دراسات ونقد نصوص شعرية وسردية مواجهات شهادات
51
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (أ) الشروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy. org. sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب ،على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وت�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www. alsudairy. org. sa
العدد - 51ربيع 1437هـ ()2016
80............................. محمد بن عبدالرزاق القشعمي
106....................... سيرة وإجناز صالح بن ظاهر العشيش هدى الدغفق :لن أتغنى ..لن ألقي خطابا.. لن أكتب قصيدة.. مالك الخالدي: بين نخبوية القصيدة وشعبوية الرواية
108............................
الشعر في يومه العالمي
الـمحتويــــات
افتتاحية العدد4 ................................................................ دراسات ونقد :بطولة الزمن السردي وأزمة الذات األنثوية في القصة - أسماء الزهراني 6 ............................................................ مريم الحسن وحكاية «ذات حلم» -السيد التهامي11 ........................ التشابك السردي في بداية رواي��ة «سوناتا ألشباح القدس» لواسيني األعرج -سعيدة حمداوي18 .............................................. الصورة الكاريكاتيرية في الشعر العربي -خلف أبو زيد 25 ................. رمــــزية الماء في ال��ت��راث الشعري العربي دراس��ة سيميائية -عزيز العرباوي -سعيد بوعيطة 31 ............................................... صالح الحسيني والهيجنة فوق الرجوم!! -د .يوسف العارف38 ................... ميراث االنكسار والرحيل في «الطائر المهاجر» -هشام بنشاوي 42 ................. درب المعاكيز ...سيرة روائية تسائل الوجوه واألمكنة والذاكرة المستعادة إبراهيم الحجري 44 ......................................................قصص قصيرة :احتياجات خاصة -عيسى األلمعي 49 ..................... باب سعادة -أيمن حسين 50 ................................................ أنا السبب -فرح لقمان 51 .................................................. سره اللذيذ -حنان مسلم52 ........................................................ ردهات االنتظار -مريم الحسن53 .......................................... قصص قصيرة جدا -شيمة الشمري54 .................................... البحث عن أسماء محايدة -عمار الجنيدي 55 ............................. خالي د .مفرّح -تركية العمري 56 .......................................... نهـــــايــــــــــات -عبدالكريم النملة 60 ........................................ نــــــدم -يوسف الخالدي 61 ................................................. شعر :آالم القصيدة -عبداهلل بيال 62 ........................................ سَ حَّ اليَرا ُع -الطاهر لكنيزي 64 ............................................. مدائن النساء -محمد عباس علي66 ....................................... آخر ما عزف زرياب -عبد اإلله مهداد 68 ......................................... ودا ٌع مُؤجَّ ل -محمد خيري اإلمام 69 ............................................... منفى لدمِ الذّاكرة -سمية عبداهلل 70 .............................................. اشْ تِهاءُ اللّيْلِ -مليكة معطاوي 72 ................................................... دمشق -هيفاء عبدالرحمن الجبري74 ............................................. جسد واحد ورماد كثير -ابراهيم زولي 75 ......................................... نب ُع الجوف -محمود الرمحي 76 ............................................. أنوار مكة -نزار الخطيب77 ........................................................ أنا هنا -مها سعود 78 .............................................................. داعجة العينين -خالد الشيخ79 .................................................... مواجهات :محمد بن عبدالرزاق القشعمي -حاوره :محمود الرمحي80 . ................... الشاعر هاشم الجحدلي -حاوره :عمر بوقاسم 91 ................................ نجاة الزباير -حاورها :أحمد الدمناتي 99 .......................................... سيرة وإنجاز :صالح بن ظاهر العشيش106 ................................... استطالع :الشعر في يومه العالمي -عبدالغني فوزي ،شارك فيه :عبدالرحيم الخصار، مالك الخالدي ،عبدالحق بن رحمون ،عبدالحق مفراني ،إبراهيم زولي ،إبراهيم الحجري، هدى الدغفق108 .................................................................. 116 نوافذ :الفـن السردي وعنصر الحدث -د .صبري حمادي النص العميق والنص العقيم -أ .حورية أفقير119 .................................. عارف بن مفضي المسعر رجل العلم واإلدارة -غازي الملحم 123 .................. تدريس األدب بجامعة المستقبل وجاذبية االنحدار -مليكة معطاوي128 ................... قراءات 134 ............................................................................ األنشطة الثقافية 136 .............................................................
لوحة الغالف للفنان :نصير السمارة -أحد رواد الحركة التشكيلية بمنطقة الجوف.
اف���ت���ت���اح���ي���ة ال�����������ع�����������دد ■ إبراهيم احلميد
يبدو جلياً لمن يقرأ مواجهة األديب القشعمي في هذا العدد أن اإلبداع يأتي أحيانا من رحم المعاناة ،كما يقال ،هذه المعاناة التي سَ َر َد جانباً منها هي بعض مما سبق أن أورده في كتابه الشيّق (عشر سنوات مع القلم) .هكذا يجد مَن يتمعّن في تلك المرحلة التي عاشها أستاذنا القشعمي ،الذي عاش طفولة قاسية ،ربما عاشها الكثير أو القليل من أقرانه في ذلك الزمان ،ولربما يعيشها آخرون حتى اآلن في صورٍ شتّى .ومن هذه المواجهة والذكريات التي انداحت على صفحات الجوبة ،نتأكد أن الطفل الموهوب الذي كانه القشعمي ،أكسب الوطن والثقافة العربية ،باحثا من طراز فريد ،ولذا فقد وصف الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك كتابه (بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية) ،والذي يؤرخ لنشأة مؤسسات المجتمع المدني في المملكة ..بأنه عمل غير مسبوق في تتبُّعه للبدايات األولى لنشاط المؤسسات األهلية التي بدأت مع بداية الدولة واستمرت حتى اليوم. في كتابه آنف الذكر عرف األجيال المعاصرة أن االنتخابات تجربة قديمة تمتد ألكثر من تسعين عاماً ،فهي تعود ال��ى انتخابات مجلس الشورى عام 1924/1343م ،والتي جرت في المملكة قبل دخول الملك المؤسس الحجاز ،كما يكشف لنا الكتاب نفسه أن انتخابات المجالس البلدية توقفت ألكثر من ()42 عاماً قبل عودتها عام 1426هـ ،وغيرها من المعلومات حول تأسيس النقابات والجمعيات وانتخاباتها منذ بدايات تأسيس المملكة. 4
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة
وه��ك��ذا ..ف��إن تجربة الكاتب محمد القشعمي الثرية في التدوين ،وتتبع ال ُكتّاب ،وبدايات الصحافة ،عالمة فارقة في مسيرة األدب والثقافة في المملكة؛ بدأب شديد واهتمامٍ ومثابرة ،ونتيجة لشبكة عالقاته فقد استطاع القشعمي ٍ الشخصية ،واستثماره لمكانته في عدد من المواقع التي تَنَ ّق َل بينها ،أ ْن يؤرخ للصحافة واألدب واألدب���اء والمثقفين بطريقةٍ مبهرة ،جعلت من عمله هذا مشروعا ثقافيا ،لم تقم به حتى الجامعات وأقسام األدب فيها؛ إذ استطاع أن يضم إلى مكتبتنا العربية عشرات المؤلفات التي أثرت هذا الجانب ،حتى عُرِ ف بلقب مؤرخ األدباء والمثقفين ،ومن ذلك شهادة الدكتور ناصر الحجيالن الذي عدَّ ه خي َر سفير ثقافيِّ يحمل في قلبه هم الثقافة والفكر أينما ذهب. أنجز القشعمي أكثر من ثالثين كتابا ،ومئات المقاالت والقراءات ،وكشف لنا بتلقائية وشفافية شديدة مسيرة حياته الشخصية والوظيفية واإلبداعية، والتي ال يمكن فصلها عن بعضها بعضاً ،مهما تباعدت بينها المسافات ،فلم يكن ذلك الطفل الذي عاش المعاناة واأللم ،إال هذا األديب البارع الذي استطاع بما اختزنَتْ ذاكرتُه الفذَّ ة أن يتحفنا بتجربةٍ قلّما ُكتِب عنها بهذه الدرجة من الصدق والغنى والوضوح. ينقلنا األستاذ محمد القشعمي في حواره الشيّق بتلقائية من طفولته التي بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية ،إلى أسلوب الحياة السائد آنذاك في الزلفي ،وبعد ذلك في الرياض ومكة المكرمة ،وبداياته في القراءة ،وأهم الكتب التي عرفها ،وأثر ذلك في توجّ هاته الفكرية والعروبية ،وبدايات عمله الحكومي وانتقاله لرئاسة الشباب وعمله في األحساء وحائل ،وعالقته المميزة باألديب الراحل عبدالكريم الجهيمان والناقد عابد خزندار ،وغيرهما .كما يتحدث عن عمله في مكتبة الملك فهد الوطنية ،ودور ذلك في تشكيل بذرة الكتابة والتأليف لديه مبتدئاً بعالقته الخاصة باألديب الجهيمان ،وجمع المعلومات عنه ،والتي كانت الشرارة التي ولّدت عشرات المؤلفات حتى اآلن . اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
5
بطولة الزمن السردي وأزمة الذات األنثوية في القصة القاصتان هدى المعجل وخديجة الصاعدي أنموذج ًا ρρأسماء الزهراني*
ينشد القارئ في النصوص السردية البحث عن صياغة جديدة لواقعه المعاش من وجهات نظر مغايرة ،ويتحدى السرد قدراته على التفكير بواسطة شبكة من التقنيات السردية .فالسرد بالنسبة للقارئ ن��وع من التجوّل داخ��ل ال��ذات وفي مواجهتها ،ونوع من إعادة صياغة الذات بواسطة سردها من منظورات مختلفة. وف�ي�م��ا ي��أت��ي ،ق� ��راءة ه ��ذه ال �ع�لاق��ة ب�ي��ن ال �ق��ارئ وال �ن��ص ال �س ��ردي ،ع�ب��ر نصوص للقاصتين هدى المعجل( ،)1وخديجة الصاعدي(.)2
6
تقدم القاصتان زاويتين متكاملتين لرؤية عالقة الذات األنثوية بالمجتمع؛ زاوي��ة ترتفع ف��وق الواقع االجتماعي، وتعرض رؤية واسعة ،شمولية ،تنطلق من المجتمع للذات ،كما في أثر العالقات األسرية ،والزوجية ،وهذا ما تكفلت به نصوص الكاتبة هدى المعجل؛ وزاوية تنزل إلى أعماق الذات ،حيث تتجول في مناطق تنضغط فيها الذات ،وتستنطقها بوساطة اللغة ،وتكشف تفاصيلها في تساؤالت تلهث خلف إجابات لم توجد بعد ،وه��ذا ما تمثله نصوص الكاتبة خديجة الصاعدي. اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
تميل نصوص الكاتبة هدى المعجل ل�لاخ��ت��زال ال��ل��غ��وي واع��ت��م��اد اللقطة الخاطفة ،وهو تكنيك يبرره معالجتها مساحات معقدة مترامية األبعاد من ال��ع�لاق��ات االج��ت��م��اع��ي��ة ،ت��خ��ش��ى أن ينفلت منها أط���راف خ��ي��وط سردها فتلجأ لمحاصرتها بلغة تعتمد اللمحة واإلش��ارة؛ بينما تقف القاصة خديجة الصاعدي داخ��ل ح��دود ذات مهمومة ب��ال��ح��ري��ة ،ت��ح��اول تفجيرها ،وتنبش داخلها لتفكك مبهماتها ،وهي تتوسّ ل عال على اللغة بتركيز ٍ ٍ في سبيل ذلك ال��س��ردي��ة ،تساعدها على استبطان
وك�لا الموقعين الرؤيويين يبرزان فيما يسمى زمن السرد ،وهو مستوى ثالث من الزمن في القصة ،إل��ى جنب زم��ن القصة األصلي ،وزمن القصة بعد صياغتها فنيا، ومونتاج زمنها ترتيبا وسرعة .ويتمثل زمن ال��س��رد ف��ي الموقع الزمني ال���ذي يختاره السارد للنطق بأحداث القصة ،فقد يحكي الحدث بعد وقوعه ،وقد يتوقعه قبل وقوعه، وقد يحكيه من موقع متزامن ويالحقه في الحاضر لحظة بلحظة .وال يمكن الحديث عن زمن السرد خارج بنية اللغة السردية؛ على مستوى القراءة يضفي الحلم على فلغة السارد هي ما يجسّ د بنية الزمن بكل النص نوعا من الغنى التأويلي ،من خالل مستوياته ،ال سيما زمن السرد. االنتقال بين مستويين سرديين ،بخصائصهما ()3 في نص «أروى» للقاصة هدى المعجل الزمنية ،مستوى الحلم ومستوى الواقع معالجة لعالقة األنثى بالمجتمع ،في صورة القصصي؛ إذ تبهت الحدود بين القصة في األس��رة ،عبر توظيف للحلم ،بوصفه نصا الحلم ،والقصة في الواقع السردي ،ما يمنح سرديا من مستوى تخييلي مضاعف .تجت ّر القارئ صيغة مختلفة لتأويل وقائع الحياة، الساردة من خالل الحلم /الكابوس ،طفولة «اع��ت��رض درب����ي ..فسلكت درب���ا شائكا.. تلصص عينيه هاربة مفقودة خلف جبل الحاضر الثقيل ،متعرجا ألصبح بمنأى عن ّ ضغوطات الوالد وزوجته من أجل قتل آخر الجاحظتين ..وبطش يديه المرتجفتين.. أم��ل ف��ي األم���ان ،األم���ان ال��ذي ت��م إعدامه العاريتين إال من قفازين تمزّقا عن مخالب من قبل الوالد الذي بادر مسرعا بعد وفاة معقوفة إلى األسفل ..تكسر بعضها وتشبث زوجته للزواج من صديقتها التي فرق بينهما بالحياة بعضها اآلخ��ر ..وقدماي تواصالن بنفسه ،األمان الذي فقدته مع طفولة دفنتها الركض فرارا منه .أحسست بإجهاد فلجأت مع والدتها في قبر الغدر والخيانة اللذين إلى شجرة وارفة الظالل قريبة مني ..خلعت تمثلتهما في قبح وجه زوجة والدها وأخيها .معطفي وف��رش��ت��ه ..ث��م اضطجعت عليه اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
شخصياتها المأزومة نفسيا ،غالبا ،أو التي اختارتها لتمثل جوانب من النفس اإلنسانية، وقيمها الوجودية.
وي��ض��ي��ف ال��ح��ل��م بُ���ع���داً ت��خ��ي��ي��ل��ي�اً آخ��ر للنص السردي ،من حيث أنه غير محكوم بالمنطق الواقعي ،ال من حيث بناء عناصره من شخصيات وزم��ن ومكان ،وال من حيث العالقات بينها .إنه نوع من الهروب من زمن الواقع لزمن الحلم ،وتشتيت لواقع كابوسي في زمن الكوابيس الضبابي .يرتكز السرد على المونتاج الزمني ،إذ يستعيد السرد عبر الحلم طفولة البطلة فيسقطها على واقعها الحاضر في السرد ،كما يسقطه على ماضيها باستعادة ذكرى والدتها المتوفاة، وهو بذلك ينفّس عن مخاوفها التي تالزمها في الصحو والمنام ،مخاوف تتعلق باألمان والثقة والمستقبل.
7
متخذة من ذراعي اليمنى مخدة تقي وجنتي خشونة األرض ..ورح��ت في ن��وم عميق.. ليجدها فرصة ذل��ك ال��ذي اعترض دربي ويهوي بفأسه على جمجمتي فتنكسر الفأس قبل أن تالمس جمجمتي ...فأفر هاربة منه من جديد ..ألصطدم بطفلة تشبهني ممتلئة البنية بضفيرة طويلة انسدلت خلفها تطارد دجاجة ينز الدم من مؤخرتها ،فوقفت أتأمل الطفلة والدجاجة ونسيت الرجل»(.)4 وف��ي نصها «كهل متصاب» تعالج حالة م���ن ح����االت ال��ع�لاق��ة ال���زوج���ي���ة ،وت��ق��دم تصويرا دقيقا لتفاصيل العالقة بين المرأة وال��رج��ل/ال��زوج ،ف��ي درج���ات مختلفة بين الفتور والتوهج بصوت ساردة أنثى .وتنتقل الساردة بين مشاهد من الماضي ،من تاريخ عالقتها بزوجها وخطيبها سابقا ،وتقاطعها بمواجهات للحاضر في محاولة لفهم غموض هذا الرجل ،الذي تحوّل من فورة الشباب إل��ى فتور الشيخوخة في وق��ت قصير بين فترة الخطبة وفترة ال��زواج .تعاود الغوص في تفاصيل حميمية حسية ،وتستغرق فيها لتصحو على مفاجأة تفسر موقفه منها. ولعل جمال ه��ذا النص يتمثل في خاتمته ال��ت��ي ج��سّ ��دت ح��ل ع��ق��دة ال��ن��ص ،بطريقة مفاجئة وصادمة ،بعد تأمالت طويلة -عبر تنقالت في الزمن -في تفاصيل عالقتها الحميمة بزوجها.
8
وجع ،أيقظتني ي ٌد مرتجف ٌة كلما غفوت على ٍ تغمس أناملها برفق بين عنقي ،وخصالت ش��ع��ري المسترسل ،فتنتفض األن��ث��ى في جوفي ،وأسكتها ،لتتوسد الوجع من جديد... ما إن يضيق بإخوته ذرع �اً ،حتى يجيء بي إلى هنا ،فراراً منهم!! عدا تلك الليلة حينما ضاق بهم ،احتد في النقاش معهم ..سبهم.. شتموه ..تفوّه بكلمات نابية ..أهانوه ..تطاول عليهم ..فعيروه بشيء ما ..عرفت فيما بعد أن ن��س��اءه الخمس فارقهن وه��ن م��ا يزلن أبكاراً!».
وفي نصوص القاصة خديجة الصاعدي في مجموعتها -رائحة الحنين -تبرز أشكال أخ��رى من استدعاء أج��واء الطفولة ،وقيم ال��م��اض��ي ال��م��ف��ق��ودة .وي��ت��وس��ل ن��ص «سطح الجيران» للقاصة خديجة الصاعدي باللعب على محور الزمن ،متلبسا باللغة .وفي هذا النص تعلو نبرة زمن السرد ،لتتحكم ببقية أزم��ن��ة ال��ن��ص ،وبنيته ،حيث ينطلق صوت الساردة /البطلة ،موجهة الخطاب لمخاطب مجهول الصفة وإن كان محدد االسم ،فتحكي الماضي معلَّقا بين قوسي الحاضر ،بواسطة تعليقاتها الموجهة للمخاطب ،كما في المقطع: الحظ«وسط ضحكات الصبية وابتسامتيِ .. أن��ن��ي ق��ل��ت اب��ت��س��ام��ت��ي -ألن��ن��ي ل��س��تُ ممن يجاهرون بسخريتهم من أحد يا صديقي»، ثم تعود لزمن القصة األص��ل��ي« :ف��ي غمرة «م��ض��ت ع��ش��ر س��ن��وات ،وأع��ي��ن أخ��وت��ه ضحكهم وابتسامتي ،جاءني ما لم أتوقعه تتلصص مترقبة تكور بطني ،واألنثى بداخلي أبداً يا ميمون ..اقترب مني (التنين) وصفعني يمارس السجان في حقها الموت البطيء ...بأقصى ما لديه من قوة».
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
وبهذا االختيار لزمن السرد -الذي يجسد التنين بدون شماغ وال عقال. استمرار الماضي في الحاضر -تبني البطلة وتحدد الساردة موقع القارئ ،لينظر معها عقدة قصتها ،كما تتلخص في أزمة الذات �اض مستمر« :كنتُ -وال أزال- إلى زمن م� ٍ األنثوية في مجتمع ذكوري ،فبوساطة زمن مسالمة حد الضعف ..هادئة كالصنم ،أينما ال��س��رد تختار ن��واف��ذ ل��رؤي��ة ه��ذه األزم���ة، توجهه ال يأتي بخير ..ال أتحدث إال عندما ومظاهرها عبر الزمن .وهي تستعيد حكايتها أعجز عن الصمت ،وهذا ما جعل جدتي تعلق مع (التنين) ،الولد الذي استطاعت هزيمته في كل مرة أتحدث فيها« :بيموت كافر»!». وهي طفلة ،من موقعها وهي محبوسة خلف هذه العالقة بين الماضي الذي ينعكس في نافذة شباك ،تنظر للتنين وقد أصبح رجال، الحاضر ،ويتجدّد فيه ،بما يمثله من موقع ورمزا لكل رجل في عالقته الفوقية باألنثى. األنثى في المجتمع ،هي عقدة النص .ذلك تتحول صورة (التنين) زمنيا ليرمز لكل ما الموقع الذي يجعل الساردة البطلة تهرب من يمثله المجتمع الذكوري وكثير من أحكامه الخارج للداخل ،مخاطبة ذاتها ،في حوارها التي ال يسندها شرع وال عقل ،أمام البنت مع ذات أخرى ليست إال معادال لذات البطلة، المقيّدة بشباك نافذة المنزل ،التي ال تملك ومعبرا لظهور صوتها. إال أن تنفّس عن نفسها ،بالحوار مع (ميمون) وي��ت��ح��ك��م زم����ن ال���س���رد ب��ب��ن��ي��ة ال��ق��ص��ة الذي هو على أغلب الظن طائرها الذي ترى فيه رمزا للحرية الحبيسة ..وشريكها في الزمنية والرؤيوية بوساطة اللغة ،فيجري قفصها الكبير. اختزال الزمن وتهدئته بوساطة بنية الجملة وتتكرر المراوحة بين مواقع الرؤية من اللغوية؛ وعلى سبيل المثال ،تقول البطلة: م��واق��ع مختلفة م��ن ال��زم��ن ،ب��وس��اط��ة نوع «الحجر الذي غيّر فيما بعد مجرى حياتي»، م��ن ال��ح��وار الضمني بين منظور الطفلة فتختصر القصة كاملة بجملة واحدة ،بينما ال��ت��ي ي��ط��ارده��ا (التنين) -ال���ذي م� ّث��ل في تقف ف��ي مقطع آخ��ر على وص��ف إيقاف صغرها القوة التي ال يحكمها العقل ،والتي الزمن بوصف لغوي دقيق لتفاصيل رمي استطاعت بلحظة شجاعة أن تنتصر عليه -الحجر ،وشعورها باالنتصار ،الذي ستفقده ومنظور الفتاة التي تتوق للحظة االنتصار في الزمن المقابل .وهذا التنويع على وتر المسروقة من الزمن ،والتي غاية ما تملكه السرعة في زمن الخطاب يدعم النص بنوع أمام (التنين) في الزمن الحاضر هو استراق من التشويق ،ويبعد عن القارئ التفاصيل النظر من خلف شباك ،والتماس الذاكرة المملّة ،كما ينتقل به أحيانا لتخيل وقائع لم بعض صور الحلم المسروق /حلم الحرية ،تسرد ،والتلميح إليها ،مما يشوقه إلى متابعة وتمارس التنفيس عن الذات المكبوتة بتخيل القراءة للتعرف عليها.
9
وي���وازي ن��ص «سطح ال��ج��ي��ران» ،نصان كحماقة ع��ض الكلب للعظمة ،كما يقول آخران أحدهما بعنوان «كتلة زائدة» ،واآلخر نيتشة ..وألنه ال يُفيد كما تقول أم كلثوم.. بعنوان «رائحة الحنين»؛ فنص رائحة الحنين هل سمعتها؟ على وج��ه الخصوص يرتكز على الحوار ال!الضمني بين رؤي���ة الطفلة ورؤي���ة ال��م��رأة ال بأس سأغنّيها لك..الناضجة اللتين تمثلهما الساردة البطلة، ال داعي ..فقط ،تابعي.عبر االنتقال خالل نقاط مختلفة على خط تفيد بإييييييه يا ندم ..يا ندم ..يا ندم؟ال��زم��ن ،لكن ح��ول م��وض��وع ج��دي��د ،ورؤي��ة جديدة للمرأة ونظرتها لذاتها األنثوية من وتعمل إيه يا عتاااب..؟ خالل رمز الجدّة. صوتك جميل! ِ وي��ت��وس��ل ن��ص «أرق» للقاصة خديجة الصاعدي باللغة ،ليجعلها معادال موضوعيا لشخصية البطلة الوسواسية ،لغة تتسم بالتكرار والتناسل واالس���ت���دارة ،فالجمل تتناسل لتتنتج خواتيمها رؤوسها من جديد، وهذا النوع من االستدارة يمثل بنية التفكير لدى الشخصية الوسواسية ،التي ال تقبل التشكيك في اعتقاداتها ،والتي ال تملك االنفالت من أفكارها ،فنحن نجد المريضة محبوسة في لغتها ،ال تستطيع الفكاك حتى من كلماتها ،التي تفرض نفسها بالرتم نفسه.
-ال ليس جميالً! ال تخدعني أرجوك..
كالنا يعرف بأن صوتي أجش وال يناسب فتاة في مثل عمري ..كل من سمِ عوه أخبروني عن
بحته ،وهذا أدنى ما تقتضيه اللياقة ويمليه ال��ذوق ..وتوقّع مَن لم يرني منهم أنني في األربعين من عمري على أق��ل تقدير ،فال
تجاملني!
-أنا ال أجامل يا دكتور ..وهذا الشيء
يسبب لي العديد من المشاكل.»...،
تستأثر المريضة بجو ال��ح��وار لتعرض
«دخ��ل��تُ غرفتي وقلبي يخفق بأمانة ..عالقتها المرتبكة مع والدها ووالدتها ،في صحيفة مشاهد متسارعة م��ن التاريخ ومجتمعها ٍ وق��ررتُ يومها أن تكون تلك آخ � َر تمسها يدي ،وقد ك��ان ..لم أطالع صحيفة وطفولتها ،تسرد عبرها حرمانها من والدتها، ُّ من ُذ ذل��ك الحين ،ول��س��تُ ن��ادم��ة ..أح��او ُل وت��ش��خّ ��ص رج���وع كثير م��ن االض��ط��راب��ات أال أن��دم كثيراً يا دكتور ،ألن الندم حماقة النفسية لعالقة الطفل بوالديه.
10
* كاتبة وناقدة من السعودية. ( )1قاصة سعودية ،لها مجموعتان قصصيتان« ،بقعة حمراء»2005 ،م ،و«التابو»2007 ،م. ( )2قاصة سعودية ،لها مجموعة قصصية بعنوان «رائحة الحنين» ،صادرة عن نادي القصيم األدبي1431 ،هـ ( )3هدى المعجل :التابو. ( )4هدى المعجل :التابو.
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
مريم الحسن وحكاية «ذات حلم» ρρالسيد التهامي*
قراءتان متباينتان لـ «عتبة النص».. شعبي يقول« :الجواب يبان من عنوانه». ٌ ثمة مثلٌ ال َح لي هذا المثلُ الشعبي وأنا أطالع «حكاية» مريم الحسن« ،ذات حلم»! لثوان، ٍ تركت «النص» ُ انتهيت من ق��راءة سريعة لتلك «الحكاية» ،حتى ُ ما إن أغمضت خاللها عينيّ مبتسماً. ُ كان ثمة سؤالٌ يطرح نفسه حول هذه «الحكاية» :أ َِشعرٌ هذا؟ أم قصة قصيرة؟ أم نثر؟ أم هي «الحكاية»؟ تعريفاتٌ كثيرةٌ ،ومصطلحاتٌ غي ُر اإلنسان أسطورة( )1في حين يرسم النثر ٍ قليلة كانت تتزاحم وتتسابق في مخيلتي ،صورته(.)2 إلعطائي إجاب ًة عن هذه األسئلة. في كلمات الكاتبة ،وانطالقاً من هذا لعلّه شعرٌ؟ ولعلّه نثرٌ! التعريف ،وقياساً عليه ،نجد أنها تخلق أول تلك التعريفات كان: من اإلنسان «أس��ط��ورة»! هو إذاً وتبعاً «األص����ل ف��ي ال��ش��ع��ر أن يخلق من للتعريف السابق ذكره «شعر»!
اجلوبة -ربيع 1437هـ (11 )2016
و ِل���� َم ال ن��ق��ول «أس���ط���ورة» وق���د رس��م��تْ لإلنسان صور ًة في حكايتها ،وجعلتْ منها – من تلك «األسطورة» أجنحة تُحلّق بها نحو األفق ،وتطلي األمواج باللون األسود القاتم، كما وص��ل تأثير اإلن��س��ان – الكاتبة – إلى الدرجة الفاعلة – سلباً أم إيجاباً – التي تجعل كعادتها تتركنا «الكاتبة» من دون إجابة مخلوقات البحر بجبروت بعضها تضجّ منها قاطعة محددة ،ولهذه العادة عند الكاتبة مطالب ًة إياه –اإلنسان في كلمات الكاتبة ،أو وجهان :األول السلبي ،إذ تترك القارئ – الكاتبة في صورة اإلنسان– بالعودة إلى حيث شريك الكاتب في إبداعه -في حيرة من أتتْ . أمره .أما الوجه اآلخر اإليجابي :فهو عدم كما أنها –الكاتبة/اإلنسان– ق��د طوت تقييد ال��ق��ارئ وخ��ي��ال��ه ،وت��رك��ه مبحراً مع ال��م��س��اف��ات ،وه��ي ال��ت��ي ل��م ت��أت على ذكر إبداعه وخياالته هنا وهناك شريكاً للكاتبة «ب���راق» أو «بساط سحري» تطوي بأيهما أو مضيفاً إلى إبداعها. المسافات تلك .لكنها «الملحمة» التي تحمل عودة إلى التعريف أسطورة البطولة. «األصل في الشعر أن يخلق من اإلنسان ف���إذا م��ا سلمنا بأنها «أس���ط���ورة» ،فال مجال للتساؤل عن «كيف» تطوي المسافات ،أسطورة في حين يرسم النثر صورته».
استعادة «القدرة على الحلم» ،القدرة على أن تحلم ،حيث ضاعت األح�لام ،بل وافتقدت القدرة عليها وسط عالم محبط – بفتح الباء وبكسرها -مؤلم ،ال يترك ألناسه مجاالً للحلم؟
لكن السؤال ال��وارد «ل��م��اذا»؟ :لماذا طوت يمكننا كذلك أن نرى كلمات الكاتبة هُنا الكاتبة/اإلنسان ،المسافات؟ ولماذا حلقتْ وقد رسمتْ صورة اإلنسان ،فهو إذاً نثر! بأجنحتها/أجنحته نحو األفق؟ اإلنسان الذي وإن أخذ ملمحاً من مالمح ت��أت��ي االج��اب � ُة ق��اط��ع�ةً ،س��ري��ع�اً« :علّني «األس��ط��ورة» في «ال عادِ ّيتِها» Superiority أستعيد حلمي»! حيث يحلّق بأجنحته – التي هي من صنع
12
أهو إذاً حُ لم مستحيل؟ بعيد المنال؟ ذلك خيال الكاتبة -نحو األف���ق ،وحيث يطلي ال��ذي تطوي من أجله المسافات ،وتحلق األم��واج باللون األس��ود القاتم ،وحيث تبلغ الكائنات بأجنحتها نحو األف��ق بحثاً عنه ،قوة تأثيره الخارقة أن تضجّ منه «مخلوقات» البحر – بحيتانها وأسماكها وشُ عبها و– ... بغية استعادته! مطالب ًة إياه بالعودة من حيث أتى. إن كلمة «أستعيد» تطرح س���ؤاالً ل��ه ما «األسطورة» ..تلك التي تطوي المسافات يبرره :أكان الحلم «حقيقة» ثم غدا أو غدت «اس��ت��ع��ادت��ه» حلماً؟ أم أن الكاتبة تقصد طياً ،تضمحل ،وتتضاءل ،وتهيض أجنحتها،
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
وق � � � ��د ط � � � � ّوف � � � ُ�ت ب � � ��اآلف � � ��اق ح �ت��ى رض � �ي� � ُ�ت م� ��ن ال �غ �ن �ي �م��ة ب� ��اإلي� ��اب!
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ضعيف ،الحول له وال ٍ لتكشف عن «إنسان» قوة ،ليس له من األمر شيء« ،ال يرى سوى الخواء» ،ليواجه حقيقة ضعفه وعجزه ،فال يجد ما ينقذه من ه��ذا اإلح��س��اس المؤلم الموجع بالضعف والعجز وال��خ��واء ..سوى العودة من جديد إلى «الحلم» ،بعد أن يكون لسان حاله ما ردده الشاعر العربي القديم:
ليست مجرد كلمة أو كلمتين ،إنها «قصة»، فلسفة ،تجربة ،حيرة ،ه��دى أو بحث عن الهدى ،إيمان أو محاولة اكتمال ذلك اإليمان، رحلة من الشك إلى اإليمان لنبيٍّ من أنبياء اهلل .فهل هذه «الحيرة» قد ٌر لنا نحن البشر في بحثنا الدائم عن شيء ما خالل حيواتنا، حتى وإن ك��ان بحثا ع��ن ذوات��ن��ا أو ماهية وجودنا ،أو بحثا عن شيء ال نعرفه؟
ثم تنقلنا الكاتبة نقل ًة مفاجئ ًة (يبدو هذا لكن هذا الحلم ،وكما في كل م��رةٍ يبدو كـ «تكتيك» يغلب على ما قرأتُ ونقدتُ من بعيداً بعيداً .ليس بعيداً عن المنال فحسب ،كتاباتها – احتراق ،صقيع يلتهب ،ذات حلم): وإنما يحمل صفة «البعد الجغرافي» ،حيث طفل يرتل أنشودة التاريخ» ٍ «دوى صوتُ مفردات الكاتبة ،الكواكب ،الفضاء الفسيح.. أن يكون التاريخ أنشود ًة تُرتل ،هل يعني هناك حيث «يرقد»! هذا جمال ذلك التاريخ؟ أو يعني تكراره، بماذا توحي كلمة «يرقد»؟ ثمة تساؤل؛ فتصدق عليه مقولة« :التاريخ يكرر نفسه»! أهي الخصوصية؟ خصوصية «الحلم» ومدى مآس، أم يعني «جنائزيته»؟! بما يحمله من ٍ بأحد غيرها ،فهو ٍ ارتباطه بذات الكاتبة ،ال وم�لاح��م ،و«ت��راج��ي��دي��ا» أح���داث وشخوص «يرقد» في انتظارها ،في انتظار وصولها وأماكن! إليه قاطع ًة المسافات ،ليجتمعا سويا ،ومن ولماذا صوت «طفل»؟ مع أن المنطقي أن ثم «التحقق» لكليهما (الكاتبة والحلم). الذي يروي «التاريخ» هو مَن يعرفه ،ومن ثم أم توحي تلك المفردة «يرقد» بموت ذلك ينبغي أن يكون شيخاً! الحلم؟ ربما الستحالة تحققه ،ربما لطول أألن الكاتبة أرادت أن ت��رم��ز ل�لأم��ل – االنتظار وامتداد الزمن! بذلك الطفل -للبزوغ ،للبدايات الجديدة، تأخذنا كلمتا «ب��زغ��ت ال��ك��واك��ب» ..إلى أو إعادة الخلق –خلق التاريخ– بذلك الطفل؟! هناك ،إلى بعيد ،ثم تعود بنا إلى هنا ،إلى أم تراها قد أرادت بذلك الطفل التأكيد على بيئة النص – بيئة الكاتبة التي ال ريب أسهمتْ ال «إعادة تدوير» التاريخ ،وتوارث مآسيه جي ً في تشكيلها وجدانياً ونفسياً وعقائدياً – كما تأخذنا إلى ذلك التناص ،وإلى «قصة» النبي بعد جيل ،وعصراً بعد عصر؟ إبراهيم عليه السالم في القرآن الكريم؛ إنها
« -كتبت» ل��ه القصائد« ،ن��ث��رت» حوله
اجلوبة -ربيع 1437هـ (13 )2016
المعاني! جاءتا – «كتبت»« ،نثرت» – دون عالمات كلغة – ودون تشكيل ال��ح��روف، إع���راب – ٍ فأمكن قراءتهما قراءتيْن :البناء للمجهول م��رةً« :كُتبتْ » و«نُ��ث��رتْ » بما يترك المجال مفتوحاً ،والسؤال مطروحاً :مَن الذي كتب له؟ من الذي نثر حوله المعاني؟ أو :قراءة أخ��رى« :كتبتُ »« ،ن��ث��رتُ » له المعاني – تاء الفاعل بالضمة على آخر الكلمتيْن – بما يعني أن الكاتبة – «األسطورة» – هي التي كتبت لذلك الطفل القصائد ،وهي التي نثرت حوله المعاني ،فكأنها قد فنيت ،لتبعث من جديد في ذلك الطفل – – Reincreination حتى إذا ما كبر ذلك الطفل ،وماتت أحالمه وتحطمتْ ،مات هو أيضاً ،ليأتي طف ٌل آخر، يدوي صوته وهو يرتل أنشودة التاريخ .إنها األسطورة!! أسطورة «التقمص» أو «تناسخ األرواح» – لعلها ليست المرة األول��ى التي تبرز فيها هذه األسطورة في كتابات الكاتبة.
14
«ذاتُ » ،وبالتنوين بالكسرة في نهاية كلمة «حلم» ..فكأن الكاتبة تحكي حكايةً ،تحكي ٍ تفاصيل حلم ،مثلما نبدأ حكاياتنا الشعبية ب «ذات م��رة» أو« ..ف��ي م��رة من المرات» أو« ...كان ياما كان». في القراءة األول��ى :تبدو الكاتبة وكأنها تبحث عن ذاتها ،بينما في القراءة الثانية للعنوان ،تبدو الكاتبة تحكي عن حلمها ،عن حلم من أحالمها. وألن العنوان – عنوان أي نص – كما عبّر «جاك دريدا»« ،أشبه بالثريا التي تمثل مركز اإلشعاع على النص ،كما يمثل العنوان عتبة ال��ت��ف��اوض بين النص وال��ق��ارئ ،ففي هذه العتبة ت��ج��ري م��ف��اوض��ات ،ف��إم��ا أن ينجح العنوان بإغواء القارئ ،وينبثق العشق بينه وبين النص ،أو يفشل في ذلك»(.)3
إن العنوان ال��ذي نحن بصدده ،وبصدد مناقشة نصه ،قد مثّل بالفعل «مركز إشعاع» على ال��ن��ص ،بالقراءتيْن السابق اإلش��ارة عود على بدء ..إلى عنوان النص «ذاتإليهما .فهو الحلم الذي تنشده الكاتبة بأن حلم» ..وهو أيضاً تمت كتابته دون عالمات تعثر على ذاتها في أكمل صورها المنشودة، إعراب ،بما يمكِّن من قراءته بطريقتين: ومن منّا ال ي��راوده ذلك الحلم؟ ومن منّا ال «ذاتٌ ح��ل�مٌ» .بتنوين ذات «بالضمة» ينشده ،وينشد الوصول إلى ذاته؟وتنوين «حلمٌ» بالضمة كذلك ،فتكون «حلمٌ» أو ب��ال��ق��راءة األخ����رى :وه��ي ت���روي عن صف ًة لل «ذات» ..فكأن الكاتبة تبحث عن حلمها ،أو عن حلم من أحالمها ،ربما تئن تلك «الذات» صعبة المنال ،حتى لتبدو أشبه تحت وطأته ،أو ربما تهرب به من واقعها، بال «حلم»! تهرب منه ،أو تهرب إليه ،أو تهرب به .ومن أو قراءة اخرى:منّا ليس لديه ذلك الحلم الذي يود لو يرويه حلم» ،بالضمة على آخ��ر كلمة فيريح ويستريح؟ « -ذاتُ ٍ
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ورغ��م أن الكاتبة قد حلّقتْ بي كقارئ في الفضاء الفسيح ،مع الكواكب ،والطفل الذي يرتل ،واألنشودة ،والتاريخ ،والقصائد، والمعاني ،والمسافات ،والنبع ،والعطش، والعطشى ،إال أنها -ويا للغرابة!! -قد عادت ال خيباتي مثلما تحمل هي بي أيضاً حام ً خيباتها ،ويعتمر الحزن في قلبي كما يعتمر في قلبها ،مؤكد ًة على أن اله ّم اإلنساني واح ٌد في حقيقته ،وإن تعددتْ صوره ،متشاب ٌه وإن تنوّعتْ الجغرافيا!
األفق وهي «تطوي المسافات» ط ّياً ،وبينها وه��ي في رحلة اإلي��اب «تقطع المسافات» مثقلة بخيباتها ،ب��األم��ان��ي ال��ت��ي تجذبها خلفها ،وكأن الكاتبة في مرحلة «انسحاب» من معركة قد خسرتها ،ومنيتْ فيها بهزيمة قاسية م��ري��رة ،لكنه رب��م��ا ك��ان «انسحاباً تكتيكياً» بلغة المحاربين ،وإال لما جذبتْ خلفها «جنودها» – األماني – ،إذ لو سلّمتْ بالهزيمة ،وكفّتْ عن المحاولة من جديد، لكان أولى بها وأجدر أن تترك أمانيها هناك «ترقد» مع حلمها!
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
عن نفسي -ك��ق��ارئ -فقد نجح العنوان أجذب األماني خلفي ..وفي تجاويف قلبي «ذات حلم» ،رغم قراءتيه المتباينتيْن بإغوائي يعتمر الحزن». – تبعاً لتعريف «جاك دري��دا» -ولم يستغرق يأس واضح ،له تحمل كلماتها هذه نبرة ٍ «جف النبع»« ،أحمل خيباتي»« ،في َّ «التفاوض» بيننا – النص وأنا – وقتاً ،فقد ما يبرره: كان العنوان/عتبة التفاوض موحياً ومغرياً تجاويف قلبي يعتمر الحزن» ..شتان بينها لإلبحار في آن! في رحلة الذهاب ،وهي تحلّق بأجنحتها نحو
ألهذا ج��اء ق��ول ربنا سبحانه في كتابه أهي «وقفة تعبوية» تستعيد فيها ذاتها، العزيز« :يا أيها اإلنسان إنك كاد ٌح إلى ربك وتستجمع قواها ،وتنظم «جنودها» للتحليق كدحاً فمالقيه»؟ م��ن ج��دي��د ن��ح��و األف����ق ،الس��ت��ع��ادة حلمها لم يقل سبحانه وتعالى« :يا أيها الناس «وطنها»! إنكم كادحون»! لكل ك��ات� ٍ�ب «استراتيجيته» التي تعكس فكأن اإلنسان هُنا – في كدحه – واحدٌ، مشروعه الفني –غاي ًة ووسيل ًة – ومن خالل مهما تعددتْ ص��وره ،أو اختلفتْ جغرافية نقدي لثالثة نصوص للكاتبة ،أرى مالمح مكانه ،أو تنوّع شأنه ،أو تمايز دوره! «استراتيجيتها» الفنية تتبلور في ملمحيْن تنهي الكاتبة قصتها ،أو «حكايتها» أو بارزيْن:«أسطورتها» بـ: الملمح األول :ه��و «س��ي��اس��ة االرت����داد» «جف النبع ال��ذي كان ي��روي العطشى ..للقفز من جديد ،فيما أسميتُه أنا في نقدي رحلت أقطع المسافات ،أحمل خيباتي ،لقصتيْها السابقتين .Closed Cycle
اجلوبة -ربيع 1437هـ (15 )2016
هي هُنا تنطلق من «الواقع» إلى «الحلم» مفردات تتكرر في قصصها الثالث -البحر، من أجل استحضاره ،أو تحقيقه أو استعادته ،السماء ،الحزن -...،وأخرى تختلف. لتعود من جديد إل��ى «ال��واق��ع» ،استعداداً ال��ك��ات��ب��ة -ك��ك��ل ال��م��ب��دع��ي��ن ،ب��ل ككللالنطالق نحو الحلم ..وهكذا. إنسان -هي ابنة بيئتها ،وتكوينها النفسي
والفكري واالجتماعي واألخالقي .هو نتاج واقع ⇦ حلم ⇦ واقع. لهذه البيئة ومحصلة معطياتها ،وإبداعها وقد فسرتُ هذا في قصتيْها السابقتيْن: الريب سيكون انعكاساً لهذا التكوين ولهذه «احتراق» و«صقيع يلتهب». البيئة ،وم��ن ثم تتكرر مفرداتها تصريحاً اما الملمح الثاني: أو تلميحاً ،كما تبدو سماتها التي تشكل في أسلوب سردها للحكاية ،فهو مزج «استراتيجيتها» في الكتابة. «ال��واق��ع» ب��ـ «ال��خ��ي��ال» .فهو «واق����ع» ،لكن «م��ري��م ال��ح��س��ن» ه��ي ت��ل��ك الكاتبةأس��ل��وب��ه��ا يحمل ت��ع��ب��ي��رات وك��ل��م��ات تجعل اإلنسانة المشدود جسدها (روح��ه��ا) إلى المتلقي العادي الذي ال يريد أن يكون شريكا حصانيْن «حصان الواقع» و«حصان الخيال». للكاتب في إبداعه ،يرى األمر وكأنه خيال ف��إن س��ار الحصانان في اتجاه واح��د – خيال مجرد Fictionalبينما أراه��ا ويراها االت��ج��اه نفسه – سلمتْ روح��ه��ا وانطلقت آخرون دون إرهاق ذهني أو عناء Fictionalمنتشي ًة مع الحصانيْن ،يحدث ذلك عندما .and Factual ال يخالف «الواقع» «الخيال» ..عندما ال يش ّذ
من بين تعاريف القصة القصيرة أنها حلمها عن تقاليد «الواقع» المكبّلة باألعرافالسائدة المهيمنة. «طريقة لتمثيل الحكايات»(.)4 أم��ا إن س��ار «الحصانان» ك��لٌّ في اتجاه مخالف لآلخر – على طريقة اإلعدام البشعة في العصور الماضية – عندها تتمزق «مريم الحسن» ،وينتج عن هذا التمزق إبداعاً نشعر به وبلذته كقراء ،حتى ولو لم نشعر بالثمن الفادح الذي دفعته وتدفعه الكاتبة من روحها وسالمها النفسي.
16
برأيي ،ومن خالل نقدي لثالث حكايات لـ «مريم الحسن» – احتراق ،صقيع يلتهب، ذات حلم – أن هذا هو أدق وصف لكتابات الكاتبة .إن��ه��ا «ح��ك��اي��ات» مثلتها بطريقة أقرب إلى القصة القصيرة .أو هي «قصص قصيرة» ،كل قصة منها عبارة عن «حكاية» بطريقة م��ا ..ففي قصصها الثالث ٍ ت َُمثَّل السابق اإلشارة إليها ،كان شخص «القاص» إنها قصة «البجعة» التي تغني أجمل أو «الراوي» أو «المروي عنه» أو «الحكواتي» أغانيها عند الرحيل ،لكنها كذلك قصة ه��و الشخص الوحيد ف��ي «ال��ح��ك��اي��ة» ،مع «العنقاء» التي تُبعث من جديد في كل مرةٍ اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ف���ي واق����ع األم����ر ه���ي ليست حكاية «مريم الحسن» فحسب ،بل زمان هي حكاية كل مبدع ،في كل ٍ ومكان! وه���ي ق��ص��ة إع���دام���ه -إع���دام المبدع -المتكررة بطريقة ربطه من «روح��ه» بين حصانين ،يجري ك ٌل منهما في اتجاه مخالف لآلخر، وه��ي قصة قديمة ق��دم التاريخ ومعروفة. «ح��ص��ان خ��ي��ال��ه» ال���ذي يمثل وق��ود إب��داع��ه ،وتميزه ،واختالفه عن الدهماء. و «ح��ص��ان ال���واق���ع» ب��ب�لادت��ه، وجموده ،وغبائه ،ورك��وده الذي ال يترك مبدعاً يحلق في سماوات إبداعه ،رافضاً ذلك الواقع ،راسماً له طريقه للخالص.
تقتُ لإلبحار ،في تلك الشواطئ.. التي عبثت بها يوما ،صبغتها بألوان متمازجة.. عزفت األم��واج موسيقاها ،رقصت رقصة البجعات.. حلقت بأجنحتي نحو األف��ق ،عند المساء حللت ..طليتها باللون األس��ود القاتم ..ضجَّ ت مخلوقات البحر تطالبني بالعودة من حيث أتيت..
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
تموت فيها.
ذات حلم
طويت المسافات علني أستعيد حلمي.. لم أجد سوى خ��واء يتردد ص��داه نحو البعيد ..بزغت الكواكب ،سطوعها في الفضاء كان الدليل الذي رسم لي خطواتي ..هناك ..حيث يرقد الحلم... في ذلك الفضاء الفسيح ..دوّى صوت طفل؛ يرتل أنشودة التاريخ.. كتبت له القصائد ،نثرت حوله المعاني ،جف النبع الذي كان يروي العطشى ..رحلت أقطع المسافات ،أحمل خيباتي، أجذب األماني خلفي.. وفي تجاويف قلبي يعتمر الحزن.. (مريم الحسن – السعودية)
سبحانه! أيها المبدعون ،يرحمكم اهلل!
هي ليست قصص المبدعين فحسب ،بل هي قصص األنبياء كذلك ،مع التسليم بأن «إب��داع» األنبياء كان وحياً من رب السماء * ناقد من مصر. ( )1من كتاب ما األدب؟ «جان بول سارتر» ترجمة وتقديم وتعليق الدكتور محمد غنيمي هالل .مكتبة األسرة 2005م سلسلة المئويات .مصر. ( )2المصدر نفسه. ( )3رزيقة طاطاو – شعرية العنوان في قصص نجيب محفوظ – مجلة فصول العددان -89-90ربيع – ال عن خالد حسين حسن :في صيف 2014م ،صفحة ،183الهيئة المصرية العامة للكتاب .مصر :نق ً نظرية العنوان شئون العالمات من التشفير إلى التأويل ص ص .16 – 15 ال عن أوزوال��د ديكرو – جان ماري سشايفر :القاموس الموسوعي ( )4المصدر السابق صفحة 182نق ً الجديد لعلوم اللسان – ترجمة :منذر عياش (بيروت ،الدار البيضاء) المركز الثقافي العربي – طبعت سنة 2007م ص .211
اجلوبة -ربيع 1437هـ (17 )2016
التشابك السردي
في بداية رواية «سوناتا ألشباح القدس» لواسيني األعرج ρρسعيدة حمداوي*
«أص�ع��ب األش�ي��اء ف��ي الحياة ال�ب��داي��ات» .واسيني األع��رج، طوق الياسمين. «أن ��ا ل��م أ َر ال �ق��دس إال ث�ل�اث م ��رات ف��ي ح� �ي ��ات ��ي»...: بهذه العبارة ب��دأت رواي��ة «سوناتا ألشباح القدس» رحلتها التخييلية حين أجلت صلتنا ب��ال��واق��ع ،متجاوزة بنا فعل ال �ق��راءة ال�خ�ط��ي بتلقيه ال�س�ط�ح��ي ،مفضلة أن تصطحبنا في جولة متميزة إلى مكامن النص الروائي ورحابه الفسيح ،ذلك أن كل مقاربة تستهدف البداية ال محالة ستندرج ضمن تتبع مجال أوسع يشمل مستوى البنية السردية ،بيانا لتفاعلها بباقي المكونات السردية في محاولة للبحث عن «تجسيد حالة من السكون واالستقرار على مستوى السرد ال��روائ��ي»( .)2إذ يختصر ملفوظ ال�ب��داي��ة العالم ال�س��ردي ل�ل��رواي��ة؛ بفعل إح��ال��ة الضمير «أن��ا» على عنصر ال�س��ارد، وانفتاحه على دالالت ضمير المتكلم ،بحكم تماهيه مع شخصيتين حركتا مسار األحداث (مي ،يوبا) .أما الفعل المضارع المجزوم «أر» فيمتد بنا إلى أزمنة مختلفة، يتولى من خاللها لفظ «القدس» نقلَنا إلى عوالم المكان المتداخل األوجه. ()1
- 1البداية ولعبة الضمائر
18
يعود الفضل إلى اهتمام النقد بمسألة توظيف ضمير المتكلم «أن���ا» إل��ى أدب السيرة الذاتية« ،لما له من قدرة لطيفة على س��رد األح���داث بحكم ق��درت��ه على التغلغل في سائر المكونات السردية»(،)3 ذل��ك أن تقسيم ال��رواي��ات وف��ق طبيعة اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
الضمير الذي يروى به متكلما أو غائبا غير مقنع تماما؛ الرتباطه بحضور السارد في الرواية أو عدم حضوره« ،غير أن هذه الـ أنا ال تتحدد خالفا لهذا ،إال من حيث كونها هي الشخص الذي يتحدث تماما مثل المضارع (الحاضر)»(.)4 تُ��ح��ي��ل «أن����ا» ال��ب��داي��ة إل���ى شخصية
يتعادل «أن���ا» ال��س��ارد ب��إح��دى شخصيات الرواية التي «هي» والدته «مي» ،ويرى كل شيء بعيونها ،فالسارد حسب التقاليد السردية يروي الحكاية ،ويتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في التعليق عن مضمونها بأسلوبه، ويندرج ضمن مستوى السرد خ��ارج الحكاية الرئيسة التي يرويها .أم��ا بالنسبة للحكاية التي يرويها ،فهو داخلها وينتمي إليها ،إضافة إلى كونه شخصية داخل الرواية ،يروي حكاية ثانوية مشاركة ف��ي ح��وادث��ه��ا الرئيسة؛ من منطلق أن��ه ي��روي السيرة ال��ذات��ي��ة ل �ـ ِ «م��ي»، ويعاد من جديد ط��رح تساؤل عن جدوى فالحكاية التي يرويها «يوبا» السارد حكاية استخدام ضمير األن��ا ،والمغزى من توظيفه مستقلة بشخصياتها وأزمنتها وأمكنتها ،يرويها روائ��ي��ا؛ ألننا ال يمكن أن نعتقد ب��إط�لاق أن دون أن يكون حاضراً كلياً في أحداثها. السارد يروي وال يفعل ،استنادا النتمائه لزمن وعليه ،نخلص إل��ى ال��ق��درة التي يمتلكها السرد ،وأن «هي» الشخصية المحورية تفعل ضمير المتكلم في إذاب��ة الفروق والحواجز وال تروي ،محتكمين في ذلك إلى زمن الحدث بين السارد والشخصية والزمن جميعا ،وهو في الحكاية ،رغم أن بعض الدارسين يعتقدون ما نلمسه في مساعي «يوبا» السارد إلعادة أنه ال يمكن للسارد أن يستخدم ضمير المتكلم شريط األحداث إلى الزمن الحاضر ،وقدرته ل�لإش��ارة إل��ى نفسه ،وإل��ى البطل م��ع�اً ،إنما على دم��ج الحكاية ،وإزاح��ة الحاجز الزمني يستخدم ضمير المتكلم ليحيل إل��ى نفسه .الذي يفصل زمن السرد عن زمن السارد ،ما في حين يشير ضمير الغائب إلى الشخصية يجعل األن��ا ال��س��اردة ق��ادرة على الغوص في المحورية «مي» ،مع أننا سنلمس في الرواية أعماق النفس من جهة ،وربط القارئ بالعمل عكس ما أ ُِّص��ل له نقديا ،بتحول السارد في السردي من جهة أخرى.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
متضمنة في وضعيتين؛ يوبا الشخص الذي يتكلم ،ويوبا المحاور أو السامع ،بالنظر إلى «السهولة المدهشة التي يتمتع بها السارد بضمير المتكلم في التأرجح بين وجهة نظره الالدقيقة كسارد ،والعالم الذي يحكي عنه.. وكأنه له حق المواطنة في النظامين معا»()5؛ ألن األنا ليست إال «هي» مي في حالة استعادة وت��ح�وّل ،بحكم أن «ضمير المتكلم يأتي في ال��س��رد شكال داالً على ذوب���ان ال��س��ارد في المسرود ،وعلى ذوبان الزمن في الزمن ،وعلى ذوبان الشخصية في الشخصية»( .)6ويُسقط «أنا» السارد يوبا المسافة بين كلمته وكيانه، رغ��م أن��ه ضمير خ��اص بالمتكلم ،لكنه ليس المتكلم؛ ألن الحديث يؤول إلى مي ،والضمير ه��ن��ا ل��ي��س م��س��ت��ت��راً ،ب��ل ظ��اه��راً ف��ي مجرى األح��داث ،انطالقا من اعتبار الـ «أن��ا» داللة أو إش��ارة ،فهي تحيل وضع الناطق إلى وضع وجودي وإلى الحقيقة معناها األوح��د ،إذ إ َن «ال أنا كلٌّ كامل ،ولكنها في اآلن ذاته ليست غير ذلك الذي يقول أنا معجميا»(.)7
الرواية إلى «شخصية مركزية ،مزودة بطاقة فيزيقية وذهنية ،وروحية غنية»( ،)8تتوارى فيها «أنا» السارد وراء «هي» الشخصية المحورية، وه��و ما يعرف بالسرد الموضوعي؛ وفيه ال يعرف السارد شيئا عن الشخصية «مي» ،بل يراقب تحركاتها وايماءاتها عن طريق الرسائل التي تركتها ،والتي يشركنا «يوبا» محتوياتها. وبالتالي ،فهناك حكايتان يحكيهما سارد واحد؛ حكاية تنفيذ وصية «مي» ،وحكاية منفاها.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (19 )2016
- 2البداية السردية والشخصية
«وهو يكرر كلمة يوبا ..يوبا ..لم يكن يوبااس��م��ا غريبا على ذاك��رت��ي .استحضرته بسرعة وكأنه كان ينام في مكان معتم فيّ ، يوبا ..يوبا الثاني تحديدا ،وهو واحد من أج��دادك البربر .هو اب��ن الملك البربري يوبا األول ال��ذي قهره ال��روم��ان .ولد عام ( )52قبل الميالد .وحكم على عاصمته سيزاري (شرشال) تحت وصاية رومانية كثيرا ما تمرد عليها(.)10
قدمت البداية شخصيتين محوريتين تكفّلتا بتحريك أح���داث ال��رواي��ة ،وت��و َّل��ت��ا بدورهما عملية استعادة ثالثة أط��وار تاريخية :الجد (الماضي /األص��ل) ،مي (الحاضر /الفرع)، يوبا (المستقبل /االمتداد) .كما أدى انفتاحنا على الحياة الداخلية للشخصية «م��ي» إلى التعرف على شخصيات أقل حضوراً وفعالي ًة في أحداث الرواية ،أثارت العديد من العواطف « -ظ��ل يوبا الثاني مرتبطا باسم أج��داده واألحاسيس المتباينة في نفسية «مي». وببربريته حتى موته .فهو من أشاع الثقافة والديمقراطية على أرض كانت في طور االستمرار الفقدان الذاكرة االحتضان التكوين وعُرضة للتحوّالت الكبرى»(.)11 (الحاضر) (الحنين) (الماضي) (الدعم) سيدي لمغيث (الجد)
20
مير (األم) دنيا (الخالة) يوسف (الحبيب) يوبا (األب) كونراد غسان (الخال) (الزوج) لينا (األخت)
م���ن ه���ذا ال��م��ن��ط��ل��ق ،ي��ت��م ت��ح��دي��د ه��وي��ة الشخصية «مي» بالتدريج ،بواسطة ما يخبر ب��ه ي��وب��ا ،وم��ا يستنتج م��ن أخ��ب��ار ع��ن طريق سلوكها؛ ألن الشخصية في البدء مجرد عالمة بيضاء فارغة ال تحيل على شيء ،يتولى السارد والشخصية نفسها مهمة ملء بياناتها ،عندها تتكدس الصفات لتضيء خفاياها عن طريق أفعالها أو بوساطة مقاطع سردية أو وصفية أو حوارية .وال يكتمل بناء معالم الشخصية إال عند وصول النص الحكائي نهايته ،حينئذ يتم عرضها من خالل تصور يعيد تشييد بناء النص .كما انطوى توظيف شخصية يوبا عن قصدية خدمت القضية التي سعت الرواية لتحقيقها؛ حملت موقف البحث والدفاع عن الهوية المسلوبة للمنفيين.
ول��ق��د أسهمت ال��ب��داي��ة ف��ي تقديم بعض بطاقات «مي» الداللية ،أن الشخصية تركيبٌ ي��ق��وم ب��ه ال��ق��ارئ أك��ث��ر مما ي��ق��وم ب��ه النص، وعالقة لغوية ملتحمة بباقي العالقات في التركيب الروائي حسب فيليب هامون؛ إذ يتيح لنا جمع عناصر البداية الوصول إلى تشكيل تصور ع��ام عن أه��م مالمح شخصية «م��ي»: (اسمها ،تفاصيل حياتها ،طفولتها ،انشغالها باللون ،ق��رار محرقتها ،مضمون وصيتها)، أما «يوبا» -ثمرة تمازج بين الثقافة الشرقية (مي) ،والغربية (كونراد) -فيعيدنا استحضار اسمه إلى مرجعية تاريخية ،ذلك أن األسماء - 3البداية السردية والزمان في الرواية «ال تكون بال داللة ،فهي دائما جزء ي��ع��ي��ش المتقمص لضمير المتكلم في مهم من عملية خلقها ،وينطوي على اعتبارات خضم «نسقين زمنيين :ف��ي النسق الزمني جمّة»(.)9 للشخصيات ،ولكنه في اآلن ذاته ،يعيش بتقدم اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
يسترجع يوبا شريط ال��ذك��ري��ات ،ويعبث بخطيته الزمنية في سرد وقائع زيارته للقدس، وتتولى الذاكرة بمخزونها الزمني ربط الحياة النفسية للشخصية يوبا ،برؤيته الذاتية من خالل عرض تفاصيل حياة برمتها من اللحظة الحاضرة ،وينتهي إلى أن تقدم البداية مشهدا سرديا مجتزئًا من الزمان ،يعرض أدق تفاصيل «مي».
وتمتد زمنية البداية إلى لحظة استرجاع، غابت جراءها المطابقة بين ترتيب األحداث في السرد ،وترتيبه في الحكاية حين توقفت بنا عند قرون مضت ،استحضرت نكبة الماضي (األن��دل��س) ،لتبرر نكبة الحاضر (فلسطين 1948م) ،وجابت بنا ربيع اللون رفقة فراشات عاشت زمن فلسطين ما قبل النكبة ،لتنتهي عند تراجيديا الشتاء موسم الموت ،والحداد بنثر رماد «مي».
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
زمني كبير في حاضره ،كسارد ،وم��ن وجهة النظر هذه ،كل شيء ينتمي إلى الماضي»(.)12 من ه��ذا المنطلق ،لم تخ ُل البداية السردية للرواية من إش��ارات زمانية ،نقلتنا إلى زمن وفاة «مي» ،وتنفيذ وصيتها التي تركتها البنها يوبا ،من خالل سير عكسي من الحاضر نحو ال��م��اض��ي ،وسبيل ه��ذه اإلط��ل�االت التذكر؛ بوصفه حالة صفاء ذهني يصل إليه يوبا، وليست م��ج��رد تقويض ل��زم��ن ال��س��رد ،إنما تقنية يتماهى فيها زم��ن السرد في حاضره بزمن الماضي االسترجاعي .وبالتالي ،يحل زمن السرد معاكساً التسلسل المنطقي لزمن الحكاية (األح��داث) ،فيتم التقديم والتأخير فيما يُ��روى ،ذلك أن األن��ا في البداية ليست ماضيا أو حدثا انقضى أو وج��ودا منفصال، ب��ل حركة ح��اض��رة ف��ي كثافة م��ن العالمات، رغم أن كل «تفكير مستميت في الماضي هو خيانة للحاضر»( .)13بيد أن التاريخ ليس ذلك الماضي الذي انقضى ،إنما هو حاضر يعيش في شكل تفاصيل مستقبلية.
كيف نوقفها عند حدها»(.)15
وعليه ،أنتج اعتماد البداية على االسترجاع الزمني ،مخالفة لنمط سير السرد العادي، بعودة السارد إلى حدث سابق ..حين امتد من نقطة توقف فيها السرد إلى زمن شهد لقاء يوبا بالقدس ،ما استدعى توقفا عن متابعة السرد بالتدرج الطبيعي ،هذه المخالفة الزمنية شملت نوعا من الحكاية الثانوية ضمن الرواية، استقطبت ما مضى من أحداث ،أضاءت بعضاً من حياة «م��ي» ،واستعادت ج��زءاً من هويتها الضائعة. – 4البداية السردية والمكان
تُبين لنا ال��ب��داي��ة عالقة «م��ي» بالمكان، والتي تنطوي على شيء من التعقيد والتشعب واالنغالق؛ نظرا الرتباطه أي المكان «ارتباطا لصيقا بمفهوم الحرية )...( ،الحرية مجموع األفعال التي يستطيع اإلنسان أن يقوم بها دون أن يصطدم بحواجز أو عقبات ،أي بقوىً ناتجة عن الوسط الخارجي ،ال يقدر على قهرها أو «أرأيت كيف تخدعها الذاكرة»(.)14تجاوزها»()16؛ ألن اإلنسان ال يحتاج فقط إلى «تعرفين جيدا أن الذاكرة عظيمة ،رابطنا حيّز جغرافي يعيش فيه ،إنما يصبو أكثر إلىالقوي الذي يجعل الحياة تستمر بعد موتنا« ،رق��ع��ة يضرب فيها ب��ج��ذوره ،وتتأصل فيها ولكنها أيضا ،مرض مزمن ،إذا لم نعرف هويته»()17؛ وهذا يعني أن مساعي «مي» كانت
اجلوبة -ربيع 1437هـ (21 )2016
منصب ًة على إثبات كيانها ،واستعادة هويتها من خالل البحث عن مكان يحتويها؛ «لتحويله الى مرآة ترى فيها «األن��ا» صورتها .فاختيار المكان وتهيئته يمثالن جزءاً من بناء الشخصية البشرية»(.)18
أرضا لم تعرفه ولم يعرفها ،رغم قدرته على تصوير خبايا نفسه المضطربة ،والتي تثير لديه ثالث لحظات ،يستعيدها يوبا وفق تفكيك حدثي ،لثالثة أمكنة تتوثب في حاضر يكثف ماضي ثالث شخصيات.
تقدم «مي» المكان في شكل صور مبعثرة م���ج���زأة ،ح��ي��ن ت��ن��ت��ق��ل م���ن ال��م��ك��ان الفعلي (نيويورك) ،إلى مكان الحلم والتذكر (القدس)، وي��ت��و ّل��د ع��ن ه��ذا التفكيك والتشظي أمكنة مختلفة ،تشكل معالم المكان الروائي المرتبط بالشخصية وال��ح��دث وال��زم��ان ،وال��ذي يؤثر تنوّعه وايقاعه وت��درج��ه على وح��دة السرد وحركيته؛ للعمل على توفير ح��دٍّ أدن��ى من المعلومات المكوّنة للمكان ،لكن حين تضيق الحدود المكانية ،أو تتماهى في الكثير من بقيد ٍ األح��ي��ان ،فسينج ُّر عنه تعمي ٌق لشعورٍ داخلي وخارجي ينتاب الشخصية.
القدس
ترتبط القدس عند «مي» بحدود الذاكرة والخيال ،لتروي أحداثاً جرت في مكان بعيد، سرعان ما تقترب منه تدريجيا ،لتدركه إدراكاً حسياً مباشراً ،تجد فيه كثيراً من الحميمة واأللفة؛ نظرا لوقوعه تحت سلطتها في زمن مضى ،قبل أن يخضع لسلطة اليهود المعتدين؛ ما اضطرها أن تعيش سلطتها عليه في الخيال فحسب .وه��ذا ما يجعل القدس ،هو المكان العالق في ذاكرة «مي» حتى لحظاتها األخيرة، المسكون بذكريات ماضيها ،وطفولتها البريئة، وألوانها المطمئنة ،العائد بها إلى رحم والدتها ودفئها وحمايتها ،المكان الذي تأمل أن تحل فيه روحها.
22
البحر الميت
األوبرا
نيويورك
سيدي بومدين لمغيث األندلسي
سوناتا يوبا
ألوان مي
وتلتقي ال��ق��دس ب��ن��ي��وي��ورك ،ذل��ك المكان المعادي الشبيه بالجمرة؛ الشاهد على محرقة «مي» الحسية والمعنوية ،والمتقد كشعلة في ذاك���رة ي��وب��ا ،المعبر ع��ن الهزيمة ،وال��ي��أس، واألل��م ،والمنفى ،والغربة ،وضياع الهوية ،إذ تتداخل هذه الدالالت في لوحة فنية واحدة، تشهد تحاور األمكنة فيما بينها .ويُحدث هذا التقابل بين المكانين المحوريين في حياة «مي» وعياً مختلفاً بخصائص وجماليات كل منهما، إن لم يكن مضادا في مفرداته ودالالت���ه ،ال سيما وأن كل من القدس /نيويورك يحف بهما عداء متخفي وانشطار ذاتي. القدس اتصال
انفصال
الخيال
الواقع نيويورك
اتصال
انفصال
الواقع
الخيال
إن ك��ل تغير يصيب ال��م��ك��ان ي��ن��ج� ُّر عنه في حين أن ذات المكان في نظر يوبا ،هو مجرد فضاء مجازي ذو وجود مفترض ،بوصفه استبدال في سير األحداث اتصاال أو انفصاال، اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ليستقر المكان على لحظة اتصال بتنفيذ يوبا لوصية «مي» ،ذلك أن ما يشكل مفهوم المكان هو االنفتاح ليس بمعناه الجغرافي ،بل بمعناه ال��دالل��ي؛ وت��زداد الهوّة بين المكانين عندما يشعر كل من يوبا و«مي» ،باالغتراب والبعد عن هويتهما ،وأي قسوة أكثر من «أن تكون أرضك على مرمى حجر وال تلمسها حتى بعينك؟»(.)19 كما أن االنغالق في المكان يعدم الحركة ،ويعبر عن العجز ،وعدم القدرة على الفعل ،والتفاعل سواء كان المكان القدس أم نيويورك. يسعى كل من يوبا و«مي» إلى تخفيف تركيز وطأة منفاهما المنجر عن تفكك الهوية إلى هويات ،والذات إلى ذوات؛ ببناء هوية مفترضة تستهدف رداً معاكساً ل��ص��راع األم��ك��ن��ة؛ إذ تتولى الريشة والنوتة الفعل المضاد ،باعتبار الفن فضا ًء حيادياً يُعبّر عن تحفّظ الفنون في مواجهة الموت والحياة. الموت
من أجل الحياة
القدس
نيويورك
من أجل الحياة
الموت
عندما يموت الطائر ح��رق�اً ،ويصبح رم��اداً يخرج من الرماد طائر عنقاء جديد فائق الشبه بالقديم ،يطير ع��ائ��داً إل��ى موطنه األصلي. العنقاء الجديد في ال��رواي��ة هو يوبا ،الذي يتكفل بحمل رماد «مي» في رحلة من الغرب الحداثي إلى الشرق القديم .تحترق «مي» في نيويورك على أمل أن تنبعث في القدس.
وعليه ،نخلص م��ن خ�لال تتبعنا لتشابك تنجح «م��ي» بعد أن أبعدها وال��ده��ا عن البداية ببقية عناصر السرد في رواية «سوناتا �وت محقق ال��ق��دس خ��وف�اً على حياتها م��ن م� ٍ ألشباح القدس» إلى مجموعة من المالحظات على يد الهافاناه ،في الوصول إلى نيويورك والنتائج ،نجملها في اآلتي: في محاولة بناء حياة جديدة ،وأي حياة؟ في نيويورك يكون موتها الفعلي ،بعد أن تنكشف -1ت��ول��ت ال��ب��داي��ة ال��س��ردي��ة وظيفة تقديم الخلفية العامة لعوالم الرواية ،والخلفية الحقيقة (وف���اة أم��ه��ا ،وخ��ال��ت��ه��ا ،)...،ونظرا الخاصة بكل شخصية ،لنتمكن فيما بعد الستحالة عودتها مجدداً إلى القدس ،تضطر من وصل خيوط األح��داث التي تستنتج إلى أن تحترق في منفاها شيئا فشيئا ،لتذكرنا الحقا بعد انتهاء عملية القراءة .غير أن بأسطورة طائر العنقاء الذي يحترق في عشه لينبعث من مكان آخ��ر .واألسطورة تقول إنه القول بتحديد البداية في فقرة صغيرة،
اجلوبة -ربيع 1437هـ (23 )2016
ال أو ع��دد قليل األس��ط��ر ،ال يمكنه فع ً أن يقبض على دالالت��ه��ا؛ وه��ذا يعني أن مقاربتنا لها تحتاج إلى نوع من التوسّ ع -3إن م��ح��اول��ة وض��ع ق��اع��دة خ��اص��ة تحكم واالم��ت��داد لتشمل بُنية ال��ن��ص ،وشبكته مقاربتنا للبدايات السردية ،يغدو أمرا الداخلية المعقدة ككل. ال للتحقق؛ نظرا للصلة المباشرة أو قاب ً –2نجحت البداية في استبقائنا على مقربة غير المباشرة لهذا المكون بمستويات م��ن األح����داث ،وإث����ارة شغفنا ال��ق��رائ��ي؛ تشكل ال��س��رد م��ن جهة ،وانفتاحه على بافتعال فجوات قادت الداللة إلى التركيز عوالم الحكاية من جهة أخرى؛ وهذا يعني والكثافة ،وق��دم��ت األح���داث بأكثر دقة أن البداية وح��دة وظيفية أساسية من وشمولية؛ وفي الوقت نفسه تمكنت من وحدات الرواية ،تمهد لما سيأتي بعدها، تشغيل أفق توقعنا ،وتحريك آلية تأويلنا؛ وت��ق��دم ال��م��درك��ات التحليلية للحوادث لمشاركة فعالة في بناء مدلول شخصيات الالحقة. لم نكن نعرف عنها شيئا ،واختراق أمكنة وأزمنة وأحداث ومشاهد روائية.
* ( )1 () 2 ( )3 ( )4 ( )5 () 6 ( )7 () 8 ( )9 () 10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15 ( )16
24
() 17 ( )18 ( )19
قسم اللغة واألدب العربي -جامعة العربي بن مهيدي -أم البواقي -الجزائر. األعرج ،واسيني .كريماتوريوم ،سوناتا ألشباح القدس .ط .1منشورات الفضاء الحر ،الجزائر2008 ،م، ص.11: صدوق ،نور الدين .ط .1البداية في النص الروائي ،دار الحوار ،الالذقية ،سوريا1994 ،م ،ص.18 : مرتاض ،عبدالملك .في نظرية الرواية .دار الغرب ،وهران ،الجزائر ،د .ت ،ص.246 : جنيت ،جيرار .حدود السرد .ط .1تر /بنعيسى بوحمالة ،منشورات اتحاد كتاب المغرب ،الرباط، 1992م ،ص.79: كايزر ،ولغ غانغ .من يحكي الرواية؟ طرائق تحليل السرد .تر /محمد سويرتي ،منشورات اتحاد كتاب المغرب ،الرباط1992 ،م ،ص.116: مرتاض ،عبدالملك .مرجع سابق ،ص.246 : بارت ،روالن .النقد البنيوي للحكاية .ط .1تر /أنطوان أبو زيد ،منشورات عويدات ،بيروت /باريس، 1988م ،ص.18: مرتاض ،عبدالملك ،مرجع سابق ،ص.312: لودج ،ديفيد .الفن الروائي .ط .1تر /ماهر البطوطي ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة2002 ،م ،ص: .45 األعرج ،واسيني .مرجع سابق ،ص.273: الرواية ،ص.277: كايزر ،ولغ غانغ .من يحكي الرواية؟ ،ص.116: األعرج ،واسيني .مرجع سابق ،ص.51 : الرواية ،ص.405 : الرواية ،ص.319 : لوتمان ،لوري .جماليات المكان ،مشكلة المكان الفني .ط .2تر /سيزا قاسم ،عيون المقاالت ،الدار البيضاء1988 ،م ،ص.62 : المرجع نفسه ،ص.63 : المرجع نفسه األعرج ،واسيني .مرجع سابق ،ص.316:
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الصورة الكاريكاتيرية في الشعر العربي ρρخلف أحمد أبو زيد*
إذا كان فنان الكاريكاتير ،يجسد بالرسم والخطوط واألل��وان والظالل ،صوره الفكهة ،واقفا عند جوانب الضعف في جسم شخص ،أو في وجهه ،فيكبرها ويبرزها الفت ًا أنظارنا إلى جوانب الضعف أو العيب في الشخصية التي يرسمها؛ فنراه مرة ينتهز فرصة مثل تقويس حاجب أو انحناء أنف ،أو تجعّ د جبهة ،أو انتفاخ خدّ ، أو ط��ول ذق��ن ،أو ضيق عين ،فيعمد إل��ى تكبير ذل��ك مشوّه ًا ومستغ ًال للطبيعة والخلقة؛ وبذلك تصبح الصورة الساخرة ،قويّة التعبير عن صاحبها ،نتيجة لما أحدثه فنان الكاريكاتير فيها من براعة وتنافر في أوضاع الجسم والوجه. ومن هنا ،يوصف الفن الكاريكاتيري مجال يحتاج إلى العديد من الدراسات
دائما بأنه فن النظرة التهكمية ،التي المستقلة؛ ولكننا هنا نتعرف على هذا
تعتمد على دق��ة المالحظة ،وسرعة اللون من اإلب��داع في الشعر العربي، البديهة ،مع السخرية من المواقف ،من لنرى كيف أب��دع الشاعر العربي في
خالل تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسم ،الرسم بالكلمات صوراً ساخرة عبرت في شكل مختلف عن ال��واق��ع ،يهدف ع��ل��ى م���ا ي��ع��ت��م��ل داخ����ل ال��ن��ف��س من
إل��ى ال��رم��ز ،ف��ي خليط م��ن المبالغة ،صراعات وأه��واء وانحرافات وعيوب،
م��ع الحفاظ على الشخصية والشبه بتجسيدها وتضخيمها ،والسخرية ف��ي آن واح���د .ول��ن نستطرد هنا في منها سخرية الذعة قد تصل إلى ح ِّد
الحديث عن الفن الكاريكاتيري ،فهذا التجريح في الكثير من األحيان ،وفي
اجلوبة -ربيع 1437هـ (25 )2016
ال��وق��ت نفسه جمعت ه���ذه األش��ع��ار بين اخ��ت�لاج��ات النفس البشرية ،المصاحبة ال��ص��ورة الكاريكاتيرية والطرافة األدبية ،للشكل الخارجي للشخص المصور؛ ونقتطف التي هدفت إلى البعد عن السأم ودرء الكلل له هذه األبيات التي يرسم من خاللها هذه والملل عن النفس. الصورة الكاريكاتيرية لرجل أحدب فيقول:
«ق � �ص� ��رت أخ� ��ادع� ��ه وط� � ��ال ق��ذال��ه أقسام الوجه ف � �ك� ��أن� ��ه م � �ت� ��رب� ��ص أن ي �ص �ف �ع��ا يمثل تصوير الوجه أهم عنصر من عناصر الفن الكاريكاتيري ،ففنان الكاريكاتير نجده وك� � ��أن � � �م� � ��ا ص � �ف � �ع� ��ت ق � � �ف� � ��اه م � ��رة ()2 وأح� � ��س ث��ان �ي��ة ل �ه��ا ف �ت �ج �م �ع��ا» يلجأ ،إل��ى تطويل األن��ف أكثر من ال�لازم،
أو تقصيره ،فأحياناً ي��رس��م رأس���ا كبيرا ومن أشعاره الطريفة أيضا هذه األبيات ف��وق جسم ضئيل للغاية ،كما يلجأ إلى التي يصف بها صلعة أب��ي حفص ال��وراق استخدام اتجاهين متناقضين ..السخرية فيقول: واإلط���راء في آن واح��د ،إل��ى أخ��ر ذل��ك من أل��وان الصور الكاريكاتيرية المتنوعة التي «ي� ��ا ص �ل �ع��ة ألب� ��ي ح �ف��ص م �م��ردة ك� � � � ��أن س � ��اح � �ت � �ه � ��ا م � � � � � ��رآة ف� � � ��والذ تمأل صفحات الصحف والمجالت ،وكذلك األمر بالكاريكاتير األدبي الذي مثله أيضاً ت� ��رن ت �ح��ت األك � ��ف ال � �ن� ��ازالت ب�ه��ا مثل الكاريكاتير التشكيلي ،الذي يركز على ح� �ت ��ى ت � � ��رن ل� �ه ��ا أك� � �ن � ��اف ب� �غ ��داد أقسام الوجه ،أكثر مما يركز على مناطق ك��م م��ن غناء سمعنا ف��ي جوانبها الجسم األخرى ،ذلك «أنه ضرب من ضروب م��ن ح ��اذق ب�ل�ح��ون ال�ص�ف��ع أس�ت��اذ الهجاء ،والهجاء يرسم القبح ،والقبح مركزه ال شيء أحسن منها حين تأخذها الوجه ،والجمال مركزه الوجه أيضاً»(.)1
26
وإذا ألقينا نظرة على تراثنا من الشعر الفكاهي ،نجد أن��ه ق��د حفل بالعديد من القصائد واألب��ي��ات التي رسمت بالكلمات ال��ع��دي��د م��ن ال��ص��ور الكاريكاتيرية ،التي وصفت أقسام الوجه بشكل كاريكاتيري، يقترب من الشكل الكاريكاتيري التشكيلي المعاصر .ومن أشهر هؤالء الشعراء العرب الذين برعوا بالتصوير بالكاريكاتير الشاعر الشهير ابن الرومي ،ال��ذي كان دقيقاً في تصويره ،إلى حد أنه كان ال يهمل تصوير اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
م ��ن األك � ��ف س �م ��اء ذات أرذاذ»
()3
ويستمر ابن الرومي في رسم هذه الصور الكاريكاتيرية الفكهة للوجه ،وه��ذه المرة يرسم ه��ذه ال��ص��ورة لرجل يدعي «دب��س» فيقول واصفا إياه:
«وإذا ج �ل �س��ت أذي خ �ش��ا م� ��ك م� � � � � � � � ��ن ي � � � � � �ض� � � � � ��م ال� � � �م� � � �ج� � � �ل � � ��س ()4
ف � �ك� ��أن � �م� ��ا ال � � � �ك� � � ��ري� � � ��اس( )5ي �ن �ف��خ م � � � � � � �ن� � � � � � ��ك ح � � � � � � �ي� � � � � � ��ن ت� � � �ن� � � �ف � � ��س
وإذا ن � �ه � �ض � ��ت ك � � �ب � ��ا ب� ��وج � �ه� ��ك ()6 ل � � �ل � � �ج � � �ب � � �ي� � ��ن ال� � � � �م� � � � �ع� � � � �ط � � � ��س إن ق� � � �ل � � ��ت م� � � � ��ن ن� � � � � � ��ار خ� �ل� �ق ��ت وف � � � �ق� � � ��ت ك � � � ��ل ال � � � � �ن � � � ��اس ف � �ه � �م � � ًا ف � � � � � ��األن � � � � � ��ف م� � � � �ن � � � ��ك ل � �ع � �ظ � �م� ��ة أب� � � � � � � � � � � ��دا ل � � � ��وج � � � � �ه � � � ��ك ي� � �ع� � �ك � ��س ق� � �ل� � �ن � ��ا ص� � � ��دق� � � ��ت ف � � �م � � ��ا ال� � � � ��ذي ح� � � �ت � � ��ى ي� � � �ظ � � ��ن ال � � � � �ن� � � � ��اس أن � � ��ك ف� � � � � � � � ��ي ال� � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � ��راب ت� � � � �ف � � � ��رس
أط� �ف ��أك ح �ت��ى ص� ��رت ف� �ح� �م ��ا»
()10
وهذا الشاعر الجزار ،وهو شاعر عرف بأشعاره الفكاهية ،حيث كان يعترف الجزارة، وألن � � � � � � � � � � � ��ت أج � � � � � � � � � � � ��در ب� � � � ��ال� � � � ��ذي ق � � � ��ال ال� � �ف� � �ت � ��ي ال� � �م� � �ت� � �ن� � �ط � ��س»( )7ومن أجل ذلك ،لقب بالجزار الشاعر ،ومن دعاباته مع أبيه ،وكان قد تزوج في شيخوخته إن ك � � � � � � � � ��ان أن � � � � � �ف� � � � � ��ك ه� � � �ك � � ��ذا ف � � ��ال� � � �ف� � � �ي � � ��ل ع � � � � �ن � � � ��دك أف � � �ط� � ��س من امرأة مسنة:
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
صديقاً له:
ت� � � � � � ��زوج ال � � �ش � � �ي� � ��خ أب � � � � ��ي ش� �ي� �خ ��ة وإذا ج � �ل � �س� ��ت ع � �ل � ��ى ال � �ط� ��ري� ��ق ل � � �ي� � ��س ل � � �ه� � ��ا ع � � �ق� � ��ل وال ذه� � ��ن وال أرى ل� � � � � � � ��ك ت� � �ج � � �ل � ��س ق� � � �ي � � ��ل ال � � � � �س � �ل � ��ام (ع� � �ل� � �ي� � �ك� � �م � ��ا) ف � �ت � �ج � �ي� ��ب أن � � � � ��ت وي� � � � � �خ � � � � ��رس»
()8
ل� ��و ب � � ��رزت ص ��ورت� �ه ��ا ف� ��ي ال ��دج ��ي م � � ��ا ج � � �س� � ��رت ت � �ب � �ص� ��ره� ��ا ال� �ج ��ن
ول��ن��ت��رك اب���ن ال��روم��ي إل���ى ش��اع��ر أخ��ر ك � � ��أن � � � �ه � � ��ا ف � � � � ��ي ف � � ��رش � � � �ه � � ��ا رم � � ��ة هو أبو منصور األصفهاني ،ال��ذي برع في وش � � �ع� � ��ره� � ��ا م � � ��ن ح � ��ول� � �ه � ��ا ق �ط��ن
وصف أنف رجل يدعي المغيرة ،فأنشد هذه األبيات:
وج � � � � � ��ه ال � � �م � � �غ � � �ي� � ��رة ك � � �ل� � ��ه أن� � ��ف م� � � � � � ��وف ع � � �ل � � �ي� � ��ه ك � � � ��أن � � � ��ه س � �ق ��ف
وق � � � � ��ائ � � � � ��ل ق � � � � � � ��ال ف � � � �م � � ��ا س � �ن � �ه� ��ا ()11 ف� �ق� �ل ��ت م � ��ا ف � ��ي ف� �م� �ه ��ا س� � � � ��ن» التشبيه بمخلوقات غير بشرية
كما لجأ الشاعر العربي إلى نحو ما يفعله م� � � ��ن ح � �ي � �ث � �م� ��ا ت � ��أت� � �ي � ��ه ت� �ب� �ص ��ره م� � ��ن أج� � � ��ل ذاك أم� � ��ام� � ��ه خ �ل��ف رسام الكاريكاتير اآلن ،بالتشبيه بمخلوقات غير بشرية ،وبخاصة الطيور والحيوانات، ح � � � � �ص� � � � ��ن م � � � � � � ��ن ك � � � � � � ��ل ن � � ��ائ � � �ب � � ��ة وع � � �ل � ��ى ب � �ن � �ي� ��ه ب � � �ع � ��ده وق � � � � � ��ف»( )9وم��ن ذل��ك ه��ذا البيت للشاعر اب��ن ق��ادوس الدمياطي الذي يصف فيه صديقه الشاعر ونرصد هذه الصورة الكاريكاتيرية التي بقوله: رسمها الشاعر بن قادوس الدمياطي ،الذي يعد من أهم الشعراء الفكهين في العصر ذو ع � � � � � ��ارض ك � � ��ال� � � �غ � � ��راب ل � ��ون� � � ًا ()12 وش � � � � � ��ارب م � �ث� ��ل ري� � � ��ش ب� � �ب� � �غ � ��ا الفاطمي ،فينشد متهكما بشاعر أسود كان
اجلوبة -ربيع 1437هـ (27 )2016
ومن ذلك قول هذا الشاعر فيمن يسمى رأي � � � � � � � � ��ت ال � � � �ف � � � �ض� � � ��ل م � �ك � �ت � �ئ � �ب � � ًا عيسى مورياً في اسمه ،ألن العيس تطلق ي � � �ن� � ��اغ� � ��ي ال � � �خ � � �ب� � ��ز وال� � �س� � �م� � �ك � ��ا على اإلبل ،وهو يالحظ ذلك فيقول:
ف � � � �ق� � � � ّ�ط� � � ��ب ح � � � �ي� � � ��ن أب� � � �ص � � ��رن � � ��ي ون � � � � � � � � َك� � � � � � � ��س وج� � � � � � �ه � � � � � ��ه وب � � � �ك� � � ��ى
ع� � � � �ي� � � � �س � � � ��ى وم � � � � � � � � � ��ن م � � � � ��دح � � � � ��وه م � � � � ��ا ش� � � �م � � ��ت ف � � �ي � � �ه� � ��م رئ � � �ي � � �س � � � ًا ف� � � � �ل� � � � �م � � � ��ا أن ح� � � � �ل� � � � �ف � � � ��ت ل � ��ه ()15 ب � � ��أن � � ��ي ص� � � ��ائ� � � ��مٌ ض� � � � ِ�ح � � � �ك� � � ��ا! وم� � � � � � � � � � � � ��ا رأي� � � � � � � � � � � � � � � ��ت أن� � � � � � � ��اس � � � � � � � � ًا ويرسم لنا ابن الرومي صورة كاريكاتيرية ل� � � �ك � � ��ن ح � � � �م � � � �ي � � � ��ر ًا و(ع� � � �ي� � � �س � � ��ا) أخرى لمائدة عيسي الوراق ،الذي كثيراً ما وهناك شخص كان يسمى «علي باي بن ناله ابن الرومي بسخرياته ونقده ال�لاذع، برقوق» ،نبزه بعض أصدقائه باسم زالبية، حتى لقب بمهجو ابن الرومي الدائم؛ فيصور وأشيع ذلك ،فقال بعض الشعراء: لنا صحون وأط��ب��اق مائدته التي ال يمكن ق� ��د ش �ب �ه ��وه ب �م ��ن ي ��دع ��ى زالب �ي ��ة رؤيتها بالعين المجردة:
وص � ��ح ت �ش �ب �ي �ه �ه��م واألب ب��رق ��وق خ� � � � ��وان ع� �ي� �س ��ى ن � �ص� ��ف ت ��رم �س ��ة وص� �ح� �ف� �ت ��اه م� ��ن ف �ل �ق �ت��ي ع��دس��ه ل �ك �ن �ه��م ف��ات �ه��م ف ��ي ال� � ��وز ن�س�ب�ت��ه ()13 ف ��إن اس ��م أب �ي��ه ن�ص�ف��ه (ق � � ��وق) م� � � � � ��ن ذرة ذرة ج� � � � � � � � � ��راد ق� ��ه تصوير السلوك ووصف الحال
ت�خ�ف��ي ع��ن ال�ع�ي��ن ف�ه��ي ملتمسه
وإذا ألقينا نظرة على تراثنا الشعري ل� ��و ن �خ �ل��ت ب ��ال� �ح ��ري ��ر الن �س��رب��ت م ��ن خ �ل��ل ال �ن �س��ج غ �ي��ر محتبسه ال���ف���ك���اه���ي ،ن��ج��د ال���ع���دي���د م���ن ال��ص��ور
28
الكاريكاتيرية التي تصور السلوك البشري، وف���ي م��وض��ع أخ���ر ي��ص��ف اب���ن ال��روم��ي وتخرج لنا عيوب ونقائص النفس البشرية ،عيسى هذا بقوله: فالفنان الساخر كما يقول برجسون «لديه يُ � � �ق � � � ِّت� � ��ر ع � �ي � �س� ��ى ع� � �ل � ��ي ن� �ف� �س ��ه القدرة على رؤية النزعة الكامنة في النفس، �اق وال خ � ��ال � ��د ول� � � � �ي � � � ��س ب� � � � � �ب � � � � � ٍ وإخ��راج��ه��ا للسطح ع��ن طريق المبالغات ف � � �ل� � ��و ي� � �س� � �ت� � �ط� � �ي � ��عُ ل � �ت � �ق � �ت � �ي� ��ره ليبرز الخلل الكامن فيها»( .)14ونبدأ من هذه ()16 ت� �ن� �ف ��س م� � ��ن م � �ن � �خ� ��رٍ واح � � � � � ��د األبيات الطريفة للشاعر الحسن بن هانئ، ويرسم لنا الشاعر الجزار هذه الصورة ال��م��ع��روف ب��أب��ي ن���واس ،ال���ذي ي��رس��م هذه الصورة الكاريكاتيرية ،ألحد البخالء وهو الكاريكاتيرية ألحد البخالء فيقول: جالس حول مائدته ،مضطرب يتأرجح بين ال ي � �س � �ت � �ط � �ي� ��ع ي� � � � � ��رى رغ� � �ي� � �ف� � � ًا الشئ ونقيضه فيقول: ع� � � � �ن � � � ��ده ف� � � � ��ي ال� � � �ب� � � �ي � � ��ت ي� �ك� �س ��ر اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ق��د ينتقد اإلن��س��ان نفسه فيكون أكثر
أما الشاعر البهاء زهير ،الذي كان يكثر صدقاً في ه��ذا االنتقاد ،ومما ي��دل أيضاً في شعره من التظرف والمزاح والدعابة ،على معرفته التامة بأنه بشر محدود مليء فيرسم لنا هذه الصورة الكاريكاتيرية لبغلة بالمسالب والنقائص ،كما أنه بذلك عندما صاحبه ،الذي ساء حاله فاضطره الزمان أن ينتقد ويسخر من نفسه ،فإن هذا يعني أنه يمتطي ظهر هذه البغلة الهزيلة فيقول: قادر على مجابهة اآلخرين والصمود أمام
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ف� � � �ل � � ��و ان� � � � � � ��ه ص� � � �ل � � ��ى وح � � � ��اش � � � ��اه ()17 ل � � � � �ق� � � � ��ال ال � � � �خ � � � �ب� � � ��ز أك � � � � � � �ب � � � � � ��ر
السخرية ونقد النفس
نقدهم وسخرياتهم .ويقابلنا في ذلك نموذج
ل � � � � � ��ك ي � � � � � ��ا ص � � � ��دي� � � � �ق � � � ��ي ب � �غ � �ل� ��ة ل� � � �ي� � � �س � � ��ت ت � � � � � �س� � � � � ��اوي خ� � � ��ردل� � � ��ه الشاعر أبي الشمقمق ،الذي يصف حاله، ت � �م � �ش� ��ي ف� �ت� �ح� �س� �ب� �ه ��ا ال � �ع � �ي� ��ون ع � � � �ل� � � ��ى ال � � � � �ط� � � � ��ري� � � � ��ق م � �ش � �ك � �ل� ��ه
وينتقد حياته ،خالل وصف داره ،الذي أقفر
من كل شيء حتى عافته الفئران ،من يأسها من العثور على شيء يؤكل فيه ،فيقول:
وت� � � � � � � � �خ � � � � � � � ��ال م � � � � � � � ��دب � � � � � � � ��رة إذا ول � �ق� ��د ق� �ل ��ت ح� �ي ��ن أق � �ف� ��ر ب �ي �ت��ي م � � � � � ��ا أق� � � � �ب� � � � �ل � � � ��ت م � �س � �ت � �ع � �ج � �ل� ��ة م� ��ن ج � � ��راب ال ��دق� �ي ��ق وال� �ف� �خ ��ارة م� � � �ق � � ��دار خ � �ط� ��وت � �ه� ��ا ال � �ط� ��وي � �ل� ��ة ح � � � � � �ي� � � � � ��ن ت� � � � � � � �س � � � � � � ��رع أن � � � �م � � � �ل� � � ��ه ف� � ��أرى ال � �ف� ��أر ق� ��د ت �ج � ّن �ب ��نَ ب�ي�ت��ي ع� � � ��ائ� � � ��ذات م � �ن� ��ه ب � � � � ��دار األم � � � � ��ارة ت� � � � �ه� � � � �ت � � � ��ز وه� � � � � � � � � � ��ي م� � � �ك � � ��ان� � � �ه � � ��ا ف� � � �ك � � ��أن� � � �ه � � ��ا ه � � � � ��ي زل � � � � � � ��زل � � � � � � ��ة( )18ودع� � � � ��ا ب� ��ال� ��رح � �ي� ��ل ذب� � � � ��ان ب �ي �ت��ي ب � �ي� ��ن م � �ق � �ص� ��وص� ��ة إل� � � ��ى ط � �ي� ��ارة
أما الشاعر بشار بن برد ،فقد كان أسعد حاالً من حال صديق الشاعر البهاء زهير ،وأق� � ��ام ال� �س� � َّن ��ور ف ��ي ال �ب �ي��ت ح ��و ًال ()20 م��ا ي��رى ف��ي ج��ان��ب البيت ف ��أرة فقد صلح حاله ،وهيأت له األقدار ،أن يُركبه الزمان حماراً ليس يشبهه حمار أخر فيقول: وكذلك الشاعر بن الجزار ،الذي يستخرج منا الضحك من خ�لال ه��ذه الصورة التي
كثر الحمير وقد أرى في صحبتي م �ن �ه��ن أق � �م� ��ر م �ن �ع �ج��ا ب ��ال ��راك ��ب يرسمها إلى منزله ،فيقول:
ودار خ � � � � ��رب ب � � �ه � ��ا ق� � � ��د ن� ��زل� ��ت يمشي ف�ي�ض��رط م��ن ن�ش��اط ع��ارم ول � � �ك� � ��ن ن� � ��زل� � ��ت إل � � � ��ى ال � �س ��اب � �ع ��ة سبعين أو م��ائ��ة ح�س��اب الحاسب وإذا ت� � �م � ��رغ ع� � � ��دّ أل� � �ف � ��ا ك� ��ام�ل� ً�ا يدع المراغة مثل أمس الذاهب
()19
ف �ل ��ا ف� � � ��رق م� � ��ا ب � �ي� ��ن أن� � � ��ي أك� � ��ون ب � �ه� ��ا أو أك� � � � ��ون ع � �ل� ��ى ال � �ق� ��ارع� ��ة
اجلوبة -ربيع 1437هـ (29 )2016
ت� � � �س � � ��اوره � � ��ا ه � � � �ف� � � ��وات ال� �ن� �س� �ي ��م أي � � ��ن ل �ل �ع �ن �ك �ب ��وت ب� �ي ��ت ض �ع �ي��ف م�ث�ل��ه ،وه��و م�ث��ل عقلي الضعيف ف � �ت � �ص � �غ � ��ي ب � �ل� ��ا أذن س� ��ام � �ع� ��ه ب�ق�ع��ة ص��د م�ط�ل��ع ال�ش�م��س عنها واخ � �ش� ��ى ب� �ه ��ا أن أق � �ي ��م ال� �ص�ل�اة ف��أن��ا م��ذ سكنتها ف��ي ال�ك�س��وف ف� �ت� �س� �ج ��د ح� �ي� �ط ��ان� �ه ��ا ال� ��راك � �ع� ��ة إذا م � � ��ا ق � � � � ��رأت (إذا زل� � ��زل� � ��ت) ()21 خ �ش �ي��ت ب ��أن ت �ق��رأ (ال ��واق � �ع ��ة)
()22
وفي كلمة الكسوف هنا تورية واضحة، إذ أري���د بها ال��خ��ج��ل ،ال ك��س��وف الشمس المعروف.
ونختم هذه اإلطالة بهذه األبيات للشاعر وف����ي ال��ن��ه��اي��ة ن���ق���ول ،إذا ك����ان ف��ن��ان ابن مكنسة الذي يصور ضيق منزله وقذارته، الكاريكاتير ،يجسد صوره الفكهة ،بالخطوط وأن الشمس ال تدخله ،فيقول: واألل��وان ،فإن الشاعر الساخر قد أستطاع ل � � � ��ي ب � � �ي� � ��ت ك � � ��أن � � ��ه ب � � �ي� � ��ت ش� �ع ��ر أن يرسم سخرياته بالكلمات ،فالشعر رسم الب ��ن ح �ج��اج م��ن ق�ص�ي��د سخيف ناطق ،والرسم شعر صامت. * كاتب من مصر. (((1مجلة الفيصل ،العدد ،185ص.116 (((2ديوان ابن الرومي ،تحقيق د /حسين نصار ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،عام 1972م ،الجزء الثاني، ص .815 (((3المصدر السابق ،الجزء الثاني ،ص .815 (((4الخشام ،األنف. (((5الكرياس بيت الخالء. (((6األنف. (((7المتعالم. (((8ديوان ابن الرومي ،مصدر سابق ،الجزء الثاني ،ص .1195 ،1194 (((9الفكاهة في األدب العربي ،فتحي محمد معوض ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،عام 1970م ،ص .133 ((1(1الفكاهة في مصر ،د /شوقي ضيف ،الناشر دار المعارف مصر ،ص .35 ((1(1المصدر السابق. ((1(1المصدر السابق. ((1(1المصدر السابق. ((1(1مجلة المنهل ،العدد ،478ص .85 ((1(1ديوان أبي نواس ،دار بيروت للطباعة والنشر ،ص .475 ((1(1ديوان ابن الرومي ،مصدر سابق ،الجزء الثالث ،ص .1175 ((1(1الفكاهة في مصر ،مصدر سابق.63 ، ((1(1المصدر السابق ،ص .41 ((1(1الفكاهة في األدب العربي ،مصدر سابق ،ص .132 ((2(2المصدر السابق ،ص .127 ((2(2الفكاهة في مصر ،مصدر سابق ،ص .62 ((2(2المصدر السابق ،ص .34
30
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
رمــــزية الماء في التراث الشعري العربي دراسة سيميائية -عزيز العرباوي ρρسعيد بوعيطة*
الشعر (اإلبداع عامة) رؤيا للحياة والكون ،وذلك من خالل تفاعل هذه الذات المبدعة تجاه هذا العالم الخارجي وتجاه ال��ذات نفسها .فاإلنسان (كما تشير الفيلسوفة الوجودية سيمون دو بوفوار في كتابها (نحو أخالق وجودية) ،ينسج عالقة مع العالم الذي يحيط به .هذا العالم المتعدد العناصر والمشبع بالدالالت والرموز المختلفة .لكن على الرغم من هذا االرتباط ،فإن هذه الداللة تختلف من ثقافة ألخرى (نشير هنا إلى المعنى األنثروبولوجي للثقافة) ،ومن حضارة ألخ��رى .وإذا كانت ه��ذه ال�ع��وال��م ال��رم��زي��ة وال��دالل�ي��ة ح��اض��رة ف��ي الحياة العامة لإلنسان ،فإنها أكثر حضورا في اإلبداع عامة والشعر على وجه الخصوص .ولعل من أب��رز هذه العناصر :النار ،الماء ،الطير ،الحيوان ،الطبيعة ،الحياة ،الموت، إلخ...
ف��ك��ي��ف ت��ج �لّ��ت ه���ذا ال���رم���وز ،وم��ا المغربي عزيز العرباوي ،الصادر ضمن
دالالتها في الثقافة والشعر العربيين؟ سلسلة كتب (مجلة الرافد اإلماراتية) وكيف تلقّاها المتلقي العربي؟ وكيف فبراير 2015م. أسهمت في إغناء النص الشعري؟
جاء الكتاب في ( )192صفحة .إن
لعل هذه األسئلة المحورية وغيرها ،عنوان الكتاب هو عنوان الفصل الثالث
ه��ي ال��ت��ي شكلت المنطلق األس���اس نفسه .ال��ذي جاء فيما يقارب ()117
لكتاب «رمزية الماء في التراث الشعري صفحة .وهو من أكثر الفصول األخرى ال��ع��رب��ي ،دراس���ة سيميائية» ،للباحث اق��ت��راب��ا م��ن ع��ن��وان الكتاب م��ن جهة،
اجلوبة -ربيع 1437هـ (31 )2016
وأكثرها من ناحية المادية النصية .يتكون الكتاب من مقدمة وثالثة فصول وخاتمة، وقائمة للمصادر والمراجع. الفصل األول :مدخل إلى فهم السيميائيات -1تحديد المفهوم
32
عمل الباحث في الفصل األول -مدخل إل��ى السيميائيات -على تحديد مفهوم ال��س��ي��م��ي��ائ��ي��ات وم��وض��وع��ه��ا وات��ج��اه��ات��ه��ا المختلفة ،مع االهتمام -كما يشير الباحث ف��ي الصفحة ال��ث��ام��ن��ة -بمفهوم ال��دالل��ة ومعناها ف��ي ال��ت��راث ال��ع��رب��ي ،وذل���ك من خالل استحضار العديد من اآلراء والتعارف ال��ت��ي ت��ن��اول��ت ه���ذا ال��م��ف��ه��وم ف��ي ت��راث��ن��ا األدب��ي والفكري .وفي إطار تحديد مفهوم السيميائيات ،والبحث في جذورها ،انطلق من اللسانيات السوسيرية التي اعتبرها المنطلق األساس للبحث السيميائي .لكون ه���ذه األخ���ي���رة ق��د اس��ت��م��دت ال��ع��دي��د من المفاهيم واألس���س المعرفية م��ن البحث اللساني .كما هو الشأن بالنسبة للثنائية ال��ت��ي ح��دده��ا ف��ردن��ان دو س��وس��ي��ر :اللغة والكالم ،الصوت والمعنى ،المحور التعاقبي والمحور التزامني ،الدال والمدلول ...إلخ. إال إن المرجعية المعرفية للبحث السميائي عامة متعددة؛ فقد استمد أصوله ومبادئه من مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية أه��م��ه��ا :ال��ل��س��ان��ي��ات ،الفلسفة ،المنطق، التحليل النفسي واألنطروبولوجيا (وم��ن هذه الحقول ،استمدت السيميائيات أغلب اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
مفاهيمها وطرق تحليلها) .ولتحديد مسألة موضوع السيميائيات بشكل واض��ح ،يمكن المقارنة بين كتاب عزيز ال��ع��رب��اوي هذا وكتاب الباحث سعيد بنكراد (السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها) ص .16وقد اعتمده الباحث في مراجعه .لكن (حسب تصوري) لم يستفد الباحث بشكل شمولي من التصور الذي قدمه سعيد بنكراد في كتابه المذكور. بعد هذا التحديد المقتضب (والضبابي في بعض األحيان من طرف الباحث) ،أشار إلى تصورات مجموعة من الباحثين في هذا المجال :الباحث المغربي حسن مسكين، عامر الحلواني ،روبرت شولز ،مبارك حنون؛ التي غالبا ما تصب في تصور معرفي واحد، لكن بنوع من اإليجاز. -2موضوع السيميائيات واجتاهاتها
انتقل بعد ذل��ك للحديث ع��ن موضوع السيميائيات واتجاهاتها .ويرى أن الموضوع ال��س��ي��م��ي��ائ��ي أش��م��ل م��م��ا ي��ت��ص��وره بعض المهتمين؛ إذ يشمل ج��ل أنظمة الثقافة
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
بمعناها األنطربولوجي وال��ش��ام��ل ،بحيث ومن أجل تقريب مفهوم داللة االلتزام كما تعرف السيميائيات حسب الباحث ،تداخال يشير ال��ع��رب��اوي ،عمل على تقديم مفهوم بينها وبين مجموعة من الحقول الثقافية الالزم والملزوم. األخ��رى؛ لكون السنن الثقافية هي الكفيلة -4السيميائيات يف التراث العربي بتوجيه عملية التلقّي والتأويل. يؤكد الباحث على أن ال��ت��راث العربي -3معنى الداللة يف التراث العربي واإلنساني عامة ،قد ترك أفكاراً سيميائي ًة ي����رى ال���ب���اح���ث ب����أن اع���ت���م���اد ال��ب��ح��ث عميق ًة متناثر ًة في علوم متنوعة .كما يورد السيميائي على بعد ال��دالل��ة (ال��ع�لام��ة) (ف��ي ه��ذا اإلط���ار) ،تصور الباحث مبارك التداولي ،جعلها تقترب من التأويل .ليصبح حنون ال��ذي ي��رى ب��أن ال��ت��راث العربي قد حسب عزيز العرباوي (علم التأويل الداللي احتوى على العديد من األفكار السيميائية، علما يدرس النصوص استناداً إلى دالالت ال��ت��ي يمكنها أن تشكل م��ك��ون��ا ف��ع��اال من النص وفضاء التلقي؛ فهذا التأويل الداللي م��ك��ون��ات ال��ن��ظ��ري��ة السيميائية الحديثة ينتج عن العملية التي تمنح القارئ التجلّي (ص .)26كما أورد الباحث مجموعة من الخطي داللة النص النهائية) ص .18 المفاهيم ال��ت��ي ع��رف��ه��ا ال��ت��راث ال��ع��رب��ي: وف��ي تناوله لمفهوم الداللة في التراث السمة ،األمارة ،الدليل واألثر .يرى الباحث ال��ع��رب��ي ،أش��ار الباحث إل��ى مجموعة من بأن لهذه المفاهيم عالقة بمفهوم العالمة، اآلراء لمجموعة م��ن ال��ب��اح��ث��ي��ن :الشيخ إال إن ما بيَّن ٌه العرباوي (خاصة على مستوى إبراهيم ال��ب��اج��وري ،م��ب��ارك ح��ن��ون ،زكريا هذا المصطلح) يخالف ما ذهبت إليه أغلب األنصاري ،محمد جعيط .وقد أخذ الباحث الدراسات الحديثة. برأي الباحث مبارك حنون .الذي ميّز بين الفصل الثاني :املاء إكسير احلياة ثالثة مظاهر للداللة كما تجلت في التراث أما في هذا الفصل ،فقد حاول الباحث العربي :دالل��ة المطابقة ،دالل��ة التضمين، داللة االلتزام .لكن حسب تصورنا الخاص ،دراسة موضوع الماء بوصفه عنصرا حيويا ف��إن المسألة أوس��ع من ذل��ك بكثير؛ لكون وضروريا في الحياة ،وكذا لجميع الكائنات األبحاث الداللية في الفكر العربي التراثي ،الحية في الكون؛ بحيث عمل على تحديد ال يمكن حصرها في حقل معين من اإلنتاج مفهومه اللغوي واالصطالحي ،كما حدده ال��ف��ك��ري ،ب��ل ه��ي ت��ت��وزع لتشمل مساحة من خالل الرموز التي يتخذها في الثقافة شاسعة من العلوم؛ ألنها مدينة «للتحاور الشعبية واألس��ط��ورة البشرية بشكل عام، بين المنطق وعلوم المناظرة وأصول الفقه وح�����دده ك��ذل��ك م���ن خ�ل�ال ت��ص��ور ال��دي��ن والتفسير والنقد األدب��ي والبيان ،خاصة اإلس�لام��ي .خاصة كما يشير الباحث في انطالقا من القرن الثالث الهجري وما تاله .الصفحة التاسعة م��ن الكتاب :م��ن خالل
اجلوبة -ربيع 1437هـ (33 )2016
أهميته ل�لإن��س��ان ،وقدسيته ف��ي ارتباطه بالخلق وبالعرش اإللهي. في تقديم هذا الفصل ،أشار الباحث إلى فصلت القول في مجموعة من اآلراء التي َّ عنصر الماء ،وعلى رأسهم غاستون باشالر، الباحثة هدى فهد المعجل .كما استحضر الباحث مجموعة من النصوص الدينية التي جاء فيها ذكر الماء .وتحت عنوان (طقوس الماء في الثقافة الشعبية) ،أشار الباحث إلى مجموعة من الطقوس الشعبية الرائجة في شمالي إفريقيا .أهمها طقس عروس المطر (تاغنجا أو تاسليت) ،وال���ذي يعد طقساً م��ن أق���دم الشعائر االستسقائية .يهدف إلى استمطار السماء في موسم الجفاف. كما تناول الباحث طقوس احتفاالت يوم ع���اش���وراء ف��ي ال��م��غ��رب .بحيث ت��ت��م عبر عملية رش الماء .إنها عادة شعبية موغلة في الثقافة الشعبية المغربية .وتحت عنوان (رمزية الماء في اإلس�لام) ،أش��ار الباحث إل��ى األهمية القصوى التي احتلها الماء في اإلسالم .وقد أورد الباحث قوال للكاتبة نعيمة عبدالفتاح ن��اص��ف ،التي ت��رى بأن الحياة قد نشأت منذ البداية ،وستبقى إلى يوم القيامة مرتبطة بالماء؛ ألنه يمثل عصب الحياة (ص .)45أشار الباحث إلى مجموعة من المبادئ والشرائع والقيم التي حددها اإلسالم ،والتي تحض على المحافظة على نعمة الماء وحمايته من التلوث والضياع. .1النهي عن اإلفساد في األرض.
34
.2إقرار مبدأ (ال ضرر وال ضرار). اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
.3تحريم كل إفساد يلحق حياة المسلمين. .4إرساء قواعد الطب الوقائي ،قصد حماية النفس والبيئة. وقد استدل الباحث على هذا بمجموعة من اآليات القرآنية الكريمة ،كما أورد رأياً للدكتور حسن صدقي يؤكد من خالله على أن أي حضارة لم تقم إال على الماء والكأل (ص.)60 الفصل الثالث :رمزية الماء في التراث الشعري يعد ه��ذا الفصل م��ن أه��م فصول هذا الكتاب (حسب تصورنا على األق��ل) .فقد حاول الباحث من خالله تناول رمزية الماء في الشعر العربي من خالل محوري التعاقب والتزامن .تجلى األول (التعاقبي) في تناوله لمجموعة من مراحل هذا الشعر واختيار
الشعر الجاهلي (عبيد ب��ن األب���رص)، الشعر اإلسالمي (الحطيئة) ،الشعر األموي (جميل بثينة) ،الشعر العباسي (بشار بن برد) ،الشعر األندلسي (المعتمد بن عباد)، يقول الحطيئة: الشعر الصوفي (الشيخ األكبر محيى الدين بن عربي) ،الشعر الحديث (محمود درويش) .عفا مسحالن من سليمى فخامره
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
نموذج معين من كل مرحلة من هذه المراحل، وهي كما يأتي:
أش��ار الباحث في ه��ذا الجانب إل��ى نظرة اإلسالم والمسلمين (في البداية) إلى الشعر وأهميته .كما أش���ار إل��ى ك��ون ال��م��اء عند الحطيئة مصدراً للحياة ومنبعها واستمرارها وعزتها في المجتمع العربي القديم .وبدونه ال يمكن للحياة أن تستمر.
ت � �م � �ش ��ي ب� � ��ه ظ � �ل � �م� ��ان� ��ه وج � � � � ��اذره
أما الثاني (التزامني) ،فقد وقف الباحث العرباوي عند كل مرحلة من هذه المراحل .بمستأسد ال �ق��ري��ان ح��وى نباتـــه أ -داللة املاء يف الشعر اجلاهلي (عبيد
ف� �ن ��واره م �ي��ل إل ��ى ال �ش �م��س زاه ��ره
فالمجاري المائية (القريان) التي تجري بن األبرص أمنوذج ًا) إل��ى الجنان والبساتين ،م��ن خ�لال مسيل يشير الباحث إلى كون المتمعن في أشعار مرتفع إل��ى بطن ال���وادي ،يسهم في إنبات الجاهليين يرى نفسه أمام مادة عظيمة كما النبات ونمو الزهور واألشجار ،وهي إشارة وكيفا ،تحدثث عن البيئة في وديانها وجبالها إلى الحياة. ونباتها ومياهها وآبارها .وفي تناوله لشعر ويقول في موضع آخر: عبيد بن األبرص ،أكد الباحث أن شعره ال يخلو من ذكر المطر والماء واالهتمام به ،أث� � � � ��اث أع � ��ال� � �ي � ��ه رواء أص� �ـ� �ـ ��ول ��ه س �ق��اه ب �م��اء ال �ب �ئ��ر غ� ��رب ون��اض��ح والحرص على التغنّي به تحت صور متنوعة ومختلفة ،وفي لقطات مشهدية مختلفة (ص إذا ذق ��ت ف��اه��ا ق�ل��ت ط�ع��م م��دام��ة بنطفة ج��ون س��ال ه��ذي األب��اط��ح .)69ومن بين األمثلة التي أوردها الباحث قول عبيد بن األبرص: وم��ن بين أجمل األب��ي��ات الشعرية عند الحطيئة ،قوله:
تبصر خليلي هل ترى من ظغائن س�ل�ك��ن (غ �م �ي��را) دون �ه ��ن غ�م��وض م �ق �ي��م ع �ل ��ى ب �ن �ي ��ان ي �م �ن��ع م� ��اءه وم� ��اء وس �ي��ع م ��اء ع�ط�ش��ان م��رم��ل ويختم الباحث ق��راءت��ه لشعر عبيد بن
يحضر الماء عند الحطيئة بشكل مكثف األب����رص ،بتبيان رم��زي��ة ال��م��اء وح��ض��وره في شعر المديح .فكل ممدوح عنده (حسب الداللي الموسع. ال��ب��اح��ث) ،ف��ي تشبيهه بالماء ،إنما يريد أن ب -دالل���ة ال��م��اء ف��ي ال��ش��ع��ر اإلس�لام��ي يجعله في مكانة عظيمة يتصف من خاللها بالكرم والعطاء واإلحسان والخير وحب الناس. (الحطيئة أمنوذج ًا):
اجلوبة -ربيع 1437هـ (35 )2016
ج -داللة الماء في الشعر األموي (جميل المدح.
بثينة أمنوذج ًا) ه��ـ -رم��زي��ة ال��م��اء ف��ي الشعر األندلسي أكد الباحث على أن الشعر األم��وي قد مر (المعتمد بن عباد أمنوذج ًا)
بتحوّالت وأح��داث سياسية ب��ارزة .فارتبط ارتباطا موضوعيا بصراع القبائل واألحزاب. ومن خالل شعر جميل بثينة ،يرى الباحث العرباوي أن الحب عند جميل يمتزج بجمال الماء .وهو طريقة الشاعر لالرتقاء إلى جنة الحب( .ص .)89يقول جميل بثينة:
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها إذا اغتسلت بالماء ،من رقة الجلد وم��زي��ة ال��م��اء غالبا م��ا نجدها (حسب ال��ب��اح��ث) ،ف��ي ش��ع��ر جميل بثينة فرصة للخيال الغني بالصور الشعرية .لكون العشق وال��ج��م��ال يستمدان قوتهما م��ن ال��دواخ��ل النفسية للشاعر.
أشار الباحث العرباوي إلى أهم مميزات الشعر في هذه المرحلة ،بحيث تميز هذا الشعر بالوصف ورث���اء الممالك الزائلة. كما ام��ت��از ب��ال��وض��وح وال��ب��س��اط��ة وبالبعد ع��ن التعقيد .أورد الباحث مجموعة من اآلراء ح��ول المعتمد لكل م��ن ،المقري، ابن الصيرفي ،المراكشي ،وهي عبارة عن شهادات في حق المعتمد .إن الماء في شعر المعتمد ،ال ينفصل عن المكان .خاصة وأن هذه األمكنة (حسب الباحث) ،لها جاذبية معينة ،فتأسر روح الشاعر وتشعره بمشاعر دفينة (ص .)116يورد الباحث مجموعة من األبيات الشعرية التي وظف فيها المعتمد عنصر الماء .يقول:
د -رمزية الماء في الشعر العباسي (بشار ف � �م� ��ا م � ��اؤه � ��ا إال ب � �ك � ��اء ع �ل �ي �ه��م بن برد أمنوذج ًا) ي�ف�ي��ض ع �ل��ى األك� �ب ��اد م �ن��ه ب�ح��ور
36
تميز الشعر العباسي (بصفة عامة)، إن شعر المعتمد (حسب الباحث) ،قد ب��ال��ف��خ��ر وال��ح��م��اس��ة وال���وص���ف وال��م��دي��ح تميز ب��ال��وح��دة وال��ت��م��اس��ك ف��ي الموضوع الفردي والقبلي ،والرثاء والغزل بحالتيه .والرؤية الشعرية والكثافة اللغوية. يرى نجيب محمد البهبيتي (وِ فق الباحث)، أن بشار بن برد قد تناول في شعره العديد و -رمزية الماء في الشعر الصوفي (ابن من الموضوعات ذات الصبغة الشعبية التي عربي أمنوذج ًا) تقارب نفوس الناس؛ بحيث يستحضر بشار أشار الباحث في هذا اإلطار إلى خاصيات بن ب��رد رمزية الماء في النسيب والغزل .الشعر الصوفي ومميزاته .شعر يتميز بالرؤية؛ يقول: حيث الجمع بين الحب والمعرفة .إن الماء في ج � ��ارت � �ن � ��ا ك � ��ال � �م � ��اء ح� �ي� �ن ��ا ف �ل �م��ا شعر ابن عربي ،هو رمز القوة ،وقدسيته تُعلي ف � ��ارق � ��ت ل � ��م ي � �ك� ��ن ل � � �ح � ��ران م� ��اء من قيمة الموجودات؛ لذلك ،فالماء (حسب إن هذا ما جعل شعر بشار (عامة) يتميز الباحث) يمتد في الوجود وفي الكون؛ فيكون بالكثافة الرمزية والصور الشعرية المتعددة ،كمرآة لقدسية الخالق وعظمته وإبداعه .يقول كما يحضر الماء عند بشار خاصة في شعر ابن عربي: اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ان � �ظ� ��ر إل� � ��ى ال � �ع� ��رش ع� �ل ��ى م��ائ��ه س� � �ف� � �ي� � �ن � ��ة ت � � � �ج� � � ��ري ب � ��أس� � �م � ��ائ � ��ه لنا أثناء هذه القراءة ،خاصة على مستوى
يخلص الباحث في تناوله لشعر ابن عربي المنهج ،التصور العام للكتاب ،المصطلح. إلى أن الماء عند هذا األخير ،يصبح داللة فعلى مستوى التصور العام ،يبدو الكتاب الحب اإلل��ه��ي وتعبيرا عميقا ع��ن الشوق والعشق ،وعن كل مل هو روحاني وصوفي .غير منسجم الفصول .خاصة إذا انطلقنا إن الماء تعبير عن اإلغراق في ملكوت اهلل من العنوان الرئيس .فالفصل األول (مدخل وأسرار كونه (ص .)166 إل��ى السيميائيات) ،يبدو -حسب تصورنا
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الثغرات المنهجية والمعرفية التي بدت
ز -رمزية الماء في الشعر العربي الحديث على األقل -منفصال عن الكتاب في كليته. (محمود درويش أمنوذج ًا)
أكد الباحث العرباوي أن الرمز قد أصبح على الرغم من وجود عنوان فرعي للكتاب، ظاهرة فنية ضرورية من ظواهر القصيدة دراسة سيميائية .فقد كان من المنتظر أن الحديثة .فال يكاد شعر شاعر عربي حديث يخلو من رمز الماء ودالالت��ه .ذكر الباحث يقدم لنا هذا الفصل ،تصورا نظريا حول شعراء عرب :حميد سعيد ،أحمد المجاطي ،البحث السيميائي ،والمنهج (بوصفه من محمود درويش .يقول هذا األخير: أه��م عناصر البحث) ال��ذي سيتناول من
كن لجيتارتي وترا أيها الماء فقد وصل الفاتحون ومضى الفاتحون القدامى، كما نجد نوعا م��ن الضبابية ف��ي تحديد من الصعب أن أتذكر وجهي في المرايا. المصطلحات :ال��ع�لام��ة ،األم����ارة ،ال���دال، فكن أنت ذاكرتي كي أرى ما فقدت.. خالله الباحث عنصر الماء في هذا الشعر.
المدلول... ،إلخ.
إن الماء في شعر محمود درويش ،يتجاوز يمكن القول بشكل عام ،بأن هذا الكتاب، معناه السطحي ،ويدخل حسب الباحث في نطلق المعنى العميق ف��ي إط���اره الثقافي يتميز بأفق واسع على مستوى التصور العام والفكري والسياسي العام (ص .)169 (خ��اص��ة ال��ع��ن��وان) ،لكنه يضيق ف��ي منهج عود على بدء المعالجة النقدية؛ لذا ،فدرءاً للبس وتحديدا على الرغم من أهمية كتاب (رمزية الماء إلط��ار ال��دراس��ة العلمية ،ال بد من تحديد في التراث الشعري العربي) ،بوصفه إضافة جديدة للخزانة العربية ،فإننا نسجل بعض المصطلح والتصور النظري الصحيح. * كاتب من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (37 )2016
صالح الحسيني ...والهيجنة فوق الرجوم!! مقاربة نقدية في مجموعته القصصية« :أشياء تشبه الحياة» ρρد .يوسف حسن العارف*
«أش �ي��اء ت�ش�ب��ه ال �ح �ي��اة» ن �ص��وص قصصية ج��دي��دة ل�م�ب��دع ي��دخ��ل ال�س��اح��ة القصصية بكل قوة وجمال وإبداع!! هذا ملخص لسيرة قاص جديد ،يصدر إنجازه القصصي األول عبر بوابة ن��ادي ال�ب��اح��ة األدب ��ي – ال��ذي يحتضن ال �ق��درات ال�ش��اب��ة ..وال�ك�ت��اب��ات األول��ى، ويقدمهم ..و ُي َعر ُِّف بهم -في الطبعة األولى التي نشرتها دار االنتشار العربي 2015م ،أواخ ��ر ع��ام 1436ه � �ـ .إن��ه ال�ق��اص ص��ال��ح الحسيني ال�ح��رب��ي م��ن أبناء المدينة النبوية ،ومجموعته القصصية بعنوان« :أشياء تشبه الحياة» ،تضم ( )25قصة وأقصوصة!! وفي (فقد) صـ « :27-26يقف داخل المجمع التجاري جم ٌع من الناس» حياة، «عاد إلى البيت ..معه كل األشياء إال األلعاب» موت /فقد!!
ومن العتبة العنوانية الرئيسة لهذا ال��ع��م��ل ال���س���ردي ،ن��ق��ف ع��ن��د م��ف��ردة «الحياة» التي تستدعي مقابلها اللغوي وه��و «ال��م��وت» ،وبين النقيضين تنمو األش��ي��اء ويشعر بها الكائن وج��ودي��ا. وفي (أشياء تشبه الحياة) صـ-28 لذلك نجد هاتين المفردتين تتماهيان « :31من كل مكان يأتيني الماء» حياة، في أغلب نصوص المجموعة: «الماء يقابلني بوجهه الحجري» موت.
38
نجدها في (رحيل) صـ« :11-10بعد وف��ي (ح���ارة الطيبين) ص���ـ:41-39 أن تجاوز السبعين» حياة« ،قضى نحبه» «ه��ا ه��ي اآلن ت��م��ر ..ث�لاث��ون ع��ام��ا».. موت. حياة« ،رحمك اهلل يا عم سعدون ويا أم اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
وف��ي (ض � َّم��ة) ص���ـ ،42وف��ي ف���وز ،عذب الجوى ،شغل ،من القسم الثاني (ق .ق .ج).
وه����ذا ي��ع��ن��ي -دالل����ي����اً -أن ال���ق���اص.. ومجموعة نصوصه تُفرد جناحيها باتجاه ثنائية ال��م��وت /الحياة أو العكس؛ لتقول وإذا م��ا انتقلنا إل��ى ال��ن��ص القصصي للقارئ /المتلقي :إن حياة النصوص قراءتها، المفضل لدى الحسيني .والذي رقَّاه من كونه وموتها فراقها والتشاغل عنها!! نصاً داخلياً إلى عنوان بارز ي َِس ُم المجموعة دالن عندما نُمعن النظر فيما بقي من العتبات كلها ،سنجد رمزية الموت والحياة اَّ ال��ع��ن��وان��ي��ة للقصص ال��م��ن��ش��ورة ف��ي ه��ذه يتحركان في فضاء النص ،ويجوسان في المجموعة ،والتي يثبتها مسرد المحتويات دياره ألقا وإبداعا وقابلية. ص��ـ ،6-5يلفت نظرنا النقدي توزعها بين هذا النص بعنوان« :أشياء تشبه الحياة» العنوان المفرد ،والعنوان الثنائي ،والعنوان الثالثي ،ولكل من ه��ذه العنوانات بُعدها ص����ـ ،31-28نجد فيه ك��ل عناصر القصة القصيرة من شخصيات ،وزمكانية ،وحدث، المتشظي داخل النص القصصي. ولغة ،وعقدة ،وتقنيات الوصف والتصوير، وللوقوف عليها إحصائيا سنجد اآلتي: ودهشة الختام والمفارقة .وكل ذلك عبر بنية العنوان المفرد ( )18عنواناً. سردية جمالية ،يكون فيها الراوي العليم هو المتسيِّد ،وضمير المتكلم هو السائد« ،من العنوان الثنائي ( )5عناوين. كل مكان يأتيني الماء»« ...يتراءى لي اآلن العنوان الثالثي ( )2عنوانان فقط. وجه ابني الصغير»« ..ها هو يقابلني بوجهه وه��ذا ي��دل على هيمنة العنوان المفرد الحجري» ال��خ ..هذه الضمائر الدالة على الدال على جزئية متفردة في النص ،والتركيز ال��ذات /األن��ا!! ويكون فيها جمال الوصف عليها ،أو التوجّ ه نحو الحدث والغاية فقط .والتصوير ،وبالغة التعبير في لغة سردية أم��ا العنوانات الثنائية ..فهي ترمز على مكثفة تحمل أبعادها المجازية والبالغية: الدال والمدلول في صيغة خبرية ،أو جملة «عالقة بما يشبه شبكا حديديا كثيفا».. متكونة م��ن مبتدأ وخ��ب��ر .أم��ا العنوانات «دوار ال قبل لي ب��ه ،يُقدم أشياء تشبه الثالثية ..فهي تأخذ شكل الجملة المفيدة والمعبرة عما في النص من صور ،وتفسير ،الحياة تعبر.»... وموضوع ..مثل :أشياء تشبه الحياة ،زوجة «شفتاي بين شهيق أشبه بريح عاتية، بدل فاقد .ففي هذين العنوانين يَل ْمح القارئ وزفير أسخن من انبعاثات فوهة بركان ملَّ تعدد الداللة وتوسيع دائرة التلقي. التثاؤب»...
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
بندر ويا عمة حيية ويا شعاع ...ترى أين هي رمزية اآلن؟» موت.
وع��ل��ى أي���ة ح���ال ،ف���إن ه���ذه ال��ع��ن��وان��ات كعتبات نصية -وبكل الصيغ التي جاءتعليها ،تؤدي دورها في تلقي النص والتواصل مع إحاالته ،ولغته ،وإشاراته الضمنية ،وهذا ما يسمى بالوظيفة اإليحائية /االستباقية المهمة في توجيه القارئ ،وخطب ُودِّه نحو قراءة المجموعة ونصوصها الفاتنة!!
اجلوبة -ربيع 1437هـ (39 )2016
إل��ى آخ��ر ه��ذه الصور المكتنزة بالغة، «يعد لنا متكئاً ..وسكيناً ..وتفاحاً طازجاً» ص 37قصة «الفاكهة». ولغة ،ووصفاً ،وتشبيها ح َّد اإلبهار!! وأخ��ي��راً تجيء النهاية المفتوحة ،وفعل المفارقة المدهشة عندما يختم القاص نصه بقوله« :منذ ذلك الحين وأنا ال أصافح البحر إال نظراً» .هذا الختام غير المتوقع، فمنذ البدء يجعلنا القاص بانتظار الموت، ويسحبنا سحباً نحو هذه الفاجعة المنتظرة، فالماء يحيط به من كل مكان ،والغرق أقرب إليه من الحياة ،والناس تتفرج ..وتحسبه سباحاً م��اه��راً ،يغطيه الموج فيتخيل أمه وأبناءه والمياه تمور به م��وراً ،الكل منشغل بمصافحة ال��ح��ي��اة وه���و ي��داف��ع ال��م��وت/ ال���غ���رق ...لتنتهي ك��ل ه��ذه اآلالم ويخرج من الموت إل��ى الحياة ...وم��ن الغرق إلى الشاطئ ..لكن البحر يظل عالقا في نفسه خ��وف �اً ،وش����روداً ،ون��ج��اةً ،ال يصافحه إال بالنظرات!! وهنا كُمون الدهشة والمفارقة النصيَّة التي تضفي جماالً بنائياً في مالمح هذه القصة. وم����ن ال��ج��م��ال��ي��ات ال�لاف��ت��ة ف���ي ه��ذه المجموعة ،التناص الخالق ال��ذي يتفاعل معه ال��ق��اص ب��ات��ك��اءات نصوصية ،لها في إرثنا الثقافي واإلبداعي مجال كبير .فنجد التناصات القرآنية: «ت��م��ور ب��ي الدنيا م���وراً» ص 28قصة: «أشياء تشبه الحياه».
40
كما نجد أيضا التناصات الشعرية: «وعشقي يتيم راقه النور في بعدي» ص 15قصة «ملل». «لكل داء دواء يستطب ب��ه ..إال (بطلة قصتي) أعيت م��ن ي��داوي��ه��ا» ص 37قصة «الفاكهة». «عيناها ميناءان للنجوى» ص 43قصة «ضمة». كما نجد التناصات التراثية (أم��ث��االً، وحكماً ولهجة شعبية) «الدم يحنّ » ص 15قصة «ملل». «إن���ه رج���ل كثير ال���رم���اد» ص 37قصة «الفاكهة». «و َّزيَّ���ك يا ول��ه ..عامل وي��ش» (باللهجة المصرية) ص 41قصة «حارة الطيبين». ف��ي ه��ذه التناصات جمالية االختيار، وجمالية التوظيف ،وجمالية اإلس��ق��اط، وجمالية البالغة إجماالً وتفضيالً ..وفي كل ذلك داللة على ثقافة القاص وأبعادها ال��ت��راث��ي��ة ،وال��ق��رآن��ي��ة ،وال��ش��ع��ري��ة ،وم��دى قدرته على استثمار هذه الثقافة في بناء نص قصصي يتكامل لغة ،ويتسامى صوراً، ويتباهى بالغة وتعبيراً.
وال تزال الجماليات النصية تأسر القارئ/ «أشبه بريح عاتية» ص 31نفس القصة. المتلقي بمزيد من الصور ،والتكثيف اللغوي، «أران�����ي أع��ص��ر وج��ع��ي» ص 36نفس واإلبداع السردي ،ففي قصة (ندم) ص -23 القصة. ،25نجد اللفتة الذكية من ال��ق��اص ،عند «لذة للسامعين» ص 36نفس القصة. اقتناص الحدث وتطويره –رغم بساطته–
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ه���ذه األخ����ت ال��ع��ظ��ي��م��ة ،المتسامحة وال��م��ؤث��رة «إن��س��ان��ة ف��ي وض���وح الصحراء وشموخ الجبال ..رغ��م أوج��اع الزمن التي تسكنها» اختارت الليل والسهر« ..في كفيها الطينية اللون رائحة األرض ..وبين أناملها أعناق السنابل ..وفي فمها رائحة الحنطة والشعير البكر ..تتألم وال تتأوه وبقربها أحد ..أبداً ..فقط تبتسم»!!
وإذا تحاورنا – نقدياً – مع هذه النصوص الوامضة ،لوجدنا الكثير من هذه العالمات وال��س��م��ات ،وسنقف معجبين عند القصة (ج��ار ص ،)47حيث نجد اللغة المكثفة والشاعرية والمفارقة التي ختم بها القصة. وكذلك القصة (شغل ص ،)51حيث تبدو الدهشة واإليحاء ولوازمها« ،من ذلك الذي مر بالقبور وانشغل في دنياه!!» ،وأخيراً قصة (انفصال ص ..)57وفيها تتنامى الصور من نظرات إلى محبة إلى وئام ثم سكن ،ونصل أخيراً إلى االنفصال «تمكن الوشاة»!! وبهذه الخاتمة اإليحائية والتي تضمر الكثير من الفعاليات حتى تحقق هذا المحظور!!
هنا نجد البعد اإلنساني ،وصورة جميلة ل��ه��ذا ال���م���رأة /األخ���ت ف��ي ل��غ��ة ن��وران��ي��ة، وأوص����اف بليغة ،وروع���ة بيانية مسكونة بالدهشة واإلغراء!!
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
إلى منجز قصصي فارهٍ ومكتنز بالتراجيديا المخملية –إذا صح التعبير– فهذه األخت الصابرة ،الشجاعة ،ذات «الحزن المعتق». والواقفة على «سرر المروءة» والتي «توضأت بندى أعشاب األرض والمطر» حتى «هشَّ مها نزف الوفاء لآلخرين دونما انتباه من أحد»!!
المجموعة وه��و قسم ال��ـ (ق .ق .ج) وهو النص ال��ذي أسميته –ذات دراس��ة نقدية– نص الحذف النص البخيل ،ويسميه غيرى ُّ والتقشف ،ومن سماته وعالماته :اإليجاز وال��ت��ك��ث��ي��ف ال��ل��غ��وي ،اإلض���م���ار ،اإلي��ح��اء، المفارقة ،الدهشة!!
الحدث هنا :خطأ تفوّه به األخ مازحاً مع أخته ،شَ َع َر بتألمها وحزنها وبكائها جراء وه��ك��ذا ت��ب��دو ال��م��ق��درة الفائقة للقاص ذلك الحدث األخوي ..اعتذر منها ،فلم يجد الحسيني الختزال المواقف واألح��داث في منها إال كل عفو وصفح ومسامحة ،فقط ظل لغة موجزة /معبرة /موحية ومدهشة .مما الحزن على محياها؛ ما أورث «الندم لهذا يدل على التمكن اللغوي واإلبهار القصصي!! األخ الذي» ارتمى بين يديها معتذراً ،وناجى وبذلك يحق لقارئ مثلي أن يبارك لهذا خاطره «بنبرات محفورة بنصل األسى». القاص /المبدع طلته األولى على المشهد وكل ذلك يتحول إلى نص فارط الجمال الثقافي بهذا المنجز القصصي الناضج، أعمال أخرى ٍ في لغته وإيحاءاته ورمزيته ،وتجلياته ،ال والذي سيكون مؤرقاً له إلنجاز يملك الناقد إال الصمت حياله ،ألنه «الصمت أكثر نضجاً وبروزاً ،فهو في موقف التحدي في حَ رَم الجمال جمال» -كما يقولون!!- مع نفسه األمارة بفن السرد القصصي ،وهو وأخ���ي���راً ن��ق��ف ع��ن��د ال��ق��س��م ال��ث��ان��ي من أهل لذلك ،إن شاء اهلل. * شاعر وكاتب من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (41 )2016
ميراث االنكسار والرحيل في «الطائر المهاجر» ρρهشام بنشاوي*
يعتبر حسين نشوان «الشعر الذي يصدر عن دواخل النفس ،هو التعبير األول الصامت عن النفس؛ ومن هنا ،تأتي أسبقيّة الشعر بارتباطه بالشعور ،وحينما يمتلك داللته التداوليّة يغدو قصدً ا ،قصيدة» .حين نلقي نظرة على نصوص ديوان الشاعر محمود الرمحي «الطائر المهاجر» ،الصادر عن مركز عبدالرحمن ال�س��دي��ري الثقافي (2015م) ،ن�لاح��ظ ح�ض��ورا الف�ت� ًا لثيمة ال��رح�ي��ل /الهجرة/ الطيران ،كانعكاس جمالي لمعاناة الشاعر أب��و نضال« ،الفلسطيني النازح عن أرضه مكرها والهائم على وجهه ،ليس في جيبه سوى مفاتيح الدار وحلم العودة ال�ط��ري كالوشم األخ�ض��ر ف��ي وج��وه ال�ف�لاح�ي��ن ،»..بتعبير ال�ق��اص عبدالرحمن الدرعان .ويشير حسين نشوان إلى أن النقاد لم يلتفتوا إلى الهجرات في بناء الرواية /الحكاية ،إذ «يحمل المهاجر الحكاية إلضفاء األسطورة على ساللته من ناحية ،ومن ناحية أخرى إلنعاش ذاكرة األحفاد في ظلّ األحداث ،وما تتعرّض له األجيال من فناء في حالة الحروب؛ فالحكاية وفق الوجدان الجمعيّ هي مقاومة الموت بالحكي؛ غير أنّ الهجرة والمنفى يضفيان نوعً ا من الثقافة المختلطة التي تميل للنثر الحكائيّ ،كقاسم مشترك للبيئة الجديدة».
وال��ط��ري��ف ف��ي األم���ر أن الشاعر إذا ما الصبح الح غدوت أحصي خ��ت��م دي��وان��ه بقصيدة ي��خ��اط��ب فيها س��وي �ع��ات ي �ح��ل ب �ه��ا ال �م �س��اء
ابنته «ن��داء» ،والتي التحقت بالجامعة
ويمضي الليل في أرق وسهد األردنية في عمّان ،فكابد لوعة الفراق ب �ط��ول ال �ب �ع��د ي� � ��زداد ال �ع �ن��اء
مرة أخرى ،وإن اختلفت أسباب الرحيل عند األب والبنت ،فإن األلم واحد ،وبدا الرمحي في قصيدة «إلى ابنتي نداء» مسكونا بروح الشاعر العربي القديم، ال����ذي ينتظر ان��ب�لاج ال��ص��ب��ح ،حيث تحضر بقوة م��ف��ردات :الليل ،األرق، السهد ،الشوق ،الصبح...
42
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
مضى األسبوع أحسبه سنين فكيف العام يمضي يا نداء؟! وال يتجلى تشبع أب��و ن��ض��ال ب��روح القصيدة العربية ،في قصيدة «الحمامة ال��م��ش��ردة» ف��ي ال��ش��ك��ل ف��ق��ط ،وإن��م��ا باستلهام البناء الدرامي لعيون الشعر
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
وعلى المنوال نفسه تمضي قصيدة «أيها العربي ،حين تذكرنا حمامة محمود الرمحي بحمامة أبي ف��راس الحمداني ،التي ناحت السائل» ،والتي ترسم لوعة الشاعر ومشاعر بقربه ،بيد أن «الحمامة ال��م��ش��ردة» تنكأ الفقد والفراق: جرحنا العربي/الفلسطيني ،ذلك الجرح الذي ك � � � � �ن� � � � ��ت ب � � � � � � ��األم � � � � � � ��س ف � � � �ق� � � ��دت ال يندمل ،والذي صار بمثابة شرخ في الجسد ل � � � � ��ي أب� � � � � � � � � � �اً ،م � � � � ��ن ب� � � �ع � � ��د ع � �م ��ي العربي ،جرح تاريخي وجغرافي ..فالشاعر يتعاطف مع الحمامة ،التي كانت تنشد األمن وأخ� � � � � � � � � � � � � � � � � ًا ك� � � � � � � � � � ��ان رض� � � � �ي� � � � �ع� � � � � ًا ي� � � ��رت � � � �م� � � ��ي ف � � � � ��ي ح � � � �ض� � � ��ن أم� � � ��ي والسالم لفراخها ،وذكّرته بالوطن السليب، بعد أن اختارت الرحيل والهجرة ..اختارت وت� � � � � � � � � �ش � � � � � � � � ��ردن � � � � � � � � ��ا ف � � � � �ص� � � � ��رن� � � � ��ا ب � � � � � � �ي� � � � � � ��ن ن � � � � � � � � � ��اري � � � � � � � � � ��ن وردم أن تهجّ ر بيضها وعشها ،بعد أن صارت كل األعين مسلطة عليها ،وهي التي اعتقدت أنها خ��ت��ام�اً ،نشير إل��ى أن الشاعر محمود في مأمن من غدر الطبيعة... الرمحي بين تضاعيف أضمومته الشعرية «ال��ط��ائ��ر ال��م��ه��اج��ر» ي��م��ي��ل إل���ى الغنائية لهفي على تلك الحمامة مذ رأت ك� ��ل ال� �ع� �ي ��ون ت �س �ل �ط��ت ن �ظ��رات �ه��ا الوجدانية الشفيفة ،للتعبير عن مشاعره النبيلة في قصائده الغزلية ،حيث تتألق ل�ل�ع��ش ..ب��ل للعش وال�ب�ي��ض معا ال��ص��ورة الشعرية مثل قوله ف��ي قصيدة: ل� � �ك � ��أن دن � �ي� ��ان� ��ا ت� �ض� �ي ��ق ب��أه �ل �ه��ا «نيران الحب»:
فغدت تهجر بيضها ..أين ..إلى.. «ق �ل��ت ال� �ف ��ؤاد ب��أرض �ك��م وأس �ي��ره��ا اهلل أع � �ل� ��م م � ��ا ي� � � ��ؤول م �ص �ي��ره��ا إن ال� �ق� �ي ��ود ب ��أس ��رك ��م أح �ب �ب �ت �ه��ا» ق ��ارن ��ت ح��ال��ي و(ال� ��دي� ��ار س�ل�ي�ب��ة) أو كقوله في القصيدة نفسها: ف��وج��دت ح��ال��ي نسخة م��ن حالها ويحضر اله ُّم الفلسطيني بقوة في قصيدة ل� � �ك � ��نَّ ق� �ل� �ب ��ي ق� � ��د ت � �ع � � ّل� ��ق ف �ي �ك��م م ��ا ه� ��مّ ن � � ��ار ..ل ��و ي ��زي ��د ل�ه�ي�ب�ه��ا» «هذي هي الدنيا» ،إذ يفضح الشاعر الواقع
العربي المتخاذل حدَّ التواطؤ الصامت مع الكيان الصهيوني الغاشم ،وهو الذي حكم عليه القدر بأن يحرم من رؤي��ة وطنه منذ ستة عقود ،وال يستطيع لقاء أحبته وأهله، الذين تفرّق شملهم في شرق البالد وغربها، ويحلم بأن تعود األرض /الدار /الوطن لهم، ويغمر الفرح األه��ل ،وتشرق الشمس من جديد فوق الدار/فلسطين. * كاتب وناقد من المغرب.
وال يتوانى «أبو نضال» عن نقد هذا الواقع العربي المزري ،وهو يبث شكواه وهمومه، ويحضر النفس ال��س��ردي /الحكائي في معظم القصائد؛ فبالحكي قاومت شهرزاد الموت ،وأنقذت بنات جنسها ،وبالقصيدة/ القصة يقاوم الشاعر محمود الرمحي آالم الرحيل و «وجع البعاد» ،وأعاد إلى القصيدة العمودية رونقها وبهاءها.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (43 )2016
درب المعاكيز.. سيرة روائية تسائل الوجوه واألمكنة والذاكرة المستعادة ρρإبراهيم احلجري*
يقحمنا الروائي سعيد الشفاج في عمله الجديد «درب المعاكيز»( )1الصادر مؤخرا .منذ السطر األول، والجملة السردية المفتاح ،والعتبة األول��ى «درب المعاكيز» في عوالم من الزمن الجميل المستعاد الذي انفرط من بين أيدينا كأنه حلم؛ الزمن الذي بالرغم من شقاوة جيل فيه ،فقد ظل ينبض فينا بطقوسه الرفيعة ،وقيمه المتخفية وراء مبتكرات تكنولوجية خدّ اعة؛ بل منا مَن ظل يعيش على هذا الزمن ،ويستدر منه الدفء المفقود ،ويصنع منه ألق اللحظات المسترقة من ردهات زمن متسلط ،تتآكل فيه قيم مجيدة ،ومعها كل تاريخ اإلنسان الحضاري. ٍ ليس بخاف على قارئ مغربي داللة ال���ذي ك���ان يُ��ع��رف ب���درب المعاكيز، العالمة المرجعية الدالة على المكان ،آنذاك.
بوصفه بؤرة مفصلية تتشابك حولها،
بال شك ،كل العالمات السردية األخرى التي يحفل بها النّص السيريّ ،الذي ال
يرتبط بالفتى السارد أو الكاتب الفعلي سعيد الشفاج ،بقدر ما يرتبط بجيل السبعينيات ونهاية الستينيات وما بعدهما ،خاصة من البيضاويين ،وأبناء
44
درب البرنوصي بمدينة الدار البيضاء،
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ول���م ي���أت اس��ت��ل��ه��ام ال��ك��ات��ب لهذه المقولة اعتباطا ،بل للداللة على أن الناس في ذاك الزمن لم يكونوا يلهثون خلف ظالل الماديات والمبهرجات ،بل كانوا يعيشون حياتهم في بساطتها، وي��ع��ش��ق��ون االن����خ����راط ف���ي ال���واق���ع المعيش على مرارته دون أن يفرطوا في كرامتهم ،في وق��ت ك��ان المغاربة
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
يقفون على عتبة مفصلية م��ن تاريخهم بين مرحلة استعمارية ارتكاسية ،ومرحلة استباقية ترسم مالمح المستقبل في أوج ال��ص��راع بين المجتمع المدني ال��ذي كان يغلي ،والسلطة التي كانت تسعى إلى قمع هذا الغليان الشعبي بكل ما تملك من قوة، بما في ذلك العنف الدامي. يرسم الرّاوي في هذا النّص ،مالمح درب سيدي البرنوصي ،معتمدا على التفاصيل التي التقطها ذاك الطفل «المعاشي» سليل س��ي��دي سعيد امعاشو م��ن صميم ذاك��رة مثقوبة ،خربتها التجارب الصعبة ومسارات النكوص وألوان النحس المستبدّ ،والصور الالمعة التي التقطتها الذاكرة الطفولية، وهي تتسلق مدارج الوعي بتشعبات الحياة، وبعالئقها المترابطة ،وإغراءاتها الدسمة، وغوايات الجسد المفعم بحيوية أبناء الطين الخالءات المزهرة .يستعيد الراوي الطفل المستخلص م��ن جحيم ال��وع��ي الشقي، ذكريات ال��ذات ،والمكان والوجوه المؤثثة له حبا فيها ،وحنينا إليها ،مسائال نتوءات ظلت عالقة ف��ي ال��ب��ال ،ال تحيد ،وكأنها نطع كلسية ترسبت ف��ي ال��ذه��ن .وكأنه بذلك ،يعيد ترتيب وعيه ،وحياته المبعثرة التفاصيل ،جاعلة من فعل الكتابة سمفونية ترتق ال��م��زق المهترئة ،وتنفخ ال���روح في الخاليا التي اغتالتها اإليقاعات المجنونة للحياة غير العادلة ،وسفراً روحانيا يطهر الذات مما علق بها من غبار التيه المستديم في غيابات مستنقع اليوميّ ،أمال في الظفر
ببعض بهاء اإلشراقات المنفلتة في غمرة السهو والنسيان والالمباالة والغفالت...
وما أكثرها!
.1أحالم مؤجلة وذوات متعفنة تحكي الرواية الذاتية في هذا المنجز
المكثف ،عن انشغاالت الفرد ،في تناغم مع السيرورة العمرية ،بنوع من المرارة،
كأنها تنعي أحالما كثيرة اغتالتها القساوة والعثرات وس��وء الحظ .كانت الشخصية ال��رئ��ي��س��ة «ح��م��ي��د» وم��ع��ه ع���دد كبير من
مجايليه يشكلون ج��ي�لا ح��دي��دي��ا يطفح
بالمواهب والقدرات الخارقة التي لم تكن في حاجة إلى كثير من العناية حتى تتفتح
وتزهر؛ لكنها لألسف تُجابَه بالتهميش، والفقر وقلة ذات ال��ي��د ،وجهل األول��ي��اء،
اجلوبة -ربيع 1437هـ (45 )2016
وس��ي��ادة المحسوبية وال��زب��ون��ي��ة ف��ي كل المجاالت. كانت الشخصيات الشّ ابة تجرّب حظها في كل ش��يء؛ علّها تنجح ،ويعطف عليها ال��ح��ظ :ف��ي ال��ري��اض��ة ،ف��ي ال��دراس��ة ،في ال��ف��ن ...قبل أن تستيقظ على انفالت العمر ،وانصرام الزمن بشكل غريب؛ ليجد هذا الجيل نفسه ،قد فعل ك ّل شيء وكأنه لم يفعل شيئا .فبع َد استكمال حميد (السارد والشخصية) ومن جايله دراستهم الجامعية في منتصف التسعينيات ،انقشعت أمامهم غيوم األسى سوداء ال بريق للشمس فيها، وليس بأيديهم س��وى ش��ه��ادات ف��ارغ��ة ال تؤهلهم سوى للبطالة والعكوف على الذات، وق��ت��ل ال��وق��ت ف��ي ال��م��ق��اه��ي ،وم��زي��د من النكوص والتحبيط ،لتضطر األسرة إلعالة الطفل حميد ،في صغره ،وفي كبره.
46
في بالغة العطالة واالنتظار واالحتجاج بكل اللغات :من لغة المجابهة والتصدي والتمرد ،إلى لغة التجوّز واقتراف المحرّم وتصريف الطاقات في االتجاه المعكوس، إل��ى لغة الجسد والتحايل على العيش. لحسن الحظ ،كانت الكتابة م�لاذاً خصباً للعامل ال���ذات ،خلّصه م��ن ه��اوي��ة العراء والشقاء ،من خالل منحه أفقا لتنفس أهوية أخرى ،وعيش حيوات مختلفة ولو عبر فعل التخيّل. ج�رّب حميد ممارسة كرة القدم ،وبرع ف��ي��ه��ا ك��ح��ارس م��رم��ى ،ق��ب��ل أن تفاجئه اإلصابة البليغة التي حرمته من استكمال مساره الناجح الذي اختطه مع فرق األحياء، وبعد ذلك اتجه إلى المسرح ،بالموازاة مع ممارسته لفن الكتابة ،لكن محنة البحث عن الخبز ،وضمان لقمة العيش بعد رحيل الوالد ،وانتهاء مرحلة الدراسة الجامعية، وَسَ متْ مسار ممارسته اإلبداعية ببياضات أم�لاه��ا اإلح��ب��اط واالرت���ك���ان إل��ى ال��ذات الكسيرة ،واالنخراط في ممارسة أعمال أخرى ،بعيداً من مجال التّخصص .لتبقى األحالم المشرقة هي بنزين الذات ،وسط حقل الذبول ،تعود إليها كلما اشتدت ،من حولها ،زحمة الضيق ،وتالطمت أم��واج القهر ،ونعقت غربان الشؤم.
ينتقد المحكي السيريّ األسلوب الذي أه���درت ب��ه ط��اق��ات جيل ل��ن يتكرر ،جيل معجون من التراب الصميمي لهذا الوطن، جيل أحب رائحة األطلسي ،وصنع لعبه من التراب والعشب ،جيل ق��رأ الشعر وكتبه، وتفنن في أن��واع القول ،وح �رّض طاقاتها كلها ليصل إلى هدف لم يرسم بعناية ،أو لنقل ضيعته اإله��م��االت والتغاضي ،فما بقي له ،لسوء حظه ،سوى الكتب والكتابة، .2رحلة البحث عن المرجع وم��ط��اردة تراقص السراب على األرصفة الخؤون ،وامتداد المسافات الجريحة التي ي��ب��دأ مسلسل ال��ب��ح��ث ع��ن ال��م��راج��ع ال نهاية لها .جيل ورطته السياسات البليدة بالنسبة للشخصية الرئيسة «حميد» ،منذ اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
الصوفية .1 .2المرجعية ّ
تتمثل في عودة العامل ال��ذات «حميد» إل��ى مسقط ال���رأس ،قريته ب��ن امعاشو، القابعة على ش��ط وادي أم ال��رب��ي��ع ،بين س��ه��ل��يْ دك��ال��ة وال��ش��اوي��ة؛ ليعيش أوق��ات��ا ماتعة سرقتها منه المدن اإلسمنتية .وإبان االنخراط الكليّ في تفاصيل تاريخ الساللة المعاشية ،تلوح لحميد أشعة خضراء بين طقوس النهر المتراخي ،فيستتبعها بحثا عن ملمح شخصي مفقود ،ولو للحظات، قبل أن تلتهمه تفاصيل المدينة الغول من جديد .لينساق خلف يوميّها القاتل ،فلم يشأ تفويت ف��رص��ة وص��ل رح��م الساللة ال��ص��وف��ي��ة ،ع��ب��ر ال��م��ش��ارك��ة ف��ي مسيرة الركب ال��ذي ينطلق من قرية بن امعاشو النهرية في رحلة شاقة ،عابرا كل القبائل المنتسبة لألصل المعاشي ،بين النهرين «أ ّم الربيع» و«تانسيفت» وما بينهما من سهول
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
بداية تغلغل سيرورة الفشل واإلحباط التي دكالة والشاوية وعبدة وأحمر والشياظمة؛ تكلل بها البرنامج األولي الذي قاده ،عقب ليعيش قيماً أصيلة ،ويحضر طقوساً دينية الحصول على شهادة مزيّفة منحتها إياه واجتماعية. الجامعة بعد تضييع أكثر من عشرين سنة لقد شكلت هذه الرّحلة الصوفيّة الرحميّة من الكد والمثابرة والتفاني ،إلى العطالة بالنّسبة للعامل -ال����ذات ،أف��ق��ا مفتوحا والخيبة والضياع ،ومن هنا ،انبثقت األسئلة للتطهر من تبعات مرحلة ولّت بما عليها، الملحة في ال���ذات ،بحثا عن خ�لاص من وبما لفيها ،وتصالحاً مع األنا المشروخة الوضعية المزرية التي فوجئت بها وسط بالهزائم المتتالية ،وبداية مرحلة جديدة، ذه��ول جيل طالما حلم بمنامات وردي��ة .واج��ت��راح م��س��ارات مختلفة بوعي جديد ويمكن اخ��ت��زال المرجعيات ال���واردة على ومناقض لما م ّر وعبر. مستوى المحكي الذاتي ،في ثالث: .2 .2المرجعية اإلبداعية
يشكل هذا المنجز الروائي الذاتي ،هو اآلخر ،عودة إلى األصل ..المداد المهدور، وال����دم ال��م��ص��ه��ور ،وال��خ�لاي��ا ال��م��ع��ص��ورة بالسّ رد والذكريات ،أمال في معانقة مدىً سحيق ،يسكن ال��ذات منذ االرتطام األول بهذا الكوكب .لم يأت سعيد الشفاج الذي يتماهى م��ع ال��ع��ام��ل ال���ذات «ح��م��ي��د» في بعض المؤشرات المرجعية السيرية التي يحفل بها النص ،إل��ى ال��سّ ��رد؛ بحثا وجه ذات برّاق ،بل ليلتقيَ بذاته التي افتقدهاِ ، الصبيّ الذي كانه منذ عقود مرّت كالبرق، وهي ذات السّ رد ،بجسده السّ ليب ،وذاكرته المصلوبة ،وحكاياته التي ورثها عن الطين واألج�����داد ،ح��ك��اي��ات ال��ج��دات ،وحكايات البحر ،وحكايات النهر ،وحكايات ال��درب المطموس ...ك ّل هذا العجين الخرافي من الخامات ،استنفر سعيد الشفاج كي يستعيد هوية السارد الذي بات يسكنه ،بعد أن جرّب
اجلوبة -ربيع 1437هـ (47 )2016
المسرح والشعر («مقامات» 1998م).
لتلقيها في بطن الحصيد ،فإنّها ستتحول،
.3 .2المرجعية العاطفية
ب��ع��د ت��وال��ي ال��خ��ي��ب��ات وال��م��ن��زل��ق��ات ،إل��ى
يتأسس هذا المحكي الذاتي على نواة س��ردي��ة أص��ل��ي��ة تسهم ف��ي ت��ط��ور المسار السردي للشخصية الرئيسة ،ونماء مشوارها، ضمن شبكة تفاعلية من العالقات المترعة �س الشعبيِّ الطقوسيِّ . بالبساطة وال��ح� ِّ ويتعلق األمر بحكاية عشق لم تكتمل ،تلك التي جمعت حميد ،الشاب المعطل ،القادم من البيضاء ممتشقا خساراته وجروحه، وع��ط��ش��ه ال���ج���س���دي ،وال���ف���ت���اة ال��غ��ج��ري��ة األطلسية التي أهدتها له قرية أمزميز هد ّي ًة على الكسر الذي منعه من إكمال مباراة في ك��رة القدم جمعت بين فريقيْ البرنوصي وأمزميز ،حيث حُ مل جريحا إل��ى منزلهم الطيني الجبليّ من أجل اإلسعاف. يعود حميد إلى البيضاء بعد أن تورط في قصة حبّ قدّ ر لها أن تظل منذورة لتصميم المصائر الملغومة ،بعد أن خرجت ،في تفاصيل العتمة الليلية ،إلى الوجود ناضجة، وبعد أن تكللت منذ اللقاء األول ،بالوصل ال��م��خ��ات��ل ،ل��ت��ظ��ل ال��م�لام��ح وال��ت��ف��اص��ي��ل المشبعة بلذة االستراق توقد في الجسدين صبابة ال شفاء لها.
فخ الرت��ك��اب الخطايا المؤجلة نكاية في المصائر الملغومة ال��ت��ي اغ��ت��ال��ت القيم الجميلة ،واستبدلتها بمعان مزيفة ترعاها الشهوات والماديات المتضخمة في زمن إنكاسي .تتحدى قصة الحبّ ه��ذه قيود المجتمع وتصاريف الزمن ،لتخلق لها من سديم الخيانة ،أفقا لالنتعاش ،وبرنامجا تعويضيا ،وإعالنا لحالة عصيان ،لم تتحقّق حتى على سبيل االنخراط في هيجان ربيع عربي لم تزهر ،في حقوله الملغومة ،سوى النّار والدّ م. لقد عرف الروائي سعيد الشفاج ،من خالل محكيه السير -ذات��ي العميق ،كيف ي��ح��ول مشاهد س��ردي��ة مكثفة التقطتها ال��ذاك��رة م��ن جحيم ال��ن��س��ي��ان ،إل��ى صور جماعية لإلخفاق ،نثرها بسالسة ،وبأسلوب يتراوح بين السّ خرية والحنين ،بين يديْ جيل الثمانينيات والتسعينيات الذي وضعته أق��داره في مرمى عواصف اإلخفاق ،وهو في ح ّل من ك ّل أبجديات مقاومة األعاصير الجامحة للحياة؛ ألنه جيل نشأ على فطرة
وبما أنّ ج��ذوة العشق ال تنطفئ أب��دا ،الطين ،والحب ،والتمسك بالحياة ،إلى آخر تماما مثل ش���رارة التقطتها ري��ح صيفية رمق. * ناقد من المغرب. ( )1سعيد الشفاج :درب المعاكيز ،رواية ذاتية ،مطبعة ،axiorepالدار البيضاء (المغرب) ،الطبعة األولى 2015م.
48
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
احتياجات خاصة ρρعيسى مشعوف األملعي*
ف��ي لحظات مجدبة م��ن العاطفة ،وم��ن منقوله ،ال��ح��ب يصنع اإلب���داع، قذف جواله صوتاً ناعماً في أذنه سلب حدَّ ث نفسه بهذا التحوّل بعد أن كان فؤاده من أول كلمة ،هام بها ،تعلق قلبه قلبه صحراء مقفرة ،يجزل لها عطاء بصوتها الرخيم .صوتاً ال صورة أحبها ،الكلمات من طرف لسانه ،يكبر الحب بررت له بأنها مخطئة في الرقم على كالجنين ف��ي قلبيهما ،ضربا موعداً ح ِّد زعمها ،لكنه كان متفائ ً ال بعودتها .للقاء ال��غ��رام ،دوَّن عنوانها في ذاك��رة ع��ادت العصفورة مجدداً بمبررات عقله الباطن فيما مضى ف��ي تنفيذ أخرى تحوم حول القفص حتى حطت قراره. ف��ي��ه ،ت��واص�� ٌل دائ���م ب��رس��ائ��ل ع��ط��رة، ذات مساء ه��ادئ أس��رع إليها ،في وأح��ادي��ث العشق الصاخب كل مساء ،منزلها ولج ،تحُ ُّف ُه النشوة ،نسيَ الخوف ك��ان��ت تتغنى بسحر ك�لام��ه ..وتطلب من عواقب المغامرة ،دلف عليها خلس ًة ال��م��زي��د .وه���و ال ي��ت��وان��ى ف��ي تأجيج يتحسس المكان كاألعمى ،بمفردها ُ مشاعرها ،صوتها يتبعثر كعزف كمان في بهو المنزل تنتظره بلهفة العاشقة. شجي ،كتب شعراً وأرسله: مرتدية زينة العروس ،جابهها ،شاهدها
«كل حب والدة وكل والدة من نار فلنحترق بألسنة الشموع وليكن ليلنا وعدا بخراب ناصع البياض»
ألول م��رة وه��ي تتقافز مبتهجة على
كرسيها المتحرك ،اجتاحته الصدمة، وه��يَ ذرف��تْ دم��وع الخيبة والفجيعة،
مندهشاً غير م��ص��دق ..ظ��لَّ محدقاً
فيها بعينه الواحدة التي مَـألت وجهه
ٍ شاعر ٍ لقد تحول إلى مغرم من قوله وأخذت دور األخرى المفقوعة.. * قاص وروائي سعودي.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (49 )2016
باب سعادة ()1 لم يبق لها بعد موت زوجها وأبويها إال ولد صغير ال يتعدى السابعة ..يؤنسها وتؤنسه ،ك��ان معاقاً جسدياً ،بال أقدام ،عاشت برفقته في حجرة صغيرة بال سقف ..كانت فوق سطح أحد المنازل القديمة.. القناعة تخيم على األم الفارعة( ..األربعينية).. ولكن الذي كان يزعجها من آن آلخر حبات المطر المتفاوتة التي تتساقط على مالبس طفلها ،فيسعل من برودتها.. ()2 وفي ليلة شاتية ،اشتدت زخات المطر ،وامتألت السماء بسحب حُ بلى ،ارتعدت فرائص األم وهي تلمح ال��رع��ب يخيم على وليدها المرتجف ،زاد هطول المطر وزادت صرخات الطفل ..األم تأخذ الحجرة جيئ ًة وذهاباً ..تبحث عن حل ..عن شيء تختبئ تحته هي ووليدها ..لم تجد ..عادت السماء تهتز من جديد بالرعد والبرق والمطر الشديد ،كان الطفل يتشبث بثوب أمه األسود الذي غرق عليها، صرخاته متقطعة ..تنظر إليه األم ..تدمع عيناها.. تمزق نياط قلبها ..عندما سمعت صوته المتقطع.. كان الطفل يردد بشفاه مرتجفة: «أمه أمه أنا بردان ..أمه أمه أنا بردان!!» يستند على الحائط ويسقط.. راحت األم تهمهم بصوت مبحوح: «يا ويلي ..الولد سيضيع مني ..إنه ك ّل دنياي!..
50
* كاتب من مصر.
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρρأمين عبدالسميع حسن*
ف��أس��رع��ت إل���ى ال��ب��اب ،ب���اب ال��غ��رف��ة الخشبي المتهالك ..ذو الدفة ال��واح��دة ..راح��ت تشده بكل ق��وت��ه��ا ..ت��ح��اول خ��ل��ع��ه ..وال��ط��ف��ل يرمقها بقلق.. شاخصاً إليها ..كان مخاط أنفه يتدلى ..وأسنانه تصطك ..انزلقت قدم األم اليمنى في وحل الطمي الذي مأل أرضية الغرفة ..وقفت من جديد ..وأخذت تكرر المحاولة حتى انخلع الباب من مصراعيه.. لكن أحد المسامير الجانبية الصدئة أصاب يد األم المعروقة -فجرحها ..وطَ رق الدم كشالل دافقْ..ندت عنها صرخة مكتومة ..لكنها لم تُعر الموضوع – بعد ذلك – اهتماماً ...وراحت ترفع الباب بكل ما أوتيت من قوةٍ ..والطفل ينظر إليها بعيون متحجرة.. م��ن��ت��ظ��رة ..ص���دره الصغير ال��راق��د ت��ح��ت جلباب (مِ قلَّم) يصدر أزيز (النزلة الشعبية) ..وبعد لحظات استطاعت األم أن تجعل الباب يغطي جزءاً صغيراً م��ن سقف الغرفة ال��واط��ئ��ة ..كانت ق��ط��رات ال��دم تسيل على ذراعها العاري ..وزاد هطول المطر من جديد ..خطفت األم طفلها الصغير بلهفة ..واختبأت معه تحت الباب ..فسقط ماء المطر بعيداً عنهم.. وهنا نظر الطفل إلى أمه في سعادة بريئة وقد علت سحنته ابتسامة الرضى ..فقال ألمه الشُ جاعة وهو يحضنها بيديه.. أمه ..ماذا يفعل الفقراء الذين ليس عندهم باب حين ينزل المطر؟! فتبسمت األم – ألول مرة – هذا اليوم ..وضمت طفلها إل��ى صدرها بحنو زائ���د ..وقتها ك��ان الدم القاني يتجلط بين أصابعها ..وبين نتوء أقدام طفلها.
ρρفرح لقمان*
ف��ي لَ��ي�لَ��ة ه��ادئ��ة ..أج��واؤه��ا ب��اردة المكان وهدوءه ..ينادي من بعيد :عَ بد وغريبة! والعَتمَة تمأل المكان ..لتهزم العَزِ يز ..هيا نَعُد إلى البيت.. ضوء القَمر الذي بدأ بالظهور وتتقدمه ال يَعل َم م��اذا يفعل ..إال أنه اعتَ َد َل غيوم كأنها تسخر منه ،وتستهزىء بنوره في جلس ِتهَ ..وهو يضغط على ذاك الزر أم��واج تعبث بصفاء البحر ..والمكان لينطلق كرسيه به.. صامت لمن يراه ..إال لشخص واحد.. ينظر إلى ساعته الذهبية ..ويبتسم يرى أنه ضاج.. بسخرية ،كأنه يناجي نفسه( :فِ لل، جلس ش��ارد ال��ذه��ن ..اهلل أعلم ما يجول بفكره وخاطره ..في عينيه بري ٌق أم��وال ،ثياب فارهة ،كرسي متحرك، محيرٌ ،يدركه من يحدق فيهما ..وكُل ما خدم ،حشم.)..
يفعله هو النَظر ألقصى ش��يء يتمكن من رؤيته ..بداخله أل ٌم ليس بعده ألم، وحزن ليس بعده حزن..
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
أنا السبب..
كل ش��يء يمتلكه ..إال ذاك التاج.. «ت��اج الصحه» .ال يستطيع الحصول عليه ..ألنه فرط فيه في لحظة طيش.. لحظة أف��ق��دت��ه نعيم ال��دن��ي��ا وح��ري��ة الحركة فيها..
هَ بّت الريح ..فحركت ذاك الوشاح ولثوان ،شعر أن ٍ الباهي من على َكتِفِ ه.. الوشاح يسخر منه أيضاً ..كما سخروا ن����دم ح��ي��ن ال ي��ن��ف��ع ال����ن����دم ..من منه باألمس ..هو يشعر بالضيق ..من «تفحيط» واستعراض بسيارته ..إلى م��اذا؟ من كل ش��يء! ال يعلم لماذا كل جز عن المَشي وك��رس��يٍّ متحرك.. عَ ٍ شيء ضده ..ولماذا هو بالذات..؟! وذهاب نعمة لم يكن يدرك قيمتها. َض عَ ينَيه ،ثم فتحهما ..ابتسم أغم َ وأخيراً نطق ..وقلبه يعتصر ألما.. ابتسامة تبعتها دمعة حزينة محيرة.. ودموعه تنساب على خديه.. وع��اد للنظر إلى البحر ..سمع خُ طَ ى ت��ق �تَ��رِ ب مِ ��ن��ه ..وص��وت��ا يكسر صمت بيدي ال بيد عمرو ..فأنا السبب.. * طالبة -سكاكا -الجوف.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (51 )2016
سره اللذيذ ρρحنان مسلم*
نعتها بالفاليوم.. ومرة باألفيون.. وآخر مرة دخل فيها قائمة األسماء في جواله ..وضعها تحت مسمى «مضادة االكتئاب»! بينما هي قد نعتته بـ «سواق الجمس»!.. رائحة عطرها الفرنسي ما تزال تنقله إلى أول صباح نَ��ديٍّ ركبتْ فيه «الجمس» ألول مرة.. صباح تذوَّق فيه طعم الحب واستنشقه ألول مرة.. بطعم علكة النعناع ..ومزيج شانيل ..ورائحة المطر.. الصباح الذي أشرقت فيه الشمس ألول مرة في حياته المحاصرة بالكآبة التي تبددت كأسراب الخفافيش ..بعد أن توالت ضحكاتها على غترته البيضاء التي تلونت بألوان لوحاتها عندما كان يغطيها عن ألم. * قاصة من السعودية
52
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρρمرمي احلسن*
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
ردهات االنتظار لبسني الحلم منذ طفولتي ،لهيت مع تزرع دربي بالورود ،والرياحين..
القمر ،ومع أمواج البحر ،حكيت حكاية الزمن مع قطرات المياه ،تلك الجزئيات
التي تتدفق على كفّي ،تتسرب من بين أصابعي ،تعزف مقطوعة جميلة من
أحالم المستقبل..
موادي الدراسية ،فروضي العلمية،
أحيكُ معها حكاية أحالمي صفحة وراء صفحة ..سلسلة مترامية األط��راف، تلك ال��ص��ور ال��ت��ي تخيلتها ،وعشتها
خطوات ثابتة مستقرة واثقة ..ال أسكن للنوم ،وال لألحالم والرؤى ،بل أستسلم
للخيال ..أرس��م صفحات حياتي في ل��وح��ات أ ُعلّقها على حيطان قلبي..
تعددت لوحاتي ..لوحة بعد لوحة، وأنا أرمقها في صمت وترقّب ،يخاتل عيناي ال��ج��ذل وال��ف��رح كلما تضاعف عددها.. أركنها في أدراج��ي العتيقة ..تبقى أسيرة الزمن البطيء ،يغطيها غباره اآلس�����ن ..االن��ت��ظ��ار ي��م��زق��ن��ي أش�ل�اء ك��ل��م��ا ت��ق��دم ب���ي ال���زم���ن ..يحطمني األل��م ،يعصرني الوجع ،تتناثر أوراق��ي بتوقيعي ..يخدش سقوطها قريحتي التي تتفتق.. اق��ت��رب��ت ال��س��اع��ة ..ان��ش��ق ال��زم��ن
عناوينها شهادات تفوقي مرحلة بعد مشيرا إل��ى خطة سير مختلفة عن مرحلة ،نجمتي التي تبرق نحو األفق ..طريقي الذي أدلجت نفسي عليه ،تهت تلك األمنية ،ذل��ك الحلم ال��ذي أسعى في ردهات اإلشعاع ..تشابكت أمنياتي للوصول إليه وه��و بعيد المنال؛ حلم ف��ي ُع � َق� ٍ�د يصعب حلها ..و ..اختنق الشهادة الكبيرة التي تصنع ق��راري ،الحلم!.. * قاصة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (53 )2016
قصص قصيرة جدا ρρشيمة الشمري*
همسة للحياة ذل��ك التمثال الجميل ال��ذي أهدته إليّ جارتي الشقراء ،همس لي ذات حزن :عليك أن ترقصي! ال تخافوا
فنجال قهوتي ف��ارغ ..جيد أني شربته ، لكنني لم أكمل قراءة كتابي! وعباءتي :كيف خرجت بدونها؟! غريب أنني لست هناك! ثقب
وحيث أني أحمل غيمة كبيرة فوق كتفي.. فأنا ال أراك��م وال أسمعكم ..لكنني سائرة في فجر ماطر لبست عباءتي ،وركبت وماطرة وبيضاء ..وأوصيكم: السيارة ،واتجهنا شماال ..هذا كل ما أذكر! ال تخشوا الموت..
هو ألم من آالم الحياة إال أنه األخير!!.. سكناك عيني منذ ثالثة أيام ،استيقظتُ بعين بيضاء.. حزن أهلي وهم يتساءلون عن السبب.. ويبحثون عن طبيب عيون ماهر.. أم��ا أن��ا فكنت أفكر في مصير الطائر األبيض الذي أصبته بحجر ذاك المساء!..
بحث بين الشك واليقين حدٌّ فاص ٌل ورقي ٌق كنت أسير عليه متأرجحة وأتأمل.. هذا ما أعرفه.. أظنني وقعت ..لم أعد أعرف شيئا! صديقتي العاشقة حدثتني باكية تشتكي الحب وظلم البشر..
انعتـاق واسيتها :دموعك حكاية عشق خرجت نخلتي تلك التي أهداها إليّ عمي لزرعها لتغرق المدينة الغافية على حافة النسيان؛ ف��ي ب��اح��ة م��ن��زل��ي ،ت��داع��ب ش��ب��اك غرفتي فال تسمحي لهم بأن يسرقوا منك حياتك، المفتوح! وجناحيك؛ ليصنعوا منها النور والوسائد أوراق����ي على مكتبي م��رت��ب��ة ،وعباءتي الناعمة! مطبقة بعناية كعادتي ،ال أحب شنقها على ابتسمت وفي عينها ألف دمعة! مشجب المالبس!.. * قاصة من السعودية.
54
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρρعمار اجلنيدي*
ما أزا ُل أذكر أول قصة نشرتها وكيف كانت ردة الفعل عليها. القصة تحكي ف��ي مضمونها عن ش��اب يضبط أح��ده��م يخرج م��ن بيت جاره في ساعة متأخرة جداً من الليل، ُض فما كان من هذا الشاب إال أن يَغ َّ طرفه ويدخل بهدوء إلى بيته.
سامر ،جابر ،منال ،سوفوخليس ،ديمه، ش��ادي ،سناء ،سميرة ،سعيد ،ح��ازم، أيمن ،جعفر ،جميل ،رأفت ،كلهم عَ تِبوا وعبّروا عن استيائهم ،وبعضهم قاطعني لدرجة العداء لمجرد أن أسماءهم حلَّت في قصصي ووظّفتُها بغير ما إذْن منهم.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
البحث عن أسماء محايدة
بالكف عن كتابة ِّ نصحني أحدهم القصة القصيرة ،وثان أشار عليّ بأن فرحت كثيراً بأن أرى قصتي منشورة أعتذر من كل األصدقاء؛ حتى أولئك في صحيفة محترمة ،لكنني فوجئت الذين لم ترد أسماؤهم في قصصي. بأحد جيراني يطالبني أن أكشف له عن أضاف رابع بأن القضية تافهة وال اسم الرجل الذي خرج باألمس من عند تستوجب التوقف عندها طويال. زوجته. وآخ��ر أش��ار عليّ بأن أنتقي أسماء وعبثاً حاولت إقناعه ب��أن أح��داث محايدة ،وال تثير حسابات إشكالية، قصتي متخيلة م��ن ألفها إل��ى يائها، بحيث ال تمت إل��ى ال��ش��م��ال وال إلى وه��ي ال تمتّ إل��ى ال��واق��ع إال بالخيال الجنوب بصلة ،وال يُعرَف صاحبه أنه اإلبداعي. مسيحي أو مسلم ،وال تدلّ البَتَّة على أن وعندما نشرت قصة أسماء؛ عاتبني بطلها ينتمي أليّة قومية أو إثنية. صديقي حازم ألنني وظّ فت اسمه في كل ذلك أخذته على محمل الجَ دّ. القصة ،مبرراً عتابه أن من يقرأ القصة أخذتني الحيرة إلى متاهات التشتت ل��ن يفهم أو يستوعب أن ه��ذا مجرد حتى اقتربت من حدود االنفعال ،وقررت خيال أبداعي. أن ال أكتب بعد اليوم قصة قصيرة إال رمزي ،حسام ،حمزة ،يوسف ،مخلد ،بأسماء أصدقائي!
* قاص من األردن.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (55 )2016
مفرح خالي دّ . ρρتركية العمري*
من شرفة بيتنا التي تنبثق من مجلس الرجال ذي األث��اث األحمر ،والمطلة على طريق القرية العام الذي رصف مؤخرا ،أرى كل صباح خالي د .مفرّح متجها إلينا ،يحمل المنحدر خطواته مار ًا بأشجار الرمان ،التي اعتاد أن يمرر يده عـلى ثمارها ،فأرى ثمارها القرمزية تحيّي عودته كما لـو أنهن حبيبات افتقدن لمسات حبيبهن الحانية ،وعندما يتجاوز بوابة سور بيتنا ،أركض إلى الداخل لكي أخبر أم��ي بقدوم أخيها الصغير ال��ذي ينحني مقب ًال قدميها ،فترفعه ..بينما تنزلق دمعة من عينيها. ف��ي تلك اللحظات ت��دن��و مني تلك الظهيرة التي لفها الشتاء ،وال ت��زال عالقة بباب بيتنا ،غ��ادر خالي قريتنا م��رت��دي��ا ث��وب��ه ذا ال��ل��ون ال��ب��ي��ج ،ودَّع��ن��ا بسرعة ،وه��و يعانق أم��ي وأم��ه ،أقسم بفكر آسن، أناس ٍ أنه لن يعود إلى قـريةِ ٍ وها هو يعود إليها قبل شهرين ،تُرى هل نـسي خالي قـسمـه؟
ك����ان خ���ال���ي أول م���ن ي���ذه���ب ال��ى ال���م���درس���ة ،وآخ����ر م���ن ي��خ��رج منها. أوق���ف ح��ص��ص منهجه ل��م��دة أس��ب��وع ليعلم الطالب عالمات الترقيم ،وكم كان مستا ًء وهو يحكي لي أن الطالب يكتبون بـدون عالمات ترقيم ،كان وجهه محمراً ،والكلمات تخرج من فمه ممتلئة ب��م��رارة وه��و ي���ردد« :مصيبة أن يكون طالب بالصف األول الثانوي ال يهتم بعالمات الترقيم».
ق��ب��ل س��ن��وات غ���ادر خ��ال��ي ال��ق��ري��ة. وقاده تفوّقه إلى الـرياض ،رتب بصعوبة أحالمه بين عنجهية صباحاتها المملة، لقد تركوا مَن يسرق أرغفة بسطاء ول��م يتفاجأ عندما اكتشف م��ا وراء الوطن ،وأمسكوا بخالي د .مفرّح ،نعم نقابها .ولكن بقي بحر جده مخبأ بين م��ؤام��رة ضد صدقه .هو ك��ان يساعد أمنياته. ن��ج�لاء ،ولكـنه ل��م يـكتب لها رسالتها
56
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
عندما ك��ان يصحح اخ��ت��ب��ارات الثانوية العامة ،حاولوا معه أن يزيد درج � ًة لطالب هو ولد أحد أقاربه من أعيان القرية ،ولكنه رف��ض وبشدة ،وأت��ى ترتيب الطالب الرابع على مستوى المنطقة ،وغضب عليه الجميع، ولكنه بقي ثابتا ك��ذاك الجبل ال��ذي يحد القرية من الشرق.
مشية خالي مفرح التي يميل فيها قليال، وه��ا هو يعود فجأة ،أيقظ خبر عودته جعلت أحد معارفنا ينعته باألعرج ،وذات يوم حقد ج��ارن��ا ال��ل��دود ذي ال��ص��وت األج��ش ،كتب إلى الرجل رسالة ،جعلته يتوقف عن فثرثر بأكاذيب تناقلتها أفواه الناس ،وانتثرت نعته باألعرج. عندما أتاه صوت جدي اآلمر بأن يتزوج حكايات عن خالي تشبه قامات أهل القرية القصيرة ،وم���رت ب��ق��رى م��ج��اورة ،وعبرت ابنة عمه ،مألت عينيه نظرات حيرة ،عقدت أشجار العـرعر الكبيرة« ،مسكوه مع طالبة معه لقاءات سرية في مجلس بيتنا إلبطال جامعة» أحبها ،نعم أحب خالي زميلته نجالء .ق���رار ج���دي ،ك��ان ذل��ك قبل س��ت س��ن��وات. خ��ال��ي الوحيد ف��ي القرية ال���ذي ينادي أقمت ثورة ضد الجميع ألجله ،ولكن باءت النساء سيدات ،هـو من سمّاني زهور ،كان بالفشل ..وأزعجني استسالمه لقرار جدي الجائر ،فصمته جعل مراسيم زواج��ه تتم يبلغ من العمر عشرة أعوام. بسرعة ،وأدركت أن هناك من وشى بحكاية لم يجب خالي على أسئلة جدي وال أمي حبه لنجالء. حول عودته المفاجأة ،أما أنا فقد احتفظت ذاك ال��م��س��اء ..انتشر ن��ور أص��ف��ر على بهاجس سكنني م��وج��وع��ة ب��دم��وع صامتة سجاد أحمر في مزرعة جدي ،جاء النور من رأيتها في عينيه. لمبات منضودة في أسالك ثبتت على أعواد يشبه خالي أمي كثيرا ،الضحكة ذاتها التي خشبية وعلى أسوار المزرعة ،تعالت أصوات تعبر شفتيه إلى عينيه فتغرق في حنانهما .البنادق ،رقصت األج��س��اد ،ودق��ت األق��دام أتذكر ذات يوم وأن��ا أنتظره في سيارته األرض ،وتعالى صوت شاعر بقصائد تمجد ال��ب��ي��ض��اء ،ن���زل م��ن ال��س��ي��ارة ليشتري لي أسالف جدي ،كانت تلك القصائد كما لو أنها ش��ك��والت��ة م��ن محل صغير ،ام��ت��د فضولي خناجر تطعن قلب خالي ،فتلك األمجاد التي ليحرض يدي لدرج السيارة ،فتحته ،فوجدت ال يؤمن بها أبعدته عن أنثى حَ لم بداللها. ص���ورة ألن��ث��ى بحاجبين مقوسين ب��دي��ا لي في سطح بيت جدي الكبير كانت النساء كهاللين صغيرين. يضربن ال��دف��وف ،كانت الفتيات ينتظرن أتذكر في مساء ذلك اليوم أنني أخبرته دوره��ن بفارغ الصبر ليرقصن على أنغام
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
الماجستير ،ولم ولن يفعل ذلك.
بفضولي ال��ج��ريء ،فابتسم ،كنا في صالة بيتنا ،كان اعترافي له محرضا ليعترف لي بحبه لنجالء الحجازية ،كنت أجلس أمامه أت��رص��د بفرح بهجة ارتسمت على مالمح وجهه ،جعلته يمضغ بهدوء قطعة شكوالتة تناولها م��ن ص��ح� ٍ�ن اع��ت��دتُ أن أض��ع فيه الشكوالتة على طاولة صالتنا البيضاوية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (57 )2016
أش��رط��ة الكاسيت ال��ت��ي أحضرتها معي، تنحيت عن زغاريدهن ،ألول مرة ال أشعر بـرغبة ف��ي ال��رق��ص ،كنت أت��أم��ل ضحكة العروسة التي تشي ببالهتها ،تلك الليلة لم تزينها نجوم السماء. منذ ث�لاث س��ن��وات ،لم ي��زر خالي مفرح القرية إال مرات قليلة ،منها يوم وفاة جدي، كنت أذهب إليه في اإلجازات ،وقبل عامين ع���ادت زوج��ت��ه إل���ى أه��ل��ه��ا ،أت��ذك��ر س��ؤال��ي له «وكيف تنجب منها وأن��ت قد ق��ررت أن تتركها»؟
البارحة ،تهادت نجالء حاملة حكاية حبها لخالي ،ألقيت عليها تحية من القلب «مرحبا أل��ف» وأن��ا أضغط بإبهام ي��دي اليمنى زر إجابة هاتفي النقال عندما ظهر اسمها مع رقمها ،وكدت أرقص ،وسالت ضحكتها تلك التي أسرت خالي الذي أعلم بحلمه بأنثى لها ضحكة م��ن م��اء ،عندما ذك��رت نجالء اسمه انخفض صوتها ،وخيّل لي أنني سمعت نغما موسيقيا هامسا لف اسمه وهي تلفظه، أحاطت بي أسئلة كثيرة كعصافير مشاغبة، أي أنثى أنت يا نجالء؟ هل أتيت إليه أم أتى إليك؟ هل خالي عاشق وفيٌّ لك؟ لماذا خفق قلبك له؟
قبل يومين أع��دت أم��ي له الوجبة التي يحبها «معرق لحم ج��دي» ،فاحت رائحته ال تعلم نجالء أي فرح ألقته علي ،واحتفلت الشهية ف��ي بيتنا ،ك��ان��ت ي��ده��ا المخضبة بالحناء تمـده بقطع صغيرة من خبز الصاج بحـب خالي لها ،كنت أشعر بأن هناك حكاية ال��ذي احتضنته منشفة بيضاء ،وق��د تناثر حبٍّ لخالي في القرية المجاورة ،ولكنه لم السمسم على وجه الخبز البيضاوي األبيض .يخبرني بها ،لمح لي أنها انتهت ،ولم يرد أن يعترف ب��أن القيود الصلدة التي تكبل ف��ي عينيْ أم��ي ن��ظ��رات حن ٍّو لخالي ،ال المشاعر وتزمجر في وجوه العاشقين أنهت تختلف عن نظراتها لي وإلخ��وت��ي ،عندما حكايته. ك��ان ف��ي ش��ه��وره األول���ى كانت تحمله على تداعى لي ذلك الصباح الربيعي عندما جنبها ،وفي الثالثة من عمره كان يرافقها في زياراتها لقريناتها .عند زفافها رفضت تحدث لي خالي عن نجالء ،كانت عيناه مفعمة أن يتربى عند خالتها وأخذته معها ،كان في بنظرات حنين إليها« :ليست طويلة ،شعرها كستنائي قـصير ،أناملها «وص��م��ت ثانية» الثامنة من عمره عندما فقد أمه. كَأنام َل عازفة بيانو رأيتها في فيلم أجنبي لم تغر القرية خالي بالبقاء فيها ،عندما وه��و يحدثني عنها ،اقتنصت لحظة وهو ب���دأت تخلع ث��وب��ه��ا ال��ق��روي وت��رت��دي ثوبا يناولني فنجان الشاي المذهب في مكتبه، جديدا .ابتهج عندما رأى أن��وار المصابيح التي سعى لتنتشر في القرية عبر برقياته إلى وقلت له «األنثى تحب الرجل الجريء».
ابتسم ق��ائ�لا «ال تقلقي ،فخالك ذيب المسئولين ،وها هو ضوؤها األصفر ينساب عبر ال��ط��رق ال��ج��دي��دة ال��واس��ع��ة مصافحا شاعري». العابرين بها ،ولكنه لم ينساب إلى ذاته. خالي مفـرح محبوب! يتدفق اسمه كثيراً
58
بعد عودته بدا لي أن خالي كان أكثر طوال .على شفاه نساء القرية كجدول رقراق ،كنت
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
أحبي ،وال تخافي ،هل تعلمين أننا عبر الحب نكتشف أنفسنا.
زهور :أيتها الصغيرة المشاغبة ..يا من حرّضني على فعل أشياء كثيرة ،ومنها العودة إلى حبي ،فقط الزهرات الجميالت يحرضن على ال��وف��اء للنساء ،قالها وه��و يضحك. وضحكت.
عندما غادر بيتنا وعاد لبيت جدي ،افتقدنا مـزحاته الصغيرة ،وبعدها كان خروجه من القرية مُيمما نحو فضاءات تناديه .أخبرني أن رس��ائ��ل اشتياق م��ن تالميذه تبعته إلى هناك.
مشاعر مختلطة ،تعالى صوت في أعماقي وأن��ا أقفز إل��ى األعلى بين ج��دران غرفتي ال��وردي��ة وأن��ا أه��ت��ف« :إن��ه خالي د .مفرح العظيم».
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
فجر اليوم ،وأنا أبحث عن علبة دبابيس أرى زم��ي�لات��ي عندما كنت ف��ي المدرسة الثانوية يرفعن غ��ط��اء وج��وه��ه��ن األس���ود ،شعري الصغيرة ،هاتفني ،حياني ،واعتذر وتتدافع رؤوسهن من شبابيك حافلة المدرسة عن ازعاجي في وقت مبكر ،قال: ال��ص��ف��راء ع��ن��دم��ا ي��أت��ي الص��ط��ح��اب��ي من تلك السيدة حررتها م��ن رج��ل قلبه مع المدرسة الى البيت ،كنَّ يتجاهلن صيحات غيرها ،والصغيران ستصلهما حقوقهما. حارس المدرسة الزاجرة ذو الثياب الـرثة، واع��ت��ق��ادي أنهما ال ي��ري��دان أب �اً حزيناً وال وهن يتأملن وقفته مرتديا نظارته الشمسية. مهزوماً ال يمنح البهجة لهما وال لمن حوله، لثوان محاوالً أن يبتلع أسىً داهمه، ٍ عندما لمس قلبي لحن عاطفة ،أخفيت صمتَ حكايتي عمن ح��ول��ي ،ولكنه اكتشف ذلك وأكـمل: وألقى علي سؤاله ،بينما كنت أسقي أحواض نعم ،زه��ور الرقيقة ،أحببت نجالء حبا الريحان التي تجاور مدخل بيتنا :مَن يا زهور ليس بعده حب ،حباً لم يعبث بمبادئي ،عـدت الرقيقة؟ إلى القرية ألقرر ،وألرفض وأغـادر ،البارحة توقفت ..عدلت نظارتي ،اقترب مني وكان صدقت وأخلصت لبياض إنسان يدعى مفرح في يده كتاب شعر ..وقف أمامي وأكمل: الرامي ..وسوف انتصر له.
التفتُّ إليه مبتسمة ،بينما كنت أحرك خاتم خنصر يدي اليسار ،متسائلة «ماذا سيحدث لو سمعه جدي؟» ،ال شك أنه سيغضب منه وربما لألبد ،وسيذكره بـالقبيلة ،والتي لم لم أستطع أن أعلق هذه المرة على كلماته يكن خالي ابناً لها في يوم من األيام. التي دائما تدهشني ،إال بكلمتين :أنت رائع. ناولني الكتاب وابتعد. مضت ثوان بعد مكالمته لي ،غرقت بين
خرجت إلى الشرفة ،فالح لي خالي ،كانت هل ضايقهم هناك بصدقه أم بأمنياته شجيرات الرمان تالحق مشيته الهادئة.. بينما كفه تالمس السماء. النبيلة الصادقة؟ * قاصة ومترجمة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (59 )2016
نهـــــايــــــــــات ρρعبدالكرمي النملة*
()1
أجابت:
صنعت عالماً أتوق إليه ..أحتاجه ..أف ّر إليه دفنوا والدهم ،زرعوا شجرة كبيرة فوق قبره، كي تحمي قبره من حرارة الشمس ،سقوها بدموع كل مساء.. حزنهم الحارّة .يترددون على قبر أبيهم ويبكون ( )5 فتنمو الشجرة .بعد حين جفّت دموعهم ..جفّت غط في نوم عميق ،تأملتْ صفحة وجهه، حين ّ الشجرة وماتت! تذكرت األيام األولى لزواجهما قبل أن يعلو وجهه ()2 غبار السنين وقف يشرح لتالميذه القيم اإلنسانية ،الصدق، الوفاء ،العدل ...أحس برذاذ ينطلق من الكلمات المكتوبة على اللوحة ويلتصق بوجهه. ()3
()6 قالوا له :الدرب قصير! ال أمامه.. لم يصدقهم ،وهو يراه ممتداً طوي ً قالو له :الشمس تقترب من الغروب..
حين يقف ال��ج��دار باسقاً كنت ألعب تحته ببراءة وطفولة ،أشعر بحميميته ،أُلصق خدي قالوا له :وجهك وجه ميت ،أنت جثّة يلزم دفنها على صفحته طويالً ،يص ّد عنّي هذا الجدار وعثاء الخارج ،وهمومه ،وغباره ،وعبثه ،لكن الجدار هرِ م اآلن.. فانهدم وسقط ،فاندفعت جحافل الغبار والرياح صدقهم! بكى معهم على نفسه ،ودفن نفسه والهموم والصراخ تتقاذفني في كل جانب ،وقفت في الحياة.. وحيداً في العراء وسط زوبعات متتالية ،بدأ شعر ()7 ينبت بسرعة مذهلة في كل مساحات جلدي، عشق القراءة مذ كان طفالً ،يقرأ كثيراً ،تمتص وخرج من حلقي صوت ذئبي حاد ومخيف.. عيناه السطور بلذة ،يشعر بطعم أحبار الكلمات ()4 يسري في حلقه ويستقر في عقله ،حين بلغ من يغط النابهون ف��ي ح��ف��ل توقيعها رواي��ت��ه��ا األول����ى ،سألها العمر عتيا ،أصبحت رأسه دواةّ ، كتبت الرواية؟ صحافي :لماذا ِ أقالمهم بها . لم يصدقهم ،وهو يراها تش ُّع في كبد السماء
* قاص من السعودية.
60
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
نــــــدم ρρيوسف اخلالدي*
وضع حدوداً للصدمات ..وكان يعتقد م��رك��زاً عينيه على ش��اش��ة ال��ه��ات��ف..
بأنه يوجد في الحياة أشياء مستحيلة ،ت��ارة ينتظر رسالة من حبيبته تخبره كان قد وقع في أخطاء جسيمة ..كانت باشتياقها ..وت���ارة أخ���رى ينظر إلى
ثقته الزائدة في مَن حوله هي الخنجر ب��اب المقهى ال��رخ��ي��ص ينتظر ق��دوم ال���ذي ط��ع��ن خ��اص��رت��ه ،ك���ان ي��ظ��ن أن أص��دق��ائ��ه ،ت��ارك��اً ال��ك��راس��ي الثالثة
حبيبته ستبقى ل��ه ،وأص��دق��اءه الذين المخصصة لهم ،على أم��ل أن يأتوا يتسكع معهم سيظلون أص��دق��اءه إلى ويجلسوا عليها .ولكن ال رسالة حبيبته األب���د ،ول��ك��ن ال���ذي غ��اب ع��ن ب��ال��ه أن وصلت ..وال أصدقاءه قدموا إليه .
بعض الظن إثم.
أخرج هذا المسكين كراسّ ة صغيرة
فع ً ال كان آثماً في حق نفسه ،حبيبته من جيبه كان معتاداً على حملها معه
تزوجت رج� ً لا آخر اختارهُ أبوها لها ،وكتب : أصدقاؤه لم يعودوا أصدقاءه؛ تزوجوا
وضعت ح���دوداً لكثير م��ن األشياء
وأنجبوا واختاروا ولهم أصدقاء يُناسبون فندمت؛ ظننت أن أصدقائي وحبيبتي وضعهم المادي واالجتماعي ..فتركوه سيبقون م��ع��ي إل���ى األب����د ..وخابت
وحيداً على كرسي المقهى الرخيص ظ��ن��ون��ي .ه���ذه ال��ح��ي��اة ف��ق��ي��رة ج���داً الذي اعتادوا على السهر فيه.. بالمواقف النبيلة التي نعتقد حدوثها. ظل صديقنا المسكين كل يوم يجلس وصلتُ إلى قناعة بأن كل شيء سيء
وح��ي��داً على ط��اول��ة بأربعة ك��راس��ي ..ممكن ومتوقع حدوثه.. * سكاكا ،الجوف.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (61 )2016
آالم القصيدة ρρعبد اهلل بيال*
فيما مضى كانت قصائدُ نا يعتِّقُ حرفَها المعنى الشفق الحيِّي ِ تراودُ ُحمر َة األفق التي تتصيَّدُ األلوانَ ِ وزُرق َة تسبحُ في رؤاها كانت قصائدُ نا على در َِج الطبيعةِ طفلةً تتسلَّقُ الذكرى وتنسجُ في ربيع العمرِ قصتها الحروف على مباسمنا ُ لتنفج َر نحاولُ ... ربما لألبجديةِ صورةٌ أخرى وتهجئةٌ جديدة.. خرجت بال إذ ٍْن ْ ولربما
62
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
األبدي ِّ القلب المضمَّ ِخ باألسى ِ من آالمُ القصيدة وزنٌ وقافيةٌ .. الحرف والمعنى ِ وبينهما حدودُ الزمن األخيرِ هناكَ ِ تضيعُ قصيد ُة ن� �ب ��د ُأ رح� �ل� � َة ال �ب �ح� ِ�ث ال �ط��وي �ل � َة عن خطانا. أيها الشعراءُ تكتبنا لنكتبها القصيد ُة ليت شعري أيُّ نا ابتدأ الكتاب َة أيُّ نا اختتم الكآب َة أيُّ � �ن ��ا ك� ��ان ال �م �س �ي �ط � َر ف ��ي ال �م �ب ��ارزةِ األخيرةِ
ِّش عن أناملها وأجوبةٌ جديد ْة أسئلةٌ تفت ُ
ال أحدٌ يصفّقُ لي ..
المصغيات إليَّ ِ ومررت أصغي للقبورِ ُ
إذن ..
أصرخُ ..
سأكتب أو أقولُ ُ ماذا
أيها الشعراءُ ما بين القبورِ تنبَّهوا الصمت شعر ًا ِ رحاب ِ إني سألقي في فاسمعوني..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
أيُّ نا يبقى ويخلُد في سماءِ الشعرِ ؟
وال أحدٌ يعلِّقُ أو يشيدُ بشعريَ ...
التشاغل عن ِ �داث ُت�م� ِ�ع��نُ ف��ي وه��ذه األج � ُ جمالي؟!
لكنني في غمرةِ اإللقاءِ هت عن القصيدة.. سؤال ما فَتُ ُ ٌ راودني هل يقر ُأ الموتى قصائدَنا؟
أيها الشعراءُ .. ي��ا أه��ل ال�ت�ص��نُّ � ِ�ع وال�ت�ق��عُّ ��رِ وال �ت �ش��دُّ ِق في
ِ وهل يُ صغو َن في بعض المساءات الشجيِّةِ الكال ْم للقصائد؟ ِ الحروف ِ نامت هنا كل ْ حين يدعوهم ألمسيةٍ فأيقظوا لهَب الحقيقةِ ّاح ما بين القبورْ؟ خيالُ الشاعرِ السو ِ لكنني سأعيدُ لمَّ قصائدي وأُديرُ ظهري للقبورِ فليس يسمعني بها أحدٌ
ع � ِّل �م��وا األش� �ع ��ا َر ك�ي��ف ت�ص�ي��حُ ف��ي دأم ��اءِ غُ ربتِ ها وال يُ صغي لها أحدٌ لتغرقَ في أساها.
* شاعر مقيم السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (63 )2016
راع الي ُ َس َّح َ ρρالطاهر لكنيزي*
سَ � ��حَّ ال� � َي ��راعُ وم ��اجَ � ْ�ت ف��ي ال � ��رُّ ؤى ُص � � َو ُر يُ � ْ�ح �ص��ي ش �م��ائِ ��لَ مَ � ��نْ ف ��ا َق � ْ�ت َف �ض��ائِ � ُل��هُ �اف مُ � َن��مْ � َن��مَ ��ةٌ ّوح أ َْط� � �ي � � ٌ ف ��ي ُب � � � � � ْردَةِ ال� � � � �ر ِ أَخ� ��ا ُل � �ن� ��ي َق � � َّ�ش � ��ةً وال � � َّ�س � � ْي � ��لُ َي � ْ�ج ��رِ فُ � �ن ��ي َق � ��دْ كُ � � ْن� � ُ�ت أ َْح � � ِ�س � � ُ�ب أَنَّ ا ْل� � ُ�ح� � َّ�ب ن ��افِ � َل ��ةٌ ك ��ال� � َّن � ْ�ش� �وَةِ ا ْل ��بِ ��كْ ��رِ َت� ْ�س �ب �ي �ن��ا َف � ُن��دْ ِم � ُن �ه��ا حَ � � ّت ��ى ُس �ق �ي � ُ�ت ُس �ل�اف � � ًا غَ � � ْي � � َر مُ ��مْ � � َت� �ذ ٍَق �أس َت � ُ�ش � ُّ�ب ال � َّل �ظ��ى ف ��ي كُ � ��لّ ج ��ارِ حَ ��ةٍ َك� � � ٌ في سَ � ْورَةِ ا ْل�و َْج� ِ�د أَمْ شي َف �وْقَ جَ مْ رِ دَمي �ذال ا ْل� ُ�ح� ِّ�ب ف��ي زَمَ �ن��ي أح � َب � ْب� ُ�ت رَغْ � � َم ا ْب ��تِ � ِ ْ َص� � ٌّ�ب َوب� ��ي َد َن� � � ٌ�ف م ��ا ا ْن� � َف � َّ�ك يُ � ْ�س��رِ ُج �ن��ي �س شَ �ن��ار ًا ِع � ْن � َد مَ ��نْ عَ � ِ�ش�ق��وا وَا ْل� � َب� �وْحُ َل � ْي� َ �ض ُح� ْ�س��نِ ��هِ شَ ��عَّ ال��نُّ ��و ُر مُ ْنب َْجس ًا ِم��نْ َف � ْي� ِ ب� � ��اتَ ال � ��زَّ م � ��انُ مُ �ص �ي �خ � ًا َي � � � � ْو َم مَ � � �وْلِ � � ِ�دهِ هَ � � � َّل � � ْ�ت َت � �ه� ��اوي� ��لُ َف � � ْ�ج � ��رٍ ب � � � � ��اذِ ٍخ عَ � � ِ�ط� ��رٍ هَ � � � � � �زّتْ ُن � � �ب� � ��و َء ُت� � ��هُ أَفْ � � � �ن � � ��ا َن غَ � ��فْ � �وَتِ � �ه� ��مْ ِم��نْ ِس� ��دْ رَةِ ال��نُّ ��ورِ س��الَ ال �و َْح��يُ مُ نْسَ كِ ب ًا َي � � �رْوي ُن �ف��وس � ًا ِظ � �م ��اءً ظ ��لّ يُ ��عْ � ِ�ط� ُ�ش �ه��ا �وح� � ٍ�ش ت� ��اه� ��وا َك� �ق ��افِ � � َل ��ةٍ ف� ��ي مَ � ��هْ � ��مَ � ��هٍ م� � ِ �س ا ْل��حَ �ق �ي � َق��ةِ ف��ي أَ ْل ��وانِ � �ه ��ا َر َف� � َل � ْ�ت شَ ��مْ � ُ 64
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ف� � ��ال� � ��رُّ وحُ ض� � ��ارِ عَ � � ��ةٌ وال � � ِ�ف � ��كْ � ��رُ مُ � � ْن� � َب ��هِ ��رُ ج� � ��و َد ال ��بِ � �ح ��ارِ ا َّل� �ت ��ي ف ��ي غَ � � �وْرِ ه � ��ا دُ َر ُر �رات ا ْل � �و َْج � ِ�د َت� ْ�س � َت��عِ ��رُ ف��ي مُ ��هْ ��جَ �ت��ي جَ � �م � ُ سَ � � ْي ��لُ ا ْل� ��جَ � ��وى َث � ِ�م ��لٌ َي� ْ�ط �م��و ف��أ ْن � َغ� ِ�م��رُ َك� ��ال � � َّل � � ْو ِن ف ��ي َو ْردَةٍ َ ،ت� � � ��ذْ وى َف� � َي� � ْن� �دَثِ ��رُ دَهْ � � � � ��ر ًا و ُن ��هْ � ِ�م� � ُل� �ه ��ا َي � � � ْوم � � � ًا َف� � َت� � ْن ��حَ � ِ�س ��رُ �ص ��رُ �اض اهلل ُت ��عْ � � َت � َ م � ��نْ َك� � �رْمَ � ��ةٍ ف ��ي رِ ي� � � � ِ ب � ��ال� � � ّن � ��ارِ ُت � ْ�ج � �ل ��ى مَ � ��راي � ��ان � ��ا َو ُت� � ْ�خ � � َت � � َب� ��رُ وا ْل � � َب � �وْحُ ِم� ��نْ ُج � َّب �ت��ي ك��ا ْل � َق� ْ�ط��رِ َي � ْن � َه� ِ�م��رُ �ص��طَ ��بِ ��رُ َف��ال� َّ�ش � ْي��خُ ي��وف��ي ا ْل� � َه ��وى وِ ّد ًا و َي� ْ �ض��رُ �ط ا ْل ��مَ ��زا ُر وعُ � ْ�ش� ُ�ب ال� َّ�ص � ْب��رِ يُ � ْ�ح� َت� َ شَ � ّ واس �ت �ب��اهُ ��مْ ذِ كْ � � ��رُ ُه ا ْل � َع� ِ�ط��رُ خَ � ْي � َر ا ْل � � �وَرى ْ السحَ رُ وانْثالَ كا ْله َْط ِل منْ َفرْعِ الدُّ جى َّ ك��ال� ّ�ظ � ْب� ِ�ي ف ��ي وَقْ � � َف� ��ةٍ َي � ْل �ه��و ب ��ه ا ْل ��حَ � � َذ ُر �ص� ِ�ه��رُ مَ � ْ�ش �ب��و َب��ةٌ ف��ي أَري � � ِ�ج ا ْل � �و َْح� � ِ�ي َت � ْن� َ حَ � ّت��ى َت ��حَ ��ا َّت � ْ�ت ِظ �ل��الُ ا ْل� � َغ ��يِّ وا ْن� � َب� � َه ��روا �س َي ��عْ � � َت ��كِ ��رُ ك��ال� َّ�س � ْل��سَ �ب �ي� ِ�ل َص � �ف� ��اءً َل � � ْي� � َ ِش � � �ر ٌْك ،وَيُ � �ز ِْه� ��رُ ف�ي�ه��ا ا ْل��جَ ��هْ ��لُ وا ْل ��خَ � � َو ُر �س َي � � ْن ��سَ � ِ�ف ��رُ بِ �ل ��ا ُح� � � � � ��داةٍ ،و َل � � � ْي� � � ٍ�ل َل� � � ْي � � َ �ات وال � � ُّ�س� � � َو ُر ف� ��ي ا ْل� � �غ � ��ارِ َت ��غْ ��زِ ُل� �ه ��ا اآلي� � � � ُ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
ب��ا ْل � َع��قْ � ِ�ل َي��فْ ��ري فُ �ل��ولَ ال� َّ�ش� ِّ�ك َي��دْ حَ ��رُ ه��ا �راس مُ ��طَ ��هَّ ��مَ ��ةٌ ُص � � ْب� ��حُ ا ْل � ��جَ � ��زي� � �رَةِ أفْ � � � � ٌ م ��ا ج � � ��ادَلَ ا ْل� � � َق� � � ْو َم إ ّال ف ��ي َض�ل�ا َل��تِ �ه��مْ �وص ِم � ��نْ َب�ل�اغَ ��تِ ��ه �ان فُ � �ص � ٌ ِس � ْ�ح ��رُ ال� � َب� �ي � ِ �اه � � ُل� ��هُ حَ � � ��دي� � ��ثُ � � ��هُ َك � � � � ْو َث � � � ��رٌ َت� � ْ�ح � �ل� ��و مَ � �ن� � ِ أفْ � � � � �ك� � � � ��ا ُر ُه دُ َر ٌر أثْ � � � � � � � �رَتْ خَ � ��زائِ � � � َن � ��هُ � ��مْ ف� ��ي كُ � � ��لِّ َت � � ْ�ج � ��رِ َب � ��ةٍ زادوا بِ � �ه� ��ا عَ ��جَ � �ب� � ًا �اح طَ � � ْل� � َع ��تُ ��هُ �اإلص � �ب� � ِ َص� ��فْ � ��وُ ا ْل � � ��مَ � � ��ودَّةِ َك� � ْ ف� ��ي ِع � ��فَّ � ��ةٍ َي� � َت� �ح ��اش ��ى َن� � � ْ�ظ � � � َر ًة دَلِ � � � َه � � ْ�ت �س ف��ي ُش�ه��ى ال��دُّ ْن �ي��ا و َل��ذَّ تِ �ه��ا َل ��مْ َي� ْن� َغ� ِ�م� ْ سَ ��مْ � ٌ�حَ ،ف�م��ا عَ � َّ�ش��شَ � ْ�ت ف��ي ال� َّ�ص��دْ رِ مَ ْث َلبَةٌ َل � ��كِ � ��نْ إذا ب � � ��اتَ شَ � � � � �رْعُ اهللِ مُ � � ْن� � َت� � َه� �ك� � ًا ْض ف ��ي َب � �ذ ٍَخ �وك األر ِ �ش َك ��مُ � �ل � ِ و َل � ��مْ َي � ِ�ع � ْ َوك� � ��ا َن ك ��ال ��دَّ ْي ��مَ ��ةِ ا ْل� �و َْط� �ف ��اءِ َل � � ْو هَ � َت � َن� ْ�ت �ص� � � ٍ�ل َن � � � � ��دا ُه دافِ � � � � ��قُ غَ � � � � ِ�د ٌق ف � ��ي كُ � � � ��لِّ َف� � � ْ �اس� �ن ��ا عَ � َب �ث � ًا مُ � ��ذْ ق � ��الَ م ��ا ُخ ��لِ � � َق � ْ�ت أ َْج� �ن � ُ �اس ف��ي َن��سَ � ٍ�ب َو َل� ��مْ َي� � َر ا ْل� � َف� �رْقَ َب � ْي��نَ ال � ّن� ِ �أح� �ش ��ائ ��ي َف� � ُأ ْل � ِ�ق ��مُ ��هُ َي � � ْل� ��وي ا ْل� ��هُ � �ي� ��امُ ب � ْ �اض ا ْل� �خ� �ي ��الُ و َل� � ��مْ أَعْ � � � ��دُ ْد شَ �م��ائِ � َل��هُ غ�� َ ي� ��ا سَ � � � ِّي � ��دي ،ثِ � ��قْ � ��لُ أَوْزاري يُ � � َؤرِّقُ � �ن� ��ي �ك َص �ل ��اةٌ ب ��ال � َّ�ش ��ذا عَ � َب � َق � ْ�ت ِم� � ّن ��ي عَ � � َل� � ْي � َ وم� ��نْ طَ ��مَ � ٍ�ع آمَ � ْن � ُ�ت ب��ا ْل � َغ � ْي� ِ�ب ِم ��نْ خَ � �و ٍْف ِ �ك َل ��هُ أَص � �ي� ��حُ ِم � � ��لْ َء َدم � ��ي أَنْ ال شَ � ��ري� � َ َن� ��فْ � �س� ��ي غَ � � � � ��رو ٌر َوم� � � ��ا زَكَّ � � ْي� ��تُ � �ه� ��ا أَ َب� � � � ��د ًا أل ْك � ��وانُ ق��دْ ُج� ِ�م� َع� ْ�ت كُ ��نْ ل��ي شَ فيع ًا إذا ا َ َل � � � ْو ِج � � ْئ� � ُ�ت َف � � � � �رْد ًا بِ �ل��ا أَهْ � � � � ٍ�ل وَال َو َل� � � ٍ�د
�ان َت � ْن��طَ � ِ�م��رُ َك ��ا ْل� �وَهْ � ِ�م ف ��ي ُب� � � � ْؤرَةِ ال � ِّن� ْ�س �ي� ِ فُ � � ْرس ��ا ُن� �ه ��ا ا ْل� ��غُ � ��رُّ لِ �ل��إِ ْس �ل��امِ َق � ��دْ ُن� � � ِ�ذروا �ات ف �ل�ا كِ � � ْب� ��رٌ وال َص� � َع ��رُ ُح� � ْ�س� ��نُ ا ْل� ��تِ � �ف� � ٍ ِم� ��نْ تِ � � ْب ��رِ ه ��ا ص �ي � َغ� ِ�ت األمْ � �ث� ��الُ وا ْل ��عِ � � َب ��رُ كُ ��لُّ ال � ��رُّ واةِ بِ � ِ�س� ْ�ح��رِ ا ْل ��حَ � �ر ِْف َق ��دْ سَ � َك��روا ف ��ا ْل � ِ�ع � � ْل ��مُ أَكَّ � � � َده� � ��ا وال� � � � � � ��دّ ارِ ُس ا ْل ��خَ ��بِ ��رُ واس � َت � ْل � َه �م ��وا ِخ � � َب ��ر ًا دا َن� � � ْ�ت َل �ه��ا ا ْل� ِ�ف � َك��رُ ْ سَ � � �م � ��اءُ َص� � � ْي � � ٍ�ف َف �ل ��ا غَ � � � ْي � ��مٌ وال َك � � � � َد ُر ْف َك� ��يْ ال َي � � ْر َت � � َع ال � َّن��ظَ ��رُ يُ � َل��مْ ��لِ ��مُ ال� � َّ�ط � �ر َ اس � َت �ط��ابَ مُ �ج��ون � ًا شَ � ْ�خ� ُ�ص��هُ ا ْل� �وَقُ ��رُ وَال ْ أو ُب� � ِّي� � َت � ْ�ت نِ ��قْ ��مَ ��ةٌ ف ��ي ال� � ِّ�س � � ِّر َت � ْ�خ � َت � ِ�م ��رُ أ َْض �ح��ى يُ �ط��ارِ حُ مَ ��نْ َض � ّل��وا ومَ ��نْ مَ � َك��روا مَ ��نْ شَ � �أْوُ هُ ��مْ ف��ي ا ْل��حَ �ي��اةِ ا ْل��وُ ْل��دُ وا ْل��غُ � َر ُر �اس ال � ِّ�ظ ��لُّ وال� َّ�ش��جَ ��رُ �ض ��رَّ مُ � ْ�ح ��لٌ َوم � � َ اخ � َ ْ ْس وال��ثَّ ��مَ ��رُ ْض مُ � �ش ��اعٌ ،ونِ ��عْ � � َم ا ْل � � َغ � �ر ُ َرو ٌ بِ � ِ�ح ��كْ ��مَ ��ةٍ َق � ��دْ َت � �س� ��اوى ِع� � � ْن� � � َد ُه ا ْل� � َب ��شَ ��رُ �وس بِ � � َت� ��قْ � ��وى اهللِ َت ��فْ � � َت � ِ�خ ��رُ كُ � � ��لُّ ال� ��نُّ � �ف� � ِ �ص��رُ ؟ �ات ا ْل �و َْج� ِ�د ُت� ْ�خ� َت� َ وِ رْد ًا وهَ ��لْ شَ ��طَ �ح� ُ ذاك إ ّال مُ � � ��فْ � � � َت� � ��رٍ أ َِش � � � ��رُ ال َي � � ��دّ ع � � ��ي َ كُ � � ��لُّ ا ْل � � َك � �ب� ��ائِ � ��رِ إ ّال ال� � � ِّ�ش � � �رْكَ ُت ��غْ � � َت� � َف ��رُ �ص � َّ�ب ِم ��نْ عَ � ْل �ي��ائِ ��هِ ا ْل��مَ ��طَ ��رُ بِ � � َق ��دْ رِ م��ا ا ْن � َ �اب اهللِ أَ ْأ َت� � � � � ِ�م� � � � ��رُ �ص� � � ��دِّ ق � � � � ًا بِ � � ��كِ � � � �ت � � � ِ مُ � � � � َ وال� � � � � ��رُّ وحُ َت� � � ْ�ج � � �أَ ُر ب� ��ال� ��دَّ عْ � ��وى و َت� ��عْ � � َت� � ِ�ذ ُر �ص� �ح ��وَ ،ف � ��عُ � ��ذْ ري أَ ّن � �ن ��ي َب ��شَ ��رُ َت��غْ �ف��و و َت � ْ إ ّن � � ��ي َض � �ع � �ي � ٌ�ف إل� � ��ى ر ُْح� � � �م � � ��ا ُه أَفْ � � َت � � ِ�ق � ��رُ �ص��رُ . �ص ا ْل � َب� َ أَ ْرج � ��و سَ �م��احَ � َت��هُ إ ْذ َي� ْ�ش��خَ � ُ
* شاعر من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (65 )2016
النساء مدائن ِ ُ ρρمحمد عباس علي*
يا دوحة الهوى أراك تنظرين فكل مرة ٍ يجيء مَ ن يجيء ساعي ًا وحينما يحين موعد اإلياب يستكين و يشتكي ويشتكي وكل مرة يعود باكي ًا وأنت تضحكين!! ***
يجىء مَ ن أتى وسيفه معه يجول ها هنا بساحة الوغى وبعد ما يرى شراسة الدجى يعود صامتا ًيروم مضجعه ***
66
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
أليس للمسير في الدرب ِ من رفيقْ ؟ أليس للفؤاد في متاهة الوجود من شقيقْ ؟ وكانت الحياةٌ كي نعيشها معاً؛ فكيف ال أرى رفيق خطوتي في ظلمة الطريقْ ؟ *** أسير والدجى ورحلة الغريب أُسائل الدروب عن رحيق مَ ن مضى تقول روحها هناك إنها المشيب ْ أصابها
***
يا ويح غربتي في قلبها ضج ْر تسائل النجوم هل ترى فى ليلها خب ْر أهيم حائرا ً فى باحة الحنينْ وحينما يبين ْ بريق عودتي تقول غربتي هناك ..يا خبرْ!! ***
***
وحين نلتقى تزقزق الطيو ْر تطوف حولنا تبارك اللقاء مر ًة
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
كذاك خطوتي بوقعها الذي في صمته قضى!!
حفاوة اللقاء
ومرة تقول للنسيم مرحبا وتمأل الوجود بالحبور ***
تقول إنها فى روضة الهوى زٌهيرة ٌ رقيقة ٌ
فراقُ ها بكاءْ لقاؤها بكاء وأينما مضت تصوغ عينُها مراسم العزاءْ أُخاطب السرور راجي ًا يزور مرة ً مدائن النساءْ
الحبيب ْ يفوح عطرُ ها بباحة صغيرة ٌ هي وعطرُ ها صغير وباحةُ الحبيب عطرها كثير! ***
عبيرُ ها سراب وريحها سراب ُ ***
تباغت الدروب بالبكاء أليست الدروب طفلةً تحب أن ترى
وحين نلتقي تسائل النوى عن لذة اإلياب!! ***
* شاعر من مصر.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (67 )2016
آخر ما عزف زرياب ρρعبد اإلله مهداد*
و تتبعت الظلمة ..ووصلت، غريب في المدينة.. ٌ لكني ل��م أع�ث��ر إال على ُج ��زُ رٍ م��ن أسئلة غريب عن مواويل الحقيقة؛ ٌ تمخر شعرا عطشانا يسبح في القلب غريب؛ قد تناساك الخليفة ٌ كناي تالشت معالمه على قيظ الغروب ..و تبني على دفة الشوق أشواقا وعلى دفة الحزن أحزانا *** وعلى دفة اسمي أسما َء أخرى، خطاك تمشي بعيدا عن ال تعرف إال شوشرة الحب الشرقي المبتور.. أناك ظلك ..عن ْ َ باحث ًا عن أين العود ..أين؟ أين المدينة :قرطبة؟ أي��ن وت��ري ال�خ��ام��س /أي��ن ظ�ل��ي /م��ا كل الموشح واألغاني؟ ّ بغدادْ؟ أين هذه التخوم..؟ ال شيء حيّ بيننا َف ْلن َْخت َِف.. موت يلثم جثتي ال جر ٌَس...إال ٌ فلنبحث معا عن نشيد ،أو نديمْ واللحد ب َّللَهُ دم السندباد. فلنخرج من األجساد.. ما عاد على صحرائي خيم أو سراب و لنقرع نواقيس السماء غير ريح النسيان حتى يجلو هذا األنين، غير قافية تتشظى على أرضي ليعود السديم – مرة أخرى- لعنة هائمة ..أنت اآلن -ماذا أبقى هذا الزمن الغابر للغد؟ يا وتري المنسي على أهداب اللحد حتى ذكراك تغوص بقعر الدهشة أبعدني.. والقلب الشاحب ما زال بصومعته أبعدني عن لحن يعزف فوقي كنت وحدك فيها؛ تلثم العزلة يغسلني بلحن سؤال، لكنها أمست في يومي يدميني.. تنزل نحو األسفل كل عشية: يا وتري المنفي بهدب الماضي في األسفل كان الموت اِ ضحك في وجه الموت في األسفل كان النسيان إني لَوَّ ن ُْت سؤالي بشاش سمائي وترابي في األسفل كانت كل النيران تناديك و تدثرت به.. كانت أبوابها موصدةٌ و طردت اليأس.. في األسفل.. فعثرت على سرداب في نفسي حيث األغالل ممددة.. ُ * شاعر من المغرب.
68
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρρمحمد خيري اإلمام*
اتَّـفـقْ ـنـا عـلى االفْ ــتِ ـــر َِاق قُ ــ َبـيْــلَ انْـتِ ـهَاءِ الـرَّ بِ ـيـعْ ْــف الصــي ُ فَـال ِْـجـرَاحُ َتـزِ يـدُ إِ ذَا أَقْ ـــ َبـــلَ َّ الشـمُ وعْ ْـــظ ال َي ْـحـت َِــفـــي بِ ُّ والْــقَـــي ُ ــظى كان قَــلْــبِ ـي إِ ذَا َيـتَـ َل َّ َيـكَـادُ يُ ـ َزلْــزِ لُ َصـدْ رِ ي ال َِّـذي َيـتَـشَ َّـظى وآهٍ إذَا انْـفَـجَ ـرَتْ فـيـهِ قُ ــنْـبُـ َلـةُ الْـفَـقْ ِـد �وت حَ �ـ��زِ ي�ـ�ن�ـ�ً�ا ع�ـ� َل��ى ك�ـ� ْوم�ـ��ةٍ ِم�ـ��نْ ْف َي�ـ��مُ �ـ� ُ سَ �ـ �و َ َبـقَـايـ َا ُضلُـــوعْ ُوب ــف في افْ ـــتِ ـــر َِاق الدُّ ر ِ ها أنا واقِ ٌ وجــهَـهَا ،دُ و َن جَ ـــدْ وَى َّــــــقـي ْ أُحَ ــاوِ لُ أَنْ أَت ِ أُحَ ــاوِ لُ أنْ أ َتـــن ََّحى ِمنَ الدَّ ر ِْب حتَّى أُعَ رِّيَ قَــلْبِ ــي المُ عَذَّ بَ ِمنْ شَ ـوْقِ ــهِ فَــ َيــعُ ـــودُ َبـرِ يـئـــًا ك َِــطــفْ ٍـــل وديـــعْ الحــــز ِْن ْف أَعْ ِــصـرُ قَـلْـبِ ي عَ ــ َلـى حَ ـا َنـةِ ُ سَ ـــو َ لــيْس َي ِــقــيــهِ بُـكَاءُ الْـعَـذَارَى َو َلـنْ يُ ــفْ ـــتَـــدَى بِ ـغَـزِ يـرِ الـدُّ مُ ــوعْ ْف أ َْشـعُ ــرُ فِ ـي ِحـيـنِ ـهـ َا سَ و َ ْـــت ِمــنْ ِع ْــش ِــقــهـــ َا أنَّـــنِ ي تُـــب ُ َـط والذي كان ما بـيْـنـنـ َا قَـدْ َتـسَ اق َ يف في ثَـ َور َِات الْـخَ ـرِ ِ مُ جــرَّ َد ذِ كْـــرَى َتـــكَادُ َت ِـضـيـعْ
ـــت أّمْ ِـضـي بِ ـ َدرْبِ ـي و َِحـيـدً ا ر ُْح ُ َـاصـيـلُ و َْج ِـهـي كَكُ لِّ الْـمَ لاَ ِم ِح فَـ َبـا َن ْـت َتـف ِ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
ؤج ٌل ٌ وداع ُم َّ
عَ ـادِ يَّةً َـصـو ِْت ارْتِ طَ ام الْـمَ ـعـ َادِ ِن َالمي ك َ واسـتَـحَ ـالَ ك ِ ْ الشــتـــاءِ لنْ أبْحَ ثَ اليوْم عن دِ فْ ــئِ ـهــ َا فِ ي ِّ الص ِـقـيعْ بِ ـرَغْ ِــم َّ في طري ِـق الوداعِ أســـيـرُ رصيـنــًا يُ ـظَ ـلِّــلُ و َْج ِـهـي وقَــا ٌر طريق وسيعْ ٍ وأمْ ِـشـي وَئِ ـيـدً ا بِ ـلاَ وِ ْجـهَــةٍ فِ ي غَ ـ ْي َر أَنِّي أرَاهَ ــــا بِ ــكُ لِّ اتِّــــجَ ــاهٍ وَلاَ شَ ــيْ َء حَ ــوْلِ ــي ِســوَاهَ ــا ـين ـاغـتُ ـنِ ـي و َْجـهُ ـهَا كُ لَّ ِح ٍ يُ ـ َب ِ وَفِ ـي كُ لِّ َتـفْ ِـصيلَةٍ قَـدْ ت ُِـطـلُّ و َتـلْـمَ ـعُ آلؤُ هَ ــا فِ ـي ُخ ُـشـوعْ وجهِ ـهَا َّـــص ُـت ِمــنْ ْ َت ُـظـنُّ ـــونَ أَنِّي َتـخَ ـل ْ غَ ــيْــ َر أَنِّــي أَرَاهَ ــا ْـس ِسـوَايَ َيــرَاهَ ــا و َلـي َ أَ َنــا كَاذِ ٌب إِ نْ أقُ ـــلْ : أســت َِـطـيعْ ْ 15أغسطس 2015
* شاعر من مصر مقيم بالسعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (69 )2016
لدم ّ الذاكرة منفى ِ سمية عبداهلل* ّ ρρ
فرصة لحديث ..مشهد من أمنية
فأهلوس كـ ذرة ضوءٍ خاملة ُ
عتاب أبيض ٌ
وينبت في لساني زهرٌ يابس ُ
خطوات لوطن /هزيمة ٌ
يؤجج بقايا أحالمٍ متعبة وصوتي ّ
باب القلب ..جدار منفى
أجوب أزقة العبورِ المحطمة ُ
صمت بدأ ٍ أتكوّنُ في 1
شهيق ٍ وأجنحتي ال تطير من السماء البعيدة تمضي الدُّ مى إل��ى َّ سكنت قلبي ْ التي
ح �ي��ن أك� � ��ون ل � �ـ� ��وح� ��دي ..ب �ل�ا ق �ل��وب وحيث ال يمضي الموْتى معهم
70
تمارس الرأفة على حزني..
يبقى لي سَ فَرٌ واحد
تستدعي الدّ موعُ صمتي
لـ أصي َر دخان ًا في دمِ الذاكرة
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
وقد توارتْ األطياف
وجهي ماءُ العُ تْمة وَيسيلَ منْ ْ
مسكون انتابني هذيانٌ ْ
صلوات ٍ أجمَ عُ األحاديثَ في ْ
أصعدُ وأنزل
عينيك رمادٌ أجوَف ِ تلك النُّ قوش في َ
تثاقل ِ يذهب العالقون في ألَمي على أثْ رِ ُ الضباب أوْراق ّ
�ات أب ��راجُ ذاك ��رةٍ مخنوقة بـ وس��رُّ ال�م�س��اف� ِ نسيان نبيذ ْ
.. السماءُ جَ ناحٌ في خالصهِ منْفى حيث ّ هيّا ُ وَفي مقابرِ ال َعفَن ص القبو ُر بـ أوهامٍ سوداء تَغُ ُّ الشمس نيات ّ ُتد َْحرجنا أغْ ُ
ال يمكنُ أن تبقى جدتي تُخبّئ الظفيرتين تذوب نوارسها ُ مس بيْن كفيها الش ُ ّ تتوضأ حتى تبْقى َّ الروحُ في زحامِ الرُّ كام السماء خشوع ًا يُ طلُّ على َّ
[صحراءٌ ] ْ يد القمرِ وَفي ِ
..
تَحشدُ في ُحنجرة البدَاية
جدّ تي..
الح ّب رذا َذ ُ
أرجوك! ِ 3
حتى يتوقّ ف النوْمُ يبْدأ البُكاءُ ؟ رف ال أعْ ُ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
2
النُّ عاس
الظفيرة أكملُ اللعبَ بتلك َّ دعيني ِ ستحلَّق طائرتي الورقيّة بشراهَ ة الهرَب السماء نفس َّ وَحينَ انْتهاء ..في ِ
ستصنَعُ لي النُّ جومُ ْ وَال أدْري أي� ��نَ خ � ّب ��أت ج ��دَّ ت ��ي ظ�ف�ي��رت��ي الشمْ س؟
وقت ًا يهذي
�ظ ال � �زّواي ��ا ب��أرج� ِ�ل وشمس ًا في أزرارِ قميصها وتَرُ عودٍ مفقود. ب� ��اتَ وش �ي �ك � ًا أنْ َت��كْ �ت� َّ * أديبة من اإلمارات.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (71 )2016
ْ هاء ال ّل ْي ِل اش ِت ُ ρρمليكة معطاوي*
اشتِ هَاءْ ، َي َتدَفّ قُ ال ّليْلُ ْ
ال ثِ مَ ارْ. بِ َ
َير ِْمي ِحجَ ا َر َة ُحبِّهِ فِ ي الْمَ اءِ ت َْخ ِد ُش وِ ْج َن َة ا ْلقَمَ رِ ا ْلب َِعيدْ ، َت َتد َْحرَجُ ا ْل َع ْين َِان َفوْقَ ال ُْحل ِْم خَ ْلفَهُ مَ ا ِجدَا ٌر ِمنْ هَ بَاءْ كَمْ تَكْ ِذ ُب الأْ ْحالمُ ت ُْشرِ قُ شَ مْ ُسهَا َل ْي ًال َوتَغْ رُ ُب فِ ي ال ّنهَارْ. ْك الْمُ نَى، يَا َليْلُ دَعْ عَ ن َ أعْ لِ نْ ِحيَاد ََك ِع ْن َد َص ْحوِ الأْ ُمْ نِ يَاتْ ، هَ ا قَدْ تَالشَ ى عُ مْ رُ نَا يف وَأتَى الْخَ رِ ُ 72
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
***
يَا َليْلُ هَ لْ فِ ي الْعُ مْ رِ أعْ مَ ا ٌر ِسوَاهْ؟ ْضى حَ تَّى تُشَ ِّر َد ُصبْحَ هُ َوت َُخ َّط بِ ا ْل َفو َ حَ كَايَاهُ، يَمُ رُّ مُ كَابِ ر ًا ِمنْ شَ ارِ عٍ عَ ارٍ الشفَاهْ، ل مُ ق ٍَل ُتن َِاغيهَا ّ ب َ ي َْجثُ و عَ لَى َقدَمِ الزَّ مَ انْ وجعُ ِظلَّهُ … لَمَّ ا ُبكَاءُ ا ْل َقل ِْب يُ ِ ***
ت َْسرِ قُ ِمنْ َثنَايَا الْعُ مْ رِ أقْ مَ ار ًا
َاك ا ْلكَالمُ الي َ َلكَمْ يُ َعرْبِ دُ فِ ي خَ َ
َاب ْف ِس ْرد ٍ َتهَاوَتْ خَ ل َ
وَأظَ افِ رُ ا ْل َعتَمَ ِات
َونَامَ ْت فِ ي ا ْل َعرَاءْ .
الظمْ آنَ ، َش ل َْحمَ َك َّ َت ْنه ُ
ال مُ بَاالَةٍ ت َْسبِ ي النُّ ُجو َم بِ َ
ون ِمنْ وَهَ ِج الْعُ يُ ِ
السمَ اءْ . ُت َلوِّن بِ الأْ سَ ى و َْج َه َّ َتنْأى الْغُ يُ ومُ بِ دَمْ ِعهَا َات عَ نْ رَعْ شَ ةِ ال ُْخ ُطو ِ لَمَّ ا اشتهاء ال ّلي ِْل
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
اب حَ وْلَ ِظالَلِ َك الأْ وْهَ امُ ، يَا َليْلُ كَمْ َتنْسَ ُ
يَا أيُّ هَا ال َّليْلُ الْمُ جَ لَّى بِ ال ِّندَاءِ ،
اب؟ إلَى ُسعَارٍ فِ ي الرُّ َض ْ َاك هَ َّال حَ مَ لْتَ َصد َ عَ نْ َص ْحوِ ال َّنهَارْ، ف ََّجرْتَ َبيْنَ أن َِام ِل الأْ وْهَ امِ
يُ ْسرِ جُ خَ ْيلَهُ …
ُؤاك، أحالَم ًا تُسَ ِامرُ هَ ا ر ْ ْ ***
َان ِشبْرٌ مَ ا عَ ا َد فِ ي الْوِ ْجد ِ
اك يَا َليْلُ كَمْ ت َْشقَى ُخطَ َ
اك، ت َْستَكِ ينُ لَهُ ُخطَ ْ
َاب، وص فِ ي يَمِّ ال ِْغي ْ تَغُ ُ
ون مَ دً ى مَ ا عَ ا َد فِ ي مَ ْنفَى الْعُ يُ ِ
االشتِ هَاءِ مَ و ُْشومَ ةً بِ ْ
َاك، َترَى فِ يهِ مُ ن ْ
تَزُ فّ هَا رِ يحُ اللَّظَ ى
يك ا ْل َهال َْك، كُ لُّ الأْ مَ اكِ ِن َت ْرت َِدي فِ َ
َاب السر ْ ن َْح َو َّ
االشتِ هَاءِ حَ تَّ ى رَمَ ادُ ْ
فِ ي َصدْ رِ َك ا ْلعَارِ ي
َذرَتْ أكُ ُّف االغتراب غُ بَا َرهُ،
الْمُ غ ََّطى باِ ل ِْجرَاح ِ يُ زَمْ ِجرُ ا ْل ُب ْركَانُ فِ ي َصمْ ٍت َونَا ُر الْخَ و ِْف تُذْ كِ يهَا ال ِّريَاحْ . ***
الظال َِل ُحطَ امُ هُ ، سَ هْ و ًا َتوَارَى فِ ي ِّ سَ هْ و ًا َبنَى الْجَ دْ ُب ا ْلبَلِ يغُ ِخيَامَ هُ ، َاش ِقينَ زِ مَ امُ هُ / سَ هْ و ًا َتهَاوَى ِمنْ سَ مَ اءِ ا ْلع ِ دُ خَ انُهُ ..
* شاعرة من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (73 )2016
دمشق ρρهيفاء عبدالرحمن اجلبري*
وم � � ِّن� ��ي زَهْ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رةٌ سَ � َق ��طَ � ْ�ت ِم� �ن ��هُ دِ مَ � � ْ�ش � � ٌ�ق ِ �س ب � �ع � � َد دِ مَ � �ـ � �ـ � �ـ� � ْ�ش� � ٍ�ق م � ��ا ُأ َق� � � ��دِّ مُ � � � ��هُ ف � �ل � �ي � َ �ام � َت��ةً �اش �ق �ـ��ةً ف ��ي ال � َّن �ه ��رِ ص� ِ أص� � َب � ْ�ح � ُ�ت ع� ِ ْ �ص ��مْ � ُ�ت م ��ن َب � � � � َردَى ال ي � ْن �ت �ـ � َه��ي َف��مُ �ـ��هُ وال � ّ ي � ��ا قُ � � � ْب� � � َل � ��ةً ُض� � � ِّي� � � َق � � ْ�ت ع� �ن� �ه ��ا شَ � ��وارِ عُ � � �ه � ��ا ال� � � َّن� � �ه � ��رُ دُ ون � � � � � � ِ�ك واألزه� � � � � � � ��ا ُر َت� ��عْ � � ِ�ص� ��مُ � ��هُ ح � � ِّل� ��ي ب� � ��هِ ك �ي �ف �م��ا ش� � � ��ا َء ال� � �ه � ��وى ف��هُ �ن��ا ك� � � ��انَ ال� � �ه � ��وى مَ � ��لِ � ��كً � ��ا وال � � �م� � ��اءُ يُ � �ل � ِ�ه ��مُ ��هُ وك � � � ��ان ي � � ْ�ج � ��ري ب� � ��أمْ � � ��رٍ ل � �ل � �ه ��وى جَ � ��سَ � ��دٌ ل� � ��وال ال � ��تَّ � ��شَ � ��وُّ قُ ل� � ��مْ َي � � ْل � ��حَ � ��قْ ب � ��ه دَمُ � � ��هُ ي��ا كُ � ْ�س ��و َة ال �ع �ي� ِ�ن ه��ل ج� � ��دَّ د ِْت دم� � َع � ِ�ك أَ ْم �اض ال � ��دم� � � َع أق � � �دَمُ � � ��هُ ! �اك م� �م ��ا أف� � � � َ َك� � �ف � � ِ ال� �ش ��وقُ ط ��ائِ � ُ�ف ه� ��ذا ال � ّن �ه��ر ف��ا ْل � َت� ِ�م �س��ي دمْ ��عً ��ا ج ��دي ��دً ا أال يُ � ْ�ش �ج �ي� ِ�ك مَ ��قْ � �دَمُ ��هُ ! م � � ْي � �س� ��ونُ م � � ��رَّ زم� � � � ��انٌ وال � �م � �ن� ��ى شَ � ��جَ � � ٌ�ن �وس ��مُ ��هُ �وت اآلنَ م � ِ �س ي � �ف� � ُ وال� � � ُ�ح� � � ُّ�ب ل � �ي� � َ ه � ��ا ن � �ح� ��نُ غَ � � � ��ادَرن� � � ��ا ِع� � � ْ�ش� � � ٌ�ق وجَ � � � ��ا َو َرن� � � ��ا �أي م ��ن ال � ِ�ع� �ش� � َق� �ي � ِ�ن ن� �ك ��تُ ��مُ ��هُ ! ِع� � ْ�ش� � ٌ�ق ف� � � ٌّ �اه � ��دً ا َب� � � � َردَى م� ��ا ان � � َف� � َّ�ك ح �ت ��ى أت� ��ان� ��ا ش � � ِ ِع � � ْ�ش � ��قً � ��ا رآ ُه وع� � �ي � ��نُ ال � � � � � ��وردِ ت� �ن � ِ�ظ ��مُ ��هُ دِ مَ � � ْ�ش � ��قُ أُهْ � � ِ�دي � � ُ�ت ُح � � ًّب� ��ا م� �ن � ِ�ك مُ ��مْ � َت��لِ � ًئ��ا �وب مُ ��عْ ��ظَ ��مُ ��هُ �س ي��كْ �ف��ي م ��ن ال �م� ْ�ح �ب� ِ ول� �ي � َ إ ّن � � � ��ي ه � �ن� ��ا ف � ��أتِ � ��مِّ � ��ي ال� � � ُ�ح� � � َّ�ب ..آ َي � ��تُ � ��هُ م� �ن � ِ�ك ال� ��تَّ � �م� ��امُ ور َُّب ال� � ُ�ح� � ِّ�ب َي �خ �ت ��مُ ��هُ ! * شاعرة من السعودية.
74
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρρإبراهيم زولي*
أريد أن أسترد ِّك.. ال أس �ع��ى إل ��ى ت�ق��دي��م ط�ق��س ش �ع��ري ،ال يمتلك الكثير من الصبر، طقس ينوي الحضور نيابة عنك. ليس باستطاعتي ارتجال كلمات تتخذ شكل حمائم بالستيكية يمكن التفاوض على سعرها. ببساطة ،ألن�ن��ي ال أرت�ج��ف م��ن مداهمة مالمح تشبهني ،وأنا أوقد بخور المودّة. سأنتظرك بمفردي قبالة الشارع الذي ترفّ ق بك في الشتاء، الشارع الذي تعاطف المتقطع. ّ بشكل شخصي ،مع شهيقك لم أزل واقفا جسد واحد ورماد كثير أنا المصاب بداء الخيبة المتهالك في فيالق الصبابة واالنكسار، أل� �ه ��جُ ب��اس �م��ك آن � ��اء ال � �ش� ��وق ،وأط � ��راف الحنين مُ ��دان بالتصالح م��ع ال�ه��زائ��م العظمى، ه��زائ��م أق ��رأ عليها م��ا ت�ي� ّ�س��ر م��ن معجم الحريق ،أعزف لها نشيد النسيان بثياب السهرة ق��اي�ض�ت�ه��ا ب�س�ع��ر زه �ي ��د ،ب �م��ا ت �ب��قّ ��ى من * شاعر من السعودية.
ال �س �ن��وات ال�ك�س�ي�ح��ة ف��ي ع �م��ري ،ب�غ��اي��ة تكتب نهايتها بمداد فاسق.
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
جسد واحد ورماد كثير
باختصار؛ هذا أنا، أق ��اص� �ي ��ك ال �ن��ائ �ي��ة وه � ��ي ت �ت �س � ّت��ر ع�ل��ى الخيانات، َس ظاللك التي ال تعبرها القيلولة ،أقد ُ م��ا فيك م��ن م�ح� ّرم��ات ،سحاباتك التي تمتص اللوعة من دمي، س �ح��اب��ات ت �م �ط��ر ب �ع��ض ال� � ��رذاذ األل �ي��م، تمطر إجالال للقسوة ،للهفة منسيّة في قاع الروح. كل يوم، أرفو نواياي الممزّقة بسببك، وأع �ي��د ت�ع�ل�ي�ق�ه��ا ع �ل��ى م�ش�ج��ب ال �ل��وع��ة. سأتقدّ م خطوة لألمام، وأطلق الرصاص على االنتظار الذي كان يحول بيني وبينك، االن �ت �ظ��ار ال�م�ه� ّي��أ غ��ال�ب� ًا أن ي��ذب�ح��ه أم��ل شارد. اجلوبة -ربيع 1437هـ (75 )2016
نبع الجوف ُ
(على أرض الجوف بدأ مشواري ..وعلى أرضه ينتهي المشوار) ρρمحمود الرمحي*
األرض أرض� � � � � � � � � ��ي وال� � � � � � � � ��دي� � � � � � � � ��ا ُر دي� � � � � � � ��اري ُ �وف ن � � � � �ب� � � � ��عٌ ب � � ��ال� � � �م� � � �ح � � � �ب � � ��ةِ ج� � � ��ار ف � � � � ��ال� � � � � �ج � � � � � ُ ي � � � ��ا س � � ��اك� � � �ن� � � � ًا ف � � � ��ي ال� � � � �ج � � � ��وف أل� � � � � ��ف ت � �ح � �ي� ��ةٍ م � � � �ن� � � ��ي إل � � � � � � �ي� � � � � � ��ك ..ل � � �ص � � �ح � � �ب� � ��ة األخ � � � � � �ي� � � � � ��ارِ خ� � �م� � �س � ��ون ع� � ��ام� � ��ا ف � � ��ي رب � � ��وع � � ��ك ق � � ��د م �ض��ت وع� � � � � �ل � � � � ��ى ث� � � � � � � � � � ��راك ت� � � � ��دفّ � � � � �ق� � � � ��ت أش� � � � � �ع � � � � ��اري ي � � ��ا ل� � �ي � ��ت ش � � � �ع � � � ��ري ..ق � � ��د م � � ��زج � � � ُ�ت ع� � �ب� � �ي� � � َر ُه ب � � �ع � � �ب � � �ي � ��رِ س� � � � � �ح � � � � ��رِ َك ف� � ��ان � � �ح � � �ن� � � ْ�ت أوت� � � � � � � ��اري �دأت ق� � �ص � ��ائ � ��دي ف� � �ع� � �ل � ��ى رب � � � ��وع � � � ��ك ق � � � ��د ب� � � � � � � � � ُ �ك ي � � �ن � � �ت � � �ه� � ��ي م � � � � �ش� � � � ��واري وع � � � � �ل� � � � ��ى رب � � � � � ��وع � � � � � � َ م� � � � � � �ش � � � � � ��وا ُر ح � � �ـ � � �ـ� � ��ب ٍّ ف � � � � ��ي ع� � � � � �ط � � � � ��اءٍ دائ� � � � � � � ِ�م ش � � � � �م� � � � ��عٌ ي � � � � � �ض� � � � � ��يءُ ول � � � � � � �ل� � � � � � ��ورى أخ � � � � �ب� � � � ��اري ف � � ��ي ال� � � �ج � � ��وف ج � � �ي � ��لٌ م � � ��ن ع� � �ط � ��ائ � ��يَ ش� ��اه� ��دٌ ب � � ��ال� � � �ع� � � �ل � � ��م وال� � � �ت� � � �ع� � � �ل� � � �ي � � ��م ذاك م � � � �س� � � ��اري ع � � � َّل� � ��مْ � � ��تُ � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��هُ وب� � �ن� � �ي� � �ت� � �ـ�ُ � �ـ� � �ـ � ��هُ ح � � �ت� � ��ى غ � �ـ � �ـ � �ـ� ��دا �وف م� � � �ش� � � �ع � � ��لَ ع � � � � � � � ��زةٍ وف � � � �خ� � � ��ارِ ف� � � � ��ي ال � � � � � �ج� � � � � � ِ ي � � � ��ا ج � � � � ��وف ت� � �ب� � �ق � ��ى ف � � � ��ي ال � � � � �ف� � � � ��ؤاد ودائ� � � �م � � ��ا م � � � � ��ا دام ن � � � �ب � � ��ض ف � � � � ��ي ف� � � � � � � � � � � � ��ؤاديَ س � � � � ��اري * شاعر أردني مقيم في الجوف.
76
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
أنوار مكّ ة ُ ρρنزار اخلطيب*
أقمت ليلةً في أح��د الفنادق المطلة على الحرم المكي الشريف من ُ أجل أداء مناسك العمرة فهابني المنظر الرائع للكعبة المشرفة ،فكتبت هذه األبيات.
�اح أن� � ��وار م �ك��ة ق ��د ب� ��دت ي ��ا ص � ِ
�راح ه �ي��ا ف �ت �ل��ك م� ��واس� ��مُ األف � � � ِ
النفس ثوبَ همومها ُ لتلق هيا ِ
ف� �ت� �ع ��ود م� �ث ��ل ب� ��راع� ��م ال �ت �ف��اح
لطالب ٍ طوف ُ هيا لقد َدن َِت القُ
ع �ف��و اإلل � � ��هِ ون �ع �م��ة اإلص �ل��اح
***
�آذن ي �ع �ل��و ن � ��داء ال �ح��ق ف� ��وق م� � ٍ
و ب�ك�ع�ب��ةٍ ع�ط��ر ال �ن��دى ال �ف��وَّ اح
ِّف بها في ظلِّ عرش مليكها طو ْ
واغ �س��ل ق �ت��ا َر ال�ن�ف��س واألت ��راح
م ��ن م� ��اء زم � ��زم رش� �ف ��ةٌ َن� � َب ��وِ َّي ��ةٌ
تشفي س�ق��ام الجسم واألرواح
أت��رِ عْ و َروّي نخب ذ َّي��اك الحمى
�ال ب� ��ه وص� �ب ��اح ي� ��ا ِط � �ي� ��بَ آص� � � � ٍ
وارفع يد الولهان في وِ رْدِ الصفا
وب � � �م� � ��روةٍ أك � �ث� ��ر م� ��ن اإلل � �ح� ��اح
هذي بحور العفو يمِّ مْ شطرها
من فضلها في كل ذن��ب ماحي
رح� �م ��اك ي ��ا رب � ��اه ه� ��ذا ج�ه��دن��ا
ج ��د ي ��ا ع �ظ �ي��م ب ��واف ��ر األرب � ��اح
* شاعر سوري مقيم في سكاكا.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (77 )2016
أنا هنا.. ρρمها سعود*
تضجُ بداخلي حكايةُ العابرين، وشوق الغائبين.. ونبرةٌ سكنت بين أضلعي حيث ال أحد أنا ُ لم أكن فتا َة الحقول وال زهر َة الليمون بجوار نافذتك، لرسائلك الفارغة َ أنا هُ نا ال أقبع وال صوت جارتي العجو ُز عني.. ال ترهق نفسك بالبحث ِ حتما ستجهلُ أين أكون!! 2
كانت هُ نا، ترقص على أوجاعُ ها ُ وما زالت جسد مثقلٌ ٍ تخط بـأحزانُها على ُ كترث بالتناهيد. ُ بالخطايا مُ بقيتَ لبرهة، ليتك ِ َ ويا وحز َن قلبها أوجاعها ُ ِ لـترى هزيم َة
78
* السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
الصغير معصوبة ..العيّنين أشواقي ُ ِ فهناك مكسوةٌ بغيابِ ك المُ ر عنها غيابُك لم يكنّ خيراً، بل ألمٌ أعتصرُ صوتَها وأختطف من عينّيها لون الحياة ُ 3
الحب :أوه ،كثير.. ُ هل كتبت عن الحرف دائما عنه ،فـلم أجدُ ُ ني ويشغفُ ِ كاتبا إال وقد تغنّى به وحلقَ عالي ًا مع أغنيتهِ المعزوفة بحنين.. وتخطى َّ الحب تجسد في روح، ُ بل إن بعنفوانيتهِ كل أنواع الشر ،كم كسر من حاجز ،وأنبت زهر ًا ندي ًا يعمُ بعطرهِ بحقد وجفـاء؟ ٍ أرجاء هذا العالمُ المليء فقاوِ ْم ! ال تسمح لألشياء بأن تسحقك أو تُطفئ نجمةً أودعها اهلل في عينيّ ..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
داعجة العينين ρρخالد الشيخ*
داع� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ة ال� � � � � �ع� � � � � �ي� � � � � �ن� � � � � �ي � � � � ��ن أج � � � �ب � � � �ي � � � �ن � � � �ن� � � ��ي ي � � � � � � ��رض� � � � � � � �ي� � � � � � � �ن � � � � � � ��ي ب � � � � � � � � � � � � � � �ك� � � � � � � �ل� � � � � � ��ام ردي ف� � � � � � ��ال � � � � � � �ص � � � � � � �م� � � � � � ��ت ي � � � � � � � � � �ك � � � � � � � � � ��اد ي � � � � �م� � � � ��زق � � � � �ن� � � � ��ي ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ارا وج � � � � � � � �ح � � � � � � � �ي � � � � � � � �م� � � � � � � ��ا ي� � � � �ص� � � � �ل� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي اس � � � � � � � �ت � � � � � � � �ن � � � � � � � �ط� � � � � � � ��ق م � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��ك م� � � � � � � �ش � � � � � � ��اع � � � � � � ��رك ف� � � � � � � �ع� � � � � � � �س � � � � � � ��اه � � � � � � ��ا ت� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ود وت � � � � � � � ��أوي� � � � � � � � �ن � � � � � � � ��ي وت � � � � � � � � � � � � �ك � � � � � � � � � � � ��ون ب � � � � � � �ن � � � � � � �ف� � � � � � ��س أح � � � � � ��اس� � � � � � �ي� � � � � � �س � � � � � ��ي أي أن� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ك أن� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ت ت � � � � �ح � � � � �ب � � � � �ي � � � � �ن� � � � ��ي ون � � � � � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � � � � � ��وب رح� � � � � � � � � � � � � � ��اب� � � � � � � � � � � � � � ��ا واس � � � � � � � � � �ع� � � � � � � � � ��ة ب� � � � � � �ح� � � � � � �ن� � � � � � �ي � � � � � ��ن ف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ؤادك وح� � � � � �ن� � � � � �ي� � � � � �ن � � � � ��ي أح � � � � � � � �ل� � � � � � � ��ام � � � � � � � � � � � � � � � ��ي ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذى ت� � � � � �ت� � � � � �ح� � � � � �ق � � � � ��ق ل � � � � � � � � � � � � ��و ش � � � � � � � � � � ��اب � � � � � � � � � � ��ه ردك ت� � � � �خ� � � � �م� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي ف � � � � � � � � � � � � � �ل � � � � � � � � � � � � ��ذاك أق� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ول وب� � � � � � � � ��رج� � � � � � � � ��ائ� � � � � � � � ��ي داع� � � � � � � � � � �ج � � � � � � � � � ��ة ال� � � � � �ع� � � � � �ي� � � � � �ن� � � � � �ي � � � � ��ن أج � � � �ي � � � �ب � � � �ي � � � �ن� � � ��ي ف � � � � � � ��ال � � � � � � � �ص � � � � � � � �م � � � � � � ��ت ي � � � � � � � � � � �ك� � � � � � � � � � ��اد ي� � � � � �م � � � � ��زق� � � � � �ن � � � � ��ي ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ارا وج � � � � � � � �ح � � � � � � � �ي � � � � � � � �م� � � � � � � ��ا ي� � � � �ص� � � � �ل� � � � �ي� � � � �ن � � � ��ي * سوداني مقيم في سكاكا الجوف.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (79 )2016
محمد بن عبدالرزاق القشعمي الطفل الذي نشأ مقموع ًا ال صوت وال رأي، ُ وصدفة حملته لكتابة أكثر من ثالثين كتاب ًا
قامة أدبية سعودية معروفة ومألوفة ومتنقلة ،أشبه بالسندباد ال ��ذي ط��ال�م��ا ق��رأن��ا وس�م�ع�ن��ا ع�ن��ه وع��ن رح�ل�ات��ه ،ع��ان��ى ك�ث�ي��را في طفولته ،ولربما كانت تلك المعاناة سبب ًا في تحمّ ل مسئولياته ووصوله. جاب المملكة شماال وجنوبا ،شرقا وغربا ،وبسط جناحيه فطار إل��ى أكثر من بلد في ال�خ��ارج .راف��ق وزام��ن ع��ددا من الشخصيات األدبية المرموقة التي كان لها باع وذراع في الثقافة واألدب ،فكتب عنهم ووفاهم حق صحبتهم .له من المؤلفات ما يقرب من ثالثين مؤلفا.. م��ع رج��ل أش�ب��ه ب��األس�ط��ورة ،م��ع ال�ت��اري��خ والسير الثقافية ،مع محمد القشعمي ..مع أبي يعرب الذي فتح قلبه للجوبة فأخرجت ما كان مخب ًأ فيه.. ρρحاوره محمود عبداهلل الرمحي
80
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρ ρل��م أع���رف ال��ط��ف��ول��ة ..ول���م أذق شيئاً مما عاشه غيري من التمتع بمباهجها وألعابها وأحالمها!! ولدت نهاية الحرب العالمية الثانية ،في قرية صغيرة (معقرة) بالزلفي ،يمتهن كل أف��راد األس��رة الفالحة ،بل يُعتمد على المرأة في كل شيء من صالة الفجر حتى صالة العشاء ،فهي التي تعتني بالماشية، وب��ال��زرع ،وبالبيت ومتطلباته ،وبالغذاء لكل أف��راد األس��رة صغيراً وكبيراً ،هي التي تذهب من الصباح إل��ى الصحراء المحيطة بالقرية ،لتجمع العشب كغذاء للماشية ،أو تحتطب للتدفئة والطبخ. وإذا عادت وقت الظهر ترضع أطفالها، وتبدأ في حصد الزرع ،وتروِّس الماء في أشرابه أو أحواض النخل ،وتعلف الماشية وتحلبها ،وتعود إلكمال طبخ العشاء. أم���ا األط���ف���ال ف��ق��د ي��س��اع��دون��ه��ا بما يستطيعون – مع السرح بالبهم (صغار الغنم) خارج سور المزرعة .وقد يتلهون باللعب ،فتغافلهم لتعود متسللة للمزرعة. والطفل الذي يشعر باليتم يراقبهم من بعيد ،وهم ال يشركونه باللعب لصغره، ولعدم وجود مَن يحميه أو يدافع عنه لو تعرض العتداء أحدهم ،فأمه ال صوت لها ..بل هي كطير مكسور الجناح ،ووالده مسافر لطلب العلم أو العمل في الرياض. ال يعود إ ّال أليام محدودة ومعدودة ،بين قريتهم حيث والدته ،أو بين ضرتها في المدينة (الزلفي).
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
¦ ¦للطفولة أثرُ ها اإليجابيّ أو السلبيّ في حياة اإلنسان بمختلف ألوانها ،ما أثرُ ها في حياة القشعمي؟
إذا رأى عمه البهم في الزرع ،يأتي مسرعاً ليعاقب مَن تركها ..وال يجد سوى الطفل المنزوي عن أقرانه – أبناء عمه – الذين في منأى من العقوبة؛ لخوفه من أمهم. أما الطفل فهو الضحية دائماً ..هو ال ينسى العسيب الطويل ال��ذي يجلده به عمه ،وهو يصرخ باآلخرين ليهشوا على البهم لتخرج ،قبيل أن تهضل أمهاتها من المرعى مع الراعي المخصص لها. الطفل رغم تجاوزه السبعين من عمره ال ينسى ذات يوم وهو في الثالثة من عمره، عندما فتحت أم��ه صندوقها الخشبي وأخرجت منه ثوباً جديداً ،لتقيسه عليه حتى يلبسه ويستقبل به والده عند إحدى زياراته لهم من الرياض .وما كاد يخطو خارج (الصفة) غرفة والدته ،حتى أخذه اب���ن ع��م��ه ال���ذي ي��ك��ب��ره ،ل��ي��رب��ط رقبته برقبة جحش صغير ك��ان يقف بجوار أمه .فلكزها لتقفز هاربة ويلحقها ابنها المعلقة رق��ب��ة الطفل برقبته ،ليجري الطفل إل��ى ج��واره��ا بضع خ��ط��وات ثم يسقط لتطأه بحوافرها ،وت��م��زق ثوبه ال��ج��دي��د ،ب��ل وت��ت��رك أث��ره��ا ف��ي جسمه لتسيل منه الدماء ،فتذهل والدته وهي ق��ادم��ة م��ن (ال��ل��زاء) تحمل ف��وق راسها قدراً مليئاً بالماء ،لتطبخ العشاء ،فتصرخ ويسقط القدر من على رأسها ،فتتنبه والدة الفتى لتطلب منه إيقاف الجحش وف��ك رقبة الطفل منه .فتضع والدته بعض الرماد على جروحه لتوقف نزيف الدم. وفي الليل عندما حضر والده لم يستطع م�لاق��ات��ه وال ال��س�لام عليه ،وف��ي الغد
اجلوبة -ربيع 1437هـ (81 )2016
مع سكرتير التحرير في مكتب الجوبة
أخذته أمه ليسلم على وال��ده الذي قال ل��ه :أم��س رب��ط��وك م��ع الجحش وغ��داً يربطونك بأمه!.. رغم أن وال��ده ال يبقى سوى أي��ام قليلة في القرية ،ولكنه كان شديد القسوة تجاه الطفل ،مع أنه يحتاجه ليدله إلى مكان مناسب خ��ارج المزرعة لقضاء حاجته لكونه كفيف البصر ..فكان ك��أي طفل عندما يحتاج شيئاً من أمه ،أو يرى غيره يتمتع به ،يبكي ليستدر عطف والدته.. فتبحث له عما يرضيه .فيسمع وال��ده بكاءه فيتوقع مكانه ليضربه بقوة حتى يسكت ..ولهذا دائماً يذكره خاله بكلمة يقال إن الطفل يقولها لهم« :هل أبوي به أو مسافر؟ فيردون عليه لماذا؟ فيقول حتى أصيح شوي»!!
82
في السادسة من عمره سافر مع والدته إلى الرياض ليلتحق بوالده وأخوته الصغار ووالدتهم ،فكان يأخذ يد والده ليدله إلى باب المسجد ،ويعود إلى منزلهم الذي ال يبعد سوى ( )200متر ،فيقف والده اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
بباب المسجد منتظراً أن يسمع تصفيق والدته .وهذا يعني أن الطفل عاد للمنزل دون أن يضيع .ومع ذلك كثيراً ما يرى األطفال يلعبون في طريقه ،وال يستطيع مشاركتهم ألن��ه ممسكاً ي��د وال���ده .أو يخاف منهم ألنهم يكبرونه ..ولكنه في البيت يالحق والدته ليطلب منها شيئاً قد ال يتوفر لديها ..ويسمع والده بكاءه فيمسك به ليرفعه ف��وق رأس��ه ويرميه في األرض – وصادف أن وقع على وعاء ليرتفع الوعاء ويضرب بالسقف ويعود لألرض – ومع ذلك ال يستطيع الطفل أن يبكي خوفاً من المزيد! ب��ع��د أن ب��ل��غ ال��س��اب��ع��ة م��ن ع��م��ره ب��دأ يذهب مع وال��ده إل��ى المسجد ليصلي ب���ج���واره ،ف��ي��دخ��ل ال � ُك � ّت��اب وب��ع��د سنة يدخل المدرسة ..فيحكي لوالدته أنهم في طابور الصباح يلعبون ،فيختار أحد األطفال ليمثل دور القط وآخر ليمثل دور الفأر ،فالفأر يجري والقط خلفه ليمسك ب��ه وتنتهي اللعبة قبل دخ���ول الطالب
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
ال��ف��ص��ول ،وه��و يحكي القصة لوالدته فرحاً ليسمع بذلك والده فيضربه بقوة، بدعوى أنه أرسله للتعلّم وليس للعب! فالطفل نشأ مقموعاً ال صوت وال رأي له ..وهذا هو األسلوب األمثل في نظر آب��ائ��ن��ا ف��ي ال��ت��رب��ي��ة – رح��م��ه��م اهلل .- وبالتالي فلم أتمتع بما تمتع به غيري في الطفولة. ¦ ¦محمد ال�ق�ش�ع�م��ي ..م��رج��ع ث�ق��اف��ي بكل معنى الثقافة ..هل لنا أن نتعرف على بداية مشواره؟ ρ ρب��داي��ة ال��م��ش��وار .أو على األص���ح متى عرفت الكِ تاب ..ذهبت مع الوالد لمكة في شهر رمضان عام 1374ه��ـ وعمري عشر سنوات ،ليصوم بالحرم ،وليصلي التراويح بالعمه حصة األحمد السديري – وال���دة الملك فهد وأش��ق��ائ��ه – فكنت صغير السن ،وال تتحجب عني النساء، فكان والدي يطلب مني بعد انتهاء صالة التراويح في القصر ،أن أقرأ عليهم من كتاب فضائل رمضان ،رغم أنني أدرس ُحسن القراءة، في الثالثة االبتدائية وال أ ِ ولكنه كان يصحح لي بعض العبارات.. وكان بعد صالة الظهر يعطيني ربع ريال ألش��ت��ري بقرشين خبزة وك��أس ش��راب (ت����وت) ب��ث�لاث��ة ق���روش ي��وم��ي �اً ..وعند م��روري بباب السالم ،أرى الكتب على الرصيف في مداخل المكتبات ،ومنها كتاب صغير مرسوم على غالفه صورة رجل محرم واسمه الدين والحج ،ومؤلفه طبيب أسنان مصري اسمه عباس كرارة، فأعجبت بالرسم ،فجمعت عدة قروش م��ن م��ص��روف��ي واش��ت��ري��ت��ه ب��رب��ع ري���ال.
وكنت قبل ذلك بدل التوت أشرب الماء، فأستأجر دراج���ة بثالث عجالت لربع ساعه بثالثة القروش. بعد ال��ع��ودة إل��ى ال��ري��اض ،وف��ي السنة الرابعة االبتدائية ،ب��دأت أق��رأ الكتب
اجلوبة -ربيع 1437هـ (83 )2016
حفظ سورة من القرآن ،وإذا جاء موعد التسميع ال أستطيع فيعاقبني ،فاضطررت إلى نزع السورة من المصحف وإخفائها في جيبي ،وعندما يطلب مني قراءتها أخ��رج الورقة خفية وأق��رأ منها ..ولكن ه��ذه الحيلة لم تستمر ،إذ سمع صوت الورقة في يدي ،فأراد خطفها ،فتركتها تطير في الهواء ..وعاود طلب تسميعه ما حفظت أو ما كان يعتقد ،فأتلكأ ،فيبدأ بضربي بالشارع ،فيتدخل المارّة بطلب السماح لي هذه المرة .ولكن المشكلة أن منزلنا يقع في نهاية سوق ال ينفذ ،ولهذا ال يمشي معه إال من يسكن بجوارنا.. وه��ذا من ال��ن��ادر .فيبدأ بمعاقبتي في نهاية السوق ،وقبيل دخولنا المنزل ،حتى ال يفزع إخوتي الصغار ووالدتهم للتوسط بالمسامحة ،إذ أن وال��دت��ي بقيت في القرية بحجة االهتمام بوالدتها..
والسير الشعبية ب���دءاً ب��ـ كليلة ودمنة، وت���ودد ال��ج��اري��ة ،وس��ي��ف اب��ن ذي ي��زن،
84
بعد سنتين دخلت المعهد العلمي ،وبدأت أقرأ الروايات وكتب الرافعي والمنفلوطي وغيرهما ..لم استمر بالدراسة بالمعهد.. ف��ق��د ت��وظ��ف��ت ب����وزارة ال��ع��م��ل وال��ش��ئ��ون االج��ت��م��اع��ي��ة ب��ال��ش��ه��ادة االب��ت��دائ��ي��ة مع استمراري بالقراءة ،وبالذات كتب سالمة م��وس��ى ،وس��اط��ع ال��ح��ص��ري وغيرهما، وبالذات الكتب القومية وأنا أحلم – ومن حق كل شخص أن يحلم – أحلم بعودة فلسطين ،بل أكثر من ذلك أحلم بالوحدة العربية ،وسأظل أحمل هذا الحلم حتى الموت.
وعنترة ،وأل��ف ليلة وليلة ،وتغريبة بني ¦ ¦كانت لك عالقات مميزة ببعض الكتاب هالل وغيرها .وكان والدي يعتقد أنني من أمثال الجهيمان وخزندار وغيرهما، كيف ت�ط��ورت ه��ذه العالقة إل��ى مؤلفات أقرأ القرآن أو أحد الدروس ،فيحدد لي اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρ ρبعد سنوات من عملي برعاية الشباب التي انفصلت عن وزارة العمل والشؤون االجتماعية لتصبح رئ��اس��ة مستقلة. توليت قبل أربعين عاماً إدارة مكتب رعاية
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
عنهم؟
الشباب في األحساء ،وكان األمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب يشجع األندية الرياضية على االهتمام ب��ال��ن��ش��اط��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة واالج��ت��م��اع��ي��ة، فكانت فرصة لي أن أدعو بعض األدباء ورج����ال ال��دي��ن إلل��ق��اء م��ح��اض��رات أو أمسيات شعرية أو ن��دوات في األندية، وكنت أدعو بعض الوجوه المشهورة من خ��ارج المنطقة ،وك��ان يحضرها ع��د ٌد من المهتمين؛ ما شجعني على المزيد منها ،وبخاصة تشجيع األمير وشكره. وبعد أربع سنوات انتقل عملي إلى مكتب الرئاسة بحائل ،فكررت إقامة مثل هذه النشاطات ،بل وأصبحت الرئاسة تقيم مهرجانات سنوية على مستوى المناطق، ثم تجمع الفائزين لتقيم لهم مهرجانات مركزية بالرياض ،يتسابق فيها مختلف شباب المناطق في مجاالت المسرح، وإلقاء الشعر ،والمحاضرات ،ومعارض الفنون التشكيلية وغيرها .تعرفت على عدد من هؤالء األدب��اء ،وتوثقت العالقة ب��ه��م ،وبخاصة بعد انتقال عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية قبل اثنين وعشرين عاماً ،وكلفت بالقيام بتسجيل التاريخ الشفهي مع الرواد وكبار السن، سواء األدباء أو رجال التعليم وغيرهم.. ممن عاصر توحيد المملكة ،وشارك في بدايات النهضة ،وحركة التنمية الحديثة؛ فبدأت عالقتي بعدد كبير من األدب��اء تتوثق ،وب��دأت التواصل معهم وحضور ملتقياتهم ،س��واء في األندية األدبية أو في المؤتمرات .وكان للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) السنوي دور مهم ،إذ يلتقي به ع��دد كبير من أنحاء
اجلوبة -ربيع 1437هـ (85 )2016
المملكة وخ��ارج��ه��ا .نسيت أن أق��ول إنه بعد عودتي من حائل عام 1401ه��ـ وبعملي بالشؤون الثقافية ،كلفت بالعمل في األسابيع الثقافية التي كانت تقام في بعض الدول العربية .وسكرتارية األمانة العامة لجائزة الدولة التقديرية في األدب 1405-1403هـ ،فعرفت من خاللها عدداً كبيراً من أبرز مثقفي المملكة وخارجها.
86
أما عالقتي بالراحل العظيم عبدالكريم الجهيمان – رحمه اهلل – فقد وجدت فيه مكانة الوالد ،ووجدني كابنه ،فسافرت معه في داخل المملكة وخارجها كثيراً، وأصبحت م��ع بعض األص��دق��اء ن��زوره أسبوعياً مساء كل يوم اثنين .ومنه عرفت األستاذ عابد خزندار عند زيارته للرياض كأحد ضيوف (الجنادرية) سنوياً ،فكان يلتقي بصديقه الجهيمان الذي عرفت فيما بعد أنهم قضوا سنتين في السجن 1965-63م .والجهيمان أحببته لصدقه ووضوحه وبساطته وصراحته فالزمته، وبسببه ب��دأت الكتابة عنه م��ع غيري عام 1419ه��ـ ،عندما فتحت له جريدة الجزيرة ملحقها األدبي ليطالب بتكريمه في المهرجان الثقافي وال��ذي تم عام 1421ه�����ـ ،فجمعت م��ا س��ب��ق أن كتب عنه مع استعراض لمؤلفاته في كتاب صدر بالمناسبة باسم (سادن األساطير واألمثال :عبدالكريم الجهيمان) ،وبعد حفالت التكريم التي أقيمت للجهيمان في عنيزة وشقراء والدمام والقطيف، وتكريمه في اثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة ،طلب األستاذ حمد القاضي أن يصدر عنه كتيباً ضمن المجلة العربية، وصدرت باسم (عبدالكريم الجهيمان.. اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
عطاء ال ينضب) ،وعند بلوغه المائة من عمره ،أص��درتُ عنه كتاب (عبدالكريم ال��ج��ه��ي��م��ان ..رح��ل��ة ال��ع��م��ر وال��ف��ك��ر). والحقيقة أن الجهيمان موسوعة متعدد االه��ت��م��ام��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة ،ول���ه األول��وي��ة ف��ي م��ج��االت ك��ث��ي��رة ل��م تُ��ت��ن��اول بشكل واسع ،فهو المربي والصحفي والرّحالة والشاعر وكاتب األطفال ،ويكفيه فخراً تفرغه -عندما منع من الكتابة في أوائل الثمانينيات الهجرية – أن يجمع حكايات الجدات ويصوغها بأسلوبه في خمسة مجلدات بعنوان (أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية) ،وبعدها يجمع ع��ش��رة آالف م��ث��ل وي��ش��رح��ه��ا ،وت��خ��رج لنا في عشرة مجلدات باسم (األمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية) ،وكان لي أن الححتُ عليه أن يكتب ويصدر مذكراته قبل أن تشيخ الذاكرة ،وصدرت عام 1415ه��ـ باسم (مذكرات وذكريات م���ن ح���ي���ات���ي) ،وك����ذا إص�����دار دي��وان��ه (خفقات قلب) ،وله جوانب كثيرة تستحق أن تبحث ويكتب عنها .وكان من فرحي الشديد حضور مناقشة رسالة ماجستير قبل سنتين لألخت منيرة الحربي ،عن أس��ل��وب الجهيمان ال��ت��رب��وي ،وطبعتها المجلة العربية في العام الماضي .وقد ترجمت مختارات م��ن األساطير للغة الروسية في حياته ،ومثلت بعضها في حلقات تلفزيونية. وما يزال بعض أصدقائه األوفياء يلتقون ف��ي منزله أي��ام األثنين نهاية ك��ل شهر هجري –بدل اللقاء األسبوعي في حياته – وفاءاً واحتراماً لذكراه .رغم مضي أكثر من أربع سنوات على رحيله.
ρ ρبحكم عملي في مكتبة الملك فهد الوطنية، ولوجود كثير من الصحف القديمة ،وهي صحافة األف���راد التي ق��ال عنها عابد خزندار :إنها صحافة الرأي ،أما صحافة المؤسسات الحالية فهي صحافة الخبر. فقد وجدت فيها كنوزاً معرفية لم تخطر على ال��ب��ال ..حبي ألس��ت��اذي الجهيمان جعلني أط��ل��ع ع��ل��ى ص��ح��اف��ة المنطقة الشرقية ل ِ ِّقلِتها ،ولكون الجهيمان هو رائدها ،إذ أصدر عام 1374ه��ـ1954-م أول جريدة أسبوعية تصدر هناك (أخبار الظهران) ،ص��در منها ( )44ع��دداً في ث�لاث س��ن��وات ،إذ كانت نصف شهرية، وطبعت في بدايتها في بيروت ،وكانت قد توقفت بسبب جرأتها ،وأوقفت نهائياً وهي تحتفل بسنتها الثالثة ..بسبب مقال نشرته يطالب بتعليم البنات .أوقفت الجريدة وسجن صاحبها ( )21يوماً ،عاد بعدها ليعمل ب��وزارة المعارف ،ويلتحق بجريدة صديقه حمد الجاسر (اليمامة)، ويكتب بها زاوية بعنوان( :أين الطريق؟) بل ويعيد نشر مقاله الذي بسببه سجن وأوقفت جريدته ،وعنوان المقال (نصفنا اآلخر). بعد ت��ن��اول صحف المنطقة الشرقية – أخ��ب��ار ال��ظ��ه��ران ،وال��ف��ج��ر ال��ج��دي��د، والخليج العربي ،ومجلة اإلشعاع ،ونشر، عام 1422هـ ،وجدت تشجيعاً لالستمرار
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
¦ ¦ال�م�ط�ل��ع ع�ل��ى م��ؤل�ف��ات�ك��م ي�لاح��ظ م��دى اه �ت �م��ام �ك��م ب��رص��دك��م ل �ل �ب��داي��ات وع�ل��ى سبيل المثال رصدكم لحركة الصحافة في مناطق الوسطى والغربية والشرقية. ما سر اهتمامكم بهذا الرصد التاريخي؟
ببقية صحف المناطق – فالوسطى ثم الغربية ،بدأت في كتب أخرى لها عالقة بالصحافة ،كاألسماء المستعارة للكتاب السعوديين ،وبدايات الطباعة والصحافة في المملكة ،وإه��داءات الكتب ،ومعركة الشعر المنثور ،والفكر والرقيب ،وبوادر المجتمع المدني ،والكتاب السعوديين ف��ي م��ج��ل��ة ص���وت ال��ب��ح��ري��ن ،وت��راج��م رؤس��اء تحرير الصحف السعودية -43 1383ه��ـ ،وبداياتهم مع الكتابة ،والمرأة كيف كانت وكيف أصبحت في المملكة، وتتبع زيارة طه حسين للمملكة وغيرها.. ثم اتجهت للرواد الذين لم يسبق الكتابة عنهم :بدءاً بأول نجدي يصدر صحيفة بالعراق سليمان الدخيل ،ال��ذي أصدر جريدة الرياض ببغداد عام 1910م ،ثم عبدالكريم الجهيمان ،وعبدالرحمن منيف ،وعبداهلل الوهيبي ،وعابد خزندار، وحمود البدر ،وأحمد السباعي ،ومحمد صالح نصيف ،وعبداهلل الطريقي .واآلن
اجلوبة -ربيع 1437هـ (87 )2016
محمد القشعمي مع د .زياد السديري (العضو المنتدب) ،األستاذ عقل الضمير (المدير العام) ،في مكتبة دار الجوف للعلوم
على تطوير الموضوع إلى كتاب عنه ،مع إضافة شهادات أصدقائه عند عودته م��ن سفر للعالج ف��ي ألمانيا قبل سبع سنوات .وهو سيرى النور إن شاء اهلل في معرض الكتاب القادم (محمد العجيان.. الصحفي ..اإلنسان) ،إضافة لمحاوالت أخ��رى سترى ال��ن��ور ..ما دام في العمر بقية.
88
أكتب عن بعض الشخصيات التي لم تكتب مذكرات ،أو يكتب عنها ما يكفي تحت عنوان( :أعالم في الظل) ،ينشر بالمجلة الثقافية بجريدة الجزيرة ،وسوف يصدر فيما بعد بكتاب ،إل��ى جانب شخصية زاملتها قبل نحو ستين سنة ،واستمرت صداقتنا بعد ذل��ك ،ولها بصمتها في مجال الصحافة ،إذ رأس تحرير الرياض، واليوم ،واليمامة ،والعصر ،ولكنه أصيب ¦ ¦مشروع التوثيق التربوي ال��ذي تشرفون قبل عشر سنوات بمرض أقعده وافقده ع�ل�ي��ه ب�م�ك�ت�ب��ة ال �م �ل��ك ف �ه��د ال��وط �ن �ي��ة - النطق والنظر وشلل نصفي ،ومع ذلك ولربما كان حرصكم الشديد على مقابلة نزوره مسا ًء كل خميس ،فنجده مستعداً ذوي الخبرة ومتقدمي السن في منطقة لمالقاتنا بفرح ..وقد تزين ولبس أحلى الجوف أثناء زيارتكم لمركز عبدالرحمن مالبس ،وكأنه سيزف إل��ى محبوبته.. السديري الثقافي خدمة لهذا المشروع وجدت له قبل شهرين صورة أهداها لي – ه ��ل ل ��ك أن ت �ح��دث �ن��ا ع ��ن ن� �ش ��أة ه��ذا عندما تعارفنا بالمعهد العلمي بالرياض المشروع وتطوره وأهدافه؟ عام 1379هـ1959 /م .وصورتين في أول سفر لنا للعراق عام 1384ه��ـ1964 /مρ ρ ،م��ش��روع ال��ت��أري��خ ال��ش��ف��وي ب��دأت��ه كما قلت منذ التحاقي بمكتبة الملك فهد فكتبت عن ه��ذه الرحلة وقرأتها عليه الوطنية عام 1415هـ ،بتشجيع من أمينها – فسمعه ال��وح��ي��د ال���ذي يحتفظ ب��ه – ومؤسسها السابق الدكتور يحيى محمود فوجدته يشير بيده مصححاً ومعترضاً على بعض العبارات أو الذكريات ،فعزمت بن جنيد .وقد سجلت مع عدد يصل إلى اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
( )400شخص ،نختار من كبار السن ممن له تجربة وف��ي مناطق مختلفة – وهي ال – ستتاح للباحثين والدارسين مستقب ً وقد وجدتها فرصة عند زي��ارة الجوف ¦ ¦ق��ال��وا :إن أب��ا يعرب ال يعنيه في كتاباته للتسجيل مع بعض األعالم ،وبالمناسبة التحليل والتعليل وإن اهتم بالتدليل.. أشكر مركز األمير عبدالرحمن السديري م��ا رأي ��ك؟ وإذا ك��ان��ت ه��ذه ه��ي الحقيقة الثقافي الذي سهل هذه المهمة ،وأمَّن لي فما الذي حدا بك إلى مثل هذا األسلوب إمكانية التسجيل ،ولعل الفرصة تتاح مرة في الكتابة؟ أخ��رى الستكمال َم��ن لم يتم التسجيل معه ،ولعل المركز يهتم بهذا الجانب؛ ألن ρ ρصحيح أنني ال أحلل وال أعلل ،بل أنقل م��ا أج���ده ل��ل��ق��ارئ ك��م��ا ه���و ،م��ث��ل :ب���وادر كبار السن يختزنون كثيراً من المعلومات المجتمع المدني ،والفكر والرقيب ،والمرأة التي لم تكتب ،فبذهابهم يضيع جزءٌ مه ٌم ف��ي المملكة كيف كانت وكيف أصبحت من تاريخنا. وغيرها ..كل هذا منقول بشكل أو بآخر ¦ ¦ال� �ت� �ق� �ن� �ي ��ة ال � �ح� ��دي � �ث� ��ة س� �ه� �ل ��ت وص� � ��ول م��ن صحافتنا المبكرة صحافة ال���رأي.. المعلومة ..ومحمد القشعمي ال يتعامل فعندما نجد جريدة الندوة أو البالد تعلن معها ،حتى إنه ال يحمل هاتفا نقاالً ،وال عن انتخاب شيخ مقشري األسماك ،وأن عالقة له بالفيسبوك أو التويتر وغيرها البلدية تطلب من أصحاب المهنة الحضور من وسائل االتصال الحديثة ..ومع هذا في الساعة المحددة النتخاب شيخهم، الجفاء ،فهو معروف بشدة تواصله وكثرة من خالل وضع اسمه في الصندوق ،وغير أسفاره ..فكيف له ذلك؟ ولم هذا الجفاء ذل��ك قبل أكثر من ستين سنة ..وعندما مع هذه التقنية؟ نجد معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر ρ ρال��ذي يريدني سيجدني ،وال��ذي أري��ده يكتب في مذكراته (وسم على أديم الزمن)، سأجده .في البداية ،ومع بداية عملي.. ال لجامعة الملك سعود عام عندما كان وكي ً كنت أعتقد ،وهو الصحيح ،أن الهاتف 1383-80ه����ـ ،يقطع مهمته في المنطقة ال��ن��ق��ال سيشغلني ع��ن ع��م��ل��ي ،فقلت الغربية ليعود للجامعة ..لحضور اجتماع أؤجله بعض الوقت ،ولكني عندما أرى رابطة الطلبة ،ويضع برنامج االجتماع، أحدهم يستعمله وهو يقود سيارته في ومنه الطلب م��ن أرام��ك��و إعارتهم مكينة وسط طريق مزدحم ،ويسبب الحوادث، عرض سينمائي ليعرضوا أفالماً سينمائية أكرهه وأك��ره استخدامه ..فإذا ما بُدئ للطلبة بالجامعة ،وغير ذلك مما هو غير بتطبيق عقوبة على من يستعمله خالل متاح اآلن ال رابطة وال سينما ،وعندما يُقْدم قيادته للمركبة ،فأنا على أتم استعداد األمير مساعد بن عبدالرحمن ليصدر كتاباً لحمله ،وإذا بدأتُ بالهاتف النقال بدأت في القاهرة عام 1360ه���ـ1941/م بعنوان معه أجهزة التواصل األخرى .وأال يكون (نصيحة إلخواني في الدين والنسب ..في استعمال هذه األجهزة تعطيل للذاكرة. وال يكون االعتماد على (قوقل) فتشيخ الذاكرة وتفقد وتتعطل مهامها.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (89 )2016
التربية والتعليم) ،يطالب فيه ليس فقط بتعليم ال��م��رأة ،ب��ل يطالب فيه بتعليمها الرياضة ،ووج��ود أماكن تجتمع فيها في األح��ي��اء ،وي��ك��ون بها مكتبة وغيرها مما يفيدها ويبعدها عن الفراغ ال��ذي بسببه تستشري النميمة واإلشاعات وغيرها.
الوطيدة به ،وكان الدكتور محمد الدبيسي بالمدينة متحمساً للموضوع ،فاتصل بي طالباً المشاركة ،فقلت إنني لم يسبق لي أن كتبت ،ولكني مستعد أن أزودك بأسماء مَن يعرفونه وأنا أتابعهم ..فقال في نهاية المكالمة ،ج��رب فقد سافرتَ معه كثيراً وت��ع��رف عنه أكثر م��ن غ��ي��رك ..ففكرت، وكتبت كالماً أعتقد أنه ال يصلح للنشر، ال بأنه أفضل ما كُتب ،وبهذا فاتصل بي قائ ً كانت البداية..
ه��ذا يكفي ..ومثله أن نقول إن المملكة كانت تعرف االنتخابات قبل دخول الملك المؤسس الحجاز عام 1343ه��ـ1924 /م، وبدخوله بدأ في انتخابات المجالس البلدية وغيرها ،ثم بدأت منظمات المجتمع المدني ¦ ¦«عشر س�ن��وات م��ع ال�ق�ل��م» ..ع�ن��وان إلح��دى باالنتخاب ب��دءاً بالمطوفين ،والزمازمة، كتبك .مع أن عالقتك بالكتابة أط��ول من وال��ن��ج��اري��ن ،وال��ص��ن��اع ،وش��ي��وخ المهنة أن ت �ح��دد ب�س�ن��وات م�ع�ي�ن��ة .م��ا س��ر ربطك وغيرهم ،وحتى العمد وشيوخ الحارة كانت لعالقتك بالقلم بعشر سنوات؟! باالنتخاب ،وبعد تأسيس جامعة الملك ال هي رصد لفترة العشر سنوات سعود عام 1377ه����ـ1957/م ،كانت تأخذ ρ ρكانت فع ً ولكن تأخر إص��داره قد يكون هو السبب. باالنتخاب عمداء الكليات ورؤساء األقسام رغ���م أن م��ق��دم ال��ك��ت��اب ال��دك��ت��ور ناصر وغيرهم ،فهل تعود؟! أال تكفي هذه البوادر الحجيالن ق��د نبهني ل��ذل��ك عندما كان أننا كنا أفضل من اآلن في هذا الجانب بالجامعة ،ولكن أعجبني العنوان فأبقيته. بالذات.
90
¦ ¦ب��دأت التأليف م��ؤخ��را ..وم��ع ذل��ك أنجزت ¦ ¦ج � ��اءت م��ؤل �ف��ات��ك ع ��ن خ� ��ازن� ��دار وح �س��ون والجهيمان تمثل س�ي��را ذات�ي��ة ل�ه��م ..فهل خ �ل�ال خ�م�س��ة ع �ش��ر ع��ام��ا م ��ا ي��زي��د على ال �ث�ل�اث �ي��ن م ��ؤل� �ف ��ا ..ه ��ل م ��ن س �ب��ب ل �ه��ذا ننتظر س�ي��رة ذات �ي��ة للقشعمي ن�ف�س��ه ..أم ال �ت��أخ �ي��ر؟ وم ��ا دور ال �ف �ت��رة ال �س��اب �ق��ة في اعتبرت «عشر سنوات مع القلم» سيرة ذاتية ح� �ي ��ات ��ك ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة وع � �ل� ��ى م ��ؤل� �ف ��ات ��ك؟ لك رغم أنها ال تمثل مشوارك كامال..؟ وه��ل ك��ان��ت ف �ت��رة تحضير وت�ج�ه�ي��ز لشيء ρ ρسبق أن كتبت باكورة أعمالي (بدايات) عام مستقبلي في نفس القشعمي؟ 2000م ،وهي فترة الطفولة والتعليم وسوف ρ ρصحيح أنني بدأت الكتابة متأخراً ،ولكن يتبعها ما بعد البدايات ..على نمط ما بعد المثل يقول :أن تصل متأخراً خير من أال األي��ام لطه حسين ،وال��ذي كتبه زوج ابنته ت��أت��ي ..الصدفة ه��ي التي حملتني على الزيات. الكتابة ،واالحتكاك بالكُتاب وال���رواد قد يكون السبب الرئيس ..طُ لب مني الكتابة ¦ ¦هل من جديد ننتظره من أبي يعرب؟ عن الجهيمان عام 1419هـ بحكم عالقتي ρ ρكل يوم هناك جديد. اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
الشاعر هاشم الجحدلي
صوت الشعر انحسر ،والشعراء صمتوا أو هجروا القصيدة
قد تُخدع وتتوّهم أنه يتفق معك وأنه يقف بجوارك ويسير معك بقصيدته ف��ي االت�ج��اه نفسه ،نعم بقصيدته ال�ت��ي تتأصل ب��روح شاعرها وبخصوصية زمنها!!.. الشاعر هاشم الجحدلي إيمانه القوي بقوة الشعر منذ بداياته في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ،إيمانه الذي فرضه ووثق ت�م�ي��زه ف��ي ال�س��اح��ة ال�ش�ع��ري��ة وب �ص��وت ال ي �ك��رره إال ص ��داه ،وه��ذه ليست حالة تميز شاعرنا ،بل قضيته ورهانه؛ إذ يقول ...« :رهاني الحقيقي دائما ،هو البحث عن القصيدة الجيدة والجديدة التي تشهق بها روحي ولغتي ،ثم يأتي بعد ذلك كل شيء». في هذا الحوار هاشم الجحدلي والكلمة األول��ى واألخيرة في اتجاه الشعر!!.. ρρحاوره :عمر بوقاسم
اجلوبة -ربيع 1437هـ (91 )2016
تأخرت في إصدار مجموعتي!!.. ¦ ¦الشاعر هاشم الجحدلي اس��م ب��رز وتميز ف��ي منتصف ثمانينيات ال �ق��رن الماضي بمجموعة م��ن القصائد ال�ت��ي ن�ش��رت في م�لاح��ق ال �ص �ح��ف وال �م �ج�ل�ات ال�س�ع��ودي��ة وال �ع��رب �ي��ة ،وك� ��ان م��ن ال �م �ت��وق��ع أن ت�ص��در م �ج �م��وع �ت��ك ال �ش �ع��ري��ة األول� � ��ى ف ��ي ت�ل��ك الفترة ،ولكن لم تصدرها إال في عام ٢٠١١م، ضمن إصدارات نادي حائل األدبي ،ما سر هذا التأخر واالكتفاء حتى اآلن بمجموعة وحيدة والمعنونة «دم البينات»؟!! ρ ρلست وحدي الذي تورط في غواية التأجيل وفتنة التريث أو التكاسل .ولكنني سأكون صادقا معك ،سأجيب على تساؤلك هذا بدون مبررات ،تحاول أن تأخذ بالحديث ب��ع��ي��داً ع��ن القضية األس����اس ،ال��ت��ي هي بكل وض���وح ،ل��م��اذا ت��أخ��رت ف��ي إص��دار مجموعتي إل��ى ما بعد وقتها المفترض بزمن بعيد جداً؟ وسأعترف لك بما حدث وجعل هذا التأخر واقعا لم يعد الفرار منه مجدياً..
92
يا عزيزي :الموضوع كله يمكن تلخيصه بحقيقة قاسية ،وه��ي أن العالقة بيني وبين الشعر اآلن ،وألسباب كثيرة ،لست وح��دي َم��ن يتحمل مسؤوليتها ،وإن كنت الوحيد المعنيّ بها .ليست بدهشة وال احتدام السنوات األول��ى ،شيء ما ،مشى في مياه النهر ،شيء ما في حضور الشعر في عالمنا جعله أق��ل توهّ جاً وحميمية. ولكي يكتمل المشهد ..فال بد أن نستعيد البدايات األولى. اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ρ ρكنت مسكونا بالشعر إلى حد أنني كنت أرى فيه خالصا للروح ومنقذا للعالم ،كنت أرى العالم من خالل القصيدة!.. ρ ρالنثر الصوفي فيه من التكيف والصور والدالالت ما يفوق الشعر الصوفي بكثير!.. ρ ρصوت الشعر انحسر ،والشعراء صمتوا أو هجروا القصيدة باتجاه الرواية التي بدأت تتسيد المشهد تماما ρ ρالشعر أقرب األنواع تماس ًا مع روح اإلنسان وشغفه بالحب والحرية والحياة. ف��آن��ذاك عندما داهمتني القصيدة في صبا العمر وشهوة الحياة وطغيان القراءة واح��ت��دام المشاعر وأل���ق ال��ك��ت��اب��ة ،كنت مسكونا بالشعر إل��ى حد أنني كنت أرى فيه خالصا للروح ومنقذا للعالم ،كنت أرى العالم من خالل القصيدة ،كل شيء كنت أبرره وأفسره وأتعايش معه شعريا ،حتى المشاهد واللحظات النثرية تتحول في مخيلتي إلى شعر خالص. ولست وح��دي َم��ن ي��رى ذل��ك ،فالشعراء جميعاً والمبدعون لألشكال اإلبداعية األخرى والنقاد والناشرون ..كانوا يراهنون على القصيدة مثل ما كنت أراهن وأكثر. ولذلك لم يكن غريبا أنني أول ما وجدت قصائدي المبكرة األصداء التي لم تخطر على بالي وال خاطري وال على بال وخاطر
كانت حصيلة هذه المرحلة قصائد كثيرة ورؤى واضحة بالنسبة لمفهوم التجديد والقصيدة الحديثة ومتابعة حثيثة ألسئلة ال��وج��ود التي ح��اول الشعر ال��وق��وف على عتباتها.
قوة الشعر!!..
¦ ¦ف��ات�ح��ة «دم ال�ب�ي�ن��ات» ،ك��ان��ت تحمل ع�ب��ارة ثم تكرّس هذا الحال ،بل صار أكثر عمقا ال� �ن� �ف ��ري «ق � �ل ��وب ال �ع ��ارف �ي ��ن ت � ��رى األب � ��د، في السنوات التالية ،بالتَماس التّام مع رواد وع� �ي ��ون� �ه ��م ت � � ��رى ال � �م � ��واق � �ي � ��ت» ،وه� �ن ��اك ه��ذه القصيدة التي أح��ب؛ شعرا ونقدا. قصيدتك قصيدة ال �م��واق��ف ..تستحضر هذا التواصل أثمر عن رؤى جمالية ونقدية ρ ρكان للروائيين حظ أن يستفيدوا صارمة جدا ،جعلتني أقف بقوة أمام أي من وسائل التواصل الحديثة زوائ���د أو تكلسات ف��ي قصيدتي؛ ومن ومضت الرواية بهم لمناطق مجمل هذه القصائد ،صنعت مجموعتي قرائية لم يصلها الشعر والشعراء القديمة الجديدة «دم البينات» ،ولكنني من قبل تأخرت في إصدارها مثلما تأخر آخرون «ρ ρالمواقف والمخاطبات» لنفري مثلي ،وعندما انتبهت لهذا التأخير وجدت من أثرى وأعمق النصوص أن ال��وض��ع ف��ي المشهد الثقافي محليا السردية العربية ،التي تفوق وعربيا لم يعد كما كان. أو توازي في بنائها اللغوي ص��وت الشعر انحسر ،والشعراء صمتوا وتراكيبها وصورها لغة الشعر إال قليال أو ه��ج��روا ال��ق��ص��ي��دة باتجاه المجازية والمتخيلة الرواية التي بدأت تتسيد المشهد تماما، ρ ρليس غريبا أن يحضر البحر بكل وكان هذا مبرراً ،فالشعر ابن الحالة بكل سواحله وأمواجه وقراصنته إلى انفعاالتها ،بينما السرد سيد حالته إلى حد قصيدتي ..فأنا ابن البحر!!.. كبير ،كذلك ألن القصيدة شقيقة الحلم، والحلم بالمستقبل واآلت��ي أصبح غائماρ ρ ،هناك نقد ال عالقة له بالنقد، وهو يتوزع بين اإلنشائية والمدح فلذلك كان ال بد أن تغيم القصيدة ،أما والتبسيط واالدعاء ،ولألسف الرواية فهي قادرة على تأطير فضاءاتها؛ أجد بعضه ال يكتفي بنشره ألنها تدين للذاكرة والماضي كثيرا في العابر بل يصر على إصداره في بناء معمارها التخيلي .ولكن رغم كل هذا كتاب!.. االل��ت��ب��اس وال��وض��ع ال���ذي يعيشه الشعر
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
قصيدتي ،أن انغمرت بعيدا ،وانسحقت بالقصيدة تماما.
وتحياه القصيدة ،إال أنني على يقين ،بأن الشعر أقرب األنواع تماساً مع روح اإلنسان وشغفه بالحب والحرية والحياة .ومن هنا أعدك بأن مجموعة «دم البينات» لن تكون يتيمة أبدا.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (93 )2016
روح النفري على مستوى اللغة ،هل هاشم الجحدلي يشترط بضرورة حضور التراث في القصيدة؟ ρ ρال��ت��راث ال��ع��رب��ي وال��ش��ع��ر ت��ح��دي��دا يبدو للمتأمل فيه ،رغ��م ما يمكن تصديقه أو احتماله من حاالت االنتحال ،يبدو للمتأمل ف��ي��ه ببصيرة ال���رائ���ي ،م��ن أك��ث��ر الفنون واألن��واع اإلبداعية قوة وجماال واختراقا للسائد ،منذ حاالته األول��ى التي وصلتنا عبر القصيدة الجاهلية ،ثم شعر القرون األربعة التالية؛ إذ نجد نصوصا إبداعيه تلوح لقارئها وكأنها كتبت لكل العصور. وبالنسبة لي فما ي��زال المتنبي حاضرا وطاغيا في مخيلتي وذاك��رت��ي الشعرية، بشكل يفوق ربما مئات بل آالف الشعراء التالين له ولعصره.
94
إذاً ،التراث العربي في مجال الشعر ثقيل جدا ،بل أثقل من الثقيل ،صور أو تراكيب اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
أو معان ودالالت. أما بالنسبة الستشهاداتي بنصوص النفري، فيمكن لي اختصارها بأني مفتون بتجربته الكتابية كثيرا ،ولكنني لن أكتفي بذلك، وأق��ول بأنه من وجهة نظري ووجهة نظر الكثيرين من الرواد قبلي والمجايلين لي، أن نصوص النفري وبالذات في «المواقف والمخاطبات» ،من أثرى وأعمق النصوص السردية العربية ،التي تفوق أو توازي في بنائها اللغوي وتراكيبها وصورها لغة الشعر المجازية والمتخيلة. لذلك كان تأثير قراءته خارقا لي ،وتسرب إلى بناء جملتي الشعرية بشكل أو بآخر، فكان ال بد من استحضاره ليكون شاهداً وشهيداً عليّ وعلى ما أكتب. وعموما العالقة بالتراث عالقة أزلية، وب��ال��ذات في األدب واإلب���داع ،أل��م يتجلى الشاعر القديم ف��ي وص��ف ه��ذه الحالة
«ما أرانا نقول إال مُعارًا
لذلك ال نرى -وللدقة – ال أرى تأطيرا نقدياً متحققاً لهذه القصيدة ،بل ومع مرور الوقت يزيد التباسها ،ولكن هذا ال ينفي أن هناك مئات األصوات المعبرة بقوة عن جدارتها بالوجود ،بدءاً من صرخة الماغوط األولى التي ال تزال مدوي ًة حتى اآلن إلى م��ا تفيض ب��ه نصوص بعض المخلصين من شعرائها .بل إنني عندما أق��رأ بعض نماذجها أكاد أصرخ متوهجاً« :هكذا يجب أن يُكتب الشعر» .ولكن بالمقابل هناك أضعاف مضاعفة من نماذجها التي تجعلك تكاد تكفر بها وبشعرائها.
أو معادًا من لفظنا مكرورا» وأستطيع أن أتوسع في اإلجابة على هذا السؤال ألق��ول لك رأي��ا اختمر في ذهني وقناعاتي منذ زم��ن مبكر ،وه��و إن النثر الصوفي فيه من التكيّف والصور والدالالت ما يفوق الشعر الصوفي بكثير. أقدر خصوصيتها وهويتها.. ¦ ¦ق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ر ت�ت�ص��در ال�م�ش�ه��د ال�ش�ع��ري العربي ،أليس هذا دلي ًال على قدرتها على االستمرار واحتواء ما عجزت عنه قصيدة التفعيلة؟
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
قائال:
إال إنني أقدر خصوصيتها وهويتها.
عموما ،واقع هذه القصيدة برغم غزارة إنتاجها ،يؤكد بأنها ف��ي ط��ور التشكل، وس��ت��ك��ون ه��ن��اك م��ح��ط��ات ح��اس��م��ة في مسيرتها.
ρ ρهذا السؤال يحتاج إلى آالف الصفحات للوقوف عليه فقط واإلحاطة به ،فما بالك باإلجابة عليه .ولكن بالنسبة لي بعيداً ع��ن األف��ض��ل واألج��م��ل واألك��ث��ر ح��ض��وراً، مناطق لم يصل إليها الشعر!!.. ف��إن قصيدة النثر واق � ٌع يجب االعتراف ¦ ¦ك�ي��ف تقيم المشهد ال�ش�ع��ري ال�س�ع��ودي؟ به ،بل واقع إبداعي جميل ومبهر ورحب، ف�ه�ن��اك ش �ع��راء ع��رب ي�ص�ن�ف��ون ساحاتهم وشكل إبداعي يمثل بشكل أو بآخر حالة بأنها األكثر تألق ًا وجدية. م��ن ح��االت تشكل القصيدة ف��ي كثافتها وأطياف تعبيرها ،ولكن هناك حقيقتان ρ ρالشعر السعودي ربما يكون بعد الغناء أكثر األنواع اإلبداعية وصوال إلى اآلخر العربي، يجب االنتباه لهما عند التماس مع هذا رغ��م ضعف وس��ائ��ل التوصيل والتواصل الموضوع الشائك ،األولى هي أن قصيدة آنذاك ،الذي لم يتجاوز المجالت األدبية النثر لم تكن ولن تكون بديال عن قصيدة والمهرجانات الشعرية ،ولكن مع انحسار التفعيلة بأي شكل من األشكال ،واألخرى وج���ود ال��ش��ع��ر ع��رب��ي��ا وازده�����ار ال��رواي��ة هي أن هناك ميوعة كتابية وسردية في وهيمنتها على المشهد ال��ث��ق��اف��ي ،كان رؤية وكتابة هذه القصيدة ،وكأنها خرجت للروائيين حظ أن يستفيدوا من وسائل من عقالها وتعالت على كل تعريف ،وإذا كنت شخصيا ال أؤمن بتقديس األشكال، التواصل الحديثة ،ومضت ال��رواي��ة بهم
اجلوبة -ربيع 1437هـ (95 )2016
لمناطق قرائية لم يصلها الشعر والشعراء من قبل ،وعزز هذا الوضع غزارة الجوائز ال��ع��رب��ي��ة وش��ه��رت��ه��ا ،وه���ي ال��ت��ي كرست للرواية؛ من جائزة «القاهرة» إلى «كتارا» م���رورا «بالبوكر» وب��اق��ي ج��وائ��ز ال��رواي��ة المحلية والعربية. ولكن عندما تعود الروح للقصيدة والعزة للشعر ،ستجد أن الشعر هو من سيمثلنا أمام أنفسنا ،وأمام العالم ،أجمل وأصدق تمثيل ،دون انتقاص م��ن باقي األشكال األخرى. شهادة اعتراف!..
منبريته ،وهناك نقد جيد ..ولكنه أقرب إل��ى النظرية م��ن التطبيق ،وه��و أق��رب للمختصين ،وتأثيره على المشهد اإلبداعي غائب بشكل الفت. يتبقى هناك نقد آخر ال عالقة له بالنقد، وهو يتوزع بين اإلنشائية والمدح والتبسيط واالدع��اء ،ولألسف أجد بعضه ال يكتفي بنشره العابر ،بل يصر على إص��داره في كتاب. ال��م��ه��م ..ال يمكن أن يتوهج نقد ب��دون خطاب معرفي سجالي وساحة إبداعية مثمرة ،وهذا ما نفتقده كثيرا هذه األيام. أحببت هذه المهنة ووجدت نفسي!..
¦ ¦هناك نقاد قاموا بقراءة تجربتك الشعرية، ه��ل لديك رأي ف��ي ه��ذه ال �ق��راءات ،وب��دون ¦ ¦ج � ��ري � ��دة ع� � �ك � ��اظ ،ط �ب �ع ��ا ت �ع �ن ��ي ال �ك �ث �ي��ر مجاملة أو مراوغة ..ما رأيك في الساحة ل�لأس�ت��اذ ال�ش��اع��ر ه��اش��م الجحدلي ،وأن��ت النقدية؟ أح��د منسوبيها «نائبا لرئيس التحرير»، تجربتك التي تتجاوز الربع قرن في عالم ρ ρك��ل ه��ذه ال��ق��راءات منذ بدايتي األول��ى الصحافة ..من المؤكد هناك ما يستحق كانت شهادة اعتراف وربما بوصلة طريق، أن تبوح به عن عالم الصحافة في اتجاه وأع��ت��رف أن بعضها وض��ع��ت ي��ده��ا على القارئ؟ مناطق لم أنتبه لها أثناء كتابتي الشعرية، ولكن ال��ذي أث��ق ب��ه دائ��م��ا وأب���دا ،ه��و أن النص قبل النقد.
لذلك رهاني الحقيقي دائما ،هو البحث عن القصيدة الجيدة والجديدة التي تشهق بها روح��ي ولغتي ،ثم يأتي بعد ذل��ك كل شيء.
96
ρ ρالصحافة مهنة شرسة وليست سهلة كما يتوقعها المفتون بعوالمها من بعيد ،فهي خطرة لتماسها مع أشياء كثيرة يلتبس فيها السبق الصحفي مع الحق القانوني ،بل مغامرة تغطية حرب تجعل حياتك أحيانا على كف عفريت.
أم��ا ع��ن رأي��ي ف��ي ساحتنا النقدية فهو ρ ρولكنني عموما وب��دون أي ادع��اء ،أحببت ه��ذه المهنة ووج���دت نفسي ،ب��رغ��م كل رأي ذو ح��دي��ن ،هناك نقد حاضر بقوة المغريات التي تقدمها الوظائف األخرى. ولكن ال صدى تفاعلياً إيجابياً له ،بمعنى ال يصل إلى المتلقي بسبب مناسبتيّته أو ولذلك استمريت بها كل هذه الفترة ماراً اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
«عيون مريم»!.. ¦ ¦ حضر اس�م��ك ف��ي س�م��اء الشعر الشعبي، كشاعر يملك صوت ًا مميزاً ،بعدة قصائد، ما سر حضورك في هذا الفضاء؟ ρ ρكانت قصيدة واحدة في البداية هي «يا عيون مريم» ،وال أدري كيف وصلت إلى كل هذا العالم ،الذي لم يصدق أنها قصيدة يتيمة.
وال وقت معين بل يجب أن يكون المكان مالئما للكتابة ،ال يمكن أن أك��ت��ب في أي مكان ،وال يمكن ألي ورق��ة أو قلم أن يستدرجني للكتابة ،ل���دي اش��ت��راط��ات��ي الخاصة في هذا المجال ،وبعضها أصبح أكثر تأثيرا م��ن ال��م��زاج وال��ع��ادة ،بسبب تحوله إلى نمط كتابة وطقس تدوين.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
بكل المحطات ال��ت��ي يمكن أن يمر بها صحفي من بدايته كمحرر إلى حالته كنائب رئيس تحرير ،وخضت تجارب كثيرة وثرية، من صناعة الملفات الساخنة في عوالم المثقفين « القصيمي – منيف – العلي – تركي الحمد «إلى تغطية الحروب» إثيوبيا – إريتريا وحرب العراق» وسواها من تجارب قادتني ذات يوم حتى خيمة القذافي وملجأ طالباني.
في المكان أو القلب أو الزمان ،ما يصفو ويتبقى من هذا التدفق اإليقاعي الشعر، هو بداية القصيدة لدي ،وأصبحتُ أعرف أن ما يترسب في الذاكرة من أبيات قليلة من بين مئات الكلمات التي هزجت بي وعصفت بي ،هي خالصة الحالة وشرارة القصيدة وأساس معمارها.
وال بد حينئذ أن يكون الشاي حاضراً أو ساخناً وشاهقاً .يمكن أن تقول باختصار هذه ظروف الكتابة لديّ وتحديداً طقس تدوين قصيدة هجست بها كثيرا وكثيرا.
ثم بسبب التجاور الثقافي واندماجي مع أنا ابن البحر.. عالم القصيدة الشعبية عبر ملحق مناخات الذي كنت أشرف عليه «توالت النصوص» ¦ ¦ثنائية البحر وه��اش��م ،ال�م��رأة والقصيدة، ولكنها مرحلة ومرت ..ولم يتبقَّ في الذاكرة ح� �ض ��رت ك �ث �ي��را ف ��ي ت �ج��رب �ت��ك ال �ش �ع��ري��ة سوى أصدائها و«عيون مريم». وبكثافة مطلقة كيف تبرر هذا الحضور؟ لدي اشتراطاتي!.. َّ ¦ ¦متى تكتب القصيدة؟ ρ ρال أدري كيف أواجه هذا السؤال الصعب وأرد عليه .ولكن بصراحة مطلقة ،أنا ال أكتب القصيدة بل أدوّن��ه��ا .البداية تكون مفردات متطايرة ذات نسق إيقاعي متسق معها ومع الحالة الشعرية التي أعيشها، وغالبا ما تكون مرتبطة بحركة م��ا ،أما
ρ ρب��دون أي تبرير ،أن��ا اب��ن البحر وعاشق الجمال ،والجمال الذي يمكن أن يتجسد في دمعة غيمة أو إطاللة فجر أو في بوح امرأة ،لذلك ليس غريبا أن يحضر البحر بكل س��واح��ل��ه وأم��واج��ه وق��راص��ن��ت��ه إلى قصيدتي ،وأن تحضر المرأة بكل عافيتها، بل الغريب أن ال يكون ذلك. وس��أم��ض��ي ف���ي إج��اب��ت��ي ألق����ول ل���ك إن
اجلوبة -ربيع 1437هـ (97 )2016
للبحر والمرأة المستحيلة دي ٌن علي وعلى قصيدتي ل��م أ ُس����دّده ب��ع��د .ول��ذل��ك يظل اإلل��ح��اح على كتابة قصيدة ج��دي��دة ،أو قصيدة ل��م تكتب ب��ع��د ،ح��اج��ة ض��روري��ة لي لمراودة القصيدة ،والبقاء على حالة االحتدام واالنتظار والقلق والشوق الدائم للقاء ال بد أن يتم وإن تأخر كثيرا. وأقول لهذه الحالة بشغف العاشقين: «من فرط ما فاض الحنين، بقامتي وقيامتي، آمنت بك، وحيدة وقصيدة ومكيدة ال أرتجي عنها خالصا» من العيب أن تسميها قصيدة!..
حاساً بجمالياتها ،أو أن ال تكون له عالقة بالشعر من أس��اس��ه ،كما أن بعضها من العيب أن تسميها قصيدة أو شعر ،ومع ذلك تجد مئات اإلعجابات لها ،بل تجد من يتبرع بالترويج لها ،حينذاك ،ال يمكن أن تتهم ذائقة كل هؤالء بالسوء والرداءة، ولكن لم تتشبع قلوبهم وذائقتهم بالشعر الحقيقي ،واصطفوا إلى قائمة المعجبين بالهشاشة والرداءة. وليس األمر مقتصراً على الشعر والشعراء، بل نجد في أشكال إبداعية أخ��رى ،في النت وفي الواقع أيضا. بعض الروايات األكثر مبيعاً ال عالقة لها بالرواية ال من قريب أو بعيد ،ومع ذلك
¦ ¦ف��ي ح ��وار ل��ي م��ع ال �ش��اع��ر س �ع��دي يوسف سألته عن ظهور مصطلح « شعر وشعراء الفيسبوك هو األقرب.. ال � �ن� ��ت» ،وه � ��ل س �ي �ك��ون م� �ل ��اذ ًا ل�ل�ق�ص�ي��دة وبخصائص فنية مغايرة ،قال« :المصطلح ¦ ¦ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال�ش�ب�ك��ة ال�ع�ن�ك�ب��وت�ي��ة أصبح م �ع �ق ��ول إن � ��ه ي �ن �ق �ل �ن��ا م� ��ن ال �خ �ي �م��ة إل ��ى شرطا أس��اس� ًا س��واءً للصحافة أو كمبدع، الفضاء» ،ماذا تقول أنت؟ لكن ما المواقع التي تحرص على زيارتها ρ ρهناك شعر وقصيدة ،وهناك ال�لا شعر بشكل دائم ،وتنصح بها؟ وال�ل�ا ق��ص��ي��دة ،أم���ا م��ا ع���دا ذل���ك فهي ت��ف��اص��ي��ل وخ��ص��وص��ي��ات وآل���ي���ات كتابة ρ ρأم � ّر كثيرا على المواقع اإلخبارية وفي مختلفة ومتعددة .ولكن عند الحديث عن سياق ذل��ك أت��وق��ف عند الخبر الثقافي شكل شعري بعينه كالحديث اآلن عن شعر والقراءة والنقدية وعروض الكتب الجديدة. النت أو شعراء النت ،سأقول لك ،بأن األمر أما في مواقع التواصل االجتماعي فيبدو بالنسبة لي مربكٌ تماماً ،بعض النصوص أن موقع الفيسبوك هو األكثر قرباً لي مذهلة ،ولكن ال تجد ص��دى؛ ألن متابع الشبكة ال��ذي مر بها ،لم يكن م��درك�اً أو وحميمية معي. تجد مَن يقتنيها وبكثافة!
98
اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
نجاة الزباير جنس غير مؤكد ٌ قصيدةُ النثر والنقد لم يُ وَ ِف قصيدة المرأة حقها! ُ ش��اع��رة مسكونة بمحبة القلق الشعري ال��ذي يعصف بكيانها هب نسيم المعنى ليطل من شرفاتها بموّدة دافئة، ووجدانها كلما َّ تسكن مباهج القصيدة متجهة صوب مطاردة نِ داء الذات والروح معا عبر فعل الكتابة بما ه��ي سفر عميق ف��ي منعرجات الحياة والكون .وترى أن الشعر العربي في الخليج ال يمكن أن يكون إال بستان ًا من بساتين الشعر في العالم العربي .تقبض قدم الريح بخالخيل غجرية تنسج م��ن أل�ي��اف ال�م��اء األليفة قصائد طرية لناي الغريبة. ρρحاورها :أحمد الدمناتي -املغرب
اجلوبة -ربيع 1437هـ (99 )2016
¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��ري��ن إل� ��ى ال �م �ش �ه��د ال �ش �ع��ري العربي في األلفية الثالثة؟
ال��ض��رورة داخ���ل مجتمعات برغماتية استهالكية ،وسيكون السؤال هل نحتفظ للشعر على صفاته وحريته آنذاك سيكون الهامش له سكنا وعليه أن يقبل به ،أم ندخله مزاد االستهالك ..ونحوله بالتالي إلى مسخ من مسوخ العولمة .إن مهمة الشاعر والشعر ستكون جوهرية ،وعلى الشعراء أن يؤسسوا ما تبقى ال سيما داخل هذا السديم الذي ينبئ بانفجارات وتوترات وحروب دينية وعرقية وطائفية، وس��ي��ك��ون ال��ش��ع��ر أم���ام اخ��ت��ب��ار تطوير أسئلته وتجديد أدواته ،وفي هذه الحالة سنكون أمام شعر مختلف بشكل كبير في شكله وجوهره وتصوره للعالم عن الشعر، ال كما كتبه البارودي وشوقي فحسب ،بل كما كتبه أدونيس وسعدي يوسف ومحمد السرغيني وعبد الكريم الطبال ومحمود دروي���ش؛ وه��ذا يعني أن الشعر العربي لم ينجز حداثته بعد ،ولم يستنفذ بعد أسئلته كما يعتقد الكثير من الدارسين، وس��ي��ك��ون عليه ط��رح قضايا إنسانية، حضارية وأخالقية للنقد والمساءلة.
ρ ρفي تصوري ستكون أي نظرة إلى المشهد ال��ش��ع��ري ال��ع��رب��ي ف���ي م��ط��ل��ع األل��ف��ي��ة الثالثة مختزلة وذات نتائج مبسترة، ألننا ال نملك المعطيات والمعلومات الكافية للدراسة والتحليل والتعامل مع ه��ذه المعطيات بمنطق علمي رصين. إن غياب تصور ثقافي واض��ح عند كل الدول العربية يحول بيننا وبين التقارير واالستنتاجات ال��ذي من المفترض أن تقوم بها مؤسسات ثقافية منذورة لهذه الغاية ،وفق استراتيجيات ثقافية تنويرية س���واء وطنية أم ق��وم��ي��ة .وت����زداد حدة المصاعب إذا أضفنا إليها عدة عوامل أخ��رى من بينها اتساع خريطة الشعر العربي جغرافيا ،والذي يقابل بعجز كبير على مستوى النشر والتوزيع في البالد العربية ،ما يجعل مهمة القارئ والباحث مستعصية إن ل��م نقل مستحيلة .فأنا شخصيا لست محيطا بالشعر العربي في بعض األقطار العربية ،ما يخلق بيني وبين أي نظرة نافذة فجوة كبيرة يزداد ¦ ¦حركة الشعر العربي في الخليج ،هل هي امتداد للحركات الشعرية العالمية بما اتساعها ب��اإلب��داالت القوية والسريعة فيها المشرقية والمغربية وغ�ي��ره��ا .أم ال��ت��ي م��ا فتئ الشعر ال��ع��رب��ي الحديث نحتت لنفسها خريطة شعرية مغايرة يعرفها ،وال��ت��ي تهدد بالهدم والتجاوز احتفت بالعالم الجواني ل��ذات الشاعر المستمر .ومع ذلك يمكن القول إن مآزق ومعطيات الخارج؟ الشعر العربي في األلفية الثالثة ستكون كبيرة ومتنوعة ،شأنه في ذلك شأن كل ρ ρالشعر العربي في الخليج ال يمكن أن الشعر اإلنساني ،وه��ذا بسبب وظيفته ي��ك��ون إال بستانا م��ن بساتين الشعر ومردوديته التي سوف تصبح ملحّ ة بحكم بالعالم العربي .وسؤالكم يفيد ضمنا
100اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
وه���ذا معطى إيجابي ج���دا ي��ه��دم القناعات ال��ك��س��ول��ة والمطمئنة ليقينها ولوجود نموذج شعري واح��د وموحّ د. إن اختالف الشعريات العربية أمر راس��خ في القدم ..ولنا كأبرز مثال على ذلك تجربة الشعر األن��دل��س��ي .أق���ول بأن ش��ج��رة الشعر العربي أكبر من أن تختزل في نمط جاهز .إنها بصيغة أخرى ،كل الشعر العربي متجمعا ومتفرقا ،مؤتلفا في آن .وحركة الشعر العربي ف��ي الخليج ال تخرج ع��ن هذه ال��دائ��رة الرمزية ،فهي امتداد للتجربة الشعرية العربية في المشرق والمغرب العربيين؛ وبالتالي ،للتجربة الشعرية اإلنسانية في تفاعل مع تجربة ال��ذات والخصوصية المحلية؛ وه��ن��ا ..تكمن عبقرية اإلبداع.
ρρف��ي اع��ت��ق��ادي «قصيدة ال��ن��ث��ر» جنس غير مؤكد، ل��ك��ن��ه ف���ي ال���وق���ت نفسه صاعد باطراد في المشهد الثقافي العربي .والفجوة ب��ي��ن ه���ذي���ن ال��م��ع��ط��ي��ي��ن ص����ارخ����ة ،وت�������زداد ح���دّة ب���س���ب���ب غ����ي����اب ال���وع���ي النظري من جهة وسديمية األف���ق ال��ث��ق��اف��ي م��ن جهة أخرى .إن قصيدة النثر لم تستطع أن تخرج إلى اآلن من موقع الضجة إلى موقع تفاعلية أخرى أكثر نضجا وت����ج����ذرا وت���ق���دم���ا ،وه���ذا معطى سلبي؛ ألنها ما تزال تقدم نفسها كبديل ..في حين أنها ال تعدو أن تكون شكال من أشكال الكتابة الشعرية .وهذا ما يفسر كون عدد كبير من السجالت بين مجموعة م��ن الشعراء والباحثين حول مشروعية «قصيدة النثر» تفتقر إلى الخبرة الجمالية والوعي النظري ،ألنها سجالت ،في معظمها ،ال معرفية وال تعي حقيقة «قصيدة النثر» وسؤالها وهويتها
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
أن هناك خصوصيات داخل الشعرية العربية وهذا أمر صائب جدا، ف��ب��ن��اء ق��ص��ي��دة عربية خليجية على مستوى اإلي��ق��اع أو المتخيل ال يمكن إطالقا أن يكون هو نفسه بناء قصيدة ع���رب���ي���ة م���غ���رب���ي���ة أو تونسية أو سورية..
¦¦ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ق �ص �ي��دة م�ش��اك�س��ة وم�ش��اغ�ب��ة س�ب� ٌ�ب في ح��روب إبداعية جميلة متعددة بين من هو مناصر وم� �ع ��ارض وم �ت �ف ��رج ،كيف تنظرين إلى هذه الحروب اإلبداعية الفاتنة؟
اجلوبة -ربيع 1437هـ (101 )2016
وشروطها الفنية والتاريخية والثقافية وال��ن��ف��س��ي��ة ،ل��ذل��ك ف��ه��ي ذات م��واق��ف نكوصية اخ��ت��زال��ي��ة ت��ح��ول بين الشعر وسؤاله الجوهري ،وه��ذا حاجز ينبغي على الشعرية العربية المعاصرة تجاوزه من أجل االنكفاء على األهم ،أي الشعري بما هو نداء إنساني عميق وعريق. ¦ ¦ه ��ل ال �ق �ص �ي��دة ق �ل �ع��ة ال �ش��اع��ر ال��دائ �م��ة يحتمي فيها وب�ه��ا م��ن ع��واص��ف الحزن واالغ� �ت ��راب ،أم ن��اف��ذة ي�ط��ل م��ن خاللها على أشيائه السرية والحميمية؟
اإليديولوجية الكبرى التي أرهقت كاهل ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي إل���ى ق��ض��اي��ا هامشية وجوهرية ،تلتفت إلى البسيط ..تلتقط الحميمي وال���س���ري ،ال��م��ؤس��س لنبض ال��ح��ي��اة ف��ي��ن��ا .ل��ق��د وص��ل��ت القصيدة الحديثة ف��ي الستينيات والسبعينيات إلى مأزقها ،فقد أصبح سؤالها مبتذال ومسارها مسكوكا .فكان بالتالي ،حريا ب��ال��ش��ع��راء ال��م��ج��ددي��ن إي��ج��اد ط��رائ��ق جديدة للكتابة الشعرية وذلك بتفاعل مع التجارب اإلنسانية العالمية ،وعلى رأسها تجربة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس ف��ي ه��ذا ال��م��ج��ال .قصيدة التفاصيل متنفس جديد للشعر المغربي المعاصر، ومقاربة شعرية للعالم ضاجة بدهشتها، إنها تكثيف لتلك القدرة الخارقة التي يمتلكها مجموعة من الشعراء المهووسين بالقضايا األس���اس للشعر دون أوه��ام سياسية أو إيديولوجيا ضيقة.
ρ ρالقصيدة بما هي كتابة ناجمة عن فعل.. هي كل ذلك دون أن تكون أي شيء في ال��وق��ت نفسه .إن��ه��ا ح��ال��ة نفي وإث��ب��ات مستمرة .حركة لولبية تنصر داخلها بعمق غبطة ال��ذات وشجنها ،انغالقها وانفتاحها ،يقينها ومجهولها .إنها مختبر لكل التحوالت النفسية والفيزيولوجية في تفاعل مع الخبرة الجمالية والمعرفية ¦ ¦ال�ق�ص�ي��دة رس��ال��ة م�ف�ت��وح��ة إل��ى ال�ع��ال��م، والثقافية .إنها بصيغة أخ���رى ،تدبير وأنت تكتبين هل تفكرين في القارئ؟ إليقاع الذات والحياة والمعرفة .الشعر ليس تعبيرا عن األحاسيس إنه ضرب من ρ ρأن��ا أكتب لكي أك���ون ،ولكي أبني بيتي ال���رم���زي .ح��ي��ن أك��ت��ب أن��ت��ق��ل م��ن حيز المعرفة والعلم. ال��وج��ود إل��ى حيز ال��ف��ع��ل .الكتابة ماء ¦ ¦قصيدة التفاصيل أو االحتفال باليومي الحياة بالنسبة ل��ي ،وال��ق��ارئ مفترض، والمعيش في جغرافيات المتن الشعري قد يكون قارئا معاصرا أو مستقبليا ،قد ال �م �غ��رب��ي ال �م �ع��اص��ر ،ه ��ل أع �ط �ت��ه ب�ع��دا يوجد في أقصى نقطة من العالم دون جماليا آخر خصبا وخالقا في آن واحد؟ أن يوجد ،على النقيض ،في أدنى نقطة ρ ρقصيدة التفاصيل مكسب كبير للشعر مني القارئ شيء محتمل ..لكنه ضروري ال���ع���رب���ي ،وإض����اف����ة ن��وع��ي��ة تحققت ك��م��ؤول للخطاب وم��ت��ل��ذذ باقتراحاته الجمالية ،أما الكتابة فهي ممارسة وفعل مساره .إنها تحول ج��ذري من القضايا
102اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
¦ ¦ال � �ك � �ت� ��اب� ��ة ال� �ش� �ع ��ري ��ة ان� � �خ � ��راط ع �ن �ي��ف ف��ي اإلن� � � � �ص � � � ��ات ل � �ع� ��وال� ��م ال � � ��داخ � � ��ل ال �م �ش �ب �ع��ة بالجرح والحلم .تعرية ل �ت �ض��اع �ي��ف ال� ��ذاك� ��رة بشعلة ال�ق�ص�ي��دة ،هل تؤمني بأن الشعر قادر ع� �ل ��ى ت �غ �ي �ي��ر ال �ع ��ال ��م إل� � � � ��ى م� � � ��ا ه� � � ��و أن � �ق� ��ى وأصفى في ظل السلم وال� � �س �ل��ام ب� �ع� �ي ��دا ع��ن الحروب وقتل األبرياء والشيوخ؟ ρ ρال���ش���ع���ر ه����و ال��ش��ك��ل التعبيري الفني األكثر ت���وغ�ل�اً ف���ي ال��ق��دام��ة واألك���ث���ر ت���ج���ذرا في ال��ح��داث��ة ف��ي آن ،إنه صوت الضمير والنداء اإلنساني العميق فينا ،وإذا كان الشعر ما يزال إلى اليوم يحافظ على شعلته، فألنه ما يزال وسيبقى قادرا على صيانة ال��ج��وه��ري ف��ي داخ��ل��ن��ا .الشعر صوت الطفل المقيم فينا ،ونشيد المحبة والسالم .وهو ضروري إلنسانيتنا اليوم أك��ث��ر م��ن أي وق��ت مضى ال سيما في غمرة هذه التحوالت العنيفة التي يعيشها العالم ،والتي تنبئ إبداالتها بترويج لقيم عنصرية ومبادئ استهالكية تسعى إلى
¦ ¦ه��ل ي�م�ك��ن ت��ذك��ر م�لام��ح طفولتك ال�ش�ع��ري��ة األول��ى وع� �ن ��اق ��ك األول م� ��ع ب �ه��اء الكلمة؟
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
رئيس في مساري.
تبضيع كل شيء ،وسلوكات ال أخالقية تتنافى والمبادئ ال��ع��ل��ي��ا ل�لإن��س��ان ك��ح��ام��ل ألمانة ومسؤولية فوق هذه األرض.
ρρم���ا أب��ع��د رك����وب ص��ه��وة البدايات ،التي تحدد زمنا مشرع األبواب نحو مستقبل ي���ب���دو م��ج��ه��ول ال��م�لام��ح آن������ذاك ..ه��ك��ذا تقذفني لحظة ال��ت��ذك��ر إل��ى فضاء اكتشاف سحر الكلمة ،حيث كنت ما أزال في ربيع الصبا، عندما انساب قلمي يخط ح��روف��ا ف��وق جثة بيضاء، يبعث فيها حياة مستمدة من أعماقي المزلزلة بتعابير لم أكن أعي ماهيتها آن��ذاك.إذ تكسر قيد ما داخل النفس وبدأ أول شذو سيحملني فيما بعد إلى منتآى الجمالية الخالدة حيث اكتشفت عالما فيروزيا، بدأ ينساب من بين أناملي في روعة ال يمكن وصفها ..ليولد حلم يفتح أمامي نوافذ الغتيال الصمت .فهل يا ترى كانت القصيدة ببراكينها وزالزلها .في انتظاري للغوص في حمأة نيرانها؟ أظن ذلك. نعم ،تلميذة كنت عندما عبثت بي مرآة
اجلوبة -ربيع 1437هـ (103 )2016
الكلمة : وح��دق��ت ب��ي ع��ي��ون متطفلة تتساؤل في صمت عن هذا الرداء الذي أسبل عاليا فجأة فكانت أول قصيدة بعثت بها لبرنامج إذاعي حول فلسطين من نحو ثالثين بيتا ،وم��ع م��رور الزمن أسقطت ع��ن قصيدتي رداء الخجل، وبعد أن تعبدت في محراب الثقافة زمناً ليس قليالً ،خرجت من علبة الحصار الذي فرضته عليها دون اإلعالن عنها- ألنها كانت مخبأة في نهد السكون أردد تراتيلها بيني وبين النفس – لكن سرعان ما فاح عطرها ،فخرجت بها إلى األماكن الثقافية العامة سواء داخل مراكش أو خارجها ،كما احتضنتها باهتمام كبير جُ ل الجرائد والمجالت منذ سنوات.
ح��اب��ل ب��ال��ص��راخ ال ح��ب�اً ب��االن��ك��س��ارات. فبين دينان تثملني وأخرى توقظني ،يمر شعاع الهواجس ليبني مدنه ،أو ليست والدة القصيدة بمثابة لعنة تصب جام غضبها على كينونة الواقع الراقص على حبل من الجراحات؟ إذ بين هذا األخير والجسد الشعري ترابط خيالي ،فيصعب لوهلة أن نلمس أي مدار يمثل انتصارا لهذه القصيدة ،فهناك ترابط بين تمرد ال��ذات على ال��واق��ع واجترارها لحنظل الصور البائسة التي ترتع فيه ،وبين األلم الداخلي الذي يبحث على الحلم المطارد ف��ي ث��غ��ر ال���وج���ود .وإن ك���ان ال ب��د من ترجيح كفة على أخرى حسب ما ورد في هذا السؤال ،فلنقل إنها تضميد مؤقت ألعطاب الذات في حلبة األخذ والرد.
ρ ρبأنامل مغموسة في دواة التمييز ،سالت وش��وش��ات ال��ق��ص��ي��دة ال��ن��س��ائ��ي��ة لتعلن تواجدها المتفردة ،م��ن ث��م نؤكد على أن قصيدة المرآة بالمغرب قد حطمت األسوار الجغرافية وتسللت إلى خريطة الشعر بالعالم ال��ع��رب��ي لتحتل مكانة مهمة .ول��و استطاع النقد أن يفرد كل جناحيه لالهتمام أكثر بشعر المرأة ،أنا واثقة بأنها ستثبت حضورها بشكل أكبر عربيا ..ولم ال؟ عالميا.
ρ ρبين ط��ي��ات ه��ذا ال��س��ؤال ،تمد فخاخ غير مرئية شباكها ،تسقطني للوهلة األول��ى في زاوي��ة خاصة بالثنائية التي قصمت ظهر اإلب��داع ،وهي التي تصب في نهر كتابة الرجل وكتابة المرأة... «لكنا سنقفز فوق هذه الهوة المرفوضة أساسا ول��ن أبحر في بركتها اآلسنة، ألمدَّ حبال الجواب على هذا السؤال. يؤسفني القول بأن النقد لم يوف قصيدة ال��م��رأة حقها ،ألن��ه ال توجد دراس��ات شاملة ومعمقة لحد اآلن ،تضع شعر األن��ث��ى ف��ي م��س��اره الصحيح ،وتخضع تجربتها لميزان نقدي جاد يبرز مدى تفعيلها لهذا الجنس اإلبداعي في مجرة
¦ ¦ك�ي��ف تنظرين إل��ى ال�ق�ص�ي��دة النسائية بالمغرب داخ��ل خريطة الشعر بالعالم ¦ ¦كيف ينظر النقد المغربي إل��ى قصيدة العربي؟ تكتبها المرأة؟
¦ ¦والدة القصيدة انتصار على خراب وخواء العالم ،أم مصالحة مؤقتة مع انكسارات الذات؟ ρ ρفي هذا السؤال تتشظى الذات في فضاء
104اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
أوقاتها عن دمائي ووقتي بها استنجدا. إنها لعبة الظهور واالختفاء التي تتقن القصيدة اإلتيان بها ،ويكون من الصعب التكهن بلحظة القبض عليها ،ألنها تكسر كل آليات االنتظار بامتياز. م��ج��رات أل���وان م��ن فرط
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
الحداثة .حقيقة برزت أسماء ..وأسماء، ن��ج��د ح��ض��وره��ا م��ن خ�ل�ال ال���دواوي���ن الشعرية .وقد استطاعت قصيدة المرأة م��ن خ�ل�ال وس��ائ��ل اإلع��ل�ام المكتوبة خ��اص��ة ،والمرئية أن تسجل حضورا فعاال ال يمكن أن نغض الطرف عنه .ألن اإلب���داع الجيد طبعا، هو السيد الذي يفرض ن��ف��س��ه ف����ي ال��س��اح��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة؛ ل�����ذا ،لم يبخل النقد باالهتمام ب��ب��ع��ض األق��ل��ام ال��ت��ي ق��دم��ت نفسها قربانا ل��ل��ش��ع��ر ،م����ن أم���ث���ال وف��اء العمراني ،مليكة ال���ع���اص���م���ي ،أم��ي��ن��ة ال����م����ري����ن����ي ،ح��ب��ي��ب��ة ال��ص��وف��ي ..وأخ��ري��ات ال يسع ال��م��ق��ام ل��ذك��ره��ن .ول��ن ننسى أن نشير إل��ى أن هناك تجارب تدخل في نطاق المسكوت عنه ،لم تجد من ينفض عنها غبار الالمباالة رغم باعها البعيد المدى في قارة الشعر الشاسعة األبحر بالمغرب .لكن يبقى ضرب من الخيال حصر مجيئها في بوثقة زمنية واحدة ،فأحيانا تولد في ليلة تمطر فيها المشاعر ويرعد الوقت ،دون أن يحفها مكان الئق بوجودها ،وكثيرا ما أطلت بارزة بعض مفاتنها ورحلت في المدى الكوني حتى لحظة زمنية أخرى ال يمكن تحديد فضائها ..ويحضرني بيت شعري للشاعر واألديب الكبير أحمد بلحاج آية
وارهام حين قال :كيف تخفي القصيدة
ال��ده��ش��ة ت��ح��رض العين لعبور سفر شهوتها األنيقة ف��ي ات��ج��اه خلجان الندى ال��م��ع��ب��د بشهقة ال����روح، وك��أن��ه��ا ت��ؤس��س فخاخها ب��ع��ن��اي��ة ليستبد ال��ض��وء بشساعات العتمة الباردة. ي��ط��وف ال��ح��ي��اد ب��إض��اءة النعومة ،وه��ي تسيل من شقوق عاصفة ملتحفة بنشيد السواد، اآلس��ر المفتوح على أرج��وح��ة تقطف خطيئة تنصاق لجنون غبطتها الجنيئة ف��ي وه���ج ال��ص��م��ت ب��ح��رارة ال��ل��ون في اللوحة تشتعل اشتهاءات الحواس بلبس فتنتها العميقة ،حفريات تقيس بهدوء ن���وات ال��دواخ��ل لتحفر ف��ي تضاريس العتمة عمقها األن��ي��ق ،وه��ي الذاهبة بخطوات طرية نحو الينابيع الضوئية اآلسرة .مكر خرائط ألوان حيرت دهشة البياض والعين معا ،لوحة متحاورة مع ظل الغواية باحترافية أنيقة.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (105 )2016
صالح بن ظاهر العشيش ρρإعداد :احملرر الثقايف
ولد في مدينة سكاكا حاضرة منطقة الجوف ،ودرس في مدارسها.. أن�ه��ى ب�ك��ال��وري��وس ه�ن��دس��ة م��دن�ي��ة ف��ي ج��ام�ع��ة ب��ورت�لان��د (1980م) ب��ال��والي��ات المتحدة األمريكية .والماجستير في إدارة العقود اإلنشائية -جامعة فلوريدا التقنية (1988م) الواليات المتحدة األمريكية. ش�ه��ادة تخصص عليا ف��ي الهندسة القيمية ( )CVSم��دى ال�ح�ي��اة (1994م) الواليات المتحدة األمريكية.
السيرة العملية •رئ��ي��س ق��س��م ه��ن��دس��ة القيمة •ن���ائ���ب م���دي���ر ع����ام ال��م��ش��اري��ع وال��م��راج��ع��ة ال��ف��ن��ي��ة ب��األش��غ��ال والصيانة بوزارة الصحة من عام العسكرية من عام 1993م حتى 1999م إلى عام 2008م. عام 1999م. •مدير إدارة الدراسات والتصاميم •مدير مشاريع الرياض والقصيم م��ن ع���ام 2001م إل���ى 2003م ب��األش��غ��ال العسكرية م��ن ع��ام بوزارة الصحة. 1989م إلى 1990م.
106اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
عضوية الهيئات والمجالس •عضو الهيئة السعودية للمهندسين. •عضو مجلس إدارة شعبة هندسة القيمة بالهيئة السعودية للمهندسين. •عضو الجمعية الدولية لمهندسي القيمة (S.A.V.E .)intern. •عضو مجلس شعبة إدارة المشاريع بالهيئة السعودية للمهندسين.
اإلصدارات واإلنتاج الفكري صدر له أربعة كتب هندسية جمعت بين عمق التجربة واألهمية األكاديمية ،هي: -1إدارة تنفيذ المشروعات الهندسية. -2هندسة القيمة :النظرية والتطبيق. -3إدارة تصميم المشروعات. -4اإلدارة الهندسية .وقريبا يصدر له «إدارة منشآت المرافق». له مجموعة من المذكرات والبحوث وأوراق العمل في عدد من اللقاءات والندوات والمؤتمرات ،إضافة إلى ح��ض��وره العديد م��ن ال����دورات التدريبية ف��ي الداخل والخارج ،وله مقاالت متخصصة منشورة في الصحافة والدوريات المتخصصة.
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
•مدير مشروعات كبرى باألشغال العسكرية من عام 1982م إلى 1986م. •ت��دري��س دورات ف��ي الهندسة (ن��ظ��ري��ة الهندسة القيمية ،دورة أساسية .)MODI •ت��دري��س م���واد ه��ن��دس��ي��ة ب��م��درس��ة وم��رك��ز س�لاح المهندسين ،وزارة الدفاع والطيران.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (107 )2016
الشعر في يومه العالمي هل ما يزال الزمن زمن الشعر؟ هنا بعض من احتجاج الشعراء الناعم
ρρاستطالع :عبدالغني فوزي
االحتفاء ب��أي ش��يء ،ض��رورة رمزية ،إلعطاء ذاك «ال�ش��يء» معنىً في الحياة والوجود. واألج�م��ل أن نحتفي بالشعر ،وأن نخصص له يوما ك��أي ش��أن ينبغي إحاطته باالهتمام �اف أنَّ الشعر هو جماعُ قِ ي ٍَم لمنح الشعر ام�ت��داده الخالق في اإلن�س��ان والحياة .وغير خ� ٍ نسبية وأخرى جوهرية ،األولى متعلقة بتحققات شعرية مع شعراء ومدارس ورؤى ،والثانية مرتبطة بتلك القيم الجوهرية السارية في التالفيف واألشياء ،أو األصول واألصوات التي تنفتح عليها القصيدة ،ك��أداة بحث دائ��م عن المفتقد والجوهري والطبيعي في مسيرة اإلنسان الذي يبتعد عن ذاته؛ وهو يخطو بكامل عدته العلمية نحو حتفه بمعنى ما. تلقين يسعى لتبرير ٍ ل��ك��ن بتأملنا ف��ي ي���وم «ال��ي��وم العالمي على الشعر ،وليس على للشعر» ،يبدو في العالم العربي أ َن المجتمع أدواته وأصوله النظرية. المدني (الثقافي) هو الذي ينهض بأعباء هناك إذاً اكراهات وحيف مركب تجاه هذا االحتفاء الرمزي؛ لكن على األرض في الشعر؛ تجعل ه��ذا األخ��ي��ر ف��ي الثالجة، إطار البحث عن بنية تحتية مالئمة وجمهور ن��وظ��ف��ه ب��م��ق��دار ووف���ق ال��ه��وى السياسي منصت ..وتغلب المالحظة أنّ االحتفاء يكون والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق عبارة عن ق��راءات شعرية ،ضمن أمسيات والمآزق اآلنية والظرفية .ما جعل مسيرته غنائية ،ك��أن األم���ر ي��دع��و ف��ي عمقه إلى التراخي والكسل اللذيذ .وهو ما يقلل من البلورية ،معرضة لألعطاب ..وأحيانا لسوء شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته .الفهم الممتد بين الشاعر وقصيدته. ف��ي المقابل ،األم��ر يتطلب التدبر في الشعر :في أسئلته المتعددة في اإليصال، ف���ي اإلع��ل��ام ،ف���ي ال��م��ؤس��س��ة بتالوينها المختلفة ،ف��ي الشعر وال��ش��ع��راء ..فحين نكون في طريق هذا المسعى ،ينبغي التربية
108اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
كيف تنظر لهذه الوضعية؟ وم��اذا يمثل
اليوم العالمي للشعر بالنسبة لكم؟ سؤال مركب حملناه لبعض األص���وات الشعرية،
لخلق نقاش جماعي في سياق من االعتراف
والحوار الخالق المتبادل.
أين هو الشعر؟ يطرح أصدقائي سؤاال من حين آلخر وحيداً وحزيناً تحت شجرة في غابة ،فيما مفاده :هل الزمن ال يزال زمن الشعر؟ وفي الضجيج يعلو داخل المدينة من أجله. غمرة اليأس يبدو لي أنا المولع بالتفاؤل كان «شيلي» يقول« :الشعراء هم واضعو حتى في أحرج اللحظات أن الزمن زمن الشعر ،زمن شاهق وشاسع رغم كل شيء .شرائع العالم غير المعترف بهم» ،وكان الكلمات تملك سحرها ،السحر الذي «بروتون» يقول« :إن االحتضان الشعري
اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع
عبدالرحيم الخصار*
يبدأ تأثيره وينتهي على الساحر نفسه ،شبي ٌه باالحتضان الجسدي يغلق كل منفذ غير أننا قبل أن ننشر الشعر ونترجمه ،على ب��ؤس ال��ع��ال��م» .أعتقد أنني أوج��د ون��ح��ص��ل ب��ه ع��ل��ى ال��ج��وائ��ز ،ون��ق��ي��م له هناك قرب هؤالء الحالمين الكبار الذين ال��والئ��م وال��م��ه��رج��ان��ات ،ي��ج��ب أوالً أن يؤمنون بالشعر عارياً وأعزل. نكتبه ،والقصائد العظيمة غالبا ما تكتب لست ضد المهرجانات واالحتفاالت، بعيدا عن طمع النشر ،ووهم الترجمات لكنني ضد ثقافة المهرجانات ،وضد أن والجوائز ،وضجيج المهرجانات. غالبا ما تسيء المهرجانات إلى الشعر ،يتحول الشاعر إل��ى خطيب تجده يقرأ إن��ه��ا ت��دف��ع بعضهم إل��ى تقليد أص��وات النص ذاته أينما ح ِّل وارتحل ،وضد أن أخرى ،وتدفع بعضاً آخر إلى التوهم بأنه يُ��ع��دّ ن��ص��وص��ه ع��ل��ى م��ق��اس المهرجان صار شاعر زمانه ،تزرع الكسل والتراخي ال���ذي س �يُ��دع��ى إل��ي��ه ،وض���د أن ينسى والتسطح ،وتدفع آخرين إلى أشياء كثيرة الشعر وينشغل في نهاره وليله بالدعوات ت��ق��ف دائ��م��ا ف��ي ال��ض��ف��ة األخ����رى ضد والسفريات واالحتفاالت. الشعر. ربما في صالح الشعر أن يبقى بعيدا
اليوم العالمي للشعر فكرة قد تكون جميلة ،لكن أين هو الشعر؟ إنه يجلس وغريبا ..ربما. * شاعر من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (109 )2016
مالك الخالدي*
بين نخبوية القصيدة و شعبوية الرواية قد يبدو الجدل الدائر ح��ول تفوّق الرواية على الشعر أو العكس في وقتنا الراهن جدالً عاطفياً ينحاز فيه المرء لموقعه األدبي أو ميوله القرائية ،وإذا حاولنا استقراء المشهد مع توخي الموضوعية فال بد من اإلق��رار بتمدد الرواية وانتشارها شعبو ّياً وذلك لعدة أسباب:
-٤تناول الروايات الحديثة لمواضيع مجتمعية وقضايا حساسة ،وكشفها المخبوء والمحظور اجتماعياً كرواية «ترمي بشرر» لعبده خال، «ال��وارف��ة» ألميمة الخميس ،ورواي���ة «ساق البامبو» لسعود السنعوسي الفائزة بجائزة البوكر لعام ٢٠١٣م.
-١نخبوية الشعر؛ أي انكفاءه في غالب األحيان على األدب���اء وال��ش��ع��راء والمهتمين ب��األدب والمغرمين بالقراءة ،وزه��د شريحة كبيرة م��ن المجتمع ب��ه ،وبخاصة تلك القصائد العمودية القديمة وعرة المفردة ،والنصوص الحديثة مستغلقة الصورة ،مواربة المعنى، بالرغم م��ن ان��ج��ذاب البعض ل��ن��وع شعري فصيح ذي أبيات قصيرة ،بلغة سهلة بسيطة، وأفكار غزلية صريحة كأشعار نزار قباني.. وتلك التي تالمس أبعاداً ايدلوجية كقصائد عبدالرحمن العشماوي ،وتلك التي ظهرت في وسائل التواصل االجتماعي كأبيات فواز -٦ال��درام��ا والسينما التي حوّلت العديد من ال��رواي��ات إل��ى أف�ل�ام ومسلسالت ،م��ا زاد اللعبون ومحمد المقرن. شغف الجمهور بعالم الرواية. -٢س�لاس��ة ال��ل��غ��ة المستخدمة ف��ي ال��رواي��ة وبساطتها ،كروايات قماشة العليان ويوسف -٧األدب الغربي صانع فن الرواية والشغوف ب��ه��ا ،وت��أث��ي��ره ال��ع��ارم على األدب واألدي���ب المحيميد ،بل إن عدداً كبيراً من الروايات والمتلقي العربي ..مع االنفتاح التقني والعلمي الحديثة تستخدم اللهجة المحكية بشكل والثقافي الهائل في القرون المتأخرة. واس���ع ،مثل رواي���ة (ب��ن��ات ال��ري��اض) لرجاء الصانع . كل ذلك أسهم بشكل كبير في تمدد الرواية -٣الطبيعة ال��ع��رب��ي��ة ال��م��غ��رم��ة بالحكايات كماً ،واتساع دائ��رة مريديها وقرائها ،لكنه أتى واألساطير ،والشغوفة بالتفاصيل منذ القدم سلباً على جودتها الفنية واللغوية في كثير من اب��ت��دا ًء باألساطير األول���ى وح��ك��اي��ات ألف األعمال؛ في حين مضى الشعراء واألدباء والنقاد ليلة وليلة ،ثم القصص القرآني بعد ظهور وم��ت��ذوق��ي الشعر وعشاقه ان��ش��غ��االً واشتغاالً اإلس�لام ،ثم انتشار الحكّائين في العصور بالشعر قراءة وإبداعاً ونقداً ،فبقي ديوان العرب المتأخرة وقبل ظهور اإلذاعة والتلفاز. األكثر جود ًة ورصان ًة وزخماً.
-٥ال��رواي��ة أسهل طريق وأوس��ع بوابة لدخول أنصاف الكتّاب ومريدي الشهرة واألض��واء إلى عالم األدب ،وقد رأينا على سبيل المثال بعض الصحفيين الذين أصبحوا بين عشية وضحاها في صفوف «الروائيين» ،لذا ظهرت ال��رواي��ات الرديئة لغوياً وفنياً ..فاجتذبت جمهور عريض ،لكنه ضعيف ثقافياً ،وغالب ه��ؤالء م��ن الشباب والمراهقين والطالب ال��ص��غ��ار ،أو ال��ش��رائ��ح غير ال��ق��ارئ��ة الذين تستهويهم اللغة اليومية والمواضيع العاطفية.
* شاعرة من السعودية.
110اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
لم نؤسس بعد تقاليد االحتفال ما تقوم به جمعيات المجتمع المدني بالمغرب على كل ح��ال ،هو ن��وع من النضال والتضحية، بالرغم من اإلمكانات المادية المحدودة المتوفرة لكل واحدة ،وخصوصا تلك التي تشتغل في الحقل الثقافي الذي يعرف الكساد ،ومزاجية األشخاص، كما هي فصول السنة األربع .لكن تبقى كل جمعية بالمغرب عما تقوم به من إنجاز ،ونشاط ثقافي على األق���ل ..م��ب��ادرة مهمة تسهم ف��ي ل � ِّم شمل الشعراء في مكان وزمان معين ،ولو أن الجمعيات الثقافية صارت اليوم ال تتجاوز أصابع اليد ،في الوقت الذي انصرف فيه اهتمام جمعيات أخرى نحو ما يعرف بالتنمية البشرية ..ناسين التنمية الثقافية إلى من يهمهم األمر. أمر الشِّ عر وشؤونه الخاصة كانت منذ األزل أمر يخص الشعراء أنفسهم ،لذا نجد أحيانا في بعض الجمعيات الثقافية أن الشعراء هم من يتولون تسيير شؤونها ،من خالل تنظيم مهرجانات وملتقيات ،وذلك على حساب وقتهم وطاقتهم. ومن وجهة نظري يبقى تنظيم قراءات شعرية كاف إذا ما تبصرنا بشكل جيد هنا أو هناك غير ٍ األهداف التي يجنيها الشاعر من خالل مشاركاته كهذه ،وتساءلنا هل تسهم في إشعاعه وشهرته... أم أنها تسهم في تحبيب الشعر لدى فئة محدودة من الذين يحبون اإلنصات للشعر ...أم أن ذلك اللقاء الشعري من أجل ملء الفراغ بما يناسب أو ال يناسب.
على أيٍّ ،يبقى السؤال المؤرق وال��ذي يتكرر باستمرار ،وأقولها بصراحة ،ما جدوى أن نحتفل كل عام باليوم العالمي للشعر ،ونحن لم نؤسس بعد تقاليد جديدة لالحتفال ولم نصل إليها بعد؟! وكيف يمكننا أن نحبب الناس بالشعر ويقتنون الدواوين الشعرية إن لم تكن ثمة سياسة ثقافية واس��ع��ة وواض��ح��ة ،تستغل ه��ذه المناسبة لطبع دواوي��ن شعرية في طبعات شعبية وتوزعها على نطاق واسع ،بدل تخزينها وتعريضها للتلف .فعلى سبيل المثال ،فإن التلفزيون المغربي بقناتيه األولى والثانية بما فيهما تلك التي في األرض أو تلك التي في الفضاء ،يبدو وكأنه غير معني تماما بالشعر، وال يظهر منه أدنى اهتمام ،لذا كيف السبيل من دول��ة أكثر من نصف سكانها أم��ي ،ونريد منهم القراءة والذهاب إلى قاعات دور الثقافة لإلنصات للشعر؟! وكيف نريد من الناس أن يتولد في ذهنها ثقافة ت��ذوق الشعر ،وأغلب مدننا تعرض فيها لوحات إشهارية ،استهالكية على م��دار السنة، تجني منها الشركات التي وراءه��ا أم��واال طائلة، ولم هذه الشركات ال تخصص يوما لعرض الشعر في لوحاتها ،على األقل تسهم في الذوق الجمالي لدى المواطنين .أين الشركات الوطنية وبخاصة االتصاالت والبريد من اإلسهام في نشر الشعر سواء عبر الطوابع البريدية ،أو تخصيص جائزة لكتابة الشعر عبر خدمة الرسائل القصيرة؟ ألم أقل لك ليس عندنا تقاليد لالحتفال بالشعر؟!
اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع
عبدالحق بن رحمون*
* شاعر من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (111 )2016
عبدالحق ميفراني*
بحثا عن قيم الشعر والكينونة أفترض في البداية أن الحاجة للشعر ال تزال السنوات األخيرة على مشهدنا الثقافي واإلبداعي. قائمة وستظل ،مادامت الحاجة لتمثل قيم الحياة ال��دول��ة ال يمكنها أن تفكر ف��ي الشعر ألنه والكينونة ومعرفتنا بالعالم ،تزيد وتتعمق أكثر .نقيضها ،نقيض لخطابها ولقيمها ولسياساتها ويظل الشعر المغربي عبر تاريخه الطويل الجنس ولمنطق تفكيرها .للشعر طريق آخر يعبره دونما اإلبداعي المتفرد الذي تحمله الذات ضدا على حاجة لـ«هذه الرعاية المستحيلة» وإال ماذا قدمت كل قيم التشيؤ والرداءة واالنتهازوية الجديدة .هو المؤسسات للمشهد اإلبداعي والثقافي عموما؟ فضاء البوح الوحيد الذي يمكن المبدع أن يفتح هل نتوفر عن استراتيجية ثقافية تهم وضعنا الذي وشائج أصيلة للمعرفة .معرفة األشياء والذوات أمسى مليئا بالمفارقات؟ كيف يمكننا أن نتحدث واألف��ك��ار ،لذلك ظل الشعر محموال على عاتق عن «مأسسة الشعر ورعايته» في وق��ت ينشغل الشعراء يعبرون به مزالق الضيق ،ويكسرون به الجميع بـ«خطر األمية الثقافية» براهن بئيس رده���ات األس�ل�اك والعتمات .تمث ً ال منهم ألفق لراهن الكتاب والنشر ،بتراجع خطير وكارثي في الحياة التي تستحقها كينوناتهم .قيم الشعر أبعد المقروئية...؟ م��ن أن تحاصر ف��ي أج��ن��دة التسويق االحتفائي ه����ذا ف���ي وق����ت ت��ت��ن��اس��ل ف��ي��ه االج���ت���ه���ادات اليومي أو السنوي ،فهو حاجتنا الماسة للهواء، هو اليومي وفسحات األمل حينما تمتد مسحات والعناوين ،وبعض اإلطارات الجمعوية التي أمست فاعلة اليوم ،وتؤسس لفعل ثقافي بديل كي تجعل وانجراحات الروح. العناوين السالفة الذكر فعال متحققا في المتخيل لذلك ،يحتاج العالم للشعر ،ولذلك بدأ بالشعر المغربي والعربي والكوني. كفن القول األجدر بالتعبير. فهل يمكن ليوم عالمي للشعر أن يعيدنا إلى هكذا يمكننا أن نفهم سر هذا الولع بالشعر عند عمق ه��ذه اإلش��ك��االت؟ أم نلتئم ح��ول قصائدنا هذه اإلطارات المناضلة الجمعوية ،والتي تواصل الهاربة لحظات ..كي نعلن أننا كائنون في يوم تأسيس فعل الحضور من خ�لال تنظيم لقاءات واحد وننمحي؟؟ ون���دوات تحتفي بالقصيدة وبالشعر والشعراء. ال��ش��ع��ر أب��ع��د أن ي��ؤط��ر وي��وج��ز ف��ي أج��ن��دة هم أبعد عن تدجين المؤسسات ،ألنهم يدركون بحسهم المعرفي الخالق ،قوة الشعر في تأسيس المواسم؟ وحين نستوعب هذه القيم ،يمكننا حينها االختالف ،وفتح كوة للكينونة ،كي تعبر عن حريتها أن نستعيد عمق الشعر وروح معرفة الشعراء.. دائما وأبدا :الشعر والشعراء بألف خير.. دون أغالل ويوتوبيات «قيم جديدة» أمست تخيم * شاعر وناقد من المغرب.
112اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
قبل أن تبدأ العاصفة.. يوم واحد ال يكفي لالحتفاء بالشعر ،هذا ال��ذي يملك من النسب العريق الشاهق في التراث اإلنساني ما يجعله حاضرا في وجدان الناس أكثر ليالي العام ،وليس يوما واح��دا يحضر في بعض جهات العالم على استحياء. ك��ل ه��ذه ال��ق��رون ال��ض��ارب��ة ف��ي التاريخ ال��ب��ش��ري ،ول���م يُستنفد التعبير ع��ن��ه ،ول��م نفتأ نكابد عذاباته ووجعه األشهى .ال أحد يحتفي بالقلق سوى الشعراء ،بحفنة قليلة من المجازات يجابهون هذه الوحشية من القبح، ويدينون بغنائهم الشجيّ كل تمظهرات الخيبة، ال سالح يشهرونه في وجه هذا الفراغ األعمى عدا نصوصهم ،ونزيف قصائدهم. نحن أمة منذ فجرها األول تحتفي بالشعراء؛ إ ْذ كانت لهم سورة باسمهم في كتاب اهلل الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه، وخاتم األنبياء اتخذ من قولهم سالحا يكيد به األعداء ويدحر شرورهم ،وسوف يمتد هذا التكريم إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها. أجل ،هناك في تاريخنا العربي من ناصب الشعراء العداء ،ولفّق لهم التهم زوراً وبهتانا، ال لشيء إال ألنهم ل��م يغمضوا أعينهم عن التسلط ،ولم يبرّروا ويشرعنوا الطغيان ،فقُتل البعض منهم ،ونُفي آخرون ،بيد أن هذا الصوت
الهادر المعبّر عن ضمير الشعوب المقهورة ،ما برح يتردّد صداه إلى اللحظة ،يتردّد في زوايا غرفنا ،وعلى ج��دران منازلنا ،ويلقي التحيّة على الناس الذين ه ْم مصدر إلهامه األول، يصدع بآمالهم ،ويتغنّى بحسرتهم.
اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع
إبراهيم زولي*
ما انفكّ الشعر يه ّز ج��ذوع الجهات حتى تتساقط نخلة الحلم ،واقفا على حافة العالم، في انتظار بروق غامرة بالياقوت والخصوبة، واق��ف��ا ال يخشى ه���ودج ال��م��وت ،وال ترعبه صيحات القراصنة ،ذاهبا في غيمة ال تؤاخي إال عصافير ع��ق��دتْ حلفا م��ع المستقبل والجمال. أيها الشاعر ،هذا هو العالم يخرج دائخاً من غفوته ،ويبدأ فوضى النهايات ،عالم ال وقت لديه لغد أبهى ،ال وقت لديه ألراض يؤرخ أخاديدها االخضرار .ال تهادن ،وال تسأل كيف تُزيّف زرقة البحر ،وترتعش البالغة في حضرة السيوف .أكتب فقط ،أكتب عن المكائد ،عن العتمة األزل��ي��ة ،ع��ن السواحل ال��س��ادرة في عطشها ،عن المدن التي تقارع الخيبة عزالء، عن صحار تتعقّبنا بخطوات ثقيلة ،عن امرأة يحاصرها الغيب والنسيان. أكتب قبل أن تبدأ العاصفة.
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (113 )2016
إبراهيم الحجري*
الشعر ورقتنا لحفظ ما تبقى من جمال
فعال ،ه��ذا ال��وض��ع مؤسف حقا .فعدا مبادرات المهووسين بهذا الفن الرائع ،قلما تجد تحرك جهات حكومية مسؤولة قصد اإلس��ه��ام ف��ي ه��ذا ال��ع��رس اإلنساني ال��ذي يستنكر الهمجية في شتى أشكالها ،ويحرّض على التعايش والقيم اإلنسانية العليا. لكن ،ومع هذا ال يجب أن نقف مكتوفي األيدي ،ونحن نرى نور هذا الفن ينبثق في يومه الربيعي .بل علينا أن نسعى بإمكاناتنا المتواضعة لنغنّي في عرس الشعر ونحتفل معه في رقصته األسطورية الخالدة.
الشعر ،بالنسبة لي على األقل ،رئة ثالثة أتنفس من خاللها حيوات أخرى ،حيث يصبح الواقع رديفا للموت :الموت المتعدد األبعاد، وحيث تصبح كل أهوية العالم فاسدة ،الشعر قناة عبرها أعيش حياة ثانية وثالثة وال نهائية ،عكس اآلخرين الذين يعرفون طريقا واحدا إلى الموت ،وهو فوق ذلك ،لغة خاصة أتواصل عبرها مع ذاتي أوال ،ثم مع عوالمي العليا التي أدركها عبر اآلخرين ،هذه العوالم التي ال يدركها إال العارفون ،الشعر الممكن من المستحيل ،الشعرة الدقيقة التي تفصلنا عن عالم الجنون أن لم تكن هي نفسها هذا العالم! الشعر كون فسيح يجعلنا نتسامى عن خرائط البؤس اليومي ،ونرتقي بفضله درج��ات لنمنع العالم السفلي من الدمار، * شاعر من المغرب.
114اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
فحينما يجن ال��ك��ل يبقى ص��وت الشاعر وح��ده المدافع عن هذا الكون ،والحريص على ال��ح��ي��اة ،فبالشعر نفهم س��ر الحياة ون��ت��ذوق معانيها السامية الخصبة التي يغفلها اآلخرون ،الشعر نعمة ال يحرم منه إال محروم ،وال يتبرم عنها إال مخبول ،الشعر مرتع لألشواق ،طريق نوراني ونشيد متفرد اللحن ،الشعر سيد في عليائه ،حميم في انبثاقه ،عجيب في إشراقته ،الشعر ميثاق اإلنسانية في جوهرها األصلي الخالي من الدبلوماسيات ،المتعالي على السفاسف واألباطيل ،المتجرد من األنانيات ،الشعر يجمعنا على درب ال��وف��اء وال��ح��ب ،واألث��رة تفرقنا وتشتت نزوعنا الجوهري ،بلغة الشعر نحب الحياة ونهواها وندافع عنها ،وبلغته أيضا نسافر معاً في عالم ال تعكر صفوه حروب وال صراعات! بالشعر فقط نبقى آدميين .نلبس ثياب الطيبة واألحاسيس! بالشعر نبقى وسيمين أك��ث��ر ،بالشعر نبقى خ���ارج دوام���ة الحقد ال��ب��ش��ري ،خ���ارج خ��ن��دق ال��ض��ي��ق والعنف البهيميين! فعليكم بالشعر! فقد يكون ورقتنا لحفظ ما تبقى من جمال! من حب! من حياة .وكل عام وأنتم على شعر.
لن أتغنى ..لن ألقي خطابا.. لن أكتب قصيدة.. إذا ك���ان م���رام ال��ش��ع��ر ال ي��ق��ف ع��ن��د ح��دود التواصل واإلعالم ،وإنما يسعى عبر صقل دائم وتقص لمعانيها ،إلى إدامة اللغة اإلنسانية ٍّ للغة وإبقائها حية ،والكشف ال��دائ��م ع��ن الوميض األصلي للثقافة وتوهجها. وإذا ك��ان الشعر ينبع م��ن صميم ال��وج��دان اإلن��س��ان��ي ويستخلص مكنون الجهد البشري إب��داع��ا وتفكيرا ،ك��أداة للحوار بين الثقافات، ومنبر لتنوّع التعبيرات الثقافية. ٍ فإن اليوم العالمي للشعر يأتي ليلفت األنظار لألهمية الفنية والجمالية للشعر ،وما يخزنه ويعبر عنه من عنفوان .وكذا لالعتراف به وإعطاء نف ٍَس جديد لإلبداعات الشعرية الوطنية والجهوية وال��دول��ي��ة .فالشعر ف � ُّن يخاطب األح��اس��ي��س، ويسحر العقول ،ويهذب النفوس ..هذا بعض ما أكدت عليه بعض الخطابات العالمية التي ألقيت فيما سبق في مناسبة يوم الشعر. يأتي اليوم العالمي للشعر ليواجه العالم بذاكرة الشعر ،وي��واج��ه الشعراء ب��ذوات��ه��م ،فمنهم من يستعيده متأسيا على صمت الشعر إزاء أحداث شتى ،يعجز الشاعر عن التعبير عن مآسيها؛ ألنها تبدو أوجاعا تتجاوز الكلمات والمعنى ،وربما تذكر شاعر آخر ممن غاب من الشعراء أو اعتزل ،أو من غيبه الموت وحضر شعره بالنيابة عنه في تلك المناسبة السنوية التي تتذكر الشعر بخطابات وقصائد وكلمات شتى ،محاولة تحريض الشاعر على مواصلة العطاء اإلنساني.
الشعرية ،والصمت ،وترقب تحوالت ذلك الواقع الصعب حتى على الوصف والتصور ،مختارا أن يلوذ بقرطاسه بعيدا عن كل هذا الكدر البشري ال���ذي ال ي��ع��رف ال��ص��ف��و ف��ي واق���ع ال��خ�لاف��ات السياسية المعاصرة.
اس � � � � � � � � � � � � � � � � �ت � � � � � � � � � � � � � � � � �ط � � � � � � � �ل � � � � � � � ��اع
هدى الدغفق*
فهل جاء اليوم العالمي للشعر في هذه األيام العسيرة ليصير مناسبة لالحتفاء ،أم الحتضار ال��ش��ع��ر وش��اع��ره م��ع واق���ع ينغص ع��ل��ى ال���روح الشاعرة سكينتها ،ويخرب أراضيها ،ويحرق غابة إلهامها بنيران الثورات والحروب ودماء القتلى الجارية في كل مكان ووطن؟ ل��ن أتغنى بالشعر وأرتّ الكلمات وأه��ذب الخطاب الذي يليق بهذا اليوم -يوم الشعر -ألن الشعر موجع بذلك اإلنسان الذي ما يزال يتعذب بإنسانيته ومواطنته وانتمائه ،ويرحل من أرض إلى أرض بحثا عن األم��ن ،فكيف يجيء الشعر دون أمن ذلك اإلنسان على ذاته المهدرة كرامتها؟ سأطيل الصمت ..سألبس رداء الحزن حتى تتحرر البشرية من عبودية الطائفية والتطرف واألس���ر دون م��ب��رر ..س��وى أنها ال تتنازل عن مواطنتها وال تترك أوطانها.
وألن الشعر ه��و ال��وط��ن ل�لأح��اس��ي��س ،وهو الخطاب اإلنساني المشترك ،فسأختار عزلتي، وأع��ت��ذر عن احتفائي بشاعريتي ،بل سأتذكر كل أولئك المكلومين والجرحى ،وتلك الخرائب البشرية التي تخرس لسان الشعر ،وتضيِّق على لكن مع ما يتوالى من جراح وأزمات إنسانية أنفاس الشاعر بك ِّم الخرائب اإلنسانية التي تمتد واقعية ،يضطر الشاعر إلى االنطواء على ذاته في كل بيت وأرض ووطن.
* شاعرة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (115 )2016
السردي وعنصر الحدث الفـن ُّ ُّ رؤيــة تنظيـريـة
ρρد .صبري مسلم حمادي*
إذا ك��ان ال �ق��اص الشعبي ي�ك��دس األح� ��داث دون رواب��ط منطقية تربطها ببعضها ،وه��و م��ا يمكن أن نطلق عليه غ �ي��اب ع�ن�ص��ر ال�ح�ب�ك��ة – ع �ل��ى ح ��دّ ت�ع�ب�ي��ر مصطلحاتنا الحديثة – فإن القاص المعاصر أو الروائي يسعى إلى أن يهيئ قارئه للحدث الالحق ،وأن يمهّ د له ،بحيث تتسلسل األحداث على وفق ضوابط منطقية ،وهذا على وجه الدقة ما يعنيه مصطلح الحبكة ،وليس المهم كثرة األحداث وتشابكها ،بل مصداقيتها الفنية ،وهنا ال بد من الوقوف قلي ًال عند مسألة الصدق الفني الذي ال يرادف الصدق الواقعي؛ بمعنى أن الحدث داخل العمل القصصي ال يطابق الحدث في واقع الحياة ،صحيح إنه يشبهه في خطوطه العامة ،ولكن عنصر الخيال يدخل طرف ًا مهم ًا في عملية الخلق الفني ،بحيث ينسق الحدث وينقيه من التفاصيل غير الضرورية ،ويصقله ويقوي تأثيره ،ولذلك فإن الحدث القصصي المتقن قد يهزنا ويستدر دموعنا ،في حين إن مثيله في الحياة يبدو أقل تأثيراً. وإذا كانت ثمة شخصيات رئيسة العام ال��ذي يحيط بالحدث ،في حين
وأخ���رى ثانوية ف��ي العمل القصصي ،يكون الحدث الداخلي هو الذي يستند
فإن من البديهي أن تكون هناك أحداث إليه بناء القصة من الداخل ،ولغرض رئيسة وأخ���رى ث��ان��وي��ة ،بيد أن هذا توضيح هذه المسألة نقول على سبيل التقسيم األول��ي لألحداث ال يخلو من االس���ت���دالل إن رواي�����ة «ل��ل��ح��بّ وق��ت
تبسيط لطبيعة الحدث ومهمته داخل وللموت وقت» للروائي األلماني أريك العمل القصصي ،وربما لجأ الناقد أو ماريا ريمارك ،كان الحدث الخارجي الدارس على وجه العموم إلى أن يقسم فيها هو الحرب العالمية الثانية ،في
الحدث إلى خارجي وداخلي ،والمقصود حين إن الحدث الداخلي فيها هو الحب
بالحدث الخارجي هو اإلطار أو الظرف والزواج في ظل ظروف الحرب القاهرة،
116اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ويتفنن القاص في أسلوب عرض أحداثه الرئيسة منها أو الثانوية ،وتستأثر استهاللة واج َهتُه والطريقة الحدث باالهتمام ،ألنها ِ التي يجتذب بها القاص قارئه ،ف��إذا نجح في إدخاله عالم قصته ،فإن في هذا بداية النجاح ،على أن ال يخدع قارئه أو يتعبه بمفاصل شيقة ،ولكنها ال ت��ؤدي إل��ى بناء متماسك لألحداث؛ ألن القارئ قد يخيب ظنه بالكاتب حين يكتشف أن استهاللة الحدث لم تؤ ّد إلى خاتمة فنية مقنعة ،لذلك ف��إن خاتمة الحدث ينبغي أن تكون نهاية طبيعية لسياقات أحداث القصة وتفاصيلها المحبوكة ،وكثيراً ما يميل القاص المعاصر إلى النهاية غير الحاسمة للحدث كالزواج في الحكاية الخرافية أو الشعبية عامة، ولكن القاص وبوعي منه يترك فجوات في خاتمة حدثه ،غرضه منها أن يحرك ذهن ال م��ع قصته عبر ال��ق��ارئ ويجعله متفاع ً توقعات القارئ للنهاية وحدسه لها. وإذا ك��ان ك��ات��ب ال��س��ي��رة الشعبية يبدأ بالحدث منذ والدة البطل وينهيه بموته ،فإن القاص المعاصر ينوع في أسلوب عرض حدثه ،فهو قد يبدأ منذ بداية حدثه الرئيس، ويمهد ألحداث الحقة فيه وينهيه بأسلوب فني ،وربما يلجأ إلى تقنية االرتجاع الفني (الفالش باك) ،وكما ترجمها مجدي وهبه في معجم مصطلحات األدب ،إذ يبدأ القاص
وف��ي القَصص التقليدي ال ب��د للحدث من ذروة ،إذ يبدأ من نقطة ما ،ثم يتصاعد باتجاه القمة التي هي الذروة أو العقدة ،وما إن يصل إليها العمل القصصي حتى يبدأ الحدث بالهبوط باتجاه الخاتمة ،مما يشكل شبه مثلث قمته عقدة الحدث أو ذروت��ه، وقاعدته ترتكز إلى نقطتين إحداهما تمثل منطلق القصة وبدء أحداثها ،واألخرى تمثل نهاية رحلة البطل واستقراره وسكونه إثر حركته الدائبة التي شكلت أح��داث العمل �ص ال��ق��ص��ص��ي ،وال ت��ل��ت��زم ك��ل أن��م��اط ال��ق� ّ المعاصر بمثل هذا ،بل إنها تختط لألحداث مسارات أخر ى تبدو أكثر حرية في حركتها، وهي تنصرف إلى العمل القصصي وتحكم عالقاته وصالت عناصره ببعضها ،بحيث يبدو مثل لوحة متناسقة األبعاد واألل��وان، ف���إذا م��ا طغى أح��د األب��ع��اد أو األل����وان..
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ومن الطبيعي أن يتبادل الحدثان (الداخلي والخارجي) التأثير والتأثر ،نظراً ألن الصلة بينهما جدلية وساخنة.
بالحدث من نهايته ويسترجع تفاصيله من خ�ل�ال ذاك����رة ب��ط��ل ال��ق��ص��ة ،وق���د يمسك القاص الحدث من وسطه أو من نقطة ما فيه ،ثم يسترجع التفاصيل السابقة الممهدة له ويمهد بدوره لتفاصيل الحقة فيه تنتهي بخاتمة فنية مناسبة ،وربما يوائم القاص بين أح���داث ال��زم��ن ال��م��اض��ي وال��ح��اض��ر، عبر سردها بأسلوب مختلف ال يخفى على القارئ المتعمق ،أو عبر أسلوب طباعتها، فأحداث الزمن الماضي بحروف أصغر أو بحروف مائلة ..وما إلى ذلك من أساليب قد يلجأ إليها القاص الفنان مستفيداً مما وفرته له تقنيات الطباعة الجديدة.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (117 )2016
ف��إن االض��ط��راب يشيع ف��ي عموم اللوحة القصصية الفنية.
ويمكن للقارئ أن يعود إلى م��ادة (ح د ث) في كل المعاجم العربية كي يتأكد من أنها دالة على اإلخبار والحصول ،وكونها كذلك.. يجعل الحدث مرتبطاً بالضرورة بمحورين، أح��ده��م��ا :زم���ان ح��ص��ول ال��ف��ع��ل ،أو لنقل السقف الزماني للحدث ،واآلخر :األرضية المكانية التي ال يمكن للحدث أن يتحقق إلاّ على مهادها ،والعنصران كالهما – وأعني بهما ال��زم��ان وال��م��ك��ان – ال ينفصالن عن الحدث بأيِّ شكل من األشكال ،صحيح إن بعض قصص الخيال العلمي تختار نقطة بعيدة في الماضي السحيق أو في المستقبل البعيد ،بيد أنها ال تفلت بهذا من عنصر الزمان ،بل ترتب أحداثها بما يناسب تلك العصور واألزم��ان ،وينطبق هذا تماماً على القصاصين الذين هربوا من تصوير الواقع، وادع����وا أن��ه��م يكتبون قصصاً ع��ن كوكب المريخ أو الزهرة أو القمر ،ولكنّ الهدف الرمزي بيِّن ،إذ غالباً ما يلجأ القاص إلى مثل هذا األسلوب من أجل أن يتفرد بتجربة قصصية ،يتجاوز من خاللها المألوف من التجارب القصصية السائدة.
وقد ال يقتنع القاص المعاصر بالحدث الواقعيّ الذي يوازي األحداث التي تحصل في الحياة ،ويجاريها ..فيلجأ إلى الحدث ال��رم��زي ال���ذي ي��ن��ط��وي ع��ل��ى غ��اي��ة فنية، فلقد أف���اق غ��ري��غ��ور سامسا (ب��ط��ل رواي��ة المسخ) لكاتبها فرانز كافكا ذات صباح، ليجد نفسه وقد استحال إلى حشرة كبيرة، وبدأت معاناته في استحالة التجانس بينه وبين مَن هم حوله من أفراد أسرته وزمالء عمله ،إن المستوى ال��رم��زي لهذا الحدث هو اإلش��ارة إل��ى اغتراب بطل ال��رواي��ة عن مجتمعه ،وتناشزه مع واقعه إلى الح ِّد الذي يبدو فيه مسخاً في نظر اآلخرين ،وربما قصد كافكا أن اإلنسان حين يواجه أزمته يجد نفسه وحيداً ،إذ يتخلى عنه حتى أفراد أسرته ،وقد عبّر بحدث المسخ الرمزي عن كل هذا رغبة في التميز في أسلوب صياغة الحدث وعرضه ،وتعتمد بعض أنماط القص كالروايات البوليسية على إضفاء الغموض لا ع��ن حشد ع��ل��ى ع��ن��ص��ر ال���ح���دث ،ف��ض� ً المصادفات التي يندر حصولها في عالم وحين نستعرض النصوص السردية التي الواقع ،ولكن مثل هذه الروايات تظل أقل تجاوزت زمنها ،ونفذت إلى أجيال الحقة، فنية من سواها على الرغم من أنها تستأثر فإننا نجد ب��ال��ض��رورة أن عنصر الحدث بجمهور عريض من القراء. فيها كان مميزا بل استثنائيا ،إذ استطاع أن وال��ح��دث ف��ي ج���ذره ال��ع��رب��ي م��ص��در ال يسطع وسط ركام هائل من األعمال السردية يختلف فعله في رسم حروفه عن مصدره ،المكرورة حد االنطفاء. * أستاذ اللغة العربية في قسم اللغات األجنبية بكلية واشتناو أن آربر -مشيكان -الواليات المتحدة األمريكية.
118اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
النص العميق والنص العقيم ρρأ .حورية أفقير*
لو كان العُ مق مقدمةً ،ألمكنه أن يدلَّ على نتيجته ،ولو كان العُ قم نتيجةً ،لما أمكنه أن يدلَّ على مقدمته ،ذلك ألن العمقَ بوسعه أن يدلَّ على سالمة االرتفاع، أما العقم فال سالمة قبله وال بعده انتفاع .ففي األدب يمكن اعتبار العق َم قاعدةً، والعمقَ استثناءً ،إذ يصح التقرير بأن جميع الكُ تاب يمكنهم أن يكتبوا ،لكن ال يصحبه التقدير ب��أن ما يكتبون جميع ًا يبدو نصوص ًا جدير ًة بالبقاء ،بمعنى؛ قادرة على التكاثر .وما ليس بقادر على التكاثر ،فال بقاء له إال جماداً ،والجماد ال حياة فيه ،إذ ًا كيف يمكن للنص األدبي أن يبقى حياً؟ قد يصح الجواب على هذا السؤال انتفاء التعدد الداللي.
بالقول إن النص األدب��ي يبقى حياً من خالل النص النقدي الذي يوحي به إلى
ذهن الناقد ،إذاً فإن «اإليحاء» يتضمن «اإلح��ي��اء»؛ وبالتالي فكلما اعتُمد في نسج النص األدب���ي على لغة اإلي��ح��اء،
إن ق���درة ال��ك��ات��ب ع��ل��ى ان��ت��ق��اء لغة اإلي��ح��اء ،ت��س��اوي -إل��ى ح��د م��ا -ق��درة ال��ن��اق��د ع��ل��ى إح��ي��اء ن��ص��ه األدب����ي من النص ُّ خالل النص النقدي ،فكما يمنح
استطاع أن يعيد إنتاج نفسه نقدياً فيما األدبيُّ نفسَ ه للمبدع ،كذلك يمنح نفسه بعد ،وكلما اعتُمد فيه على لغة التقرير ،للقارئ الناقد ،إذ يصح االفتراض بأن مال إلى العجز الذي قد يكون عُقماً في كليهما قارئ قبل أن يكون كاتباً ،فالمبدع
ُّ حالة ما إذا وص��ل النص إل��ى مستوى يقرأ الذاكرة والواقع والخيا َل والطبيعة
اجلوبة -ربيع 1437هـ (119 )2016
نصه شاعراً وس���ارداً ،قبل أن يقرأ الناق ُد َّ دارساً ،والنص العميق هو القادر على الخلق، ألن��ه مولود وليس فقط مكتوباً ،أم��ا النص العقيم ،فهو مجرد مكتوب ،وليس مولوداً. وبنا ًء على ذلك ،فإن النص األدبيَّ األصيل يتوالد ،يتكاثر ،وه��و بذلك (ول��ذل��ك) قادر على إنجاب النص النقدي؛ بينما يظل النص العقيم أبتر ال تحبل مخيلة الناقد بشكله وال بمضمونه ،وهكذا قد يؤدي اإلجهاد بالدارس أحس الناقد، َّ في دراسته إلى اإلجهاض .إذا النص األدبيَّ ،بأنه يستطيع أن يكتب وهو يقرأ َّ عنه دراسة نقدية بدون تكلُّف وال مجامالت لصاحبه ،فذاك هو النص العميق ،وإذا شعر الناقد بالبياض في نفسه وهو يقرأ نصاً، فذاك يعني أن النص المقروء عقيم ،وبذلك يكون الناقد أمام خيارين؛ إما أن يكتب عنه دراسة ملفَّقة غير موفَّقة ،وإما أن يركِّز على صاحبه بدل الكتابة عنه ،وما أكثر القراءات �اص ب��دل النص، النقدية ال��دائ��رة ح��ول ال��ن� ِّ �اص ب��دل ال��ن��ص على وإن دل��ت دراس���ة ال��ن� ِّ شيء ،فإنما تدل على عقم النص ،والعكس صحيح؛ أي كلما ارتكزت الدراسة النقدية الناص ،دل ذلك على عمق ّ على النص بدل النص .فالمعادلة بسيطة ج��داً ،وه��ي؛ يُعد النص ناجحاً كلما استطاع أن يُلهم اآلخرين بنصوص أخرى.
األرض ،فإن دالالت النص تتغلغل في بياض ال��ورق؛ أي فيما بين السطور .وإذا كان علو الشجرة وامتداد أغصانها في السماء يدل على عمق جذورها في األرض ،فإن ما بين سطور النص العميق يدل عليه ملء السطور، أما النص العقيم فإن ظاهره دليل على فشل باطنه ،كما تكون األغصان الذابلة المتضائلة ال على فشل الجذور. دلي ً �دارس َ إن النص األدب��ي العميق يمكِّن ال� من تقدير عمقه انطالقاً من سم ِّو ألفاظه، وبالتالي ،فهو يستطيع النفوذ إل��ى عمقه والوصول إلى لحظة بداية تشكّله ،حيث يبدو النص في مخيلته مستعداً إلع��ادة اإلنتاج ّ النقدي ،م��ن خ�لال الفهم المعمَّق لمنطق انتشاره على مستوى البنية وال��دالل��ة ،إلى الحد الذي يضمن لدراسته-على األقل -أن تبدو مقنعة ..حتى وإن لم تب ُد ممتعة.
إن عقم النص األدبي يؤدي إلى قمع النص الناص ّ النقدي ،من خالل انشغال الناقد بمدح على حساب الدراسة النقدية الموضوعية للنص ،وهذا ال يعني أنني أحاول قتل المؤلف من جديد ،لكني أح��اول أال أسكت عن قتل الناقد ،إذ يبدو أن سفك المداد لم يتوقف الناص ،قبل ّ منذ أيام قابيل البنيوي الذي قتل ظهور المنهج التفكيكي الذي ألحق به النص، ولم يبق إال القارئ /الناقد ،غير أنّا سرعان ما َّ النص َّ إن األدب��ي مثل الشجرة التي كلما بدأنا نرى الناقد يحتضر أمام حاضر النص، تعمَّقت جذورها في األرض ،امتدت أغصانها إذ انصرف إلى ماضيه ،حتى كدنا -خصوصاً في السماء ،وإذا كانت الجذور تتغلغل في تربة في عالمنا العربي -ننسى بأن لقب «الناقد»
120اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
القبور والكتابة عن المؤلفين الموتى دون
للناص ّ سواهم .نعم؛ إن ذلكم القتل النظري
في الغرب ..تحوّل إلى شبه قتل عملي في
األدب العربي؛ ذلك ألن الناقد العربي (إال من
مهما كان األديب موهوباً أو عبقرياً ،فال تكاد تجد منبراً عربياً ينشر لك دراسة حول أعماله ما دام حياً ،إال بشق النفس ،وإن كنا قد بدأنا نالحظ مؤخراً في المغرب ،على األقل ،العديد من الرسائل الجامعية تتناول مؤلفين ما يزالون أحيا ًء يُرزقون ،وهذا يبشر بالخير ،وإن كنتُ شخصياً-وبصراحة -ال أدري مَن هم هؤالء الذين ما يزالون يقرؤون تلك ال��رس��ائ��ل األك��ادي��م��ي��ة ال��ت��ي ت��ك��اد تبدو فارغة ً،إال من التبويب واإلطناب واإليغال في االج��ت��رار؛ ففي تلك الرسائل الجامعية و لألسف الشديد -يمكننا أن نقرأ الفاتحةعلى المؤلف ،إذ يبدو أن هذه الرسائل لم تعد سوى طقوس يمارسها الطلبة على األوراق قبل تخرُّجهم من الجامعات.
مما اشتهروا بحياتهم ،هذا بصرف النظر
إذا ك��ان ه��ذا ح��ال حتى من يكتبون عن األحياء من الطلبة ،فأيّ ناقد ذاك األكاديمي ال��ذي ال يكاد يضيف بضع جمل مفيدة في رسالته المرسلة من وإل��ى أه��ل القبور؟ إن التعلق النقدي بالمقابر ،في الواقع ،ال يد ُّل الناص ،بل يدل على موت الناقد، ّ على موت أو على احتضاره في الحد األدنى ،ذلك ألن عصرنا الحالي مليء بالمبدعين الموهوبين، شئنا أم أبينا ،وال يتحاشاهم الناقد التقليدي إال تعبيراً عن احتضاره هو ،ذلك ألنه غير
رحم ربنا ،ونحن ال نعمِّم) انصرف إلى دراسة
أعمال الموتى على حساب األحياء ،حتى كدنا
نلحظ بوضوح أن األدي��ب الحيِّ ال يكاد يتم
تكريمه وال دراسة عمل من أعماله إال بعد أن يقضي نحبه ،فكأنه ال بد من استيفائه شرط الموت قبل أن تهبَّ األقالم الدارسة لتدرس
أوراقه الجافة في بيادر «كان» وأخواتها.
من المعروف أن ال��دراس��ات التي تُكتب
حول أعمال المؤلفين األحياء ،ال تكاد تتبناها
ربما أغلب المنابر العربية ،فال تنشرها دار نشر ،وال مجلة ،وال وزارة ثقافة ،وال اتحاد
كتاب ،ولكن ،في المقابل ،يندر أن تُرفض
لك دراسة نقدية حول امرئ القيس ،أو غيره من الشعراء الذين ربما اشتهروا بموتهم أكثر عن ج��ودة تلك ال��دراس��ة؛ فكأن الكتابة عن أدبائنا الذين شبعوا موتاً حتى التخمة ،يشفع
لك ويرفعك إلى مقام النقاد ،حتى وإن لم
يسبق لك أن أشهرت قلمك في وجه أحد من األحياء ،وهكذا صرنا نقرأ ،بين حين وآخر،
كتاباً تنشره مجلة كذا ،أو دار نشر كذا ،لمجرد
أنه يحمل عنوان ذي سابقة أو الحقة «الشعر الجاهلي كذا» ،أو «العباسي» ،أو «األموي» ،أو
غيره ..ما يؤكد بأن الكتاب مُنزَّه عن المؤلفين
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ال يُطلق حصرياً على المتخصص في نبش
األحياء ممن يُراد لهم أن يُقتلوا بغير ذنب ،أو يُنفوا من المشهد الثقافي العربي؛ فذلكم هو معنى السفك البنيوي لمداد المؤلف ،والذي تحوَّل عندنا إلى سفك للدماء!
اجلوبة -ربيع 1437هـ (121 )2016
ق��ادر على مواجهة النص ال��ح��دي��ث ،وغير محترمة ..بدأت تعتمد التحكيم المبني على مؤهل إلصدار األحكام النقدية؛ إنه ال يتمتع ق��راءة النص دون إط�لاع القاريء/المُحكِّم �اص ،وه��ذا عمل يستحق كل بالسلطة التقديرية ،فهو معتاد على التقليد على اس��م ال��ن� ّ وي��خ��اف م��ن ال��ت��ج��دي��د ،أي إذا رأى ن��اق��داً االح��ت��رام والتقدير واإلع��ج��اب ،فهو يسعى سابقاً يستحسن نصاً ..فهو أيضاً ال يتردد بجدية ومصداقية عالية إلى إنقاذ ما يمكن في استحسانه ،وإذا رأى غيره يستقبحه ،إن��ق��اذه من المشهد الثقافي ،ال��ذي نخرته فال يتردد في استقباحه ،وهكذا صار بعض األسماء على حساب المسميات ،ففي اليوم النقاد يلبس بعضهم بعضاً ،حتى صعب علينا الذي ترقى فيه معظم المنابر والمؤسسات التفريق بين األصيل والوكيل. الثقافية العربية إلى هذا المستوى ،سوف كم ناقد عندنا بإمكانه أن يصدر حكمه يمكن الحديث عن المحتوى العربي األصيل النقدي على نص محجوب المؤلف؟ إن هذا والحقيقي ،ال��ذي يمكن أن يرقى باإلنسان السؤال قد يبدو بسيطاً ،لكنه في الواقع سؤال العربي إلى المستوى المطلوب من التقدم صعب جداً ،فما أكثر النقاد (وطبعاً ال أعمم) واالزدهار. الذين ال يصدرون أحكامهم انطالقاً من قراءة وكمثال ملموس على ما تقدَّ م ،أنا شخصياً النص ،بل انطالقا من قراءة السيرة الذاتية للناص! فإذا كان هذا األخير صاحب شهرة ،أعرف مجلتين؛ واحدة تدفع لكتابها مكافآت ّ قد يُرجَّ ح أن يبدو نصه قوياً ،متيناً ومتماسكاً ُم��ج��زي��ة ،وأخ���رى ال ت��دف��ع لهم ش��ي��ئ�اً ،ومع يستحق ال��ف��وز ،وإذا ك��ان صاحبه مغموراً ،ذلك أقول بصراحة :ال مجال للمقارنة بين فكما قال ناس الغيوان؛ «اللي ما عنده فلوس المواضيع التي تنشرها تلك المجلة المكافِ ئة، كالمه مسوس» .ال أشك في أن قارئي الكريم والتي تنشرها المجلة غير المكافِ ئة ،فاألولى يعرف هذه الحقيقة المرة ،وال أكاد أشك في ال أكاد أجد فيها مقاالً يستحق القراءة ،في أنه قرأ عدة أعمال أدبية ت َّم إقصاؤها من حين أجد الثانية غنية بالمواضيع الراقية هنا وهناك ..لمجرد أن أصحابها ليسوا من والشيقة التي منها ما يستحق القراءة مراراً المشاهير أو ما شابه ،والعكس صحيح؛ فيا لقوة إقناعه وإمتاعه ،فكل ه��ذه األع��راض ليته يأتي يوم تبسيط المساطير والكشف عن يمكن ربطها بتعلُّق بعض النقد التقليدي المساتير. بالناص بدل النص ،وهكذا يح ُّل العُقم محلَّ ِّ وحتى نكون منصفين ف��ي ه��ذه ال��ورق��ة ،العُمق ،ويحت ُّل التوقُّف مرتبة التفوُّق ،ويعتلي نختم ب���اإلش���ارة إل���ى أن ه��ن��اك مؤسسات التلفيق عرش التوفيق. * باريس.
122اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
عارف بن مفضي المسعر رجل العلم واإلدارة والتسامح*
ρρغازي خيران امللحم**
ل��م تتح ل��ي ف��رص��ة التعرف على ه��ذا اإلن�س��ان – يرحمه اهلل -أو لقائه أثناء حياته ..لكن قيض اهلل لي االط�لاع على بعض الجوانب من شخصيته الفذة، من خالل ما سمعت عنه من بعض األف��واه المنصفة ،أو عبر إشراقاته الكتابية وأعماله اإلبداعية ،التي دبجها في مختلف العلوم اإلنسانية ،وما تزال تفرض وجودها بقوة في سفر األوساط الثقافية ،فيفوح شذاها عبقا في أرجاء مؤلفاته العديدة ،التي تراوحت بين ال��دراس��ات اإلسالمية والفلسفية ،واألعمال األدبية والتربوية ،فأثرى بها المكتبة العربية ،وكأن الشاعر كان يقصده حين قال:
ت� � � � � � �ل � � � � � ��ك آث � � � � � � � � � � ��ارن � � � � � � � � � � ��ا ت� � � � � � � � � � � � ��دل ع� � � �ل� � � �ي� � � �ن � � ��ا ف � � � � � ��ان� � � � � � �ظ � � � � � ��روا ب � � � � �ع� � � � ��دن� � � � ��ا إل� � � � � � � � � ��ى اآلث� � � � � � � � � ��ار اجلوبة -ربيع 1437هـ (123 )2016
حياته
صفاته أثناء مطالعاتي عنه في ثنايا العديد من
المصادر وال��دراس��ات ،وجدته إنسانا قبل كل ش��يء ،مفطوراً على اإلنسانية البحتة، مطبوعا بطابع الخير ،بكل ما تحمل هذه
الكلمة من معنى ،بتواضعه الجم ،وعلمه
الفياض ،وأريحيته التي ال تخفى على أحد،
ممن عرفوه وعايشوه عن قرب.
ك��ان��ت ح��ي��ات��ه مضمخة ب��أري��ج العطاء
الوطني المثمر ،والتفاعل ال��وج��دان��ي مع
محيطه االجتماعي والمهني ،يسوس األمور بحكمة وروية نادرة المثال ،يغبطه عليها كل من واكبه ،وشهد مسيرته المهنية والعلمية
والتربوية.
ولكن ،ومهما قلت في ه��ذا ال��رج��ل ،لن
أوفيه إال الجزء اليسير من حقه ،كأديب،
ومفكر ،ومعلم ،وإداري جاد ،شديد الحرص ع��ل��ى إن���ج���اح أي ع��م��ل ي��ض��ط��ل��ع ب��أع��ب��اء
مسؤوليته ،مهما كان حجم ذلك العمل أو
ول��د «ع���ارف ب��ن مفضي المسعر» ،في مدينة «سكاكا» عام 1358هـ ،فنشأ وترعرع في ربوعها الخيرة ،في كنف عائلة عريقة النسب طيبة المحتد ،ملتزمة ب��األخ�لاق اإلسالمية السمحة ،وتعاليم ديننا الحنيف، وفي هذه األجواء المفعمة بالنبل واإليمان، أخذت مداركه تتفتح ،وتفصح عن مكنوناتها الفتية ،ف��ي ظ��ل ورع��اي��ة وال���ده «مفضي» يرحمه اهلل ..فورث عنه الكثير من الخصال الحميدة ،والسجايا الكريمة ،عندما بدأ يخطو خطواته األول��ى على دروب الحياة، ويسلك مسالكها ،ويلج محطاتها المتتالية. كانت أول��ى تلك المحطات ،وعلى عادة أبناء جيله في ذلك الوقت من عمر الزمن، التحاقه ب ٌكتّاب /الشيخ «فيصل بن مبارك»، في «سكاكا» ،ليتلقى على يديه مبادئ القراءة والخط ،وتعلم القرآن الكريم حفظا وتالوة، وقد تيسر له ذلك بسرعة قياسية ،مقارنة بعمره آنذاك..
وعندما لمس «الشيخ فيصل» في تلميذه ن��وع��ه .وأم���ام ه��ذا ال��رج��ل الموسوعة ..ال يسعني إال الترديد مع الزبيري في مرثيته :بوادر نبوغ وعبقرية ،شجعه وشد من أزره، وضاعف الجهد في تعليمه ،بطرق مبتكرة جزيت جزاء المحسنين مضاعفا مثالية ،ترقى في مستواها التعليمي إلى كما ج��دواك النـــــــــدى المتضاعف أعلى الدرجات التربوية السائدة في أيامه، حبيب إل��ى اإلخ� ��وان ي ��رزون ماله ظل «المسعر» وفيا لها ،متمثال مالمحها وآت لما يأتي ام��رؤ الصدق عارف نهجا وسلوكا حتى آخر عمره..
ب �ك��ت داره م ��ن ب� �ع ��ده وت�ن�ك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رت معالم الجــــوف من آفاقها ومعارف
()1
124اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
وما كاد الفتى ينهي دروسه في ال ُكتّاب، حتى ألحقه والده بمدارس التعليم النظامي،
ون��ب��وغ��ه ال��م��ب��ك��ر ..وت���م تعيينه فعليا في المدرسة «الشمالية االبتدائية -مدرسة
فلسطين حاليا» في مدينة «سكاكا «حاضرة
منطقة الجوف.
وهكذا دخ��ل «المسعر» معترك الحياة
الوظيفية ،وبتأهيل تربوي بسيط ،في الوقت
ال��ذي لم يكن فيه التعليم الحديث متاحاً
ألبناء المنطقة ،وكما هي عليه الحال في معظم البالد العربية.
شكلت ه���ذه االن��ع��ط��اف��ة ال��ج��دي��دة في
حياة الشاب «المسعر» ،نقلة نوعية أهلته
إل��ى دخ��ول معترك الحياة العملية ،وول��وج رحابها من بابها الواسع ،ليبدأ مرحلة أخرى
من مراحل العمل والعلم واالجتهاد ،تمثلت بالكثير من المواقف التي اجتاز معظمها
بنجاح..
مؤهالته التعليمية منذ البداية كان «المسعر» شغوفا بدراسة
العلوم الدينية ،ومن المتفوقين الذين درسوا
«القرآن الكريم» وعلوم الدين في وقت مبكر، السيما بين تالميذه وغيرهم من المهتمين.
وك��ان له أث��ره التربوي الواسع والممتد في
«منطقة الجوف» خاصة ،عندما أسهم بقوة وفهم في دفع عجلة التعليم إلى األمام بقدر
المستطاع .فتتلمذ على يديه أجيا ٌل من طلبة
وألن «ال��م��س��ع��ر» م��ج��ب��و ٌل ع��ل��ى محبة وشغوف بالتزود من معينه ال��ذي ال ٌ العلم ينضب ،فقد واص���ل دراس��ت��ه حتى حصل على الشهادتين المتوسطة والثانوية ،ثم بكالوريوس في اآلداب -قسم اللغة العربية من «جامعة الرياض» عام 1390هـ .ثم تابع مسيرة البحث العلمي في مصر ،فنال درجة الماجستير في اللغة العربية وآداب��ه��ا من «جامعة عين شمس» عام 1400هـ (1980م). ولم يتوقف «المسعر» عند هذا الحد ،بل واصل مسيرته في الصعود إلى قمة الهرم التعليمي ،حيث ن��ال ع��ام 1984م درج��ة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها. واس��ت��م��ر «ال��م��س��ع��ر» ،يعمل ف��ي الحقل ال��ت��رب��وي ،وع��ل��ى م���دى ع��ق��ود م��ن ال��زم��ن، متنقال من موقع آلخر ،إلى أن أصبح مديراً عا ّمًا للتعليم في «منطقة الجوف» ،قبل أن يتحوّل إلى مجال أخر في خدمة منطقته، حيث عمل أمينا عاما لمجلس المنطقة، كآخر محطة من محطات مسيرته في العمل الحكومي والرسمي وقبل أن يتقاعد عام 1418هـ ،ليتفرغ لمشروعه الثقافي الخاص الذي طالما راوده الحلم بتحقيقه ،والمتمثل ف��ي إن��ش��اء «دار م��ع��ارف ال��ع��ص��ر» للنشر والتوزيع بالمنطقة ،إليمانه ما للمطابع من دور مهم في نشر الثقافة والعلوم ،بين فئات
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
وظ���ل فيها ح��ت��ى ح��ص��ول��ه ع��ل��ى ال��ش��ه��ادة العلم ،الذين انطلقوا في خدمة الوطن كلٌّ االبتدائية ،التي أهلته أن يصبح معلماً في في مجاله ،وفي مواقع مؤثرة في «منطقة المدارس الحكومية آنذاك ،نظرا الجتهاده الجوف» ..وحتى خارجها.
اجلوبة -ربيع 1437هـ (125 )2016
منهج».
المجتمع ،وعلى اختالف طبقاته الثقافية ومستوياته العلمية ،فأفسح لهذا الغرض « -منطقة ال��ج��وف «ض��م��ن سلسلة :هذه جناحا من أقسام المكتبة ،أم��ام رواده��ا، بالدنا. ليكون بمثابة المقهى الثقافي ،الذي هيأه «بحث ف��ي التوجيه ال��ت��رب��وي» :أهميته،المؤسس لمن أراد البحث واالط�ل�اع من مفهومه ،أهدافه. الكتاب ،والصحفيين ،والمثقفين ،وطالب كما شارك في كتاب «الجوف وادي النفاخ»المدارس والجامعات. لألمير عبدالرحمن بن أحمد السد يري. مؤلفاته شارك في كتاب «فصل من تاريخ ومسيرةك��ان «الدكتور ع��ارف» يرحمه اهلل ،إلى رجال» ،عبدالرحمن بن أحمد السديري قلم وأدب ،طالما جانب كونه رجل إدارة ،أخا ٍ أمير منطقة الجوف سابقاً ،إضافة إلى أب��ح��ر ف��ي خضمه وال��غ��وص ف��ي أعماقه، العديد م��ن البحوث وال��دراس��ات التي والبحث عن صدفاته ،فأنجز العديد من نشرها ال��راح��ل ف��ي صحف ودوري���ات األعمال الثقافية على امتداد ربع قرن ،ما محلية وع��رب��ي��ة ،وكلها ت���دور ف��ي فلك منح الباحثين والراغبين في دراس��ة فكره اهتماماته اللغوية واألدب��ي��ة والتربوية وأعماله وآث��اره المتنوعة ،فرصة االط�لاع واإلسالمية. على إسهاماته المنوعة ،ومشاركاته الكثيرة في الندوات والفعاليات الثقافية ،التي أثمرت وفاته كما أسلفنا -عن تأسيس دار النشر التيرحل الدكتور« :ع��ارف مفضي المسعر» تعتبر من طموحاته في خدمة المتعلمين، إلى جوار ربه ،يوم الثالثاء الموافق /11 /25 وتيسير أدوات العلم ،وتذليل صعوباته ما 1431ه��ـ ،عن عمر ناهز الثامنة والسبعين أمكن إلى ذلك سبيال ،والتي جعل نواتها إلى عاما ،مخلفا وراءه عطاءات ثرة لمجتمعه، جانب العديد من الكتب والمراجع المنوعة، تلك العطاءات التي نجدها في كل اتجاه من مؤلفاته التي أنجزها الراحل ،وهي: مجاالت التربية واألدب ،ونراها شاخصة «التوجيه اإلس�لام��ي للنشء ف��ي فلسفة بوضوح على وجوه أجيال عديدة من تالميذهالغزالي ،رسالة ماجستير. ومريديه ،الذين يخدمون وطنهم اليوم في
«المنقول والمعقول في التفسير الكبير» ،شتى مناحي الحياة.لفخر الدين الرازي ،رسالة دكتوراه. ولمكانته الثقافية واالجتماعية المؤثرة، -الشيخ «فيصل ال��م��ب��ارك م��درس��ة ذات رث��اه الكثير م��ن ال��ش��ع��راء داخ��ل المنطقة
126اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
مكنونات تأثرهم العميق بفقد هذا التربوي
�اق وح � � � � � � ٍّ�ب ..ث� � ��م م� � � � ��اذا.. وأخ � � �ل� � � ٍ
الجليل ،فساقوا بذلك أبلغ مفردات الرثاء،
ال��ت��ي ت��ن��م ع��ن م���دى ت��ق��دي��ره��م لشخصه ،وص � � � ��ار ال � �م � �ن � �ه� ��جَ ال� � �ب� � � ّن � ��اء ف �ي �ن��ا
وفداحة الخطب ،ال��ذي ألم بأفراد أسرته
الكريمة وغيرهم كثيرون.
وم���ن أب��ل��غ م���ا ق��ي��ل ف���ي رث���ائ���ه أب��ي��ات
وم� ��رج � � َع ب �ح �ث �ن��ا ..م � �ط� ��ر ًا رُذاذا أع� ��زي ال �ن �ف��س ق �ب��ل ال �ج��وف فيه وه � ��ل ي� ��ا ج � ��وف ن � �ن � �س� ��اهُ ..م� �ع ��اذا
استوقفتني كثيرا ،تقطر بالود واستمطار
الرحمات للفقيد ،إذ تقول:
ب � � �م� � ��اذا اب� � � � ��دأ ال � �ش � �ع� ��ر ب � � �م� � ��اذا؟! رث� � � � � ��اءً أم م � ��دي � �ح � � ًا أم ب� � �م � ��اذا؟ ف ��ان ��ي ح � ��رت ي� ��ا ص �ح �ب��ي وح � ��ارت ق ��واف ��ي ال �ش �ع��ر ف ��ي خ �ط � ٍ�ب ك �ه��ذا
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
وخ��ارج��ه��ا ،وع����ددوا مناقبه ،معبرين عن ب� � �ع� � �ل � ��م ق� � � ��د ت� � �ح� � �ل � ��ى ث� � � ��م ن � �ه� � ٍ�ج
س � � ��أل � � ��ت اهلل ي � �س � �ك � �ن� ��ه ج � �ن� ��ان � � ًا وي� �ش� �م ��لُ ع� � �ف� � � ّو ُه ع � �ب� ��د ًا ك � �ه� ��ذا
()2
وب��ع��د ،ف��ه��ذا قليل م��ن ك��ث��ي��ر ،وإج��م��ال لتفاصيل ك��ث��ي��رة ..ح��اول��ت ج��ه��دي لَملمةِ يض َّم أط��راف��ه��ا ،فكنتُ مثل ال���ذي َو َّد أن ُ
ل � �س� ��ان ال� �ش� �ع ��ر ل� ��ن ي ��وف� �ي ��ه ح�ق��ا م � �ع� ��اذ اهلل -ي� ��ا ع � � ��ارف – م� �ع ��اذا البستان ف��ي ب��اق��ة ،ويَ��خ��ت��ص� ُر البحر في ل � �ع � �م� ��ري م� � ��ا رأي� � � � ��ت ل� � ��ه م� �ث� �ي�ل ً�ا يجذُّ الصعب ف��ي ال��درب اج�ت��ذاذا ف � �ب � �س � �م� ��ة ف� � �ي� � �ه � ��هِ دوم � � � � � � � ًا ع �ل �ي��ه �دق ال� � �ق � ��ول م � ��ا ع� �ن ��ه ل� � ��واذا وص � � � � ٌ وأ ْو َك � � � � � � � � � � � � � ��ل أم� � � � � � � � � � ��ر ُه هلل دوم � � � � ��ا م ��ن ال �ش �ي �ط��ان ك� ��ان ق ��د اس �ت �ع��اذا إذا ذُ كِ � � � � � � � َر ال� � � �ك � � ��رام غ � � ��دا م� �ث ��اال وك� � � � ��ان ب� �ح� �ل� �م ��ه َل � � ��هُ � � ��مُ ال� � �م �ل��اذا
قارورة. رحمك اهلل يا أبا عبدالسالم ،وأدخلك فسيح جناته ،وأطال اهلل في عمر أنجالك وأحفادك ،وال يسعني في الختام إال أن أردد مع الشاعر حين يقول:
وم� ��ا ال� �م ��ال واأله � �ل� ��ون إال ودائ � ��عٌ وال ب� ��د ي� ��وم � � ًا أن ُت� � � � � َر َّد ال� ��ودائ� ��عُ
* الجوبة العدد .30
** باحث وكاتب من سوريا مقيم في منطقة الجوف. ( )1الجوبه 30ص 24 ( )2محمود الرمحي -الجوبه -العدد 30ص 30
اجلوبة -ربيع 1437هـ (127 )2016
تدريس األدب بجامعة المستقبل وجاذبية االنحدار ρρمليكة معطاوي*
األدب م� �م ��ارس ��ة م � �ت � �ج� ��ذّ رة ف� ��ي ال � ��زم � ��ان وال� �م� �ك ��ان �ؤج��ل ،يربط والمجتمعات ،وه��و فعل ت��واص��ل وات�ص��ال م� ّ الماضي بالحاضر والمستقبل ،وينقل معارف معيّنة ،إنه ّ «خطاب يتوجه إلى مخاطب تحدّ ده المصادفة»( .)1وبما أن األدب ي�ص�وّر الفكر ف��ي ح�ي��اة اإلن �س��ان ،ف��إن مقاربته تتطلّب األخذ بمعطيات العصر والمكان والمجتمع ،أي النص األدبي ،وبالتقنيات بمختلف الحيثيات التي ترافق ّ الجديدة التي يؤثر تطوّرها مباشرة في اال ّت�ص��ال األدب��ي ،وأي�ض� ًا بعالقة األدب بمختلف الحقول المعرفية األخرى وبالمؤثرات الخارجية المتعدّ دة .وانطالق ًا �س م��ن ك��ون األدب م �ك �وّن م��ن م �ك � ّون��ات ال �ح �ض��ارة اإلن�س��ان�ي��ة م�ن��ذ ال �ق��دي��م ،وي�م� ّ ال�ش��ؤون االجتماعية والتاريخية والفنية والفكرية ،ف��إن االعتناء به ظ��لّ -إلى ملحة تتطلّب مجهودات كبيرة ،سواء على مستوى األف��راد أو على اآلن -ض��رورة ّ المؤسسات .فهل سيحافظ األدب على مكانته في جامعة المستقبل في ّ مستوى ظلّ اإلكراهات الحالية والمتوقعة؟ وأي��ن تكمن أهمّ يّة تدريسه بها من الناحية المعرفية ،والنفسية ،واالجتماعية ،واإلنسانية؟ ثم ما هي المشاكل التي من المتوقع أن يصادفها القائمون على الشأن األدبي بالجامعات في ظلّ التطوّرات التكنولوجية والرقمية ،التي غ��زت العالم وأصبحت ت�ه��دّ د التعليم ،والثقافة، والسلوك الفكري؟ وأخيرً ا ما هي الحلول المقترحة؟ ي��ع��د األدب م���رآة المجتمع التي على الحضارات السابقة وعلى قيمها تعكس أف��ك��اره وانشغاالته وتطلّعاته ومرتكزاتها ،وأيضاً على أفكار القدماء المستقبلية ،واألديب مؤرّخ صادق وإن وأح�لام��ه��م وصراعاتهم ومشاكلهم؛ كان يستعمل عواطفه ورؤاه من أجل وذل��ك من خ�لال االط�لاع على اآلث��ار نقل تجارب األمم والشعوب ،واالطالع األدبية الخالدة ،وت��ذوّق ما فيها من 128اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
الفارطة ،وتجنّب العوائق التي تقف في وجه م��ول��ي��ي��ر ،فخلقت ع��ال��م��ه��ا وأش��خ��اص��ه��ا البشرية وتمنعها من العيش السعيد ،على الذين ساعدوها على االستمرارية خارج اعتبار أن األعمال األدبية تحيا دائماً ضمن القضبان ،ت��ق��ول« :ش��خ��وص الشاعر هي سياق وفي حوار معه ،وتحكي عن األوضاع أكثر حقيقة من شخوص اللّحم والدّ م ألنها البشرية وت��ط�وّرات��ه��ا مثلما يحكي عنها غير قابلة للنفاد .لذلك هم أصدقائي، علماء النفس وعلماء االجتماع وغيرهم ،مّا أول��ئ��ك ال��ذي��ن بفضلهم ن��رت��ب��ط بالبشر
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
جمال ،وبالتالي االستفادة من التجارب السجن بفضل روايات ستاندال ومسرحيات
يؤدّي إلى تنمية التفكير القائم على النقد اآلخرين ،في سلسلة الكائنات وفي سلسلة والتحليل لدى دارسي األدب وتوسيع آفاقهم ال���ت���اري���خ»( .)4م��ن ه��ن��ا ،ف���إن األدب يتيح ومداركهم وجدانياً واجتماعياً وسياسياً .فهماً أفضل للوضع اإلنساني ،ويحوّل من وال ينحصر األدب على فهم اللغة وضبط الداخل كينونة ك ّل واحد من قرّائه ،غايته استعماالتها ،وتغذية الروح والوجدان بما في ذلك تمثيل الوجود اإلنساني والسعي ّ تحتويه اللغة من جمال األسلوب، والصور ،إلى الكشف عن أشكال الحقائق اإلنسانية واإليقاعات ،واألفكار ،بل يتعدّ ى ذلك إلى واألبعاد المجهولة في العالم التي تخلخل مساعدة اإلنسان على ابتكار معان جديدة اإلنسان وتحثّه على التفكير والتأمّل في للحياة ،واكتساب قدرة كبيرة على التواصل الكون والوجود. مع كائنات مختلفة عنه ،وأحياناً انتشاله من أعماق االكتئاب.
واألدب ال ينشأ من فراغ ،إنه ينهل من مجموعة من الخطابات الحيّة التي تتقاسم
واألمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ ،معه خصائص عديدة من قبيل علم النفس ف��ق��د ت��ع��اف��ى ج���ون س��ت��ي��وارت م����� ّل( )2من واألنثروبولوجيا وت��اري��خ األف��ك��ار؛ فيعمل انهيار عصبي خطير بواسطة ديوان شعر على تالقي ثقافات شديدة االختالف .وقد لوردسورث ،وجد في أبياته ما يرجعه إلى يساعد الفكر على سد ثغراته ،ليس بصفته الحياة ،يقول« :بدت لي منبعاّ منه أستقي وثيقة تزود الباحث بمعلومات مضبوطة، الفرح الباطني ،ومتع التعاطف والخيال ،التي وإنما لكونه وعاء يتضمن صياغات تخييلية بمقدور ك ّل الكائنات البشرية اقتسامها»( .)3القتراحات نظرية تساعد على بناء أجهزة وبعد م��رور مائة ع��ام على ذل��ك ،تحمّلت تحليلية ،وت��ق��دم اق��ت��راح��ات تفيد تطور السجينة الفرنسية شارلوت دلبو متاعب مختلف الحقول المعرفية .ويعمل األدب
اجلوبة -ربيع 1437هـ (129 )2016
أيضاً على ترسيخ القيم والمبادئ التي مخاطر العلم التافه والمعلومات الخاطئة. ترتكز عليها العلوم ،التي تشكّل أسس تطّ وّر وهذا لن يتأتّى إال عن طريق تدريس األدب والحس المدني، ّ العالم على جميع المستويات ،على اعتبار الذي ينمّي الفكر النقدي، أن هناك لقا ًء حميماً بين العلم واألدب ويعمل على اكتساب الفرد لوسائل حسن
على مستوى الفكر وعلى مستوى الواقع؛ االستدالل التي تجنّبه االنزالق في مهاوي
ذلك أن العلم ليس نسقاً واح��داً ووحيداً ،الجهل. ب��ل ه��و ظ��اه��رة اجتماعية م��ت��غ� ّي��رة عبر من جهة أخرى ،تكمن أهمية األدب في التاريخ اإلنساني ،وتحكمها عوامل خارجية كونه يستطيع أن يكون سفيراً يتفوّق على ثقافية وحضارية وإيديولوجية؛ مّا يعني ال��س��ف��راء الدبلوماسيين ف��ي تمثيل بلده ضرورة البحث في سائر أبعاد عالقة العلم ومنحه بطاقة تعريف ،وخير مثال على ذلك بالمجتمع ،بواسطة األدب الذي يسعى إلى دولة فرنسا التي جعلت من األدب طريقاً المعالجة الشاملة لمعايير السلوك العلمي، إلى العالمية ،إذ إنها كانت تعوّض تأخّ رها وقيم الممارسة العلمية التي هي عصب العلمي أو الصناعي أو االجتماعي ،بعد التقدم الحضاري ال��راه��ن ،وال��ت��ي ال بدّ الحرب العالمية الثانية ،بواسطة جوائز أن ترسو على أسس متينة تنضوي تحت نوبل ل�لآداب التي كانت تحرزها ،والتي منظومة قيمية ونسق أخ�لاق��ي متعارف خوّلت لباريس بأن تظ ّل إلى حدود 1968م عليه؛ ذل��ك أن ك��ل شخص ف��ي المجتمع عاصمة العالم في الفن واألدب(.)5 حس مشترك بالخلق العام الذي يتوفّر على ّ لكن ت��دري��س األدب ال��ي��وم بالجامعات يتألف من قيم ومبادئ وواجبات والتزامات يستقيها ال��ف��رد ،منذ نعومة أظ��اف��ره ،من أصبح مطالباً بتبرير شرعيته في عالم م��ص��ادر مختلفة قريبة منه على رأسها تحكمه التقنية والعلوم وس��راب االتصال األسرة والمدرسة ثم الجامعة التي يتبلور وال��ت��واص��ل الحديثّ ،م��ا نتج عنه تخوّف فيها دور تدريس األدب في بناء الشخصية ،العالم أجمع من هبوط المستوى الثقافي،
والعمل على اإلح��اط��ة بالظاهرة العلمية وخطر تزايد األمية والجهل ،وقوة وسائل بسائر أبعادها ،إذ يحتاج الناس إلى التثقيف اإلع��ل�ام وال��ت��واص��ل ال��ج��دي��دة ،وصعوبة في شأن التطوّرات العلمية واالقتصادية تعريف القيم ونقلها إلى األجيال المتعاقبة. والسياسية ،كما يحتاجون إلى الحماية من وقد تنبّأت ،في هذا اإلط��ار ،الكاتبة حنة
130اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
القرن العشرين (1958م) ،بوقوع أزمتين هي حديث متقن يعرضون لنا فيه أفضل مترابطتين بالواليات المتحدة األمريكية ،أف���ك���اره���م»(.)8وم���ن ج��ه��ة أخ����رى ،س��ادت هما أزمة التعليم وأزمة الثقافة؛ كما تناولت النظرة الدونية لألدب مقارنة بما تحققه الصحافة الفرنسية أزمة األدب ،في نهاية العلوم من تطوّر وازدهار ،وبخاصة أن جُ ّل القرن العشرين (2000م) ،وأشارت إلى أن الطلبة الذين يتوجّ هون إلى دراسة اآلداب، «الدراسات األدبية دخلت زمن الشك»(.)7
ال يفعلون ذلك عن اقتناع وحب ،بل ألنهم ال
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
أرن������دت( ،)6ف��ي ن��ه��اي��ة الخمسينيات من من أبناء القرون الخوالي الذين كتبوها ،بل
هكذا أصبح األدب اليوم يشكّل عبئاً يستطيعون ولوج المؤسسات المتخصصة ال على دارس��ي��ه وم��درّس��ي��ه ف��ي اآلن واالنتساب إل��ى الشُ عَب العلمية؛ فأصبح ثقي ً نفسه؛ وذل��ك نتيجة افتقار الطلبة إلى التجاوب شبه منعدم بين الطالب واألستاذ؛ آل��ي��ات وم��ق �وّم��ات ومتطلّبات ال��دراس��ات ألن ك�لا منهما يحمل نظرة مختلفة عن األدب��ي��ة ،وكذلك نتيجة إك��راه��ات مختلفة تدريس األدب وما يترتّب عن ذلك من ملل
تشمل األس��رة والمؤسسة والمجتمع في بالنسبة لألول ،ومن جمال ومتعة بالنسبة إط��ار التعامل م��ع ت��دري��س األدب؛ إذ من للثاني .ترى كيف يستطيع طالب ال يقرأ جهة ،لم تعد القراءة من األولويات ،ولم يعد وال يملك رصيداً معرفياً معيّناً أن يستجيب
للكتاب مكان في ظل الغزو المعلوماتي ،إلغ���راءات األدب ولجماليته ،س��واء على وانتشار النصوص التفاعلية أو ما يسمّى مستوى اإلب��داع أو على مستوى األفكار؟ ب���األدب ال��رق��م��ي ال���ذي يفتقر ف��ي أغلب وكيف ال يقع األستاذ في نمطية التدريس الحاالت إلى معايير الكتابة األدبية الراقية ،أمام طلبة عاجزين عن االنفعال أمام رقة
والفكر اإلنساني العميق النفتاحه على الشعر وعذوبته ،أو أمام خصوبة الرواية مختلف المستويات الثقافية والفكرية ،ودورها الكبير في تقويم السلوك البشري؟ ومختلف الشرائح اإلنسانية التي تتيح لها يطرح هذا الوضع معضالت ابستمولوجية
الوسائل اإللكترونية إعادة كتابته وإحداث وتطبيقية ت��ه � ّم م��ن ج��ه��ة ت��وص��ي��ل م���ادّة تغييرات ب��ه .وذل��ك على عكس االتصال يجب على الطالب أن يشعر بخصوصية األدب���ي ال���ذي ك��ان م��زده��راً ف��ي السابق ،موضوعها ،وبخصوصية وسائل مقاربتها، والذي قال فيه ديكارت« :إن قراءة الكتب ومن جهة أخرى إدراكه لنقط تالقي ونقط الجيّدة تشبه الحديث مع الناس الشرفاء اخ��ت�لاف األدب م��ع ال��ح��ق��ول المعرفية
اجلوبة -ربيع 1437هـ (131 )2016
المختلفة .كما يطرح ضغط وسائل الميديا أن تدريس األدب في المستقبل ال يجب أن المتخصصين وحدهم ،بل ال بدّ أن ّ المتنوعة ،وف��ي مقدمتها اإلنترنت التي يشغل تُسَ هّل إنتاج المعلومة وتداولها واستثمار يتجاوزهم إلى دائرة رجال العلم والسياسة تقنيات اإلع�لام وتقنيات الصورة وآليات وال��م��ؤرخ��ي��ن والفالسفة المثابرين على الحاسوب ،من أجل إنتاج نصوص تتيح ألي ق���راءة األدب والمتتبّعين لخطواته ،لع ّل قارئ شكال من أشكال إعادة كتابتها .وهذا ذلك يخلق تساؤالت وحلوالً جديدة تساعد يؤثر سلباً على الدارسين لألدب ،مّا يتطلّب على تنشئة النُخب لكي توظّ ف خير ما في الرفع من مستوى الطالب ،وم��ن مستوى األدب وخير ما في العلوم والتقنيات لخدمة
تكوين األساتذة أنفسهم ،وإصالح ممارسة اإلنسانية جمعاء ،فهذا العالم الذي يتخبّط التدريس من ال��داخ��ل مع م��راع��اة مجمل في الحروب والمجاعات والمؤامرات التي
ال��ش��روط التي تتطلّبها العملية ،وأيضاً ال أفق لتوقفها ،يحتاج إلى تعليم أبنائه أدباً مراعاة ما يحدث من تطوّر في نقل المعارف يتحدّ ى القبح والظلم والجهل والنسيان، وتداولها عبر وسائل اإلع�لام والتواصل ،ويرسم آفاقاً مستقبلية جديدة تعطي معنىً بما في ذلك المعلوميات واإلنترنت التي مختلفاً للجمال والحب وال��س�لام ،وتحث يجب أن توظف في خدمة تدريس األدب على التفكير والتأمّل من أجل وقف عجالت عبر إدخالها إلى الجامعات بشكل مقنن ،الدمار والخراب.
وتكوين الطلبة من أجل استعمالها استعماال
نستنتج مما سبق أن تدريس األدب في
صحيحاً ومثمراً ومفيداً .أي تطوير الذات جامعة المستقبل أمر ض��روري ،ألنه يُعد المعرفية وفق التحوالت الجديدة في العالم ،خطوة أساسية نحو الوصول إلى اإلنسانية وتبنّي مسارات أكثر تطوّراً في بناء األسئلة ،ال��ك��ام��ل��ة والتفكير ال��ك��ون��ي ال��ق��ائ��م على
اعتماداً على أدوات ومفاهيم تساعد على اإلحساس باآلخر والتموضع في مكانه أثناء
االرتقاء بالمعرفة األدبية وفهمها وتطوير عملية التفكير ،كما أنه يساعد على إعداد وسائل مقاربتها ،واإللمام بمختلف وجوه أفضل لكل المهن القائمة على العالقات تصريفها إبستيمياً .وأيضاً ال بدّ من تعميق اإلنسانية ،فالطبيب كما عالم االجتماع النظرة إلى مفهوم األدب سواء من طرف وال��م��ؤرخ والحقوقي وغيرهم يحتاجون األساتذة أو من طرف المتعلّمين ،أو من إل��ى ال��ت��زود من األع��م��ال األدب��ي��ة كما من طرف الهيئات الرسمية المؤطرة له ،ذلك النظريات واألفعال السياسية والتحوالت
132اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
أن ينحصر تدريس األدب على إنتاج أساتذة حياته أشحن بالمعنى وأدفأ وأجمل .كما لآلداب ،بل يتجاوزه إلى العمل على تحقيق أن تدريس األدب حديث عن الذات وشرح التواصل وال��ح��وار بين مختلف الشرائح ألفكارها ومشاعرها وتطلّعاتها .إنه يشبه،
البشرية ،والوصول إلى المعاني الكبيرة إلى حدّ كبير ،أغنية فيروزية طويلة ،مليئة والعميقة ،التي يتضمنها األدب ،والتي تهم باإليقاع ،والمعنى ،والبوح ،والفرح ،واإلثارة، الوجود اإلنساني الذي يعد محور الكون، ويقظة الروح ،وانتفاضة القلب .وهو عبور األمر الذي يتيح لدارس األدب االنتقال من إل��ى ال��ذات عبر جسر اآلخ��ر ،وعبور إلى متخصص في التحليل األدب��ي إلى عارف ّ اآلخر عبر جسر الذات ،في رحلة متناغمة بالكائن البشري ومدرك لسلوكه وأهوائه. مليئة بالجمال واإلب����داع .بالتالي ،فإنه هكذا ،فإن تدريس األدب في نظري ال بدّ إحدى السبل األكيدة التي تقود إلى اكتمال أن يظ ّل موجوداً وحياً يتجدّ د من جهة ،ألنه ك ّل إنسان وتحافظ على استمراريته. يحث طالب العلم على أن يصير أكثر فاعلية، ه��ذا م��ج��رد رأي ،وال����رأي ج���واب عن ويوقظ قدرته على التداعي ،ويحرّك جهاز
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
االجتماعية والتطورات العلمية .وال يجب اإلنسان ،ي��زوّده بإحساسات عميقة تجعل
التأويل الرمزي لديه ،إضافة إلى أنه يعلّمه س��ؤال ،وم��ادة لسؤال جديد قد يكون في كيف يفكّر بنفسه بدل االقتصار على رؤى مجالنا ه��ذا هو م��اذا قد يصبح اإلنسان العالم الجاهزة التي يصادفها من حوله .بدون آداب وتراث وقيم وأخالق؟ ماذا يكون ومن جهة أخرى ،ألن األدب مرتبط بوجود مصير مَن فقد الذاكرة؟ * كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية -الرباط (((1إيمانويل فريس ،برنار موراليس ،قضايا أدبية عامة ،ترجمة :لطيف زيتوني ،عالم المعرفة ،العدد ،300 فبراير 2004م ،ص .14 (((2فيلسوف واقتصادي بريطاني عاش مابين 1806م 1873م ،صدرت له سيرة ذاتية بعد وفاته. (((3تزفيتان تودوروف ،األدب في خطر ،ترجمة :عبدالكبير الشرقاوي ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء، 2007م ،ص43 . (((4المرجع السابق ،ص44 . ((.Pascal Casanova، la république mondiale des lettres، Seuil، 1999(5 (((6إيمان ويلفريس ،برنار موراليس ،قضايا أدبية عامة ،ص7. (((7نفسه .ص7.
((Descartes، Discours de la méthode (1637)، in Œuvres et lettres، textes présentés par André Bridoux، Paris،(8
.Gallimard، coll. La Pléiade، 1953، p.128
اجلوبة -ربيع 1437هـ (133 )2016
الكتاب :ديوان ال�شاعرات يف اململكة العربية ال�سعودية الكتاب � :أمناط االنفاق لدى الأ�سر ال�سعودية يف اجلوف امل�ؤلف � :سارة الأزوري
امل�ؤلف :ن�سرين بنت �سلمان العواد
النا�شر :دار املفردات للن�شر والتوزيع بالريا�ض
النا�شر :مركز عبدالرحمن ال�سديري الثقايف
وترشيد اإلن��ف��اق داخ���ل األس���رة ،وضبط ال قوياً ميزانيتها وتربية األبناء عليه يعد عام ً يف بناء أسر تعي متطلبات احلياة العصرية، كما أنها تعطي املجتمع بأسره فرصة حلفظ الدخل العام ،وإقامة مشاريع تنموية كبيرة تفيد منها األجيال القادمة.
املؤلفة :نسرين بنت سلمان العواد. •ماجستير علم اجتماع ،جامعة امللك سعود، 1432ه� •محاضرة يف قسم الدراسات االجتماعية بجامعة امللك سعود. •عضو اجلمعية السعودية لعلم االجتماع.
نسرين بنت سلمان العواد
ه��ذا الكتاب ثمرة دراس��ة علمية ميدانية قامت بها الباحثة يف منطقة اجلوف ،بتمويل م��ن م��رك��ز عبدالرحمن ال��س��دي��ري الثقايف. يستعرض الكتاب أمن��اط اإلنفاق لدى األسر السعودية يف اجل��وف ،ويعد إضافة يف مجال الدراسات االجتماعية يف هذا املجال.
أمناط اإلنفاق لدى األسر السعودية يف اجلوف
اإلن���ف���اق س��ل��وك ال ي��ت��ج��زأ م��ن ال��س��ل��وك االجتماعي ،ويرتبط بالتنشئة االجتماعية، وهو نشاط تقوم به األسرة لتلبية احتياجاتها املعيشية ،وتشمل :الطعام ،واملالبس ،والترفية، وقضاء أوقات الفراغ ،وغيرها.
أمناط اإلنفاق لدى األسر السـعودية يف اجلـوف
نسرين بنت سلمان العواد
ص��در ع��ن دار ال��م��ف��ردات ب��ال��ري��اض معجم
هذا الكتاب ثمرة دراس��ة علمية ميدانية
ف��ي المملكة العربية ال��س��ع��ودي��ة» ،م��ن إع��داد
السعودية في منطقة ال��ج��وف ،بتمويل من
الشاعرات السعوديات بعنوان «ديوان الشاعرات ق��ام��ت بها الباحثة على عينة م��ن األس��ر القاصة س���ارة األزوري ،نائبة رئيسة اللجنة النسائية بالطائف .وقد جاء الديوان في أكثر من ( )1000صفحة من القطع المتوسط ،ضم تراجم
مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. اإلن��ف��اق س��ل��وك ال ي��ت��ج��زأ م��ن السلوك
لـ « »213شاعرة ،مع نصوص لهن ،كما اشتمل االجتماعي ،ويرتبط بالتنشئة االجتماعية، المعجم على إش��ارات إلى بعض المراجع التي وهو نشاط تقوم به األسرة لتلبية احتياجاتها
ذكرت شعر المرأة السعودية ،وبعض الشاعرات، وق��د بلغ ع��دد ال��ش��اع��رات ال�لات��ي لهن إص��دار شعري « »76ش��اع��رة .ويعد ه��ذا المعجم أول معجم شامل للشاعرات السعوديات.
ال��م��ع��ي��ش��ي��ة ..وت��ش��م��ل ال��ط��ع��ام وال��م�لاب��س والترفيه وقضاء أوقات الفراغ وغيرها.. يستعرض الكتاب أنماط االن��ف��اق لدى
وتجدر اإلشارة إلى أن القاصة سارة األزوري األس���ر ال��س��ع��ودي��ة ف��ي المنطقة ويدرسها تُعد إحدى كاتبات القصة بالمملكة ،وقد صدر ويحللها ،وهو يعد إضافة في مجال الدراسات
لها قبل ذلك مجموعة قصصية بعنوان (طقس االجتماعية ..وق��د ج��اء في ( )224صفحة خاص) ،كما صدر لها مجموعة قصصية أخرى بعنوان (نصف رجل) ،ولها العديد من المشاركات األدبية في مجال القصة على مستوى الوطن العربي. 134اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
ضمت خمسة فصول ،إضافة إلى استبيان الدراسة والمراجع والمالحق الخاصة بذلك.
امل�ؤلف � :سعد البواردي
امل�ؤلف :الهنوف �صالح الدغي�شم
النا�شر :دار املفردات للن�شر والتوزيع بالريا�ض
النا�شر :الدار العربية للعلوم 2015م
صدر للكاتب السعودي سعد البواردي عن دار المفردات كتاب جديد بعنوان (ث��رث��رة الظهيرة) .يقول الناشر بهذا الشأن :كثي ٌر منا ينتهز فرصة الظهيرة لالسترخاء ومطالعة الصحف ،ثم يلقيها جانباً .ومنا مَن يقضيها في أحاديث مع من حوله حول شؤون الحياة .ويدعو األستاذ سعد البواردي هذه األحاديث بثرثرة الظهيرة.
ه��ذا ال��ك��ت��اب ع��ن ح��ي��اة أم وطبيبة أس��ن��ان س��ع��ودي��ة مبتعثة ف��ي ألمانيا، وكيف تواجه هذه التجربة ،واالختالف بين الثقافتين ،ويصعب عليها االندماج، فتعيش مع تأمالتها ورؤيتها للعالم تتسع.
ومن هذه الثرثرة الحرة ،أو ما يدور حول مقاالت الصحف. ويختار البواردي ما يثير ذائقته األدبية واالجتماعية ،ويجد في طرحه نفعاً أو متعة للقارئ ،مبدياً رؤية ثاقبة في أسلوب يليق بكل مقام ،من سخرية أدبية ،أو توجيه تربوي ،أو نقد اجتماعي، يحمل من المفاجآت ما يثري فكر القارئ ،ويستجيب لذائقته.
يقع الكتاب في ( )126صفحة من القطع المتوسط ..وه��و بمثابة سيرة لطالبة مبتعثة تروي معاناتها ونظرتها ال���ى نفسها ون��ظ��رة اآلخ��ري��ن إل��ي��ه��ا.. فهي تكتب لتدون رحلة السير بقلق إلى نفسها ،إلى ذاتها النقيّة.
•«ال��درج��ات التي كلفتني دقيقتين هبوطاً كلفتني خمس أمثالها صعوداً ..الصعود إلى األعلى هو األصعب».
تكتب عن تحوالتها وم��ا انتابها من تغيير ف��ي مدينة ف��راي��ب��ورغ الصغيرة، ممتنة لكل العابرين غير المبالين الذي صنع عبورهم الناعم حكاية في داخلها.
•«ال��ح��ب يفتح ال��ب��اب ال��م��وص��د ..والكراهية تغلق الباب المفتوح»..
إن��ه��ا ت��ت��ح��دث ع��ن نفسها وت��رص��د انفعاالتها ومشاعرها ورؤاها بأداء جيد، وتمنحك فرصة للسفر في نفس إنسان آخ��ر ،كما أن لديها ال��ق��درة على رؤية األم��ور بطريقة تنبئ بروائية سعودية ممتازة ننتظر كتبها القادمة.
يقول األستاذ البواردي في كتابه (ثرثرة الظهيرة)..
•«مادتان أساسيتان لمدرسة الحياة (التجربة والممارسة). دون اجتياز المتحانهما مجتمعتين بنجاح تظل جميع الشهادات الورقية مجرد وثائق شكلية».
•«الحب يثمر ..والكراهية تدمر».. •«الحب يورق حياة يستظل بغيثها اآلمنون».. •«والكره يقتلع أشجار المحبة من جذورها ،فال ظل وال فيء وال شجر وال أمان».
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
الكتاب :ثرثرة الظهرية
الكتاب :فرايبورغ رقة العزلة
إنها تجربة أرادت الكاتبة أن تنقلها إلينا لتحقق ج��زءاً مما تبحث عنه في ذاتها..
اجلوبة -ربيع 1437هـ (135 )2016
األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة
ρρإعداد :عماد املغربي
مستقبل التعليم والتعليم العالي في العصر الرقمي
أ .د .نايف المعيقل أ .د .عبداهلل الموسى
تضمنت خطة النشاط الثقافي لعام 1437/36هـ محاضرة بعنوان« :مستقبل التعليم والتعليم العالي في العصر الرقمي -الجامعة السعودية اإللكترونية ك��ن��م��وذج» أل��ق��اه��ا أ .د .ع��ب��داهلل ب��ن عبدالعزيز الموسى -مدير الجامعة السعودية اإللكترونية- وأداره��ا عضو المجلس الثقافي الدكتور نايف بن صالح المعيقل -وكيل جامعة الجوف ،وتم نقلها إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة. تحدث المحاضر عن مختلف جوانب التعليم العالي ،وتناول بعض األرقام والحقائق عن التقنية
مدير عام المركز يكرم الضيفين الكريمين
والتعليم -أب��رز التحديات أم��ام تبني التقنية في التعليم والتعليم العالي -مظاهر تسارع تبني التقنية في التعليم والتعليم العالي -أب��رز التطورات في تقنيات التعليم والتعليم العالي -إطار مقترح لتقييم الفصول الخالقة ،تال ذلك مداخالت مع الحضور. وق����دم ال��م��ح��اض��ر ال��ش��ك��ر وال��ت��ق��دي��ر لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي على ما يقدمه من نشاطات ثقافية لها دور كبير في إث��راء الساحة الثقافية في المملكة.
ب��رع��اي��ة وك��ي��ل م��ح��اف��ظ��ة ال��غ��اط تحت شعار األس��ت��اذ منصور بن سعد السديري، (بالقراءة وحضور مساعد المدير العام سلطان ابن فيصل بن عبدالرحمن السديري نرتقي) وع��دد من ممثلي ال��دوائ��ر الحكومية دار وجمع غفير من أهالي الغاط ،نظمت الرحمانية دار الرحمانية فرع مركز عبدالرحمن في الغاط السديري الثقافي بالغاط سباق الرحمانية الثامن للجري الذي انطلق الساعة الخامسة مساء يوم الثالثاء 1437/06/27هـ 2016/04/05 -م) ،وقد شارك فيه ( ) 112متسابقاً، تقيم ولمسافة أربعة كيلومترات قطعها الفائز األول في 14دقيقة .أشرف عليه حكام من معلمي ســباقها التربية الرياضية ومدربي نادي الحمادة الرياضي بالغاط .فاز فيه :األول /سعود عمر الثامن حكومي ،الثاني /سالم الوادعي ،الثالث /راكان المطيري ،المركز الرابع/أحمد عبدالمنعم، للجــري الخامس /عمر المطيري ،السادس /على خالد صادق ،السابع /فايز الريس .وفي نهاية السباق تم تكريم الفائزين وكذلك أكبر المشاركين سناً والجهات المشاركة في السباق..
136اجلوبة -ربيع 1437هـ ()2016
من إصدارات اجلوبة
صدر حديث ًا عن برنامج النشر في