة من التوتر بين الذات والمر�آة ،وبين الذات وذاتها:
�إال �أن ه��ذا االنبثاق ما يلبث �أن ينطفئ حال غياب المر�أة الذي يربك الذات والعالم والوجود م��ن ح��ول ال� ��ذات ،فغيابها ال ي�ق��ل م �ف��اج ��أة من ح�ضورها ،وبين الح�ضور والغياب تنك�سر الذات مرة �أخ��رى ،عندما تلتفت �إل��ى الحقيقة التي لم ت�ستطع االلتفاف عليها حتى عبر الحلم �أو التوهّ م:
وت������غ������ي������ب������ي������ن ..ف���������ت���������دوي �����س����اع����ة ج���ل���ج���ل���ت دق�����ات�����ه�����ا ..م������لء ال���م���ك���ان وبالتالي تقف الذات ال�شاعرة بعد �صدمة غياب المر�أة الحلم �أمام الحقيقة ،بعدما انجلى الوهم، وك��أن ال�شاعر ما يزال يحاور ظل المر�أة الغائبة التي ينقل لنا جانبا من حوارها معه ،حيث عراء الذات �أمام حقيقة الفعل الزمني:
ق����ل����ت �أه����������������واكَ ..ف�����م�����اذا ت��ع�����ش��ق��ي��ن �أ����س���ن���يَّ ال����ي�����أ�����س� ..أم ب����أ����س ال�����س��ن��ي��ن �أم ه�����م�����وم�����ا ل��������م ت����������زل ت���ت���ع���ب���ن���ي ت���ه���م�������س ال������م������ر�آة ال �أع�����ط�����ي ����س���وى م�������ا �أراه ..ب����ت����ف����ا�����ص����ي����ل دق���ي���ق���ه ف������ك�������أن������ي م���������س����ت���������ش����ار ال���ب���ائ�������س���ي���ن اجلوبة -ربيع 1436هـ 15
�أي����ا رف��ي��ق�� َة درب�������ي !..ل���و ل����ديّ ���س��وى �أم م���������ع���������ان���������اة �إذا ودع������ت������ه������ا رج � � �ع� � ��ت م� � �ث � ��ل ل � � �ئ� � ��ام ال� ��دائ � �ن � �ي� ��ن عمري ..لقلتُ :فدى عينيكِ �أعماري �أم دم��������وع��������ا رق�����������ص�����ت �����ض����اح����ك����ة �أح���ب���ب���ت���ن���ي ..و����ش���ب���اب���ي ف����ي ف���ت��� ّوت��� ِه ف������ي ع����ي����ون����ي ل���ت���غ�������ش ال����ن����اظ����ري����ن وم�����ا ت����غ����ي����رت ..والأوج�����������اع ���س��م��اري وب�إق�صاء ال �م��ر�أة ع��ن الحركة ال��درام�ي��ة في ال �ح��وار ،واالك�ت�ف��اء بنقل جملتها ال�ت��ي تخاطب �إنْ ���س��اءل��وكِ ف��ق��ول��ي :ك���ان يع�شقني بها ال�شاعر(قلتِ �أه��واكَ ) ،وك�أن الذات في هذه ب���ك��� ِّل م���ا ف���ي��� ِه م���ن عُ����ن����فٍ ..و�إ�����ص����رار المرحلة توقن بالنهاية التي تلوّح لها من خالل انك�سار الإح�سا�س بالعالم المحيط ،وانك�سار وك������ان ي��������أوي �إل������ى ق���ل���ب���ي ..وي�����س��ك��ن��ه وك�������ان ي���ح���م���ل ف����ي �أ�����ض��ل�اع���� ِه داري الإح���س��ا���س ت�ج��اه ال �م��ر�أة وال �م��ر�آة بعدما خابت محاوالت االلتفاف على الحقيقة: ال و�إنْ م�ضيتُ ..فقولي :لم يكنْ بَطَ ً ***
ل����ك����ن����ه ل�������م ي�����ق����� ّب�����ل ج�����ب�����ه����� َة ال������ع������ا ِر
ق����ل����ت� ..أه�����������واكَ ف���ي���ا ط������ول ع���ذاب���ي م�����ا ال���������ذي ي���ج���م���ع ����ش���ي���ب���ا ب�������ش���ب���ابِ ليتابع ال�شاعر هذا التنقل من مر�آة �إلى مر�آة، وك�أنه يبحث عن حالة من الم�صالحة بينه وبين م�����ا ال��������ذي ي���ج���م���ع ل�����ي��ل��ا ..ب�����ض��ح��ى م ��ا ال � ��ذي ي �ج �م��ع ع ��ر� �س ��ا ..ب��اك �ت �ئ��ابِ الآخ��ر قبل �أن يغادر ال��وج��ود ،وقبل �أن ي�ست�سلم
للنهاية ،وقد يكون الأمر حالة من حاالت التخل�ص من ق�سوة الفراق والنهاية ليتوقف في المر�آة الثانية �أمام الأنثى التي ي�سميها(بنت فجر في تنف�سه)، تلك الأنثى التي ت�ستعيد ب�صورتها تلك المر�أة التي الحت له في ق�صيدة(�صدى من الأط�لال) التي �سبق و�أن �أ�شرنا �إليها ،ليخاطبها بالخطاب ذاته الذي خاطب به تلك المر�أة ،حيث يك�شف عن حدة التناق�ض بينه وبينها:
�أم ��ا ف��ي ق�صيدة (ح��دي�ق��ة ال��غ��روب) ،تتجه الق�صيدة �إلى الإح�سا�س بالنهاية المحتومة ،ب�شكل �أكثر حدة عما كان عليه الإح�سا�س في الق�صيدتين ال�سابقتين ،ففي «خم�سون» كان اللوم على �أ�شده للذات ،وهي تواجه �آث��ار الزمن وفي (�صدى من الأطالل) ،كانت الخيبة على �أ�شدها ،وهو يواجه الحقيقة ،ويف�شل في مراوغة المر�أة والمر�آة في التخلّ�ص من �آثار الزمن� ،أو من قيده الذي يقوده و�أن����������تِ ! .ي����ا ب���ن���ت ف���ج��� ٍر ف����ي ت��ن�� ّف�����س��ه �إلى النهاية ..فيقر بذلك.
م��ا ف��ي الأن���وث���ة ..م��ن ���س��ح�� ٍر و�أ����س���را ِر م�����اذا ت���ري���دي���ن م���ن���ي؟! �إ َّن����ن����ي ���شَ �� َب�� ٌح ي���ه���ي��� ُم م����ا ب���ي���ن �أغ�����ل�����الٍ ..و�أ������س�����وا ِر هذي حديقة عمري في الغروب ..كما ر�أي�������تِ ...م��رع��ى خ��ري��فٍ ج��ائ�� ٍع ���ض��ا ِر
�أم��ا في حديقة الغروب ،فنجد ال�شاعر الذي �أق��ر ف��ي �آخ��ر بيت م��ن المقطع االفتتاحي ب�أنه متعب و�أ�ضناه ال�سرى ،وقلبه ي�شكو من العناء و�أنه م�ست�سلم لأقداره ،يبد�أ المقطع الأول من اعترافاته وبوحه الذاتي بوقوف �أم��ام م��ر�آة الآخ��ر (رفيقة الدرب) ،لي�سر لها ويك�شف عن طبيعة العالقة مع *** هذا الآخر ،حيث يطفح الوجد من ذاته التي �أيقنت ال تتبعيني! دع��ي��ن��ي! .واق��رئ��ي كتبي بالنهاية وحتمية الفراق: 16
اجلوبة -ربيع 1436هـ
لي�صل �إلى الو�صية الأخيرة �أمام مر�آة البالد؛ وك���أنَّ ال�شاعر ينتقل بمراياه بالتدرج ب��دء ًا من خ�صو�صية ال��ذات ال�شاعرة من �أق��رب ما يكون رب���������ا ُه ف�����ي ن�������ص���ف ق������رن م�����ا ي������رد ب��ه �إليها ،وهي رفيقة الدرب ،ومن ثم الأنثى التي كان ر���ش��د ال��غ��وي ..وم��ا ي��ه��دي ..وم��ا ي��ز ُع يحبها ،لي�صل �إلى البالد التي يعي�ش فيها ويع�شقها هي الأخرى؛ وفي انتقاله هذا لم ينتقل فقط من �أت��خ��م��ت م��ن زه����رة ال��دن��ي��ا وزخ��رف��ه��ا الفرد �إلى الكل بل من الإن�سان �إلى المكان: ول��م يعد ف��ي ���س��وى �أخ����راك ل��ي طم ُع
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ف���ب���ي���ن �أوراقِ��������ه��������ا ت����ل����ق����اكِ �أخ�����ب�����اري ال و�إنْ م�ضيتُ ..فقولي :لم يكن بط ً وك����������ان ي������م������ز ُج �أط�����������������واراً ب��������أط�������وا ِر
المواجهة الأخ�ي��رة مع ال��ذات واالع �ت��راف و�إق��رار بما فعلته ،ومرحلة الخام�سة وال�ستين ،ففي الأولى ن�شهد الخوف من النهاية المفاجئة ،لذلك كان طمع ال�شاعر بالخال�ص من الزمن عبر الو�صول �إلى ما وراء الزمن:
وي�����ا ب���ل���اداً ن������ذرت ال���ع���م���رَ ..زه����ر َت����ه �أما في الثانية فقد كان فيها الإح�سا�س بدنو ل��ع�� ّزه��ا!ُ ..دم����تِ !� ..إن���ي ح��ان �إب��ح��اري النهاية� ،إح�سا�سا مختلفا عن مرحلة الخم�سين، ت����رك����تُ ب���ي���ن رم�������ال ال���ب���ي���د �أغ��ن��ي��ت��ي لذلك كانت الق�صيدة و�صايا ال�شاعر للعالم من وع�ن��د �شاطئكِ الم�سحورِ� ..أ�سماري بعده ،بعد �أن يم�ضي ،على خلفية من بكائية الذات �إن ���س��اءل��وكِ ف��ق��ول��ي :ل��م �أب���� ْع قلمي على ذاتها:
ول����م �أد ّن���������س ب�����س��وق ال���زي���ف �أف���ك���اري ي���ا ع���ال��� َم ال��غ��ي��بِ ! ذن��ب��ي �أن�����تَ ت��ع��ر ُف��ه ال و�إن م�ضيتُ ..فقولي :لم يكن بَطَ ً و�أن�������ت ت���ع���ل��� ُم �إع���ل��ان������ي ..و�إ������س�����راري وك���ان ط��ف��ل��ي ..وم��ح��ب��وب��ي ..وقيثاري �أحببتُ لقياكَ ..ح�سن الظن ي�شفع لي ابتهال الذات والخال�ص الأخير �أي����ر ُت����جَ ����ى ال���ع���ف���و �إ ّال ع���ن���د غ����فَّ����ارِ؟ ف��ي ه��ذا الموقف ال��ذي يمثل الموقف الأخير
لل�شاعر �أمام المرايا ،ليكون هذا االعتراف الأخير �أمام الذات الإلهية بابتهال ونجوى؛ يحاول ال�شاعر �أن يتخلّ�ص من �آثامه �أو �أن يطلب العفو والغفران عما ارتكبه عبر م�سيرة الحياة ،بكلمات يتقرب فيها من خالقه ،ع�سى يكون فيها القبول والغفران ،وقد وجدنا ه��ذا الموقف يتكرر في مرحلتين :مرحلة الخم�سين التي كانت الق�صيدة ت�سير في حالة لوم وتقريع للذات ،حتى و�صلت الق�صيدة �إل��ى لحظة
وفي النهاية ،ال بد من القول �إن موقف ال�شاعر م��ن ال��زم��ن ك��ان محموال على موقفين ..موقف ذاتي من الذات �إلى الذات ،وموقف من الذات �إلى العالم� ،سواء كان متوحّ دا مع العالم �أو منف�صال عنه ،متناق�ضا معه� ،أم متفقا ،مت�صارعا� ،أم مت�صالحا؛ و�سواء كان الخطاب في لبو�س رومان�سي �أو في لبو�س درامي جدليّ فل�سفيّ .
* كاتبة من �سوريا مقيمة في الأمارات. ( )1الق�صائد من�شورة في كتاب وقائع مهرجان ربيع ال�شعر ،م �س� ،ص 167 119 118حتى .172 ( )2ورقة الدكتور عبداهلل المهمنا ،م �س �ص .120
اجلوبة -ربيع 1436هـ 17
الكتابة و�أ�سئلة الخطاب في تجربة �سعدية مفرح ال�شعرية ■ �إبراهيم احلجري*
تنفتح تجربة ال�شاعرة الكويتية �سعدية مفرح على �صنوف الكتابة كلها ،من �أجل �أن تخلّ�ص الق�صيدة من االنغالق الذي تفر�ضه دائرة اللغة ال�شعرية �أو حلزونيتها؛ لذلك ي�صعب تلقّي ق�صائدها ،وفق المرجعيات الثابتة� .إنها ،بانفتاحها على �أ�شكال التعبير الكتابي ،ترهّن �س�ؤالي الخطاب ال�شعري و�أفق داللته ،بما يجعل من التجربة ال�شعرية �أفقا ممتدا ال تحجبه الحدود الجن�سية و�أنماط الكتابة ،و�سندا توا�صليا مفتوحا على عوالم الإن�سان الم�شبعة. �إن الكتابة ال�شعرية ،بقدر ما تقترب من اليومي ،وتن�شغل باال�ستعارات التي نحيا بها ،ت�سارع كذلك ،وبوعي مفرط الح�سا�سية� ،إلى البحث عن �أفق للتميز واالختالف، وب��ق��در م��ا تجعل الب�ساطة التي تميز الق�صيدة .ثم ُة مَ��ن يعتقد �أن ال�شعر افتقد البالغة التي كانت تن�أى به عن لغة الخطاب ،وال�سحر ال��ذي كان يجذب �إليه حتى جمهور العامة؛ ف�إن ال�شاعرة انتهجت لها ،في غفلة المتلقّي الك�سول ،م�سالك �أخرى متجددة ل�صناعة بالغة مختلفة للق�صيدة ،تت�أ�س�س على مقوالت مغايرة لما كانت عليه معمارية الق�صيدة.
18
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وت�أ�سي�س ًا على هذا الت�صور� ،سوف �أ�سائل الكتابة ال�شعرية لدى ال�شاعرة �سعدية مفرّح في ارتهان �إلى �أ�ساليب ال�صوغ من جهة ،وارتباطا بما تقترحه التجربة ال�شعرية ،في �ضوء� ،شكل الخطاب ال��ذي اخ�ت��ارت��ه ال�شاعرة ع��ن وع��ي، من �أبعاد داللية ،وما توحي به البنيات الل�سنية والإي �ق��اع �ي��ة ،ف��ي ت�ن��اغ��م م��ع ت �ح��والت الحالة ال�شعورية وال�سياق الناظم لن�سق الن�صو�ص من جهة �أخ��رى ..ك ّل ذلك ،باعتماد �أدوات تتيحها الأدب�ي��ات الجديدة في تحليل الن�سق الثقافي ب�شكل عام ،والذي ال ت�شكل الق�صيدة ال�شعرية �سوى واحد من دعاماته التي ال ح�صر لها. .1تخطيب الق�صيدة تعتمد �سعدية من خالل ديوانيها ال�شعريين: «تغيب ..ف�أ�سرج خيل ظنوني» و«قبر بنافذة واح�����دة»(� ،)1إل��ى التفكير ال��واع��ي ف��ي تقنيات الكتابة ،بحثا ع��ن جغرافيات �أ�سلوبية ت�ؤثث ف�ضاء ال�ن����ص ،وت��دع��م �آف ��اق ت�ج��دد دالالت ��ه، ان�سجاما مع طبيعة وعيها بالكتابة ،وب�شعرية اللغة ومتحوالت الع�صر التي ال يمكن �أن يتخلف الإبداع في غيابها. �إن داللة الن�ص ال�شعري ال يمكن في تجربة مفرح� ،أن تت�شيد ،في غياب النظر �إل��ى ج�سد الن�ص �أو هيكله �أو ال�شكل المعماري الذي �صمم وفقه؛ بمعنى �أن ال�سند الب�صري في الق�صيدة دالٌّ ،وم�سهم في ت�شكيل المعنى ال��ذي ترومه الذات من وراء بناء هذا الخطاب ،لكن هذا لن يت�أتّ لمتلقٍ يظل متم�سكا بمرجعياته التقليدية؛ فالوعي الب�صري والت�شكيلي لدى المتلقي ،يعد ركنا �أ�سا�سا من �أجل ح�صول التفاعل الإيجابي
بين قطبي التوا�صل ال�شعري [الباث (ال�شاعر)، والمتلقي (قارئ الق�صيدة)]. ت�سلك ال�شاعرة �سعدية مفرح في الكتابة، من خالل هذين الديوانين ،م�سلك الت�شكيلي في التعامل مع الف�ضاء الورقي وت�أثيثه ،م�ستفيدة م��ن تجربة الكاليغراف ف��ي تنويع الخطوط، وتنظيم الفراغ ،ور�سم ج�سد الكتابة ،وت�شكيل ت�ضاري�سها انطالقا من الوعي بتالحم الن�سق الإ�شاري مع الدالالت الن�صية المن�شودة ،ويبد�أ هذا من الغالف ،حيث تتعدد الأل��وان ،وتنتظم الآث� ��ار الل�سنية م��ع ف���ض��اء ال �غ�لاف ،متخذة �صورة معينة ت�ؤطّ رها ،وترتيبا يبد�أ من اليمين �إلى الي�سار ،مع الحر�ص على �أن يكون العنوان بالأحمر ،والمقوالت التي دون��ه بالأ�سود ،و�أن يكون الحيّز الذي يهيمن عليه �أكبر �سعة؛ مقارن ًة مع باقي مكوّنات �صفحة الغالف الأول��ى ،فيما اجلوبة -ربيع 1436هـ 19
ال تنال لوحة الغالف �سوى �إطار م�ساحي �ضئيل �إذا ما ق��ار ّن��اه بما يخ�ص�ص لها في منجزات �أخ��رى .في حين �أن �صفحة ظهر الغالف تبئّر البيا�ض �أو الفراغ ،وتدفع بال�سواد/الأثر الل�سني �إلى النحت/جنوب ال�صفحة داللة على غياب االم�ت�لاء النف�سي في ال��ذات ،وهيمنة الخواء والنكو�ص ال��ذي توحي به الف�ضاءات الجامدة التي ال حركة في �إيقاعها المحايد تماما. و�إذا م��ا ت��وغّ �ل�ن��ا ف��ي ت�ضاعيف المتنين، لت�أمل جغرافية انب�صام �شكل الكتابة ،نجد �أن الإي �ق��اع��ات ال�ت��ي يتدفق بها ال �م��داد على ال�صفحات ،يتفاوت ح�سب الق�صائد؛ فهو يرتفع حينا ،ويتراجع �أحيانا �أخرى ،في داللة على تلوّن الم�شاعر ،وعدم ثباتها الذي ال يتحقق �إال في 20
اجلوبة -ربيع 1436هـ
لحظات �شعرية ق�صيرة ومتباعدة. �إن ال �م � َّد ال���ش�ع��وري ه�ن��ا ،ي�شبه ف��ي �سمة ت��دف�ق��ه ع�ل��ى ال �ب �ي��ا���ض ،ال �م��د ال �ب �ح��ري ال��ذي يتفاوت تبعا للف�صول؛ يندفع حينا ،ثم يتراجع �أخ��رى ،و�أحيانا ،ت�شتد العا�صفة فيغمر �سواد المداد ال�صفحة برمتها ،ثم �سرعان ما يعود �إلى م�ستواها ،وك�أن ال�شاعرة تجرب �إيقاعات الف�صول وت �ح��والت م � ّده��ا ال�ب�ح��ري كلها في ق�صيدة واحدة ،مُحدثة �أحيانا «ت�سونامي» من الأحا�سي�س الفيا�ضة التي ال تكاد ال�صفحة �أن تحدها ،وال اللغة تقدر على احتوائها ،وهي في لحظة هيجان جارف ال عهد للذات به. يدل التنويع على م�ستوى التنظيم الب�صري لل�صفحة على تعدد الدالالت المطروقة ،ولي�س �أمرا روتينيا� ،أو مو�ضة ترف� ،أو �أداة زخرف؛ بل هو �أمر مدرو�س ومفكر فيه م�سبقا من لدن ال�شاعرة ،تبعا للدفقات ال�شعورية ،وطبيعة المعاني التي ت�شكل ر�سائل كل ق�صيدة على حدة .فلي�س من �شكل ب�صري �أو احتمال تنظيمي للف�ضاء الكتابي �إال وجربته ال�شاعرة ،بغية �إ�ضفاء مغزى جديد على ا�شتغالها ال�شعري بوا�سطة ا�ستنفار كل مكونات ال�شعرية لديها، وتطعيم البعد ال��دالل��ي با�ستنبات واج�ه��ات �أ�سلوبية �أخ��رى ب�إمكانها فتح عالم الق�صيدة على كوّات ت�ستم ّد منها هواء متجددا ،من دون �أن يكون هناك فارق مميز بين المكوّن ال�شكلي، والمكوّن الب�صري فيه. ك��ل الق�صائد ،ف�ضال ع��ن بعدها البالغي والأ�سلوبي والداللي ،هي لوحات ت�شكيلية تتطلب ق��راءة �سيميولوجية خا�صة في ارتباط بباقي عنا�صر ال�شعرية .وقد الحظنا كيف �أن ت�أثيث
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ف�ضاءات ال�صفحات/اللوحات يكون �أفقيا �أو عموديا� ،شما ًال �أو يمينا ،متوازيا �أو مبعثرا، كما �أن الن�ص ال�شعري يكون طويال �أو ق�صيرا، متالحما �أو مت�شظيا ،وه��و ،في كل الحاالت، تعبير عن لحظة نف�سية ت�صادف ميالده ،وت�ؤطر منا�سبة انبثاق التجربة ،عقب مخا�ض ع�سير عانته ال�شاعرة. .2بالغة مختلفة تالعب �سعدية اللغة ،وت�سعى �إل��ى �أن يكون عبورها المجازي– اال��س�ت�ع��اري خفيفا على ال�ق��ارئ مثل الأث��ر ال��ذي يحدثه الحفيف على الأ���ش��ج��ار ،حتى يكون لها وق��ع الدغدغة التي تن�شط معها الم�شاعر والجوارح ،بق�صد �إحراز التفاعل ،و�إن في موا�سم الجذب اللغوي ،وتكلّ�س الأحا�سي�س وتحجّ ر الأبعاد الإن�سانية. تنتقي ال�شاعرة ال�م�ف��ردات بعناية بالغة، وت�شتغل على تقنية «الحقول المعجمية والداللية» من �أجل تو�سيع رواف��د ت�أ�سي�س الداللة ،ف�ضال عن اال�شتغال الت�شكيلي على الف�ضاء الن�صي كما �سبقت الإ�شارة �إلى ذلك ،و�إذا كان ديوان «قبر بنافذة واحدة» ال ي�سعنا في تبين هذه الم�س�ألة، ف�إن مجموعة «تغيب ...ف�أ�سرج خيل ظنوني» تتيح لنا تلم�س هذا الإ�شغال� ،إذ �إن ال�شاعرة ا�شتغلت على تيمة معينة ،وهي تيمة(الحزن) ،و�سعت �إلى تعزيز هذه الداللة عبر تقنيات التكرار ،والتردد المفهوميّ ،والت�ضادّ ،واال�شتقاق وال��ت��رادف والتجاور الداللي ...وغير ذلك من �آليات بالغة المعجم ال�شعري. و�إذا ك��ان��ت م �ق��ول��ة(ال �ح��زن) ق��د ت�ك��ررت ح�شو ًا �أكثر من ع�شر م��رات في ه��ذا المنجز
ال�شعري ،ف��إن الداللة تتقوّى من خالل تراكم معجم [الخيبة -الي�أ�س -ال�م��وت -ال�صمت- ن�صيا ،كما �أن التقابل بين الغياب] ،وهيمنته ّ المعنى ونقي�ضه يرجّ ح كفة م�ستوى داللي على ح�ساب �آخر ،ت�أ�سي�سا على بنية ال�صراع ،ودرجة الح�ضور والغياب. وال بد من التلميح �إل��ى عن�صر جمالي �آخر اعتمدته ال���ش��اع��رة �سعدية م�ف��رح ف��ي �إث ��راء عملها التجريبي االنتهاكي على الن�صو�ص، وهو العالقة بين الكلمات .ف�إذا كانت ال�صميمة الداللية �أحكمت مجموعتها الف�سيف�سائية «قبر بنافذة واحدة» ،فجعلت الكالم ال�شعري خفيف الوقع ل�سرعة التقاط معنى الجملة/الوحدة ال�شعرية ،ف�إن مجموعتها «تغيب ...ف�أ�سرج خيل ظنوني» تنتهج �أ�سلوب خلخلة القرين الداللي بين المفردات ،ما جعل المقوالت ال�شعرية تنزاح عن م�ضمونها القامو�سي ،لت�أخذ من معناها م��ن �صميم انتمائها للجملة ال�شعرية؛ ولأول اجلوبة -ربيع 1436هـ 21
وهلة ،يت�شكل ،ل��دى ال�ق��ارئ ،انطباع ع��ام ،هو كون العالقة الأ�سا�س التي ترتبط بين مكونات الجملة ال�شعرية هي عالقة تنافر وت�صادم؛ لكن الدخول في عوالم الن�ص الجوانية ،تجعله يطمئن تدريجيا� ،إلى الن�سيج الكلي للق�صيدة، وين�سجم �شيئا ف�شيئا ،م��ع البنية الل�سانية الجديدة التي تنحت لها ،في �أفق الن�ص ،معنى �ضمنيا تنهله من فعل االنتماء لن�سيج هذا الن�ص �أو ذاك ،في ارتباط مع الن�سق العام للداللة. �إن ال�شاعرة مفرّح ت�سعى �إلى جعل كل مكونات الخطاب ال�شعري في خدمة المعنى؛ لذلك فهي ت�ستنفر حتى الفراغات ونقط الحذف من �أجل الإي�ح��اء والتدليل على المكنونات ال�شعورية، وهي ،هنا تعوّل على وعيها التجريبي من جهة، وعلى ح��ذق القارئ وذكائه الت�أويلي من جهة ثانية ،ونمثل لذلك بالمقطع التالي: فل�سطين التي... والتي... والتي... ()2 (ترى ..هل تعود؟َ) ُي �ط��ا َل��بُ ال�م�ت�ل�ق��ي ،وه ��و ي �ج��وب تفا�صيل المكتوب� ،أن يكون متيقظ الحوا�س ،م�صغي ًا ال�سمع لكل مكوّنات العالم ال�شعري ،وك�أنه يحيى مع ال�شاعرة لحظة �إن��ب��ات المعنى ور�سوخه، وتحوّله من حالة الكينونة ال�شخ�صية �إلى حالة الملكية الم�شاعة .وا�ستنادا �إلى ذلك ،فا�ستنبات بالغة جديدة لكتابة الن�ص ال�شعري ،يقابله
لزوما ،حدوث تحول جذري على م�ستوى التلقي؛ ذاك �أن القارئ �أ�صبح مطالبا بتحريك كافة مناحي الوعي والإح�سا�س والثقافة ،بغية القب�ض على التجربة ال�شعرية في تما�سّ ها الجوهريّ مع العمق الروحي؛ فالن�ص ،وفق ح�سا�سية مفرّح، ما ع��اد وجهة لغوية فح�سب ،بل �صار خطابا �شامال من الدّوالّ والإ�شارات والعالمات ،التي ت�شكل كل متجان�سا ،وال تدلّ � اّإل بو�صفها جزء ًا من ن�سق عام. وعموما نجد ،هنا ،عبر تجربة �سعدية مفرح، نبرة حزينة مخاتلة ومتلوّنة تطفح �أحيانا، لتتمظهر بجالء ،وفي تعبير مك�شوف ،وتتفتح حينا �آخ��ر ،في �شكل خلفيات لغوية و�إ�شارية م��وح �ي��ة ..وذل ��ك ان�سجاما م��ع ت �ل��ون الإي �ق��اع ال�شعري وال�شعوري المحكوم باللحظة الفارقة ف��ي الإح �� �س��ا���س ب��ال��وج��ود ،وم���س��وغ��ات ال�ق��ول َما�س مع �س�ؤال الكينونة ،وتفاعلٍ ال�شعريّ في ت ٍّ مع الوعي الجمعيّ . �إنّ الذّات ،وهي تنكتب �شعريّا ،تظ ّل حا�ضرة الوعي بالعالم الذي تنتمي �إليه ،مو�صولة الذهن ب�ب��ؤرة التوتر فيه ،ووا�ضعة ن�صب العينيين، حاالت انتفاء القيم الإن�سانية ،في عالم �ضاج بالتهافت على ال�م��ادي��ات ،عالم ت�ضيق فيه، بالتدريج� ،آفاق الحلم ،وت�سود فيه نواعير اغتيال ما راكمه الب�ش ُر من روح الح�ضارة.
* ناقد وباحث من المغرب. (� )1سعدية مفرح :تغيب ...ف�أ�سرج خيل ظنوني ،دار الجديد ،بيروت ،لبنان ،الطبعة 1994 ،1م. (� )2سعدية مفرح :قبر بنافذة واحدة ،الهيئة العامة لق�صور الثقافة ،القاهرة ،م�صر العربية ،ط 2008 ،1م� ،ص .86
22
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
التجريب في الق�صة الق�صيرة جدا
■ حممد يوب*
من طبيعة الق�صة الق�صيرة ج��داً �أنها ال تنتمي �إل��ى مجال فني و�إب��داع��ي يكرّ�س الم�ألوف ،وي�ستكين للجاهز في عالم الإب��داع ال�سردي؛ بل �إنها ا�ستندت على فل�سفة �إبداعية ت�ؤطرها مقولة «المغايرة الخلاّ قة» التي تخلخل الجاهز وتتمرّد عليه؛ �إنها تُحطّ م ال�شكل الجاهز؛ غير قادر على حمل الأفكار؛ �إنها ممار�سة قائمة على الهدم والبناء لفتح �أفق جديد قادر على تتبع طموحات الق�صا�صين. وقد �أجمع الدار�سون على �أن الق�صة الق�صيرة جدا امتدت في �سيرورة تنموية قوامها التحوّل الدائم؛ �سواء �أكان تحوال �أ�سهمت فيه عوامل ثقافية و�إبداعية فنية� ،أم تحوال �أفرزته عدة م�ستجدات اجتماعية و�سيا�سية واقت�صادية؛ فهي رهان �إبداعي مفتوح ،ال حدود له ،وال تخ�ضع لو�صفة عامة �أو �إطار جاهز؛ ولي�ست لها قواعد ثابتة ،ورا�سخة؛ �إنها تتمظهر على �أ�صعدة وم�ستويات م�سّ ها الخرق كبنيات تَه ّم اللغة ،والتقنية ،والبناء المعماري ،والمرجعية ،ودينامية االنفتاح على فنون ومعارف موازية. ف��ال�ت�ج��ري��ب� ،إذً ا ،ر�ؤي� ��ة فنية ذات�ي��ة و���ص��ي��رورة ف��ك��ري��ة �شخ�صية؛ ي�صوغها القا�ص في مختبره �أو م�شغله الق�ص�صي الق�صير ج��دا ،ال��ذي يخ�ضع با�ستمرار للتبديل والإزاحة والتحوير وتقليب القوالب ال �ج��اه��زة؛ وم��راج �ع��ة م�ع�ن��ى ال�ت�ج��ري��ب
وج ��دواه؛ �إن��ه قرين الإب� ��داع ،لأن��ه يتمثل ف��ي اب �ت �ك��اره ط��رائ��ق و�أ� �س��ال �ي��ب ج��دي��دة لأنماط التعبير الفني المختلفة .وهو بهذا المعنى يع ُّد ممار�سة فنية م��ؤط��رة ب�أفق �إب�ستيمولوجي غايته نق�ض التّكرار المملّ، وخ��رق ال �م �ت��داولِ وال �م ��أل��وف ف��ي الكتابة اجلوبة -ربيع 1436هـ 23
الق�ص�صية الق�صيرة جدا؛ �إنه تعبير عن خرق للم�ألوف وال �م �ت��داول ف��ي المنجز الق�ص�صي الق�صير ج��دا ،يك�سر نظرة االنبهار بالقديم، لأنه يقوم على �سل�سلة من التراكيب؛ ومن فنون الخداع؛ والهياكل غير الدائمة؛ ويعبر عن رغبة قوية ت�شترك فيها ثالث �أي��ادٍ :يد القا�ص ،ويد الن�ص ،ويد القارئ الذي يُفعل عَ ملية التجريب ويترجم �أبعادها ودالالتها؛ كما �أنه ين�شط بعملية تقوي�ض ال�شكل التقليدي القديم ،ينمو وينه�ض على عملية البناء والهدم الآن��ي؛ وق��د اتخذت لنف�سها �شكال وب��ن��ا ًء فنيا تمخ�ض عن ف��رادة �أ�سلوبية قد ال تتحقق في �أيّ طراز �إبداعي �آخر؛ فبالرغم من �أنها ت�أخذ حيز ًا �ضيق ًا من بيا�ض الورقة؛ ف�إنها تنفتح على م�ساحة قراءة ال حدود لها في بيا�ض الت�أويل؛ ويمكن تتبع التجريب في الق�صة الق�صيرة جدا من خالل مكوناتها.
�أوج��ه ال �ق��راءات وال�ت��أوي�لات ،وم��ن َث��مَّ ي�صبح للجملة الق�ص�صية الواحدة عددا ال متناهيا من المعاني وال��دالالت .وهو ما �سماه ال�شكالنيون ال���رو����س «ق���ان���ون اق��ت�����ص��اد ال���ق���وات ال��ح��ي��ة» l Economie des forces vivesحيث الأ�سلوب الفني يقدم �أق�صى ق��در من الأف�ك��ار بوا�سطة كلمات قليلة؛ لأن الغر�ض من الكتابة الأدبية لي�س هو الكم ,و�إنما الغر�ض منها هو الأدبية La litterariteكما قال رومان جاكب�سون؛ �أي ما يجعل من عمل ما عمال �أدبيا(.)1
فعند تتبع ال��ح��دث اللحظي ال��واح��د ،وهو ينقل للمتلقي حالة معينة ،يمكن لهذا الأخير �أن يت�صور ويبني ع��ددا كبيرا م��ن الأح ��داث المنت�شرة والمت�شظية؛ التي تتداعى حرة من خالل ما ت�ضمره الكلمات من �أفعال مت�ضمنة دال��ة على ال��ح��دث؛ وه��ذا االنت�شار والت�شظي �أ :الحدث في الق�صة الق�صيرة جدا يف�ضيان �إلى �أن ي�صبح الن�ص �أكثر تعددية في كل ق�صة ق�صيرة جدا ال بد لها من مكونات �إيحاءاته ،و�أكثر رحابة في ت�أويله. فالق�صة الق�صيرة جدا تجعل من الكلمات ثالثة :قا�ص�-سامع -ما يق�صه القا�ص؛ و«ما» هي الحدث اللحظي الخاطف؛ الذي يعبّر عن القليلة ومن الجمل المكثفة بناء �سرديا جديدا، موقف طارئ �أو جزئية حياتية ،ك�أن يكون �سوء تكون فيه الألفاظ م�ستفزة للمتلقي ،وتدفعه �إلى الحظ �أو الإخفاق �أو الموت ،ويكون داخليا �أو �أن يعي�ش هذه اللحظة ويتفاعل معها� ،شريطة �أن خارجيا؛ عميقا عمق نف�سية الإن���س��ان؛ يرقى يكون القا�ص ماهرا في اختيار الكلمات والجمل بالمتلقي �إل��ى درج��ة مجاورة العالم الواقعي؛ المنا�سبة لهذا النوع من ال�سرد. ت�سهم ف��ي �إنتاجه ال�ع�ب��ارات الق�صيرة ج��دا، وت�سمى هذه الجمل؛ بالجمل القالبية؛ وهي حيث الم�شهد الق�ص�صي الق�صير جدا يحتوي الجمل التي تطمر جمال ثانوية �أقل �أهمية ،لكنها الن�ص من على عبارات مكثفة ،تق�ص زوائد اللغة؛ وتكتفي جمل بليغة؛ موجزة ،ت�ضيء �أرج��اء ّ ب��ال�لازم منها وم��ا تحمله من دالالت م�ضمرة الداخل؛ وتقلل فر�ص تنامي الحدث ،والجمل في ثنايا الكلمات القليلة ال�ضرورية؛ المنتجة القالبية تعتمد على الإي�ح��اء ،وعلى العبارات للمعنى والجمال في الوقت نف�سه. الموجزة ،وربما على الإ���ش��ارات البليغة التي وه��ذه العبارات تت�سع معانيها كلما تعددت تفاجئ القارئ بنهايات مفاجئة تخالف توقع
24
اجلوبة -ربيع 1436هـ
وال ينبغي النظر �إل��ى الكلمات في معناها المعجمي؛ بل ينبغي النظر �إليها كعالمات دالة؛ ذات م�ضمون �ضبابي وعائم؛ تحيل المتلقي على معطى في العالم الخارجي؛ وت�سمى بالعالمات المرجعية التي تحيل �إلى �شيء ملمو�س ومُدرَك. وال �ح��دث ف��ي ال�ق���ص��ة ال�ق���ص�ي��رة ج ��دا له م�صدران: -1م���ن ال��ح��ي��اة م��ب��ا���ش��رة؛ وم����ن ال��ت��ج��ارب ال�شخ�صية؛ ومن تجارب الآخرين.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
القارئ ،فينتهي بما لم يخطر له ببال ،ويخلق لديه ما ي�سمى بالمفارقة المده�شة .فيعر�ضها مبا�شرة �أمام عمل ماكينة القراءة و�آلة الت�أويل. لتنتج دالالت ال حدود لها لن�ص واحد متما�سك من الناحية الفنية والجمالية.
للحكي دور في بناء الم�شهد الق�ص�صي الق�صير ج��دا ،ب��ل ا�ستبدله ب�سرد ج��دي��د ،ه��و «ال�سرد االلتحامي» ،ونق�صد به الكيفية التي تترابط بها الكلمات لتكوين البنية التركيبية ال�سطحية للمنجز الق�ص�صي الق�صير جدا؛ حيث ي�صبح للفعل ال�ق��درة على اخ�ت��زال زم��ن الحكاية من خ�ل�ال وج� ��وده ال��ذات��ي؛ وم �ن��ه ت�ت��وال��د الجمل المختزلة والمكثفة ،والفاعلة التي تنقل الم�شهد الق�ص�صي الق�صير ج��دا بقليل من الكلمات، التي يختارها القا�ص بعناية فائقة؛ وك�أنه يبنيها بناء معماريا ،ال تغلب فيه كلمة على �أخرى وال جملة على جملة؛ وذل��ك بغر�ض الإيجاز الذي يعرفه ابن الأثير بقوله «هو دالل��ة اللفظ على المعنى ،من غير �أن يزيد عليه»(.)2
وي��ق��وم «ال�����س��رد االل��ت��ح��ام��ي» وينه�ض على -2من الخيال الذي يُبدع �أحداثا على �شاكلة ما مجموعة م��ن الآل �ي��ات المتحكمة ف��ي �إنتاجه، يحدث في الواقع. منها: ويعتمد القا�ص على موهبته في الق�ص وذلك .1االنتقال من تركيب لغوي �إل��ى �آخ��ر ب�إقامة بالمزج بين الخيال والواقع؛ من دون ال�سقوط التجاور بينهما من دون عالمة ترقيم. في الحرفية والآلية واال�ستن�ساخ الأمين للواقع؛ .2االلتحام المقطعي ..وذل��ك ب��إدم��اج حدث و�إنما يحاول القا�ص النظر �إلى الواقع من خالل فرعي تف�سيري داخل الحدث الأ�سا�س. ر�ؤية تعيد �إنتاج الواقع من جديد بغنىً �أكثر.. وبنظرة عميقة و�شاملة؛ وهو ما ن�سميه باالنزياح .3توزيع �سواد الكتابة على بيا�ض الورقة. عن المعنى الحقيقي المعجمي �إلى معانٍ �أخرى .4تفكيك الكلمات �أفقيا �أو عموديا ب�شكل تُفهم من خ�لال ال�سياق؛ وم��ن خ�لال الإحالة ح ��رك ��ي؛ م ��ع االح��ت��ف��اظ ع �ل��ى ال�ت�ح��ام�ه��ا والإ�شارة؛ حيث اللغة في الق�صة الق�صيرة جدا وان���س�ج��ام��ا م��ع ان���س�ي��اب ال��ح��وار اللفظي تحيل على ما هو غير اللغة؛ لأن الذهن عندما والتركيبي. يتلقى الن�ص الق�ص�صي الق�صير جدا ،يترجمه .5التعاقب وال�ت��زام��ن الخطّ ي ال��ذي تعتريه ح�سب ما يوحي �إليه من دالالت في الواقع. فراغات زمنية ناتجة عن تقنية الحذف. ب :ال�سرد في الق�صة الق�صيرة جدا .6التوازي بين حدثين ب�شكل تناوبي تحكمه في عُ ��رف الق�صة الق�صيرة ج��دا؛ لم يعد
عالقة زمنية تزامنية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 25
.7تقنية ال�ع��ود على ب ��دء�،أو الأف�ع��وان��ي ال��ذي ويمكن تتبع نماذج من «ال�سرد الق�ص�صي االلتحامي» م��ن خ�لال تجربتين ق�ص�صيتين ي�سمى بالأفعى التي ت�أكل ذيلها. �إنه �سرد ما بعد حداثي قائم على تراكيب الأولى للقا�صة نعيمة الق�ضيوي والثانية للقا�ص لغوية ق�صيرة ج��دا؛ تن�ش�أ �ضمن �شبكة من على بن�ساعود. فالقا�صة نعيمة الق�ضيوي في ق�صة الجاذبية: الثنائيات المتقابلة ،والمت�ضادة والمختلفة التي ت�شكل لغة مبنية على مفارقة تراوغ �أفق انتظار ت�أمل التفاحة؛ المتلقي� ،إذ �إن الثنائيات ال�ضدية ال تقت�صر كم هي مغرية وفاتحة لل�شهية.. على البنية اللغوية ،و�إنما تن�سحب �إلى مفاهيم تذكر تفاحة نيوتن وتفاحة �آدم.. مركزية في ذهن الإن�سان ،وت�شغل لديه الذاكرة ()3 الق�صيرة جدا؛ لأنه على الم�ستوى الب�سيكولوجي وحار في فهم معنى الجاذبية! قد ميز �أطباء الأع�صاب وال�سيكو -فزيولوجيون فالقا�صة ربطت بين فعلين؛ هما فعل الت�أمل عند درا�ستهم للبنية الدماغية للإن�سان؛ بين وفعل التذكر اللذان وقعا في لحظة زمنية واحدة؛ ال��ذاك��رة الطويلة وال��ذاك��رة الق�صيرة التي لكنهما �ساعدا على تداعي مجموعة من الأحداث ال تتعدى الدقيقة ،وال��ذاك��رة الق�صيرة جدا الغابرة في الزمن؛ �أح��داث تفاحة �آدم والتاريخ التي تح�سب باللحظة؛ واالخ��ت�لاف لي�س كمي ًا الطويل المرتبط بهذه الحكاية ،وتفاحة نيوتن فح�سب ،فالذاكرة الطويلة هي من نمط ال�سرد التي ت�سببت في اكت�شاف قانون الجاذبية التي الطويل ،في حين �أن الذاكرة الق�صيرة هي من كانت هي محور الق�صة .فالجاذبية هنا حققت نمط ال�سرد الق�صير؛ والذاكرة الق�صيرة جدا المفارقة الق�ص�صية؛ هل المق�صود بها :جاذبية هي من نمط الق�صة الق�صيرة ج��دا؛ كما �أن ح��واء تجاه التفاحة؛ جاذبية ح��واء تجاه الفعل ا�ستمرار الذات الإن�سانية وتمدّدها لي�س �سوى المحرم؛ جاذبية حواء تجاه ال�شيطان؛ جاذبية �أ�سطورة ،والحقيقة �إن الإن�سان ذر ٌة تن�شطر �آدم تجاه ح��واء؛ جاذبية نيوتن تجاه التفاحة؛ دائما وتت�شكل من جديد كما قال «بريخت» في جاذبية نيوتن تجاه نظرية قانون الجاذبية .كلها م�سرحية «ماكبت». �أ�سئلة ت�سهم في ت�أويل الن�ص الق�ص�صي الق�صير ك �م��ا �أن ال �ق �� �ص��ة ال �ق �� �ص �ي��رة ج���دا تنمو جدا وتجعله �أكثر حيوية دينامية. وتنه�ض على قاعدة اللعب بالكلمات ،وبكيفية تعد تجربة الأدي��ب المغربي علي بن�ساعود �صياغتها� ،سواء من حيث التقديم والت�أخير ،المو�سومة بظالل ذابلة نقلة نوعية في احترام والإيجاز والحذف واعتماد الثنائيات ال�ضدية؛ تقنيات ال�سرد الق�ص�صي الق�صير ج��دا؛ �إذ والغمو�ض والإبهام؛ واعتماد �أ�ساليب الت�شبيه؛ ت�ضمنت نماذج ق�ص�صية ق�صيرة جدا احترمت م�شكّلة بذلك مجموعة من الوحدات المتعالقة الخط المنطقي لل�سرد االلتحامي ،الذي ينقل والمت�شاكلة التي من �ش�أنها �أن ت�سهم في �إنتاج ال �م��ادة الق�ص�صية م��ن واقعها ال��واق�ع��ي �إل��ى المفارقة في الم�شهد الق�ص�صي الق�صير جدا .ال��واق��ع المتخيل؛ وم��ن ه�ن��اك ،ي�ستمد مادته 26
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الق�ص�صية المتخيلة وفق �آليات ا�شتغال منطقية ومنظمة� ،إذ �إننا نالحظ �أن القا�ص في مجمل هذه المجموعة الق�ص�صية قد انفعل مع ق�ضايا كونية �إن�سانية خارج الذات ،ونقلها �إلى العالم الإن�ساني داخل الذات ،ومنه �أخذ مادته الأدبية المتخيلة ،و�أ��ص�ب��ح عالما ج��دي��دا مترابطا، يختلف في ات�ساقه وانتظامه وتركيزه وحراريته الوجدانية عما ك��ان عليه في الطبيعة؛ فبعد ما كان العالم مت�شظيا مت�شرذما تحكمه نقمة التمزيق والتفريق� ،أ�صبح عالما منتظما جميال رتقته ي��د القا�ص و�أغ�ن�ت��ه بالجمل المختزلة والمركزة الم�شحونة بالمعاني والدالالت.
وت��دخ��ل ه��ذه التقطيعات الم�شهدية تحت ع �ن��وان مُ�شكل ومُ��ل��غ��ز« ،غ��اب��ة» ،يمثل عالمة �سيميوطيقية تقوم بوظيفة االح�ت��واء لمدلول الن�ص� ،إذ �إن م�ضمون الق�صة «غابة» ين�سجم منطقيا مع داللة العنوان ،التي توحي مبا�شرة �إل ��ى ق� ��راءات م�ت�ع��ددة ،تتعدد بتعدد ال�ق��راء وبنوعية مقروئياتهم؛ فمنهم مَ ن يقر�أها ب�شكلها ال�سطحي وي�ستمتع بما فيها من معنى �سطحي؛ ومنهم مَ ��ن يقر�أها ق��راءة على م�ستوى البنية العميقة ،في�ؤولها �إل��ى ت�أويالت ع��دة ،تتما�شى وحموالتها الفكرية والأيديولوجية؛ وقد يقر�أها �أحد القراء ب�أن «غابة» هي هذا العالم المليء بال�صراعات والمتناق�ضات وت�ع��دد الجرائم وال� �ع���دوان ..وب�ه�ك��ذا ق� ��راءة ت�صبح الق�صة الق�صيرة جدا -بالرغم من محدودية كلماتها على م�ستوى الملفوظ -منطقية وغنية ومنفتحة على العديد من الإمكانات الت�أويلية المحتملة.
فق�صة «غابة» ب�صيغة التنكير وبمفرداتها المختزلة ،تحمل ف��ي طياتها كمًّا هائال من ال��م��ع��ان��ي ال��م��ت��داع��ي��ة والمت�شظية؛ فبمجرد قراءتها وارتطامها بمتخيل القارئ يترجمها �إلى دالالت ال متناهية محكومة برابط خطي منطقي يحميها من االنفالت واالنفراط. ج :ال�شخ�صيات في الق�صة الق�صيرة جدا فالق�صة ابتد�أت بفعل ما�ض ناق�ص قادم �أما فيما يخ�ص ال�شخ�صيات الم�ؤثثة لف�ضاء من الزمن الما�ضي ،ومر على الحا�ضر ثم توغّ ل الق�صة الق�صيرة جدا ،فلم تعد �شخ�صيات من في عمق الم�ستقبل ،من دون �أن تكتمل حركية دم ولحم « »en chaire et en osت�سير مع ال�سير فعل «كان» الناق�ص الدال على ا�ستمرار القبح التعاقبي والتزامني للم�شاهد الق�ص�صية ،و�إنما والتدمير والترويع الذي يوجهه الب�شر في حق �أ�صبحت عبارة عن عالمات مركبة (ممثلون)، الكون والطبيعة والإن�سانية ككل ،في عالم من تقوم بدور العامل في الجملة الق�ص�صية ،ت�ؤدي المفتر�ض �أن يكون هادئا و�آمنا. مجموعة من الوظائف اللحظية (الموتيفات) لقد وزع القا�ص ال�سرد في هذه الق�صي�صة التي يحددها ال�ق��ا���ص ،وتتحدد �صفاتها من �إل��ى ثالثة �أج��زاء يمثل كل ج��زء منها م�شهدا خالل عالقاتها بباقي العالمات الأخرى ،وتنعت م�ستقال بذاته: هذه ال�شخ�صيات ب�أنها ورقية «en papier et ،»en encreانفالتية ،زئبقية ،غير مُعدّة �سلفا �أ -كان الأطفال ير�سمون الربيع و�إنما يتم بنا�ؤها مع بناء الم�شهد الق�ص�صي ب -ت�سللت بندقية ت -رعت الطيور والفرا�شات الق�صير ج ��دا ،وه ��و م��ا ي�سميه ال�ب�لاغ�ي��ون اجلوبة -ربيع 1436هـ 27
الزمان كذلك؛ فقد �أ�صبحت العالقة بينهما ت�شكل وح��دة مترابطة ف��ي العمل الق�ص�صي الق�صير ج��دا ،ت�ق��وم على ال�ت��أث�ي��ر المتبادل بين طرفيها؛ ف��ال��زم��ان يتك�شف ف��ي المكان بو�صفه البعد الرابع له ،والمكان يدرك ويقا�س بالزمان(.)5
ببالغة ال�شخ�صيات( .)4لأن القا�ص يقدمها ب�شكل «ناب�ضحي» تقدم لنا الأح��داث والأدوار دون و�صاية من �أح��د ،مما يدفع ال�ق��ارئ �إلى ت��وه��م حقيقتها في�صبح ج ��زء ًا ال يتجز�أ من الن�سيج العام للق�صة الق�صيرة ج��دا .وتكون ال�شخ�صيات �إما مرجعية تاريخية� ،أ�سطورية... �أو �شخ�صيات �إ�شارية ،تنوب عن القا�ص وتتكلم وم��ن جهة �أخ ��رى �أ�صبح المكان وال��زم��ان با�سمه� ،أو �شخ�صيات ا�ستذكارية ،تن�سج �شبكة معادلين لل�شخ�صية ،ي�شكالن ما ي�سمى بالف�ضاء من التداعيات والتذكرات .وغالبا ما يختبئ الق�ص�صي ال �م �ح��دود ،ح�ي��ث ال�شخ�صيات القا�ص وراء �شخ�صياته ،ويوزع عليها الأدوار .والزمكان كائنات حيّة فاعلة ،ت�سهم في تنامي ولكي تتم عملية القراءة ب�شكل متكامل ،يجب ال�سرد الق�ص�صي الق�صير جدا؛ لأنها تقوم بدور على القارئ �أوال مالم�سة الن�ص من الداخل الممثل في الق�صة الق�صيرة جدا؛ فبدل البحث لمعرفة الخارج� ،أي معرفة انفعال ال�شخ�صيات عن الزمان الموجود ،بد�أ القا�ص يتحدث عن ولي�س معرفة �أفعالها ،معرفة وظيفة ال�شخ�صيات الزمن المن�شود .فعندما تحدث عبدالرحيم ولي�س �أفعالها ،حيث الوظائف في الق�ص�ص التدالوي عن النهر ،عدّه �سريرا ينام عليه الماء الق�صيرة جدا تبدو للقارئ مترابطة فيما بينها ،وي�ستريح ،وما دام كذلك فهو ماء نقي طهور، وال�شخ�صيات تبدو مترابطة ومتالحمة ت�ؤدي ف�إذا خرج عن �سريره �أ�صبح غير طاهر ،ففي هذه الق�صة الق�صيرة جدا عدة معان يمكن للقارئ وظائفها ب�شكل منطقي. تتبعها وا�ستخال�صها من هذا الج�سم الق�ص�صي والقا�ص يلج�أ عند اختياره لل�شخ�صيات �إلى الق�صير جدا� ،إنها تلخ�ص تجربة حياة ونظرة تقنية االختزال ،بتركيزه على جوانب محددة في عميقة �إلى الزمن القادم الطاهر البعيد عن كل ال�شخ�صيات و�إهمال جوانب �أخرى؛ فهو ال يعب�أ منغ�صات الحياة ...فالعبارة كما نرى �ضيقة.. بذكر الأ�سماء ،والعمر ،ومالمح الوجوه ،والهي�أة لكن مت�سعها المعرفي والداللي �شا�سع ،ي�أخذ الخارجية الظاهرة .وكثيرا ما نجد القا�ص ذهن المتلقي ويجعله يتخيل ويت�صور كيف يكون ي�ستعمل ال�ضمائر التي تعوّ�ض ال�شخ�صيات؛ النهر �سريرا ينام عليه الماء ،فتنتقل ال�صورة لأن �ه��ا ت �ق��وم ب ��دور ال�ق�ن��اع ال ��ذي يغطي وج��وه �إلى ذهنه ،وكلما زاد �أعاد القراءة كلما تعددت ال�شخ�صيات الم�ؤثثة لف�ضاء الق�صة الق�صيرة �أوجه الت�أويل في ذهن المتلقي «�سئل النهر :لم جدا� ،إذ ي��ؤدي �ضمير المتكلم ال��دور الرئي�س، ال يخرج م��ا�ؤك عن �سريره؟ رد :لكي يحافظ و�ضمير المخاطب يقدم دور الم�ستمع .وت�ستعمل على طهارته »...ماء(.)6 ال�ضمائر للداللة على ما ت�ضمره من دالالت. بمعنى �أﻥ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟ�ﺸﻜﻠﻲ ﻟﻠﻘ�ﺼﺔ ﺍﻟﻘ�ﺼﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ د :الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا ﻻ يقترن فقط بالمدى الذي ت�أخذه ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻠﻐﺔ لم يعد المكان عن�صرا م�ستقال بذاته ..وال بالطول �أﻭ ﺍﻟﻘُ�ﺼﺮ ،و�إنما يعتمد على مرتكزات 28
اجلوبة -ربيع 1436هـ
فعلى الرغم من المحاوالت النقدية التي تحاول التفريق بين الأجنا�س الأدبية المكانية كالنحت والفنون الت�شكيلية ،وبين الأجنا�س الأدبية الزمانية كالمو�سيقى وال�شعر والنثر؛ ف��إن�ن��ا ن�لاح��ظ �أن الق�صة الق�صيرة ج��دا ال
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
رئي�سة مهمة ت�م�ي��زه ع��ن الق�صة الق�صيرة التقليدية ،وذل��ك ه��و االخ �ت��زال والتكثيف في الحدث ال�سردي واالكتفاء ب�أقل ال�شخ�صيات، �إ�ضافة �إل��ى زمكانية مقننة؛ فالتكثيف(يحدد بنية الق�صة الق�صيرة جدا ومتانتها ال بمعنى االقت�صاد اللغوي فح�سب ،و�إن�م��ا في فاعليته الم�ؤثرة في اختزال المو�ضوع وطريقة تداوله، و�إي�ج��از الحدث والقب�ض على وح��دت��ه)(� ،)7إذ �إنها تقفز مبا�شرة �إل��ى الحدث المركزي من دون مقدمات ،مكتفية بالإطار الذي يوفرها لها ذلك المركز لخلق �أجواء الق�صة الق�صيرة جدا، فهي تعتمد على حبكة ب�سيطة في ف�ضاء زمكاني مختزل .ﻭﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ الإط��ار ﺍﻟل�غ��وي المقنن -2الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا ت�ح��اول ﺍﻟﻘ�ﺼﺔ ﺍﻟﻘ�ﺼﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻓﺘﺢ ﻓ�ﻀﺎءﺍﺕ والبعد الب�صري ﺩﻻﻟﻴﺔ ﻣﻦ خ�لال اللعب بالف�ضاء االفترا�ضي عند تتبع المجاميع الق�ص�صية الق�صيرة الذي توفره اللغة ،وكذا الإحاالت التنا�صية التي ج��دا ،نجد �أن ال�ق��ا���ص يعاني م��ن قلق البعد تفتح م�سارب وا�سعة الت�أويل. الب�صري في الق�صة الق�صيرة ج��دا ،وتحدوه -1الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا رغبة في تحطيم بناء ال�سرد الق�ص�صي وتغيير وفائ�ض المعنى �شكله من ال�شكل التقليدي المعهود �إلى �أ�شكال لقد حظيت الق�صة الق�صيرة جدا باهتمام ب�صرية مختلفة تختلف باختالف طبيعة الق�صة النقاد والباحثين ،وتناولوها من زوايا متعددة الق�صيرة جدا وتنوع موا�ضيعها� ،إنه يريد خلخلة كالحبكة وال�شخ�صيات وال �� �ص��راع وال��ر�ؤي��ة ال�ب�ن��اء المعماري ل�ه��ا ،لكي تعبر ع��ن طبيعة ال�سردية والبناء الفني .ونحن في هذا المبحث هذا الجن�س الأدب��ي الذي يعتمد على التكثيف النقدي �سنهتم بتيمة الف�ضاء الق�ص�صي باعتبار والإ�ضمار والإقالل. �أن الق�صة الق�صيرة ج��دا ه��ي ف��ن التف�ضيئ و�أول ما ي�صدم القارئ على م�ستوى تلقي الزمكاني بامتياز. ال�ع�ي��ن ،ه��و ال�شكل الكاليغرافي ال ��ذي يميز ت�ستطيع التخل�ص من هذين المحورين في بناء عمل ق�ص�صي ق�صير ج��دا .وعندما نميز بين مكونات هذا الفن �أو ذاك ،ف�إننا نفعل ذلك من �أجل الدرا�سة فقط؛ لأن الفنون الأدبية متداخلة، �إذ �إن كل فن ي�ستعير خ�صائ�ص ومميزات فن �آخر ،فالقا�ص ي�ستعير و�صف الم�شهد الق�ص�صي الق�صير جدا من ال�شعر ومن الر�سم ،ويتتبع تفا�صيل المكان من النحت ،فنجده ير�صد �أبعاد المكان و�أحجامه و�أ�شكاله بوا�سطة الكلمات المقلة؛ وهنا تدخل براعة القا�ص في الق�صة الق�صيرة جدا ،لأنه ال يقدم تفا�صيل المكان وال يقدمها دفعة واحدة.
الكتابة الق�ص�صية الق�صيرة جدا ،والذي يركز فيه القا�ص على ت��وزي��ع الم�شاهد والمقاطع الق�ص�صية داخل ال�صفحة الواحدة� ،إ�ضافة �إلى توزيع ال�سواد على البيا�ض وعالمات الترقيم وتناثر الحروف من �أعلى �إلى �أ�سفل� ،أو عك�س اجلوبة -ربيع 1436هـ 29
ذلك ،وفق نظام جميل يزيد من جمالية الق�صة تكون الف�ضاءات فيها مغلقة �أو معزولة ،و�إن الق�صيرة ج��دا ،وي�ساعد على ف��ك مغاليقها كانت في �أحايين مفتوحة ..ف�إنها تكون مفتوحة و�إ� �ض��اءة عتماتها .لأن ال �ق��ارئ وه��و يت�صفح في �إطار �ضيق ال يتعدى مر�أى الب�صر. المجموعة الق�ص�صية ،ي��درك من خ�لال هذا �إن القا�ص عندما يقدم ال�صورة الف�ضائية التوزيع قدرة القا�ص على فهم دواليب الف�ضاء ب�شكل جمالي متنا�سق يحترم �أب�ع��اد الف�ضاء الق�ص�صي و�أ�� �س ��راره ،وع�ن��دم��ا يك�شف ه��ذه المتخيل� ،إنه ي�سهم في خلق متعة القراءة لدى المغاليق تنك�شف لديه مغاليق العالم وخباياه .القارئ من خالل تتبعه لو�صف ف�ضاءات الق�صة وتنجلي ر�ؤي��ة القا�ص �إل��ى العالم وما توحي به الق�صيرة جدا عبر بوابة الكلمات؛ ما ي�ساعد هذه الأ�شكال وهذا التوزيع للألفاظ من معان على تعميق ال�صلة بين الق�صة الق�صيرة جدا قابعة في ال�شعور الملقي والمتلقي. والقارئ ،وما يورطه ويدخله كعن�صر م�شارك في فالقا�ص الحقيقي ،هو الذي يعي�ش قلق بيا�ض ت�شكيل ر�ؤية م�شابهة لر�ؤية القا�ص ،على اعتبار ال�صفحة كما يعي�ش قلق �سوادها؛ لأنه محكوم �أن القا�ص يقدم الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير بعدد قليل من الكلمات التي ينبغي عليه توزيعها ج��دا كمكون م��ن مكونات ال�سرد الق�ص�صي التوزيع المنا�سب؛ �إن��ه يعي�ش قلقا في الحيز وعن�صرا مهما في عملية الق�ص ،كما �أنه يقوم الزمكاني ..ما يدفعه �إلى ال�صمت الهنيهي لكي ب��إي�ه��ام ال �ق��ارئ بحقيقة الف�ضاء الق�ص�صي يترك المجال وا�سعا لهذه الكلمات القليلة لكي الق�صير جدا بوا�سطة تداخل المكاني بالزماني تحكي عن نف�سها ،وعن امتدادها وا�ستمرارها بنف�سية القا�ص ،ويجعله ي�شعر ب�أنه يعي�ش في في الوجود ،وتفتح المجال للقارئ لي�شارك في العالم الحقيقي ولي�س في عالم الخيال ،وكلما كتابة الق�صة الق�صيرة ج��دا ،وهكذا يتداخل ك��ان تكثيف الحديث واخ�ت��زال��ه ع��ن الف�ضاء ف�ضاء الوقائع مع ف�ضاء الق�ص الق�صير جدا الق�ص�صي الق�صير ج ��دا ..كلما ك��ان العمل وتتداخل معهما نف�سيتا القا�ص والقارئ وروح الق�ص�صي الق�صير جدا �أقرب �إلى الحقيقة. الن�ص الق�ص�صي الق�صير جدا. وكلما ك��ان الف�ضاء الق�ص�صي قريبا من - 3الق�صة الق�صيرة جدا و�شجون ال�شريحة االجتماعية للقراء ،كلما كانت الق�صة الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا الق�صيرة ج��دا قريبة من حياة ال�ق��ارئ ،ومن فالف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا يثير في َث��مَّ ت�ساعده على التفاعل م��ع �أح ��داث العمل المتلقي الإح�سا�س بالكينونة في الزمان والمكان الق�ص�صي ،ومع حميمية الف�ضاء ودفء �أركانه بمفهوم هايدجر ،لأن��ه ال يمكن ل�ل�أح��داث �أن وزواي ��اه .كما �أن الف�ضاء ال يقدم في الق�صة تنه�ض وتنمو من دون ف�ضاء يحت�ضنها ،غير �أن الق�صيرة م��ن �أج��ل ال��زي�ن��ة� ،أو لأداء وظيفة ما يميز الف�ضاء في الق�صة الق�صيرة جدا هو تجميلية� ،أو زخ��رف�ي��ة ،و�إن �م��ا ي�ق��دم كعن�صر ميزة التكثيف واالختزال المف�ضيان �إلى حميمة من �أه��م العنا�صر الم�شكلة للعمل الق�ص�صي الف�ضاء واالن�سجام والتناغم معه؛ فغالبا ما الق�صير جدا. 30
اجلوبة -ربيع 1436هـ
وم��ن هنا ،ت�أتي مهمة الف�ضاء الق�ص�صي الق�صير جدا في �إيهام القارئ و�إقناعه بحقيقة ما يقر�أ ،لأنه يمزج الواقعي بالخيالي ،ويتدخل عميقا في تف�سير وو�صف الف�ضاءات التي تجري فيها الأح� ��داث ال�ت��ي ه��ي ج��زء ال ي�ت�ج��ز�أ من فالقا�ص �إ�سماعيل البويحياوي ا�ستطاع �شخ�صيات الق�صة الق�صيرة جدا. �أن ينقل القارئ من ف�ضاء المدينة �إلى ف�ضاء وتعد الأر�ض بمحيطها االجتماعي والنف�سي القرية التي �شبَّ وترعرع فيها القا�ص ،وجعلنا من �أهم الف�ضاءات التي تناولها كتاب الق�صة نتلم�س ونتح�س�س الف�ضاءات التي كان يتحرك الق�صيرة ج��دا؛ فهي م�صدر ه��وي��ة الإن�سان فيها ،وك��أن��ه يقدمها في �شكل لوحة فنية لها ووجوده ،وبينها وبينه عالقة حميمية ا�ستطاعت �أب �ع��اد ث�لاث��ة ،وو�سيلته ف��ي ذل��ك تحكمه في ا�ستيعاب �أعماله الق�ص�صية ،كما نجد عند عز الأ�سلوب واختيار الكلمات المنا�سبة لذلك ،وفق الدين الماعزي في «حب على طريقة الكبار» ،تنا�سق وترتيب يخدم المعنى الوا�صف للف�ضاء؛ وعند �إ�سماعيل البويحياوي في «ندف الروح ».وو�سيلته في ذلك �أنه يقدم ف�ضاءات من واقع القارئ ،ولي�ست ف�ضاءات مجردة لكي يح�س�سه لقد ربطت الق�صة الق�صيرة ج��دا عالقة بحقيقة هذا الواقع. وطيدة بين الأر�ض والإن�سان ،وبينت قيمتها في يعتمد البويحياوي على �أ��س�ل��وب الو�صف �أعماقه وكيانه ما لها من داللة في كيانه ،وما تخزنه من مخزون ثقافي وح�ضاري و�إن�ساني التعبيري الذي يهتم ب�أثر الف�ضاء على المتلقي له ج��ذور �ضاربة في �أعماق النف�س والذاكرة �أكثر من اهتمامه بالف�ضاء نف�سه ،بمعنى �أنه الإن�سانية .معبرا عن التغيرات التي عرفتها ال يقدم الف�ضاءات مجردة بعيدة عن الإن�سان، الأر���ض ،واكت�ساح الإ�سمنت الم�سلح للخ�ضرة ،و�إنما يقدمها في حركيتها ،وفي عالقتها بروح وم��وت ال�غ��ر���س ،وق��ط��ع الأ���ش��ج��ار ،وتغيّر بنية الإن�سان ،وك�أننا عندما نقر�أ الق�صة ..ن�شعر ال�ح�ي��اة االجتماعية واالق�ت���ص��ادي��ة ،وطبيعة ب ��روح ال�ق��ا���ص تتخلل التف�ضيئ الق�ص�صي المنتوج الغذائي للمواطن في البادية ،ومغادرة وتحرك الأحداث ،معتمدا في ذلك قدرته على الطيور لأوكارها ،كل هذه المعطيات عك�ستها التخيل الذي يعطي للمادة الق�ص�صية المختزلة الق�صة الق�صيرة جدا في بنائها وت�شكيل بنيتها والق�صيرة جدا روحا وحيوية. ال�سردية ،لأنه ال يمكن ف�صل الف�ضاء الق�ص�صي فعندما ي�صف الأر���ض ،ي�صفها وهي تعانق عن مكونات ال�سرد الق�ص�صي الق�صير جدا ،المطر ،لكي يلدا معا البذور ..وهي حية تنمو و�أي ف�صل بين هذه المكونات هو من �أجل ت�سهيل وتحيا كل يوم ،وهكذا ت�صبح الأر�ض كائنا حيا الدرا�سة فقط. يفرح بحلول ف�صل الربيع ،وتنتع�ش بقطرات ون�شير ب�أن جمالية الف�ضاء الق�ص�صي تكمن المطر ،وهذه الحيوية تمتزج بم�شاعر القارئ. في قدرة القا�ص على نقل القارئ من الف�ضاء
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ال��ذي يحيط به �إل��ى ف�ضاء الق�صة الق�صيرة جدا ،وهذه الطاقة الخالقة هي التي ت�ستطيع �أن تمحو المحيط الخارجي الحقيقي ،وتجعل محيط الق�صة الق�صيرة جدا بديال متخيال.
فالأر�ض في ق�ص�ص البويحياوي هي ذلك اجلوبة -ربيع 1436هـ 31
الف�ضاء المنفتح ،الممتد الوا�سع الذي ي�ؤلف بين م�شاعر النا�س الب�سيطة ،عك�س تناوله للمدينة التي ي��راه��ا ذل��ك الف�ضاء المغلق ال��ذي يعكر �صفاء الحياة ،ويُعبّر عن �سخط النا�س ورف�ضهم لتعقيدات الحياة. كما �أننا ونحن نقر�أ المجموعة الق�ص�صية «ن��دف ال��روح» ،ن�شعر ك��أن الف�ضاء �إن�سان حي ا�ستطاع القا�ص �أن�سنته وبثَّ الروح فيه ،جاعال منه �شخ�صية ممثلة تقدم �أدواره���ا في ف�ضاء الق�صة الق�صيرة ج��دا؛ فالنافذة ف��ي لوحة الغالف وف�ضاء البيت القديم بكل مكوناته، تدخل في عالقة حميمة مع المتلقي ،تعانقه وتداعبه في جو حميمي مليء بالحيوية والحركة والدينامية. وع�ن��د ع��ز ال��دي��ن ال�م��اع��زي نجد الف�ضاء الق�ص�صي جزء ًا ال يتجز�أ من الق�صة الق�صيرة جدا ،بل قد نقول ب�أن التف�ضئ الق�ص�صي هو الق�صة نف�سها ،لأن �أغ�ل��ب ق�ص�صه اعتمدت التف�ضية الق�ص�صية كمنطلق لتفريغ المحتوى الق�ص�صي ،وم��ن خالله تفهم �أب�ع��اد الق�صة الق�صيرة جدا وا�ستراتيجيتها (ر�سم الطفل م�ستطيال ،مثلثا ،مدخنة� ،سلكا هوائيا عاليا ف��ي �آخ����ره ���ش��ب��ك��ة ..و���ض��ع ال��ن��واف��ذ الزجاجية وال����ب����اب ال��خ�����ش��ب��ي ودرج ال�������س�ل�ال���م ،م��رب��ع��ا للحديقة و�شجرة با�سقة ..ر�سم نف�سه طفال يحمل محفظة متجها �إلى المدر�سة ،مفتونا بالر�سم ،كان الطفل يمعن بعينيه في الأعلى ()8 �سحابة ���س��وداء �أم��ط��رت ..فمحت الر�سم). موت �سامورائي.
وتلخ�ص �سيرة كائن �إن�ساني حي له طموح في الحياة ،ير�سم ويخطط م�ستقبال غام�ضا وغارقا في التعتيم والظالم؛ ق�صة تحكي �سيرة حياة �أجيال كثيرة ومتعددة عا�شت الويل وعانت من �شظف العي�ش؛ حياة فئة كثيرة من �شباب المغرب الذين لم ي�ستطيعوا التعبير عن معاناتهم ،لكن القا�ص عز الدين الماعزي ا�ستطاع ب�أدبيته الوقوف على هذه المعاناة والتعبير عنها �أدبا. فالق�صة تجمع الأيادي الثالث ..يد القا�ص وي��د الق�صة وي��د ال�ق��ارئ ،ت�شعر وك�أنها كتبت بنف�سية وهوى واحد ،فيها حميمة ودفء الف�ضاء الذي �شبَّ وترعرع فيه كل من القا�ص والقارئ؛ لأن الق�صة تعني كل �شاب عا�ش هذه الحياة، ولأن الق�صة ف��ي حقيقتها ه��ي ق�صة �أج�ي��ال تتكرر ،لكن مَ ��ن ا�ستطاع تقديمها بين يدي القارئ هو القا�ص بحرفية عالية وبلغة قريبة من ح�س المتلقي بمختلف م�ستوياته ،حيث كل واحد يقر�ؤها بح�سب ر�ؤيته �إلى العالم وبح�سب زاوية الر�ؤية عنده. -4حركية ال�صورة في الق�صة الق�صيرة جدا
ومن هذا المدخل الب�سيط لمعنى الف�ضاء ووظيفته في الق�صة الق�صيرة جدا ندخل �إلى بوابة �أعمق ،وهي� :أيهما �أ�سبق الكلمة �أم ال�صورة في بناء هذا الف�ضاء؟ لأننا ونحن نقر�أ الق�صة الق�صيرة ج��دا ،ال ت�ؤثر فينا الكلمات بقدر ما ت�ؤديه فينا ال�صور التي تحدثها هذه الكلمات في نفو�سنا ،كقراء متتبعين للفظة وهي تتحرك في ف�ضاء الق�صة الق�صيرة جدا؛ لأن الكلمات ت�ؤدي وظيفة �أولية تليها وظيفة �أق��وى و�أهمية ،وهي فعند ق ��راءة ه��ذه الق�صة الق�صيرة جدا وظيفة ال�صورة التي تقع قوية في نف�سية القارئ، بالرغم من ب�ساطتها ف�إنها تحمل معانٍ كثيرة ،فنحن عندما نعود �إلى ق�صة «موت �سامورائي»،
32
اجلوبة -ربيع 1436هـ
فمن خ�لال ال�ك�ل�م��ات ،وم��ن خ�لال دالالت الأل � ��وان ،ت�ت��داع��ى مجموعة م��ن ال���ص��ور في ذه��ن المتلقي ،بل تت�شكل لديه معانٍ متعددة و�سيناريوهات مختلفة ع��ن �سبب ه��ذا الفعل ال��ذي ت�سبب في قتله ،وهكذا تحكي الكلمات ما لم ت�ستطعه ال�صورة ال�سينمائية .فقد تمكن الهدار من خالل الكلمة �أن يخلق لوحة يت�صارع في تفكيك �أ�سرارها القراء.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ن�شعر ب�أن ال�صورة كانت تتوالد وحدها متتابعة في خط واحد قادمة من الخارج ،متخذة �شكال معينا في ذه��ن المتلقي ،وق��د اعتمد القا�ص في ذلك على تقنية الو�صف الذي ي�ساعد على التيقن والإيمان بحقيقة ما نقر�أ ،ويترك المجال وال�م��دى مفتوحا وقابال للكثير من ال�ق��راءات والت�أويالت.
يقدم لنا عبداللطيف الهدار م�شهدا �سينمائيا اعتمد فيه على تقنية ب�صرية� ،سرد فيها حالة الجندي الب�سيط الذي يرتدي الزي الع�سكري المعروف باللون الأخ�ضر ،ولكن في ي��وم من الأي��ام رج��ع جثة هامدة م�ضرجة في دمائها، وك�أنها كتبت تاريخ هذا الجندي و�سيرته.
ونالحظ �أن عز الدين الماعزي ك��ان ب�سيطا في اختيار الكلمات ،لم يعتمد �أ�ساليب ا�ستعارية، والق�صة خالية من الت�شبيهات واالنزياحات اللغوية، وق��د ت��رك للفظة ال��ح��ري��ة ف��ي تتبع ك��ل الأ���ش��ك��ال الهند�سية والمعمارية ،م��ن دون �إدخ ��ال ال��ذات ال�ساردة ،و�إنما ترك الق�صة تعبر عن ف�ضاءاتها بنف�سها ب�ضمير الغائبة ال��ذي يدفع ال�ق��ارئ �إلى محوه ،و�إ�ضافة ا�سمه كذات �ساردة؛ وهكذا تتنوع ف��ال���ص��ورة وح��ده��ا ال �ت��ي خلقت الكلمات �أ�شكال ال�صورة بتنوع وتعدد الذوات القارئة. و�أعطتها معنى (يرتدي -ي��ودع -لم يعد �إلى وف��ي «ال��و���ش��م ���ص��وت��ا» للقا�ص عبداللطيف بيته خرقة خ�ضراء -ر�صعتها ثقوب �سوداء- الهدار تنبعث رائحة ال�صورة وتنجلي ق�سماتها كتابة ح �م��راء)( ،)10فال�صورة هي التي تختار م��ن خ�لال عتبة ال�ع�ن��وان حيث ه�ن��اك �سمي�أة الكلمة وت�ستدعيها لكي تقدم المعنى المطلوب؛ في العنوان ،الغر�ض منها تقديم المجموعة فنحن كقراء ت�صلنا ال�صورة قبل �أن ت�صلنا الق�ص�صية على �أنها منمنمات متحركة داخل الكلمة� ،إننا نفكر بال�صورة وال نفكر بالكلمات، ف�ضاء المجموعة الق�ص�صية ،تكون ال�صورة لأن الكلمات اختراع ي�أتي بعد ال�صورة ،وهي �أداة اللفظية بطلتها ،حيث الكلمات تتحرك فيها ت�أتي لكي تقدم معنى ال�صورة ،بل �أكثر من هذا محدثة رجة في ذهن المتلقي ،وت�ساعده على تقدم فائ�ض المعنى الذي يبحث عنه القارئ. خلق عوالم متخيلة يلتقي فيها القا�ص والقارئ والن�ص الق�ص�صي لأداء اللوحة الق�ص�صية ه :المفارقة في الق�صة الق�صيرة جدا -1المفارقة لغة وا�صطالحا المقروءة ب�صيغ و�صور مختلفة؛ ففي ق�صة خرج الق�صة الق�صيرة ج��دا من حيث هي مادة ولم يعد «الرجل العادي الذي اعتاد �أن يرتدي وزرت��ه الخ�ضراء ،وي��ودع �أهله كل �صباح ،قبل لغوية ،ال تطابق الواقع المادي وال تحاكيه ،بل �أن يخرج لال�سترزاق على غير العادة ،لم يعد تفارقه؛ وحركة المفارقة هي حركة نمو وتطور �إل��ى بيته ذاك الم�ساء .ك��ل م��ا ع��اد منه خرقة ال ت���وازي ال��واق��ع فتحلق ف��وق��ه كالظل يواكب خ�ضراء ،ر�صعتها ثقوب �سود وكتابة حمراء»(� .)9صاحبه ،بل تنمو وتنه�ض على حدٍّ �صراعي هو
اجلوبة -ربيع 1436هـ 33
ح ُّد التناق�ضات.
الذي قيل من معنى لم يدل عليه القول(.)12 �إنها ت�ؤدي المعنى الدقيق ،وتحدث �أبلغ الأثر ب�أقل الو�سائل تبديرا ،وذل��ك بخلق بنيات �أو م�سارات يحكمها التناق�ض واالختالف� ،إذ يحيل ال�ضد على �ضده في�ضيئه دالليا ،ك ��أن ي�ضيء الموت الحياة والمر الحالوة ،وال�سواد البيا�ض..
وال يتحقق البناء ال�سردي في تجربة الق�صة الق�صيرة ج��دا �إال عبر ك �وّة المفارقة ،وقبل الخو�ض في المو�ضوع ،البد من تعريف مفهوم المفارقة « ،»L’ironieفهي ا�سم مفعول من «فارق» ويقال :فارق ال�شئ مفارقة وافتراقا �أي باينه ،وف��ارق الرجل ام��ر�أت��ه مفارقة وفراقا: �أي �أنها تتمثل في �أوج��ه التناق�ض والت�ضاد بَاينها وافترق عنها .والفرقان بمعنى القر�آن في عالقات و�أط��راف يجب �أن تكون متوافقة، وهو كل ما فرق بين الحق والباطل. وكذلك فيما يظهر لنا عك�س حقيقته� ،إذ نرى وف���ي اال� �س �ت �ع �م��ال اال� �ص �ط�لاح��ي ل ��م ت��رد العبث في الجد ،والزيف في الحقيقة ،ولهذا باللفظ نف�سه ،و�إنما وردت بمعان �أخ��رى منها تت�صل المفارقة في كثير من �صورها بالتهكم «ال�ت�ع��ري����ض» ،و«ال��ت�����ش��ك��ك» ،و«المت�شابهات» وال�سخرية والده�شة والألم والإح�سا�س بالفجيعة و«تجاهل ال��ع��ارف» ،و«ت�أكيد المدح بما ي�شبه والم�أ�ساة ،والمفارقة ت�سير عك�س �أفق انتظار المتلقي ،فت�صدمه بقفلتها المده�شة� ،إن القا�ص الذم» ،و«ت�أكيد الذم بما ي�شبه المدح». ينتقي كلماته وعباراته في اتجاه تقابلي ،يقوم �أم��ا في ال��درا��س��ات الغربية ،فقد ج��اء في وينه�ض على الدينامية والحياة في ن�سيج الجملة «معجم �أك�سفورد المخت�صر»� ،أن «المفارقة هي الق�ص�صية. �أن يعبر المرء عن معناه بلغة توحي بما يتناق�ض �-2أنواع المفارقة هذا المعنى �أو يخالفه ،وال �سيما ب�أن يتظاهر ال�م��رء بتبني وجهة نظر الآخ���ر� ،إذ ي�ستخدم ق�سم ميويك المفارقة �إلى ق�سمين(:)13 لهجة تدل على المدح ،ولكن بق�صد ال�سخرية -1المفارقة اللفظية �أو التهكم ،و�إم ��ا ه��ي ح��دوث ح��دث �أو ظرف -2مفارقة الموقف مرغوب فيه ،ولكن في وقت غير منا�سب البتة، �أم��ا المفارقة اللفظية فهي نمط كالمي، كما لو كان في حدوثه في ذلك الوقت �سخرية من فكرة مالءَمة الأ�شياء ،و�إم��ا هي ا�ستعمال �أو طريقة م��ن ط��رائ��ق التعبير ي�ك��ون المعنى اللغة بطريقة تحمل معنى باطنا موجها لجمهور المق�صود فيها مناق�ضا �أو مخالفا للمعنى خ��ا���ص م�م�ي��ز ،وم�ع�ن��ى �آخ���ر ظ��اه��ر ًا موجها الظاهر ،وهي نمطان� ،أطلق على الأول �أ�سلوب للأ�شخا�ص المخاطبين �أو المعنيين بالقول»(« .)11الإبراز» وعلى الثاني �أ�سلوب «النق�ش الغائر». �أما مفارقة الموقف ،فقد ق�سمها �إلى خم�سة فالمفارقة بهذا المعنى ،هي فن قول �شيء م��ن دون قوله حقيقة� ،أي �أن�ن��ا ف��ي المفارقة �أق�سام هي: نتو�صل �إلى فهم المعنى المق�صود ،ولي�س من خالل ما يدل عليه لفظا ،بل بما يكمن في اللفظ
34
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�أ -مفارقة التنافر الب�سيط. ب -مفارقة الأحداث.
تبليغ ر�سالة معينة ،فيها حمولة معرفية ور�ؤية �إلى العالم ،حيث الخطاب الق�ص�صي الق�صير ج��دا بقدر ما ي�ستح�ضر رون��ق الكلمة البليغة وجمالها ،بقدر ما يغو�ص في باطن ال�شخ�صية كا�شفا عن �أغوارها ،مقربا �صورتها من القارئ.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
حول جثمان الوالد« .اجتمع الأب��ن��اء بالمنزل ت -مفارقة الدرامية. لالحتفاء بقرب خ��روج �أبيهم من الم�شفى.. ث -مفارقة خجاع النف�س. هي�أوا كعكة لإكمال الفرحة ..رن الهاتف :لقد ج -مفارقة الورطة. وقد ق�سم المفارقة من ناحية درجاتها �إلى غادر الحياة� ..سارعوا �إلى التهام التركة.)14(».. ثالث درجات: فالق�صة الق�صيرة جدا اعتمدت هنا على ما ي�سمى بالمتوازيات ،وه��ي تقنية اقتب�ستها �أ -المفارقة ال�صريحة. الق�صة الق�صيرة جدا من مجال الريا�ضيات، ب -المفارقة الخفية. وه��ي طريقة تعتمد على ال�سرد المتوازي في ت -المفارقة الخا�صة. الق�صة ال��واح��دة ،فنرى ه��ذا الن�ص الق�صير كما ق�سمها من ناحية طرائقها و�أ�ساليبها جدا قد احتوى ق�صتين نقر�ؤهما في وقت واحد، �إلى �أربعة �أق�سام هي: ق�صة االحتفال ب�شفاء ال��وال��د ،وق�صة تق�سيم �أ -المفارقة الال�شخ�صية. التركة ،وهي مفارقة اعتمد فيها القا�ص ال�سرد ب -مفارقة اال�ستخفاف بالذات. المتوازي ،على اعتبار �أن الق�صة الق�صيرة جدا ت -المفارقة ال�ساذجة. بمثابة متوالية �سردية فيها نقطة االنطالق ث -المفارقة المم�سرحة. ونقطة االنزياح ،حيث تتعقد الق�صة الق�صيرة والقا�ص ال يكتب الق�صة الق�صيرة جدا من ج��دا ..وت�ب��د�أ تبحث عن حل منا�سب لها ،ثم �أجل التفنن في اختيار الكلمات ،وما تحدثه من تنتهي بعد ذلك بنهاية ،وغالبا ما تكون القفلة جمالية و�شعرية �آ�سرة ،و�إنما يكتبها من �أجل عك�س ما يتوقعه القارئ ،وهنا تكمن المفارقة. �إن��ه ال �ت��وازي المح�سو�س ال��ذي يلج�أ �إليه عبدالرحيم ال�ت��دالوي في ق�ص�صه الق�صيرة ج��دا ،لكنه ت��وازٍ يتكامل فنيا لخدمة الق�صة ال�ق���ص�ي��رة ج ��دا ل��دي��ه ،وم ��ن ث��م يمكننا �أن ن�صف هذا التوازي بالتوازي المت�صل ،ولي�س المنف�صل ،لأنه ات�صال ينبع من ارتباط وثيق ب�ج��و الق�صة ال�ق���ص�ي��رة ج��دا و�شخ�صياتها المفتر�ضة الم�ضمرة في الكلمات� ،إنه تواز ي�صل �إلى حد االمتزاج والت�آلف ،ليقدم وحدة واحدة هي الق�صة الق�صيرة جدا كما تقدمها طاقة التدالوي الفنية.
ف��ف��ي ق�صة «ك��ع��ك��ة» للقا�ص عبدالرحيم ال��ت��دالوي ،ن��رى الكلمات تترحك ف��ي ف�ضاء الق�صة الق�صيرة جدا ،لتر�سم م�شهدا مفارقا ا�ستهله القا�ص باالحتفاء العائلي بمنا�سبة خ��روج الأب من الم�شفى ،لكن النهاية كانت حزينة �ضد ما كان يتوقعه القارئ ،حيث لم تعد كعكة الفرح هي مو�ضوع الق�سمة ،و�إنما كعكة والتوازي لدى التدالوي يتكامل بو�ضوح حين التركة هي محل الق�سمة بين الإخوة المجتمعين نراه ي�أخذ بتعميق م�ستويين �أو عدة م�ستويات اجلوبة -ربيع 1436هـ 35
�أخ��رى في ق�ص�صه الق�صيرة ج��دا ف�ضال عن ال �ت��وازي المح�سو�س� ..إن�ن��ا ن�شعر بالم�ستوى النف�سي يتوازى مع الم�ستوى االجتماعي ،والمثال على ذلك وا�ضح في ق�صة «ف�ضيحة» التي تك�شف ع��ن نف�سية العري�س ليلة ال��دخ�ل��ة ،وف�ضيحة العرو�س عندما وجدها قد فقدت بكارتها.. ال�شئ الذي ترف�ضه المجتمعات العربية. «هو العب ماهر ..رائع الت�سديد ..ق�ضى ليلة دخلته يراوغ بحثا عن ثغرة لت�سديدة االنت�صار.. ف��ي ال�صباح ،و�أم ��ام ال�صحافيين� ،أع�ل��ن �أن الكرة مفرغة الهواء» ف�ضيحة( )15وغيرهما من الق�ص�ص ،ون��رى ال�ت��وازي قائما في الت�صوير �أي�ضا حين ي�صور الأحداث العادية متوازية مع ت�صوير الخلفية االجتماعية والخلفية النف�سية. �إن التوازي لدى التدالوي ينبئ عن دقة فنية، �أو حرفة مقننة في مجال الق�صة الق�صيرة جدا، فال يكتبها كهاو يريد �أن يملأ م�ساحات من الورق ،وال ين�سجها من باب الترف الذي يمار�سه بع�ض الكتاب حين يرون في الق�صة الق�صيرة *
() 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15
36
جدا نوعا من الكتابة ال�سهلة� ،إنه يعدها نوعا من الفن القائم على العلم والدرا�سة ،ف�ضال عن الموهبة والخبرة التي اكت�سبها بحكم درا�سته لتقنيات كتابة الق�صة الق�صيرة جدا الحداثية، فجملة واحِ دة «�سارعوا �إلى التهام التركة» تعبّر عن الفكرة ،وتنقل لنا المعنى نقال ال يخلو من ت�صوير ،وه��ذه هي بالغة التكثيف؛ ففي هذه الجملة �سيل م��ن المعاني التي تتداعى حرة في ذهن المتلقي ،يتخيلها في مخيله الذهني، ويترجمها �إل��ى مجموعة من ال��دالالت ،تختلف باختالف م�ستويات التلقي والت�أويل .ففي هذه الجملة الق�ص�صية �سل�سلة م��ن المحموالت المتباعدة� ،أ ْو المُتمحْ ورَة ح��ول �شيءٍ واح��د، لك َنّها بالرغم من تباعدها ،ف�إنها تلقي ال�ضوء على مغزى تلك المحموالت� .إنها تكتنز فيها ال��دوال اكتناز ًا خ�صباً ،وتلتئم على �شبكة من القيم والمعاني والإ�شارات والعالمات والرموز.. تتداخل فيما بينها على نحو حيوي متوالد.
ناقد �أدبي من المغرب. رومان جاكب�سون ،محاولة في علم اللغة العام �ص .210 ابن الأثير -المثل ال�سائر -تحقيق :د� .أحمدالحوفي -بدوي طبانة� -ص .307 نعيمة الق�ضيوي االدري�سي -رق�ص المرايا – �ص.40 فيليب هامون� -سيميولوجية ال�شخ�صيات الروائية – �ص .79 ميخائيل باختين – �أ�شكال الزمان والمكان في الرواية –�ص.6 الطيور ال تنظرخلفها حين تحلق -عبدالرحيم التدالوي �-ص .37 �ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘ�ﺼﺔ ﺍﻟﻘ�ﺼﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ – ﺟﺎ�ﺳﻢ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻴﺎ�ﺱ – ﺩﺍﺭﻧﻴﻨﻮﻯ – ﺩﻣ�ﺸﻖ 2010م �ﺹ.1 عزالدين الماعزي – حب على طريقة الكبار – �ص .32 عبداللطيف الهدار -الو�شم �صوتا � -ص .38 نف�س المرجع. معجم �أك�سفورد المخت�صر– �ص .5 خالد �سليمان -المفارقة والأدب – �ص.15 د�.س ميويك – المفارقة و�صفاتها� -ص.37 عبدالرحيم التدالوي – الطيور ال تنظر خلفها حين تحلق� -ص.29 عبدالرحيم التدالوي – الطيور ال تنظر خلفها حين تحلق – �ص.61
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
قراءة في رواية
لولوة في باري�س لـ «فار�س الرو�ضان»
■ حممود عبداحلافظ خلف اهلل*
نحت جديد في �أدب الرحالت� ،أبجدياته تجليات المكان ،وعبقرية الن�سج وتفرّد الخ�صو�صية ..نبتت منه وفيه(لولوة في باري�س) للأديب فار�س الرو�ضان. �إن��ه العمل الروائي الأول للأديب من حيث الإنتاج الفعلي� ،إال �أن��ه يبدو قد �أتى ترجمة لمخا�ض فكري طويل بعمر �صاحبه ،وعمق تجاربه ،وث��راء اطالعه ،وذكاء �شعوره. يقول الأ���س��ت��اذ العقاد �إن الأدي���ب الحق لي�س بكثرة �إنتاجه �أو ذي��ع �شهرته ،لكن بمروءته الأدبية ،التي تدل القارئ عليه وتنحت هويته لديه؛فالأديب �صاحب المروءة ال ي�سقط ا�سمه بفعل الزمن �أو ال�سهو �أو الن�سيان ،وال تناله قلة �إنتاجه نيل الزخم من مترنح الموهبة. وهنا ،ي�شير العقاد – يرحمه اهلل � -إلى �أن الأديب الحاذق يخلّد ا�س َم ُه �إنتاجُ ه و�إن قلَّ ،والأديب مترنّح الموهبة ال تنفعه كثرة الإنتاج بل قد يكون مزيدًا ينال من �ضئيل مكانته وير�سّ خ �أدلة معايبه. و يذكي – للأ�سف -وهج المواهب الزائفة كثرة الهرج والمرج ،وطغيان ال�شكل على الم�ضمون وزيغ الذوق الأدبي العام كغيره في قوائم ثقافة الكيف التي طمرتها في�ضانات الكم غير الم�سئول ،حيث �أ�ضحت البيئة مواتية لذوي المواهب ال�ضامرة �أن يطاولوا بكثرة ما �أخرجوا من الترّهات التي لم تف�سد الذوق العام فح�سب ،بل جعلت من ال�سفه معيارًا للحكم على الجودة ،ومن الكم حكمًا على الكيف ،و لن يتوقف هذا الزخم ،مادامت قرائح ذوي المروءة الأدبية �أ�ضحت حا�سرة. اجلوبة -ربيع 1436هـ 37
ولأنني �أح�سب �صاحب رواي��ة (لولوة في باري�س) من ذوي المروءة الأدبية التي �أيدتها �أدل��ة نقدية و�إح��االت علمية ،وذائقة قرائية... �آثرت �أن �أتناول الرواية من عدة �أبعاد في قراءة نقدية هادئة تبرر -على الأق��ل -قناعات من كتبها و ت�شير لوجهة نظره فيما خالف ذلك. المتن الحكائي في الرواية يتمدد بين مطار الملك خالد الدولي بالمملكة العربية ال�سعودية مرورًا بمطار (�شارل ديجول) ال��دول��ي بفرن�سا ،و�صول �إل��ى (ال�شانزليزيه) �أيقونة ال�سحر والجمال ورمز الخال�ص للم�شاعر ال�سجينة بفعل المكان وال��زم��ان ،هكذا ي��راه خالد – بطل الرواية -عا�شق لولوة بحرارة.. فتى ال�شرق ورومان�سية ن�سمات �صبح باري�س ال�ساحرة. داللة العنوان �إن اختيار الرو�ضان لروايته عنوان (لولوة في باري�س) يحمل دالالت متعددة تجمعها �أ�شياء وتفرقها �أ�شياء �أخرى ،فهناك م�شاكلة بين ا�سم لولوة بطلة الرواية ،وباري�س من حيث القيمة؛ فقيمة الل�ؤل�ؤ ال تحتاج �إلى دليل ،و قيمة باري�س م�ب��ررة ف��ي ال��رواي��ة ،تعبر عنها قناعات خالد (بطل الرواية) وغيره من ال�شخو�ص؛ وقد دلّل الأدي ��ب على ذل��ك ف��ي موا�ضع كثيرة؛ كما �أن ا�سم لولوة ي�شي بقيمة مَ ن ت�سمى به ،و الجمع بين لفظي (لولوة ،باري�س) �أظهر براعة الأديب وذوقه الرفيع في عدة �أ�شياء� ،أهمها :المواءمة بين قيمة اللفظ في ذاته وداللته ،والموازنة بين جمال الإن�سان و�سحر المكان ،ف�ضلاً عن مراعاة ثوابت الثقافة المحلية في المجتمع ال�سعودي.
الخ�صو�صية� ،إال �أنه قد ينال من قيمة الرواية خارج المجتمع الخليجي ب�سبب فرط الإغراق في هذه الخ�صو�صية. و ح��ريٌّ بالقارئ �أن يعلم �أن الأدي ��ب ال��ذي ي�ستغرق في الخ�صو�صية مهما كانت �إبداعيته وتمكّنه من �أدواته يظل ت�أثيره محدودًا ،مقارنة بالأديب الذي يتجاوزها �إلى ق�ضايا عامة تعبر عن الفكر والم�شاعر الإن�سانية بوجه عام ،و�أكبر دليل على ذل��ك� ،شعر المتنبي ال��ذي ال يختلف عليه اثنان من حيث �شاعريته و�إبداعيته� ،إال �أنه ب�سبب �إغراقه في الخ�صو�صية ذاع �صيت �أبي العالء المعرى �أكثر منه ،نظرًا الهتمام الثاني في �شعره بالق�ضايا والقيم والم�شاعر الإن�سانية بوجه عام.
ال�شخو�ص في الرواية وهنا ،تجدر الإ���ش��ارة �إل��ى �أن ه��ذا العنوان، اعتمد الرو�ضان في اختيار �شخو�صه وبناء وال ��رواي ��ة ك�ك��ل ي�ع�ب��ر ع��ن ال �ب��راع��ة ف��ي ب�ل��ورة �شخ�صياتهم على: 38
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
بالملل �أحيانًا .الأديب � -أدرك ذلك �أم -1م� ��راع� ��اة الأب� � �ع � ��اد االج �ت �م��اع �ي��ة لم يدرك – فقد عالج ذلك الفتور واالق �ت �� �ص��ادي��ة وال �ث �ق��اف �ي��ة في ال��ذي قد ي�صيب ال�ق��ارئ بوهج المجتمع ال���س�ع��ودي :ات�ضح و��ص�ف��ه ل�سحر ال�م�ك��ان ال��ذي ذل� ��ك م ��ن خ �ل�ال اخ �ت �ي��ار كان بط ًال رئي�سً ا في الرواية؛ الأ�سماء ،ولغة الحوار مع ف �ل��م ي �ك��ن ال �ب �ي �ئ��ة ال �ح��اوي��ة االخر �أو مع النف�س ،وحتى ل�شخو�صه فح�سب ب��ل ك��ان لغة الج�سد ،وكذلك داللة بمثابة الماي�سترو الذي يوجه المكان. ال�ح��ال��ة ال�شعورية لل�شخو�ص -2م��راع��اة عن�صري ال��زم��ان و ب�ن��اء ال�ح��دث وال���س��رد ،و قد والمكان :وات�ضح ذلك من خالل فار�س الرو�ضان ب��رع الرو�ضان في ر�سم البورتريه تحديد ال�سن للبطل والبطلة ،ومن المكاني ،و تجلى ذلك في ت�صويره لمعالم أي�ضا ثَمَّ اختيار اللغة المنا�سبة لهذه ال�سن ،و� ً ال�شانزليزيه بتقنية �شعورية تجعل القارئ مكونًا اللغة المنا�سبة لل�شخو�ص الثانوية الأخرى في �أ�صيلاً من مكوناته. الرواية التي تغايرهم ،كما راعى اختيار لغة الأبعاد النف�سية في الرواية الحوار بعناية بما يتنا�سب وطبيعة المكان وال��زم��ان ،فلغة ال �ح��وار ف��ي ال�ط��ائ��رة مث ًال لم يعتمد الرو�ضان على التعمية الفنية �أو اختلفت عنها في المطار ،عنها في باري�س الرمزية و التجريد الذي يحرم القارئ �أحيانًا رغم �أنها تمثل �شخو�صها في كل الأحوال ،وال م��ن ق ��راءة الخلجات النف�سية لل�شخو�ص مع �أق�صد هنا بلغة الحوار الألفاظ ،لكن م�ستوى ت�صاعد الحدث ،بل اعتمد على �إب��راز الأبعاد الحوار وداللته و مدى �صدقه. النف�سية لل�شخ�صيات بو�ضوح ،فلم يكتف بالتعبير وقد برع الرو�ضان في بناء �شخو�صه فكريًا عنها باللغة المبا�شرة �أو بلغة الج�سد بل تجاوزه وعاطفيًا ،و ب��دا ذل��ك جليًا في بناء �شخ�صية �إلى تفعيل لغة الزمان والمكان من خالل انعكا�س البطلة (لولوة)؛ فلم تمنعه ثقافته الرجولية من مفردات المكان والزمان على م�شاعر �شخو�صه. الغو�ص في �شخ�صية الفتاة ال�سعودية والتعبير و بالطبع �سيكون لذلك بالغ الأثر على نف�س عنها ببراعة ،من حيث ال�شكل والم�ضمون؛ بدءًا ال��ق��ارئ ال���ذي �أ���ش��ع��ره �أن���ه ج��زء م��ن الأح���داث من اختيار الملب�س ،مرورًا بلغة الج�سد ،وقراءة بل ج��زء من ثقافة المكان ،من خ�لال تطوافة الأح��ادي��ث الداخلية ،وبلورة ال�صراع الداخلي ر�شيقة؛ ب��داي��ة م��ن و���ص��ول البطل �إل��ى المطار لل�شخ�صية. م��رورًا بولوجه الطائرة ،ثم ا�ست�سالمه ل�سحر و ي�ؤخذ على الأديب في بناء �شخو�صه التمحور مدينة الجن والمالئكة (باري�س) ،كما و�صفها حول ال�شخ�صيات الرئي�سة ،ولم ي�ستطع تج�سير عميد الأدب العربي طه ح�سين. العالقات بين ال�شخو�ص الثانوية والرئي�سة بما ع�ن��دم��ا ي�خ��رج الأدي� ��ب ع��ن ذات ��ه ف��ي عمله يخدم بناء الحدث و خلق جبهات �أكثر رحابة الأدبي ويتقم�ص ذوات الآخرين ،ف�إن ذلك يكون في ال�صراع داخل الرواية؛ ما قد ي�صيب القارئ له بالغ الأثر ،لي�س في تماهي القارئ مع الن�ص
اجلوبة -ربيع 1436هـ 39
فح�سب ،بل في الم�شاركة في �صناعة الحدث نف�سه ،وقدرته على تجاوز ما �صاغه الأديب �إلى نحت ر�ؤى جديد ت�شاكل قراءته النف�سية للحدث الرئي�س .وه��ذا م��ا ا�ستطاع ال��رو��ض��ان ن�سجه بو�شائج مل�ساء ت�سحب ال��ق��ارئ �إل��ى م�ساحات ف�سيحة من الت�أمل. ال�سرد في الرواية تنوع ال�سرد في الرواية بين �ضمير المتكلم والغائب وحكي الأديب ،ثم الإحاالت �إلى الما�ضي �أو الم�ستقبل ،معتمدًا على الت�أثير ال�شعوري الإيحائي ،م�ستخدمًا في ذلك التكثيف اللفظي وال��دالل��ي .ورغ ��م �سال�سة ال���س��رد وخ �ل �وّه من النتوءات والتعاريج� ،إال �أنه ي�ؤخذ عليه اال�ستر�سال غير المبرر كثيرًا في حوا�شي ال�شخ�صية ،فهو ح�صار لذهن ال�ق��ارئ وك��أن��ه ن��وع من الو�صاية عليه� ،سواء �أق�صد الم�ؤلف ذلك �أم ال. �إن اال�ستطراد في تو�صيف �أبعاد ال�شخ�صية ب�شكل مبا�شر ي�ضع ال��ق��ارئ ف��ي �إط ��ار بعينه ق�صده الم�ؤلف ،وبالتالي يت�سبب ذلك في الملل �أحيانًا لديه؛ وهذه ال ِهنَة دائما ما يقع فيها بع�ض الروائيين ،ممن �سبق لهم االنخراط في كتابة التحقيقات ال�صحفية التي تركز على مهارة اال�ستق�صاء ،وذلك ما ال ي�صلح مع الرواية التي يكتفي الأديب في �سرده بو�ضع الخطوط العري�ضة لأبعاد �شخو�صه ويترك القارئ يراها كيفما �شاء. �إن الن�ص الأدب ��ي بعد �أن يخرج م��ن تحت يد �صاحبه؛ ي�صبح ملكًا لجميع من ي�ق��ر�أه... فالروائي البد �أن ي�ؤمن ب�أن �إبداعه يتجاوز ر�ؤيته بكثير ريثما مازجه القارئ �شعوره وفكره. أي�ضا في رواية (لولوة كما ي�ؤخذ على ال�سرد � ً ف��ي ب��اري����س) ال�ت��ذب��ذب بين ال�ق��وة وال�ت��راخ��ي * �أ�ستاذ م�شارك بجامعة الجوف.
40
اجلوبة -ربيع 1436هـ
مع ت�صاعد الأح��داث ،وكذلك المزاحمة بين بع�ضا الأفكار؛ �إذ كانت تعتر�ض الأفكار بع�ضها ً �أحيانًا ،فتقفز على الحدث الحا�ضر فكرة من الما�ضي ،كان يمكن ت�أجيلها �أو اختزالها في جملة معتمدً ا على التكثيف اللفظي وا�ضح الداللة؛ ومثال ذلك عندما تم �إقحام الحديث عن درا�سة خالد وهو �أم��ام موظف الجوازات، وا�ستمر حوار خالد الداخلي ما عبر عنه الأديب بقرابة �صفحة ون�صف �أثناء وقوفه �أمام موظف ال �ج��وازات ،وه��ذا الوقت كبير ج��دً ا �إذا ما تم تخيله واقعيًا ،فكيف ي�ستطيع �أن يقف م�سافر �أمام موظف الجوازات �شاردًا كل هذه المدة ،ثم يعاود الحديث مرة �أخرى دون تعليق الموظف وك�أن الموظف لم يكن له وجود؟! و قد ت�سبب ذلك النوع من تزاحم الأفكار لدى الأديب من ا�ضطراب ال�سرد �أحيانًا و لغة أي�ضا ال �ح��وار ،ورب�م��ا يرجع ه��ذا اال��ض�ط��راب � ً �إلى �أحادية ال�صراع في الرواية ،الذي اختزله الأدي� ��ب ف��ي ال �� �ص��راع ال��داخ �ل��ي ف�ق��ط داخ��ل �شخ�صية البطل ،و بالتالي تذبذب ال�سرد بح�سب الحالة ال�شعورية له مع ت�صاعد الأحداث ،ولأن لغة ال�سرد اعتمدت كثيرًا على الو�صف للحدث ككل بما فيه الزمان والمكان وال�صراع ،فكانت تبدو �أحيانًا قوية و�أحيانًا �أخرى مترهلة. و �أخ�ي�رًا ف�إنه على ق��در ث��راء العمل الأدب��ي ت�أتي �أهمية نقده و�ضرورته؛ وبناء عليه ،ف�إن رواية (لولوة في باري�س) للأديب الفار�س ،حوت من الثراء الفكري والأدبي وال�شعوري ما ي�ستحق ا�ستهدافها بالعديد م��ن ال��درا��س��ات النقدية ل�سبرها ،و�إبراز مفا�صل �إبداعيتها.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
مواقع ال ّتوا�صل بين االجتماع ّية والإبداع ّية الأدب ّية ■ د� .إبراهيم م�صطفى الدّ هون*
�شَ ِه َد العال ُم العربي في الفترة الأخيرة تحوالتٍ مت�سارعة ،وثورة توا�صل اجتماعيّة ال من ال�شّ باب الواعد ،والأدب��اء هائلة على �صفحات ال�شّ بكة العنكبوتيّة� ،أف��رزت جي ً المعا�صرين ال��ذي��ن يمّموا وجوههم �شطر ه��ذه ال�صّ فحات الإلكترونيّة ،طارحين �أفكارهم ،ور�ؤاهم ،و�إبداعاتهم الأدبيّة. وم��ن ه��ن��ا� ،أ�صبحنا ن��ق��ر�أ ن�صّ اً �أدب�� ّي��اً متمايزاً ع��مّ��ا عهدناه �سابقاً ف��ي التّواليفِ الورقية ،والمجلاّ ت الأدبيّة المتخ�ص�صة؛ ولع ّل هذا يقودنا �إلى القول بفكرة تطور ال عن جمالية �أدوات��ه ،وتكيفه مع و�سائل االتّ�صال الأدب العربي ،ومرونة لغته ،ف�ض ً المعا�صرة ،كالحا�سوب ،والأجهزة الخلوية الذكيّة ،وقنوات الإعالم الحديثة. وت�أ�سي�ساً على ما �سبق ،ت�سعى هذه الدرا�سة �إلى الك�شف عن �أدب المواقع االجتماعيّة الإلكترونيّة من خالل مماحكة القرّاء للأدب المبثوث عبر هذه القنوات التّوا�صليّة، و�إبداع م�ؤلفيها ،و�أطروحاتهم الفنيّة الجديدة.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 41
مفتتح �إنَّ تطور الفكر الإن�سانيّ اليوم ،وتباين �أدواته، وان�ت�ق��ال ال�ح���ض��ارات وال���ّ�ش�ع��وب م��ن م�ستوى توا�صلي �إلى �آخر ،يدعونا �إلى النّظر في �أ�شكال التّعبير ،ومنجزات العقل الب�شري ،وحموالته المعرفيّة. وي�����ش��ه��د ال��ع��ال��م ال��ح��ال��ي م��ظ��ه��ر ًا ج��دي��د ًا م��ن الإب � ��داع ال� ّت��وا��ص�ل��ي ،بف�ضل الإن��ج��ازات التّكنولوجيّة ،والإ�سهامات العالميّة في مجال التّقانة الحديثة ،والبرمجيات الحا�سوبيّة التي ا�ستطاعت �أنْ تغيّر من �إيقاع التّعامالت الفرديّة والجماعيّة .كما تمكّنت من �إي�صال ما يكتب في هذه الو�سائل �إلى مدى �أرحب قد يغطي م�ساحة العالم ب�أكمله .فلم َيعُدْ بالإمكان ت�صوّر ن�سق ثقافي �أو �إبداعي �أو علمي قادر ًا على حماية نف�سه في اال�شتغال و�إنتاج الدّالالت من دون النّ�صو�ص الأخرى� ،أو �أيدي العابثين� ،أو المتطفلين ،نتيجة مرونة التّقانة الحديثة. و�إذا كانت الآل � ُة و�سيل ًة للتوا�صل العالمي، وك�سرت عقبات كثيرة ،فهذا يعني �أنَّ ظهور الإنترنت �شكّل حدث ًا عالمي ًا لفت انتباه العديد من الأ�شخا�ص من مختلف الأجنا�س ،والأعمار، والم�ستويات االجتماعيّة ،والعلميّة ،والثّقافيّة، ف�ض ًال عن �أ ّن��ه غ��دا ج��زء ًا ال يتجز�أ من حياة المجتمعات الع�صريّة ،و�أخ��ذ يغزو ك� ّل مرفق من مرافق الحياة ،ممّا �أ�سهم في تف�سير �أوجه الحياة المختلفة في زمن قيا�سي؛ �إذ �شهدت �شبكات الإنترنت تطور ًا متالحق ًا خ�لال عدّة �سنوات ،و�أخذت طوفان ًا معلوماتياً ،و�سرعة في 42
اجلوبة -ربيع 1436هـ
نقل الأح��داث التي تجري حول العالم ب�أكمله؛ ف�أ�صبحت الم�سافة بين المعلومة والإن�سان تقترب من الم�سافة التي تف�صله عن مفتاح جهاز الحا�سوب �شيئ ًا ف�شيئاً ،وزم��ن الو�صول �إليها ال يتعدى عدة ثوان(.)1 ولع ّل تقنية( :الفي�س بوك) -التي �سادت في وقتنا الحا�ضر -تبدو من �أهم مواقع التّوا�صل االجتماعي؛ لأ ّن�ه��ا فتحت ال�ب��اب �أم��ام الجيل ال��نّ��ا���ش��ئ ،و�أق�لام��ه��م ال��راق��ن��ة ،ال��ت��ي واجهت �صعوبات ،وعثرات في ن�شر كتيّب �أو مطبوعة ورقيّة ،تعك�س منجزاتهم الثّقافيّة ،و�إبداعاتهم الأدبيّة. ووا�� �ض ��ح �أنَّ ه ��ذه ال � ّت �ق �ن � ّي��ة �أ� �س �ه �م��ت في ا�ستقطاب �أق�ل�ام ال�ج�ي��ل ال ���ّ�ش �ب��اب� ،إ��ض��اف��ة �إل��ى �أ َّن�ه��ا ح� ّف��زت كثير ًا م��ن ال�ك� ّت��اب والأدب ��اء والنّقاد �إلى ن�شر �إ�صداراتهم الأدبيّة في عالم التّوا�صل االجتماعي؛ لأنَّ تكنولوجيا المعلومات واال ّت �� �ص��االت �أك �ث��ر �إغ���راء ون �ف��اذ ًا �إل��ى قلوب المتلقين؛ �إذ لم�سوا في مواقع الفي�س بوك – على �سبيل المثال -ف�ضا ًء جديداً ،ومزايا تفرّدت في خ�صائ�صه عن الو�سائل القديمة(:الورقيّة) من حيث ك�سب القرّاء ،والمثقفين ،والو�صول بن�صو�صهم الإب��داع� ّي��ة �إل��ى م�ستويات عالميّة تعدّت المحليّة ،والإقليميّة. �إِنَّ النّاظر �إل��ى ال �دّور الجديد ال��ذي قامت به مواقع التّوا�صل االجتماعي في خدمة اللّغة والأدب ،وال� ّث�ق��اف��ة لَيلحظ �أنَّ اللّغة العربيّة ا�ستطاعت –بما �أوتيت من �سمات� -أن ت�ؤكد ح�ضورها العلمي ،والتّفاعلي على م ّر الع�صور،
ّ�ص الإلكتروني: -1مفهوم الن ّ (العنكبوتي) �أحدثت التّطورات التّكنولوجيّة الحديثة في التّ�سعينيات من القرن المن�صرم ،نقلة نوعيّة، وث ��ورة حقيقيّة ف��ي ع��ال��م ال� ّت��وا��ص��ل ،والإن �ت��اج الفكري والثّقافيّ ،والإبداع الأدبيّ ؛ �إذ انت�شرت �شبكة الإنترنت في �أرج��اء العالم ،وجرى ربط �أج���زاء ال �ك��رة الأر� �ض �ي��ة بع�ضها بع�ض ًا بهذه ال�شّ بكة.
ي�شير �إلى العالقة التي تحدث بين النّا�س داخل ن�سق اجتماعي معين� ،أو بين مجموعة �أن�ساق، وقد يتم ب�شكل مبا�شر مع الم�ؤلف �أو المن�شىء م��ن خ�لال اللقاء الإل�ك�ت��رون��يّ � ،أو ب�شكل غير مبا�شر بو�ساطة الكلمة الم�سموعة� ،أو المطبوعة، ال�صور �أو المرئيّة� ،أو الإلكترونيّة� ،أو عن طريق ّ �أو غيرها من الو�سائط الأخ��رى� ،أمّا من حيث التّوا�صل ..فقد يحدث بين �شخ�صين� ،أو بين �شخ�ص �أو جماعة وجماعة �أخ���رى محليّة �أو �إقليميّة �أو دوليّة(.)2
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وقدرتها على مواكبة التّطورات في تقانات العلم ،المت�سع ال ��ذي تُ�سكب ف�ي��ه خ �ب��رات الأدب� ��اء، و�آالته الحديثة؛ وخير مثال على ذلك الحا�سوب وال ُكتّاب. الذي �أ�صبحت جزء ًا من برامجه و�أنظمته. َّ�ص الإلكترونيّ وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق ،ف�إِنَّ الن َّ
وتهي�أت ال�سّ بل للب�شرية بالتقارب والتّعارف وتبادل الآراء ،والرغبات ،و�أفاد ك ّل متلقٍّ لهذه التّقانة من الو�سائط والإمكانات ،المتاحة فيها، و�أ�صبحت �أف�ضل و�سيلة لتحقيق التّوا�صل بين الأف��راد والجماعات؛ فتولّد عن تلك المواقع الإلكترونيّة ،المدونات ال�شّ خ�صيّة ،و�شبكات ّ�ص الأدبيّ المحادثة ،التي �أ�سهمت في تحوّل الن ّ من ورقي �إلى �إلكتروني مرئي� ،إ�ضافة �إلى �أنّها وذلك يعني �أنّه متى كان الو�سيط ورقي ًا كان خلقت نوع ًا من التّوا�صل ال�سّ ريع والمبا�شر بين ّ�ص ،والمتلقي ذوي طبيعة ورقية، المبدع ،والن ّ ّ�ص وجمهور المتلقين. الن ّ وتُع ّد مواقع الإنترنت (االجتماعيّة) تقنيّة و�إذا ك��ان �إل�ك�ت��رون� ّي� ًا ُ�صبغت تلك الأط ��راف بال�صبغة الإلكترونيّة(.)3 ّ �إجرائيّة �أ�سا�سيّة في فهم التّفاعالت الب�شريّة،
وب��ول��وج الأل��ف��ي��ة الثّالثة �شهد العالم نقلة نوعية في تكنولوجيا الو�سائط ،واالتّ�صاالت �أ�شبه بتلك التي عاي�شها الع�صر الحديث مع ّ�ص الإلكتروني اختراع الطباعة؛ فقد ه ّز الن ّ ّ�ص الورقي المطبوع ،وانتزعت الثّقافة عر�ش الن ّ ال�صدارة من ثقافة المطبوع الإلكترونيّة مكان ّ لتكون بدي ًال كلي ًا عن الو�سائل التّقليديّة.
وتف�سير النّ�صو�ص؛ وب��ال�ت��ال��ي يمكن الجزم َّ�ص الإلكتروني المنبثق من هذه بالقول� :إنَّ الن َّ التّقنيّة �أ�صبح علم ًا قائم ًا بذاته ،له تقنياته، الخا�صة ،و�أ�ساليبه ،و�أ�شكاله المحددة ّ ومقوماته له؛ وهو في الوقت نف�سه بمثابة البوتقة ،والوعاء
وهذا ي�ؤكد ما ذهبت �إليه الباحثة( :فاطمة البريكي) عندما �أ�شارت �إلى �أنَّ طبيعة المبدع هي مَ ن تحدّد طبيعة باقي العنا�صر في العمليّة الإبداعيّة قائلة« :تبدو المقارنة بين المبدع في حالته الورقيّة ،والإلكترونيّة �ضرورية في �سياق اجلوبة -ربيع 1436هـ 43
الحديث عن التّطور ال��ذي ط��ر�أ على العمليّة ّ�ص، الإبداعيّة؛ لأنَّ المبدع هو الم�صدر الأوّل للن ّ قبل انتقال ملكيته �إل��ى المتلقي� ،أو جمهور المتلقين؛ فال ب ّد �أنْ ي�ؤدي اختالف طبيعته �إلى اختالف ي�شمل العمليّة بجميع عنا�صرها»(.)4 ّ�ص الأدب ��يّ داخ��ل وبالنّظر �إل��ى طبيعة الن ّ ال�شّ بكة العنكبوتية يتّ�ضح �أنَّ للتقدم العلميّ ، وتو�سيع مجال الر�ؤية ،واختالف موقعها �أث��ر ًا ملحوظ ًا على تطوير المنهج ،والرقي بالعقل؛ مّا يتطلب �إع��ادة تن�سيق من �أجل التال�ؤم مع هذا التّراث ،كما �أنَّ الو�سيط الإلكتروني الطيّع له قدرة جليّة في التّعامل مع الواقع ،والتّخل�ص من التّفكير القاطع اليقيني(.)5 وعليه؛ �إذا كان النّاقد(:القارئ) من متابعي ال�شّ بكة العنكبوتيّة ..فحتم ًا �سوف يُنظر �إلى ّ�ص على �ضوء معارفه ،وحموالته الثّقافيّة، الن ّ وخبراته النّقديّة؛ لأنَّ نظرية التّلقّي تربط فهم ّ�ص وتحليله بثقافة المتلقي ،وم�ستواه العقلي، الن ّ ومواهبه الذوقيّة المتراكمة.
التّكنولوجيّة �أن تختلف الموا�صفات المميزة لنتاج ع�صر الحداثة« :الإنفوميديا» الذي تكون حا�ضنته الو�سائط التّفاعليّة التّكنولوجيّة، والتّقنيات الحا�سوبيّة(.)6 ومن البدهي �أن نتعاطى مع تلك المنتجات؛ لأنَّ م��ا حولنا ينبئ بدخولنا ذل��ك الع�صر، فممار�ساتنا اليوميّة �أ�صبحت تت�سم بالحا�سوبيّة والتّكنولوجيّة ب�شكل الفت لالنتباه؛ وال نن�سى �أننا اليوم نحيا في ع�صر المعلوماتيّة والتّكنولوجيا، بحيث تغلغلت معطيات ه��ذا الع�صر ف��ي ك ّل ج��زئ�ي��ة م��ن ج��زئ �ي��ات ال �ح �ي��اة اال��س�ت�ه�لاك� ّي��ة والإنتاجيّة ،من الموبايل ،والكاميرات ،والبريد الإلكتروني ،والمواقع التّوا�صليّة(.)7 والمت�أمّل في �إنتاجات و�إفرازات التّكنولوجيا ال�ح��ا��س��وب� ّي��ة ،وال�م�ن��اف��ذ ال� ّت��وا��ص�ل� ّي��ة ،يلحظ والدة جن�س �أدب ��ي ج��دي��د ي ��زاوج ب�ي��ن الأدب والتّكنولوجيا ،وهو( :الأدب التّكنولوجي)� ،أو ما ي�سمّى ب�أدب المواقع االجتماعيّة ،الذي تت�سع دائرته لت�شمل �أنواع الأدب المختلفة من �شعر، وق�صة ،ومقالة؛ وذلك من وم�سرحية ،ورواي��ةّ ، خالل ا�ستعانة هذا الجن�س الجديد بالإمكانات التّقنيّة التي توفرها التّكنولوجيا لتقديم ن�ص مختلف ال��و��س�ي��ط ،ي�ق��وم على �أ��س��ا���س تفاعل المتلقي وم�شاركته ،ليكون �شاعر ًا مع الق�صيدة الق�صة الفي�س بوكية، العنكبوتيّة ،وقا�ص ًا مع ّ و�سارد ًا لأحداث الرواية الإلكترونيّة.
فالتغيير �سنة طبيعية في الأدب ،ول��و عاد ّ�ص المنتج في ع�صر المتلقي لموا�صفات الن ّ ّ�ص ال�شّ فاهية ،لن يجدها م�شابهة لموا�صفات الن ّ المنتج في ع�صر الكتابيّة ،ومن الم�ستحيل �أن يكون ذلك التّ�شابه قائم ًا على �أ�سا�س التّطابق؛ ف �ل �ك � ّل ن ����ص م��وا� �ص �ف��ات تقت�ضيها ال�� ّل��ح��ظ��ة التّاريخيّة –بك ّل حموالتها المعرفيّة ،والثّقافيّة، ول ��و ت�ل� ّم���س�ن��ا دور ال�م�ت�ل�ق��ي ف��ي ال�ع�م�ل� ّي��ة والف ّنيّة ،والجماليّة -التي �أط��اح��ت ب��ه .فمن الطبيعي والم�ؤكد �إذاً ،ونحن نعي�ش اليوم ع�صر ًا الإلكترونيّة ،ف�سوف نجده تجاوز الحدود في ّ�ص التّكنولوجي؛ ليكون جديد ًا بك ّل حموالته المعقدة ،ع�صر التّقنيات �إط��ار التّفاعل مع الن ّ 44
اجلوبة -ربيع 1436هـ
وم�ست�صفى ال �ق��ول� :إنَّ دخ��ول الحا�سوب ونماذجه التّطبيقيّة عالم الإبداع الأدبي ،و�سّ ع ّ�ص الأدب��ي ،فلم يعد تلك الحروف مفهوم الن ّ المر�صو�صة �أو المرقونة على �صفحات الكتب الورقيّة ،بل �أ�ضحى يتمر�أى في �صورة ك ّل مركب من عالمات ب�صريّة ،عر�ضيّة مر�صو�صة �أو مرتبة فوق �سطح ذي بعدين� ،صفحة في كتاب، �أو ملخ�ص على حائط� ،أو �شا�شة حا�سب �آلي(.)9
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ّ�ص المت�شعب، ّ�ص العنكبوتي ،والن ّ مبدع ًا في�ضفي مالمح جماليّة ،وقيمة جديدة التّكويني ،والن ّ ّ�ص التّ�شعبي ّ�ص المرجعي الفائق ،والن ّ على المنتج الفنّي لم تكن فيه ،ول��م يَكن في والن ّ ّ�ص المترابط�...إلخ. ذهن المبدع»؛ وبهذا ،ال ُي َع ّد ال�شّ اعر �أو القا�ص التّخيلي ،والن ّ ّ�ص ،قيّم ًا عليه ،بل �إننا �أو الروائي حاكم ًا للن ّ وع�ل��ى ه��ذا النحو ،يمكننا ال�ق��ول �إل��ى حد ب�صدد طغيان التّفاعل الفنّي للمتلقي مع الن ّ ّ�ص الإلكتروني �أو الأدب (التّفاعلي ّ�ص ما� :إِنَّ الن َّ �أو المدونة ،التي ت�شمل الن ّ ّ�ص وم��ا حوله من التّوا�صلي) :هو الأدب ال��ذي يوطن معطيات مدخوالت تقنية حديثة ،وال يغيب عن الأذهان التّكنولوجيا الحديثة ،خ�صو�ص ًا المعطيات �أنَّ مثل ه��ذا التّفاعل يمنح الن َّ ّ�ص المتفرّعHyper( : َّ�ص ،والمدونة التي ينتجها نظام الن ّ الأدبيّة هوي ًة جديد ًة مع ك ّل ت�صفح ،وتنمو هذه )textفي تقديم جن�س �أدبي جديد ،يجمع بين الهوية ،وترتقي كلما ارتقت القدرات الإدراك ()8يّة الأدبيّة والإلكترونيّة .وال يمكن لهذا النّوع في العقليّة والإمكانات التّقنية للآلة وبرامجها» .الكتابة الأدبيّة �أن يت�أتى لمتلقيه �إال عبر الو�سيط الإلكتروني� ،أي من خ�لال ال�شّ ا�شة ال��زرق��اء، ويك�سبها هذا النوع من الكتابة �صفة التّفاعليّة بناء على الم�ساحة التي يمنحها المتلقي ،والتي يجب �أن تعادل ،وربّما تزيد عن م�ساحة المبدع ّ�صّ ،م��ا يعني ق��درة المتلقي على الأ�صلي للن ّ ّ�ص ب�أي �صورة من �صور التّفاعل التّفاعل مع الن ّ الممكنة(.)10 -2المبدع الإلكتروني
ّ�ص من ذلك النّوع ،ف�إنّه تمّ �إلحاق ولطبيعة الن ّ كلمة �إلكتروني في ت�سمية مثل هذه التّجارب ،ال �سيما عندما نطلق م�صطلح الأدب الإلكتروني؛ ّ�ص هنا �-إن�شا ًء وتل ّق ّي ًا ذلك لأنَّ التّعامل في الن ّ – هو مع التّقنية الإلكترونيّة؛ فكلمة �إلكترونيّة �ضرورية لإ�شارتها �إلى التّقنية الو�سطيّة التي من ّ�ص ،ونحن ن�ستعمل اليوم، دونها ال قيام لهذا الن ّ ال�صفحة الإلكترونيّة ،والموقع الإلكتروني، ّ فتغيّر الو�سيط من �صورته الورقيّة �إلى �صورته ّ�ص ّ�ص الحا�سوبي ،والنّ�شر الإلكتروني ،والن ّ والن ّ ّ�ص الإلكترونيّة هو الذي قاد في المح�صلة النّهائيّة ّ�ص الإلكتروني ال�شّ امل ،والن ّ المفرّع ،والن ّ م�س �أطراف العمليّة الإبداعيّة ّ�ص �إلى تغيّر �شامل ّ ّ�ص المتعالق ،والن ّ التّ�شعبي الإلكتروني ،والن ّ
ظهر مفهوم المبدع الإلكتروني ك��رد فعل لولوج الحا�سوب عالم الإب��داع الأدب ��يّ ،وذلك يعني �أنَّ مفهوم الكاتب �أو المن�شئ �أخذ يتغيّر جذرياً ،ففي الما�ضي �أخذ يرتبط مفهوم الكاتب بالكتاب الورقي� ،أمّا اليوم ف�أ�صبحنا ن�ست�شف دالالت �أرحب ،وم�ساحات �أو�سع لمفهوم المبدع الإلكترونيّ .
اجلوبة -ربيع 1436هـ 45
ومكوناتها ،مكّن المبدع الإلكترونيّ من التّعديل والقارئ قد �أ�صبح �أكثر �ضبابيّة(.)13 لن�صه الإبداعيّ ،والإ�ضافة الجديدة الم�ستمر ّ -3القارئ الإلكتروني: لت�شكيلته. (المتلقي التّفاعلي) وفي �سياق الحديث عن المبدع الإلكترونيّ ، �إِنَّ ت ��داخ ��ل ال �ف �ع��ل ال �ك �ت��اب��ي ب��ال�م�ع�ط��ى يعرّفه ال�سّ يد نجم فيقول« :هو الممار�س لفعل التّكنولوجي� ،أنتج قارئ ًا تفاعل ّياً ،و�أ�سهم �إلى الكتابة ،وق��د ال تعني الكاتب بالمعنى الأدب��يّ ح��دٍ كبير في تن�شيط الفعل القرائي ،و�إب��راز المتعارف عليه ،و�إ ّن �م��ا تميل �أك�ث��ر �إل��ى معنى فعالية الذائقة النّقديّة للعمل الفنّي الجديد. الممار�س للعمليات الإلكترونيّة �أو الباحث في �إذ ُي َع ُّد القارئ ركيزة ثابتة ،ومهمّة في العمليّة م��واق��ع ال�ب�ح��ث� ،أو الم�شارك ف��ي المنتديات التّكنولوجية؛ فهو المحرّك المعتمد �أ�سا�س ًا في والمواقع المختلفة ،و�أخير ًا القادر على تحرير الفعل الإنتاجي ،فمن خالل توا�صله ،وم�شاركته عمل �إبداعي ب�شروط ّ خا�صة»(.)11 تنتظم المنظومة الإب��داع�� ّي��ة ،وت�صل الر�سالة فالمبدع في الأدب الإلكترونيّ لم يعد مبدع ًا المراد تبليغها. خال�صاً(:قا�صاً ،وروائياً ،و�شاعراً ،فقط) بل لقد بات على المتلقي �أن يفيد من ممار�سات �أ�صبح م��ن ال���ض��روري بمكان �أن تتوافر لديه الع�صر؛ ليدخل منعطف ًا جديد ًا في التّلقي وتتم مهارات ومواهب �أخ��رى؛ كتقنيات الحا�سوب ،زحزحة – ولو قليالً -فكرة المتلقي التّقليدي، و�أنظمة التّوا�صل االجتماعي ،و�أدوات الإخراج الفكرة ال�سّ ائدة ب�أنَّ المتلقي هو القارئ فقط، الفنّي .وهذا ما �أ�شار �إليه �أمجد حميد ،حين و�إذا كان المفهوم منا�سب ًا لع�صر القراءة ،ف�إنّه ق��ال « :بما �أنَّ الحا�سوب هو الو�سيلة الوحيدة ال يتنا�سب تمام ًا مع ع�صر مغاير يعتمد �آليات لتلقي الأدب التّفاعلي ،مّا يتطلب خبرة عمليّة جديدة مفارقة �إلى حد كبير للآليات القديمة؛ في مجال البرمجيات ،وتنوع ًا في �أ�ساليب عر�ض ل��ذا ف ��إنَّ مجال الكمبيوتر وتطبيقاته ،و�شبكة الواجهات ،وطرق ت�سل�سل الإيقونات ،ف�ض ًال عن الإنترنت تخلق متلقي ًا جديداً ،تنتمي فيه �أ�شكال دقة االختيار بما يتعلق بالألوان والأ�شكال»( .)12جديدة للتلقي خارج نطاق الفكرة ال�سّ ائدة� :أنَّ وتجدر الإ���ش��ارة ههنا �إل��ى تال�شي الحدود التلقي= القراءة»(.)14 ّ�ص ،وب�ي��ن جمهور بين المبدع الحقيقي للن ّ ّ�ص ،فالتّعاون مع المبرمج القرّاء المتلقين للن ّ قد يعني م�شاركته في العمليّة الإبداعيّة ،وهو ما يطرح العديد من الق�ضايا؛ كحقوق ال ّت�أليف، وحرية التّعبير ،وم�س�ألة التّلقي وغيرها .وما هو م�ؤكد بالفعل ،هو �أنَّ الحد الفا�صل بين الكاتب 46
اجلوبة -ربيع 1436هـ
ّ�ص الأدب ��يّ م��ن التّوا�صل وه�ك��ذا� ،سار الن ّ الكتابي �إلى التّوا�صل الإلكتروني ،وهو في م�ساره هذا يبحث عن متلقٍّ �إلكتروني متفاعل ،يملك �آل�ي��ات الثّقافة الإلكترونيّة ،تجعله ينظر في خا�صة ،ويتجاوب معه� ،ش�أنه في َّ�ص بعناية ّ الن ِّ ذلك �ش�أن المبدع الإلكتروني.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وفي هذا ال�سّ ياق ،بد�أ المنظّ رون يتحدثون للحا�سب(.)15 عن قارئ الم�ستقبل الجديد ،وعن الموا�صفات وبهذه التّحوالت ،ن�صل �إلى نتيجة م�ؤداها �أنَّ �أو ال�شّ روط التي ينبغي توافرها فيه ،مثل� :إجادة �أدب المواقع االجتماعيّة جن�س �أدب��ي انبثق في التّعامل مع الحا�سب الإلكتروني ،ومعرفة لغته ،رحم التّقانة الحا�سوبيّة ،قوامه التّفاعل والتّوا�صل وامتالك مهارات التّ�صفح ،والبحث ،والقدرة الذي تخطّ ى الحدود ،والبلدان ،و�أ�س�س لآليات على الإب�ح��ار في الإن�ت��رن��ت ،والإل �م��ام ببرامج جديدة ،حوت الأدبيّة الإلكترونيّة ،وكوّن مجتمعه الحا�سب الأ�سا�سيّة ،وب�م�ه��ارات بناء البريد �ضمن ال�شّ بكة العنكبوتيّة ،و�أن�ش�أ مبدعيه ،ونقاده، الإلكترونيّ ،وامتالك عقلية تحليليّة تركيبيّة ومتلقيه .كما ر�سّ خ �أعرافه ،وتقاليده ،و�أ�صبح له الخا�صة. ّ تكون ق��ادرة على م�ج��اراة المنطق الريا�ضي عالمه ،و�إ�ستراتيجيته * كاتب وناقد و�أكاديمي من الأردن – جامعة الجوف. ( )1دور �شبكات التّوا�صل االجتماعي في تعبئة الر�أي العام الفل�سطيني نحو التّعبير االجتماعي وال�سّ يا�سي؛ درا�سة و�صفية تحليلية ،زهير عابد ،مجلّة جامعة النّجاح للأبحاث(:العلوم الإن�سانيّة) مجلد ،26عدد 2012 ،6م، �ص .1388 ( )2التّوا�صل االجتماعي؛ �أنواعه� ،ضوابطه� ،آثاره ،معوقاته؛ درا�سة قر�آنيّة مو�ضوعيّة ،ماجد رجب �سكر ،ر�سالة ماج�ستير ،الجامعة الإ�سالميّة ،غزّة2011 ،م� ،ص .5 ( )3الكتابة الزرقاء؛ مدخل �إلى الأدب التّفاعلي ،عمر زرفاوي ،دائرة الثّقافة والإعالم ،ال�شّ ارقة ،الإمارات، 2013م� ،،ص.142 ( )4مدخل �إلى الأدب التّفاعلي :فاطمة البريكي ،المركز الثّقافي العربي ،الدّار البي�ضاء ،المغرب ،ط2006 ،1م، �ص .136 ّ�ص العنكبوتي :عز الدّين المنا�صرة ،مجلّة ف�صول ،العدد � 79شتاء ،ربيع 2011م� ،ص .106 (� )5شعريّة الن ّ ( )6الحداثة التّكنو�أدبيّة ،عالء جبر محمّد ،الأديب الثّقافيّة ،العدد 2011 ،183م� ،ص .5 ( )7النّ�شر الإلكتروني والإبداع الرقمي ،ال�سّ يد نجم ،طبعة الهيئة العامّة لق�صور الثّقافة ،القاهرة ،ط 2010 ،1م، �ص.10 ( )8الق�صيدة التّفاعليّة الرقميّة و�إ�شكالية التّجديد في ال�شّ عر العربي� ،سل�سلة تباريح ،اتّحاد الأدباء في كربالء، مطبعة الزوراء ،العراق ،ط 2009 ،1م� ،ص .88 ّ�ص ،بابي�س دير ميتز اك�س ،م�ؤتمر النّقد الأدب��يّ على م�شارف القرن ّ�ص التّ�شعبي؛ ما وراء حدود الن ّ ( )9الن ّ الواحد والع�شرين؛ العولمة والنّظريّة الأدبيّة� ،أعمال الم�ؤتمر الدّولي الثّاني للنقد الأدبيّ ،القاهرة ،نوفمبر، 2000م� ،ص .375 ( )10الأدب الإلكتروني و�سجاالت النّقد المعا�صر ،فايزة يخلف ،مجلّة المخبر لأبحاث اللّغة والأدب ،جامعة ب�سكرة ،الجزائر ،عدد 2013 ،9م� ،ص .102+101 ( )11النّ�شر الإلكتروني والإبداع الرقمي ،مرجع �سابق� ،ص .41 ( )12مقدّمة في النّقد الثّقافي التّفاعلي� ،أمجد حميد ،مطبعة الزوراء ،العراق ،ط 2009 ،1م� ،ص .115 ( )13الكتابة الزرقاء ،مرجع �سابق� ،ص .145 ( )14ن�ص جديد ومتلقٍّ مغاير ،قراءة في المالمح الجديدة ،للكتابة والتّلقي ،م�صطفى ال�ضبع ،الثقافة ال�سّ ائدة واالختالف ،كتاب الأبحاث لم�ؤتمر �أدباء م�صر ،الدورة الع�شرون ،بور �سعيد2005 ،م� ،ص .373 ( )15الأدب التّفاعلي والنّظريّة النّقديّة على الموقع.)al-watan.com(:
اجلوبة -ربيع 1436هـ 47
�شعر ّية الذاكرة في
ديوان «قوت الحمام» لل�شاعرة كرامة �شعبان
■ ثامر �إبراهيم امل�صاروة*
تحتلُّ ال��ذاك��رة مكانًا مهماً وب���ارزا في العملية الإب��داع��ي��ة؛ فمن خاللها تتك�شف خيوط العقل الباطني ،وتطفو �أح��داث غائبة في الالوعي على الن�سيج المتما�سك للن�ص ال�شعريّ ،وم��ن خاللها ن�ستطيع -وب��اق��ت��دار -ال��وق��وف على م�ضمون ال��ذات وو�شائجها المتعمقة في هويّة ال�شاعر. وم��ن نافلة ال��ق��ول� ،إن الن�ص المنتج م��ن ال��ذاك��رة يتمخ�ض ع��ن ���ص��و ٍر ودالالت، و�أ�شكال �شعريّة فيها قدر كبير من الت�ضامن والم�ألوفية واالن�سجام؛ �إنه فعل �أمين، ال يمنح مفرداته كثيرًا للتعدد االحتمالي والت�أويلي ،بل يتمحور داخل ف�ضاء داللي ينطوي على ن�سبة عالية من التجان�س والتمظهر والمبا�شرة. ولهذا ،يمكن القول� :إن ال�سمة البارزة ل�شعريّة الذاكرة تنطلق من ب���ؤ ٍر ملتهبة في �صميم ذات ال�شاعر؛ فهي منتجة للعواطف بطريقة الرجوع �إلى نقطة البداية� ،أو لنقل نقطة االرتكاز حول الخبرة المنفردة التي تت�سم باالن�سجام والتوافق الداللي التام.
48
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ويع ُّد ديوان «قوت الحمام» لل�شاعرة كرامة �شعبان �أن��م��وذجً ��ا وا���ض��حً ��ا ل�شعريّة ال��ذاك��رة المنطلقة م��ن بنيتها ال�ف�ك��ري��ة المت�أججة للم�شاعر ،والمنتجة للعواطف .وم��ا تميّز به الن�ص ال�شعريّ ل��دى ال�شاعرة ه��و ارت ��داده للما�ضي ،ال��ذي يعك�س للقارئ �أه�م� ّي��ة زمن الذاكرة في ت�شكّل الن�ص؛ كما نجد الذاكرة تدفع عنا�صر الغياب �إلى الح�ضور واال�ستجالء الن�ص ال�شعريّ يخرج من من جديد ،ما يجعل ّ بوتقة ال��زم��ن الما�ضي المحدد �إل��ى الزمن الم�ستقبل غير المعلن. ففي ق�صيدة «على �سمع الغريبة» ،تقول:
م�����روا خ���ف���ا ًء ف����وق روح�����ي م���ا درت ب���ه���م ال�������س���ح���ائ���بُ ع���ن���دم���ا ه��ط��ل��وا م�����روا ك����رامً����ا ف����وق روح�����ي زا ُده�����م ح����������رْثُ ال�������ي�������را ِع وم�������ا�ؤه�������م �أم������� ُل م�����روا ع��ل��ى خ����وف ال�����س��ف��ي��ن��ة ه�����د�أ ًة ف����ب����دتْ ل���ه���م م����ن خ���وف���ه���ا ال�����س��ب�� ُل ب��ع��ث��وا ع��ل��ى درب ال��ن��وار���س لحنهم ف������ن������وتْ م�����ك�����و ًث�����ا ري����ث����م����ا ي�������ص���ل���وا ه����م �أف�������قُ ح���ل���م���ي ،ج������ر ُح خ��ارط��ت��ي وه���م وه��� ُج ال��ت��ي��اع��ي ورديَ ال��خَ ��جِ �� ُل وه����م ال���ه���وى وف����ي ن���ق���اوة ع�شقهم دم�����ع�����ي ت������ب������اركَ �إذ ب�����ه اك���ت���م���ل���وا
�سطوتها في مزج الدالالت من �أجل ا�ستح�ضار الم�شهد الكامن في الالوعي ،وعالقته بالزمن خا�صا وال�م�ك��ان وال�ج�م��اع��ة؛ منتج ًة ن�سيجً ا ً متوهّ جً ا من ذاكرة الزمن الما�ضي.
وتبرز مالمح �شعريّة ال��ذاك��رة الم�ستباحة في �سردها لت�ؤ�س�س عالقة توا�صل وت�ضاد معًا بين الما�ضي والحا�ضر ،كما تدفع ال��ذاك��رة في ارت��داه��ا للما�ضي �إل��ى الت�أمل وا�ستح�ضار الم�ستقبل الموعود ،وك ��أن ال��ذاك��رة �أ�صبحت حينئذ كالدمى التي ت�ؤجج عواطفنا ،وتجعلنا ن�صبو خلف م�شاهد مليئة بالي�أ�س والإحباط �إلى �إن ال�شعرية في ر�أي��ي تتجاوز الم�ألوف �إلى جوانب �أخرى ت�أمل بالم�ستقبل ،تقول: ال�لام��أل��وف ،وم��ن الن�صية �إل��ى الالن�صية في ق��د ج��اءن��ا ال��ع��ي�� ُد م��ك�����س��ورًا ب�لا ف��ر ٍح الم�شاهد؛ لتثريه بالمعاني وال���دالالت ،التي م��غ��م��و���س��ة ب���دم���اء ال��ق��ت��ل��ى ه���داي���ا ُه تعتمد فيه ال�شاعرة على ال��ذاك��رة المرتبطة بالتجربة الجماعيّة ،وطبيعة الزمن الما�ضي ،ي���ا ع���ي��� ُد ي���ا ن���ور����سً ���ا مُ���ه���جّ ���را ق�����س��را الن�ص ال�سابق؛ فتمار�س الذاكرة كما نلحظ في ّ وف���ي �سما ال��ب��ي��ن ق��د رفّ����تْ ج��ن��اح��ا ُه اجلوبة -ربيع 1436هـ 49
الم�شاهد المنتقاة �أكثر التحامً ا من خالل ب�ؤر خذني لمينا على ح��دود بحرٍ �صفا في هجعة ال��روح �إذ �ضجت خطايا ُه مرئيّة وم�سموعة في �آن معًا ،فتقول:
خ��ذن��ي ل��ذك��رى �أن���ا م��ا زل���ت �أذرف��ه��ا م�����رت ب���ب���ال���ي وق�����د م����ال����ت زواي��������ا ُه وت�ستدعي الذاكرة في �شعر كرامة �شعبان عالم الروح ،وهو �صنو الف�ضائل والقيم العليا؛ ف�ي�ب��رز ال�ن�� ّ��ص ال���ش�ع��ريّ ح��ال��ة م��ن ال���ص��راع المت�أجج في روح��ه ودم��ه طلبًا له�ؤالء الأبطال الذي يتربعون على �أعتاب ذاكرة الالوعي .ففي ق�صيدة «على �أ�شالء �أحبابي» تقول:
ع������ل������ى �أ�������������ش������ل�����ا ِء م���������ن ُذب��������ح��������وا ع��������ل��������ى �أ�����������������ش��������ل�������ا ِء �أح��������ب��������اب��������ي ع��������ل��������ى �أن������������ق������������ا� ِ������������ض �أروا ٍح ت����������ع����������ات����������بُ ����������ش���������ل��������� َو غ����������� ّي�����������ابِ ع�����������ل�����������ى �أن������������������������������������اتِ م���������ف���������ت���������ا ٍح ي��������������������ودع «ظ��������������رف��������������ة» ال����������ب����������ابِ ع��������ل��������ى �أ����������ش����ل����ائ���������ه���������م �أح��������ب��������و �������������س روح����������ه����������ا ال������دن������ي������ا �أالم�������������� ُ ع��������ل��������ى �أ����������ش����ل����ائ���������ه���������م ج�����������س�����را م�����������������������ددتُ ب����������ك����������لِ �أع���������������ص�������اب�������ي
و�أذكرها تحدثني عن الأعياد والأفراح والبيدر وعن خيبر على م�صباحها الخابي و�أذكرها ت�ؤلمني بيوم رجوع غيّابي تناديني: ح...ب...ي...ب...ي امتط �صدري� .ص130 ِ
الن�ص ال�سابق ي�ضعنا �إن �إنعام النظر في ّ �أم��ام بوتقة من الأ�سئلة الحقيقية التي تواجه المتلقي ،بدءًا بالذاكرة وما تختزله من ذكريات حنين وح��زن وي��أ���س و�أل��م ،وانتها ًء ب��الإح��االت الن�ص وتلقيه� ،إذ التي تلب�س المتلقي في فهم ّ ي�ضعك �أم��ام تعمية تجعلك غير مطمئن �إلى العالقات القائمة ،فمثالً ..عالم يعود ال�ضمير ف��ي ك�ل�م��ة(اذك��ره��ا) ه��ل ه��ي الأم �أم ال�ج�دّة، وكذلك(تناديني ،تحدثني) ،كلّها �إ�شكاالت تجعل المتلقي في اندفاع نحو الن�ص ،ومعرفة الن�ص ال�شعريّ الم�ستدعى من عالقاته ومدلوالته العامة. وتتعمق ذروة ّ ال��ذاك��رة عندما تتجاوز �أبعاد الزمن المعلن، ونخل�ص �إل ��ى ال �ق��ول �إن ال���ص��ور ال�شعريّة ومحطاته ال�سلبية ،حيث يجد القارئ نف�سه �أمام ل��دى ال�شاعرة كرامة �شعبان تبقى على وتيرة ح�ضور غائب دائم ،تدفعه �إلى الت�أمل و�إعالن محا�صرة بالذاكرة وزمنها المنقطع المت�صل بحثه الم�ستمر عن ذلك الما�ضي في تلك الذاكرة بالزمن الحا�ضر .وتتعمق ال�شعريّة في �صورها المختزلة الكثير الكثير من الم�شاهد وال�صور المت�صلة بالذاكرة عندما تكون ذات �صلة متينة والعبر .وتفاجئنا ال�شاعرة ب�أ�سلوبيّة الحوار التي بزمن الطفولة الذي ير�سم للقارئ م�شاهد انبثاق تحمله تلك الذاكرة؛ فجاء �ضمن ف�ضاءات �أكثر الألم الجمعي ،وتت�صاعد ذروتها بمجيء الفعل ات�ساعً ا لت�شمل المح�سو�س والمعنويّ ،فبدت الم�ضارع دفعًا بالزمن نحو الديمومة واال�ستمرار. * �أ�ستاذ الأدب والنقد الحديث الم�ساعد /جامعة الجوف /كلية العلوم والآداب بالقريات.
50
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ٌ قراءة في ديوان العربي! المج ِد ِخن َْج ٌر في ِ خا�ص َـرة ْ ِّ
ٌ ٌ ثانية ِم ْن َد ِم المـتـنـ ِّبـي) (وردة لل�شاعر /محمد المع�صراني
■ �أ.د .خالد َف ْهمي*
ما�ض نبيلٌ /حا�ضـرٌ َمهِين! ( )1مدخلٍ :
تو�شِ كُ عبقري ُة �أب��ي الطيِّب المتنبِّي �أن تتلخَّ َ�ص في �أن �شاعريته المتدفقة �شاعري ٌة تمتلك ق��در َة التجاوُز؛ تجاوُز الزمان ،وتجاوُز الأماكن والأقاليم .وهي �شاعري ٌة ا�ستطاعت �أن تنفُذ �إل��ى ُعمْق الإن�سان العربي ،وتن�سـَرِبَ من منافذ الأيام ،ومَ�سَ ا ِّم ال�سنين لتُع ِّبـر عن نف�سية العربيِّ على الدوام. بع�ضا مما يف�سِّ ـر مُعاودة ا�ستدعائه في ولع َّل في ذلك ً بع�ضا مما ي�شْ ـرَح ال ُورُو َد الدائ َم ماءَه، أي�ضا ً ال�شعرية العربية المعا�صرة ،ولع َّل في ذلك � ً والعكوفَ الطوي َل على ُمنْجَ زِه ال�شعريِّ من كثيرين من �شعراء العربية المعا�صرين. كان (م�صطفى نا�صف) العظي ُم ي�شـرح كيف نفذتْ عبقري ُة �أبي الطيِّب المتنبِّي �إلى ال عريقًا ونبيلاً في ما�ضيه ،ولكنه َمهِينٌ في �أبع َد من زمانه قائلاً :كان �أبو الطيِّب رج ً بع�ض مالمحِ م�أ�ساة المتنبِّي! حا�ضره ،وكانتْ هذه َ اجلوبة -ربيع 1436هـ 51
ك��ان يقولُ :لقد وج��د العربيُّ في �شعر �أبي الطيِّب م��ا ل��م ي��ج��ده ف��ي غ��ي��ره .ف��ي �شعر �أب��ي الطيِّب �صور ُة رجُ لٍ تو�شكُ الدُّنيا �أن تغلبه ولكنه يتعالَى ،ويت�شبَّثُ بحُ لْمٍ قديمٍ � ،صور ُة رجُ لٍ يعلم وال يقدر� ،أ ُِ�صيبَ في ُق َّوتِه ،ولكنَّ القوة ما تزال عالق ًة بذهنه. كان الرجُ ُل يقولُ :كان �شع ُر �أبي الطيِّب قادرًا على البقاء؛ لأنه قاد ٌر على �إحياء جُ رْحٍ قديم. لقد ر�أى المعا�صرون م��ن �شعراء العربية في �شعر �أبي الطيِّب �شجر ًة كريم ًة ق��ادر ًة عند بع�ضا من ثمارها االق�ت��راب منها �أن تمنحهم ً والنهو�ض من جديد! َ االنتعا�ش، َ ليُعا ِودُوا ر�أوا في �شعره مجت َمعًا من العزة والمجد، والبالغ ِة والفنِّ الحزين ،فا�ستعانوا به على ما فاجَ �أَهُ مْ ،و�أرهقهم ،وهَ جَ مَ عليهم ،ودوَّخَ هم من حادثات ال�سنين! لقدْ الذَ ب�شعر �أبي الطيِّب الآب��ا ُء ال � ُّروَّا ُد في الثقافة العربية المعا�صرة ،ثمَّ الذَ به الأبنا ُء ال�شعرا ُء في هذه الحقبة الراهنة الواهنة. ( )2وردةٌ ثانيةٌ من دم المتنبِّي قراء ٌة في �أ�سلوبيَّة المحنة. ه��ذه الق�صيدةُ/الدِّ يوانُ تبعثُ �أب��ا الطيِّب المتنبِّي م��ن ج��دي��دٍ ُم �ع��اد اًِل مو�ضوعيًّا للنف�س يف بها من هزائم العربية المعا�صرة بكلِّ ما يُطِ ُ الرُّوح ،وانك�ساراتِها. ومن المهمِّ جدًّا �أنْ نتتبَّع الأد َّل َة على هذا الذي ندَّعيه ،ولع َّل �أظه َر هذه الأد َّل � ِة ماث ٌل في حركة الظروف الزمانية المعبِّـرة عن اللحظة الراهنة. ِ �إنَّ خريطة ال��ظ��روف الزمانية المتمركِ زة حول(الآن /واليوم) تقو ُد خُ طى القارئ �إلى هذا الكَ�شْ ف والبيان. 52
اجلوبة -ربيع 1436هـ
يقول محمد المع�صـراني:
�أَرَّجَ �������������������انٌ قَ��������� ْد َت������������أَرَّجَ �����������تِ ا ْل������ َي������ ْو َم ِب���� ِ���ش���عْ��� ٍر َي���ـ���حْ ���طِ ��� ُم ا ْل����عِ����يَّ حَ ��طْ �� َم��ـ��ا ويقول:
ال������ ُّث������غُ������و ُر الْ�������� َي�������� ْو َم � َ�����ش�����اكِ����� َي����� ٌة َت���� ْب����ـ حَ ������ثُ عَ�����مَّ�����نْ فَ������ َّذ حَ ����� ْر ًب�����ا َو����سَ ��� ْل��� َم���ـ���ا ولع َّل الجز َء الذي يحمِ ُل عُ نوان( :ال�شِّ عْر الآن) م��ن الق�صيدة ي� ُب��وحُ بهذا ال��ذي ُن �ق �رِّره ،يقولُ ال�شاعر:
حَ ����لَ����بُ ال�������شَّ ���هْ��� َب���ا ُء َت���� ْرثِ����ي ُ���ض��حَ ��اهَ��ا ُت���� ْ���ش��� ِب��� ُه ا ْل����� َي����� ْو َم جَ ���دِ ي�������سً ���ا وَطَ �����سْ �� َم��ـ��ا وي �ق��ولُ ب�ع��د ذل��ك ف��ي ال �ج��زء ال ��ذي يحم ُل عُ نوان(حال العرب):
قُ��������� ِّورَتْ عَ���� ْي����نُ ا ْل��� َي��� َم���ـ���امَ��� ِة َف����هْ����يَ ا ْل���ـ مُ���� ْن���� ُذ َ�أ ْل�����فَ����� ْي�����نِ �إِ َل��������ى ْالآ َن َت���عْ���مَ���ى َك��� ْي���فَ ُت���فْ��� ِن���ـ���ي( َد ْو َل��� َة ا ْل���ـ���خَ ���ـ��� َدمِ) ْ آ ال نَ؛ فَ��� َك��� ْم دَا� ُ����س����وا ����شُ ��� ُي���وخً ���ا َو�أَيْ����مَ����ى وَجْ ������������ ُه كَ��������افُ��������و َر �أَ� َ��������ش��������دُّ َب���� َي����ا� ً����ض����ا �����ص��ا ِة ا ْل���� َي���� ْومِ�َ ..أكْ��� َث��� ُر حَ �سْ مَـا مِ ���نْ خُ َ الظروف الزماني ِة المعبِّـرة ِ وتت�صاعَ ُد حرك ُة َ عن اللحظة الراهنة في الجزء الذي يحم ُل عُ نوان (مَ ْقتَل المتنبِّي) ،فيقول محمد المع�صـراني:
ال�����������دُّ رُوبُ ا ْل������ َي������ ْو َم مُ���وحِ ���� َ���ش��� ٌة وَال���� َّل����ـ يْ�������� ُل مُ������قْ������عٍ وَال������� َّ������س������حَ ������ابُ �أَغَ����� َّم�����ـ�����ا (فَ����ال����طَّ ���� ِري����قُ ْالآ َن � َ����ص����ا َر هَ��َل�ااَ كً����ا َو�أَذًى لِ����� ْل����� َع�����ابِ����� ِري����� ِه َت���ـ��� َك���ـ��� َّم���ـ���ى) ���������س َن�����جَ �����اةً) (ال�����طَّ ����� ِري�����قُ ْالآ َن َل���� ْي َ � َ�����ص�����ا َر َل����� ْي����� ُل ال����� َّ����س����ا ِل����كِ����ي���� ِه مُ��� َغ���مَّ���ى
وت��ت�����ض��اف�� ُر م��ع ح��رك��ة ال���ظ���روف ال��زم��ان��ي��ة المعبِّرة عن اللحظة الراهنة مجموع ٌة �أخرى من القرائن الأ�سلوبية الزمنية ،لتك�شِ َف عنْ �أنَّ َبعْثَ المتنبِّي من جديدٍ كان لت�صويرِ محن ِة ال َّنف ِْ�س العربي ِة المعا�صـرة ،وكان لت�صوير غُ رْبة الرُّوح العربية المعا�صـرة .وتتم َّث ُل هذه القرائنُ الزمني ُة الأ�سلوبي ُة في ما ي�أتي: �أو اًَّل�َ :ضمِيمة الفعل الناق�ص: (لم يزل /وما زال)
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
���وف غَ���� ِ���س���ي���لٌ ) (كُ�������لُّ َدرْبٍ ِب���ال���� ُّ���س��� ُي ِ وَال���� ُّ���س��� ُي���وفُ الْ���� َي���� ْو َم ِب����ال���� َّد ِم ُت��ـ��حْ ��مَ��ى ُر َّب����� َم�����ـ�����ا هَ���������ذِ ي ال������� ِّت���َل���اَ لُ ُت���� َن����اجِ ����ي قَ�����بْ�����رَكَ ْالآ َن ِب����� ِ����ش����عْ����رِكَ ُ ..ر ْب��� َم���ـ���ا
(وَاقِ�����فً�����ا -مَ����ا ِزلْ������تَ َ -ب��� ْي���نَ َن��عِ��ي��مٍ َوعَ�����������������ذَابٍ ) َزمَّ�����������كَ ا ْل�������� َويْ�������� ُل َزمَّ�������ا غَ��ا ِر���سً ��ا -مَ���ا ِز ْل�����تَ -رَا َي��� َت���كَ ال�����سَّ �� ْو دَا َء � َ�����ش����� َّم�����ـ�����ا َء َدلِ��������ي����ًل���ااً �أَ� َ�����ش����� َّم�����ـ�����ا َل��ـ�� ْم َي�����زَلْ � َ���ص��� ْو ُت���كَ � َ���ص��� ْو ِت���يَ ،ومَ����ا زَا َل � َ����ص����دَا ُه ال����دَّهْ ���� َر � َ���ص��� ْو ًت���ا مُ���ِ��ص�� َّم��ـ��ا َي�����ا �أَ َب��������ا ال����طَّ ���� ِّي����بِ مَ�����ا ِز ْل��������تُ �أَ ْرعَ��������ى حُ ���� ْز َن����كَ ال�������سَّ ���اجِ ���ي فَ��� َك��� ْي���فَ ُي�� َع��مَّ��ى؟ َي������ا �أَ َب����������ا ال�����طَّ ����� ِّي�����بِ مَ������ا زَا َل������������تِ ْ آ ال مَ�����الُ ���سَ ��جْ �� َن��ى فِ����ي عَ�����زَائِ����� َم ���سَ �� ْدمَ��ى َي������ا �أَ َب���������ا ال�����طَّ ����� ِّي�����بِ ،خَ ������ ْو َل������ ُة مَ������ا زَا َل������تْ ِب������أَ� ْ�����ش����� َع�����ارِكَ َب������لْ ِب������كَ هَ��� ْي���مَ���ى العَ���اجِ ���ي���ـ �����ض حُ ���كْ��� َم ْ أَ َل���ـ��� ْم َت������زَلْ َت�� ْب�� َغ ُ مَِ ،ت����رَاهُ���� ْم �أَحْ ����قَ���� َر ا ْل��ـ��خَ ��ـ�� ْل��قِ جِ ��� ْذمَ���ا العَ�����اجِ ����� َم هَ���جْ ���وًا َل���ـ��� ْم َت������زَلْ َت��هْ��جُ ��و ْ أَ ُه������� َو �أَ ْوفَ�������������ى ُه������� َو َ�أقْ������ َ�����س�����ى مَ����� َذمَّ�����ا
�إن داللة الفعل الناق�ص (ما زال ومجتمعه) بما هي ،دائر ٌة حول اال�ستمرار واالت�صال والبقاء، تك�شف ف��ي كثير ج� �دًّا م��ن مقاطع ق�صيدة/ دي��وان (وردة ثانية من دم المتنبِّي) ،عن �أنها في ه��ذه الأب�ي��ات جميعًا يُطِ ُّل المتنبِّي من �سير ٌة تحكي محن َة ال َّنفْ�س العربية المعا�صرة� ،شُ ـرْفة الق�صيدة/الديوان ليعي�ش بيننا محن َة يف بها من خيانات الخائنين ،اليوم ،وانك�سا َر ال َّنفْ�س ،وغُ رْب َة الرُّوح ،وم�أ�سا َة وعذاباتِها ،وما يُطِ ُ الع�صـر ،وق�سو َة الزَّمان ،وذِ َّل َة الأيام. يقول محمد المع�صـراني: ثانيًا�َ :ضمِيمة الفعل(�آنَ ) وَا ْب����نُ جِ �� ِّن��ي َل��ـ�� ْم َي����زَلْ َي�� ْن�����سَ ��خُ(ا ْل�� َف�����سْ ��ـ رَ) وَمِ ��������نْ حَ ���� ْو َل���� ْي���� ِه خَ ���� ْل����قٌ َت��ـ��جَ ��مَّ��ى وي � ُل��وحُ م��ن حينٍ لآخَ � �رَ ،و�إنْ ب��درج� ٍة �أ َق��لَّ، ا�ستثما ُر ال �ف �ع��لِ (�آنَ )� ،صانعًا ذل��ك الح�ضو َر وَا ْل����ـ���� َم����ـ���� َع����ـ����رِّيُّ ُي���فَ���� ِّ���س���ـ��� ُر -مَ�����ا زَا َل المعا�صـر ،قاطعًا اللحظ َة التاريخي َة القديمة، ِ َو ُي�����مْ����� ِل�����ي � َ�����ش�����رْحَ ����� ُه ا ْل���ـ���مُ���� ْ���س��� َت��� َت��� َّم���ـ���ا مُوغِ لاً في االنتقال �إلى اللحظة الراهنة ،يقولُ ويقول: محمد المع�صـراني:
(فِ���ي ظَ ��َل�اَ ِم ا ْل�� ِب��ي��دِ وَحْ �����دَكَ َت�����سْ ��ـ��رِي ْ��َل�� ا ْل����� َك����� ْو َن َن�� ْب��� ً��ض��ا ذَاكَ قَ���� ْل����بٌ َي�����م َ أُ َت���غْ��� َت���ذِ ي َت������� ْروَىَ ،ت��ـ��جُ ��ـ��و ُع َو َت��ظْ �� َم��ـ��ا) ���������������ض ِب����ال����� ِّ����ش����عْ���� ِر َدمَّ������ا َو َي������������ ُد ُّم ْالأَ ْر� َ ( َل����ـ���� ْم َت�������زَلْ ُت����ـ����حْ ����دِ ثُ فِ���ي��� َه���ا َد ِو ًّي�������ا) ِ��ْل��إِعْ ������ َ�����ص�����ا ِر �أَنْ َي���� ْ���س��� َت���جِ ��� َّم���ـ���ا �آ َن ل ْ إ ْ��َل�� ال���� َّل���� ْي���� َل � ُ����س���� ُي����وفً����ا َو� ُ���ص��� َّم���ـ���ا َت�����ـ�����م َ أُ �آ َن لِ����ل����� َّ����ش����اعِ ���� ِر �أَنْ َي���� ْ���س��� َت���جِ ��� َّم���ـ���ا اجلوبة -ربيع 1436هـ 53
ثالثًا�َ :ضمِيمة الكِنايات وتتبدَّى من حينٍ لآخَ � َر كذلك قرين ٌة مهمَّة جدًّا تتم َّث ُل في الكنايات التي تك�شِ ُف عن الأمَّة ال�ضمِ يم ُة البالغي ُة في محنتها الراهنة .وهذه َّ الأ�سلوبي ُة تلُوحُ في عددٍ من الأبيات ،ثم يزيدُها ببع�ض ما يبثُّه في الهوام�ش ال�شاع ُر ت�صـريـحً ا ِ من تعليقاتِ المعاني ،يقولُ :
كَ������ ْم َي���ـ���حُ ���ـ���جُّ ���ـ���و َن �إِ َل��������ى َر َّب�������� ِة ال���ظُّ ��� ْل���ـ ِم � ُ�����س����� َك�����ارَى لاَ ُي������ َب������ا ُل������و َن َل����� ْومَ�����ا ثم يقول في الهام�شَ « :ر َّب ُة الظُّ لْم :الواليات المتحدة الأم��ري��ك��ي��ة»! �إن ه��ذه الكناية التي تتخا َي ُل خَ ل َْف التركيبِ الإ�ضافيِّ « َربَّ��ة الظُّ لْم» ب�صدَ دِه من تتبدَّى قرين ًة قوي ًة على ما نحنُ َ �أجوا ِء المحنة.
كا�شف ًة عن �سَ فَر �أبي الطيِّب في الزَّمان ليَحِ َّل في رابعًا�َ :ضمِيمةُ الجغرافيا! عالَـمِ ـنا ولحظتِنا الراهنة مُعاد اًِل للنف�س العربية لقد بلغ ب�سطو ِة المحنة �أن حملتِ ال�شاع َر المنهزِ مة ،ومُعاد اًِل ل ُغرْبة الرُّوحِ العربي ِة الممتدَّة! على م�ستوًى من ال َبوْح ُربَّما � َأ�ضـ َّر ببنية الق�صيدة َّ�ص الداخلية في بع�ض �أبياتها ،فتورَّطَ تْ في َن�وْعٍ من و�ضوحٍ خام�سً ا�َ :ضمِيمة عَ تَبات الن ِّ خلف حرك ِة عددٍ من غيرِ �شعريٍّ ،وهو ما يتراءى َ لقدْ ق�سَّ مَ محمَّد المع�صـراني ق�صيدته/ الأ�سماء الأعالم المكانية ،وما في م�ستواها من الدِّ يوان ُربَّما �شُ عُورًا منه بطُ ولها ،و ُربَّما َل ِعبًا منه عالمات الجغرافيا ،يقولُ محمد المع�صـراني :على َوتَر الإيهام للقارئ ومُرا َو َدتِه عن ا�ستقبالها من َبوَّابة الق�صيدة وحَ ـ ْملِه له على �أن ي�ستقبلها كُ������� ُّل�������هُ������� ْم َي�������قْ������� َت������� ِت������� ُل�������و َن ِن������ َي������امً������ا َي�����شْ ��حَ ��ذُو َن ا ْل���قُ���وتَ ِم ا ْل��� َغ���رْبِ دَعْ �� َم��ـ��ا من َبوَّابة الديوان = ع�شـر َة �أق�سامٍ ،بدليلٍ ظاهرٍ ْوانات افتتحَ بها ك َّل قِ�سْ مٍ مع ماديٍّ ماثلٍ في عُ ن ٍ ال ْر� ُ����������ض فَ������جَ ������ا َورَتِ ال��� ِّ��ص��ي��ـ مَ�������ادَتِ ْ َأ نُ ِدمَ�����شْ �� ًق��ا ..جَ ����ا َورَتْ مِ ْ�صـ ُر ُب��و ْرمَ��ا! ات�صالِ عَ دِّ �أبياتِ الق�صيدة؛ في الوقت نف�سه. بع�ض هذه العتبات ،وتحمِ ل َُك وق��دْ يُو ِقف َُك ُ ذَا ا ْل����فُ����رَاتُ ا ْل���� َع����ذْبُ � َ���ص���ا َر جَ ��حِ ��ي��مً��ا تعي�ش المحن َة المعا�صرة، َ َب���������� َردَى �أَمْ ����� َ����س����ى ِل���ـ���حُ ���ـ��� ْزنِ���يَ حَ ��ـ�� َّم��ـ��ا عُ نْواناتُها على �أنْ وال � ُغ � ْرب � َة ال��راه�ن��ة ،وه��ي ال� ُع� ْن��وان��اتُ الجانبي ُة ففي ه��ذه الأب�ي��ات تظه ُر القرائنُ ال��دائ��ر ُة في َفلَك (ال َغرْب) ،ومحن ِة الم�سلمينَ الراهن ِة التالية: ال�شِّ ْع ُر الآن!في(بُورْمَ ا) ،والتحوُّلِ الدراميِّ الدامي في �سوريا
54
اجلوبة -ربيع 1436هـ
َل��ـ�� ْم َي�����زَلْ � َ���ص��� ْو ُت���كَ � َ���ص��� ْو ِت���يَ ،ومَ����ا زَا حديثٌ على ل�ساني!َل � َ����ص����دَا ُه ال����دَّهْ ���� َر � َ���ص��� ْو ًت���ا مُ���ِ��ص�� َّم��ـ��ا الن�صي ُة -مُ�ضافًا �إليها العتب ُة فهذه العتباتُ ِّ
ول َعلَّه مفي ٌد جدًّا �أن نُذكِّر ب�أن خبر(لم يزل) المت َمثِّل ُة في �إهداء الق�صيدة/الدِّ يوان في بع�ض ما يظ َه ُر منها �إلى ال�شاعر(عبد اهلل البردُّوني :في هذا البيت بالن�سبة ال�سْ مِ ها -ا�سْ ٌم هُ َو هُ وَ، ت 1999م) ،عندما قال ال�شاعر�« :إلى رُوح ...وهو ما يعني الذي ق َّررْناه من حُ لُولِه فيه! البردُّوني» -كا�شف ٌة عن تجاوُز التاريخ وال�سَّ كَن ويقولُ : في رَحِ م الع َْ�صـر!
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
-حالُ العرب!
م�سافرًا على امتداد الزَّمان ،فيقولُ :
َت���� َت����جَ ���� َّل����ى رُوحُ ������������ ُه فِ������ي قَ���� ِ���ص���ي���دِ ي ال�ضمائِم لقدْ �أطلتُ قليلاً في َت َلمُّ�س وُجُ ��و ِه َّ � ُ������س������ ْن������ ُب���َل��اَ تٍ َو َن������خِ ������ي���ًل��اً َو َد ْومَ���������������ا
والقرائنِ الأ�سلوبية الكا�شفة عن محن ٍة قا�سي ٍة م�ؤلـمـ ٍة مُزلزل ٍة تُحيط بالنف�س العربية الم�سلمة المعا�صرة ،وهي المحن ُة التي ا�ستدعتْ ح�ضو َر هُ�������� َو فِ������ي كُ�������� ِّل ا ْل�����عُ������ ُ�����ص�����و ِر مُ���قِ���ي��� ٌم فَ����� ِل����� َم�����ـ�����اذَا قَ������� ْب������� ُر ُه َل�����ـ����� ْم ُي�������سَ ��� َّم���ـ���ا؟ �أب��ي الطيِّب ،وه��ي المحن ُة التي كَـتَـبَتْ ل�شعره البقا َء وال ُعبُو َر واالرتحالَ في الزَّمان. لقدْ تجلَّتْ جَ دَّة �أبي الطيِّب في ق�صيدته التي رثاها بها ،لتكون مُعاد اًِل للأمَّة الجليلة الماجدة ( )3غُ رْ بة الرُّ وح/غُ رْ بة الأمَّة! التي يُو�شِ كُ الزَّمانُ �أن يتن َّك َر لها ،و َي ْغ ُمرَها حُ ْزنًا، ه��ذه الق�صيدةُ/الدِّ يوانُ ت َْ�صلُحُ �أنْ تكُونَ ويُعا ِو ُد ال�شاع ُر ا�ستدعا َء جَ دَّة �أبي الطيِّب مرَّة �سير ًة للرُّوحِ العربي ِة المعا�صـرةِ ،تحكي �آالمَ ها �أخرى رمزًا للأمَّة الثكلَى ،فيقولُ : إم�ساك ُو�ص بعيدً ا في ال ِ وتر ُْ�ص ُد عذاباتِها ،وتغ ُ ب�عَ�لام��اتِ خ�ي��ان��اتِ الخائنين ،وت � ْر��ُ�س��مُ وج��و َه جَ ���� َّد ِت����ـ����ي َك����فَّ���� َن����هَ����ا ا ْل����� َف�����جْ ����� ُر َي���� ْومً����ا َب���عْ��� َد �أَنْ �أَخْ ����فَ����ى ���سَ �� َن��اهَ��ا َو�أَ� ْ���ص���مَ���ى الغا ِدرِين ،وت ْر َف ُع ب ََ�صماتِ اللِّئامِ الذِ ين اجتمعوا عليها َي ْبغُونَ محوَها واقتالعَ ها انتقامًا ،وحَ �سَ دً ا! َك����� ْي�����فَ مَ�����ا َت�����تْ جَ ��������� َّد ٌة كُ����� ْن�����تُ َب�������� ْردًا ويقول:
ِل���ـ��� ُم���ـ��� َن���ـ���اهَ���ا وَخُ ������طَ ������اهَ������ا َو� ِ���س��� ْل��� َم���ـ���ا مِ ��نْ ب��داي��ات ال�ق���ص�ي��دة/ال��دِّ ي��وان َيتَخا َي ُل التماهي بين ٍ ما�ض يلُوحُ كبيرًا ماجِ دً ا ،وحا�ضـرٍ َك����� ْي�����فَ مَ������ا َت������تْ جَ ������ َّد ِت������ي َو�أَ َن������������ا كُ����لُّ َي ْرزَحُ تحتَ وَطْ �أَة االنك�سار ،يقولُ المع�صـراني: حَ ������� َي�������اتِ�������ي فِ���������ي ُر َب����������اهَ����������ا َت����� َن�����مَّ�����ى �أَيْ����������نَ مِ ���� ِّن����ي كِ������� ْب������� ِر َي�������ا�ؤُكَ ذَا؟ َب����لْ (حِ ���ي���نَ مَ����ا َت����تْ جَ ���� َّد ِت����ي مِ �����تُّ غَ�� ًّم��ـ��ا) �أَ ْي�������نَ مِ ��� ِّن���ي �أَ ْن�������تَ َي����ا ذَا ا ْل��ـ�� ُم��ـ�� َدمَّ��ى؟ َو َك�������������أَنْ َل����ـ���� ْم �أَ َر مِ ������نْ قَ����� ْب����� ُل غُ ���مَّ���ى َت����غْ���� َت���� ِل����ي كُ��������لُّ الْ���������قُ���������رُونِ ِب���� َك����فَّ���� ْي����ـ في هذا المقطع تتبدَّى الج َّد ُة �شيئًا عظيمًا كَ َو َت�����غْ����� ِل�����ي كُ���� َّل����مَ����ا ُزرْتَ قَ����� ْومَ�����ا َيفُوقُ الجدَّة ،تتبدَّى وطنًا هَ �وَى ،ومَ ـجْ دً ا ذَ وَى،
ويب ُل ُغ االتحا ُد بين ال�شاعرِ و�أبي الطيِّب مَ دَ اهُ ،وتاريخً ا وعِ زًّا ت َعرَّى. ف ��ي ه���ذا ال �م �ق �ط��ع َف� � ��زَ ٌع وجَ � � ��زَ ٌع َي ���ْ�س � ُك��نُ حا�ضـرًا، فيغيبُ فيه ،وينمحي ذائبًا في ذات��ه ِ
اجلوبة -ربيع 1436هـ 55
َ ال�سُّ � ؤاالت(:كيف ماتَتْ ؟) ،ويَ�سْ َت ْعلِنُ مُ�ستنكِ رًا المتنبِّي). غَ ��دْ َر الغادرين الذين َف َعلُوا َف ْع َلتَهم فاغتالُوا لقد كانتْ طبيع ُة الق�صيدة/الدِّ يوان ،وطبيع ُة حِ ْك َم َة ال�سِّ نين ،وجَ اللَ الأيام! النافذ ِة التي �أطَ لَّتْ منها على الم�ستوى النقديِّ ،
وطبيع ُة الغاي ِة الم�ستتر ِة والم ْعلَن ِة معًا مِ نْ ورا ِء ( )4وردةٌ ثانيةٌ مِنْ َد ِم المتنبِّي: �إبداعِ ها -تفرِ ُ�ض حُ ُ�ضورًا مائزًا للتاريخ نَجَ حَ تْ ال�شِّ عْرُ عندَ ما ُيفَجِّ رُ التاريخ! في توظيفِه ،وا�ستنطاقِه ،وا�ستثمارِه ،وتحميلِه ِطاقات دالل َّي ٍة َث َّرةٍ ،ومُتفَجِّ رة. لقدْ كان مُ�شْ كِ ُل العَالق ِة بين التاريخِ وال�شعرِ ب ٍ �راءات كثيرةٍ ،حاولتْ �أنْ تتدخَّ ل ،و�أنْ مَ �شْ َغ َل َة ِق� ٍ لقدْ بدا التاريخُ العربيُّ وَحْ دَ ًة مت َِّ�صلةً ،وبدَ ا تُحيطه بنوعٍ من الم�ساءالتِ في البرامج النقدية الغربية وال�شـرقية على ال�سَّ واء ،ولكنَّ الق�صيدة الجُ رْحُ العرب ُّي الم�سلمُ نا ِزفًا من بعيد ،وبدَ ا ال َع ُد ُّو تَتجا َو ُز ه��ذا الإط���ا َر التنظيريَّ لهذا الم�شكلُ ،متَم ِّردًا ،وب��دَ ا الخائنُ مُتل ِّونًا ،فتَراكَمَ الألـمُ ، وت َكوَّمَ تِ الجراحُ ! وتقف ُز عليه. ( )5وردةٌ ثانيةٌ مِنْ َد ِم المتنبِّي: لقد ا�ستحالَ المتنبِّي َر ْمزًا ،وا�ستحالَ ك ُّل مَ نْ عالمات َتدُو ُر في َفل َِك هذا الرَّمْز! ٍ دا َر في َفلَكِ ه رحلةٌ غيرُ �أخيرةٍ في الوَجَ ع العربيِّ تجلَّى تاريخُ المتنبِّي -مُذْ تف َّتقَتْ عبقر َّيتُه و�شاعر َّيتُه -مَ ْتنًا ،وتجلَّى ك ُّل مَ نْ كانَ حوله -مِ نْ هوام�ش َ �ات ،و�أ�سفارٍ ،و�أوج��اعٍ - رج��الٍ ،وح��ادث� ٍ على هذا المتن! وقدْ كان ال�شاع ُر واعِ يًا بالح�ضور الطاغي للمالمح ال��ت��اري��خ��ي��ة ال��ت��ي ات��خ��ذتْ الأ���ش��ك��الَ والتجلياتِ التالية:
�إنَّ ق�صيدة/ديوان محمَّد المع�صـراني مثا ٌل غي ُر �أخيرٍ لرحل ٍة مُتجدِّ د ٍة �أب��دً اُ ،ت َعرِّي الوَهَ نَ العربيَّ ُ ،ربَّما ظهرتْ في �صورة(ورقة في بريد المتنبِّي) كما فعل يا�سر �أن ��ور ،و ُر َّب �م��ا تجلَّتْ ف ��ي(وردة من دم المتنبِّي) للبردُّوني ،و ُربَّما تك َّثفَتْ في(زمان العرب) لمحمد الحربي.
ول �ك��نَّ اليقينَ ق��ائ � ٌم ف��ي �أن �ه��ا رِحْ �� َل�� ٌة غي ُر ٌ ب�سبب من تمدُّد الوجع العربيِّ ،و�سيبقَى ن�صو�ص م��ن �أب�ي��ات �أب��ي الطيِّبُ ،م� ِّي��زَ تْ �أخيرةٍ؛ ٍ طباعيًّا بين هاللينِ . المتنبِّي بجالله ،ومجدِ ه ،وعبقريتِه ،و�شاعريتِه ل�شخ�صيات ت��راث�ي��ة(ك��ا ُف��ور ،الفَذَّ ِة حُ ْلمًا يُداعِ بُ المحزونين والمهمومين، ٍ ا��س�ت��دع��ا ٌءو َنقْفور ،و�سَ يْف الدولة وغيرهم) .وا�ستدعا ُء والمقهورين والمقموعين ،والحالمين! الأماكن(حلب ،وبغداد وغيرهما). و�سيبقى المج ُد القديمُ ،وال ُّن ْب ُل الذي كان وتوظيفٌ للحادثات ،والمواقع ،والمواقف .ح��اف�زًا نح َو اغتيالِ ال��واق � ِع المهين ،والو�ض ِعثُمَّ كانتْ ِق َّم ُة هذا التجلِّي في مُعار�ضة ميميَّة الراهنِ الأَ�سْ يان! عبداهلل البردُّوني المعروفة ب ُعنْوان (وردة من دم
* �أ�ستاذ العُلوم اللُّغوية في كلية الآداب -جامعة المنوفية.
56
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�سَ َي ْبقَى.
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
بنيات االنـك�سـار في ديواني
«لأميرة الغبار �شهوتها» و«مقبرة الحبيبات» لل�شاعر المغربي محمد الإمام ماء العينين ■ عبدالهادي رو�ضي*
قراءة نـقدية
باتجاه مجاهل ق�صيدة النثر
كانت ال�صحراء م�لاذا لإق��ام��ة ال�شعر ون�شوئه ،وم��ن خيامها خرجت الق�صيدة مُدجَّ جة بحلم القبيلة وع�شائرها ،لذلك غالبا ما ارتبط قول ال�شعر لدى مرتاديه بالحفاظ على الن�سق الهند�سي للق�صيدة العربية ،بناء وم�ضمونا؛ حتى خلتني لن �أعثر على �شاعر مغربي ينتمي جغرافيا �إلى رمال ال�صحراء ،خارجا عن �سرب الخليل بن �أحمد الفراهيدي. تلك �ضريبة االحتمال التي تملكتني ،غير �أن غواية ال�شعر وتقفي فر�سان الق�صيدة، �أخذتني خل�سة �إلى �صوت �شعري �آثـر االنفالت مـن مقا�سات ال�شعرية القديمة ،وفتح محرابه لق�صيدة النثر؛ لعلها تهرب هواج�سه و�أحالمه �إلى حيث يحلم ،باحثا عن فتوحات جديدة عبر بوابة النثر.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 57
«محمد الإم��ام ماء العينين» �شاعر �شرب حليب الق�صيدة من �شُ رفة العيون ،المدينة التي تخلد ب��داوة ال�صحراويين ،وحلم �أجيال م��ن ال�شعراء ات�خ��ذوا م��ن مكوناتها العقدية واالجتماعية والإن�سانية والفكرية مادة لكتابة �شعر يخلّد ع�ب��وره��م .غير �أن م��ا يميز هذا ال�شاعر ه��و �إي�م��ان��ه بق�صيدة ال�ن�ث��ر ،وولعه ال�شديد بميراث روادها على امتداد الأ�صوات ال�شعرية التي �أ�س�ست تجربتها من المحيط �إلى الخليج ،ومن النهر �إل��ى البحر ،ويج�سد هذا الإيمان �إ��ص��داراه ال�شعريان( :لأميرة الغبار �شهوتها ،من�شورات وزارة الثقافة) و(مقبرة الحبيبات ،مطبعة الأف ��ق) ،وهما �إ��ص��داران يمنحان ق��ارءه�م��ا فر�صة االل�ت�ق��اء بال�شعر، والتقرب من تجربة �شعرية تنت�صر لل�صمت، بعيدا عن ترهات الأ�ضواء.
المجموعة ال�شعرية – محور المقاربة ،-وعلى هذا الأ�سا�س تنطلق مقاربتنا من جملة �أ�سئلة توجهها� ،أي المقاربة ،وت�ضبط م�ساراتها وهي: ما هو مفهوم االنك�سار؟ وما هي دواله وبنياته؟ -1في مفهوم االنك�سار
ي�ستوقف ك��ل م�ت��وغ��ل ل �م �ح��راب ال�شاعر محمد الإم���ام م��اء العينين ف��ي �أ�ضمومتيه ال�شع ــريتيـ ــن الثانية «لأميرة الغبار �شهوتها» و«مقبرة الحبيبات» ،طـغيان دال االنك�سار، مج�سدا مو�ضوعة محورية ،وغاية فعل الكتابة ل��دى ال�شاعر ،وتوظيفه ال يخ�ضع لمق�صدية وح�ي��دة وا��ض�ح��ة� ،إ��ض��اف��ة �إل��ى ذل��ك فهو دال يتكىء على اللغة لتمرير مو�ضوعاته الداللية، وال ي�ت��أت ا�ستنباطه �إال بعد مجاهدة كبيرة لممرات الديوانين؛ وبما �أنه كذلك ..فهو يقدم نف�سه ب�صيغ ويافطات اهتدت هذه المقاربة منهجية المقاربة النقدية �إلى ح�صرها في ثالثة �أنماط :االنك�سار بو�صفه و�أ�سئلتها الموجهة خيبة ،واالنك�سار بو�صفه وهماً ،ثم االنك�سار تج�سيدا لقناعة ذات�ي��ة بالمنجز الن�صي بو�صفه حلماً. لهذا ال�شاعر ،وبموازاة الم�شروع النقدي الذي :1-1االنك�سار بو�صفه خيبة ي�شغل �أفقنا بخ�صو�ص ق�صيدة النثر المغربية ظ��ل��ت ال��ك��ت��اب��ة ل���دى غ��ال��ب��ي��ة ع��ظ��م��ى من الت�سعينية ،نقدم ه��ذه المقاربة النقدية في تجربة ال�شاعر محمد الإم ��ام م��اء العينين ،مدمنيها ا�ستعادة للخيبة بمختلف فتوحاتها، عبر اقتفاء ديوانيه «لأم��ي��رة الغبار �شهوتها» وم�ل�اذا لنف�ض رياحها القا�سية؛ فال�شعراء و«مقبرة الحبيبات» ،وهي مقاربة تنطلق من تحديدا ،غالبا ما يف�شلون في �أول��ى خطوات مفهوم االنك�سار بو�صفه داال م�ؤثثا لتمف�صالت الحب ،فيفتحون جبهات تتخذ تجليات كثيرة ن�صو�ص الديوانين معا ،و�آليات البناء الن�صي ،في محاوالت لردم م�ساحات الجرح ،و�إظهار م�ستفيدة على م�ستوى المنهج من تراكمات التنا�سي ،واجتراح الخيبات ،ومقاومة االنك�سار البنيوية ال�شعرية وتحليل الخطاب� ،إيمانا النف�سي والروحي: منا ب�أنهما الأق �ـ��رب �إل��ى معطيات ن�صو�ص �س�أقيم الليلة
58
اجلوبة -ربيع 1436هـ
الآن يا �سيدة الوهم �أجردني منك فلتكتبي ا�سمك على حواف القلب و�أم�ضي واتركي الباب م�شرعا ()2 تتخذ ال��ذات ال�شاعرة من الزمن المفتوح لقافلة من جرح بعيد .
على الم�ستقبل(�س�أقيم) ظرفا لحظيا ،تتوقف فيه م�ستح�ضرة �شقوق االنك�سار ،كدال يق�ض م�ضجع تلك الذات ،ويحركها ويوجهها؛ منفتحة على ذوات �أخريات �شربت من معين الك�أ�س ذاته ،ك�أ�س االنك�سار واالندحار العاطفي ،لذلك ال تكتفي بلحظة ا�ستعادة عابرة ،بل تدعو جل ال�شعراء المنك�سرين ب�سهام الف�شل في تجربة الع�شق لالحتفاء بتحقق الخيبة/الخيبات ،هي لحظة تحدٍّ يقيمها ال�شاعر ،وهو ي�ستعيد �شريط ُ�ض من قُبلٍ ،غير عابئ بالنكايات، ذكريات ق َّ متخذا من الرق�ص �أداة للن�سيان ،والتحرر من �إ�سار مرارة الف�شل. :2-1االنك�سار بو�صفه رحيال
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
حلما �أدعو �إليه كل ال�شعراء لنحتفي بخيباتنا راق�صين على نغمات قلوبنا(.)1
مثل (اجرديني – فلتكتبي – حواف القلب):
لكن هل تملك الذات ال�شاعرة القدرة على الن�سيان ،و�إغالق الباب �أمام الآتي؟ وب�صيغة مُعدَّ لة ،وهل تدرك خباياه المحملة عبر �سُ حب ال�ق�ل��ب؟ �أك ��اد �أج ��زم �أن �ه��ا ال ت�ستطيع ذل��ك، فغالبية ال�شعراء يدركون حتما �أن الف�شل هو م ��آل �أي عالقة تجمع روح�ه��م ب��روح الأن�ث��ى، لكنهم ال يتهيبون خو�ض مغامرة الع�شق ،وال يكترثون للنتائج والخ�سائر ،وتر�صد الملفوظ الداللي لكثير من ن�صو�ص ال�شعر العربي قديما وحديثا ،تجعلنا مقتنعين بهذا اليقين الجازم ونجاعته. ولعل ما ي�ؤكده هنا دالل��ة �ألفاظ من قبيل (اتركي – م�شرعا -قافلة)� ،إذ بقدرما تخبو ال��ذات ال�شاعرة ،تلمح �ضمنيا عبر الداللة التخيلية �أنها م�سلحة بكل م�ضادات االنك�سار، وعليه يظل ب��اب القلب مفتوحا على تروي�ض ج��راح��ات��ه ،والتكيف م��ع �أن�م��اط�ه��ا ،وخلخلة قوانينها بغية تكري�س فعل الممانعة ،والت�شظي، وعدم الإقرار بالهزيمة.
وتبدو رغبة الذات ال�شاعرة في التحرر من �إ�سار الف�شل وا�ضحة ،وهي تتخذ م�سافات من الأل��م� ،أل��م الإح�سا�س باالنك�سار الوجداني، متحا�شية ا�ستح�ضار مخلّفات الخيبة كفعل �سالب� ،إل��ى بلورة �أف��ق �إج��رائ��ي يحرر ال��ذات ال�شاعرة من تراكمات الما�ضي ،وهو ما يجعل القلب المنك�سر مرغما على تجديد قنوات :3-1االنك�سار بو�صفه حلما التفاعل الروحي �إيجابا ،وبناء ر�ؤى جديدة ال عدم الإق��رار بالهزيمة /االنك�سار هو ردة نهائية ،وذلك بتوظيف �أفعال دالة على الطلب ،فعل تتبناها الذات ال�شاعرة المنك�سرة ،وبها
اجلوبة -ربيع 1436هـ 59
تجتهد بانية حلمها ،متوجهة نحو االحتماء بال�شعراء ،بو�صفهم �أكثر النا�س ف�شال في ر�سم ت�ضاري�س وا�ضحة للحب� ،إذ غالبا ما ت�سكن ال�شعراء �أوهام هي من ن�سج مخيالهم ال �م �ج��ازي ،ل��ذل��ك غ��ال�ب��ا م��ا ينك�سرون في تجربة الع�شق؛ بل يف�شلون على حد تعبير �أحد الأ�صوات ال�شعرية العربية الحديثة.
�أيها ال�شعراء� ..أناااام ت�ستيقظ الأحالم ف�أراني طائرا عا�شقا ()3 يهم�س بالوعد . ترى �أي وعد هذا الذي ي�أخذ ال�شاعر وهو يحلّق بعيدا عبر متحقق الأحالم؟ و�إلى �أي حد يمكن �أن نعد ا�ستعارة ال�شاعر لمتخيل الطائر دليال على اال�ستمرارية ف��ي مقارعة عنف ال�م��ر�أة الحبيبة رغ��م تمدد حبال الخ�سارة؟ �سيما و�أن قلب ال�شاعر �شبيه �إلى حد ما بمنزل يحتوي �أ� �س��رار ح�ي��وات ممتدة والن�ه��ائ�ي��ة ،ال تعترف �سوى بالحلم مقاما في خ�ضم هيمنة ما هو مادي ،وتال�شي الإيمان بنداءات الروح الخفية ،وتلك هي �ضريبة ال�شاعر ومغامراته الوجدانية ،و�إن كانت توا�صل اندفاعاتها نحو �إيمان م�ضاعف بالقلب وخزائنه.
ورمزيته في احتواء هوة االنك�سار ،لذلك تظل م�شدودة �إلى الم�ستقبل؛ فالفعل ،ن�ؤثث ،يج�سد ه��ذه ال��رغ�ب��ة ال�ث��اوي��ة خلف ذاك ��رة ووج ��دان ال�شاعر المنك�سرة ،وهي �إذ تحتمي بالحا�ضر، تك�شف تطلعها �إلى فتح نوافذ الم�ستقبل الحلم، و�إن كانت ال تتخلى عن ارتدادها النو�ستالجي الممتد ،لأن�ه��ا ال تتعلم م��ن ال�ح�ي��اة ،بتعبير الروائية �أحالم م�ستغانمي ،من الآخرين ،بل من الخدو�ش بعد ال�سقوط والوقوف معا:
ن�ؤثث �أحالمنا لحبيبتي لون المحار على مهل ونعلقها يكتبني على �صفحة الماء �شرائط تطير ق�صيدة �أنا ده�شتها ()4 مع جدائل ال�صغيرات . وهي الحرف �إن ال��ذات ال�شاعرة ال تعترف �إال بالحلم �شرارة قلبين 60
اجلوبة -ربيع 1436هـ
في �أعلى المدينة يعد خطوي كل يوم �أن�شده بع�ض الأ�شعار و�أخبره ب�أدق التفا�صيل عن حب ع�شته وغاب ()6 كما يغيب ندى ال�صباح .
2ـ :3ب��ن��ي��ة امل�����وت :ال� �م ��وت ،وح��ي��دا، االن�ط�ف��اء ،ج�ن��ازت��ان ،ج�ن��ازة ،ال �ف��راغ ،تموت العالقات ،تموت الفرا�شات ،ال يعزي ،موتها، موتنا البطيء�...إلخ.
وال��وا� �ض��ح �أن م���س��ار ال���ش��اع��ر م��ع الأن �ث��ى الق�صيدة م�سار حابل ،رغم تم�سكه بالم�ستقبل وب��الآت��ي ،بالنكو�ص والفجيعة؛ لذلك تتم�سك الذات المنك�سرة بعبق الذكرى لعلها تبدد بع�ض ال��ذي انك�سر ،وتعيد للذكرى ن�شيد ملحمتها 2ـ :2بنية احللم :محتاج ،ن��ور� ،أحبك، وجنائزيتها: الورد ،ابت�سامة ،مطرا� ،أع�شق ،حبيبتي ،حب لي عبق الذكرى قديم� ،سحر الكالم� ،س�أظل ،ابت�سامة الطفل، يخطفني ببرق الهال العيون �شفاه ،جراح الخليقة ،الجرح ،جراح، كي �أحلم مرتين نبيذ الذكريات ،الحب المملح ،ذكراك� ،أ�سلمت ولي �شارع للحلم ،للأحالم� ...إلخ.
-2بنيات االنك�سار ا��س�ت�ن��ادا �إل ��ى ق��راءت �ن��ا للمنجز الن�صي للديوانين ،محور مقاربتنا النقدية ،وتتبع منعرجاته الن�صية ،نجد ذوات�ن��ا �أم��ام دوال ت ـ�ؤ�س�س متخيــل ق�صيدة النثر ،التي يظ ــل محمد مـــاء العينين م�ن��ذورا �إل��ى �أقانيمها، وتبني معجم ال�شاعر؛ وهي دوال بقدرما تتعدد تلتقي ب��دال �أكبر هو االنك�سار ،ال��ذي ترتبط به دوال �أخرى معجمية ،ح�صرناها في ثالث دوال ،هي :دال الت�شظي ،ودال الحلم ،ودال الحنين. 2ـ :1بنية الت�شظي :وتج�سده مفردات:
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
ت�ضيء الم�سار(.)5
دموعي ،ال�صمت� ،أكابد ،احترقت ،ال�صدى، �صد�أ الوقت ،مت�سع للحزن ،الليل �أ�ضيق� ،سيدة الوهم ،القلب �س�ؤال� ،أرق ،يتقد القلق ،انتابتني ال�م�خ��اوف ،يعتريني ال�سهاد ،دم�ع��ا معتقا، �صداقة…�إلخ.
والجلي �أن هذه ال��دوال ال ت�أتي منعزلة بل �ضمن �سياقات �شعرية مي�سمها الت�شظي كحالة نف�سية تعي�شها ال���ذات ال�شاعرة ،التي تظل م�شدودة �إلى متاهات الع�شق ،وم�ؤمنة بجبهاته، م�ستفيدة في ذلك من �إمكانات ق�صيدة النثر بو�صفها ن�صا متحررا من �ضوابط البالغة القديمة؛ فغالبا ما يحيد ال�شاعر وه��و يبني دواله �إلى هدم معيارية الجملة ال�شعرية ،عبر االنتقال من الم�شابهة �إلى االنزياح ،م�ستفيدا من �إمكانات اللغة التي يحققها االنزياح عبر �إل �غ��اء �أق��ان�ي��م ال���ص��ورة ال�شعرية المعيارية، ومقت�ضياتها؛ �إذ التخطىء العين الفاح�صة �سعي ال�شاعر �إلى جعل �صوره ال�شعرية في خدمة ال��دوال التي تبني ن�سيج ن�صو�صه المتحررة اجلوبة -ربيع 1436هـ 61
من الوزن العرو�ضي ،والمراهنة على اجتراح �أ�سئلة الكينونة الوجودية ،عبر و�سيط اللغة ال�شعرية المن�شودة �إلى الإ�شارة والإيحاء:
الثامنة �صباحا تفتحين النافذة كما هي عادتك �صباحا يطل جمالك العفوي على العالم ك�أنك خارجة للتو من حلم(.)7 �إن الجملة ال�شعرية داخل الديوانين معا، ت�أتي مختزلة ومكثفة وايحائية ،ومنحازة �إلى بلورة نف�سية ذات �صاحبها ال�شاعرة ،وبموجب ذلك ،تن�أى عن الإغراق المجاني في الو�صف، الذي يغتال دوما �شعرية الن�ص والق�صيدة معا، مثلما تحيد عن �شَ رَك التعميم� ،أي �أنها تر�صد كوامن نف�س واحدة هي نف�س ال�شاعر المكلومة، والتي تجتهد لمقاومة �شريعة التنكر للحب كقيمة �إن�سانية غدت بف�ضل المهيمن المادي، لغة خ�شبية جافة ومملة:
لأنك على حدود الخيال واقفة يمنحك ال�شعر ()8 ت�أ�شيرة الدخول .
وح�صانه الجموح ،به يبني عوالمه المتخيلة وي�ضمد نزيف ذات��ه المجترحة والمحبطة، م�ستعيدا تجارب �شعراء كبار تو�سلوا الخيال وراه �ن��وا عليه ف��ي االنتقال م��ن عالم مختل، قوامه ال�شر وانهيار القيم ال�شعرية والإن�سانية الكبرى؛ ك�أبي القا�سم ال�شابي وعبد الكريم بن ثابت و�إدري�س الجاي و�آخرين� ،إلى عوالم �أخرى �أكثر �إيمانا بالحب والإن�ساني. 3ـ البناء الن�صي و�أولياته
راه��ن ال�شاعر محمد الإم ��ام محمد ماء ال�ع�ن�ي��ن ف��ي ب �ن��اء م�ع�م��ار ن���ص��و���ص دي��وان�ي��ه ال�شعريين على عدة �آليات �إجرائية ،امتاحت م��ن خلفيات معرفية م �ت �ع��ددة ،وه��ي �آل�ي��ات فالخيال ه��و �أف��ق ال�شاعر محمد الإم��ام ترتبط بطرق البناء الن�صي ،ي�صعب ر�صـــدها
62
اجلوبة -ربيع 1436هـ
موجّ هة اهتمامها �إلى الم�ؤ�شرات التي تبني دال
3ـ :2الف�ضاء الن�صي و�إلغاء النمط الأولي االنك�سار ،ويمكننا في ال�سياق ذاته �إجمال �أبرز للبيت
تلك الآليات في ماي�أتي:
3ـ :1ا�ستبعاد الدال العرو�ضي واالحتماء باللغة ال�شعرية
بما �أن دي��وان��يَّ «لأم��ي��رة الغبار �شهوتها»، و«مقبرة الحبيبات» ،يندرجان �أجنا�سيا �ضمن ق�صيدة النثر ،يتمر�أى للقارئ عموما حر�ص ال�شاعر على ا�ستبعاد ال��دال العرو�ضي� ،إذ ال تمتثل ن�صو�ص الديوانين معا لأي بحر من بحور الخليل بن �أحمد الفراهيدي، ولهذا اال�ستبعاد مبرراته� ،إذ ينخرط ال�شاعر في تحوّالت ال�شعرية الراهنة كونياً ،وينحاز �إلى خيار اللغة ال�شعرية بو�صفها مر�آة تك�شف المنفلت والال مفكر فيه ،والع�صيّ على الترتيب والنمذجة والقيا�س؛ فتغدو اللغة ال�شعرية بموجب ذلك هُ وّية ال�شاعر ،ودليل ت�سللنا �إلى ما يفكر فيه ،ومراهنة على ر�ؤى ذاتية متجهة من المعلوم �إلى المجهول ،ق�صد تحقيق البعد الإ�شراقي؛ ومن ثَمَّ فاللغة ال�شعرية� ،إذ تلغي الدال العرو�ضي «ال تبتكر ال�شيء وحده ،و�إنما تبتكر ذاتها فيما تبتكره»( .)9وه��ي ت�ستدعي عنا�صر �أخرى ،كاالقت�ضاب اللغوي الذي يلغي �إلزامية الحفاظ على امتداد البنية التركيبية للجملة ،لتحقيق مبد�أ االن�سجام .ومن �أمثلة ذلك قول ال�شاعر:
هو الجرح حقيقة الحب
نق�صد بالف�ضاء الن�صي ،الحيّز الذي ت�شغله الن�صو�ص داخل الديوان ،حيث يتبدى حر�ص ال�شاعر على ا�ستغالل ف�ضاءات ال�صفحات، م�ستفيدا م��ن البيا�ض ال ��ذي يهيمن ب�شكل كبير ،نظرا للمنحى التكثيفي الطاغي على عملية البناء الن�صي ،وهو عن�صر بانٍ للدالالت الكبرى ل�شعرية ال��دي��وان�ي��ن ،وتوظيفه لي�س مجانيا ،وغالبا ما يخرق ال�شاعر معيارية البيت ال�شعري المتعارف عليه في ال�شعرية العربية القديمة ،ذي النمط الأولي للبيت ،ويمكننا �أن ن�ستدل على ذلك بالعيّنة الآتية:
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
مجتمعة ،وهـــو مـــــا تن�أى عنه هذه المقاربة ،ووهم ما �سواه(.)10
في ما ي�شبه الحلم.. ق�ضيت وحده ال�شاعر ظل يقاوم في عهدته ب�ضع ق�صائد .. .. ()11 وتمتمات �أخيرة . فال�شاعر يوزع مكونات جمله ال�شعرية وفق وع��يٍّ خا�ص ب�إمكاناتها ،في م�سعى ح��ا ّد �إلى تكري�س ر�ؤي��ة ذاتية تملك �أ�سرار لعبة الكتابة ال�شعرية الحديثة ،الم�سكونة با�ستبدال كل ما هو معياري ،والخ�ضوع لإمالءات الحوا�س وهي اجلوبة -ربيع 1436هـ 63
المتعددة ،ويتو�سّ ل التكثيف في الديوانين معا تعطيل الو�صل ،وا�ستدعاء الف�صل ،و�إذا الأول يعني (العطف بين جملتين ب ��إح��دى �أدوات��ه كالواو والفاء وبل وثم� ....إلخ ،ف�إن الف�صل هو �إلغاء للعطف بوا�سطة �أداة)(،)12
تمار�س حقها في اختيار م�سكنها ال�شعري ،وال �شك �أن تفكيك الجملة و�إع��ادة توزيعها داخل ال�صفحة ،هو ت�أكيد على حرية الذات ال�شاعرة في �صوغ تحققها ال�شعري ،وترجمة ت�شظي العالم ،وخفوت الكتابة النموذج؛ �إنه وعي حاد ب�أزمة الممار�سة ال�شعرية التقليدية ،وق��درة هذه هي �أه��م مالمح بنيات االنك�سار كما على موا�صلة اختراق الجاهز والمغلق ،و�إعادة االعتبار �إلى الإيقاع والبعد الب�صري كمكونين تتمظهر م��ن خ�لال دي��وان��ي« ،لأم��ي��رة الغبار �شهوتها» ،و«مقبرة الحبيبات» لل�شاعر محمد دالين في بناء المعنى ال�شعري. الإم��ام م��اء العينين ،و�إن ك��ان �أم��ر ح�صرها 4ـ :2تبنّي الف�صل بدل الو�صل ف��ي م�ن�ت�ه��ى اال� �س �ت �ح��ال��ة؛ ل��ذل��ك ،ن �ع � ّد ه��ذه ي�شكل تبنّي الف�صل عن�صرا بانيا للمعنى القراءة �إ�ضاءة �أولى في الأر�ض ال�شعرية لهذا ال�شعري في الديوانين معا ،وا�ستدعا�ؤه من ال�شاعر المفتون بق�صيدة النثر وفتوحاتها، ط��رف ال�شاعر ه��و تعبير ع��ن االن��خ��راط في ت�ح��والت ال�شعرية العربية الحديثة عموما ،والمحمل ب�صور االنك�سار والمحنة وجوديا ،هي وق�صيدة النثر تخ�صي�صا� ،إذ االنحياز الكلي �ضريبة الحياة ،التي هي في النهاية تمنحك، �إلى التكثيف الداللي في بناء المعنى ،واالنت�صار بال�ضرورة ،وت�أخذ منك ،ليظل ال�صراع ملح لاليحاء ،وتحا�شي ال�شرح والتف�سير والترابط ال�ح�ي��اة ال�ت��ي ن�ت��وق �إل ��ى ت�ط��وي��ق ج��راح��ات�ه��ا، المنطقي في ت�شكيل المعنى ال�شعري في دالالته وانزياحاتها عبر اللغة. * كاتب من المغرب. 1ـ محمد ماء العينين ،مقبرة الحبيبات ،مطبعة الأفق ،ط ،1د .ت ،ن�ص �شرنقة ال�ضعفاء� ،ص.8 : 2ـ المرجع نف�سه ،ن�ص� :سيدة الوهم� ،ص.17 : 3ـ المرجع نف�سه ،ن�ص� :شرنقة ال�ضعفاء� ،ص.10 : 4ـ محمد الإمام ماء العينين ،لأميرة الغبار �شهوتها ،من�شورات وزارة الثقافة ،الكتاب الأول ،رقم ال�سل�سلة ،32ن�ص لأميرة الغبار �شهوتها� ،ص.23 22 : 5ـ المرجع نف�سه ،ن�ص قمر بين عا�شقين� ،ص.13 : 6ـ المرجع نف�سه ،ن�ص :من عبق الذكرى � /ص.16 : 7ـ محمد الإمام ماء العينين ،مقبرة الحبيبات ،ال�صاحبان� ،ص.24 : 8ـ المرجع نف�سه ،لأميرة الغبار �شهوتها ،ن�ص :ت�أ�شيرة� ،ص.60 : 9ـ �أدوني�س ،ال�شعرية العربية ،ط ،1دار الآداب� ،شركة الن�شر والتوزيع المدار�س� ،ص.83 : 10ـ محمد الإمام ماء العينين ،لأميرة الغبار �شهوتها ،ن�ص :حا�شية على توقيع الغرام� ،ص.26 : 11ـ المرجع نف�سه ،ن�ص :ر�ؤيا� ،ص.7 : 12ـ �إميل بديع ومي�شال عا�صي ،المعجم المف�صل في اللغة والأدب ،مج ،2دار العلم للماليين ،ط ،1بيروت ،لبنان، � ،1987ص.1308 :
64
اجلوبة -ربيع 1436هـ
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
وداد بنمو�سى.. الق�صيدة المع�شبة بين �أهداب الإن�سانية ■ جناة الزباير*
أحا�سي�س قوية ن�ستجمعها وقت ال�سكون». ُ «ال�شعر �
وليم وردزورث
كبوة فوق �أر�ض البداية
ه���ذه ال�����ش��اع��رة ال��م��غ��رب��ي��ة ال��ت��ي تلعب �أم����واج ال��ح��رف بين كفيها ،فيغدو الكون ناياً يحاول ردم فو�ضانا ب�أعذب �ألحانه. ف��ه��ل ه��ي ت��ل��ك الأب��ج��دي��ة ال��ت��ي تت�سلق ���س��ل��م ال�شعر، وترمينا بيا�سمينة كي نحتفي معها ب�ألق الق�صيدة؟ �أم ت��راه��ا ج��ن��اح حلم يجتاحنا كلما فتح قلق ال��وج��ود حوا�سّ ه ،لنعبر من خالله نحو �ألم الإن�سان؟ كل ما نعرفه �أنها وطن راك�ض في كل الم�سافات ،تتدثر برداء الجمال ،وتهاجر في كل الأبعاد لت�صغي للذات الممزقة ب�سياط المدى. نعم؛ ه��ذه ال�شاعرة التي تح�ضن ج�سد الليل ،وترفع �أق���داح نورها كي ن��رى من خالله �سُ رَّة الق�صيدة تتهادى غواياتها� ،أ�س�ست لتجربة عميقة خاطتها ب�إبر الأحا�سي�س المهوو�سة بالقب�ض على الم�ستحيل. اجلوبة -ربيع 1436هـ 65
فهل رغبة ال�شاعرة في الإ�شارة �إلى العنا�صر انك�سارات الذات بين �أمواج المعنى الأرب� �ع ��ة� ،إح��ال��ة م�ن�ه��ا �إل��ى �إن ال���س�ف��ر ف��ي ال �ط��رق��ات خيالها الوقاد ،الذي ي�ؤ�س�س ال�شعرية المت�شعبة الخا�صة ل �ح �ل��م ت� �ح ��اول م ��ن خ�لال��ه ب��ال �� �ش��اع��رة وداد ب�ن�م��و��س��ى الت�أ�سي�س لكينونة �شعرية محفوفة بالمغامرة ،نلم�سها ت�ت�ك�ل��م االخ � �ت �ل�اف ،وت�ن�ث��ر كلما وقفنا على عتبات �سكونها، هواج�سها للو�صول لجوهر فهل هي حاالت م�شبعة بالحرية، جوهر الوجود؟ وال�ت�م��دد ف��ي زم��ن مفتوح على ل �ق��د ح��اول��ت ال���ش��اع��رة النهائي ،حيث ال�صور المتخيلة ب�شكل مجازي مالم�سة وعيها ت�ن�م��و ع�ن��ا��ص��ره��ا التركيبية، المنفتح ع�ل��ى ع�م��ق اللغة، لتعطينا م�ف��ارق��ة فنية �أق��رب وداد بنمو�سى للإ�شارة �إلى حالة نف�سية غير للح�س الفل�سفيِّ في طرحها؟ ِّ م�ستقرة ،تدفقت معانيها لتحدد بنية تركيبية تقول: �شكلت ب�ؤرة فنية ،مزجت بين مقارنات مختلفة �إنَّني مثل النَّار ترف�ض االن�صياع لها .لي�صير �صوتها ممزوجا ال �أختا ُر الريح تهيِّجني بالمعاني ال�شاملة التي خلقت ت�سل�سال رمزيا، مثل المطر داخل هذا الن�ص المفعم بالحياة. ال �أختار الأر�ض تت�شَ َّربُني فهي راق�صة بارعة في حلبة الق�صيدة التي مثْل هوام اللَّيل ت�ست�ضيء زواياها ب�شغبها ال�ضوئي ،حيث خطاب ال�ضوء تلَ ِّمعُني ال �أختار حبَّة َّ الذات يفتح لنا مجاهيل دواخلها.
مثْل الفراغ ال �أخْ تار مَن يمْل�ؤني غي َر �أنِّي �أ�صعد �إلى زهوي كل ليلة كي �أراني هكذا: مثل المدى ال �أختار حدا يحُ دُّ ني...
عباءة طرّ زتها يدُ الخيال �إن هم�سات ال�شاعرة وداد بنمو�سى تفتح بح�س مرهف �أه��داب الق�صيدة ،لتطل علينا ٍّ كما حوريات الأ�ساطير� ،أو �أميرات الق�ص�ص الخيالية ،التي غذت وجداننا ذات ثقافة �سكنتنا وتنقلنا بنعالها. فبعد �أن كانت تتحرك ب�إيقاعات ممزوجة بالخجل واالعتذار �أمام مرايا نف�سية تمثل الذي كان ،ن�سمع �صوتها قويا ينت�صر لذبذبات الحياة التي تتبعها كما الكمان. تقول:
لقد التقت عنا�صر مختلفة (النار ،الماء، المطر) ،الهواء( الريح) ،التراب (الأر���ض)، لتت�سع ر�ؤي �ت �ه��ا وت�خ�ل��ق ح��دث��ا جماليا مفعما بالده�شة ،ك��ي تن�صهر ف��ي طقو�سها الذاتية معلنة اختالفها .كما اختارت النار البروميثية للتحرك بين المعاني ال�سردية العميقة رغم ب�ساطتها ،لتحكي لنا عن تمردها وهي تتنقل ُكنْتُ َر�أَ ْي ُتنِي َه َكذَا: بهذه المواد الأرب�ع��ة ،في رحلة وجودية تميط َريْحَ ا َن ًة خَ جُ ولَة اللثام عن بع�ض هواج�سها. فِي يَدٍ َتعْتذِ رُ. 66
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�أحِ ُّ�س.
هذا الإح�سا�س البريء الذي راف���ق ال �� �ش��اع��رة ف��ي م���ش��واره��ا ال �ط��وي��ل م��ع ال�ق���ص�ي��دة ،جعلنا نقف بخ�شوع على ب��اب ملحمتها الذاتية ،التي تدق م�سامير تميزها على حائط الوجود. �شغب البوح الم�سافر تغو�ص ال�شاعرة وداد بنمو�سى في ذاك��رة الوقت وتر�سل �صوتها
درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د
الجميل ليغني مواويلها الذاتية ،التي تتمايل من �إلى �أنْ �أيْـ َن َع جُ ُنوِني فغ َّنيْتُ : خاللها �أ�شجار العمر. �ألاَ �أ َّيتُها الحياة، ات َبعِيني. فهل هي تلك الم�ست�سلمة لينابيعه �أنى مالت �أو لي�ست هذه مالمح تنت�صر للتغيير؟ �أم هو كفته نراها تميل؟ �أم هو مجرد خداع ب�صري جنون ال يخ�ضع لأي �سلطة غير �سلطة ال�شعر؟ لكلمات تر�صد ت�شظياته في منافي البوح؟ ومثل رع�شة الم�ساء ،نجد ال�شاعرة ت�سمح تقول: لنا بلم�س بع�ض من طقو�سها ال�سرية ،لنرى َرفِي َق ُة ال َوقْتِ �أَنَا من خاللها عالما �سرديا تملك بقوة خيوطهُ ،ك َّلمَا هَا َم هِ مْتُ وتعيدنا م��ن خالله نحو ال�شهقة الأول ��ى التي ف�أن نتحدث عن الوقت معناه� ،أن ن�ضع رحالنا منحتنا الحياة. على حافة الزمن ما�ضيا وحا�ضرا وم�ستقبال، ف�أي خيال هذا الذي �صنع من المكان حالة فهل ارتداء قمي�ص الوقت كان فر�صة لل�سياحة �إن�سانية نعانق انزياحاتها الآ�سرة؟ ف��ي ال��زم��ن ال�شعري ،ال��ذي نخاله ينفلت من تقول في ن�ص يحمل عنوان «غرفة للوالدة» :بين �أيدينا دون ر�صده ب�شكل دقيق كما تفعل ال�شاعرة؟ فيما �أتيتُ �إليها جئتُ ل�ق��د ن���ش��أت ذائ�ق�ت�ن��ا ال�شعرية ع�ل��ى لهفة وحْ دي ال���ش�ع��راء ال �ق��دام��ى ف��ي ت �ن��اول ت�ل��ك ال�ح��االت ملْ ء رئتيَ �صرخْ تُ النف�سية التي قيدتهم بوثائق متعددة ،ولعل بكيتُ �أبرزها الوقوف على الأط�لال .وجاء ال�شعراء ركلتُ ما في الغرفة من هَواء عبر التاريخ لير�صدوا كيفية تعاملهم مع الوقت، و�صرختُ من زوايا حياتهم اليومية وعالقاتهم بالآخر. ك�أني �أنزلُ من َعتْمة �إلى عتَمات ولعل ال�شعر العربي الحديث نال ق�سطا وافرا كثيف ح َّد العَماء �أو �إلى �ضو ٍء ٍ من هذا ال�سفر الزمني ،فهذا �أدوني�س يقول في ال �أ�سمَع ال �أرى ق�صيدته العمالقة «الوقت»:
يا هذا الجنونْ مَنْ �أنا يا �أ�صدقائي؟ �أيّها الرّا�ؤون والمُ�سْ ت َْ�ضعَفونْ ل��ي�� َت��ن��ي �أق������دِ ُر �أن �أخ����� ُر َج من جلديَ ال �أع��رفُ مَنْ كنتُ ؟ وال مَن �س�أكونْ ؟ �إنّني �أبحثُ عن ا�سم وعن �شي ٍء �أ�سمّي ِه ف�إذا كان ال�شاعر الكبير اجلوبة -ربيع 1436هـ 67
ير�صد �ضياعا حقيقيا و�سط �أ�سطورته الذاتية المليئة بالت�سا�ؤالت ،ف�إن ال�شاعرة وداد بنمو�سى تر�سم بمداد ال��روح الج�سور القوية المحملة بدالالت الر�ضى ،فال تكتفي بهذه الميوالت التي تزيل اللثام عن طبع جميل تت�صف به ،بل تتعدى ذلك �إل��ى و�صف يمطر بهاء مكتنزا من �سحر الداللة وبهاء المعنى .تقول: ُك َّلمَا َتقَطَّ رَ ،ف ِْ�ضتُ فكلما بالغ الزمن في رواف��د خيراته ،نجد ال�شاعرة ت�ط��وف ب ��أق��داح ع�ط��اءات��ه ،راق�صة في خيامه ،وك�أنها غجرية تدق خالخيلها فوق رماله. �إن��ه ن��وع من االمتالء ال��روح��ي ،ال��ذي ُي ْغنِي �أفق بوحها ال�شعري الممعن في عناق فرادتها، لي�شعر المتلقي بلم�سة �سحرية تتدفق بين كل العوالم.
�إل��ى الت�سا�ؤل ع��ن ال�ح��االت ال�ق��دري��ة .فالحب قدر ،والقلب بين يدي الرحمان يقلبه كما ي�شاء كما جاء في حديث قد�سي ،وهذا التماهي مع الم�سطرة الإلهية ي�سلط ال�ضوء على الجانب ال�صوفي لل�شاعرة وداد بنمو�سى.
ا ْز َرقَّ� ،شَ ا َغبْتُ والأزرق لون ال�سماء ولون الفن الآ�سر.. �أما الأخ�ضر فلون الأر�ض وهو لون الحياة.. اخْ َ�ضرَّ� ،أَ ْي َنعْتُ
فبين هذه الألوان تر�سم ال�شاعرة ق�صيدتها الم�شاغبة ،وتتنقل من حال �إلى حال ،لت�شاركنا حالة مزاجية يم ُّر منها �أغلب ال�شعراء� ،إنه ذلك القلق الوجودي الذي ي�ستوطن ب�ساط حياتهم، فيعبون من ريح تغيراتهم ك�ؤو�س الق�صائد التي �ألوان تفتح �أزرارها �إذا كانت الق�صيدة كما ال�م��اء ب��دون لون ي�ضعونها بين يدي القراء. بالمعنى المجازي ،ف�إن ال�شاعرة تر�سم بحبر تقول: قزحي زمنها المتدفق باللغة ال�شعرية التي تخترق وعينا ب��ر�ؤاه��ا الممتدة ف��ي المتخيلَ ،ال ي�سْ توي َعلَى حَ الٍ َهذَا ال َوقْتُ لت�ؤ�س�س لغة لها مفاهيم خا�صة ،تخلق حياة َك َذلِكَ �أَنَا ج��دي��دة ،وت�ع�ي��د ت��رك�ي��ب ��ص��وره��ا ال �ت��ي ت��أخ��ذ ال �أ�سْ َتوِي َعلَى حَ يَاة. مالمحها �إيقاعا ذاتيا ذو وعي جمالي يخترق من ديوان «�ألهو بهذا العمر» المعنى. فا�ستعمال اللون ما هو �سوى ترجمة نف�سية ب�سمة فوق �شفة النهاية لحاالت تعي�شها ال�شاعرة ،تقول: وتبقى ال�شاعرة المتميزة وداد بنمو�سى ،من �أنا الأ�سماء التي ت�ؤثث بهم�سها م�شهدنا الثقافي �شَ بِي َه ُتهُ، بحبر الت�ألق واالختالف ،فقد بنت عالما تتنقل ُك َّلمَا احْ َمرَّ� ،أَحْ َببْتُ ف��الأح�م��ر ل��ون ال�ح��رب وال �ح��ب ،وال�شاعرة فيه فرا�شة بين حقول ال�شعر ،لتر�سل �أنغاما وداد ترى �أن هذا االن�صهار مع الوقت يدفعنا �شعرية ال ي�ضاهيها �أحد في جمالها.. * كاتبة من المغرب.
68
اجلوبة -ربيع 1436هـ
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ن�صو�ص ق�صيرة الوم�ضة على ّ تقط ٍع جارف رنينُ ِ ■ عبداهلل ال�سفر*
والمق�ص؛ ندب ُت ُه التي ي�صقلُها ل�سانُ النار ّ خ ّب�أَ �س َّر ُه عند ذاتِ ال�ضفيرة .المنحنَى والعتبة مقاب�ض الأبواب. ُ كلّما تح�سّ �ستْه ***
الفمُ لم يطلب الحِ داد لكنّها ال�صور ُة تعتمُ في العين. ***
يف�ض نومَ ُه �أزرقُ الحلم .دوائ ُر ال نهائيّة ،وحمائمُ ت�ضطربُ �أجنحتُها في خفقٍ مُلحٍّ وبعيد ُّ بعيد. تف�سّ خَ جل ُدهُ ،ولم ت�صدر عن ُه حتّى الت�أت�أة. ***
حتّى العينُ جمُدَ تْ في �شهقتِها. تكلّمَ رنينُ الوم�ض ِة على تقطّ ٍع جارف عن تف�صيلٍ لم ي َر ُه �أحد؛ لم ي َر ذرو َت ُه غيرُه. هِ ب ُت ُه القليلة ب ّددَها الدخان. المق�ص كما لو �أ ّن ُه يرثي الليل. ُّ تهدّجَ
*** ***
اجلوبة -ربيع 1436هـ 69
المق�ص ي�أك ُل ُه حلمُه ،فيما النا ُر تلهث والوجهُ ،جامداً ،يمرّ. ّ النائمُ في طقطق ِة ***
كلّما ح َّك ُه االنتظار �أخرجَ �سمك َت ُه الدائخةَ ،بينَ ق�ضبانِ الملح ،يف�سّ حُ ها في بحرٍ يَج َه ُر ب�شباكِه. �أيُّها ال�صيّاد ،الخاتَمُ ال ي�ضحك مرّتيْن! ***
الفمُ المطبِق تز ُّم ُه ر ّق ُة الظلِّ البعيدة .الورق ُة حائم ٌة في فو�ضى الري�ش لكنّ ال�سرابَ يكيد. �أ ّيتُها الولهَى ما طعمُ الرمل؟ ***
�شرار ٌة تقولُ االختناقَ كلَّه .تن�ضحُ ُه ال�شهق ُة ويت�آمر علي ِه الزفير .وظه ُر ُه المك�شوف �سيّل ْت ُه النظر ُة التي طالت وطالت ،ولم تقترب. ***
ال�شم�س تذيب! ُ ال�شم�س ال تنحت. ُ ...لم تتوقّف الريحُ لتكملَ حديثَ �أ�سنانِها على ج�سدِ ه. ***
جُ نَّ �صو ُم ُه الطويل .ب�أطيافِهم ،مرّوا �صوبَ �آذانٍ لم يبلغْه .حرّكَ العتم َة بحجرٍ طائ�ش واند�س يع�ص ُر ثو َب ُه في الن�سيان. َّ ***
غري ٌق ال يدّعي وال تهمّه �ش�ؤونُ الجنازة� .أوثقَ قدم ْي ِه و�أثقلَهما بالحجارة ،ثمّ ذهب �إلى تاريخِ الماء �سطر ًا من اللمعان وقهقه ًة ممتدّة. ***
في النعا�س ،كان الفمُ مثمر ًا ند ّياً .يطعِمُ عمر ًا كامالً. ***
الرع�ش ُة المخبوءة تحتَ الجلد .ترقبُها ناعم ًة تقطُ ُر بالعرق .اللم�س ُة في انتظارِها الحنون. ***
يدندن وخريط ُت ُه تتفتّحُ في القدمين .اللحنُ يت�صاعد .يم�شي لي َلهُ ،يم�شيه * قا�ص و�شاعر وناقد من ال�سعودية.
70
اجلوبة -ربيع 1436هـ
■ حممد النجيمي*
الخروف الأبي�ض لم ينقطع وعيه عندما ذبحوه .لم يكن ال�ضحية الوحيدة في ذل��ك اليوم :ال�سكين ذاتها ج��زت عنق �أخويه الأ�سودين� .أمهم وبقية القطيع كانوا يرقبون دخ��ول الكائن العظيم ال��ذي ك��ان يطعمهم وي��داوي��ه��م ،وف��ي �أح��ي��ان �أخ��رى يحملهم للموت .ت�شتتوا هربا حين باغتهم موالهم ،ووقفوا بعد وقوع الق�ضاء يرقبون ثغاء الإخوة الثالثة في حالة عجز تام ،وا�ست�سالم للواقع الذي ال يعرفون غيره.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
الخروف الذي �شاهد الرجل على حقيقته
لم يميزوا يوما م�شاعرهم ناحية هذا ال��م��خ��ل��وق ال��ع��ظ��ي��م ،ك��ان��ت ت��ت��ذب��ذب من �إح�سا�س غامر بال�سكينة حينما يح�ضر وفي يده العلف ،ورعب خانق حينما ي�ستل �سكينه وي�ستل من بين جماعة الغنم مَ ن ي�شاء دون �إرادة منهم �أو اختيار .كانت تعود لحياتها اليومية ب�شكل �آلي غير عابئة بغير الطعام ك��ان ف��ي و�سط ال�صحن �شاهدا على �أو التنا�سل .ك��ان��وا يعلمون �صغارهم ما الحقيقة التي كان �أول مَ ن اكت�شفها :ال�سيد تعلموه من كبارهم :ال تعتر�ضوا على القدر لم يكن �أكثر من خ��ادم يقف على ر�ؤو���س �أ�سياده ويحر�ص على �إنفاذ م�شيئتهم .هو وتعلموا الت�سليم وال�صبر. ال �خ��روف الأب�ي����ض ك��ان مختلفا ،تعود خ��روف مثله يملك �صورة مغايرة فقط، على الت�أمل و�آمن �أن بو�سعه �أن يكون كائنا ي�سيّره قدر ي�ؤمن به ويتبع لقطيع ال يختلف كثيرا عن القطيع الذي �أتى منه. عظيما ،تماما مثل �سيدهم .حلم �أنه ي�صعد �ضحك الأبي�ض في �سره و�أغم�ض عينيه �سلما ،و�أنه كان يتخفف من �صوفه بالتدريج كلما �صعد درجة ،ر�أي بب�صيرة ثاقبة كيف لينام .كان عازما هذه المرة على �أن ي�ستمر �أنه ي�ستبدل حوافره ب�أ�صابع� ،شعر بج�سده بالحلم بال�صعود على ال�سلم للأبد. ينت�صب وهامته تعلو� .أوغ ��ل ف��ي الت�أمل «يوما ما �س�أعرف» .تلك كانت فكرته الأخيرة. و�أ�شرقت فيه الر�ؤى.
ف��ي ال�ي��وم ال��ذي هجم عليه ال�سيد لم يجفل ،ظل ثابتا وارت�سمت �أول ابت�سامة لخروف على وجهه .م�ضى لل�سكين محتفظا بالنور الذي �صبغ مالمحه .عندما ف�صلوا ر�أ� �س��ه اكت�شف �أن��ه ل��م ي �غ��ادر ،ظ��ل يتابع التفا�صيل وا�ستمرت ابت�سامته في ال�سطوع.
* قا�ص من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 71
�أزرق ■ بثينة حممد*
الكلمات �صعبة
تفاجئك الق�صيدة بواقعيتها� ،ش ٌّر مُحِ ّ�ض ،جريمة قتل.. في المبنى الكبير الأنيق ،حيث ال يجد �أحد وقتا لق�صيدة ،وجوههم �أغنية� .أعينهم تفلَ ُح الحياة ،خطواتهم هارمونيكا قديمة مرميّة في حقل .وم�شاكلهم اليومية غربان وفزّاعة. في المبنى الكبير الأنيق ،ترك�ض الفتاة ،ويهرول الفتى ،وينظف العامل المجتهد كل الزوايا يوميا حتى ليكاد يم�سك ب�أنفك وينظفه -ظنا منه �أنك �شيء -لو ق�ضيت �أكثر من دقيقة دون حركة .كل فعل يتم ب�أق�صى قدر من الدقة كل يوم؛ يجري خلف ال�ساعة كعقرب مجنون .ما �إن تنتهي الدقيقة الأخيرة في �آخر �ساعةعمل من دورتها اليومية حتى يدب نوع �آخر من الحياة .تندفع الكلمات والألحان �إلى الخارج ،يظلم المبنى ،تبد�أ ق�صيدة �أخرى، معزوفة �أخ���رى ..و�سالل المهمالت ر�سّ ام حزين يطوّق الأوراق التي �ألقاها الموظفون وقرروا عدم الحاجة �إليها. هذه هي الحياة كل يوم
يدخل العامل ،يم�شي برتابة ،وبالرغم من ذلك ي�ؤدي عمله دون ت�أخير .ي�ستغرق المدة نف�سها يوميا في تنظيف مخلفات ال�ح�ي��اة ف��ي الأم ����س .يجمع ب�ب��راع��ة بين التكرار والنظام.
ف��ي الغرفة رق��م خم�سة ،ف��ي الطابق الخام�س ،على المكتب الثالث من الي�سار، مر�آة �صغيرة بجانب جهاز الحا�سب ،قطعة حلوى ،وكتاب .في �سلة المهمالت بقايا تت�أمله كل �صباح .يحرك ظهره خلف م�شروب مع الكثير من ق�صا�صات الأوراق الممزقة والتي تحتوي مالحظات تذكيرية المم�سحة ،ينحني �أمامها فت�شعر بالحرج بمهام مختلفة� ،أو �أ�سماء المراجعين الذين وتتجنب النظر �إليه .تتمنى لو �أنها توقفه انتهى �صاحب المكتب من خدمتهم. وتنظف المكان بنف�سها .يت�سلل �إلى عينيها 72
اجلوبة -ربيع 1436هـ
* قا�صة من ال�سعودية.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
ال�شعور بالذنب وتتخيل نف�سها مكانه ،م�ضطرة ال يراها ،ال يرى �إال �شيئا ،جزءا �آخر من هذا لالنحناء كل يوم لإزالة عوالق الآخرين ،ما تبقى الحقل الكبير الذي يفلحونه كل نهار .زميالتها من �أعمالهم الجيدة .غير مدركة �أنها ت��ؤدي �أي�ضا يالحظن الظل فقط ..ظل فزاعة ،تقف الوظيفة نف�سها كل يوم في �صورة �أخرى. بال حراك ..ت�ؤدي عملها الذي �صنعت لأجله. لكنّ الجميع �سيمتع�ض ،قد يتهمونها حتى �أن ت�صير �شيئا ،تتحول �إل��ى قطعة �أث��اث، ب��أن�ه��ا تعتر�ض �سيا�سة ال�شركة ال�ت��ي تهدف طائر ،بحر ،غراب ،زهرة ،مهما كانت �صفات لزيادةالإنتاج .فكّرت« :ماذا عنه يا ترى؟ ماذا ال�شيء ال��ذي تتحول له فهو يجردك من جزء يُنتِج؟!». مهم من �إن�سانيتك؛ �أنت ..مختلف. الحل هو �أن ت�شيح بوجهها ،تحاول تركيز قبل �أن تنتهي �ساعات العمل� ،أخبرت مديرة نظرها على �أي �أمر باهت معتاد تقوم به �إحدى الق�سم �أنها جلبت هدايا رمزية لكل الموظفين ال��زم�ي�لات .تت�أمل �أح��د ال��زم�لاء ال��ذي يدخل بالق�سم .ل��مْ تخبرها �أن الهدية فقدت جزءا المكتب غير مبالٍ ب�أحد .ال لأنه متعالٍ ،بل لأنه من قيمتها االن�سانية بعد �أن توقعها الجميع. منهمك جدا -كالقند�س – في جمع الأخ�شاب. تكاد تتو�سل نظرة منه �إليها حتى تحيك مخيلتها تظاهرت -والكل منفتح لتقبل هذا التظاهر دراما تبعد عن �ضميرها العامل الذي يمزقه عن -ب�أن الهدية عفوية جدا ..ومختلفة عن كونها غير عمد .لكن االثنين منهمكان في العمل .يا طق�س اجتماعي هو في الحقيقة بند �ضمني في عقد العمل. لها من ق�صيدة متواترة ،حزينة كال�ساعة. في اليوم التالي ،تعمدت �أن ت�أتي مبكرة، ت�ست�سلم �أخ�ي��را للترهات اليومية :المدير الذي تزوج �سرا بم�ساعدته (تتوقف عند هذه وتعطي ال�ع��ام��ل ذا ال�ب��دل��ة ال��زرق��اء الباهتة، الفكرة لتتذكر عر�ض المدير لترقيتها وتحلل الفر�صة الختيار هديته قبل جميع ال��زم�لاء دوافعه ثم تهز ر�أ�سها بغير اقتناع :ال تخلطي والمديرة والمدير. الق�ص�ص ببع�ضها) ،الموظف الذي طرد لتهمة جزء منها �أراد الراحة والر�ضا ،وجزء �آخر �أخالقية ،الزوجة التي ت�ستميت ل�صنع واجهة �أخفى عن وعيها �سر اللون الأزرق لعلب الهدايا. منطقية لخياالت زوجها عن الزوجة المثالية، قبل �أن تنام �شعرت �أن هديتها كانت مختلفة. و�أخ��رى متذمرة توحي �أن الحياة تنتهي عند االلتقاء ب�شريك �أحمق ب�شكل هائل ..وتتوالى ما فقدت الجزء المهم كما خَ �شَ ت ،لكنها لمْ الترّهات كمخدِّ ر �سا ّم ي�شل عقلها عن التفكير تدرك ال�سبب �إال حين نظرت في ال�صباح �إلى بالعامل الذي يعبر دون �أن يلحظه �أحد ،ينحني العلبة الزرقاء الإ�ضافية التي ابتاعتها لنف�سها، دون �أن ُيقِيمه �أح��د ،لو انهمرت ال��دم��وع على وقفز �إلى عينيها في المر�آة وجه مليء بالبقع وجهه الأ�سمر ال ُم َبقّع ،فلن يراها �أح��د ..هي ظهرت فيه بقعة جديدة ،زهرية مزينة ب�أ�سنان �أي�ضا غير مرئية ب�شكل �أو �آخر .زميلها ال�شاب ب�أ�شكال مختلفة وخطوط من�سابة حولها.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 73
ق�ص�ص ق�صيرة جدا ■ �شيمة ال�شمري*
لوعة
�ألم
ا���ش��ت��ق��ت �إل���ي���ك ف��ه��رع��ت �أن���ظ���ر �إل��ى ف��ي م�ف�ت��رق ط��رق ت �ق��اب�لا ..ك��ان��ا من ال�سماء ..و�أتو�سل غيمة �أن ت�أخذني �إليك ..اتجاهين متعاك�سين.. ابتلعتني الغيمة وطارت بي بعيداً ،وعندما هي ت�شعر به وعلى عك�س ما يظهر! ر�أيتك تو�سلتها �أن تمطرني عليك ..قذفتني كقطرة ماء ..علقت هناك� ..أنعم بك.. هما مت�شابهان ويختلفان كثيرا.. �أرى ما ترى !..ويا لهول ما ر�أيت! في م�ساء حزين و�أن��ت تبكي لوعتك.. خ��رج��ت م��ن عينك دم�ع��ة ح��ارق��ة ..ول��م �أتو�سل الغيم مرة �أخرى.. لكنني ما زلت �أ�شتاق �إليك!..
عقدا هدنة وزرعا ال�شوك.. �س و �ص يت�صيد ال���س�ق�ي�م��ات ب �م��وال ح��زن��ه.. ويت�صيدن الكالم الملون من �أعماقه..
رعب
كالهما �صياد ..وفي ركن ال�شبكة!
القادمون من الموت يتراق�صون على �أوجاعي ..ويغنون الهالك!
مدٌّ وجزر
منحتك م��ن ال��وق��ت م��ا يَكفي لتحبني َ هياكل �ساخرة و�أعين بلون الدم... لكنك في كلِ مرة تُ�صر على كما يليق بيَ ، وح��دي و(ه��م) ورم��اد الأجنحة ننتظر متابعة غ ��رورك ..و�أب�ق��ى غارقة في لجة الخال�ص! مالحة وطوق النجاة مثقوب! * قا�صة و�أكاديمية من ال�سعودية.
74
اجلوبة -ربيع 1436هـ
■ عبداهلل �ساعد*
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
حقول الذرة
قطرات ال�شاهي ال�ساخنة تت�ساقط على �أقدامي ،و�أطراف الثوب من البراد ال�صيني الأحمر ال��ذي �أُم�سك عروته بحر�ص بيدي اليمنى ،ويكاد قاعه �أن يالم�س العتبات ال�ضيّقة للطريق المتعرجة كالحية نزوال ،بينما �أحت�ضن بيدي الأخرى �صينية نحا�سية بي�ضاء بها فتة من خبز القمح ،و�أعلّق على كتفي �صرة قما�شية من بقايا عمامة تحوي (تلقيمة) مخلوطة من م�سحوق ال�سكر و�أوراق ال�شاهي ،تكفي لإعداد براد �إ�ضافي ،بالإ�ضافة �إلى ثالثة فناجيل زجاجية فارغة ما�ض �أواز ُن خطواتي ب�صعوبة من �أعلى الجبل تحتك ببع�ضها وتكاد �أن تتحطم كلما ترنّحت؛ ٍ �إلى حيث (يقيّل) �أبي تحت الع�شّ ة ،يحمي الحقل ال�شا�سع الذي يموج بحقول الذرة البي�ضاء ذات العناقيد الطويلة الواعدة بالح�صاد. يذود عنها �أفواج الطيور الغازية بالمرجمة �أطرافه ،و�إلى �أقدامي التي عالها �سائل ال�شاهي ال �ت��ي ت �ح��دث � �ص��وت ف��رق�ع��ة م��د ّوي��ة ك�صوت الأح�م��ر الممزوج بال�سكر ،والتي �شرع النمل البندقية ،ويتبع كل رجمة ب�صيحة عالية محاوال يت�سابق عليها عندما �سكنت �أمامه عن الحركة. �إفزاع الع�صافير الغبراء ال�صغيرة الحجم التي على الأر�ضية الترابية للع�شة؛ �أ�ضع البراد تنق�ض �أ�سرابا وب�سرعة خاطفة ،كلما غفل عنها ال ��ذي ان�سكب ن�صفه تقريبا ف��ي منعطفات �أو �سكت �صوت الزير الذي ي�ضعه �أمامه وينقره الطريق ،و�إلى جواره �أ�ضع بتمهل ال�صينية ثم كلما بح �صوته و�أَعيا ُه الوقوف؛ فتنفرد بالزوايا ال�صرة. ّ والأط�� ��راف ،وتلتهم ال�ح�ب��وب ب�ن�ه��م ،فتحيل يتناول ال�صينية برفق ،يرفع عنها الغطاء، العناقيد البي�ضاء �إل��ى ج��رداء �شبه خالية من ويذكر ا�سم اهلل كثيرا ،ثم يدفع �إليَّ بلقمة ،يحل الحبوب بعد �أن كانت مكتنزة بها. عقدة ال�صرة التي �أحكمت �أم��ي وثاقها لكيال
عندما �أ�صل �إليه بعد جهد ،ينظر م�شفقا �إلى تندلق محتوياتها �إذا ما وقعت مني �أثناء ال�سير، وجهي الذي يتف�صد عرقا ،و�إل��ى ثوبي المبللة ي�ستخرج الفناجيل ،ويتناول البراد ،وي�سكب لي اجلوبة -ربيع 1436هـ 75
�أوال ،ثم ي�سكب لنف�سه من ال�شاهي الذي بدا يفتر وتذهب حرارته ،ثم ي�شرع في تناول لقيمات من الفتة يلوكها على مهل ،وهو يجيل نظره بتعب في �أرجاء الحقل الأخ�ضر الممتد ب�سخاء في �أ�سفل الجبل بين حقول �أخرى مجاورة. فج�أة ،ينتف�ض وينه�ض م�سرعا ،وقد ر�صد �سربا غازيا يلتهم ب�صمت في زاوي��ة تقع في الطرف الأق�صى من الحقل ،يتناول المرجمة ذات ال�سيور الطويلة المقدودة من جلد البقر، وي���ض��ع ف��ي و�سطها ال ��ذي ي�شبه ك � ًّف��ا خ�شنة ح�صوات بحجم بي�ضة حمامة ،ثم يم�سكها من �أطرافها ويلوي بها فوق ر�أ�سه م��رارا ،مبتعدا م�سافة كي ال تعلق المرجمة ب�أطراف الع�شة ،ثم يفلت �أحد ال�سيور فت�صل الحجارة �إلى حيث ما �أراد تماما. * قا�ص من ال�سعودية.
76
اجلوبة -ربيع 1436هـ
تنف�ض الع�صافير وت � َو ّل��ي ه��ارب��ة دون �أن يم�سها �أذىً ،وتختبئ بذكاء في فروع الأ�شجار المجاورة ،وتلوذ بال�صمت ،وتكف عن الزقزقة.. تنتظر ب�صبر غفلة �أخ��رى �سانحة ،بينما يعود مجددا كي يكمل طعامه ،ويطلب مني برفق �أن �أتولى م�ؤقتا �أداء مهمته�.أحمل المرجمة التي تفوق قامتي ط��وال� ،أتح�س�س �أطرافها الناعمة ج��راء لم�س ي��ده ،و�أج��ول بها بفرح في �أط��راف الحقل الذي ك�ساها البيا�ض. فج�أة �أر�صد من بعيد فوجا من الع�صافير ال�صغيرة ،وهي تعيد الك َّرةَ ،وتنق�ض مجددا على الحقل الف�سيح؛ ف�ألوذ بال�صمت و�أرقبها بهدوء، وه��ي منهمكة تملأ حوا�صلها بنهم قبل حلول الم�ساء من حبوب الذرة.
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
المعرا�ض الأخير ■ نا�صر بن حممد ال ُعمري*
�أبي يقف �أمام (الزافر) (.)1 م��ن ال��ك�ًّل�ًّاّ ب الحديدي المتدلي على جانبيه ينزل ثوبه الذهبي ال�لام��ع ،ومن (ال�سحّ ارة الخ�شبية)( )2تخرج �أمي غترته البي�ضاء. تخرج من ال�سحارة رائحة زكية ت�ضوع المكان، �أخاتل �أمي للنظر في ال�سحارة ،لكن �أمي تمنعني ب�إغالقها �سريعاً. �أختي الكبرى(زهراء) المتزوجة حديثاً من (محمد القحم) تقطف له من فوق �سطح بيتنا غرزة من الريحان وال�شيح والبرك والوزاب ..تعطيها له ،ي�شم تلك الباقة ب�شغف ظاهر ،يدعو لزهراء بالتوفيق، ي�صرخ على �أمي� :أين ال�شاي يا �شريفة؟ تعاجل �أم��ي بتقديم البراد الأ�صفر �أهل الخليفة قبل ما يق�ضون عليه �صبيان ل��ه ،رائحة النعناع تفوح لتخترق �أنفي �شاويّة). الغ�ض(،ابو ال�شعاري) ب�سيارته الجيب ن�سير �أنا و�أحمد خلف �أب��ي ،يبهرني ق��ادم � ًا م��ن �أط� ��راف ال � ��وادي ،يتعالى طوله وو�سامته وعنفوانه ،نقطع الطريق �صوت(البوري). المليء بالح�شائ�ش الخ�ضراء اللدنة التي ��س�ع�ي��د ب ��ن �إب ��راه� �ي ��م ي���ص�ي��ح في تغطيها ،نعبر (�أبو قحطة) ...المزرعة �أبي(:هيا يا محمد) ،ك�سروا رجولك التي تعود ملكيتها �إلى محمد ال�شراحي. �أب��ي ب��دا زاه�ي�اً ،وط��وي�لاً ،وف��ي غاية يا نطالن� ،أفزع ليتنا(خلنا نلحق فطور اجلوبة -ربيع 1436هـ 77
الأناقة. �صوته كان كافي ًا ليهزهم جميعاً� ،صوت الزير ن�سوة في �أطراف الرهوة ،وبالد العالية ،يجعلهم ي ��زدادون ط��رب�اً ،ي ��رددون عبارات و�سفوح الجبهة ،يرقبن م�سيرتنا نحن الثالثة .الإعجاب. ال�شراحي: �أ� �ص��وات الجماعة تنطلق م��ن جيب �أب��و ال���ش�ع��اري ،يمتليء ح��و���ض الجيب الخلفي بالركاب�،أحمد بن �صبحي ،فاران بن �صنيق، �سعود بن عطيه ي�صيح منت�شياً(اهلل يلعن �سعيد بن غ�صاب ،ح�سن بن عطية و�أخ��وه مَ ن يكون عنده حفلة وما يجيبك). عبداهلل ..ه�ؤالء بع�ض من �أعرفهم ..معهم نتوقف عند �سد ال���ص�ق��رة .على �صوت كثيرون ممن تظهر �سحناتهم في �صندوق العر�ضه المنبعث من الم�سجل. الجيب ..ل�صغر �سني لم �أتبين من هم؟! يطلب (خنفر) �أن ي�أخذوا لهم مهز. الفقية �أحمد بن حمدان هو الوحيد الذي (المهز) هنا جولة عر�ضة.. ي�شارك ح�سن �أب��و ال�شعاري قمرة القيادة، (ي�سمونها ال �غ �م��ارة) ،يف�سح الفقيه لأب��ي الجميع يتمنطقون بالم�سابت وال�ف��رود المكان ليركب �إلى جانبه ،لكنه يحمل �أحمد (الم�سد�سات) ،يتمايلون ط��ري� ًا م��ع �صوت ليركبه ال�صندوق� ،أما ان�أ ف�س�أكون في ح�ضنه ،الزير. �س�أركب معه في مقدمة ال�سيارة (الغمارة)، �سعود بن عطيه و�أخوه �أبو غازي يقدمان للمرة الأولى في حياتي�..أطلق �أبو ال�شعاري فا�ص ًال من الرق�ص الأخاذ. �صوت الم�سجل ،ابن م�صلح والغويد �شاعرا تنطلق الرحلة مجدد ًا نحو الخليفة. العر�ضة ،يلونان �صباحنا بحفلة م�سجلة على بعد نهاية ذلك المه ّز ي�صلون الخليفة، �شريط كا�سيت �أحمر ال�ل��ون ،ي�سير بنا �أبو ال�شعاري عبر ال��وادي على �أنغام العر�ضة ،يدخلون بعر�ضة جماعية ،مرددين �أهازيج ان�شغلت بمراقبة قدميه� ..أت�ساءل هل هي فرح لم �أعد �أحفظها. ك�أقدامنا؟ هل يديه ك�أيدينا؟ �أم �أن لل�سائق ينعقد المعرا�ض مجدداً ..ال �صوت يعلو في موا�صفات �أخرى؟! الأفق فوق �صوت الفرح. (طيب يا بن م�صلح طيب)..
ما قبح البدو ال �صاحوا وال غنوا �أحمد بن علي ،خيران بن �أحمد ،وعو�ض ع��ي�����ش��ة ال����ب����دو وح����ي����اة ���ش��ق��اوي��ة بن بعجان ،وعطيه بن عي�شان ..رباعي الفرح ب�صوت طروب ينتهبني من لجّ ة التفكير ،في وادينا ،يطلقون العنان لحناجرهم لت�شدو 78
اجلوبة -ربيع 1436هـ
ق�������������������ص�������������������ص ق�����������������ص����ي���رة
نحو الأعلى ..فيما وابل الر�صا�ص ينهال من ب�شعر العر�ضة. يتمنى �أح �م��د ب��ن علي بعروبية ظاهرة كل اتجاه. �أن تعود فل�سطين ،و�أن يُ�صلي في القد�س ر�صا�صة غدر �أولى وجهت نحوه كما يقول ال�شريف. (عقال) مرافقه في التحميل واال�ستعرا�ض خيران بن �أحمد يمتدح القبيلة ممثلة في بين ال�صفوف ..ر�صا�صة غدر ثانية ال تنجح �شيوخها�( :أنتم حكومة قبل حكم المدينة) .في ا�صطياده( .عقال) ين�صح �أبي بالتوقف ي�ع�ق��د ع�ط�ي��ه ب��ن ع�ي���ش��ان م �ق��ارن��ة بين والخروج من المعرا�ض ،يحلف �إني �شعرت �أن ال�سيارة الجيب و�أختها الهايلوك�س (ي�سمونها �أح��د ًا يريد ت�صفيته غ��دراً ..ر�صا�صة ثالثة. تخترق جمجمته وهو طائر في الهواء ،ي�سقط العراوي) .يختمها بتحذيراته.. (�أحذر من �أبو �شنب والوايت والوايت) .ب�آهة مدوية ،لم نتبين ما قاله. زفير �أبي� ،صيحات النا�س ،هول الفجيعة، �أ�صوات الن�ساء تت�سيد الم�شهد ،خوف مريع ي�سكننا جميعاً ..رج��ال كثيرون يتوجهون لدفن م�سد�ساتهم في كل مكان.
يتفنن(علي بن كجم و�سعيد انقز) اللذان يقومان بدور الماي�سترو ..كانا ينجحان دوم ًا في تلوين المعرا�ض ب�أ�صوات متناغمة ت�صدر من الزير والزلفة� ..أ�صوات الأعيرة النارية من كل حدب و�صوب تلهب الف�ضاءات ،وتزيد البكاء والعويل ،الذهول وال�صدمة( ..مات من ن�شوة الفرح. محمد). �أبي يمار�س هوايته (التحميل) ،هو محمّل �سرى الخبر في كل مكان ،رغم �أن �أبي كان معروف ،ومتميز في ا�ستعرا�ض مهاراته في قد غامر مرار ًا بحياته لأجلهم في منازعات العر�ضة ،يرق�ص بفرح ظاهر ،يقولون �إنه عديدة ،وتجا�سر ليخدمهم� ،إال �أنهم قابلوه رق�ص كما لم يرق�ص من قبل ..بدا طويالً ،بل بجحود مريب ،ف�أختلقوا ق�صة مكذوبة لوفاته فارع الطول ،تجلى في يومه ذاك بثوبه الزاهي �أوهموا بها المحققين. ورائحة البخور ..كان الوحيد ال��ذي يرتدي �أبحث عن تف�سير لما حدث عند جدي.. ثوب ًا زاهياً .بد�أ على قرع الطبول ي�ستعر�ض مهاراته في الرق�ص بال�سيف ،ينطلق ك�سهم لكنه في كل مرة يلوذ بال�صمت. * قا�ص وكاتب من ال�سعودية. -1الزافر (عمود خ�شبي يتو�سط المنزل قديم ًا يتم طال�ؤه بالزفت والقار ويمتلىء بالكثير من النقو�ش). -2ال�سحّ ارة (حقيبة كبيرة ت�صنع من الخ�شب).
اجلوبة -ربيع 1436هـ 79
ن�صو�ص ق�صيرة.. ■ حممد املبارك*
�إذابــــــــــــــة حب من طرف واحد بالغ في حبها ،كان قلبه خالٍ �إال منها.. �سافر ل�ي��راه��ا فلم ي�ج��ده��ا ..ف� ��أذاب ال�سكر في البحر. راقبها ذات يوم.. فر�آها تم�شي في طريق طويل.. تقــــــــــــــــو�س ال�ت�ف��ت ..و�إذا الطريق معنون با�سم مد يده ليهديها وردة ..تقو�س ظهرها.. �صاحبه.. ف�أغم�ض عينيه ورحل!! من�صة الزفاف حـــــــــــــــــــــذاء ج �ل ����س ب �ج��ان �ب �ه��ا ف ��ي م �ن �� �ص��ة حفل يجري وراءه ��ا ،فلما يئ�س منها ،عاد زفافهما.. �إل��ى بيته؛ فلما ط��رق ال �ب��اب ،فتحت له نظر �إليها ط��وي�لا� ،سقطت دمعة من بنف�س الحـــــــــــذاء الذي لمحه في بداية عينه.. الطريق!!.. �س�ألته :لماذا.. فِـــــــــــــراق قال :تذكرت حبيبتي.. ت�صادفا ف��ي ال �ط��ري��ق ..ب ��د�أ يخـــفق عندها� ،سمعوا ال�صراخ والعويل في قلبـــها ..ف�سمعت خ�ط��وات��ه ف��ي االت�ج��اه الجهة المظلمة من المن�صة.. المعاك�س.. �سجـــدة عقد قِ ران عقد قرانه و�أطف�أ ال�ضوء.. فلما �أ�شعله لم يرها ،ور�أى �صورتها معلقة على الحائط.. * كاتب من ال�سعودية.
80
اجلوبة -ربيع 1436هـ
رمت معطفها.. تخيـــــــــل الثعابين تتناثر منه! فر هاربا و�سجد على �أر�ض رطبة..
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ن�سوة في المدينة ■ �أحمد قران الزهراين*
ه�����ذي ي���م���ي��� ُن���ك ب���ي�������ض���ا ُء ت����ق����ر ُع ب����ابَ ()1 ك����أن���ي �أراكِ ت����ؤوب���ي���ن م���ن وط�����نٍ في الو�شاياتِ ، �س ْر بي �إلى �شج ٍر حا�س ِر الر� ِأ�س يحمي المجازِ، القيظ، ِ ت�ؤوبين محموم ًة بالحنينِ �إلى يرقاتٍ من �سر بي �إلى وطن م�شتهى ونديم. من الوجدِ ، ت�أتين كالوحي ي�ستقرئُ الغيبَ ، ()2 حين تقولين: هي القري ُة الأم، هذا كتابٌ �صفيٌ يقد ُ ّ�س �س َّر الخ�صوبةِ ،نمكثُ في ح�ضنها ما ن�شاءُ، خ ْذ ما تبقى من الوعدِ ، ونرح ُل عنها بال رغب ٍة في الرحيلِ ، وات��ركْ �سريرتَك الحل َم للعابرين �إلى وتوحي ب�أن ال�سما َء البعيد َة تدنو �إلى مقت�ضى الحالِ ، فلكِ القري ِة الم�ستكين ِة للبوحِ، توج�س �أبنائها المارقين، َ ال تبتئ�س ب��ان �ق �ط��ا ِع ال �م �� �س��اف��اتِ بين نقر�أ فيها الهوى والجوى، ن�ضارتَها عقو َق ال�صبايا اللواتي �أذب��نَ َ ع�� ّل بع�ضاً م��ن الن�سو ِة الم�ستفي�ضاتِ في المدين ِة حتى ن�سينَ الوجوهَ، في عتباتِ المدين ِة و�أ�سما َء �أجدادِهنَّ ، يمنحن وقتَك ما ي�شبه ال�سرّ، ومَ���ن ك���ان ف��ي خ��ل��و ٍة ي�ستبقنَ ه��ج��و َع هذي �شمالك ال لون فيها، الم�سا ِء �إليه، الغ�ض، فخ ْذ ما تي�سر من وقتِك ِّ نرقُّ لأقراننا العابثين، �س ْر بي قليال �إلى ظُ ّل ٍة ن�ستكنُّ بها حيث نعاتبُ مَن ي�ستلذ العتابَ ، ونرخي زما َم الحديثِ مع المتعبين، ال ن�ست�ضام من البعدِ ، اجلوبة -ربيع 1436هـ 81
ونلم ُح فيها �شقاوتَنا في الطفولةِ، ن�سترج ُع الرغباتِ الحرام، ومن كنَّ راودننا خفيةً، وا�ستملنَ عواطفَنا النرج�سيةَ، نُ�شر ُع �أحالمَنا للأخالءِ، نف�ضي ب�أ�سرارنا كبرياءً، ون�سترقُ ال�سم َع من �أجلِ �أن ت�سكنَ فينا و�إنْ �شردتنا الحياة. ()3
�أرى ق���روي���ا ت�����ش��هّ��ى ال��م��دي��ن�� َة م��� ْذ عابثته ب�أ�ضوائها، فـ�أحالته �سب َع �سنابلَ، في ك ِّل �سنبل ٍة وج ُه �أنثى، كثي ٌر ن�سا ُء المدينة، يمكر َن �أكث َر من غيرهن، يعاتبن �أكث َر من غيرهن، ويع�شقن �أكث َر �أكثرَ، ي�سرقن معنى الق�صيد ِة من �شاع ِر لم يج ْد وطنا ماثال في كال ِم الن�سا ِء اللواتي �شققن �أكفَّ ال�ضراع ِة عن مبتغاهن، ال يحتكمن �إلى ال�شكِّ ، هن الأنيقات، ي�شبهن ما �شف من حكمة القروي النبيل.
يثرثر َن عن ليل ِة العيدِ ، والغربا ِء الذين �أتوا من قرىً �أهلها يلب�سون التمائم، والعابرين الأزق��ة بحثا عن الف�ضالت من الزعفران، وعن ن�سو ٍة لم يجدن ك�سا َء ال�شتاء، وع��ن ب��ائ��ع��اتِ الخ�ضا ِر ال��ل��وات��ي قدمن من الريف ال يكترثن بنوع الرداء، وال لون وجه العميل، وال رتبة الع�سكري، وال ما �سين�شر في �صحف اليوم، عن عان�ساتِ المدينةِ.. الجن�س، ِ �إذ كيف ي�صبر َن عن لذ ِة هنّ كثي ٌر ن�ساء المدينة، يمكرن �أكث َر من غيرهن، يعاتبن �أكث َر من غيرهن، ويع�شقن �أكث َر �أكثرَ، يقر�أن �شعرا على ملأ لي�س عاداتُهم �أن يروا ؤو�س.. ن�سو ًة حا�سراتِ الر� ِ يغنين ما ي�ستبيح العواطف منه، ويرق�صن في �ساح ِة الزارِ، ال يعتنين ب���ع���اداتِ �أه���ل ال��ق��رى والمدينة مادمن في �شهواتِ الفرحْ. ()5
()4 هي القرية الآن� ..صنو المدينة، �أرى ق��روي��ا ت�شهى المدين َة حتى �أفا�ضت ت�أخذ منا مفاتيح ا�سمائنا م ْذ تعبنا نرددُها ب�أ�سرارها البكر، �أبجديا، �أغوته لما ت�شبثَ بالن�سو ِة ال ـ يحتكمن �إلى ووهنَ الحكاية تُروى لنا كي ننا َم جياعا، الغي، الطيف، ِ وال ن�ستغيثُ ب�أحالمنا كنَّ ن�سا ُء المدين ِة يحملنَ خبز ال�صبا ِح �إلى ت���أخ��ذ م��ن��ا ر���س��و َم ال��ط��ف��ول��ة م��ن غ��ي��ر وع��ي بع�ضهن، ال�ضمي ِر الم�شاك�س، 82
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
�أ���ش��واق��ن��ا ال��م�����س��ت��ع��ار َة م��ن وردت���ي���ن �إذْا ما تناق�ض الوانَها ما نرى في الطبيعة، ُ ت�أخ ُذ من حكم ِة المر�أ ِة ال�سرَّ، ُت��وق�� ُد ف��ي حلمنا �شبقا ال نُعبّر عنه �سوى بالتخيّل، ال فرق بين النوافذ، �����ض ال ك��ل ال��ن��واف��ذ تف�ضي ال���ى ���ش��ف��قٍ غ��ام ٍ �سبي َل الى فكِّ �شفرته، ال �شوار َع تحم ُل �أ�سما َء �آبائنا، عر�ضها ال الطريقُ ال�سويُّ ي���ؤدي الى جن ٍة ُ عينُ �أنثى ت����ؤل���بُ بع�ضا ع��ل��ى ب��ع�����ض��ه ،ث��م ت��م��ز ُج بين التناق�ض عمدا، وت�سكنُ في عينِ من ال تراه جديرا، �����ض ���ر����ض ع���ن ج������ذو ِة ال���ح���بِّ ك���ي ي��ن��ه َ وت���ع ُ الهاج�س المبتغى، ُ ال تقل �إنها النا ُر في و�سنِ الوقتِ ، ال الما ُء في ذرو ِة الموتِ ، ال كائنا في المكانين، ك ْم لي �أعدُّ النجو َم هنا �أو هناك، تعبنا، تعبنا، ح�ساباتُنا ال تطابقُ �أحكامَنا عادةً، بع�ض الق�صائدِ هل نعي ُد تراكيبَ َ حتى نقرّبُ رقمين �صعبين من منتهى ما نريد.
الخبثِ في ال�سردِ، نم�ضي الى حالِنا ال نخافُ �إذا ما �أردنا لهذي الكتاب ِة �أن تدخل ال�سجنَ دون فتاها لكي يقر�أ الواقفون على الجم ِر �أ�سرارَها، قد تكون �سالما على من تعل َل بال�صمت، نم�ضي ثقاال الى قبل ِة ال خيارات فيها �سوى ال�صحو من غفوة الموتِ ، الخطوط العري�ض ِة ِ �إنا �سئمنا التواز َن بين حين �أفقنا، ��س�ئ�م�ن��ا ال �ح��دي��ثَ ع��ن ال ��وق ��تِ ي���ذه���بُ في مفرداتِ الت�شابهِ، وجهان، وج ٌه يراك كما �أنت في الظلِّ، م�ستوعبا حال َة الال خلو ِد هنا �أو هناك، نقي�ضك، ووج ٌه يراك َ ال فرق بين ال�شبيهين، ملتب�س و�شفيف. ٍ ()7
ك�أني �أ�ساور بع�ض ن�ساء المدينة مذ جئتهن �صبيا لكي نر�سم الحب، ال �أنا من يعبر البحر دون ارتباك النوار�س، ال ه��ن م��ن ي�ستملن ال��ري��اح �إل���ى وج��ه��ة ال ف�ضاءات للعي�ش فيها، �ست�أخذنا الريح، �أين �ست�أخذنا الريح؟ ال علم لي �أين وجهتها في المدينة، ()6 �إنا بد�أنا الكالم ولم ننهه، هنا �أو هناك.. �سوف نم�ضي بال رجعة في البكاء، ن���رى ع��ل�� ًة ف���ي ال��ك��ت��اب�� ِة ن��م��ح��و ب��ه��ا م�شه َد ك�أنا جدار يئن على جاره الم�ستكين، الرف�ض، ِ ك�أنا عبرنا الظالم �إلى نقطة البدء، �أفعالنا ال ت�شاب ُه َّ ن�ص الرواي ِة �إال قليال من نع�شق لون البدايات، اجلوبة -ربيع 1436هـ 83
ي�سكن فينا كو�شم على الكف، ن�شقى ويرتاح مَن لم يكن في ال�شتات، لنا وجع في المدينة، نقب�ض كالجمر �أوجاعنا، ثم نلج�أ في غفلة للجدار لنر�سم �أ�شكالنا كالرموز، يئن الجدار لبعد الم�سافات بين الأخالء، ي�سجد من رهبة البعد، ال �سر بين الحروف التي كتبت في الجدار القديم، وال �سر يف�ضي لفعل الكتابة، ه��ذي تفا�صيل ال ينبغي �أن تعيد الحديث �إلى بدئه، ربما الريح جاءت لتقر�أ �سر الجدار القديم. ()8
ك�أني �أنا.. �أو ك�أنكِ �أنتِ مثا َر ال�س�ؤالِ عن الال وجود، �إذاً �أين حدُّ الأقاويل، �أين م�سار الحديث الذي لم يد ْر بيننا.. حيث ال قو َل يحكمُنا في التفا�صيل، ال �أن���ا مَ���ن ي�ستكينُ �إل���ى ���ص��ور ٍة ف��ي خ��ي��الِ الق�صيدة، ال �أنتِ مَن يتغ�شى الكال َم على غير ما علة في الحديث، ك�أنّا بد�أنا تع�شقنا، �أو ك�أنّا بد�أنا ت�ألهنا، �أو ك�أنّا بد�أنا التوحد في الج�س َد الم�ستحيل. * �شاعر من ال�سعودية.
84
اجلوبة -ربيع 1436هـ
()9
�أرى... ال �أرى في المدين ِة �إال خطا القروي النبيل، ن�سا ًء يراق�صن ع�شاقَهن، ���ش��ي��وخ��ا ت��م��اه��وا م���ع ال���وق���ت ي�����س��ت��رج��ع��ون الحكايا عن الحب، بائ َع خب ٍز يداري ندوبا على وجنتيه، وناد َل مقه ًى يبا�ش ُر م�ست�شرقا ال يبالي بمن حوله، �صبيا يرتبُّ م�ستودعا للقما�ش الدم�شقي، �أ ّماً تداعبُ مولودَها بانت�شا ٍء وت�ضحكُ ، فرط ن�شوتها، ت�ضحكُ من ِ �سالل َم تف�ضي �إلى هجر ٍة للمكانِ ، م�آذ َن تلج�أُ لل�صمتِ ، �أر�صف ًة ال مالم َح للحبّ فيها، ميادينَ تخلو من الع�شبِ ، �صورتَها في الجدا ِر الموازي لدا ِر الم�سنين، نق�شاً يحاكي امتثا َل الرقيقِ لأ�سيادهِ، وقو َل حكيمٍ يخالطه الهزلُ , نافذة ال ترى العابرين الحفاة. ()10
�أرى.. ال �أرى في المدين ِة �إال مالم َح �أمي، وظ َّل �أبي، وروحي التي �سكنتها الن�ساءُ، فتىً �آبقا عن عيونِ الجوا�سي�س، الحظ مثلَك، وج َه غريبٍ يعانده ُّ ؤو�س، بع�ضا من الن�سو ِة الحا�سراتِ الر� ِ و�ضو َء قناديل من ف�ض ٍة ال تفا�صي َل فيها، وقو�س قزحْ. َ
■ عالء الدين رم�ضان*
وَطَ ��� َرقْ���تُ َب���ا َب���كَ ،..وَا ْن�� َت��ظَ ��رْتُ مُجِ يـبِي َورَجَ ����عْ����تُ َي���قْ��� َر ُع فِ���ي ال���� ُف�����ؤَا ِد وَجِ ��ي��ـ�� ِب��ي َف�����أَ َن����ا ال���مُ���حِ ���بُّ َومَ������ا ِب���مَ��� ْل���كِ���يَ رَجْ ���� َع���� ٌة َو�أَ َن�����ا ال��مُ��حِ ��بُّ َومَ���ا ال��طَ �� ِري��قُ �ضَ ِريـبِي
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
الحبيب �صلى اهلل عليه و�سلم باب ٍ
َوقَ�����رَعْ �����تُ َب����ا َب����كَ وَال����� ُد ُم�����و ُع َت���رُوقُ��� ِن���ي َو َت���������������ز ُُّف فِ���������يَّ َت������ َرقُّ������ب������اً لِ���حَ ���بِ���ي���ـِ���ب���ي ال��������رُّو ُح َت���طْ ���فُ��� ُر َك���ال���� َّ���س���حَ ���ا َب��� ِة فَ���� ْوقَ���� ُه وَال��� َق��� ْل���بُ َي�� ْرقُ��� ُ��ص َك��ال�� َق��طَ ��ا ال��مَ��كْ��رُوبِ َو�أَ َن����ا �أُ�ؤَمِّ�������لُ ،..هَ���لْ َي��خِ ��ي��بُ َت�� َرقُّ�� ِب��ي؟!! مَ�������نْ ذَا ُي��������� َر ُّد بِ����� َب�����ابِ خَ ����� ْي����� ِر حَ ���بِ���ي���بِ �أَقْ���� َب���� ْل����تُ َي���غْ���مُ��� ُر ِن���ي جَ ������وَىً َو َي��حُ �� ُّث��ـ��نِ��ي وَجْ ����������دِ ي َب������دَمْ ������عٍ � َ����س����اجِ ����مٍ َو� َ����س����كُ����وبِ ِي�ض بِي �أَقْ�� َب�� ْل��تُ � ،..إِنْ ُذكِ��� َر ال��فِ��رَاقُ َيغ ُ مَ���������ا ُء ال��������������� ُّروَا ِء �إِل����������يَّ غَ����� ْي����� ُر قَ����� ِري�����بِ َو�أُجِ �����ي�����بُ حِ ��� ْرمَ���انِ���ي ِب���كِ��� ْت���مَ���انِ ال��� َه���وَى فَ������� َي�������رِقُّ لِ������ي فِ������ي َزفْ�������������� َر ٍة َو َن����حِ ����ي����بِ َو�أَقُ�����ولُ جِ ـ ْئـتُكَ طَ ��امِ �ع�اً َت �رَك ال��ذُّ ُن��وبَ �أَ َت�������������ى ِب������قَ������ ْل������بٍ خَ ������ا� ِ������ش������عٍ َومُ�����نِ�����ي�����بِ َو�أَ َن��������ا �أُ�ؤَمِّ�����������لُ ،..هَ����لْ َي���خِ ���ي���بُ َت��� َرقُّ��� ِب���ي مَ�������نْ ذَا ُي��������� َر ُّد بِ����� َب�����ابِ خَ ����� ْي����� ِر حَ ��� ِب���ي���بِ * �أ�ستاذ م�ساعد بق�سم اللغة العربية و�آدابها -كلية العلوم والدرا�سات الإن�سانية بال�سليل -جامعة �سلمان بن عبدالعزيز.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 85
الطائر ُ المهاجر ُ ■ حممود الرحمي*
ي��������ا �������ص������ح������بُ �إ ّن����������������ي ق��������د ف����ق���� ْد مِ ������������نْ ب�����ع�����د م�������ا م�������لَ�������كَ ال������ف�������ؤا جُ ������������������ ِر َح ال������������ف�������������ؤا ُد ول����������م ي����ك����نْ �أ َو ه������لْ ي�����ع�����و ُد ال����ط����ي���� ُر ���ص��ح��ب��ي
تُ وذات ي��������������������و ٍم ط��������ائ��������را دَ ..وق����������د غ��������������دوتُ ال�����ح�����ائ�����را ل�������ل�������ط�������ي�������ر ي�������������وم�������������اً ج���������ائ���������را ل����������ي���������� َت���������� ُه ل�������������و زائ���������������������������������را! ..
*** ي��������ا ط�������ي������� ُر ع���������� ْد ل��������ي ك����������يْ ي���ع���و َد ال������ل������ي������ ُل -ل�������ي�������ل�������يَ -م����ق����م����را ع���������������������ودي ح�������������زي�������������نٌ ل�������ح������� ُن������� ُه م����������ا ع����������������ا َد ي����������ع����������زفُ �������س������ام������را م�������ا ع����������اد ي�����������ش�����دو ل������ح������نَ حُ �������بٍّ م�����������ث�����������ل م����������������ا ك���������������������ان ُي����������������رى ي� � ��� � �ش� � �ك � ��و ..ي � � � � �ئ � � � ��نُّ ..وط� � � �ي � � ��ر ُه ع����������ن���������� ُه ب���������ع���������ي���������داً م������������ا دَرى ي�������ب�������ك�������ي�������كَ ي�����������ا ط���������ي���������ري �إذا ه���������بَّ ال�����ن�����������س�����ي�����مُ� ..إذا � َ�����س�����رى ي�������ب�������ك�������ي�������كَ ط���������ي���������ري ط�����ال�����م�����ا م����������ا زل�����������������تَ ع���������ن��������� ُه م������ه������اج������را ف������������ي �������ص������ب������ح������ه وم���������������س�������ائ������� ِه ي��������رث��������ي وي�����������ن�����������دبُ م����������ا ج�������رى *** �أ َو ه��������لْ �����س����ت����ذك����ر -ل������و ن�����س��ي��ـ��ـ تَ م�������ع ال�������رح�������ي�������لِ -ول������ل������ورى �أن�����������������ي عَ�����������������ش��������قْ�������� ُت��������كَ دائ���������م���������اً وال����ج���������س���� ُم مِ ��������نْ ع�������ش���ق���ي ان���ب���رى وغ�������������������� َدوْتَ روح����������������ي ..ه�������ل ب�����دو نِ ال�������������روح �أح�������ي�������ا �أو �أرى؟! م��������ا ق��������د ظ�����ن�����ن�����ت�����كَ ق��������د ن�������س���ي���ـ���ـ ـ����������تَ ف�����م�����ا عَ����������هِ���������� ْد ُت����������كَ ن�����اك�����را *** 86
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ي��������ا ط�������ي������� ُر عُ������������� ْد ل��������ي ك��������ي ت���ع���و وي��������������ع��������������و ُد ع��������������������ودي ع����������ازفً����������ا ي��������ا ط������ي������ ُر عُ������������ ْد ل��������ي ق��������د ك���ف���ى ي����������ا ط�������ي�������ر عُ����������������� ْد ل����������ي �إن�������ن�������ي ُل���������قْ���������ي���������اكَ ي���������ومً���������ا م���������ا ح���ي���ي���ـ���ـ
َد ل���������ي ال��������ح��������ي��������ا ُة ال������م������زه������ره ل����������ح����������نَ ال��������م��������ح��������ب�������� ِة ن��������اث��������را م����ن����ك ال������ب������ع������اد ..ف����م����ا َت���������رى؟! �أُمْ �����������������س��������ي و�أُ����������ص���������ب��������� ُح ن������اط������را تُ �����َ � ..س�����لِ ال�����ن�����ج�����و َم ال�������س���اه���ره
*** ي��������ا ط�������ي������� ُر عُ������������� ْد ل��������ي ال ت����غ����بْ عَ���������� ّن����������ي ف��������لَ��������� ْ��������س��������تُ ال����������ق����������ادرا خَ ����������لَ����������ت ال�������ل�������ي�������ال�������ي ف�����رح�����ت�����ي وال�������ل�������ي�������ل ي�����������ش�����ك�����و ال������� ُّ������س������مَّ������را �������������س ن��ح��ي��ي��ه��ا وق���������������������د خ����������������لَ����������������تِ ال�����������ك�����������رى ك������م ل����ي����ل���� ٍة ب������الأن ِ و�أن�����������������������ا و�أن���������������������������تَ ن����ع����ي���������ش����ه����ا ت���ح���ت ال�������س���م���اءِ ..ع���ل���ى ال����ث����رى.. ال ع�������ي�������� َ�������ش ل����������ي ي����������ومً����������ا �إذا ط�������ي�������ري غ�����������دا ل��������ي ه��������اج��������را..
* �شاعر من الأردن مقيم في ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 87
ُ انثياالت الغـُربة ■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*
بمنديل عطر ٍ طوبى للغرباء وباقة زهر ٍ 1 وم�سح ِة حُ ـزن ٍ �أي�سف ُح وجدَك يا مغتربَ الروح ِـ ـ بقايا جدا ْر تـ ُري ُد تباريحَ ها �أو ال تري ْد و�أعجا ُز نخل ٍتنا ُم بدا ْر 2 وتنهيدة ٌ �أطلقتْها يباغتكَ الحزنُ في خِ ـد ِر ليلى تراجي ُع ذكرى وبو ُح ادكار و�أنتَ تناد ُم هذا الم�ساء *** �أي�شجيك ما�ض ٍتلفع في غاربات ال�سنين و�أنتَ تغازلُ هذا ال�صبا ْح تنا ُم على فر�ش الراح ِة واالرتياح وت�أخذك الذكرى �إلى ب�ستان �أهلكْ ولكن حزنـ َك ال يرعوي و�أهلكَ يلقون عليك التحايا ي�صبُ ق�صاراه بين ال�ضلو ْع يرجّ ون فيك الزما َن �إذا ما ا�ستدا ْر و�أنتَ تالحقُ �سربَ الفرا�شات ِعند الأ�صيلْ يُحِ ـي ُل فـ ِرا�شكَ �صخراً ،و�ش ْب َعـك جو ْع وت�ح�ف� ُر ب �ئ��راً وت �غ��ر�� ُ�س م��ن ح��ول��ه �سعفات 3 ِالنخيلْ وت�صطفُ بين المعزين وهناً يذكرك الغائبين �شذى البرتقالْ لتذرفَ بو َح الأ�سى ورج ُع الأغاني وهج�س الوفا ِة َ ونو ُح ال�سواني تتمتم بالدعواتِ وبالخطراتِ وعبقُ الكوافرِ ..ذكرى تـ ُدا ْر �سيطرق بابك هذا المباغتُ ولن ي�ست�شيرك عند الرحيلْ *** ت�ساف ُر نحو مزار ِالزمان البعي ْد طويل غيابـ ُك كالم�ستحيلْ �إذا ما التقيتم ب�أفراح عي ْد وبيتـ ُك كن ٌز يواري البقايا وبابٌ �سيف�ضي لدار الخبايا الحنين ُِ ويلقي �إليك 88
اجلوبة -ربيع 1436هـ
***
الهاج�س الم�ستب ُد ُ وي�أخذُك ويثقلك الحل ُم الم�ؤجلْ فلو �أن من يقر�ؤون ومن يطربون ومن تعتريهم ريا ُح النوى ومن يقرع الوج ُد �أ�سمارهم ويتلو �صحائفَ �أ�شعارِهم وك َل الخليين والغربا ْء وك َل المقاماتِ وال�شرفاء �أ�صاخوا لقولكَ وا�ستح�سنوه و�ضجوا لبوحكَ وا�ستعذبوه و�أمعنوا في �أحجياتِ الثنا ْء فهل يطربُ القلبُ هل ينت�شي؟ وبُعدُك ن�أيٌ �صفيقُ المدى غريبُ التوح�ش والمبتدى وتي ٌه من ال�صمت يبكي �سُ ـدى 4
وللروح دربٌ وللدرب بابٌ وي�صع ُد هذا الرو ُح نحو ال�سما ليجتاز ك َل النجوم ِوك َل ال�سدوم ِ وك َل مجراتِ رحبِ الف�ضا وك َل الم�سافاتِ ك َل المفازاتِ ك َل المتاهاتِ ك َل العـ َنى يغادرك َل المواجع ،ك َل الفواجع
***
وللروح دربٌ وبابُ انعتاق ٍووع ُد ا�شتياق ٍ وفي�ض من النور يـ ُروي الظما ٌ ي�ؤوب �إلى حيثُ كان الخروج وكان العروج وكان ال�صعود �إلى المنتهى
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
وغيهبُ بُعدٍ طويلٌ طويلْ ترابٌ يعود لهذا الترابْ و�أيُ اعتبار ٍ لهذا الغيابْ
ك َل الغرائز ،ك َل ال�ضغائن ك َل المجاعاتِ والم�شتهى
5
الهاج�س الم�ستب ُد ُ وي�أخذك ل�صبٍ يرى في النهايات ماذا يرى؟! بقاياه خفقة َ طين ٍ وقب�ضة َ تـ ُربٍ تبعثرها الري ُح فوق الثرى ورنة َحزنٍ على ما جرى ور�سماً �أنيقاً ب�إن�شوط ٍة يعلقها الأهل كيما يُرى 6
�سرا ُج حنينك ال ينطفي و�أن�شودة ُالتوق ال تنق�ضي و�أ�شواق ُروحك م�سكونة ٌ بروح الجمال ِوبرد الو�صال ِ وتوق ِالليالي لك�شف الحجاب وللملتقى وللمرتقى وللمنتهى.
* �شاعر من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 89
�شاعر كان �صديقي ■ �أمني الع�صري*
عَنِ الحُ زْنِ ا َّل��ذِ ي َي ْغت َِ�صبُكَ حِ ينَ َتنَا ُم َف ْو َق �سَ رِي ِر خَ يَالُكَ ال َّنقِيُّ َو َفي ََ�ضانُ خَ و ٍْف َيتَ�سَ َّل ُل �إِلَى مُ�سْ َت ْن َقعِكَ الرَّاكِدِ ، ْ�ص فِي خِ يَا َن ٍة َت ْغتَالُ ظِّ لاَ ًال َو�أَ ْوهَا ُم ال َغو ِ َّا�ش ���سِّ �� ِّر َّي�� َة بَائِ�سَ َة اخْ �� َت�� َب أْ���تَ فِيهَا كخَ ف ٍ �أَعْ مَى َوعَ��ا�ِ��ص�� َف�� ُة ال�� َه��جَ ��مَ��اتِ ال��هَ��ا ِد َئ�� ِة لِ��رَغْ �� َو ِة �سَ رِيرِكَ َومَ��دُّ هَ��ا الُمخْ َتل ُِط بِالحَ مَا َق ِة وَالعَاطِ َف ِة ال�صمْتِ وَالحَ دِ يثُ �إِلَى َّ ُوط القَ�صَ ائِدِ الُمخْ تَا َر ِة عَنْ �سُ ق ِ فِ���ي هَ���ا ِو َي��� ِة ال���ظَّ �َل�اَ ِم ال�����سَّ ��حِ ��ي�� َق�� ِة َل��لَ�� ْي��لٍ �شَ احِ بٍ َك َغ ْيبُو َب ٍة وَ�سْ طَ غَا َب ِة �أَرْجُ ِلهِ.. �����ص��ا ِب��كَ ُو����س َن�����سِ ��ي�� َم َب���حْ ��� ِر �أَعْ َ ا َّل��� ِت���ي َت���د ُ الَه�شَّ ةِ، وَالَم�شْ يُ ِب َ�أ ْقدَا ٍم حَ ا ِف َيةٍ.. َبيْنَ �أَ�شْ وَاكِ ا ْر ِتيَابِ الَم ْوقِفِ * �شاعر من ال�سعودية.
90
اجلوبة -ربيع 1436هـ
َوقُ���� َ���ص���ا� َ���ص���اتِ �أَغْ ����� َ����ص����انِ ال���� ِّذكْ���� َر َي����اتِ بِا�سْ ِتعْلاَ ِء الجَ ْب َه ِة العَا ِر َيةِ.. �أَمَا َم فَجْ َو ِة ال ِّريَا ِح ال�سَّ حِ ي َق ِة ..... ون ِْ�صفُ َقلْبٍ َك ِفنْجَ انِ َق��هْ�� َوةٍَ ..م ْقلُوبًا َعلَى طَ ا ِو َل ٍة ِب�أَلَمٍ يَطْ فُو َك�أَغْ �صَ انٍ َم ْي َت ٍة َف ْو َق َك ِلمَاتٍ َت�� ْن��مُ��و ِب�����سُ �� ْرعَ�� ٍة فِ��ي مَ���ا ٍء غَ�� ْي�� ِر مُ�سْ َت ِق ِّر العَاطِ َف ِة عَنْ �أُمْ �سِ يَاتٍ بَا ِر َد ٍة كَحِ ذَا ٍء َعلَى �شُ ْر َف ٍة َوعَ������نْ �أَمْ ���������وَا ٍج مَ����� ْزرُوعَ����� ٍة ف���ي � َ��ص��هِ��ي��لِ ُوف الحُ ر ِ �أَمَا َم َع ْقرَبِ ال َّدقَائِقِ ال�سَّ ْودَاءِ. َعنْكَ .. َو َعنِّي.. َوعَنْ �شَ اعِ ٍر كَا َن َ�صدِ يقِي.
اعترف، و�أنا بكل قواي العاطفية، �أ َّن الق�صا�ص، قربان الحاقدين.. �أ�ستودع العابرين، �سري، وال �أملك البرهان وال الدليل، لكنني، �أعرف نهاية الطريق.. الأقدار، رحمة، تكفينا وزر الب�شر، والرهانات الغبية.، اللعنة، كما العدوى، كما الوراثة، كاالبن البكر، هروب نحو التجربة.. ال�س�ؤاالت ذات الأجوبة الجاهزة، قاتلة، كحب الأربعين، مفعمة بالي�أ�س والغد.. يفزعني، الغريب الذي ي�شبهني، من فرط يقيني به، �أر�سمه و�شما على قلبي، و�أ�سير نحو الغواية، وال �أ�صل.. حينما يتحطم القارب، ت�ستمر الرحلة، * �شاعرة من الأردن.
■ �أنو �سرحان*
فال�شط�آن تنتظر �إرادة الناجين.. لغة البهتان، ال ت�شبه الميالد الثاني، الكاذبون، يتلقفون الخدعات، واليدركون، �أن اللعبة، في التفا�صيل التافهة.. فتح الأبواب، م�ؤلم، كالمطاردة، بال جدوى.. للحكايات لذة، في المواربة، في الخوف ،والمجهول، للحكايات �ضوء، عندما يداهمها الوقت وال�سقوط.. الدائرة، تلك الحيرة، والمحب الجبان، رفات الأمل، والغائب بال عودة.. ذلك العا�شق الخجول، لروحه، �أوتار جيتار، و�أ�صابع عازفة بيانو، ما �أقربه، ما �أبعده، ما �أ�شبهه بنافذة، مطلة عليّ ...
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
�أعترف
اجلوبة -ربيع 1436هـ 91
رحمة اهلل ■ عبدالهادي �صالح*
هلل �سَ ُتمْطرُني رَحم ُة ا ِ حِ ينَ �أرَى الحُ بَّ يَقف ُز مِ ن وَجْ نتَيكِ ، َويَحتلُّ َ�صدْري.. هلل و ُتمْطرُني رَحم ُة ا ِ م�س حينَ �أرَى ال�شَّ َ تُ�شرقُ مِ ن نَاظِ ريكِ ، تُ�ضي ُء طَ ريْقي وتَ�سْ ط ُع بالل َز َو ْردِ.. هلل �سَ ُتمْطرُني رَحم ُة ا ِ حِ ينَ �أرَاكِ تُعدِّينَ َليْلي، ت َُ�ضمينَ �أ�شْ ال َء رُوحِ ي، تَجوبينَ �أع�شَ ابَ قَلبيْ ، وترْوينَها بالأُنو َث ِة حَ تى َتفِي َء ال�سَّ ما ُء عَلى تَختِ �أحْ الَمِ نَا، وَتنْمو الزُهو ُر عَلى جَ �سَ د ْينَا، و َي�أتي الرَّبي ُع �سَ ريْعاً �إلينَا َو ُتمْطِ ُرنَا رَح َم ُة اهلل. * �شاعر من ال�سعودية.
92
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
الكرد ّيات �شاعرات �أي�ض ًا.. �سالم ًا �أ ّيتها النافذة الغريبة ■ عماد الدين مو�سى*
ت�أتي �أهميّة التجربة ال�شِ عريّة الجديدة لل�شاعرات الكرديّات في �سوريّة من كونهنّ ينفرد َن بخ�صو�ص ّي ٍة ثر ّي ٍة في لغتهنّ وخطابهنّ ال�شعريين ،من جهة؛ والعتبارهنّ امتداداً حقيقياً لتجارب �شاعراتٍ �سوريّات من مثل :دعد ح��دّاد� ،سنيّة �صالح ،مرام الم�صري ،عائ�شة �أرنا�ؤوط ،روال ح�سن ،هاال محمد� ،سو�سن ال�سباعي الجابي ،هنادي زرقة ،ندى منزلجي ،و�إيمان �إبراهيم ،من جه ٍة ثانية. ه��ذه التجارب -ال�سوريّة بعمومها والكرديّة منها خ�صو�صاً -بنبراتها الخافتة، تركتْ ندب ًة جل ّي ًة في ال�شعريّة ال�سوريّة؛ لما فيها من دف ٍء في العالق ِة والمحاور ِة مع نقي�ض لهُ /الل ّذةُ ،في �أُلف ٍة الأ�شياء والموجودات من حولها ،وتدوير الألم ك�أثر �إلى ٍ غير معهودة على خارطة هذا ال�شعر� ،آخذ ًة زمام المبادر ِة من �سطوة الآخر الذكوريّ وهيمنته على الم�شهد ،طالما الإبداع �صوت الأعماق الإن�سانيّة و�صدى معاناة وجوديّة ت�شترك بها الكائنات جميعاً.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 93
ت�ف�ت��رق الأ� �س �م��اء ال�ت��ي اخ�ت��رن��اه��ا ه�ن��ا ،في �أ�سلوبها و�أدوات �ه��ا ال�شعريّة اختالف ًا جوهر ّياً، بقدر ما تت�شابه في مو�ضوعاتها وزاوية االهتمام واالرتكاز« ،كونها جميع ًا �شربتْ من النب ِع ذاته»، فق�صيدة خالت �أحمد رغم غنائيّتها العالية، تعتمد التكثيف وتكاد ت�ؤ�س�س لهايكو �شعري خا�ص بها ،بينما يطغى ال�سرد على �أج ��واء ق�صائد وجيهة عبدالرحمن من دون �أن تفقدها ال�شعريّة المرجوّة� .أما ق�صيدة �شيرين كيلو فنجد فيها تداخل الأجنا�س الأدبيّة الأخرى ..وتكاد مالمح ال�شعريّة تختفي؛ وت�شتغل دي�لان �شوقي على الق�صيدة -الوم�ضة في �سبك جملٍ �شعريّة مكثّفة؛ فيما تلتقط ق�صيدة فدوى كيالني �شِ عريّتها من اللغة اليوميّة المعي�شة ،وب��د ًال من العمل على ال�صورة ال�شعريّة تن�شغل �آ�سيا خليل بالق�صيدة كن�ص ..فت�أتي �شبيهة باللوحة الت�شكيليّة �أو الفيلم ال�سينمائي في تكوّنها و�صيرورتها؛ �أما وداد نبي فتذهب �إلى المفارقة وتكثر منها في ق�صائدها، كما نالحظ اقترابها من نمط �شِ عري جديد – يُ�سم ّي ِه ال�شاعر العراقي �أ�سعد الجبوري بالنانو- له نكهة الر�سائل الن�صية الق�صيرة الـ(.)SMS وتتوغّ ل ق�صيدة �أفين �شكاكي في المنطقة الأك �ث��ر وع ��ور ًة ف��ي ال� َن� ْف��� ِ�س ،حيث ال�ح��زن على �أ�شدّه ،وكذلك الحبّ ؛ وت�ص ّر �شهناز �شيخة في ق�صيدتها على �شعريّة الواقع والنهو�ض بها رغم وقوعها في ف��خّ التقريريّة في بع�ض الأح�ي��ان. �أم��ا ق�صيدة �آخين والت فتُ�سْ كِ ر القارئ بنبيذِ �شِ عريّتها ال�صرف ،وما الحنين �إال ثل ٌج �أخي ٌر في ف�ضاءات ال�صعود ،وباعتباره -بح�سب �إليوت المكان الذي نبد�أ منه ،تتغنّى ق�صيدة دل�شايو�سف بالوطن المفقود وقمر ِه الغائب؛ بينما الحميميّة في التعبير عن مكنونات الذات �أبرز مالمح ق�صيدة مها بكر. 94
اجلوبة -ربيع 1436هـ
�آخين والت طفل
ال �سي�شغلني طوي ً هذا الطفلُ. ال ينتبه لوجودي، وال ل�����رغ�����ب�����ت�����ي العارمة في �ضمّه �إليّ . ��ل�ا ع���ن���ي م����ن���������ش����غ ً ب�أ�شياءَ، حتماً، تعنيه �أكثر من قبل ٍة على خدّ. يكت�شف �أ�صابعه، وج�سداُ يقيناً، يعرف �أنّه، ملكه هو فقط. (�صورة) لم �أمتلك �شجاعة التّهرُّب، �أو �أن المفاج�أة كانت �أكث َر مبا َغ َت ًة ً. مغم�ض َة العينينِ . الفال�ش قوياً. ُ كان لم يمكننّي ر�ؤي َة وجهكَ : ر�ؤوفاً كانَ؟ �أم �ضليعاً في الخداع؟
�أخين والت
ال ��������ش�������ي َء ي����دع����و للده�شةِ. �أن���������ا �أي�����������ض�����اً ك��ن��ت �شجر ًة لكنّ دوم��وزي ن�سيَ الف� َأ�س �آ�سيا خليل في يدِ الكهن ِة قبل رحيل ِه الأخيرِ. دوموزي وعدني ولم يعدْ. والأ�شجا ُر ما عادت تعرفني. لو �ألقي بالبح ِر خلف ظهري لو �أعث ُر على ل�ؤل�ؤتي ث ّم �أعيدُها �إلى البحرِ. يحقُّ لي �إذاً �أن �أبحثَ عن جذري في «جذر ال�سّ و�سن». في �شرود الزعت ِر البرّيِّ . في �سه ِو �شجرة البطم عن خريفها. �أو نعيقِ غرابٍ نائحاً يتم ُه على كتفِ الليلِ . �أو نهرٍ �صغيرٍ تو�سّ َد كفّي ف�شطّ رني. �أ �أعو ُد كما كنتُ ما ًء بع�ض �سماءٍ� ،أت�أرج ُح منها �أو َ بخيوط الرّنينِ ، ِ رنينِ ال�ضحك ِة الأولى؟ �أ تعو ُد دوموزيَ في المو�سمِ المعهودِ؟ والميّتو َن بتروا �أن�سا َغ الغيمِ
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
�آ�سيا خليل ال �شيء يدعو للده�شةِ
مطمئنّينَ خلف �سنابكِ الوقتِ ،ناموا؟ ال ال���غ���اب���ةُ ،ال ال����م����دنُ ،ال ق���ل���بُ دوم������وزيَ الم�شطو ُر بلوع ِة الغزاالتِ ال�ضو ِء �أرخى لغزال ِة ّ �أكثر من �سَ َفرٍ. ّ�ص الفرا�شاتِ �أكان عليَّ �أنْ �أتقم َ و�أملأ الك� َأ�س من عينِ النّو ِر ث ّم �أحتر َق قبل �أن �أد ُل َق ك�أ�سيَ في عينِ الحقيقةِ؟ ها ا�ستيقظتْ ع�صافيرنا: �سالماً يا ع�صفورة العزلة. �سالماً �أيتها النافذة الغريبة.�أفين �شكاكي على قيد الخريف
كنت على قيد الخريف غائمة �أم�ضي ال عزف لي ال ارتباك لظلي �أتو�ض�أ بحفنة حب التقيتك في �ساحة البوح تعبر وجعي ك�صالة �صبح مندى بين طيات �صمتك ت�ضمني ك�أوراق النرج�س
�آفين �شكاكي
اجلوبة -ربيع 1436هـ 95
(البارحة)
هناك.. على بعد حرف كان حبي بال معطف مع�صوب العينين يتجوّل في �أروقة ت�أمالتك يئنُّ حنيناً م�ضيت غائماً جزئياً بعد �أن �أهديتني بع�ضاً من �أنفا�س اليا�سمين.
م�سا ًء جال�ساً �إلى وحدتي ك�أنما �شممتكِ في الغرفة و�ضحكت عيناكِ في المر�آة. م�سا ًء ك�أنما تماوجت �أنفا�سكِ ل�شمعتي تذكر عطركِ في البعيد غرفتي و�أزهرت عيناي في المر�آة. دل�شا يو�سف ُطب الآخر الق ُ
خالت �أحمد �شجرة الرمّان النحيلة (بما يكفي)
قاني ًة كانت �أزهاري هذا العام مو�سمي زاخر �أفال تمر من هنا؟ لأبذل لك حباتي حلمةً ,حلم ًة ك���م ذراع�������اً ت����ود لو يكون لي؟ لأ�ضمكَ بما يكفي �أنا �����ش����ج����رة ال�����رم�����ان النحيلة.
خالت �آحمد
(�سفرجلة)
كاد القلق يفلق قلبي هل �أنزلق �إلى �أعماقه ليَخْ َب َر قطري �أم �أبقى في فمه لأخْ َب َر لذته؟ كالنا �صعب. 96
اجلوبة -ربيع 1436هـ
حينَ كُنتُ كنَه ٍر البو�صلة َ عك�س �أ�سي ُر َ كُنتَ �أنتْ .. ُت����� َ����ش���� ِّي���� ُد ل��ن��ف��� ِ��س��كَ قِبلَةً! م�س حينَ كانتِ ال�شَّ ُ ترت ِف ُع مِ ن مَ�شْ رِقي ك����ن����تَ �أن������������تْ ..ف��ي الغَرب تن�صبُ الفِخا َخ دل�شا يو�سف �أما َم الأماني! �ألَم تكُن �أنتْ حينَ ت�صادَفنا عن َد نجمِ �سُ هَيل؟ وعلى مُف َترَقِ َدرْبِ ال َتبّان ِة كُنتَ ُتلَم ِل ُم النُجو َم المت�ساقطة! متى �ستبل ُغ الفِطا َم وتدَع �شَ م�شَ َم َة تَالبيبي؟ لَن نَنهَمِ َر معاً،
ديالن �شوقي �أغاني الح�صاد
لو كنتُ �أعل ُم �أ َّن �سماءَكَ دو َن ريحٍ ما �أطلقتُ �صرخاتي. ***
�إنْ لم يتحرّر قلبي من هيامكَ ، هيهات لثورة الحنين �أنْ تهد�أ. ***
تُرى ما الحلّ؟ ال�سناب ُل امتلأتْ و�أغاني الح�صاد ذهبتْ في �أدراج الن�سيان. (ترجمة عن الكرديّة:ع.م)
�أُ�سلي بك غربتي �أُزرك�����������ش �أح�ل�ام���ي المذبوحة بوجهك الجميل ال����������ذي ���س��ي�����ص��ب��ح جرحاً �آخر �شيرين كيلو ف�����ي م���ل���ف ع���م���ري ال�ضائع و�أرحل عنك بحقيبة فارغة �إال من انك�سار لماذا �أنت بالذات ا�ستطعت اقتحام �أ�سوار عزلتي وكيف ا�ستطعت �إعادة ترتيب فو�ضى �أوراقي التي بعثرها �آخرون احتمي بك من غدرهم، ويبقى ال�س�ؤال :بمَن احتمي منك..؟
�����������������������������������ش����������������������������������ع����������������������������������ر
ما لَم تَ�ستَحِ ل �أنتَ ...قُطباً �آخَ ر! (القلب) جَ َّر ٌة مِ ن م�شاعِ ر تُ�شوى في ُفرْنِ الحياة! با ُب ُه مفتو ٌح على مِ �صراعَيهِ. حار�سُ ُه مِ نهُ ..وفي ِه لك َّنهُ.. ال يُ�ص ِب ُح مَفرَ�شاً لأيِّ �ضَ يف! (ترجمة عن الكرديّة :د.ي)
�شيرين كيلو �أ�سرار العزلة
�شهناز �شيخة رحيل
�أيتها المدينة العاريـة من النور وداعـاً �أيتها المدين ُة المزدحم ُة بحـزني وداعـاً قطا ُر الم�ساء المحمَّل بالـرحيـل ي�شقُّ الغبا َر وي�أتي تماماً كموتي ليعلنَ �أنّي �س�أهج ُر بيتي �شهناز �شيخة و�أهج ُر بيتي لأتـركَ قلباً و�أتـركَ �صمتي!! اجلوبة -ربيع 1436هـ 97
فدوى كيالني ثالث ق�صائد (عجز)
�سورك عالٍ كيف �أطال عنبه؟ (البيا�ض)
لم �أجد �ضرورة ،لأ�شر َح التفا�صيل. العنوان هو نف�سه لم يتغير. ول�ست بحاجة �إل���ى مغلف وط��اب��ع و�ساعي بريد لأن����ي ����س����أح���اول �أن �أقر�أ البيا�ض كما يليق بك. (ذكرى)
فدوى كيالني
ال����������������������وردة ال�����ت�����ي قدمتها �إلي قبل تلك القبلة ال تزال في ق�صيدتي. وداد نبي
ق�صائد النانو
1
لن �أ�صادقك ِ �أيتها الحرب حتى لو ق�ضيتِ مئة عام في بالدي. 2
الذاكرة كتفٌ مائلٌ م�سافة 1500كم جنوب عينيك. * كاتب من �سوريا.
98
اجلوبة -ربيع 1436هـ
3
ما �أ�شقاك حتى �شجيرة الكرز ن�������س���ي���ت �أزه������اره������ا معلقة على كتفك. 4
وداد نبي
لعينيك لون غابة مطعونة بخا�صرة ِغزالنها. 5
�أحبها تلك البالد حتى في خرابها الأخير. اال�شتياق �صهي ُل �أح�صنة برية ال يفرق بين القاتل والقتيل.
6
7
الق�صائد كلها تعرفُ الطريق لبيتك حتى تلك التي لم تكتبها.
8
متى ت�ستيقظ يكون ُ ال�صباح ُ في المدينة. 9
الأزهار التي تنمو على قبور القتلى هي ذاتها التي تتجمع ُ باقات كبيرة على طاولة القاتل.
الكتابة تعبير عن حالة الوجود بكل انفعاالته وتناق�ضاته
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
ال�شاعر �أحمد قران الزهراني للجوبه:
■ حاوره� :سعيد بوكرامي وحممود الرحمي
�أح���م���د ق����ران ال���زه���ران���ي ب��اح��ث و���ش��اع��ر م��رم��وق، وهو �أحد الأ�سماء الأدبية ال�سعودية التي ي�شار �إليها ب��ال��ب��ن��ان ف��ي ال��م�����ش��ه��د ال��ث��ق��اف��ي ال�����س��ع��ودي ال��ح��ال��ي، وتجربته تجربة فريدة في نوعها؛ فهو يمتلك لغة م�صقولة �أنيقة واف��رة ،ت�شبه ال�صحراء في ات�ساعها وب�����س��اط��ت��ه��ا��� ..ش��ارك ف��ي ال��ع��دي��د م��ن ال��م��ه��رج��ان��ات ال�شعرية والم�ؤتمرات الثقافية العربية� ،صدر له حتى الآن: دماء الثلج – دي��وان �شعري عن نادي جدة الأدبي الثقافي عام 1998م. امر�أة من حلم – كتاب نثري عام 2000م. بي�ضا – ديوان �شعري – المركز الثقافي العربي ببيروت 2003م. ال تجرح الماء – دي��وان �شعري – عن دار ريا�ض الري�س ببيروت ع��ام 2009م – و�أعيد �إ�صداره عن الهيئة العامة لق�صور الثقافة بم�صر� ،ضمن �سل�سلة �آفاق عربية عام 2013م .ثم تمت طباعته عن دار �ضفاف ببيروت عام 2014م. كتاب فكري بعنوان « ال�سلطة ال�سيا�سية والإعالم في الوطن العربي «. معه ،كان لنا هذا الحوار.. اجلوبة -ربيع 1436هـ 99
● ●ما هو ن�صك الأول المن�شور؟ وكيف تنظر ● ●ما هو الكتاب الذي حفزك على الكتابة؟ �إليه الآن؟ ρ ρالكتب كثيرة ،ولعل دواوين ال�شعر العربي هي
ρ ρالن�ص ال ��ذي �أع� �دّه م��ن ن�صو�صي الأول ��ى المهمة ،والذي ما يزال في الذاكرة ،ومازلت �أردده �إلى الآن هو ن�ص «دماء الثلج»..
التي كانت راف��د ًا لي ومحفزا على الكتابة، لأنني تتلمذت على ق�صائد ال�شعراء العرب. ● ●ما هو الكتاب الذي تمنيت كتابته؟
�أما نظرتي �إليه ،فهي نظرة اعتزاز؛ لأن هذا �ρ ρأغلب كتب المفكر الكبير محمد الجابري، الن�ص دُر�س كثيرا وتناولته درا�سات علمية وخا�صة الكتب التي تتناول حقوق الإن�سان ونقدية كثيرة ،الأمر الوحيد الذي لو قدر لي والديمقراطية. �أن �أعيد التفكير فيه هو ا�سم هذا الن�ص. ● ●م��ن ه��و ال��ك��ات��ب ال����ذي ي��ت��ج��ول ف��ي ع��روق كتابتك؟
● ●ما هو المنبر الأول الذي ن�شرت به وكيف كان �إح�سا�سك؟ ρ ρبالن�سبة لل�شعر ..ف�إنني �أعتقد �أن كل ال�شعراء القدامى منذ الع�صر الجاهلي و�صوال �إلى ρ ρت�شرفت ب�أن يكون نادي جدة الأدبي الثقافي الع�صر الحديث �أثّروا في تجربتي ال�شعرية وهو �صرح ثقافي عربي مهم على خارطةب�شكل مبا�شر �أو غير مبا�شر. الثقافة العربية -ب�أن يكون �أول �إ�صداراتي من خالله ،وقد كان له دور كبير في انت�شاري �أما ال ُكتّاب في المجال الفكري ف�أعتقد �أن ال�شعري. «ابن خلدون» و«محمد الجابري» و«مونت�سكيو» 100اجلوبة -ربيع 1436هـ
● ●ما جديدك؟ ρ ρل��ديَّ كتاب فكري �سيا�سي �إعالمي بعنوان «عالقة ال�سلطة ال�سيا�سية بالإعالم»� ،أعمل على �إع��داده ومن ثم ن�شره ،وهو بالمنا�سبة ر�سالة الدكتوراه التي ح�صلت عليها.
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
الأ�ستاذ الدكتور عبدالمح�سن القحطاني، وتم ن�شره وتوزيعه ،ووجد قبوال متميزا في الأو�ساط الثقافية.
الفيل�سوف الفرن�سي� ،صاحب نظرية ف�صل ● ●هل تفر�ض عليك الكتابة طقو�سا معينة؟ ال�سلطات ال ��ذي تعتمده غالبية الأنظمة ρ ρلي�ست ل��دي طقو�س �إال ال�ه��دوء ال�ت��ام� ،إل��ى حاليا ،و«�إدوارد �سعيد» و«نعوم ت�شوم�سكي» جانب كوب ال�شاي .وغرفة نومي هي المكان من �أهم الأ�سماء التي قر�أت لها في حياتي. الذي ا�ستمتع بالقراءة والكتابة فيه ،و�أحيانا �أم��ا ال��رواي��ة« ..فماركيز» من الذين �أث��روا في مكتبي. خ�ي��ال��ي و�أدم� �ن ��ت ق� ��راءة رواي� �ت ��ه ،وه�ن��اك ● ●ما تعريفك للكتابة؟ �أ�سماء كبيرة ف��ي ه��ذا الجانب ،وال��روائ��ي الإنجليزي «جيم�س جوي�س» ،وبخا�صة روايته ρ ρالكتابة حالة �شعورية تعبر ع��ن مكنونات النف�س الإن�سانية ور�ؤية العقل للعالم ،وتعبير «يولي�سي�س» ..و«�إرن�ست همنغواي» خا�صة عن حالة الوجود بكل انفعاالته وتناق�ضاته ف��ي روايتيه «ال�شيخ والبحر» و«ل�م��ن تقرع واختالفاته. الأجرا�س». ● ●ما هو الكتاب الأول الذي ن�شرته؟ ρ ρديواني «دم��اء الثلج» عن ن��ادي جدة الأدب��ي الثقافي عام 1998م. ● ●ما هي ظروف الن�شر التي رافقته؟ ρ ρتقدمت به لإدارة نادي جدة وب�شكل مبا�شر لرئي�س النادي �آن��ذاك الأ�ستاذ عبدالفتاح �أبو مدين ،والذي وجدت منه تجاوبا �سريعا لن�شر الديوان ،بعد �أن تم تحكيمه من قبل اجلوبة -ربيع 1436هـ 101
● ●وهل جدواها الآن؟ ρ ρالكتابة فعل �إن�ساني منذ الأزل ،وحتى في �أ�صعب ظروف الحياة التي م َّر بها الإن�سان القديم ،حاول �أن يجد �أدوات للكتابة ،ولوال جدواها لما و�صلتنا كتابات الأوائ��ل ونهلنا منها ،ولما �أث��رى الأوائ��ل التراث الإن�ساني. وفي اعتقادي �أن �أي عطاء كتابي هو �إ�سهام في بناء الح�ضارة الإن�سانية وعمارة الأر�ض؛ وبالتالي �ستظل الكتابة ما بقيت الحياة. ● ●هل حقا الأدب في خطر؟ ρ ρال �أ���ش��ع��ر �أن الأدب ف��ي خ��ط��ر ،لأن الجيد �سيفر�ض ح�ضوره ووج ��وده وا�ستمراريته، وال�ضعيف �سينتهي ويتال�شى ،وبالتالي ال خوف على الأدب حتى من الدخالء عليه.
● ●ماذا علينا �أن نفعل من �أجله؟ ρ ρع�ل�ي�ن��ا �أن ن�ح�ت�ف��ي ب���الأدب���اء الحقيقيين وتكريمهم ،وت�شجيع الأج �ي��ال المتميزة، وتقديم الأ�سماء الجديدة وتناول طروحاتهم و�إنتاجهم بعقالنية ووعي ،و�أن نحاول �إي�صال الأدب العربي �إلى العالمية. ● ●ه����ل ه���ن���اك ���ش��خ�����ص م��ع��ي��ن ����س���اع���دك ف��ي م�شوارك الأدبي تو ُّد �شكره؟ ρ ρالحقيقة �أن الذين �ساعدوني في م�شواري الأدبي كثيرون ،لكن لي�س لهم اليد الطولى في م�ساعدتي ،و�إنما كان دورهم ا�ست�شاريا لي�س �إال؛ ومع ذلك ف�أنا �أ�شكر كل الذين �أ�سهموا في تجربتي ولو كان ذلك بر�أيٍ ب�سيط� ،أو نقد
102اجلوبة -ربيع 1436هـ
● ●هل لديك �أمنية �أدبية تحلم بتحقيقها؟ �ρ ρأهم طموحاتي الأدبية هي �أن ي�صل الأدب العربي �إلى العالمية ،وت�صل طباعة الكتاب ال�ع��رب��ي �إل��ى �أك �ث��ر م��ن مليون ن�سخة حول العالم ،و�أنْ تترجم الأعمال الأدبية العربية �إلى لغات العالم. �أما �أمنيتي الأدبية ال�شخ�صية فهي �أن تترجم تجربتي ال�شعرية �إلى لغات عالمية من خالل م�ؤ�س�سات ودور ن�شر كبيرة. ● ●ه���ل ���س��ت��ح��ل ال�لائ��ح��ة ال��ج��دي��دة ل�ل�أن��دي��ة م�����ش��ك�لات االن��ت��خ��اب والإت����ي����ان ب��ال��دخ�لاء لمجال�س الأندية؟
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
هادف� ،أو ت�شجيع محفز.
ρ ρعدد من الأندية الأدبية ب��د�أ في هذا الفعل الثقافي م��ن خ�لال �إق��ام��ة �أ��س��اب�ي��ع ثقافية م�شتركة ،وال�ف�ك��رة مطروحة على الأن��دي��ة الأدبية ،و�سيكون هناك تفعيل لهذه الفكرة في المراحل القادمة ،علما ب�أن الأندية الأدبية لها ا�ستقاللية في �إقامة الأن�شطة التي تراها تتفق مع ر�ؤية مجل�س الإدارة والجمعية العمومية. ● ●رغ��م تعهد جميع الأن��دي��ة الأدب��ي��ة لوزير الثقافة ال�سابق الدكتور خوجة بتخ�صي�ص منحة ال��ـ 10ماليين ري���ال ،ال��ت��ي �أم���ر بها الملك الراحل عبداهلل بن عبدالعزيز رحمه اهلل عام 1432هـ لبناء مقرات للأندية التي ال تملك مقرات� ،إال �أن المالحظ هو تبديد المبلغ من بع�ض الأن��دي��ة بعد م��رور �أرب��ع �سنوات تقريبا؟ �أين دور الوزارة في متابعة �صرف المبلغ ال�سابق وال�لاح��ق؟ وتحقيق تطلعات مثقفي المناطق؟
�ρ ρستكون الالئحة الجديدة نقطة تحوّل في الأن��دي��ة الأدب �ي��ة؛ ذل��ك لأنها تالفت الكثير من ال�سلبيات ،وقد عمل عليها عدد كبير من المثقفين ..وا�ستمر العمل لأكثر من �سنتين ρ ρهناك مَ ن يتجنى على الأندية الأدبية في هذا حتى تكون متكاملة ،وبطبيعة الحال ..وك�أي عمل �إن�ساني �سيكون هناك تطوير وتحديث ل�ه��ا ب�ي��ن ك��ل ف �ت��رة وف �ت��رة ح�سب مقت�ضى الحال ،وح�سب المالحظات التي قد تطر�أ �أو يكت�شفها المثقفون؛ لكن في المجمل.. الالئحة متميزة ،و�ستلبّي طموحات المثقفين في المرحلة القادمة. ● ●هل هناك نية لعمل برامج موحدة تقوم بها الأندية على م�ستوى المملكة ،على الأقل كم�شترك ت��ق��وم ب��ه �إدارة الأن��دي��ة لخدمة الثقافة في البالد؟
اجلوبة -ربيع 1436هـ 103
الجانب ،ويدّعي �أن الأن��دي��ة الأدب�ي��ة بددت الدعم ال�سابق في غير محله ،وه��ذا مناف للحقيقة ،حيث �أن الأندية التي لها مقرات �سابقة ا�ستغل الدعم في اال�ستثمار العائد بفوائد على ال �ن��ادي� ،أو �أن ال�ج��زء الكبير من المبلغ ما يزال في ح�سابات الأندية� /أو الأندية التي لي�س لها مقار ا�ستغلت المبلغ لبناء مقار لها ،والآن كل الأندية لها مقارات ذات ملكية خا�صة ،ع��دا ن��اد واح��د مازلنا نبحث عن الكيفية التي يمكن من خاللها بناء مقر له. �ρ ρأما الدعم الجديد فهو من م�س�ؤولية معالي وزي��ر الثقافة والإع �ل�ام ،وه��و مَ ��ن �سيوجه ب�صرفه وفق ر�ؤيته للمرحلة القادمة. ● ●متى يتم �إح�لال المجال�س الحالية؟ وما هي �أهم مالمح خطط االنتخابات المقبلة للأندية؟ �ρ ρسيتم �إحالل المجال�س الحالية فور اعتماد ال�لائ�ح��ة ال �ج��دي��دة م��ن ق�ب��ل م�ع��ال��ي وزي��ر الثقافة والإعالم ،والتوجيه بالبدء في ت�شكيل لجنة الع�ضويات ،ثم التوجيه بت�شكيل لجنة االنتخابات.
�أت��وق��ف ع��ن ال��درا� �س��ة طيلة ح�ي��ات��ي ،وق��د ح�صلت على �شهاداتي و�أنا على ر�أ�س العمل في �أغلب مراحل حياتي التعليمية .وحقيقة ال�شهادة العلمية تفتح �آفاقا علمية جديدة للباحث ،وتدفعه �إلى القراءة بعمق وتمحي�ص وتحليل� ،إ�ضافة �إل��ى �أن �شهادة الدكتوراه �أتاحت ليَ التدري�س في الجامعة ،وهو مك�سب علمي كبير بالن�سبة لي.
● ●ع���رف���ت ���ش��اع��را و�إع�ل�ام���ي���ا� ،أك���ث���ر م���ن �أي من�صب �إداري توليته �سابقا ..هل تعتقد �أن المن�صب تكبيل للمبدع؟ ● ●ب��ع��ي��دا ع��ن الأن���دي���ة وه��م��وم��ه��ا� ..أ�صبحتَ م�ؤخرا تحمل درجة الدكتوراه ..ما هي �أبرز �ρ ρأي من�صب �إداري يعد عائقا �أم��ام المبدع، مالمح ر�سالتكم العلمية ،وما هي الإ�ضافة و�إن بن�سب متفاوتة ،وق��د الحظت ذل��ك في التي �أ�ضافتها لتجربتكم الإبداعية؟ الفترة الأخيرة ،فهموم الإدارة والعمل �أخذت
ρ ρاله ُّم العلمي �صاحبني منذ ال�صغر ،وكانت طموحاتي العلمية ال ح��دود ل�ه��ا ،ل�ه��ذا لم 104اجلوبة -ربيع 1436هـ
حيّزا كبيرا من وقتي وجهدي ،وبالتالي �أثر على عطائي الإبداعي والبحثي.
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
محمد عز الدين التازي:
القارىء الناقد هو الذي يمتلك البو�صلة التي تجعله يفرق بين التقليد والتجديد ِّ ■ حاوره :ه�شام بن�شاوي
يعد ال��ك��ات��ب وال��ن��اق��د المغربي د .محمد ع��ز الدين ال��ت��ازي م��ن الأ���س��م��اء ذات الح�ضور ال�لاف��ت ف��ي الم�شهد الأدبي العربي؛ فهو مواظب على الكتابة والن�شر منذ �أربعة عقود ،وتفوق كتبه المن�شورة الخم�سين كتابا .ترجمت بع�ض ق�ص�صه ال��ق�����ص��ي��رة �إل���ى الفرن�سية والإن��ج��ل��ي��زي��ة والإ�سبانية والألمانية وال�سلوفانية ،كما ترجمت روايته: «مغارات» �إلى الفرن�سية ،واختيرت روايته�« :أي��ام الرماد» من بين �أف�ضل ( )105روايات عربية ن�شرت في القرن الما�ضي� ،ضمن ا�ستقراء ن�شرته جريدة الأهرام القاهرية. حا�صل على عدة جوائز �أهمها جائزة فا�س للثقافة والإعالم ل�سنة 1976م ،جائزة المغرب للكتاب مرتين �سنة 1977م ،و2008م عن روايته الأخيرة�« :أبنية الفراغ» .كما حاز على و�سام العر�ش من درجة فار�س ،جائزة الطيب �صالح في دورتها الثالثة (2013 م)عن روايته «يوم �آخر فوق هذه الأر�ض» ،وفي العام نف�سه ح�صل على جائزة العوي�س الثقافية في حقل الق�صة والرواية. للحديث عن �شجون الكتابة ،كان لنا معه هذا الحوار: اجلوبة -ربيع 1436هـ 105
● ●من هو محمد عز الدين التازي؟ ρ ρهو محمد عز الدين التازي� ،إن�سان عادي ج��دا ،ب�سيط� ،سريع ردود الأف �ع��ال ،لكنه ي��واج��ه ال �ن��ا���س ب�ق�ل��ب �أب �ي ����ض ،وم ��ن دون ح�سابات م�سبقة ،يعي�ش على الن�سيان لكي ال يتذكر جروح الما�ضي ،وهو ينت�صر عليها، لأنه كاتب ،ال ُي َعر ُِّف نف�سه ،وال ُي َعرَّف� ،إال من خالل كونه كاتبا. ● ●تعتبر ال��ك��ات��ب ال��م��غ��رب��ي الأغ�����زر �إن��ت��اج��ا، ف�ضال ع��ن التجريب الم�ستمر لمختلف طرائق ال�سرد وموا�ضيعه وفي لغة الرواية وبنائها ..ترى من �أين ي�ستوحي محمد عز الدين التازي �إبداعه؟
من م�ستويات العالم الروائي ،وكل ما ينتمي �إل��ى �صنعة ال��رواي��ة و�أدوات �ه��ا في خلق كتابة ρ ρالكم في حد ذاته ال قيمة له ،وهو ال ي�ستمد جديدة .بهذا المعنى ،فلي�س ثمة م�صدر واحد قيمته �إال م��ن حيث ه��و الو�سيلة التي تكفل من م�صادر اال�ستيحاء، ت�ح�ق�ي��ق ال �ت �ح��والت محمد عز الدين التازي: ولي�س ثمة اعتماد على ال� � �ن � ��وع� � �ي � ��ة ف ��ي ال � �م � �� � �ض� ��ام � �ي� ��ن �أدب بلدان الخليج والمملكة العربية مرجعية معينة ،ولي�س ثمة �أي�ضا ،ا�شتغال على ال�سعودية �أ�صبح مثيرا لالهتمام والأ���ش��ك��ال .عندما تقنية روائية واحدة ،بل ي� ��راه� ��ن ال��ك��ات��ب في العالم العربي ،ال يمكننا الحديث �إن كتابة ال��رواي��ة هي على الكتابة ،ف�إنه �إال عن الكتاب الأقل مبيعا مغامرة متعددة الأوجه، يجد نف�سه ملتزما ولأنها لي�ست �سباحة في ب� � � ��أن ي��ه��ب��ه��ا ك��ل الفراغ ،فهي ت�ستوحي الواقع وتفا�صيل الحياة ا�ستعداداته وطاقاته ،بما تتطلبه من فناء اليومية ،كما ت�ستوحي ال�ت��اري��خ ،وال��ذاك��رة �صوفي ،وعندما ي�شتغل الروائي على التنويع ال�شعبية ،وعوالم الحلم ،والأ�ساطير القديمة كقيمة جمالية ،ف�إنه ي�ضطر �إلى التعامل مع والجديدة ،وك��ل ما يمدها بالدينامية التي الكتابة على �أنها مو�ضوع للبحث في تطوير تجعل منها ت�شكيال �أدبيا ال ي�ستن�سخ الواقع مناحي التعبير عن الواقع بتعدد مرجعياته و�إنما يعيد �صياغته روائيا. ومظاهره وتجلياته� .أعني بالتنويع كل ما ُيوَ�سِّ ُع 106اجلوبة -ربيع 1436هـ
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
● ●ل���م���اذا ه����ذا ال��ق��ل��ق الإب����داع����ي وال�لاي��ق��ي��ن الروائي �شكال وم�ضمونا منذ �أربعة عقود؟ ρ ρالقلق طبيعة مرتبطة ب��الإب��داع ،لأن نظرته للواقع لي�ست كنظرة المحلل االقت�صادي �أو نظرة الم�ؤرخ �أو نظرة الباحث ال�سو�سيولوجي، �أو نظرة الباحث الل�ساني ،فهي نظرة تجمع بين ال��واق��ع كمعطى وبين ط��رائ��ق ت�صويغه �أدبيا ،ومن �أهمها تحويله �إلى متخيل.
المغرب ،فمرحلة ال�سبعينيات م��ن القرن الما�ضي ،كانت ق��د �شكلت رجّ ��ة كبرى في ال��وع��ي االجتماعي وال��وع��ي الجمالي ،وهي الرجّ ة التي حذت بكثير من المبدعين لأن يغامروا بكتابة ق�ص�ص وروايات تمثلت الواقع ال�سيا�سي واالجتماعي م��ن خ�لال نظرتها الإب��داع�ي��ة الخا�صة .قلق ل��م يكن مفتعال، وال �أحد ي�ستطيع �أن يفتعله ،لأنه ي�شكل ر�ؤية للواقع ور�ؤية للكتابة ،ال يف�صل بينهما فا�صل.
هو قلق مرتبط بالكتابة وبالكاتب ،وحيث ال يمكن التجزيء بينهما .قلق الكتابة يتجلى ● ●ه��ن��اك ك��ت��اب ك��ث��ي��رون ك��ت��ب��وا ع��م�لا واح���دا م��ت��م��ي��زا ح��ق��ق��وا م���ن خ�ل�ال���ه ف��ت��ح��ا �أدب���ي���ا في بحثها عن الأ�شكال ،وقلق الكاتب يتجلى جديدا. في الكتابة والمحو ،بحثا عن �صوغ جمالي ممكن لعالم روائي ممكن� .إ�شارتك �إلى �أربعة ρ ρهذا �صحيح ،وهو يتحقق في تجارب قليلة، عقود من القلق الإبداعي تعني تاريخا لتجربة ب��ل ن ��ادرة .لكنه م��ع ذل��ك يبقى الفتح غير في الكتابة الروائية الجديدة ،ت�شاركت فيها ُم َت َمل ِِّك لما �أعنيه بتو�سع العالم الروائي بكل مع كتاب روائيين مغاربة �آخ��ري��ن ،ال يمكن الممكنات التي يزخر بها الواقع بكل تجلياته التغا�ضي ع��ن كونها كانت م�ؤ�س�سة لمعنى وم�ستويات ح�ضوره .قليلون هم الكتاب الذين الحداثة الق�ص�صية والروائية والنقدية في كتبوا ن�صو�صا مفردة تحققت فيها �سمات
اجلوبة -ربيع 1436هـ 107
َت َمل ُِّك واقعها و�سمات ال�صوغ الجمالي ،بما يعني تحوال كبيرا في مفهوم الكتابة وطرائقها في التعبير .مع هذه القلة القليلة من الكتاب، ال بد �أن يوجد كتاب راه�ن��وا على الم�س�ألة نف�سها ،فلم ي�صل بهم الرهان �إال �إلى كتابة �أعمال متعددة ومتنوعة من خاللها يمار�سون البحث في �أ�سئلة الواقع والمتخيل وفي �أ�سئلة الكتابة بو�صفها مختبرا لتجريب العديد من طرائق التعبير واالق�ت��راب من تجليات ال��واق��ع المتعددة والمتنوعة وب��ن��اء �أ�شكال تعبيرية بعيدة عن القوالب الجاهزة� .إ�ضافة �إل��ى ذل��ك ،ف��إن الروائي ال��ذي يكتب رواي��ات متعددة ،ال يناف�س �أحدا ،وال يقيم تحديا مع �أحد ،ولكن ما يتيحه له عمله من خالل كتابة رواي ��ات متعددة هو متابعة التحوالت التي يعرفها المجتمع ،من خالل الر�صد الروائي للظواهر الجديدة.
● ●ما ر�أيك في المغاالة في التجريب؟
هل كان ب�إمكان نجيب محفوظ �أن يكتب رواية واح ��دة ليتحدى بها ال��روائ�ي�ي��ن الآخ��ري��ن؟ نجيب محفوظ م � َّر بتجربة كتابة ال��رواي��ة التاريخية ،ثم انتقل �إلى المرحلة الواقعية، ثم جاءت المراحل الأخرى ،وما كان ب�إمكانه �أن يكتب م�سيرته الروائية من خ�لال عمل روائ��ي واح��د .عبدالرحمن منيف ل��م ُتغَطّ خما�سيته «م��دن الملح» ع��ن باقي رواي��ات��ه الكثيرة الأخرى ،والتي تندرج كلها في التنويع الأدب��ي ،لأن من يقر�أ «ق�صة حب مجو�سية» و«���ش��رق ال��م��ت��و���س��ط» ،و«���س��ب��اق الم�سافات الطويلة» و«النهايات» �سوف يجد نف�سه �أمام
ρ ρالتجريب لي�ست له مقايي�س للمغاالة �أو عدم المغاالة ،لأنه نابع من وعي حداثي �أ�سا�سه ت �ج��اوز ال�ب�ن��اء التقليدي للكتابة ال��روائ�ي��ة ب��دون خطط بديلة ج��اه��زة ،وب��دون �أي��ة نية في ا�ستبدال تلك الأ�شكال التقليدية ب�أ�شكال �أخ��رى لها �سمات معروفة ،ذلك �أن مغامرة الكتابة ،هي التي تقود �إلى �صياغة الأ�شكال المنا�سبة لما ت��روم الكتابة �أن تعبر عنه. لذلك ،فلي�س ثمة ما يمكن �أن يعد تقليال �أو مغاالة في التجريب ،لأن الكتابة التي تتحرر من الأ�شكال الجاهزة يكون عليها �أن تبتدع �أفقها المتحرر الباحث عن �أق�صى درجات
108اجلوبة -ربيع 1436هـ
روائ��ي ي�شتغل على التنويع ف��ي الم�ضامين والأ�شكال� ،إلى درجة �أن القارئ قد ال ي�صدق �أن كاتب «ق�صة حب مجو�سية» هو نف�سه كاتب «�شرق المتو�سط» ،ربما لأن القارئ الب�سيط ال ي�ستوعب �آفاق وممكنات هذه المغامرة التي ت�سمى الكتابة .الرواية العربية اليوم ،ت�شهد ح�ضور كتّاب روائيين ينتمون �إلى ال�سبعينيات م��ن ال�ق��رن الما�ضي ،م��ع ا�ستمرارهم في الكتابة والن�شر ،وكلهم ا�شتغلوا على الكم الذي يفرز النوع .يمكن �أن �أذك��ر هنا بع�ض الأ�سماء� :إبراهيم عبدالمجيد من م�صر، �إليا�س خ��وري من لبنان ،نبيل �سليمان من � �س��وري��ة ،وا��س�ي�ن��ي الأع� ��رج م��ن ال �ج��زائ��ر، وغيرهم ممن لفتوا االنتباه �إلى �أن كل واحد منهم قد تجاوز عدد الروايات التي ن�شرها ع�شر روايات.
● ●ما ت�سميه �أدب��ا ج��دي��دا� ،أال ي�سهم في نفور القارئ؟ ρ ρعن �أي ق��ارئ تتحدث؟ �أت�صور �أن القارئ الذي يَمثُل �أمام الروائي وهو يكتب روايته هو القاري ال�ضمني� ،أو القارئ المحتمل ،وهو قارئ غير مبا�شر ،لي�س له ح�ضور فعلي؛ �أما القارئ الناقد ،فال�شك �أنه يمتلك البو�صلة التي تجعله ُي�ف��رق بين التقليد والتجديد، وهو نف�سه ،و�إن كان ناقدا تقليديا ف�ستن�شب العداوة بينه وبين الن�صو�ص الجديدة ،لأنه ال يمتلك �أدوات قراءتها ،والذنب هنا لي�س ذنب تلك الن�صو�ص ،و�إنما هو �سياق و�ضعية ثقافية يت�صارع فيها الجديد والقديم. �أما القارئ العادي ،الم�ستهلك ،فال ندري �أية ن�صو�ص تثير رغبته �أو نفوره ،لأننا ال نتوفر على درا� �س��ات ت�ن��درج �ضمن �سو�سيولوجية ال �ق��راءة ،تحدد لنا طبيعة ال �ق��راء ،وم��اذا
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
التعبير المالئمة لما يعتبر �أدبا جديدا.
يقر�أون ،وما هي الكتب التي تثير �إقبالهم �أو نفورهم .ك�أني بك و�أنت تطرح هذا ال�س�ؤال، تتهم الأدب الجديد ب�أنه ُي َن ِّف ُر القارئ منه؛ بينما كل �أدب� ،سواء �أكان قديما �أم حديثا، يحتاج �إلى �أدوات قراءته ،وهي �أدوات ال توجد جاهزة ،و�إنما يكت�سبها القارئ من �إقباله على القراءة وا�ستيعاب الن�صو�ص ومناحيها التركيبية وال��دالل�ي��ة ،وق��د تكون اال�ستعانة بالنقد مفيدة في هذا المجال ولكنها غير كافية؛ لأن ا�ستعدادات القارئ هي الأ�سا�س الأول لخلق عالقته مع الن�ص ،وهذه الو�ضعية تنطبق بكل ت�أكيد على الن�صو�ص القديمة وال �ج��دي��دة ع�ل��ى ال �� �س��واء .وم ��ن ي�ست�سهل ن�صو�ص الأدب القديم ،هو من غير �شك ال يعرف عنها �شيئا� .إن التمر�س بالقراءة هو ما يُجَ لِّي للقارئ المدركات العقلية والح�سية التي يقدمها الأدب ،وعلى ر�أ�سها ما ي�سمى بالذوق الأدبي� ،أو ما ي�سمى بالح�سا�سية الأدبية. ● ●ب��ع��د م�����س��ارك ال���روائ���ي ال����ذي �أن���ج���زت فيه �أع����م����اال ع����دي����دة ،ه���ل ت��ج��د �أن ال��ن��ق��د قد �أن�صفك؟ ρ ρيجب �أن نبتعد عن تلك النظرة التقليدية ال�ت��ي ظلت تنظر �إل���ى النقد على �أن���ه تابع ل�ل�إب��داع .علينا �أن نفكر اليوم ،ب��أن الناقد هو مبدع �آخر ،يبدع قراءته للن�ص الروائي، وه��و ال ي�سعى �إل ��ى �إن �� �ص��اف �أح ��د �أو ظلم �أحد ،بل ي�سعى �إلى ت�أ�سي�س مفاهيم جديدة وم �ت �ج��ددة ت�سعف ف��ي ال�ك���ش��ف ع��ن �أبنية الن�صو�ص الروائية وجمالياتها وفرادتها في
اجلوبة -ربيع 1436هـ 109
التعبير عن مو�ضوعها� .شخ�صيا ،لم �أفكر في يوم من الأي��ام في م�س�ألة ظلم النقد �أو �إن�صافه لأعمالي ،لأنني عندما �أن�شر العمل الروائي �أن�شغل بعمل �آخر ،وذلك لأن �شغلي الحقيقي هو �أن �أكتب ،ال �أن �أتطلع �إلى تقييم ردود الفعل التي خلفتها �أعمالي المن�شورة �سابقا .مع ذلك ،فقد كتبت درا�سات نقدية يفوق عدد �صفحاتها ع�شرات المرات عدد ال�صفحات التي كتبتها ،من مقاالت نقدية وبحوث جامعية �أنجزت في مختلف الأ�سالك وفي العديد من الجامعات المغربية والعربية والأجنبية� .أ�سمي ذلك اهتماما ،و�أنا �أ�شكر كل المهتمين ب�أعمالي الروائية والق�ص�صية، وال �أ�سميه �إن�صافا .هذا االهتمام ،هو م�صدر �سعادة لي ،يُ�شعرني ب�أنني �أحيا مع الآخرين، و�أن ن�صو�صي الروائية تحيا عبر القراءة، و�أنها ت�شكل جزءًا من وجدان و�ضمير العديد من القراء. ● ●ت���واظ���ب ع��ل��ى ك��ت��اب��ة ال��ق�����ص��ة ال��ق�����ص��ي��رة، وال��رواي��ة ،في حين تراجعت الق�صة عربيا ل�����ص��ال��ح ال�����رواي�����ة� ،إل�����ى م�����اذا ي���ع���زى ه��ذا التراجع؟ ρ ρلعل العامل الأول في هذا التراجع ،يعود �إلى كون المجتمعات العربية قد �أخذت التو�سع، بظهور مظاهر ج��دي��دة للعي�ش ،وال��رواي��ة بطبيعتها هي الجن�س الأدبي الذي ي�ستطيع �أن ي�ستوعب تعدد مظاهر العي�ش وتعدد المواقف منه� .أما الق�صة الق�صيرة ،فهي جن�س �أدبي يقوم على اللحظة المكثفة ،القائمة على 110اجلوبة -ربيع 1436هـ
و�ضع �صغير يدل داللة بالغة على ما هو �أعم منه و�أ�شمل ،وه��ي بارقة �أدب��ي��ة تعتمد على االقت�صاد ال�ل�غ��وي ،بينما ال��رواي��ة ه��ي فن التفا�صيل. ولعل المجتمع العربي ،والكاتب العربي اليوم، قد �أ�صبحا في حاجة �إلى هذه التفا�صيل التي تبني عالما روائ�ي��ا ي�ضاهي العالم الماثل �أو ال ي�ضاهيه ،بح�سب ن��زوع��ات ال�ك� ّت��اب واتجاهاتهم في الكتابة .مع ذلك ،ف�إن الق�صة الق�صيرة لم تفقد الحاجة �إليها ،لأنها جن�س �أدب��ي له جمالياته الخا�صة في التعبير عن اللحظة والموقف .وال يمكن للقارئ العربي �أن ين�سى �أو يتنا�سى الإبداعات الق�ص�صية التي �أبدعها كتاب عرب ،حققوا لهذا الجن�س الأدبي الجميل ح�ضوره الخا�ص والمتميز في الم�شهد الإبداعي العربي.
ρ ρي�صعب �أن �أغامر بتقديم انطباعات �سريعة تقود �إلى �أحكام مرتجلة حول مو�ضوع دقيق يحتاج �إلى درا�سات مطوّلة وتمحي�ص دقيق. وه��ذا الكالم لي�س تهرّبا من ال�ج��واب على �س�ؤالك ،بل هو حر�ص مني على �أال �أتورط في �أحكام القيمة والتعميم ،و�إ�سقاط تجربة بلد عربي على بلد عربي �آخر؛ �سيما و�أن ال�س�ؤال يتعلق بالم�شهد الأدب��ي العربي؛ وهو م�شهد تح�ضر فيه كل الأجنا�س الأدبية ،من رواية و�شعر وق�صة ق�صيرة وكتابة م�سرحية وكتابة للأطفال وكل ما ينتمي �إلى التعبير الأدبي. لعل ت�أمُّل هذا الم�شهد ،يدعو �إلى ا�ستح�ضار ر�ؤي���ة �شمولية ت��ق��ر�أ تحوالته الكبرى ،التي ترتبط من دون �شك بتحوالت �أخرى عرفها ● ●م���ا ت��ع��ل��ي��ق��ك ع��ل��ى ت��ل��م��ي��ع ال���ن���ق���اد لبع�ض ال��ن�����ص��و���ص ال��رك��ي��ك��ة ع��ل��ى ح�����س��اب ك��ت��اب��ات ويعرفها المجتمع العربي من المحيط �إلى متميزة؟ الخليج� .أي �أن كل �أدب ،وه��و يتحول� ،إنما يتحول لأنه ي�ؤ�س�س لح�سا�سية جمالية جديدة ρ ρللنقاد هفواتهم ،كما للمبدعين هفواتهم .مع ت�أتي نتيجة لمتغيرات في المجتمع نف�سه، ذلك ،ف�أنا ال �أت�سامح مع نقاد كثيرين ر�أيتهم وبهذه الآلية في التفكير النقدي يمكن �أن يبدون �شيئا من الملق لن�صو�ص �ضعيفة ،لأن نقر�أ الكثير من الظواهر الأدبية ،في عالقتها ذلك ُي َو ِّل ُد عقد الغرور والأنانية ،من قبل كتاب بمجتمعها ،وم��ن بينها م��ا �سمّي بالموجة �صغار يتطاولون على كتاب كبار بنرج�سيتهم الجديدة في م�صر ،والتي ظهرت بعيد نك�سة وهم يقولون« :الناقد الفالني قال عني كذا، 1967م ،وما �أنتجته الحرب الأهلية في لبنان والناقد الفالني قال عن روايتي كذا وكذا». من �أعمال روائية ،وما كان من �أثر الكت�شاف الأم��ر ي�شبه فقاعات ال�صابون ،وال�شك �أنه النفط في دول الخليج العربي على الكتابات يدل على قيم �أخالقية غير �سويّة لدى بع�ض الروائية الخليجية. النقاد ،وعن انتهازية بالغة.
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
● ●ما تقييمك للم�شهد الأدبي العربي الراهن؟
ال�سعودية لم تعد مناطق عربية مهم�شة ،بحكم الح�ضور الأدبي المكثف لم�صر وبالد ال�شام، بل �إن الأدب الذي �أنتجته هذه المناطق قد �أ�صبح مثيرا لالنتباه .كما �أن المنا�سبات الثقافية التي تعقد في بع�ض بلدان الخليج، والجوائز الإبداعية والثقافية التي ا�شتهرت بها بع�ض هذه البلدان ،هي عالمة بارزة على تغيّر في الخريطة الأدب�ي��ة العربية ،و�أعني �أن ه��ذا التغير ق��د فعل ف��ي ن��وع م��ن انتقال ثقافة المركز �إلى ما كان هام�شا ثم �أ�صبح هو المركز .ولعل الباحثين في �سو�سيولوجيا الثقافة ،يعرفون كيف يقدمون� ،أف�ضل مني، تو�صيفا دقيقا لهذه التحوالت التي تقع بين محيط الثقافة العربية ومركزها.
ρ ρن�لاح��ظ ال �ي��وم �أن ب �ل��دان ال�م�غ��رب العربي ● ●���س��ب��ق ل��ك �أن ق��ل��ت« :ال���دارج���ة ه��ي �إح���دى وبلدان الخليج العربي ومنها المملكة العربية الإح������االت الإب���داع���ي���ة ال��ت��ي ي��ت��م اال���س��ت��ن��اد اجلوبة -ربيع 1436هـ 111
�إليها لإب���راز هويتنا وت��راث��ن��ا»� .أال ت��رى �أن بع�ض المتع�صبين للغة العربية الف�صيحة يعار�ضون هذا الر�أي؟ �ρ ρأن��ا م��ن �أن���ص��ار اللغة العربية ف��ي التعليم والإدارة ،ول�ست خارجا عن حب المغاربة للغة العربية التي ت�شكل ج��زءًا من هويتهم الثقافية� ،إل��ى جانب الأم��ازي�غ�ي��ة .ه��ذا من جانب ،ومن جانب �آخر ،ف�إن م�س�ألة الكتابة الأدبية ،هي م�س�ألة لها �ش�أنها الخا�ص ،هو ما ينتمي �إلى ال�سياق الأدبي و�إلى لغات الن�ص الروائي ،التي تتعدد ،وفي تعددها واال�شتغال عليها ما ي�ضفي كثيرا من الأدبية على الن�ص الأدبي. لذلك ،فال�سياق الذي تحدثت فيه عن ح�ضور الدارجة هو �سياق �إب��داع��ي ،يتعلق بالكتابة ال��روائ�ي��ة ،وه��و �أي�ضا �سياق خا�ص لأنني ال �أتحدث عن لغة الحوار ،بل �أتحدث عن لغة ال�سرد .يمكن للغة ال�سرد �أن ت�ستعمل الدارجة ال�م�ح�ل�ي��ة ،لأن ب�ه��ا في�ضا م��ن الأم��ث��والت وال �ع �ب��ارات ال�م���س�ك��وك��ة ،وب�لاغ��ة الت�شبيه والت�صوير ،وفي هذا الو�ضع ما ال يناف�س اللغة العربية الف�صحى ،وال يم�س من مكانتها ،بل فيه ما ُيوَ�سِّ ُع من طاقات الكتابة وتجذيرها ف��ي ال �ح �ي��اة ال�ي��وم�ي��ة م��ن خ�ل�ال خ�ط��اب��ات ال�شخ�صيات التي تزخر بالأبعاد المحلية .كل جهة �أو مدينة لها لهجتها المحلية التي تزخر بثقافتها الخا�صة ،بكل ما ي�سعى الل�سان �إلى التعبير عنها ،تعبيرا له بالغته. المتع�صبون للغة العربية الف�صحى ،و�أنا من 112اجلوبة -ربيع 1436هـ
بينهم ،يجب �أن يتوجه تفكيرهم �إلى تعريب التعليم والإدارة� ،إن لم تكن هذه الدعوة تلقى معار�ضة من الجانب الأمازيغي ،الذي يجب اح�ت��رام �صوته ووج��وده في لغته .كما يجب على ه�ؤالء المتع�صبين للعربية الف�صحى �أن يحترموا خ�صو�صية الدارجة كلغة محلية، لأنها �-شا�ؤوا �أم �أب��وا -هي اللغة الم�ستعملة في الحياة اليومية ،و�إن لم يحترموا التراث ال�شعبي ال��ذي يقوم وج ��وده على اللهجات المحلية ،ف��إن الأم��ر �سوف ي ��ؤدي �إل��ى �إب��ادة لكل ق�صائد الملحون ،وك��ل ق�صائد ال�شعر ال�ح���س��ان��ي ،ع�ل��ى ق ��وة ب�لاغ�ت�ه��ا ومتخيلها وجماليتها في العبارة وال�صورة� .إن ق�ضية اللغة ،هي ق�ضية ثقافية وال ينبغي لها �أن ت�صبح محل مزايدات �سيا�سية �أو خطابات �إيديولوجية ،كما كان الحال في زمن ارتفع فيه �صوت القوميين العرب ،وهم ينادون يقيمون خطابهم على �أن وحدة اللغة العربية هي جزء من التعبير عن وحدة ال�شعب العربي ،والآن ها نحن نرى �أن لل�شعوب العربية لهجاتها ،بل لل�شعب الواحد لهجاته �أي�ضا؛ فما الذي فعلته تلك الخطابات الإيديولوجية بتغيير الواقع اللغوي العربي ،وما ينت�شر فيه من لهجات ل�صالح انت�شار حقيقي للغة العربية؟ �أعود للقول �إن لغة الإبداع هي التي يمكن �أن تجمع بين اللغات في ن�ص واحد ،ولي�س من قبيل الم�شابهة ،فالقر�آن الكريم نزل بلغة قري�ش ،ومع ذلك فقد ا�ستعمل كلمات �أجنبية عن هذه اللغة ،من دون �أن ُيفْ�سِ دَ ذلك من
م�������������������������واج�������������������������ه�������������������������ات
جماليته وبالغته .مع هذا ف�إن م�شكلة �أخرى تبرز ل��دى مَ ��ن يكتبون بالعربية �أو ينطقون بها ،وهي التي تتجلى في ا�ستباحتهم لقواعد اللغة ،حتى �أ�صبح الو�ضع مقلقا ،وحيث ترد على �أل�سنة مقدِّ مي الأخبار والبرامج باللغة العربية ،وعلى �أقالم بع�ض الكتاب ال�شباب، عبارات ال تحترم فيها �أب�سط قواعد اللغة ال��ع��رب��ي��ة ،ويمكن مالحظة ه��ذه الو�ضعية الم�شينة ف��ي خطب ال� ��وزراء ال �ع��رب ،وهي مع�ضلة يجب على المتع�صبين للغة العربية �أن ينظروا فيها ،و�أن يتركوا للن�ص الإبداعي حريته في ذلك التعدد اللغوي ،بين الف�صحى وال��دارج��ة .وحتى في حالة الإب��داع ال�شعري باللغة العربية ،ال��ذي يكتبه بع�ض ال�شبان ● ●ما ر�أيك في ظاهرة الكتب الأكثر مبيعًا؟ ال��ع��رب ،فيمكن مالحظة انت�شار الأخ��ط��اء اللغوية .وم��ن الطرائف �أن��ي وج��دت ناقدا ρ ρظاهرة نادرة الوقوع في العالم العربي ،وهي في المغرب ،لم ترتبط �إال بكتب قليلة كان من �أدبيا يف�سر الأخطاء اللغوية ب�أنها تحقق نوعا بينها كتاب �صديقي محمد �شكري« :الخبز من االنزياح اللغوي ،وبالرجوع �إلى النظرية الحافي» ،الذي باع في طبعاته الأولى �أزيد من ال�شعرية ،ونظرية االن��زي��اح خا�صة ،ف�إنها ع�شرين �ألف ن�سخة ،وهو العدد الذي يفوق تنبني على �إ�ضفاء معنى جديد على الكلمة بكثير ما تبيعه الكتب الإبداعية المقررة في �أو التركيب اللغوي ،وهو المعنى الجديد يقوم الثانوي ،نظرا الت�ساع قاعدة التالميذ القراء على معنى �سابق ،هو المعنى الأ�صلي� ،أي �أن والأ�ساتذة المقرئين لهذه الن�صو�ص .غير تحويرا �أدبيا قد مار�س نوعا من الخرق على �أن ظاهرة الكتب الأكثر مبيعًا ،في �سياقها المعنى اللغوي الأول فقاده �إلى معنى �آخر .قد العالمي ،يرتبط بالكتب التي تثير مو�ضوعاتها ت�ؤدي بع�ض الأخطاء المطبعية ،التي تحذف �ضجة من ال�ضجات الإعالمية� ،أو تحيل على النقطة من حرف في كلمة فيتغير معناها، تجارب اجتماعية تقع في الهام�ش االجتماعي وق��د ي�ت��م ن�ح��ت الكلمة ل �ت ��ؤدي معنى غير كتلك ال�سير الذاتية التي كتبها مهم�شون عن معناها الأ�صلي ،وقد ينحو المبدع نحو كثير �أو�ضاعهم في الهام�ش االجتماعي .مع �أن من الخروقات اللغوية ،كان من بين �أ�شهرها الأدب الف�ضائحي يحظى في �سوق الكتاب �إدخال «ال» التعريفية على الفعل ،في حين،
وعلى الم�شهور بين النحاة �أنها ال تدخل �إال على اال�سم� ،أو ا�ستعمال «ال��ل��ذون» بدال من اللذين قيا�سا على قول القائل :نحن اللذون َ�صبَّحُ وا ال�صباحا .المفردة �أو التركيب يتم خرق طبيعتهما الأ�صلية في اتجاه بناء طبيعة جديدة ،وه��و ما يفارق بين ما ك��ان �سيكون عليه المعنى الأول وب�ي��ن م��ا ي�صبح عليه المعنى الثاني .فما معنى الت�سيب ،وعدم اح �ت��رام ق��واع��د اللغة العربية ف��ي الإع�لام وال �م �ج��االت الر�سمية؟ ه��ذه ه��ي المعركة التي على المتع�صبين للغة العربية ،و�أنا من بينهم� ،أن يخو�ضوها� ،أما �ش�أن الإبداع فيجب �أن يبقى متروكا للإبداع.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 113
الأوربية ب�أف�ضل المبيعات .في �أوربا ،الكتب التي تح�صل على ال�ج��وائ��ز ،تحقق �أف�ضل المبيعات� .أما في العالم العربي ،ف�إن الكتب التي تح�صل على الجوائز ،ال يلتفت �إليها النا�شرون �أو القراء� ،أما الكتب التي تحقق رواجا محدودا ،فهي التي تتعر�ض للمنع من قبل ال�سلطات ال�سيا�سية ،وم��ا دام��ت تلك ال�سلطات نف�سها قد اكت�شفت �أن منع الكتاب ي�سعى لترويجه في ال�سوق ال�سوداء ،فقد لج�أت �إلى �أ�ساليب �أخرى لمنع طبعه وانت�شاره. عموماً ،فهذه الو�ضعية ،و�ضعية الكتب الأكثر مبيعًا ،هي ظاهرة �أورب �ي��ة ،ترتبط بثقافة ال �ق��راءة ف��ي مجتمع ق��ارئ� ،أم��ا ف��ي العالم العربي ،ونظرا لمحدودية عدد القراء ،وتوزع اهتماماتهم في ال�ق��راءة ،ف�إننا ال ن�ستطيع �أن نتحدث �إال عن الكتاب الأقل مبيعًا ،وهو حديث �شائع بين الكتّاب والنا�شرين. ● ●الرواية وال�سينما� ،أي عالقة؟ ρ ρهي عالقة �إ�شكالية بالت�أكيد .يرجع الإ�شكال �إلى مجموعة من العوامل ،من بينها النظرة التي يملكها المخرج عن العمل الروائي ،وهي نظرة ترتبط بطريقة عمله ف��ي الإخ ��راج، وه ��ذه ال��و��ض�ع�ي��ة ،ت� ��ؤدي �أح �ي��ان��ا ف��ي تغيير ج��وه��ري ف��ي �أب�ع��اد العمل ال��روائ��ي .يتجلى هذا الو�ضع في الأعمال الروائية التي حظيت ب�أكثر من تجربة في الإخ��راج ،والمثال من الرواية الرائعة« :الحرب وال�سلم» لتول�ستوي، ف��ي طبعتها الرو�سية وطبعتها الأمريكية. وت�ؤدي هذه النظرة �أي�ضا� ،إلى ت�سطيح العمل 114اجلوبة -ربيع 1436هـ
الروائي في �أحيان �أخرى� ،إلى درجة �أنه يفقد عمقه االجتماعي والإن�ساني ،كما حدث مع رواية �أرن�ست همنغواي« :ال�شيخ والبحر» .وفي �أحيان نجد �أن القيمة الجمالية للروايةُ ،ت ْف َت َق ُد تماما ،كما حدث مع رواي��ة نجيب محفوظ: «ميرامار» ،القائمة على وجهة النظر ،التي لم يتمكن المخرج من �إنجازها على ال�شا�شة، فحوّل ال�سرد �إلى خطية �أفقدت ال�شخ�صيات وظ��ائ�ف�ه��ا ال �� �س��ردي��ة ،وم��ن ث��مَّ ف�ق��د فقدت الرواية وهي تتحول �إلى �شريط �سينمائي �أهم خا�صية �سردية جمالية اخت�صت بها حتى من بين رواي��ات نجيب محفوظ نف�سه .و�أنا مرة �أخرى �أ�ؤك��د على نظرة المخرجين لعملهم، لأن م�س�ألة نقل ال�سرد الذي يعتمد على اللغة المكتوبة �إلى ال�سرد الذي يعتمد على ال�صورة لي�ست هي العامل الحا�سم في �ضعف الأفالم الم�أخوذة عن �أعمال روائية ،ففي كثير من الأمثلة ،نجد المخرجين يكتبون �شريطهم بوا�سطة ال�صورة ،ب�صرف النظر عن الحمولة االجتماعية والجمالية التي تزخر بها الرواية التي ما تحولت �إال لمو�ضوع للفيلم .لقد نجح الكثير من الأف�لام التي لج�أت �إل��ى رواي��ات واقعية فا�ستغلت موادها الحكائية وف�ضاءاتها ب�شكل جيد ،ولكن هذا النجاح ال يغطي على كثير من الف�شل في �إيجاد عالقة متوازنة بين الرواية وال�سينما.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
�شعر البديهة.. و�سحر االرتجال ■ غازي خريان امللحم*
�شعر البديهة واالرتجال �أحد الأفنان التي ازدهرت في دوحة ال�شعر العربي ،الذي ولد وترعرع في حجر الحقبة الجاهلية ،ثم انطلق محلقاً في الآف��اق في ظل المد الإ�سالمي المجيد ،ف�شذبت عبارته ..والنت مفرداته ،وتخل�ص من �شوائب اللفظ، ووح�شي الكالم ،وقد و�صفه ال�شاعر بقوله: وهبَّ هبوبُ الريحِ في الب ِّر والبحر ال�شم�س في ك ِّل بلدة ِ و�سا َر م�سرى والبديهة ر ُّد فعلٍ غام�ض عمره من عمر الآداب والفنون والعلوم المختلفة للعالقة الجدلية التي تربط هذه المجاالت بمزاج المبدع وتقلّباته ،وما ال�شعر �إال �أحد هذه الفروع ولربما �أهمها؛ لقول الم�سعودي في كتابه القيم» مروج الذهب»: ال �أم امر�أة� ،صغيرا « نظم ال�شعر �سليقة مت�أ�صِّ لة في جذر كل عربي� ،سواء كان رج ً �أم كبيرا� ،إذ كان العربي يقف الموقف فينطق بال�شعر ،وك�أن �صورة معلقة على طرف ل�سانه». وفي كتابه الرائع «ترا�سل الفنون» يرد الفيل�سوف الفرن�سي «ايتان �سوريو» حالة البديهة �إلى ما ي�سميه �ضغط اللحظة ،ف�إن اال�ستجابة لهذا ال�ضغط تو ِّل ُد لدى ال�شاعر ر�ؤىً وخياالتٍ ينتج عنها �إبداعات �شعرية غاية في الكيا�سة والجمال. اجلوبة -ربيع 1436هـ 115
ف�أجابت الزوجة على البديهة:
وكان �سقراط �أول من رد الف�ضل في نظم ال�شعر �إلى البديهة عندما قال: �أذك�����������ر ����ص���ب���اب���ت���ن���ا �إل������ي������ك و����ش���وق���ن���ا «�أدرك ��ت �أن ال�شعراء ال يكتبون ال�شعر لأنهم وارح���������������م ب�����ن�����ات�����ك �إن��������ه��������ن �����ص����غ����ار حكماء ،بل لأن لديهم طبيعة وهمة قادرة على �أن ف�أ�شفق الزوج على �أ�سرته ،و�آثر البقاء في بيته، تبعث فيهم حما�سة الإن�شاد ،وت�شرّع في قرائحهم و�أبطل عادته تلك. نوافذ الإبداع» .ومعنى ذلك �أن ال�شعراء يلهمون ما ال�صغار و�شعر البديهة يقولون من نظم على البديهة. ولم يكن �شعر البديهة وقفا على الكبار وحدهم ،بل و�أتبع �أفالطون الحقا المذهب نف�سه ،عندما ر�أى�« :إن الكالم الجميل ال��ذي ينثال على �شفاه نجده عند ال�صغار �أي�ضا ,وقد ُروِيَ عن معن بن زائدة، ال�شعراء ،نتيجة لموقف ما ،لي�س من �صنعهم ،وال لدى خروجه �إلى ال�صحراء مع ثلة من خا�صته ،و�أثناء �سيرهم و�سط مفازة قفر ،ا�ستنفدوا كل ما لديهم من لديهم دخل فيه� ،إنما هي البديهة يلهمونها». ماء ،فانتابهم عط�ش �شديد ،وبينما هم كذلك ،و�إذ �أم��ا ال��ع��رب فقد ن�سبوا معظم �شعرهم ال��ذي بثالث فتيات �صغيرات برزن من جوف واحة قريبة، حاكوه على البديهة� ،إل��ى وادي عبقر ،الم�سكون وهن يحملن ِق�رَبَ الماء على متونهن ،فا�ست�سقاهن بعمالقة الجن ،ومنهم ي�أتي م�صدر الإلهام ،وتم�شيا معن ،فلبين طلبه عن طيب خاطر ،و�شرب هو و�صحبه مع هذا االعتقاد ،يظن �أكثر ال�شعراء �أن لهم قرناء حتى اكتفوا ..فقال لأحد �أعوانه: ي�سمون ب�شياطين ال�شعر ،وك��ان ال�شاعر منهم « هل بقي معك �شيء من نفقتنا؟ يتباهى بمنزلة قرينه الذي يلهمه القري�ض ،فيذكر فرد الرجل« :ال واهلل يا �أمير ،لقد وهبت كل ما �أحد الرُّجاز ،ب�أن رئي�س الجن نف�سه يزوده ب�أنواع لديك لأبناء ال�سبيل وطرّاق الفيافي». القول وفرائد الكلم ،وين�شد مفتخرا: فما كان من معن �إال �أن دفع لكل واحدة منهن وان����������ي و�إن ك����ن����ت ����ص���غ���ي���ر ال�������س���ن وك���������������ان ف���������ي ال������ع������ي������ن ن������ب������و ع���ن���ي ع�شرة �أ�سهم �صنعت ن�صالها من الذهب الخال�ص، ف��أن���ش��دت الأول� ��ى ع�ل��ى وح��ي ال �خ��اط��ر ،مدفوعة ف����������ان �����ش����ي����ط����ان����ي رئ�����ي�����������س ال����ج����ن ببديهتها الحا�ضرة:
ي�������ذه�������ب ب���������ي ب�����ال�����������ش�����ع�����ر ك���������ل ف���ن
وم ��ن ال �� �ش��واه��د ال�ط��ري�ف��ة ال �ت��ي تتعلق بهذا المو�ضوع ،ما روي عن �أح��د الأع��راب ،وك��ان يكثر من ال�سفر والغياب ،وفي يوم هي�أَ ال��زاد والراحلة ا�ستعدادا للم�سير ،ف�شق الأمر على زوجته ،فعاتبته بذلك ،فقال مرتجال:
ي�����رك�����ب ف������ي ال���������س����ه����ام ن���������ص����ال ت��ب��ر وي����رم����ي����ه����ا ل����ل����ع����دى ك�����رم�����ا وج�������ودا ف�������ل�������ل�������م�������ري���������������ض ع��������ل��������اج ج�������������راح و�أك���������ف���������ان ل�����م�����ن �����س����ك����ن ال�����ل�����ح�����ودا وقالت الثانية:
اح�����ص��ي ال�����س��ن��ي��ن ل��غ��ي��ب��ت��ي وت�����ص��ب��ري وم � � �ح� � ��ارب م � ��ن ف � � ��رط ج � � ��ود ب �ن��ان��ه ع����م����ت م����ك����ارم����ه الأق��������������ارب وال�����ع�����دا وع����������دي ال���������ش����ه����ور ف������إن�����ه�����ن ق�������ص���ار 116اجلوبة -ربيع 1436هـ
وقالت الثالثة: ف�سكتوا عنهم ،واكتفوا بحجزهم ,وبالغوا في �إكرامهم ظنا منهم �أن �آباءهم من خوا�ص النا�س م������ن ج����������وده ي�����رم�����ي ال������ع������دا ب�����س��ه��م م���ن ذه����ب الأب����ري����ز ���ص��ن��ع��ت ن��وا���ص��ل��ه��ا وعليّة القوم. وف��ي ال�صباح ،عر�ضوهم على الحجاج ,ولما ل���ي���ن���ف���ق���ه���ا م����ج����روح����ه����ا ف������ي دوائ��������ه وي�������ش���ت���ري الأك������ف������ان م���ن���ه���ا ق��ت��ي��ل��ه��ا ك�شفوا عن �أنف�سهم ،ف�إذا بالأول ابن حجّ ام ،والثاني ابن طبّاخ ،والثالث ابن ن�سّ اج. ف�ضحك معن م��ن ظ��ري��ف �شعرهن ،و�سرعة وك��ان الحجاج ك�سائر العرب يعجب بالكلمات بديهتهن ،وح�سن بالغتهن ،وق��ال « :لم �أر �أعجب من ه��ذا اليوم ق��ط� ،إنها بديهة ال�ب��داوة و�سرعة البليغة ,والتي ت��دل على ح�ضور البديهة و�سرعة الخاطر ,ورجاحة العقل ,فنظر �إلى مَن حوله، خواطر الأعراب». و�أن�شد: وق��ري�ب��ا م��ن ذل��ك م��ا ُي���روى ع��ن ال�ح�ج��اج بن يو�سف الثقفي ،عندما �أمر بمنع التجوال ليال في ت���ع���ل���م ف���ل���ي�������س ال�����م�����رء ي����ول����د ع��ال��م��ا �شوارع بغداد ،وبينما رج��ال ال�شرطة يع�سون في ول���ي�������س �أخ������و ع���ل���مٍ ك���مَ���ن ه����و ج���اه��� ُل بع�ض الأحياء ،و�إذ بثالثة من الفتيان يت�سكعون في ف�����������إ َّن ك���ب���ي���ر ال�����ق�����وم ال ع����ل����م ع���ن���ده الطرقات ،ف�س�ألوهم عن حالهم ،وماذا يعملون في ���ص��غ��ي�� ٌر ول����و ال��ت��ف��ت ع��ل��ي��ه ال��م��ح��اف�� ُل هذا الليل البهيم ،على الرغم من حظر التجوال، الكبار ,و�شعر البديهة فقال الأول على البديهة: هذا وقد يَ�سْ مو �شعر البديهة �إلى مرتبة عالية من �أن����������ا اب��������ن مَ��������ن دان����������ت ال�������رق�������اب ل��ه م�������ن ب�����ي�����ن م�����خ�����دوم�����ه�����ا وخ�����ادم�����ه�����ا البالغة ,قلّما ي�صل �إليها �شعر الرواية وال�صنعة, وقد تنتهي �إلى م�ستوى الكمال ال�شعري التام ,كما ت������أت�����ي�����ه ب�����ال�����رغ�����م وه���������ي �����ص����اغ����رة ف��������ي���������أخ��������ذ م����������ن م�������ال�������ه�������ا ودم�������ه�������ا نلم�س من هذا الحوار الذي جرى على البديهة بين �شاعرين جاهلين ,هما ام��ر�ؤ القي�س ,وعبيد بن و�أن�شد الثاني: الأبر�ص ,ومو�ضوعه �أ�شياء �ألغزا بها �شعرا ,وجاءت ه��ذه الأح��اج��ي على ال��وزن نف�سه والقافية ذاتها, �أن����ا اب���ن ال����ذي ال ي��ن��زل ال���ده���ر ق���دره و�إن ن���������زل ي������وم������ا ف�����������س�����وف ي����ع����ود وكانت البادرة من قبيل عبيد الذي بد�أه مت�سائال:
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
���ص��ي��غ��ت ن�������ص���ال ���س��ه��م��ه م����ن ع�����س��ج��د رك����ب����اه ال ت��ن��ف��ك رج��ل��ا �أب�������دا م��ن��ه��م��ا ك�����ي ال ي���ع���ي���ق���ه ال����ق����ت����ال ع���ن���د ال���ن���دا �إذ ال����خ����ي����ل ي�������وم ال����ك����ري����ه����ة ج���ال���ت
م�����اح�����ي�����ة م����ي����ت����ة �أح�������ي�������ت ب���م���ي���ت���ت���ه���ا ت������رى ال����ن����ا�����س �أف������واج������ا ح������ول ن�����اره درداء م����ا �أن���ب���ت���ت ن���اب���ا وال ���ض��ر���س��ا؟ ق������ي������ام ل������ه������ا ،وم���������ن ح�����ول�����ه�����ا ق����ع����ود وقال الثالث:
ف�أجاب امر�ؤ القي�س:
ت��ل��ك ال�����ش��ع��ي��رة ت�����س��ق��ى ف���ي ���س��ن��اب��ل��ه��ا �أن��ا اب��ن ال��ذي خا�ض ال�صفوف بعزمه ف���أخ��رج��ت ب��ع��د ط���ول ال��م��ك��ث �أك��دا���س��ا ف��ق��وم��ه��ا ب��ال�����س��ي��ف ح���ت���ى ا���س��ت��ق��ام��ت اجلوبة -ربيع 1436هـ 117
فقال عبيد:
ف�أجاب الوزير:
م��������ن اج����������ل ذل����������ة ذا ,وع������������زة ه�����ذا م��ا ال�����س��ود والبي�ض والأ���س��م��اء واح��دة ي���ب���ك���ي ال����غ����م����ام وت�������ض���ح���ك الإزه���������ار �إال ي�ستطيع ل��ه��ن ال��ن��ا���س تم�سا�سا؟ فرد امر�ؤ القي�س:
ت��ل��ك ال�����س��ح��ائ��ب �إذا ال��رح��م��ن �أن�����ش���أه��ا روى ب��ه��ا م��ن م��ح��ول الأر������ض �إي��ب��ا���س��ا وهكذا ،م�ضى ال�شاعران في م�ساجلتهما على البديهة ,حتى انتهت �إلى �ستة ع�شر بيتا� ,أخرها قول عبيد في ت�سا�ؤالته:
م����ا ال���ح���اك���م���ون ب��ل�ا ���س��م��ع وال ب�����ص��ر وال ل�������س���ان ف�����ص��ي��ح ي��ع��ج��ب ال���ن���ا����س؟ ف�أجاب امر�ؤ �ألقي�س عن هذا ال�س�ؤال المحبوك , بجواب بلي ٍغ ح�سن ال�سبك:
�شعر البديهة حديث ًا هذا قي�ض من في�ض ,ما و�صل �إلينا من �شعر البديهة في القديم ,لكن ما ت�أثير هذا اللون من الأدب الزاهي على �شعراء الع�صر الحديث؟ تفيد الكثير من الدرا�سات �أن ه��ؤالء لم يكونوا �أق��ل نباهة وح�ضور بديهة من �أ�سالفهم القدماء, والأمثلة على ذلك �أكثر من �أن تعد �أو تح�صى في وم�ضة كهذه ,كان �أهم ما يميز بع�ضها احتوا�ؤها على قدر من الطرافة والحكمة معا ,ومثال ذلك ما يروى عن ال�شاعرين الزهاوي والر�صافي ,عندما جل�سا ي�أكالن ثريدا فوقه دجاجه محمّرة ,وبعد قليل مالت الدجاجة ناحية الزهاوي الذي قال على البديهة:
ت���ل���ك ال����م����وازي����ن وال���رح���م���ن �أن���زل���ه���ا رب ال����ب����ري����ة ب���ي���ن ال����ن����ا�����س م��ق��ي��ا���س��ا عرف الخي ُر �أهله فتقدمَ. وهذه حكاية �أخرى ,تجر ورائها �أربعة �أبيات من �شعر البديهة ,رائعة المخبر جميلة المظهر ,جرت على ل�سان كل من الوزير الأندل�سي ابن القيطرنة, وال�شاعر اب��ن �سارة في ي��وم مطير� ,ضحكت فيه الأر�ض عندما عب�ست ال�سماء ,واهتزت وربت عند نزول الماء ,فتراقدا(�أي تعاونا) في �صفة الأر�ض , فقال :ابن �سارة:
فرد الزهاوي على الفور:
كثر النب�ش تحته فتهد َم ويحكى �أي���ض��ا� ,إن مجل�س �أن ����س و�سمر �ضم �أمير ال�شعراء �أحمد �شوقي ,ومجموعة من الأدباء وال���ش�ع��راء وه��م� :إ�سماعيل ��ص�ب��ري ,ول��ي الدين يكن ,ون�سيب �أر��س�لان� ,إ�ضافة للمطرب :محمد ع�ب��دال��وه��اب ال��ذي �أن�شدهم ق�صيدة الح�صري القيرواني والتي مطلعها:
ه�������ذه ال���ب�������س���ي���ط���ة ك�����اع�����ب �أب������راده������ا ح����ل����ل ال�����رب�����ي�����ع ,وح����ل����ي����ه����ا ال�����ن�����وار ي��������ال��������ي��������ل ال�����������������ص��������ب م��������ت��������ى غ��������ده �أق������������ي������������ام ال���������������س�������اع�������ة م������وع������ـ������ـ������ده ف�أجابه الوزير: رق��������������د ال���������������س�������م�������ار وارق�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ه وك��������������أن ه���������ذا ال������ج������و ف����ي����ه����ا ع���ا����ش���ق �أ������������س�����������ف ل�����ل�����ب�����ي�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ن ي���������������ردده ق������د �����ش����ف����ه ال����ت����ع����ذي����ب والإ���������ض��������رار ف������ب������ك������ـ������اه ال������ن������ـ������ج������ـ������م ورق ل����ـ����ه فرد ابن �سارة: م���������م���������ا ي�������������رع�������������اه وي�������ر��������ص�������ـ�������ـ�������ده ف�����������إذا �����ش����ع����اف ال�����ب�����رق ق����ل����ب خ���اف���ق ن�����������ص�����ب�����ت ع�������ي�������ن�������اي ل����������ه � َ�������ش������� َرك�������ا ف���������ي ال���������ن���������وم ,ف��������ع�������� ّز ت�����������ص����� ّي�����ده و�إذا ب�����ك�����ى ف������دم������وع������ه الإم�������ط�������ار 118اجلوبة -ربيع 1436هـ
وختمها الأمير ن�سيب ار�سالن ،بقوله:
م���������������ض�������ن�������اك ع�����������������ص��������اه ت������ج������ل������ده م���������������ض�������ن�������اك ج����������ف����������اه م��������رق��������ده ه����������ل �أن�����������������ت ب�����ع�����ط�����ف�����ك م�����ن�����ج�����ده وب�����������������ك�����������������اه ورح�����������������������������م ع�����������������وده م�������ن�������ه�������وك ال�������ج���������������س�������م ب�����������ه ك����م����د ح�������������ي�������������ران ال���������ق���������ل���������ب م������ع������ذب������ه �أح�������������ن�������������اء الأ�����������ض����������ل����������ع م��������رق��������ده م�����������ق�����������روح ال�������ج�������ف�������ن م�����������س�����ه�����ده ت���������رج���������ي���������ع ال��������������������������ورق ي������ه������ ّي������ج������ه ي�������������س������ت������ه������وي ال��������������������ورق ت����������أوه���������ه وم���������ي�������������������ض ال�������������ب�������������رق ي�������������س������ه������ده وي�����������ذي�����������ب ال���������������ص�������خ�������ر ت�����ن�����ه�����ده وال���������������ش�������ع�������ر ������������ص�����������داح ف�����������ي ول�������ه وي��������ن��������اج��������ي ال�������ن�������ج�������م وي�����ت�����ب�����ع�����ه ي���������ه���������وى الأغ�����������������������ص�����������ان م��������غ��������رده وي��������ق��������ي��������م ال��������ل��������ي��������ل وي�������ق�������ع�������ده
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
فطرب لها الحا�ضرون و�صفقوا ,ثم �س�ألوا �شوقي �أن يعار�ضها ,في التو واللحظة على البديهة وم��ن دون تح�ضير ,قبل االق��ت��راح �شريطة �أن يحتذي حذوه كل من ح�ضر من ال�شعراء ,فقبلوا هم �أي�ضا ,على �أن تكون البداية مع �شوقي ,الذي �أن�شد:
ل�����ل�����������ص�����ب�����ح ���������س��������ن��������ا�ؤك �أب�����ي�����������ض�����ه ال���������ل���������ي���������ل غ�������������رام�������������ي �أ��������������س�������������وده ��������ش�������وق�������ي �إن ب�������ن�������ت ي���������ض����اع����ف����ه ��������ص�������ب�������ري �إن ج��������������زت ي����������ؤك���������ده
وتظل البديهة في الإن�سان �صورة م�ستح�سنة �سواء وقال �صبري: كانت �إبداعا �أدبيا �أم فنيا� ,أم اختراعا علميا� ,أم اق��������������������������رب م����������������ن دن���������������������ف غ�����������ده تغيرا ايجابيا في ال�سلوك الخاطىء �أو غير ال�سوي. ف��������ال��������ل��������ي��������ل ت�����������م�����������رد �أ��������������س�������������وده وف��ي ثقافتنا الإ��س�لام�ي��ة غ��ال�ب��ا م��ا ن��رد فعل البديهة �إلى الخالق تعالى ,فهي تح ُّل بالمرء على وال����������ت����������ف����������ت ت���������ح���������ت ع�������ب�������اءت�������ه ب������ي�������������ض ف�����������ي ال���������ح���������ي ت����������ؤي���������ده هيئة الإلهام ,في�صدر عنه �أفعال �أو �أقوال تتنا�سب والموقف وت�ساير مقت�ضى الحال ,ت�صل �أحيانا �إلى ف���������ي ال������ق�������������ص������ر غ���������������زال ت����ك����ب����ره م�ستوى رفيع من االبتكار والإبداع.
غ��������������������زالن ال������������رم������������ل ت�����ح�����������س�����ده الم�صادر ��������ش�������وق�������ي ج����������������واد ف����������ي ال���������ش����ع����ر 1ـ مجموعة مترجمين ،الأدب والأنواع الأدبية ،دار طال�س، �آم��������������ن��������������ت ب���������������أن��������������ك �أوح�����������������������ده دم�شق1985 ،م. فقال ولي الدين يكن:
ال�������ح���������������س�������ن م��������ك��������ان��������ك م�����ع�����ب�����ده وال��������ل��������ح��������ظ ف�����������������������ؤادي م�����غ�����م�����ده ال���������ل���������ي���������ل وط���������ي���������ف���������ك ي������ع������رف������ه �إن ك�������������ان ف�����������������������ؤادك ي�����ج�����ح�����ده
2ـ الأ�صفهاني ،الأغاني ،دار الثقافة ،بيروت1959 ،م. 3ـ عمر ف��روخ ،تاريخ الأدب العربي ،دار العلم للماليين، بيروت1965 ،م. 4ـ محمد الجابري التراث والحداثة مركز الوحدة العربية بيروت 1991م. 5ـ اح��م��د الها�شمي ج��واه��ر الأدب دار ال��ك��ت��ب العلمية بيروت1990م.
* كاتب من �سوريا مقيم في ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 119
اليوم ولد محفوظ رحمه اهلل
حكـايـــة م�ســـروقــة
■ فهد امل�ص ّبح*
كتمت حكايتي مع نجيب محفوظ حتى رحل ,مكتفيًا بقراءة نتاجه ,والتعلم منه عن بعد؛ و�أبرز ميزة وجدتها في كتاباته الغزيرة �أنها تخلو مما ال ي�ستحق القراءة, لذلك �سعيت �إليه ,وح�ضرت ندوته في مطعم كازينو ق�صر النيل بالقاهرة ع�صر كل يوم جمعة ,فازددت �إعجابا به ,فهو مع ت�ألقه الإبداعي ،ب�سيط ومتوا�ضع �إلى حد يعجز عنه الو�صف ,وهذا ما �شدني �إليه �أكثر. �أنا هنا ال �أرثيه وال �أنعيه وال �أمدحه فهو غنيّ عن كل ذلك ,تعلمت منه قبل الق�ص ال�صبر والتوا�ضع وعدم التوقف عند عمل �أحاطته المالب�سات �أو الم�صادرة. وحين التقيته في عام 1989م جد لي �أمر قلل من حديثي معه� ,إذ ال بد �أن تقرب وجهك من وجهه عندما تريد محادثته ,وتعلي �صوتك حتى ي�سمعك ,فهو يرف�ض �أن يعطي ر�أيا قبل �أن يفهم المو�ضوع برمته.
120اجلوبة -ربيع 1436هـ
ي�سمع �أكثر مما يتحدث ,ويكتب �أكثر منهما, دقيق في مواعيده حتى ال�صغيرة ,قال لي �أحد الجال�سين �إلى جانبي في ندوته« :الآن �سيطلب قهوته».
ملخ�ص فكرتها �أنها دعوة لقتل الإل��ه� ,أي �أننا خططنا ودب��رن��ا لقتل كل �شيء في هذه الحياة �إال الإله لم نفكر مجرد تفكير في قتله, لذلك تدعو فكرة الرواية �إلى طرق هذا الأمر الجلل والموغل غرابة ,فتبا�شر با�ستعرا�ضهم الآل �ه��ة واح ��دا بعد الآخ ��ر الجن�س ،الفتوة، ال�سلطان ،المال ،الأنبياء ،المالئكة ،الجن، الجبابرة ،النار ,فيت�ضح في النهاية �أنها كلها تفنى �إال �إله واحد �أحد لم ولن ن�ستطيع قتله مهما اجتمعنا وتواط�أنا عليه ,عندها ي�ستحق هذا الإله �أن ن�ضع جباهنا له �سجودا وت�سليما.
لو قدر له �أن يعي�ش حياته مرة �أخ��رى لما اختارها بغير ما تمت .احترم فنه و�أخل�ص له, واهتم بعامل الوقت ,فب ّز معا�صريه في الق�ص, وكان من الأفذاذ الذين ا�ستطاعوا الجمع بين النقي�ضين الكم والكيف.
وبالفعل طلب النادل الذي كان م�ستعدا ,قد حفظ وقت قهوته ,و�ضع �أمامه فنجان القهوة, ورغم �أن ال�سيجارة كانت في يده يقلبها بين �أ�صابعه م��ن م��دة ,ل��م ي�شعلها حتى ارت�شف ر�شفة �أو �أكثر ثم نظر �إلى �ساعته و�أ�شعلها. لقد اعتنى بترتيب وقته قبل الكتابة ,وهو در���س ل��و نعيه ج�ي��دا لأن�ج��زن��ا �أع �م��اال طالها الركود ,فهناك مَ ن ي�شقى بالوقت ,وهناك مَ ن ي�شقى الوقت به� ,أم��ا نجيب فقد ت�ضامن مع الوقت ذلك الر�صيد الذي وهبنا �إياه الإله منذ البدء نت�صرف فيه كيفما �شئنا.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
و�ضع �أدبنا ال�سردي على �سكة العالمية, لي�س له مدر�سة تخ�صه ,بل يرف�ض ذلك رغم ت�شدق بع�ض ال�ن�ق��اد المحدثين بالمدر�سة المحفوظية ,ال يمكن تكراره �ش�أنه �ش�أن الرموز والقامات ال�سامقة ,لذلك ال ينبغي �أن نن�شغل بمن �سيخلفه.
ت�سويف ,لم يرتحل من بلده ,لم يعتقل ,لم يت�صادم مع جهة ما ,لم يفتح نقا�شا �إعالميا مع �أح��د ,ن�أى بنف�سه عن جدليات الخ�صومة وتهوراتها ,وال �أدلَّ على ذل��ك من �أن روايته «�أوالد حارتنا» �صدرت ع��ام 1965م ومنعت منذ ذلك الوقت حتى �أفرج عنها بعد � 30سنة �أي عام 1995م ,وهو يوالي خاللها العطاء من دون تبرم محبط ,والحديث عن هذه الرواية �شائك وكثير ,وح�سب قراءتي للرواية �أراه��ا ت�شتمل على �أج��ر�أ و�أجل فكرة روائية عرفتها الإن�سانية قاطبة.
ت�ع�ل�م��ت م��ن ن�ج�ي��ب م �ح �ف��وظ �أن العمل الإبداعي �إن لم يتحدث هو عن نف�سه ,ويفر�ض وج ��وده ال ج��دوى م�ن��ه ,ل��ذل��ك عندما تطالع �أغلفة كتبه تجدها تبد�أ دائما بالعنوان بارزا, ثم جن�س العمل رواية �أو ق�ص�ص ًا ق�صيرة ,ثم لم يدع الفكرة ولغتها تفلت منه بك�سل �أو ا�سمه �صغيرا في الأ�سفل. اجلوبة -ربيع 1436هـ 121
ال يقدم لعمله ,وال ير�ضى لأحد �أن يقدم له, وال يعترف ب�شيء ا�سمه �إهداء� ,أ�سلوبه معروف بب�صمته الخا�صة ,ال تجد فيه محاولة للتميز على الآخرين ,يجال�س كل النا�س في المقاهي والتجمّعات ,متيحا للحياة �أن تف�صح عن نف�سها في �شخو�صه الب�سيطة والملتقطة من �أر�صفة الطرقات �أو من عمق الحارة؛ �إ ّال هو في حقيقة الأمر قا�ص وروائي كبقية القا�صين وال��روائ�ي�ي��ن ,فهو ف��ي م�ستوى الكثيرين من معا�صريه ك�إدري�س وعبد القدو�س وحقّي ,ال يختلف عنهم �إ ّال في �شيء واحد جليّ ،حين عدَّ نف�سه منذ لحظة الكتابة �أنه في ميدان �سباق ال يجدي فيه التوقف ,دوما ينظر �إلى الأمام ويعدو بكل طاقته ,متخذا الكتابة م�شروع عمل ال ب ّد له من تنظيم وعزم ,من دون �أن ينظر �إلى مَ ن حوله بح�سد �أو تحدٍّ ؛ لذلك ،تفوق على كل القا�صين والروائيين ,مع �أن فيهم من ي�ضاهيه في الموهبة وامتالك الأدوات. ولئن م� ّر ح�ضوري الأول لندوته بان�شداه الده�شة ,لم يكن ح�ضوري الثاني �إال ب�إعداد م�سبق لما ��س��أق��ول��ه ,فح�ضرت مبكرا ولم �أ�سبقه ,ويجمع رواد ندوته �أنهم لم ي�سبقوه يوما في الح�ضور ,كنت �أع��ددت كالما قلته بارتباك ,والح�ضور يطالبوني برفع �صوتي حتى ي�سمع ما �أقول ,كانت مداخلتي بعد ر�ؤية للدكتور فرج فودة حول معاملة الكاتب من قبل المجتمع والجهات الر�سمية ,ثم تلتها ق�صيدة لنزار قباني �ألقاها الكاتب والم�سرحي الكبير 122اجلوبة -ربيع 1436هـ
علي �سالم ،كانت بمثابة ال�شرارة التي انطلقتُ منها عندما وقف غالبية الح�ضور في الجانب ال�ضدي للق�صيدة و�صاحبها ,حتى �سمعت همهمات باتهامه «بـالقب�ض»؛ �أي �أن��ه ا�ستلم �أجرا عليها ,فقلت لهم�« :إننا نقف منه نف�س الموقف وق��د �سبقناكم �إل��ي��ه» ,ف��رد �أحدهم وهو مَ ن كان يجل�س �إلى جانب نجيب محفوظ لي�سمعه الكالم الذي ال ي�صل �إليه ,و�أظن �أن ا�سمه �أبو الن�صر فقال« :ومَ ن �أعطاكم الحق في الحكم عليه» ,فقلت ل��ه« :ال��ذي �أعطاكم �أن��ت��م» ,وهنا ب�سطت لهم �سبب �سعيي �إليهم لأق��ف على الحقيقة؛ ف�أنا تائه وه��م �شاطئي الم�أمول ,غير �أن اختالفهم حول نزار زادني �ضياعاً ,و�ضربت لهم مثال ب�أن كتاب «واقعنا المعا�صر» لمحمد قطب لم �أج��ده في م�صر بينما وجدته عندنا ،وفيه ما يحزن وي�شو�ش يم�س رموزا كالإمام محمد عبده. عندما ّ قلت كالما منفعال �أدركه محفوظ وتركني حتى �أكملته ,ثم قال لي عبارة لن �أن�ساها �أبدا: «�إن كنت �ضائع ًا قيراطا واحد ًا فنحن �ضائعين �أربعة وع�شرين قيراطا ,والحقيقة ما �ست�صل �إليها بنف�سك دون �أن يو�صلك �أحد». بعد ذل��ك ك �رّت المداخالت ,ب��د�أت بفتاة محجبة ،ت�ضع ما ي�شبه العقال المطرز على ر�أ�سها ،زادت الجل�سة جد ًال واختالفا عندما اتهمتهم بال�سلبية والتقوقع تجاه ما يحدث للفتيات من م�ضايقات في الجامعة على �أيدي �شباب طائ�ش ,فكان جواب محفوظ الهادي لها
نجيب محفوظ قارئ جيد للتاريخ ,وقارئ �أكثر حذقا لواقعه المعا�ش� ,صمته وتوا�ضعه �أت��اح��ا ل��ه فر�صا كثيرة للتعلم ,وف�ه��م لعبة �أظن �أن من ي�صل �إلى �أعلى الجوائز مثل الق�ص جيدا من البداية؛ لذلك ،ال تجد عنده ج��ائ��زة نوبل ال يكون ف��ي حاجة �إل��ى م��دح �أو م�سودات متراكمة كما هو الغالب عند الكتاب� .إ�شادة من �أح��د ,بل �سيكون الو�ضع معكو�سا الم�سودات وت�أخر �إنتاج العمل له معنى واحد تماما ,فمن �سيكتب مثلي عن قامة كنجيب عنده �أن العمل لم يتم �أو ال يراد له ذلك. محفوظ ي�أمل من ذل��ك �إب��راز نف�سه ,لذلك في نهاية ال�ن��دوة ،دعوته للت�صوير معه� ,س�أجعل حديثي ه��ذا �سطورا تحتفي بمولده ف���أج��اب��ن��ي بامتنان وك���أن��ه المحظوظ بتلك رغ��م مفارقته الحياة� ,إن�صافا لجهده الفذ ال�صورة� ,أهديته مجموعتي الأول��ى «�صاحب الذي جعلنا في م�صاف الأمم المتح�ضرة ولو ال�سيارة البرتقالية» ,ت�صفحها وتقبلها و�أراد في جانب وحيد. مناق�شتها في �أتليه القاهرة بتو�صية منه �إلى هناك م��ن �سيخلده ,وه�ن��اك م��ن �سيقتله الكاتبة فتحية الع�سال رئي�سة الأتليه �آن ذاك, ذما ,وهناك من �سيقيم له تمثاال ,وهناك من لكنني رف�ضت ,وربما خفت. �سيتحفظ في الترحم عليه ,وهذين الطرفين ال في وجهه �شامة كبيرة ,وغاللة �سوداء في يمتان للإبداع ب�صلة. جبينه تبهتك ,يو�صي ب�أن الكتابة تحتاج �إلى �أح��د الأ�شخا�ص تقدم �إل��ي��ه ,ف�أقبل عليه تركيز كبير وجلو�س م�ستقيم ,وال يحبذ التلفت �أو االن�شغال ب�شيء �أثناء الكتابة ,و�إذا تعثر محييا بب�شا�شة ,لكنه رد تحيته بطعنة غدر القلم وجمدت الفكرة ين�صح بال�سير قليال قدر اهلل �أن زادته بقاء ,فهو محفوظ ومحظوظ مع تقليب الفكرة في الر�أ�س �أو تركها مدة ،ثم �أي�ضا� ،إذ كتب له دخول الألفية الثالثة ب�شموخ.. معاودة كتابتها من جديد ,وي�شدد على ترك في حين رحل �آخرون �أ�صغر منه بكثير .الكتابة كل ما يتوقف عن النمو وراء الظهر وااللتفات والدة والوفاة كتابة� ,أتمنى �أن �أكون وفقت في لغيره ,ولئن كان عامل الوقت هو الم�ؤثر في الحديث عنه.
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
ب�أنهم لي�سوا نقابة وال حزبا ،بل هم �أ�صدقاء يطلق عليهم الحرافي�ش ،يجتمعون لم�ضغ الهموم وتقا�سم االحباطات.
�إنتاجه ,فهناك عامل �آخر يقع فيه الكثيرون �أال وه��و كتابة �سيرة الحياة ك��رواي��ة ي�صعب تجاوزها ,فكل رواي��ات محفوظ ال تمثله و�إن كانت رواية «ح�ضرة المحترم» هي الأقرب �إلى �شخ�صيته.
* كاتب وقا�ص من ال�سعودية.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 123
علي محمود طـه ال�شاعر المهند�س ■ �صالح بن ظاهر الع�شي�ش*
علي محمود طـه� ،شاعر معا�صر ،م�صري المولد ،وع��روب��ي الوجهة ،ورومن�سي ال (1949 –1901م) ،من مواليد مدينة المن�صورة في م�صر ،وهو الهوى ،لم يُعمٌر طوي ً من �أعالم �شعراء الرومان�سية ،ومن �أعمدة جماعة �أبولو ال�شعرية المعروفة ،ويُعد من طليعة �شعراء الأربعينيات من القرن الميالدي الفارط� .صدر له عدة دواوين �شعرية، ت�ضمنت ق�صائده التي تناولت معظم �أغرا�ض ال�شعر. تناول حياته و�شعره عدد من الدرا�سات والكتب والتي �أجمعت على تغنيه بالجمال وو�صف الطبيعة ب�أ�سلوب عذب وكلمات رقراقة. در�س الهند�سة المعمارية في مدر�سة الفنون التطبيقية ،حيث تخرج منها مهند�ساً معمارياً في ع��ام 1924م ،وق��د عمل ل�سنوات طويلة مهند�س مبانٍ في القطاع العام (الحكومي). لجمال الطبيعة �أثرها البيّن في �شعره ،فت�أثر بها و�أثرت به ،فكان التغنّي بالجمال وا�ضحاً في �شعره ،والنغم المو�سيقي ظاهراً في ق�صائده ،وهذا ما �أكده النقاد الذين ت��ن��اول��وا �شعره ب��ال��درا���س��ة والتحليل .ه��ذه الغنائية والمو�سيقى ف��ي �شعره �أغريتا كبار الملحنين والمطربين في ع�صـره �إل��ى تلحيـن بـعـ�ض ق�صائـده وغنائها ،فغنى لـه المو�سيقـار محمد عبدالوهـاب (ق�صيدة الجندول ،ق�صيدة فل�سطين ،ق�صيدة كيليوباتره). 124اجلوبة -ربيع 1436هـ
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
يبقى ال�س�ؤال لدي ،لماذا در�س على محمود طه الهند�سة المعمارية؟! ول��م يدر�س الأدب مثالً! خ�صو�ص ًا و�أن موهبة ال�شعر تبزغ باكر ًا ف��ي ال �ع��ادة� ،أي قبل ال��درا��س��ة التخ�ص�صية، كذلك لم يكن في �شظف من العي�ش كي يتجه �إل��ى التخ�ص�ص ف��ي مهنة عملية �أو تطبيقية كالهند�سة ال�م�ع�م��اري��ة ،ث��م �إن ه�ن��اك ��س��ؤاال مكم ًال لل�س�ؤال الأول ،لماذا الهند�سة المعمارية بالذات؟! فهل يا ت��رى تكوينه النف�سي المفطور على حب الجمال قاده �إلى درا�سة الهند�سة المعمارية وجذبه �إليها! �أم �أنَّ درا�سته للهند�سة المعمارية فجٌ رت فيه كوامن الإح�سا�س فباح بالجمال لفظ ًا ومعنى� ،أم �إن هناك حال ًة من التماهي بين الحالتين لدرجة االندماج واالن�صهار ،ما �أدى �إلى تلك النتائج من المخرجات ال�شعرية التي تمتاز بالألفاظ الخالٌبة وجمال ال�صور الح�سية. ال جواب قاطع لديَّ على تلك الت�سا�ؤالت؛ لأن الدرا�سات التي تناولت ال�شاعر المهند�س علي محمود طـه و�إنتاجه ،تناولته من منظور كونه �شاعراً ،ول��م تتناوله من منظور �أن��ه مهند�س معماري �إ�ضافة �إلى كونه �شاعراً ،وهذا متوقع؛ لأن تلك الدرا�سات والتحليالت قام بها وعليها �أدباء ونقاد للأدب. الهند�سة المعمارية معنية بالخيال بمفهومه الوا�سع ،والجمال ب��أدوات��ه المتعددة المعبرة عنه ،من �شكل وحجم الكتل المعمارية والحيز الفراغي �إلى مواد التك�سية بخ�صائ�صها الح�سية والمرئية و�ألوانها المتعددة. يبد�أ المهند�س المعماري م�شروعه بفكرة ت�صميمية منبثقة م��ن تخيٌل لماهية ال�شكل والحجم والم�ساحة التي �سيكون عليها المبنى، ف� ��إذا ا�ستقر ال�خ�ي��ال على ف�ك��رة معينة لدى المهند�س المعماري ،يبد�أ بترجمتها �إلى ت�صميم
�أولي مر�سوم ومح�سو�س ،ذي بُعدين وذي ثالثة �أب �ع��اد؛ وه��ذه الفكرة تخ�ضع ب��دوره��ا للتطور الطبيعي من خ�لال المالحظات والتمحي�ص �إ�ضاف ًة للمحاولة والتجريب ،وورود مزيد من المعلومات ذات العالقة وب��زوغ م�ستجدات.. �إلخ ،وهذا الت�صميم الأولي بعد مروره بالتطور الطبيعي نف�سه يتحول �إل��ى ت�صميم ابتدائي، وال��ذي ب��دوره يتحول �إل��ى ت�صميم نهائي بعد �إدخال وتطبيق كافة المالحظات التي ترد من ذوي العالقة �أثناء التكوين والتبلور. �أنظر ال�شاعر المهند�س وهو يقول:
�آه م�����ا �أروع������ه������ا م�����ن ل���ي���ل���ة ف���ا����ض ف�����ي �أرج�����ائ�����ه�����ا ال����� ّ����س����ح����ر و����ش���اع���ا ن��ف��خ ال���ح���بّ ب��ه��ا م���ن روح�����ه ورم���ى ع������ن ������س����� ّره�����ا ال�����خ�����اف�����ي ال���ق���ن���اع���ا و ج��ل��ا م�����ن �����ص����ور ال���ح�������س���ن ل��ن��ا ع����ب����ق����ر ّي����ا ل����ب����ق ال������ف������نّ ����ص���ن���اع���ا (من ق�صيدة المالح التائه)
اجلوبة -ربيع 1436هـ 125
مما تقدم ،نالحظ �أن المهند�س المعماري معنيٌّ بالجمال مبنىً ومعنى ً ،وح�س ًا و�صورة، وهذا ما كان من ال�شاعر المهند�س المعماري على محمود طـه� ،إذ نجد �أنه �أ�ستطاع المزاوجة بتناغم بين جمال الكلمة وخالبة المعنى ودقة المدلول ،ب�أ�سلوب �سل�س ين�ساب منه مو�سيقى خفية تت�سلل بين ثنايا الكلمات ،كما �أن في �شعره تج�سيد ًا ل�صور �شعرية هي محاكاة لل�صور الح�سية التي يُبدعها المهند�س المعماري كما في ق�صائده الو�صفية.
�أي������ن م��� ّن���ي الآن �أح���ل���ام ال��ب��ح��ي��رة و ����س���م���اء ك�����س��ت ال���� ّ���ش���ط����آن ن�����ض��رة م���ن���زل���ي م��ن��ه��ا ع���ل���ى ق���مّ���ة ���ص��خ��ره ذات ع��ي��ن م���ن م��ع��ي��ن ال���م���اء ث���رّه بعد ذلك يبد�أ المهند�س المعماري رحلته مع اختيار مواد التك�سية والنهو وفق محددات عديدة يفر�ضها �شكل الت�صميم وهيئته ،وطبيعة الأداء المطلوب ..مت�أثر ًا بالزمان والمكان ،والمتكئة على ال�شكل المطلوب المن�سجم مع الت�صميم، وك��ذل��ك ح�سب الملم�س المت�سق م��ع الوظيفة المحددة وفق ًا لم�ستوى الجودة المطلوبة ،يلي ذلك تحديد الأل��وان المعبرة عن ما هو مطلوب من الت�صميم ،وتن�سيقها على �ضوء معايير منها: التعار�ض ،والتكامل ،والتجان�س ،واالت�ساق�..إلخ.
و�أي�ض ًا
�أي����ه����ا ال����م��ل�اح ق����ف ب���ي���ن ال��ج�����س��ور ف���ت���ن���ة ال����دن����ي����ا و�أح�����ل�����ام ال����ده����ور �����ص����ف����ق ال������م������وج ل�������ول�������دان وح������ور ي����غ����رق����ون ال���ل���ي���ل ف�����ي ي���ن���ب���وع ن���ور
(من ق�صيدة الجندول) �إن عمل المهند�س المعماري بطبيعته عمل فردي حر ،والذي يبد�أ بخيال يتحول �إلى فكرة بعد مروره ب�أطواره الطبيعية� ..إلى �آخر ما قيل ن������ف������ح������ات رق���������������ص ال������ب������ح������ر ل���ه���ا �أنفاً ،وهذا ما كان يتمتع به �شعره ،حيث «ينحو وه����ف����اَ ال��� ٌن���ج���م خ���ف���وق���اً وال���ت���م���اع���ا �إلى فكرة الفردية الرومان�سية والحرية» ،ح�سب قول الناقد د� .سمير �سرحان ،كما �أن د .محمد و����س���رى م���ن ج��ان��ب الأر������ض ���ص��دى ح�������رّك ال���ع�������ش���ب ح���ن���ان���ا وال���ي���راع���ا ح�سين هيكل و�صف في كتابه ثورة الأدب �شعر ال�شاعر على محمود طـه بقوله« :فكرة �أو �صورة ب������ع������ث الأح���������ل���������ام م��������ن ه���ج���ت���ه���ا عاطفية يفي�ض بها القلب في �صيغة مت�سقة من ك�������س���راي���ا ال���طّ ���ي���ر ن����فّ����رن ارت���ي���اع���ا اللفظ ،تخاطب النف�س وت�صل �أعماقها من غير حاجة �إلى كلفة وم�شقة». (من ق�صيدة المالح التائه)
* مهند�س ا�ست�شاري :متخ�ص�ص في هند�سة القيمة و�إدارة الم�شاريع. 126اجلوبة -ربيع 1436هـ
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
�إرها�صات ق�صيدة النثر المهاد والوقوف على ُ ■ �سعيد نوح*
يُقال �إن هذا ما حدث منذ �آالف ال�سنوات ،كان هناك رج��ل ح���ا ّد ال��م��زاج ،عنيف ال��ط��ب��ع؛ م��ا �أ���ض��اع عليه كثيرا من الوقت ،و�أفقده كثيرا من الأ�صدقاء المخل�صين في ح��ي��ات��ه .ذه��ب ال��رج��ل �إل���ى حكيم ع��ج��وز يلب�س الأ���س��م��ال البالية ،و�س�أله :كيف يمكنني باهلل عليك �أن �أ�سيطر على �شيطان الغ�ضب؟ �أمره العجوز �أن يرحل �إلى واحة قاحلة ب��ع��ي��دة ف��ي ال�����ص��ح��راء ،و�أن يجل�س ه��ن��اك ب��ي��ن الأ���ش��ج��ار الذابلة ،و�أن ي�سحب الماء �شبه المالح ،ويقدمه �إلى �أي م�سافر �أو عابر �سبيل يمكن �أن يغامر بالمرور هناك ،وهو يقر�ضه ال�شعر الذي ال بد يقر�أه طوال الوقت .ولما كان الرجل يريد قهر الغ�ضب فقد فعل .مرت الأيام وال�شهور دون مرور عابر واحد للطريق ،كان خاللها الرجل ال��ذي ت�سربل ب��رداء يقيه رم��ال ال�صحراء الطائرة قد تعوّد على �سحب المياه الحم�ضية الرطبة من باطن الأر�ض ،وكتابة ما ي�شبه ال�شعر. مر عليه رجل �أ�سود يركب جَ َمالً ،فم َّد يده للمرة الأولى ب�إناء الماء فرده الأ�سود وهو متكبر ،وم�ضى ينه�ض بجمله ،ف�أن�شده �شعرا جميال مما في الكتاب ،ف��راح الرجل الأ�سود ي�ضحك ،ورف�سه بقدمه. ا�ستبد الغ�ضب ب�صاحبنا مرة �أخرى ،ف�أم�سك بالرجل الأ�سود ،وقتله في الحال .وما �أن مات الأ�سود حتى ا�ستبد الحزن بالرجل ،وظل يبكي �ضياع عمره ،حتى وجد نف�سه يكتب ق�صيدته الأولى الحقيقية التي ال تنتمي �إال له .لحظة ذاك تحوّلت مياه الواحة العكرة الحم�ضية �إلى مياه عذبة �صافية ،و�أينعت �أ�شجارها الذابلة ،وتفجرت ثمارها بالنماء .هكذا �أخبرنا القدماء عن ال�شعر الحقيقي ،ال�شعر في كل تجلياته. اجلوبة -ربيع 1436هـ 127
هكذا ان�شغل الباحث عبداهلل ال�سمطي بفكرة ال�شعرية� ،سواء و�سمت بها ق�صائد موزونة� ،أو ق�صائد التفعيلة� ،أو حتى الق�صائد المنثورة، فالفرق بين �شكل �شعري و�آخر هو مدى �شعريته. ل��ذا� ،أم�ضى ع�ب��داهلل ال�سمطي م��ن عمره ع�شر �سنوات ليبحث ويكر�س وينظر لما �سمي بق�صيدة النثر ،فخرج لنا بمو�سوعة« :المو�سوعة لق�صيدة النثر العربية» ،تتكون من عدة �أجزا ٍء تناول فيها التحوالت الجمالية لق�صيدة النثر العربية منذ الإرها�صات الأولى لظهورها عبر ال�شعر المنثور، حتى �إط�لاق ت�سميتها بق�صيدة النثر منت�صف ال�ق��رن الع�شرين ال�م�ي�لادي ،را� �ص �دًا �أب��رز هذه التحوالت التي �أثرت في م�سيرتها وانت�شارها. يت�ضمن المجلد الأول �سبعة �أج� ��زاء ،وقد حملت العناوين التالية :ق�صيدة النثر الم�صطلح و�إ�شكاالته� ،إرها�صات ق�صيدة النثر ،تجارب �أولية في ق�صيدة النثر ،مجلة �شعر و�أ�صوات الت�أ�سي�س، الق�ضايا الجمالية ف��ي ق�صيدة ال�ن�ث��ر ،ال��ذات ال�شاعرة في ق�صيدة النثر ،انبثاق ق�صيدة النثر الن�سوية. في الجزء الثاني ،ي�أخذنا الباحث عبداهلل ال�سمطي �إلى الإرها�صات الأولى لق�صيدة النثر، �إذ حاول �أن يكرّ�س وينظر لتلك المختلف عليها. ت��روم درا��س�ت��ه �إل��ى ا�ستيفاء الأب �ع��اد الجمالية للتجربة ب�شكل منظّ م ومركّز ،يعمد خاللها �إلى �إيالء الطاقة التعبيرية وال�شعرية والوقوف على �أجلِّ خ�صائ�صها. لكن ق�صيدة النثر طرحت �إ�شكالية كبرى، فاختيار الكتابة خارج ال��وزن العرو�ضي كان من الأ�س�س الرا�سخة لهذه التجربة ال�شعرية ،والكتابة ع��ب��ر الإي��ق��اع��ات ال��م��ف��ت��وح��ة م��ن اال���ش��ت��راط��ات اال�صطالحية لهذه الق�صيدة� ،إذ تنطوي تلك الق�صيدة على مبد�أ فو�ضوي وه �دّام� ،إذ ن�ش�أت �أ�سا�سا من التمرد على قوانين الوزن والعرو�ض، 128اجلوبة -ربيع 1436هـ
و�أحيانا على القوانين العادية للغة .ومنذ البداية، يطرح ال�سمطي المفهوم الخاطئ لل�شعر الذي �ألزمنا به المحدثون والمنظرون ،لفترة الإحياء ال�شعري(زمن النه�ضة الأدبية منذ �أواخر القرن التا�سع ع�شر وبدايات القرن الع�شرين) ..حين وَ�سَ موه بالكالم ال�م��وزون المقفّى ذي المعنى. وخالل الف�صل الأول يقف على جملة من �أ�سماء ال�شعراء والنقاد الذين �أرّخوا ونظَّ روا لتلك الحقبة، مثل ال�ب��ارودي ،وزك��ي مبارك ،وميخائيل نعيمة، و�أحمد �شوقي ،وحافظ �إبراهيم ،والمر�صفي ،وطه ح�سين ،والعقاد ،ورزق اهلل ح�سونة ،و�إبراهيم اليازجي ،والرافعي ،والمنفلوطي ،وخليل مطران، وجبران؛ ليخرج لنا من وقوفه ذاك وت�أمله العميق ب�أربع �أمور جوهرية ،ر�سخت للتحوّل عن الن�سق ال�شعري الموروث والمهيمن. �أولها :التوجّ ه لال�ستغناء عن القافية. ثانيها :رف�ض �أن يكون الوزن وحده هو المعيار. ثالثها :المطالبة بع�صرية ال�شعر. رابعها و�أخرها :التقريب بين المنظوم والمنثور. ث��م ي��ق��ف ع��ل��ى الأ���ش��ك��ال ال�ن�ث��ري��ة ال�شعرية، ليفرق بينها في دُربة وحِ نكة ،لي�ستق�صي لنا من الكتب الموروثة ،كالمقامات والخطب والر�سائل و«المواقف والمخاطبات» للنفري ،و«الطوا�سين» للحالج ،حتى ي�صل �إل��ى المحدثين .ويقف على �أ�سماء ثالثة يجب التفريق بينهم :ويبد�أ بالنثر الفنيّ ال��ذي تتمثل ق َي ُم ُه في جملة من ال�سمات، تتلخ�ص في التزام ال�سجع واال�ستطراد والتجني�س والجزالة؛ ويتجلى ذلك في ما �سُ مي بالنثر الفني، من خالل «�صهاريج الل�ؤل�ؤ» للبكري ،و«النظرات والعبرات» للمنفلوطي ،ونقف قليال لن�ستنتج ما قام به ذلك الباحث من خالل منهج �شوقي الذي تق�ص النظر ,وق��� ّ��ص الأث��ر, ق��ال« :ق��م لل�سماء ّ واجمع الخُ بر والخَ بر .وكيف ترى الطير تح�سبه ُت���رك ,وه��و ف��ي ���ش��رَكَ ,ا�ستهدف فما نجا حتى
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ
هلك!!» تعالى اهلل دلّ . واال� �س��م ال �ث��ان��ي ه��و ال�ن�ث��ر ال�ف�ن��ي المتطور ال��ذي ا�ستقاه الباحث من خ�لال تجربة �صادق الرافعي ،الذي خ�ص�ص جُ َّل �أعماله في مو�ضوع واحد هو الحب ..وب�سط ذلك في كتبه« :ر�سائل الأحزان» ،و«ال�سحاب الأحمر في فل�سفة الحب»، و«�أوراق ال��ورد» ،و«حديث القمر» .يقف عبداهلل ال�سمطي بالدرا�سة والبحث العميق على تجربة الرافعي الذي خ�ص�ص له ف�صال كامال ،ليك�شف ما و�صل �إليه ال�شعر المنثور من تطور على يديه. ولقد كان الرافعي مدركا لما يقدمه ،واعيا بدقة الفرق بين ال�شعر والنثر ،حتى �أنه قال :ن�ش�أ في �أيامنا ما ي�سمونه ال�شعر المنثور ،وهي ت�سمية تدل على جهل وا�ضعيها ومن ير�ضاها لنف�سه ،فلي�س ي�ضيق النثر بالمعاني ال�شعرية ،وال هو قد خال منها في تاريخ الأدب ،ولكن �سر هذه الت�سمية �أن ال�شعر العربي �صناعة مو�سيقية دقيقة يظهر فيها االخ�ت�لال لأوه��ى علة ،ولأي�سر �سبب ،وال يوافق �إال �سبك المعاني فيها� ..إال من �أمده اهلل ب�أ�صلح طبع و�أ�سلم ذوق و�أف�صح بيان ،فمن �أجل ذلك ال يحتمل �شيئا من �سخف اللفظ �أو ف�ساد العبارة �أو �ضعف الت�أليف .غير �أن النثر يحتمل كل �أ�سلوب، وما من �صورة فيه �إال ودونها �صورة� ،إلى �أن ينتهي �إلى العامي ال�ساقط وال�سوقي البارد ،ومن �ش�أنه �أن ينب�سط وينقب�ض على ما �شئت منه ،وما يتفق فيه من الح�سن ال�شعري ف�إنما هو كالذي يتفق في �صوت المطرب حين يتكلم ال حين يغني .فمن قال ال�شعر المنثور فاعلم �أن معناه عجز الكاتب عن ال�شعر من ناحية وادعائه من ناحية �أخرى. لقد خرج بر�ؤية دقيقة لما �سماه بالنثر الفني المتطور .ولقد بزغ م�صطلح ال�شعر المنثور من وجهته الفنية مع كتابات �أمين الريحاني� ،إذ يعود تاريخ �أول ق�صيدة كتبها في ال�شعر المنثور كما
يجزم الريحاني �إلى اليوم الثاني من �شهر ت�شرين الأول عام 1905م .ومن هنا ،يت�ضح لنا �أن مفهوم ال�شعر المنثور �أو الق�صيدة المنثورة كان معروفا لدى الكتاب والأدب��اء في �أوائ��ل القرن الع�شرين. وت ��رى ال �ن��اق��دة يمنى ال�ع�ي��د ح�سبما ي ��ورد لنا ال�سمطي �أن �أهمية �أمين الريحاني كانت في و�ضعه ق�ضية الكتابة والإبداع �أمام �س�ؤالها الأول�،أي �أمام م�س�ألة نقلها من دائرة اللفظ والتكرار والقوالب الجاهزة التي ظل الكثير من الكتابات الأدبية �أ�سيرها �إلى دائرة البحث عن لغة �أدبية �إبداعية تنه�ض بم�ضمون حي لها. ويك�شف لنا ال�سمطي من خالل بحثه الدقيق �أن الدرا�سات الكثيرة التي تناولت كتابات جبران ودوره في ال�شعر المنثور ،جاءت من خالل كونه مهاجرا يحمل الجن�سية الأمريكية ،فلقد �أثبت الباحث �أن جُ ل ما كتبه جبران كان �أربعة ع�شر ن�صا ،في حين �أن �أمين الريحاني كان له الف�ضل الأكبر والإنجاز الأعظم في تلك الت�سمية .ومن يو�ضح الباحث المرجع خ�لال ق ��راءة محايدة ِّ الأ� �س��ا���س لكتابات ج �ب��ران ال ��ذي ا�ستفاد �أيما ا�ستفادة من لغة التوراة ،ومن هنا ،تفرد وتميز، كما يك�شف لنا ال�سمطي �أن التراكيب الجبرانية خ�صبة بالمتناق�ضات :النعيم والجحيم ،ال�سم والد�سم ،الليل والفجر ،مالئكة ال�سعادة ،و�أبال�سة ال�شر .ولقد ا�ستطاع جبران عبر تلك المتناق�ضات �أن يقدم النموذج الأمثل لل�شاعر الإن�سان. وقد �أنهى الباحث كتابه الثاني من مو�سوعته التي �أخ��ذت من عمره ما يربو عن ع�شر �سنوات ببع�ض النتائج الم�ستخل�صة من درا�سته لنماذج ب��د�أه��ا بالنفري و�أن �ه��اه��ا بكتابات الريحاني، وجبران ،ومفرج ،ونعيمة ،وم��يّ زي��ادة ،ويو�سف ال�ح��داد ،وح�سين عفيف� ،إل��ى �أنها ق�صائد نثر �أولية.
* كاتب من م�صر.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 129
معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب في ن�سخة 2015 وم�شاركة مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي ■ حممد �صوانه
معار�ض الكتب ،ظاهرة ح�ضارية ،تمثل محركاً محرِّ�ضاً على اقتناء الكتب ،وتحفيز الزائر على ت�شكيل مكتبة �صغيرة في بيته ،يزودها بباقة متنوعة من الكتب التي يختارها من المعر�ض ومن غيره ،على �أمل قراءتها في �أوقات الحقة.. فاقتناء الكتب فن ،ولكل متعلق بالقراءة �أو ها ٍو لها ذوق مختلف عن غيره ،باختالف الخبرات والتوجّ هات القرائية والمعرفية ..لكنها تظل هواية و�صنعة لها ما بعدها، قد ت�أخذ �صاحبها في رحلة ماتعة في نتاج عقول المفكرين والم�ؤلفين من الأدباء والعلماء �شيوخا و�شبابا ،رجاال ون�ساء ..فيقطف من منتجهم ما يروق له من قطوف دانية ،ال تحتاج منه �أكثر من فتح �أغلفة الكتب واال�ستمتاع بقراءة ما �سطّ ره غيره.. وبذلوا لإنجازه الأوقات الطويلة ،وهو يقطف منتجهم في دقائق �أو �ساعات معدودة! في كل عام يعود معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب ،في�شكل تظاهرة ثقافية وقرائية الفتة في مركز المعار�ض على طريق الملك ع �ب��داهلل ،ف�ت��رى ال ��زوار زراف ��ات ووح��دان��ا وجماعات و�أ��س��ر ب�أكملها ت��زور المعر�ض خِ ما�صاً ،ليعودوا في ختام جولتهم بِطاناً، م�ح�م�ل�ي��ن ب �م��ا ط ��اب ل �ه��م م��ن ث �م��ار دور الن�شر الوطنية والعربية والعالمية ..وقد تجد بع�ضهم يجر عربة ام�ت�ل�أت بالكتب، و�آخرين يختارون كتبا مخ�صو�صة؛ يعودون والفرح بادٍ على وجوههم ،ك�أنهم يتجولون 130اجلوبة -ربيع 1436هـ
ف��ي ب�ساتين م��زه��رة ،وه��ي حقا ب�ساتين لكنها ب�ساتين العقول والأف�ك��ار والخبرات المتنوعة ،يقطفون منها ما من �ش�أنه �أن ي��زي��د م��ن م �خ��زون ال�م�ع��رف��ة وال �ع �ل��م وم��ا يمنحهم ما يبحثون عنه من متعة القراءة التي تغذي العقل والذائقة على حد �سواء. وقد �شهد معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب هذا العام ( 14-4مار�س 2015م) م�شاركة عدد كبير من دور الن�شر الوطنية والعربية والعالمية ،و�صار المعر�ض تظاهرة �سنوية
ن���������������������������������������������واف���������������������������������������������ذ ينتظرها ع�شاق الكتب والنا�شرون على حد �سواء .مكة المكرمة خالل الع�صر العثماني» ،وكتاب �آثار جاء المعر�ض مُطلق ًا (الكتاب ..تعاي�ش) �شعار ًا المملكة� :إنقاذ ما يمكن �إنقاذه. لهذه الدورة ليعك�س الر�سالة التي يُراد �إي�صالها كما �شمل جناح الم�ؤ�س�سة كتاب ف�صل من �إلى الأجيال النا�شئة. ت��اري��خ وط��ن و��س�ي��رة رج� ��ال :ع�ب��دال��رح�م��ن بن وق��د ���ش��ارك م��رك��ز عبدالرحمن ال�سديري �أحمد ال�سديري �أمير منطقة الجوف ،وهو عن الثقافي في معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب في �سيرة الأمير عبدالرحمن ال�سديري الذي عمل دورت��ه لهذا ال�ع��ام .و�ضم جناح المركز خالل �أميرا لمنطقة الجوف لنحو ن�صف قرن� ،شارك المعر�ض نحو (� )140إ� �ص��دار ًا علميا و�أدب�ي��ا ف�ي��ه مجموعة م��ن الباحثين وح���رره ال��دك�ت��ور متنوّعاً ،منها 65كتابا و 75ع��ددا من دوريتي عبدالرحمن ال�شبيلي. مجلة �أدوم���ات���و ومجلة ال��ج��وب��ة� .شملت الكتب ومَ ن يت�صفح عناوين الإ�صدارات التي �ضمها الدرا�سات التاريخية وال�سيرة والآث��ار والتراث والعمارة والعلوم الإن�سانية والطبيعية ،و�إ�صدارات الجناح ،يتبين �أنها م�ؤلفات علمية واجتماعية و�أدب��ي��ة ،ويلحظ �أن �ه��ا ت��ر ّك��ز على ق�ضايا تهم �أدبية في ال�شعر والق�صة و�أدب الأطفال. المجتمع ال�سعودي ،وبع�ضها يتناول ق�ضايا تخ�ص ومن الإ��ص��دارات الحديثة التي عر�ضت هذا منطقة الجوف مقر �إدارة مركز عبدالرحمن العام في جناح الم�ؤ�س�سة :الطبعة الثانية المنقحة ال�سديري الثقافي (النا�شر). والمعاد ترجمتها لكتاب �صحراء �شمالي الجزيرة يحر�ص المركز من خالل م�شاركته في معر�ض العربية :حدودها و�سكانها وم�ستوطناتها ،لم�ؤلفه الوي�س مو�سيل ،وترجمة د .زي��دون ال�شرع .وقد الكتاب �إلى الإ�سهام في هذه التظاهرة الثقافية حظي الكتاب باهتمام زوار الجناح في المعر�ض .التي تعد دعم ًا لحركة الن�شر والبحث العلمي في �إ�ضافة �إل��ى كتابي «النوازل والفتن و�آثارها في المملكة ،و�إ�سهاما في توفير �إ�صداراته المدعومه بالد الحجاز» ،و»عوامل الهجرات ال�سكانية �إلى لتكون في متناول الباحثين والقراء والمهتمين. اجلوبة -ربيع 1436هـ 131
�سامر والكتاكيت امل�ؤلف :حممد �صوانه النا�شر :مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقايف
�صدر حديث ًا عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سّ ديري �أق�صو�صة بعنوان�( :سامر والكتاكيت) لم�ؤلفها محمّد �صوانه ،ج��اءت في �سبع وع�شرين �صفحة من ال�صورة القطع المتو�سط ،ولعلّها تنبئ بعمل فني جديد ،يتج�سّ د في توظيف ّ والر�سومات لنقل المعنى والدّاللة لمرحلة عمرية لها دور في بناء ال�شّ خ�صية الإن�سانيّة( :عالم الطفولة). المت�أمّل في هذا العمل الأدبي يجد طرح ًا مغاير ًا لما عهدناه في الأعمال الأدبية والكال�سيكية في تركيزها على اللفظ والجملة ،وتقدم فكرتها للنا�شئة ب�أ�سلوب الفت ومحبب ،ومثيرة للتفكير في الوقت نف�سه. ومن هنا ،ن�ستطيع �أن نقول� :إنّ �أق�صو�صة�( :سامر والكتاكيت) لون �أدبي جميل ،موجه لعالم الطفولة ،تمكّن من خاللها الم�ؤلف من بثِّ �أفكاره ور�ؤاه ب�أ�سلوب فنيٍّ و�أدبي رائعين ،وظّ ف فيها �أدوات الق�ص وري�شة الر�سام في ت�شكيل ق�صة تقوم على لفت انتباه الطفل ب�أ�سلوب حكائي مب�سط ،وفي الوقت نف�سه �إثارة تفكيره. �إن مثل هذا العمل الأدبي ،الموجّ ه نحو النا�شئة يتطلب مزيد ًا من الدّعم والم�ساندة لإيجاد منظومة متكاملة في مجال �أدب الطفل. 132اجلوبة -ربيع 1436هـ
ق�����������������������������������������������������������������������������������راءات
قالت حامدة: �أ�ساطري حجازية» امل�ؤلف :عبده خال النا�شر :دار ال�ساقي
بعد زمن طويل من الجمع والتوثيق للأ�ساطير الحجازية� ،أ�صدر الروائي عبده خال كتاب «قالت حامدة�-أ�ساطير حجازية» جمع فيها و�أع��اد �صياغة مجموعة كبيرة من الحكايات ال�شعبية في منطقة الحجاز� ،ضمت �أكثر من ( )100حكاية �أو �أ�سطورة ،جاءت في (� )576صفحة من القطع المتو�سط، مهديا الكتاب �إلى �إحدى �أبرز م�صادر الكتاب ال�سيدة حامدة حمدان الحربي والدة زوجته حنان. ي�ضم هذا الكتاب وفرة من الحكايات ال�شعبية الحجازية جمعها الكاتب من �أفواه الرواة و«الحكّاءات» مبا�شرةً .وعلى الرغم من �أنّ الحكايات ال�شعبية قد تتماثل من حيث مو�ضوعاتها و�سردياتها� ،إال �أن كل منطقة ت�ضفي عليها نكه ًة تخ�صها دون غيرها ،وهو ما فعلته الحجاز �أي�ضاً. ّ وجاء في تعريف الكتاب «�إنّ عادة الحكي في الحجاز حميمة جداً� ،إذ تكون الحكاية خا�صة بالأبناء ولي�ست عامة ،ومَ ن تقوم بال�سرد هي �أم �أو جدّة تحكي لأبنائها �أو �أحفادها ،وتتم الحكاية قبل النوم ،ولهذا �شاع تعبير «حكاية قبل النوم» ،وهي حكايات تدور في محيط الواقع مخف ّف ًة من عوالم الجنّ وال�سحرة». اجلوبة -ربيع 1436هـ 133
الأعمال ال�شعرية امل�ؤلف :الدكتورة فوزية �أبو خالد النا�شر :امل�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر بريوت �ضمن �سل�سلة وع��د� ،صدر عن الم�ؤ�س�سة العربية ل�ل��درا��س��ات والن�شر – ب�ي��روت – مجموعة الأع�م��ال ال�شعرية لل�شاعرة الدكتورة فوزية �أب��و خالد� ،إح��دى �أبرز ال�شاعرات العربيات ،والأديبة والكاتبة ال�سعودية المعروفة ،ف��ي مفاج�أة ��س��ارة لقرائها ومحبيها؛ �إذ �ضمّنت مجموعة «الأعمال ال�شعرية» جميع دواوينها التي �أ�صدرتها في م�سيرتها الإبداعية ،ومنها مجموعة �شعرية جديدة لم تن�شر من قبل عنوانها «ملم�س الرائحة». �ضمت مجموعة الأعمال ال�شعرية دواوين� :إلى متى يختطفونك ليلة العر�س � -أ�شهد الوطن قراءة في ال�سر لتاريخ ال�صمت العربي -ماء ال�سراب -مرثية الماء - �شجن الجماد -تمرد عذري -ملم�س الرائحة. وبمنا�سبة تد�شين المجموعة في معر�ض الريا�ض ال��دول��ي للكتاب 2015م ف��ي م��ار���س 2015م ،وقّعت ال�شاعرة كتابها الجديد لقرائها ومعجبيها في رواق التوقيع بالمعر�ض بح�ضور عدد من ال�شعراء والأدب��اء والإعالميين. وق��د كتبت ال���ش��اع��رة الكبيرة �سلمى الخ�ضراء ال�ج�ي��و��س��ي م�ق��دم��ة ب��اذخ��ة للمجموعة ،م�ع�ب��رة عن مفاج�أتها ب�شعر فوزية �أبو خالد بات�ساع رقعة اهتماماتها التي تجمع بين ال�شخ�صي والحميم وبين هموم العالم الوا�سع ،م�شيرة �إلى �أنها عالمة الأ�صالة الأولى ،قائلة �إنها ام��ر�أة عظيمة ال�شجاعة ال تت�صالح لحظة واحدة مع اعوجاج المارقين ..بل تظل قاب�ضة على الجمر، م�ؤكدة �أن ق�صائدها عامرة بحب الوطن العربي والقلق عليه وخا�صة فل�سطين ،و�أنها من �أوائل ثائرات الجزيرة ولعلها �أ�صبرهن على الظلم ،عالقتها مع ال�شعر عالقة 134اجلوبة -ربيع 1436هـ
عميقة را�سخة ،حيث الن�ص ال�شعري عندها ال يغبط حق المعنى في �سبيل تنويع ال�صورة المبتكرة ،م�ؤكدة �أن �إم�ساكها باللغة ال�شعرية مده�ش منذ �أول مجموعة، م�شيرة �إلى �أن �شعر الدكتورة فوزية �أبو خالد ال ي�شكو من الغمو�ض المعقد ال��ذي �أره��ق كثيرا من التجارب ال�شعرية و�أط�ف��أ بريقها؛ لأنها �شاعرة تهتم بالمعنى وت�ؤديه بو�ضوح. كما �ضمت المجموعة تقديما لل�شاعر علي الدميني بعنوان :فوزية �أب��و خالد :كيف �أفلتت الفرا�شات من حرائق ال�ضوء. ول��م ت�ت��رك ال���ش��اع��رة ق ��راء مجموعتها ال�شعرية الجديدة دون �أن تكتب لهم «م�شكاة الكتابة» م�ضمنة �سيرتها الإبداعية بدء ًا من طفولة �أولى ومراحل تجريبية �أولى وثانية وثالثة ،و�صوال الى محطات لي�ست عابرة، وتحوالت مفتوحة عن الكتابة بين الهوية والهواية. والكتابة بين برزخ الماء وبرزخ النار وري�ش الكتابة في رياح التحديات وعن �شركائي في فتيل الم�شكاة. من ق�صائد المجموعة ال�شعرية: �أغفو فتت�سلق الق�صيدة نوافذي على حبال �أع�صابي التي تمتد �إليها خل�سة عني تر�ش زيتها على �أ�صابعي وترمي �شمعداناتها الم�شتعلة على الفرا�ش.
ق�����������������������������������������������������������������������������������راءات
الرحالة الأوربيون ّ يف �شمال و�سط اجلزيرة العربية: منطقة حائل 1921-1845م امل�ؤلف :د .عو�ض البادي النا�شر :النادي الأدبي مبنطقة حائل يتحدث ال��دك�ت��ور ع��و���ض ال �ب��ادي ع��ن ت��واف��د ع��دد من الرّحالة والم�ست�شرقين على الجزيرة العربية من مختلف الم�شارب واالتجاهات خالل القرون الثالثة الأخيرة .وكان الدكتور البادي قد �أ�صدر �ضمن م�شروعه الثقافي كتاب «الرحالة الأوربيون في �شمال الجزيرة العربية – منطقة ال�ج��وف – 1922-1845م» ع��ن ال�ن��ادي الأدب ��ي بمنطقة الجوف �إ�ضافة �إلى كتابه هذا. يقول الباحث :دخل ه ��ؤالء المغامرون والرحالة �إلى المنطقة ،التي كانت تموج بالأحداث والتطورات ال�سيا�سية المختلفة ،ب�صفات و�أه� ��داف م�ت�ع��ددة :فمنهم الباحث وع��ال��م الآث ��ار ,ومنهم ال�سائح وال�ت��اج��ر ,ومنهم الطبيب والمب�شّ ر ,ومنهم المبعوث ال�سيا�سي والدبلوما�سي ,ومنهم الجا�سو�س وك ٌل على ح�سب هدفه ...وقد قام ه�ؤالء الرّحالة بدرا�سة �أو�ضاع البالد والتعرف على �أحوالها وكتابة تقارير عنها .وكما ما اختلفت �أهدافهم ،فقد اختلفت كتاباتهم عنها؛ فمنهم من كان من�صف ًا ومحايد ًا وامتازت كتاباته التع�صب بالمو�ضوعية ,ومنهم من �سيطرت على كتاباته روح ّ الديني �أو العن�صري القومي ,والأحكام الم�سبقة ,وعـدم المـو�ضوعية فـي �إ�صـدار الأحـكام وتـعميمها ب�شكل اعتباطي دون النظر �إلى خ�صو�صية المنطقة. ومن خالل كتاباتهم وتقاريرهم عن رحالتهم� ,أ�سهم ه ��ؤالء الرحالة في كتابة ت�أريخ فترة من فترات تاريخنا المحلي لم تحظ باالهتمام الكافي من م�ؤرخينا المحليين, وقد اكت�سبت كتاباتهم عن الجزيرة العربية �أهمية بالغة لما تحويه من معلومات وافية و ُممَنهجة ب�صورة علمية �سليمة، ونقلت لنا حقائق كانت غائبة لوال كتاباتهم� .أم��ا منطقة حائل ،مو�ضوع كتابنا ،ف�إحدى �أه��م مناطق �شمالي �شبه الجزيرة العربية وو�سطها التي اتجهت �إليها �أنظار الرحالة الأوروب�ي�ي��ن ،وخ�صوها بعناية كبيرة في كتاباتهم نظر ًا لأهمية ال�سيا�سة التي كانت تحظى بها زمن قدومهم �إليها، ب�سبب �أهميتها الجغرافية وموقعها ال��ذي تو�سّ ط مناطق
عدة ،وعلى �ضوء تلك الأهمية زارها خالل الفترة الواقعة ما بين 1845م1261/ه �ـ ،و1921م1340/ه �ـ اثنا ع�شر رحالة �أوروبي ًا خ�صوها باهتمام كبير في كتاباتهم. وي�ضيف ال �م ��ؤل��ف :ق��دم ه� ��ؤالء ال��رح��ال��ة ع��ن منطقة حائل الكثير من المعلومات الجغرافية وت�أريخها ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي والثقافي وتركيبتها ال�سكانية حا�ضرة وبادية. كما ي�شير �إلى �أن ما كتبه الرحالة لم يكن لنا ،بل كتبوا بلغاتهم ل�شعوبهم لتتعرف �إل��ى ال�شعوب الأخ��رى .وعليه، يالحظ �أنهم يركزون على ما يرونه غريب ًا و�شاذ ًا بالن�سبة �إليهم ،ويقيّمونه من خالل مرجعياتهم الدينية والح�ضارية. ويدعو الباحث القارئ با�ستك�شاف الن�صو�ص ليحكم بنف�سه على ما قدمه ه�ؤالء الرحالة ،وتقدير مدى �أهميته العلمية والثقافية� ،إذ تجلت نزعة الباحث الحيادية ومنهجه العلمي بعيد ًا عن الهوى �أو التمحور حول الذات؛ كا�شف ًا عن تاريخ منطقة حائل الديني وال�سيا�سي واالقت�صادي والثقافي؛ م�سلط ًا ال�ضوء على الرحالة الذين زاروها من خالل معرفة دوافعهم ومناهجهم في التحليل وم�شاهداتهم ..مع الوقوف على القيمة العلمية لمحتوى تلك الرحالت ،م�سهم ًا في بناء قاعدة معلومات موثقة و�شاملة عن المنطقة. الكتاب الذي جاء بجزئه الأول في(� )528صفحة والثاني في (� )990صفحة ،وكالهما من القطع الكبير� ،سِ فر مهم عن منطقة حائل ،ي َمكِّن القارئ والباحث من التعرف على فترة تاريخية مهمة ،ت�ستلهم منها الأجيال العبر ،وتحمد اهلل على تغير الحال وتبدل الأو�ضاع التي كانت تعاني فيها بالدنا من تف�شي الجهل والأمية وتداعياتهما.
اجلوبة -ربيع 1436هـ 135
الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الأ�ستاذ عبدالرحمن المفرج والأ�ستاذ عبده قا�سم ال�شريف
■ كتب :عماد املغربي
�ضمن خطة الن�شاط الثقافي للعام 1436/35ه��ـ �أقيمت م�ساء يوم الأربعاء 2015/1/28م محا�ضرة بعنوان« :حماية البيئة ودور المجتمع»� ,ألقاها الأ�ستاذ عبده قا�سم ال�شريف الع�سيري، الم�ست�شار بوزارة الزراعة ،و�أدارها ع�ضو المجل�س الثقافي ،الأ�ستاذ عبدالرحمن بن عبدالكريم المفرج. ق��دم المحا�ضر عر�ض (بوربوينت) عن مو�ضوع المحا�ضرة ت�ضمن( :االتفاقيات البيئية الدولية الرئي�سة -الأهداف اال�ستراتيجية وبرامج العمل الوطنية لمكافحـة الت�صحر -الم�شاريع الإ�ستراتيجية والخطة الوطنية للغابات -رفع الوعي البيئي � -إ�صدار نظام المراعي والغابات والئحته و�إجراءات �ضبط المخالفات -برامج تثبيت الكثبان الرملية في مختلف مناطق المملكة - حماية و�إعادة ت�أهيل مواقع الغطاء النباتي الطبيعي -الغطاء النباتي الطبيعي ...حالته وال�ضغوط التي يتعر�ض لها -جهود المملكة من خالل �إع��داد ال�سيا�سات واال�ستراتيجيات وخطط العمل والنظم والت�شريعات للحد من �أ�سباب تدهور البيئة و�إعادة ت�أهيل البيئات المتدهورة. كما تناول المحا�ضر �أه��م التحديات وع��وام��ل التدهور البيئية مثل :الم�ساحة -الموقع - الطبوغرافية -الظاهرة المناخية المتطرفة كالجفاف والفي�ضانات وما ينتج عنهما من ال�ضحايا تلوث الهواء وما ينتج عنه من �أ�ضرار �صحية� ،إ�ضافة �إلى التغير المناخي ونتائجه � -أ�سباب تدهورالبيئة والغطاء النباتي على وجه الخ�صو�ص متعددة ومتنوعة ،وهي في معظمها من �صنع الإن�سان �أنواع البيئات الطبيعية).وقد �أ�شاد الأ�ستاذ الع�سيري بمركز عبدالرحمن ال�سديري الثقافي على ما يقدمه من ن�شاطات ثقافية وندوات ومحا�ضرات ،ت�سهم في �إثراء ال�ساحة الثقافية. ح�ضر المحا�ضرة جمع من الأهالي و�أع�ضاء المجل�س الثقافي .ونُقلت عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة �إلى الق�سم الن�سائي. 136اجلوبة -ربيع 1436هـ
من �إ�صدارات اجلوبة
�صدر حديثاً عن برنامج الن�شر في