50 joba web aljoubah الجوبة مجلة

Page 1

‫درا�سات ونقد‬ ‫ن�صو�ص �شعرية و�سردية‬ ‫مواجهات‬ ‫�شهادات‬

‫تقرير المنتدى‪:‬‬ ‫الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫في دورته التاسعة‪ :‬اإلسكان ‪ ..‬الواقع واآلفاق‬

‫‪50‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy. org. sa‬‬


‫جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫امل�شرف العام ‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫�سكرترياً‬ ‫�أ�سرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫حمرراً‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً‬ ‫عماد املغربي ‬ ‫ ‬ ‫�إخـــراج فني ‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫املرا�ســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد‬

‫‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫الإدارة العامة ‪ -‬الجوف‬ ‫المدير العام‪ :‬عقل بن مناور ال�ضميري‬ ‫م�ساعد المدير العام‪� :‬سلطان بن في�صل ال�سديري‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪� - 50‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪6...............................‬‬ ‫الغاط حتتضن منتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري‬

‫‪23........................‬‬ ‫قراءة يف شعر محمد الثبيتي‬

‫‪100............................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪:‬‬ ‫عبد اهلل بن عبدالمحسن السلطان‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫افتتاحية العدد ‪4 . ................................................‬‬ ‫تقرير المنتدى‪ :‬الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري في دورته التاسعة‪ :‬اإلسكان‪ ..‬الواقع واآلفاق‪6 . ..‬‬ ‫دراس���ات‪ :‬شعرية المحو ف��ي دي���وان «د ُم ال��ب� ِ ّي��ن��ات» لهاشم‬ ‫الجحدلي ‪ -‬رشيد الخديري ‪19 . ................................‬‬ ‫قراءة في شعر محمد الثبيتي ‪ -‬د‪ .‬بهيجة مصري إدلبي‪23 . ...‬‬ ‫صور الوالء والحنين للوطن في شعر الدكتور أحمد السالم ‪-‬‬ ‫د‪ .‬إبراهيم الدّهون ‪30 .........................................‬‬ ‫عزف الكلمات! أحاديث الشعر‪ - ..‬أ‪ .‬د‪ .‬خالد فهمى‪38 . ......‬‬ ‫الفراشة المسافرة في سماء الشعر ‪ -‬نجاة الزباير ‪44 .........‬‬ ‫جدلية الحضور والغياب في المجموعة القصصية «أغنية‬ ‫هاربة» لصالح السهيمي ‪ -‬د‪ .‬سعاد مسكين‪49 ...............‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬بقعة نور ‪ -‬بو شعيب عطران ‪55 . .............‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬محمد صوانه ‪56 . .......................‬‬ ‫البئــــر ‪ -‬محمد عز الدين التازي‪57 . ..........................‬‬ ‫قصتان قصيرتان ‪ -‬د‪.‬عمّار الجنيدي‪60 ........................‬‬ ‫محاكمة ‪ -‬سعيد الفالق ‪61 . ....................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬فهد المصبّح‪63 . ........................‬‬ ‫العــــــــودة ‪ -‬محمد محقق‪64 ....................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬فرح لقمان ‪67 ...........................‬‬ ‫شعر‪ :‬أنا والليل ‪ -‬خلف أحمد حسن‪68 ..........................‬‬ ‫وجهها ‪ -‬إبراهيم زولي‪69 .......................................‬‬ ‫من فوق الرمال ‪ -‬محمود الرمحي‪70 ...........................‬‬ ‫الجياد عند المنحنى ‪ -‬أحمد تمساح‪72 ........................‬‬ ‫بائعة الفسيخ ‪ -‬أحمد مصطفى سعيد ‪73 . .....................‬‬ ‫اَلْحَ ائِكْ ‪ -‬السماح عبداهلل‪74 . ..................................‬‬ ‫همسات عاشق‪ -‬خالد مزياني‪75 . ..............................‬‬ ‫قصيدتان ‪ -‬لقمان محسن لحفاوي‪76 . .........................‬‬ ‫رَني ُن الروحِ ‪ -‬الطاهر لكنيزي‪77 . ...............................‬‬ ‫تراتي ُل الرذاذِ البكرِ ‪ -‬هندة محمد ‪78 . .........................‬‬ ‫أبجدية الريحان ‪ -‬نازك الخنيزي ‪80 . ..........................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬إبراهيم زولي ‪ -‬حاوره‪ :‬د‪ .‬أحمد الدمناتي ‪81 .......‬‬ ‫الروائية زهرة المنصوري ‪ -‬حاورها‪ :‬عبدالغني فوزي ‪89 . .....‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬عبداهلل السلطان ‪ -‬إعداد‪ :‬محمود الرمحي ‪97 . .‬‬ ‫شهادات‪ :‬سحر القراءة‪ :‬تجربتي في القراءة ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد‬ ‫الحميد ‪100 . .......................................................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬إعادة تفسير المعاصرة ‪ -‬محمد خضر ‪111 ..............‬‬ ‫حكايات األطفال المتوارثة ‪ -‬عبدالرحيم الماسخ‪115 . ..........‬‬ ‫جماليات الروح في الثقافة العربية اإلسالمية ‪ -‬هشام بنشاوي‪118 ..‬‬ ‫تعليمات يوكو أونو‪ :‬الفن متخففا من الزوائد ‪ -‬علي المجنوني ‪122 .‬‬ ‫الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء ‪ -‬مالك الخالدي‪128 . .....‬‬ ‫قراءات‪134 ........................................................‬‬

‫صورة الغالف‪ :‬احتضنت مدينة سكاكا بمنطقة الجوف مؤخرا مهرجان الزيتون السنوي الذي ضم عددا‬ ‫من الفعاليات الثقافية والفنية والتجارية‪ ،‬وتشتهر الجوف بزراعة هذه الشجرة المباركة‬ ‫وبإنتاجها الوفير من زيت الزيتون ‪ -‬تصوير ديما إبراهيم‪.‬‬


‫اف���ت���ت���اح���ي���ة‬ ‫ال�����������ع�����������دد‬ ‫■ إبراهيم احلميد‬

‫مع صدور العدد الماثل بين أيدينا‪ ،‬تُتَوج الجوبة مسيرة خمسين عدداً من‬ ‫اإلب��داع الذي وسم أعدادها منذ انطالقتها األول��ى قبل عشرين عاما‪ ،‬وحتى‬ ‫انطالقتها الثانية قبل نحو عشرة أعوام؛ كرّست خاللها صفحاتها لملفات ثقافية‬ ‫غنيّة‪ ،‬وطيف واسع من اآلراء والمقاربات‪ ،‬وصورٍ متعددةٍ من الثقافة والعمل‬ ‫اإلبداعي في مختلف فنونه‪ .‬وبقدر ما تفخر الجوبة بمسيرتها التي قطعتها‪..‬‬ ‫ومكانتها التي حققتها‪ ،‬فإنها كما تدين بالعرفان لقرائها و ُكتّابها ومبدعيها‪ ،‬فإنها‬ ‫تدين في الوقت نفسه بالعرفان لناشرها ولهيئة النشر التي دأبت على مدى هذه‬ ‫المسيرة على تقديم كل الوسائل الممكنة لتيسير عملها‪ ،‬وتذليل أي صعوبات‬ ‫واجهت طريقها‪ ،‬ودعمت على الدوام انطالقتها وعززت حضورها‪.‬‬ ‫ال بمواضيع متعددة من دراسات‪ ،‬ونصوص‬ ‫وبقدر ما يأتي هذا العدد محم ً‬ ‫قصصية وشعرية‪ ،‬وح����وارات‪ ،‬وم��ق��االت‪ ،‬فإنه يُ��ت��وج بتغطية لمنتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن السديري السنوي الذي كان عنوانه‪ :‬اإلسكان‪ -‬الواقع واآلفاق‪.‬‬ ‫وكعادة المنتدى في اختيار مواضيعه المهمة التي ناقشها في دوراته السابقة‪،‬‬ ‫ال‬ ‫والتي تأتي لتستبق زمنها بحثا ونقاشا وتوصيات‪ ،‬جاء منتدى هذا العام محم ً‬ ‫بموضوع بالغ األهمية في المملكة العربية السعودية حيث اإلسكان هو القضية‬ ‫األبرز التي يعيشها المواطنون‪ ،‬والتي تبذل الدولة كل جهد ممكن إليجاد الوسائل‬ ‫المناسبة لحلها‪ ،‬وما موضوع دورة المنتدى األخيرة إال جهد إضافي من المنتدى‬ ‫والقائمين عليه مع المتخصصين والباحثين‪ ..‬لمناقشة واقتراح الحلول المناسبة‬ ‫لقضية اإلسكان‪ ،‬وقدّم المنتدى في ختام أعماله توصيات قد يساعد األخذ بها‬ ‫على حل مشكلة اإلسكان‪.‬‬ ‫وفي هذا العدد طرحت الجوبة باقة من الموضوعات‪ ،‬والدراسات‪ ،‬والمقاالت‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وفي ق��راءة ألعمال الشاعر الراحل محمد الثبيتي يرحمه اهلل‪ ،‬يتضح أن‬ ‫تجربته تبقى تجربة مفتوحة على القراءة عبر تشكيل الخطاب الشعري‪ ،‬وعبر‬ ‫مرايا ال��رؤى التي تنفتح فيها ال��ذات على الوجود‪ ،‬وعلى النص‪ ،‬فكان خطابه‬ ‫الشعري خطابا منفتحا على الحداثة الشعرية‪ ،‬ومنفتحا على العالم بتحوّالته‪،‬‬ ‫وذلك بانفتاح الذات الشعرية على العالم والقصيدة‪.‬‬

‫اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة‬

‫منها‪ :‬دراسة أحاديث الشعر‪ ،‬يوضح فيها الباحث أن الشعر قد استثمر في زمن‬ ‫النبوة جهازاً إعالميا ودعائياً في مواجهة أعداء األمة‪ ،‬وأن إعادة فحص مدونة‬ ‫أحاديث الشعر تمثل أنموذجاً لنمط من الثقافة المعاصرة تفرض إعادة االقتراب‬ ‫الواعي من النطاق المركزي الذي ضمن لهذه األمة انطالقتها الكبرى في الحياة‪.‬‬

‫وفي أوراق العدد نُقلب االتجاه الوطني في شعر الدكتور أحمد بن عبداهلل‬ ‫السالم وصور الحنين للوطن‪ ،‬إذ يشكل الوطن في شعره ملمحا جميال يعكس‬ ‫أيقونة االنتماء والتماهي‪.‬‬ ‫وفي ق��راءة في دي��وان «دم البينات» للشاعر هاشم الجحدلي‪ ،‬نجد تجربة‬ ‫شعرية تمتح سماتها الدالة من الذات‪ ،‬أو بمعنى آخر الكتابة عبر تذويب األنا في‬ ‫مقابل محو الذاكرة‪ ،‬واستزراع رؤى جديدة يؤكدها الباحث‪ ،‬حيث «دم البينات»‬ ‫سيرة شعرية كاملة‪.‬‬ ‫ونظرا لما للقراءة وتشجيع تجاربها من معنى عميق‪ ،‬في هذا الوقت بالتحديد‪،‬‬ ‫تنشر الجوبة نص محاضرة الدكتور عبدالواحد الحميد «سحر القراءة‪ :‬تجربتي‬ ‫في القراءة»‪ ،‬وهي تجربة ذات خصوصية وطعم‪ ..‬من حيث الزمن الذي تتحدث‬ ‫عنه‪ ،‬والمكان الذي جرت فيه‪ ،‬والشخصية التي تروي تجربتها وشهادتها في‬ ‫القراءة‪ ،‬والتي تعبر بحق عن تجربة ثريّة يمكن أن تكون ملهمة ألطياف جيل‬ ‫اليوم‪ ،‬وبخاصة أن جُ َّل جمهورها كان من طلبة جامعة الجوف‪.‬‬ ‫وفي عددنا هذا رأي يؤكد أن الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء‪ ،‬وحيث‬ ‫يوجد التعدد والتنوّع‪ ،‬فث َّم الثراء والتطور والتقدم واالرتقاء‪ ،‬وهو مقال الكاتبة‬ ‫مالك الخالدي‪.‬‬ ‫موضوعات ع��دي��دةٍ وم��ح��او َر مختلفة‪ ،‬ونصوصاً إبداعية‬ ‫ٍ‬ ‫وتتناول الجوبة‬ ‫وحوارات أدبية‪ ،‬تعالج مفهوم الثقافة بمعناها الواسع والمتعدد‪ ،‬والذي يجعلها‬ ‫ٍ‬ ‫مجاال معرفيا ذا وجوه مختلفة‪ ،‬تتمحور حول القيم الثقافية واألدبية التي تقوم‬ ‫عليها المجلة لتشجيع اإلبداع ونشره‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪5‬‬


‫منتدى األمير‬ ‫عبد الرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬ ‫في دورته التاسعة ‪ -‬الغاط‬

‫اإلسكان‪ ..‬الواقع واآلفاق‬ ‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يف دورته التاسعة‪:‬‬

‫اإلسكان‪ ..‬الواقع واآلفاق‬

‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬

‫الغاط تحتضن منتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري‬

‫■ كتب‪ :‬محمود الرمحي ومحمد صوانه‬

‫ع �ق��د م �ن �ت��دى األم �ي ��ر ع �ب��دال��رح �م��ن بن‬ ‫أح� �م ��د ال� �س ��دي ��ري ل� �ل ��دراس ��ات ال �س �ع��ودي��ة‬ ‫م �ن �ت��داه ال �س �ن��وي ف��ي دورت � ��ه ال �ت��اس �ع��ة‪ ،‬في‬ ‫دار الرحمانية بمحافظة ال�غ��اط‪ ،‬بعنوان‪:‬‬ ‫(اإلسكان‪ :‬الواقع واآلفاق) وذلك يوم السبت‬ ‫‪1437/1/2‬هـ (‪2015/11/14‬م)‪.‬‬ ‫افتتح المنتدى فيصل بن عبدالرحمن‬ ‫ال �س ��دي ��ري رئ �ي ��س م �ج �ل��س إدارة م��ؤس�س��ة‬ ‫ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري‪ ،‬ب�ك�ل�م��ة أك ��د فيها‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫أن ال �م �ن �ت��دى ان �ط �ل �ق��ت دورت � ��ه األول � ��ى في‬ ‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫العام ‪1428‬ه�ـ (‪2007‬م)‪ ،‬وهو أحد المناشط‬ ‫ال��دوري��ة ال�ت��ي يقيمها م��رك��ز عبدالرحمن ال�س��دي��ري الثقافي س�ن��وي� ًا ب��ال�ت�ن��اوب بين‬ ‫الجوف والغاط‪ ،‬لمناقشة موضوعات مستجدة لها أهمية على مستوى المملكة‪ .‬وقال‬ ‫إن المنتدى تناول على مدى دورات��ه الثمان الماضية موضوعات عدة في المجاالت‬ ‫الثقافية واالقتصادية واالجتماعية والصحية واإلدارة واإلعالم‪ .‬وفي هذا العام اختارت‬ ‫هيئة المنتدى «اإلسكان الواقع واآلف��اق» موضوعا لهذه ال��دورة؛ لما لقضية اإلسكان‬ ‫من أهمية عامة تهم مختلف قطاعات المجتمع السعودي‪ ،‬ليس على مستوى الكم‬ ‫بقدر ما هو على النوع؛ ما يستدعي البحث إليجاد أنظمة حديثة تأخذ في الحسبان‬ ‫المستجدات الالزمة لتطوير قطاع اإلسكان وخدماته للمواطنين‪.‬‬ ‫وق��ال إن ن��دوة المنتدى يشارك فيها للتفاعل مع مقدمي أوراق العمل وإثراء‬ ‫ع���دد م��ن ال��ب��اح��ث��ي��ن والمتخصصين‪ ،‬الندوة بالحوار والنقاش المثمر المفيد‪.‬‬ ‫يقدمون رؤاه���م م��ن خ�لال أوراق عمل‬ ‫وأشار إلى إن هيئة المنتدى اختارت‬ ‫بحثية أعدت لهذه الغاية‪ ،‬داعيا الجمهور في هذه ال��دورة تكريم صندوق التنمية‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪7‬‬


‫فيصل بن عبدالرحمن السديري يتوسط د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬وم‪ .‬يوسف الزغيبي‬

‫العقارية‪ ،‬نظراً لجهوده في مجال اإلسكان في المدن والقرى واألرياف على السواء‪ ،‬وبرزت‬ ‫مناطق حضرية جديدة وأحياء حديثة شملت‬ ‫المملكة‪ ،‬وفق اإلمكانات المتاحة‪.‬‬ ‫كل المناطق دون استثناء‪ ،‬واستفادت منها‬ ‫وق��ال إننا نسعد في ه��ذا المركز بشرف‬ ‫قطاعات واسعة من المواطنين‪.‬‬ ‫اإلسهام في خدمة الثقافة على مستوى الوطن‬ ‫واستعرض د‪ .‬الشبيلي بعض المشاريع‬ ‫العزيز‪ ،‬من خالل ما توفّره مكتبات المركز‬ ‫العامّة في كل من الجوف والغاط‪ ،‬وما تقدمه اإلسكانية التي أقامتها الحكومة‪ ،‬مثل مشروع‬ ‫برامجه لدعم ونشر األب��ح��اث‪ ،‬وم��ا تُحييه اإلسكان العاجل في الرياض بجوار الحرس‬ ‫الوطني وفي شارع المعذر وفي طريق الخرج‬ ‫مناشطُ ُه المنبرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وف��ي ج��دة وف��ي الخرج‪ ،‬كما سجُ ل للوزارات‬ ‫كما ألقى د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬عضو‬ ‫العسكرية‪ ،‬وألرام��ك��و ولهيئة الجبيل وينبع‬ ‫هيئة المنتدى‪ ،‬كلمة الهيئة‪ ،‬فقال إن المملكة‬ ‫وللعديد م��ن ال��ش��رك��ات‪ ،‬إس��ه��ام��ات واضحة‬ ‫بدأت باالهتمام بتوفير اإلسكان للمواطنين في في إقامة مشاريع إسكان لمنسوبيها‪ ،‬وسُ جل‬ ‫التسعينيات الهجرية (السعبينيات الميالدية)‪ ،‬للملك عبداهلل ‪ -‬يرحمه اهلل ‪ -‬مبادرة كريمة‬ ‫إذ أسست مجموعة من الصناديق التنموية‪ ،‬عبر مؤسسته لوالديه‪ ،‬ولمشروع سلمان بن‬ ‫كان أحدها لتشجيع المواطن على بناء مسكنه‪ ،‬عبدالعزيز األهلي لإلسكان الخيري‪ ،‬ولألمير‬ ‫ولحفز ال��ت��اج��ر على االس��ت��ث��م��ار ف��ي عمارة الوليد ب��ن ط�ل�ال‪ ،‬وللعديد م��ن المواطنين‬ ‫ال��وح��دات السكنية متعددة األدوار‪ ،‬بتمويل إسهامات ملموسة في تخفيف المعاناة السكنية‬ ‫كبير من الحكومة‪ .‬ومثّلت هذه الخطوة حدثاً للمواطنين‪ .‬لكن الحراك الذي جاء به صندوق‬ ‫مشهوداً في تاريخ التنمية والبناء والعمران‪ ،‬التنمية العقارية عبر أربعين عاماً كان يتقدم‬ ‫فأحدث البرنامج تح ّوالً تنمو ّياً ملحوظاً على في حجمه وتأثيره على كل المشروعات‪ ،‬وحقق‬ ‫صعيد القرى واألرياف بشكل خاص‪ ،‬انعكس ج��زءاً ال يستهان به من تطلّعات المواطنين‪،‬‬ ‫ف��ي معظمه إي��ج��اب �اً ع��ل��ى البيئة والصحة لكنه لم يحقق االكتفاء المنشود بسبب حجم‬ ‫والعالقات االجتماعية والنشاط االقتصادي‪ .‬الطلب المتزايد على البيوت‪ ،‬وبسبب التضخّ م‬ ‫وتلك الحزمة م��ن صناديق التنمية غير المطّ رد في النم ّو السكاني‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫المسبوقة التي ابتكرتها الدولة في تلك المرحلة‬ ‫ويكفي للوطن أن يسجل فخره بأن الصندوق‬ ‫وما تالها‪ ،‬صنعت ِحراكاً ظهرت تأثيراته في قد نجح خالل أربعة عقود من عمره‪ ،‬في أن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري رئيس مجلس اإلدارة يسلم م‪ .‬يوسف الزغيبي مدير عام الصندوق درع التكريم‬

‫يقدم نحو مليون قرض لكل فئات المواطنين‪،‬‬ ‫بقيمة بلغت مئتين وسبعين مليار ريال في نحو‬ ‫أربع آالف وثالثمئة مدينة وقرية وهجرة‪ ،‬وأن‬ ‫يرتفع رأس ماله من مئتين وخمسين مليون‬ ‫ريال في عام إنشائه إلى نحو مئتي مليار ريال‬ ‫اآلن‪.‬‬

‫وإن هذا اليوم الذي نشهده في منتداكم الكريم‬ ‫سيبقى عالقا في ذاكرة جميع منسوبي التنمية‬ ‫العقارية والمهتمين بسيرته وإنجازاته؛ ألنه‬ ‫أول تكريم للصندوق‪ ،‬وبحضور هذه النخبة‬ ‫المتميزة من المهتمين بشأن اإلسكان؛ وإن‬ ‫اخ��ت��ي��ار ال��ص��ن��دوق ليكون شخصية منتدى‬ ‫األمير عبدالرحمن السديري في هذه الدورة‪،‬‬ ‫ليس تكريما للصندوق وح��ده‪ ،‬بل هو أيضا‬ ‫تقدير وامتنان للدولة التي قدمت وما تزال‬ ‫تقدم الدعم غير المحدود‪ ،‬لتطوير برامجه‬ ‫اإلسكانية للمواطنين‪ ،‬وصرفت مبالغ ضخمة‬ ‫وصلت إلى (‪ )191‬مليار ريال من أجل اإلسهام‬ ‫في توفير السكن المالئم والالئق بالمواطن‬ ‫السعودي‪.‬‬

‫وقال إن اختيار صندوق التنمية العقارية‬ ‫للتكريم‪ ،‬يأتي متزامناً مع مناسبتين‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫مرور أربعة عقود على تأسيسه‪ ،‬والثانية تفكير‬ ‫الحكومة في تطوير رسالة الصندوق ورؤيته‬ ‫وأهدافه‪ ،‬كي يعمل على توفير برامج التمويل‬ ‫السكني للمستحقين‪ ،‬وتطوير شراكة فاعلة‬ ‫مع المطوّرين والبنوك ومؤسسات التمويل‬ ‫العقاري‪ ،‬ودع��ا الشبيلي الحكومة في كلمته‬ ‫إلى عدم التعجل بتغيير مسار الصندوق حتى‬ ‫فمنذ إنشاء الصندوق وبدء عمله باإلقراض‬ ‫تتأكد من البديل المضمون‪.‬‬ ‫قبل أربعين عاماً ونيَف‪ ،‬وحتى تاريخه استفاد‬ ‫ثم ألقى المهندس يوسف الزغيبي‪ ،‬مدير من خدماته ما يصل إل��ى نحو (‪ )940‬ألف‬ ‫صندوق التنمية العقارية‪ ،‬كلمة قال فيها إن في م��واط��ن‪ ،‬وأس��ه��م ف��ي إن��ش��اء أكثر م��ن مليون‬ ‫ذاكرة األمم واألفراد تواريخ ترسخ في الذاكرة‪ ،‬وحدة سكنية منتشرة في كافة مناطق المملكة‪،‬‬ ‫تسجل وتوثق أحداثاً لها تأثيرها في الحياة‪ ،‬وتوزعت على (‪ )4279‬مدينة ومحافظة ومركز‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪9‬‬


‫وق��د ص��رف على تلك ال��ق��روض نحو (‪ )260‬وبحوث مستفيضة‪.‬‬ ‫مليار ريال‪.‬‬ ‫وشكر المهندس الزغيبي هيئة المنتدى‬ ‫لقد أحدث الصندوق أثراً كبيراً في كافة ومركز األمير عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫م��ن��اش��ط حياتنا وارت��ق��ى بمستوى ثقافتنا ع��ل��ى ه���ذه ال��م��ب��ادرة ال��ك��ري��م��ة‪ ،‬باالختيار‬ ‫السكنية‪ ،‬وحياتنا المعيشية‪ ،‬ونمطنا المعماري‪ .‬ال��م��وف��ق ل��م��وض��وع الإِ س���ك���ان‪ ،‬لمالمسته‬ ‫وأسهم في تطور التنمية الحضرية بشكل عام اهتمامات المواطن والمجتمع السعودي‪،‬‬ ‫في المدن واألرياف‪ ،‬ودعم الطبقة المتوسطة وكذلك على اللفتة الكريمة بتكريم صندوق‬ ‫من المجتمع‪ .‬وإن تقييم اآلث��ار االقتصادية التنمية العقارية‪ ،‬الذي يُعد تكريما لكل من‬ ‫واالجتماعية التراكمية التي أحدثها الصندوق عمل في الصندوق على مدى العقود األربعة‬ ‫في المجتمع السعودي تحتاج إل��ى دراس��ات الماضية‪.‬‬ ‫موضوعات المنتديات السابقة‬ ‫‪ -1‬الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث ‪ -4‬النظام الصحي في المملكة العربية‬ ‫السعودية‪1431( .‬هـ‪2010/‬م)‪.‬‬ ‫الحادي عشر من سبتمبر‪ :‬اآلثار وسبل‬ ‫‪ -5‬اإلدارة المحلية والتنمية (‪1433‬ه��ـ‪/‬‬ ‫تجاوزها‪1428( .‬هـ‪2007 /‬م)‪.‬‬ ‫‪2011‬م)‪.‬‬ ‫‪ -2‬األزم���ة المالية العالمية وتداعياتها‬ ‫‪ -6‬آث��ار المملكة‪ :‬إنقاذ ما يمكن إنقاذه‬ ‫على االقتصاد السعودي‪1429( .‬ه��ـ‪/‬‬ ‫(‪1434‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬ ‫‪2008‬م)‬ ‫‪ -7‬اإلعالم اليوم عالم بال حواجز‪.‬‬ ‫‪ -3‬النظام القضائي السعودي‪1430( .‬هـ‪ -8 /‬م��دي��ن��ة وع���د ال��ش��م��ال وال��م��س��ؤول��ي��ة‬ ‫‪2009‬م)‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫االجتماعية‪.‬‬


‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬

‫ندوة المنتدى‬ ‫اإلسكان‪ ..‬الواقع واآلفاق‬ ‫تعد أزمة السكن واحدة من أهم األزمات‬ ‫ال��ت��ي يعيشها ال��ع��دي��د م��ن المجتمعات‬ ‫ال��م��ع��اص��رة‪ ،‬ن��ظ��را الرت��ب��اط��ه��ا المباشر‬ ‫بجميع فئات المجتمع‪ ،‬وتمثل تحديا كبيرا‬ ‫تبذل الدول جهودا كبيرة لمواجهتها والحدِّ‬ ‫من تفاقمها‪ ،‬وبخاصة لكون توفر المسكن‬ ‫المالئم بالنسبة لألسرة السعودية يمثل‬ ‫جزءا كبيرا من اهتمامها‪ .‬ويستدعي ذلك‬ ‫القيام بمعالجات جذرية وسريعة‪ ،‬لتيسير‬ ‫حصول المواطنين على السكن المالئم‪،‬‬ ‫ول���ع���ل غ���ي���اب ال��ت��خ��ط��ي��ط ال��واق��ع��ي‬ ‫لإلسهام في تحقيق االستقرار المجتمعي ال��م��س��ت��ش��رف لمتطلبات اإلس���ك���ان في‬ ‫الذي من شأنه أن يرتقي بمستوى التنمية المستقبل منذ البداية‪ ،‬وعدم إعطاء هذه‬ ‫االجتماعية واالقتصادية على حدٍّ سواء‪ .‬المشكلة االهتمام الكافي‪ ،‬وعدم استشعار‬ ‫وإليجاد حلول ناجعة ألزمة السكن‪ ،‬فمن مختلف الجهات ذات العالقة بحقيقة‬ ‫ال��ض��روري وج��ود استراتيجية تُبنى على خ��ط��ر مشكلة ال��س��ك��ن‪ ،‬ووض���ع الحلول‬ ‫رؤية علمية تأخذ في االعتبار حجم الطلب المالئمة لها قبل وقوعها‪ ،‬قد أسهم في‬ ‫المتوقع في المستقبل على المساكن‪.‬‬ ‫تفاقم المشكلة‪.‬‬ ‫للحكومات في اجتراح الوسائل المناسبة‬ ‫للحدّ من تفاقم ه��ذه المشكلة‪ ،‬فإنه ال‬ ‫بد من تضافر الجهود الرسمية واألهلية‬ ‫وال��ق��ط��اع ال��خ��اص‪ ،‬للعمل على اإلسهام‬ ‫في حل ه��ذه األزم���ة‪ .‬وينبغي االعتراف‬ ‫بوجود هذه المشكلة‪ ،‬وعدم ارتقاء الحلول‬ ‫المستخدمة ح��ت��ى اآلن إل���ى المستوى‬ ‫المطلوب لحلها بشكل جذري‪ ،‬يتماشى مع‬ ‫تطلعات أبناء الوطن‪.‬‬

‫وم��ع اإلق���رار ب��ال��دور المهم واألس��اس‬

‫وفي المقابل‪ ،‬فإن بقاء مشكلة السكن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪11 )2016‬‬


‫ٍ‬ ‫من دون حلٍّ جذريٍّ‬ ‫مناسب يكلِّف الدولة األسعار‪.‬‬ ‫مليارات الرياالت مستقبال‪ ،‬وسوف يدفع‬ ‫وقد هدفت الندوة إلى تقديم أوراق بحثية‬

‫ثمن ذل��ك ال��م��واط��ن وال��دول��ة م��ع��ا‪ .‬وفي علمية تدرس مشكلة اإلسكان في المملكة‪.‬‬ ‫التخطيط السليم المبني على دراسات واستعراض حلول وتجارب وطنية ودولية‬ ‫علمية عالج أكيد لحل مشكلة اإلسكان‪ ،‬في مجال مواجهة مشكلة اإلسكان‪ .‬واقتراح‬ ‫واستثمار صحيح للوقت والجهد والمال‪ .‬وسائل علمية جديدة في مجال اإلسكان‪.‬‬ ‫وم���ن ال��م�لاح��ظ أن م��ع��ظ��م ال��ف��رص‬

‫االستثمارية والتجارية وف��رص العمل‪،‬‬ ‫ت��ت��رك��ز ف��ي ال��م��ن��اط��ق ال��رئ��ي��س��ة ال��ث�لاث‬

‫أما محاور الندوة فهي‪:‬‬ ‫‪ -‬واقع قطاع اإلسكان في المملكة‪.‬‬

‫(ال��ري��اض وج��دة وال��دم��ام)؛ ما يسهم في ‪ -‬السياسات الحكومية في مجال اإلسكان‬ ‫(االس��ت��رات��ي��ج��ي��ات ‪ -‬ال��ت��ش��ري��ع��ات ‪-‬‬ ‫تسارع معدل الكثافة السكانية‪ ،‬وارتفاع‬ ‫المبادرات)‪.‬‬ ‫الطلب على السكن فيها بشكل كبير‪،‬‬ ‫وكذلك تقادم أنظمة البناء‪ ،‬وارتفاع نسبة ‪ -‬ت��ج��ارب دول��ي��ة ف��ي التعامل م��ع قضية‬ ‫اإلسكان‪ ،‬وأهم الدروس المستفادة‪.‬‬ ‫النمو السكاني‪ ،‬األمر الذي يرفع الطلب‬ ‫على السكن بشكل متسارع وبالتالي ارتفاع ‪ -‬سياسات وإجراءات إضافية مقترحة‪.‬‬

‫لقطتان من معرض الغاط في عيون المصورين‬

‫المعارض المصاحبة‬ ‫‪ -1‬معرض إصدارات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫‪ -2‬معرض صور الغاط في عيون المصورين الشباب في الغاط‪.‬‬ ‫‪ -3‬معرض الفن التشكيلي لفنانين من الغاط‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬

‫كلمة االفتتاح‬ ‫افتتح الندوة مدير عام المؤسسة األستاذ عقل‬ ‫الضميري‪ ،‬بكلمة رحّ ب فيها باسمه وباسم رئيس‬ ‫وأعضاء مجلس إدارة المؤسسة بالمشاركين في‬ ‫اللقاء الدوري التاسع للمنتدى‪ ،‬وقال إنه يشارك‬ ‫في ه��ذه ال��ن��دوة أس��ات��ذة مختصون لهم معرفة‬ ‫كبيرة بمختلف جوانبه‪ ،‬وتمنى أن تثري أوراق‬ ‫العمل ومداخالت الحضور ما يهدف إليه المنتدى‬ ‫من الخروج بتصور شامل عن موضوع اإلسكان‪،‬‬ ‫وتسهم في اق��ت��راح حلول ناجعة لهذه القضية‬ ‫الوطنية المهمة‪.‬‬ ‫وق���ال إن ال��م��راك��ز الثقافية ل��م تعد مجرد‬ ‫مكتبات عامة وح��دائ��ق أو متنزهات مسائية‪،‬‬ ‫فعليها أن تُسهم في مناقشة القضايا الوطنية بما‬ ‫يعود بالفائدة على الوطن والمواطن‪.‬‬

‫عقل الضميري مدير عام مركز عبدالرحمن السديري‬

‫إمكاناته‪ ،‬خادمة لهذا الهدف النبيل الواضح‬ ‫وانطالقا من تلك المسؤولية التي آم��ن بها والضروري في كل الظروف‪.‬‬ ‫مؤسس ه��ذا المركز يرحمه اهلل‪ ،‬فقد حرص‬ ‫وب��ه��ذا المفهوم لرسالة مركز عبدالرحمن‬ ‫القائمون عليه ب��أن يكون المركز ملتقىً لذوي‬ ‫االهتمام واالختصاص بشكل دوري‪ ،‬لمناقشة السديري الثقافي‪ ،‬ف��إن هيئة المنتدى وجميع‬ ‫ودراسة العديد من القضايا الوطنية التي تُشغل القائمين على المركز منذ انطالقة الدورة األولى‬ ‫قطاعاً عريضاً من المواطنين؛ لتكون توصياته لهذا المنتدى‪ ،‬يسعدهم تواصل ه��ذه ال��دورات‬ ‫إسهاماً صادقاً يعتمد البحث الجديّ الشامل‪ ،‬وتعاظم االهتمام بها لدى المختصين واإلعالم؛‬ ‫والنقد المسؤول الهادف الذي ال تشوبه المجاملة وم���ا ك���ان ذل���ك ل���وال اس��ت��ش��ع��ار أم��ان��ة الكلمة‬ ‫وال التجريح والتشكيك‪ ،‬موجّ هاً للتجربة والنتيجة وأهميتها‪ ،‬وحب الوطن بإخالص‪ ،‬ومعرفة وتفكير‬ ‫ال األفراد والمؤسسات‪.‬‬ ‫منفتح ال منغلق وال متطرف لدى السادة مقدِّمي‬ ‫هذا المنهج‪ ،‬وهذه البيئة الحاضنة ذات األفق أوراق العمل‪ ،‬والمحاورين‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والحضور‪،‬‬ ‫ال��واس��ع‪ ،‬ال��ل��ذان يتقبالن النقد والكلمة الحرّة وهيئة المنتدى‪ ،‬وجميع األجهزة التي تسهم معنا‬ ‫المسؤولة‪ ،‬هما األساس لكثير من أسباب التطور في تيسير أعمال ه��ذه المنتديات‪ ،‬والشركات‬ ‫في مختلف المجتمعات في العالم‪ ،‬ومسيرتنا في والمؤسسات الراعية‪ ،‬والمتطوعين الذين عبّروا‬ ‫التنمية ليست استثنا ًء عن هذا النهج‪.‬‬ ‫م��راراً عن مساندتهم واستعدادهم لإلسهام في‬ ‫وإليمان هذا المركز بأن هذا الوطن يستحق خدمة المنتدى‪ ،‬وقبل ذلك اإليمان الكبير لدى‬ ‫أفضل م��ا ل��دى المواطنين بمختلف مراكزهم ال��س��ادة مجلس إدارة المركز برسالته‪ ،‬ودعمه‬ ‫واختصاصاتهم من تجارب ورؤى ومقترحات‪ ،‬لممارسة مهمته الثقافية األشمل‪ ،‬التي اختارها‬ ‫فقد حرص أن تكون مناشطه ومنتدياته وجميع المؤسس ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬لهذا المركز‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪13 )2016‬‬


‫الجلسة األولى‬ ‫أدارها د‪ .‬فالح السبيعي‬

‫المحــــور األول‪ :‬واقع قطاع اإلسكان في المملكة‬ ‫المحور الثاني‪ :‬السياسات الحكومية في مجال اإلسكان‬ ‫(االستراتيجيات ‪ -‬التشريعات ‪ -‬المبادرات)‬ ‫الورقة األولى‬ ‫الواقع والمأمــول لإلســكان في المملكة‬ ‫المهندس علي الزيد ‪ -‬رئيس لجنة اإلسكان الوطنية‬

‫أش��ار المهندس علي ال��زي��د ف��ي ورق��ت��ه إلى‬ ‫أن قضية اإلس��ك��ان تشكّل هاجساً وطنياً لدى‬ ‫مختلف قطاعات الشعب؛ لذا‪ ،‬وفّرت له حكومة‬ ‫خادم الحرمين الشريفين كل اإلمكانات والموارد‬ ‫المالية ال�لازم��ة‪ ،‬لتوفير المساكن المناسبة‬ ‫للمواطنين والمقيمين‪ ،‬بتكاليف تتناسب مع‬ ‫إمكاناتهم المادية ومتطلباتهم االجتماعية‪ .‬وجاء‬ ‫دور الحكومة ف��ي ه��ذا المجال بهدف ضمان‬ ‫الوصول إلى حلول عملية‪ ،‬لكن التنامي في الطلب‬ ‫على المساكن وصل إلى معدالت كبيرة ربما تفوق‬ ‫إمكانية الحلول المتوافرة حتى اآلن؛ ما يحتّم‬ ‫تضافر جهود العديد من الجهات المعنية بصناعة‬ ‫اإلس��ك��ان‪ ،‬وتكامل أنشطتها‪ ،‬وتنسيق خططها‪،‬‬ ‫لمواجهة هذا التحدي الوطني المهم‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫وأكد المهندس الزيد على أن هناك مرتكزات‬ ‫أساسية لمواجهة هذا التحدي‪ ،‬منها‪ :‬وجود خطة‬ ‫واستراتيجية موحّ دة واضحة لهذه الصناعة‪،‬‬ ‫تحفز وت��وف��ر اإلم��ك��ان��ات ال��ن��ظ��ام��ي��ة‪ ،‬وت��دع��م‬ ‫توفير جميع ال��م��وارد المتاحة لمواجهة هذا‬ ‫التحدي الوطني؛ وكذلك تبنّي برنامج تمويلي‬ ‫مستدام يضمن توافر الموارد المالية لمواجهة‬ ‫االحتياجات المستقبلية لتطوير المساكن؛ وتوافر‬ ‫مصدر بحثي ومعلوماتي يتيح جميع الدراسات‬ ‫والمعلومات الفنية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫التي يحتاجها قطاع اإلسكان؛ وكذلك مشاركة‬ ‫العديد من المؤسسات والشركات المختلفة في‬ ‫بناء مساكن لموظفيها؛ مؤكداً أن المسكن وحدة‬ ‫في منظومة إسكانية متكاملة الخدمات ال يمكن‬ ‫فصله عنها أو اعتباره مسكنا بدون تكاملها‪.‬‬


‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬

‫مدير الجلسة األولى د‪ .‬فالح السبيعي (يسار) والمهندس يوسف الزغيبي‬

‫الورقة الثانية‬ ‫عوامل حلحلة أزمة اإلسكان في المملكة‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن محمد السلطان‬ ‫أستاذ االقتصاد المشارك بكلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬

‫ال أمل في حلحلة أزمة اإلسكان في‬ ‫المملكة دون فرض رسوم على األراضي وح��ج��ب��ه��ا‪ ،‬م��ن خ�ل�ال رس���وم مكلفة يبدأ‬ ‫على بيعها‪ ،‬بسبب ارتفاع تكلفة احتكارها‬

‫ونظرا لسفر صاحب الورقة فقد قدمها تطبيقها مباشرة ودون مهل أو تأخير‪ ،‬ويكون‬ ‫نيابة عنه د‪ .‬فالح السبيعي‪ .‬تؤكد الورقة أنه هذا التطبيق بطريقة سليمة ال تستثني أي‬ ‫نظراً ألن ما قد يصل إلى ‪ %70‬من النطاق مساحة؛ ف��إن أس��ع��ار األراض���ي ستتراجع‬ ‫أراض بيضاء محتكرة ب��ش��ك��ل ك��ب��ي��ر‪ ،‬ي��ص��ب��ح م��ع��ه م��ع��ظ��م أف���راد‬ ‫ٍ‬ ‫العمراني لمدننا هي‬ ‫ومحجوبة عن السوق‪ ،‬فإن ذلك يؤكد دون المجتمع قادرين على حل مشكلتهم السكنية‬ ‫أدن��ى شك أن أي حل ال يدفع سريعاً بهذه بأنفسهم‪ ،‬وليسوا في حاجة إلى مساعدة‬ ‫المساحات الهائلة إل��ى ال��س��وق‪ ،‬ل��ن يكون الدولة أو مساعدة ال تتعدى قرض صندوق‬ ‫واق��ع��ي�اً‪ ،‬ويُ��ح� ّم��ل ال��دول��ة فيما يتعلق بحل التنمية العقارية‪ ،‬وال��ذي سيجعل مسؤولية‬ ‫المشكلة اإلسكانية مسؤوليات لن تقدر على الدولة المباشرة في حل مشكلتنا اإلسكانية‬ ‫القيام بها‪ .‬بينما لو أ ُجبر محتكرو األراضي أكثر واقعية‪ ،‬وفي نطاق المقدور عليه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪15 )2016‬‬


‫الجلسة الثانية‬ ‫أدارها معالي د‪ .‬يوسف العثيمين‬

‫المحــــور الثالث‪ :‬تجارب دولية في التعامل مع قضية‬ ‫اإلسكان وأهم الدروس المستفادة‬ ‫المحور الرابع‪ :‬سياسات وإجراءات إضافية مقترحة‬ ‫الورقة األولى‬

‫اإلسكان في خطط التنمية‪ :‬السياسات واألهداف والنتائج‬ ‫د‪ .‬عبداهلل خالد بن ربيعان‬ ‫مدير إدارة االتفاقيات البحثية وعضو هيئة التدريس بمعهد اإلدارة العامة‬

‫رك���زت ه��ذه ال��ورق��ة على تتبع سياسات المُنجز فعليا في نهايتها‪.‬‬ ‫اإلس��ك��ان الحكومية المعلنة ف��ي المملكة‪،‬‬ ‫وأش���ار إل��ى إن��ج��ازات اإلس��ك��ان الفعلية‬ ‫وحصر األهداف التي تسعى هذه السياسات التراكمية خ�لال خطط التنمية التسع‪ ،‬مع‬ ‫لتحقيقها ب��دءاَ منذ ع��ام ‪1390‬ه���ـ‪ ،‬الموافق مقارنة ما تم إنجازه فعليا بحجم الطلب الكلي‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬وه��و العام ال��ذي دخلت فيه خطة الحالي على المساكن في المملكة لتحديد‬ ‫التنمية األولى في المملكة حيّز التنفيذ‪.‬‬ ‫سعة الفجوة بين ما تم إنجازه فعليا والرقم‬

‫واستعرض د‪ .‬عبداهلل ربيعان إنجازات كل المطلوب إن��ج��ازه خ�لال الخطط الخمسية‬ ‫خطة خمسية من الخطة األول��ى إل��ى نهاية المقبلة‪ ،‬وخصوصا خطة التنمية العاشرة‬ ‫الخطة التاسعة فيما يخص قطاع اإلسكان‪ ،‬التي تدخل حيز التنفيذ هذا العام‪.‬‬ ‫وعدد المنازل التي تم بناؤها في كل خطة‪،‬‬ ‫واختتم د‪ .‬ربيعان ورقته ببعض المالحظات‬ ‫وقارن بين عدد المنازل المستهدف بناؤها في على إن��ج��ازات خطط التنمية الخمسية في‬ ‫بداية كل خطة خمسية وما تم بناؤه فعليا بعد ق��ط��اع اإلس���ك���ان‪ ،‬وت��وص��ي��ات ل��ت�لاف��ي بعض‬ ‫نهاية كل خطة‪ ،‬مع توضيح سبب التفاوت بين القصور والسلبيات التي رافقت التخطيط‬ ‫الرقم المستهدف في بداية الخطة والرقم لإلسكان في خطط التنمية الخمسية السابقة‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫الجلسة الثانية‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أش����ار د‪ .‬ش��ب��اب ال��ح��ارث��ي ف���ي ب��داي��ة‬ ‫حديثه إلى أن عقد مثل هذه الندوة خالل‬ ‫المرحة الحالية يكتسب أهمية خاصة ذات‬ ‫أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية‪،‬‬ ‫والمملكة تعيش ف��ي ف��ت��رة م��ن االزده����ار‬ ‫االقتصادي والنمو االجتماعي السكاني‪،‬‬ ‫وقال إن المنتدى يعد فرصة سانحة لتسليط‬ ‫الضوء على أهمية الدراسات األولية لمشاريع‬ ‫اإلسكان المقترح تنفيذها وربط ذلك بأعمال‬ ‫اإلنشاء والتطوير لخدمة الفئات المستهدفة‬ ‫من المستحقين‪ ،‬واقتراح إجراءات وأساليب‬ ‫التحصيل لإليرادات المستحقة في وقتها‬ ‫لضمان االستمرارية‪.‬‬

‫كما أكد أن االهتمام بتغيير السياسات‬ ‫واإلجراءات بالمرونة وربط العالقة بالتحدي‬ ‫اإللكتروني (اإلنترنت)‪ ،‬وهو التحدي األكبر‬ ‫ف��ي حياتنا ع��م��وم�اَ‪ .‬إال أن ه��ذا التحدي‬ ‫هو األكبر أيضا في ق��درة وظائف اإلدارة‬ ‫وفاعليتها وكفاءتها‪ ،‬وتنفيذها من خالل‬ ‫ال��وس��ائ��ل اإللكترونية م��ن ش��أن��ه النهوض‬ ‫بالعمل‪ ،‬وتخفيف اإلجراءات الروتينية‪.‬‬

‫وركز على مواطن الضعف‪ ،‬سواء ما يتعلق‬ ‫في أسلوب السياسات أو اإلجراءات وابتكار‬ ‫الحلول المقترحة‪ ،‬والتي تنظم العالقة بين‬ ‫أطراف العمل مع مختلف األجهزة الحكومية‬ ‫ومؤسسات القطاع الخاص والقطاع الخيري‬

‫في نهاية كل جلسة جرى حوار مستفيض‬ ‫ش���ارك فيه ال��م��ش��ارك��ون ف��ي المنتدى من‬ ‫ال��ح��ض��ور ال���ذي ض��م فعاليات اقتصادية‬ ‫وعاملين في قطاع اإلسكان ومواطنون‪.‬‬

‫والتعاوني‪ ،‬باستكمال تنفيذ المشروعات‬ ‫التنموية المتعلقة بالبنية التحتية للخدمات‬ ‫اإلسكانية التي من شأنها تحقيق رفاهية‬ ‫المواطن وتطلعاته‪.‬‬

‫ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى‬

‫الورقة الثانية‬ ‫سياسات وإجراءات إضافية مقترحة‬ ‫د‪ .‬شباب الحارثي‪ -‬كلية الملك خالد‬

‫حوارات ومداخالت‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪17 )2016‬‬


‫التوصيات‬ ‫فيما يلي أهم التوصيات التي قدمها أصحاب أوراق العمل‪:‬‬ ‫‪ .1‬تنفيذ مبدأ النمو المتوازن بين المناطق من خالل البرامج التحفيزية التي‬ ‫تدعم السكن في تلك المناطق‪.‬‬ ‫‪ .2‬قيام الجهات العاملة في القطاعين العام والخاص بتأمين سكن لمنسوبيها‪.‬‬ ‫‪ .3‬فرض رسوم على األراضي البيضاء داخل النطاق العمراني‪.‬‬ ‫‪ .4‬مراجعة آلية منح األراضي‪.‬‬ ‫‪ .5‬عدم االستعجال في تغيير آلية اإلقراض عن طريق الصندوق العقاري حتى‬ ‫إيجاد البديل المدروس‪.‬‬ ‫‪ .6‬دراسة إنشاء برامج تحفيزية ألصحاب رؤوس األموال المدّخرة في البنوك‪،‬‬ ‫إلغرائهم باإلسهام في اإلقراض‪.‬‬ ‫‪ .7‬تنسيق الجهود بين الجهات ذات العالقة باإلسكان‪.‬‬ ‫‪ .8‬السماح بارتفاعات إضافية في المباني‪ ،‬وتحفيز األحياء الرأسية‪.‬‬ ‫‪ .9‬تيسير وتسهيل اعتماد المخططات لتطوير األراضي والتراخيص للمشاريع‬ ‫التطويرية‪.‬‬ ‫‪ .10‬استثمار المناطق المحيطة بمحطات النقل العام إلنشاء أحياء رأسية ذات‬ ‫كثافات سكانية تستفيد وتفيد من خدمات النقل العام‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫شعرية المحو في ديوان‬ ‫ّ‬

‫البينات» لهاشم الجحدلي‬ ‫ُ‬ ‫«دم ِ ّ‬

‫‪ρρ‬رشيد اخلديري*‬

‫ثمة لعبة بين ال�ق��ارئ وال�ن��ص‪ ،‬كما يشير إل��ى ذل��ك روالن ب��ارث‪ ،‬وه��ذه اللعبة‬ ‫بمثابة شبكة من ال��رم��وز ال��دا ّل��ة على عمق التواصل واالت�ص��ال بينهما؛ بمعنى‬ ‫حيازة أعلى درج��ات التفاعل في التلقّ ي وس��وء الفهم الناتج عن عدم المشاركة‬ ‫في ه��ذه اللعبة‪ ،‬أو ال��دخ��ول المتأخر إل��ى رقعة اللعب‪ ،‬ومحاولة تفتيت الرموز‬ ‫النصيّة؛ من ش��أن ه��ذا‪ ،‬أن ُيع ِ َّط َل وتيرة التفاعل بين ع��دّ ة ح��واس‪ ،‬أو ما يسميه‬ ‫«ياوس» بـ «اندماج اآلفاق»‪ ،‬وهو عملية انتقال النص من كونه شبكة من العالمات‬ ‫الدالة إلى مرحلة اإلدراك والتأمل‪ ،‬وبخاصة أن «ما يُفهم برمشة عين‪ ،‬ال يترك‬ ‫أي أث��ر» بتعبير «أن��دري جيد»‪ ،‬وإنما ينبغي الوصول إلى أقصى درج��ات التفاعل‬ ‫والخروج من مأزق الكتابة إلى آفاق ال محدودة‪ ،‬واعتبار القارئ فاع ًال أساس ًا في‬ ‫فعل الكتابة‪.‬‬ ‫ه��ذه اللعبة الخفية والمعلنة بين‬ ‫المُنجز النصي وال���ق���ارئ‪ ،‬نلفي لها‬ ‫أث��راً في دي��وان «دم الب ِيّنات» (الصادر‬ ‫عن مؤسسة االنتشار العربي‪ /‬النادي‬ ‫األدبي بحائل) للشاعر هاشم الجحدلي‪،‬‬ ‫كتجربة‬ ‫ٍ‬ ‫تجرب َة شعرية تُ� ِ ّ�ق��د ُم نفسها‬ ‫ال ت��ب��و ُح ب��أس��راره��ا إ َّال ب��إع��ادة ق��راءة‬

‫المتعاليات النَّصية‪ ،‬والغوص العميق‬ ‫في ثنايا المنجز مآال ومرجآت‪ ،‬والقيام‬ ‫ركام هائل من‬ ‫بغطسات سريعة وسط ٍ‬ ‫تكشف عن‬ ‫َ‬ ‫ال��م��ج��ازات الكلية‪ ،‬حتى‬ ‫نفسها‪ ،‬وتسلمك مفاتيحها وتأ ِتّياتها ولو‬ ‫بشكل جزئي‪ ،‬طبعاً‪ ،‬التجربة الشعرية‬ ‫ال تتجزأ‪ ،‬وإنما تظل في كلياتها خيطاً‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪19 )2016‬‬


‫َّصية‪.‬‬ ‫الن ِ ّ‬

‫يرتق تفاصيلها ومنعطفاتها‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫«دم الب ِيّنات» إذاً‪ ،‬ع��ودات مستمرة إلى‬ ‫النبع األوَّل‪ ،‬إل��ى ال���والدة وال��ب��ذرة األول��ى‬ ‫الشعرية عند هاشم الجحدلي‪ ،‬بدءاً‬ ‫للكتابة ِ ّ‬ ‫م��ن عصافير الطفولة‪ ،‬وال��ب��ي��ت‪ ،‬والعشق‬ ‫األول‪ ،‬ومناديل الغياب‪ ،‬وسيرة غير مكتملة‬ ‫نصيّة‬ ‫يُحاول الشاعر كتابتها عب َر متعاليات ّ‬ ‫وجمالية تمت ُح من المتخيَّل والحلم الرؤيوي‪،‬‬ ‫ب��اب إي�لاء المُنجز ال� ّنَ��ص��يِّ ما‬ ‫ربما وم��ن ِ‬ ‫يستحقه من فنِّ تطريز الكالم بتعبير الناقد‬ ‫نجيب العوفي‪ ،‬أو لذة األلم والمعرفة عند‬ ‫إيميل سيوران؛ حيث «الكتابة انتحار مؤجل»‪،‬‬ ‫ونوع من الكشف واالرتياد والتَّخَ ِ ّطي‪ .‬وبين‬ ‫هذا وذاك‪ ،‬يبدو هاشم الجحدلي مطموساً‬ ‫بالذكرى والحنين واإلش���راق‪ ،‬وك��أن الخط‬ ‫اإلش��راق��ي‪ -‬الصوفي ه��و محف ُل ال��س��ؤال‬ ‫ال��ش��ع��ري وال� َّت��خ��ي��ي��ل��ي‪ ،‬وال��م��ن��ب��ع الحقيقي‬ ‫لحاالت التَّشوف الحدسي التي أعلن عنها‬ ‫ه��اش��م ف��ي العتبة األول���ى ل��ل��دي��وان‪ ،‬حين‬ ‫ي��ور ُد قول ًة للنفري‪« :‬قلوب العارفين ترى‬ ‫األبد‪ ،‬وعيونهم ترى المواقيت»‪ ،‬واضح إذاً‪،‬‬ ‫أحواز الكتابة‪ ،‬مرجآتها وأوفاقها‪ ،‬وتجلياتها‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫َّصي وه��و يخوض‬ ‫قلنا‪ ،‬إن المنجز الن ِ ّ‬ ‫في مجهوالته وتضدياته‪ ،‬إنَّما يعم ُل على‬ ‫مساءلة الذاكرة‪ ،‬واالحتماء بالصقيع الذي‬ ‫خلَّفته روائ��ح الطفولة‪ ،‬ال ينفك هاشم في‬ ‫الكتابة عن الطفولة‪ ،‬عن تجربته الشخصية‬ ‫في الحياة والوجود والعرفان‪ ،‬عن الخوف‬ ‫األبدي‪ ،‬عن السراديب السفلى للذات‪ ،‬عن‬ ‫الضوء المنثال من األصابع‪ ،‬عن النكسات‬ ‫التي تصيب اإلنسان‪ ،‬عن البدايات األولى‬ ‫في دروب العشق‪ ،‬يقول الشاعر في «قصيدة‬ ‫الجفوة»‪:‬‬

‫َص ِل كَي ي َْستَعِ ْي َر‬ ‫برَهْ بَةِ ِطفْ ٍل ي َِفرُّ ِمنَ الف ْ‬ ‫تان جَ ارَتِ هِ‬ ‫ْرات ب ُْس ِ‬ ‫عَ َصافِ ْي َر ُه ِمنْ ُشجَ ي ِ‬ ‫وف يَأتِ ي لَهُ م نَازِ فً ا ِحكمَ َة القَومِ‬ ‫‪ ..‬سَ َ‬ ‫�اح��وا ال � ُّ�س�ل�االت وَاقْ � َت��سَ ��مُ ��وا‬ ‫اس � َت � َب� ُ‬ ‫ح �ي��نَ ْ‬ ‫وف وأ َْسرارِ هَ ا‪..‬‬ ‫زَعْ َفرَانَ الكُ هُ ِ‬ ‫َاشي َد ُه‬ ‫‪ ..‬ثُ مَّ َي ْتلُو أَن ِ‬ ‫بأسمَ ائِ هِ‬ ‫ثُ مَّ ال تَهْ ِذيَ الرُّ وْحُ إِ َّال ْ‬ ‫َمناخ ف َِم ْه‬ ‫ثُ مَّ َيرْفُ لُ فِ ي ِع ْبءِ زلَّتِ هِ و ِ‬ ‫ال��خ��وض ف��ي التَّفاصيل الصغيرة هو‬ ‫الشعرية‪،‬‬ ‫السمة البارزة في هذه التجربة ِ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫واع كلَّ الوعي بالوعد‬ ‫ولعلَّ هاشم الجحدلي ٍ‬ ‫الشعري‪ ،‬في أف��ق «تأبيد» الطاقة الثاوية‬ ‫ِ‬ ‫في األع��م��اق‪ ،‬والكشف عما يتس َّت ُر عنها‪،‬‬ ‫حتى صار خبيراً بها مخبراً عنها‪ ،‬وهو في‬ ‫ذلك الكاشف عن مسالك التعبير الشعري‪،‬‬ ‫والماسك بخيوط هذه التَّجربة‪ .‬وال مشاحة‬ ‫في القول‪ ،‬أن «دم البينات»‪ ،‬وه��ي تقتربُ‬ ‫من النُّصوص المقطعية‪ ،‬والنص المنفصل‪،‬‬ ‫إيجاز في القول‬ ‫ٍ‬ ‫ثم الشذرة‪ ،‬بما تعنيه من‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫��دق ف��ي التَّعبير‪ ،‬تتغيَّا أكثر اس��ت��زراع‬ ‫وص� ٍ‬ ‫أراض أخرى‪ ،‬قريبة من‬ ‫ٍ‬ ‫َّصي في‬ ‫المنجز الن ِ ّ‬ ‫الروح‪ ،‬بعيد ًة عن خرائط الزَّمن الطُّ حل ُبي‪،‬‬ ‫حين يستطيل النهار‪ ،‬وتأفل الحكمة األبدية‪،‬‬ ‫فقط تهافت وب��واب� ٌة مفتوح ٌة للجحيم‪ ،‬وال‬ ‫مكان لثبوت النَّفي‪ ،‬حتى الذاكر ًة تصي ُر منفىً‬ ‫للذاكرة‪ ،‬مع تواتر الحواس في رسم مالمح‬ ‫هذه التجربة الشعرية‪ ،‬عبر التَّراسل الداللي‬ ‫واقتران المعنى باللفظ‪ ،‬أو اقتران اللفظتين‬ ‫معاً في تقابل تام مع المتن الشعري من جهة‪،‬‬ ‫أو مع الرؤى التي تتكشف من خالل المناخ‬ ‫العام للنصوص‪ :‬يقول الشاعر في قصيدة‬ ‫«تهافت النَّهار»‪:‬‬

‫فِ ي مَ سَ اءٍ ق َِديمْ‬ ‫َبيْنَ ِجيْمَ ي ِْن ِمنْ جَ نَّةٍ وجَ ِحيمْ‬ ‫األرض بِ ي‬ ‫ُ‬ ‫ماد َِت‬ ‫ف َتهَا َوي ُْت فِ ي الماءِ‬ ‫بَعْ ِضي يُ رَمِّ مُ بَعْ ِضي الرَّ ِميمْ‬ ‫ِشبْهُ مُ ْندَثرٍ‬ ‫َاب الع َِميمْ‬ ‫لَمْ يُ دَثّ ْر د َِمي غَ يْر هذَا العذ ِ‬ ‫والطرقات‬ ‫ِ‬ ‫الذي يَمْ أل ُالقلبَ‬ ‫ِ‬ ‫الذي لَمْ يَكُ ن بالت َِّقي‬ ‫ويُ ْسلِ مُ نِ ي للنهارِ ِ‬ ‫ال بالن َِّقي‬ ‫و َ‬ ‫ال بالرَّ ِحيمْ‬ ‫و َ‬ ‫بنفس‬ ‫ٍ‬ ‫إن هاشم الجحدلي يروم الكتاب َة‬ ‫مغاير ومختلف‪ ،‬وتلك هي غاي ُة الكتابة‪:‬‬ ‫معانق ُة الخارج بما يعتمل الداخل‪ ،‬وأي حالةِ‬ ‫احتدام تشتعل في العمق‪ ،‬لتصل نيرانها إلى‬ ‫ٍ‬ ‫أقاصي السديم‪ ،‬ووحده الشاعر القادر على‬ ‫هندسة خرائط الروح‪ ،‬واالرتواء حدَّ العطش‬ ‫من الينابيع األولى للحياة؛ ووحده هاشم من‬

‫يقدر على غربلة قلق ال��ري��اح‪ ،‬بغي َة الدفع‬ ‫بساللة الشعراء نحو مدارج التخطي والبهاء‬ ‫وال��ح��ي��اة واالن��ت��م��اء للقصيدة؛ صحيح أن‬ ‫مدارج الكتابة تصل إلى ذروتها باالتكاء على‬ ‫االغتراب واستيالد المعاني من كوّة الظالم‪،‬‬ ‫لكن دوماً هناك بصيص ضوء‪ .‬يقول الشاعر‬ ‫في قصيدة «وحدة»‪:‬‬

‫َوحش ًا‬ ‫و َِحيدً ا ومُ ْست ِ‬ ‫كنت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َاب‬ ‫فِ ي َل ْثغَتِ ي َلوْعَ ةٌ ‪ ..‬واغْ تِ ر ٌ‬ ‫َّامكم‬ ‫َايات أي ِ‬ ‫وس التِ ي فِ ي نِ ه ِ‬ ‫للشمُ ِ‬ ‫وإِ ْذ ُّ‬ ‫ا ْنت َِمي‬ ‫***‬

‫و َِحيْد ًا‬ ‫ولَكِ نَّكُ م ت َْسكُ نُو َن د َِمي‬ ‫لعلَّ الشاعر مفتون بذاته‪ ،‬وهو يسترجع‬ ‫في قالب مرآوي سيرة الطفولة‪ ،‬في سدرة‬ ‫المنتهى‪ ،‬بحيثُ تصي ُر س��در ًة لالنهائي من‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪21 )2016‬‬


‫الصور االنتشارية‪ ،‬وهي تتفتت أمام مخيلة‬ ‫الشاعر‪ ،‬قلنا عنها سابقاً هي بمثابة منفى‬ ‫سحيق للذاكرة المثقلة باألحالم وال��رؤى‪،‬‬ ‫لكن لماذا ه��ذا العزف المتكرر على وتر‬ ‫ال��دم؟ وما تفسير ذلك في خضم التراسل‬ ‫المستمر بين الشاعر واآلخر؟‬

‫موعد‬ ‫ٍ‬ ‫ولوجه مجاهل القصيدة‪ ،‬يكو ُن على‬ ‫مع أس��رار معلنة‪ ،‬وأخ��رى مستتر ًة في كوَّةٍ‬ ‫خفيّة ومنسيّة م��ن ه��ذه ال���ذات المكتوية‬ ‫بلهيب الحرف والمجاز‪ .‬وهاشم الجحدلي‬ ‫ي ُِط ُّل من شرفته المخملية عازفاً على إيقاع‬ ‫الجرح‪ ،‬حيثُ اإلقامة بالمفهوم الهايدغري‬ ‫فوق األنقاض‪ :‬أنقاض «التذاوت» والتحرر‬ ‫من سلطة األب رمزياً ودالليا‪ ،‬دو َن ني ٍّة أو‬ ‫قصدية لقتله بالمفهوم النيتشوي‪ ،‬بقدر ما‬ ‫هنالك رغبة صريحة في تجاوز السائد‪،‬‬ ‫واالنطالق بكل حريّة نحو األقاصي‪.‬‬

‫إن هاشم الجحدلي هو الممسك بخيوط‬ ‫اللعبة‪ ،‬فيبدو صوته الشعري خافتاً مرة‪،‬‬ ‫محاولة الستدراج القارئ‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫عالياً مرات في‬ ‫المتلقي إل��ى س���درة ال��ب��وح وال��دخ��ول في‬ ‫اللعبة‪ ،‬بعد عدة تداريب في الهواء الطلق‬ ‫بتعبير الشاعر محمد عرش‪ ،‬يقول الشاعر‬ ‫إن ديوان» دم البينات» تجربة شعرية تمتح‬ ‫في قصيدة «سدرة»‪:‬‬ ‫سماتها الدالة من الذات‪ ،‬بمعنى آخر الكتابة‬ ‫عبر تذويت األن��ا في مقابل محو الذاكرة‪،‬‬ ‫لم تَكُ نْ سدرة المنتهَى‬ ‫واستزراع رؤى جديدة قادرة على االندماج في‬ ‫إِ نَّها سدرة الدار‪،‬‬ ‫تلك ال�ت��ي قاسمتني ُّ‬ ‫الطفولة وال� َّ�ش� َغ� ِ�ب أوفاق الكتابة‪ ،‬والتَّدرّج بها نحو كتابةِ سيرة‬ ‫الغض‬ ‫ّ‬ ‫تحتفي بالشعري الرؤيوي والمحكي السرديّ ‪،‬‬ ‫انتميت إِ لى نسغها في صباي‬ ‫ُ‬ ‫ثم‬ ‫ثم ال��ش��ذري المقطعي؛ وكأننا إزاء أنفاس‬ ‫سدرة‬ ‫صوَرِ يات‬ ‫شعرية‪ ،‬تتفتت وتتداعى على شكل ُ‬ ‫قصها ذاتَ يومٍ أبي‬ ‫َّ‬ ‫وحدوس داخل المتن الشعري‪ .‬وال مُشاحة في‬ ‫دون أن يَستَشي َر طفولتنا‬ ‫القول‪ ،‬إن دم البينات هو دم الشاعر المنساب‬ ‫فامحت‪..‬‬ ‫مراراً وتكراراً في النصوص‪ ،‬على اعتبار نزيف‬ ‫وصفوة القول‪ ،‬فإن دي��وان «د ُم الب ِيّنات» البياض هو السمة البارزة في هذه التجربة‪،‬‬ ‫منفصلة عن هاشم وال أحد يمكنه لجم هذا النزيف سوى شاعر‬ ‫ٍ‬ ‫هو سيرة شعرية عن‬ ‫الجحدلي‪ ،‬تروي ما تُنوقل عنه وما تستَّر في مطموس بالرؤى الخالقة‪ ،‬والذوق الرفيع في‬ ‫أخاذ‬ ‫ٍ‬ ‫مخيلته‪ ،‬وربما‪ ،‬ما خطَّ ُه من أبجديات بُغية استيالد ال��دالالت والمعاني على نحو‬ ‫االنتصار للكتابة في تفاصيلها ومدارجها‪ ،‬ومدهش ومربك؛ ففي النهاية‪ ،‬ال جدوى من‬ ‫خال من االرتياد واالختراق‪ ،‬في انتظار‬ ‫ال ش��يء غير الكتابة ومتعالياتها النَّصية شعر ٍ‬ ‫م��ا يشفع للشاعر ف��ي وج���وده‪ ،‬بعيداً عن فصوص شعرية أخرى ‪ ،‬سيروي الغي ُم بعضاً‬ ‫ج��رار ال��دم وب��ي��ادر الطفولة المعلقة فوق منها‪ ،‬بعيداً عن غواية «دم البينات»‪ ،‬قريباً من‬ ‫ح��ب��ال ال��ك�لام‪ .‬وال��ش��اع��ر ف��ي ح��ي��رت��ه‪ ،‬في جنون القصيدة وشغبها‪.‬‬ ‫ * ناقد من المغرب‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫قراءة‬ ‫في شعر‬ ‫محمد‬ ‫الثبيتي‬

‫‪ρρ‬د‪ .‬بهيجة مصري إدلبي*‬

‫تهجى الحلم والوهم‪ ،‬بدأ برسم تضاريس الذات في القصيدة‪ ،‬وتضاريس‬ ‫مذ ّ‬ ‫القصيدة في المعنى‪ ،‬وتضاريس المعنى في الرؤية االستشرافية‪.‬‬ ‫إن قراءة الشاعر ليست في الكشف‬ ‫عما ت��م��دد م��ن م���داد القصيدة فوق‬ ‫أوراقه‪ ،‬وإنما في الكشف عما تردد بين‬ ‫النص وخافيته‪ ،‬في المساحة الغامضة‬ ‫بين القصيدة والذات‪.‬‬ ‫وإذا كان الحلم هو منبع الخيال كما‬ ‫يرى ماالرميه(‪ ،)1‬فإن كليهما يُختبران‬ ‫ف��ي القصيدة التي تختبر ال���ذات في‬ ‫تحوّالتها‪ ،‬من خالل العالقة بين ذات‬ ‫الشاعر والذات الشاعرة؛ «ألن عالقة‬ ‫الذات الشاعرة الحداثية بذات الشاعر‬ ‫الحداثي‪ ،‬قد صارت تمثل في منظور‬ ‫الشعر الحداثي ذاته بؤرة والدة الوجود‬

‫والعالم على ال��س��واء»(‪)2‬؛ فثمة مساحة‬ ‫غامضة بين لحظة االنبثاق الجمالي‬ ‫ل��ل��ص��ورة ع��ب��ر ال��خ��ي��ال‪ ،‬وب��ي��ن لحظة‬ ‫التجلّي النصيّ عبر اللغة‪ ،‬وال��ذاك��رة‬ ‫النصيّة؛ تلك المساحة التي كشف عن‬ ‫بعض جوانبها كمال أبو ديب‪ ،‬في التوتر‬ ‫والفجوة والخفاء والتجلّي‪ ،‬التي تتجلى‬ ‫خاللها شعرية النص‪ ،‬ليراها آخرون‬ ‫فيما وراء الجسد النصيّ البصري‪ ،‬حيث‬ ‫يكمن النص الظل أو ظل النص حسب‬ ‫بارت‪ ،‬ليصبح النص أداة يقاربها النقد‬ ‫ويتقارب معها‪ ،‬ليكتشفها وتكتشفه هي‬ ‫األخ��رى‪ .‬وم��ن خ�لال ه��ذا التبادل في‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪23 )2016‬‬


‫يشف‬ ‫ّ‬ ‫الكشف‪ ،‬يتكشف لنا الغموض ال��ذي‬ ‫أحيانا؛ ومن هنا‪ ،‬تنهض متعة القراءة التي‬ ‫«تبدو انعكاسا لمتعة الكتابة‪ ،‬وكأن القارئ‬ ‫هو شبح الكاتب»(‪ .)3‬هذه المتعة التي حاول‬ ‫مقاربتها الدرس النقدي الحديث‪ ،‬منفتحا‬ ‫على نظرية التلقّي واالستقبال‪ ،‬بما أوتي من‬ ‫طاقة للكشف عن لحظة االكتمال النصي في‬ ‫مساحة القارئ‪ ،‬الذي يتيح للنص أن يتحول‬ ‫عبر تحوالته المعرفية‪ ،‬والذوقية‪ ،‬والكشفية‬ ‫التي يستدرج النص إليها‪ .‬هي التي تفتح‬ ‫آفاق الفحص النقدي ألي نص إبداعي‪ ،‬وهي‬ ‫التي تتشكل عبر تشكله‪ ،‬وتجعل من القراءة‬ ‫ح��ال��ة إنتاجية وليست ح��ال��ة تابعة لنص‬ ‫مكتوب‪ ،‬بل للكشف عن المضمر النصي؛‬ ‫ألن النص المكتوب هو جانب من جوانب‬ ‫اإلشراق اإلبداعي الذي يحاوله المبدع؛ بل‬ ‫هو الجزء المكشوف للبصر‪ ،‬أما ما غاب فال‬ ‫يكشف إال بالبصيرة‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫أكثر شيء جدال‪ ،‬ألن الشعر أبجدية‪ ،‬تتشكل‬ ‫م��ن س��ره��ا األب��ج��دي��ات‪ ،‬ي��وق��ظ القلق في‬ ‫نفوسنا‪ ،‬نتشكل على هيئته ويتشكل على‬ ‫هيئتنا‪ ،‬كلما أمعن في تشكيل صورته على‬ ‫صورتنا‪.‬‬ ‫وبقدر ما تستوي طاقة الشاعر الروحية‬ ‫والغيبية‪ ،‬ب��ق��در م��ا تستوي قصيدته في‬ ‫ائتالف طاقة الكلمات وطاقة الشاعر‪ ،‬إذ‬ ‫تنهض طاقة الرؤيا الشعرية التي تنفتح على‬ ‫كُنه الوجود وأسراره‪.‬‬

‫وباختبار ذلك في تجربة الثبيتي‪ ،‬تنهض‬ ‫ال��ذات الشاعرة في هيئة البشير‪ ،‬المغني‪،‬‬ ‫العارف والمستشرف‪ ،‬حيث هذا الوجد بين‬ ‫الذات والعالم سواء عبر استشراف عالمها‪،‬‬ ‫أو عبر التوحّ د بالعالم الممكن المتاح عبر‬ ‫أشكال مختلفة‪ ..‬س��واء من خ�لال المرأة‪،‬‬ ‫أو من خالل الظل أو القرين‪ ،‬أو من خالل‬ ‫ال��وج��ود ال��ص��وف��ي ال���ذي ينسحب خالله‬ ‫إن الشاعر الثبيتي حالة تستدعي الجدل‬ ‫الشاعر من عالمه الواقعي إلى تجربة باللغة‪،‬‬ ‫والسؤال والتوقّف والتأمّل‪ ،‬سواء من خالل‬ ‫تجربة بالتماهي بين النص وبين الذات‪.‬‬ ‫الذات الشاعرة‪ ،‬أو من خالل ذات القصيدة؛‬ ‫هذا الصعود الذي يمارسه الشاعر من‬ ‫أي أن أهمية الشاعر تأتي من العمل الذي‬ ‫أب��دع��ه عبر شخصه المعرفي‪ ،‬وشخصه خ�لال محاوالت مختلفة‪ ،‬هو ال��ذي ينهض‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬أي من خالل إنجازه المختلف‪ ،‬ب��ال��ذات ال��ش��اع��رة إل��ى علو ك��اش��ف‪ ،‬وعلو‬ ‫ليصبح في مساره الشعري‪ ،‬وجها شعريا يطل على ال��م��وج��ودات‪ ،‬ال لينفصل عنها‬ ‫ال تخفى على أحد مالمحه الخاصة‪ ،‬التي أو ليستعلي عليها‪ ،‬وإنما ليكشفها‪ ،‬فيتحد‬ ‫تحيل إلى شاعر مختلف‪ ،‬وشاعر كان ينجز معها م��ن خ�لال مسميات مختلفة؛ وعلى‬ ‫نصه على خلفية ثقافية ومعرفية مختلفة ه���ذا األس����اس يمكن ال��ك��ش��ف ع��ن ال���ذات‬ ‫وتحوالتها المعرفية والروحية لدى الشاعر‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الثبيتي‪ ،‬وذل��ك من خالل بعض اإلش��ارات‪،‬‬ ‫الشاعر المستشرف‬ ‫أو بعض القصائد التي أشار فيها إلى ذلك‬ ‫ه��و ال���ذي رأى ف��ع��رف‪ ،‬وت��أم��ل بصمت التواصل بين ال��ذات وبين العالم عبر هذا‬ ‫فكشف؛ أقلقه السؤال فأصبحت القصيدة العلو الذاتي‪ ،‬والتماهي مع العالم من أجل‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫من هنا‪ ،‬تأخذ الذات االستشرافية لدى‬ ‫الشاعر ه��ذا المسار الكشفي ع��ن خفايا‬ ‫الذات ذاتها قبل الكشف عن خفايا العالم‬ ‫والمجهول؛ ألن الرحلة العرفانية ما هي‬ ‫إال رحلة ال��ذات في المقام األول من أجل‬ ‫خالصها؛ وقصيدة م��وق��ف ال��رم��ل موقف‬ ‫الجناس م��ا ه��ي إال موقف للمعنى ال��ذي‬ ‫يحاوله الشاعر عبر صوره المنبثقة بزمنها‬ ‫ورم��زي��ت��ه��ا ورؤاه�����ا‪ ،‬وال��ط��اف��ح��ة ب��دالالت��ه��ا‬ ‫وال��ش��اع��ر الثبيتي ال يبحث ع��ن وج��ود وت��أوي�لات��ه��ا؛ ح��ي��ث ال��رم��ل ت��أوي��ل للزمن‪،‬‬ ‫لوجوده‪ ،‬وإنما يبتكر ذل��ك؛ فالقصيدة هي والزمن غامض غموض الوجود‪ ،‬ليمتد هذا‬ ‫مقام الروح‪ ،‬ومقام الرؤية والمعرفة‪.‬‬ ‫الغموض إلى الصحراء بكائناتها وتحوّالتها‬ ‫وثمة جهد واض��ح في التعامل مع اللغة ومجهوالتها ودالالتها في النفس والنص‪.‬‬ ‫الشعرية والخطاب الشعري لدى الثبيتي؛‬ ‫فهي قصيدة مفتوحة على فضاء القراءة‪،‬‬ ‫إذ أص��ب��ح��ت ال��ل��غ��ة ش��اغ��ل الثبيتي ال��ذي مفتونة بفتح الدالالت واالنزياحات الغيبية؛‬ ‫وجد في اللغة ضالته التي تنهض القصيدة اللفظة‪ ،‬والجملة‪ ،‬والرؤيا؛ ومأخوذة بتحوالت‬ ‫منها‪ ،‬عبر تحويل الخطاب‪ ،‬وعبر استدراج المعنى‪ ،‬في ال���ذات‪ ،‬وت��ح �وّالت ال��ذات في‬ ‫الخطابات األخ��رى إل��ى نصه؛ وال شك أن المعنى‪.‬‬ ‫هذا االستدراج للنصوص األخرى سواء عبر‬ ‫س��وف نتوقف عند ه��ذه القصيدة من‬ ‫خطاباتها األسطورية باإلشارة أو الصوفية‬ ‫كحاالت‪ ،‬إنما هو تخطيب لخطاب الشاعر‪ ،‬خ�لال محورين‪ :‬محور الموقف من خالل‬ ‫وهذا األمر ال يترك تلك النصوص فقط في فعل التوقف (أوقفني)‪ ،‬ومحور المعنى الذي‬ ‫مخاض خطاباتها وتأويالتها األول��ى‪ ،‬وإنما يعد استبصارًا لرحلة الكشف عبر هذا النص‬ ‫تستدرج إلى نص الشاعر حتى تصبح ملكا وغيره من النصوص الصوفية المعاصرة التي‬ ‫تدخل التجربة الصوفية عبر اللغة وتجلّياتها‪،‬‬ ‫له؛ أي تصبح جزءا من خطابه الشعري‪.‬‬ ‫وعبر المعنى وت��أوي�لات��ه؛ لتكون التجربة‬ ‫موقف المعنى‬ ‫الصوفية المعاصرة تجربة في اللغة‪ ،‬أكثر‬ ‫للموقف مقامه الصوفي ال��ذي يتدرّج من كونها تجربة في الحياة؛ وبالتالي تصبح‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫استشراف العالم الممكن الذي يطمح إليه‬ ‫الشاعر‪ ،‬وذلك ألن «وظيفة األدب هي إشباع‬ ‫الحاجات الروحية لدى اإلنسان»(‪ ،)4‬وال يتم‬ ‫هذا اإلشباع إال من خالل هذا االنفتاح على‬ ‫اللحظة التي يعيشها الشاعر «حيث يتبدد‬ ‫الزمان وينهار المكان وال يبقى إال اآلن وهنا‪،‬‬ ‫بوصفه زمن الحلم أو لحظة الهرب والتحرر‬ ‫من عذابات الزمان والمكان وضالالتهما‬ ‫وعوائقهما‪ ،‬وبوصفه كذلك لحظة والدة‬ ‫الحياة من قلب الموت‪ ،‬والوجود من العدم‬ ‫والحرية من الضرورة والرفض من القبول‪،‬‬ ‫وبوصفه أيضا لحظة انهيار الواقع وتجاوز‬ ‫زمنه‪ ،‬وبوصفه قبل هذا كله لحظة اندماج‬ ‫كلي في العالم بكليته»(‪.)5‬‬

‫خ�لال��ه ال��ك��ائ��ن إل���ى م��ا وراء المحسوس‬ ‫والمدرك‪ ،‬ليكون في مقام الكشف والرؤيا‬ ‫والمعرفة‪ ،‬ليقرأ العالم بطاقة البصيرة التي‬ ‫ال تتأتى إال من خ�لال الدخول في تجربة‬ ‫الخفاء والتجلي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪25 )2016‬‬


‫اللغة هي الفضاء المكاني والزماني الذي‬ ‫يمارس الشاعر خالله صوفيته‪ ،‬وتجربته في‬ ‫استبصار العالم والوجود‪ ،‬عندما يستطيع‬ ‫استبصار الذات عبر اللغة‪ ،‬التي هي الحياة‬ ‫التي يعيشها ويسكنها كما تسكنه‪.‬‬ ‫وال بد من اإلشارة إلى أن مواقف النفري‬ ‫ومخاطباته انفتحت على الحداثة الشعرية‬ ‫بكل تجلياتها‪ ،‬فال يكاد ينجو شاعر حداثي‬ ‫م��ن أث��ر ه��ذه ال��م��واق��ف ف��ي تجربته س��واء‬ ‫من خ�لال الفعل التحفيزي (أوق��ف��ن��ي)‪ ،‬أو‬ ‫من خالل المعنى الذي يشغل الشعراء في‬ ‫مسيرتهم الشعرية‪ ،‬وه��م يشكلون ذواتهم‬ ‫الشعرية‪ ،‬وصوتهم الخاص‪ ،‬وهيئة شخصهم‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ،‬فتستوي التجربة في محرقها‬ ‫ورؤاه����ا‪ ،‬لتأخذ شكل ال��ب��ؤرة المشعة في‬ ‫العالم والنص والذات‪.‬‬ ‫وق��د ت��ع �دّدت أش��ك��ال ه��ذه ال��م��ح��اوالت‬ ‫ح��ول كلمة ال��م��واق��ف‪ ،‬فما أن ي��ذك��ر فعل‬ ‫(أوقفني) حتى تنهض ال��رؤى الخاصة بكل‬ ‫شاعر‪ ،‬إال أنها رؤى تعود بفضل انبثاقها‬ ‫إلى هذا الفعل الذي ابتكر تحوّالته النفري‪،‬‬ ‫وهيأ له مقامه العرفاني في اللغة‪ ،‬وجعله‬ ‫محفّزاً على القول والصمت‪ ،‬على استبصار‬ ‫الطاقة الشعرية‪ ،‬والطاقة الروحية‪ ،‬والطاقة‬ ‫النصية‪ ،‬في نصوص تتفاوت في مقاماتها‪،‬‬ ‫بتفاوت طاقاتها الفنية‪ ،‬ووعيها الجمالي في‬ ‫الخطاب الشعري‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫إال أن الشاعر الثبيتي لم يبق أسير هذا‬ ‫الفعل ح��دَّ االس��ت��غ��راق‪ ،‬ليكون ه��و الفعل‬ ‫الوحيد المحفّز على التجربة العرفانية‬ ‫ال��ت��ي ي��ري��د استكناهها وك��ش��ف عوالمها‪،‬‬ ‫وتحفيز حاالتها اإلبداعية‪ ،‬وإنما حفزه بفعل‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫آخر وهو فعل (ضمّني)؛ ليعلن منذ البداية‬ ‫حالة التماهي بينه وبين صاحب العرفان‪،‬‬ ‫وبالتالي يكون الفعل االفتتاحي (ضمّني)‪،‬‬ ‫ال استشرافياً تندمج فيه الذات الشاعرة‬ ‫فِ ع ً‬ ‫واآلخر الذي يقودها إلى البصيرة والكشف‪،‬‬ ‫حيث يكون التماهي ال��ذي يستدرج لحظة‬ ‫التقاء الوحي بالنبي عليه الصالة والسالم‪،‬‬ ‫لحظة انتقاله من الجهل إلى المعرفة‪ ،‬من‬ ‫الصمت إل��ى القول‪ ،‬من ع��دم ال��ق��راءة إلى‬ ‫القراءة‪ ،‬من العتم إلى اإلبصار والبصيرة‪،‬‬ ‫من الكائن العادي إلى الكائن النبي؛ وهنا‪،‬‬ ‫يتجلى فعل الضم بهذه الحموالت المتصلة‬ ‫بالنبوة‪ ،‬ليستفز فعل التوقف (أوقفني)‪ ،‬ليأتي‬ ‫بعد ذلك النداء بحروف االسم متقاطعا مع‬ ‫نداء الوحي للنبوة أيضا إلى القراءة األولى‪،‬‬ ‫وكأنها تهجئة لوجوده‪ ،‬وتهجئة لما يمكن أن‬ ‫تستوي عليه بصيرته عبر الوحي الشعري؛‬ ‫وك���أن ال��ش��اع��ر هنا يسمع اس��م��ه بتهجئة‬ ‫صاحب العرفان ال��ذي يقوده إل��ى الكشف‬ ‫للمرة األولى‪ ،‬وباسمه المجرد‪ ،‬ليأخذ معناه‬ ‫هو اآلخر من خالل معنى الذات‪ ،‬التي بدأت‬ ‫رحلة الكشف والدخول في الحال العرفاني‪،‬‬ ‫كما هو الحال في المرأة التي نادت محمود‬ ‫درويش باسمه وهو في رحلته الماورائية في‬ ‫جداريته؛ لذلك هذا النداء أو هذه الدعوة‬ ‫ب��االس��م ه��ي ال��ت��ي تجعل لحظة المعرفة‬ ‫مدركة‪ ،‬ولحظة االلتقاء لحظة يستوي فيها‬ ‫اليقين ف��ي ال���ذات‪ ،‬والخطف ف��ي ال���روح‪،‬‬ ‫والبصيرة في الرؤى‪:‬‬

‫َض ًّمني‪،‬‬ ‫ثم أو َقفَني في الرمال‬ ‫ودَعاني‪:‬‬ ‫بميم وحاء وميم ودال‬


‫وقال‪:‬‬

‫فرعان‬ ‫ِ‬ ‫أنت والنخلُ‬ ‫أنت افترعت بنات النوى‬ ‫ورفعت النواقيس‬ ‫هُ نَّ اعترفن بس ِّر النوى‬ ‫وعَ رَفْ نَ النواميس‬ ‫فاكه َة الفقراءِ‬ ‫وفاكه َة الشعراءِ‬ ‫وكأن النخل هو السبيل إلى الكشف‪ ،‬ألنه‬ ‫سيتكرر في المواقف التالية ليكون عبر‬ ‫التحوالت صنوًا للشاعر «ليصبح انتصارًا‬ ‫للكائن األيكولوجي‪ ،‬أو إظهاراً له‪ ،‬وهو يراوح‬ ‫بين استواءين؛ على اعتبار أن المسافة بين‬ ‫النخلة وأناه ملغاة بواسطة اللغة الشعرية»(‪،)7‬‬ ‫وبانمحاء المسافة بين ذات الشاعر والنخل‬ ‫انمحاء لحدود المعرفة؛ إذ تنفتح المعرفتان‪،‬‬ ‫وتنفتح الذاتان على بعضهما‪ ،‬ذات النخل‪،‬‬ ‫وذات الشاعر‪ ،‬لتنكشف لنا تجربة الشاعر‬ ‫ب��ك��ل م��س��ت��وي��ات��ه��ا ال��ح��ي��ات��ي��ة واإلب��داع��ي��ة‬ ‫والصوفية والرومانسية‪ ،‬من خالل كشفه عن‬ ‫العالقة بينه وبين الطبيعة واألشياء؛ حيث‬ ‫هذا التوّحد يأخذ شكل الترتيل االبتهالي‬ ‫للتماهي مع الكائنات بحضورها في الذات‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫(‪)6‬‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة‪ ،‬ل��ت��ت��ح�وّل إل���ى ك��ائ��ن��ات شعرية‬ ‫واستوى ساطع ًا في يقيني‬ ‫مسحوبة من الواقع إلى الداخل في النص‬ ‫لتكون المواقف التي تكشف عن الذات‬ ‫واللغة والذات الشعرية‪:‬‬ ‫أكثر م��ن كشفها ع��ن العالم‪ ،‬فتنفتح على‬ ‫التجربة داخل الذات أكثر من انفتاحها على أُصادق الشوارع‬ ‫التجربة خارجها؛ وكأن الذات في تحوالت والرمل والمزارع‬ ‫مواقفها تتعرّى أمام مرآة الكشف والرؤيا‪ ،‬أُصادق النخيل‬ ‫فإذا بها تكشف عن التجربة اإلبداعية التي أُصادق المدينة‬ ‫تماهت مع التجربة العرفانية الصوفيه داخل والبحر والسفينة‬ ‫والشاطئ الجميل‬ ‫اللغة‪:‬‬

‫أُصادق البالبل‬ ‫والمنزل المقابل‬ ‫والعزف والهديل‬ ‫أُصادق الحجارة‬ ‫والساحة المنارة‬ ‫والموسم الطويل‬

‫وبالتالي تكشف له عن ال��ذات والعالم‬ ‫وال��وج��ود‪ ،‬وتفتح أمامه كل األب���واب؛ حيث‬ ‫ت��ت��م��اه��ى األش���ي���اء ف��ي ذات���ه ك��م��ا يتماهى‬ ‫معها‪ ،‬من أجل أن يدرك معناه في النخل‪،‬‬ ‫والرمل والصحراء؛ فيدرك المعنى في رؤاه‬ ‫المطلقة‪ ،‬حيث يمضي إلى المعنى‪ .‬وهنا‪ ،‬ال‬ ‫بد من اإلشارة أيضا إلى تقاطع هذه الرحلة‬ ‫إلى المعنى مع رحلة محمود درويش الذي‬ ‫كان يشغله المعنى عبر تجلياته المختلفة‪،‬‬ ‫لذلك كان مشغوالً بالسفر إليه والصعود إلى‬ ‫مقاماته الغامضة‪ ..‬يقول درويش‪:‬‬

‫كم البعيد بعيد‬ ‫كم هي السبل‬ ‫نمشي ونمشي‬ ‫إلى المعنى وال نصل‬ ‫إذ المعنى هو السبيل الذي ينقذ النفس من‬ ‫قلقها الوجودي‪ ،‬وقلقها اإلبداعي‪ ،‬الذي تستوي‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪27 )2016‬‬


‫التجربة في محرقه‪ ،‬فتأخذ القصيدة زخرفها‪،‬‬ ‫ومسافاتها في ال��ذات والعالم‪ ،‬ال��ذي يتشكل‬ ‫في القصيدة والذات‪ ،‬عبر انمياث الشاعر في‬ ‫المعنى‪ ،‬ليرتوي الخيال عبر هذه االنزياحات‬ ‫ال��ف��ارق��ة بين ال���دوال وم��دل��والت��ه��ا‪ ،‬فتنكشف‬ ‫اللغة على صبغتها المتحولة؛ وبالتالي تتكشف‬ ‫األسرار أمام الشاعر وهو يحاول تأويل ذاته‪ ،‬ضجّ بي‬ ‫باالتجاه إلى المعنى‪:‬‬ ‫صبري‬

‫يتجلى ف��ي الكشف‪ ،‬ع��ن ك��ل المسارات‪،‬‬ ‫والمسالك ويعبر المهالك‪ ،‬م��ن أج��ل أن‬ ‫يستقر ل��ه م��ق��ام المعنى‪ ،‬بعدما يكتوي‬ ‫بنار التجربة‪ ،‬ففي التجربة تختبر الذات‪،‬‬ ‫والقصيدة‪ ،‬والمعنى‪ ،‬وفي السؤال تختبر‬ ‫التجربة‪:‬‬

‫أمضي إلى المعنى‬ ‫الحريق‬ ‫ِ‬ ‫وأمتص الرحيقَ من‬ ‫ّ‬ ‫فأرتوي‬ ‫وأعلُّ‬ ‫من‬ ‫ماءِ‬ ‫المالمِ‬ ‫والمهالك‬ ‫ِ‬ ‫المسالك‬ ‫ِ‬ ‫وأمرُّ ما بين‬ ‫حيث ال يمٌّ يلمُّ شتاتَ أشرعتي‬ ‫أفق يضمّ نثا َر أجنحتي‬ ‫وال ٌ‬ ‫وال شجرٌ‬ ‫يلوذُ‬ ‫به حَ مامي‬ ‫أمضي إلى المعنى‬ ‫الطرقات‬ ‫ُ‬ ‫وبين أصابعي تتعانق‬ ‫الشراب‬ ‫ِ‬ ‫السراب عن‬ ‫ُ‬ ‫ينفض‬ ‫ُّ‬ ‫واألوقات‪،‬‬ ‫ويرتمي‬ ‫ِظلّي‬ ‫أمامي‬

‫‪28‬‬

‫وعبر هذه الرحلة ينهض السؤال الجدلي‬ ‫حول اكتمال الرؤيا أو وضوح الطريق إلى‬ ‫المعنى‪ ،‬م��ن خ�لال رحلته الصعبة التي‬ ‫يعاني منها في تجربة الطريق‪ ،‬وهي تجربة‬ ‫القصيدة‪ ،‬التجربة التي تجعل الشاعر‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫وأقلقني‬ ‫مُ قامي‬ ‫فمضيت للمعنى‬ ‫أُحدّ ق في أسارير الحبيبة كي‬ ‫أُسمّ يها‬ ‫فضاقت‬ ‫ْ‬ ‫عن‬ ‫سجاياها‬ ‫األسامي‬

‫هذا الذهاب إلى المعنى إنما هو ذهاب‬ ‫إلى أعماق اللغة والتجربة اإلبداعية‪ ،‬حيث‬ ‫يحدق الشاعر في أسارير الحبيبة‪ /‬اللغة‪/‬‬ ‫كي يسميها‪ ،‬فضاقت عن سجاياها األسامي‪،‬‬ ‫ليتقاطع هذا الوجد بين الشاعر وحبيبته‪/‬‬ ‫اللغة‪ /‬القصيدة من خالل تصاعد التجربة‬ ‫إلى مقام معاناتها‪ ،‬مع مقولة النفري «كلما‬ ‫ضاقت العبارة اتسع المعنى»‪.‬‬ ‫وإذا كان للنص ظل‪ ،‬وللمعنى ظل‪ ،‬فللشاعر‬ ‫ظل وقرين‪ ،‬ينهض من مرآة دهشته‪ ،‬ليصبح‬ ‫تجليا من تجليات اآلخر وحضوره في الذات‬ ‫الشاعرة‪ ،‬بل حلوله فيها‪ ،‬ألنه يتماهى معها‪..‬‬ ‫يكشف أسرارها كما تكشف أسراره؛ لذلك‬ ‫ال للذات التي تبحث عن‬ ‫يصبح القرين ظ ً‬ ‫وجودها‪ ،‬بل تحاول أن تؤسس لوجود ممكن‬


‫فالشاعر يقدم لنا صورة الظل بمقارنتها‬ ‫مع صورة الذات‪ ،‬ليكشف لنا المفارقة بين‬ ‫الظلين أو الذاتين لظله‪ ،‬وه��ذا واض��ح في‬ ‫التقديم التمهيدي لهذا القرين‪ ..‬موصفا‬ ‫العالقة بينه الذات وظلها من خالل الحوار‬ ‫أما زلت تتلو فصول الرمالْ ؟‬ ‫الدرامي بين الطرفين‪:‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫في مداها اإلبداعي‪.‬‬

‫هذا السؤال هو الذي يتيح للذات أن تشكل‬ ‫عالمها‪ ،‬وأن تكشف عن عالقتها بالعالم من‬ ‫خ�لال عالقتها مع الظل القرين‪ ،‬ليكشف‬ ‫الشاعر عن عمق التجربة التي يدخلها في‬ ‫قراءة الظل‪ ،‬وقراءة الذات‪ ،‬للتكهن بما تقوله‬ ‫الرمال‪ ،‬في مقام االحتمال‪:‬‬

‫بالجرح‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫أُقامر‬ ‫م � �ق � �ي� ��مٌ ع � �ل� ��ى ش � �غ� ��ف ال � ��زوب� � �ع� � � ْه‬ ‫ل � � ��ه ج � � � �ن � � ��اح � � ��ان‪ ..‬ول� � � � ��ي أرب� � �ع � ��ه اقرع بوابة االحتمال‬

‫ي� � �خ � ��ام � ��رن � ��ي وج � � �ه � � ��ه ك� � � ��ل ي� � � ��ومٍ‬ ‫ف ��أل � �غ ��ي م � �ك ��ان ��ي وأم� � �ض � ��ي م� �ع� � ْه‬ ‫ُأف � ��ات � � �ح � ��ه ب � ��دم � ��ي ال� �م� �س� �ت� �ف� �ي � ِ�ق‬ ‫ف � � �ي� � ��ذرف م� � ��ن م� �ق� �ل� �ت ��ي أدم� � �ع� � � ْه‬ ‫وأغُ � � � �م � � ��د ف� � ��ي رئ � �ت � �ي� ��ه ال � � �س� � ��ؤالَ‬ ‫ف� � �ي � ��رف � ��ع ع � � ��ن ش � �ف � �ت� ��ي إص � �ب � �ع � � ْه‬ ‫فالذات الشاعرة هنا تح ُّل في الظل‪ ،‬وتتبع‬ ‫الظل من دون أن تلغي وجودها‪ ،‬وإنما لتنفتح‬ ‫عليه بجدلها وسؤالها وشغفها‪ ،‬حيث يعيش‬ ‫الشاعر حالة من التحول الجديد والكشف‬ ‫المعرفي‪ ،‬ع��ن ذل��ك ال��ظ��ل ال���ذي يستدرج‬ ‫ال���ذات إل��ى ال��س��ؤال األك��ث��ر ج���دال‪ .‬ليأخذ‬ ‫ال جديداً‬ ‫هذا التشكيل الجديد للظل تشكي ً‬ ‫للذات‪ ،‬وهي في مقام الجدل والسؤال‪ ،‬حيث‬ ‫ *‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬

‫(‪ )3‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬

‫حيث تكشف لنا العالقة مع القرين عن‬ ‫حاالت الصراع داخل الذات‪ ،‬الصراع المعرفي‬ ‫واإلبداعي والوجودي الذي يتيح لها أن تبني‬ ‫عالمها الممكن داخل هذا الصراع‪ ،‬وهذا ما‬ ‫سنراه في صورة المخلص الذي كانت الذات‬ ‫تستعين به على الخالص من ه��ذا الواقع‪،‬‬ ‫والتحول إلى عالم أكثر اتصاال برؤى الذات‬ ‫المنسجمة مع االستشراف للممكن األفضل‪.‬‬

‫وال شك إن تجربة الثبيتي تجربة مفتوحة‬ ‫على القراءة عبر تشكيل الخطاب الشعري‪،‬‬ ‫وعبر مرايا الرؤى التي تنفتح فيها الذات على‬ ‫الوجود‪ ،‬وعلى النص‪ ،‬فكان خطابه الشعري‬ ‫خ��ط��اب��ا منفتحا ع��ل��ى ال��ح��داث��ة الشعرية‪،‬‬ ‫ومنفتحا على العالم بتحوالته‪ ،‬وذلك بانفتاح‬ ‫الذات الشعرية على العالم والقصيدة‪.‬‬

‫كاتبة من سوريا مقيمة في اإلمارات‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد صابر عبيد‪ ،‬جماليات القصيدة العربية المعاصرة‪ ،‬دمشق‪ ،‬وزارة الثقافة‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫د‪ .‬عبدالواسع الحميري‪ ،‬الذات الشاعرة في شعر الحداثة الشعرية‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬ ‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫غاستون باشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمة غالب هلسا‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ط‪1996 4‬م ص ‪.25‬‬ ‫شاهين‪ ،‬سمير الحاج‪ ،‬لحظة األبدية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت ‪1980‬م ص ‪.59‬‬ ‫الذات الشاعرة‪ ،‬م س ص ‪.44‬‬ ‫جميع الشواهد الشعرية في هذا البحث مصدرها الموقع اإللكتروني للشاعر محمد الثبيتي‪.‬‬ ‫الموقع الشخصي لمحمد العباس ‪.http://m-alabbas.com/ara/4/p2_articleid/266‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪29 )2016‬‬


‫صور الوالء والحنين للوطن‬ ‫في شعر أحمد السالم‬

‫الدهون*‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬إبراهيم ّ‬

‫السالم ملمح ًا أدب�ي� ًا جميالً‪ ،‬يعكس أيقونة‬ ‫يشكّ ل ال��وط��ن ف��ي شعر د أحمد ّ‬ ‫يشكل م��ن كينونة الوجود‬ ‫االنتماء والتماهي ف��ي ه��ذه البقعة م��ن المكان‪ ،‬لما ّ‬ ‫ومشاعر السرور للشاعر في هذه الحياة‪.‬‬ ‫‪ -1‬صور الوالء‪:‬‬ ‫المضياف وعاداته‪ ،‬ونسمع من خالل‬ ‫أغانيه أغاريد التّفاؤل واألمل تطل على‬ ‫إنَّ إع��ل�ان ال��سّ ��ال��م وال َءهُ لوطنه‬ ‫الشّ عوب العربيّة‪ ،‬وسائر أنحاء العالم‬ ‫يأتي والء وانتماء لعروبته‪ ،‬فيتفاعل‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫م��ع أح���داث وط��ن��ه‪ ،‬وي��ش��ارك��ه��ا‪ ،‬وه��ذا‬ ‫ومن ظواهر والء الشّ اعر‪ ،‬محاولته‬ ‫ن��وع م��ن اع��ت��زازه بعروبته‪ ،‬وإحساسه‬ ‫بآمال اإلنسان العربي المسلم‪ .‬كما أنَّ استقطاب الرأي العام نحو جهود بلده‬ ‫السّ عوديّة‪ ،‬فقد استطاع أن يستوعب‬ ‫انتماءاته نابعة من ارتباطه بذلك البلد‬ ‫حجم الحبّ الحقيقي لإلنسان العربي‬ ‫ومصيره(‪.)1‬‬ ‫الضاربة‬ ‫المسلم تجاه الدّيار المقدسة ّ‬ ‫وإحساساً من السّ الم لوالئه‪ ،‬وقربه في جذور التّراث العربي؛ وكما استطاع‬

‫‪30‬‬

‫م��ن وط��ن��ه‪ ،‬فقد تغنّى بمظاهر بلده استيعاب تلك الحقيقة‪ ،‬فقد تمكّن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وهنا‪ ،‬نجد أنَّ الشّ اعر يعلن صراحة حبّه‬ ‫لوطنه‪ ،‬ودور الشّ عب ف��ي الحفاظ عليه‪،‬‬ ‫والدّفاع عنه؛ ومن ذلك قوله مبيناً اعتزاز‬ ‫اإلنسان بوطنه‪ ،‬ودوره في حمايته‪ ،‬وفي دفع‬ ‫الظلم واألذى عن البالد وحمايتها‪ ،‬فيقول(‪:)2‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ك��ذل��ك م��ن ت��ص��وي��ره��ا ف��ي ش��ع��ره بجميع‬ ‫جوانبها‪ ،‬ومظاهرها‪ ،‬ومفرداتها‪ ،‬ودالالتها‬ ‫الحقيقية‪.‬‬

‫ضعوا األكف معا وارعوا عروبتكم‬ ‫لتكتسي ُح�ل��لَ ال��دّ ي�ب��اج والقصب‬ ‫وراق � �ب� ��وا اهلل و ْأت � ��مّ � ��وا ب�م�ص�ح�ف��ه‬ ‫وبالذي قال طه مصطفى النسب‬ ‫اضطجعت ون��ال النومُ مطلبه‬ ‫ُ‬ ‫إذا‬ ‫م�ن��ي أت�ت�ن��ي ت�ن��ادي�ن��ي وت �ص��رخ بي‬ ‫�ط األم ��ان على‬ ‫أن��ا ال�ع��روب��ة ق��د ح� ّ‬ ‫أرضي من الدوحة الخضرا إلى حلب‬ ‫وم ��ن م� �ش ��ارق أرض� ��ي ط ��ار ط��ائ��ره‬ ‫إل ��ى رب� ��وع ب �ل�اد ال �م �غ��رب ال�ع��رب��ي‬ ‫وفي هذه األبيات‪ ،‬يدعو السّ الم العرب‬ ‫إلى تعاضد الهمم‪ ،‬وتقارب وجهات النّظر‪،‬‬ ‫والنأي عن الفرقة والخالف‪ ،‬كما أنّه يبث‬ ‫ال��روح الوطنيّة في نفوسهم‪ ،‬مذكراً إياهم‬ ‫بكتابهم العظيم‪ ،‬وسجل مآثرهم‪ ،‬ومفاخرهم‬ ‫وانتصاراتهم العظيمة‪.‬‬ ‫ولع ّل السّ الم كان من أقدر شعراء المملكة‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة ال��سّ ��ع��ود ّي��ة ع��ل��ى إث����ارة العزيمة‪،‬‬ ‫ون��ش��ر روح األم���ل‪ ،‬وع��ن��اص��ر ال � ّت��ف��اؤل في‬ ‫عقول النّاس‪ ،‬فهو يعلن صراحة بإسالميته‬ ‫وعروبته‪ ،‬فالنّسب إسالمي‪ ،‬واالنتماء عربي‬ ‫خالص‪ ،‬إذ يقول(‪:)3‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪31 )2016‬‬


‫‪32‬‬

‫التي انيطت به تجاه شعبه ومجتمعه وأبناء‬ ‫سئلت إل��ى م��ن ينتهي نسبي؟‬ ‫ُ‬ ‫إذا‬ ‫بمنتسب جلدته‪ ،‬وذلك أنّه‪ « :‬بمجرد ما يتلو صاحب‬ ‫ِ‬ ‫فلست للعُ رب ي��ا ق��وم��ي‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫القلم‪ ،‬أو ينشر م��ا ك��ت��ب‪ ،‬فقد فعل فع ً‬ ‫ق �ل �ب��ي ت �ع �ل��ق ب � ��اإلس �ل��ام ي�ع�ش�ق��ه‬ ‫إل� �ي ��ه دون س � � ��واه ي �ن �ت �ه��ي ن�س�ب��ي اجتماعياً‪ ،‬فأصبح مسؤوالً ل��دى مجتمعه‬ ‫وشعبه‪ ،‬وقومه‪ ،‬وأمته‪ ،‬ولدى اإلنسانيّة بما‬ ‫م��ا ك �ن��ت ُأص � ��د ُر ع��ن ح �ق��د أك� ّت�م��ه‬ ‫يرتبط وطنه باإلنسانيّة»(‪ .)5‬وليس أدلّ على‬ ‫ال‪ ،‬ب��ل ألنّ مصابي مثلكم عربي‬ ‫ذلك من قوله(‪:)6‬‬ ‫فالسّ الم يشحذ الهمم‪ ،‬ويبعث التفاؤل‪،‬‬ ‫ه� � � � ّب � � ��وا ف� � �ق � ��د دع � � � ��ت ال � � ��دواع � � ��ي‬ ‫واللقاء الوطني في نفوس الشّ عب‪ ،‬كمقدمة‬ ‫واس � �ت � �ه � �ل � �ك� ��ت ك� � � � ��لّ ال � �م � �س� ��اع� ��ي‬ ‫إلع�لان عروبته‪ ،‬ودوره في خدمة الوطن‪،‬‬ ‫والدّفاع عنه؛ فاألوّل مظهر جلي في شعره‪ ،‬و ال � � � � �ع� � � � ��رب أي � � � � �ض � � � � � ًا ق� � � �ص � � ��روا‬ ‫فاقتران السّ الم بالعروبة‪ ،‬واندماجه معها‬ ‫ل� � ��م ي � � ��رأب � � ��وا ع � �م� ��ق ان � �ص� ��داع� ��ي‬ ‫مثال الحبّ الكبير للوطن‪ ،‬وإعادة الثّقة في‬ ‫ه ��ي وق �ف��ة م ��ن خ � ��ادم ال �ح��ر مين‬ ‫نفوس الشّ عب‪ ،‬فقد عرف الشّ اعر كيف يشق‬ ‫م �ـ �ح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود ال� �ط� �ب ��اع‬ ‫طريقه إل��ى جماهير الوطن العربي‪ ،‬فهو‬ ‫شاعر شعب‪ ،‬وصاحب قضية‪ ،‬يمثل حالة ل� � � ��م ت � � �ل � � ��قَ ع� � �ن � ��د ال � � � �ع� � � ��رب ع� �ن� �ـ� �ـ‬ ‫د ال � � � � �غ� � � � ��رب آذان اس � � �ت � � �م� � ��اع‬ ‫جماعيّة للشعب العربي‪ ،‬ال حالة نفسيّة‬ ‫فرديّة‪ ،‬وهذه الحالة المتكررة لصورة السّ الم‬ ‫يتخذ السّ الم في قصيدته اآلنفة‪( :‬غزة)‬ ‫الشّ عريّة‪ ،‬أي ّ‬ ‫الصورة الجمعية أو العربيّة متكأ يتوجه من خالله لبث آالمه وأحزانه‪،‬‬ ‫التي مألت دواوينه الشّ عريّة‪ ،‬وأخ��ذ ينافح وشكواه لفقد أهلها عناصر األمن والسّ عادة‬ ‫عنها كثيراً‪ .‬فهو لم يكن رفاهياً‪ ،‬أو ذاتياً وال��س��ك��ي��ن��ة‪ ،‬م��ع �رّج �اً ع��ل��ى م��ن��اص��رة خ��ادم‬ ‫ولكنه كان دائماً (التزاماً) بالروح الجماعيّة‪ ،‬الحرمين لشعب غزة‪ ،‬ومدى مساندته لهم‬ ‫والدّفاعيّة عن المجتمع(‪.)4‬‬ ‫في ظروفهم القاسيّة‪ ،‬وهم يرزخون تحت‬ ‫إنَّ الشّ اعر جزء ال يتجزأ من مجتمعه‪ ،‬احتالل غاشم‪ ،‬وآلة حرب صماء‪.‬‬ ‫يحس بإحساسه‪ ،‬ويتألم أللمه‪ ،‬ويفرح‬ ‫ّ‬ ‫وشعبه‪،‬‬ ‫ويطالعنا السّ الم بأبيات أكد فيها صراحة‬ ‫لفرحه‪ ،‬ويتساءل لتساؤله‪ ،‬فبالرغم من والء‬ ‫على والئ��ه ال��ف��ردي‪ ،‬وانطالقته الواسعة‪،‬‬ ‫السّ الم لوطنه‪ ،‬ومراتع طفولته‪ ،‬فلم يمنعه‬ ‫نحو عروبة خالية من النّفاق والمداهنة‪،‬‬ ‫ذلك من الوالء ألهل غزة‪ ،‬وأبناء فلسطين؛‬ ‫والنّكوص‪ ،‬فيقول(‪:)7‬‬ ‫فتأتي قصيدة‪( :‬غ��زة وص��رخ��ة ل��م تصل)‬ ‫معبّرة عن انتمائه العروبي‪ ،‬مصورة للواقع أوّاه م� ��مّ � ��ا أص� � � ��اب ال� � �ق � ��وم أوّاه‬ ‫ت� ��أل� ��ب ال � � ّ�ش � ��ر وان � �ب� ��اج� ��ت ن� ��واي� ��اه‬ ‫األليم لشعب غزة‪ ،‬مدركاً لمدى المسؤولية‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يا ق��ادة ال��عُ ��رب إنَّ األم��ر في يدكم‬ ‫فالمصطفى دنّس األن��ذال مسراه‬ ‫فتى‬ ‫ك��أن�ن��ا كلما ف��ي ال �ح��رب م��ات ً‬ ‫ن�ح��ن ال��ذي��ن إل��ى األك �ف��ان ُسقناه‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫دم العروبة أضحى في المزاد سدى‬ ‫ول � �ل � �ي � �ه� ��ود دمٌ ق� � ��د زاد م � �ش� ��راه‬

‫يرسم الشّ اع ُر صورة لشخصية اإلنسان‬ ‫العربي المنتمي لبلده ووطنه وعروبته‪ ،‬ذلك‬ ‫اإلن��س��ان ال��ذي ال ي��س��اوم على بلده مقابل‬ ‫دريهمات زهيدة‪ ،‬فدم العروبة ال يقدر عنده‬ ‫بثمن‪ ،‬ويتجلّى ذل��ك بقوله‪( :‬دم العروبة‬ ‫أضحى في المزاد س��دى)‪ ،‬وه��و يتمنى أن‬ ‫يتوحد اإلنسان العربي‪ ،‬ويدعوه إلى الحفاظ‬ ‫على األرض‪ ،‬منوّهاً بهدف المحت ّل الطامع‬ ‫بأرض بالده‪.‬‬ ‫على أنّ السّ الم ال يبلغ قمة الروعة إ َّال‬ ‫حين يشرع في إسقاط ص��ور ال��والء لبلده‬ ‫السّ عوديّة من خ�لال األشياء التي يحبّها‪،‬‬ ‫فوطنه محبوبة عشقها‪ ،‬وه��ام ف��ي حبّها‪،‬‬ ‫ويستطيع أن يفعل بها ما تشاء؛ ألنّها ملكت‬ ‫ف��ؤاده‪ ،‬وأشركته بحبائل هواها‪ ،‬فيقول في‬ ‫قصيدته‪( :‬حوار مع أهل الدار)(‪:)8‬‬

‫ب�ل��ادي ه��واه��ا ف��ي ف � ��ؤادي أح� ّ�س��ه‬ ‫و ق��د سكنت م�ن��ي وري ��د ًا وش��ري��ان��ا‬ ‫ع�ل��ى أرض �ه��ا ك� ّن��ا وك ��ان ل�ن��ا ال�ه��وى‬ ‫س�لاح � ًا ب��ه ن��رم��ي فنحكم مرمانا‬ ‫أح � � ّب� ��ك ي� ��ا خ� �ي ��ر ال � ��دي � ��ار م �ح � ّب��ة‬ ‫ت��وث �ق �ن��ا ب �ع ��د ال� �م� �م ��ات ب ��أخ ��ران ��ا‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪33 )2016‬‬


‫بفضلك ك��ان الصفو ملح حياتنا‬ ‫و َ ُب � � � �رْءٌ ت�ل�اقِ �ي �ن��ا وط� �ه ��رٌ مُ �ح �ي��ان��ا‬

‫إذا كان الطائر يحنّ إلى أوكاره‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫أحقّ بالحنين إلى أوطانه(‪ ،)13‬ويعكس الحنين‬ ‫إل��ى الوطن جانباً مه ّماً في تجربة أحمد‬ ‫السّ الم‪ ،‬وقد اشت ّد وبلغ ذلك الحنين عند‬ ‫الشّ اعر عندما ابتعد عن أهله‪ ،‬وأق��ام في‬ ‫ال عن أسفاره العديدة‪،‬‬ ‫مدينة الرياض‪ ،‬فض ً‬ ‫خاصة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فأصبحت المملكة العربيّة السّ عوديّة‬ ‫والوطن العربي عامّة‪ ،‬يتراءى له جنّة طافحة‬ ‫بمعاني األنس والطمأنينة والهناء‪.‬‬

‫وال ط ��اب ش�ع��ر م��ا ت�غ� ّن��ى ب��أوط��ان‬

‫وقد تفطن إلى ظاهر الحنين في الماضي‬ ‫الجاحظ (‪255‬هــ)‪ ،‬وذلك من خالل رسالة‬ ‫له بعنوان‪( :‬الحنين إلى األوطان)‪ ،‬تناول فيها‬ ‫حنين بعض الملوك إلى أوطانهم(‪ .)15‬وقد بيّن‬ ‫فيها أنَّ حنين النّفس إلى مسقط رأسها من‬ ‫الشّ عور باالنتماء‪ ،‬وأنّه من عالمات الفطرة‬ ‫السّ ليمة‪.‬‬

‫فمن الواضح أنَّ بين الشّ اعر ومدينته‪:‬‬ ‫(دومة الجندل) اتّصاالً وثيقاً‪ ،‬وعالقة قلبيّة‪،‬‬ ‫تتقارب بنسيج عاطفي يتمثل فيضاً من‬ ‫الصور‪ ،‬التي تمحو ما بينهما من مسافات‬ ‫مكانيّة لطبيعة عمله الذي يجعله بعيداً‪ ،‬يقيم‬ ‫في الرياض‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬احتلّت ص��ورة ال��والء للوطن في‬ ‫والحنين ب��اب قديم في الشّ عر العربي‬ ‫تجربة الشّ اعر حيزاً واسعاً‪ ،‬تملك أن تحقق‬ ‫فيه مزيداً من الحركة‪ ،‬والحيوية‪ ،‬والتّجدد(‪ .)9‬القديم‪ ،‬وإن جاز لنا أ ْن نجعل لشعر الحنين‬ ‫ويكرّس السّ الم والءَه لوطنه في ديوانه‪( :‬بوح بداية‪ ..‬فيمكننا أن نقول‪ :‬إنَّ أوّل من حنَّ إلى‬ ‫الدّيار وبكى عليها في الشّ عر العربي هو ابن‬ ‫الخاطر)‪ ،‬إذ يقول(‪:)10‬‬ ‫حذام(‪.)14‬‬ ‫ف �ل�ا دام ح � � ٌّ�ب ق� ��د ت �ع �ل��ق غ �ي��ره��ا‬

‫‪34‬‬

‫إنَّ ثمّة ارتباطاً وثيقاً بين الشّ اعر ووطنه‪،‬‬ ‫كما أنّ والء الشّ اعر يكشف عن إبراز مظاهر‬ ‫التّقبل‪ ،‬واالرتياح‪ ،‬واألمن‪ ،‬الدّاعية لتمسك‬ ‫السّ الم بها‪ ،‬ومحاولة الحديث عنها‪ .‬ويطول‬ ‫بنا األمر لو رحنا نرصد نماذج الوالء العديدة‬ ‫عند السّ الم تجاه وطنه وعروبته؛ ذلك أنّ‬ ‫الصعود بهذا الوالء‬ ‫الذي نهتم له هو كيفية ّ‬ ‫وما يهمنا في هذا المبحث‪ ،‬هو الوقوف‬ ‫واالنتماء إلى أفق جمالي‪ ،‬وتعبيري فريد‪ ،‬على مظاهر الحنين عند السّ الم من خالل‬ ‫على نحو ما أقدم عليه من النّماذج الشّ عريّة أشعاره العديدة‪ ،‬وأنَّ أوّل ما يقابلنا من نتاجه‬ ‫السّ ابقة‪.‬‬ ‫الشّ عري في الحنين‪ ،‬قصيدته التي حملت‬ ‫عنواناً ينبئ بمسقط راسه‪( :‬دومة الجندل)‪،‬‬ ‫‪ -2‬صور الحنين للوطن‬ ‫مهد الحضارة ومصدر االشعاع‪ ،‬إذ يقول (‪:)16‬‬ ‫الحنين ف��ي ال�لّ��غ��ة‪ :‬ال��شّ ��وق‪ ،‬والمعنيان‬ ‫متقاربان(‪ .)11‬ويقال‪ :‬حنّ إليه‪ ،‬يحنّ ‪ ،‬فهو أح� � �ي� � �ي � ��ك ي � � ��ا دوم� � � � � ��ة ال � �ج � �ن� ��دل‬ ‫حانّ (‪ ،)12‬ومن معانيه العطف والرحمة‪.‬‬ ‫ل� � �ق � ��اء ال� � � � ��ذي ك � �ن� ��ت ق � ��دم � ��ت ل��ي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫�ذرت ل�ل�أه��لُ واألوط� � ��ان قافيتي‬ ‫ن� � ُ‬ ‫أن� ��اج � �ب� ��ك ي � ��ا م� �ع� �ب ��ر ال �ف��ات �ح �ي �ـ �ـ �ـ‬ ‫ف �ه��ل أض � � ُّ�ن ب �ه��ا وال � � ��دار ت��دع��ون��ي‬ ‫�ص � �ن � � ِ�ك م � ��ن ب �ط � ِ�ل‬ ‫ن ك � ��م ر َّد ِح � � ْ‬ ‫دا ٌر وال ك � � � ��لُّ ف � � ��ي م � �ف ��اخ ��ره ��ا‬ ‫إل � � ��ى ال � � �ك� � ��ون ت � ��رس � ��ل إش� �ع ��اع� �ه ��ا‬ ‫أه� ��ل وال ك� ��لُّ أه � � ٍ�ل ف ��ي ال �م��وازي� ِ�ن‬ ‫ل � �ي� ��زه� ��ر ف � � ��ي ع� � �ص � ��ره ال� �م� �ق� �ب � ِ�ل‬ ‫أن � ��ا أه � �ي� ��مُ ب �ه ��ا ص �ب �ح � ًا وأم �س �ي��ة‬ ‫وس � � � � � � � � ّر ال � � �ك � � �ت� � ��اب� � ��ة ج � � � � � � ��ادت ب ��ه‬ ‫حتى استقرّت على رأسي وفي عيني‬ ‫ع� � �ل � ��ى أه � � � � ��ل م� � �ك � ��ة ل� � � ��م ت � �ب � �خ � ِ�ل‬ ‫م ��ا ج �ئ��ت ذاك � ��رة ال �ت��اري��خ أس��أل�ه��ا‬ ‫�ص� �ب ��ا‬ ‫رع � �ت � �ن� ��ي ف� � ��ي ُخ� � � �ط � � ��وات ال � ِّ‬ ‫�دت ش ��ذاه ��ا ك��ال��ري��اح �ي��ن‬ ‫إ َّال وج� � � ُ‬ ‫وف� � � ��ي زم� � � ��ن ك� � �ن � � ُ�ت ال ح� � � ��ول ل��ي‬ ‫ي ��ا ج� ��وف أن� ��ت ل �ن��ا ق �ل��ب ن �ل��وذ به‬ ‫وك � � � � � � � ��لّ ال� � � � �ب � � � ��راي � � � ��ا ت � � � �ل� � � ��وذ ب� �ه ��ا‬ ‫طين‬ ‫كنت من رمل ومن ِ‬ ‫حتّى وإن ِ‬ ‫ف � ��أن � � �ع � ��م ب� � � ��دوم� � � ��ة م� � � ��ن م � ��ؤئ � � ِ�ل أح � � ّ�ب أه� �ل ��ك م ��ن ب � ��دوٍ وح ��اض ��رة‬ ‫يمضي الشّ اعر في ذكر حنينه إلى مسقط‬ ‫رأس���ه‪ ،‬وذك��ري��ات��ه الماضية‪ ،‬م��ت��ذك��راً رب��وع‬ ‫مدينته النّضرة‪ ،‬وسحر طبيعتها الخالبة‪،‬‬ ‫ويسترسل في الحديث عن الماضي الزاخر‬ ‫ب��ال��م��ع��ان��ي ال��سّ ��ام��ق��ة‪ ،‬واألخ��ل�اق العربيّة‬ ‫األصيلة‪ ،‬ويؤكد الشّ اعر على فضل ال ّدومة‪،‬‬ ‫مرتع الطفولة‪ .‬تلك المدينة الوادعة بأهلها‪،‬‬ ‫وآثارها العريقة‪ ،‬فإنّها لم تبخل عليه إرشاداً‬ ‫أو توجيهاً؛ ل��ذا يستحضر ذل��ك الماضي‬ ‫العزيز الذي قضاه في ربوعها‪ ،‬فيلقي عليها‬ ‫تحية احترام واعتزاز‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أت �ي� ُ�ت ي�ح�م�ل�ن��ي ش��وق��ي وي�غ��ري�ن��ي‬ ‫ول � � � �ي� � � ��س غ� � � ��ري � � � �ب � � � � ًا ع � � �ل � � ��ى ب� �ل ��د‬ ‫ن�ح��و ال��ذي��ن إل��ى عشقي أع��ادون��ي‬ ‫ل �ه��ا ال �س �ي��ف ف ��ي األع� �ص ��ر األوّل‬

‫وح��بُّ �ه��م ب��اتَ ي�س��ري ف��ي شراييني‬

‫يتصاعد حنين السّ الم عندما يذكر أماكن‬ ‫طفولته‪ ،‬ويشتد حنينه كلّما أكث َر من ذكر تلك‬ ‫األماكن والدّيار‪ ،‬ومع تصاعد بوادر الشّ وق‪،‬‬ ‫والحنين يشعر براحة داخلية‪ ،‬وإحساس‬ ‫نفسي مفعم بالسّ عادة والتفاؤل‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬تشكل الجوف – بالرغم أنها‬ ‫رم���ال وط��ي��ن‪ -‬م�ل�اذاً آم��ن �اً ل��ه‪ ،‬ومستقراً‬ ‫خالياً من الضوضاء وصخب المدينة‪ ،‬فهي‬ ‫مستودع السّ ر‪ ،‬ونبع ال��دفء والحنان‪ ،‬فهو‬ ‫ال يملك إال أن يشت ّد نحوها‪ ،‬ويعلن حنينه‬ ‫الجارف‪ ،‬والممزوج بحشرجة الفاقد لعزيز‬ ‫ويتابع السّ الم في وصف محاسن مدينته‪ ،‬ابتعد عنه‪ ،‬وهذا يدلّل مدى صدق إحساس‬ ‫ولتتسع دائرة الحنين لتشمل الدّ ومة‪ ،‬ومن الشّ اعر وحنينه إلى وطنه‪.‬‬ ‫ث��� ّم منطقته ال��ج��وف إل���ى أن ي��ص��ل وطنه‬ ‫وف���ي م��ش��ه��د آخ���ر م��ن م��ش��اه��د حنين‬ ‫السّ عودية‪ ،‬موئل الحجيج‪ ،‬وم��ه��وى أفئدة الشّ اعر يصور لنا طبيعة بالده‪ ،‬وما احتوته‬ ‫التائبين إلى اهلل‪ ،‬فيقول(‪:)17‬‬ ‫من إخاء واستقبال‪ ،‬وإيواء لألمتين العربيّة‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪35 )2016‬‬


‫واإلس�لام � ّي��ة‪ ،‬فيحدوه األم��ل وال��شّ ��وق في وإذا س �ئ �ل��ت أج� �ب ��ت إن ح�ب�ي�ب�ت��ي‬ ‫البقاء عليهما‪ ،‬إذ يقول(‪:)18‬‬ ‫ه� � ��ذه ال� � ��دّ ي� � ��ار ب� �م ��دْ ن� �ه ��ا وق� ��راه� ��ا‬ ‫أح � � ّب � ��ك ي � ��ا أ ّم ال � �ب �ل��اد وخ �ي ��ره ��ا‬ ‫تتعالى نغمة الحنين‪ ،‬والشّ وق لدى السّ الم‪،‬‬ ‫أح � ّب� ِ�ك ي��ا سَ �ل��واي ع��ن ك��لّ ُس �ل� ِ‬ ‫�وان وتصل هذه النّغمة إلى درجة الحبّ ‪ ،‬والغرام‪،‬‬ ‫كأنّها عشيقة مقبولة‪ ،‬قريبة من الّنفس‪،‬‬ ‫ومن يفترش خير األراضي ومن يكن‬ ‫س�م��اه��ا ل��ه س �ق� ٌ�ف ف�ل�ي��س ب��عُ ��رب��ان وحبّ السّ الم للوطن الذي من أجله يضحي‪،‬‬ ‫وم��ا زال يهيم بهواه ويشتهي لقاءه ينفض‬ ‫وإن ذُ ك � ��رت أوط� � ��انُ ق � ��ومٍ ف��ذك��ره��ا‬ ‫مشاعر قلبه‪ ،‬وأحاسيسه النّفسيّة‪.‬‬ ‫ميدان‬ ‫ِ‬ ‫ألسن الجلَّى وفي كل‬ ‫ِ‬ ‫على‬

‫ونظرة فاحصة للنّص الشّ عري السّ ابق‪،‬‬ ‫يبيّن لنا أنّه يقوم على ملمح أسلوبي جَ لي‬ ‫تمثّل في أسلوبيّة التّكرار‪ ،‬نحو‪( :‬أحبّك‪،‬‬ ‫سلوان‪ ،‬خير)؛ ليعبّر من خالله عن شوقه‪،‬‬ ‫وحنينه لوطنه‪ ،‬كما يشير ه��ذا إل��ى صدق‬ ‫تجربة الحنين‪ ،‬واستمرايتها‪.‬‬

‫وي��ص��ور ال��سّ ��ال��م ذل���ك ال��ح��بّ ال��ج��ارف‬ ‫للجوف‪ ،‬وأهلها‪ ،‬بفتاة معشوقة‪ ،‬نأت عنه‪،‬‬ ‫وابتعدت‪ ،‬فبدأ يشعر بألم الفراق‪ ،‬ويتنهد‬ ‫لوعة وحسرة لهذا الجفاء‪ ،‬كما أنَّ قلبه التوى‬ ‫بخسران الفتاة الشّ ماليّة‪ ،‬فما عاد يستطيع‬ ‫سوى أن يقول(‪:)20‬‬

‫ك �ي��ف ت� �ن ��أى وح �ب �ن��ا ع ��ن ت��راض��ي‬ ‫فهو يتحدث عن تجربة وجدانيّة عاشها‪،‬‬ ‫ف� �ت� �ق ��دّ م واش � � ��رب ن �م �ي��ر ح �ي��اض��ي‬

‫وتفاعل معها‪ ،‬وانعكست في أشعاره‪ ،‬وبرزت‬ ‫ل �ي��س ع� �ن ��دي ل� �ط ��ول ص � ��دكَ س � ّر‬ ‫على ألفاظه‪ ،‬وصوره الشّ عريّة‪.‬‬

‫ب �ع ��د ع� �ه � ٍ�د م� ��ن ح� � ّب ��ك ال �ف �ي��اض‬

‫بلغ توحد وحنين السّ الم حداً لم يصل إليه‬ ‫سواه‪ ،‬إنّه اإلدراك الواعي لمستوى التصاق ي��ا ف�ت��اة ال�ح�س��ن ال�ش�م��ال��ي ي��ا من‬ ‫ق��د أم�ل�ن��ا منها ببعض التغاضي‬ ‫الشّ اعر بوطنه ودياره‪ ،‬وأهله وأماكن طفولته‪،‬‬ ‫فلم يكن الوطن بالنسبة له تكتيكاً أو خطة أو صالحيني ع ��ودي ك�م��ا أن��ت حتّى‬ ‫قصة رومانسية يصوغها‪ ،‬ويحبك أقطابها‪،‬‬ ‫نستشف الحنين م��ن ك��ل ماضي‬ ‫ب��ل ح� ّم��ل ه��م��وم��ه‪ ،‬وأث��ق��ال��ه ومسؤولياته‪.‬‬ ‫ول � �ئ ��ن ك � �ن � ُ�ت ق� ��د ت� �ب ��دّ ل ��ت غ �ي��ري‬ ‫فالسّ الم صبغ وطنه بلوحة كاملة األل��وان‪،‬‬ ‫�اض‬ ‫ف� �س ��أع� �ط ��ي ص� �ب ��اب� �ت ��ي ل� �ل ��ري � ِ‬ ‫استمدها من حياة وواق��ع اإلنسان المتعلق‬ ‫إنّها الحبيبة األرض‪ ،‬ال��وط��ن‪ ،‬المكان‪،‬‬ ‫بدياره‪ ،‬ووطنه‪ ،‬فقال(‪:)19‬‬ ‫األهل‪ ،‬الوطن الذي يضحي بزهو العمر من‬ ‫ش� ��وق س� ��رى ب �ي��ن ال �ض �ل��وع وت��اه��ا‬ ‫أجله‪ ،‬والحبّ تضحية أك��ان الم��رأة أم كان‬ ‫رف � �ق � � ًا ب� �ه ��ا ي� ��ا ح � � ّ�ب م� ��ن أه ��واه ��ا لفكرة‪ ،‬ف��إذا غابت المعشوقة الحبيبة عن‬ ‫العين(‪ ،)21‬وحجبتها جدران العمل والوظيفة‪،‬‬ ‫ف � � َّت� ��ان� ��ةً م �ل �ك��ت ف � � � ��ؤادي وارت � �م ��ت‬ ‫ف � �ي� ��ه ب � �ك� ��ام� ��ل ح� �س� �ن� �ه ��ا وب� �ه ��اه ��ا استوطن حبّ الوطن‪ ،‬وتربّع على عرش قلب‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫لم يتمالك السّ الم نفسه من شدّة شوقه‬ ‫ل��وط��ن��ه‪ ،‬بعد أ ْن ف �رّق��ت الوظيفة بينهما‪،‬‬ ‫فارتقت ب�لاده مرتقاً عالياً‪ ،‬وسكنت قلبه؛‬ ‫ّص إلى درجة عالية‬ ‫إذ يرتقي الشّ اعر بالن ّ‬ ‫* ‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫(‪) 11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪) 16‬‬ ‫(‪) 17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )20‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )22‬‬

‫أكاديمي وناقد من األردن‪.‬‬ ‫تطور االتجاه الوطني في الشّ عر الفلسطيني المعاصر‪ ،‬سعدي أبو شاور‪ ،‬المؤسسة العربيّة للنشر‪،‬‬ ‫بيروت‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫ديوان دموع في مواجهة الطوفان‪ ،‬أحمد عبداهلل السّ الم‪ ،‬دار المفردات للنشر والتّوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫ديوان دموع في مواجهة الطوفان‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫الحنين والغربة في الشّ عر العربي الفلسطيني الحديث‪ ،‬أحمد يوسف البالصي‪ ،‬دار كنوز المعرفة‬ ‫العلميّة‪ ،‬عمّان‪2009 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.136‬‬ ‫األدب المسؤول‪ ،‬رئيف خوري‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1982 ،2‬م‪ ،‬ص‪.48-47‬‬ ‫ديوان دموع في مواجهة الطوفان‪ ،‬ص‪.79-74‬‬ ‫ديوان دموع في مواجهة الطوفان‪ ،‬ص‪.87‬‬ ‫ديوان صدى الوجدان‪ ،‬أحمد عبداهلل السّ الم‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.70‬‬ ‫ظاهرة الشّ عر الحديث‪ ،‬أحمد المعداوي المجاطي‪،‬مراجعة وتقديم بخيت العوفي‪ ،‬شركة النشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.175‬‬ ‫ديوان بوح الخاطر‪ ،‬أحمد عبداهلل السالم‪ ،‬مرامر للطباعة اإللكترونيّة‪ ،‬الرياض‪1418 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.93‬‬ ‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور جمال الدين بن مكرم المصري دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬مادة‪(:‬حنن)‪.‬‬ ‫الصحاح‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1987 ،4‬م‪ ،‬مادة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫(حنن)‪ ،‬ج‪.5‬‬ ‫الحنين إلى األوطان‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬م‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫ص‪.9‬‬ ‫الحنين في الشعر األندلسي‪ ،‬محمد أحمد دقالي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬دنيا للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.26‬‬ ‫الحنين إلى األوطان‪ ،‬الجاحظ‪ ،‬ص‪.7-6‬‬ ‫ديوان قبالت على الرمل والحجر‪ ،‬أحمد عبداهلل السالم‪ ،‬هبة النيل العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجيزة‪،‬‬ ‫مصر‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫ديوان قبالت على الرمل والحجر‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫ديوان بوح الخاطر‪ ،‬أحمد السّ الم‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫ديوان قبالت على الرمل والحجر‪ ،‬أحمد السّ الم‪ ،‬ص ‪.18-17‬‬ ‫ديوان صدى الوجدان‪ ،‬أحمد السّ الم‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫السّ جن في الشعر الفلسطيني‪ ،‬ص‪.262‬‬ ‫ديواناه الوطني في الشّ عر الفلسطيني المعاصر ‪1918‬م‪1968 -‬م‪ ،‬محمد عبداهلل عطوان‪ ،‬منشورات‬ ‫دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬ص‪.530‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الشّ اعر‪ ،‬وبدأ جل ّياً‪ ،‬وذلك في مفردات‪( :‬يا‬ ‫فتاة الحسن الشّ مالي‪ ،‬صالحيني‪ ،‬عودي‪،‬‬ ‫الحنين‪ )..،‬ترابط وثيق بين الشّ اعر وحبيبته‬ ‫الجوف‪ ،‬ال��ذي ينبعث من عاطفة صادقة‪،‬‬ ‫وشعور داخلي‪ ،‬وببرز ال �دّور المشرف في‬ ‫تأثيره الطيب بين أبناء وطنه‪.‬‬

‫م��ن ال���ق���درة ال��ف � ّن � ّي��ة‪ ،‬وي��رب��ط ب��ي��ن ال��ح��بّ‬ ‫والوطن‪ ،‬فهو يساوي في الحبّ بين األرض‬ ‫والحبيبة‪ ،‬ويطلب من األخيرة أن تسمعه وال‬ ‫تتركه؛ ح ّباً بل شغفاً بحجارة وطنه وزيتونه‪،‬‬ ‫وأط�لال��ه‪ ،‬ومنزله؛ أل ّن��ه ي��رى وطنه بمثابة‬ ‫السّ الح الحامي‪ ،‬والمدافع عنه‪ ،‬إ ّن��ه مزج‬ ‫جميل‪ ،‬ومساواة لطيفة‪ ،‬تدلّ على أنّ السّ الم‬ ‫يمسك بزمام أم��ره‪ ،‬ول��ن يتخلى عن حبّه‪،‬‬ ‫وانتمائه ووالئ��ه لوطنه أو يحيد عن سبيل‬ ‫هذا االتجاه(‪.)22‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪37 )2016‬‬


‫عزف الكلمات!‬ ‫أحاديث الشعر‪ ..‬قراءة ثقافية وحضارية‬ ‫‪ρρ‬أ‪ .‬د‪ .‬خالد فهمى*‬

‫مدخل‪:‬‬

‫ك��ان ال�ش�ع��ر‪ ،‬بما ه��و «ك�ل�ام م ��وزون مقفى»‬ ‫على ما أثر عن ابن قتيبة‪ ،‬ذا منزلة مرموقة‬ ‫في نفوس القوم‪ .‬وكان سبيلهم إلى مواجهة‬ ‫ال�ع��ال��م بالمعنى الحقيقي‪ .‬ح�ت��ى ص��ح عن‬ ‫ع�م��ر ب��ن ال �خ �ط��اب‪ ،‬رض��ى اهلل ع�ن��ه‪ ،‬أن ق��ال‪:‬‬ ‫«ال �ش �ع��ر ع �ل��م ق ��وم ل ��م ي �ك��ن ل �ه��م ع �ل��م أص��ح‬ ‫منه» على ما أخرجه ابن سالم الجمحي في‬ ‫طبقات الشعراء[‪24/1‬؛‪.]524‬‬ ‫وقد تكاثرت أقوالهم الدالة على هذه المنزلة الكبيرة للشعر في نفوسهم‪ ،‬كان‬ ‫جمع طرف ًا منها الدكتور أحمد مطلوب في‪ :‬معجم مصطلحات النقد العربي‬ ‫القديم[ص‪ ،]226:‬والدكتور محمود الربداوي في كتابه‪ :‬كشاف العبارات النقدية‬ ‫واألدبية في التراث العربي[ص‪.]201:‬‬

‫‪38‬‬

‫(‪ )1‬مصادر فحص موقف اإلسالم ال��ت��دخ��ل بين كتابه المعجز األع��ل��ى‪،‬‬ ‫من الشعر‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬وغيره من أنواع الكالم‬ ‫لقد كان على اإلس�لام بما هو دين األخرى‪.‬‬ ‫خاتم يملك رؤي ًة وتصوراً خاصاً للكون‬ ‫وهو ما دعا الكتاب العزيز أن يلمس‬ ‫والوجود والعالم‪ ،‬أن يتخذ موقفا من القضية بما يمهد الطريق لفحص دقائق‬ ‫ال��ش��ع��ر‪ ،‬ألس��ب��اب ك��ث��ي��رة تتعلق بمنع هذه العالقة‪ ،‬ومالبساتها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وال يمكن فحص تفصيالت هذه القضية‬ ‫المهمة من الجوانب االعتقادية والثقافية‬ ‫فهذه المدونة الموجزة دلت على مجموعة‬ ‫والحضارية واالجتماعية معاً‪ ،‬دون تعيين من كليات الحقائق المركزية على طريق‬ ‫للمصادر األس��اس��ي��ة لموقف اإلس�ل�ام من فحص القضية يمكن إجمالها في ما يلى‪:‬‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫أ‪ -‬نفى أن يكون الكتاب العزيز شعراً‪ ،‬وبيان‬ ‫لرصد‬ ‫ٍ‬ ‫وفى هذه المقالة‪ /‬الفقرة محاولة‬ ‫كونه جنساً قولياً متمايزاً من غيره بطريق‬ ‫موجز لرؤوس هذه المصادر التأسيسية‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫القصر والحصر‪﴿ :‬إن هو إال ذكر وقرآن‬ ‫مبين﴾‪ ،‬وهو ما يدعم فريق الدارسين‬ ‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‬ ‫المعاصرين الذين جنحوا إل��ى تقسيم‬ ‫يمثل الكتاب العزيز بما ه��و المصدر‬ ‫األجناس القولية إل��ى‪ :‬القرآن الكريم‪،‬‬ ‫المحوري للتصور اإلسالمي للعالم المصدر‬ ‫والشعر‪ ،‬والنثر‪.‬‬ ‫األول لفحص موقف اإلسالم من الشعر‪.‬‬ ‫وقد تنوّع حضور لفظ الشعر والشاعر‬ ‫وال��ش��ع��راء ف��ي الكتاب العزيز ف��ي مدونة‬ ‫قصيرة كما يلى‪:‬‬ ‫ الشعر‪﴿ :‬وما علمناه الشعر‪ ،‬وما ينبغي له‬‫إن هو إال ذكر وقرآن مبين﴾ [سورة يس‬ ‫‪]69/36‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫[سورة الشعراء ‪]224/26‬‬

‫ب‪ -‬بيان أن اتهام المشركين النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم بأنه شاعر‪ ،‬كان طريقاً مسلوك ًة‬ ‫مأنوس ًة للنيل من الرسالة‪ ،‬وهدم بنيانها‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أنهم قصدوا إلى بيان أن ما‬ ‫جاء به صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ما هو إال‬ ‫فحص خياالت وأوه��ام وأساطير‪ ،‬وهى‬ ‫الدالالت المركزية والهامشية لتصورهم‬ ‫للشعر‪.‬‬

‫ ش��اع��ر‪ ﴿ :‬ب��ل ق��ال��وا أض��غ��اث أح�لام بل‬‫اف��ت��راه ب��ل ه��و شاعر﴾[سورة األنبياء‬ ‫ج‪ -‬النفي الصريح لكون النبي صلى اهلل عليه‬ ‫‪]5/21‬‬ ‫وسلم شاعرا‪ ،‬وهو ما كان له تأثيره في‬ ‫ ﴿وي��ق��ول��ون أئ��ن��ا ل��ت��ارك��و آلهتنا لشاعر‬ ‫برامج وضع قواعد الشعر‪ ،‬وتقسيماته‪.‬‬ ‫مجنون﴾ [سورة الصافات ‪]36/27‬‬ ‫د‪ -‬البيان العام عن أن الشعر كالم مركزه‬ ‫ ﴿أم ي��ق��ول��ون ش��اع��ر ن��ت��رب��ص ب��ه ري��ب‬ ‫الخيال أو الغواية‪ ،‬وغاياته طلب التأثير‬ ‫المنون﴾ [سورة الطور ‪]30/52‬‬ ‫الوجداني في المتلقين‪.‬‬ ‫ ﴿وما هو بقول شاعر قليال ما تؤمنون﴾‬ ‫وه��و ن��وع اع��ت��راف بطاقات الشعرية في‬ ‫[سورة الحاقة ‪]41/69‬‬ ‫تغيير العالم‪ ،‬وهو ما يفهم في سياقه االستثناء‬ ‫‪ -‬الشعراء‪﴿ :‬والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ الوارد في آية سورة الشعراء‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪39 )2016‬‬


‫وي��ل��ح��ق ب��ه��ذا ال��م��ص��در م��ا ق���ام عليه من‬ ‫ويلحق ب��ه��ذا ال��م��ص��در أدب��ي��ات السيرة‬ ‫تفاسير آلياته‪ ،‬وهى كثيرة ومتنوعة المناهج‪ ،‬الموسعة التي اعتنت باالستشهاد بالشعر‬ ‫يمثل جمعها مصدراً مهماً لفحص العالقة بين وتفسيره وشرحه‪ ،‬وفي مقدمتها‪ :‬سبل الهدى‬ ‫والرشاد‪ ،‬البن طولون الصالحي الدمشقي‬ ‫القرآن والشعر‪.‬‬ ‫وأدبيات شرح أبيات السيرة‪ ،‬وأهمها‪ :‬شرح‬ ‫السنة النبوية الشريفة‬ ‫ثانيا‪ُّ :‬‬ ‫أشعار السيرة ألبي ذر الخشني‪.‬‬ ‫تمثل ن��ص��وص ال��س��ن��ة ال��ن��ب��وي��ة الشريفة‬ ‫ثالثا‪ :‬كتب النقد األدبي العربي القديم‬ ‫المصدر الثاني المركزي على طريق فحص‬ ‫وكشافاته ومعاجم مصطلحاته المعاصرة‪.‬‬ ‫موقف التصور اإلسالمي من الشعر‪.‬‬ ‫إن كتب النقد األدب���ي ال��ع��رب��ي القديم‬ ‫وق��د احتفلت كتب الصحاح وال��م��دون��ات‬ ‫التي تنبهت لدراسة الشعر بما هو جنس‬ ‫الحديثية جميعاً بتخريج أحاديث الشعر في‬ ‫أدب��ي مائز في تاريخ العرب‪ ،‬جمعت كثيراً‬ ‫أبواب مختلفة‪ ،‬فجملة منها في كتاب الرقاق‬ ‫م��ن النصوص المهمة على طريق فحص‬ ‫من صحيح البخاري‪/‬وكتاب الصالة‪ /‬وكتاب‬ ‫هذه العالقة بين القرآن والشعر‪ ،‬وفحص‬ ‫األدب‪ /‬وغيرها‪ ،‬وجملة أخ��رى ف��ي صحيح‬ ‫التصور اإلسالمي للشعر‪ ،‬من مثل‪« :‬الشعر‬ ‫مسلم في كتاب فضائل الصحابة‪ /‬وغيره‪.‬‬ ‫والشعراء» البن قتيبة‪ ،‬و«العمدة» البن رشيق‬ ‫وبقية كتب الصحاح والسنن والمسانيد لم تخل‬ ‫القيرواني‪ ،‬و«المثل السائر» الب��ن األثير‪،‬‬ ‫من أحاديث األشعار‪.‬‬ ‫و«العقد الفريد»‪ ،‬الب��ن عبدربه األندلسي‬ ‫ثم استقلت أحاديث الشعر بأجزاء مفردة وغيرها‪.‬‬ ‫مستقلة‪ ،‬جمعتها‪ ،‬وخرجتها‪ ،‬ولعل أشهر جزء‬ ‫إضافة إلى عدد من األدبيات المعاصرة‬ ‫حديثي في ه��ذا الباب وه��و‪( :‬ج��زء أحاديث التأسيسية ككتاب‪« :‬كشاف العبارات النقدية‬ ‫الشعر)‪ ،‬للحافظ عبدالغني عبدالواحد بن علي واألدبية في التراث العربي»‪ ،‬للدكتور محمود‬ ‫المقدسي‪ ،‬المتوفى سنة ‪600‬ه��ـ‪ ،‬وكان نشره الربداوى‪.‬‬ ‫وحققه‪/‬إحسان عبدالمنان الجبالي‪ ،‬بالمكتبة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬بعمان‪ ،‬األردن‪1410 ،‬هـ = ‪1986‬م‪ )2( ،‬هل يمكن للشعر أن يغير العالم؟!‬ ‫ثم صنع له ملحقاً‪ ،‬قسمه موضوعياً‪ ،‬كما يلى‪:‬‬ ‫قراءة ثقافية حضارية ألحاديث الشعر‬

‫‪40‬‬

‫‪ -1‬ما ورد في الشعر‪ ،‬استدرك فيه ثمانية عشر‬ ‫كانت للمنزلة التي احتلها الشعر في‬ ‫حديثا‪ ،‬كما يذكرها عبدالغني المقدسي‪ .‬النفس العربية على امتداد تاريخها‪ ،‬أثرها‬ ‫ب‪ -‬م��ا ورد ف��ي ذم الشعر‪ ،‬اس��ت��درك فيه في طرح هذا التساؤل المهم جدا‪.‬‬ ‫وهو التساؤل الذى يعيد لفحص موقف‬ ‫سبعة وعشرين حديثاً‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫إن ق��راءة مدونة األحاديث النبوية حول‬ ‫عدد من األبعاد‬ ‫الشعر وتحليلها‪ ،‬قائدة إلى ٍ‬ ‫الثقافية والحضارية التي يمكن أن تعزز من ‪ -2‬استثمار المخزون الثقافي المستقر في‬ ‫دواعم التنمية في بعديها الثقافي والحضاري‬ ‫دعم حقائق العقيدة‪.‬‬ ‫باألساس‪.‬‬ ‫وه��ذا الملمح النقدي ك��ان بإمكانه أن‬ ‫وف��ى م��ا يلى بيان مالمح ه��ذه ال��ق��راءة يحدث تطويراً جباراً على مستويين على‬ ‫الثقافية الحضارية ألح��ادي��ث الشعر في‬ ‫األقل لو أحسنت الثقافة العربية استثماره‪،‬‬ ‫السُ نَّة المشرفة‪:‬‬ ‫هما‪:‬‬ ‫القديم‪ ،‬بدليل استحضار النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم لبعض نصوصه‪..‬‬

‫أوال‪ :‬تعزيز التوحيد‪ ،‬وقيم العقيدة‬ ‫واإليمان‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫التصور اإلسالمي من الشعر مكانته‪ ،‬بما هو مالحظة الموضوع أو القضية التي يحملها‬ ‫وسيلة لتعزيز الفرح الساكن على حد تعبير بيت الشعر كاشف عن‪:‬‬ ‫الدكتور أسعد دوراكوفيتش في كتابه المهم‪ -1 :‬اس��ت��ق��رار الشعر ف��ي التكوين الثقافي‬ ‫«علم الشرق»‪.‬‬ ‫للنخبة العربية على ام��ت��داد تاريخها‬

‫‪ -1‬دع��م النقد الموضوعي‪ ،‬وترقية النظر‬ ‫إلى المعنى‪.‬‬

‫إن من الخطأ النظر إلى التوحيد وحقائق ‪ -2‬دع��م ال��دع��وات ال��ردي��ئ��ة للتخلص من‬ ‫االعتقاد واإليمان من منظور عمل العقل‪،‬‬ ‫الثقافات األخرى بدعاوى غير صحيحة‪.‬‬ ‫واستجماع األدلة فقط؛ ذلك أن تعزيز قيم‬ ‫وف���ى ه���ذا ال��س��ي��اق ي��م��ك��ن ال��ن��ظ��ر إل��ى‬ ‫التوحيد من المنظور الجمالي والفني مهم‬ ‫مجموعة أخرى من أحاديث الشعر‪ ،‬تكشف‬ ‫ج��دا؛ تنظراً لتأثيره المباشر والحي في‬ ‫بشكل ظاهر جدا أهمية استثمار النصوص‬ ‫النفس اإلنسانية‪.‬‬ ‫الشعرية ف��ي دع��م البناء الفكري للدين‪،‬‬ ‫وقد جاء في أحاديث الشعر ما يكشف عن‬ ‫من مثل حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن‬ ‫ذلك النظر‪ ،‬فقد ورد في حديث أبي هريرة‬ ‫[أحاديث الشعر للمقدسي‪ »]2/39 :‬أنه‬ ‫ال��ذى أخ��رج��ه ال��ب��خ��اري [أحاديث الشعر‪،‬‬ ‫سمع حسان بن ثابت األنصاري يستشهد أبا‬ ‫للمقدسي‪ ،‬ص‪ ]1/37 :‬أن النبي صلى اهلل‬ ‫هريرة‪ :‬أنشدك اهلل‪ ،‬هل سمعت رسول اهلل‬ ‫عليه وسلم قال‪« :‬ما قالت الشعراء بيتاً هو‬ ‫يقول‪« :‬يا حسان! أجب عن رسول اهلل صلى‬ ‫أصدق من قولهم‪:‬‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ .‬اللهم أيده بروح القدس» قال‬ ‫«أال كل شيء ما خال اهلل باطل»‬ ‫أبو هريرة‪ :‬نعم ومثله حديث البراء [أحاديث‬ ‫إن ه��ذا الحكم النقدي المؤسس على الشعر للمقدسى‪ ،]3/40:‬قال النبي صلى‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪41 )2016‬‬


‫اهلل عليه وسلم لحسان‪« :‬لهج المشركين‪ ،‬وطلب المزيد‪ ،‬وهو ما يعني تحقق نمط من‬ ‫المتعة والبهجة النفسية مرجعها إلى أمرين‬ ‫فإن جبريل عليه السالم معك»‪.‬‬ ‫إن هذين الحديثين وغيرهما كاشفان عن ظاهرين جدا‪:‬‬ ‫التوظيف النبوي للشعر‪ ،‬في القيام بدعم ‪ -1‬طبيعة الفكرة اإليمانية التي ينطق بها‬ ‫شعر أم��ي��ة ب��ن أب��ى الصلت‪ ،‬بدليل ما‬ ‫االنتصار لحقائق اإلسالم من أخطر أبوابه‬ ‫جاء في بعض روايات الحديث من عبارة‬ ‫جميعا‪ ،‬وهو باب االعتقاد‪ ،‬إذ إن المنافحة‬ ‫«استسلم في الشعر»!‬ ‫عن مقام النبي الكريم يقع في الصميم من‬

‫مبحث ال��ن��ب��وات‪ ،‬وه��و رك��ن ركين م��ن علم ‪ -2‬طبيعة ال��ن��ظ��م ال����وارد م��ن الموسيقا‬ ‫التوحيد والعقيدة‪.‬‬ ‫والقافية‪ ،‬بدليل استعمال مفردات من‬ ‫مثل‪ :‬أنشدته أو أنشده‪ ،‬وإنشاد الشعر‬ ‫ثانيا‪ :‬تعزيز ثقافة المرح والمتعة‬ ‫نوع من إلقاء الشعر بطريقة خاصة تعنى‬ ‫البريئة والبهجة اآلمنة‪ ،‬والفرح الساكن‪.‬‬ ‫بالتوقيع الموسيقي‪.‬‬ ‫لقد كان عجيبا جدا أن تنطق مجموعة من‬ ‫ثالثا‪ :‬استثمار الشعر في تعزيز‬ ‫أحاديث الشعر‪ ،‬بما يوحي بدرجة وضوح عالية‬ ‫التحمّ ل والتجلّد في العمل‪.‬‬ ‫بتعزيز ثقافة المرح‪ ،‬والمتعة البريئة والبهجة‬ ‫اآلمنة‪ ،‬والفرح الساكن‪ ،‬والترفيه؛ فقد جاء‬ ‫في حديث عمرو بن الشريد عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬

‫كنت ردف النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‬ ‫لي‪« :‬هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت‬ ‫شيء»؟ قلت‪ :‬نعم قال «هيه»‪ ،‬فأنشدته بيتا‪،‬‬

‫ثم قال‪« :‬هيه»‪ ،‬فأنشدته بيتا‪ ،‬فلم يزل يقول‪:‬‬ ‫«هيه» وأنشده حتى أنشدته مئة بيت»‪ .‬وفى‬ ‫حديث جابر بن سمرة « كان الصحابة يذكرون‬

‫عنده الشعر فيضحكون ويتبسم»‪.‬‬

‫إنني أريد أن أقف قليال أمام داللة تكرار‬

‫اسم الفعل «هيه» الكاشفة عن مقدار من‬ ‫المتعة وال��ل��ذة المتحققة م��ن تلقيه صلى‬

‫اهلل عليه وسلم لشعر أمية بن أبى الصلت‪،‬‬

‫‪42‬‬

‫ألن اسم الفعل «هيه» دال على االستزادة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫إن التمكين ل��ث��ق��اف��ة ال��ع��م��ل‪ ،‬وتعظيم‬ ‫االرت��ب��اط بالمهن المفضية إل��ى العمران‪،‬‬ ‫وترقية الوجود المادي للحياة‪ ،‬أمر ظاه ٌر‬ ‫ج��� ًدًا ف��ي التصور ال��ذى ج��اء ب��ه اإلس�لام‪،‬‬ ‫وأح��ل��ه ف��ي الثقافة العربية بعد أن كانت‬ ‫تزدري المهنة والعمل اليدوي‪ ،‬وتؤخر رتبته‬ ‫في قوائم مسببات حيازة الشرف اإلنساني‪.‬‬ ‫وقد جاء في األحاديث ما يعزز استثمار‬ ‫الشعر في تعزيز التحمل‪ ،‬ودع��م االرتباط‬ ‫بقيم العمل الجاد المؤسس للحضارة المادية‬ ‫والمعنوية معا‪ ،‬ففي حديث يونس بن أبي‬ ‫إسحاق عن أبي إسحاق قال‪ :‬سمعت البراء‬ ‫بن عازب يقول‪ :‬رأيت رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم يوم الخندق وهو ينقل التراب‬


‫حتى وارى شعر ص��دره‪ ،‬وهو يرتجز بكلمة‬ ‫ابن رواحة‪:‬‬ ‫صالونات شعرية وأدبية فيها‪ ،‬يسمح بتوفير‬ ‫ج��زء من ميزانيات ال��دول اإلسالمية التي‬

‫ال� �ل� �ه ��م ل� � ��وال أن� � ��ت م � ��ا اه �ت��دي �ن��ا‬ ‫وال ت � � �ص � ��دق � � �ن � ��ا وال ص� �ل� �ي� �ن ��ا تنفق على إن��ش��اء ال��م��ؤس��س��ات الثقافية‪،‬‬ ‫ف��أن��زل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن س�ك�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ة ع�ل�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا‬ ‫وث� � � �ب � � ��ت األق � � � � � � � � ��دام إن الق � �ي � �ن� ��ا‬ ‫إن األل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ى ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �غ��وا ع�ل�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا‬ ‫وإن أرادوا ف � � �ت � � �ن � ��ة أب � �ي � �ن� ��ا‬

‫ويضمن وصول الخدمات الثقافية إلى أكبر‬ ‫قطاع من الجماهير‪ ،‬بسبب من االنتشار‬ ‫الواضح للمساجد‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫إن استعمال المساجد الكبرى‪ ،‬وافتتاح‬

‫خامسا‪ :‬دعم تطوير اللغة اإلعالمية‪،‬‬ ‫واألداء اإلعالمي والعناية بالجماليات‬

‫ويمد بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫المؤثرة في النفس اإلنسانية المتلقية‪.‬‬ ‫صوته»‪.‬‬ ‫إن التعليق األخ��ي��ر ال����وارد ف��ي حديث‬ ‫سيدنا البراء وهو‪ :‬يم ُّد بها رسول اهلل صلى‬ ‫كاشف عن استثمار‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل عليه وسلم صوته‪،‬‬ ‫الشعر في االستعانة على األعمال الشاقة‬ ‫المرهقة‪ .‬وهو األمر الذى استقر في ثقافة‬ ‫العمل على ام��ت��داد التاريخ ف��ي الثقافات‬ ‫الشعبية للشعوب العربية اإلسالمية بتأثير‬ ‫هذا‪.‬‬

‫لقد ورد في عدد من أحاديث الشعر‪ ،‬ما‬

‫يوحي بإمكان استثماره في تطوير الخطاب‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬وتقدير العناصر الجمالية اللفظية‬ ‫فيه‪ ،‬فقد استثمر الشعر ف��ي زم��ن النبوة‬ ‫جهازاً إعالمياً ودعائياً في مواجهة أعداء‬ ‫األمة من جانب‪ ،‬وفي دعم توجهات النظام‬ ‫الحاكم‪ ،‬ففي الحديث الصحيح (أحاديث‬ ‫الشعر ‪ )9/104‬عن كعب بن مالك قال‪ :‬قال‬

‫رابعا‪ :‬آفاق جديدة لتطوير المؤسسات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن المؤمن‬ ‫يجاهد بنفسه ولسانه‪ ،‬وال��ذي نفسي بيده‬ ‫الثقافية‬ ‫لقد ظهر في كثير من أحاديث الشعر ما‬ ‫يكشف عن استنشاد الشعر في المسجد‪،‬‬ ‫وضرب قبة لحسان لقول الشعر فيه‪ ،‬وهو‬ ‫م��ا يمكن معه تطوير مفهوم المؤسسات‬ ‫الثقافية‪ ،‬وخلق آفاق جديدة تؤذن بالتنمية‬ ‫االقتصادية والثقافية معا‪.‬‬

‫لكأنما يرمون فيهم به نضح النبل»‪.‬‬

‫إن إع��ادة فحص مدونة أحاديث الشعر‬ ‫تمثل أنموذجاً لنمط من الثقافة المعاصرة‬ ‫تفرض إع��ادة االقتراب الواعي من النطاق‬ ‫المركزي الذي ضمن لهذه األمة انطالقتها‬ ‫الكبرى في الحياة‪.‬‬

‫ * كلية اآلداب‪ ،‬جامعة المنوفية ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪43 )2016‬‬


‫الفراشة المسافرة‬ ‫في سماء الشعر‬ ‫«حسنة أو لهاشمي»‬ ‫‪ρρ‬جناة الزباير*‬

‫حسنة أولهاشمي‪ ،‬هذه الشاعرة التي فتحت باب أبجديتها على الجمال‪ ،‬تمأل‬ ‫راحتيها من األلوان القزحية‪ ،‬فتنساب شعرا رقراق المعاني‪.‬‬ ‫نعم؛ هذه الشاعرة التي تابعتها عن كثب منذ مدة‪ ،‬أراها تتجدد مع كل قصيدة‪،‬‬ ‫بحس يمطر خيا ًال خصباً‪ ،‬تمر من خالله القصيدة متبخترة في‬ ‫ٍّ‬ ‫وتعانق األشياء‬ ‫أفق مليء باألسرار الذاتية‪.‬‬ ‫فهل هي تلك الشاعرة التي توشوشنا حكايات تسافر عبر اللغة لتكتب ذاتها‬ ‫بحبر مليء بالرنين؟‬ ‫أم تراها تتنقل فوق أرض الحروف صمتنا‪ ،‬ويبني فوق أنقاضه عالما من‬ ‫لتستظل ب��ظ��ل��ه��ا‪ ،‬ك��ي تصير ف��راش��ة البوح الجميل‪ ،‬تمسك بزمامه وتدعنا‬ ‫ن��س��اف��ر ف��ي��ه‪ .‬ف��ه��ل ه��ي غنائية توقد‬ ‫تستمتع بهمس الوجود؟‬ ‫أصابع الحيرة كي نرى أديم القصيدة‬ ‫سأقف عند ثالث قصائد؛ «تسل ُبني مبعثرا بين الذي كان‪.‬‬ ‫زم � ًن��ا»‪ ..‬و« َم���دَافِ ��� ٌن مِ � ْن َورَق» و« َف �ل َ � َذةُ‬ ‫و َم��ن ه��ذا ال��ذي صنع فجيعة لهذا‬ ‫الْيَاسَ مِ ينِ »‪.‬‬ ‫القلب؟‬ ‫قطرات من حبر الوجد‬

‫‪44‬‬

‫تقول‪:‬‬

‫إن اإلص��غ��اء الجميل لألبعاد التي تسلُبني زمنًا‬ ‫تدق أجراسها في شعر الشاعرة‪ ،‬يردم‬ ‫كنت قد خبَّأتُه‬ ‫ُ‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫َاي مكلومٍ‬ ‫ثقوب ن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫إن الزمن المسلوب هو العمر ال��ذي ال‬ ‫يعود‪ ،‬فكيف إن كان يرقص على نغمات الناي‬ ‫الحزين؟‬ ‫تستمر الشاعرة في توجيه الخطاب لهذا‬ ‫الذي يرسم من خالل كلماتها غيماً يمطر‬ ‫سواداً‪ .‬يجعل الذات الشاعرة تتدحرج فوق‬ ‫بساط األل��م‪ ،‬فهل هناك أقسى على المرء‬ ‫من التخلّي عن ب��راءة قلبه وت��رك األح�لام‬ ‫تسقط من سالل الريح؟‬ ‫تقول‪:‬‬

‫طفل‬ ‫ٍ‬ ‫تستعيرُ قلبَ‬ ‫ّيح‬ ‫كسيحا بين َفلْجَ ةِ الر ِ‬ ‫ً‬ ‫ترسمُ ُحلْم ًا‬

‫أزهرتْ ُشحوبَ َضوئِ َك‬ ‫الغافي في عينَيَّ ‪..‬‬

‫لكن حُ بّه النائم في عينيها يوقظها كلما‬ ‫وال يقتصر األمر على هذا‪ ،‬بل تتجاوزه سامرت وحدتها‪ ،‬لتوجه إليه رسالة هي أشبه‬ ‫إلى رصد سلبيات هذا الرجل ال��ذي يبدو برسالة جندي ترك وصيته األخيرة‪ ،‬والتي‬ ‫قديساً في الظاهر‪ ،‬لكن تصرفاته تُبكي تحمل آخر شهقة لحب مأل عليها الوجود‪.‬‬ ‫قلبها‪.‬‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫تقول‪:‬‬

‫يس‬ ‫قد ٍ‬ ‫تلبس ردا َء ِ‬ ‫ُ‬ ‫بين كفّ يهِ يرقدُ صدى معابد‬ ‫تسكُ نها أزمنة‬ ‫ب ّل َلتْها آهات بلقيس‬

‫كرسالةٍ أخيرةٍ‬ ‫لفظت ُجثّتُ ه الحروب‬ ‫ْ‬ ‫لجندي‬ ‫ُ‬ ‫ُك ت َُسلُّ آخ َر شهقةٍ‬ ‫كانت كلمات َ‬ ‫يد الوجود‪..‬‬ ‫من ورِ ِ‬

‫وبين الخداع والصمت‪ ،‬تنزف الكلمات‪،‬‬ ‫فيا لهذه العتمات التي تطوق قلبها‪ ،‬وال لتجمع الشاعرة شتاتا روحيا قد ال يدوم‬ ‫تجد بين ثناياها غير جفاء يكسر حلمها‪ ،‬طويال‪ ،‬أوليس صبح المشاعر بقريب؟‬ ‫وُبعدا يسامر لوعتها!‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫تقول‪:‬‬

‫يشق ال َّنوْء كلمات‬ ‫ُّ‬ ‫ردّدها الهدهدُ في حضرةِ جفاك‬ ‫فس َكبَت جفوني لوعةً يتِ يمةً‬

‫الوقت لتجترَّ خداعً ا‬ ‫ِ‬ ‫لك كُ لّ‬ ‫مساءات تلك الرَبوةِ العذراء‬ ‫ُ‬ ‫َصقَلتهُ‬ ‫مت‬ ‫الص ِ‬ ‫لي كُ لُّ َّ‬ ‫غيمات‬ ‫ٍ‬ ‫ألزحَ َف بين ضلوعِ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪45 )2016‬‬


‫ترْشقُ موتي‬ ‫الص ْحوِ ‪..‬‬ ‫ّات َّ‬ ‫بحب ِ‬

‫الروح‬ ‫ِ‬ ‫رصيف‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫عناق أبدي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ونذوب في زفرةِ‬ ‫ُ‬

‫لكن إن ك��ان الحبيب ال���ذي غمر حياة‬ ‫في هذا النص المليء بأوجاع الحياة‪ ،‬تنثر‬ ‫القصيدة بكل الصفات األنانية‪ ،‬والتي تتمثل الذات الشاعرة غربة مألت فضاء القصيدة‪،‬‬ ‫في القسوة‪ ،‬والخداع‪ ،‬والتجاهل‪ ،‬والنسيان؛ لتختمها باألمل المغلف بالزفرات‪.‬‬ ‫ف���إن ال��ش��اع��رة ت��م�لأ رح��اب��ن��ا بالتداعيات‬ ‫فهل هي معاناة الشاعر الدائمة الذي ال‬ ‫الجميلة التي تستمد نورها من الذكريات‬ ‫يجد راحة لحبره إال فوق صدر المعاناة؟‬ ‫التي كانت‪ .‬والتي تحاول من خاللها أن تبث‬ ‫نظن األمر كذلك‪.‬‬ ‫الدفء في صقيع عالقة سلبتها زمنا جميال‬ ‫كانت تحياه‪.‬‬ ‫فهل يا ترى كان هذا هو السبب في أن‬ ‫تقول‪:‬‬

‫زمنك‬ ‫َ‬ ‫تسلُبني‬ ‫أتسَ لّقُ أغصا َن شجرةٍ‬ ‫بالتك الخفيّة‬ ‫َ‬ ‫كنتَ تسقيها قُ‬ ‫الل‬ ‫الظ ِ‬ ‫ين ّ‬ ‫أنفاسا عالقةً في وَتِ ِ‬ ‫ً‬ ‫ألَمْ لِ مُ‬ ‫أغْ فُ و‬ ‫بعض َك المُ مَ دَد‬ ‫يُ خَ ل ِْخلُني ُ‬ ‫في أقاصيَ الحارقة‬ ‫يشتعلُ الحنينُ‬ ‫جديد‬ ‫ٍ‬ ‫شوق‬ ‫عروش ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تنبَلجُ‬ ‫عينيك‬ ‫َ‬ ‫تمدُّ ني سكو َن‬ ‫أمدُّ َك صخبَ صمتي‬

‫تغزل الشاعرة من خيوط الريح زورق �اً من‬ ‫ورق‪ ،‬تسافر من خالله حول هواجس الكتابة؟‬ ‫أغصان من دوحة الحزن‬

‫تسكن الزوابع شعر الشاعرة‪ ،‬فهي تفتح‬ ‫شرفات المساء لتطل على ُكت ٍُب تثقلها وصايا‬ ‫متعددة؛ فهل هي أوراق الحياة التي تدفعنا‬ ‫نحو اس��ت��ق��راء بعض م��ن أل��غ��ازه��ا‪ ،‬أم هي‬ ‫طرقات على بوابة الروح تحاول أن تتقاسم‬ ‫معنا بعضا من رمادها؟‬

‫كُ تُ بِ ي عَ ارِ يَة هَ ذَا الْمَ سَ اء‬ ‫عَ لَى مَ لْمَ ِسهَا الْحَ رِ يرِ ي‬ ‫يُ َهيِّئُ ا ْلب َْحرُ حَ قَائِ بَ الرّيح‬ ‫لكن رغم كل اآلهات التي زرعت أهداب‬ ‫َصايَا‬ ‫مُ ْث َقلَة بِ ا ْلو َ‬ ‫الشوق‪ ،‬نرى وجها آخر مدت فوقه الشاعرة‬ ‫اصين‬ ‫ت َْجتَرِ ُحهَا هَ مْ هَمَ ات ا ْلغَوَّ ِ‬ ‫جسور الوصال‪ ،‬لتظهر لنا كما وطن للحلم‪،‬‬ ‫ت َْخنُقُ هَا ا ْلبُرُ وقُ بِ َضوْئِ هَا الْحَ ارِ ق‬

‫‪46‬‬

‫ال يعترف بالرحيل‪ ..‬ب��ل بمرايا لقاء يهز‬ ‫ب��ي��ن ال��ري��ح وال��ب��ح��ر وال���ب���رق‪ ..‬ترمينا‬ ‫شجرة الحنين‪ ،‬لتتساقط منها ثمار حب‬ ‫م��ف��ردات مثقلة ب��ال��ح��زن‪ ،‬فهل ه��ي حالة‬ ‫بوجه جديد‪.‬‬ ‫خاصة أطلت من زواياها الشاعرة‪ ،‬ولوحت‬ ‫في جسورِ قلبي‬ ‫لنا بمنديل واقعها‪ ..‬كي نقترب أكثر من‬ ‫قلبك‬ ‫َ‬ ‫يصحو نبضي في راحةِ‬ ‫ُ‬ ‫معالم قصيدتها؟‬ ‫وصال جديدٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يترجلُ‬ ‫َّ‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫فال َّنف ُ‬ ‫َس الشعري هنا مثقل بالتداعيات يرتمين ف��ق��ط ب��ي��ن أح��ض��ان الرومانسية‬ ‫المتعددة المصلوبة على ل��وح النهايات‪ ،‬الرقيقة‪ ،‬وال يتناولن قضايا أثقلت كاهل‬ ‫فلماذا كان الموت‪ /‬العدم مفتاحا لقصيدة اإلنسان؟‬ ‫تحمل عنوان‪ « :‬مدافن من ورق»‪.‬‬ ‫شيء من األحالم النازفة‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫إذا كانت الشاعرة أولهاشمي قد فتحت‬ ‫السمَ اء‬ ‫يَدُ َّ‬ ‫أوراق كونها‪ ،‬وشاركتنا االط�لاع عليها‪ ،‬كي‬ ‫ُتهَادِ نُ َصمْ تَ ال َّلي ِْل‬ ‫نعرف بعضا من أحزانها‪ ،‬فإنها تحيلنا نحو‬ ‫ي َِدي تَفْ تَحُ ُصنْدُ وقَ الذَّ اكِ رَة‬ ‫كونها اإلبداعي‪ .‬ولكن هل تكرار الكتب في‬ ‫ِمنْ ُش ْرفَتِ هَا يَلوح الْمَ وْت‬ ‫ه��ذا النص هو مفتاح لمغاليق روح��ه��ا‪ ،‬أم‬ ‫اضي‬ ‫يس الْمَ ِ‬ ‫يُ خَ اتِ لُ َنوَاقِ َ‬ ‫تراها تتهجى خطاها بين ال��م��وروث الذي‬ ‫ال حَ يَا َة َبيْنَ رُفُ وفِ هَا‬ ‫َ‬ ‫كان‪ ،‬وبين دمها المسفوح على الورق؟‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أم ت��راه��ا حالة شعرية تستحضر فيها ترتدي السواد‪ ،‬ليكون لوركا أنموذجا لكل من‬ ‫الكثير من األنين الذي يصفع القارئ‪ ،‬وهو مات ضحية للظلم‪.‬‬ ‫يتنقل بين مفرداتها المغلفة بالكثير من‬ ‫فالشاعرة تخرج بنا من حزن ذاتي ضيق‬ ‫اليأس؟‬ ‫لعناق ه ٍّم إنساني كبير‪ ،‬فمن قال إن الشواعر‬

‫ض عَ دَمٍ ‪.‬‬ ‫َط بَعْ َ‬ ‫َفق ْ‬

‫في كلتا الحالتين ال نرى غير شبابيك بيت‬ ‫إذا ك��ان ال��ت��م��ازج بين اللفظ والمعنى مفتوح على الزوابع‪ ،‬وموت رمزي يتكرر هنا‬ ‫ق��د أحالنا نحو وط��ن بكائي‪ ،‬يمثل واقعا وهناك‪ ،‬وإن كانت تخفيه في بعض األحيان‬ ‫ال تتمسك به‪.‬‬ ‫اس��ت��ح��ض��رت م��ن خ�لال��ه ال��ش��اع��رة أج���زاء بومضة باسمة تترجم أم ً‬ ‫مهدمة‪ ،‬تُرى مَن يستطيع جمع أشالئها وقد‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫كتبها التاريخ بحبر مأساوي؟‬

‫كُ تُ بِ ي و َِهنَة‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫عَ لَى َصدْ رِ هَ ا َتتَكِ ئُ حَ ْشرَجَ ات مَ دَافِ ن ِمنْ‬ ‫غَ ْرنَاطَ ة حَ زِ ينَة‬ ‫َور ٍَق‬ ‫السوَادُ عُ يُ و َن ا ْلعَابِ رِ ين‬ ‫يَفْ َق ُأ َّ‬ ‫م ْنهَا ي َْصدُ ُر َصو ُْت مَ و ٍْت‬ ‫ت َْح ِملُ الرِّيحُ أ َْشعَا َر لُو ْركَا‬ ‫َتنْسَ لُّ ِمنْ ثَغْ رِ هِ ب َْسمَ ة‬ ‫ِضفَّ ةُ النَّهْ رِ حَ زِ ينَة‬ ‫ت َْجرِ فُ نِ ي ب َِعيد ًا‬ ‫َات طَ وَاهَ ا َصو ُْت الْمَ اءِ ‪.‬‬ ‫تَذْ رِ ُف َتن ِْهيد ٍ‬ ‫الصفْ َصاف يَهْ ِم ُس لِ لنُّ ُجومِ‬ ‫حَ ي ُْث َّ‬ ‫َّاي‬ ‫ون الن ِ‬ ‫إذاً؛ هي لحظة استرجاع لتاريخ أندلسي ُجرْحهُ ا ْلعَالِ ي َينْفُ ُث فِ ي عُ يُ ِ‬ ‫كان يمثل الوجه المشرق للحضارة اإلسالمية‪َ ،‬صهِ يلَ ِعظَ امٍ بَالِ يّة‬ ‫َصائِ د‬ ‫ه��ذه المالمح التي أصبحت في حاضرنا ت ُْحيِ ي انْتِ شَ ا َء ق َ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪47 )2016‬‬


‫السمَ اء‬ ‫ُتز ِْهرُ فِ ي ك َِّف َّ‬ ‫مَ الَح َم ِمنْ نَارٍ ‪.‬‬

‫تقول‪:‬‬

‫إن صرخة الوطن الكبير تطل علينا من‬ ‫خالل قصيدتها الطويلة « َفل َ َذةُ الْيَاسَ مِ ينِ »‬ ‫التي التحمت فيها الذات الشاعرة باآلخر‪،‬‬ ‫فلم تغفل عينا شعرها عن رص��د الخراب‬ ‫ال��ذي اجتث تربة اإلنسانية‪ ،‬وغ��رس فيها‬ ‫أسئلة محملة بالكثير بالقلق‪.‬‬

‫لِ لْقُ دْ ِس َتن ُْسجُ الأْ ُمَّ هَات‬ ‫سَ َّجا َد ال ُْح ِلم‬ ‫زَغَ ارِ يدُ ا ْليَاسَ ِمين ُت َلوِّنُ َزوَايَا ُه‬ ‫َترَاتِ يلُ الْمَ عَابِ ِد َت ْلفَحُ أَ ْركَانَهُ‬ ‫ون‬ ‫ت َُش ُّق غَ يْمَ اتهُ َتن ِْهيدَاتَ شَ جَ رِ الزَّ يْتُ ِ‬ ‫وَيُ دَثِّ رُ َليْل انْتِ ظَ ارهِ‬ ‫وَعْ دُ الأْ َْحرَار‪..‬‬

‫هُ َو ا ْلوَطَ ن‬ ‫دَمٌ‬ ‫اصةٌ‬ ‫َص َ‬ ‫ر َ‬ ‫َصمْ ٌت‬ ‫َورَمَ ادٌ‬

‫إن قضية األرض بكل تمثالتها في النص‬ ‫الشعري للشاعرة المتميزة حسنة‪ ،‬قد حلقت‬ ‫في سماء الجراح الذي يسكن جسد الحرية‪،‬‬ ‫فهل القضية العربية أصبحت هاجسا يرحل‬ ‫في صوتها الشعري؟‪ ،‬تقول مخاطبة القدس‪:‬‬

‫عُ يُ ونٌ َت ْلثَمُ ا ْل َفرَاغ‬ ‫ْف الْمَ وْت‬ ‫َاجي طَ ي َ‬ ‫ُتن ِ‬ ‫اصةً َضرِ ي َر ًة‬ ‫َص َ‬ ‫ِطفْ لٌ يَتِ يمٌ يُ و َِّجهُ ر َ‬ ‫مى حَ زِ ينَةً‬ ‫َصوْبَ دُ ً‬ ‫يَفْ زَعُ الرَّ ِصيف‬ ‫ِمنْ حَ ل ِْقهِ ي َِسيحُ ِسر ُْب الن َِّحيب‬ ‫َصاعَ دُ بِ َلو ِْن الدَّ مِ‬ ‫دُ َّخانٌ َيت َ‬ ‫يَكْ ُسو سَ حَ ابَ غَ زَّ ة‪.‬‬

‫ي��ا لهذا التفاؤل ال��ذي يستوطن فضاء‬ ‫شعرها بعد صور متعددة من النحيب!‬

‫ب��ي��ن ه���ذا ال��ث��ال��وث ال��م��ح��زن؛ ( ال���دم‪ ،‬قَرِ يب ًا سَ تُ ِقلِّينَ قِ طَ ا َر الْحَ مَ ائِ م‬ ‫الرصاص‪ ،‬الصمت) تنتحب الحروف‪ ،‬وتتسع قَرِ يب ًا سَ ي َْسقُ ُط الْجَ وَاز‬ ‫صرخة الشاعرة التي غاصت في دمع عربي قَرِ يب ًا سَ َت ْلب َِسينَ فُ ْستَانَ ا ْل َفرَح‬ ‫بدأ من غزة‪.‬‬ ‫وش شَ جَ رِ التُّ فَّ ِاح‪..‬‬ ‫وَسَ َتتَسَ ل َِّقينَ عُ رُ َ‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫الصبْح‬ ‫لاَ ُحدُ و َد سَ تَظَ لٌ لِ تُ عَانِ قينَ ف َْج َو َة ُّ‬

‫فبين الحرب والحب تمتد جسور شعرية‬ ‫تغني للحرية في أسمى معانيها‪.‬‬ ‫جرس فوف عتبة النهاية‬

‫لتبقى الشاعرة صوتا جميال يغرّد في‬ ‫سماء القصيدة المغربية المعاصرة‪ ،‬التي‬ ‫إنه العالم الضرير الذي يدوس على البراءة تحمل ن��دوب��ا ن��ازف��ة ع��ن ال��ح��ل��م المفقود‬ ‫المشنوقة على عتبات الوطن المغتصب‪.‬‬ ‫والحرية وكرامة اإلنسان‪.‬‬ ‫ * شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫جدلية الحضور والغياب‬ ‫في المجموعة القصصية «أغنية هاربة» لصالح السهيمي‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬سعاد مسكني*‬

‫تمثل المجموعة القصصية «أغنية هاربة» الباكورة األول��ى للقاص السعودي‬ ‫صالح السهيمي‪ ،‬عم ًال سردي ًا يدخل ضمن تجريب طرق كتابة جديدة‪ ،‬تتفاعل‬ ‫فيها التقنية اإلبداعية مع التخييل الحكائي‪ ،‬دون أن نحس بتصنع في الحكي؛‬ ‫إذ يُقدَّ م لنا هذا األخير في بساطة وسالسة مع عمق تأملي ووج��دان��ي‪ ،‬يجعلنا‬ ‫نتعايش مع ال�ح��االت الشعورية الملتهبة‪ ،‬ونجري وراء ظ�لال المواقف الفنية‬ ‫ال�م�ت��وت��رة ال�ت��ي تتجاذبها ج��دل�ي��ة ال�ح�ض��ور وال �غ �ي��اب؛ ال�ح�ض��ور ب��وص�ف��ه تجل ّيًا‬ ‫تشكيل ّيًا وتجسيد ّيًا للعوالم الحكائية‪ ،‬والغياب بوصفه تمثي ًال لتلك المعاني‬ ‫الرمزيّة الخفيّة والهاربة‪.‬‬ ‫غالباً م��ا يعكس الغياب «تحطيما ال��ق��دي��م‪ ،‬تضمن م��ن خاللها ال���ذوات‬

‫ل���ع���ادة ال��ح��ض��ور‪ ،‬وت��ح��ري��ك �اً ل��ن��وازع توازنها الداخلي والنفسي داخل واقع‬ ‫الشوق»‪ .‬من ثمة تُقدّ م قصص «أغنية مأزوم مليء بالمرارة والخيبة‪.‬‬ ‫ه��ارب��ة» رؤىً ك��ل��ي� ًة ل��ل��وج��ود وال��ح��ي��اة‬ ‫وال��ذات‪ ،‬تتلون بمعاني األلم‪ ،‬والحزن‪،‬‬ ‫والغربة‪ ،‬وال��ش��وق‪ ،‬والحب‪ ،‬والموت‪..‬‬

‫معادل لهويّ ة الذات‬ ‫ٌ‬ ‫أ‪ -‬الحضور‬ ‫«ل��ي��س��ت ال��ه��وي��ة م��دون��ة ف��ي العقل‬

‫إل��خ؛ كلها أل���وان طيف تمأل بياضات فقط‪ ،‬لكنها مطبوعة أيضا في الجسد‪،‬‬ ‫حياة شخصيات القصص الحكائية‪ ،‬إذ إن��ه��ا تظهر ف��ي اإلش�����ارة‪ ،‬وف���ي وض��ع‬

‫تدفعها ب��أن تستحضر – في حنين ‪ -‬الجسد‪ ،‬وفي المظاهر اإليمائية»‪ ،‬يبين‬

‫أساس‬ ‫ٌ‬ ‫صور الماضي‪ ،‬وبعض كليشيهات الزمن هذا الشاهد أن الجسد مح ِّد ٌد‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪49 )2016‬‬


‫للهوية‪ ،‬وال يمكننا إدراك الجسد دون النظر‬ ‫إليه بكونه ص��ورة وإيقاعا للحياة يُجلّيهما‬ ‫الفكر وال��ف��ن‪ .‬ل��ذل��ك س��ن� ُر ّك��ز ف��ي تحديد‬ ‫الحضور بوصفه هوية ذاتية عبر ثالثة أبعاد‬ ‫للجسد‪:‬‬

‫‪50‬‬

‫‪ -1‬الذاكرة‪ :‬يرى كاستيت أن «الذاكرة‬ ‫ه��ي سند ال��ه��وي��ة‪ ،‬أي إمكانية االع��ت��راف‬ ‫بالذات ألجل الذات قبل كل شيء»‪ .‬وذاكرة‬ ‫الشخصيات ف��ي قصص «أغ��ن��ي��ة ه��ارب��ة»‬ ‫حاضرة بقوة؛ س��واء تعلق األم��ر بالذاكرة‬ ‫الشفهية التي تشرّبتها بعض الشخصيات‪،‬‬ ‫وه��ي ف��ي مرحلة الطفولة – م��ن حكايات‬ ‫ورواي��ات – جاءت على لسان األم‪ ،‬والجدة‪،‬‬ ‫واألب‪ ،‬وشيخ القبيلة؛ أو الذاكرة المكتوبة‬ ‫(القرآن‪/‬الشعر الجاهلي) التي من خاللها‬ ‫بعث القاص شخصيات موغلة في التاريخ‬ ‫ال��دي��ن��ي واالج��ت��م��اع��ي وال��ث��ق��اف��ي‪ :‬سيدنا‬ ‫ي��وس��ف‪ ،‬ال��س��م��وأل‪ ،‬أب��و ال���ورد‪ .‬أو ال��ذاك��رة‬ ‫السماعية التي توكأت على فن الموسيقى‬ ‫ال��ذي أسر وج��دان المبدع‪ ،‬وجعل قصصه‬ ‫سيمفونية حياتية ذات هرمونية متجانسة‬ ‫مبعثها األلم‪ ،‬والقلق‪ ،‬والخوف‪ ،‬وتتدفق نحو‬ ‫األمل واالنعتاق‪ .‬لذلك‪ ،‬نجد إيقاعات فيروز‬ ‫(نسم علينا ال��ه��وى)‪ ،‬وعبدالكريم القادر‬ ‫(ارجع يا كل الحب)‪ ،‬ومحمود عويتي (أغنية‬ ‫�ان تجمع بين العذوبة والحنين‬ ‫العودة)‪ ،‬أغ� ٍ‬ ‫في رقة ال متناهية‪ ،‬يهرب بوساطتها القاص‬ ‫من غربة األشياء‪ ،‬وغربة المكان والزمان‪،‬‬ ‫ويفقد المكان حميميته‪ ،‬واإلنسان قيمته‪،‬‬ ‫ويستعيدهما في استرجاع نوستالجي عبر‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ال����ذاك����رة‪ ،‬ويشكل‬ ‫ال���ن���ص ال����م����وازي‬ ‫ال��م��ص��اح��ب لعتبة‬ ‫ق�����ص�����ة (ع����������ودة‬ ‫ال��ب��ح��ري) ش��اه��دا‬ ‫على ذلك‪« :‬لذلك األسمر الجنوبي القادم‬ ‫من وحي الذاكرة»‪.‬‬ ‫يحقق اشتغال القاص على صدى الذاكرة‬ ‫وإيقاعاتها مراميَ ثقافية وجمالية وفنية‬ ‫نجملها في‪:‬‬ ‫‪ -1-1‬ال��دخ��ول إل��ى ال���ذات الثقافية‬

‫عبر بحث ال��ق��اص ع��ن ال��ه��وي��ة المفتقدة‬ ‫باستحضار كل ما هو أصيل‪ :‬ريح الجنوب‪،‬‬ ‫وروح الموسيقى‪.‬‬ ‫‪ -2-1‬الدخول إلى الذات النفسية عبر‬ ‫تجسيد المسافة الموجودة بين القاص وبين‬ ‫ذات��ه الثقافية األصيلة؛ مما يشعره بفقد‬ ‫العالم‪ ،‬وفقد ال���ذات‪ ،‬ويمثل ه��ذا الشعور‬


‫‪ -3-1‬الدخول إلى الذات التخييلية‬ ‫التي تعرف انشطارا بين ذات تعيش واقع‬ ‫المدينة بوصفه معادال للمنفى‪ ،‬والغربة‪،‬‬ ‫والالإنسانية‪ ،‬وبين الحنين إلى الماضي بما‬ ‫يعرفه من ألفة‪ ،‬ووداعة‪ ،‬وهدوء جنوبي‪.‬‬ ‫‪ -2‬الفضاء‪ :‬إذا كانت ذاكرة المجموعة‬ ‫القصصية تنشطر بين التراث والموسيقى؛‬ ‫ف��إن الفضاء ب���دوره ينشطر بين حيّزين‪:‬‬ ‫فضاء مفتوح‪ ،‬وفضاء مغلق‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫جوهر االغتراب‪.‬‬

‫«شعرت غيمة جنوبية بنوبة اضطراب تسري‬ ‫داخل الجسد‪ .‬تعتلي هامتها‪ .‬تطوق الجسم‬ ‫ب� �ح ��رارة م��ؤل �م��ة‪ ،‬ورائ� �ح ��ة «ال �خ �ت �ن��ة» تعطر‬ ‫القاعة بعبق الماضي الحميمي الذي يهيج‬ ‫فينا زمن الحلم القديم»‪ .‬وال يمكننا في هذا‬ ‫المقطع إال أن نقوم باستبدال الغيمة بذات‬ ‫الشخصية‪ ،‬م��ا يعكس لنا عمق افتقادها‬ ‫لفضاء الجنوب‪ ،‬هذا الجنوب الذي «يتغلغل‬ ‫في داخل المرء إلى درجة إقصاء الذات»؛‬ ‫فتنوب ال��م��وج��ودات واألش��ي��اء ع��ن حضور‬ ‫الذات في عالقة استبدالية تعاقدية‪.‬‬

‫‪ -1-2‬الفضاء املفتوح‪ :‬أول ما يستوقفنا‬ ‫ف��ي ال��ف��ض��اءات المفتوحة الفضاء البري‬ ‫الجنوبي ال��ذي يتغلغل في ذات الشخصية‬ ‫الحكائية أينما ارتحلت‪ ،‬ينقل ال��س��ارد ما‬ ‫يعتمل بداخل بطل قصة (ع��ودة البحري)‪:‬‬ ‫«رائحة الجنوب تلقي بظاللها على ذاكرة‬ ‫تتسع للكثير من الحكايات‪ ،‬الرائحة المعطرة‬ ‫بعمق ال��ك��ادي‪ ،‬وال��ش��ذاب‪ ،‬والشيح‪ .‬يتأمل‬ ‫أشعة الشمس المثقلة على صفحة الماء‪،‬‬ ‫والمشعلة للبهجة واالنتظار بأن يعود يوما‬ ‫ت��ت��و ّل��د ع��ن ه���ذا ال��ت��ق��اب��ل ب��ي��ن ف��ض��اءي‬ ‫إل��ى مالمسة األرض» يبعث ه��ذا الفضاء الجنوب والبحر قيم ثابتة ومتعالية تتسم‬ ‫في نفسية جل شخوص القصص االبتهاج بالثنائيات الضدية‪ ،‬يمكن أن نبيّنها في‬ ‫والتذكر الجميل‪.‬‬ ‫الترسيمة اآلتية‪:‬‬

‫وإل��ى جانب الفضاء البري‪ ،‬نجد فضاء‬ ‫مناقضا وم��ض��ادًا‪ ،‬إن��ه فضاء البحر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫آخ��ر‬ ‫ال عن الشخصية الحكائية‪:‬‬ ‫يقول السارد نق ً‬ ‫«اليابسة تعني له الحياة بجمالها الحقيقي‪،‬‬ ‫تعني له عالم البياض ال��ذي يريد‪ ،‬يتشوق‬ ‫إل ��ى رؤي ��ة (ب�ي�ض��ة ال � ��رخ)‪ ،‬ي��داه �م��ه ال�ش�ع��ور‬ ‫بالموت كلما رك��ب البحر‪ ،‬كلما ضجت أذنه‬ ‫بصوت ق��ائ��ده‪ ..‬ينظر باتجاه البحر األزرق‬ ‫والسفينة تمخر عباب الموت»‪.‬‬

‫وال يكتفي السارد برصد تفاعل الذات‬ ‫مع محيطها الجنوبي عبر وسيط الذاكرة‬ ‫بل يتوسل باألشياء والموجودات كي يعكس‬ ‫حضورها الغائب‪ ،‬فيختفي جسد ال��ذات‬ ‫خلف مؤثثات فضائية أخ��رى‪ ،‬نمثل لذلك‬ ‫بوصف ال��س��ارد لشعور الغيمة الجنوبية‪:‬‬

‫الجنوب ≠ البحر‬ ‫األلفة ≠ الغربة‬ ‫الحب ≠ القلق‬ ‫الحياة ≠ الموت‬ ‫األصالة ≠ الحداثة‬ ‫الطمأنينة ≠ الكوابيس‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪51 )2016‬‬


‫القيم الموجَ بة ≠ القيم السالبة‬ ‫تَحمل شخصيات القصص ه��ذه القيم‬ ‫ال��م��ت��ض��ارب��ة وال��م��ت��ن��اق��ض��ة‪ ،‬وتُ���رسّ ���خ فيها‬ ‫اإلح��س��اس باالنشطار ال��ذات��ي داخ��ل سفر‬ ‫وجداني تعيش فيه لحظتين متباينتين‪ :‬لحظة‬ ‫االس��ت��رخ��اء‪ ،‬ترتبط ب��ال��ذاك��رة واستحضار‬ ‫الماضي؛ ولحظة التوتر‪ ،‬ترتبط بحاضر‬ ‫الحياة القلق المرهون دائما بالبحث عن‬ ‫المجهول‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫كما تشكل الغرفة فضا ًء لألحالم القلقة‬ ‫والكوابيس المزعجة التي تُفرغ من خاللها‬ ‫الشخصيات قلقها الذاتي والوجداني من‬ ‫الواقع‪ ،‬وتُحقق عبرها وجودها الفعلي إذا‬ ‫ما أخدنا الحلم بكونه «يُصنَع من خرائب‬ ‫الذاكرة»؛ أي تجميع لما خلفته الذاكرة من‬ ‫ص��ور مشوشة تطفو على السطح لحظة‬ ‫الحلم‪.‬‬ ‫بهذا تمثل الغرفة في العمل القصصي‬ ‫قيم السَّ لب‪ :‬الكآبة‪ ،‬اليتم‪ ،‬الموت‪ ،‬التشويش‪،‬‬ ‫الكوابيس‪ ..‬وتصويرها على هذا النحو‪ ،‬كسَّ ر‬ ‫أفق انتظار القارئ الذي اعتاد – في نسقه‬ ‫الفكري‪ -‬على أن تكون الغرفة فضا َء السكينة‪،‬‬ ‫واأللفة‪ ،‬والحميمية‪ ،‬لكنه تصوير ينسجم مع‬ ‫المقاصد وال��رؤى الكلية التي يتجه نحوها‬ ‫العمل القصصي التي ال تنفكّ أن تنحصر في‬ ‫األلم‪ ،‬والمرارة‪ ،‬والحزن‪ ،‬والكآبة‪.‬‬

‫‪ -2-2‬الفضاء املغلق‪ :‬تعد الغرفة الفضاء‬ ‫المهيمن داخ���ل ال��م��ج��م��وع��ة القصصية‪،‬‬ ‫وتصوير القاص لهذا الفضاء ال يخرج عن‬ ‫ال��ط��اب��ع النفسي ال���ذي تعرفه شخصيات‬ ‫القصص وه��ي تتخبط في القلق‪ ،‬واألل��م‪،‬‬ ‫وال��ك��آب��ة‪ .‬فشكلت ال��غ��رف��ة ب��ذل��ك ام��ت��دادا‬ ‫ل��ح��االت الشخصية الحكائية عبر تعبير‬ ‫األش��ي��اء وال��م��وج��ودات ع��ن ف��وض��ى ال��ذات‬ ‫اندس‬ ‫ّ‬ ‫وتوترها «عاد حازم إلى غرفته كئيبا‪.‬‬ ‫بين ثياب ملقاة على سريره‪ .‬أعلن انهزامه‬ ‫أمام أرتال النوم المندفعة‪ .‬كأنه ال يريد من‬ ‫الكآبة أن تعبث بأزمنة الصمت المذبذبة‬ ‫ب ��داخ �ل ��ه‪ .‬ي �ش �ع��ر ب �ف��وض��ى ال �ع��ال��م تقتحم‬ ‫غ��رف�ت��ه‪ ،‬وج �ن��ود األط �ف��ال يقتسمون غنائم‬ ‫الحرب‪ ،‬وشالالت الدماء تغرق السرير»‪.‬‬

‫إن الفضاء بصنفيه المفتوح والمغلق‬ ‫يرجح انتصار كفة فضاء الجنوب‪ ،‬وحضوره‬ ‫بجالء ف��ي نفسية الشخصيات‪ ..‬بوصفه‬ ‫صدى أغنية ماضية هاربة‪ ،‬ويغيب حقيقة‬ ‫وواقعا‪ ،‬ويظل فضا ًء مأموالً فيه‪ ،‬ذاك «األمل‬ ‫المتشبّت بذاكرة الغياب»‪ ،‬إنها ذاكرة الجنوب‬ ‫بامتياز‪.‬‬

‫ترتبط الغرفة أيضا بالموت والفقد‪،‬‬ ‫نلمس ذلك في نهاية وقفل بعض القصص‪،‬‬ ‫كما ل��و أن ال��ق��اص يميل إل��ى ال��س��وداوي��ة‬ ‫والمأساوية تأكيدا ألحاسيس الغربة واليتم‪،‬‬ ‫أحاسيس تجعله يمقت الحياة‪ ،‬وينفلت إلى‬ ‫الموت بوصفها حيا ًة أخرى أجمل وأسعد‪.‬‬

‫‪ -3‬الصورة‪ :‬إن القصص وه��ي تشتغل‬ ‫على الجسد في بعديه الذهني (الذاكرة)‪،‬‬ ‫والفيزيقي (ال��ف��ض��اء)‪ ،‬ال تقدمه على أنه‬ ‫استنساخ حرفي لواقع مرئي‪ ،‬بل تنزاح عن‬ ‫ه��ذا ال��واق��ع عبر استخدام ص��ور مجازية‪،‬‬ ‫وتعابير بالغية تُ��دخ��ل ال��س��رد القصصي‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫(الحياة ≠ الموت)‪( ،‬الجنوب≠ البحر)‪،‬‬

‫‪ -2-1‬اإلق��ص��اء ق��رش ال��ه��اوي��ة وشبح‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫في شعرنة الصوغ اللغوي‪ ،‬ويعود ذلك إلى (البياض≠ السواد)‪( ،‬األلفة ≠ القلق)‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫بروز الذات الثقافية لدى القاص‪ ،‬والمتأثرة‬ ‫ب‪ -‬الغياب إقصاء للذات‪:‬‬ ‫بالشعر الجاهلي‪ ،‬فجاءت لغة السرد وصفية‬ ‫إن سفر شخصيات قصص «أغنية هاربة»‬ ‫ف��ي ال��غ��ال��ب‪ ،‬ي��رد ف��ي مقطع س��ردي شبيه‬ ‫بمناجاة داخلية ص��وت الشخصية يُ���ردّد‪ :‬بين ال��ذاك��رة وال��ح��ي��اة الممتلئة ب��األس��ى‪،‬‬ ‫«المنفى هنا جميل‪ ،‬ال أش�ع��ر فيه ب��األل��م‪ .‬يدفعها إل��ى اإلح��س��اس بالغربة والشعور‬ ‫سوى أني أتدثر بهمّ ي الذي غدا شبحا يفسر بالحضور الممعن في الغياب‪ ،‬ال��ذي يؤدي‬ ‫أح�لام��ي ال �ب��اردة‪ ،‬وك��أن��ه ال�ط�ي� َر ت�ق�ت��رب من بالصور الجميلة أن تتالشى وتتحول إلى‬ ‫رأس��ي؛ لتشرب من كأس وحدتي اآلخ��ذة في كوابيس وقلق‪ ،‬وتدفع بقوة الزمن إل��ى أن‬ ‫صقيع مهول‪ ،‬حيث ال ماء هناك‪ .‬وزمهرير يعبث بالذاكرة وتبقى مجرد ثقوب إسفنجية‬ ‫ال تختزن سوى الفشل والهزيمة‪ ،‬ال تعكس‬ ‫المشاعر يطوّح بالخوف عالياً»‪.‬‬ ‫�واز نصيّ‬ ‫إال زمن اإلنسان المهدور‪ ،‬في م� ٍ‬ ‫يمثل ه��ذا المقطع أن��م��وذج �اً لشعرية‬ ‫لتغريبة «أبو حميد» يرد‪« :‬الغربة كالجزمة‬ ‫اللغة لدى القاص‪ ،‬إذ جعل السرد مجازات‬ ‫تنقلك م��ن م�ك��ان آلخ��ر‪ ..‬وم��ن أل��م إل��ى ألم‬ ‫تبطن دالالت عميقة‪ ،‬موغلة في البرودة‬ ‫أقسى»‪.‬‬ ‫والقساوة والخوف‪ ..‬إال أنها مقدمة ببديع‬ ‫تتعمد شخصيات القصص وساردها إلى‬ ‫اللفظ‪ ،‬وأنيق العبارات‪ .‬الشيء الذي يجعل‬ ‫تبئير «األلم» الذي بدّد كل شيء جميل في‬ ‫قبح المعاني وأسوأها‪ ،‬يتدثر ببديع الكالم‪،‬‬ ‫الحياة‪ ،‬وصيّره إلى اغتراب وحشي‪ ،‬يبعد‬ ‫وجميل الصور‪ ..‬كما لو أن القاص يغطي‬ ‫الذات عن فضاءاتها الوردية‪ ،‬ويقصيها من‬ ‫النقص ال��ذي تعاني منه ال��ذات في الواقع‬ ‫واقعها كي تعود للعيش في أحضان الذاكرة‪،‬‬ ‫ع��ب��ر إع�ل�اء ب��دي��ل آخ���ر اس��ت��ه��ام��ي‪ ،‬يسرح‬ ‫والماضي الطفولي‪.‬‬ ‫بالخيال إل��ى عوالم أخ��رى بديلة مفترضة‬ ‫يتلون الغياب واإلقصاء بألوان مختلفة‬ ‫تخفف من ح ّدة مرارة الواقع‪.‬‬ ‫فنجد ثالثة ألوان له‪:‬‬ ‫ب��ه��ذا ت��ك��ون ال��ص��ورة ل��ه��ا ص��ل��ة وط��ي��دة‬ ‫‪ -1‬اإلق��ص��اء ال��ذات��ي‪ :‬ي��أخ��ذ إقصاء‬ ‫ب��ال��ف��ض��ا‪ ،‬إذ ت��ش��ك��ل اس��ت��ع��ادة ج��زئ��ي��ة له‬ ‫داخل مشهد معين‪ ،‬أو لقطة ما‪ ،‬أو لحظة ال��ذات داخ��ل المجموعة القصصية أربعة‬ ‫محددة‪ ،‬وهي بذلك تمثل ضمنيا نفيا للزمن أنماط‪:‬‬ ‫باستعادتها لتلك الظالل الخفية التي تتصالح‬ ‫‪ -1-1‬اإلقصاء معادل للغربة واملنفى‪:‬‬ ‫فيها المتقابالت‪ ،‬وتتساكن فيها المتضادات «مازالت الغربة تالحقني في كل وتد أثبته‬ ‫داخل الذات الواحدة‪:‬‬ ‫لخيمتي»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪53 )2016‬‬


‫احلياة‪« :‬الموت الذي تفرون منه»‪.‬‬

‫أكثر م��ن اهتمامها بفعل الشخصية؛ ألن‬

‫‪ -3-1‬اإلقصاء اختفاء خلف األشياء الشخصية ال ت��ف��ع��ل‪ ،‬إن��ه��ا تنفعل داخليا‬ ‫وعدم القدرة على املواجهة‪« :‬أخ��ذ يعبث ووج��دان��ي��ا ول��ي��س خ��ارج��ي��ا‪ .‬ل��ه��ذا اكتفى‬ ‫بمحتويات ال��غ��رف��ة‪ :‬ال���وس���ادة‪ ،‬البطانية‪ ،‬اإلقصاء الموضوعي للحدث بترهين دواخل‬ ‫الفراش‪ ،‬المنشفة‪ ،‬سلة المهمالت المثقوبة ال���ذات دون ال��خ��روج منها إل��ى ال��واق��ع‪ ،‬ما‬ ‫ال��ج��وان��ب‪ ..‬األل����وان تثير ل��دي��ه حساسية يجعل ه��ذه القصص تدخل ضمن قصص‬ ‫االختباء عن اآلخرين»‪.‬‬ ‫«المواقف»‪.‬‬ ‫‪ -4-1‬إقصاء الذات املنهزمة واستحضار‬ ‫ش��خ��ص��ي��ات (ال��ص��ع��ال��ي��ك‪ ،‬أب���و ال����ورد‪،‬‬

‫‪ -3‬اإلقصاء القيمي‪ :‬تنتصر القصص‬

‫السموأل) لها رمزيتها‪ ،‬و ُع��رف��ت بقوتها لقيم السلب‪ ،‬وتقصي القيم اإليجابية ما‬ ‫وقدرتها على االنتصار على الزمن بتثبيت دم��ن��ا أم���ام شخصيات سلبية تبحث عن‬ ‫قيم البطولة‪ ،‬والمجد «ك��ان أبو ال��ورد يعي أغاني تائهة‪ ،‬وما تلك األغاني سوى األماني‬ ‫جيّدا أنه لم يخن قبيلته يوماَ‪ ،‬ولم يطمح في المرغوبة‪ ،‬والقيم المفتقدة‪ .‬وحدها ذاكرة‬ ‫السيادة للحظة‪ ،‬بل كان يريد أن ينبذ العار الماضي تحتفي ب��ال��ذات لحظة االكتمال‬ ‫منها‪ ،‬ويرفع ذكرها بين القبائل»‪.‬‬ ‫وال��زه��و‪ ،‬غير ذل��ك تظل الشخصيات في‬ ‫يشي اإلقصاء الذاتي بكل ألوانه وأصنافه بحث مستمر عن المجهول‪ ،‬وتمنّي نفسها‬ ‫أننا أم��ام شخصيات سلبية ال تتفاعل مع بعودة الماضي في أبهى صوره‪.‬‬ ‫محيطها‪ ،‬بل تنفعل فتكتفي بتصوير الحاالت‬ ‫بين ال��ح��ض��ور وال��غ��ي��اب‪ ،‬وب��ي��ن التجلي‬ ‫دون الثورة عليها‪ ،‬أو محاولة تغييرها‪ .‬مما‬ ‫واإلقصاء‪ ..‬تطفو نفحات األمل واالنتظار‬ ‫يفسر سقوط جل عناوين المجموعة في‬ ‫ف��ي ب���زوغ ل��ح��ظ��ات ت��ص��ال��ح ب��ي��ن الماضي‬ ‫االن��ح��دار والفشل (أغنية هاربة‪/‬سقوط‬ ‫أبي الورد‪ /‬أمال في الهبوط‪ /‬تهميش لعكاز والحاضر‪ ،‬بين ال��ذات وال��واق��ع‪ ،‬بين داخل‬ ‫ال��ذات وخارجها‪ ،‬وتعلو قيم النبل والوفاء‬ ‫حديدي‪/‬سهم تائه)‪.‬‬ ‫والحب‪ ،‬تقول الشخصية المركزية في تغريبة‬ ‫‪ -2‬اإلق��ص��اء امل��وض��وع��ي‪ :‬ينجم عن‬ ‫اإلقصاء الذاتي إقصاء موضوعي يرتبط «أبو حميد»‪« :‬متى تمطر السماء عدال ونبال‬ ‫بكيفية بناء الحكاية داخل المتن القصصي‪ ،‬وكرامة؟»‪ .‬سؤال سيظل قائما تردّده صدى‬ ‫إذ توهم القارئ بوجود أحداث‪ ،‬ولكنها في األغنيات الهاربة أمال في عودتها إلى مغنيها‬ ‫العمق هي تركز على األحاسيس والمواقف‪ ،‬ذات صباح مشرق‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫ * أستاذة تعليم عال مساعدة ‪ -‬جامعة عبد المالك السعدي ‪ -‬تطوان ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫القاعة غارقة في الصمت والوجوه‪،‬‬ ‫المساء يعلن عن نفسه بهدوء‪ ،‬ألول مرة‬ ‫أخطو إلى المنصة‪ ،‬ألقي شعرا تعبت‬ ‫في نظمه‪ ،‬أتوخى به االنضمام إلى زمرة‬ ‫الشعراء‪ ،‬أسير مثلهم في درب األحالم‪،‬‬ ‫أوقد شعلة الحرية والسالم‪.‬‬ ‫مرتبكا؛ أقف ألول مرة أمام جمهور‬ ‫عريض‪ ،‬جسدي ينضح بالعرق رغم الجو‬ ‫البارد‪ ،‬تارة أسوي هندامي ‪ -‬أمضيت‬ ‫وقتا طويال في انتقائه ‪ -‬تارة أمرر يدي‬ ‫على شعري أو وجهي متوجسا شيئا عالقا‬ ‫ب��ه‪ ..‬أدرت عيني ف��ي ال��وج��وه‪ ،‬أتلمس‬ ‫شخصا ينتشلني من ضياعي‪ ،‬واحد في‬ ‫أقصى القاعة استرعى انتباهي‪ ،‬سكن‬ ‫من قبل شقوق ذاكرتي‪ ،‬أحسست بارتياح‬ ‫عميق له‪ ،‬اختصر كل الوجوه التي كانت‬ ‫تحدق بي بارتياب‪ ..‬كانت تنزوي كبقعة‬ ‫نور لم أتبين وجهها جيدا‪ ،‬زادها ضوء‬ ‫القاعة القوي غموضا ‪ ،‬وإن ب��دت لي‬ ‫تلك التي عجزت عن إقامة عالقة معها‬ ‫في بداية مراهقتي‪ ،‬وسهرت ليال طويلة‬ ‫أكتب لها قصائدي األولى‪.‬‬

‫‪ρρ‬بو شعيب عطران*‬

‫نظراته الساكنة‪ ،‬وكأنها ت��واط��أت مع‬ ‫دواخلي لتمدني بصفاء ذهني‪ ،‬وجرأة‬ ‫ل��م أع��ه��ده��ا ف��ي نفسي م��ن ق��ب��ل‪ .‬زال‬ ‫ارتباكي‪ ،‬هزمت توتري‪ ،‬توجهت إليها‬ ‫بكل إحساسي‪ ،‬لتكون شاهدة متميزة عن‬ ‫انبعاثي لواحدة من اللحظات الحاسمة‬ ‫في حياتي‪ ،‬أبثها نبضي بكلمات تراصت‬ ‫أم��ام��ي ل��ق��ص��ي��دة اخ��ت��ص��رت ال��ح��ي��اة‪،‬‬ ‫متشحة بالشجن والعشق الجارف‪ ..‬كنت‬ ‫أستعجل النهاية‪ ..‬أ ُمني نفسي بلقائها‪،‬‬ ‫أشكرها على مؤازرتها‪..‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫بقعة نور‬

‫م��ا إن انتهيت ح��ت��ى دوت القاعة‬ ‫بالتصفيق‪ ،‬ووقف الجميع لتحية شاعر‬ ‫برز فجأة أمامهم‪ ،‬إ ّال هيَ ظلت ساكنة‬ ‫لم تتحرك من مكانها‪..‬‬ ‫ما إن غادرت المنصة حتى توجهت‬ ‫مبال بالنظرات التي‬ ‫إليها مباشرة‪ ،‬غير ٍ‬ ‫كانت تلتهمني وال األع��ن��اق المشرئبة‬ ‫إليّ ‪..‬‬

‫وص��ل��ت إل��ى مكانها‪ ،‬ووج��ي��ب قلبي‬ ‫ي��ت��ص��اع��د‪ ،‬م��ن��دف��ع��ا ب��رغ��ب��ة محمومة‬ ‫ك��ان وجهها صامتا رص��ي��ن��ا‪ ،‬خاليا لمعانقتها‪ .‬لم يكن هناك سوى صمت‬ ‫من أي ردة فعل أو احتمال للتواصل‪ ،‬كئيب‪ ،‬وأريج عطر افتقدته بشدة‪ ،‬منذ‬ ‫لكني سعدت به وارتحت لهدوئه وجمال زمن طويل‪.‬‬ ‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪55 )2016‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬ ‫‪ρρ‬محمد صوانه*‬

‫سباق‬ ‫شارك في سباق المائة متر‪،‬‬ ‫تقدّم المتسابقين‪،‬‬ ‫لوّح له الحكم بالفوز‪،‬‬ ‫تعالت صيحات المشجعين‬ ‫ظل يجري‪..‬‬ ‫ذكريات‬ ‫بحمْل الذكريات؛‬ ‫ينوء ِ‬ ‫يقف على الحافة‪ ..‬يطوّح بها؛‬ ‫يعود منتشياً؛‬ ‫ليجدها تحولت إل��ى ج��داري��ات أم��ام‬ ‫ناظريه!‬ ‫هديل‬ ‫تصغي بـ (حنان) لهديل الحمام‪..‬‬ ‫تهتز جوانحها‪..‬‬ ‫تنثر فتات الخبز على طرف النافذة‪..‬‬

‫‪56‬‬

‫* قاص من األردن مقيم في السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫تمسح عليه بِرِ ف ٍْق‪ ..‬وتجلس على األريكة‬ ‫المقابلة؛‬ ‫تنتظر‪..‬‬ ‫شبح‬ ‫يسير هائماً في الضفة األخرى‪،‬‬ ‫وهي تجري خلف شبح‬ ‫تحسبه ظله!‬ ‫صمت‬ ‫الصغارِ ‪ ،‬وتذهب لتُشاغلهم‬ ‫صخَ بَ ِّ‬ ‫تجَ َم ُع َ‬ ‫عن نومه‪..‬‬ ‫يوقظه الصمت‪!..‬‬ ‫قمر‬ ‫تقول له أنا مثل القمر؛‬ ‫فيدير ظهره للشمس‪!..‬‬ ‫غياب‬ ‫تغيبين‪ ..‬فأتيه في المكان‪..‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫البئــــر‬ ‫‪ρρ‬محمد عز الدين التازي*‬

‫جلست «سليمة» تقرأ في كتاب‪ ،‬فاستغرقتها أفكاره ومعانيه‪ ،‬حتى جاءت لحظة‬ ‫َتف ََّطن َْت فيها إلى أنها وحيدة بالبيت‪ ،‬وليس معها سوى أختها الصغرى «بشرى»‪،‬‬ ‫وهي نائمة في فراشها‪.‬‬ ‫رحلت سليمة مع أفكار ومعاني الكتاب‪ ،‬وهي تدخل معها ومع الكاتب في حوار‬ ‫ومعان أخرى من كتب لكتّاب آخرين؛ ومع ذلك الحجاج العقلي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫استدعت له أفكار ًا‬ ‫فقد كانت تقابل أفكار الكتاب الذي بين يديها مع أفكار كتّاب آخرين‪ ،‬باحثة عن‬ ‫الحقيقة‪ ،‬ثم رددت في خلدها‪ :‬أليست الحقيقة نسبية كما يقولون؟!‬ ‫في استغراقها ذاك‪ ،‬كلما بقيت وحيدة‬ ‫ف��ي البيت وجالست ك��ت��اب�اً‪ ،‬ك��ان��ت في‬ ‫غفلة منها ترتكب بعض األخطاء‪ ،‬دون‬ ‫قصد‪ .‬وبسبب عدم االنتباه‪ ،‬فكثيراً ما‬ ‫وضعت الطعام في القدر‪ ،‬ووضعتها فوق‬ ‫النار‪ ،‬ثم أخذها الشرود إلى أن وصلت‬ ‫إلى أنفها رائحة االح��ت��راق؛ فتهبُّ إلى‬ ‫المطبخ لتجد الطعام قد احترق‪ .‬كما‬ ‫كانت ترغب في إعداد قهوة تساعدها‬ ‫على مواصلة ال��ق��راءة‪ ،‬فتضع اإلبريق‬ ‫على النار وتشرد في عوالم ما تقرأ‪،‬‬ ‫إل��ى أن يحدث لها ما يشبه الصدمة‪،‬‬ ‫وهي تتذكر إبريق القهوة الذي وضعته‬

‫على ال��ن��ار‪ ،‬فتهبُّ إل��ى المطبخ لتجد‬ ‫القهوة واإلبريق قد احترقا معا! وكان‬ ‫يأتي َم��ن يطرق ب��اب البيت فال تسمع‬ ‫ال��ط��رق وه��ي ف��ي استغراقها تقرأ في‬ ‫الكتاب‪ ،‬وينقلب الزائر على عقبيه‪ ،‬فإن‬ ‫كان هو خالها «عباس» صياد السمك‪،‬‬ ‫واكتشف أن سليمة كانت في البيت ولم‬ ‫تفتح له الباب‪ ،‬فسوف يقرر أن يقاطع‬ ‫األسرة كلها‪ ..‬ليرد االعتبار إلى كرامته‪،‬‬ ‫وإن كانت جارة من الجارات‪ ،‬واكتشفت‬ ‫أن سليمة كانت بالبيت ول��م تفتح لها‬ ‫الباب‪ ،‬فسوف تُشَ ِّه ُر بها مع الجارات‪،‬‬ ‫وتصفها بالغباء‪ ،‬الذي لن تقبله أي من‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪57 )2016‬‬


‫‪58‬‬

‫نساء الحي لتخطبها ألحد أبنائها؛ وإن كان بذلك‪ ،‬وأوصت ابنتها سليمة بأن تنتبه ألختها‬ ‫والدها قد أرسل إلى البيت بعض األشياء مع بشرى‪ ،‬التي تركتها نائمة في فراشها‪.‬‬ ‫أحد‪ ،‬فهو يطرق الباب عدة طرقات‪ ..‬وعندما‬ ‫توقعت سليمة أن تستيقظ أختها بشرى‬ ‫ال يفتحه أحد يعيد تلك األشياء إلى والدها‪ ،‬من نومها‪ ،‬فتأتي إل��ى مكان جلوسها وهي‬ ‫ليعتقد أنها قد خرجت من البيت من دون تقرأ‪ ،‬لتفرح بها‪ ،‬وتالعبها‪ ،‬وربما تساعدها‬ ‫علمه‪ ،‬بينما والدتها ال تخرج من البيت إال على ال��ذه��اب إل��ى ال��م��رح��اض‪ ،‬أو تطعمها‬ ‫بعلمه‪ ،‬وعندما يعرف أنها كانت بالبيت‪ ،‬ولم إجاصة هي بنفسها سلقتها في الماء‪ ،‬وقامت‬ ‫تسمع الطرق‪ ،‬ولم تفتح الباب‪ ،‬وأنها كانت بإنضاجها في المقالة مرة أخرى مع مسحوق‬ ‫تقرأ في كتاب‪ ..‬يصب جام غضبه على ذلك السكر‪ ،‬سيما وهي آخر العنقود‪ ،‬فعمرها ال‬ ‫الكتاب ومن َكتَبَهُ‪ ،‬ألنه طَ َّي َر عقل ابنته سليمة‪ ،‬يزيد عن العام الواحد‪ ،‬بينما تجاوزت سليمة‬ ‫فلم تعد فتاة سوية‪ ،‬ألنها أصبحت مهووسة العشرين وه��ي طالبة بكلية اآلداب تدرس‬ ‫ب��ق��راءة الكتب‪ ،‬حتى ب��دأت تنسى األشياء بشعبة الفلسفة‪.‬‬ ‫الموجودة حولها‪ ،‬وأصبح وجودها في عالم‬ ‫كان ذلك ما توقعته سليمة‪ ،‬لكن ما وقع‪ ،‬هو‬ ‫آخر غير عالمنا‪.‬‬ ‫أنها قد استغرقت في قراءة الكتاب الذي كان‬ ‫بدأت والدتها تعرف ما يدركها من شرود بين يديها‪ ،‬وسارت مع أفكاره وتحليالته من‬ ‫وهي تقرأ كتبها‪ ،‬فلم تعد تعتمد عليها في أرسطو إلى الفالسفة المعاصرين من أمثال‬ ‫كثير م��ن األش��ي��اء‪ ،‬وخ��اص��ة منها تلك التي سارتر وألتوسر وميشيل فوكو‪ ،‬ولما انتبهت‬ ‫تتطلب التركيز واالنتباه‪ ،‬وسليمة نفسها بدأت إلى حالها ونظرت إلى الساعة وجدت أن نوم‬ ‫تعترف لوالدتها بأنها غير قادرة على التركيز أختها بشرى قد طال‪ ،‬فهبّت إلى مكان نوم‬ ‫على بعض األمور‪ ،‬ألن شروداً يصيبها عندما بشرى فلم تجدها في فراشها‪ .‬بحثت عنها‬ ‫تسبح في تأمالت عميقة حول األفكار التي في أرج��اء البيت فلم تجدها‪ ،‬ولما انتبهت‬ ‫تقرأها في الكتب‪ .‬ولما كان بيتهم صغيرا‪ ،‬إلى فوهة البئر وهي مفتوحة‪ ،‬فقد صعقت‬ ‫مكوّنا من طابقين‪ ،‬في وسطه بئر يستسقون روحها‪ ،‬ووضعت يدها على قلبها‪ .‬لم تتجرأ‬ ‫منها‪ ،‬وضع والد سليمة على فوهتها غطا ًء من على أن تطل على البئر‪ ،‬وع��ادت تبحث عن‬ ‫حديد‪ ،‬فقد كانت أم سليمة ال تأمن منها أن أختها بشرى فلم تجدها‪ .‬ثم جاءتها الجرأة‬ ‫تسقي الماء من البئر بواسطة الدلو ثم تضع لتطل على البئر‪ ،‬ف��رأت ف��ي غ��وره المظلم‬ ‫عليه الغطاء‪ ،‬ألن الصغيرة بشرى أخت سليمة شيئا كأنه أختها بشرى وقد وقعت وغرقت‬ ‫بدأت تخطو خطواتها األول��ى‪ ،‬وقد تقع في وماتت‪ .‬صرخت وكتمت صرختها‪ .‬يا ويلي!‬ ‫غفلة منهما في البئر‪ ،‬فكانت تحرص بنفسها هل بشرى هي الواقعة في البئر؟ إذاً فهي‬ ‫على وضع الغطاء عليه‪.‬‬ ‫قد سقطت فيه وماتت غريقة‪ .‬ال وألف ال‪ .‬ال‬ ‫وأم سليمة خرجت في هذا اليوم لزيارة يمكن‪ .‬إن حدث ذلك بالفعل فسأكون مسؤولة‬ ‫وال��ده��ا ال��م��ري��ض‪ ،‬بعد أن أذن لها زوجها عن وقوعها في البئر وغرقها في مائه بسبب‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أين هي ضحكتها؟‬

‫هل اختفت في قاع البئر؟‬ ‫ال أبدا‪ .‬ال يمكن‪.‬‬ ‫أينك يا بشرى؟‬

‫طعاما أو شرابا‪ ،‬حتى أشفق عليها والداها‬ ‫تكف عن تعذيب نفسها‪ ،‬ألن ما‬ ‫وطلبا منها أن َّ‬ ‫وقع كان بمشيئة اهلل‪.‬‬ ‫م��ض��ى أرب��ع��ون ي��وم��ا ع��ل��ى وف���اة ب��ش��رى‪،‬‬ ‫وص���ارت سليمة ت���زور قبر أختها ك��ل ي��وم‪،‬‬ ‫وتبكيها إل��ى أن يَ�تَ��حَ � َّر َق جفناها من فرط‬ ‫البكاء؛ فطلب منها والداها أن تكف عن زيارة‬ ‫قبر أختها كل يوم‪ ،‬وأن تكتفي بالزيارة مرة كل‬ ‫أسبوع‪ ،‬في صباح يوم الجمعة‪ ،‬وأن تعود إلى‬ ‫قراءة كتبها ودراستها في الجامعة‪ ،‬ألن الحياة‬ ‫تستمر‪ ،‬رغم المصائب‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫اإلهمال‪ .‬لكن ذلك لم يحدث‪ ،‬ولن يحدث‪ ،‬النفس وجرحها لن يندمل أبدا‪ ،‬فهي لن تنسى‬ ‫فالشك أنها تمارس معي لعبة االختفاء لكي حادث سقوط أختها في البئر مدى الحياة‪.‬‬ ‫تظهر وهي تعانقني وتضحك‪.‬‬ ‫أص���اب سليمة ال��س��ق��ام‪ ،‬فلم تعد ت��ذوق‬

‫أخذت سليمة تنادي أختها الصغيرة بشرى‬ ‫فلم ترد عليها‪ .‬عادت تبحث عنها في أرجاء‬ ‫البيت فلم تجدها‪ .‬جلست تبكي وشبح البئر‬ ‫قائم أمام نظرها‪ .‬لم ينفعها البكاء في شيء‪.‬‬ ‫اقتربت من فوهة البئر فأطلت‪ ،‬ورأت شيئا‬ ‫يطفو ف��وق ال��م��اء‪ .‬أه��و أختها ب��ش��رى وقد‬ ‫اختنقت؟ لوعة أحرقت قلبها وهي ال تدري‬ ‫أخذت سليمة كلما أخذت كتابا لتقرأ ما‬ ‫كيف سوف تواجه والديها بعد عودتهما إلى فيه‪ ،‬يصيبها الذهول فترى على صفحات‬ ‫البيت‪ ،‬وكيف سيواجهان غرق ابنتهما العزيزة الكتاب ص��ورة أختها‪ ،‬وت��رى نفسها تالعبها‬ ‫بشرى في البئر‪.‬‬ ‫وت��ض��اح��ك��ه��ا‪ ،‬وال��ص��غ��ي��رة ب��ش��رى تضحك‪،‬‬ ‫أخرجوا بشرى من البئر وقد ازرقَّ لونها وضحكاتها تشيع البهجة في البيت وفي نفس‬ ‫وشُ لّت حركاتها‪ .‬لم تستطع سليمة أن تطيل أختها سليمة‪ .‬ثم تجهش بالبكاء فتبلل دموعها‬ ‫النظر في أختها التي ماتت مخنوقة بعد أن أوراق الكتاب‪ ،‬حتى أصبحت تلعن الكتب‪ .‬لكن‬ ‫سقطت في البئر‪ .‬ناحت أم بشرى وناحت ذلك لم يستمر طويال‪ ،‬فقد عادت سليمة إلى‬ ‫معها سليمة‪ ،‬وكتم األب حزنه وه��و يواجه كتبها وهي تستغرق في أفكارها ومعانيها‪،‬‬ ‫المصاب‪.‬‬ ‫وتقول لنفسها‪:‬‬ ‫دفنوا بشرى في المقبرة‪ ،‬وأقاموا لها ليلة‬ ‫دف��ن حضرها الطلبة‪ ،‬ف��ق��رأوا على روحها‬ ‫الطاهرة آيات بينات من القرآن الكريم‪ .‬ظلت‬ ‫سليمة تختفي في غرفة من غ��رف البيت‪،‬‬ ‫وهي ال تستطيع أن ترى أحدا‪ ،‬وكانت جريحة‬ ‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫«ال ذنب للكتب فيما وقع ألختي بشرى‪ ،‬بل‬ ‫الذنب ذنبي أنا‪ ،‬وعليَّ أن أجمع بين القراءة‬ ‫وب��ي��ن االن��ت��ب��اه إل��ى م��ا ح��ول��ي‪ ،‬فقد تحدث‬ ‫أشياء خطيرة إن أنا فقدت القدرة على ذلك‬ ‫االنتباه»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪59 )2016‬‬


‫قصتان قصيرتان‬

‫د‪.‬عمار اجلنيدي*‬ ‫‪ρρ‬‬ ‫ّ‬

‫المنقـــــذون‬

‫شجاعة‬

‫دبّ الخالف بين الذئاب الثالثة‪ ،‬ونشب‬ ‫استجمع بقايا شجاعته‪ ،‬واث��ق�اً من أنه‬ ‫بينهم شجار ٍ‬ ‫دام؛ كانت فيه أنيابهم القاطعة سيصل ح��ت��ى ل��و ت��أخ��ر ق��ل��ي�لا‪ ،‬بخطواته‬ ‫ومخالبهم الطويلة سالحهم الحاسم عندما المرتبكة بفعل عكازه الجديد‪.‬‬ ‫عثروا على قطيع أغنام محبوساً في زريبة‬ ‫تقدم نحوها حتى وق��ف بجانبها قرب‬ ‫صغيرة خلف أحد البيوت القديمة‪..‬‬ ‫البوابة الشمالية للجامعة‪.‬‬ ‫سالت الدماء من أنيابهم بعد أن أعملوها‬ ‫قبل أن يعتزم على مصارحتها باألمر؛‬ ‫في أجساد بعضهم بعضاً‪ ،‬وكل منهم يحاول‬ ‫حمد اهلل كثيراً ألن قدمه الثانية لم يمسّ ها‬ ‫االستئثار بالقطيع‪..‬‬ ‫العطب إثر انفجار اللغم الرهيب الذي أودى‬ ‫ِ‬ ‫وفي خطوة‬ ‫مفاجئة اتفقوا على أن يسألوا بقدمه اليمنى كاملة قبل ثالث سنوات‪..‬‬ ‫األغنام عمّن تختار من بين الذئاب الثالثة‬ ‫ «شو مالك بتتطلع فيّ هيك»؟‬‫مالكاً للقطيع‪..‬‬ ‫ال ثم اختصر ما في جعبته من‬ ‫ارتبك قلي ً‬ ‫تقدّم تيس كبير‪ ،‬وقال بثقة‪:‬‬ ‫كلمات‪.‬‬ ‫ نحن ‪ -‬أيها السادة ال مشكله لدينا‪.‬‬‫ تتزوجيني»؟!‬‫ض��ع��وا ح��� ّداً لخالفكم واح��ت��راب��ك��م‪ ،‬ونحن‬ ‫عندها سنقبل ما تتفقون عليه‪ ..‬ال تعتقدوا‬ ‫قهقهت بكبرياء جُ رِ ح للتو‪.‬‬ ‫أبداً أن لدينا أية مشكله بهذا الخصوص‪..‬‬ ‫ «بدّك إياني أصوم‪ ..‬أصوم‪ ،‬وأفطر على‬‫أبداً‪ ..‬أبداً‪..‬‬ ‫بصلة!»‪.‬‬ ‫نحن ‪ -‬أيها السادة ‪ -‬ال نطيق أن نراكم‬ ‫استجمع بقايا شجاعته‪ ،‬حاول أن يبتسم؛‬ ‫تتشاجرون بسببنا‪ ..‬إن قلوبنا الرقيقة ال‬ ‫ليشعرها ب��أن كلماتها لم تقتله بعد‪ .‬لكن‬ ‫تقدر على احتمال خالفكم‪..‬‬ ‫محاولته عطبت فيه أشياء كثيرة‪ ،‬لم يشعر‬ ‫أي��ه��ا ال���س���ادة‪ :‬ن��رج��وك��م أن ال تختلفوا‬ ‫يوماً أنها بهذه األهمية‪.‬‬ ‫بسببنا‪ ،‬وإنني أتقدم بالشكر إليكم جميعاً‬ ‫تنهد بحرقة‪ ،‬وراح يتع ّث ُر بفعل عكازه‬ ‫باسم أف��راد القطيع‪ ،‬ألنكم حريصون على‬ ‫تخليصنا من ظلم الراعي!‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫محاكمة‬ ‫‪ρρ‬سعيد الفالق*‬

‫كانت تتجول طيلة قرون مضت بحريّة‪ ،‬تتجول في باحات الفكر‪ ،‬وتقطع شوارع‬ ‫الحروف والعبارات بدون تذكرة‪ .‬توقفت ذات يوم لبرهة‪ ،‬فإذا بسيارة شرطة دولية‬ ‫تقف عند قدميها‪.‬‬

‫اركبي معنا‪.‬‬ ‫إلى أين‪.‬‬ ‫ستعلمين فيما بعد‪.‬‬ ‫ال لن أركب‪.‬‬ ‫اصعدي أيتها المغفّلة قبل أن أستهلك‬ ‫طراوتك‪ ،‬وأحتفل بجسدك المتموّج في‬ ‫األثير‪.‬‬

‫تارة ونثراً تار ًة أخرى‪.‬‬ ‫بعد هنيهة نادى القاضي بقسوة‪:‬‬ ‫ما اسمك؟‬ ‫أجابت بفصاحة‪:‬‬ ‫عربية‪.‬‬ ‫االسم الكامل‪.‬‬

‫ص��ع��دت ع��ل��ى م��ض��ض‪ ،‬وتُ��وج��ه بها‬ ‫اللغة العربية م��ن م��وال��ي��د ال��ق��رون‬ ‫مباشرة إل��ى سجن اللغات في منطقة‬ ‫الفلكية‪.‬‬ ‫ال��م��ري��خ ق��رب ال��م��ش��ت��ري‪ ،‬ظلت هناك‬ ‫مَن الذي سيدافع عنك في المحكمة‪.‬‬ ‫لسنوات تتعذب بوحدتها وتتأسف على‬ ‫حال عصرها إلى أن جاء وقت المحاكمة‪.‬‬ ‫ال أح��د سيدافع عني ال��ي��وم‪ ،‬تخلى‬

‫عني أبنائي وباعوني بيعة ذليل بدراهم‪،‬‬ ‫صاح القاضي‪ :‬أدخلوا المجرمة؟‬ ‫وت���رك���وا ح���روف���ي ت��ق��ذف إل����ى م��زب��ل��ة‬ ‫فُتح الباب ف��إذا ب��ام��رأة ليست ككل‬ ‫النسيان‪ ،‬فاحكم بما شئت فأنت اليوم‬ ‫النساء‪ .‬تأسر القلوب والعقول من أول‬ ‫الخصم والحكم‪.‬‬ ‫ن��ظ��رة؛ فمعجمها بكر ل��م ت��ط��أه ق��دم‪،‬‬ ‫أعطى القاضي الكلمة إلى المدعي‬ ‫وأرض��ه��ا خصبة ب���دون م��ط��ر‪ ،‬وجهها‬ ‫حروف أصيلة‪ ،‬وتسريحة شعرها شعراً العام‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪61 )2016‬‬


‫سيدي القاضي‪ ..‬السادة المستشارون‪،‬‬ ‫إننا اليوم نحاكم إرهابية الدهر‪ ،‬إنها العربية‬ ‫التي لطخت العالم بحروفها‪ ،‬وقتلت ماليين‬ ‫البشر بجرة قلم‪ ،‬واستعمرت شعوبا وكتبا‪.‬‬

‫فصفق الحشد على صراحة ابن العربية‪.‬‬ ‫بعد لحظات صمت‪ ،‬قال القاضي‪:‬‬ ‫قررت المحكمة إعدام العربية‪.‬‬

‫فطرقت العربية رأسها وسلمت أمرها‬ ‫س��ي��دي ال���ق���اض���ي‪ ،‬ب��اع��ت��ب��ارن��ا ممثلي‬ ‫لخالقها‪.‬‬ ‫ال���ف���رن���ك���ف���ون���ي���ة واألن���ج���ل���وس���اك���س���ون���ي���ة‬ ‫أشرقت شمس ذلك اليوم‪ ،‬وأعد كل شيء؛‬ ‫واإلسرأمريكية‪ ،‬فإننا ننادي بإنزال أقصى‬ ‫البروتوكوالت الغربية‪ ،‬المشنقة‪ ،‬القبر‪ ،‬كل‬ ‫العقوبة المتمثلة في اإلعدام‪.‬‬ ‫شيء حاضر في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫فصاحت الحشود‪:‬‬ ‫ق��دم��ت العربية مقيدة ال��ح��روف أم��ام‬ ‫القتل‪ ،‬القتل‪.‬‬ ‫المنصة‪ ،‬ووضعت المشنقة في عنقها‪ ،‬وجر‬ ‫تنهد القاضي قائال‪:‬‬ ‫البساط من تحتها‪.‬‬

‫ماذا لديك لتضيفيه‪.‬‬ ‫ساد صمت كئيب‪ ،‬خال الجميع أن العربية‬ ‫حدقت العربية بوجوه الحاضرين وجهاً انتهت‪ .‬لكن سرعان ما صعقوا عندما تبين‬ ‫وجها‪ ،‬لكنها لم تجد أحدا من أبنائها‪ .‬الكل لهم أن الحبل انحل لوحده‪ .‬فنادى الضابط‬ ‫ت��رك لباس لغته‪ ،‬ولبس ثياب لغة أخ��رى حرسه والغيظ يخنق جسده‪.‬‬ ‫ارميها بالرصاص‪.‬‬ ‫فضفاضة ال تناسب جسده‪ .‬وتعجبت كيف‬ ‫لعب الزمان بها إلى أن شاخت وهي ما تزال‬ ‫ضغط على ال��زن��اد وب��دت الرصاصات‬ ‫بكراً‪ ،‬وكيف تساقطت أوراقها في عز فصل تتناثر‪ .‬ف��اض جسد العربية‪ .‬لكنها ظلت‬ ‫الربيع‪ .‬نظرت إل��ى قسمات وج��ه القاضي شامخة وظهرت من بعيد كأنها جبل يهون‬ ‫وقالت‪:‬‬ ‫عليه كل شيء‪.‬‬ ‫ليس لدي ما أضيف‪.‬‬ ‫ونادى القاضي‪:‬‬ ‫أدخلوا ابن عربية‪:‬‬

‫حينها اصف ّر وجه اللغات األخرى‪ ،‬وازداد‬ ‫كآبة‪ ،‬وتيقن الجَ مع أنه يواجه لغة ليست ككل‬ ‫اللغات‪ ،‬إنها لغة القرآن‪ ،‬لغة البيان‪ ،‬وإن من‬ ‫البيان لسحرا‪.‬‬

‫ماذا تقول في أمك؟‬ ‫خلت الساحة م��ن الحشود ف��ج��أة‪ ،‬كأن‬ ‫أن��ا أتبرأ من أم��ي العربية‪ .‬وأؤك��د لكم األرض ابتلعتهم‪ ،‬وخال المكان لسيدة العرب‪،‬‬ ‫أني طلقت حروفها‪ .‬وتزوجت بحروف لغة وه��ي ت���ردد ب��ص��وت ع��ال «ه��ا أن��ا العربية‬ ‫أخرى‪..‬‬ ‫اقتلوني إن استطعتم»‪.‬‬ ‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫املصبح*‬ ‫‪ρρ‬فهد‬ ‫ّ‬

‫وقع سهوا‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬ ‫ربكة‬

‫تلسعه حرارة الشاي‪ ..‬يفرغه‪ ..‬تظل‬ ‫بحماسة‪ ،‬قدم مخطوطه إلى الجهة‬ ‫المنظمة للمهرجان‪ ،‬فقوبل بالرضا مع الحرارة‪ ،‬والكوب مآلن‪ ..‬يبسمل‪.‬‬ ‫التأكيد على ضرورة االختصار‪ ،‬فجاء‬ ‫انقالب‬ ‫في أربعين صفحة من القطع الصغير‪.‬‬ ‫ع��رف ك��ل ش��يء ع��ن الحياة‪ ،‬فحار‬ ‫تصدرته ص��ور للمسئولين‪ ،‬فمقدمة‬ ‫فيما يصنع‪ ،‬إن سار أماماً نعتوه بالتهور‪،‬‬ ‫وإهداء‪ ،‬وتقريض وثناء‪ ،‬صفحات أكلت‬ ‫وخلفاً بالتراجع‪ ،‬ويميناً بالتذبذب‪،‬‬ ‫ربعه‪ ،‬ثم صدر بغالف جميل‪ ،‬خال من‬ ‫وشماالً بالتردد‪ ،‬فوقف مشوشاً‪ ،‬ينظر‬ ‫اسمه وصورته‪.‬‬ ‫إلى السماء ورأسه مدالة إلى األرض‪.‬‬ ‫الجنّ ة‬ ‫فــم‬ ‫ق��ال��ت الطفلة ألب��ي��ه��ا‪ :‬ب��اب��ا حلمت‬ ‫يتأفف كثيراً من رائحة الفم‪ ،‬ويمقت‬ ‫البارحة بأني دخلت الجنة‪ ،‬ووج��دت‬ ‫البصق على األرض‪،‬‬ ‫فيها كل شيء جميل؛ طيوراً‪ ،‬وزه��وراً‪،‬‬ ‫وال يتوانى من القذف‪.‬‬ ‫وفراشات‪ ،‬ومراجيح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأناساً‪ ،‬ومياهاً‪،‬‬ ‫وعنباً كثيراً‪ ،‬وأشجاراً مثمرة‪ ،‬وأعطاني‬ ‫صدق‬ ‫ربي شعرًا جميل‪ ،‬لكني حزينة أن لم‬ ‫كذب على زوجته قائال‪ :‬هذه المرأة‬ ‫أرك هناك‪.‬‬ ‫زوجتي‬ ‫قبلة‬ ‫طالعته باستعالء‪ ..‬تمتمت‪ ..‬بكلمات‬

‫أرادت تقبيله يوم العيد‪ ،‬فأرسلت له م ّل سماعها‪ ،‬ث ّم بكى في حين خلصت‬ ‫شفتين حمراوتين خاليتين من الدماء‪ .‬يدها من قبضته‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪63 )2016‬‬


‫العــــــــودة‬

‫‪ρρ‬محمد محقق*‬

‫كان الظالم قد بدأ يزحف على غرفته الصغيرة ويعزف على أوتار قلب الطيب‬ ‫لحنا حزينا وهو يتذكر صديقه صالح الذي غادر المدينة فجأة بحثا عن عمل‬ ‫لمواجهة أعباء الحياة‪ ،‬وهو يعلم جيدا أن هناك أشياء ال يمكن إخضاعها للمنطق‬ ‫والحساب؛ خصوصا وهو من الذين ال يجيدون لعبة ركوب الموج‪ ،‬كما أن الزمن لم‬ ‫يعد هو الزمن‪ ..‬وال يمكن لإلنسان أن يتحدى قدره‪ ،‬وألنه لم يعد هناك أي فرصة‬ ‫لبقائه‪ ..‬فقرر الرحيل‪.‬‬ ‫كان الضوء خافتا‪ ،‬وأل��وان الجدران‬ ‫داكنة تضفي ج��وا من الرهبة‪ ،‬جعلت‬ ‫الطيب يحبس أن��ف��اس��ه‪ ..‬وه��و يجمع‬ ‫خ��ي��وط األش���ي���اء ف��ي ع��ق��ل��ه‪ ،‬مغمض‬ ‫العينين‪ ،‬متمنيا م��ن ك��ل ج��وارح��ه أن‬ ‫يلتقي بصديقه صالح مرة أخرى‪ ،‬كان‬ ‫ذل���ك ه��و ب��داي��ة ال��ح��دث ال���ذي زل��زل‬ ‫كيانه وجعله حائرا‪ ،‬وهو ال يعرف ماذا‬ ‫يفعل‪ ..‬لكنه ك��ان ي��درك أن الصداقة‬ ‫الحقة تجعل اإلنسان في صحة جيدة‪،‬‬ ‫وفي راحة أبدية‪ ،‬إذ تختفي التوترات‪،‬‬ ‫وينتشر التفاؤل في الوجدان واألفكار‪.‬‬ ‫كما كان يعرف أيضا أن الخطوات ال‬ ‫تكتمل وق��دم��ي��ه ال تحتمالن جسده‬ ‫النحيل إال بالقدر الذي يخطو متعبا‪،‬‬ ‫مصرا أال يستسلم أمام العقبات التي‬ ‫تعترض طريقه‪..‬‬

‫‪64‬‬

‫على محياه عالمات التفكير واإلرهاق‪،‬‬ ‫وه��و يفكر ف��ي ه��ذا اإلح��س��اس ال��ذي‬ ‫جعله يشعر بالعزلة‪ ،‬منتظرا من يرفع‬ ‫معنوياته‪ ،‬وي��ب��ارك تحركاته لتحقيق‬ ‫هدفه ال��ذي يصبو إليه‪ ،‬وم��ا لبت أن‬ ‫انقشع الضباب وزالت الغمة‪ ،‬وحل يوم‬ ‫ازدادت فيه االج��ت��ه��ادات والمساعي‬ ‫ف��ي عملية ال��ب��ح��ث‪ ،‬وم���ط���اردة ه��ذا‬ ‫الغياب القسري‪ ،‬ومواجهة المصاعب‬ ‫المحتملة‪.‬‬

‫لقد عمق غياب صالح ج��روح أمه‬ ‫فاطمة‪ ،‬فأصبحت سجينة أشجانها‪،‬‬ ‫وفي غاية التعاسة‪ ،‬ال تمتلك من حياتها‬ ‫سوى ابنها الوحيد الذي غادرها فجأة‪،‬‬ ‫وكانت كلما سبحت في بحر اإلرهاق‪..‬‬ ‫ترافقها اآله��ات إلى الظالم؛ فتتناول‬ ‫مسح وجهه براحة ي��ده‪ ،‬وقد بدأت مسكنا يأخذها إلى نوم عميق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ورفيق دربه الطيب‪ ،‬يحمل باقة من الورد‪..‬‬ ‫كتعبير ع��ن م��ش��اع��ره المتسمة ب��ال��ب��راءة‬ ‫والتضامن والتمني لو يستطيع أن يتجاوز‬ ‫المكان والزمان‪ ،‬ويخترق الحواجز والحدود‪،‬‬ ‫الس��ت��رداد األم��ل إليها‪ .‬فارتمت عليه وقد‬ ‫علت وجهها ابتسامة رائعة الرقة‪ ،‬وأدركت‬ ‫في هذه اللحظة بأن حياتها قد تعود إليها‪،‬‬ ‫وأنها لن تكمل ما تبقى من عمرها وحيدة‪..‬‬ ‫كان الشعار ال��ذي رفعه الطيب وهو يغادر‬ ‫بيت فاطمة التي اتجهت إلى غرفتها وهي‬ ‫تسترجع ذكرياتها مع ابنها الوحيد‪ ،‬رافعا‬ ‫بصره‪ ،‬راجيا اهلل أن يعيد االبتسامة مرة‬ ‫أخ��رى لهذه األرملة التي تبكي بألم حظها‬ ‫ال��ع��اث��ر‪ ،‬وال��ت��ي رب��ت وحيدها تحت ظالل‬ ‫شجرة البؤس مع المعذبين في االرض‪.‬‬

‫ذل��ك المساء‪ ..‬ك��ان يسير على رصيف‬ ‫ال��ش��ارع م��درك��ا جحيم ال��واق��ع‪ ،‬ك��ان يشعر‬ ‫بالحنين؛ ألن الجميع ك��ان��وا بعيدين جدا‬ ‫ع��ن��ه‪ ،‬ان��ح��رف ي��س��ارا ودخ���ل م��ك��ان��ا‪ ،‬الكل‬ ‫يستمتع فيه بنهم‪ ،‬ويتفرجون بفضول بسبب‬ ‫موسيقى ال��ب��وب‪ ،‬مستعيدين ذل��ك الشعور‬ ‫الغامض باللذة‪ ،‬وق��ف مشدوها أمامهم‪..‬‬ ‫لكن كانت هناك يد تمتد إليه تشجعه على‬ ‫الخروج من ه��ذه ال��دوام��ة‪ ،‬وتخاطبه بحثا‬ ‫عن مخرج يلتقط أنفاسه‪ ،‬ول��م يتردد في‬ ‫تلبية نداء الشخص الجاثم أمامه‪ ،‬خصوصا‬ ‫وأن��ه أمضى أياما يتسكع في ش��وارع هذه‬ ‫المدينة‪ ،‬متنقال بين أزقتها ومقاهيها بحثا‬ ‫عن صديقه‪ ،‬وحين كان يجد نفسه أكثر من‬ ‫مرة وجها لوجه مع هذا الشخص الذي كان‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ك��ان بيتها الكائن على الطرف الغربي‬ ‫من الضاحية الجنوبية‪ ..‬المليئة بالحياة‬ ‫الطيبة والبسيطة‪ ،‬تسترجع فيه لحظات‬ ‫ت��ش��م م��ن خ�لال��ه��ا روائ���ح���ه‪ ،‬وت��ت��ن��ف��س في‬ ‫مساحتها رياحينه‪ ،‬وعند كل فجر كان يصلها‬ ‫صوت المؤذن يوقظها من غيبوبتها للصالة‬ ‫وال���دع���اء‪ ،‬وم���ن ال��ن��اف��ذة ك��ان��ت تنظر إل��ى‬ ‫غ��ادر الطيب القرية بخطى هادئة دون‬ ‫الضاحية‪ ،‬وعيناها تكادان تتمزقان رغبة أن يلتفت خلفه‪ ،‬وه��و يعيد ترتيب ح��واره‬ ‫في رؤيته ومعانقته من جديد‪ ،‬فهي لم تتخيل األخير مع صديقه صالح‪ ،‬الذي كان يحدثه‬ ‫يوما حياتها بدونه‪..‬‬ ‫عن أمنيته الوحيدة‪ ،‬والتي من أجلها كان‬ ‫كانت السنين المرة التي اختطفها الزمن مستعدا أن يفعل أي شيء‪ ،‬فيمتزج الرجاء‬ ‫من عمرها حين غيب الموت زوجها أحمد في عينيه وهو يرفع يديه إلى السماء‪ ،‬ألنه‬ ‫وه���و ف��ي ري��ع��ان شبابه‪ ،‬ت��ارك��ا لها طفال لم يعد يحتمل هذا القلق‪ ،‬وهذا الوقت الذي‬‫صغيرا على مساحات الظمأ‪ -‬مأساة بعيدة يمر بسرعة‪ ،‬محاوال ايقاف عزيمته‪ ..‬لكنه‬ ‫تعود من جديد‪.‬‬ ‫يأبى إال المضيّ نحو غايته المقدرة‪ ،‬رغم‬ ‫كانت الساعة قد قاربت السابعة صباحا أنه كان يعي أن الظرف خطير ومفتوح على‬ ‫عندما دق جرس الباب معلنا عن زيارة‪ ،‬وما اح��ت��م��االت كلها مبهمة‪ ،‬ال يمكن تفاديها‬ ‫أن فتحته حتى لمحت عيناها صديق ابنها بسهولة‪.‬‬ ‫بدأ كل شيء كالضباب‪ ،‬ضباب الرطوبة‬ ‫التي كانت تنشرها مياه حيرته‪ ،‬وضباب‬ ‫رؤيته القصيرة التي كانت تهزها قلة حيلته‪،‬‬ ‫لكن وعده للعجوز كان يتردد في داخله‪ ،‬يفتح‬ ‫شهيته للمغامرة‪ ،‬وكانت صورة صالح تقف‬ ‫هناك بانتظاره‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪65 )2016‬‬


‫يدعى عبداهلل‪ ،‬والذي كان سببا في تشكيل‬ ‫نقطة ت��ح��ول��ه ب��ع��ي��دا ع��ن بيئته األص��ل��ي��ة‪،‬‬ ‫فانخرط في الحركة النضالية التي كانت‬ ‫تعج بها المدينة‪..‬‬ ‫ك��ان��ت شخصية ال��ط��ي��ب تتسم بالجد‬ ‫والصرامة والميل إل��ى التغيير اإليجابي‪،‬‬ ‫وساعده في ذلك عشقه للسياسة التي جعلها‬ ‫وسيلة تواصل مع الناس وهموم الشارع‪ .‬لم‬ ‫يكن عاديا ذلك الغضب الجماهيري الذي‬ ‫انطلق قبل مغيب الشمس‪ ،‬هجوم جامح من‬ ‫رجال الشرطة اكتسح ما ألقت به الصدفة‬ ‫في طريقهم‪ ،‬تخترق األبنية العتيقة واألزقة‬ ‫الضيقة‪ ،‬ولكن كان اإليمان بالمبادئ التي‬ ‫آم��ن بها الطيب ورفاقه حجر ال��زاوي��ة في‬ ‫استمرار جذوة النضال والكفاح‪..‬‬ ‫ويمضي الطيب مع ه��ؤالء‪ ..‬وابتسامات‬ ‫األم��ل ونبض الوفاء يستعرض قطار األيام‬ ‫التي ستتوقف آجال أو عاجال‪ ،‬وزخ��ات من‬ ‫الدموع تغطي وجنتيه رغم البرودة والوحشة‬ ‫واألح��ش��اء المقتولة‪ ،‬ث��م ت��ت��راءى ل��ه ص��ورة‬ ‫صديقه صالح‪ ،‬الشخصية التي تتسم بالمرح‬ ‫وحب االختالط بالمجتمع‪ ،‬واالنفتاح على‬ ‫األخ���ر‪ ،‬واإلق��ب��ال على الحياة والموسيقى‬ ‫والغناء‪ ،‬فأحس بالظمأ يحرق أحشاءه‪ ،‬فخرج‬ ‫س��ائ��را ف��ي ش���وارع المدينة ش��ارد الذهن‪،‬‬ ‫ولسعات البرد الخفيفة كانت تذوب سريعا‬ ‫في حرارة الشمس‪ ،‬وفوق قدرة العقل على‬ ‫التصديق والعين على الرؤية والقلب! على‬ ‫احتمال األسى رأى صديقه ثم صرخ بصوت‬ ‫مرتفع من هول المفاجأة صالح‪ ،‬صالح فكان‬ ‫اللقاء بعد فترة من الزمن ينبض بالحياة‪..‬‬ ‫* قاص من المغرب‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ك���ان ص��ال��ح ي��ح��ك��ي ل��ص��دي��ق��ه ‪ -‬وهما‬ ‫يرشفان ك��ؤوس الشاي – كيف ك��ان يبحث‬ ‫عن معنى يحيا من أجله‪ ،‬أن يأخذ حظه‬ ‫من الحياة وأن يحلق في أفاقها‪ ،‬كان يحس‬ ‫أنه يمكن أن يعطي الكثير إذا ما انتقل إلى‬ ‫الغناء بشكل منفرد‪ ،‬كما أن عشقه للمجال‬ ‫هو السبب الذي جعله يغادر قريته التي كانت‬ ‫تحد من انطالقته‪ ،‬وتحجم موهبته‪ ..‬وهكذا‬ ‫توالت قافلة البحث الغنائية‪ ..‬فمضى برنين‬ ‫الف��ت‪ ،‬وتأمل واس��ع‪ ،‬واستنتاج واستقراء‪،‬‬ ‫وسكينة متأنية ورصينة‪ ،‬تلبية لجمهوره‪،‬‬ ‫ورغبة في التميز‪ ،‬ثم يتنفس الصعداء‪ ،‬وتنال‬ ‫منه ابتسامة هادئة‪ ،‬فاسحا لصديقه دوره‬ ‫في الحكي‪ ،‬فأفضى بما كان ينطوي عليه‬ ‫من أسباب وج��وده‪ ،‬وك��ان يسري في وجهه‬ ‫قلق يمتزج بلوعة حارقة‪ ،‬وهو يحدثه عن أمه‬ ‫فاطمة‪ ،‬منبها إياه إلى ضرورة التقيد بواجباته‬ ‫على الوجه األكمل تجاهها‪ ،‬خصوصا أنها‬ ‫طلبت منه في حالة عودته دونها‪ ،‬أن يأخذها‬ ‫إلى ملجأ للعجزة لتقضي فيه بقية حياتها‪،‬‬ ‫فانتفض صالح وهو ينظر إلى صديقه بعينين‬ ‫زائغتين‪ ،‬محركا يديه بعصبية ثم انفجر في‬ ‫وجهه كالقنبلة‪ ..‬مستحيل أن يحدث هذا‬ ‫وأم��ي لم تسأم تكاليف الحياة من أجلي‪،‬‬ ‫خصوصا وأني جمعت من المال ما يكفينا‬ ‫معا‪ ،‬قالها وه��و يعانقه مبتسما‪ ..‬كأنه ال‬ ‫يريد أن يسمع منه أي ثناء‪ .‬كانت مشاهد‬ ‫الوداع الغارقة في دموع األصدقاء لرفيقهم‬ ‫الطيب وصديقه صالح ترسم مالمح صورة‬ ‫التآخي والتضامن والتفاني‪ ،‬عاشقين للوطن‬ ‫واقفين ضد تفتيت ذاتيته‪ ،‬متمسكين بحق‬ ‫االختالف‪..‬‬


‫‪ρρ‬فرح لقمان*‬

‫تعرف الرفض‬ ‫ال ِ‬ ‫ابتسمت بألم‪..‬‬ ‫«طلبتُ منها النزول‪..‬‬ ‫ف���ت���دح���رج���تْ ع���ل���ى خ�����دي دون‬ ‫اعتراض‪..‬‬ ‫حتى جفت!‬ ‫بهذا الزمان‬ ‫رأي��ت حقيبة السفر بيده‪ ،‬فسألته‬ ‫باستغراب‪ :‬إلى أين؟‬ ‫هتف وهو يتالشى بالفضاء ‪:‬‬ ‫لم يعد لي مكان‬ ‫و اختفى‪ ..‬طيف الحياء‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬ ‫أريد التوبة‬ ‫تقف هناك‪..‬‬

‫تنظر للشاطئ‪..‬‬

‫غارقة «بالذنوب»‪..‬‬

‫رفعت عينيها قليالً‪..‬‬

‫وإذا بسفينة تقترب منها‪..‬‬

‫ألقوا لها قارب «نجاة»‪..‬‬

‫تمسكت به‪ ..‬وانطلقت‪..‬‬ ‫س منها‬ ‫يَ ِئ َ‬

‫أغمض عينيه بألم‪..‬‬

‫َم َد يده ليبعد تلك الذكريات‪..‬‬

‫إال أنها سحبته معها للمجهول‪..‬‬

‫أماه‪..‬‬ ‫بدمعة « حنين» هَ تفتُ ‪:‬‬ ‫نجاح النجاح‬ ‫أخبارك‪ ..‬هل أنت‬ ‫ِ‬ ‫لك‪ ..‬ما‬ ‫(اشتقت ِ‬ ‫َتمشي ِب � ُه��دوء وب��ي��ن يديها طفلين‬ ‫بخير‪..‬؟‬ ‫رضيعين‪..‬‬ ‫أال تودين زيارتنا ؟ أو نزورك‪..‬‬ ‫ست َُض ِحي بشبابها من أجلهما على‬ ‫أحتاج إلى حضنك الدافئ‪ ..‬عودي‬ ‫أمل‪..‬‬ ‫إلينا‪)..‬‬ ‫َكبُرَت‪ ..‬و َكبُرا‪ ..‬فأصبحت تضحي‬ ‫أنهت تلك الكلمات وذهبت بعدما‬ ‫بعجزها مِ ن أجلهما‪..‬‬ ‫تركت قلبها هناك‪..‬‬ ‫وَما تزال تَبت َِسم بتفاؤل!؟‬ ‫في المقابر؟‬ ‫* طالبة في المدرسة الثانوية الثالثة للبنات في سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪67 )2016‬‬


‫أنا والليل‬ ‫‪ρρ‬خلف أحمد حسن*‬

‫إن� ��ي أح �ب��ك م �ه �م��ا ط� ��ال م��وع��دن��ا‬

‫ف�ج��ددي ال��وص��ل ي��ا ُحبي وداوي�ن��ي‬

‫وأعشق الوجد في عينيك يا أملي‬

‫وأس� �ت ��ري ��ح ع �ل ��ى ك �ف �ي��ك ت��ؤوي �ن��ي‬

‫وأغ �ب��ط ال��ري��ح إن ه �ب� ْ�ت نسائمها‬

‫وأعشق الشهد من راحيك فاسقيني‬

‫إن� � ��ي ب �ل �ي ��ت ب� �ح ��ب ك� �ن ��ت أح �س �ب��ه‬

‫ع��ذب ال�م�ن��ال ف�ص��ار اآلن يكويني‬

‫رغ��م ال�ت�ج��اف��ي ف��إن��ي ب��ت أعشقها‬

‫وأس �ت �ب �ي��ح ل �ه��ا ف� �ك ��ري ت�ن��اج�ي�ن��ي‬

‫إن ��ي ع�ل�ي��ل وه� ��ذا ال �ش��وق يقتلني‬

‫والليل يجثو على ظهري فيشجيني‬

‫أس ��اه ��ر ال �ن �ج��م واآله � � ��ات أك�ت�م�ه��ا‬

‫صعب وطول البعد يضنيني‬ ‫ٌ‬ ‫فالوجد‬

‫�رك ف ��ي ق �ل �ب��ي أخ �ب �ئ��ه‬ ‫م ��ا زال س� � � ِ‬

‫وال �ق �ل��ب ي�ف�ض��ح آه��ات��ي فضميني‬

‫إن ��ي غ��ري��ق س�ف�ي�ن��ي ت ��اه ف��ي ل�ج� ٍ�ج‬

‫وح�ب��ل وص�ل��ك ينجيني ويحييني‬

‫مُ � ��دّ ي ي��دي��ك ب �ح��ق ال � ��ود ف��ات�ن�ت��ي‬

‫أو رمش عينك إن الرمش يكويني‬

‫جودي بوصلك لي‪ .‬قد مُت ُّ من ولَهٍ‬

‫ف��ال��ورد م��ن شوكه يدمي شراييني‬

‫إن� ��ي أح �ب��ك م �ه �م��ا ط� ��ال م��وع��دن��ا‬

‫فعجلي ال�ق��رب ي��ا س �م��راءُ داوي�ن��ي‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬إبراهيم زولي*‬

‫آن لي أنْ أدلّ النجوم‪،‬‬ ‫تشب عن الطوق‬ ‫النجوم التي غالبا ما ّ‬ ‫أؤ ّل � ��ف ب �ي��ن ال� �س ��راب ال �م �م �وّه ب��ال�ن��ار‬ ‫والمفردات‬ ‫ها أنا أحتمي بالقصيدة‬ ‫يحط الرحال على كتفي‬ ‫ّ‬ ‫بالليل وهْ و‬ ‫بالكالم المهرّب خلف النوافذ‬ ‫بالجمر‪ ،‬جمر الحنين الكذوب‬ ‫بتلك ال�ف�خ��اخ ال�ت��ي تتصيدني آخ��ر‬ ‫العمر‪.‬‬ ‫ليس هنالك أكثر من ذلك البؤس‪.‬‬ ‫ال شيء‪ ،‬يجعل هذي الحياة تدوم‪،‬‬ ‫عدا وجهها‪..‬‬ ‫وجهها القادم اآلن من زمن أخضر‪،‬‬ ‫مصب الينابيع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫ما يتبقّ ى على حافة الكأس‪،‬‬ ‫يلقي التحيّة للواقفين على خنجر‬ ‫األمنيات‪.‬‬ ‫ل��م ي �ك��ن وج �ه �ه��ا ق��اب�لا ل�ل�غ�ن�ي�م��ة في‬ ‫ساعة الحرب‪،‬‬ ‫كان دليل المحبّين في مطلع الصبح‪،‬‬ ‫حسرتهم في الشتاءْ ‪.‬‬ ‫طالما يتراءى على كتف البحر‪،‬‬ ‫يصعد محتشما من غبار الكتابة‪.‬‬ ‫كالغيمة الجامحة‪.‬‬ ‫طافيا في سماء األغاني‪،‬‬

‫يلمّ شتات المدى‪،‬‬ ‫كالظهيرة حين تجنّ بها الشمس‪،‬‬ ‫يستوقف الريح دون حياء‪،‬‬ ‫وي� �س� �ت ��رج ��ع ال � ��وق � ��ت ق� �ب ��ل اش� �ت� �ع ��ال‬ ‫الخطى‪.‬‬ ‫وجهها‪ ،‬مثل مأدبة تستحث المزاج‪،‬‬ ‫المزاج الذي تتقلب فيه البالغة‪،‬‬ ‫َض بالدم‪ ،‬يصلح للعيش‬ ‫وجهٌ يقاي ُ‬ ‫عند التغرّب‪ ،‬بين ضواحيه نستمطر‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫يور َُث أمنية في المنافي‪،‬‬ ‫ضفافا مقدّ دة بالهوى والهواء‪،‬‬ ‫بساتينَ ‪ ،‬زينتَها لم ير أحد مثلها‪.‬‬ ‫وجهها؛ قمر قدّ من ولع‬ ‫ورياحٌ شمالية تتبرّك باألسئلةْ‪.‬‬ ‫كل ما قيل ال يفضح السر‪،‬‬ ‫ال يقرأ الماء بين الهوامش‬ ‫ال‪ ،‬لن يطيح بتاج المهابةِ ‪.‬‬ ‫ما قيل؛ لم يسرد الذكريات‪،‬‬ ‫الحواس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صهيل‬ ‫نوارس تغفو على فمها‪.‬‬ ‫أنت أخطأت في الوصف‬ ‫حاذ ْر من الكلمات األليفة‬ ‫ال أصدقاء سوى وجهها‪،‬‬ ‫هو أقدس آثامها‪،‬‬ ‫وأقلّ غواياتها الفاجرة‪.‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وجهها‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪69 )2016‬‬


‫من فوق الرمال‬ ‫‪ρρ‬محمود الرمحي*‬

‫وم � � � � � � � ��ن ف � � � � � � � ��وق ال � � � � � � ��رم � � � � � � ��ال أَ ُب� � � � � � � � � � � � � � � ُّ�ث ش � � �ع� � ��ري‬ ‫ي � � � � � � � � � � ��داوي ال � � � � � � � ُ�ج � � � � � � ��ر َح إال ُج� � � � � � � � � � � � � � ْر َح ع � � �م� � ��ري‬ ‫ل � � � �ع � � � �م� � � ��ري مَ � � � � � � � � � ��نْ ي � � � �ع � � � �ي� � � ��دُ ال � � � � � �ح� � � � � ��قَّ ي� � � ��ومً � � � ��ا‬ ‫ي � � � � � � � � � � � � � � ��داوي ُج� � � � � ��رح � � � � � �ن� � � � � ��ا ب � � � � � �ط � � � � � �ل� � � � � ��وعِ ف� � �ج � ��ر‬ ‫ف� � � �ل� � � �س� � � �ط� � � �ي � � ��نُ ال � � � �ح � � � �ب � � � �ي � � � �ب� � � ��ةُ ك� � � � �ي � � � ��ف أح� � � �ي � � ��ا‬ ‫ب � � � � �ع � � � � �ي� � � � ��دً ا ع� � � � � ��ن ث � � � � � � � � � ��راك وف � � � � � �ي� � � � � � ِ�ك س � � �ح� � ��ري‬ ‫�ول‬ ‫�ال ‪ ..‬إل� � � � � � ��ى س� � � �ه � � � ٍ‬ ‫أح� � � � � � � � � ُّ�ن إل� � � � � � ��ى ال� � � � �ج� � � � �ب � � � � ِ‬ ‫�ك ب� � �ح � ��ري‬ ‫�روج ‪ ..‬إل � � � � �ي� � � � � َ‬ ‫إل � � � � � ��ى ت� � � �ل � � ��ك ال� � � � � � �م � � � � � � ِ‬ ‫إل� � � � � � � � ��ى ت� � � � �ل � � � ��ك ال � � � � � � �م� � � � � � ��دائ� � � � � � � ِ�ن ف� � � � � � ��ي ُرب � � � � ��اه � � � � ��ا‬ ‫�اف‪ ،‬ون � � � � � � � �ب� � � � � � � � ٍ�ع ف� � � � �ي� � � � �ه � � � ��ا ي � � � �ج� � � ��ري‬ ‫وأري� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ٍ‬ ‫***‬ ‫أح � � � � � � � � � � � � � � ُّ�ن إل � � � � � � � � �ي � � � � � � � � ِ�ك ي � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��زدادُ ح � � �ن � � �ي � � �ن� � ��ي‬ ‫ح� � � � �ن� � � � �ي � � � ��نَ ال � � � �ظ� � � ��ام � � � �ئ � � � �ي� � � ��ن ل � � � � � � �م� � � � � � ��اءِ ن� � �ه� � �ـ� � �ـ � ��ر‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫ح� � � � �ن� � � � �ي � � � ��نَ األ ِّم إنْ ف� � � � � � �ق � � � � � ��دتْ‬

‫رض� � � �ي � � ��عً � � ��ا‬

‫�ش ال� � � � �ع� � � � �م� � � � � َر ف� � � � � ��ي جَ � � � � � � � َل� � � � � � � ٍ�د وص � � � � � ْب� � � � ��رِ‬ ‫ت � � � �ع � � � �ي� � � � ُ‬ ‫وذاك ح � � � � ٌّ�ب‬ ‫َ‬ ‫ع� � � � �ل � � � ��ى أمَ � � � � � � � � � � � � � ِ�ل ال � � � � � �ل � � � � � �ق� � � � � ��اءِ‬ ‫األرض ف � � � � ��ي شَ � � � � ��ري� � � � ��ان� � � � ��ي ي � � �س � ��ري‬ ‫ِ‬ ‫وح� � � � � � � � � ُّ�ب‬ ‫***‬ ‫ص � � � � � �ب� � � � � ��رن� � � � � ��ا‪ ..‬ك� � � � � � ��م ص� � � � �ب � � � ��رن � � � ��اه � � � ��ا ع� � � � � �ق � � � � ��ودً ا‬ ‫وط � � � � � � � ��الَ ال� � � � �ص� � � � �ب � � � ��رُ ‪ ..‬ب � � � ��ل ق � � � ��د ع� � � �ي � � ��لَ ص � �ب� ��ري‬ ‫ول � � � � � �ي� � � � � ��دُ األم � � � � � � � � � � � ِ�س ق� � � � � ��د أض � � � � �ح� � � � ��ى م� � �ش� � �ي� � � ًب � ��ا‬ ‫وعُ � � � � � ��مْ � � � � � ��رُ ال� � �ش� � �ـ� � �ـ� � �ـ� � �ـ� � �ي � � ِ�خ يُ � � ��دن � � �ي � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��هِ ل � �ق � �ب � �ـ� ��رِ‬ ‫وم � � � �ف � � � �ت � � � �ـ � � � �ـ� � � ��احُ ال� � � ��دي � � � �ـ � � � �ـ � � � �ـ � � � �ـ� � � ��ارِ َل � � � � � � � � � ��هُ رف � � � �ي� � � � ٌ�ق‬ ‫�ص � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��رِ‬ ‫�س رؤي � � � � ��اه � � � � ��ا بِ � � َن� � ْ‬ ‫يُ � � � ��مَ � � � � ِّن� � � ��ي ال� � � �ن� � � �ف � � � َ‬ ‫�ال‬ ‫�ال وغ� � � � �ـ� � � � �ـ � � � � ٍ‬ ‫ول � � � � � � �ك � � � � � ��نْ م� � � �ه � � ��ره� � � �ـ� � � �ـ� � � �ـ � � ��ا غ � � � � �ـ � � � � �ـ � � � � � ٍ‬ ‫م� � � �ت � � ��ى ي� � � � ��ا أم � � � �ت� � � ��ي ُت � � � ْ�س� � � �ـ� � � �ـ� � � �ـ � � ��دي � � ��نَ م� � �ه� � �ـ� � �ـ � ��ري؟‬ ‫* شاعر أردني مقيم في منطقة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪71 )2016‬‬


‫الجياد عند المنحنى‬ ‫‪ρρ‬أحمد متساح*‬

‫قلت لهم‪:‬‬ ‫ُ‬

‫ترى لمنْ أقدمُ عزائي؟‬

‫الجرح لي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫بيداءُ‬

‫فاسف دوائي‬ ‫ُ‬

‫طواحين الهجرِ واآلنات‬

‫تعالوا في رئتي دقوا الخيام‬

‫النبض ولى‬ ‫َ‬ ‫كأن‬

‫دقوا الكال َم‬

‫أم ماتْ‬

‫دقوا أوتا َد الظالم‬

‫نخيل الذات‬ ‫ِ‬ ‫فال تبحثوا عن‬

‫في عيني‪..‬‬

‫تبكي على كفي الدَّ نا‬

‫بمناجل المالم‬ ‫ِ‬ ‫أحصدني‬

‫يا أيها النخيلُ الذي انحنى‬

‫لقد ت�ك��اث��رتْ ال�ط�ح��ال��ب‪..‬و الرعشةُ‬

‫جياد أبى عند المنحنى‬

‫في الصمام‬

‫فمن أنا‪..‬؟‬

‫مذ متى ترعى الغربانُ في دمائي‬

‫أنا‬

‫فأين روحي‬

‫ضاقت األرض علىَّ‬ ‫ْ‬

‫أين جسدي‬

‫القدس في بيداء التنائي‬ ‫ُ‬ ‫و‬

‫و أين ردائي‪..‬؟‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬أحمد مصطفى سعيد*‬

‫توشمها االبتسامة‬ ‫فحاذر عينيها‬ ‫إن حدقت‬ ‫دققت‬ ‫أطلت االبتهال‬ ‫فحسنها‬ ‫من الرحمن آية‬ ‫رغم الخمسين خريفا‬ ‫كل خميس‬ ‫تسبق النهار‬ ‫لتفترش أرض السوق‬ ‫تحمل على الرأس‬ ‫أحالم األيتام‬ ‫وعلى الكتف‬ ‫ابن عام‬ ‫لتعود‬ ‫«بلحمة» العيد‬ ‫دواء السعال‬ ‫مالبس الشتاء‬ ‫رغم اإلعياء‬ ‫ال تهاب العناء‬ ‫كافورة هي‬ ‫لم تحنها رياح الحاجة‬ ‫(نحيف وحيد األهل)‬ ‫تطوح يمينا شماال‬

‫لم يعفر جبينها السؤال‬ ‫ففوقها السماء ال تزال‬ ‫سرا تناديها‬ ‫فال يرد لها سؤال‬ ‫تجاهر بالحمد هلل‬ ‫فتمتلئ دروب عمرها‬ ‫ضياء‬ ‫الحمد هلل‬ ‫ضحكة الرضيع‬ ‫تكفيني‬ ‫غدا تباركه األيام‬ ‫يصير غالما‬ ‫ويدفع عنى يد الجوع‬ ‫ذات الخمسين خريفا‬ ‫تبيع الفسيخ‬ ‫فرحة‬ ‫وتهب القانط الرضا‬ ‫للقانط‬ ‫وتترك مكانها‬ ‫عالمات استفهام‬ ‫تعجب‬ ‫من أين لبائعة الفسيخ‬ ‫رغم زمانها السخيف‬ ‫كل هذا االبتسام؟؟؟!!!‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫بائعة الفسيخ‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪73 )2016‬‬


‫َال َْح ِائ ْك‬ ‫‪ρρ‬السماح عبداهلل*‬

‫هو الذي قمّصني قميصتي‬

‫قال‪ :‬نم على براح دك ّة الدكانِ‬

‫التذكرات في عينيّ‬ ‫ِ‬ ‫أنا الذي وقفت أحمل‬

‫القماش ثم قص الثوبَ‬ ‫ِ‬ ‫قاس طولي قاس فضلة‬

‫القماش من حانوته‬ ‫ِ‬ ‫واشتريتُ فضلة‬

‫قال‪ُ :‬م َّر مر ًة أخرى عليّ عندما يأتي الشتاء‬

‫ُّ‬ ‫وكنت أنتوي‬ ‫أقصه يستر مرفقيّ أو أش �دُّه والشتا أتى وها ترونني بهذه القميصة التي‬ ‫يطول ركبتيّ‬ ‫عليّ‬ ‫ِ‬ ‫فجمعت فائض الحوائج التي في‬ ‫البيت كلها ال تلوموني أنا وإنما هو الذي قمّصني قميصتي‬ ‫وزرته في غفلة من العيونِ‬ ‫امش بها فإنها إذا أتى النها ُر سُ ترةٌ‬ ‫وقال ِ‬ ‫قصاص قص لي على مقاسي‬ ‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬يا‬ ‫بصاصي النهار واللصوص‬ ‫ت��زود عنك عين ّ‬ ‫ونثرت ما حملته من فائض الحوائج التي في والتجار‬ ‫البيت‬ ‫ِ‬ ‫ثم نم بها إذا أتى اللي ُل الكبي ُر إنها منام ٌة تصبح‬ ‫قال‪ :‬بعضها مستهلكٌ‬ ‫في األحالمِ مركبا وخيم ًة‬ ‫ترقص فيها رقصتين تنتشي يا‬ ‫ُ‬ ‫وبعضها نقَّره الدود الذي يسكن في الخزانةِ تصب ُح حان ًة‬ ‫القديمةِ‬ ‫صاديَ الجفونِ‬ ‫القماش‬ ‫ِ‬ ‫النفيس كي أعطيك قطعة‬ ‫َ‬ ‫انتق‬

‫أو تشربُ فيها رشفتين ترتوي يا ظاميء الفؤادِ‬

‫في شتاء الخوف قوتي كله‬

‫يا سي َد الخُ طا‬

‫وأشه ُر الشتاء تضرب العظا َم وعظامي هش ٌة‬

‫ومنش َد الموالِ‬

‫فقال‪ :‬لف حول بسطة المكانِ‬

‫يا ربيبَ الفرَحِ ‪.‬‬

‫القميص‬ ‫ِ‬ ‫يا لـمَّا ُم ل ّم فضل ًة تصل ُح كي أعطيك فضل ًة فتصي ُر – إن رُويتَ – فارسا حل َو‬ ‫تس ُّر العي َن واألشجا َر واألنها َر‬ ‫المعلقات‬ ‫ِ‬ ‫تشتهيه نسوةُ النوافذِ‬ ‫قلت‪ :‬ليس يملك الفقير غير ما أتى به‬ ‫ِت ْه به تصر لما تري ُد‬ ‫وغير ما أبقى له أهلوه غير ما أبقت له مرارةُ‬ ‫وامش في األسواقِ فرحانا لتبل َغ الجبا َل‬ ‫ِ‬ ‫النهارِ‬ ‫ال لكنني أنفقت واخطُ في أكمامه تخلص ْه لك الدنيا بأسرِ ها‬ ‫اص لست باخ ً‬ ‫قص ُ‬ ‫استوص يا ّ‬ ‫ِ‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬خالد مزياني*‬

‫سيدتي العذراء‬

‫وتاج الملك تصنعه حبيبتي‬

‫هذه كلمات عاشق‬

‫ضفائرك الشقراء‬

‫عزاؤه الوحيد‬

‫لن أكون بعد اليوم‬

‫قلبه رزمة أوراق‬

‫وشفتك الحمراء‬

‫إنه اليوم مشتاق‬

‫رقما في جوالك‬

‫قلبي وردة حمراء‬

‫في حقيبتك‬

‫لك سيدتي‬

‫وال بطاقة اعتماد‬

‫أزرعها بقلب األعادي‬

‫منذ اليوم أنا فيك‬

‫وبقلبك األبيض الناصع‬

‫كما الزهر في األرض‬

‫أسميك تارة بسيدتي‬

‫تدور حوله العذارى‬

‫وأخرى ساحرتي‬

‫حكايا الصبايا‬

‫شوك صبار‬

‫فاكهة رمان‬

‫وتارة ملهمتي‬

‫كما الماء في النهر‬

‫سأشيد باسمك ألف مزار‬ ‫وتنسج من حوله‬

‫وكل المرات واألعذار لي‬

‫سأقف على حدود خديك‬

‫لن تصادر بعد اليوم‬

‫فاتحا عبر شفتيك‬

‫وال عاشقا غيري‬

‫سأفك ضفائرك اآلن‬

‫بحبيبتي‬

‫همسات العشاق‬

‫عابرا المحيط‬

‫بوابة الفردوس المفقود‬

‫لن توأد بعد اليوم‬

‫وانسج لك في قلبي‬

‫وال شاعرا غيري‬

‫فهنيئا لك بالحب الكبير‬

‫قصائد الشعراء‬

‫ألني اليوم أنصب ملكا‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫همسات عاشق‬

‫بيتا لك وحدك‬

‫وبخالـد نعم الحبيب‪.‬‬

‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪75 )2016‬‬


‫قصيدتان‬ ‫‪ρρ‬لقمان محسن حلفاوي*‬

‫على الهامش ال أكثر‬ ‫َاب‬ ‫َالغي ِ‬ ‫رَمَ ادِ ٌّي ك ِ‬ ‫ون ابتِ دَاءٍ وال نِ هايةٍ تُذك ْر‬ ‫بِ دُ ِ‬ ‫المز َِاج والمَ جَ ازِ‬ ‫ضبابيُ ِ‬ ‫كسَ حابَةٍ ُحبلى‬ ‫ُمط ْر‬ ‫ال ت ِ‬ ‫لَكِ ن سَ مائِ ي َ‬ ‫تذكّر يا خافقي وال تنسى أَبَدً ا‬ ‫ُشه ْر‬ ‫رحا بِ سَ ي ِْف العُ مرِ قَد أ ِ‬ ‫ُج ً‬ ‫نفس‬ ‫كفاك يا ُ‬ ‫قد تعب الحصان من وجع الماضي الذي أدبر‬ ‫*****‬ ‫على الهامش ال أكثر‪..‬‬ ‫يل قديم بدون ضوءٍ‬ ‫ند ٍ‬ ‫ك َِق ِ‬ ‫أرتاد مقهى المدينة المهجورة‬ ‫حزين بما يكفي‪ ،‬سعيد بما يكفي‬ ‫وبين السعادة والحزن‪..‬‬ ‫أجد نفسي بين بين‬ ‫كما الماء‪ ،‬كما الموت‬ ‫ارتباك‬ ‫حين يرتبك الوتر‬ ‫يحتدم الليل في دمي‬ ‫يطوقني بأطياف األسى‬ ‫و يرسم بلون الغياب‬ ‫قطع الليل‪..‬‬ ‫يجالس العدم‬ ‫و يكون الفراق‬ ‫***‬ ‫أنا الجسد اآلفل وراء صدى الوجع‬ ‫أرسم خلف الليل فجر اللقاء‬ ‫و أجلس هناك‪..‬‬ ‫عند انبثاق الروح‬ ‫أقتفي بكاء المطر‬ ‫* شاعر من تونس مقيم في السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫لن يكون لك ارتواء يا قلبي‬ ‫فالظمأ يسكنك‬ ‫خطاياك تغمرك‬ ‫و تقترب النهايات‬ ‫هذا فراق بيني وبينك‬ ‫كزهرة لوز سقط الربيع منها شهيدا‬ ‫كفى ببارقة سيوف الوجع تشهد‪..‬‬ ‫بأني أحبك‬ ‫***‬

‫أرسلني بعيد ًا عنك‬ ‫واقطع أمنيات الوصول‬ ‫الشاردة‬ ‫ولك أن تمتطي رياحك ّ‬ ‫بعيدا عن مدارات اللقاء‬ ‫***‬

‫ذاك الغريب‪..‬‬ ‫ذاك الذي أكتب عنه‬ ‫و يقرأ غيره أشعاري‬ ‫كيف السبيل إلى امراة لم تقرأ‬ ‫بيتا من أبياتي؟‬ ‫لم تشعر بنبض معاناتي‬ ‫ما أشقى أن أعشق روحا لجسد‬ ‫ال يعرفني‪..‬‬ ‫إن الروح تمتثل قبل الجسد‬ ‫أحيانا‪..‬‬ ‫ذاك المكابر‬ ‫ليس إال شهقة اندهاش‬ ‫بعثرت أوتار الروح‬ ‫ارتكبت الخطيئة‬ ‫و تركت في القلب‬ ‫لوعة‪..‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫الروح‬ ‫نين‬ ‫َر ُ‬ ‫ِ‬

‫‪ρρ‬الطاهر لكنيزي*‬

‫عَ ��جَ �ب��ي لِ � � َق � �وْمٍ َي� � ْأ َن� �ف ��ونَ ال � ُ�ح � ْ�س ��نَ ف ��ي أَ ْب � � َه ��ى ال��فُ �ن��ونْ‬ ‫وَال� � � َف � � ُّ�ن َل ��مْ ��سَ ��ةُ غ � � ��ادَةٍ خَ � � � ْرس � ��ا َء ُت � ْن� ِ�ط��قُ �ه��ا ال � ُ�ش �ج ��ونْ‬ ‫َف � � ْي � �ح� ��اءُ ‪ ،‬ب � ��اذِ خَ � ��ةُ ال ��حَ � �ن ��اي ��ا‪ ،‬وَال � � ّ َث � �ن� ��اي� ��ا‪ ،‬وَال ��جَ � �ب� �ي ��نْ‬ ‫�راح‪ ،‬وَال � ُ�ح � ِّ�ب ال��مَ �ك�ي��نْ‬ ‫�راح‪ ،‬وَاأل ْت � � � � ِ‬ ‫و َِس� � َع � ْ�ت َص� ��دى األفْ � � � ِ‬ ‫�اح َف� �ت� �ي ��نْ‬ ‫وظ� � � � ��لُّ ُت � � ��فّ � � � ٍ‬ ‫�اح‪ِ ،‬‬ ‫�ص � � �ب� � � ِ‬ ‫أ َْح� � ��داقُ � � �ه� � ��ا أَ َل� � � � � ��قُ ال� � � َ‬ ‫�وش � � �ه� � ��ا هُ � � � � ��دُ ُب ال � ��سَ � � �ن � ��ابِ � � ِ�ل‪ ،‬الَرِ م� � � � � � ��احٌ ل� �ل ��مَ � �ن ��ونْ‬ ‫َو ُرم� � � ُ‬ ‫فَ � �إِلَ � �هُ � �ن� ��ا خَ� � �لَ� � �قَ ال� � �جَ� � �م � ��الَ‪ ،‬وَزانَ� � � � � � �هُ عَ� � �بْ� � �رَ ال �سِ �ن �ي �نْ‬ ‫ألم� � �ي � ��نْ‬ ‫ْآن‪ ،‬ف � ��ي مَ � � � � ��دْ ِح ا َ‬ ‫ف � ��ي غُ � � � َّن� � ��ةٍ لِ � � ��تِ � �ل ��اوةِ ال � � � ��قُ � � � � �ر ِ‬ ‫ف��ي َل �وْحَ ��ةٍ لِ � ْل �ح��ورِ ‪ ،‬ف��ي األ َْش� �ع ��ارِ ‪ ،‬ف��ي ال � َل��فْ � ِ�ظ المَ تينْ‬ ‫�ات ال ��حَ � �ن� �ي ��نْ‬ ‫�ات ن� � ��اي� � � ِ‬ ‫أل ْوت� � � � � � � � � ��ارِ ‪ ،‬ف � ��ي آه � � � � � ِ‬ ‫ف � ��ي أَ َّن � � � � � ��ةِ ا َ‬ ‫ف ��ي ُت � ْ�ح� � َف ��ةٍ خَ � �زَفِ � � َّي� ��ةٍ ‪ ،‬ف ��ي ُح � ��مْ � �رَةِ ال ��شَ � � َف � ِ�ق ال��حَ ��زي��نْ‬ ‫�اف ِظ� � ��لٍّ مُ � ْ�س � َت �ك �ي��نْ‬ ‫ف� ��ي َد ْب � � � َك� � ��ةٍ بِ � ��ال� � � َر ْك � � ِ�ح‪ ،‬ف� ��ي أ َْط � � �ي� � � ِ‬ ‫ألن� �ي ��نْ‬ ‫اح� � � َت� � �رَقَ ا َ‬ ‫�ان‪ ،‬إِ ذا َب �ك��ى ْ‬ ‫ف ��ي َب � � �و ِْح َق� � ��وِ ٍس لِ � � ْل� � َك� �م � ِ‬ ‫�ون َل� � � ْي �ل� ً�ا‪ ،‬ح� �ي ��نَ َي� � ْن� � َك � ِ�س ��رُ ال � ُ�س� �ك ��ونْ‬ ‫ف� ��ي َر َّن � � � ��ةِ ال � �ق� ��ان� � ِ‬ ‫�ام � ِ�ل ال� ُ�ح� ْ�س� ِ�ن ال��مَ �ص��ونْ ‪.‬‬ ‫�روح َب � ْي��نَ أَن � ِ‬ ‫�راح ال� � ِ‬ ‫حَ � ّت��ى ا ْن � ِ�ش � ِ‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪77 )2016‬‬


‫ُ‬ ‫البكر‬ ‫الرذاذ‬ ‫تراتيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ρρ‬هندة محمد*‬

‫دمي‬ ‫األصوات‬ ‫ِ‬ ‫فيض من‬ ‫ٌ‬

‫وقد كنتَ الغريبَ‬

‫األوطان‬ ‫ِ‬ ‫يتلو على‬

‫يشدُّ صوتي إلى وترٍ‬

‫آيات التّمنّي‬ ‫ِ‬

‫فيك لحني‬ ‫َ‬ ‫يوطنُ‬

‫ووجهي‬

‫ستهجرُ َك الخطايا‬

‫في المرايا التقيه‬

‫العصيان‬ ‫ِ‬ ‫حين تسهو يدُ‬

‫ألحضنَ خوفَهُ المنثو َر منّي‬

‫عن زرعِ التجنّي‬

‫عين الغمامةِ‬ ‫ومن ِ‬

‫ُك الموانئُ عن خطاها‬ ‫وتسأل َ‬

‫ليهبط فوق ٍ‬ ‫َ‬ ‫سالَ وحي ًا‬ ‫مزن‬ ‫موج يحاو ُر سرَّ ِ‬ ‫جرح مطمئنِّ و عن ٍ‬

‫‪78‬‬

‫لكم‬

‫إلى َم‬

‫الخذالن قمح ًا‬ ‫ِ‬ ‫طحنت رحى‬ ‫ْ‬

‫ال�رّوح تتخذُ الحكايا طريق ًا ترتدي‬

‫طحن‬ ‫ِ‬ ‫و ماتْ القاحلون بغيرِ‬

‫وهن‬ ‫أشجا َر ِ‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الملفوف دمع ًا‬ ‫َ‬ ‫يا ورديَ‬

‫الغيم‬ ‫ِ‬ ‫حين تدنو صحارى‬

‫المسفوك عنّي‬ ‫َ‬ ‫تراودُ عطرَها‬ ‫كخارطةٍ‬

‫عدن‬ ‫جنات ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬

‫خطوط المحوِ‬ ‫َ‬ ‫الغيب فيها‬ ‫ُ‬ ‫أتمَّ‬

‫أنا‪..‬‬

‫كدتَ تفرُّ منّي‬

‫تهت عزفا‬ ‫قفرُ الخطايا ُ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وكم‬

‫وقد أحتا ُر جمر ًا‬

‫و حين يم ّر بي سيلٌ‬ ‫وأسماءُ الغيومِ‬ ‫تمرُّ بيني غروب ًا‬ ‫شمس غصني‬ ‫ُ‬ ‫ثم تشرقُ‬ ‫و خاصرةٌ‬

‫أغنّي‬ ‫وارسمُ مزنتي العطشى‬ ‫آيات لوني‬ ‫الجدب من ِ‬ ‫ِ‬ ‫دروب‬ ‫لتدنو ُ‬

‫تموت‬ ‫ُ‬ ‫أرض‬ ‫يسيرُ الجرحُ منها إلى ٍ‬ ‫طعن‬ ‫ِ‬ ‫بغيرِ‬

‫فـ بي‬ ‫غيمٌ إلى األنهارٍ يحبو كمسبحةٍ‬

‫فمنذ البدءِ‬ ‫الضوءِ‬ ‫غياب هطولَ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫يستسقي‬ ‫ملكوت حزني‬ ‫ِ‬ ‫من‬

‫يفر ُِّطها التأنّي‬ ‫ّوح قفلٌ‬ ‫باب هذي الر ِ‬ ‫ولي في ِ‬ ‫تنادمُ هُ مفاتيحُ التمني‬

‫للسدى‬ ‫أيادٍ ّ‬

‫ولكني‬

‫كانت تلمُّ الرذا َذ البك َر‬

‫سئمت الحربَ بيني وبيني‬ ‫ُ‬

‫يفيض عنّي‬ ‫ُ‬ ‫حين‬

‫مَ ن تُرى أشكوه مني‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪79 )2016‬‬


‫أبجدية الريحان‬ ‫‪ρρ‬نازك اخلنيزي*‬

‫يا أبجدية الريحان‬ ‫ليتك‬ ‫لم تعانقيني خلف الباب حين بكيت‬ ‫ليتك‬ ‫�رك ع� �ل ��ى ق�م�ي��ص‬ ‫ل� ��م ت� �ت ��رك ��ي ع � �ط� � ِ‬ ‫ذاكرتي في غربتي‬ ‫وليتك‬ ‫لم تفرغي أفراح الطفولة من خزائن‬ ‫غرفتي‬ ‫ليتك‬ ‫تجاوزت سنين العمر من طور آلخر‬ ‫ليتك‬ ‫ِ‬ ‫لم تدركي يوم ًا حاجتي‬ ‫وليتك‬ ‫الزالت في مهبط الحلم مالذ ًا‬ ‫وفسائل الضوء الزالت شموع ًا‬ ‫ليتك‬ ‫ِ‬ ‫لم تحلّقي في سمائي بأجنحة من‬ ‫نور‬ ‫ول��م ُت�ط�ف��ئ ق�ن��ادي�ل� ِ�ك ال�ت��ي أض��اءت‬ ‫الكون بتباشير العيد‬ ‫ليت باب بيتك الصغير لم يوصد‬ ‫ول�ي��ت العمر يكفي ليصحو الفجر‬ ‫من غفوته‬ ‫كفراشات الربيع‬ ‫ليتك‬ ‫ِ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫تأتي ببهجة تترقرق‬ ‫تضم نبض الشوق‬ ‫في مساحة‬ ‫مالمحها حضن واحتواء‬ ‫تمأل الربى‬ ‫نقاءً‬ ‫وطهر ًا‬ ‫في ظل الرحيل‬ ‫ألبس خاتمك األزرق‬ ‫ورداؤك األخضر‬ ‫وأفرد شعري على كتف الليل‬ ‫ألرتل الدعاء‬ ‫كنسيم يحمل شذى العطر‬ ‫بفيض من نهر العطاء‬ ‫ستبقين أسطورتي يا أمي‬ ‫كهالة من نور‬ ‫على تالل أبجديتي‬ ‫تبعثر الصمت‬ ‫فأقيم الصلوات في أوردتي‬ ‫ويرتد الصدى‬ ‫ما أكبرك‬ ‫ما أعظمك‬ ‫يا من ساومت الكون‬ ‫بذكرك اللحظات‬ ‫ِ‬ ‫وتوشحت‬


‫القصيدة قلبها أبيض‪ ،‬وال تعرف التضليل‪..‬‬ ‫وليس كل من أصدر ديوانا ُع َّد شاعرا‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫إبراهيم زولي‬

‫ش��اع��ر س�ع��ودي ُي�س��اف��ر ف��ي ت�ج��اوي��ف القصيدة دون م�ل��ل‪ ،‬يجعل قلبه بوصلة‬ ‫للمعنى‪ ،‬وروح��ه المرتجفة باستمرار في فلوات البياض‪ ،‬مواجه ًا عُ زلته األنيقة‬ ‫األليفة الشاسعة؛ للقبض على فتنة اللغة دون نِ ية مُ بيتة في استعجال الكتابة‪.‬‬ ‫ي��رس��م بكيمياء الكلمة خ��ري�ط��ة ل �س��ؤال ال�ن��ص ال�ش�ع��ري ال�م��دج��ج ب��ال�غ��واي��ة‪،‬‬ ‫وضيافة الكائنات من كل‬ ‫واالنخطاف‪ ،‬والدهشة‪ ،‬والشغب‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والصداقة‪ِ ،‬‬ ‫األرخبيالت والمغارات‪ ،‬خريطة تعنيه لوحده‪ ،‬يُؤمن بأن ِعلم الجغرافيا للجميع‪،‬‬ ‫�اك في السر لتسقط في ُجب‬ ‫وأن دم القصيدة ب��ريء من كل المكائد التي ُت�ح� ُ‬ ‫الحب دون مظلة تقي شغف الروح من حَ ِّر الكتابة‪ ،‬وق ِّر النسيان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يسكن أعشاش الجنون باحثا عن سيدة الكالم في األق��اص��ي البعيدة لِ هُ وية‬ ‫وصية‪..‬‬ ‫تتمسك بِ هَاوية اليُتم‪ ،‬مبتهجة بنشيدها السحري األدبي‪ ،‬وهي تُهرب ِ‬ ‫شاعر ب��دون نياشين‪ ،‬وال أل�ق��اب‪ ،‬يمشي وح�ي��دا على حافة القصيدة‪ ،‬مزهوا‬ ‫خص مجلة الجوبة بهذا الحوار‪.‬‬ ‫بغيابه السعيد‪ ..‬وقد ّ‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬د‪ .‬أحمد الدمناتي ‪ -‬املغرب‬

‫¦ ¦ماذا يعني لك أن تكون شاعرا اآلن؟‬ ‫‪ρ ρ‬حتى الساعة‪ ،‬لم يبرح ذلك الحلم‬ ‫يراودني في أن أكون شاعرا‪ .‬والذي‬ ‫ي��ق��رأ ل��رم��وز القصيدة ف��ي العالم‬ ‫ي��درك حجمه الحقيقي‪ ،‬وليس كل‬ ‫من أصدر ديوانا ُع ّد شاعرا‪ .‬كثيرون‬ ‫يصيبهم ال��غ��رور؛ ألن بعض كلمات‬ ‫قيلت له ذات زمان‪ ،‬كلمات مثل أنت‬ ‫شاعر‪ ،‬أنت مبدع؛ مفردات ظاهرها‬

‫الرحمة وباطنها العذاب‪ .‬كلما قرأ‬ ‫المرء كثيرا لعمالقة القصيدة في‬ ‫العالم وف��ي تراثنا العربي‪ ..‬يصل‬ ‫إلى نتيجة مؤداها أن طريق الكتابة‬ ‫طويل وشاق‪ ،‬والممشى ليس مسيّجا‬ ‫ب���ال���ورد وال���ذه���ب‪ .‬ن��ع��م‪ ،‬وح��ده��م‬ ‫الذين ال يقرؤون هم من يطمئنون‬ ‫لتجربتهم ويستحسنون نصوصهم‬ ‫ح ّد السذاجة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪81 )2016‬‬


‫¦ ¦كيف تنظر إلى ذكرياتك القديمة األولى‬ ‫مع أول قصيدة أو قصة‪ ،‬أو نص تكتبه أو‬ ‫تنشره؟‬

‫‪82‬‬

‫ورؤي��ا ساذجة للعالم وللكتابة على ح ّد‬ ‫سواء‪ .‬كثير من تلك األوراق والخربشات‬ ‫األول��ى لما ت��زل معي‪ ،‬أدّخ��ره��ا ليوم ال‬ ‫أعرف أوانه‪ ،‬حتى القصائد التي لم تنشر‬ ‫من قبل في دي��وان شعري ما ت��زال في‬ ‫أوراقها األولى بالكشط والتعديل كقوارب‬ ‫غارقة في مياه البحر‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال��ذك��ري��ات ه��ي ال��خ��راب الجميل ال��ذي‬ ‫ت��ح��رس��ه ظ�ل�ال ال�����روح ب��ط��ري��ق��ة تثير‬ ‫الشفقة‪ ..‬بين حين وآخر أعود لكتاباتي‬ ‫األول��ى‪ .‬ال أحبذ من يقول بأنه تخلص‬ ‫منها‪ ،‬أو قام برميها في سلة المهمالت ¦ ¦كيف يتعامل الشاعر مع مَ كْ رِ القصيدة‬ ‫حين تُهدد باالنسحاب من بيته لحظة‬ ‫أو ال��م��ح��ذوف��ات‪ ،‬وتنكر لها‪ .‬الكتابات‬ ‫غليان الكتابة اإلبداعية؟‬ ‫األول��ى وثيقة ج ّد مهمة للكاتب قبل أن‬ ‫تكون بذات األهمية للدرس النقدي؛ من ‪ρ ρ‬القصيدة وحدها في البرية‪ ،‬وض��راوة‬ ‫خاللها يتعرف على مرحلة آيلة للذهاب‪،‬‬ ‫الهجير‪ ،‬ال جدار يسندها‪ ،‬ويخلّصها من‬ ‫مرحلة تشكّل المدماك األول في معمار‬ ‫مكر العالم‪ ،‬بيد أنها ليست قطّ ة أليفة‬ ‫التجربة‪ ،‬ولوالها يندر أن يتجاوزها أحد‪،‬‬ ‫تصطحبها س � ّي��دة نبيلة حيث ش��اءت‪،‬‬ ‫ذلك أنها تمثل مرحلة دقيقة ومفصلية‬ ‫وليست هشّ ة كسطح الماء كما يتوقع غير‬ ‫من عمر محررها‪ ،‬بكل ما فيها من هنات‬ ‫واحد‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وبالتالي‪ ..‬فالشاعر ي��راوغ عندما يمعن في الغموض‪،‬‬ ‫تكون أسراره أكثر عرياً ووضوحا‪ .‬القصيدة قلبها أبيض‪،‬‬ ‫وال تعرف التضليل أيها الشاعر‪.‬‬ ‫¦ ¦كيف تستهدي إلى عناوين قصائدك؟ وهل الطريق إليها‬ ‫يكون محفوفا بالمخاطر؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫إنها تحتاج وقتاً للتأمل‪ ،‬كما يتأمل المحاربون طرائدهم‬ ‫وخصومهم من فوهات بنادقهم‪ .‬كأن القصيدة فخاخ من‬ ‫الكلمات تفضي بك إلى مجزرة ناعمة‪..‬‬

‫‪ρ ρ‬هي مَن تصطفي عنوانها‪ ،‬وإيقاعها‪ ،‬وأوان حضورها‪،‬‬ ‫ربما في الظالم‪ ،‬وحين يغالبك النعاس‪ ،‬أو ذاهباً في‬ ‫صباح شاحب إلى عملك‪ .‬هكذا تقبل مَن أورثتْك الجنون‪.‬‬ ‫فجأة‪ ،‬تنبت كعشب فوق حجر‪ ،‬كبرق تهامي‪ ،‬أو كمطر‬ ‫الصيف‪ ..‬تشبه غيمة خرجتْ عنوة في يوم مشمس‪.‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬هو مَن يعيش القصيدة في يومياته‪ ،‬قبل أن‬ ‫تتحوّل إلى لغة مكتوبة على الورق‪.‬‬ ‫¦ ¦ما هو إحساسك بعد االنتهاء من كتابة قصيدة‪ ،‬أو قصة‪،‬‬ ‫أو نص؟‬ ‫‪ρ ρ‬حالما أفرغ من كتابة نص‪ ،‬أشعر بإنسانيتي‪ ،‬وبأنني واحد‬ ‫من عالم األحياء‪ ،‬أغ��دو‪ ،‬كمن أنجز مهمة عسكرية‪ ،‬أو‬ ‫كبطل أولمبي حقق رقما قياسيا في سباق العدو‪ .‬في‬ ‫حاالت كثيرة تفرغ من كتابة القصيدة‪ ،‬وأجنحة الروح ما‬ ‫فتئت ترفرف‪ .‬غالبا ال تنتهي القصيدة كما يتبدى لنا‪،‬‬ ‫تظل تطاردك وحبرها لم يجف بعد‪ ،‬تالحقك‪ ،‬أو تالحقها‬ ‫بالتعديل والمونتاج‪ .‬أجل تنتهي ككتلة واح��دة‪ ..‬غير أن‬ ‫اإلضافات والمحو يستمر عقب ذلك مدة أط��ول‪ ،‬لهذا‬ ‫تعلمتُ كيف أشذب القصيدة أكثر من إطالتها دون داع‪.‬‬ ‫¦ ¦في زمن التطور الرقمي الهائل‪ ،‬والعالم االفتراضي المخترق‬ ‫لكل ال�ح��دود‪ ،‬هل استطاعت القصيدة أن تبني عُ شها فوق‬ ‫الغمام‪ ،‬وتنجو من الترهل واالستسهال في الكتابة؟‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪83 )2016‬‬


‫‪ρ ρ‬االن��ف��ع��ال وم��ح��اك��اة ال��واق��ع ال تليق بالشعر‪ ،‬وقصائد‬ ‫المناسبات العابرة‪ ،‬ال تصمد أمام عوادي األيام وتقلّباتها‬ ‫السريعة والمتعاقبة‪ ،‬مع ازده��ار ثقافة التصفيق‪ .‬على‬ ‫الشاعر أن يلوذ بصمته الحكيم‪ ،‬وعزلته المضيئة‪ ،‬بعيداً‬ ‫بعيداً عن الهشيم‪ ،‬والصخب المجّ اني‪.‬‬ ‫¦ ¦في قصيدة الومضة أو التفاصيل‪ ،‬هل تُكتب القصيدة‬ ‫بالعين قبل اللغة؟ ما رأي��ك في ه��ذه الثنائية المهمة‬ ‫إلنجاز مشروع الكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬عندما يشعر الكاتب‪ ،‬أيّ كاتب أن النص قال ما لديه‪،‬‬ ‫عليه أن يرفع قلمه إلى جيبه‪ ،‬أو يرميه جانبا‪ ،‬بسبب‬ ‫اإليقاع السريع للعصر‪ ،‬وبسبب المتلقّي‪ ،‬المتلقّي الذي‬ ‫لم يعد لديه صبر ووقت كاف لقراءة المالحم والمعلقات‪.‬‬ ‫¦ ¦إذا قُ د َر للشاعر أن يعيش وحيدا في عزلة بهية تليق به‪،‬‬ ‫هل يختار القصيدة رفيقة؟ أم المرأة صديقة؟ أم هما‬ ‫معا؟‬ ‫‪ρ ρ‬يأخذني الحنين صوب القصيدة؛ ذلك أنني ال أعرف‬ ‫شيئا أحترم به نفسي غير الكتابة‪ .‬هي من تستطيع‬ ‫االحتيال على العدم بتحدّ فاجر‪ ،‬وتكتب مجدها‪.‬‬ ‫وال تزال النساء الجميالت‪ ،‬والمطر الذي يبلّل ثيابنا‪،‬‬ ‫والرغبات السرّية تحدق في الشاعر طويال ليكتب عنها‪،‬‬ ‫ويخلع عليها األسماء‪.‬‬ ‫غير أن القصيدة التي ال تحمل أسماءها‪ ،‬تدير ظهرها‬ ‫للشاعر‪ ،‬وتغلق اﻷبواب‪ ،‬ثم تطفئ عنه أنوار العالم‪.‬‬ ‫¦ ¦ي�ق��ول الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا (أمتلك كل‬ ‫أح�لام العالم في دخيلتي)‪ .‬هل قلب المبدع والشاعر‬ ‫يتسع ألحالم الكون رغم قسوتها؟‬

‫‪84‬‬

‫‪ρ ρ‬ال ي ّدعي الشاعر بطولة‪ ،‬وال يدلّس بصباحات مزوّرة‬ ‫على أحد‪ .‬نعم‪ ،‬يمشي مخفورا بالبرق والمطر‪ ،‬ويحاول‬ ‫جاهدا أال يصطدم بصخرة الفناء‪ ،‬يتيمّم برمل المحو‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫كتبت على حائطك األزرق بالفيسبوك‬ ‫(ل���ن ن��ق��ف م��ك��ت��وف��ي األي�����دي‪ ،‬منكّسي‬ ‫ال��رؤوس قبالة سنبلة تحتضر‪ ،‬أو وردة‬ ‫تسقط من غير سابق إنذار‪ .‬فلنكتب شيئا‬ ‫ما‪ ،‬شيئاً يشبه النشيد الغامض لألشجار‬ ‫قبل سقوطها أم��ام أق���دام الحطّ ابين‪،‬‬ ‫ولننق ْل عدْوى الكتابة للفتيان‪ ،‬للضواحي‬ ‫ال��م��ه��ج��ورة‪ .‬حسبنا أن الكتابة‪ ،‬طعنة‬ ‫رحيمة في خاصرة الوجع‪.).‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫ويسعى للقفز على ج���دران المذبحة‬ ‫والخراب‪.‬‬

‫عوالم شعرية أكثر بهاء وأل��ق�اً‪ ،‬وال��ذي‬ ‫يقرأ أعمال كبار كتّاب أمريكا الالتينية‪،‬‬ ‫يجد أن ه��ذه األج���واء الفانتازية كانت‬ ‫م��ادة ولبنة أساسية في معمار روائعهم‬ ‫الروائية‪ .‬وليست ببعيدة عنا رواي��ة مئة‬ ‫عام من العزلة‪ ،‬عمل ماركيز االستثنائي‪،‬‬ ‫وال����ذي استحضر ف��ي��ه «م��اك��ن��دو» تلك‬ ‫القرية األسطورية‪ ،‬والذي قال في سيرته‬ ‫ضمن كتاب «رائ��ح��ة الجوافة» الصادر‬ ‫عن أزمنة‪ ،‬أن جدته هي من أوح��تْ له‬ ‫بتفاصيل ذل��ك ال��ع��ال��م‪ ،‬وك��ذل��ك العمل‬ ‫العظيم لخوان رولفو «بيدرو بارامو» الذي‬ ‫كان الفتا بسبب هذه العوالم الغرائبية‪،‬‬ ‫والقصيدة ليست بمنأى عن هذه األجواء‬ ‫حسب شرطها الفني‪.‬‬

‫¦ ¦ه ��ل ال �م �ح �ك �ي��ات ال �ش �ع �ب �ي��ة وال �ش �ف��وي��ة‪،‬‬ ‫والمرويات الشفوية‪ ،‬إضافة إلى التخييل‬ ‫السردي ل��دى الشعوب أسهم في تطوير‬ ‫وت�ح��دي��ث ال�ن��ص ال�ش�ع��ري ال�ح��دي��ث لغة‬ ‫¦ ¦ه��ل ُت �ق��رب �ن��ا ت��رج �م��ة ال �ش �ع��ر م��ن ال�ن��ص‬ ‫ورؤية وأفقا جديدا للكتابة؟‬ ‫األص� �ل ��ي؟ وك �ي��ف أس �ه �م��ت ف ��ي ت�ح��دي��ث‬ ‫‪ρ ρ‬الش��ك أن ه��ذه العوالم بكل تجلياتها‪،‬‬ ‫ال�ق�ص�ي��دة ال�ع��رب�ي��ة ال�م�ع��اص��رة‪ ،‬وفتحت‬ ‫س���واء ك��ان��ت حكاية شعبية‪ ،‬أو مروية‬ ‫آفاقها الرحبة على المغايرة واالختالف؟‬ ‫شفوية واح���دة م��ن راف��ع��ات القصيدة‪،‬‬ ‫وتوظيفها بشكل فني يتقدم بالنص إلى ‪ρ ρ‬الترجمة نافذة تط ّل على اآلخر‪ ،‬وبدونها‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪85 )2016‬‬


‫وم��ن كانت أعمالهم الروائية تستجدي‬ ‫المتلقي بما يسمّى فضح المكبوت وخرق‬ ‫التابوهات‪ ،‬وال يزال أولئك المثقفون ال‬ ‫يرون في هذا البلد غير نفط وصحراء‪،‬‬ ‫وهي نظرية استشراقية ال يليق بمتنور‬ ‫مفضلين االستسالم‬ ‫ّ‬ ‫أن يرتهن إليها‪،‬‬ ‫لنظرية المركز واألطراف التي تجاوزها‬ ‫الزمن‪ ،‬الزمن الذي تداخلت فيه األشياء‬ ‫وت��ع��ول��م��ت‪ ،‬وس��ق��ط��ت م��س� ّم��ي��ات المتن‬ ‫والهامش‪ ،‬والشيخ والمريد‪ .‬يحدث ذلك‬ ‫في الوقت الذي تجد فيه معظم مثقفينا‬ ‫ف��ي السعودية يعرفون أدق التفاصيل‬ ‫األدب��ي��ة عن المشهد األدب��ي في ال��دول‬ ‫العربية‪ ،‬فيما هم مع استثناءات قليلة‬ ‫ال يعرفون إال النزر اليسير عن الحراك‬ ‫الثقافي ف��ي المملكة والخليج‪ ،‬م��ع أن‬ ‫ال��ف��ض��اء اإلل��ك��ت��رون��ي ق��د ق��ام بتجسير‬ ‫ال��ف��ج��وة اإلع�لام��ي��ة‪ ،‬وال م��ب��رر لهم إال‬ ‫كسلهم وتعاليهم‪ ،‬وال شيء غير ذلك‪.‬‬

‫ل��ن ت��ع��رف شيئا ع��ن المنجز الجمالي‬ ‫وال��ح��ض��اري ف��ي ال��ض��ف��ة األخ����رى من‬ ‫العالم‪ ،‬بيد أن الترجمة في وطننا العربي‬ ‫ال ت��زال دون المستوى‪ .‬ج��اء في تقرير‬ ‫التنمية البشرية لألمم المتحدة الصادر‬ ‫في العام ‪2006‬م أن مجموع ما ترجمه‬ ‫العالم العربي منذ أيام الخليفة المأمون‪،‬‬ ‫وصوال للعام ‪2006‬م ال يماثل ما تترجمه‬ ‫دول���ة كإسبانيا ف��ي سنة واح����دة‪ .‬ولك‬ ‫أن تتصور هذا الفراغ ال��ذي يعاني منه‬ ‫حقل الترجمة في الوطن العربي‪ .‬وكنت‬ ‫قد تحدثت مع المترجم السوري صالح‬ ‫علماني أثناء حضوره المعرض الدولي‬ ‫للكتاب ع��ن ه��ذا ال��ب��ون الشاسع بيننا‬ ‫والغرب‪ ،‬فقال لي‪ ،‬رغم كل هذا إال أننا‬ ‫في العالم العربي في حال جيدة‪ ،‬إذ تمّتْ‬ ‫ترجمة أغلب ذخائر الغرب الكالسيكية‬ ‫من فكر وإبداع‪ ،‬مضيفا‪ ،‬أن إسبانيا تعتبر‬ ‫رائدة في الترجمة على مستوى العالم ال‬ ‫في أوربا فحسب‪.‬‬ ‫¦ ¦ك�ي��ف ت�ن�ظ��رون إل��ى ال�ق�ص�ي��دة النسائية‬ ‫في العالم العربي داخ��ل خريطة الشعر‬ ‫¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��رون إل� ��ى ال �م �ش �ه��د ال �ش �ع��ري‬ ‫العالمي!؟‬ ‫السعودي اآلن؟‬

‫‪86‬‬

‫‪ρ ρ‬المشهد الشعري السعودي ليس حالة‬ ‫خاصة أو استثنائية في المشهد العربي‪.‬‬ ‫هناك أجيال شابة أخذت تتعاطى الكتابة‬ ‫الجديدة بلغة طازجة وحيّة‪ .‬لكن‪ ،‬ما يحزن‬ ‫أن أغلب مثقفي العالم العربي ال يزالون‬ ‫بعيدين عن هذا المشهد‪ ،‬ليس في الشعر‬ ‫فحسب‪ ..‬بل في ك� ّل األجناس األدبية‪،‬‬ ‫يستثنى من ذلك الفائزون بجائزة البوكر‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪ρ ρ‬بكل تأكيد جوبهت القصيدة النسائية‬ ‫ف��ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ب��ص��ع��وب��ات جمة‪،‬‬ ‫وبعوائق تاريخية وسياسية واجتماعية‬ ‫منذ العصور األول��ى لما قبل اإلس�لام‪،‬‬ ‫م���ع ت��ح��ف��ظ��ي ال���ك���ام���ل ع��ل��ى مسمى‬ ‫«العصر الجاهلي»‪ ،‬ل��ذا حينما نحاول‬ ‫رص���د األس���م���اء ال��ن��س��ائ��ي��ة ف��ي تراثنا‬ ‫العربي نجدها شحيحة‪ ،‬وال تظهر إال‬


‫بضعة أسماء على استحياء بالقياس‬ ‫للحضور ال��ذك��وري ف��ي م��دون��ة الشعر‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ،‬وأس��ب��اب ذل��ك ال تخفى على‬ ‫الذهنية العربية‪ ،‬والتي كانت وربما ال‬ ‫ت��زال ف��ي بعض الجهات تنظر للمرأة‬ ‫بوصفها ع��ورة‪ ،‬فكيف بتلك التي تكتب‬ ‫شعرا وتتغنى فيه بآمالها وآالمها‪ .‬من‬ ‫األسماء التي ظهرت خ�لال الخمسين ¦ ¦وم��ا ه��ي ن�ظ��رة النقد ال�ع��رب��ي إل��ى تلك‬ ‫سنة األخ��ي��رة‪ ،‬مثاال ال ح��ص��را؛ سنية‬ ‫القصيدة؟‬ ‫ص��ال��ح ص��اح��ب��ة «ذك���ر ال����ورد» وزوج���ة‬ ‫‪ρ ρ‬ما يؤسف له أن النقد في العالم العربي‬ ‫البدوي األحمر محمد الماغوط‪ ،‬وأخت‬ ‫لم يواكب المنجز الشعري الذي يتقدمه‬ ‫الناقدة خالدة سعيد زوجة أدونيس‪ ،‬هذه‬ ‫بمسافات ط��وي��ل��ة‪ .‬وم��ا ان��ف��ك ال��درس‬ ‫الشاعرة التي رحلت دون أن يعرف عنها‬ ‫النقدي يجتر نظريات باتت في حكم‬ ‫الكثير من مثقفينا‪ ،‬هذه المبدعة والتي‬ ‫التراث عند الغرب‪ ،‬وبقي أغلب هؤالء‬ ‫هي من أسرة ذات باع طويل في المشهد‬ ‫النقاد‪ ،‬يتمترسون خلف سديم النظرية‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬تم تغييبها لسبب أو‬ ‫والمصطلح‪ ،‬دون االشتباك مع النصوص‬ ‫آلخر‪ ،‬فكيف بسواها ممن ال حول لهن‬ ‫بروح منفتحة وأدوات علمية‪.‬‬ ‫وال قوة‪ .‬ونموذج آخر في السعودية‪ ،‬هي‬ ‫ما يالحظ على الكثير من الدراسات‬ ‫الشاعرة فوزية أبو خالد صاحبة «إلى‬ ‫النقدية أنها ال تقدم قراءة حقيقية‪ ،‬بل‬ ‫متى يختطفونك في ليلة العرس»‪ ،‬تعتبر‬ ‫تسعى لكتابة نصوص موازية لإلبداع‬ ‫رائدة في كتابة قصيدة النثر في المملكة‬ ‫بلغة فيها الكثير م��ن ال��ت��رف البالغي‬ ‫والخليج‪ ،‬لم تنل ما تستحقه في الوسط‬ ‫وال��ل��ف��ظ��ي‪ .‬ي��ط��رح��ون ن��ص��وص��ا أخ��رى‬ ‫اإلع�ل�ام���ي وال���ن���ق���دي‪ ،‬واس��م��ه��ا ليس‬ ‫وليست دراسات نقدية معمقة‪.‬‬ ‫حاضرا كما يجب في العالم العربي‪،‬‬ ‫بينما لو كتبت امرأة عمال روائيا‪ ،‬حتى ¦ ¦ف��ي ال�ش�ع��ر م�ت�س��ع ل�ل�ج�ن��ون وال��ده �ش��ة‪،‬‬ ‫وإن لم تستوف شروطه الفنية‪ ،‬ستجد‬ ‫أي�ك�ف��ي ه ��ذا ال�ج�ن��س اإلب ��داع ��ي لشغب‬ ‫المانشيتات الصحفية في اليوم الثاني‬ ‫التمرد وف��رح ال�ب��وح وشطحات ال��ذاك��رة‬ ‫تخلع عليها أحسن األلقاب‪.‬‬ ‫في انفتاحها على العالم!؟‬ ‫ه���ذا ح���ال ال��ق��ص��ي��دة م��ع ال���م���رأة في ‪ρ ρ‬ال يزال الشعر قادرا على خوض معركته‬ ‫الماضي والحاضر‪ ،‬وه��ي بالتالي أقل‬ ‫والذهاب صوب مناطق بكر‪ ،‬لم يمسسها‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫ب��ه��اء وح���ض���ورا ع��ل��ى م��س��ت��وى الشعر‬ ‫العالمي قياسا بشاعرات ِن��ل� َن جائزة‬ ‫نوبل أمثال التشيلية «غبرياال ميسترال»‪،‬‬ ‫أو البولندية «فيسوافا شيميورسكا»‪،‬‬ ‫وغيرهما‪ ،‬لس َن أقل قامة‪ ،‬كاألمريكية‬ ‫«آن س��ك��س��ت��ون»‪ ،‬و«س��ي��ل��ف��ي��ا ب�ل�اث»‪،‬‬ ‫والروسية «آنا أخماتوفا»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪87 )2016‬‬


‫أح��د م��ن قبل‪ .‬القصيدة ه��ي السالح‬ ‫المثالي لمقاومة النكوص وال��خ��ذالن‪.‬‬ ‫بقليل من المفردات والضوء النبيل يقاوم‬ ‫الشاعر هذا االنكسار والعطش الممتد‬ ‫حتى أقاصي الوجع‪.‬‬ ‫¦ ¦ال �ق �ص �ي��دة خ��ائ �ن��ة ال �م��واع �ي��د ب��ام�ت�ي��از‬ ‫ومتمردة على أدبيات اللقاءات الروتينية‪،‬‬ ‫م ��ا ه ��و ال ��وق ��ت ال �ج �م �ي��ل ل�ل�ق�ب��ض على‬ ‫دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة!؟‬ ‫‪ρ ρ‬القصيدة هي مَن تحدد إيقاعها وأوان‬ ‫هطولها‪ ،‬وهي بالتأكيد ليست قِ طّ ة أليفة‬ ‫تصطحبها سيدة حيث ش��اءت‪ ،‬وليست‬ ‫هشة كسطح الماء‪ .‬مرّت ثمان سنوات‬ ‫أو تزيد قليال لم أكتب فيها نصا واحدا‬ ‫حتى أصبتُ بحالة من الهلع والذعر‪.‬‬ ‫شعرت كأنني معاق أو أن ي��داً لي قد‬ ‫بُ� ِت��رتْ ‪ ،‬دون سابق إن��ذار‪ .‬كل ذلك كان‬ ‫درس �اً مجانيا‪ ،‬علمتني القصيدة فيه‪،‬‬ ‫أنها ليست كجارية تلبي نداءات سيدها‬ ‫متى ما أراد إليها سبيال‪ ،‬بيد أنها في‬ ‫أحايين أخر قد تنهمر كمطر جارف من‬ ‫غير مقدمات‪ ،‬تنهمر في ليال متوالية‪..‬‬ ‫ثم تغيب كما تغيب الرحمة عن أفئدة‬ ‫الجالدين‪.‬‬ ‫¦ ¦ي� �ق ��ول ه� �ن ��ري م �ي �ش��ون �ي��ك «إن م �ج��رد‬ ‫التفكير في كتابة قصيدة يكفي لقتلها»‪.‬‬ ‫إل� ��ى أي م� ��دى ه� ��ذا ال � ُ�ح� �ك ��م ص�ح�ي�ح��ا‬ ‫بالنسبة لك؟‬

‫‪88‬‬

‫‪«ρ ρ‬ه��ن��ري ميشونيك» الشاعر الفرنسي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الحاصل على جائزة ماالرميه‪ ،‬وجائزة‬ ‫ال��ش��اع��ر م��اك��س ج���اك���وب‪ ،‬وص��اح��ب‬ ‫قصائد الجزائر‪ ،‬أصاب عين الحقيقة‬ ‫إل��ى ح��دٍّ بعيد بمقولته تلك التي تعبر‬ ‫عن اختزاالت كثيرة في ممارسة غواية‬ ‫الشعر‪ ،‬تلك الممارسة التي ابتدأها‬ ‫العام ‪1962‬م‪ ،‬وهو بهكذا مقولة يؤكد أن‬ ‫القصيدة ال يمكن استدراجها والتغرير‬ ‫بها‪ ..‬حتى وإن تراءى لنا غير ذلك‪..‬‬ ‫نعم في بعض األحيان يمكن القبض على‬ ‫القصيدة‪ ،‬بيد أن ذلك ال يتم إال برضا‬ ‫منها‪ ،‬وباتفاق ضمني بين الشاعر ونصه‪،‬‬ ‫اتفاق دون شهود على ذلك سوى اللحظة‬ ‫الزمنية التي ال فكاك من إشعال فتيلها‬ ‫قبل تبادل إطالق الرغبة بينهما‪.‬‬


‫يطوق عنق المبدع بمسؤوليات كبيرة‪..‬‬ ‫الجائزة عرفان‬ ‫ّ‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الروائية المغربية زهرة المنصوري‬ ‫أتت الروائية زهرة المنصوري للكتابة السردية من تعدد متداخل‪ ،‬وعلى قدر‬ ‫كبير من الغنى؛ فهي أس�ت��اذة م��ادة السيميائيات بكلية اآلداب اب��ن زه��ر بمدينة‬ ‫أكادير المغربية‪ ،‬ومهتمة بالسينما‪ ..‬هذا فضال عن تجربتها بالمهجر (دراستها‬ ‫العليا بفرنسا)‪ .‬كل هذا جعلها تكتب رواية متعددة أيضا‪ ،‬ومحيلة بقوة على وقائع‬ ‫يومية وقضايا لها راهنيتها‪ ..‬دون الذوبان في خطابات أخرى‪.‬‬ ‫صدر لها حتى اآلن‪ ،‬رواية «البوار» عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‬ ‫سنة ‪2006‬م‪ ،‬والتي حصلت بموجبها على جائزة المغرب للكتاب لسنة ‪2006‬م‪،‬‬ ‫ورواي��ة «م��ن يبكي ال�ن��وارس؟» سنة ‪2006‬م والتي حصدت بها على جائزة اإلب��داع‬ ‫األدبي لمؤسسة الفكر العربي لسنة ‪2009‬م‪ ،‬إضافة إلى روايتها األخيرة الموسومة‬ ‫ب �ـ«ال �غ �ث��اء» س�ن��ة ‪2008‬م‪ .‬وف ��ي خلفها ال�ب��دي��ع ب�ع��ض ال�م�خ�ط��وط��ات ف��ي القصة‬ ‫والسينما‪ ،‬ولها قيد النشر رواي��ة بعنوان «طبول العيد»‪ .‬بمناسبة حصولها على‬ ‫الجائزة األخيرة‪..‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬عبدالغني فوزي ‪ -‬املغرب‬

‫¦ ¦س �ل �ط��ت رواي � �ت� ��ك األول � � ��ى «ال � �ب� ��وار»‬ ‫الضوء الحكائي على آفة المخدرات‬ ‫ب ��رق �ع ��ة ج �غ ��راف �ي ��ة م �غ ��رب �ي ��ة‪ ،‬ك�ي��ف‬ ‫ت� ��م ص� � ��وغ ذل� � ��ك روائ � � �ي� � ��ا‪ ،‬وم� � ��ا ه��ي‬ ‫المسافة التي تضعينها بين الرواية‬ ‫والخطابات األخرى؟‬ ‫‪ρ ρ‬أظن أن الحكي فتح أمامي بابا أعبر‬ ‫منه إلى الباطن المغلق لبعض أسرار‬

‫الحياة‪ .‬فكنت دائما مدفوعة نحو‬ ‫دهاليز الحكي التي تبدأ عالماتها‬ ‫ف���ي ال���واق���ع ال��م��ع��ي��ش‪ ،‬وت��ت��رس��خ‬ ‫صورتها ف��ي ملتقى االرت��ج��اج بين‬ ‫الخيال والواقع‪ ،‬لتنمو بعد ذلك في‬ ‫الوجدان‪ ،‬وتصهر مع مجموعة من‬ ‫األحاسيس واالنفعاالت‪ ..‬ولم أكن‬ ‫أع��رف وأن��ا أتمثل العالم وأتأمله‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪89 )2016‬‬


‫ف��ح��ي��ن ق��م��تُ ب��اس��ت��ع��راض‬ ‫روائ��ي لظاهرة المخدرات‪،‬‬ ‫ل��م أف��ع��ل ذل���ك‪ ،‬م��ث�لا‪ ،‬وفق‬ ‫ق��ي��اس��ات خ��ط��اب م��ج��اور‬ ‫كعلم االجتماع‪ ،‬فأنا ال أقدم‬ ‫األرق����ام وال��ن��س��ب‪ ..‬وإن��م��ا‬ ‫أق���دم اإلن��س��ان ال���ذي يمثل‬ ‫تلك النسب وتلك األرق��ام‪،‬‬ ‫وال أتحدث عن المخدرات‬ ‫ك���م���ح���رم���ات ع���ل���ى ن��ح��و‬ ‫الخطاب الديني‪ ،‬ولكن كتدمير لألرض‬ ‫واإلنسان والقيم التي تسير عليها وفق‬ ‫صياغات بنائية عاملية يقدمها المتن‬ ‫الروائي بكل عناصره‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫أنني سأتحسس نكهته‬ ‫العصيّة على الوصف‬ ‫��س‪،‬‬ ‫ال��ظ��اه��ري ك��ي أح� ّ‬ ‫بعد ذل��ك‪ ،‬بمرارة حلّت‬ ‫بحنجرتي‪ ..‬فغيرت نكهة‬ ‫األش��ي��اء بالنسبة إل��يّ ‪،‬‬ ‫خصوصا في السنوات‬ ‫األخ��ي��رة‪ ،‬بعد ما سمي‬ ‫بالحرب على اإلرهاب‪.‬‬ ‫وه���ذه ال��م��رارة ل��م يكن‬ ‫من السهل التخلص منها س��وى بإعادة‬ ‫نسجها في منطقة ما من صميم كياني‬ ‫ووجداني‪ ،‬ألخرجها بعد ذلك «بوارا» أو‬ ‫«نوارس تبكي» أو «غثاء»‪ ..‬روايات يتجدد‬ ‫بها نسغ الحياة في متتاليات سردية‪ ،‬من ¦ ¦ال��رواي��ة ال�ث��ان�ي��ة «مَ ��ن يُ �ب�ك��ي ال �ن��وارس؟»‬ ‫خاللها أسعى للتعبير عن ذاك اللقاء‬ ‫ب��دوره��ا أث��ارت قضية متشعبة وساخنة‪:‬‬ ‫السرمدي بين ال��ذات المدركة‪ ،‬والعالم‬ ‫ال �ش��رق وال �غ ��رب‪ ،‬األن ��ا واآلخ � ��ر‪ .‬فساقت‬ ‫المحسوس ال��ذي يختزن كل ممتلكات‬ ‫ال��رواي��ة أح��داث��ا سياسة وتاريخية تعيق‬ ‫الذات من ألم وفرح‪ ،‬وحب وكراهية‪ .‬من‬ ‫ح � � ��وار ال � �ح � �ض� ��ارات وال � �ث � �ق� ��اف� ��ات‪ .‬ك�ي��ف‬ ‫هنا‪ ،‬جاءت رواي��ة «البوار» التي حاولتُ‬ ‫يمكن معالجة هذه القضية بين الواقع‬ ‫من خاللها مساءلة مجموعة من القضايا‬ ‫والمتخيل؟‬ ‫المسكوت عنها في مجتمعنا‪ ،‬ومن ثم فهي‬ ‫‪ρ ρ‬أجل‪ ،‬أثارت رواية «مَن يبكي النوارس؟»‬ ‫مرآة عكست بعض ما ينهش قيمنا نهشا؛‬ ‫إشكاالت مؤرقة ومبكية لها عالقة بكيان‬ ‫إنه زراع��ة المخدرات‪ ،‬وما يرتبط بهذه‬ ‫عربي ي��ن��زف‪ ،‬بعد أن وُج��ه��ت ل��ه سهام‬ ‫اآلف��ة من تداعيات وتصفية حسابات‪،‬‬ ‫ح��رب إعالمية وثقافية غير مسبوقة‪،‬‬ ‫ونتائج يصعب تخيلها‪ .‬ولعل ما أوردته في‬ ‫ق��ب��ل أن ت��ت��ح��ول إل���ى ح���رب حقيقية‬ ‫هذه الرواية هو واقعي الجوهر‪ ،‬خيالي‬ ‫(ح��ص��ار‪ ،‬دم�����ار‪ ،)..‬وم���ن ث��م ف��ال��رواي��ة‬ ‫القالب؛ واق ٌع أعدتُ صهره بكل ما أملك‬ ‫حاولت معالجة قضية إنسانية جوهرية‬ ‫من قيم‪ ،‬ومبادئ‪ ،‬وتراكم معرفي‪..‬‬ ‫تتمثل في الدعوة إلى السلم والتسامح‬ ‫أما عن المسافة بين الخطاب الروائي‬ ‫بين ال��ش��ع��وب وال��ح��ض��ارات‪ ،‬خصوصا‬ ‫وال���خ���ط���اب���ات األخ�������رى‪ ،‬ف�ل�اش���ك أن‬ ‫بعد ما وقع من أحداث مفجعة في بداية‬ ‫المعالجة الروائية لقضايا اجتماعية‪ ،‬أو‬ ‫األلفية الثالثة‪ .‬لهذا يمكن اعتبار بطل‬ ‫غيرها‪ ،‬تختلف عن الخطابات األخرى‪.‬‬ ‫ه��ذه ال��رواي��ة الرئيس هو ه��ذه الزوبعة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫العالمية التي فجرتها أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫وتداعياتها في هدم جسور العالقات بين‬ ‫الحضارتين الغربية والعربية اإلسالمية‬ ‫(ب��ي��ن األن���ا واآلخ�����ر)‪ .‬ح��اول��ت ال��رواي��ة‬ ‫تصوير برج اإلنسانية وهو ينحدر نحو‬ ‫الحضيض‪ ،‬بسبب الدعوات التي ال تطل‬ ‫على المدى الواسع لإلنسانية‪ ،‬والتي ال‬ ‫تتوقف عن المناداة بالصراع‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫فقد حاولتُ اقتناص لحظة غير منتهية‬ ‫وأعدتُ إنتاجها روائيا‪ ،‬وهي لحظة بلغت‬ ‫حدا غير مسبوق من العنف الحضاري‪،‬‬ ‫وه��و ما جعلني ألتقط رموزها الكبرى‬ ‫دون انتظار االكتمال الزمني الفيزيقي‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬جاءت «من يبكي النوارس؟» تتزيا‬ ‫بلباس الزمن الجامح‪ ،‬وكان المتخيل‪ ،‬أو‬ ‫الحكي‪ ،‬طريقتي الوحيدة لترويض هذه‬ ‫اللحظة العصية التي أدخلتنا جميعا كتاب‬ ‫التاريخ‪ ،‬وأصبحت تشكل لوحدها حلقة‬ ‫مفصلية بمفهوم المؤرخين‪ ،‬وعرفتنا‬ ‫(ن��ح��ن‪ ،‬وه���م) على حقيقة ب��اه��رة وهو‬ ‫أن ما نعيشه هو أشبه بخيال الحقيقة‪.‬‬ ‫لهذا قررت أن أسترجع توازني تجاه ما‬ ‫وقع‪ ..‬بأن أواجه خيال الحقيقة بحقيقة‬ ‫الخيال‪ ،‬أي برواية «من يبكي النوارس؟»‪.‬‬ ‫وك��ان التخييل هو الهامش ال��ذي أملكه‬ ‫كي أحلم بإنسانية أرق��ى وأجمل‪ ،‬وهذا‬ ‫ما فعلته في روايتي من خالل تصويري‬ ‫لعالقات جميلة بين عرب وأجانب تجمع‬ ‫بينهم محبة صادقة وتعاون غير مشروط‪¦ ¦ ،‬ف � ��ازت رواي � �ت ��ك «م� ��ن ي �ب �ك��ي ال � �ن� ��وارس؟»‬ ‫ب�ج��ائ��زة اإلب ��داع األدب ��ي لمؤسسة الفكر‬ ‫في فضاء المهجر (ب��اري��س)‪ ..‬بوصفه‬ ‫ال�ع��رب��ي لسنة ‪2009‬م‪ ،‬كيف تقبلت هذه‬ ‫ف��ض��اء لالنفتاح وال��ت�لاق��ح ال��ح��ض��اري‪.‬‬ ‫الجائزة؟ وما هي قيمتها المضافة؟‬ ‫هناك ستنمو قصة حب قوية بين أمريكي‬ ‫(كريستوفر) وعربية مسلمة (نجوى) في ‪ρ ρ‬أظن أن الحصول على الجائزة بالنسبة‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫غفلة من الحسابات العصبية والعرقية‪،‬‬ ‫وبعد أن اتفقا على زواج ينسج خيوط‬ ‫األوطان‪ ،‬وقعت كارثة ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬فَجُ ن‬ ‫جنون أمريكا‪ ،‬وبدأت هجمتها الهمجية‬ ‫ع��ل��ى المسلمين‪ ،‬وس��ق��ط��ت الشرعية‬ ‫ال��دول��ي��ة‪ ،‬ومعها سقط القناع‪ ،‬لتتعمق‬ ‫الهوة بين الشرق والغرب‪ ..‬وتأكد وجود‬ ‫الشرخ‪ ،‬فاستحال اللقاء بين الحبيبين‪.‬‬ ‫وكما هوى بُرْجَ ا التجارة العالمية هوت‬ ‫أع���م���دة ال��ق��ل��وب‪ ،‬وت���ح���ول ال��ح��ب إل��ى‬ ‫كراهية‪ .‬وهنا التقى المتخيل بالواقع‬ ‫لنجد أش��خ��اص��ا ف��ي ال��واق��ع يشبهون‬ ‫إلى حد بعيد أبطال روايتي؛ أشخاصا‬ ‫ب���دأوا يبحثون ع��ن جهة ال يثمر فيها‬ ‫الحب دموعا‪ ،‬وال يسنبل فيها االختالف‬ ‫صراعا ودما وبارودا‪ ،‬فلم يجدوها‪ ،‬فبدأ‬ ‫التساؤل في الرواية عمن المسؤول عن‬ ‫هذه الحصيلة الثقيلة من الموت والدمار‬ ‫الذي بكت على إثره نوارسنا (أطفالنا)‬ ‫في أفغانستان والعراق وفلسطين‪ ..‬ومن‬ ‫خ�لال ه��ذا ال��ت��أرج��ح بين تأمل الواقع‬ ‫والمعالجة السردية كانت ال��رواي��ة في‬ ‫مسكوتها الملحمي تطرح سؤاال عريضا‪:‬‬ ‫لفائدة من هو هذا الصراع؟ وكانت تقول‬ ‫أيضا في مسكوتها القيمي‪ :‬لننصب مرآة‬ ‫ألحزاننا المسماة صراعا حضاريا لنرى‬ ‫جميعا (نحن‪ ،‬وه��م) إلى أي حد نصنع‬ ‫البؤس ونكتوي به‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪91 )2016‬‬


‫ألي مبدع ه��و لحظة مساءلة جديدة‪،‬‬ ‫ف��ال��ج��ائ��زة ع��رف��ان ي��ط �وّق عنق المبدع‬ ‫بمسؤوليات كبيرة تجاه ما يكتب حتى‬ ‫يحرص على تقديم أعمال جادة وهادفة‪،‬‬ ‫يحس أن عليه أن‬ ‫ّ‬ ‫وهي تشريف يجعله‬ ‫يبقى دائما في المستوى المظنون به‪،‬‬ ‫خصوصا إذا ك��ان��ت ه��ذه ال��ج��ائ��زة من‬ ‫مؤسسة علمية شامخة ف��ي حاضرنا‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬وف��ي أرض��ن��ا العربية‬ ‫ال��واع��دة وال���زاخ���رة‪ ،‬أال وه��ي مؤسسة‬ ‫الفكر العربي‪ .‬ولقد منحتني هذه الجائزة‬ ‫اإلحساس بالتجذر واالنتماء إلى وطن‬ ‫ع��رب��ي كبير لطالما دع����وتُ م��ن منبر‬ ‫رواياتي إلى االنغماس فيه‪ ،‬واالنخراط‬ ‫في كل قضاياه‪ ،‬واالعتزاز باالنتماء إليه‪،‬‬ ‫وجعل هذا االنتماء أرضية صلبة من أجل‬ ‫اإلقالع بالمستوى الحضاري المنشود‪.‬‬ ‫¦ ¦رواي ��ات ��ك ت�ن�ت�ص��ر ل �م��ا ه ��و ق�ي�م��ي ال ��ذي‬ ‫يقتضي البحث ع��ن ال�ه��وي��ة المفتقدة‪.‬‬ ‫حدثينا عن المفتقد في رواياتك؟‬

‫‪92‬‬

‫‪ρ ρ‬علمني مجال اشتغالي (السيميائيات)‬ ‫أن كل حكي ‪ -‬كيفما كان‪ -‬يكون مؤطرا‬ ‫بميثاق أو تعاقد قيمي‪ ،‬وفي إطار هذا‬ ‫التعاقد الضمني يطرح موضوع قيمة‬ ‫يحيلنا إلى عالم قيمي في إط��اره تطبع‬ ‫األشياء بالسلب أو باإليجاب؛ انطالقا‬ ‫من وجهة النظر المتبناة داخ��ل النص؛‬ ‫وه��ذا الموضوع قد يكون بسيطا‪ ،‬وقد‬ ‫يكون معقدا ورمزيا‪ .‬ومن ثم فكل نص‬ ‫هو عبارة عن بحث عن موضوع قيمة‬ ‫م��ا‪ .‬وأظ��ن أن واقعنا العربي يشبه إلى‬ ‫حد بعيد نصا كبيرا يفتقد إلى الكثير‬ ‫من القيم‪ ،‬ويستحق منا البحث للحصول‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫عليها‪ ،‬وتَبَنِّيها‪ ،‬والحرص عليها‪ .‬ورواياتي‬ ‫تلهث وراء ه��ذه القيم المفتقدة والتي‬ ‫ي��ب��دو ال��ب��ح��ث ع��ن��ه��ا‪ ،‬وال���وص���ول إليها‪،‬‬ ‫سرابا‪ ،‬إال أننا باإلصرار على اإلمساك‬ ‫بها يتأكد لنا ف��ي النهاية أن��ه��ا ليست‬ ‫كذلك‪ ،‬ليست سرابا؛ إذ ال يتطلب األمر‬ ‫سوى أن نفتح أعيننا ونصيخ أسماعنا‬ ‫بغية إدراكها وترسيخها‪ .‬فبعد أن بدأت‬ ‫العولمة تزحف على كل شيء مشرق في‬ ‫حياتنا‪ ،‬بما في ذلك هويتنا وانتماؤنا‪،‬‬ ‫وسلمنا وأماننا‪ ،‬وبعد أن تبين أن مقولة‬ ‫الصراع التي كنا نعتبرها متوهمة‪ ،‬وال‬ ‫توجد س��وى ف��ي أذه��ان��ن��ا نحن العرب‪،‬‬ ‫مقولة حقيقية‪ ،‬ش��ع��رتُ أك��ث��ر م��ن أي‬ ‫وق��ت مضى أن حسابات االنتماء لدى‬ ‫المثقف العربي يجب أن تطفو على كل‬ ‫الحسابات األخرى‪ ،‬وشعرتُ أنه من العار‬ ‫أن أدي��ر ظهري لكل ما يقع من أحداث‬ ‫هزت المجتمع الدولي‪ ،‬فالتزمتُ أن ال‬


‫أكتب سوى ما يعزز هذه القيمة؛ قيمة‬ ‫الهوية واالنتماء‪ ،‬إضافة إلى التأكيد على‬ ‫قيم أخرى تدور في فلكها‪ ..‬وبدونها ال‬ ‫نستطيع الخروج من المأزق‪ ،‬خصوصا‬ ‫العلم والمعرفة‪ ،‬حتى نتخلص من الشعور‬ ‫بالدونية الذي الزمنا كظلنا لعقود طويلة‪.‬‬ ‫ففي روايتي «البوار» رأيت مبادئ تسقط‪،‬‬ ‫وقرى تصرخ من التهميش ومستعدة لفعل‬ ‫أي ش��يء ك��ي ت��ت��ج��اوز فقرها وجهلها‪،‬‬ ‫فكتبت ع��ن مزارعين بسطاء وف��ق��راء‪،‬‬ ‫ل��ك��ن ك��ل ذن��ب��ه��م أن��ه��م أم��ي��ون وج��ه��ل��ة‪،‬‬ ‫فتكالب عليهم الجهل والفقر في غياب‬ ‫بديل اقتصادي قار يضمن لهم العيش‬ ‫الكريم‪ ،‬فارتموا في أحضان المخدرات‪.‬‬ ‫ول��ك��م أن تتخيلوا م��ا يمكن أن يفعله‬ ‫المال الذي يأتي بسرعة بأذهان هؤالء‬ ‫البسطاء؛ لقد هرولوا خلف ما حسبوه‬ ‫نعيما أت��اه��م م��ن حيث ال ي���درون‪ ،‬لكن‬ ‫نعمة هذه القرى المهمشة لم تكن في‬ ‫أما في روايتَيَّ «الغثاء» و«طبول العيد»‪،‬‬ ‫الحقيقة سوى لعنة األرض والتربة‪ ،‬بكل‬ ‫فقد ش���ددت على قيمة مفتقدة‪ ..‬أال‬ ‫ما تحمله كلمة «أرض» من دالالت؛ لعنة‬ ‫وه��ي النبش في ال��ذاك��رة‪ ،‬والبحث عن‬ ‫تجلت في بوار الروح‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والعقل‪.‬‬ ‫الجذور‪ ،‬فهما روايتان تحكيان عن زمن‬ ‫وحين تبور هذه المكونات فلربما يمكن‬ ‫راعف اسمه فترة السيبة (القرن التاسع‬ ‫أن نتحدث عن أي شيء آخر سوى عن‬ ‫عشر)‪ ،‬وهي الفترة التي اتخذها النصان‬ ‫اإلنسان‪ .‬وقد حاولت الرواية أن تقول‬ ‫عينة ل��ي��روز بهما م��دى اخ��ت�لال الوعي‬ ‫إن الحصن الكافي ضد هذه المشاكل‪،‬‬ ‫بالزمن واإلنسان؛ ألنه بدون معرفة جيدة‬ ‫بما فيها اإلقبال على المخدرات‪ ،‬إنتاجا‬ ‫لتاريخنا ال يمكننا أن نقف ونستقيم‬ ‫واستهالكا‪ ،‬يكمن في العلم والتعلم‪ ،‬بمعنى‬ ‫ونسير حيث سارت الشعوب المتقدمة‪.‬‬ ‫أننا يجب أن نحكم علمنا وعقلنا في كل‬ ‫مجاالت الحياة‪ .‬فكانت القيم المفقودة ¦ ¦تدخل رواياتك في إطار الرواية األطروحة‬ ‫التي تقتضي جدال إشكاليا يخلق حوارية‬ ‫هي العلم والمعرفة‪..‬‬ ‫داخل الحكاية‪ .‬ما تعليقك؟‬ ‫أما في رواية «من يبكي النوارس؟» فقد‬ ‫أسرتني أحاسيسي ب��ن��وارس تموت كل ‪ρ ρ‬ف���ي ال��ح��ق��ي��ق��ة‪ ،‬ت��ت��ح��ك��م ف���ي تجربتي‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫يوم في فلسطين والعراق وأماكن أخرى‬ ‫ب��دون ذن��ب س��وى أنها مسلمة وعربية‪،‬‬ ‫ون���وارس أخ��رى تولد في ع��راء إنساني‬ ‫وسط دمار وحصار‪ ،‬ودموع ودم‪ .‬فشدّدتُ‬ ‫على قيمة مفتقدة أال وهي التسامح بين‬ ‫ال��ح��ض��ارات‪ ،‬ون��ب��ذ س��وء ال��ف��ه��م‪ ،‬وذل��ك‬ ‫من أجل بناء عالقات جديدة مع اآلخر‬ ‫قائمة على القيم المثلى‪ ،‬وهي وحدها‬ ‫ضمانة لتدبير اختالفنا الديني واللغوي‬ ‫والحضاري من أجل ضخ القيم اإليجابية‬ ‫في مخزون الوعي الجماعي حتى نتمكن‬ ‫من نصب مرآة ألحزاننا المسماة صراعا‬ ‫حضاريا‪ ،‬ونتطلع إلى تنمية حقيقية للقيم‬ ‫المثلى‪ ،‬وهي التي ستسمح بوجود أرضية‬ ‫للمحبة‪ ،‬وسماء للتسامي‪ ،‬تمسح عندها‬ ‫النوارس دموعها‪ ،‬وتحلق عاليا‪ ..‬وهذا‬ ‫هو المفتقد الذي لهثت وراءه في روايتي‬ ‫«من يبكي النوارس؟»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪93 )2016‬‬


‫اإلبداعية مقصدية فنية تزاوج بين إحكام‬ ‫البعد الجمالي وتثوير البعد األطروحي‪،‬‬ ‫فالقضايا التي تعرفها مجتمعاتنا تجعل‬ ‫رواياتنا بئيسة حين تدير ظهرها للراهن‬ ‫ك��ي ت��غ��وص ف��ي ج��م��ال��ي��ات ج���وف���اء‪ ،‬أو‬ ‫تشكيل لغوي ف��ارغ‪ .‬لهذا ال أع��رف هل‬ ‫رواياتي هي روايات أطروحة أم ال‪ ،‬لكن‬ ‫ما أعرفه جيدا هو أن رواي��ات��ي تدخل‬ ‫ف��ي إط��ار تحريك الضمير بمالمستها‬ ‫لهموم الكائن البشري‪ ..‬محنة الكائن‬ ‫البشري‪ ..‬طبعا محنة الكائن البشري‬ ‫كانت دائما موجودة‪ ،‬وستبقى موجودة‬ ‫ما بقي اإلنسان‪ ،‬والمبدع الحق مطالب‬ ‫باالنخراط الكلي في معاناة محيطه إن‬ ‫هو أراد تقديم عمل جاد وه��ادف‪ .‬لهذا‬ ‫أسعى م��ن وراء رواي��ات��ي إل��ى مخاطبة‬ ‫اإلن��س��ان الكوني القابع ف��ي أع��م��اق كل‬ ‫واحد منا‪ ،‬وذلك بطرحي للقضايا التي‬ ‫تمس كرامة اإلنسان وحريته‪ ،‬خصوصا‬ ‫ّ‬ ‫حرية الفكر‪ ،‬وربما هذا هو سبب الحوارية‬ ‫داخل الرواية‪ ،‬ألن المواضيع المطروحة‬ ‫تتطلب تلك الحوارية‪ ،‬والمعالجة الفنية‬ ‫تستدعيها‪ ،‬وكذلك تعدد وجهات النظر‬ ‫واختالفها يتطلب تعقيدا على مستوى‬ ‫توزيع المعرفة في النص‪ .‬لكن دون أن‬ ‫يتحول كل ذلك إلى خطاب مباشر‪ ،‬أو‬ ‫إلى وعظ وإرشاد‪ ،‬بل كل هذا يُقدَّ م في‬ ‫بنية سردية محكمة البناء‪ ،‬وتوليفة داللية‬ ‫وخطابية منسجمة تسمح للقارئ بفك‬ ‫رموزها بدون عناء‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫¦ ¦إلى أي حد تستفيد زهرة المنصوري من‬ ‫اإلش��ارة وال�ص��ورة ‪-‬بحكم االه�ت�م��ام‪ -‬في‬ ‫الصياغة السردية؟‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪ρ ρ‬ك���ون���ي ح���اص���ل���ة ع���ل���ى دك�����ت�����وراه ف��ي‬ ‫السيميائيات‪ ،‬ودكتوراه في سيميوطيقا‬ ‫التواصل السمعي‪ -‬البصري ال يجعلني‬ ‫أغفل معطىً رئيساً في حياة المبدع‪،‬‬ ‫أال وه��و الميل ال��ف��ط��ري‪ ،‬أو م��ا يسمى‬ ‫بالموهبة‪ .‬لهذا فقبل الحديث عن أي‬ ‫مرجعية مؤثرة في مسار الكاتب‪ ،‬ال يجب‬ ‫أن ننسى هذه المسألة‪ .‬لهذا أشير إلى‬ ‫أنني ب��دأت الكتابة مبكرا‪ ،‬منذ وعيت‬ ‫وأن��ا أكتب‪ ،‬ومعظم رواياتي كتبتها منذ‬ ‫سنوات طويلة‪ ،‬لكنني أجلت النشر بسبب‬ ‫اهتماماتي األكاديمية واألسرية‪ ،‬وربما‬ ‫بسبب الخوف أيضا؛ الخوف من أن ال‬ ‫أكون قد حققت النضج المعرفي الكافي‬ ‫لمواجهة الخطاب ال��روائ��ي والخطاب‬ ‫ال��ف��ي��ل��م��ي ال��ل��ذي��ن اخ��ت��رت��ه��م��ا م��ن بين‬ ‫الوسائط اإلدراكية األخ��رى‪ ،‬لتمرير ما‬ ‫أود تمريره‪ .‬وتبقى المرجعيات المؤثرة‬ ‫ف��ي م��س��اري ال��ت��ي أف��ادت��ن��ي كثيرا هي‬ ‫بالدرجة األولى الواقع‪ ،‬أو المعيش‪ ،‬بكل‬ ‫انعكاساته وامتداداته في الوجدان‪ .‬هذا‬ ‫الواقع الذي ينغرس فينا وننغرس فيه‪،‬‬ ‫وبعد أن ينغرس فينا نعيد صهره بكل‬ ‫ما نملك من تصورات معرفية وتراكمات‬ ‫أكاديمية‪ .‬وتراكماتي األكاديمية والمعرفية‬ ‫استقيتها من لسانيات الخطاب عموما‪،‬‬ ‫ومن السيميائيات على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫فالسيميائيات ساعدتني على االنفتاح‬ ‫والتعددية في وجهات النظر كي ال أبقى‬ ‫أسيرة الرأي الواحد‪ .‬وعلمتني النظر إلى‬ ‫األش��ي��اء بموضوعية ك��ي ال أسقط في‬ ‫براثن الذاتية في تعاملي مع النصوص‬


‫وال��خ��ط��اب��ات‪ ،‬كما ساعدتني على فهم‬ ‫بعض أسرار العالمة‪ ،‬ولعل أعقد عالمة‬ ‫ه��ي ال��خ��ط��اب‪ ،‬ألنها أمدتني باآلليات‬ ‫السردية والميكانيزمات اإلقناعية في ¦ ¦يقول بعض النقاد إن الكاتب في جانب‬ ‫م��ج��ال ال��ح��ك��ي وف���ي م��ج��ال ال��ت��واص��ل‪،‬‬ ‫ما في أعماله السردية‪ ،‬أي وراء شخصية‬ ‫وم��ج��ال ت����داول ال��م��ع��رف��ة ب��ي��ن المبدع‬ ‫أو م��وق��ف‪ .‬أي ��ن ت� ��ودع زه� ��رة ال�م�ن�ص��وري‬ ‫والمتلقي‪ .‬وأهم شيء استفدته من هذا‬ ‫صورتها ورؤيتها في «من يبكي النوارس؟»‬ ‫المجال المعرفي هو كيف أستنتج من‬ ‫‪ρ ρ‬من منظور األبحاث اللسانية والسيميائية‬ ‫ال��ع�لام��ات وال��ظ��واه��ر األنثروبولوجية‬ ‫يتم التعامل مع مفهوم الكاتب‪ ،‬والشخصية‪،‬‬ ‫اليومية البسيطة استنتاجات على قدر‬ ‫والسارد‪ ،‬داخل النص على أنها عوامل‬ ‫كبير من األهمية‪ ،‬مفادها أنه وإن تعددت‬ ‫ليس غير‪ ،‬وعلى أنها شخصيات من ورق‪.‬‬ ‫الثقافات‪ ،‬والحضارات‪ ،‬ووجهات النظر‪،‬‬ ‫ما يعني أن الكاتب ال يوجد في النص‪،‬‬ ‫يبقى اإلن��س��ان في عمقه واح��دا يحس‬ ‫وإنما هو مفترض افتراضا بدهيا بوجود‬ ‫باآلالم نفسها واألفراح ذاتها‪ .‬لهذا يبقى‬ ‫ه��ذا النص‪ ،‬وك��ل تلك الشخصيات هي‬ ‫كل ما أبدعه الكائن البشري تعبيرا عما‬ ‫عبارة عن عوامل موظفة إليصال المعرفة‬ ‫يحسه من أل��م وف��رح‪ ،‬وح��ب وكراهية‪..‬‬ ‫التي ي��ود الكاتب إيصالها إل��ى القارئ‪،‬‬ ‫ألن اإلنسان يختزن كل ممتلكات الذات‬ ‫وبعبارة أكثر وضوحا هي تشبه ساعي‬ ‫الداخلية من أل��م‪ ،‬وانكسار‪ ،‬واعتصار‪،‬‬ ‫بريد يحمل رسالة من مرسل (الكاتب)‬ ‫وانتصار‪ ،‬وحب‪ ،‬وفرح‪ ..‬وهذا األلم وهذا‬ ‫إل��ى مرسل إليه (المتلقي)‪ .‬وانطالقا‬ ‫الفرح هو ما يحاول المبدع اقتناصه في‬ ‫م��ن ه��ذا المنظور ف��إن حضور الكاتب‬ ‫لحظات الصفاء مع الذات‪ ..‬يعني هذا أن‬ ‫ف��ي النص يكون على مستوى التصور‬ ‫القصص هي نفسها منذ بداية اإلنسانية‬ ‫فقط‪ ،‬يعني أننا نتوصل إليه انطالقا من‬ ‫إل��ى اآلن‪ ،‬لكن اإلش��ك��ال‪ ،‬كل اإلشكال‪،‬‬ ‫بعض آث��ار التلفظ‪ ،‬وهي وحدها كفيلة‬ ‫يكمن في الصنعة‪ ،‬وفي مسألة التلفظ‪،‬‬ ‫بإظهار البصمات التي يتركها المبدع في‬ ‫يعني في كيفية وطرق التعبير عن هذه‬ ‫نصه‪ ،‬والتي تع ّد عالمات للذاتية‪ .‬وهذا‬ ‫األحاسيس واالن��ف��ع��االت‪ ،‬لهذا تفرغت‬ ‫ال��س��ارد األكبر كما يسميه بعضهم‪ ،‬أو‬ ‫في أبحاثي األكاديمية لمعرفة أس��رار‬ ‫الكاتب‪ ،‬يوظف الشخصيات‪ ،‬والمواقف‪،‬‬ ‫طرق إيصال هذه المعرفة‪ .‬أما اهتمامي‬ ‫واألح��داث‪ ،‬والفضاءات‪ ،‬واألزمنة‪ ..‬وكل‬ ‫بسيميوطيقا التواصل السمعي‪ -‬البصري‬ ‫ه��ذا يدخل في إط��ار م��س��ارات تناورية‬ ‫فقد ساعدني على تصوير األح���داث‪،‬‬ ‫وإقناعية معقدة يلجأ إليها إليصال ما‬ ‫والشخصيات‪ ،‬وال��م��واق��ف‪ ،‬للقارئ كي‬ ‫يود إيصاله من رؤى ووجهات نظر‪ .‬ووراء‬ ‫يتمثلها كما ل��و ك��ان��ت تمر أم��ام��ه في‬ ‫هذه األساليب اإلقناعية يثوي الكاتب‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫شريط سينيمائي‪ ،‬لدرجة أنني أنسى‬ ‫أحيانا أنني أكتب بالقلم‪ ،‬ويخيل إلي أنني‬ ‫أحمل كاميرا!‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪95 )2016‬‬


‫الحكم على موقعي ف��ي ه��ذا المشهد‬ ‫الروائي المغربي والعربي‪.‬‬

‫أم��ا الحقيقة ال��وح��ي��دة وه��ي أن هناك‬ ‫منتجاً للنص يسعى إليصال قيم معينة‪،‬‬ ‫ويعمل بشتى الطرق لدفع القارئ لتبنيها‪،‬‬ ‫¦ ¦هل أنصفك النقد إلى جانب الجوائز؟‬ ‫ألن��ه ال وج���ود ل��ت��واص��ل ب���ريء‪ ،‬ألن كل‬ ‫تواصل تحكمه مقصدية محددة‪ ،‬يعني ‪ρ ρ‬بالنظر إلى توزيع أعمالي الروائية على‬ ‫نطاق محدود جدا‪ ،‬فإن الصدى المواكب‬ ‫هذا أنه ال وج��ود لتواصل يتغيا إيصال‬ ‫أعتبره منصفا‪ ،‬خصوصا وأن القراءات‬ ‫المعرفة في حد ذاتها‪ ،‬بل تكون الغاية‬ ‫النقدية الكثيرة كلها كانت إغناء مهما‬ ‫الحقيقية هي التأثير في المتلقي‪ ،‬ودفعه‬ ‫كي يتبنى وجهة نظر النص‪.‬‬ ‫لتجربتي الروائية‪ ،‬وأحسست في الوقت‬ ‫نفسه ‪ -‬عكس ما كنت أسمعه سابقا‪ -‬أن‬ ‫انطالقا مما سبق‪ ،‬فزهرة المنصوري ال‬ ‫التواصل‪ :‬إب��داع نقد‪ ،‬يسمح بخلق بيئة‬ ‫يمكن أن ت ّدعي الحياد المطلق في نصها‪،‬‬ ‫ثقافية غنية بأسئلة جمالية نحن‪ ،‬في‬ ‫ألن النص كيفما كانت درجة موضوعيته‬ ‫�س الحاجة إلى‬ ‫عالمنا العربي‪ ،‬في أم� ّ‬ ‫يحمل آثار كاتبه‪ ،‬حتى وإن كانت وجهات‬ ‫النظر تتعدد وتختلف وتتناقض‪ ،‬إال أنها‬ ‫إثارتها‪ .‬وأتمنى أن أوس��ع مجال النشر‬ ‫تصب كلها في وجهة نظر الكاتب الذي‬ ‫والتوزيع‪ ،‬ليتسع مجال النقد أكثر‪ ،‬وأتمنى‬ ‫يطبعها إما بالسلب أو باإليجاب‪ .‬لهذا‬ ‫أن تقابل نصوصي الروائية بجدية نقدية‬ ‫ففي رواي���ة «م��ن يبكي ال���ن���وارس؟» كل‬ ‫تكافئ ما أبذله أنا في إنتاجها من جدية‬ ‫شخصية تدعو إلى الحوار البناء‪ ،‬ونبذ‬ ‫إبداعية‪ .‬وال تهمني اآلراء التي ستصدر‬ ‫سوء الفهم بين الثقافات‪ ،‬ونبذ الصراع‬ ‫أو أحكام القيمة بقدر ما تهمني آراء‬ ‫ال��ذي ي��ؤدي إلى الحروب وال��دم��اء‪ ،‬وكل‬ ‫ال��دراس��ات التي تكون مبنية ومؤسسة‬ ‫م��وق��ف أو ح���دث ي��دع��و إل���ى االن��ت��م��اء‬ ‫على دعائم علمية وموضوعية‪ ،‬وتستند‬ ‫والتجذر وضخ القيم المثلى في مخزون‬ ‫لمناهج دق��ي��ق��ة ف��ي تحليل النصوص‬ ‫الوعي الجماعي‪ ،‬ال��ذي يسعى لتدبير‬ ‫وقراءتها‪.‬‬ ‫االختالف الديني واللغوي والثقافي‪..‬‬ ‫ف��أن��ا ث���اوي���ة وراء ك���ل ذل�����ك‪ ..‬وه��ن��اك ¦ ¦مشاريعك المستقبلية؟‬ ‫سيجدني القارئ‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬م��ش��روع��ي األه���م اآلن ه��و إع���ادة طبع‬

‫¦ ¦أين تجدين نفسك في المشهد الروائي‬ ‫المغربي والعربي؟‬

‫‪96‬‬

‫‪ρ ρ‬آم��ل أن أتجاوز مشكل النشر والتوزيع‬ ‫كي تصل رواياتي إلى القارئ العربي أنى‬ ‫كان‪ .‬ويبقى للقراء والمهتمين بعد ذلك‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫رواياتي وتوزيعها على نطاق واسع بعد‬ ‫ن��ف��اد طبعتها األول����ى‪ ،‬ث��م نشر رواي��ت��ي‬ ‫«ط��ب��ول ال��ع��ي��د» ق��ري��ب��ا‪ ،‬أم���ا مشاريعي‬ ‫األخرى فتدخل كلها في إطار اهتماماتي‬ ‫العلمية واألكاديمية‪.‬‬


‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫عبداهلل بن عبدالمحسن السلطان‬ ‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬محمود عبداهلل الرمحي‬

‫في دوح��ة الجوف‪ ،‬وف��وق بساطها األخ�ض��ر‪ ..‬حيث التربة الخصبة‪ ،‬والسماء‬ ‫الماطرة‪ ،‬وف��ي مدينة سكاكا حاضرة ال�ج��وف‪ ،‬ول��د وت��رع��رع‪ ،‬وت��درج في مدارسها‬ ‫االبتدائية والمتوسطة‪ ،‬وأكمل دراسته الثانوية في عرعر والطائف‪ ،‬ليحلق بعدها‬ ‫عاليا متوجها إلى الواليات المتحدة األمريكية ليواصل دراسته فيها‪ ،‬وينال منها‬ ‫درجاته العلمية التي توَّ جَ ها بالدكتوراه عام ‪1980‬م‪ ..‬عاد بعدها إلى ربوع وطنه‬ ‫ليخدم بلده وأهله‪.‬‬ ‫مؤهالته العلمية‬

‫العامة من جامعة والية كاليفورنيا‬ ‫في مدينة ساكرمنتو في الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫ ‪ -‬ح��ص��ل ع��ل��ى ال��ب��ك��ال��وري��وس ع��ام‬ ‫‪1970‬م من جامعة والية كاليفورنيا‬ ‫الحكومية في مدينة ساكرمنتو في ‪ -‬ح��ص��ل ع��ل��ى درج���ة ال��دك��ت��وراه في‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وذلك‬ ‫ديسمبر ع��ام ‪1980‬م‪ .‬ف��ي العلوم‬ ‫في تخصصي «العلوم السياسية»‬ ‫السياسية بالتركيز على العالقات‬ ‫و«إدارة الشرطة»‪.‬‬ ‫ال��دول��ي��ة م��ن ج��ام��ع��ة والي���ة شمال‬ ‫ك��ارول��ي��ن��ا ال��ح��ك��وم��ي��ة ف���ي مدينة‬ ‫ حصل على درج��ة الماجستير في‬‫«شابل هل» في الواليات المتحدة‬ ‫أغسطس ع��ام ‪1973‬م ف��ي العلوم‬ ‫السياسية بالتركيز على اإلدارة‬ ‫األمريكية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪97 )2016‬‬


‫مناصب تقلدها‬ ‫ بدأ عمله برتبة مالزم أول بوزارة الداخلية بدءًا‬‫من ‪1390/1/1‬ه����ـ وم��ارس التحقيق في إدارة‬ ‫الجنايات العامة حينئذ باألمن العام‪.‬‬ ‫ انتقل إل��ى كلية الملك فهد األمنية ‪1390‬ه���ـ‬‫‪1404‬هـ حيث قام فيها بتدريس مختلف المواد‬‫العلمية‪ ،‬ومزاولة األعمال اإلداري��ة‪ .‬إلى أن تم‬ ‫تحويله وهو برتبة مقدم إلى موظف مدني‪.‬‬ ‫ عمل مديراً عاماً لشئون الحدود بديوان وزارة‬‫الداخلية ابتداء من ‪1405/3/6‬هـ‪.‬‬ ‫ قام بالتعاون مع جامعة الملك سعود (‪1404‬هـ‬‫ ‪1407‬ه��ـ) بتدريس مادتي «التطور السياسي‬‫للمملكة العربية السعودية» و«السياسة الخارجية‬ ‫للمملكة العربية السعودية» ف��ي قسم العلوم‬ ‫السياسية فيها‪.‬‬ ‫ تمت ترقيته للمرتبة الثالثة عشرة على وظيفة‬‫مدير عام التنسيق والمتابعة (المناطق)‪ ،‬اعتبارا‬ ‫من ‪1410/1/29‬ه���ـ (إلى جانب اإلش��راف على‬ ‫إدارة شئون الحدود)‪.‬‬ ‫ تمت ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة على وظيفة‬‫م��دي��ر ع��ام إدارة ش��ئ��ون ال��ح��دود اع��ت��ب��ارا من‬ ‫‪1413/8/3‬هـ‪..‬‬ ‫ عضو مجلس الشورى في ‪1413/3/3‬هـ‪.‬‬‫ عمل مستشارا لشئون الحدود ب��وزارة الداخلية‬‫في ‪1422/3/19‬هـ‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫ عمل وكيال مكلفا إلم��ارة منطقة ج��ازان خالل‬‫الفترة ‪1425/1/22-1423/4/19‬هـ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ شارك عضوا في عدة لجان رسمية‪.‬‬‫ عضو مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‬‫سابقا‪.‬‬ ‫مؤلفاته‬ ‫ ال��ب��ح��ر األح���م���ر وال���ص���راع ال��ع��رب��ي –‬‫االسرائيلي‪ ،‬التنافس بين استراتيجيتين‪.‬‬

‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫‪ -‬متقاعد حاليا‪.‬‬

‫ عن اإلرهاب‪.‬‬‫ تحالف الشر‪.‬‬‫ أحداث وأصداء‪.‬‬‫ إيران خصومة أم أعداء‪.‬‬‫ له عدة بحوث منشورة‪.‬‬‫ له كتابات صحفية‪.‬‬‫ حاصل على ميدالية التقدير العسكري‬‫من الدرجة األولى عام ‪1404‬هـ‪.‬‬ ‫ حاصل على ميدالية االستحقاق من‬‫الدرجة الثالثة عام ‪1413‬هـ‪.‬‬ ‫ بأمر من رئيس الجمهورية اليمنية حصل‬‫على «وسام الوحدة ‪ 22‬مايو» من الدرجة‬ ‫الثالثة ع��ام ‪1422‬ه��ـ‪،‬ت��ق��دي��را للجهود‬ ‫التي بذلت في سبيل التوصل «لمعاهدة‬ ‫جدة» التاريخية لترسيم الحدود البرية‬ ‫والبحرية بين المملكة العربية السعودية‬ ‫والجمهورية اليمنية الشقيقة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪99 )2016‬‬


‫سحر القراءة‪:‬‬ ‫*‬ ‫تجربتي في القراءة‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫عندما اكتشفت سحر ال�ق��راءة ف��ي طفولتي ويفاعتي‪ ،‬ك��ان ذل��ك ف��ي منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬وفي مرحلة حاسمة من حياتي‪ ،‬امتدت حتى حصولي على شهادة إتمام‬ ‫الشهادة الثانوية العامة من ثانوية ابن القيم في سكاكا في عام ‪1971‬م‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فهي تجربة الفتى ال��ذي كنتُ ه في عقد الستينيات من القرن الميالدي‬ ‫بعضكم ممن هم في سني أنها تشبه تجاربَهم‪ ،‬وسوف يجد‬ ‫الماضي‪ ،‬وربما يجد ُ‬ ‫آخرون ممن هم أصغر سن ًا أن الدنيا قد تغيرت حق ًا خالل تلك السنوات الطوال‪.‬‬ ‫اخترت ج��زءا من تجربتي في القراءة‪ ،‬وهو الجزء المرتبط بالمكان الذي‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬ ‫نحن فيه‪ :‬سكاكا الجوف‪.‬‬ ‫عندما أع��ود إلى دفاتري القديمة‪،‬‬ ‫وق���د ت��ع��ودت ف��ي ي��ف��اع��ت��ي أن أكتب‬ ‫مذكرات شبه يومية‪ ،‬فإنني أعثر على‬ ‫ما كتبته بتاريخ ‪1388/6/29‬هـ الموافق‬ ‫(ش��ه��ر سبتمبر ‪1968‬م)‪ ،‬وأن���ا أنتقل‬ ‫من المرحلة الدراسية المتوسطة إلى‬ ‫بتعابير بسيطة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫الثانوية‪ ،‬وجاء فيه‬

‫زم�لائ��ي ال��ط�لاب‪ ..‬وستكون دراستي‬ ‫لهذه السنة هي الصف األول ثانوي‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬إنني كنت مبتهجاً أيما‬ ‫اب��ت��ه��اج‪ .‬وف��ي ه��ذا ال��ي��وم درس��ن��ا لغة‬ ‫فرنسية وجبر وكيمياء‪ ،‬وق��د قضيت‬ ‫عطلة صيفية حافلة باألعمال المفيدة‪،‬‬ ‫وأهمها ق��راءة بعض الكتب األدب��ي��ة‪..‬‬ ‫والكتب األدبية التي قرأتها هي‪:‬‬

‫«ف���ي ه���ذا ال��ي��وم ال��س��ب��ت ال��م��واف��ق‬ ‫ُ‬ ‫‪1388/6/29‬ه���������ـ ف��ت��ح��ت ال���م�‬ ‫��دارس ‪ .1‬األيام (الجزء األول)‪ ،‬تأليف د‪ .‬طه‬ ‫أب��وابَ��ه��ا‪ ..‬وذه��ب��تُ إل��ى ال��م��درس��ة مع‬ ‫حسين‪.‬‬ ‫* نص محاضرة ألقيت في معرض الكتاب الثاني في جامعة الجوف بتاريخ ‪1437/4/13‬ه��ـ‬ ‫(‪2016/1/23‬م)‪.‬‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪. 3‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫‪. 5‬‬ ‫‪ .6‬‬ ‫‪ .7‬‬ ‫‪ .8‬‬ ‫‪ .9‬‬ ‫‪ .10‬‬ ‫‪ .11‬‬ ‫‪ .12‬‬

‫عبقرية محمد‪ ،‬تأليف عباس محمود‬ ‫العقاد‪.‬‬ ‫المعذبون في األرض‪ ،‬تأليف د‪ .‬طه‬ ‫حسين‪.‬‬ ‫م��ذك��رات ط��ه حسين‪ ،‬تأليف د‪ .‬طه‬ ‫حسين‪.‬‬ ‫دفاع عن اإلس�لام‪ ،‬تأليف لورا فيشيا‬ ‫فاغليري‪ ،‬ترجمة منير بعلبكي‪.‬‬ ‫حبة البرتقال‪ ،‬قصص قصيرة‪ ،‬تأليف‬ ‫أحمد العناني‪.‬‬ ‫ال��ن��ظ��رات (ال���ج���زء األول)‪ ،‬تأليف‬ ‫مصطفى لطفي المنفلوطي‪.».‬‬

‫ك��ان��ت اه��ت��م��ام��ات��ي األدب��ي��ة والصحفية‬ ‫المبكرة ق��د ب��دأت تظهر وتتشكّل‪ ،‬وكنت‬ ‫أت��ط��ل��ع إل���ى ت��ج��اوز ال��س��ن��ة األول����ى ث��ان��وي‬ ‫ب��س��رع��ة‪ ،‬لكي أس��ج��ل ف��ي القسم األدب���ي‪،‬‬ ‫وكانت ال��دراس��ة تنقسم بعد السنة األول��ى‬ ‫إل���ى قسمين‪ :‬ق��س��م أدب���ي وق��س��م علمي‪.‬‬ ‫كنت أح���رِّض بعض زم�لائ��ي ال��ط�لاب على‬ ‫التخصص في القسم األدب��ي‪ ،‬فندخل في‬ ‫نقاشات مع بعض زمالئنا الذين كانوا ينوون‬ ‫التخصص في القسم العلمي‪ .‬أتذكر أنني‬ ‫كنت أستشهد بعظمة شكسبير‪ ،‬الذي خلَّد‬

‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫‪ .2‬‬

‫األي��ام (الجزء الثاني)‪ ،‬تأليف د‪ .‬طه اسمه على م��دى األج��ي��ال‪ ،‬بينما ال نعرف‬ ‫كما كنت أزع��م أسماء علماء الرياضيات‬ ‫حسين‪.‬‬ ‫والفيزياء والكيمياء‪ ،‬الذين ابتكروا واكتشفوا‬ ‫الوعد الحق‪ ،‬تأليف د‪ .‬طه حسين‪.‬‬ ‫م���ذك���رات ط��ب��ي��ب��ة‪ ،‬ت��أل��ي��ف د‪ .‬ن���وال الكثير من النظريات واالكتشافات‪ ،‬ومضوا‬ ‫دون أن يخلّدهم التاريخ أو يعرفهم أحد‬ ‫السعداوي‪.‬‬ ‫الحب العذري‪ ،‬تأليف موسى سليمان‪ .‬من غير المتخصصين في تلك المجاالت‪.‬‬ ‫سعد بن أبي وقاص‪ ،‬تأليف عبدالحميد بالطبع كانت تلكْ مغالطة‪ ،‬فمن منا ال يعرف‬ ‫نيوتن أو جاليليو أو كوبرنيكوس!‬ ‫جودة السحار‪.‬‬ ‫ب��دأتُ أنفتح على ال��ق��راءة بنهم شديد‪،‬‬ ‫وكنت أرى أن األدي��ب شخصية مؤثرة في‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويتمتع بشهرة ال يحصل عليها‬ ‫كثيرون‪ ،‬وكان مَثلي األعلى هو طه حسين‪،‬‬ ‫بعد أن قرأت العديد من كتبه‪ ،‬وعرفت قصة‬ ‫كفاحه‪ ،‬وما حققه من نجاح في ميدان األدب‬ ‫والتدريس الجامعي والوظيفة العامة؛ فهو‬ ‫عميد األدب العربي‪ ،‬وصاحب المؤلفات‬ ‫وال��ن��ظ��ري��ات األدب��ي��ة وال��ف��ك��ري��ة الشهيرة‪،‬‬ ‫والرجل الذي وصل إلى كرسي الوزارة!‬ ‫لقد تعلقت ب��ال��ق��راءة منذ ذل��ك الزمان‬ ‫البعيد‪ ،‬وع��رف��ت معنى «س��ح��ر ال��ق��راءة»‪.‬‬ ‫فالقراءة‪ ،‬على وجه العموم‪ ،‬ضرورة وليست‬ ‫مجرد هواية‪ .‬ونحن في هذا الزمن‪ ،‬نقرأ‬ ‫لتسيير وتيسير حتى أبسط أمورنا اليومية‪.‬‬ ‫لكنني أت��ح��دث هنا بالتحديد ع��ن ق��راءة‬ ‫الكتب وال��ص��ح��ف وال��م��ج�لات‪ ،‬وه���ذا قبل‬ ‫زم��ن «اإلع�ل�ام ال��ج��دي��د» م��ن تويتر وفيس‬ ‫بوك وصحافة إلكترونية‪ ،‬وما حمله لنا عالم‬ ‫اإلن��ت��رن��ت‪ .‬وق���راءة الكتب ق��د تكون هواية‬ ‫محببة إلى نفوس كثيرين‪ ،‬أما قراءة الصحف‬ ‫والمجالت فقد تكون القاسم المشترك بين‬ ‫ماليين الناس في كل أنحاء العالم‪ .‬ولكن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪101 )2016‬‬


‫عندما تأخذ القراءة صفة اإلدم��ان‪ ،‬وتكون‬ ‫مفضلة على متع كثيرة‪ ،‬مما يُقبِل ويتلهف‬ ‫عليه الناس ويأخذ حيّزاً كبيراً من أوقاتهم‪،‬‬ ‫فذلك هو ما أعنيه حين أتحدّث عن «سحر‬ ‫القراءة»‪.‬‬ ‫يعرف عشاق ال��ق��راءة المولعون بها أن‬ ‫حُ ��بَّ ال��ق��راءة يشبه إل��ى ح��دٍّ كبير العادات‬ ‫اإلدمانية األخرى؛ ومدمن القراءة يفعل ما‬ ‫يفعله المدمنون اآلخرون ألي عادة أو مادة‪،‬‬ ‫فهو قد يصرف كل ما في جيبه على شراء‬ ‫الكتب‪ ،‬وعندما يسمع عن كتاب جيد لدى‬ ‫شخص ما قد ال تربطه به عالقة وثيقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تتلبسه شجاعة عجيبة‪ ..‬فيطلب استعارة‬ ‫ذلك الكتاب منه!‬

‫من معارف الوالد‪ ،‬وقد أعجبه أنني أشتري‬ ‫الكتب والمجالت وأحب القراءة‪ ،‬فمدحني‬ ‫عند والدي وبالغ قائالً‪« :‬ولدك أحسن زبون‬ ‫عندي»‪ .‬وبالرغم من أن الوالد كان قارئاً‬ ‫ال صحفياً‪ ،‬فإن ذلك لم يَرُق‬ ‫نهماً‪ ،‬ومراس ً‬ ‫ل��ه‪ ،‬ألن��ه ك��ان ي��ود أن تكون ق��راءات��ي تحت‬ ‫إشرافه‪ ،‬فسألني بشيء من العتب عن الكتب‬ ‫والمجالت التي أشتريها‪ ،‬مع أن الكتب التي‬ ‫تباع في األس���واق في المملكة ال تتضمن‬ ‫م��واداً غير خاضعة للرقابة الصارمة‪ .‬وقد‬ ‫عرفت فيما بعد أن بعض اآلباء المتعلمين‬ ‫في ذلك الزمان كانوا يتحسسون من قراءة‬ ‫أبنائهم لبعض الكتب التراثية‪ ،‬التي تحتوي‬ ‫على قصص وأشعار شبه إباحية‪ ،‬كما كانوا‬ ‫أيضا ينزعجون مما تنشره بعض المجالت‬ ‫من مواضيع التثقيف الصحي الجنسي‪ ،‬مثل‬ ‫مجلة «طبيبك» التي تخصص زوايا لإلجابة‬ ‫على األسئلة الطبية التي يوجهها القراء‪ ،‬ومن‬ ‫أشهرها بين القراء المراهقين زاوية بعنوان‬ ‫«الجلدية والتناسلية»‪ ،‬وكانت تلك المجلة‬ ‫ال��ت��ي ي���رأس تحريرها ال��م��رح��وم الدكتور‬ ‫صبري القباني واسعة االنتشار في ذلك‬ ‫الزمان في العالم العربي‪ ،‬جنباً إلى جنب مع‬ ‫مجلة العربي الكويتية‪ .‬كما كان بعض اآلباء‬ ‫ال يرتاحون لما تنشره المجالت اللبنانية من‬ ‫صور نساء بالمايوه والمالبس الفاضحة‪،‬‬ ‫مثل مجلة األسبوع العربي‪ ،‬ومجلة الجمهور‬ ‫الجديد‪.‬‬

‫ف��ي ذل���ك ال���زم���ان‪ ،‬ك���ان ال��ح��ص��ول على‬ ‫كتاب ف��ي ال��ج��وف‪ ،‬أو حتى على مجلة أو‬ ‫صحيفة صعباً غير ميسور‪ ،‬فلم يكن في‬ ‫المنطقة مكتبات تجارية‪ ،‬إذ لم يكن هناك‬ ‫طلبٌ على الكتب بشكل يبرر إقامة مشروع‬ ‫تجاري لبيعها‪ ،‬وكان السوق ضيقاً على أي‬ ‫ح��ال‪ ،‬واإلم��ك��ان��ات المادية م��ح��دودة‪ .‬وقد‬ ‫أق��ام وال��دي مكتبة صغيرة مكوّنة من عدة‬ ‫رفوف ضمن محل تجاري‪ ،‬عندما كنت في‬ ‫مرحلة الدراسة االبتدائية؛ لكن المكتبة لم‬ ‫تنجح كمشروع تجاري‪ ،‬فتخلص منها الوالد‬ ‫بسرعة‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬أقام األستاذ منزل المقبل‬ ‫مكتبة تجارية أكبر من تلك التي ك��ان قد‬ ‫أقامها الوالد‪ ،‬وكانت جيدة ومتنوّعة‪ .‬وقد‬ ‫بعد فترة غير طويلة من إقامة األستاذ‬ ‫شعرت أنني عثرت على كنز‪ ،‬فكنت أشتري‬ ‫منها الكتب والصحف والمجالت‪ ،‬ولكنها هي منزل المقبل لمكتبته على ال��ش��ارع العام‬ ‫األخرى لم تعمّر طويالً‪ .‬وكان منزل المقبل في سكاكا‪ ،‬وه��و ش��ارع الملك عبدالعزيز‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وم���ع ذل���ك‪ ،‬ك��ن��ت أج���د م��ن ال��ك��ت��ب في‬ ‫المكتبة المنزلية الصغيرة لدى الوالد ما‬ ‫يجلب لي المتعة والسعادة‪ .‬فعلى الرغم من‬ ‫محدودية الكتب عدداً ونوعاً‪ ،‬كنت أجد فيها‬ ‫ما يشبع نهمي‪ .‬وعندما دخلت المدرسة‬ ‫المتوسطة‪ ،‬ك��ان عمي «ثاني الحميد» قد‬ ‫تم تعيينه في سلك التدريس خارج الجوف‪،‬‬ ‫وعندما يعود في العطل الصيفية والموسمية‬ ‫كان يُحضر معه الكثير من الكتب والمجالت‪.‬‬ ‫وأتذكر بشكل خاص ما كان يأتي به من كتب‬ ‫للدكتور طه حسين واألستاذ عباس محمود‬ ‫العقاد‪ ،‬وأعداد متراكمة من مجلة العربي‪،‬‬ ‫ومجلة األس��ب��وع العربي‪ .‬وك��ان العم قارئاً‬ ‫متميزاً انتقائيا ومثقفاً‪ ،‬إضافة إلى موهبته‬ ‫الشعرية والكتابية‪ ،‬وقد ألَّف كتاباً بعنوان‬ ‫«قبس من التربية» عام ‪1964‬م عندما كان‬ ‫دون سن العشرين! وقد استفدتُ كثيراً جداً‬ ‫من مناقشاتي المستمرة معه‪ ،‬وكان يميل إلى‬ ‫قراءة مؤلفات عباس محمود العقاد‪ ،‬بينما‬

‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫حالياً‪ ،‬حدثت له ظروف شغلته عن المكتبة‪،‬‬ ‫وأخذته إلى خارج الجوف‪ ،‬فكان والدُه رحمه‬ ‫اهلل يجلس للبيع في المكتبة‪ .‬ولكن الرجل‬ ‫المسن لم يكن متعلماً‪ ،‬وك��ان من الصعب‬ ‫عليه التعامل مع تلك التجارة المتخصصة‪.‬‬ ‫وفي النهاية باع محتويات المكتبة من الكتب‬ ‫وغيرها بأسعار مخفضة‪ ،‬بعد أن أخرجها‬ ‫إلى الشارع‪ ،‬وأقفل المكتبة بشكل نهائي‪،‬‬ ‫وأتذكر أنني اشتريت بعض الكتب التي كانت‬ ‫تصدر بشكل سالسل من مصر مثل سلسلة‬ ‫«اق���رأ» وسلسلة «المكتبة الثقافية»‪ .‬وقد‬ ‫حزنت إلقفال المكتبة(‪.)1‬‬

‫كنت أجدها عسيرة الهضم‪ ،‬وأميل إلى قراءة‬ ‫مؤلفات طه حسين مثل «دع��اء ال��ك��روان»‪،‬‬ ‫و«المعذبون في األرض»‪ ،‬و«األيام»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫وف���ي م��رح��ل��ة الح��ق��ة‪ ،‬جمعنا كتبنا‪ ،‬العم‬ ‫ث��ان��ي وأن���ا‪ ،‬وت��م تخصيص غ��رف��ة صغيرة‬ ‫برفوف خشبية صنعها لنا أح��د النجارين‬ ‫المحليين‪ .‬وقد رأى العم أن نطلق على هذه‬ ‫المكتبة المشتركة اسم «فرقدان»‪ ،‬فصنعنا‬ ‫ختماً بهذا االسم‪ ،‬ومهرنا به جميع الكتب‪،‬‬ ‫ووضعنا لها أرقاماً متسلسلة‪ ،‬وما تزال بعض‬ ‫الكتب التي أحتفظ بها في مكتبتي الخاصة‬ ‫ب��ال��ري��اض تحمل ختم «ف��رق��دان»‪ ،‬بعد أن‬ ‫اقتسمنا محتويات المكتبة بعد االنتقال من‬ ‫بيتنا القديم‪.‬‬ ‫في المدرسة الشمالية االبتدائية (فلسطين‬ ‫حالياً)‪ ،‬كانت هناك مكتبة متواضعة جداً‪،‬‬ ‫وكنت استعير منها كتب األطفال‪ ،‬التي كان‬ ‫يكتبها كامل كيالني‪ ،‬وكانت مقتبسة من ألف‬ ‫ليلة وليلة‪ ،‬وكذلك سلسلة المكتبة الخضراء‬ ‫ل�لأط��ف��ال بكتبها ال��م��ش�وّق��ة ذات األل���وان‬ ‫البراقة‪ .‬أما في المدرسة المتوسطة‪ ،‬فكانت‬ ‫المكتبة أكبر من تلك التي كانت في المدرسة‬ ‫االبتدائية‪ ،‬وكان أمينها هو األستاذ السوداني‬ ‫محمد آدم‪ ،‬وكنت أستعير منها بعض الكتب‪،‬‬ ‫أتذكر منها اآلن مجموعة قصصية استمتعت‬ ‫كثيراً ف��ي ق��راءت��ه��ا بقلم غالب حمزة أبو‬ ‫الفرج‪ .‬وقد قرأت في تلك الفترة كتباً لسعد‬ ‫البواردي‪ ،‬ومحمود تيمور‪ ،‬ومحمود البدوي‪،‬‬ ‫وع��ب��دال��س�لام العجيلي‪ ،‬وح��س��ن ع��ب��داهلل‬ ‫القرشي‪ ،‬ومحمد عبدالحليم عبداهلل‪.‬‬ ‫وق���د ح���دث ت��ط��و ٌر آخ���ر ف��ي ال��م��درس��ة‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪103 )2016‬‬


‫المتوسطة‪ ،‬إذ ك��ان��ت ب��داي��ة ال��دراس��ة في‬ ‫المتوسطة األول��ى بالشلهوب‪ ،‬وكانت هي‬ ‫المدرسة المتوسطة الوحيدة في سكاكا‪ ،‬قبل‬ ‫تأسيس المدرسة المتوسطة الثانية‪ ،‬وهي‬ ‫متوسطة صالح الدين في «الصبخا» بحي‬ ‫السوق‪ .‬ففي طريقي من وإل��ى المتوسطة‬ ‫األول�����ى ع��ل��ى دراج���ت���ي ال��ه��وائ��ي��ة‪ ،‬ك��ان��ت‬ ‫تستوقفني لوحة ُكتِبَ عليها المكتبة الثقافية‬ ‫العامة بالجوف‪ ،‬و ُِضعتْ على مبنى صغير‬ ‫مكوّن من صالة واح��دة مستطيلة الشكل‪،‬‬ ‫وكان يفصل المكان عن المدرسة الجنوبية‬ ‫االب��ت��دائ��ي��ة (م���درس���ة ال��م��ل��ك عبدالعزيز‬ ‫االبتدائية حالياً) شارع من الناحية الغربية‬ ‫للمدرسة‪ .‬وقد دفعني فضولي ذات يوم إلى‬ ‫دخول المكان في الفترة المبكرة لتأسيسها‪،‬‬ ‫فاكتشفت عالماً جديداً ورائعاً‪ ،‬إذ وجدت‬ ‫كتباً متنوّعة وم��ج�لات وج��رائ��د‪ ،‬فكانت‬ ‫بالنسبة ل��ي تجربة ف��ري��دة استمرت حتى‬ ‫اليوم مع تلك المكتبة التي تطورت وأصبح‬ ‫اسمها (دار العلوم بالجوف)‪ ،‬وهي جزء من‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الثقافية‬ ‫الخيرية أو «مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي» كما صرنا نعرفه اليوم‪ ،‬وقد كتبت‬ ‫عن تلك التجربة في مكان آخر‪ ،‬ومما كتبته‪:‬‬ ‫«دخلت المكتبة للمرة األولى‪ ،‬وكان أمينها‬ ‫في ذلك الوقت األستاذ محمد ب��در‪ ،‬الذي‬ ‫كان يُ َدرِّس اللغة اإلنجليزية ويراسل جريدة‬ ‫الرياض‪ ،‬فاكتشفت عالماً مبهراً من الكتب‬ ‫وال��م��ج�لات وال��ص��ح��ف‪ ،‬وص���رت منذ ذلك‬ ‫الوقت أت��ردد عليها بصفة مستمرة‪ ،‬حتى‬ ‫تخرجت م��ن ال��م��درس��ة الثانوية وغ���ادرت‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الجوف‪ .‬وقد تعاقب على أمانة المكتبة كل‬ ‫من األستاذ عبدالعزيز أبو هالل‪ ،‬واألستاذ‬ ‫علي بالل الدرعان‪ ،‬خالل الفترة التي كنت‬ ‫أتردد عليها‪.‬‬ ‫كانت تتكون من صالة واح��دة تتوسطها‬ ‫طاوالت مستطيلة‪ ،‬وتحيط بها رفوف الكتب‪،‬‬ ‫وفي ركن من أركان الصالة يوجد مكتب أمين‬ ‫المكتبة‪ ..‬ال يفصله فاصل عن رواد المكتبة‪.‬‬ ‫أه��م م��ا جذبني إل��ى المكتبة ال��رواي��ات‬ ‫والقصص والصحف‪ ،‬فعلى الرغم من وجود‬ ‫مكتبة منزلية لدى الوالد تحتوي على بعض‬ ‫إص���دارات سلسة رواي���ات ال��ه�لال‪ ،‬وبعض‬ ‫الدواوين الشعرية‪ ،‬والمجموعات القصصية‪،‬‬ ‫والكتب األخرى‪ ،‬وعلى الرغم من أن الكثير‬ ‫من الصحف والمجالت يصل إل��ى الوالد‬ ‫بانتظام بحكم اهتماماته الصحفية واألدبية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬مجلة المنهل‪ ،‬ومجلة قافلة الزيت‬ ‫وغيرهما‪ ،‬إال أن محتويات مكتبة الثقافة‬ ‫العامة كانت بالنسبة لي تمثل كنوزاً ثقافية‬ ‫ك��ب��رى‪ .‬وق���د ق���رأت الكثير م��ن ال��رواي��ات‬ ‫والقصص التي تضمها الرفوف‪ ،‬والتي لم‬ ‫تكن متاحة في المنطقة‪.‬‬ ‫وأذك���ر أن المكتبة ك��ان��ت تحتوي على‬ ‫سلسلة من األعمال الروائية الكالسيكية‬ ‫المبسطة للقراء الناشئين‪ ،‬مكتوبة بلغة‬ ‫إنجليزية ميسّ رة‪ ،‬وم��ن ه��ذه األعمال كتب‬ ‫مارك توين التي قرأتها في ذلك الوقت‪ ،‬وهي‬ ‫مغامرات توم سوير ومغامرات هاكلبري فن‪،‬‬ ‫مستعيناً بقاموس صغير من إع��داد إلياس‬ ‫إل��ي��اس‪ .‬وكنت لكثرة ت��رددي على المكتبة‬


‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫أقيم ع�لاق��ات جيدة م��ع أمنائها بسرعة‪ ،‬دعائي من مكتبتنا المنزلية‪ ،‬وقلت له أن كل‬ ‫ما أعطاني بعض االمتيازات‪ ،‬مثل استعارة ما نحتاج إليه هو تغيير العنوان في البيان‬ ‫ووضع الرقم التسلسلي للكتاب القديم على‬ ‫الكتب دون أي إجراءات(‪.)2‬‬ ‫أم��ا ال��ص��ح��ف‪ ،‬فكانت متعتي الكبرى‪ ،‬الكتاب الجديد! وبعد نقاش طويل‪ ،‬وافق وتم‬ ‫إنقاذ الكتاب!‬ ‫ألنها كانت في الغالب ال تصل إال لإلدارات‬ ‫وم���ن م��ص��ادر ال��ك��ت��ب ف��ي ت��ل��ك ال��ف��ت��رة‪،‬‬ ‫الحكومية كاشتراكات رسمية‪.‬‬ ‫شخص تعرّفت عليه بالصدفة اسمه أديب‬ ‫لا ممن كانوا‬ ‫لا ك��ام� ً‬ ‫أعتقد أنني وج��ي� ً‬ ‫الريماوي‪ ،‬وك��ان يعمل في مدرسة األيتام‬ ‫في مثل سنّي‪ ،‬ندين بالشكر لتلك المكتبة‪،‬‬ ‫بسكاكا‪ .‬فقد تصادف أنني كنت في دكان‬ ‫إلسهامها في تشكيل اهتماماتنا الثقافية‬ ‫جدي رحمه اهلل أساعده‪ ،‬ومعي نسخة من‬ ‫وتنميتها‪ ،‬وقد كانت المكتبة بالنسبة لبعض‬ ‫ج��ري��دة الجزيرة وضعتها على ط��اول��ة في‬ ‫الزمالء المصدر الوحيد للكتب والصحف‬ ‫مدخل ال��دك��ان‪ ،‬وك��ان��ت تحتوي على م��ادة‬ ‫والمجالت‪ ،‬كما كانت بمثابة ملتقى للتعارف‬ ‫صحفية مما كنت أرس��ل��ه للجريدة‪ .‬دخل‬ ‫بين من يجمعهم حب القراءة واالهتمامات‬ ‫أديب الريماوي الذي لم أكن وقتَها أعرفه‬ ‫الثقافية(‪.»)3‬‬ ‫لشراء قلم حبر باركر ‪ 21‬الشهير‪ ،‬وطلب‬ ‫من طرائف ما حدث لي مع بعض أمناء محبرة لكي يتأكد من سالمة القلم‪ .‬وعندما‬ ‫المكتبة‪ ،‬أنني عرفت أن هناك نيّة للتخلص عبأ القلم بالحبر أراد مسح ريشته بطرف‬ ‫من بعض الكتب التي الحَ ظ ُ‬ ‫بعض المهتمين الجريدة فمنعته‪ ،‬وقلت له إن لي موضوعاً‬ ‫أنها تحتوي على محاذير رقابية وشرعية‪ .‬منشوراً في هذه الجريدة‪ ،‬وأريد االحتفاظ‬ ‫وكنت قد استعرت من المكتبة كتاباً بعنوان بالنسخة سليمة‪ .‬استغرب أديب الريماوي‪،‬‬ ‫(قصة اإلنسان) تأليف جورج حنا‪ ،‬وهو كتاب ربما بسبب مظهري وعمري‪ ،‬فسألني وهو‬ ‫مختلف عن كل ما قرأته سابقاً‪ ،‬ويحتوي على يبتسم إن كنت ج��اداً؛ فما كان منّي إال أن‬ ‫معلومات وآراء فلسفية جديدة كل الجدة عن فتحت الجريدة وأريته الموضوع الذي كان‬ ‫كل ما كنت أعرفه من قبل‪ .‬وعندما عرفت منشوراً في صفحة يحررها األديب سليمان‬ ‫بأمر خطة «التطهير الرقابي» حاولت مع الحماد‪ .‬أتذكر أنه شجعني ببعض عبارات‬ ‫أمين المكتبة إنقاذ ذلك الكتاب‪ ،‬وقلت له أن المجاملة‪ ،‬وأخبرني أيضا أنه يعرف سليمان‬ ‫الكتاب قيّم وال يصح إحراقه أو حتى رفعه الحماد شخصياً‪ .‬لم أكن قابلت أديباً واحداً‬ ‫عن الرف وحرمان القراء من االطالع عليه‪ ،‬في حياتي‪ ،‬فشعرت بأنني أم��ام شخصية‬ ‫ولكنه أخبرني أنه لن يستطيع منع المراقبين مهمة طالما أن هذا الرجل يعرف سليمان‬ ‫من حجبه أو مصادرته فيما لو طلبوا ذلك‪ ،‬الحماد معرفة شخصية! سألته عن سليمان‬ ‫فاقترحت عليه أن استبدله بكتاب حكومي الحماد‪ ،‬فقال إنه تعرّف عليه أثناء عمله في‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪105 )2016‬‬


‫مدينة الرياض‪ ،‬وأنه معجب به؛ ألنه قال في‬ ‫إحدى الجلسات إن على العرب أن ال يفقدوا‬ ‫األم��ل بسبب هزيمتهم أم��ام إسرائيل في‬ ‫حرب ‪1967‬م‪ ،‬التي كانت قد حدثت في تلك‬ ‫األي��ام‪ ،‬وأن ما فقدوه من األرواح أقل مما‬ ‫فقدته إحدى الدول في كارثة انهيار مبنى‬ ‫لكرة القدم‪.‬‬ ‫طال الحديث مع أديب الريماوي‪ ،‬وعرف‬ ‫أنني محب للقراءة‪ ،‬لكن قراءاتي محدودة‬ ‫بالمتوفر من الكتب‪ ،‬فقال إنه أحضر معه‬ ‫من األردن كتباً كثيرة الستخدامه الشخصي‪،‬‬ ‫وسوف يحضر لي غداً بعض مؤلفات نجيب‬ ‫محفوظ ال��ذي كنت أسمع به‪ ،‬ولم أق��رأ له‬ ‫أي كتاب‪ ،‬بسبب ع��دم توفر كتبه‪ .‬أحضر‬ ‫لي بعد ذلك ثالثية نجيب محفوظ الشهيرة‬ ‫(بين القصرين‪ ،‬قصر الشوق‪ ،‬السكرية)‪،‬‬ ‫فأمضيت في قراءتها وقتاً ممتعاً‪ ،‬وكانت‬ ‫فاتحة لعالم جديد من الكتب وال��ق��راءات‬ ‫التي لم تكن لتتاح لي لوال أديب الريماوي‪.‬‬ ‫وق��د كانت لديه مجالت مصرية ولبنانية‬ ‫ومالحق أدبية لصحف لبنانية‪ ،‬مثل النهار‬ ‫وكتب ممنوعة كثيرة‪ ،‬وعرفت منه أن محمود‬ ‫الريماوي األديب األردني هو من أقاربه‪.‬‬

‫هيكل التي كان ينشرها في األهرام‪ ..‬وال تصل‬ ‫إلينا بسبب الخالفات بين مصر والمملكة‬ ‫ف��ي ذل��ك ال��وق��ت‪ .‬كانت األج���واء مشحونة‬ ‫ومحتقنة‪ ،‬ومع ذلك كنت أستعير من بعض‬ ‫األشخاص الذين تعرّفت عليهم عن طريق‬ ‫أديب الريماوي كتباً سياسية مختلفة‪ ،‬كان‬ ‫يتم تهريبها من األردن‪ ،‬وأجد فيها طروحات‬ ‫مختلفة عما كان موجوداً في الكتب المتاحة‬ ‫ع��ن��دن��ا‪ .‬وللحقيقة‪ ،‬ف��إن الكثير م��ن تلك‬ ‫الكتب التي كنا نتداولها سراً كانت مكتوبة‬ ‫بأسلوب يصعب فهمه‪ ،‬ويغص بالمصطلحات‬ ‫السياسية السائدة في ذلك الزمان‪ ،‬والتي‬ ‫كان المؤلفون العرب يتبنونها من مفكرين من‬ ‫الشرق والغرب‪ .‬وقبل تخرّجي من الثانوية‬ ‫كان أديب الريماوي ومحمد شناعة (معلم‬ ‫الرياضيات في المدرسة الثانوية الذي سآتي‬ ‫على ذكره الحقاً) قد غادرا الجوف نهائياً‪،‬‬ ‫وقيل إن��ه تبين أن الرجلين كانا عضوين‬ ‫ف��ي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‪.‬‬ ‫وبسبب ارت��ب��اط��ي بهما أصابني ال��خ��وف‪،‬‬ ‫فدفنت الكتب التي حصلت عليها من أديب‬ ‫الريماوي في حوش تحت أكوام الحطب‪ ،‬في‬ ‫بيتنا الطيني القديم‪ ،‬أما المجالت فقد قمت‬ ‫بحرقها والتخلص منها‪ ،‬وكنت أتصور أنني‬ ‫قد أتعرض للمساءلة والتفتيش! وبالطبع لم‬ ‫يحصل أي شيء من هذا‪ ،‬فما أنا إال صبي‬ ‫صغير غير ذي شأن دون سن الثامنة عشرة‪،‬‬ ‫ال يأبه به أحد‪.‬‬

‫في هذه األثناء‪ ،‬دخلت في فترة صاخبة‪،‬‬ ‫فقد كانت السياسة تطغى على كل شيء‬ ‫في تلك األيام العصيبة التي أعقبت هزيمة‬ ‫الخامس من حزيران ‪1967‬م‪ .‬ورغم صغر‬ ‫السن‪ ،‬فقد كان معظم زمالئي في المدرسة‪،‬‬ ‫من المؤكد‪ ،‬أن تلك الفترة‪ ،‬وه��ي فترة‬ ‫ومعظم م��ن ك��ان��وا ف��ي مثل سنّي متابعين‬ ‫لألحداث السياسية‪ ،‬وكنا نسمع من إذاعة المراهقة العمرية‪ ،‬كانت مرحلة تحوّلية‬ ‫صوت العرب مقاالت األستاذ محمد حسنين ح��رج��ة‪ .‬لقد كنت أج��د فجوة واس��ع��ة بين‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ولكن‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬تبرز القراءة كملجأ ظليل‬ ‫يلتقط فيه اإلنسان أنفاسه‪ ،‬ويبحث بنفسه‬ ‫عن اإلجابة عمَّ ا يعتمل داخله من تساؤالت‬ ‫بكل ص��راح��ة‪ ،‬وم��ن دون م��وارب��ة‪ ،‬وعندما‬ ‫تكون اإلجابة غير مقنعة‪ ،‬يبحث عن إجابات‬ ‫أخرى في كتب أخرى‪ .‬وقد قرأت كتباً تراثية‬ ‫تبين لي فيما بعد أنها تغص باإلسرائيليات‬ ‫التي تربك الفكر الحائر لمراهق يبحث عن‬ ‫إجابات تحترم عقله‪ ،‬ولكنني وجدت البديل‬ ‫في كتاب رائع قرأته أكثر من مرة‪ ،‬وهو كتاب‬ ‫«اهلل يتجلى في عصر العلم» تأليف مجموعة‬ ‫من العلماء الغربيين‪ ،‬يثبتون فيه من خالل‬ ‫األدل��ة العلمية المنطقية وج��ود خالق عز‬ ‫وجل لهذا الكون‪ ،‬ثم قرأت كتاب «روح الدين‬ ‫اإلسالمي» تأليف عفيف عبدالفتاح طبارة‪،‬‬ ‫فوجدت فيه إجابات مقنعة على الكثير من‬ ‫األسئلة واإلشكاالت التي كانت تلحّ عليَّ ‪.‬‬

‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫بيئتي الجغرافية واالجتماعية المحدودة‬ ‫وبين العالم ال�لا محدود‪ ،‬ال��ذي أج��ده في‬ ‫الكتب وال��ق��راءات المختلفة‪ .‬ول��م يكن من‬ ‫الممكن‪ ،‬في تلك البيئة‪ ،‬أن يتحدث المراهق‬ ‫عما يجول في خاطره من أفكار قد ال تكون‬ ‫مقبولة‪ ،‬كما كان من المستحيل طرح أسئلة‬ ‫صريحة تجيب على الشكوك والتناقضات‬ ‫واألفكار التي تضطرب وتغلي داخل النفس‬ ‫الحائرة المتسائلة عن قضايا وجودية كبرى‪،‬‬ ‫كانت تؤخذ كمسلّمات ال يجرؤ أح��د على‬ ‫التعمّق في معانيها ودالالتها وأسرارها‪.‬‬

‫األدب اإلنجليزي‪ ،‬والتخصص في الصحافة!‬ ‫كنت قد بدأت أقرأ بعض الروايات واألعمال‬ ‫األدبية المبسطة للناشئة باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫واختلط كثيراً مع مدرّسيّ اللغة اإلنجليزية‬ ‫وه���م «ج���ون وود» م��ن إن��ج��ل��ت��را‪ ،‬و«دي��ف��ي��د‬ ‫ت��وم��ب��س��ون» م��ن اسكتلندا‪ ،‬و«زب��ي��ر عمر»‬ ‫من باكستان‪ .‬وك��ان من حسن حظنا‪ ،‬نحن‬ ‫الطالب‪ ،‬في ذلك الزمان أن معلمي اللغة‬ ‫اإلن��ج��ل��ي��زي��ة ال ي��ت��ح��دث��ون ال��ل��غ��ة العربية‪،‬‬ ‫وأغلبهم من إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا‬ ‫والدول األخرى الناطقة باللغة اإلنجليزية؛‬ ‫ما أسهم في تقوية لغتنا اإلنجليزية‪.‬‬ ‫كنت أراسل جريدة الندوة التي تصدر في‬ ‫مكة المكرمة‪ ،‬بعد أن قدمني للجريدة معلم‬ ‫الرياضيات األستاذ محمد شناعة‪ ،‬الذي كان‬ ‫قد تم نقله من مكة إلى الجوف‪ ،‬وكان قبل‬ ‫ذلك يكتب زاوية صحفية في جريدة الندوة‪،‬‬ ‫في صفحة الطلبة والشباب‪ .‬بدأتْ تستهويني‬ ‫الموضوعات االقتصادية التي كانت الجريدة‬ ‫تبرزها في بعض صفحاتها‪ ،‬فصرتُ استمتع‬ ‫بقراءتها وتابعتها كمعلومات عامة‪ ،‬وكجزء‬ ‫من اهتماماتي القرائية المتنوّعة‪ ،‬في إطار‬ ‫أدبي‪ ،‬بعيداً عن الصياغات الرياضية وعالم‬ ‫األرقام‪.‬‬

‫ك��ان األس��ت��اذ سلمان أب��و عبيدة‪ ،‬معلم‬ ‫المواد األدبية يشجعني‪ ،‬وك��ان يوحي إليَّ‬ ‫بأنني أمتلك موهبة في الكتابة‪ .‬وكنت في‬ ‫تلك السن أتباهى بما أنشر رغم بساطته‬ ‫مع اقتراب انتهاء دراسة المرحلة الثانوية‪ ،‬الشديدة‪ ،‬وكنت ‪ -‬من باب االستعراض ‪-‬‬ ‫وض��رورة تحديد التخصص الجامعي الذي أقوم بتجليد دفاتري وكتبي ب��أوراق جرائد‬ ‫سوف أسلكه‪ ،‬كنت مشتتاً بين التخصص في ت��ح��ت��وي ع��ل��ى ب��ع��ض م��ا أن��ش��ره م��ن أخ��ب��ار‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪107 )2016‬‬


‫ومقاالت‪ ،‬وأتحين الفرص لكي تكون هذه‬ ‫المواد الصحفية بارزة أمام عيون المعلمين‪،‬‬ ‫وبذلك ش��اع في المدرسة ل��دى المعلمين‬ ‫والطالب ذِ ك ْر مشاركاتي الصحفية‪.‬‬ ‫كان عليّ مع اقتراب نهاية العام الدراسي‬ ‫في السنة الثالثة ثانوي أن أحدد التخصص‬ ‫ال����ذي س��أس��ل��ك��ه؛ ف��ب��دأت أراس����ل جامعة‬ ‫ال��ري��اض (جامعة الملك س��ع��ود)‪ ،‬وجامعة‬ ‫الملك عبدالعزيز ب��ج��دة‪ ،‬بعد أن عقدت‬ ‫العزم على التخصص في األدب اإلنجليزي‪.‬‬ ‫وعندما علم أستاذي صديق ف��راج بذلك‪،‬‬ ‫وه��و معلم ال��ت��اري��خ والجغرافيا والمثقف‬ ‫الشمولي‪ ،‬نصحني باختيار تخصص آخر!‬ ‫فأخبرته أن تخصصي اآلخر في هذه الحالة‬ ‫سيكون الصحافة‪ ،‬لكن هذا التخصص لم‬ ‫يكن متاحاً في الجامعات السعودية آنذاك‪،‬‬ ‫والب��د من دراسته في الخارج على حساب‬ ‫والدي‪ ،‬فقال لي إن الصحافة هي أسوأ مهنة‬ ‫في العالم العربي والعالم الثالث؛ ألنها غير‬ ‫آمنة‪ ،‬والصحفي يمكن أن يفقد عمله بسبب‬ ‫مقال أو خبر ينشره في الجريدة‪ ،‬فيصبح‬ ‫ال بال دخل وال عمل‪ ،‬وذلك في أحسن‬ ‫عاط ً‬ ‫األحوال!‬

‫اقتصادي حكومي أو أهلي‪ ،‬من دون أن ترهن‬ ‫مستقبلك لظروف ومناخات الصحافة‪ .‬وكان‬ ‫األستاذ صديق قد أهداني في السابق كتاباً‬ ‫بعنوان «مدخل إلى التحرير الصحفي» تأليف‬ ‫الدكتور عبداللطيف حمزة‪ ،‬وق��ال يمكنك‬ ‫أن تقرا مثل هذا الكتاب من تلقاء نفسك‪،‬‬ ‫فالكتابة موهبة يمكن أن يصقلها التعليم‪،‬‬ ‫ولكن ليس من الضروري دراسة الصحافة‬ ‫أو األدب لكي تكون كاتباً‪.‬‬

‫اس��ت��ط��اع األس���ت���اذ ص��دي��ق‪ ،‬ب��ال��ت��دري��ج‪،‬‬ ‫أن يُ��ح��دِ ث تأثيراً ف��ي نفسي خاصة أنني‬ ‫أص��ب��ح��ت أس��ت��م��ت��ع ب���ق���راءة ال��م��وض��وع��ات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬فذهبت إل��ى المكتبة العامة‬ ‫التي أنشأها األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫في سكاكا‪ ،‬واستعرت كتاباً في علم االقتصاد‬ ‫م��ن إص�����دارات إح����دى ال��غ��رف ال��ت��ج��اري��ة‬ ‫السعودية‪ ،‬وقرأته‪ ..‬فشعرت أن هذا العلم‬ ‫غموض شديد‪ ،‬ولم أفهم الكثير من‬ ‫ٌ‬ ‫يكتنفه‬ ‫الصياغات والتعابير والمصطلحات؛ ولكنني‪،‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬وجدت نفسي أمام اكتشاف جديد!‬ ‫ثم بدأت أكثّف قراءاتي االقتصادية‪ ،‬وأذكر‬ ‫أن بعض أمتع المقاالت التي قرأتها في‬ ‫تلك الفترة كانت عن مفهوم التضخم المالي‬ ‫تحدّث معي األستاذ صديق فراج طويالً‪ ،‬نشرته مجلة العربي الكويتية‪.‬‬ ‫ونصحني أن أتخصص في علم االقتصاد‪،‬‬ ‫اخترت‪ ،‬في النهاية‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬من‬ ‫وقال لي إن كنتَ تملك الموهبة الكتابية‪ ،‬فإن‬ ‫دون أن أتخلى عن الصحافة واألدب! بعد‬ ‫علم االقتصاد سيعطيك الخلفية الثقافية‬ ‫أن اقتنعت بوجهة نظر األستاذ صديق‪ ،‬من‬ ‫ال�لازم��ة‪ ،‬ك��ي تتعاطى م��ع القضايا التي‬ ‫أن الكتابة موهبة‪ ،‬تنمّيها القراءة والممارسة‬ ‫ته ّم المجتمع‪ ،‬وإذا اكتشفت أن الصحافة‬ ‫ال تمنحك المناخ الكافي للتعبير بحرية أكثر مما يفعل التعليم الممنهج‪.‬‬ ‫عن رأي��ك‪ ..‬يمكنك أن تعمل في أي مجال‬ ‫استمرت رحلة القراءة‪ ،‬وعندما غادرت‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الجوف إلى جدة ورأيت مكتباتها التجارية‬ ‫المتناثرة في كل شارع من شوارعها‪ ،‬ومكتبة‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬أدرك��ت كم كانت‬ ‫الكتب والصحف والمجالت في بلدتي قليلة‬ ‫ونادرة‪ ،‬وأعادت لي ذكريات جميلة عن رحلة‬ ‫خاطفة للرياض م��ع ال��وال��د قبل سنوات‪،‬‬ ‫عندما ش��اه��دت بانبهار كبير المكتبات‬ ‫التجارية التي تغص بالكتب‪ ،‬ورأيت الباعة‬ ‫الجوالين يحملون الجرائد والمجالت من كل‬ ‫نقطة التحوّل األخ��رى كانت عندما تم‬ ‫نوع في الشوارع‪ ،‬والباعة الذين يفترشون ابتعاثي ل��دراس��ة الماجستير وال��دك��ت��وراه‬ ‫األرض أم���ام مباني ال����وزارات ويعرضون في االقتصاد إلى الواليات المتحدة‪ ،‬حيث‬ ‫بضاعتهم من الكتب والجرائد والمجالت! اكتشفتُ ع��ال��م�اً ب�لا ح���دود م��ن المعارف‬ ‫مرحلة ال��دراس��ة الجامعية ف��ي ج��دة‪ ،‬والمعلومات‪ .‬وأذك��ر أنني ق��رأت في مكتبة‬ ‫ثم الدراسات العليا في الواليات المتحدة جامعة ويسكانسون بمدينة ميلواكي كتباً‬ ‫وما بعدها لن يتسع الوقت للحديث عنها‪ ،‬بأقالم بعض الرحالة الذين م��روا بمنطقة‬ ‫ولكن باختصار كانت مكتبة جامعة الملك الجوف في أزمنة سابقة‪ ،‬ول��م تكن بعض‬ ‫عبدالعزيز بما تحتويه م��ن آالف الكتب تلك الكتب قد ترجمت حينذاك إلى اللغة‬ ‫نقطة تحوّل كبيرة في تجربتي القرائية‪ .‬العربية‪ .‬كما كانت مرحلة أمريكا هي مرحلة‬ ‫وك��ان��ت ميزة تلك المكتبة أنها قامت في االنفتاح على ق��راءة الصحافة العالمية‪ ،‬إذ‬ ‫األس��اس على تبرعات المواطنين في جدة كانت مكتبة الجامعة تتلقى صحفاً ومجالت‬ ‫والمنطقة الغربية عند تأسيس جامعة من مختلف دول العالم‪ ،‬وكان ذلك قبل زمن‬ ‫الملك عبدالعزيز األهلية‪ ،‬وقد تبرع بعض اإلن��ت��رن��ت‪ ،‬وكنت ف��ي بعض تلك السنوات‬ ‫أراس��ل مجلة اقرأ من أمريكا‪ ،‬وأكتب فيها‬ ‫األدباء والمثقفين والتجار بكامل مكتباتهم‬ ‫بعض المقاالت‪.‬‬ ‫لمكتبة الجامعة‪ ،‬فكانت الكتب متنوعة وغير‬ ‫ب��ع��د ال��ت��خ��رج وال���ع���ودة إل���ى المملكة‪،‬‬ ‫تقليدية مثلما يحدث أحياناً‪ ..‬عندما تحدد‬ ‫بعض اللجان البيروقراطية أنواع الكتب التي وم��م��ارس��ة ال��ت��دري��س ال��ج��ام��ع��ي وال��ك��ت��اب��ة‬ ‫يتم توريدها للمكتبات الجامعية والمكتبات الصحفية المنتظمة‪ ،‬واالستقرار أوالً في‬ ‫العامة‪ .‬وقد قرأت أعداداً كبيرة من الكتب الظهران‪ ،‬ثم بعد ذلك في الرياض‪ ،‬توسعت‬ ‫في الفكر االقتصادي وفي األدب‪ ،‬وبخاصة قراءاتي وعالقاتي بأدباء وكتاب في مختلف‬ ‫الروايات العالمية والشعر الحديث‪ .‬وتزامن التخصصات‪ ،‬فكان البد من ترشيد قراءاتي‬

‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫م��ع ذل��ك أن��ن��ي عملت م��ح��رراً ف��ي القسم‬ ‫الثقافي بمجلة «اقرأ» التي كانت قد تأسست‬ ‫حديثاً في جدة تحت رئاسة الدكتور عبداهلل‬ ‫مناع‪ .‬ومن خالل عملي في القسم الثقافي‬ ‫بالمجلة‪ ،‬قابلت وتعرفت على العديد من‬ ‫األدباء واإلعالميين‪ ،‬واستعرت منهم بعض‬ ‫الكتب التي ل��م تكن متاحة ف��ي المكتبات‬ ‫بجدة في ذلك الوقت‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪109 )2016‬‬


‫بحيث أحقق أقصى اس��ت��ف��ادة ممكنة في ‪ .3‬األدب الروائي‪.‬‬

‫ظ��ل م��ح��دودي��ة ال��وق��ت وك��ث��رة االن��ش��غ��االت ‪ .4‬القضايا المعاصرة‪.‬‬ ‫واالرتباطات‪ .‬ففي السابق‪ ،‬كان العثور على‬ ‫كما أنني‪ ،‬بحكم ميولي اإلعالمية‪ ،‬أطلع‬ ‫أي كتاب هو بمثابة العثور على كنز‪ ،‬وكنت‬ ‫على معظم الصحف السعودية اليومية‪،‬‬ ‫عيني‪ .‬ولكن الحقاً‬ ‫َّ‬ ‫أق��رأ كل ما تقع عليه‬ ‫وب��ع��ض الصحف العربية واألج��ن��ب��ي��ة‪ ،‬عن‬ ‫أصبحت الكتب المتاحة بال ح��دود‪ ،‬وحتى‬ ‫طريق شبكة اإلنترنت‪.‬‬ ‫الكتب الجيدة هي من الكثرة‪ ،‬بحيث تتطلب‬

‫أعماراً كثيرة لقراءتها وليس عمراً واحداً‪،‬‬

‫أخيراً‪ ،‬البد من التنويه إلى تحول جذري‬

‫ومن هذه النقطة في الحديث أود التأكيد غير مسبوق ف��ي تجربتي ال��ق��رائ��ي��ة‪ ،‬وهو‬ ‫على أننا في هذا الزمان الذي أصبح الكتابُ أنني منذ ع��دة س��ن��وات‪ ..‬ب��دأت أميل إلى‬

‫م��ت��اح�اً بشكله ال��ورق��ي وبشكله الرقمي‪ ،‬قراءة الكتب الرقمية‪ ،‬وذلك ألسباب عملية‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن األوعية المعلوماتية المختلفة‪ ،‬تتمثل في سهولة الحصول عليها‪ ،‬وسهولة‬ ‫وم��ا يضخه اإلع�لام الجديد في كل ثانية‬ ‫من المعلومات بأشكالها المخالفة‪ ،‬البد‬

‫من ترشيد القراءة وفق خطة تناسب ميول‬

‫الشخص وعمله وتخصصه‪.‬‬

‫بالنسبة لي‪ ،‬فإن منهجيتي في القراءة في‬

‫الوقت الحاضر تقوم على تنويع الموضوعات‬

‫حمل المئات منها في جهاز اآليباد‪ ،‬واليسر‬ ‫الشديد في قراءتها؛ ألن القارئ يتحكم في‬ ‫حجم الحرف‪ ،‬أو ما يسمى بالبنط‪ ،‬وهذا‬ ‫يصبح مهماً في مرحلة عمرية معينة‪.‬‬ ‫يطول الحديث‪ ،‬لكنني أتوقف هنا شاكراً‬

‫والنصوص التي أق��رأه��ا‪ ،‬مع التركيز على ل��ك��م ح��ض��ورك��م‪ ،‬وأش��ك��ر ج��ام��ع��ة ال��ج��وف‬ ‫ومعرض الكتاب الثاني بالجوف على إتاحة‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫الفرصة للحديث عن تجربتي القرائية‪.‬‬ ‫‪ .1‬قضايا الفكر االقتصادي والسياسي‪.‬‬ ‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫‪ .2‬كتب السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬بعد مغادرتي الجوف للدراسة خارج المنطقة‪ ،‬أقام والدي مكتبة تجارية أخرى‪ ،‬كذلك أقيمت أكثر من‬ ‫مكتبة تجارية في الجوف‪.‬‬ ‫(‪ )2‬من تلك االمتيازات الحصول على نسخ من جريدة الندوة التي كنت أراسلها‪ ،‬ولم تكن متوفرة عندنا في‬ ‫األسواق؛ فكنت أحصل على النسخ التي توجد فيها مواضيع منشورة لي‪ ،‬وذلك بعد صدور أعداد جديدة‬ ‫من الجريدة‪ ،‬ورفع النسخ القديمة من طاوالت القراءة‪ .‬وما أزال أحتفظ بنسخ من جريدة الندوة‪ ،‬ممهورة‬ ‫بالختم القديم للمكتبة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬عبدالرحمن صالح الشبيلي وآخرون‪ ،‬أمير منطقة الجوف‪:‬عبدالرحمن بن أحمد السديري‪ ،‬مؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجوف‪1428 ،‬هـ ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫إعادة تفسير المعاصرة‬ ‫‪ρρ‬محمد خضر*‬

‫تفهم المعاصرة في الفن الجديد‪ ،‬ضمن ما يقدم اليوم في عروض الفنانين‪،‬‬ ‫متصلة بما يطرحونه‪ ،‬ومتوائم ًا مع الواقع والمعيش والذاتي‪ ،‬أو بما يقدم من‬ ‫اشتغاالت مفاهيمية بأدوات وتكنيك جديد‪ .‬وهكذا‪ ،‬يعود معرض «الود آرت» للمرة‬ ‫الرابعة بتنظيم من نجالء السحيمي ورنين بخاري‪ ،‬وتحت شعار‪« :‬إعادة تفسير‬ ‫المعاصرة»‪ .‬ويختار غاليري تراث الصحراء الفني الشهير الذي يقع في مدينة‬ ‫الخبر (شرق السعودية)‪ ،‬ليعرض أعما ًال جديدة تتميز بالدخول بنا في مضامين‬ ‫وأطروحات مغايرة‪ ،‬ومتقاطعة مع بعضها في الرؤية المعاصرة للفن من ناحية‬ ‫المضمون أو األدوات‪ ،‬والخروج بنا من دائ��رة ما يفرضهُ ال��درس الجمالي وحده‬ ‫على أشكال التعبير الفنية السائدة‪ ،‬ومتقاطع ًا مع السياسي واالجتماعي والراهن‬ ‫اليوم‪ ،‬ومتص ًال كذلك بنقد العادات والظواهر المكرس لها في عدد من السياقات‬ ‫الثقافية واالجتماعية مثالً‪ ،‬مجموعة من الفنانين والفنانات كانت الود آرت قد‬ ‫قدمت بعضهم في المعارض السابقة فيما يعرض آخرون ألول مرة؛ بدا أن هذه‬ ‫المجموعة على وعي بلحظة اآلني والمتجدد في الخطاب الفني العالمي اليوم‪،‬‬ ‫ومتجه ًا نحو تكنيك حديث ومفاهيمية نحو قضايا اإلنسان‪.‬‬ ‫وكأنهم ف��ي ره���ان آخ��ر لسد تلك‬ ‫عادي‪ ،‬لم يستطع مع‬ ‫ٍ‬ ‫متلق‬ ‫الفجوة مع ٍ‬ ‫عدد من مدارس الفن الحديث أن يجد‬ ‫ما يتصل بقضاياه وهمومه‪ .‬وم��ع أن‬ ‫الود آرت هذه المرة لم يكن بطرحه‬ ‫الجريء نفسه والمؤثر في المعارض‬

‫السابقة‪ ،‬تلك الجرأة واألث��ر المتصل‬ ‫برهان ومغامرة تلك التجارب السابقة‬ ‫في مناطق جديدة‪ ،‬وضمن اشتغاالت‬ ‫توظف المتلقي أو التجهيز الحر في‬ ‫أع��م��ال��ه��م‪ ،‬وف���ي م��س��اح��ات وأش��ك��ال‬ ‫بعيدة عن السائد‪ ،‬إال أننا يمكن أن‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪111 )2016‬‬


‫نلحظ م��ا ي�لام��س ش��ع��ار ال��م��ع��رض ه��ذا وعندما نبتعد نرى ما نريد فقط‪.‬‬ ‫العام «إعادة تفسير المعاصرة»‪ ،‬وأنه يقرر‬ ‫وظيفة بعض األعمال الفنية أنها تضع‬ ‫تقديم ما هو أقل صخبا من العروض الفنية‬ ‫الفن في مساءالت جديدة‪ ،‬حتى لو كانت‬ ‫السابقة‪ .‬ضمن هذا السياق تطرح الفنانة‬ ‫في زعزعة األف��ك��ار الماضية التي تتصل‬ ‫نجالء عبداهلل مجدداً الموناليزا‪ ،‬ترسمها‬ ‫بالحرفية والقدرة على التالعب البصري‪.‬‬ ‫وكأنها ألول وهلة بتقنية رقمية ذات أبعاد‬ ‫ال‬ ‫فيما نلحظ في زاوي��ة من المعرض عم ً‬ ‫متصلة بعالم الصورة‪ ..‬في البدء ال تكون‬ ‫اللوحة واضحة المعالم‪ ،‬لكن كلما أخذت ملفتاً لالنتباه‪ ،‬يحتوي ص��ورة لسيارة كتب‬ ‫زاوي��ة ج��دي��دة‪ ..‬ظهرت لك مالمح وشكل عليها بخط عشوائي «عيب يا عرب»‪ ،‬وهو‬ ‫الموناليزا‪ ،‬إنها اآللية نفسها التي كان قد للفنان علي شعبان ال��ذي يعود ه��ذا العام‬ ‫طرحها دافنشي‪ ،‬لكن فيما بعد األلفين مع للمرة الثانية بأكثر من عمل متصل بالواقع‬ ‫نجالء عبداهلل‪ ..‬ويقدم العمل بياناً تقول العربي اليوم؛ ففي زاوية أخرى يضع خوذة‬ ‫فيه‪ :‬عندما نقترب من الشيء نراه بوضوح‪ ،‬الجندي وفوقها إضاءة (نيون)‪ ،‬وكأنما يسجل‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ذاك��رة مشتركة مرت على كل ذكريات‬ ‫ال��ح��روب‪ ،‬حيث الشكل نفسه لنفس‬ ‫المعطى‪ ،‬عمل علي شعبان النيون آرت‬ ‫يعرض على ما يشبه الطاولة‪ ،‬ويذكّرنا‬ ‫بالنصب التذكاري لجنود الحروب‪ ،‬ثم‬ ‫بتعرجات عفوية‪ ..‬ودون أن تعتمد على‬ ‫الدقة والصرامة الهندسية‪.‬‬ ‫ت��زخ��رف خ��دي��ج��ة ك��ري��م‪ ،‬وتصنع‬ ‫أش��ك��االً م��وج��ودة في ت��راث األندلس‬ ‫س��اب��ق�اً‪ ،‬تستعيدها م��ج��دداً‪ ،‬وتعيد‬ ‫صياغتها ب��م��ا ي��ت��ن��اس��ب م��ع لحظة‬ ‫اليوم‪ ..‬بدون مبالغة وضوابط تتعمد‬ ‫ال��ت��ق��اط جمالية التلقائية ووقعها‬ ‫األول‪ ،‬وف��ي عمل آخ��ر ترسم ع��دداً‬ ‫من األب���واب‪ ،‬وتضعنا أم��ام خياراتنا‬ ‫الجمالية والتي تتصل بالتالي مع شيء‬ ‫ما في ذاكرتنا‪ ..‬أبواب حديثة وأخرى‬ ‫قديمة محملة بشجن وذاكرة‪.‬‬ ‫ثم تعود الفنانة رمالء الحالل هذا العام‬ ‫بعمل لعبة البالي ستيشن ‪،Play Station‬‬ ‫وه��و عمل يدعونا إل��ى ح��وار عميق‬ ‫متصل بثقافتنا وما نستقبله اليوم من‬ ‫اآلخرين دون أن نوجه له األسئلة؛‬ ‫عمل يقيس م��دى ق��درة ثقافتنا في‬ ‫مواجهة ثقافة اآلخ��ر‪ ،‬وذلك بعرض‬ ‫افتراضي لنجوم كرة القدم المحليين‬ ‫والممثلين المحليين‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫المنسيين‪ ،‬وه���م ع��ل��ى أغ��ل��ف��ة تلك‬ ‫األلعاب اإللكترونية‪..‬‬ ‫وعلى مقربة‪ ..‬يقدم الفنان العماني‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪113 )2016‬‬


‫علي الشرجي‪ ،‬ال��ذي تستضيفه الود آرت‬ ‫ألول مرة أيضاً‪ ،‬مجموعة من الصور‪ ،‬خلف‬ ‫كل ص��ورة حكاية مثيرة متصلة بالغرائبي‬ ‫الذي مر في حياته الشخصية‪ ،‬أو باألسطورة‬ ‫المحلية الخاصة‪ ،‬الرقصات وحكايات الجن‬ ‫واألزي����اء العمانية وال���ع���ادات‪ .‬أسئلة علي‬ ‫الشرجي قادمة من حكايات المكان وأسراره‪،‬‬ ‫وهذا ما يعطي العمل أهمية أكثر برغم أنه‬ ‫يقدمه بشكل متعارف عليه‪..‬‬ ‫وفي تجارب أخرى‪ ،‬يجمع معاذ العوفي‬ ‫صوراً مأخوذة من الكتابات (والشخبطات)‬ ‫على ال��ج��دران‪ ،‬تلك الكتابات التي تكتب‬ ‫بعفوية‪ ،‬معبرة عن حاالت عاطفية مختلفة‪،‬‬ ‫ويضعها معا في بانوراما بصرية‪ ،‬تشكل‬ ‫في مجموعها لوحة جمالية‪ ،‬حيث تلتقط‬ ‫ببراعة فنان‪.‬‬ ‫ك��م��ا ت��زخ��رف إس����راء ال��ه��م��ل لحظات‬ ‫مأخوذة من الطبيعة‪ ،‬ومن عدة أمكنة في‬ ‫مفارقة جديدة‪ ،‬وفيصل األحمد في منحوتة‬ ‫الجمل‪ .‬وتعمل نوره كريم على التنويع على‬

‫ * كاتب وشاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫شكل فني واح��د‪ ،‬وهيا البسام في كوالج‬ ‫متصل باالجتماعي‪ ،‬وامتثال العوامي في‬ ‫ن��ي��ون آرت‪ ..‬وع�لاق��ة بصرية م��ع ال��م��رأة‬ ‫والموروث‪ .‬وحسين إسماعيل في رسومات‬ ‫تبدو عشوائية ألول وه��ل��ة‪ ،‬تمثل أنماط‬ ‫الحياة االستهالكية في المجتمع؛ ومهند‬ ‫ال على أحد جدران‬ ‫شونان ال��ذي نفذ عم ً‬ ‫الصالة‪ ،‬وعلق عليه مجموعة من المتخيالت‬ ‫نحو فضاء يشبه االسطوري‪ ،‬ومأخوذ عن‬ ‫أساطير معروفة‪ ،‬في طرح جديد يذكرنا‬ ‫بالكرتوني غالباً؛ وطيور راما الحسين ذات‬ ‫األج��زاء البشرية؛ كما قدمت أريج عادل‪،‬‬ ‫وعلي افتخار‪ ،‬والحمد‪ ،‬وفرح الزاهر‪ ،‬وخالد‬ ‫الزاهد‪ ،‬ومحمد عواد‪ ،‬وسارة‪ ،‬ونايف عرب‪،‬‬ ‫ونسرين جمال‪ ،‬ويوسف األحمد‪ ،‬وغيرهم‬ ‫أع��م��االً جديدة تعرض ألول م��رة مع الود‬ ‫آرت‪ ..‬جيل مختلف يحمل على عاتقه توجهاً‬ ‫فنياً مواكباً لما يحدث في العالم اليوم‪ .‬إنه‬ ‫صخب يدمج بين إحساسنا بالراهن من‬ ‫حولنا وموروثاتنا‪ ،‬ليرينا اللقطة مرة أخرى‬ ‫بعين مختلفة‪.‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫حكايات األطفال المتوارثة‬ ‫‪ρρ‬عبدالرحيم املاسخ*‬

‫في البدء كانت الطفولة‪ ،‬ثم ج��اء الرسم والكتابة والنسخ والمطبعة‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬للطفولة رصيد الحياة كامالً‪ ،‬يشمل التاريخ والجغرافيا‪ .‬نزل آدم وحواء من‬ ‫الجنة ليُنجبا‪ ،‬فماذا حكيا ألطفالهما؟‬ ‫و م��ع م��زي��د م��ن ال��رُ ق��ي وال �ت �ق��دم ال �ح �ض��اري‪ ،‬وج��دن��ا أن�ف�س�ن��ا ون �ح��ن أط�ف��ال‬ ‫مشدودين لحكايات الجدات في سهراتهن الليلية‪ ،‬لم تكن هنا كهرباء تمد شبكتها‬ ‫العنكبوتية الصطياد كثير من البراءة في كل ما تطرح من إرباك‪ .‬أخير ًا عكّ ر صفو‬ ‫البراءة‪ ،‬وألغى وجودها ما يسمى التلفزيون‪ ،‬إنه قفص مُ حكم اإلقفال حوّل كل‬ ‫من دخله ‪ -‬حتى لو كان أسدا ال يجرؤ أحد على مالقاته في أي زمان ومكان ‪ -‬إلى‬ ‫ِه ٍّر عجوز يستجدي الحاضرين لحظات من السكينة واالستقرار‪.‬‬ ‫ج��دت��ي‪ ،‬ونحن م��ن حولِها نتخطّ ف‬ ‫أطراف حكاياتها ولو كانت مكرّرة‪ ،‬وكما‬ ‫تتآكل بعض حواف الملحمة على فمِ ها‬ ‫العجوز تمتد حواف أخرى وبحا ٌر وأنها ٌر‬ ‫أشد وضاءة وأجدر تشويقا‪.‬‬ ‫قصتها المروية عن أبناء‬ ‫ال أنسى ّ‬ ‫العنزة‪ ،‬فقد حكت قائلة‪ :‬كان في زمن‬ ‫من األزمان عنزة لها أربعة من األبناء‪..‬‬ ‫ح �وّى‪ ،‬ون��وّى‪ ،‬وقرينة ال��غ��زال‪ ،‬والرابع‬

‫ولدته من قبلهم قبل والدة األسماء‪ ،‬قبل‬ ‫الخروج اليومي للعنزة بحثا عن الرزق‬ ‫كانت توصي أب��ن��اءه��ا‪ ،‬فتتنهد شفقة‬ ‫ًعليهم ثم تقول‪ ..‬وتصمت الجدة ويطول‬ ‫صمتها‪ ،‬ون��ح��ن م��ن لهفتنا نسألها‪:‬‬ ‫توصيهم بماذا يا جدتنا العجوز؟ فتقول‪:‬‬ ‫يا أبنائي الصغار‪ ،‬هنا‪ ..‬وتشير إلى‬ ‫جهة ما ضب ٌع لجان‪ ..‬فإذا رآني ذاهبة‬ ‫إلى الحقل ربما أتى إلى هنا فتحايل‬ ‫الختطافكم‪ ،‬فلو ناداكم أحد بصوتي ال‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪115 )2016‬‬


‫وصوت يشبه صوت أمهم العنزة‬ ‫ٍ‬ ‫تفتحوا له‪ ،‬فهناك فرق بين صوته الغليظ على الباب‪،‬‬ ‫وصوتي الرفيع‪ ،‬ثم تغط جدّتنا في النوم وإن كان غليظا يصيح مع كل طرقة‪:‬‬ ‫وهي جالسة بيننا‪ ،‬فما أطول االنتظار‪ ،‬وما‬ ‫(افتحوا لي يا اوالدات���ي‪ ،‬اللبن خر من‬ ‫أجمل الوعد بتكملة الحكاية المُثيرة‪.‬‬ ‫ابزازاتي‪ ،‬والبرسيم كسر قروناتي)‪.‬‬

‫أدب األطفال المتوارث من جيل إلى جيل‬ ‫كان مُسلّيا وهادفا‪ ،‬لذلك لم يفقد بريقه مع‬ ‫طول األيام‪ ،‬وال رونقه مع كبر السن‪ ،‬وال قوّته‬ ‫مع ط��ول السفر‪ ،‬واأله��م من ذل��ك كله أنه‬ ‫أدب كان ابن َ بيئته؛ يحل مشاكلها ويحكي‬ ‫أمجادها وي��زرع محبتها في القلوب‪ ،‬يكبر‬ ‫اإلنسان وفي نفسه أشياء من هذا الفكر‪،‬‬ ‫فقد تعرّف منه على أصله وفصله‪ ،‬ولمس‬ ‫خياله بيديه فقبض على بعضه مدسوسا‬ ‫في مأكله ومشربه وملبسه‪ ..‬فهو جزء منه ال‬ ‫يتجزّأ‪ ،‬وكذلك يجب أن يكون األدب‪ ،‬جهداً‬ ‫كبيراً مبذوالً في التعليم النظامي؛ لكنه ي َمهِّد‬ ‫للشتات‪ ،‬ألن سوق العمل محلِّي الصنع‪ ،‬أما‬ ‫معظم ما نتعلمه مستورد يتم استزراعه في‬ ‫غير أرضه‪ ..‬فكيف ينمو ويثمر؟‬ ‫نخترع لألطفال لِعبا وقصصا وشعرا‪،‬‬ ‫وبعد قليل نضطر إلى تبديل كل ما ال يفلح‬ ‫توطينه عندنا بالمرة لتغيّر التربة والمناخ‪،‬‬ ‫وبالتالي تعثُّر اإلن��ب��ات! فما بالنا باإلثمار‬ ‫والنضج؟‬

‫االب��ن األكبر للعنزة‪ ..‬همس إلخوته‪ :‬ال‬ ‫تفتحوا الباب‪ ،‬فالصوت أغلظ من صوت‬ ‫أمنا‪ ،‬ربما يكون ضبع لجان‪ ،‬لكن بقية األبناء‬ ‫وه��م صغار‪ ،‬ومشتاقون للبن األم ودفئها‪،‬‬ ‫أسرعوا إلى الباب مهللين مستبشرين؛ ما‬ ‫اضطر أخوهم األكبر إلى االختباء في الفرد‬ ‫البارد المظلم‪.‬‬ ‫كانت الجدة تعيد وتزيد في بعض الجُ مل‬ ‫دون غيرها لتُحكم الحبكة ال��درام��ي��ة؛ ما‬ ‫يجعلنا نعيش الحدث بكل تركيز‪ ،‬فال نترك‬ ‫شاردة وال واردة إال حفظناها على كل الوجوه‬ ‫وإلى منتهاها‪.‬‬ ‫وق��د اختطف ضبع ل��ج��ان «ح���وى ون��وى‬ ‫وقرينة ال��غ��زال» وه���رب ف��ي ال��ح��ال‪ ،‬وظل‬ ‫الباب مفتوحا حتى حضرت العنزة‪ ،‬فعرفت‬ ‫ببديهيتها م��ا ح��دث‪ ،‬وفتشت ف��ي البيت‪،‬‬ ‫فعثرت على ابنها األكبر الذي حكى لها كل‬ ‫شيء‪.‬‬

‫لقد تناقلت األج��ي��ال قصصا لألطفال‬ ‫كنا ننتظر الجدة من ليلة إلى ليلة لتجلس كما تناقلت ِسير األبطال‪ ،‬ليبقى بيننا أدب‬ ‫بيننا‪ ،‬وتأخذ نفسا عميقا لتقول‪ :‬ذهبت شفاهي ال يقل ث���راء وال قيمة ع��ن أرق��ى‬ ‫العنزة بنزة في طلب ال��رزق بعدما أحكمت المالحم المنسوخة والمطبوعة‪.‬‬ ‫تقول الجدة‪ :‬فأسرعت العنزة إلى غرفة‬ ‫إغ�لاق الباب وراءه��ا‪ ،‬لكن ضبع لجان كان‬ ‫يترقب ذهابها في هذه المرة‪ ،‬فإذا بطرقات الضبع تتحايل عليه لتطلق س��راح أبنائها‪،‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وأنا أطهو لحمتي‪ ،‬فارتجفت العنزة‪ ،‬وظلت‬ ‫تطرق بابه حتى خرج إليها‪ ،‬فضحكت في‬

‫وجهه وقالت‪ :‬حسبتك جاهزا للمسابقة‬ ‫فقد امتألت القناة‪ ،‬فهيا نرى من يستطيع‬

‫قفزها فال يبتل ممن يسقط في الماء‪ ،‬عند‬ ‫ذلك أسرع الضبع إلى اللعبة المُحببة إلى‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫فطرقت بابه فصاح‪ :‬من يطرق باب غرفتي‬

‫نفسه‪ ،‬لكن العنزة اختارت مكانا عريضا‬ ‫من القناة ال يستطيع الضبع قفزه بسهولة‪،‬‬ ‫والضبع بطبعه يحب المخاطرة‪ ،‬فجازف‬

‫وق��ف��ز‪ ،‬فسقط ف��ي ال��م��اء وظ���ل ي��ح��اول‬

‫الخروج فينزلق من جديد‪ ،‬في حين ذهبت‬

‫العنزة مسرعة إل��ى غرفته فاصطحبت‬ ‫أبناءها وهربت‪.‬‬

‫ول��ك��ن‪ ..‬ل��م��اذا تقلص دور الحكّائين‬

‫فاندثر معهم شطر كبير من تراثنا؟ إن‬

‫تأثيرا أوضح لوسائل اإلعالم حتى على‬ ‫بعضها بعضا‪ ،‬فكما تأثر توزيع المجالت‬

‫بانتشار الصحف ال��س��ي��ارة‪ ،‬كذلك زاد‬ ‫التنافس بين الراديو والصحيفة‪ ،‬ثم بينه‬ ‫وبين التلفاز‪ ،‬حتى بلغنا عصر اإلنترنت‬

‫الذي وظّ ف كل وسائل االتصال كالفاكس‬ ‫والهاتف والصحافة المكتوبة والمسموعة‬ ‫والمرئية‪ .‬واك��ب ذل��ك بُ��طء في تخزين‬

‫التراث المحكي‪ ،‬وقد وصل ذلك الضعف‬ ‫واستسهال في انتظار‬ ‫ٍ‬ ‫ونسيان‬ ‫ٍ‬ ‫تجاهل‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬

‫حركة طموحة إلحياء الذاكرة القومية‪.‬‬ ‫ * كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪117 )2016‬‬


‫جماليات الروح في الثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية‬ ‫‪ρρ‬هشام بنشاوي*‬

‫ف��ي مستهل كتابه ال�م��وس��وم ب�ـ�ـ‪« :‬جماليات ال ��روح في‬ ‫الثقافة العربية اإلسالمية»‪ ،‬يشير الباحث د‪ .‬عبدالمعطي‬ ‫سويد إلى أن إنسان اليوم ال يعيش قطيعة مع المعلومات‬ ‫الغثة والسمينة‪ ،‬وال مع المعرفة التي تقوده إلى الوعي‬ ‫والتعامل مع ما هو قائم؛ بل يعيش قطيعة مع ال��روح‪،‬‬ ‫أي أضاع فردوس الروح المفقودة‪ ،‬حيث دفنت الكراهية‪،‬‬ ‫وكل مشاعر رفض اآلخر‪ ،‬واإلطاحة بكافة المشاعر اإلنسانية‪ ،‬والعيش المشترك‪،‬‬ ‫والتسامح إزاء اختالف اآلخر‪.‬‬ ‫ويتساءل الباحث إذا ك��ان اإلنسان تشويه ال���روح اإلنسانية على صعيد‬ ‫يعيش في وج��وده‪ ،‬في األص��ل‪ ،‬حائزا العالقات اإلنسانية؟‬ ‫النفحة اإللهية‪ /‬الروحية‪ ،‬فلماذا يعمل‬ ‫ويلفت الكاتب االنتباه إلى أن المخيلة‬ ‫اإلنسان بكل جدية على نفي الوجود‪،‬‬ ‫العربية انقادت منذ ظهور اإلسالم نحو‬ ‫أو في أضعف اإليمان تهميش اآلخر‪،‬‬ ‫ق���راءات كثيرة للنص‪ ،‬منها ال��ق��راءات‬ ‫وبلغة إسالمية‪ :‬لماذا يميل اإلنسان‬ ‫غالبا نحو الفجور‪ ،‬وه��و ال��ذي كرمه العقلية‪ ،‬والالمعقولة‪ ،‬وال��ش��اردة عن‬ ‫اهلل‪ ،‬وخلقه في أحسن تقويم؟ لماذا شكل اللفظ ومعناه‪ ،‬والقراءة التقليدية‬ ‫يعمل على تشويه خلقته بالصراعات‪ ،‬للنص‪ ،‬والتي يعدها األشد انتشارا في‬ ‫ويمارس مختلف أشكال التعذيب التي العالمين العربي واإلسالمي‪ ،‬ويحمّلها‬ ‫تمارسها أنظمته السياسية؟ لماذا يتم كل ما تعيشه النفس العربية اإلسالمية‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫****‬

‫يستهل الباحث مبحث «الطلل الجاهلي‬ ‫وإشارة الخروج من صعلكة الروح»‪ ،‬باإلشارة‬ ‫إل���ى أن ال��ش��اع��ر ال��ج��اه��ل��ي أدرك جدلية‬ ‫الحياة والموت‪ ،‬جدلية البقاء المرموز له‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫من تطرف‪ ،‬وتعصب‪ ،‬وعنف‪ ،‬وه��ي ق��راءة‬ ‫«صراعية» وسياسية للنص‪ ،‬جعلت ال��روح‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة‪ /‬اإلس�لام��ي��ة ت��ص��اب ب��ح��ال��ة من‬ ‫«غيبوبة» الروح خالل هذه القراءة الشوهاء‪،‬‬ ‫ومالت العقلية «النصية» الحرفية إلى األخذ‬ ‫بأحد طرفي ثنائية الروح والجسد‪ ،‬وذهب‬ ‫بعض أقطاب التيارات اإلسالمية في وصف‬ ‫ال��غ��رب بالمادية ف��ي مقابل ش��رق روح��ي‪.‬‬ ‫وينفي الباحث وجود حضارة مادية‪ ،‬ففيهما‬ ‫معا ال��م��ادة وال����روح‪ ،‬لكن ق��د يكون الميل‬ ‫السائد في هذه الحضارة أو تلك للجسد أو‬ ‫للروح‪ ،‬ويرى أن الميل السائد في حياة عالم‬ ‫اليوم‪ ،‬هو لمطالب الجسد‪ .‬ويؤكد د‪ .‬سويد‬ ‫أننا نعيش في عالمنا العربي‪ /‬اإلسالمي‬ ‫لحظة انحسار الروح وتقدم الجسد‪ ،‬ونعيش‬ ‫زمن الحس المطلق جراء الشراهة الدنيوية‪،‬‬ ‫ول��م يعد اإلن��س��ان المعاصر معنيا بما هو‬ ‫في باطن األشياء‪ ،‬والذي يستدعي اللحظة‬ ‫الجمالية الهاربة‪ ،‬معتبرا أن انسدادات الروح‬ ‫العربية‪ /‬اإلسالمية المعاصرة هي أننا نعيش‬ ‫أمام سد منيع‪ ،‬أمام رياح الكون كلها؛ ويعني‬ ‫بذلك الثنائيات العبثية والحدية المتضادة‬ ‫والضدية التي قضت على روح اللقاء لترسيخ‬ ‫معنى الحياة‪ ،‬والغياب المتعمد للّحظة ببهجة‬ ‫الحياة‪ ،‬التي ترغب براءة اإلنسان األولى مع‬ ‫العيش على أرضية مشتركة بين البشر‪.‬‬

‫بالطلل‪ ،‬والفناء زوال الحياة‪ ،‬بالرغم من‬ ‫طول السنين‪ ،‬وعاش النقيضين ونظر إلى‬ ‫المكان المرئي‪ ،‬فوجد فيه الرمز الكامل‬ ‫للبقاء إلى ما بعد زوال الكائن الحي‪ ،‬وقد‬ ‫تجسدت تجربة البقاء والفناء‪ ،‬فيما بعد‬ ‫ظهور اإلس�لام‪ ،‬لدى المتصوفة في جدلية‬ ‫البقاء والفناء في الذات اإللهية‪ ،‬وقد أراد‬ ‫الشاعر الجاهلي تجسيد االستمتاع بالحياة‬ ‫قدر الطاقة اإلنسانية الكامنة فيه‪ ،‬مع وعيه‬ ‫الكامل بحتمية الموت‪ ،‬فتناقص العمر‪ ،‬كما‬ ‫يبدو لطرفة بن العبد‪ ،‬يشوّه معنى الوجود‪،‬‬ ‫ون��ف��اد ال��ده��ر يذهب باللحظات الحياتية‬ ‫الجميلة‪ ،‬وتتجلى درامية الوجود في قلب‬ ‫الشعور المداهم للحظة الثنائية‪ ،‬والتصاق‬ ‫طرفيها (الحياة والموت)‪ ،‬ويقبض الشاعر‬ ‫على الوجود والعدم في الوقت نفسه‪ ،‬ويعيش‬ ‫لحظة القبض على الزمن‪ ،‬ومحاولة إيقافه‪،‬‬ ‫وانتهائه عبر النقص المستمر لعدد أيامه‪ ،‬أو‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪119 )2016‬‬


‫شهوره‪ ،‬أو سنواته‪.‬‬ ‫والجدلية الباطنة هنا‪ ،‬هي في ثنائية‬ ‫الحياة والموت‪ ،‬أو البقاء والفناء‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ال بد من الفناء‪ ،‬فال بد من النظر إلى ما‬ ‫هو باق‪/‬الطلل‪ ،‬رمز البقاء‪ ،‬بقاء الحب في‬ ‫الذاكرة‪ ،‬ورمز البقاء‪ ،‬ما بعد مغادرة المكان‬ ‫والحياة‪ .‬وقد وجد الطلل ليذكر من يراه بأنه‬ ‫رابض فوق سطح الموت‪ ،‬شاهد على ذكريات‬ ‫الحب والوصال بين كائنين أحبا بعضيهما‪،‬‬ ‫ف��ي لحظة ول��ت إث��ر رح��ي��ل المحبوب مع‬ ‫القبيلة‪ ،‬سعيا وراء ماء الحياة‪ ،‬بعد أن جفت‬ ‫ينابيعه في باطن الطلل أو ما حوله‪ .‬ويؤكد‬ ‫الباحث أن طرفة بن العبد استطاع أن يقدم‬ ‫جماليات فلسفية لإلنسان الجاهلي‪ ،‬ومن‬ ‫خ�لال وع��ي فطري بسيط؛ فهو ال يعيش‬ ‫الحياة إال ليتمتع بجمالها‪ ،‬وال يتقدم تجاه‬ ‫الموت إال إليمانه بالحتمية بمرحلة تشكل‬ ‫نهاية التواصل مع الحياة‪ ،‬أو الغبّ منها‪ ،‬قدر‬ ‫الطاقة اإلنسانية‪.‬‬ ‫ولم يكن «المكان‪/‬الطلل»‪ ،‬مكان الروح‪،‬‬ ‫بعيدا عن ال��ذات الشاعرة‪ ،‬وعن تموجاتها‬ ‫ومتقلباتها‪ ،‬والمكان ال��ذي يأسر الخيال‬ ‫ال يمكن أن يبقى مكانا ال مباليا‪ ،‬خاضعا‬ ‫ألبعاد هندسية‪ ،‬بل أصبح مكانا عاش فيه‬ ‫الناس ليس بطريقة موضوعية‪« ،‬وإنما بكل‬ ‫ما للخيال من تحيزات»‪ ..‬إنه مكان استعادة‬ ‫الخيال عبر الذكرى‪ ،‬لمتعة حسية عاشها‬ ‫الشاعر‪ ،‬وكبتت هذه اللحظة‪ ،‬حسب ما هو‬ ‫معروف في علم النفس الفرويدي‪ ،‬وحيث‬ ‫يعيش الشاعر في قلب المكان «قحط لحظة‬ ‫ح��ال��ة ال��ح��ب»‪ ،‬واس��ت��ع��ادة ال��زم��ن المفقود‬ ‫ال��خ��اص بالشاعر‪ ،‬أو إع���ادة الحياة لتلك‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫اللحظة عبر الكلمة في وس��ط «المكان»‪/‬‬ ‫الطلل‪ ،‬وقد أصبح «موطن الذكرى»‪ ،‬ولم يعد‬ ‫مكانا بأبعاد هندسية‪ ،‬بل أصبح المكان من‬ ‫خالل استعادة الذكرى تجليات حية لذكرى‬ ‫حية بدورها‪ ،‬يلتذ الشاعر باستعادتها‪ ،‬رغم‬ ‫أنها منافية كذكرى‪ ،‬ألنها عيش مع الزمن‬ ‫الهارب‪ ،‬وهي تعبير عن تجمد الحياة في‬ ‫اللحظة المستعادة‪ ،‬أو بمعنى آخر «الفرار‬ ‫م��ن ح��رك��ة ال��ح��ي��اة الساعية نحو التقدم‬ ‫وال��ج��دة وال��ب��ح��ث دوم���ا ع��ن خ��ل��ق ج��دي��د‪،‬‬ ‫وتجاوز الماضي بلهوه وجده»‪.‬‬ ‫****‬

‫فيما يتعلق بالجمالية اإلس�لام��ي��ة يقر‬ ‫ال��ك��ات��ب أن��ه��ا ذات خصوصية ق��ائ��م��ة في‬ ‫ارتباطها بين الفعل اإلي��م��ان��ي‪/‬ال��ع��ب��ادي‪،‬‬ ‫والمجسد الفني الذي هو التعبير عن األول؛‬ ‫فالفنان يتمتع بكامل الحرية في عمله الفني‪،‬‬ ‫ويعيش حريته الكاملة في قلب االلتزام الذي‬ ‫يحرك صنعته‪ ،‬وهو اإليمان‪ .‬وهذه الجمالية‬ ‫اإلسالمية في هويتها الخاصة تختلف عن‬ ‫االستطيقا الغربية التي تبتدئ في الفلسفة‬ ‫األفالطونية‪ ،‬الرامية إل��ى تحقيق الرؤية‬ ‫العقلية للحقائق أو المثل أو األفكار‪ ،‬وهي‬ ‫متجاوزة للوجود المحسوس‪ ،‬لكنها غارقة‬ ‫في التجريد‪ ،‬وصوال إلى الفلسفة الحديثة‬ ‫كما عند هيجل مثال‪ ،‬التي ت��رى أن ال��روح‬ ‫تعي ذاتها من خالل ثالثية الفن‪ ،‬والدين‪،‬‬ ‫والفلسفة‪ ،‬بينما نجد أن الفن في اإلسالم‬ ‫ل��ه كيانه ال��خ��اص‪ ،‬ف��ي تجسده لروحانية‬ ‫اإلس��ل�ام‪ .‬وق���د ع��ب��ر اإلس��ل�ام ع��ن وج���وده‬ ‫ال���روح���ي‪ ،‬وأق��ح��م��ه ف��ي ال��وج��ود ال��م��ادي‪،‬‬


‫دائ��م للرؤية البصرية المألوفة أو الرؤية‬ ‫الداخلية‪ ،‬وهو غاية الحياة‪ ،‬وما عدا ذلك‬ ‫فمباهجه مألوفة‪ ،‬ويعيش الفنان العربي‬ ‫والمسلم لحظة أدائ���ه عمله الفني إيقاع‬ ‫التماهي الكامل مع الكلمة‪ ،‬واللون‪ ،‬والخط‪،‬‬ ‫والصغريات المتناهية في اللطافة‪ ،‬والصغر‬ ‫في المنمنمة المرهفة كرهافة ال��روح في‬ ‫خلقتها األول�����ى‪ ،‬وف���ي عظمة ال����روح في‬ ‫التعمير‪ ،‬حيث الجالل والجمال‪ ،‬في الهيكل‬ ‫المعماري ال��غ��ارق في الضوء وال��ن��ور‪ ،‬وكل‬ ‫ه��ذه التجليات تلتقي عند ج�لال األلوهية‬ ‫الملحوظة في عبارة «ما شاء اهلل»‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن اهلل ع��ز وج��ل ف��ي اإلس�ل�ام‪ ،‬ه��و صلب‬ ‫الكل العياني ومركزيته‪ ،‬والمبدع الصانع‬ ‫األكبر‪ ،‬الذي يقود الصانع األصغر‪/‬الفنان‪،‬‬

‫والمفارقة في الفن عموما أنه يعمل على‬ ‫الخروج من متاهة وضيق المكان‪ ،‬وحدود‬ ‫األشياء ليضعنا في عالم األشياء ثانية‪ ،‬بعد‬ ‫أن تلبستها روح الصانع الفني‪ .‬إنها اللمسة‬ ‫الفنية‪ /‬الروحية المضافة على األشياء‪ ،‬وفي‬ ‫العمل الفني العربي اإلسالمي يتجلى مفهوم‬ ‫ج��دي��د‪ ،‬مغاير للمفهوم ال��م��أل��وف للمكان‬ ‫وال���زم���ان‪ ،‬حيث يعكس ه��ذا ال��ف��ن نظرية‬ ‫جديدة انطالقا من وعي الثنائية العقيدية‬ ‫إلى زوال الدنيا‪ ،‬في مكانها وزمانها‪ ،‬بغية‬ ‫تجلية روحية خالدة لزمن خالد‪ ،‬عالم ما‬ ‫بعد الزمان والمكان الماديين اإلنسانيين‪..‬‬ ‫(الجنة) في التعبير الديني‪/‬السماوي‪ ،‬وجمع‬ ‫األبدية التي تحلم جميع الكائنات البشرية‬ ‫بالعيش في أحضانها يوما‪.‬‬

‫وفي عوالم ال��روح المتجسدة في العمل‬ ‫الفني‪ ،‬وفي تجسيداته الشاملة‪ ،‬نجد أنفسنا‬ ‫أمام أطياف حلم روحي‪ ،‬ينأى بنا عن عالم‬ ‫اليقظة المشبع بالرغبات اآلنية‪ ،‬والفن بهذا‬ ‫المعنى‪ ،‬يرنو في الواقع نحو إن��ارة الظلمة‬ ‫في أركان الوجود اإلنساني‪ :‬الجسد‪ ،‬النفس‪،‬‬ ‫هكذا نجد أنفسنا أم��ام موقف ثالثي‬ ‫العقل والروح‪.‬‬ ‫األب��ع��اد‪ :‬وقفة الفنان المتجلية ف��ي عمله‬ ‫الفن في التراث الثقافي اإلسالمي كان‪ ،‬الفني‪ ،‬ووقفة صوفية في تجربته‪ ،‬ووقفة‬ ‫وما يزال‪ ،‬تعبيرا عن حركة الروح الالمرئية‪ ،‬المشاهد‪ ،‬وهي كلها تشترك في رؤية واحدة‪:‬‬ ‫ليصبح كل شيء «نورا مرئيا»‪ ،‬إنه استدعاء تجاوز العالم الفج‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫فالروح حاضرة في المشهد المعماري في كل‬ ‫أنماطه المتعددة‪ ،‬وفي كافة أرجاء وتفاصيل‬ ‫الحياة اليومية المشاهدة والمحسوسة باليد‬ ‫والعين والحواس األخ��رى‪ ..‬فالكل مسكون‬ ‫في الروح‪.‬‬

‫باعتبار أن العرب تقول إن الفن هو صناعة‬ ‫(إبداع)‪ ،‬ويعتبر د‪ .‬سويد الفن في اإلسالم‪،‬‬ ‫وبكل أشكاله المادية الملموسة‪ ،‬والبصرية‪،‬‬ ‫المرئية‪ ،‬يخلق في النفس لحظة تأمله‪ ،‬حالة‬ ‫روحية وعقلية‪ ،‬تنقل اإلنسان الناظر من قيد‬ ‫األشياء إلى حرية الرؤية‪ ،‬وتنقله أيضا إلى‬ ‫ما وراء المادة المشكلة‪ ،‬إلى المشكل للجسد‬ ‫(ال��م��ادة) الفنية المصنوعة‪ ،‬أي تنقله إلى‬ ‫تلك اللحظة الغائبة والهاربة من الفنان‪ ،‬أي‬ ‫اللحظة التي عاشها المبدع‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪121 )2016‬‬


‫تعليمات يوكو أونو‪:‬‬ ‫الفن متخفف ًا من الزوائد‬ ‫‪ρρ‬علي املجنوني*‬

‫«راقِ ب الشمس حتى تصبح مربَّعة»‪ .‬هذه الجملة ليست جزء ًا من قصيدة أو ما‬ ‫شابه‪ .‬إنها لوحة‪ ،‬بالمعنى الحرفي للكلمة‪ .‬لوحةُ تعليمات‪ ،‬بتعبير أكثر دقة‪ .‬في‬ ‫رسالة إلى إيڤان كارﭖ كتبت يوكو أونو‪ ،‬صاحبة اللوحة آنفة الذكر‪ ،‬متحدثة عن‬ ‫يوجه بالتعليمات‪.‬‬ ‫فكرة «لوحة التعليمات»‪« :‬أعتقد أن الفن التشكيلي يمكن أن َّ‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬يكتفي الفنان بإعطاء تعليمات أو رسومات حول اللوحة‪ ،‬وتغدو‬ ‫اللوحة بشكل أو بآخر مثل عدّ ة التركيب الذاتي‪ ،‬تُركَّ ب وفقا للتعليمات المعطاة‪ .‬ال‬ ‫التعليمات التي تمكّ ن خروج اللوحة‬ ‫ِ‬ ‫شخص‬ ‫ٌ‬ ‫تبدأ اللوحةُ وجودَها إال عندما يتّبع‬ ‫إلى الحياة‪ .‬ومن هناك تعيش اللوحة حياة من التحوالت‪ ،‬حيث يضيف الناس‬ ‫جهودهم الخاصة إلى اللوحة حسب التعليمات أو عكسها أحيانا‪ ،‬العبين دور ًا‬ ‫فعاال في وجود اللوحة‪ .‬تخيّلْ «لوحة المسمار» معلقة في متحف الفن الحديث‬ ‫بتعليمات تقول «دق فيها مسمارا»‪ ،‬فيأتي الناس كل يوم لدق مسامير بأحجام‬ ‫مختلفة‪ ،‬فيما اللوحة تغيّر وجهها كل لحظة»‪.‬‬ ‫تكاد تكون الفنانة الطليعية يوكو ولمّا يزل‪ ،‬جديرةٌ باالحترام واالعتبار‪.‬‬

‫أون��و‪ ،‬المولودة عام ‪1933‬م‪ ،‬من أبرز انتقلت «أونو» إلى نيويورك من بلدها‬

‫الفنانين ال��ذي��ن رف����دوا ح��رك��ة الفن األصلي‪ ،‬اليابان‪ ،‬عام ‪1953‬م ملتحق ًة‬ ‫المفهومي عالميا‪ ،‬وف��ي أمريكا على بعائلتها التي كانت ق��د سبقتها إلى‬

‫وج���ه ال��خ��ص��وص‪ ،‬ذل���ك أن إسهامها أمريكا فراراً من الحرب‪ .‬انتقلت معها‬ ‫�ف نفسه‪ ،‬مواهبها المتعددة‪ ،‬إذ هي كاتبة وفنانة‬ ‫ف��ي م���ح���اوالت ال��ف��ن ت��ع��ري� َ‬

‫ال��ت��ي انشغل بها منذ فجر الحداثة وموسيقية‪ ،‬األمر الذي جعل منها أيقونة‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ثقافية في ستينيات القرن الماضي‪ ،‬كما‬ ‫أنها غزيرة اإلنتاج‪ ،‬لم تتوقف عن ممارسة‬ ‫ال��ف��ن منذ م��ا ينيف على خمسة عقود‪.‬‬ ‫ساعد «أون��و» انتقالُها إل��ى قِ بلة الفن في‬ ‫منتصف القرن العشرين على االنغماس في‬ ‫الحركة الفنية الثرية التي شهدها الوسط‬ ‫الفني آنذاك‪ ،‬والتي تسنّم نشاطها عد ٌد من‬ ‫الفنانين الطليعيين والحركات الطليعية مثل‬ ‫مجموعة فليكسس وحركة الفن المفهومي‪.‬‬ ‫هكذا وجدت نفسها في حوار فاعل مع رموز‬ ‫المشهد األمريكي من فنانين وأدب��اء‪ ،‬تأثر‬

‫م��ع��ل��ومٌ‪ ،‬مثال‪ ،‬أن الفن ينشغل تلقائيا‬

‫كثير منهم بها ورأوا فيها رم��زاً للروحانية بالسياق التاريخي واالجتماعي والسياسي‬ ‫الشرقية التي كانوا قد طوروا في أنفسهم ال���ذي ي��ح��دث ف��ي��ه‪ ،‬أم��ا الحرفة فمحددةٌ‬ ‫وفنهم توقاً إليها وتأثراً بتعاليمها‪.‬‬

‫بوظيفة نفعية تنحصر القدرة على تنفيذها‬

‫معارض عدةً‪ ،‬قدمت خاللها في أفراد اكتسبوا المهارة الالزمة دون أدنى‬ ‫َ‬ ‫أقامت «أونو»‬ ‫أع��م��اال ت��راوح��ت بين األف�ل�ام التجريبية صلة بالسياق‪ .‬الفن خاضع بالدرجة األولى‬

‫واألع��م��ال الفنية األدائ��ي��ة والمقطوعات لمفاهيم مجردة وقيم إنسانية يتفاوض معها‬ ‫الموسيقية والكتابة اإلبداعية‪ ،‬كلها حملت الفنان أثناء ممارسته الفن في عملية نفسية‬ ‫روح المغامرة واعتنقت التجريب منهجاً لها‪ .‬مركبة ومعقدة‪ ،‬بينما تتميز الحرفة بأنها‬ ‫وأعتقد أن الخيط الذي يجمع أعمال «أونو» عملية مستقلة تتألف من خطوات واضحة‬ ‫يتمثل ف��ي تركيزها على الفن كونه أحد وبسيطة في طبيعتها‪ .‬ولهذا ترمي «أونو»‪،‬‬

‫قطبين‪ ،‬هما الفن والحرفة‪ .‬هذا الثنائي بطريقة ما‪ ،‬إلى أن يكون الفن متاحا للجميع‬ ‫ال��ذي يصفه بعضهم بأنه انشطا ٌر وهمي عبر خطوات تستجيب‪ ،‬وإن ذهنيا‪ ،‬للظروف‬ ‫ناتج عن هوس الغرب بتصنيف األشياء‪ ،‬نال السياسية واالجتماعية التي تحيط بهم‬ ‫حظا وافرا من نشاط «أونو» الفني‪ .‬ويمكن وتؤثر في مصائرهم‪.‬‬

‫القول إن «أون��و» تعاملت به بذكاء‪ ،‬بحيث‬

‫أدلّ دليل على هذه الرؤية التي تتبناها‬

‫ألغت الفارق بين قطبَي هذا الثنائي بقدر «أون�����و» ك��ت��ابُ��ه��ا «ﮔري����ب ف�����روت»‪ ،‬كتاب‬ ‫ما أبرزته‪.‬‬

‫«تعليمات ورس��وم��ات» ال���ذي ك��ان مرحلة‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪123 )2016‬‬


‫ثالثة من مشروع ب��دأ على هيئة تعليمات والسالم والتوازن الحياتي‪.‬‬ ‫مكتوبة للوحات تشكيلية‪ ،‬ثم أوراق بخط‬

‫وتغطي ه��ذه التعليمات مناطق فنية‬

‫اليد‪ ،‬ثم كتاب‪ .‬صدر الكتاب للمرة األولى مختلفة ارتضتها الفنانة ميادي َن لتجريب‬ ‫بنسخ محدودة في اليابان عام ‪1964‬م‪ ،‬ثم ل���وح���ات ال��ت��ع��ل��ي��م��ات‪ ،‬وه���ي ال��م��وس��ي��ق��ى‪،‬‬

‫صدرت نسخة مزيدة منه بعد سنوات في والتشكيل‪ ،‬وال��ش��ع��ر‪ ،‬وال��ح��دث‪ ،‬والفيلم‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،‬واحتوى أعماال فنية جاءت على وال���رق���ص‪ ،‬وال��م��ع��م��ار‪ .‬ال��ف��ك��رة م��ن وراء‬ ‫هيئة تعليمات‪ ،‬تشبه تلك التي نطالعها في تعليمات «أون��و» اختزا ُل الفن إلى مستوى‬ ‫كتاب نشاط مدرسي أو دليل استخدام‪ .‬يغدو معه ع��ب��ار ًة عن مجموعة قوانين أو‬

‫تتسم األفكار التي تنطوي عليها التعليمات تعليمات يستطيع تنفيذَها أي شخص‪.‬‬ ‫بالبساطة المفرطة والعمق التأملي في ولهذا السبب يعد كتاب «أونو» مثاال صريحا‬

‫اآلن نفسه‪ ،‬لكأنما تريد أن تجرّد الفن من على الفن المفهومي الذي كان ال يزال في‬ ‫كل ال��زوائ��د العالقة به حتى تبلغ جوهره‪ ،‬بداياته‪ ،‬وعلى الكتابة المفهومية التي لم تنل‬

‫والجوهر هنا الفكرة‪ .‬الفكرة التي طالما االعتراف إال بحلول القرن الحالي تقريبا‪.‬‬ ‫ت��وارت خلف عناصر أخ��رى‪ ،‬بعد أن عمد‬ ‫مع مطلع القرن الحادي والعشرين ازدهر‬ ‫فنانو كل مرحلة أو مدرسة فنية إلى إخفائها‬ ‫الشعر المفهومي بشكل خ��اص والكتابة‬ ‫بطريقة مختلفة أو تحت ذريعة مختلفة‪،‬‬ ‫المفهومية بشكل ع���ام‪ ،‬إ ْن على مستوى‬ ‫مستعينين ب��األل��وان والخامات واألساليب‬ ‫ال��م��م��ارس��ة وإ ْن ع��ل��ى م��س��ت��وى التنظير‪.‬‬ ‫وغ��ي��ره��ا‪ ،‬حتى أم��ك��ن ال��ق��ول إن م��ا يميز‬ ‫على مستوى المصطلح‪ ،‬تتأرجح الكتابة‬ ‫المدارس الفنية عن بعضها هو كيف تعاملت‬ ‫المفهومية بين سؤالين‪ ،‬أولهما ينحو إلى أن‬ ‫كلٌّ منها مع الفكرة‪.‬‬ ‫الكتابة ككل نشاط مفهومي‪ ،‬وثانيهما يرى‬ ‫تعليمات «أونو»‪ ،‬كما يحلو لها تسميتها‪ ،‬أن الكتابة كفعل إجرائي تنسف تجريدية‬ ‫بعضها قابل للتنفيذ بالفعل‪ ،‬وبعضها اآلخر المفهوم‪ ،‬باعتبار كل أشكال الكتابة نشاطا‬ ‫يتجاوز أية إمكانية عقالنية للتنفيذ‪ .‬وفي محسوسا‪ .‬وعلى رغم أن الكتابة المفهومية‪،‬‬ ‫كلتا الحالتين بوسعنا أن نتلمس بوضوح بحسب السؤال األول‪ ،‬قديم ٌة قِ �دَم الكتابة‬

‫فلسفة الفنانة عن الحياة من خالل رهافة نفسها‪ ،‬إال أنها أفادت من الشوط الطويل‬ ‫الحس التي تتمتع بها‪ ،‬فهي ناشطة حقوقية الذي قطعه الفن في هذا االتجاه‪ .‬ونستطيع‬

‫وس��ي��اس��ي��ة‪ ،‬إض��اف��ة إل���ى ت��أث��ي��ر ال��دي��ان��ات القول إن «يوكو أونو» تقدم حالة فذة تجسّ ر‬ ‫الشرقية المتمثلة في الدعوة إلى التأمل ما بين الفن المفهومي والكتابة المفهومية‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ال بسبب اس��ت��ب��دال العمل الفني ف��ي بُعده‬ ‫أوال‪ :‬ألنها استخدمت اللغة بوصفها شك ً‬ ‫المحسوس إل��ى حيّز م��ج��رد‪ ،‬بعد تنحية‬ ‫من أشكال الفن‪ .‬الكتاب في مجمله نص‬ ‫االهتمامات الجمالية والمادية للفن جانبا‬ ‫يمد جسرا بين اللغة واألداء‪ ،‬هذا الجسر‬ ‫وتسليط االهتمام على الفكرة‪ .‬في ما يشبه‬ ‫الذي انشغلت به نظرية الفعل الكالمي التي‬ ‫المانيفستو ضمنت «أون��و» في كتابها نصا‬ ‫وضعها جون لونغشو أوستن‪ ،‬واتخذت من‬ ‫كتبت فيه‪« :‬أعتقد أن من الممكن أن ترى‬ ‫الوظيفة األدائية للغة محوراً الهتمامها‪.‬‬ ‫كرسيا كما هو‪ .‬لكن عندما تحرق الكرسي‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ألن أعمالها تأتي ضمن المرحلة تدرك فجأة أن الكرسي الذي في ذهنك لم‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫بوعي كبير‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ما ال تطمح أعمال «أون���و» ال��وص��ول إليه‪،‬‬

‫يختف‪ .‬عالم «البناء» يبدو أنه أكثر‬ ‫ِ‬ ‫الفنية التي أطلقت عليها لوسي ليپارد يحترق أو‬ ‫ع��ب��ارت��ه��ا ال��ش��ه��ي��رة ال��ت��ي يمكن ترجمتها شيء محسوس‪ ،‬وعليه فإنه أكثر شيء نهائي‪.‬‬

‫على أنها «ن��زع التجسيد عن م��ادة الفن»‪ ،‬وتّرني هذا الشيء‪ ،‬فبدأت أتأمل ما إذا كان‬ ‫والتي تصف المنعطف ال��ذي اتخذه الفن كذلك فعال‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬فإن الحدث كلمة‬ ‫األم��ري��ك��ي م��ن ال���م���ادة إل���ى ال��ف��ك��رة‪ .‬في مفتاحية ف��ي أع��م��ال «أون���و»‪ .‬ف��س��وا ًء كان‬ ‫ٍ‬ ‫الكتابة المفهومية‪،‬‬ ‫باختصار تكوّن الفكرةُ تطيير طائرة ورقية أم ع ّد الغيوم أم التسكع‬ ‫أو المفهو ُم الملم َح األبر َز في العمل‪ ،‬حيث في المدينة بعربة أطفال فارغة‪ ،‬أم إرسال‬

‫العملية الذهنية المسؤولة عن التخطيط رسائل بريدية إلى عناوين عشوائية‪ ،‬أم غلي‬ ‫للعمل هي العمل الفني أو الكتابي نفسه‪ ،‬ماء ومشاهدته حتى يتبخر بالكامل‪ ،‬أم تعبئة‬

‫بينما يضحى التنفيذ النهائي أمرا هامشيا استبيان‪ ،‬أم االختفاء في دوالب حتى تنساك‬ ‫وغي َر ذي أهمية‪« .‬تصبح الفكرةُ» بحسب عائلتك‪ ،‬أو رسم خريطة من أجل التيه‪ ،‬فإن‬ ‫تعبير سالومن ليويت وكِ نث غولدسميث‪ ،‬الحدث يقع في ذه��ن المتلقي‪ .‬وبالسؤال‬ ‫أحدِ هما أو كليهما‪« ،‬آل � ًة تصنع النص‪ ،».‬عمّن يسهم ف��ي وق��وع ال��ح��دث‪ ،‬الفنان أم‬ ‫ول��ه��ذا فالخطة تصمم العمل‪ ،‬وتتيح في المتلقي‪ ،‬نستطيع الوصول إلى فهم مالئم‬ ‫ألونو‪ .‬أدناه بضعة أمثلة على الحدث الذي‬ ‫الغالب عددا ال نهائيا من طرق التنفيذ‪.‬‬ ‫المفهوم واإلدراك إذاً مرحلتان مختلفتان‪،‬‬ ‫األولى سابقة للعمل والثانية تالية له‪ .‬ولكن‬

‫تنسج الفنانة أعمالها‪/‬نصوصها حوله‪:‬‬

‫بدلو‪ /.‬استمر في‬ ‫«اسرق قمرا من الماء ٍ‬

‫عند تنفيذ العمل إلى شكل ملموس تصبح السرقة حتى ال يُرى على سطح الماء قمر‪».‬‬

‫ك��ل ال��خ��ط��وات ف��ي غ��اي��ة األه��م��ي��ة‪ .‬وه��ذا‬

‫«ق���دَّ م ك��ل ال��س��اع��ات ف��ي العالم ثانية‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪125 )2016‬‬


‫واحدة دون أن تُخبر أحدا عما فعلت»‪.‬‬

‫الموسيقية ال��ت��ي تتحول موسيقى بعد‬

‫«سجل شريطا لصوت الثلج متساقطا‪ /.‬تنفيذها أدائ��ي��ا‪ .‬م��ارس ه��ذا النوع زمرة‬ ‫ق��م ب��ه��ذا ف��ي ال��م��س��اء‪ /.‬ال تستمع إلى من فناني نيويورك‪ ،‬من أمثال جورج بركت‬ ‫قصه ثم استخدمه أوتارا تربط‬ ‫الشريط‪ّ /.‬‬ ‫بها الهدايا‪».‬‬ ‫«أصغِ إلى دقات الساعة‪ /.‬قم بتكرار‬ ‫دقات مطابقة في رأسك‪ /‬بعد أن تتوقف‪».‬‬ ‫«اج���م���ع ف���ي ذه��ن��ك األص������وات ال��ت��ي‬ ‫سمعتها طوال األسبوع‪ .‬أعدها في رأسك‬ ‫في ترتيب مختلف ذات مساء‪».‬‬

‫وج��ورج ماتشونس والمونتي يونغ وديك‬

‫هيغنز ويوكو أون��و‪ ،‬الذين ت��أث��روا بجون‬

‫كيدج وأعماله في التجريب الموسيقي‪.‬‬

‫بالنسبة ألونو‪ ،‬تطورت هذه النصوص‬

‫القصيرة التي تتطلب تنفيذها عبر أفعال‬ ‫ذهنية أو حسية إل��ى «لوحات تعليمات»‬

‫تطلب في أغلبها من الجمهور إكمال لوحات‬ ‫بالقيام بأفعال مثل المشي أو تقطير الماء‬

‫«اح��ص��ل ع��ل��ى ه��ات��ف ال ي��ق��وم بشيء على قماش لوحة‪ .‬ولعل أب��رز مثال على‬

‫سوى ترديد صدى صوتك‪ .‬اتصل كل يوم هذا النوع من اللوحات «لوحة لدقّ مسمار»‬

‫وتحدث عن أشياء كثيرة‪».‬‬

‫التي تحدثتْ عنها في رسالتها إلى كارﭖ‪،‬‬

‫لوحاتك‪ .‬أتلِف اللوحات األصلية‪».‬‬

‫هذا المعرض قبل أن يتزوجا‪ ،‬اقترح أن‬

‫«تسكع في ش��وارع المدينة مع عربة ونفذتها عام ‪1966‬م في لندن‪ ،‬حيث عُرض‬ ‫لو ٌح خشبي مصبوغ باألبيض‪ ،‬تتدلى حوله‬ ‫طفل فارغة‪».‬‬ ‫مطرقة‪ ،‬فيما وُض��ع وع��اءُ مسامير على‬ ‫بحبوب‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫مملوء‬ ‫ٍ‬ ‫كيس‬ ‫«قص فتح ًة في ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كرسي بجانب اللوح‪ ،‬وطُ لب من الجمهور‬ ‫الكيس‪ /‬حيثما تكون‬ ‫َ‬ ‫من أي ن��وع وض��عِ‬ ‫دق مسمار في اللوح‪ .‬اقترح عليها جون‬ ‫ريح‪».‬‬ ‫لينون‪ ،‬عضو فرقة ‪ Beatles‬الموسيقية‬ ‫«دع ال���ن���اس ي��ن��س��خ��ون أو ي��ص��ورون ذائعة الصيت‪ ،‬الذي التقاها ألول مرة في‬ ‫عند الحديث عن كتاب «ﮔريب فروت» يدق مسمارا متخيال‪ ،‬فقدحت هذه الفكرة‬ ‫نوع من الكتابة ظهر ش��رارة في ذه��ن «أون���و» والزمتها طويال‬ ‫ال بد من اإلشارة إلى ٍ‬

‫في مطلع الستينيات‪ ،‬يتكون من نصوص حتى غدا تغليبُ فكرة الفن على موضوعه‬ ‫تحض على المحسوس عالم ًة فارقة في فنها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قصيرة على هيئة تعليمات‬ ‫أدائها وتنفيذها‪ .‬سميت تلك النصوص‬

‫تُقرأ نصوص «ﮔريب فروت» على أكثر‬

‫««‪ event scores‬إش���ارة إل��ى النوتات م��ن مستوى‪ ،‬فهي نصوص شعرية وفن‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يصبح قارئها فنانا محتمال‪ ،‬على األقل مرتين‪ ،‬م��رة في أم��س��ت��ردام‪ ،‬خ�لال شهر‬ ‫كما أرادت له «أونو» أن يكون‪ .‬فالنصوص العسل‪ ،‬وأخرى في مونتريال‪ ،‬في «محاولة‬

‫تقدم تصورا إيجابيا للتلقي بوصفه نشاطا تجريبية بحثا عن أساليب جديدة للترويج‬

‫إنتاجيا‪ ،‬حتى وإن مال إلى أن يكون جافا للسالم» بحسب وصفهما‪.‬‬ ‫عاطفيا في سبيل كونه مثيراً لالهتمام‬

‫أخيرا‪ ،‬وبالمناسبة‪ ،‬يقام في هذه األيام‬

‫ذهنيا وفلسفيا‪ .‬ديدنها تحريض الجمهور أول معرض فردي ألونو في متحف الفن‬ ‫على أداء «قطع» فنية تقوم بصفة أساسية الحديث في نيويورك‪ ،‬بعد أن تجاوزت‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫كامل‬ ‫ٍ‬ ‫بصري وف��ن أدائ���ي وتمرينات إجرائية‪ .‬أنهما فتحا سريرهما لمدة أسبوع‬

‫على التخيل‪ ،‬تخيل لوحات في رؤوسهم‪ .‬سن الثمانين‪ ،‬العرض الذي طال انتظاره‬ ‫وهذا ملمح متكرر في أعمال «أونو» جلّها‪ .‬واستحقاقه‪ .‬وإذ أقول المعرض الفردي‬ ‫في عام ‪2013‬م‪ ،‬أي بعد حوالي خمسين األول‪ ،‬ف��إن��ي أع���ي أن���ه ق��د يُ��ع��د الثاني‬

‫عاما من إصدار «ﮔريب فروت» أصدرت بطريقة ما‪ ،‬إذ في عام ‪1971‬م استجاب‬

‫«أونو» «ثمار البلوط»‪ .‬وهو كتاب يسير على ال��ن��ي��وي��ورك��ي��ون إلع�لان��ات ط��ال��ع��وه��ا في‬ ‫منوال سابقِ ه‪ ،‬موشى بكثير من الرسمات الصحف عن «معرض فردي» ألونو‪ ،‬وعند‬

‫النقطية‪ ،‬دائرية ومليئة بالحركة‪ ،‬تتسق مع ذهابهم إلى متحف الفن الحديث لم يجدوا‬ ‫إعمال الذهن تأمليا ال��ذي تحرض عليه س��وى رج��ل يحمل يافطة ليخبرهم أن‬ ‫النصوص‪ ،‬في سبيل نقل التجربة الفنية «أونو» أطلقت عددا من الذباب في حديقة‬

‫والجمالية إلى الذهن‪ ،‬إلى الداخل‪ ،‬إلى المجسمات‪ ،‬وأن الذباب الذي أطلقته قد‬

‫المجرد‪ ،‬إلى المقدس‪ .‬وبالطبع قد يحيل يكون في المتحف أو في مكان في مانهاتن‪.‬‬

‫هذا العنوان إلى ما قامت به «أونو» ولينون إن كانت «أون���و» ق��د ظُ لمت‪ ،‬كما يعتقد‬ ‫في ثاني شهر بعد زواجهما‪ ،‬حين أرسال بعضهم‪ ،‬أو بُخس قدرها طويال ألسباب‬ ‫ثمار ب��ل��وط‪ ،‬خمسين ثمرة مربوطة في تافهة ال عالقة لها بالفن‪ ،‬من مثل أنها‬ ‫صرة‪ ،‬إلى رؤساء عدة دول حول العالم على أسهمت في تقويض فرقة ‪ ،Beatles‬فهذا‬

‫أمل أن يغرسوها رمزا للسالم‪ .‬لقد كانت المعرض‪ ،‬الذي تغطي األعمال المعروضة‬ ‫هذه ال شك واحد ًة من مبادرات عدة قامت فيه عقدا من الزمان‪ ،‬يعيد ألونو االعتبار‪،‬‬

‫بها ولينون لالحتجاج سلميا ضد الحرب ويذكّر بدورها الفعال وريادتها في الحركة‬

‫على فيتنام‪ .‬لعل أشهر تلك المبادرات الفنية في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪127 )2016‬‬


‫الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء‬ ‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫يعتقد بعض المهتمين ب��ال�ش��أن الثقافي أن وج��ود الخصوصيات الثقافية‬ ‫مجتمع م��ا ُي�ع��د ع��ام��ل إرب ��اك ق��د ُي�ف�ض��ي إل��ى ص ��راع‪ ،‬أو اإلض ��رار‬ ‫ٍ‬ ‫وت�ع��دده��ا ف��ي‬ ‫بالتماسك المجتمعي‪ ،‬وه��ذا بال شك صحيح في ظل وج��ود نسق اجتماعي أو‬ ‫أيديولوجي طارد يعمل على استعداء الخصوصيات الثقافية المغايرة؛ إال أنها‬ ‫قد تصبح ث��روة ثقافية إيجابية خالقة‪ ،‬وخصوص ًا في المجتمعات األكاديمية‬ ‫الجامعية التي تحفل بتعدد ثري وهامش علمي وتشاركي ال بأس به؛ وه��ذا ما‬ ‫سيتم تناوله بإذن اهلل‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم الخصوصيات‬

‫الخاصة والفرعية للمجتمع‪ .‬فالمجتمع‬

‫إن الثقافة مركب معقّد يضم العادات‪ ،‬عاد ًة يتكون من أطياف أيدولوجية‪ ،‬وفي‬ ‫وال��ت��ق��ال��ي��د‪ ،‬واألخ��ل��اق‪ ،‬واالت��ج��اه��ات‪ ،‬كل طيف عدد من الطبقات االقتصادية‪،‬‬

‫واالس���ت���ع���دادات‪ ،‬وف���ق ت��ع��ري��ف تايلور واالجتماعية‪ ،‬والجغرافية‪ ،‬والمهنية؛ أي‬ ‫الشهير؛ وتنقسم إل��ى ث�لاث��ة أق��س��ام‪ :‬أن المجتمع بعمومه‪ ،‬هو خصوصيات‬ ‫عموميات‪ ،‬وخصوصيات‪ ،‬وبدائل‪ .‬وقد متعددة تنطلق من خطوط عامة‪ ،‬تجمعها‬

‫يُنظر إلى الخصوصيات على أنها مكوّن بعض األفكار والسلوكيات العامة‪ ،‬نتيجة‬ ‫طرفي ثانوي القيمة؛ إال أن الخصوصيات العيش في بيئة جغرافية واحدة‪ ،‬ووفق‬ ‫ف��ي حقيقتها ه��ي م��ج��م��وع الثقافات نمط متقارب‪.‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫التي تميز مجموعات معينة داخل المجتمع‪،‬‬

‫وال��م��ش��ت��رك��ات النظرية والمحسوسة‪،‬‬

‫وال يشترك فيها سواهم‪ ،‬كالعناصر الثقافية‬

‫التي يتميز بها أصحاب تيار فكري أو‬

‫الخاصة ببعض المجموعات المهنية‪ ،‬أو‬

‫ديني أو مناطقي‪ ،‬أو نسق معرفي كنسق‬

‫ال‬ ‫بعض البيئات الجغرافية‪ .‬وم��ن ذل��ك مث ً‬ ‫ط��رق االحتفال بمناسبات معينة‪ ،‬وأيضا‬ ‫ارتداء أزياء معينة بعينها‪( .‬مصطفى زيادة‬ ‫وآخرون‪2008 ،‬م)‪.‬‬ ‫ال ومُوارباً‪ ،‬لذا‬ ‫و يبدو هذا التعريف شام ً‬

‫األدب����اء والمثقفين‪ ،‬أو ث��ق��اف��ي مغاير‬ ‫جغراف ّياً كأبناء البلدان األخ��رى؛ وهذه‬ ‫الخصوصيات ستكون عوامل إث��راء في‬ ‫إطار تشاركي تعاوني بنّاء‪ ،‬يتيح مساحات‬ ‫متساوية وفرص متكافئة‪.‬‬

‫ال ب��د م��ن تقسيم ه��ذه الخصوصيات إلى‬

‫ثانيا‪ :‬الخصوصيات الثقافية في‬

‫أنواع‪ ..‬وتوضيح أثر كل نوع‪ ،‬وهي كما أراها‪:‬‬

‫التاريخ اإلسالمي‬

‫‪ |1‬خ��ص��وص��ي��ة م��ه��ن��ي��ة‪ :‬وه���ي ال��س��م��ات‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫والخصوصيات هي‪ :‬العناصر الثقافية ‪ |3‬خصوصية ثقافية‪ :‬وتعني السمات‬

‫لعل أبرز خصوصية تفاعلت مع الثقافة‬

‫المشتركة ألص��ح��اب المهنة ال��واح��دة‪ ،‬العربية ف��ي بدايتها كانت الثقافات غير‬ ‫كالمهارات المهنية‪ ،‬أو المعارف النظرية العربية التي تالقحت مع الثقافة العربية‬

‫التي يحيط بها أصحاب المهنة الواحدة‪ ،‬اإلس�لام��ي��ة ت���أ ّث���راً وت��أث��ي��راً؛ فلقد حفلت‬ ‫والزيادة الكمية والكيفية لهذا النوع من المساحة العربية بعد اإلسالم بتمازج وتالقح‬ ‫الخصوصيات بما يتناسب م��ع حاجة ثقافي هائل إبان الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬فكان‬

‫المجتمع أمر حيوي لضمان استمرارية التأثير والتأثر ذا مالمح واضحة‪ ،‬فلقد كان‬ ‫أي مجتمع‪ ،‬فنحن نحتاج للخياط والخباز‪ ،‬غير العرب بحاجة إل��ى دي� ٍ�ن يحررهم من‬

‫كما نحتاج للطبيب والمعلم والتاجر‪.‬‬

‫أغالل األسطورة والخرافة والكهنوت وبراثن‬

‫‪ |2‬خصوصية طبقية‪ :‬وتعني السمات تجبر الطغيان البشري السلطوي‪ ،‬وك��ان‬ ‫والمشتركات التي يتميز بها أصحاب العرب أهل البادية بحاجة إلى مسالك وقيم‬ ‫طبقة اقتصادية أو اجتماعية معينة‪ ،‬مدنية جديدة‪ ،‬تنقلهم إلى مساحة حضارية‬ ‫وه���ذه الخصوصية طبيعية إن بقيت أفضل‪ ،‬وتساعدهم في نشر الدين الجديد‬ ‫في حجمها الطبيعي‪ ،‬إال أنها ستضر عبر أدوات جديدة‪.‬‬ ‫بالحيوية االجتماعية إن تضخمت وأدت‬ ‫إال فجوات معيشية سحيقة‪.‬‬

‫وف���ي ه���ذا ال��س��ي��اق ي��ق��ول ع��ب��دال��ع��زي��ز‬ ‫التويجري‪« :‬لقد تفاعلت الثقافة العربية‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪129 )2016‬‬


‫اإلسالمية مع ثقافات األمم والشعوب التي‬ ‫عرفت اإلسالم‪ ،‬والتي اتّصل ﺑﻬا المسلمون‬ ‫أو انضوت تحت لوائه‪ ،‬وكان هذا التفاعُل‬ ‫عنصر من‬ ‫ٍ‬ ‫الثقافيُّ اَلمرِ ن والمتفتّح‪ ،‬أه� َّم‬

‫ال��ع��رب��ي��ة اإلس�لام��ي��ة‪ ،‬وه���ذا م��ا ينقض‬ ‫دع��وات التقليديين المعاصرة الداعية‬

‫إلى االنكفاء على الثقافة الواحدة بدعوى‬ ‫الحفاظ عليها‪.‬‬

‫عناصر القوة في الثقافة العربية اإلسالمية‪ |2 ،‬إن عنصر القوة هذا استطاع أن يستفيد‬ ‫ودافعًا نحو االنفتاح على الثقافات وهضمها‪،‬‬ ‫من الثقافات األخرى‪ ،‬وأن يكيّفها مع روح‬

‫واستيعاﺑﻬا‪ ،‬وتكييفها مع روح الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية»‪.‬‬ ‫إلى أن يقول‪« :‬ولقد فتح تفاعل الثقافة‬

‫الثقافة اإلسالمية‪( ،‬ال��روح) هنا‪ ..‬تعني‬

‫اإلط���ار اإلس�لام��ي ال��ع��ام‪ ،‬وليس األط��ر‬ ‫اللفظية أو التفصيلية أو الفقهية‪.‬‬

‫العربية اإلسالمية مع الثقافات األخ��رى‪ |3 ،‬إن الثقافات األخ��رى هي تربة خصبة‬ ‫األب���واب أمامها لالغتراف من منابع هذه‬ ‫الثقافات‪ ،‬التي كانت مراكزها في الشام‬ ‫ومصر وف��ارس‪ ،‬ومنبعها األصلي في بالد‬ ‫ال��ي��ون��ان‪ ،‬وك��ان��ت ه��ذه البيئة تربة خصبة‪،‬‬ ‫ومحط مدارس ثقافية وفكرية تغذي العقل‪،‬‬ ‫وتثري الوجدان‪ .‬وهذه المدارس لما تفاعلت‬ ‫معها الثقافة العربية اإلس�لام��ي��ة‪ ،‬ق ّدمت‬ ‫التربة التي استطاع المسلمون عليها أن‬ ‫ينبتوا ثقافة جديدة‪ ،‬وفلسفة‪ ،‬وعلومًا دينية‪،‬‬ ‫وط� ًّب��ا وري��اض��ة وغيرها‪ ،‬وأن يحملوا منها‬ ‫علومًا مزدهرة عميقة الجذور» (التويجري‪،‬‬ ‫‪2006‬م)‪.‬‬ ‫ويُمكن أن نُجمل تفاعل الثقافة العربية‬ ‫مع الخصوصيات الثقافية األخرى بما يأتي‪:‬‬

‫للعلوم وال��م��ع��ارف ال��ت��ي أث���رت الثقافة‬

‫العربية اإلسالمية‪ ،‬وكان منطلقاً للعلوم‬ ‫والمعرفة والمدارس الفكرية والثقافية‬ ‫ال���ت���ي ح��ف��ل��ت ب��ه��ا ال���س���اح���ة ال��ع��رب��ي��ة‬

‫اإلسالمية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخصوصيات الثقافية في‬ ‫المجتمع المعاصر‬ ‫يختلف دور ال��خ��ص��وص��ي��ات الثقافية‬

‫وت��أث��ي��ره��ا ت��ب��ع�اً ل��ن��وع ال��ث��ق��اف��ة ال��س��ائ��دة‪،‬‬

‫أو ب��األص��ح ثقافة األغلبية‪ ،‬فكلما كانت‬

‫تقليدية المجتمع أقل‪ ،‬كان حضور وتفاعل‬

‫الخصوصيات الثقافية وإفادتها أكبر‪.‬‬

‫إن تشاركية الخصوصيات هي من صميم‬

‫ال��روح اإلسالمية التي فتحت ذراعيها لكل‬

‫‪ |1‬إن التفاعل المرن المتفتح للثقافة العربية ال��ث��ق��اف��ات‪ ،‬دون ال��م��س��اس ب��اإلط��ار ال��ع��ام‬ ‫اإلسالمية مع غيرها من الثقافات‪ ،‬كان للثقافة اإلسالمية أو الثوابت الراسخة‪.‬‬ ‫أه��م عنصر م��ن عناصر ق��وة الثقافة وف���ي ه���ذا ال��س��ي��اق ي��ق��ول المفكر محمد‬

‫‪ 130‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫«التمايز الحضاري»‪ ،‬و«التمايز» وسط بين الحافل‪ .‬لذا نجد أن الحراك الثقافي في‬

‫«الوحدة» وبين «الفصل التام»‪ ،‬وهذا يعني الجامعات أشد منه في المدارس‪ ،‬فباإلضافة‬

‫وج���ود مشترك إنساني ع��ام بين مختلف إلى نوع التعليم في األولى‪ ،‬نجد أن محوريتها‬

‫ال��ح��ض��ارات) إل��ى قوله‪( :‬ف��ب��دون التعددية ف��ي ك��ون��ه��ا م��وئ��ل األس���ات���ذة وال��ط�لاب من‬ ‫التي هي ثمرة التمايز‪ ،‬لن تتولد لدى أي منها ث��ق��اف��ات أك��ث��ر ت��ب��اي��ن�اً‪ ،‬م��ا يخلق ن��وع �اً من‬

‫دوافع وحوافز االستباق‪ ،‬ولن توجد دواعي التالقح الثقافي والفكري الذي يخلق نوعاً‬ ‫الفاعلية واإلبداع)‪( .‬محمد عمارة‪1998 ،‬م)‪ .‬من التوهج الحضاري‪ ،‬بعكس المدرسة ذات‬ ‫إن المفهوم الذي يطرحه المفكر محمد‬

‫عمارة‪ ،‬بشأن تمايز الخصوصيات الحضارية‪،‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ع���م���ارة‪( :‬ال��خ��ص��وص��ي��ة ال��ح��ض��اري��ة تعني المتحضرة ذات الواقع المعطاء والمستقبل‬

‫المجتمع الصغير والنطاق الضيق‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬نجد أن المجتمع ذا الثقافة الواحدة‪،‬‬

‫ودورها في إذكاء االستباق نحو اإلبداع‪ ،‬هو والصبغة المتفردة‪ ،‬يسترسل في تكرار ذاته‬ ‫واع يسعى دون االستفادة من تجارب الفضاءات الثقافية‬ ‫المفهوم الحقيقي ب��أي مجتمع ٍ‬

‫لتطوير الحاضر والبناء للمستقبل‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الخصوصيات‪ ..‬بناء ال عداء‬

‫األخرى‪ ،‬لرفد أو تعزيز تجربتها االجتماعية‪،‬‬

‫ما يؤدي إلى استفراغ الوسع في االجترار‪،‬‬

‫ومن ثم التوقف عن العطاء الخالق؛ وهذا‬

‫إن وجود عدد من الخصوصيات الثقافية بال شك ينسحب على المؤسسات التعليمية‬ ‫في المجتمع الواحد‪ ،‬يشي بمجتمع خصب في مثل هذا المجتمع‪.‬‬

‫وث����ري‪ ،‬ول���ن يتحقق اإلث�����راء وال���ث���راء إال‬ ‫بتمازجها‪ ،‬وتالقحها‪ ،‬وتعاونها البنّاء العفوي‬ ‫أو المقصود‪ ،‬لرفد المجتمع وبنائه‪ ،‬في ظل‬ ‫وجود مساحات مفتوحة‪ ،‬وفرص متكافئة‪،‬‬ ‫أم���ام ه���ذه ال��خ��ص��وص��ي��ات المتباينة‪ .‬إن‬ ‫الدمج واالمتزاج يكفل البناء واإلثراء والثراء‬ ‫المعرفي واإلبداعي‪ .‬أما اإلقصاء‪ ..‬فهو بال‬ ‫شك إجهاض لروافد ثرة واستعداء‪.‬‬

‫و في هذا يقول ابن خلدون جملة غاية في‬

‫اإليجاز والروعة‪( :‬الصفاء التام ال يكون إال‬

‫بالتوحش التام)‪ ،‬ويمضي عبداهلل الغذامي‬ ‫في شرح هذه العبارة بقوله‪( :‬كلما تصحرت‬

‫وتوحشت مجموعة ما‪ ،‬صارت لها الفرصة‬ ‫في االلتفاف الذاتي واالنغالق)‪ .‬إلى قوله‪:‬‬

‫(إن الصفاء االفتراضي ال يفضي إال إلى‬ ‫انغالق ثقافي وعقلي‪ ،‬واالنغالق قد يتسبب‬

‫إن ت��ن��وع ال��خ��ص��وص��ي��ات ع��ام��ل بنائي بموت اإلب���داع ال��ح��ض��اري‪ ،‬نتيجة لضعف‬

‫محوري في تحقيق أي نهضة‪ ،‬ويع ُّد أحد الخلية وانكماشها على نفسها) (عبداهلل‬

‫المالمح الحضارية‪ ،‬وهكذا تكون المجتمعات الغذامي‪2009 ،‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪131 )2016‬‬


‫خامسا‪ :‬المجتمع الجامعي والتمازج‬ ‫الثقافي‬

‫والتأثير فيه واإلف���ادة منه‪ ،‬إم��ا رغب ًة من‬ ‫هذا المجتمع فيما يسد نقصه‪ ،‬أو فيما هو‬

‫ال ب��د م��ن ال��ت��أك��ي��د ع��ل��ى أن المجتمع بحاجة إليه‪ ،‬أو لقبول وتقبّل هذا المجتمع‬ ‫الجامعي هو األكثر خصوبة ثقافية وفكرية‪ ،‬لها نظراً لمكتسباتها المميزة‪.‬‬ ‫وذل���ك للتنوع األك��ادي��م��ي المقصود وغير ‪ |3‬سيكولوجية هذه الخصوصية‬

‫المقصود‪ ،‬فهو محط التباينات والتفاوتات‬ ‫العرقية واألسرية في المدن الصغيرة‪ ،‬وهو‬ ‫ملتقى التعدديات الثقافية واالقتصادية‬ ‫والمذهبية في المدن الكبيرة‪.‬‬

‫ب��ع��ض ال��خ��ص��وص��ي��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة لديها‬ ‫قابلية لالنخراط‪ ،‬ومن ثم التأثير واالمتداد‪،‬‬ ‫وبعضها يجنح لالنكفاء على فئته؛ إما نتيجة‬ ‫أبعاد أيدولوجية‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫تراكمات تاريخية‪ ،‬أو‬

‫نسق عام‬ ‫فعل على ٍ‬ ‫وتعتمد إفادة هذه الخصوصيات وتأثّرها قناعات فئوية‪ ،‬أو َك َر َّد ِة ٍ‬ ‫بالنسق المجتمعي السائد على عدة عوامل ط���ارد؛ م��ا يجعل وج��ود ه��ذه الخصوصية‬

‫منها‪:‬‬

‫‪ |1‬تقليدية المجتمع‪:‬‬

‫إن مستوى تقليدية المجتمع بشكل عام‬

‫منكمشاً وطارئاً وعلى شفا االنهيار‪ ،‬وهذه‬ ‫نتيجة مناقضة لما تعتقده هذه الخصوصية‬ ‫م��ن نجاعةِ نأيها بنفسها‪ ،‬وق��د يكون لها‬

‫ينسحب على المجتمع األكاديمي الجامعي‪ ،‬تداعيات وأبعاد سلبية على المجتمع بشكل‬ ‫وبالتأكيد تتفاوت تقليدية الفضاء األكاديمي عام‪ ،‬وذلك يؤكد على ضرورة فتح األبواب‬ ‫م���ن ج��ام��ع��ة إل����ى أخ�����رى ف���ي ال��م��س��اح��ة للوصول إلى رؤية تشاركية‪.‬‬

‫المجتمعية نفسها‪ ،‬وفقاً لمنطلقات الجامعة‬ ‫ومحدداتها ورؤيتها االستراتيجية‪ ،‬فكلما كان‬ ‫المجتمع الجامعي أكثر استيعاباً للتنوعات‬ ‫الديموغرافية‪ ،‬كان أكثر ثرا ًء وإبداعاً‪ ،‬وأكثر‬ ‫انسجاماً ووئاماً وعطاءً‪.‬‬ ‫‪ |2‬نوع الخصوصية‬

‫سادسا‪ :‬من مالمح االستفادة من تمازج‬ ‫وتالقح الخصوصيات الثقافية‪:‬‬

‫‪ |1‬الرؤية المتسعة المتجددة‪:‬‬

‫تسهم التعددية الثقافية في تكوين رؤية‬ ‫متسعة ذات أبعاد خالقة‪ ،‬وهذا ال ينسحب‬ ‫على رؤية المؤسسة التعليمية فحسب‪ ،‬إنما‬

‫إن ما تتمتع به أي خصوصية ثقافية من على رؤية األفراد المنتمين إليها أيضاً‪ ،‬ما‬ ‫جودة في المعطيات أو الرؤى أو المهارات‪ ،‬يسهم في إفساح المجال لإلبداع العقلي‬ ‫سيخوّلها من الولوج في المجتمع األكاديمي نظرياً وعلم ّياً‪.‬‬

‫‪ 132‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫إن الرؤية العميقة الخالقة‪ ،‬تؤسس لعمل ‪ |1‬تفكيك العقلية األحادية‪:‬‬

‫تشاركي تسهم فيه ال��خ��ب��رات األكاديمية‬ ‫فالعقل األح��ادي ال يؤمن بقيم النسبية‬ ‫والمعرفية على مختلف أشكالها ومستوياتها‪،‬‬ ‫والتعددية‪ ،‬إنما يريد صياغة الواقع بصورة‬ ‫في إطار عام تتضافر فيه الجهود المتعددة‬ ‫واحدة‪ ،‬وفقاً لما يعتقده أو يحقق مصالحه‪.‬‬ ‫باإلرفاد والتطوير والتحسين والوصول إلى‬ ‫وتكمن المغالطة األحادية في انطالقها‬ ‫مستويات عُليا‪.‬‬ ‫من رؤية تزع ُم امتالكها الحقيقة‪ ،‬والخوف‬ ‫‪ |3‬الحراك الحضاري‪:‬‬ ‫عليها من المساحات الفكرية األخرى‪.‬‬ ‫إن ال��ت��ش��ارك��ي��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة تعني اإلف���ادة‬ ‫‪ |2‬غرس مبادئ العقالنية‪:‬‬ ‫واالستفادة‪ ،‬البناء والثراء‪ ،‬التطوير والتجديد‪،‬‬ ‫التأسيس لنمط عقالني قائم على مبادئ‬ ‫أي الحراك الباعث على العطاء واالبتكار‬ ‫واإلب���داع والتميز واإلت��ي��ان بالجديد‪ ،‬يقول التفكير العلمي كـالموضوعية‪ ،‬وال��دق��ة‪،‬‬ ‫يوسف منير‪( :‬حيث يوجد التعدد والتنوع‪ ،‬فث ّم والتجريد والتراكمية‪ ،‬بحيث يصبح العقل‬ ‫الثراء والتطور والتقدم واالرتقاء‪ ،‬وبالعكس هو معيار الحقيقة والمعرفة ال األسطورة أو‬ ‫حيث يكرر الناس بعضهم‪ ،‬ويكون األف��راد الخرافة‪ ،‬وقد يكون إحالل النمط العقالني‬ ‫نسخاً مكررة عن بعضهم‪ ،‬يقلدون بعضهم وسيلة لتفكيك العقل اإلقصائي‪.‬‬ ‫في كل ش��يء‪ ،‬ويفكرون ضمن نسق محدد‬ ‫‪ |3‬ترسيخ القيم المدنيّ ة الخالقة‪:‬‬ ‫وإطار محدد وبطريقة موحدة‪ ،‬فث ّم التحجر‬ ‫ترسيخ حرية التفكير والتنوع الثقافي‬ ‫والتخلف والجمود)‪( .‬يوسف منير‪2007 ،‬م)‪.‬‬ ‫والتعددية الفكرية‪ ،‬يعمل على بناء أفق يقبل‬ ‫سابعا‪ :‬نحو مجتمع تشاركي‬ ‫بالرؤى الجديدة والثرية‪ ..‬متسعة متعددة‬ ‫لبناء مجتمع تشاركي يسهم فيه الجميع الزوايا‪ .‬ويسعى لتأسيس ممارسة تتسع لكل‬ ‫ب��اخ��ت�لاف خصوصياتهم وف���ق مساحات األطياف والثقافات‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫‪ |2‬الممارسة األكثر جودة‪:‬‬

‫متساوية وفرص متكافئة ال بد من‪:‬‬

‫المراجع‪:‬‬ ‫عبداهلل الغذامي (‪2009‬م)‪ :‬هويات ما بعد الحداثة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬ ‫محمد عمارة (‪1998‬م)‪ :‬اإلبداع الفكري والخصوصية الحضارية‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مصطفى زيادة وآخرون (‪2004‬م)‪ :‬فصول في اجتماعيات التربية‪ ،‬دار الرشد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪.‬‬ ‫يوسف منير (‪2007‬م)‪ :‬بناء العقل النقدي‪ ،‬مركز الناقد الثقافي‪ ،‬سوريا‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫* كاتبة وقاصة وشاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪133 )2016‬‬


‫الكتاب ‪ :‬روان (ديوان �شعر)‪.‬‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬حمدان بن �سامل العنزي‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬نادي احلدود ال�شمالية‬ ‫الأدبي عام ‪2014‬م‪.‬‬

‫الكتاب ‪� )100( :‬س�ؤال عن اللغة العربية‪.‬‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬جمموعة من امل�شاركني‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز الدويل خلدمة‬ ‫اللغة العربية‬

‫�صدر حديث ًا عن نادي الحدود ال�شمالية‬

‫يمثل كتاب (‪�100‬س�ؤال عن اللغة العربية) �إ�ضافة جديدة �إلى‬ ‫مكتبة تعليم اللغة العربية‪ ،‬حيث يهدف �إلى التركيز على �أكثر‬ ‫الأ�سئلة ورود ًا عن اللغة العربية وتعلمها وثقافتها‪ ..‬وقد حر�ص‬ ‫المركز على �أن تكون �إجابات هذه الأ�سئلة ب�أ�سلوب وا�ضح‪،‬‬ ‫خالٍ من التكلف والتفا�صيل‪ ،‬ينا�سب ال�شريحة الم�ستهدفة‬ ‫من متعلمي العربية من الناطقين بغيرها‪ ،‬كما حر�ص في‬ ‫الآن ذاته على االنجاز‪ ،‬والتخفف من ذكر الإحاالت‪ ،‬واكتفى‬ ‫ب�سرد الم�صادر والمراجع في نهاية الكتاب‪.‬‬ ‫وق��د اجتهد المركز م��ن خ�لال لجانه �إ��ض��اف��ة �إل��ى مدير‬ ‫الم�شروع في انتخاب الأ�سئلة بعقد عددٍ من حلقات النقا�ش‪،‬‬ ‫وتوزيع اال�ستبانات‪ ،‬وا�ست�شارة الخبراء‪ ،‬مع عقد لقاءات‬ ‫متتالية مع بع�ض متعلمي اللغة العربية من غير العرب‪،‬‬ ‫فكانت هذه الأ�سئلة ح�صيلة �إجمالية‪ ،‬ر�أى المركز �أنها تمثل‬ ‫مجموعة من الأ�سئلة الأكثر �شيوع ًا وترددًا‪ ،‬ولعها من الأ�سئلة‬ ‫التي تم�س حاجة المتعلمين للعربية �إلى معرفتها‪ ،‬علما �أن‬ ‫المركز ينظر �إليها ب�صفتها م�ستوى من الم�ستويات التي‬ ‫حققها المركز و�ستتبعها م�ستويات �أخرى ب�إذن اهلل‪ ..‬بعد‬ ‫اال�ستفادة من هذه التجربة‪ ،‬وتعميق الفكرة وتطويرها‪.‬‬

‫الأدب��ي دي��وان «روان» لل�شاعر حمدان‬ ‫اب��ن �سالم ال�ع�ن��زي‪ ..‬وال��ذي ج��اء في‬ ‫(‪� )136‬صفحة من القطع المتو�سط‪..‬‬ ‫يقول ال�شاعر في مقدمته‪:‬‬ ‫�إن (روان) �صرخة مزلزلة تنوعت‬ ‫�ضرباتها‪ ،‬وتباينت �شدتها‪ ،‬ولكنها‬ ‫ما�ضية في عزف �سيمفونية الجراح‪،‬‬ ‫ور���س��م ل��وح��ات ال �ن �� �س �ي��ان ف��ي زم��ن‬ ‫الغياب‪ ،‬وفي عالم يحكمه الدم‪ ،‬وتغلب‬ ‫عليه الحرقة‪ ،‬ر�سائل للأمة‪ ،‬ر�سائل‬ ‫للإن�سان‪ ،‬ر�سائل للطفولة‪ ،‬للحرمان‪،‬‬ ‫ل�ل�م��داف��ع‪ ،‬ل�ل�غ��رب��ة‪ ،‬ل �ل��روح‪ ،‬للج�سد‪،‬‬ ‫للإعاقة‪ ،‬للعقل‪ ،‬للقلوب‪ ،‬لل�شعر‪ ،‬لكل‬ ‫بارقة �أمل قد تعيد الزمن الجميل‪.‬‬ ‫‪ 134‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يعد مفهوم «التخييل» واحدا من المفاهيم الإ�شكالية‬ ‫المكونة ل�شبكة المفاهيم المعقدة في التراث النقدي‬ ‫العربي‪ ،‬وذلك لتعدد م�ساراته وتجذّره في كل الكتابات‬ ‫البالغية والنقدية والفل�سفية‪ .‬وقد كان من ال�ضروري‬ ‫تتبع ج��ذوره وت�شكّالته المختلفة في ال�ت��راث‪ ..‬وهي‬ ‫مهمة توالها الأ�ستاذ يو�سف الإدري�سي في هذا الكتاب‬ ‫ب��اق�ت��دار‪ ،‬بحيث تتّبع ه��ذه ال�ج��ذور والت�شكالت في‬ ‫التراث العربي ب��دءا من ن�صو�صه الم�ؤ�س�سة‪ ،‬و�إل��ى‬ ‫ح��دود الم�سارات الفكرية والمنهجية التي ارتادها‬ ‫الفكر العربي في مجاالته المختلفة النقدية والبالغية‬ ‫والفل�سفية والكالمية‪.‬‬ ‫يعد الكتاب مرجعا �أ�سا�سا في �إدراك م�سارات مفهوم‬ ‫«التخييل» في تراثنا النقدي والبالغي‪ ،‬فقد ا�ستوعب‬ ‫فيه الإدري�سي االجتهادات التي �سبقته‪ ،‬و�أ�ضاف �إليها‬ ‫جهدا في تتبع جذور الم�صطلح وتقلباته في البيئات‬ ‫التي عرفها ذلك التراث‪..‬‬ ‫كما يعد ه��ذا ال�ك�ت��اب لبنة �أ�سا�سية ف��ي مراجعة‬ ‫المفاهيم الإ�شكالية الأخرى المكونة للتراث البالغي‬ ‫والنقدي‪ ،‬والتي تحتاج �إلى بحث بالطريقة الت�أ�صيلية‬ ‫نف�سها‪ ،‬حتى نتمكن في النهاية من ا�ستيفاء هذه‬ ‫المفاهيم في �صورتها التكاملية‪.‬‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬عبدالكرمي حممد النملة‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬دار �أزمنة للن�شر والتوزيع‪٢٠١5 ،‬م‪ ,‬ع َّمان‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬مفهوم التخييل يف النقد والبالغة‬ ‫العربيني‪ -‬الأ�صول واالمتدادات‪.‬‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬د‪ .‬يو�سف الإدري�سي‪.‬‬ ‫النا�شر ‪ :‬مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز‬ ‫الدويل خلدمة اللغة العربية‪.‬‬

‫الكتاب ‪ :‬من �أطف�أ �شمعة �أم�س؟ (جمموعة ق�ص�صية)‪.‬‬

‫�صدر حديثا عن دار �أزمنة للن�شر مجموعة‬ ‫ق�����ص�����ص��ي��ة ب��ع��ن��وان (م����ن �أط���ف����أ �شمعة‬ ‫�أم�س) للأديب القا�ص عبدالكريم محمد‬ ‫النملة‪ ،‬تقع في (‪� )160‬صفحة من القطع‬ ‫المتو�سط‪ ،..‬وت�ضم باقة من الق�ص�ص يبلغ‬ ‫عددها ثمانية ع�شر ق�صة ما بين طويلة‬ ‫وق�صيرة‪ .‬من عناوينها‪« :‬للألم يوم �آخر»‪،‬‬ ‫«ليل م�ؤجل»‪« ،‬م�شاعر‪�..‬صغيرة»‪« ،‬ف��رار»‪،‬‬ ‫«يقظة ���ش��وق»‪« ،‬لحظات ع��اب��رة» ‪« ،‬عالم‬ ‫�آخر»‪« ،‬انف�صال»‪ ...‬و«من �أطف�أ �شمعة �أم�س»‬ ‫الذي اتخذه القا�ص عنوان ًا لمجموعته‪..‬‬ ‫ومن «م�شاعر ‪� ..‬صغيرة» نقتطف‪:‬‬ ‫(عاد ليكمل عمله الروائي الأول‪ ،‬لم يجد‬ ‫قلمه في مكانه‪ ..‬فوق طاولة مكتبه‪ ،‬بحث‬ ‫عنه بين �أوراق��ه‪ ،‬في جيوب مالب�سه‪ ..‬ر�أى‬ ‫القلم قد �سقط في �سلة المهمالت تحت‬ ‫طاولة المكتب‪ ،‬انت�شل القلم منها‪ ..‬و�أكمل‬ ‫عمله الروائي)‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪135 )2016‬‬


‫األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة‬

‫‪ρρ‬كتب‪ :‬عماد املغربي‬

‫أ‪ .‬عبدالرحمن الدرعان وأ‪ .‬محمد القشعمي‬

‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري مع األستاذ القشعمي‬

‫ضمن خطة ال��ن��ش��اط الثقافي ل���دار العلوم‬ ‫بالجوف أقيمت محاضرة بعنوان‪« :‬المدارس األدبية‬ ‫المعاصرة» ألقاها األستاذ محمد بن عبدالرزاق‬ ‫القشعمي‪ ،‬مدير النشاط الثقافي بمكتبة الملك‬ ‫فهد الوطنية‪ ،‬وذلك يوم االثنين ‪2015/11/30‬م‪،‬‬ ‫أداره����ا األس��ت��اذ ع��ب��دال��رح��م��ن ال���درع���ان عضو‬ ‫جانب من الحضور‬ ‫المجلس الثقافي بمركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي‪ .‬وبحضور العضو المنتدب د‪ .‬زي��اد بن عنه قبل وفاته بعامين‪ ،‬و(نبذة عن سيرة حياته)‬ ‫ال‬ ‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬ومساعد المدير العام‪ ،‬كتبها خزندار من باريس في ‪2013/10/16‬م قائ ً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري‪.‬‬ ‫فيها‪« :‬إن��ه عندما ع��اد من أمريكا ع��ام ‪1961‬م‬ ‫وق���ال القشعمي إن ح��دي��ث��ه سيقتصر على اشتغل في وزارة الزراعة خبيراً في مديرية الثروة‬ ‫شخصيتين م �رّا بالمنطقة وت��رك��ا بصمات قبل الحيوانية ثم مديراً لها‪ ،‬وبعد ذلك ُكل َّف باإلشراف‬ ‫ن��ص��ف ق���رن ه��م��ا‪ :‬إب��راه��ي��م ال��ح��س��ون‪ ،‬وع��اب��د على قسم المراعي وش��ؤون البادية‪ ،‬وه��و قسم‬ ‫خ���زن���دار‪ .‬وت��ح��دث ع��ن ال��ف��ت��رة ال��ت��ي قضــاها ج��دي��د استحدث ب��ال��وزارة آن����ذاك»‪ .‬وف��ي نهاية‬ ‫المحاضرة شارك الجمهور‬ ‫الحسون في الشمــال ومقره‬ ‫في نقاش ومداخالت قيمة‬ ‫بمدينــة عرعر كرئيس مالية‬ ‫الثقافية تجري حوار ًا مع‬ ‫مع المحاضر‪.‬‬ ‫وجمارك الحدود الشمالية‪،‬‬ ‫المدير العام‬ ‫وأه��م مراحل حياته ودوره‬ ‫وقد وجّ ه القشعمي الشكر‬ ‫أجرت القناة الثقافية مقابلة‬ ‫في إنعاش البادية وإغاثتها‬ ‫والتقدير لمركز عبدالرحمن‬ ‫تلفزيونية م��ع مدير ع��ام مركز‬ ‫بمساعدات مالية من الدولة‬ ‫السديري الثقافي مشيداً‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫عام ‪1381‬هـ‪.‬‬ ‫ب��م��ا ي��ق��دم��ه م���ن خ��دم��ات‬ ‫تحدث فيها عن األنشطة التي‬ ‫معرفية ملحوظة‪ ،‬كما شكر‬ ‫ك��م��ا ت��ح��دث ع���ن ع��اب��د‬ ‫ي��ق��ي��م��ه��ا ال��م��رك��ز‪ ،‬وال��خ��دم��ات‬ ‫ال��م��س��ؤول��ي��ن ع���ن ال��م��رك��ز‬ ‫خ��زن��دار ال���ذي ع���اش سنة‬ ‫المقدمة ألبناء وبنات المنطقة‬ ‫على دعوتهم للمشاركة في‬ ‫كاملة ف��ي وادي السرحان‬ ‫من خالل مكتبة دار العلوم‪.‬‬ ‫الموسم الثقافي‪.‬‬ ‫قبل ‪ 55‬ع��ام �اً وأع���د كتابا‬

‫‪ 136‬اجلوبة ‪� -‬شتاء ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫صدر حديث ًا عن برنامج النشر في‬

‫قريب ًا الطبعة الثانية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.