51 joba_مجلة_الجوبة_ِAljoubah

Page 1

‫دراسات ونقد‬ ‫نصوص شعرية وسردية‬ ‫مواجهات‬ ‫شهادات‬

‫‪51‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy. org. sa‬‬


‫جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫امل�شرف العام ‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫�سكرترياً‬ ‫�أ�سرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫حمرراً‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً‬ ‫عماد املغربي ‬ ‫ ‬ ‫�إخـــراج فني ‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫املرا�ســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد‬

‫‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫الإدارة العامة ‪ -‬الجوف‬ ‫المدير العام‪ :‬عقل بن مناور ال�ضميري‬ ‫م�ساعد المدير العام‪� :‬سلطان بن في�صل ال�سديري‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 51‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪80.............................‬‬ ‫محمد بن عبدالرزاق القشعمي‬

‫‪106.......................‬‬ ‫سيرة وإجناز‬ ‫صالح بن ظاهر العشيش‬ ‫هدى الدغفق‪ :‬لن أتغنى‪ ..‬لن ألقي خطابا‪..‬‬ ‫لن أكتب قصيدة‪..‬‬ ‫مالك الخالدي‪:‬‬ ‫بين نخبوية القصيدة وشعبوية الرواية‬

‫‪108............................‬‬

‫الشعر في يومه العالمي‬

‫الـمحتويــــات‬

‫افتتاحية العدد‪4 ................................................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬بطولة الزمن السردي وأزمة الذات األنثوية في القصة ‪-‬‬ ‫أسماء الزهراني ‪6 ............................................................‬‬ ‫مريم الحسن وحكاية «ذات حلم» ‪ -‬السيد التهامي‪11 ........................‬‬ ‫التشابك السردي في بداية رواي��ة «سوناتا ألشباح القدس» لواسيني‬ ‫األعرج ‪ -‬سعيدة حمداوي‪18 ..............................................‬‬ ‫الصورة الكاريكاتيرية في الشعر العربي ‪ -‬خلف أبو زيد ‪25 .................‬‬ ‫رمــــزية الماء في ال��ت��راث الشعري العربي دراس��ة سيميائية ‪ -‬عزيز‬ ‫العرباوي ‪ -‬سعيد بوعيطة ‪31 ...............................................‬‬ ‫صالح الحسيني والهيجنة فوق الرجوم!! ‪ -‬د‪ .‬يوسف العارف‪38 ...................‬‬ ‫ميراث االنكسار والرحيل في «الطائر المهاجر» ‪ -‬هشام بنشاوي ‪42 .................‬‬ ‫درب المعاكيز‪ ...‬سيرة روائية تسائل الوجوه واألمكنة والذاكرة المستعادة‬ ‫ إبراهيم الحجري ‪44 ......................................................‬‬‫قصص قصيرة‪ :‬احتياجات خاصة ‪ -‬عيسى األلمعي ‪49 .....................‬‬ ‫باب سعادة ‪ -‬أيمن حسين ‪50 ................................................‬‬ ‫أنا السبب ‪ -‬فرح لقمان ‪51 ..................................................‬‬ ‫سره اللذيذ ‪ -‬حنان مسلم‪52 ........................................................‬‬ ‫ردهات االنتظار ‪ -‬مريم الحسن‪53 ..........................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬شيمة الشمري‪54 ....................................‬‬ ‫البحث عن أسماء محايدة ‪ -‬عمار الجنيدي ‪55 .............................‬‬ ‫خالي د‪ .‬مفرّح ‪ -‬تركية العمري ‪56 ..........................................‬‬ ‫نهـــــايــــــــــات ‪ -‬عبدالكريم النملة ‪60 ........................................‬‬ ‫نــــــدم ‪ -‬يوسف الخالدي ‪61 .................................................‬‬ ‫شعر‪ :‬آالم القصيدة ‪ -‬عبداهلل بيال ‪62 ........................................‬‬ ‫سَ حَّ اليَرا ُع ‪ -‬الطاهر لكنيزي ‪64 .............................................‬‬ ‫مدائن النساء ‪ -‬محمد عباس علي‪66 .......................................‬‬ ‫آخر ما عزف زرياب ‪ -‬عبد اإلله مهداد ‪68 .........................................‬‬ ‫ودا ٌع مُؤجَّ ل ‪ -‬محمد خيري اإلمام ‪69 ...............................................‬‬ ‫منفى لدمِ الذّاكرة ‪ -‬سمية عبداهلل ‪70 ..............................................‬‬ ‫اشْ تِهاءُ اللّيْلِ ‪ -‬مليكة معطاوي ‪72 ...................................................‬‬ ‫دمشق ‪ -‬هيفاء عبدالرحمن الجبري‪74 .............................................‬‬ ‫جسد واحد ورماد كثير ‪ -‬ابراهيم زولي ‪75 .........................................‬‬ ‫نب ُع الجوف ‪ -‬محمود الرمحي ‪76 .............................................‬‬ ‫أنوار مكة ‪ -‬نزار الخطيب‪77 ........................................................‬‬ ‫أنا هنا ‪ -‬مها سعود ‪78 ..............................................................‬‬ ‫داعجة العينين ‪ -‬خالد الشيخ‪79 ....................................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬محمد بن عبدالرزاق القشعمي ‪ -‬حاوره‪ :‬محمود الرمحي‪80 . ...................‬‬ ‫الشاعر هاشم الجحدلي ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم ‪91 ................................‬‬ ‫نجاة الزباير ‪ -‬حاورها‪ :‬أحمد الدمناتي ‪99 ..........................................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬صالح بن ظاهر العشيش‪106 ...................................‬‬ ‫استطالع‪ :‬الشعر في يومه العالمي ‪ -‬عبدالغني فوزي‪ ،‬شارك فيه‪ :‬عبدالرحيم الخصار‪،‬‬ ‫مالك الخالدي‪ ،‬عبدالحق بن رحمون‪ ،‬عبدالحق مفراني‪ ،‬إبراهيم زولي‪ ،‬إبراهيم الحجري‪،‬‬ ‫هدى الدغفق‪108 ..................................................................‬‬ ‫‪116‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الفـن السردي وعنصر الحدث ‪ -‬د‪ .‬صبري حمادي‬ ‫النص العميق والنص العقيم ‪ -‬أ‪ .‬حورية أفقير‪119 ..................................‬‬ ‫عارف بن مفضي المسعر رجل العلم واإلدارة ‪ -‬غازي الملحم ‪123 ..................‬‬ ‫تدريس األدب بجامعة المستقبل وجاذبية االنحدار ‪ -‬مليكة معطاوي‪128 ...................‬‬ ‫قراءات ‪134 ............................................................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية ‪136 .............................................................‬‬

‫لوحة الغالف للفنان‪ :‬نصير السمارة ‪ -‬أحد رواد الحركة التشكيلية بمنطقة الجوف‪.‬‬


‫اف���ت���ت���اح���ي���ة‬ ‫ال�����������ع�����������دد‬ ‫■ إبراهيم احلميد‬

‫يبدو جلياً لمن يقرأ مواجهة األديب القشعمي في هذا العدد أن اإلبداع يأتي‬ ‫أحيانا من رحم المعاناة‪ ،‬كما يقال‪ ،‬هذه المعاناة التي سَ َر َد جانباً منها هي بعض‬ ‫مما سبق أن أورده في كتابه الشيّق (عشر سنوات مع القلم)‪ .‬هكذا يجد مَن يتمعّن‬ ‫في تلك المرحلة التي عاشها أستاذنا القشعمي‪ ،‬الذي عاش طفولة قاسية‪ ،‬ربما‬ ‫عاشها الكثير أو القليل من أقرانه في ذلك الزمان‪ ،‬ولربما يعيشها آخرون حتى‬ ‫اآلن في صورٍ شتّى‪ .‬ومن هذه المواجهة والذكريات التي انداحت على صفحات‬ ‫الجوبة‪ ،‬نتأكد أن الطفل الموهوب الذي كانه القشعمي‪ ،‬أكسب الوطن والثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬باحثا من طراز فريد‪ ،‬ولذا فقد وصف الدكتور مرزوق بن صنيتان بن‬ ‫تنباك كتابه (بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية)‪ ،‬والذي يؤرخ‬ ‫لنشأة مؤسسات المجتمع المدني في المملكة‪ ..‬بأنه عمل غير مسبوق في تتبُّعه‬ ‫للبدايات األولى لنشاط المؤسسات األهلية التي بدأت مع بداية الدولة واستمرت‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬ ‫في كتابه آنف الذكر عرف األجيال المعاصرة أن االنتخابات تجربة قديمة‬ ‫تمتد ألكثر من تسعين عاماً‪ ،‬فهي تعود ال��ى انتخابات مجلس الشورى عام‬ ‫‪1924/1343‬م‪ ،‬والتي جرت في المملكة قبل دخول الملك المؤسس الحجاز‪ ،‬كما‬ ‫يكشف لنا الكتاب نفسه أن انتخابات المجالس البلدية توقفت ألكثر من (‪)42‬‬ ‫عاماً قبل عودتها عام ‪1426‬هـ‪ ،‬وغيرها من المعلومات حول تأسيس النقابات‬ ‫والجمعيات وانتخاباتها منذ بدايات تأسيس المملكة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة‬

‫وه��ك��ذا‪ ..‬ف��إن تجربة الكاتب محمد القشعمي الثرية في التدوين‪ ،‬وتتبع‬ ‫ال ُكتّاب‪ ،‬وبدايات الصحافة‪ ،‬عالمة فارقة في مسيرة األدب والثقافة في المملكة؛‬ ‫بدأب شديد واهتمامٍ ومثابرة‪ ،‬ونتيجة لشبكة عالقاته‬ ‫فقد استطاع القشعمي ٍ‬ ‫الشخصية‪ ،‬واستثماره لمكانته في عدد من المواقع التي تَنَ ّق َل بينها‪ ،‬أ ْن يؤرخ‬ ‫للصحافة واألدب واألدب���اء والمثقفين بطريقةٍ مبهرة‪ ،‬جعلت من عمله هذا‬ ‫مشروعا ثقافيا‪ ،‬لم تقم به حتى الجامعات وأقسام األدب فيها؛ إذ استطاع أن‬ ‫يضم إلى مكتبتنا العربية عشرات المؤلفات التي أثرت هذا الجانب‪ ،‬حتى عُرِ ف‬ ‫بلقب مؤرخ األدباء والمثقفين‪ ،‬ومن ذلك شهادة الدكتور ناصر الحجيالن الذي‬ ‫عدَّ ه خي َر سفير ثقافيِّ يحمل في قلبه هم الثقافة والفكر أينما ذهب‪.‬‬ ‫أنجز القشعمي أكثر من ثالثين كتابا‪ ،‬ومئات المقاالت والقراءات‪ ،‬وكشف‬ ‫لنا بتلقائية وشفافية شديدة مسيرة حياته الشخصية والوظيفية واإلبداعية‪،‬‬ ‫والتي ال يمكن فصلها عن بعضها بعضاً‪ ،‬مهما تباعدت بينها المسافات‪ ،‬فلم يكن‬ ‫ذلك الطفل الذي عاش المعاناة واأللم‪ ،‬إال هذا األديب البارع الذي استطاع بما‬ ‫اختزنَتْ ذاكرتُه الفذَّ ة أن يتحفنا بتجربةٍ قلّما ُكتِب عنها بهذه الدرجة من الصدق‬ ‫والغنى والوضوح‪.‬‬ ‫ينقلنا األستاذ محمد القشعمي في حواره الشيّق بتلقائية من طفولته التي‬ ‫بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬إلى أسلوب الحياة السائد آنذاك في‬ ‫الزلفي‪ ،‬وبعد ذلك في الرياض ومكة المكرمة‪ ،‬وبداياته في القراءة‪ ،‬وأهم الكتب‬ ‫التي عرفها‪ ،‬وأثر ذلك في توجّ هاته الفكرية والعروبية‪ ،‬وبدايات عمله الحكومي‬ ‫وانتقاله لرئاسة الشباب وعمله في األحساء وحائل‪ ،‬وعالقته المميزة باألديب‬ ‫الراحل عبدالكريم الجهيمان والناقد عابد خزندار‪ ،‬وغيرهما‪ .‬كما يتحدث عن‬ ‫عمله في مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،‬ودور ذلك في تشكيل بذرة الكتابة والتأليف‬ ‫لديه مبتدئاً بعالقته الخاصة باألديب الجهيمان‪ ،‬وجمع المعلومات عنه‪ ،‬والتي‬ ‫كانت الشرارة التي ولّدت عشرات المؤلفات حتى اآلن ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪5‬‬


‫بطولة الزمن السردي‬ ‫وأزمة الذات األنثوية في القصة‬ ‫القاصتان هدى المعجل وخديجة الصاعدي أنموذج ًا‬ ‫‪ρρ‬أسماء الزهراني*‬

‫ينشد القارئ في النصوص السردية البحث عن صياغة جديدة لواقعه المعاش‬ ‫من وجهات نظر مغايرة‪ ،‬ويتحدى السرد قدراته على التفكير بواسطة شبكة من‬ ‫التقنيات السردية‪ .‬فالسرد بالنسبة للقارئ ن��وع من التجوّل داخ��ل ال��ذات وفي‬ ‫مواجهتها‪ ،‬ونوع من إعادة صياغة الذات بواسطة سردها من منظورات مختلفة‪.‬‬ ‫وف�ي�م��ا ي��أت��ي‪ ،‬ق� ��راءة ه ��ذه ال �ع�لاق��ة ب�ي��ن ال �ق��ارئ وال �ن��ص ال �س ��ردي‪ ،‬ع�ب��ر نصوص‬ ‫للقاصتين هدى المعجل(‪ ،)1‬وخديجة الصاعدي(‪.)2‬‬

‫‪6‬‬

‫تقدم القاصتان زاويتين متكاملتين‬ ‫لرؤية عالقة الذات األنثوية بالمجتمع؛‬ ‫زاوي��ة ترتفع ف��وق الواقع االجتماعي‪،‬‬ ‫وتعرض رؤية واسعة‪ ،‬شمولية‪ ،‬تنطلق من‬ ‫المجتمع للذات‪ ،‬كما في أثر العالقات‬ ‫األسرية‪ ،‬والزوجية‪ ،‬وهذا ما تكفلت به‬ ‫نصوص الكاتبة هدى المعجل؛ وزاوية‬ ‫تنزل إلى أعماق الذات‪ ،‬حيث تتجول في‬ ‫مناطق تنضغط فيها الذات‪ ،‬وتستنطقها‬ ‫بوساطة اللغة‪ ،‬وتكشف تفاصيلها في‬ ‫تساؤالت تلهث خلف إجابات لم توجد‬ ‫بعد‪ ،‬وه��ذا ما تمثله نصوص الكاتبة‬ ‫خديجة الصاعدي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫تميل نصوص الكاتبة هدى المعجل‬ ‫ل�لاخ��ت��زال ال��ل��غ��وي واع��ت��م��اد اللقطة‬ ‫الخاطفة‪ ،‬وهو تكنيك يبرره معالجتها‬ ‫مساحات معقدة مترامية األبعاد من‬ ‫ال��ع�لاق��ات االج��ت��م��اع��ي��ة‪ ،‬ت��خ��ش��ى أن‬ ‫ينفلت منها أط���راف خ��ي��وط سردها‬ ‫فتلجأ لمحاصرتها بلغة تعتمد اللمحة‬ ‫واإلش��ارة؛ بينما تقف القاصة خديجة‬ ‫الصاعدي داخ��ل ح��دود ذات مهمومة‬ ‫ب��ال��ح��ري��ة‪ ،‬ت��ح��اول تفجيرها‪ ،‬وتنبش‬ ‫داخلها لتفكك مبهماتها‪ ،‬وهي تتوسّ ل‬ ‫عال على اللغة‬ ‫بتركيز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫في سبيل ذلك‬ ‫ال��س��ردي��ة‪ ،‬تساعدها على استبطان‬


‫وك�لا الموقعين الرؤيويين يبرزان فيما‬ ‫يسمى زمن السرد‪ ،‬وهو مستوى ثالث من‬ ‫الزمن في القصة‪ ،‬إل��ى جنب زم��ن القصة‬ ‫األصلي‪ ،‬وزمن القصة بعد صياغتها فنيا‪،‬‬ ‫ومونتاج زمنها ترتيبا وسرعة‪ .‬ويتمثل زمن‬ ‫ال��س��رد ف��ي الموقع الزمني ال���ذي يختاره‬ ‫السارد للنطق بأحداث القصة‪ ،‬فقد يحكي‬ ‫الحدث بعد وقوعه‪ ،‬وقد يتوقعه قبل وقوعه‪،‬‬ ‫وقد يحكيه من موقع متزامن ويالحقه في‬ ‫الحاضر لحظة بلحظة‪ .‬وال يمكن الحديث‬ ‫عن زمن السرد خارج بنية اللغة السردية؛‬ ‫على مستوى القراءة يضفي الحلم على‬ ‫فلغة السارد هي ما يجسّ د بنية الزمن بكل‬ ‫النص نوعا من الغنى التأويلي‪ ،‬من خالل‬ ‫مستوياته‪ ،‬ال سيما زمن السرد‪.‬‬ ‫االنتقال بين مستويين سرديين‪ ،‬بخصائصهما‬ ‫(‪)3‬‬ ‫في نص «أروى» للقاصة هدى المعجل الزمنية‪ ،‬مستوى الحلم ومستوى الواقع‬ ‫معالجة لعالقة األنثى بالمجتمع‪ ،‬في صورة القصصي؛ إذ تبهت الحدود بين القصة في‬ ‫األس��رة‪ ،‬عبر توظيف للحلم‪ ،‬بوصفه نصا الحلم‪ ،‬والقصة في الواقع السردي‪ ،‬ما يمنح‬ ‫سرديا من مستوى تخييلي مضاعف‪ .‬تجت ّر القارئ صيغة مختلفة لتأويل وقائع الحياة‪،‬‬ ‫الساردة من خالل الحلم‪ /‬الكابوس‪ ،‬طفولة «اع��ت��رض درب����ي‪ ..‬فسلكت درب���ا شائكا‪..‬‬ ‫تلصص عينيه‬ ‫هاربة مفقودة خلف جبل الحاضر الثقيل‪ ،‬متعرجا ألصبح بمنأى عن ّ‬ ‫ضغوطات الوالد وزوجته من أجل قتل آخر الجاحظتين‪ ..‬وبطش يديه المرتجفتين‪..‬‬ ‫أم��ل ف��ي األم���ان‪ ،‬األم���ان ال��ذي ت��م إعدامه العاريتين إال من قفازين تمزّقا عن مخالب‬ ‫من قبل الوالد الذي بادر مسرعا بعد وفاة معقوفة إلى األسفل‪ ..‬تكسر بعضها وتشبث‬ ‫زوجته للزواج من صديقتها التي فرق بينهما بالحياة بعضها اآلخ��ر‪ ..‬وقدماي تواصالن‬ ‫بنفسه‪ ،‬األمان الذي فقدته مع طفولة دفنتها الركض فرارا منه‪ .‬أحسست بإجهاد فلجأت‬ ‫مع والدتها في قبر الغدر والخيانة اللذين إلى شجرة وارفة الظالل قريبة مني‪ ..‬خلعت‬ ‫تمثلتهما في قبح وجه زوجة والدها وأخيها‪ .‬معطفي وف��رش��ت��ه‪ ..‬ث��م اضطجعت عليه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫شخصياتها المأزومة نفسيا‪ ،‬غالبا‪ ،‬أو التي‬ ‫اختارتها لتمثل جوانب من النفس اإلنسانية‪،‬‬ ‫وقيمها الوجودية‪.‬‬

‫وي��ض��ي��ف ال��ح��ل��م بُ���ع���داً ت��خ��ي��ي��ل��ي�اً آخ��ر‬ ‫للنص السردي‪ ،‬من حيث أنه غير محكوم‬ ‫بالمنطق الواقعي‪ ،‬ال من حيث بناء عناصره‬ ‫من شخصيات وزم��ن ومكان‪ ،‬وال من حيث‬ ‫العالقات بينها‪ .‬إنه نوع من الهروب من زمن‬ ‫الواقع لزمن الحلم‪ ،‬وتشتيت لواقع كابوسي‬ ‫في زمن الكوابيس الضبابي‪ .‬يرتكز السرد‬ ‫على المونتاج الزمني‪ ،‬إذ يستعيد السرد‬ ‫عبر الحلم طفولة البطلة فيسقطها على‬ ‫واقعها الحاضر في السرد‪ ،‬كما يسقطه على‬ ‫ماضيها باستعادة ذكرى والدتها المتوفاة‪،‬‬ ‫وهو بذلك ينفّس عن مخاوفها التي تالزمها‬ ‫في الصحو والمنام‪ ،‬مخاوف تتعلق باألمان‬ ‫والثقة والمستقبل‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫متخذة من ذراعي اليمنى مخدة تقي وجنتي‬ ‫خشونة األرض‪ ..‬ورح��ت في ن��وم عميق‪..‬‬ ‫ليجدها فرصة ذل��ك ال��ذي اعترض دربي‬ ‫ويهوي بفأسه على جمجمتي فتنكسر الفأس‬ ‫قبل أن تالمس جمجمتي‪ ...‬فأفر هاربة منه‬ ‫من جديد‪ ..‬ألصطدم بطفلة تشبهني ممتلئة‬ ‫البنية بضفيرة طويلة انسدلت خلفها تطارد‬ ‫دجاجة ينز الدم من مؤخرتها‪ ،‬فوقفت أتأمل‬ ‫الطفلة والدجاجة ونسيت الرجل»(‪.)4‬‬ ‫وف��ي نصها «كهل متصاب» تعالج حالة‬ ‫م���ن ح����االت ال��ع�لاق��ة ال���زوج���ي���ة‪ ،‬وت��ق��دم‬ ‫تصويرا دقيقا لتفاصيل العالقة بين المرأة‬ ‫وال��رج��ل‪/‬ال��زوج‪ ،‬ف��ي درج���ات مختلفة بين‬ ‫الفتور والتوهج بصوت ساردة أنثى‪ .‬وتنتقل‬ ‫الساردة بين مشاهد من الماضي‪ ،‬من تاريخ‬ ‫عالقتها بزوجها وخطيبها سابقا‪ ،‬وتقاطعها‬ ‫بمواجهات للحاضر في محاولة لفهم غموض‬ ‫هذا الرجل‪ ،‬الذي تحوّل من فورة الشباب‬ ‫إل��ى فتور الشيخوخة في وق��ت قصير بين‬ ‫فترة الخطبة وفترة ال��زواج‪ .‬تعاود الغوص‬ ‫في تفاصيل حميمية حسية‪ ،‬وتستغرق فيها‬ ‫لتصحو على مفاجأة تفسر موقفه منها‪.‬‬ ‫ولعل جمال ه��ذا النص يتمثل في خاتمته‬ ‫ال��ت��ي ج��سّ ��دت ح��ل ع��ق��دة ال��ن��ص‪ ،‬بطريقة‬ ‫مفاجئة وصادمة‪ ،‬بعد تأمالت طويلة ‪-‬عبر‬ ‫تنقالت في الزمن‪ -‬في تفاصيل عالقتها‬ ‫الحميمة بزوجها‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫وجع‪ ،‬أيقظتني ي ٌد مرتجف ٌة‬ ‫كلما غفوت على ٍ‬ ‫تغمس أناملها برفق بين عنقي‪ ،‬وخصالت‬ ‫ش��ع��ري المسترسل‪ ،‬فتنتفض األن��ث��ى في‬ ‫جوفي‪ ،‬وأسكتها‪ ،‬لتتوسد الوجع من جديد‪...‬‬ ‫ما إن يضيق بإخوته ذرع �اً‪ ،‬حتى يجيء بي‬ ‫إلى هنا‪ ،‬فراراً منهم!! عدا تلك الليلة حينما‬ ‫ضاق بهم‪ ،‬احتد في النقاش معهم‪ ..‬سبهم‪..‬‬ ‫شتموه‪ ..‬تفوّه بكلمات نابية‪ ..‬أهانوه‪ ..‬تطاول‬ ‫عليهم‪ ..‬فعيروه بشيء ما‪ ..‬عرفت فيما بعد‬ ‫أن ن��س��اءه الخمس فارقهن وه��ن م��ا يزلن‬ ‫أبكاراً!»‪.‬‬

‫وفي نصوص القاصة خديجة الصاعدي‬ ‫في مجموعتها ‪-‬رائحة الحنين‪ -‬تبرز أشكال‬ ‫أخ��رى من استدعاء أج��واء الطفولة‪ ،‬وقيم‬ ‫ال��م��اض��ي ال��م��ف��ق��ودة‪ .‬وي��ت��وس��ل ن��ص «سطح‬ ‫الجيران» للقاصة خديجة الصاعدي باللعب‬ ‫على محور الزمن‪ ،‬متلبسا باللغة‪ .‬وفي هذا‬ ‫النص تعلو نبرة زمن السرد‪ ،‬لتتحكم ببقية‬ ‫أزم��ن��ة ال��ن��ص‪ ،‬وبنيته‪ ،‬حيث ينطلق صوت‬ ‫الساردة‪ /‬البطلة‪ ،‬موجهة الخطاب لمخاطب‬ ‫مجهول الصفة وإن كان محدد االسم‪ ،‬فتحكي‬ ‫الماضي معلَّقا بين قوسي الحاضر‪ ،‬بواسطة‬ ‫تعليقاتها الموجهة للمخاطب‪ ،‬كما في المقطع‪:‬‬ ‫الحظ‬‫«وسط ضحكات الصبية وابتسامتي‪ِ ..‬‬ ‫أن��ن��ي ق��ل��ت اب��ت��س��ام��ت��ي‪ -‬ألن��ن��ي ل��س��تُ ممن‬ ‫يجاهرون بسخريتهم من أحد يا صديقي»‪،‬‬ ‫ثم تعود لزمن القصة األص��ل��ي‪« :‬ف��ي غمرة‬ ‫«م��ض��ت ع��ش��ر س��ن��وات‪ ،‬وأع��ي��ن أخ��وت��ه ضحكهم وابتسامتي‪ ،‬جاءني ما لم أتوقعه‬ ‫تتلصص مترقبة تكور بطني‪ ،‬واألنثى بداخلي أبداً يا ميمون‪ ..‬اقترب مني (التنين) وصفعني‬ ‫يمارس السجان في حقها الموت البطيء‪ ...‬بأقصى ما لديه من قوة»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وبهذا االختيار لزمن السرد ‪-‬الذي يجسد التنين بدون شماغ وال عقال‪.‬‬ ‫استمرار الماضي في الحاضر‪ -‬تبني البطلة‬ ‫وتحدد الساردة موقع القارئ‪ ،‬لينظر معها‬ ‫عقدة قصتها‪ ،‬كما تتلخص في أزمة الذات‬ ‫�اض مستمر‪« :‬كنتُ ‪-‬وال أزال‪-‬‬ ‫إلى زمن م� ٍ‬ ‫األنثوية في مجتمع ذكوري‪ ،‬فبوساطة زمن‬ ‫مسالمة حد الضعف‪ ..‬هادئة كالصنم‪ ،‬أينما‬ ‫ال��س��رد تختار ن��واف��ذ ل��رؤي��ة ه��ذه األزم���ة‪،‬‬ ‫توجهه ال يأتي بخير‪ ..‬ال أتحدث إال عندما‬ ‫ومظاهرها عبر الزمن‪ .‬وهي تستعيد حكايتها‬ ‫أعجز عن الصمت‪ ،‬وهذا ما جعل جدتي تعلق‬ ‫مع (التنين)‪ ،‬الولد الذي استطاعت هزيمته‬ ‫في كل مرة أتحدث فيها‪« :‬بيموت كافر»!»‪.‬‬ ‫وهي طفلة‪ ،‬من موقعها وهي محبوسة خلف‬ ‫هذه العالقة بين الماضي الذي ينعكس في‬ ‫نافذة شباك‪ ،‬تنظر للتنين وقد أصبح رجال‪،‬‬ ‫الحاضر‪ ،‬ويتجدّد فيه‪ ،‬بما يمثله من موقع‬ ‫ورمزا لكل رجل في عالقته الفوقية باألنثى‪.‬‬ ‫األنثى في المجتمع‪ ،‬هي عقدة النص‪ .‬ذلك‬ ‫تتحول صورة (التنين) زمنيا ليرمز لكل ما‬ ‫الموقع الذي يجعل الساردة البطلة تهرب من‬ ‫يمثله المجتمع الذكوري وكثير من أحكامه‬ ‫الخارج للداخل‪ ،‬مخاطبة ذاتها‪ ،‬في حوارها‬ ‫التي ال يسندها شرع وال عقل‪ ،‬أمام البنت‬ ‫مع ذات أخرى ليست إال معادال لذات البطلة‪،‬‬ ‫المقيّدة بشباك نافذة المنزل‪ ،‬التي ال تملك‬ ‫ومعبرا لظهور صوتها‪.‬‬ ‫إال أن تنفّس عن نفسها‪ ،‬بالحوار مع (ميمون)‬ ‫وي��ت��ح��ك��م زم����ن ال���س���رد ب��ب��ن��ي��ة ال��ق��ص��ة‬ ‫الذي هو على أغلب الظن طائرها الذي ترى‬ ‫فيه رمزا للحرية الحبيسة‪ ..‬وشريكها في الزمنية والرؤيوية بوساطة اللغة‪ ،‬فيجري‬ ‫قفصها الكبير‪.‬‬ ‫اختزال الزمن وتهدئته بوساطة بنية الجملة‬ ‫وتتكرر المراوحة بين مواقع الرؤية من اللغوية؛ وعلى سبيل المثال‪ ،‬تقول البطلة‪:‬‬ ‫م��واق��ع مختلفة م��ن ال��زم��ن‪ ،‬ب��وس��اط��ة نوع «الحجر الذي غيّر فيما بعد مجرى حياتي»‪،‬‬ ‫م��ن ال��ح��وار الضمني بين منظور الطفلة فتختصر القصة كاملة بجملة واحدة‪ ،‬بينما‬ ‫ال��ت��ي ي��ط��ارده��ا (التنين) ‪-‬ال���ذي م� ّث��ل في تقف ف��ي مقطع آخ��ر على وص��ف إيقاف‬ ‫صغرها القوة التي ال يحكمها العقل‪ ،‬والتي الزمن بوصف لغوي دقيق لتفاصيل رمي‬ ‫استطاعت بلحظة شجاعة أن تنتصر عليه‪ -‬الحجر‪ ،‬وشعورها باالنتصار‪ ،‬الذي ستفقده‬ ‫ومنظور الفتاة التي تتوق للحظة االنتصار في الزمن المقابل‪ .‬وهذا التنويع على وتر‬ ‫المسروقة من الزمن‪ ،‬والتي غاية ما تملكه السرعة في زمن الخطاب يدعم النص بنوع‬ ‫أمام (التنين) في الزمن الحاضر هو استراق من التشويق‪ ،‬ويبعد عن القارئ التفاصيل‬ ‫النظر من خلف شباك‪ ،‬والتماس الذاكرة المملّة‪ ،‬كما ينتقل به أحيانا لتخيل وقائع لم‬ ‫بعض صور الحلم المسروق‪ /‬حلم الحرية‪ ،‬تسرد‪ ،‬والتلميح إليها‪ ،‬مما يشوقه إلى متابعة‬ ‫وتمارس التنفيس عن الذات المكبوتة بتخيل القراءة للتعرف عليها‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫وي���وازي ن��ص «سطح ال��ج��ي��ران»‪ ،‬نصان كحماقة ع��ض الكلب للعظمة‪ ،‬كما يقول‬ ‫آخران أحدهما بعنوان «كتلة زائدة»‪ ،‬واآلخر نيتشة‪ ..‬وألنه ال يُفيد كما تقول أم كلثوم‪..‬‬ ‫بعنوان «رائحة الحنين»؛ فنص رائحة الحنين هل سمعتها؟‬ ‫على وج��ه الخصوص يرتكز على الحوار‬ ‫ ال!‬‫الضمني بين رؤي���ة الطفلة ورؤي���ة ال��م��رأة‬ ‫ ال بأس سأغنّيها لك‪..‬‬‫الناضجة اللتين تمثلهما الساردة البطلة‪،‬‬ ‫ ال داعي‪ ..‬فقط‪ ،‬تابعي‪.‬‬‫عبر االنتقال خالل نقاط مختلفة على خط‬ ‫ تفيد بإييييييه يا ندم‪ ..‬يا ندم‪ ..‬يا ندم؟‬‫ال��زم��ن‪ ،‬لكن ح��ول م��وض��وع ج��دي��د‪ ،‬ورؤي��ة‬ ‫جديدة للمرأة ونظرتها لذاتها األنثوية من وتعمل إيه يا عتاااب‪..‬؟‬ ‫خالل رمز الجدّة‪.‬‬ ‫صوتك جميل!‬ ‫ِ‬ ‫‬‫وي��ت��وس��ل ن��ص «أرق» للقاصة خديجة‬ ‫الصاعدي باللغة‪ ،‬ليجعلها معادال موضوعيا‬ ‫لشخصية البطلة الوسواسية‪ ،‬لغة تتسم‬ ‫بالتكرار والتناسل واالس���ت���دارة‪ ،‬فالجمل‬ ‫تتناسل لتتنتج خواتيمها رؤوسها من جديد‪،‬‬ ‫وهذا النوع من االستدارة يمثل بنية التفكير‬ ‫لدى الشخصية الوسواسية‪ ،‬التي ال تقبل‬ ‫التشكيك في اعتقاداتها‪ ،‬والتي ال تملك‬ ‫االنفالت من أفكارها‪ ،‬فنحن نجد المريضة‬ ‫محبوسة في لغتها‪ ،‬ال تستطيع الفكاك حتى‬ ‫من كلماتها‪ ،‬التي تفرض نفسها بالرتم نفسه‪.‬‬

‫‪ -‬ال ليس جميالً! ال تخدعني أرجوك‪..‬‬

‫كالنا يعرف بأن صوتي أجش وال يناسب فتاة‬ ‫في مثل عمري‪ ..‬كل من سمِ عوه أخبروني عن‬

‫بحته‪ ،‬وهذا أدنى ما تقتضيه اللياقة ويمليه‬ ‫ال��ذوق‪ ..‬وتوقّع مَن لم يرني منهم أنني في‬ ‫األربعين من عمري على أق��ل تقدير‪ ،‬فال‬

‫تجاملني!‬

‫‪ -‬أنا ال أجامل يا دكتور‪ ..‬وهذا الشيء‬

‫يسبب لي العديد من المشاكل‪.»...،‬‬

‫تستأثر المريضة بجو ال��ح��وار لتعرض‬

‫«دخ��ل��تُ غرفتي وقلبي يخفق بأمانة‪ ..‬عالقتها المرتبكة مع والدها ووالدتها‪ ،‬في‬ ‫صحيفة مشاهد متسارعة م��ن التاريخ ومجتمعها‬ ‫ٍ‬ ‫وق��ررتُ يومها أن تكون تلك آخ � َر‬ ‫تمسها يدي‪ ،‬وقد ك��ان‪ ..‬لم أطالع صحيفة وطفولتها‪ ،‬تسرد عبرها حرمانها من والدتها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫من ُذ ذل��ك الحين‪ ،‬ول��س��تُ ن��ادم��ة‪ ..‬أح��او ُل وت��ش��خّ ��ص رج���وع كثير م��ن االض��ط��راب��ات‬ ‫أال أن��دم كثيراً يا دكتور‪ ،‬ألن الندم حماقة النفسية لعالقة الطفل بوالديه‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫* كاتبة وناقدة من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قاصة سعودية‪ ،‬لها مجموعتان قصصيتان‪« ،‬بقعة حمراء»‪2005 ،‬م‪ ،‬و«التابو»‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قاصة سعودية‪ ،‬لها مجموعة قصصية بعنوان «رائحة الحنين»‪ ،‬صادرة عن نادي القصيم األدبي‪1431 ،‬هـ‬ ‫(‪ )3‬هدى المعجل‪ :‬التابو‪.‬‬ ‫(‪ )4‬هدى المعجل‪ :‬التابو‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫مريم الحسن‬ ‫وحكاية «ذات حلم»‬ ‫‪ρρ‬السيد التهامي*‬

‫قراءتان متباينتان لـ «عتبة النص»‪..‬‬ ‫شعبي يقول‪« :‬الجواب يبان من عنوانه»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثمة مثلٌ‬ ‫ال َح لي هذا المثلُ الشعبي وأنا أطالع «حكاية» مريم الحسن‪« ،‬ذات حلم»!‬ ‫لثوان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تركت «النص»‬ ‫ُ‬ ‫انتهيت من ق��راءة سريعة لتلك «الحكاية»‪ ،‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫ما إن‬ ‫أغمضت خاللها عينيّ مبتسماً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان ثمة سؤالٌ يطرح نفسه حول هذه «الحكاية»‪ :‬أ َِشعرٌ هذا؟ أم قصة قصيرة؟‬ ‫أم نثر؟ أم هي «الحكاية»؟‬ ‫تعريفاتٌ كثيرةٌ‪ ،‬ومصطلحاتٌ غي ُر اإلنسان أسطورة(‪ )1‬في حين يرسم النثر‬ ‫ٍ‬ ‫قليلة كانت تتزاحم وتتسابق في مخيلتي‪ ،‬صورته(‪.)2‬‬ ‫إلعطائي إجاب ًة عن هذه األسئلة‪.‬‬ ‫في كلمات الكاتبة‪ ،‬وانطالقاً من هذا‬ ‫لعلّه شعرٌ؟ ولعلّه نثرٌ!‬ ‫التعريف‪ ،‬وقياساً عليه‪ ،‬نجد أنها تخلق‬ ‫أول تلك التعريفات كان‪:‬‬ ‫من اإلنسان «أس��ط��ورة»! هو إذاً وتبعاً‬ ‫«األص����ل ف��ي ال��ش��ع��ر أن يخلق من للتعريف السابق ذكره «شعر»!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪11 )2016‬‬


‫و ِل���� َم ال ن��ق��ول «أس���ط���ورة» وق���د رس��م��تْ‬ ‫لإلنسان صور ًة في حكايتها‪ ،‬وجعلتْ منها –‬ ‫من تلك «األسطورة» أجنحة تُحلّق بها نحو‬ ‫األفق‪ ،‬وتطلي األمواج باللون األسود القاتم‪،‬‬ ‫كما وص��ل تأثير اإلن��س��ان – الكاتبة – إلى‬ ‫الدرجة الفاعلة – سلباً أم إيجاباً – التي تجعل‬ ‫كعادتها تتركنا «الكاتبة» من دون إجابة‬ ‫مخلوقات البحر بجبروت بعضها تضجّ منها‬ ‫قاطعة محددة‪ ،‬ولهذه العادة عند الكاتبة‬ ‫مطالب ًة إياه –اإلنسان في كلمات الكاتبة‪ ،‬أو‬ ‫وجهان‪ :‬األول السلبي‪ ،‬إذ تترك القارئ –‬ ‫الكاتبة في صورة اإلنسان– بالعودة إلى حيث‬ ‫شريك الكاتب في إبداعه ‪ -‬في حيرة من‬ ‫أتتْ ‪.‬‬ ‫أمره‪ .‬أما الوجه اآلخر اإليجابي‪ :‬فهو عدم‬ ‫كما أنها –الكاتبة‪/‬اإلنسان– ق��د طوت تقييد ال��ق��ارئ وخ��ي��ال��ه‪ ،‬وت��رك��ه مبحراً مع‬ ‫ال��م��س��اف��ات‪ ،‬وه��ي ال��ت��ي ل��م ت��أت على ذكر إبداعه وخياالته هنا وهناك شريكاً للكاتبة‬ ‫«ب���راق» أو «بساط سحري» تطوي بأيهما أو مضيفاً إلى إبداعها‪.‬‬ ‫المسافات تلك‪ .‬لكنها «الملحمة» التي تحمل‬ ‫عودة إلى التعريف‬ ‫أسطورة البطولة‪.‬‬ ‫«األصل في الشعر أن يخلق من اإلنسان‬ ‫ف���إذا م��ا سلمنا بأنها «أس���ط���ورة»‪ ،‬فال‬ ‫مجال للتساؤل عن «كيف» تطوي المسافات‪ ،‬أسطورة في حين يرسم النثر صورته»‪.‬‬

‫استعادة «القدرة على الحلم»‪ ،‬القدرة على أن‬ ‫تحلم‪ ،‬حيث ضاعت األح�لام‪ ،‬بل وافتقدت‬ ‫القدرة عليها وسط عالم محبط – بفتح الباء‬ ‫وبكسرها‪ -‬مؤلم‪ ،‬ال يترك ألناسه مجاالً‬ ‫للحلم؟‬

‫لكن السؤال ال��وارد «ل��م��اذا»؟‪ :‬لماذا طوت‬ ‫يمكننا كذلك أن نرى كلمات الكاتبة هُنا‬ ‫الكاتبة‪/‬اإلنسان‪ ،‬المسافات؟ ولماذا حلقتْ وقد رسمتْ صورة اإلنسان‪ ،‬فهو إذاً نثر!‬ ‫بأجنحتها‪/‬أجنحته نحو األفق؟‬ ‫اإلنسان الذي وإن أخذ ملمحاً من مالمح‬ ‫ت��أت��ي االج��اب � ُة ق��اط��ع�ةً‪ ،‬س��ري��ع�اً‪« :‬علّني «األس��ط��ورة» في «ال عادِ ّيتِها» ‪Superiority‬‬ ‫أستعيد حلمي»!‬ ‫حيث يحلّق بأجنحته – التي هي من صنع‬

‫‪12‬‬

‫أهو إذاً حُ لم مستحيل؟ بعيد المنال؟ ذلك خيال الكاتبة‪ -‬نحو األف���ق‪ ،‬وحيث يطلي‬ ‫ال��ذي تطوي من أجله المسافات‪ ،‬وتحلق األم��واج باللون األس��ود القاتم‪ ،‬وحيث تبلغ‬ ‫الكائنات بأجنحتها نحو األف��ق بحثاً عنه‪ ،‬قوة تأثيره الخارقة أن تضجّ منه «مخلوقات»‬ ‫البحر – بحيتانها وأسماكها وشُ عبها و‪– ...‬‬ ‫بغية استعادته!‬ ‫مطالب ًة إياه بالعودة من حيث أتى‪.‬‬ ‫إن كلمة «أستعيد» تطرح س���ؤاالً ل��ه ما‬ ‫«األسطورة»‪ ..‬تلك التي تطوي المسافات‬ ‫يبرره‪ :‬أكان الحلم «حقيقة» ثم غدا أو غدت‬ ‫«اس��ت��ع��ادت��ه» حلماً؟ أم أن الكاتبة تقصد طياً‪ ،‬تضمحل‪ ،‬وتتضاءل‪ ،‬وتهيض أجنحتها‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وق � � � ��د ط � � � � ّوف � � � ُ�ت ب � � ��اآلف � � ��اق ح �ت��ى‬ ‫رض � �ي� � ُ�ت م� ��ن ال �غ �ن �ي �م��ة ب� ��اإلي� ��اب!‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ضعيف‪ ،‬الحول له وال‬ ‫ٍ‬ ‫لتكشف عن «إنسان»‬ ‫قوة‪ ،‬ليس له من األمر شيء‪« ،‬ال يرى سوى‬ ‫الخواء»‪ ،‬ليواجه حقيقة ضعفه وعجزه‪ ،‬فال‬ ‫يجد ما ينقذه من ه��ذا اإلح��س��اس المؤلم‬ ‫الموجع بالضعف والعجز وال��خ��واء‪ ..‬سوى‬ ‫العودة من جديد إلى «الحلم»‪ ،‬بعد أن يكون‬ ‫لسان حاله ما ردده الشاعر العربي القديم‪:‬‬

‫ليست مجرد كلمة أو كلمتين‪ ،‬إنها «قصة»‪،‬‬ ‫فلسفة‪ ،‬تجربة‪ ،‬حيرة‪ ،‬ه��دى أو بحث عن‬ ‫الهدى‪ ،‬إيمان أو محاولة اكتمال ذلك اإليمان‪،‬‬ ‫رحلة من الشك إلى اإليمان لنبيٍّ من أنبياء‬ ‫اهلل‪ .‬فهل هذه «الحيرة» قد ٌر لنا نحن البشر‬ ‫في بحثنا الدائم عن شيء ما خالل حيواتنا‪،‬‬ ‫حتى وإن ك��ان بحثا ع��ن ذوات��ن��ا أو ماهية‬ ‫وجودنا‪ ،‬أو بحثا عن شيء ال نعرفه؟‬

‫ثم تنقلنا الكاتبة نقل ًة مفاجئ ًة (يبدو هذا‬ ‫لكن هذا الحلم‪ ،‬وكما في كل م��رةٍ يبدو كـ «تكتيك» يغلب على ما قرأتُ ونقدتُ من‬ ‫بعيداً بعيداً‪ .‬ليس بعيداً عن المنال فحسب‪ ،‬كتاباتها – احتراق‪ ،‬صقيع يلتهب‪ ،‬ذات حلم)‪:‬‬ ‫وإنما يحمل صفة «البعد الجغرافي»‪ ،‬حيث‬ ‫طفل يرتل أنشودة التاريخ»‬ ‫ٍ‬ ‫«دوى صوتُ‬ ‫مفردات الكاتبة‪ ،‬الكواكب‪ ،‬الفضاء الفسيح‪..‬‬ ‫أن يكون التاريخ أنشود ًة تُرتل‪ ،‬هل يعني‬ ‫هناك حيث «يرقد»!‬ ‫هذا جمال ذلك التاريخ؟ أو يعني تكراره‪،‬‬ ‫بماذا توحي كلمة «يرقد»؟ ثمة تساؤل؛ فتصدق عليه مقولة‪« :‬التاريخ يكرر نفسه»!‬ ‫أهي الخصوصية؟ خصوصية «الحلم» ومدى‬ ‫مآس‪،‬‬ ‫أم يعني «جنائزيته»؟! بما يحمله من ٍ‬ ‫بأحد غيرها‪ ،‬فهو‬ ‫ٍ‬ ‫ارتباطه بذات الكاتبة‪ ،‬ال‬ ‫وم�لاح��م‪ ،‬و«ت��راج��ي��دي��ا» أح���داث وشخوص‬ ‫«يرقد» في انتظارها‪ ،‬في انتظار وصولها‬ ‫وأماكن!‬ ‫إليه قاطع ًة المسافات‪ ،‬ليجتمعا سويا‪ ،‬ومن‬ ‫ولماذا صوت «طفل»؟ مع أن المنطقي أن‬ ‫ثم «التحقق» لكليهما (الكاتبة والحلم)‪.‬‬ ‫الذي يروي «التاريخ» هو مَن يعرفه‪ ،‬ومن ثم‬ ‫أم توحي تلك المفردة «يرقد» بموت ذلك‬ ‫ينبغي أن يكون شيخاً!‬ ‫الحلم؟ ربما الستحالة تحققه‪ ،‬ربما لطول‬ ‫أألن الكاتبة أرادت أن ت��رم��ز ل�لأم��ل –‬ ‫االنتظار وامتداد الزمن!‬ ‫بذلك الطفل ‪ -‬للبزوغ‪ ،‬للبدايات الجديدة‪،‬‬ ‫تأخذنا كلمتا «ب��زغ��ت ال��ك��واك��ب»‪ ..‬إلى‬ ‫أو إعادة الخلق –خلق التاريخ– بذلك الطفل؟!‬ ‫هناك‪ ،‬إلى بعيد‪ ،‬ثم تعود بنا إلى هنا‪ ،‬إلى‬ ‫أم تراها قد أرادت بذلك الطفل التأكيد على‬ ‫بيئة النص – بيئة الكاتبة التي ال ريب أسهمتْ‬ ‫ال‬ ‫«إعادة تدوير» التاريخ‪ ،‬وتوارث مآسيه جي ً‬ ‫في تشكيلها وجدانياً ونفسياً وعقائدياً – كما‬ ‫تأخذنا إلى ذلك التناص‪ ،‬وإلى «قصة» النبي بعد جيل‪ ،‬وعصراً بعد عصر؟‬ ‫إبراهيم عليه السالم في القرآن الكريم؛ إنها‬

‫‪« -‬كتبت» ل��ه القصائد‪« ،‬ن��ث��رت» حوله‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪13 )2016‬‬


‫المعاني!‬ ‫جاءتا – «كتبت»‪« ،‬نثرت» – دون عالمات‬ ‫كلغة – ودون تشكيل ال��ح��روف‪،‬‬ ‫إع���راب – ٍ‬ ‫فأمكن قراءتهما قراءتيْن‪ :‬البناء للمجهول‬ ‫م��رةً‪« :‬كُتبتْ » و«نُ��ث��رتْ » بما يترك المجال‬ ‫مفتوحاً‪ ،‬والسؤال مطروحاً‪ :‬مَن الذي كتب‬ ‫له؟ من الذي نثر حوله المعاني؟ أو‪ :‬قراءة‬ ‫أخ��رى‪« :‬كتبتُ »‪« ،‬ن��ث��رتُ » له المعاني – تاء‬ ‫الفاعل بالضمة على آخر الكلمتيْن – بما‬ ‫يعني أن الكاتبة – «األسطورة» – هي التي‬ ‫كتبت لذلك الطفل القصائد‪ ،‬وهي التي نثرت‬ ‫حوله المعاني‪ ،‬فكأنها قد فنيت‪ ،‬لتبعث من‬ ‫جديد في ذلك الطفل – ‪– Reincreination‬‬ ‫حتى إذا ما كبر ذلك الطفل‪ ،‬وماتت أحالمه‬ ‫وتحطمتْ ‪ ،‬مات هو أيضاً‪ ،‬ليأتي طف ٌل آخر‪،‬‬ ‫يدوي صوته وهو يرتل أنشودة التاريخ‪ .‬إنها‬ ‫األسطورة!! أسطورة «التقمص» أو «تناسخ‬ ‫األرواح» – لعلها ليست المرة األول��ى التي‬ ‫تبرز فيها هذه األسطورة في كتابات الكاتبة‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫«ذاتُ »‪ ،‬وبالتنوين بالكسرة في نهاية كلمة‬ ‫«حلم»‪ ..‬فكأن الكاتبة تحكي حكايةً‪ ،‬تحكي‬ ‫ٍ‬ ‫تفاصيل حلم‪ ،‬مثلما نبدأ حكاياتنا الشعبية‬ ‫ب «ذات م��رة» أو‪« ..‬ف��ي م��رة من المرات»‬ ‫أو‪« ...‬كان ياما كان»‪.‬‬ ‫في القراءة األول��ى‪ :‬تبدو الكاتبة وكأنها‬ ‫تبحث عن ذاتها‪ ،‬بينما في القراءة الثانية‬ ‫للعنوان‪ ،‬تبدو الكاتبة تحكي عن حلمها‪ ،‬عن‬ ‫حلم من أحالمها‪.‬‬ ‫وألن العنوان – عنوان أي نص – كما عبّر‬ ‫«جاك دريدا»‪« ،‬أشبه بالثريا التي تمثل مركز‬ ‫اإلشعاع على النص‪ ،‬كما يمثل العنوان عتبة‬ ‫ال��ت��ف��اوض بين النص وال��ق��ارئ‪ ،‬ففي هذه‬ ‫العتبة ت��ج��ري م��ف��اوض��ات‪ ،‬ف��إم��ا أن ينجح‬ ‫العنوان بإغواء القارئ‪ ،‬وينبثق العشق بينه‬ ‫وبين النص‪ ،‬أو يفشل في ذلك»(‪.)3‬‬

‫إن العنوان ال��ذي نحن بصدده‪ ،‬وبصدد‬ ‫مناقشة نصه‪ ،‬قد مثّل بالفعل «مركز إشعاع»‬ ‫على ال��ن��ص‪ ،‬بالقراءتيْن السابق اإلش��ارة‬ ‫ عود على بدء‪ ..‬إلى عنوان النص «ذات‬‫إليهما‪ .‬فهو الحلم الذي تنشده الكاتبة بأن‬ ‫حلم»‪ ..‬وهو أيضاً تمت كتابته دون عالمات‬ ‫تعثر على ذاتها في أكمل صورها المنشودة‪،‬‬ ‫إعراب‪ ،‬بما يمكِّن من قراءته بطريقتين‪:‬‬ ‫ومن منّا ال ي��راوده ذلك الحلم؟ ومن منّا ال‬ ‫ «ذاتٌ ح��ل�مٌ»‪ .‬بتنوين ذات «بالضمة» ينشده‪ ،‬وينشد الوصول إلى ذاته؟‬‫وتنوين «حلمٌ» بالضمة كذلك‪ ،‬فتكون «حلمٌ»‬ ‫أو ب��ال��ق��راءة األخ����رى‪ :‬وه��ي ت���روي عن‬ ‫صف ًة لل «ذات»‪ ..‬فكأن الكاتبة تبحث عن‬ ‫حلمها‪ ،‬أو عن حلم من أحالمها‪ ،‬ربما تئن‬ ‫تلك «الذات» صعبة المنال‪ ،‬حتى لتبدو أشبه‬ ‫تحت وطأته‪ ،‬أو ربما تهرب به من واقعها‪،‬‬ ‫بال «حلم»!‬ ‫تهرب منه‪ ،‬أو تهرب إليه‪ ،‬أو تهرب به‪ .‬ومن‬ ‫ أو قراءة اخرى‪:‬‬‫منّا ليس لديه ذلك الحلم الذي يود لو يرويه‬ ‫حلم»‪ ،‬بالضمة على آخ��ر كلمة فيريح ويستريح؟‬ ‫‪« -‬ذاتُ ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ورغ��م أن الكاتبة قد حلّقتْ بي كقارئ‬ ‫في الفضاء الفسيح‪ ،‬مع الكواكب‪ ،‬والطفل‬ ‫الذي يرتل‪ ،‬واألنشودة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والقصائد‪،‬‬ ‫والمعاني‪ ،‬والمسافات‪ ،‬والنبع‪ ،‬والعطش‪،‬‬ ‫والعطشى‪ ،‬إال أنها‪ -‬ويا للغرابة!!‪ -‬قد عادت‬ ‫ال خيباتي مثلما تحمل هي‬ ‫بي أيضاً حام ً‬ ‫خيباتها‪ ،‬ويعتمر الحزن في قلبي كما يعتمر‬ ‫في قلبها‪ ،‬مؤكد ًة على أن اله ّم اإلنساني واح ٌد‬ ‫في حقيقته‪ ،‬وإن تعددتْ صوره‪ ،‬متشاب ٌه وإن‬ ‫تنوّعتْ الجغرافيا!‬

‫األفق وهي «تطوي المسافات» ط ّياً‪ ،‬وبينها‬ ‫وه��ي في رحلة اإلي��اب «تقطع المسافات»‬ ‫مثقلة بخيباتها‪ ،‬ب��األم��ان��ي ال��ت��ي تجذبها‬ ‫خلفها‪ ،‬وكأن الكاتبة في مرحلة «انسحاب»‬ ‫من معركة قد خسرتها‪ ،‬ومنيتْ فيها بهزيمة‬ ‫قاسية م��ري��رة‪ ،‬لكنه رب��م��ا ك��ان «انسحاباً‬ ‫تكتيكياً» بلغة المحاربين‪ ،‬وإال لما جذبتْ‬ ‫خلفها «جنودها» – األماني –‪ ،‬إذ لو سلّمتْ‬ ‫بالهزيمة‪ ،‬وكفّتْ عن المحاولة من جديد‪،‬‬ ‫لكان أولى بها وأجدر أن تترك أمانيها هناك‬ ‫«ترقد» مع حلمها!‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫عن نفسي ‪-‬ك��ق��ارئ‪ -‬فقد نجح العنوان أجذب األماني خلفي‪ ..‬وفي تجاويف قلبي‬ ‫«ذات حلم»‪ ،‬رغم قراءتيه المتباينتيْن بإغوائي يعتمر الحزن»‪.‬‬ ‫– تبعاً لتعريف «جاك دري��دا»‪ -‬ولم يستغرق‬ ‫يأس واضح‪ ،‬له‬ ‫تحمل كلماتها هذه نبرة ٍ‬ ‫«جف النبع»‪« ،‬أحمل خيباتي»‪« ،‬في‬ ‫َّ‬ ‫«التفاوض» بيننا – النص وأنا – وقتاً‪ ،‬فقد ما يبرره‪:‬‬ ‫كان العنوان‪/‬عتبة التفاوض موحياً ومغرياً تجاويف قلبي يعتمر الحزن»‪ ..‬شتان بينها‬ ‫لإلبحار في آن!‬ ‫في رحلة الذهاب‪ ،‬وهي تحلّق بأجنحتها نحو‬

‫ألهذا ج��اء ق��ول ربنا سبحانه في كتابه‬ ‫أهي «وقفة تعبوية» تستعيد فيها ذاتها‪،‬‬ ‫العزيز‪« :‬يا أيها اإلنسان إنك كاد ٌح إلى ربك‬ ‫وتستجمع قواها‪ ،‬وتنظم «جنودها» للتحليق‬ ‫كدحاً فمالقيه»؟‬ ‫م��ن ج��دي��د ن��ح��و األف����ق‪ ،‬الس��ت��ع��ادة حلمها‬ ‫لم يقل سبحانه وتعالى‪« :‬يا أيها الناس‬ ‫«وطنها»!‬ ‫إنكم كادحون»!‬ ‫لكل ك��ات� ٍ�ب «استراتيجيته» التي تعكس‬ ‫فكأن اإلنسان هُنا – في كدحه – واحدٌ‪،‬‬ ‫مشروعه الفني –غاي ًة ووسيل ًة – ومن خالل‬ ‫مهما تعددتْ ص��وره‪ ،‬أو اختلفتْ جغرافية‬ ‫نقدي لثالثة نصوص للكاتبة‪ ،‬أرى مالمح‬ ‫مكانه‪ ،‬أو تنوّع شأنه‪ ،‬أو تمايز دوره!‬ ‫«استراتيجيتها» الفنية تتبلور في ملمحيْن‬ ‫ تنهي الكاتبة قصتها‪ ،‬أو «حكايتها» أو بارزيْن‪:‬‬‫«أسطورتها» بـ‪:‬‬ ‫الملمح األول‪ :‬ه��و «س��ي��اس��ة االرت����داد»‬ ‫«جف النبع ال��ذي كان ي��روي العطشى‪ ..‬للقفز من جديد‪ ،‬فيما أسميتُه أنا في نقدي‬ ‫رحلت أقطع المسافات‪ ،‬أحمل خيباتي‪ ،‬لقصتيْها السابقتين ‪.Closed Cycle‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪15 )2016‬‬


‫هي هُنا تنطلق من «الواقع» إلى «الحلم» مفردات تتكرر في قصصها الثالث ‪ -‬البحر‪،‬‬ ‫من أجل استحضاره‪ ،‬أو تحقيقه أو استعادته‪ ،‬السماء‪ ،‬الحزن‪ -...،‬وأخرى تختلف‪.‬‬ ‫لتعود من جديد إل��ى «ال��واق��ع»‪ ،‬استعداداً‬ ‫ ال��ك��ات��ب��ة ‪-‬ك��ك��ل ال��م��ب��دع��ي��ن‪ ،‬ب��ل ككل‬‫لالنطالق نحو الحلم‪ ..‬وهكذا‪.‬‬ ‫إنسان‪ -‬هي ابنة بيئتها‪ ،‬وتكوينها النفسي‬

‫والفكري واالجتماعي واألخالقي‪ .‬هو نتاج‬ ‫واقع ⇦ حلم ⇦ واقع‪.‬‬ ‫لهذه البيئة ومحصلة معطياتها‪ ،‬وإبداعها‬ ‫وقد فسرتُ هذا في قصتيْها السابقتيْن‪:‬‬ ‫الريب سيكون انعكاساً لهذا التكوين ولهذه‬ ‫«احتراق» و«صقيع يلتهب»‪.‬‬ ‫البيئة‪ ،‬وم��ن ثم تتكرر مفرداتها تصريحاً‬ ‫اما الملمح الثاني‪:‬‬ ‫أو تلميحاً‪ ،‬كما تبدو سماتها التي تشكل‬ ‫في أسلوب سردها للحكاية‪ ،‬فهو مزج «استراتيجيتها» في الكتابة‪.‬‬ ‫«ال��واق��ع» ب��ـ «ال��خ��ي��ال»‪ .‬فهو «واق����ع»‪ ،‬لكن‬ ‫ «م��ري��م ال��ح��س��ن» ه��ي ت��ل��ك الكاتبة‬‫أس��ل��وب��ه��ا يحمل ت��ع��ب��ي��رات وك��ل��م��ات تجعل اإلنسانة المشدود جسدها (روح��ه��ا) إلى‬ ‫المتلقي العادي الذي ال يريد أن يكون شريكا حصانيْن «حصان الواقع» و«حصان الخيال»‪.‬‬ ‫للكاتب في إبداعه‪ ،‬يرى األمر وكأنه خيال‬ ‫ف��إن س��ار الحصانان في اتجاه واح��د –‬ ‫خيال مجرد ‪ Fictional‬بينما أراه��ا ويراها‬ ‫االت��ج��اه نفسه – سلمتْ روح��ه��ا وانطلقت‬ ‫آخرون دون إرهاق ذهني أو عناء ‪ Fictional‬منتشي ًة مع الحصانيْن‪ ،‬يحدث ذلك عندما‬ ‫‪.and Factual‬‬ ‫ال يخالف «الواقع» «الخيال»‪ ..‬عندما ال يش ّذ‬

‫ من بين تعاريف القصة القصيرة أنها حلمها عن تقاليد «الواقع» المكبّلة باألعراف‬‫السائدة المهيمنة‪.‬‬ ‫«طريقة لتمثيل الحكايات»(‪.)4‬‬ ‫أم��ا إن س��ار «الحصانان» ك��لٌّ في اتجاه‬ ‫مخالف لآلخر – على طريقة اإلعدام البشعة‬ ‫في العصور الماضية – عندها تتمزق «مريم‬ ‫الحسن»‪ ،‬وينتج عن هذا التمزق إبداعاً نشعر‬ ‫به وبلذته كقراء‪ ،‬حتى ولو لم نشعر بالثمن‬ ‫الفادح الذي دفعته وتدفعه الكاتبة من روحها‬ ‫وسالمها النفسي‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫برأيي‪ ،‬ومن خالل نقدي لثالث حكايات‬ ‫لـ «مريم الحسن» – احتراق‪ ،‬صقيع يلتهب‪،‬‬ ‫ذات حلم – أن هذا هو أدق وصف لكتابات‬ ‫الكاتبة‪ .‬إن��ه��ا «ح��ك��اي��ات» مثلتها بطريقة‬ ‫أقرب إلى القصة القصيرة‪ .‬أو هي «قصص‬ ‫قصيرة»‪ ،‬كل قصة منها عبارة عن «حكاية»‬ ‫بطريقة م��ا‪ ..‬ففي قصصها الثالث‬ ‫ٍ‬ ‫ت َُمثَّل‬ ‫السابق اإلشارة إليها‪ ،‬كان شخص «القاص»‬ ‫إنها قصة «البجعة» التي تغني أجمل‬ ‫أو «الراوي» أو «المروي عنه» أو «الحكواتي» أغانيها عند الرحيل‪ ،‬لكنها كذلك قصة‬ ‫ه��و الشخص الوحيد ف��ي «ال��ح��ك��اي��ة»‪ ،‬مع «العنقاء» التي تُبعث من جديد في كل مرةٍ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ف���ي واق����ع األم����ر ه���ي ليست‬ ‫حكاية «مريم الحسن» فحسب‪ ،‬بل‬ ‫زمان‬ ‫هي حكاية كل مبدع‪ ،‬في كل ٍ‬ ‫ومكان!‬ ‫وه���ي ق��ص��ة إع���دام���ه ‪-‬إع���دام‬ ‫المبدع‪ -‬المتكررة بطريقة ربطه‬ ‫من «روح��ه» بين حصانين‪ ،‬يجري‬ ‫ك ٌل منهما في اتجاه مخالف لآلخر‪،‬‬ ‫وه��ي قصة قديمة ق��دم التاريخ‬ ‫ومعروفة‪.‬‬ ‫«ح��ص��ان خ��ي��ال��ه» ال���ذي يمثل‬ ‫وق��ود إب��داع��ه‪ ،‬وتميزه‪ ،‬واختالفه‬ ‫عن الدهماء‪.‬‬ ‫و «ح��ص��ان ال���واق���ع» ب��ب�لادت��ه‪،‬‬ ‫وجموده‪ ،‬وغبائه‪ ،‬ورك��وده الذي ال‬ ‫يترك مبدعاً يحلق في سماوات‬ ‫إبداعه‪ ،‬رافضاً ذلك الواقع‪ ،‬راسماً‬ ‫له طريقه للخالص‪.‬‬

‫تقتُ لإلبحار‪ ،‬في تلك الشواطئ‪..‬‬ ‫التي عبثت بها يوما‪ ،‬صبغتها بألوان متمازجة‪..‬‬ ‫عزفت األم��واج موسيقاها‪ ،‬رقصت رقصة البجعات‪..‬‬ ‫حلقت بأجنحتي نحو األف��ق‪ ،‬عند المساء حللت‪ ..‬طليتها‬ ‫باللون األس��ود القاتم‪ ..‬ضجَّ ت مخلوقات البحر تطالبني‬ ‫بالعودة من حيث أتيت‪..‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تموت فيها‪.‬‬

‫ذات حلم‬

‫طويت المسافات علني أستعيد حلمي‪..‬‬ ‫لم أجد سوى خ��واء يتردد ص��داه نحو البعيد‪ ..‬بزغت‬ ‫الكواكب‪ ،‬سطوعها في الفضاء كان الدليل الذي رسم لي‬ ‫خطواتي‪ ..‬هناك‪ ..‬حيث يرقد الحلم‪...‬‬ ‫في ذلك الفضاء الفسيح‪ ..‬دوّى صوت طفل؛ يرتل أنشودة‬ ‫التاريخ‪..‬‬ ‫كتبت له القصائد‪ ،‬نثرت حوله المعاني‪ ،‬جف النبع الذي‬ ‫كان يروي العطشى‪ ..‬رحلت أقطع المسافات‪ ،‬أحمل خيباتي‪،‬‬ ‫أجذب األماني خلفي‪..‬‬ ‫وفي تجاويف قلبي يعتمر الحزن‪..‬‬ ‫(مريم الحسن – السعودية)‬

‫سبحانه!‬ ‫أيها المبدعون‪ ،‬يرحمكم اهلل!‬

‫هي ليست قصص المبدعين فحسب‪ ،‬بل‬ ‫هي قصص األنبياء كذلك‪ ،‬مع التسليم بأن‬ ‫«إب��داع» األنبياء كان وحياً من رب السماء‬ ‫* ناقد من مصر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬من كتاب ما األدب؟ «جان بول سارتر» ترجمة وتقديم وتعليق الدكتور محمد غنيمي هالل‪ .‬مكتبة األسرة‬ ‫‪2005‬م سلسلة المئويات‪ .‬مصر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )3‬رزيقة طاطاو – شعرية العنوان في قصص نجيب محفوظ – مجلة فصول العددان ‪ -89-90‬ربيع –‬ ‫ال عن خالد حسين حسن‪ :‬في‬ ‫صيف ‪2014‬م‪ ،‬صفحة ‪ ،183‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬مصر‪ :‬نق ً‬ ‫نظرية العنوان شئون العالمات من التشفير إلى التأويل ص ص ‪.16 – 15‬‬ ‫ال عن أوزوال��د ديكرو – جان ماري سشايفر‪ :‬القاموس الموسوعي‬ ‫(‪ )4‬المصدر السابق صفحة ‪ 182‬نق ً‬ ‫الجديد لعلوم اللسان – ترجمة‪ :‬منذر عياش (بيروت‪ ،‬الدار البيضاء) المركز الثقافي العربي – طبعت‬ ‫سنة ‪2007‬م ص ‪.211‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪17 )2016‬‬


‫التشابك السردي‬

‫في بداية رواية «سوناتا ألشباح القدس» لواسيني األعرج‬ ‫‪ρρ‬سعيدة حمداوي*‬

‫«أص�ع��ب األش�ي��اء ف��ي الحياة ال�ب��داي��ات»‪ .‬واسيني األع��رج‪،‬‬ ‫طوق الياسمين‪.‬‬ ‫«أن ��ا ل��م أ َر ال �ق��دس إال ث�ل�اث م ��رات ف��ي ح� �ي ��ات ��ي‪»...:‬‬ ‫بهذه العبارة ب��دأت رواي��ة «سوناتا ألشباح القدس» رحلتها‬ ‫التخييلية حين أجلت صلتنا ب��ال��واق��ع‪ ،‬متجاوزة بنا فعل‬ ‫ال �ق��راءة ال�خ�ط��ي بتلقيه ال�س�ط�ح��ي‪ ،‬مفضلة أن تصطحبنا‬ ‫في جولة متميزة إلى مكامن النص الروائي ورحابه الفسيح‪ ،‬ذلك أن كل مقاربة‬ ‫تستهدف البداية ال محالة ستندرج ضمن تتبع مجال أوسع يشمل مستوى البنية‬ ‫السردية‪ ،‬بيانا لتفاعلها بباقي المكونات السردية في محاولة للبحث عن «تجسيد‬ ‫حالة من السكون واالستقرار على مستوى السرد ال��روائ��ي»(‪ .)2‬إذ يختصر ملفوظ‬ ‫ال�ب��داي��ة العالم ال�س��ردي ل�ل��رواي��ة؛ بفعل إح��ال��ة الضمير «أن��ا» على عنصر ال�س��ارد‪،‬‬ ‫وانفتاحه على دالالت ضمير المتكلم‪ ،‬بحكم تماهيه مع شخصيتين حركتا مسار‬ ‫األحداث (مي‪ ،‬يوبا)‪ .‬أما الفعل المضارع المجزوم «أر» فيمتد بنا إلى أزمنة مختلفة‪،‬‬ ‫يتولى من خاللها لفظ «القدس» نقلَنا إلى عوالم المكان المتداخل األوجه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪ - 1‬البداية ولعبة الضمائر‬

‫‪18‬‬

‫يعود الفضل إلى اهتمام النقد بمسألة‬ ‫توظيف ضمير المتكلم «أن���ا» إل��ى أدب‬ ‫السيرة الذاتية‪« ،‬لما له من قدرة لطيفة‬ ‫على س��رد األح���داث بحكم ق��درت��ه على‬ ‫التغلغل في سائر المكونات السردية»(‪،)3‬‬ ‫ذل��ك أن تقسيم ال��رواي��ات وف��ق طبيعة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الضمير الذي يروى به متكلما أو غائبا‬ ‫غير مقنع تماما؛ الرتباطه بحضور السارد‬ ‫في الرواية أو عدم حضوره‪« ،‬غير أن هذه‬ ‫الـ أنا ال تتحدد خالفا لهذا‪ ،‬إال من حيث‬ ‫كونها هي الشخص الذي يتحدث تماما‬ ‫مثل المضارع (الحاضر)»(‪.)4‬‬ ‫تُ��ح��ي��ل «أن����ا» ال��ب��داي��ة إل���ى شخصية‬


‫يتعادل «أن���ا» ال��س��ارد ب��إح��دى شخصيات‬ ‫الرواية التي «هي» والدته «مي»‪ ،‬ويرى كل شيء‬ ‫بعيونها‪ ،‬فالسارد حسب التقاليد السردية‬ ‫يروي الحكاية‪ ،‬ويتدخل بصورة مباشرة أو غير‬ ‫مباشرة في التعليق عن مضمونها بأسلوبه‪،‬‬ ‫ويندرج ضمن مستوى السرد خ��ارج الحكاية‬ ‫الرئيسة التي يرويها‪ .‬أم��ا بالنسبة للحكاية‬ ‫التي يرويها‪ ،‬فهو داخلها وينتمي إليها‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى كونه شخصية داخل الرواية‪ ،‬يروي حكاية‬ ‫ثانوية مشاركة ف��ي ح��وادث��ه��ا الرئيسة؛ من‬ ‫منطلق أن��ه ي��روي السيرة ال��ذات��ي��ة ل �ـ ِ «م��ي»‪،‬‬ ‫ويعاد من جديد ط��رح تساؤل عن جدوى فالحكاية التي يرويها «يوبا» السارد حكاية‬ ‫استخدام ضمير األن��ا‪ ،‬والمغزى من توظيفه مستقلة بشخصياتها وأزمنتها وأمكنتها‪ ،‬يرويها‬ ‫روائ��ي��ا؛ ألننا ال يمكن أن نعتقد ب��إط�لاق أن دون أن يكون حاضراً كلياً في أحداثها‪.‬‬ ‫السارد يروي وال يفعل‪ ،‬استنادا النتمائه لزمن‬ ‫وعليه‪ ،‬نخلص إل��ى ال��ق��درة التي يمتلكها‬ ‫السرد‪ ،‬وأن «هي» الشخصية المحورية تفعل ضمير المتكلم في إذاب��ة الفروق والحواجز‬ ‫وال تروي‪ ،‬محتكمين في ذلك إلى زمن الحدث بين السارد والشخصية والزمن جميعا‪ ،‬وهو‬ ‫في الحكاية‪ ،‬رغم أن بعض الدارسين يعتقدون ما نلمسه في مساعي «يوبا» السارد إلعادة‬ ‫أنه ال يمكن للسارد أن يستخدم ضمير المتكلم شريط األحداث إلى الزمن الحاضر‪ ،‬وقدرته‬ ‫ل�لإش��ارة إل��ى نفسه‪ ،‬وإل��ى البطل م��ع�اً‪ ،‬إنما على دم��ج الحكاية‪ ،‬وإزاح��ة الحاجز الزمني‬ ‫يستخدم ضمير المتكلم ليحيل إل��ى نفسه‪ .‬الذي يفصل زمن السرد عن زمن السارد‪ ،‬ما‬ ‫في حين يشير ضمير الغائب إلى الشخصية يجعل األن��ا ال��س��اردة ق��ادرة على الغوص في‬ ‫المحورية «مي»‪ ،‬مع أننا سنلمس في الرواية أعماق النفس من جهة‪ ،‬وربط القارئ بالعمل‬ ‫عكس ما أ ُِّص��ل له نقديا‪ ،‬بتحول السارد في السردي من جهة أخرى‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫متضمنة في وضعيتين؛ يوبا الشخص الذي‬ ‫يتكلم‪ ،‬ويوبا المحاور أو السامع‪ ،‬بالنظر إلى‬ ‫«السهولة المدهشة التي يتمتع بها السارد‬ ‫بضمير المتكلم في التأرجح بين وجهة نظره‬ ‫الالدقيقة كسارد‪ ،‬والعالم الذي يحكي عنه‪..‬‬ ‫وكأنه له حق المواطنة في النظامين معا»(‪)5‬؛‬ ‫ألن األنا ليست إال «هي» مي في حالة استعادة‬ ‫وت��ح�وّل‪ ،‬بحكم أن «ضمير المتكلم يأتي في‬ ‫ال��س��رد شكال داالً على ذوب���ان ال��س��ارد في‬ ‫المسرود‪ ،‬وعلى ذوبان الزمن في الزمن‪ ،‬وعلى‬ ‫ذوبان الشخصية في الشخصية»(‪ .)6‬ويُسقط‬ ‫«أنا» السارد يوبا المسافة بين كلمته وكيانه‪،‬‬ ‫رغ��م أن��ه ضمير خ��اص بالمتكلم‪ ،‬لكنه ليس‬ ‫المتكلم؛ ألن الحديث يؤول إلى مي‪ ،‬والضمير‬ ‫ه��ن��ا ل��ي��س م��س��ت��ت��راً‪ ،‬ب��ل ظ��اه��راً ف��ي مجرى‬ ‫األح��داث‪ ،‬انطالقا من اعتبار الـ «أن��ا» داللة‬ ‫أو إش��ارة‪ ،‬فهي تحيل وضع الناطق إلى وضع‬ ‫وجودي وإلى الحقيقة معناها األوح��د‪ ،‬إذ إ َن‬ ‫«ال أنا كلٌّ كامل‪ ،‬ولكنها في اآلن ذاته ليست‬ ‫غير ذلك الذي يقول أنا معجميا»(‪.)7‬‬

‫الرواية إلى «شخصية مركزية‪ ،‬مزودة بطاقة‬ ‫فيزيقية وذهنية‪ ،‬وروحية غنية»(‪ ،)8‬تتوارى فيها‬ ‫«أنا» السارد وراء «هي» الشخصية المحورية‪،‬‬ ‫وه��و ما يعرف بالسرد الموضوعي؛ وفيه ال‬ ‫يعرف السارد شيئا عن الشخصية «مي»‪ ،‬بل‬ ‫يراقب تحركاتها وايماءاتها عن طريق الرسائل‬ ‫التي تركتها‪ ،‬والتي يشركنا «يوبا» محتوياتها‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فهناك حكايتان يحكيهما سارد واحد؛‬ ‫حكاية تنفيذ وصية «مي»‪ ،‬وحكاية منفاها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪19 )2016‬‬


‫‪ - 2‬البداية السردية والشخصية‬

‫ «وهو يكرر كلمة يوبا‪ ..‬يوبا‪ ..‬لم يكن يوبا‬‫اس��م��ا غريبا على ذاك��رت��ي‪ .‬استحضرته‬ ‫بسرعة وكأنه كان ينام في مكان معتم فيّ ‪،‬‬ ‫يوبا‪ ..‬يوبا الثاني تحديدا‪ ،‬وهو واحد من‬ ‫أج��دادك البربر‪ .‬هو اب��ن الملك البربري‬ ‫يوبا األول ال��ذي قهره ال��روم��ان‪ .‬ولد عام‬ ‫(‪ )52‬قبل الميالد‪ .‬وحكم على عاصمته‬ ‫سيزاري (شرشال) تحت وصاية رومانية‬ ‫كثيرا ما تمرد عليها(‪.)10‬‬

‫قدمت البداية شخصيتين محوريتين تكفّلتا‬ ‫بتحريك أح���داث ال��رواي��ة‪ ،‬وت��و َّل��ت��ا بدورهما‬ ‫عملية استعادة ثالثة أط��وار تاريخية‪ :‬الجد‬ ‫(الماضي‪ /‬األص��ل)‪ ،‬مي (الحاضر‪ /‬الفرع)‪،‬‬ ‫يوبا (المستقبل‪ /‬االمتداد)‪ .‬كما أدى انفتاحنا‬ ‫على الحياة الداخلية للشخصية «م��ي» إلى‬ ‫التعرف على شخصيات أقل حضوراً وفعالي ًة‬ ‫في أحداث الرواية‪ ،‬أثارت العديد من العواطف‬ ‫ ‪« -‬ظ��ل يوبا الثاني مرتبطا باسم أج��داده‬ ‫واألحاسيس المتباينة في نفسية «مي»‪.‬‬ ‫وببربريته حتى موته‪ .‬فهو من أشاع الثقافة‬ ‫والديمقراطية على أرض كانت في طور‬ ‫االستمرار‬ ‫الفقدان‬ ‫الذاكرة االحتضان‬ ‫التكوين وعُرضة للتحوّالت الكبرى»(‪.)11‬‬ ‫(الحاضر)‬ ‫(الحنين)‬ ‫(الماضي) (الدعم)‬ ‫سيدي‬ ‫لمغيث‬ ‫(الجد)‬

‫‪20‬‬

‫مير (األم)‬ ‫دنيا‬ ‫(الخالة) يوسف (الحبيب)‬ ‫يوبا (األب)‬ ‫كونراد غسان (الخال)‬ ‫(الزوج) لينا (األخت)‬

‫م���ن ه���ذا ال��م��ن��ط��ل��ق‪ ،‬ي��ت��م ت��ح��دي��د ه��وي��ة‬ ‫الشخصية «مي» بالتدريج‪ ،‬بواسطة ما يخبر‬ ‫ب��ه ي��وب��ا‪ ،‬وم��ا يستنتج م��ن أخ��ب��ار ع��ن طريق‬ ‫سلوكها؛ ألن الشخصية في البدء مجرد عالمة‬ ‫بيضاء فارغة ال تحيل على شيء‪ ،‬يتولى السارد‬ ‫والشخصية نفسها مهمة ملء بياناتها‪ ،‬عندها‬ ‫تتكدس الصفات لتضيء خفاياها عن طريق‬ ‫أفعالها أو بوساطة مقاطع سردية أو وصفية‬ ‫أو حوارية‪ .‬وال يكتمل بناء معالم الشخصية‬ ‫إال عند وصول النص الحكائي نهايته‪ ،‬حينئذ‬ ‫يتم عرضها من خالل تصور يعيد تشييد بناء‬ ‫النص‪ .‬كما انطوى توظيف شخصية يوبا عن‬ ‫قصدية خدمت القضية التي سعت الرواية‬ ‫لتحقيقها؛ حملت موقف البحث والدفاع عن‬ ‫الهوية المسلوبة للمنفيين‪.‬‬

‫ول��ق��د أسهمت ال��ب��داي��ة ف��ي تقديم بعض‬ ‫بطاقات «مي» الداللية‪ ،‬أن الشخصية تركيبٌ‬ ‫ي��ق��وم ب��ه ال��ق��ارئ أك��ث��ر مما ي��ق��وم ب��ه النص‪،‬‬ ‫وعالقة لغوية ملتحمة بباقي العالقات في‬ ‫التركيب الروائي حسب فيليب هامون؛ إذ يتيح‬ ‫لنا جمع عناصر البداية الوصول إلى تشكيل‬ ‫تصور ع��ام عن أه��م مالمح شخصية «م��ي»‪:‬‬ ‫(اسمها‪ ،‬تفاصيل حياتها‪ ،‬طفولتها‪ ،‬انشغالها‬ ‫باللون‪ ،‬ق��رار محرقتها‪ ،‬مضمون وصيتها)‪،‬‬ ‫أما «يوبا» ‪ -‬ثمرة تمازج بين الثقافة الشرقية‬ ‫(مي)‪ ،‬والغربية (كونراد)‪ -‬فيعيدنا استحضار‬ ‫اسمه إلى مرجعية تاريخية‪ ،‬ذلك أن األسماء ‪ - 3‬البداية السردية والزمان‬ ‫في الرواية «ال تكون بال داللة‪ ،‬فهي دائما جزء‬ ‫ي��ع��ي��ش المتقمص لضمير المتكلم في‬ ‫مهم من عملية خلقها‪ ،‬وينطوي على اعتبارات خضم «نسقين زمنيين‪ :‬ف��ي النسق الزمني‬ ‫جمّة»(‪.)9‬‬ ‫للشخصيات‪ ،‬ولكنه في اآلن ذاته‪ ،‬يعيش بتقدم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يسترجع يوبا شريط ال��ذك��ري��ات‪ ،‬ويعبث‬ ‫بخطيته الزمنية في سرد وقائع زيارته للقدس‪،‬‬ ‫وتتولى الذاكرة بمخزونها الزمني ربط الحياة‬ ‫النفسية للشخصية يوبا‪ ،‬برؤيته الذاتية من‬ ‫خالل عرض تفاصيل حياة برمتها من اللحظة‬ ‫الحاضرة‪ ،‬وينتهي إلى أن تقدم البداية مشهدا‬ ‫سرديا مجتزئًا من الزمان‪ ،‬يعرض أدق تفاصيل‬ ‫«مي»‪.‬‬

‫وتمتد زمنية البداية إلى لحظة استرجاع‪،‬‬ ‫غابت جراءها المطابقة بين ترتيب األحداث‬ ‫في السرد‪ ،‬وترتيبه في الحكاية حين توقفت بنا‬ ‫عند قرون مضت‪ ،‬استحضرت نكبة الماضي‬ ‫(األن��دل��س)‪ ،‬لتبرر نكبة الحاضر (فلسطين‬ ‫‪1948‬م)‪ ،‬وجابت بنا ربيع اللون رفقة فراشات‬ ‫عاشت زمن فلسطين ما قبل النكبة‪ ،‬لتنتهي‬ ‫عند تراجيديا الشتاء موسم الموت‪ ،‬والحداد‬ ‫بنثر رماد «مي»‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫زمني كبير في حاضره‪ ،‬كسارد‪ ،‬وم��ن وجهة‬ ‫النظر هذه‪ ،‬كل شيء ينتمي إلى الماضي»(‪.)12‬‬ ‫من ه��ذا المنطلق‪ ،‬لم تخ ُل البداية السردية‬ ‫للرواية من إش��ارات زمانية‪ ،‬نقلتنا إلى زمن‬ ‫وفاة «مي»‪ ،‬وتنفيذ وصيتها التي تركتها البنها‬ ‫يوبا‪ ،‬من خالل سير عكسي من الحاضر نحو‬ ‫ال��م��اض��ي‪ ،‬وسبيل ه��ذه اإلط��ل�االت التذكر؛‬ ‫بوصفه حالة صفاء ذهني يصل إليه يوبا‪،‬‬ ‫وليست م��ج��رد تقويض ل��زم��ن ال��س��رد‪ ،‬إنما‬ ‫تقنية يتماهى فيها زم��ن السرد في حاضره‬ ‫بزمن الماضي االسترجاعي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يحل‬ ‫زمن السرد معاكساً التسلسل المنطقي لزمن‬ ‫الحكاية (األح��داث)‪ ،‬فيتم التقديم والتأخير‬ ‫فيما يُ��روى‪ ،‬ذلك أن األن��ا في البداية ليست‬ ‫ماضيا أو حدثا انقضى أو وج��ودا منفصال‪،‬‬ ‫ب��ل حركة ح��اض��رة ف��ي كثافة م��ن العالمات‪،‬‬ ‫رغم أن كل «تفكير مستميت في الماضي هو‬ ‫خيانة للحاضر»(‪ .)13‬بيد أن التاريخ ليس ذلك‬ ‫الماضي الذي انقضى‪ ،‬إنما هو حاضر يعيش‬ ‫في شكل تفاصيل مستقبلية‪.‬‬

‫كيف نوقفها عند حدها»(‪.)15‬‬

‫وعليه‪ ،‬أنتج اعتماد البداية على االسترجاع‬ ‫الزمني‪ ،‬مخالفة لنمط سير السرد العادي‪،‬‬ ‫بعودة السارد إلى حدث سابق‪ ..‬حين امتد من‬ ‫نقطة توقف فيها السرد إلى زمن شهد لقاء‬ ‫يوبا بالقدس‪ ،‬ما استدعى توقفا عن متابعة‬ ‫السرد بالتدرج الطبيعي‪ ،‬هذه المخالفة الزمنية‬ ‫شملت نوعا من الحكاية الثانوية ضمن الرواية‪،‬‬ ‫استقطبت ما مضى من أحداث‪ ،‬أضاءت بعضاً‬ ‫من حياة «م��ي»‪ ،‬واستعادت ج��زءاً من هويتها‬ ‫الضائعة‪.‬‬ ‫‪ – 4‬البداية السردية والمكان‬

‫تُبين لنا ال��ب��داي��ة عالقة «م��ي» بالمكان‪،‬‬ ‫والتي تنطوي على شيء من التعقيد والتشعب‬ ‫واالنغالق؛ نظرا الرتباطه أي المكان «ارتباطا‬ ‫لصيقا بمفهوم الحرية‪ )...( ،‬الحرية مجموع‬ ‫األفعال التي يستطيع اإلنسان أن يقوم بها دون‬ ‫أن يصطدم بحواجز أو عقبات‪ ،‬أي بقوىً ناتجة‬ ‫عن الوسط الخارجي‪ ،‬ال يقدر على قهرها أو‬ ‫ «أرأيت كيف تخدعها الذاكرة»(‪.)14‬‬‫تجاوزها»(‪)16‬؛ ألن اإلنسان ال يحتاج فقط إلى‬ ‫ «تعرفين جيدا أن الذاكرة عظيمة‪ ،‬رابطنا حيّز جغرافي يعيش فيه‪ ،‬إنما يصبو أكثر إلى‬‫القوي الذي يجعل الحياة تستمر بعد موتنا‪« ،‬رق��ع��ة يضرب فيها ب��ج��ذوره‪ ،‬وتتأصل فيها‬ ‫ولكنها أيضا‪ ،‬مرض مزمن‪ ،‬إذا لم نعرف هويته»(‪)17‬؛ وهذا يعني أن مساعي «مي» كانت‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪21 )2016‬‬


‫منصب ًة على إثبات كيانها‪ ،‬واستعادة هويتها‬ ‫من خالل البحث عن مكان يحتويها؛ «لتحويله‬ ‫الى مرآة ترى فيها «األن��ا» صورتها‪ .‬فاختيار‬ ‫المكان وتهيئته يمثالن جزءاً من بناء الشخصية‬ ‫البشرية»(‪.)18‬‬

‫أرضا لم تعرفه ولم يعرفها‪ ،‬رغم قدرته على‬ ‫تصوير خبايا نفسه المضطربة‪ ،‬والتي تثير‬ ‫لديه ثالث لحظات‪ ،‬يستعيدها يوبا وفق تفكيك‬ ‫حدثي‪ ،‬لثالثة أمكنة تتوثب في حاضر يكثف‬ ‫ماضي ثالث شخصيات‪.‬‬

‫تقدم «مي» المكان في شكل صور مبعثرة‬ ‫م���ج���زأة‪ ،‬ح��ي��ن ت��ن��ت��ق��ل م���ن ال��م��ك��ان الفعلي‬ ‫(نيويورك)‪ ،‬إلى مكان الحلم والتذكر (القدس)‪،‬‬ ‫وي��ت��و ّل��د ع��ن ه��ذا التفكيك والتشظي أمكنة‬ ‫مختلفة‪ ،‬تشكل معالم المكان الروائي المرتبط‬ ‫بالشخصية وال��ح��دث وال��زم��ان‪ ،‬وال��ذي يؤثر‬ ‫تنوّعه وايقاعه وت��درج��ه على وح��دة السرد‬ ‫وحركيته؛ للعمل على توفير ح��دٍّ أدن��ى من‬ ‫المعلومات المكوّنة للمكان‪ ،‬لكن حين تضيق‬ ‫الحدود المكانية‪ ،‬أو تتماهى في الكثير من‬ ‫بقيد‬ ‫ٍ‬ ‫األح��ي��ان‪ ،‬فسينج ُّر عنه تعمي ٌق لشعورٍ‬ ‫داخلي وخارجي ينتاب الشخصية‪.‬‬

‫القدس‬

‫ترتبط القدس عند «مي» بحدود الذاكرة‬ ‫والخيال‪ ،‬لتروي أحداثاً جرت في مكان بعيد‪،‬‬ ‫سرعان ما تقترب منه تدريجيا‪ ،‬لتدركه إدراكاً‬ ‫حسياً مباشراً‪ ،‬تجد فيه كثيراً من الحميمة‬ ‫واأللفة؛ نظرا لوقوعه تحت سلطتها في زمن‬ ‫مضى‪ ،‬قبل أن يخضع لسلطة اليهود المعتدين؛‬ ‫ما اضطرها أن تعيش سلطتها عليه في الخيال‬ ‫فحسب‪ .‬وه��ذا ما يجعل القدس‪ ،‬هو المكان‬ ‫العالق في ذاكرة «مي» حتى لحظاتها األخيرة‪،‬‬ ‫المسكون بذكريات ماضيها‪ ،‬وطفولتها البريئة‪،‬‬ ‫وألوانها المطمئنة‪ ،‬العائد بها إلى رحم والدتها‬ ‫ودفئها وحمايتها‪ ،‬المكان الذي تأمل أن تحل‬ ‫فيه روحها‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫البحر الميت‬

‫األوبرا‬

‫نيويورك‬

‫سيدي بومدين‬ ‫لمغيث‬ ‫األندلسي‬

‫سوناتا يوبا‬

‫ألوان مي‬

‫وتلتقي ال��ق��دس ب��ن��ي��وي��ورك‪ ،‬ذل��ك المكان‬ ‫المعادي الشبيه بالجمرة؛ الشاهد على محرقة‬ ‫«مي» الحسية والمعنوية‪ ،‬والمتقد كشعلة في‬ ‫ذاك���رة ي��وب��ا‪ ،‬المعبر ع��ن الهزيمة‪ ،‬وال��ي��أس‪،‬‬ ‫واألل��م‪ ،‬والمنفى‪ ،‬والغربة‪ ،‬وضياع الهوية‪ ،‬إذ‬ ‫تتداخل هذه الدالالت في لوحة فنية واحدة‪،‬‬ ‫تشهد تحاور األمكنة فيما بينها‪ .‬ويُحدث هذا‬ ‫التقابل بين المكانين المحوريين في حياة «مي»‬ ‫وعياً مختلفاً بخصائص وجماليات كل منهما‪،‬‬ ‫إن لم يكن مضادا في مفرداته ودالالت���ه‪ ،‬ال‬ ‫سيما وأن كل من القدس‪ /‬نيويورك يحف بهما‬ ‫عداء متخفي وانشطار ذاتي‪.‬‬ ‫القدس‬ ‫اتصال‬

‫انفصال‬

‫الخيال‬

‫الواقع‬ ‫نيويورك‬

‫اتصال‬

‫انفصال‬

‫الواقع‬

‫الخيال‬

‫إن ك��ل تغير يصيب ال��م��ك��ان ي��ن��ج� ُّر عنه‬ ‫في حين أن ذات المكان في نظر يوبا‪ ،‬هو‬ ‫مجرد فضاء مجازي ذو وجود مفترض‪ ،‬بوصفه استبدال في سير األحداث اتصاال أو انفصاال‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ليستقر المكان على لحظة اتصال بتنفيذ يوبا‬ ‫لوصية «مي»‪ ،‬ذلك أن ما يشكل مفهوم المكان‬ ‫هو االنفتاح ليس بمعناه الجغرافي‪ ،‬بل بمعناه‬ ‫ال��دالل��ي؛ وت��زداد الهوّة بين المكانين عندما‬ ‫يشعر كل من يوبا و«مي»‪ ،‬باالغتراب والبعد عن‬ ‫هويتهما‪ ،‬وأي قسوة أكثر من «أن تكون أرضك‬ ‫على مرمى حجر وال تلمسها حتى بعينك؟»(‪.)19‬‬ ‫كما أن االنغالق في المكان يعدم الحركة‪ ،‬ويعبر‬ ‫عن العجز‪ ،‬وعدم القدرة على الفعل‪ ،‬والتفاعل‬ ‫سواء كان المكان القدس أم نيويورك‪.‬‬ ‫يسعى كل من يوبا و«مي» إلى تخفيف تركيز‬ ‫وطأة منفاهما المنجر عن تفكك الهوية إلى‬ ‫هويات‪ ،‬والذات إلى ذوات؛ ببناء هوية مفترضة‬ ‫تستهدف رداً معاكساً ل��ص��راع األم��ك��ن��ة؛ إذ‬ ‫تتولى الريشة والنوتة الفعل المضاد‪ ،‬باعتبار‬ ‫الفن فضا ًء حيادياً يُعبّر عن تحفّظ الفنون في‬ ‫مواجهة الموت والحياة‪.‬‬ ‫الموت‬

‫من أجل الحياة‬

‫القدس‬

‫نيويورك‬

‫من أجل الحياة‬

‫الموت‬

‫عندما يموت الطائر ح��رق�اً‪ ،‬ويصبح رم��اداً‬ ‫يخرج من الرماد طائر عنقاء جديد فائق الشبه‬ ‫بالقديم‪ ،‬يطير ع��ائ��داً إل��ى موطنه األصلي‪.‬‬ ‫العنقاء الجديد في ال��رواي��ة هو يوبا‪ ،‬الذي‬ ‫يتكفل بحمل رماد «مي» في رحلة من الغرب‬ ‫الحداثي إلى الشرق القديم‪ .‬تحترق «مي» في‬ ‫نيويورك على أمل أن تنبعث في القدس‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬نخلص م��ن خ�لال تتبعنا لتشابك‬ ‫تنجح «م��ي» بعد أن أبعدها وال��ده��ا عن‬ ‫البداية ببقية عناصر السرد في رواية «سوناتا‬ ‫�وت محقق‬ ‫ال��ق��دس خ��وف�اً على حياتها م��ن م� ٍ‬ ‫ألشباح القدس» إلى مجموعة من المالحظات‬ ‫على يد الهافاناه‪ ،‬في الوصول إلى نيويورك‬ ‫والنتائج‪ ،‬نجملها في اآلتي‪:‬‬ ‫في محاولة بناء حياة جديدة‪ ،‬وأي حياة؟ في‬ ‫نيويورك يكون موتها الفعلي‪ ،‬بعد أن تنكشف ‪ -1‬ت��ول��ت ال��ب��داي��ة ال��س��ردي��ة وظيفة تقديم‬ ‫الخلفية العامة لعوالم الرواية‪ ،‬والخلفية‬ ‫الحقيقة (وف���اة أم��ه��ا‪ ،‬وخ��ال��ت��ه��ا‪ ،)...،‬ونظرا‬ ‫الخاصة بكل شخصية‪ ،‬لنتمكن فيما بعد‬ ‫الستحالة عودتها مجدداً إلى القدس‪ ،‬تضطر‬ ‫من وصل خيوط األح��داث التي تستنتج‬ ‫إلى أن تحترق في منفاها شيئا فشيئا‪ ،‬لتذكرنا‬ ‫الحقا بعد انتهاء عملية القراءة‪ .‬غير أن‬ ‫بأسطورة طائر العنقاء الذي يحترق في عشه‬ ‫لينبعث من مكان آخ��ر‪ .‬واألسطورة تقول إنه‬ ‫القول بتحديد البداية في فقرة صغيرة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪23 )2016‬‬


‫ال‬ ‫أو ع��دد قليل األس��ط��ر‪ ،‬ال يمكنه فع ً‬ ‫أن يقبض على دالالت��ه��ا؛ وه��ذا يعني أن‬ ‫مقاربتنا لها تحتاج إلى نوع من التوسّ ع ‪ -3‬إن م��ح��اول��ة وض��ع ق��اع��دة خ��اص��ة تحكم‬ ‫واالم��ت��داد لتشمل بُنية ال��ن��ص‪ ،‬وشبكته‬ ‫مقاربتنا للبدايات السردية‪ ،‬يغدو أمرا‬ ‫الداخلية المعقدة ككل‪.‬‬ ‫ال للتحقق؛ نظرا للصلة المباشرة أو‬ ‫قاب ً‬ ‫‪ –2‬نجحت البداية في استبقائنا على مقربة‬ ‫غير المباشرة لهذا المكون بمستويات‬ ‫م��ن األح����داث‪ ،‬وإث����ارة شغفنا ال��ق��رائ��ي؛‬ ‫تشكل ال��س��رد م��ن جهة‪ ،‬وانفتاحه على‬ ‫بافتعال فجوات قادت الداللة إلى التركيز‬ ‫عوالم الحكاية من جهة أخرى؛ وهذا يعني‬ ‫والكثافة‪ ،‬وق��دم��ت األح���داث بأكثر دقة‬ ‫أن البداية وح��دة وظيفية أساسية من‬ ‫وشمولية؛ وفي الوقت نفسه تمكنت من‬ ‫وحدات الرواية‪ ،‬تمهد لما سيأتي بعدها‪،‬‬ ‫تشغيل أفق توقعنا‪ ،‬وتحريك آلية تأويلنا؛‬ ‫وت��ق��دم ال��م��درك��ات التحليلية للحوادث‬ ‫لمشاركة فعالة في بناء مدلول شخصيات‬ ‫الالحقة‪.‬‬ ‫لم نكن نعرف عنها شيئا‪ ،‬واختراق أمكنة‬ ‫وأزمنة وأحداث ومشاهد روائية‪.‬‬

‫* ‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪) 8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬

‫‪24‬‬

‫(‪) 17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬

‫قسم اللغة واألدب العربي ‪ -‬جامعة العربي بن مهيدي ‪-‬أم البواقي‪ -‬الجزائر‪.‬‬ ‫األعرج‪ ،‬واسيني‪ .‬كريماتوريوم‪ ،‬سوناتا ألشباح القدس‪ .‬ط‪ .1‬منشورات الفضاء الحر‪ ،‬الجزائر‪2008 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪.11:‬‬ ‫صدوق‪ ،‬نور الدين‪ .‬ط‪ .1‬البداية في النص الروائي‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬الالذقية‪ ،‬سوريا‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.18 :‬‬ ‫مرتاض‪ ،‬عبدالملك‪ .‬في نظرية الرواية‪ .‬دار الغرب‪ ،‬وهران‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.246 :‬‬ ‫جنيت‪ ،‬جيرار‪ .‬حدود السرد‪ .‬ط‪ .1‬تر‪ /‬بنعيسى بوحمالة‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب المغرب‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬ص‪.79:‬‬ ‫كايزر‪ ،‬ولغ غانغ‪ .‬من يحكي الرواية؟ طرائق تحليل السرد‪ .‬تر‪ /‬محمد سويرتي‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب‬ ‫المغرب‪ ،‬الرباط‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.116:‬‬ ‫مرتاض‪ ،‬عبدالملك‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.246 :‬‬ ‫بارت‪ ،‬روالن‪ .‬النقد البنيوي للحكاية‪ .‬ط‪ .1‬تر‪ /‬أنطوان أبو زيد‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ /‬باريس‪،‬‬ ‫‪1988‬م‪ ،‬ص‪.18:‬‬ ‫مرتاض‪ ،‬عبدالملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.312:‬‬ ‫لودج‪ ،‬ديفيد‪ .‬الفن الروائي‪ .‬ط‪ .1‬تر‪ /‬ماهر البطوطي‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪.45‬‬ ‫األعرج‪ ،‬واسيني‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.273:‬‬ ‫الرواية‪ ،‬ص‪.277:‬‬ ‫كايزر‪ ،‬ولغ غانغ‪ .‬من يحكي الرواية؟‪ ،‬ص‪.116:‬‬ ‫األعرج‪ ،‬واسيني‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51 :‬‬ ‫الرواية‪ ،‬ص‪.405 :‬‬ ‫الرواية‪ ،‬ص‪.319 :‬‬ ‫لوتمان‪ ،‬لوري‪ .‬جماليات المكان‪ ،‬مشكلة المكان الفني‪ .‬ط‪ .2‬تر‪ /‬سيزا قاسم‪ ،‬عيون المقاالت‪ ،‬الدار‬ ‫البيضاء‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.62 :‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.63 :‬‬ ‫المرجع نفسه‬ ‫األعرج‪ ،‬واسيني‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.316:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الصورة الكاريكاتيرية‬ ‫في الشعر العربي‬ ‫‪ρρ‬خلف أحمد أبو زيد*‬

‫إذا كان فنان الكاريكاتير‪ ،‬يجسد بالرسم والخطوط واألل��وان والظالل‪ ،‬صوره‬ ‫الفكهة‪ ،‬واقفا عند جوانب الضعف في جسم شخص‪ ،‬أو في وجهه‪ ،‬فيكبرها ويبرزها‬ ‫الفت ًا أنظارنا إلى جوانب الضعف أو العيب في الشخصية التي يرسمها؛ فنراه مرة‬ ‫ينتهز فرصة مثل تقويس حاجب أو انحناء أنف‪ ،‬أو تجعّ د جبهة‪ ،‬أو انتفاخ خدّ ‪،‬‬ ‫أو ط��ول ذق��ن‪ ،‬أو ضيق عين‪ ،‬فيعمد إل��ى تكبير ذل��ك مشوّه ًا ومستغ ًال للطبيعة‬ ‫والخلقة؛ وبذلك تصبح الصورة الساخرة‪ ،‬قويّة التعبير عن صاحبها‪ ،‬نتيجة لما‬ ‫أحدثه فنان الكاريكاتير فيها من براعة وتنافر في أوضاع الجسم والوجه‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬يوصف الفن الكاريكاتيري مجال يحتاج إلى العديد من الدراسات‬

‫دائما بأنه فن النظرة التهكمية‪ ،‬التي المستقلة؛ ولكننا هنا نتعرف على هذا‬

‫تعتمد على دق��ة المالحظة‪ ،‬وسرعة اللون من اإلب��داع في الشعر العربي‪،‬‬ ‫البديهة‪ ،‬مع السخرية من المواقف‪ ،‬من لنرى كيف أب��دع الشاعر العربي في‬

‫خالل تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسم‪ ،‬الرسم بالكلمات صوراً ساخرة عبرت‬ ‫في شكل مختلف عن ال��واق��ع‪ ،‬يهدف ع��ل��ى م���ا ي��ع��ت��م��ل داخ����ل ال��ن��ف��س من‬

‫إل��ى ال��رم��ز‪ ،‬ف��ي خليط م��ن المبالغة‪ ،‬صراعات وأه��واء وانحرافات وعيوب‪،‬‬

‫م��ع الحفاظ على الشخصية والشبه بتجسيدها وتضخيمها‪ ،‬والسخرية‬ ‫ف��ي آن واح���د‪ .‬ول��ن نستطرد هنا في منها سخرية الذعة قد تصل إلى ح ِّد‬

‫الحديث عن الفن الكاريكاتيري‪ ،‬فهذا التجريح في الكثير من األحيان‪ ،‬وفي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪25 )2016‬‬


‫ال��وق��ت نفسه جمعت ه���ذه األش��ع��ار بين اخ��ت�لاج��ات النفس البشرية‪ ،‬المصاحبة‬ ‫ال��ص��ورة الكاريكاتيرية والطرافة األدبية‪ ،‬للشكل الخارجي للشخص المصور؛ ونقتطف‬ ‫التي هدفت إلى البعد عن السأم ودرء الكلل له هذه األبيات التي يرسم من خاللها هذه‬ ‫والملل عن النفس‪.‬‬ ‫الصورة الكاريكاتيرية لرجل أحدب فيقول‪:‬‬

‫«ق � �ص� ��رت أخ� ��ادع� ��ه وط� � ��ال ق��ذال��ه‬ ‫أقسام الوجه‬ ‫ف � �ك� ��أن� ��ه م � �ت� ��رب� ��ص أن ي �ص �ف �ع��ا‬ ‫يمثل تصوير الوجه أهم عنصر من عناصر‬ ‫الفن الكاريكاتيري‪ ،‬ففنان الكاريكاتير نجده وك� � ��أن � � �م� � ��ا ص � �ف � �ع� ��ت ق � � �ف� � ��اه م � ��رة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وأح� � ��س ث��ان �ي��ة ل �ه��ا ف �ت �ج �م �ع��ا»‬ ‫يلجأ‪ ،‬إل��ى تطويل األن��ف أكثر من ال�لازم‪،‬‬

‫أو تقصيره‪ ،‬فأحياناً ي��رس��م رأس���ا كبيرا‬ ‫ومن أشعاره الطريفة أيضا هذه األبيات‬ ‫ف��وق جسم ضئيل للغاية‪ ،‬كما يلجأ إلى‬ ‫التي يصف بها صلعة أب��ي حفص ال��وراق‬ ‫استخدام اتجاهين متناقضين‪ ..‬السخرية‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫واإلط���راء في آن واح��د‪ ،‬إل��ى أخ��ر ذل��ك من‬ ‫أل��وان الصور الكاريكاتيرية المتنوعة التي «ي� ��ا ص �ل �ع��ة ألب� ��ي ح �ف��ص م �م��ردة‬ ‫ك� � � � ��أن س � ��اح � �ت � �ه � ��ا م � � � � � ��رآة ف� � � ��والذ‬ ‫تمأل صفحات الصحف والمجالت‪ ،‬وكذلك‬ ‫األمر بالكاريكاتير األدبي الذي مثله أيضاً ت� ��رن ت �ح��ت األك � ��ف ال � �ن� ��ازالت ب�ه��ا‬ ‫مثل الكاريكاتير التشكيلي‪ ،‬الذي يركز على‬ ‫ح� �ت ��ى ت � � ��رن ل� �ه ��ا أك� � �ن � ��اف ب� �غ ��داد‬ ‫أقسام الوجه‪ ،‬أكثر مما يركز على مناطق‬ ‫ك��م م��ن غناء سمعنا ف��ي جوانبها‬ ‫الجسم األخرى‪ ،‬ذلك «أنه ضرب من ضروب‬ ‫م��ن ح ��اذق ب�ل�ح��ون ال�ص�ف��ع أس�ت��اذ‬ ‫الهجاء‪ ،‬والهجاء يرسم القبح‪ ،‬والقبح مركزه‬ ‫ال شيء أحسن منها حين تأخذها‬ ‫الوجه‪ ،‬والجمال مركزه الوجه أيضاً»(‪.)1‬‬

‫‪26‬‬

‫وإذا ألقينا نظرة على تراثنا من الشعر‬ ‫الفكاهي‪ ،‬نجد أن��ه ق��د حفل بالعديد من‬ ‫القصائد واألب��ي��ات التي رسمت بالكلمات‬ ‫ال��ع��دي��د م��ن ال��ص��ور الكاريكاتيرية‪ ،‬التي‬ ‫وصفت أقسام الوجه بشكل كاريكاتيري‪،‬‬ ‫يقترب من الشكل الكاريكاتيري التشكيلي‬ ‫المعاصر‪ .‬ومن أشهر هؤالء الشعراء العرب‬ ‫الذين برعوا بالتصوير بالكاريكاتير الشاعر‬ ‫الشهير ابن الرومي‪ ،‬ال��ذي كان دقيقاً في‬ ‫تصويره‪ ،‬إلى حد أنه كان ال يهمل تصوير‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫م ��ن األك � ��ف س �م ��اء ذات أرذاذ»‬

‫(‪)3‬‬

‫ويستمر ابن الرومي في رسم هذه الصور‬ ‫الكاريكاتيرية الفكهة للوجه‪ ،‬وه��ذه المرة‬ ‫يرسم ه��ذه ال��ص��ورة لرجل يدعي «دب��س»‬ ‫فيقول واصفا إياه‪:‬‬

‫«وإذا ج �ل �س��ت أذي خ �ش��ا م� ��ك‬ ‫م� � � � � � � � ��ن ي � � � � � �ض� � � � � ��م ال� � � �م� � � �ج� � � �ل � � ��س‬ ‫(‪)4‬‬

‫ف � �ك� ��أن � �م� ��ا ال � � � �ك� � � ��ري� � � ��اس(‪ )5‬ي �ن �ف��خ‬ ‫م � � � � � � �ن� � � � � � ��ك ح � � � � � � �ي� � � � � � ��ن ت� � � �ن� � � �ف � � ��س‬


‫وإذا ن � �ه � �ض � ��ت ك � � �ب � ��ا ب� ��وج � �ه� ��ك‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ل � � �ل � � �ج � � �ب � � �ي� � ��ن ال� � � � �م� � � � �ع� � � � �ط � � � ��س إن ق� � � �ل � � ��ت م� � � � ��ن ن� � � � � � ��ار خ� �ل� �ق ��ت‬ ‫وف � � � �ق� � � ��ت ك � � � ��ل ال � � � � �ن � � � ��اس ف � �ه � �م � � ًا‬ ‫ف � � � � � ��األن � � � � � ��ف م� � � � �ن � � � ��ك ل � �ع � �ظ � �م� ��ة‬ ‫أب� � � � � � � � � � � ��دا ل � � � ��وج � � � � �ه � � � ��ك ي� � �ع� � �ك � ��س ق� � �ل� � �ن � ��ا ص� � � ��دق� � � ��ت ف � � �م � � ��ا ال� � � � ��ذي‬ ‫ح� � � �ت � � ��ى ي� � � �ظ � � ��ن ال � � � � �ن� � � � ��اس أن � � ��ك‬ ‫ف� � � � � � � � ��ي ال� � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � ��راب ت� � � � �ف � � � ��رس‬

‫أط� �ف ��أك ح �ت��ى ص� ��رت ف� �ح� �م ��ا»‬

‫(‪)10‬‬

‫وهذا الشاعر الجزار‪ ،‬وهو شاعر عرف‬ ‫بأشعاره الفكاهية‪ ،‬حيث كان يعترف الجزارة‪،‬‬ ‫وألن � � � � � � � � � � � ��ت أج � � � � � � � � � � � ��در ب� � � � ��ال� � � � ��ذي‬ ‫ق � � � ��ال ال� � �ف� � �ت � ��ي ال� � �م� � �ت� � �ن� � �ط � ��س»(‪ )7‬ومن أجل ذلك‪ ،‬لقب بالجزار الشاعر‪ ،‬ومن‬ ‫دعاباته مع أبيه‪ ،‬وكان قد تزوج في شيخوخته‬ ‫إن ك � � � � � � � � ��ان أن � � � � � �ف� � � � � ��ك ه� � � �ك � � ��ذا‬ ‫ف � � ��ال� � � �ف� � � �ي � � ��ل ع � � � � �ن � � � ��دك أف � � �ط� � ��س من امرأة مسنة‪:‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫صديقاً له‪:‬‬

‫ت� � � � � � ��زوج ال � � �ش � � �ي� � ��خ أب � � � � ��ي ش� �ي� �خ ��ة‬ ‫وإذا ج � �ل � �س� ��ت ع � �ل � ��ى ال � �ط� ��ري� ��ق‬ ‫ل � � �ي� � ��س ل � � �ه� � ��ا ع � � �ق� � ��ل وال ذه� � ��ن‬ ‫وال أرى ل� � � � � � � ��ك ت� � �ج � � �ل � ��س‬ ‫ق� � � �ي � � ��ل ال � � � � �س � �ل � ��ام (ع� � �ل� � �ي� � �ك� � �م � ��ا)‬ ‫ف � �ت � �ج � �ي� ��ب أن � � � � ��ت وي� � � � � �خ � � � � ��رس»‬

‫(‪)8‬‬

‫ل� ��و ب � � ��رزت ص ��ورت� �ه ��ا ف� ��ي ال ��دج ��ي‬ ‫م � � ��ا ج � � �س� � ��رت ت � �ب � �ص� ��ره� ��ا ال� �ج ��ن‬

‫ول��ن��ت��رك اب���ن ال��روم��ي إل���ى ش��اع��ر أخ��ر ك � � ��أن � � � �ه � � ��ا ف � � � � ��ي ف � � ��رش � � � �ه � � ��ا رم � � ��ة‬ ‫هو أبو منصور األصفهاني‪ ،‬ال��ذي برع في‬ ‫وش � � �ع� � ��ره� � ��ا م � � ��ن ح � ��ول� � �ه � ��ا ق �ط��ن‬

‫وصف أنف رجل يدعي المغيرة‪ ،‬فأنشد هذه‬ ‫األبيات‪:‬‬

‫وج � � � � � ��ه ال � � �م � � �غ � � �ي� � ��رة ك � � �ل� � ��ه أن� � ��ف‬ ‫م� � � � � � ��وف ع � � �ل � � �ي� � ��ه ك � � � ��أن � � � ��ه س � �ق ��ف‬

‫وق � � � � ��ائ � � � � ��ل ق � � � � � � ��ال ف � � � �م � � ��ا س � �ن � �ه� ��ا‬ ‫(‪)11‬‬ ‫ف� �ق� �ل ��ت م � ��ا ف � ��ي ف� �م� �ه ��ا س� � � � ��ن»‬ ‫التشبيه بمخلوقات غير بشرية‬

‫كما لجأ الشاعر العربي إلى نحو ما يفعله‬ ‫م� � � ��ن ح � �ي � �ث � �م� ��ا ت � ��أت� � �ي � ��ه ت� �ب� �ص ��ره‬ ‫م� � ��ن أج� � � ��ل ذاك أم� � ��ام� � ��ه خ �ل��ف رسام الكاريكاتير اآلن‪ ،‬بالتشبيه بمخلوقات‬ ‫غير بشرية‪ ،‬وبخاصة الطيور والحيوانات‪،‬‬ ‫ح � � � � �ص� � � � ��ن م � � � � � � ��ن ك � � � � � � ��ل ن � � ��ائ � � �ب � � ��ة‬ ‫وع � � �ل � ��ى ب � �ن � �ي� ��ه ب � � �ع � ��ده وق � � � � � ��ف»(‪ )9‬وم��ن ذل��ك ه��ذا البيت للشاعر اب��ن ق��ادوس‬ ‫الدمياطي الذي يصف فيه صديقه الشاعر‬ ‫ونرصد هذه الصورة الكاريكاتيرية التي‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫رسمها الشاعر بن قادوس الدمياطي‪ ،‬الذي‬ ‫يعد من أهم الشعراء الفكهين في العصر ذو ع � � � � � ��ارض ك � � ��ال� � � �غ � � ��راب ل � ��ون� � � ًا‬ ‫(‪)12‬‬ ‫وش � � � � � ��ارب م � �ث� ��ل ري� � � ��ش ب� � �ب� � �غ � ��ا‬ ‫الفاطمي‪ ،‬فينشد متهكما بشاعر أسود كان‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪27 )2016‬‬


‫ومن ذلك قول هذا الشاعر فيمن يسمى رأي � � � � � � � � ��ت ال � � � �ف � � � �ض� � � ��ل م � �ك � �ت � �ئ � �ب � � ًا‬ ‫عيسى مورياً في اسمه‪ ،‬ألن العيس تطلق‬ ‫ي � � �ن� � ��اغ� � ��ي ال � � �خ � � �ب� � ��ز وال� � �س� � �م� � �ك � ��ا‬ ‫على اإلبل‪ ،‬وهو يالحظ ذلك فيقول‪:‬‬

‫ف � � � �ق� � � � ّ�ط� � � ��ب ح � � � �ي� � � ��ن أب� � � �ص � � ��رن � � ��ي‬ ‫ون � � � � � � � � َك� � � � � � � ��س وج� � � � � � �ه � � � � � ��ه وب � � � �ك� � � ��ى‬

‫ع� � � � �ي� � � � �س � � � ��ى وم � � � � � � � � � ��ن م � � � � ��دح � � � � ��وه‬ ‫م � � � � ��ا ش� � � �م � � ��ت ف � � �ي � � �ه� � ��م رئ � � �ي � � �س � � � ًا ف� � � � �ل� � � � �م � � � ��ا أن ح� � � � �ل� � � � �ف � � � ��ت ل � ��ه‬ ‫(‪)15‬‬ ‫ب � � ��أن � � ��ي ص� � � ��ائ� � � ��مٌ ض� � � � ِ�ح � � � �ك� � � ��ا!‬ ‫وم� � � � � � � � � � � � ��ا رأي� � � � � � � � � � � � � � � ��ت أن� � � � � � � ��اس � � � � � � � � ًا‬ ‫ويرسم لنا ابن الرومي صورة كاريكاتيرية‬ ‫ل� � � �ك � � ��ن ح � � � �م � � � �ي � � � ��ر ًا و(ع� � � �ي� � � �س � � ��ا)‬ ‫أخرى لمائدة عيسي الوراق‪ ،‬الذي كثيراً ما‬ ‫وهناك شخص كان يسمى «علي باي بن‬ ‫ناله ابن الرومي بسخرياته ونقده ال�لاذع‪،‬‬ ‫برقوق»‪ ،‬نبزه بعض أصدقائه باسم زالبية‪،‬‬ ‫حتى لقب بمهجو ابن الرومي الدائم؛ فيصور‬ ‫وأشيع ذلك‪ ،‬فقال بعض الشعراء‪:‬‬ ‫لنا صحون وأط��ب��اق مائدته التي ال يمكن‬ ‫ق� ��د ش �ب �ه ��وه ب �م ��ن ي ��دع ��ى زالب �ي ��ة‬ ‫رؤيتها بالعين المجردة‪:‬‬

‫وص � ��ح ت �ش �ب �ي �ه �ه��م واألب ب��رق ��وق خ� � � � ��وان ع� �ي� �س ��ى ن � �ص� ��ف ت ��رم �س ��ة‬ ‫وص� �ح� �ف� �ت ��اه م� ��ن ف �ل �ق �ت��ي ع��دس��ه‬ ‫ل �ك �ن �ه��م ف��ات �ه��م ف ��ي ال� � ��وز ن�س�ب�ت��ه‬ ‫(‪)13‬‬ ‫ف ��إن اس ��م أب �ي��ه ن�ص�ف��ه (ق � � ��وق)‬ ‫م� � � � � ��ن ذرة ذرة ج� � � � � � � � � ��راد ق� ��ه‬ ‫تصوير السلوك ووصف الحال‬

‫ت�خ�ف��ي ع��ن ال�ع�ي��ن ف�ه��ي ملتمسه‬

‫وإذا ألقينا نظرة على تراثنا الشعري ل� ��و ن �خ �ل��ت ب ��ال� �ح ��ري ��ر الن �س��رب��ت‬ ‫م ��ن خ �ل��ل ال �ن �س��ج غ �ي��ر محتبسه‬ ‫ال���ف���ك���اه���ي‪ ،‬ن��ج��د ال���ع���دي���د م���ن ال��ص��ور‬

‫‪28‬‬

‫الكاريكاتيرية التي تصور السلوك البشري‪،‬‬ ‫وف���ي م��وض��ع أخ���ر ي��ص��ف اب���ن ال��روم��ي‬ ‫وتخرج لنا عيوب ونقائص النفس البشرية‪ ،‬عيسى هذا بقوله‪:‬‬ ‫فالفنان الساخر كما يقول برجسون «لديه يُ � � �ق � � � ِّت� � ��ر ع � �ي � �س� ��ى ع� � �ل � ��ي ن� �ف� �س ��ه‬ ‫القدرة على رؤية النزعة الكامنة في النفس‪،‬‬ ‫�اق وال خ � ��ال � ��د‬ ‫ول� � � � �ي � � � ��س ب� � � � � �ب � � � � � ٍ‬ ‫وإخ��راج��ه��ا للسطح ع��ن طريق المبالغات‬ ‫ف � � �ل� � ��و ي� � �س� � �ت� � �ط� � �ي � ��عُ ل � �ت � �ق � �ت � �ي� ��ره‬ ‫ليبرز الخلل الكامن فيها»(‪ .)14‬ونبدأ من هذه‬ ‫(‪)16‬‬ ‫ت� �ن� �ف ��س م� � ��ن م � �ن � �خ� ��رٍ واح � � � � � ��د‬ ‫األبيات الطريفة للشاعر الحسن بن هانئ‪،‬‬ ‫ويرسم لنا الشاعر الجزار هذه الصورة‬ ‫ال��م��ع��روف ب��أب��ي ن���واس‪ ،‬ال���ذي ي��رس��م هذه‬ ‫الصورة الكاريكاتيرية‪ ،‬ألحد البخالء وهو الكاريكاتيرية ألحد البخالء فيقول‪:‬‬ ‫جالس حول مائدته‪ ،‬مضطرب يتأرجح بين ال ي � �س � �ت � �ط � �ي� ��ع ي� � � � � ��رى رغ� � �ي� � �ف� � � ًا‬ ‫الشئ ونقيضه فيقول‪:‬‬ ‫ع� � � � �ن � � � ��ده ف� � � � ��ي ال� � � �ب� � � �ي � � ��ت ي� �ك� �س ��ر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق��د ينتقد اإلن��س��ان نفسه فيكون أكثر‬

‫أما الشاعر البهاء زهير‪ ،‬الذي كان يكثر صدقاً في ه��ذا االنتقاد‪ ،‬ومما ي��دل أيضاً‬ ‫في شعره من التظرف والمزاح والدعابة‪ ،‬على معرفته التامة بأنه بشر محدود مليء‬ ‫فيرسم لنا هذه الصورة الكاريكاتيرية لبغلة بالمسالب والنقائص‪ ،‬كما أنه بذلك عندما‬ ‫صاحبه‪ ،‬الذي ساء حاله فاضطره الزمان أن ينتقد ويسخر من نفسه‪ ،‬فإن هذا يعني أنه‬ ‫يمتطي ظهر هذه البغلة الهزيلة فيقول‪:‬‬ ‫قادر على مجابهة اآلخرين والصمود أمام‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ف� � � �ل � � ��و ان� � � � � � ��ه ص� � � �ل � � ��ى وح � � � ��اش � � � ��اه‬ ‫(‪)17‬‬ ‫ل � � � � �ق� � � � ��ال ال � � � �خ � � � �ب� � � ��ز أك � � � � � � �ب � � � � � ��ر‬

‫السخرية ونقد النفس‬

‫نقدهم وسخرياتهم‪ .‬ويقابلنا في ذلك نموذج‬

‫ل � � � � � ��ك ي � � � � � ��ا ص � � � ��دي� � � � �ق � � � ��ي ب � �غ � �ل� ��ة‬ ‫ل� � � �ي� � � �س � � ��ت ت � � � � � �س� � � � � ��اوي خ� � � ��ردل� � � ��ه الشاعر أبي الشمقمق‪ ،‬الذي يصف حاله‪،‬‬ ‫ت � �م � �ش� ��ي ف� �ت� �ح� �س� �ب� �ه ��ا ال � �ع � �ي� ��ون‬ ‫ع � � � �ل� � � ��ى ال � � � � �ط� � � � ��ري� � � � ��ق م � �ش � �ك � �ل� ��ه‬

‫وينتقد حياته‪ ،‬خالل وصف داره‪ ،‬الذي أقفر‬

‫من كل شيء حتى عافته الفئران‪ ،‬من يأسها‬ ‫من العثور على شيء يؤكل فيه‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫وت� � � � � � � � �خ � � � � � � � ��ال م � � � � � � � ��دب � � � � � � � ��رة إذا‬ ‫ول � �ق� ��د ق� �ل ��ت ح� �ي ��ن أق � �ف� ��ر ب �ي �ت��ي‬ ‫م � � � � � ��ا أق� � � � �ب� � � � �ل � � � ��ت م � �س � �ت � �ع � �ج � �ل� ��ة‬ ‫م� ��ن ج � � ��راب ال ��دق� �ي ��ق وال� �ف� �خ ��ارة‬ ‫م� � � �ق � � ��دار خ � �ط� ��وت � �ه� ��ا ال � �ط� ��وي � �ل� ��ة‬ ‫ح � � � � � �ي� � � � � ��ن ت� � � � � � � �س � � � � � � ��رع أن � � � �م � � � �ل� � � ��ه ف� � ��أرى ال � �ف� ��أر ق� ��د ت �ج � ّن �ب ��نَ ب�ي�ت��ي‬ ‫ع� � � ��ائ� � � ��ذات م � �ن� ��ه ب � � � � ��دار األم � � � � ��ارة‬ ‫ت� � � � �ه� � � � �ت � � � ��ز وه� � � � � � � � � � ��ي م� � � �ك � � ��ان� � � �ه � � ��ا‬ ‫ف� � � �ك � � ��أن� � � �ه � � ��ا ه � � � � ��ي زل � � � � � � ��زل � � � � � � ��ة(‪ )18‬ودع� � � � ��ا ب� ��ال� ��رح � �ي� ��ل ذب� � � � ��ان ب �ي �ت��ي‬ ‫ب � �ي� ��ن م � �ق � �ص� ��وص� ��ة إل� � � ��ى ط � �ي� ��ارة‬

‫أما الشاعر بشار بن برد‪ ،‬فقد كان أسعد‬ ‫حاالً من حال صديق الشاعر البهاء زهير‪ ،‬وأق� � ��ام ال� �س� � َّن ��ور ف ��ي ال �ب �ي��ت ح ��و ًال‬ ‫(‪)20‬‬ ‫م��ا ي��رى ف��ي ج��ان��ب البيت ف ��أرة‬ ‫فقد صلح حاله‪ ،‬وهيأت له األقدار‪ ،‬أن يُركبه‬ ‫الزمان حماراً ليس يشبهه حمار أخر فيقول‪:‬‬ ‫وكذلك الشاعر بن الجزار‪ ،‬الذي يستخرج‬ ‫منا الضحك من خ�لال ه��ذه الصورة التي‬

‫كثر الحمير وقد أرى في صحبتي‬ ‫م �ن �ه��ن أق � �م� ��ر م �ن �ع �ج��ا ب ��ال ��راك ��ب يرسمها إلى منزله‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫ودار خ � � � � ��رب ب � � �ه � ��ا ق� � � ��د ن� ��زل� ��ت‬ ‫يمشي ف�ي�ض��رط م��ن ن�ش��اط ع��ارم‬ ‫ول � � �ك� � ��ن ن� � ��زل� � ��ت إل � � � ��ى ال � �س ��اب � �ع ��ة‬ ‫سبعين أو م��ائ��ة ح�س��اب الحاسب‬ ‫وإذا ت� � �م � ��رغ ع� � � ��دّ أل� � �ف � ��ا ك� ��ام�ل� ً�ا‬ ‫يدع المراغة مثل أمس الذاهب‬

‫(‪)19‬‬

‫ف �ل ��ا ف� � � ��رق م� � ��ا ب � �ي� ��ن أن� � � ��ي أك� � ��ون‬ ‫ب � �ه� ��ا أو أك� � � � ��ون ع � �ل� ��ى ال � �ق� ��ارع� ��ة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪29 )2016‬‬


‫ت� � � �س � � ��اوره � � ��ا ه � � � �ف� � � ��وات ال� �ن� �س� �ي ��م‬ ‫أي � � ��ن ل �ل �ع �ن �ك �ب ��وت ب� �ي ��ت ض �ع �ي��ف‬ ‫م�ث�ل��ه‪ ،‬وه��و م�ث��ل عقلي الضعيف‬ ‫ف � �ت � �ص � �غ � ��ي ب � �ل� ��ا أذن س� ��ام � �ع� ��ه‬ ‫ب�ق�ع��ة ص��د م�ط�ل��ع ال�ش�م��س عنها‬ ‫واخ � �ش� ��ى ب� �ه ��ا أن أق � �ي ��م ال� �ص�ل�اة‬ ‫ف��أن��ا م��ذ سكنتها ف��ي ال�ك�س��وف‬ ‫ف� �ت� �س� �ج ��د ح� �ي� �ط ��ان� �ه ��ا ال� ��راك � �ع� ��ة‬ ‫إذا م � � ��ا ق � � � � ��رأت (إذا زل� � ��زل� � ��ت)‬ ‫(‪)21‬‬ ‫خ �ش �ي��ت ب ��أن ت �ق��رأ (ال ��واق � �ع ��ة)‬

‫(‪)22‬‬

‫وفي كلمة الكسوف هنا تورية واضحة‪،‬‬ ‫إذ أري���د بها ال��خ��ج��ل‪ ،‬ال ك��س��وف الشمس‬ ‫المعروف‪.‬‬

‫ونختم هذه اإلطالة بهذه األبيات للشاعر‬ ‫وف����ي ال��ن��ه��اي��ة ن���ق���ول‪ ،‬إذا ك����ان ف��ن��ان‬ ‫ابن مكنسة الذي يصور ضيق منزله وقذارته‪،‬‬ ‫الكاريكاتير‪ ،‬يجسد صوره الفكهة‪ ،‬بالخطوط‬ ‫وأن الشمس ال تدخله‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫واألل��وان‪ ،‬فإن الشاعر الساخر قد أستطاع‬ ‫ل � � � ��ي ب � � �ي� � ��ت ك � � ��أن � � ��ه ب � � �ي� � ��ت ش� �ع ��ر‬ ‫أن يرسم سخرياته بالكلمات‪ ،‬فالشعر رسم‬ ‫الب ��ن ح �ج��اج م��ن ق�ص�ي��د سخيف ناطق‪ ،‬والرسم شعر صامت‪.‬‬ ‫ * كاتب من مصر‪.‬‬ ‫((‪(1‬مجلة الفيصل‪ ،‬العدد ‪ ،185‬ص‪.116‬‬ ‫((‪(2‬ديوان ابن الرومي‪ ،‬تحقيق د‪ /‬حسين نصار‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬عام ‪1972‬م‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬ ‫ص ‪.815‬‬ ‫((‪(3‬المصدر السابق‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.815‬‬ ‫((‪(4‬الخشام‪ ،‬األنف‪.‬‬ ‫((‪(5‬الكرياس بيت الخالء‪.‬‬ ‫((‪(6‬األنف‪.‬‬ ‫((‪(7‬المتعالم‪.‬‬ ‫((‪(8‬ديوان ابن الرومي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.1195 ،1194‬‬ ‫((‪(9‬الفكاهة في األدب العربي‪ ،‬فتحي محمد معوض‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬عام‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪(1(1‬الفكاهة في مصر‪ ،‬د‪ /‬شوقي ضيف‪ ،‬الناشر دار المعارف مصر‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫(‪(1(1‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪(1(1‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪(1(1‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪(1(1‬مجلة المنهل‪ ،‬العدد ‪ ،478‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪(1(1‬ديوان أبي نواس‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ،‬ص ‪.475‬‬ ‫(‪(1(1‬ديوان ابن الرومي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.1175‬‬ ‫(‪(1(1‬الفكاهة في مصر‪ ،‬مصدر سابق‪.63 ،‬‬ ‫(‪(1(1‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪(1(1‬الفكاهة في األدب العربي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪(2(2‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫(‪(2(2‬الفكاهة في مصر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫(‪(2(2‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫رمــــزية الماء في التراث الشعري العربي‬ ‫دراسة سيميائية ‪ -‬عزيز العرباوي‬ ‫‪ρρ‬سعيد بوعيطة*‬

‫الشعر (اإلبداع عامة) رؤيا للحياة والكون‪ ،‬وذلك من خالل تفاعل هذه الذات‬ ‫المبدعة تجاه هذا العالم الخارجي وتجاه ال��ذات نفسها‪ .‬فاإلنسان (كما تشير‬ ‫الفيلسوفة الوجودية سيمون دو بوفوار في كتابها (نحو أخالق وجودية)‪ ،‬ينسج‬ ‫عالقة مع العالم الذي يحيط به‪ .‬هذا العالم المتعدد العناصر والمشبع بالدالالت‬ ‫والرموز المختلفة‪ .‬لكن على الرغم من هذا االرتباط‪ ،‬فإن هذه الداللة تختلف‬ ‫من ثقافة ألخرى (نشير هنا إلى المعنى األنثروبولوجي للثقافة)‪ ،‬ومن حضارة‬ ‫ألخ��رى‪ .‬وإذا كانت ه��ذه ال�ع��وال��م ال��رم��زي��ة وال��دالل�ي��ة ح��اض��رة ف��ي الحياة العامة‬ ‫لإلنسان‪ ،‬فإنها أكثر حضورا في اإلبداع عامة والشعر على وجه الخصوص‪ .‬ولعل‬ ‫من أب��رز هذه العناصر‪ :‬النار‪ ،‬الماء‪ ،‬الطير‪ ،‬الحيوان‪ ،‬الطبيعة‪ ،‬الحياة‪ ،‬الموت‪،‬‬ ‫إلخ‪...‬‬

‫ف��ك��ي��ف ت��ج �لّ��ت ه���ذا ال���رم���وز‪ ،‬وم��ا المغربي عزيز العرباوي‪ ،‬الصادر ضمن‬

‫دالالتها في الثقافة والشعر العربيين؟ سلسلة كتب (مجلة الرافد اإلماراتية)‬ ‫وكيف تلقّاها المتلقي العربي؟ وكيف فبراير ‪2015‬م‪.‬‬ ‫أسهمت في إغناء النص الشعري؟‬

‫جاء الكتاب في (‪ )192‬صفحة‪ .‬إن‬

‫لعل هذه األسئلة المحورية وغيرها‪ ،‬عنوان الكتاب هو عنوان الفصل الثالث‬

‫ه��ي ال��ت��ي شكلت المنطلق األس���اس نفسه‪ .‬ال��ذي جاء فيما يقارب (‪)117‬‬

‫لكتاب «رمزية الماء في التراث الشعري صفحة‪ .‬وهو من أكثر الفصول األخرى‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ،‬دراس���ة سيميائية»‪ ،‬للباحث اق��ت��راب��ا م��ن ع��ن��وان الكتاب م��ن جهة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪31 )2016‬‬


‫وأكثرها من ناحية المادية النصية‪ .‬يتكون‬ ‫الكتاب من مقدمة وثالثة فصول وخاتمة‪،‬‬ ‫وقائمة للمصادر والمراجع‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬مدخل إلى فهم‬ ‫السيميائيات‬ ‫‪ -1‬تحديد المفهوم‬

‫‪32‬‬

‫عمل الباحث في الفصل األول‪ -‬مدخل‬ ‫إل��ى السيميائيات ‪ -‬على تحديد مفهوم‬ ‫ال��س��ي��م��ي��ائ��ي��ات وم��وض��وع��ه��ا وات��ج��اه��ات��ه��ا‬ ‫المختلفة‪ ،‬مع االهتمام ‪-‬كما يشير الباحث‬ ‫ف��ي الصفحة ال��ث��ام��ن��ة‪ -‬بمفهوم ال��دالل��ة‬ ‫ومعناها ف��ي ال��ت��راث ال��ع��رب��ي‪ ،‬وذل���ك من‬ ‫خالل استحضار العديد من اآلراء والتعارف‬ ‫ال��ت��ي ت��ن��اول��ت ه���ذا ال��م��ف��ه��وم ف��ي ت��راث��ن��ا‬ ‫األدب��ي والفكري‪ .‬وفي إطار تحديد مفهوم‬ ‫السيميائيات‪ ،‬والبحث في جذورها‪ ،‬انطلق‬ ‫من اللسانيات السوسيرية التي اعتبرها‬ ‫المنطلق األساس للبحث السيميائي‪ .‬لكون‬ ‫ه���ذه األخ���ي���رة ق��د اس��ت��م��دت ال��ع��دي��د من‬ ‫المفاهيم واألس���س المعرفية م��ن البحث‬ ‫اللساني‪ .‬كما هو الشأن بالنسبة للثنائية‬ ‫ال��ت��ي ح��دده��ا ف��ردن��ان دو س��وس��ي��ر‪ :‬اللغة‬ ‫والكالم‪ ،‬الصوت والمعنى‪ ،‬المحور التعاقبي‬ ‫والمحور التزامني‪ ،‬الدال والمدلول‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫إال إن المرجعية المعرفية للبحث السميائي‬ ‫عامة متعددة؛ فقد استمد أصوله ومبادئه‬ ‫من مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية‬ ‫أه��م��ه��ا‪ :‬ال��ل��س��ان��ي��ات‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬المنطق‪،‬‬ ‫التحليل النفسي واألنطروبولوجيا (وم��ن‬ ‫هذه الحقول‪ ،‬استمدت السيميائيات أغلب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫مفاهيمها وطرق تحليلها)‪ .‬ولتحديد مسألة‬ ‫موضوع السيميائيات بشكل واض��ح‪ ،‬يمكن‬ ‫المقارنة بين كتاب عزيز ال��ع��رب��اوي هذا‬ ‫وكتاب الباحث سعيد بنكراد (السيميائيات‬ ‫مفاهيمها وتطبيقاتها) ص ‪ .16‬وقد اعتمده‬ ‫الباحث في مراجعه‪ .‬لكن (حسب تصوري)‬ ‫لم يستفد الباحث بشكل شمولي من التصور‬ ‫الذي قدمه سعيد بنكراد في كتابه المذكور‪.‬‬ ‫بعد هذا التحديد المقتضب (والضبابي‬ ‫في بعض األحيان من طرف الباحث)‪ ،‬أشار‬ ‫إلى تصورات مجموعة من الباحثين في هذا‬ ‫المجال‪ :‬الباحث المغربي حسن مسكين‪،‬‬ ‫عامر الحلواني‪ ،‬روبرت شولز‪ ،‬مبارك حنون؛‬ ‫التي غالبا ما تصب في تصور معرفي واحد‪،‬‬ ‫لكن بنوع من اإليجاز‪.‬‬ ‫‪ -2‬موضوع السيميائيات واجتاهاتها‬

‫انتقل بعد ذل��ك للحديث ع��ن موضوع‬ ‫السيميائيات واتجاهاتها‪ .‬ويرى أن الموضوع‬ ‫ال��س��ي��م��ي��ائ��ي أش��م��ل م��م��ا ي��ت��ص��وره بعض‬ ‫المهتمين؛ إذ يشمل ج��ل أنظمة الثقافة‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫بمعناها األنطربولوجي وال��ش��ام��ل‪ ،‬بحيث ومن أجل تقريب مفهوم داللة االلتزام كما‬ ‫تعرف السيميائيات حسب الباحث‪ ،‬تداخال يشير ال��ع��رب��اوي‪ ،‬عمل على تقديم مفهوم‬ ‫بينها وبين مجموعة من الحقول الثقافية الالزم والملزوم‪.‬‬ ‫األخ��رى؛ لكون السنن الثقافية هي الكفيلة‬ ‫‪ -4‬السيميائيات يف التراث العربي‬ ‫بتوجيه عملية التلقّي والتأويل‪.‬‬ ‫يؤكد الباحث على أن ال��ت��راث العربي‬ ‫‪ -3‬معنى الداللة يف التراث العربي‬ ‫واإلنساني عامة‪ ،‬قد ترك أفكاراً سيميائي ًة‬ ‫ي����رى ال���ب���اح���ث ب����أن اع���ت���م���اد ال��ب��ح��ث عميق ًة متناثر ًة في علوم متنوعة‪ .‬كما يورد‬ ‫السيميائي على بعد ال��دالل��ة (ال��ع�لام��ة) (ف��ي ه��ذا اإلط���ار)‪ ،‬تصور الباحث مبارك‬ ‫التداولي‪ ،‬جعلها تقترب من التأويل‪ .‬ليصبح حنون ال��ذي ي��رى ب��أن ال��ت��راث العربي قد‬ ‫حسب عزيز العرباوي (علم التأويل الداللي احتوى على العديد من األفكار السيميائية‪،‬‬ ‫علما يدرس النصوص استناداً إلى دالالت ال��ت��ي يمكنها أن تشكل م��ك��ون��ا ف��ع��اال من‬ ‫النص وفضاء التلقي؛ فهذا التأويل الداللي م��ك��ون��ات ال��ن��ظ��ري��ة السيميائية الحديثة‬ ‫ينتج عن العملية التي تمنح القارئ التجلّي (ص ‪ .)26‬كما أورد الباحث مجموعة من‬ ‫الخطي داللة النص النهائية) ص ‪.18‬‬ ‫المفاهيم ال��ت��ي ع��رف��ه��ا ال��ت��راث ال��ع��رب��ي‪:‬‬ ‫وف��ي تناوله لمفهوم الداللة في التراث السمة‪ ،‬األمارة‪ ،‬الدليل واألثر‪ .‬يرى الباحث‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ،‬أش��ار الباحث إل��ى مجموعة من بأن لهذه المفاهيم عالقة بمفهوم العالمة‪،‬‬ ‫اآلراء لمجموعة م��ن ال��ب��اح��ث��ي��ن‪ :‬الشيخ إال إن ما بيَّن ٌه العرباوي (خاصة على مستوى‬ ‫إبراهيم ال��ب��اج��وري‪ ،‬م��ب��ارك ح��ن��ون‪ ،‬زكريا هذا المصطلح) يخالف ما ذهبت إليه أغلب‬ ‫األنصاري‪ ،‬محمد جعيط‪ .‬وقد أخذ الباحث الدراسات الحديثة‪.‬‬ ‫برأي الباحث مبارك حنون‪ .‬الذي ميّز بين‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬املاء إكسير احلياة‬ ‫ثالثة مظاهر للداللة كما تجلت في التراث‬ ‫أما في هذا الفصل‪ ،‬فقد حاول الباحث‬ ‫العربي‪ :‬دالل��ة المطابقة‪ ،‬دالل��ة التضمين‪،‬‬ ‫داللة االلتزام‪ .‬لكن حسب تصورنا الخاص‪ ،‬دراسة موضوع الماء بوصفه عنصرا حيويا‬ ‫ف��إن المسألة أوس��ع من ذل��ك بكثير؛ لكون وضروريا في الحياة‪ ،‬وكذا لجميع الكائنات‬ ‫األبحاث الداللية في الفكر العربي التراثي‪ ،‬الحية في الكون؛ بحيث عمل على تحديد‬ ‫ال يمكن حصرها في حقل معين من اإلنتاج مفهومه اللغوي واالصطالحي‪ ،‬كما حدده‬ ‫ال��ف��ك��ري‪ ،‬ب��ل ه��ي ت��ت��وزع لتشمل مساحة من خالل الرموز التي يتخذها في الثقافة‬ ‫شاسعة من العلوم؛ ألنها مدينة «للتحاور الشعبية واألس��ط��ورة البشرية بشكل عام‪،‬‬ ‫بين المنطق وعلوم المناظرة وأصول الفقه وح�����دده ك��ذل��ك م���ن خ�ل�ال ت��ص��ور ال��دي��ن‬ ‫والتفسير والنقد األدب��ي والبيان‪ ،‬خاصة اإلس�لام��ي‪ .‬خاصة كما يشير الباحث في‬ ‫انطالقا من القرن الثالث الهجري وما تاله‪ .‬الصفحة التاسعة م��ن الكتاب‪ :‬م��ن خالل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪33 )2016‬‬


‫أهميته ل�لإن��س��ان‪ ،‬وقدسيته ف��ي ارتباطه‬ ‫بالخلق وبالعرش اإللهي‪.‬‬ ‫في تقديم هذا الفصل‪ ،‬أشار الباحث إلى‬ ‫فصلت القول في‬ ‫مجموعة من اآلراء التي َّ‬ ‫عنصر الماء‪ ،‬وعلى رأسهم غاستون باشالر‪،‬‬ ‫الباحثة هدى فهد المعجل‪ .‬كما استحضر‬ ‫الباحث مجموعة من النصوص الدينية التي‬ ‫جاء فيها ذكر الماء‪ .‬وتحت عنوان (طقوس‬ ‫الماء في الثقافة الشعبية)‪ ،‬أشار الباحث إلى‬ ‫مجموعة من الطقوس الشعبية الرائجة في‬ ‫شمالي إفريقيا‪ .‬أهمها طقس عروس المطر‬ ‫(تاغنجا أو تاسليت)‪ ،‬وال���ذي يعد طقساً‬ ‫م��ن أق���دم الشعائر االستسقائية‪ .‬يهدف‬ ‫إلى استمطار السماء في موسم الجفاف‪.‬‬ ‫كما تناول الباحث طقوس احتفاالت يوم‬ ‫ع���اش���وراء ف��ي ال��م��غ��رب‪ .‬بحيث ت��ت��م عبر‬ ‫عملية رش الماء‪ .‬إنها عادة شعبية موغلة‬ ‫في الثقافة الشعبية المغربية‪ .‬وتحت عنوان‬ ‫(رمزية الماء في اإلس�لام)‪ ،‬أش��ار الباحث‬ ‫إل��ى األهمية القصوى التي احتلها الماء‬ ‫في اإلسالم‪ .‬وقد أورد الباحث قوال للكاتبة‬ ‫نعيمة عبدالفتاح ن��اص��ف‪ ،‬التي ت��رى بأن‬ ‫الحياة قد نشأت منذ البداية‪ ،‬وستبقى إلى‬ ‫يوم القيامة مرتبطة بالماء؛ ألنه يمثل عصب‬ ‫الحياة (ص ‪ .)45‬أشار الباحث إلى مجموعة‬ ‫من المبادئ والشرائع والقيم التي حددها‬ ‫اإلسالم‪ ،‬والتي تحض على المحافظة على‬ ‫نعمة الماء وحمايته من التلوث والضياع‪.‬‬ ‫‪ .1‬النهي عن اإلفساد في األرض‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪ .2‬إقرار مبدأ (ال ضرر وال ضرار)‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪ .3‬تحريم كل إفساد يلحق حياة المسلمين‪.‬‬ ‫‪ .4‬إرساء قواعد الطب الوقائي‪ ،‬قصد حماية‬ ‫النفس والبيئة‪.‬‬ ‫وقد استدل الباحث على هذا بمجموعة‬ ‫من اآليات القرآنية الكريمة‪ ،‬كما أورد رأياً‬ ‫للدكتور حسن صدقي يؤكد من خالله على‬ ‫أن أي حضارة لم تقم إال على الماء والكأل‬ ‫(ص‪.)60‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬رمزية الماء‬ ‫في التراث الشعري‬ ‫يعد ه��ذا الفصل م��ن أه��م فصول هذا‬ ‫الكتاب (حسب تصورنا على األق��ل)‪ .‬فقد‬ ‫حاول الباحث من خالله تناول رمزية الماء‬ ‫في الشعر العربي من خالل محوري التعاقب‬ ‫والتزامن‪ .‬تجلى األول (التعاقبي) في تناوله‬ ‫لمجموعة من مراحل هذا الشعر واختيار‬


‫الشعر الجاهلي (عبيد ب��ن األب���رص)‪،‬‬ ‫الشعر اإلسالمي (الحطيئة)‪ ،‬الشعر األموي‬ ‫(جميل بثينة)‪ ،‬الشعر العباسي (بشار بن‬ ‫برد)‪ ،‬الشعر األندلسي (المعتمد بن عباد)‪،‬‬ ‫يقول الحطيئة‪:‬‬ ‫الشعر الصوفي (الشيخ األكبر محيى الدين‬ ‫بن عربي)‪ ،‬الشعر الحديث (محمود درويش)‪ .‬عفا مسحالن من سليمى فخامره‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫نموذج معين من كل مرحلة من هذه المراحل‪،‬‬ ‫وهي كما يأتي‪:‬‬

‫أش��ار الباحث في ه��ذا الجانب إل��ى نظرة‬ ‫اإلسالم والمسلمين (في البداية) إلى الشعر‬ ‫وأهميته‪ .‬كما أش���ار إل��ى ك��ون ال��م��اء عند‬ ‫الحطيئة مصدراً للحياة ومنبعها واستمرارها‬ ‫وعزتها في المجتمع العربي القديم‪ .‬وبدونه‬ ‫ال يمكن للحياة أن تستمر‪.‬‬

‫ت � �م � �ش ��ي ب� � ��ه ظ � �ل � �م� ��ان� ��ه وج � � � � ��اذره‬

‫أما الثاني (التزامني)‪ ،‬فقد وقف الباحث‬ ‫العرباوي عند كل مرحلة من هذه المراحل‪ .‬بمستأسد ال �ق��ري��ان ح��وى نباتـــه‬ ‫أ‪ -‬داللة املاء يف الشعر اجلاهلي (عبيد‬

‫ف� �ن ��واره م �ي��ل إل ��ى ال �ش �م��س زاه ��ره‬

‫فالمجاري المائية (القريان) التي تجري‬ ‫بن األبرص أمنوذج ًا)‬ ‫إل��ى الجنان والبساتين‪ ،‬م��ن خ�لال مسيل‬ ‫يشير الباحث إلى كون المتمعن في أشعار مرتفع إل��ى بطن ال���وادي‪ ،‬يسهم في إنبات‬ ‫الجاهليين يرى نفسه أمام مادة عظيمة كما النبات ونمو الزهور واألشجار‪ ،‬وهي إشارة‬ ‫وكيفا‪ ،‬تحدثث عن البيئة في وديانها وجبالها إلى الحياة‪.‬‬ ‫ونباتها ومياهها وآبارها‪ .‬وفي تناوله لشعر‬ ‫ويقول في موضع آخر‪:‬‬ ‫عبيد بن األبرص‪ ،‬أكد الباحث أن شعره ال‬ ‫يخلو من ذكر المطر والماء واالهتمام به‪ ،‬أث� � � � ��اث أع � ��ال� � �ي � ��ه رواء أص� �ـ� �ـ ��ول ��ه‬ ‫س �ق��اه ب �م��اء ال �ب �ئ��ر غ� ��رب ون��اض��ح‬ ‫والحرص على التغنّي به تحت صور متنوعة‬ ‫ومختلفة‪ ،‬وفي لقطات مشهدية مختلفة (ص إذا ذق ��ت ف��اه��ا ق�ل��ت ط�ع��م م��دام��ة‬ ‫بنطفة ج��ون س��ال ه��ذي األب��اط��ح‬ ‫‪ .)69‬ومن بين األمثلة التي أوردها الباحث‬ ‫قول عبيد بن األبرص‪:‬‬ ‫وم��ن بين أجمل األب��ي��ات الشعرية عند‬ ‫الحطيئة‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫تبصر خليلي هل ترى من ظغائن‬ ‫س�ل�ك��ن (غ �م �ي��را) دون �ه ��ن غ�م��وض م �ق �ي��م ع �ل ��ى ب �ن �ي ��ان ي �م �ن��ع م� ��اءه‬ ‫وم� ��اء وس �ي��ع م ��اء ع�ط�ش��ان م��رم��ل‬ ‫ويختم الباحث ق��راءت��ه لشعر عبيد بن‬

‫يحضر الماء عند الحطيئة بشكل مكثف‬ ‫األب����رص‪ ،‬بتبيان رم��زي��ة ال��م��اء وح��ض��وره‬ ‫في شعر المديح‪ .‬فكل ممدوح عنده (حسب‬ ‫الداللي الموسع‪.‬‬ ‫ال��ب��اح��ث)‪ ،‬ف��ي تشبيهه بالماء‪ ،‬إنما يريد أن‬ ‫ب‪ -‬دالل���ة ال��م��اء ف��ي ال��ش��ع��ر اإلس�لام��ي يجعله في مكانة عظيمة يتصف من خاللها‬ ‫بالكرم والعطاء واإلحسان والخير وحب الناس‪.‬‬ ‫(الحطيئة أمنوذج ًا)‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪35 )2016‬‬


‫ج‪ -‬داللة الماء في الشعر األموي (جميل المدح‪.‬‬

‫بثينة أمنوذج ًا)‬ ‫ه��ـ‪ -‬رم��زي��ة ال��م��اء ف��ي الشعر األندلسي‬ ‫أكد الباحث على أن الشعر األم��وي قد مر (المعتمد بن عباد أمنوذج ًا)‬

‫بتحوّالت وأح��داث سياسية ب��ارزة‪ .‬فارتبط‬ ‫ارتباطا موضوعيا بصراع القبائل واألحزاب‪.‬‬ ‫ومن خالل شعر جميل بثينة‪ ،‬يرى الباحث‬ ‫العرباوي أن الحب عند جميل يمتزج بجمال‬ ‫الماء‪ .‬وهو طريقة الشاعر لالرتقاء إلى جنة‬ ‫الحب‪( .‬ص ‪ .)89‬يقول جميل بثينة‪:‬‬

‫يكاد فضيض الماء يخدش جلدها‬ ‫إذا اغتسلت بالماء‪ ،‬من رقة الجلد‬ ‫وم��زي��ة ال��م��اء غالبا م��ا نجدها (حسب‬ ‫ال��ب��اح��ث)‪ ،‬ف��ي ش��ع��ر جميل بثينة فرصة‬ ‫للخيال الغني بالصور الشعرية‪ .‬لكون العشق‬ ‫وال��ج��م��ال يستمدان قوتهما م��ن ال��دواخ��ل‬ ‫النفسية للشاعر‪.‬‬

‫أشار الباحث العرباوي إلى أهم مميزات‬ ‫الشعر في هذه المرحلة‪ ،‬بحيث تميز هذا‬ ‫الشعر بالوصف ورث���اء الممالك الزائلة‪.‬‬ ‫كما ام��ت��از ب��ال��وض��وح وال��ب��س��اط��ة وبالبعد‬ ‫ع��ن التعقيد‪ .‬أورد الباحث مجموعة من‬ ‫اآلراء ح��ول المعتمد لكل م��ن‪ ،‬المقري‪،‬‬ ‫ابن الصيرفي‪ ،‬المراكشي‪ ،‬وهي عبارة عن‬ ‫شهادات في حق المعتمد‪ .‬إن الماء في شعر‬ ‫المعتمد‪ ،‬ال ينفصل عن المكان‪ .‬خاصة وأن‬ ‫هذه األمكنة (حسب الباحث)‪ ،‬لها جاذبية‬ ‫معينة‪ ،‬فتأسر روح الشاعر وتشعره بمشاعر‬ ‫دفينة (ص ‪ .)116‬يورد الباحث مجموعة من‬ ‫األبيات الشعرية التي وظف فيها المعتمد‬ ‫عنصر الماء‪ .‬يقول‪:‬‬

‫د‪ -‬رمزية الماء في الشعر العباسي (بشار ف � �م� ��ا م � ��اؤه � ��ا إال ب � �ك � ��اء ع �ل �ي �ه��م‬ ‫بن برد أمنوذج ًا)‬ ‫ي�ف�ي��ض ع �ل��ى األك� �ب ��اد م �ن��ه ب�ح��ور‬

‫‪36‬‬

‫تميز الشعر العباسي (بصفة عامة)‪،‬‬ ‫إن شعر المعتمد (حسب الباحث)‪ ،‬قد‬ ‫ب��ال��ف��خ��ر وال��ح��م��اس��ة وال���وص���ف وال��م��دي��ح تميز ب��ال��وح��دة وال��ت��م��اس��ك ف��ي الموضوع‬ ‫الفردي والقبلي‪ ،‬والرثاء والغزل بحالتيه‪ .‬والرؤية الشعرية والكثافة اللغوية‪.‬‬ ‫يرى نجيب محمد البهبيتي (وِ فق الباحث)‪،‬‬ ‫أن بشار بن برد قد تناول في شعره العديد و‪ -‬رمزية الماء في الشعر الصوفي (ابن‬ ‫من الموضوعات ذات الصبغة الشعبية التي عربي أمنوذج ًا)‬ ‫تقارب نفوس الناس؛ بحيث يستحضر بشار‬ ‫أشار الباحث في هذا اإلطار إلى خاصيات‬ ‫بن ب��رد رمزية الماء في النسيب والغزل‪ .‬الشعر الصوفي ومميزاته‪ .‬شعر يتميز بالرؤية؛‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫حيث الجمع بين الحب والمعرفة‪ .‬إن الماء في‬ ‫ج � ��ارت � �ن � ��ا ك � ��ال � �م � ��اء ح� �ي� �ن ��ا ف �ل �م��ا‬ ‫شعر ابن عربي‪ ،‬هو رمز القوة‪ ،‬وقدسيته تُعلي‬ ‫ف � ��ارق � ��ت ل � ��م ي � �ك� ��ن ل � � �ح � ��ران م� ��اء من قيمة الموجودات؛ لذلك‪ ،‬فالماء (حسب‬ ‫إن هذا ما جعل شعر بشار (عامة) يتميز الباحث) يمتد في الوجود وفي الكون؛ فيكون‬ ‫بالكثافة الرمزية والصور الشعرية المتعددة‪ ،‬كمرآة لقدسية الخالق وعظمته وإبداعه‪ .‬يقول‬ ‫كما يحضر الماء عند بشار خاصة في شعر ابن عربي‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ان � �ظ� ��ر إل� � ��ى ال � �ع� ��رش ع� �ل ��ى م��ائ��ه‬ ‫س� � �ف� � �ي� � �ن � ��ة ت � � � �ج� � � ��ري ب � ��أس� � �م � ��ائ � ��ه لنا أثناء هذه القراءة‪ ،‬خاصة على مستوى‬

‫يخلص الباحث في تناوله لشعر ابن عربي المنهج‪ ،‬التصور العام للكتاب‪ ،‬المصطلح‪.‬‬ ‫إلى أن الماء عند هذا األخير‪ ،‬يصبح داللة‬ ‫فعلى مستوى التصور العام‪ ،‬يبدو الكتاب‬ ‫الحب اإلل��ه��ي وتعبيرا عميقا ع��ن الشوق‬ ‫والعشق‪ ،‬وعن كل مل هو روحاني وصوفي‪ .‬غير منسجم الفصول‪ .‬خاصة إذا انطلقنا‬ ‫إن الماء تعبير عن اإلغراق في ملكوت اهلل‬ ‫من العنوان الرئيس‪ .‬فالفصل األول (مدخل‬ ‫وأسرار كونه (ص ‪.)166‬‬ ‫إل��ى السيميائيات)‪ ،‬يبدو ‪-‬حسب تصورنا‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الثغرات المنهجية والمعرفية التي بدت‬

‫ز‪ -‬رمزية الماء في الشعر العربي الحديث‬ ‫على األقل‪ -‬منفصال عن الكتاب في كليته‪.‬‬ ‫(محمود درويش أمنوذج ًا)‬

‫أكد الباحث العرباوي أن الرمز قد أصبح على الرغم من وجود عنوان فرعي للكتاب‪،‬‬ ‫ظاهرة فنية ضرورية من ظواهر القصيدة دراسة سيميائية‪ .‬فقد كان من المنتظر أن‬ ‫الحديثة‪ .‬فال يكاد شعر شاعر عربي حديث‬ ‫يخلو من رمز الماء ودالالت��ه‪ .‬ذكر الباحث يقدم لنا هذا الفصل‪ ،‬تصورا نظريا حول‬ ‫شعراء عرب‪ :‬حميد سعيد‪ ،‬أحمد المجاطي‪ ،‬البحث السيميائي‪ ،‬والمنهج (بوصفه من‬ ‫محمود درويش‪ .‬يقول هذا األخير‪:‬‬ ‫أه��م عناصر البحث) ال��ذي سيتناول من‬

‫كن لجيتارتي وترا أيها الماء‬ ‫فقد وصل الفاتحون ومضى الفاتحون القدامى‪،‬‬ ‫كما نجد نوعا م��ن الضبابية ف��ي تحديد‬ ‫من الصعب أن أتذكر وجهي‬ ‫في المرايا‪.‬‬ ‫المصطلحات‪ :‬ال��ع�لام��ة‪ ،‬األم����ارة‪ ،‬ال���دال‪،‬‬ ‫فكن أنت ذاكرتي كي أرى ما فقدت‪..‬‬ ‫خالله الباحث عنصر الماء في هذا الشعر‪.‬‬

‫المدلول‪... ،‬إلخ‪.‬‬

‫إن الماء في شعر محمود درويش‪ ،‬يتجاوز‬ ‫يمكن القول بشكل عام‪ ،‬بأن هذا الكتاب‪،‬‬ ‫معناه السطحي‪ ،‬ويدخل حسب الباحث في‬ ‫نطلق المعنى العميق ف��ي إط���اره الثقافي يتميز بأفق واسع على مستوى التصور العام‬ ‫والفكري والسياسي العام (ص ‪.)169‬‬ ‫(خ��اص��ة ال��ع��ن��وان)‪ ،‬لكنه يضيق ف��ي منهج‬ ‫عود على بدء‬ ‫المعالجة النقدية؛ لذا‪ ،‬فدرءاً للبس وتحديدا‬ ‫على الرغم من أهمية كتاب (رمزية الماء‬ ‫إلط��ار ال��دراس��ة العلمية‪ ،‬ال بد من تحديد‬ ‫في التراث الشعري العربي)‪ ،‬بوصفه إضافة‬ ‫جديدة للخزانة العربية‪ ،‬فإننا نسجل بعض المصطلح والتصور النظري الصحيح‪.‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪37 )2016‬‬


‫صالح الحسيني‪ ...‬والهيجنة فوق الرجوم!!‬ ‫مقاربة نقدية في مجموعته القصصية‪« :‬أشياء تشبه الحياة»‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬يوسف حسن العارف*‬

‫«أش �ي��اء ت�ش�ب��ه ال �ح �ي��اة» ن �ص��وص قصصية ج��دي��دة ل�م�ب��دع ي��دخ��ل ال�س��اح��ة‬ ‫القصصية بكل قوة وجمال وإبداع!!‬ ‫هذا ملخص لسيرة قاص جديد‪ ،‬يصدر إنجازه القصصي األول عبر بوابة‬ ‫ن��ادي ال�ب��اح��ة األدب ��ي – ال��ذي يحتضن ال �ق��درات ال�ش��اب��ة‪ ..‬وال�ك�ت��اب��ات األول��ى‪،‬‬ ‫ويقدمهم‪ ..‬و ُي َعر ُِّف بهم‪ -‬في الطبعة األولى التي نشرتها دار االنتشار العربي‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬أواخ ��ر ع��ام ‪1436‬ه � �ـ‪ .‬إن��ه ال�ق��اص ص��ال��ح الحسيني ال�ح��رب��ي م��ن أبناء‬ ‫المدينة النبوية‪ ،‬ومجموعته القصصية بعنوان‪« :‬أشياء تشبه الحياة»‪ ،‬تضم‬ ‫(‪ )25‬قصة وأقصوصة!!‬ ‫وفي (فقد) صـ ‪« :27-26‬يقف داخل‬ ‫المجمع التجاري جم ٌع من الناس» حياة‪،‬‬ ‫«عاد إلى البيت‪ ..‬معه كل األشياء إال‬ ‫األلعاب» موت‪ /‬فقد!!‬

‫ومن العتبة العنوانية الرئيسة لهذا‬ ‫ال��ع��م��ل ال���س���ردي‪ ،‬ن��ق��ف ع��ن��د م��ف��ردة‬ ‫«الحياة» التي تستدعي مقابلها اللغوي‬ ‫وه��و «ال��م��وت»‪ ،‬وبين النقيضين تنمو‬ ‫األش��ي��اء ويشعر بها الكائن وج��ودي��ا‪.‬‬ ‫وفي (أشياء تشبه الحياة) صـ‪-28‬‬ ‫لذلك نجد هاتين المفردتين تتماهيان ‪« :31‬من كل مكان يأتيني الماء» حياة‪،‬‬ ‫في أغلب نصوص المجموعة‪:‬‬ ‫«الماء يقابلني بوجهه الحجري» موت‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫نجدها في (رحيل) صـ‪« :11-10‬بعد‬ ‫وف��ي (ح���ارة الطيبين) ص���ـ‪:41-39‬‬ ‫أن تجاوز السبعين» حياة‪« ،‬قضى نحبه» «ه��ا ه��ي اآلن ت��م��ر‪ ..‬ث�لاث��ون ع��ام��ا‪»..‬‬ ‫موت‪.‬‬ ‫حياة‪« ،‬رحمك اهلل يا عم سعدون ويا أم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وف��ي (ض � َّم��ة) ص���ـ‪ ،42‬وف��ي ف���وز‪ ،‬عذب‬ ‫الجوى‪ ،‬شغل‪ ،‬من القسم الثاني (ق‪ .‬ق‪ .‬ج)‪.‬‬

‫وه����ذا ي��ع��ن��ي ‪-‬دالل����ي����اً‪ -‬أن ال���ق���اص‪..‬‬ ‫ومجموعة نصوصه تُفرد جناحيها باتجاه‬ ‫ثنائية ال��م��وت‪ /‬الحياة أو العكس؛ لتقول‬ ‫وإذا م��ا انتقلنا إل��ى ال��ن��ص القصصي‬ ‫للقارئ‪ /‬المتلقي‪ :‬إن حياة النصوص قراءتها‪،‬‬ ‫المفضل لدى الحسيني‪ .‬والذي رقَّاه من كونه‬ ‫وموتها فراقها والتشاغل عنها!!‬ ‫نصاً داخلياً إلى عنوان بارز ي َِس ُم المجموعة‬ ‫دالن‬ ‫عندما نُمعن النظر فيما بقي من العتبات كلها‪ ،‬سنجد رمزية الموت والحياة اَّ‬ ‫ال��ع��ن��وان��ي��ة للقصص ال��م��ن��ش��ورة ف��ي ه��ذه يتحركان في فضاء النص‪ ،‬ويجوسان في‬ ‫المجموعة‪ ،‬والتي يثبتها مسرد المحتويات دياره ألقا وإبداعا وقابلية‪.‬‬ ‫ص��ـ‪ ،6-5‬يلفت نظرنا النقدي توزعها بين‬ ‫هذا النص بعنوان‪« :‬أشياء تشبه الحياة»‬ ‫العنوان المفرد‪ ،‬والعنوان الثنائي‪ ،‬والعنوان‬ ‫الثالثي‪ ،‬ولكل من ه��ذه العنوانات بُعدها ص����ـ‪ ،31-28‬نجد فيه ك��ل عناصر القصة‬ ‫القصيرة من شخصيات‪ ،‬وزمكانية‪ ،‬وحدث‪،‬‬ ‫المتشظي داخل النص القصصي‪.‬‬ ‫ولغة‪ ،‬وعقدة‪ ،‬وتقنيات الوصف والتصوير‪،‬‬ ‫وللوقوف عليها إحصائيا سنجد اآلتي‪:‬‬ ‫ودهشة الختام والمفارقة‪ .‬وكل ذلك عبر بنية‬ ‫العنوان المفرد (‪ )18‬عنواناً‪.‬‬ ‫سردية جمالية‪ ،‬يكون فيها الراوي العليم هو‬ ‫المتسيِّد‪ ،‬وضمير المتكلم هو السائد‪« ،‬من‬ ‫العنوان الثنائي (‪ )5‬عناوين‪.‬‬ ‫كل مكان يأتيني الماء»‪« ...‬يتراءى لي اآلن‬ ‫العنوان الثالثي (‪ )2‬عنوانان فقط‪.‬‬ ‫وجه ابني الصغير»‪« ..‬ها هو يقابلني بوجهه‬ ‫وه��ذا ي��دل على هيمنة العنوان المفرد الحجري» ال��خ‪ ..‬هذه الضمائر الدالة على‬ ‫الدال على جزئية متفردة في النص‪ ،‬والتركيز ال��ذات‪ /‬األن��ا!! ويكون فيها جمال الوصف‬ ‫عليها‪ ،‬أو التوجّ ه نحو الحدث والغاية فقط‪ .‬والتصوير‪ ،‬وبالغة التعبير في لغة سردية‬ ‫أم��ا العنوانات الثنائية‪ ..‬فهي ترمز على مكثفة تحمل أبعادها المجازية والبالغية‪:‬‬ ‫الدال والمدلول في صيغة خبرية‪ ،‬أو جملة‬ ‫«عالقة بما يشبه شبكا حديديا كثيفا»‪..‬‬ ‫متكونة م��ن مبتدأ وخ��ب��ر‪ .‬أم��ا العنوانات‬ ‫«دوار ال قبل لي ب��ه‪ ،‬يُقدم أشياء تشبه‬ ‫الثالثية‪ ..‬فهي تأخذ شكل الجملة المفيدة‬ ‫والمعبرة عما في النص من صور‪ ،‬وتفسير‪ ،‬الحياة تعبر‪.»...‬‬ ‫وموضوع‪ ..‬مثل‪ :‬أشياء تشبه الحياة‪ ،‬زوجة‬ ‫«شفتاي بين شهيق أشبه بريح عاتية‪،‬‬ ‫بدل فاقد‪ .‬ففي هذين العنوانين يَل ْمح القارئ وزفير أسخن من انبعاثات فوهة بركان ملَّ‬ ‫تعدد الداللة وتوسيع دائرة التلقي‪.‬‬ ‫التثاؤب»‪...‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫بندر ويا عمة حيية ويا شعاع‪ ...‬ترى أين هي‬ ‫رمزية اآلن؟» موت‪.‬‬

‫وع��ل��ى أي���ة ح���ال‪ ،‬ف���إن ه���ذه ال��ع��ن��وان��ات‬ ‫كعتبات نصية‪ -‬وبكل الصيغ التي جاءت‬‫عليها‪ ،‬تؤدي دورها في تلقي النص والتواصل‬ ‫مع إحاالته‪ ،‬ولغته‪ ،‬وإشاراته الضمنية‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يسمى بالوظيفة اإليحائية‪ /‬االستباقية‬ ‫المهمة في توجيه القارئ‪ ،‬وخطب ُودِّه نحو‬ ‫قراءة المجموعة ونصوصها الفاتنة!!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪39 )2016‬‬


‫إل��ى آخ��ر ه��ذه الصور المكتنزة بالغة‪،‬‬ ‫«يعد لنا متكئاً‪ ..‬وسكيناً‪ ..‬وتفاحاً طازجاً»‬ ‫ص ‪ 37‬قصة «الفاكهة»‪.‬‬ ‫ولغة‪ ،‬ووصفاً‪ ،‬وتشبيها ح َّد اإلبهار!!‬ ‫وأخ��ي��راً تجيء النهاية المفتوحة‪ ،‬وفعل‬ ‫المفارقة المدهشة عندما يختم القاص‬ ‫نصه بقوله‪« :‬منذ ذلك الحين وأنا ال أصافح‬ ‫البحر إال نظراً»‪ .‬هذا الختام غير المتوقع‪،‬‬ ‫فمنذ البدء يجعلنا القاص بانتظار الموت‪،‬‬ ‫ويسحبنا سحباً نحو هذه الفاجعة المنتظرة‪،‬‬ ‫فالماء يحيط به من كل مكان‪ ،‬والغرق أقرب‬ ‫إليه من الحياة‪ ،‬والناس تتفرج‪ ..‬وتحسبه‬ ‫سباحاً م��اه��راً‪ ،‬يغطيه الموج فيتخيل أمه‬ ‫وأبناءه والمياه تمور به م��وراً‪ ،‬الكل منشغل‬ ‫بمصافحة ال��ح��ي��اة وه���و ي��داف��ع ال��م��وت‪/‬‬ ‫ال���غ���رق‪ ...‬لتنتهي ك��ل ه��ذه اآلالم ويخرج‬ ‫من الموت إل��ى الحياة‪ ...‬وم��ن الغرق إلى‬ ‫الشاطئ‪ ..‬لكن البحر يظل عالقا في نفسه‬ ‫خ��وف �اً‪ ،‬وش����روداً‪ ،‬ون��ج��اةً‪ ،‬ال يصافحه إال‬ ‫بالنظرات!! وهنا كُمون الدهشة والمفارقة‬ ‫النصيَّة التي تضفي جماالً بنائياً في مالمح‬ ‫هذه القصة‪.‬‬ ‫وم����ن ال��ج��م��ال��ي��ات ال�لاف��ت��ة ف���ي ه��ذه‬ ‫المجموعة‪ ،‬التناص الخالق ال��ذي يتفاعل‬ ‫معه ال��ق��اص ب��ات��ك��اءات نصوصية‪ ،‬لها في‬ ‫إرثنا الثقافي واإلبداعي مجال كبير‪ .‬فنجد‬ ‫التناصات القرآنية‪:‬‬ ‫«ت��م��ور ب��ي الدنيا م���وراً» ص ‪ 28‬قصة‪:‬‬ ‫«أشياء تشبه الحياه»‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫كما نجد أيضا التناصات الشعرية‪:‬‬ ‫«وعشقي يتيم راقه النور في بعدي» ص‬ ‫‪ 15‬قصة «ملل»‪.‬‬ ‫«لكل داء دواء يستطب ب��ه‪ ..‬إال (بطلة‬ ‫قصتي) أعيت م��ن ي��داوي��ه��ا» ص‪ 37‬قصة‬ ‫«الفاكهة»‪.‬‬ ‫«عيناها ميناءان للنجوى» ص ‪ 43‬قصة‬ ‫«ضمة»‪.‬‬ ‫كما نجد التناصات التراثية (أم��ث��االً‪،‬‬ ‫وحكماً ولهجة شعبية)‬ ‫«الدم يحنّ » ص‪ 15‬قصة «ملل»‪.‬‬ ‫«إن���ه رج���ل كثير ال���رم���اد» ص‪ 37‬قصة‬ ‫«الفاكهة»‪.‬‬ ‫«و َّزيَّ���ك يا ول��ه‪ ..‬عامل وي��ش» (باللهجة‬ ‫المصرية) ص‪ 41‬قصة «حارة الطيبين»‪.‬‬ ‫ف��ي ه��ذه التناصات جمالية االختيار‪،‬‬ ‫وجمالية التوظيف‪ ،‬وجمالية اإلس��ق��اط‪،‬‬ ‫وجمالية البالغة إجماالً وتفضيالً‪ ..‬وفي‬ ‫كل ذلك داللة على ثقافة القاص وأبعادها‬ ‫ال��ت��راث��ي��ة‪ ،‬وال��ق��رآن��ي��ة‪ ،‬وال��ش��ع��ري��ة‪ ،‬وم��دى‬ ‫قدرته على استثمار هذه الثقافة في بناء‬ ‫نص قصصي يتكامل لغة‪ ،‬ويتسامى صوراً‪،‬‬ ‫ويتباهى بالغة وتعبيراً‪.‬‬

‫وال تزال الجماليات النصية تأسر القارئ‪/‬‬ ‫«أشبه بريح عاتية» ص ‪ 31‬نفس القصة‪.‬‬ ‫المتلقي بمزيد من الصور‪ ،‬والتكثيف اللغوي‪،‬‬ ‫«أران�����ي أع��ص��ر وج��ع��ي» ص ‪ 36‬نفس واإلبداع السردي‪ ،‬ففي قصة (ندم) ص ‪-23‬‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫‪ ،25‬نجد اللفتة الذكية من ال��ق��اص‪ ،‬عند‬ ‫«لذة للسامعين» ص‪ 36‬نفس القصة‪.‬‬ ‫اقتناص الحدث وتطويره –رغم بساطته–‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ه���ذه األخ����ت ال��ع��ظ��ي��م��ة‪ ،‬المتسامحة‬ ‫وال��م��ؤث��رة «إن��س��ان��ة ف��ي وض���وح الصحراء‬ ‫وشموخ الجبال‪ ..‬رغ��م أوج��اع الزمن التي‬ ‫تسكنها» اختارت الليل والسهر‪« ..‬في كفيها‬ ‫الطينية اللون رائحة األرض‪ ..‬وبين أناملها‬ ‫أعناق السنابل‪ ..‬وفي فمها رائحة الحنطة‬ ‫والشعير البكر‪ ..‬تتألم وال تتأوه وبقربها‬ ‫أحد‪ ..‬أبداً‪ ..‬فقط تبتسم»!!‬

‫وإذا تحاورنا – نقدياً – مع هذه النصوص‬ ‫الوامضة‪ ،‬لوجدنا الكثير من هذه العالمات‬ ‫وال��س��م��ات‪ ،‬وسنقف معجبين عند القصة‬ ‫(ج��ار ص ‪ ،)47‬حيث نجد اللغة المكثفة‬ ‫والشاعرية والمفارقة التي ختم بها القصة‪.‬‬ ‫وكذلك القصة (شغل ص ‪ ،)51‬حيث تبدو‬ ‫الدهشة واإليحاء ولوازمها‪« ،‬من ذلك الذي‬ ‫مر بالقبور وانشغل في دنياه!!»‪ ،‬وأخيراً قصة‬ ‫(انفصال ص ‪ ..)57‬وفيها تتنامى الصور من‬ ‫نظرات إلى محبة إلى وئام ثم سكن‪ ،‬ونصل‬ ‫أخيراً إلى االنفصال «تمكن الوشاة»!! وبهذه‬ ‫الخاتمة اإليحائية والتي تضمر الكثير من‬ ‫الفعاليات حتى تحقق هذا المحظور!!‬

‫هنا نجد البعد اإلنساني‪ ،‬وصورة جميلة‬ ‫ل��ه��ذا ال���م���رأة‪ /‬األخ���ت ف��ي ل��غ��ة ن��وران��ي��ة‪،‬‬ ‫وأوص����اف بليغة‪ ،‬وروع���ة بيانية مسكونة‬ ‫بالدهشة واإلغراء!!‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫إلى منجز قصصي فارهٍ ومكتنز بالتراجيديا‬ ‫المخملية –إذا صح التعبير– فهذه األخت‬ ‫الصابرة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬ذات «الحزن المعتق»‪.‬‬ ‫والواقفة على «سرر المروءة» والتي «توضأت‬ ‫بندى أعشاب األرض والمطر» حتى «هشَّ مها‬ ‫نزف الوفاء لآلخرين دونما انتباه من أحد»!!‬

‫المجموعة وه��و قسم ال��ـ (ق‪ .‬ق‪ .‬ج) وهو‬ ‫النص ال��ذي أسميته –ذات دراس��ة نقدية–‬ ‫نص الحذف‬ ‫النص البخيل‪ ،‬ويسميه غيرى ُّ‬ ‫والتقشف‪ ،‬ومن سماته وعالماته‪ :‬اإليجاز‬ ‫وال��ت��ك��ث��ي��ف ال��ل��غ��وي‪ ،‬اإلض���م���ار‪ ،‬اإلي��ح��اء‪،‬‬ ‫المفارقة‪ ،‬الدهشة!!‬

‫الحدث هنا‪ :‬خطأ تفوّه به األخ مازحاً مع‬ ‫أخته‪ ،‬شَ َع َر بتألمها وحزنها وبكائها جراء‬ ‫وه��ك��ذا ت��ب��دو ال��م��ق��درة الفائقة للقاص‬ ‫ذلك الحدث األخوي‪ ..‬اعتذر منها‪ ،‬فلم يجد الحسيني الختزال المواقف واألح��داث في‬ ‫منها إال كل عفو وصفح ومسامحة‪ ،‬فقط ظل لغة موجزة‪ /‬معبرة‪ /‬موحية ومدهشة‪ .‬مما‬ ‫الحزن على محياها؛ ما أورث «الندم لهذا يدل على التمكن اللغوي واإلبهار القصصي!!‬ ‫األخ الذي» ارتمى بين يديها معتذراً‪ ،‬وناجى‬ ‫وبذلك يحق لقارئ مثلي أن يبارك لهذا‬ ‫خاطره «بنبرات محفورة بنصل األسى»‪.‬‬ ‫القاص‪ /‬المبدع طلته األولى على المشهد‬ ‫وكل ذلك يتحول إلى نص فارط الجمال الثقافي بهذا المنجز القصصي الناضج‪،‬‬ ‫أعمال أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫في لغته وإيحاءاته ورمزيته‪ ،‬وتجلياته‪ ،‬ال والذي سيكون مؤرقاً له إلنجاز‬ ‫يملك الناقد إال الصمت حياله‪ ،‬ألنه «الصمت أكثر نضجاً وبروزاً‪ ،‬فهو في موقف التحدي‬ ‫في حَ رَم الجمال جمال» ‪-‬كما يقولون‪!!-‬‬ ‫مع نفسه األمارة بفن السرد القصصي‪ ،‬وهو‬ ‫وأخ���ي���راً ن��ق��ف ع��ن��د ال��ق��س��م ال��ث��ان��ي من أهل لذلك‪ ،‬إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫ * شاعر وكاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪41 )2016‬‬


‫ميراث االنكسار والرحيل‬ ‫في «الطائر المهاجر»‬ ‫‪ρρ‬هشام بنشاوي*‬

‫يعتبر حسين نشوان «الشعر الذي يصدر عن دواخل النفس‪ ،‬هو التعبير األول‬ ‫الصامت عن النفس؛ ومن هنا‪ ،‬تأتي أسبقيّة الشعر بارتباطه بالشعور‪ ،‬وحينما‬ ‫يمتلك داللته التداوليّة يغدو قصدً ا‪ ،‬قصيدة»‪ .‬حين نلقي نظرة على نصوص‬ ‫ديوان الشاعر محمود الرمحي «الطائر المهاجر»‪ ،‬الصادر عن مركز عبدالرحمن‬ ‫ال�س��دي��ري الثقافي (‪2015‬م)‪ ،‬ن�لاح��ظ ح�ض��ورا الف�ت� ًا لثيمة ال��رح�ي��ل‪ /‬الهجرة‪/‬‬ ‫الطيران‪ ،‬كانعكاس جمالي لمعاناة الشاعر أب��و نضال‪« ،‬الفلسطيني النازح عن‬ ‫أرضه مكرها والهائم على وجهه‪ ،‬ليس في جيبه سوى مفاتيح الدار وحلم العودة‬ ‫ال�ط��ري كالوشم األخ�ض��ر ف��ي وج��وه ال�ف�لاح�ي��ن‪ ،»..‬بتعبير ال�ق��اص عبدالرحمن‬ ‫الدرعان‪ .‬ويشير حسين نشوان إلى أن النقاد لم يلتفتوا إلى الهجرات في بناء‬ ‫الرواية‪ /‬الحكاية‪ ،‬إذ «يحمل المهاجر الحكاية إلضفاء األسطورة على ساللته من‬ ‫ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى إلنعاش ذاكرة األحفاد في ظلّ األحداث‪ ،‬وما تتعرّض له‬ ‫األجيال من فناء في حالة الحروب؛ فالحكاية وفق الوجدان الجمعيّ هي مقاومة‬ ‫الموت بالحكي؛ غير أنّ الهجرة والمنفى يضفيان نوعً ا من الثقافة المختلطة‬ ‫التي تميل للنثر الحكائيّ ‪ ،‬كقاسم مشترك للبيئة الجديدة»‪.‬‬

‫وال��ط��ري��ف ف��ي األم���ر أن الشاعر إذا ما الصبح الح غدوت أحصي‬ ‫خ��ت��م دي��وان��ه بقصيدة ي��خ��اط��ب فيها‬ ‫س��وي �ع��ات ي �ح��ل ب �ه��ا ال �م �س��اء‬

‫ابنته «ن��داء»‪ ،‬والتي التحقت بالجامعة‬

‫ويمضي الليل في أرق وسهد‬ ‫األردنية في عمّان‪ ،‬فكابد لوعة الفراق‬ ‫ب �ط��ول ال �ب �ع��د ي� � ��زداد ال �ع �ن��اء‬

‫مرة أخرى‪ ،‬وإن اختلفت أسباب الرحيل‬ ‫عند األب والبنت‪ ،‬فإن األلم واحد‪ ،‬وبدا‬ ‫الرمحي في قصيدة «إلى ابنتي نداء»‬ ‫مسكونا بروح الشاعر العربي القديم‪،‬‬ ‫ال����ذي ينتظر ان��ب�لاج ال��ص��ب��ح‪ ،‬حيث‬ ‫تحضر بقوة م��ف��ردات‪ :‬الليل‪ ،‬األرق‪،‬‬ ‫السهد‪ ،‬الشوق‪ ،‬الصبح‪...‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫مضى األسبوع أحسبه سنين‬ ‫فكيف العام يمضي يا نداء؟!‬ ‫وال يتجلى تشبع أب��و ن��ض��ال ب��روح‬ ‫القصيدة العربية‪ ،‬في قصيدة «الحمامة‬ ‫ال��م��ش��ردة» ف��ي ال��ش��ك��ل ف��ق��ط‪ ،‬وإن��م��ا‬ ‫باستلهام البناء الدرامي لعيون الشعر‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وعلى المنوال نفسه تمضي قصيدة «أيها‬ ‫العربي‪ ،‬حين تذكرنا حمامة محمود الرمحي‬ ‫بحمامة أبي ف��راس الحمداني‪ ،‬التي ناحت السائل»‪ ،‬والتي ترسم لوعة الشاعر ومشاعر‬ ‫بقربه‪ ،‬بيد أن «الحمامة ال��م��ش��ردة» تنكأ الفقد والفراق‪:‬‬ ‫جرحنا العربي‪/‬الفلسطيني‪ ،‬ذلك الجرح الذي ك � � � � �ن� � � � ��ت ب � � � � � � ��األم � � � � � � ��س ف � � � �ق� � � ��دت‬ ‫ال يندمل‪ ،‬والذي صار بمثابة شرخ في الجسد‬ ‫ل � � � � ��ي أب� � � � � � � � � � �اً‪ ،‬م � � � � ��ن ب� � � �ع � � ��د ع � �م ��ي‬ ‫العربي‪ ،‬جرح تاريخي وجغرافي‪ ..‬فالشاعر‬ ‫يتعاطف مع الحمامة‪ ،‬التي كانت تنشد األمن وأخ� � � � � � � � � � � � � � � � � ًا ك� � � � � � � � � � ��ان رض� � � � �ي� � � � �ع� � � � � ًا‬ ‫ي� � � ��رت � � � �م� � � ��ي ف � � � � ��ي ح � � � �ض� � � ��ن أم� � � ��ي‬ ‫والسالم لفراخها‪ ،‬وذكّرته بالوطن السليب‪،‬‬ ‫بعد أن اختارت الرحيل والهجرة‪ ..‬اختارت وت� � � � � � � � � �ش � � � � � � � � ��ردن � � � � � � � � ��ا ف � � � � �ص� � � � ��رن� � � � ��ا‬ ‫ب � � � � � � �ي� � � � � � ��ن ن � � � � � � � � � ��اري � � � � � � � � � ��ن وردم‬ ‫أن تهجّ ر بيضها وعشها‪ ،‬بعد أن صارت كل‬ ‫األعين مسلطة عليها‪ ،‬وهي التي اعتقدت أنها‬ ‫خ��ت��ام�اً‪ ،‬نشير إل��ى أن الشاعر محمود‬ ‫في مأمن من غدر الطبيعة‪...‬‬ ‫الرمحي بين تضاعيف أضمومته الشعرية‬ ‫«ال��ط��ائ��ر ال��م��ه��اج��ر» ي��م��ي��ل إل���ى الغنائية‬ ‫لهفي على تلك الحمامة مذ رأت‬ ‫ك� ��ل ال� �ع� �ي ��ون ت �س �ل �ط��ت ن �ظ��رات �ه��ا الوجدانية الشفيفة‪ ،‬للتعبير عن مشاعره‬ ‫النبيلة في قصائده الغزلية‪ ،‬حيث تتألق‬ ‫ل�ل�ع��ش‪ ..‬ب��ل للعش وال�ب�ي��ض معا‬ ‫ال��ص��ورة الشعرية مثل قوله ف��ي قصيدة‪:‬‬ ‫ل� � �ك � ��أن دن � �ي� ��ان� ��ا ت� �ض� �ي ��ق ب��أه �ل �ه��ا‬ ‫«نيران الحب»‪:‬‬

‫فغدت تهجر بيضها‪ ..‬أين‪ ..‬إلى‪..‬‬ ‫«ق �ل��ت ال� �ف ��ؤاد ب��أرض �ك��م وأس �ي��ره��ا‬ ‫اهلل أع � �ل� ��م م � ��ا ي� � � ��ؤول م �ص �ي��ره��ا‬ ‫إن ال� �ق� �ي ��ود ب ��أس ��رك ��م أح �ب �ب �ت �ه��ا»‬ ‫ق ��ارن ��ت ح��ال��ي و(ال� ��دي� ��ار س�ل�ي�ب��ة)‬ ‫أو كقوله في القصيدة نفسها‪:‬‬ ‫ف��وج��دت ح��ال��ي نسخة م��ن حالها‬ ‫ويحضر اله ُّم الفلسطيني بقوة في قصيدة ل� � �ك � ��نَّ ق� �ل� �ب ��ي ق� � ��د ت � �ع � � ّل� ��ق ف �ي �ك��م‬ ‫م ��ا ه� ��مّ ن � � ��ار‪ ..‬ل ��و ي ��زي ��د ل�ه�ي�ب�ه��ا»‬ ‫«هذي هي الدنيا»‪ ،‬إذ يفضح الشاعر الواقع‬

‫العربي المتخاذل حدَّ التواطؤ الصامت مع‬ ‫الكيان الصهيوني الغاشم‪ ،‬وهو الذي حكم‬ ‫عليه القدر بأن يحرم من رؤي��ة وطنه منذ‬ ‫ستة عقود‪ ،‬وال يستطيع لقاء أحبته وأهله‪،‬‬ ‫الذين تفرّق شملهم في شرق البالد وغربها‪،‬‬ ‫ويحلم بأن تعود األرض‪ /‬الدار‪ /‬الوطن لهم‪،‬‬ ‫ويغمر الفرح األه��ل‪ ،‬وتشرق الشمس من‬ ‫جديد فوق الدار‪/‬فلسطين‪.‬‬ ‫* كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬

‫وال يتوانى «أبو نضال» عن نقد هذا الواقع‬ ‫العربي المزري‪ ،‬وهو يبث شكواه وهمومه‪،‬‬ ‫ويحضر النفس ال��س��ردي‪ /‬الحكائي في‬ ‫معظم القصائد؛ فبالحكي قاومت شهرزاد‬ ‫الموت‪ ،‬وأنقذت بنات جنسها‪ ،‬وبالقصيدة‪/‬‬ ‫القصة يقاوم الشاعر محمود الرمحي آالم‬ ‫الرحيل و «وجع البعاد»‪ ،‬وأعاد إلى القصيدة‬ ‫العمودية رونقها وبهاءها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪43 )2016‬‬


‫درب المعاكيز‪..‬‬ ‫سيرة روائية تسائل الوجوه واألمكنة والذاكرة المستعادة‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫يقحمنا الروائي سعيد الشفاج في عمله الجديد‬ ‫«درب المعاكيز»(‪ )1‬الصادر مؤخرا‪ .‬منذ السطر األول‪،‬‬ ‫والجملة السردية المفتاح‪ ،‬والعتبة األول��ى «درب‬ ‫المعاكيز» في عوالم من الزمن الجميل المستعاد‬ ‫الذي انفرط من بين أيدينا كأنه حلم؛ الزمن الذي‬ ‫بالرغم من شقاوة جيل فيه‪ ،‬فقد ظل ينبض فينا‬ ‫بطقوسه الرفيعة‪ ،‬وقيمه المتخفية وراء مبتكرات‬ ‫تكنولوجية خدّ اعة؛ بل منا مَن ظل يعيش على هذا الزمن‪ ،‬ويستدر منه الدفء‬ ‫المفقود‪ ،‬ويصنع منه ألق اللحظات المسترقة من ردهات زمن متسلط‪ ،‬تتآكل فيه‬ ‫قيم مجيدة‪ ،‬ومعها كل تاريخ اإلنسان الحضاري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ليس‬ ‫بخاف على قارئ مغربي داللة ال���ذي ك���ان يُ��ع��رف ب���درب المعاكيز‪،‬‬ ‫العالمة المرجعية الدالة على المكان‪ ،‬آنذاك‪.‬‬

‫بوصفه بؤرة مفصلية تتشابك حولها‪،‬‬

‫بال شك‪ ،‬كل العالمات السردية األخرى‬ ‫التي يحفل بها النّص السيريّ ‪ ،‬الذي ال‬

‫يرتبط بالفتى السارد أو الكاتب الفعلي‬ ‫سعيد الشفاج‪ ،‬بقدر ما يرتبط بجيل‬ ‫السبعينيات ونهاية الستينيات وما‬ ‫بعدهما‪ ،‬خاصة من البيضاويين‪ ،‬وأبناء‬

‫‪44‬‬

‫درب البرنوصي بمدينة الدار البيضاء‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ول���م ي���أت اس��ت��ل��ه��ام ال��ك��ات��ب لهذه‬ ‫المقولة اعتباطا‪ ،‬بل للداللة على أن‬ ‫الناس في ذاك الزمن لم يكونوا يلهثون‬ ‫خلف ظالل الماديات والمبهرجات‪ ،‬بل‬ ‫كانوا يعيشون حياتهم في بساطتها‪،‬‬ ‫وي��ع��ش��ق��ون االن����خ����راط ف���ي ال���واق���ع‬ ‫المعيش على مرارته دون أن يفرطوا‬ ‫في كرامتهم‪ ،‬في وق��ت ك��ان المغاربة‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫يقفون على عتبة مفصلية م��ن تاريخهم‬ ‫بين مرحلة استعمارية ارتكاسية‪ ،‬ومرحلة‬ ‫استباقية ترسم مالمح المستقبل في أوج‬ ‫ال��ص��راع بين المجتمع المدني ال��ذي كان‬ ‫يغلي‪ ،‬والسلطة التي كانت تسعى إلى قمع‬ ‫هذا الغليان الشعبي بكل ما تملك من قوة‪،‬‬ ‫بما في ذلك العنف الدامي‪.‬‬ ‫يرسم الرّاوي في هذا النّص‪ ،‬مالمح درب‬ ‫سيدي البرنوصي‪ ،‬معتمدا على التفاصيل‬ ‫التي التقطها ذاك الطفل «المعاشي» سليل‬ ‫س��ي��دي سعيد امعاشو م��ن صميم ذاك��رة‬ ‫مثقوبة‪ ،‬خربتها التجارب الصعبة ومسارات‬ ‫النكوص وألوان النحس المستبدّ ‪ ،‬والصور‬ ‫الالمعة التي التقطتها الذاكرة الطفولية‪،‬‬ ‫وهي تتسلق مدارج الوعي بتشعبات الحياة‪،‬‬ ‫وبعالئقها المترابطة‪ ،‬وإغراءاتها الدسمة‪،‬‬ ‫وغوايات الجسد المفعم بحيوية أبناء الطين‬ ‫الخالءات المزهرة‪ .‬يستعيد الراوي الطفل‬ ‫المستخلص م��ن جحيم ال��وع��ي الشقي‪،‬‬ ‫ذكريات ال��ذات‪ ،‬والمكان والوجوه المؤثثة‬ ‫له حبا فيها‪ ،‬وحنينا إليها‪ ،‬مسائال نتوءات‬ ‫ظلت عالقة ف��ي ال��ب��ال‪ ،‬ال تحيد‪ ،‬وكأنها‬ ‫نطع كلسية ترسبت ف��ي ال��ذه��ن‪ .‬وكأنه‬ ‫بذلك‪ ،‬يعيد ترتيب وعيه‪ ،‬وحياته المبعثرة‬ ‫التفاصيل‪ ،‬جاعلة من فعل الكتابة سمفونية‬ ‫ترتق ال��م��زق المهترئة‪ ،‬وتنفخ ال���روح في‬ ‫الخاليا التي اغتالتها اإليقاعات المجنونة‬ ‫للحياة غير العادلة‪ ،‬وسفراً روحانيا يطهر‬ ‫الذات مما علق بها من غبار التيه المستديم‬ ‫في غيابات مستنقع اليوميّ ‪ ،‬أمال في الظفر‬

‫ببعض بهاء اإلشراقات المنفلتة في غمرة‬ ‫السهو والنسيان والالمباالة والغفالت‪...‬‬

‫وما أكثرها!‬

‫‪ .1‬أحالم مؤجلة وذوات متعفنة‬ ‫تحكي الرواية الذاتية في هذا المنجز‬

‫المكثف‪ ،‬عن انشغاالت الفرد‪ ،‬في تناغم‬ ‫مع السيرورة العمرية‪ ،‬بنوع من المرارة‪،‬‬

‫كأنها تنعي أحالما كثيرة اغتالتها القساوة‬ ‫والعثرات وس��وء الحظ‪ .‬كانت الشخصية‬ ‫ال��رئ��ي��س��ة «ح��م��ي��د» وم��ع��ه ع���دد كبير من‬

‫مجايليه يشكلون ج��ي�لا ح��دي��دي��ا يطفح‬

‫بالمواهب والقدرات الخارقة التي لم تكن‬ ‫في حاجة إلى كثير من العناية حتى تتفتح‬

‫وتزهر؛ لكنها لألسف تُجابَه بالتهميش‪،‬‬ ‫والفقر وقلة ذات ال��ي��د‪ ،‬وجهل األول��ي��اء‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪45 )2016‬‬


‫وس��ي��ادة المحسوبية وال��زب��ون��ي��ة ف��ي كل‬ ‫المجاالت‪.‬‬ ‫كانت الشخصيات الشّ ابة تجرّب حظها‬ ‫في كل ش��يء؛ علّها تنجح‪ ،‬ويعطف عليها‬ ‫ال��ح��ظ‪ :‬ف��ي ال��ري��اض��ة‪ ،‬ف��ي ال��دراس��ة‪ ،‬في‬ ‫ال��ف��ن‪ ...‬قبل أن تستيقظ على انفالت‬ ‫العمر‪ ،‬وانصرام الزمن بشكل غريب؛ ليجد‬ ‫هذا الجيل نفسه‪ ،‬قد فعل ك ّل شيء وكأنه لم‬ ‫يفعل شيئا‪ .‬فبع َد استكمال حميد (السارد‬ ‫والشخصية) ومن جايله دراستهم الجامعية‬ ‫في منتصف التسعينيات‪ ،‬انقشعت أمامهم‬ ‫غيوم األسى سوداء ال بريق للشمس فيها‪،‬‬ ‫وليس بأيديهم س��وى ش��ه��ادات ف��ارغ��ة ال‬ ‫تؤهلهم سوى للبطالة والعكوف على الذات‪،‬‬ ‫وق��ت��ل ال��وق��ت ف��ي ال��م��ق��اه��ي‪ ،‬وم��زي��د من‬ ‫النكوص والتحبيط‪ ،‬لتضطر األسرة إلعالة‬ ‫الطفل حميد‪ ،‬في صغره‪ ،‬وفي كبره‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫في بالغة العطالة واالنتظار واالحتجاج‬ ‫بكل اللغات‪ :‬من لغة المجابهة والتصدي‬ ‫والتمرد‪ ،‬إلى لغة التجوّز واقتراف المحرّم‬ ‫وتصريف الطاقات في االتجاه المعكوس‪،‬‬ ‫إل��ى لغة الجسد والتحايل على العيش‪.‬‬ ‫لحسن الحظ‪ ،‬كانت الكتابة م�لاذاً خصباً‬ ‫للعامل ال���ذات‪ ،‬خلّصه م��ن ه��اوي��ة العراء‬ ‫والشقاء‪ ،‬من خالل منحه أفقا لتنفس أهوية‬ ‫أخرى‪ ،‬وعيش حيوات مختلفة ولو عبر فعل‬ ‫التخيّل‪.‬‬ ‫ج�رّب حميد ممارسة كرة القدم‪ ،‬وبرع‬ ‫ف��ي��ه��ا ك��ح��ارس م��رم��ى‪ ،‬ق��ب��ل أن تفاجئه‬ ‫اإلصابة البليغة التي حرمته من استكمال‬ ‫مساره الناجح الذي اختطه مع فرق األحياء‪،‬‬ ‫وبعد ذلك اتجه إلى المسرح‪ ،‬بالموازاة مع‬ ‫ممارسته لفن الكتابة‪ ،‬لكن محنة البحث‬ ‫عن الخبز‪ ،‬وضمان لقمة العيش بعد رحيل‬ ‫الوالد‪ ،‬وانتهاء مرحلة الدراسة الجامعية‪،‬‬ ‫وَسَ متْ مسار ممارسته اإلبداعية ببياضات‬ ‫أم�لاه��ا اإلح��ب��اط واالرت���ك���ان إل��ى ال��ذات‬ ‫الكسيرة‪ ،‬واالنخراط في ممارسة أعمال‬ ‫أخرى‪ ،‬بعيداً من مجال التّخصص‪ .‬لتبقى‬ ‫األحالم المشرقة هي بنزين الذات‪ ،‬وسط‬ ‫حقل الذبول‪ ،‬تعود إليها كلما اشتدت‪ ،‬من‬ ‫حولها‪ ،‬زحمة الضيق‪ ،‬وتالطمت أم��واج‬ ‫القهر‪ ،‬ونعقت غربان الشؤم‪.‬‬

‫ينتقد المحكي السيريّ األسلوب الذي‬ ‫أه���درت ب��ه ط��اق��ات جيل ل��ن يتكرر‪ ،‬جيل‬ ‫معجون من التراب الصميمي لهذا الوطن‪،‬‬ ‫جيل أحب رائحة األطلسي‪ ،‬وصنع لعبه من‬ ‫التراب والعشب‪ ،‬جيل ق��رأ الشعر وكتبه‪،‬‬ ‫وتفنن في أن��واع القول‪ ،‬وح �رّض طاقاتها‬ ‫كلها ليصل إلى هدف لم يرسم بعناية‪ ،‬أو‬ ‫لنقل ضيعته اإله��م��االت والتغاضي‪ ،‬فما‬ ‫بقي له‪ ،‬لسوء حظه‪ ،‬سوى الكتب والكتابة‪،‬‬ ‫‪ .2‬رحلة البحث عن المرجع‬ ‫وم��ط��اردة تراقص السراب على األرصفة‬ ‫الخؤون‪ ،‬وامتداد المسافات الجريحة التي‬ ‫ي��ب��دأ مسلسل ال��ب��ح��ث ع��ن ال��م��راج��ع‬ ‫ال نهاية لها‪ .‬جيل ورطته السياسات البليدة بالنسبة للشخصية الرئيسة «حميد»‪ ،‬منذ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الصوفية‬ ‫‪ .1 .2‬المرجعية ّ‬

‫تتمثل في عودة العامل ال��ذات «حميد»‬ ‫إل��ى مسقط ال���رأس‪ ،‬قريته ب��ن امعاشو‪،‬‬ ‫القابعة على ش��ط وادي أم ال��رب��ي��ع‪ ،‬بين‬ ‫س��ه��ل��يْ دك��ال��ة وال��ش��اوي��ة؛ ليعيش أوق��ات��ا‬ ‫ماتعة سرقتها منه المدن اإلسمنتية‪ .‬وإبان‬ ‫االنخراط الكليّ في تفاصيل تاريخ الساللة‬ ‫المعاشية‪ ،‬تلوح لحميد أشعة خضراء بين‬ ‫طقوس النهر المتراخي‪ ،‬فيستتبعها بحثا‬ ‫عن ملمح شخصي مفقود‪ ،‬ولو للحظات‪،‬‬ ‫قبل أن تلتهمه تفاصيل المدينة الغول من‬ ‫جديد‪ .‬لينساق خلف يوميّها القاتل‪ ،‬فلم‬ ‫يشأ تفويت ف��رص��ة وص��ل رح��م الساللة‬ ‫ال��ص��وف��ي��ة‪ ،‬ع��ب��ر ال��م��ش��ارك��ة ف��ي مسيرة‬ ‫الركب ال��ذي ينطلق من قرية بن امعاشو‬ ‫النهرية في رحلة شاقة‪ ،‬عابرا كل القبائل‬ ‫المنتسبة لألصل المعاشي‪ ،‬بين النهرين «أ ّم‬ ‫الربيع» و«تانسيفت» وما بينهما من سهول‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫بداية تغلغل سيرورة الفشل واإلحباط التي دكالة والشاوية وعبدة وأحمر والشياظمة؛‬ ‫تكلل بها البرنامج األولي الذي قاده‪ ،‬عقب ليعيش قيماً أصيلة‪ ،‬ويحضر طقوساً دينية‬ ‫الحصول على شهادة مزيّفة منحتها إياه واجتماعية‪.‬‬ ‫الجامعة بعد تضييع أكثر من عشرين سنة‬ ‫لقد شكلت هذه الرّحلة الصوفيّة الرحميّة‬ ‫من الكد والمثابرة والتفاني‪ ،‬إلى العطالة بالنّسبة للعامل‪ -‬ال����ذات‪ ،‬أف��ق��ا مفتوحا‬ ‫والخيبة والضياع‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬انبثقت األسئلة للتطهر من تبعات مرحلة ولّت بما عليها‪،‬‬ ‫الملحة في ال���ذات‪ ،‬بحثا عن خ�لاص من وبما لفيها‪ ،‬وتصالحاً مع األنا المشروخة‬ ‫الوضعية المزرية التي فوجئت بها وسط بالهزائم المتتالية‪ ،‬وبداية مرحلة جديدة‪،‬‬ ‫ذه��ول جيل طالما حلم بمنامات وردي��ة‪ .‬واج��ت��راح م��س��ارات مختلفة بوعي جديد‬ ‫ويمكن اخ��ت��زال المرجعيات ال���واردة على ومناقض لما م ّر وعبر‪.‬‬ ‫مستوى المحكي الذاتي‪ ،‬في ثالث‪:‬‬ ‫‪ .2 .2‬المرجعية اإلبداعية‬

‫يشكل هذا المنجز الروائي الذاتي‪ ،‬هو‬ ‫اآلخر‪ ،‬عودة إلى األصل‪ ..‬المداد المهدور‪،‬‬ ‫وال����دم ال��م��ص��ه��ور‪ ،‬وال��خ�لاي��ا ال��م��ع��ص��ورة‬ ‫بالسّ رد والذكريات‪ ،‬أمال في معانقة مدىً‬ ‫سحيق‪ ،‬يسكن ال��ذات منذ االرتطام األول‬ ‫بهذا الكوكب‪ .‬لم يأت سعيد الشفاج الذي‬ ‫يتماهى م��ع ال��ع��ام��ل ال���ذات «ح��م��ي��د» في‬ ‫بعض المؤشرات المرجعية السيرية التي‬ ‫يحفل بها النص‪ ،‬إل��ى ال��سّ ��رد؛ بحثا وجه‬ ‫ذات‬ ‫برّاق‪ ،‬بل ليلتقيَ بذاته التي افتقدها‪ِ ،‬‬ ‫الصبيّ الذي كانه منذ عقود مرّت كالبرق‪،‬‬ ‫وهي ذات السّ رد‪ ،‬بجسده السّ ليب‪ ،‬وذاكرته‬ ‫المصلوبة‪ ،‬وحكاياته التي ورثها عن الطين‬ ‫واألج�����داد‪ ،‬ح��ك��اي��ات ال��ج��دات‪ ،‬وحكايات‬ ‫البحر‪ ،‬وحكايات النهر‪ ،‬وحكايات ال��درب‬ ‫المطموس‪ ...‬ك ّل هذا العجين الخرافي من‬ ‫الخامات‪ ،‬استنفر سعيد الشفاج كي يستعيد‬ ‫هوية السارد الذي بات يسكنه‪ ،‬بعد أن جرّب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪47 )2016‬‬


‫المسرح والشعر («مقامات» ‪1998‬م)‪.‬‬

‫لتلقيها في بطن الحصيد‪ ،‬فإنّها ستتحول‪،‬‬

‫‪ .3 .2‬المرجعية العاطفية‬

‫ب��ع��د ت��وال��ي ال��خ��ي��ب��ات وال��م��ن��زل��ق��ات‪ ،‬إل��ى‬

‫يتأسس هذا المحكي الذاتي على نواة‬ ‫س��ردي��ة أص��ل��ي��ة تسهم ف��ي ت��ط��ور المسار‬ ‫السردي للشخصية الرئيسة‪ ،‬ونماء مشوارها‪،‬‬ ‫ضمن شبكة تفاعلية من العالقات المترعة‬ ‫�س الشعبيِّ الطقوسيِّ ‪.‬‬ ‫بالبساطة وال��ح� ِّ‬ ‫ويتعلق األمر بحكاية عشق لم تكتمل‪ ،‬تلك‬ ‫التي جمعت حميد‪ ،‬الشاب المعطل‪ ،‬القادم‬ ‫من البيضاء ممتشقا خساراته وجروحه‪،‬‬ ‫وع��ط��ش��ه ال���ج���س���دي‪ ،‬وال���ف���ت���اة ال��غ��ج��ري��ة‬ ‫األطلسية التي أهدتها له قرية أمزميز هد ّي ًة‬ ‫على الكسر الذي منعه من إكمال مباراة في‬ ‫ك��رة القدم جمعت بين فريقيْ البرنوصي‬ ‫وأمزميز‪ ،‬حيث حُ مل جريحا إل��ى منزلهم‬ ‫الطيني الجبليّ من أجل اإلسعاف‪.‬‬ ‫يعود حميد إلى البيضاء بعد أن تورط في‬ ‫قصة حبّ قدّ ر لها أن تظل منذورة لتصميم‬ ‫المصائر الملغومة‪ ،‬بعد أن خرجت‪ ،‬في‬ ‫تفاصيل العتمة الليلية‪ ،‬إلى الوجود ناضجة‪،‬‬ ‫وبعد أن تكللت منذ اللقاء األول‪ ،‬بالوصل‬ ‫ال��م��خ��ات��ل‪ ،‬ل��ت��ظ��ل ال��م�لام��ح وال��ت��ف��اص��ي��ل‬ ‫المشبعة بلذة االستراق توقد في الجسدين‬ ‫صبابة ال شفاء لها‪.‬‬

‫فخ الرت��ك��اب الخطايا المؤجلة نكاية في‬ ‫المصائر الملغومة ال��ت��ي اغ��ت��ال��ت القيم‬ ‫الجميلة‪ ،‬واستبدلتها بمعان مزيفة ترعاها‬ ‫الشهوات والماديات المتضخمة في زمن‬ ‫إنكاسي‪ .‬تتحدى قصة الحبّ ه��ذه قيود‬ ‫المجتمع وتصاريف الزمن‪ ،‬لتخلق لها من‬ ‫سديم الخيانة‪ ،‬أفقا لالنتعاش‪ ،‬وبرنامجا‬ ‫تعويضيا‪ ،‬وإعالنا لحالة عصيان‪ ،‬لم تتحقّق‬ ‫حتى على سبيل االنخراط في هيجان ربيع‬ ‫عربي لم تزهر‪ ،‬في حقوله الملغومة‪ ،‬سوى‬ ‫النّار والدّ م‪.‬‬ ‫لقد عرف الروائي سعيد الشفاج‪ ،‬من‬ ‫خالل محكيه السير‪ -‬ذات��ي العميق‪ ،‬كيف‬ ‫ي��ح��ول مشاهد س��ردي��ة مكثفة التقطتها‬ ‫ال��ذاك��رة م��ن جحيم ال��ن��س��ي��ان‪ ،‬إل��ى صور‬ ‫جماعية لإلخفاق‪ ،‬نثرها بسالسة‪ ،‬وبأسلوب‬ ‫يتراوح بين السّ خرية والحنين‪ ،‬بين يديْ‬ ‫جيل الثمانينيات والتسعينيات الذي وضعته‬ ‫أق��داره في مرمى عواصف اإلخفاق‪ ،‬وهو‬ ‫في ح ّل من ك ّل أبجديات مقاومة األعاصير‬ ‫الجامحة للحياة؛ ألنه جيل نشأ على فطرة‬

‫وبما أنّ ج��ذوة العشق ال تنطفئ أب��دا‪ ،‬الطين‪ ،‬والحب‪ ،‬والتمسك بالحياة‪ ،‬إلى آخر‬ ‫تماما مثل ش���رارة التقطتها ري��ح صيفية رمق‪.‬‬ ‫ * ناقد من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سعيد الشفاج‪ :‬درب المعاكيز‪ ،‬رواية ذاتية‪ ،‬مطبعة ‪ ،axiorep‬الدار البيضاء (المغرب)‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫‪2015‬م‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫احتياجات خاصة‬ ‫‪ρρ‬عيسى مشعوف األملعي*‬

‫ف��ي لحظات مجدبة م��ن العاطفة‪ ،‬وم��ن منقوله‪ ،‬ال��ح��ب يصنع اإلب���داع‪،‬‬ ‫قذف جواله صوتاً ناعماً في أذنه سلب حدَّ ث نفسه بهذا التحوّل بعد أن كان‬ ‫فؤاده من أول كلمة‪ ،‬هام بها‪ ،‬تعلق قلبه قلبه صحراء مقفرة‪ ،‬يجزل لها عطاء‬ ‫بصوتها الرخيم‪ .‬صوتاً ال صورة أحبها‪ ،‬الكلمات من طرف لسانه‪ ،‬يكبر الحب‬ ‫بررت له بأنها مخطئة في الرقم على كالجنين ف��ي قلبيهما‪ ،‬ضربا موعداً‬ ‫ح ِّد زعمها‪ ،‬لكنه كان متفائ ً‬ ‫ال بعودتها‪ .‬للقاء ال��غ��رام‪ ،‬دوَّن عنوانها في ذاك��رة‬ ‫ع��ادت العصفورة مجدداً بمبررات عقله الباطن فيما مضى ف��ي تنفيذ‬ ‫أخرى تحوم حول القفص حتى حطت قراره‪.‬‬ ‫ف��ي��ه‪ ،‬ت��واص�� ٌل دائ���م ب��رس��ائ��ل ع��ط��رة‪،‬‬ ‫ذات مساء ه��ادئ أس��رع إليها‪ ،‬في‬ ‫وأح��ادي��ث العشق الصاخب كل مساء‪ ،‬منزلها ولج‪ ،‬تحُ ُّف ُه النشوة‪ ،‬نسيَ الخوف‬ ‫ك��ان��ت تتغنى بسحر ك�لام��ه‪ ..‬وتطلب‬ ‫من عواقب المغامرة‪ ،‬دلف عليها خلس ًة‬ ‫ال��م��زي��د‪ .‬وه���و ال ي��ت��وان��ى ف��ي تأجيج‬ ‫يتحسس المكان كاألعمى‪ ،‬بمفردها‬ ‫ُ‬ ‫مشاعرها‪ ،‬صوتها يتبعثر كعزف كمان‬ ‫في بهو المنزل تنتظره بلهفة العاشقة‪.‬‬ ‫شجي‪ ،‬كتب شعراً وأرسله‪:‬‬ ‫مرتدية زينة العروس‪ ،‬جابهها‪ ،‬شاهدها‬

‫«كل حب والدة‬ ‫وكل والدة من نار‬ ‫فلنحترق بألسنة الشموع‬ ‫وليكن ليلنا وعدا‬ ‫بخراب ناصع البياض»‬

‫ألول م��رة وه��ي تتقافز مبتهجة على‬

‫كرسيها المتحرك‪ ،‬اجتاحته الصدمة‪،‬‬ ‫وه��يَ ذرف��تْ دم��وع الخيبة والفجيعة‪،‬‬

‫مندهشاً غير م��ص��دق‪ ..‬ظ��لَّ محدقاً‬

‫فيها بعينه الواحدة التي مَـألت وجهه‬

‫ٍ‬ ‫شاعر‬ ‫ٍ‬ ‫لقد تحول إلى‬ ‫مغرم من قوله وأخذت دور األخرى المفقوعة‪..‬‬ ‫ * قاص وروائي سعودي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪49 )2016‬‬


‫باب سعادة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لم يبق لها بعد موت زوجها وأبويها إال ولد صغير‬ ‫ال يتعدى السابعة‪ ..‬يؤنسها وتؤنسه‪ ،‬ك��ان معاقاً‬ ‫جسدياً‪ ،‬بال أقدام‪ ،‬عاشت برفقته في حجرة صغيرة‬ ‫بال سقف‪ ..‬كانت فوق سطح أحد المنازل القديمة‪..‬‬ ‫القناعة تخيم على األم الفارعة‪( ..‬األربعينية)‪..‬‬ ‫ولكن الذي كان يزعجها من آن آلخر حبات المطر‬ ‫المتفاوتة التي تتساقط على مالبس طفلها‪ ،‬فيسعل‬ ‫من برودتها‪..‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وفي ليلة شاتية‪ ،‬اشتدت زخات المطر‪ ،‬وامتألت‬ ‫السماء بسحب حُ بلى‪ ،‬ارتعدت فرائص األم وهي‬ ‫تلمح ال��رع��ب يخيم على وليدها المرتجف‪ ،‬زاد‬ ‫هطول المطر وزادت صرخات الطفل‪ ..‬األم تأخذ‬ ‫الحجرة جيئ ًة وذهاباً‪ ..‬تبحث عن حل‪ ..‬عن شيء‬ ‫تختبئ تحته هي ووليدها‪ ..‬لم تجد‪ ..‬عادت السماء‬ ‫تهتز من جديد بالرعد والبرق والمطر الشديد‪ ،‬كان‬ ‫الطفل يتشبث بثوب أمه األسود الذي غرق عليها‪،‬‬ ‫صرخاته متقطعة‪ ..‬تنظر إليه األم‪ ..‬تدمع عيناها‪..‬‬ ‫تمزق نياط قلبها‪ ..‬عندما سمعت صوته المتقطع‪..‬‬ ‫كان الطفل يردد بشفاه مرتجفة‪:‬‬ ‫«أمه أمه أنا بردان‪ ..‬أمه أمه أنا بردان!!»‬ ‫يستند على الحائط ويسقط‪..‬‬ ‫راحت األم تهمهم بصوت مبحوح‪:‬‬ ‫«يا ويلي‪ ..‬الولد سيضيع مني‪ ..‬إنه ك ّل دنياي‪!..‬‬

‫‪50‬‬

‫ * كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪ρρ‬أمين عبدالسميع حسن*‬

‫ف��أس��رع��ت إل���ى ال��ب��اب‪ ،‬ب���اب ال��غ��رف��ة الخشبي‬ ‫المتهالك‪ ..‬ذو الدفة ال��واح��دة‪ ..‬راح��ت تشده بكل‬ ‫ق��وت��ه��ا‪ ..‬ت��ح��اول خ��ل��ع��ه‪ ..‬وال��ط��ف��ل يرمقها بقلق‪..‬‬ ‫شاخصاً إليها‪ ..‬كان مخاط أنفه يتدلى‪ ..‬وأسنانه‬ ‫تصطك‪ ..‬انزلقت قدم األم اليمنى في وحل الطمي‬ ‫الذي مأل أرضية الغرفة‪ ..‬وقفت من جديد‪ ..‬وأخذت‬ ‫تكرر المحاولة حتى انخلع الباب من مصراعيه‪..‬‬ ‫لكن أحد المسامير الجانبية الصدئة أصاب يد األم‬ ‫المعروقة‪ -‬فجرحها‪ ..‬وطَ رق الدم كشالل دافقْ‪..‬‬‫ندت عنها صرخة مكتومة‪ ..‬لكنها لم تُعر الموضوع‬ ‫– بعد ذلك – اهتماماً‪ ...‬وراحت ترفع الباب بكل ما‬ ‫أوتيت من قوةٍ ‪ ..‬والطفل ينظر إليها بعيون متحجرة‪..‬‬ ‫م��ن��ت��ظ��رة‪ ..‬ص���دره الصغير ال��راق��د ت��ح��ت جلباب‬ ‫(مِ قلَّم) يصدر أزيز (النزلة الشعبية)‪ ..‬وبعد لحظات‬ ‫استطاعت األم أن تجعل الباب يغطي جزءاً صغيراً‬ ‫م��ن سقف الغرفة ال��واط��ئ��ة‪ ..‬كانت ق��ط��رات ال��دم‬ ‫تسيل على ذراعها العاري‪ ..‬وزاد هطول المطر من‬ ‫جديد‪ ..‬خطفت األم طفلها الصغير بلهفة‪ ..‬واختبأت‬ ‫معه تحت الباب‪ ..‬فسقط ماء المطر بعيداً عنهم‪..‬‬ ‫وهنا نظر الطفل إلى أمه في سعادة بريئة وقد علت‬ ‫سحنته ابتسامة الرضى‪ ..‬فقال ألمه الشُ جاعة وهو‬ ‫يحضنها بيديه‪..‬‬ ‫أمه‪ ..‬ماذا يفعل الفقراء الذين ليس عندهم باب‬ ‫حين ينزل المطر؟!‬ ‫فتبسمت األم – ألول مرة – هذا اليوم‪ ..‬وضمت‬ ‫طفلها إل��ى صدرها بحنو زائ���د‪ ..‬وقتها ك��ان الدم‬ ‫القاني يتجلط بين أصابعها‪ ..‬وبين نتوء أقدام طفلها‪.‬‬


‫‪ρρ‬فرح لقمان*‬

‫ف��ي لَ��ي�لَ��ة ه��ادئ��ة‪ ..‬أج��واؤه��ا ب��اردة المكان وهدوءه‪ ..‬ينادي من بعيد‪ :‬عَ بد‬ ‫وغريبة! والعَتمَة تمأل المكان‪ ..‬لتهزم العَزِ يز‪ ..‬هيا نَعُد إلى البيت‪..‬‬ ‫ضوء القَمر الذي بدأ بالظهور وتتقدمه‬ ‫ال يَعل َم م��اذا يفعل‪ ..‬إال أنه اعتَ َد َل‬ ‫غيوم كأنها تسخر منه‪ ،‬وتستهزىء بنوره‬ ‫في جلس ِتهَ‪ ..‬وهو يضغط على ذاك الزر‬ ‫أم��واج تعبث بصفاء البحر‪ ..‬والمكان‬ ‫لينطلق كرسيه به‪..‬‬ ‫صامت لمن يراه‪ ..‬إال لشخص واحد‪..‬‬ ‫ينظر إلى ساعته الذهبية‪ ..‬ويبتسم‬ ‫يرى أنه ضاج‪..‬‬ ‫بسخرية‪ ،‬كأنه يناجي نفسه‪( :‬فِ لل‪،‬‬ ‫جلس ش��ارد ال��ذه��ن‪ ..‬اهلل أعلم ما‬ ‫يجول بفكره وخاطره‪ ..‬في عينيه بري ٌق أم��وال‪ ،‬ثياب فارهة‪ ،‬كرسي متحرك‪،‬‬ ‫محيرٌ‪ ،‬يدركه من يحدق فيهما‪ ..‬وكُل ما خدم‪ ،‬حشم‪.)..‬‬

‫يفعله هو النَظر ألقصى ش��يء يتمكن‬ ‫من رؤيته‪ ..‬بداخله أل ٌم ليس بعده ألم‪،‬‬ ‫وحزن ليس بعده حزن‪..‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫أنا السبب‪..‬‬

‫كل ش��يء يمتلكه‪ ..‬إال ذاك التاج‪..‬‬ ‫«ت��اج الصحه»‪ .‬ال يستطيع الحصول‬ ‫عليه‪ ..‬ألنه فرط فيه في لحظة طيش‪..‬‬ ‫لحظة أف��ق��دت��ه نعيم ال��دن��ي��ا وح��ري��ة‬ ‫الحركة فيها‪..‬‬

‫هَ بّت الريح‪ ..‬فحركت ذاك الوشاح‬ ‫ولثوان‪ ،‬شعر أن‬ ‫ٍ‬ ‫الباهي من على َكتِفِ ه‪..‬‬ ‫الوشاح يسخر منه أيضاً‪ ..‬كما سخروا‬ ‫ن����دم ح��ي��ن ال ي��ن��ف��ع ال����ن����دم‪ ..‬من‬ ‫منه باألمس‪ ..‬هو يشعر بالضيق‪ ..‬من‬ ‫«تفحيط» واستعراض بسيارته‪ ..‬إلى‬ ‫م��اذا؟ من كل ش��يء! ال يعلم لماذا كل‬ ‫جز عن المَشي وك��رس��يٍّ متحرك‪..‬‬ ‫عَ ٍ‬ ‫شيء ضده‪ ..‬ولماذا هو بالذات‪..‬؟!‬ ‫وذهاب نعمة لم يكن يدرك قيمتها‪.‬‬ ‫َض عَ ينَيه‪ ،‬ثم فتحهما‪ ..‬ابتسم‬ ‫أغم َ‬ ‫وأخيراً نطق‪ ..‬وقلبه يعتصر ألما‪..‬‬ ‫ابتسامة تبعتها دمعة حزينة محيرة‪..‬‬ ‫ودموعه تنساب على خديه‪..‬‬ ‫وع��اد للنظر إلى البحر‪ ..‬سمع خُ طَ ى‬ ‫ت��ق �تَ��رِ ب مِ ��ن��ه‪ ..‬وص��وت��ا يكسر صمت‬ ‫بيدي ال بيد عمرو‪ ..‬فأنا السبب‪..‬‬ ‫* طالبة ‪ -‬سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪51 )2016‬‬


‫سره اللذيذ‬ ‫‪ρρ‬حنان مسلم*‬

‫نعتها بالفاليوم‪..‬‬ ‫ومرة باألفيون‪..‬‬ ‫وآخر مرة دخل فيها قائمة األسماء في جواله‪ ..‬وضعها تحت مسمى‬ ‫«مضادة االكتئاب»!‬ ‫بينما هي قد نعتته بـ «سواق الجمس»‪!..‬‬ ‫رائحة عطرها الفرنسي ما تزال تنقله إلى أول صباح نَ��ديٍّ ركبتْ فيه‬ ‫«الجمس» ألول مرة‪..‬‬ ‫صباح تذوَّق فيه طعم الحب واستنشقه ألول مرة‪..‬‬ ‫بطعم علكة النعناع‪ ..‬ومزيج شانيل‪ ..‬ورائحة المطر‪..‬‬ ‫الصباح الذي أشرقت فيه الشمس ألول مرة في حياته المحاصرة بالكآبة‬ ‫التي تبددت كأسراب الخفافيش‪ ..‬بعد أن توالت ضحكاتها على غترته‬ ‫البيضاء التي تلونت بألوان لوحاتها عندما كان يغطيها عن ألم‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬مرمي احلسن*‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ردهات االنتظار‬ ‫لبسني الحلم منذ طفولتي‪ ،‬لهيت مع تزرع دربي بالورود‪ ،‬والرياحين‪..‬‬

‫القمر‪ ،‬ومع أمواج البحر‪ ،‬حكيت حكاية‬ ‫الزمن مع قطرات المياه‪ ،‬تلك الجزئيات‬

‫التي تتدفق على كفّي‪ ،‬تتسرب من بين‬ ‫أصابعي‪ ،‬تعزف مقطوعة جميلة من‬

‫أحالم المستقبل‪..‬‬

‫موادي الدراسية‪ ،‬فروضي العلمية‪،‬‬

‫أحيكُ معها حكاية أحالمي صفحة وراء‬ ‫صفحة‪ ..‬سلسلة مترامية األط��راف‪،‬‬ ‫تلك ال��ص��ور ال��ت��ي تخيلتها‪ ،‬وعشتها‬

‫خطوات ثابتة مستقرة واثقة‪ ..‬ال أسكن‬ ‫للنوم‪ ،‬وال لألحالم والرؤى‪ ،‬بل أستسلم‬

‫للخيال‪ ..‬أرس��م صفحات حياتي في‬ ‫ل��وح��ات أ ُعلّقها على حيطان قلبي‪..‬‬

‫تعددت لوحاتي‪ ..‬لوحة بعد لوحة‪،‬‬ ‫وأنا أرمقها في صمت وترقّب‪ ،‬يخاتل‬ ‫عيناي ال��ج��ذل وال��ف��رح كلما تضاعف‬ ‫عددها‪..‬‬ ‫أركنها في أدراج��ي العتيقة‪ ..‬تبقى‬ ‫أسيرة الزمن البطيء‪ ،‬يغطيها غباره‬ ‫اآلس�����ن‪ ..‬االن��ت��ظ��ار ي��م��زق��ن��ي أش�ل�اء‬ ‫ك��ل��م��ا ت��ق��دم ب���ي ال���زم���ن‪ ..‬يحطمني‬ ‫األل��م‪ ،‬يعصرني الوجع‪ ،‬تتناثر أوراق��ي‬ ‫بتوقيعي‪ ..‬يخدش سقوطها قريحتي‬ ‫التي تتفتق‪..‬‬ ‫اق��ت��رب��ت ال��س��اع��ة‪ ..‬ان��ش��ق ال��زم��ن‬

‫عناوينها شهادات تفوقي مرحلة بعد مشيرا إل��ى خطة سير مختلفة عن‬ ‫مرحلة‪ ،‬نجمتي التي تبرق نحو األفق‪ ..‬طريقي الذي أدلجت نفسي عليه‪ ،‬تهت‬ ‫تلك األمنية‪ ،‬ذل��ك الحلم ال��ذي أسعى في ردهات اإلشعاع‪ ..‬تشابكت أمنياتي‬ ‫للوصول إليه وه��و بعيد المنال؛ حلم ف��ي ُع � َق� ٍ�د يصعب حلها‪ ..‬و‪ ..‬اختنق‬ ‫الشهادة الكبيرة التي تصنع ق��راري‪ ،‬الحلم‪!..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪53 )2016‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬ ‫‪ρρ‬شيمة الشمري*‬

‫همسة للحياة‬ ‫ذل��ك التمثال الجميل ال��ذي أهدته إليّ‬ ‫جارتي الشقراء‪ ،‬همس لي ذات حزن‪ :‬عليك‬ ‫أن ترقصي!‬ ‫ال تخافوا‬

‫فنجال قهوتي ف��ارغ‪ ..‬جيد أني شربته ‪،‬‬ ‫لكنني لم أكمل قراءة كتابي!‬ ‫وعباءتي‪ :‬كيف خرجت بدونها؟!‬ ‫غريب أنني لست هناك!‬ ‫ثقب‬

‫وحيث أني أحمل غيمة كبيرة فوق كتفي‪..‬‬ ‫فأنا ال أراك��م وال أسمعكم‪ ..‬لكنني سائرة‬ ‫في فجر ماطر لبست عباءتي‪ ،‬وركبت‬ ‫وماطرة وبيضاء‪ ..‬وأوصيكم‪:‬‬ ‫السيارة‪ ،‬واتجهنا شماال‪ ..‬هذا كل ما أذكر!‬ ‫ال تخشوا الموت‪..‬‬

‫هو ألم من آالم الحياة إال أنه األخير‪!!..‬‬ ‫سكناك عيني‬ ‫منذ ثالثة أيام‪ ،‬استيقظتُ بعين بيضاء‪..‬‬ ‫حزن أهلي وهم يتساءلون عن السبب‪..‬‬ ‫ويبحثون عن طبيب عيون ماهر‪..‬‬ ‫أم��ا أن��ا فكنت أفكر في مصير الطائر‬ ‫األبيض الذي أصبته بحجر ذاك المساء‪!..‬‬

‫بحث‬ ‫بين الشك واليقين حدٌّ فاص ٌل ورقي ٌق كنت‬ ‫أسير عليه متأرجحة وأتأمل‪..‬‬ ‫هذا ما أعرفه‪..‬‬ ‫أظنني وقعت‪ ..‬لم أعد أعرف شيئا!‬ ‫صديقتي العاشقة‬ ‫حدثتني باكية تشتكي الحب وظلم البشر‪..‬‬

‫انعتـاق‬ ‫واسيتها‪ :‬دموعك حكاية عشق خرجت‬ ‫نخلتي تلك التي أهداها إليّ عمي لزرعها لتغرق المدينة الغافية على حافة النسيان؛‬ ‫ف��ي ب��اح��ة م��ن��زل��ي‪ ،‬ت��داع��ب ش��ب��اك غرفتي‬ ‫فال تسمحي لهم بأن يسرقوا منك حياتك‪،‬‬ ‫المفتوح!‬ ‫وجناحيك؛ ليصنعوا منها النور والوسائد‬ ‫أوراق����ي على مكتبي م��رت��ب��ة‪ ،‬وعباءتي‬ ‫الناعمة!‬ ‫مطبقة بعناية كعادتي‪ ،‬ال أحب شنقها على‬ ‫ابتسمت وفي عينها ألف دمعة!‬ ‫مشجب المالبس‪!..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬عمار اجلنيدي*‬

‫ما أزا ُل أذكر أول قصة نشرتها وكيف‬ ‫كانت ردة الفعل عليها‪.‬‬ ‫القصة تحكي ف��ي مضمونها عن‬ ‫ش��اب يضبط أح��ده��م يخرج م��ن بيت‬ ‫جاره في ساعة متأخرة جداً من الليل‪،‬‬ ‫ُض‬ ‫فما كان من هذا الشاب إال أن يَغ َّ‬ ‫طرفه ويدخل بهدوء إلى بيته‪.‬‬

‫سامر‪ ،‬جابر‪ ،‬منال‪ ،‬سوفوخليس‪ ،‬ديمه‪،‬‬ ‫ش��ادي‪ ،‬سناء‪ ،‬سميرة‪ ،‬سعيد‪ ،‬ح��ازم‪،‬‬ ‫أيمن‪ ،‬جعفر‪ ،‬جميل‪ ،‬رأفت‪ ،‬كلهم عَ تِبوا‬ ‫وعبّروا عن استيائهم‪ ،‬وبعضهم قاطعني‬ ‫لدرجة العداء لمجرد أن أسماءهم حلَّت‬ ‫في قصصي ووظّفتُها بغير ما إذْن منهم‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫البحث عن أسماء محايدة‬

‫بالكف عن كتابة‬ ‫ِّ‬ ‫نصحني أحدهم‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬وثان أشار عليّ بأن‬ ‫فرحت كثيراً بأن أرى قصتي منشورة‬ ‫أعتذر من كل األصدقاء؛ حتى أولئك‬ ‫في صحيفة محترمة‪ ،‬لكنني فوجئت‬ ‫الذين لم ترد أسماؤهم في قصصي‪.‬‬ ‫بأحد جيراني يطالبني أن أكشف له عن‬ ‫أضاف رابع بأن القضية تافهة وال‬ ‫اسم الرجل الذي خرج باألمس من عند‬ ‫تستوجب التوقف عندها طويال‪.‬‬ ‫زوجته‪.‬‬ ‫وآخ��ر أش��ار عليّ بأن أنتقي أسماء‬ ‫وعبثاً حاولت إقناعه ب��أن أح��داث‬ ‫محايدة‪ ،‬وال تثير حسابات إشكالية‪،‬‬ ‫قصتي متخيلة م��ن ألفها إل��ى يائها‪،‬‬ ‫بحيث ال تمت إل��ى ال��ش��م��ال وال إلى‬ ‫وه��ي ال تمتّ إل��ى ال��واق��ع إال بالخيال‬ ‫الجنوب بصلة‪ ،‬وال يُعرَف صاحبه أنه‬ ‫اإلبداعي‪.‬‬ ‫مسيحي أو مسلم‪ ،‬وال تدلّ البَتَّة على أن‬ ‫وعندما نشرت قصة أسماء؛ عاتبني بطلها ينتمي أليّة قومية أو إثنية‪.‬‬ ‫صديقي حازم ألنني وظّ فت اسمه في‬ ‫كل ذلك أخذته على محمل الجَ دّ‪.‬‬ ‫القصة‪ ،‬مبرراً عتابه أن من يقرأ القصة‬ ‫أخذتني الحيرة إلى متاهات التشتت‬ ‫ل��ن يفهم أو يستوعب أن ه��ذا مجرد‬ ‫حتى اقتربت من حدود االنفعال‪ ،‬وقررت‬ ‫خيال أبداعي‪.‬‬ ‫أن ال أكتب بعد اليوم قصة قصيرة إال‬ ‫رمزي‪ ،‬حسام‪ ،‬حمزة‪ ،‬يوسف‪ ،‬مخلد‪ ،‬بأسماء أصدقائي!‬

‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪55 )2016‬‬


‫مفرح‬ ‫خالي د‪ّ .‬‬ ‫‪ρρ‬تركية العمري*‬

‫من شرفة بيتنا التي تنبثق من مجلس الرجال ذي األث��اث األحمر‪ ،‬والمطلة‬ ‫على طريق القرية العام الذي رصف مؤخرا‪ ،‬أرى كل صباح خالي د‪ .‬مفرّح متجها‬ ‫إلينا‪ ،‬يحمل المنحدر خطواته مار ًا بأشجار الرمان‪ ،‬التي اعتاد أن يمرر يده عـلى‬ ‫ثمارها‪ ،‬فأرى ثمارها القرمزية تحيّي عودته كما لـو أنهن حبيبات افتقدن لمسات‬ ‫حبيبهن الحانية‪ ،‬وعندما يتجاوز بوابة سور بيتنا‪ ،‬أركض إلى الداخل لكي أخبر‬ ‫أم��ي بقدوم أخيها الصغير ال��ذي ينحني مقب ًال قدميها‪ ،‬فترفعه‪ ..‬بينما تنزلق‬ ‫دمعة من عينيها‪.‬‬ ‫ف��ي تلك اللحظات ت��دن��و مني تلك‬ ‫الظهيرة التي لفها الشتاء‪ ،‬وال ت��زال‬ ‫عالقة بباب بيتنا‪ ،‬غ��ادر خالي قريتنا‬ ‫م��رت��دي��ا ث��وب��ه ذا ال��ل��ون ال��ب��ي��ج‪ ،‬ودَّع��ن��ا‬ ‫بسرعة‪ ،‬وه��و يعانق أم��ي وأم��ه‪ ،‬أقسم‬ ‫بفكر آسن‪،‬‬ ‫أناس ٍ‬ ‫أنه لن يعود إلى قـريةِ ٍ‬ ‫وها هو يعود إليها قبل شهرين‪ ،‬تُرى هل‬ ‫نـسي خالي قـسمـه؟‬

‫ك����ان خ���ال���ي أول م���ن ي���ذه���ب ال��ى‬ ‫ال���م���درس���ة‪ ،‬وآخ����ر م���ن ي��خ��رج منها‪.‬‬ ‫أوق���ف ح��ص��ص منهجه ل��م��دة أس��ب��وع‬ ‫ليعلم الطالب عالمات الترقيم‪ ،‬وكم‬ ‫كان مستا ًء وهو يحكي لي أن الطالب‬ ‫يكتبون بـدون عالمات ترقيم‪ ،‬كان وجهه‬ ‫محمراً‪ ،‬والكلمات تخرج من فمه ممتلئة‬ ‫ب��م��رارة وه��و ي���ردد‪« :‬مصيبة أن يكون‬ ‫طالب بالصف األول الثانوي ال يهتم‬ ‫بعالمات الترقيم»‪.‬‬

‫ق��ب��ل س��ن��وات غ���ادر خ��ال��ي ال��ق��ري��ة‪.‬‬ ‫وقاده تفوّقه إلى الـرياض‪ ،‬رتب بصعوبة‬ ‫أحالمه بين عنجهية صباحاتها المملة‪،‬‬ ‫لقد تركوا مَن يسرق أرغفة بسطاء‬ ‫ول��م يتفاجأ عندما اكتشف م��ا وراء الوطن‪ ،‬وأمسكوا بخالي د‪ .‬مفرّح‪ ،‬نعم‬ ‫نقابها‪ .‬ولكن بقي بحر جده مخبأ بين م��ؤام��رة ضد صدقه‪ .‬هو ك��ان يساعد‬ ‫أمنياته‪.‬‬ ‫ن��ج�لاء‪ ،‬ولكـنه ل��م يـكتب لها رسالتها‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫عندما ك��ان يصحح اخ��ت��ب��ارات الثانوية‬ ‫العامة‪ ،‬حاولوا معه أن يزيد درج � ًة لطالب‬ ‫هو ولد أحد أقاربه من أعيان القرية‪ ،‬ولكنه‬ ‫رف��ض وبشدة‪ ،‬وأت��ى ترتيب الطالب الرابع‬ ‫على مستوى المنطقة‪ ،‬وغضب عليه الجميع‪،‬‬ ‫ولكنه بقي ثابتا ك��ذاك الجبل ال��ذي يحد‬ ‫القرية من الشرق‪.‬‬

‫مشية خالي مفرح التي يميل فيها قليال‪،‬‬ ‫وه��ا هو يعود فجأة‪ ،‬أيقظ خبر عودته جعلت أحد معارفنا ينعته باألعرج‪ ،‬وذات يوم‬ ‫حقد ج��ارن��ا ال��ل��دود ذي ال��ص��وت األج��ش‪ ،‬كتب إلى الرجل رسالة‪ ،‬جعلته يتوقف عن‬ ‫فثرثر بأكاذيب تناقلتها أفواه الناس‪ ،‬وانتثرت نعته باألعرج‪.‬‬ ‫عندما أتاه صوت جدي اآلمر بأن يتزوج‬ ‫حكايات عن خالي تشبه قامات أهل القرية‬ ‫القصيرة‪ ،‬وم���رت ب��ق��رى م��ج��اورة‪ ،‬وعبرت ابنة عمه‪ ،‬مألت عينيه نظرات حيرة‪ ،‬عقدت‬ ‫أشجار العـرعر الكبيرة‪« ،‬مسكوه مع طالبة معه لقاءات سرية في مجلس بيتنا إلبطال‬ ‫جامعة» أحبها‪ ،‬نعم أحب خالي زميلته نجالء‪ .‬ق���رار ج���دي‪ ،‬ك��ان ذل��ك قبل س��ت س��ن��وات‪.‬‬ ‫خ��ال��ي الوحيد ف��ي القرية ال���ذي ينادي أقمت ثورة ضد الجميع ألجله‪ ،‬ولكن باءت‬ ‫النساء سيدات‪ ،‬هـو من سمّاني زهور‪ ،‬كان بالفشل‪ ..‬وأزعجني استسالمه لقرار جدي‬ ‫الجائر‪ ،‬فصمته جعل مراسيم زواج��ه تتم‬ ‫يبلغ من العمر عشرة أعوام‪.‬‬ ‫بسرعة‪ ،‬وأدركت أن هناك من وشى بحكاية‬ ‫لم يجب خالي على أسئلة جدي وال أمي حبه لنجالء‪.‬‬ ‫حول عودته المفاجأة‪ ،‬أما أنا فقد احتفظت‬ ‫ذاك ال��م��س��اء‪ ..‬انتشر ن��ور أص��ف��ر على‬ ‫بهاجس سكنني م��وج��وع��ة ب��دم��وع صامتة‬ ‫سجاد أحمر في مزرعة جدي‪ ،‬جاء النور من‬ ‫رأيتها في عينيه‪.‬‬ ‫لمبات منضودة في أسالك ثبتت على أعواد‬ ‫يشبه خالي أمي كثيرا‪ ،‬الضحكة ذاتها التي خشبية وعلى أسوار المزرعة‪ ،‬تعالت أصوات‬ ‫تعبر شفتيه إلى عينيه فتغرق في حنانهما‪ .‬البنادق‪ ،‬رقصت األج��س��اد‪ ،‬ودق��ت األق��دام‬ ‫أتذكر ذات يوم وأن��ا أنتظره في سيارته األرض‪ ،‬وتعالى صوت شاعر بقصائد تمجد‬ ‫ال��ب��ي��ض��اء‪ ،‬ن���زل م��ن ال��س��ي��ارة ليشتري لي أسالف جدي‪ ،‬كانت تلك القصائد كما لو أنها‬ ‫ش��ك��والت��ة م��ن محل صغير‪ ،‬ام��ت��د فضولي خناجر تطعن قلب خالي‪ ،‬فتلك األمجاد التي‬ ‫ليحرض يدي لدرج السيارة‪ ،‬فتحته‪ ،‬فوجدت ال يؤمن بها أبعدته عن أنثى حَ لم بداللها‪.‬‬ ‫ص���ورة ألن��ث��ى بحاجبين مقوسين ب��دي��ا لي‬ ‫في سطح بيت جدي الكبير كانت النساء‬ ‫كهاللين صغيرين‪.‬‬ ‫يضربن ال��دف��وف‪ ،‬كانت الفتيات ينتظرن‬ ‫أتذكر في مساء ذلك اليوم أنني أخبرته دوره��ن بفارغ الصبر ليرقصن على أنغام‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫الماجستير‪ ،‬ولم ولن يفعل ذلك‪.‬‬

‫بفضولي ال��ج��ريء‪ ،‬فابتسم‪ ،‬كنا في صالة‬ ‫بيتنا‪ ،‬كان اعترافي له محرضا ليعترف لي‬ ‫بحبه لنجالء الحجازية‪ ،‬كنت أجلس أمامه‬ ‫أت��رص��د بفرح بهجة ارتسمت على مالمح‬ ‫وجهه‪ ،‬جعلته يمضغ بهدوء قطعة شكوالتة‬ ‫تناولها م��ن ص��ح� ٍ�ن اع��ت��دتُ أن أض��ع فيه‬ ‫الشكوالتة على طاولة صالتنا البيضاوية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪57 )2016‬‬


‫أش��رط��ة الكاسيت ال��ت��ي أحضرتها معي‪،‬‬ ‫تنحيت عن زغاريدهن‪ ،‬ألول مرة ال أشعر‬ ‫بـرغبة ف��ي ال��رق��ص‪ ،‬كنت أت��أم��ل ضحكة‬ ‫العروسة التي تشي ببالهتها‪ ،‬تلك الليلة لم‬ ‫تزينها نجوم السماء‪.‬‬ ‫منذ ث�لاث س��ن��وات‪ ،‬لم ي��زر خالي مفرح‬ ‫القرية إال مرات قليلة‪ ،‬منها يوم وفاة جدي‪،‬‬ ‫كنت أذهب إليه في اإلجازات‪ ،‬وقبل عامين‬ ‫ع���ادت زوج��ت��ه إل���ى أه��ل��ه��ا‪ ،‬أت��ذك��ر س��ؤال��ي‬ ‫له «وكيف تنجب منها وأن��ت قد ق��ررت أن‬ ‫تتركها»؟‬

‫البارحة‪ ،‬تهادت نجالء حاملة حكاية حبها‬ ‫لخالي‪ ،‬ألقيت عليها تحية من القلب «مرحبا‬ ‫أل��ف» وأن��ا أضغط بإبهام ي��دي اليمنى زر‬ ‫إجابة هاتفي النقال عندما ظهر اسمها مع‬ ‫رقمها‪ ،‬وكدت أرقص‪ ،‬وسالت ضحكتها تلك‬ ‫التي أسرت خالي الذي أعلم بحلمه بأنثى‬ ‫لها ضحكة م��ن م��اء‪ ،‬عندما ذك��رت نجالء‬ ‫اسمه انخفض صوتها‪ ،‬وخيّل لي أنني سمعت‬ ‫نغما موسيقيا هامسا لف اسمه وهي تلفظه‪،‬‬ ‫أحاطت بي أسئلة كثيرة كعصافير مشاغبة‪،‬‬ ‫أي أنثى أنت يا نجالء؟ هل أتيت إليه أم أتى‬ ‫إليك؟ هل خالي عاشق وفيٌّ لك؟ لماذا خفق‬ ‫قلبك له؟‬

‫قبل يومين أع��دت أم��ي له الوجبة التي‬ ‫يحبها «معرق لحم ج��دي»‪ ،‬فاحت رائحته‬ ‫ال تعلم نجالء أي فرح ألقته علي‪ ،‬واحتفلت‬ ‫الشهية ف��ي بيتنا‪ ،‬ك��ان��ت ي��ده��ا المخضبة‬ ‫بالحناء تمـده بقطع صغيرة من خبز الصاج بحـب خالي لها‪ ،‬كنت أشعر بأن هناك حكاية‬ ‫ال��ذي احتضنته منشفة بيضاء‪ ،‬وق��د تناثر حبٍّ لخالي في القرية المجاورة‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫السمسم على وجه الخبز البيضاوي األبيض‪ .‬يخبرني بها‪ ،‬لمح لي أنها انتهت‪ ،‬ولم يرد‬ ‫أن يعترف ب��أن القيود الصلدة التي تكبل‬ ‫ف��ي عينيْ أم��ي ن��ظ��رات حن ٍّو لخالي‪ ،‬ال‬ ‫المشاعر وتزمجر في وجوه العاشقين أنهت‬ ‫تختلف عن نظراتها لي وإلخ��وت��ي‪ ،‬عندما‬ ‫حكايته‪.‬‬ ‫ك��ان ف��ي ش��ه��وره األول���ى كانت تحمله على‬ ‫تداعى لي ذلك الصباح الربيعي عندما‬ ‫جنبها‪ ،‬وفي الثالثة من عمره كان يرافقها‬ ‫في زياراتها لقريناتها‪ .‬عند زفافها رفضت تحدث لي خالي عن نجالء‪ ،‬كانت عيناه مفعمة‬ ‫أن يتربى عند خالتها وأخذته معها‪ ،‬كان في بنظرات حنين إليها‪« :‬ليست طويلة‪ ،‬شعرها‬ ‫كستنائي قـصير‪ ،‬أناملها «وص��م��ت ثانية»‬ ‫الثامنة من عمره عندما فقد أمه‪.‬‬ ‫كَأنام َل عازفة بيانو رأيتها في فيلم أجنبي‬ ‫لم تغر القرية خالي بالبقاء فيها‪ ،‬عندما‬ ‫وه��و يحدثني عنها‪ ،‬اقتنصت لحظة وهو‬ ‫ب���دأت تخلع ث��وب��ه��ا ال��ق��روي وت��رت��دي ثوبا‬ ‫يناولني فنجان الشاي المذهب في مكتبه‪،‬‬ ‫جديدا‪ .‬ابتهج عندما رأى أن��وار المصابيح‬ ‫التي سعى لتنتشر في القرية عبر برقياته إلى وقلت له «األنثى تحب الرجل الجريء»‪.‬‬

‫ابتسم ق��ائ�لا «ال تقلقي‪ ،‬فخالك ذيب‬ ‫المسئولين‪ ،‬وها هو ضوؤها األصفر ينساب‬ ‫عبر ال��ط��رق ال��ج��دي��دة ال��واس��ع��ة مصافحا شاعري»‪.‬‬ ‫العابرين بها‪ ،‬ولكنه لم ينساب إلى ذاته‪.‬‬ ‫خالي مفـرح محبوب! يتدفق اسمه كثيراً‬

‫‪58‬‬

‫بعد عودته بدا لي أن خالي كان أكثر طوال‪ .‬على شفاه نساء القرية كجدول رقراق‪ ،‬كنت‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أحبي‪ ،‬وال تخافي‪ ،‬هل تعلمين أننا عبر‬ ‫الحب نكتشف أنفسنا‪.‬‬

‫زهور‪ :‬أيتها الصغيرة المشاغبة‪ ..‬يا من‬ ‫حرّضني على فعل أشياء كثيرة‪ ،‬ومنها العودة‬ ‫إلى حبي‪ ،‬فقط الزهرات الجميالت يحرضن‬ ‫على ال��وف��اء للنساء‪ ،‬قالها وه��و يضحك‪.‬‬ ‫وضحكت‪.‬‬

‫عندما غادر بيتنا وعاد لبيت جدي‪ ،‬افتقدنا‬ ‫مـزحاته الصغيرة‪ ،‬وبعدها كان خروجه من‬ ‫القرية مُيمما نحو فضاءات تناديه‪ .‬أخبرني‬ ‫أن رس��ائ��ل اشتياق م��ن تالميذه تبعته إلى‬ ‫هناك‪.‬‬

‫مشاعر مختلطة‪ ،‬تعالى صوت في أعماقي‬ ‫وأن��ا أقفز إل��ى األعلى بين ج��دران غرفتي‬ ‫ال��وردي��ة وأن��ا أه��ت��ف‪« :‬إن��ه خالي د‪ .‬مفرح‬ ‫العظيم»‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫فجر اليوم‪ ،‬وأنا أبحث عن علبة دبابيس‬ ‫أرى زم��ي�لات��ي عندما كنت ف��ي المدرسة‬ ‫الثانوية يرفعن غ��ط��اء وج��وه��ه��ن األس���ود‪ ،‬شعري الصغيرة‪ ،‬هاتفني‪ ،‬حياني‪ ،‬واعتذر‬ ‫وتتدافع رؤوسهن من شبابيك حافلة المدرسة عن ازعاجي في وقت مبكر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ال��ص��ف��راء ع��ن��دم��ا ي��أت��ي الص��ط��ح��اب��ي من‬ ‫تلك السيدة حررتها م��ن رج��ل قلبه مع‬ ‫المدرسة الى البيت‪ ،‬كنَّ يتجاهلن صيحات غيرها‪ ،‬والصغيران ستصلهما حقوقهما‪.‬‬ ‫حارس المدرسة الزاجرة ذو الثياب الـرثة‪،‬‬ ‫واع��ت��ق��ادي أنهما ال ي��ري��دان أب �اً حزيناً وال‬ ‫وهن يتأملن وقفته مرتديا نظارته الشمسية‪.‬‬ ‫مهزوماً ال يمنح البهجة لهما وال لمن حوله‪،‬‬ ‫لثوان محاوالً أن يبتلع أسىً داهمه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندما لمس قلبي لحن عاطفة‪ ،‬أخفيت صمتَ‬ ‫حكايتي عمن ح��ول��ي‪ ،‬ولكنه اكتشف ذلك وأكـمل‪:‬‬ ‫وألقى علي سؤاله‪ ،‬بينما كنت أسقي أحواض‬ ‫نعم‪ ،‬زه��ور الرقيقة‪ ،‬أحببت نجالء حبا‬ ‫الريحان التي تجاور مدخل بيتنا‪ :‬مَن يا زهور‬ ‫ليس بعده حب‪ ،‬حباً لم يعبث بمبادئي‪ ،‬عـدت‬ ‫الرقيقة؟‬ ‫إلى القرية ألقرر‪ ،‬وألرفض وأغـادر‪ ،‬البارحة‬ ‫توقفت‪ ..‬عدلت نظارتي‪ ،‬اقترب مني وكان صدقت وأخلصت لبياض إنسان يدعى مفرح‬ ‫في يده كتاب شعر‪ ..‬وقف أمامي وأكمل‪:‬‬ ‫الرامي‪ ..‬وسوف انتصر له‪.‬‬

‫التفتُّ إليه مبتسمة‪ ،‬بينما كنت أحرك خاتم‬ ‫خنصر يدي اليسار‪ ،‬متسائلة «ماذا سيحدث‬ ‫لو سمعه جدي؟»‪ ،‬ال شك أنه سيغضب منه‬ ‫وربما لألبد‪ ،‬وسيذكره بـالقبيلة‪ ،‬والتي لم‬ ‫لم أستطع أن أعلق هذه المرة على كلماته‬ ‫يكن خالي ابناً لها في يوم من األيام‪.‬‬ ‫التي دائما تدهشني‪ ،‬إال بكلمتين‪ :‬أنت رائع‪.‬‬ ‫ناولني الكتاب وابتعد‪.‬‬ ‫مضت ثوان بعد مكالمته لي‪ ،‬غرقت بين‬

‫خرجت إلى الشرفة‪ ،‬فالح لي خالي‪ ،‬كانت‬ ‫هل ضايقهم هناك بصدقه أم بأمنياته شجيرات الرمان تالحق مشيته الهادئة‪..‬‬ ‫بينما كفه تالمس السماء‪.‬‬ ‫النبيلة الصادقة؟‬ ‫* قاصة ومترجمة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪59 )2016‬‬


‫نهـــــايــــــــــات‬ ‫‪ρρ‬عبدالكرمي النملة*‬

‫(‪)1‬‬

‫أجابت‪:‬‬

‫صنعت عالماً أتوق إليه‪ ..‬أحتاجه‪ ..‬أف ّر إليه‬ ‫دفنوا والدهم‪ ،‬زرعوا شجرة كبيرة فوق قبره‪،‬‬ ‫كي تحمي قبره من حرارة الشمس‪ ،‬سقوها بدموع كل مساء‪..‬‬ ‫حزنهم الحارّة‪ .‬يترددون على قبر أبيهم ويبكون‬ ‫( ‪)5‬‬ ‫فتنمو الشجرة‪ .‬بعد حين جفّت دموعهم‪ ..‬جفّت‬ ‫غط في نوم عميق‪ ،‬تأملتْ صفحة وجهه‪،‬‬ ‫حين ّ‬ ‫الشجرة وماتت!‬ ‫تذكرت األيام األولى لزواجهما قبل أن يعلو وجهه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫غبار السنين‬ ‫وقف يشرح لتالميذه القيم اإلنسانية‪ ،‬الصدق‪،‬‬ ‫الوفاء‪ ،‬العدل ‪ ...‬أحس برذاذ ينطلق من الكلمات‬ ‫المكتوبة على اللوحة ويلتصق بوجهه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫(‪)6‬‬ ‫قالوا له‪ :‬الدرب قصير!‬ ‫ال أمامه‪..‬‬ ‫لم يصدقهم‪ ،‬وهو يراه ممتداً طوي ً‬ ‫قالو له‪ :‬الشمس تقترب من الغروب‪..‬‬

‫حين يقف ال��ج��دار باسقاً كنت ألعب تحته‬ ‫ببراءة وطفولة‪ ،‬أشعر بحميميته‪ ،‬أُلصق خدي‬ ‫قالوا له‪ :‬وجهك وجه ميت‪ ،‬أنت جثّة يلزم دفنها‬ ‫على صفحته طويالً‪ ،‬يص ّد عنّي هذا الجدار وعثاء‬ ‫الخارج‪ ،‬وهمومه‪ ،‬وغباره‪ ،‬وعبثه‪ ،‬لكن الجدار هرِ م اآلن‪..‬‬ ‫فانهدم وسقط‪ ،‬فاندفعت جحافل الغبار والرياح‬ ‫صدقهم! بكى معهم على نفسه‪ ،‬ودفن نفسه‬ ‫والهموم والصراخ تتقاذفني في كل جانب‪ ،‬وقفت في الحياة‪..‬‬ ‫وحيداً في العراء وسط زوبعات متتالية‪ ،‬بدأ شعر‬ ‫(‪)7‬‬ ‫ينبت بسرعة مذهلة في كل مساحات جلدي‪،‬‬ ‫عشق القراءة مذ كان طفالً‪ ،‬يقرأ كثيراً‪ ،‬تمتص‬ ‫وخرج من حلقي صوت ذئبي حاد ومخيف‪..‬‬ ‫عيناه السطور بلذة‪ ،‬يشعر بطعم أحبار الكلمات‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يسري في حلقه ويستقر في عقله‪ ،‬حين بلغ من‬ ‫يغط النابهون‬ ‫ف��ي ح��ف��ل توقيعها رواي��ت��ه��ا األول����ى‪ ،‬سألها العمر عتيا‪ ،‬أصبحت رأسه دواة‪ّ ،‬‬ ‫كتبت الرواية؟‬ ‫صحافي‪ :‬لماذا ِ‬ ‫أقالمهم بها ‪.‬‬ ‫لم يصدقهم‪ ،‬وهو يراها تش ُّع في كبد السماء‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫نــــــدم‬ ‫‪ρρ‬يوسف اخلالدي*‬

‫وضع حدوداً للصدمات‪ ..‬وكان يعتقد م��رك��زاً عينيه على ش��اش��ة ال��ه��ات��ف‪..‬‬

‫بأنه يوجد في الحياة أشياء مستحيلة‪ ،‬ت��ارة ينتظر رسالة من حبيبته تخبره‬ ‫كان قد وقع في أخطاء جسيمة‪ ..‬كانت باشتياقها‪ ..‬وت���ارة أخ���رى ينظر إلى‬

‫ثقته الزائدة في مَن حوله هي الخنجر ب��اب المقهى ال��رخ��ي��ص ينتظر ق��دوم‬ ‫ال���ذي ط��ع��ن خ��اص��رت��ه‪ ،‬ك���ان ي��ظ��ن أن أص��دق��ائ��ه‪ ،‬ت��ارك��اً ال��ك��راس��ي الثالثة‬

‫حبيبته ستبقى ل��ه‪ ،‬وأص��دق��اءه الذين المخصصة لهم‪ ،‬على أم��ل أن يأتوا‬ ‫يتسكع معهم سيظلون أص��دق��اءه إلى ويجلسوا عليها‪ .‬ولكن ال رسالة حبيبته‬ ‫األب���د‪ ،‬ول��ك��ن ال���ذي غ��اب ع��ن ب��ال��ه أن وصلت‪ ..‬وال أصدقاءه قدموا إليه‪ .‬‬

‫بعض الظن إثم‪.‬‬

‫أخرج هذا المسكين كراسّ ة صغيرة‬

‫فع ً‬ ‫ال كان آثماً في حق نفسه‪ ،‬حبيبته من جيبه كان معتاداً على حملها معه‬

‫تزوجت رج� ً‬ ‫لا آخر اختارهُ أبوها لها‪ ،‬وكتب‪ :‬‬ ‫أصدقاؤه لم يعودوا أصدقاءه؛ تزوجوا‬

‫وضعت ح���دوداً لكثير م��ن األشياء‬

‫وأنجبوا واختاروا ولهم أصدقاء يُناسبون فندمت؛ ظننت أن أصدقائي وحبيبتي‬ ‫وضعهم المادي واالجتماعي‪ ..‬فتركوه سيبقون م��ع��ي إل���ى األب����د‪ ..‬وخابت‬

‫وحيداً على كرسي المقهى الرخيص ظ��ن��ون��ي‪ .‬ه���ذه ال��ح��ي��اة ف��ق��ي��رة ج���داً‬ ‫الذي اعتادوا على السهر فيه‪..‬‬ ‫بالمواقف النبيلة التي نعتقد حدوثها‪.‬‬ ‫ظل صديقنا المسكين كل يوم يجلس وصلتُ إلى قناعة بأن كل شيء سيء‬

‫وح��ي��داً على ط��اول��ة بأربعة ك��راس��ي‪ ..‬ممكن ومتوقع حدوثه‪..‬‬ ‫* سكاكا‪ ،‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪61 )2016‬‬


‫آالم القصيدة‬ ‫‪ρρ‬عبد اهلل بيال*‬

‫فيما مضى كانت قصائدُ نا‬ ‫يعتِّقُ حرفَها المعنى‬ ‫الشفق الحيِّي‬ ‫ِ‬ ‫تراودُ ُحمر َة‬ ‫األفق التي تتصيَّدُ األلوانَ‬ ‫ِ‬ ‫وزُرق َة‬ ‫تسبحُ في رؤاها‬ ‫كانت قصائدُ نا على در َِج الطبيعةِ‬ ‫طفلةً تتسلَّقُ الذكرى‬ ‫وتنسجُ في ربيع العمرِ قصتها‬ ‫الحروف على مباسمنا‬ ‫ُ‬ ‫لتنفج َر‬ ‫نحاولُ ‪...‬‬ ‫ربما لألبجديةِ صورةٌ أخرى‬ ‫وتهجئةٌ جديدة‪..‬‬ ‫خرجت بال إذ ٍْن‬ ‫ْ‬ ‫ولربما‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫األبدي‬ ‫ِّ‬ ‫القلب المضمَّ ِخ باألسى‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫آالمُ القصيدة‬ ‫وزنٌ وقافيةٌ ‪..‬‬ ‫الحرف والمعنى‬ ‫ِ‬ ‫وبينهما حدودُ‬ ‫الزمن األخيرِ هناكَ‬ ‫ِ‬ ‫تضيعُ قصيد ُة‬ ‫ن� �ب ��د ُأ رح� �ل� � َة ال �ب �ح� ِ�ث ال �ط��وي �ل � َة عن‬ ‫خطانا‪.‬‬ ‫أيها الشعراءُ‬ ‫تكتبنا لنكتبها القصيد ُة‬ ‫ليت شعري أيُّ نا ابتدأ الكتاب َة‬ ‫أيُّ نا اختتم الكآب َة‬ ‫أيُّ � �ن ��ا ك� ��ان ال �م �س �ي �ط � َر ف ��ي ال �م �ب ��ارزةِ‬ ‫األخيرةِ‬


‫ِّش عن أناملها وأجوبةٌ جديد ْة‬ ‫أسئلةٌ تفت ُ‬

‫ال أحدٌ يصفّقُ لي ‪..‬‬

‫المصغيات إليَّ‬ ‫ِ‬ ‫ومررت أصغي للقبورِ‬ ‫ُ‬

‫إذن ‪..‬‬

‫أصرخُ ‪..‬‬

‫سأكتب أو أقولُ‬ ‫ُ‬ ‫ماذا‬

‫أيها الشعراءُ ما بين القبورِ تنبَّهوا‬ ‫الصمت شعر ًا‬ ‫ِ‬ ‫رحاب‬ ‫ِ‬ ‫إني سألقي في‬ ‫فاسمعوني‪..‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫أيُّ نا يبقى ويخلُد في سماءِ الشعرِ ؟‬

‫وال أحدٌ يعلِّقُ أو يشيدُ بشعريَ ‪...‬‬

‫التشاغل عن‬ ‫ِ‬ ‫�داث ُت�م� ِ�ع��نُ ف��ي‬ ‫وه��ذه األج � ُ‬ ‫جمالي؟!‬

‫لكنني في غمرةِ اإللقاءِ‬ ‫هت عن القصيدة‪..‬‬ ‫سؤال ما فَتُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫راودني‬ ‫هل يقر ُأ الموتى قصائدَنا؟‬

‫أيها الشعراءُ ‪..‬‬ ‫ي��ا أه��ل ال�ت�ص��نُّ � ِ�ع وال�ت�ق��عُّ ��رِ وال �ت �ش��دُّ ِق في‬

‫ِ‬ ‫وهل يُ صغو َن في بعض‬ ‫المساءات الشجيِّةِ الكال ْم‬ ‫للقصائد؟‬ ‫ِ‬ ‫الحروف‬ ‫ِ‬ ‫نامت هنا كل‬ ‫ْ‬ ‫حين يدعوهم ألمسيةٍ‬ ‫فأيقظوا لهَب الحقيقةِ‬ ‫ّاح ما بين القبورْ؟‬ ‫خيالُ الشاعرِ السو ِ‬ ‫لكنني سأعيدُ لمَّ قصائدي‬ ‫وأُديرُ ظهري للقبورِ‬ ‫فليس يسمعني بها أحدٌ‬

‫ع � ِّل �م��وا األش� �ع ��ا َر ك�ي��ف ت�ص�ي��حُ ف��ي دأم ��اءِ‬ ‫غُ ربتِ ها‬ ‫وال يُ صغي لها أحدٌ لتغرقَ في أساها‪.‬‬

‫ * شاعر مقيم السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪63 )2016‬‬


‫راع‬ ‫الي ُ‬ ‫َس َّح َ‬ ‫‪ρρ‬الطاهر لكنيزي*‬

‫سَ � ��حَّ ال� � َي ��راعُ وم ��اجَ � ْ�ت ف��ي ال � ��رُّ ؤى ُص � � َو ُر‬ ‫يُ � ْ�ح �ص��ي ش �م��ائِ ��لَ مَ � ��نْ ف ��ا َق � ْ�ت َف �ض��ائِ � ُل��هُ‬ ‫�اف مُ � َن��مْ � َن��مَ ��ةٌ‬ ‫ّوح أ َْط� � �ي � � ٌ‬ ‫ف ��ي ُب � � � � � ْردَةِ ال� � � � �ر ِ‬ ‫أَخ� ��ا ُل � �ن� ��ي َق � � َّ�ش � ��ةً وال � � َّ�س � � ْي � ��لُ َي � ْ�ج ��رِ فُ � �ن ��ي‬ ‫َق � ��دْ كُ � � ْن� � ُ�ت أ َْح � � ِ�س � � ُ�ب أَنَّ ا ْل� � ُ�ح� � َّ�ب ن ��افِ � َل ��ةٌ‬ ‫ك ��ال� � َّن � ْ�ش� �وَةِ ا ْل ��بِ ��كْ ��رِ َت� ْ�س �ب �ي �ن��ا َف � ُن��دْ ِم � ُن �ه��ا‬ ‫حَ � � ّت ��ى ُس �ق �ي � ُ�ت ُس �ل�اف � � ًا غَ � � ْي � � َر مُ ��مْ � � َت� �ذ ٍَق‬ ‫�أس َت � ُ�ش � ُّ�ب ال � َّل �ظ��ى ف ��ي كُ � ��لّ ج ��ارِ حَ ��ةٍ‬ ‫َك� � � ٌ‬ ‫في سَ � ْورَةِ ا ْل�و َْج� ِ�د أَمْ شي َف �وْقَ جَ مْ رِ دَمي‬ ‫�ذال ا ْل� ُ�ح� ِّ�ب ف��ي زَمَ �ن��ي‬ ‫أح � َب � ْب� ُ�ت رَغْ � � َم ا ْب ��تِ � ِ‬ ‫ْ‬ ‫َص� � ٌّ�ب َوب� ��ي َد َن� � � ٌ�ف م ��ا ا ْن� � َف � َّ�ك يُ � ْ�س��رِ ُج �ن��ي‬ ‫�س شَ �ن��ار ًا ِع � ْن � َد مَ ��نْ عَ � ِ�ش�ق��وا‬ ‫وَا ْل� � َب� �وْحُ َل � ْي� َ‬ ‫�ض ُح� ْ�س��نِ ��هِ شَ ��عَّ ال��نُّ ��و ُر مُ ْنب َْجس ًا‬ ‫ِم��نْ َف � ْي� ِ‬ ‫ب� � ��اتَ ال � ��زَّ م � ��انُ مُ �ص �ي �خ � ًا َي � � � � ْو َم مَ � � �وْلِ � � ِ�دهِ‬ ‫هَ � � � َّل � � ْ�ت َت � �ه� ��اوي� ��لُ َف � � ْ�ج � ��رٍ ب � � � � ��اذِ ٍخ عَ � � ِ�ط� ��رٍ‬ ‫هَ � � � � � �زّتْ ُن � � �ب� � ��و َء ُت� � ��هُ أَفْ � � � �ن � � ��ا َن غَ � ��فْ � �وَتِ � �ه� ��مْ‬ ‫ِم��نْ ِس� ��دْ رَةِ ال��نُّ ��ورِ س��الَ ال �و َْح��يُ مُ نْسَ كِ ب ًا‬ ‫َي � � �رْوي ُن �ف��وس � ًا ِظ � �م ��اءً ظ ��لّ يُ ��عْ � ِ�ط� ُ�ش �ه��ا‬ ‫�وح� � ٍ�ش ت� ��اه� ��وا َك� �ق ��افِ � � َل ��ةٍ‬ ‫ف� ��ي مَ � ��هْ � ��مَ � ��هٍ م� � ِ‬ ‫�س ا ْل��حَ �ق �ي � َق��ةِ ف��ي أَ ْل ��وانِ � �ه ��ا َر َف� � َل � ْ�ت‬ ‫شَ ��مْ � ُ‬ ‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ف� � ��ال� � ��رُّ وحُ ض� � ��ارِ عَ � � ��ةٌ وال � � ِ�ف � ��كْ � ��رُ مُ � � ْن� � َب ��هِ ��رُ‬ ‫ج� � ��و َد ال ��بِ � �ح ��ارِ ا َّل� �ت ��ي ف ��ي غَ � � �وْرِ ه � ��ا دُ َر ُر‬ ‫�رات ا ْل � �و َْج � ِ�د َت� ْ�س � َت��عِ ��رُ‬ ‫ف��ي مُ ��هْ ��جَ �ت��ي جَ � �م � ُ‬ ‫سَ � � ْي ��لُ ا ْل� ��جَ � ��وى َث � ِ�م ��لٌ َي� ْ�ط �م��و ف��أ ْن � َغ� ِ�م��رُ‬ ‫َك� ��ال � � َّل � � ْو ِن ف ��ي َو ْردَةٍ ‪َ ،‬ت� � � ��ذْ وى َف� � َي� � ْن� �دَثِ ��رُ‬ ‫دَهْ � � � � ��ر ًا و ُن ��هْ � ِ�م� � ُل� �ه ��ا َي � � � ْوم � � � ًا َف� � َت� � ْن ��حَ � ِ�س ��رُ‬ ‫�ص ��رُ‬ ‫�اض اهلل ُت ��عْ � � َت � َ‬ ‫م � ��نْ َك� � �رْمَ � ��ةٍ ف ��ي رِ ي� � � � ِ‬ ‫ب � ��ال� � � ّن � ��ارِ ُت � ْ�ج � �ل ��ى مَ � ��راي � ��ان � ��ا َو ُت� � ْ�خ � � َت � � َب� ��رُ‬ ‫وا ْل � � َب � �وْحُ ِم� ��نْ ُج � َّب �ت��ي ك��ا ْل � َق� ْ�ط��رِ َي � ْن � َه� ِ�م��رُ‬ ‫�ص��طَ ��بِ ��رُ‬ ‫َف��ال� َّ�ش � ْي��خُ ي��وف��ي ا ْل� � َه ��وى وِ ّد ًا و َي� ْ‬ ‫�ض��رُ‬ ‫�ط ا ْل ��مَ ��زا ُر وعُ � ْ�ش� ُ�ب ال� َّ�ص � ْب��رِ يُ � ْ�ح� َت� َ‬ ‫شَ � ّ‬ ‫واس �ت �ب��اهُ ��مْ ذِ كْ � � ��رُ ُه ا ْل � َع� ِ�ط��رُ‬ ‫خَ � ْي � َر ا ْل � � �وَرى ْ‬ ‫السحَ رُ‬ ‫وانْثالَ كا ْله َْط ِل منْ َفرْعِ الدُّ جى َّ‬ ‫ك��ال� ّ�ظ � ْب� ِ�ي ف ��ي وَقْ � � َف� ��ةٍ َي � ْل �ه��و ب ��ه ا ْل ��حَ � � َذ ُر‬ ‫�ص� ِ�ه��رُ‬ ‫مَ � ْ�ش �ب��و َب��ةٌ ف��ي أَري � � ِ�ج ا ْل � �و َْح� � ِ�ي َت � ْن� َ‬ ‫حَ � ّت��ى َت ��حَ ��ا َّت � ْ�ت ِظ �ل��الُ ا ْل� � َغ ��يِّ وا ْن� � َب� � َه ��روا‬ ‫�س َي ��عْ � � َت ��كِ ��رُ‬ ‫ك��ال� َّ�س � ْل��سَ �ب �ي� ِ�ل َص � �ف� ��اءً َل � � ْي� � َ‬ ‫ِش � � �ر ٌْك‪ ،‬وَيُ � �ز ِْه� ��رُ ف�ي�ه��ا ا ْل��جَ ��هْ ��لُ وا ْل ��خَ � � َو ُر‬ ‫�س َي � � ْن ��سَ � ِ�ف ��رُ‬ ‫بِ �ل ��ا ُح� � � � � ��داةٍ ‪ ،‬و َل � � � ْي� � � ٍ�ل َل� � � ْي � � َ‬ ‫�ات وال � � ُّ�س� � � َو ُر‬ ‫ف� ��ي ا ْل� � �غ � ��ارِ َت ��غْ ��زِ ُل� �ه ��ا اآلي� � � � ُ‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫ب��ا ْل � َع��قْ � ِ�ل َي��فْ ��ري فُ �ل��ولَ ال� َّ�ش� ِّ�ك َي��دْ حَ ��رُ ه��ا‬ ‫�راس مُ ��طَ ��هَّ ��مَ ��ةٌ‬ ‫ُص � � ْب� ��حُ ا ْل � ��جَ � ��زي� � �رَةِ أفْ � � � � ٌ‬ ‫م ��ا ج � � ��ادَلَ ا ْل� � � َق� � � ْو َم إ ّال ف ��ي َض�ل�ا َل��تِ �ه��مْ‬ ‫�وص ِم � ��نْ َب�ل�اغَ ��تِ ��ه‬ ‫�ان فُ � �ص � ٌ‬ ‫ِس � ْ�ح ��رُ ال� � َب� �ي � ِ‬ ‫�اه � � ُل� ��هُ‬ ‫حَ � � ��دي� � ��ثُ � � ��هُ َك � � � � ْو َث � � � ��رٌ َت� � ْ�ح � �ل� ��و مَ � �ن� � ِ‬ ‫أفْ � � � � �ك� � � � ��ا ُر ُه دُ َر ٌر أثْ � � � � � � � �رَتْ خَ � ��زائِ � � � َن � ��هُ � ��مْ‬ ‫ف� ��ي كُ � � ��لِّ َت � � ْ�ج � ��رِ َب � ��ةٍ زادوا بِ � �ه� ��ا عَ ��جَ � �ب� � ًا‬ ‫�اح طَ � � ْل� � َع ��تُ ��هُ‬ ‫�اإلص � �ب� � ِ‬ ‫َص� ��فْ � ��وُ ا ْل � � ��مَ � � ��ودَّةِ َك� � ْ‬ ‫ف� ��ي ِع � ��فَّ � ��ةٍ َي� � َت� �ح ��اش ��ى َن� � � ْ�ظ � � � َر ًة دَلِ � � � َه � � ْ�ت‬ ‫�س ف��ي ُش�ه��ى ال��دُّ ْن �ي��ا و َل��ذَّ تِ �ه��ا‬ ‫َل ��مْ َي� ْن� َغ� ِ�م� ْ‬ ‫سَ ��مْ � ٌ�ح‪َ ،‬ف�م��ا عَ � َّ�ش��شَ � ْ�ت ف��ي ال� َّ�ص��دْ رِ مَ ْث َلبَةٌ‬ ‫َل � ��كِ � ��نْ إذا ب � � ��اتَ شَ � � � � �رْعُ اهللِ مُ � � ْن� � َت� � َه� �ك� � ًا‬ ‫ْض ف ��ي َب � �ذ ٍَخ‬ ‫�وك األر ِ‬ ‫�ش َك ��مُ � �ل � ِ‬ ‫و َل � ��مْ َي � ِ�ع � ْ‬ ‫َوك� � ��ا َن ك ��ال ��دَّ ْي ��مَ ��ةِ ا ْل� �و َْط� �ف ��اءِ َل � � ْو هَ � َت � َن� ْ�ت‬ ‫�ص� � � ٍ�ل َن � � � � ��دا ُه دافِ � � � � ��قُ غَ � � � � ِ�د ٌق‬ ‫ف � ��ي كُ � � � ��لِّ َف� � � ْ‬ ‫�اس� �ن ��ا عَ � َب �ث � ًا‬ ‫مُ � ��ذْ ق � ��الَ م ��ا ُخ ��لِ � � َق � ْ�ت أ َْج� �ن � ُ‬ ‫�اس ف��ي َن��سَ � ٍ�ب‬ ‫َو َل� ��مْ َي� � َر ا ْل� � َف� �رْقَ َب � ْي��نَ ال � ّن� ِ‬ ‫�أح� �ش ��ائ ��ي َف� � ُأ ْل � ِ�ق ��مُ ��هُ‬ ‫َي � � ْل� ��وي ا ْل� ��هُ � �ي� ��امُ ب � ْ‬ ‫�اض ا ْل� �خ� �ي ��الُ و َل� � ��مْ أَعْ � � � ��دُ ْد شَ �م��ائِ � َل��هُ‬ ‫غ�� َ‬ ‫ي� ��ا سَ � � � ِّي � ��دي‪ ،‬ثِ � ��قْ � ��لُ أَوْزاري يُ � � َؤرِّقُ � �ن� ��ي‬ ‫�ك َص �ل ��اةٌ ب ��ال � َّ�ش ��ذا عَ � َب � َق � ْ�ت‬ ‫ِم� � ّن ��ي عَ � � َل� � ْي � َ‬ ‫وم� ��نْ طَ ��مَ � ٍ�ع‬ ‫آمَ � ْن � ُ�ت ب��ا ْل � َغ � ْي� ِ�ب ِم ��نْ خَ � �و ٍْف ِ‬ ‫�ك َل ��هُ‬ ‫أَص � �ي� ��حُ ِم � � ��لْ َء َدم � ��ي أَنْ ال شَ � ��ري� � َ‬ ‫َن� ��فْ � �س� ��ي غَ � � � � ��رو ٌر َوم� � � ��ا زَكَّ � � ْي� ��تُ � �ه� ��ا أَ َب� � � � ��د ًا‬ ‫أل ْك � ��وانُ ق��دْ ُج� ِ�م� َع� ْ�ت‬ ‫كُ ��نْ ل��ي شَ فيع ًا إذا ا َ‬ ‫َل � � � ْو ِج � � ْئ� � ُ�ت َف � � � � �رْد ًا بِ �ل��ا أَهْ � � � � ٍ�ل وَال َو َل� � � ٍ�د‬

‫�ان َت � ْن��طَ � ِ�م��رُ‬ ‫َك ��ا ْل� �وَهْ � ِ�م ف ��ي ُب� � � � ْؤرَةِ ال � ِّن� ْ�س �ي� ِ‬ ‫فُ � � ْرس ��ا ُن� �ه ��ا ا ْل� ��غُ � ��رُّ لِ �ل��إِ ْس �ل��امِ َق � ��دْ ُن� � � ِ�ذروا‬ ‫�ات ف �ل�ا كِ � � ْب� ��رٌ وال َص� � َع ��رُ‬ ‫ُح� � ْ�س� ��نُ ا ْل� ��تِ � �ف� � ٍ‬ ‫ِم� ��نْ تِ � � ْب ��رِ ه ��ا ص �ي � َغ� ِ�ت األمْ � �ث� ��الُ وا ْل ��عِ � � َب ��رُ‬ ‫كُ ��لُّ ال � ��رُّ واةِ بِ � ِ�س� ْ�ح��رِ ا ْل ��حَ � �ر ِْف َق ��دْ سَ � َك��روا‬ ‫ف ��ا ْل � ِ�ع � � ْل ��مُ أَكَّ � � � َده� � ��ا وال� � � � � � ��دّ ارِ ُس ا ْل ��خَ ��بِ ��رُ‬ ‫واس � َت � ْل � َه �م ��وا ِخ � � َب ��ر ًا دا َن� � � ْ�ت َل �ه��ا ا ْل� ِ�ف � َك��رُ‬ ‫ْ‬ ‫سَ � � �م � ��اءُ َص� � � ْي � � ٍ�ف َف �ل ��ا غَ � � � ْي � ��مٌ وال َك � � � � َد ُر‬ ‫ْف َك� ��يْ ال َي � � ْر َت � � َع ال � َّن��ظَ ��رُ‬ ‫يُ � َل��مْ ��لِ ��مُ ال� � َّ�ط � �ر َ‬ ‫اس � َت �ط��ابَ مُ �ج��ون � ًا شَ � ْ�خ� ُ�ص��هُ ا ْل� �وَقُ ��رُ‬ ‫وَال ْ‬ ‫أو ُب� � ِّي� � َت � ْ�ت نِ ��قْ ��مَ ��ةٌ ف ��ي ال� � ِّ�س � � ِّر َت � ْ�خ � َت � ِ�م ��رُ‬ ‫أ َْض �ح��ى يُ �ط��ارِ حُ مَ ��نْ َض � ّل��وا ومَ ��نْ مَ � َك��روا‬ ‫مَ ��نْ شَ � �أْوُ هُ ��مْ ف��ي ا ْل��حَ �ي��اةِ ا ْل��وُ ْل��دُ وا ْل��غُ � َر ُر‬ ‫�اس ال � ِّ�ظ ��لُّ وال� َّ�ش��جَ ��رُ‬ ‫�ض ��رَّ مُ � ْ�ح ��لٌ َوم � � َ‬ ‫اخ � َ‬ ‫ْ‬ ‫ْس وال��ثَّ ��مَ ��رُ‬ ‫ْض مُ � �ش ��اعٌ ‪ ،‬ونِ ��عْ � � َم ا ْل � � َغ � �ر ُ‬ ‫َرو ٌ‬ ‫بِ � ِ�ح ��كْ ��مَ ��ةٍ َق � ��دْ َت � �س� ��اوى ِع� � � ْن� � � َد ُه ا ْل� � َب ��شَ ��رُ‬ ‫�وس بِ � � َت� ��قْ � ��وى اهللِ َت ��فْ � � َت � ِ�خ ��رُ‬ ‫كُ � � ��لُّ ال� ��نُّ � �ف� � ِ‬ ‫�ص��رُ ؟‬ ‫�ات ا ْل �و َْج� ِ�د ُت� ْ�خ� َت� َ‬ ‫وِ رْد ًا وهَ ��لْ شَ ��طَ �ح� ُ‬ ‫ذاك إ ّال مُ � � ��فْ � � � َت� � ��رٍ أ َِش � � � ��رُ‬ ‫ال َي � � ��دّ ع � � ��ي َ‬ ‫كُ � � ��لُّ ا ْل � � َك � �ب� ��ائِ � ��رِ إ ّال ال� � � ِّ�ش � � �رْكَ ُت ��غْ � � َت� � َف ��رُ‬ ‫�ص � َّ�ب ِم ��نْ عَ � ْل �ي��ائِ ��هِ ا ْل��مَ ��طَ ��رُ‬ ‫بِ � � َق ��دْ رِ م��ا ا ْن � َ‬ ‫�اب اهللِ أَ ْأ َت� � � � � ِ�م� � � � ��رُ‬ ‫�ص� � � ��دِّ ق � � � � ًا بِ � � ��كِ � � � �ت � � � ِ‬ ‫مُ � � � � َ‬ ‫وال� � � � � ��رُّ وحُ َت� � � ْ�ج � � �أَ ُر ب� ��ال� ��دَّ عْ � ��وى و َت� ��عْ � � َت� � ِ�ذ ُر‬ ‫�ص� �ح ��و‪َ ،‬ف � ��عُ � ��ذْ ري أَ ّن � �ن ��ي َب ��شَ ��رُ‬ ‫َت��غْ �ف��و و َت � ْ‬ ‫إ ّن � � ��ي َض � �ع � �ي � ٌ�ف إل� � ��ى ر ُْح� � � �م � � ��ا ُه أَفْ � � َت � � ِ�ق � ��رُ‬ ‫�ص��رُ ‪.‬‬ ‫�ص ا ْل � َب� َ‬ ‫أَ ْرج � ��و سَ �م��احَ � َت��هُ إ ْذ َي� ْ�ش��خَ � ُ‬

‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪65 )2016‬‬


‫النساء‬ ‫مدائن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬محمد عباس علي*‬

‫يا دوحة الهوى أراك تنظرين‬ ‫فكل مرة ٍ‬ ‫يجيء مَ ن يجيء ساعي ًا‬ ‫وحينما يحين موعد اإلياب يستكين‬ ‫و يشتكي‬ ‫ويشتكي‬ ‫وكل مرة يعود باكي ًا‬ ‫وأنت تضحكين!!‬ ‫***‬

‫يجىء مَ ن أتى وسيفه معه‬ ‫يجول ها هنا‬ ‫بساحة الوغى‬ ‫وبعد ما يرى شراسة الدجى‬ ‫يعود صامتا ًيروم مضجعه‬ ‫***‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫أليس للمسير‬ ‫في الدرب ِ من رفيقْ ؟‬ ‫أليس للفؤاد‬ ‫في متاهة الوجود‬ ‫من شقيقْ ؟‬ ‫وكانت الحياةٌ‬ ‫كي نعيشها معاً؛‬ ‫فكيف ال أرى رفيق خطوتي‬ ‫في ظلمة الطريقْ ؟‬ ‫***‬ ‫أسير والدجى ورحلة الغريب‬ ‫أُسائل الدروب‬ ‫عن رحيق مَ ن مضى‬ ‫تقول روحها هناك إنها‬ ‫المشيب‬ ‫ْ‬ ‫أصابها‬


‫***‬

‫يا ويح غربتي‬ ‫في قلبها ضج ْر‬ ‫تسائل النجوم‬ ‫هل ترى‬ ‫فى ليلها خب ْر‬ ‫أهيم حائرا ً فى باحة الحنينْ‬ ‫وحينما يبين ْ‬ ‫بريق عودتي‬ ‫تقول غربتي هناك‪ ..‬يا خبرْ!!‬ ‫***‬

‫***‬

‫وحين نلتقى تزقزق الطيو ْر‬ ‫تطوف حولنا‬ ‫تبارك اللقاء مر ًة‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫كذاك خطوتي‬ ‫بوقعها الذي في صمته قضى!!‬

‫حفاوة اللقاء‬

‫ومرة تقول للنسيم مرحبا‬ ‫وتمأل الوجود بالحبور‬ ‫***‬

‫تقول إنها‬ ‫فى روضة الهوى‬ ‫زٌهيرة ٌ‬ ‫رقيقة ٌ‬

‫فراقُ ها بكاءْ‬ ‫لقاؤها بكاء‬ ‫وأينما مضت‬ ‫تصوغ عينُها‬ ‫مراسم العزاءْ‬ ‫أُخاطب السرور‬ ‫راجي ًا‬ ‫يزور مرة ً‬ ‫مدائن النساءْ‬

‫الحبيب‬ ‫ْ‬ ‫يفوح عطرُ ها بباحة‬ ‫صغيرة ٌ هي‬ ‫وعطرُ ها صغير‬ ‫وباحةُ الحبيب عطرها كثير!‬ ‫***‬

‫عبيرُ ها سراب‬ ‫وريحها سراب‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫تباغت الدروب بالبكاء‬ ‫أليست الدروب طفلةً‬ ‫تحب أن ترى‬

‫وحين نلتقي‬ ‫تسائل النوى عن لذة اإلياب!!‬ ‫***‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪67 )2016‬‬


‫آخر ما عزف زرياب‬ ‫‪ρρ‬عبد اإلله مهداد*‬

‫و تتبعت الظلمة‪ ..‬ووصلت‪،‬‬ ‫غريب في المدينة‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫لكني ل��م أع�ث��ر إال على ُج ��زُ رٍ م��ن أسئلة‬ ‫غريب عن مواويل الحقيقة؛‬ ‫ٌ‬ ‫تمخر شعرا عطشانا يسبح في القلب‬ ‫غريب؛ قد تناساك الخليفة‬ ‫ٌ‬ ‫كناي تالشت معالمه على قيظ الغروب‪ ..‬و تبني على دفة الشوق أشواقا‬ ‫وعلى دفة الحزن أحزانا‬ ‫***‬ ‫وعلى دفة اسمي أسما َء أخرى‪،‬‬ ‫خطاك‬ ‫تمشي بعيدا عن‬ ‫ال تعرف إال شوشرة الحب الشرقي المبتور‪..‬‬ ‫أناك‬ ‫ظلك‪ ..‬عن ْ‬ ‫َ‬ ‫باحث ًا عن‬ ‫أين العود‪ ..‬أين؟‬ ‫أين المدينة‪ :‬قرطبة؟‬ ‫أي��ن وت��ري ال�خ��ام��س‪ /‬أي��ن ظ�ل��ي‪ /‬م��ا كل‬ ‫الموشح واألغاني؟‬ ‫ّ‬ ‫بغدادْ؟ أين‬ ‫هذه التخوم‪..‬؟‬ ‫ال شيء حيّ بيننا‬ ‫َف ْلن َْخت َِف‪..‬‬ ‫موت يلثم جثتي‬ ‫ال جر ٌَس‪...‬إال ٌ‬ ‫فلنبحث معا عن نشيد‪ ،‬أو نديمْ‬ ‫واللحد ب َّللَهُ دم السندباد‪.‬‬ ‫فلنخرج من األجساد‪..‬‬ ‫ما عاد على صحرائي خيم أو سراب‬ ‫و لنقرع نواقيس السماء‬ ‫غير ريح النسيان‬ ‫حتى يجلو هذا األنين‪،‬‬ ‫غير قافية تتشظى على أرضي‬ ‫ليعود السديم – مرة أخرى‪-‬‬ ‫ لعنة هائمة‪ ..‬أنت اآلن ‪-‬‬‫ماذا أبقى هذا الزمن الغابر للغد؟‬ ‫يا وتري المنسي على أهداب اللحد‬ ‫حتى ذكراك تغوص بقعر الدهشة‬ ‫أبعدني‪..‬‬ ‫والقلب الشاحب ما زال بصومعته‬ ‫أبعدني عن لحن يعزف فوقي‬ ‫كنت وحدك فيها؛ تلثم العزلة‬ ‫يغسلني بلحن سؤال‪،‬‬ ‫لكنها أمست في يومي‬ ‫يدميني‪..‬‬ ‫تنزل نحو األسفل كل عشية‪:‬‬ ‫يا وتري المنفي بهدب الماضي‬ ‫في األسفل كان الموت‬ ‫اِ ضحك في وجه الموت‬ ‫في األسفل كان النسيان‬ ‫إني لَوَّ ن ُْت سؤالي بشاش سمائي وترابي في األسفل كانت كل النيران تناديك‬ ‫و تدثرت به‪..‬‬ ‫كانت أبوابها موصدةٌ‬ ‫و طردت اليأس‪..‬‬ ‫في األسفل‪..‬‬ ‫فعثرت على سرداب في نفسي‬ ‫حيث األغالل ممددة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬محمد خيري اإلمام*‬

‫اتَّـفـقْ ـنـا عـلى االفْ ــتِ ـــر َِاق قُ ــ َبـيْــلَ انْـتِ ـهَاءِ‬ ‫الـرَّ بِ ـيـعْ‬ ‫ْــف‬ ‫الصــي ُ‬ ‫فَـال ِْـجـرَاحُ َتـزِ يـدُ إِ ذَا أَقْ ـــ َبـــلَ َّ‬ ‫الشـمُ وعْ‬ ‫ْـــظ ال َي ْـحـت َِــفـــي بِ ُّ‬ ‫والْــقَـــي ُ‬ ‫ــظى‬ ‫كان قَــلْــبِ ـي إِ ذَا َيـتَـ َل َّ‬ ‫َيـكَـادُ يُ ـ َزلْــزِ لُ َصـدْ رِ ي ال َِّـذي َيـتَـشَ َّـظى‬ ‫وآهٍ إذَا انْـفَـجَ ـرَتْ فـيـهِ قُ ــنْـبُـ َلـةُ الْـفَـقْ ِـد‬ ‫�وت حَ �ـ��زِ ي�ـ�ن�ـ�ً�ا ع�ـ� َل��ى ك�ـ� ْوم�ـ��ةٍ ِم�ـ��نْ‬ ‫ْف َي�ـ��مُ �ـ� ُ‬ ‫سَ �ـ �و َ‬ ‫َبـقَـايـ َا ُضلُـــوعْ‬ ‫ُوب‬ ‫ــف في افْ ـــتِ ـــر َِاق الدُّ ر ِ‬ ‫ها أنا واقِ ٌ‬ ‫وجــهَـهَا‪ ،‬دُ و َن جَ ـــدْ وَى‬ ‫َّــــــقـي ْ‬ ‫أُحَ ــاوِ لُ أَنْ أَت ِ‬ ‫أُحَ ــاوِ لُ أنْ أ َتـــن ََّحى ِمنَ الدَّ ر ِْب‬ ‫حتَّى أُعَ رِّيَ قَــلْبِ ــي المُ عَذَّ بَ ِمنْ شَ ـوْقِ ــهِ‬ ‫فَــ َيــعُ ـــودُ َبـرِ يـئـــًا ك َِــطــفْ ٍـــل وديـــعْ‬ ‫الحــــز ِْن‬ ‫ْف أَعْ ِــصـرُ قَـلْـبِ ي عَ ــ َلـى حَ ـا َنـةِ ُ‬ ‫سَ ـــو َ‬ ‫لــيْس َي ِــقــيــهِ بُـكَاءُ الْـعَـذَارَى‬ ‫َو َلـنْ يُ ــفْ ـــتَـــدَى بِ ـغَـزِ يـرِ الـدُّ مُ ــوعْ‬ ‫ْف أ َْشـعُ ــرُ فِ ـي ِحـيـنِ ـهـ َا‬ ‫سَ و َ‬ ‫ْـــت ِمــنْ ِع ْــش ِــقــهـــ َا‬ ‫أنَّـــنِ ي تُـــب ُ‬ ‫َـط‬ ‫والذي كان ما بـيْـنـنـ َا قَـدْ َتـسَ اق َ‬ ‫يف‬ ‫في ثَـ َور َِات الْـخَ ـرِ ِ‬ ‫مُ جــرَّ َد ذِ كْـــرَى َتـــكَادُ َت ِـضـيـعْ‬

‫ـــت أّمْ ِـضـي بِ ـ َدرْبِ ـي و َِحـيـدً ا‬ ‫ر ُْح ُ‬ ‫َـاصـيـلُ و َْج ِـهـي كَكُ لِّ الْـمَ لاَ ِم ِح‬ ‫فَـ َبـا َن ْـت َتـف ِ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫ؤج ٌل‬ ‫ٌ‬ ‫وداع ُم َّ‬

‫عَ ـادِ يَّةً‬ ‫َـصـو ِْت ارْتِ طَ ام الْـمَ ـعـ َادِ ِن‬ ‫َالمي ك َ‬ ‫واسـتَـحَ ـالَ ك ِ‬ ‫ْ‬ ‫الشــتـــاءِ‬ ‫لنْ أبْحَ ثَ اليوْم عن دِ فْ ــئِ ـهــ َا فِ ي ِّ‬ ‫الص ِـقـيعْ‬ ‫بِ ـرَغْ ِــم َّ‬ ‫في طري ِـق الوداعِ أســـيـرُ رصيـنــًا‬ ‫يُ ـظَ ـلِّــلُ و َْج ِـهـي وقَــا ٌر‬ ‫طريق وسيعْ‬ ‫ٍ‬ ‫وأمْ ِـشـي وَئِ ـيـدً ا بِ ـلاَ وِ ْجـهَــةٍ فِ ي‬ ‫غَ ـ ْي َر أَنِّي أرَاهَ ــــا بِ ــكُ لِّ اتِّــــجَ ــاهٍ‬ ‫وَلاَ شَ ــيْ َء حَ ــوْلِ ــي ِســوَاهَ ــا‬ ‫ـين‬ ‫ـاغـتُ ـنِ ـي و َْجـهُ ـهَا كُ لَّ ِح ٍ‬ ‫يُ ـ َب ِ‬ ‫وَفِ ـي كُ لِّ َتـفْ ِـصيلَةٍ قَـدْ ت ُِـطـلُّ‬ ‫و َتـلْـمَ ـعُ آلؤُ هَ ــا فِ ـي ُخ ُـشـوعْ‬ ‫وجهِ ـهَا‬ ‫َّـــص ُـت ِمــنْ ْ‬ ‫َت ُـظـنُّ ـــونَ أَنِّي َتـخَ ـل ْ‬ ‫غَ ــيْــ َر أَنِّــي أَرَاهَ ــا‬ ‫ْـس ِسـوَايَ َيــرَاهَ ــا‬ ‫و َلـي َ‬ ‫أَ َنــا كَاذِ ٌب إِ نْ أقُ ـــلْ ‪:‬‬ ‫أســت َِـطـيعْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ 15‬أغسطس ‪2015‬‬

‫* شاعر من مصر مقيم بالسعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪69 )2016‬‬


‫لدم ّ‬ ‫الذاكرة‬ ‫منفى ِ‬ ‫سمية عبداهلل*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫فرصة لحديث‪ ..‬مشهد من أمنية‬

‫فأهلوس كـ ذرة ضوءٍ خاملة‬ ‫ُ‬

‫عتاب أبيض‬ ‫ٌ‬

‫وينبت في لساني زهرٌ يابس‬ ‫ُ‬

‫خطوات لوطن‪ /‬هزيمة‬ ‫ٌ‬

‫يؤجج بقايا أحالمٍ متعبة‬ ‫وصوتي ّ‬

‫باب القلب‪ ..‬جدار منفى‬

‫أجوب أزقة العبورِ المحطمة‬ ‫ُ‬

‫صمت بدأ‬ ‫ٍ‬ ‫أتكوّنُ في‬ ‫‪1‬‬

‫شهيق‬ ‫ٍ‬ ‫وأجنحتي ال تطير من‬ ‫السماء البعيدة تمضي الدُّ مى‬ ‫إل��ى َّ‬ ‫سكنت قلبي‬ ‫ْ‬ ‫التي‬

‫ح �ي��ن أك� � ��ون ل � �ـ� ��وح� ��دي‪ ..‬ب �ل�ا ق �ل��وب وحيث ال يمضي الموْتى معهم‬

‫‪70‬‬

‫تمارس الرأفة على حزني‪..‬‬

‫يبقى لي سَ فَرٌ واحد‬

‫تستدعي الدّ موعُ صمتي‬

‫لـ أصي َر دخان ًا في دمِ الذاكرة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وقد توارتْ األطياف‬

‫وجهي ماءُ العُ تْمة‬ ‫وَيسيلَ منْ ْ‬

‫مسكون‬ ‫انتابني هذيانٌ ْ‬

‫صلوات‬ ‫ٍ‬ ‫أجمَ عُ األحاديثَ في‬ ‫ْ‬

‫أصعدُ وأنزل‬

‫عينيك رمادٌ أجوَف‬ ‫ِ‬ ‫تلك النُّ قوش في‬ ‫َ‬

‫تثاقل‬ ‫ِ‬ ‫يذهب العالقون في ألَمي على أثْ رِ‬ ‫ُ‬ ‫الضباب‬ ‫أوْراق ّ‬

‫�ات أب ��راجُ ذاك ��رةٍ مخنوقة بـ‬ ‫وس��رُّ ال�م�س��اف� ِ‬ ‫نسيان‬ ‫نبيذ ْ‬

‫‪..‬‬ ‫السماءُ جَ ناحٌ في خالصهِ منْفى‬ ‫حيث ّ‬ ‫هيّا ُ‬ ‫وَفي مقابرِ ال َعفَن‬ ‫ص القبو ُر بـ أوهامٍ سوداء‬ ‫تَغُ ُّ‬ ‫الشمس‬ ‫نيات ّ‬ ‫ُتد َْحرجنا أغْ ُ‬

‫ال يمكنُ أن تبقى جدتي تُخبّئ الظفيرتين‬ ‫تذوب نوارسها‬ ‫ُ‬ ‫مس بيْن كفيها‬ ‫الش ُ‬ ‫ّ‬ ‫تتوضأ حتى تبْقى‬ ‫َّ‬ ‫الروحُ في زحامِ الرُّ كام‬ ‫السماء‬ ‫خشوع ًا يُ طلُّ على َّ‬

‫[صحراءٌ ]‬ ‫ْ‬ ‫يد القمرِ‬ ‫وَفي ِ‬

‫‪..‬‬

‫تَحشدُ في ُحنجرة البدَاية‬

‫جدّ تي‪..‬‬

‫الح ّب‬ ‫رذا َذ ُ‬

‫أرجوك!‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬

‫حتى يتوقّ ف النوْمُ‬ ‫يبْدأ البُكاءُ ؟‬ ‫رف‬ ‫ال أعْ ُ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫‪2‬‬

‫النُّ عاس‬

‫الظفيرة‬ ‫أكملُ اللعبَ بتلك َّ‬ ‫دعيني ِ‬ ‫ستحلَّق طائرتي الورقيّة‬ ‫بشراهَ ة الهرَب‬ ‫السماء‬ ‫نفس َّ‬ ‫وَحينَ انْتهاء‪ ..‬في ِ‬

‫ستصنَعُ لي النُّ جومُ‬ ‫ْ‬ ‫وَال أدْري أي� ��نَ خ � ّب ��أت ج ��دَّ ت ��ي ظ�ف�ي��رت��ي‬ ‫الشمْ س؟‬

‫وقت ًا يهذي‬

‫�ظ ال � �زّواي ��ا ب��أرج� ِ�ل وشمس ًا في أزرارِ قميصها وتَرُ عودٍ مفقود‪.‬‬ ‫ب� ��اتَ وش �ي �ك � ًا أنْ َت��كْ �ت� َّ‬ ‫* أديبة من اإلمارات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪71 )2016‬‬


‫ْ‬ ‫هاء ال ّل ْي ِل‬ ‫اش ِت ُ‬ ‫‪ρρ‬مليكة معطاوي*‬

‫اشتِ هَاءْ ‪،‬‬ ‫َي َتدَفّ قُ ال ّليْلُ ْ‬

‫ال ثِ مَ ارْ‪.‬‬ ‫بِ َ‬

‫َير ِْمي ِحجَ ا َر َة ُحبِّهِ فِ ي الْمَ اءِ‬ ‫ت َْخ ِد ُش وِ ْج َن َة ا ْلقَمَ رِ ا ْلب َِعيدْ ‪،‬‬ ‫َت َتد َْحرَجُ ا ْل َع ْين َِان َفوْقَ ال ُْحل ِْم‬ ‫خَ ْلفَهُ مَ ا ِجدَا ٌر ِمنْ هَ بَاءْ‬ ‫كَمْ تَكْ ِذ ُب الأْ ْحالمُ‬ ‫ت ُْشرِ قُ شَ مْ ُسهَا َل ْي ًال‬ ‫َوتَغْ رُ ُب فِ ي ال ّنهَارْ‪.‬‬ ‫ْك الْمُ نَى‪،‬‬ ‫يَا َليْلُ دَعْ عَ ن َ‬ ‫أعْ لِ نْ ِحيَاد َ​َك ِع ْن َد َص ْحوِ الأْ ُمْ نِ يَاتْ ‪،‬‬ ‫هَ ا قَدْ تَالشَ ى عُ مْ رُ نَا‬ ‫يف‬ ‫وَأتَى الْخَ رِ ُ‬ ‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫***‬

‫يَا َليْلُ هَ لْ فِ ي الْعُ مْ رِ أعْ مَ ا ٌر ِسوَاهْ؟‬ ‫ْضى‬ ‫حَ تَّى تُشَ ِّر َد ُصبْحَ هُ َوت َُخ َّط بِ ا ْل َفو َ‬ ‫حَ كَايَاهُ‪،‬‬ ‫يَمُ رُّ مُ كَابِ ر ًا‬ ‫ِمنْ شَ ارِ عٍ عَ ارٍ‬ ‫الشفَاهْ‪،‬‬ ‫ل مُ ق ٍَل ُتن َِاغيهَا ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ي َْجثُ و عَ لَى َقدَمِ الزَّ مَ انْ‬ ‫وجعُ ِظلَّهُ …‬ ‫لَمَّ ا ُبكَاءُ ا ْل َقل ِْب يُ ِ‬ ‫***‬


‫ت َْسرِ قُ ِمنْ َثنَايَا الْعُ مْ رِ أقْ مَ ار ًا‬

‫َاك ا ْلكَالمُ‬ ‫الي َ‬ ‫َلكَمْ يُ َعرْبِ دُ فِ ي خَ َ‬

‫َاب‬ ‫ْف ِس ْرد ٍ‬ ‫َتهَاوَتْ خَ ل َ‬

‫وَأظَ افِ رُ ا ْل َعتَمَ ِات‬

‫َونَامَ ْت فِ ي ا ْل َعرَاءْ ‪.‬‬

‫الظمْ آنَ ‪،‬‬ ‫َش ل َْحمَ َك َّ‬ ‫َت ْنه ُ‬

‫ال مُ بَاالَةٍ‬ ‫ت َْسبِ ي النُّ ُجو َم بِ َ‬

‫ون‬ ‫ِمنْ وَهَ ِج الْعُ يُ ِ‬

‫السمَ اءْ ‪.‬‬ ‫ُت َلوِّن بِ الأْ سَ ى و َْج َه َّ‬ ‫َتنْأى الْغُ يُ ومُ بِ دَمْ ِعهَا‬ ‫َات‬ ‫عَ نْ رَعْ شَ ةِ ال ُْخ ُطو ِ‬ ‫لَمَّ ا اشتهاء ال ّلي ِْل‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫اب حَ وْلَ ِظالَلِ َك الأْ وْهَ امُ ‪،‬‬ ‫يَا َليْلُ كَمْ َتنْسَ ُ‬

‫يَا أيُّ هَا ال َّليْلُ الْمُ جَ لَّى بِ ال ِّندَاءِ ‪،‬‬

‫اب؟‬ ‫إلَى ُسعَارٍ فِ ي الرُّ َض ْ‬ ‫َاك‬ ‫هَ َّال حَ مَ لْتَ َصد َ‬ ‫عَ نْ َص ْحوِ ال َّنهَارْ‪،‬‬ ‫ف ََّجرْتَ َبيْنَ أن َِام ِل الأْ وْهَ امِ‬

‫يُ ْسرِ جُ خَ ْيلَهُ …‬

‫ُؤاك‪،‬‬ ‫أحالَم ًا تُسَ ِامرُ هَ ا ر ْ‬ ‫ْ‬ ‫***‬

‫َان ِشبْرٌ‬ ‫مَ ا عَ ا َد فِ ي الْوِ ْجد ِ‬

‫اك‬ ‫يَا َليْلُ كَمْ ت َْشقَى ُخطَ َ‬

‫اك‪،‬‬ ‫ت َْستَكِ ينُ لَهُ ُخطَ ْ‬

‫َاب‪،‬‬ ‫وص فِ ي يَمِّ ال ِْغي ْ‬ ‫تَغُ ُ‬

‫ون مَ دً ى‬ ‫مَ ا عَ ا َد فِ ي مَ ْنفَى الْعُ يُ ِ‬

‫االشتِ هَاءِ‬ ‫مَ و ُْشومَ ةً بِ ْ‬

‫َاك‪،‬‬ ‫َترَى فِ يهِ مُ ن ْ‬

‫تَزُ فّ هَا رِ يحُ اللَّظَ ى‬

‫يك ا ْل َهال َْك‪،‬‬ ‫كُ لُّ الأْ مَ اكِ ِن َت ْرت َِدي فِ َ‬

‫َاب‬ ‫السر ْ‬ ‫ن َْح َو َّ‬

‫االشتِ هَاءِ‬ ‫حَ تَّ ى رَمَ ادُ ْ‬

‫فِ ي َصدْ رِ َك ا ْلعَارِ ي‬

‫َذرَتْ أكُ ُّف االغتراب غُ بَا َرهُ‪،‬‬

‫الْمُ غ ََّطى باِ ل ِْجرَاح ِ‬ ‫يُ زَمْ ِجرُ ا ْل ُب ْركَانُ فِ ي َصمْ ٍت‬ ‫َونَا ُر الْخَ و ِْف تُذْ كِ يهَا ال ِّريَاحْ ‪.‬‬ ‫***‬

‫الظال َِل ُحطَ امُ هُ ‪،‬‬ ‫سَ هْ و ًا َتوَارَى فِ ي ِّ‬ ‫سَ هْ و ًا َبنَى الْجَ دْ ُب ا ْلبَلِ يغُ ِخيَامَ هُ ‪،‬‬ ‫َاش ِقينَ زِ مَ امُ هُ ‪/‬‬ ‫سَ هْ و ًا َتهَاوَى ِمنْ سَ مَ اءِ ا ْلع ِ‬ ‫دُ خَ انُهُ ‪..‬‬

‫ * شاعرة من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪73 )2016‬‬


‫دمشق‬ ‫‪ρρ‬هيفاء عبدالرحمن اجلبري*‬

‫وم � � ِّن� ��ي زَهْ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رةٌ سَ � َق ��طَ � ْ�ت‬ ‫ِم� �ن ��هُ دِ مَ � � ْ�ش � � ٌ�ق ِ‬ ‫�س ب � �ع � � َد دِ مَ � �ـ � �ـ � �ـ� � ْ�ش� � ٍ�ق م � ��ا ُأ َق� � � ��دِّ مُ � � � ��هُ‬ ‫ف � �ل � �ي � َ‬ ‫�ام � َت��ةً‬ ‫�اش �ق �ـ��ةً ف ��ي ال � َّن �ه ��رِ ص� ِ‬ ‫أص� � َب � ْ�ح � ُ�ت ع� ِ‬ ‫ْ‬ ‫�ص ��مْ � ُ�ت م ��ن َب � � � � َردَى ال ي � ْن �ت �ـ � َه��ي َف��مُ �ـ��هُ‬ ‫وال � ّ‬ ‫ي � ��ا قُ � � � ْب� � � َل � ��ةً ُض� � � ِّي� � � َق � � ْ�ت ع� �ن� �ه ��ا شَ � ��وارِ عُ � � �ه � ��ا‬ ‫ال� � � َّن� � �ه � ��رُ دُ ون � � � � � � ِ�ك واألزه� � � � � � � ��ا ُر َت� ��عْ � � ِ�ص� ��مُ � ��هُ‬ ‫ح � � ِّل� ��ي ب� � ��هِ ك �ي �ف �م��ا ش� � � ��ا َء ال� � �ه � ��وى ف��هُ �ن��ا‬ ‫ك� � � ��انَ ال� � �ه � ��وى مَ � ��لِ � ��كً � ��ا وال � � �م� � ��اءُ يُ � �ل � ِ�ه ��مُ ��هُ‬ ‫وك � � � ��ان ي � � ْ�ج � ��ري ب� � ��أمْ � � ��رٍ ل � �ل � �ه ��وى جَ � ��سَ � ��دٌ‬ ‫ل� � ��وال ال � ��تَّ � ��شَ � ��وُّ قُ ل� � ��مْ َي � � ْل � ��حَ � ��قْ ب � ��ه دَمُ � � ��هُ‬ ‫ي��ا كُ � ْ�س ��و َة ال �ع �ي� ِ�ن ه��ل ج� � ��دَّ د ِْت دم� � َع � ِ�ك أَ ْم‬ ‫�اض ال � ��دم� � � َع أق � � �دَمُ � � ��هُ !‬ ‫�اك م� �م ��ا أف� � � � َ‬ ‫َك� � �ف � � ِ‬ ‫ال� �ش ��وقُ ط ��ائِ � ُ�ف ه� ��ذا ال � ّن �ه��ر ف��ا ْل � َت� ِ�م �س��ي‬ ‫دمْ ��عً ��ا ج ��دي ��دً ا أال يُ � ْ�ش �ج �ي� ِ�ك مَ ��قْ � �دَمُ ��هُ !‬ ‫م � � ْي � �س� ��ونُ م � � ��رَّ زم� � � � ��انٌ وال � �م � �ن� ��ى شَ � ��جَ � � ٌ�ن‬ ‫�وس ��مُ ��هُ‬ ‫�وت اآلنَ م � ِ‬ ‫�س ي � �ف� � ُ‬ ‫وال� � � ُ�ح� � � ُّ�ب ل � �ي� � َ‬ ‫ه � ��ا ن � �ح� ��نُ غَ � � � ��ادَرن� � � ��ا ِع� � � ْ�ش� � � ٌ�ق وجَ � � � ��ا َو َرن� � � ��ا‬ ‫�أي م ��ن ال � ِ�ع� �ش� � َق� �ي � ِ�ن ن� �ك ��تُ ��مُ ��هُ !‬ ‫ِع� � ْ�ش� � ٌ�ق ف� � � ٌّ‬ ‫�اه � ��دً ا َب� � � � َردَى‬ ‫م� ��ا ان � � َف� � َّ�ك ح �ت ��ى أت� ��ان� ��ا ش � � ِ‬ ‫ِع � � ْ�ش � ��قً � ��ا رآ ُه وع� � �ي � ��نُ ال � � � � � ��وردِ ت� �ن � ِ�ظ ��مُ ��هُ‬ ‫دِ مَ � � ْ�ش � ��قُ أُهْ � � ِ�دي � � ُ�ت ُح � � ًّب� ��ا م� �ن � ِ�ك مُ ��مْ � َت��لِ � ًئ��ا‬ ‫�وب مُ ��عْ ��ظَ ��مُ ��هُ‬ ‫�س ي��كْ �ف��ي م ��ن ال �م� ْ�ح �ب� ِ‬ ‫ول� �ي � َ‬ ‫إ ّن � � � ��ي ه � �ن� ��ا ف � ��أتِ � ��مِّ � ��ي ال� � � ُ�ح� � � َّ�ب ‪ ..‬آ َي � ��تُ � ��هُ‬ ‫م� �ن � ِ�ك ال� ��تَّ � �م� ��امُ ور َُّب ال� � ُ�ح� � ِّ�ب َي �خ �ت ��مُ ��هُ !‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬إبراهيم زولي*‬

‫أريد أن أسترد ِّك‪..‬‬ ‫ال أس �ع��ى إل ��ى ت�ق��دي��م ط�ق��س ش �ع��ري‪ ،‬ال‬ ‫يمتلك الكثير من الصبر‪،‬‬ ‫طقس ينوي الحضور نيابة عنك‪.‬‬ ‫ليس باستطاعتي ارتجال كلمات تتخذ‬ ‫شكل حمائم بالستيكية يمكن التفاوض‬ ‫على سعرها‪.‬‬ ‫ببساطة‪ ،‬ألن�ن��ي ال أرت�ج��ف م��ن مداهمة‬ ‫مالمح تشبهني‪ ،‬وأنا أوقد بخور المودّة‪.‬‬ ‫سأنتظرك بمفردي‬ ‫قبالة الشارع الذي ترفّ ق بك في الشتاء‪،‬‬ ‫الشارع الذي تعاطف‬ ‫المتقطع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بشكل شخصي‪ ،‬مع شهيقك‬ ‫لم أزل واقفا‬ ‫جسد واحد ورماد كثير‬ ‫أنا المصاب بداء الخيبة‬ ‫المتهالك في فيالق الصبابة واالنكسار‪،‬‬ ‫أل� �ه ��جُ ب��اس �م��ك آن � ��اء ال � �ش� ��وق‪ ،‬وأط � ��راف‬ ‫الحنين‬ ‫مُ ��دان بالتصالح م��ع ال�ه��زائ��م العظمى‪،‬‬ ‫ه��زائ��م أق ��رأ عليها م��ا ت�ي� ّ�س��ر م��ن معجم‬ ‫الحريق‪ ،‬أعزف لها نشيد النسيان بثياب‬ ‫السهرة‬ ‫ق��اي�ض�ت�ه��ا ب�س�ع��ر زه �ي ��د‪ ،‬ب �م��ا ت �ب��قّ ��ى من‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫ال �س �ن��وات ال�ك�س�ي�ح��ة ف��ي ع �م��ري‪ ،‬ب�غ��اي��ة‬ ‫تكتب نهايتها بمداد فاسق‪.‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫جسد واحد ورماد كثير‬

‫باختصار؛‬ ‫هذا أنا‪،‬‬ ‫أق ��اص� �ي ��ك ال �ن��ائ �ي��ة وه � ��ي ت �ت �س � ّت��ر ع�ل��ى‬ ‫الخيانات‪،‬‬ ‫َس‬ ‫ظاللك التي ال تعبرها القيلولة‪ ،‬أقد ُ‬ ‫م��ا فيك م��ن م�ح� ّرم��ات‪ ،‬سحاباتك التي‬ ‫تمتص اللوعة من دمي‪،‬‬ ‫س �ح��اب��ات ت �م �ط��ر ب �ع��ض ال� � ��رذاذ األل �ي��م‪،‬‬ ‫تمطر إجالال للقسوة‪ ،‬للهفة منسيّة في‬ ‫قاع الروح‪.‬‬ ‫كل يوم‪،‬‬ ‫أرفو نواياي الممزّقة بسببك‪،‬‬ ‫وأع �ي��د ت�ع�ل�ي�ق�ه��ا ع �ل��ى م�ش�ج��ب ال �ل��وع��ة‪.‬‬ ‫سأتقدّ م خطوة لألمام‪،‬‬ ‫وأطلق الرصاص على االنتظار الذي كان‬ ‫يحول بيني وبينك‪،‬‬ ‫االن �ت �ظ��ار ال�م�ه� ّي��أ غ��ال�ب� ًا أن ي��ذب�ح��ه أم��ل‬ ‫شارد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪75 )2016‬‬


‫نبع الجوف‬ ‫ُ‬

‫(على أرض الجوف بدأ مشواري‪ ..‬وعلى أرضه ينتهي المشوار)‬ ‫‪ρρ‬محمود الرمحي*‬

‫األرض أرض� � � � � � � � � ��ي وال� � � � � � � � ��دي� � � � � � � � ��ا ُر دي� � � � � � � ��اري‬ ‫ُ‬ ‫�وف ن � � � � �ب� � � � ��عٌ ب � � ��ال� � � �م� � � �ح � � � �ب � � ��ةِ ج� � � ��ار‬ ‫ف � � � � ��ال� � � � � �ج � � � � � ُ‬ ‫ي � � � ��ا س � � ��اك� � � �ن� � � � ًا ف � � � ��ي ال� � � � �ج � � � ��وف أل� � � � � ��ف ت � �ح � �ي� ��ةٍ‬ ‫م � � � �ن� � � ��ي إل � � � � � � �ي� � � � � � ��ك‪ ..‬ل � � �ص � � �ح � � �ب� � ��ة األخ � � � � � �ي� � � � � ��ارِ‬ ‫خ� � �م� � �س � ��ون ع� � ��ام� � ��ا ف � � ��ي رب � � ��وع � � ��ك ق � � ��د م �ض��ت‬ ‫وع� � � � � �ل � � � � ��ى ث� � � � � � � � � � ��راك ت� � � � ��دفّ � � � � �ق� � � � ��ت أش� � � � � �ع � � � � ��اري‬ ‫ي � � ��ا ل� � �ي � ��ت ش � � � �ع � � � ��ري‪ ..‬ق � � ��د م � � ��زج � � � ُ�ت ع� � �ب� � �ي� � � َر ُه‬ ‫ب � � �ع � � �ب � � �ي � ��رِ س� � � � � �ح � � � � ��رِ َك ف� � ��ان � � �ح � � �ن� � � ْ�ت أوت� � � � � � � ��اري‬ ‫�دأت ق� � �ص � ��ائ � ��دي‬ ‫ف� � �ع� � �ل � ��ى رب � � � ��وع � � � ��ك ق � � � ��د ب� � � � � � � � � ُ‬ ‫�ك ي � � �ن � � �ت � � �ه� � ��ي م � � � � �ش� � � � ��واري‬ ‫وع � � � � �ل� � � � ��ى رب � � � � � ��وع � � � � � � َ‬ ‫م� � � � � � �ش � � � � � ��وا ُر ح � � �ـ � � �ـ� � ��ب ٍّ ف � � � � ��ي ع� � � � � �ط � � � � ��اءٍ دائ� � � � � � � ِ�م‬ ‫ش � � � � �م� � � � ��عٌ ي � � � � � �ض� � � � � ��يءُ ول � � � � � � �ل� � � � � � ��ورى أخ � � � � �ب� � � � ��اري‬ ‫ف � � ��ي ال� � � �ج � � ��وف ج � � �ي � ��لٌ م � � ��ن ع� � �ط � ��ائ � ��يَ ش� ��اه� ��دٌ‬ ‫ب � � ��ال� � � �ع� � � �ل � � ��م وال� � � �ت� � � �ع� � � �ل� � � �ي � � ��م ذاك م � � � �س� � � ��اري‬ ‫ع � � � َّل� � ��مْ � � ��تُ � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��هُ وب� � �ن� � �ي� � �ت� � �ـ�ُ � �ـ� � �ـ � ��هُ ح � � �ت� � ��ى غ � �ـ � �ـ � �ـ� ��دا‬ ‫�وف م� � � �ش� � � �ع � � ��لَ ع � � � � � � � ��زةٍ وف � � � �خ� � � ��ارِ‬ ‫ف� � � � ��ي ال � � � � � �ج� � � � � � ِ‬ ‫ي � � � ��ا ج � � � � ��وف ت� � �ب� � �ق � ��ى ف � � � ��ي ال � � � � �ف� � � � ��ؤاد ودائ� � � �م � � ��ا‬ ‫م � � � � ��ا دام ن � � � �ب � � ��ض ف � � � � ��ي ف� � � � � � � � � � � � ��ؤاديَ س � � � � ��اري‬ ‫ * شاعر أردني مقيم في الجوف‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫أنوار مكّ ة‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬نزار اخلطيب*‬

‫أقمت ليلةً في أح��د الفنادق المطلة على الحرم المكي الشريف من‬ ‫ُ‬ ‫أجل أداء مناسك العمرة فهابني المنظر الرائع للكعبة المشرفة‪ ،‬فكتبت‬ ‫هذه األبيات‪.‬‬

‫�اح‬ ‫أن� � ��وار م �ك��ة ق ��د ب� ��دت ي ��ا ص � ِ‬

‫�راح‬ ‫ه �ي��ا ف �ت �ل��ك م� ��واس� ��مُ األف � � � ِ‬

‫النفس ثوبَ همومها‬ ‫ُ‬ ‫لتلق‬ ‫هيا ِ‬

‫ف� �ت� �ع ��ود م� �ث ��ل ب� ��راع� ��م ال �ت �ف��اح‬

‫لطالب‬ ‫ٍ‬ ‫طوف‬ ‫ُ‬ ‫هيا لقد َدن َِت القُ‬

‫ع �ف��و اإلل � � ��هِ ون �ع �م��ة اإلص �ل��اح‬

‫***‬

‫�آذن‬ ‫ي �ع �ل��و ن � ��داء ال �ح��ق ف� ��وق م� � ٍ‬

‫و ب�ك�ع�ب��ةٍ ع�ط��ر ال �ن��دى ال �ف��وَّ اح‬

‫ِّف بها في ظلِّ عرش مليكها‬ ‫طو ْ‬

‫واغ �س��ل ق �ت��ا َر ال�ن�ف��س واألت ��راح‬

‫م ��ن م� ��اء زم � ��زم رش� �ف ��ةٌ َن� � َب ��وِ َّي ��ةٌ‬

‫تشفي س�ق��ام الجسم واألرواح‬

‫أت��رِ عْ و َروّي نخب ذ َّي��اك الحمى‬

‫�ال ب� ��ه وص� �ب ��اح‬ ‫ي� ��ا ِط � �ي� ��بَ آص� � � � ٍ‬

‫وارفع يد الولهان في وِ رْدِ الصفا‬

‫وب � � �م� � ��روةٍ أك � �ث� ��ر م� ��ن اإلل � �ح� ��اح‬

‫هذي بحور العفو يمِّ مْ شطرها‬

‫من فضلها في كل ذن��ب ماحي‬

‫رح� �م ��اك ي ��ا رب � ��اه ه� ��ذا ج�ه��دن��ا‬

‫ج ��د ي ��ا ع �ظ �ي��م ب ��واف ��ر األرب � ��اح‬

‫ * شاعر سوري مقيم في سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪77 )2016‬‬


‫أنا هنا‪..‬‬ ‫‪ρρ‬مها سعود*‬

‫تضجُ بداخلي حكايةُ العابرين‪،‬‬ ‫وشوق الغائبين‪..‬‬ ‫ونبرةٌ سكنت بين أضلعي‬ ‫حيث ال أحد‬ ‫أنا ُ‬ ‫لم أكن فتا َة الحقول‬ ‫وال زهر َة الليمون بجوار نافذتك‪،‬‬ ‫لرسائلك الفارغة‪ ‬‬ ‫َ‬ ‫أنا هُ نا ال أقبع‬ ‫وال صوت جارتي العجو ُز‬ ‫عني‪..‬‬ ‫ال ترهق نفسك بالبحث ِ‬ ‫حتما ستجهلُ أين أكون!!‬ ‫‪2‬‬

‫‏كانت هُ نا‪،‬‬ ‫ترقص على أوجاعُ ها‬ ‫ُ‬ ‫وما زالت‬ ‫جسد مثقلٌ ‪ ‬‬ ‫ٍ‬ ‫تخط بـأحزانُها على‬ ‫ُ‬ ‫كترث بالتناهيد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالخطايا مُ‬ ‫بقيتَ لبرهة‪،‬‬ ‫‏ليتك ِ‬ ‫َ‬ ‫ويا‬ ‫وحز َن قلبها‬ ‫أوجاعها ُ‬ ‫ِ‬ ‫لـترى هزيم َة‬

‫‪78‬‬

‫ * السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الصغير‬ ‫معصوبة‪ ..‬العيّنين‬ ‫أشواقي ُ‬ ‫ِ‬ ‫فهناك‬ ‫مكسوةٌ بغيابِ ك المُ ر عنها‬ ‫‏غيابُك لم يكنّ خيراً‪،‬‬ ‫بل ألمٌ أعتصرُ صوتَها‬ ‫وأختطف من عينّيها لون الحياة‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬

‫الحب‪ :‬أوه‪ ،‬كثير‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫هل كتبت عن‬ ‫الحرف دائما عنه‪ ،‬فـلم أجدُ‬ ‫ُ‬ ‫ني‬ ‫ويشغفُ ِ‬ ‫كاتبا إال وقد تغنّى به وحلقَ عالي ًا مع‬ ‫أغنيتهِ المعزوفة بحنين‪..‬‬ ‫وتخطى‬ ‫َّ‬ ‫الحب تجسد في روح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بل إن‬ ‫بعنفوانيتهِ كل أنواع الشر‪ ،‬كم كسر من‬ ‫حاجز‪ ،‬وأنبت زهر ًا ندي ًا يعمُ بعطرهِ‬ ‫بحقد وجفـاء؟‬ ‫ٍ‬ ‫أرجاء هذا العالمُ المليء‬ ‫فقاوِ ْم ! ال تسمح لألشياء بأن تسحقك‬ ‫أو تُطفئ نجمةً أودعها اهلل في عينيّ ‪..‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫داعجة العينين‬ ‫‪ρρ‬خالد الشيخ*‬

‫داع� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ة ال� � � � � �ع� � � � � �ي� � � � � �ن� � � � � �ي � � � � ��ن أج � � � �ب � � � �ي � � � �ن � � � �ن� � � ��ي‬ ‫ي � � � � � � ��رض� � � � � � � �ي� � � � � � � �ن � � � � � � ��ي‬ ‫ب � � � � � � � � � � � � � � �ك� � � � � � � �ل� � � � � � ��ام‬ ‫ردي‬ ‫ف� � � � � � ��ال � � � � � � �ص � � � � � � �م� � � � � � ��ت ي � � � � � � � � � �ك � � � � � � � � � ��اد ي � � � � �م� � � � ��زق � � � � �ن� � � � ��ي‬ ‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ارا وج � � � � � � � �ح � � � � � � � �ي � � � � � � � �م� � � � � � � ��ا ي� � � � �ص� � � � �ل� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي‬ ‫اس � � � � � � � �ت � � � � � � � �ن � � � � � � � �ط� � � � � � � ��ق م � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��ك م� � � � � � � �ش � � � � � � ��اع � � � � � � ��رك‬ ‫ف� � � � � � � �ع� � � � � � � �س � � � � � � ��اه � � � � � � ��ا ت� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ود وت � � � � � � � ��أوي� � � � � � � � �ن � � � � � � � ��ي‬ ‫وت � � � � � � � � � � � � �ك � � � � � � � � � � � ��ون ب � � � � � � �ن � � � � � � �ف� � � � � � ��س أح � � � � � ��اس� � � � � � �ي� � � � � � �س � � � � � ��ي‬ ‫أي أن� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ك أن� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ت ت � � � � �ح � � � � �ب � � � � �ي � � � � �ن� � � � ��ي‬ ‫ون � � � � � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � � � � � ��وب رح� � � � � � � � � � � � � � ��اب� � � � � � � � � � � � � � ��ا واس � � � � � � � � � �ع� � � � � � � � � ��ة‬ ‫ب� � � � � � �ح� � � � � � �ن� � � � � � �ي � � � � � ��ن ف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ؤادك وح� � � � � �ن� � � � � �ي� � � � � �ن � � � � ��ي‬ ‫أح � � � � � � � �ل� � � � � � � ��ام � � � � � � � � � � � � � � � ��ي ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذى ت� � � � � �ت� � � � � �ح� � � � � �ق � � � � ��ق‬ ‫ل � � � � � � � � � � � � ��و ش � � � � � � � � � � ��اب � � � � � � � � � � ��ه ردك ت� � � � �خ� � � � �م� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي‬ ‫ف � � � � � � � � � � � � � �ل � � � � � � � � � � � � ��ذاك أق� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ول وب� � � � � � � � ��رج� � � � � � � � ��ائ� � � � � � � � ��ي‬ ‫داع� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ة ال� � � � � �ع� � � � � �ي� � � � � �ن� � � � � �ي � � � � ��ن أج � � � �ي � � � �ب � � � �ي � � � �ن� � � ��ي‬ ‫ف � � � � � � ��ال � � � � � � � �ص � � � � � � � �م � � � � � � ��ت ي � � � � � � � � � � �ك� � � � � � � � � � ��اد ي� � � � � �م � � � � ��زق� � � � � �ن � � � � ��ي‬ ‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ارا وج � � � � � � � �ح � � � � � � � �ي � � � � � � � �م� � � � � � � ��ا ي� � � � �ص� � � � �ل� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي‬ ‫* سوداني مقيم في سكاكا الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪79 )2016‬‬


‫محمد بن‬ ‫عبدالرزاق‬ ‫القشعمي‬ ‫الطفل الذي نشأ مقموع ًا ال صوت وال رأي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وصدفة حملته لكتابة أكثر من ثالثين كتاب ًا‬

‫قامة أدبية سعودية معروفة ومألوفة ومتنقلة‪ ،‬أشبه بالسندباد‬ ‫ال ��ذي ط��ال�م��ا ق��رأن��ا وس�م�ع�ن��ا ع�ن��ه وع��ن رح�ل�ات��ه‪ ،‬ع��ان��ى ك�ث�ي��را في‬ ‫طفولته‪ ،‬ولربما كانت تلك المعاناة سبب ًا في تحمّ ل مسئولياته‬ ‫ووصوله‪.‬‬ ‫جاب المملكة شماال وجنوبا‪ ،‬شرقا وغربا‪ ،‬وبسط جناحيه فطار‬ ‫إل��ى أكثر من بلد في ال�خ��ارج‪ .‬راف��ق وزام��ن ع��ددا من الشخصيات‬ ‫األدبية المرموقة التي كان لها باع وذراع في الثقافة واألدب‪ ،‬فكتب‬ ‫عنهم ووفاهم حق صحبتهم‪ .‬له من المؤلفات ما يقرب من ثالثين‬ ‫مؤلفا‪..‬‬ ‫م��ع رج��ل أش�ب��ه ب��األس�ط��ورة‪ ،‬م��ع ال�ت��اري��خ والسير الثقافية‪ ،‬مع‬ ‫محمد القشعمي‪ ..‬مع أبي يعرب الذي فتح قلبه للجوبة فأخرجت‬ ‫ما كان مخب ًأ فيه‪..‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره محمود عبداهلل الرمحي‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρ ρ‬ل��م أع���رف ال��ط��ف��ول��ة‪ ..‬ول���م أذق شيئاً‬ ‫مما عاشه غيري من التمتع بمباهجها‬ ‫وألعابها وأحالمها!!‬ ‫ولدت نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬في‬ ‫قرية صغيرة (معقرة) بالزلفي‪ ،‬يمتهن كل‬ ‫أف��راد األس��رة الفالحة‪ ،‬بل يُعتمد على‬ ‫المرأة في كل شيء من صالة الفجر حتى‬ ‫صالة العشاء‪ ،‬فهي التي تعتني بالماشية‪،‬‬ ‫وب��ال��زرع‪ ،‬وبالبيت ومتطلباته‪ ،‬وبالغذاء‬ ‫لكل أف��راد األس��رة صغيراً وكبيراً‪ ،‬هي‬ ‫التي تذهب من الصباح إل��ى الصحراء‬ ‫المحيطة بالقرية‪ ،‬لتجمع العشب كغذاء‬ ‫للماشية‪ ،‬أو تحتطب للتدفئة والطبخ‪.‬‬ ‫وإذا عادت وقت الظهر ترضع أطفالها‪،‬‬ ‫وتبدأ في حصد الزرع‪ ،‬وتروِّس الماء في‬ ‫أشرابه أو أحواض النخل‪ ،‬وتعلف الماشية‬ ‫وتحلبها‪ ،‬وتعود إلكمال طبخ العشاء‪.‬‬ ‫أم���ا األط���ف���ال ف��ق��د ي��س��اع��دون��ه��ا بما‬ ‫يستطيعون – مع السرح بالبهم (صغار‬ ‫الغنم) خارج سور المزرعة‪ .‬وقد يتلهون‬ ‫باللعب‪ ،‬فتغافلهم لتعود متسللة للمزرعة‪.‬‬ ‫والطفل الذي يشعر باليتم يراقبهم من‬ ‫بعيد‪ ،‬وهم ال يشركونه باللعب لصغره‪،‬‬ ‫ولعدم وجود مَن يحميه أو يدافع عنه لو‬ ‫تعرض العتداء أحدهم‪ ،‬فأمه ال صوت‬ ‫لها‪ ..‬بل هي كطير مكسور الجناح‪ ،‬ووالده‬ ‫مسافر لطلب العلم أو العمل في الرياض‪.‬‬ ‫ال يعود إ ّال أليام محدودة ومعدودة‪ ،‬بين‬ ‫قريتهم حيث والدته‪ ،‬أو بين ضرتها في‬ ‫المدينة (الزلفي)‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫¦ ¦للطفولة أثرُ ها اإليجابيّ أو السلبيّ في‬ ‫حياة اإلنسان بمختلف ألوانها‪ ،‬ما أثرُ ها‬ ‫في حياة القشعمي؟‬

‫إذا رأى عمه البهم في الزرع‪ ،‬يأتي مسرعاً‬ ‫ليعاقب مَن تركها‪ ..‬وال يجد سوى الطفل‬ ‫المنزوي عن أقرانه – أبناء عمه – الذين‬ ‫في منأى من العقوبة؛ لخوفه من أمهم‪.‬‬ ‫أما الطفل فهو الضحية دائماً‪ ..‬هو ال‬ ‫ينسى العسيب الطويل ال��ذي يجلده به‬ ‫عمه‪ ،‬وهو يصرخ باآلخرين ليهشوا على‬ ‫البهم لتخرج‪ ،‬قبيل أن تهضل أمهاتها من‬ ‫المرعى مع الراعي المخصص لها‪.‬‬ ‫الطفل رغم تجاوزه السبعين من عمره ال‬ ‫ينسى ذات يوم وهو في الثالثة من عمره‪،‬‬ ‫عندما فتحت أم��ه صندوقها الخشبي‬ ‫وأخرجت منه ثوباً جديداً‪ ،‬لتقيسه عليه‬ ‫حتى يلبسه ويستقبل به والده عند إحدى‬ ‫زياراته لهم من الرياض‪ .‬وما كاد يخطو‬ ‫خارج (الصفة) غرفة والدته‪ ،‬حتى أخذه‬ ‫اب���ن ع��م��ه ال���ذي ي��ك��ب��ره‪ ،‬ل��ي��رب��ط رقبته‬ ‫برقبة جحش صغير ك��ان يقف بجوار‬ ‫أمه‪ .‬فلكزها لتقفز هاربة ويلحقها ابنها‬ ‫المعلقة رق��ب��ة الطفل برقبته‪ ،‬ليجري‬ ‫الطفل إل��ى ج��واره��ا بضع خ��ط��وات ثم‬ ‫يسقط لتطأه بحوافرها‪ ،‬وت��م��زق ثوبه‬ ‫ال��ج��دي��د‪ ،‬ب��ل وت��ت��رك أث��ره��ا ف��ي جسمه‬ ‫لتسيل منه الدماء‪ ،‬فتذهل والدته وهي‬ ‫ق��ادم��ة م��ن (ال��ل��زاء) تحمل ف��وق راسها‬ ‫قدراً مليئاً بالماء‪ ،‬لتطبخ العشاء‪ ،‬فتصرخ‬ ‫ويسقط القدر من على رأسها‪ ،‬فتتنبه‬ ‫والدة الفتى لتطلب منه إيقاف الجحش‬ ‫وف��ك رقبة الطفل منه‪ .‬فتضع والدته‬ ‫بعض الرماد على جروحه لتوقف نزيف‬ ‫الدم‪.‬‬ ‫وفي الليل عندما حضر والده لم يستطع‬ ‫م�لاق��ات��ه وال ال��س�لام عليه‪ ،‬وف��ي الغد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪81 )2016‬‬


‫مع سكرتير التحرير في مكتب الجوبة‬

‫أخذته أمه ليسلم على وال��ده الذي قال‬ ‫ل��ه‪ :‬أم��س رب��ط��وك م��ع الجحش وغ��داً‬ ‫يربطونك بأمه‪!..‬‬ ‫رغم أن وال��ده ال يبقى سوى أي��ام قليلة‬ ‫في القرية‪ ،‬ولكنه كان شديد القسوة تجاه‬ ‫الطفل‪ ،‬مع أنه يحتاجه ليدله إلى مكان‬ ‫مناسب خ��ارج المزرعة لقضاء حاجته‬ ‫لكونه كفيف البصر‪ ..‬فكان ك��أي طفل‬ ‫عندما يحتاج شيئاً من أمه‪ ،‬أو يرى غيره‬ ‫يتمتع به‪ ،‬يبكي ليستدر عطف والدته‪..‬‬ ‫فتبحث له عما يرضيه‪ .‬فيسمع وال��ده‬ ‫بكاءه فيتوقع مكانه ليضربه بقوة حتى‬ ‫يسكت‪ ..‬ولهذا دائماً يذكره خاله بكلمة‬ ‫يقال إن الطفل يقولها لهم‪« :‬هل أبوي به‬ ‫أو مسافر؟ فيردون عليه لماذا؟ فيقول‬ ‫حتى أصيح شوي»!!‬

‫‪82‬‬

‫في السادسة من عمره سافر مع والدته‬ ‫إلى الرياض ليلتحق بوالده وأخوته الصغار‬ ‫ووالدتهم‪ ،‬فكان يأخذ يد والده ليدله إلى‬ ‫باب المسجد‪ ،‬ويعود إلى منزلهم الذي‬ ‫ال يبعد سوى (‪ )200‬متر‪ ،‬فيقف والده‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫بباب المسجد منتظراً أن يسمع تصفيق‬ ‫والدته‪ .‬وهذا يعني أن الطفل عاد للمنزل‬ ‫دون أن يضيع‪ .‬ومع ذلك كثيراً ما يرى‬ ‫األطفال يلعبون في طريقه‪ ،‬وال يستطيع‬ ‫مشاركتهم ألن��ه ممسكاً ي��د وال���ده‪ .‬أو‬ ‫يخاف منهم ألنهم يكبرونه‪ ..‬ولكنه في‬ ‫البيت يالحق والدته ليطلب منها شيئاً‬ ‫قد ال يتوفر لديها‪ ..‬ويسمع والده بكاءه‬ ‫فيمسك به ليرفعه ف��وق رأس��ه ويرميه‬ ‫في األرض – وصادف أن وقع على وعاء‬ ‫ليرتفع الوعاء ويضرب بالسقف ويعود‬ ‫لألرض – ومع ذلك ال يستطيع الطفل أن‬ ‫يبكي خوفاً من المزيد!‬ ‫ب��ع��د أن ب��ل��غ ال��س��اب��ع��ة م��ن ع��م��ره ب��دأ‬ ‫يذهب مع وال��ده إل��ى المسجد ليصلي‬ ‫ب���ج���واره‪ ،‬ف��ي��دخ��ل ال � ُك � ّت��اب وب��ع��د سنة‬ ‫يدخل المدرسة‪ ..‬فيحكي لوالدته أنهم‬ ‫في طابور الصباح يلعبون‪ ،‬فيختار أحد‬ ‫األطفال ليمثل دور القط وآخر ليمثل دور‬ ‫الفأر‪ ،‬فالفأر يجري والقط خلفه ليمسك‬ ‫ب��ه وتنتهي اللعبة قبل دخ���ول الطالب‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫ال��ف��ص��ول‪ ،‬وه��و يحكي القصة لوالدته‬ ‫فرحاً ليسمع بذلك والده فيضربه بقوة‪،‬‬ ‫بدعوى أنه أرسله للتعلّم وليس للعب!‬ ‫فالطفل نشأ مقموعاً ال صوت وال رأي‬ ‫له‪ ..‬وهذا هو األسلوب األمثل في نظر‬ ‫آب��ائ��ن��ا ف��ي ال��ت��رب��ي��ة – رح��م��ه��م اهلل ‪.-‬‬ ‫وبالتالي فلم أتمتع بما تمتع به غيري في‬ ‫الطفولة‪.‬‬ ‫¦ ¦محمد ال�ق�ش�ع�م��ي‪ ..‬م��رج��ع ث�ق��اف��ي بكل‬ ‫معنى الثقافة‪ ..‬هل لنا أن نتعرف على‬ ‫بداية مشواره؟‬ ‫‪ρ ρ‬ب��داي��ة ال��م��ش��وار‪ .‬أو على األص���ح متى‬ ‫عرفت الكِ تاب‪ ..‬ذهبت مع الوالد لمكة‬ ‫في شهر رمضان عام ‪1374‬ه��ـ وعمري‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬ليصوم بالحرم‪ ،‬وليصلي‬ ‫التراويح بالعمه حصة األحمد السديري‬ ‫– وال���دة الملك فهد وأش��ق��ائ��ه – فكنت‬ ‫صغير السن‪ ،‬وال تتحجب عني النساء‪،‬‬ ‫فكان والدي يطلب مني بعد انتهاء صالة‬ ‫التراويح في القصر‪ ،‬أن أقرأ عليهم من‬ ‫كتاب فضائل رمضان‪ ،‬رغم أنني أدرس‬ ‫ُحسن القراءة‪،‬‬ ‫في الثالثة االبتدائية وال أ ِ‬ ‫ولكنه كان يصحح لي بعض العبارات‪..‬‬ ‫وكان بعد صالة الظهر يعطيني ربع ريال‬ ‫ألش��ت��ري بقرشين خبزة وك��أس ش��راب‬ ‫(ت����وت) ب��ث�لاث��ة ق���روش ي��وم��ي �اً‪ ..‬وعند‬ ‫م��روري بباب السالم‪ ،‬أرى الكتب على‬ ‫الرصيف في مداخل المكتبات‪ ،‬ومنها‬ ‫كتاب صغير مرسوم على غالفه صورة‬ ‫رجل محرم واسمه الدين والحج‪ ،‬ومؤلفه‬ ‫طبيب أسنان مصري اسمه عباس كرارة‪،‬‬ ‫فأعجبت بالرسم‪ ،‬فجمعت عدة قروش‬ ‫م��ن م��ص��روف��ي واش��ت��ري��ت��ه ب��رب��ع ري���ال‪.‬‬

‫وكنت قبل ذلك بدل التوت أشرب الماء‪،‬‬ ‫فأستأجر دراج���ة بثالث عجالت لربع‬ ‫ساعه بثالثة القروش‪.‬‬ ‫بعد ال��ع��ودة إل��ى ال��ري��اض‪ ،‬وف��ي السنة‬ ‫الرابعة االبتدائية‪ ،‬ب��دأت أق��رأ الكتب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪83 )2016‬‬


‫حفظ سورة من القرآن‪ ،‬وإذا جاء موعد‬ ‫التسميع ال أستطيع فيعاقبني‪ ،‬فاضطررت‬ ‫إلى نزع السورة من المصحف وإخفائها‬ ‫في جيبي‪ ،‬وعندما يطلب مني قراءتها‬ ‫أخ��رج الورقة خفية وأق��رأ منها‪ ..‬ولكن‬ ‫ه��ذه الحيلة لم تستمر‪ ،‬إذ سمع صوت‬ ‫الورقة في يدي‪ ،‬فأراد خطفها‪ ،‬فتركتها‬ ‫تطير في الهواء‪ ..‬وعاود طلب تسميعه ما‬ ‫حفظت أو ما كان يعتقد‪ ،‬فأتلكأ‪ ،‬فيبدأ‬ ‫بضربي بالشارع‪ ،‬فيتدخل المارّة بطلب‬ ‫السماح لي هذه المرة‪ .‬ولكن المشكلة أن‬ ‫منزلنا يقع في نهاية سوق ال ينفذ‪ ،‬ولهذا‬ ‫ال يمشي معه إال من يسكن بجوارنا‪..‬‬ ‫وه��ذا من ال��ن��ادر‪ .‬فيبدأ بمعاقبتي في‬ ‫نهاية السوق‪ ،‬وقبيل دخولنا المنزل‪ ،‬حتى‬ ‫ال يفزع إخوتي الصغار ووالدتهم للتوسط‬ ‫بالمسامحة‪ ،‬إذ أن وال��دت��ي بقيت في‬ ‫القرية بحجة االهتمام بوالدتها‪..‬‬

‫والسير الشعبية ب���دءاً ب��ـ كليلة ودمنة‪،‬‬ ‫وت���ودد ال��ج��اري��ة‪ ،‬وس��ي��ف اب��ن ذي ي��زن‪،‬‬

‫‪84‬‬

‫بعد سنتين دخلت المعهد العلمي‪ ،‬وبدأت‬ ‫أقرأ الروايات وكتب الرافعي والمنفلوطي‬ ‫وغيرهما‪ ..‬لم استمر بالدراسة بالمعهد‪..‬‬ ‫ف��ق��د ت��وظ��ف��ت ب����وزارة ال��ع��م��ل وال��ش��ئ��ون‬ ‫االج��ت��م��اع��ي��ة ب��ال��ش��ه��ادة االب��ت��دائ��ي��ة مع‬ ‫استمراري بالقراءة‪ ،‬وبالذات كتب سالمة‬ ‫م��وس��ى‪ ،‬وس��اط��ع ال��ح��ص��ري وغيرهما‪،‬‬ ‫وبالذات الكتب القومية وأنا أحلم – ومن‬ ‫حق كل شخص أن يحلم – أحلم بعودة‬ ‫فلسطين‪ ،‬بل أكثر من ذلك أحلم بالوحدة‬ ‫العربية‪ ،‬وسأظل أحمل هذا الحلم حتى‬ ‫الموت‪.‬‬

‫وعنترة‪ ،‬وأل��ف ليلة وليلة‪ ،‬وتغريبة بني‬ ‫¦ ¦كانت لك عالقات مميزة ببعض الكتاب‬ ‫هالل وغيرها‪ .‬وكان والدي يعتقد أنني‬ ‫من أمثال الجهيمان وخزندار وغيرهما‪،‬‬ ‫كيف ت�ط��ورت ه��ذه العالقة إل��ى مؤلفات‬ ‫أقرأ القرآن أو أحد الدروس‪ ،‬فيحدد لي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρ ρ‬بعد سنوات من عملي برعاية الشباب‬ ‫التي انفصلت عن وزارة العمل والشؤون‬ ‫االجتماعية لتصبح رئ��اس��ة مستقلة‪.‬‬ ‫توليت قبل أربعين عاماً إدارة مكتب رعاية‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫عنهم؟‬

‫الشباب في األحساء‪ ،‬وكان األمير فيصل‬ ‫بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب‬ ‫يشجع األندية الرياضية على االهتمام‬ ‫ب��ال��ن��ش��اط��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة واالج��ت��م��اع��ي��ة‪،‬‬ ‫فكانت فرصة لي أن أدعو بعض األدباء‬ ‫ورج����ال ال��دي��ن إلل��ق��اء م��ح��اض��رات أو‬ ‫أمسيات شعرية أو ن��دوات في األندية‪،‬‬ ‫وكنت أدعو بعض الوجوه المشهورة من‬ ‫خ��ارج المنطقة‪ ،‬وك��ان يحضرها ع��د ٌد‬ ‫من المهتمين؛ ما شجعني على المزيد‬ ‫منها‪ ،‬وبخاصة تشجيع األمير وشكره‪.‬‬ ‫وبعد أربع سنوات انتقل عملي إلى مكتب‬ ‫الرئاسة بحائل‪ ،‬فكررت إقامة مثل هذه‬ ‫النشاطات‪ ،‬بل وأصبحت الرئاسة تقيم‬ ‫مهرجانات سنوية على مستوى المناطق‪،‬‬ ‫ثم تجمع الفائزين لتقيم لهم مهرجانات‬ ‫مركزية بالرياض‪ ،‬يتسابق فيها مختلف‬ ‫شباب المناطق في مجاالت المسرح‪،‬‬ ‫وإلقاء الشعر‪ ،‬والمحاضرات‪ ،‬ومعارض‬ ‫الفنون التشكيلية وغيرها‪ .‬تعرفت على‬ ‫عدد من هؤالء األدب��اء‪ ،‬وتوثقت العالقة‬ ‫ب��ه��م‪ ،‬وبخاصة بعد انتقال عملي إلى‬ ‫مكتبة الملك فهد الوطنية قبل اثنين‬ ‫وعشرين عاماً‪ ،‬وكلفت بالقيام بتسجيل‬ ‫التاريخ الشفهي مع الرواد وكبار السن‪،‬‬ ‫سواء األدباء أو رجال التعليم وغيرهم‪..‬‬ ‫ممن عاصر توحيد المملكة‪ ،‬وشارك في‬ ‫بدايات النهضة‪ ،‬وحركة التنمية الحديثة؛‬ ‫فبدأت عالقتي بعدد كبير من األدب��اء‬ ‫تتوثق‪ ،‬وب��دأت التواصل معهم وحضور‬ ‫ملتقياتهم‪ ،‬س��واء في األندية األدبية أو‬ ‫في المؤتمرات‪ .‬وكان للمهرجان الوطني‬ ‫للتراث والثقافة (الجنادرية) السنوي دور‬ ‫مهم‪ ،‬إذ يلتقي به ع��دد كبير من أنحاء‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪85 )2016‬‬


‫المملكة وخ��ارج��ه��ا‪ .‬نسيت أن أق��ول‬ ‫إنه بعد عودتي من حائل عام ‪1401‬ه��ـ‬ ‫وبعملي بالشؤون الثقافية‪ ،‬كلفت بالعمل‬ ‫في األسابيع الثقافية التي كانت تقام في‬ ‫بعض الدول العربية‪ .‬وسكرتارية األمانة‬ ‫العامة لجائزة الدولة التقديرية في األدب‬ ‫‪1405-1403‬هـ‪ ،‬فعرفت من خاللها عدداً‬ ‫كبيراً من أبرز مثقفي المملكة وخارجها‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫أما عالقتي بالراحل العظيم عبدالكريم‬ ‫الجهيمان – رحمه اهلل – فقد وجدت فيه‬ ‫مكانة الوالد‪ ،‬ووجدني كابنه‪ ،‬فسافرت‬ ‫معه في داخل المملكة وخارجها كثيراً‪،‬‬ ‫وأصبحت م��ع بعض األص��دق��اء ن��زوره‬ ‫أسبوعياً مساء كل يوم اثنين‪ .‬ومنه عرفت‬ ‫األستاذ عابد خزندار عند زيارته للرياض‬ ‫كأحد ضيوف (الجنادرية) سنوياً‪ ،‬فكان‬ ‫يلتقي بصديقه الجهيمان الذي عرفت‬ ‫فيما بعد أنهم قضوا سنتين في السجن‬ ‫‪1965-63‬م‪ .‬والجهيمان أحببته لصدقه‬ ‫ووضوحه وبساطته وصراحته فالزمته‪،‬‬ ‫وبسببه ب��دأت الكتابة عنه م��ع غيري‬ ‫عام ‪1419‬ه��ـ‪ ،‬عندما فتحت له جريدة‬ ‫الجزيرة ملحقها األدبي ليطالب بتكريمه‬ ‫في المهرجان الثقافي وال��ذي تم عام‬ ‫‪1421‬ه�����ـ‪ ،‬فجمعت م��ا س��ب��ق أن كتب‬ ‫عنه مع استعراض لمؤلفاته في كتاب‬ ‫صدر بالمناسبة باسم (سادن األساطير‬ ‫واألمثال‪ :‬عبدالكريم الجهيمان)‪ ،‬وبعد‬ ‫حفالت التكريم التي أقيمت للجهيمان‬ ‫في عنيزة وشقراء والدمام والقطيف‪،‬‬ ‫وتكريمه في اثنينية عبدالمقصود خوجة‬ ‫بجدة‪ ،‬طلب األستاذ حمد القاضي أن‬ ‫يصدر عنه كتيباً ضمن المجلة العربية‪،‬‬ ‫وصدرت باسم (عبدالكريم الجهيمان‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫عطاء ال ينضب)‪ ،‬وعند بلوغه المائة من‬ ‫عمره‪ ،‬أص��درتُ عنه كتاب (عبدالكريم‬ ‫ال��ج��ه��ي��م��ان‪ ..‬رح��ل��ة ال��ع��م��ر وال��ف��ك��ر)‪.‬‬ ‫والحقيقة أن الجهيمان موسوعة متعدد‬ ‫االه��ت��م��ام��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة‪ ،‬ول���ه األول��وي��ة‬ ‫ف��ي م��ج��االت ك��ث��ي��رة ل��م تُ��ت��ن��اول بشكل‬ ‫واسع‪ ،‬فهو المربي والصحفي والرّحالة‬ ‫والشاعر وكاتب األطفال‪ ،‬ويكفيه فخراً‬ ‫تفرغه ‪ -‬عندما منع من الكتابة في أوائل‬ ‫الثمانينيات الهجرية – أن يجمع حكايات‬ ‫الجدات ويصوغها بأسلوبه في خمسة‬ ‫مجلدات بعنوان (أساطير شعبية من‬ ‫قلب الجزيرة العربية)‪ ،‬وبعدها يجمع‬ ‫ع��ش��رة آالف م��ث��ل وي��ش��رح��ه��ا‪ ،‬وت��خ��رج‬ ‫لنا في عشرة مجلدات باسم (األمثال‬ ‫الشعبية في قلب الجزيرة العربية)‪ ،‬وكان‬ ‫لي أن الححتُ عليه أن يكتب ويصدر‬ ‫مذكراته قبل أن تشيخ الذاكرة‪ ،‬وصدرت‬ ‫عام ‪1415‬ه��ـ باسم (مذكرات وذكريات‬ ‫م���ن ح���ي���ات���ي)‪ ،‬وك����ذا إص�����دار دي��وان��ه‬ ‫(خفقات قلب)‪ ،‬وله جوانب كثيرة تستحق‬ ‫أن تبحث ويكتب عنها‪ .‬وكان من فرحي‬ ‫الشديد حضور مناقشة رسالة ماجستير‬ ‫قبل سنتين لألخت منيرة الحربي‪ ،‬عن‬ ‫أس��ل��وب الجهيمان ال��ت��رب��وي‪ ،‬وطبعتها‬ ‫المجلة العربية في العام الماضي‪ .‬وقد‬ ‫ترجمت مختارات م��ن األساطير للغة‬ ‫الروسية في حياته‪ ،‬ومثلت بعضها في‬ ‫حلقات تلفزيونية‪.‬‬ ‫وما يزال بعض أصدقائه األوفياء يلتقون‬ ‫ف��ي منزله أي��ام األثنين نهاية ك��ل شهر‬ ‫هجري –بدل اللقاء األسبوعي في حياته‬ ‫– وفاءاً واحتراماً لذكراه‪ .‬رغم مضي أكثر‬ ‫من أربع سنوات على رحيله‪.‬‬


‫‪ρ ρ‬بحكم عملي في مكتبة الملك فهد الوطنية‪،‬‬ ‫ولوجود كثير من الصحف القديمة‪ ،‬وهي‬ ‫صحافة األف���راد التي ق��ال عنها عابد‬ ‫خزندار‪ :‬إنها صحافة الرأي‪ ،‬أما صحافة‬ ‫المؤسسات الحالية فهي صحافة الخبر‪.‬‬ ‫فقد وجدت فيها كنوزاً معرفية لم تخطر‬ ‫على ال��ب��ال‪ ..‬حبي ألس��ت��اذي الجهيمان‬ ‫جعلني أط��ل��ع ع��ل��ى ص��ح��اف��ة المنطقة‬ ‫الشرقية ل ِ ِّقلِتها‪ ،‬ولكون الجهيمان هو‬ ‫رائدها‪ ،‬إذ أصدر عام ‪1374‬ه��ـ‪1954-‬م‬ ‫أول جريدة أسبوعية تصدر هناك (أخبار‬ ‫الظهران)‪ ،‬ص��در منها (‪ )44‬ع��دداً في‬ ‫ث�لاث س��ن��وات‪ ،‬إذ كانت نصف شهرية‪،‬‬ ‫وطبعت في بدايتها في بيروت‪ ،‬وكانت‬ ‫قد توقفت بسبب جرأتها‪ ،‬وأوقفت نهائياً‬ ‫وهي تحتفل بسنتها الثالثة‪ ..‬بسبب مقال‬ ‫نشرته يطالب بتعليم البنات‪ .‬أوقفت‬ ‫الجريدة وسجن صاحبها (‪ )21‬يوماً‪ ،‬عاد‬ ‫بعدها ليعمل ب��وزارة المعارف‪ ،‬ويلتحق‬ ‫بجريدة صديقه حمد الجاسر (اليمامة)‪،‬‬ ‫ويكتب بها زاوية بعنوان‪( :‬أين الطريق؟)‬ ‫بل ويعيد نشر مقاله الذي بسببه سجن‬ ‫وأوقفت جريدته‪ ،‬وعنوان المقال (نصفنا‬ ‫اآلخر)‪.‬‬ ‫بعد ت��ن��اول صحف المنطقة الشرقية‬ ‫– أخ��ب��ار ال��ظ��ه��ران‪ ،‬وال��ف��ج��ر ال��ج��دي��د‪،‬‬ ‫والخليج العربي‪ ،‬ومجلة اإلشعاع‪ ،‬ونشر‪،‬‬ ‫عام ‪1422‬هـ‪ ،‬وجدت تشجيعاً لالستمرار‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫¦ ¦ال�م�ط�ل��ع ع�ل��ى م��ؤل�ف��ات�ك��م ي�لاح��ظ م��دى‬ ‫اه �ت �م��ام �ك��م ب��رص��دك��م ل �ل �ب��داي��ات وع�ل��ى‬ ‫سبيل المثال رصدكم لحركة الصحافة‬ ‫في مناطق الوسطى والغربية والشرقية‪.‬‬ ‫ما سر اهتمامكم بهذا الرصد التاريخي؟‬

‫ببقية صحف المناطق – فالوسطى ثم‬ ‫الغربية‪ ،‬بدأت في كتب أخرى لها عالقة‬ ‫بالصحافة‪ ،‬كاألسماء المستعارة للكتاب‬ ‫السعوديين‪ ،‬وبدايات الطباعة والصحافة‬ ‫في المملكة‪ ،‬وإه��داءات الكتب‪ ،‬ومعركة‬ ‫الشعر المنثور‪ ،‬والفكر والرقيب‪ ،‬وبوادر‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬والكتاب السعوديين‬ ‫ف��ي م��ج��ل��ة ص���وت ال��ب��ح��ري��ن‪ ،‬وت��راج��م‬ ‫رؤس��اء تحرير الصحف السعودية ‪-43‬‬ ‫‪1383‬ه��ـ‪ ،‬وبداياتهم مع الكتابة‪ ،‬والمرأة‬ ‫كيف كانت وكيف أصبحت في المملكة‪،‬‬ ‫وتتبع زيارة طه حسين للمملكة وغيرها‪..‬‬ ‫ثم اتجهت للرواد الذين لم يسبق الكتابة‬ ‫عنهم‪ :‬بدءاً بأول نجدي يصدر صحيفة‬ ‫بالعراق سليمان الدخيل‪ ،‬ال��ذي أصدر‬ ‫جريدة الرياض ببغداد عام ‪1910‬م‪ ،‬ثم‬ ‫عبدالكريم الجهيمان‪ ،‬وعبدالرحمن‬ ‫منيف‪ ،‬وعبداهلل الوهيبي‪ ،‬وعابد خزندار‪،‬‬ ‫وحمود البدر‪ ،‬وأحمد السباعي‪ ،‬ومحمد‬ ‫صالح نصيف‪ ،‬وعبداهلل الطريقي‪ .‬واآلن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪87 )2016‬‬


‫محمد القشعمي مع د‪ .‬زياد السديري (العضو المنتدب)‪ ،‬األستاذ عقل الضمير (المدير العام)‪ ،‬في مكتبة دار الجوف للعلوم‬

‫على تطوير الموضوع إلى كتاب عنه‪ ،‬مع‬ ‫إضافة شهادات أصدقائه عند عودته‬ ‫م��ن سفر للعالج ف��ي ألمانيا قبل سبع‬ ‫سنوات‪ .‬وهو سيرى النور إن شاء اهلل في‬ ‫معرض الكتاب القادم (محمد العجيان‪..‬‬ ‫الصحفي‪ ..‬اإلنسان)‪ ،‬إضافة لمحاوالت‬ ‫أخ��رى سترى ال��ن��ور‪ ..‬ما دام في العمر‬ ‫بقية‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫أكتب عن بعض الشخصيات التي لم تكتب‬ ‫مذكرات‪ ،‬أو يكتب عنها ما يكفي تحت‬ ‫عنوان‪( :‬أعالم في الظل)‪ ،‬ينشر بالمجلة‬ ‫الثقافية بجريدة الجزيرة‪ ،‬وسوف يصدر‬ ‫فيما بعد بكتاب‪ ،‬إل��ى جانب شخصية‬ ‫زاملتها قبل نحو ستين سنة‪ ،‬واستمرت‬ ‫صداقتنا بعد ذل��ك‪ ،‬ولها بصمتها في‬ ‫مجال الصحافة‪ ،‬إذ رأس تحرير الرياض‪،‬‬ ‫واليوم‪ ،‬واليمامة‪ ،‬والعصر‪ ،‬ولكنه أصيب‬ ‫¦ ¦مشروع التوثيق التربوي ال��ذي تشرفون‬ ‫قبل عشر سنوات بمرض أقعده وافقده‬ ‫ع�ل�ي��ه ب�م�ك�ت�ب��ة ال �م �ل��ك ف �ه��د ال��وط �ن �ي��ة ‪-‬‬ ‫النطق والنظر وشلل نصفي‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ولربما كان حرصكم الشديد على مقابلة‬ ‫نزوره مسا ًء كل خميس‪ ،‬فنجده مستعداً‬ ‫ذوي الخبرة ومتقدمي السن في منطقة‬ ‫لمالقاتنا بفرح‪ ..‬وقد تزين ولبس أحلى‬ ‫الجوف أثناء زيارتكم لمركز عبدالرحمن‬ ‫مالبس‪ ،‬وكأنه سيزف إل��ى محبوبته‪..‬‬ ‫السديري الثقافي خدمة لهذا المشروع‬ ‫وجدت له قبل شهرين صورة أهداها لي‬ ‫– ه ��ل ل ��ك أن ت �ح��دث �ن��ا ع ��ن ن� �ش ��أة ه��ذا‬ ‫عندما تعارفنا بالمعهد العلمي بالرياض‬ ‫المشروع وتطوره وأهدافه؟‬ ‫عام ‪1379‬هـ‪1959 /‬م‪ .‬وصورتين في أول‬ ‫سفر لنا للعراق عام ‪1384‬ه��ـ‪1964 /‬م‪ρ ρ ،‬م��ش��روع ال��ت��أري��خ ال��ش��ف��وي ب��دأت��ه كما‬ ‫قلت منذ التحاقي بمكتبة الملك فهد‬ ‫فكتبت عن ه��ذه الرحلة وقرأتها عليه‬ ‫الوطنية عام ‪1415‬هـ‪ ،‬بتشجيع من أمينها‬ ‫– فسمعه ال��وح��ي��د ال���ذي يحتفظ ب��ه –‬ ‫ومؤسسها السابق الدكتور يحيى محمود‬ ‫فوجدته يشير بيده مصححاً ومعترضاً‬ ‫على بعض العبارات أو الذكريات‪ ،‬فعزمت‬ ‫بن جنيد‪ .‬وقد سجلت مع عدد يصل إلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫(‪ )400‬شخص‪ ،‬نختار من كبار السن ممن‬ ‫له تجربة وف��ي مناطق مختلفة – وهي‬ ‫ال –‬ ‫ستتاح للباحثين والدارسين مستقب ً‬ ‫وقد وجدتها فرصة عند زي��ارة الجوف ¦ ¦ق��ال��وا‪ :‬إن أب��ا يعرب ال يعنيه في كتاباته‬ ‫للتسجيل مع بعض األعالم‪ ،‬وبالمناسبة‬ ‫التحليل والتعليل وإن اهتم بالتدليل‪..‬‬ ‫أشكر مركز األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫م��ا رأي ��ك؟ وإذا ك��ان��ت ه��ذه ه��ي الحقيقة‬ ‫الثقافي الذي سهل هذه المهمة‪ ،‬وأمَّن لي‬ ‫فما الذي حدا بك إلى مثل هذا األسلوب‬ ‫إمكانية التسجيل‪ ،‬ولعل الفرصة تتاح مرة‬ ‫في الكتابة؟‬ ‫أخ��رى الستكمال َم��ن لم يتم التسجيل‬ ‫معه‪ ،‬ولعل المركز يهتم بهذا الجانب؛ ألن ‪ρ ρ‬صحيح أنني ال أحلل وال أعلل‪ ،‬بل أنقل‬ ‫م��ا أج���ده ل��ل��ق��ارئ ك��م��ا ه���و‪ ،‬م��ث��ل‪ :‬ب���وادر‬ ‫كبار السن يختزنون كثيراً من المعلومات‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬والفكر والرقيب‪ ،‬والمرأة‬ ‫التي لم تكتب‪ ،‬فبذهابهم يضيع جزءٌ مه ٌم‬ ‫ف��ي المملكة كيف كانت وكيف أصبحت‬ ‫من تاريخنا‪.‬‬ ‫وغيرها‪ ..‬كل هذا منقول بشكل أو بآخر‬ ‫¦ ¦ال� �ت� �ق� �ن� �ي ��ة ال � �ح� ��دي � �ث� ��ة س� �ه� �ل ��ت وص� � ��ول‬ ‫م��ن صحافتنا المبكرة صحافة ال���رأي‪..‬‬ ‫المعلومة‪ ..‬ومحمد القشعمي ال يتعامل‬ ‫فعندما نجد جريدة الندوة أو البالد تعلن‬ ‫معها‪ ،‬حتى إنه ال يحمل هاتفا نقاالً‪ ،‬وال‬ ‫عن انتخاب شيخ مقشري األسماك‪ ،‬وأن‬ ‫عالقة له بالفيسبوك أو التويتر وغيرها‬ ‫البلدية تطلب من أصحاب المهنة الحضور‬ ‫من وسائل االتصال الحديثة‪ ..‬ومع هذا‬ ‫في الساعة المحددة النتخاب شيخهم‪،‬‬ ‫الجفاء‪ ،‬فهو معروف بشدة تواصله وكثرة‬ ‫من خالل وضع اسمه في الصندوق‪ ،‬وغير‬ ‫أسفاره‪ ..‬فكيف له ذلك؟ ولم هذا الجفاء‬ ‫ذل��ك قبل أكثر من ستين سنة‪ ..‬وعندما‬ ‫مع هذه التقنية؟‬ ‫نجد معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر‬ ‫‪ρ ρ‬ال��ذي يريدني سيجدني‪ ،‬وال��ذي أري��ده‬ ‫يكتب في مذكراته (وسم على أديم الزمن)‪،‬‬ ‫سأجده‪ .‬في البداية‪ ،‬ومع بداية عملي‪..‬‬ ‫ال لجامعة الملك سعود عام‬ ‫عندما كان وكي ً‬ ‫كنت أعتقد‪ ،‬وهو الصحيح‪ ،‬أن الهاتف‬ ‫‪1383-80‬ه����ـ‪ ،‬يقطع مهمته في المنطقة‬ ‫ال��ن��ق��ال سيشغلني ع��ن ع��م��ل��ي‪ ،‬فقلت‬ ‫الغربية ليعود للجامعة‪ ..‬لحضور اجتماع‬ ‫أؤجله بعض الوقت‪ ،‬ولكني عندما أرى‬ ‫رابطة الطلبة‪ ،‬ويضع برنامج االجتماع‪،‬‬ ‫أحدهم يستعمله وهو يقود سيارته في‬ ‫ومنه الطلب م��ن أرام��ك��و إعارتهم مكينة‬ ‫وسط طريق مزدحم‪ ،‬ويسبب الحوادث‪،‬‬ ‫عرض سينمائي ليعرضوا أفالماً سينمائية‬ ‫أكرهه وأك��ره استخدامه‪ ..‬فإذا ما بُدئ‬ ‫للطلبة بالجامعة‪ ،‬وغير ذلك مما هو غير‬ ‫بتطبيق عقوبة على من يستعمله خالل‬ ‫متاح اآلن ال رابطة وال سينما‪ ،‬وعندما يُقْدم‬ ‫قيادته للمركبة‪ ،‬فأنا على أتم استعداد‬ ‫األمير مساعد بن عبدالرحمن ليصدر كتاباً‬ ‫لحمله‪ ،‬وإذا بدأتُ بالهاتف النقال بدأت‬ ‫في القاهرة عام ‪1360‬ه���ـ‪1941/‬م بعنوان‬ ‫معه أجهزة التواصل األخرى‪ .‬وأال يكون‬ ‫(نصيحة إلخواني في الدين والنسب‪ ..‬في‬ ‫استعمال هذه األجهزة تعطيل للذاكرة‪.‬‬ ‫وال يكون االعتماد على (قوقل) فتشيخ‬ ‫الذاكرة وتفقد وتتعطل مهامها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪89 )2016‬‬


‫التربية والتعليم)‪ ،‬يطالب فيه ليس فقط‬ ‫بتعليم ال��م��رأة‪ ،‬ب��ل يطالب فيه بتعليمها‬ ‫الرياضة‪ ،‬ووج��ود أماكن تجتمع فيها في‬ ‫األح��ي��اء‪ ،‬وي��ك��ون بها مكتبة وغيرها مما‬ ‫يفيدها ويبعدها عن الفراغ ال��ذي بسببه‬ ‫تستشري النميمة واإلشاعات وغيرها‪.‬‬

‫الوطيدة به‪ ،‬وكان الدكتور محمد الدبيسي‬ ‫بالمدينة متحمساً للموضوع‪ ،‬فاتصل بي‬ ‫طالباً المشاركة‪ ،‬فقلت إنني لم يسبق لي‬ ‫أن كتبت‪ ،‬ولكني مستعد أن أزودك بأسماء‬ ‫مَن يعرفونه وأنا أتابعهم‪ ..‬فقال في نهاية‬ ‫المكالمة‪ ،‬ج��رب فقد سافرتَ معه كثيراً‬ ‫وت��ع��رف عنه أكثر م��ن غ��ي��رك‪ ..‬ففكرت‪،‬‬ ‫وكتبت كالماً أعتقد أنه ال يصلح للنشر‪،‬‬ ‫ال بأنه أفضل ما كُتب‪ ،‬وبهذا‬ ‫فاتصل بي قائ ً‬ ‫كانت البداية‪..‬‬

‫ه��ذا يكفي‪ ..‬ومثله أن نقول إن المملكة‬ ‫كانت تعرف االنتخابات قبل دخول الملك‬ ‫المؤسس الحجاز عام ‪1343‬ه��ـ‪1924 /‬م‪،‬‬ ‫وبدخوله بدأ في انتخابات المجالس البلدية‬ ‫وغيرها‪ ،‬ثم بدأت منظمات المجتمع المدني ¦ ¦«عشر س�ن��وات م��ع ال�ق�ل��م»‪ ..‬ع�ن��وان إلح��دى‬ ‫باالنتخاب ب��دءاً بالمطوفين‪ ،‬والزمازمة‪،‬‬ ‫كتبك‪ .‬مع أن عالقتك بالكتابة أط��ول من‬ ‫وال��ن��ج��اري��ن‪ ،‬وال��ص��ن��اع‪ ،‬وش��ي��وخ المهنة‬ ‫أن ت �ح��دد ب�س�ن��وات م�ع�ي�ن��ة‪ .‬م��ا س��ر ربطك‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وحتى العمد وشيوخ الحارة كانت‬ ‫لعالقتك بالقلم بعشر سنوات؟!‬ ‫باالنتخاب‪ ،‬وبعد تأسيس جامعة الملك‬ ‫ال هي رصد لفترة العشر سنوات‬ ‫سعود عام ‪1377‬ه����ـ‪1957/‬م‪ ،‬كانت تأخذ ‪ρ ρ‬كانت فع ً‬ ‫ولكن تأخر إص��داره قد يكون هو السبب‪.‬‬ ‫باالنتخاب عمداء الكليات ورؤساء األقسام‬ ‫رغ���م أن م��ق��دم ال��ك��ت��اب ال��دك��ت��ور ناصر‬ ‫وغيرهم‪ ،‬فهل تعود؟! أال تكفي هذه البوادر‬ ‫الحجيالن ق��د نبهني ل��ذل��ك عندما كان‬ ‫أننا كنا أفضل من اآلن في هذا الجانب‬ ‫بالجامعة‪ ،‬ولكن أعجبني العنوان فأبقيته‪.‬‬ ‫بالذات‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫¦ ¦ب��دأت التأليف م��ؤخ��را‪ ..‬وم��ع ذل��ك أنجزت ¦ ¦ج � ��اءت م��ؤل �ف��ات��ك ع ��ن خ� ��ازن� ��دار وح �س��ون‬ ‫والجهيمان تمثل س�ي��را ذات�ي��ة ل�ه��م‪ ..‬فهل‬ ‫خ �ل�ال خ�م�س��ة ع �ش��ر ع��ام��ا م ��ا ي��زي��د على‬ ‫ال �ث�ل�اث �ي��ن م ��ؤل� �ف ��ا‪ ..‬ه ��ل م ��ن س �ب��ب ل �ه��ذا‬ ‫ننتظر س�ي��رة ذات �ي��ة للقشعمي ن�ف�س��ه‪ ..‬أم‬ ‫ال �ت��أخ �ي��ر؟ وم ��ا دور ال �ف �ت��رة ال �س��اب �ق��ة في‬ ‫اعتبرت «عشر سنوات مع القلم» سيرة ذاتية‬ ‫ح� �ي ��ات ��ك ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة وع � �ل� ��ى م ��ؤل� �ف ��ات ��ك؟‬ ‫لك رغم أنها ال تمثل مشوارك كامال‪..‬؟‬ ‫وه��ل ك��ان��ت ف �ت��رة تحضير وت�ج�ه�ي��ز لشيء‬ ‫‪ρ ρ‬سبق أن كتبت باكورة أعمالي (بدايات) عام‬ ‫مستقبلي في نفس القشعمي؟‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬وهي فترة الطفولة والتعليم وسوف‬ ‫‪ρ ρ‬صحيح أنني بدأت الكتابة متأخراً‪ ،‬ولكن‬ ‫يتبعها ما بعد البدايات‪ ..‬على نمط ما بعد‬ ‫المثل يقول‪ :‬أن تصل متأخراً خير من أال‬ ‫األي��ام لطه حسين‪ ،‬وال��ذي كتبه زوج ابنته‬ ‫ت��أت��ي‪ ..‬الصدفة ه��ي التي حملتني على‬ ‫الزيات‪.‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬واالحتكاك بالكُتاب وال���رواد قد‬ ‫يكون السبب الرئيس‪ ..‬طُ لب مني الكتابة ¦ ¦هل من جديد ننتظره من أبي يعرب؟‬ ‫عن الجهيمان عام ‪1419‬هـ بحكم عالقتي ‪ρ ρ‬كل يوم هناك جديد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الشاعر هاشم الجحدلي‬

‫صوت الشعر انحسر‪ ،‬والشعراء صمتوا أو هجروا القصيدة‬

‫قد تُخدع وتتوّهم أنه يتفق معك وأنه يقف بجوارك ويسير معك‬ ‫بقصيدته ف��ي االت�ج��اه نفسه‪ ،‬نعم بقصيدته ال�ت��ي تتأصل ب��روح‬ ‫شاعرها وبخصوصية زمنها‪!!..‬‬ ‫الشاعر هاشم الجحدلي إيمانه القوي بقوة الشعر منذ بداياته‬ ‫في منتصف ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬إيمانه الذي فرضه ووثق‬ ‫ت�م�ي��زه ف��ي ال�س��اح��ة ال�ش�ع��ري��ة وب �ص��وت ال ي �ك��رره إال ص ��داه‪ ،‬وه��ذه‬ ‫ليست حالة تميز شاعرنا‪ ،‬بل قضيته ورهانه؛ إذ يقول‪ ...« :‬رهاني‬ ‫الحقيقي دائما‪ ،‬هو البحث عن القصيدة الجيدة والجديدة التي‬ ‫تشهق بها روحي ولغتي‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك كل شيء»‪.‬‬ ‫في هذا الحوار هاشم الجحدلي والكلمة األول��ى واألخيرة في‬ ‫اتجاه الشعر‪!!..‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪91 )2016‬‬


‫تأخرت في إصدار مجموعتي‪!!..‬‬ ‫¦ ¦الشاعر هاشم الجحدلي اس��م ب��رز وتميز‬ ‫ف��ي منتصف ثمانينيات ال �ق��رن الماضي‬ ‫بمجموعة م��ن القصائد ال�ت��ي ن�ش��رت في‬ ‫م�لاح��ق ال �ص �ح��ف وال �م �ج�ل�ات ال�س�ع��ودي��ة‬ ‫وال �ع��رب �ي��ة‪ ،‬وك� ��ان م��ن ال �م �ت��وق��ع أن ت�ص��در‬ ‫م �ج �م��وع �ت��ك ال �ش �ع��ري��ة األول� � ��ى ف ��ي ت�ل��ك‬ ‫الفترة‪ ،‬ولكن لم تصدرها إال في عام ‪٢٠١١‬م‪،‬‬ ‫ضمن إصدارات نادي حائل األدبي‪ ،‬ما سر‬ ‫هذا التأخر واالكتفاء حتى اآلن بمجموعة‬ ‫وحيدة والمعنونة «دم البينات»؟!!‬ ‫‪ ρ ρ‬لست وحدي الذي تورط في غواية التأجيل‬ ‫وفتنة التريث أو التكاسل‪ .‬ولكنني سأكون‬ ‫صادقا معك‪ ،‬سأجيب على تساؤلك هذا‬ ‫بدون مبررات‪ ،‬تحاول أن تأخذ بالحديث‬ ‫ب��ع��ي��داً ع��ن القضية األس����اس‪ ،‬ال��ت��ي هي‬ ‫بكل وض���وح‪ ،‬ل��م��اذا ت��أخ��رت ف��ي إص��دار‬ ‫مجموعتي إل��ى ما بعد وقتها المفترض‬ ‫بزمن بعيد جداً؟‬ ‫وسأعترف لك بما حدث وجعل هذا التأخر‬ ‫واقعا لم يعد الفرار منه مجدياً‪..‬‬

‫‪92‬‬

‫يا عزيزي‪ :‬الموضوع كله يمكن تلخيصه‬ ‫بحقيقة قاسية‪ ،‬وه��ي أن العالقة بيني‬ ‫وبين الشعر اآلن‪ ،‬وألسباب كثيرة‪ ،‬لست‬ ‫وح��دي َم��ن يتحمل مسؤوليتها‪ ،‬وإن كنت‬ ‫الوحيد المعنيّ بها‪ .‬ليست بدهشة وال‬ ‫احتدام السنوات األول��ى‪ ،‬شيء ما‪ ،‬مشى‬ ‫في مياه النهر‪ ،‬شيء ما في حضور الشعر‬ ‫في عالمنا جعله أق��ل توهّ جاً وحميمية‪.‬‬ ‫ولكي يكتمل المشهد‪ ..‬فال بد أن نستعيد‬ ‫البدايات األولى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪ρ ρ‬كنت مسكونا بالشعر إلى حد‬ ‫أنني كنت أرى فيه خالصا للروح‬ ‫ومنقذا للعالم‪ ،‬كنت أرى العالم‬ ‫من خالل القصيدة‪!..‬‬ ‫‪ρ ρ‬النثر الصوفي فيه من التكيف‬ ‫والصور والدالالت ما يفوق‬ ‫الشعر الصوفي بكثير‪!..‬‬ ‫‪ρ ρ‬صوت الشعر انحسر‪ ،‬والشعراء‬ ‫صمتوا أو هجروا القصيدة‬ ‫باتجاه الرواية التي بدأت تتسيد‬ ‫المشهد تماما‬ ‫‪ρ ρ‬الشعر أقرب األنواع تماس ًا مع روح‬ ‫اإلنسان وشغفه بالحب والحرية‬ ‫والحياة‪.‬‬ ‫ف��آن��ذاك عندما داهمتني القصيدة في‬ ‫صبا العمر وشهوة الحياة وطغيان القراءة‬ ‫واح��ت��دام المشاعر وأل���ق ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬كنت‬ ‫مسكونا بالشعر إل��ى حد أنني كنت أرى‬ ‫فيه خالصا للروح ومنقذا للعالم‪ ،‬كنت أرى‬ ‫العالم من خالل القصيدة‪ ،‬كل شيء كنت‬ ‫أبرره وأفسره وأتعايش معه شعريا‪ ،‬حتى‬ ‫المشاهد واللحظات النثرية تتحول في‬ ‫مخيلتي إلى شعر خالص‪.‬‬ ‫ولست وح��دي َم��ن ي��رى ذل��ك‪ ،‬فالشعراء‬ ‫جميعاً والمبدعون لألشكال اإلبداعية‬ ‫األخرى والنقاد والناشرون‪ ..‬كانوا يراهنون‬ ‫على القصيدة مثل ما كنت أراهن وأكثر‪.‬‬ ‫ولذلك لم يكن غريبا أنني أول ما وجدت‬ ‫قصائدي المبكرة األصداء التي لم تخطر‬ ‫على بالي وال خاطري وال على بال وخاطر‬


‫كانت حصيلة هذه المرحلة قصائد كثيرة‬ ‫ورؤى واضحة بالنسبة لمفهوم التجديد‬ ‫والقصيدة الحديثة ومتابعة حثيثة ألسئلة‬ ‫ال��وج��ود التي ح��اول الشعر ال��وق��وف على‬ ‫عتباتها‪.‬‬

‫قوة الشعر‪!!..‬‬

‫¦ ¦ف��ات�ح��ة «دم ال�ب�ي�ن��ات»‪ ،‬ك��ان��ت تحمل ع�ب��ارة‬ ‫ثم تكرّس هذا الحال‪ ،‬بل صار أكثر عمقا‬ ‫ال� �ن� �ف ��ري «ق � �ل ��وب ال �ع ��ارف �ي ��ن ت � ��رى األب � ��د‪،‬‬ ‫في السنوات التالية‪ ،‬بالتَماس التّام مع رواد‬ ‫وع� �ي ��ون� �ه ��م ت � � ��رى ال � �م � ��واق � �ي � ��ت»‪ ،‬وه� �ن ��اك‬ ‫ه��ذه القصيدة التي أح��ب؛ شعرا ونقدا‪.‬‬ ‫قصيدتك قصيدة ال �م��واق��ف‪ ..‬تستحضر‬ ‫هذا التواصل أثمر عن رؤى جمالية ونقدية‬ ‫‪ρ ρ‬كان للروائيين حظ أن يستفيدوا‬ ‫صارمة جدا‪ ،‬جعلتني أقف بقوة أمام أي‬ ‫من وسائل التواصل الحديثة‬ ‫زوائ���د أو تكلسات ف��ي قصيدتي؛ ومن‬ ‫ومضت الرواية بهم لمناطق‬ ‫مجمل هذه القصائد‪ ،‬صنعت مجموعتي‬ ‫قرائية لم يصلها الشعر والشعراء‬ ‫القديمة الجديدة «دم البينات»‪ ،‬ولكنني‬ ‫من قبل‬ ‫تأخرت في إصدارها مثلما تأخر آخرون‬ ‫‪ «ρ ρ‬المواقف والمخاطبات» لنفري‬ ‫مثلي‪ ،‬وعندما انتبهت لهذا التأخير وجدت‬ ‫من أثرى وأعمق النصوص‬ ‫أن ال��وض��ع ف��ي المشهد الثقافي محليا‬ ‫السردية العربية‪ ،‬التي تفوق‬ ‫وعربيا لم يعد كما كان‪.‬‬ ‫أو توازي في بنائها اللغوي‬ ‫ص��وت الشعر انحسر‪ ،‬والشعراء صمتوا‬ ‫وتراكيبها وصورها لغة الشعر‬ ‫إال قليال أو ه��ج��روا ال��ق��ص��ي��دة باتجاه‬ ‫المجازية والمتخيلة‬ ‫الرواية التي بدأت تتسيد المشهد تماما‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ليس غريبا أن يحضر البحر بكل‬ ‫وكان هذا مبرراً‪ ،‬فالشعر ابن الحالة بكل‬ ‫سواحله وأمواجه وقراصنته إلى‬ ‫انفعاالتها‪ ،‬بينما السرد سيد حالته إلى حد‬ ‫قصيدتي‪ ..‬فأنا ابن البحر‪!!..‬‬ ‫كبير‪ ،‬كذلك ألن القصيدة شقيقة الحلم‪،‬‬ ‫والحلم بالمستقبل واآلت��ي أصبح غائما‪ρ ρ ،‬هناك نقد ال عالقة له بالنقد‪،‬‬ ‫وهو يتوزع بين اإلنشائية والمدح‬ ‫فلذلك كان ال بد أن تغيم القصيدة‪ ،‬أما‬ ‫والتبسيط واالدعاء‪ ،‬ولألسف‬ ‫الرواية فهي قادرة على تأطير فضاءاتها؛‬ ‫أجد بعضه ال يكتفي بنشره‬ ‫ألنها تدين للذاكرة والماضي كثيرا في‬ ‫العابر بل يصر على إصداره في‬ ‫بناء معمارها التخيلي‪ .‬ولكن رغم كل هذا‬ ‫كتاب‪!..‬‬ ‫االل��ت��ب��اس وال��وض��ع ال���ذي يعيشه الشعر‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫قصيدتي‪ ،‬أن انغمرت بعيدا‪ ،‬وانسحقت‬ ‫بالقصيدة تماما‪.‬‬

‫وتحياه القصيدة‪ ،‬إال أنني على يقين‪ ،‬بأن‬ ‫الشعر أقرب األنواع تماساً مع روح اإلنسان‬ ‫وشغفه بالحب والحرية والحياة‪ .‬ومن هنا‬ ‫أعدك بأن مجموعة «دم البينات» لن تكون‬ ‫يتيمة أبدا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪93 )2016‬‬


‫روح النفري على مستوى اللغة‪ ،‬هل هاشم‬ ‫الجحدلي يشترط بضرورة حضور التراث‬ ‫في القصيدة؟‬ ‫‪ ρ ρ‬ال��ت��راث ال��ع��رب��ي وال��ش��ع��ر ت��ح��دي��دا يبدو‬ ‫للمتأمل فيه‪ ،‬رغ��م ما يمكن تصديقه أو‬ ‫احتماله من حاالت االنتحال‪ ،‬يبدو للمتأمل‬ ‫ف��ي��ه ببصيرة ال���رائ���ي‪ ،‬م��ن أك��ث��ر الفنون‬ ‫واألن��واع اإلبداعية قوة وجماال واختراقا‬ ‫للسائد‪ ،‬منذ حاالته األول��ى التي وصلتنا‬ ‫عبر القصيدة الجاهلية‪ ،‬ثم شعر القرون‬ ‫األربعة التالية؛ إذ نجد نصوصا إبداعيه‬ ‫تلوح لقارئها وكأنها كتبت لكل العصور‪.‬‬ ‫وبالنسبة لي فما ي��زال المتنبي حاضرا‬ ‫وطاغيا في مخيلتي وذاك��رت��ي الشعرية‪،‬‬ ‫بشكل يفوق ربما مئات بل آالف الشعراء‬ ‫التالين له ولعصره‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫إذاً‪ ،‬التراث العربي في مجال الشعر ثقيل‬ ‫جدا‪ ،‬بل أثقل من الثقيل‪ ،‬صور أو تراكيب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫أو معان ودالالت‪.‬‬ ‫أما بالنسبة الستشهاداتي بنصوص النفري‪،‬‬ ‫فيمكن لي اختصارها بأني مفتون بتجربته‬ ‫الكتابية كثيرا‪ ،‬ولكنني لن أكتفي بذلك‪،‬‬ ‫وأق��ول بأنه من وجهة نظري ووجهة نظر‬ ‫الكثيرين من الرواد قبلي والمجايلين لي‪،‬‬ ‫أن نصوص النفري وبالذات في «المواقف‬ ‫والمخاطبات»‪ ،‬من أثرى وأعمق النصوص‬ ‫السردية العربية‪ ،‬التي تفوق أو توازي في‬ ‫بنائها اللغوي وتراكيبها وصورها لغة الشعر‬ ‫المجازية والمتخيلة‪.‬‬ ‫لذلك كان تأثير قراءته خارقا لي‪ ،‬وتسرب‬ ‫إلى بناء جملتي الشعرية بشكل أو بآخر‪،‬‬ ‫فكان ال بد من استحضاره ليكون شاهداً‬ ‫وشهيداً عليّ وعلى ما أكتب‪.‬‬ ‫وعموما العالقة بالتراث عالقة أزلية‪،‬‬ ‫وب��ال��ذات في األدب واإلب���داع‪ ،‬أل��م يتجلى‬ ‫الشاعر القديم ف��ي وص��ف ه��ذه الحالة‬


‫«ما أرانا نقول إال مُعارًا‬

‫لذلك ال نرى ‪ -‬وللدقة – ال أرى تأطيرا‬ ‫نقدياً متحققاً لهذه القصيدة‪ ،‬بل ومع مرور‬ ‫الوقت يزيد التباسها‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي‬ ‫أن هناك مئات األصوات المعبرة بقوة عن‬ ‫جدارتها بالوجود‪ ،‬بدءاً من صرخة الماغوط‬ ‫األولى التي ال تزال مدوي ًة حتى اآلن إلى‬ ‫م��ا تفيض ب��ه نصوص بعض المخلصين‬ ‫من شعرائها‪ .‬بل إنني عندما أق��رأ بعض‬ ‫نماذجها أكاد أصرخ متوهجاً‪« :‬هكذا يجب‬ ‫أن يُكتب الشعر»‪ .‬ولكن بالمقابل هناك‬ ‫أضعاف مضاعفة من نماذجها التي تجعلك‬ ‫تكاد تكفر بها وبشعرائها‪.‬‬

‫أو معادًا من لفظنا مكرورا»‬ ‫وأستطيع أن أتوسع في اإلجابة على هذا‬ ‫السؤال ألق��ول لك رأي��ا اختمر في ذهني‬ ‫وقناعاتي منذ زم��ن مبكر‪ ،‬وه��و إن النثر‬ ‫الصوفي فيه من التكيّف والصور والدالالت‬ ‫ما يفوق الشعر الصوفي بكثير‪.‬‬ ‫أقدر خصوصيتها وهويتها‪..‬‬ ‫¦ ¦ق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ر ت�ت�ص��در ال�م�ش�ه��د ال�ش�ع��ري‬ ‫العربي‪ ،‬أليس هذا دلي ًال على قدرتها على‬ ‫االستمرار واحتواء ما عجزت عنه قصيدة‬ ‫التفعيلة؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫قائال‪:‬‬

‫إال إنني أقدر خصوصيتها وهويتها‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬واقع هذه القصيدة برغم غزارة‬ ‫إنتاجها‪ ،‬يؤكد بأنها ف��ي ط��ور التشكل‪،‬‬ ‫وس��ت��ك��ون ه��ن��اك م��ح��ط��ات ح��اس��م��ة في‬ ‫مسيرتها‪.‬‬

‫‪ ρ ρ‬هذا السؤال يحتاج إلى آالف الصفحات‬ ‫للوقوف عليه فقط واإلحاطة به‪ ،‬فما بالك‬ ‫باإلجابة عليه‪ .‬ولكن بالنسبة لي بعيداً‬ ‫ع��ن األف��ض��ل واألج��م��ل واألك��ث��ر ح��ض��وراً‪،‬‬ ‫مناطق لم يصل إليها الشعر‪!!..‬‬ ‫ف��إن قصيدة النثر واق � ٌع يجب االعتراف‬ ‫¦ ¦ك�ي��ف تقيم المشهد ال�ش�ع��ري ال�س�ع��ودي؟‬ ‫به‪ ،‬بل واقع إبداعي جميل ومبهر ورحب‪،‬‬ ‫ف�ه�ن��اك ش �ع��راء ع��رب ي�ص�ن�ف��ون ساحاتهم‬ ‫وشكل إبداعي يمثل بشكل أو بآخر حالة‬ ‫بأنها األكثر تألق ًا وجدية‪.‬‬ ‫م��ن ح��االت تشكل القصيدة ف��ي كثافتها‬ ‫وأطياف تعبيرها‪ ،‬ولكن هناك حقيقتان ‪ρ ρ‬الشعر السعودي ربما يكون بعد الغناء أكثر‬ ‫األنواع اإلبداعية وصوال إلى اآلخر العربي‪،‬‬ ‫يجب االنتباه لهما عند التماس مع هذا‬ ‫رغ��م ضعف وس��ائ��ل التوصيل والتواصل‬ ‫الموضوع الشائك‪ ،‬األولى هي أن قصيدة‬ ‫آنذاك‪ ،‬الذي لم يتجاوز المجالت األدبية‬ ‫النثر لم تكن ولن تكون بديال عن قصيدة‬ ‫والمهرجانات الشعرية‪ ،‬ولكن مع انحسار‬ ‫التفعيلة بأي شكل من األشكال‪ ،‬واألخرى‬ ‫وج���ود ال��ش��ع��ر ع��رب��ي��ا وازده�����ار ال��رواي��ة‬ ‫هي أن هناك ميوعة كتابية وسردية في‬ ‫وهيمنتها على المشهد ال��ث��ق��اف��ي‪ ،‬كان‬ ‫رؤية وكتابة هذه القصيدة‪ ،‬وكأنها خرجت‬ ‫للروائيين حظ أن يستفيدوا من وسائل‬ ‫من عقالها وتعالت على كل تعريف‪ ،‬وإذا‬ ‫كنت شخصيا ال أؤمن بتقديس األشكال‪،‬‬ ‫التواصل الحديثة‪ ،‬ومضت ال��رواي��ة بهم‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪95 )2016‬‬


‫لمناطق قرائية لم يصلها الشعر والشعراء‬ ‫من قبل‪ ،‬وعزز هذا الوضع غزارة الجوائز‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة وش��ه��رت��ه��ا‪ ،‬وه���ي ال��ت��ي كرست‬ ‫للرواية؛ من جائزة «القاهرة» إلى «كتارا»‬ ‫م���رورا «بالبوكر» وب��اق��ي ج��وائ��ز ال��رواي��ة‬ ‫المحلية والعربية‪.‬‬ ‫ولكن عندما تعود الروح للقصيدة والعزة‬ ‫للشعر‪ ،‬ستجد أن الشعر هو من سيمثلنا‬ ‫أمام أنفسنا‪ ،‬وأمام العالم‪ ،‬أجمل وأصدق‬ ‫تمثيل‪ ،‬دون انتقاص م��ن باقي األشكال‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫شهادة اعتراف‪!..‬‬

‫منبريته‪ ،‬وهناك نقد جيد‪ ..‬ولكنه أقرب‬ ‫إل��ى النظرية م��ن التطبيق‪ ،‬وه��و أق��رب‬ ‫للمختصين‪ ،‬وتأثيره على المشهد اإلبداعي‬ ‫غائب بشكل الفت‪.‬‬ ‫يتبقى هناك نقد آخر ال عالقة له بالنقد‪،‬‬ ‫وهو يتوزع بين اإلنشائية والمدح والتبسيط‬ ‫واالدع��اء‪ ،‬ولألسف أجد بعضه ال يكتفي‬ ‫بنشره العابر‪ ،‬بل يصر على إص��داره في‬ ‫كتاب‪.‬‬ ‫ال��م��ه��م‪ ..‬ال يمكن أن يتوهج نقد ب��دون‬ ‫خطاب معرفي سجالي وساحة إبداعية‬ ‫مثمرة‪ ،‬وهذا ما نفتقده كثيرا هذه األيام‪.‬‬ ‫أحببت هذه المهنة ووجدت نفسي‪!..‬‬

‫¦ ¦هناك نقاد قاموا بقراءة تجربتك الشعرية‪،‬‬ ‫ه��ل لديك رأي ف��ي ه��ذه ال �ق��راءات‪ ،‬وب��دون ¦ ¦ج � ��ري � ��دة ع� � �ك � ��اظ‪ ،‬ط �ب �ع ��ا ت �ع �ن ��ي ال �ك �ث �ي��ر‬ ‫مجاملة أو مراوغة‪ ..‬ما رأيك في الساحة‬ ‫ل�لأس�ت��اذ ال�ش��اع��ر ه��اش��م الجحدلي‪ ،‬وأن��ت‬ ‫النقدية؟‬ ‫أح��د منسوبيها «نائبا لرئيس التحرير»‪،‬‬ ‫تجربتك التي تتجاوز الربع قرن في عالم‬ ‫‪ ρ ρ‬ك��ل ه��ذه ال��ق��راءات منذ بدايتي األول��ى‬ ‫الصحافة‪ ..‬من المؤكد هناك ما يستحق‬ ‫كانت شهادة اعتراف وربما بوصلة طريق‪،‬‬ ‫أن تبوح به عن عالم الصحافة في اتجاه‬ ‫وأع��ت��رف أن بعضها وض��ع��ت ي��ده��ا على‬ ‫القارئ؟‬ ‫مناطق لم أنتبه لها أثناء كتابتي الشعرية‪،‬‬ ‫ولكن ال��ذي أث��ق ب��ه دائ��م��ا وأب���دا‪ ،‬ه��و أن‬ ‫النص قبل النقد‪.‬‬

‫لذلك رهاني الحقيقي دائما‪ ،‬هو البحث‬ ‫عن القصيدة الجيدة والجديدة التي تشهق‬ ‫بها روح��ي ولغتي‪ ،‬ثم يأتي بعد ذل��ك كل‬ ‫شيء‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫‪ ρ ρ‬الصحافة مهنة شرسة وليست سهلة كما‬ ‫يتوقعها المفتون بعوالمها من بعيد‪ ،‬فهي‬ ‫خطرة لتماسها مع أشياء كثيرة يلتبس فيها‬ ‫السبق الصحفي مع الحق القانوني‪ ،‬بل‬ ‫مغامرة تغطية حرب تجعل حياتك أحيانا‬ ‫على كف عفريت‪.‬‬

‫أم��ا ع��ن رأي��ي ف��ي ساحتنا النقدية فهو ‪ρ ρ‬ولكنني عموما وب��دون أي ادع��اء‪ ،‬أحببت‬ ‫ه��ذه المهنة ووج���دت نفسي‪ ،‬ب��رغ��م كل‬ ‫رأي ذو ح��دي��ن‪ ،‬هناك نقد حاضر بقوة‬ ‫المغريات التي تقدمها الوظائف األخرى‪.‬‬ ‫ولكن ال صدى تفاعلياً إيجابياً له‪ ،‬بمعنى‬ ‫ال يصل إلى المتلقي بسبب مناسبتيّته أو‬ ‫ولذلك استمريت بها كل هذه الفترة ماراً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫«عيون مريم»‪!..‬‬ ‫¦ ¦ حضر اس�م��ك ف��ي س�م��اء الشعر الشعبي‪،‬‬ ‫كشاعر يملك صوت ًا مميزاً‪ ،‬بعدة قصائد‪،‬‬ ‫ما سر حضورك في هذا الفضاء؟‬ ‫‪ ρ ρ‬كانت قصيدة واحدة في البداية هي «يا‬ ‫عيون مريم»‪ ،‬وال أدري كيف وصلت إلى كل‬ ‫هذا العالم‪ ،‬الذي لم يصدق أنها قصيدة‬ ‫يتيمة‪.‬‬

‫وال وقت معين بل يجب أن يكون المكان‬ ‫مالئما للكتابة‪ ،‬ال يمكن أن أك��ت��ب في‬ ‫أي مكان‪ ،‬وال يمكن ألي ورق��ة أو قلم أن‬ ‫يستدرجني للكتابة‪ ،‬ل���دي اش��ت��راط��ات��ي‬ ‫الخاصة في هذا المجال‪ ،‬وبعضها أصبح‬ ‫أكثر تأثيرا م��ن ال��م��زاج وال��ع��ادة‪ ،‬بسبب‬ ‫تحوله إلى نمط كتابة وطقس تدوين‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫بكل المحطات ال��ت��ي يمكن أن يمر بها‬ ‫صحفي من بدايته كمحرر إلى حالته كنائب‬ ‫رئيس تحرير‪ ،‬وخضت تجارب كثيرة وثرية‪،‬‬ ‫من صناعة الملفات الساخنة في عوالم‬ ‫المثقفين « القصيمي – منيف – العلي –‬ ‫تركي الحمد «إلى تغطية الحروب» إثيوبيا –‬ ‫إريتريا وحرب العراق» وسواها من تجارب‬ ‫قادتني ذات يوم حتى خيمة القذافي وملجأ‬ ‫طالباني‪.‬‬

‫في المكان أو القلب أو الزمان‪ ،‬ما يصفو‬ ‫ويتبقى من هذا التدفق اإليقاعي الشعر‪،‬‬ ‫هو بداية القصيدة لدي‪ ،‬وأصبحتُ أعرف‬ ‫أن ما يترسب في الذاكرة من أبيات قليلة‬ ‫من بين مئات الكلمات التي هزجت بي‬ ‫وعصفت بي‪ ،‬هي خالصة الحالة وشرارة‬ ‫القصيدة وأساس معمارها‪.‬‬

‫وال بد حينئذ أن يكون الشاي حاضراً أو‬ ‫ساخناً وشاهقاً‪ .‬يمكن أن تقول باختصار‬ ‫هذه ظروف الكتابة لديّ وتحديداً طقس‬ ‫تدوين قصيدة هجست بها كثيرا وكثيرا‪.‬‬

‫ثم بسبب التجاور الثقافي واندماجي مع‬ ‫أنا ابن البحر‪..‬‬ ‫عالم القصيدة الشعبية عبر ملحق مناخات‬ ‫الذي كنت أشرف عليه «توالت النصوص» ¦ ¦ثنائية البحر وه��اش��م‪ ،‬ال�م��رأة والقصيدة‪،‬‬ ‫ولكنها مرحلة ومرت‪ ..‬ولم يتبقَّ في الذاكرة‬ ‫ح� �ض ��رت ك �ث �ي��را ف ��ي ت �ج��رب �ت��ك ال �ش �ع��ري��ة‬ ‫سوى أصدائها و«عيون مريم»‪.‬‬ ‫وبكثافة مطلقة كيف تبرر هذا الحضور؟‬ ‫لدي اشتراطاتي‪!..‬‬ ‫َّ‬ ‫¦ ¦متى تكتب القصيدة؟‬ ‫‪ ρ ρ‬ال أدري كيف أواجه هذا السؤال الصعب‬ ‫وأرد عليه‪ .‬ولكن بصراحة مطلقة‪ ،‬أنا ال‬ ‫أكتب القصيدة بل أدوّن��ه��ا‪ .‬البداية تكون‬ ‫مفردات متطايرة ذات نسق إيقاعي متسق‬ ‫معها ومع الحالة الشعرية التي أعيشها‪،‬‬ ‫وغالبا ما تكون مرتبطة بحركة م��ا‪ ،‬أما‬

‫‪ ρ ρ‬ب��دون أي تبرير‪ ،‬أن��ا اب��ن البحر وعاشق‬ ‫الجمال‪ ،‬والجمال الذي يمكن أن يتجسد‬ ‫في دمعة غيمة أو إطاللة فجر أو في بوح‬ ‫امرأة‪ ،‬لذلك ليس غريبا أن يحضر البحر‬ ‫بكل س��واح��ل��ه وأم��واج��ه وق��راص��ن��ت��ه إلى‬ ‫قصيدتي‪ ،‬وأن تحضر المرأة بكل عافيتها‪،‬‬ ‫بل الغريب أن ال يكون ذلك‪.‬‬ ‫وس��أم��ض��ي ف���ي إج��اب��ت��ي ألق����ول ل���ك إن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪97 )2016‬‬


‫للبحر والمرأة المستحيلة دي ٌن علي وعلى‬ ‫قصيدتي ل��م أ ُس����دّده ب��ع��د‪ .‬ول��ذل��ك يظل‬ ‫اإلل��ح��اح على كتابة قصيدة ج��دي��دة‪ ،‬أو‬ ‫قصيدة ل��م تكتب ب��ع��د‪ ،‬ح��اج��ة ض��روري��ة‬ ‫لي لمراودة القصيدة‪ ،‬والبقاء على حالة‬ ‫االحتدام واالنتظار والقلق والشوق الدائم‬ ‫للقاء ال بد أن يتم وإن تأخر كثيرا‪.‬‬ ‫وأقول لهذه الحالة بشغف العاشقين‪:‬‬ ‫«من فرط ما فاض الحنين‪،‬‬ ‫بقامتي وقيامتي‪،‬‬ ‫آمنت بك‪،‬‬ ‫وحيدة وقصيدة ومكيدة ال أرتجي عنها‬ ‫خالصا»‬ ‫من العيب أن تسميها قصيدة‪!..‬‬

‫حاساً بجمالياتها‪ ،‬أو أن ال تكون له عالقة‬ ‫بالشعر من أس��اس��ه‪ ،‬كما أن بعضها من‬ ‫العيب أن تسميها قصيدة أو شعر‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك تجد مئات اإلعجابات لها‪ ،‬بل تجد‬ ‫من يتبرع بالترويج لها‪ ،‬حينذاك‪ ،‬ال يمكن‬ ‫أن تتهم ذائقة كل هؤالء بالسوء والرداءة‪،‬‬ ‫ولكن لم تتشبع قلوبهم وذائقتهم بالشعر‬ ‫الحقيقي‪ ،‬واصطفوا إلى قائمة المعجبين‬ ‫بالهشاشة والرداءة‪.‬‬ ‫وليس األمر مقتصراً على الشعر والشعراء‪،‬‬ ‫بل نجد في أشكال إبداعية أخ��رى‪ ،‬في‬ ‫النت وفي الواقع أيضا‪.‬‬ ‫بعض الروايات األكثر مبيعاً ال عالقة لها‬ ‫بالرواية ال من قريب أو بعيد‪ ،‬ومع ذلك‬

‫¦ ¦ف��ي ح ��وار ل��ي م��ع ال �ش��اع��ر س �ع��دي يوسف‬ ‫سألته عن ظهور مصطلح « شعر وشعراء‬ ‫الفيسبوك هو األقرب‪..‬‬ ‫ال � �ن� ��ت»‪ ،‬وه � ��ل س �ي �ك��ون م� �ل ��اذ ًا ل�ل�ق�ص�ي��دة‬ ‫وبخصائص فنية مغايرة‪ ،‬قال‪« :‬المصطلح‬ ‫¦ ¦ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال�ش�ب�ك��ة ال�ع�ن�ك�ب��وت�ي��ة أصبح‬ ‫م �ع �ق ��ول إن � ��ه ي �ن �ق �ل �ن��ا م� ��ن ال �خ �ي �م��ة إل ��ى‬ ‫شرطا أس��اس� ًا س��واءً للصحافة أو كمبدع‪،‬‬ ‫الفضاء»‪ ،‬ماذا تقول أنت؟‬ ‫لكن ما المواقع التي تحرص على زيارتها‬ ‫‪ρ ρ‬هناك شعر وقصيدة‪ ،‬وهناك ال�لا شعر‬ ‫بشكل دائم‪ ،‬وتنصح بها؟‬ ‫وال�ل�ا ق��ص��ي��دة‪ ،‬أم���ا م��ا ع���دا ذل���ك فهي‬ ‫ت��ف��اص��ي��ل وخ��ص��وص��ي��ات وآل���ي���ات كتابة ‪ ρ ρ‬أم � ّر كثيرا على المواقع اإلخبارية وفي‬ ‫مختلفة ومتعددة‪ .‬ولكن عند الحديث عن‬ ‫سياق ذل��ك أت��وق��ف عند الخبر الثقافي‬ ‫شكل شعري بعينه كالحديث اآلن عن شعر‬ ‫والقراءة والنقدية وعروض الكتب الجديدة‪.‬‬ ‫النت أو شعراء النت‪ ،‬سأقول لك‪ ،‬بأن األمر‬ ‫أما في مواقع التواصل االجتماعي فيبدو‬ ‫بالنسبة لي مربكٌ تماماً‪ ،‬بعض النصوص‬ ‫أن موقع الفيسبوك هو األكثر قرباً لي‬ ‫مذهلة‪ ،‬ولكن ال تجد ص��دى؛ ألن متابع‬ ‫الشبكة ال��ذي مر بها‪ ،‬لم يكن م��درك�اً أو‬ ‫وحميمية معي‪.‬‬ ‫تجد مَن يقتنيها وبكثافة!‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫نجاة الزباير‬ ‫جنس غير مؤكد‬ ‫ٌ‬ ‫قصيدةُ النثر‬ ‫والنقد لم يُ وَ ِف قصيدة المرأة حقها!‬ ‫ُ‬ ‫ش��اع��رة مسكونة بمحبة القلق الشعري ال��ذي يعصف بكيانها‬ ‫هب نسيم المعنى ليطل من شرفاتها بموّدة دافئة‪،‬‬ ‫ووجدانها كلما َّ‬ ‫تسكن مباهج القصيدة متجهة صوب مطاردة نِ داء الذات والروح‬ ‫معا عبر فعل الكتابة بما ه��ي سفر عميق ف��ي منعرجات الحياة‬ ‫والكون‪ .‬وترى أن الشعر العربي في الخليج ال يمكن أن يكون إال‬ ‫بستان ًا من بساتين الشعر في العالم العربي‪ .‬تقبض قدم الريح‬ ‫بخالخيل غجرية تنسج م��ن أل�ي��اف ال�م��اء األليفة قصائد طرية‬ ‫لناي الغريبة‪.‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬أحمد الدمناتي ‪ -‬املغرب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪99 )2016‬‬


‫¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��ري��ن إل� ��ى ال �م �ش �ه��د ال �ش �ع��ري‬ ‫العربي في األلفية الثالثة؟‬

‫ال��ض��رورة داخ���ل مجتمعات برغماتية‬ ‫استهالكية‪ ،‬وسيكون السؤال هل نحتفظ‬ ‫للشعر على صفاته وحريته آنذاك سيكون‬ ‫الهامش له سكنا وعليه أن يقبل به‪ ،‬أم‬ ‫ندخله مزاد االستهالك‪ ..‬ونحوله بالتالي‬ ‫إلى مسخ من مسوخ العولمة‪ .‬إن مهمة‬ ‫الشاعر والشعر ستكون جوهرية‪ ،‬وعلى‬ ‫الشعراء أن يؤسسوا ما تبقى ال سيما‬ ‫داخل هذا السديم الذي ينبئ بانفجارات‬ ‫وتوترات وحروب دينية وعرقية وطائفية‪،‬‬ ‫وس��ي��ك��ون ال��ش��ع��ر أم���ام اخ��ت��ب��ار تطوير‬ ‫أسئلته وتجديد أدواته‪ ،‬وفي هذه الحالة‬ ‫سنكون أمام شعر مختلف بشكل كبير في‬ ‫شكله وجوهره وتصوره للعالم عن الشعر‪،‬‬ ‫ال كما كتبه البارودي وشوقي فحسب‪ ،‬بل‬ ‫كما كتبه أدونيس وسعدي يوسف ومحمد‬ ‫السرغيني وعبد الكريم الطبال ومحمود‬ ‫دروي���ش؛ وه��ذا يعني أن الشعر العربي‬ ‫لم ينجز حداثته بعد‪ ،‬ولم يستنفذ بعد‬ ‫أسئلته كما يعتقد الكثير من الدارسين‪،‬‬ ‫وس��ي��ك��ون عليه ط��رح قضايا إنسانية‪،‬‬ ‫حضارية وأخالقية للنقد والمساءلة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬في تصوري ستكون أي نظرة إلى المشهد‬ ‫ال��ش��ع��ري ال��ع��رب��ي ف���ي م��ط��ل��ع األل��ف��ي��ة‬ ‫الثالثة مختزلة وذات نتائج مبسترة‪،‬‬ ‫ألننا ال نملك المعطيات والمعلومات‬ ‫الكافية للدراسة والتحليل والتعامل مع‬ ‫ه��ذه المعطيات بمنطق علمي رصين‪.‬‬ ‫إن غياب تصور ثقافي واض��ح عند كل‬ ‫الدول العربية يحول بيننا وبين التقارير‬ ‫واالستنتاجات ال��ذي من المفترض أن‬ ‫تقوم بها مؤسسات ثقافية منذورة لهذه‬ ‫الغاية‪ ،‬وفق استراتيجيات ثقافية تنويرية‬ ‫س���واء وطنية أم ق��وم��ي��ة‪ .‬وت����زداد حدة‬ ‫المصاعب إذا أضفنا إليها عدة عوامل‬ ‫أخ��رى من بينها اتساع خريطة الشعر‬ ‫العربي جغرافيا‪ ،‬والذي يقابل بعجز كبير‬ ‫على مستوى النشر والتوزيع في البالد‬ ‫العربية‪ ،‬ما يجعل مهمة القارئ والباحث‬ ‫مستعصية إن ل��م نقل مستحيلة‪ .‬فأنا‬ ‫شخصيا لست محيطا بالشعر العربي‬ ‫في بعض األقطار العربية‪ ،‬ما يخلق بيني‬ ‫وبين أي نظرة نافذة فجوة كبيرة يزداد ¦ ¦حركة الشعر العربي في الخليج‪ ،‬هل هي‬ ‫امتداد للحركات الشعرية العالمية بما‬ ‫اتساعها ب��اإلب��داالت القوية والسريعة‬ ‫فيها المشرقية والمغربية وغ�ي��ره��ا‪ .‬أم‬ ‫ال��ت��ي م��ا فتئ الشعر ال��ع��رب��ي الحديث‬ ‫نحتت لنفسها خريطة شعرية مغايرة‬ ‫يعرفها‪ ،‬وال��ت��ي تهدد بالهدم والتجاوز‬ ‫احتفت بالعالم الجواني ل��ذات الشاعر‬ ‫المستمر‪ .‬ومع ذلك يمكن القول إن مآزق‬ ‫ومعطيات الخارج؟‬ ‫الشعر العربي في األلفية الثالثة ستكون‬ ‫كبيرة ومتنوعة‪ ،‬شأنه في ذلك شأن كل ‪ρ ρ‬الشعر العربي في الخليج ال يمكن أن‬ ‫الشعر اإلنساني‪ ،‬وه��ذا بسبب وظيفته‬ ‫ي��ك��ون إال بستانا م��ن بساتين الشعر‬ ‫ومردوديته التي سوف تصبح ملحّ ة بحكم‬ ‫بالعالم العربي‪ .‬وسؤالكم يفيد ضمنا‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫وه���ذا معطى إيجابي‬ ‫ج���دا ي��ه��دم القناعات‬ ‫ال��ك��س��ول��ة والمطمئنة‬ ‫ليقينها ولوجود نموذج‬ ‫شعري واح��د وموحّ د‪.‬‬ ‫إن اختالف الشعريات‬ ‫العربية أمر راس��خ في‬ ‫القدم‪ ..‬ولنا كأبرز مثال‬ ‫على ذلك تجربة الشعر‬ ‫األن��دل��س��ي‪ .‬أق���ول بأن‬ ‫ش��ج��رة الشعر العربي‬ ‫أكبر من أن تختزل في نمط جاهز‪ .‬إنها‬ ‫بصيغة أخرى‪ ،‬كل الشعر العربي متجمعا‬ ‫ومتفرقا‪ ،‬مؤتلفا في آن‪ .‬وحركة الشعر‬ ‫العربي ف��ي الخليج ال تخرج ع��ن هذه‬ ‫ال��دائ��رة الرمزية‪ ،‬فهي امتداد للتجربة‬ ‫الشعرية العربية في المشرق والمغرب‬ ‫العربيين؛ وبالتالي‪ ،‬للتجربة الشعرية‬ ‫اإلنسانية في تفاعل مع تجربة ال��ذات‬ ‫والخصوصية المحلية؛ وه��ن��ا‪ ..‬تكمن‬ ‫عبقرية اإلبداع‪.‬‬

‫‪ ρρ‬ف��ي اع��ت��ق��ادي «قصيدة‬ ‫ال��ن��ث��ر» جنس غير مؤكد‪،‬‬ ‫ل��ك��ن��ه ف���ي ال���وق���ت نفسه‬ ‫صاعد باطراد في المشهد‬ ‫الثقافي العربي‪ .‬والفجوة‬ ‫ب��ي��ن ه���ذي���ن ال��م��ع��ط��ي��ي��ن‬ ‫ص����ارخ����ة‪ ،‬وت�������زداد ح���دّة‬ ‫ب���س���ب���ب غ����ي����اب ال���وع���ي‬ ‫النظري من جهة وسديمية‬ ‫األف���ق ال��ث��ق��اف��ي م��ن جهة‬ ‫أخرى‪ .‬إن قصيدة النثر لم‬ ‫تستطع أن تخرج إلى اآلن‬ ‫من موقع الضجة إلى موقع‬ ‫تفاعلية أخرى أكثر نضجا‬ ‫وت����ج����ذرا وت���ق���دم���ا‪ ،‬وه���ذا‬ ‫معطى سلبي؛ ألنها ما تزال تقدم نفسها‬ ‫كبديل‪ ..‬في حين أنها ال تعدو أن تكون‬ ‫شكال من أشكال الكتابة الشعرية‪ .‬وهذا‬ ‫ما يفسر كون عدد كبير من السجالت‬ ‫بين مجموعة م��ن الشعراء والباحثين‬ ‫حول مشروعية «قصيدة النثر» تفتقر إلى‬ ‫الخبرة الجمالية والوعي النظري‪ ،‬ألنها‬ ‫سجالت‪ ،‬في معظمها‪ ،‬ال معرفية وال تعي‬ ‫حقيقة «قصيدة النثر» وسؤالها وهويتها‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫أن هناك خصوصيات‬ ‫داخل الشعرية العربية‬ ‫وهذا أمر صائب جدا‪،‬‬ ‫ف��ب��ن��اء ق��ص��ي��دة عربية‬ ‫خليجية على مستوى‬ ‫اإلي��ق��اع أو المتخيل ال‬ ‫يمكن إطالقا أن يكون‬ ‫هو نفسه بناء قصيدة‬ ‫ع���رب���ي���ة م���غ���رب���ي���ة أو‬ ‫تونسية أو سورية‪..‬‬

‫¦¦ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ق �ص �ي��دة‬ ‫م�ش��اك�س��ة وم�ش��اغ�ب��ة س�ب� ٌ�ب‬ ‫في ح��روب إبداعية جميلة‬ ‫متعددة بين من هو مناصر‬ ‫وم� �ع ��ارض وم �ت �ف ��رج‪ ،‬كيف‬ ‫تنظرين إلى هذه الحروب‬ ‫اإلبداعية الفاتنة؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪101 )2016‬‬


‫وشروطها الفنية والتاريخية والثقافية‬ ‫وال��ن��ف��س��ي��ة‪ ،‬ل��ذل��ك ف��ه��ي ذات م��واق��ف‬ ‫نكوصية اخ��ت��زال��ي��ة ت��ح��ول بين الشعر‬ ‫وسؤاله الجوهري‪ ،‬وه��ذا حاجز ينبغي‬ ‫على الشعرية العربية المعاصرة تجاوزه‬ ‫من أجل االنكفاء على األهم‪ ،‬أي الشعري‬ ‫بما هو نداء إنساني عميق وعريق‪.‬‬ ‫¦ ¦ه ��ل ال �ق �ص �ي��دة ق �ل �ع��ة ال �ش��اع��ر ال��دائ �م��ة‬ ‫يحتمي فيها وب�ه��ا م��ن ع��واص��ف الحزن‬ ‫واالغ� �ت ��راب‪ ،‬أم ن��اف��ذة ي�ط��ل م��ن خاللها‬ ‫على أشيائه السرية والحميمية؟‬

‫اإليديولوجية الكبرى التي أرهقت كاهل‬ ‫ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي إل���ى ق��ض��اي��ا هامشية‬ ‫وجوهرية‪ ،‬تلتفت إلى البسيط‪ ..‬تلتقط‬ ‫الحميمي وال���س���ري‪ ،‬ال��م��ؤس��س لنبض‬ ‫ال��ح��ي��اة ف��ي��ن��ا‪ .‬ل��ق��د وص��ل��ت القصيدة‬ ‫الحديثة ف��ي الستينيات والسبعينيات‬ ‫إلى مأزقها‪ ،‬فقد أصبح سؤالها مبتذال‬ ‫ومسارها مسكوكا‪ .‬فكان بالتالي‪ ،‬حريا‬ ‫ب��ال��ش��ع��راء ال��م��ج��ددي��ن إي��ج��اد ط��رائ��ق‬ ‫جديدة للكتابة الشعرية وذلك بتفاعل مع‬ ‫التجارب اإلنسانية العالمية‪ ،‬وعلى رأسها‬ ‫تجربة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس‬ ‫ف��ي ه��ذا ال��م��ج��ال‪ .‬قصيدة التفاصيل‬ ‫متنفس جديد للشعر المغربي المعاصر‪،‬‬ ‫ومقاربة شعرية للعالم ضاجة بدهشتها‪،‬‬ ‫إنها تكثيف لتلك القدرة الخارقة التي‬ ‫يمتلكها مجموعة من الشعراء المهووسين‬ ‫بالقضايا األس���اس للشعر دون أوه��ام‬ ‫سياسية أو إيديولوجيا ضيقة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬القصيدة بما هي كتابة ناجمة عن فعل‪..‬‬ ‫هي كل ذلك دون أن تكون أي شيء في‬ ‫ال��وق��ت نفسه‪ .‬إن��ه��ا ح��ال��ة نفي وإث��ب��ات‬ ‫مستمرة‪ .‬حركة لولبية تنصر داخلها‬ ‫بعمق غبطة ال��ذات وشجنها‪ ،‬انغالقها‬ ‫وانفتاحها‪ ،‬يقينها ومجهولها‪ .‬إنها مختبر‬ ‫لكل التحوالت النفسية والفيزيولوجية‬ ‫في تفاعل مع الخبرة الجمالية والمعرفية‬ ‫¦ ¦ال�ق�ص�ي��دة رس��ال��ة م�ف�ت��وح��ة إل��ى ال�ع��ال��م‪،‬‬ ‫والثقافية‪ .‬إنها بصيغة أخ���رى‪ ،‬تدبير‬ ‫وأنت تكتبين هل تفكرين في القارئ؟‬ ‫إليقاع الذات والحياة والمعرفة‪ .‬الشعر‬ ‫ليس تعبيرا عن األحاسيس إنه ضرب من ‪ρ ρ‬أن��ا أكتب لكي أك���ون‪ ،‬ولكي أبني بيتي‬ ‫ال���رم���زي‪ .‬ح��ي��ن أك��ت��ب أن��ت��ق��ل م��ن حيز‬ ‫المعرفة والعلم‪.‬‬ ‫ال��وج��ود إل��ى حيز ال��ف��ع��ل‪ .‬الكتابة ماء‬ ‫¦ ¦قصيدة التفاصيل أو االحتفال باليومي‬ ‫الحياة بالنسبة ل��ي‪ ،‬وال��ق��ارئ مفترض‪،‬‬ ‫والمعيش في جغرافيات المتن الشعري‬ ‫قد يكون قارئا معاصرا أو مستقبليا‪ ،‬قد‬ ‫ال �م �غ��رب��ي ال �م �ع��اص��ر‪ ،‬ه ��ل أع �ط �ت��ه ب�ع��دا‬ ‫يوجد في أقصى نقطة من العالم دون‬ ‫جماليا آخر خصبا وخالقا في آن واحد؟‬ ‫أن يوجد‪ ،‬على النقيض‪ ،‬في أدنى نقطة‬ ‫‪ρ ρ‬قصيدة التفاصيل مكسب كبير للشعر‬ ‫مني القارئ شيء محتمل‪ ..‬لكنه ضروري‬ ‫ال���ع���رب���ي‪ ،‬وإض����اف����ة ن��وع��ي��ة تحققت‬ ‫ك��م��ؤول للخطاب وم��ت��ل��ذذ باقتراحاته‬ ‫الجمالية‪ ،‬أما الكتابة فهي ممارسة وفعل‬ ‫مساره‪ .‬إنها تحول ج��ذري من القضايا‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫¦ ¦ال � �ك � �ت� ��اب� ��ة ال� �ش� �ع ��ري ��ة‬ ‫ان� � �خ � ��راط ع �ن �ي��ف ف��ي‬ ‫اإلن� � � � �ص � � � ��ات ل � �ع� ��وال� ��م‬ ‫ال � � ��داخ � � ��ل ال �م �ش �ب �ع��ة‬ ‫بالجرح والحلم‪ .‬تعرية‬ ‫ل �ت �ض��اع �ي��ف ال� ��ذاك� ��رة‬ ‫بشعلة ال�ق�ص�ي��دة‪ ،‬هل‬ ‫تؤمني بأن الشعر قادر‬ ‫ع� �ل ��ى ت �غ �ي �ي��ر ال �ع ��ال ��م‬ ‫إل� � � � ��ى م� � � ��ا ه� � � ��و أن � �ق� ��ى‬ ‫وأصفى في ظل السلم‬ ‫وال� � �س �ل��ام ب� �ع� �ي ��دا ع��ن‬ ‫الحروب وقتل األبرياء‬ ‫والشيوخ؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال���ش���ع���ر ه����و ال��ش��ك��ل‬ ‫التعبيري الفني األكثر‬ ‫ت���وغ�ل�اً ف���ي ال��ق��دام��ة‬ ‫واألك���ث���ر ت���ج���ذرا في‬ ‫ال��ح��داث��ة ف��ي آن‪ ،‬إنه‬ ‫صوت الضمير والنداء‬ ‫اإلنساني العميق فينا‪ ،‬وإذا كان الشعر‬ ‫ما يزال إلى اليوم يحافظ على شعلته‪،‬‬ ‫فألنه ما يزال وسيبقى قادرا على صيانة‬ ‫ال��ج��وه��ري ف��ي داخ��ل��ن��ا‪ .‬الشعر صوت‬ ‫الطفل المقيم فينا‪ ،‬ونشيد المحبة‬ ‫والسالم‪ .‬وهو ضروري إلنسانيتنا اليوم‬ ‫أك��ث��ر م��ن أي وق��ت مضى ال سيما في‬ ‫غمرة هذه التحوالت العنيفة التي يعيشها‬ ‫العالم‪ ،‬والتي تنبئ إبداالتها بترويج لقيم‬ ‫عنصرية ومبادئ استهالكية تسعى إلى‬

‫¦ ¦ه��ل ي�م�ك��ن ت��ذك��ر م�لام��ح‬ ‫طفولتك ال�ش�ع��ري��ة األول��ى‬ ‫وع� �ن ��اق ��ك األول م� ��ع ب �ه��اء‬ ‫الكلمة؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫رئيس في مساري‪.‬‬

‫تبضيع كل شيء‪ ،‬وسلوكات‬ ‫ال أخالقية تتنافى والمبادئ‬ ‫ال��ع��ل��ي��ا ل�لإن��س��ان ك��ح��ام��ل‬ ‫ألمانة ومسؤولية فوق هذه‬ ‫األرض‪.‬‬

‫‪ρρ‬م���ا أب��ع��د رك����وب ص��ه��وة‬ ‫البدايات‪ ،‬التي تحدد زمنا‬ ‫مشرع األبواب نحو مستقبل‬ ‫ي���ب���دو م��ج��ه��ول ال��م�لام��ح‬ ‫آن������ذاك‪ ..‬ه��ك��ذا تقذفني‬ ‫لحظة ال��ت��ذك��ر إل��ى فضاء‬ ‫اكتشاف سحر الكلمة‪ ،‬حيث‬ ‫كنت ما أزال في ربيع الصبا‪،‬‬ ‫عندما انساب قلمي يخط‬ ‫ح��روف��ا ف��وق جثة بيضاء‪،‬‬ ‫يبعث فيها حياة مستمدة من‬ ‫أعماقي المزلزلة بتعابير لم‬ ‫أكن أعي ماهيتها آن��ذاك‪.‬إذ‬ ‫تكسر قيد ما داخل النفس وبدأ أول شذو‬ ‫سيحملني فيما بعد إلى منتآى الجمالية‬ ‫الخالدة حيث اكتشفت عالما فيروزيا‪،‬‬ ‫بدأ ينساب من بين أناملي في روعة ال‬ ‫يمكن وصفها‪ ..‬ليولد حلم يفتح أمامي‬ ‫نوافذ الغتيال الصمت‪ .‬فهل يا ترى كانت‬ ‫القصيدة ببراكينها وزالزلها‪ .‬في انتظاري‬ ‫للغوص في حمأة نيرانها؟ أظن ذلك‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬تلميذة كنت عندما عبثت بي مرآة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪103 )2016‬‬


‫الكلمة‪ : ‬وح��دق��ت ب��ي ع��ي��ون متطفلة‬ ‫تتساؤل في صمت عن هذا الرداء الذي‬ ‫أسبل عاليا فجأة فكانت أول قصيدة‬ ‫بعثت بها لبرنامج إذاعي حول فلسطين‬ ‫من نحو ثالثين بيتا‪ ،‬وم��ع م��رور الزمن‬ ‫أسقطت ع��ن قصيدتي رداء الخجل‪،‬‬ ‫وبعد أن تعبدت في محراب الثقافة زمناً‬ ‫ليس قليالً‪ ،‬خرجت من علبة الحصار‬ ‫الذي فرضته عليها دون اإلعالن عنها‪-‬‬ ‫ألنها كانت مخبأة في نهد السكون أردد‬ ‫تراتيلها بيني وبين النفس – لكن سرعان‬ ‫ما فاح عطرها‪ ،‬فخرجت بها إلى األماكن‬ ‫الثقافية العامة‪ ‬سواء داخل مراكش أو‬ ‫خارجها‪ ،‬كما احتضنتها باهتمام كبير جُ ل‬ ‫الجرائد والمجالت منذ سنوات‪.‬‬

‫ح��اب��ل ب��ال��ص��راخ ال ح��ب�اً ب��االن��ك��س��ارات‪.‬‬ ‫فبين دينان تثملني وأخرى توقظني‪ ،‬يمر‬ ‫شعاع الهواجس ليبني مدنه‪ ،‬أو ليست‬ ‫والدة القصيدة بمثابة لعنة تصب جام‬ ‫غضبها على كينونة الواقع الراقص على‬ ‫حبل من الجراحات؟ إذ بين هذا األخير‬ ‫والجسد الشعري ترابط خيالي‪ ،‬فيصعب‬ ‫لوهلة أن نلمس أي مدار يمثل انتصارا‬ ‫لهذه القصيدة‪ ،‬فهناك ترابط بين تمرد‬ ‫ال��ذات على ال��واق��ع واجترارها لحنظل‬ ‫الصور البائسة التي ترتع فيه‪ ،‬وبين األلم‬ ‫الداخلي الذي يبحث على الحلم المطارد‬ ‫ف��ي ث��غ��ر ال���وج���ود‪ .‬وإن ك���ان ال ب��د من‬ ‫ترجيح كفة على أخرى حسب ما ورد في‬ ‫هذا السؤال‪ ،‬فلنقل إنها تضميد مؤقت‬ ‫ألعطاب الذات في حلبة األخذ والرد‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بأنامل مغموسة في دواة التمييز‪ ،‬سالت‬ ‫وش��وش��ات ال��ق��ص��ي��دة ال��ن��س��ائ��ي��ة لتعلن‬ ‫تواجدها المتفردة‪ ،‬م��ن ث��م نؤكد على‬ ‫أن قصيدة المرآة بالمغرب قد حطمت‬ ‫األسوار الجغرافية وتسللت إلى خريطة‬ ‫الشعر بالعالم ال��ع��رب��ي لتحتل مكانة‬ ‫مهمة‪ .‬ول��و استطاع النقد أن يفرد كل‬ ‫جناحيه لالهتمام أكثر بشعر المرأة‪ ،‬أنا‬ ‫واثقة بأنها ستثبت حضورها بشكل أكبر‬ ‫عربيا‪ ..‬ولم ال؟ عالميا‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بين ط��ي��ات ه��ذا ال��س��ؤال‪ ،‬تمد فخاخ‬ ‫غير مرئية شباكها‪ ،‬تسقطني للوهلة‬ ‫األول��ى في زاوي��ة خاصة بالثنائية التي‬ ‫قصمت ظهر اإلب��داع‪ ،‬وهي التي تصب‬ ‫في نهر كتابة الرجل وكتابة المرأة‪...‬‬ ‫«لكنا سنقفز فوق هذه الهوة المرفوضة‬ ‫أساسا ول��ن أبحر في بركتها اآلسنة‪،‬‬ ‫ألمدَّ حبال الجواب على هذا السؤال‪.‬‬ ‫يؤسفني القول بأن النقد لم يوف قصيدة‬ ‫ال��م��رأة حقها‪ ،‬ألن��ه ال توجد دراس��ات‬ ‫شاملة ومعمقة لحد اآلن‪ ،‬تضع شعر‬ ‫األن��ث��ى ف��ي م��س��اره الصحيح‪ ،‬وتخضع‬ ‫تجربتها لميزان نقدي جاد يبرز مدى‬ ‫تفعيلها لهذا الجنس اإلبداعي في مجرة‬

‫¦ ¦ك�ي��ف تنظرين إل��ى ال�ق�ص�ي��دة النسائية‬ ‫بالمغرب داخ��ل خريطة الشعر بالعالم ¦ ¦كيف ينظر النقد المغربي إل��ى قصيدة‬ ‫العربي؟‬ ‫تكتبها المرأة؟‬

‫¦ ¦والدة القصيدة انتصار على خراب وخواء‬ ‫العالم‪ ،‬أم مصالحة مؤقتة مع انكسارات‬ ‫الذات؟‬ ‫‪ρ ρ‬في هذا السؤال تتشظى الذات في فضاء‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أوقاتها عن دمائي ووقتي بها استنجدا‪.‬‬ ‫إنها لعبة الظهور واالختفاء التي تتقن‬ ‫القصيدة اإلتيان بها‪ ،‬ويكون من الصعب‬ ‫التكهن بلحظة القبض عليها‪ ،‬ألنها تكسر‬ ‫كل آليات االنتظار بامتياز‪.‬‬ ‫م��ج��رات أل���وان م��ن فرط‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الحداثة‪ .‬حقيقة برزت أسماء‪ ..‬وأسماء‪،‬‬ ‫ن��ج��د ح��ض��وره��ا م��ن خ�ل�ال ال���دواوي���ن‬ ‫الشعرية‪ .‬وقد استطاعت قصيدة المرأة‬ ‫م��ن خ�ل�ال وس��ائ��ل اإلع��ل�ام المكتوبة‬ ‫خ��اص��ة‪ ،‬والمرئية أن تسجل حضورا‬ ‫فعاال ال يمكن أن نغض الطرف عنه‪ .‬ألن‬ ‫اإلب���داع الجيد طبعا‪،‬‬ ‫هو السيد الذي يفرض‬ ‫ن��ف��س��ه ف����ي ال��س��اح��ة‬ ‫ال��ث��ق��اف��ي��ة؛ ل�����ذا‪ ،‬لم‬ ‫يبخل النقد باالهتمام‬ ‫ب��ب��ع��ض األق��ل��ام ال��ت��ي‬ ‫ق��دم��ت نفسها قربانا‬ ‫ل��ل��ش��ع��ر‪ ،‬م����ن أم���ث���ال‬ ‫وف��اء العمراني‪ ،‬مليكة‬ ‫ال���ع���اص���م���ي‪ ،‬أم��ي��ن��ة‬ ‫ال����م����ري����ن����ي‪ ،‬ح��ب��ي��ب��ة‬ ‫ال��ص��وف��ي‪ ..‬وأخ��ري��ات‬ ‫ال يسع ال��م��ق��ام ل��ذك��ره��ن‪ .‬ول��ن ننسى‬ ‫أن نشير إل��ى أن هناك تجارب تدخل‬ ‫في نطاق المسكوت عنه‪ ،‬لم تجد من‬ ‫ينفض عنها غبار الالمباالة رغم باعها‬ ‫البعيد المدى في قارة الشعر الشاسعة‬ ‫األبحر بالمغرب‪ .‬لكن يبقى ضرب من‬ ‫الخيال حصر مجيئها في بوثقة زمنية‬ ‫واحدة‪ ،‬فأحيانا تولد في ليلة تمطر فيها‬ ‫المشاعر ويرعد الوقت‪ ،‬دون أن يحفها‬ ‫مكان الئق بوجودها‪ ،‬وكثيرا ما أطلت‬ ‫بارزة بعض مفاتنها ورحلت في المدى‬ ‫الكوني حتى لحظة زمنية أخرى ال يمكن‬ ‫تحديد فضائها‪ ..‬ويحضرني بيت شعري‬ ‫للشاعر واألديب الكبير أحمد بلحاج آية‬

‫وارهام حين قال‪ :‬كيف تخفي القصيدة‬

‫ال��ده��ش��ة ت��ح��رض العين‬ ‫لعبور سفر شهوتها األنيقة‬ ‫ف��ي ات��ج��اه خلجان الندى‬ ‫ال��م��ع��ب��د بشهقة ال����روح‪،‬‬ ‫وك��أن��ه��ا ت��ؤس��س فخاخها‬ ‫ب��ع��ن��اي��ة ليستبد ال��ض��وء‬ ‫بشساعات العتمة الباردة‪.‬‬ ‫ي��ط��وف ال��ح��ي��اد ب��إض��اءة‬ ‫النعومة‪ ،‬وه��ي تسيل من‬ ‫شقوق عاصفة ملتحفة بنشيد السواد‪،‬‬ ‫اآلس��ر المفتوح على أرج��وح��ة تقطف‬ ‫خطيئة تنصاق لجنون غبطتها الجنيئة‬ ‫ف��ي وه���ج ال��ص��م��ت ب��ح��رارة ال��ل��ون في‬ ‫اللوحة تشتعل اشتهاءات الحواس بلبس‬ ‫فتنتها العميقة‪ ،‬حفريات تقيس بهدوء‬ ‫ن���وات ال��دواخ��ل لتحفر ف��ي تضاريس‬ ‫العتمة عمقها األن��ي��ق‪ ،‬وه��ي الذاهبة‬ ‫بخطوات طرية نحو الينابيع الضوئية‬ ‫اآلسرة‪ .‬مكر خرائط ألوان حيرت دهشة‬ ‫البياض والعين معا‪ ،‬لوحة متحاورة مع‬ ‫ظل الغواية باحترافية أنيقة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪105 )2016‬‬


‫صالح بن ظاهر العشيش‬ ‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬احملرر الثقايف‬

‫ولد في مدينة سكاكا حاضرة منطقة الجوف‪ ،‬ودرس في مدارسها‪..‬‬ ‫أن�ه��ى ب�ك��ال��وري��وس ه�ن��دس��ة م��دن�ي��ة ف��ي ج��ام�ع��ة ب��ورت�لان��د (‪1980‬م) ب��ال��والي��ات‬ ‫المتحدة األمريكية‪ .‬والماجستير في إدارة العقود اإلنشائية ‪ -‬جامعة فلوريدا‬ ‫التقنية (‪1988‬م) الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫ش�ه��ادة تخصص عليا ف��ي الهندسة القيمية (‪ )CVS‬م��دى ال�ح�ي��اة (‪1994‬م)‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫السيرة العملية‬ ‫ •رئ��ي��س ق��س��م ه��ن��دس��ة القيمة‬ ‫ •ن���ائ���ب م���دي���ر ع����ام ال��م��ش��اري��ع‬ ‫وال��م��راج��ع��ة ال��ف��ن��ي��ة ب��األش��غ��ال‬ ‫والصيانة بوزارة الصحة من عام‬ ‫العسكرية من عام ‪1993‬م حتى‬ ‫‪1999‬م إلى عام ‪2008‬م‪.‬‬ ‫عام ‪1999‬م‪.‬‬ ‫ •مدير إدارة الدراسات والتصاميم •مدير مشاريع الرياض والقصيم‬ ‫م��ن ع���ام ‪2001‬م إل���ى ‪2003‬م‬ ‫ب��األش��غ��ال العسكرية م��ن ع��ام‬ ‫بوزارة الصحة‪.‬‬ ‫‪1989‬م إلى ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫عضوية الهيئات والمجالس‬ ‫•عضو الهيئة السعودية للمهندسين‪.‬‬ ‫•عضو مجلس إدارة شعبة هندسة القيمة بالهيئة‬ ‫السعودية للمهندسين‪.‬‬ ‫•عضو الجمعية الدولية لمهندسي القيمة (‪S.A.V.E‬‬ ‫‪.)intern.‬‬ ‫•عضو مجلس شعبة إدارة المشاريع بالهيئة السعودية‬ ‫للمهندسين‪.‬‬

‫اإلصدارات واإلنتاج الفكري‬ ‫صدر له أربعة كتب هندسية جمعت بين عمق التجربة‬ ‫واألهمية األكاديمية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬إدارة تنفيذ المشروعات الهندسية‪.‬‬ ‫‪ -2‬هندسة القيمة‪ :‬النظرية والتطبيق‪.‬‬ ‫‪ -3‬إدارة تصميم المشروعات‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلدارة الهندسية‪ .‬وقريبا يصدر له «إدارة منشآت‬ ‫المرافق»‪.‬‬ ‫له مجموعة من المذكرات والبحوث وأوراق العمل في‬ ‫عدد من اللقاءات والندوات والمؤتمرات‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ح��ض��وره العديد م��ن ال����دورات التدريبية ف��ي الداخل‬ ‫والخارج‪ ،‬وله مقاالت متخصصة منشورة في الصحافة‬ ‫والدوريات المتخصصة‪.‬‬

‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫ •مدير مشروعات كبرى باألشغال العسكرية من عام‬ ‫‪1982‬م إلى ‪1986‬م‪.‬‬ ‫ •ت��دري��س دورات ف��ي الهندسة (ن��ظ��ري��ة الهندسة‬ ‫القيمية‪ ،‬دورة أساسية ‪.)MODI‬‬ ‫ •ت��دري��س م���واد ه��ن��دس��ي��ة ب��م��درس��ة وم��رك��ز س�لاح‬ ‫المهندسين‪ ،‬وزارة الدفاع والطيران‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪107 )2016‬‬


‫الشعر في يومه العالمي‬ ‫هل ما يزال الزمن زمن الشعر؟‬ ‫هنا بعض من احتجاج الشعراء الناعم‬

‫‪ρρ‬استطالع‪ :‬عبدالغني فوزي‬

‫االحتفاء ب��أي ش��يء‪ ،‬ض��رورة رمزية‪ ،‬إلعطاء ذاك «ال�ش��يء» معنىً في الحياة والوجود‪.‬‬ ‫واألج�م��ل أن نحتفي بالشعر‪ ،‬وأن نخصص له يوما ك��أي ش��أن ينبغي إحاطته باالهتمام‬ ‫�اف أنَّ الشعر هو جماعُ قِ ي ٍَم‬ ‫لمنح الشعر ام�ت��داده الخالق في اإلن�س��ان والحياة‪ .‬وغير خ� ٍ‬ ‫نسبية وأخرى جوهرية‪ ،‬األولى متعلقة بتحققات شعرية مع شعراء ومدارس ورؤى‪ ،‬والثانية‬ ‫مرتبطة بتلك القيم الجوهرية السارية في التالفيف واألشياء‪ ،‬أو األصول واألصوات التي‬ ‫تنفتح عليها القصيدة‪ ،‬ك��أداة بحث دائ��م عن المفتقد والجوهري والطبيعي في مسيرة‬ ‫اإلنسان الذي يبتعد عن ذاته؛ وهو يخطو بكامل عدته العلمية نحو حتفه بمعنى ما‪.‬‬ ‫تلقين يسعى لتبرير‬ ‫ٍ‬ ‫ل��ك��ن بتأملنا ف��ي ي���وم «ال��ي��وم العالمي على الشعر‪ ،‬وليس على‬ ‫للشعر»‪ ،‬يبدو في العالم العربي أ َن المجتمع أدواته وأصوله النظرية‪.‬‬ ‫المدني (الثقافي) هو الذي ينهض بأعباء‬ ‫هناك إذاً اكراهات وحيف مركب تجاه‬ ‫هذا االحتفاء الرمزي؛ لكن على األرض في‬ ‫الشعر؛ تجعل ه��ذا األخ��ي��ر ف��ي الثالجة‪،‬‬ ‫إطار البحث عن بنية تحتية مالئمة وجمهور‬ ‫ن��وظ��ف��ه ب��م��ق��دار ووف���ق ال��ه��وى السياسي‬ ‫منصت‪ ..‬وتغلب المالحظة أنّ االحتفاء يكون‬ ‫والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق‬ ‫عبارة عن ق��راءات شعرية‪ ،‬ضمن أمسيات‬ ‫والمآزق اآلنية والظرفية‪ .‬ما جعل مسيرته‬ ‫غنائية‪ ،‬ك��أن األم���ر ي��دع��و ف��ي عمقه إلى‬ ‫التراخي والكسل اللذيذ‪ .‬وهو ما يقلل من البلورية‪ ،‬معرضة لألعطاب‪ ..‬وأحيانا لسوء‬ ‫شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته‪ .‬الفهم الممتد بين الشاعر وقصيدته‪.‬‬ ‫ف��ي المقابل‪ ،‬األم��ر يتطلب التدبر في‬ ‫الشعر‪ :‬في أسئلته المتعددة في اإليصال‪،‬‬ ‫ف���ي اإلع��ل��ام‪ ،‬ف���ي ال��م��ؤس��س��ة بتالوينها‬ ‫المختلفة‪ ،‬ف��ي الشعر وال��ش��ع��راء‪ ..‬فحين‬ ‫نكون في طريق هذا المسعى‪ ،‬ينبغي التربية‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫كيف تنظر لهذه الوضعية؟ وم��اذا يمثل‬

‫اليوم العالمي للشعر بالنسبة لكم؟ سؤال‬ ‫مركب حملناه لبعض األص���وات الشعرية‪،‬‬

‫لخلق نقاش جماعي في سياق من االعتراف‬

‫والحوار الخالق المتبادل‪.‬‬


‫أين هو الشعر؟‬ ‫يطرح أصدقائي سؤاال من حين آلخر وحيداً وحزيناً تحت شجرة في غابة‪ ،‬فيما‬ ‫مفاده‪ :‬هل الزمن ال يزال زمن الشعر؟ وفي الضجيج يعلو داخل المدينة من أجله‪.‬‬ ‫غمرة اليأس يبدو لي أنا المولع بالتفاؤل‬ ‫كان «شيلي» يقول‪« :‬الشعراء هم واضعو‬ ‫حتى في أحرج اللحظات أن الزمن زمن‬ ‫الشعر‪ ،‬زمن شاهق وشاسع رغم كل شيء‪ .‬شرائع العالم غير المعترف بهم»‪ ،‬وكان‬ ‫الكلمات تملك سحرها‪ ،‬السحر الذي «بروتون» يقول‪« :‬إن االحتضان الشعري‬

‫اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع‬

‫عبدالرحيم الخصار*‬

‫يبدأ تأثيره وينتهي على الساحر نفسه‪ ،‬شبي ٌه باالحتضان الجسدي يغلق كل منفذ‬ ‫غير أننا قبل أن ننشر الشعر ونترجمه‪ ،‬على ب��ؤس ال��ع��ال��م»‪ .‬أعتقد أنني أوج��د‬ ‫ون��ح��ص��ل ب��ه ع��ل��ى ال��ج��وائ��ز‪ ،‬ون��ق��ي��م له هناك قرب هؤالء الحالمين الكبار الذين‬ ‫ال��والئ��م وال��م��ه��رج��ان��ات‪ ،‬ي��ج��ب أوالً أن يؤمنون بالشعر عارياً وأعزل‪.‬‬ ‫نكتبه‪ ،‬والقصائد العظيمة غالبا ما تكتب‬ ‫لست ضد المهرجانات واالحتفاالت‪،‬‬ ‫بعيدا عن طمع النشر‪ ،‬ووهم الترجمات‬ ‫لكنني ضد ثقافة المهرجانات‪ ،‬وضد أن‬ ‫والجوائز‪ ،‬وضجيج المهرجانات‪.‬‬ ‫غالبا ما تسيء المهرجانات إلى الشعر‪ ،‬يتحول الشاعر إل��ى خطيب تجده يقرأ‬ ‫إن��ه��ا ت��دف��ع بعضهم إل��ى تقليد أص��وات النص ذاته أينما ح ِّل وارتحل‪ ،‬وضد أن‬ ‫أخرى‪ ،‬وتدفع بعضاً آخر إلى التوهم بأنه يُ��ع��دّ ن��ص��وص��ه ع��ل��ى م��ق��اس المهرجان‬ ‫صار شاعر زمانه‪ ،‬تزرع الكسل والتراخي ال���ذي س �يُ��دع��ى إل��ي��ه‪ ،‬وض���د أن ينسى‬ ‫والتسطح‪ ،‬وتدفع آخرين إلى أشياء كثيرة‬ ‫الشعر وينشغل في نهاره وليله بالدعوات‬ ‫ت��ق��ف دائ��م��ا ف��ي ال��ض��ف��ة األخ����رى ضد‬ ‫والسفريات واالحتفاالت‪.‬‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫ربما في صالح الشعر أن يبقى بعيدا‬

‫اليوم العالمي للشعر فكرة قد تكون‬ ‫جميلة‪ ،‬لكن أين هو الشعر؟ إنه يجلس وغريبا‪ ..‬ربما‪.‬‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪109 )2016‬‬


‫مالك الخالدي*‬

‫بين نخبوية القصيدة‬ ‫و شعبوية الرواية‬ ‫قد يبدو الجدل الدائر ح��ول تفوّق الرواية‬ ‫على الشعر أو العكس في وقتنا الراهن جدالً‬ ‫عاطفياً ينحاز فيه المرء لموقعه األدبي أو ميوله‬ ‫القرائية‪ ،‬وإذا حاولنا استقراء المشهد مع توخي‬ ‫الموضوعية فال بد من اإلق��رار بتمدد الرواية‬ ‫وانتشارها شعبو ّياً وذلك لعدة أسباب‪:‬‬

‫‪ -٤‬تناول الروايات الحديثة لمواضيع مجتمعية‬ ‫وقضايا حساسة‪ ،‬وكشفها المخبوء والمحظور‬ ‫اجتماعياً كرواية «ترمي بشرر» لعبده خال‪،‬‬ ‫«ال��وارف��ة» ألميمة الخميس‪ ،‬ورواي���ة «ساق‬ ‫البامبو» لسعود السنعوسي الفائزة بجائزة‬ ‫البوكر لعام ‪٢٠١٣‬م‪.‬‬

‫‪ -١‬نخبوية الشعر؛ أي انكفاءه في غالب األحيان‬ ‫على األدب���اء وال��ش��ع��راء والمهتمين ب��األدب‬ ‫والمغرمين بالقراءة‪ ،‬وزه��د شريحة كبيرة‬ ‫م��ن المجتمع ب��ه‪ ،‬وبخاصة تلك القصائد‬ ‫العمودية القديمة وعرة المفردة‪ ،‬والنصوص‬ ‫الحديثة مستغلقة الصورة‪ ،‬مواربة المعنى‪،‬‬ ‫بالرغم م��ن ان��ج��ذاب البعض ل��ن��وع شعري‬ ‫فصيح ذي أبيات قصيرة‪ ،‬بلغة سهلة بسيطة‪،‬‬ ‫وأفكار غزلية صريحة كأشعار نزار قباني‪..‬‬ ‫وتلك التي تالمس أبعاداً ايدلوجية كقصائد‬ ‫عبدالرحمن العشماوي‪ ،‬وتلك التي ظهرت‬ ‫في وسائل التواصل االجتماعي كأبيات فواز ‪ -٦‬ال��درام��ا والسينما التي حوّلت العديد من‬ ‫ال��رواي��ات إل��ى أف�ل�ام ومسلسالت‪ ،‬م��ا زاد‬ ‫اللعبون ومحمد المقرن‪.‬‬ ‫شغف الجمهور بعالم الرواية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬س�لاس��ة ال��ل��غ��ة المستخدمة ف��ي ال��رواي��ة‬ ‫وبساطتها‪ ،‬كروايات قماشة العليان ويوسف ‪ -٧‬األدب الغربي صانع فن الرواية والشغوف‬ ‫ب��ه��ا‪ ،‬وت��أث��ي��ره ال��ع��ارم على األدب واألدي���ب‬ ‫المحيميد‪ ،‬بل إن عدداً كبيراً من الروايات‬ ‫والمتلقي العربي‪ ..‬مع االنفتاح التقني والعلمي‬ ‫الحديثة تستخدم اللهجة المحكية بشكل‬ ‫والثقافي الهائل في القرون المتأخرة‪.‬‬ ‫واس���ع‪ ،‬مثل رواي���ة (ب��ن��ات ال��ري��اض) لرجاء‬ ‫الصانع‪ .‬‬ ‫كل ذلك أسهم بشكل كبير في تمدد الرواية‬ ‫‪ -٣‬الطبيعة ال��ع��رب��ي��ة ال��م��غ��رم��ة بالحكايات كماً‪ ،‬واتساع دائ��رة مريديها وقرائها‪ ،‬لكنه أتى‬ ‫واألساطير‪ ،‬والشغوفة بالتفاصيل منذ القدم سلباً على جودتها الفنية واللغوية في كثير من‬ ‫اب��ت��دا ًء باألساطير األول���ى وح��ك��اي��ات ألف األعمال؛ في حين مضى الشعراء واألدباء والنقاد‬ ‫ليلة وليلة‪ ،‬ثم القصص القرآني بعد ظهور وم��ت��ذوق��ي الشعر وعشاقه ان��ش��غ��االً واشتغاالً‬ ‫اإلس�لام‪ ،‬ثم انتشار الحكّائين في العصور بالشعر قراءة وإبداعاً ونقداً‪ ،‬فبقي ديوان العرب‬ ‫المتأخرة وقبل ظهور اإلذاعة والتلفاز‪.‬‬ ‫األكثر جود ًة ورصان ًة وزخماً‪.‬‬

‫‪ -٥‬ال��رواي��ة أسهل طريق وأوس��ع بوابة لدخول‬ ‫أنصاف الكتّاب‪ ‬ومريدي الشهرة واألض��واء‬ ‫إلى عالم األدب‪ ،‬وقد رأينا على سبيل المثال‬ ‫بعض الصحفيين الذين أصبحوا بين عشية‬ ‫وضحاها في صفوف «الروائيين»‪ ،‬لذا ظهرت‬ ‫ال��رواي��ات الرديئة لغوياً وفنياً‪ ..‬فاجتذبت‬ ‫جمهور عريض‪ ،‬لكنه ضعيف ثقافياً‪ ،‬وغالب‬ ‫ه��ؤالء م��ن الشباب والمراهقين والطالب‬ ‫ال��ص��غ��ار‪ ،‬أو ال��ش��رائ��ح غير ال��ق��ارئ��ة الذين‬ ‫تستهويهم اللغة اليومية والمواضيع العاطفية‪.‬‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫لم نؤسس بعد تقاليد االحتفال‬ ‫ما تقوم به جمعيات المجتمع المدني بالمغرب‬ ‫على كل ح��ال‪ ،‬هو ن��وع من النضال والتضحية‪،‬‬ ‫بالرغم من اإلمكانات المادية المحدودة المتوفرة‬ ‫لكل واحدة‪ ،‬وخصوصا تلك التي تشتغل في الحقل‬ ‫الثقافي الذي يعرف الكساد‪ ،‬ومزاجية األشخاص‪،‬‬ ‫كما هي فصول السنة األربع‪ .‬لكن تبقى كل جمعية‬ ‫بالمغرب عما تقوم به من إنجاز‪ ،‬ونشاط ثقافي‬ ‫على األق���ل‪ ..‬م��ب��ادرة مهمة تسهم ف��ي ل � ِّم شمل‬ ‫الشعراء في مكان وزمان معين‪ ،‬ولو أن الجمعيات‬ ‫الثقافية صارت اليوم ال تتجاوز أصابع اليد‪ ،‬في‬ ‫الوقت الذي انصرف فيه اهتمام جمعيات أخرى‬ ‫نحو ما يعرف بالتنمية البشرية‪ ..‬ناسين التنمية‬ ‫الثقافية إلى من يهمهم األمر‪.‬‬ ‫أمر الشِّ عر وشؤونه الخاصة كانت منذ األزل‬ ‫أمر يخص الشعراء أنفسهم‪ ،‬لذا نجد أحيانا في‬ ‫بعض الجمعيات الثقافية أن الشعراء هم من‬ ‫يتولون تسيير شؤونها‪ ،‬من خالل تنظيم مهرجانات‬ ‫وملتقيات‪ ،‬وذلك على حساب وقتهم وطاقتهم‪.‬‬ ‫ومن وجهة نظري يبقى تنظيم قراءات شعرية‬ ‫كاف إذا ما تبصرنا بشكل جيد‬ ‫هنا أو هناك غير ٍ‬ ‫األهداف التي يجنيها الشاعر من خالل مشاركاته‬ ‫كهذه‪ ،‬وتساءلنا هل تسهم في إشعاعه وشهرته‪...‬‬ ‫أم أنها تسهم في تحبيب الشعر لدى فئة محدودة‬ ‫من الذين يحبون اإلنصات للشعر‪ ...‬أم أن ذلك‬ ‫اللقاء الشعري من أجل ملء الفراغ بما يناسب‬ ‫أو ال يناسب‪.‬‬

‫على أيٍّ ‪ ،‬يبقى السؤال المؤرق وال��ذي يتكرر‬ ‫باستمرار‪ ،‬وأقولها بصراحة‪ ،‬ما جدوى أن نحتفل‬ ‫كل عام باليوم العالمي للشعر‪ ،‬ونحن لم نؤسس‬ ‫بعد تقاليد جديدة لالحتفال ولم نصل إليها بعد؟!‬ ‫وكيف يمكننا أن نحبب الناس بالشعر ويقتنون‬ ‫الدواوين الشعرية إن لم تكن ثمة سياسة ثقافية‬ ‫واس��ع��ة وواض��ح��ة‪ ،‬تستغل ه��ذه المناسبة لطبع‬ ‫دواوي��ن شعرية في طبعات شعبية وتوزعها على‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬بدل تخزينها وتعريضها للتلف‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬فإن التلفزيون المغربي بقناتيه األولى‬ ‫والثانية بما فيهما تلك التي في األرض أو تلك التي‬ ‫في الفضاء‪ ،‬يبدو وكأنه غير معني تماما بالشعر‪،‬‬ ‫وال يظهر منه أدنى اهتمام‪ ،‬لذا كيف السبيل من‬ ‫دول��ة أكثر من نصف سكانها أم��ي‪ ،‬ونريد منهم‬ ‫القراءة والذهاب إلى قاعات دور الثقافة لإلنصات‬ ‫للشعر؟! وكيف نريد من الناس أن يتولد في ذهنها‬ ‫ثقافة ت��ذوق الشعر‪ ،‬وأغلب مدننا تعرض فيها‬ ‫لوحات إشهارية‪ ،‬استهالكية على م��دار السنة‪،‬‬ ‫تجني منها الشركات التي وراءه��ا أم��واال طائلة‪،‬‬ ‫ولم هذه الشركات ال تخصص يوما لعرض الشعر‬ ‫في لوحاتها‪ ،‬على األقل تسهم في الذوق الجمالي‬ ‫لدى المواطنين‪ .‬أين الشركات الوطنية وبخاصة‬ ‫االتصاالت والبريد من اإلسهام في نشر الشعر‬ ‫سواء عبر الطوابع البريدية‪ ،‬أو تخصيص جائزة‬ ‫لكتابة الشعر عبر خدمة الرسائل القصيرة؟ ألم‬ ‫أقل لك ليس عندنا تقاليد لالحتفال بالشعر؟!‬

‫اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع‬

‫عبدالحق بن رحمون*‬

‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪111 )2016‬‬


‫عبدالحق ميفراني*‬

‫بحثا عن قيم الشعر والكينونة‬ ‫أفترض في البداية أن الحاجة للشعر ال تزال السنوات األخيرة على مشهدنا الثقافي واإلبداعي‪.‬‬ ‫قائمة وستظل‪ ،‬مادامت الحاجة لتمثل قيم الحياة‬ ‫ال��دول��ة ال يمكنها أن تفكر ف��ي الشعر ألنه‬ ‫والكينونة ومعرفتنا بالعالم‪ ،‬تزيد وتتعمق أكثر‪ .‬نقيضها‪ ،‬نقيض لخطابها ولقيمها ولسياساتها‬ ‫ويظل الشعر المغربي عبر تاريخه الطويل الجنس ولمنطق تفكيرها‪ .‬للشعر طريق آخر يعبره دونما‬ ‫اإلبداعي المتفرد الذي تحمله الذات ضدا على حاجة لـ«هذه الرعاية المستحيلة» وإال ماذا قدمت‬ ‫كل قيم التشيؤ والرداءة واالنتهازوية الجديدة‪ .‬هو المؤسسات للمشهد اإلبداعي والثقافي عموما؟‬ ‫فضاء البوح الوحيد الذي يمكن المبدع أن يفتح هل نتوفر عن استراتيجية ثقافية تهم وضعنا الذي‬ ‫وشائج أصيلة للمعرفة‪ .‬معرفة األشياء والذوات أمسى مليئا بالمفارقات؟ كيف يمكننا أن نتحدث‬ ‫واألف��ك��ار‪ ،‬لذلك ظل الشعر محموال على عاتق عن «مأسسة الشعر ورعايته» في وق��ت ينشغل‬ ‫الشعراء يعبرون به مزالق الضيق‪ ،‬ويكسرون به الجميع بـ«خطر األمية الثقافية» براهن بئيس‬ ‫رده���ات األس�ل�اك والعتمات‪ .‬تمث ً‬ ‫ال منهم ألفق لراهن الكتاب والنشر‪ ،‬بتراجع خطير وكارثي في‬ ‫الحياة التي تستحقها كينوناتهم‪ .‬قيم الشعر أبعد المقروئية‪...‬؟‬ ‫م��ن أن تحاصر ف��ي أج��ن��دة التسويق االحتفائي‬ ‫ه����ذا ف���ي وق����ت ت��ت��ن��اس��ل ف��ي��ه االج���ت���ه���ادات‬ ‫اليومي أو السنوي‪ ،‬فهو حاجتنا الماسة للهواء‪،‬‬ ‫هو اليومي وفسحات األمل حينما تمتد مسحات والعناوين‪ ،‬وبعض اإلطارات الجمعوية التي أمست‬ ‫فاعلة اليوم‪ ،‬وتؤسس لفعل ثقافي بديل كي تجعل‬ ‫وانجراحات الروح‪.‬‬ ‫العناوين السالفة الذكر فعال متحققا في المتخيل‬ ‫لذلك‪ ،‬يحتاج العالم للشعر‪ ،‬ولذلك بدأ بالشعر المغربي والعربي والكوني‪.‬‬ ‫كفن القول األجدر بالتعبير‪.‬‬ ‫فهل يمكن ليوم عالمي للشعر أن يعيدنا إلى‬ ‫هكذا يمكننا أن نفهم سر هذا الولع بالشعر عند عمق ه��ذه اإلش��ك��االت؟ أم نلتئم ح��ول قصائدنا‬ ‫هذه اإلطارات المناضلة الجمعوية‪ ،‬والتي تواصل الهاربة لحظات‪ ..‬كي نعلن أننا كائنون في يوم‬ ‫تأسيس فعل الحضور من خ�لال تنظيم لقاءات واحد وننمحي؟؟‬ ‫ون���دوات تحتفي بالقصيدة وبالشعر والشعراء‪.‬‬ ‫ال��ش��ع��ر أب��ع��د أن ي��ؤط��ر وي��وج��ز ف��ي أج��ن��دة‬ ‫هم أبعد عن تدجين المؤسسات‪ ،‬ألنهم يدركون‬ ‫بحسهم المعرفي الخالق‪ ،‬قوة الشعر في تأسيس المواسم؟ وحين نستوعب هذه القيم‪ ،‬يمكننا حينها‬ ‫االختالف‪ ،‬وفتح كوة للكينونة‪ ،‬كي تعبر عن حريتها أن نستعيد عمق الشعر وروح معرفة الشعراء‪..‬‬ ‫دائما وأبدا‪ :‬الشعر والشعراء بألف خير‪..‬‬ ‫دون أغالل ويوتوبيات «قيم جديدة» أمست تخيم‬ ‫* شاعر وناقد من المغرب‪.‬‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫قبل أن تبدأ العاصفة‪..‬‬ ‫يوم واحد ال يكفي لالحتفاء بالشعر‪ ،‬هذا‬ ‫ال��ذي يملك من النسب العريق الشاهق في‬ ‫التراث اإلنساني ما يجعله حاضرا في وجدان‬ ‫الناس أكثر ليالي العام‪ ،‬وليس يوما واح��دا‬ ‫يحضر في بعض جهات العالم على استحياء‪.‬‬ ‫ك��ل ه��ذه ال��ق��رون ال��ض��ارب��ة ف��ي التاريخ‬ ‫ال��ب��ش��ري‪ ،‬ول���م يُستنفد التعبير ع��ن��ه‪ ،‬ول��م‬ ‫نفتأ نكابد عذاباته ووجعه األشهى‪ .‬ال أحد‬ ‫يحتفي بالقلق سوى الشعراء‪ ،‬بحفنة قليلة من‬ ‫المجازات يجابهون هذه الوحشية من القبح‪،‬‬ ‫ويدينون بغنائهم الشجيّ كل تمظهرات الخيبة‪،‬‬ ‫ال سالح يشهرونه في وجه هذا الفراغ األعمى‬ ‫عدا نصوصهم‪ ،‬ونزيف قصائدهم‪.‬‬ ‫نحن أمة منذ فجرها األول تحتفي بالشعراء؛‬ ‫إ ْذ كانت لهم سورة باسمهم في كتاب اهلل الذي‬ ‫ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪،‬‬ ‫وخاتم األنبياء اتخذ من قولهم سالحا يكيد‬ ‫به األعداء ويدحر شرورهم‪ ،‬وسوف يمتد هذا‬ ‫التكريم إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها‪.‬‬ ‫أجل‪ ،‬هناك في تاريخنا العربي من ناصب‬ ‫الشعراء العداء‪ ،‬ولفّق لهم التهم زوراً وبهتانا‪،‬‬ ‫ال لشيء إال ألنهم ل��م يغمضوا أعينهم عن‬ ‫التسلط‪ ،‬ولم يبرّروا ويشرعنوا الطغيان‪ ،‬فقُتل‬ ‫البعض منهم‪ ،‬ونُفي آخرون‪ ،‬بيد أن هذا الصوت‬

‫الهادر المعبّر عن ضمير الشعوب المقهورة‪ ،‬ما‬ ‫برح يتردّد صداه إلى اللحظة‪ ،‬يتردّد في زوايا‬ ‫غرفنا‪ ،‬وعلى ج��دران منازلنا‪ ،‬ويلقي التحيّة‬ ‫على الناس الذين ه ْم مصدر إلهامه األول‪،‬‬ ‫يصدع بآمالهم‪ ،‬ويتغنّى بحسرتهم‪.‬‬

‫اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع‬

‫إبراهيم زولي*‬

‫ما انفكّ الشعر يه ّز ج��ذوع الجهات حتى‬ ‫تتساقط نخلة الحلم‪ ،‬واقفا على حافة العالم‪،‬‬ ‫في انتظار بروق غامرة بالياقوت والخصوبة‪،‬‬ ‫واق��ف��ا ال يخشى ه���ودج ال��م��وت‪ ،‬وال ترعبه‬ ‫صيحات القراصنة‪ ،‬ذاهبا في غيمة ال تؤاخي‬ ‫إال عصافير ع��ق��دتْ حلفا م��ع المستقبل‬ ‫والجمال‪.‬‬ ‫أيها الشاعر‪ ،‬هذا هو العالم يخرج دائخاً‬ ‫من غفوته‪ ،‬ويبدأ فوضى النهايات‪ ،‬عالم ال‬ ‫وقت لديه لغد أبهى‪ ،‬ال وقت لديه ألراض يؤرخ‬ ‫أخاديدها االخضرار‪ .‬ال تهادن‪ ،‬وال تسأل كيف‬ ‫تُزيّف زرقة البحر‪ ،‬وترتعش البالغة في حضرة‬ ‫السيوف‪ .‬أكتب فقط‪ ،‬أكتب عن المكائد‪ ،‬عن‬ ‫العتمة األزل��ي��ة‪ ،‬ع��ن السواحل ال��س��ادرة في‬ ‫عطشها‪ ،‬عن المدن التي تقارع الخيبة عزالء‪،‬‬ ‫عن صحار تتعقّبنا بخطوات ثقيلة‪ ،‬عن امرأة‬ ‫يحاصرها الغيب والنسيان‪.‬‬ ‫أكتب قبل أن تبدأ العاصفة‪.‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪113 )2016‬‬


‫إبراهيم الحجري*‬

‫الشعر ورقتنا‬ ‫لحفظ ما تبقى من جمال‬

‫فعال‪ ،‬ه��ذا ال��وض��ع مؤسف حقا‪ .‬فعدا‬ ‫مبادرات المهووسين بهذا الفن الرائع‪ ،‬قلما‬ ‫تجد تحرك جهات حكومية مسؤولة قصد‬ ‫اإلس��ه��ام ف��ي ه��ذا ال��ع��رس اإلنساني ال��ذي‬ ‫يستنكر الهمجية في شتى أشكالها‪ ،‬ويحرّض‬ ‫على التعايش والقيم اإلنسانية العليا‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ومع هذا ال يجب أن نقف مكتوفي‬ ‫األيدي‪ ،‬ونحن نرى نور هذا الفن ينبثق في‬ ‫يومه الربيعي‪ .‬بل علينا أن نسعى بإمكاناتنا‬ ‫المتواضعة لنغنّي في عرس الشعر ونحتفل‬ ‫معه في رقصته األسطورية الخالدة‪.‬‬

‫الشعر‪ ،‬بالنسبة لي على األقل‪ ،‬رئة ثالثة‬ ‫أتنفس من خاللها حيوات أخرى‪ ،‬حيث يصبح‬ ‫الواقع رديفا للموت‪ :‬الموت المتعدد األبعاد‪،‬‬ ‫وحيث تصبح كل أهوية العالم فاسدة‪ ،‬الشعر‬ ‫قناة عبرها أعيش حياة ثانية وثالثة وال‬ ‫نهائية‪ ،‬عكس اآلخرين الذين يعرفون طريقا‬ ‫واحدا إلى الموت‪ ،‬وهو فوق ذلك‪ ،‬لغة خاصة‬ ‫أتواصل عبرها مع ذاتي أوال‪ ،‬ثم مع عوالمي‬ ‫العليا التي أدركها عبر اآلخرين‪ ،‬هذه العوالم‬ ‫التي ال يدركها إال العارفون‪ ،‬الشعر الممكن‬ ‫من المستحيل‪ ،‬الشعرة الدقيقة التي تفصلنا‬ ‫عن عالم الجنون أن لم تكن هي نفسها هذا‬ ‫العالم! الشعر كون فسيح يجعلنا نتسامى‬ ‫عن خرائط البؤس اليومي‪ ،‬ونرتقي بفضله‬ ‫درج��ات لنمنع العالم السفلي من الدمار‪،‬‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫فحينما يجن ال��ك��ل يبقى ص��وت الشاعر‬ ‫وح��ده المدافع عن هذا الكون‪ ،‬والحريص‬ ‫على ال��ح��ي��اة‪ ،‬فبالشعر نفهم س��ر الحياة‬ ‫ون��ت��ذوق معانيها السامية الخصبة التي‬ ‫يغفلها اآلخرون‪ ،‬الشعر نعمة ال يحرم منه إال‬ ‫محروم‪ ،‬وال يتبرم عنها إال مخبول‪ ،‬الشعر‬ ‫مرتع لألشواق‪ ،‬طريق نوراني ونشيد متفرد‬ ‫اللحن‪ ،‬الشعر سيد في عليائه‪ ،‬حميم في‬ ‫انبثاقه‪ ،‬عجيب في إشراقته‪ ،‬الشعر ميثاق‬ ‫اإلنسانية في جوهرها األصلي الخالي من‬ ‫الدبلوماسيات‪ ،‬المتعالي على السفاسف‬ ‫واألباطيل‪ ،‬المتجرد من األنانيات‪ ،‬الشعر‬ ‫يجمعنا على درب ال��وف��اء وال��ح��ب‪ ،‬واألث��رة‬ ‫تفرقنا وتشتت نزوعنا الجوهري‪ ،‬بلغة الشعر‬ ‫نحب الحياة ونهواها وندافع عنها‪ ،‬وبلغته‬ ‫أيضا نسافر معاً في عالم ال تعكر صفوه‬ ‫حروب وال صراعات!‬ ‫بالشعر فقط نبقى آدميين‪ .‬نلبس ثياب‬ ‫الطيبة واألحاسيس! بالشعر نبقى وسيمين‬ ‫أك��ث��ر‪ ،‬بالشعر نبقى خ���ارج دوام���ة الحقد‬ ‫ال��ب��ش��ري‪ ،‬خ���ارج خ��ن��دق ال��ض��ي��ق والعنف‬ ‫البهيميين!‬ ‫فعليكم بالشعر! فقد يكون ورقتنا لحفظ‬ ‫ما تبقى من جمال! من حب! من حياة‪ .‬وكل‬ ‫عام وأنتم على شعر‪.‬‬


‫لن أتغنى‪ ..‬لن ألقي خطابا‪..‬‬ ‫لن أكتب قصيدة‪..‬‬ ‫إذا ك���ان م���رام ال��ش��ع��ر ال ي��ق��ف ع��ن��د ح��دود‬ ‫التواصل واإلعالم‪ ،‬وإنما يسعى عبر صقل دائم‬ ‫وتقص لمعانيها‪ ،‬إلى إدامة اللغة اإلنسانية‬ ‫ٍّ‬ ‫للغة‬ ‫وإبقائها حية‪ ،‬والكشف ال��دائ��م ع��ن الوميض‬ ‫األصلي للثقافة وتوهجها‪.‬‬ ‫وإذا ك��ان الشعر ينبع م��ن صميم ال��وج��دان‬ ‫اإلن��س��ان��ي ويستخلص مكنون الجهد البشري‬ ‫إب��داع��ا وتفكيرا‪ ،‬ك��أداة للحوار بين الثقافات‪،‬‬ ‫ومنبر لتنوّع التعبيرات الثقافية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فإن اليوم العالمي للشعر يأتي ليلفت األنظار‬ ‫لألهمية الفنية والجمالية للشعر‪ ،‬وما يخزنه ويعبر‬ ‫عنه من عنفوان‪ .‬وكذا لالعتراف به وإعطاء نف ٍَس‬ ‫جديد لإلبداعات الشعرية الوطنية والجهوية‬ ‫وال��دول��ي��ة‪ .‬فالشعر ف � ُّن يخاطب األح��اس��ي��س‪،‬‬ ‫ويسحر العقول‪ ،‬ويهذب النفوس‪ ..‬هذا بعض ما‬ ‫أكدت عليه بعض الخطابات العالمية التي ألقيت‬ ‫فيما سبق في مناسبة يوم الشعر‪.‬‬ ‫يأتي اليوم العالمي للشعر ليواجه العالم بذاكرة‬ ‫الشعر‪ ،‬وي��واج��ه الشعراء ب��ذوات��ه��م‪ ،‬فمنهم من‬ ‫يستعيده متأسيا على صمت الشعر إزاء أحداث‬ ‫شتى‪ ،‬يعجز الشاعر عن التعبير عن مآسيها؛ ألنها‬ ‫تبدو أوجاعا تتجاوز الكلمات والمعنى‪ ،‬وربما تذكر‬ ‫شاعر آخر ممن غاب من الشعراء أو اعتزل‪ ،‬أو‬ ‫من غيبه الموت وحضر شعره بالنيابة عنه في تلك‬ ‫المناسبة السنوية التي تتذكر الشعر بخطابات‬ ‫وقصائد وكلمات شتى‪ ،‬محاولة تحريض الشاعر‬ ‫على مواصلة العطاء اإلنساني‪.‬‬

‫الشعرية‪ ،‬والصمت‪ ،‬وترقب تحوالت ذلك الواقع‬ ‫الصعب حتى على الوصف والتصور‪ ،‬مختارا أن‬ ‫يلوذ بقرطاسه بعيدا عن كل هذا الكدر البشري‬ ‫ال���ذي ال ي��ع��رف ال��ص��ف��و ف��ي واق���ع ال��خ�لاف��ات‬ ‫السياسية المعاصرة‪.‬‬

‫اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع‬

‫هدى الدغفق*‬

‫فهل جاء اليوم العالمي للشعر في هذه األيام‬ ‫العسيرة ليصير مناسبة لالحتفاء‪ ،‬أم الحتضار‬ ‫ال��ش��ع��ر وش��اع��ره م��ع واق���ع ينغص ع��ل��ى ال���روح‬ ‫الشاعرة سكينتها‪ ،‬ويخرب أراضيها‪ ،‬ويحرق غابة‬ ‫إلهامها بنيران الثورات والحروب ودماء القتلى‬ ‫الجارية في كل مكان ووطن؟‬ ‫ل��ن أتغنى بالشعر وأرتّ الكلمات وأه��ذب‬ ‫الخطاب الذي يليق بهذا اليوم ‪ -‬يوم الشعر‪ -‬ألن‬ ‫الشعر موجع بذلك اإلنسان الذي ما يزال يتعذب‬ ‫بإنسانيته ومواطنته وانتمائه‪ ،‬ويرحل من أرض‬ ‫إلى أرض بحثا عن األم��ن‪ ،‬فكيف يجيء الشعر‬ ‫دون أمن ذلك اإلنسان على ذاته المهدرة كرامتها؟‬ ‫سأطيل الصمت‪ ..‬سألبس رداء الحزن حتى‬ ‫تتحرر البشرية من عبودية الطائفية والتطرف‬ ‫واألس���ر دون م��ب��رر‪ ..‬س��وى أنها ال تتنازل عن‬ ‫مواطنتها وال تترك أوطانها‪.‬‬

‫وألن الشعر ه��و ال��وط��ن ل�لأح��اس��ي��س‪ ،‬وهو‬ ‫الخطاب اإلنساني المشترك‪ ،‬فسأختار عزلتي‪،‬‬ ‫وأع��ت��ذر عن احتفائي بشاعريتي‪ ،‬بل سأتذكر‬ ‫كل أولئك المكلومين والجرحى‪ ،‬وتلك الخرائب‬ ‫البشرية التي تخرس لسان الشعر‪ ،‬وتضيِّق على‬ ‫لكن مع ما يتوالى من جراح وأزمات إنسانية أنفاس الشاعر بك ِّم الخرائب اإلنسانية التي تمتد‬ ‫واقعية‪ ،‬يضطر الشاعر إلى االنطواء على ذاته في كل بيت وأرض ووطن‪.‬‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪115 )2016‬‬


‫السردي وعنصر الحدث‬ ‫الفـن‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫رؤيــة تنظيـريـة‬

‫‪ρρ‬د‪ .‬صبري مسلم حمادي*‬

‫إذا ك��ان ال �ق��اص الشعبي ي�ك��دس األح� ��داث دون رواب��ط‬ ‫منطقية تربطها ببعضها‪ ،‬وه��و م��ا يمكن أن نطلق عليه‬ ‫غ �ي��اب ع�ن�ص��ر ال�ح�ب�ك��ة – ع �ل��ى ح ��دّ ت�ع�ب�ي��ر مصطلحاتنا‬ ‫الحديثة – فإن القاص المعاصر أو الروائي يسعى إلى أن‬ ‫يهيئ قارئه للحدث الالحق‪ ،‬وأن يمهّ د له‪ ،‬بحيث تتسلسل‬ ‫األحداث على وفق ضوابط منطقية‪ ،‬وهذا على وجه الدقة‬ ‫ما يعنيه مصطلح الحبكة‪ ،‬وليس المهم كثرة األحداث وتشابكها‪ ،‬بل مصداقيتها‬ ‫الفنية‪ ،‬وهنا ال بد من الوقوف قلي ًال عند مسألة الصدق الفني الذي ال يرادف‬ ‫الصدق الواقعي؛ بمعنى أن الحدث داخل العمل القصصي ال يطابق الحدث في‬ ‫واقع الحياة‪ ،‬صحيح إنه يشبهه في خطوطه العامة‪ ،‬ولكن عنصر الخيال يدخل‬ ‫طرف ًا مهم ًا في عملية الخلق الفني‪ ،‬بحيث ينسق الحدث وينقيه من التفاصيل‬ ‫غير الضرورية‪ ،‬ويصقله ويقوي تأثيره‪ ،‬ولذلك فإن الحدث القصصي المتقن قد‬ ‫يهزنا ويستدر دموعنا‪ ،‬في حين إن مثيله في الحياة يبدو أقل تأثيراً‪.‬‬ ‫وإذا كانت ثمة شخصيات رئيسة العام ال��ذي يحيط بالحدث‪ ،‬في حين‬

‫وأخ���رى ثانوية ف��ي العمل القصصي‪ ،‬يكون الحدث الداخلي هو الذي يستند‬

‫فإن من البديهي أن تكون هناك أحداث إليه بناء القصة من الداخل‪ ،‬ولغرض‬ ‫رئيسة وأخ���رى ث��ان��وي��ة‪ ،‬بيد أن هذا توضيح هذه المسألة نقول على سبيل‬ ‫التقسيم األول��ي لألحداث ال يخلو من االس���ت���دالل إن رواي�����ة «ل��ل��ح��بّ وق��ت‬

‫تبسيط لطبيعة الحدث ومهمته داخل وللموت وقت» للروائي األلماني أريك‬ ‫العمل القصصي‪ ،‬وربما لجأ الناقد أو ماريا ريمارك‪ ،‬كان الحدث الخارجي‬ ‫الدارس على وجه العموم إلى أن يقسم فيها هو الحرب العالمية الثانية‪ ،‬في‬

‫الحدث إلى خارجي وداخلي‪ ،‬والمقصود حين إن الحدث الداخلي فيها هو الحب‬

‫بالحدث الخارجي هو اإلطار أو الظرف والزواج في ظل ظروف الحرب القاهرة‪،‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ويتفنن القاص في أسلوب عرض أحداثه‬ ‫الرئيسة منها أو الثانوية‪ ،‬وتستأثر استهاللة‬ ‫واج َهتُه والطريقة‬ ‫الحدث باالهتمام‪ ،‬ألنها ِ‬ ‫التي يجتذب بها القاص قارئه‪ ،‬ف��إذا نجح‬ ‫في إدخاله عالم قصته‪ ،‬فإن في هذا بداية‬ ‫النجاح‪ ،‬على أن ال يخدع قارئه أو يتعبه‬ ‫بمفاصل شيقة‪ ،‬ولكنها ال ت��ؤدي إل��ى بناء‬ ‫متماسك لألحداث؛ ألن القارئ قد يخيب‬ ‫ظنه بالكاتب حين يكتشف أن استهاللة‬ ‫الحدث لم تؤ ّد إلى خاتمة فنية مقنعة‪ ،‬لذلك‬ ‫ف��إن خاتمة الحدث ينبغي أن تكون نهاية‬ ‫طبيعية لسياقات أحداث القصة وتفاصيلها‬ ‫المحبوكة‪ ،‬وكثيراً ما يميل القاص المعاصر‬ ‫إلى النهاية غير الحاسمة للحدث كالزواج‬ ‫في الحكاية الخرافية أو الشعبية عامة‪،‬‬ ‫ولكن القاص وبوعي منه يترك فجوات في‬ ‫خاتمة حدثه‪ ،‬غرضه منها أن يحرك ذهن‬ ‫ال م��ع قصته عبر‬ ‫ال��ق��ارئ ويجعله متفاع ً‬ ‫توقعات القارئ للنهاية وحدسه لها‪.‬‬ ‫وإذا ك��ان ك��ات��ب ال��س��ي��رة الشعبية يبدأ‬ ‫بالحدث منذ والدة البطل وينهيه بموته‪ ،‬فإن‬ ‫القاص المعاصر ينوع في أسلوب عرض‬ ‫حدثه‪ ،‬فهو قد يبدأ منذ بداية حدثه الرئيس‪،‬‬ ‫ويمهد ألحداث الحقة فيه وينهيه بأسلوب‬ ‫فني‪ ،‬وربما يلجأ إلى تقنية االرتجاع الفني‬ ‫(الفالش باك)‪ ،‬وكما ترجمها مجدي وهبه‬ ‫في معجم مصطلحات األدب‪ ،‬إذ يبدأ القاص‬

‫وف��ي القَصص التقليدي ال ب��د للحدث‬ ‫من ذروة‪ ،‬إذ يبدأ من نقطة ما‪ ،‬ثم يتصاعد‬ ‫باتجاه القمة التي هي الذروة أو العقدة‪ ،‬وما‬ ‫إن يصل إليها العمل القصصي حتى يبدأ‬ ‫الحدث بالهبوط باتجاه الخاتمة‪ ،‬مما يشكل‬ ‫شبه مثلث قمته عقدة الحدث أو ذروت��ه‪،‬‬ ‫وقاعدته ترتكز إلى نقطتين إحداهما تمثل‬ ‫منطلق القصة وبدء أحداثها‪ ،‬واألخرى تمثل‬ ‫نهاية رحلة البطل واستقراره وسكونه إثر‬ ‫حركته الدائبة التي شكلت أح��داث العمل‬ ‫�ص‬ ‫ال��ق��ص��ص��ي‪ ،‬وال ت��ل��ت��زم ك��ل أن��م��اط ال��ق� ّ‬ ‫المعاصر بمثل هذا‪ ،‬بل إنها تختط لألحداث‬ ‫مسارات أخر ى تبدو أكثر حرية في حركتها‪،‬‬ ‫وهي تنصرف إلى العمل القصصي وتحكم‬ ‫عالقاته وصالت عناصره ببعضها‪ ،‬بحيث‬ ‫يبدو مثل لوحة متناسقة األبعاد واألل��وان‪،‬‬ ‫ف���إذا م��ا طغى أح��د األب��ع��اد أو األل����وان‪..‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ومن الطبيعي أن يتبادل الحدثان (الداخلي‬ ‫والخارجي) التأثير والتأثر‪ ،‬نظراً ألن الصلة‬ ‫بينهما جدلية وساخنة‪.‬‬

‫بالحدث من نهايته ويسترجع تفاصيله من‬ ‫خ�ل�ال ذاك����رة ب��ط��ل ال��ق��ص��ة‪ ،‬وق���د يمسك‬ ‫القاص الحدث من وسطه أو من نقطة ما‬ ‫فيه‪ ،‬ثم يسترجع التفاصيل السابقة الممهدة‬ ‫له ويمهد بدوره لتفاصيل الحقة فيه تنتهي‬ ‫بخاتمة فنية مناسبة‪ ،‬وربما يوائم القاص‬ ‫بين أح���داث ال��زم��ن ال��م��اض��ي وال��ح��اض��ر‪،‬‬ ‫عبر سردها بأسلوب مختلف ال يخفى على‬ ‫القارئ المتعمق‪ ،‬أو عبر أسلوب طباعتها‪،‬‬ ‫فأحداث الزمن الماضي بحروف أصغر أو‬ ‫بحروف مائلة‪ ..‬وما إلى ذلك من أساليب‬ ‫قد يلجأ إليها القاص الفنان مستفيداً مما‬ ‫وفرته له تقنيات الطباعة الجديدة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪117 )2016‬‬


‫ف��إن االض��ط��راب يشيع ف��ي عموم اللوحة‬ ‫القصصية الفنية‪.‬‬

‫ويمكن للقارئ أن يعود إلى م��ادة (ح د ث)‬ ‫في كل المعاجم العربية كي يتأكد من أنها‬ ‫دالة على اإلخبار والحصول‪ ،‬وكونها كذلك‪..‬‬ ‫يجعل الحدث مرتبطاً بالضرورة بمحورين‪،‬‬ ‫أح��ده��م��ا‪ :‬زم���ان ح��ص��ول ال��ف��ع��ل‪ ،‬أو لنقل‬ ‫السقف الزماني للحدث‪ ،‬واآلخر‪ :‬األرضية‬ ‫المكانية التي ال يمكن للحدث أن يتحقق إلاّ‬ ‫على مهادها‪ ،‬والعنصران كالهما – وأعني‬ ‫بهما ال��زم��ان وال��م��ك��ان – ال ينفصالن عن‬ ‫الحدث بأيِّ شكل من األشكال‪ ،‬صحيح إن‬ ‫بعض قصص الخيال العلمي تختار نقطة‬ ‫بعيدة في الماضي السحيق أو في المستقبل‬ ‫البعيد‪ ،‬بيد أنها ال تفلت بهذا من عنصر‬ ‫الزمان‪ ،‬بل ترتب أحداثها بما يناسب تلك‬ ‫العصور واألزم��ان‪ ،‬وينطبق هذا تماماً على‬ ‫القصاصين الذين هربوا من تصوير الواقع‪،‬‬ ‫وادع����وا أن��ه��م يكتبون قصصاً ع��ن كوكب‬ ‫المريخ أو الزهرة أو القمر‪ ،‬ولكنّ الهدف‬ ‫الرمزي بيِّن‪ ،‬إذ غالباً ما يلجأ القاص إلى‬ ‫مثل هذا األسلوب من أجل أن يتفرد بتجربة‬ ‫قصصية‪ ،‬يتجاوز من خاللها المألوف من‬ ‫التجارب القصصية السائدة‪.‬‬

‫وقد ال يقتنع القاص المعاصر بالحدث‬ ‫الواقعيّ الذي يوازي األحداث التي تحصل‬ ‫في الحياة‪ ،‬ويجاريها‪ ..‬فيلجأ إلى الحدث‬ ‫ال��رم��زي ال���ذي ي��ن��ط��وي ع��ل��ى غ��اي��ة فنية‪،‬‬ ‫فلقد أف���اق غ��ري��غ��ور سامسا (ب��ط��ل رواي��ة‬ ‫المسخ) لكاتبها فرانز كافكا ذات صباح‪،‬‬ ‫ليجد نفسه وقد استحال إلى حشرة كبيرة‪،‬‬ ‫وبدأت معاناته في استحالة التجانس بينه‬ ‫وبين مَن هم حوله من أفراد أسرته وزمالء‬ ‫عمله‪ ،‬إن المستوى ال��رم��زي لهذا الحدث‬ ‫هو اإلش��ارة إل��ى اغتراب بطل ال��رواي��ة عن‬ ‫مجتمعه‪ ،‬وتناشزه مع واقعه إلى الح ِّد الذي‬ ‫يبدو فيه مسخاً في نظر اآلخرين‪ ،‬وربما‬ ‫قصد كافكا أن اإلنسان حين يواجه أزمته‬ ‫يجد نفسه وحيداً‪ ،‬إذ يتخلى عنه حتى أفراد‬ ‫أسرته‪ ،‬وقد عبّر بحدث المسخ الرمزي عن‬ ‫كل هذا رغبة في التميز في أسلوب صياغة‬ ‫الحدث وعرضه‪ ،‬وتعتمد بعض أنماط القص‬ ‫كالروايات البوليسية على إضفاء الغموض‬ ‫لا ع��ن حشد‬ ‫ع��ل��ى ع��ن��ص��ر ال���ح���دث‪ ،‬ف��ض� ً‬ ‫المصادفات التي يندر حصولها في عالم‬ ‫وحين نستعرض النصوص السردية التي‬ ‫الواقع‪ ،‬ولكن مثل هذه الروايات تظل أقل تجاوزت زمنها‪ ،‬ونفذت إلى أجيال الحقة‪،‬‬ ‫فنية من سواها على الرغم من أنها تستأثر فإننا نجد ب��ال��ض��رورة أن عنصر الحدث‬ ‫بجمهور عريض من القراء‪.‬‬ ‫فيها كان مميزا بل استثنائيا‪ ،‬إذ استطاع أن‬ ‫وال��ح��دث ف��ي ج���ذره ال��ع��رب��ي م��ص��در ال يسطع وسط ركام هائل من األعمال السردية‬ ‫يختلف فعله في رسم حروفه عن مصدره‪ ،‬المكرورة حد االنطفاء‪.‬‬ ‫* أستاذ اللغة العربية في قسم اللغات األجنبية بكلية واشتناو أن آربر ‪ -‬مشيكان ‪ -‬الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫النص العميق‬ ‫والنص العقيم‬ ‫‪ρρ‬أ‪ .‬حورية أفقير*‬

‫لو كان العُ مق مقدمةً ‪ ،‬ألمكنه أن يدلَّ على نتيجته‪ ،‬ولو كان العُ قم نتيجةً ‪ ،‬لما‬ ‫أمكنه أن يدلَّ على مقدمته‪ ،‬ذلك ألن العمقَ بوسعه أن يدلَّ على سالمة االرتفاع‪،‬‬ ‫أما العقم فال سالمة قبله وال بعده انتفاع‪ .‬ففي األدب يمكن اعتبار العق َم قاعدةً‪،‬‬ ‫والعمقَ استثناءً ‪ ،‬إذ يصح التقرير بأن جميع الكُ تاب يمكنهم أن يكتبوا‪ ،‬لكن ال‬ ‫يصحبه التقدير ب��أن ما يكتبون جميع ًا يبدو نصوص ًا جدير ًة بالبقاء‪ ،‬بمعنى؛‬ ‫قادرة على التكاثر‪ .‬وما ليس بقادر على التكاثر‪ ،‬فال بقاء له إال جماداً‪ ،‬والجماد‬ ‫ال حياة فيه‪ ،‬إذ ًا كيف يمكن للنص األدبي أن يبقى حياً؟‬ ‫قد يصح الجواب على هذا السؤال انتفاء التعدد الداللي‪.‬‬

‫بالقول إن النص األدب��ي يبقى حياً من‬ ‫خالل النص النقدي الذي يوحي به إلى‬

‫ذهن الناقد‪ ،‬إذاً فإن «اإليحاء» يتضمن‬ ‫«اإلح��ي��اء»؛ وبالتالي فكلما اعتُمد في‬ ‫نسج النص األدب���ي على لغة اإلي��ح��اء‪،‬‬

‫إن ق���درة ال��ك��ات��ب ع��ل��ى ان��ت��ق��اء لغة‬ ‫اإلي��ح��اء‪ ،‬ت��س��اوي‪ -‬إل��ى ح��د م��ا‪ -‬ق��درة‬ ‫ال��ن��اق��د ع��ل��ى إح��ي��اء ن��ص��ه األدب����ي من‬ ‫النص‬ ‫ُّ‬ ‫خالل النص النقدي‪ ،‬فكما يمنح‬

‫استطاع أن يعيد إنتاج نفسه نقدياً فيما األدبيُّ نفسَ ه للمبدع‪ ،‬كذلك يمنح نفسه‬ ‫بعد‪ ،‬وكلما اعتُمد فيه على لغة التقرير‪ ،‬للقارئ الناقد‪ ،‬إذ يصح االفتراض بأن‬ ‫مال إلى العجز الذي قد يكون عُقماً في كليهما قارئ قبل أن يكون كاتباً‪ ،‬فالمبدع‬

‫ُّ‬ ‫حالة ما إذا وص��ل‬ ‫النص إل��ى مستوى يقرأ الذاكرة والواقع والخيا َل والطبيعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪119 )2016‬‬


‫نصه‬ ‫شاعراً وس���ارداً‪ ،‬قبل أن يقرأ الناق ُد َّ‬ ‫دارساً‪ ،‬والنص العميق هو القادر على الخلق‪،‬‬ ‫ألن��ه مولود وليس فقط مكتوباً‪ ،‬أم��ا النص‬ ‫العقيم‪ ،‬فهو مجرد مكتوب‪ ،‬وليس مولوداً‪.‬‬ ‫وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فإن النص األدبيَّ األصيل‬ ‫يتوالد‪ ،‬يتكاثر‪ ،‬وه��و بذلك (ول��ذل��ك) قادر‬ ‫على إنجاب النص النقدي؛ بينما يظل النص‬ ‫العقيم أبتر ال تحبل مخيلة الناقد بشكله وال‬ ‫بمضمونه‪ ،‬وهكذا قد يؤدي اإلجهاد بالدارس‬ ‫أحس الناقد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫في دراسته إلى اإلجهاض‪ .‬إذا‬ ‫النص األدبيَّ ‪ ،‬بأنه يستطيع أن يكتب‬ ‫وهو يقرأ َّ‬ ‫عنه دراسة نقدية بدون تكلُّف وال مجامالت‬ ‫لصاحبه‪ ،‬فذاك هو النص العميق‪ ،‬وإذا شعر‬ ‫الناقد بالبياض في نفسه وهو يقرأ نصاً‪،‬‬ ‫فذاك يعني أن النص المقروء عقيم‪ ،‬وبذلك‬ ‫يكون الناقد أمام خيارين؛ إما أن يكتب عنه‬ ‫دراسة ملفَّقة غير موفَّقة‪ ،‬وإما أن يركِّز على‬ ‫صاحبه بدل الكتابة عنه‪ ،‬وما أكثر القراءات‬ ‫�اص ب��دل النص‪،‬‬ ‫النقدية ال��دائ��رة ح��ول ال��ن� ِّ‬ ‫�اص ب��دل ال��ن��ص على‬ ‫وإن دل��ت دراس���ة ال��ن� ِّ‬ ‫شيء‪ ،‬فإنما تدل على عقم النص‪ ،‬والعكس‬ ‫صحيح؛ أي كلما ارتكزت الدراسة النقدية‬ ‫الناص‪ ،‬دل ذلك على عمق‬ ‫ّ‬ ‫على النص بدل‬ ‫النص‪ .‬فالمعادلة بسيطة ج��داً‪ ،‬وه��ي؛ يُعد‬ ‫النص ناجحاً كلما استطاع أن يُلهم اآلخرين‬ ‫بنصوص أخرى‪.‬‬

‫األرض‪ ،‬فإن دالالت النص تتغلغل في بياض‬ ‫ال��ورق؛ أي فيما بين السطور‪ .‬وإذا كان علو‬ ‫الشجرة وامتداد أغصانها في السماء يدل‬ ‫على عمق جذورها في األرض‪ ،‬فإن ما بين‬ ‫سطور النص العميق يدل عليه ملء السطور‪،‬‬ ‫أما النص العقيم فإن ظاهره دليل على فشل‬ ‫باطنه‪ ،‬كما تكون األغصان الذابلة المتضائلة‬ ‫ال على فشل الجذور‪.‬‬ ‫دلي ً‬ ‫�دارس‬ ‫َ‬ ‫إن النص األدب��ي العميق يمكِّن ال�‬ ‫من تقدير عمقه انطالقاً من سم ِّو ألفاظه‪،‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فهو يستطيع النفوذ إل��ى عمقه‬ ‫والوصول إلى لحظة بداية تشكّله‪ ،‬حيث يبدو‬ ‫النص في مخيلته مستعداً إلع��ادة اإلنتاج‬ ‫ّ‬ ‫النقدي‪ ،‬م��ن خ�لال الفهم المعمَّق لمنطق‬ ‫انتشاره على مستوى البنية وال��دالل��ة‪ ،‬إلى‬ ‫الحد الذي يضمن لدراسته‪-‬على األقل‪ -‬أن‬ ‫تبدو مقنعة‪ ..‬حتى وإن لم تب ُد ممتعة‪.‬‬

‫إن عقم النص األدبي يؤدي إلى قمع النص‬ ‫الناص‬ ‫ّ‬ ‫النقدي‪ ،‬من خالل انشغال الناقد بمدح‬ ‫على حساب الدراسة النقدية الموضوعية‬ ‫للنص‪ ،‬وهذا ال يعني أنني أحاول قتل المؤلف‬ ‫من جديد‪ ،‬لكني أح��اول أال أسكت عن قتل‬ ‫الناقد‪ ،‬إذ يبدو أن سفك المداد لم يتوقف‬ ‫الناص‪ ،‬قبل‬ ‫ّ‬ ‫منذ أيام قابيل البنيوي الذي قتل‬ ‫ظهور المنهج التفكيكي الذي ألحق به النص‪،‬‬ ‫ولم يبق إال القارئ‪ /‬الناقد‪ ،‬غير أنّا سرعان ما‬ ‫َّ‬ ‫النص‬ ‫َّ‬ ‫إن‬ ‫األدب��ي مثل الشجرة التي كلما بدأنا نرى الناقد يحتضر أمام حاضر النص‪،‬‬ ‫تعمَّقت جذورها في األرض‪ ،‬امتدت أغصانها إذ انصرف إلى ماضيه‪ ،‬حتى كدنا‪ -‬خصوصاً‬ ‫في السماء‪ ،‬وإذا كانت الجذور تتغلغل في تربة في عالمنا العربي‪ -‬ننسى بأن لقب «الناقد»‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫القبور والكتابة عن المؤلفين الموتى دون‬

‫للناص‬ ‫ّ‬ ‫سواهم‪ .‬نعم؛ إن ذلكم القتل النظري‬

‫في الغرب‪ ..‬تحوّل إلى شبه قتل عملي في‬

‫األدب العربي؛ ذلك ألن الناقد العربي (إال من‬

‫مهما كان األديب موهوباً أو عبقرياً‪ ،‬فال‬ ‫تكاد تجد منبراً عربياً ينشر لك دراسة حول‬ ‫أعماله ما دام حياً‪ ،‬إال بشق النفس‪ ،‬وإن كنا‬ ‫قد بدأنا نالحظ مؤخراً في المغرب‪ ،‬على‬ ‫األقل‪ ،‬العديد من الرسائل الجامعية تتناول‬ ‫مؤلفين ما يزالون أحيا ًء يُرزقون‪ ،‬وهذا يبشر‬ ‫بالخير‪ ،‬وإن كنتُ شخصياً‪-‬وبصراحة‪ -‬ال‬ ‫أدري مَن هم هؤالء الذين ما يزالون يقرؤون‬ ‫تلك ال��رس��ائ��ل األك��ادي��م��ي��ة ال��ت��ي ت��ك��اد تبدو‬ ‫فارغة‪ ً،‬إال من التبويب واإلطناب واإليغال‬ ‫في االج��ت��رار؛ ففي تلك الرسائل الجامعية‬ ‫و لألسف الشديد‪ -‬يمكننا أن نقرأ الفاتحة‬‫على المؤلف‪ ،‬إذ يبدو أن هذه الرسائل لم تعد‬ ‫سوى طقوس يمارسها الطلبة على األوراق‬ ‫قبل تخرُّجهم من الجامعات‪.‬‬

‫مما اشتهروا بحياتهم‪ ،‬هذا بصرف النظر‬

‫إذا ك��ان ه��ذا ح��ال حتى من يكتبون عن‬ ‫األحياء من الطلبة‪ ،‬فأيّ ناقد ذاك األكاديمي‬ ‫ال��ذي ال يكاد يضيف بضع جمل مفيدة في‬ ‫رسالته المرسلة من وإل��ى أه��ل القبور؟ إن‬ ‫التعلق النقدي بالمقابر‪ ،‬في الواقع‪ ،‬ال يد ُّل‬ ‫الناص‪ ،‬بل يدل على موت الناقد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على موت‬ ‫أو على احتضاره في الحد األدنى‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫عصرنا الحالي مليء بالمبدعين الموهوبين‪،‬‬ ‫شئنا أم أبينا‪ ،‬وال يتحاشاهم الناقد التقليدي‬ ‫إال تعبيراً عن احتضاره هو‪ ،‬ذلك ألنه غير‬

‫رحم ربنا‪ ،‬ونحن ال نعمِّم) انصرف إلى دراسة‬

‫أعمال الموتى على حساب األحياء‪ ،‬حتى كدنا‬

‫نلحظ بوضوح أن األدي��ب الحيِّ ال يكاد يتم‬

‫تكريمه وال دراسة عمل من أعماله إال بعد أن‬ ‫يقضي نحبه‪ ،‬فكأنه ال بد من استيفائه شرط‬ ‫الموت قبل أن تهبَّ األقالم الدارسة لتدرس‬

‫أوراقه الجافة في بيادر «كان» وأخواتها‪.‬‬

‫من المعروف أن ال��دراس��ات التي تُكتب‬

‫حول أعمال المؤلفين األحياء‪ ،‬ال تكاد تتبناها‬

‫ربما أغلب المنابر العربية‪ ،‬فال تنشرها دار‬ ‫نشر‪ ،‬وال مجلة‪ ،‬وال وزارة ثقافة‪ ،‬وال اتحاد‬

‫كتاب‪ ،‬ولكن‪ ،‬في المقابل‪ ،‬يندر أن تُرفض‬

‫لك دراسة نقدية حول امرئ القيس‪ ،‬أو غيره‬ ‫من الشعراء الذين ربما اشتهروا بموتهم أكثر‬ ‫عن ج��ودة تلك ال��دراس��ة؛ فكأن الكتابة عن‬ ‫أدبائنا الذين شبعوا موتاً حتى التخمة‪ ،‬يشفع‬

‫لك ويرفعك إلى مقام النقاد‪ ،‬حتى وإن لم‬

‫يسبق لك أن أشهرت قلمك في وجه أحد من‬ ‫األحياء‪ ،‬وهكذا صرنا نقرأ‪ ،‬بين حين وآخر‪،‬‬

‫كتاباً تنشره مجلة كذا‪ ،‬أو دار نشر كذا‪ ،‬لمجرد‬

‫أنه يحمل عنوان ذي سابقة أو الحقة «الشعر‬ ‫الجاهلي كذا»‪ ،‬أو «العباسي»‪ ،‬أو «األموي»‪ ،‬أو‬

‫غيره‪ ..‬ما يؤكد بأن الكتاب مُنزَّه عن المؤلفين‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ال يُطلق حصرياً على المتخصص في نبش‬

‫األحياء ممن يُراد لهم أن يُقتلوا بغير ذنب‪ ،‬أو‬ ‫يُنفوا من المشهد الثقافي العربي؛ فذلكم هو‬ ‫معنى السفك البنيوي لمداد المؤلف‪ ،‬والذي‬ ‫تحوَّل عندنا إلى سفك للدماء!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪121 )2016‬‬


‫ق��ادر على مواجهة النص ال��ح��دي��ث‪ ،‬وغير محترمة‪ ..‬بدأت تعتمد التحكيم المبني على‬ ‫مؤهل إلصدار األحكام النقدية؛ إنه ال يتمتع ق��راءة النص دون إط�لاع القاريء‪/‬المُحكِّم‬ ‫�اص‪ ،‬وه��ذا عمل يستحق كل‬ ‫بالسلطة التقديرية‪ ،‬فهو معتاد على التقليد على اس��م ال��ن� ّ‬ ‫وي��خ��اف م��ن ال��ت��ج��دي��د‪ ،‬أي إذا رأى ن��اق��داً االح��ت��رام والتقدير واإلع��ج��اب‪ ،‬فهو يسعى‬ ‫سابقاً يستحسن نصاً‪ ..‬فهو أيضاً ال يتردد بجدية ومصداقية عالية إلى إنقاذ ما يمكن‬ ‫في استحسانه‪ ،‬وإذا رأى غيره يستقبحه‪ ،‬إن��ق��اذه من المشهد الثقافي‪ ،‬ال��ذي نخرته‬ ‫فال يتردد في استقباحه‪ ،‬وهكذا صار بعض األسماء على حساب المسميات‪ ،‬ففي اليوم‬ ‫النقاد يلبس بعضهم بعضاً‪ ،‬حتى صعب علينا‬ ‫الذي ترقى فيه معظم المنابر والمؤسسات‬ ‫التفريق بين األصيل والوكيل‪.‬‬ ‫الثقافية العربية إلى هذا المستوى‪ ،‬سوف‬ ‫كم ناقد عندنا بإمكانه أن يصدر حكمه يمكن الحديث عن المحتوى العربي األصيل‬ ‫النقدي على نص محجوب المؤلف؟ إن هذا والحقيقي‪ ،‬ال��ذي يمكن أن يرقى باإلنسان‬ ‫السؤال قد يبدو بسيطاً‪ ،‬لكنه في الواقع سؤال العربي إلى المستوى المطلوب من التقدم‬ ‫صعب جداً‪ ،‬فما أكثر النقاد (وطبعاً ال أعمم) واالزدهار‪.‬‬ ‫الذين ال يصدرون أحكامهم انطالقاً من قراءة‬ ‫وكمثال ملموس على ما تقدَّ م‪ ،‬أنا شخصياً‬ ‫النص‪ ،‬بل انطالقا من قراءة السيرة الذاتية‬ ‫للناص! فإذا كان هذا األخير صاحب شهرة‪ ،‬أعرف مجلتين؛ واحدة تدفع لكتابها مكافآت‬ ‫ّ‬ ‫قد يُرجَّ ح أن يبدو نصه قوياً‪ ،‬متيناً ومتماسكاً ُم��ج��زي��ة‪ ،‬وأخ���رى ال ت��دف��ع لهم ش��ي��ئ�اً‪ ،‬ومع‬ ‫يستحق ال��ف��وز‪ ،‬وإذا ك��ان صاحبه مغموراً‪ ،‬ذلك أقول بصراحة‪ :‬ال مجال للمقارنة بين‬ ‫فكما قال ناس الغيوان؛ «اللي ما عنده فلوس المواضيع التي تنشرها تلك المجلة المكافِ ئة‪،‬‬ ‫كالمه مسوس»‪ .‬ال أشك في أن قارئي الكريم والتي تنشرها المجلة غير المكافِ ئة‪ ،‬فاألولى‬ ‫يعرف هذه الحقيقة المرة‪ ،‬وال أكاد أشك في ال أكاد أجد فيها مقاالً يستحق القراءة‪ ،‬في‬ ‫أنه قرأ عدة أعمال أدبية ت َّم إقصاؤها من حين أجد الثانية غنية بالمواضيع الراقية‬ ‫هنا وهناك‪ ..‬لمجرد أن أصحابها ليسوا من والشيقة التي منها ما يستحق القراءة مراراً‬ ‫المشاهير أو ما شابه‪ ،‬والعكس صحيح؛ فيا لقوة إقناعه وإمتاعه‪ ،‬فكل ه��ذه األع��راض‬ ‫ليته يأتي يوم تبسيط المساطير والكشف عن يمكن ربطها بتعلُّق بعض النقد التقليدي‬ ‫المساتير‪.‬‬ ‫بالناص بدل النص‪ ،‬وهكذا يح ُّل العُقم محلَّ‬ ‫ِّ‬ ‫وحتى نكون منصفين ف��ي ه��ذه ال��ورق��ة‪ ،‬العُمق‪ ،‬ويحت ُّل التوقُّف مرتبة التفوُّق‪ ،‬ويعتلي‬ ‫نختم ب���اإلش���ارة إل���ى أن ه��ن��اك مؤسسات التلفيق عرش التوفيق‪.‬‬ ‫* باريس‪.‬‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫عارف بن مفضي المسعر‬ ‫رجل العلم واإلدارة والتسامح*‬

‫‪ρρ‬غازي خيران امللحم**‬

‫ل��م تتح ل��ي ف��رص��ة التعرف على ه��ذا اإلن�س��ان – يرحمه اهلل‪ -‬أو لقائه أثناء‬ ‫حياته‪ ..‬لكن قيض اهلل لي االط�لاع على بعض الجوانب من شخصيته الفذة‪،‬‬ ‫من خالل ما سمعت عنه من بعض األف��واه المنصفة‪ ،‬أو عبر إشراقاته الكتابية‬ ‫وأعماله اإلبداعية‪ ،‬التي دبجها في مختلف العلوم اإلنسانية‪ ،‬وما تزال تفرض‬ ‫وجودها بقوة في سفر األوساط الثقافية‪ ،‬فيفوح شذاها عبقا في أرجاء مؤلفاته‬ ‫العديدة‪ ،‬التي تراوحت بين ال��دراس��ات اإلسالمية والفلسفية‪ ،‬واألعمال األدبية‬ ‫والتربوية‪ ،‬فأثرى بها المكتبة العربية‪ ،‬وكأن الشاعر كان يقصده حين قال‪:‬‬

‫ت� � � � � � �ل � � � � � ��ك آث � � � � � � � � � � ��ارن � � � � � � � � � � ��ا ت� � � � � � � � � � � � ��دل ع� � � �ل� � � �ي� � � �ن � � ��ا‬ ‫ف � � � � � ��ان� � � � � � �ظ � � � � � ��روا ب � � � � �ع� � � � ��دن� � � � ��ا إل� � � � � � � � � ��ى اآلث� � � � � � � � � ��ار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪123 )2016‬‬


‫حياته‬

‫صفاته‬ ‫أثناء مطالعاتي عنه في ثنايا العديد من‬

‫المصادر وال��دراس��ات‪ ،‬وجدته إنسانا قبل‬ ‫كل ش��يء‪ ،‬مفطوراً على اإلنسانية البحتة‪،‬‬ ‫مطبوعا بطابع الخير‪ ،‬بكل ما تحمل هذه‬

‫الكلمة من معنى‪ ،‬بتواضعه الجم‪ ،‬وعلمه‬

‫الفياض‪ ،‬وأريحيته التي ال تخفى على أحد‪،‬‬

‫ممن عرفوه وعايشوه عن قرب‪.‬‬

‫ك��ان��ت ح��ي��ات��ه مضمخة ب��أري��ج العطاء‬

‫الوطني المثمر‪ ،‬والتفاعل ال��وج��دان��ي مع‬

‫محيطه االجتماعي والمهني‪ ،‬يسوس األمور‬ ‫بحكمة وروية نادرة المثال‪ ،‬يغبطه عليها كل‬ ‫من واكبه‪ ،‬وشهد مسيرته المهنية والعلمية‬

‫والتربوية‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬ومهما قلت في ه��ذا ال��رج��ل‪ ،‬لن‬

‫أوفيه إال الجزء اليسير من حقه‪ ،‬كأديب‪،‬‬

‫ومفكر‪ ،‬ومعلم‪ ،‬وإداري جاد‪ ،‬شديد الحرص‬ ‫ع��ل��ى إن���ج���اح أي ع��م��ل ي��ض��ط��ل��ع ب��أع��ب��اء‬

‫مسؤوليته‪ ،‬مهما كان حجم ذلك العمل أو‬

‫ول��د «ع���ارف ب��ن مفضي المسعر»‪ ،‬في‬ ‫مدينة «سكاكا» عام ‪1358‬هـ‪ ،‬فنشأ وترعرع‬ ‫في ربوعها الخيرة‪ ،‬في كنف عائلة عريقة‬ ‫النسب طيبة المحتد‪ ،‬ملتزمة ب��األخ�لاق‬ ‫اإلسالمية السمحة‪ ،‬وتعاليم ديننا الحنيف‪،‬‬ ‫وفي هذه األجواء المفعمة بالنبل واإليمان‪،‬‬ ‫أخذت مداركه تتفتح‪ ،‬وتفصح عن مكنوناتها‬ ‫الفتية‪ ،‬ف��ي ظ��ل ورع��اي��ة وال���ده «مفضي»‬ ‫يرحمه اهلل‪ ..‬فورث عنه الكثير من الخصال‬ ‫الحميدة‪ ،‬والسجايا الكريمة‪ ،‬عندما بدأ‬ ‫يخطو خطواته األول��ى على دروب الحياة‪،‬‬ ‫ويسلك مسالكها‪ ،‬ويلج محطاتها المتتالية‪.‬‬ ‫كانت أول��ى تلك المحطات‪ ،‬وعلى عادة‬ ‫أبناء جيله في ذلك الوقت من عمر الزمن‪،‬‬ ‫التحاقه ب ٌكتّاب‪ /‬الشيخ «فيصل بن مبارك»‪،‬‬ ‫في «سكاكا»‪ ،‬ليتلقى على يديه مبادئ القراءة‬ ‫والخط‪ ،‬وتعلم القرآن الكريم حفظا وتالوة‪،‬‬ ‫وقد تيسر له ذلك بسرعة قياسية‪ ،‬مقارنة‬ ‫بعمره آنذاك‪..‬‬

‫وعندما لمس «الشيخ فيصل» في تلميذه‬ ‫ن��وع��ه‪ .‬وأم���ام ه��ذا ال��رج��ل الموسوعة‪ ..‬ال‬ ‫يسعني إال الترديد مع الزبيري في مرثيته‪ :‬بوادر نبوغ وعبقرية‪ ،‬شجعه وشد من أزره‪،‬‬ ‫وضاعف الجهد في تعليمه‪ ،‬بطرق مبتكرة‬ ‫جزيت جزاء المحسنين مضاعفا‬ ‫مثالية‪ ،‬ترقى في مستواها التعليمي إلى‬ ‫كما ج��دواك النـــــــــدى المتضاعف‬ ‫أعلى الدرجات التربوية السائدة في أيامه‪،‬‬ ‫حبيب إل��ى اإلخ� ��وان ي ��رزون ماله‬ ‫ظل «المسعر» وفيا لها‪ ،‬متمثال مالمحها‬ ‫وآت لما يأتي ام��رؤ الصدق عارف نهجا وسلوكا حتى آخر عمره‪..‬‬

‫ب �ك��ت داره م ��ن ب� �ع ��ده وت�ن�ك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رت‬ ‫معالم الجــــوف من آفاقها ومعارف‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫وما كاد الفتى ينهي دروسه في ال ُكتّاب‪،‬‬ ‫حتى ألحقه والده بمدارس التعليم النظامي‪،‬‬


‫ون��ب��وغ��ه ال��م��ب��ك��ر‪ ..‬وت���م تعيينه فعليا في‬ ‫المدرسة «الشمالية االبتدائية‪ -‬مدرسة‬

‫فلسطين حاليا» في مدينة «سكاكا «حاضرة‬

‫منطقة الجوف‪.‬‬

‫وهكذا دخ��ل «المسعر» معترك الحياة‬

‫الوظيفية‪ ،‬وبتأهيل تربوي بسيط‪ ،‬في الوقت‬

‫ال��ذي لم يكن فيه التعليم الحديث متاحاً‬

‫ألبناء المنطقة‪ ،‬وكما هي عليه الحال في‬ ‫معظم البالد العربية‪.‬‬

‫شكلت ه���ذه االن��ع��ط��اف��ة ال��ج��دي��دة في‬

‫حياة الشاب «المسعر»‪ ،‬نقلة نوعية أهلته‬

‫إل��ى دخ��ول معترك الحياة العملية‪ ،‬وول��وج‬ ‫رحابها من بابها الواسع‪ ،‬ليبدأ مرحلة أخرى‬

‫من مراحل العمل والعلم واالجتهاد‪ ،‬تمثلت‬ ‫بالكثير من المواقف التي اجتاز معظمها‬

‫بنجاح‪..‬‬

‫مؤهالته التعليمية‬ ‫منذ البداية كان «المسعر» شغوفا بدراسة‬

‫العلوم الدينية‪ ،‬ومن المتفوقين الذين درسوا‬

‫«القرآن الكريم» وعلوم الدين في وقت مبكر‪،‬‬ ‫السيما بين تالميذه وغيرهم من المهتمين‪.‬‬

‫وك��ان له أث��ره التربوي الواسع والممتد في‬

‫«منطقة الجوف» خاصة‪ ،‬عندما أسهم بقوة‬ ‫وفهم في دفع عجلة التعليم إلى األمام بقدر‬

‫المستطاع‪ .‬فتتلمذ على يديه أجيا ٌل من طلبة‬

‫وألن «ال��م��س��ع��ر» م��ج��ب��و ٌل ع��ل��ى محبة‬ ‫وشغوف بالتزود من معينه ال��ذي ال‬ ‫ٌ‬ ‫العلم‬ ‫ينضب‪ ،‬فقد واص���ل دراس��ت��ه حتى حصل‬ ‫على الشهادتين المتوسطة والثانوية‪ ،‬ثم‬ ‫بكالوريوس في اآلداب ‪ -‬قسم اللغة العربية‬ ‫من «جامعة الرياض» عام ‪1390‬هـ‪ .‬ثم تابع‬ ‫مسيرة البحث العلمي في مصر‪ ،‬فنال درجة‬ ‫الماجستير في اللغة العربية وآداب��ه��ا من‬ ‫«جامعة عين شمس» عام ‪1400‬هـ (‪1980‬م)‪.‬‬ ‫ولم يتوقف «المسعر» عند هذا الحد‪ ،‬بل‬ ‫واصل مسيرته في الصعود إلى قمة الهرم‬ ‫التعليمي‪ ،‬حيث ن��ال ع��ام ‪1984‬م درج��ة‬ ‫الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها‪.‬‬ ‫واس��ت��م��ر «ال��م��س��ع��ر»‪ ،‬يعمل ف��ي الحقل‬ ‫ال��ت��رب��وي‪ ،‬وع��ل��ى م���دى ع��ق��ود م��ن ال��زم��ن‪،‬‬ ‫متنقال من موقع آلخر‪ ،‬إلى أن أصبح مديراً‬ ‫عا ّمًا للتعليم في «منطقة الجوف»‪ ،‬قبل أن‬ ‫يتحوّل إلى مجال أخر في خدمة منطقته‪،‬‬ ‫حيث عمل أمينا عاما لمجلس المنطقة‪،‬‬ ‫كآخر محطة من محطات مسيرته في العمل‬ ‫الحكومي والرسمي وقبل أن يتقاعد عام‬ ‫‪1418‬هـ‪ ،‬ليتفرغ لمشروعه الثقافي الخاص‬ ‫الذي طالما راوده الحلم بتحقيقه‪ ،‬والمتمثل‬ ‫ف��ي إن��ش��اء «دار م��ع��ارف ال��ع��ص��ر» للنشر‬ ‫والتوزيع بالمنطقة‪ ،‬إليمانه ما للمطابع من‬ ‫دور مهم في نشر الثقافة والعلوم‪ ،‬بين فئات‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وظ���ل فيها ح��ت��ى ح��ص��ول��ه ع��ل��ى ال��ش��ه��ادة العلم‪ ،‬الذين انطلقوا في خدمة الوطن كلٌّ‬ ‫االبتدائية‪ ،‬التي أهلته أن يصبح معلماً في في مجاله‪ ،‬وفي مواقع مؤثرة في «منطقة‬ ‫المدارس الحكومية آنذاك‪ ،‬نظرا الجتهاده الجوف»‪ ..‬وحتى خارجها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪125 )2016‬‬


‫منهج»‪.‬‬

‫المجتمع‪ ،‬وعلى اختالف طبقاته الثقافية‬ ‫ومستوياته العلمية‪ ،‬فأفسح لهذا الغرض ‪« -‬منطقة ال��ج��وف «ض��م��ن سلسلة‪ :‬هذه‬ ‫جناحا من أقسام المكتبة‪ ،‬أم��ام رواده��ا‪،‬‬ ‫بالدنا‪.‬‬ ‫ليكون بمثابة المقهى الثقافي‪ ،‬الذي هيأه‬ ‫ «بحث ف��ي التوجيه ال��ت��رب��وي»‪ :‬أهميته‪،‬‬‫المؤسس لمن أراد البحث واالط�ل�اع من‬ ‫مفهومه‪ ،‬أهدافه‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬والصحفيين‪ ،‬والمثقفين‪ ،‬وطالب‬ ‫ كما شارك في كتاب «الجوف وادي النفاخ»‬‫المدارس والجامعات‪.‬‬ ‫لألمير عبدالرحمن بن أحمد السد يري‪.‬‬ ‫مؤلفاته‬ ‫ شارك في كتاب «فصل من تاريخ ومسيرة‬‫ك��ان «الدكتور ع��ارف» يرحمه اهلل‪ ،‬إلى‬ ‫رجال»‪ ،‬عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫قلم وأدب‪ ،‬طالما‬ ‫جانب كونه رجل إدارة‪ ،‬أخا ٍ‬ ‫أمير منطقة الجوف سابقاً‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫أب��ح��ر ف��ي خضمه وال��غ��وص ف��ي أعماقه‪،‬‬ ‫العديد م��ن البحوث وال��دراس��ات التي‬ ‫والبحث عن صدفاته‪ ،‬فأنجز العديد من‬ ‫نشرها ال��راح��ل ف��ي صحف ودوري���ات‬ ‫األعمال الثقافية على امتداد ربع قرن‪ ،‬ما‬ ‫محلية وع��رب��ي��ة‪ ،‬وكلها ت���دور ف��ي فلك‬ ‫منح الباحثين والراغبين في دراس��ة فكره‬ ‫اهتماماته اللغوية واألدب��ي��ة والتربوية‬ ‫وأعماله وآث��اره المتنوعة‪ ،‬فرصة االط�لاع‬ ‫واإلسالمية‪.‬‬ ‫على إسهاماته المنوعة‪ ،‬ومشاركاته الكثيرة‬ ‫في الندوات والفعاليات الثقافية‪ ،‬التي أثمرت‬ ‫وفاته‬ ‫ كما أسلفنا‪ -‬عن تأسيس دار النشر التي‬‫رحل الدكتور‪« :‬ع��ارف مفضي المسعر»‬ ‫تعتبر من طموحاته في خدمة المتعلمين‪،‬‬ ‫إلى جوار ربه‪ ،‬يوم الثالثاء الموافق ‪/11 /25‬‬ ‫وتيسير أدوات العلم‪ ،‬وتذليل صعوباته ما‬ ‫‪1431‬ه��ـ‪ ،‬عن عمر ناهز الثامنة والسبعين‬ ‫أمكن إلى ذلك سبيال‪ ،‬والتي جعل نواتها إلى‬ ‫عاما‪ ،‬مخلفا وراءه عطاءات ثرة لمجتمعه‪،‬‬ ‫جانب العديد من الكتب والمراجع المنوعة‪،‬‬ ‫تلك العطاءات التي نجدها في كل اتجاه من‬ ‫مؤلفاته التي أنجزها الراحل‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫مجاالت التربية واألدب‪ ،‬ونراها شاخصة‬ ‫ «التوجيه اإلس�لام��ي للنشء ف��ي فلسفة بوضوح على وجوه أجيال عديدة من تالميذه‬‫الغزالي‪ ،‬رسالة ماجستير‪.‬‬ ‫ومريديه‪ ،‬الذين يخدمون وطنهم اليوم في‬

‫ «المنقول والمعقول في التفسير الكبير»‪ ،‬شتى مناحي الحياة‪.‬‬‫لفخر الدين الرازي‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.‬‬ ‫ولمكانته الثقافية واالجتماعية المؤثرة‪،‬‬ ‫‪ -‬الشيخ «فيصل ال��م��ب��ارك م��درس��ة ذات رث��اه الكثير م��ن ال��ش��ع��راء داخ��ل المنطقة‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫مكنونات تأثرهم العميق بفقد هذا التربوي‬

‫�اق وح � � � � � � ٍّ�ب‪ ..‬ث� � ��م م� � � � ��اذا‪..‬‬ ‫وأخ � � �ل� � � ٍ‬

‫الجليل‪ ،‬فساقوا بذلك أبلغ مفردات الرثاء‪،‬‬

‫ال��ت��ي ت��ن��م ع��ن م���دى ت��ق��دي��ره��م لشخصه‪ ،‬وص � � � ��ار ال � �م � �ن � �ه� ��جَ ال� � �ب� � � ّن � ��اء ف �ي �ن��ا‬

‫وفداحة الخطب‪ ،‬ال��ذي ألم بأفراد أسرته‬

‫الكريمة وغيرهم كثيرون‪.‬‬

‫وم���ن أب��ل��غ م���ا ق��ي��ل ف���ي رث���ائ���ه أب��ي��ات‬

‫وم� ��رج � � َع ب �ح �ث �ن��ا‪ ..‬م � �ط� ��ر ًا رُذاذا‬ ‫أع� ��زي ال �ن �ف��س ق �ب��ل ال �ج��وف فيه‬ ‫وه � ��ل ي� ��ا ج � ��وف ن � �ن � �س� ��اهُ‪ ..‬م� �ع ��اذا‬

‫استوقفتني كثيرا‪ ،‬تقطر بالود واستمطار‬

‫الرحمات للفقيد‪ ،‬إذ تقول‪:‬‬

‫ب � � �م� � ��اذا اب� � � � ��دأ ال � �ش � �ع� ��ر ب � � �م� � ��اذا؟!‬ ‫رث� � � � � ��اءً أم م � ��دي � �ح � � ًا أم ب� � �م � ��اذا؟‬ ‫ف ��ان ��ي ح � ��رت ي� ��ا ص �ح �ب��ي وح � ��ارت‬ ‫ق ��واف ��ي ال �ش �ع��ر ف ��ي خ �ط � ٍ�ب ك �ه��ذا‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وخ��ارج��ه��ا‪ ،‬وع����ددوا مناقبه‪ ،‬معبرين عن ب� � �ع� � �ل � ��م ق� � � ��د ت� � �ح� � �ل � ��ى ث� � � ��م ن � �ه� � ٍ�ج‬

‫س � � ��أل � � ��ت اهلل ي � �س � �ك � �ن� ��ه ج � �ن� ��ان � � ًا‬ ‫وي� �ش� �م ��لُ ع� � �ف� � � ّو ُه ع � �ب� ��د ًا ك � �ه� ��ذا‬

‫(‪)2‬‬

‫وب��ع��د‪ ،‬ف��ه��ذا قليل م��ن ك��ث��ي��ر‪ ،‬وإج��م��ال‬ ‫لتفاصيل ك��ث��ي��رة‪ ..‬ح��اول��ت ج��ه��دي لَملمةِ‬ ‫يض َّم‬ ‫أط��راف��ه��ا‪ ،‬فكنتُ مثل ال���ذي َو َّد أن ُ‬

‫ل � �س� ��ان ال� �ش� �ع ��ر ل� ��ن ي ��وف� �ي ��ه ح�ق��ا‬ ‫م � �ع� ��اذ اهلل‪ -‬ي� ��ا ع � � ��ارف – م� �ع ��اذا البستان ف��ي ب��اق��ة‪ ،‬ويَ��خ��ت��ص� ُر البحر في‬ ‫ل � �ع � �م� ��ري م� � ��ا رأي� � � � ��ت ل� � ��ه م� �ث� �ي�ل ً�ا‬ ‫يجذُّ الصعب ف��ي ال��درب اج�ت��ذاذا‬ ‫ف � �ب � �س � �م� ��ة ف� � �ي� � �ه � ��هِ دوم � � � � � � � ًا ع �ل �ي��ه‬ ‫�دق ال� � �ق � ��ول م � ��ا ع� �ن ��ه ل� � ��واذا‬ ‫وص � � � � ٌ‬ ‫وأ ْو َك � � � � � � � � � � � � � ��ل أم� � � � � � � � � � ��ر ُه هلل دوم � � � � ��ا‬ ‫م ��ن ال �ش �ي �ط��ان ك� ��ان ق ��د اس �ت �ع��اذا‬ ‫إذا ذُ كِ � � � � � � � َر ال� � � �ك � � ��رام غ � � ��دا م� �ث ��اال‬ ‫وك� � � � ��ان ب� �ح� �ل� �م ��ه َل � � ��هُ � � ��مُ ال� � �م �ل��اذا‬

‫قارورة‪.‬‬ ‫رحمك اهلل يا أبا عبدالسالم‪ ،‬وأدخلك‬ ‫فسيح جناته‪ ،‬وأطال اهلل في عمر أنجالك‬ ‫وأحفادك‪ ،‬وال يسعني في الختام إال أن أردد‬ ‫مع الشاعر حين يقول‪:‬‬

‫وم� ��ا ال� �م ��ال واأله � �ل� ��ون إال ودائ � ��عٌ‬ ‫وال ب� ��د ي� ��وم � � ًا أن ُت� � � � � َر َّد ال� ��ودائ� ��عُ‬

‫* الجوبة العدد ‪.30‬‬

‫** باحث وكاتب من سوريا مقيم في منطقة الجوف‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬الجوبه ‪ 30‬ص ‪24‬‬ ‫(‪ )2‬محمود الرمحي‪ -‬الجوبه‪ -‬العدد‪ 30‬ص ‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪127 )2016‬‬


‫تدريس األدب بجامعة المستقبل‬ ‫وجاذبية االنحدار‬ ‫‪ρρ‬مليكة معطاوي*‬

‫األدب م� �م ��ارس ��ة م � �ت � �ج� ��ذّ رة ف� ��ي ال � ��زم � ��ان وال� �م� �ك ��ان‬ ‫�ؤج��ل‪ ،‬يربط‬ ‫والمجتمعات‪ ،‬وه��و فعل ت��واص��ل وات�ص��ال م� ّ‬ ‫الماضي بالحاضر والمستقبل‪ ،‬وينقل معارف معيّنة‪ ،‬إنه‬ ‫ّ‬ ‫«خطاب‬ ‫يتوجه إلى مخاطب تحدّ ده المصادفة»(‪ .)1‬وبما‬ ‫أن األدب ي�ص�وّر الفكر ف��ي ح�ي��اة اإلن �س��ان‪ ،‬ف��إن مقاربته‬ ‫تتطلّب األخذ بمعطيات العصر والمكان والمجتمع‪ ،‬أي‬ ‫النص األدبي‪ ،‬وبالتقنيات‬ ‫بمختلف الحيثيات التي ترافق ّ‬ ‫الجديدة التي يؤثر تطوّرها مباشرة في اال ّت�ص��ال األدب��ي‪ ،‬وأي�ض� ًا بعالقة األدب‬ ‫بمختلف الحقول المعرفية األخرى وبالمؤثرات الخارجية المتعدّ دة‪ .‬وانطالق ًا‬ ‫�س‬ ‫م��ن ك��ون األدب م �ك �وّن م��ن م �ك � ّون��ات ال �ح �ض��ارة اإلن�س��ان�ي��ة م�ن��ذ ال �ق��دي��م‪ ،‬وي�م� ّ‬ ‫ال�ش��ؤون االجتماعية والتاريخية والفنية والفكرية‪ ،‬ف��إن االعتناء به ظ��لّ ‪-‬إلى‬ ‫ملحة تتطلّب مجهودات كبيرة‪ ،‬سواء على مستوى األف��راد أو على‬ ‫اآلن‪ -‬ض��رورة ّ‬ ‫المؤسسات‪ .‬فهل سيحافظ األدب على مكانته في جامعة المستقبل في‬ ‫ّ‬ ‫مستوى‬ ‫ظلّ اإلكراهات الحالية والمتوقعة؟ وأي��ن تكمن أهمّ يّة تدريسه بها من الناحية‬ ‫المعرفية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واإلنسانية؟ ثم ما هي المشاكل التي من‬ ‫المتوقع أن يصادفها القائمون على الشأن األدبي بالجامعات في ظلّ التطوّرات‬ ‫التكنولوجية والرقمية‪ ،‬التي غ��زت العالم وأصبحت ت�ه��دّ د التعليم‪ ،‬والثقافة‪،‬‬ ‫والسلوك الفكري؟ وأخيرً ا ما هي الحلول المقترحة؟‬ ‫ي��ع��د األدب م���رآة المجتمع التي على الحضارات السابقة وعلى قيمها‬ ‫تعكس أف��ك��اره وانشغاالته وتطلّعاته ومرتكزاتها‪ ،‬وأيضاً على أفكار القدماء‬ ‫المستقبلية‪ ،‬واألديب مؤرّخ صادق وإن وأح�لام��ه��م وصراعاتهم ومشاكلهم؛‬ ‫كان يستعمل عواطفه ورؤاه من أجل وذل��ك من خ�لال االط�لاع على اآلث��ار‬ ‫نقل تجارب األمم والشعوب‪ ،‬واالطالع األدبية الخالدة‪ ،‬وت��ذوّق ما فيها من‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الفارطة‪ ،‬وتجنّب العوائق التي تقف في وجه م��ول��ي��ي��ر‪ ،‬فخلقت ع��ال��م��ه��ا وأش��خ��اص��ه��ا‬ ‫البشرية وتمنعها من العيش السعيد‪ ،‬على الذين ساعدوها على االستمرارية خارج‬ ‫اعتبار أن األعمال األدبية تحيا دائماً ضمن القضبان‪ ،‬ت��ق��ول‪« :‬ش��خ��وص الشاعر هي‬ ‫سياق وفي حوار معه‪ ،‬وتحكي عن األوضاع أكثر حقيقة من شخوص اللّحم والدّ م ألنها‬ ‫البشرية وت��ط�وّرات��ه��ا مثلما يحكي عنها غير قابلة للنفاد‪ .‬لذلك هم أصدقائي‪،‬‬ ‫علماء النفس وعلماء االجتماع وغيرهم‪ ،‬مّا أول��ئ��ك ال��ذي��ن بفضلهم ن��رت��ب��ط بالبشر‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫جمال‪ ،‬وبالتالي االستفادة من التجارب السجن بفضل روايات ستاندال ومسرحيات‬

‫يؤدّي إلى تنمية التفكير القائم على النقد اآلخرين‪ ،‬في سلسلة الكائنات وفي سلسلة‬ ‫والتحليل لدى دارسي األدب وتوسيع آفاقهم ال���ت���اري���خ»(‪ .)4‬م��ن ه��ن��ا‪ ،‬ف���إن األدب يتيح‬ ‫ومداركهم وجدانياً واجتماعياً وسياسياً‪ .‬فهماً أفضل للوضع اإلنساني‪ ،‬ويحوّل من‬ ‫وال ينحصر األدب على فهم اللغة وضبط الداخل كينونة ك ّل واحد من قرّائه‪ ،‬غايته‬ ‫استعماالتها‪ ،‬وتغذية الروح والوجدان بما في ذلك تمثيل الوجود اإلنساني والسعي‬ ‫ّ‬ ‫تحتويه اللغة من جمال األسلوب‪،‬‬ ‫والصور‪ ،‬إلى الكشف عن أشكال الحقائق اإلنسانية‬ ‫واإليقاعات‪ ،‬واألفكار‪ ،‬بل يتعدّ ى ذلك إلى واألبعاد المجهولة في العالم التي تخلخل‬ ‫مساعدة اإلنسان على ابتكار معان جديدة اإلنسان وتحثّه على التفكير والتأمّل في‬ ‫للحياة‪ ،‬واكتساب قدرة كبيرة على التواصل الكون والوجود‪.‬‬ ‫مع كائنات مختلفة عنه‪ ،‬وأحياناً انتشاله‬ ‫من أعماق االكتئاب‪.‬‬

‫واألدب ال ينشأ من فراغ‪ ،‬إنه ينهل من‬ ‫مجموعة من الخطابات الحيّة التي تتقاسم‬

‫واألمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ‪ ،‬معه خصائص عديدة من قبيل علم النفس‬ ‫ف��ق��د ت��ع��اف��ى ج���ون س��ت��ي��وارت م����� ّل(‪ )2‬من واألنثروبولوجيا وت��اري��خ األف��ك��ار؛ فيعمل‬ ‫انهيار عصبي خطير بواسطة ديوان شعر على تالقي ثقافات شديدة االختالف‪ .‬وقد‬ ‫لوردسورث‪ ،‬وجد في أبياته ما يرجعه إلى يساعد الفكر على سد ثغراته‪ ،‬ليس بصفته‬ ‫الحياة‪ ،‬يقول‪« :‬بدت لي منبعاّ منه أستقي وثيقة تزود الباحث بمعلومات مضبوطة‪،‬‬ ‫الفرح الباطني‪ ،‬ومتع التعاطف والخيال‪ ،‬التي وإنما لكونه وعاء يتضمن صياغات تخييلية‬ ‫بمقدور ك ّل الكائنات البشرية اقتسامها»(‪ .)3‬القتراحات نظرية تساعد على بناء أجهزة‬ ‫وبعد م��رور مائة ع��ام على ذل��ك‪ ،‬تحمّلت تحليلية‪ ،‬وت��ق��دم اق��ت��راح��ات تفيد تطور‬ ‫السجينة الفرنسية شارلوت دلبو متاعب مختلف الحقول المعرفية‪ .‬ويعمل األدب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪129 )2016‬‬


‫أيضاً على ترسيخ القيم والمبادئ التي مخاطر العلم التافه والمعلومات الخاطئة‪.‬‬ ‫ترتكز عليها العلوم‪ ،‬التي تشكّل أسس تطّ وّر وهذا لن يتأتّى إال عن طريق تدريس األدب‬ ‫والحس المدني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العالم على جميع المستويات‪ ،‬على اعتبار الذي ينمّي الفكر النقدي‪،‬‬ ‫أن هناك لقا ًء حميماً بين العلم واألدب ويعمل على اكتساب الفرد لوسائل حسن‬

‫على مستوى الفكر وعلى مستوى الواقع؛ االستدالل التي تجنّبه االنزالق في مهاوي‬

‫ذلك أن العلم ليس نسقاً واح��داً ووحيداً‪ ،‬الجهل‪.‬‬ ‫ب��ل ه��و ظ��اه��رة اجتماعية م��ت��غ� ّي��رة عبر‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬تكمن أهمية األدب في‬ ‫التاريخ اإلنساني‪ ،‬وتحكمها عوامل خارجية‬ ‫كونه يستطيع أن يكون سفيراً يتفوّق على‬ ‫ثقافية وحضارية وإيديولوجية؛ مّا يعني‬ ‫ال��س��ف��راء الدبلوماسيين ف��ي تمثيل بلده‬ ‫ضرورة البحث في سائر أبعاد عالقة العلم‬ ‫ومنحه بطاقة تعريف‪ ،‬وخير مثال على ذلك‬ ‫بالمجتمع‪ ،‬بواسطة األدب الذي يسعى إلى‬ ‫دولة فرنسا التي جعلت من األدب طريقاً‬ ‫المعالجة الشاملة لمعايير السلوك العلمي‪،‬‬ ‫إلى العالمية‪ ،‬إذ إنها كانت تعوّض تأخّ رها‬ ‫وقيم الممارسة العلمية التي هي عصب‬ ‫العلمي أو الصناعي أو االجتماعي‪ ،‬بعد‬ ‫التقدم الحضاري ال��راه��ن‪ ،‬وال��ت��ي ال بدّ‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بواسطة جوائز‬ ‫أن ترسو على أسس متينة تنضوي تحت‬ ‫نوبل ل�لآداب التي كانت تحرزها‪ ،‬والتي‬ ‫منظومة قيمية ونسق أخ�لاق��ي متعارف‬ ‫خوّلت لباريس بأن تظ ّل إلى حدود ‪1968‬م‬ ‫عليه؛ ذل��ك أن ك��ل شخص ف��ي المجتمع‬ ‫عاصمة العالم في الفن واألدب(‪.)5‬‬ ‫حس مشترك بالخلق العام الذي‬ ‫يتوفّر على ّ‬ ‫لكن ت��دري��س األدب ال��ي��وم بالجامعات‬ ‫يتألف من قيم ومبادئ وواجبات والتزامات‬ ‫يستقيها ال��ف��رد‪ ،‬منذ نعومة أظ��اف��ره‪ ،‬من أصبح مطالباً بتبرير شرعيته في عالم‬ ‫م��ص��ادر مختلفة قريبة منه على رأسها تحكمه التقنية والعلوم وس��راب االتصال‬ ‫األسرة والمدرسة ثم الجامعة التي يتبلور وال��ت��واص��ل الحديث‪ّ ،‬م��ا نتج عنه تخوّف‬ ‫فيها دور تدريس األدب في بناء الشخصية‪ ،‬العالم أجمع من هبوط المستوى الثقافي‪،‬‬

‫والعمل على اإلح��اط��ة بالظاهرة العلمية وخطر تزايد األمية والجهل‪ ،‬وقوة وسائل‬ ‫بسائر أبعادها‪ ،‬إذ يحتاج الناس إلى التثقيف اإلع��ل�ام وال��ت��واص��ل ال��ج��دي��دة‪ ،‬وصعوبة‬ ‫في شأن التطوّرات العلمية واالقتصادية تعريف القيم ونقلها إلى األجيال المتعاقبة‪.‬‬ ‫والسياسية‪ ،‬كما يحتاجون إلى الحماية من وقد تنبّأت‪ ،‬في هذا اإلط��ار‪ ،‬الكاتبة حنة‬

‫‪ 130‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫القرن العشرين (‪1958‬م)‪ ،‬بوقوع أزمتين هي حديث متقن يعرضون لنا فيه أفضل‬ ‫مترابطتين بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أف���ك���اره���م»(‪.)8‬وم���ن ج��ه��ة أخ����رى‪ ،‬س��ادت‬ ‫هما أزمة التعليم وأزمة الثقافة؛ كما تناولت النظرة الدونية لألدب مقارنة بما تحققه‬ ‫الصحافة الفرنسية أزمة األدب‪ ،‬في نهاية العلوم من تطوّر وازدهار‪ ،‬وبخاصة أن جُ ّل‬ ‫القرن العشرين (‪2000‬م)‪ ،‬وأشارت إلى أن الطلبة الذين يتوجّ هون إلى دراسة اآلداب‪،‬‬ ‫«الدراسات األدبية دخلت زمن الشك»(‪.)7‬‬

‫ال يفعلون ذلك عن اقتناع وحب‪ ،‬بل ألنهم ال‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أرن������دت(‪ ،)6‬ف��ي ن��ه��اي��ة الخمسينيات من من أبناء القرون الخوالي الذين كتبوها‪ ،‬بل‬

‫هكذا أصبح األدب اليوم يشكّل عبئاً يستطيعون ولوج المؤسسات المتخصصة‬ ‫ال على دارس��ي��ه وم��درّس��ي��ه ف��ي اآلن واالنتساب إل��ى الشُ عَب العلمية؛ فأصبح‬ ‫ثقي ً‬ ‫نفسه؛ وذل��ك نتيجة افتقار الطلبة إلى التجاوب شبه منعدم بين الطالب واألستاذ؛‬ ‫آل��ي��ات وم��ق �وّم��ات ومتطلّبات ال��دراس��ات ألن ك�لا منهما يحمل نظرة مختلفة عن‬ ‫األدب��ي��ة‪ ،‬وكذلك نتيجة إك��راه��ات مختلفة تدريس األدب وما يترتّب عن ذلك من ملل‬

‫تشمل األس��رة والمؤسسة والمجتمع في بالنسبة لألول‪ ،‬ومن جمال ومتعة بالنسبة‬ ‫إط��ار التعامل م��ع ت��دري��س األدب؛ إذ من للثاني‪ .‬ترى كيف يستطيع طالب ال يقرأ‬ ‫جهة‪ ،‬لم تعد القراءة من األولويات‪ ،‬ولم يعد وال يملك رصيداً معرفياً معيّناً أن يستجيب‬

‫للكتاب مكان في ظل الغزو المعلوماتي‪ ،‬إلغ���راءات األدب ولجماليته‪ ،‬س��واء على‬ ‫وانتشار النصوص التفاعلية أو ما يسمّى مستوى اإلب��داع أو على مستوى األفكار؟‬ ‫ب���األدب ال��رق��م��ي ال���ذي يفتقر ف��ي أغلب وكيف ال يقع األستاذ في نمطية التدريس‬ ‫الحاالت إلى معايير الكتابة األدبية الراقية‪ ،‬أمام طلبة عاجزين عن االنفعال أمام رقة‬

‫والفكر اإلنساني العميق النفتاحه على الشعر وعذوبته‪ ،‬أو أمام خصوبة الرواية‬ ‫مختلف المستويات الثقافية والفكرية‪ ،‬ودورها الكبير في تقويم السلوك البشري؟‬ ‫ومختلف الشرائح اإلنسانية التي تتيح لها يطرح هذا الوضع معضالت ابستمولوجية‬

‫الوسائل اإللكترونية إعادة كتابته وإحداث وتطبيقية ت��ه � ّم م��ن ج��ه��ة ت��وص��ي��ل م���ادّة‬ ‫تغييرات ب��ه‪ .‬وذل��ك على عكس االتصال يجب على الطالب أن يشعر بخصوصية‬ ‫األدب���ي ال���ذي ك��ان م��زده��راً ف��ي السابق‪ ،‬موضوعها‪ ،‬وبخصوصية وسائل مقاربتها‪،‬‬ ‫والذي قال فيه ديكارت‪« :‬إن قراءة الكتب ومن جهة أخرى إدراكه لنقط تالقي ونقط‬ ‫الجيّدة تشبه الحديث مع الناس الشرفاء اخ��ت�لاف األدب م��ع ال��ح��ق��ول المعرفية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪131 )2016‬‬


‫المختلفة‪ .‬كما يطرح ضغط وسائل الميديا أن تدريس األدب في المستقبل ال يجب أن‬ ‫المتخصصين وحدهم‪ ،‬بل ال بدّ أن‬ ‫ّ‬ ‫المتنوعة‪ ،‬وف��ي مقدمتها اإلنترنت التي يشغل‬ ‫تُسَ هّل إنتاج المعلومة وتداولها واستثمار يتجاوزهم إلى دائرة رجال العلم والسياسة‬ ‫تقنيات اإلع�لام وتقنيات الصورة وآليات وال��م��ؤرخ��ي��ن والفالسفة المثابرين على‬ ‫الحاسوب‪ ،‬من أجل إنتاج نصوص تتيح ألي ق���راءة األدب والمتتبّعين لخطواته‪ ،‬لع ّل‬ ‫قارئ شكال من أشكال إعادة كتابتها‪ .‬وهذا ذلك يخلق تساؤالت وحلوالً جديدة تساعد‬ ‫يؤثر سلباً على الدارسين لألدب‪ ،‬مّا يتطلّب على تنشئة النُخب لكي توظّ ف خير ما في‬ ‫الرفع من مستوى الطالب‪ ،‬وم��ن مستوى األدب وخير ما في العلوم والتقنيات لخدمة‬

‫تكوين األساتذة أنفسهم‪ ،‬وإصالح ممارسة اإلنسانية جمعاء‪ ،‬فهذا العالم الذي يتخبّط‬ ‫التدريس من ال��داخ��ل مع م��راع��اة مجمل في الحروب والمجاعات والمؤامرات التي‬

‫ال��ش��روط التي تتطلّبها العملية‪ ،‬وأيضاً ال أفق لتوقفها‪ ،‬يحتاج إلى تعليم أبنائه أدباً‬ ‫مراعاة ما يحدث من تطوّر في نقل المعارف يتحدّ ى القبح والظلم والجهل والنسيان‪،‬‬ ‫وتداولها عبر وسائل اإلع�لام والتواصل‪ ،‬ويرسم آفاقاً مستقبلية جديدة تعطي معنىً‬ ‫بما في ذلك المعلوميات واإلنترنت التي مختلفاً للجمال والحب وال��س�لام‪ ،‬وتحث‬ ‫يجب أن توظف في خدمة تدريس األدب على التفكير والتأمّل من أجل وقف عجالت‬ ‫عبر إدخالها إلى الجامعات بشكل مقنن‪ ،‬الدمار والخراب‪.‬‬

‫وتكوين الطلبة من أجل استعمالها استعماال‬

‫نستنتج مما سبق أن تدريس األدب في‬

‫صحيحاً ومثمراً ومفيداً‪ .‬أي تطوير الذات جامعة المستقبل أمر ض��روري‪ ،‬ألنه يُعد‬ ‫المعرفية وفق التحوالت الجديدة في العالم‪ ،‬خطوة أساسية نحو الوصول إلى اإلنسانية‬ ‫وتبنّي مسارات أكثر تطوّراً في بناء األسئلة‪ ،‬ال��ك��ام��ل��ة والتفكير ال��ك��ون��ي ال��ق��ائ��م على‬

‫اعتماداً على أدوات ومفاهيم تساعد على اإلحساس باآلخر والتموضع في مكانه أثناء‬

‫االرتقاء بالمعرفة األدبية وفهمها وتطوير عملية التفكير‪ ،‬كما أنه يساعد على إعداد‬ ‫وسائل مقاربتها‪ ،‬واإللمام بمختلف وجوه أفضل لكل المهن القائمة على العالقات‬ ‫تصريفها إبستيمياً‪ .‬وأيضاً ال بدّ من تعميق اإلنسانية‪ ،‬فالطبيب كما عالم االجتماع‬ ‫النظرة إلى مفهوم األدب سواء من طرف وال��م��ؤرخ والحقوقي وغيرهم يحتاجون‬ ‫األساتذة أو من طرف المتعلّمين‪ ،‬أو من إل��ى ال��ت��زود من األع��م��ال األدب��ي��ة كما من‬ ‫طرف الهيئات الرسمية المؤطرة له‪ ،‬ذلك النظريات واألفعال السياسية والتحوالت‬

‫‪ 132‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أن ينحصر تدريس األدب على إنتاج أساتذة حياته أشحن بالمعنى وأدفأ وأجمل‪ .‬كما‬ ‫لآلداب‪ ،‬بل يتجاوزه إلى العمل على تحقيق أن تدريس األدب حديث عن الذات وشرح‬ ‫التواصل وال��ح��وار بين مختلف الشرائح ألفكارها ومشاعرها وتطلّعاتها‪ .‬إنه يشبه‪،‬‬

‫البشرية‪ ،‬والوصول إلى المعاني الكبيرة إلى حدّ كبير‪ ،‬أغنية فيروزية طويلة‪ ،‬مليئة‬ ‫والعميقة‪ ،‬التي يتضمنها األدب‪ ،‬والتي تهم‬ ‫باإليقاع‪ ،‬والمعنى‪ ،‬والبوح‪ ،‬والفرح‪ ،‬واإلثارة‪،‬‬ ‫الوجود اإلنساني الذي يعد محور الكون‪،‬‬ ‫ويقظة الروح‪ ،‬وانتفاضة القلب‪ .‬وهو عبور‬ ‫األمر الذي يتيح لدارس األدب االنتقال من‬ ‫إل��ى ال��ذات عبر جسر اآلخ��ر‪ ،‬وعبور إلى‬ ‫متخصص في التحليل األدب��ي إلى عارف‬ ‫ّ‬ ‫اآلخر عبر جسر الذات‪ ،‬في رحلة متناغمة‬ ‫بالكائن البشري ومدرك لسلوكه وأهوائه‪.‬‬ ‫مليئة بالجمال واإلب����داع‪ .‬بالتالي‪ ،‬فإنه‬ ‫هكذا‪ ،‬فإن تدريس األدب في نظري ال بدّ‬ ‫إحدى السبل األكيدة التي تقود إلى اكتمال‬ ‫أن يظ ّل موجوداً وحياً يتجدّ د من جهة‪ ،‬ألنه‬ ‫ك ّل إنسان وتحافظ على استمراريته‪.‬‬ ‫يحث طالب العلم على أن يصير أكثر فاعلية‪،‬‬ ‫ه��ذا م��ج��رد رأي‪ ،‬وال����رأي ج���واب عن‬ ‫ويوقظ قدرته على التداعي‪ ،‬ويحرّك جهاز‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫االجتماعية والتطورات العلمية‪ .‬وال يجب اإلنسان‪ ،‬ي��زوّده بإحساسات عميقة تجعل‬

‫التأويل الرمزي لديه‪ ،‬إضافة إلى أنه يعلّمه س��ؤال‪ ،‬وم��ادة لسؤال جديد قد يكون في‬ ‫كيف يفكّر بنفسه بدل االقتصار على رؤى مجالنا ه��ذا هو م��اذا قد يصبح اإلنسان‬ ‫العالم الجاهزة التي يصادفها من حوله‪ .‬بدون آداب وتراث وقيم وأخالق؟ ماذا يكون‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ألن األدب مرتبط بوجود مصير مَن فقد الذاكرة؟‬ ‫ * كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ -‬الرباط‬ ‫((‪(1‬إيمانويل فريس‪ ،‬برنار موراليس‪ ،‬قضايا أدبية عامة‪ ،‬ترجمة‪ :‬لطيف زيتوني‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪،300‬‬ ‫فبراير ‪2004‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫((‪(2‬فيلسوف واقتصادي بريطاني عاش مابين ‪1806‬م ‪1873‬م‪ ،‬صدرت له سيرة ذاتية بعد وفاته‪.‬‬ ‫((‪(3‬تزفيتان تودوروف‪ ،‬األدب في خطر‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبدالكبير الشرقاوي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪43 .‬‬ ‫((‪(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪44 .‬‬ ‫((‪.Pascal Casanova، la république mondiale des lettres، Seuil، 1999(5‬‬ ‫((‪(6‬إيمان ويلفريس‪ ،‬برنار موراليس‪ ،‬قضايا أدبية عامة‪ ،‬ص‪7.‬‬ ‫((‪(7‬نفسه‪ .‬ص‪7.‬‬

‫((‪Descartes، Discours de la méthode (1637)، in Œuvres et lettres، textes présentés par André Bridoux، Paris،(8‬‬

‫‪.Gallimard، coll. La Pléiade، 1953، p.128‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪133 )2016‬‬


‫الكتاب ‪ :‬ديوان ال�شاعرات يف اململكة العربية ال�سعودية الكتاب ‪� :‬أمناط االنفاق لدى الأ�سر ال�سعودية يف اجلوف‬ ‫امل�ؤلف ‪� :‬سارة الأزوري‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬ن�سرين بنت �سلمان العواد‬

‫النا�شر ‪ :‬دار املفردات للن�شر والتوزيع بالريا�ض‬

‫النا�شر ‪ :‬مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقايف‬

‫وترشيد اإلن��ف��اق داخ���ل األس���رة‪ ،‬وضبط‬ ‫ال قوياً‬ ‫ميزانيتها وتربية األبناء عليه يعد عام ً‬ ‫يف بناء أسر تعي متطلبات احلياة العصرية‪،‬‬ ‫كما أنها تعطي املجتمع بأسره فرصة حلفظ‬ ‫الدخل العام‪ ،‬وإقامة مشاريع تنموية كبيرة‬ ‫تفيد منها األجيال القادمة‪.‬‬

‫املؤلفة‪ :‬نسرين بنت سلمان العواد‪.‬‬ ‫ •ماجستير علم اجتماع‪ ،‬جامعة امللك سعود‪،‬‬ ‫‪1432‬ه�‬ ‫ •محاضرة يف قسم الدراسات االجتماعية‬ ‫بجامعة امللك سعود‪.‬‬ ‫ •عضو اجلمعية السعودية لعلم االجتماع‪.‬‬

‫نسرين بنت سلمان العواد‬

‫ه��ذا الكتاب ثمرة دراس��ة علمية ميدانية‬ ‫قامت بها الباحثة يف منطقة اجلوف‪ ،‬بتمويل‬ ‫م��ن م��رك��ز عبدالرحمن ال��س��دي��ري الثقايف‪.‬‬ ‫يستعرض الكتاب أمن��اط اإلنفاق لدى األسر‬ ‫السعودية يف اجل��وف‪ ،‬ويعد إضافة يف مجال‬ ‫الدراسات االجتماعية يف هذا املجال‪.‬‬

‫أمناط اإلنفاق لدى األسر السعودية يف اجلوف‬

‫اإلن���ف���اق س��ل��وك ال ي��ت��ج��زأ م��ن ال��س��ل��وك‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ويرتبط بالتنشئة االجتماعية‪،‬‬ ‫وهو نشاط تقوم به األسرة لتلبية احتياجاتها‬ ‫املعيشية‪ ،‬وتشمل‪ :‬الطعام‪ ،‬واملالبس‪ ،‬والترفية‪،‬‬ ‫وقضاء أوقات الفراغ‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫أمناط اإلنفاق لدى األسر‬ ‫السـعودية يف اجلـوف‬

‫نسرين بنت سلمان العواد‬

‫ص��در ع��ن دار ال��م��ف��ردات ب��ال��ري��اض معجم‬

‫هذا الكتاب ثمرة دراس��ة علمية ميدانية‬

‫ف��ي المملكة العربية ال��س��ع��ودي��ة»‪ ،‬م��ن إع��داد‬

‫السعودية في منطقة ال��ج��وف‪ ،‬بتمويل من‬

‫الشاعرات السعوديات بعنوان «ديوان الشاعرات ق��ام��ت بها الباحثة على عينة م��ن األس��ر‬ ‫القاصة س���ارة األزوري‪ ،‬نائبة رئيسة اللجنة‬ ‫النسائية بالطائف‪ .‬وقد جاء الديوان في أكثر من‬ ‫(‪ )1000‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬ضم تراجم‬

‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫اإلن��ف��اق س��ل��وك ال ي��ت��ج��زأ م��ن السلوك‬

‫لـ «‪ »213‬شاعرة‪ ،‬مع نصوص لهن‪ ،‬كما اشتمل االجتماعي‪ ،‬ويرتبط بالتنشئة االجتماعية‪،‬‬ ‫المعجم على إش��ارات إلى بعض المراجع التي وهو نشاط تقوم به األسرة لتلبية احتياجاتها‬

‫ذكرت شعر المرأة السعودية‪ ،‬وبعض الشاعرات‪،‬‬ ‫وق��د بلغ ع��دد ال��ش��اع��رات ال�لات��ي لهن إص��دار‬ ‫شعري «‪ »76‬ش��اع��رة‪ .‬ويعد ه��ذا المعجم أول‬ ‫معجم شامل للشاعرات السعوديات‪.‬‬

‫ال��م��ع��ي��ش��ي��ة‪ ..‬وت��ش��م��ل ال��ط��ع��ام وال��م�لاب��س‬ ‫والترفيه وقضاء أوقات الفراغ وغيرها‪..‬‬ ‫يستعرض الكتاب أنماط االن��ف��اق لدى‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن القاصة سارة األزوري األس���ر ال��س��ع��ودي��ة ف��ي المنطقة ويدرسها‬ ‫تُعد إحدى كاتبات القصة بالمملكة‪ ،‬وقد صدر ويحللها‪ ،‬وهو يعد إضافة في مجال الدراسات‬

‫لها قبل ذلك مجموعة قصصية بعنوان (طقس االجتماعية‪ ..‬وق��د ج��اء في (‪ )224‬صفحة‬ ‫خاص)‪ ،‬كما صدر لها مجموعة قصصية أخرى‬ ‫بعنوان (نصف رجل)‪ ،‬ولها العديد من المشاركات‬ ‫األدبية في مجال القصة على مستوى الوطن‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫‪ 134‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ضمت خمسة فصول‪ ،‬إضافة إلى استبيان‬ ‫الدراسة والمراجع والمالحق الخاصة بذلك‪.‬‬


‫امل�ؤلف ‪� :‬سعد البواردي‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬الهنوف �صالح الدغي�شم‬

‫النا�شر ‪ :‬دار املفردات للن�شر والتوزيع بالريا�ض‬

‫النا�شر ‪ :‬الدار العربية للعلوم ‪2015‬م‬

‫صدر للكاتب السعودي سعد البواردي عن دار المفردات‬ ‫كتاب جديد بعنوان (ث��رث��رة الظهيرة)‪ .‬يقول الناشر بهذا‬ ‫الشأن‪ :‬كثي ٌر منا ينتهز فرصة الظهيرة لالسترخاء ومطالعة‬ ‫الصحف‪ ،‬ثم يلقيها جانباً‪ .‬ومنا مَن يقضيها في أحاديث مع من‬ ‫حوله حول شؤون الحياة‪ .‬ويدعو األستاذ سعد البواردي هذه‬ ‫األحاديث بثرثرة الظهيرة‪.‬‬

‫ه��ذا ال��ك��ت��اب ع��ن ح��ي��اة أم وطبيبة‬ ‫أس��ن��ان س��ع��ودي��ة مبتعثة ف��ي ألمانيا‪،‬‬ ‫وكيف تواجه هذه التجربة‪ ،‬واالختالف‬ ‫بين الثقافتين‪ ،‬ويصعب عليها االندماج‪،‬‬ ‫فتعيش مع تأمالتها ورؤيتها للعالم تتسع‪.‬‬

‫ومن هذه الثرثرة الحرة‪ ،‬أو ما يدور حول مقاالت الصحف‪.‬‬ ‫ويختار البواردي ما يثير ذائقته األدبية واالجتماعية‪ ،‬ويجد في‬ ‫طرحه نفعاً أو متعة للقارئ‪ ،‬مبدياً رؤية ثاقبة في أسلوب يليق‬ ‫بكل مقام‪ ،‬من سخرية أدبية‪ ،‬أو توجيه تربوي‪ ،‬أو نقد اجتماعي‪،‬‬ ‫يحمل من المفاجآت ما يثري فكر القارئ‪ ،‬ويستجيب لذائقته‪.‬‬

‫يقع الكتاب في (‪ )126‬صفحة من‬ ‫القطع المتوسط‪ ..‬وه��و بمثابة سيرة‬ ‫لطالبة مبتعثة تروي معاناتها ونظرتها‬ ‫ال���ى نفسها ون��ظ��رة اآلخ��ري��ن إل��ي��ه��ا‪..‬‬ ‫فهي تكتب لتدون رحلة السير بقلق إلى‬ ‫نفسها‪ ،‬إلى ذاتها النقيّة‪.‬‬

‫ •«ال��درج��ات التي كلفتني دقيقتين هبوطاً كلفتني خمس‬ ‫أمثالها صعوداً‪ ..‬الصعود إلى األعلى هو األصعب»‪.‬‬

‫تكتب عن تحوالتها وم��ا انتابها من‬ ‫تغيير ف��ي مدينة ف��راي��ب��ورغ الصغيرة‪،‬‬ ‫ممتنة لكل العابرين غير المبالين الذي‬ ‫صنع عبورهم الناعم حكاية في داخلها‪.‬‬

‫ •«ال��ح��ب يفتح ال��ب��اب ال��م��وص��د‪ ..‬والكراهية تغلق الباب‬ ‫المفتوح»‪..‬‬

‫إن��ه��ا ت��ت��ح��دث ع��ن نفسها وت��رص��د‬ ‫انفعاالتها ومشاعرها ورؤاها بأداء جيد‪،‬‬ ‫وتمنحك فرصة للسفر في نفس إنسان‬ ‫آخ��ر‪ ،‬كما أن لديها ال��ق��درة على رؤية‬ ‫األم��ور بطريقة تنبئ بروائية سعودية‬ ‫ممتازة ننتظر كتبها القادمة‪.‬‬

‫يقول األستاذ البواردي في كتابه (ثرثرة الظهيرة)‪..‬‬

‫ •«مادتان أساسيتان لمدرسة الحياة (التجربة والممارسة)‪.‬‬ ‫دون اجتياز المتحانهما مجتمعتين بنجاح تظل جميع‬ ‫الشهادات الورقية مجرد وثائق شكلية»‪.‬‬

‫ •«الحب يثمر‪ ..‬والكراهية تدمر»‪..‬‬ ‫ •«الحب يورق حياة يستظل بغيثها اآلمنون»‪..‬‬ ‫ •«والكره يقتلع أشجار المحبة من جذورها‪ ،‬فال ظل وال فيء‬ ‫وال شجر وال أمان»‪.‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬ثرثرة الظهرية‬

‫الكتاب ‪ :‬فرايبورغ رقة العزلة‬

‫إنها تجربة أرادت الكاتبة أن تنقلها‬ ‫إلينا لتحقق ج��زءاً مما تبحث عنه في‬ ‫ذاتها‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪135 )2016‬‬


‫األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة‬

‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫مستقبل التعليم والتعليم العالي في العصر الرقمي‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬نايف المعيقل أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل الموسى‬

‫تضمنت خطة النشاط الثقافي لعام ‪1437/36‬هـ‬ ‫محاضرة بعنوان‪« :‬مستقبل التعليم والتعليم العالي‬ ‫في العصر الرقمي ‪ -‬الجامعة السعودية اإللكترونية‬ ‫ك��ن��م��وذج» أل��ق��اه��ا أ‪ .‬د‪ .‬ع��ب��داهلل ب��ن عبدالعزيز‬ ‫الموسى ‪-‬مدير الجامعة السعودية اإللكترونية‪-‬‬ ‫وأداره��ا عضو المجلس الثقافي الدكتور نايف بن‬ ‫صالح المعيقل ‪ -‬وكيل جامعة الجوف‪ ،‬وتم نقلها إلى‬ ‫القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة‪.‬‬ ‫تحدث المحاضر عن مختلف جوانب التعليم‬ ‫العالي‪ ،‬وتناول بعض األرقام والحقائق عن التقنية‬

‫مدير عام المركز يكرم الضيفين الكريمين‬

‫والتعليم ‪ -‬أب��رز التحديات أم��ام تبني التقنية في‬ ‫التعليم والتعليم العالي‪ -‬مظاهر تسارع تبني التقنية‬ ‫في التعليم والتعليم العالي ‪ -‬أب��رز التطورات في‬ ‫تقنيات التعليم والتعليم العالي ‪ -‬إطار مقترح لتقييم‬ ‫الفصول الخالقة‪ ،‬تال ذلك مداخالت مع الحضور‪.‬‬ ‫وق����دم ال��م��ح��اض��ر ال��ش��ك��ر وال��ت��ق��دي��ر لمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي على ما يقدمه من‬ ‫نشاطات ثقافية لها دور كبير في إث��راء الساحة‬ ‫الثقافية في المملكة‪.‬‬

‫ب��رع��اي��ة وك��ي��ل م��ح��اف��ظ��ة ال��غ��اط‬ ‫تحت شعار‬ ‫األس��ت��اذ منصور بن سعد السديري‪،‬‬ ‫(بالقراءة وحضور مساعد المدير العام سلطان‬ ‫ابن فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫نرتقي)‬ ‫وع��دد من ممثلي ال��دوائ��ر الحكومية‬ ‫دار‬ ‫وجمع غفير من أهالي الغاط‪ ،‬نظمت‬ ‫الرحمانية دار الرحمانية فرع مركز عبدالرحمن‬ ‫في الغاط السديري الثقافي بالغاط سباق الرحمانية الثامن للجري الذي انطلق الساعة الخامسة‬ ‫مساء يوم الثالثاء ‪1437/06/27‬هـ ‪2016/04/05 -‬م)‪ ،‬وقد شارك فيه ( ‪ ) 112‬متسابقاً‪،‬‬ ‫تقيم‬ ‫ولمسافة أربعة كيلومترات قطعها الفائز األول في ‪ 14‬دقيقة‪ .‬أشرف عليه حكام من معلمي‬ ‫ســباقها التربية الرياضية ومدربي نادي الحمادة الرياضي بالغاط‪ .‬فاز فيه‪ :‬األول‪ /‬سعود عمر‬ ‫الثامن‬ ‫حكومي‪ ،‬الثاني‪ /‬سالم الوادعي‪ ،‬الثالث‪ /‬راكان المطيري‪ ،‬المركز الرابع‪/‬أحمد عبدالمنعم‪،‬‬ ‫للجــري الخامس‪ /‬عمر المطيري‪ ،‬السادس‪ /‬على خالد صادق‪ ،‬السابع‪ /‬فايز الريس‪ .‬وفي نهاية‬ ‫السباق تم تكريم الفائزين وكذلك أكبر المشاركين سناً والجهات المشاركة في السباق‪..‬‬

‫‪ 136‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫صدر حديث ًا عن برنامج النشر في‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.