درا�سات ونقد ن�صو�ص �شعرية و�سردية مواجهات �شهادات
تقرير المنتدى: الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته التاسعة :اإلسكان ..الواقع واآلفاق
50
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (أ) الشروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy. org. sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب ،على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وت�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www. alsudairy. org. sa
العدد � - 50شتاء 1437هـ ()2016
6............................... الغاط حتتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري
23........................ قراءة يف شعر محمد الثبيتي
100............................ سيرة وإنجاز: عبد اهلل بن عبدالمحسن السلطان
الـمحتويــــات افتتاحية العدد 4 . ................................................ تقرير المنتدى :الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته التاسعة :اإلسكان ..الواقع واآلفاق6 . .. دراس���ات :شعرية المحو ف��ي دي���وان «د ُم ال��ب� ِ ّي��ن��ات» لهاشم الجحدلي -رشيد الخديري 19 . ................................ قراءة في شعر محمد الثبيتي -د .بهيجة مصري إدلبي23 . ... صور الوالء والحنين للوطن في شعر الدكتور أحمد السالم - د .إبراهيم الدّهون 30 ......................................... عزف الكلمات! أحاديث الشعر - ..أ .د .خالد فهمى38 . ...... الفراشة المسافرة في سماء الشعر -نجاة الزباير 44 ......... جدلية الحضور والغياب في المجموعة القصصية «أغنية هاربة» لصالح السهيمي -د .سعاد مسكين49 ............... قصص قصيرة :بقعة نور -بو شعيب عطران 55 . ............. قصص قصيرة جدا -محمد صوانه 56 . ....................... البئــــر -محمد عز الدين التازي57 . .......................... قصتان قصيرتان -د.عمّار الجنيدي60 ........................ محاكمة -سعيد الفالق 61 . .................................... قصص قصيرة جدا -فهد المصبّح63 . ........................ العــــــــودة -محمد محقق64 .................................... قصص قصيرة جدا -فرح لقمان 67 ........................... شعر :أنا والليل -خلف أحمد حسن68 .......................... وجهها -إبراهيم زولي69 ....................................... من فوق الرمال -محمود الرمحي70 ........................... الجياد عند المنحنى -أحمد تمساح72 ........................ بائعة الفسيخ -أحمد مصطفى سعيد 73 . ..................... اَلْحَ ائِكْ -السماح عبداهلل74 . .................................. همسات عاشق -خالد مزياني75 . .............................. قصيدتان -لقمان محسن لحفاوي76 . ......................... رَني ُن الروحِ -الطاهر لكنيزي77 . ............................... تراتي ُل الرذاذِ البكرِ -هندة محمد 78 . ......................... أبجدية الريحان -نازك الخنيزي 80 . .......................... مواجهات :إبراهيم زولي -حاوره :د .أحمد الدمناتي 81 ....... الروائية زهرة المنصوري -حاورها :عبدالغني فوزي 89 . ..... سيرة وإنجاز :عبداهلل السلطان -إعداد :محمود الرمحي 97 . . شهادات :سحر القراءة :تجربتي في القراءة -د .عبدالواحد الحميد 100 . ....................................................... نوافذ :إعادة تفسير المعاصرة -محمد خضر 111 .............. حكايات األطفال المتوارثة -عبدالرحيم الماسخ115 . .......... جماليات الروح في الثقافة العربية اإلسالمية -هشام بنشاوي118 .. تعليمات يوكو أونو :الفن متخففا من الزوائد -علي المجنوني 122 . الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء -مالك الخالدي128 . ..... قراءات134 ........................................................
صورة الغالف :احتضنت مدينة سكاكا بمنطقة الجوف مؤخرا مهرجان الزيتون السنوي الذي ضم عددا من الفعاليات الثقافية والفنية والتجارية ،وتشتهر الجوف بزراعة هذه الشجرة المباركة وبإنتاجها الوفير من زيت الزيتون -تصوير ديما إبراهيم.
اف���ت���ت���اح���ي���ة ال�����������ع�����������دد ■ إبراهيم احلميد
مع صدور العدد الماثل بين أيدينا ،تُتَوج الجوبة مسيرة خمسين عدداً من اإلب��داع الذي وسم أعدادها منذ انطالقتها األول��ى قبل عشرين عاما ،وحتى انطالقتها الثانية قبل نحو عشرة أعوام؛ كرّست خاللها صفحاتها لملفات ثقافية غنيّة ،وطيف واسع من اآلراء والمقاربات ،وصورٍ متعددةٍ من الثقافة والعمل اإلبداعي في مختلف فنونه .وبقدر ما تفخر الجوبة بمسيرتها التي قطعتها.. ومكانتها التي حققتها ،فإنها كما تدين بالعرفان لقرائها و ُكتّابها ومبدعيها ،فإنها تدين في الوقت نفسه بالعرفان لناشرها ولهيئة النشر التي دأبت على مدى هذه المسيرة على تقديم كل الوسائل الممكنة لتيسير عملها ،وتذليل أي صعوبات واجهت طريقها ،ودعمت على الدوام انطالقتها وعززت حضورها. ال بمواضيع متعددة من دراسات ،ونصوص وبقدر ما يأتي هذا العدد محم ً قصصية وشعرية ،وح����وارات ،وم��ق��االت ،فإنه يُ��ت��وج بتغطية لمنتدى األمير عبدالرحمن السديري السنوي الذي كان عنوانه :اإلسكان -الواقع واآلفاق. وكعادة المنتدى في اختيار مواضيعه المهمة التي ناقشها في دوراته السابقة، ال والتي تأتي لتستبق زمنها بحثا ونقاشا وتوصيات ،جاء منتدى هذا العام محم ً بموضوع بالغ األهمية في المملكة العربية السعودية حيث اإلسكان هو القضية األبرز التي يعيشها المواطنون ،والتي تبذل الدولة كل جهد ممكن إليجاد الوسائل المناسبة لحلها ،وما موضوع دورة المنتدى األخيرة إال جهد إضافي من المنتدى والقائمين عليه مع المتخصصين والباحثين ..لمناقشة واقتراح الحلول المناسبة لقضية اإلسكان ،وقدّم المنتدى في ختام أعماله توصيات قد يساعد األخذ بها على حل مشكلة اإلسكان. وفي هذا العدد طرحت الجوبة باقة من الموضوعات ،والدراسات ،والمقاالت، 4
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وفي ق��راءة ألعمال الشاعر الراحل محمد الثبيتي يرحمه اهلل ،يتضح أن تجربته تبقى تجربة مفتوحة على القراءة عبر تشكيل الخطاب الشعري ،وعبر مرايا ال��رؤى التي تنفتح فيها ال��ذات على الوجود ،وعلى النص ،فكان خطابه الشعري خطابا منفتحا على الحداثة الشعرية ،ومنفتحا على العالم بتحوّالته، وذلك بانفتاح الذات الشعرية على العالم والقصيدة.
اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة
منها :دراسة أحاديث الشعر ،يوضح فيها الباحث أن الشعر قد استثمر في زمن النبوة جهازاً إعالميا ودعائياً في مواجهة أعداء األمة ،وأن إعادة فحص مدونة أحاديث الشعر تمثل أنموذجاً لنمط من الثقافة المعاصرة تفرض إعادة االقتراب الواعي من النطاق المركزي الذي ضمن لهذه األمة انطالقتها الكبرى في الحياة.
وفي أوراق العدد نُقلب االتجاه الوطني في شعر الدكتور أحمد بن عبداهلل السالم وصور الحنين للوطن ،إذ يشكل الوطن في شعره ملمحا جميال يعكس أيقونة االنتماء والتماهي. وفي ق��راءة في دي��وان «دم البينات» للشاعر هاشم الجحدلي ،نجد تجربة شعرية تمتح سماتها الدالة من الذات ،أو بمعنى آخر الكتابة عبر تذويب األنا في مقابل محو الذاكرة ،واستزراع رؤى جديدة يؤكدها الباحث ،حيث «دم البينات» سيرة شعرية كاملة. ونظرا لما للقراءة وتشجيع تجاربها من معنى عميق ،في هذا الوقت بالتحديد، تنشر الجوبة نص محاضرة الدكتور عبدالواحد الحميد «سحر القراءة :تجربتي في القراءة» ،وهي تجربة ذات خصوصية وطعم ..من حيث الزمن الذي تتحدث عنه ،والمكان الذي جرت فيه ،والشخصية التي تروي تجربتها وشهادتها في القراءة ،والتي تعبر بحق عن تجربة ثريّة يمكن أن تكون ملهمة ألطياف جيل اليوم ،وبخاصة أن جُ َّل جمهورها كان من طلبة جامعة الجوف. وفي عددنا هذا رأي يؤكد أن الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء ،وحيث يوجد التعدد والتنوّع ،فث َّم الثراء والتطور والتقدم واالرتقاء ،وهو مقال الكاتبة مالك الخالدي. موضوعات ع��دي��دةٍ وم��ح��او َر مختلفة ،ونصوصاً إبداعية ٍ وتتناول الجوبة وحوارات أدبية ،تعالج مفهوم الثقافة بمعناها الواسع والمتعدد ،والذي يجعلها ٍ مجاال معرفيا ذا وجوه مختلفة ،تتمحور حول القيم الثقافية واألدبية التي تقوم عليها المجلة لتشجيع اإلبداع ونشره. اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
5
منتدى األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته التاسعة -الغاط
اإلسكان ..الواقع واآلفاق 6
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
يف دورته التاسعة:
اإلسكان ..الواقع واآلفاق
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى
الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري
■ كتب :محمود الرمحي ومحمد صوانه
ع �ق��د م �ن �ت��دى األم �ي ��ر ع �ب��دال��رح �م��ن بن أح� �م ��د ال� �س ��دي ��ري ل� �ل ��دراس ��ات ال �س �ع��ودي��ة م �ن �ت��داه ال �س �ن��وي ف��ي دورت � ��ه ال �ت��اس �ع��ة ،في دار الرحمانية بمحافظة ال�غ��اط ،بعنوان: (اإلسكان :الواقع واآلفاق) وذلك يوم السبت 1437/1/2هـ (2015/11/14م). افتتح المنتدى فيصل بن عبدالرحمن ال �س ��دي ��ري رئ �ي ��س م �ج �ل��س إدارة م��ؤس�س��ة ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري ،ب�ك�ل�م��ة أك ��د فيها فيصل بن عبدالرحمن السديري أن ال �م �ن �ت��دى ان �ط �ل �ق��ت دورت � ��ه األول � ��ى في رئيس مجلس اإلدارة العام 1428ه�ـ (2007م) ،وهو أحد المناشط ال��دوري��ة ال�ت��ي يقيمها م��رك��ز عبدالرحمن ال�س��دي��ري الثقافي س�ن��وي� ًا ب��ال�ت�ن��اوب بين الجوف والغاط ،لمناقشة موضوعات مستجدة لها أهمية على مستوى المملكة .وقال إن المنتدى تناول على مدى دورات��ه الثمان الماضية موضوعات عدة في المجاالت الثقافية واالقتصادية واالجتماعية والصحية واإلدارة واإلعالم .وفي هذا العام اختارت هيئة المنتدى «اإلسكان الواقع واآلف��اق» موضوعا لهذه ال��دورة؛ لما لقضية اإلسكان من أهمية عامة تهم مختلف قطاعات المجتمع السعودي ،ليس على مستوى الكم بقدر ما هو على النوع؛ ما يستدعي البحث إليجاد أنظمة حديثة تأخذ في الحسبان المستجدات الالزمة لتطوير قطاع اإلسكان وخدماته للمواطنين. وق��ال إن ن��دوة المنتدى يشارك فيها للتفاعل مع مقدمي أوراق العمل وإثراء ع���دد م��ن ال��ب��اح��ث��ي��ن والمتخصصين ،الندوة بالحوار والنقاش المثمر المفيد. يقدمون رؤاه���م م��ن خ�لال أوراق عمل وأشار إلى إن هيئة المنتدى اختارت بحثية أعدت لهذه الغاية ،داعيا الجمهور في هذه ال��دورة تكريم صندوق التنمية اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
7
فيصل بن عبدالرحمن السديري يتوسط د .عبدالرحمن الشبيلي ،وم .يوسف الزغيبي
العقارية ،نظراً لجهوده في مجال اإلسكان في المدن والقرى واألرياف على السواء ،وبرزت مناطق حضرية جديدة وأحياء حديثة شملت المملكة ،وفق اإلمكانات المتاحة. كل المناطق دون استثناء ،واستفادت منها وق��ال إننا نسعد في ه��ذا المركز بشرف قطاعات واسعة من المواطنين. اإلسهام في خدمة الثقافة على مستوى الوطن واستعرض د .الشبيلي بعض المشاريع العزيز ،من خالل ما توفّره مكتبات المركز العامّة في كل من الجوف والغاط ،وما تقدمه اإلسكانية التي أقامتها الحكومة ،مثل مشروع برامجه لدعم ونشر األب��ح��اث ،وم��ا تُحييه اإلسكان العاجل في الرياض بجوار الحرس الوطني وفي شارع المعذر وفي طريق الخرج مناشطُ ُه المنبرية. ِ وف��ي ج��دة وف��ي الخرج ،كما سجُ ل للوزارات كما ألقى د .عبدالرحمن الشبيلي ،عضو العسكرية ،وألرام��ك��و ولهيئة الجبيل وينبع هيئة المنتدى ،كلمة الهيئة ،فقال إن المملكة وللعديد م��ن ال��ش��رك��ات ،إس��ه��ام��ات واضحة بدأت باالهتمام بتوفير اإلسكان للمواطنين في في إقامة مشاريع إسكان لمنسوبيها ،وسُ جل التسعينيات الهجرية (السعبينيات الميالدية) ،للملك عبداهلل -يرحمه اهلل -مبادرة كريمة إذ أسست مجموعة من الصناديق التنموية ،عبر مؤسسته لوالديه ،ولمشروع سلمان بن كان أحدها لتشجيع المواطن على بناء مسكنه ،عبدالعزيز األهلي لإلسكان الخيري ،ولألمير ولحفز ال��ت��اج��ر على االس��ت��ث��م��ار ف��ي عمارة الوليد ب��ن ط�ل�ال ،وللعديد م��ن المواطنين ال��وح��دات السكنية متعددة األدوار ،بتمويل إسهامات ملموسة في تخفيف المعاناة السكنية كبير من الحكومة .ومثّلت هذه الخطوة حدثاً للمواطنين .لكن الحراك الذي جاء به صندوق مشهوداً في تاريخ التنمية والبناء والعمران ،التنمية العقارية عبر أربعين عاماً كان يتقدم فأحدث البرنامج تح ّوالً تنمو ّياً ملحوظاً على في حجمه وتأثيره على كل المشروعات ،وحقق صعيد القرى واألرياف بشكل خاص ،انعكس ج��زءاً ال يستهان به من تطلّعات المواطنين، ف��ي معظمه إي��ج��اب �اً ع��ل��ى البيئة والصحة لكنه لم يحقق االكتفاء المنشود بسبب حجم والعالقات االجتماعية والنشاط االقتصادي .الطلب المتزايد على البيوت ،وبسبب التضخّ م وتلك الحزمة م��ن صناديق التنمية غير المطّ رد في النم ّو السكاني.
8
المسبوقة التي ابتكرتها الدولة في تلك المرحلة ويكفي للوطن أن يسجل فخره بأن الصندوق وما تالها ،صنعت ِحراكاً ظهرت تأثيراته في قد نجح خالل أربعة عقود من عمره ،في أن
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى فيصل بن عبدالرحمن السديري رئيس مجلس اإلدارة يسلم م .يوسف الزغيبي مدير عام الصندوق درع التكريم
يقدم نحو مليون قرض لكل فئات المواطنين، بقيمة بلغت مئتين وسبعين مليار ريال في نحو أربع آالف وثالثمئة مدينة وقرية وهجرة ،وأن يرتفع رأس ماله من مئتين وخمسين مليون ريال في عام إنشائه إلى نحو مئتي مليار ريال اآلن.
وإن هذا اليوم الذي نشهده في منتداكم الكريم سيبقى عالقا في ذاكرة جميع منسوبي التنمية العقارية والمهتمين بسيرته وإنجازاته؛ ألنه أول تكريم للصندوق ،وبحضور هذه النخبة المتميزة من المهتمين بشأن اإلسكان؛ وإن اخ��ت��ي��ار ال��ص��ن��دوق ليكون شخصية منتدى األمير عبدالرحمن السديري في هذه الدورة، ليس تكريما للصندوق وح��ده ،بل هو أيضا تقدير وامتنان للدولة التي قدمت وما تزال تقدم الدعم غير المحدود ،لتطوير برامجه اإلسكانية للمواطنين ،وصرفت مبالغ ضخمة وصلت إلى ( )191مليار ريال من أجل اإلسهام في توفير السكن المالئم والالئق بالمواطن السعودي.
وقال إن اختيار صندوق التنمية العقارية للتكريم ،يأتي متزامناً مع مناسبتين ،هما: مرور أربعة عقود على تأسيسه ،والثانية تفكير الحكومة في تطوير رسالة الصندوق ورؤيته وأهدافه ،كي يعمل على توفير برامج التمويل السكني للمستحقين ،وتطوير شراكة فاعلة مع المطوّرين والبنوك ومؤسسات التمويل العقاري ،ودع��ا الشبيلي الحكومة في كلمته إلى عدم التعجل بتغيير مسار الصندوق حتى فمنذ إنشاء الصندوق وبدء عمله باإلقراض تتأكد من البديل المضمون. قبل أربعين عاماً ونيَف ،وحتى تاريخه استفاد ثم ألقى المهندس يوسف الزغيبي ،مدير من خدماته ما يصل إل��ى نحو ( )940ألف صندوق التنمية العقارية ،كلمة قال فيها إن في م��واط��ن ،وأس��ه��م ف��ي إن��ش��اء أكثر م��ن مليون ذاكرة األمم واألفراد تواريخ ترسخ في الذاكرة ،وحدة سكنية منتشرة في كافة مناطق المملكة، تسجل وتوثق أحداثاً لها تأثيرها في الحياة ،وتوزعت على ( )4279مدينة ومحافظة ومركز، اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
9
وق��د ص��رف على تلك ال��ق��روض نحو ( )260وبحوث مستفيضة. مليار ريال. وشكر المهندس الزغيبي هيئة المنتدى لقد أحدث الصندوق أثراً كبيراً في كافة ومركز األمير عبدالرحمن السديري الثقافي م��ن��اش��ط حياتنا وارت��ق��ى بمستوى ثقافتنا ع��ل��ى ه���ذه ال��م��ب��ادرة ال��ك��ري��م��ة ،باالختيار السكنية ،وحياتنا المعيشية ،ونمطنا المعماري .ال��م��وف��ق ل��م��وض��وع الإِ س���ك���ان ،لمالمسته وأسهم في تطور التنمية الحضرية بشكل عام اهتمامات المواطن والمجتمع السعودي، في المدن واألرياف ،ودعم الطبقة المتوسطة وكذلك على اللفتة الكريمة بتكريم صندوق من المجتمع .وإن تقييم اآلث��ار االقتصادية التنمية العقارية ،الذي يُعد تكريما لكل من واالجتماعية التراكمية التي أحدثها الصندوق عمل في الصندوق على مدى العقود األربعة في المجتمع السعودي تحتاج إل��ى دراس��ات الماضية. موضوعات المنتديات السابقة -1الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث -4النظام الصحي في المملكة العربية السعودية1431( .هـ2010/م). الحادي عشر من سبتمبر :اآلثار وسبل -5اإلدارة المحلية والتنمية (1433ه��ـ/ تجاوزها1428( .هـ2007 /م). 2011م). -2األزم���ة المالية العالمية وتداعياتها -6آث��ار المملكة :إنقاذ ما يمكن إنقاذه على االقتصاد السعودي1429( .ه��ـ/ (1434هـ2012/م). 2008م) -7اإلعالم اليوم عالم بال حواجز. -3النظام القضائي السعودي1430( .هـ -8 /م��دي��ن��ة وع���د ال��ش��م��ال وال��م��س��ؤول��ي��ة 2009م)
10
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
االجتماعية.
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى
ندوة المنتدى اإلسكان ..الواقع واآلفاق تعد أزمة السكن واحدة من أهم األزمات ال��ت��ي يعيشها ال��ع��دي��د م��ن المجتمعات ال��م��ع��اص��رة ،ن��ظ��را الرت��ب��اط��ه��ا المباشر بجميع فئات المجتمع ،وتمثل تحديا كبيرا تبذل الدول جهودا كبيرة لمواجهتها والحدِّ من تفاقمها ،وبخاصة لكون توفر المسكن المالئم بالنسبة لألسرة السعودية يمثل جزءا كبيرا من اهتمامها .ويستدعي ذلك القيام بمعالجات جذرية وسريعة ،لتيسير حصول المواطنين على السكن المالئم، ول���ع���ل غ���ي���اب ال��ت��خ��ط��ي��ط ال��واق��ع��ي لإلسهام في تحقيق االستقرار المجتمعي ال��م��س��ت��ش��رف لمتطلبات اإلس���ك���ان في الذي من شأنه أن يرتقي بمستوى التنمية المستقبل منذ البداية ،وعدم إعطاء هذه االجتماعية واالقتصادية على حدٍّ سواء .المشكلة االهتمام الكافي ،وعدم استشعار وإليجاد حلول ناجعة ألزمة السكن ،فمن مختلف الجهات ذات العالقة بحقيقة ال��ض��روري وج��ود استراتيجية تُبنى على خ��ط��ر مشكلة ال��س��ك��ن ،ووض���ع الحلول رؤية علمية تأخذ في االعتبار حجم الطلب المالئمة لها قبل وقوعها ،قد أسهم في المتوقع في المستقبل على المساكن. تفاقم المشكلة. للحكومات في اجتراح الوسائل المناسبة للحدّ من تفاقم ه��ذه المشكلة ،فإنه ال بد من تضافر الجهود الرسمية واألهلية وال��ق��ط��اع ال��خ��اص ،للعمل على اإلسهام في حل ه��ذه األزم���ة .وينبغي االعتراف بوجود هذه المشكلة ،وعدم ارتقاء الحلول المستخدمة ح��ت��ى اآلن إل���ى المستوى المطلوب لحلها بشكل جذري ،يتماشى مع تطلعات أبناء الوطن.
وم��ع اإلق���رار ب��ال��دور المهم واألس��اس
وفي المقابل ،فإن بقاء مشكلة السكن
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (11 )2016
ٍ من دون حلٍّ جذريٍّ مناسب يكلِّف الدولة األسعار. مليارات الرياالت مستقبال ،وسوف يدفع وقد هدفت الندوة إلى تقديم أوراق بحثية
ثمن ذل��ك ال��م��واط��ن وال��دول��ة م��ع��ا .وفي علمية تدرس مشكلة اإلسكان في المملكة. التخطيط السليم المبني على دراسات واستعراض حلول وتجارب وطنية ودولية علمية عالج أكيد لحل مشكلة اإلسكان ،في مجال مواجهة مشكلة اإلسكان .واقتراح واستثمار صحيح للوقت والجهد والمال .وسائل علمية جديدة في مجال اإلسكان. وم���ن ال��م�لاح��ظ أن م��ع��ظ��م ال��ف��رص
االستثمارية والتجارية وف��رص العمل، ت��ت��رك��ز ف��ي ال��م��ن��اط��ق ال��رئ��ي��س��ة ال��ث�لاث
أما محاور الندوة فهي: -واقع قطاع اإلسكان في المملكة.
(ال��ري��اض وج��دة وال��دم��ام)؛ ما يسهم في -السياسات الحكومية في مجال اإلسكان (االس��ت��رات��ي��ج��ي��ات -ال��ت��ش��ري��ع��ات - تسارع معدل الكثافة السكانية ،وارتفاع المبادرات). الطلب على السكن فيها بشكل كبير، وكذلك تقادم أنظمة البناء ،وارتفاع نسبة -ت��ج��ارب دول��ي��ة ف��ي التعامل م��ع قضية اإلسكان ،وأهم الدروس المستفادة. النمو السكاني ،األمر الذي يرفع الطلب على السكن بشكل متسارع وبالتالي ارتفاع -سياسات وإجراءات إضافية مقترحة.
لقطتان من معرض الغاط في عيون المصورين
المعارض المصاحبة -1معرض إصدارات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. -2معرض صور الغاط في عيون المصورين الشباب في الغاط. -3معرض الفن التشكيلي لفنانين من الغاط.
12
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى
كلمة االفتتاح افتتح الندوة مدير عام المؤسسة األستاذ عقل الضميري ،بكلمة رحّ ب فيها باسمه وباسم رئيس وأعضاء مجلس إدارة المؤسسة بالمشاركين في اللقاء الدوري التاسع للمنتدى ،وقال إنه يشارك في ه��ذه ال��ن��دوة أس��ات��ذة مختصون لهم معرفة كبيرة بمختلف جوانبه ،وتمنى أن تثري أوراق العمل ومداخالت الحضور ما يهدف إليه المنتدى من الخروج بتصور شامل عن موضوع اإلسكان، وتسهم في اق��ت��راح حلول ناجعة لهذه القضية الوطنية المهمة. وق���ال إن ال��م��راك��ز الثقافية ل��م تعد مجرد مكتبات عامة وح��دائ��ق أو متنزهات مسائية، فعليها أن تُسهم في مناقشة القضايا الوطنية بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن.
عقل الضميري مدير عام مركز عبدالرحمن السديري
إمكاناته ،خادمة لهذا الهدف النبيل الواضح وانطالقا من تلك المسؤولية التي آم��ن بها والضروري في كل الظروف. مؤسس ه��ذا المركز يرحمه اهلل ،فقد حرص وب��ه��ذا المفهوم لرسالة مركز عبدالرحمن القائمون عليه ب��أن يكون المركز ملتقىً لذوي االهتمام واالختصاص بشكل دوري ،لمناقشة السديري الثقافي ،ف��إن هيئة المنتدى وجميع ودراسة العديد من القضايا الوطنية التي تُشغل القائمين على المركز منذ انطالقة الدورة األولى قطاعاً عريضاً من المواطنين؛ لتكون توصياته لهذا المنتدى ،يسعدهم تواصل ه��ذه ال��دورات إسهاماً صادقاً يعتمد البحث الجديّ الشامل ،وتعاظم االهتمام بها لدى المختصين واإلعالم؛ والنقد المسؤول الهادف الذي ال تشوبه المجاملة وم���ا ك���ان ذل���ك ل���وال اس��ت��ش��ع��ار أم��ان��ة الكلمة وال التجريح والتشكيك ،موجّ هاً للتجربة والنتيجة وأهميتها ،وحب الوطن بإخالص ،ومعرفة وتفكير ال األفراد والمؤسسات. منفتح ال منغلق وال متطرف لدى السادة مقدِّمي هذا المنهج ،وهذه البيئة الحاضنة ذات األفق أوراق العمل ،والمحاورين ،واإلعالم ،والحضور، ال��واس��ع ،ال��ل��ذان يتقبالن النقد والكلمة الحرّة وهيئة المنتدى ،وجميع األجهزة التي تسهم معنا المسؤولة ،هما األساس لكثير من أسباب التطور في تيسير أعمال ه��ذه المنتديات ،والشركات في مختلف المجتمعات في العالم ،ومسيرتنا في والمؤسسات الراعية ،والمتطوعين الذين عبّروا التنمية ليست استثنا ًء عن هذا النهج. م��راراً عن مساندتهم واستعدادهم لإلسهام في وإليمان هذا المركز بأن هذا الوطن يستحق خدمة المنتدى ،وقبل ذلك اإليمان الكبير لدى أفضل م��ا ل��دى المواطنين بمختلف مراكزهم ال��س��ادة مجلس إدارة المركز برسالته ،ودعمه واختصاصاتهم من تجارب ورؤى ومقترحات ،لممارسة مهمته الثقافية األشمل ،التي اختارها فقد حرص أن تكون مناشطه ومنتدياته وجميع المؤسس -يرحمه اهلل -لهذا المركز.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (13 )2016
الجلسة األولى أدارها د .فالح السبيعي
المحــــور األول :واقع قطاع اإلسكان في المملكة المحور الثاني :السياسات الحكومية في مجال اإلسكان (االستراتيجيات -التشريعات -المبادرات) الورقة األولى الواقع والمأمــول لإلســكان في المملكة المهندس علي الزيد -رئيس لجنة اإلسكان الوطنية
أش��ار المهندس علي ال��زي��د ف��ي ورق��ت��ه إلى أن قضية اإلس��ك��ان تشكّل هاجساً وطنياً لدى مختلف قطاعات الشعب؛ لذا ،وفّرت له حكومة خادم الحرمين الشريفين كل اإلمكانات والموارد المالية ال�لازم��ة ،لتوفير المساكن المناسبة للمواطنين والمقيمين ،بتكاليف تتناسب مع إمكاناتهم المادية ومتطلباتهم االجتماعية .وجاء دور الحكومة ف��ي ه��ذا المجال بهدف ضمان الوصول إلى حلول عملية ،لكن التنامي في الطلب على المساكن وصل إلى معدالت كبيرة ربما تفوق إمكانية الحلول المتوافرة حتى اآلن؛ ما يحتّم تضافر جهود العديد من الجهات المعنية بصناعة اإلس��ك��ان ،وتكامل أنشطتها ،وتنسيق خططها، لمواجهة هذا التحدي الوطني المهم.
14
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وأكد المهندس الزيد على أن هناك مرتكزات أساسية لمواجهة هذا التحدي ،منها :وجود خطة واستراتيجية موحّ دة واضحة لهذه الصناعة، تحفز وت��وف��ر اإلم��ك��ان��ات ال��ن��ظ��ام��ي��ة ،وت��دع��م توفير جميع ال��م��وارد المتاحة لمواجهة هذا التحدي الوطني؛ وكذلك تبنّي برنامج تمويلي مستدام يضمن توافر الموارد المالية لمواجهة االحتياجات المستقبلية لتطوير المساكن؛ وتوافر مصدر بحثي ومعلوماتي يتيح جميع الدراسات والمعلومات الفنية واالقتصادية واالجتماعية التي يحتاجها قطاع اإلسكان؛ وكذلك مشاركة العديد من المؤسسات والشركات المختلفة في بناء مساكن لموظفيها؛ مؤكداً أن المسكن وحدة في منظومة إسكانية متكاملة الخدمات ال يمكن فصله عنها أو اعتباره مسكنا بدون تكاملها.
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى
مدير الجلسة األولى د .فالح السبيعي (يسار) والمهندس يوسف الزغيبي
الورقة الثانية عوامل حلحلة أزمة اإلسكان في المملكة د .عبدالرحمن بن محمد السلطان أستاذ االقتصاد المشارك بكلية االقتصاد والعلوم اإلدارية ،جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية
ال أمل في حلحلة أزمة اإلسكان في المملكة دون فرض رسوم على األراضي وح��ج��ب��ه��ا ،م��ن خ�ل�ال رس���وم مكلفة يبدأ على بيعها ،بسبب ارتفاع تكلفة احتكارها
ونظرا لسفر صاحب الورقة فقد قدمها تطبيقها مباشرة ودون مهل أو تأخير ،ويكون نيابة عنه د .فالح السبيعي .تؤكد الورقة أنه هذا التطبيق بطريقة سليمة ال تستثني أي نظراً ألن ما قد يصل إلى %70من النطاق مساحة؛ ف��إن أس��ع��ار األراض���ي ستتراجع أراض بيضاء محتكرة ب��ش��ك��ل ك��ب��ي��ر ،ي��ص��ب��ح م��ع��ه م��ع��ظ��م أف���راد ٍ العمراني لمدننا هي ومحجوبة عن السوق ،فإن ذلك يؤكد دون المجتمع قادرين على حل مشكلتهم السكنية أدن��ى شك أن أي حل ال يدفع سريعاً بهذه بأنفسهم ،وليسوا في حاجة إلى مساعدة المساحات الهائلة إل��ى ال��س��وق ،ل��ن يكون الدولة أو مساعدة ال تتعدى قرض صندوق واق��ع��ي�اً ،ويُ��ح� ّم��ل ال��دول��ة فيما يتعلق بحل التنمية العقارية ،وال��ذي سيجعل مسؤولية المشكلة اإلسكانية مسؤوليات لن تقدر على الدولة المباشرة في حل مشكلتنا اإلسكانية القيام بها .بينما لو أ ُجبر محتكرو األراضي أكثر واقعية ،وفي نطاق المقدور عليه.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (15 )2016
الجلسة الثانية أدارها معالي د .يوسف العثيمين
المحــــور الثالث :تجارب دولية في التعامل مع قضية اإلسكان وأهم الدروس المستفادة المحور الرابع :سياسات وإجراءات إضافية مقترحة الورقة األولى
اإلسكان في خطط التنمية :السياسات واألهداف والنتائج د .عبداهلل خالد بن ربيعان مدير إدارة االتفاقيات البحثية وعضو هيئة التدريس بمعهد اإلدارة العامة
رك���زت ه��ذه ال��ورق��ة على تتبع سياسات المُنجز فعليا في نهايتها. اإلس��ك��ان الحكومية المعلنة ف��ي المملكة، وأش���ار إل��ى إن��ج��ازات اإلس��ك��ان الفعلية وحصر األهداف التي تسعى هذه السياسات التراكمية خ�لال خطط التنمية التسع ،مع لتحقيقها ب��دءاَ منذ ع��ام 1390ه���ـ ،الموافق مقارنة ما تم إنجازه فعليا بحجم الطلب الكلي 1970م ،وه��و العام ال��ذي دخلت فيه خطة الحالي على المساكن في المملكة لتحديد التنمية األولى في المملكة حيّز التنفيذ. سعة الفجوة بين ما تم إنجازه فعليا والرقم
واستعرض د .عبداهلل ربيعان إنجازات كل المطلوب إن��ج��ازه خ�لال الخطط الخمسية خطة خمسية من الخطة األول��ى إل��ى نهاية المقبلة ،وخصوصا خطة التنمية العاشرة الخطة التاسعة فيما يخص قطاع اإلسكان ،التي تدخل حيز التنفيذ هذا العام. وعدد المنازل التي تم بناؤها في كل خطة، واختتم د .ربيعان ورقته ببعض المالحظات وقارن بين عدد المنازل المستهدف بناؤها في على إن��ج��ازات خطط التنمية الخمسية في بداية كل خطة خمسية وما تم بناؤه فعليا بعد ق��ط��اع اإلس���ك���ان ،وت��وص��ي��ات ل��ت�لاف��ي بعض نهاية كل خطة ،مع توضيح سبب التفاوت بين القصور والسلبيات التي رافقت التخطيط الرقم المستهدف في بداية الخطة والرقم لإلسكان في خطط التنمية الخمسية السابقة.
16
الجلسة الثانية
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
أش����ار د .ش��ب��اب ال��ح��ارث��ي ف���ي ب��داي��ة حديثه إلى أن عقد مثل هذه الندوة خالل المرحة الحالية يكتسب أهمية خاصة ذات أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية، والمملكة تعيش ف��ي ف��ت��رة م��ن االزده����ار االقتصادي والنمو االجتماعي السكاني، وقال إن المنتدى يعد فرصة سانحة لتسليط الضوء على أهمية الدراسات األولية لمشاريع اإلسكان المقترح تنفيذها وربط ذلك بأعمال اإلنشاء والتطوير لخدمة الفئات المستهدفة من المستحقين ،واقتراح إجراءات وأساليب التحصيل لإليرادات المستحقة في وقتها لضمان االستمرارية.
كما أكد أن االهتمام بتغيير السياسات واإلجراءات بالمرونة وربط العالقة بالتحدي اإللكتروني (اإلنترنت) ،وهو التحدي األكبر ف��ي حياتنا ع��م��وم�اَ .إال أن ه��ذا التحدي هو األكبر أيضا في ق��درة وظائف اإلدارة وفاعليتها وكفاءتها ،وتنفيذها من خالل ال��وس��ائ��ل اإللكترونية م��ن ش��أن��ه النهوض بالعمل ،وتخفيف اإلجراءات الروتينية.
وركز على مواطن الضعف ،سواء ما يتعلق في أسلوب السياسات أو اإلجراءات وابتكار الحلول المقترحة ،والتي تنظم العالقة بين أطراف العمل مع مختلف األجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والقطاع الخيري
في نهاية كل جلسة جرى حوار مستفيض ش���ارك فيه ال��م��ش��ارك��ون ف��ي المنتدى من ال��ح��ض��ور ال���ذي ض��م فعاليات اقتصادية وعاملين في قطاع اإلسكان ومواطنون.
والتعاوني ،باستكمال تنفيذ المشروعات التنموية المتعلقة بالبنية التحتية للخدمات اإلسكانية التي من شأنها تحقيق رفاهية المواطن وتطلعاته.
ت � � � � � �ق� � � � � ��ري� � � � � ��ر ال� � � � �م� � � � �ن� � � � �ت � � � ��دى
الورقة الثانية سياسات وإجراءات إضافية مقترحة د .شباب الحارثي -كلية الملك خالد
حوارات ومداخالت
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (17 )2016
التوصيات فيما يلي أهم التوصيات التي قدمها أصحاب أوراق العمل: .1تنفيذ مبدأ النمو المتوازن بين المناطق من خالل البرامج التحفيزية التي تدعم السكن في تلك المناطق. .2قيام الجهات العاملة في القطاعين العام والخاص بتأمين سكن لمنسوبيها. .3فرض رسوم على األراضي البيضاء داخل النطاق العمراني. .4مراجعة آلية منح األراضي. .5عدم االستعجال في تغيير آلية اإلقراض عن طريق الصندوق العقاري حتى إيجاد البديل المدروس. .6دراسة إنشاء برامج تحفيزية ألصحاب رؤوس األموال المدّخرة في البنوك، إلغرائهم باإلسهام في اإلقراض. .7تنسيق الجهود بين الجهات ذات العالقة باإلسكان. .8السماح بارتفاعات إضافية في المباني ،وتحفيز األحياء الرأسية. .9تيسير وتسهيل اعتماد المخططات لتطوير األراضي والتراخيص للمشاريع التطويرية. .10استثمار المناطق المحيطة بمحطات النقل العام إلنشاء أحياء رأسية ذات كثافات سكانية تستفيد وتفيد من خدمات النقل العام.
18
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
شعرية المحو في ديوان ّ
البينات» لهاشم الجحدلي ُ «دم ِ ّ
ρρرشيد اخلديري*
ثمة لعبة بين ال�ق��ارئ وال�ن��ص ،كما يشير إل��ى ذل��ك روالن ب��ارث ،وه��ذه اللعبة بمثابة شبكة من ال��رم��وز ال��دا ّل��ة على عمق التواصل واالت�ص��ال بينهما؛ بمعنى حيازة أعلى درج��ات التفاعل في التلقّ ي وس��وء الفهم الناتج عن عدم المشاركة في ه��ذه اللعبة ،أو ال��دخ��ول المتأخر إل��ى رقعة اللعب ،ومحاولة تفتيت الرموز النصيّة؛ من ش��أن ه��ذا ،أن ُيع ِ َّط َل وتيرة التفاعل بين ع��دّ ة ح��واس ،أو ما يسميه «ياوس» بـ «اندماج اآلفاق» ،وهو عملية انتقال النص من كونه شبكة من العالمات الدالة إلى مرحلة اإلدراك والتأمل ،وبخاصة أن «ما يُفهم برمشة عين ،ال يترك أي أث��ر» بتعبير «أن��دري جيد» ،وإنما ينبغي الوصول إلى أقصى درج��ات التفاعل والخروج من مأزق الكتابة إلى آفاق ال محدودة ،واعتبار القارئ فاع ًال أساس ًا في فعل الكتابة. ه��ذه اللعبة الخفية والمعلنة بين المُنجز النصي وال���ق���ارئ ،نلفي لها أث��راً في دي��وان «دم الب ِيّنات» (الصادر عن مؤسسة االنتشار العربي /النادي األدبي بحائل) للشاعر هاشم الجحدلي، كتجربة ٍ تجرب َة شعرية تُ� ِ ّ�ق��د ُم نفسها ال ت��ب��و ُح ب��أس��راره��ا إ َّال ب��إع��ادة ق��راءة
المتعاليات النَّصية ،والغوص العميق في ثنايا المنجز مآال ومرجآت ،والقيام ركام هائل من بغطسات سريعة وسط ٍ تكشف عن َ ال��م��ج��ازات الكلية ،حتى نفسها ،وتسلمك مفاتيحها وتأ ِتّياتها ولو بشكل جزئي ،طبعاً ،التجربة الشعرية ال تتجزأ ،وإنما تظل في كلياتها خيطاً
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (19 )2016
َّصية. الن ِ ّ
يرتق تفاصيلها ومنعطفاتها.
20
«دم الب ِيّنات» إذاً ،ع��ودات مستمرة إلى النبع األوَّل ،إل��ى ال���والدة وال��ب��ذرة األول��ى الشعرية عند هاشم الجحدلي ،بدءاً للكتابة ِ ّ م��ن عصافير الطفولة ،وال��ب��ي��ت ،والعشق األول ،ومناديل الغياب ،وسيرة غير مكتملة نصيّة يُحاول الشاعر كتابتها عب َر متعاليات ّ وجمالية تمت ُح من المتخيَّل والحلم الرؤيوي، ب��اب إي�لاء المُنجز ال� ّنَ��ص��يِّ ما ربما وم��ن ِ يستحقه من فنِّ تطريز الكالم بتعبير الناقد نجيب العوفي ،أو لذة األلم والمعرفة عند إيميل سيوران؛ حيث «الكتابة انتحار مؤجل»، ونوع من الكشف واالرتياد والتَّخَ ِ ّطي .وبين هذا وذاك ،يبدو هاشم الجحدلي مطموساً بالذكرى والحنين واإلش���راق ،وك��أن الخط اإلش��راق��ي -الصوفي ه��و محف ُل ال��س��ؤال ال��ش��ع��ري وال� َّت��خ��ي��ي��ل��ي ،وال��م��ن��ب��ع الحقيقي لحاالت التَّشوف الحدسي التي أعلن عنها ه��اش��م ف��ي العتبة األول���ى ل��ل��دي��وان ،حين ي��ور ُد قول ًة للنفري« :قلوب العارفين ترى األبد ،وعيونهم ترى المواقيت» ،واضح إذاً، أحواز الكتابة ،مرجآتها وأوفاقها ،وتجلياتها اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
َّصي وه��و يخوض قلنا ،إن المنجز الن ِ ّ في مجهوالته وتضدياته ،إنَّما يعم ُل على مساءلة الذاكرة ،واالحتماء بالصقيع الذي خلَّفته روائ��ح الطفولة ،ال ينفك هاشم في الكتابة عن الطفولة ،عن تجربته الشخصية في الحياة والوجود والعرفان ،عن الخوف األبدي ،عن السراديب السفلى للذات ،عن الضوء المنثال من األصابع ،عن النكسات التي تصيب اإلنسان ،عن البدايات األولى في دروب العشق ،يقول الشاعر في «قصيدة الجفوة»:
َص ِل كَي ي َْستَعِ ْي َر برَهْ بَةِ ِطفْ ٍل ي َِفرُّ ِمنَ الف ْ تان جَ ارَتِ هِ ْرات ب ُْس ِ عَ َصافِ ْي َر ُه ِمنْ ُشجَ ي ِ وف يَأتِ ي لَهُ م نَازِ فً ا ِحكمَ َة القَومِ ..سَ َ �اح��وا ال � ُّ�س�ل�االت وَاقْ � َت��سَ ��مُ ��وا اس � َت � َب� ُ ح �ي��نَ ْ وف وأ َْسرارِ هَ ا.. زَعْ َفرَانَ الكُ هُ ِ َاشي َد ُه ..ثُ مَّ َي ْتلُو أَن ِ بأسمَ ائِ هِ ثُ مَّ ال تَهْ ِذيَ الرُّ وْحُ إِ َّال ْ َمناخ ف َِم ْه ثُ مَّ َيرْفُ لُ فِ ي ِع ْبءِ زلَّتِ هِ و ِ ال��خ��وض ف��ي التَّفاصيل الصغيرة هو الشعرية، السمة البارزة في هذه التجربة ِ ّ ِّ واع كلَّ الوعي بالوعد ولعلَّ هاشم الجحدلي ٍ الشعري ،في أف��ق «تأبيد» الطاقة الثاوية ِ في األع��م��اق ،والكشف عما يتس َّت ُر عنها، حتى صار خبيراً بها مخبراً عنها ،وهو في ذلك الكاشف عن مسالك التعبير الشعري، والماسك بخيوط هذه التَّجربة .وال مشاحة في القول ،أن «دم البينات» ،وه��ي تقتربُ من النُّصوص المقطعية ،والنص المنفصل، إيجاز في القول ٍ ثم الشذرة ،بما تعنيه من
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
��دق ف��ي التَّعبير ،تتغيَّا أكثر اس��ت��زراع وص� ٍ أراض أخرى ،قريبة من ٍ َّصي في المنجز الن ِ ّ الروح ،بعيد ًة عن خرائط الزَّمن الطُّ حل ُبي، حين يستطيل النهار ،وتأفل الحكمة األبدية، فقط تهافت وب��واب� ٌة مفتوح ٌة للجحيم ،وال مكان لثبوت النَّفي ،حتى الذاكر ًة تصي ُر منفىً للذاكرة ،مع تواتر الحواس في رسم مالمح هذه التجربة الشعرية ،عبر التَّراسل الداللي واقتران المعنى باللفظ ،أو اقتران اللفظتين معاً في تقابل تام مع المتن الشعري من جهة، أو مع الرؤى التي تتكشف من خالل المناخ العام للنصوص :يقول الشاعر في قصيدة «تهافت النَّهار»:
فِ ي مَ سَ اءٍ ق َِديمْ َبيْنَ ِجيْمَ ي ِْن ِمنْ جَ نَّةٍ وجَ ِحيمْ األرض بِ ي ُ ماد َِت ف َتهَا َوي ُْت فِ ي الماءِ بَعْ ِضي يُ رَمِّ مُ بَعْ ِضي الرَّ ِميمْ ِشبْهُ مُ ْندَثرٍ َاب الع َِميمْ لَمْ يُ دَثّ ْر د َِمي غَ يْر هذَا العذ ِ والطرقات ِ الذي يَمْ أل ُالقلبَ ِ الذي لَمْ يَكُ ن بالت َِّقي ويُ ْسلِ مُ نِ ي للنهارِ ِ ال بالن َِّقي و َ ال بالرَّ ِحيمْ و َ بنفس ٍ إن هاشم الجحدلي يروم الكتاب َة مغاير ومختلف ،وتلك هي غاي ُة الكتابة: معانق ُة الخارج بما يعتمل الداخل ،وأي حالةِ احتدام تشتعل في العمق ،لتصل نيرانها إلى ٍ أقاصي السديم ،ووحده الشاعر القادر على هندسة خرائط الروح ،واالرتواء حدَّ العطش من الينابيع األولى للحياة؛ ووحده هاشم من
يقدر على غربلة قلق ال��ري��اح ،بغي َة الدفع بساللة الشعراء نحو مدارج التخطي والبهاء وال��ح��ي��اة واالن��ت��م��اء للقصيدة؛ صحيح أن مدارج الكتابة تصل إلى ذروتها باالتكاء على االغتراب واستيالد المعاني من كوّة الظالم، لكن دوماً هناك بصيص ضوء .يقول الشاعر في قصيدة «وحدة»:
َوحش ًا و َِحيدً ا ومُ ْست ِ كنت، ُ َاب فِ ي َل ْثغَتِ ي َلوْعَ ةٌ ..واغْ تِ ر ٌ َّامكم َايات أي ِ وس التِ ي فِ ي نِ ه ِ للشمُ ِ وإِ ْذ ُّ ا ْنت َِمي ***
و َِحيْد ًا ولَكِ نَّكُ م ت َْسكُ نُو َن د َِمي لعلَّ الشاعر مفتون بذاته ،وهو يسترجع في قالب مرآوي سيرة الطفولة ،في سدرة المنتهى ،بحيثُ تصي ُر س��در ًة لالنهائي من
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (21 )2016
الصور االنتشارية ،وهي تتفتت أمام مخيلة الشاعر ،قلنا عنها سابقاً هي بمثابة منفى سحيق للذاكرة المثقلة باألحالم وال��رؤى، لكن لماذا ه��ذا العزف المتكرر على وتر ال��دم؟ وما تفسير ذلك في خضم التراسل المستمر بين الشاعر واآلخر؟
موعد ٍ ولوجه مجاهل القصيدة ،يكو ُن على مع أس��رار معلنة ،وأخ��رى مستتر ًة في كوَّةٍ خفيّة ومنسيّة م��ن ه��ذه ال���ذات المكتوية بلهيب الحرف والمجاز .وهاشم الجحدلي ي ُِط ُّل من شرفته المخملية عازفاً على إيقاع الجرح ،حيثُ اإلقامة بالمفهوم الهايدغري فوق األنقاض :أنقاض «التذاوت» والتحرر من سلطة األب رمزياً ودالليا ،دو َن ني ٍّة أو قصدية لقتله بالمفهوم النيتشوي ،بقدر ما هنالك رغبة صريحة في تجاوز السائد، واالنطالق بكل حريّة نحو األقاصي.
إن هاشم الجحدلي هو الممسك بخيوط اللعبة ،فيبدو صوته الشعري خافتاً مرة، محاولة الستدراج القارئ/ ٍ عالياً مرات في المتلقي إل��ى س���درة ال��ب��وح وال��دخ��ول في اللعبة ،بعد عدة تداريب في الهواء الطلق بتعبير الشاعر محمد عرش ،يقول الشاعر إن ديوان» دم البينات» تجربة شعرية تمتح في قصيدة «سدرة»: سماتها الدالة من الذات ،بمعنى آخر الكتابة عبر تذويت األن��ا في مقابل محو الذاكرة، لم تَكُ نْ سدرة المنتهَى واستزراع رؤى جديدة قادرة على االندماج في إِ نَّها سدرة الدار، تلك ال�ت��ي قاسمتني ُّ الطفولة وال� َّ�ش� َغ� ِ�ب أوفاق الكتابة ،والتَّدرّج بها نحو كتابةِ سيرة الغض ّ تحتفي بالشعري الرؤيوي والمحكي السرديّ ، انتميت إِ لى نسغها في صباي ُ ثم ثم ال��ش��ذري المقطعي؛ وكأننا إزاء أنفاس سدرة صوَرِ يات شعرية ،تتفتت وتتداعى على شكل ُ قصها ذاتَ يومٍ أبي َّ وحدوس داخل المتن الشعري .وال مُشاحة في دون أن يَستَشي َر طفولتنا القول ،إن دم البينات هو دم الشاعر المنساب فامحت.. مراراً وتكراراً في النصوص ،على اعتبار نزيف وصفوة القول ،فإن دي��وان «د ُم الب ِيّنات» البياض هو السمة البارزة في هذه التجربة، منفصلة عن هاشم وال أحد يمكنه لجم هذا النزيف سوى شاعر ٍ هو سيرة شعرية عن الجحدلي ،تروي ما تُنوقل عنه وما تستَّر في مطموس بالرؤى الخالقة ،والذوق الرفيع في أخاذ ٍ مخيلته ،وربما ،ما خطَّ ُه من أبجديات بُغية استيالد ال��دالالت والمعاني على نحو االنتصار للكتابة في تفاصيلها ومدارجها ،ومدهش ومربك؛ ففي النهاية ،ال جدوى من خال من االرتياد واالختراق ،في انتظار ال ش��يء غير الكتابة ومتعالياتها النَّصية شعر ٍ م��ا يشفع للشاعر ف��ي وج���وده ،بعيداً عن فصوص شعرية أخرى ،سيروي الغي ُم بعضاً ج��رار ال��دم وب��ي��ادر الطفولة المعلقة فوق منها ،بعيداً عن غواية «دم البينات» ،قريباً من ح��ب��ال ال��ك�لام .وال��ش��اع��ر ف��ي ح��ي��رت��ه ،في جنون القصيدة وشغبها. * ناقد من المغرب.
22
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
قراءة في شعر محمد الثبيتي
ρρد .بهيجة مصري إدلبي*
تهجى الحلم والوهم ،بدأ برسم تضاريس الذات في القصيدة ،وتضاريس مذ ّ القصيدة في المعنى ،وتضاريس المعنى في الرؤية االستشرافية. إن قراءة الشاعر ليست في الكشف عما ت��م��دد م��ن م���داد القصيدة فوق أوراقه ،وإنما في الكشف عما تردد بين النص وخافيته ،في المساحة الغامضة بين القصيدة والذات. وإذا كان الحلم هو منبع الخيال كما يرى ماالرميه( ،)1فإن كليهما يُختبران ف��ي القصيدة التي تختبر ال���ذات في تحوّالتها ،من خالل العالقة بين ذات الشاعر والذات الشاعرة؛ «ألن عالقة الذات الشاعرة الحداثية بذات الشاعر الحداثي ،قد صارت تمثل في منظور الشعر الحداثي ذاته بؤرة والدة الوجود
والعالم على ال��س��واء»()2؛ فثمة مساحة غامضة بين لحظة االنبثاق الجمالي ل��ل��ص��ورة ع��ب��ر ال��خ��ي��ال ،وب��ي��ن لحظة التجلّي النصيّ عبر اللغة ،وال��ذاك��رة النصيّة؛ تلك المساحة التي كشف عن بعض جوانبها كمال أبو ديب ،في التوتر والفجوة والخفاء والتجلّي ،التي تتجلى خاللها شعرية النص ،ليراها آخرون فيما وراء الجسد النصيّ البصري ،حيث يكمن النص الظل أو ظل النص حسب بارت ،ليصبح النص أداة يقاربها النقد ويتقارب معها ،ليكتشفها وتكتشفه هي األخ��رى .وم��ن خ�لال ه��ذا التبادل في
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (23 )2016
يشف ّ الكشف ،يتكشف لنا الغموض ال��ذي أحيانا؛ ومن هنا ،تنهض متعة القراءة التي «تبدو انعكاسا لمتعة الكتابة ،وكأن القارئ هو شبح الكاتب»( .)3هذه المتعة التي حاول مقاربتها الدرس النقدي الحديث ،منفتحا على نظرية التلقّي واالستقبال ،بما أوتي من طاقة للكشف عن لحظة االكتمال النصي في مساحة القارئ ،الذي يتيح للنص أن يتحول عبر تحوالته المعرفية ،والذوقية ،والكشفية التي يستدرج النص إليها .هي التي تفتح آفاق الفحص النقدي ألي نص إبداعي ،وهي التي تتشكل عبر تشكله ،وتجعل من القراءة ح��ال��ة إنتاجية وليست ح��ال��ة تابعة لنص مكتوب ،بل للكشف عن المضمر النصي؛ ألن النص المكتوب هو جانب من جوانب اإلشراق اإلبداعي الذي يحاوله المبدع؛ بل هو الجزء المكشوف للبصر ،أما ما غاب فال يكشف إال بالبصيرة.
24
أكثر شيء جدال ،ألن الشعر أبجدية ،تتشكل م��ن س��ره��ا األب��ج��دي��ات ،ي��وق��ظ القلق في نفوسنا ،نتشكل على هيئته ويتشكل على هيئتنا ،كلما أمعن في تشكيل صورته على صورتنا. وبقدر ما تستوي طاقة الشاعر الروحية والغيبية ،ب��ق��در م��ا تستوي قصيدته في ائتالف طاقة الكلمات وطاقة الشاعر ،إذ تنهض طاقة الرؤيا الشعرية التي تنفتح على كُنه الوجود وأسراره.
وباختبار ذلك في تجربة الثبيتي ،تنهض ال��ذات الشاعرة في هيئة البشير ،المغني، العارف والمستشرف ،حيث هذا الوجد بين الذات والعالم سواء عبر استشراف عالمها، أو عبر التوحّ د بالعالم الممكن المتاح عبر أشكال مختلفة ..س��واء من خ�لال المرأة، أو من خالل الظل أو القرين ،أو من خالل ال��وج��ود ال��ص��وف��ي ال���ذي ينسحب خالله إن الشاعر الثبيتي حالة تستدعي الجدل الشاعر من عالمه الواقعي إلى تجربة باللغة، والسؤال والتوقّف والتأمّل ،سواء من خالل تجربة بالتماهي بين النص وبين الذات. الذات الشاعرة ،أو من خالل ذات القصيدة؛ هذا الصعود الذي يمارسه الشاعر من أي أن أهمية الشاعر تأتي من العمل الذي أب��دع��ه عبر شخصه المعرفي ،وشخصه خ�لال محاوالت مختلفة ،هو ال��ذي ينهض اإلبداعي ،أي من خالل إنجازه المختلف ،ب��ال��ذات ال��ش��اع��رة إل��ى علو ك��اش��ف ،وعلو ليصبح في مساره الشعري ،وجها شعريا يطل على ال��م��وج��ودات ،ال لينفصل عنها ال تخفى على أحد مالمحه الخاصة ،التي أو ليستعلي عليها ،وإنما ليكشفها ،فيتحد تحيل إلى شاعر مختلف ،وشاعر كان ينجز معها م��ن خ�لال مسميات مختلفة؛ وعلى نصه على خلفية ثقافية ومعرفية مختلفة ه���ذا األس����اس يمكن ال��ك��ش��ف ع��ن ال���ذات وتحوالتها المعرفية والروحية لدى الشاعر أيضا. الثبيتي ،وذل��ك من خالل بعض اإلش��ارات، الشاعر المستشرف أو بعض القصائد التي أشار فيها إلى ذلك ه��و ال���ذي رأى ف��ع��رف ،وت��أم��ل بصمت التواصل بين ال��ذات وبين العالم عبر هذا فكشف؛ أقلقه السؤال فأصبحت القصيدة العلو الذاتي ،والتماهي مع العالم من أجل اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
من هنا ،تأخذ الذات االستشرافية لدى الشاعر ه��ذا المسار الكشفي ع��ن خفايا الذات ذاتها قبل الكشف عن خفايا العالم والمجهول؛ ألن الرحلة العرفانية ما هي إال رحلة ال��ذات في المقام األول من أجل خالصها؛ وقصيدة م��وق��ف ال��رم��ل موقف الجناس م��ا ه��ي إال موقف للمعنى ال��ذي يحاوله الشاعر عبر صوره المنبثقة بزمنها ورم��زي��ت��ه��ا ورؤاه�����ا ،وال��ط��اف��ح��ة ب��دالالت��ه��ا وال��ش��اع��ر الثبيتي ال يبحث ع��ن وج��ود وت��أوي�لات��ه��ا؛ ح��ي��ث ال��رم��ل ت��أوي��ل للزمن، لوجوده ،وإنما يبتكر ذل��ك؛ فالقصيدة هي والزمن غامض غموض الوجود ،ليمتد هذا مقام الروح ،ومقام الرؤية والمعرفة. الغموض إلى الصحراء بكائناتها وتحوّالتها وثمة جهد واض��ح في التعامل مع اللغة ومجهوالتها ودالالتها في النفس والنص. الشعرية والخطاب الشعري لدى الثبيتي؛ فهي قصيدة مفتوحة على فضاء القراءة، إذ أص��ب��ح��ت ال��ل��غ��ة ش��اغ��ل الثبيتي ال��ذي مفتونة بفتح الدالالت واالنزياحات الغيبية؛ وجد في اللغة ضالته التي تنهض القصيدة اللفظة ،والجملة ،والرؤيا؛ ومأخوذة بتحوالت منها ،عبر تحويل الخطاب ،وعبر استدراج المعنى ،في ال���ذات ،وت��ح �وّالت ال��ذات في الخطابات األخ��رى إل��ى نصه؛ وال شك أن المعنى. هذا االستدراج للنصوص األخرى سواء عبر س��وف نتوقف عند ه��ذه القصيدة من خطاباتها األسطورية باإلشارة أو الصوفية كحاالت ،إنما هو تخطيب لخطاب الشاعر ،خ�لال محورين :محور الموقف من خالل وهذا األمر ال يترك تلك النصوص فقط في فعل التوقف (أوقفني) ،ومحور المعنى الذي مخاض خطاباتها وتأويالتها األول��ى ،وإنما يعد استبصارًا لرحلة الكشف عبر هذا النص تستدرج إلى نص الشاعر حتى تصبح ملكا وغيره من النصوص الصوفية المعاصرة التي تدخل التجربة الصوفية عبر اللغة وتجلّياتها، له؛ أي تصبح جزءا من خطابه الشعري. وعبر المعنى وت��أوي�لات��ه؛ لتكون التجربة موقف المعنى الصوفية المعاصرة تجربة في اللغة ،أكثر للموقف مقامه الصوفي ال��ذي يتدرّج من كونها تجربة في الحياة؛ وبالتالي تصبح
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
استشراف العالم الممكن الذي يطمح إليه الشاعر ،وذلك ألن «وظيفة األدب هي إشباع الحاجات الروحية لدى اإلنسان»( ،)4وال يتم هذا اإلشباع إال من خالل هذا االنفتاح على اللحظة التي يعيشها الشاعر «حيث يتبدد الزمان وينهار المكان وال يبقى إال اآلن وهنا، بوصفه زمن الحلم أو لحظة الهرب والتحرر من عذابات الزمان والمكان وضالالتهما وعوائقهما ،وبوصفه كذلك لحظة والدة الحياة من قلب الموت ،والوجود من العدم والحرية من الضرورة والرفض من القبول، وبوصفه أيضا لحظة انهيار الواقع وتجاوز زمنه ،وبوصفه قبل هذا كله لحظة اندماج كلي في العالم بكليته»(.)5
خ�لال��ه ال��ك��ائ��ن إل���ى م��ا وراء المحسوس والمدرك ،ليكون في مقام الكشف والرؤيا والمعرفة ،ليقرأ العالم بطاقة البصيرة التي ال تتأتى إال من خ�لال الدخول في تجربة الخفاء والتجلي.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (25 )2016
اللغة هي الفضاء المكاني والزماني الذي يمارس الشاعر خالله صوفيته ،وتجربته في استبصار العالم والوجود ،عندما يستطيع استبصار الذات عبر اللغة ،التي هي الحياة التي يعيشها ويسكنها كما تسكنه. وال بد من اإلشارة إلى أن مواقف النفري ومخاطباته انفتحت على الحداثة الشعرية بكل تجلياتها ،فال يكاد ينجو شاعر حداثي م��ن أث��ر ه��ذه ال��م��واق��ف ف��ي تجربته س��واء من خ�لال الفعل التحفيزي (أوق��ف��ن��ي) ،أو من خالل المعنى الذي يشغل الشعراء في مسيرتهم الشعرية ،وه��م يشكلون ذواتهم الشعرية ،وصوتهم الخاص ،وهيئة شخصهم اإلب��داع��ي ،فتستوي التجربة في محرقها ورؤاه����ا ،لتأخذ شكل ال��ب��ؤرة المشعة في العالم والنص والذات. وق��د ت��ع �دّدت أش��ك��ال ه��ذه ال��م��ح��اوالت ح��ول كلمة ال��م��واق��ف ،فما أن ي��ذك��ر فعل (أوقفني) حتى تنهض ال��رؤى الخاصة بكل شاعر ،إال أنها رؤى تعود بفضل انبثاقها إلى هذا الفعل الذي ابتكر تحوّالته النفري، وهيأ له مقامه العرفاني في اللغة ،وجعله محفّزاً على القول والصمت ،على استبصار الطاقة الشعرية ،والطاقة الروحية ،والطاقة النصية ،في نصوص تتفاوت في مقاماتها، بتفاوت طاقاتها الفنية ،ووعيها الجمالي في الخطاب الشعري.
26
إال أن الشاعر الثبيتي لم يبق أسير هذا الفعل ح��دَّ االس��ت��غ��راق ،ليكون ه��و الفعل الوحيد المحفّز على التجربة العرفانية ال��ت��ي ي��ري��د استكناهها وك��ش��ف عوالمها، وتحفيز حاالتها اإلبداعية ،وإنما حفزه بفعل اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
آخر وهو فعل (ضمّني)؛ ليعلن منذ البداية حالة التماهي بينه وبين صاحب العرفان، وبالتالي يكون الفعل االفتتاحي (ضمّني)، ال استشرافياً تندمج فيه الذات الشاعرة فِ ع ً واآلخر الذي يقودها إلى البصيرة والكشف، حيث يكون التماهي ال��ذي يستدرج لحظة التقاء الوحي بالنبي عليه الصالة والسالم، لحظة انتقاله من الجهل إلى المعرفة ،من الصمت إل��ى القول ،من ع��دم ال��ق��راءة إلى القراءة ،من العتم إلى اإلبصار والبصيرة، من الكائن العادي إلى الكائن النبي؛ وهنا، يتجلى فعل الضم بهذه الحموالت المتصلة بالنبوة ،ليستفز فعل التوقف (أوقفني) ،ليأتي بعد ذلك النداء بحروف االسم متقاطعا مع نداء الوحي للنبوة أيضا إلى القراءة األولى، وكأنها تهجئة لوجوده ،وتهجئة لما يمكن أن تستوي عليه بصيرته عبر الوحي الشعري؛ وك���أن ال��ش��اع��ر هنا يسمع اس��م��ه بتهجئة صاحب العرفان ال��ذي يقوده إل��ى الكشف للمرة األولى ،وباسمه المجرد ،ليأخذ معناه هو اآلخر من خالل معنى الذات ،التي بدأت رحلة الكشف والدخول في الحال العرفاني، كما هو الحال في المرأة التي نادت محمود درويش باسمه وهو في رحلته الماورائية في جداريته؛ لذلك هذا النداء أو هذه الدعوة ب��االس��م ه��ي ال��ت��ي تجعل لحظة المعرفة مدركة ،ولحظة االلتقاء لحظة يستوي فيها اليقين ف��ي ال���ذات ،والخطف ف��ي ال���روح، والبصيرة في الرؤى:
َض ًّمني، ثم أو َقفَني في الرمال ودَعاني: بميم وحاء وميم ودال
وقال:
فرعان ِ أنت والنخلُ أنت افترعت بنات النوى ورفعت النواقيس هُ نَّ اعترفن بس ِّر النوى وعَ رَفْ نَ النواميس فاكه َة الفقراءِ وفاكه َة الشعراءِ وكأن النخل هو السبيل إلى الكشف ،ألنه سيتكرر في المواقف التالية ليكون عبر التحوالت صنوًا للشاعر «ليصبح انتصارًا للكائن األيكولوجي ،أو إظهاراً له ،وهو يراوح بين استواءين؛ على اعتبار أن المسافة بين النخلة وأناه ملغاة بواسطة اللغة الشعرية»(،)7 وبانمحاء المسافة بين ذات الشاعر والنخل انمحاء لحدود المعرفة؛ إذ تنفتح المعرفتان، وتنفتح الذاتان على بعضهما ،ذات النخل، وذات الشاعر ،لتنكشف لنا تجربة الشاعر ب��ك��ل م��س��ت��وي��ات��ه��ا ال��ح��ي��ات��ي��ة واإلب��داع��ي��ة والصوفية والرومانسية ،من خالل كشفه عن العالقة بينه وبين الطبيعة واألشياء؛ حيث هذا التوّحد يأخذ شكل الترتيل االبتهالي للتماهي مع الكائنات بحضورها في الذات
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
()6 ال��ش��ع��ري��ة ،ل��ت��ت��ح�وّل إل���ى ك��ائ��ن��ات شعرية واستوى ساطع ًا في يقيني مسحوبة من الواقع إلى الداخل في النص لتكون المواقف التي تكشف عن الذات واللغة والذات الشعرية: أكثر م��ن كشفها ع��ن العالم ،فتنفتح على التجربة داخل الذات أكثر من انفتاحها على أُصادق الشوارع التجربة خارجها؛ وكأن الذات في تحوالت والرمل والمزارع مواقفها تتعرّى أمام مرآة الكشف والرؤيا ،أُصادق النخيل فإذا بها تكشف عن التجربة اإلبداعية التي أُصادق المدينة تماهت مع التجربة العرفانية الصوفيه داخل والبحر والسفينة والشاطئ الجميل اللغة:
أُصادق البالبل والمنزل المقابل والعزف والهديل أُصادق الحجارة والساحة المنارة والموسم الطويل
وبالتالي تكشف له عن ال��ذات والعالم وال��وج��ود ،وتفتح أمامه كل األب���واب؛ حيث ت��ت��م��اه��ى األش���ي���اء ف��ي ذات���ه ك��م��ا يتماهى معها ،من أجل أن يدرك معناه في النخل، والرمل والصحراء؛ فيدرك المعنى في رؤاه المطلقة ،حيث يمضي إلى المعنى .وهنا ،ال بد من اإلشارة أيضا إلى تقاطع هذه الرحلة إلى المعنى مع رحلة محمود درويش الذي كان يشغله المعنى عبر تجلياته المختلفة، لذلك كان مشغوالً بالسفر إليه والصعود إلى مقاماته الغامضة ..يقول درويش:
كم البعيد بعيد كم هي السبل نمشي ونمشي إلى المعنى وال نصل إذ المعنى هو السبيل الذي ينقذ النفس من قلقها الوجودي ،وقلقها اإلبداعي ،الذي تستوي
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (27 )2016
التجربة في محرقه ،فتأخذ القصيدة زخرفها، ومسافاتها في ال��ذات والعالم ،ال��ذي يتشكل في القصيدة والذات ،عبر انمياث الشاعر في المعنى ،ليرتوي الخيال عبر هذه االنزياحات ال��ف��ارق��ة بين ال���دوال وم��دل��والت��ه��ا ،فتنكشف اللغة على صبغتها المتحولة؛ وبالتالي تتكشف األسرار أمام الشاعر وهو يحاول تأويل ذاته ،ضجّ بي باالتجاه إلى المعنى: صبري
يتجلى ف��ي الكشف ،ع��ن ك��ل المسارات، والمسالك ويعبر المهالك ،م��ن أج��ل أن يستقر ل��ه م��ق��ام المعنى ،بعدما يكتوي بنار التجربة ،ففي التجربة تختبر الذات، والقصيدة ،والمعنى ،وفي السؤال تختبر التجربة:
أمضي إلى المعنى الحريق ِ وأمتص الرحيقَ من ّ فأرتوي وأعلُّ من ماءِ المالمِ والمهالك ِ المسالك ِ وأمرُّ ما بين حيث ال يمٌّ يلمُّ شتاتَ أشرعتي أفق يضمّ نثا َر أجنحتي وال ٌ وال شجرٌ يلوذُ به حَ مامي أمضي إلى المعنى الطرقات ُ وبين أصابعي تتعانق الشراب ِ السراب عن ُ ينفض ُّ واألوقات، ويرتمي ِظلّي أمامي
28
وعبر هذه الرحلة ينهض السؤال الجدلي حول اكتمال الرؤيا أو وضوح الطريق إلى المعنى ،م��ن خ�لال رحلته الصعبة التي يعاني منها في تجربة الطريق ،وهي تجربة القصيدة ،التجربة التي تجعل الشاعر اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وأقلقني مُ قامي فمضيت للمعنى أُحدّ ق في أسارير الحبيبة كي أُسمّ يها فضاقت ْ عن سجاياها األسامي
هذا الذهاب إلى المعنى إنما هو ذهاب إلى أعماق اللغة والتجربة اإلبداعية ،حيث يحدق الشاعر في أسارير الحبيبة /اللغة/ كي يسميها ،فضاقت عن سجاياها األسامي، ليتقاطع هذا الوجد بين الشاعر وحبيبته/ اللغة /القصيدة من خالل تصاعد التجربة إلى مقام معاناتها ،مع مقولة النفري «كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى». وإذا كان للنص ظل ،وللمعنى ظل ،فللشاعر ظل وقرين ،ينهض من مرآة دهشته ،ليصبح تجليا من تجليات اآلخر وحضوره في الذات الشاعرة ،بل حلوله فيها ،ألنه يتماهى معها.. يكشف أسرارها كما تكشف أسراره؛ لذلك ال للذات التي تبحث عن يصبح القرين ظ ً وجودها ،بل تحاول أن تؤسس لوجود ممكن
فالشاعر يقدم لنا صورة الظل بمقارنتها مع صورة الذات ،ليكشف لنا المفارقة بين الظلين أو الذاتين لظله ،وه��ذا واض��ح في التقديم التمهيدي لهذا القرين ..موصفا العالقة بينه الذات وظلها من خالل الحوار أما زلت تتلو فصول الرمالْ ؟ الدرامي بين الطرفين:
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
في مداها اإلبداعي.
هذا السؤال هو الذي يتيح للذات أن تشكل عالمها ،وأن تكشف عن عالقتها بالعالم من خ�لال عالقتها مع الظل القرين ،ليكشف الشاعر عن عمق التجربة التي يدخلها في قراءة الظل ،وقراءة الذات ،للتكهن بما تقوله الرمال ،في مقام االحتمال:
بالجرح.. ِ أُقامر م � �ق � �ي� ��مٌ ع � �ل� ��ى ش � �غ� ��ف ال � ��زوب� � �ع� � � ْه ل � � ��ه ج � � � �ن � � ��اح � � ��ان ..ول� � � � ��ي أرب� � �ع � ��ه اقرع بوابة االحتمال
ي� � �خ � ��ام � ��رن � ��ي وج � � �ه � � ��ه ك� � � ��ل ي� � � ��ومٍ ف ��أل � �غ ��ي م � �ك ��ان ��ي وأم� � �ض � ��ي م� �ع� � ْه ُأف � ��ات � � �ح � ��ه ب � ��دم � ��ي ال� �م� �س� �ت� �ف� �ي � ِ�ق ف � � �ي� � ��ذرف م� � ��ن م� �ق� �ل� �ت ��ي أدم� � �ع� � � ْه وأغُ � � � �م � � ��د ف� � ��ي رئ � �ت � �ي� ��ه ال � � �س� � ��ؤالَ ف� � �ي � ��رف � ��ع ع � � ��ن ش � �ف � �ت� ��ي إص � �ب � �ع � � ْه فالذات الشاعرة هنا تح ُّل في الظل ،وتتبع الظل من دون أن تلغي وجودها ،وإنما لتنفتح عليه بجدلها وسؤالها وشغفها ،حيث يعيش الشاعر حالة من التحول الجديد والكشف المعرفي ،ع��ن ذل��ك ال��ظ��ل ال���ذي يستدرج ال���ذات إل��ى ال��س��ؤال األك��ث��ر ج���دال .ليأخذ ال جديداً هذا التشكيل الجديد للظل تشكي ً للذات ،وهي في مقام الجدل والسؤال ،حيث * () 1 ( )2
( )3 () 4 ( )5 ( )6 ( )7
حيث تكشف لنا العالقة مع القرين عن حاالت الصراع داخل الذات ،الصراع المعرفي واإلبداعي والوجودي الذي يتيح لها أن تبني عالمها الممكن داخل هذا الصراع ،وهذا ما سنراه في صورة المخلص الذي كانت الذات تستعين به على الخالص من ه��ذا الواقع، والتحول إلى عالم أكثر اتصاال برؤى الذات المنسجمة مع االستشراف للممكن األفضل.
وال شك إن تجربة الثبيتي تجربة مفتوحة على القراءة عبر تشكيل الخطاب الشعري، وعبر مرايا الرؤى التي تنفتح فيها الذات على الوجود ،وعلى النص ،فكان خطابه الشعري خ��ط��اب��ا منفتحا ع��ل��ى ال��ح��داث��ة الشعرية، ومنفتحا على العالم بتحوالته ،وذلك بانفتاح الذات الشعرية على العالم والقصيدة.
كاتبة من سوريا مقيمة في اإلمارات. د .محمد صابر عبيد ،جماليات القصيدة العربية المعاصرة ،دمشق ،وزارة الثقافة2005 ،م ،ص .117 د .عبدالواسع الحميري ،الذات الشاعرة في شعر الحداثة الشعرية ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت1999 ،م ،ص .5 غاستون باشالر ،جماليات المكان ،ترجمة غالب هلسا ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت ،ط1996 4م ص .25 شاهين ،سمير الحاج ،لحظة األبدية ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت 1980م ص .59 الذات الشاعرة ،م س ص .44 جميع الشواهد الشعرية في هذا البحث مصدرها الموقع اإللكتروني للشاعر محمد الثبيتي. الموقع الشخصي لمحمد العباس .http://m-alabbas.com/ara/4/p2_articleid/266
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (29 )2016
صور الوالء والحنين للوطن في شعر أحمد السالم
الدهون* ρρد .إبراهيم ّ
السالم ملمح ًا أدب�ي� ًا جميالً ،يعكس أيقونة يشكّ ل ال��وط��ن ف��ي شعر د أحمد ّ يشكل م��ن كينونة الوجود االنتماء والتماهي ف��ي ه��ذه البقعة م��ن المكان ،لما ّ ومشاعر السرور للشاعر في هذه الحياة. -1صور الوالء: المضياف وعاداته ،ونسمع من خالل أغانيه أغاريد التّفاؤل واألمل تطل على إنَّ إع��ل�ان ال��سّ ��ال��م وال َءهُ لوطنه الشّ عوب العربيّة ،وسائر أنحاء العالم يأتي والء وانتماء لعروبته ،فيتفاعل اإلسالمي. م��ع أح���داث وط��ن��ه ،وي��ش��ارك��ه��ا ،وه��ذا ومن ظواهر والء الشّ اعر ،محاولته ن��وع م��ن اع��ت��زازه بعروبته ،وإحساسه بآمال اإلنسان العربي المسلم .كما أنَّ استقطاب الرأي العام نحو جهود بلده السّ عوديّة ،فقد استطاع أن يستوعب انتماءاته نابعة من ارتباطه بذلك البلد حجم الحبّ الحقيقي لإلنسان العربي ومصيره(.)1 الضاربة المسلم تجاه الدّيار المقدسة ّ وإحساساً من السّ الم لوالئه ،وقربه في جذور التّراث العربي؛ وكما استطاع
30
م��ن وط��ن��ه ،فقد تغنّى بمظاهر بلده استيعاب تلك الحقيقة ،فقد تمكّن
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وهنا ،نجد أنَّ الشّ اعر يعلن صراحة حبّه لوطنه ،ودور الشّ عب ف��ي الحفاظ عليه، والدّفاع عنه؛ ومن ذلك قوله مبيناً اعتزاز اإلنسان بوطنه ،ودوره في حمايته ،وفي دفع الظلم واألذى عن البالد وحمايتها ،فيقول(:)2
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ك��ذل��ك م��ن ت��ص��وي��ره��ا ف��ي ش��ع��ره بجميع جوانبها ،ومظاهرها ،ومفرداتها ،ودالالتها الحقيقية.
ضعوا األكف معا وارعوا عروبتكم لتكتسي ُح�ل��لَ ال��دّ ي�ب��اج والقصب وراق � �ب� ��وا اهلل و ْأت � ��مّ � ��وا ب�م�ص�ح�ف��ه وبالذي قال طه مصطفى النسب اضطجعت ون��ال النومُ مطلبه ُ إذا م�ن��ي أت�ت�ن��ي ت�ن��ادي�ن��ي وت �ص��رخ بي �ط األم ��ان على أن��ا ال�ع��روب��ة ق��د ح� ّ أرضي من الدوحة الخضرا إلى حلب وم ��ن م� �ش ��ارق أرض� ��ي ط ��ار ط��ائ��ره إل ��ى رب� ��وع ب �ل�اد ال �م �غ��رب ال�ع��رب��ي وفي هذه األبيات ،يدعو السّ الم العرب إلى تعاضد الهمم ،وتقارب وجهات النّظر، والنأي عن الفرقة والخالف ،كما أنّه يبث ال��روح الوطنيّة في نفوسهم ،مذكراً إياهم بكتابهم العظيم ،وسجل مآثرهم ،ومفاخرهم وانتصاراتهم العظيمة. ولع ّل السّ الم كان من أقدر شعراء المملكة ال��ع��رب��ي��ة ال��سّ ��ع��ود ّي��ة ع��ل��ى إث����ارة العزيمة، ون��ش��ر روح األم���ل ،وع��ن��اص��ر ال � ّت��ف��اؤل في عقول النّاس ،فهو يعلن صراحة بإسالميته وعروبته ،فالنّسب إسالمي ،واالنتماء عربي خالص ،إذ يقول(:)3
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (31 )2016
32
التي انيطت به تجاه شعبه ومجتمعه وأبناء سئلت إل��ى م��ن ينتهي نسبي؟ ُ إذا بمنتسب جلدته ،وذلك أنّه « :بمجرد ما يتلو صاحب ِ فلست للعُ رب ي��ا ق��وم��ي ُ ال القلم ،أو ينشر م��ا ك��ت��ب ،فقد فعل فع ً ق �ل �ب��ي ت �ع �ل��ق ب � ��اإلس �ل��ام ي�ع�ش�ق��ه إل� �ي ��ه دون س � � ��واه ي �ن �ت �ه��ي ن�س�ب��ي اجتماعياً ،فأصبح مسؤوالً ل��دى مجتمعه وشعبه ،وقومه ،وأمته ،ولدى اإلنسانيّة بما م��ا ك �ن��ت ُأص � ��د ُر ع��ن ح �ق��د أك� ّت�م��ه يرتبط وطنه باإلنسانيّة»( .)5وليس أدلّ على ال ،ب��ل ألنّ مصابي مثلكم عربي ذلك من قوله(:)6 فالسّ الم يشحذ الهمم ،ويبعث التفاؤل، ه� � � � ّب � � ��وا ف� � �ق � ��د دع � � � ��ت ال � � ��دواع � � ��ي واللقاء الوطني في نفوس الشّ عب ،كمقدمة واس � �ت � �ه � �ل � �ك� ��ت ك� � � � ��لّ ال � �م � �س� ��اع� ��ي إلع�لان عروبته ،ودوره في خدمة الوطن، والدّفاع عنه؛ فاألوّل مظهر جلي في شعره ،و ال � � � � �ع� � � � ��رب أي � � � � �ض � � � � � ًا ق� � � �ص � � ��روا فاقتران السّ الم بالعروبة ،واندماجه معها ل� � ��م ي � � ��رأب � � ��وا ع � �م� ��ق ان � �ص� ��داع� ��ي مثال الحبّ الكبير للوطن ،وإعادة الثّقة في ه ��ي وق �ف��ة م ��ن خ � ��ادم ال �ح��ر مين نفوس الشّ عب ،فقد عرف الشّ اعر كيف يشق م �ـ �ح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود ال� �ط� �ب ��اع طريقه إل��ى جماهير الوطن العربي ،فهو شاعر شعب ،وصاحب قضية ،يمثل حالة ل� � � ��م ت � � �ل � � ��قَ ع� � �ن � ��د ال � � � �ع� � � ��رب ع� �ن� �ـ� �ـ د ال � � � � �غ� � � � ��رب آذان اس � � �ت � � �م� � ��اع جماعيّة للشعب العربي ،ال حالة نفسيّة فرديّة ،وهذه الحالة المتكررة لصورة السّ الم يتخذ السّ الم في قصيدته اآلنفة( :غزة) الشّ عريّة ،أي ّ الصورة الجمعية أو العربيّة متكأ يتوجه من خالله لبث آالمه وأحزانه، التي مألت دواوينه الشّ عريّة ،وأخ��ذ ينافح وشكواه لفقد أهلها عناصر األمن والسّ عادة عنها كثيراً .فهو لم يكن رفاهياً ،أو ذاتياً وال��س��ك��ي��ن��ة ،م��ع �رّج �اً ع��ل��ى م��ن��اص��رة خ��ادم ولكنه كان دائماً (التزاماً) بالروح الجماعيّة ،الحرمين لشعب غزة ،ومدى مساندته لهم والدّفاعيّة عن المجتمع(.)4 في ظروفهم القاسيّة ،وهم يرزخون تحت إنَّ الشّ اعر جزء ال يتجزأ من مجتمعه ،احتالل غاشم ،وآلة حرب صماء. يحس بإحساسه ،ويتألم أللمه ،ويفرح ّ وشعبه، ويطالعنا السّ الم بأبيات أكد فيها صراحة لفرحه ،ويتساءل لتساؤله ،فبالرغم من والء على والئ��ه ال��ف��ردي ،وانطالقته الواسعة، السّ الم لوطنه ،ومراتع طفولته ،فلم يمنعه نحو عروبة خالية من النّفاق والمداهنة، ذلك من الوالء ألهل غزة ،وأبناء فلسطين؛ والنّكوص ،فيقول(:)7 فتأتي قصيدة( :غ��زة وص��رخ��ة ل��م تصل) معبّرة عن انتمائه العروبي ،مصورة للواقع أوّاه م� ��مّ � ��ا أص� � � ��اب ال� � �ق � ��وم أوّاه ت� ��أل� ��ب ال � � ّ�ش � ��ر وان � �ب� ��اج� ��ت ن� ��واي� ��اه األليم لشعب غزة ،مدركاً لمدى المسؤولية اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
يا ق��ادة ال��عُ ��رب إنَّ األم��ر في يدكم فالمصطفى دنّس األن��ذال مسراه فتى ك��أن�ن��ا كلما ف��ي ال �ح��رب م��ات ً ن�ح��ن ال��ذي��ن إل��ى األك �ف��ان ُسقناه
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
دم العروبة أضحى في المزاد سدى ول � �ل � �ي � �ه� ��ود دمٌ ق� � ��د زاد م � �ش� ��راه
يرسم الشّ اع ُر صورة لشخصية اإلنسان العربي المنتمي لبلده ووطنه وعروبته ،ذلك اإلن��س��ان ال��ذي ال ي��س��اوم على بلده مقابل دريهمات زهيدة ،فدم العروبة ال يقدر عنده بثمن ،ويتجلّى ذل��ك بقوله( :دم العروبة أضحى في المزاد س��دى) ،وه��و يتمنى أن يتوحد اإلنسان العربي ،ويدعوه إلى الحفاظ على األرض ،منوّهاً بهدف المحت ّل الطامع بأرض بالده. على أنّ السّ الم ال يبلغ قمة الروعة إ َّال حين يشرع في إسقاط ص��ور ال��والء لبلده السّ عوديّة من خ�لال األشياء التي يحبّها، فوطنه محبوبة عشقها ،وه��ام ف��ي حبّها، ويستطيع أن يفعل بها ما تشاء؛ ألنّها ملكت ف��ؤاده ،وأشركته بحبائل هواها ،فيقول في قصيدته( :حوار مع أهل الدار)(:)8
ب�ل��ادي ه��واه��ا ف��ي ف � ��ؤادي أح� ّ�س��ه و ق��د سكنت م�ن��ي وري ��د ًا وش��ري��ان��ا ع�ل��ى أرض �ه��ا ك� ّن��ا وك ��ان ل�ن��ا ال�ه��وى س�لاح � ًا ب��ه ن��رم��ي فنحكم مرمانا أح � � ّب� ��ك ي� ��ا خ� �ي ��ر ال � ��دي � ��ار م �ح � ّب��ة ت��وث �ق �ن��ا ب �ع ��د ال� �م� �م ��ات ب ��أخ ��ران ��ا
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (33 )2016
بفضلك ك��ان الصفو ملح حياتنا و َ ُب � � � �رْءٌ ت�ل�اقِ �ي �ن��ا وط� �ه ��رٌ مُ �ح �ي��ان��ا
إذا كان الطائر يحنّ إلى أوكاره ،فاإلنسان أحقّ بالحنين إلى أوطانه( ،)13ويعكس الحنين إل��ى الوطن جانباً مه ّماً في تجربة أحمد السّ الم ،وقد اشت ّد وبلغ ذلك الحنين عند الشّ اعر عندما ابتعد عن أهله ،وأق��ام في ال عن أسفاره العديدة، مدينة الرياض ،فض ً خاصة، ّ فأصبحت المملكة العربيّة السّ عوديّة والوطن العربي عامّة ،يتراءى له جنّة طافحة بمعاني األنس والطمأنينة والهناء.
وال ط ��اب ش�ع��ر م��ا ت�غ� ّن��ى ب��أوط��ان
وقد تفطن إلى ظاهر الحنين في الماضي الجاحظ (255هــ) ،وذلك من خالل رسالة له بعنوان( :الحنين إلى األوطان) ،تناول فيها حنين بعض الملوك إلى أوطانهم( .)15وقد بيّن فيها أنَّ حنين النّفس إلى مسقط رأسها من الشّ عور باالنتماء ،وأنّه من عالمات الفطرة السّ ليمة.
فمن الواضح أنَّ بين الشّ اعر ومدينته: (دومة الجندل) اتّصاالً وثيقاً ،وعالقة قلبيّة، تتقارب بنسيج عاطفي يتمثل فيضاً من الصور ،التي تمحو ما بينهما من مسافات مكانيّة لطبيعة عمله الذي يجعله بعيداً ،يقيم في الرياض.
لذلك ،احتلّت ص��ورة ال��والء للوطن في والحنين ب��اب قديم في الشّ عر العربي تجربة الشّ اعر حيزاً واسعاً ،تملك أن تحقق فيه مزيداً من الحركة ،والحيوية ،والتّجدد( .)9القديم ،وإن جاز لنا أ ْن نجعل لشعر الحنين ويكرّس السّ الم والءَه لوطنه في ديوانه( :بوح بداية ..فيمكننا أن نقول :إنَّ أوّل من حنَّ إلى الدّيار وبكى عليها في الشّ عر العربي هو ابن الخاطر) ،إذ يقول(:)10 حذام(.)14 ف �ل�ا دام ح � � ٌّ�ب ق� ��د ت �ع �ل��ق غ �ي��ره��ا
34
إنَّ ثمّة ارتباطاً وثيقاً بين الشّ اعر ووطنه، كما أنّ والء الشّ اعر يكشف عن إبراز مظاهر التّقبل ،واالرتياح ،واألمن ،الدّاعية لتمسك السّ الم بها ،ومحاولة الحديث عنها .ويطول بنا األمر لو رحنا نرصد نماذج الوالء العديدة عند السّ الم تجاه وطنه وعروبته؛ ذلك أنّ الصعود بهذا الوالء الذي نهتم له هو كيفية ّ وما يهمنا في هذا المبحث ،هو الوقوف واالنتماء إلى أفق جمالي ،وتعبيري فريد ،على مظاهر الحنين عند السّ الم من خالل على نحو ما أقدم عليه من النّماذج الشّ عريّة أشعاره العديدة ،وأنَّ أوّل ما يقابلنا من نتاجه السّ ابقة. الشّ عري في الحنين ،قصيدته التي حملت عنواناً ينبئ بمسقط راسه( :دومة الجندل)، -2صور الحنين للوطن مهد الحضارة ومصدر االشعاع ،إذ يقول (:)16 الحنين ف��ي ال�لّ��غ��ة :ال��شّ ��وق ،والمعنيان متقاربان( .)11ويقال :حنّ إليه ،يحنّ ،فهو أح� � �ي� � �ي � ��ك ي � � ��ا دوم� � � � � ��ة ال � �ج � �ن� ��دل حانّ ( ،)12ومن معانيه العطف والرحمة. ل� � �ق � ��اء ال� � � � ��ذي ك � �ن� ��ت ق � ��دم � ��ت ل��ي اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
�ذرت ل�ل�أه��لُ واألوط� � ��ان قافيتي ن� � ُ أن� ��اج � �ب� ��ك ي � ��ا م� �ع� �ب ��ر ال �ف��ات �ح �ي �ـ �ـ �ـ ف �ه��ل أض � � ُّ�ن ب �ه��ا وال � � ��دار ت��دع��ون��ي �ص � �ن � � ِ�ك م � ��ن ب �ط � ِ�ل ن ك � ��م ر َّد ِح � � ْ دا ٌر وال ك � � � ��لُّ ف � � ��ي م � �ف ��اخ ��ره ��ا إل � � ��ى ال � � �ك� � ��ون ت � ��رس � ��ل إش� �ع ��اع� �ه ��ا أه� ��ل وال ك� ��لُّ أه � � ٍ�ل ف ��ي ال �م��وازي� ِ�ن ل � �ي� ��زه� ��ر ف � � ��ي ع� � �ص � ��ره ال� �م� �ق� �ب � ِ�ل أن � ��ا أه � �ي� ��مُ ب �ه ��ا ص �ب �ح � ًا وأم �س �ي��ة وس � � � � � � � � ّر ال � � �ك � � �ت� � ��اب� � ��ة ج � � � � � � ��ادت ب ��ه حتى استقرّت على رأسي وفي عيني ع� � �ل � ��ى أه � � � � ��ل م� � �ك � ��ة ل� � � ��م ت � �ب � �خ � ِ�ل م ��ا ج �ئ��ت ذاك � ��رة ال �ت��اري��خ أس��أل�ه��ا �ص� �ب ��ا رع � �ت � �ن� ��ي ف� � ��ي ُخ� � � �ط � � ��وات ال � ِّ �دت ش ��ذاه ��ا ك��ال��ري��اح �ي��ن إ َّال وج� � � ُ وف� � � ��ي زم� � � ��ن ك� � �ن � � ُ�ت ال ح� � � ��ول ل��ي ي ��ا ج� ��وف أن� ��ت ل �ن��ا ق �ل��ب ن �ل��وذ به وك � � � � � � � ��لّ ال� � � � �ب � � � ��راي � � � ��ا ت � � � �ل� � � ��وذ ب� �ه ��ا طين كنت من رمل ومن ِ حتّى وإن ِ ف � ��أن � � �ع � ��م ب� � � ��دوم� � � ��ة م� � � ��ن م � ��ؤئ � � ِ�ل أح � � ّ�ب أه� �ل ��ك م ��ن ب � ��دوٍ وح ��اض ��رة يمضي الشّ اعر في ذكر حنينه إلى مسقط رأس���ه ،وذك��ري��ات��ه الماضية ،م��ت��ذك��راً رب��وع مدينته النّضرة ،وسحر طبيعتها الخالبة، ويسترسل في الحديث عن الماضي الزاخر ب��ال��م��ع��ان��ي ال��سّ ��ام��ق��ة ،واألخ��ل�اق العربيّة األصيلة ،ويؤكد الشّ اعر على فضل ال ّدومة، مرتع الطفولة .تلك المدينة الوادعة بأهلها، وآثارها العريقة ،فإنّها لم تبخل عليه إرشاداً أو توجيهاً؛ ل��ذا يستحضر ذل��ك الماضي العزيز الذي قضاه في ربوعها ،فيلقي عليها تحية احترام واعتزاز.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
أت �ي� ُ�ت ي�ح�م�ل�ن��ي ش��وق��ي وي�غ��ري�ن��ي ول � � � �ي� � � ��س غ� � � ��ري � � � �ب � � � � ًا ع � � �ل � � ��ى ب� �ل ��د ن�ح��و ال��ذي��ن إل��ى عشقي أع��ادون��ي ل �ه��ا ال �س �ي��ف ف ��ي األع� �ص ��ر األوّل
وح��بُّ �ه��م ب��اتَ ي�س��ري ف��ي شراييني
يتصاعد حنين السّ الم عندما يذكر أماكن طفولته ،ويشتد حنينه كلّما أكث َر من ذكر تلك األماكن والدّيار ،ومع تصاعد بوادر الشّ وق، والحنين يشعر براحة داخلية ،وإحساس نفسي مفعم بالسّ عادة والتفاؤل.
ومن هنا ،تشكل الجوف – بالرغم أنها رم���ال وط��ي��ن -م�ل�اذاً آم��ن �اً ل��ه ،ومستقراً خالياً من الضوضاء وصخب المدينة ،فهي مستودع السّ ر ،ونبع ال��دفء والحنان ،فهو ال يملك إال أن يشت ّد نحوها ،ويعلن حنينه الجارف ،والممزوج بحشرجة الفاقد لعزيز ويتابع السّ الم في وصف محاسن مدينته ،ابتعد عنه ،وهذا يدلّل مدى صدق إحساس ولتتسع دائرة الحنين لتشمل الدّ ومة ،ومن الشّ اعر وحنينه إلى وطنه. ث��� ّم منطقته ال��ج��وف إل���ى أن ي��ص��ل وطنه وف���ي م��ش��ه��د آخ���ر م��ن م��ش��اه��د حنين السّ عودية ،موئل الحجيج ،وم��ه��وى أفئدة الشّ اعر يصور لنا طبيعة بالده ،وما احتوته التائبين إلى اهلل ،فيقول(:)17 من إخاء واستقبال ،وإيواء لألمتين العربيّة
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (35 )2016
واإلس�لام � ّي��ة ،فيحدوه األم��ل وال��شّ ��وق في وإذا س �ئ �ل��ت أج� �ب ��ت إن ح�ب�ي�ب�ت��ي البقاء عليهما ،إذ يقول(:)18 ه� � ��ذه ال� � ��دّ ي� � ��ار ب� �م ��دْ ن� �ه ��ا وق� ��راه� ��ا أح � � ّب � ��ك ي � ��ا أ ّم ال � �ب �ل��اد وخ �ي ��ره ��ا تتعالى نغمة الحنين ،والشّ وق لدى السّ الم، أح � ّب� ِ�ك ي��ا سَ �ل��واي ع��ن ك��لّ ُس �ل� ِ �وان وتصل هذه النّغمة إلى درجة الحبّ ،والغرام، كأنّها عشيقة مقبولة ،قريبة من الّنفس، ومن يفترش خير األراضي ومن يكن س�م��اه��ا ل��ه س �ق� ٌ�ف ف�ل�ي��س ب��عُ ��رب��ان وحبّ السّ الم للوطن الذي من أجله يضحي، وم��ا زال يهيم بهواه ويشتهي لقاءه ينفض وإن ذُ ك � ��رت أوط� � ��انُ ق � ��ومٍ ف��ذك��ره��ا مشاعر قلبه ،وأحاسيسه النّفسيّة. ميدان ِ ألسن الجلَّى وفي كل ِ على
ونظرة فاحصة للنّص الشّ عري السّ ابق، يبيّن لنا أنّه يقوم على ملمح أسلوبي جَ لي تمثّل في أسلوبيّة التّكرار ،نحو( :أحبّك، سلوان ،خير)؛ ليعبّر من خالله عن شوقه، وحنينه لوطنه ،كما يشير ه��ذا إل��ى صدق تجربة الحنين ،واستمرايتها.
وي��ص��ور ال��سّ ��ال��م ذل���ك ال��ح��بّ ال��ج��ارف للجوف ،وأهلها ،بفتاة معشوقة ،نأت عنه، وابتعدت ،فبدأ يشعر بألم الفراق ،ويتنهد لوعة وحسرة لهذا الجفاء ،كما أنَّ قلبه التوى بخسران الفتاة الشّ ماليّة ،فما عاد يستطيع سوى أن يقول(:)20
ك �ي��ف ت� �ن ��أى وح �ب �ن��ا ع ��ن ت��راض��ي فهو يتحدث عن تجربة وجدانيّة عاشها، ف� �ت� �ق ��دّ م واش � � ��رب ن �م �ي��ر ح �ي��اض��ي
وتفاعل معها ،وانعكست في أشعاره ،وبرزت ل �ي��س ع� �ن ��دي ل� �ط ��ول ص � ��دكَ س � ّر على ألفاظه ،وصوره الشّ عريّة.
ب �ع ��د ع� �ه � ٍ�د م� ��ن ح� � ّب ��ك ال �ف �ي��اض
بلغ توحد وحنين السّ الم حداً لم يصل إليه سواه ،إنّه اإلدراك الواعي لمستوى التصاق ي��ا ف�ت��اة ال�ح�س��ن ال�ش�م��ال��ي ي��ا من ق��د أم�ل�ن��ا منها ببعض التغاضي الشّ اعر بوطنه ودياره ،وأهله وأماكن طفولته، فلم يكن الوطن بالنسبة له تكتيكاً أو خطة أو صالحيني ع ��ودي ك�م��ا أن��ت حتّى قصة رومانسية يصوغها ،ويحبك أقطابها، نستشف الحنين م��ن ك��ل ماضي ب��ل ح� ّم��ل ه��م��وم��ه ،وأث��ق��ال��ه ومسؤولياته. ول � �ئ ��ن ك � �ن � ُ�ت ق� ��د ت� �ب ��دّ ل ��ت غ �ي��ري فالسّ الم صبغ وطنه بلوحة كاملة األل��وان، �اض ف� �س ��أع� �ط ��ي ص� �ب ��اب� �ت ��ي ل� �ل ��ري � ِ استمدها من حياة وواق��ع اإلنسان المتعلق إنّها الحبيبة األرض ،ال��وط��ن ،المكان، بدياره ،ووطنه ،فقال(:)19 األهل ،الوطن الذي يضحي بزهو العمر من ش� ��وق س� ��رى ب �ي��ن ال �ض �ل��وع وت��اه��ا أجله ،والحبّ تضحية أك��ان الم��رأة أم كان رف � �ق � � ًا ب� �ه ��ا ي� ��ا ح � � ّ�ب م� ��ن أه ��واه ��ا لفكرة ،ف��إذا غابت المعشوقة الحبيبة عن العين( ،)21وحجبتها جدران العمل والوظيفة، ف � � َّت� ��ان� ��ةً م �ل �ك��ت ف � � � ��ؤادي وارت � �م ��ت ف � �ي� ��ه ب � �ك� ��ام� ��ل ح� �س� �ن� �ه ��ا وب� �ه ��اه ��ا استوطن حبّ الوطن ،وتربّع على عرش قلب
36
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
لم يتمالك السّ الم نفسه من شدّة شوقه ل��وط��ن��ه ،بعد أ ْن ف �رّق��ت الوظيفة بينهما، فارتقت ب�لاده مرتقاً عالياً ،وسكنت قلبه؛ ّص إلى درجة عالية إذ يرتقي الشّ اعر بالن ّ * ( )1 ( )2 () 3 ( )4 ( )5 () 6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 () 11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15 () 16 () 17 ( )18 ( )19 ( )20 ( )21 ( )22
أكاديمي وناقد من األردن. تطور االتجاه الوطني في الشّ عر الفلسطيني المعاصر ،سعدي أبو شاور ،المؤسسة العربيّة للنشر، بيروت2003 ،م ،ص.53 ديوان دموع في مواجهة الطوفان ،أحمد عبداهلل السّ الم ،دار المفردات للنشر والتّوزيع ،الرياض، 2012م ،ص.19 ديوان دموع في مواجهة الطوفان ،ص.17 الحنين والغربة في الشّ عر العربي الفلسطيني الحديث ،أحمد يوسف البالصي ،دار كنوز المعرفة العلميّة ،عمّان2009 ،م ،ط ،1ص.136 األدب المسؤول ،رئيف خوري ،دار اآلداب ،بيروت ،ط1982 ،2م ،ص.48-47 ديوان دموع في مواجهة الطوفان ،ص.79-74 ديوان دموع في مواجهة الطوفان ،ص.87 ديوان صدى الوجدان ،أحمد عبداهلل السّ الم ،دار غريب ،القاهرة2006 ،م ،ص.70 ظاهرة الشّ عر الحديث ،أحمد المعداوي المجاطي،مراجعة وتقديم بخيت العوفي ،شركة النشر والتوزيع ،الدار البيضاء2002 ،م ،ص.175 ديوان بوح الخاطر ،أحمد عبداهلل السالم ،مرامر للطباعة اإللكترونيّة ،الرياض1418 ،هـ ،ص.93 لسان العرب ،ابن منظور جمال الدين بن مكرم المصري دار صادر ،بيروت ،د.ت ،مادة(:حنن). الصحاح ،أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط1987 ،4م ،مادة: ّ (حنن) ،ج.5 الحنين إلى األوطان ،أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ،دار الرائد العربي ،بيروت1982 ،م ،ط،2 ص.9 الحنين في الشعر األندلسي ،محمد أحمد دقالي ،دار الوفاء ،دنيا للطباعة والنشر ،اإلسكندرية، 2008م ،ط ،1ص.26 الحنين إلى األوطان ،الجاحظ ،ص.7-6 ديوان قبالت على الرمل والحجر ،أحمد عبداهلل السالم ،هبة النيل العربية للنشر والتوزيع ،الجيزة، مصر2005 ،م ،ص .76 ديوان قبالت على الرمل والحجر ،ص .109 ديوان بوح الخاطر ،أحمد السّ الم ،ص .96 ديوان قبالت على الرمل والحجر ،أحمد السّ الم ،ص .18-17 ديوان صدى الوجدان ،أحمد السّ الم ،ص.56 السّ جن في الشعر الفلسطيني ،ص.262 ديواناه الوطني في الشّ عر الفلسطيني المعاصر 1918م1968 -م ،محمد عبداهلل عطوان ،منشورات دار اآلفاق الجديدة ،بيروت ،ط1998 ،1م ،ص.530
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الشّ اعر ،وبدأ جل ّياً ،وذلك في مفردات( :يا فتاة الحسن الشّ مالي ،صالحيني ،عودي، الحنين )..،ترابط وثيق بين الشّ اعر وحبيبته الجوف ،ال��ذي ينبعث من عاطفة صادقة، وشعور داخلي ،وببرز ال �دّور المشرف في تأثيره الطيب بين أبناء وطنه.
م��ن ال���ق���درة ال��ف � ّن � ّي��ة ،وي��رب��ط ب��ي��ن ال��ح��بّ والوطن ،فهو يساوي في الحبّ بين األرض والحبيبة ،ويطلب من األخيرة أن تسمعه وال تتركه؛ ح ّباً بل شغفاً بحجارة وطنه وزيتونه، وأط�لال��ه ،ومنزله؛ أل ّن��ه ي��رى وطنه بمثابة السّ الح الحامي ،والمدافع عنه ،إ ّن��ه مزج جميل ،ومساواة لطيفة ،تدلّ على أنّ السّ الم يمسك بزمام أم��ره ،ول��ن يتخلى عن حبّه، وانتمائه ووالئ��ه لوطنه أو يحيد عن سبيل هذا االتجاه(.)22
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (37 )2016
عزف الكلمات! أحاديث الشعر ..قراءة ثقافية وحضارية ρρأ .د .خالد فهمى*
مدخل:
ك��ان ال�ش�ع��ر ،بما ه��و «ك�ل�ام م ��وزون مقفى» على ما أثر عن ابن قتيبة ،ذا منزلة مرموقة في نفوس القوم .وكان سبيلهم إلى مواجهة ال�ع��ال��م بالمعنى الحقيقي .ح�ت��ى ص��ح عن ع�م��ر ب��ن ال �خ �ط��اب ،رض��ى اهلل ع�ن��ه ،أن ق��ال: «ال �ش �ع��ر ع �ل��م ق ��وم ل ��م ي �ك��ن ل �ه��م ع �ل��م أص��ح منه» على ما أخرجه ابن سالم الجمحي في طبقات الشعراء[24/1؛.]524 وقد تكاثرت أقوالهم الدالة على هذه المنزلة الكبيرة للشعر في نفوسهم ،كان جمع طرف ًا منها الدكتور أحمد مطلوب في :معجم مصطلحات النقد العربي القديم[ص ،]226:والدكتور محمود الربداوي في كتابه :كشاف العبارات النقدية واألدبية في التراث العربي[ص.]201:
38
( )1مصادر فحص موقف اإلسالم ال��ت��دخ��ل بين كتابه المعجز األع��ل��ى، من الشعر القرآن الكريم ،وغيره من أنواع الكالم لقد كان على اإلس�لام بما هو دين األخرى. خاتم يملك رؤي ًة وتصوراً خاصاً للكون وهو ما دعا الكتاب العزيز أن يلمس والوجود والعالم ،أن يتخذ موقفا من القضية بما يمهد الطريق لفحص دقائق ال��ش��ع��ر ،ألس��ب��اب ك��ث��ي��رة تتعلق بمنع هذه العالقة ،ومالبساتها. اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وال يمكن فحص تفصيالت هذه القضية المهمة من الجوانب االعتقادية والثقافية فهذه المدونة الموجزة دلت على مجموعة والحضارية واالجتماعية معاً ،دون تعيين من كليات الحقائق المركزية على طريق للمصادر األس��اس��ي��ة لموقف اإلس�ل�ام من فحص القضية يمكن إجمالها في ما يلى: الشعر. أ -نفى أن يكون الكتاب العزيز شعراً ،وبيان لرصد ٍ وفى هذه المقالة /الفقرة محاولة كونه جنساً قولياً متمايزاً من غيره بطريق موجز لرؤوس هذه المصادر التأسيسية: ٍ القصر والحصر﴿ :إن هو إال ذكر وقرآن مبين﴾ ،وهو ما يدعم فريق الدارسين أوال :القرآن الكريم المعاصرين الذين جنحوا إل��ى تقسيم يمثل الكتاب العزيز بما ه��و المصدر األجناس القولية إل��ى :القرآن الكريم، المحوري للتصور اإلسالمي للعالم المصدر والشعر ،والنثر. األول لفحص موقف اإلسالم من الشعر. وقد تنوّع حضور لفظ الشعر والشاعر وال��ش��ع��راء ف��ي الكتاب العزيز ف��ي مدونة قصيرة كما يلى: الشعر﴿ :وما علمناه الشعر ،وما ينبغي لهإن هو إال ذكر وقرآن مبين﴾ [سورة يس ]69/36
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
[سورة الشعراء ]224/26
ب -بيان أن اتهام المشركين النبي صلى اهلل عليه وسلم بأنه شاعر ،كان طريقاً مسلوك ًة مأنوس ًة للنيل من الرسالة ،وهدم بنيانها. وهو ما يعني أنهم قصدوا إلى بيان أن ما جاء به صلى اهلل عليه وسلم ،ما هو إال فحص خياالت وأوه��ام وأساطير ،وهى الدالالت المركزية والهامشية لتصورهم للشعر.
ش��اع��ر ﴿ :ب��ل ق��ال��وا أض��غ��اث أح�لام بلاف��ت��راه ب��ل ه��و شاعر﴾[سورة األنبياء ج -النفي الصريح لكون النبي صلى اهلل عليه ]5/21 وسلم شاعرا ،وهو ما كان له تأثيره في ﴿وي��ق��ول��ون أئ��ن��ا ل��ت��ارك��و آلهتنا لشاعر برامج وضع قواعد الشعر ،وتقسيماته. مجنون﴾ [سورة الصافات ]36/27 د -البيان العام عن أن الشعر كالم مركزه ﴿أم ي��ق��ول��ون ش��اع��ر ن��ت��رب��ص ب��ه ري��ب الخيال أو الغواية ،وغاياته طلب التأثير المنون﴾ [سورة الطور ]30/52 الوجداني في المتلقين. ﴿وما هو بقول شاعر قليال ما تؤمنون﴾ وه��و ن��وع اع��ت��راف بطاقات الشعرية في [سورة الحاقة ]41/69 تغيير العالم ،وهو ما يفهم في سياقه االستثناء -الشعراء﴿ :والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ الوارد في آية سورة الشعراء.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (39 )2016
وي��ل��ح��ق ب��ه��ذا ال��م��ص��در م��ا ق���ام عليه من ويلحق ب��ه��ذا ال��م��ص��در أدب��ي��ات السيرة تفاسير آلياته ،وهى كثيرة ومتنوعة المناهج ،الموسعة التي اعتنت باالستشهاد بالشعر يمثل جمعها مصدراً مهماً لفحص العالقة بين وتفسيره وشرحه ،وفي مقدمتها :سبل الهدى والرشاد ،البن طولون الصالحي الدمشقي القرآن والشعر. وأدبيات شرح أبيات السيرة ،وأهمها :شرح السنة النبوية الشريفة ثانياُّ : أشعار السيرة ألبي ذر الخشني. تمثل ن��ص��وص ال��س��ن��ة ال��ن��ب��وي��ة الشريفة ثالثا :كتب النقد األدبي العربي القديم المصدر الثاني المركزي على طريق فحص وكشافاته ومعاجم مصطلحاته المعاصرة. موقف التصور اإلسالمي من الشعر. إن كتب النقد األدب���ي ال��ع��رب��ي القديم وق��د احتفلت كتب الصحاح وال��م��دون��ات التي تنبهت لدراسة الشعر بما هو جنس الحديثية جميعاً بتخريج أحاديث الشعر في أدب��ي مائز في تاريخ العرب ،جمعت كثيراً أبواب مختلفة ،فجملة منها في كتاب الرقاق م��ن النصوص المهمة على طريق فحص من صحيح البخاري/وكتاب الصالة /وكتاب هذه العالقة بين القرآن والشعر ،وفحص األدب /وغيرها ،وجملة أخ��رى ف��ي صحيح التصور اإلسالمي للشعر ،من مثل« :الشعر مسلم في كتاب فضائل الصحابة /وغيره. والشعراء» البن قتيبة ،و«العمدة» البن رشيق وبقية كتب الصحاح والسنن والمسانيد لم تخل القيرواني ،و«المثل السائر» الب��ن األثير، من أحاديث األشعار. و«العقد الفريد» ،الب��ن عبدربه األندلسي ثم استقلت أحاديث الشعر بأجزاء مفردة وغيرها. مستقلة ،جمعتها ،وخرجتها ،ولعل أشهر جزء إضافة إلى عدد من األدبيات المعاصرة حديثي في ه��ذا الباب وه��و( :ج��زء أحاديث التأسيسية ككتاب« :كشاف العبارات النقدية الشعر) ،للحافظ عبدالغني عبدالواحد بن علي واألدبية في التراث العربي» ،للدكتور محمود المقدسي ،المتوفى سنة 600ه��ـ ،وكان نشره الربداوى. وحققه/إحسان عبدالمنان الجبالي ،بالمكتبة اإلسالمية ،بعمان ،األردن1410 ،هـ = 1986م )2( ،هل يمكن للشعر أن يغير العالم؟! ثم صنع له ملحقاً ،قسمه موضوعياً ،كما يلى: قراءة ثقافية حضارية ألحاديث الشعر
40
-1ما ورد في الشعر ،استدرك فيه ثمانية عشر كانت للمنزلة التي احتلها الشعر في حديثا ،كما يذكرها عبدالغني المقدسي .النفس العربية على امتداد تاريخها ،أثرها ب -م��ا ورد ف��ي ذم الشعر ،اس��ت��درك فيه في طرح هذا التساؤل المهم جدا. وهو التساؤل الذى يعيد لفحص موقف سبعة وعشرين حديثاً. اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
إن ق��راءة مدونة األحاديث النبوية حول عدد من األبعاد الشعر وتحليلها ،قائدة إلى ٍ الثقافية والحضارية التي يمكن أن تعزز من -2استثمار المخزون الثقافي المستقر في دواعم التنمية في بعديها الثقافي والحضاري دعم حقائق العقيدة. باألساس. وه��ذا الملمح النقدي ك��ان بإمكانه أن وف��ى م��ا يلى بيان مالمح ه��ذه ال��ق��راءة يحدث تطويراً جباراً على مستويين على الثقافية الحضارية ألح��ادي��ث الشعر في األقل لو أحسنت الثقافة العربية استثماره، السُ نَّة المشرفة: هما: القديم ،بدليل استحضار النبي صلى اهلل عليه وسلم لبعض نصوصه..
أوال :تعزيز التوحيد ،وقيم العقيدة واإليمان.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
التصور اإلسالمي من الشعر مكانته ،بما هو مالحظة الموضوع أو القضية التي يحملها وسيلة لتعزيز الفرح الساكن على حد تعبير بيت الشعر كاشف عن: الدكتور أسعد دوراكوفيتش في كتابه المهم -1 :اس��ت��ق��رار الشعر ف��ي التكوين الثقافي «علم الشرق». للنخبة العربية على ام��ت��داد تاريخها
-1دع��م النقد الموضوعي ،وترقية النظر إلى المعنى.
إن من الخطأ النظر إلى التوحيد وحقائق -2دع��م ال��دع��وات ال��ردي��ئ��ة للتخلص من االعتقاد واإليمان من منظور عمل العقل، الثقافات األخرى بدعاوى غير صحيحة. واستجماع األدلة فقط؛ ذلك أن تعزيز قيم وف���ى ه���ذا ال��س��ي��اق ي��م��ك��ن ال��ن��ظ��ر إل��ى التوحيد من المنظور الجمالي والفني مهم مجموعة أخرى من أحاديث الشعر ،تكشف ج��دا؛ تنظراً لتأثيره المباشر والحي في بشكل ظاهر جدا أهمية استثمار النصوص النفس اإلنسانية. الشعرية ف��ي دع��م البناء الفكري للدين، وقد جاء في أحاديث الشعر ما يكشف عن من مثل حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن ذلك النظر ،فقد ورد في حديث أبي هريرة [أحاديث الشعر للمقدسي »]2/39 :أنه ال��ذى أخ��رج��ه ال��ب��خ��اري [أحاديث الشعر، سمع حسان بن ثابت األنصاري يستشهد أبا للمقدسي ،ص ]1/37 :أن النبي صلى اهلل هريرة :أنشدك اهلل ،هل سمعت رسول اهلل عليه وسلم قال« :ما قالت الشعراء بيتاً هو يقول« :يا حسان! أجب عن رسول اهلل صلى أصدق من قولهم: اهلل عليه وسلم .اللهم أيده بروح القدس» قال «أال كل شيء ما خال اهلل باطل» أبو هريرة :نعم ومثله حديث البراء [أحاديث إن ه��ذا الحكم النقدي المؤسس على الشعر للمقدسى ،]3/40:قال النبي صلى
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (41 )2016
اهلل عليه وسلم لحسان« :لهج المشركين ،وطلب المزيد ،وهو ما يعني تحقق نمط من المتعة والبهجة النفسية مرجعها إلى أمرين فإن جبريل عليه السالم معك». إن هذين الحديثين وغيرهما كاشفان عن ظاهرين جدا: التوظيف النبوي للشعر ،في القيام بدعم -1طبيعة الفكرة اإليمانية التي ينطق بها شعر أم��ي��ة ب��ن أب��ى الصلت ،بدليل ما االنتصار لحقائق اإلسالم من أخطر أبوابه جاء في بعض روايات الحديث من عبارة جميعا ،وهو باب االعتقاد ،إذ إن المنافحة «استسلم في الشعر»! عن مقام النبي الكريم يقع في الصميم من
مبحث ال��ن��ب��وات ،وه��و رك��ن ركين م��ن علم -2طبيعة ال��ن��ظ��م ال����وارد م��ن الموسيقا التوحيد والعقيدة. والقافية ،بدليل استعمال مفردات من مثل :أنشدته أو أنشده ،وإنشاد الشعر ثانيا :تعزيز ثقافة المرح والمتعة نوع من إلقاء الشعر بطريقة خاصة تعنى البريئة والبهجة اآلمنة ،والفرح الساكن. بالتوقيع الموسيقي. لقد كان عجيبا جدا أن تنطق مجموعة من ثالثا :استثمار الشعر في تعزيز أحاديث الشعر ،بما يوحي بدرجة وضوح عالية التحمّ ل والتجلّد في العمل. بتعزيز ثقافة المرح ،والمتعة البريئة والبهجة اآلمنة ،والفرح الساكن ،والترفيه؛ فقد جاء في حديث عمرو بن الشريد عن أبيه ،قال:
كنت ردف النبي صلى اهلل عليه وسلم ،فقال لي« :هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء»؟ قلت :نعم قال «هيه» ،فأنشدته بيتا،
ثم قال« :هيه» ،فأنشدته بيتا ،فلم يزل يقول: «هيه» وأنشده حتى أنشدته مئة بيت» .وفى حديث جابر بن سمرة « كان الصحابة يذكرون
عنده الشعر فيضحكون ويتبسم».
إنني أريد أن أقف قليال أمام داللة تكرار
اسم الفعل «هيه» الكاشفة عن مقدار من المتعة وال��ل��ذة المتحققة م��ن تلقيه صلى
اهلل عليه وسلم لشعر أمية بن أبى الصلت،
42
ألن اسم الفعل «هيه» دال على االستزادة،
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
إن التمكين ل��ث��ق��اف��ة ال��ع��م��ل ،وتعظيم االرت��ب��اط بالمهن المفضية إل��ى العمران، وترقية الوجود المادي للحياة ،أمر ظاه ٌر ج��� ًدًا ف��ي التصور ال��ذى ج��اء ب��ه اإلس�لام، وأح��ل��ه ف��ي الثقافة العربية بعد أن كانت تزدري المهنة والعمل اليدوي ،وتؤخر رتبته في قوائم مسببات حيازة الشرف اإلنساني. وقد جاء في األحاديث ما يعزز استثمار الشعر في تعزيز التحمل ،ودع��م االرتباط بقيم العمل الجاد المؤسس للحضارة المادية والمعنوية معا ،ففي حديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق قال :سمعت البراء بن عازب يقول :رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم الخندق وهو ينقل التراب
حتى وارى شعر ص��دره ،وهو يرتجز بكلمة ابن رواحة: صالونات شعرية وأدبية فيها ،يسمح بتوفير ج��زء من ميزانيات ال��دول اإلسالمية التي
ال� �ل� �ه ��م ل� � ��وال أن� � ��ت م � ��ا اه �ت��دي �ن��ا وال ت � � �ص � ��دق � � �ن � ��ا وال ص� �ل� �ي� �ن ��ا تنفق على إن��ش��اء ال��م��ؤس��س��ات الثقافية، ف��أن��زل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن س�ك�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ة ع�ل�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا وث� � � �ب � � ��ت األق � � � � � � � � ��دام إن الق � �ي � �ن� ��ا إن األل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ى ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �غ��وا ع�ل�ي�ن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا وإن أرادوا ف � � �ت � � �ن � ��ة أب � �ي � �ن� ��ا
ويضمن وصول الخدمات الثقافية إلى أكبر قطاع من الجماهير ،بسبب من االنتشار الواضح للمساجد.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
إن استعمال المساجد الكبرى ،وافتتاح
خامسا :دعم تطوير اللغة اإلعالمية، واألداء اإلعالمي والعناية بالجماليات
ويمد بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم المؤثرة في النفس اإلنسانية المتلقية. صوته». إن التعليق األخ��ي��ر ال����وارد ف��ي حديث سيدنا البراء وهو :يم ُّد بها رسول اهلل صلى كاشف عن استثمار ٌ اهلل عليه وسلم صوته، الشعر في االستعانة على األعمال الشاقة المرهقة .وهو األمر الذى استقر في ثقافة العمل على ام��ت��داد التاريخ ف��ي الثقافات الشعبية للشعوب العربية اإلسالمية بتأثير هذا.
لقد ورد في عدد من أحاديث الشعر ،ما
يوحي بإمكان استثماره في تطوير الخطاب اإلعالمي ،وتقدير العناصر الجمالية اللفظية فيه ،فقد استثمر الشعر ف��ي زم��ن النبوة جهازاً إعالمياً ودعائياً في مواجهة أعداء األمة من جانب ،وفي دعم توجهات النظام الحاكم ،ففي الحديث الصحيح (أحاديث الشعر )9/104عن كعب بن مالك قال :قال
رابعا :آفاق جديدة لتطوير المؤسسات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن المؤمن يجاهد بنفسه ولسانه ،وال��ذي نفسي بيده الثقافية لقد ظهر في كثير من أحاديث الشعر ما يكشف عن استنشاد الشعر في المسجد، وضرب قبة لحسان لقول الشعر فيه ،وهو م��ا يمكن معه تطوير مفهوم المؤسسات الثقافية ،وخلق آفاق جديدة تؤذن بالتنمية االقتصادية والثقافية معا.
لكأنما يرمون فيهم به نضح النبل».
إن إع��ادة فحص مدونة أحاديث الشعر تمثل أنموذجاً لنمط من الثقافة المعاصرة تفرض إع��ادة االقتراب الواعي من النطاق المركزي الذي ضمن لهذه األمة انطالقتها الكبرى في الحياة.
* كلية اآلداب ،جامعة المنوفية -مصر.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (43 )2016
الفراشة المسافرة في سماء الشعر «حسنة أو لهاشمي» ρρجناة الزباير*
حسنة أولهاشمي ،هذه الشاعرة التي فتحت باب أبجديتها على الجمال ،تمأل راحتيها من األلوان القزحية ،فتنساب شعرا رقراق المعاني. نعم؛ هذه الشاعرة التي تابعتها عن كثب منذ مدة ،أراها تتجدد مع كل قصيدة، بحس يمطر خيا ًال خصباً ،تمر من خالله القصيدة متبخترة في ٍّ وتعانق األشياء أفق مليء باألسرار الذاتية. فهل هي تلك الشاعرة التي توشوشنا حكايات تسافر عبر اللغة لتكتب ذاتها بحبر مليء بالرنين؟ أم تراها تتنقل فوق أرض الحروف صمتنا ،ويبني فوق أنقاضه عالما من لتستظل ب��ظ��ل��ه��ا ،ك��ي تصير ف��راش��ة البوح الجميل ،تمسك بزمامه وتدعنا ن��س��اف��ر ف��ي��ه .ف��ه��ل ه��ي غنائية توقد تستمتع بهمس الوجود؟ أصابع الحيرة كي نرى أديم القصيدة سأقف عند ثالث قصائد؛ «تسل ُبني مبعثرا بين الذي كان. زم � ًن��ا» ..و« َم���دَافِ ��� ٌن مِ � ْن َورَق» و« َف �ل َ � َذةُ و َم��ن ه��ذا ال��ذي صنع فجيعة لهذا الْيَاسَ مِ ينِ ». القلب؟ قطرات من حبر الوجد
44
تقول:
إن اإلص��غ��اء الجميل لألبعاد التي تسلُبني زمنًا تدق أجراسها في شعر الشاعرة ،يردم كنت قد خبَّأتُه ُ اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
َاي مكلومٍ ثقوب ن ٍ ِ بين إن الزمن المسلوب هو العمر ال��ذي ال يعود ،فكيف إن كان يرقص على نغمات الناي الحزين؟ تستمر الشاعرة في توجيه الخطاب لهذا الذي يرسم من خالل كلماتها غيماً يمطر سواداً .يجعل الذات الشاعرة تتدحرج فوق بساط األل��م ،فهل هناك أقسى على المرء من التخلّي عن ب��راءة قلبه وت��رك األح�لام تسقط من سالل الريح؟ تقول:
طفل ٍ تستعيرُ قلبَ ّيح كسيحا بين َفلْجَ ةِ الر ِ ً ترسمُ ُحلْم ًا
أزهرتْ ُشحوبَ َضوئِ َك الغافي في عينَيَّ ..
لكن حُ بّه النائم في عينيها يوقظها كلما وال يقتصر األمر على هذا ،بل تتجاوزه سامرت وحدتها ،لتوجه إليه رسالة هي أشبه إلى رصد سلبيات هذا الرجل ال��ذي يبدو برسالة جندي ترك وصيته األخيرة ،والتي قديساً في الظاهر ،لكن تصرفاته تُبكي تحمل آخر شهقة لحب مأل عليها الوجود. قلبها. تقول: تقول:
يس قد ٍ تلبس ردا َء ِ ُ بين كفّ يهِ يرقدُ صدى معابد تسكُ نها أزمنة ب ّل َلتْها آهات بلقيس
كرسالةٍ أخيرةٍ لفظت ُجثّتُ ه الحروب ْ لجندي ُ ُك ت َُسلُّ آخ َر شهقةٍ كانت كلمات َ يد الوجود.. من ورِ ِ
وبين الخداع والصمت ،تنزف الكلمات، فيا لهذه العتمات التي تطوق قلبها ،وال لتجمع الشاعرة شتاتا روحيا قد ال يدوم تجد بين ثناياها غير جفاء يكسر حلمها ،طويال ،أوليس صبح المشاعر بقريب؟ وُبعدا يسامر لوعتها! تقول: تقول:
يشق ال َّنوْء كلمات ُّ ردّدها الهدهدُ في حضرةِ جفاك فس َكبَت جفوني لوعةً يتِ يمةً
الوقت لتجترَّ خداعً ا ِ لك كُ لّ مساءات تلك الرَبوةِ العذراء ُ َصقَلتهُ مت الص ِ لي كُ لُّ َّ غيمات ٍ ألزحَ َف بين ضلوعِ
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (45 )2016
ترْشقُ موتي الص ْحوِ .. ّات َّ بحب ِ
الروح ِ رصيف ِ على عناق أبدي. ٍ ونذوب في زفرةِ ُ
لكن إن ك��ان الحبيب ال���ذي غمر حياة في هذا النص المليء بأوجاع الحياة ،تنثر القصيدة بكل الصفات األنانية ،والتي تتمثل الذات الشاعرة غربة مألت فضاء القصيدة، في القسوة ،والخداع ،والتجاهل ،والنسيان؛ لتختمها باألمل المغلف بالزفرات. ف���إن ال��ش��اع��رة ت��م�لأ رح��اب��ن��ا بالتداعيات فهل هي معاناة الشاعر الدائمة الذي ال الجميلة التي تستمد نورها من الذكريات يجد راحة لحبره إال فوق صدر المعاناة؟ التي كانت .والتي تحاول من خاللها أن تبث نظن األمر كذلك. الدفء في صقيع عالقة سلبتها زمنا جميال كانت تحياه. فهل يا ترى كان هذا هو السبب في أن تقول:
زمنك َ تسلُبني أتسَ لّقُ أغصا َن شجرةٍ بالتك الخفيّة َ كنتَ تسقيها قُ الل الظ ِ ين ّ أنفاسا عالقةً في وَتِ ِ ً ألَمْ لِ مُ أغْ فُ و بعض َك المُ مَ دَد يُ خَ ل ِْخلُني ُ في أقاصيَ الحارقة يشتعلُ الحنينُ جديد ٍ شوق عروش ٍ ُ تنبَلجُ عينيك َ تمدُّ ني سكو َن أمدُّ َك صخبَ صمتي
تغزل الشاعرة من خيوط الريح زورق �اً من ورق ،تسافر من خالله حول هواجس الكتابة؟ أغصان من دوحة الحزن
تسكن الزوابع شعر الشاعرة ،فهي تفتح شرفات المساء لتطل على ُكت ٍُب تثقلها وصايا متعددة؛ فهل هي أوراق الحياة التي تدفعنا نحو اس��ت��ق��راء بعض م��ن أل��غ��ازه��ا ،أم هي طرقات على بوابة الروح تحاول أن تتقاسم معنا بعضا من رمادها؟
كُ تُ بِ ي عَ ارِ يَة هَ ذَا الْمَ سَ اء عَ لَى مَ لْمَ ِسهَا الْحَ رِ يرِ ي يُ َهيِّئُ ا ْلب َْحرُ حَ قَائِ بَ الرّيح لكن رغم كل اآلهات التي زرعت أهداب َصايَا مُ ْث َقلَة بِ ا ْلو َ الشوق ،نرى وجها آخر مدت فوقه الشاعرة اصين ت َْجتَرِ ُحهَا هَ مْ هَمَ ات ا ْلغَوَّ ِ جسور الوصال ،لتظهر لنا كما وطن للحلم، ت َْخنُقُ هَا ا ْلبُرُ وقُ بِ َضوْئِ هَا الْحَ ارِ ق
46
ال يعترف بالرحيل ..ب��ل بمرايا لقاء يهز ب��ي��ن ال��ري��ح وال��ب��ح��ر وال���ب���رق ..ترمينا شجرة الحنين ،لتتساقط منها ثمار حب م��ف��ردات مثقلة ب��ال��ح��زن ،فهل ه��ي حالة بوجه جديد. خاصة أطلت من زواياها الشاعرة ،ولوحت في جسورِ قلبي لنا بمنديل واقعها ..كي نقترب أكثر من قلبك َ يصحو نبضي في راحةِ ُ معالم قصيدتها؟ وصال جديدٌ ٌ يترجلُ َّ اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
فال َّنف ُ َس الشعري هنا مثقل بالتداعيات يرتمين ف��ق��ط ب��ي��ن أح��ض��ان الرومانسية المتعددة المصلوبة على ل��وح النهايات ،الرقيقة ،وال يتناولن قضايا أثقلت كاهل فلماذا كان الموت /العدم مفتاحا لقصيدة اإلنسان؟ تحمل عنوان « :مدافن من ورق». شيء من األحالم النازفة تقول: إذا كانت الشاعرة أولهاشمي قد فتحت السمَ اء يَدُ َّ أوراق كونها ،وشاركتنا االط�لاع عليها ،كي ُتهَادِ نُ َصمْ تَ ال َّلي ِْل نعرف بعضا من أحزانها ،فإنها تحيلنا نحو ي َِدي تَفْ تَحُ ُصنْدُ وقَ الذَّ اكِ رَة كونها اإلبداعي .ولكن هل تكرار الكتب في ِمنْ ُش ْرفَتِ هَا يَلوح الْمَ وْت ه��ذا النص هو مفتاح لمغاليق روح��ه��ا ،أم اضي يس الْمَ ِ يُ خَ اتِ لُ َنوَاقِ َ تراها تتهجى خطاها بين ال��م��وروث الذي ال حَ يَا َة َبيْنَ رُفُ وفِ هَا َ كان ،وبين دمها المسفوح على الورق؟
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
أم ت��راه��ا حالة شعرية تستحضر فيها ترتدي السواد ،ليكون لوركا أنموذجا لكل من الكثير من األنين الذي يصفع القارئ ،وهو مات ضحية للظلم. يتنقل بين مفرداتها المغلفة بالكثير من فالشاعرة تخرج بنا من حزن ذاتي ضيق اليأس؟ لعناق ه ٍّم إنساني كبير ،فمن قال إن الشواعر
ض عَ دَمٍ . َط بَعْ َ َفق ْ
في كلتا الحالتين ال نرى غير شبابيك بيت إذا ك��ان ال��ت��م��ازج بين اللفظ والمعنى مفتوح على الزوابع ،وموت رمزي يتكرر هنا ق��د أحالنا نحو وط��ن بكائي ،يمثل واقعا وهناك ،وإن كانت تخفيه في بعض األحيان ال تتمسك به. اس��ت��ح��ض��رت م��ن خ�لال��ه ال��ش��اع��رة أج���زاء بومضة باسمة تترجم أم ً مهدمة ،تُرى مَن يستطيع جمع أشالئها وقد تقول: كتبها التاريخ بحبر مأساوي؟
كُ تُ بِ ي و َِهنَة تقول: عَ لَى َصدْ رِ هَ ا َتتَكِ ئُ حَ ْشرَجَ ات مَ دَافِ ن ِمنْ غَ ْرنَاطَ ة حَ زِ ينَة َور ٍَق السوَادُ عُ يُ و َن ا ْلعَابِ رِ ين يَفْ َق ُأ َّ م ْنهَا ي َْصدُ ُر َصو ُْت مَ و ٍْت ت َْح ِملُ الرِّيحُ أ َْشعَا َر لُو ْركَا َتنْسَ لُّ ِمنْ ثَغْ رِ هِ ب َْسمَ ة ِضفَّ ةُ النَّهْ رِ حَ زِ ينَة ت َْجرِ فُ نِ ي ب َِعيد ًا َات طَ وَاهَ ا َصو ُْت الْمَ اءِ . تَذْ رِ ُف َتن ِْهيد ٍ الصفْ َصاف يَهْ ِم ُس لِ لنُّ ُجومِ حَ ي ُْث َّ َّاي ون الن ِ إذاً؛ هي لحظة استرجاع لتاريخ أندلسي ُجرْحهُ ا ْلعَالِ ي َينْفُ ُث فِ ي عُ يُ ِ كان يمثل الوجه المشرق للحضارة اإلسالميةَ ،صهِ يلَ ِعظَ امٍ بَالِ يّة َصائِ د ه��ذه المالمح التي أصبحت في حاضرنا ت ُْحيِ ي انْتِ شَ ا َء ق َ
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (47 )2016
السمَ اء ُتز ِْهرُ فِ ي ك َِّف َّ مَ الَح َم ِمنْ نَارٍ .
تقول:
إن صرخة الوطن الكبير تطل علينا من خالل قصيدتها الطويلة « َفل َ َذةُ الْيَاسَ مِ ينِ » التي التحمت فيها الذات الشاعرة باآلخر، فلم تغفل عينا شعرها عن رص��د الخراب ال��ذي اجتث تربة اإلنسانية ،وغ��رس فيها أسئلة محملة بالكثير بالقلق.
لِ لْقُ دْ ِس َتن ُْسجُ الأْ ُمَّ هَات سَ َّجا َد ال ُْح ِلم زَغَ ارِ يدُ ا ْليَاسَ ِمين ُت َلوِّنُ َزوَايَا ُه َترَاتِ يلُ الْمَ عَابِ ِد َت ْلفَحُ أَ ْركَانَهُ ون ت َُش ُّق غَ يْمَ اتهُ َتن ِْهيدَاتَ شَ جَ رِ الزَّ يْتُ ِ وَيُ دَثِّ رُ َليْل انْتِ ظَ ارهِ وَعْ دُ الأْ َْحرَار..
هُ َو ا ْلوَطَ ن دَمٌ اصةٌ َص َ ر َ َصمْ ٌت َورَمَ ادٌ
إن قضية األرض بكل تمثالتها في النص الشعري للشاعرة المتميزة حسنة ،قد حلقت في سماء الجراح الذي يسكن جسد الحرية، فهل القضية العربية أصبحت هاجسا يرحل في صوتها الشعري؟ ،تقول مخاطبة القدس:
عُ يُ ونٌ َت ْلثَمُ ا ْل َفرَاغ ْف الْمَ وْت َاجي طَ ي َ ُتن ِ اصةً َضرِ ي َر ًة َص َ ِطفْ لٌ يَتِ يمٌ يُ و َِّجهُ ر َ مى حَ زِ ينَةً َصوْبَ دُ ً يَفْ زَعُ الرَّ ِصيف ِمنْ حَ ل ِْقهِ ي َِسيحُ ِسر ُْب الن َِّحيب َصاعَ دُ بِ َلو ِْن الدَّ مِ دُ َّخانٌ َيت َ يَكْ ُسو سَ حَ ابَ غَ زَّ ة.
ي��ا لهذا التفاؤل ال��ذي يستوطن فضاء شعرها بعد صور متعددة من النحيب!
ب��ي��ن ه���ذا ال��ث��ال��وث ال��م��ح��زن؛ ( ال���دم ،قَرِ يب ًا سَ تُ ِقلِّينَ قِ طَ ا َر الْحَ مَ ائِ م الرصاص ،الصمت) تنتحب الحروف ،وتتسع قَرِ يب ًا سَ ي َْسقُ ُط الْجَ وَاز صرخة الشاعرة التي غاصت في دمع عربي قَرِ يب ًا سَ َت ْلب َِسينَ فُ ْستَانَ ا ْل َفرَح بدأ من غزة. وش شَ جَ رِ التُّ فَّ ِاح.. وَسَ َتتَسَ ل َِّقينَ عُ رُ َ تقول: الصبْح لاَ ُحدُ و َد سَ تَظَ لٌ لِ تُ عَانِ قينَ ف َْج َو َة ُّ
فبين الحرب والحب تمتد جسور شعرية تغني للحرية في أسمى معانيها. جرس فوف عتبة النهاية
لتبقى الشاعرة صوتا جميال يغرّد في سماء القصيدة المغربية المعاصرة ،التي إنه العالم الضرير الذي يدوس على البراءة تحمل ن��دوب��ا ن��ازف��ة ع��ن ال��ح��ل��م المفقود المشنوقة على عتبات الوطن المغتصب. والحرية وكرامة اإلنسان. * شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب.
48
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
جدلية الحضور والغياب في المجموعة القصصية «أغنية هاربة» لصالح السهيمي ρρد .سعاد مسكني*
تمثل المجموعة القصصية «أغنية هاربة» الباكورة األول��ى للقاص السعودي صالح السهيمي ،عم ًال سردي ًا يدخل ضمن تجريب طرق كتابة جديدة ،تتفاعل فيها التقنية اإلبداعية مع التخييل الحكائي ،دون أن نحس بتصنع في الحكي؛ إذ يُقدَّ م لنا هذا األخير في بساطة وسالسة مع عمق تأملي ووج��دان��ي ،يجعلنا نتعايش مع ال�ح��االت الشعورية الملتهبة ،ونجري وراء ظ�لال المواقف الفنية ال�م�ت��وت��رة ال�ت��ي تتجاذبها ج��دل�ي��ة ال�ح�ض��ور وال �غ �ي��اب؛ ال�ح�ض��ور ب��وص�ف��ه تجل ّيًا تشكيل ّيًا وتجسيد ّيًا للعوالم الحكائية ،والغياب بوصفه تمثي ًال لتلك المعاني الرمزيّة الخفيّة والهاربة. غالباً م��ا يعكس الغياب «تحطيما ال��ق��دي��م ،تضمن م��ن خاللها ال���ذوات
ل���ع���ادة ال��ح��ض��ور ،وت��ح��ري��ك �اً ل��ن��وازع توازنها الداخلي والنفسي داخل واقع الشوق» .من ثمة تُقدّ م قصص «أغنية مأزوم مليء بالمرارة والخيبة. ه��ارب��ة» رؤىً ك��ل��ي� ًة ل��ل��وج��ود وال��ح��ي��اة وال��ذات ،تتلون بمعاني األلم ،والحزن، والغربة ،وال��ش��وق ،والحب ،والموت..
معادل لهويّ ة الذات ٌ أ -الحضور «ل��ي��س��ت ال��ه��وي��ة م��دون��ة ف��ي العقل
إل��خ؛ كلها أل���وان طيف تمأل بياضات فقط ،لكنها مطبوعة أيضا في الجسد، حياة شخصيات القصص الحكائية ،إذ إن��ه��ا تظهر ف��ي اإلش�����ارة ،وف���ي وض��ع
تدفعها ب��أن تستحضر – في حنين -الجسد ،وفي المظاهر اإليمائية» ،يبين
أساس ٌ صور الماضي ،وبعض كليشيهات الزمن هذا الشاهد أن الجسد مح ِّد ٌد
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (49 )2016
للهوية ،وال يمكننا إدراك الجسد دون النظر إليه بكونه ص��ورة وإيقاعا للحياة يُجلّيهما الفكر وال��ف��ن .ل��ذل��ك س��ن� ُر ّك��ز ف��ي تحديد الحضور بوصفه هوية ذاتية عبر ثالثة أبعاد للجسد:
50
-1الذاكرة :يرى كاستيت أن «الذاكرة ه��ي سند ال��ه��وي��ة ،أي إمكانية االع��ت��راف بالذات ألجل الذات قبل كل شيء» .وذاكرة الشخصيات ف��ي قصص «أغ��ن��ي��ة ه��ارب��ة» حاضرة بقوة؛ س��واء تعلق األم��ر بالذاكرة الشفهية التي تشرّبتها بعض الشخصيات، وه��ي ف��ي مرحلة الطفولة – م��ن حكايات ورواي��ات – جاءت على لسان األم ،والجدة، واألب ،وشيخ القبيلة؛ أو الذاكرة المكتوبة (القرآن/الشعر الجاهلي) التي من خاللها بعث القاص شخصيات موغلة في التاريخ ال��دي��ن��ي واالج��ت��م��اع��ي وال��ث��ق��اف��ي :سيدنا ي��وس��ف ،ال��س��م��وأل ،أب��و ال���ورد .أو ال��ذاك��رة السماعية التي توكأت على فن الموسيقى ال��ذي أسر وج��دان المبدع ،وجعل قصصه سيمفونية حياتية ذات هرمونية متجانسة مبعثها األلم ،والقلق ،والخوف ،وتتدفق نحو األمل واالنعتاق .لذلك ،نجد إيقاعات فيروز (نسم علينا ال��ه��وى) ،وعبدالكريم القادر (ارجع يا كل الحب) ،ومحمود عويتي (أغنية �ان تجمع بين العذوبة والحنين العودة) ،أغ� ٍ في رقة ال متناهية ،يهرب بوساطتها القاص من غربة األشياء ،وغربة المكان والزمان، ويفقد المكان حميميته ،واإلنسان قيمته، ويستعيدهما في استرجاع نوستالجي عبر اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ال����ذاك����رة ،ويشكل ال���ن���ص ال����م����وازي ال��م��ص��اح��ب لعتبة ق�����ص�����ة (ع����������ودة ال��ب��ح��ري) ش��اه��دا على ذلك« :لذلك األسمر الجنوبي القادم من وحي الذاكرة». يحقق اشتغال القاص على صدى الذاكرة وإيقاعاتها مراميَ ثقافية وجمالية وفنية نجملها في: -1-1ال��دخ��ول إل��ى ال���ذات الثقافية
عبر بحث ال��ق��اص ع��ن ال��ه��وي��ة المفتقدة باستحضار كل ما هو أصيل :ريح الجنوب، وروح الموسيقى. -2-1الدخول إلى الذات النفسية عبر تجسيد المسافة الموجودة بين القاص وبين ذات��ه الثقافية األصيلة؛ مما يشعره بفقد العالم ،وفقد ال���ذات ،ويمثل ه��ذا الشعور
-3-1الدخول إلى الذات التخييلية التي تعرف انشطارا بين ذات تعيش واقع المدينة بوصفه معادال للمنفى ،والغربة، والالإنسانية ،وبين الحنين إلى الماضي بما يعرفه من ألفة ،ووداعة ،وهدوء جنوبي. -2الفضاء :إذا كانت ذاكرة المجموعة القصصية تنشطر بين التراث والموسيقى؛ ف��إن الفضاء ب���دوره ينشطر بين حيّزين: فضاء مفتوح ،وفضاء مغلق.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
جوهر االغتراب.
«شعرت غيمة جنوبية بنوبة اضطراب تسري داخل الجسد .تعتلي هامتها .تطوق الجسم ب� �ح ��رارة م��ؤل �م��ة ،ورائ� �ح ��ة «ال �خ �ت �ن��ة» تعطر القاعة بعبق الماضي الحميمي الذي يهيج فينا زمن الحلم القديم» .وال يمكننا في هذا المقطع إال أن نقوم باستبدال الغيمة بذات الشخصية ،م��ا يعكس لنا عمق افتقادها لفضاء الجنوب ،هذا الجنوب الذي «يتغلغل في داخل المرء إلى درجة إقصاء الذات»؛ فتنوب ال��م��وج��ودات واألش��ي��اء ع��ن حضور الذات في عالقة استبدالية تعاقدية.
-1-2الفضاء املفتوح :أول ما يستوقفنا ف��ي ال��ف��ض��اءات المفتوحة الفضاء البري الجنوبي ال��ذي يتغلغل في ذات الشخصية الحكائية أينما ارتحلت ،ينقل ال��س��ارد ما يعتمل بداخل بطل قصة (ع��ودة البحري): «رائحة الجنوب تلقي بظاللها على ذاكرة تتسع للكثير من الحكايات ،الرائحة المعطرة بعمق ال��ك��ادي ،وال��ش��ذاب ،والشيح .يتأمل أشعة الشمس المثقلة على صفحة الماء، والمشعلة للبهجة واالنتظار بأن يعود يوما ت��ت��و ّل��د ع��ن ه���ذا ال��ت��ق��اب��ل ب��ي��ن ف��ض��اءي إل��ى مالمسة األرض» يبعث ه��ذا الفضاء الجنوب والبحر قيم ثابتة ومتعالية تتسم في نفسية جل شخوص القصص االبتهاج بالثنائيات الضدية ،يمكن أن نبيّنها في والتذكر الجميل. الترسيمة اآلتية:
وإل��ى جانب الفضاء البري ،نجد فضاء مناقضا وم��ض��ادًا ،إن��ه فضاء البحر، ً آخ��ر ال عن الشخصية الحكائية: يقول السارد نق ً «اليابسة تعني له الحياة بجمالها الحقيقي، تعني له عالم البياض ال��ذي يريد ،يتشوق إل ��ى رؤي ��ة (ب�ي�ض��ة ال � ��رخ) ،ي��داه �م��ه ال�ش�ع��ور بالموت كلما رك��ب البحر ،كلما ضجت أذنه بصوت ق��ائ��ده ..ينظر باتجاه البحر األزرق والسفينة تمخر عباب الموت».
وال يكتفي السارد برصد تفاعل الذات مع محيطها الجنوبي عبر وسيط الذاكرة بل يتوسل باألشياء والموجودات كي يعكس حضورها الغائب ،فيختفي جسد ال��ذات خلف مؤثثات فضائية أخ��رى ،نمثل لذلك بوصف ال��س��ارد لشعور الغيمة الجنوبية:
الجنوب ≠ البحر األلفة ≠ الغربة الحب ≠ القلق الحياة ≠ الموت األصالة ≠ الحداثة الطمأنينة ≠ الكوابيس
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (51 )2016
القيم الموجَ بة ≠ القيم السالبة تَحمل شخصيات القصص ه��ذه القيم ال��م��ت��ض��ارب��ة وال��م��ت��ن��اق��ض��ة ،وتُ���رسّ ���خ فيها اإلح��س��اس باالنشطار ال��ذات��ي داخ��ل سفر وجداني تعيش فيه لحظتين متباينتين :لحظة االس��ت��رخ��اء ،ترتبط ب��ال��ذاك��رة واستحضار الماضي؛ ولحظة التوتر ،ترتبط بحاضر الحياة القلق المرهون دائما بالبحث عن المجهول.
52
كما تشكل الغرفة فضا ًء لألحالم القلقة والكوابيس المزعجة التي تُفرغ من خاللها الشخصيات قلقها الذاتي والوجداني من الواقع ،وتُحقق عبرها وجودها الفعلي إذا ما أخدنا الحلم بكونه «يُصنَع من خرائب الذاكرة»؛ أي تجميع لما خلفته الذاكرة من ص��ور مشوشة تطفو على السطح لحظة الحلم. بهذا تمثل الغرفة في العمل القصصي قيم السَّ لب :الكآبة ،اليتم ،الموت ،التشويش، الكوابيس ..وتصويرها على هذا النحو ،كسَّ ر أفق انتظار القارئ الذي اعتاد – في نسقه الفكري -على أن تكون الغرفة فضا َء السكينة، واأللفة ،والحميمية ،لكنه تصوير ينسجم مع المقاصد وال��رؤى الكلية التي يتجه نحوها العمل القصصي التي ال تنفكّ أن تنحصر في األلم ،والمرارة ،والحزن ،والكآبة.
-2-2الفضاء املغلق :تعد الغرفة الفضاء المهيمن داخ���ل ال��م��ج��م��وع��ة القصصية، وتصوير القاص لهذا الفضاء ال يخرج عن ال��ط��اب��ع النفسي ال���ذي تعرفه شخصيات القصص وه��ي تتخبط في القلق ،واألل��م، وال��ك��آب��ة .فشكلت ال��غ��رف��ة ب��ذل��ك ام��ت��دادا ل��ح��االت الشخصية الحكائية عبر تعبير األش��ي��اء وال��م��وج��ودات ع��ن ف��وض��ى ال��ذات اندس ّ وتوترها «عاد حازم إلى غرفته كئيبا. بين ثياب ملقاة على سريره .أعلن انهزامه أمام أرتال النوم المندفعة .كأنه ال يريد من الكآبة أن تعبث بأزمنة الصمت المذبذبة ب ��داخ �ل ��ه .ي �ش �ع��ر ب �ف��وض��ى ال �ع��ال��م تقتحم غ��رف�ت��ه ،وج �ن��ود األط �ف��ال يقتسمون غنائم الحرب ،وشالالت الدماء تغرق السرير».
إن الفضاء بصنفيه المفتوح والمغلق يرجح انتصار كفة فضاء الجنوب ،وحضوره بجالء ف��ي نفسية الشخصيات ..بوصفه صدى أغنية ماضية هاربة ،ويغيب حقيقة وواقعا ،ويظل فضا ًء مأموالً فيه ،ذاك «األمل المتشبّت بذاكرة الغياب» ،إنها ذاكرة الجنوب بامتياز.
ترتبط الغرفة أيضا بالموت والفقد، نلمس ذلك في نهاية وقفل بعض القصص، كما ل��و أن ال��ق��اص يميل إل��ى ال��س��وداوي��ة والمأساوية تأكيدا ألحاسيس الغربة واليتم، أحاسيس تجعله يمقت الحياة ،وينفلت إلى الموت بوصفها حيا ًة أخرى أجمل وأسعد.
-3الصورة :إن القصص وه��ي تشتغل على الجسد في بعديه الذهني (الذاكرة)، والفيزيقي (ال��ف��ض��اء) ،ال تقدمه على أنه استنساخ حرفي لواقع مرئي ،بل تنزاح عن ه��ذا ال��واق��ع عبر استخدام ص��ور مجازية، وتعابير بالغية تُ��دخ��ل ال��س��رد القصصي
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
(الحياة ≠ الموت)( ،الجنوب≠ البحر)،
-2-1اإلق��ص��اء ق��رش ال��ه��اوي��ة وشبح
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
في شعرنة الصوغ اللغوي ،ويعود ذلك إلى (البياض≠ السواد)( ،األلفة ≠ القلق)..إلخ. بروز الذات الثقافية لدى القاص ،والمتأثرة ب -الغياب إقصاء للذات: بالشعر الجاهلي ،فجاءت لغة السرد وصفية إن سفر شخصيات قصص «أغنية هاربة» ف��ي ال��غ��ال��ب ،ي��رد ف��ي مقطع س��ردي شبيه بمناجاة داخلية ص��وت الشخصية يُ���ردّد :بين ال��ذاك��رة وال��ح��ي��اة الممتلئة ب��األس��ى، «المنفى هنا جميل ،ال أش�ع��ر فيه ب��األل��م .يدفعها إل��ى اإلح��س��اس بالغربة والشعور سوى أني أتدثر بهمّ ي الذي غدا شبحا يفسر بالحضور الممعن في الغياب ،ال��ذي يؤدي أح�لام��ي ال �ب��اردة ،وك��أن��ه ال�ط�ي� َر ت�ق�ت��رب من بالصور الجميلة أن تتالشى وتتحول إلى رأس��ي؛ لتشرب من كأس وحدتي اآلخ��ذة في كوابيس وقلق ،وتدفع بقوة الزمن إل��ى أن صقيع مهول ،حيث ال ماء هناك .وزمهرير يعبث بالذاكرة وتبقى مجرد ثقوب إسفنجية ال تختزن سوى الفشل والهزيمة ،ال تعكس المشاعر يطوّح بالخوف عالياً». �واز نصيّ إال زمن اإلنسان المهدور ،في م� ٍ يمثل ه��ذا المقطع أن��م��وذج �اً لشعرية لتغريبة «أبو حميد» يرد« :الغربة كالجزمة اللغة لدى القاص ،إذ جعل السرد مجازات تنقلك م��ن م�ك��ان آلخ��ر ..وم��ن أل��م إل��ى ألم تبطن دالالت عميقة ،موغلة في البرودة أقسى». والقساوة والخوف ..إال أنها مقدمة ببديع تتعمد شخصيات القصص وساردها إلى اللفظ ،وأنيق العبارات .الشيء الذي يجعل تبئير «األلم» الذي بدّد كل شيء جميل في قبح المعاني وأسوأها ،يتدثر ببديع الكالم، الحياة ،وصيّره إلى اغتراب وحشي ،يبعد وجميل الصور ..كما لو أن القاص يغطي الذات عن فضاءاتها الوردية ،ويقصيها من النقص ال��ذي تعاني منه ال��ذات في الواقع واقعها كي تعود للعيش في أحضان الذاكرة، ع��ب��ر إع�ل�اء ب��دي��ل آخ���ر اس��ت��ه��ام��ي ،يسرح والماضي الطفولي. بالخيال إل��ى عوالم أخ��رى بديلة مفترضة يتلون الغياب واإلقصاء بألوان مختلفة تخفف من ح ّدة مرارة الواقع. فنجد ثالثة ألوان له: ب��ه��ذا ت��ك��ون ال��ص��ورة ل��ه��ا ص��ل��ة وط��ي��دة -1اإلق��ص��اء ال��ذات��ي :ي��أخ��ذ إقصاء ب��ال��ف��ض��ا ،إذ ت��ش��ك��ل اس��ت��ع��ادة ج��زئ��ي��ة له داخل مشهد معين ،أو لقطة ما ،أو لحظة ال��ذات داخ��ل المجموعة القصصية أربعة محددة ،وهي بذلك تمثل ضمنيا نفيا للزمن أنماط: باستعادتها لتلك الظالل الخفية التي تتصالح -1-1اإلقصاء معادل للغربة واملنفى: فيها المتقابالت ،وتتساكن فيها المتضادات «مازالت الغربة تالحقني في كل وتد أثبته داخل الذات الواحدة: لخيمتي».
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (53 )2016
احلياة« :الموت الذي تفرون منه».
أكثر م��ن اهتمامها بفعل الشخصية؛ ألن
-3-1اإلقصاء اختفاء خلف األشياء الشخصية ال ت��ف��ع��ل ،إن��ه��ا تنفعل داخليا وعدم القدرة على املواجهة« :أخ��ذ يعبث ووج��دان��ي��ا ول��ي��س خ��ارج��ي��ا .ل��ه��ذا اكتفى بمحتويات ال��غ��رف��ة :ال���وس���ادة ،البطانية ،اإلقصاء الموضوعي للحدث بترهين دواخل الفراش ،المنشفة ،سلة المهمالت المثقوبة ال���ذات دون ال��خ��روج منها إل��ى ال��واق��ع ،ما ال��ج��وان��ب ..األل����وان تثير ل��دي��ه حساسية يجعل ه��ذه القصص تدخل ضمن قصص االختباء عن اآلخرين». «المواقف». -4-1إقصاء الذات املنهزمة واستحضار ش��خ��ص��ي��ات (ال��ص��ع��ال��ي��ك ،أب���و ال����ورد،
-3اإلقصاء القيمي :تنتصر القصص
السموأل) لها رمزيتها ،و ُع��رف��ت بقوتها لقيم السلب ،وتقصي القيم اإليجابية ما وقدرتها على االنتصار على الزمن بتثبيت دم��ن��ا أم���ام شخصيات سلبية تبحث عن قيم البطولة ،والمجد «ك��ان أبو ال��ورد يعي أغاني تائهة ،وما تلك األغاني سوى األماني جيّدا أنه لم يخن قبيلته يوماَ ،ولم يطمح في المرغوبة ،والقيم المفتقدة .وحدها ذاكرة السيادة للحظة ،بل كان يريد أن ينبذ العار الماضي تحتفي ب��ال��ذات لحظة االكتمال منها ،ويرفع ذكرها بين القبائل». وال��زه��و ،غير ذل��ك تظل الشخصيات في يشي اإلقصاء الذاتي بكل ألوانه وأصنافه بحث مستمر عن المجهول ،وتمنّي نفسها أننا أم��ام شخصيات سلبية ال تتفاعل مع بعودة الماضي في أبهى صوره. محيطها ،بل تنفعل فتكتفي بتصوير الحاالت بين ال��ح��ض��ور وال��غ��ي��اب ،وب��ي��ن التجلي دون الثورة عليها ،أو محاولة تغييرها .مما واإلقصاء ..تطفو نفحات األمل واالنتظار يفسر سقوط جل عناوين المجموعة في ف��ي ب���زوغ ل��ح��ظ��ات ت��ص��ال��ح ب��ي��ن الماضي االن��ح��دار والفشل (أغنية هاربة/سقوط أبي الورد /أمال في الهبوط /تهميش لعكاز والحاضر ،بين ال��ذات وال��واق��ع ،بين داخل ال��ذات وخارجها ،وتعلو قيم النبل والوفاء حديدي/سهم تائه). والحب ،تقول الشخصية المركزية في تغريبة -2اإلق��ص��اء امل��وض��وع��ي :ينجم عن اإلقصاء الذاتي إقصاء موضوعي يرتبط «أبو حميد»« :متى تمطر السماء عدال ونبال بكيفية بناء الحكاية داخل المتن القصصي ،وكرامة؟» .سؤال سيظل قائما تردّده صدى إذ توهم القارئ بوجود أحداث ،ولكنها في األغنيات الهاربة أمال في عودتها إلى مغنيها العمق هي تركز على األحاسيس والمواقف ،ذات صباح مشرق.
54
* أستاذة تعليم عال مساعدة -جامعة عبد المالك السعدي -تطوان -المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
القاعة غارقة في الصمت والوجوه، المساء يعلن عن نفسه بهدوء ،ألول مرة أخطو إلى المنصة ،ألقي شعرا تعبت في نظمه ،أتوخى به االنضمام إلى زمرة الشعراء ،أسير مثلهم في درب األحالم، أوقد شعلة الحرية والسالم. مرتبكا؛ أقف ألول مرة أمام جمهور عريض ،جسدي ينضح بالعرق رغم الجو البارد ،تارة أسوي هندامي -أمضيت وقتا طويال في انتقائه -تارة أمرر يدي على شعري أو وجهي متوجسا شيئا عالقا ب��ه ..أدرت عيني ف��ي ال��وج��وه ،أتلمس شخصا ينتشلني من ضياعي ،واحد في أقصى القاعة استرعى انتباهي ،سكن من قبل شقوق ذاكرتي ،أحسست بارتياح عميق له ،اختصر كل الوجوه التي كانت تحدق بي بارتياب ..كانت تنزوي كبقعة نور لم أتبين وجهها جيدا ،زادها ضوء القاعة القوي غموضا ،وإن ب��دت لي تلك التي عجزت عن إقامة عالقة معها في بداية مراهقتي ،وسهرت ليال طويلة أكتب لها قصائدي األولى.
ρρبو شعيب عطران*
نظراته الساكنة ،وكأنها ت��واط��أت مع دواخلي لتمدني بصفاء ذهني ،وجرأة ل��م أع��ه��ده��ا ف��ي نفسي م��ن ق��ب��ل .زال ارتباكي ،هزمت توتري ،توجهت إليها بكل إحساسي ،لتكون شاهدة متميزة عن انبعاثي لواحدة من اللحظات الحاسمة في حياتي ،أبثها نبضي بكلمات تراصت أم��ام��ي ل��ق��ص��ي��دة اخ��ت��ص��رت ال��ح��ي��اة، متشحة بالشجن والعشق الجارف ..كنت أستعجل النهاية ..أ ُمني نفسي بلقائها، أشكرها على مؤازرتها..
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
بقعة نور
م��ا إن انتهيت ح��ت��ى دوت القاعة بالتصفيق ،ووقف الجميع لتحية شاعر برز فجأة أمامهم ،إ ّال هيَ ظلت ساكنة لم تتحرك من مكانها.. ما إن غادرت المنصة حتى توجهت مبال بالنظرات التي إليها مباشرة ،غير ٍ كانت تلتهمني وال األع��ن��اق المشرئبة إليّ ..
وص��ل��ت إل��ى مكانها ،ووج��ي��ب قلبي ي��ت��ص��اع��د ،م��ن��دف��ع��ا ب��رغ��ب��ة محمومة ك��ان وجهها صامتا رص��ي��ن��ا ،خاليا لمعانقتها .لم يكن هناك سوى صمت من أي ردة فعل أو احتمال للتواصل ،كئيب ،وأريج عطر افتقدته بشدة ،منذ لكني سعدت به وارتحت لهدوئه وجمال زمن طويل. * قاص من المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (55 )2016
قصص قصيرة جدا ρρمحمد صوانه*
سباق شارك في سباق المائة متر، تقدّم المتسابقين، لوّح له الحكم بالفوز، تعالت صيحات المشجعين ظل يجري.. ذكريات بحمْل الذكريات؛ ينوء ِ يقف على الحافة ..يطوّح بها؛ يعود منتشياً؛ ليجدها تحولت إل��ى ج��داري��ات أم��ام ناظريه! هديل تصغي بـ (حنان) لهديل الحمام.. تهتز جوانحها.. تنثر فتات الخبز على طرف النافذة..
56
* قاص من األردن مقيم في السعودية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
تمسح عليه بِرِ ف ٍْق ..وتجلس على األريكة المقابلة؛ تنتظر.. شبح يسير هائماً في الضفة األخرى، وهي تجري خلف شبح تحسبه ظله! صمت الصغارِ ،وتذهب لتُشاغلهم صخَ بَ ِّ تجَ َم ُع َ عن نومه.. يوقظه الصمت!.. قمر تقول له أنا مثل القمر؛ فيدير ظهره للشمس!.. غياب تغيبين ..فأتيه في المكان..
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
البئــــر ρρمحمد عز الدين التازي*
جلست «سليمة» تقرأ في كتاب ،فاستغرقتها أفكاره ومعانيه ،حتى جاءت لحظة َتف ََّطن َْت فيها إلى أنها وحيدة بالبيت ،وليس معها سوى أختها الصغرى «بشرى»، وهي نائمة في فراشها. رحلت سليمة مع أفكار ومعاني الكتاب ،وهي تدخل معها ومع الكاتب في حوار ومعان أخرى من كتب لكتّاب آخرين؛ ومع ذلك الحجاج العقلي، ٍ استدعت له أفكار ًا فقد كانت تقابل أفكار الكتاب الذي بين يديها مع أفكار كتّاب آخرين ،باحثة عن الحقيقة ،ثم رددت في خلدها :أليست الحقيقة نسبية كما يقولون؟! في استغراقها ذاك ،كلما بقيت وحيدة ف��ي البيت وجالست ك��ت��اب�اً ،ك��ان��ت في غفلة منها ترتكب بعض األخطاء ،دون قصد .وبسبب عدم االنتباه ،فكثيراً ما وضعت الطعام في القدر ،ووضعتها فوق النار ،ثم أخذها الشرود إلى أن وصلت إلى أنفها رائحة االح��ت��راق؛ فتهبُّ إلى المطبخ لتجد الطعام قد احترق .كما كانت ترغب في إعداد قهوة تساعدها على مواصلة ال��ق��راءة ،فتضع اإلبريق على النار وتشرد في عوالم ما تقرأ، إل��ى أن يحدث لها ما يشبه الصدمة، وهي تتذكر إبريق القهوة الذي وضعته
على ال��ن��ار ،فتهبُّ إل��ى المطبخ لتجد القهوة واإلبريق قد احترقا معا! وكان يأتي َم��ن يطرق ب��اب البيت فال تسمع ال��ط��رق وه��ي ف��ي استغراقها تقرأ في الكتاب ،وينقلب الزائر على عقبيه ،فإن كان هو خالها «عباس» صياد السمك، واكتشف أن سليمة كانت في البيت ولم تفتح له الباب ،فسوف يقرر أن يقاطع األسرة كلها ..ليرد االعتبار إلى كرامته، وإن كانت جارة من الجارات ،واكتشفت أن سليمة كانت بالبيت ول��م تفتح لها الباب ،فسوف تُشَ ِّه ُر بها مع الجارات، وتصفها بالغباء ،الذي لن تقبله أي من
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (57 )2016
58
نساء الحي لتخطبها ألحد أبنائها؛ وإن كان بذلك ،وأوصت ابنتها سليمة بأن تنتبه ألختها والدها قد أرسل إلى البيت بعض األشياء مع بشرى ،التي تركتها نائمة في فراشها. أحد ،فهو يطرق الباب عدة طرقات ..وعندما توقعت سليمة أن تستيقظ أختها بشرى ال يفتحه أحد يعيد تلك األشياء إلى والدها ،من نومها ،فتأتي إل��ى مكان جلوسها وهي ليعتقد أنها قد خرجت من البيت من دون تقرأ ،لتفرح بها ،وتالعبها ،وربما تساعدها علمه ،بينما والدتها ال تخرج من البيت إال على ال��ذه��اب إل��ى ال��م��رح��اض ،أو تطعمها بعلمه ،وعندما يعرف أنها كانت بالبيت ،ولم إجاصة هي بنفسها سلقتها في الماء ،وقامت تسمع الطرق ،ولم تفتح الباب ،وأنها كانت بإنضاجها في المقالة مرة أخرى مع مسحوق تقرأ في كتاب ..يصب جام غضبه على ذلك السكر ،سيما وهي آخر العنقود ،فعمرها ال الكتاب ومن َكتَبَهُ ،ألنه طَ َّي َر عقل ابنته سليمة ،يزيد عن العام الواحد ،بينما تجاوزت سليمة فلم تعد فتاة سوية ،ألنها أصبحت مهووسة العشرين وه��ي طالبة بكلية اآلداب تدرس ب��ق��راءة الكتب ،حتى ب��دأت تنسى األشياء بشعبة الفلسفة. الموجودة حولها ،وأصبح وجودها في عالم كان ذلك ما توقعته سليمة ،لكن ما وقع ،هو آخر غير عالمنا. أنها قد استغرقت في قراءة الكتاب الذي كان بدأت والدتها تعرف ما يدركها من شرود بين يديها ،وسارت مع أفكاره وتحليالته من وهي تقرأ كتبها ،فلم تعد تعتمد عليها في أرسطو إلى الفالسفة المعاصرين من أمثال كثير م��ن األش��ي��اء ،وخ��اص��ة منها تلك التي سارتر وألتوسر وميشيل فوكو ،ولما انتبهت تتطلب التركيز واالنتباه ،وسليمة نفسها بدأت إلى حالها ونظرت إلى الساعة وجدت أن نوم تعترف لوالدتها بأنها غير قادرة على التركيز أختها بشرى قد طال ،فهبّت إلى مكان نوم على بعض األمور ،ألن شروداً يصيبها عندما بشرى فلم تجدها في فراشها .بحثت عنها تسبح في تأمالت عميقة حول األفكار التي في أرج��اء البيت فلم تجدها ،ولما انتبهت تقرأها في الكتب .ولما كان بيتهم صغيرا ،إلى فوهة البئر وهي مفتوحة ،فقد صعقت مكوّنا من طابقين ،في وسطه بئر يستسقون روحها ،ووضعت يدها على قلبها .لم تتجرأ منها ،وضع والد سليمة على فوهتها غطا ًء من على أن تطل على البئر ،وع��ادت تبحث عن حديد ،فقد كانت أم سليمة ال تأمن منها أن أختها بشرى فلم تجدها .ثم جاءتها الجرأة تسقي الماء من البئر بواسطة الدلو ثم تضع لتطل على البئر ،ف��رأت ف��ي غ��وره المظلم عليه الغطاء ،ألن الصغيرة بشرى أخت سليمة شيئا كأنه أختها بشرى وقد وقعت وغرقت بدأت تخطو خطواتها األول��ى ،وقد تقع في وماتت .صرخت وكتمت صرختها .يا ويلي! غفلة منهما في البئر ،فكانت تحرص بنفسها هل بشرى هي الواقعة في البئر؟ إذاً فهي على وضع الغطاء عليه. قد سقطت فيه وماتت غريقة .ال وألف ال .ال وأم سليمة خرجت في هذا اليوم لزيارة يمكن .إن حدث ذلك بالفعل فسأكون مسؤولة وال��ده��ا ال��م��ري��ض ،بعد أن أذن لها زوجها عن وقوعها في البئر وغرقها في مائه بسبب اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
أين هي ضحكتها؟
هل اختفت في قاع البئر؟ ال أبدا .ال يمكن. أينك يا بشرى؟
طعاما أو شرابا ،حتى أشفق عليها والداها تكف عن تعذيب نفسها ،ألن ما وطلبا منها أن َّ وقع كان بمشيئة اهلل. م��ض��ى أرب��ع��ون ي��وم��ا ع��ل��ى وف���اة ب��ش��رى، وص���ارت سليمة ت���زور قبر أختها ك��ل ي��وم، وتبكيها إل��ى أن يَ�تَ��حَ � َّر َق جفناها من فرط البكاء؛ فطلب منها والداها أن تكف عن زيارة قبر أختها كل يوم ،وأن تكتفي بالزيارة مرة كل أسبوع ،في صباح يوم الجمعة ،وأن تعود إلى قراءة كتبها ودراستها في الجامعة ،ألن الحياة تستمر ،رغم المصائب.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
اإلهمال .لكن ذلك لم يحدث ،ولن يحدث ،النفس وجرحها لن يندمل أبدا ،فهي لن تنسى فالشك أنها تمارس معي لعبة االختفاء لكي حادث سقوط أختها في البئر مدى الحياة. تظهر وهي تعانقني وتضحك. أص���اب سليمة ال��س��ق��ام ،فلم تعد ت��ذوق
أخذت سليمة تنادي أختها الصغيرة بشرى فلم ترد عليها .عادت تبحث عنها في أرجاء البيت فلم تجدها .جلست تبكي وشبح البئر قائم أمام نظرها .لم ينفعها البكاء في شيء. اقتربت من فوهة البئر فأطلت ،ورأت شيئا يطفو ف��وق ال��م��اء .أه��و أختها ب��ش��رى وقد اختنقت؟ لوعة أحرقت قلبها وهي ال تدري أخذت سليمة كلما أخذت كتابا لتقرأ ما كيف سوف تواجه والديها بعد عودتهما إلى فيه ،يصيبها الذهول فترى على صفحات البيت ،وكيف سيواجهان غرق ابنتهما العزيزة الكتاب ص��ورة أختها ،وت��رى نفسها تالعبها بشرى في البئر. وت��ض��اح��ك��ه��ا ،وال��ص��غ��ي��رة ب��ش��رى تضحك، أخرجوا بشرى من البئر وقد ازرقَّ لونها وضحكاتها تشيع البهجة في البيت وفي نفس وشُ لّت حركاتها .لم تستطع سليمة أن تطيل أختها سليمة .ثم تجهش بالبكاء فتبلل دموعها النظر في أختها التي ماتت مخنوقة بعد أن أوراق الكتاب ،حتى أصبحت تلعن الكتب .لكن سقطت في البئر .ناحت أم بشرى وناحت ذلك لم يستمر طويال ،فقد عادت سليمة إلى معها سليمة ،وكتم األب حزنه وه��و يواجه كتبها وهي تستغرق في أفكارها ومعانيها، المصاب. وتقول لنفسها: دفنوا بشرى في المقبرة ،وأقاموا لها ليلة دف��ن حضرها الطلبة ،ف��ق��رأوا على روحها الطاهرة آيات بينات من القرآن الكريم .ظلت سليمة تختفي في غرفة من غ��رف البيت، وهي ال تستطيع أن ترى أحدا ،وكانت جريحة * قاص من المغرب.
«ال ذنب للكتب فيما وقع ألختي بشرى ،بل الذنب ذنبي أنا ،وعليَّ أن أجمع بين القراءة وب��ي��ن االن��ت��ب��اه إل��ى م��ا ح��ول��ي ،فقد تحدث أشياء خطيرة إن أنا فقدت القدرة على ذلك االنتباه».
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (59 )2016
قصتان قصيرتان
د.عمار اجلنيدي* ρρ ّ
المنقـــــذون
شجاعة
دبّ الخالف بين الذئاب الثالثة ،ونشب استجمع بقايا شجاعته ،واث��ق�اً من أنه بينهم شجار ٍ دام؛ كانت فيه أنيابهم القاطعة سيصل ح��ت��ى ل��و ت��أخ��ر ق��ل��ي�لا ،بخطواته ومخالبهم الطويلة سالحهم الحاسم عندما المرتبكة بفعل عكازه الجديد. عثروا على قطيع أغنام محبوساً في زريبة تقدم نحوها حتى وق��ف بجانبها قرب صغيرة خلف أحد البيوت القديمة.. البوابة الشمالية للجامعة. سالت الدماء من أنيابهم بعد أن أعملوها قبل أن يعتزم على مصارحتها باألمر؛ في أجساد بعضهم بعضاً ،وكل منهم يحاول حمد اهلل كثيراً ألن قدمه الثانية لم يمسّ ها االستئثار بالقطيع.. العطب إثر انفجار اللغم الرهيب الذي أودى ِ وفي خطوة مفاجئة اتفقوا على أن يسألوا بقدمه اليمنى كاملة قبل ثالث سنوات.. األغنام عمّن تختار من بين الذئاب الثالثة «شو مالك بتتطلع فيّ هيك»؟مالكاً للقطيع.. ال ثم اختصر ما في جعبته من ارتبك قلي ً تقدّم تيس كبير ،وقال بثقة: كلمات. نحن -أيها السادة ال مشكله لدينا. تتزوجيني»؟!ض��ع��وا ح��� ّداً لخالفكم واح��ت��راب��ك��م ،ونحن عندها سنقبل ما تتفقون عليه ..ال تعتقدوا قهقهت بكبرياء جُ رِ ح للتو. أبداً أن لدينا أية مشكله بهذا الخصوص.. «بدّك إياني أصوم ..أصوم ،وأفطر علىأبداً ..أبداً.. بصلة!». نحن -أيها السادة -ال نطيق أن نراكم استجمع بقايا شجاعته ،حاول أن يبتسم؛ تتشاجرون بسببنا ..إن قلوبنا الرقيقة ال ليشعرها ب��أن كلماتها لم تقتله بعد .لكن تقدر على احتمال خالفكم.. محاولته عطبت فيه أشياء كثيرة ،لم يشعر أي��ه��ا ال���س���ادة :ن��رج��وك��م أن ال تختلفوا يوماً أنها بهذه األهمية. بسببنا ،وإنني أتقدم بالشكر إليكم جميعاً تنهد بحرقة ،وراح يتع ّث ُر بفعل عكازه باسم أف��راد القطيع ،ألنكم حريصون على تخليصنا من ظلم الراعي! الجديد. * قاص من األردن.
60
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
محاكمة ρρسعيد الفالق*
كانت تتجول طيلة قرون مضت بحريّة ،تتجول في باحات الفكر ،وتقطع شوارع الحروف والعبارات بدون تذكرة .توقفت ذات يوم لبرهة ،فإذا بسيارة شرطة دولية تقف عند قدميها.
اركبي معنا. إلى أين. ستعلمين فيما بعد. ال لن أركب. اصعدي أيتها المغفّلة قبل أن أستهلك طراوتك ،وأحتفل بجسدك المتموّج في األثير.
تارة ونثراً تار ًة أخرى. بعد هنيهة نادى القاضي بقسوة: ما اسمك؟ أجابت بفصاحة: عربية. االسم الكامل.
ص��ع��دت ع��ل��ى م��ض��ض ،وتُ��وج��ه بها اللغة العربية م��ن م��وال��ي��د ال��ق��رون مباشرة إل��ى سجن اللغات في منطقة الفلكية. ال��م��ري��خ ق��رب ال��م��ش��ت��ري ،ظلت هناك مَن الذي سيدافع عنك في المحكمة. لسنوات تتعذب بوحدتها وتتأسف على حال عصرها إلى أن جاء وقت المحاكمة. ال أح��د سيدافع عني ال��ي��وم ،تخلى
عني أبنائي وباعوني بيعة ذليل بدراهم، صاح القاضي :أدخلوا المجرمة؟ وت���رك���وا ح���روف���ي ت��ق��ذف إل����ى م��زب��ل��ة فُتح الباب ف��إذا ب��ام��رأة ليست ككل النسيان ،فاحكم بما شئت فأنت اليوم النساء .تأسر القلوب والعقول من أول الخصم والحكم. ن��ظ��رة؛ فمعجمها بكر ل��م ت��ط��أه ق��دم، أعطى القاضي الكلمة إلى المدعي وأرض��ه��ا خصبة ب���دون م��ط��ر ،وجهها حروف أصيلة ،وتسريحة شعرها شعراً العام.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (61 )2016
سيدي القاضي ..السادة المستشارون، إننا اليوم نحاكم إرهابية الدهر ،إنها العربية التي لطخت العالم بحروفها ،وقتلت ماليين البشر بجرة قلم ،واستعمرت شعوبا وكتبا.
فصفق الحشد على صراحة ابن العربية. بعد لحظات صمت ،قال القاضي: قررت المحكمة إعدام العربية.
فطرقت العربية رأسها وسلمت أمرها س��ي��دي ال���ق���اض���ي ،ب��اع��ت��ب��ارن��ا ممثلي لخالقها. ال���ف���رن���ك���ف���ون���ي���ة واألن���ج���ل���وس���اك���س���ون���ي���ة أشرقت شمس ذلك اليوم ،وأعد كل شيء؛ واإلسرأمريكية ،فإننا ننادي بإنزال أقصى البروتوكوالت الغربية ،المشنقة ،القبر ،كل العقوبة المتمثلة في اإلعدام. شيء حاضر في الوقت نفسه. فصاحت الحشود: ق��دم��ت العربية مقيدة ال��ح��روف أم��ام القتل ،القتل. المنصة ،ووضعت المشنقة في عنقها ،وجر تنهد القاضي قائال: البساط من تحتها.
ماذا لديك لتضيفيه. ساد صمت كئيب ،خال الجميع أن العربية حدقت العربية بوجوه الحاضرين وجهاً انتهت .لكن سرعان ما صعقوا عندما تبين وجها ،لكنها لم تجد أحدا من أبنائها .الكل لهم أن الحبل انحل لوحده .فنادى الضابط ت��رك لباس لغته ،ولبس ثياب لغة أخ��رى حرسه والغيظ يخنق جسده. ارميها بالرصاص. فضفاضة ال تناسب جسده .وتعجبت كيف لعب الزمان بها إلى أن شاخت وهي ما تزال ضغط على ال��زن��اد وب��دت الرصاصات بكراً ،وكيف تساقطت أوراقها في عز فصل تتناثر .ف��اض جسد العربية .لكنها ظلت الربيع .نظرت إل��ى قسمات وج��ه القاضي شامخة وظهرت من بعيد كأنها جبل يهون وقالت: عليه كل شيء. ليس لدي ما أضيف. ونادى القاضي: أدخلوا ابن عربية:
حينها اصف ّر وجه اللغات األخرى ،وازداد كآبة ،وتيقن الجَ مع أنه يواجه لغة ليست ككل اللغات ،إنها لغة القرآن ،لغة البيان ،وإن من البيان لسحرا.
ماذا تقول في أمك؟ خلت الساحة م��ن الحشود ف��ج��أة ،كأن أن��ا أتبرأ من أم��ي العربية .وأؤك��د لكم األرض ابتلعتهم ،وخال المكان لسيدة العرب، أني طلقت حروفها .وتزوجت بحروف لغة وه��ي ت���ردد ب��ص��وت ع��ال «ه��ا أن��ا العربية أخرى.. اقتلوني إن استطعتم». * قاص من المغرب.
62
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
املصبح* ρρفهد ّ
وقع سهوا
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
قصص قصيرة جدا ربكة
تلسعه حرارة الشاي ..يفرغه ..تظل بحماسة ،قدم مخطوطه إلى الجهة المنظمة للمهرجان ،فقوبل بالرضا مع الحرارة ،والكوب مآلن ..يبسمل. التأكيد على ضرورة االختصار ،فجاء انقالب في أربعين صفحة من القطع الصغير. ع��رف ك��ل ش��يء ع��ن الحياة ،فحار تصدرته ص��ور للمسئولين ،فمقدمة فيما يصنع ،إن سار أماماً نعتوه بالتهور، وإهداء ،وتقريض وثناء ،صفحات أكلت وخلفاً بالتراجع ،ويميناً بالتذبذب، ربعه ،ثم صدر بغالف جميل ،خال من وشماالً بالتردد ،فوقف مشوشاً ،ينظر اسمه وصورته. إلى السماء ورأسه مدالة إلى األرض. الجنّ ة فــم ق��ال��ت الطفلة ألب��ي��ه��ا :ب��اب��ا حلمت يتأفف كثيراً من رائحة الفم ،ويمقت البارحة بأني دخلت الجنة ،ووج��دت البصق على األرض، فيها كل شيء جميل؛ طيوراً ،وزه��وراً، وال يتوانى من القذف. وفراشات ،ومراجيح، ٍ وأناساً ،ومياهاً، وعنباً كثيراً ،وأشجاراً مثمرة ،وأعطاني صدق ربي شعرًا جميل ،لكني حزينة أن لم كذب على زوجته قائال :هذه المرأة أرك هناك. زوجتي قبلة طالعته باستعالء ..تمتمت ..بكلمات
أرادت تقبيله يوم العيد ،فأرسلت له م ّل سماعها ،ث ّم بكى في حين خلصت شفتين حمراوتين خاليتين من الدماء .يدها من قبضته. * قاص من السعودية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (63 )2016
العــــــــودة
ρρمحمد محقق*
كان الظالم قد بدأ يزحف على غرفته الصغيرة ويعزف على أوتار قلب الطيب لحنا حزينا وهو يتذكر صديقه صالح الذي غادر المدينة فجأة بحثا عن عمل لمواجهة أعباء الحياة ،وهو يعلم جيدا أن هناك أشياء ال يمكن إخضاعها للمنطق والحساب؛ خصوصا وهو من الذين ال يجيدون لعبة ركوب الموج ،كما أن الزمن لم يعد هو الزمن ..وال يمكن لإلنسان أن يتحدى قدره ،وألنه لم يعد هناك أي فرصة لبقائه ..فقرر الرحيل. كان الضوء خافتا ،وأل��وان الجدران داكنة تضفي ج��وا من الرهبة ،جعلت الطيب يحبس أن��ف��اس��ه ..وه��و يجمع خ��ي��وط األش���ي���اء ف��ي ع��ق��ل��ه ،مغمض العينين ،متمنيا م��ن ك��ل ج��وارح��ه أن يلتقي بصديقه صالح مرة أخرى ،كان ذل���ك ه��و ب��داي��ة ال��ح��دث ال���ذي زل��زل كيانه وجعله حائرا ،وهو ال يعرف ماذا يفعل ..لكنه ك��ان ي��درك أن الصداقة الحقة تجعل اإلنسان في صحة جيدة، وفي راحة أبدية ،إذ تختفي التوترات، وينتشر التفاؤل في الوجدان واألفكار. كما كان يعرف أيضا أن الخطوات ال تكتمل وق��دم��ي��ه ال تحتمالن جسده النحيل إال بالقدر الذي يخطو متعبا، مصرا أال يستسلم أمام العقبات التي تعترض طريقه..
64
على محياه عالمات التفكير واإلرهاق، وه��و يفكر ف��ي ه��ذا اإلح��س��اس ال��ذي جعله يشعر بالعزلة ،منتظرا من يرفع معنوياته ،وي��ب��ارك تحركاته لتحقيق هدفه ال��ذي يصبو إليه ،وم��ا لبت أن انقشع الضباب وزالت الغمة ،وحل يوم ازدادت فيه االج��ت��ه��ادات والمساعي ف��ي عملية ال��ب��ح��ث ،وم���ط���اردة ه��ذا الغياب القسري ،ومواجهة المصاعب المحتملة.
لقد عمق غياب صالح ج��روح أمه فاطمة ،فأصبحت سجينة أشجانها، وفي غاية التعاسة ،ال تمتلك من حياتها سوى ابنها الوحيد الذي غادرها فجأة، وكانت كلما سبحت في بحر اإلرهاق.. ترافقها اآله��ات إلى الظالم؛ فتتناول مسح وجهه براحة ي��ده ،وقد بدأت مسكنا يأخذها إلى نوم عميق.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ورفيق دربه الطيب ،يحمل باقة من الورد.. كتعبير ع��ن م��ش��اع��ره المتسمة ب��ال��ب��راءة والتضامن والتمني لو يستطيع أن يتجاوز المكان والزمان ،ويخترق الحواجز والحدود، الس��ت��رداد األم��ل إليها .فارتمت عليه وقد علت وجهها ابتسامة رائعة الرقة ،وأدركت في هذه اللحظة بأن حياتها قد تعود إليها، وأنها لن تكمل ما تبقى من عمرها وحيدة.. كان الشعار ال��ذي رفعه الطيب وهو يغادر بيت فاطمة التي اتجهت إلى غرفتها وهي تسترجع ذكرياتها مع ابنها الوحيد ،رافعا بصره ،راجيا اهلل أن يعيد االبتسامة مرة أخ��رى لهذه األرملة التي تبكي بألم حظها ال��ع��اث��ر ،وال��ت��ي رب��ت وحيدها تحت ظالل شجرة البؤس مع المعذبين في االرض.
ذل��ك المساء ..ك��ان يسير على رصيف ال��ش��ارع م��درك��ا جحيم ال��واق��ع ،ك��ان يشعر بالحنين؛ ألن الجميع ك��ان��وا بعيدين جدا ع��ن��ه ،ان��ح��رف ي��س��ارا ودخ���ل م��ك��ان��ا ،الكل يستمتع فيه بنهم ،ويتفرجون بفضول بسبب موسيقى ال��ب��وب ،مستعيدين ذل��ك الشعور الغامض باللذة ،وق��ف مشدوها أمامهم.. لكن كانت هناك يد تمتد إليه تشجعه على الخروج من ه��ذه ال��دوام��ة ،وتخاطبه بحثا عن مخرج يلتقط أنفاسه ،ول��م يتردد في تلبية نداء الشخص الجاثم أمامه ،خصوصا وأن��ه أمضى أياما يتسكع في ش��وارع هذه المدينة ،متنقال بين أزقتها ومقاهيها بحثا عن صديقه ،وحين كان يجد نفسه أكثر من مرة وجها لوجه مع هذا الشخص الذي كان
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
ك��ان بيتها الكائن على الطرف الغربي من الضاحية الجنوبية ..المليئة بالحياة الطيبة والبسيطة ،تسترجع فيه لحظات ت��ش��م م��ن خ�لال��ه��ا روائ���ح���ه ،وت��ت��ن��ف��س في مساحتها رياحينه ،وعند كل فجر كان يصلها صوت المؤذن يوقظها من غيبوبتها للصالة وال���دع���اء ،وم���ن ال��ن��اف��ذة ك��ان��ت تنظر إل��ى غ��ادر الطيب القرية بخطى هادئة دون الضاحية ،وعيناها تكادان تتمزقان رغبة أن يلتفت خلفه ،وه��و يعيد ترتيب ح��واره في رؤيته ومعانقته من جديد ،فهي لم تتخيل األخير مع صديقه صالح ،الذي كان يحدثه يوما حياتها بدونه.. عن أمنيته الوحيدة ،والتي من أجلها كان كانت السنين المرة التي اختطفها الزمن مستعدا أن يفعل أي شيء ،فيمتزج الرجاء من عمرها حين غيب الموت زوجها أحمد في عينيه وهو يرفع يديه إلى السماء ،ألنه وه���و ف��ي ري��ع��ان شبابه ،ت��ارك��ا لها طفال لم يعد يحتمل هذا القلق ،وهذا الوقت الذيصغيرا على مساحات الظمأ -مأساة بعيدة يمر بسرعة ،محاوال ايقاف عزيمته ..لكنه تعود من جديد. يأبى إال المضيّ نحو غايته المقدرة ،رغم كانت الساعة قد قاربت السابعة صباحا أنه كان يعي أن الظرف خطير ومفتوح على عندما دق جرس الباب معلنا عن زيارة ،وما اح��ت��م��االت كلها مبهمة ،ال يمكن تفاديها أن فتحته حتى لمحت عيناها صديق ابنها بسهولة. بدأ كل شيء كالضباب ،ضباب الرطوبة التي كانت تنشرها مياه حيرته ،وضباب رؤيته القصيرة التي كانت تهزها قلة حيلته، لكن وعده للعجوز كان يتردد في داخله ،يفتح شهيته للمغامرة ،وكانت صورة صالح تقف هناك بانتظاره.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (65 )2016
يدعى عبداهلل ،والذي كان سببا في تشكيل نقطة ت��ح��ول��ه ب��ع��ي��دا ع��ن بيئته األص��ل��ي��ة، فانخرط في الحركة النضالية التي كانت تعج بها المدينة.. ك��ان��ت شخصية ال��ط��ي��ب تتسم بالجد والصرامة والميل إل��ى التغيير اإليجابي، وساعده في ذلك عشقه للسياسة التي جعلها وسيلة تواصل مع الناس وهموم الشارع .لم يكن عاديا ذلك الغضب الجماهيري الذي انطلق قبل مغيب الشمس ،هجوم جامح من رجال الشرطة اكتسح ما ألقت به الصدفة في طريقهم ،تخترق األبنية العتيقة واألزقة الضيقة ،ولكن كان اإليمان بالمبادئ التي آم��ن بها الطيب ورفاقه حجر ال��زاوي��ة في استمرار جذوة النضال والكفاح.. ويمضي الطيب مع ه��ؤالء ..وابتسامات األم��ل ونبض الوفاء يستعرض قطار األيام التي ستتوقف آجال أو عاجال ،وزخ��ات من الدموع تغطي وجنتيه رغم البرودة والوحشة واألح��ش��اء المقتولة ،ث��م ت��ت��راءى ل��ه ص��ورة صديقه صالح ،الشخصية التي تتسم بالمرح وحب االختالط بالمجتمع ،واالنفتاح على األخ���ر ،واإلق��ب��ال على الحياة والموسيقى والغناء ،فأحس بالظمأ يحرق أحشاءه ،فخرج س��ائ��را ف��ي ش���وارع المدينة ش��ارد الذهن، ولسعات البرد الخفيفة كانت تذوب سريعا في حرارة الشمس ،وفوق قدرة العقل على التصديق والعين على الرؤية والقلب! على احتمال األسى رأى صديقه ثم صرخ بصوت مرتفع من هول المفاجأة صالح ،صالح فكان اللقاء بعد فترة من الزمن ينبض بالحياة.. * قاص من المغرب.
66
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ك���ان ص��ال��ح ي��ح��ك��ي ل��ص��دي��ق��ه -وهما يرشفان ك��ؤوس الشاي – كيف ك��ان يبحث عن معنى يحيا من أجله ،أن يأخذ حظه من الحياة وأن يحلق في أفاقها ،كان يحس أنه يمكن أن يعطي الكثير إذا ما انتقل إلى الغناء بشكل منفرد ،كما أن عشقه للمجال هو السبب الذي جعله يغادر قريته التي كانت تحد من انطالقته ،وتحجم موهبته ..وهكذا توالت قافلة البحث الغنائية ..فمضى برنين الف��ت ،وتأمل واس��ع ،واستنتاج واستقراء، وسكينة متأنية ورصينة ،تلبية لجمهوره، ورغبة في التميز ،ثم يتنفس الصعداء ،وتنال منه ابتسامة هادئة ،فاسحا لصديقه دوره في الحكي ،فأفضى بما كان ينطوي عليه من أسباب وج��وده ،وك��ان يسري في وجهه قلق يمتزج بلوعة حارقة ،وهو يحدثه عن أمه فاطمة ،منبها إياه إلى ضرورة التقيد بواجباته على الوجه األكمل تجاهها ،خصوصا أنها طلبت منه في حالة عودته دونها ،أن يأخذها إلى ملجأ للعجزة لتقضي فيه بقية حياتها، فانتفض صالح وهو ينظر إلى صديقه بعينين زائغتين ،محركا يديه بعصبية ثم انفجر في وجهه كالقنبلة ..مستحيل أن يحدث هذا وأم��ي لم تسأم تكاليف الحياة من أجلي، خصوصا وأني جمعت من المال ما يكفينا معا ،قالها وه��و يعانقه مبتسما ..كأنه ال يريد أن يسمع منه أي ثناء .كانت مشاهد الوداع الغارقة في دموع األصدقاء لرفيقهم الطيب وصديقه صالح ترسم مالمح صورة التآخي والتضامن والتفاني ،عاشقين للوطن واقفين ضد تفتيت ذاتيته ،متمسكين بحق االختالف..
ρρفرح لقمان*
تعرف الرفض ال ِ ابتسمت بألم.. «طلبتُ منها النزول.. ف���ت���دح���رج���تْ ع���ل���ى خ�����دي دون اعتراض.. حتى جفت! بهذا الزمان رأي��ت حقيبة السفر بيده ،فسألته باستغراب :إلى أين؟ هتف وهو يتالشى بالفضاء : لم يعد لي مكان و اختفى ..طيف الحياء.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
قصص قصيرة جدا أريد التوبة تقف هناك..
تنظر للشاطئ..
غارقة «بالذنوب»..
رفعت عينيها قليالً..
وإذا بسفينة تقترب منها..
ألقوا لها قارب «نجاة»..
تمسكت به ..وانطلقت.. س منها يَ ِئ َ
أغمض عينيه بألم..
َم َد يده ليبعد تلك الذكريات..
إال أنها سحبته معها للمجهول..
أماه.. بدمعة « حنين» هَ تفتُ : نجاح النجاح أخبارك ..هل أنت ِ لك ..ما (اشتقت ِ َتمشي ِب � ُه��دوء وب��ي��ن يديها طفلين بخير..؟ رضيعين.. أال تودين زيارتنا ؟ أو نزورك.. ست َُض ِحي بشبابها من أجلهما على أحتاج إلى حضنك الدافئ ..عودي أمل.. إلينا).. َكبُرَت ..و َكبُرا ..فأصبحت تضحي أنهت تلك الكلمات وذهبت بعدما بعجزها مِ ن أجلهما.. تركت قلبها هناك.. وَما تزال تَبت َِسم بتفاؤل!؟ في المقابر؟ * طالبة في المدرسة الثانوية الثالثة للبنات في سكاكا.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (67 )2016
أنا والليل ρρخلف أحمد حسن*
إن� ��ي أح �ب��ك م �ه �م��ا ط� ��ال م��وع��دن��ا
ف�ج��ددي ال��وص��ل ي��ا ُحبي وداوي�ن��ي
وأعشق الوجد في عينيك يا أملي
وأس� �ت ��ري ��ح ع �ل ��ى ك �ف �ي��ك ت��ؤوي �ن��ي
وأغ �ب��ط ال��ري��ح إن ه �ب� ْ�ت نسائمها
وأعشق الشهد من راحيك فاسقيني
إن� � ��ي ب �ل �ي ��ت ب� �ح ��ب ك� �ن ��ت أح �س �ب��ه
ع��ذب ال�م�ن��ال ف�ص��ار اآلن يكويني
رغ��م ال�ت�ج��اف��ي ف��إن��ي ب��ت أعشقها
وأس �ت �ب �ي��ح ل �ه��ا ف� �ك ��ري ت�ن��اج�ي�ن��ي
إن ��ي ع�ل�ي��ل وه� ��ذا ال �ش��وق يقتلني
والليل يجثو على ظهري فيشجيني
أس ��اه ��ر ال �ن �ج��م واآله � � ��ات أك�ت�م�ه��ا
صعب وطول البعد يضنيني ٌ فالوجد
�رك ف ��ي ق �ل �ب��ي أخ �ب �ئ��ه م ��ا زال س� � � ِ
وال �ق �ل��ب ي�ف�ض��ح آه��ات��ي فضميني
إن ��ي غ��ري��ق س�ف�ي�ن��ي ت ��اه ف��ي ل�ج� ٍ�ج
وح�ب��ل وص�ل��ك ينجيني ويحييني
مُ � ��دّ ي ي��دي��ك ب �ح��ق ال � ��ود ف��ات�ن�ت��ي
أو رمش عينك إن الرمش يكويني
جودي بوصلك لي .قد مُت ُّ من ولَهٍ
ف��ال��ورد م��ن شوكه يدمي شراييني
إن� ��ي أح �ب��ك م �ه �م��ا ط� ��ال م��وع��دن��ا
فعجلي ال�ق��رب ي��ا س �م��راءُ داوي�ن��ي
* شاعر من مصر.
68
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ρρإبراهيم زولي*
آن لي أنْ أدلّ النجوم، تشب عن الطوق النجوم التي غالبا ما ّ أؤ ّل � ��ف ب �ي��ن ال� �س ��راب ال �م �م �وّه ب��ال�ن��ار والمفردات ها أنا أحتمي بالقصيدة يحط الرحال على كتفي ّ بالليل وهْ و بالكالم المهرّب خلف النوافذ بالجمر ،جمر الحنين الكذوب بتلك ال�ف�خ��اخ ال�ت��ي تتصيدني آخ��ر العمر. ليس هنالك أكثر من ذلك البؤس. ال شيء ،يجعل هذي الحياة تدوم، عدا وجهها.. وجهها القادم اآلن من زمن أخضر، مصب الينابيع، ّ من ما يتبقّ ى على حافة الكأس، يلقي التحيّة للواقفين على خنجر األمنيات. ل��م ي �ك��ن وج �ه �ه��ا ق��اب�لا ل�ل�غ�ن�ي�م��ة في ساعة الحرب، كان دليل المحبّين في مطلع الصبح، حسرتهم في الشتاءْ . طالما يتراءى على كتف البحر، يصعد محتشما من غبار الكتابة. كالغيمة الجامحة. طافيا في سماء األغاني،
يلمّ شتات المدى، كالظهيرة حين تجنّ بها الشمس، يستوقف الريح دون حياء، وي� �س� �ت ��رج ��ع ال � ��وق � ��ت ق� �ب ��ل اش� �ت� �ع ��ال الخطى. وجهها ،مثل مأدبة تستحث المزاج، المزاج الذي تتقلب فيه البالغة، َض بالدم ،يصلح للعيش وجهٌ يقاي ُ عند التغرّب ،بين ضواحيه نستمطر الشعر، يور َُث أمنية في المنافي، ضفافا مقدّ دة بالهوى والهواء، بساتينَ ،زينتَها لم ير أحد مثلها. وجهها؛ قمر قدّ من ولع ورياحٌ شمالية تتبرّك باألسئلةْ. كل ما قيل ال يفضح السر، ال يقرأ الماء بين الهوامش ال ،لن يطيح بتاج المهابةِ . ما قيل؛ لم يسرد الذكريات، الحواس، ّ صهيل نوارس تغفو على فمها. أنت أخطأت في الوصف حاذ ْر من الكلمات األليفة ال أصدقاء سوى وجهها، هو أقدس آثامها، وأقلّ غواياتها الفاجرة.
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وجهها
* شاعر من السعودية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (69 )2016
من فوق الرمال ρρمحمود الرمحي*
وم � � � � � � � ��ن ف � � � � � � � ��وق ال � � � � � � ��رم � � � � � � ��ال أَ ُب� � � � � � � � � � � � � � � ُّ�ث ش � � �ع� � ��ري ي � � � � � � � � � � ��داوي ال � � � � � � � ُ�ج � � � � � � ��ر َح إال ُج� � � � � � � � � � � � � � ْر َح ع � � �م� � ��ري ل � � � �ع � � � �م� � � ��ري مَ � � � � � � � � � ��نْ ي � � � �ع � � � �ي� � � ��دُ ال � � � � � �ح� � � � � ��قَّ ي� � � ��ومً � � � ��ا ي � � � � � � � � � � � � � � ��داوي ُج� � � � � ��رح � � � � � �ن� � � � � ��ا ب � � � � � �ط � � � � � �ل� � � � � ��وعِ ف� � �ج � ��ر ف� � � �ل� � � �س� � � �ط� � � �ي � � ��نُ ال � � � �ح � � � �ب � � � �ي � � � �ب� � � ��ةُ ك� � � � �ي � � � ��ف أح� � � �ي � � ��ا ب � � � � �ع � � � � �ي� � � � ��دً ا ع� � � � � ��ن ث � � � � � � � � � ��راك وف � � � � � �ي� � � � � � ِ�ك س � � �ح� � ��ري �ول �ال ..إل� � � � � � ��ى س� � � �ه � � � ٍ أح� � � � � � � � � ُّ�ن إل� � � � � � ��ى ال� � � � �ج� � � � �ب � � � � ِ �ك ب� � �ح � ��ري �روج ..إل � � � � �ي� � � � � َ إل � � � � � ��ى ت� � � �ل � � ��ك ال� � � � � � �م � � � � � � ِ إل� � � � � � � � ��ى ت� � � � �ل � � � ��ك ال � � � � � � �م� � � � � � ��دائ� � � � � � � ِ�ن ف� � � � � � ��ي ُرب � � � � ��اه � � � � ��ا �اف ،ون � � � � � � � �ب� � � � � � � � ٍ�ع ف� � � � �ي� � � � �ه � � � ��ا ي � � � �ج� � � ��ري وأري� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ٍ *** أح � � � � � � � � � � � � � � ُّ�ن إل � � � � � � � � �ي � � � � � � � � ِ�ك ي � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��زدادُ ح � � �ن � � �ي � � �ن� � ��ي ح� � � � �ن� � � � �ي � � � ��نَ ال � � � �ظ� � � ��ام � � � �ئ � � � �ي� � � ��ن ل � � � � � � �م� � � � � � ��اءِ ن� � �ه� � �ـ� � �ـ � ��ر
70
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
ح� � � � �ن� � � � �ي � � � ��نَ األ ِّم إنْ ف� � � � � � �ق � � � � � ��دتْ
رض� � � �ي � � ��عً � � ��ا
�ش ال� � � � �ع� � � � �م� � � � � َر ف� � � � � ��ي جَ � � � � � � � َل� � � � � � � ٍ�د وص � � � � � ْب� � � � ��رِ ت � � � �ع � � � �ي� � � � ُ وذاك ح � � � � ٌّ�ب َ ع� � � � �ل � � � ��ى أمَ � � � � � � � � � � � � � ِ�ل ال � � � � � �ل � � � � � �ق� � � � � ��اءِ األرض ف � � � � ��ي شَ � � � � ��ري� � � � ��ان� � � � ��ي ي � � �س � ��ري ِ وح� � � � � � � � � ُّ�ب *** ص � � � � � �ب� � � � � ��رن� � � � � ��ا ..ك� � � � � � ��م ص� � � � �ب � � � ��رن � � � ��اه � � � ��ا ع� � � � � �ق � � � � ��ودً ا وط � � � � � � � ��الَ ال� � � � �ص� � � � �ب � � � ��رُ ..ب � � � ��ل ق � � � ��د ع� � � �ي � � ��لَ ص � �ب� ��ري ول � � � � � �ي� � � � � ��دُ األم � � � � � � � � � � � ِ�س ق� � � � � ��د أض � � � � �ح� � � � ��ى م� � �ش� � �ي� � � ًب � ��ا وعُ � � � � � ��مْ � � � � � ��رُ ال� � �ش� � �ـ� � �ـ� � �ـ� � �ـ� � �ي � � ِ�خ يُ � � ��دن � � �ي � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��هِ ل � �ق � �ب � �ـ� ��رِ وم � � � �ف � � � �ت � � � �ـ � � � �ـ� � � ��احُ ال� � � ��دي � � � �ـ � � � �ـ � � � �ـ � � � �ـ� � � ��ارِ َل � � � � � � � � � ��هُ رف � � � �ي� � � � ٌ�ق �ص � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��رِ �س رؤي � � � � ��اه � � � � ��ا بِ � � َن� � ْ يُ � � � ��مَ � � � � ِّن� � � ��ي ال� � � �ن� � � �ف � � � َ �ال �ال وغ� � � � �ـ� � � � �ـ � � � � ٍ ول � � � � � � �ك � � � � � ��نْ م� � � �ه � � ��ره� � � �ـ� � � �ـ� � � �ـ � � ��ا غ � � � � �ـ � � � � �ـ � � � � � ٍ م� � � �ت � � ��ى ي� � � � ��ا أم � � � �ت� � � ��ي ُت � � � ْ�س� � � �ـ� � � �ـ� � � �ـ � � ��دي � � ��نَ م� � �ه� � �ـ� � �ـ � ��ري؟ * شاعر أردني مقيم في منطقة الجوف.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (71 )2016
الجياد عند المنحنى ρρأحمد متساح*
قلت لهم: ُ
ترى لمنْ أقدمُ عزائي؟
الجرح لي.. ِ بيداءُ
فاسف دوائي ُ
طواحين الهجرِ واآلنات
تعالوا في رئتي دقوا الخيام
النبض ولى َ كأن
دقوا الكال َم
أم ماتْ
دقوا أوتا َد الظالم
نخيل الذات ِ فال تبحثوا عن
في عيني..
تبكي على كفي الدَّ نا
بمناجل المالم ِ أحصدني
يا أيها النخيلُ الذي انحنى
لقد ت�ك��اث��رتْ ال�ط�ح��ال��ب..و الرعشةُ
جياد أبى عند المنحنى
في الصمام
فمن أنا..؟
مذ متى ترعى الغربانُ في دمائي
أنا
فأين روحي
ضاقت األرض علىَّ ْ
أين جسدي
القدس في بيداء التنائي ُ و
و أين ردائي..؟
* شاعر من مصر.
72
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ρρأحمد مصطفى سعيد*
توشمها االبتسامة فحاذر عينيها إن حدقت دققت أطلت االبتهال فحسنها من الرحمن آية رغم الخمسين خريفا كل خميس تسبق النهار لتفترش أرض السوق تحمل على الرأس أحالم األيتام وعلى الكتف ابن عام لتعود «بلحمة» العيد دواء السعال مالبس الشتاء رغم اإلعياء ال تهاب العناء كافورة هي لم تحنها رياح الحاجة (نحيف وحيد األهل) تطوح يمينا شماال
لم يعفر جبينها السؤال ففوقها السماء ال تزال سرا تناديها فال يرد لها سؤال تجاهر بالحمد هلل فتمتلئ دروب عمرها ضياء الحمد هلل ضحكة الرضيع تكفيني غدا تباركه األيام يصير غالما ويدفع عنى يد الجوع ذات الخمسين خريفا تبيع الفسيخ فرحة وتهب القانط الرضا للقانط وتترك مكانها عالمات استفهام تعجب من أين لبائعة الفسيخ رغم زمانها السخيف كل هذا االبتسام؟؟؟!!!
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
بائعة الفسيخ
* شاعر من مصر.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (73 )2016
َال َْح ِائ ْك ρρالسماح عبداهلل*
هو الذي قمّصني قميصتي
قال :نم على براح دك ّة الدكانِ
التذكرات في عينيّ ِ أنا الذي وقفت أحمل
القماش ثم قص الثوبَ ِ قاس طولي قاس فضلة
القماش من حانوته ِ واشتريتُ فضلة
قالُ :م َّر مر ًة أخرى عليّ عندما يأتي الشتاء
ُّ وكنت أنتوي أقصه يستر مرفقيّ أو أش �دُّه والشتا أتى وها ترونني بهذه القميصة التي يطول ركبتيّ عليّ ِ فجمعت فائض الحوائج التي في البيت كلها ال تلوموني أنا وإنما هو الذي قمّصني قميصتي وزرته في غفلة من العيونِ امش بها فإنها إذا أتى النها ُر سُ ترةٌ وقال ِ قصاص قص لي على مقاسي ُ قلت :يا بصاصي النهار واللصوص ت��زود عنك عين ّ ونثرت ما حملته من فائض الحوائج التي في والتجار البيت ِ ثم نم بها إذا أتى اللي ُل الكبي ُر إنها منام ٌة تصبح قال :بعضها مستهلكٌ في األحالمِ مركبا وخيم ًة ترقص فيها رقصتين تنتشي يا ُ وبعضها نقَّره الدود الذي يسكن في الخزانةِ تصب ُح حان ًة القديمةِ صاديَ الجفونِ القماش ِ النفيس كي أعطيك قطعة َ انتق
أو تشربُ فيها رشفتين ترتوي يا ظاميء الفؤادِ
في شتاء الخوف قوتي كله
يا سي َد الخُ طا
وأشه ُر الشتاء تضرب العظا َم وعظامي هش ٌة
ومنش َد الموالِ
فقال :لف حول بسطة المكانِ
يا ربيبَ الفرَحِ .
القميص ِ يا لـمَّا ُم ل ّم فضل ًة تصل ُح كي أعطيك فضل ًة فتصي ُر – إن رُويتَ – فارسا حل َو تس ُّر العي َن واألشجا َر واألنها َر المعلقات ِ تشتهيه نسوةُ النوافذِ قلت :ليس يملك الفقير غير ما أتى به ِت ْه به تصر لما تري ُد وغير ما أبقى له أهلوه غير ما أبقت له مرارةُ وامش في األسواقِ فرحانا لتبل َغ الجبا َل ِ النهارِ ال لكنني أنفقت واخطُ في أكمامه تخلص ْه لك الدنيا بأسرِ ها اص لست باخ ً قص ُ استوص يا ّ ِ
* شاعر من مصر.
74
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ρρخالد مزياني*
سيدتي العذراء
وتاج الملك تصنعه حبيبتي
هذه كلمات عاشق
ضفائرك الشقراء
عزاؤه الوحيد
لن أكون بعد اليوم
قلبه رزمة أوراق
وشفتك الحمراء
إنه اليوم مشتاق
رقما في جوالك
قلبي وردة حمراء
في حقيبتك
لك سيدتي
وال بطاقة اعتماد
أزرعها بقلب األعادي
منذ اليوم أنا فيك
وبقلبك األبيض الناصع
كما الزهر في األرض
أسميك تارة بسيدتي
تدور حوله العذارى
وأخرى ساحرتي
حكايا الصبايا
شوك صبار
فاكهة رمان
وتارة ملهمتي
كما الماء في النهر
سأشيد باسمك ألف مزار وتنسج من حوله
وكل المرات واألعذار لي
سأقف على حدود خديك
لن تصادر بعد اليوم
فاتحا عبر شفتيك
وال عاشقا غيري
سأفك ضفائرك اآلن
بحبيبتي
همسات العشاق
عابرا المحيط
بوابة الفردوس المفقود
لن توأد بعد اليوم
وانسج لك في قلبي
وال شاعرا غيري
فهنيئا لك بالحب الكبير
قصائد الشعراء
ألني اليوم أنصب ملكا
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
همسات عاشق
بيتا لك وحدك
وبخالـد نعم الحبيب.
* شاعر من المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (75 )2016
قصيدتان ρρلقمان محسن حلفاوي*
على الهامش ال أكثر َاب َالغي ِ رَمَ ادِ ٌّي ك ِ ون ابتِ دَاءٍ وال نِ هايةٍ تُذك ْر بِ دُ ِ المز َِاج والمَ جَ ازِ ضبابيُ ِ كسَ حابَةٍ ُحبلى ُمط ْر ال ت ِ لَكِ ن سَ مائِ ي َ تذكّر يا خافقي وال تنسى أَبَدً ا ُشه ْر رحا بِ سَ ي ِْف العُ مرِ قَد أ ِ ُج ً نفس كفاك يا ُ قد تعب الحصان من وجع الماضي الذي أدبر ***** على الهامش ال أكثر.. يل قديم بدون ضوءٍ ند ٍ ك َِق ِ أرتاد مقهى المدينة المهجورة حزين بما يكفي ،سعيد بما يكفي وبين السعادة والحزن.. أجد نفسي بين بين كما الماء ،كما الموت ارتباك حين يرتبك الوتر يحتدم الليل في دمي يطوقني بأطياف األسى و يرسم بلون الغياب قطع الليل.. يجالس العدم و يكون الفراق *** أنا الجسد اآلفل وراء صدى الوجع أرسم خلف الليل فجر اللقاء و أجلس هناك.. عند انبثاق الروح أقتفي بكاء المطر * شاعر من تونس مقيم في السعودية.
76
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
لن يكون لك ارتواء يا قلبي فالظمأ يسكنك خطاياك تغمرك و تقترب النهايات هذا فراق بيني وبينك كزهرة لوز سقط الربيع منها شهيدا كفى ببارقة سيوف الوجع تشهد.. بأني أحبك ***
أرسلني بعيد ًا عنك واقطع أمنيات الوصول الشاردة ولك أن تمتطي رياحك ّ بعيدا عن مدارات اللقاء ***
ذاك الغريب.. ذاك الذي أكتب عنه و يقرأ غيره أشعاري كيف السبيل إلى امراة لم تقرأ بيتا من أبياتي؟ لم تشعر بنبض معاناتي ما أشقى أن أعشق روحا لجسد ال يعرفني.. إن الروح تمتثل قبل الجسد أحيانا.. ذاك المكابر ليس إال شهقة اندهاش بعثرت أوتار الروح ارتكبت الخطيئة و تركت في القلب لوعة..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
الروح نين َر ُ ِ
ρρالطاهر لكنيزي*
عَ ��جَ �ب��ي لِ � � َق � �وْمٍ َي� � ْأ َن� �ف ��ونَ ال � ُ�ح � ْ�س ��نَ ف ��ي أَ ْب � � َه ��ى ال��فُ �ن��ونْ وَال� � � َف � � ُّ�ن َل ��مْ ��سَ ��ةُ غ � � ��ادَةٍ خَ � � � ْرس � ��ا َء ُت � ْن� ِ�ط��قُ �ه��ا ال � ُ�ش �ج ��ونْ َف � � ْي � �ح� ��اءُ ،ب � ��اذِ خَ � ��ةُ ال ��حَ � �ن ��اي ��ا ،وَال � � ّ َث � �ن� ��اي� ��ا ،وَال ��جَ � �ب� �ي ��نْ �راح ،وَال � ُ�ح � ِّ�ب ال��مَ �ك�ي��نْ �راح ،وَاأل ْت � � � � ِ و َِس� � َع � ْ�ت َص� ��دى األفْ � � � ِ �اح َف� �ت� �ي ��نْ وظ� � � � ��لُّ ُت � � ��فّ � � � ٍ �احِ ، �ص � � �ب� � � ِ أ َْح� � ��داقُ � � �ه� � ��ا أَ َل� � � � � ��قُ ال� � � َ �وش � � �ه� � ��ا هُ � � � � ��دُ ُب ال � ��سَ � � �ن � ��ابِ � � ِ�ل ،الَرِ م� � � � � � ��احٌ ل� �ل ��مَ � �ن ��ونْ َو ُرم� � � ُ فَ � �إِلَ � �هُ � �ن� ��ا خَ� � �لَ� � �قَ ال� � �جَ� � �م � ��الَ ،وَزانَ� � � � � � �هُ عَ� � �بْ� � �رَ ال �سِ �ن �ي �نْ ألم� � �ي � ��نْ ْآن ،ف � ��ي مَ � � � � ��دْ ِح ا َ ف � ��ي غُ � � � َّن� � ��ةٍ لِ � � ��تِ � �ل ��اوةِ ال � � � ��قُ � � � � �ر ِ ف��ي َل �وْحَ ��ةٍ لِ � ْل �ح��ورِ ،ف��ي األ َْش� �ع ��ارِ ،ف��ي ال � َل��فْ � ِ�ظ المَ تينْ �ات ال ��حَ � �ن� �ي ��نْ �ات ن� � ��اي� � � ِ أل ْوت� � � � � � � � � ��ارِ ،ف � ��ي آه � � � � � ِ ف � ��ي أَ َّن � � � � � ��ةِ ا َ ف ��ي ُت � ْ�ح� � َف ��ةٍ خَ � �زَفِ � � َّي� ��ةٍ ،ف ��ي ُح � ��مْ � �رَةِ ال ��شَ � � َف � ِ�ق ال��حَ ��زي��نْ �اف ِظ� � ��لٍّ مُ � ْ�س � َت �ك �ي��نْ ف� ��ي َد ْب � � � َك� � ��ةٍ بِ � ��ال� � � َر ْك � � ِ�ح ،ف� ��ي أ َْط � � �ي� � � ِ ألن� �ي ��نْ اح� � � َت� � �رَقَ ا َ �ان ،إِ ذا َب �ك��ى ْ ف ��ي َب � � �و ِْح َق� � ��وِ ٍس لِ � � ْل� � َك� �م � ِ �ون َل� � � ْي �ل� ً�ا ،ح� �ي ��نَ َي� � ْن� � َك � ِ�س ��رُ ال � ُ�س� �ك ��ونْ ف� ��ي َر َّن � � � ��ةِ ال � �ق� ��ان� � ِ �ام � ِ�ل ال� ُ�ح� ْ�س� ِ�ن ال��مَ �ص��ونْ . �روح َب � ْي��نَ أَن � ِ �راح ال� � ِ حَ � ّت��ى ا ْن � ِ�ش � ِ * شاعر من المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (77 )2016
ُ البكر الرذاذ تراتيل ِ ِ ρρهندة محمد*
دمي األصوات ِ فيض من ٌ
وقد كنتَ الغريبَ
األوطان ِ يتلو على
يشدُّ صوتي إلى وترٍ
آيات التّمنّي ِ
فيك لحني َ يوطنُ
ووجهي
ستهجرُ َك الخطايا
في المرايا التقيه
العصيان ِ حين تسهو يدُ
ألحضنَ خوفَهُ المنثو َر منّي
عن زرعِ التجنّي
عين الغمامةِ ومن ِ
ُك الموانئُ عن خطاها وتسأل َ
ليهبط فوق ٍ َ سالَ وحي ًا مزن موج يحاو ُر سرَّ ِ جرح مطمئنِّ و عن ٍ
78
لكم
إلى َم
الخذالن قمح ًا ِ طحنت رحى ْ
ال�رّوح تتخذُ الحكايا طريق ًا ترتدي
طحن ِ و ماتْ القاحلون بغيرِ
وهن أشجا َر ِ
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
الملفوف دمع ًا َ يا ورديَ
الغيم ِ حين تدنو صحارى
المسفوك عنّي َ تراودُ عطرَها كخارطةٍ
عدن جنات ِ ِ من
خطوط المحوِ َ الغيب فيها ُ أتمَّ
أنا..
كدتَ تفرُّ منّي
تهت عزفا قفرُ الخطايا ُ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وكم
وقد أحتا ُر جمر ًا
و حين يم ّر بي سيلٌ وأسماءُ الغيومِ تمرُّ بيني غروب ًا شمس غصني ُ ثم تشرقُ و خاصرةٌ
أغنّي وارسمُ مزنتي العطشى آيات لوني الجدب من ِ ِ دروب لتدنو ُ
تموت ُ أرض يسيرُ الجرحُ منها إلى ٍ طعن ِ بغيرِ
فـ بي غيمٌ إلى األنهارٍ يحبو كمسبحةٍ
فمنذ البدءِ الضوءِ غياب هطولَ ّ ٌ يستسقي ملكوت حزني ِ من
يفر ُِّطها التأنّي ّوح قفلٌ باب هذي الر ِ ولي في ِ تنادمُ هُ مفاتيحُ التمني
للسدى أيادٍ ّ
ولكني
كانت تلمُّ الرذا َذ البك َر
سئمت الحربَ بيني وبيني ُ
يفيض عنّي ُ حين
مَ ن تُرى أشكوه مني
* شاعرة من تونس.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (79 )2016
أبجدية الريحان ρρنازك اخلنيزي*
يا أبجدية الريحان ليتك لم تعانقيني خلف الباب حين بكيت ليتك �رك ع� �ل ��ى ق�م�ي��ص ل� ��م ت� �ت ��رك ��ي ع � �ط� � ِ ذاكرتي في غربتي وليتك لم تفرغي أفراح الطفولة من خزائن غرفتي ليتك تجاوزت سنين العمر من طور آلخر ليتك ِ لم تدركي يوم ًا حاجتي وليتك الزالت في مهبط الحلم مالذ ًا وفسائل الضوء الزالت شموع ًا ليتك ِ لم تحلّقي في سمائي بأجنحة من نور ول��م ُت�ط�ف��ئ ق�ن��ادي�ل� ِ�ك ال�ت��ي أض��اءت الكون بتباشير العيد ليت باب بيتك الصغير لم يوصد ول�ي��ت العمر يكفي ليصحو الفجر من غفوته كفراشات الربيع ليتك ِ * شاعرة من السعودية.
80
اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
تأتي ببهجة تترقرق تضم نبض الشوق في مساحة مالمحها حضن واحتواء تمأل الربى نقاءً وطهر ًا في ظل الرحيل ألبس خاتمك األزرق ورداؤك األخضر وأفرد شعري على كتف الليل ألرتل الدعاء كنسيم يحمل شذى العطر بفيض من نهر العطاء ستبقين أسطورتي يا أمي كهالة من نور على تالل أبجديتي تبعثر الصمت فأقيم الصلوات في أوردتي ويرتد الصدى ما أكبرك ما أعظمك يا من ساومت الكون بذكرك اللحظات ِ وتوشحت
القصيدة قلبها أبيض ،وال تعرف التضليل.. وليس كل من أصدر ديوانا ُع َّد شاعرا
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
إبراهيم زولي
ش��اع��ر س�ع��ودي ُي�س��اف��ر ف��ي ت�ج��اوي��ف القصيدة دون م�ل��ل ،يجعل قلبه بوصلة للمعنى ،وروح��ه المرتجفة باستمرار في فلوات البياض ،مواجه ًا عُ زلته األنيقة األليفة الشاسعة؛ للقبض على فتنة اللغة دون نِ ية مُ بيتة في استعجال الكتابة. ي��رس��م بكيمياء الكلمة خ��ري�ط��ة ل �س��ؤال ال�ن��ص ال�ش�ع��ري ال�م��دج��ج ب��ال�غ��واي��ة، وضيافة الكائنات من كل واالنخطاف ،والدهشة ،والشغب ،والمحبة ،والصداقةِ ، األرخبيالت والمغارات ،خريطة تعنيه لوحده ،يُؤمن بأن ِعلم الجغرافيا للجميع، �اك في السر لتسقط في ُجب وأن دم القصيدة ب��ريء من كل المكائد التي ُت�ح� ُ الحب دون مظلة تقي شغف الروح من حَ ِّر الكتابة ،وق ِّر النسيان. ُ يسكن أعشاش الجنون باحثا عن سيدة الكالم في األق��اص��ي البعيدة لِ هُ وية وصية.. تتمسك بِ هَاوية اليُتم ،مبتهجة بنشيدها السحري األدبي ،وهي تُهرب ِ شاعر ب��دون نياشين ،وال أل�ق��اب ،يمشي وح�ي��دا على حافة القصيدة ،مزهوا خص مجلة الجوبة بهذا الحوار. بغيابه السعيد ..وقد ّ ρρحاوره :د .أحمد الدمناتي -املغرب
¦ ¦ماذا يعني لك أن تكون شاعرا اآلن؟ ρ ρحتى الساعة ،لم يبرح ذلك الحلم يراودني في أن أكون شاعرا .والذي ي��ق��رأ ل��رم��وز القصيدة ف��ي العالم ي��درك حجمه الحقيقي ،وليس كل من أصدر ديوانا ُع ّد شاعرا .كثيرون يصيبهم ال��غ��رور؛ ألن بعض كلمات قيلت له ذات زمان ،كلمات مثل أنت شاعر ،أنت مبدع؛ مفردات ظاهرها
الرحمة وباطنها العذاب .كلما قرأ المرء كثيرا لعمالقة القصيدة في العالم وف��ي تراثنا العربي ..يصل إلى نتيجة مؤداها أن طريق الكتابة طويل وشاق ،والممشى ليس مسيّجا ب���ال���ورد وال���ذه���ب .ن��ع��م ،وح��ده��م الذين ال يقرؤون هم من يطمئنون لتجربتهم ويستحسنون نصوصهم ح ّد السذاجة.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (81 )2016
¦ ¦كيف تنظر إلى ذكرياتك القديمة األولى مع أول قصيدة أو قصة ،أو نص تكتبه أو تنشره؟
82
ورؤي��ا ساذجة للعالم وللكتابة على ح ّد سواء .كثير من تلك األوراق والخربشات األول��ى لما ت��زل معي ،أدّخ��ره��ا ليوم ال أعرف أوانه ،حتى القصائد التي لم تنشر من قبل في دي��وان شعري ما ت��زال في أوراقها األولى بالكشط والتعديل كقوارب غارقة في مياه البحر.
ρ ρال��ذك��ري��ات ه��ي ال��خ��راب الجميل ال��ذي ت��ح��رس��ه ظ�ل�ال ال�����روح ب��ط��ري��ق��ة تثير الشفقة ..بين حين وآخر أعود لكتاباتي األول��ى .ال أحبذ من يقول بأنه تخلص منها ،أو قام برميها في سلة المهمالت ¦ ¦كيف يتعامل الشاعر مع مَ كْ رِ القصيدة حين تُهدد باالنسحاب من بيته لحظة أو ال��م��ح��ذوف��ات ،وتنكر لها .الكتابات غليان الكتابة اإلبداعية؟ األول��ى وثيقة ج ّد مهمة للكاتب قبل أن تكون بذات األهمية للدرس النقدي؛ من ρ ρالقصيدة وحدها في البرية ،وض��راوة خاللها يتعرف على مرحلة آيلة للذهاب، الهجير ،ال جدار يسندها ،ويخلّصها من مرحلة تشكّل المدماك األول في معمار مكر العالم ،بيد أنها ليست قطّ ة أليفة التجربة ،ولوالها يندر أن يتجاوزها أحد، تصطحبها س � ّي��دة نبيلة حيث ش��اءت، ذلك أنها تمثل مرحلة دقيقة ومفصلية وليست هشّ ة كسطح الماء كما يتوقع غير من عمر محررها ،بكل ما فيها من هنات واحد.. اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وبالتالي ..فالشاعر ي��راوغ عندما يمعن في الغموض، تكون أسراره أكثر عرياً ووضوحا .القصيدة قلبها أبيض، وال تعرف التضليل أيها الشاعر. ¦ ¦كيف تستهدي إلى عناوين قصائدك؟ وهل الطريق إليها يكون محفوفا بالمخاطر؟
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
إنها تحتاج وقتاً للتأمل ،كما يتأمل المحاربون طرائدهم وخصومهم من فوهات بنادقهم .كأن القصيدة فخاخ من الكلمات تفضي بك إلى مجزرة ناعمة..
ρ ρهي مَن تصطفي عنوانها ،وإيقاعها ،وأوان حضورها، ربما في الظالم ،وحين يغالبك النعاس ،أو ذاهباً في صباح شاحب إلى عملك .هكذا تقبل مَن أورثتْك الجنون. فجأة ،تنبت كعشب فوق حجر ،كبرق تهامي ،أو كمطر الصيف ..تشبه غيمة خرجتْ عنوة في يوم مشمس. الشاعر ،هو مَن يعيش القصيدة في يومياته ،قبل أن تتحوّل إلى لغة مكتوبة على الورق. ¦ ¦ما هو إحساسك بعد االنتهاء من كتابة قصيدة ،أو قصة، أو نص؟ ρ ρحالما أفرغ من كتابة نص ،أشعر بإنسانيتي ،وبأنني واحد من عالم األحياء ،أغ��دو ،كمن أنجز مهمة عسكرية ،أو كبطل أولمبي حقق رقما قياسيا في سباق العدو .في حاالت كثيرة تفرغ من كتابة القصيدة ،وأجنحة الروح ما فتئت ترفرف .غالبا ال تنتهي القصيدة كما يتبدى لنا، تظل تطاردك وحبرها لم يجف بعد ،تالحقك ،أو تالحقها بالتعديل والمونتاج .أجل تنتهي ككتلة واح��دة ..غير أن اإلضافات والمحو يستمر عقب ذلك مدة أط��ول ،لهذا تعلمتُ كيف أشذب القصيدة أكثر من إطالتها دون داع. ¦ ¦في زمن التطور الرقمي الهائل ،والعالم االفتراضي المخترق لكل ال�ح��دود ،هل استطاعت القصيدة أن تبني عُ شها فوق الغمام ،وتنجو من الترهل واالستسهال في الكتابة؟
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (83 )2016
ρ ρاالن��ف��ع��ال وم��ح��اك��اة ال��واق��ع ال تليق بالشعر ،وقصائد المناسبات العابرة ،ال تصمد أمام عوادي األيام وتقلّباتها السريعة والمتعاقبة ،مع ازده��ار ثقافة التصفيق .على الشاعر أن يلوذ بصمته الحكيم ،وعزلته المضيئة ،بعيداً بعيداً عن الهشيم ،والصخب المجّ اني. ¦ ¦في قصيدة الومضة أو التفاصيل ،هل تُكتب القصيدة بالعين قبل اللغة؟ ما رأي��ك في ه��ذه الثنائية المهمة إلنجاز مشروع الكتابة؟ ρ ρعندما يشعر الكاتب ،أيّ كاتب أن النص قال ما لديه، عليه أن يرفع قلمه إلى جيبه ،أو يرميه جانبا ،بسبب اإليقاع السريع للعصر ،وبسبب المتلقّي ،المتلقّي الذي لم يعد لديه صبر ووقت كاف لقراءة المالحم والمعلقات. ¦ ¦إذا قُ د َر للشاعر أن يعيش وحيدا في عزلة بهية تليق به، هل يختار القصيدة رفيقة؟ أم المرأة صديقة؟ أم هما معا؟ ρ ρيأخذني الحنين صوب القصيدة؛ ذلك أنني ال أعرف شيئا أحترم به نفسي غير الكتابة .هي من تستطيع االحتيال على العدم بتحدّ فاجر ،وتكتب مجدها. وال تزال النساء الجميالت ،والمطر الذي يبلّل ثيابنا، والرغبات السرّية تحدق في الشاعر طويال ليكتب عنها، ويخلع عليها األسماء. غير أن القصيدة التي ال تحمل أسماءها ،تدير ظهرها للشاعر ،وتغلق اﻷبواب ،ثم تطفئ عنه أنوار العالم. ¦ ¦ي�ق��ول الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا (أمتلك كل أح�لام العالم في دخيلتي) .هل قلب المبدع والشاعر يتسع ألحالم الكون رغم قسوتها؟
84
ρ ρال ي ّدعي الشاعر بطولة ،وال يدلّس بصباحات مزوّرة على أحد .نعم ،يمشي مخفورا بالبرق والمطر ،ويحاول جاهدا أال يصطدم بصخرة الفناء ،يتيمّم برمل المحو، اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
كتبت على حائطك األزرق بالفيسبوك (ل���ن ن��ق��ف م��ك��ت��وف��ي األي�����دي ،منكّسي ال��رؤوس قبالة سنبلة تحتضر ،أو وردة تسقط من غير سابق إنذار .فلنكتب شيئا ما ،شيئاً يشبه النشيد الغامض لألشجار قبل سقوطها أم��ام أق���دام الحطّ ابين، ولننق ْل عدْوى الكتابة للفتيان ،للضواحي ال��م��ه��ج��ورة .حسبنا أن الكتابة ،طعنة رحيمة في خاصرة الوجع.).
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
ويسعى للقفز على ج���دران المذبحة والخراب.
عوالم شعرية أكثر بهاء وأل��ق�اً ،وال��ذي يقرأ أعمال كبار كتّاب أمريكا الالتينية، يجد أن ه��ذه األج���واء الفانتازية كانت م��ادة ولبنة أساسية في معمار روائعهم الروائية .وليست ببعيدة عنا رواي��ة مئة عام من العزلة ،عمل ماركيز االستثنائي، وال����ذي استحضر ف��ي��ه «م��اك��ن��دو» تلك القرية األسطورية ،والذي قال في سيرته ضمن كتاب «رائ��ح��ة الجوافة» الصادر عن أزمنة ،أن جدته هي من أوح��تْ له بتفاصيل ذل��ك ال��ع��ال��م ،وك��ذل��ك العمل العظيم لخوان رولفو «بيدرو بارامو» الذي كان الفتا بسبب هذه العوالم الغرائبية، والقصيدة ليست بمنأى عن هذه األجواء حسب شرطها الفني.
¦ ¦ه ��ل ال �م �ح �ك �ي��ات ال �ش �ع �ب �ي��ة وال �ش �ف��وي��ة، والمرويات الشفوية ،إضافة إلى التخييل السردي ل��دى الشعوب أسهم في تطوير وت�ح��دي��ث ال�ن��ص ال�ش�ع��ري ال�ح��دي��ث لغة ¦ ¦ه��ل ُت �ق��رب �ن��ا ت��رج �م��ة ال �ش �ع��ر م��ن ال�ن��ص ورؤية وأفقا جديدا للكتابة؟ األص� �ل ��ي؟ وك �ي��ف أس �ه �م��ت ف ��ي ت�ح��دي��ث ρ ρالش��ك أن ه��ذه العوالم بكل تجلياتها، ال�ق�ص�ي��دة ال�ع��رب�ي��ة ال�م�ع��اص��رة ،وفتحت س���واء ك��ان��ت حكاية شعبية ،أو مروية آفاقها الرحبة على المغايرة واالختالف؟ شفوية واح���دة م��ن راف��ع��ات القصيدة، وتوظيفها بشكل فني يتقدم بالنص إلى ρ ρالترجمة نافذة تط ّل على اآلخر ،وبدونها
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (85 )2016
وم��ن كانت أعمالهم الروائية تستجدي المتلقي بما يسمّى فضح المكبوت وخرق التابوهات ،وال يزال أولئك المثقفون ال يرون في هذا البلد غير نفط وصحراء، وهي نظرية استشراقية ال يليق بمتنور مفضلين االستسالم ّ أن يرتهن إليها، لنظرية المركز واألطراف التي تجاوزها الزمن ،الزمن الذي تداخلت فيه األشياء وت��ع��ول��م��ت ،وس��ق��ط��ت م��س� ّم��ي��ات المتن والهامش ،والشيخ والمريد .يحدث ذلك في الوقت الذي تجد فيه معظم مثقفينا ف��ي السعودية يعرفون أدق التفاصيل األدب��ي��ة عن المشهد األدب��ي في ال��دول العربية ،فيما هم مع استثناءات قليلة ال يعرفون إال النزر اليسير عن الحراك الثقافي ف��ي المملكة والخليج ،م��ع أن ال��ف��ض��اء اإلل��ك��ت��رون��ي ق��د ق��ام بتجسير ال��ف��ج��وة اإلع�لام��ي��ة ،وال م��ب��رر لهم إال كسلهم وتعاليهم ،وال شيء غير ذلك.
ل��ن ت��ع��رف شيئا ع��ن المنجز الجمالي وال��ح��ض��اري ف��ي ال��ض��ف��ة األخ����رى من العالم ،بيد أن الترجمة في وطننا العربي ال ت��زال دون المستوى .ج��اء في تقرير التنمية البشرية لألمم المتحدة الصادر في العام 2006م أن مجموع ما ترجمه العالم العربي منذ أيام الخليفة المأمون، وصوال للعام 2006م ال يماثل ما تترجمه دول���ة كإسبانيا ف��ي سنة واح����دة .ولك أن تتصور هذا الفراغ ال��ذي يعاني منه حقل الترجمة في الوطن العربي .وكنت قد تحدثت مع المترجم السوري صالح علماني أثناء حضوره المعرض الدولي للكتاب ع��ن ه��ذا ال��ب��ون الشاسع بيننا والغرب ،فقال لي ،رغم كل هذا إال أننا في العالم العربي في حال جيدة ،إذ تمّتْ ترجمة أغلب ذخائر الغرب الكالسيكية من فكر وإبداع ،مضيفا ،أن إسبانيا تعتبر رائدة في الترجمة على مستوى العالم ال في أوربا فحسب. ¦ ¦ك�ي��ف ت�ن�ظ��رون إل��ى ال�ق�ص�ي��دة النسائية في العالم العربي داخ��ل خريطة الشعر ¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��رون إل� ��ى ال �م �ش �ه��د ال �ش �ع��ري العالمي!؟ السعودي اآلن؟
86
ρ ρالمشهد الشعري السعودي ليس حالة خاصة أو استثنائية في المشهد العربي. هناك أجيال شابة أخذت تتعاطى الكتابة الجديدة بلغة طازجة وحيّة .لكن ،ما يحزن أن أغلب مثقفي العالم العربي ال يزالون بعيدين عن هذا المشهد ،ليس في الشعر فحسب ..بل في ك� ّل األجناس األدبية، يستثنى من ذلك الفائزون بجائزة البوكر، اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ρ ρبكل تأكيد جوبهت القصيدة النسائية ف��ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ب��ص��ع��وب��ات جمة، وبعوائق تاريخية وسياسية واجتماعية منذ العصور األول��ى لما قبل اإلس�لام، م���ع ت��ح��ف��ظ��ي ال���ك���ام���ل ع��ل��ى مسمى «العصر الجاهلي» ،ل��ذا حينما نحاول رص���د األس���م���اء ال��ن��س��ائ��ي��ة ف��ي تراثنا العربي نجدها شحيحة ،وال تظهر إال
بضعة أسماء على استحياء بالقياس للحضور ال��ذك��وري ف��ي م��دون��ة الشعر ال��ع��رب��ي ،وأس��ب��اب ذل��ك ال تخفى على الذهنية العربية ،والتي كانت وربما ال ت��زال ف��ي بعض الجهات تنظر للمرأة بوصفها ع��ورة ،فكيف بتلك التي تكتب شعرا وتتغنى فيه بآمالها وآالمها .من األسماء التي ظهرت خ�لال الخمسين ¦ ¦وم��ا ه��ي ن�ظ��رة النقد ال�ع��رب��ي إل��ى تلك سنة األخ��ي��رة ،مثاال ال ح��ص��را؛ سنية القصيدة؟ ص��ال��ح ص��اح��ب��ة «ذك���ر ال����ورد» وزوج���ة ρ ρما يؤسف له أن النقد في العالم العربي البدوي األحمر محمد الماغوط ،وأخت لم يواكب المنجز الشعري الذي يتقدمه الناقدة خالدة سعيد زوجة أدونيس ،هذه بمسافات ط��وي��ل��ة .وم��ا ان��ف��ك ال��درس الشاعرة التي رحلت دون أن يعرف عنها النقدي يجتر نظريات باتت في حكم الكثير من مثقفينا ،هذه المبدعة والتي التراث عند الغرب ،وبقي أغلب هؤالء هي من أسرة ذات باع طويل في المشهد النقاد ،يتمترسون خلف سديم النظرية الثقافي العربي ،تم تغييبها لسبب أو والمصطلح ،دون االشتباك مع النصوص آلخر ،فكيف بسواها ممن ال حول لهن بروح منفتحة وأدوات علمية. وال قوة .ونموذج آخر في السعودية ،هي ما يالحظ على الكثير من الدراسات الشاعرة فوزية أبو خالد صاحبة «إلى النقدية أنها ال تقدم قراءة حقيقية ،بل متى يختطفونك في ليلة العرس» ،تعتبر تسعى لكتابة نصوص موازية لإلبداع رائدة في كتابة قصيدة النثر في المملكة بلغة فيها الكثير م��ن ال��ت��رف البالغي والخليج ،لم تنل ما تستحقه في الوسط وال��ل��ف��ظ��ي .ي��ط��رح��ون ن��ص��وص��ا أخ��رى اإلع�ل�ام���ي وال���ن���ق���دي ،واس��م��ه��ا ليس وليست دراسات نقدية معمقة. حاضرا كما يجب في العالم العربي، بينما لو كتبت امرأة عمال روائيا ،حتى ¦ ¦ف��ي ال�ش�ع��ر م�ت�س��ع ل�ل�ج�ن��ون وال��ده �ش��ة، وإن لم تستوف شروطه الفنية ،ستجد أي�ك�ف��ي ه ��ذا ال�ج�ن��س اإلب ��داع ��ي لشغب المانشيتات الصحفية في اليوم الثاني التمرد وف��رح ال�ب��وح وشطحات ال��ذاك��رة تخلع عليها أحسن األلقاب. في انفتاحها على العالم!؟ ه���ذا ح���ال ال��ق��ص��ي��دة م��ع ال���م���رأة في ρ ρال يزال الشعر قادرا على خوض معركته الماضي والحاضر ،وه��ي بالتالي أقل والذهاب صوب مناطق بكر ،لم يمسسها
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
ب��ه��اء وح���ض���ورا ع��ل��ى م��س��ت��وى الشعر العالمي قياسا بشاعرات ِن��ل� َن جائزة نوبل أمثال التشيلية «غبرياال ميسترال»، أو البولندية «فيسوافا شيميورسكا»، وغيرهما ،لس َن أقل قامة ،كاألمريكية «آن س��ك��س��ت��ون» ،و«س��ي��ل��ف��ي��ا ب�ل�اث»، والروسية «آنا أخماتوفا».
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (87 )2016
أح��د م��ن قبل .القصيدة ه��ي السالح المثالي لمقاومة النكوص وال��خ��ذالن. بقليل من المفردات والضوء النبيل يقاوم الشاعر هذا االنكسار والعطش الممتد حتى أقاصي الوجع. ¦ ¦ال �ق �ص �ي��دة خ��ائ �ن��ة ال �م��واع �ي��د ب��ام�ت�ي��از ومتمردة على أدبيات اللقاءات الروتينية، م ��ا ه ��و ال ��وق ��ت ال �ج �م �ي��ل ل�ل�ق�ب��ض على دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة!؟ ρ ρالقصيدة هي مَن تحدد إيقاعها وأوان هطولها ،وهي بالتأكيد ليست قِ طّ ة أليفة تصطحبها سيدة حيث ش��اءت ،وليست هشة كسطح الماء .مرّت ثمان سنوات أو تزيد قليال لم أكتب فيها نصا واحدا حتى أصبتُ بحالة من الهلع والذعر. شعرت كأنني معاق أو أن ي��داً لي قد بُ� ِت��رتْ ،دون سابق إن��ذار .كل ذلك كان درس �اً مجانيا ،علمتني القصيدة فيه، أنها ليست كجارية تلبي نداءات سيدها متى ما أراد إليها سبيال ،بيد أنها في أحايين أخر قد تنهمر كمطر جارف من غير مقدمات ،تنهمر في ليال متوالية.. ثم تغيب كما تغيب الرحمة عن أفئدة الجالدين. ¦ ¦ي� �ق ��ول ه� �ن ��ري م �ي �ش��ون �ي��ك «إن م �ج��رد التفكير في كتابة قصيدة يكفي لقتلها». إل� ��ى أي م� ��دى ه� ��ذا ال � ُ�ح� �ك ��م ص�ح�ي�ح��ا بالنسبة لك؟
88
«ρ ρه��ن��ري ميشونيك» الشاعر الفرنسي اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
الحاصل على جائزة ماالرميه ،وجائزة ال��ش��اع��ر م��اك��س ج���اك���وب ،وص��اح��ب قصائد الجزائر ،أصاب عين الحقيقة إل��ى ح��دٍّ بعيد بمقولته تلك التي تعبر عن اختزاالت كثيرة في ممارسة غواية الشعر ،تلك الممارسة التي ابتدأها العام 1962م ،وهو بهكذا مقولة يؤكد أن القصيدة ال يمكن استدراجها والتغرير بها ..حتى وإن تراءى لنا غير ذلك.. نعم في بعض األحيان يمكن القبض على القصيدة ،بيد أن ذلك ال يتم إال برضا منها ،وباتفاق ضمني بين الشاعر ونصه، اتفاق دون شهود على ذلك سوى اللحظة الزمنية التي ال فكاك من إشعال فتيلها قبل تبادل إطالق الرغبة بينهما.
يطوق عنق المبدع بمسؤوليات كبيرة.. الجائزة عرفان ّ
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
الروائية المغربية زهرة المنصوري أتت الروائية زهرة المنصوري للكتابة السردية من تعدد متداخل ،وعلى قدر كبير من الغنى؛ فهي أس�ت��اذة م��ادة السيميائيات بكلية اآلداب اب��ن زه��ر بمدينة أكادير المغربية ،ومهتمة بالسينما ..هذا فضال عن تجربتها بالمهجر (دراستها العليا بفرنسا) .كل هذا جعلها تكتب رواية متعددة أيضا ،ومحيلة بقوة على وقائع يومية وقضايا لها راهنيتها ..دون الذوبان في خطابات أخرى. صدر لها حتى اآلن ،رواية «البوار» عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 2006م ،والتي حصلت بموجبها على جائزة المغرب للكتاب لسنة 2006م، ورواي��ة «م��ن يبكي ال�ن��وارس؟» سنة 2006م والتي حصدت بها على جائزة اإلب��داع األدبي لمؤسسة الفكر العربي لسنة 2009م ،إضافة إلى روايتها األخيرة الموسومة ب �ـ«ال �غ �ث��اء» س�ن��ة 2008م .وف ��ي خلفها ال�ب��دي��ع ب�ع��ض ال�م�خ�ط��وط��ات ف��ي القصة والسينما ،ولها قيد النشر رواي��ة بعنوان «طبول العيد» .بمناسبة حصولها على الجائزة األخيرة.. ρρحاورها :عبدالغني فوزي -املغرب
¦ ¦س �ل �ط��ت رواي � �ت� ��ك األول � � ��ى «ال � �ب� ��وار» الضوء الحكائي على آفة المخدرات ب ��رق �ع ��ة ج �غ ��راف �ي ��ة م �غ ��رب �ي ��ة ،ك�ي��ف ت� ��م ص� � ��وغ ذل� � ��ك روائ � � �ي� � ��ا ،وم� � ��ا ه��ي المسافة التي تضعينها بين الرواية والخطابات األخرى؟ ρ ρأظن أن الحكي فتح أمامي بابا أعبر منه إلى الباطن المغلق لبعض أسرار
الحياة .فكنت دائما مدفوعة نحو دهاليز الحكي التي تبدأ عالماتها ف���ي ال���واق���ع ال��م��ع��ي��ش ،وت��ت��رس��خ صورتها ف��ي ملتقى االرت��ج��اج بين الخيال والواقع ،لتنمو بعد ذلك في الوجدان ،وتصهر مع مجموعة من األحاسيس واالنفعاالت ..ولم أكن أع��رف وأن��ا أتمثل العالم وأتأمله،
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (89 )2016
ف��ح��ي��ن ق��م��تُ ب��اس��ت��ع��راض روائ��ي لظاهرة المخدرات، ل��م أف��ع��ل ذل���ك ،م��ث�لا ،وفق ق��ي��اس��ات خ��ط��اب م��ج��اور كعلم االجتماع ،فأنا ال أقدم األرق����ام وال��ن��س��ب ..وإن��م��ا أق���دم اإلن��س��ان ال���ذي يمثل تلك النسب وتلك األرق��ام، وال أتحدث عن المخدرات ك���م���ح���رم���ات ع���ل���ى ن��ح��و الخطاب الديني ،ولكن كتدمير لألرض واإلنسان والقيم التي تسير عليها وفق صياغات بنائية عاملية يقدمها المتن الروائي بكل عناصره.
90
أنني سأتحسس نكهته العصيّة على الوصف ��س، ال��ظ��اه��ري ك��ي أح� ّ بعد ذل��ك ،بمرارة حلّت بحنجرتي ..فغيرت نكهة األش��ي��اء بالنسبة إل��يّ ، خصوصا في السنوات األخ��ي��رة ،بعد ما سمي بالحرب على اإلرهاب. وه���ذه ال��م��رارة ل��م يكن من السهل التخلص منها س��وى بإعادة نسجها في منطقة ما من صميم كياني ووجداني ،ألخرجها بعد ذلك «بوارا» أو «نوارس تبكي» أو «غثاء» ..روايات يتجدد بها نسغ الحياة في متتاليات سردية ،من ¦ ¦ال��رواي��ة ال�ث��ان�ي��ة «مَ ��ن يُ �ب�ك��ي ال �ن��وارس؟» خاللها أسعى للتعبير عن ذاك اللقاء ب��دوره��ا أث��ارت قضية متشعبة وساخنة: السرمدي بين ال��ذات المدركة ،والعالم ال �ش��رق وال �غ ��رب ،األن ��ا واآلخ � ��ر .فساقت المحسوس ال��ذي يختزن كل ممتلكات ال��رواي��ة أح��داث��ا سياسة وتاريخية تعيق الذات من ألم وفرح ،وحب وكراهية .من ح � � ��وار ال � �ح � �ض� ��ارات وال � �ث � �ق� ��اف� ��ات .ك�ي��ف هنا ،جاءت رواي��ة «البوار» التي حاولتُ يمكن معالجة هذه القضية بين الواقع من خاللها مساءلة مجموعة من القضايا والمتخيل؟ المسكوت عنها في مجتمعنا ،ومن ثم فهي ρ ρأجل ،أثارت رواية «مَن يبكي النوارس؟» مرآة عكست بعض ما ينهش قيمنا نهشا؛ إشكاالت مؤرقة ومبكية لها عالقة بكيان إنه زراع��ة المخدرات ،وما يرتبط بهذه عربي ي��ن��زف ،بعد أن وُج��ه��ت ل��ه سهام اآلف��ة من تداعيات وتصفية حسابات، ح��رب إعالمية وثقافية غير مسبوقة، ونتائج يصعب تخيلها .ولعل ما أوردته في ق��ب��ل أن ت��ت��ح��ول إل���ى ح���رب حقيقية هذه الرواية هو واقعي الجوهر ،خيالي (ح��ص��ار ،دم�����ار ،)..وم���ن ث��م ف��ال��رواي��ة القالب؛ واق ٌع أعدتُ صهره بكل ما أملك حاولت معالجة قضية إنسانية جوهرية من قيم ،ومبادئ ،وتراكم معرفي.. تتمثل في الدعوة إلى السلم والتسامح أما عن المسافة بين الخطاب الروائي بين ال��ش��ع��وب وال��ح��ض��ارات ،خصوصا وال���خ���ط���اب���ات األخ�������رى ،ف�ل�اش���ك أن بعد ما وقع من أحداث مفجعة في بداية المعالجة الروائية لقضايا اجتماعية ،أو األلفية الثالثة .لهذا يمكن اعتبار بطل غيرها ،تختلف عن الخطابات األخرى. ه��ذه ال��رواي��ة الرئيس هو ه��ذه الزوبعة اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
العالمية التي فجرتها أحداث 11سبتمبر وتداعياتها في هدم جسور العالقات بين الحضارتين الغربية والعربية اإلسالمية (ب��ي��ن األن���ا واآلخ�����ر) .ح��اول��ت ال��رواي��ة تصوير برج اإلنسانية وهو ينحدر نحو الحضيض ،بسبب الدعوات التي ال تطل على المدى الواسع لإلنسانية ،والتي ال تتوقف عن المناداة بالصراع ،وم��ن ثم فقد حاولتُ اقتناص لحظة غير منتهية وأعدتُ إنتاجها روائيا ،وهي لحظة بلغت حدا غير مسبوق من العنف الحضاري، وه��و ما جعلني ألتقط رموزها الكبرى دون انتظار االكتمال الزمني الفيزيقي. من هنا ،جاءت «من يبكي النوارس؟» تتزيا بلباس الزمن الجامح ،وكان المتخيل ،أو الحكي ،طريقتي الوحيدة لترويض هذه اللحظة العصية التي أدخلتنا جميعا كتاب التاريخ ،وأصبحت تشكل لوحدها حلقة مفصلية بمفهوم المؤرخين ،وعرفتنا (ن��ح��ن ،وه���م) على حقيقة ب��اه��رة وهو أن ما نعيشه هو أشبه بخيال الحقيقة. لهذا قررت أن أسترجع توازني تجاه ما وقع ..بأن أواجه خيال الحقيقة بحقيقة الخيال ،أي برواية «من يبكي النوارس؟». وك��ان التخييل هو الهامش ال��ذي أملكه كي أحلم بإنسانية أرق��ى وأجمل ،وهذا ما فعلته في روايتي من خالل تصويري لعالقات جميلة بين عرب وأجانب تجمع بينهم محبة صادقة وتعاون غير مشروط¦ ¦ ،ف � ��ازت رواي � �ت ��ك «م� ��ن ي �ب �ك��ي ال � �ن� ��وارس؟» ب�ج��ائ��زة اإلب ��داع األدب ��ي لمؤسسة الفكر في فضاء المهجر (ب��اري��س) ..بوصفه ال�ع��رب��ي لسنة 2009م ،كيف تقبلت هذه ف��ض��اء لالنفتاح وال��ت�لاق��ح ال��ح��ض��اري. الجائزة؟ وما هي قيمتها المضافة؟ هناك ستنمو قصة حب قوية بين أمريكي (كريستوفر) وعربية مسلمة (نجوى) في ρ ρأظن أن الحصول على الجائزة بالنسبة
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
غفلة من الحسابات العصبية والعرقية، وبعد أن اتفقا على زواج ينسج خيوط األوطان ،وقعت كارثة 11سبتمبر ،فَجُ ن جنون أمريكا ،وبدأت هجمتها الهمجية ع��ل��ى المسلمين ،وس��ق��ط��ت الشرعية ال��دول��ي��ة ،ومعها سقط القناع ،لتتعمق الهوة بين الشرق والغرب ..وتأكد وجود الشرخ ،فاستحال اللقاء بين الحبيبين. وكما هوى بُرْجَ ا التجارة العالمية هوت أع���م���دة ال��ق��ل��وب ،وت���ح���ول ال��ح��ب إل��ى كراهية .وهنا التقى المتخيل بالواقع لنجد أش��خ��اص��ا ف��ي ال��واق��ع يشبهون إلى حد بعيد أبطال روايتي؛ أشخاصا ب���دأوا يبحثون ع��ن جهة ال يثمر فيها الحب دموعا ،وال يسنبل فيها االختالف صراعا ودما وبارودا ،فلم يجدوها ،فبدأ التساؤل في الرواية عمن المسؤول عن هذه الحصيلة الثقيلة من الموت والدمار الذي بكت على إثره نوارسنا (أطفالنا) في أفغانستان والعراق وفلسطين ..ومن خ�لال ه��ذا ال��ت��أرج��ح بين تأمل الواقع والمعالجة السردية كانت ال��رواي��ة في مسكوتها الملحمي تطرح سؤاال عريضا: لفائدة من هو هذا الصراع؟ وكانت تقول أيضا في مسكوتها القيمي :لننصب مرآة ألحزاننا المسماة صراعا حضاريا لنرى جميعا (نحن ،وه��م) إلى أي حد نصنع البؤس ونكتوي به.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (91 )2016
ألي مبدع ه��و لحظة مساءلة جديدة، ف��ال��ج��ائ��زة ع��رف��ان ي��ط �وّق عنق المبدع بمسؤوليات كبيرة تجاه ما يكتب حتى يحرص على تقديم أعمال جادة وهادفة، يحس أن عليه أن ّ وهي تشريف يجعله يبقى دائما في المستوى المظنون به، خصوصا إذا ك��ان��ت ه��ذه ال��ج��ائ��زة من مؤسسة علمية شامخة ف��ي حاضرنا الثقافي العربي ،وف��ي أرض��ن��ا العربية ال��واع��دة وال���زاخ���رة ،أال وه��ي مؤسسة الفكر العربي .ولقد منحتني هذه الجائزة اإلحساس بالتجذر واالنتماء إلى وطن ع��رب��ي كبير لطالما دع����وتُ م��ن منبر رواياتي إلى االنغماس فيه ،واالنخراط في كل قضاياه ،واالعتزاز باالنتماء إليه، وجعل هذا االنتماء أرضية صلبة من أجل اإلقالع بالمستوى الحضاري المنشود. ¦ ¦رواي ��ات ��ك ت�ن�ت�ص��ر ل �م��ا ه ��و ق�ي�م��ي ال ��ذي يقتضي البحث ع��ن ال�ه��وي��ة المفتقدة. حدثينا عن المفتقد في رواياتك؟
92
ρ ρعلمني مجال اشتغالي (السيميائيات) أن كل حكي -كيفما كان -يكون مؤطرا بميثاق أو تعاقد قيمي ،وفي إطار هذا التعاقد الضمني يطرح موضوع قيمة يحيلنا إلى عالم قيمي في إط��اره تطبع األشياء بالسلب أو باإليجاب؛ انطالقا من وجهة النظر المتبناة داخ��ل النص؛ وه��ذا الموضوع قد يكون بسيطا ،وقد يكون معقدا ورمزيا .ومن ثم فكل نص هو عبارة عن بحث عن موضوع قيمة م��ا .وأظ��ن أن واقعنا العربي يشبه إلى حد بعيد نصا كبيرا يفتقد إلى الكثير من القيم ،ويستحق منا البحث للحصول اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
عليها ،وتَبَنِّيها ،والحرص عليها .ورواياتي تلهث وراء ه��ذه القيم المفتقدة والتي ي��ب��دو ال��ب��ح��ث ع��ن��ه��ا ،وال���وص���ول إليها، سرابا ،إال أننا باإلصرار على اإلمساك بها يتأكد لنا ف��ي النهاية أن��ه��ا ليست كذلك ،ليست سرابا؛ إذ ال يتطلب األمر سوى أن نفتح أعيننا ونصيخ أسماعنا بغية إدراكها وترسيخها .فبعد أن بدأت العولمة تزحف على كل شيء مشرق في حياتنا ،بما في ذلك هويتنا وانتماؤنا، وسلمنا وأماننا ،وبعد أن تبين أن مقولة الصراع التي كنا نعتبرها متوهمة ،وال توجد س��وى ف��ي أذه��ان��ن��ا نحن العرب، مقولة حقيقية ،ش��ع��رتُ أك��ث��ر م��ن أي وق��ت مضى أن حسابات االنتماء لدى المثقف العربي يجب أن تطفو على كل الحسابات األخرى ،وشعرتُ أنه من العار أن أدي��ر ظهري لكل ما يقع من أحداث هزت المجتمع الدولي ،فالتزمتُ أن ال
أكتب سوى ما يعزز هذه القيمة؛ قيمة الهوية واالنتماء ،إضافة إلى التأكيد على قيم أخرى تدور في فلكها ..وبدونها ال نستطيع الخروج من المأزق ،خصوصا العلم والمعرفة ،حتى نتخلص من الشعور بالدونية الذي الزمنا كظلنا لعقود طويلة. ففي روايتي «البوار» رأيت مبادئ تسقط، وقرى تصرخ من التهميش ومستعدة لفعل أي ش��يء ك��ي ت��ت��ج��اوز فقرها وجهلها، فكتبت ع��ن مزارعين بسطاء وف��ق��راء، ل��ك��ن ك��ل ذن��ب��ه��م أن��ه��م أم��ي��ون وج��ه��ل��ة، فتكالب عليهم الجهل والفقر في غياب بديل اقتصادي قار يضمن لهم العيش الكريم ،فارتموا في أحضان المخدرات. ول��ك��م أن تتخيلوا م��ا يمكن أن يفعله المال الذي يأتي بسرعة بأذهان هؤالء البسطاء؛ لقد هرولوا خلف ما حسبوه نعيما أت��اه��م م��ن حيث ال ي���درون ،لكن نعمة هذه القرى المهمشة لم تكن في أما في روايتَيَّ «الغثاء» و«طبول العيد»، الحقيقة سوى لعنة األرض والتربة ،بكل فقد ش���ددت على قيمة مفتقدة ..أال ما تحمله كلمة «أرض» من دالالت؛ لعنة وه��ي النبش في ال��ذاك��رة ،والبحث عن تجلت في بوار الروح ،واألخالق ،والعقل. الجذور ،فهما روايتان تحكيان عن زمن وحين تبور هذه المكونات فلربما يمكن راعف اسمه فترة السيبة (القرن التاسع أن نتحدث عن أي شيء آخر سوى عن عشر) ،وهي الفترة التي اتخذها النصان اإلنسان .وقد حاولت الرواية أن تقول عينة ل��ي��روز بهما م��دى اخ��ت�لال الوعي إن الحصن الكافي ضد هذه المشاكل، بالزمن واإلنسان؛ ألنه بدون معرفة جيدة بما فيها اإلقبال على المخدرات ،إنتاجا لتاريخنا ال يمكننا أن نقف ونستقيم واستهالكا ،يكمن في العلم والتعلم ،بمعنى ونسير حيث سارت الشعوب المتقدمة. أننا يجب أن نحكم علمنا وعقلنا في كل مجاالت الحياة .فكانت القيم المفقودة ¦ ¦تدخل رواياتك في إطار الرواية األطروحة التي تقتضي جدال إشكاليا يخلق حوارية هي العلم والمعرفة.. داخل الحكاية .ما تعليقك؟ أما في رواية «من يبكي النوارس؟» فقد أسرتني أحاسيسي ب��ن��وارس تموت كل ρ ρف���ي ال��ح��ق��ي��ق��ة ،ت��ت��ح��ك��م ف���ي تجربتي
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
يوم في فلسطين والعراق وأماكن أخرى ب��دون ذن��ب س��وى أنها مسلمة وعربية، ون���وارس أخ��رى تولد في ع��راء إنساني وسط دمار وحصار ،ودموع ودم .فشدّدتُ على قيمة مفتقدة أال وهي التسامح بين ال��ح��ض��ارات ،ون��ب��ذ س��وء ال��ف��ه��م ،وذل��ك من أجل بناء عالقات جديدة مع اآلخر قائمة على القيم المثلى ،وهي وحدها ضمانة لتدبير اختالفنا الديني واللغوي والحضاري من أجل ضخ القيم اإليجابية في مخزون الوعي الجماعي حتى نتمكن من نصب مرآة ألحزاننا المسماة صراعا حضاريا ،ونتطلع إلى تنمية حقيقية للقيم المثلى ،وهي التي ستسمح بوجود أرضية للمحبة ،وسماء للتسامي ،تمسح عندها النوارس دموعها ،وتحلق عاليا ..وهذا هو المفتقد الذي لهثت وراءه في روايتي «من يبكي النوارس؟».
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (93 )2016
اإلبداعية مقصدية فنية تزاوج بين إحكام البعد الجمالي وتثوير البعد األطروحي، فالقضايا التي تعرفها مجتمعاتنا تجعل رواياتنا بئيسة حين تدير ظهرها للراهن ك��ي ت��غ��وص ف��ي ج��م��ال��ي��ات ج���وف���اء ،أو تشكيل لغوي ف��ارغ .لهذا ال أع��رف هل رواياتي هي روايات أطروحة أم ال ،لكن ما أعرفه جيدا هو أن رواي��ات��ي تدخل ف��ي إط��ار تحريك الضمير بمالمستها لهموم الكائن البشري ..محنة الكائن البشري ..طبعا محنة الكائن البشري كانت دائما موجودة ،وستبقى موجودة ما بقي اإلنسان ،والمبدع الحق مطالب باالنخراط الكلي في معاناة محيطه إن هو أراد تقديم عمل جاد وه��ادف .لهذا أسعى م��ن وراء رواي��ات��ي إل��ى مخاطبة اإلن��س��ان الكوني القابع ف��ي أع��م��اق كل واحد منا ،وذلك بطرحي للقضايا التي تمس كرامة اإلنسان وحريته ،خصوصا ّ حرية الفكر ،وربما هذا هو سبب الحوارية داخل الرواية ،ألن المواضيع المطروحة تتطلب تلك الحوارية ،والمعالجة الفنية تستدعيها ،وكذلك تعدد وجهات النظر واختالفها يتطلب تعقيدا على مستوى توزيع المعرفة في النص .لكن دون أن يتحول كل ذلك إلى خطاب مباشر ،أو إلى وعظ وإرشاد ،بل كل هذا يُقدَّ م في بنية سردية محكمة البناء ،وتوليفة داللية وخطابية منسجمة تسمح للقارئ بفك رموزها بدون عناء.
94
¦ ¦إلى أي حد تستفيد زهرة المنصوري من اإلش��ارة وال�ص��ورة -بحكم االه�ت�م��ام -في الصياغة السردية؟ اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ρ ρك���ون���ي ح���اص���ل���ة ع���ل���ى دك�����ت�����وراه ف��ي السيميائيات ،ودكتوراه في سيميوطيقا التواصل السمعي -البصري ال يجعلني أغفل معطىً رئيساً في حياة المبدع، أال وه��و الميل ال��ف��ط��ري ،أو م��ا يسمى بالموهبة .لهذا فقبل الحديث عن أي مرجعية مؤثرة في مسار الكاتب ،ال يجب أن ننسى هذه المسألة .لهذا أشير إلى أنني ب��دأت الكتابة مبكرا ،منذ وعيت وأن��ا أكتب ،ومعظم رواياتي كتبتها منذ سنوات طويلة ،لكنني أجلت النشر بسبب اهتماماتي األكاديمية واألسرية ،وربما بسبب الخوف أيضا؛ الخوف من أن ال أكون قد حققت النضج المعرفي الكافي لمواجهة الخطاب ال��روائ��ي والخطاب ال��ف��ي��ل��م��ي ال��ل��ذي��ن اخ��ت��رت��ه��م��ا م��ن بين الوسائط اإلدراكية األخ��رى ،لتمرير ما أود تمريره .وتبقى المرجعيات المؤثرة ف��ي م��س��اري ال��ت��ي أف��ادت��ن��ي كثيرا هي بالدرجة األولى الواقع ،أو المعيش ،بكل انعكاساته وامتداداته في الوجدان .هذا الواقع الذي ينغرس فينا وننغرس فيه، وبعد أن ينغرس فينا نعيد صهره بكل ما نملك من تصورات معرفية وتراكمات أكاديمية .وتراكماتي األكاديمية والمعرفية استقيتها من لسانيات الخطاب عموما، ومن السيميائيات على وجه الخصوص، فالسيميائيات ساعدتني على االنفتاح والتعددية في وجهات النظر كي ال أبقى أسيرة الرأي الواحد .وعلمتني النظر إلى األش��ي��اء بموضوعية ك��ي ال أسقط في براثن الذاتية في تعاملي مع النصوص
وال��خ��ط��اب��ات ،كما ساعدتني على فهم بعض أسرار العالمة ،ولعل أعقد عالمة ه��ي ال��خ��ط��اب ،ألنها أمدتني باآلليات السردية والميكانيزمات اإلقناعية في ¦ ¦يقول بعض النقاد إن الكاتب في جانب م��ج��ال ال��ح��ك��ي وف���ي م��ج��ال ال��ت��واص��ل، ما في أعماله السردية ،أي وراء شخصية وم��ج��ال ت����داول ال��م��ع��رف��ة ب��ي��ن المبدع أو م��وق��ف .أي ��ن ت� ��ودع زه� ��رة ال�م�ن�ص��وري والمتلقي .وأهم شيء استفدته من هذا صورتها ورؤيتها في «من يبكي النوارس؟» المجال المعرفي هو كيف أستنتج من ρ ρمن منظور األبحاث اللسانية والسيميائية ال��ع�لام��ات وال��ظ��واه��ر األنثروبولوجية يتم التعامل مع مفهوم الكاتب ،والشخصية، اليومية البسيطة استنتاجات على قدر والسارد ،داخل النص على أنها عوامل كبير من األهمية ،مفادها أنه وإن تعددت ليس غير ،وعلى أنها شخصيات من ورق. الثقافات ،والحضارات ،ووجهات النظر، ما يعني أن الكاتب ال يوجد في النص، يبقى اإلن��س��ان في عمقه واح��دا يحس وإنما هو مفترض افتراضا بدهيا بوجود باآلالم نفسها واألفراح ذاتها .لهذا يبقى ه��ذا النص ،وك��ل تلك الشخصيات هي كل ما أبدعه الكائن البشري تعبيرا عما عبارة عن عوامل موظفة إليصال المعرفة يحسه من أل��م وف��رح ،وح��ب وكراهية.. التي ي��ود الكاتب إيصالها إل��ى القارئ، ألن اإلنسان يختزن كل ممتلكات الذات وبعبارة أكثر وضوحا هي تشبه ساعي الداخلية من أل��م ،وانكسار ،واعتصار، بريد يحمل رسالة من مرسل (الكاتب) وانتصار ،وحب ،وفرح ..وهذا األلم وهذا إل��ى مرسل إليه (المتلقي) .وانطالقا الفرح هو ما يحاول المبدع اقتناصه في م��ن ه��ذا المنظور ف��إن حضور الكاتب لحظات الصفاء مع الذات ..يعني هذا أن ف��ي النص يكون على مستوى التصور القصص هي نفسها منذ بداية اإلنسانية فقط ،يعني أننا نتوصل إليه انطالقا من إل��ى اآلن ،لكن اإلش��ك��ال ،كل اإلشكال، بعض آث��ار التلفظ ،وهي وحدها كفيلة يكمن في الصنعة ،وفي مسألة التلفظ، بإظهار البصمات التي يتركها المبدع في يعني في كيفية وطرق التعبير عن هذه نصه ،والتي تع ّد عالمات للذاتية .وهذا األحاسيس واالن��ف��ع��االت ،لهذا تفرغت ال��س��ارد األكبر كما يسميه بعضهم ،أو في أبحاثي األكاديمية لمعرفة أس��رار الكاتب ،يوظف الشخصيات ،والمواقف، طرق إيصال هذه المعرفة .أما اهتمامي واألح��داث ،والفضاءات ،واألزمنة ..وكل بسيميوطيقا التواصل السمعي -البصري ه��ذا يدخل في إط��ار م��س��ارات تناورية فقد ساعدني على تصوير األح���داث، وإقناعية معقدة يلجأ إليها إليصال ما والشخصيات ،وال��م��واق��ف ،للقارئ كي يود إيصاله من رؤى ووجهات نظر .ووراء يتمثلها كما ل��و ك��ان��ت تمر أم��ام��ه في هذه األساليب اإلقناعية يثوي الكاتب.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
شريط سينيمائي ،لدرجة أنني أنسى أحيانا أنني أكتب بالقلم ،ويخيل إلي أنني أحمل كاميرا!
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (95 )2016
الحكم على موقعي ف��ي ه��ذا المشهد الروائي المغربي والعربي.
أم��ا الحقيقة ال��وح��ي��دة وه��ي أن هناك منتجاً للنص يسعى إليصال قيم معينة، ويعمل بشتى الطرق لدفع القارئ لتبنيها، ¦ ¦هل أنصفك النقد إلى جانب الجوائز؟ ألن��ه ال وج���ود ل��ت��واص��ل ب���ريء ،ألن كل تواصل تحكمه مقصدية محددة ،يعني ρ ρبالنظر إلى توزيع أعمالي الروائية على نطاق محدود جدا ،فإن الصدى المواكب هذا أنه ال وج��ود لتواصل يتغيا إيصال أعتبره منصفا ،خصوصا وأن القراءات المعرفة في حد ذاتها ،بل تكون الغاية النقدية الكثيرة كلها كانت إغناء مهما الحقيقية هي التأثير في المتلقي ،ودفعه كي يتبنى وجهة نظر النص. لتجربتي الروائية ،وأحسست في الوقت نفسه -عكس ما كنت أسمعه سابقا -أن انطالقا مما سبق ،فزهرة المنصوري ال التواصل :إب��داع نقد ،يسمح بخلق بيئة يمكن أن ت ّدعي الحياد المطلق في نصها، ثقافية غنية بأسئلة جمالية نحن ،في ألن النص كيفما كانت درجة موضوعيته �س الحاجة إلى عالمنا العربي ،في أم� ّ يحمل آثار كاتبه ،حتى وإن كانت وجهات النظر تتعدد وتختلف وتتناقض ،إال أنها إثارتها .وأتمنى أن أوس��ع مجال النشر تصب كلها في وجهة نظر الكاتب الذي والتوزيع ،ليتسع مجال النقد أكثر ،وأتمنى يطبعها إما بالسلب أو باإليجاب .لهذا أن تقابل نصوصي الروائية بجدية نقدية ففي رواي���ة «م��ن يبكي ال���ن���وارس؟» كل تكافئ ما أبذله أنا في إنتاجها من جدية شخصية تدعو إلى الحوار البناء ،ونبذ إبداعية .وال تهمني اآلراء التي ستصدر سوء الفهم بين الثقافات ،ونبذ الصراع أو أحكام القيمة بقدر ما تهمني آراء ال��ذي ي��ؤدي إلى الحروب وال��دم��اء ،وكل ال��دراس��ات التي تكون مبنية ومؤسسة م��وق��ف أو ح���دث ي��دع��و إل���ى االن��ت��م��اء على دعائم علمية وموضوعية ،وتستند والتجذر وضخ القيم المثلى في مخزون لمناهج دق��ي��ق��ة ف��ي تحليل النصوص الوعي الجماعي ،ال��ذي يسعى لتدبير وقراءتها. االختالف الديني واللغوي والثقافي.. ف��أن��ا ث���اوي���ة وراء ك���ل ذل�����ك ..وه��ن��اك ¦ ¦مشاريعك المستقبلية؟ سيجدني القارئ. ρ ρم��ش��روع��ي األه���م اآلن ه��و إع���ادة طبع
¦ ¦أين تجدين نفسك في المشهد الروائي المغربي والعربي؟
96
ρ ρآم��ل أن أتجاوز مشكل النشر والتوزيع كي تصل رواياتي إلى القارئ العربي أنى كان .ويبقى للقراء والمهتمين بعد ذلك اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
رواياتي وتوزيعها على نطاق واسع بعد ن��ف��اد طبعتها األول����ى ،ث��م نشر رواي��ت��ي «ط��ب��ول ال��ع��ي��د» ق��ري��ب��ا ،أم���ا مشاريعي األخرى فتدخل كلها في إطار اهتماماتي العلمية واألكاديمية.
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
عبداهلل بن عبدالمحسن السلطان ρρإعداد :محمود عبداهلل الرمحي
في دوح��ة الجوف ،وف��وق بساطها األخ�ض��ر ..حيث التربة الخصبة ،والسماء الماطرة ،وف��ي مدينة سكاكا حاضرة ال�ج��وف ،ول��د وت��رع��رع ،وت��درج في مدارسها االبتدائية والمتوسطة ،وأكمل دراسته الثانوية في عرعر والطائف ،ليحلق بعدها عاليا متوجها إلى الواليات المتحدة األمريكية ليواصل دراسته فيها ،وينال منها درجاته العلمية التي توَّ جَ ها بالدكتوراه عام 1980م ..عاد بعدها إلى ربوع وطنه ليخدم بلده وأهله. مؤهالته العلمية
العامة من جامعة والية كاليفورنيا في مدينة ساكرمنتو في الواليات المتحدة األمريكية.
-ح��ص��ل ع��ل��ى ال��ب��ك��ال��وري��وس ع��ام 1970م من جامعة والية كاليفورنيا الحكومية في مدينة ساكرمنتو في -ح��ص��ل ع��ل��ى درج���ة ال��دك��ت��وراه في الواليات المتحدة األمريكية ،وذلك ديسمبر ع��ام 1980م .ف��ي العلوم في تخصصي «العلوم السياسية» السياسية بالتركيز على العالقات و«إدارة الشرطة». ال��دول��ي��ة م��ن ج��ام��ع��ة والي���ة شمال ك��ارول��ي��ن��ا ال��ح��ك��وم��ي��ة ف���ي مدينة حصل على درج��ة الماجستير في«شابل هل» في الواليات المتحدة أغسطس ع��ام 1973م ف��ي العلوم السياسية بالتركيز على اإلدارة األمريكية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (97 )2016
مناصب تقلدها بدأ عمله برتبة مالزم أول بوزارة الداخلية بدءًامن 1390/1/1ه����ـ وم��ارس التحقيق في إدارة الجنايات العامة حينئذ باألمن العام. انتقل إل��ى كلية الملك فهد األمنية 1390ه���ـ1404هـ حيث قام فيها بتدريس مختلف الموادالعلمية ،ومزاولة األعمال اإلداري��ة .إلى أن تم تحويله وهو برتبة مقدم إلى موظف مدني. عمل مديراً عاماً لشئون الحدود بديوان وزارةالداخلية ابتداء من 1405/3/6هـ. قام بالتعاون مع جامعة الملك سعود (1404هـ 1407ه��ـ) بتدريس مادتي «التطور السياسيللمملكة العربية السعودية» و«السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية» ف��ي قسم العلوم السياسية فيها. تمت ترقيته للمرتبة الثالثة عشرة على وظيفةمدير عام التنسيق والمتابعة (المناطق) ،اعتبارا من 1410/1/29ه���ـ (إلى جانب اإلش��راف على إدارة شئون الحدود). تمت ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة على وظيفةم��دي��ر ع��ام إدارة ش��ئ��ون ال��ح��دود اع��ت��ب��ارا من 1413/8/3هـ.. عضو مجلس الشورى في 1413/3/3هـ. عمل مستشارا لشئون الحدود ب��وزارة الداخليةفي 1422/3/19هـ.
98
عمل وكيال مكلفا إلم��ارة منطقة ج��ازان خاللالفترة 1425/1/22-1423/4/19هـ. اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
شارك عضوا في عدة لجان رسمية. عضو مؤسسة عكاظ للصحافة والنشرسابقا. مؤلفاته ال��ب��ح��ر األح���م���ر وال���ص���راع ال��ع��رب��ي –االسرائيلي ،التنافس بين استراتيجيتين.
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
-متقاعد حاليا.
عن اإلرهاب. تحالف الشر. أحداث وأصداء. إيران خصومة أم أعداء. له عدة بحوث منشورة. له كتابات صحفية. حاصل على ميدالية التقدير العسكريمن الدرجة األولى عام 1404هـ. حاصل على ميدالية االستحقاق منالدرجة الثالثة عام 1413هـ. بأمر من رئيس الجمهورية اليمنية حصلعلى «وسام الوحدة 22مايو» من الدرجة الثالثة ع��ام 1422ه��ـ،ت��ق��دي��را للجهود التي بذلت في سبيل التوصل «لمعاهدة جدة» التاريخية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية الشقيقة.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (99 )2016
سحر القراءة: * تجربتي في القراءة ρρد .عبدالواحد احلميد
عندما اكتشفت سحر ال�ق��راءة ف��ي طفولتي ويفاعتي ،ك��ان ذل��ك ف��ي منطقة الجوف ،وفي مرحلة حاسمة من حياتي ،امتدت حتى حصولي على شهادة إتمام الشهادة الثانوية العامة من ثانوية ابن القيم في سكاكا في عام 1971م. إذاً ،فهي تجربة الفتى ال��ذي كنتُ ه في عقد الستينيات من القرن الميالدي بعضكم ممن هم في سني أنها تشبه تجاربَهم ،وسوف يجد الماضي ،وربما يجد ُ آخرون ممن هم أصغر سن ًا أن الدنيا قد تغيرت حق ًا خالل تلك السنوات الطوال. اخترت ج��زءا من تجربتي في القراءة ،وهو الجزء المرتبط بالمكان الذي ُ وقد نحن فيه :سكاكا الجوف. عندما أع��ود إلى دفاتري القديمة، وق���د ت��ع��ودت ف��ي ي��ف��اع��ت��ي أن أكتب مذكرات شبه يومية ،فإنني أعثر على ما كتبته بتاريخ 1388/6/29هـ الموافق (ش��ه��ر سبتمبر 1968م) ،وأن���ا أنتقل من المرحلة الدراسية المتوسطة إلى بتعابير بسيطة: ٍ الثانوية ،وجاء فيه
زم�لائ��ي ال��ط�لاب ..وستكون دراستي لهذه السنة هي الصف األول ثانوي. وفي الحقيقة ،إنني كنت مبتهجاً أيما اب��ت��ه��اج .وف��ي ه��ذا ال��ي��وم درس��ن��ا لغة فرنسية وجبر وكيمياء ،وق��د قضيت عطلة صيفية حافلة باألعمال المفيدة، وأهمها ق��راءة بعض الكتب األدب��ي��ة.. والكتب األدبية التي قرأتها هي:
«ف���ي ه���ذا ال��ي��وم ال��س��ب��ت ال��م��واف��ق ُ 1388/6/29ه���������ـ ف��ت��ح��ت ال���م� ��دارس .1األيام (الجزء األول) ،تأليف د .طه أب��وابَ��ه��ا ..وذه��ب��تُ إل��ى ال��م��درس��ة مع حسين. * نص محاضرة ألقيت في معرض الكتاب الثاني في جامعة الجوف بتاريخ 1437/4/13ه��ـ (2016/1/23م).
100اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
. 3 .4 . 5 .6 .7 .8 .9 .10 .11 .12
عبقرية محمد ،تأليف عباس محمود العقاد. المعذبون في األرض ،تأليف د .طه حسين. م��ذك��رات ط��ه حسين ،تأليف د .طه حسين. دفاع عن اإلس�لام ،تأليف لورا فيشيا فاغليري ،ترجمة منير بعلبكي. حبة البرتقال ،قصص قصيرة ،تأليف أحمد العناني. ال��ن��ظ��رات (ال���ج���زء األول) ،تأليف مصطفى لطفي المنفلوطي.».
ك��ان��ت اه��ت��م��ام��ات��ي األدب��ي��ة والصحفية المبكرة ق��د ب��دأت تظهر وتتشكّل ،وكنت أت��ط��ل��ع إل���ى ت��ج��اوز ال��س��ن��ة األول����ى ث��ان��وي ب��س��رع��ة ،لكي أس��ج��ل ف��ي القسم األدب���ي، وكانت ال��دراس��ة تنقسم بعد السنة األول��ى إل���ى قسمين :ق��س��م أدب���ي وق��س��م علمي. كنت أح���رِّض بعض زم�لائ��ي ال��ط�لاب على التخصص في القسم األدب��ي ،فندخل في نقاشات مع بعض زمالئنا الذين كانوا ينوون التخصص في القسم العلمي .أتذكر أنني كنت أستشهد بعظمة شكسبير ،الذي خلَّد
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
.2
األي��ام (الجزء الثاني) ،تأليف د .طه اسمه على م��دى األج��ي��ال ،بينما ال نعرف كما كنت أزع��م أسماء علماء الرياضيات حسين. والفيزياء والكيمياء ،الذين ابتكروا واكتشفوا الوعد الحق ،تأليف د .طه حسين. م���ذك���رات ط��ب��ي��ب��ة ،ت��أل��ي��ف د .ن���وال الكثير من النظريات واالكتشافات ،ومضوا دون أن يخلّدهم التاريخ أو يعرفهم أحد السعداوي. الحب العذري ،تأليف موسى سليمان .من غير المتخصصين في تلك المجاالت. سعد بن أبي وقاص ،تأليف عبدالحميد بالطبع كانت تلكْ مغالطة ،فمن منا ال يعرف نيوتن أو جاليليو أو كوبرنيكوس! جودة السحار. ب��دأتُ أنفتح على ال��ق��راءة بنهم شديد، وكنت أرى أن األدي��ب شخصية مؤثرة في المجتمع ،ويتمتع بشهرة ال يحصل عليها كثيرون ،وكان مَثلي األعلى هو طه حسين، بعد أن قرأت العديد من كتبه ،وعرفت قصة كفاحه ،وما حققه من نجاح في ميدان األدب والتدريس الجامعي والوظيفة العامة؛ فهو عميد األدب العربي ،وصاحب المؤلفات وال��ن��ظ��ري��ات األدب��ي��ة وال��ف��ك��ري��ة الشهيرة، والرجل الذي وصل إلى كرسي الوزارة! لقد تعلقت ب��ال��ق��راءة منذ ذل��ك الزمان البعيد ،وع��رف��ت معنى «س��ح��ر ال��ق��راءة». فالقراءة ،على وجه العموم ،ضرورة وليست مجرد هواية .ونحن في هذا الزمن ،نقرأ لتسيير وتيسير حتى أبسط أمورنا اليومية. لكنني أت��ح��دث هنا بالتحديد ع��ن ق��راءة الكتب وال��ص��ح��ف وال��م��ج�لات ،وه���ذا قبل زم��ن «اإلع�ل�ام ال��ج��دي��د» م��ن تويتر وفيس بوك وصحافة إلكترونية ،وما حمله لنا عالم اإلن��ت��رن��ت .وق���راءة الكتب ق��د تكون هواية محببة إلى نفوس كثيرين ،أما قراءة الصحف والمجالت فقد تكون القاسم المشترك بين ماليين الناس في كل أنحاء العالم .ولكن
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (101 )2016
عندما تأخذ القراءة صفة اإلدم��ان ،وتكون مفضلة على متع كثيرة ،مما يُقبِل ويتلهف عليه الناس ويأخذ حيّزاً كبيراً من أوقاتهم، فذلك هو ما أعنيه حين أتحدّث عن «سحر القراءة». يعرف عشاق ال��ق��راءة المولعون بها أن حُ ��بَّ ال��ق��راءة يشبه إل��ى ح��دٍّ كبير العادات اإلدمانية األخرى؛ ومدمن القراءة يفعل ما يفعله المدمنون اآلخرون ألي عادة أو مادة، فهو قد يصرف كل ما في جيبه على شراء الكتب ،وعندما يسمع عن كتاب جيد لدى شخص ما قد ال تربطه به عالقة وثيقة، ٍ تتلبسه شجاعة عجيبة ..فيطلب استعارة ذلك الكتاب منه!
من معارف الوالد ،وقد أعجبه أنني أشتري الكتب والمجالت وأحب القراءة ،فمدحني عند والدي وبالغ قائالً« :ولدك أحسن زبون عندي» .وبالرغم من أن الوالد كان قارئاً ال صحفياً ،فإن ذلك لم يَرُق نهماً ،ومراس ً ل��ه ،ألن��ه ك��ان ي��ود أن تكون ق��راءات��ي تحت إشرافه ،فسألني بشيء من العتب عن الكتب والمجالت التي أشتريها ،مع أن الكتب التي تباع في األس���واق في المملكة ال تتضمن م��واداً غير خاضعة للرقابة الصارمة .وقد عرفت فيما بعد أن بعض اآلباء المتعلمين في ذلك الزمان كانوا يتحسسون من قراءة أبنائهم لبعض الكتب التراثية ،التي تحتوي على قصص وأشعار شبه إباحية ،كما كانوا أيضا ينزعجون مما تنشره بعض المجالت من مواضيع التثقيف الصحي الجنسي ،مثل مجلة «طبيبك» التي تخصص زوايا لإلجابة على األسئلة الطبية التي يوجهها القراء ،ومن أشهرها بين القراء المراهقين زاوية بعنوان «الجلدية والتناسلية» ،وكانت تلك المجلة ال��ت��ي ي���رأس تحريرها ال��م��رح��وم الدكتور صبري القباني واسعة االنتشار في ذلك الزمان في العالم العربي ،جنباً إلى جنب مع مجلة العربي الكويتية .كما كان بعض اآلباء ال يرتاحون لما تنشره المجالت اللبنانية من صور نساء بالمايوه والمالبس الفاضحة، مثل مجلة األسبوع العربي ،ومجلة الجمهور الجديد.
ف��ي ذل���ك ال���زم���ان ،ك���ان ال��ح��ص��ول على كتاب ف��ي ال��ج��وف ،أو حتى على مجلة أو صحيفة صعباً غير ميسور ،فلم يكن في المنطقة مكتبات تجارية ،إذ لم يكن هناك طلبٌ على الكتب بشكل يبرر إقامة مشروع تجاري لبيعها ،وكان السوق ضيقاً على أي ح��ال ،واإلم��ك��ان��ات المادية م��ح��دودة .وقد أق��ام وال��دي مكتبة صغيرة مكوّنة من عدة رفوف ضمن محل تجاري ،عندما كنت في مرحلة الدراسة االبتدائية؛ لكن المكتبة لم تنجح كمشروع تجاري ،فتخلص منها الوالد بسرعة .بعد ذلك ،أقام األستاذ منزل المقبل مكتبة تجارية أكبر من تلك التي ك��ان قد أقامها الوالد ،وكانت جيدة ومتنوّعة .وقد بعد فترة غير طويلة من إقامة األستاذ شعرت أنني عثرت على كنز ،فكنت أشتري منها الكتب والصحف والمجالت ،ولكنها هي منزل المقبل لمكتبته على ال��ش��ارع العام األخرى لم تعمّر طويالً .وكان منزل المقبل في سكاكا ،وه��و ش��ارع الملك عبدالعزيز
102اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وم���ع ذل���ك ،ك��ن��ت أج���د م��ن ال��ك��ت��ب في المكتبة المنزلية الصغيرة لدى الوالد ما يجلب لي المتعة والسعادة .فعلى الرغم من محدودية الكتب عدداً ونوعاً ،كنت أجد فيها ما يشبع نهمي .وعندما دخلت المدرسة المتوسطة ،ك��ان عمي «ثاني الحميد» قد تم تعيينه في سلك التدريس خارج الجوف، وعندما يعود في العطل الصيفية والموسمية كان يُحضر معه الكثير من الكتب والمجالت. وأتذكر بشكل خاص ما كان يأتي به من كتب للدكتور طه حسين واألستاذ عباس محمود العقاد ،وأعداد متراكمة من مجلة العربي، ومجلة األس��ب��وع العربي .وك��ان العم قارئاً متميزاً انتقائيا ومثقفاً ،إضافة إلى موهبته الشعرية والكتابية ،وقد ألَّف كتاباً بعنوان «قبس من التربية» عام 1964م عندما كان دون سن العشرين! وقد استفدتُ كثيراً جداً من مناقشاتي المستمرة معه ،وكان يميل إلى قراءة مؤلفات عباس محمود العقاد ،بينما
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
حالياً ،حدثت له ظروف شغلته عن المكتبة، وأخذته إلى خارج الجوف ،فكان والدُه رحمه اهلل يجلس للبيع في المكتبة .ولكن الرجل المسن لم يكن متعلماً ،وك��ان من الصعب عليه التعامل مع تلك التجارة المتخصصة. وفي النهاية باع محتويات المكتبة من الكتب وغيرها بأسعار مخفضة ،بعد أن أخرجها إلى الشارع ،وأقفل المكتبة بشكل نهائي، وأتذكر أنني اشتريت بعض الكتب التي كانت تصدر بشكل سالسل من مصر مثل سلسلة «اق���رأ» وسلسلة «المكتبة الثقافية» .وقد حزنت إلقفال المكتبة(.)1
كنت أجدها عسيرة الهضم ،وأميل إلى قراءة مؤلفات طه حسين مثل «دع��اء ال��ك��روان»، و«المعذبون في األرض» ،و«األيام» ،وغيرها. وف���ي م��رح��ل��ة الح��ق��ة ،جمعنا كتبنا ،العم ث��ان��ي وأن���ا ،وت��م تخصيص غ��رف��ة صغيرة برفوف خشبية صنعها لنا أح��د النجارين المحليين .وقد رأى العم أن نطلق على هذه المكتبة المشتركة اسم «فرقدان» ،فصنعنا ختماً بهذا االسم ،ومهرنا به جميع الكتب، ووضعنا لها أرقاماً متسلسلة ،وما تزال بعض الكتب التي أحتفظ بها في مكتبتي الخاصة ب��ال��ري��اض تحمل ختم «ف��رق��دان» ،بعد أن اقتسمنا محتويات المكتبة بعد االنتقال من بيتنا القديم. في المدرسة الشمالية االبتدائية (فلسطين حالياً) ،كانت هناك مكتبة متواضعة جداً، وكنت استعير منها كتب األطفال ،التي كان يكتبها كامل كيالني ،وكانت مقتبسة من ألف ليلة وليلة ،وكذلك سلسلة المكتبة الخضراء ل�لأط��ف��ال بكتبها ال��م��ش�وّق��ة ذات األل���وان البراقة .أما في المدرسة المتوسطة ،فكانت المكتبة أكبر من تلك التي كانت في المدرسة االبتدائية ،وكان أمينها هو األستاذ السوداني محمد آدم ،وكنت أستعير منها بعض الكتب، أتذكر منها اآلن مجموعة قصصية استمتعت كثيراً ف��ي ق��راءت��ه��ا بقلم غالب حمزة أبو الفرج .وقد قرأت في تلك الفترة كتباً لسعد البواردي ،ومحمود تيمور ،ومحمود البدوي، وع��ب��دال��س�لام العجيلي ،وح��س��ن ع��ب��داهلل القرشي ،ومحمد عبدالحليم عبداهلل. وق���د ح���دث ت��ط��و ٌر آخ���ر ف��ي ال��م��درس��ة
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (103 )2016
المتوسطة ،إذ ك��ان��ت ب��داي��ة ال��دراس��ة في المتوسطة األول��ى بالشلهوب ،وكانت هي المدرسة المتوسطة الوحيدة في سكاكا ،قبل تأسيس المدرسة المتوسطة الثانية ،وهي متوسطة صالح الدين في «الصبخا» بحي السوق .ففي طريقي من وإل��ى المتوسطة األول�����ى ع��ل��ى دراج���ت���ي ال��ه��وائ��ي��ة ،ك��ان��ت تستوقفني لوحة ُكتِبَ عليها المكتبة الثقافية العامة بالجوف ،و ُِضعتْ على مبنى صغير مكوّن من صالة واح��دة مستطيلة الشكل، وكان يفصل المكان عن المدرسة الجنوبية االب��ت��دائ��ي��ة (م���درس���ة ال��م��ل��ك عبدالعزيز االبتدائية حالياً) شارع من الناحية الغربية للمدرسة .وقد دفعني فضولي ذات يوم إلى دخول المكان في الفترة المبكرة لتأسيسها، فاكتشفت عالماً جديداً ورائعاً ،إذ وجدت كتباً متنوّعة وم��ج�لات وج��رائ��د ،فكانت بالنسبة ل��ي تجربة ف��ري��دة استمرت حتى اليوم مع تلك المكتبة التي تطورت وأصبح اسمها (دار العلوم بالجوف) ،وهي جزء من مؤسسة عبدالرحمن السديري الثقافية الخيرية أو «مركز عبدالرحمن السديري الثقافي» كما صرنا نعرفه اليوم ،وقد كتبت عن تلك التجربة في مكان آخر ،ومما كتبته: «دخلت المكتبة للمرة األولى ،وكان أمينها في ذلك الوقت األستاذ محمد ب��در ،الذي كان يُ َدرِّس اللغة اإلنجليزية ويراسل جريدة الرياض ،فاكتشفت عالماً مبهراً من الكتب وال��م��ج�لات وال��ص��ح��ف ،وص���رت منذ ذلك الوقت أت��ردد عليها بصفة مستمرة ،حتى تخرجت م��ن ال��م��درس��ة الثانوية وغ���ادرت
104اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
الجوف .وقد تعاقب على أمانة المكتبة كل من األستاذ عبدالعزيز أبو هالل ،واألستاذ علي بالل الدرعان ،خالل الفترة التي كنت أتردد عليها. كانت تتكون من صالة واح��دة تتوسطها طاوالت مستطيلة ،وتحيط بها رفوف الكتب، وفي ركن من أركان الصالة يوجد مكتب أمين المكتبة ..ال يفصله فاصل عن رواد المكتبة. أه��م م��ا جذبني إل��ى المكتبة ال��رواي��ات والقصص والصحف ،فعلى الرغم من وجود مكتبة منزلية لدى الوالد تحتوي على بعض إص���دارات سلسة رواي���ات ال��ه�لال ،وبعض الدواوين الشعرية ،والمجموعات القصصية، والكتب األخرى ،وعلى الرغم من أن الكثير من الصحف والمجالت يصل إل��ى الوالد بانتظام بحكم اهتماماته الصحفية واألدبية، مثل :مجلة المنهل ،ومجلة قافلة الزيت وغيرهما ،إال أن محتويات مكتبة الثقافة العامة كانت بالنسبة لي تمثل كنوزاً ثقافية ك��ب��رى .وق���د ق���رأت الكثير م��ن ال��رواي��ات والقصص التي تضمها الرفوف ،والتي لم تكن متاحة في المنطقة. وأذك���ر أن المكتبة ك��ان��ت تحتوي على سلسلة من األعمال الروائية الكالسيكية المبسطة للقراء الناشئين ،مكتوبة بلغة إنجليزية ميسّ رة ،وم��ن ه��ذه األعمال كتب مارك توين التي قرأتها في ذلك الوقت ،وهي مغامرات توم سوير ومغامرات هاكلبري فن، مستعيناً بقاموس صغير من إع��داد إلياس إل��ي��اس .وكنت لكثرة ت��رددي على المكتبة
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
أقيم ع�لاق��ات جيدة م��ع أمنائها بسرعة ،دعائي من مكتبتنا المنزلية ،وقلت له أن كل ما أعطاني بعض االمتيازات ،مثل استعارة ما نحتاج إليه هو تغيير العنوان في البيان ووضع الرقم التسلسلي للكتاب القديم على الكتب دون أي إجراءات(.)2 أم��ا ال��ص��ح��ف ،فكانت متعتي الكبرى ،الكتاب الجديد! وبعد نقاش طويل ،وافق وتم إنقاذ الكتاب! ألنها كانت في الغالب ال تصل إال لإلدارات وم���ن م��ص��ادر ال��ك��ت��ب ف��ي ت��ل��ك ال��ف��ت��رة، الحكومية كاشتراكات رسمية. شخص تعرّفت عليه بالصدفة اسمه أديب لا ممن كانوا لا ك��ام� ً أعتقد أنني وج��ي� ً الريماوي ،وك��ان يعمل في مدرسة األيتام في مثل سنّي ،ندين بالشكر لتلك المكتبة، بسكاكا .فقد تصادف أنني كنت في دكان إلسهامها في تشكيل اهتماماتنا الثقافية جدي رحمه اهلل أساعده ،ومعي نسخة من وتنميتها ،وقد كانت المكتبة بالنسبة لبعض ج��ري��دة الجزيرة وضعتها على ط��اول��ة في الزمالء المصدر الوحيد للكتب والصحف مدخل ال��دك��ان ،وك��ان��ت تحتوي على م��ادة والمجالت ،كما كانت بمثابة ملتقى للتعارف صحفية مما كنت أرس��ل��ه للجريدة .دخل بين من يجمعهم حب القراءة واالهتمامات أديب الريماوي الذي لم أكن وقتَها أعرفه الثقافية(.»)3 لشراء قلم حبر باركر 21الشهير ،وطلب من طرائف ما حدث لي مع بعض أمناء محبرة لكي يتأكد من سالمة القلم .وعندما المكتبة ،أنني عرفت أن هناك نيّة للتخلص عبأ القلم بالحبر أراد مسح ريشته بطرف من بعض الكتب التي الحَ ظ ُ بعض المهتمين الجريدة فمنعته ،وقلت له إن لي موضوعاً أنها تحتوي على محاذير رقابية وشرعية .منشوراً في هذه الجريدة ،وأريد االحتفاظ وكنت قد استعرت من المكتبة كتاباً بعنوان بالنسخة سليمة .استغرب أديب الريماوي، (قصة اإلنسان) تأليف جورج حنا ،وهو كتاب ربما بسبب مظهري وعمري ،فسألني وهو مختلف عن كل ما قرأته سابقاً ،ويحتوي على يبتسم إن كنت ج��اداً؛ فما كان منّي إال أن معلومات وآراء فلسفية جديدة كل الجدة عن فتحت الجريدة وأريته الموضوع الذي كان كل ما كنت أعرفه من قبل .وعندما عرفت منشوراً في صفحة يحررها األديب سليمان بأمر خطة «التطهير الرقابي» حاولت مع الحماد .أتذكر أنه شجعني ببعض عبارات أمين المكتبة إنقاذ ذلك الكتاب ،وقلت له أن المجاملة ،وأخبرني أيضا أنه يعرف سليمان الكتاب قيّم وال يصح إحراقه أو حتى رفعه الحماد شخصياً .لم أكن قابلت أديباً واحداً عن الرف وحرمان القراء من االطالع عليه ،في حياتي ،فشعرت بأنني أم��ام شخصية ولكنه أخبرني أنه لن يستطيع منع المراقبين مهمة طالما أن هذا الرجل يعرف سليمان من حجبه أو مصادرته فيما لو طلبوا ذلك ،الحماد معرفة شخصية! سألته عن سليمان فاقترحت عليه أن استبدله بكتاب حكومي الحماد ،فقال إنه تعرّف عليه أثناء عمله في
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (105 )2016
مدينة الرياض ،وأنه معجب به؛ ألنه قال في إحدى الجلسات إن على العرب أن ال يفقدوا األم��ل بسبب هزيمتهم أم��ام إسرائيل في حرب 1967م ،التي كانت قد حدثت في تلك األي��ام ،وأن ما فقدوه من األرواح أقل مما فقدته إحدى الدول في كارثة انهيار مبنى لكرة القدم. طال الحديث مع أديب الريماوي ،وعرف أنني محب للقراءة ،لكن قراءاتي محدودة بالمتوفر من الكتب ،فقال إنه أحضر معه من األردن كتباً كثيرة الستخدامه الشخصي، وسوف يحضر لي غداً بعض مؤلفات نجيب محفوظ ال��ذي كنت أسمع به ،ولم أق��رأ له أي كتاب ،بسبب ع��دم توفر كتبه .أحضر لي بعد ذلك ثالثية نجيب محفوظ الشهيرة (بين القصرين ،قصر الشوق ،السكرية)، فأمضيت في قراءتها وقتاً ممتعاً ،وكانت فاتحة لعالم جديد من الكتب وال��ق��راءات التي لم تكن لتتاح لي لوال أديب الريماوي. وق��د كانت لديه مجالت مصرية ولبنانية ومالحق أدبية لصحف لبنانية ،مثل النهار وكتب ممنوعة كثيرة ،وعرفت منه أن محمود الريماوي األديب األردني هو من أقاربه.
هيكل التي كان ينشرها في األهرام ..وال تصل إلينا بسبب الخالفات بين مصر والمملكة ف��ي ذل��ك ال��وق��ت .كانت األج���واء مشحونة ومحتقنة ،ومع ذلك كنت أستعير من بعض األشخاص الذين تعرّفت عليهم عن طريق أديب الريماوي كتباً سياسية مختلفة ،كان يتم تهريبها من األردن ،وأجد فيها طروحات مختلفة عما كان موجوداً في الكتب المتاحة ع��ن��دن��ا .وللحقيقة ،ف��إن الكثير م��ن تلك الكتب التي كنا نتداولها سراً كانت مكتوبة بأسلوب يصعب فهمه ،ويغص بالمصطلحات السياسية السائدة في ذلك الزمان ،والتي كان المؤلفون العرب يتبنونها من مفكرين من الشرق والغرب .وقبل تخرّجي من الثانوية كان أديب الريماوي ومحمد شناعة (معلم الرياضيات في المدرسة الثانوية الذي سآتي على ذكره الحقاً) قد غادرا الجوف نهائياً، وقيل إن��ه تبين أن الرجلين كانا عضوين ف��ي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبسبب ارت��ب��اط��ي بهما أصابني ال��خ��وف، فدفنت الكتب التي حصلت عليها من أديب الريماوي في حوش تحت أكوام الحطب ،في بيتنا الطيني القديم ،أما المجالت فقد قمت بحرقها والتخلص منها ،وكنت أتصور أنني قد أتعرض للمساءلة والتفتيش! وبالطبع لم يحصل أي شيء من هذا ،فما أنا إال صبي صغير غير ذي شأن دون سن الثامنة عشرة، ال يأبه به أحد.
في هذه األثناء ،دخلت في فترة صاخبة، فقد كانت السياسة تطغى على كل شيء في تلك األيام العصيبة التي أعقبت هزيمة الخامس من حزيران 1967م .ورغم صغر السن ،فقد كان معظم زمالئي في المدرسة، من المؤكد ،أن تلك الفترة ،وه��ي فترة ومعظم م��ن ك��ان��وا ف��ي مثل سنّي متابعين لألحداث السياسية ،وكنا نسمع من إذاعة المراهقة العمرية ،كانت مرحلة تحوّلية صوت العرب مقاالت األستاذ محمد حسنين ح��رج��ة .لقد كنت أج��د فجوة واس��ع��ة بين
106اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ولكن ،مرة أخرى ،تبرز القراءة كملجأ ظليل يلتقط فيه اإلنسان أنفاسه ،ويبحث بنفسه عن اإلجابة عمَّ ا يعتمل داخله من تساؤالت بكل ص��راح��ة ،وم��ن دون م��وارب��ة ،وعندما تكون اإلجابة غير مقنعة ،يبحث عن إجابات أخرى في كتب أخرى .وقد قرأت كتباً تراثية تبين لي فيما بعد أنها تغص باإلسرائيليات التي تربك الفكر الحائر لمراهق يبحث عن إجابات تحترم عقله ،ولكنني وجدت البديل في كتاب رائع قرأته أكثر من مرة ،وهو كتاب «اهلل يتجلى في عصر العلم» تأليف مجموعة من العلماء الغربيين ،يثبتون فيه من خالل األدل��ة العلمية المنطقية وج��ود خالق عز وجل لهذا الكون ،ثم قرأت كتاب «روح الدين اإلسالمي» تأليف عفيف عبدالفتاح طبارة، فوجدت فيه إجابات مقنعة على الكثير من األسئلة واإلشكاالت التي كانت تلحّ عليَّ .
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
بيئتي الجغرافية واالجتماعية المحدودة وبين العالم ال�لا محدود ،ال��ذي أج��ده في الكتب وال��ق��راءات المختلفة .ول��م يكن من الممكن ،في تلك البيئة ،أن يتحدث المراهق عما يجول في خاطره من أفكار قد ال تكون مقبولة ،كما كان من المستحيل طرح أسئلة صريحة تجيب على الشكوك والتناقضات واألفكار التي تضطرب وتغلي داخل النفس الحائرة المتسائلة عن قضايا وجودية كبرى، كانت تؤخذ كمسلّمات ال يجرؤ أح��د على التعمّق في معانيها ودالالتها وأسرارها.
األدب اإلنجليزي ،والتخصص في الصحافة! كنت قد بدأت أقرأ بعض الروايات واألعمال األدبية المبسطة للناشئة باللغة اإلنجليزية، واختلط كثيراً مع مدرّسيّ اللغة اإلنجليزية وه���م «ج���ون وود» م��ن إن��ج��ل��ت��را ،و«دي��ف��ي��د ت��وم��ب��س��ون» م��ن اسكتلندا ،و«زب��ي��ر عمر» من باكستان .وك��ان من حسن حظنا ،نحن الطالب ،في ذلك الزمان أن معلمي اللغة اإلن��ج��ل��ي��زي��ة ال ي��ت��ح��دث��ون ال��ل��غ��ة العربية، وأغلبهم من إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا والدول األخرى الناطقة باللغة اإلنجليزية؛ ما أسهم في تقوية لغتنا اإلنجليزية. كنت أراسل جريدة الندوة التي تصدر في مكة المكرمة ،بعد أن قدمني للجريدة معلم الرياضيات األستاذ محمد شناعة ،الذي كان قد تم نقله من مكة إلى الجوف ،وكان قبل ذلك يكتب زاوية صحفية في جريدة الندوة، في صفحة الطلبة والشباب .بدأتْ تستهويني الموضوعات االقتصادية التي كانت الجريدة تبرزها في بعض صفحاتها ،فصرتُ استمتع بقراءتها وتابعتها كمعلومات عامة ،وكجزء من اهتماماتي القرائية المتنوّعة ،في إطار أدبي ،بعيداً عن الصياغات الرياضية وعالم األرقام.
ك��ان األس��ت��اذ سلمان أب��و عبيدة ،معلم المواد األدبية يشجعني ،وك��ان يوحي إليَّ بأنني أمتلك موهبة في الكتابة .وكنت في تلك السن أتباهى بما أنشر رغم بساطته مع اقتراب انتهاء دراسة المرحلة الثانوية ،الشديدة ،وكنت -من باب االستعراض - وض��رورة تحديد التخصص الجامعي الذي أقوم بتجليد دفاتري وكتبي ب��أوراق جرائد سوف أسلكه ،كنت مشتتاً بين التخصص في ت��ح��ت��وي ع��ل��ى ب��ع��ض م��ا أن��ش��ره م��ن أخ��ب��ار
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (107 )2016
ومقاالت ،وأتحين الفرص لكي تكون هذه المواد الصحفية بارزة أمام عيون المعلمين، وبذلك ش��اع في المدرسة ل��دى المعلمين والطالب ذِ ك ْر مشاركاتي الصحفية. كان عليّ مع اقتراب نهاية العام الدراسي في السنة الثالثة ثانوي أن أحدد التخصص ال����ذي س��أس��ل��ك��ه؛ ف��ب��دأت أراس����ل جامعة ال��ري��اض (جامعة الملك س��ع��ود) ،وجامعة الملك عبدالعزيز ب��ج��دة ،بعد أن عقدت العزم على التخصص في األدب اإلنجليزي. وعندما علم أستاذي صديق ف��راج بذلك، وه��و معلم ال��ت��اري��خ والجغرافيا والمثقف الشمولي ،نصحني باختيار تخصص آخر! فأخبرته أن تخصصي اآلخر في هذه الحالة سيكون الصحافة ،لكن هذا التخصص لم يكن متاحاً في الجامعات السعودية آنذاك، والب��د من دراسته في الخارج على حساب والدي ،فقال لي إن الصحافة هي أسوأ مهنة في العالم العربي والعالم الثالث؛ ألنها غير آمنة ،والصحفي يمكن أن يفقد عمله بسبب مقال أو خبر ينشره في الجريدة ،فيصبح ال بال دخل وال عمل ،وذلك في أحسن عاط ً األحوال!
اقتصادي حكومي أو أهلي ،من دون أن ترهن مستقبلك لظروف ومناخات الصحافة .وكان األستاذ صديق قد أهداني في السابق كتاباً بعنوان «مدخل إلى التحرير الصحفي» تأليف الدكتور عبداللطيف حمزة ،وق��ال يمكنك أن تقرا مثل هذا الكتاب من تلقاء نفسك، فالكتابة موهبة يمكن أن يصقلها التعليم، ولكن ليس من الضروري دراسة الصحافة أو األدب لكي تكون كاتباً.
اس��ت��ط��اع األس���ت���اذ ص��دي��ق ،ب��ال��ت��دري��ج، أن يُ��ح��دِ ث تأثيراً ف��ي نفسي خاصة أنني أص��ب��ح��ت أس��ت��م��ت��ع ب���ق���راءة ال��م��وض��وع��ات االقتصادية ،فذهبت إل��ى المكتبة العامة التي أنشأها األمير عبدالرحمن السديري في سكاكا ،واستعرت كتاباً في علم االقتصاد م��ن إص�����دارات إح����دى ال��غ��رف ال��ت��ج��اري��ة السعودية ،وقرأته ..فشعرت أن هذا العلم غموض شديد ،ولم أفهم الكثير من ٌ يكتنفه الصياغات والتعابير والمصطلحات؛ ولكنني، مع ذلك ،وجدت نفسي أمام اكتشاف جديد! ثم بدأت أكثّف قراءاتي االقتصادية ،وأذكر أن بعض أمتع المقاالت التي قرأتها في تلك الفترة كانت عن مفهوم التضخم المالي تحدّث معي األستاذ صديق فراج طويالً ،نشرته مجلة العربي الكويتية. ونصحني أن أتخصص في علم االقتصاد، اخترت ،في النهاية ،علم االقتصاد ،من وقال لي إن كنتَ تملك الموهبة الكتابية ،فإن دون أن أتخلى عن الصحافة واألدب! بعد علم االقتصاد سيعطيك الخلفية الثقافية أن اقتنعت بوجهة نظر األستاذ صديق ،من ال�لازم��ة ،ك��ي تتعاطى م��ع القضايا التي أن الكتابة موهبة ،تنمّيها القراءة والممارسة ته ّم المجتمع ،وإذا اكتشفت أن الصحافة ال تمنحك المناخ الكافي للتعبير بحرية أكثر مما يفعل التعليم الممنهج. عن رأي��ك ..يمكنك أن تعمل في أي مجال استمرت رحلة القراءة ،وعندما غادرت
108اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
الجوف إلى جدة ورأيت مكتباتها التجارية المتناثرة في كل شارع من شوارعها ،ومكتبة جامعة الملك عبدالعزيز ،أدرك��ت كم كانت الكتب والصحف والمجالت في بلدتي قليلة ونادرة ،وأعادت لي ذكريات جميلة عن رحلة خاطفة للرياض م��ع ال��وال��د قبل سنوات، عندما ش��اه��دت بانبهار كبير المكتبات التجارية التي تغص بالكتب ،ورأيت الباعة الجوالين يحملون الجرائد والمجالت من كل نقطة التحوّل األخ��رى كانت عندما تم نوع في الشوارع ،والباعة الذين يفترشون ابتعاثي ل��دراس��ة الماجستير وال��دك��ت��وراه األرض أم���ام مباني ال����وزارات ويعرضون في االقتصاد إلى الواليات المتحدة ،حيث بضاعتهم من الكتب والجرائد والمجالت! اكتشفتُ ع��ال��م�اً ب�لا ح���دود م��ن المعارف مرحلة ال��دراس��ة الجامعية ف��ي ج��دة ،والمعلومات .وأذك��ر أنني ق��رأت في مكتبة ثم الدراسات العليا في الواليات المتحدة جامعة ويسكانسون بمدينة ميلواكي كتباً وما بعدها لن يتسع الوقت للحديث عنها ،بأقالم بعض الرحالة الذين م��روا بمنطقة ولكن باختصار كانت مكتبة جامعة الملك الجوف في أزمنة سابقة ،ول��م تكن بعض عبدالعزيز بما تحتويه م��ن آالف الكتب تلك الكتب قد ترجمت حينذاك إلى اللغة نقطة تحوّل كبيرة في تجربتي القرائية .العربية .كما كانت مرحلة أمريكا هي مرحلة وك��ان��ت ميزة تلك المكتبة أنها قامت في االنفتاح على ق��راءة الصحافة العالمية ،إذ األس��اس على تبرعات المواطنين في جدة كانت مكتبة الجامعة تتلقى صحفاً ومجالت والمنطقة الغربية عند تأسيس جامعة من مختلف دول العالم ،وكان ذلك قبل زمن الملك عبدالعزيز األهلية ،وقد تبرع بعض اإلن��ت��رن��ت ،وكنت ف��ي بعض تلك السنوات أراس��ل مجلة اقرأ من أمريكا ،وأكتب فيها األدباء والمثقفين والتجار بكامل مكتباتهم بعض المقاالت. لمكتبة الجامعة ،فكانت الكتب متنوعة وغير ب��ع��د ال��ت��خ��رج وال���ع���ودة إل���ى المملكة، تقليدية مثلما يحدث أحياناً ..عندما تحدد بعض اللجان البيروقراطية أنواع الكتب التي وم��م��ارس��ة ال��ت��دري��س ال��ج��ام��ع��ي وال��ك��ت��اب��ة يتم توريدها للمكتبات الجامعية والمكتبات الصحفية المنتظمة ،واالستقرار أوالً في العامة .وقد قرأت أعداداً كبيرة من الكتب الظهران ،ثم بعد ذلك في الرياض ،توسعت في الفكر االقتصادي وفي األدب ،وبخاصة قراءاتي وعالقاتي بأدباء وكتاب في مختلف الروايات العالمية والشعر الحديث .وتزامن التخصصات ،فكان البد من ترشيد قراءاتي
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
م��ع ذل��ك أن��ن��ي عملت م��ح��رراً ف��ي القسم الثقافي بمجلة «اقرأ» التي كانت قد تأسست حديثاً في جدة تحت رئاسة الدكتور عبداهلل مناع .ومن خالل عملي في القسم الثقافي بالمجلة ،قابلت وتعرفت على العديد من األدباء واإلعالميين ،واستعرت منهم بعض الكتب التي ل��م تكن متاحة ف��ي المكتبات بجدة في ذلك الوقت.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (109 )2016
بحيث أحقق أقصى اس��ت��ف��ادة ممكنة في .3األدب الروائي.
ظ��ل م��ح��دودي��ة ال��وق��ت وك��ث��رة االن��ش��غ��االت .4القضايا المعاصرة. واالرتباطات .ففي السابق ،كان العثور على كما أنني ،بحكم ميولي اإلعالمية ،أطلع أي كتاب هو بمثابة العثور على كنز ،وكنت على معظم الصحف السعودية اليومية، عيني .ولكن الحقاً َّ أق��رأ كل ما تقع عليه وب��ع��ض الصحف العربية واألج��ن��ب��ي��ة ،عن أصبحت الكتب المتاحة بال ح��دود ،وحتى طريق شبكة اإلنترنت. الكتب الجيدة هي من الكثرة ،بحيث تتطلب
أعماراً كثيرة لقراءتها وليس عمراً واحداً،
أخيراً ،البد من التنويه إلى تحول جذري
ومن هذه النقطة في الحديث أود التأكيد غير مسبوق ف��ي تجربتي ال��ق��رائ��ي��ة ،وهو على أننا في هذا الزمان الذي أصبح الكتابُ أنني منذ ع��دة س��ن��وات ..ب��دأت أميل إلى
م��ت��اح�اً بشكله ال��ورق��ي وبشكله الرقمي ،قراءة الكتب الرقمية ،وذلك ألسباب عملية فض ً ال عن األوعية المعلوماتية المختلفة ،تتمثل في سهولة الحصول عليها ،وسهولة وم��ا يضخه اإلع�لام الجديد في كل ثانية من المعلومات بأشكالها المخالفة ،البد
من ترشيد القراءة وفق خطة تناسب ميول
الشخص وعمله وتخصصه.
بالنسبة لي ،فإن منهجيتي في القراءة في
الوقت الحاضر تقوم على تنويع الموضوعات
حمل المئات منها في جهاز اآليباد ،واليسر الشديد في قراءتها؛ ألن القارئ يتحكم في حجم الحرف ،أو ما يسمى بالبنط ،وهذا يصبح مهماً في مرحلة عمرية معينة. يطول الحديث ،لكنني أتوقف هنا شاكراً
والنصوص التي أق��رأه��ا ،مع التركيز على ل��ك��م ح��ض��ورك��م ،وأش��ك��ر ج��ام��ع��ة ال��ج��وف ومعرض الكتاب الثاني بالجوف على إتاحة اآلتي: الفرصة للحديث عن تجربتي القرائية. .1قضايا الفكر االقتصادي والسياسي. والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته. .2كتب السيرة الذاتية. ( )1بعد مغادرتي الجوف للدراسة خارج المنطقة ،أقام والدي مكتبة تجارية أخرى ،كذلك أقيمت أكثر من مكتبة تجارية في الجوف. ( )2من تلك االمتيازات الحصول على نسخ من جريدة الندوة التي كنت أراسلها ،ولم تكن متوفرة عندنا في األسواق؛ فكنت أحصل على النسخ التي توجد فيها مواضيع منشورة لي ،وذلك بعد صدور أعداد جديدة من الجريدة ،ورفع النسخ القديمة من طاوالت القراءة .وما أزال أحتفظ بنسخ من جريدة الندوة ،ممهورة بالختم القديم للمكتبة. ( )3د .عبدالرحمن صالح الشبيلي وآخرون ،أمير منطقة الجوف:عبدالرحمن بن أحمد السديري ،مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،الطبعة األولى ،الجوف1428 ،هـ 2007م.
110اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
إعادة تفسير المعاصرة ρρمحمد خضر*
تفهم المعاصرة في الفن الجديد ،ضمن ما يقدم اليوم في عروض الفنانين، متصلة بما يطرحونه ،ومتوائم ًا مع الواقع والمعيش والذاتي ،أو بما يقدم من اشتغاالت مفاهيمية بأدوات وتكنيك جديد .وهكذا ،يعود معرض «الود آرت» للمرة الرابعة بتنظيم من نجالء السحيمي ورنين بخاري ،وتحت شعار« :إعادة تفسير المعاصرة» .ويختار غاليري تراث الصحراء الفني الشهير الذي يقع في مدينة الخبر (شرق السعودية) ،ليعرض أعما ًال جديدة تتميز بالدخول بنا في مضامين وأطروحات مغايرة ،ومتقاطعة مع بعضها في الرؤية المعاصرة للفن من ناحية المضمون أو األدوات ،والخروج بنا من دائ��رة ما يفرضهُ ال��درس الجمالي وحده على أشكال التعبير الفنية السائدة ،ومتقاطع ًا مع السياسي واالجتماعي والراهن اليوم ،ومتص ًال كذلك بنقد العادات والظواهر المكرس لها في عدد من السياقات الثقافية واالجتماعية مثالً ،مجموعة من الفنانين والفنانات كانت الود آرت قد قدمت بعضهم في المعارض السابقة فيما يعرض آخرون ألول مرة؛ بدا أن هذه المجموعة على وعي بلحظة اآلني والمتجدد في الخطاب الفني العالمي اليوم، ومتجه ًا نحو تكنيك حديث ومفاهيمية نحو قضايا اإلنسان. وكأنهم ف��ي ره���ان آخ��ر لسد تلك عادي ،لم يستطع مع ٍ متلق الفجوة مع ٍ عدد من مدارس الفن الحديث أن يجد ما يتصل بقضاياه وهمومه .وم��ع أن الود آرت هذه المرة لم يكن بطرحه الجريء نفسه والمؤثر في المعارض
السابقة ،تلك الجرأة واألث��ر المتصل برهان ومغامرة تلك التجارب السابقة في مناطق جديدة ،وضمن اشتغاالت توظف المتلقي أو التجهيز الحر في أع��م��ال��ه��م ،وف���ي م��س��اح��ات وأش��ك��ال بعيدة عن السائد ،إال أننا يمكن أن
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (111 )2016
نلحظ م��ا ي�لام��س ش��ع��ار ال��م��ع��رض ه��ذا وعندما نبتعد نرى ما نريد فقط. العام «إعادة تفسير المعاصرة» ،وأنه يقرر وظيفة بعض األعمال الفنية أنها تضع تقديم ما هو أقل صخبا من العروض الفنية الفن في مساءالت جديدة ،حتى لو كانت السابقة .ضمن هذا السياق تطرح الفنانة في زعزعة األف��ك��ار الماضية التي تتصل نجالء عبداهلل مجدداً الموناليزا ،ترسمها بالحرفية والقدرة على التالعب البصري. وكأنها ألول وهلة بتقنية رقمية ذات أبعاد ال فيما نلحظ في زاوي��ة من المعرض عم ً متصلة بعالم الصورة ..في البدء ال تكون اللوحة واضحة المعالم ،لكن كلما أخذت ملفتاً لالنتباه ،يحتوي ص��ورة لسيارة كتب زاوي��ة ج��دي��دة ..ظهرت لك مالمح وشكل عليها بخط عشوائي «عيب يا عرب» ،وهو الموناليزا ،إنها اآللية نفسها التي كان قد للفنان علي شعبان ال��ذي يعود ه��ذا العام طرحها دافنشي ،لكن فيما بعد األلفين مع للمرة الثانية بأكثر من عمل متصل بالواقع نجالء عبداهلل ..ويقدم العمل بياناً تقول العربي اليوم؛ ففي زاوية أخرى يضع خوذة فيه :عندما نقترب من الشيء نراه بوضوح ،الجندي وفوقها إضاءة (نيون) ،وكأنما يسجل
112اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ذاك��رة مشتركة مرت على كل ذكريات ال��ح��روب ،حيث الشكل نفسه لنفس المعطى ،عمل علي شعبان النيون آرت يعرض على ما يشبه الطاولة ،ويذكّرنا بالنصب التذكاري لجنود الحروب ،ثم بتعرجات عفوية ..ودون أن تعتمد على الدقة والصرامة الهندسية. ت��زخ��رف خ��دي��ج��ة ك��ري��م ،وتصنع أش��ك��االً م��وج��ودة في ت��راث األندلس س��اب��ق�اً ،تستعيدها م��ج��دداً ،وتعيد صياغتها ب��م��ا ي��ت��ن��اس��ب م��ع لحظة اليوم ..بدون مبالغة وضوابط تتعمد ال��ت��ق��اط جمالية التلقائية ووقعها األول ،وف��ي عمل آخ��ر ترسم ع��دداً من األب���واب ،وتضعنا أم��ام خياراتنا الجمالية والتي تتصل بالتالي مع شيء ما في ذاكرتنا ..أبواب حديثة وأخرى قديمة محملة بشجن وذاكرة. ثم تعود الفنانة رمالء الحالل هذا العام بعمل لعبة البالي ستيشن ،Play Station وه��و عمل يدعونا إل��ى ح��وار عميق متصل بثقافتنا وما نستقبله اليوم من اآلخرين دون أن نوجه له األسئلة؛ عمل يقيس م��دى ق��درة ثقافتنا في مواجهة ثقافة اآلخ��ر ،وذلك بعرض افتراضي لنجوم كرة القدم المحليين والممثلين المحليين ،وخصوصاً المنسيين ،وه���م ع��ل��ى أغ��ل��ف��ة تلك األلعاب اإللكترونية.. وعلى مقربة ..يقدم الفنان العماني
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (113 )2016
علي الشرجي ،ال��ذي تستضيفه الود آرت ألول مرة أيضاً ،مجموعة من الصور ،خلف كل ص��ورة حكاية مثيرة متصلة بالغرائبي الذي مر في حياته الشخصية ،أو باألسطورة المحلية الخاصة ،الرقصات وحكايات الجن واألزي����اء العمانية وال���ع���ادات .أسئلة علي الشرجي قادمة من حكايات المكان وأسراره، وهذا ما يعطي العمل أهمية أكثر برغم أنه يقدمه بشكل متعارف عليه.. وفي تجارب أخرى ،يجمع معاذ العوفي صوراً مأخوذة من الكتابات (والشخبطات) على ال��ج��دران ،تلك الكتابات التي تكتب بعفوية ،معبرة عن حاالت عاطفية مختلفة، ويضعها معا في بانوراما بصرية ،تشكل في مجموعها لوحة جمالية ،حيث تلتقط ببراعة فنان. ك��م��ا ت��زخ��رف إس����راء ال��ه��م��ل لحظات مأخوذة من الطبيعة ،ومن عدة أمكنة في مفارقة جديدة ،وفيصل األحمد في منحوتة الجمل .وتعمل نوره كريم على التنويع على
* كاتب وشاعر من السعودية.
114اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
شكل فني واح��د ،وهيا البسام في كوالج متصل باالجتماعي ،وامتثال العوامي في ن��ي��ون آرت ..وع�لاق��ة بصرية م��ع ال��م��رأة والموروث .وحسين إسماعيل في رسومات تبدو عشوائية ألول وه��ل��ة ،تمثل أنماط الحياة االستهالكية في المجتمع؛ ومهند ال على أحد جدران شونان ال��ذي نفذ عم ً الصالة ،وعلق عليه مجموعة من المتخيالت نحو فضاء يشبه االسطوري ،ومأخوذ عن أساطير معروفة ،في طرح جديد يذكرنا بالكرتوني غالباً؛ وطيور راما الحسين ذات األج��زاء البشرية؛ كما قدمت أريج عادل، وعلي افتخار ،والحمد ،وفرح الزاهر ،وخالد الزاهد ،ومحمد عواد ،وسارة ،ونايف عرب، ونسرين جمال ،ويوسف األحمد ،وغيرهم أع��م��االً جديدة تعرض ألول م��رة مع الود آرت ..جيل مختلف يحمل على عاتقه توجهاً فنياً مواكباً لما يحدث في العالم اليوم .إنه صخب يدمج بين إحساسنا بالراهن من حولنا وموروثاتنا ،ليرينا اللقطة مرة أخرى بعين مختلفة.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
حكايات األطفال المتوارثة ρρعبدالرحيم املاسخ*
في البدء كانت الطفولة ،ثم ج��اء الرسم والكتابة والنسخ والمطبعة..إلخ. إذاً ،للطفولة رصيد الحياة كامالً ،يشمل التاريخ والجغرافيا .نزل آدم وحواء من الجنة ليُنجبا ،فماذا حكيا ألطفالهما؟ و م��ع م��زي��د م��ن ال��رُ ق��ي وال �ت �ق��دم ال �ح �ض��اري ،وج��دن��ا أن�ف�س�ن��ا ون �ح��ن أط�ف��ال مشدودين لحكايات الجدات في سهراتهن الليلية ،لم تكن هنا كهرباء تمد شبكتها العنكبوتية الصطياد كثير من البراءة في كل ما تطرح من إرباك .أخير ًا عكّ ر صفو البراءة ،وألغى وجودها ما يسمى التلفزيون ،إنه قفص مُ حكم اإلقفال حوّل كل من دخله -حتى لو كان أسدا ال يجرؤ أحد على مالقاته في أي زمان ومكان -إلى ِه ٍّر عجوز يستجدي الحاضرين لحظات من السكينة واالستقرار. ج��دت��ي ،ونحن م��ن حولِها نتخطّ ف أطراف حكاياتها ولو كانت مكرّرة ،وكما تتآكل بعض حواف الملحمة على فمِ ها العجوز تمتد حواف أخرى وبحا ٌر وأنها ٌر أشد وضاءة وأجدر تشويقا. قصتها المروية عن أبناء ال أنسى ّ العنزة ،فقد حكت قائلة :كان في زمن من األزمان عنزة لها أربعة من األبناء.. ح �وّى ،ون��وّى ،وقرينة ال��غ��زال ،والرابع
ولدته من قبلهم قبل والدة األسماء ،قبل الخروج اليومي للعنزة بحثا عن الرزق كانت توصي أب��ن��اءه��ا ،فتتنهد شفقة ًعليهم ثم تقول ..وتصمت الجدة ويطول صمتها ،ون��ح��ن م��ن لهفتنا نسألها: توصيهم بماذا يا جدتنا العجوز؟ فتقول: يا أبنائي الصغار ،هنا ..وتشير إلى جهة ما ضب ٌع لجان ..فإذا رآني ذاهبة إلى الحقل ربما أتى إلى هنا فتحايل الختطافكم ،فلو ناداكم أحد بصوتي ال
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (115 )2016
وصوت يشبه صوت أمهم العنزة ٍ تفتحوا له ،فهناك فرق بين صوته الغليظ على الباب، وصوتي الرفيع ،ثم تغط جدّتنا في النوم وإن كان غليظا يصيح مع كل طرقة: وهي جالسة بيننا ،فما أطول االنتظار ،وما (افتحوا لي يا اوالدات���ي ،اللبن خر من أجمل الوعد بتكملة الحكاية المُثيرة. ابزازاتي ،والبرسيم كسر قروناتي).
أدب األطفال المتوارث من جيل إلى جيل كان مُسلّيا وهادفا ،لذلك لم يفقد بريقه مع طول األيام ،وال رونقه مع كبر السن ،وال قوّته مع ط��ول السفر ،واأله��م من ذل��ك كله أنه أدب كان ابن َ بيئته؛ يحل مشاكلها ويحكي أمجادها وي��زرع محبتها في القلوب ،يكبر اإلنسان وفي نفسه أشياء من هذا الفكر، فقد تعرّف منه على أصله وفصله ،ولمس خياله بيديه فقبض على بعضه مدسوسا في مأكله ومشربه وملبسه ..فهو جزء منه ال يتجزّأ ،وكذلك يجب أن يكون األدب ،جهداً كبيراً مبذوالً في التعليم النظامي؛ لكنه ي َمهِّد للشتات ،ألن سوق العمل محلِّي الصنع ،أما معظم ما نتعلمه مستورد يتم استزراعه في غير أرضه ..فكيف ينمو ويثمر؟ نخترع لألطفال لِعبا وقصصا وشعرا، وبعد قليل نضطر إلى تبديل كل ما ال يفلح توطينه عندنا بالمرة لتغيّر التربة والمناخ، وبالتالي تعثُّر اإلن��ب��ات! فما بالنا باإلثمار والنضج؟
االب��ن األكبر للعنزة ..همس إلخوته :ال تفتحوا الباب ،فالصوت أغلظ من صوت أمنا ،ربما يكون ضبع لجان ،لكن بقية األبناء وه��م صغار ،ومشتاقون للبن األم ودفئها، أسرعوا إلى الباب مهللين مستبشرين؛ ما اضطر أخوهم األكبر إلى االختباء في الفرد البارد المظلم. كانت الجدة تعيد وتزيد في بعض الجُ مل دون غيرها لتُحكم الحبكة ال��درام��ي��ة؛ ما يجعلنا نعيش الحدث بكل تركيز ،فال نترك شاردة وال واردة إال حفظناها على كل الوجوه وإلى منتهاها. وق��د اختطف ضبع ل��ج��ان «ح���وى ون��وى وقرينة ال��غ��زال» وه���رب ف��ي ال��ح��ال ،وظل الباب مفتوحا حتى حضرت العنزة ،فعرفت ببديهيتها م��ا ح��دث ،وفتشت ف��ي البيت، فعثرت على ابنها األكبر الذي حكى لها كل شيء.
لقد تناقلت األج��ي��ال قصصا لألطفال كنا ننتظر الجدة من ليلة إلى ليلة لتجلس كما تناقلت ِسير األبطال ،ليبقى بيننا أدب بيننا ،وتأخذ نفسا عميقا لتقول :ذهبت شفاهي ال يقل ث���راء وال قيمة ع��ن أرق��ى العنزة بنزة في طلب ال��رزق بعدما أحكمت المالحم المنسوخة والمطبوعة. تقول الجدة :فأسرعت العنزة إلى غرفة إغ�لاق الباب وراءه��ا ،لكن ضبع لجان كان يترقب ذهابها في هذه المرة ،فإذا بطرقات الضبع تتحايل عليه لتطلق س��راح أبنائها،
116اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
وأنا أطهو لحمتي ،فارتجفت العنزة ،وظلت تطرق بابه حتى خرج إليها ،فضحكت في
وجهه وقالت :حسبتك جاهزا للمسابقة فقد امتألت القناة ،فهيا نرى من يستطيع
قفزها فال يبتل ممن يسقط في الماء ،عند ذلك أسرع الضبع إلى اللعبة المُحببة إلى
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
فطرقت بابه فصاح :من يطرق باب غرفتي
نفسه ،لكن العنزة اختارت مكانا عريضا من القناة ال يستطيع الضبع قفزه بسهولة، والضبع بطبعه يحب المخاطرة ،فجازف
وق��ف��ز ،فسقط ف��ي ال��م��اء وظ���ل ي��ح��اول
الخروج فينزلق من جديد ،في حين ذهبت
العنزة مسرعة إل��ى غرفته فاصطحبت أبناءها وهربت.
ول��ك��ن ..ل��م��اذا تقلص دور الحكّائين
فاندثر معهم شطر كبير من تراثنا؟ إن
تأثيرا أوضح لوسائل اإلعالم حتى على بعضها بعضا ،فكما تأثر توزيع المجالت
بانتشار الصحف ال��س��ي��ارة ،كذلك زاد التنافس بين الراديو والصحيفة ،ثم بينه وبين التلفاز ،حتى بلغنا عصر اإلنترنت
الذي وظّ ف كل وسائل االتصال كالفاكس والهاتف والصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية .واك��ب ذل��ك بُ��طء في تخزين
التراث المحكي ،وقد وصل ذلك الضعف واستسهال في انتظار ٍ ونسيان ٍ تجاهل ٍ إلى
حركة طموحة إلحياء الذاكرة القومية. * كاتب من مصر.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (117 )2016
جماليات الروح في الثقافة العربية اإلسالمية ρρهشام بنشاوي*
ف��ي مستهل كتابه ال�م��وس��وم ب�ـ�ـ« :جماليات ال ��روح في الثقافة العربية اإلسالمية» ،يشير الباحث د .عبدالمعطي سويد إلى أن إنسان اليوم ال يعيش قطيعة مع المعلومات الغثة والسمينة ،وال مع المعرفة التي تقوده إلى الوعي والتعامل مع ما هو قائم؛ بل يعيش قطيعة مع ال��روح، أي أضاع فردوس الروح المفقودة ،حيث دفنت الكراهية، وكل مشاعر رفض اآلخر ،واإلطاحة بكافة المشاعر اإلنسانية ،والعيش المشترك، والتسامح إزاء اختالف اآلخر. ويتساءل الباحث إذا ك��ان اإلنسان تشويه ال���روح اإلنسانية على صعيد يعيش في وج��وده ،في األص��ل ،حائزا العالقات اإلنسانية؟ النفحة اإللهية /الروحية ،فلماذا يعمل ويلفت الكاتب االنتباه إلى أن المخيلة اإلنسان بكل جدية على نفي الوجود، العربية انقادت منذ ظهور اإلسالم نحو أو في أضعف اإليمان تهميش اآلخر، ق���راءات كثيرة للنص ،منها ال��ق��راءات وبلغة إسالمية :لماذا يميل اإلنسان غالبا نحو الفجور ،وه��و ال��ذي كرمه العقلية ،والالمعقولة ،وال��ش��اردة عن اهلل ،وخلقه في أحسن تقويم؟ لماذا شكل اللفظ ومعناه ،والقراءة التقليدية يعمل على تشويه خلقته بالصراعات ،للنص ،والتي يعدها األشد انتشارا في ويمارس مختلف أشكال التعذيب التي العالمين العربي واإلسالمي ،ويحمّلها تمارسها أنظمته السياسية؟ لماذا يتم كل ما تعيشه النفس العربية اإلسالمية
118اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
****
يستهل الباحث مبحث «الطلل الجاهلي وإشارة الخروج من صعلكة الروح» ،باإلشارة إل���ى أن ال��ش��اع��ر ال��ج��اه��ل��ي أدرك جدلية الحياة والموت ،جدلية البقاء المرموز له
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
من تطرف ،وتعصب ،وعنف ،وه��ي ق��راءة «صراعية» وسياسية للنص ،جعلت ال��روح ال��ع��رب��ي��ة /اإلس�لام��ي��ة ت��ص��اب ب��ح��ال��ة من «غيبوبة» الروح خالل هذه القراءة الشوهاء، ومالت العقلية «النصية» الحرفية إلى األخذ بأحد طرفي ثنائية الروح والجسد ،وذهب بعض أقطاب التيارات اإلسالمية في وصف ال��غ��رب بالمادية ف��ي مقابل ش��رق روح��ي. وينفي الباحث وجود حضارة مادية ،ففيهما معا ال��م��ادة وال����روح ،لكن ق��د يكون الميل السائد في هذه الحضارة أو تلك للجسد أو للروح ،ويرى أن الميل السائد في حياة عالم اليوم ،هو لمطالب الجسد .ويؤكد د .سويد أننا نعيش في عالمنا العربي /اإلسالمي لحظة انحسار الروح وتقدم الجسد ،ونعيش زمن الحس المطلق جراء الشراهة الدنيوية، ول��م يعد اإلن��س��ان المعاصر معنيا بما هو في باطن األشياء ،والذي يستدعي اللحظة الجمالية الهاربة ،معتبرا أن انسدادات الروح العربية /اإلسالمية المعاصرة هي أننا نعيش أمام سد منيع ،أمام رياح الكون كلها؛ ويعني بذلك الثنائيات العبثية والحدية المتضادة والضدية التي قضت على روح اللقاء لترسيخ معنى الحياة ،والغياب المتعمد للّحظة ببهجة الحياة ،التي ترغب براءة اإلنسان األولى مع العيش على أرضية مشتركة بين البشر.
بالطلل ،والفناء زوال الحياة ،بالرغم من طول السنين ،وعاش النقيضين ونظر إلى المكان المرئي ،فوجد فيه الرمز الكامل للبقاء إلى ما بعد زوال الكائن الحي ،وقد تجسدت تجربة البقاء والفناء ،فيما بعد ظهور اإلس�لام ،لدى المتصوفة في جدلية البقاء والفناء في الذات اإللهية ،وقد أراد الشاعر الجاهلي تجسيد االستمتاع بالحياة قدر الطاقة اإلنسانية الكامنة فيه ،مع وعيه الكامل بحتمية الموت ،فتناقص العمر ،كما يبدو لطرفة بن العبد ،يشوّه معنى الوجود، ون��ف��اد ال��ده��ر يذهب باللحظات الحياتية الجميلة ،وتتجلى درامية الوجود في قلب الشعور المداهم للحظة الثنائية ،والتصاق طرفيها (الحياة والموت) ،ويقبض الشاعر على الوجود والعدم في الوقت نفسه ،ويعيش لحظة القبض على الزمن ،ومحاولة إيقافه، وانتهائه عبر النقص المستمر لعدد أيامه ،أو
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (119 )2016
شهوره ،أو سنواته. والجدلية الباطنة هنا ،هي في ثنائية الحياة والموت ،أو البقاء والفناء ،وإذا كان ال بد من الفناء ،فال بد من النظر إلى ما هو باق/الطلل ،رمز البقاء ،بقاء الحب في الذاكرة ،ورمز البقاء ،ما بعد مغادرة المكان والحياة .وقد وجد الطلل ليذكر من يراه بأنه رابض فوق سطح الموت ،شاهد على ذكريات الحب والوصال بين كائنين أحبا بعضيهما، ف��ي لحظة ول��ت إث��ر رح��ي��ل المحبوب مع القبيلة ،سعيا وراء ماء الحياة ،بعد أن جفت ينابيعه في باطن الطلل أو ما حوله .ويؤكد الباحث أن طرفة بن العبد استطاع أن يقدم جماليات فلسفية لإلنسان الجاهلي ،ومن خ�لال وع��ي فطري بسيط؛ فهو ال يعيش الحياة إال ليتمتع بجمالها ،وال يتقدم تجاه الموت إال إليمانه بالحتمية بمرحلة تشكل نهاية التواصل مع الحياة ،أو الغبّ منها ،قدر الطاقة اإلنسانية. ولم يكن «المكان/الطلل» ،مكان الروح، بعيدا عن ال��ذات الشاعرة ،وعن تموجاتها ومتقلباتها ،والمكان ال��ذي يأسر الخيال ال يمكن أن يبقى مكانا ال مباليا ،خاضعا ألبعاد هندسية ،بل أصبح مكانا عاش فيه الناس ليس بطريقة موضوعية« ،وإنما بكل ما للخيال من تحيزات» ..إنه مكان استعادة الخيال عبر الذكرى ،لمتعة حسية عاشها الشاعر ،وكبتت هذه اللحظة ،حسب ما هو معروف في علم النفس الفرويدي ،وحيث يعيش الشاعر في قلب المكان «قحط لحظة ح��ال��ة ال��ح��ب» ،واس��ت��ع��ادة ال��زم��ن المفقود ال��خ��اص بالشاعر ،أو إع���ادة الحياة لتلك
120اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
اللحظة عبر الكلمة في وس��ط «المكان»/ الطلل ،وقد أصبح «موطن الذكرى» ،ولم يعد مكانا بأبعاد هندسية ،بل أصبح المكان من خالل استعادة الذكرى تجليات حية لذكرى حية بدورها ،يلتذ الشاعر باستعادتها ،رغم أنها منافية كذكرى ،ألنها عيش مع الزمن الهارب ،وهي تعبير عن تجمد الحياة في اللحظة المستعادة ،أو بمعنى آخر «الفرار م��ن ح��رك��ة ال��ح��ي��اة الساعية نحو التقدم وال��ج��دة وال��ب��ح��ث دوم���ا ع��ن خ��ل��ق ج��دي��د، وتجاوز الماضي بلهوه وجده». ****
فيما يتعلق بالجمالية اإلس�لام��ي��ة يقر ال��ك��ات��ب أن��ه��ا ذات خصوصية ق��ائ��م��ة في ارتباطها بين الفعل اإلي��م��ان��ي/ال��ع��ب��ادي، والمجسد الفني الذي هو التعبير عن األول؛ فالفنان يتمتع بكامل الحرية في عمله الفني، ويعيش حريته الكاملة في قلب االلتزام الذي يحرك صنعته ،وهو اإليمان .وهذه الجمالية اإلسالمية في هويتها الخاصة تختلف عن االستطيقا الغربية التي تبتدئ في الفلسفة األفالطونية ،الرامية إل��ى تحقيق الرؤية العقلية للحقائق أو المثل أو األفكار ،وهي متجاوزة للوجود المحسوس ،لكنها غارقة في التجريد ،وصوال إلى الفلسفة الحديثة كما عند هيجل مثال ،التي ت��رى أن ال��روح تعي ذاتها من خالل ثالثية الفن ،والدين، والفلسفة ،بينما نجد أن الفن في اإلسالم ل��ه كيانه ال��خ��اص ،ف��ي تجسده لروحانية اإلس��ل�ام .وق���د ع��ب��ر اإلس��ل�ام ع��ن وج���وده ال���روح���ي ،وأق��ح��م��ه ف��ي ال��وج��ود ال��م��ادي،
دائ��م للرؤية البصرية المألوفة أو الرؤية الداخلية ،وهو غاية الحياة ،وما عدا ذلك فمباهجه مألوفة ،ويعيش الفنان العربي والمسلم لحظة أدائ���ه عمله الفني إيقاع التماهي الكامل مع الكلمة ،واللون ،والخط، والصغريات المتناهية في اللطافة ،والصغر في المنمنمة المرهفة كرهافة ال��روح في خلقتها األول�����ى ،وف���ي عظمة ال����روح في التعمير ،حيث الجالل والجمال ،في الهيكل المعماري ال��غ��ارق في الضوء وال��ن��ور ،وكل ه��ذه التجليات تلتقي عند ج�لال األلوهية الملحوظة في عبارة «ما شاء اهلل» ،باعتبار أن اهلل ع��ز وج��ل ف��ي اإلس�ل�ام ،ه��و صلب الكل العياني ومركزيته ،والمبدع الصانع األكبر ،الذي يقود الصانع األصغر/الفنان،
والمفارقة في الفن عموما أنه يعمل على الخروج من متاهة وضيق المكان ،وحدود األشياء ليضعنا في عالم األشياء ثانية ،بعد أن تلبستها روح الصانع الفني .إنها اللمسة الفنية /الروحية المضافة على األشياء ،وفي العمل الفني العربي اإلسالمي يتجلى مفهوم ج��دي��د ،مغاير للمفهوم ال��م��أل��وف للمكان وال���زم���ان ،حيث يعكس ه��ذا ال��ف��ن نظرية جديدة انطالقا من وعي الثنائية العقيدية إلى زوال الدنيا ،في مكانها وزمانها ،بغية تجلية روحية خالدة لزمن خالد ،عالم ما بعد الزمان والمكان الماديين اإلنسانيين.. (الجنة) في التعبير الديني/السماوي ،وجمع األبدية التي تحلم جميع الكائنات البشرية بالعيش في أحضانها يوما.
وفي عوالم ال��روح المتجسدة في العمل الفني ،وفي تجسيداته الشاملة ،نجد أنفسنا أمام أطياف حلم روحي ،ينأى بنا عن عالم اليقظة المشبع بالرغبات اآلنية ،والفن بهذا المعنى ،يرنو في الواقع نحو إن��ارة الظلمة في أركان الوجود اإلنساني :الجسد ،النفس، هكذا نجد أنفسنا أم��ام موقف ثالثي العقل والروح. األب��ع��اد :وقفة الفنان المتجلية ف��ي عمله الفن في التراث الثقافي اإلسالمي كان ،الفني ،ووقفة صوفية في تجربته ،ووقفة وما يزال ،تعبيرا عن حركة الروح الالمرئية ،المشاهد ،وهي كلها تشترك في رؤية واحدة: ليصبح كل شيء «نورا مرئيا» ،إنه استدعاء تجاوز العالم الفج.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
فالروح حاضرة في المشهد المعماري في كل أنماطه المتعددة ،وفي كافة أرجاء وتفاصيل الحياة اليومية المشاهدة والمحسوسة باليد والعين والحواس األخ��رى ..فالكل مسكون في الروح.
باعتبار أن العرب تقول إن الفن هو صناعة (إبداع) ،ويعتبر د .سويد الفن في اإلسالم، وبكل أشكاله المادية الملموسة ،والبصرية، المرئية ،يخلق في النفس لحظة تأمله ،حالة روحية وعقلية ،تنقل اإلنسان الناظر من قيد األشياء إلى حرية الرؤية ،وتنقله أيضا إلى ما وراء المادة المشكلة ،إلى المشكل للجسد (ال��م��ادة) الفنية المصنوعة ،أي تنقله إلى تلك اللحظة الغائبة والهاربة من الفنان ،أي اللحظة التي عاشها المبدع.
* كاتب من المغرب.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (121 )2016
تعليمات يوكو أونو: الفن متخفف ًا من الزوائد ρρعلي املجنوني*
«راقِ ب الشمس حتى تصبح مربَّعة» .هذه الجملة ليست جزء ًا من قصيدة أو ما شابه .إنها لوحة ،بالمعنى الحرفي للكلمة .لوحةُ تعليمات ،بتعبير أكثر دقة .في رسالة إلى إيڤان كارﭖ كتبت يوكو أونو ،صاحبة اللوحة آنفة الذكر ،متحدثة عن يوجه بالتعليمات. فكرة «لوحة التعليمات»« :أعتقد أن الفن التشكيلي يمكن أن َّ في هذه الحالة ،يكتفي الفنان بإعطاء تعليمات أو رسومات حول اللوحة ،وتغدو اللوحة بشكل أو بآخر مثل عدّ ة التركيب الذاتي ،تُركَّ ب وفقا للتعليمات المعطاة .ال التعليمات التي تمكّ ن خروج اللوحة ِ شخص ٌ تبدأ اللوحةُ وجودَها إال عندما يتّبع إلى الحياة .ومن هناك تعيش اللوحة حياة من التحوالت ،حيث يضيف الناس جهودهم الخاصة إلى اللوحة حسب التعليمات أو عكسها أحيانا ،العبين دور ًا فعاال في وجود اللوحة .تخيّلْ «لوحة المسمار» معلقة في متحف الفن الحديث بتعليمات تقول «دق فيها مسمارا» ،فيأتي الناس كل يوم لدق مسامير بأحجام مختلفة ،فيما اللوحة تغيّر وجهها كل لحظة». تكاد تكون الفنانة الطليعية يوكو ولمّا يزل ،جديرةٌ باالحترام واالعتبار.
أون��و ،المولودة عام 1933م ،من أبرز انتقلت «أونو» إلى نيويورك من بلدها
الفنانين ال��ذي��ن رف����دوا ح��رك��ة الفن األصلي ،اليابان ،عام 1953م ملتحق ًة المفهومي عالميا ،وف��ي أمريكا على بعائلتها التي كانت ق��د سبقتها إلى
وج���ه ال��خ��ص��وص ،ذل���ك أن إسهامها أمريكا فراراً من الحرب .انتقلت معها �ف نفسه ،مواهبها المتعددة ،إذ هي كاتبة وفنانة ف��ي م���ح���اوالت ال��ف��ن ت��ع��ري� َ
ال��ت��ي انشغل بها منذ فجر الحداثة وموسيقية ،األمر الذي جعل منها أيقونة
122اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ثقافية في ستينيات القرن الماضي ،كما أنها غزيرة اإلنتاج ،لم تتوقف عن ممارسة ال��ف��ن منذ م��ا ينيف على خمسة عقود. ساعد «أون��و» انتقالُها إل��ى قِ بلة الفن في منتصف القرن العشرين على االنغماس في الحركة الفنية الثرية التي شهدها الوسط الفني آنذاك ،والتي تسنّم نشاطها عد ٌد من الفنانين الطليعيين والحركات الطليعية مثل مجموعة فليكسس وحركة الفن المفهومي. هكذا وجدت نفسها في حوار فاعل مع رموز المشهد األمريكي من فنانين وأدب��اء ،تأثر
م��ع��ل��ومٌ ،مثال ،أن الفن ينشغل تلقائيا
كثير منهم بها ورأوا فيها رم��زاً للروحانية بالسياق التاريخي واالجتماعي والسياسي الشرقية التي كانوا قد طوروا في أنفسهم ال���ذي ي��ح��دث ف��ي��ه ،أم��ا الحرفة فمحددةٌ وفنهم توقاً إليها وتأثراً بتعاليمها.
بوظيفة نفعية تنحصر القدرة على تنفيذها
معارض عدةً ،قدمت خاللها في أفراد اكتسبوا المهارة الالزمة دون أدنى َ أقامت «أونو» أع��م��اال ت��راوح��ت بين األف�ل�ام التجريبية صلة بالسياق .الفن خاضع بالدرجة األولى
واألع��م��ال الفنية األدائ��ي��ة والمقطوعات لمفاهيم مجردة وقيم إنسانية يتفاوض معها الموسيقية والكتابة اإلبداعية ،كلها حملت الفنان أثناء ممارسته الفن في عملية نفسية روح المغامرة واعتنقت التجريب منهجاً لها .مركبة ومعقدة ،بينما تتميز الحرفة بأنها وأعتقد أن الخيط الذي يجمع أعمال «أونو» عملية مستقلة تتألف من خطوات واضحة يتمثل ف��ي تركيزها على الفن كونه أحد وبسيطة في طبيعتها .ولهذا ترمي «أونو»،
قطبين ،هما الفن والحرفة .هذا الثنائي بطريقة ما ،إلى أن يكون الفن متاحا للجميع ال��ذي يصفه بعضهم بأنه انشطا ٌر وهمي عبر خطوات تستجيب ،وإن ذهنيا ،للظروف ناتج عن هوس الغرب بتصنيف األشياء ،نال السياسية واالجتماعية التي تحيط بهم حظا وافرا من نشاط «أونو» الفني .ويمكن وتؤثر في مصائرهم.
القول إن «أون��و» تعاملت به بذكاء ،بحيث
أدلّ دليل على هذه الرؤية التي تتبناها
ألغت الفارق بين قطبَي هذا الثنائي بقدر «أون�����و» ك��ت��ابُ��ه��ا «ﮔري����ب ف�����روت» ،كتاب ما أبرزته.
«تعليمات ورس��وم��ات» ال���ذي ك��ان مرحلة
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (123 )2016
ثالثة من مشروع ب��دأ على هيئة تعليمات والسالم والتوازن الحياتي. مكتوبة للوحات تشكيلية ،ثم أوراق بخط
وتغطي ه��ذه التعليمات مناطق فنية
اليد ،ثم كتاب .صدر الكتاب للمرة األولى مختلفة ارتضتها الفنانة ميادي َن لتجريب بنسخ محدودة في اليابان عام 1964م ،ثم ل���وح���ات ال��ت��ع��ل��ي��م��ات ،وه���ي ال��م��وس��ي��ق��ى،
صدرت نسخة مزيدة منه بعد سنوات في والتشكيل ،وال��ش��ع��ر ،وال��ح��دث ،والفيلم، نيويورك ،واحتوى أعماال فنية جاءت على وال���رق���ص ،وال��م��ع��م��ار .ال��ف��ك��رة م��ن وراء هيئة تعليمات ،تشبه تلك التي نطالعها في تعليمات «أون��و» اختزا ُل الفن إلى مستوى كتاب نشاط مدرسي أو دليل استخدام .يغدو معه ع��ب��ار ًة عن مجموعة قوانين أو
تتسم األفكار التي تنطوي عليها التعليمات تعليمات يستطيع تنفيذَها أي شخص. بالبساطة المفرطة والعمق التأملي في ولهذا السبب يعد كتاب «أونو» مثاال صريحا
اآلن نفسه ،لكأنما تريد أن تجرّد الفن من على الفن المفهومي الذي كان ال يزال في كل ال��زوائ��د العالقة به حتى تبلغ جوهره ،بداياته ،وعلى الكتابة المفهومية التي لم تنل
والجوهر هنا الفكرة .الفكرة التي طالما االعتراف إال بحلول القرن الحالي تقريبا. ت��وارت خلف عناصر أخ��رى ،بعد أن عمد مع مطلع القرن الحادي والعشرين ازدهر فنانو كل مرحلة أو مدرسة فنية إلى إخفائها الشعر المفهومي بشكل خ��اص والكتابة بطريقة مختلفة أو تحت ذريعة مختلفة، المفهومية بشكل ع���ام ،إ ْن على مستوى مستعينين ب��األل��وان والخامات واألساليب ال��م��م��ارس��ة وإ ْن ع��ل��ى م��س��ت��وى التنظير. وغ��ي��ره��ا ،حتى أم��ك��ن ال��ق��ول إن م��ا يميز على مستوى المصطلح ،تتأرجح الكتابة المدارس الفنية عن بعضها هو كيف تعاملت المفهومية بين سؤالين ،أولهما ينحو إلى أن كلٌّ منها مع الفكرة. الكتابة ككل نشاط مفهومي ،وثانيهما يرى تعليمات «أونو» ،كما يحلو لها تسميتها ،أن الكتابة كفعل إجرائي تنسف تجريدية بعضها قابل للتنفيذ بالفعل ،وبعضها اآلخر المفهوم ،باعتبار كل أشكال الكتابة نشاطا يتجاوز أية إمكانية عقالنية للتنفيذ .وفي محسوسا .وعلى رغم أن الكتابة المفهومية، كلتا الحالتين بوسعنا أن نتلمس بوضوح بحسب السؤال األول ،قديم ٌة قِ �دَم الكتابة
فلسفة الفنانة عن الحياة من خالل رهافة نفسها ،إال أنها أفادت من الشوط الطويل الحس التي تتمتع بها ،فهي ناشطة حقوقية الذي قطعه الفن في هذا االتجاه .ونستطيع
وس��ي��اس��ي��ة ،إض��اف��ة إل���ى ت��أث��ي��ر ال��دي��ان��ات القول إن «يوكو أونو» تقدم حالة فذة تجسّ ر الشرقية المتمثلة في الدعوة إلى التأمل ما بين الفن المفهومي والكتابة المفهومية
124اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
ال بسبب اس��ت��ب��دال العمل الفني ف��ي بُعده أوال :ألنها استخدمت اللغة بوصفها شك ً المحسوس إل��ى حيّز م��ج��رد ،بعد تنحية من أشكال الفن .الكتاب في مجمله نص االهتمامات الجمالية والمادية للفن جانبا يمد جسرا بين اللغة واألداء ،هذا الجسر وتسليط االهتمام على الفكرة .في ما يشبه الذي انشغلت به نظرية الفعل الكالمي التي المانيفستو ضمنت «أون��و» في كتابها نصا وضعها جون لونغشو أوستن ،واتخذت من كتبت فيه« :أعتقد أن من الممكن أن ترى الوظيفة األدائية للغة محوراً الهتمامها. كرسيا كما هو .لكن عندما تحرق الكرسي، ثانيا :ألن أعمالها تأتي ضمن المرحلة تدرك فجأة أن الكرسي الذي في ذهنك لم
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
بوعي كبير. ٍ
ما ال تطمح أعمال «أون���و» ال��وص��ول إليه،
يختف .عالم «البناء» يبدو أنه أكثر ِ الفنية التي أطلقت عليها لوسي ليپارد يحترق أو ع��ب��ارت��ه��ا ال��ش��ه��ي��رة ال��ت��ي يمكن ترجمتها شيء محسوس ،وعليه فإنه أكثر شيء نهائي.
على أنها «ن��زع التجسيد عن م��ادة الفن» ،وتّرني هذا الشيء ،فبدأت أتأمل ما إذا كان والتي تصف المنعطف ال��ذي اتخذه الفن كذلك فعال .لهذا السبب ،فإن الحدث كلمة األم��ري��ك��ي م��ن ال���م���ادة إل���ى ال��ف��ك��رة .في مفتاحية ف��ي أع��م��ال «أون���و» .ف��س��وا ًء كان ٍ الكتابة المفهومية، باختصار تكوّن الفكرةُ تطيير طائرة ورقية أم ع ّد الغيوم أم التسكع أو المفهو ُم الملم َح األبر َز في العمل ،حيث في المدينة بعربة أطفال فارغة ،أم إرسال
العملية الذهنية المسؤولة عن التخطيط رسائل بريدية إلى عناوين عشوائية ،أم غلي للعمل هي العمل الفني أو الكتابي نفسه ،ماء ومشاهدته حتى يتبخر بالكامل ،أم تعبئة
بينما يضحى التنفيذ النهائي أمرا هامشيا استبيان ،أم االختفاء في دوالب حتى تنساك وغي َر ذي أهمية« .تصبح الفكرةُ» بحسب عائلتك ،أو رسم خريطة من أجل التيه ،فإن تعبير سالومن ليويت وكِ نث غولدسميث ،الحدث يقع في ذه��ن المتلقي .وبالسؤال أحدِ هما أو كليهما« ،آل � ًة تصنع النص ،».عمّن يسهم ف��ي وق��وع ال��ح��دث ،الفنان أم ول��ه��ذا فالخطة تصمم العمل ،وتتيح في المتلقي ،نستطيع الوصول إلى فهم مالئم ألونو .أدناه بضعة أمثلة على الحدث الذي الغالب عددا ال نهائيا من طرق التنفيذ. المفهوم واإلدراك إذاً مرحلتان مختلفتان، األولى سابقة للعمل والثانية تالية له .ولكن
تنسج الفنانة أعمالها/نصوصها حوله:
بدلو /.استمر في «اسرق قمرا من الماء ٍ
عند تنفيذ العمل إلى شكل ملموس تصبح السرقة حتى ال يُرى على سطح الماء قمر».
ك��ل ال��خ��ط��وات ف��ي غ��اي��ة األه��م��ي��ة .وه��ذا
«ق���دَّ م ك��ل ال��س��اع��ات ف��ي العالم ثانية
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (125 )2016
واحدة دون أن تُخبر أحدا عما فعلت».
الموسيقية ال��ت��ي تتحول موسيقى بعد
«سجل شريطا لصوت الثلج متساقطا /.تنفيذها أدائ��ي��ا .م��ارس ه��ذا النوع زمرة ق��م ب��ه��ذا ف��ي ال��م��س��اء /.ال تستمع إلى من فناني نيويورك ،من أمثال جورج بركت قصه ثم استخدمه أوتارا تربط الشريطّ /. بها الهدايا». «أصغِ إلى دقات الساعة /.قم بتكرار دقات مطابقة في رأسك /بعد أن تتوقف». «اج���م���ع ف���ي ذه��ن��ك األص������وات ال��ت��ي سمعتها طوال األسبوع .أعدها في رأسك في ترتيب مختلف ذات مساء».
وج��ورج ماتشونس والمونتي يونغ وديك
هيغنز ويوكو أون��و ،الذين ت��أث��روا بجون
كيدج وأعماله في التجريب الموسيقي.
بالنسبة ألونو ،تطورت هذه النصوص
القصيرة التي تتطلب تنفيذها عبر أفعال ذهنية أو حسية إل��ى «لوحات تعليمات»
تطلب في أغلبها من الجمهور إكمال لوحات بالقيام بأفعال مثل المشي أو تقطير الماء
«اح��ص��ل ع��ل��ى ه��ات��ف ال ي��ق��وم بشيء على قماش لوحة .ولعل أب��رز مثال على
سوى ترديد صدى صوتك .اتصل كل يوم هذا النوع من اللوحات «لوحة لدقّ مسمار»
وتحدث عن أشياء كثيرة».
التي تحدثتْ عنها في رسالتها إلى كارﭖ،
لوحاتك .أتلِف اللوحات األصلية».
هذا المعرض قبل أن يتزوجا ،اقترح أن
«تسكع في ش��وارع المدينة مع عربة ونفذتها عام 1966م في لندن ،حيث عُرض لو ٌح خشبي مصبوغ باألبيض ،تتدلى حوله طفل فارغة». مطرقة ،فيما وُض��ع وع��اءُ مسامير على بحبوب/ ٍ مملوء ٍ كيس «قص فتح ًة في ٍ ّ كرسي بجانب اللوح ،وطُ لب من الجمهور الكيس /حيثما تكون َ من أي ن��وع وض��عِ دق مسمار في اللوح .اقترح عليها جون ريح». لينون ،عضو فرقة Beatlesالموسيقية «دع ال���ن���اس ي��ن��س��خ��ون أو ي��ص��ورون ذائعة الصيت ،الذي التقاها ألول مرة في عند الحديث عن كتاب «ﮔريب فروت» يدق مسمارا متخيال ،فقدحت هذه الفكرة نوع من الكتابة ظهر ش��رارة في ذه��ن «أون���و» والزمتها طويال ال بد من اإلشارة إلى ٍ
في مطلع الستينيات ،يتكون من نصوص حتى غدا تغليبُ فكرة الفن على موضوعه تحض على المحسوس عالم ًة فارقة في فنها. ّ قصيرة على هيئة تعليمات أدائها وتنفيذها .سميت تلك النصوص
تُقرأ نصوص «ﮔريب فروت» على أكثر
«« event scoresإش���ارة إل��ى النوتات م��ن مستوى ،فهي نصوص شعرية وفن
126اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
يصبح قارئها فنانا محتمال ،على األقل مرتين ،م��رة في أم��س��ت��ردام ،خ�لال شهر كما أرادت له «أونو» أن يكون .فالنصوص العسل ،وأخرى في مونتريال ،في «محاولة
تقدم تصورا إيجابيا للتلقي بوصفه نشاطا تجريبية بحثا عن أساليب جديدة للترويج
إنتاجيا ،حتى وإن مال إلى أن يكون جافا للسالم» بحسب وصفهما. عاطفيا في سبيل كونه مثيراً لالهتمام
أخيرا ،وبالمناسبة ،يقام في هذه األيام
ذهنيا وفلسفيا .ديدنها تحريض الجمهور أول معرض فردي ألونو في متحف الفن على أداء «قطع» فنية تقوم بصفة أساسية الحديث في نيويورك ،بعد أن تجاوزت
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
كامل ٍ بصري وف��ن أدائ���ي وتمرينات إجرائية .أنهما فتحا سريرهما لمدة أسبوع
على التخيل ،تخيل لوحات في رؤوسهم .سن الثمانين ،العرض الذي طال انتظاره وهذا ملمح متكرر في أعمال «أونو» جلّها .واستحقاقه .وإذ أقول المعرض الفردي في عام 2013م ،أي بعد حوالي خمسين األول ،ف��إن��ي أع���ي أن���ه ق��د يُ��ع��د الثاني
عاما من إصدار «ﮔريب فروت» أصدرت بطريقة ما ،إذ في عام 1971م استجاب
«أونو» «ثمار البلوط» .وهو كتاب يسير على ال��ن��ي��وي��ورك��ي��ون إلع�لان��ات ط��ال��ع��وه��ا في منوال سابقِ ه ،موشى بكثير من الرسمات الصحف عن «معرض فردي» ألونو ،وعند
النقطية ،دائرية ومليئة بالحركة ،تتسق مع ذهابهم إلى متحف الفن الحديث لم يجدوا إعمال الذهن تأمليا ال��ذي تحرض عليه س��وى رج��ل يحمل يافطة ليخبرهم أن النصوص ،في سبيل نقل التجربة الفنية «أونو» أطلقت عددا من الذباب في حديقة
والجمالية إلى الذهن ،إلى الداخل ،إلى المجسمات ،وأن الذباب الذي أطلقته قد
المجرد ،إلى المقدس .وبالطبع قد يحيل يكون في المتحف أو في مكان في مانهاتن.
هذا العنوان إلى ما قامت به «أونو» ولينون إن كانت «أون���و» ق��د ظُ لمت ،كما يعتقد في ثاني شهر بعد زواجهما ،حين أرسال بعضهم ،أو بُخس قدرها طويال ألسباب ثمار ب��ل��وط ،خمسين ثمرة مربوطة في تافهة ال عالقة لها بالفن ،من مثل أنها صرة ،إلى رؤساء عدة دول حول العالم على أسهمت في تقويض فرقة ،Beatlesفهذا
أمل أن يغرسوها رمزا للسالم .لقد كانت المعرض ،الذي تغطي األعمال المعروضة هذه ال شك واحد ًة من مبادرات عدة قامت فيه عقدا من الزمان ،يعيد ألونو االعتبار،
بها ولينون لالحتجاج سلميا ضد الحرب ويذكّر بدورها الفعال وريادتها في الحركة
على فيتنام .لعل أشهر تلك المبادرات الفنية في الواليات المتحدة األمريكية. * كاتب من السعودية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (127 )2016
الخصوصيات الثقافية ثراء ال عداء ρρمالك اخلالدي*
يعتقد بعض المهتمين ب��ال�ش��أن الثقافي أن وج��ود الخصوصيات الثقافية مجتمع م��ا ُي�ع��د ع��ام��ل إرب ��اك ق��د ُي�ف�ض��ي إل��ى ص ��راع ،أو اإلض ��رار ٍ وت�ع��دده��ا ف��ي بالتماسك المجتمعي ،وه��ذا بال شك صحيح في ظل وج��ود نسق اجتماعي أو أيديولوجي طارد يعمل على استعداء الخصوصيات الثقافية المغايرة؛ إال أنها قد تصبح ث��روة ثقافية إيجابية خالقة ،وخصوص ًا في المجتمعات األكاديمية الجامعية التي تحفل بتعدد ثري وهامش علمي وتشاركي ال بأس به؛ وه��ذا ما سيتم تناوله بإذن اهلل. أوال :مفهوم الخصوصيات
الخاصة والفرعية للمجتمع .فالمجتمع
إن الثقافة مركب معقّد يضم العادات ،عاد ًة يتكون من أطياف أيدولوجية ،وفي وال��ت��ق��ال��ي��د ،واألخ��ل��اق ،واالت��ج��اه��ات ،كل طيف عدد من الطبقات االقتصادية،
واالس���ت���ع���دادات ،وف���ق ت��ع��ري��ف تايلور واالجتماعية ،والجغرافية ،والمهنية؛ أي الشهير؛ وتنقسم إل��ى ث�لاث��ة أق��س��ام :أن المجتمع بعمومه ،هو خصوصيات عموميات ،وخصوصيات ،وبدائل .وقد متعددة تنطلق من خطوط عامة ،تجمعها
يُنظر إلى الخصوصيات على أنها مكوّن بعض األفكار والسلوكيات العامة ،نتيجة طرفي ثانوي القيمة؛ إال أن الخصوصيات العيش في بيئة جغرافية واحدة ،ووفق ف��ي حقيقتها ه��ي م��ج��م��وع الثقافات نمط متقارب.
128اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
التي تميز مجموعات معينة داخل المجتمع،
وال��م��ش��ت��رك��ات النظرية والمحسوسة،
وال يشترك فيها سواهم ،كالعناصر الثقافية
التي يتميز بها أصحاب تيار فكري أو
الخاصة ببعض المجموعات المهنية ،أو
ديني أو مناطقي ،أو نسق معرفي كنسق
ال بعض البيئات الجغرافية .وم��ن ذل��ك مث ً ط��رق االحتفال بمناسبات معينة ،وأيضا ارتداء أزياء معينة بعينها( .مصطفى زيادة وآخرون2008 ،م). ال ومُوارباً ،لذا و يبدو هذا التعريف شام ً
األدب����اء والمثقفين ،أو ث��ق��اف��ي مغاير جغراف ّياً كأبناء البلدان األخ��رى؛ وهذه الخصوصيات ستكون عوامل إث��راء في إطار تشاركي تعاوني بنّاء ،يتيح مساحات متساوية وفرص متكافئة.
ال ب��د م��ن تقسيم ه��ذه الخصوصيات إلى
ثانيا :الخصوصيات الثقافية في
أنواع ..وتوضيح أثر كل نوع ،وهي كما أراها:
التاريخ اإلسالمي
|1خ��ص��وص��ي��ة م��ه��ن��ي��ة :وه���ي ال��س��م��ات
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
والخصوصيات هي :العناصر الثقافية |3خصوصية ثقافية :وتعني السمات
لعل أبرز خصوصية تفاعلت مع الثقافة
المشتركة ألص��ح��اب المهنة ال��واح��دة ،العربية ف��ي بدايتها كانت الثقافات غير كالمهارات المهنية ،أو المعارف النظرية العربية التي تالقحت مع الثقافة العربية
التي يحيط بها أصحاب المهنة الواحدة ،اإلس�لام��ي��ة ت���أ ّث���راً وت��أث��ي��راً؛ فلقد حفلت والزيادة الكمية والكيفية لهذا النوع من المساحة العربية بعد اإلسالم بتمازج وتالقح الخصوصيات بما يتناسب م��ع حاجة ثقافي هائل إبان الفتوحات اإلسالمية ،فكان
المجتمع أمر حيوي لضمان استمرارية التأثير والتأثر ذا مالمح واضحة ،فلقد كان أي مجتمع ،فنحن نحتاج للخياط والخباز ،غير العرب بحاجة إل��ى دي� ٍ�ن يحررهم من
كما نحتاج للطبيب والمعلم والتاجر.
أغالل األسطورة والخرافة والكهنوت وبراثن
|2خصوصية طبقية :وتعني السمات تجبر الطغيان البشري السلطوي ،وك��ان والمشتركات التي يتميز بها أصحاب العرب أهل البادية بحاجة إلى مسالك وقيم طبقة اقتصادية أو اجتماعية معينة ،مدنية جديدة ،تنقلهم إلى مساحة حضارية وه���ذه الخصوصية طبيعية إن بقيت أفضل ،وتساعدهم في نشر الدين الجديد في حجمها الطبيعي ،إال أنها ستضر عبر أدوات جديدة. بالحيوية االجتماعية إن تضخمت وأدت إال فجوات معيشية سحيقة.
وف���ي ه���ذا ال��س��ي��اق ي��ق��ول ع��ب��دال��ع��زي��ز التويجري« :لقد تفاعلت الثقافة العربية
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (129 )2016
اإلسالمية مع ثقافات األمم والشعوب التي عرفت اإلسالم ،والتي اتّصل ﺑﻬا المسلمون أو انضوت تحت لوائه ،وكان هذا التفاعُل عنصر من ٍ الثقافيُّ اَلمرِ ن والمتفتّح ،أه� َّم
ال��ع��رب��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ،وه���ذا م��ا ينقض دع��وات التقليديين المعاصرة الداعية
إلى االنكفاء على الثقافة الواحدة بدعوى الحفاظ عليها.
عناصر القوة في الثقافة العربية اإلسالمية |2 ،إن عنصر القوة هذا استطاع أن يستفيد ودافعًا نحو االنفتاح على الثقافات وهضمها، من الثقافات األخرى ،وأن يكيّفها مع روح
واستيعاﺑﻬا ،وتكييفها مع روح الثقافة العربية اإلسالمية». إلى أن يقول« :ولقد فتح تفاعل الثقافة
الثقافة اإلسالمية( ،ال��روح) هنا ..تعني
اإلط���ار اإلس�لام��ي ال��ع��ام ،وليس األط��ر اللفظية أو التفصيلية أو الفقهية.
العربية اإلسالمية مع الثقافات األخ��رى |3 ،إن الثقافات األخ��رى هي تربة خصبة األب���واب أمامها لالغتراف من منابع هذه الثقافات ،التي كانت مراكزها في الشام ومصر وف��ارس ،ومنبعها األصلي في بالد ال��ي��ون��ان ،وك��ان��ت ه��ذه البيئة تربة خصبة، ومحط مدارس ثقافية وفكرية تغذي العقل، وتثري الوجدان .وهذه المدارس لما تفاعلت معها الثقافة العربية اإلس�لام��ي��ة ،ق ّدمت التربة التي استطاع المسلمون عليها أن ينبتوا ثقافة جديدة ،وفلسفة ،وعلومًا دينية، وط� ًّب��ا وري��اض��ة وغيرها ،وأن يحملوا منها علومًا مزدهرة عميقة الجذور» (التويجري، 2006م). ويُمكن أن نُجمل تفاعل الثقافة العربية مع الخصوصيات الثقافية األخرى بما يأتي:
للعلوم وال��م��ع��ارف ال��ت��ي أث���رت الثقافة
العربية اإلسالمية ،وكان منطلقاً للعلوم والمعرفة والمدارس الفكرية والثقافية ال���ت���ي ح��ف��ل��ت ب��ه��ا ال���س���اح���ة ال��ع��رب��ي��ة
اإلسالمية.
ثالثا :الخصوصيات الثقافية في المجتمع المعاصر يختلف دور ال��خ��ص��وص��ي��ات الثقافية
وت��أث��ي��ره��ا ت��ب��ع�اً ل��ن��وع ال��ث��ق��اف��ة ال��س��ائ��دة،
أو ب��األص��ح ثقافة األغلبية ،فكلما كانت
تقليدية المجتمع أقل ،كان حضور وتفاعل
الخصوصيات الثقافية وإفادتها أكبر.
إن تشاركية الخصوصيات هي من صميم
ال��روح اإلسالمية التي فتحت ذراعيها لكل
|1إن التفاعل المرن المتفتح للثقافة العربية ال��ث��ق��اف��ات ،دون ال��م��س��اس ب��اإلط��ار ال��ع��ام اإلسالمية مع غيرها من الثقافات ،كان للثقافة اإلسالمية أو الثوابت الراسخة. أه��م عنصر م��ن عناصر ق��وة الثقافة وف���ي ه���ذا ال��س��ي��اق ي��ق��ول المفكر محمد
130اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
«التمايز الحضاري» ،و«التمايز» وسط بين الحافل .لذا نجد أن الحراك الثقافي في
«الوحدة» وبين «الفصل التام» ،وهذا يعني الجامعات أشد منه في المدارس ،فباإلضافة
وج���ود مشترك إنساني ع��ام بين مختلف إلى نوع التعليم في األولى ،نجد أن محوريتها
ال��ح��ض��ارات) إل��ى قوله( :ف��ب��دون التعددية ف��ي ك��ون��ه��ا م��وئ��ل األس���ات���ذة وال��ط�لاب من التي هي ثمرة التمايز ،لن تتولد لدى أي منها ث��ق��اف��ات أك��ث��ر ت��ب��اي��ن�اً ،م��ا يخلق ن��وع �اً من
دوافع وحوافز االستباق ،ولن توجد دواعي التالقح الثقافي والفكري الذي يخلق نوعاً الفاعلية واإلبداع)( .محمد عمارة1998 ،م) .من التوهج الحضاري ،بعكس المدرسة ذات إن المفهوم الذي يطرحه المفكر محمد
عمارة ،بشأن تمايز الخصوصيات الحضارية،
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ع���م���ارة( :ال��خ��ص��وص��ي��ة ال��ح��ض��اري��ة تعني المتحضرة ذات الواقع المعطاء والمستقبل
المجتمع الصغير والنطاق الضيق.
لذا ،نجد أن المجتمع ذا الثقافة الواحدة،
ودورها في إذكاء االستباق نحو اإلبداع ،هو والصبغة المتفردة ،يسترسل في تكرار ذاته واع يسعى دون االستفادة من تجارب الفضاءات الثقافية المفهوم الحقيقي ب��أي مجتمع ٍ
لتطوير الحاضر والبناء للمستقبل. رابعا :الخصوصيات ..بناء ال عداء
األخرى ،لرفد أو تعزيز تجربتها االجتماعية،
ما يؤدي إلى استفراغ الوسع في االجترار،
ومن ثم التوقف عن العطاء الخالق؛ وهذا
إن وجود عدد من الخصوصيات الثقافية بال شك ينسحب على المؤسسات التعليمية في المجتمع الواحد ،يشي بمجتمع خصب في مثل هذا المجتمع.
وث����ري ،ول���ن يتحقق اإلث�����راء وال���ث���راء إال بتمازجها ،وتالقحها ،وتعاونها البنّاء العفوي أو المقصود ،لرفد المجتمع وبنائه ،في ظل وجود مساحات مفتوحة ،وفرص متكافئة، أم���ام ه���ذه ال��خ��ص��وص��ي��ات المتباينة .إن الدمج واالمتزاج يكفل البناء واإلثراء والثراء المعرفي واإلبداعي .أما اإلقصاء ..فهو بال شك إجهاض لروافد ثرة واستعداء.
و في هذا يقول ابن خلدون جملة غاية في
اإليجاز والروعة( :الصفاء التام ال يكون إال
بالتوحش التام) ،ويمضي عبداهلل الغذامي في شرح هذه العبارة بقوله( :كلما تصحرت
وتوحشت مجموعة ما ،صارت لها الفرصة في االلتفاف الذاتي واالنغالق) .إلى قوله:
(إن الصفاء االفتراضي ال يفضي إال إلى انغالق ثقافي وعقلي ،واالنغالق قد يتسبب
إن ت��ن��وع ال��خ��ص��وص��ي��ات ع��ام��ل بنائي بموت اإلب���داع ال��ح��ض��اري ،نتيجة لضعف
محوري في تحقيق أي نهضة ،ويع ُّد أحد الخلية وانكماشها على نفسها) (عبداهلل
المالمح الحضارية ،وهكذا تكون المجتمعات الغذامي2009 ،م).
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (131 )2016
خامسا :المجتمع الجامعي والتمازج الثقافي
والتأثير فيه واإلف���ادة منه ،إم��ا رغب ًة من هذا المجتمع فيما يسد نقصه ،أو فيما هو
ال ب��د م��ن ال��ت��أك��ي��د ع��ل��ى أن المجتمع بحاجة إليه ،أو لقبول وتقبّل هذا المجتمع الجامعي هو األكثر خصوبة ثقافية وفكرية ،لها نظراً لمكتسباتها المميزة. وذل���ك للتنوع األك��ادي��م��ي المقصود وغير |3سيكولوجية هذه الخصوصية
المقصود ،فهو محط التباينات والتفاوتات العرقية واألسرية في المدن الصغيرة ،وهو ملتقى التعدديات الثقافية واالقتصادية والمذهبية في المدن الكبيرة.
ب��ع��ض ال��خ��ص��وص��ي��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة لديها قابلية لالنخراط ،ومن ثم التأثير واالمتداد، وبعضها يجنح لالنكفاء على فئته؛ إما نتيجة أبعاد أيدولوجية ،أو ٍ تراكمات تاريخية ،أو
نسق عام فعل على ٍ وتعتمد إفادة هذه الخصوصيات وتأثّرها قناعات فئوية ،أو َك َر َّد ِة ٍ بالنسق المجتمعي السائد على عدة عوامل ط���ارد؛ م��ا يجعل وج��ود ه��ذه الخصوصية
منها:
|1تقليدية المجتمع:
إن مستوى تقليدية المجتمع بشكل عام
منكمشاً وطارئاً وعلى شفا االنهيار ،وهذه نتيجة مناقضة لما تعتقده هذه الخصوصية م��ن نجاعةِ نأيها بنفسها ،وق��د يكون لها
ينسحب على المجتمع األكاديمي الجامعي ،تداعيات وأبعاد سلبية على المجتمع بشكل وبالتأكيد تتفاوت تقليدية الفضاء األكاديمي عام ،وذلك يؤكد على ضرورة فتح األبواب م���ن ج��ام��ع��ة إل����ى أخ�����رى ف���ي ال��م��س��اح��ة للوصول إلى رؤية تشاركية.
المجتمعية نفسها ،وفقاً لمنطلقات الجامعة ومحدداتها ورؤيتها االستراتيجية ،فكلما كان المجتمع الجامعي أكثر استيعاباً للتنوعات الديموغرافية ،كان أكثر ثرا ًء وإبداعاً ،وأكثر انسجاماً ووئاماً وعطاءً. |2نوع الخصوصية
سادسا :من مالمح االستفادة من تمازج وتالقح الخصوصيات الثقافية:
|1الرؤية المتسعة المتجددة:
تسهم التعددية الثقافية في تكوين رؤية متسعة ذات أبعاد خالقة ،وهذا ال ينسحب على رؤية المؤسسة التعليمية فحسب ،إنما
إن ما تتمتع به أي خصوصية ثقافية من على رؤية األفراد المنتمين إليها أيضاً ،ما جودة في المعطيات أو الرؤى أو المهارات ،يسهم في إفساح المجال لإلبداع العقلي سيخوّلها من الولوج في المجتمع األكاديمي نظرياً وعلم ّياً.
132اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
إن الرؤية العميقة الخالقة ،تؤسس لعمل |1تفكيك العقلية األحادية:
تشاركي تسهم فيه ال��خ��ب��رات األكاديمية فالعقل األح��ادي ال يؤمن بقيم النسبية والمعرفية على مختلف أشكالها ومستوياتها، والتعددية ،إنما يريد صياغة الواقع بصورة في إطار عام تتضافر فيه الجهود المتعددة واحدة ،وفقاً لما يعتقده أو يحقق مصالحه. باإلرفاد والتطوير والتحسين والوصول إلى وتكمن المغالطة األحادية في انطالقها مستويات عُليا. من رؤية تزع ُم امتالكها الحقيقة ،والخوف |3الحراك الحضاري: عليها من المساحات الفكرية األخرى. إن ال��ت��ش��ارك��ي��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة تعني اإلف���ادة |2غرس مبادئ العقالنية: واالستفادة ،البناء والثراء ،التطوير والتجديد، التأسيس لنمط عقالني قائم على مبادئ أي الحراك الباعث على العطاء واالبتكار واإلب���داع والتميز واإلت��ي��ان بالجديد ،يقول التفكير العلمي كـالموضوعية ،وال��دق��ة، يوسف منير( :حيث يوجد التعدد والتنوع ،فث ّم والتجريد والتراكمية ،بحيث يصبح العقل الثراء والتطور والتقدم واالرتقاء ،وبالعكس هو معيار الحقيقة والمعرفة ال األسطورة أو حيث يكرر الناس بعضهم ،ويكون األف��راد الخرافة ،وقد يكون إحالل النمط العقالني نسخاً مكررة عن بعضهم ،يقلدون بعضهم وسيلة لتفكيك العقل اإلقصائي. في كل ش��يء ،ويفكرون ضمن نسق محدد |3ترسيخ القيم المدنيّ ة الخالقة: وإطار محدد وبطريقة موحدة ،فث ّم التحجر ترسيخ حرية التفكير والتنوع الثقافي والتخلف والجمود)( .يوسف منير2007 ،م). والتعددية الفكرية ،يعمل على بناء أفق يقبل سابعا :نحو مجتمع تشاركي بالرؤى الجديدة والثرية ..متسعة متعددة لبناء مجتمع تشاركي يسهم فيه الجميع الزوايا .ويسعى لتأسيس ممارسة تتسع لكل ب��اخ��ت�لاف خصوصياتهم وف���ق مساحات األطياف والثقافات.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
|2الممارسة األكثر جودة:
متساوية وفرص متكافئة ال بد من:
المراجع: عبداهلل الغذامي (2009م) :هويات ما بعد الحداثة ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،الدار البيضاء. محمد عمارة (1998م) :اإلبداع الفكري والخصوصية الحضارية ،دار الرشاد ،مصر ،القاهرة. مصطفى زيادة وآخرون (2004م) :فصول في اجتماعيات التربية ،دار الرشد ،المملكة العربية السعودية ،الرياض. يوسف منير (2007م) :بناء العقل النقدي ،مركز الناقد الثقافي ،سوريا ،دمشق.
* كاتبة وقاصة وشاعرة من السعودية.
اجلوبة � -شتاء 1437هـ (133 )2016
الكتاب :روان (ديوان �شعر). امل�ؤلف :حمدان بن �سامل العنزي. النا�شر :نادي احلدود ال�شمالية الأدبي عام 2014م.
الكتاب � )100( :س�ؤال عن اللغة العربية. امل�ؤلف :جمموعة من امل�شاركني. النا�شر :مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز الدويل خلدمة اللغة العربية
�صدر حديث ًا عن نادي الحدود ال�شمالية
يمثل كتاب (�100س�ؤال عن اللغة العربية) �إ�ضافة جديدة �إلى مكتبة تعليم اللغة العربية ،حيث يهدف �إلى التركيز على �أكثر الأ�سئلة ورود ًا عن اللغة العربية وتعلمها وثقافتها ..وقد حر�ص المركز على �أن تكون �إجابات هذه الأ�سئلة ب�أ�سلوب وا�ضح، خالٍ من التكلف والتفا�صيل ،ينا�سب ال�شريحة الم�ستهدفة من متعلمي العربية من الناطقين بغيرها ،كما حر�ص في الآن ذاته على االنجاز ،والتخفف من ذكر الإحاالت ،واكتفى ب�سرد الم�صادر والمراجع في نهاية الكتاب. وق��د اجتهد المركز م��ن خ�لال لجانه �إ��ض��اف��ة �إل��ى مدير الم�شروع في انتخاب الأ�سئلة بعقد عددٍ من حلقات النقا�ش، وتوزيع اال�ستبانات ،وا�ست�شارة الخبراء ،مع عقد لقاءات متتالية مع بع�ض متعلمي اللغة العربية من غير العرب، فكانت هذه الأ�سئلة ح�صيلة �إجمالية ،ر�أى المركز �أنها تمثل مجموعة من الأ�سئلة الأكثر �شيوع ًا وترددًا ،ولعها من الأ�سئلة التي تم�س حاجة المتعلمين للعربية �إلى معرفتها ،علما �أن المركز ينظر �إليها ب�صفتها م�ستوى من الم�ستويات التي حققها المركز و�ستتبعها م�ستويات �أخرى ب�إذن اهلل ..بعد اال�ستفادة من هذه التجربة ،وتعميق الفكرة وتطويرها.
الأدب��ي دي��وان «روان» لل�شاعر حمدان اب��ن �سالم ال�ع�ن��زي ..وال��ذي ج��اء في (� )136صفحة من القطع المتو�سط.. يقول ال�شاعر في مقدمته: �إن (روان) �صرخة مزلزلة تنوعت �ضرباتها ،وتباينت �شدتها ،ولكنها ما�ضية في عزف �سيمفونية الجراح، ور���س��م ل��وح��ات ال �ن �� �س �ي��ان ف��ي زم��ن الغياب ،وفي عالم يحكمه الدم ،وتغلب عليه الحرقة ،ر�سائل للأمة ،ر�سائل للإن�سان ،ر�سائل للطفولة ،للحرمان، ل�ل�م��داف��ع ،ل�ل�غ��رب��ة ،ل �ل��روح ،للج�سد، للإعاقة ،للعقل ،للقلوب ،لل�شعر ،لكل بارقة �أمل قد تعيد الزمن الجميل. 134اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
يعد مفهوم «التخييل» واحدا من المفاهيم الإ�شكالية المكونة ل�شبكة المفاهيم المعقدة في التراث النقدي العربي ،وذلك لتعدد م�ساراته وتجذّره في كل الكتابات البالغية والنقدية والفل�سفية .وقد كان من ال�ضروري تتبع ج��ذوره وت�شكّالته المختلفة في ال�ت��راث ..وهي مهمة توالها الأ�ستاذ يو�سف الإدري�سي في هذا الكتاب ب��اق�ت��دار ،بحيث تتّبع ه��ذه ال�ج��ذور والت�شكالت في التراث العربي ب��دءا من ن�صو�صه الم�ؤ�س�سة ،و�إل��ى ح��دود الم�سارات الفكرية والمنهجية التي ارتادها الفكر العربي في مجاالته المختلفة النقدية والبالغية والفل�سفية والكالمية. يعد الكتاب مرجعا �أ�سا�سا في �إدراك م�سارات مفهوم «التخييل» في تراثنا النقدي والبالغي ،فقد ا�ستوعب فيه الإدري�سي االجتهادات التي �سبقته ،و�أ�ضاف �إليها جهدا في تتبع جذور الم�صطلح وتقلباته في البيئات التي عرفها ذلك التراث.. كما يعد ه��ذا ال�ك�ت��اب لبنة �أ�سا�سية ف��ي مراجعة المفاهيم الإ�شكالية الأخرى المكونة للتراث البالغي والنقدي ،والتي تحتاج �إلى بحث بالطريقة الت�أ�صيلية نف�سها ،حتى نتمكن في النهاية من ا�ستيفاء هذه المفاهيم في �صورتها التكاملية.
امل�ؤلف :عبدالكرمي حممد النملة. النا�شر :دار �أزمنة للن�شر والتوزيع٢٠١5 ،م ,ع َّمان
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
الكتاب :مفهوم التخييل يف النقد والبالغة العربيني -الأ�صول واالمتدادات. امل�ؤلف :د .يو�سف الإدري�سي. النا�شر :مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز الدويل خلدمة اللغة العربية.
الكتاب :من �أطف�أ �شمعة �أم�س؟ (جمموعة ق�ص�صية).
�صدر حديثا عن دار �أزمنة للن�شر مجموعة ق�����ص�����ص��ي��ة ب��ع��ن��وان (م����ن �أط���ف����أ �شمعة �أم�س) للأديب القا�ص عبدالكريم محمد النملة ،تقع في (� )160صفحة من القطع المتو�سط ،..وت�ضم باقة من الق�ص�ص يبلغ عددها ثمانية ع�شر ق�صة ما بين طويلة وق�صيرة .من عناوينها« :للألم يوم �آخر»، «ليل م�ؤجل»« ،م�شاعر�..صغيرة»« ،ف��رار»، «يقظة ���ش��وق»« ،لحظات ع��اب��رة» « ،عالم �آخر»« ،انف�صال» ...و«من �أطف�أ �شمعة �أم�س» الذي اتخذه القا�ص عنوان ًا لمجموعته.. ومن «م�شاعر � ..صغيرة» نقتطف: (عاد ليكمل عمله الروائي الأول ،لم يجد قلمه في مكانه ..فوق طاولة مكتبه ،بحث عنه بين �أوراق��ه ،في جيوب مالب�سه ..ر�أى القلم قد �سقط في �سلة المهمالت تحت طاولة المكتب ،انت�شل القلم منها ..و�أكمل عمله الروائي). اجلوبة � -شتاء 1437هـ (135 )2016
األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة
ρρكتب :عماد املغربي
أ .عبدالرحمن الدرعان وأ .محمد القشعمي
د .زياد بن عبدالرحمن السديري مع األستاذ القشعمي
ضمن خطة ال��ن��ش��اط الثقافي ل���دار العلوم بالجوف أقيمت محاضرة بعنوان« :المدارس األدبية المعاصرة» ألقاها األستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي ،مدير النشاط الثقافي بمكتبة الملك فهد الوطنية ،وذلك يوم االثنين 2015/11/30م، أداره����ا األس��ت��اذ ع��ب��دال��رح��م��ن ال���درع���ان عضو جانب من الحضور المجلس الثقافي بمركز عبدالرحمن السديري الثقافي .وبحضور العضو المنتدب د .زي��اد بن عنه قبل وفاته بعامين ،و(نبذة عن سيرة حياته) ال عبدالرحمن السديري ،ومساعد المدير العام ،كتبها خزندار من باريس في 2013/10/16م قائ ً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري. فيها« :إن��ه عندما ع��اد من أمريكا ع��ام 1961م وق���ال القشعمي إن ح��دي��ث��ه سيقتصر على اشتغل في وزارة الزراعة خبيراً في مديرية الثروة شخصيتين م �رّا بالمنطقة وت��رك��ا بصمات قبل الحيوانية ثم مديراً لها ،وبعد ذلك ُكل َّف باإلشراف ن��ص��ف ق���رن ه��م��ا :إب��راه��ي��م ال��ح��س��ون ،وع��اب��د على قسم المراعي وش��ؤون البادية ،وه��و قسم خ���زن���دار .وت��ح��دث ع��ن ال��ف��ت��رة ال��ت��ي قضــاها ج��دي��د استحدث ب��ال��وزارة آن����ذاك» .وف��ي نهاية المحاضرة شارك الجمهور الحسون في الشمــال ومقره في نقاش ومداخالت قيمة بمدينــة عرعر كرئيس مالية الثقافية تجري حوار ًا مع مع المحاضر. وجمارك الحدود الشمالية، المدير العام وأه��م مراحل حياته ودوره وقد وجّ ه القشعمي الشكر أجرت القناة الثقافية مقابلة في إنعاش البادية وإغاثتها والتقدير لمركز عبدالرحمن تلفزيونية م��ع مدير ع��ام مركز بمساعدات مالية من الدولة السديري الثقافي مشيداً عبدالرحمن السديري الثقافي عام 1381هـ. ب��م��ا ي��ق��دم��ه م���ن خ��دم��ات تحدث فيها عن األنشطة التي معرفية ملحوظة ،كما شكر ك��م��ا ت��ح��دث ع���ن ع��اب��د ي��ق��ي��م��ه��ا ال��م��رك��ز ،وال��خ��دم��ات ال��م��س��ؤول��ي��ن ع���ن ال��م��رك��ز خ��زن��دار ال���ذي ع���اش سنة المقدمة ألبناء وبنات المنطقة على دعوتهم للمشاركة في كاملة ف��ي وادي السرحان من خالل مكتبة دار العلوم. الموسم الثقافي. قبل 55ع��ام �اً وأع���د كتابا
136اجلوبة � -شتاء 1437هـ ()2016
من إصدارات اجلوبة
صدر حديث ًا عن برنامج النشر في
قريب ًا الطبعة الثانية