مجلة الجوبة العدد 52 Aljoubah Magazine

Page 1

‫دراسات ونقد‬ ‫نصوص شعرية وسردية‬ ‫مواجهات‬ ‫شهادات‬

‫‪52‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy. org. sa‬‬


‫جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫امل�شرف العام ‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫�سكرترياً‬ ‫�أ�سرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫حمرراً‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً‬ ‫عماد املغربي ‬ ‫ ‬ ‫�إخـــراج فني ‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫املرا�ســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد‬

‫‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪� - 52‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪80.............................‬‬ ‫د‪ .‬عبداهلل الصالح العثيمني‬ ‫‪ -‬يرحمه اهلل ‪-‬‬

‫‪85........................‬‬ ‫الشاعر والكاتب السعودي‬ ‫حسن السبع‬

‫‪111.............................‬‬ ‫عبداللطيـف غصاب الضويحي‬

‫الـمحتويــــات‬

‫افتتاحية العدد‪................................................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬من الرواية السالبة إلى الرواية الموجبة ‪ -‬أ‪ .‬حورية أفقير ‪....‬‬ ‫طه حسين في قصة لم تتم ‪ -‬صالح محمد المطيري ‪...................‬‬ ‫عمل شعري خلاّ ق لمعناه ‪ -‬رؤى هاشم ‪..........................................‬‬ ‫تشكالت الخطاب السردي مقاربة في األنساق السردية القصصية في تجربة‬ ‫القاص حسن الشيخ ‪ -‬إبراهيم الكراوي ‪......................................‬‬ ‫قصيدة مجهولة ألحمد إبراهيم الغزاوي ‪ -‬مصطفى يعقوب ‪...........‬‬ ‫استلهام التراث في شعر األطفال ‪ -‬د‪ .‬بهيجة مصري إدلبي ‪............‬‬ ‫الجوف تراث الواحة العربية برؤية أوروبية ‪ -‬آيات عفيفي‪................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬األرملة الصبية ‪ -‬سمية البوغافرية‪.......................‬‬ ‫االنتظار ‪ -‬آمال الشاذلي ‪.................................................‬‬ ‫القضية ‪ -‬فهد المصبح‪...................................................‬‬ ‫الطفل والثور والنمر (قصة من الفيتنام) ‪ -‬ترجمة سعيد بوكرامي ‪.............‬‬ ‫ِحيل َة ‪ -‬سمر الزعبي‪......................................................‬‬ ‫شعر‪ :‬الناي يغري بالحزن ‪ -‬أحمد قران الزهراني ‪..........................‬‬ ‫أكتبُني ويمحوني غيابُك ‪ -‬حنان بيروتي‪..................................‬‬ ‫أملك ماذا؟ ‪ -‬عقل الضميري‪.............................................‬‬ ‫العيد الذي ال يجيء ‪ -‬مالك الخالدي ‪...................................‬‬ ‫شعيرةٌ إلى وطن ‪ -‬هيفاء الجبري ‪........................................‬‬ ‫البياض ‪ -‬نجاة خيري‪..............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫مأوى‬ ‫يــــا غـــــربـــتي ‪ -‬عبداهلل فراجي ‪.........................................‬‬ ‫آل ِل ُئ البَدرِ ‪ -‬نازك الخنيزي‪......................................................‬‬ ‫أنثى األساطير ‪ -‬حليمة الفرجي‪.................................................‬‬ ‫جريد الفصول ‪ -‬أحمد نمر الخطيب‪............................................‬‬ ‫رثاء ‪ -‬عمر بوقاسم ‪..............................................................‬‬ ‫نصوص شعرية ‪ -‬هدى الدغفق‪..................................................‬‬ ‫شكرا سكاكا ‪ -‬نزار الخطيب ‪....................................................‬‬ ‫أَ َّن ُة وَجَ ٍع إلى بهجة الدنيا التي رحلت ‪ -‬سليمان العتيق‪..........................‬‬ ‫عطر ‪ -‬وعد العمري ‪.............................................................‬‬ ‫شهادات‪ :‬د‪ .‬عبداهلل الصالح العثيمين يرحمه اهلل ‪ -‬د‪.‬عبدالرحمن الشبيلي‪....‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعر والكاتب السعودي حسن السبع ‪. ......................................‬‬ ‫الناقد األديب محمد صابر عبيد ‪ -‬حاوره‪ :‬نضال القاسم ‪......................‬‬ ‫القاصة شيمة الشمري ‪ -‬حاورتها‪ :‬مسعدة اليامي ‪...............................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬عبداللطيـف غصاب الضويحي ‪.................................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬األولوية الحتمية إليقاف التدهور في قدرات األمم ‪ -‬الزبير مهداد ‪....‬‬ ‫اإلرث المعماري هل هو خاص أم عام؟ ‪ -‬صالح بن العشيش ‪..................‬‬ ‫الزهـور بين الحياة والشعر ‪ -‬عبدالغني فوزي ‪...................................‬‬ ‫مارينا تسفيتاييفا شاعرة الحب والجوع والمنافي ‪ -‬تركية العمري ‪............‬‬ ‫معنى النمو الجمالي ‪ -‬صبحة بغورة‪.............................................‬‬ ‫الغاط في عيون المصورين ‪...............................................‬‬ ‫قصة لألطفال‪ :‬ما المانع؟! ‪ -‬سديم عبدالرحمن الدرعان‪...............‬‬ ‫قراءات ‪...........................................................................‬‬ ‫أنشطة ثقافية ‪.................................................................‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪132‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪136‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة من معرض (الفن إحساس) الذي أقيم في جاكرتة بإندونيسيا في شهر مارس الماضي‪.‬‬


‫اف���ت���ت���اح���ي���ة‬ ‫ال�����������ع�����������دد‬ ‫■ إبراهيم احلميد‬

‫يتضمن عدد الجوبة هذا مواد جديدة‪ ،‬ومحاور متعددة‪ ،‬وحوارات مهمة‪ ،‬منها‬ ‫الدراسات والمقاالت‪ ،‬ومنها اإلبداعات السردية والشعرية‪ ،‬التي تحيل جميعها‬ ‫إلى العمل الثقافي الذي يبذله المبدع العربي‪ ،‬محققا إنجازاته في مختلف فنون‬ ‫المعرفة اإلنسانية ضمن هذه المساحة التي يطلون منها‪ ،‬شرفة المعرفة ناشرين‬ ‫النور والفكر‪.‬‬ ‫‪ ‬فلرفع الغموض بخصوص الفرق السميك بين الرواية والقصة العادية‪ ،‬يمكن‬ ‫التأكيد من خالل دراسة الرواية السالبة والموجبة‪ ،‬أن اعتقاد الفرق الوحيد‬ ‫بين الرواية والقصة هو أن األولى طويلة والثانية قصيرة اعتقا ٌد غير دقيق؛ إذ‬ ‫يجدر بالنص الروائي أن يكون ذا موضوع محدد‪ ،‬خالفا لما يصطلح عليه في‬ ‫المجموعة القصصية‪ ،‬إضافة إلى أن الدراسة تحيل إلى التفريق بين الرواية‬ ‫السالبة والموجبة من خالل التأثير وسرد األحداث‪.‬‬ ‫‪ ‬وفي «تاللي تضيق بعوسجها» نكتشف الشاعر والقاص عمار الجنيدي‪ ،‬في‬ ‫قراءة تبدأ بما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية‪ ،‬كعمق العبارة‬ ‫وكثافة الداللة‪ ،‬إذ تؤكد القراءة ‪ ‬قدرة الشاعر على تحرير القصيدة من إطارها‬ ‫االجتماعي والذاتي معا‪.‬‬ ‫وإلى حوار الشاعر حسن السبع‪ ،‬الذي يرى أن االستقرار النفسي والصفاء‬ ‫الذهني شرطان الزمان لإلنتاج الفكري والفني‪ ،‬وأن القلق الوجودي والفلسفي‬ ‫الزم لعملية اإلبداع‪ ،‬وهو يرى أن األعمال الفائزة في الجوائز األدبية قد ال تكون‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة‬ ‫أفضل من تلك التي لم يحالفها الحظ‪ ،‬مشيرا إلى أن الزمن هو زمن القصيدة‬ ‫مثلما هو زمن الرواية‪ ،‬ألنه ال نهاية ألي شكل من أشكال التعبير الفني إال إذا‬ ‫نضبت طاقته التعبيرية‪ ،‬التي ال تنضب إال إذا نضبت المخيّلة البشرية ‪.‬‬ ‫كما نتعرف على الناقد الدكتور محمد صابر عبيد‪ ،‬ومؤلفاته التي تتوزع بين‬ ‫النقد والسيرة والنصوص‪ ،‬والتي تتشعب إلى مواضيع متعددة‪ ..‬وال��ذي يعلن‬ ‫أن جامعاتنا غير مؤهلة لصناعة النقاد والمبدعين‪ ،‬ألنها ليست سوى مدارس‬ ‫كبيرة‪ ،‬معترفا أنه من النقاد الذين اندهشوا بالمنهج البنيوي‪ ،‬وأن نظريات النقد‬ ‫الحديثة كبيرة األهمية للنقد العربي الحديث‪.‬‬ ‫وفي قراءة كتاب الدكتور عوض البادي «الرحالة األجانب في منطقة الجوف‬ ‫‪ »1922-1845‬تعيد الباحثة تأكيد أهمية الكتاب المليء بالتفاصيل الشيقة‬ ‫والكثيرة‪ ،‬التي تعيدنا إلى تصور طبيعة الحياة في منطقة الجوف اجتماعيا‬ ‫وثقافيا وسياسيا‪ ،‬وتسليط الضوء على هذه الحياة ‪ ‬بجميع صورها‪ ،‬ومنها‬ ‫المجالس الشعرية التي تعقد إلنشاد الشعر واالستماع إليه‪.‬‬ ‫ولعل من شيم الوفاء لزوم تذكر الراحلين‪ ،‬خاصة إذا كانوا ممن أثروا فضاءنا‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬وكان لهم دور بارز في خدمة وطنهم‪ ،‬ومنهم الدكتور عبداهلل الصالح‬ ‫العثيمين يرحمه اهلل‪ ،‬الذي أثرى المكتبة العربية شعرا وتأريخا بكتبه الثالثين‬ ‫ودواوينه العشرة‪ ،‬وإسهاماته اإلدارية والوطنية‪ ،‬بالكتابة عنه من خالل المقربين‬ ‫منه‪ ،‬ومنهم الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ‪ ‬الذي يكتب بعض سيرة الراحل ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪5‬‬


‫من الرواية السالبة‬ ‫إلى الرواية الموجبة‬ ‫‪ρρ‬أ‪ .‬حورية أفقير*‬

‫تنقسم الرواية‪ ،‬من حيث هي رسالة‪ ،‬إلى قسمين؛ األول يقوم على استهداف‬ ‫متلقٍّ مقرَّ ر‪ ،‬والثاني يقوم على استهداف متلقٍّ مقدَّ ر‪ُ .‬يعَدُّ المسرو ُد له مُ قرَّ ر ًا‬ ‫عندما يكون مساوي ًا للسارد في كونهما مسرود ًا عن كليهما داخل النص‪ ،‬ويحصل‬ ‫ه��ذا ف��ي حالة قيام النص على ح ��وارات‪ ،‬أو ن ��دوات‪ ،‬أو م�ح��اض��رات‪ ،‬أو رس��ائ��ل‪ ،‬أو‬ ‫غيرها م��ن أن�م��اط ال�ت��واص��ل ال�ح��يّ ال�ت��ي يستغلها ال��روائ��ي ل�س��رد حكايته‪ .‬وفي‬ ‫مقابل ذلك‪ ،‬يُعد المسرو ُد له مُ قدَّ ر ًا عندما يكون مفارق ًا للنص‪ ،‬وهذا يحصل في‬ ‫حالة مخاطبة السارد للقارئ الطبيعي المحتمل مباشرةً‪ .‬وحينما نتحدث عن‬ ‫«المتلقي الطبيعي»‪ ،‬فإنما نفترض له مقاب ًال يتمثَّل في «المتلقي الورقي»‪ ،‬فعلى‬ ‫هذا األساس يُمكن تقسيم السرد الروائي إلى «رواية موجبة» و«رواية سالبة»‪.‬‬ ‫إن ال��رم��زي��ة ال��س��ردي��ة العميقة وليلة»‪ ،‬أللفينا الراوي يستعجل تقويم‬

‫التي تنشدها الرواية الموجبة‪ ،‬هي السرد وتقييمه من خ�لال المسرود‬ ‫التحكم في حينونة النص من خالل له المقرَّر‪ ،‬وهو «شهريار» ال��ذي لم‬

‫تقويم وتقييم كينونة المنصوص‪ ،‬فلو يكن في عمق المسألة إال مسروداً له‬ ‫تخطَّ ينا فضا َء النص بعجالة إلى سرد مقدَّ راً‪ ،‬وهو الشخص االفتراضي (في‬

‫ما قبل النص كما جاء في «ألف ليلة حالة الحكاية الشفهية) الذي تُروى له‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الحوار الدائر بين شهرزاد وشهريار ما ال��ع��ادي��ة‪ ،‬ق��د ي�لاح��ظ ن��وع��اً م��ن ال��ش��رود‬ ‫هو إال تعجيل من الراوي بتوجيب الحكاية ف��ي ال��س��رود ال��روائ��ي��ة‪ ،‬إذ يمكن ويجوز‬ ‫السالبة ذات االكتمال المتعلِّق بمحكيٍّ‬

‫للروائي‪ ،‬في كل فصل من فصول روايته‪،‬‬

‫له مؤجل‪ ،‬وهو المستمع في حالة كونها أن يشرع في سرد قصة مختلفة عن التي‬ ‫حكاية شفهية‪ ،‬أو القارئ في حالة كونها سردها من خالل الفصل السابق‪ ،‬ولكن‬ ‫مكتوبة‪.‬‬

‫بشرط أن يكشف عن الوشائج السردية‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الحكاية‪ ،‬بدل الشخص الطبيعي‪ ،‬إذاً فإن‬

‫ولذلك‪ ،‬فإن مَن تعوَّد على قراءة القصة‬

‫لطالما ك��ان هناك غموض بخصوص والعضوية والمنطقية بين ه��ذه القصة‬ ‫ال��ف��رق السميك ب��ي��ن ال���رواي���ة والقصة ومجموع الرواية‪ ،‬سواء في الفصل نفسه‪،‬‬

‫ال��ع��ادي��ة‪ ،‬إذ س��اد االع��ت��ق��اد‪ -‬ل��دى بعض أو من خالل فصل آخر‪ ،‬ذلك ألن الرواية‬ ‫ال���ن���اس ع��ل��ى األق������ل‪ ،‬والس���ي���م���ا بعض ال تستهدف ب��ن��ا َء الشخصية الطبيعية‬ ‫المهتمين منهم بالسرد‪ -‬أن الفرق الوحيد فحسب‪ ،‬وإنما تستهدف بنا َء الشخصية‬

‫بين الرواية والقصة هو أن األولى طويلة كاملة بأبعادها النفسية واالجتماعية‬ ‫والثانية قصيرة‪ ،‬لكن هذا غير دقيق‪ ،‬إذ واالقتصادية والسياسية وغير ذلك‪.‬‬ ‫يمكن أن تجد بعض القصص أط��ول من‬

‫وعلى ه��ذا األس���اس‪ ،‬ال��ذي تَ��ق��رَّر فيه‬

‫بعض الروايات‪ ،‬وبنا ًء على ذلك نقرَّر هنا ب��أن ال��رواي��ة عبارة عن عنقود قصصي‪،‬‬ ‫بأن الفرق السميك (ولعله الفيصل) بين نعود إلى توزيع األص��وات السردية فيها‪،‬‬ ‫القصة والرواية‪ ،‬هو أن القصة تدور عاد ًة إذ يتولَّى السارد «المفارق»‪ -‬في الرواية‬ ‫حول شخصية محددة ضمن أفق سردي السالبة‪ -‬س��ر َد األح��داث لمتلقٍّ «مفارق»‬ ‫ضيق يأتي على مقاس تلك الشخصية‪ .‬أي��ض��اً وه���و «ال����ق����ارئ»‪ ،‬ع��ك��س ال��رواي��ة‬ ‫أم��ا ال��رواي��ة‪ ،‬فهي ع��ب��ارة ع��ن مجموعة الموجبة التي يُوعَ ز فيها إلى الشخوص‬ ‫قصصية ذات موضوع موحَّ د‪ ،‬وهنا يجدر الممثلين داخ��ل النص ب��أن يتولَّوا سر َد‬ ‫بنا التنبيه إلى ضرورة توفُّر النص الروائي القصص ال��روائ��ي��ة لبعضهم‪ .‬ل��و أخذنا‬ ‫على موضوع موحَّ د‪ ،‬خالفاً لما يُصطلح كمثال حكاي ًة من الحكايات التي حكتها‬ ‫عليه حديثاً بـ«المجموعة القصصية»‪ ،‬ش��ه��رزاد لشهريار‪ ،‬وتساءلنا؛ ل��م��اذا لم‬ ‫أي أن ال��رواي��ة تكون عبارة «ع��ن عنقود يحكها الراوي مباشر ًة للمتلقي الطبيعي؟‬ ‫قصصي»‪ ،‬وليس مجموعة من القصص ال فمن جملة ما يأتي به الجواب‪ ،‬أن األمر‬ ‫يجمع بعضها بعضاً إال الورق‪.‬‬

‫يتعلق باستبطان غ��ي��اب م���ا؛ ق��د يكون‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪7‬‬


‫ُيسراً في حالة االكتفاء بحكاية‬ ‫غياب المتلقي‪ ،‬وقد يكون غياب االهتمام لم يب ُد م َّ‬ ‫بالحكاية؛ وبالتالي‪ ،‬فكأنَّ الراوي يضطر الجنّيّ ‪ ،‬ذلك ألنها «سالبة» يتوقَّف اكتمالها‬

‫لـ«إخراج» حكايته وتمثيلها أمام المتلقي‪ ،‬على تمثُّل السيد لمقتضاها‪ ،‬وهذا التمثُّل‬

‫إذ بد َل أن يروي ال��راوي حكايته للمتلقي نفسه يتحوَّل إلى تمثيل‪ ،‬بمعنى أن السيد‪-‬‬ ‫الطبيعي تاركاً له أمر تقييمها وإسقاط وهو يتمثَّل الحكاية‪-‬إنما يواصل تمثيلها‬ ‫مقالها على مقامه حسب مقتضى الواقع‪ ،‬نحو اكتمالها السردي! أال ترى أن شهريار‬ ‫يفضل هذا ال��راوي أن يروي حكاية ذاك يتمثَّل حكايات شهرزاد ويمثِّلها‪ -‬في الوقت‬ ‫ِّ‬ ‫«التقييم» نفسه‪ ،‬وإح��دى نتائج إسقاط نفسه‪-‬أمام المتلقي؟‬

‫مقاله على مقام شخص طبيعي؛ فبذلك‬

‫لكن هناك مسألة دقيقة‪ ،‬وهي أن امتثال‬

‫تكون حكايته قد استوفت شروط اكتمالها شهريار لحكايات شهرزاد يستم ُّد تحقُّقه‪،‬‬ ‫االفتراضي بوصفها رسالة‪ ،‬أي أنه بد َل أن ف��ي منطق الحكاية‪ ،‬م��ن إدراك ال��راوي‬ ‫يكتفي بتبليغك هذه الرسالة‪ ،‬يبلغك من لمدى تعلُّق ذاك االمتثال باكتمال الحكاية‬ ‫خاللها أيضاً كيف تم تبليغها سلفاً‪.‬‬ ‫م��ن خ�لال تعجيل أث��ره��ا ال��س��ردي على‬ ‫ولكي تتضح جيداً هذه المسألة‪ ،‬افرض النفس‪ ،‬وذاك هو التوجيب؛ أي االنتقال‬ ‫أن جاري ًة ما حكت قص َة جنِّيٍّ ما لسيدها من الحكاية السالبة إلى الحكاية الموجبة‪،‬‬

‫كي تتجنَّب سيفه ذي الداللتين؛ الحربية وهو نفس ما يحدث في الرواية‪ ،‬إذ يروم‬ ‫والجنسية‪ ،‬إن هذا السيد قد ال يعتبر وال س��ارد الرواية الموجبة استقال َل مملكته‬

‫يرتدع بما تحكي‪ ،‬أو‪ -‬على األقل‪ -‬هذا ما السردية عن نفوذ المتلقي الطبيعي‪ ،‬أما‬ ‫يستبطنه راوي الحكاية الموجبة؛ فكأنه س��ارد ال��رواي��ة السالبة‪ ،‬فهو ‪-‬م��ن حيث‬ ‫يفترض أن التأثير الحكائي على السيد يشعر أو ال يشعر‪ -‬إنما ي��ك��رِّس ارتهان‬ ‫يقتضي ت��س��ري��د ذل���ك «ال��ت��أث��ي��ر» نفسه رواي��ت��ه ل��م��زاج المتلقي ال���ذي ب��ه تكتمل‬ ‫والحكي عنه بوصفه ج��زءًا عن الحكاية الرواية بوصفها رسالة في النهاية‪.‬‬ ‫ن��ف��س��ه��ا؛ وب��ه��ذا ت��ت��ح��ول ح��ك��اي��ة الجني‬

‫يقص بطل ال��رواي��ة حكايته أو‬ ‫ُّ‬ ‫عندما‬

‫(السالبة) إلى حكاية موجبة‪ ،‬وذلك بأن ج��زءًا من حكايته لجليس له في حافلة‪،‬‬

‫«تحكي محظية لملك أن جارية ما حكت أو قطار‪ ،‬أو مقهى‪ ،‬أو لطبيب نفساني‪،‬‬ ‫لسيدها حكاية الجني»‪ ،‬فباحتواء قصة أو غير ذلك مما يصب في هذا القبيل‪،‬‬ ‫الجني على قصة الجارية مع سيدها يصبح فهذا يعني أن المتلقي الورقي يتولَّى تمثيل‬

‫‪8‬‬

‫بإمكان المحظية أن تؤثر على الملك! وهذا المتلقي الطبيعي وفقاً للسيناريو الذي‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يقول للمتلقي ال��ورق��ي‪« :‬ه��ذا ه��و األث��ر معينة أو م��ن إح���دى ال��ل��غ��ات القديمة؛‬ ‫ال��ذي أتوخَّ ى إحداثه من خ�لال روايتي‪ ،‬ما يعني أن��ه يقوم بنوع من االستحضار‬ ‫ه��ذه هي ص��ورة المتلقي الطبيعي الذي المكاني في الحالة األولى‪ ،‬والزماني في‬ ‫أخاطبه؛ أن يعير ساردي من االهتمام ما الحالة الثانية‪.‬‬ ‫يمثله المتلقي الورقي»‪ .‬وما دامت الرواية‬

‫تحمل متلقيها الورقي في طياتها‪ ،‬فهذا‬ ‫يعني أنها مكتملة كرسالة‪ ،‬أي أنها تتضمن‬ ‫المرسل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األركان الثالثة للترسيل‪ ،‬وهي؛‬

‫فالمرسل هو‬ ‫ِ‬ ‫والرسالة‪ ،‬والمرسل إليه‪.‬‬ ‫السارد‪ ،‬والمرسل إليه هو المتلقي الورقي‪،‬‬

‫والرسالة هي الحكاية التي يحكيها له‪.‬‬

‫ول��ك��ن بالنسبة إل��ى ال��رواي��ة السالبة‬

‫التي يحكي فيها الكاتب (السارد) سيرةَ‬

‫شخوصه للمتلقي الطبيعي‪ ،‬يمكن القول‬

‫بأنها غير مكتملة كرسالة‪ ،‬ألنها ال تتضمن‬

‫األركان الثالثة‪ ،‬فهي تتضمن ركنين فقط‬

‫ال��خ�لاص��ة أن ال��رواي��ة السالبة تبدو‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أع���دَّ ه الكاتب سلفاً‪ ،‬فكأن لسان حاله س��ارده��ا بأنها مترجمة م��ن لغة أجنبية‬

‫أقلَّ ثرا ًء وتأثيراً على النفس من الرواية‬ ‫ال��م��وج��ب��ة‪ ،‬إذ إن األول����ى تكتفي بسرد‬ ‫األح�����داث دون أن تُ��ش��رك ال���ق���ارئ في‬ ‫تقييمها‪ ،‬والنظر إلى أي مدى تستحق أن‬ ‫تُ��روى أص�لاً‪ ،‬أض��ف إل��ى ذل��ك أنها ربما‬ ‫تعطي المتلقي انطباعاً بأنها ال تحمل ما‬ ‫يجعلها في غنى عنه‪ ،‬فكأنها إما أن تكون‬ ‫مرسلة إليه‪ ..‬وإما أال تكون‪ .‬أما الرواية‬ ‫الموجبة‪ ،‬فبمجرد أن يبدأ كاتبها البحث‬ ‫ع��ن األط����راف (ال��ش��خ��وص) المناسبين‬ ‫ليحكي أح��داث��ه��ا بعضهم لبعض‪ ،‬يجد‬

‫المرسل والرسالة الموجهة إلى متلقٍّ‬ ‫ِ‬ ‫وهما‬ ‫مفارق وه��و القارئ المحتمل‪ .‬ويبدو أن سؤال الجدارة السردية مطروحاً أمامه‪،‬‬ ‫هناك روائيين افتطنوا إلى بعض التفاوت وهكذا يتسنى له تقييم تلك األحداث على‬ ‫في اآلثار التي تحدثها الرواية على نفس نحو أفضل من خالل سردها ضمن أحد‬ ‫المتلقي‪ ،‬بنا ًء على تمييزه الالشعوري بين أنماط التواصل الحيّ ‪ ،‬فكأنه بذلك يقول‬ ‫الرواية الموجبة والرواية السالبة‪ ،‬وربما للمتلقي الطبيعي‪« :‬إن رسالتي هذه ليست‬ ‫لذلك نقرأ بعض الروايات يتحدث فيها موجهة إليك بالضرورة‪ ،‬ولكن بإمكانك أن‬

‫السارد عن قراءته للروايات وما تركته من تنض َّم إلى قائمة المرسَ ل إليهم إن شئتَ ‪،‬‬ ‫اآلثار السلبية أو اإليجابية في نفس قارئها وإن لم تشأ فال بأس‪ ،‬رسالتي وصلت سلفاً‬ ‫(ال��س��ارد)‪ ،‬وكذلك ال��رواي��ات التي يزعم وليست بحاجة إليك!»‪.‬‬ ‫* كاتبة تقيم في باريس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪9‬‬


‫طه حسين في‬ ‫قصة لم تتم‬ ‫‪ρρ‬صالح محمد املطيري*‬

‫«وك� ّ�ف الشاعر عن التحدث إلى دفتره حينا‪ ،‬ولكنه لم يتحول عنه‪ ،‬ولم يلق‬ ‫القلم من ي��ده‪ ،‬وإنما لبث مكانه واجما كاسف البال مظلم النفس وال��وج��ه‪ ،‬ثم‬ ‫ارتسمت على ثغره ابتسامة مُ �رّة‪ ،‬وظهر على وجهه شيء من التردد اضطرب له‬ ‫القلم في يده بعض االضطراب‪ ،‬ثم ثاب إليه هدوؤه‪ ،‬ولكنه كان هدوء ًا مُ ّراً‪ ،‬إن صوَّ َر‬ ‫حسرات كانت تمزّق قلبه تمزيقا»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫شيئا فإنما يصور‬

‫‪10‬‬

‫تلك الفقرة كانت هي آخر فقرة توقف النهاية يا ترى؟‬ ‫عندها طه حسين‪ ،‬عميد األدب العربي‪،‬‬ ‫ورغ���م أن ط��ه حسين ق��د ع��اش بعد‬ ‫في قصته الطويلة (ما وراء النهر)‪ ،‬أي‬ ‫إم�لاء ه��ذه القصة أكثر من عقدين من‬ ‫أنها آخ��ر لبنة وضعها العميد في هذا‬ ‫لسبب ما لم يفكّر ‪-‬رحمه‬ ‫ٍ‬ ‫الزمن؛ إال إنه‬ ‫البناء غير المكتمل‪ ،‬فكما أن الشاعر‬ ‫اهلل‪ -‬في إكمالها‪ ،‬فلماذا ت��رك العميد‬ ‫����ف) ف��ي ه��ذا‬ ‫ال���ذي ف��ي ال��ق��ص��ة ق��د (ك ّ‬ ‫قصته هكذا ي��ا ت��رى؟ ول��م��اذا ل��م يكمل‬ ‫(كف)‬ ‫الموضع عن تدوين يومياته‪ ،‬ففد ّ‬ ‫بناءه هذا ولم (يُقفل) البقية الباقية التي‬ ‫العميد أيضا هنا عن إمالء قصته‪ ،‬ولمّا‬ ‫قد تكون أقل مما مضى بكثير؟ هذا ما‬ ‫يصل بنا لألسف الى النهاية‪ ،‬فأضحت‬ ‫هذه (قص ًة لم تتم)‪ ،‬وهكذا ترك العميد سنحاول استجالءه في هذه المقالة‪.‬‬ ‫والمعروف أن طه حسين قد أملى هذه‬ ‫ق��ارئ��ه ف��ي حيرة وت��رقّ��ب‪ ،‬كيف ستكون‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫حبكة‬ ‫ٍ‬ ‫وي��دور الصراع في هذه القصة في‬ ‫مشابهة لقصص العميد االجتماعية األخرى‪،‬‬ ‫أعني تصوير بؤس الحياة في الريف المصري‪،‬‬ ‫وما فيه من تسلط المالك على الفالح‪ ،‬وما‬ ‫يلقاه هذا المسكين من شقاء ومذلة وعنت‪،‬‬ ‫تتقاذفه صروف الدهر بين ضنك العيش وجور‬ ‫المالك‪.‬‬

‫ولكن ح��دث��اً يحدث ه��ن��ا‪ ..‬فيكسر حاجز‬ ‫الرتابة والسكون‪ ،‬ويجعل حبل األمور يضطرب‬ ‫ما بين القرية والقصر‪ ،‬ذلك أن ابن صاحب‬ ‫القصر ال��م��دل��ل‪ ،‬يقع ف��ي ه��وى إح��دى بنات‬ ‫الفالحين المساكين أهل القرية‪ ،‬وحيثما يقع‬ ‫الحب يجلب معه طبعا المشكالت‪ ،‬وتستحوذ‬ ‫تلك البنت على قلب الفتى‪ ،‬وتخلب لبه‪ .‬وما‬ ‫هي إال أن يجاذب العاشق حبال الوصل مع‬ ‫عشيقته الفالحة ذات م��س��اء‪ ..‬فيحدث ما‬ ‫يفاقم األمور‪ ،‬فيقرر العاشقان الهرب بحبهما‬ ‫إلى المدينة‪ .‬ويتم لهما ما أرادا‪ ،‬غير أن أخا‬ ‫الفالحة األكبر يعلم باألمر‪ ،‬فيغلي في عروقه‬ ‫دم الشرف‪ ،‬فال يق ّر له قرار حتى يلحق بأخته‬ ‫في المدينة‪ ،‬ويحقق مقولة المتنبي الشهيرة‪:‬‬

‫وغرض طه حسين في قصته هذه وقصصه‬ ‫األخرى واضح للقارئ‪ ،‬أال وهو رغبته الملحّ ة‬ ‫ف��ي اإلص��ل�اح االج��ت��م��اع��ي‪ ،‬أي رف���ع ال��ب��ؤس‬ ‫والفقر والظلم ع��ن تلك الطبقات الفقيرة‬ ‫المسحوقة في المجتمع المصري‪ .‬لقد كان‬ ‫العميد رحمة اهلل يصدر في طرحه هذا عن‬ ‫سيرة عمر بن الخطاب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬التي‬ ‫الشرف الرفيع من األذى‬ ‫ُ‬ ‫انتهجها في المواساة بين األغنياء والفقراء‪ ،‬ال يسلم‬ ‫ح �ت��ى ي � � ��راقَ ع �ل��ى ج ��وان �ب ��ه ال� ��دمُ‬ ‫كما ص���رّح ب��ه��ذا ه��و ‪-‬أي ط��ه حسين‪ -‬في‬ ‫خواتيم كتابه (المعذبون في األرض)(‪ ،)2‬وفي‬ ‫وهكذا يقتل األ ُخ أخته ليغسل عن أسرته‬ ‫كتابه (ال��ش��ي��خ��ان)(‪ )3‬أي��ض��ا‪ ،‬ال���ذي خصصه هذا العار‪ ،‬ويسلّم نفسه للشرطة‪.‬‬ ‫لسيرة أبي بكر وعمر‪.‬‬ ‫لم تنتهِ القصة هنا ‪-‬وهي ال تنتهي أصال‪-‬‬ ‫يصوّر العميد هنا في قصة (ما وراء النهر) ذلك أن االبن العاشق الغني يتملّكه إثر ذلك‬ ‫ت��داع��ي��ات الحياة ف��ي ال��ري��ف‪ ،‬م��ا بين قصر شعو ٌر قوي باإلحباط والفشل‪ ،‬فيعود إلى أبيه‬ ‫المالك الذي يقع على ربوة عالية تشرف على في قصره خائب الرجاء‪ ،‬منكّس ال��رأس‪ ،‬قد‬ ‫النهر‪ ،‬وبين قرية بائسة ذات بيوت طينية تحطمت أحالم عشقه وتهاوت أمانيه‪ .‬فيقرر‬ ‫الطئة ب��اﻷرض يسكنها مساكين يعملون في أمام أبيه أن ال بد أن يرحل إلى أوروبا عاما أو‬ ‫ال���زرع‪ ،‬يستخرجون خ��ي��رات األرض للسادة عامين‪ ،‬ليجلو عن نفسه غمامة الحزن واألسى‬ ‫المالك‪ ،‬بينما يعيشون هم على ما يتساقط التي تلبدت عليه بعد حصول تلك المأساة‪،‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫القصة التي لم تتم في منتصف األربعينيات من الفتات‪ .‬ويستمر شريط الحياة كما هو في‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬ونشرت فصولها تباعاً في رتابة وهدوء‪ ..‬سواء في القرية البائسة أو في‬ ‫مجلة الكاتب المصري ‪-‬التي ك��ان يرأسها‪ -‬القصر ال��ب��اذخ‪ ،‬كما هي الحال في كثير من‬ ‫أنحاء الريف المصري آنذاك‪.‬‬ ‫ابتدا ًء من نوفمبر سنة ‪1946‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪11 )2016‬‬


‫فيكون األب ص��ارم��ا معه‪ ،‬ف�لا يملك إال أن‬ ‫يوبّخه ويعنّفه على (نزوله) إلى هذا المستوى‪،‬‬ ‫بالسعي وراء إحدى بنات الفالحين! غير أنه ال‬ ‫يمانعه في الرحيل إلى الخارج لكي يريح قلبه‬ ‫فيسلو‪ ،‬وينسى عشقه الدامي التعيس‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وأم��ا شخصيات القصة فمحدودة طبعاً‬ ‫نظرا لمحدودية األحداث‪ ،‬وهي تتمحور حول‬ ‫(رؤوف) صاحب القصر وهو رجل قد تقدمت‬ ‫به السن‪ ،‬ولكنها لم تبلغ من قوته وال من جسمه‬ ‫وال م��ن شباب قلبه شيئا‪ ،‬وه��و سليل أس��رة‬ ‫عريقة في الثراء‪« ،‬يؤثر نفسه بكل شيء‪ ،‬ويرى‬ ‫أن الحياة لم تخلق إال له‪ ،‬ولم توقف إال عليه‪،‬‬ ‫وهو يحتمل مشاركة الناس له فيها احتماال‪،‬‬ ‫تفضل وت��ط��وّل‪ ..‬وه��و ال يقبل‬ ‫ويطيقها على ّ‬ ‫أن تقوم بينه وبين ما يريد عقب ٌة مهما يكون‬ ‫نوعها‪ ،‬ومهما يكون مصدرها‪ ،‬وهو من أجل‬ ‫ذل��ك غضوبٌ جامح الغضب‪ ،‬عنيفٌ مسرفٌ‬ ‫في العنف‪ ،‬ال يروض الصعاب حين تعرض له‪،‬‬ ‫وإنما يحطمها تحطيما‪ ،‬أو يحطم نفسه من‬ ‫دونها»(‪.)4‬‬

‫عليهم الحرمان‪ ،‬وتكلفونهم ما تكلفونهم من‬ ‫ضروب الجهد والعناء‪ ،‬حتى إذا آتى جهدهم‬ ‫ثمرة وانتهى جهدهم إلى نتيجة‪ ،‬أخذتم خير ما‬ ‫تثمر األرض على أيديهم‪ ،‬فآثرتم بها أنفسكم‬ ‫من دونهم واستمعتم بنعيمه‪ ،‬وأنتم ال ترون بهذا‬ ‫بأساً‪ ،‬ولكنكم تعصرونهم حتى ال تتركوا فيهم‬ ‫معتصرا‪ ،‬ثم ال تجدون في أنفسكم إال الرضا‪،‬‬ ‫وال تحسّ ون في قلوبكم إال الطمأنينة»(‪.)5‬‬

‫وأم��ا األب��ن فهو نعيم‪ ،‬وه��و فتى مدلل قد‬ ‫تربى في أحضان الجاه والعز موسّ عا عليه في‬ ‫كل شيء‪ ،‬وهو وإن بدا للوهلة األولى أنه فتىً‬ ‫يجري خلف نزواته؛ إال أن حواره مع الشاعر‬ ‫(وهو نديم الوالد صاحب القصر)‪ ،‬يكشف لنا‬ ‫كيف هذا الفتى الغض اإله��اب‪ ،‬ي��رقّ ويشفق‬ ‫على الحال المؤسفة التي يعيشها الفالحون‬ ‫ف��ي ال��ق��ري��ة ال��دن��ي��ا‪ ،‬وي��ع�� ّب��ر الفتى ع��ن ذلك‬ ‫بكالم عن مدى الظلم والسخرة التي يمارسها‬ ‫القصر على القرية‪ ،‬يقول‪« :‬إنكم تستذلونهم‬ ‫وتستغلونهم وتضطرونهم إلى البؤس وتفرضون‬

‫وأما الشاعر فهو نديم األب «رؤوف» صاحب‬ ‫القصر‪ ،‬كان في أوليته شاعراً فقيراً معدماً‪،‬‬ ‫يسكن في غرفة حقيرة‪ ،‬وال يكاد يجد قوت‬ ‫يومه‪ ،‬ولكن القدر يسوق إليه (رؤوف) ذات يوم‬ ‫بينما هو جالس مع رفاقه في إحدى المقاهي‪،‬‬ ‫فيعجب رؤوف بظرف هذا الشاعر البائس‪،‬‬ ‫ويأنس إلى منطقه فيجتبيه إليه‪ ،‬ويتخذه نديماً‬ ‫له‪ ،‬ولكنه كان نديماً كالخادم المطيع‪ ،‬يتلوّن كما‬ ‫يشاء سيده‪ ،‬وجعله السيد يعيش قريبا منه‪،‬‬ ‫ويصوره الكاتب في هيئة رجل قد ذرف على‬ ‫الستين‪ ،‬ولكنه محتفظٌ بقامته وإن كان يتكلف‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫العصا أمام الناس ربما لِما لها من وقار‪ ،‬وهو وزرعاً يحرث‪ ،‬أن هذه بيئة مصرية بال ريب‪،‬‬ ‫يغشى القصر مصبّحاً وممسّ ياً‪ ،‬لكي ينادم ولو التوى الكاتب وداور في الخطاب‪ ،‬وأظن أن‬ ‫العميد لم يكن في حاجة مطلقاً إلى مثل هذه‬ ‫صاحبه ويتجاذبان شجون الحديث‪.‬‬ ‫المداورة والمراوغة‪ ،‬اللهم إال إن كان متوجسا‬ ‫وأم��ا الطرف الرابع في الشخصيات فهم‬ ‫من الرقابة مثال‪ ،‬كما سيتضح الحقا‪.‬‬ ‫أهل القرية‪ ،‬أو باألحرى أسرة الفالح الذي وقع‬ ‫ومثل ه��ذا أيضا مناقشته ألسماء أبطال‬ ‫الولد في غرام ابنته‪ ،‬غير أن الكاتب ال يفصل‬ ‫هنا إال بقدر ما‪ ،‬وال يرسم خطوطا للشخصيات القصة‪ ،‬وكان قد تساءل أوالً‪ :‬هل من الضروري‬ ‫في هذه األسرة‪ ،‬وإنما يذكر (خديجة) الفتاة أن يعطيهم أسماءً؟ يقول‪« :‬ولست أخفي على‬ ‫التي استهوت ابن صاحب القصر‪ ،‬و(محبوبة) القارئ أن��ي حائر أش��د الحيرة في أم��ر هذا‬ ‫والدتها‪ ،‬واألب (محمود) اإلسكافي الفقير‪ ،‬الفتى‪ ،‬كما أني حائر أشد الحيرة في أمر أهل‬ ‫واألخ المجروح في شرفه (أحمد) الذي يمضي الربوة جميعا‪ ،‬فكلهم يلحّ عليّ في أن أجد له‬ ‫سحابة يومه يعمل في الحقول‪ ،‬وال��ذي ثارت اسماً يتسمى به ويميزه عن غيره من الناس‪،‬‬ ‫وكلهم يلحّ عليّ في أن األشخاص ال يستكملون‬ ‫ثائرته عندما هربت أخته‪.‬‬ ‫وجودهم‪ ،‬إال إذا عرفت أسماؤهم التي تحقق‬ ‫تلك هي الشخصيات المهمة التي يتناولها‬ ‫التمايز فيما بينهم‪ ،‬وتخرجهم من هذا الوجود‬ ‫الحدث الرئيس في القصة‪ ،‬وثمة شخصيات الوهمي الذي يشبه العدم إلى وجود»(‪.)6‬‬ ‫ثانوية عارضة ال وزن لها في الحدث‪.‬‬ ‫وه��ك��ذا يخاطب ال��ك��ات��ب العميد ال��ق��ارئ‬ ‫والمكان أو البلد ال��ذي تقع فيه أح��داث مباشرة‪ ،‬فيعلل إعطاءه أبطال القصة أسما ًء‬ ‫القصة يبدو مشكلة من المشكالت‪ ،‬ألن الكاتب ليكون لهم نصيبٌ في الوجود! وهنا يتساءل‬ ‫لو تركه وشأنه‪ ،‬لفهمنا ضمناً أنه مصر‪ ،‬أو القارئ هل هو يقرأ قص ًة أو رواي��ةً‪ ،‬أم يقرأ‬ ‫قاص‬ ‫ٌّ‬ ‫ال��ري��ف المصري بالتحديد‪ ،‬ولكن الكاتب‪ ،‬مقال ًة في النقد؟ هل طه حسين هنا‬ ‫غفر اهلل لنا ول��ه‪ ،‬ربما ِلرَغبته في المداورة يقص وي��روي‪ ،‬أم ناقد يعلل ويسوّغ؟ لذا فإن‬ ‫واإلطناب راح يتحدث في صفحات عن المكان قارئ قصص طه حسين في جهد جهيد حقاً‪،‬‬ ‫المفترض للقصة‪ ،‬وهل يمكن أن يكون مصر فبينما هو يتابع خيوط القصة‪ ..‬إذ الكاتب‬ ‫أو غير مصر؟ وهل يمكن أن يكون في أوروبا‪ ،‬يقطع عليه السبيل فجأة بكالم عما يسوغ له‬ ‫في أسبانيا مثال؟ إل��ى غير ه��ذه التساؤالت في فن القصة وما ال يسوغ‪ ،‬وال يصبّر القارئ‬ ‫السفسطائية التي تخرج بالكاتب م��ن حيز حقاً ويجعله يمضي في القراءة هنا إال جمال‬ ‫القصة إلى فضاء آخر‪ ،‬وتلقي بذوراً من الشك اللغة التي يكتب بها طه حسين! لذا‪ ،‬فيمكن‬ ‫عن إشفاق الكاتب وتوجّ سه من تحديد المكان‪ ،‬القول‪ :‬نعم إن طه حسين هنا هو بال ريب جميل‬ ‫ولكن القارئ كما أسلفت ينطبع في ذهنه منذ األسلوب‪ ،‬بديع الصور‪ ،‬رائق الخيال‪ ،‬أكثر مما‬ ‫يرى قصراً قائما‪ ،‬وقرية فالحين‪ ،‬ونهراً يجري‪ ،‬يكون قاصاً متمكناً من توجيه األحداث والتفنن‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪13 )2016‬‬


‫في عرضها وس��رده��ا‪ .‬وه��ذه النتيجة نفسها‬ ‫يلمسها مَن يقرأ قصص طه حسين األخرى‪،‬‬ ‫مثل (المعذبون في األرض)‪ ،‬و(شجرة البؤس)‪،‬‬ ‫و(الحب الضائع) وغيرها‪ .‬ولقد استعرضت‬ ‫بعضاً م��ن آراء ال��ق��راء ال��ذي��ن ق���رأوا قصتنا‬ ‫هذه (ما وراء النهر)‪ ،‬فوجدتُ جملة صالحة‬ ‫من هذه التعليقات التي تعكس انطباع القراء‬ ‫ع��ن القصة‪ ،‬وذل��ك على موقع ق���راءة الكتب‬ ‫(‪ )Goodread.com‬على شبكة اإلنترنت‪ ،‬فمثال‬ ‫يقول القارئ أحمد عواد‪:‬‬

‫ويقول خالد صبحي‪:‬‬ ‫«أفضل من استخدم اللغة العربية من وجهة‬ ‫نظري‪ ...‬الرواية ضعيفة على مستوى الدراما‬ ‫واألحداث بطيئة‪ ،‬أما الوصف والتصوير فهو‬ ‫إبداع العميد الحقيقي»‪.‬‬

‫واآلن نأتي إل��ى ال��س��ؤال العالق ف��ي هذه‬ ‫القصة‪ ،‬لماذا توقف العميد عن إمالئها؟ لماذا‬ ‫لم يُتم أحداثها‪ ،‬وه��و الكاتب ال��ذي ال يعوزه‬ ‫الخيال‪ ،‬وال تعوزه اللغة‪ ،‬وال يعوزه الوقت أيضا‪،‬‬ ‫ألنه عاش بعدها سنين طويلة‪ ،‬يكتب ويؤلف‬ ‫«ال��رواي��ة لم تعجبني في بنائها‪ ،‬ولكن ما وينشر‪.‬‬ ‫استمتعت ب��ه حقا أس��ل��وب ط��ه حسين ال��ذي‬ ‫أقول لو تتبعنا أحداث القصة ‪-‬على قلّتها‪-‬‬ ‫أعشقه‪ ،‬ق��د ي��م�� ُّل الكثيرون م��ن إطنابه في‬ ‫حدث ذي شأن هو أن (رؤوف)‬ ‫لرأينا أن آخر ٍ‬ ‫الحديث وإسهابه في الوصف‪ ،‬لكني من عشاق‬ ‫صاحب القصر‪ ..‬كانت تتراءى له بين الفينة‬ ‫هذا األسلوب‪ ..‬طالما كان األسلوب قوياً جزالً‬ ‫واألخ��رى نا ٌر عظيمة تتألق من وراء النهر(‪،)7‬‬ ‫معبرا‪.‬‬ ‫وكانت هذه النار العظيمة تتراءى لسيد القصر‬ ‫أعجبتني الرسالة التي أراد أن يوصلها ف��ق��ط‪ ،‬بينما ال ت��ت��راءى ل��غ��ي��ره م��م��ن يغشى‬ ‫الكاتب لنا عن ذلك الصراع االجتماعي بين القصر م��ن ال��خ��دم وال����زوار‪ ،‬وعندما أخبر‬ ‫أهل الربوة وأهل القرية‪ ،‬وما مدى الظلم الذي السيد نديمه الشاعر بهذه النار التي تتراءى‬ ‫يقع على أهل القرية الفقراء»‪.‬‬ ‫له‪ ،‬اضطر الشاعر إلى مجاراته ومداراته‪ ،‬مع‬ ‫ويقول بسام عبدالعزيز‪:‬‬ ‫أنه ال يرى شيئا البتّه‪ ،‬وقد ج��اراه فقط ألنه‬ ‫«على المستوي القصصي‪ ..‬فالرواية بطيئة ال يحتمل أن يكذبّه فيما يرى ويقول‪ ،‬ال سيما‬ ‫ج��دا ج��دا ج���دا‪ ..‬وأح��داث��ه��ا ف��ي الحقيقة ال وقد رأى الشاعر بنفسه كيف أهان هذا السيد‬ ‫تتعدى صفحات يمكن ع��ده��ا على أصابع أحد موظفيه أشد اإلهانة‪ ،‬ال لشيء إال ألنه‬ ‫اليد ال��واح��دة‪ ..‬لكن أسلوب العميد المعتاد عارضه في شيء مشابه‪ ،‬لذا فلم يكن له ب ُّد من‬ ‫في االستطراد والخروج ألحاديث جانبية مع مجاراته‪ ..‬ولو قال إنه يرى ما يرى‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫القارئ‪ ،‬واالسترسال في سرد أفكاره‪ ..‬جعلتها‬ ‫إذاً‪ ،‬توقّف طه حسين عند هذا الحدث‪ ،‬أو‬ ‫أكثر من مئة صفحة‪ !..‬لكن الحسنة الوحيدة باألحرى توقفت قصته هنا‪ ..‬فلم يمض فيها‬ ‫ه��ي أس��ل��وب العميد اللغوي ال��ذي دائ��م��ا ما وانقطع عن إمالئها‪ ،‬فلماذا يا ترى؟ هل توجّ س‬ ‫يبهرني‪ ...‬فيما عدا ذلك فهي ضعيفة جدا»‪ .‬الكاتب من شيء‪ ،‬هل أشفق العميد من كشف‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫إزاء ك��ل ه��ذه ال��ت��س��اؤالت‪ ،‬ه��ا هنا تفسير‬ ‫محتمل‪ ،‬وهو أننا لو تأملنا الفترة التي ظهرت‬ ‫فيها هذا القصة (ما وراء النهر)‪ ..‬لوجدنا أنها‬ ‫النصف الثاني من األربعينيات الميالدية‪ ،‬أي‬ ‫قبل ثورة يوليو ‪1952‬م بسنوات قليلة‪ ،‬عندما‬ ‫كان الجو السياسي في مصر يضطرب وئيداً‬ ‫نحو العاصفة‪ ،‬مشحوناً ب��ن��داءات األح���زاب‬ ‫االجتماعية واالشتراكية نحو تحرير الطبقات‬ ‫الفقيرة‪ ،‬وخاصة في الريف‪ ،‬من ربقة األغنياء‬ ‫مالك األرض واألطيان الشاسعة‪ ،‬وكان العميد‬ ‫نفسه ‪-‬رح��م��ه اهلل‪ -‬ص��وت��اً ن��اف��ذاً ف��ي ه��ذه‬ ‫ال��ن��داءات أو ال��ص��رخ��ات‪ ،‬ض��د ذل��ك العسف‬ ‫المجحف ال���ذي يطحن ال��ف�لاح والفقير في‬ ‫رحاه‪ ،‬وذلك في أقاصيصه الكثيرة التي ضمنها‬ ‫(المعذبون في األرض)‪ ،‬و(شجرة البؤس) التي‬ ‫يشن فيها المرحوم هجوماً صريحاً وعنيفاً ضد‬ ‫طبقة األغنياء في مصر‪ ،‬التي تستمد ترفها من‬ ‫عرق الفالح وكدحه وبؤسه‪ ،‬وحسبك أن تعلم‬ ‫أن كتاب (المعذبون في األرض) ‪-‬وهو يصور‬ ‫ب���ؤس ال��ف�لاح ت��ح��ت س��ي��ط��رة ال��م��ال��ك وق��س��وة‬ ‫ال��ظ��روف‪ -‬قد منعت الحكومة ت��داول��ه عقيب‬ ‫ظهوره بقليل‪ ،‬وصودرت نسخه التي طبعت في‬ ‫لبنان وج��يء بها لتسوّق بين القراء في مصر‬ ‫أواخ��ر األربعينيات(‪ ،)8‬ثم ج��اءت ه��ذه القصة‬ ‫(ما وراء النهر) لتكون ثالثة األثافي أو كادت أن‬ ‫تكون‪ ،‬لوال أنه رفع القلم عنها وتركها هكذا‪ ،‬لذا‬ ‫فإني أرجّ ح أن الكاتب العميد كان يتوقع حدثاً‬ ‫�لا ف��ي مصر ينسف منظومة الظلم هذه‬ ‫ه��ائ ً‬

‫وأحسب أن العميد قد ترك «تأويل» هذه‬ ‫النار التي كانت تتراءى للسيد صاحب القصر‬ ‫لفطنة ال��ق��ارئ‪ ،‬أي جعلها للقارئ يُعمل فيها‬ ‫ذهنه ويك ّد ويفكر‪ ،‬وفي الحق‪ ..‬إن طه حسين‬ ‫وينصب في قراءة‬ ‫يميل إلى أن يَتعَب القارئ‪ ،‬بل َ‬ ‫قصصه‪ ،‬ألم يذكر في إحدى مقاالته التمهيدية‬ ‫للقصة أنه يميل إلى كتابة األدب الذي يَتعب‬ ‫فيه قارئُه مثل ما أتعب مؤلفه؟(‪ .)9‬لذا‪ ،‬فالذي‬ ‫يظهر أن تأويل هذه النار‪ ،‬طبعا بعد أن يتعب‬ ‫القارئ في قراءة تلك النقاشات الخارجة عن‬ ‫موضوع القصة‪ ،‬وقراءة الحوار المسهب الذي‬ ‫يحمل سمات الخطابة‪ ،‬وتتبع الوصف المتريث‬ ‫البطيء لألحداث القليلة‪ ،‬ثم بعد إجالة الفكر‬ ‫وتقليب الرأي في عالمة االستفهام هذه (لماذا‬ ‫توقف الكاتب عند مشهد النار التي تتخايل‬ ‫للسيد؟)‪ ،‬نستنتج من ه��ذه النار أنها إش��ارة‬ ‫إل��ى ث��ورة عارمة مقبلة ومحتملة‪ ،‬وكثيرا ما‬ ‫عبّر األدباء والشعراء بالنار عن الثورة والتمرد‬ ‫واالنتفاضة‪ ،‬ألم يقل المتنبي عن ذلك الخارجي‬ ‫(شبيب العقيلي) الذي ثار في دمشق أيام كافور‪:‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ما يريد من حقيقة تلك النار؟ ماذا كان يقصد برمتها أو على األقل‪ ،‬يخلخل من بنيتها ويفككك‬ ‫طه حسين بتلك النار التي كانت تتراءى لصاحب عوامل السخرة التي عششت في ثنايا النظام‬ ‫القصر فقط؟‬ ‫االجتماعي واالقتصادي المتوارث من قرون‪.‬‬

‫وم��ا ك��ان إال ال �ن��ا َر ف��ي ك��ل م��وض� ٍ�ع‬ ‫�ان‬ ‫ي� �ث� �ي ��ر غ� � �ب � ��ارا ف � ��ي م � �ك� ��ان دخ � � � ِ‬ ‫كما أن اللغة العربية المعاصرة كثيرا ما‬ ‫تلصق أفعال النار وتضيفها إل��ى ال��ث��ورة وما‬ ‫أشبَّها من العصيان والتمرد‪ ،‬مثل قولنا (شبّت‬ ‫الثورة)‪ ،‬أو(اشتعلت الثورة)‪ ،‬و(اندلع العصيان)‪،‬‬ ‫و(اضطرم التمرد)‪ ،‬و(أخمدت الثورة)‪ ،‬وغيرها‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪15 )2016‬‬


‫أص�لا أو استعملت‬ ‫ً‬ ‫من األفعال التي وُضعت‬ ‫حقيق ًة للنار‪.‬‬ ‫لكن ما ال��ذي جعل طه حسين يطوي هذه‬ ‫النبوءة في ه��ذا الرمز ول��م يعلنها صراحة؟‬ ‫لقد توقف قطار القصة كما رأينا عند تلك‬ ‫النار التي تتراءى للقصر‪ ،‬فهل يا ترى لو أكمل‬ ‫المؤلف القصة يكون ق��د جلّى ه��ذه النبوءة‬ ‫وحقق تأويل الرؤيا؟ أقول‪ :‬هل أشفق العميد من‬ ‫كشف مثل هذه التوقعات وإعالن نبوءته بتصدّع‬ ‫مجتمع االقطاع وانهيار مؤسسة الملكية؟ ربما‬ ‫يكون العميد حقا قد أشفق من إثارة مثل هذه‬ ‫النبوءة‪ ،‬كما أشفق من توضيح مكانها المفترض‬ ‫وه��و طبعا مصر في ه��ذه القصة‪ ،‬فتقف له‬ ‫الحكومة بالمرصاد‪ ،‬فتحول بينه وبين القراء‪،‬‬ ‫وتمنع نشر القصة وتوزيعها‪ ،‬كما حدث لكتاب‬ ‫(المعذبون في األرض) الذي صادرت الحكومة‬ ‫نسخه ومنعت تداوله‪ ،‬كما أشرنا فيما سبق‪.‬‬ ‫وختاما أق���ول‪ :‬ه��ل يمكن أن نعتبر قصة‬

‫(ما وراء النهر) قصة مفتوحة؟ أي ذات نهاية‬ ‫مفتوحة؛ أي متروكة للقارئ وحدسه وتخمينه‪.‬‬ ‫ربما‪ .‬ولعلنا نذكر في هذا السياق أن الروائي‬ ‫محمد عبدالحليم عبداهلل قد ترك أيضا (قصة‬ ‫لم تتم)‪ ،‬لكنه لم يتركها هكذا قصدا‪ ،‬وإنما‬ ‫أعجله الموت عن إتمامها (توفي عام ‪1970‬م)‪.‬‬ ‫أما قصة توفيق الحكيم الشهيرة (يوميات نائب‬ ‫في األرياف)‪ ،‬فأرى أنها يمكن أن تُع ّد من هذا‬ ‫القبيل؛ أي القصص ذات النهاية المفتوحة‪،‬‬ ‫ألن الحدث الرئيس في القصة (وهو التحقيق‬ ‫في مصرع قمر الدولة علوان) لم يصل إلى‬ ‫نهاية مقنعة‪ ،‬ال سيما وأن خيوط القضية‬ ‫بعضها التحقيق‪ ،‬وهي بع ُد‬ ‫المهمة قد كشَ ف َ‬ ‫تبقى متاحة أم��ام القارئ ليبني عليها حبكة‬ ‫افتراضية‪ ..‬لعلة مصرع هذا الـ(قمر الدولة)‪،‬‬ ‫وكذلك مصرع زوجته من قبله‪ ،‬ليضع القارئ‬ ‫في النهاية ي��ده مع المحققين على الفاعل‬ ‫الحقيقي لكل جريمة‪.‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬طه حسين‪ ،‬ما وراء النهر‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪ )2‬طه حسين‪ ،‬المعذبون في األرض‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪ 152‬فما بعد‪.‬‬ ‫(‪ )3‬طه حسين‪ ،‬الشيخان‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة ‪1986‬م‪ ،‬ص ‪ 177‬وص‪.200 -199‬‬ ‫(‪ )4‬ص ‪.90-89‬‬ ‫(‪ )5‬ص ‪.54‬‬ ‫(‪ )6‬ص ‪.44‬‬ ‫(‪ )7‬ص ‪.107‬‬ ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬طه حسين‪ ،‬المعذبون في األرض‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪( ،9‬والكتاب في‬ ‫معظمه قصص تصور البؤس في مصر‪ ،‬إال أن الصفحات من ‪ 150‬إلى ‪ 192‬فكلها مقاالت قوية مباشرة‬ ‫تدين صراح ًة احتكا َر األغنياء في مصر للثروة والنعيم وحرمانهم الطبقات األخرى حتى من الفتات‪،‬‬ ‫ويتهم الكاتب الحكومة آنذاك في مداهنة األغنياء ومسايرتهم في هذه األثرة المقيتة‪ ،‬انظر مثال ص‪164‬‬ ‫وص‪.»182‬‬ ‫(‪ )9‬انظر مقدمة القصة (ما وراء النهر) ص ‪ 1‬حيث يذكر طه حسين أن مجلته (الكاتب المصري) قد اتخذت‬ ‫قانونا «أال تقدم لقرائها إال هذا األدب الذي ينفق فيه صاحبه الجهد العنيف والوقت الطويل‪ ،‬وينفق‬ ‫قارئه في إساغته من الوقت والجهد مثل ما ينفق منتجه‪.»..‬‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫قراءة في ديوان (تاللي تضيق بعوسجها)‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫عمل شعري اّ‬ ‫خلق لمعناه‬ ‫للشاعر عمار الجنيدي‬ ‫‪ρρ‬رؤى هاشم*‬

‫(ت�لال��ي تضيق بعوسجها) ه��و ال�ع�ن��وان ال��ذي اخ �ت��اره ال�ش��اع��ر األردن ��ي عمار‬ ‫الجنيدي لديوانه الشعري الصادر في عمان عن وزارة الثقافة األردنية‪ ،‬عام ‪2013‬م‪،‬‬ ‫وهو من القطع المتوسط‪ ،‬ويقع في (‪ )123‬صفحة‪.‬‬ ‫يُعد العنوان مدخ ًال مهماً‪ ،‬وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص‪ ،‬وتـقود‬ ‫إل��ى فك الكثير من طالسمه وأل�غ��ازه‪ .‬والناظر إل��ى عنوان دي��وان (تاللي تضيق‬ ‫بعوسجها) ي��درك ما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية‪ ،‬كعمق‬ ‫العبارة‪ ،‬وكثافة الداللة‪ ،‬ما جعله يحتل الصدارة في فضاء المعاني‪.‬‬ ‫الشاعر عمار الجنيدي معروف بتفرده‬ ‫المعنوي‪ ،‬وقدرته على تحرير القصيدة‬ ‫من إطارها االجتماعي وإطارها الذاتي‬ ‫معاً‪ ،‬فهو يذيب الشعور والموضوعات‬ ‫ال أو قواماً جديداً‬ ‫الخارجية ليعطيها شك ً‬ ‫بواسطة اإلحساس أو الحدس‪ .‬ولذا لم‬ ‫نفاجأ بنزول دي��وان��ه بهيئته الموسومة‬ ‫إلينا‪ ..‬بل كنا نتوقعه‪ ،‬فشاعرنا يستجيب‬ ‫للعالم بكيانه كله‪ ،‬أي بحواسه وعاطفته‬ ‫وفكره‪.‬‬

‫هذا الديوان يتكون من ست وثالثين‬ ‫قصيدة ي��ت��أرج��ح معمارها الفني بين‬ ‫ال��ح��س��ي��ة‪ ،‬وال��ت��ج��س��ي��م‪ ،‬وال��ب��س��اط��ة‪،‬‬ ‫والموسيقية‪ ،‬واإلثارة‪ ،‬والعاطفية؛ إضافة‬ ‫إل��ى لغته العميقة الحافلة بالشفافية‬ ‫المرتبطة باإلشارات‪ ،‬األمر الذي أضفى‬ ‫عليه سمة األصالة والتجديد معاً‪ ،‬وأسبغ‬ ‫ال من التنويع‪ ،‬وما يُلفت نظر‬ ‫عليه شك ً‬ ‫ال��ق��ارئ التآلف والتعانق بين األلفاظ‬ ‫والمعاني في صور فنية رائعة أكدت على‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪17 )2016‬‬


‫حجم الثراء العاطفي واإلنساني الذي يمتلكه‬ ‫الشاعر‪.‬‬

‫ومما ال ش��ك فيه أن شعر الجنيدي في‬

‫دي��وان��ه ه��ذا ج��اء ص���ادراً ع��ن مفهوم حسّ ي‬

‫ونظري خ��اص بالشاعر؛ فالصورة الشعرية‬ ‫الرامزة لديه تُكثّف الخيال وتص ِّعدُه مناجاة‬

‫روحية وابتهاالت تستثير تفكيرنا ومشاعرنا‪،‬‬ ‫حيث يقول‪:‬‬

‫‪18‬‬

‫والتنوّع؛ ما أت��اح مجاالً رحباً أم��ام الجنيدي‬ ‫شفيف من‬ ‫ٍ‬ ‫وشاح‬ ‫لتصوير تجربته الشعورية في ٍ‬ ‫األفكار والمشاعر‪ ،‬يحكي من خاللها حكاية‬ ‫البوح اإلنساني الطافح باألحاسيس والرؤى‬ ‫التي تفضح عن دواخلها‪ ،‬وتبوح بمعاناتها؛ ما‬ ‫أكسب القصائد قدراً كبيراً من الجمالية‪ ،‬وزاد‬ ‫من الوحدة بين أج��زاء الصور الشعرية في‬ ‫ِشقّيها المعنوي واللفظي على السواء‪ ،‬وأكد أن‬ ‫العمل الشعري خالق لمعناه‪ ،‬من ذلك قوله‪:‬‬

‫«أبحث عمّ ن يخلِّصني منك‬ ‫“كل حزن هذا العالم‬ ‫من سهام لحظك التي تفتك بكل مواهبي‬ ‫أراه في عينيك‬ ‫وتسرق مني حتى شقائي‬ ‫سحاب ًا‬ ‫أبحث عمن يرد إلي تمرّدي‬ ‫يسائلني عن المطر‪،‬‬ ‫عمن يقرأ طالعي‬ ‫عن حكايات الشوق التي‬ ‫ويروي ظمأ القصيدة‬ ‫خبأتها السنونو‬ ‫فال أجد إالك‬ ‫منذ كانت المواويل‬ ‫إالك»‪.‬‬ ‫تصدح في المساءات الحزينة‪،‬‬ ‫وبالعودة إلى قصائد الديوان نلحظ أنها مذ كانت الطرق‬ ‫كانت تُراوح في إطارها الشعوري بين المرونة تضج بالتائهين‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫إن ال��م��ت��أم��ل ف���ي دي����وان‬ ‫ال���ج���ن���ي���دي ي��ل��ح��ظ أن ل��غ��ة‬ ‫القصائد في الديوان كك ّل لغ ًة‬ ‫راقي ًة قوي ًة خالي ًة من الشوائب‪،‬‬ ‫تش ّف عما في أعماق الشاعر‬ ‫ِ‬ ‫بالغة وخبرةٍ استطاعت أن‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫بمرونة ويسر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تطوع األلفاظ‬ ‫وه����ذا ه���و م���ا ي��م��ي��ز ال��ش��ع��ر‬ ‫الرفيع‪.‬‬

‫وحين تعرضنا للصورة‬ ‫ال���ش���ع���ري���ة ال��ف��ن��ي��ة ع��ن��د‬ ‫الجنيدي‪ ،‬وج��دن��ا أن��ه قد‬ ‫أبدع كثيراً في هذا الباب‪،‬‬ ‫َ���ص���وره ب��دي��ع��ة‪ ،‬وخ��ي��ال��ه‬ ‫ف ُ‬ ‫خ��ص��ب‪ ،‬وأف��ك��اره عميقة‪،‬‬ ‫أما من جانب اإليقاع‪ ،‬فنجد‬ ‫ون��ظ��رت��ه مغرقة ف��ي عمق‬ ‫الجنيدي قابضاً على ناصيته‬ ‫ال����ذات‪ ،‬ينتقي ص���وراً من‬ ‫ملماً ب��أس��راره‪ ،‬ويتجلى ذلك‬ ‫واقع معين‪ ،‬ثم يلبسها بما يختلج في نفسه من‬ ‫ٍ‬ ‫بوضوح بانسجام القارئ مع دالالت األلفاظ‬ ‫ٍ‬ ‫مشاعر لتشكل في مجملها لوحات تصويرية‬ ‫واإليحاءات الجميلة‪ ..‬التي تشكل مع الوزن‬ ‫متكاملة‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫ال يعطي المتعة للقارئ‪،‬‬ ‫والقافية إيقاعاً متكام ً‬ ‫أي قدر أنت؟!‬ ‫ويخدم موسيقى اإلطار العام بشكل فعال‪.‬‬

‫تقفين كقامة السنديان‬ ‫تلوّحين بوجه الريح‬ ‫رايات صمتك‬ ‫وآالف األسئلة‬ ‫تصفعين اخضرارها‬ ‫وتضمخي بالندى حروفها‬ ‫وتتركين البحر‬ ‫يبحث عن أسرار عينيك التي‬ ‫ما عشقها‬ ‫غير فارس مغوار‬ ‫ال يهاب الردى‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫مذ كان الخوف‬ ‫يعاند المكر‪،‬‬ ‫وينبذ كل أوهام النصر‬ ‫ويرفض اختيال الندم‬ ‫على ضفاف الجرح”‪.‬‬

‫وال سواتر الليل البهيم‪.‬‬

‫يمتلك الجنيدي خ��ي��االً واس��ع��اً‪ ،‬وفهماً‬ ‫ثقافة‬ ‫ٍ‬ ‫عميقاً لواقعه الذي جعل منه شاعراً ذا‬ ‫وجدانية‬ ‫ٍ‬ ‫بتوقيعات‬ ‫ٍ‬ ‫غنية‪ ،‬لهذا جاءت قصائده‬ ‫متباينة‪ ..‬متمسكة بخيوط األم��ل حتى تقيه‬ ‫حرارة األلم والخوف‪.‬‬ ‫قصائد (تاللي تضيق بعوسجها) تجرب ٌة‬ ‫وتقنيات‬ ‫ٍ‬ ‫فنية عالية‪،‬‬ ‫إبداعي ٌة راقي ٌة تزخر بقوةٍ ٍ‬ ‫تصويرية‬ ‫ٍ‬ ‫��ات‬ ‫عميقة ومتينة‪ ،‬ول��وح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعبيرية‬ ‫ٍ‬ ‫ولغة متناهية األناقة ع َّب َر عنها الشاعر‬ ‫رشيقة‪ٍ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعمق وصدق‪.‬‬

‫* كاتبة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪19 )2016‬‬


‫تشكالت الخطاب السردي‬ ‫مقاربة في األنساق السردية القصصية‬ ‫في تجربة القاص حسن الشيخ‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم الكراوي*‬

‫س�ن�ح��اول م��ن خ�لال ه��ذه ال �ق��راءة سبر أغ ��وار تمثالت‬ ‫لغة القصة القصيرة واستراتيجيات الكتابة في القصة‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة‪ ،‬م��ن خ�ل�ال ت�ج��رب��ة ح�س��ن ال�ش�ي��خ ف��ي الكتابة‬ ‫السردية القصصية‪ .‬ويظهر أن الحساسية الجديدة في‬ ‫القصة السعودية منشغلة بهاجس تأسيس أسلوب ُيأ َِّصل‬ ‫لسردية النص القصصي‪ ،‬ويشكل هويته المنفتحة على‬ ‫س��ردي��ات اليومي‪ ،‬ومتخيل المجتمع والوع�ي��ه الثقافي‪.‬‬ ‫فنص حسن الشيخ يغوص في الرموز والعوالم التي تنحدر من ثقافة المجتمع‪،‬‬ ‫وشخوصه‪ ،‬ومتخيله‪ ،‬وسيكولوجيات شخوص اليومي وتفاصيله المؤلمة‪ .‬فنحن‬ ‫أمام تجربة سردية تتوغل في الحكاية‪ ،‬أو ما يمكن تسميته الخرافة االجتماعية‬ ‫التي ت��روم سبر أغ��وار ال��ذات‪ ..‬ووضعها داخ��ل العالم‪ ،‬وعالقتها بالمجتمع‪ ،‬وهو‬ ‫ما يعني أن الحكاية العجيبة التي يتم استلهامها من قبل السارد غنية بالرموز‬ ‫والعالمات التي تدل على وضعية الذات ومعاناتها من جهة‪ ،‬كما تتمثل من جهة‬ ‫أخرى بوصفها ذاكرة األنا وتاريخه الجمعي‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫إن تجربة ال��س��رد القصصي عند المجموعة تكشف انشغالها بالحفر في‬ ‫ح��س��ن ال��ش��ي��خ ت��ت��أس��س ع��ل��ى التقابل عوالم الموت والغياب والرحيل والذاكرة‬ ‫ب��ي��ن ال��واق��ع��ي وال��ع��ج��ائ��ب��ي‪ .‬وكالهما الموشومة بالمتخيل الجمعي‪.‬‬ ‫بنيات تشكل عالم النص‪ ،‬وتحيل على‬ ‫إن السارد سواء في مجموعة «غيمة‬ ‫هواجس ووضعية الذات‪ .‬إن القصة هنا‬ ‫ترصد لحظة معاناة الذات وعالقاتها البدري» أو «المقبرة‪ »..‬ال يسعى إلى‬ ‫داخ��ل ال��واق��ع‪ ،‬ف��ق��راءة أغلب نصوص محاكاة العالم‪ -‬الواقع بقدر ما يشكل‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫عالم وواقع النص‪ ،‬من خالل االنفتاح على ليضيء لنا م��أس��اة ال��غ��ي��اب عند الطفلة‬ ‫ذاكرة المتخيل‪ ،‬ومظاهر الوجود اإلنساني‪ ،‬الخنساء‪ ،‬والتي تتعالق مع قصة معروفة في‬ ‫وإع��ادة إنتاج تفاصيل اليومي‪ ..‬وفق رؤية التراث الشعري‪ ،‬وهي بكاء الخنساء ألخيها‬ ‫خاصة للعالم‪.‬‬ ‫صخر‪.‬‬ ‫السرد والعجائبي‬ ‫إن تجربة حسن الشيخ تتأسس على‬ ‫البحث في جذور السرد ومنابعه في المجتمع‬ ‫وذاكرة الشخوص وانشغاالتهم‪ ،‬وهي منابع‬ ‫متعددة‪ ..‬سواء تعلّق األمر بمحكيات اليومي‬ ‫وتفاصيل الواقع وسرديات ال��ذات‪ ،‬أو كان‬ ‫األمر مرتبطا بالمحكيات العجائبية ومتخيل‬ ‫الذاكرة الجمعي‪.‬‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬نجد ف��ي مجموعة «المقبرة»‬ ‫نص «طفلة تدعى الخنساء»‪ ،‬يتأسس على‬ ‫التوازي الداللي بين قصتين تشتركان في‬ ‫عمق الموضوع‪ ،‬وهو رثاء الغائب أخ السارد‪..‬‬ ‫والقصة األول��ى التي ينقلها لنا السارد من‬ ‫خ�لال تقنية ال���راوي ال��ذي يقطع السرد‪..‬‬

‫إن القصة هنا تتجه إل��ى نحت طرائق‬ ‫جديدة في الكتابة‪ ،‬من خالل حوارية بين‬ ‫نص تراثي شعري‪ ،‬وبين الحكاية الشعبية‬ ‫العجيبة ذات الجذور الواقعية‪ ..‬كما سيتضح‬ ‫من خالل التحليل‪ .‬فخطاب القصة القصيرة‬ ‫باعتباره يدمج ويستوعب كل هذه األنساق‬ ‫داخ��ل النسيج ال��س��ردي للقصة القصيرة‪،‬‬ ‫ينزع إلى تشكيل واقعه ولحظته الخاصة‪،‬‬ ‫وه��ي عالم الحكاية‪ .‬وتتشكل بنية القصة‬ ‫انطالقا من النمو المطرد للفعل القصصي؛‬ ‫أي مأساة الطفلة خنساء‪ ،‬لينفجر الحكي‬ ‫على إيقاع دموع تماضر التي ستشكل بحيرة‬ ‫تمنح م��اء الحياة على حد تعبير السارد‪.‬‬ ‫وبالتالي تحضر الطفلة ال��ن��واة السردية‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪21 )2016‬‬


‫في القصة بوصفها الحياة ذاتها‪ ،‬ومختلف‬ ‫امتداداتها في مواجهة الموت ال��ذي يعني‬ ‫الغياب واأللم‪ .‬فالسارد الذي يحكي بضمير‬ ‫الغائب‪ ،‬يدمج خطابات عابرة لألجناس‪ ،‬كما‬ ‫هو األمر بالنسبة للحكاية الخرافية العجيبة‬ ‫للفتاة ال��ت��ي تبكي‪ ،‬وتحولت دموعها إلى‬ ‫بحيرة‪ ..‬يضيء لنا جانبا من دهاليز الطفولة‬ ‫اإلنسانية ومأساة الغياب والموت‪ .‬وهو نسق‬ ‫دالل���ي‪ ،‬يتضاعف دالل��ي��ا م��ن خ�لال إدم��اج‬ ‫محكيات تراثية وقصص شعبية خرافية‪،‬‬ ‫تستبطن هذه الداللة‪ ،‬وتعرّي مأساة معاناة‬ ‫اإلنسان نتيجة الموت ال��ذي يغيب اآلخ��ر‪.‬‬ ‫فالقصة األص��ل تبدأ بالتوقف عند حدث‬ ‫اختطاف الموت لطفلة في مقتبل العمر‪:‬‬

‫إن المحكي العجائبي يولد من أعماق‬ ‫المخاض والضغط النفسي ال��ذي يمارس‬ ‫على الذات؛ فتغدو الطفلة الخنساء بين واقع‬ ‫الموت والغياب‪ ،‬وبين حلم العودة‪ ،‬وهي تنظر‬ ‫إلى البحر الذي اختفى فيه الرجل الغائب‪،‬‬ ‫بين الواقع والمتخيل‪:‬‬

‫«فتشت ع��ن رائحته ف��ي مالبسها فلم‬ ‫تجدها‪ ،‬عندها أطلقت لعنانها البكاء‪ .‬دموع‬ ‫غ��زي��رة ذرف��ت��ه��ا‪ ،‬فأضحت ال��واح��ات مليئة‬ ‫ببحيرات عذبة‪ ،‬يهفو إليها الغرباء‪ ،‬والطيور‪،‬‬ ‫والبحارة‪ ،‬ألخذ رشفة من ماء الحياة‪ .‬هل‬ ‫سيرجع لي يوما بحارا غليظ الشفتين‪ ،‬أم‬ ‫سيرجع لي غيمة سوداء تمطرني بجنون‪..‬‬ ‫وت��رق��ص ط��ي��وره ع��ل��ى أنّ����ات ب��ك��ائ��ي دون‬ ‫«وقفت تلتقط أنفاسها الالهثة‪ .‬حدقت مباالة‪.»...‬‬ ‫إل��ى ال��ع��اب��ر وال��خ��ارج م��ن البحر ببالهة‪.‬‬ ‫وال يكتفي خطاب القصة باستحضار‬ ‫تذكرت أشياء مريرة فدمعت عيناها»‬ ‫ثنائية الموت والحياة‪ ،‬ولكن حضور االسم‬

‫‪22‬‬

‫إنها قصة الذات‪-‬الطفلة‪ ،‬التي تستدعى «صخر» و«الخنساء»‪ ..‬مرتبط ببعد الغياب‬ ‫وقصصا إنسانية‪ ،‬يكشف بُعدها وال��م��وت ف��ي الثقافة اإلنسانية والعربية‬ ‫ً‬ ‫نصوصا‬ ‫العجائبي‪ ،‬كما سبق ذك��ره‪ .‬فالطفلة تمثل وذاكرة األدب العربي‪.‬‬ ‫الظاهرة فوق الطبيعية والشخصية الخارقة‪،‬‬ ‫وه���ك���ذا‪ ،‬ي��ت��ب��ي��ن أن خ��ط��اب ال��س��ردي‬ ‫ال��ت��ي ت��رم��ي بنا ف��ي غياهب ال��ت��ردد ال��ذي العجائبي ينبني على ال��ت��ح��وّل‪ ،‬أي تحول‬ ‫بنى عليه «ت��ود روف» نظريته في المحكي شخصية الطفلة خنساء‪ ،‬من دائرة المألوف‬ ‫ال��ع��ج��ائ��ب��ي‪ .‬ي��ق��ول ف���ي ه���ذا اإلط�����ار «إن والواقع الذي تعيشه‪ ،‬والمتجلي في سماتها‬ ‫العجائبي ليس سوى تردد بين تفسير طبيعي المرتبطة باأللم والحزن‪ ،‬إلى شخصية خارقة‬ ‫وف��وق طبيعي يختص بالوقائع نفسها»(‪ .)1‬بفعل بكائها الذي أضحى بحيرة‪ .‬والمالحظ‬ ‫وفي مستوى آخر تُجسّ د الطفلة الفردانية‪ ،‬هنا أن السرد العجائبي يولد من الصدمة‬ ‫أو األس��ط��ورة الشخصية التي جعلت من الداخلية التي تعيشها ال��ذات الشخصية‪،‬‬ ‫هذه الطفلة قوة خارقة تمنح الحياة بفضل وهي صدمة رحيل وغياب القريب‪ ..‬وكما‬ ‫يظهر من خالل المحكي السردي‪ ،‬فالظاهرة‬ ‫دموعها التي شكلت بحيرة‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫«العناكب ب��دأت تزحف لتحتجزني عند‬ ‫المدخل‪ ،‬تسد رئتي‪ ...‬تجرأت وفتحت باب‬ ‫إح��دى الحجرات‪ .‬هكذا بشكل عشوائي‪،‬‬ ‫وكانت المفاجأة‪ ،‬وجدت جدي جالسا على‬ ‫سرير خشبي من أخشاب الصندل‪،‬عرفته‪،‬‬

‫إن المحكي العجائبي هنا لحظة ذه��اب‬ ‫وعودة بين الواقع والمتخيل‪ ،‬فالسارد يبقى‬ ‫في الحيرة التي تضعه بين العالمين‪ ،‬عالم‬ ‫الكوابيس والحلم‪ ،‬كما يحيل على ذلك فضاء‬ ‫الباب الكبير‪ ،‬ومكون الوصف‪ ،‬وعالم الواقع‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫فوق الطبيعية‪ ..‬وهي تشكل البحيرة من بكاء‬ ‫الطفلة‪ ،‬تتطور وتنمو‪ ،‬حتى إن الشخصية‬ ‫كما ذهب إلى ذلك «مالريو» في نظريته حول‬ ‫المحكي العجائبي‪ ،‬تصيب العالم بعدوى‬ ‫العجائبي‪َ .‬فتَشَ كُّل البحيرة من دموع الطفلة‬ ‫سيخلق عالما جديدا‪ ،‬ألنها ستتحول إلى‬ ‫مزار مقدس‪ .‬فالمحكي «إن العجائبي يؤشر‬ ‫على كل مظاهر المسكوت عنه المؤسس‬ ‫لألنساق التقليدية الدينية والعلمية‪..)2(»...‬‬ ‫وهذا ما يمكن أن نستشفه من خالل قصة‬ ‫«الباب الكبير» والتي تحمل العنوان نفسه‪.‬‬ ‫فالباب الكبير سيشكل اإلرث المقدس‪،‬‬ ‫والتقليد ال��ذي ال ينبغي أن يبلى أو يُنتهك‬ ‫ِسرُّه من قبل السارد الجواني الذي وقع في إنه بدا لي في العشرين من عمره»‬ ‫الحيرة بخصوص الباب‪ ،‬الذي يمثل الظاهرة‬ ‫إن المكان هنا يشكل عالم النص ومتخيل‬ ‫فوق الطبيعية حين يسمى هذه المرة بباب‬ ‫السرد القصصي‪ ،‬فهو مكان فوق‪ -‬طبيعي‪،‬‬ ‫الشيطان‪:‬‬ ‫كما يمكن أن ي��دل عليه المؤشر النصي‬ ‫(إال أني سألته بصوت خافت‪:‬‬ ‫في العنوان «الباب»‪ ،‬ليأتي مكون الوصف‪،‬‬ ‫ويضفي عليه مزيدًا من الغرابة‪ .‬فالوصف‬ ‫ أخبرنا يا أبي عن سر هذا الباب؟‬‫ه��ن��ا أح����د م��ك��ون��ات ال��خ��ط��اب ال���س���ردي‬ ‫رد بصوت واهن ومتردد‪:‬‬ ‫ال��ع��ج��ائ��ب��ي‪ ،‬وي��ظ��ه��ر م���ن خ�ل�ال ال��س��م��ات‬ ‫إنه باب الشيطان‪ ،‬باب الالعودة)‪.‬‬ ‫الداللية التي تحيل على العجائبي نفسه‬ ‫يرتبط المحكي العجائبي هنا بالمكان (ممر طويل‪ ،‬شديد العتمة‪ ،‬به العديد من‬ ‫الذي شرع السارد في الكشف عن عجائبيته األضواء والنقوش والمنمنمات‪ ،‬جو القاعة‬ ‫بمجرد فتح الباب‪:‬‬ ‫ب���ارد‪ ،‬تفوح منه ع��ط��و ٌر مالئكية غريبة)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪23 )2016‬‬


‫ال��ذي تحياه شخصية ال��س��ارد وعالقاتها السارد وهو يعيش داخل القبر‪ ،‬حيث نستعيد‬ ‫بالماضي واألج���داد‪ .‬فالمحكي العجائبي جدلية المكان القبر‪ ..‬والشخصية الساردة‪:‬‬ ‫ينهل من العالم الكابوسي الذي يعيد الذات‬ ‫«عندما أتيت إلى هذه المقبرة قبل فترة‬ ‫إلى نقطة السؤال والحيرة بين تفسير واقعي لم تكن بهذا الجمال‪ ..‬رأيت ديدانا وحشرات‬ ‫وفوق طبيعي للظاهرة التي يعيشها السارد‪ .‬في منتهى الصغر والغرابة‪ ..‬فجأة سمعت‬ ‫إن عالم العجائبي عالم الصدمة التي تلقي أصواتا بعيدة‪ ،‬لم أستطع تمييزها في بداية‬ ‫بظاللها على ال��س��ارد‪ ،‬فيتوهم أن��ه يعيش األمر‪ .‬بدأت تقترب‪ .‬ميزت أصوات البكاء‬ ‫كابوسا حقيقيا؛ لذا‪ ،‬نجده في آخر القصة م��ن األخ���رى اآلم����رة‪ ،‬رأي���ت وع��ل��ى مسافة‬ ‫يعيش تحوالت من الشخصية المألوفة‪ ،‬التي عشرة قبور شبحين‪ ،‬رجالن أم شابان لست‬ ‫تتقاسم مع الكائنات اإلنسانية كل مظاهر متأكدا‪!»...‬‬ ‫الحياة‪ ..‬إلى شخصية كابوسيه يرى نفسه‬ ‫إن السارد العجائبي هنا يدرك ويرى ما‬ ‫صرصارًا في المرآة‪ .‬فالمسخ هنا باعتباره‬ ‫مكوناً من مكونات الخطاب العجائبي‪ ،‬يعكس ال يراه اآلخرون‪ ،‬فباستطاعته إدراك الغيب‬ ‫الصدمة التي يعيشها السارد‪ ..‬وهو يحكي ومشاهدة ما يقع رغم أنه ميت‪ ،‬إنه سارد‬ ‫بضمير الغائب‪ ،‬وهو ما يتوافق والمحكي مطلق المعرفة كما ألفنا ذل��ك في السرد‬ ‫ال��ع��ج��ائ��ب��ي ال��م��وغ��ل ف��ي ال��زم��ن الماضي العجائبي‪ ،‬بما أنه يعيش بين عالمين‪ :‬عالم‬ ‫وأزمنة التاريخ المنسي‪ ،‬ويُشرّح سيكولوجية الموت وعالم الواقع‪:‬‬ ‫«ق���ف���زت ب��ح��ذر م���ن ح��ف��رت��ي‪ .‬وزح��ف��ت‬ ‫الذات المضطربة وهي تعيش هذه الحالة‬ ‫ال��م��أس��اوي��ة ن��ت��ي��ج��ة االرت����ب����اط ال��ق��دس��ي على بطني على شكل نصف دائ��رة واسعة‬ ‫بالتقاليد والماضي المأساوي‪ ،‬الذي يضرب للوصول إلى جدار مبنى المغتسل الغربي‪.‬‬ ‫ج��ذوره في متخيل الموت‪ ،‬كما يتضح من حتى أتجنب سقوط الضوء علي‪ ،‬محاوال أن‬ ‫خ�لال عنوان المجموعة ذاتها «المقبرة»‪ .‬أكون بعيدا عن مجال رؤيا المتواجدين عند‬ ‫فالمحكي السردي في قصص المجموعة الجثة»‪.‬‬ ‫يدفع بالتخييل إلى أقصى مناطقه المعتمة؛‬ ‫يظهر ال��ت��واص��ل هنا ق��وي��ا بين ال��س��ارد‬ ‫ما يشكل عالم العجائبي الذي يعري واقع الذي ينتمي إلى عالم الموت‪ ،‬وبين الكائنات‬ ‫الذات النفسي الكابوسي وهواجسها‪.‬‬ ‫األخ��رى من العالم نفسه‪ ،‬وبالمقابل نلفي‬

‫‪24‬‬

‫وم���ن م��ظ��اه��ر ه���ذا ال��ت��ش��ك��ل ال��س��ردي‬ ‫ومختلف دالالت��ه‪ ..‬متخيل الموت باعتباره‬ ‫أح��د منابع المحكي العجائبي‪ .‬ففي نص‬ ‫«المقبرة» حفر عميق في متخيل الموت‪،‬‬ ‫عالم فوق‪ -‬طبيعي يحاول رسم صورة الذات‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫انفصاال وجوديا عن العالم الواقع الذي تحيا‬ ‫في ظله الذات الساردة‪ ،‬فهي تعيش معاناة‬ ‫ال��ع��زل��ة‪ ،‬كما يمكن أن نستنتج م��ن خالل‬ ‫خطاب البداية في ه��ذه القصة‪ .‬وبالتالي‬ ‫يمكن القول هنا‪ :‬إن العجائبي يعري عن‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫سيكولوجية ال���ذات المتوترة وه��ي تعيش‬ ‫انفصاال وعزلة عن العالم‪ .‬فالحلم والهذيان‬ ‫والرعب والهستيريا باعتبارها الوعي الذات‪،‬‬ ‫وأحد مكونات الخطاب العجائبي‪ ،‬تكشف‬ ‫(‪)3‬‬ ‫رغبة الذات في الهروب من الواقع‪...‬‬ ‫إن الخطاب ال��س��ردي العجائبي يحمل‬ ‫رم��زي��ة خ��اص��ة ترتبط ب��ال��ذات وعالقتها‬ ‫ال��ت��ي ت��ق��وم ع��ل��ى االن��ف��ص��ال م��ع ال��ع��ال��م‪.‬‬ ‫فالسرد العجائبي مشبع برمزية تؤسس‬ ‫لتجنيس الكتابة‪ ،‬بوصفه يشتغل على تكثيف‬ ‫المعنى‪ ،‬وترتيب واختزال الوقائع العجيبة‪.‬‬ ‫فمن رمزية القبر ‪ -‬كما يظهر من خالل‬ ‫ال��ع��ن��وان ‪ -‬ونسيجها ال��دالل��ي المرتبط‬ ‫بالعزلة واأللم والغياب والموت‪ ،‬إلى «رمزية‬ ‫الفراشة الملونة» المرتبطة بالمرأة والعشق‬ ‫والجمال‪ ..‬وهي رمزية تعد امتدادا للغياب‬ ‫واألل��م واالنفصال‪ ،‬كما سيتضح من خالل‬ ‫التقاط بعض مالمح وتفاصيل هذه القصة‪.‬‬ ‫فالفراشة الملونة الظاهرة فوق الطبيعية‪،‬‬ ‫والتي نزلت من عالم افتراضي أعالي األفق‪،‬‬ ‫ستمثل صدمة بالنسبة للسارد العجائبي‪،‬‬ ‫ويحكي لباقي زمالئه الصيادين الحكاية؛‬ ‫لينعتوه بالجنون والهذيان‪.‬‬

‫هي عناوينكم هنا»‪.‬‬ ‫يشكل هذيان الصياد مظهرا من الخطاب‬ ‫العجائبي في هذه القصة‪ ،‬فرؤيته تتعدى‬ ‫ال��ح��دود وتخترق حجب ما وراء الطبيعة‪،‬‬ ‫كما يتبين من خالل خطاب السارد المطلق‬ ‫المعرفة‪:‬‬

‫«إنهما ضوءان بعيدان‪ ،‬تقاربا‪ ،‬وتمازجا‬ ‫بأنفاس الربيع ال��ل��دن��ة‪ .‬فاشتعل الحريق‬ ‫وبالفعل‪ ،‬فإن شعرية المحكي العجائبي بجسديهما‪ .‬حريق لم يطفئه غوصهما في‬ ‫في هذا النص تتأسس على هذين المكونين الشط وال طفؤهما عليه‪ ..‬حلف لهم بأغلظ‬ ‫الخطابيين‪ .‬فحكاية الصياد تكسر المنطق األيْ��م��ان‪ ،‬بأنه رآه��ا في كل المرايا‪ ،‬وأنها‬ ‫المألوف‪ ،‬بما أنها تحاوره‪:‬‬ ‫تسري من أرض‪ ...‬في كل ليلة»‪.‬‬ ‫«أال تعرف من أنا أيها الصياد؟‬ ‫إن خطاب النهاية في القصة يكشف عن‬ ‫أنا فتاة ول��دت من تلك النجفة البعيدة عالقة وثيقة بين المحكي العجائبي وعزلة‬ ‫هناك‪ .‬بال اسم وبال هوية وبال عناوين كما ال��ذات وانفصالها عن العالم‪ ،‬إذ ستختفي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪25 )2016‬‬


‫ال��ف��راش��ة ال��رم��ز ف��وق ‪ -‬الطبيعي‪ ،‬ويبقى‬ ‫السارد‪ ..‬وهو يعاني االنفصال عن العالم‬ ‫ال��ف��راش��ة‪ ،‬وان��ت��ظ��ار لحظة االت���ص���ال؛ أي‬ ‫ظهور الفراشة من جديد‪ ..‬وبالتالي فالنص‬ ‫ال��س��ردي في نصوص حسن الشيخ يشكل‬ ‫عالمه التخييلي انطالقا من جغرافيا تتماس‬ ‫مع مناطق الهذيان والحلم‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫في الخطاب العجائبي بالمفسر الذي يبرر‬ ‫والدة الظاهرة ووج��وده��ا‪ ،‬وه��و هنا مفسر‬ ‫ثقافي وتاريخي؛ فالغيمة ملك «ملك أحد‬ ‫النساك الهنود» أهداها‪ ،‬وهي تعكس نسقا‬ ‫ثقافيا في المجتمعات العربية؛ أي ما يسمى‬ ‫بثقافة األولياء وأصحاب الكرامات‪:‬‬ ‫«تطلع محمود إلى زوجته خزنة بنت خالد‬ ‫وجهها الممتلىء وقامتها القصيرة‪ ،‬أوحت‬ ‫إليه بالضحك‪ ..‬قالت وهي تدنو منه بلهفة‪:‬‬ ‫ه��ذه ك��رام��ة‪ .‬كما قلت ل��ك؛ ف�لا تخبر بها‬ ‫أحدا‪.»..‬‬

‫لكن الهذيان ليس المكوّن الوحيد الذي‬ ‫يخلق شعرية المحكي العجائبي‪ ،‬فشخصية‬ ‫الصياد السارد تنعت من قبل شخوص الواقع‬ ‫المألوف‪ ،‬أي زمالئه الصيادين بالجنون‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬فإن أغلب أدبيات الجنون تنقلنا‬ ‫وف��ي نهاية حكاية ال��ب��دري ينبثق هذا‬ ‫إلى محكيات العجيب والغريب‪ ،‬كما هو األمر المفسر األنثروبولوجي للظاهرة العجائبية‪،‬‬ ‫بالنسبة لسارد هذه القصة‪.‬‬ ‫فالغيمة تحولت إلى أداة لشفاء األم��راض‬ ‫وفي مجموعة «غيمة البدري»‪ ،‬نجد في وتحقيق السعادة األب��دي��ة‪ ..‬وبالتالي هذا‬ ‫قصة تحمل العنوان نفسه أن السارد يحاول االرت��ب��اط ال��وث��ي��ق بين العجائبي والعالم‬ ‫من خالل خطاب البداية‪ ،‬اإليهام بواقعية النفسي للذات اإلنسانية ومختلف مظاهره‪.‬‬ ‫فالغيمة تمثل أفقاً‪ ..‬تحقق رغبات مكبوتة‬ ‫الحكاية «إال أن حكاية محمود البدري تبقى‬ ‫في الوعي مجتمعات تعيش في القرية‪ ،‬إما‬ ‫صدى للواقع»‪ ،‬وتهيئ المتلقي لعالم الحكي‬ ‫تحت ضغط الفقر‪ ،‬أو تحت ضغط الشقاء‬ ‫العجيب‪ ،‬وهو االنتقال الذي نسميه التمفصل‬ ‫واأللم‪:‬‬ ‫ال��م��زدوج للنص ال��س��ردي‪ .‬فالسارد يضعنا‬ ‫«وب��ع��د أن تأكد للكثير منهم أن غيمة‬ ‫بين عالمين‪ ،‬أو لنقل خطابين‪ :‬الواقعي‬ ‫والعجائبي‪ :‬عالم الشخوص البدري‪ ،‬علوان‪ ،‬البدري المباركة تشفي األم��راض وتجلب‬ ‫الزوجة‪ ،‬أهل القرية‪ ،‬والفضاء وهو الوادي‪ ،‬لهم السعادة األبدية‪ .‬بدأ المرضى من القرى‬ ‫وه��ي مكونات ت��ؤش��ر على مجتمع بسيط المجاورة يتسللون للوادي‪،‬حتى امتأل الوادي‬ ‫يقطن بجانب ال���وادي‪ ،‬لكن ظهور الغيمة بصفوف طويلة ممتدة من الناس تنتظر أن‬ ‫الظاهرة فوق الطبيعية‪ ،‬والتي تتأكد بعدم تمطر السحابة‪ ،‬أو تحين الفرصة للصعود‬ ‫تحركها من مكانها‪ ،‬سيضعنا في قلب العالم إليها»‪.‬‬ ‫العجائبي‪ .‬لكن الظاهرة فوق الطبيعية أي‬ ‫إن الظاهرة فوق الطبيعية هنا تكتسب‬ ‫العجائبي يرتبط بأصول خاصة‪ ،‬أو ما يفسر مشروعيتها ورهانها الواقعي‪ ،‬انطالقا من‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫القوة أو السلطة الثقافية التي يمارسها‬ ‫المعتقد المجتمعي في الالوعي الجمعي‪.‬‬ ‫وهكذا يُظهر التحليل النفسي أثر الظاهرة‬ ‫النفسية على والدة التخييل العجائبي‪ ،‬فهو‬ ‫بمثابة «الوسيلة التي تستثمر مجموعة من‬ ‫الميكانزيمات‪ ،‬وم��ن خاللها تعبر ال��ذات‬ ‫اإلن��س��ان��ي��ة ع���ن ال��رغ��ب��ات ال��م��ك��ب��وت��ة في‬ ‫يحضر الواقع كرؤية للعالم داخل التجربة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ال�لاوع��ي» ‪ ،‬وقد يكون التخييل العجائبي القصصية لحسن الشيخ‪ ،‬تتشكل وتعيد‬ ‫مستمدا من عمق التاريخ الموغل في القدم‪،‬‬ ‫تشكيل واقع الذات‪ .‬فالنص القصة‪ ..‬كما هو‬ ‫أو الزمن الغابر‪.‬‬ ‫األمر في السرديات الحديثة هو الذي يشكل‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬واق��ع شخوص المقبرة التي تجتر‬ ‫خطاب الواقع في السرد القصصي‬ ‫الهزائم وم��رارة الغياب الذي يوحي بلحظة‬ ‫إن الغياب والعزلة‪ ،‬الموت والطفولة‪،‬‬ ‫الموت التي ينتظرها الكائن اإلنساني‪.‬‬ ‫عناوين بارزة لمأساة سارد نصوص «المقبرة»‪،‬‬ ‫إن س��ردي��ات اليومي تمثل ال��ن��واة التي‬ ‫غير أن األسلوب وطرائق التعبير تختلف من‬ ‫نص إل��ى آخ��ر‪ .‬فنحن نجد في المجموعة تفجر ل��غ��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ف��ي تجربة‬ ‫ال بين عالمين‪:‬عالم قصص حسن الشيخ‪ .‬فالذات تتمثل سرديا بوصفها‬ ‫القصصية تقاب ً‬ ‫العجيب والغريب‪ ،‬وعالم الواقع المحفوف ام��ت��دادا وجوديا وإنسانيا‪ ،‬يعكسه حضور‬ ‫ش��ع��ري��ة س���ردي���ات ال��ي��وم��ي ف��ي ظ��ل عالم‬ ‫بمنعرجات األلم‪.‬‬ ‫موضوعه الجوهري هو الموت والغياب‪ ،‬كما‬ ‫في نصوص المقبرة ينبثق الفعل السردي‬ ‫يمكن أن يؤشر أفق التلقي المرتبط بعنوان‬ ‫انطالقا من التقابل بين عالمين‪ :‬الواقع‬ ‫المجموعة «المقبرة»‪.‬‬ ‫والمتخيل‪ .‬غير أن ما وحد العالمين هو لغة‬ ‫وبالفعل فإن القصة القصيرة كجنس أدبي‪،‬‬ ‫القصة القصيرة‪ ..‬التي ترصد لحظة الغياب‬ ‫وال��م��وت في عمقها اإلنساني‪ ،‬وم��ا يترتب تركز تكثيف التفاصيل اليومية الهامشية‪،‬‬ ‫عن ذلك من معاناة‪ .‬ويمكن أن نصنف كثيرا لتحولها إل��ى فعل س��ردي مثلما نجد في‬ ‫من المحكيات السردية القصصية‪ ،‬كما هو خطاب الواقع في السرد‪ ...‬فالحزن واأللم‬ ‫األمر بالنسبة لتجربة حسن الشيخ‪ ،‬ضمن والقلق في قصة «سارة واللصوص»‪ ..‬سمات‬ ‫ما أسميه شعرية سرديات الذات‪ ،‬بعيدا عن إنسانية روتينية في الحياة اليومية كما هو‬ ‫مقتضيات ما سماه «فيليب لوجون» ميثاق األم��ر بالنسبة لحضور ال��م��رأة‪ ،‬لكن األلم‬ ‫السير ذات��ي‪ .‬وهو تصنيف ال يعني انغالق هنا يتضاعف‪ ،‬وتشرع لغة القصة القصيرة‬ ‫النص في حدود دائ��رة السرد السيري‪ ،‬بل في التقاط لحظة العشق بين األنا السارد‪،‬‬ ‫نجد أنفسنا أم���ام ن��ص��وص مفتوحة على‬ ‫األجناس‪ ،‬وطرائق الكتابة الجديدة في حدود‬ ‫رؤية السارد‪ ..‬وما يسمح به الشكل والجنس‬ ‫القصصي‪ .‬وهذه أحد تجليات الواقع‪ ،‬وليس‬ ‫الواقعية‪ ،‬كما يمكن أن توحي لنا به الفكرة‬ ‫األخيرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪27 )2016‬‬


‫واآلخر سارة التي يصفها العاشق بالجالد‪،‬‬ ‫نتيجة تمنّعها ورفضها التفاعل واالنخراط‬ ‫ف��ي لحظة ال��ع��ش��ق‪ .‬ول��ع��ل م��ا يمنح ه��ذه‬ ‫اللحظة السردية سحرا مضاعفا هو الفضاء‬ ‫ المدينة‪ ..‬الذي تؤشر القرائن النصية أنه‬‫فضاء بعيد عن هوية األنا الرجل‪ ،‬لذلك نحن‬ ‫أم��ام ص��ورة للعشق تلتبس بالثقافة‪ ،‬واألنا‬ ‫واألخر والغيرية‪ ،‬مفعمة بسيكولوجية عالقة‬ ‫األنا باآلخر المدينة‪ .‬إن صورة المرأة تتشكل‬ ‫انطالقا من عالقتها بالسارد‪ ،‬فالجالد هو‬ ‫المعشوق (ال��م��رأة)‪ ،‬والعاشق هو (الرجل)‬ ‫األنا الذي يعاني من اضطهاد اآلخر‪ ،‬ويجد‬ ‫نفسه في فضاء غريب كما يتجلى من خالل‬ ‫قرائن الفضاء النصية‪« :‬فجأة فقدت لغتها‬ ‫العربية‪ ،‬فهمهمت بلغة فرنسية جامحة»‪،‬‬ ‫«ق��ال��ت تلك ال��ف��رس الجموح ب��دالل صبية‬ ‫لم تبلغ العشرين»(‪ .)5‬وهكذا تحيل كل من‬ ‫القرينتين اللفظيتين فرنسية وجامحة على‬ ‫صورة المرأة ‪ -‬اآلخر‪ ،‬وارتباط هذه الصورة‬ ‫بفضاء غريب؛ ما يكشف صورة اآلخر من‬ ‫منظور األن���ا‪ ،‬وال وع��ي ال��ن��ص‪ .‬فالجموح‬ ‫يرتبط بغياب العقل واالندفاع والجرأة‪ ،‬وقد‬ ‫يرتبط بجموح الجسد‪ ..‬كما ترسم لنا صورة‬ ‫المرأة سارة‪ .‬وقد نجد قرائن لفظية أخرى‬ ‫تحيل على فضاء المدينة الذاكرة‪ ،‬وموطن‬ ‫اللقاء مع المعشوق‪:‬‬

‫‪28‬‬

‫«انفجر عطرها المفعم بالطفولة‪/...‬‬ ‫عاود التحديق في عينيها الواسعتين‪ .‬تذكر‬ ‫لقاءهما‪ .‬كان اللقاء األول صاخبا وضاجا‪.‬‬ ‫تحليق فوق سحابة داكنة‪ .‬والمحيط أمواج‬ ‫سوداء تالطمه بال مباالة»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يمكن القول إن لغة القصة في‬ ‫نص «سارة واللصوص» تتأسس على الجدلية‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة ب��ي��ن س���ارة المعشوقة وال��رج��ل‬ ‫العاشق‪ .‬إنها لحظة شعرية يرصدها السارد‬ ‫في نسق سردي‪ ،‬من خالل تمثالث التقابل‬ ‫بين الخطابين‪ :‬خطاب الحركة المرتبط‬ ‫بالسرد‪ ،‬وه��ي الحركة التي تنفجر بقرار‬ ‫هجر المعشوقة سارة لعشيقها السارد‪:‬‬ ‫«رحلت فجأة‪ ،‬لم تودعه‪ .‬حقا إنها جالد‬ ‫ظ��ال��م‪ .‬ي��ش��م رائ��ح��ت��ه��ا ف��ي م�لاب��س��ه حين‬ ‫يرتديها‪ .‬يراها في ب��رق السماء المكسية‬ ‫بالغيم‪.»...‬‬ ‫إنه تقابل يعكس في اآلن نفسه‪ ،‬انفتاح‬ ‫الخطاب واستيعاب لغة القصة القصيرة‬ ‫لهذه الخطابات المتباينة كالخطاب السردي‬ ‫والشعري‪ ،‬والسيري‪ ،‬وف��ي نصوص أخرى‬ ‫نلفي انفتاح لغة السرد على خطاب الخرافة‬ ‫والمتخيل الشعبي‪.‬‬ ‫إن قصة «س��ارة واللصوص» تكشف عن‬ ‫ه��اج��س م��ش��روع ت��ح��دي��ث أن��س��اق الكتابة‬ ‫القصصية م��ن خ�ل�ال ت��ع��دد ال��خ��ط��اب��ات‪.‬‬ ‫فالقصة تكاد تتحول إل��ى قصيدة شعرية‬ ‫تحفر ف��ي سيكولوجية ال��غ��ي��اب والعشق‬ ‫وال���ذات ال��م��رأة‪ .‬ولعل م��ن معالم األنساق‬ ‫السردية القصصية هنا كتجل من تجليات‬ ‫تحديث الكتابة السردية‪ ،‬هو رمزية الخطاب‬ ‫الدالة في عالقته بالبنية الداللية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫تكشف عنه بنيات االستهالل والنهاية‪ ،‬في‬ ‫القصة‪ ،‬وصورة المرأة داخل سيرورة السرد‪.‬‬ ‫فسارة ‪-‬المرأة ترتبط بمقوم جمالي «تمثال»‬


‫«ه��ن��ا وف���ي ه���ذه ال��م��دي��ن��ة ال��م��س��ح��ورة‪،‬‬ ‫سأموت غريبا متيبسا في ركن من أركانها‪.‬‬ ‫أم��ا بشرى فقد تحولت إل��ى أسئلة عديدة‬ ‫غامضة»‬

‫وه��ك��ذا يتحلل خ��ط��اب الواقعية داخ��ل‬ ‫الخطاب السردي مرة أخرى ليكتسب أبعادا‬ ‫ترتبط بالرؤية للعالم‪ ،‬من داخل عالم السرد‬ ‫وتشعباته‪ .‬فبالنسبة للسارد تبقى صورة‬ ‫المرأة كتجل إنساني للعالقة ولقيمة العشق‬ ‫أم���را يكتنفه ال��غ��م��وض‪ ،‬وملتبسً ا بأسئلة‬ ‫وجودية‪ .‬وم��رة أخ��رى تلتبس ص��ورة المرأة‬ ‫بالواقعي والمتخيل‪ ،‬فبشرى المعشوقة‪،‬‬ ‫تمارس سلطة سحرية على المعشوق تبلغ‬ ‫ذروتها في تجليات الموت‪ ،‬خالفا لصورة‬ ‫شهرزاد في الليالي‪ ،‬والتي تؤجل فعل الموت‬ ‫وتبعد شبحه عن المسرود ل��ه‪ ..‬إن صورة‬ ‫المرأة هنا تتأرجح م��رة أخ��رى بين قطبي‬ ‫إن خ��ط��اب ال���واق���ع يتشكل م��ن خ�لال‬ ‫الواقع والمتخيل‪ ،‬الموت والحياة‪ ،‬االتصال‬ ‫تفاعل األنساق السردية المشبعة برمزية‬ ‫واالنفصال‪.‬‬ ‫الموت‪ ،‬وهي أنساق تكشف الوعي السارد‬ ‫«أم���ا عندما كنا وح��ي��دي��ن‪ .‬فقد قالت‬ ‫في مواجهة سارة التي تقرر الرحيل‪ ،‬وهو‬ ‫خطاب موسوم بنسبية واحتمالية الواقع بشرى كالما كثيرا أقرب إلى الهذيان منه‬ ‫وسيكولوجية والوع��ي السارد ال��ذي يفجر إلى الواقع»‪.‬‬ ‫وهكذا تتموقع صورة المرأة في تجربة‬ ‫الفعل التخييلي السردي‪ .‬وفي نص «طائر‬ ‫بال أجنحة» يعود خطاب الواقعية لينسج «المقبرة»‪ ،‬من منظور السارد بين عالمين‪..‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫«لوحة زيتية»‪ ،‬لكن إضافة مقوّم سياقي آخر‬ ‫هو «شمعي»‪ ،‬يكشف التفاعل مع البنيات‬ ‫التي تشكل سيرورة السرد‪ ،‬وهو تكرار صورة‬ ‫ارت��ب��اط ال��م��رأة بالغيم؛ لكن ال��س��ارد يبقى‬ ‫معلقا في انتظار أن يسقيه الغيم مطر الحب‬ ‫من دون أن يتحقق ذلك؛ ومن ثَمَّ‪ ،‬تأتي هذه‬ ‫البنية مشبعة برمزية الغيم‪ ،‬لتهيىء المتلقي‬ ‫لخطاب النهاية الذي يكرّس البنية الداللية‪،‬‬ ‫وهي بنيات الغياب والرحيل والموت‪ ،‬الخيط‬ ‫الناظم ألنساق السرد في المجموعة كما‬ ‫الحظنا من خالل داللة العنوان «المقبرة»‪.‬‬ ‫فذات السارد العاشق لم يبق لها بعد مأساة‬ ‫رحيل سارة سوى «تراب المدينة»؛ ما يكشف‬ ‫عن الوع��ي النص‪ .‬فرمزية ال��ت��راب إذا ما‬ ‫ارت��ب��ط��ت بالمقبرة تشكل ص���ورة ال��م��وت‪،‬‬ ‫والغيم ال��ذي ال يمطر‪ .‬فسارة ما هي إال‬ ‫تمثال شمعي ذاب فجأة ورحل ليترك السارد‬ ‫معلقا بين الحياة والموت‪ ..‬وتأسيسا على‬ ‫ذلك يبدو أن شعرية القصة تنبني من خالل‬ ‫جدلية التخييل والواقعي‪ .‬فسارة تجسيد‬ ‫لمتخيل الرحيل ومختلف مؤشراته الدالة‬ ‫على الموت حين يتعلق األمر بالسارد الذي‬ ‫يعاني‪.‬‬

‫تفاصيل لحظة عالقة الحب بين بشرى‬ ‫وهشام والتي ستؤول إلى االنفصال‪ ..‬لترسخ‬ ‫البنية الداللية التي خلصنا إليه في النص‬ ‫السابق والتي تُعد خيطا ناظما لسرديات‬ ‫المجموعة القصصية‪ ،‬وه��ي بنية الرحيل‬ ‫والموت‪:‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪29 )2016‬‬


‫ال��ت��خ��ي��ي��ل وال���واق���ع‪ .‬وه���ي ص����ورة مشبعة‬ ‫برمزية الرحيل والموت وال��ذاك��رة‪ .‬فرحيل‬ ‫المرأة وغيابها عن العاشق يدل على نهاية‬ ‫الشخصية واستسالمها للمرارة والمعاناة‬ ‫في فضاء المدينة‪ ،‬الذي يحمل بدوره رمزية‬ ‫خاصة ترتبط بالواقع ال��ذي تحيا في ظله‬ ‫الذات العاشقة‪..‬‬

‫الحفر والتجديد في أنساق الكتابة وطرائق‬ ‫ال��س��رد‪ .‬ف��ص��ورة ال��م��رأة هنا ليلى تتجلى‬ ‫كامتداد للوطن وال��ذات‪ .‬وينقل لنا السارد‬ ‫هذه الرؤية للعالم من خالل أنساق خطاب‬ ‫األقواس باعتباره يدشن فعل الحكي‪ ،‬ويحيل‬ ‫على الشخصية الجوهرية التي تتمثل كحافز‬ ‫الن��ط�لاق حركة الفعل ال��س��ردي‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تشكالت الحكاية وأبعادها العميقة‪ .‬وهكذا‬ ‫يأتي خطاب األقواس مدمجا داخل أنساق‬ ‫أخرى‪ ..‬مثلما األمر بالنسبة لخطاب السارد‬ ‫الذي يحكي بضمير الغائب‪ ،‬وهي خطابات‬ ‫تتفاعل مع المحكي النواة‪ ،‬أي خطاب علوان‬ ‫ومأساته ومغامرته في البحر من أجل البحث‬ ‫عن الوطن ‪-‬الذات ومختلف أبعاده وتجلياته‪.‬‬ ‫إن خ��ط��اب األق���واس ينهض بوظيفة بنية‬ ‫النص‪ ،‬ونسج جمالياته‪ ،‬وتمثالته الثقافية‪،‬‬ ‫وعالقة الشخصية المحورية علوان بالعالم‪.‬‬

‫الصغير»‪.‬‬

‫إن الشخصية ‪ -‬كما يظهر من خالل نمط‬ ‫شخوص علوان ‪« -‬تتحدد بشكل عام انطالقا‬ ‫من عالئقها مع باقي الشخوص األخرى»(‪.)6‬‬ ‫فعلوان ال يمكن أن يتجسد وج��ودي��ا داخل‬ ‫الحكاية إال من خالل عالقاته المتشعبة مع‬ ‫ليلى‪ ،‬أس��م��اء‪ ،‬ه��م��ام‪ ..‬وسيكولوجية علوان‬ ‫داخل سيرورة الحكي تكشف عن األفق الذي‬ ‫تتحرك فيه كل هذه الشخوص‪ ،‬وهو الهستيريا‬

‫أم���ا ق��ص��ة «ع��ل��وان يبحث ع��ن وط��ن��ه»‪،‬‬ ‫فتعكس ص���ورة ع��ن الشخصية المثالية‬ ‫والبطولية‪ ،‬كما ألفنا ذلك في خطاب الواقع‪.‬‬ ‫فعلوان يتحدى كل الصعاب‪ ،‬ويصارع األمواج‬ ‫العاتية من أجل البحث عن الهوية والذات‬ ‫والملجأ ال��وج��ودي‪ ،‬كما يتضح م��ن خالل‬ ‫رمزية الوطن‪ .‬ويظهر هنا أن القارب محمل‬ ‫برمزية خاصة تحيل على المسكن والملجأ‪،‬‬ ‫الذي تجد فيه الذات علوان امتداد وجوديا‬ ‫وروح��ي��ا‪ ،‬بوصفه األداة التي ستمكنه من‬ ‫معانقة ال��وط��ن بكل م��ا تحمله الكلمة من‬ ‫(ذل��ك ه��و ق���راري األخ��ي��ر‪ .‬ول��م يبق لي‬ ‫دالالت ورمزية تتماهى مع الوجود والهوية سوى سواد هذه الليلة‪ ،‬وأغادر بالد الغربة‪.‬‬ ‫والمسكن الروحي‪:‬‬ ‫نعم سأستجيب للنداءات الملحّ ة بال ملل‬ ‫«خ��رج علوان من منزل همام‪ ،‬وه��و في من العالم األخر‪ ،‬للبحث عن أرض الوطن‪.‬‬ ‫حيرة أسى‪ .‬لم يجد أمامه ملجأ إال قاربه للبحث عن ليلى‪.)...‬‬

‫‪30‬‬

‫وإذا كان خطاب الواقع في هذه القصة‬ ‫ومجموع قصص حسن الشيخ يرتبط بتيمات‬ ‫وموضوعات تحفر في معادلة الشخصية‬ ‫وصراعها مع العالم‪ ،‬والبحث عن الهوية‬ ‫والذات والتوغل في الذاكرة‪ ،‬ومعاناة الغربة‪،‬‬ ‫والبحث عن ال��ذات ‪-‬االمتداد وهي المرأة‬ ‫ليلى‪ ،‬ف��إن شكل الخطاب يكشف هاجس‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يعيد تشكيل واق��ع خ��اص‪ ،‬ه��و واق��ع النص تؤلف التجربة القصصية عند حسن الشيخ‬ ‫وال��ش��خ��وص‪ .‬وب��ال��ت��ال��ي‪ ،‬فمعنى ال��واق��ع أو على ثنائيات تعكس حضور الموضوعات‬ ‫أث��ر ال��واق��ع كما سماه «ب���ارث» يتشكل بناء اإلنسانية كشكل للتأمل في اليومي وهوامشه‬ ‫على عالقة جدلية بين ال��واق��ع والتخييل‪ ،‬وتفاصيله‪ .‬واألم��ر يتعلق هنا بثنائية الموت‬ ‫وعالئقهما بأعماق الشخوص وسيكولوجياتها والحياة وما يتفرع عنها كالحضور والغياب‪.‬‬ ‫التي تشتغل على نسج جماليات السرد وأبعاده وهي ثنائيات تعكس في حد ذاتها التقابل بين‬ ‫المختلفة‪ .‬وب��ق��در م��ا يرتبط جنس القصة الخطابين العجائبي والواقعي من جهة‪ ،‬وتعدد‬ ‫القصيرة باللحظة ال��س��ردي��ة‪ ،‬يشتغل على الخطابات باعتبارها صدى لألنساق الجديدة‬ ‫تكثيف الواقع وإعطائه معنى جديدا يتجاوز للكتابة كما تتشكل في هذه النصوص‪ .‬غير أن‬ ‫النظرة االنعكاسية والنمطية‪ ،‬ويستبطن كما‬ ‫الواقع في هذه النصوص ليس معطى قبليا‬ ‫الحظنا من خالل النص األخير أنساقا جديدة‬ ‫يشكل أسلوب السرد القصصي‪ ،‬بل إن خطاب‬ ‫تستلهم لغات وخطابات متباينة‪ .‬فشخصية‬ ‫السرد هو ال��ذي يشكل عالم القصة‪ .‬وبين‬ ‫علوان تتجاوز مثاليتها المفرطة النمطية من‬ ‫تداعيات ال��ذات وخطاب اليومي وتفاصيل‬ ‫خالل غرابة المبحوث عنه من جهة‪ ..‬ورمزيته‬ ‫من جهة أخ��رى؛ ما يفتح المعنى على معان الذاكرة‪ ،‬ينبثق الحكي ويشتغل إع��ادة إنتاج‬ ‫تستبطن الذات وتستدعي المتخيل‪ ..‬ويظهر هذا الواقع من خالل المتخيل الثقافي الذي‬ ‫أن إبداعية النص القصصي وأنساقه الجديدة يضرب جذوره في سيكولوجيات الشخوص‬ ‫تتجلى في ابتكار هذا النمط من الشخوص والالوعي الجمعي وأساطيره المتجذرة في‬ ‫اإلشكالية‪ ،‬والتي تنفتح في نفس اآلن على الشخصية والذات‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫التي تنتاب علوان وهو يبحث عن الوطن‪ ،‬رغم التخييل كما يتجلى من خالل غرابة شخصية‬ ‫أنه يوجد في وطنه‪ ،‬وهو ما يجعل الوطن هنا علوان وغربتها في المجتمع‪.‬‬ ‫مقولة سردية مشبعة كما سبق الذكر برمزية‬ ‫على سبيل التركيب‬ ‫خاصة‪ ،‬تسم الشخصية بالغرابة‪.‬‬ ‫تنبني البنية العميقة للنصوص التي‬ ‫إن خ��ط��اب ال���واق���ع ف��ي ه���ذه النصوص‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪(1) TODOROV Tzvetan.Introduction à la littérature fantastique.editiont:seuil. paris. 1970 p: 163‬‬ ‫‪(2) Malrieu Joël le fantastique. Ed : hachette. PARIS..1992 . P :88‬‬ ‫‪(3) SIGMUND FREUD. cinq leçons sur la psychanalyse . TD :yevs le lay . edition :PAYOT.‬‬ ‫‪PARIS.1979. P :18‬‬ ‫‪(4) BELLEMIN-NOEL JEAN .VERS L’inconscient du texte.Ed : PUF .1979. PARIS. P :7‬‬

‫(‪ )5‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬

‫‪(6) Tzeftan Todorov «les catégories du recit littéraire» in communication.n 8.ED seuil.paris.‬‬ ‫‪1982.p :139‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪31 )2016‬‬


‫قصيدة مجهولة‬ ‫ألحمد إبراهيم الغزاوي‬ ‫‪ρρ‬مصطفى يعقوب*‬

‫يُعد الشاعر أحمد الغزاوي من أعمدة الشعر في المملكة العربية السعودية في العصر‬ ‫الحديث‪ ،‬ويحظى بمعرفه من قطاع كبير من جمهوره في المملكة‪ .‬ونذكر هنا لمحة‬ ‫وجيزة عن هذا الشاعر الكبير‪.‬‬ ‫جاء في معجم األدب��اء من العصر الجاهلي حتى ‪2002‬م لكامل سلمان الجبوري‪:‬‬ ‫“أحمد إبراهيم الغزاوي (‪1401-1318‬هـ‪1981-1900/‬م) شاعر أديب‪ ،‬ولد في مكة المكرمة‪،‬‬ ‫عمل في عدة وظائف‪ ،‬تولى الكتابة في وزارة األوقاف وسكرتارية مجلس الشورى‪ ،‬كما‬ ‫حاز على ثالثة أوسمة في هذه الفترة‪ ،‬ثم تولى رئاسة ديوان القضاء‪ ،‬ثم معاونًا لمدير‬ ‫الطبع والنشر‪ ،‬ثم سكرتير مجلس الشورى‪ ،‬ثم نائبا للرئيس من عام ‪ 1373‬إلى ‪ 1386‬هـ‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1347‬هـ‪1928 /‬م أصدر مع الشيخ حامد الفقي مجلة اإلسالم‪ ،‬وهي أول مجلة‬ ‫في العهد السعودي‪ ،‬ورأس تحرير كل من جريدة “أم القرى” ومجلة “اإلصالح” و”صوت‬ ‫الحجاز”‪ ،‬وفي عام ‪1351‬هـ حاز لقب شاعر الملك عبدالعزيز‪ ،‬وحاز عدة أوسمة من بعض‬ ‫األقطار العربية‪.‬‬ ‫يعد واحدا من الرعيل األول في الحركة األدبية السعودية‪ ،‬نشرت أعماله الشعرية‬ ‫في الصحف المحلية‪ ،‬كما نشرت له قصائد ومقاالت نثرية في بعض الصحف العربية‪.‬‬ ‫اختير رائدا من رواد األدب السعودي في مؤتمر األدباء السعوديين األول‪ .‬وقد خلف ثروة‬ ‫أدبية شعرية ونثرية‪ ،‬لم يطبع آثاره النثرية والشعرية المنشورة في الصحف والمجالت‪.‬‬ ‫صدر له بعد وفاته “شذرات الذهب” وهي خواطر وتعليقات‪ ..‬كان يكتبها بانتظام في‬ ‫مجلة المنهل(‪.)1‬‬ ‫وعن شعره يقول األستاذ عبداهلل التقليد والمبالغة واالفتعال واضحً ا‬ ‫ع��ب��دال��ج��ب��ار‪“ :‬يمكننا أن نسلك جليا ف��ي معظمها‪ ،‬كما يمكن ع��دّ ه‬ ‫ال���غ���زاوي ف��ي زم���رة ت��ل��ك ال��م��درس��ة ‪ -‬لطائفة من قصائده االجتماعية‪-‬‬

‫‪32‬‬

‫العتيقة‪ ،‬لمدائحه الكثيرة التي كان أثر “بين بين”‪ ،‬أو برزخا بين الكالسيكية‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أكثر شعراء الحجاز في اإلنتاج وأطولهم‬

‫غير أن األستاذ عبدالمقصود محمد‬

‫الغزاوي ‪-‬حين ينظم الشعر‪ -‬ال يمتح‬ ‫من قلبه أو يستقي من ينابيع نفسه‪ ،‬وإنما‬ ‫يستمد م��ن ذاك��رت��ه التي وع��ت األلفاظ‬ ‫والتراكيب وال��رواس��م العربية القديمة‬ ‫التي تحدرت إلينا عبر القرون‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ك��ان��ت ق��ص��ائ��ده أق���رب إل��ى ال��نَ��ظ��م منها‬ ‫إل��ى الشعر”(‪ .)2‬ولعلنا نلمس ف��ي هذا‬ ‫الرأي شيئا من القسوة‪ ،‬غير أننا نلتمس‬ ‫العذر للغزاوي‪ ،‬إذا أخذنا في االعتبار أن‬ ‫وإذا كنا نتعجب فيما مضى ألن شاعرا‬ ‫الدولة السعودية كانت في طور التكوين بحجم ومكانة ال��غ��زاوي لم يُجمع شعره‬ ‫في بدايات القرن الماضي بقيادة الملك رغ��م وج��ود ع��دد ال ب��أس به من األندية‬ ‫عبدالعزيز‪.‬‬ ‫األدبية والمؤسسات الثقافية‪ ،‬فضال عن‬ ‫أم���ا ع��ن ض��ع��ف ال��خ��ي��ال واإلس��ف��اف‪ ،‬الجامعات في المملكة‪ ،‬التي يمكن ألي منها‬ ‫فهو راج���ع إل��ى طبيعة الحالة الفكرية إعداد فريق لجمع شعر هذا الشاعر‪ .‬غير‬ ‫واالجتماعية ف��ي ذل��ك الحين‪ ،‬وه��و ما أن الدكتور مسعد بن عيد العطوي الذي‬ ‫شهدته مصر قبل ال���ب���ارودي‪ ،‬وخاصة كتب دراس��ة وافية ضافية عن الغزاوي‬ ‫س��ي��ط��رة ال��ت��أري��خ ال��ش��ع��ري ع��ل��ى معظم يقول عن جمع شعر الغزاوي‪“ :‬وقد جمعت‬ ‫القصائد في تلك الفترة‪ ،‬فضال عن ضعف الشعر الموجود في الصحافة المحلية‪،‬‬ ‫الخيال الشعري‪ ،‬وهو ما لم يأخذه عبداهلل ويشير بعض المقربين ل��ل��غ��زاوي أن له‬ ‫ع��دداً من الصناديق التي تحوي شعره‪..‬‬ ‫عبدالجبار في االعتبار‪.‬‬ ‫غير أن الدكتور إبراهيم بن فوزان كان لكني لم أعثر عليها‪ ،‬وقد ُكلّفت أخيرا مع‬ ‫أكثر إنصافا للغزاوي حيث يقول‪“ :‬رغم عدد من أعضاء هيئة التدريس بجامعة أم‬ ‫غ���زارة إن��ت��اج ال��غ��زاوي م��ن الشعر عامة القرى لالطالع عليها‪ ،‬ولكن حتى اآلن لم‬ ‫ل��م يُ��ج��م��ع ح��ت��ى اآلن‪ ،‬وه���و م��ن��ش��ور في أ ُد َع إلى االجتماع‪ ،‬وقد قمت بنشر شعره‬ ‫المجالت والجرائد وبعض المؤلفات‪ .‬وهو في مجلدين كبيرين ضخمين”(‪.)4‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الميتة والكالسيكية الحيّة‪ .‬يتسم شعره‬ ‫بالخطابية المجلجلة‪ ،‬ونضوب العاطفة‪،‬‬ ‫وإسفاف الخيال‪.‬‬

‫نفسا‪ .‬وشاعرية الغزاوي قوية قادرة على‬ ‫العطاء متى ما أحست الشعر الوجداني‬ ‫وأح��س��ت ش��ع��ر ال��م��ن��اس��ب��ات‪ ،‬ك��م��ا تتسم‬ ‫بالقدرة على االرتجال والتطويل‪ .‬والواقع‬ ‫أن م��وض��وع��ات ش��ع��ر ال���غ���زاوي ص��ورة‬ ‫اجتماعية واقعية لحياته ولبيئته وأمته‬ ‫من حوله‪ ،‬وأغزر شعره في المديح؛ ألنه‬ ‫شاعر حكام وأمراء الدولة السعودية منذ‬ ‫سيطرتها على الحجاز عام ‪1924‬م‪ ،‬ويأتي‬ ‫بعده اإلسالميات التي كثيرا ما يمزجها‬ ‫مع غرض المدح‪ ...‬الخ“(‪.)3‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪33 )2016‬‬


‫س��ع��ي��د خ��وج��ة ق���د ت��م��ك��ن م���ن إص����دار‬ ‫األع��م��ال الكاملة‪-‬الشعرية والنثرية‪-‬‬ ‫ضمن إص����دارات “كتاب االثنينية” في‬ ‫سنة ‪1421‬ه����ـ‪2000/‬م‪ ،‬وضمت األعمال‬ ‫الشعرية أرب��ع��ة أج���زاء بلغت صفحاتها‬ ‫أكثر من ألفي صفحة‪ ،‬وهو جهد محمود‬ ‫ومشكور من الناشر حيال شاعر بقامة‬ ‫الغزاوي‪.‬‬ ‫قصيدة مجهولة‬

‫‪34‬‬

‫على الرغم من صدور األعمال الكاملة‬ ‫ألكثر من شاعر من شعرائنا المعاصرين‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من الجهود الشاقة في جمع‬ ‫ما تفرق من شعر هذا الشاعر أو ذاك‪،‬‬ ‫فإن ق��دراً غير قليل من شعره يبقى طي‬ ‫النسيان في صحف ومجالت بعد العهد‬ ‫بها‪ ،‬وأصبحت جزءاً من التراث الصحفي‬ ‫ال��ذي ال يتيسر لكثيرين االط�لاع عليه‪،‬‬ ‫األم���ر ال���ذي يجعل م��ن ه���ذا ال��ن��وع من‬ ‫ال��ق��ص��ائ��د‪ ،‬قصائد مجهولة ل��م يتيسر‬ ‫ل��ل��ك�� ّت��اب وال��ن��ق��اد وال���ق���راء ع��ل��ى ال��س��واء‬ ‫االطالع عليها‪ ،‬فهو في هذه الحالة نتاج‬ ‫مجهول للشاعر‪ ،‬بحيث ال تكمل دراس��ة‬ ‫الشاعر دراسة وافية وكاملة إال باالطالع‬ ‫عليه‪ .‬والدليل على ذل��ك أننا قد عثرنا‬ ‫ف��ي مجلة “الفتح” ال��ت��ي ك��ان يصدرها‬ ‫محب الدين الخطيب في النصف األول‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬وتحديدا في العدد‬ ‫‪ 124‬الصادر في ‪ 20‬جمادى الثانية سنة‬ ‫‪1347‬هـ‪ 2/‬ديسمبر ‪1928‬م على قصيدة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫مجهولة للغزاوي بعنوان “تحية الشباب‬ ‫السعودي”‪ ،‬ل��م ن��ج��ده��ا ف��ي “األعمال‬ ‫الكاملة للغزاوي”‪ ،‬وقد ارتجلها كما ورد‬ ‫ف��ي مقدمتها للترحيب باألمير شكيب‬ ‫أرس�لان عند زيارته للمملكة‪ .‬ولعل مَن‬ ‫يقرأ القصيدة يجد فيها‪ -‬بالنظر أنها‬ ‫لشاب لم يبلغ الثالثين بعد‪ -‬قدراً كبيراً‬ ‫م��ن حُ سن الصياغة وال��ش��اع��ري��ة‪ ،‬وأنها‬ ‫لشاعر متمرس بفن القصيد‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يجعلنا نأخذ آراء عبداهلل عبدالجبار بقدر‬ ‫من الحذر والمراجعة‪.‬‬ ‫وفيما يلي نص القصيدة مصورة عن‬ ‫األص��ل ف��ي مجلة “الفتح” تحية لذكرى‬ ‫هذا الشاعر الكبير‪.‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ * كبير باحثين بهيئة المساحة الجيولوجية (سابقا) ‪ -‬مصر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬معجم األدباء من العصر الجاهلي حتى ‪2002‬م‪ ،‬كامل سلمان الجبوري‪ ،‬ج‪1‬ص‪.101‬‬ ‫(‪ )2‬التيارات األدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية‪ ،‬عبداهلل عبدالجبار‪ ،‬ص‪.254‬‬ ‫(‪ )3‬األدب الحجازي الحديث‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم بن فوزان الفوزان‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.1233‬‬ ‫(‪ )4‬أحمد إبراهيم الغزاوي‪ ،‬د‪ .‬مسعد بن عيد العطوي‪ ،‬مجلة الدارة‪ ،‬العددان ‪ 3‬و‪1419 ،4‬هـ‪ ،‬ص‪.168‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪35 )2016‬‬


‫استلهام التراث في شعر األطفال‬ ‫سليمان العيسى أنموذجا‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬بهيجة مصري إدلبي*‬

‫«إن الفن الرفيع يجب أن يكون تهذيب ًا للتراث‪ ،‬وللفن الشعبي‪ ،‬وال يقف منه‬ ‫(ت‪ .‬س‪ .‬إليوت)‬ ‫موقف معارضة»‪.‬‬ ‫الذاكرة وخصوبة القصيدة‬

‫ب�ق��در م��ا ي�س�ت��درج ال�ش��اع��ر طفولته م��ن بئر ذات��ه المجهولة‪ ،‬ب�ق��در م��ا يمنح‬ ‫القصيدة ذاكرة ال تصدأ‪ ،‬ألن ذكريات الطفولة المعيشة ثانية في حلم اليقظة‪،‬‬ ‫هي حقا أناشيد في قاع الروح»(‪ ،)1‬وإذا كان اإلبداع في أكثر مساراته فرديا‪ ،‬ينهض‬ ‫من ذات الكائن ليحلّ فيما بعد في ذات الجماعة‪ ،‬فإن األطفال نصنا الجماعي‬ ‫الذي نكتشف من خالله وجودنا الغامض‪ ،‬وبالتالي بِ سَ عْ ينا لكتابته نكتب أنفسنا‪،‬‬ ‫ونبتكر وجودًا لذاتنا‪ ،‬وذاتًا جديدة لوجودنا‪.‬‬ ‫فالشاعر طفل يتذكر‪ ،‬والطفل شاعر‬ ‫يحلم‪ ،‬ف��إذا ما التقت ال��ذاك��رة بالحلم‬ ‫تستوي قصيدة الطفل‪ ،‬كذاكرة متجددة‪.‬‬ ‫فكم يحتاج الشاعر من الطفولة كي‬ ‫يحلم‪ ،‬وكم يحتاج الطفل من الشاعر كي‬ ‫يتذكر‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫وع���ن���دم���ا ع����رف أح���ده���م ال��ش��ع��ر‬ ‫الحقيقي بأنه «الكالم الذي ال ينسى»‪..‬‬ ‫عنى بذلك الكالم الذي يُفعّل آلية الذاكرة‬ ‫ال كحالة تذكر واسترجاع فحسب‪ ،‬وإنما‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫كفاعلية استجابة لطاقة حرضتها على‬ ‫اإلش��راق الدائم‪ ،‬فالذاكرة تضيء حد‬ ‫اإلش���راق‪ ..‬وتخفت حد االنطفاء‪ ،‬بما‬ ‫يوازي طاقة الحلم التي تتلقاها سواء‬ ‫بقصيدة أو قصة أو موسيقى‪ ،‬وبين‬ ‫التلقي واالستعادة تكمن فاعلية التحويل‬ ‫واالبتكار‪ ،‬فالذاكرة قاع شخص الكائن‪،‬‬ ‫ألن��ه��ا تستضيف اس��ت��ق��راء ال��ح��واس‬ ‫الستة‪ ،‬على مائدة اإلدراك بفعل الصبغة‬ ‫التي أ ُنشىء عليها لتكون بذلك شرط‬


‫ولعل الوالدة الثانية هي التي تحدد نموه‬ ‫وانتماءه ووج��وده وحلمه وتفكيره‪ ،‬وفاعلية‬ ‫ذاكرته‪ ،‬وبالتالي كان على الشعر شأنه شأن‬ ‫الوسائط األخرى ه ّم تحصين هذا الشخص‬ ‫بما أوتي من االبتكار والمتعة والمعرفة‪ ،‬كي‬ ‫يكون مخلصا لرسالته اإلبداعية‪ ،‬الموجهة‬ ‫إل��ى الطفل‪ ،‬والتي ال تستوي إال إذا حقق‬ ‫االنسجام بين «الهدف الموضوعاتي» والفن‬ ‫الشعري‪ ،‬بكل خصائصه التي تحقق شعرية‬ ‫النص‪ ،‬وتحقق خطابه تجاه الطفل‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وجوده وس َّر حلمه‪ ،‬وخزانة خبراته ومعارفه‬ ‫التي تؤول فهمه لذاته وللعالم المحيط به‪.‬‬ ‫وما يصطلح عليه في الخطابات المختلفة‬ ‫من ذاكرة ثقافية وإبداعية ومعرفية ونصية‪،‬‬ ‫م��اه��ي إال ت��ف��ري��ع��ات ل��ذاك��رة ال��ح��ل��م ل��دى‬ ‫الشاعر؛ وبالتالي‪ ،‬ذاكرة النص الشعري التي‬ ‫يستعيد النص خاللها وجوده اإلبداعي؛ ألن‬ ‫يقظة الشاعر لطفولته ودهشتها وسحرها‬ ‫ال��م��ج��ه��ول‪ ،‬ت����وازي يقظة ال��ن��ص ل��ذاك��رت��ه‬ ‫األول��ى‪ ،‬قبل أن تستضيفه اللغة؛ ومن هنا‪،‬‬ ‫كان الموروث الشعبي واألسطوري بعجائبه‬ ‫وغرائبه وحكاياته ومغامراته وشخصياته‬ ‫الفائقة‪ ،‬معينا خصبا للنص‪ ،‬ألنه يستدرج‬ ‫إشارات اإلبداع األولى؛ كما هو معين للشاعر‬ ‫لتخصيب نصه اإلب��داع��ي الشعري‪ ،‬الذي‬ ‫يسعى أن يكون معينا ثقافيا للطفل‪ ،‬ينمّي من‬ ‫خالله شخصيته وخياله وتفكيره وأسئلته‪..‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬ذاك��رت��ه التي م��ا ت��زال ف��ي طور‬ ‫الحلم‪ .‬ليكون الشعر تحفيزًا لوالدة الطفل‬ ‫ثانية؛ ألن الطفل «يولد مرتين أوالهما والدة‬ ‫عضوية بيولوجية‪ ،‬وثانيهما والدة ثقافية‪ ،‬إذ‬ ‫يتحول في الوالدة الثانية إلى كائن ثقافي»(‪.)2‬‬

‫وت��ذوق الجمال ومعرفة ال��ذات‪ ،‬ألن الطفل‬ ‫كذاكرة تتهيأ للوجود‪ ،‬يكون أكثر استجابة‬ ‫لذلك الفن ال��ذي يهيىء له إيقاعا متصال‬ ‫بفطرته األول���ى‪ ،‬ويهيىء ل��ه م��ا يكفي من‬ ‫الثقافة من أج��ل بناء ثقافته المستقبلية‪،‬‬ ‫ف��أدب الطفل «يسهم في انتقال ج��زءٍ من‬ ‫الثقافة ب��ص��ورة فنية للطفل‪ ،‬ويسهم في‬ ‫إقناعه باآلمال الجديدة»(‪ ،)3‬بالتالي ال يعني‬ ‫ه��ذا االن��ت��ق��ال شكال ميكانيكيا‪ ،‬تراكميا‬ ‫بقدر ما يعني تواصال حقيقيا؛ أي «ال يعني‬ ‫نقل المعاني إلى األطفال‪ ،‬بل هو فن نقل‬ ‫المعاني»(‪ .)4‬فقد ال ينتبه الطفل في مراحله‬ ‫األولى إلى طبيعة المحتوى الثقافي‪ ،‬أو طبيعة‬ ‫الموضوعات المطروحة‪ ،‬وإنما قد يستجيب‬ ‫للشكل الفني‪ ،‬ولألساليب اإلبتكاريه التي‬ ‫تحفزه على التواصل واالت��ص��ال‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يكون مهي ًأ في مراحله الالحقة على ربط‬ ‫هذا الخطاب بمضمونه‪ ،‬فتتحقق االستجابة‬ ‫بذلك على وجهها األكمل‪.‬‬

‫هذه التراتبية بين الشكل والمحتوى‪ ،‬ال‬ ‫فللشعر فعل تحريضي على تلقي المعرفة تنفي أهمية المحتوى‪ ،‬في تنشئة الطفل‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪37 )2016‬‬


‫وتربيته اإلبداعية‪ ،‬فال بد أن يكون ثمة رؤيا‬ ‫حقيقية لطبيعة الثقافة الموجهة للطفل‪..‬‬ ‫مهما اختلفت الوسائط والوسائل الموصلة‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫وق��د بين الدكتور سمر روح��ي الفيصل‬ ‫ض�����رورة أن ي��رت��ك��ز أدب األط���ف���ال على‬ ‫منظومة قيم عربية وإسالمية‪ ،‬ومن خالل‬ ‫هذه المنظومة يمكن أن نطمئن إلى طبيعة‬ ‫الثقافة التي ينشأ عليها أطفالنا؛ وذلك ألن‬ ‫معظم الذين يكتبون لألطفال ال يستندون إلى‬ ‫منظومة واضحة؛ ألنهم ينطلقون من نظرة‬ ‫فردية لمنظومة القيم‪ ،‬وال يصلح أن تبقى‬ ‫النظرة إلى الواقع والمستقبل مقصورة على‬ ‫النظرة الفردية الذاتية؛ ألن هذه النظرة ال‬ ‫يضبطها ضابط موضوعي يحدد صلة القيم‬ ‫المطروحة في األدب والممارسة االجتماعية‬ ‫ويوضح جانبها االجتماعي‪ .‬ويحدد الدكتور‬ ‫الفيصل ذلك الضابط الموضعي بمنظومة‬ ‫القيم ال��واض��ح��ة ال��م��ح��ددة المستمدة من‬ ‫ماضي األمة العربية اإلسالمية‪ ،‬المعبرة عن‬ ‫حاضرها وتطلعها إلى المستقبل‪ ،‬وبذلك‬ ‫يؤكد أيضا على العالقة الجدلية للزمن في‬ ‫عملية الكتابة لألطفال‪ .‬وم��ن خ�لال هذا‬ ‫الجدل بين الماضي والحاضر والمستقبل‪،‬‬ ‫تتشكل ذاكرة الطفل كذاكرة متجددة‪ ،‬واعية‪،‬‬ ‫حاملة لرؤاها المستقبلية‪ ،‬وهنا يبرز دور‬ ‫الشعر الحقيقي في تخصيب ذاكرة الطفل‬ ‫كوسيط إبداعي متصل بالطفل منذ نشأته‬ ‫وتفتحه األول على ال��وج��ود‪ ،‬ليكتمل إيقاع‬ ‫وج��وده‪ ،‬من خ�لال ه��ذا الوسيط اإلبداعي‬ ‫ال��ذي يوقّع ال��ذاك��رة من الهدهدات األول��ى‬ ‫لألم‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫شعر األطفال هو ذاكرة الطفل التي تتشكل‬ ‫من خالل تخصيبها مع ذاكرة ذلك الشعر‪،‬‬ ‫وب��ال��ت��ال��ي تجسير ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن الماضي‬ ‫والحاضر‪ ،‬وصوال إلى المستقبل من خالل‬ ‫إدراك لطبيعة العالقة بين الشعر والطفل‪.‬‬ ‫فعندما يدرك الشاعر تلك الصلة الوثيقة‬ ‫بين الطفل واإليقاع‪ ،‬يكون قد أدرك السبيل‬ ‫إلى ذات الطفل‪ ،‬وإلى بناء ذاكرته‪ ،‬وتحفيزها‬ ‫على تشكيل عوالمها الخاصة بها‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل استدراج الذاكرة األولى من ذلك‬ ‫الموروث الشعبي الذي يستجيب له الطفل‬ ‫بكل ح��واس��ه‪ ،‬وم��ش��اع��ره «وبتلك الطريقة‬ ‫تستقبل الطفولة رؤيتها عن العالم الحسي‬ ‫قبل أن يشرح أو يوضح لها‪ ،‬العالم الذي ما‬ ‫يزال في حالة السحر والطفل الذي ال يزال‬ ‫غافيا عن حقائق الحياة‪ ،‬وعلى هذا الجسر‬ ‫من الحلم يعبر الطفل عليه وهو تحت تأثير‬ ‫دوخة الوالدة محاطا بغموضه الذاتي»(‪.)6‬‬ ‫استلهام التراث والذاكرة المتجددة‬

‫ال شك إن النص الشعري هو نص زمني‬ ‫يستدعي حضوره في الحاضر ذاك��رة غير‬ ‫منقطعة‪ ،‬ورؤى ال م��ح��دودة‪ ،‬ليستوي في‬ ‫مقام اإلبداع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كان انتباه القصيدة‬ ‫الحديثة إلى المصادر التراثية واألسطورية‬ ‫وال��ش��ع��ب��ي��ة‪ ،‬ان��ت��ب��اه��ا ل��وج��وده��ا‪ ،‬وخصوبة‬ ‫ل��رؤاه��ا‪ ،‬وه��ذا االنتباه يستدعي حساسية‬ ‫فائقة ف��ي قصيدة الطفل‪ ،‬قصد تشغيل‬ ‫الذاكرة النصية في ذاكرة الطفل؛ وبالتالي‪،‬‬ ‫االتصال به ثقافيا بشكل غير مباشر‪ ،‬ما يتيح‬ ‫لهذا الفعل الثقافي أن يتسق مع إيقاع الطفل‬ ‫وإذا كان الشعر ديوان العرب‪ ،‬وذاكرتهم وحاجاته الثقافية والمعرفية والجمالية‪.‬‬ ‫وقد تنبّه الرواد إلى أهمية هذا التجسير‬ ‫الجمعية ال��ت��ي تحفظ أي��ام��ه��م‪ ،‬وعاداتهم‬ ‫وثقافتهم‪ ،‬وبالتالي تحفظ وج��وده��م‪ ،‬فإن بين ال��ت��راث وح��اج��ات الطفل العربي عبر‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الوسيط الشعري‪ ،‬فكانت الترجمة مصدرا‬ ‫مهما ألدب األطفال في الوطن العربي‪ ،‬منذ‬ ‫أن بدأ هذا األدب بالظهور‪.‬‬ ‫وبتعدد مصادر التراث العربي واإلسالمي‬ ‫واإلنساني‪ ،‬تعددت خيارات الشعراء‪ ،‬وبشكل‬ ‫عام كان استلهام التراث ذلك المعين الذي‬ ‫ال ينضب أم��ام قرائح الشعراء‪ ،‬وذل��ك بما‬ ‫يحمل من ذاكرة تخصب ذاكرة النص‪ ،‬وتصل‬ ‫الطفل بذلك التراث عبر تحيينه وسحبه إلى‬ ‫الزمن المعاصر‪ ..‬محمال بحكمته وما يحمل‬ ‫من رؤى إنسانية تسهم في التأسيس لرؤى‬ ‫ثقافية مستقبلية للطفل العربي‪.‬‬ ‫وألن الشعر ذاك��رة متجددة‪ ،‬والتراث‬ ‫ذاك��رة حية‪ ،‬سيبقى التفاعل مستمرا بين‬ ‫الذاكرتين‪ ،‬بسويات مختلفة وطاقات متفاوتة‬ ‫تتصل بوعي الشاعر وثقافته حينا‪ ،‬وبالوعي‬ ‫العام لثقافة العصر وتطوراته حينا أخر؛‬ ‫ولعل هذا ما دعا بعض الشعراء ألن يعيدوا‬ ‫صياغة بعض الحكايات ال��ت��ي سبق وأن‬

‫نظمها ال��رواد‪ ،‬وذلك بما يتسق وخصائص‬ ‫شعر األطفال وما يتسق أيضا ورؤى الفن‬ ‫الشعري‪ ،‬الذي ال يكتفي بأن يقدم الموعظة‬ ‫واإلرشاد إلى الطفل‪ ،‬وإنما ال بد من الحامل‬ ‫الفني ال��ذي يشفع الموضوع أو المحتوى‬ ‫المعرفي‪ ،‬وبخاصة الجمال الفني‪ ،‬كسمة‬ ‫أساس في الكتابة لألطفال‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫ل��دى الشاعر سليمان العيسى ال��ذي أعاد‬ ‫صياغة أو كتابة تلك القصص التي استلهمها‬ ‫الرواد من قصص الفونتين‪ ،‬وذلك ألن هؤالء‬ ‫الذين ترجموا أو استلهموا تلك القصص كما‬ ‫يرى سليمان العيسى «لم يتركوا لنا شيئا من‬ ‫النبض الشعري في هذه المنظومات؛ فظلت‬ ‫أقرب إلى العجرفة اللغوية والجفاف»(‪.)7‬‬ ‫فالشاعر سليمان العيسى تنبه إلى ذلك‬ ‫س المعرفي والجمالي‪،‬‬ ‫الح ِّ‬ ‫االنسجام بين ِ‬ ‫في قصائده المختلفة والمتنوعة‪ ،‬والتي لم‬ ‫تترك بابا في شعر األطفال إال وطرقته‪..‬‬ ‫لتكون تجربته ال��ري��ادي��ة مختلفة ومتميزة‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪39 )2016‬‬


‫‪40‬‬

‫ف�� ًّن��ا وم��وض��وع��ا‪ ،‬وإح��س��اس��ا‪ ،‬وب��ذل��ك كانت‬ ‫ريادته في الكشف عن كنوز التراث العربي‬ ‫بحس مبصر‪ ،‬وذائقة‬ ‫ٍّ‬ ‫أمام الطفل العربي‪،‬‬ ‫وعين كاشفة‪ ،‬إلع��ادة إنتاج ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫شاعرة‪،‬‬ ‫ال��ت��راث إن��ت��اج��ا يتسق وخصوصية النمو‬ ‫لدى األطفال والمضامين والقيم التربوية‬ ‫السلوكية واألخالقية‪ ،‬مرسخا بفنية متفردة‪،‬‬ ‫ذلك االتصال الجمالي مع التراث‪ ،‬بابتكارات‬ ‫أسلوبية مشحونة بطاقة معرفية وجمالية‪،‬‬ ‫ألن ال��ح��س الجمالي س���واء ب��األس��ل��وب أو‬ ‫باختيار الموضوع‪ ،‬ك��ان أح��د أه��م شواغل‬ ‫ه���ذا ال��ش��اع��ر ال��ط��ف��ل‪ .‬وم���ن ه��ن��ا‪ ،‬كانت‬ ‫القصص ال��ت��ي أع���اد كتابتها أو إنتاجها‬ ‫«قصائد موجزة مركزة للصغار‪ ،‬تشيع فيها‬ ‫الكلمة النابضة والصور الجميلة‪ ،‬والسياق‬ ‫الذي يتحرك بين المتحاورين‪ ،‬والمتحاورون‬ ‫جلهم من الحيوان‪ ،‬فجعل الحوار ينتقل فجأة‬ ‫من المتكلم إلى المخاطب‪ ،‬ومن المخاطب‬ ‫إلى الغائب‪ ،‬ولون األوزان الشعرية‪ ،‬كما لون‬ ‫النغم والموسيقى في الحكاية ال��واح��دة‪،‬‬ ‫لتكون تلك الحكايات قطعًا غنائية‪ ،‬تجتذب‬ ‫الطفل بموسيقاها وبفكرتها وبأسلوب‬ ‫معالجتها‪ ،‬شافعًا ذلك بتشكيل بصري في‬ ‫آخر القصيدة‪ ،‬بأن ذيل كل نص ببيت من‬ ‫الشعر يوجز الحكمة والعبرة من القصة‪،‬‬ ‫ووضعه ضمن مستطيل‪ ،‬لينبه الطفل إلى‬ ‫خصوصية هذا البيت وتشكيله المختلف عن‬ ‫نص الحكاية؛ وبالتالي‪ ،‬يدرب الذاكرة على‬ ‫الحفظ واالستظهار‪ ،‬حيث يمكن للطفل أن‬ ‫يحفظ هذا البيت المفرد‪ ،‬ويمكن أن يحفظ‬ ‫النص‪ ،‬فثمة خيارات وضعها أمام الطفل في‬ ‫عملية تلقي النص وعملية القراءة‪ ،‬ما يشكل‬ ‫حوافز ممتعة للطفل‪ ،‬تحبب إليه القراءة‪،‬‬ ‫وتحبب إل��ي��ه الشعر‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى ترسيخ‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫حس الحكاية وال��ح��وار‪ ،‬وال��ق��رب من عالم‬ ‫الحيوان بألفة بعدما أنسن تلك الحيوانات‪،‬‬ ‫وجعلها تتحدث إلى الطفل بذاتها‪ ،‬وتروي له‬ ‫حكاياتها‪ .‬وبذلك يكون العيسى قد أوضح‬ ‫الخصائص الفنية والموضوعية التي تتسم‬ ‫بها القصة الشعرية‪ ،‬ويتسم بها استلهامه‬ ‫للتراث؛ فثمة انسجام بين خصائص قصيدة‬ ‫الطفل وبين خصائص قصة الطفل‪ ،‬إضافة‬ ‫إل��ى الخصائص العامة ال��ت��ي تخص أدب‬ ‫األطفال‪ ،‬والتي تبرز القيمة الجمالية والفنية‬ ‫متعانقة مع القيمة المضمونية الموضوعاتية‬ ‫والمعرفية‪.‬‬ ‫يقول في قصيدة الصياد والحجل(‪:)8‬‬

‫ج � � ��وع � � ��ان ك� � � � ��ان ال� �ح� �ج ��ل‬ ‫ي� � � �ب� � � �ح � � ��ث ع � � � �م � � � ��ا ي� � ��أك� � ��ل‬ ‫وراح ب � � � �ي � � � ��ن ص � � �خ� � ��رة‬ ‫وع � � � � � �ش � � � � � �ب � � � � � ��ة ي � � �ن � � �ت � � �ق� � ��ل‬ ‫م� � � � � �ب � � � � ��اه� � � � � �ي � � � � ��ا ب � � �س � � �م� � ��ن‬ ‫ب� � � � ��ه ال � � � �ط � � � �ي� � � ��ور ت � �خ � �ج ��ل‬ ‫إلى أن يقع ذلك الحجل في شَ ر َِك الصياد‪،‬‬ ‫ويحاول أن يتخلص من ذلك الشرك مقابل‬ ‫أن يحضر للصياد كل الحجل في المساء إذا‬ ‫أطلق سراحه‪:‬‬

‫ي � � ��ا س � � �ي� � ��دي دع � � �ن� � ��ي أس � ��ر‬ ‫ح � � � � � � � � � � ��را ك � � � � � �م � � � � ��ا أش � � � � � � � ��اء‬ ‫وب� � � � ��ال � � � � �ح � � � � �ج� � � � ��ال ك � �ل � �ه � ��ا‬ ‫آت� � � � �ي � � � ��ك ف � � � � ��ي ال � � �م � � �س� � ��اء‬ ‫لكن الصياد ي��رف��ض ه��ذه الخيانة من‬ ‫الحجل ويجيبه‪:‬‬

‫ي� � � � � � ��ا أردأ ال � � � �ط � � � �ي� � � ��ور‬ ‫ي� � � � � ��ا أس� � � � � � � � � ��وأ ال � � �ح � � �ج � � ��ال‬


‫ال ي � � �س � � �ت � � �ح� � ��ق ال � � � �م � � ��وت‬ ‫ع � � � �ن� � � ��دي ط� � � ��ائ� � � ��ر س � � � ��واك‬ ‫ت� �ب� �ق ��ى إذا ف� � ��ي ق �ب �ض �ت��ي‬ ‫ت � � � �ب � � � �ق� � � ��ى ب � � �ل � � ��ا ح � � � � � � ��راك‬ ‫ثم يذيّل القصة بهذا البيت ال��ذي يذم‬ ‫الخيانة وأن الخائن يلفظه البلد‪:‬‬

‫الخائن ليس له أحد‬ ‫الخائن يلفظه البلد‬ ‫دون أن ينسى إثراء المعجم اللغوي للطفل‬ ‫بأن يقوم بشرح بعض المفردات في الهامش‪،‬‬ ‫ما يجعل النص متكامال معرفيا وجماليا‪،‬‬ ‫وتربويا وسلوكيا‪.‬‬ ‫«لقد أت��ى الشاعر العيسى على معظم‬ ‫ألوان التراث‪ ،‬األدبي والديني واألسطوري‬ ‫والخرافي والبطولي التاريخي‪ ،‬وط��وّع فنه‬ ‫لمتطلّبات التربية‪ ،‬وجسّ د في التراث وسواه‬ ‫مظهراً فنياً من فنون الشعر المعاصر‪ ،‬تجلّى‬ ‫ونشيد‬ ‫ٍ‬ ‫ف��ي التنوّع وال��غ��زارة؛ م��ن قصيدةٍ‬ ‫ومسرحية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تمثيلية‬ ‫ٍ‬ ‫وحوارية‬ ‫ٍ‬ ‫شعرية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحكاية‬ ‫ٍ‬ ‫ففي مجموعة (غ��ن��وا ي��ا أط���ف���ال)‪ ..‬ق��دّم‬ ‫العديد من الشخصيات مثل نشيد «أسامة‬ ‫ابن زيد»‪ ،‬و«السياب يقول لألطفال» و«فنان‬ ‫عظيم يتحدّث إلى الصغار» عن سيرة «سيد‬ ‫درويش» وفنه‪ ،‬و«أبو فراس الحمداني يقدّم‬ ‫سيفه لألطفال»(‪.)9‬‬

‫يقول الشاعر على لسان زهير بن أبي‬ ‫سلمى متوجها إل��ى األط��ف��ال «سجلونا إذا‬ ‫واحفظونا بين دخائركم‪ ،‬فإننا نظل قبساً‬ ‫يضيء الطريق‪ ،‬وزاداً تحتاجون إليه في‬ ‫كفاحكم من أجل األفضل واألجمل في هذه‬ ‫الحياة»(‪ .)11‬ثم يختار بعض أبيات الحكمة‬ ‫من معلقة زهير‪ ،‬وهكذا فعل مع الشعراء‬ ‫اآلخرين الذين اختارهم من عصور مختلفة‪،‬‬ ‫وبذلك يكون قد أ ّث��ث ذاك��رة الطفل بتراث‬ ‫بهذا الشغف االنتقائي الخالق بالتراث‪ ،‬أدب���ي ع��ري��ق‪ ،‬وق���رّب المسافة بينه وبين‬ ‫ك��ان العيسى يشحن ذاك��رة الطفل بذاكرة ماضيه‪ ،‬خاصة وأن السيرة كانت على لسان‬ ‫مضيئة‪ ،‬تشع في ذاته‪ ،‬وتنير له طريقه نحو الشاعر؛ ما يحبب إلى الطفل هذا األسلوب‬ ‫الموجه إليه مباشرة‪.‬‬ ‫المستقبل‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ت � � � � � �ج� � � � � ��ر أص� � � � � � ��دق� � � � � � ��اءك‬ ‫ال � � � �ن� � � ��اج � � � �ي� � � ��ن ل � � �ل � � �ه �ل��اك‬

‫وم��ن أه��م مشاريعه «ش��ع��راؤن��ا يقدمون‬ ‫أنفسهم لألطفال» ال��ذي يقول عنه «ك��ان‬ ‫عمل تناولتُ فيه التراث‪ ،‬وجعلته بين‬ ‫أبرز ٍ‬ ‫أيدي أطفالنا ‪ -‬نثراً ال شعراً ‪ -‬هو كتابي‬ ‫(شعراؤنا يقدّمون أنفسهم لألطفال)‪ ،‬ض ّم‬ ‫الكتاب سبع ًة وعشرين شاعراً‪ ..‬هم أعالم‬ ‫بدقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الشعر العربي في التاريخ‪ .‬انتقيتهم‬ ‫وجعلتهم يقدّمون أنفسهم لألطفال‪ ،‬بلغة‬ ‫العصر ومفاهيمه الحديثة‪ ،‬ثم يتركون بين‬ ‫أيديهم مقطعاً أو مقطعين من شعرهم‪..‬‬ ‫بصراحة‬ ‫ٍ‬ ‫وجعلت األطفال يحاورون التراث‬ ‫وج��رأة‪ .‬دون أن يتخلّوا لحظ ًة عن محبتهم‬ ‫له وتقديرهم إي��اه»(‪ .)10‬وإن كان هذا العمل‬ ‫المهم نثريًا‪ ،‬إال أنه حقق صلة الوصل بين‬ ‫األطفال وبين تاريخهم الشعري العريق‪ ،‬ولم‬ ‫يغفل الشعر داخل النص النثري‪ ،‬وإنما اختار‬ ‫بعض األبيات للشعراء بما يتسق ومنظومة‬ ‫القيم العربية األصيلة‪ ،‬ليكون بذلك قد حقق‬ ‫إث���را ًء ج��دي��دًا ألدب األط��ف��ال‪ ،‬إض��اف��ة إلى‬ ‫اإلثراء الثقافي الذي يقدمه من خالل هذه‬ ‫المختارات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪41 )2016‬‬


‫وال ش��ك‪ ،‬يحتاج ال��وق��وف عند الشاعر‬ ‫العيسى بحث خاص ومطول‪ ،‬وذلك ألنه شاعر‬ ‫شامل في الكتابة لألطفال‪ ،‬س��واء باألغاني‬ ‫واألناشيد‪ ،‬أو بالسيرة النثرية‪ ،‬أو بالقصص‬ ‫وال��ح��ك��اي��ات‪ ..‬واستلهامها م��ن ال��ت��راث‪ ،‬أو‬ ‫ب��اس��ت��ل��ه��ام ال��ب��ط��والت واألم���ج���اد ال��ع��رب��ي��ة‬ ‫بالشخصيات واألحداث‪ ،‬كما قدّم العديد من‬ ‫القصص من التراث الشعبي الشرقي‪ ،‬كما في‬ ‫قصة مصباح عالء الدين وعلي بابا واألربعين‬ ‫حرامي وغيرها‪ .‬ولم يغفل عن أن يقدم سيرته‬ ‫الذاتية شعرا لألطفال‪ ،‬متعالقا م��ع بعض‬ ‫الحوارات النثرية‪ ،‬لتكون سيرة مختلفة يقدم‬ ‫من خاللها الشاعر تجربته الحياتية والفنية‪،‬‬ ‫وهذا ما أكد عليه في الكلمة التي يتوجه فيها‬ ‫إل��ى األط��ف��ال‪ ،‬ويبين أن��ه يقدم لهم تجربته‬ ‫اإلنسانية والفنية والحياتية‪ ،‬وذل��ك ليكتمل‬ ‫إي��ق��اع ه��ذا الشاعر ال��ذي ك��ان بكل م��ا قدم‬ ‫ذاكرة للطفل العربي‪ ،‬ألنه أعاد تخصيبها بكل‬ ‫ما أوت��ي من طاقة فنية خالقة محفزة على‬ ‫الخيال وعلى المعرفة‪ ،‬والسؤال الذي يحفز‬ ‫على ال��ح��وار وال��ت��واص��ل والتلقي واإلص��غ��اء‬ ‫الحقيقي لذات الطفل‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫واستمر هذا الشغف بالتراث مع األجيال‬ ‫الشعرية الالحقة‪ ،‬إال أن ذلك لم يكن بالشغف‬ ‫نفسه والفنية التي اشتغل عليها الشاعر‬ ‫سليمان العيسى‪ ،‬سواء بالتراث الشعبي أو‬ ‫التاريخي‪ ..‬كالشخصيات التاريخية واألدبية‬ ‫والعلمية وغيرها‪ ،‬وال��ت��ي تشكل إض��اءات‬ ‫كاشفة لذلك التاريخ الحضاري الذي ترك‬ ‫أثرًا بارزًا في الحضارة اإلنسانية‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬البدَّ من القول إن بناء الطفل‬ ‫ثقافيا‪ ،‬ليس مهمة فردية تقع على كاهل‬ ‫المبدع فحسب‪ ،‬وكما تقدم وقلنا إن الطفل‬ ‫نصنا الجماعي‪ ،‬ل��ذل��ك يجب أن تتعاون‬ ‫المؤسسات الخاصة والعامة‪ ،‬واألفراد بكافة‬ ‫اتجاهاتهم الثقافية والمعرفية واإلبداعية‪،‬‬ ‫على تحديد منظومة قيم متكاملة يلتزم بها‬ ‫الشعراء والمبدعون‪ ..‬حتى ال تكون القيم‬ ‫عرضة لألهواء الشخصية والفردية‪ ،‬فيقع‬ ‫الطفل في قلق وارتباك بين تلك القيم التي‬ ‫تتبع األف��راد واأله��واء‪ .‬وبذلك يفقد هويته‬ ‫العربية وخصوصيته‪.‬‬

‫* ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬

‫كاتبة من سوريا مقيمة في اإلمارات‪.‬‬ ‫غاستون باشالر ـ مقاالت ـ ترجمة سالم عيد ـ وزارة الثقافة سورية‪ 3006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫د‪ .‬هادي نعمان الهيتي‪ ،‬ثقافة األطفال‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت العدد ‪ 1988 ،123‬م‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫م ن‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫م ن‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫أدب األطفال وثقافتهم قراءة نقدية ‪ -‬د‪ .‬سمر روحي الفيصل ‪http://www.awu-dam.org/book/98/study...‬‬

‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬

‫سيسليا ميرال‪ ،‬مشكالت األدب الطفلي‪ ،‬ترجمة مها عرنوق ـ وزارة الثقافة‪ ،‬سورية‪1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪82‬‬ ‫سليمان العيسى‪ ،‬مازالوا الواحة‪ ،‬دمشق‪1985 ،‬م‪ ،‬الص ‪.48‬‬ ‫م ن ‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫قصـائ ُد األطفال في سُ وريــ َة‪ ،‬من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ‪ 2003 -‬م‪،‬‬ ‫محمَّ ـد قـرانيـا‪َ ،‬‬ ‫ص ‪.66‬‬ ‫م ن‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫سليمان العيسى‪ ،‬كلمات خضر وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬

‫‪.ok98-sd001.htm‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الجوف تراث الواحة العربية‬ ‫برؤية أوروبية‬ ‫قراءة بانورامية في كتاب «الرحالة األوربيون في شمال‬ ‫الجزيرة العربية ‪ -‬منطقة الجوف ‪1922-1845‬م»‬ ‫‪ρρ‬آيات عفيفي*‬

‫ونحن بصدد الحديث عن التاريخ الثقافي للوطن العربي بوجه ع��ام‪ ،‬وشبه‬ ‫الجزيرة العربية بوجه خاص‪ ..‬ال بد لنا من االعتراف بأن الكثير من الدراسات‬ ‫التاريخية التي تناولت تاريخ المنطقة العربية وثقافتها ‪ -‬حتى اآلن ‪ -‬لم تكن‬ ‫بالعمق‪ ،‬وال بالقدر الكافي الذي ُيمَكِّ ن المتخصصين من األكاديميين‪ ،‬وكذلك‬ ‫عامة القراء من المهمومين والمُ هتَمين بالثقافة العربية ‪ -‬على حد سواء ‪ -‬من‬ ‫لب الشخصية العربية وتفاصيلها‪ ،‬تلك الشخصية التي أثرت وتأثرت‬ ‫التعمق في ِّ‬ ‫بالكثير من االتجاهات الثقافية على مدار التاريخ‪ ،‬والتي مرجعها اختالف الثقافة‬ ‫العربية وبيئتها ع��ن ثقاقات ودي��ان��ات وح �ض��ارات الشعوب التي تعاقب أف��راده��ا‬ ‫وحكوماتها على شبه الجزيرة العربية‪ ،‬خالل الحقب التاريخية المختلفة‪.‬‬ ‫وتعد كتابات المؤرخين والجغرافيين‬ ‫والمستشرقين والرحالة ‪-‬قديمًا وحديثًا‬ ‫ من أهم المصادر األدبية التي يُعتمَد‬‫عليها في دراس��ة تاريخ شبه الجزيرة‬ ‫العربية القديم‪ .‬وكباحثة مستقلة في‬ ‫اآلث��ار وال��ت��اري��خ‪ ،‬أود أن أشير إل��ى أن‬ ‫االه��ت��م��ام ب��ه��ذه المنطقة ب��وج��ه ع��ام‪،‬‬

‫تعود إرهاصاته األول��ى لعصور سابقة‬ ‫م��ن ال��ت��اري��خ ال��ق��دي��م ت��رج��ع إل��ى آالف‬ ‫السنين ق‪.‬م‪ ،.‬وأحد أهم األدلة األثرية‬ ‫المُكتشَ فة في شبه الجزيرة العربية ‪-‬‬ ‫وتحديدًا بالمملكة العربية السعودية‬ ‫ التي تؤكد ذل��ك‪ ،‬ه��ي «نقش الملك‬‫رمسيس الثالث المٌكتشَ ف بالقرب من‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪43 )2016‬‬


‫تَيماء»‪ .‬فقد نجح علماء اآلثار السعوديين في المصري رمسيس الثالث في القرن الثاني‬ ‫إجراء حفائر ميدانية‪ ،‬توصلوا من خاللها إلى عشر ق‪.‬م‪ ،.‬إذ ٌع ِث َر على عدد من المناهل في‬ ‫اكتشاف طريق تجاري مباشر‪ ،‬يربط وادي هذا الطريق‪ ،‬تحمل خراطيش «أي توقيعات»‬

‫‪44‬‬

‫النيل بتيماء‪ ،‬كان يُستَخدم في عهد الملك الملك المصري رمسيس الثالث(‪.)1‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫جورج أوغست والن (لوحة زيتية)‬

‫وقد حالفني الحظ كقارئة ومهتمة بالثقافة‬ ‫العربية أن أطّ لِع على أحد المؤلفَات العربية‬ ‫التي صدرت في العام ‪2002‬م‪ ،‬والتي تناولت‬ ‫بالعرض بعض النصوص المترجمة لكتابات‬ ‫ويوميات عدد من الرحالة األوروبيين الذين‬ ‫وفدوا إلى شبه الجزيرة العربية في الفترة‬ ‫(من ‪ 1845‬م الى ‪ 1922‬م) ألسباب مختلفة‬ ‫وم��ت��ع��ددة‪ ،‬بعضها يتعلق ب��إج��راء دراس��ات‬ ‫علمية وط��ب��وغ��راف��ي��ة للمنطقة‪ ،‬والبعض‬ ‫اآلخر له دوافع استخباراتية سياسية‪ .‬هذا‬ ‫الم َؤلَف هو الطبعة الثانية من كتاب «الرحالة‬ ‫األوربيون في شمال الجزيرة العربية‪ ،‬منطقة‬ ‫الجوف ووادي السرحان ‪1922-1845‬م‪،‬‬ ‫نصوص مترجمة» للدكتور ع��وض البادي‬ ‫الصادر (‪1423‬هـ‪2002-‬م)‪ ،‬وهو أحد الكتب‬ ‫التي صدرت في شكل سلسلة من أربعة كتب‬ ‫تناولت ما ج��اء في كتابات ه��ؤالء الرحالة‬ ‫األوروبيين عن تاريخ أجزاء من شبه الجزيرة‬ ‫العربية في الفترة السابقة الذِ كر‪.‬‬ ‫ال‬ ‫تلك اليوميات والكتابات تناولت تفصي ً‬ ‫الوصف الطوبوغرافي والجغرافي للمنطقة‪،‬‬ ‫وأساليب الحكم التي سادت بها جنبا إلى‬ ‫جنب مع وصف سكان شبه الجزيرة العربية‬ ‫وثقافتهم بشكل عام‪ ،‬ووصف بعض القبائل‬ ‫العربية بشكل خاص ‪ -‬مثل قبيلة الرولة ‪-‬‬ ‫بما تحويه تلك الثقافة من عادات وتقاليد‬ ‫وأعراف‪ ،‬وممارسات حيوية يومية‪ ،‬بما في‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫إضافة إلى ما سبق ذكره‪ ،‬فإن االهتمام‬ ‫بشبه الجزيرة العربية ب��ات أكثر وضوحا‬ ‫منذ القرن الخامس ق‪.‬م‪ ،.‬وكان ذلك لعدة‬ ‫أسباب من أهمها فتوحات اإلسكندر األكبر‬ ‫ال��م��ق��دون��ي المترامية األط����راف ال��ت��ي لم‬ ‫يكن لها ح��دود‪ ،‬إذ إن��ه استعد فعليا لغزو‬ ‫المنطقة‪ ،‬ولكن موته المفاجيء بمدينة بابل‬ ‫في ‪ 323‬ق‪.‬م‪ - .‬بعد عودته من آخر حمالته‬ ‫العسكرية ‪ -‬ح��ا َل دون تحقيق ذل��ك‪ .‬ثم ما‬ ‫أعقب ذلك من صراعات عديدة بين الملوك‬ ‫البطالمة في مصر‪ ،‬والممالك الهلينستية‬ ‫األخ����رى ال��ت��ي ت��أس��س��ت ف��ي ب�ل�اد م��ا بين‬ ‫النهرين والشام وفلسطين وج��زء من آسيا‬ ‫الوسطى‪ ،‬ثم من بعدهم األباطرة الرومان(‪،)2‬‬ ‫وما تال ذلك من صراعات خلفاء المسلمين‬ ‫في العصر اإلسالمي وملوك ورؤساء أوروبا‬ ‫في العصر الحديث‪ ،‬من أجل السيطرة على‬

‫مقدرات وخيرات الوطن العربي بوجه عام‪،‬‬ ‫وشبه الجزيرة العربية بوجه خاص‪ ،‬إلى أن‬ ‫تبلّور الوضع في شكله النهائي‪ ،‬وأصبحت‬ ‫شبه الجزيرة العربية تُحكَم بأهلها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪45 )2016‬‬


‫ذل��ك ما يتعلق بالمالبس وع���ادات المأكل‬ ‫والمشرب‪ .‬وهنا ال يمكن إٍ غفَال حقيقة مهمة‬ ‫مفادها أن ه��ؤالء الرحالة والمستشرقين‬ ‫األوروب��ي��ي��ن‪ ،‬رغ��م شغفهم بالحياة العربية‬ ‫من جانب‪ ،‬والمهام المنوطين بتنفيذها من‬ ‫جانب آخ��ر‪ ،‬والتى استدعت إج��راء الكثير‬ ‫من الترتيبات واالستعدادات على المستويين‬ ‫الشخصي وال��ع��ل��م��ي‪ ،‬ت��م��ه��ي��دًا لالنغماس‬ ‫في تلك الثقافة‪ ،‬إال أن ذل��ك لم يمنع من‬ ‫إخفاقهم في فهم بعض األم��ور والتفاصيل‬ ‫المرتبطة بالبيئة والثقافة العربية‪ ،‬والتي‬ ‫من شأنها أن تؤثر تأثيرًا مباشرًا في تكوين‬ ‫الصورة الحقيقية عن المجتمعات العربية‪،‬‬ ‫ومن ثَم تَرّك الحكم على بعض السلوكيات‬ ‫للهوى واالنطباعات التي تُبنَى على التجارب‬ ‫الشخصية‪ ،‬سلبية كانت أم إيجابية‪ ،‬والتي‬ ‫بالقطع تفتقر أحيانًا إل��ى الحيادية بوجه‬ ‫عام‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد كان لمنطقة الجوف نصيبًا ال‬ ‫بأس به من تلك الكتابات واليوميات التي‬ ‫تناولت بالوصف العديد من النقاط المتعلقة‬ ‫بطبوغرافية منطقة الجوف‪ ،‬وكذلك سكانها‬ ‫من البدو والحضر بثقافتهم المحلية‪ ،‬وأيضا‬ ‫األساليب السياسية التي حُ كِ مَت بها منطقة‬ ‫الجوف ووادي السرحان خالل الفترة منذ‬ ‫منتصف القرن الثامن عشر الميالدي‪ ،‬وحتى‬ ‫الربع األول من القرن التاسع عشر الميالدي‬ ‫تقريبًا‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫تشارلز هوبر‬

‫بهما المؤلف د‪ .‬عوض البادي‪ .‬ففكرة الكتاب‬ ‫في حد ذاتها هي بمثابة إعادة اكتشاف جزء‬ ‫من تاريخ شبه الجزيرة العربية المجهول‪،‬‬ ‫م��ن بين س��ط��ور يوميات وك��ت��اب��ات يجهلها‬ ‫عموم الناس في شبه الجزيرة العربية‪ ،‬رغم‬ ‫أنها كانت من األهمية التي جعلتها حديث‬ ‫األوساط العلمية والثقافية في أوروبا لفترة‬ ‫طويلة في ذلك الوقت‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫استمتعت بأسلوب الكتابة ال��ذي لم أشعر‬ ‫معه بالملل‪ ،‬وأنا أتنّقل بين صفحات الكتاب‬ ‫حتى آخرها‪ ،‬كما أعجبت كثيرا بالحيادية‬ ‫التي ظهرت جليّة‪ ،‬إذ ترك المؤلف القارئ‬ ‫وانطباعاته الشخصية التي يكونها من خالل‬ ‫ما يقرأه في تلك اليوميات دونما أي محاولة‬ ‫إلحداث تأثير إيجابي أو سلبي عليه‪ ،‬وهو‬ ‫أمر يُسَّ جَ ل للمؤلف‪.‬‬ ‫الجوف (الجوبة‪/‬دومة الجندل)‬ ‫كما رآها الرحالة‬

‫وقبل البدء في تناول وس��رد ملخص ما‬ ‫اتفقت كتابات الرحالة األوروبيين الذين‬ ‫تعرّض له الكتاب من وصف لمنطقة الجوف‪،‬‬ ‫ال يمكن إغفال المجهود وال��دور الذي قام وف���دوا على منطقة ال��ج��وف ‪ -‬دون سابق‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫اتفاق بينهم‪ -‬على العديد من النقاط التي إلى أساليب الحكم التي سادت في المنطقة‬ ‫تنوعت ما بين وص��ف المكان طبوغرافيًا خ�لال الفترة المعنية‪ .‬تلك النقاط يمكن‬ ‫وتفاصيله الجغرافية‪ ،‬وما تتميز به منطقة إجمالها فيما يأتي‪:‬‬ ‫الجوف عن غيرها من مناطق شبه الجزيرة‬ ‫الموقع الجغرافي والسمات‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬ال��ت��ي م���روا بها خ�لال رحالتهم‬ ‫الطبوغرافية وأهم المحاصيل‬ ‫المختلفة‪ .‬كذلك قاموا بسرد الكثير من‬ ‫المحلية التي‬ ‫ّ‬ ‫الزراعية والصناعات‬ ‫س��م��ات أه���ل منطقة ال���ج���وف‪ ،‬م��ن خ�لال‬ ‫تميزها‬ ‫معايشتهم اليومية أثناء فترة وجودهم في‬ ‫أكدت كتابات الرحالة جميعهم على قِ دَم‬ ‫المنطقة‪ ..‬وتسجيل وتدوين ‪ -‬كتابًة ورسمًا‬ ‫وأحيانا صورًا فوتوغرافية ‪ -‬كل ما رأوه في الموقع الجغرافي لمنطقة الجوف (دوم��ة‬ ‫الحياة اليومية ألهل الجوف؛ كما تطرقوا ال��ج��ن��دل)‪ ،‬إذ أق���روا جميعا أن منخفض‬

‫قصر خزام بدومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫داخل قصر مارد بدومة الجندل (بتلر‪١٩٠٨ ،‬م)‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪47 )2016‬‬


‫رجال من الجوف فوردر ‪1901‬م‬

‫‪48‬‬

‫جف‪،‬‬ ‫الجوف يُحتمل أن يكون بحرًا قديمًا قد َّ‬ ‫أو خليجاً محاطاً بصخور كلسية غمرت‬ ‫المياه أرضها من الشمال في فترات التاريخ‬ ‫السحيق الذى يعود إلى العصر الطباشيرى‪.‬‬ ‫ه��ذا ورغ���م اس��ت��م��رار وج���ود بعض الجدل‬ ‫والكثير من ال��رواي��ات ح��ول تاريخ تأسيس‬ ‫واحة الجوف‪ ،‬إال أن الرحالة (تشارلز هوبر)‬ ‫ذَكر أن واحة الجوف من أقدم الواحات في‬ ‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬استنادًا إلى ما يشير‬ ‫إليه أح��د النصوص اآلش��وري��ة المُكتَشفة‬ ‫ب��وج��ود واح���ة ال��ج��وف ف��ي ال��ق��رن السابع‬ ‫ق‪.‬م‪ .‬تحت اس��م «دوم���ات» (ه��وب��ر‪،)159 ،‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫بينما ذكرها المؤرخ (بطليموس) تحت اسم‬ ‫«دٌوميثة» (هوبر‪ .)159 ،‬ومن المالحظ أن‬ ‫اسمها يتطابق مع الوصف الطبوغرافي لها؛‬ ‫فأرض الوادي بها تأخذ شكل الدائرة شبه‬ ‫المنتظمة المنخفضة‪ ،‬وتحاط من جميع‬ ‫جهاتها بسلسلة جبال «جال الجوف»‪ ،‬حيث‬ ‫ينكسر شكلها الدائري المحيط بالوادي من‬ ‫جهة الغرب بنتوء يرتبط بجبل أصغر‪ ،‬تقع‬ ‫عنده بلدة الجوف نفسها‪ .‬ومن جانب آخر‪..‬‬ ‫فإن موقع الجوف الجغرافي هو بالفعل يمثل‬ ‫قلب منطقة شمالي شبه الجزيرة العربية‬ ‫ومركزها‪.‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وقد أجمع الرحالة كافة على أن واحة‬ ‫الجوف هي األكثر خصوبة ضمن مناطق‬ ‫وأراض����ي شمالي شبه ال��ج��زي��رة العربية‬ ‫وصحراء النفود‪ ،‬إذ إنها تتمتع دون غيرها‬ ‫بمنظر الطبيعة الساحر‪ ،‬حيث البساتين‬ ‫الكثيفة ال��م��زده��رة بالنخيل‪ ،‬وغ��ي��ره من‬ ‫بساتين الفواكه المختلفة وحقولها‪ ،‬والتي‬ ‫تكون للقادم إليها ‪ -‬أي للجوف ‪ -‬بمثابة‬ ‫الجنة التي يعثر عليها المرتحل بعد عناء‬ ‫السفر في قوافل ألميال وأم��ي��ال‪ ،‬انتقاال‬ ‫من مكان ألخر في صحراء منبسطة وغير‬ ‫منبسطة‪ ،‬مليئة بالصخور وال��رم��ال تحت‬ ‫لهيب الشمس الحارق‪ .‬ورغ��م وج��ود بعض‬ ‫القرى األخ��رى القريبة منها‪ ،‬والتي تتمتع‬ ‫ببعض تلك ال��م��م��ي��زات الطبيعية أيضا‪،‬‬ ‫لكنها تظل األكثر تميزًا في ه��ذا الشأن‪.‬‬ ‫تلك الميزة مرجعها توافر المياه في واحة‬ ‫ال��ج��وف‪ ،‬حيث تهطل األم��ط��ار في فصول‬ ‫م��ع��دودة خ�لال ال��ع��ام‪ ،‬ولكنها تكون كافية‬ ‫لملء الكثير من اآلب��ار التي توجد داخل‬ ‫البساتين نفسها‪ ،‬وف��ي مناطق متفرقة‬ ‫خارجها؛ إضافة إلى عدد من ينابيع المياه‬ ‫التي تُغذّي قنوات الري‪ ،‬وتسهم جميعها في‬ ‫ري بساتين النخيل الكثيفة‪ ،‬ومزارع الفواكه‬ ‫والخضراوات بواحة الجوف‪.‬‬

‫أوغ��س��ت) أن أن����واع ت��م��ور واح���ة ال��ج��وف‬ ‫ال تقل عن خمسة عشر نوعً ا من األن��واع‬ ‫الراقية والفاخرة (أوغست‪ ،)37،‬كما ذكرت‬ ‫الليدي (آن بٌلنت) أن تنوّع التمر فى الجوف‬ ‫يضاهي تنوع التفاح في الحقول األوروبية‪،‬‬ ‫وكل صنف مختلف عن اآلخر تمامًا (بلنت‪،‬‬ ‫‪ ،)131‬كما أكد (بلغريف) أنه رغم كوْن تمور‬ ‫الجوف أق��ل ج��ودة مما يُنتج في اإلحساء‬ ‫إال أنها تفوق ما يُنتج فى مصر وإفريقيا‪،‬‬ ‫وكذلك وادي نهر دجلة (بلغريف‪ .)74 ،‬ولنا‬ ‫أن نتخيل ‪ -‬كما ذك��ر الرحالة (جوليوس‬ ‫أوتينغ )‪ -‬أن إنتاج تمر الجوف ك��ان أحد‬ ‫أه��م أس��ب��اب تدفق الضرائب م��ن الجوف‬ ‫إلى مدينة حائل‪ ،‬عندما كانت الجوف تقع‬ ‫ت��ح��ت ح��ك��م ج��ب��ل ش��م��ر‪ .‬ه���ذا إل���ى جانب‬ ‫توافر العديد من أنواع الفواكه التي توجد‬ ‫في واحة الجوف دون غيرها مثل‪ :‬التين‪،‬‬ ‫المشمش‪ ،‬الخوخ‪ ،‬البرتقال‪ ،‬العنب‪ ،‬كذلك‬ ‫يزرع بها البطيخ والقرع والقمح ولكن بنسبة‬ ‫أقل من الفواكه والمحاصيل األخرى‪ .‬فقد‬ ‫ذك��ر الرحالة (جيفورد بلغريف) أن إنتاج‬ ‫بساتين واحة الجوف ‪ -‬في ذلك الوقت ‪-‬‬ ‫فاق ما يُنتَج في جبل شمر ونجد العليا‪ ،‬كما‬ ‫أن إنتاجها من الفواكه السابقة الذِ كر قد‬ ‫فاق من حيث حالوة النكهة وكثرة اإلنتاج‪،‬‬ ‫م��ا تنتجه بساتين دم��ش��ق وج��ب��ال سورية‬ ‫وفلسطين (بلغريف‪.)74،‬‬

‫وقد ذكر الرحالة جميعًا أهم المحاصيل‬ ‫الزراعية التي تميز ال��ج��وف‪ ،‬والتي يأتي‬ ‫على رأس��ه��ا «ال��ت��م��ر» ب��أن��واع��ه المختلفة‪،‬‬ ‫وع��ن��د ال��ح��دي��ث ع��ن أه���م ال��ص��ن��اع��ات‬ ‫والتي اشتهرت بها واحة الجوف بين كافة المحّ لية التي تميزت بها الجوف في ذلك‬ ‫أنواع تمور الجزيرة العربية‪ ،‬بتَميٌز مذاقها ال��وق��ت‪ ،‬فقد وصفت كتابات الرحالة أن‬ ‫وحالوتها وتنوعها‪ .‬فقد ذكر الرحالة (جورج المجتمع المحلي للجوف كان يتميز بإنتاج‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪49 )2016‬‬


‫نساء من دومة الجندل (مرسيل‪١٩١٥ ،‬م)‬

‫‪50‬‬

‫العباءات الخفيفة «المشلح»‪ ،‬والعباءات‬ ‫الصوفية التي كان يُجلب صوفها من مدينة‬ ‫بغداد‪ ،‬وكذلك صناعة العقال‪ .‬تلك العباءات‬ ‫كانت لها س��وق رائ��ج��ة ف��ي ك��ل م��ن بغداد‬ ‫وس��وري��ة وفلسطين‪ ،‬وال��ع��ب��اءات الصوفية‬ ‫خاصة كان يتزايد الطلب عليها داخليًا فى‬ ‫مكة أثناء موسم الحج‪ .‬واشتهرت الجوف‬ ‫أيضا بصناعة حقائب ال��س��روج وأغطية‬ ‫رؤوس ال��ج��م��ال‪ .‬ع�ل�اوة ع��ل��ى ذل���ك‪ ،‬ف��إن‬ ‫هواوين سحن حبات القهوة التى تُصنع فى‬ ‫الجوف قد تمتعت بشهرة خاصة بين غيرها‬ ‫مما ينتج فى مناطق أخ��رى؛ إذ عُ��رف عن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫تلك الهواوين أنها رغم بساطة تصميمها‪،‬‬ ‫إال أنها أنيقة وذات وزن ثقيل نتيجة صنعها‬ ‫من الصخر الرملى األحمر اللون المتوافر‬ ‫محليًا (بٌلنت‪.)132 ،‬‬ ‫وبما أنه فى تلك الفترة لم تكن العملة‬ ‫(النقود) قد عرفت طريقها بعد للجوف‪،‬‬ ‫فقد كان التعامل المادى بها يتم عن طريق‬ ‫المقايضة وتبادل السلع بسلع أخرى خالل‬ ‫ال��ع��ام‪ ،‬وخ��اص��ة ف��ى فترة ال��س��وق المحلية‬ ‫السنوية التي كانت تُعقد بها منذ زمن بعيد‪،‬‬ ‫كما كانوا يحصلون على بعض السلع األخرى‬


‫أساليب الحكم التى سادت الجوف‪،‬‬ ‫والسمات التى يتمتع بها سكانها‬ ‫أجمعت كتابات الرحالة على أن النظام‬ ‫القبلي كان له اليد الطولى فى رسم نظام‬ ‫الحكم فى الجوف وغيرها من مناطق شبه‬ ‫الجزيرة العربية لفترات طويلة‪ ،‬والذى يقوم‬ ‫على التحالفات بين عدد من القبائل ضد‬ ‫غيرها‪ ،‬تَّمثل ف��ى شكل ال��ح��روب األهلية‬ ‫بين قبائل بعض أحياء مدينة الجوف من‬ ‫جانب‪ ،‬وبين بعض تلك القبائل وقبائل بدوية‬ ‫وحضرية أخرى مجاورة‪ ،‬إلى أن تبلور الوضع‬ ‫فى المنطقة كافة‪ ،‬وأصبح الحكم تحت لواء‬ ‫واح���د‪ ،‬منذ إره��اص��ات التأسيس األول��ى‬ ‫للدولة السعودية فى ‪ 1157‬هـ‪1744-‬م‪ ،‬وما‬ ‫تبعها من تطورات سياسية‪ ،‬إلى أن تم توحيد‬ ‫كافة األراض��ي تحت اسم المملكة العربية‬ ‫السعودية (‪ 1351‬هـ‪ 1932-‬م)‪.‬‬

‫تكونت مدينة الجوف من عدد من األحياء‬ ‫السكنية بلغ عددها إثني عشر حيًا فى بعض‬ ‫الفترات‪ ،‬كان أقدمها حي الغرب وحي الدرع‬ ‫(سوق الدرع)‪ ،‬ثم دُمر بعضها أثناء الحروب‬ ‫األهلية ‪ -‬مثل حي الدلهمية الذى دُمر تمامًا‬ ‫فى ‪1838‬م من شيخ شَّ مر‪ -‬فيما بين القبائل‬ ‫أضف إلى ذلك ما تمتع به أهل الجوف‬ ‫فى فترات أخرى‪ ،‬وأ ُعيد بناؤها مرة أخرى م��ن م��واه��ب شعرية‪ ،‬حيث يُعقد م��ن وقت‬ ‫في فترات الحقة‪.‬‬ ‫آلخر مجلس الشعر العربي إلنشاد الشعر‬ ‫أم��ا ع��ن أه��م السمات الشخصية التى واالس��ت��م��اع إل��ي��ه‪ ،‬وك��ذل��ك مناقشة بعض‬ ‫يتمتع بها سكان واح��ة ال��ج��وف م��ن وجهة القضايا األخالقية‪ ،‬وكانت اتجاهات الكثير‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫التى لم تكن موجودة محليًا بنظام المقايضة‬ ‫نفسه م��ن بعض المناطق ال��م��ج��اورة مثل‬ ‫سورية‪.‬‬

‫نظر غالبية الرحالة األوروبيين‪ ،‬فقد أمعن‬ ‫كافة الرحالة النظر والتدقيق في سلوكيات‬ ‫أهل الجوف‪ ،‬وتفاصيل حياتهم اليومية أثناء‬ ‫فترات استضافتهم بها‪ ،‬والتي استخلص‬ ‫الكثير منهم عددًا من المميزات التى يتمتع‬ ‫بها أهل الجوف‪ ،‬وهي أنهم برغم الخصومة‬ ‫التى سادت فيما بينهم لفترات طويلة‪ ،‬إال‬ ‫أنهم ودودون جدًا‪ ،‬خاصة مع الغرباء‪ ،‬مقارنة‬ ‫بغيرهم م��ن قبائل ال��ص��ح��راء‪ ،‬ك��رم��اء فى‬ ‫حياتهم مع جيرانهم‪ ،‬ومخلصون لألصدقاء‬ ‫بشكل ملحوظ‪ ،‬وهم مضيافون لدرجة جعلت‬ ‫الرحالة (بلغريف )‪-‬على سبيل المثال ‪-‬‬ ‫يقول إن��ه بعد وصوله إل��ى الجوف وبداية‬ ‫تأسيسه للمنزل ال���ذى س��وف يقيم فيه‪،‬‬ ‫نصا «لم نكن فى حاجة ماسة لغرفة‬ ‫ذكر ً‬ ‫للمطبخ‪ ،‬ألن دعوات المواطنين الكرماء لنا‬ ‫كانت منتظمة» (بلغريف‪ ،)80 ،‬كان ذلك على‬ ‫مستوى األفراد من أهل الجوف من جانب‪،‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ..‬فقد تمتع بعض القائمين‬ ‫على حكمها بالكثير من الصفات الحميدة‪،‬‬ ‫فقد ذكر الرحالة (سانت جون فيلبي) أن‬ ‫«دوجان» حاكم الجوف من أكثر الشخصيات‬ ‫ج��اذب��ي��ة‪ ،‬ف��ق��د وص��ف��ه ب��أن��ه ك���ان متدينُا‪،‬‬ ‫متساهلاً مع من يعملون معه بشكل فائق‪،‬‬ ‫صريحً ا فى نقده للسياسة غير الحكيمة‬ ‫(فيلبي‪.)493 ،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪51 )2016‬‬


‫من شبابهم نحو تعلم مبادئ الدين وأصول‬ ‫القراءة والكتابة أكثر من غيرهم‪ ،‬وخاصة‬ ‫ف��ى ال��ب��ل��دان ال��خ��اض��ع��ة للحكم ال��ت��رك��ي‪.‬‬ ‫وأضاف الرحالة‪ :‬إن الكثير من أهل الجوف‬ ‫متحضرون بنسبة معقولة‪ ،‬ومهذبون‪ ،‬وعلى‬ ‫ق��در من اللباقة‪ ،‬وبعض الشخصيات بها‬ ‫تتسم باالنفتاح والمرونة مقارنة بغيرها‪.‬‬ ‫ه����ذا‪ ،‬وال يمكنني إغ��ف��ال ذِ ك����ر بعض‬ ‫التفاصيل القليلة ال��ت��ى وردت ع��ن ام��رأة‬ ‫الجوف‪ ،‬والتي كانت ذات مضمون إيجابي ‪-‬‬ ‫وال أدري ربما يكون ذلك بدافع تحيزي لبنات‬ ‫جنسي من النساء ‪ -‬فلقد سعدت عندما‬ ‫وجدت إشارة من أحد الرحالة وهي (الليدى‬ ‫آن بل ُنت) عندما قابلت ‪ -‬أث��ن��اء توجهها‬ ‫وزوجها إلى الجوف ‪ -‬إحدى نساء الجوف‬ ‫التى كانت تقيم مع زوجها فى قرية إثرة‪،‬‬ ‫فقالت الليدى بل ُنت إنها تقابلت مع أم أحد‬ ‫مضيفهم «محمد» وهى السيدة «مرزوقة»‬ ‫ووصفتها بأنها امرأة ذكية وحسنة التربية‬ ‫ومضيافة‪ ،‬ورغم أنها ليست صغيرة سنًا‪ ،‬إال‬ ‫أن وجهها ما يزال يتمتع بجاذبية وجمال‪.‬‬

‫وليم غفورد بلغريف‬

‫تعيدنا إل��ى ت��ص��ور كيف ك��ان��ت ح��ي��اة أهل‬ ‫منطقة الجوف اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيُا‪،‬‬ ‫فى فترة شابها الغموض وقلة المعلومات؛‬ ‫تلك التفاصيل التى يصعب معها إجمال كل‬ ‫وختامًا‪ ،‬ال يسعنى إال أن أقول إن كتاب ما ورد بها في مقال واحد‪ ،‬فهو يحتاج إلى‬ ‫الدكتور عوض البادي جدير بالقراءة‪ ،‬فهو سلسلة من المقاالت لتغطيته بالشكل الذى‬ ‫م��ل��يء بالتفاصيل الشيّقة والكثيرة التى يستحق‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫ * باحثة في اآلثار والتاريخ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬للمزيد من التفاصيل حول “نقش الملك رمسيس الثالث بالقرب من تيماء” وغيره من األثار المكتشفة‬ ‫في أنحاء متفرقة في المملكة العربية السعودية‪ ،‬انظر‪“ :‬االكتشافات األثرية” ببرنامج خادم الحرمين‬ ‫الشريفين للعناية بالتراث الحضاري على موقع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني‪https://scth. :‬‬ ‫‪.gov.sa‬‬ ‫(‪ )2‬عن كيفية ومدى اهتمام اإلسكندر األكبر‪ ،‬وكذلك ملوك البطالمة بشبه الجزيرة العربية وغيرها من‬ ‫بالد العرب‪ ،‬انظر‪ :‬محمد عبدالغني‪ ،‬شبه الجزيرة العربية ومصر والتجارة الشرقية القديمة‪( ،‬المكتب‬ ‫الجامعي الحديث‪ ,‬اإلسكندرية‪1999 ،‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫األرملة الصبية‬ ‫‪ρρ‬سمية البوغافرية*‬

‫لحظات مرت‪ ،‬وهي ال تزال ذاهلة مشدوهة‪ ،‬تضغط على رأسها‪ ،‬تكتم صرختها‪..‬‬ ‫ال يبدو أنها ستفيق قريبا من صعقة خبر صباحها‪ ..‬فقبل أسبوعين‪ ،‬كان يتنطط‬ ‫أمامها كالجدي‪ ..‬شهب الحياة تلتمع في عينيه الغائرتين‪ ..‬لوال اندفاعها لكانت‬ ‫اليوم عروسه ترفل في نعيمه‪..‬‬ ‫راحت تنتفض وتنسلخ من صدمة صباحها‪ ،‬ومن عالم الشيخ عباس بأكمله‪،‬‬ ‫وتمضي إل��ى عملها‪ ..‬لكن حبا ًال من ف��والذ تشدها إل��ى مقعدها‪ ..‬تشل حركتها‬ ‫وتفكيرها إال فيه‪ ..‬مع فتور عميق يلبس كل أطرافها‪ ،‬ويقتل فيها الرغبة في إتمام‬ ‫فطورها‪ ،‬وفي الخروج إلى عملها في متجرها الصغير‪.‬‬ ‫أطياف الشيخ عباس تتدفق عليها من همهمت تخنق صراخا حادا اجتاحها‪ :‬أنا‬ ‫كل زاوية في شقتها الجديدة التي اقتناها لم أسط على أمالكه ولم أنصب عليه‪..‬‬ ‫لها‪ ،‬وأثثها على ذوق���ه‪ ..‬كل قطعة فيها‬ ‫فرشت أمامها كل األوراق تبحث فيها‬ ‫تراها تمسحها يده‪..‬‬ ‫عن كلمة تجرمها وتلصق بها تهمة النصب‬ ‫امتدت يداها إلى آنية جميلة تفيض عليه كما يروّج االبن البكر للشيخ عباس‪..‬‬ ‫ب��زه��ور مختلفة تفتح عليها عينيها كل توقفت عند قولها وه��ي ت��رد على طلبه‬ ‫صباح‪ ..‬هي آخر قطعة تسلمتها منه‪ ..‬وال بفرح جنوني ودالل طافح‪« :‬ال أطمح إلى‬ ‫تزال ترى أصابع الشيخ عباس مرسومة ش��يء غير شقة تأويني‪ ،‬ومحل أسترزق‬ ‫على محيطها‪ ..‬استودعها في يدها قبل منه‪ ،‬ويد تمسح أحزاني‪.»...‬‬ ‫أن يودعها ويمضي‪ ..‬لم تر فيها اليوم‪،‬‬ ‫انتفضت تبرىء نفسها‪:‬‬ ‫غير ورود ت��ذب��ل‪ ،‬وأك��م��ام تكاد تنفجر‪..‬‬ ‫كأنها سطت على حياة الزهرات الذابلة‪..‬‬ ‫كان له أن يرفض ويقوم‪ ..‬وهل كل ما‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪53 )2016‬‬


‫يطلب يستجاب؟!‬ ‫هما لقاءان جمعانا‪ ..‬تآلف قلبانا في اللقاء‬ ‫األول حدَّ التوحّ د‪ ..‬وفي اللقاء الثاني افترق كل‬ ‫راض بقدره‪ ..‬افترقنا إلى األب��د‪..‬‬ ‫واح��د منا ٍ‬ ‫فراق لم يترك ذرة ضغينة في نفسينا‪..‬‬ ‫في اللقاء الثاني واألخ��ي��ر‪ ،‬ال أتذكر غير‬ ‫كلمات الشكر‪ ..‬ذرفها لساني مع كل صعود‬ ‫وهبوط للشيخ عباس من وإلى شقتي في الطابق‬ ‫الثاني‪ ..‬كل كلماته كانت موجهة إلى العمال‬ ‫وهم يرسون األثاث في البيت الجديد‪ ..‬الكلمة‬ ‫الوحيدة التي أتذكرها وأنا أستلم من يديه آنية‬ ‫نباتات الزينة‪“ :‬اسقيها من حين آلخر‪ ،”..‬ثم‬ ‫“أوصيك خيرا بنفسك‬ ‫ِ‬ ‫وهو يودعني أض��اف‪:‬‬ ‫وبشقتك‪ ..‬إياك من الطيش واالندفاع‪.”..‬‬

‫‪54‬‬

‫استغراب واستخفاف أيضا وأنا أتلوى ضحكا‬ ‫في قميصي األخضر الضيق‪ ،‬وسروالي األضيق‬ ‫الذي فرضه عليّ صاحب المقهى‪ ..‬ثم عيرته‬ ‫بالشيب وكِ برِ سنه‪ ..‬فقام يرقص بشكل فاضح‪،‬‬ ‫كأن ذرات الهواء أطياف ح��واء تحوم حوله‪..‬‬ ‫وأن العالم الذي طالما حلم به تحقق لحظتها‪..‬‬ ‫محدقا في عينيّ الخضراوين قائال‪:‬‬ ‫عيناك مرجان أخضر‪ ..‬من خاللهما صرت‬ ‫أرى ن��ور الحياة‪ ..‬قبل‪ ،‬كنت أتمنى أن يكون‬ ‫العالم حولي كله نساء‪ ..‬نساء فقط وأنا وحدي‬ ‫رجل‪ ..‬واآلن أرى فيك كل النساء‪..‬‬

‫س��خ��رت م��ن ص��وت��ه ال���ذي ه��دت��ه الشيشة‬ ‫وال��ش��ي��خ��وخ��ة‪ ..‬رح���ت أم��ض��ي ألرى طلبات‬ ‫اآلخ��ري��ن غير آبهة بمحفظته‪ ..‬قفز أمامي‬ ‫يعترض طريقي كأنه يخشى أن يخطفني منه‬ ‫انتظرته أسبوعين ألريه الزهور الجديدة‪..‬‬ ‫أَحد رواد المقهى منبها إياي‪:‬‬ ‫ألطلعه عن مدى اعتنائي ببيتي وبنباتاتي‪ ..‬ولم‬ ‫نحن الرجال مثل بعضنا‪ ..‬عقولنا أطيار‬ ‫يأت‪ ..‬واليوم تيقنت أنه لن يأتي أبدا‪..‬‬ ‫تهجرنا على الدوام‪ ..‬تحط على الشجرة تعبق‬ ‫وفي اللقاء األول‪ ،‬كانت عالقتي به عادية‬ ‫بروح الثمر‪ ..‬تسرح مع موسيقى العصافير‪..‬‬ ‫ج���دا م��ث��ل ع�لاق��ات��ي ب��س��ائ��ر رواد المقهى‪..‬‬ ‫الشاطر مَن يفوز بالثمرة ويقدر النعمة‪ ..‬وأنا‬ ‫ابتسامة تحتمها الحرفة‪ ،‬فطلب‪ ،‬فجواب‪..‬‬ ‫هنا النعمة كلها متى كنت لي الثمرة كلها‪..‬‬ ‫رغم السر الغامض البارق في عينيه‪ ،‬والذي‬ ‫م���ددت ي���دي‪ ،‬ت��ح��ت إل��ح��اح��ه‪ ،‬إل���ى رزم��ة‬ ‫لم آلفه ممن في سنه‪ ،‬مضيت كعادتي ال ألوي‬ ‫على شيء‪ ..‬أحضرت له فنجان قهوة مع كوب األوراق النقدية التي يرعشها لعيني‪ ..‬دسستها‬ ‫ماء‪ ..‬وضعتهما على مائدته بغنج ودالل أكسر أعلى صدري‪ ..‬ثم تجمدت أمامه ذاهلة أحدق‬ ‫بهما شعاع عينيه الذي توهج أكثر‪ ..‬فقام لتوه باندهاش إلى وجهه النحيف المجعّد‪ ..‬وهو‬ ‫يسحب لي الكرسي المقابل‪ ..‬يدعوني إلى يتلمظ ويبتلع ريقه ك��أن عناقيداً م��ن الجنة‬ ‫مجالسته بنوع من اإللحاح‪ ،‬ويده تخبط المائدة تقطر حبات عنب في فمه‪ ..‬قدماه ترقصان‬ ‫بمحفظة مكتنزة ب���أوراق نقدية وه��و يقول‪ :‬بمرح طفولي‪ ..‬عيناه الغائرتان تنقرآن صدري‬ ‫«اللعنة على األموال واألمالك التي تخزن وورود بنهم‪ ..‬أيقظته بصوت قارص يلفه الضحك‪:‬‬ ‫الحياة يخنقها أكسيد األي��ام‪ ،»..‬شملته بنظرة‬ ‫ما خطبك أيها األشيب مع النساء؟! أتراك‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫أشار لي بأصابعه األربعة بأن في عصمته كان مجرد مطية لستر «العار»‪ ،‬وأني طُ لقت بعد‬ ‫أربع نساء‪..‬‬ ‫شهر‪ ،‬حتى استعاد الشيخ عباس رزانته‪ ..‬وقف‬ ‫إذاً‪ ،‬أن��ت مصاب بسهاف نسائي‪ ..‬إن لم أمامي كالصاحي من خدر عجيب‪ ..‬فصعقني‬ ‫تلتزم بعالج طبي ص��ارم ستلقى حتفك فوق بقوله وهو يمسد لحيته البيضاء الكثة المسدلة‬ ‫أجسادهن‪..‬‬ ‫على صدره‪:‬‬ ‫قاطعني وهو يرعش حاجبيه بمكر وعيناه‬ ‫تلتهماني في خبث‪:‬‬ ‫أشم فيك رائحة الموت ولسانك يهذي بكالم‬ ‫المراهقين‪..‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫لم تتزوج بعد؟!‬

‫يومي‪ ..‬ما أن جاء على لساني زواجي األول الذي‬

‫عباس يحب أن يقطف الثمرة من الشجرة‬ ‫بيده‪ ،‬وأن تنضج بين يديه‪ ..‬إذا حذت قشرة‬ ‫األرض أو المستها ي��د قبله أل��ج��م إل��ي��ه كل‬ ‫خيوله‪..‬‬

‫ستكونين آخر نسوتي‪ ..‬سأدثرك برموش‬ ‫صفعته بخصالت شعري الذهبي‪ ،‬ورحت‬ ‫عيني‪ ..‬سأنعشك بخيرات رب��ي إن استجبت‬ ‫أمضي وأن��ا أخنق دموعي‪ ..‬اعترض طريقي‬ ‫لنداء قلبي‪..‬‬ ‫استل دفتر شيكات م��ن جيبه‪ ..‬م��ده إل��يّ‬ ‫ألمأله‪ ..‬فقلت له وأنا أحك إبهامي بسبابتي‪:‬‬ ‫أنا ال أفهم في الشيكات‪ ..‬أفهم في الملموس‬ ‫فقط‪..‬‬ ‫أش��ي��ري‪ ..‬أؤم���ري‪ ..‬عيوني‪ ،‬مالي‪ ،‬خيولي‬ ‫وراءك كلها تجري‪..‬‬ ‫ال أطمح إلى شيء غير شقة تأويني‪ ،‬ومحل‬ ‫أسترزق منه‪ ،‬ويد تمسح أحزاني‪...‬‬ ‫ال شيء يغلى عليك‪..‬‬

‫قائال لي‪:‬‬

‫لن تمضي إال ويداك مملوءتان‪..‬‬ ‫دس في يدي ما كان في جيبه‪ ،‬وضرب لي‬ ‫َّ‬ ‫موعدا في مكتب العقارات‪ ..‬من يوم غنيمتي‬ ‫التي مر عليها أسبوعان‪ ،‬لم أر للشيخ عباس‬ ‫ظال‪ ،‬ولم أسمع عنه خبرا غير اليوم‪..‬‬ ‫حكّت عينيها لتعيد إليهما البصر ال��ذي‬ ‫خطفته منه ذك��ري��ات أش��ب��ه بحلم خ��اط��ف‪..‬‬ ‫فتحتهما ضائقة على ال��ج��ري��دة النائمة في‬

‫رفرف قلبي فرحا‪ ..‬ارتميت على الكرسي‬ ‫أمامه وجها لوجه‪ ..‬باندفاع طفولي‪ ،‬بسطت ي��ده��ا‪ ..‬ق��رأت ب��ذات ال��ذه��ول األول‪ :‬الشيخ‬ ‫على مائدته ماضيَ حاضري ومأساتي التي عباس مات مخنوقا في ليلة دخلته على صبية‬ ‫قذفتني في أحضان المقاهي أسعى وراء قوت في الخامسة عشرة من عمرها‪.‬‬ ‫ * قاصة من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪55 )2016‬‬


‫االنتظار‬ ‫‪ρρ‬آمال الشاذلي*‬

‫بصوت تحدوه اللهفة‪ ،‬أس��أل أمي مع اإلطاللة األول��ى لكل صباح‪ :‬هل جدتي‬ ‫ماتت؟‬ ‫تجيبني بصوت مرتعش النبرات متآكل الحروف‪ :‬جدتك‪ ..‬ستشيعنا جميعاً!‬ ‫ذات م��رة سمعتني جدتي‪ ،‬نادتني بصوت واه��ن‪ ،‬وب�ح��ذر‪ ..‬اقتربت من فراشها‬ ‫الذي تفوح منه رائحة غامضة‪ ،‬ال أعرف مبعثها‪ ..‬ربما الزيت الذي تدلك به فروة‬ ‫رأسها الملتهبة دوماً‪ ،‬أو المرهم الذي تدلك به ساقيها‪ .‬تخفيفا آلالم الروماتزم‪،‬‬ ‫سألتني بوجه يقطر حزناً‪:‬‬ ‫ ‬‫ ‬

‫ ‬‫ ‬

‫لماذا تتعجلين موتي؟!‬ ‫ هرعت بها إلى عم «مبروك» الملقب‬ ‫بمقاول البنات‪ ،‬جابت عيناي األغلفة‬ ‫دسّ ��ت يدها النحيلة البيضاء تحت‬ ‫ال��ب��راق��ة ال��م��رص��وص��ة بعناية خلف‬ ‫ال إلى اليمين‬ ‫وسادتها‪ ،‬تُحركها قلي ً‬ ‫الزجاج المغبش‪ ،‬بينما هو يرتشف‬ ‫ثم ناحية اليسار‪ ،‬حتى اصطدمت‬ ‫ب��ص��وت يشبه شخير أب��ي م��ن كوب‬ ‫أناملها بقطعة معدنية لوَّحتْ لي بها‪..‬‬ ‫ش��اي يتصاعد منه ال��دخ��ان‪ ،‬كأنه‬ ‫هذه لك؛ إذا أجبتِني بصراحة‪.‬‬ ‫ثعبان يتلوى في الفضاء بعدما أفلت‬ ‫تهللت أساريري‪ ،‬وببراءة وقسوةٍ قلت‪:‬‬ ‫من قبضة األسر‪.‬‬ ‫ألن أمي سوف تصن ُع لي عرائس من ت��ف��ح��ص ج���س���دي ال��ه��زي��ل بعينيه‬ ‫ثيابك‪..‬‬ ‫الضيقتين‪ ،‬ناولتُه القطعة المعدنية‪،‬‬

‫ اع��ت��ص��رت عينيها‪ ..‬ل��ك��ن عبثا أن‬ ‫تجود بالدمع‪ ،‬ازدادت تعاريج وجهها‬ ‫وأخاديده عُمقا‪ ..‬لكن هيهات أن يحُ دَّ‬ ‫شيء من فرحتي بالقطعة المعدنية‬ ‫التي س��رع��ان م��ا قَ��بَ��ع��تْ ف��ي قبضة‬ ‫يدي‪..‬‬ ‫ ‪ -‬عندك كم سنة؟‬

‫ألقاها في وع��اء بالستيكي اختفى‬ ‫لونه تحت طبقة من األتربة اللزجة‪،‬‬ ‫التقط من برطمان زجاجي «حبّتيْ‬ ‫كرملة» بدتا ضئيلتين في كفه الضخم‬ ‫الممتلئ‪ ،‬ثم راح يمطرني باألسئلة‪..‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ ‬‫ ‬

‫ ‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫أخذ عم «رمضان» جميلة وعزيزة إلى مصر‪،‬‬ ‫في سنة كام؟‬ ‫حيث يذهب أب��ي لزيارتهما كل شهر‪ ،‬يعود‬ ‫بنت من؟‬ ‫من عندهن مبهوراً مما ترويانه عن العائالت‬ ‫تحبي تروحي مصر؟‬ ‫التي يعملن لديها‪ ..‬أصناف الطعام‪ ..‬الملبس‬ ‫سأحدث أبيك بعد صالة الجمعة‪...‬‬ ‫الفاخر‪ ..‬الحمامات البراقة‪ ..‬البسط النفيسة‪،‬‬ ‫عندما ع��دت إل��ى ال��م��ن��زل‪ ..‬وج��دت أبي النجف‪ ،‬كل مرة يعود أبي لنا بحكايات تثير في‬ ‫يجلس القرفصاء دافساً وجهه بين كفيه‪ ،‬نفسي الحنين إلى بيوت مصر‪..‬‬ ‫التف حوله عدد من الجيران قد بدا‬ ‫وقد ّ‬ ‫بعد أن دفعتهما إلى فراشهما‪ ..‬طرحت‬ ‫عليهم ال��ح��زن‪ ..‬هرعت إل��ى غرفة أمي‪،‬‬ ‫عليهما البطانية الناعمة التي أحضرتها لنا‬ ‫وجدتها منكبة على عقدة صرة مالبسها‬ ‫عزيزة من مصر في إحدى زياراتها‪ ،‬تبوأت‬ ‫السوداء التي اعتادت إخراجها كلما ترامى‬ ‫األري��ك��ة ذات ال��ت��ج��وي��ف ال��س��ح��ري‪ ،‬وال��ت��ي‬ ‫إلينا نبأ موت أحد األقارب أو الجيران‪..‬‬ ‫تشعرني بأنني أجلس على قمة ع��الَ ٍ��م من‬ ‫بادرتني دون أن أسألها‪:‬‬ ‫األس��رار‪ ...‬فهنا تكمن األشياء البراقة التي‬ ‫جدتك ماتت‪..‬‬ ‫تحملها جميلة وع��زي��زة‪ ..‬وهنا ترقد النقود‬

‫التي يأخذها أبي من عم «رمضان» كل شهر‪،‬‬ ‫ ستصنعين لي عرائس‪ ،‬قلتها مبتهجة‪..‬‬‫عقد ملكية البيت‪ ..‬كونتراتو النور‪ ...‬قسيمة‬ ‫ ضاع سؤالي وسط نحيب العمات الالتي‬ ‫زواج أبي وأم��ي‪ ..‬شهادات ميالدنا‪ ..‬شهادة‬ ‫أخذن يتوافدن واحد ًة تلو األخرى‪ ،‬وبمجرد‬ ‫وفاة جدي‪.‬‬ ‫أن تطأ أقدامهن عتبة المنزل‪ ..‬يأخذن في‬ ‫مع ب��زوغ شمس اليوم التالي‪ ،‬تكومت أنا‬ ‫النحيب والصياح‪ ،‬كأنهن يمارسن طقوساً‬ ‫لطرد شبحِ الموت عنهن‪ ،‬رغم عزوفهن عن وشقيقيّ في الغرفة‪ ،‬لم نبرحها كما أوصت‬ ‫زيارتها في الشهور األخيرة‪ ،‬تجامل ُهن أمي أم��ي‪ ..‬إلى أن هبت العمات مرة واح��دة في‬ ‫نوبة صياح ونحيب عارمة إثر خروج جثمان‬ ‫بالصياح والنحيب‪..‬‬ ‫جدتي من غرفتها مغطى «بكوفرته» خضراء‪،‬‬ ‫غ��ص المنزل ب��األق��ارب وال��ج��ي��ران خالل‬ ‫محموالً على لوح خشبي سبق وأن شاهدته‬ ‫وقت قصير‪.‬‬ ‫مرات عديدة على أكتاف الرجال في طريقهم‬ ‫توافدت صواني األطعمة‪ ..‬الرجال يحثون إلى المدافن‪..‬‬ ‫أب��ي على األك���ل‪ ،‬بينما النسوة انهمكن في‬ ‫هرعت إلى غرفتها‪ ،‬تسمرت قدمي على‬ ‫الحكاوي والطعام!‬ ‫عتبتها‪ ،‬كأن قوة خفية تصدني عن التقدم‪،‬‬ ‫أخ��ذت شقيقيّ اللذين يصغراني بعامين بينما ثمة ام��رأة منحنية كالعرجون‪ ،‬داكنة‬ ‫وثالثة ‪ -‬كما أمرتني أمي‪ -‬بعد أن أعددت البشرة تلتقط بهمة ثياب جدتي‪ ،‬صرتها في‬ ‫لهما فراش النوم‪ ..‬فأنا اآلن األكبر‪ ،‬بعد أن بقجة‪ ،‬تأبطتها ومضت‪.‬‬ ‫ * قاصة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪57 )2016‬‬


‫القضية‬

‫‪ρρ‬فهد املصبح*‬

‫قبيل الفجر‪ ،‬كان صالح يغط في نوم عميق بعد ليلة مؤرقة‪ ..‬ساعة المنبه تمزق صمت‬ ‫َوي متخاذل‪ ،‬كأن النعاس امتد إليها‪.‬‬ ‫الليل بِ د ٍّ‬ ‫كثر تفكير صالح في هذه األي��ام وتغير حاله‪ ،‬تضاعفت آماله‪ ،‬زوجته انكمشت مبتعدة‬ ‫عنه‪ ،‬فلزمه أن يمد يده ليسكت هذا المزعج‪ ،‬وما إن سحبها إليه‪ ،‬وعاد الصمت من جديد إال‬ ‫وشعر أن نومه قد تبدد‪ ،‬وأخذت طالئع من سحب التفكير تغزو رأسه‪ ،‬ترك فراشه بتكاسل‪،‬‬ ‫وجر قدميه جرً ا إلى دورة المياه‪ ..‬توضأ لصالة الفجر‪ ..‬تمنى غياب إمامهم؛ فهو يطيل‬ ‫القراءة‪ ،‬وكما ذهب عاد‪ ،‬لم ينشط فيه شيء‪.‬‬ ‫اعتاد صالح قبل ذهابه إلى عمله أن يسمع أخبار‬ ‫العالم من المذياع‪ ،‬حرك مؤشره إلى محطة يفضل‬ ‫سماعها‪ ،‬ومن أول كلمة تلقاها من المذياع جعلته‬ ‫يتحفز لسماع المزيد‪ ،‬ط��رح النعاس عنه جانبًا‪،‬‬ ‫وأقبل بكل حواسه على المذياع‪ ،‬األخبار تتوالى‬ ‫تباعً ا مفعمة باإلثارة‪« :‬الفلسطينيون يعودون إلى‬ ‫بالدهم بعد ط��رد آخ��ر صهيوني عنها‪ ..‬إسرائيل‬ ‫تحتج لدى األمم المتحدة على تصرف الفلسطينيين‬ ‫معهم‪ ..‬ال��دول العربية تجمع على تحكيم الكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬وإلغاء جميع األحكام الوضعية‪ ،‬ثم ينقطع‬ ‫البث ويتحدث مذيع آخ��ر مستميحً ا المستمعين‬ ‫العذر إرجاء األخبار‪ ،‬لرفع آذان الفجر من القدس‬ ‫الشريف»‪.‬‬

‫سكان أمريكا إسالمهم‪ ،‬والحكومة تعدهم بمقاعد‬ ‫في الكونجرس‪ ،‬بدء الزيارة إلى القدس الشريف من‬ ‫الدول العربية بعد التحرير‪ ،‬وأخذت األخبار تتدفق‬ ‫نحوه‪ ،‬من الدولة إلى المدينة إلى الحارة‪ ،‬وها هي‬ ‫تتركز على منزله‪ ،‬اسمه يعلن في المذياع ألول مرة‪،‬‬ ‫حيث كان على رأس المسافرين إلى فلسطين‪ ،‬فرك‬ ‫عينيه بيديه‪ ،‬ثم فتحهما جيدًا‪ ،‬فوجد أمامه رجاالً‬ ‫غرباء أحاطوا به‪ ،‬وبمعاملة تفيض رقة أدخلوه مكانًا‬ ‫فسيحً ا فيه خلق كثير‪ ،‬ال بد أنها إجراءات السفر‪،‬‬ ‫وه���ؤالء ه��م المسافرون بصحبته‪ ،‬نظراتهم إليه‬ ‫جعلته يسرد قصته عليهم دون أن يطلبوا منه ذلك‪،‬‬ ‫سألوه عن اسمه‪ ،‬فأجاب بتلعثم‪:‬‬ ‫صالح‪.‬‬

‫ال ال‪ ..‬ال بد أنه يحلم‪ ،‬ضرب رأسه بيده‪ ،‬وتوجّ ه‬ ‫إل��ى غرفة ن��وم��ه‪ ،‬وج��د السكون ش��اه��دًا على أنه‬ ‫أنت‪ ،‬إذاً‪ ،‬قائدنا المظفر‪.‬‬ ‫الوحيد اليقظ في المنزل‪ ،‬إنه وال شك ال يحلم؛‬ ‫ال في النوم وال في اليقظة‪ ،‬وعاد مع انتهاء اآلذان‪،‬‬ ‫حملوه على األعناق‪ ،‬تعالى الهتاف‪ ،‬استب َّد به‬ ‫وب��دأت األخبار تتواصل‪« :‬البنوك العالمية تُمنى الحماس‪ ،‬نظر حوله‪ ،‬تحركت يده إلى جيبه‪ ،‬امتشق‬ ‫بهزيمة ساحقة أمام المصارف اإلسالمية‪ ،‬سقوط قلمه ملوحً ا به في الهواء‪ ،‬وهو يصيح بأعلى صوته‪:‬‬ ‫السلطة األوروبية في جنوب أفريقيا‪ ،‬إشهار آالف من‬ ‫إلى بيت المقدس يا جند اهلل‪.‬‬ ‫اندفعوا إليه بهياج صاخب قائلين‪:‬‬

‫‪58‬‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫(قصة من الفيتنام)‬

‫‪ρρ‬ترجمة سعيد بوكرامي**‬

‫في قديم الزمان‪ ،‬كان اإلنسان عندما يريد أن يقود ثورًا إلى الحقول‪ ،‬فإنه يسحبه بحبل‬ ‫من قرنيه‪ .‬ولم تكن هذه المهمة سهلة دائما؛ ألن الحيوان كان غالبا ما يذهب حيثما يريد‪.‬‬ ‫في أحد األيام‪ ،‬انبثقت من عقل فالح فكرة‪ ،‬فوضع‬ ‫حلقة حديدية في أنف الثور ثم ربطها بحبل‪ .‬ومنذ‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬انقاد الثور للرجل‪ ،‬بطاعة تامة‪ ،‬وساعده‬ ‫في الزراعة كثيرا‪.‬‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬أص��ب��ح أليفًا إل��ى درج���ة أن تعهده في‬ ‫الحقول كان يمكن أن يتكفل به األطفال وحدهم‪.‬‬

‫في أحد األي��ام‪ ،‬وبعد صبيحة من الحرث‪ ،‬ترك‬ ‫حارس صغير ثوره يرعى بهدوء على طرف الغابة‪.‬‬ ‫فجأة ظهر نمر‪ ،‬في ذلك الحين‪ ،‬لم تكن فروته‬ ‫الصفراء الرائعة مخططة بخطوط سوداء‪.‬‬

‫اندهش الحيوان الجبار من طاعة الثور القوي‬ ‫للطفل؛ علما أن النمر نفسه يخاف الثور خوفا شديدا‪.‬‬ ‫فسأله‪:‬‬

‫أيها الثور لماذا تطيع هذا اإلنسان الهش وأنت من‬ ‫يملك قوة تماثل قوتي؟‬ ‫رد عليه الثور قائال‪:‬‬

‫الفتى ضعيف جسديا‪ ،‬لكن ذكاءه أقوى بكثير من‬ ‫قرنيّ ومخالبك!‬ ‫اندهش النمر‪ ،‬فتوجه نحو الطفل متسائال‪:‬‬

‫قل أيها الفتى‪ ،‬أين هو هذا «الذكاء» الذي يرعب‬ ‫الثور القوي كثيرا؟‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫الطفل والثور والنمر‬

‫*‬

‫رد عليه الحارس الصغير دون أن يرف له جفن‪:‬‬ ‫سيدي النمر‪ ،‬لم أحضر معي اليوم ذكائي‪ ،‬تركته‬ ‫في البيت‪.‬‬ ‫فاقترح عليه النمر‪:‬‬ ‫إذاً‪ ،‬اذهب إلحضاره كي أتعرف عليه‪.‬‬ ‫لكنك ستستغل غيابي فتلتهم ثوري! فإذا قبلت أن‬ ‫أقيَّدك‪ ،‬سأذهب إلحضار ذكائي وأطلعك عليه‪.‬‬ ‫تردد النمر قليال‪ ،‬لكن فضوله دفعه لقبول االقتراح‪.‬‬ ‫طلب الطفل من النمر أن يتمدد لصق جذع شجرة‬ ‫قوية‪ ،‬فأخذ حبال طويال وشد وثاقه جيدا‪ ،‬وبمجرد‬ ‫انتهائه تناول هراوة كبيرة وبدأ يضرب النمر صائحا‪:‬‬ ‫خذ هذا ذكائي‪ ،‬تأمله جيدا‪ ،‬عن قرب!‬ ‫وعلى وقع الضربات القوية أخذ النمر يقاوم متألما‬ ‫وغاضبا‪ .‬كان صراعه عنيفا إلى درج��ة أن احتكاك‬ ‫فروته بالحبل تسببت له بحروق بليغة‪ .‬منذ ذلك اليوم‪،‬‬ ‫ظهرت للنمور خطوط سوداء فوق جلودها الصفراء‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬تمكن النمر من تحرير نفسه وركض هاربا‪.‬‬ ‫أما الثور الذي حضر المشهد‪ ،‬فكان يضحك وهو يهز‬ ‫رأس��ه الثقيلة بقوة حتى إن��ه ص��دم فكه مع األرض‪،‬‬ ‫فانكسرت أسنانه‪.‬‬ ‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬ما عاد الثور يملك أسنانا في فكه‬ ‫العلوي‪.‬‬

‫* حكايات من آسيا صدرت عام ‪2001‬م عن دار سوي الفرنسية للكاتب الفرنسي هنري غوغو‪.‬‬ ‫** كاتب ومترجم من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪59 )2016‬‬


‫ِحي َلة‬ ‫‪ρρ‬سمر الزعبي*‬

‫قبل أن يغس َل وجهه كلّ صباح‪ ،‬يرشف من فنجان قهوة بائت‪ ،‬ثمّ يتفقّ د صندوق‬ ‫حاضرات إال هي‪ ،‬ولم يراسل‬ ‫ٌ‬ ‫الرسائل‪ ،‬فيجده مكتظ ًا بمحادثات جافة‪ .‬الكثيرات‬ ‫الصدى‪ ،‬تقارع الفشل‪.‬‬ ‫سواها‪ ،‬يتضح له أن الرسائل مقروءة‪ ،‬خاوية ّ‬ ‫يجاملهنَّ ‪ ..‬بعدما أضر َم الشوق في يلقي التحيّة على أهل البيت‪ ،‬يتجهّم‬ ‫ص��دوره��نّ ذات ل��ه��و‪ ،‬ث�� ّم يمضي إلى البتسامةِ البوّاب‪ ،‬يقود سيارته منشغ َل‬

‫تصفّح الفيس بوك‪ ،‬يغتس ُل بنور وجهها‪ ،‬الفكر‪ ،‬وغالباً ما يشت ُم السائقين‪.‬‬ ‫المط ّل من صورتها الشخصيّة‪ ،‬يمرّر‬

‫يختلف مع زمالئه‪ ،‬فيطلبه المدير‬

‫إصبعه على شعرها األس��ود الثرثار‪ ،‬منبّهاً‪ ،‬يجمع أغ��راض��ه وي��غ��ادر‪ ،‬فيما‬ ‫يداعب خدّيها‪ ،‬ث ّم يقبلها‪..‬‬ ‫يتهامسون‪ ،‬يستأنف عمله من البيت‬ ‫يقرأ الحال َة الجديدة التي نشرتها‪ ،‬أحياناً‪ ،‬ما دام مرتبطاً بـ «اإليميل» أو‬ ‫الحظ سعادتها‪ ،‬أو يتعكّر «الفيس» ال ضير‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يبدأ ُ تفاؤالً إن‬

‫‪60‬‬

‫لمس ح��زن��اً ق��د طالَها‪ .‬ال‬ ‫َ‬ ‫م��زاج��ه إن‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫زميله مِ ��ن على المكتب المجاور‬


‫صعبة‪ ،‬وزميلته التي تجلس قُبالته تؤكّد على وبعثَ ُه إليها‪ ،‬صفقت على أنامله األب��وابَ‬ ‫امتص ألمها‪ ،‬وعاد يجت ّر الخيبة‬ ‫ّ‬ ‫أنّه مجنون‪ ،‬المدير يعتبره مزاج ّياً وال ب ّد من غير عابئة‪،‬‬ ‫بكف‬ ‫حل‪ ،‬فيضرب زجا َج مكتبه واس َع المدى ِّ‬ ‫ُغاض ٍب‪ ،‬أمّا الزميلة التي ينحسر مكتبها‬ ‫م ِ‬ ‫الصغير بين الباب و«الكولر» فتلتمس له‬ ‫عذراً من باب القلب‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫يتعاطف معه‪ ،‬ويفترض أن��ه يم ّر بظروف لكنّه ض��رَب على أ ُذن��ي��ه‪ ،‬قطف منه ال��وردَ‪،‬‬

‫أسفاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫باقات الورد ذبُلت‪ ،‬وتساقطت بتالته في‬ ‫مربّع صندوق الرسالة‪ ،‬تكوّمت على ضلعه‬

‫ي��ض��ح��ك��ون‪ ،‬وي��س��ت��ب��ع��دون ال��ح��ال�� َة عن السفلي‪ ،‬وانطبقت بقيّة األض�لاع فوقها‪،‬‬ ‫أذهانهم‪ ،‬فهو من علّق غدير ومها ث ّم اختفى‪ ،‬حتى حُ بِست األنفاس‪ ،‬جفّتْ ‪ ،‬وتفتّتت‪ ،‬ث ّم‬

‫بعالقة أقامها م��ع صديقتها‪ ،‬انسابت من شاشة الهاتف خريفاً مأل َ كفّه‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫خ��دع رزان‬ ‫فكرهتاه االثنتان‪ ،‬أحبّته جلّنار‪ ،‬فتكسّ ر قلبها مبهوراً تأمّلهُ‪ ،‬محزوناً نفضه عن يده‪.‬‬ ‫بعزف منفرد‪ ،‬و‪ ..‬و‪ ...‬و‪..‬‬ ‫مصادفة‪ ،‬لم يكن بمستطاعه إخفاء‬ ‫ٍ‬ ‫وذات‬ ‫طال به السّ هر‪ ،‬وتكرّر تأخره عن موعد باقة الورد لمّا فُتح له الباب‪ ،‬إال أنّها كانت‬ ‫ُف تركيزه‪ ،‬كثرت أخطاؤه‪ ،‬وع ِل َق‬ ‫ضع َ‬ ‫الدوام‪َ ،‬‬

‫سهو بين معامالتهم‪،‬‬ ‫بين العمالء‪ ،‬با َد َل في ٍ‬ ‫وكبّد الشركة خسار ًة ال تُغتفر‪ ،‬فطُ رد‪.‬‬ ‫رغم ذلك يرسل باقات الورد ك ّل صباح‪،‬‬ ‫وال ترويه بردّ‪ ،‬يكتب أبيات الشعر باختيارات‬

‫ظن جعل أصحاب البيت يرحّ بون‬ ‫سبباً في ٍ‬ ‫بدخوله‪ ،‬على أنه أحد المدعوّين إلى مناسبة‬ ‫عائلية رزينة االحتفال‪.‬‬ ‫أنفاس ال��ورد‪ ،‬فالحبيبة مُحتفى‬ ‫ُ‬ ‫شهقت‬

‫محادثة بها‪ ،‬والخطيبُ يُلبِسها الدّبلةَ‪ ،‬بينما غدي ٌر‬ ‫ٍ‬ ‫موفّقة التعبير‪ ..‬وال يوقفه صندو ُق‬ ‫ال وار َد فيها‪.‬‬

‫ومها‪ ..‬رزان وصديقتها‪ ،‬و‪ ..‬و‪ ..‬يشارِ ْكنَها‬

‫بعين طوت الحز َن تحتَ‬ ‫العائلة تحيطه لوماً‪ ،‬أ ْن منذ أحبّ ‪ ،‬خسر فرحاً‪ ،‬وجلّنار ترمق ُه ٍ‬ ‫تفاصيل َه‪ ،‬وتماهى وجهُه في رائحة التراب‪ ،‬رموشها‪.‬‬ ‫ * قاصة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪61 )2016‬‬


‫الناي يغري بالحزن‬ ‫‪ρρ‬أحمد قران الزهراني*‬

‫‪-1-‬‬

‫بيني وبين الظلّ نافذ ٌة وباب‪.‬‬ ‫الشك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بيني وبين اسمي احتمالُ‬ ‫موسوس من ذاته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خوف‬ ‫ُ‬ ‫الطفل اليتيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وتلعثمُ‬ ‫وعزف ناي موقن بالحزن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫موت معلنٌ ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يؤسس للغياب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قد ٌر‬ ‫‪-2-‬‬

‫أنا لم أعدْ قيثار َة النائي‪،‬‬ ‫وال صوتَ الضميرِ ‪،‬‬ ‫ولست ربَّ العاشقين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫األرض متسعٌ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وليس لي في‬ ‫الغريب بغربتي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولن يرضى‬ ‫ما كلّ هذا الهم يطردني من المرآة‪،‬‬ ‫ال وجهي كما وجهي‪،‬‬ ‫وال عيناي دربُ العابرين‪،‬‬ ‫وال أنا في اللوحةِ الخرساءِ لونُ غامض‪،‬‬ ‫فأنا هالمي كعطرِ الورد‪،‬‬ ‫كحرف شذّ عن أقرانه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معتلٌ‬ ‫وأنا الكتابةُ والكتاب‪.‬‬ ‫‪-3-‬‬

‫في الطورِ أحجيةٌ تؤنبني‪،‬‬ ‫ثابت في الالحقيقة‪،‬‬ ‫وقولٌ ٌ‬ ‫المجهول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ليس لي إال اتساع دوائرِ‬ ‫ال أحصي خطايا المتعبين‪،‬‬ ‫تفاصيل الحكايةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ولن أبالغ في‬ ‫‪62‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ال المغامر مانحي ظال‪،‬‬ ‫كاتب عن كلِّ ما يعني ضميري‪،‬‬ ‫وال أنا ٌ‬ ‫لست وحدي كامنًا في الوقت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بعض الضوءِ يخفي عل َة األشياءِ ‪،‬‬ ‫يمنح وجهها المعنى المرادف‪،‬‬ ‫لست وحدي ها هنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بالقسط أحكمُ بين غاياتي الخبيئة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال أنا ماءٌ وال ظلي تراب‪.‬‬ ‫‪-4-‬‬

‫أنا المتيمُ بالحكايا النرجسية‪،‬‬ ‫بالهوى‪،‬‬ ‫باللهو‪،‬‬ ‫المؤسس للقصيدةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالقول‬ ‫ِ‬ ‫ال تساورني ظنوني‪،‬‬ ‫العشاق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مغرمٌ بالتيه دون حماقةِ‬ ‫دون تمازجِ األضدادِ ‪،‬‬ ‫ال أحكي سوى ما ينبغي للح ِّر أن يفضي‪،‬‬ ‫للغيب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حديثي لحظةٌ‬ ‫صمتي موجعٌ من حيث ال أدري‪،‬‬ ‫وبعضي ليس من بعضي‪،‬‬ ‫الكئيب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنايَ خرافةٌ في الجملةِ األولى من الحلمِ‬ ‫الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫سرب من‬ ‫نوازعي ٌ‬ ‫العاشق الموهومِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يغشاها انفعالُ‬ ‫يأتي مستعارًا ال يعي الترحال‪،‬‬ ‫وحدي مغرمٌ بالعزف‪،‬‬ ‫موالي بكاءُ الناي‪،‬‬ ‫ال يغريني اللحنُ الموازي‪،‬‬ ‫ليس بيتهوفن غريمي في مقاماتي وال زرياب‪.‬‬


‫‪ρρ‬حنان بيروتي*‬

‫هو الحزنُ سيدُ هذا المساء‬ ‫وحيد‬ ‫ٍ‬ ‫كقلب‬ ‫ٍ‬ ‫أنيس‬ ‫رفيق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بكف دموع الوداع‬ ‫يداري ٍّ‬ ‫ويرسم بأخرى أزاهيرَ عيد‪..‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫غيابك‬ ‫أكتبني ويمحوني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫***‬

‫أما زلتَ لي؟‬ ‫إليك‬ ‫َ‬ ‫تعرف صوتَ حنيني‬ ‫ُ‬ ‫وتسقي بنبض حنوّك هذا الجنونَ الخفي بروحي كعطش الصحارى؟‬ ‫تمسحُ عمري بكلمة‬ ‫وتذرو جراحي بهمسة‬ ‫وقاس كغضبة أب‬ ‫ٍ‬ ‫حنون كأم‬ ‫ِ‬ ‫لقلب‬ ‫ِ‬ ‫تروي حنيني‬ ‫حين أغيب؟‬ ‫أما زلتَ تحفظ ُحرفي‬ ‫وتشعر بنبض عتابي‬ ‫ودقات قلبي الشقي؟‬ ‫رحيل مكرر كدمعة؟‬ ‫ٍ‬ ‫أما زلتَ تعرف لحنَ رجوعي‪ -‬عنك‪ ..‬إليك ‪ -‬بع َد‬ ‫يجرب خطوه أحاولُ أنسى‬ ‫ُ‬ ‫وليد‬ ‫كمثل ٍ‬ ‫أهذّ ُب صوتَ حنيني في جنبات الرّوح إليك‪..‬‬ ‫وحين تغيب يعمُّ سوادٌ‬ ‫وتغفو أغاني الحياة بعمري‬ ‫وأشعرُ أني كمثل حصاة غريبة في حضن نهرٍ نساه المطر‬ ‫وغابت عنه قطا ُة العطش‪..‬‬ ‫أما زلتَ طفلي‬ ‫وحين أضمُ َك يورقُ قلبي وتزهرُ روحي‬ ‫وأشدو برغم الجراح؟‬ ‫***‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪63 )2016‬‬


‫حروفي تتهجأ غيابك‬ ‫ويتلعثم القلب‪..‬‬ ‫***‬

‫ّك آخرُ بسمةٍ‬ ‫أحبك كأن َ‬ ‫َ‬ ‫غيث بعد يباب‬ ‫وأولُ ٍ‬ ‫بعينيك عمري‬ ‫َ‬ ‫أؤثث‬ ‫كأني ُ‬ ‫وأجمعُ بعضي ببعضي‬ ‫وأحبك‬ ‫َ‬ ‫بلهفة أمٍ‬ ‫بعيد‬ ‫ٍ‬ ‫وبهدوء ضفة نهرٍ‬ ‫أظلُ أحبك‬ ‫عنيد‬ ‫ٍ‬ ‫مثل ب َّحارٍ‬ ‫ولهفة تائهٍ عن دليل‪..‬‬ ‫أتنفس‬ ‫ُ‬ ‫و كما‬ ‫موجا‬ ‫وكما يتبعُ الموج ً‬ ‫إليك أتوقُ ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫أظل‬ ‫***‬

‫أريدك حضنًا بال عنوان‬ ‫َ‬ ‫واجابات بال أسئلة‬ ‫ٍ‬ ‫ودفئًا بال شروط‬ ‫حنان بال انقطاع‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومواس َم‬ ‫أريدك ظلي ونبضي‬ ‫َ‬ ‫يدق بال استئذان‬ ‫وقلبي ُّ‬ ‫وينثر بكفّ يْه الحياة‪..‬‬ ‫�دك خطوي وبوصلتي حين تسرقني‬ ‫أري� َ‬ ‫الجهات‪..‬‬ ‫شمس‬ ‫ٌ‬ ‫أناديك تصير ظ ًال ال تُغيّبهُ‬ ‫َ‬ ‫وحين‬ ‫وال تُخفيه أصابعُ الظالم‪..‬‬ ‫***‬

‫ * شاعرة من األردن‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫لعينيك في قلبي حكايةٌ‬ ‫تشرب حمائمُ العمر‬ ‫ُ‬ ‫من عسلهما‬ ‫تعب على كتف نظرة‪..‬‬ ‫وتحط من ٍ‬ ‫ُ‬ ‫بهما تشعل الدربَ بالياسمين‬ ‫العشق‬ ‫ِ‬ ‫ومن أعلى داليةٍ في سماء‬ ‫قطوف الكلمات‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تهديني‬ ‫آه يا عينيك حين أكونَك‬ ‫وتنصهرُ بين روحينا كلُّ الفوارق‬ ‫وتخبو اللغات‬ ‫وتكون شمسي‪ ..‬وقنديلَ عمري‪..‬‬ ‫وظلَّ حياتي‪..‬‬ ‫***‬

‫شتان ما بين قلبينا‬ ‫طاحونة تجاري الريحَ‬ ‫قلبي‬ ‫رحى من حجر‪..‬‬ ‫وبين ً‬

‫***‬

‫بكفي نثا ٌر من ياسمين الكالم‪..‬‬ ‫ورشةُ عطرٍ بلون الفرح حين تغيب‬ ‫وتشرق بعمري ربيعً ا جديدا‪..‬‬ ‫***‬

‫المطرُ أن أرتدي قلبك معطف ًا‬ ‫َراش مضيءٍ‬ ‫وأجم َع حباته مثل ف ٍ‬ ‫يرسمُ في داخلي دف َء ربيع‪..‬‬ ‫***‬

‫أحلمُ أن أغفو على زند هذا العمر الهارب‬ ‫وسادتي من ريش قلبك‪..‬‬ ‫***‬

‫وأظل أكتبني‬ ‫ويمحوني غيابك‪..‬‬


‫‪ρρ‬عقل الضميري*‬

‫قالوا؛ للسي ِّد «ما» سلطانٌ مرعب‬ ‫وللشيخ فالن غلمانٌ وجواري بالليل له تلعب‬ ‫وأنا أقرأ وأنا أكتب‪..‬‬ ‫ّاس تقارنُ بين الناس وال تتعب‪.‬‬ ‫وأنا أفهم أن ال َن َ‬ ‫وتكاد تسمعهم كل مساء ما يفعل هذا‪ ..‬ما يعمل!‬ ‫ماذا يعطي؟ ما نسأل؟!‬ ‫في أي مكان يسهر؟ يستقبل أو يسمر؟ ماذا يملك أو يقدر؟‬ ‫لم أرغب في عرض ثرائي أو مُ لكي األكبر‪،‬‬ ‫لكني مضطرٌ ‪.‬‬ ‫كتبي‪ ،‬قلمي‪ ،‬هذا األجمل‪.‬‬ ‫ال!!‬ ‫خاطبهم باللون األخضر واألصفر ‪.‬‬ ‫قربّهم للدوالر‪ ..‬وللذهب األحمر‪.‬‬ ‫ال!!‬ ‫فأنا لي بستانٌ يثمر‬ ‫لن تعهد أثرا فيه لألسوار وال الحارس‪..‬‬ ‫أجمل أزهاره ليست في الثالث والرابع من سنة الميالد!‬ ‫هي في كل األوقات حين يشرفنا ضيف أو زائر‪.‬‬ ‫ليست للبيع وال اإلحسان المُ علن أثماره ‪.‬‬ ‫ُنس‪ ،‬هي للشكر وللسعد حين تكون يانعة في أيدي زواره‪..‬‬ ‫هو لأل ِ‬ ‫طيرً ا كان‪ ..‬إنس ًا كان‪..‬‬ ‫نعرف أو ال نعرف عنوانه‪.‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫أملك ماذا؟‬

‫* شاعر وروائي من الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪65 )2016‬‬


‫العيد الذي ال يجيء‬ ‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫(‪)1‬‬

‫يجيءُ عيدُ همْ‬

‫يلعقونَ أصابعهم‬

‫طفل‬ ‫بابتهاج ٍ‬ ‫ِ‬

‫تأخذهم غفلةُ االنتشاءِ‬

‫وأمنيات مـُـتعبين‬ ‫ِ‬

‫يمارسونَ غ ـ َيـ َّهم‬

‫يلقي بها إليهمْ ‪..‬‬ ‫تنتظرُ بعيد ًا عن قلوبهم المختبئةِ‬ ‫ثم َة جوارحٌ‬ ‫العيد سوى (وليمةٍ )‬ ‫ِ‬ ‫تعرف من‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫وأجسادٍ مدنفةِ برائحةٍ فاخرةٍ‬ ‫وسحنةٍ كاذبة!‬ ‫(‪)2‬‬

‫يجيءُ عيدُ همْ‬

‫‪66‬‬

‫تنوءُ بها موازينهم‬

‫وآالمُ الم ُـقـَـددين تتمدد في الفناءِ اآلخرِ !‬ ‫(‪)3‬‬

‫يجيءُ عيدُ همْ‬ ‫ومالمحهم ذات نكهةٍ واحدةٍ‬ ‫وحكايةٍ واحدةٍ‬ ‫أعمارهم مكتنزة بالفوضى واالنتهاءِ‬ ‫يزفرونَ دُ خان ًا أسود ًا‬

‫الخريف القميء‬ ‫ِ‬ ‫بلون‬ ‫ِ‬

‫تلعنهُ المالئكةُ‬

‫يغشى خالياهم‬

‫يـُصافحونَ به عيدَهم‬

‫الناس‬ ‫ِ‬ ‫يـ َْح ِملـُـو َن لحو َم‬

‫فيـُغادرهم وقد امتألت تفاصيلهُ بالوجع!‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫يجيءُ عيدهم‬

‫سيقتلهم الخواءُ‬

‫وأوعيتهم متكورةٌ ح َد االنفطار‬

‫فال فـُـتات ليجترحوا الشبع‪.‬‬

‫وثم َة أفواهٌ مشرعةٌ‬ ‫أعياها اليب َُس واالنتظار‬ ‫وهناك أجسادٌ محززة‬ ‫َ‬ ‫تنتظرُ يد ًا‬ ‫تمسحُ عن أوردتها الغبار‬ ‫يأت النها ُر بجديد‬ ‫ولم ِ‬ ‫فتنكسرُ أغصانها ببطء!‬ ‫(‪)5‬‬

‫يجيءُ عيدهم‬ ‫َو همْ خاسرون‬ ‫مارسوا الجريَ الهزيلَ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫(‪)4‬‬

‫جرح كل ذات حزن!‬ ‫على مائدة ٍ‬

‫(موسى غرناطة)**‪..‬‬ ‫لم ترسمهُ األيامُ في ذاكرتهـم‬ ‫األرض من جديد‬ ‫ِ‬ ‫ليتهُ ينفلقُ في‬ ‫البهيج‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫الحلم‬ ‫ِ‬ ‫ليخبرهم نبأَ‬ ‫(‪)6‬‬

‫القلق‬ ‫ِ‬ ‫تلك هي مدائنُ‬ ‫حينَ أزهرتْ‬ ‫(اإلسمنت)‬ ‫ِ‬ ‫ابتلعتها طرقُ‬ ‫الموارب‬ ‫ُ‬ ‫الموت‬ ‫ُ‬ ‫يتكاثرُ‬ ‫في تـُرابِــها‪..‬‬

‫منتفخ‬ ‫ٍ‬ ‫(مطاط)‬ ‫ٍ‬ ‫خلف‬ ‫َ‬

‫صباح‬ ‫ٍ‬ ‫تغتسلُ بالرياءِ كلَ‬

‫موت‬ ‫أخرجوا ما تبقى في جيوبهم من ٍ‬

‫تكتنفها الوحشةُ والضجيجُ‬

‫ليمحقوا به أنفسهم‬

‫(ماكوندو)*** تستنسخُ عينيها‬

‫البياض الذي يجمعهم‬ ‫ِ‬ ‫أَحرقوا فـُتاتَ‬

‫في تلك األنحاءِ الساذجةِ ‪..‬‬

‫* شاعرة وقاصة وكاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫** موسى بن أبي الغسان‪ ،‬أحد شهداء غرناطة في القرن التاسع‪.‬‬ ‫*** ماكوندو قرية افتراضية التهمها الصراع بعد أن كانت نقية (مائة عام من العزلة)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪67 )2016‬‬


‫ٌ‬ ‫شعيرة إلى وطن‬ ‫‪ρρ‬هيفاء اجلبري*‬

‫�ك ح � ّت ��ى آخ� ��ر ال � �وَطَ � ِ�ن‬ ‫ب� � ��دءً ا ب �ق �ل �ب� َ‬

‫عت ملحمتي حَ م ًال على شَ جَ ني‬ ‫قَطَ ُ‬

‫م ��ا ك �ن� ُ�ت أف� �ت ��حُ ص� � ْ�ح� ��راءً و ُأغ �ل��قُ �ه��ا‬

‫�دت س�ع�ي� َر ال �ب��دوِ ف��ي بدني‬ ‫إال شَ � ِ�ه � ُ‬

‫ال �ب��دوُ م��ا س � َك � ُن��وا ف��ي م�س�ت�ق� ِّر دم��ي‬

‫اإلنسان في الـمُ دُ ِن‬ ‫ِ‬ ‫حتّى رأوا خيب َة‬

‫ت �ج��مّ �ع� ْ�ت ح ��ول ��يَ األح � �ج ��ا ُر ق��ائ �ل��ةً ‪:‬‬

‫�اض� ِ�ك ه��ذا أوّلُ ال � ّل � َب� ِ�ن»‬ ‫«ص��وغ��ي ب �ي� َ‬

‫لا ف �ق��د ك��رَّ س �ت �ن��ي ل �ل��كُ ��رومِ ي��دي‬ ‫م �ه� ً‬

‫تلك التي ما َد َن� ْ�ت يومً ا لتَقْ ِطفَني‬ ‫َ‬

‫�وات وآن� � � �ي � � ��ةٌ‬ ‫م � � ��مّ � � ��ا ورائ � � � � � � � � ��يَ أق � � � � � � � � � ٌ‬

‫�ذاق غ �ي��رُ مُ ��ؤ َت��مَ � ِ�ن‬ ‫�راط م � � ٍ‬ ‫ف�ي�ه��ا ِص� � � ُ‬

‫ك ��أن ��مّ ��ا ج� �ئ � ُ�ت م ��ن أص � � َق� ��ا َع ح ��ائ ��رةٍ‬

‫تهوى من الماءِ ما تخشى من الـمُ زُ ِن‬

‫أت � � ْ�ت ع �ل��ى ق �ب �ض��ةِ األي � � ��امِ مُ �ب � َه��مَ ��ةً‬

‫روح� � ��ي ف �م��ا زم� � � ٌ�ن ف �ي �ه��ا يُ �ف� ّ�س��رُ ن��ي‬

‫وم��ا ارت �ض� ْ�ت غ�ي��ر أن ت �ن��أى ب�لا لغةٍ‬

‫إل � ��ى م � �ع� ��ادٍ ق� ��ري� � ٍ�ب خ� � � ��ار َج ال ��زم � ِ�ن‬

‫***‬

‫‪68‬‬

‫بِ � � � � ��دءً ا ب �ق �ل �ب � ِ�ك ح� �ت ��ى خ � � � ��ار َج ال� ��زم� � ِ�ن‬

‫«يا عمرُ ‪ ..‬يا عمرُ » قال العمرُ ‪« :‬لم أ َِح ِن»‬

‫ف �م��ا ل �ه��ا ه � ��ذهِ ال � ّ�ص � �ح ��راءُ ت �ح��فُ ��رُ ن��ي!‬

‫ك � ��أن � � �م � ��ا وج� � � � � � ��عُ اآلب� � � � � � � � � ��ارِ ل� � � ��م ي � ��كُ � � ِ�ن‬

‫م � � � ��اذا أق � � � � ��ولُ وف � � ��ي اآلف � � � � ��اق م �ل �ح �م��ةٌ‬

‫ت � �ق� ��ولُ ‪« :‬أي� �ت� �ه ��ا ال � �خ � �ض� ��راءُ ال ت �ه �ن��ي»‬

‫م� ��ا ك � �ن � ُ�ت م� ��ن أل� � ��م األش � � �ج� � ��ارِ ن��اش �ئ��ةً‬

‫ح � �ت ��ى ت� �ع� � ّل� �ق� �ن ��ي ف � ��ي آخ � � ��ر ال� ��غُ � � ُ�ص� � ِ�ن‬

‫ه � � � ��ذا دم � � � ��ي َع � � � � � � � �زَفَ اآلال َم س � ��ائ � ��ر ًة‬

‫ذوات ال� �م ��رك � ِ�ب ال �خ � ِ�ش� ِ�ن‬ ‫ع �ل ��ى م� �ق ��ام ِ‬

‫ل � ��م ي � �ب� ��قَ م � ��ن ش �ج �ن ��ي إال مُ � �ش ��اج ��ر ٌة‬

‫م� � ��ع ال� � �ط � ��ري � � ِ�ق إل� � � ��ى ب � � ��واب � � ��ةِ ال � ��زم � � ِ�ن‬

‫ح �ي��ث ال � �خ� ��روجُ إل� ��ى روح � ��ي وم �ل �ح �م��ةٍ‬

‫ب � � �ه� � ��ا ُأت � � � � � � ��م ب � � �ق� � ��اي� � ��ا آخ � � � � ��ر ال � � ��وط � � � ِ�ن‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬جناة خيري*‬

‫�اق‬ ‫ِس� � � �ل � � ��مٌ أن � � � ��ا أم ث� � � � � � ��ور ُة ال� � �ع� � �ش � � ِ‬

‫�أي م �ع �ن��ى ت �ن �ت �م��ي أش � ��واق � ��ي؟!‬ ‫ف� �ل � ِّ‬

‫�أت ِم ��ن مَ ��هْ � ِ�د ال �م��دائ� ِ�ن حَ �ي��رت��ي‬ ‫خ � ّب� ُ‬

‫األوراق‬ ‫ِ‬ ‫ف� � � � ��إذا أن� � � ��ا ش� � ��جَ � � � ٌ�ن ِم� � � ��ن‬

‫�ات ت�ش�ت��تِ ��ي‬ ‫عَ � � َب � �رَتْ س �ن��اب��لُ خ ��رب� �ش � ِ‬

‫ف��ي ال ��وه � ِ�م واإلذع � � ��انُ ف��ي أح��داقِ ��ي‬

‫عَ � � َب� �ق ��ا ي �ن��اج��ي زه � � � َر م ��ا أس� �ع ��ى ل��هُ‬

‫�ون ال � ِ�غ� �ي � ِ�د ِس� � ��رُّ ُب ��راقِ ��ي‬ ‫وع� �ل ��ى هُ � �ت� � ِ‬

‫ث � ��ارتْ ع �ل��ى شَ � � َف ��ةِ ال �ح �ن �ي� ِ�ن رواي �ت��ي‬

‫�ول وِ ث��اقِ ��ي‬ ‫�ص � َن��عْ � ُ�ت ِم��ن بِ �ي� ِ�د ال ��ذُّ ه � ِ‬ ‫َف� َ‬

‫أسراب الدُّ جَ ى‬ ‫ُ‬ ‫هناك‬ ‫َ‬ ‫البياض‬ ‫ِ‬ ‫مأوى‬

‫�اق‬ ‫ألن � �ف� � ِ‬ ‫وال� �ط� �ي ��نُ ل� � ْ�ح� ��نُ جَ � � � � ��راءةِ ا َ‬

‫�ؤال رحيلُها‬ ‫ِه ��يَ وح � َده��ا خ�ي��لُ ال �س� ِ‬

‫�اق‬ ‫َص � � َه � �ل� � ْ�ت بِ � � ��هِ ِم� � ��ن ش� �ه� �ق ��ةِ اآلف � � � ِ‬

‫�رت ه�ن��ا لها‬ ‫ت��رت �ي��لُ ف��وض��ى م��ا ص �ه� ُ‬

‫�راط رِ ف� ��اقِ � ��ي‬ ‫وعْ � � � ��دٌ ت� �ش � َّ�ظ ��ى ب� ��ان � �ف� � ِ‬

‫�وب س��واح �ل��ي‬ ‫ي ��ا أي �ه ��ا اآلت� � ��ون ‪ ..‬ك � � ُ‬

‫�راق‬ ‫مُ � � � � ��رٌّ ورش� � � �ف � � ��ةُ ش� � ��اط� � � ِ�ئ اإلغ� � � � � � ِ‬

‫�اط ال�ف�ج��رِ ن� ْ�ج��مُ تعفُّ ِفي‬ ‫وع�ل��ى ب �س� ِ‬

‫ن� � � � ��و ٌر ل� � � ��هُ مَ � � � � ��دَّ ال� � � � ّن � � ��دى تِ � ��ري� ��اق� ��ي‬

‫ص�م�ت��ي دُ ن � ��وُّ ش �ق��ائ� ِ�ق ال��مَ ��عْ � َن��ى هنا‬

‫�اق‬ ‫وال� � �ق� � � َي � ��دُ َب� � � � � �وْحُ ب� � �ل� ��ادةِ اإلخ� � �ف � � ِ‬

‫ط �ي��نُ ال �ح��دي� ِ�ث ت �ع � ْب� ُ�ت م ��ن إع �ث��اره‬

‫�آق!‬ ‫وال� �ط� �ي ��نُ ه ��ل يُ � ��رجَ � ��ى ب �غ �ي��رِ م� � ِ‬

‫�ات خ �ي� ُ�ط ردائِ � �ه ��ا‬ ‫ي ��ا ل �ه �ف � َة ال �خ �ي �ب� ِ‬

‫�اق!‬ ‫خ � �ف � �ق� � ْ�ت ل� � ��ه ب � � ��واب � � ��ةُ اإلش� � � �ف � � � ِ‬

‫تحسري‬ ‫ُّ‬ ‫غيث‬ ‫الغيم ُ‬ ‫ِ‬ ‫�روب‬ ‫أن��ا ِم��ن غ� ِ‬

‫�اق‬ ‫�داف ال �ل �ظ��ى ال ��دفَّ � ِ‬ ‫وأس � � ��ايَ ِم � �ج� � ُ‬

‫�وف ال��ري� ِ�ح ِس � �ر ُْب تهيُّ بي‬ ‫أن��ا م��نْ ك �ف� ِ‬

‫�اق‬ ‫وغ� �ن ��ائ� �م ��ي ِم� � ��ن خَ � � ْي � �ب� ��ةِ ال� ��عُ � � َّ�ش� � ِ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫البياض‬ ‫مأوى‬ ‫ِ‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪69 )2016‬‬


‫يــــا غـــــربـــتي‬ ‫‪ρρ‬عبداهلل فراجي*‬

‫َي � � � ��ا غُ � � � � ْر َب� � � �ت � � ��ي‪ ،‬أ َُج� � � � � � ُن � � � � ��ونٌ شَ � � � ��ا َب � � � ��هُ ال � � � � َّن � � � �دَمُ ؟‬ ‫�ض� � � َي � ��مُ‬ ‫األح � � � � َق � � � ��ادُ وَال � � ِّ‬ ‫�ص � � � ��دْ قُ َت � ��غْ � � � َت � ��ا ُل � ��هُ ْ‬ ‫وَال � � � � ِّ‬ ‫هَ � � � � ��ا َن ا َّل � � � � � � ِ�ذي َي� � � ��غْ � � � ��زِ لُ األوْهَ � � � � � � � � ��ا َم فِ � � ��ي َك � ��مَ � � ٍ�د‬ ‫أ َْح� � � �ل � � ��اَ َم ُص � � � ْب � � � ٍ�ح‪ ،‬سَ � � � � �رَى فِ � � ��ي َل � � ْي� ��لِ � � َه� ��ا األ َل� � � ��مُ‬ ‫اَ ْل� � ��فُ � � � ْل� � � ُ�ك فِ � � ��ي ُح� � � ْل� � � َك � ��ةِ األ ْن � � � � � � � �وَاءِ َت ��عْ � ِ�ص ��مُ � � َن ��ا‬ ‫�ف َت � ��عْ � � ِ�ص � ��مُ � � � َن � ��ا وَا ْل � � � � َب� � � � ْ�ح� � � ��رُ َي � � ْن � � َت� � ِ�ق� ��مُ‬ ‫َو َك� � � � � ْي � � � � َ‬ ‫َورَاكِ � � � � � � � � � � � ٌ�ب َي� � � ْ�ش � � � َت� � ��كِ � � ��ي ِم� � � � � ��نْ ثِ � � ��قْ � � ��لِ � � ��هِ جَ � � � َب� � ��لٌ‬ ‫�اظ‪ ،‬وا ْل � � ِ�ح � ��قْ � ��دُ ف� ��ي ِح � ��دْ َق� � � ْي � ��هِ مُ � � � ْزد َِح� � ��مُ‬ ‫َي � ��غْ � � � َت � � ُ‬ ‫حَ � � � َّت � ��ى إِ ذَا خَ � � � � � ��رَّ َف ا ْل� � ��عُ � � ��مْ � � ��رُ ال� � � َّ�ط� � ��وِ ي� � ��لُ بِ � ��ه‬ ‫ال األ ْو َت � � � � � � � � � ��ا ُر وَال � � � َّن � � � َغ� � ��مُ‬ ‫مَ � � � ��ا رَاقَ ُش � � � � � � �ر ٌْب َو َ‬ ‫أش � � � �دَاقِ � � � � َه� � � ��ا أَمَ � � � ��لٌ‬ ‫�وس وفِ � � � ��ي ْ‬ ‫َت � ��هْ � ��فُ � ��و ال� � ��نُّ � � ��فُ � � � ُ‬ ‫�س ا ْل � ُ�ح ��كْ ��مُ مَ � ��ا حَ � َك��مُ ��وا‬ ‫ُح � ْ�س ��نُ ا ْل� � ��وِ َئ� � ��امِ ‪ ،‬وَبِ � � ْئ � � َ‬ ‫َي � � ��ا َل � � ْي � � َت� ��نِ � ��ي مَ � � ��ا حَ � � � َك� � � ْي � � ُ�ت ال� � � ِّ�س� � ��رَّ فِ � � ��ي عَ � � َل� � ٍ�ن‬ ‫ْك أعْ � � َت� � ِ�ص� ��مُ‬ ‫�ص� � ��دْ ُت ال� � � َّ�ش � � �و َ‬ ‫َي� � ��ا ل� � ْي� � َت ��نِ ��ي مَ � � ��ا َق� � � َ‬ ‫َل � � � � ْو هَ � � � َّب� � � ِ�ت ال� � � � ِّري � � ��حُ فِ � � ��ي غَ � � � ْل � � �وَائِ � � � َه � ��ا وغَ � � � � �وَتْ‬ ‫�ون‪َ ،‬ل� � � �رَفَّ � � � ْ�ت َف� � � ْو َق� � � َه � ��ا ا ْل� � ِ�ق� ��مَ � ��مُ‬ ‫عَ � � � َل � ��ى ا ْل� � ��غُ � � �ص� � � ِ‬ ‫�اه � � � � � َد ًة‬ ‫األح � � � � � � َق� � � � � ��ادُ جَ � � � � � ِ‬ ‫ْ‬ ‫حَ � � � � َّت � � ��ى إذَا َك� � � � � َّل � � � � ِ�ت‬ ‫جَ � � � ��لَّ ا ْل � � � � َه � � � �وَى‪ ،‬وَسَ � � ��مَ � � ��ا فِ � � ��ي َل � � ْ�ح � ��نِ � ��هِ ا ْل � � َك� ��لِ � ��مُ‬ ‫مَ � ��ا كُ � � ْن� � ُ�ت أعْ � � ُل� ��و عَ � � َل� ��ى ا ْل� � � ��جَ � � � � ْوزَاءِ فِ � ��ي َق� � � �دَرِ ي‬ ‫�ض� � � ْ�ت َن� � ��عْ � � ��مَ � � ��اء ُه ال � � ِّن � � َق� ��مُ‬ ‫َق � � � � � ��دْ رِ ي أ َن� � � ��ا أ َْج � � � َه� � � َ‬ ‫�اك ِم� � � � � ��نَ األقْ � � � � � � � � � � � �دَارِ مَ � � ْ�ظ� � � ُل � ��مَ � ��ةٌ‬ ‫إِ ذَا دَهَ � � � � � � � � � َ‬ ‫�ك ا ْل� � ِ�ح� ��مَ � ��مُ‬ ‫َف� �ل� ��اَ ُت � � � َع� � ��انِ � � ��دْ ‪ ،‬وَإِ نْ فِ � � ��ي َق� � � ْل � ��بِ � � َ‬ ‫وص � � � � ْي� � � � ُ�ف ا ْل � � ��عُ � � ��مْ � � ��رِ َي � ��كْ � � ِ�ش � ��فُ � ��هُ‬ ‫غَ � � � � ْي � � ��مٌ َي � � ��مُ � � ��رُّ َ‬ ‫�س حَ � � � � ��رٌّ ‪ ،‬وَفِ � � �ي� � � َه � ��ا ُت� � � � ْ�ح � � � �رَقُ ال � � ِّل� ��مَ � ��مُ‬ ‫وال� � � َّ�ش� � ��مْ � � � ُ‬ ‫ُس � � � ْب� � ��حَ � � ��ا َن مَ � � � ��نْ أ َْح� � � � � � � �دَثَ األزْهَ � � � � � � � ��ا َر شَ � ��ائِ � � � َك � ��ةً‬ ‫األض� � � � � � � � �دَا َد َت � � ْل � � َت� ��ئِ � ��مُ‬ ‫ْ‬ ‫ُس � � � ْب� � ��حَ � � ��انَ مَ � � � ��نْ َق � � � � � � � َرّبَ‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬نازك اخلنيزي*‬

‫سيدي‬ ‫أضلُعي نذ ٌر يمشي حثيث ًا‬ ‫بين ْ‬ ‫اليقين‬ ‫ِ‬ ‫مراكب‬ ‫ِ‬ ‫المسافات في‬ ‫ِ‬ ‫يعبرُ‬ ‫يخفي تحتَ ردائِ هِ ‪،‬‬ ‫عضها الملحُ‬ ‫انشطا َر آللئ ّ‬ ‫تختصرُ رحل َة العودةِ‬ ‫كحلم يشدو‬ ‫ٍ‬ ‫الغيب‬ ‫ِ‬ ‫يبُحرُ في أسئلةِ‬ ‫َشهب‬ ‫ك ٍ‬ ‫تتساقط على محاجرِ المساءِ‬ ‫ُ‬ ‫قبلَ ارتعاشةِ المطرِ‬ ‫في قعرِ زجاجةٍ‬ ‫تعتكف على صدرِ الطلّ‬ ‫ُ‬ ‫وقتَ السحرِ‬ ‫وحشودُ الجوى‬ ‫***‬

‫الحزن‬ ‫ِ‬ ‫فأقسمُ بأني أولُ‬ ‫جفن‬ ‫ونجمٌ في ٍ‬ ‫يلملمُ أشال َء أوردتي‬ ‫نسيم ال َّل ْيل َِك‬ ‫ِ‬ ‫ويهيمُ مع‬ ‫جديد‬ ‫ٍ‬ ‫فتعلو األنغامُ من‬ ‫صوتُك هو المفقودُ‬ ‫على ثغرِ الوردِ‬ ‫وعين الفجرِ‬ ‫ِ‬

‫والليالي العشرِ‬ ‫متلبس‬ ‫ٍ‬ ‫ودمع‬ ‫ٍ‬ ‫يُ بـلِ لُني‬ ‫الصمت‬ ‫ِ‬ ‫من جحودِ‬ ‫يَغزلني‬ ‫الحلق‬ ‫ِ‬ ‫سقف‬ ‫ِ‬ ‫كشهقةٍ عالقةٍ في‬ ‫النزف‬ ‫ِ‬ ‫بلغةِ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫در‬ ‫ِ‬ ‫الب ِ‬ ‫آلل ُئ َ‬

‫***‬

‫أَختا ُر تاريخاً‪ ،‬لميالدي ال ينتمي‬ ‫رغيف الصبرِ‬ ‫َ‬ ‫يقاسمني‬ ‫أرى فيه ما يرا ُه العاشقون‬ ‫أوشمُ ه في قلبي‬ ‫وفي أبهى عناويني‬ ‫أبسط كفّ ي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الشمس‬ ‫ِ‬ ‫خيوط‬ ‫ِ‬ ‫نح َو‬ ‫اخترت صهوتها‬ ‫ُ‬ ‫التي‬ ‫واألفالك نازفةً‬ ‫ُ‬ ‫وحولَه الريحُ‬ ‫الغيمُ يبني لعطاشى الطيرِ حاضنةً‬ ‫الظالل‬ ‫ِ‬ ‫فوقَ‬ ‫وزوايا يَكبرُ فيها السؤالُ‬ ‫الشوق‬ ‫ِ‬ ‫تقترف إث َم‬ ‫ُ‬ ‫أريجها إلى ِخلوتي‬ ‫ُ‬ ‫يعرجُ‬ ‫النرجس‬ ‫ِ‬ ‫فيرتوي شاطئُ‬ ‫وذاكرتي‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪71 )2016‬‬


‫أنثى األساطير‬ ‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫تطل من أطراف‪ ‬‬ ‫حلم‬ ‫تتوسد ثقب الليل‬ ‫ّ‬ ‫تروي للمساء‬ ‫حكايا انكسار‬ ‫‪ ‬عاشقين‬ ‫خاطت لهما من األحالم‬ ‫رداءً يقيهم عطش الليل‬ ‫وجفاء السماء‪..‬‬ ‫تمدُّ ‪ ‬يديها‬ ‫ليروا بوسط كفيها‬ ‫نور الظالم‬ ‫وبقايا‪ ‬شمس‪..‬‬ ‫أحبت قمرً ا ضريرً ا‬ ‫منحته عينيها‬ ‫ليبصرها‬ ‫وحين رأى النور‬ ‫منح للنجوم قبلة‬ ‫في غفلة الليل‬ ‫حين انكسار‪ ‬‬ ‫أهدت قلبها للخريف‬ ‫ليحملها‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫خلف أحضان عابرة‬ ‫تشتت كأوراق خريف‬ ‫يابسة‬ ‫تالعبت بها الريح‬ ‫لتستقر كأسطورة‬ ‫داخل كتاب‬ ‫رسمت على غالفه‬ ‫فتاة بضفيرتين ذهبيتين‬ ‫بطرف صدرها‪ ‬‬ ‫خواء‬ ‫تمر من خالله فراشات ملونة‬ ‫تحمل قناديل حمراء‬ ‫وقد خضبت كفّ يها‬ ‫النعاس‬ ‫ُ‬ ‫بلون شمس أنهكها‬ ‫تلقي عليها‬ ‫النظرة األخيرة قبل الرحيل‬ ‫وقد رسمت مكان عينيها‬ ‫صور َة قمر ضرير‬ ‫لترى الليل‪..‬‬


‫‪ρρ‬أحمد منر اخلطيب*‬

‫وض� � � ��اءُ‬ ‫روحُ ال � �ق � �ص � �ي� ��دةِ ح� �ب ��ره ��ا ّ‬ ‫أص� �غ� �ي � ُ�ت ل �ل �م �ع �ن��ى ال� ��مُ � �ب� ��رَّ دِ غ �ي �ل��ةً‬ ‫ال ُح� � ْل� � َو ي �م��رقُ ع �ب��ر س� � ّن ��يَ ‪ ،‬ح �ص��رمٌ‬ ‫ورق‪ ،‬وأَروع ش ��اع ��رٍ‬ ‫�ان م� ��ن ٍ‬ ‫ش� �ف� �ت � ِ‬ ‫�ف غ�ي�م��ةً‬ ‫�س ل �غ��ةً ل �ي �ق �ط� َ‬ ‫ل ��م ي �ح �ت �ب� ْ‬ ‫�روف مُ � �ع� � ّل � ٌ�ق ف ��ي ع�ي�ن��هِ‬ ‫�ش ال � �ح� � ِ‬ ‫رم � � ُ‬ ‫�س ده� � �ش � ��ةً ت� � �وّاق � ��ةً‬ ‫م � ��ا ك � � ��ان ي� �ح� �ب � ُ‬ ‫ل� �ك� � ّن ��هُ ف� � � �رَط ال� �ح� �ن� �ي ��نَ وق � � ��ال ل��ي‬ ‫ق� �ل � ُ�ت‪ :‬ال �ش �ه ��و ُر م �ض��ا ُن �ه��ا م�س�ل��وق��ةٌ‬ ‫�ك‪ ،‬أو ت �ج��يءُ لتهتدي‬ ‫تمشي ل�ت�ف�ت� َ‬ ‫�ون ص� � � � � ��ورةٌ م� �ق� �ل ��وب ��ةٌ‬ ‫م� � � ��عْ ك� � � ��لّ ل� � � � � ٍ‬ ‫ُت �غ��ري ال �س �ح��ابَ ‪ ،‬ت� ��دو ُر ف��ي أكنافها‬ ‫وال � �ل � �ي� ��لُ يُ � �ص� �ب ��حُ ه � ��ادي� � � ًا وم� �ب� �ش ��ر ًا‬ ‫سيفلت م��ن م�ع�س� َك��رِ هِ الجوى‬ ‫ُ‬ ‫وك�م��ا‬ ‫وإذا ان�ت�ق�ي��تَ ال�ع�ش��بَ أص �ف � َر فاقع ًا‬ ‫روحُ ال �ق �ص �ي��دةِ ل� ��نْ ت �ه��لَّ ك ��مَ �ر ِْج � ٍ�ع‬ ‫�اس� � ِ�ل غ� �ف ��وةٍ‬ ‫ح� �ي� �ن� � ًا َت � �ق� ��رُّ ع� �ل ��ى ت � �ن� � ُ‬ ‫�اب ح �ي��ن ُخ � ُّل��وه��ا‬ ‫�ارض األس � �ب� � ُ‬ ‫ت� �ت� �م � ُ‬ ‫وألنّ َص � � ْل� ��بَ ال � �ع� ��ودِ ب �ع��د ن �ح��ول��هِ‬ ‫السبيل وإنْ تكُ نْ‬ ‫ِ‬ ‫قص ِد‬ ‫ُشجيك عن ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وت � � ��ردُّ أف � �ن� ��ا َن ال �س �ن �ي� ِ�ن ع �ل��ى دُ م � � ً�ى‬ ‫�ول ج��ري� َده��ا‬ ‫ت�خ�ت��ا ُر م��ن ب�ي��ن ال �ف �ص� ِ‬ ‫�وب مُ �ح� ّ�ط��مٌ‬ ‫�ك وال� �ه� �ب � ُ‬ ‫�ض� َ‬ ‫ف �ت �ج��رُّ ب �ع� َ‬

‫ومُ � � �س� � ��ال� � ��مٌ إنْ ل� � ��م ت � � �ل� � ��د ُه ن � �س� ��اءُ‬ ‫وه �ت �ك� ُ�ت س �ت � َر ال �ص �م� ِ�ت ي ��ا ش �ع��راءُ‬ ‫ث � � � ��جّ ال� � � � �ن � � � ��وا َة ف � � ��أب � � ��رقَ اإلي � � �ح � � ��اءُ‬ ‫ه� � � ّز ْت � ��هُ م� ��ع ش � ��مِّ ال � �ن� ��دى ال� �ش� �ق ��راءُ‬ ‫ب� ��ل س� ��ارع� � ْ�ت ف� ��ي ح �ب �س��هِ ال � �ع� ��ذراءُ‬ ‫ول �ع �ي �ن��هِ ت� �س ��ري ال� � ��رؤى ال �خ ��رس ��اءُ‬ ‫ل � �ل � �ج� ��ري‪ ،‬إذ ت� �ت� �ق � ّ�ش � ُ�ف األض � � � ��واءُ‬ ‫م � � � ��اذا ت � � �ق � ��ولُ إذا ب� � �ك � � ْ�ت خ� �ن� �س ��اءُ‬ ‫ف � ��ي ك � � ��لّ وق � � � � ٍ�ت أص� � �ل � ��هُ ال � �ح� ��رب� ��اءُ‬ ‫�اس ت�ض�ن�ي�ه��ا ال� �ي ��دُ ال �ح �م��راءُ‬ ‫وال � �ن� � ُ‬ ‫�س غ ��واي� �ت ��ي ال� �ص� �ح ��راءُ‬ ‫ف �ي �ه��ا ت� �م � ُّ‬ ‫�راب ظ� �ب ��اءُ‬ ‫ف� �ت� �خ ��رُّ م� ��ن ع � ��دم ال� � �س � � ِ‬ ‫�ك ال� � ّرض ��ا اإلص� �غ ��اءُ‬ ‫�وح ل ��و ه� � َت � َ‬ ‫ل �ل �ب� ِ‬ ‫�ك األع� � � � ��داءُ‬ ‫�دب أن� � � ��تَ وح� � ��ول� � � َ‬ ‫س� � �ت � � ّ‬ ‫�ك وال� �خ� �ط ��ى ع ��رج ��اءُ‬ ‫ه � ��ذا غ � ��رو ُب � � َ‬ ‫ف ��ال ��ري ��حُ ي� �ح � ِ�س � ُ�ب وق� � َت� �ه ��ا األك� �ف ��اءُ‬ ‫وع � � �ق� � ��الُ ح� � �ب � ��رِ ال � �غ� ��اف � �ل � �ي� ��نَ ب �ل��اءُ‬ ‫م � ��ن غ � �ف � �ل� ��ةٍ ‪ ،‬وت � �ه� ��اج� ��رُ األع� � �ض � ��اءُ‬ ‫َي � �ق� ��وى‪ ،‬ف � ��أمّ � ��لْ ‪ ،‬م� ��ا ت � ��رى ال� ��ورق� ��اءُ‬ ‫�وج� � ��زُ ن � � ْب � � َع� ��هُ ال� � �ج � ��وزاءُ‬ ‫ك ��ال� �ن� �ه ��رِ ُت� � � ِ‬ ‫�ك ال� ّ�س �ح �ن��اءُ‬ ‫أل �ق � ْ�ت ع�ل�ي�ه��ا ال �م �س � َل� َ‬ ‫�ك‪ ،‬ق ��د ب� ��دا اإلغ� � ��راءُ‬ ‫وت � �ق� ��ولُ ‪ :‬م �ه � َل � َ‬ ‫م � � ��اذا س� �ت� �ك� �ت � ُ�ب؟ وال � �ص � ��دى ح � � �وّاءُ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫جريد الفصول‬

‫ * شاعر من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪73 )2016‬‬


‫رثــــــــــــــاء‬ ‫‪ρρ‬عمر بوقاسم*‬

‫هادئاً‪،‬‬ ‫أكون‪،‬‬ ‫ومتسامحاً‪،‬‬ ‫في الصباح‪،‬‬ ‫مع ضجيج السيارات بـ‪« ..‬باب مكة» هذا المسمى الشعبي والشائع‪ ،‬لمنطقة البلد‬ ‫األكثر حيوية بمدينة جدة‪،‬‬ ‫تتحرر من قيود شمال هذه المدينة‪،‬‬ ‫والمباني ذوات الواجهات الزجاجية‪،‬‬ ‫والمحالت التجارية التي تحمل أسماء ماركات عالمية‪..‬‬ ‫وإشارات المرور‬ ‫التي تشغلك باللوحة اإللكترونية‬ ‫وبالعد التنازلي‬ ‫لتمنحك لحظة االنطالق‪..‬‬ ‫الموالت الضخمة التي أخشى المشي على بالطاتها الالمعة‪،‬‬ ‫الكباري العمالقة التي تشعرك وكأنك نقطة في لعبة المتاهة‪،‬‬ ‫في الثانية عشرة من عمري كنت أحرص على اقتناء «مجلة ماجد» من أجل أن ألعب‬ ‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫لعبة المتاهة‪!!..‬‬ ‫تتحرر من كل هذه القيود‪ ،‬وأنت بـ «باب مكة»‪،‬‬ ‫وأنت تقف وسط غابة من السحنات الهندية والعربية واإلفريقية والشرق أسيوية‪..‬‬ ‫«نداءات الباعة»‪ ،‬نعم‪ ،‬نداءات الباعة‪..‬‬ ‫تقودك إلى عمق السوق الممتد على رصيف ملتو‪،‬‬ ‫الرصيف الذي يلتصق بعتبات البيوت «العجيبة» منذ مائة عام أو أكثر‪،‬‬ ‫البيوت ذات الرواشين واألبواب الخشبية العمالقة‪،‬‬ ‫ويرافقك إلى أزقة ضيقة‪،‬‬ ‫األزقة الضيقة هي نفسها السوق‪ ،‬حيث تصطف المحالت‪ ،‬بعشوائية‪،‬‬ ‫دون أن تربكك تفاصيلها‪،..‬‬ ‫بل على العكس تماماً‪،‬‬ ‫منتشيا‪ ،‬تكون‪ ،‬بهذه العشوائية‪،‬‬ ‫ومنتمياً‪ ،‬لتفاصيلها التي تدهشك‪ ،‬حتماً‪ ،‬وإن لم تجد لها تفسيرا‪!!..‬‬ ‫ه��ذه العشوائية‪ ،‬قد تحرك الحنين‪ ،‬كامالً‪ ،‬الحنين ال��ذي يقود ال��روح‪ ،‬بخصائصه‬ ‫الغيبية‪ ،‬إلى مكة‪ ..‬وأقصد مدينة مكة المكرمة‪ ،‬إلى أزقة حارة “دحلة حرب”‪ ،‬التي‬ ‫كانت تنبت على ذراع جبل المدافع العمالق‪،‬‬ ‫«دح �ل��ة ح ��رب»‪ ،‬ن�ع��م‪ ،‬ك��ان��ت‪ ،!..‬وه��ي إح ��دى ال �ح��ارات ال�ت��ي ي�ت�ك��ون منها ح��ي ج��رول‬ ‫التاريخي «بئر طوى‪ ،‬مسجد القبة‪ ،‬جبل أبو لهب‪ ،‬قصر الوزير عبداهلل السليمان‪،‬‬ ‫مكتبة الحرم القديمة‪ ،‬القشلة‪ ،‬جبل الكعبة‪ ،‬المعصرة»‪ ..‬كل ه��ذه المعالم أرواح‬ ‫سكنت مكانها‪ ،‬لماذا أقول‪ :‬أرواحا؟!‪ ...،‬ما تم إزالته من هذه المعالم مات مكانها‪..،‬‬ ‫موتا حقيقيا‪ ،‬نعم‪ ،‬مات مكانها موتا حقيقيا‪ ..‬وال أع��رف كيف أكمل هذا الحنين‬ ‫الذي يقود الروح‪ ..‬ويقود الروح‪ ..‬ويقود الروح ‪ ..‬ويقود الروح‪ ..‬ويقود الروح‪ ..‬ويقود‬ ‫الروح‪ ..‬ويقود الروح‪..‬‬ ‫ * شاعر وكاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪75 )2016‬‬


‫يغـرق الـصباح‬

‫ن�����ص�����وص‬ ‫ش����ع����ري����ة‬ ‫‪ρρ‬هدى الدغفق*‬

‫يتدفق نهر الشمس‪..‬‬ ‫يصبّح وجنة فالح‪..‬‬ ‫يطرق بابا‪،‬‬ ‫يقف طويال‪.‬‬ ‫يمضي للباب اآلخر‪،‬‬ ‫يتمهل حتى سابع باب‬ ‫يغفو النهر‪..‬‬ ‫واألجساد مغلقة‬ ‫يصحو النهر‪..‬‬ ‫رصيف‪..‬‬ ‫جدران‪..‬‬ ‫باب‪..‬‬ ‫‪ ...‬يوميا أرقب ذاك المشهد‪..‬‬ ‫عين ونور ال يرى‬

‫عين أطلت في التمزق‪ ..‬إنني سأطل منها‬ ‫قلب تفطر بالتوجع إنني سأكونه‬ ‫نور تصاعد دون مائدة فمات‬ ‫قمر تدافع في األحبة ثم صبحهم‬ ‫كيف صاروا‬ ‫كيف كان‬ ‫الــوهــــم‬

‫(الطريق طـ‪..‬و‪..‬ي‪ ..‬ل‪)..‬‬ ‫قال ذلك‬ ‫لم يحتسب‪.‬‬ ‫كان يصغـر‪..‬‬ ‫والوهم يكبر‪..‬‬ ‫والطريق يـ‪..‬ط‪ ..‬و‪ ..‬و‪..‬و‪ ..‬ل‪...‬‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫املدينة التي أمضيت فيها الفترة العظمى‬ ‫من شبابي‪،‬يف اململكة العربية السعودية‬ ‫و ُأ ِك ُّن لها وألهلها فائق احملبة واالحترام‪.‬‬

‫السنُونُ بنا ِسرَاع ًا‬ ‫لقد مَ َض ِت ِّ‬ ‫َك� ِ�م � ْث� ِ�ل ال � َّ�س ��اعِ أو عَ ��دِّ ال � َث��وان��ي‬ ‫وعَ � � ��ا َو َدن� � ��ا ال��حَ �ن �ي��نُ إل� ��ى بِ �ل��ادٍ‬ ‫و َن ��ازَعَ �ن ��ا ال � ِ�ف ��راقُ إل �ي� ِ�ك ث��ان��ي‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫شكرا سكاكا‬

‫�اص � َر ب��ي َزم��ان��ي‬ ‫سَ �ك��اك��ا ق��د َت � َق� َ‬ ‫وَحَ � ��قِّ ِم� � َن� �ز ِ​ِّل ال� َّ�س � ْب� ِ�ع ال��مَ � َث��ان��ي‬

‫فقد ِع ْشنَا من النُّ عْ مى ُضرُ وب ًا‬ ‫وحَ ��قَّ ��قْ �ن��ا ال� � َرغ ��ائ ��بَ واألم ��ان ��ي‬ ‫عَ � � ��زي� � ��زٌ أن يُ � � �ف � ��ارِ َق� � �ن � ��ا ع ��زي ��زٌ‬ ‫�ف بِ ��مَ ��نْ يُ � �ف ��ارِ قُ كُ ��لَّ ش��ان‬ ‫َف � َك � ْي� َ‬

‫‪ρρ‬نزار اخلطيب*‬

‫َف � � ُ�ش � ��كْ � ��ر ًا ل� �ل� �ب�ل�ادِ وق��اط �ن �ي �ه��ا‬ ‫�ول ول �ل �م �ب��ان��ي‬ ‫وش � �ك� ��ر ًا ل �ل� ُّ�س �ه� ِ‬ ‫�ال ول � �ل � �ب� ��راري‬ ‫وش � � �ك� � ��ر ًا ل � �ل � � ِّت�ل� ِ‬ ‫�ان‬ ‫وش � �ك� ��ر ًا ل �ل � َّن �خ �ي� ِ�ل ول �ل� ِ�ج � َف� ِ‬ ‫الل َت ��فُ ��وحُ ِع� ْ�ط��ر ًا‬ ‫وش� �ك ��ر ًا ل� �ل ��دِّ ِ‬ ‫�ان‬ ‫�داح ولِ � � ْل � � َب � �ن � ِ‬ ‫وش� � �ك � ��ر ًا ل � �ل� � ِ�ق� � ِ‬ ‫وش� � �ك � ��ر ًا ل �ل��إِ ل � ��هِ أَجَ � � � � ��لَّ ُش� ��كْ � ��رٍ‬ ‫يُ ��حَ � ِّ�ط��مُ كُ � ��لَّ ب��الِ � َغ��ةِ ال�م�ع��ان��ي‬ ‫ألي� ��ادي‬ ‫َف� ُ�ش��كْ ��رُ اهللِ ِم ��نْ ُش��كْ ��رِ ا َ‬ ‫الجودِ من طَ ب ِْع الجَ ب َِان‬ ‫وَكُ فْ رُ ُ‬ ‫وأ َْح� ��سَ � ��نُ م��ايُ � ِ�س � ْي��غُ ل � َن��ا َودَاع� � � ًا‬ ‫لوب بذي المَ عَاني‬ ‫مُ قا َبلَةُ القُ ِ‬ ‫سَ � �م ��اح� � ًا ي ��ا أ َِح� � َّب� � َت� �ن ��ا سَ �م��اح � ًا‬ ‫�واض��عُ والتَّ فاني‬ ‫َاك هو ال��تَّ � ُ‬ ‫َف� �ذ َ‬

‫ * شاعر سوري مقيم في سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪77 )2016‬‬


‫َأنَّ ُة َو َج ٍع‬

‫إلى بهجة الدنيا التي رحلت‪...‬‬

‫‪ρρ‬سليمان العتيق*‬

‫ساعديك‬ ‫َ‬ ‫أرِ حْ‬

‫نعي َم التصافِ ي‬

‫على متن ِ ليل ٍ‬

‫وطيبَ التساقِ ي‬

‫ـاصرُ ُه الوجدُ في كل ِ حالْ‬ ‫يُ خ ِ‬

‫المسرات ِصرف ًا حَ ـاللْ‬ ‫ِ‬ ‫شربْنا‬

‫جناحيك‬ ‫َ‬ ‫وأرسلْ‬

‫ِبت من الدهر ِ‬ ‫عَ جـ ُ‬

‫ُروب‬ ‫عـنـ َد الغـ ِ‬

‫كيف استدار؟‬ ‫َ‬

‫ي َُحـطان ِ فوقَ غُ صون ِ الخيالْ‬

‫وبـد َد أ ُ نـسـ ًا‬

‫وأسـق ِ الظمأ من الذكريات ِ‬ ‫ْ‬

‫وأظـلـ َم دارًا‬

‫ِك واالرتِ حـالْ‬ ‫تراجي َع حـُزنـ َ‬

‫وفجـ ّ َر دَمْ عـ ًا على الخ ِـد سالْ‬

‫وكفكف دموعَ َك‬ ‫ْ‬ ‫ِغبَ الشروق ِ‬

‫أيا شج َر الخَ وخ ِ‬

‫ليَهْ ِمي الغَمامُ‬

‫كيف شربْتَ ؟‬ ‫َ‬

‫ي َُحـط ُالحَ ـمامُ‬ ‫على شجر ِ التين ِ والبُرتـُقالْ‬ ‫***‬

‫بهـا َء الزُ هـور ِ ورُو َح الجَ مالْ ؟‬ ‫ويا طائر الدوح ِ‬ ‫كيف طربتَ ؟‬

‫نومها‬ ‫تنهض من ِ‬ ‫ُ‬ ‫تباريح َك‬ ‫ُ‬

‫وكيف وكيف يكونُ السؤالْ ؟‬

‫وتـَتـْلـُو القصائـ َد في يومـِها‬

‫وتِ ـلـ ْك التي قدْ ألهَـمـَتـ َْك‬

‫وتـنـثـرُ كلَ أماني الوصـالْ‬

‫أغان ِ المحبـةِ ‪ ،‬قدْ أنشَ ـ َدتـ َْك‬

‫لقـيْـنا بـهِ‬ ‫سقى اهلل ُ دهـر ًا ِ‬

‫خلف التـِاللْ ؟‬ ‫َ‬ ‫يـُغـَيِّـبُها القبرُ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫***‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬وعد العمري*‬

‫كان يشبه براءة المطر‬

‫كان قلبك كالبيت العتيق‬

‫كان يزين المكان بالذكرى‬

‫لم يحو ضوءا غير ضوء القمر‬

‫عطر كانت فيه روح البحر‬

‫محاطا بالشجر‬

‫مملوءٌ بالغرقى‬

‫كنت أنا القروية البسيطة‬

‫عطرٌ كان عطرك‪..‬‬

‫بثوبها األحمر الطويل‬

‫كان فيه قلبك‬

‫تقف على النافذة‬

‫وصوتك‪..‬‬

‫حتى تظهر‪..‬‬

‫تنبؤ مجيئك‪ ..‬والتفاتات البشر‬

‫ومن عينيها‪،‬‬

‫عطر كان يسكر الموتى‬

‫تعرف كم بات الشوق فيها والسهر‬

‫تلذذ بعذابي‪..‬‬

‫لوّحت لك‪..‬‬

‫لما شكوت القهر‬

‫ولم تقل لك انتظر‪!..‬‬

‫كان يحاورني‬

‫كان كل شيء فيها يقول لك ابق‪..‬‬

‫هل نسيت؟‬

‫من ارتعاشة يدها إلى دمع عينيها‬

‫هل بقي؟‬

‫وتعثرها بثوبها‪ ..‬األحمر‬

‫أم رحل؟‬

‫عطرٌ كان عطرك‬

‫في العطر هذا‬

‫لم تنسه ذاكرة قلبها‬

‫كنت أنا وأنت‬

‫ولم تختر الرحيل‬

‫لم أكن ذكرى‬

‫لمّ ا قالت لك اختر‪..‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫عطر‪..‬‬

‫* طالبة ‪ -‬جامعة الطائف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪79 )2016‬‬


‫د‪ .‬عبداهلل الصالح العثيمين‬ ‫ يرحمه اهلل ‪-‬‬‫‪ρρ‬د‪.‬عبدالرحمن الشبيلي‬

‫عندما أعود لجذور المعرفة التي جمعتني بالراحل‪ ،‬وهي قد تسبق زمالة أغلب‬ ‫َم��ن عاصره في جامعة الملك سعود أو في اسكتلندا‪ ،‬أجدها تعود إل��ى صفوف‬ ‫المدرسة العزيزية األولى في عنيزة‪ ،‬التي ضمتنا مع ًا قبل ستين عام ًا ونيّف‪ ،‬مع‬ ‫اختالف بسيط في فصولنا‪ ،‬وأشعر أن تلك األسبقية تفرض عليّ واجب ًا إضاف ّي ًا‬ ‫للمشاركة‪.‬‬ ‫في تلك السنوات‪ّ ،‬ظ َلل َْت مدرستنا أبوة مرب َييْن عظي َميْن بقي اسمهما ورسمهما‬ ‫يتوّج تاريخ التربية والتعليم في المدينة‪ ،‬وهما األستاذان صالح بن ناصر الصالح‪،‬‬ ‫وشقيقه عبدالمحسن‪ ،‬ومعهما في مجتمع المدارس الرائدة عبدالعزيز الدامغ‪،‬‬ ‫وحمد الشريّف‪ ،‬وعلي السيوفي‪ ،‬ومحمد الخليفي‪ ،‬وسليمان الشبل‪ ،‬ومحمد‬ ‫المطوع‪ ،‬وعبداهلل العلي اليحيى‪ ،‬وعبدالرحمن البطحي‪ ،‬يرحمهم اهلل‪.‬‬ ‫وجمعتنا تلك الحقبة أيضاً‪ ،‬بنماذج‬ ‫عديدة من المدرّسين‪ ،‬من بينهم على‬ ‫سبيل المثال أساتذة كبار‪ ،‬كنا منذ تلك‬ ‫األيام نستشعر بوادر الوطنية واإلخالص‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ف���ي ن���ب���رات تنظيمهم وإس��ه��ام��ات��ه��م‬ ‫التعليمية‪ ،‬وه��م ‪-‬على سبيل المثال‪-‬‬ ‫عبدالرحمن الصالح العليّان‪ ،‬وعبداهلل‬ ‫العرفج‪ ،‬وعبداهلل العلي النعيم‪ ،‬حفظهم‬


‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫اهلل‪ ،‬من قادة الحركة التعليمية فيها‪ ،‬وتبني‬ ‫م��ش��روع��ات إنهاضها الثقافي والتنموي‬ ‫والتعليمي‪ ،‬فكان من مبادراتهم أن سبقوا‬ ‫تحت أضواء مصابيح الكيروسين (األتاريك)‬ ‫بإقامة ال��ن��ادي األدب��ي (‪1372‬ه����ـ‪1952/‬م)‬ ‫ُؤجج‬ ‫ال��ذي ك��ان مُشعِ ل النبوغ الفكري‪ ،‬وم ِ‬ ‫الشعور الوطني عند الشعراء بخاصة‪.‬‬ ‫وفي أحد منعطفات سوق المدينة المكتظ‬ ‫بالبيع والشراء حتى وقت الغروب‪ ،‬كنّا نلحظ‬ ‫فتىً في ريعان الشباب يخرج من منزله‪،‬‬ ‫يخترق جموع ال��ن��اس‪ ،‬ي��ت��ردّد على الجامع‬ ‫الكبير‪ ،‬ليتابع حلقات الشيخ عبدالرحمن‬ ‫السعدي بانتظام‪ ،‬جنباً إلى جنب مع أقرانه‬ ‫م��ن طلبة العلم م��ن ك��ل األن��ح��اء المحيطة‬ ‫بالبلدة‪ ،‬وهكذا قدّر لشقيقه الشيخ محمد‬ ‫ابن عثيمين أن يح ّل محل الشيخ ابن سعدي‬ ‫في إمامة الجامع والتدريس فيه بعد وفاته‬ ‫عام ‪1376‬هـ‪ ،‬وكنا كثيراً ما نحضر دروسهم‬ ‫قبيل العصر‪ ،‬ونشهد كاتب الشيخ السعدي‪،‬‬ ‫الشاب عبداهلل السليمان السلمان يحفظه‬ ‫اهلل ذَا ال��خ��ط الجميل‪ ،‬ي��ج��ول ف��ي حركة‬ ‫وابتسامة دائمتين‪ ،‬يوزع وقته بين مالزمة‬ ‫الشيخ ابن سعدي وأداء واجباته التعليمية‪.‬‬

‫المتمثل في اغتصاب فلسطين‪ ،‬واحتالل‬

‫الفرنسيين للجزائر‪ ،‬وبوادر مشكلة البريمي‪،‬‬ ‫والعدوان الثالثي على مصر‪ ،‬وهو ما جعل‬

‫الشعراء الشباب ينخرطون في نظم قصائد‬

‫ثورية تضاهي ما كان يقوله شعراء فلسطين‪،‬‬

‫والجزائر‪ ،‬وال��ع��راق‪ ،‬ومصر‪ ،‬وب�لاد الشام‬ ‫وغيرها‪.‬‬

‫م ّر في مسيرة حياته التعليمية بتحوّالت‬

‫ع��دة‪ ،‬من بينها ال��ت��ردد في اختيار مساره‬ ‫التعليمي ال���ذي يستهويه‪ ،‬أو االن��خ��راط‬

‫في تلك األجواء‪ ،‬عاش معظم أبناء جيله في مهنة وال��ده وأعمامه (البيع والشراء)‪،‬‬ ‫ممن لم تجتذبهم الهجرة أو ال��ن��زوح‪ ،‬بين ومنها الفصل من المعهد العلمي لنشاطه‬ ‫منشغل بالدراسة أو بالتجارة أو بالزراعة الفكري‪ ،‬ثم من الجامعة بسبب مقال انتقد‬ ‫ٍ‬ ‫وال��ح��رف المختلفة‪ ،‬وك���ان مثل كثير من فيه مناهجها‪ ،‬وقد تغلّب على تلك الظروف‬ ‫الشباب المتفتّح ال��ق��ارئ‪ ،‬يتنازعه شعور بعزيمته‪ .‬ومن المفارقات أنه أصبح عضواً‬ ‫غامر من الحزن مما تعانيه األمة من الظلم في لجنة إصالح المناهج في وزارة المعارف‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪81 )2016‬‬


‫وإن لم يتمكن فيها من إفراغ كل ملحوظاته أستاذه د‪ .‬عبدالعزيز الخويطر‪ ،‬وتنفّس عبر‬ ‫عليها‪ ،‬نَ ِ��ج��د اإلش���ارة إل��ى ه��ذه التحوّالت رئ��ات وطنية ثَ�َلَث‪ :‬من العروبة بمفهومها‬ ‫وغيرها فيما كتب عنه من مقاالت أو مراثي‪ ،‬ال��ق��وم��ي ال���ذي ال ي��ت��ج��زّأ‪ ،‬وم���ن فلسطين‬ ‫إال أنه في حدود ما أعلم‪ ،‬لم يخلّف سيرة بإصرار العودة الكاملة لألرض المغتصبة‪،‬‬ ‫مطبوعة‪.‬‬ ‫ومن مسقط رأسه عنيزة بعاطفته وخلجات‬

‫وبالرغم من تلك المنغصات‪ ،‬يُ��رى أبا نفسه‪ ،‬وثار في إبداعه الشعري على ثَالثية‬ ‫صالح مبتهجاً دائ��م��اً‪ ،‬قريباً من رب��ه‪ ،‬ب��اراً الجهل والتخلّف واالن��ه��زام‪ ،‬وت��د ّث��ر بثالثة‬ ‫بوالديه‪ ،‬سعيداً بحياة أسرية مستقرة مع لُحُ ف‪ :‬البساطة والموقف واإلب��اء‪ ،‬وله من‬ ‫ابنة عمه‪ ،‬ينشرح ص��دره لمفاتن مدينته‪ ،‬رصيد التأليف ثالثون ديواناً وكتاباً‪ ..‬حظي‬ ‫ويطرب لكلمة إطراء فيها‪ ،‬أو لسماع مقطع تاريخ وطنه وحياة ف��ارس التوحيد (الملك‬ ‫ال��م��ؤس��س) بالنصيب األوف���ى منها‪ ،‬لكنه‬ ‫من سامريتها‪.‬‬ ‫مدخل منذ صغره‪ ،‬وبعد اغتصاب فلسطين وثورة‬ ‫ٍ‬ ‫قصدت من تلك المقدمة إعطاء‬

‫يصوّر أج��واء طفولته‪ ،‬وبيئة نشأته‪ ،‬ونشأة الجزائر القضيّتين اللتين وعاهما بوجدانه‪،‬‬ ‫ُصة يتجرّعها‬ ‫جيله من الشعراء عبداهلل الجلهم‪ ،‬ومحمد كان يروح ويغدو وفي حلقه غ َّ‬ ‫الفهد العيسى‪ ،‬وعبداهلل الحمد القرعاوي‪ ،‬قهراً وألـماً من وضع محيطه العربي‪ ،‬قال‬ ‫ومقبل العيسى‪ ،‬وعبداهلل الحمد السناني‪ ،‬قبل ستين عاماً نثراً وشعراً‪ ،‬يُـقرأ فيه واقع‬ ‫وصالح األحمد العثيمين‪ ،‬وإبراهيم الدام‪ ،‬اليوم‪:‬‬ ‫وعبدالعزيز المسلّم‪ ،‬ومحمد السليمان يا أخي‪ ،‬إن كبّلوا األحرار ظلم ًا بالسالسل‬ ‫الشبل‪.‬‬ ‫ورموا في السجن عسف ًا كلّ قوميٍّ مناضل‬ ‫الشيب واألطفال تُرمى بالقنابل‬ ‫احتفى به مجتمعه تكريماً واحتراماً‪ ،‬ورأيت ِّ‬

‫‪82‬‬

‫وظ�� ّل استحقاقاً ي��ت��ج�� ّدد‪ ،‬فهو ف��ي الشعر‬ ‫ناصية‪ ،‬وفي التاريخ ثبتٌ وموضوعيّة‪ ،‬وفي‬ ‫التحقيق العلمي أستاذ‪ ،‬وفي الوطنيّة إباء‬ ‫ورمز‪ ،‬وفي معيار البساطة مقياس ال يتغيّر‪،‬‬ ‫وه��و المرجع المعتمد والثقة في التاريخ‬ ‫المعاصر ل��ل��ج��زي��رة‪ ،‬وف��ي س��ي��رة الموحّ د‬ ‫(الملك عبدالعزيز) نهل من ثالثيّة أصيلة؛‬ ‫مدرسة ابن صالح في بلدته‪ ،‬ومن فقه شقيقه‬ ‫الشيخ محمد ب��ن عثيمين‪ ،‬وم��ن تخصص‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ورأي��ت الطغمة الحمراء تغتال األرام��ل‬ ‫وم�ض��ى يُ معن ب��اإلره��اب س��فّ ��احٌ مُ خاتل‬ ‫واإلرهاب زائل‬ ‫ُ‬ ‫ال تخف فالحكم حكم الفرد‬

‫ك��ان الراحل ‪ -‬المولود ع��ام ‪1936‬م ‪-‬‬

‫أس��ت��اذاً للتاريخ ف��ي جامعة الملك سعود‬

‫بالرياض‪ ،‬وصار عضواً في مجلس الشورى‪،‬‬ ‫وأميناً لجائزة الملك فيصل العالمية التي‬ ‫ودّعته بإجالل يليق به في حفلها األخير في‬


‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫الشهر الفائت‪ ،‬وكان كثيراً ما يفاجئ محفلها‬

‫وطنه وعشيرته‪ ،‬ومسكون ب��أزم��ات أمٌته‪،‬‬ ‫ح��اض��ر ال��ب��دي��ه��ة‪ ،‬ع��ف��وي ال��ت��ع��ام��ل‪ ،‬بسيط‬ ‫المظهر والمسكن والمأكل‪ ،‬ال تغادره الكلمة‬ ‫ال��م��رح��ة وال القصيدة ال��م��ازح��ة‪ ،‬يحبكها‬ ‫فصيحة‪ ،‬أو ينظمها تفعيلةً‪ ،‬أو يقولها نبطية‪،‬‬ ‫وإن شاءها فتارة قوميّة‪ ،‬وأخرى وجدانيّة‪،‬‬ ‫وثالثة حميم ّيةً‪.‬‬

‫يتمكّن م ّر ًة من اإلتيان بما يريد قوله‪ ،‬فنظم‬

‫ارت��وى ‪ -‬كما سبق ‪ -‬من معين شقيقه‬ ‫(ال��ش��ي��خ محمد العثيمين ال��م��ت��وفّ��ى ع��ام‬ ‫‪2001‬م) وتأثّر به‪ ،‬وحافظ على إرثه وتراثه‪،‬‬ ‫وصار مجم َع األسرة من بعده‪ ،‬واألمي َن على‬ ‫سمات الزهد والصالح في سمعته‪ ،‬والتزم‬ ‫في عدد من كتاباته بتوضيح ما نُسب للوهابية‬ ‫من مفاهيم مغلوطة (وكان الموضوع عنوان‬ ‫رسالته للدكتوراه ‪1972‬م)‪ ،‬وألّ��ف وترجم‬ ‫في تاريخ ال��دول��ة السعوديّة‪ ،‬واؤت��م��ن على‬ ‫تدوين سيرة الملك المؤسّ س‪ ،‬وعلى رصد‬

‫بقصيدة من نظمه تناسب الموقف لتقديم‬ ‫أح��د ال��ف��ائ��زي��ن‪ ،‬وتُ��ط��اب��ق أب��ي��اتُ��ه��ا الحدث‬

‫والظرف‪ ،‬وتلتزم قافيتُها بذكر اسم راعي‬ ‫الحفل أو ب��اإلي��م��اء للشخصيّة المكرّمة‪،‬‬ ‫وتكون من الجزالة والرقّة ما يجعلها ِحليـ ًة‬ ‫من حُ ليّ الحفل وخريدة مشوّقاته‪ ،‬لكنه لم‬

‫قصيد ًة مطلعها‪:‬‬

‫ل��و ي��رح��م الشعر أم�ث��ال��ي لوافاني‬ ‫�ول وت �ب �ي��ان��ي‬ ‫ب� �م ��ا ت � � � ��ودّون م� ��ن ق � � � ٍ‬ ‫ألرس��م اللوح َة النشوى‪ ،‬مجنٌ حةً‬ ‫م �ع � ّب��ر ًا ع��ن أح��اس�ي�س��ي ووج��دان��ي‬ ‫لكنّ شيطانه استعصى وف � ّر على‬ ‫شهباء عاصفةٍ من مربط الجان‬ ‫وه��و‪ ،‬مع هيئته ال��وق��ورة مت ّي ٌم في حب‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪83 )2016‬‬


‫قصة توحيد هذا الكيان‪ ،‬وعمل على تفنيد االجتماعي بعنيزة قبل اثني عشر عاماً‪ ،‬وبثّ‬

‫بعض أخطاء المؤرخين والمستشرقين بشأن فيه مشاعر ال تغيض وال تنقطع‪ ،‬مستذكراً‬ ‫تأسيسه‪ ،‬وق��د غلبت تاريخ ّيتُه شاعر ّيتَه‪ ،‬مراتع الصبا وم��راب��ع الشباب‪ ،‬ومستعيداً‬

‫حتى صار المجتمع ينظر إليه مؤرّخاً أكثر ذك���ري���ات م��درس��ت��ه وم���د ّرس���ي���ه وأق���ران���ه‪،‬‬ ‫منه أديباً وشاعراً‪ ،‬مع أن الشعر عنده هو‬ ‫وحلقات الكتاتيب وال��م��دارس ال��رائ��دة في‬ ‫األساس منذ أن ترجم له كتاب «شعراء نجْ د‬ ‫التعليم الحديث‪ ،‬وأسواق المدينة وحياتها‪،‬‬ ‫المعاصرون» لعبداهلل بن إدري��س قبل ستة‬ ‫وأي��ام العيد فيها‪ ،‬ون��دوات الثقافة الرائدة‬ ‫وخمسين عاماً‪.‬‬ ‫وديوانيٌاتها‪ ،‬ونزهات النفود وكثبان الرمال‬ ‫حظي مسقطُ رأسه ‪ -‬عُنيزة بالقصيم‬ ‫وغ��اب��ات الغضا ووادي ال��رم��ة‪ ،‬ومنتديات‬ ‫ بنسبة م��ن قصيده ال��وج��دان��ي الجميل‪،‬‬‫وخصها بكثير من كتاباته‪ ،‬وال غرابة في السمر‪ ،‬عبّر عن ذلك في العديد من مقاالته‬ ‫ّ‬ ‫األمر‪ ،‬فهو ينظر إليها نظرة المُغرم ال َولِه‪ ،‬وقصائده‪ ،‬وك��ان من أشهر مطوّالته عنها‪،‬‬ ‫يفضلهاإلجازاته‪ ،‬فهو ال يكاد يغادرها حتى تلك التي كتبها ‪ -‬ول��م تكن األق��دم ‪ -‬عند‬ ‫ّ‬ ‫ينازعه الشوق للعودة إليها‪ ،‬وال أخالُه يغيب عودته من البعثة عام ‪1972‬م قال فيها‪:‬‬ ‫عنها مهما ك��ان��ت األس��ب��اب‪ ،‬وال يقارنها‬ ‫بضيْعات لبنان‪ ،‬وال يبادلها بريف «أدنبرا»‬ ‫التي درس فيها‪ ،‬فهو يتغزّل دوم��اً برباها‬

‫وببساتينها‪ ،‬ويستم ّد منها كثيراً من الصور‬

‫حبيبتي‪ ،‬أنت يا فيحاءُ ‪ ،‬ملهمتي‬

‫م��ا خ� ّ�ط�ـ��ه ق�ل�م��ي ش �ع��راً‪ ،‬وم��ا كتبا‬ ‫وبعد؛ يقصر المقام عن تعداد مؤلّفاته‬

‫الذهنية الزاهية المختزنة في ذاكرته منذ التاريخية وقراءة شعره‪ ،‬لكنّ مَن يتجوّل في‬ ‫الصغر عن النشأة والطفولة فيها‪ ،‬والعادات دواوينه العشرة‪ ،‬وفي كتبه الثالثين‪ ،‬يجد أن‬

‫والتقاليد‪ ،‬ويحفظ ما قيل فيها وعنها من القضية العربية قاس ٌم مشترك‪ ،‬استحوذ على‬ ‫أش��ع��ار‪ ،‬وإن سُ ئل عن فنونها فهو الخبير‬ ‫همّها األكبر منذ الصغر وحتى اليوم‪ ،‬وأن‬ ‫بضروبها وعَ روضها وأوزان��ه��ا‪ ،‬وبجلسات‬ ‫أسَ فَه على واقع األمة المعاصر يشكّل غمّه‬ ‫الحوطي والناقوز وال��س��ام��ري‪ ،‬وه��ي التي‬ ‫وقلقه‪ ،‬وأن تطلّعه لإلصالح االجتماعي في‬ ‫اشتهرت بصنوف وأل��وان تراثية برعت بها‬ ‫وطوّرتها وأج��ادت تطبيقاتها‪ ،‬وقد يشارك الوطن العربي كان الشاغل األبلغ لخاطره‪،‬‬ ‫هو أحياناً في الترنّم بـفن (اللعبونيّات)‪ ،‬وقد في شعر وجداني أصيل‪ ،‬وكتابات ال تنقصها‬ ‫خصص لعنيزة كتابه الثامن والعشرين «أنت الفصاحة والصراحة‪ ،‬عبّر فيها عن خلجات‬ ‫ّ‬

‫‪84‬‬

‫يا فيحاءُ مُلهمتي»‪ ،‬أصدره مركز ابن صالح النفوس المكلومة بالواقع العربي األليم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الشاعر والكاتب السعودي‬

‫حسن السبع‬ ‫عندما يسقط القلم من يدي‬ ‫سأقول ما قاله كازنتزاكي‪« :‬لم أتعب ولكن الشمس غربت»!‬

‫شاعر وروائي يَعْ بُرُ منعرجات الكتابة بتأنِّ وصبرٍ ومكابدةٍ ومجاهدة‪ ،‬يعثر على‬ ‫شجرة أنسابه الشعرية من القصيدة التي يكتبها بحذر شديد‪ ،‬وبفتنة مدهشة‪.‬‬ ‫بسحر يمتلك المتلقي للتقاطعات الجوهرية في نصه الشعري الذي يجمع بين‬ ‫ما هو تراثي وذاتي‪ ،‬تخييلي وواقعي‪ ،‬يوْمي ونوستالجي‪ ،‬كأنك تذهب معه مرتاح ًا‬ ‫في سياحةٍ إبداعيةٍ ألرخبيالت القصيدة والرواية لتكشف خبايا الجمال واإلبداع؛‬ ‫إب ��داعُ ي�ق��ودك لطمأنينة ال��روح والقلب وال��ذاك��رة‪ .‬مسكونُ باألمكنة والذكريات‬ ‫الطرية في بهو مخيلته‪ ،‬ومغرم بالشخصيات التاريخية التراثية التي كانت مؤثرة‬ ‫في التاريخ اإلنساني‪ ..‬إذ وظفها بنجاح وذكاء في روايته «ليالي عنان»‪.‬‬ ‫حوار خص به مجلة الجوبة منذ البداية ليترك للقراء فسحة نقية لالطالع‬ ‫على عوالمة في اإلبداع والكتابة والحياة‪.‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره د‪ .‬أحمد الدمناتي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪85 )2016‬‬


‫¦ ¦ ُت�ع��د األمكنة م��ن األس��س المهمة لبناء‬

‫لصار المكانُ القديمُ أَزْهَ ى وأنضرْ»‪.‬‬

‫ال� �ع� �م ��ل اإلب� � ��داع� � ��ي؛ ك� �ي ��ف ت �ح �ض��ر ف��ي ¦ ¦ه��ل م��ن ذك��ري��ات ال تُنسى م��ع الشاعرين‬ ‫نصوصك الشعرية‪ ،‬وعالمك الروائي؟‬ ‫ال ��راح� �ل� �ي ��ن غ� � ��ازي ال �ق �ص �ي �ب��ي وم �ح �م��د‬ ‫‪ρ ρ‬األماكن كاألشخاص في الخفة والثقل‪،‬‬

‫الثبيتي رحمهما اهلل؟‬

‫وال��م��رح وال��ك��آب��ة‪ ،‬وال��رق��ة وال��خ��ش��ون��ة‪ρ ρ ،‬لم ألتقِ بالدكتور غ��ازي القصيبي‪ ،‬بل‬ ‫والصخب وال��ه��دوء‪ ،‬واالنفتاح والتزمت‪،‬‬ ‫ك��ان��ت بيني وب��ي��ن��ه ب��ع��ض ال��م��راس�لات‬

‫واالنغالق وسعة األفق‪ ،‬واألناقة والفوضى‪.‬‬ ‫هنالك أماكن واضحة المالمح وأخرى ال‬

‫مالمح لها‪ .‬وتختلف العالقة بالمكان من‬ ‫شخص آلخر حسب االهتمامات والميول‬ ‫والمقاصد‪ ،‬وما هو مملٌّ عند زيد‪ ..‬قد ال‬

‫يكون كذلك عند عمرو‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫اتسمت بالطرافة‪ .‬سأقتبس بعض سطور‬ ‫من إحدى رسائلي إليه‪:‬‬

‫«أرج��و أن تغف َر لي مخاطبتك بصيغةِ‬

‫ال��م��ف��رد‪ ،‬أح��ي��ان��ا‪ ،‬ف��ه��و (م��ف��رد بصيغة‬ ‫الجمع) على الطريقة األدونيسية‪ .‬ذلك‬ ‫أني ما زل��تُ تحت تأثير لغة وشطحات‬

‫م��ع ذل���ك‪ ،‬ف���إن م��ن يُ���ز ّي���ن ال��م��ك��ان هو‬

‫الفنان‪ ،‬الصعلوك‪ ،‬الملياردير‪ ،‬صديق‬

‫نصوصي الشعرية على النحو اآلتي‪:‬‬

‫ضمير المرحلة وصوتها‪ ،‬حكيم الحكماء‪،‬‬

‫اإلنسان‪ .‬وقد عبرت عن ذلك في أحد‬

‫الجميع‪ ،‬طيب الذكر‪ ،‬دونكيشوت العصر‪،‬‬

‫«وحَ زَمْ نا حقائبَنا لنساف ْر‬ ‫لهاث الصحارى‬ ‫ربما يختفي ُ‬ ‫َّات عَ دْ ٍن ونحن نساف ْر‬ ‫وتنبت جن ُ‬ ‫ُ‬ ‫المسافات‬ ‫ِ‬ ‫وطَ َويْنا‬ ‫الجهات‬ ‫ِ‬ ‫ُج ْبنَا وُ عُ و َد‬ ‫ولكنّنا لم نغاد ْر‬ ‫المكان بنا تتآم ْر‬ ‫ِ‬ ‫لم َتزَلْ وحشةُ‬ ‫تتكس ْر‬ ‫َّ‬ ‫واألماني العصيّةُ ِمنْ حولِ نا‬ ‫قد حَ َل ْلنَا مكان ًا قص ّي ًا‬ ‫ولكنّنا بَعْ دُ لم نتغ ّي ْر‬ ‫المكان إلى لحظةٍ ِمنْ‬ ‫ِ‬ ‫لو عَ َبرْنا حري َر‬ ‫حريرٍ‬ ‫القلب‬ ‫ِ‬ ‫ثم أ َز ْلنَا الرما َد الذي َترَا َك َم في‬

‫ضحية عربستان الكبرى‪ ،‬البروفيسور‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الخضيري (ب��ش��ار ال��غ��ول)‪ ،‬الشخصيـة‬

‫الرئيسـة ف��ي رواي��ت��ك��م (العصفورية)‪.‬‬ ‫غير أني لم يحالفني الحظ‪ ،‬كما حالف‬ ‫ال��ب��روف��ي��س��ور ف��ي االق���ت���ران بزوجتين‬

‫جميلتين وفيتين مثل (دفاية وفراشة)‬

‫تخترقان بي الجدار بشكل عجائبي عند‬ ‫أي مأزق!‬

‫وال أك��ت��م ع��ن��ك��م س����را‪ ،‬ف��ق��د أعجبت‬

‫بشخصية (دفاية) إعجابا عظيما‪ .‬وأتمنى‬ ‫أن ال يكون البروفيسور نرفوزا وال نرفازا‬

‫وال نرفيزا‪ ..‬ثم يعطيني محاضرة عن‬ ‫الحشمة والوفاء‪ ،‬وزوجات األصدقاء‪ ..‬إذ‬


‫ومرحاً ودفئاً ولحماً وشحماً من نساء‬

‫قلت في رسالتي إليه‪( :‬رأي��ت أن أبعث‬

‫الفضائيات األثيرات الشفافات»‪.‬‬

‫لكم ب��ه��ذه النصوص الضاحكة كشكل‬

‫كان غازي القصيبي إنسانا قبل أن يكون‬

‫من أشكال التواصل بين روحين تعشقان‬

‫إدارياً وسياسياً وأديبا‪ .‬فهو ال يغفل في‬ ‫تواصله مع اآلخرين أصغر التفاصيل‪.‬‬ ‫بعثت له عندما كان سفيراً في بريطانيا‬ ‫ببعض دواوي��ن��ي الشعرية‪ ،‬وب��ص��ورة من‬ ‫مقال نشرتـ ُه بالملحق األدب��ي لجريدة‬

‫النكتة و«تقترفان» الشعر جادا وهازال)‪.‬‬ ‫لم يمنعه تعدد مسؤولياته وتشعبها من‬ ‫أن يبعث باألبيات الضاحكة إلى األستاذ‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫يبدو أن نساء العالم السفلي أكثر شقاو ًة‬

‫فلفل)‪ ،‬وبمجموعة من األبيات الضاحكة‪.‬‬

‫خالد القشطيني ليعلق عليها في زاويته‬ ‫في جريدة الشرق األوسط‪.‬‬

‫(ال���ري���اض) ح��ول شخصية واح���دة من‬

‫أما الشاعر الراحل محمد الثبيتي فهو‬

‫رواي��ت��ه (سبعة) بعنوان‪( :‬شحتة كنعان‬

‫صديق قديم‪ ،‬وقد التقيتُ به كثيرا في‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪87 )2016‬‬


‫ال���ري���اض وج���دة وال��ط��ائ��ف والمنطقة‬

‫الشرقية‪ .‬وهو قامة شعرية سامقة‪ ،‬وقد‬ ‫أضافت تجربته إل��ى المشهد الشعري‬ ‫قيمة‬ ‫ٍ‬ ‫المحلي وال��ع��رب��ي نصوصاً ذات‬

‫إبداعية عالية‪ .‬لكنه رحل مبكرا‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫¦ ¦هل من ذكريات مع قصائد الشاعر إيليا‬ ‫أبي ماضي‪ ،‬وخصوصا قصيدة الطين؟‬ ‫‪ρ ρ‬ت��ع��رف��ت ع��ل��ى ع��ال��م إي��ل��ي��ا أب���ي ماضي‬

‫الشعري وأنا طفل صغير‪ .‬كان أبي مغرماً‬

‫بدواوين الشاعرين أبي ماضي وبولس‬ ‫سالمة‪ ،‬إضافة إلى اقتنائه لبعض الكتب‬

‫التاريخية والدينية‪ .‬وقد عبَّرت عن تعلق ¦ ¦ما هي مصادر وينابيع قصيدتك‪ ،‬خزائن‬ ‫الوالد بنتاج إيليا أبي ماضي الشعري في‬ ‫ال� � ��ذات ال� �ش ��اع ��رة‪ ،‬أم ف � �ض� ��اءات ال �ع��ال��م‬ ‫قصيدة لي في رثائه جاء فيها‪:‬‬

‫«مَ � ��نْ ذَا س �ي �ق��رأ إ ْي �ل � َّي��ا بجلستِ نا‬ ‫�وال إي� �ل� � َّي ��ا س �ي �ح �ت �ف��لُ‬ ‫وم � ��ن ب � ��أق � � ِ‬

‫‪ρ ρ‬إن النص الشعري ذات��ي على أية حال‪.‬‬ ‫ألنه حالة خاصة‪ ،‬أو شجن خ��اص‪ .‬ولو‬

‫من لـ (الجداول) جَ ذْ لى في َتدَفّ ِقها‬ ‫ولِ �ـ (الخمائل) ف��ي أفيائها ال��نُّ ��زلُ‬

‫بيان سياسي‪،‬‬ ‫لم يكن كذلك لتحول إلى ٍ‬

‫��اب ي��وم��يٍّ ع���ادي‪ .‬لكن ال��س��ؤال‪،‬‬ ‫أو خ��ط ٍ‬

‫ومن لِ ـ (تبر) أبي ماضي وقد شَ حَ ب َْت‬ ‫أل� ��وا ُن� ��ه ف �ه��و ف ��ي مَ � � ْن� � َف ��اه ي�ن�ت�ق��لُ‬

‫النص من تلك القوقعة الذاتية‪ ،‬أو من‬

‫هنا‪ ،‬هو كيف يستطيع الشاعر أن يخرج‬ ‫مخاض «محارة األنا» بما فيها من أفراح‬

‫�راب) ب� � َّ�ت تسكنه‬ ‫عَ � � َف ��ى ع �ل �ي��ه (ت � � � ٌ‬ ‫ق��د هندسته ي��دٌ إزم�ي�ل�ه��ا األج ��لُ »‬

‫إنسان منسي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأت��راح ليصبح تمزقات‬

‫الحظ أن النص قد أتى على ذكر دواوين‬

‫سلة فارغة‪،‬‬ ‫على ثغر طفلة‪ ،‬أو خبزاً في ٍ‬

‫أبي ماضي‪ :‬الجداول‪ ،‬والخمائل‪ ،‬وتبر‬

‫وتراب‪ .‬وهي الدواوين التي تالزم الوالد‬ ‫كظله‪ .‬وك���ان ي��ك��ره الغطرسة وال��غ��رور‬

‫‪88‬‬

‫الخارجي بكل مكوناته؟‬

‫فيتمثل دائما بقصيدة (الطين)‪ .‬‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ابتسامة‬ ‫ٍ‬ ‫أو لؤلؤةٍ على جيد حسناء‪ ،‬أو‬ ‫وكيف يحول ذلك اله ّم الذاتي أو الشجن‬

‫الخاص إلى ه ٍّم عام‪.‬‬

‫إن النص الشعري مزيج م��ن فضاءات‬ ‫العالم الخارجية وثقافة الشاعر ورؤيته‬


‫وقدرته على استيعاب دالالت األشياء‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ف��م��ا ع��ل��ى ال��ش��اع��ر أو ال��ك��ات��ب‬ ‫ع��ام‪ ،‬سوى أن يلتفت حوله فيجد مادة‬ ‫للكتابة‪ .‬لكن الكتابة ال تحركها األشياء ¦ ¦حصدت مجموعة من الجوائز المحلية‬ ‫المحيطة بنا أي���اً ك��ان��ت طبيعتها‪ ،‬بل‬ ‫وال� �ع ��رب� �ي ��ة‪ ،‬ه� ��ل ه � ��ذه ال� �ج ��وائ ��ز ت�ص�ن��ع‬ ‫يحركها اإلحساس بتلك األشياء والتفاعل‬ ‫ال�م�ب��دع‪ ،‬أم ت�ض��ع ع�ل��ى ع��ات�ق��ه مسؤولية‬ ‫معها؛ فوراء كل كتابة صادقة داف ُع قويٌ‬ ‫جمالية وإبداعية في عالقته بالمتلقي؟‬ ‫يغذي الفكرة وينميها ويخرجها إلى حيز‬ ‫‪ρ ρ‬أود أن أطمئنك أنني لم أحصد جائزة‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫واحدة‪ ،‬ولم أتقدم لنيل جائزة‪ ،‬ولي رأي‬ ‫¦ ¦ه ��ل ال ��عُ ��زل ��ة ض� ��روري� ��ة أح� �ي ��ان ��ا ل�ك�ت��اب��ة‬ ‫ف��ي م��وض��وع الجوائز األدب��ي��ة‪ .‬أتساءل‬ ‫القصيدة أو الرواية؟‬ ‫أحيانا ما هي اآللية المتبعة لمنح جائزة؟‬ ‫وح��ي��ن ي��ط��رح ه��ذا ال��س��ؤال يطفو على‬ ‫‪ρ ρ‬وللناس في ما يكتبون مذاهب؛ لذلك ال‬ ‫سطح الذاكرة س��ؤال آخر عن المعايير‬ ‫توجد إجابة محددة عن ه��ذا السؤال‪.‬‬ ‫التي يتم بموجبها منح الجائزة‪ .‬بديهي‬ ‫أعرف أصدقاء يكتبون وسط الضجيج‪.‬‬ ‫أن تتعدد اآلراء وتختلف في تقييم العمل‬ ‫عزلة وسط‬ ‫ٍ‬ ‫ونفسياً يمكن أن تكون في‬ ‫األدب���ي أو الفني؛ إذ ليس ض��روري��ا أن‬ ‫الزحام‪ ،‬لك عالمك ولآلخرين عالمهم؛‬ ‫يجمع أعضاء لجنة التحكيم على رأي‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن ضجيج الشارع أو المقهى ال‬ ‫واح��د‪ ،‬فالجمال نسبي‪ .‬كما أن حظوظ‬ ‫يشكل شيئا‪ .‬هنالك عوائق أخرى تحول‬ ‫الناس ليست متساوية في تذوق الجمال؛‬ ‫دون صفاء الذهن عبَّر عنها أحد الشعراء‬ ‫ولهذا نقول إن الجمال في عين الرائي‪.‬‬ ‫الفرنسيين بقوله‪« :‬ال أستطيع أن أكتب‬ ‫بأصابع مرتجفة»‪.‬‬ ‫لم أفكر مطلقا في المشاركة كمنافس‬ ‫وإلي��ض��اح ذل��ك المعنى أض��اف الكاتب‬ ‫ق��ائ�لا‪« :‬ال أس��ت��ط��ي��ع أن أك��ت��ب وس��ط‬ ‫العاصفة»‪ .‬ويعني ذل��ك أن االستقرار‬ ‫النفسي والصفاء الذهني شرطان الزمان‬ ‫لإلنتاج الفكري والفني‪ ،‬وأن أي شكل من‬ ‫أشكال القلق أو الخوف كفيل بتعطيل‬ ‫أو ش��� ّل ال���ق���درات اإلب��داع��ي��ة‪ .‬والقلق‬ ‫الذي أشير إليه هنا ليس قلقاً وجودياً‬

‫لنيل أية جائزة أدبية‪ .‬لكن عندما اقترح‬ ‫عليَّ الناشر ترشيح أحد أعمالي األدبية‬ ‫إلحدى الجوائز‪ ،‬لم أعترض ما دامت دار‬ ‫النشر هي التي ستتولى ذلك‪ .‬قد ال تكون‬ ‫األعمال الفائزة أفضل من تلك التي لم‬ ‫يحالفها الحظ‪ ،‬وأن قرار لجنة التحكيم‬ ‫ليس قراراً محكما‪ ،‬واألمر اآلخر متعلق‬ ‫بقدرات أعضاء لجنة التحكيم األدبية‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫أو فلسفياً‪ ،‬ألن مثل ه��ذا القلق الز ٌم‬ ‫لعملية اإلبداع‪ ،‬لكنه قل ٌق مرتبط بظروف‬ ‫اجتماعية أو معيشية خاصة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪89 )2016‬‬


‫والثقافية بالمملكة العربية السعودية؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال يمتلك اإلجابة عن هذا السؤال بثقة‬ ‫متناهية إال بعض (طرزانات) اإلجابات‬ ‫الجاهزة‪ .‬ألن الكالم عن المشهد الثقافي‬ ‫يقودنا إلى السؤال التالي‪ :‬ما هي أسباب‬ ‫حاالت الم ّد أو الجزر التي تنتاب الحياة‬ ‫الثقافية بين عقد من الزمان وآخر؟ لماذا‬ ‫ك��ان الضجيج الثقافي في الثمانينيات‬ ‫أك��ث��ر صخبا؟ وم��ا ه��ي أس��ب��اب ال��رك��ود‬ ‫الذي طبع الحياة الثقافية منذ منتصف‬ ‫التسعينيات؟‬

‫واإلب��داع��ي��ة‪ ،‬ومتعلق كذلك بذائقة كل‬ ‫عضو‪.‬‬ ‫اطلعت على محاوالت شعرية ألحد النقاد‬ ‫فتساءلت‪ :‬هل يؤتمن مؤلف هذه النصوص‬ ‫الهزيلة على نصوص المبدعين؟!‬ ‫ف���ي ب��رن��ام��ج (ب��ي��ت ال��ق��ص��ي��د) ال���ذي‬ ‫يقدمه الشاعر زاه��ي وه��ب��ي‪ ،‬تالحظ‬ ‫ضيفة ال��ب��رن��ام��ج ال��ف��ن��ان��ة األوب��رال��ي��ة‬ ‫(أراك�����س ش��ي��ك��ي��ج��ي��ان) أن إم��ك��ان��ي��ات‬ ‫بعض المتسابقين الصوتية تتفوق على‬ ‫الناقد عضو لجنة التحكيم؛ ما يعني‬ ‫أن المفضول يحكم على إب��داع من هو‬ ‫أفضل منه‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫¦ ¦ك�ي��ف تنظر ل �ح��راك ال�ح��رك��ة اإلب��داع�ي��ة‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫وق��د شكلت الفترة الممتدة م��ن بداية‬ ‫الثمانينيات إل��ى نهايتها عقداً ثقافياً‬ ‫نشطاً ومتحوالً‪ ،‬بل منعطفاً مهماً في‬ ‫التجربة المحلية على المستويين النقدي‬ ‫واإلب��داع��ي‪ .‬إذ دشنت ال��ظ��روف خالل‬ ‫ه��ذا العقد (ورش���ة عمل أدب��ي��ة) أكثر‬ ‫ضجيجاً وح��رك�� ًة وت��ح��والً وع��ط��ا ًء من‬ ‫السنوات السابقة أو الالحقة‪ .‬ولست‬ ‫هنا بصدد االنتصار لعقد ثقافي على‬ ‫آخر‪ ،‬فالنشاط الثقافي في هذا العقد‬ ‫ليس سوى نتيجة لمقدمات تشكلت خالل‬ ‫مرحلة سابقة‪ ،‬كما أن هنالك أص��وات‬ ‫ج��دي��دة ت��ف��وق��ت إب��داع��ي��اً ع��ل��ى بعض‬ ‫أصوات تلك الحقبة‪ .‬ولست كذلك بصدد‬ ‫فصل الفعل الثقافي هنا عن نظيره على‬ ‫مستوى الوطن أو العالم‪ ،‬ألننا ال نعيش‬ ‫في جزيرة ثقافية معزولة‪ .‬ولكن هذا‬ ‫ال يحول دون تميز مرحلة على أخرى‬


‫¦ ¦انتقال الشاعر من كتابة القصيدة لكتابة‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬ه��ل ه��ي استراحة ال�م�ح��ارب‪ ،‬أم‬ ‫ت�ج��ري��ب ل�ك�ت��اب��ة إب��داع �ي��ة ت�م�ن��ح متسعا‬ ‫آخ ��ر ل�ل�ب��وح ب�ت�ف��اص�ي��ل ال �ح �ي��اة اليومية‬ ‫وجزئياتها؟‬ ‫‪ρ ρ‬من العبارات التي شاعت مؤخرا أن هذا‬ ‫هو زمن ال��رواي��ة‪ .‬وهو قول ال يزعجني‬ ‫البتة؛ فالرواية شكل أدب��ي عظيم‪ ،‬لكن‬ ‫ه��ذا الوصف يصح على بقية األشكال‬ ‫األدبية والفنية األخرى‪ .‬إذ إن كل واحد‬ ‫منها عظيم ع��ل��ى ط��ري��ق��ت��ه ال��خ��اص��ة‪.‬‬ ‫عشاق النهايات‪ ،‬وحدهم‪ ،‬يضيقون بهذا‬ ‫التجاور‪ ،‬فيقولون‪ :‬ه��ذا زم��ن المقامة‪،‬‬ ‫وهذا زمن قصيدة التفعيلة‪ ،‬وهذا زمن‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬وهذا زمن الرواية‪ .‬وإن من‬ ‫يضيق بهذا التجاور أو التعدد لن يرضى‬ ‫ب���ازده���ار ش��ك��ل م��ن األش��ك��ال إال على‬ ‫حساب شكل آخر‪.‬‬ ‫إن أي شكل من أشكال التعبير األدبي أو‬ ‫الفني ال ينتهي زمنه إال إذا نضبت طاقته‬ ‫التعبيرية‪ .‬وطاقة الشعر ال تنضب إال إذا‬ ‫نضبت المخيلة البشرية‪ .‬هنالك شعراء‬ ‫طرقوا ب��اب ال��رواي��ة‪ ،‬كما فعل الشاعر‬ ‫فكتور هوجو وبوريس باسترناك من قبل‪،‬‬ ‫وإذا ما كتب شاعر ما رواية‪ ،‬فهذا ال يعني‬ ‫أن زمن الشعر قد انتهى‪.‬‬

‫وتفاصيل وتداعيات يضيق بها فضاء‬

‫التعبير الشعري‪ ،‬وهذا ال يقلل من أهمية‬ ‫القصيدة‪ ،‬وال يلغي دور الشعر‪ .‬وإذا‬

‫ك��ان السرد ال��روائ��ي يتكئ على الحدث‬ ‫سواء كان واقعيا أم متخيال‪ ،‬فإن النص‬

‫الشعري يختزل هذا الحدث‪ ،‬ويخلصه‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫من حيث الحركة والعطاء‪ ،‬وقد تميزت‬ ‫المرحلة تلك بتجاور وتماس التوجهات‬ ‫األدبية المختلفة‪ ،‬وبتعدد العطاءات‪.‬‬

‫الرواية شكل فني يتسع ألزمنة وأمكنة‬

‫من تفاصيله الصغيرة وتداعياته ليحوله‬

‫إل��ى رم��ز أو دالل��ة‪ ،‬بلغة مجازية برقية‬

‫يتسارع فيها ترس السرعة‪.‬‬

‫وإذا كنت تقصد بـ «استراحة المحارب»‬ ‫االنقطاع لفترة عن كتابة الشعر؛ فتلك‬ ‫ليست قاعدة؛ إذ يمكن للشاعر أن ينشغل‬

‫بكتابة رواي��ة‪ ،‬لكن ذلك ال يشكل عائقا‬ ‫أم��ام كتابة النص الشعري‪ ،‬كما أن��ه ال‬

‫ت��وج��د «اس��ت��راح��ة» ف��ي ع��ال��م الكتابة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪91 )2016‬‬


‫إبداعية مؤجلة؟‬ ‫‪ρ ρ‬ه��ن��ال��ك ش��ك��وى تقليدية ت��ص��ور العمل‬ ‫ال��ص��ح��ف��ي وك���أن���ه آف����ة ت��ل��ت��ه��م ال��وق��ت‬

‫المخصص لإلبداع‪ ،‬وتبدد طاقة الكاتب‪.‬‬ ‫غير أن��ي ل��م أالح��ظ أن ال��ذي��ن هجروا‬

‫العمل الصحفي ف��ي الساحة المحلية‬ ‫صاروا أغزر إنتاجا من نظرائهم الغارقين‬

‫في العمل الصحفي‪ .‬ويبدو لي أن طبيعة‬ ‫العمل الصحفي الثقافي تتيح للكاتب‬ ‫أن يكون على ات��ص��ال دائ��م بالنصوص‬ ‫وال���ق���راءات ال��ن��ق��دي��ة وب��ن��ت��اج الساحة‬

‫وعندما يسقط القلم من يدي‪ ،‬سأقول ما‬ ‫قاله كازنتزاكي‪« :‬لم أتعب ولكن الشمس‬

‫غربت»!‬

‫¦ ¦تختار عناوين دواوينك بعناية بارعة‪ ،‬هل‬ ‫هذا االختيار يكون في بداية الكتابة‪ ،‬أم‬ ‫بعد االنتهاء من وضع اللمسات األخيرة‬ ‫للديوان؟‬ ‫‪ρ ρ‬لم أفكر أبدا في اختيار عنوان ألي نص‬ ‫شعري أو مقال إال بعد الفراغ من كتابته‪.‬‬

‫ولعلك ق��د الحظت أنني أخ��ت��ار عنوان‬

‫إحدى قصائد الديوان ليكون عنواناً عاماً‬

‫شريطة أن يكون عنوان القصيدة معبراً‬ ‫وإلى حد ما عن أجواء الديوان‪.‬‬

‫الثقافية مما يتيح ل��ه معرفة موقعه‬

‫على خارطة اإلب��داع‪ .‬ويبدو لي أن ذلك‬ ‫االرتباط يغذي تجربة الكاتب ويثريها وال‬

‫يضر بها‪.‬‬

‫¦ ¦ك �ي��ف ت �ل��قّ ��ى ال �م �ث �ق �ف��ون خ �ب��ر اح� �ت ��واء‬ ‫م� �ق ��ررات ال �م��رح �ل��ة ال �ث��ان��وي��ة ل�ن�ص��وص‬ ‫شعراء سعوديين في منهج اللغة العربية‬ ‫للشاعرين السعوديين‪ ،‬محمد الثبيتي‪،‬‬ ‫وع �ب��د اهلل ال�ص�ي�خ��ان‪ ،‬إض��اف��ة لنصوص‬ ‫أخرى لحسن النعمي‪ ،‬وجبير المليحان‪،‬‬ ‫وعبدالعزيز السبيل‪ ،‬وسلطانة السديري‪،‬‬ ‫وع �ب��د ال �ك��ري��م ال �ج �ه �ي �م��ان‪ ،‬وب� ��در ش��اك��ر‬ ‫ال�س�ي��اب‪ ،‬وط��ه حسين‪ ،‬وي��وس��ف إدري��س‪،‬‬ ‫وآخرين؟‬

‫¦ ¦العمل الصحفي للمبدع شاعر ًا أو قاص ًا ‪ρ ρ‬أول الغيث قطرة‪ ،‬كما يقال‪ ،‬وكان ينبغي‬ ‫أو روائي ًا هل يُ غذيه‪ ،‬أم يأخذ منه الوقت‬

‫‪92‬‬

‫الكثير‪ ،‬وهو يتوق للتفرغ إلنهاء أعمال‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫للمنهج أن يتجاوز النصوص التي تتسم‬

‫بالمباشرة والركاكة شكال ومضمونا‪ ،‬أي‬


‫أول عالمة على ذلك الحضور هو الراوي‬ ‫نفسه ال��ذي ينتمي اجتماعيا وثقافيا‬ ‫للقرن الحادي والعشرين الميالدي‪ .‬ومن‬ ‫العالمات األخ��رى على ذل��ك االسقاط‬ ‫الفني على ال��ح��اض��ر‪ ،‬ه��و أن ال��رواي��ة‬ ‫تسلط الضوء على قضايا راهنة‪ .‬ومن‬ ‫العالمات أيضا العودة في الفصل األخير‬ ‫للرواية إلى الحاضر بشكل أكثر واقعية‬ ‫ومباشرة‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫النصوص التي تفتقر إلى الكلمة المضيئة‬ ‫الذكية‪ ..‬ويركز على النصوص التي ما‬ ‫أن تالمس األذن حتى تتسرب إلى داخل‬ ‫القلب‪ .‬ذات يوم عرضت عليَّ طفلة نصاً‬ ‫باللغة الفرنسية عنوانه (ال��عِ ��قْ��د) وهو‬ ‫جزء من المقرر الدراسي‪ .‬طلبت مني أن‬ ‫أساعدها في ترجمته إلى العربية‪ .‬تقول‬ ‫كلمات ذلك النص‪:‬‬

‫وظاهريا فإن اإلطار الزمني للرواية هو‬ ‫الماضي (ال��ق��رن الثاني الهجري) أما‬ ‫اإلط��ار المكاني فهو مدينة بغداد‪ ،‬غير‬ ‫أن ال��ح��اض��ر م��اث��ل ف��ي ك��ل صفحة من‬ ‫صفحات الرواية زماناً ومكاناً‪.‬‬

‫«أع���رف ي��ا أم��ي م��ا ه��و ِع��قْ��دك األثمن‬ ‫(األغ��ل��ى)! أع��رف ذل��ك يا أم��ي‪ ..‬إنهما‬ ‫ذراع���اي وهما تطوقان عنقك!»‪ .‬هذه‬ ‫الكلمات على بساطتها‪ ،‬وخ��ل��وه��ا من‬ ‫اإلي���ق���اع ال���راق���ص ال��م��ص��اح��ب ع���ادة‬ ‫لمحفوظات األطفال‪ ،‬تنتقل بالقارئ من‬ ‫المادي إلى الروحي‪ ،‬وترسّ خ في نفس ¦ ¦ل �م��اذا اخ �ت �ي��ار ال �ش��اع��رة ال �ج��اري��ة ع�ن��ان‬ ‫الطفل مفهوم األمومة الذي يسمو على‬ ‫ك��ل م��ا ه��و ع��رض��ي زائ���ل‪ ،‬حتى يصبح‬ ‫ذراع��ا الطفلة وهما يطوّقان عنق األم‬ ‫أغلى وأنفس من أي ِعقْد‪ .‬ال مقارنة بين‬ ‫القيمة الجمالية لهذا النص‪ ،‬وما تعلمناه‬ ‫من نصوص في مراحل الدراسة األولى‪.‬‬ ‫¦ ¦رواي ��ة (ليالي ع�ن��ان) تستند على وقائع‬ ‫تاريخية أسهمت في بناء المعمار الفني‬ ‫للنص ال �س��ردي‪ ،‬م��ع تنويعات فانتازية‪،‬‬ ‫كيف استطعت أن ت��زاوج بين التاريخي‬ ‫والفانتازي في هذا العمل اإلبداعي؟‬ ‫‪ρ ρ‬رواي��ة (ليالي عنان) مزيج من الحاضر‬ ‫والماضي واألدب والتاريخ والفنتازيا‪،‬‬ ‫وال��م��ؤل��ف ظ��ل ي��ت��ح��رك ب��ي��ن ال��س��ط��ور‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪93 )2016‬‬


‫ل�ت�ك��ون الشخصية ال��رئ�ي�س��ة ف��ي عملك‬ ‫ال ��روائ ��ي (ل�ي��ال��ي ع �ن��ان)‪ ،‬خ�ص��وص��ا أنها‬ ‫تنتمي للعصر العباسي؟‬

‫‪94‬‬

‫شكلت مساري اإلبداعي‪ .‬فهذا المسار‬ ‫طويلة من االطالع والقراءة‬ ‫ٍ‬ ‫رحلة‬ ‫هو نتاج ٍ‬ ‫ف��ي ال��ت��راث واألدب المعاصر العربي‬ ‫والغربي‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬كل ما جاء في سيرة الشاعرة عنان يغري‬ ‫بالكتابة عنها‪ .‬كنت معجباً بقدرتها وسرعة ¦ ¦م��ا ال��ذي ق��د تضيفه الطفولة للكتابة؟‬ ‫وه � ��ي ال� �ق ��ادم ��ة م� ��ن أرخ� �ب� �ي�ل�ات ب �ع �ي��دة‬ ‫بديهتها بجمالها وداللها وغنجها وقدرتها‬ ‫يلفها النسيان وال�ت�لاش��ي‪ ،‬وتبقى اللغة‬ ‫على مناظرة فحول الشعراء‪ ،‬حكاياتها‬ ‫اإلب��داع�ي��ة ال�م�لاذ المهم واآلم��ن لتأبيد‬ ‫معهم وعالقاتها بهم‪ .‬في حياتها ما يغري‬ ‫اللحظات القديمة التي ما ت��زال طرية‬ ‫الراوي ويحرض خياله‪ .‬أما السبب اآلخر‬ ‫في بهو الذاكرة كأنها وقعت باألمس‪.‬‬ ‫فهي أنها عاشت في فترة تاريخية تمثل‬ ‫العصر الذهبي للثقافة العربية‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬طرحت على نفسي م��رة ال��س��ؤال الذي‬ ‫ط��رح��ه ال��ش��اع��ر أم���ل دن��ق��ل‪« :‬أَ َو ك��ان‬ ‫¦ ¦م��ا ه��ي ال �ك �ت��ب ال �ت��ي ك��ان��ت ح��اس �م��ة في‬ ‫الصبي الصغير أنا‪ ..‬أم تُرى كان غيري»!‬ ‫َّ‬ ‫تكوين مسارك اإلبداعي والجمالي معا؟‬ ‫ن��ع��م‪ ..‬لقد ك��ان ذل��ك الصبي شخصاً‬ ‫‪ρ ρ‬إذا استثنيتَ المراحل المبكرة‪ ،‬فأنا قارئ‬ ‫آخر مختلفا‪ .‬تحفر الطفولة نقوشها أو‬ ‫انتقائي‪ .‬أميل إلى اقتناء الكتب المحرضة‬ ‫شاراتها األولى في القلب‪ .‬تحفر نقوشاً‬ ‫على التفكير‪ ،‬وتلك التي تطرح أسئلة‬ ‫وشارات تكبر مثلما نكبر‪ ،‬لكنها ال تهرم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة‪ .‬هدايا الكتب فقط تبقى خارج‬ ‫تبقى ذك��رى فتية كأنها ول��دت البارحة‪.‬‬ ‫تلك االنتقائية‪ .‬وإن كنت أنسى أحياناً‬ ‫ربما تحمل دالالت جديدة‪ ،‬لم تخطر على‬ ‫عامداً متعمداً بعض الكتب المهداة في‬ ‫البال آنذاك‪ ،‬لكنها ال تشيخ‪ .‬الزقاق الذي‬ ‫غرفة الفندق أو صالة االنتظار بالمطار‪.‬‬ ‫أقَلَّ خطانا‪ .‬الشجرة التي أظَ لَّت ثرثرتنا‪.‬‬ ‫قد أضطر‪ ،‬بصفتي كاتباً‪ ،‬إل��ى تصفّح‬ ‫األرصفة التي شهدت معاركنا الساذجة‪.‬‬ ‫أكثر من كتاب في وقت واحد‪ .‬هذا خارج‬ ‫ح����ارس ال��م��درس��ة األم����ي ال����ذي رص��د‬ ‫نظامي الخاص بالقراءة‪ .‬أم��ا القاعدة‬ ‫تحركاتنا‪ ،‬وع��دَّ علينا أنفاسنا‪ ،‬وبعث‬ ‫فهنالك دائما كتاب ما ال بد من إكمال‬ ‫بها تقارير شفوية طازجة إلى مراقب أو‬ ‫قراءته‪.‬‬ ‫مدير المدرسة‪ .‬معلمنا الذي لقننا القمع‬ ‫كتبت عن بعض الكتب‪ .‬أو أشرت إليها‬ ‫وجدول (الضرب) حقيق ًة ومجازا‪ .‬المعلم‬ ‫بشكل عابر‪ .‬الكتاب الجيد يفتح الشهية‬ ‫اآلخر الذي اصطحبنا إلى حدائق الشعر‪،‬‬ ‫للكتابة‪ .‬ال أستطيع أن أسمي الكتب التي‬ ‫لنقطف ياسمين العبارة‪ ،‬ونستنشق أريج‬ ‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫الشعر رواب���ط م��ن األل��ف��ة واالن��س��ج��ام‪.‬‬

‫المعلم الذي جعلنا نتنفس الهواء واللغة‬

‫العربية‪.‬‬

‫والذاكرة؟ مَ ن يتغذى من اآلخر في نهاية‬ ‫األمر؟‬ ‫‪ρ ρ‬إذا كنت تشير إل��ى الكتابة بشكل عام‬

‫وك��م��ا ت����رى‪ ،‬ال ي��م��ك��ن أن ت��م��ر مرحلة‬

‫فإن السفر‪ ،‬بصفته اكتشافاً للعالم‪ ،‬أو‬

‫اإلنتاج الثقافي‪.‬‬

‫وشرفة شيقة للقلب وال��روح وال��ذاك��رة»‬

‫الطفولة تلك دون أن تترك بصماتها على‬

‫حسب تعبيرك الجميل «فسحة أنيقة‬

‫¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��ر ل �ح��رك �ي��ة األن ��دي ��ة األدب �ي��ة‬

‫ق��د يشكل ل���دى بعضهم راف����داً ج��ي��داً‬

‫بالمملكة في إصدار المجالت والدوريات‬ ‫بشكل منتظم‪ ،‬إضافة إل��ى المجموعات‬ ‫الشعرية والقصصية‪ ،‬وك�ت��ب ال��دراس��ات‬ ‫وال �ن �ق��د وال � ��رواي � ��ات؟ وب �خ��اص��ة أن ه��ذا‬ ‫التراكم يسهم في إثراء المشهد الثقافي‬ ‫واإلبداعي السعودي‪ ،‬ويكشف عن طاقات‬

‫للكتابة‪ .‬فرؤية الكاتب لألماكن تختلف‬ ‫عن رؤي��ة أولئك الذين يمارسون سنويا‬ ‫السياحة «الناعسة»‪ ،‬والتي ال ترى شيئا‬

‫أث��ن��اء السفر س��وى واج��ه��ات المحالت‬ ‫التجارية والمطاعم‪ .‬ومن هؤالء السياح‬

‫مَن ينفق بسخاء من أجل السفر‪ ،‬لكنه‬

‫إب ��داع� �ي ��ة م �ه �م��ة ف ��ي م �خ �ت �ل��ف أج �ن��اس‬

‫يمر باألشياء م��روراً غائبا‪ .‬فهو (سائح‬

‫‪ρ ρ‬كل نشاط ثقافي تقوم به هذه النوادي‬

‫الكتاب ترويحي وثقافي في الوقت نفسه‪.‬‬

‫الكتابة‪ ،‬كانت منسية في الظل‪.‬‬ ‫سيسهم ب�لا ش��ك ف��ي خ��دم��ة الثقافة‪،‬‬

‫وسيساعد على ان��ت��ش��اره��ا‪ .‬وال��س��ؤال‬ ‫األكثر أهمية هنا يتعلق باآللية التي تتيح‬ ‫لهذه األندية أن تلعب دورا فاعال‪ ،‬إذ يبدو‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫المعنى‪ ،‬أو لينسج بيننا وبين موسيقى‬

‫فسحة أنيقة وشرفة شيقة للقلب والروح‬

‫ما شافش حاجة)‪ .‬السفر بالنسبة لبعض‬ ‫وقد أسهم قديماً في إثراء ما يسمى بأدب‬

‫ال��رح�لات‪ ،‬أو مجموعة اآلث���ار األدب��ي��ة‬ ‫التي تتناول انطباعات المؤلف وتأمالته‬

‫وقراءته لما يشاهده أثناء سفره‪.‬‬

‫لي أنه وفي غياب خطة عمل واحدة وآلية ¦ ¦ه� ��ل ث �ق��اف��ة ال �ص �م��ت ف� ��ي م�ج�ت�م�ع��ات�ن��ا‬ ‫محددة إلدارتها‪ ،‬تلعب المبادرة الفردية‬ ‫العربية‪ ،‬إن كانت م��وج��ودة فعال إنصات‬ ‫دوراً كبيراً في التفاوت بين أداء هذا‬

‫النادي أو ذاك‪.‬‬

‫ل��ذوات �ن��ا ول�لآخ��ري��ن ب�ع�ق�لان�ي��ة‪ ،‬واح �ت��رام‬ ‫االختالف في مقاربة القضايا واألشياء‬

‫¦ ¦ه ��ل ال �س �ف��ر يُ � �ح ��رض ع �ل��ى ال �ك �ت��اب��ة؟ أم‬

‫والظواهر من حولنا‪ ،‬أم مجرد هروب من‬

‫ال �ك �ت��اب��ة ِب��مَ ��كْ ��رِ أرخ �ب �ي�لات �ه��ا المتشعبة‬

‫ال��واق��ع لكي ن��ؤس��س لهواية النعامة في‬

‫والعميقة تصاحب مُ تعة السفر بوصفه‬

‫االختفاء حتى تمر األزمة؟‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪95 )2016‬‬


‫‪ρ ρ‬دعني أنقل لك حرفيا فقرة مما كتبته‬ ‫ذات يوم تحث عنوان (صداع ال يعالج إال‬ ‫بالصمت)‪ ..‬ففيها إجابة وافية عن سؤالك‬ ‫الجميل‪ .‬حين ال يكون الحوار متكافئا‬ ‫سوف تدخل مع الطرف الذي يحاورك‬ ‫متاهة الداخل فيها مفقود‪ ،‬والخارج منها‬ ‫مولود‪ ،‬خصوصا حين ال يتقبل محاورك‬ ‫مبدأ أن يكون رأيه صواباً يحتمل الخطأ‪،‬‬ ‫ورأيك خط ًأ يحتمل الصواب‪ .‬وحين يكون‬ ‫رأيه صدى لحديث المجالس‪ ،‬أو لما تبثه‬ ‫قنوات إعالم موجهة ال تبث إال «حقائقها»‬ ‫الخاصة‪ .‬تلك هي بعض األسباب التي‬ ‫تجعل الحوار يدور في حلقة مفرغة‪ ،‬وال‬ ‫يخلف إال الصداع‬

‫رأي صائب عن واقع ال نعرف عنه شيئا‪.‬‬ ‫خالق هو فهم‬ ‫ٍ‬ ‫منتج‬ ‫إن هدف أي حوار ٍ‬

‫اآلخ���ر‪ ،‬وص���وال إل��ى اكتشاف القواسم‬

‫المشتركة بين أط��راف ال��ح��وار‪ .‬وليس‬ ‫الهدف إلحاق هزيمة بالمناظر‪ ،‬أو الحكم‬

‫عليه سلباً أو إيجابا‪ ،‬أو اعتباره مصيباً‬ ‫أو مخطئا‪.‬‬

‫«إنك ال تجني من الشوك العنب»! لذلك‬ ‫فإن الصداع‪ ،‬وال شيء غيره‪ ،‬هو حصاد‬

‫ذلك الجدال العقيم‪ .‬وإذا كان باإلمكان‬ ‫ع�لاج ال��ص��داع ببعض أق���راص ال���دواء‬

‫المسكنة‪ ،‬فإن هذه الحالة من الصداع ال‬

‫تعالج إال بالصمت‪.‬‬

‫¦ ¦مكتبة المبدع إم��ا فوضوية مبعثرة‪ ،‬أو‬

‫ي��ق��ال‪ :‬لكي تحكي قصة ج��ي��دة تحتاج‬ ‫إل����ى م��س��ت��م��ع ج���ي���د‪ .‬ل��ك��ن ذل����ك ن���ادر‬ ‫الكتابة واإلبداع؟‬ ‫ال���ح���دوث؛ ل��ذل��ك ي��س��ود ف��ي محيطنا‬ ‫الثقافي واالجتماعي والسياسي حديث ‪ρ ρ‬أسمح لبعض الفوضى في حياتي‪ .‬بعض‬ ‫ال��ف��وض��ى صحية‪ ،‬ك��ي ال نصبح آالت‪،‬‬ ‫«الطرشان»‪ .‬هكذا ينضب نه ُر الكالم؛‬ ‫وتصبح الحياة مملة‪ .‬لكني أح��اول أن‬ ‫ألن بين لغة المتحاورَين فجو ًة واسع ًة ال‬ ‫أكون مرتباً إذا ما تعلق األمر بمحتويات‬ ‫يمألها إال الصمت‪.‬‬ ‫مكتبتي‪ .‬حتى يسهل عليّ العثور على‬ ‫سيكون من الصعب أن يتجاوز أحد طرفي‬

‫مرتبة بعِ ناية‪ ،‬أي الخيارين تعيش زمن‬

‫الكتاب في وقت أقصر‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫الحوار ظالمه الخاص ما لم يتجرد من‬ ‫أهوائه ورواسبه وأحكامه المسبقة‪ ،‬وأن ‪ρ ρ‬ال أضع الكتب بشكل عشوائي‪ ،‬هنالك‬ ‫رفوف للكتب األدبية والنقدية والفلسفية‪،‬‬ ‫يؤسس آراءه ومواقفه على أسس راسخة‪،‬‬ ‫ورف��وف خاصة بالسير الذاتية‪ ،‬وأخرى‬ ‫ووقائع ومعطيات ملموسة‪ ،‬وأن يتأمل‬ ‫خاصة بالرواية‪ ..‬وهلم جرا‪ ..‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ويحلّل ما بين يديه من حيثيات ومعطيات‪،‬‬ ‫فأنا لست مقتنعا بهذا الترتيب‪ .‬ال بد من‬ ‫وأن يقرأ الواقع قراءة موضوعية متأنية؛‬ ‫ترتيب آخ��ر يضمن لي البحث بطريقة‬ ‫فمن غير الممكن بناء موقف أو تشكيل‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫¦ ¦أص � ��درت ال �ط �ب �ع��ة ال �ث��ان �ي��ة م ��ن دي��وان��ك‬ ‫ال�س��اخ��ر‪ /‬رك�ل�ات ت��رج�ي��ح‪ ،‬ه��ل السخرية‬ ‫والدعابة دواء لعيوب المجتمع‪ ،‬خصوصا‬ ‫أن وراء كل ركلة ترجيح قصة أو سبب‪ ،‬كما‬ ‫عبرت عن ذلك في أمسية منتدى سيهات‬ ‫الثقافي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ي��زخ��ر ت��راث��ن��ا األدب����ي ق��دي��م��ه وحديثه‬ ‫ب��ال��دع��اب��ة‪ .‬وق���د أش����رت ف���ي مقدمة‬ ‫ديواني «رك�لات ترجيح» إل��ى أن سدن َة‬ ‫ال ِ��ج�� ِّد ومهندسي الصرامةِ قد أس��اءوا‬ ‫فه َم هذا اللون األدبي على م ّر العصور؛‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فقد طُ مِ رَتْ كثي ٌر من تلك‬ ‫الدعابات في األدراج‪ ،‬فحُ رِ َم القراءُ من‬ ‫لون أدب��ي هو على أية حال أفضل مما‬ ‫ابتُليَتْ به الساحة الثقافية من تهويمات‬ ‫ال تُعمّر في الذاكرة‪ ،‬وال تخلّف أثراً يُذكر‪.‬‬ ‫ال��ك�لام هنا على السخرية التي تطال‬ ‫المواقف والممارسات‪ .‬وليس األشخاص‬ ‫(ل��م نعد ف��ي عصر األخ��ط��ل وج��ري��ر‪..‬‬ ‫فالقانون يحمي األشخاص ه��ذه األي��ام‬ ‫من أي هجاء على تلك الشاكلة)‪.‬‬ ‫نعم وراء كل ركلة قصة‪ .‬ووراء كل ركلة‬ ‫ه���دف‪ .‬كنت أرى أن «سفلتة» الطباع‬ ‫و«إن���ارة» العقول أه��م كثيرا من سفلتة‬ ‫وإنارة الطرقات‪ .‬وللفيلسوف «برجسون»‬

‫أن «الصالبة هي المُضحك والضحك‬ ‫قصاصها»‪.‬‬ ‫وقد كان اإلبداع األدبي والفني ضد تلك‬ ‫الصالبة التي ال تتفق مع ما في الحياة‬ ‫من مرونة وتوازن‪ .‬وتتجلى تلك الصالبة‬ ‫في كثير من األمراض السلوكية؛ كاالدعاء‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫أكثر يسراً‪ .‬أما حين أكتب فإني أحرص‬ ‫دائما على أن تكون طاولة الكتابة مرتب ًة‬ ‫أي��ض��ا‪ .‬وق��د يجد بعضهم ذل��ك هَ �� َوس��ا‪،‬‬ ‫ولكنه هوس جميل‪.‬‬

‫رأي ف��ي فلسفة المضحك‪ ..‬فهو يرى‬

‫والرياء والبخل والجشع والتطفل والثقل‪،‬‬ ‫وإلى آخر تلك األم��راض‪ ..‬ومن ثم فإن‬ ‫الكتَّابَ الساخرين ميالون إلى نقد الواقع‬ ‫بتلك الطريقة الضاحكة‪ ..‬فهم‪ ،‬محبون‬ ‫للدعابة بكل ألوانها‪ ،‬إن لم يكونوا أكثر‬ ‫ارتباطا أو افتتانا بها‪ .‬الدعابة هجاء‬ ‫للصالبة بصيغة مرنة‪ ..‬أو هي معارضة‬ ‫ال تتخذ العنف منهجاً‪ .‬أي أنها شكل‬ ‫م��ن أش��ك��ال المقاومة السلمية‪ .‬وكنت‬ ‫أرى أن الدعابة وبالرغم من تحاملها‬ ‫ل��م ت��ف��س��د ل��ل��ود ق��ض��ي��ة ب��ي��ن ال��ش��ع��وب‬ ‫والثقافات المختلفة‪ .‬وك��ان ممكنا أن‬ ‫يُر ّد على القذيفة الهزلية بقذيفة أقوى‪.‬‬ ‫وسيفوز ف��ي ه��ذه ال��ح��رب األخ��ف ظال‬ ‫واألسرع بديهة‪ .‬وإذا كان الضحك وسيلة‬ ‫تصحيحية‪ ..‬فلماذا ال يتقاذف الناس‬ ‫بالنكات؟ أليس من األفضل أن تنشب‬ ‫ح��رب فكاهية عالمية ب��دال م��ن حرب‬ ‫عالمية ثالثة مدمرة؟ وقد طرحت هذا‬ ‫السؤال مرة في مقال لي بعنوان (الحرب‬ ‫العالمية الفكاهية األولى)!‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪97 )2016‬‬


‫الناقد األديب‬

‫محمد صابر عبيد‬ ‫التفصيلي والمعمّ ق‬ ‫ّ‬ ‫مشروعي القادم يتشكّ ل من البحث‬ ‫في قضايا نقديّ ة جوهريّ ة ذات طبيعة ثقافية‬ ‫تجربة الناقد والشاعر العراقي الدكتور محمد صابر عبيد تمثل ملمح ًا بارز ًا في الساحة‬ ‫األدبية العربية المعاصرة‪ ،‬فهو مبدع شامل متوقد الذهن‪ ،‬حاد الذكاء‪ ،‬عبقري التفكير‪،‬‬ ‫�درك لواقع مشروعه النقدي‬ ‫متمكنٌ من أدوات��ه التحليلية‪ ،‬وواعٍ بمسؤوليته العلمية‪ ،‬وم� ٌ‬ ‫وآفاقه وحاضر شعريته ومستقبلها‪ ،‬ساعده على هذا الطموح تجربة مديدة‪ ،‬وانغماس كلي‬ ‫في ال��واق��ع العربي ال��ذي يمور ب��األح��داث والمتغيرات‪ ،‬كل ذل��ك أدى إل��ى براعة في النقد‬ ‫والتأليف‪ ،‬وإبداع في الكتابة والتصنيف‪.‬‬ ‫والمتأمل لمؤلفات الدكتور محمد صابر عبيد يجدها متنوعة في موضوعاتها؛ تتوزع‬ ‫بين النقد والشعر والسيرة والنصوص‪ ،‬وحتى المحور الواحد ت��راه متشعباً؛ ففي النقد‬ ‫نجد له دراسات نقدية متنوعة‪ ،‬ودراسات نقدية تطبيقية مصبوغة بصبغةٍ جمالية؛ فنقده‬ ‫لم يكن صدى مدرسة أو اتجاه أو منهج‪ ،‬بقدر ما كان نتاج رؤيته وتجربته وممارسته؛ وفي‬ ‫السيرة تجده يبحث في تمظهرات التشكل السير ذات��ي‪ ،‬وف��ي التجربة السيرية لشعراء‬ ‫الحداثة العربية‪ .‬لكن السمة التي تشترك فيها هذه المؤلفات كلها هي حسن استخدام‬ ‫اللغة للتعبير عن موضوع كل مؤلَف‪ ،‬بلغة خالية من التكلّف والتزلّف والتزييف‪ ..‬هذه‬ ‫اللغة اتسمت بمزايا جمالية جعلته متفرد ًا بها‪ ،‬ومميز ًا بأسلوبه في كتابتها‪ ،‬ومتميز ًا في‬ ‫التعبير عن معانيها‪.‬‬ ‫في هذا الحوار‪ ،‬يقدم الدكتور محمد صابر عبيد وجهة نظره حول قضايا حيوية في‬ ‫الساحة النقدية تبدأ ب��ال�م��دارس النقديّة بمختلف أشكالها وأل��وان�ه��ا وتجلياتها‪ ،‬م��رور ًا‬ ‫خصت الرواية العربية الحديثة فيما عُ رف نقدي ًا بـ‬ ‫بالحديث عن المقاربات النقديّة التي ّ‬ ‫(السرديات)‪ ،‬أو (علم السرد)‪ ،‬وينتهي بطرح تساؤالت حول أزمة الثقافة والمثقفين وسمات‬ ‫الناقد المبدع‪ ،‬ودور الروح المبدعة في االيمان بالحرية في كتابة مختلفة‪..‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬نضال القاسم‪-‬األردن‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρ ρ‬يمكنني القول إن ما استطعت اكتشافه من ميل شبه‬ ‫فطريّ أوّل األمر‪ ،‬لتوجيه انطباعات فنية وجمالية مهمّة‬ ‫ال مهماً‪ .‬وقد عرفت ذلك‬ ‫لما أقرأه من نصوص‪ ،‬كان عام ً‬ ‫حين نشرت مبكراً نسبياً بعض ه��ذه االنطباعات في‬ ‫الصحف حازت على اهتمام مَن له معرفة بالنقد‪ ،‬ال بل إ ّن‬ ‫الكثير من مسؤولي الصفحات الثقافية كانوا يشجعونني‬ ‫على االستمرار في إرس��ال مقاالتي كي ينشروها في‬ ‫صدر صفحاتهم‪ ،‬إلى جانب مقاالت النقّاد المكرّسين‬ ‫المعروفين؛ وهو ما جعلني أنظر إلى المسالة بأهمية‬ ‫أكبر‪ ،‬وأطوّر رؤيتي النقدية للنصوص التي أقاربها‪ .‬وثمّة‬ ‫الكثير من القرّاء المتابعين وجدوا في كتاباتي النقدية‬ ‫طاقة متجدّدة وحساسية مختلفة‪ .‬ك ّل ذلك دفعني بمحبّة‬ ‫وجرأة أحياناً نحو ارتياد هذا العالم والتوغّ ل فيه‪ ،‬وتطوير‬ ‫أدواتي النقدية باالطّ الع على النظريات النقدية الحديثة‬ ‫واإلفادة منها‪ ،‬والعمل الجا ّد على دفع شخصيتي النقدية‬ ‫إلى األمام وتشذيب صوتي النقديّ وتعميقه‪ ،‬حتى وصلت‬ ‫إل��ى ما وصلت إليه من حضور ينظر إليه الكثير من‬ ‫العارفين المنصفين بوصفه صوتاً نقدياً عربياً مميزاً له‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫كاريزما نقدية ّ‬ ‫أمّا الجامعة‪ ،‬جامعاتنا‪ ،‬فهي غير مؤهّ لة لصناعة نقّاد‬ ‫ومبدعين‪ ،‬ألنّها في حقيقة أمرها ليست سوى مدارس‬ ‫كبيرة ليس لها ه�� ّم ن��وع��يّ كبير على ه��ذا الصعيد‪،‬‬ ‫فمناهجها ومقرراتها وطريقة التعليم فيها متخلّفة‬ ‫وتقليدية قد تقمع أصحاب المواهب اإلبداعية والنقدية‬ ‫أكثر من أن تأخذ بأيديهم نحو التفتّح واالزدهار والنموّ‪،‬‬ ‫جامعاتنا ول�لأس��ف الشديد مكان لتلقين المعلومات‬ ‫وليست منابر لطرح األسئلة‪ ،‬واعترف لك هنا أ ّن الجامعة‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫¦ ¦ك �ي ��ف أص �ب �ح ��ت ن � ��اق � ��داً‪ ،‬ه� ��ل ت �ص �ن��ع ال �ج ��ام �ع ��ة ن� �ق ��اد ًا‬ ‫وم �ب��دع �ي��ن‪..‬؟! ول �م��اذا يستهويك ن�ق��د ال�ش�ع��ر أك�ث��ر من‬ ‫نقد السرد؟ وبصراحة‪ ،‬ما هو دافعك لكتابة النقد‪ ،‬هل‬ ‫هو حب التجديد وفرض الذات‪ ،‬أم هو الهروب من قيود‬ ‫اإلبداع‪ ،‬إيمانا بأنه ال حدود لضفاف النقد؟‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪99 )2016‬‬


‫لم تساعدني في اكتشاف ذاتي مطلقاً‪ ،‬ولو‬ ‫كانتْ الجامعة فعلتْ ذلك كما ينبغي أن يكون‬ ‫لما تأخّ رت حتى عام ‪1994‬م ألُدرك سبيلي‬ ‫إلى الطريق الصحيح التي تناسب موهبتي‪،‬‬ ‫وقد م ّر على حصولي على شهادة الدكتوراه‬ ‫ث�لاث س��ن��وات وحصلت على رت��ب��ة أستاذ‬ ‫مساعد‪ ،‬وب��دأتُ أدرّس طلبة الماجستير!‬ ‫جامعاتنا تريد من الطالب أن يحفظ المقرّر‬ ‫ويمتحن فيه وينجح ويحصل على الشهادة‪،‬‬ ‫هذا ك ّل ما يشغل بال الجامعة ويهمّها على‬ ‫نحو شبه مطلق‪.‬‬

‫المحفل جهو ٌد أعدّها أساسية وجوهرية ال‬ ‫تق ّل شاناً عن جهودي في المدوّنة النقدية‬ ‫العربية في نقد الشعر‪.‬‬ ‫أمّا حين نعود مرّة أخرى إلى الدوافع بين‬ ‫حبّ التجديد وفرض الذات والهرب من قيود‬ ‫اإلبداع وغيرها‪ ،‬فقد ال يكون بوسعي تحديد‬ ‫ذلك على نحو دقيق وصحيح وعلميّ ‪ ،‬حين‬ ‫دلفت إلى فضاء النقد برحابته الواسعة ال‬ ‫أذكر أنني كنت هارباً من شيء‪ ،‬وربّما كنت‬ ‫بحاجة إلى فرض ذاتي حين شعرت بأنني‬ ‫أمتلك مثل ه��ذه ال��ق��درة على فرضها‪ ،‬وال‬ ‫أستطيع أن أن��حّ ��ي حبّي ال��دائ��م للتجديد‬ ‫في النقد وغيره‪ ،‬لكنّ ك ّل هذه الدوافع لو‬ ‫اجتمعت وتماثلت للحضور على أبهى ما‬ ‫يكون ليست كافية الستيالد ناقد‪ ،‬من دون‬ ‫حضور الموهبة والثقافة واإلعداد المعرفيّ‬ ‫السليم‪ ،‬والحبّ والخبرة والتجربة وغيرها‬ ‫من المستلزمات المركزية الرئيسة التي‬ ‫يحتاجها الناقد‪ ،‬الدوافع بشتّى أنواعها قد‬ ‫تكون موجودة دائماً‪ ،‬غير أ ّن السؤال الكبير‬ ‫يتمثّل في براعة تحويلها إلى فعل نقديّ مُنتج‬ ‫ينتهي إلى خطاب نوعيّ بوسعه االستمرار‬ ‫والتأثير والبقاء‪.‬‬

‫يستهويني نقد الشعر أكثر من نقد السرد‬ ‫ألن��ن��ي ش��اع��ر ف��ي األص���ل‪ ،‬وأع���رف أس��رار‬ ‫العملية الشعريّة عن كثب وبأدقّ التفاصيل‪،‬‬ ‫وسبق لي أن قلت إ ّن الناقد الشاعر أه ّم‬ ‫كثيراً من الناقد غير الشاعر‪ ،‬فثمّة أسرار‬ ‫ال يمكن كشفها إال على يد الناقد الشاعر‪،‬‬ ‫غير أ ّن هذه المعادلة ال يمكن أن تستقيم إال‬ ‫حين تجتمع الشخصيتان في شخصية مركّبة‬ ‫واحدة عارفة وقادرة على احتواء الطاقتين‬ ‫معاً داخل حاضنة ثقافية ورؤيوية بالغة الدقّة‬ ‫والخصوصية‪ ،‬وهو على أيّة حال أم ٌر نادراً‬ ‫ما يحصل‪ ،‬وطبعاً هذا الكالم ال يشمل بعض‬ ‫القراءات االنطباعية التي يقوم بها شعراء‬ ‫¦ ¦مَن أساتذتك القدماء والجدد في النقد؟‬ ‫في سياق تقديم وجهة نظر معيّنة ممّن ال‬ ‫يمتلكون الموهبة النقدية والثقافة النقدية ‪ρ ρ‬ه���ذا س���ؤال م��ح��رج ل��ل��غ��اي��ة‪ ،‬وق���د ال أج��د‬ ‫ل��ك إج��اب��ة واف��ي��ة على الصعيد ال��واق��ع��يّ‬ ‫والخبرة النقدية والتجربة النقدية والبراعة‬ ‫الموضوعيّ ‪ ،‬مَن هم أساتذتي القدماء أو‬ ‫النقدية‪ ،‬وبما أ ّن الشاعر الذي يسكنني بعمق‬ ‫الجدد‪ ،‬لع ّل من أبرز أساتذتي القدماء كما‬ ‫ال يتعارض من الناقد الذي يسكنني بوعي‬ ‫يحضرني اآلن المتنبي الكبير‪ ،‬وم��ن أبرز‬ ‫ومعرفة ورؤية‪ ،‬ال بل يدعمه ويسهّل له مهمته‬ ‫أس��ات��ذت��ي ال��ج��دد أدون��ي��س الكبير‪ ،‬وحتى‬ ‫ال لنقد الشعر‬ ‫النقدية كثيراً‪ ،‬تجدني أكثر مي ً‬ ‫اكتشفتُ أستاذيّ هذين احتجتُ وقتاً طويالً‪،‬‬ ‫منه إلى نقد السرد‪ ،‬مع أنني استمتع كثيراً‬ ‫مع أنّهما ليسا ناقدين بالمعنى األكاديميّ‬ ‫في قراءاتي النقدية السردية‪ ،‬ولي في هذا‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫النقّاد العرب والغربيون الذين اطلعت على منجزاتهم في‬ ‫مجال النقد ليسوا أساتذتي‪ ،‬ألنني سعيت إلى أن أراكم‬ ‫الخبرة منهم جميعاً‪ ،‬ومن دون تمييز‪ ،‬مع أنني أميل إلى‬ ‫بعضهم كثيراً‪ ،‬وأجد نفسي فيهم على نحو ما‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫أمثّل لك هنا بع ّز الدين إسماعيل من العرب‪ ،‬وروالن بارت‬ ‫من الغربيين‪ ،‬هما نموذجان رائعان بالنسبة لي‪ ،‬وهما‬ ‫مختلفان جداً؛ الناقد الكبير الراحل ع ّز الدين إسماعيل‬ ‫يمتلك ذائقة مرهفة ج��داً ومعرفة نقدية عميقة‪ ،‬وهو‬ ‫ينتصر دائ��م��اً لذائقته‪ ،‬وه��ي تستثمر المعرفة أمثل‬ ‫نصه النقديّ بقوّة هائلة‪ ،‬أمّا بارت‬ ‫استثمار‪ ،‬وهو يبني ّ‬ ‫فهو الناقد االستثنائيّ المميّز عندي بشخصية خُ لقت كي‬ ‫تكون ناقدة‪ ،‬هو ناقد نوعيّ في ك ّل ما يكتب‪ ،‬يكتب بطريقة‬ ‫تتراءى لك فيها األفكار من بين السطور‪ ،‬كتابة متوهجة‬ ‫ال ترتوي منها‪ ،‬ترغب في إعادة قراءتها مرّات كثيرة من‬ ‫غير سأم أو ملل‪ ،‬يسحر المفردة التي يكتبها ويدفعها‬ ‫إلى أن تسحرك‪ ،‬ومع كل مشكالت الترجمة المعروفة‪،‬‬ ‫لكنني أشعر بطاقة كتابة استثنائية جبّارة تمكث في روح‬ ‫هذا الناقد الخالق‪ ،‬وأنا أ ُغرم وأعشق عادة بهذا النوع‬ ‫من الشخصيات وهذا النوع من الكتابة في مجال تكوين‬ ‫الشخصية النقديّة‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫المدرسيّ للنقد‪ ،‬لكنهما أس��ت��اذيّ في بناء الشخصية‬ ‫النقدية والثقافية واإلنسانية‪ ،‬وهو عندي األه ّم من ك ّل‬ ‫ش��يء‪ ،‬ليس المهم وج��ود أستاذ ب��ارز والم��ع قريب منك‬ ‫على أيّ مستوى من مستويات القرب يلعب دور المعلّم‬ ‫اإلجرائيّ ‪ ،‬بل المهم كيف تتمكّن أنت من انتزاع الفائدة‬ ‫التي بوسعها أن تقدّم لك الكثير في اللحظة المناسبة‬ ‫التي قد ال تتكرّر‪ .‬عليك أن تستخدم أقصى ما تملك‬ ‫من ذكاء وفطنة وحنكة ومهارة وحيلة وده��اء‪ ،‬من أجل‬ ‫تنقض كالصقر على ما تكتشفه من ميزة نوعية بالغة‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫الندرة فيمن تعدّه أستاذك‪ ،‬وتسوقها بأعلى ما تمتلكه‬ ‫روحك من طاقة اقتناص ماهرة وخاطفة‪ ،‬وتستعمرها‬ ‫وتتوطّ ن فيها بحساسية تملّك فادحة‪ ،‬كي تصبح جزءاً من‬ ‫شخصيتك‪ ..‬وكأنها ال تعود ألحد غيرك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪101 )2016‬‬


‫بوسعي القول إنني تتلمذت على أي��دي ما‬ ‫قرأتْ من الكتب‪ ،‬وما مررتْ به من تجارب‪،‬‬ ‫وما اكتسبته من خبرات‪ ،‬بك ّل ما تنطوي عليه‬ ‫ه��ذه المصادر األصيلة من ت��د ّب��ر‪ ،‬وتأمّل‪،‬‬ ‫وتطلّع‪ ،‬وأخذ‪ ،‬ومقاربة‪ ،‬وتكييف‪ ،‬وسجال‪،‬‬ ‫وحجاج‪ ،‬ونقد‪ ،‬ومراجعة؛ ال أساتذة لي في‬ ‫النقد بالمعنى اإلج��رائ��يّ الدقيق والعمليّ‬ ‫للعبارة‪ ،‬ربّما أس��ت��اذي الوحيد هو محمد‬ ‫صابر عبيد‪ ،‬ال غروراً وال تنطّ عاً وال تنكّراً‪،‬‬ ‫بل منذ البداية عوّلت على نفسي كثيراً‪ ،‬قد‬ ‫أكون تأخّ رت بعض الشيء في وضع خطواتي‬ ‫الثابتة األولى على الطريق الصحيحة‪ ،‬لكنني‬ ‫سرعان ما سخّ رت ج�� ّل ما أملك من أجل‬ ‫أن أعوّض ما فاتني‪ ،‬وأستعيد ما أمكن من‬ ‫الزمن الفائت‪ ،‬وأحسب أنني نجحت‪ ،‬ولديّ‬ ‫الكثير ممّا يمكن أن أعوّض به في المستقبل‬ ‫القريب‪ ،‬وعلى نحو أكبر وأكثر حيويّة وإبهاراً‬ ‫بإذن اهلل‪.‬‬ ‫¦ ¦ه� �ن ��اك ال� �ع ��دي ��د م ��ن ال� � �م � ��دارس ال �ن �ق��دي��ة‪،‬‬ ‫كالتفكيكية والبنيوية والتوليدية والشكلية‪،‬‬ ‫ما دور هذه المدارس في حركة النقد العربي‪،‬‬ ‫وكيف تنظر لواقع النقد في الوطن العربي‬ ‫في ظل هذه النظريات والمناهج الجديدة؟‬ ‫‪ρ ρ‬المدارس النقديّة بمختلف أشكالها وألوانها‬ ‫وتجلياتها ه��ي األرض ال��ت��ي يسير عليها‬ ‫النقّاد‪ ،‬وليس بوسعهم استخدام أقدامهم من‬ ‫دون وجود أرض صالحة للمسير‪ ،‬وبما أ ّن‬ ‫هذه األرض شاسعة وواسعة وتخبئ الكثير‬ ‫من المعادن الثمينة والجواهر النادرة تحت‬ ‫سطحها‪ ،‬فهي تمنح الفرصة للنقّاد كي‬ ‫يحصلوا منها على ما يستطيعون‪ ،‬وما تؤهّ لهم‬ ‫إمكاناتهم لمعرفة أين تكمن األشياء الثمينة‪،‬‬ ‫وما هو السبيل إلى الظفر بها‪ ،‬إنّها توفّر‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫اإلمكانات الصحيحة واألدوات المناسبة‬ ‫على صعيد النظرية والرؤية والمنهج‪ ،‬لكنّها‬ ‫ال تصنع نقّاداً‪ ،‬وهي بمرجعياتها الفلسفية‬ ‫والمعرفية والفكرية والثقافية تنتمي إلى‬ ‫مناخات ثقافية غربية تولد في حاضناتها‬ ‫والدة طبيعية‪ ،‬بفعل الحاجة الحضاريّة‬ ‫وت��ط��وّر األف��ك��ار وال��ق��ي��م على نحو أصيل‬ ‫وضروريّ وحقيقيّ ‪.‬‬ ‫النقّاد العرب تلقفوا طروحات هذه المناهج‬ ‫وم��ع��ط��ي��ات��ه��ا‪ ،‬وراح ي��ت��ن��اف��ح ال��ك��ث��ي��ر منهم‬ ‫بالحديث عنها وع��ن أهميتها وخطورتها‬ ‫وضرورة التواصل معها‪ ،‬ولم يكن ج ّل هؤالء‬ ‫على وعي بمرجعياتها ومناخاتها وارتباطها‬ ‫بمجتمعات حضارية أخرى‪ ،‬أو بالكيفية التي‬ ‫يمكننا فيها اإلفادة منها ومقاربة نصوصنا‬ ‫األدبية وظواهرنا الثقافية بما قدّمته من‬ ‫أدوات وآليّات وتقانات وطرائق عمل‪ ،‬فصرنا‬ ‫نسمع مَن يقول إنّه ناقد بنيويّ ‪ ،‬أو سيميائيّ ‪،‬‬ ‫أو شكالنيّ ‪ ،‬أو تفكيكيّ ‪ ،‬أو أسلوبيّ ‪ ،‬أو غير‬ ‫ذلك‪ ،‬واقتربت القضية من أن تكون موضة‪،‬‬ ‫حالها حال أيّة موضة من موضات العصر‬ ‫الجديد‪ ،‬وما أف��اده النقد العربيّ الحديث‬ ‫منها قليل على هذا المستوى‪.‬‬ ‫أعترف بأنني من النقّاد الذين اندهشوا‬ ‫بالمنهج البنيويّ وه��و يفتح آف��اق��اً واسعة‬ ‫وعميقة ف��ي ال����درس ال��ن��ق��ديّ ‪ ،‬والس�� ّي��م��ا‬ ‫البنيويّة السيميائية حيث تقترب الكثير من‬ ‫نحو أو آخر‪ ،‬لكنّ‬ ‫قراءاتي النقديّة منها على ٍ‬ ‫المشكلة أن الكثير ممّن يتنطّ عون بالمقوالت‬ ‫النظرية العامة لهذه المناهج أخفقوا إخفاقاً‬ ‫ذريعاً في توظيفها وتسخيرها وتكييفها‪ ،‬وهم‬ ‫يحاولون نقلها إلى ميدان اإلجراء النقديّ ‪،‬‬ ‫فلطالما سخرتُ من مقاالت نقدية أو أوراق‬


‫ال شكّ في أ ّن نظريات النقد الحديثة كبيرة األهمية‬ ‫للنقد العربيّ الحديث حين ن��دركُ أ ّن علينا أن نتعامل‬ ‫ونتفاعل معها بوصفها منجزاً من منجزات العقل الغربيّ ‪،‬‬ ‫وهي مثل أيّ منتج آخر يجب أن يُستخدم في ظروف‬ ‫تستجيب لمنطقه ورؤيته وطبيعته وكيفيته؛ وندرك في‬ ‫السياق نفسه أنّه ول َد في حاضنة ثقافية مختلفة ومغايرة‬ ‫تماماً عن حاضنتنا الثقافية‪ ،‬على نحو يحتاج إلى تكييف‬ ‫عربيّ من أجل أن يكون صالحاً للعمل في ميداننا الثقافيّ‬ ‫واألدبيّ ؛ وندرك في سياق ثالث أ ّن المناهج مهما كانت‪،‬‬ ‫ومن أين أتت‪ ،‬فهي ليست سوى أدوات وآليّات‪ ،‬ولن تكون‬ ‫ال عن الناقد‪ ،‬هي وسائل تطوّر فعالية العقل النقديّ‬ ‫بدي ً‬ ‫ال جديدة للعمل؛ فالنقد في النهاية وجهة‬ ‫وتفتح له سب ً‬ ‫نظر الناقد فيما يقرأ‪ ،‬ولربّما نقرأ دراسة نقدية لناقد‬ ‫سياقيّ يدرك منهجه جيداً‪ ،‬ويعرف حدود عمل المنهج‬ ‫النص‬ ‫ّ‬ ‫على نحو يستخدمه أفضل استخدام في خدمة‬ ‫الذي يقاربه‪ ،‬أفضل من ألف دراسة بنيوية أو سيميائية‬ ‫أو تفكيكية أو أسلوبية يضيع الناقد في خض ّم مقوالتها‪،‬‬ ‫وتأخذه يميناً أو شماالً‪ ،‬وينتهي إلى نتائج نظرية مرتبكة‬ ‫النص بين يديه‪ ،‬فالعبرة دائماً في الفهم واإلدراك‬ ‫ويموت ّ‬ ‫والتمثّل وحسن استخدام الوسائل واآلل�� ّي��ات من أجل‬ ‫خدمة توجّ هات العقل النقديّ ‪ ،‬ومن ث ّم يصبّ ذلك كلّه في‬ ‫النص نحو الكشف النموذجيّ عن طاقاته‬ ‫ّ‬ ‫صالح خدمة‬ ‫الفنية والجمالية والثقافية‪.‬‬ ‫¦ ¦ظاهرة التعالق األجناسي ال��ذي تشهده بعض الروايات‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة ال �م �ع��اص��رة‪ ،‬ه ��ل ه ��ي ح��ال��ة ص �ح � ّي��ة تعيشها‬ ‫الرواية العربية اليوم‪ ،‬أم هي عالمة على إفالس آليّاتها‬ ‫القديمة؟!‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫تُلقى في مؤتمرات علمية يفتتح فيها أصحابها مقاالتهم‬ ‫وأوراقهم بمنطلقات نظرية (منقولة غالباً)‪ ،‬بالغة العمق‬ ‫والعلمية والتعالي النظريّ ‪ ،‬وحين ينتقلون من منطقة‬ ‫النظرية إلى منطقة اإلج��راء يتحوّلون فجأة على نحو‬ ‫مضحك إلى نقّاد تقليديين يشرحون النصوص بطريقة‬ ‫بدائية فجّ ة‪ ،‬ال عالقة لها مطلقاً بالمهاد النظريّ ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪103 )2016‬‬


‫‪ρ ρ‬ظ��اه��رة التداخل األج��ن��اس��يّ ال��ذي تشتغل‬ ‫عليه ال��رواي��ات العربية المعاصرة ظاهرة‬ ‫صحيّة بالتأكيد وضروريّة جداً؛ أل ّن الرواية‬ ‫العالمية قطعت أشواطاً من التقدّم والتطوّر‬ ‫والمغامرة‪ ،‬وال ب ّد من التفاعل مع ذلك من‬ ‫أجل اللحاق بها ومجاراتها‪ ،‬وإث��راء العمل‬ ‫ال��روائ��يّ وسائر األجناس األدبية األخ��رى؛‬ ‫ك��ال��ش��ع��ر وال��ق��ص��ة وال��م��س��رح��ي��ة‪ ،‬وأن����واع‬ ‫الكتابات األخ��رى‪ ،‬بالتعاطي والتداخل مع‬ ‫األجناس والفنون اإلبداعية المتاحة‪ ،‬من‬ ‫دون تحفظّ ات أو ت��وجّ ��س��ات أو خ��وف من‬ ‫ضياع الهويّة‪.‬‬

‫بروز حساسية النظ ّر المعمّق في الصخرة‬ ‫كي تُرى المنحوتة تتراءى‪ ،‬على نحو يساعد‬ ‫النحّ ات في إزالة الزوائد‪ ،‬كي يبقى التمثال‬ ‫ال ومسكوناً بروح خفيّة هائلة الحضور‪.‬‬ ‫ماث ً‬ ‫وه��ك��ذا ك�� ّل م��ا ه��و م��ت��اح م��ن ف��ن��ون أخ��رى‬ ‫بوسعها أن تضاعف من طاقة العمل الروائيّ‬ ‫وتفتح أمامه اآلف��اق اإلبداعية التجديدية‪،‬‬ ‫وتعمّق قدرته على التأثير والفعل في عقل‬ ‫التلقّي وروحه وحساسيته‪.‬‬ ‫ر ّب���م���ا رؤي���ت���ي ت��ت��ج��اوز األج���ن���اس األدب��ي��ة‬ ‫وال��ف��ن��ون الجميلة إل��ى العلوم وال��م��ع��ارف؛‬ ‫ففي عالم الفيزياء والرياضيات والفلك‬ ‫والعلوم والمعارف األخرى ما يجعل الروائيّ‬ ‫ينفتح على عوالم ساحرة من شعرية الدقّة‬ ‫واالق��ت��ص��اد واالخ���ت���زال وال��ل��ع��ب الساحر‬ ‫باألرقام والذرّات والمتاهات‪ ،‬بما يقود إلى‬ ‫اكتساب زخم تشكيليّ وتعبيريّ غير متناهٍ ‪،‬‬ ‫وال��ذه��اب ف��ي ع��ال��م ال��س��رد ال���روائ���يّ إلى‬ ‫األق��اص��ي البعيدة التي ال سواحل لها وال‬ ‫ضفاف‪.‬‬

‫وبالتأكيد‪ ،‬اآلليّات السرديّة القديمة اندثرت‬ ‫وتندثر باستمرار كلّما ابتعدت عن مرجعيتها‬ ‫الواقعية ذات الحكائية العفويّة والتمثيلية‬ ‫الصرف‪ ،‬لحراك تجربة الواقع‪ ،‬وانتمت إلى‬ ‫فضاء التخييل بعوالمه التي ال تقف عند‬ ‫ح��دّ؛ فلم يعد السرد ال��روائ��يّ والقصصيّ‬ ‫مجرد حكاية تقليدية لها سند مرجعيّ في‬ ‫الواقع‪ ،‬تتمظهر فيها الشخصيات واألمكنة‬ ‫واألزمنة كما تتمظهر في الواقع؛ بل انفتح‬ ‫ال��س��رد على ط��اق��ات جمالية وثقافية من ¦ ¦الخطاب النقدي ال��روائ��ي العربي ه��ل ترى‬ ‫أن��ه ف��ي م�س�ت��وى ال�ن�ت��اج اإلب��داع��ي ال��روائ��ي‬ ‫أجل الدفاع عن التخييل بوصفه فضا ًء آخ َر‬ ‫ال � �ع ��رب ��ي؟! أال ت � ��رى م �ع��ي أن ال �ك �ث �ي��ر م��ن‬ ‫موازياً لفضاء الواقع ومتجاوزاً له في آن‪،‬‬ ‫المقاربات النقدية العربية ال تعدو أن تكون‬ ‫على نحو يجعلنا نعيش سجن الواقع ونتطلّع‬ ‫استعادة مدرسية لطروحات نقاد غربيين‪.‬‬ ‫نحو حريّة الخيال‪.‬‬ ‫ف�ت�س�ق��ط ه ��ذه ال �ن �ظ��ري��ات ع �ل��ى ال�ن�ص��وص‬ ‫التفاعل مع األجناس األدبية والفنون األخرى‬ ‫العربية إس�ق��اط�اً؛ ف�ت��ارة ه��ي ق ��راءة بنيوية‪،‬‬ ‫هو تفاع ٌل يجعل العرض السرديّ الروائيّ‬ ‫وتارة إنشائية‪ ،‬وطور ًا تفكيكية؟‬ ‫عرضاً غنياً وثرياً وشائقاً ومغرياً ومثيراً‬ ‫للجدل‪ ،‬فآليّات ف��نّ السينما من مونتاج‪ρ ρ ،‬الخطاب النقديّ الروائيّ العربيّ على الرغم‬ ‫ممّا قدّمه من جهد كبير على صعيد مقاربة‬ ‫وتشغيل أكثر من كاميرا‪ ،‬وإخراج‪ ،‬وغيرها؛‬ ‫النتاج اإلبداعيّ الروائيّ العربيّ ‪ ،‬إال أنّه بحكم‬ ‫وآليّات فنّ الرسم من خطوط وألوان و ُكتَل‬ ‫اإلنتاج الهائل والك ّم الغزير من الروايات التي‬ ‫وحجوم وف��راغ��ات‪ ،‬وآل�� ّي��ات ف��نّ النحت من‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫تُنتَ ُج ك ّل عام في أنحاء الوطن العربيّ ‪ ،‬ربّما ليس بوسعه‬ ‫ال‬ ‫النظر المعمّق في ك ّل ما يُنتج من نصوص روائية‪ ،‬فض ً‬ ‫على صعوبة انتقال السلعة الكتابية بين الدول العربية‬ ‫على نحو يجعل الناقد يتمكّن من الحصول على الروايات‬ ‫الصادرة كلّها في الوقت المناسب‪ ،‬وربّما من المناسب أن‬ ‫تكون هناك مؤسسة معنيّة بإيصال الروايات الصادرة إلى‬ ‫كوكبة من النقاد بيسر وسهولة‪ ،‬كي يكون بوسعهم معرفة‬ ‫ما يصدر وقيمته وعالقته بالكون الروائيّ العربيّ على‬ ‫نحو متكامل‪.‬‬ ‫خصت الرواية العربية الحديثة‬ ‫المقاربات النقديّة التي ّ‬ ‫فيما عُرف نقدياً بـ (السرديات) أو (علم السرد)‪ ،‬خضعت‬ ‫في األغلب األع ّم إلكراهات النظرية على حساب حريّة‬ ‫النصوص؛ إذ هيمنت اآلليّات والقواعد والتقانات السرديّة‬ ‫على العقل ال��ق��رائ��يّ ال��ن��ق��ديّ ‪ ،‬فصرنا نتلقّى ق��راءات‬ ‫متشابهة على نحو مريع‪ ،‬ال ف��رق بين دراس��ة ودراس��ة‬ ‫س��وى النصوص ال��روائ�� ّي��ة المنتخبة للقراءة النقدية‪،‬‬ ‫فتقانات الزمن السرديّ وآليّات كشف المكان السرديّ ‪،‬‬ ‫وأنماط الشخصيات‪ ،‬وثالثيّة المكوّنات السرديّة من‬ ‫راو ومرويّ ومرويّ له‪ ،‬وما إلى ذلك من العدّة السردية‬ ‫ٍ‬ ‫النص الروائيّ كما تشرّح جثّة هامدة‪ ،‬تخلو‬ ‫ّ‬ ‫التي تشرّح‬ ‫تماماً من السمة األساسيّة للممارسة النقديّة في سياقها‬ ‫الجماليّ أو الثقافيّ الحيّ والح ّر والديناميّ ‪ ،‬حتى وصلت‬ ‫السرديات إلى طريق مسدود على نحو يتوجّ ب اإلعالن‬ ‫فيه عن موت السرد‪.‬‬ ‫ال شكّ في أ ّن الخلل ليس في النظرية لك ْن في التطبيق‬ ‫اإلجرائيّ السيئ آلليّات النظرية وتقاناتها‪ ،‬بدليل أ ّن ثمّة‬ ‫دراسات مستثناة من توصيفنا السابق تمكّنت أن تقدّم‬ ‫تجارب نقدية عميقة الحساسية والتأثير والقيمة‪ ،‬حين‬ ‫نجحت في تسخير النظريّة لخدمة الممارسة النقدية‬ ‫وواع‪ ،‬تسندها موهبة نقديّة وخبرة‬ ‫ٍ‬ ‫على نحو معرفيّ‬ ‫عالية وتجربة عميقة‪ ،‬أهّ لتها لتقديم قراءة سردية بالغة‬ ‫الثراء والغنى‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪105 )2016‬‬


‫¦ ¦م��ا ه��ي مشاريعك ال�ق��ادم��ة؟ وب�م��اذا تختتم‬ ‫هذا الحوار؟‬ ‫‪ρ ρ‬مشاريعي والحمد هلل متواصلة ال توقّف‬ ‫فيها وال تلكؤ وال خَ دَر‪ .‬كنت أخطّ ط لالنتقال‬ ‫نحو مرحلة ثانية من تجربتي النقدية بعد‬ ‫أن اقتنعتُ بأ ّن المرحلة األولى منها اكتملت‬ ‫وحققّت أه�� ّم تصوراتي ورؤي��ات��ي‪ ،‬غير أ ّن‬ ‫هجرتي القسريّة إل��ى تركيا أعاقت ذلك‪،‬‬ ‫ألنني تركت مكتبتي في الموصل وخلّفتُ‬ ‫مخططاتي وأدواتي وعُزلتي الجميلة الهادئة‬ ‫هناك‪ ،‬وأنا هنا مج ّر ٌد من ك ّل شيء تقريباً‬ ‫س��وى اآلالم والذكريات والعزيمة‪ ،‬وإع��ادة‬ ‫ترتيب قائمة ال��م��ع��ارف واألص��دق��اء التي‬ ‫اهتزّتْ كثيراً وتضاءلتْ واندحرتْ إلى أق ّل‬ ‫ح ّد ممكن‪ ،‬فبعد أن أنجزتُ المرحلة األولى‬ ‫من تجربتي النقدية‪ ..‬صار من الضروريّ‬ ‫االنتقال إلى المرحلة الثانية التي ستكون‬ ‫مختلفة عن األولى‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬مشروعي ال��ق��ادم يتشكّل م��ن البحث‬ ‫التفصيليّ وال��م��ع��مّ��ق ف��ي ق��ض��اي��ا نقديّة‬ ‫ج��وه��ر ّي��ة ذات طبيعة ثقافية‪ ،‬أسعى إلى‬ ‫ف��ح��ص م��ش��ك�لات م��رك��زيّ��ة ت��ت��أسّ ��س على‬ ‫ج��وه��ر ّي��ة ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن األدب وال��ث��ق��اف��ة‪،‬‬ ‫ف����األدب أح���د ال��م��ي��ادي��ن ال��م��ه��مّ��ة للكشف‬ ‫عن أزم��ات ثقافية تعيشها بعض الشرائح‬ ‫األدبية‪ ،‬والسيّما شريحة أدباء األقلّية الذين‬ ‫يكتبون بلغة األك��ث��ر ّي��ة‪ ،‬ور ّب��م��ا ه��ي مشكلة‬ ‫عالمية‪ .‬لكنّها فيما يتعلّق باللغة العربية‬ ‫لها خصوصيّة تنبع من طبيعة اللغة العربيّة‬ ‫نفسها‪ ،‬ومن حساسية العالقة االجتماعية‬ ‫والثقافية والفكرية والحضارية والسياسية‬ ‫بين األكثريّة واألقليّة‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ور ّب��م��ا أتاحت لي فرصة الهجرة القسريّة‬ ‫هنا أن أعيد ترتيب أوراق��ي من جديد‪ ،‬إذ‬ ‫إنني أنفق الكثير من وقتي هنا في التأمّل‬ ‫والمراجعة وإع��ادة تركيب األشياء؛ فالثلج‬ ‫وه��و يحيط ب��ي م��ن ك�� ّل ج��ان��ب‪ ،‬والشمس‬ ‫العجيبة وهي تثريني بنور مختلف‪ ،‬والطبيعة‬ ‫ال��ت��ي ت��ن��ط��ق ب��ال��ج��م��ال وال��ش��ع��ر والمحبة‬ ‫والسحر‪ ،‬تحتشد كلّها في جوهر عقلي‪ ،‬وبين‬ ‫عينيّ ‪ ،‬وفي أعماق سمعي‪ ،‬وعلى راحتي يديّ ‪،‬‬ ‫وفي خاليا أنفي‪ ،‬وفي طبقات لساني‪ ،‬كي‬ ‫تلقنني درساً جديداً في الحياة‪ ،‬وأنا أتمعّن‬ ‫في ذلك بقوّة ساعياً إلى ضخّ روح جديدة‬ ‫في حياتي وشخصيتي ورؤيتي لألشياء‪ ،‬على‬ ‫نحو يساعدني كي أنتقل إلى مرحلة ثانية في‬ ‫مشروعي النقديّ ‪ ،‬أتفوّق فيها على نفسي‪.‬‬ ‫في الحوار دائماً ثمّة إضافة لطرفَي الحوار‪،‬‬ ‫وأوضح‬ ‫ّ‬ ‫في الحوار أجتهد في أن أقدّم رؤيتي‬ ‫أفكاري بطريقة مباشرة قد ال تتيحها كتبي‬ ‫ال ع��ن أنني ف��ي ك�� ّل كتاب‬ ‫وم��ق��االت��ي‪ ،‬فض ً‬ ‫أنجزه تتبقّى أج��زاء من رؤياتي وكسر من‬ ‫تصوراتي تحيط بي حين ال تجد لها مكاناً‬ ‫في الكتاب‪ ،‬وه��ي ربّما تضايقني أحياناً‪،‬‬ ‫أشعر أ ّن الحوارات التي تُجرى معي تتكفّل‬ ‫على نحو ما باستظهار هذه األجزاء والكسر‬ ‫والبقايا‪ ،‬بما يجعلها مكمّلة لعملي؛ لذا أجد‬ ‫أ ّن حواراتي ال ب ّد أن تُقرأ ضمن إطار كتبي‬ ‫حتى يتمكّن القارئ من فهم التجربة كاملة‪،‬‬ ‫وأيّ ق��راءة لتجربتي من دون االطّ �لاع على‬ ‫حواراتي بمحبّة ومسؤولية‪ ،‬تُبقي تلك القراءة‬ ‫ناقصة وغير كافية‪ .‬دعني إذاً أقول لك بأ ّن‬ ‫حوارك معي وك ّل حواراتي السابقة والالحقة‬ ‫ذات أهمية قصوى عندي وهي جزء ال يتجزأ‬ ‫من تجربتي‪.‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫القاصة شيمة الشمري‬

‫فأدمنت كتابتها وقراءتها‬ ‫ُ‬ ‫القصة القصيرة جذبتني‬

‫شيمة الشمري‪ ،‬قاصة سعودية‪ ،‬ص��در لها أرب��ع مجموعات قصصية م��ن نوع‬ ‫القصة القصيرة جد ًا هي (ربما غداً‪ ،‬أقواس ونوافذ‪ ،‬وعرافة المساء‪ ،‬خلف السياج)‬ ‫ودراس��ة بعنوان شاعر الجبل‪ .‬ولها العديد من المشاركات داخل وخارج المملكة‬ ‫العربية السعودية من خالل الملتقيات والمهرجانات واألمسيات القصصية‪ ،‬وقد‬ ‫كان لها مشاركة في سلطنة عمان ودولة اإلمارات العربية المتحدة والمغرب‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاورتها‪ :‬مسعدة اليامي‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪107 )2016‬‬


‫¦ ¦بدايتك مع القصة القصيرة جدا؟‬

‫الشعر والنقد والرواية والقصة‪ ،‬ومن الكتّاب‬ ‫الذين قرأت لهم على سبيل الذكر ال الحصر‪:‬‬ ‫غ��ازي القصـيبي‪ ،‬وعبداهلل الجفري‪ ،‬وغادة‬ ‫السمان‪ ،‬وأجاثا كريستي‪ ،‬وإيليا أبو ماضي‪..‬‬ ‫وغيرهم‪ .‬إض��اف��ة إل��ى المصدر المهم ألي‬ ‫كاتب وأديب وهو «الواقع»‪ ،‬الواقع بكل ما فيه‬ ‫من أحداث‪ ،‬وتناقض‪ ،‬وتحوالت‪ ،‬وألم‪ ،‬وفرح‪..‬‬ ‫الواقع في كل مكان!‬

‫‪ρ ρ‬عند الحديث عن البدايات‪ ،‬عدت أفتش في‬ ‫حجيرات ال��ذاك��رة ألس��ج��ل ل��ي ول��ك��م نقاط‬ ‫االن��ط�لاق��ة الكتابية‪ ..‬تلك ال��ب��داي��ات التي‬ ‫تتوارى مع األيام‪ ،‬لكنها ال تغيب أبدا‪ ،‬بألمها‬ ‫وآمالها وبراءتها وطموحها وجموحها أيضا‪..‬‬ ‫كانت منذ أيام الدراسة المتوسطة‪ ،‬حيث كنت‬ ‫مولعة بالكتابة على الصفحات األخيرة من‬ ‫كتبي ودفاتري‪ .‬كنت أكتب ما يمكن أن أسميه ¦ ¦لماذا الشغف بهذا الفن؟‬ ‫وفق رؤيتي آن��ذاك شعرا‪ ،‬خواطر‪ ،‬ومضات ‪ρ ρ‬ق��رأت فيها إب��داع��ا ون��ق��دا‪ ..‬أحببتها‪ ،‬وفي‬ ‫البدايات كنت انتقد كثيرا من بعض الزمالء‬ ‫قصصية‪ .‬لم يعنني حينها التصنيف األدبي‪،‬‬ ‫الذين لم تَرُقهم لقصرها ورفضوا تصنيفها‬ ‫بقدر ما يعنيني الكتابة ورسم الكلمات‪ ،‬وما‬ ‫كجنس أدبي ينتمي للسرد‪ ..‬ومع األيام صار‬ ‫يصاحب ذلك من شعور جميل‪ ،‬لكن القصة‬ ‫مَن يهاجمها يحاول كتابتها! وهذا أكبر نجاح‬ ‫القصيرة جدا جذبتني أكثر وأدمنت كتابتها‬ ‫لها‪.‬‬ ‫والقراءة عنها‪.‬‬ ‫ال للتطور والنمو ويستحق‬ ‫يبقى اإلب��داع قاب ً‬ ‫¦ ¦بمن تأثرت ولمن قرأت؟‬ ‫الشغف!‬ ‫‪ ρ ρ‬ال��ق��راءة متنوعة‪ ..‬بدايتها عن موضوعات‬ ‫كثيرة مذهلة متعلقة باإلنسان‪ ،‬والجنة والغيب‪¦ ¦ ،‬تناولها الكثير من النقاد بالنقد فما رأيك‬ ‫فيما ذكر عنها؟‬ ‫والجن‪ ،‬إضافة إلى الكتب التراثية التي توفرت‬ ‫لي‪ ،‬أو استطعت الحصول عليها‪ ..‬وقرأت في ‪ρ ρ‬تقصدين الجدل حولها؟ الجدل والنقاشات‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫¦ ¦م��ا ه��ي ال�م��درس��ة ال�ت��ي استقيتيها ث��م قمت‬ ‫بتوظيفها من خالل الكبسولة؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫طبيعية في بداية كل فن‪ ،‬وهي من سبل تطوره‬ ‫واكتمال صورته‪ ،‬وفي القصة القصيرة جدا ¦ ¦ «ربما غ��داً»‪ ..‬مجموعتك القصصية األولى‪،‬‬ ‫حسم األمر لصالحها وانتهى األمر‪.‬‬ ‫كيف استُقبِ لتْ من قبل القُ رّاء؟‬ ‫وكما قلنا‪ ،‬في البدايات يكثر الجدل؛ فمنذ ‪«ρ ρ‬ربما غ��دا»‪ ..‬مجموعتي األولى التي فتحت‬ ‫سنوات كان الجدل حول قصيدة النثر‪ ،‬واآلن‬ ‫لي أب��واب الغد المشرق‪ ،‬وق��د ص��درت عن‬ ‫كما ترين‪ ..‬يُحتفى بها‪ ،‬ولها كتابها ونقادها‪،‬‬ ‫النادي األدبي بالمنطقة الشرقية‪ ،‬وقد ضمت‬ ‫وإن كانت القصة القصيرة جدا موجودة في‬ ‫تجربتي القصصية األولى‪ ،‬وهلل الحمد القت‬ ‫ثقافتنا منذ القدم‪ ،‬من خالل ما وصلنا من‬ ‫نجاحا الفتا‪ ،‬ونالت اهتمام النقاد‪ ،‬وكان لها‬ ‫كتب القدماء‪ ،‬فهي في ال��ن��وادر‪ ،‬واألم��ث��ال‪،‬‬ ‫نصيبها ال��واف��ر م��ن ال��دراس��ات وال��ق��راءات‬ ‫والنكت‪ ،‬والحكم‪ ،‬والحكايات التي تأتي ضمن‬ ‫النقدية‪..‬‬ ‫حكاية أكبر‪ ،‬لها ج��ذور ومسميات مختلفة‪.‬‬ ‫الجدل والنقاش ضروري لكي تثبت وجودها ¦ ¦ ث�لاث مجموعات من القص القصير ج��داً‪..‬‬ ‫ما وجه الشبة وما وجه االختالف؟‬ ‫كجنس أدب��ي مستقل‪ ..‬وق��د فعلت‪ .‬وهناك‬ ‫كثير من النقاد ن��ذروا أقالمهم لها‪ ،‬وأيضا ‪ρ ρ‬ه��ي م��راح��ل م��ن ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬ول��ك��ل مرحلة ما‬ ‫هناك رس��ائ��ل علمية تقوم على دراستها‪..‬‬ ‫يميزها‪ ..‬وكل الحقة حتما ستكون مختلفة‬ ‫وهذا نجاح لها ولكتّابها‪.‬‬ ‫وناضجة‪ ..‬وهذا ما أعمل عليه دائما أن أطور‬ ‫والبحوث العلمية‪ ..‬مستقبلها مشرق!‬

‫أدواتي من خالل االنفتاح ال ُقرّائي‪ ،‬ومحاولة‬ ‫التجريب واالطالع على كل جديد‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال م��درس��ة معينة‪ ،‬أن��ا أق��رأ كثيرا وف��ي كل ¦ ¦ القصة القصيرة ج��دا في رأي��ك تمكنت من‬ ‫م�ن��اق�ش��ة ال �م��واض��ع ال �ت��ي ت�ن��اق�ش�ه��ا ال�ق�ص��ة‬ ‫ش���يء‪ ..‬وال أتبع منهجا م��ح��ددا‪ ..‬مخلصة‬ ‫القصيرة رغم حجمها؟‬ ‫لفن القصة القصيرة جدا‪ ،‬وأح��اول التقاط‬ ‫التفاصيل‪..‬‬ ‫‪ρ ρ‬بالتأكيد‪ ،‬ب��ل وت��ن��اق��ش بشكل الذع ودقيق‬ ‫¦ ¦لمَن تقرئين من كُ تّاب القصة القصيرة جداً؟‬

‫وساخر ومؤثر‪..‬‬

‫‪ρ ρ‬أق���رأ ف��ي ك��ل اإلب�����داع‪ ،‬ول��ي��س ف��ي القصة‬ ‫القصيرة ج��دا ف��ق��ط‪ ..‬وأق���رأ لجميع كتاب‬ ‫القصة القصيرة جدا‪ ..‬الجيد وغيره!‬

‫القصة القصيرة ج��دا تختلف ع��ن القصة‬ ‫القصيرة تماما في عناصرها وطرق التناول‬ ‫والكتابة‪ ..‬والحجم ليس داللة جودة أو ضعف‪،‬‬ ‫وما أصغر حجم الرصاصة وما أشد فتكها!‬

‫¦ ¦ماذا تتوقعين لها من مستقبل؟‬

‫‪ρ ρ‬ب��ل حاضر ي��ا ع��زي��زت��ي‪ ..‬فقد حصلت على ¦ ¦ كيف ك��ان استقبال سلطنة عمان ل�ـ «عرافة‬ ‫المساء»؟‬ ‫ما تستحق من شد انتباه النقاد والدارسين‪،‬‬ ‫وأص��ب��ح لها محافل تحتفي بها وبكتابها‪ρ ρ ..‬كانت تجربة فريدة لن تتكرر‪ ،‬غمروني بجمال‬ ‫أرواحهم وحضورهم الفاتن‪ ،‬وعلى رأسهم وزير‬ ‫و ُقدِّمت عنها دراسات نقدية مستفيضة‪ ،‬وحتى‬ ‫اإلعالم العماني الدكتور عبدالمنعم الحسني‪،‬‬ ‫الجامعات اعتمدت دراستها في التدريس‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪109 )2016‬‬


‫ال���ذي شرفني بحضوره وأخ���ذ نسخته من‬ ‫«عرافة المساء»‪ ،‬كما حضر مجموعة كبيرة‬ ‫م��ن األدب���اء وال��ك��ت��اب‪ ،‬وق��د كتبت مقاال عن‬ ‫عُمان بعنوان (أيام في السلطنة)‪.‬‬ ‫¦ ¦ماذا كان عن أمسيتك القصصية في اإلمارات؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشارقة مدينة األدب والثقافة واالحتفاء‬ ‫باإلبداع والمبدعين من كل الوطن العربي‪،‬‬ ‫األمسية ف��ي ال��ش��ارق��ة حتما ت��ك��ون أمسية‬ ‫ب��م��ع��ن��اه��ا ال����ذي ن���ح���ب‪ ..‬ح��ي��ث ال��ج��م��ه��ور‬ ‫الواعي المتذوق‪ ،‬والحضور المتنوع‪ ،‬فأنت‬ ‫تجد أمامك جمهوراً من كل الوطن العربي‪،‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬حتما ستجتهد وتتألق‪ ..‬فهم مرآتك‪.‬‬ ‫¦ ¦تنوُّ ع جمهور شيمة الشمري ماذا أكسبها؟‬ ‫الثقة والفخر‪ ،‬وكل هذا يجعلني دائما حريصة‬ ‫على ما أكتب‪ ،‬نسأل اهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬نتوقع الكثير من هذه التظاهرة السردية التي‬ ‫¦ ¦نبارك لك تكريمك من قبل الملتقى األول‬ ‫يقودها النادي األدبي بالباحة ألول مرة في‬ ‫للقصة ال�ق�ص�ي��رة وال�ق�ص�ي��رة ج ��د ًا م��ن قبل‬ ‫المملكة‪ ،‬وال غرابة‪ ..‬فقد عوّدنا أدبي الباحة‬ ‫ن ��ادي ال �ب��اح��ة األدب� ��ي م��ا ه��و ش �ع��ورك بتلك‬ ‫على الريادة في الملتقيات األدبية واالهتمام‬ ‫المناسبة؟‬ ‫ب���األدب بجميع ف��روع��ه وأج��ن��اس��ه‪ ،‬ودعمه‬ ‫‪ρ ρ‬بوركت أي��ام��ك‪ ..‬شاكرة ل ِ��ك‪ ..‬وم��اذا عساي‬ ‫الدائم لألدباء والنقاد‪ ..‬هو لقاء يجمع كتاب‬ ‫أق���ول ع��ن بهجتي وس��ع��ادت��ي بتكريمي في‬ ‫القصة ونقادها ف��ي مهرجان كبير‪ ،‬وه��ذا‬ ‫مهرجان القصة األول‪ ،‬وفي حشد كبير من‬ ‫سيحرك الراكد ويحفز الكُتاب للعطاء أكثر‬ ‫رواد وكتاب القصة الزمالء والزميالت‪ ،‬هي‬ ‫خاصة بعد لقاء الزمالء‪ ،‬ومتابعة األمسيات‪،‬‬ ‫شهادة على أن ما قدمته كان جديرا بالقارئ‬ ‫والقراءات‪ ،‬والحوارات حول القصة؛ كل هذا‬ ‫وبالمتذوق وبالتقدير‪ ..‬أن نرى حصاد زرعنا‬ ‫سيكون منعطفا في حياة المشاركين وبشكل‬ ‫مبكرا‪ ،‬لهي مسؤولية كبيرة على عاتق أقالمنا‬ ‫إيجابي‪..‬‬ ‫التي ستعطي أكثر بعد هذا الوفاء والتقدير‬ ‫من وزارة الثقافة‪ ،‬ممثلة بنادي الباحة األدبي ¦ ¦ختام ًا ماذا تقولين‪ :‬لمن بدأ كتابة ذلك الفن‬ ‫برغبة التميز وليس االستسهال كما يقال؟‬ ‫والزمالء األفاضل القائمين عليه والمشهود‬ ‫لهم بالتميز‪ ..‬فشكرا لهم!‬ ‫‪ρ ρ‬م��ن كتب ب��ص��دق ورغ��ب��ة واج��ت��ه��اد سيجني‬ ‫¦ ¦م � ��اذا ت �ت��وق �ع �ي��ن وم � � ��اذا ت �ت��أم �ل �ي��ن م ��ن ذل��ك‬ ‫الملتقى؟‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫حصاد زرعه ثمرا طيبا ولو بعد حين‪ ..‬يكفيه‬ ‫أن يكتب فالكتابة حب‪.‬‬


‫ال��ض��وي��ح��ي‬ ‫‪ρρ‬احملرر الثقايف‬

‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫عبداللطيـف‬

‫درس في منطقة الجوف حتى الثانوية العامة عام‪1400‬هـ‪ .‬وتلقى تعليمه في الرياض حتى البكالوريوس‬ ‫عام ‪1404‬هـ‪ .‬حصل على الماجستير من جامعة أيوا ‪1991‬م في الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬يعمل حالياً‬ ‫في «أجفند» منذ عام ‪1998‬م‪.‬‬ ‫أخذ من اإلعالم نصيباً ‪-‬مذيعا ومقدما‪ -‬بين عامي ‪1983‬م و‪1989‬م‪.‬‬ ‫حاضر ودرَّس في قطاع اإلعالم بمعهد اإلدارة العامة ‪1998-1985‬م‪.‬‬ ‫وعمل مستشارا في الهالل األحمر للفترة ‪1998-1996‬م واإلعالم منذ ‪2006‬م‪ .‬رأس تحرير موقع‬ ‫األمير طالل بن عبدالعزيز ومنتدى حوارات الفاخرية‪ .‬كان عضوا في جمعية اإلدارة وهيئة الصحفيين‬ ‫وجمعية اإلعالم واالتصال وكتاب الرأي‪ .‬وهو صاحب ومؤسس مركز المؤشرات الحديثة للدراسات‪.‬‬ ‫يطل على قرائه أسبوعيا في صحيفة عكاظ وكتب قبلها في صحيفة الوطن‪.‬‬ ‫قدّم العديد من المحاضرات في مجاالت التخطيط اإلعالمي واإلدارة اإلعالمية واقتصاديات‬ ‫اإلعالم لخدمة المجتمع المدني ومكافحة الفقر والتعليم المفتوح وتمكين المرأة وحقوق الطفل‪ ،‬وأنجز‬ ‫العديد من الدراسات‪ ،‬وصمّم حقائب تدريبية إعالمية‪.‬‬ ‫صدر لألستاذ الضويحي كتابه األول عن نادي الجوف األدبي الثقافي بعنوان (أساور القهوة وأسوار‬ ‫الفنجان‪ ،‬فقه الضويحي) ‪1435‬هـ ‪2014‬م‪.‬‬ ‫يرى الضويحي أ ّن هذا العصر استح ّق عن جدارة مسمَى عصر‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬وأن اإلع�لام الجديد هو ابن شرعي لإلنترنت‪ ،‬وفي ظل‬ ‫هذا التغير اإلعالمي فكر الضويحي بطريقة كتابية جديدة‪ ،‬جمع من‬ ‫خاللها جميع تغريداته في وسائل التواصل االجتماعي فكان (فقه‬ ‫الضويحي)‪.‬‬ ‫يمتاز كتابه بنمط جديد خاص به‪ ،‬يعكس قدرته الالفتة على اقتناص‬ ‫المفارقة والتناقض بين مفردة وأخرى أو مصطلح وآخر تتشابه في المبنى‬ ‫لكنها تختلف في المعنى‪ ،‬فأنشأ نصوصه في فضاء مختلف‪ ،‬وقدمه للمتلقي‬ ‫في وعاء جديد‪ ،‬عبر عنها حتى في عنوان الكتاب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪111 )2016‬‬


‫تشخص أحوال منطقة الشرق األوسط في مئتي عام ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫دراسة‬

‫األولوية الحتمية إليقاف التدهور‬ ‫في قدرات األمم‬ ‫‪ρρ‬الزبير مهداد*‬

‫التقرير المعنون أعاله صدر في العام الماضي عن مؤسسة تنمية الخبراء ‪-‬‬ ‫مهارة‪ .‬وهو يتناول بالتحليل الموضوعي السبب الجوهري لتردي أحوال منطقة‬ ‫الشرق األوسط وشمالي إفريقيا‪ ،‬خالل المئتي عام األخيرتين(‪.)1‬‬ ‫يستعرض التقرير عدد ًا كبير ًا من الدراسات العالمية المتخصصة في تقييم‬ ‫الجوانب الرئيسة للنشاط اإلنساني في تلك المنطقة ورص��د األداء الجمعي‬ ‫لسكانها في العصر الحديث‪.‬‬ ‫ويخلص التقرير إل��ى أن السبب والتعليم‪ ،‬وال��دف��اع‪ ،‬ومظاهر السلوك‬ ‫الجوهري لتردّي أحوال تلك المنطقة الجمعي لألفراد في شتى دول اإلقليم‪.‬‬ ‫ي��رج��ع إل���ى اس��ت��ش��راء وب����اء إع��ط��اب‬

‫ويشرح التقرير كيف تم تكريس ما‬

‫ال���ق���درات‪ ،‬ذل��ك ال���ذي ق��لّ��ص ق��درات يصطلح على وصفة بالتنمية القاصرة‬ ‫أجيال كاملة طوال عقود متتالية‪ ،‬وما في منطقة الشرق األوس��ط وشمالي‬ ‫ت��زال ال��دراس��ات المتخصصة ترصد إفريقيا‪ .‬ويبيّن كيف يتسبب استمرار‬ ‫آث���اره ال��مُ��دمِّ��رة ف��ي مختلف مظاهر تلك التنمية القاصرة لفترات طويلة‬

‫النشاط اإلنساني لسكان المنطقة؛ ف��ي إع��ط��اب ق���درات األف���راد ف��ي تلك‬ ‫من االقتصاد‪ ،‬إلى السياسة‪ ،‬والصحة‪ ،‬المجتمعات؛ ما يجعل معظم النشاطات‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫��س�� ّيَ��ة‪ ،‬أكثر م��ن أصولها‬ ‫التقليد الشكلي واإلنجازات الوهمية‪ ،‬وهو الفكرية وال��مُ��ؤَسَ ِ‬ ‫م��ا ي��ك��رّس بيئة معطبة ل��ق��درات األف���راد ال��ج��ام��دة؛ ك��ال��ث��روات الطبيعية‪ ،‬أو حتى‬

‫ويتسبب في خلق ه��وة بين تلك القدرات المنشآت‪ ،‬أو المنتجات؛ إذ تتجسد تلك‬ ‫ومستوى المهارات المطلوبة لتحقيق تقدم ال��قُ��دُرات ف��ي م��ع��ارف األف���راد ومهاراتهم‬ ‫تنموي حقيقي‪ .‬فالعيش تحت وطأة التنمية بشقيها المعرفي وغير المعرفي؛ أو ما يُعرف‬

‫القاصرة‪ ،‬ال يؤدي فقط إلى ضمور أو إعطاب إجماالً بالثروة البشرية‪ .‬وتبيّن أنه لكي يكتب‬ ‫ال��ق��درات اإليجابية ل�لأف��راد وح��س��ب‪ ،‬بل النجاح ألي عملية تنموية‪ ،‬يتحتم أوال تقييم‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫التنموية ف��ي المنطقة تعاني مما يسمى للمجتمعات اإلنسانية تكمن في ُقدُراتها‬

‫يُنَمّي قدرات هدامة تُسهم في إدامة التنمية الثروة البشرية الموجودة بعناية فائقة‪ ،‬من‬ ‫القاصرة التي تتعدد مظاهرها؛ من تعليم خالل قياسها بالمعايير العالمية المعتبرة‪،‬‬

‫ال يُسهم في تطوير ق��درات ال ُم َم ْدرَسين‪ ،‬ومن ثم تقدير اإلصالحات الواجبة؛ فبناء‬ ‫إلى طفولة مهملة ال تتاح لها فرص امتالك القدرات اإلنسانية قد يكون أصعب مهام‬ ‫الثروة البشرية‪ ،‬إلى فقر يؤثر على القوى‬ ‫العقلية لألفراد‪ ،‬إلى أنظمة حكم استبدادي‬ ‫تحتكر ال��ث��روة والسلطة‪ ،‬إل��ى نظم إداري��ة‬ ‫ترفض التطوير واإلص�لاح‪ ،‬إلى معتقدات‬ ‫وعادات مجتمعية تفتقد المنطق والبرهان‪..‬‬ ‫إلى غير ذلك‪ ،‬مما يستشعر آثاره المدمرة‬ ‫ماليين المطحونين في اإلقليم‪.‬‬

‫التنمية‪ ،‬وبخاصة في الحاالت التي يتسبب‬ ‫استمرار التنمية القاصرة لفترات طويلة‬ ‫في سلب البلدان قدراتها المهارية الالزمة‬

‫للتنافس الدولي‪.‬‬

‫عندما يتعثر النمو طويالً‬ ‫في ه��ذا الفصل‪ ،‬يسرد التقرير األداء‬

‫االقتصادي الجمعي لمنطقة الشرق األوسط‬

‫ويتبع التقرير أسلوب التقارير التنفيذية وشمالي إفريقيا‪ ،‬مقارناً بغيرها من مناطق‬ ‫المركّزة‪ ،‬معتمداً على توجيه القارئ إلى العالم‪ ،‬من خالل دراسات اقتصادية عالمية‬

‫َ��در واف ٍ��ر من المراجع ال��وازن��ة‪ ،‬تشرح ما متخصصة‪ .‬تظهر المعلومات الموثقة فيها‬ ‫ق ٍ‬ ‫تم إيجازه‪ ،‬وتستعرض األدلة المفصلة على بجالء أنه خالل القرنين الماضيين‪ ،‬اتخذ‬

‫ما ذهب إليه التقرير الذي يتكون من ستة النمو االقتصادي في المنطقة منحىً سلبياً‬ ‫ال يبدو فيه أن عائدات الثروات الطبيعية‬ ‫فصول‪ ،‬يعقبها فصل كامل للمراجع‪.‬‬ ‫الناضبة ق��د خلقت آلية تكامل أو نجاح‬ ‫المقدمة‬ ‫اقتصادي معتبر؛ حتى إن معدالت البطالة‬ ‫ت��ش��رح ال��م��ق��دم��ة أن ال��ق��وة الحقيقية في المنطقة تبقى هي األعلى على مستوى‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪113 )2016‬‬


‫العالم؛ بنسبة مذهلة لبطالة الشباب وصلت بعض أسباب هذا التعثر المجتمعي المدمر‬ ‫إل��ى ‪ %29.5‬في العام ‪ ،2014‬بل إن نحو ومظاهره‪.‬‬

‫‪ %23.4‬من الشعوب العربية تعيش تحت‬ ‫خط الفقر القومي للعام ‪2012‬؛ مرتفعة عن‬ ‫نسبة ‪ %22.7‬التي سجلت في العام ‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪ ‎‬تعثّ ر أكثر خطورة‬

‫‪‎‬امتالك القدرات‬ ‫‪‎‬يستعرض ه��ذا الفصل آل��ي��ات امتالك‬ ‫القدرات على مستوى األفراد والمجتمعات‬

‫واألمم‪ ،‬كما بينتها الدراسات المتخصصة‬

‫‪‎‬في ه��ذا ال��ف��ص��ل‪ ،‬يستعرض التقرير الرصينة في علم النفس‪ ،‬واألسس العصبية‬ ‫تحليالت علمية موثّقة لمؤشرات األداء للمعرفة‪ ،‬والتنمية البشرية‪ ،‬وعلم االجتماع‪،‬‬

‫المجتمعي ل��دول منطقة الشرق األوس��ط والتربية؛ ويلف النظر إلى جوهرية معدل‬ ‫وشمالي إفريقيا من خالل أكثر المؤشرات ذك��اء األف���راد‪ ،‬وآل��ي��ات امتالكه وتطويره‪،‬‬ ‫الدولية رصانة وكفاءة في هذا المجال‪ .‬كما ومحوريته في تحديد النشاط اإلنساني‬ ‫ال دقيقاً لألداء الجمعي لشعوب بمظاهره الفكرية والعملية والقيمية كافة‪.‬‬ ‫يقدم تحلي ً‬ ‫المنطقة‪ ،‬منذ ‪‎‬بداية عقد السبعينات في‬ ‫القرن الماضي وحتى العام ‪٢٠١٥‬م‪‎ ،‬في‬ ‫م��ج��االت ‪ ‎‬التعليم‪ ،‬وال��ص��ح��ة‪ ،‬والجيش‪،‬‬ ‫واالقتصاد‪ ،‬والسكان‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والمجتمع‪،‬‬ ‫والسياسة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والضمان االجتماعي‪.‬‬

‫‪‎‬إعطاب القدرات‬ ‫‪‎‬يمثل ه���ذا ال��ف��ص��ل ب��ع��ن��وان��ه إض��اف��ة‬

‫ج��وه��ري��ة ف��ي ت��ح��ري��ر ال��س��ب��ب الحقيقي‬ ‫لتعثر األف����راد والمجتمعات واألم����م‪ .‬إذ‬ ‫يسرد الفصل مجموعة من أهم الدراسات‬

‫‪‎‬هنا تُبيّن المؤشرات الدقيقة ‪‎‬كيف أن العلمية الحديثة في مجال األسس العصبية‬ ‫التعثر االق��ت��ص��ادي ل��دول المنطقة‪ ،‬على (أو المخية) للمعرفة والسلوك والمهارات‬

‫الرغم من فداحته‪ ،‬أقل خطورة من تعثرها التي تقدم أدلة قطعية دامغة على التأثير‬ ‫في األس��س المجتمعية الجوهرية كافة؛ المباشر للظروف المجتمعية على بنية‬ ‫كقيم العدالة‪ ،‬والمساواة‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬ال��م��خ؛ وب��ال��ت��ال��ي‪ ،‬على ال��م��ق��درة الذهنية‬ ‫والحكم الرشيد‪ ،‬والتعليم الكفؤ‪ ،‬والتخطيط ل�لأف��راد ف��ي المجتمع‪ ،‬ك��م��ا ت��ع�� ّب��ر عنها‬ ‫المستقبلي‪ ،‬والتقييم الموضوعي ل�لأداء‪ .‬المؤشرات الطبية والنفسية المعتبرة‪ ،‬مثل‬

‫ويلفت التقرير نظر القارئ في نهاية هذا معامل الذكاء؛ ما ينعكس على معتقداتهم‬ ‫الفصل إل��ى مجموعة من أه��م الدراسات وقيمهم وس��ل��وك��ه��م ون��ش��اط��ات��ه��م العملية‬

‫خالل الخمسين سنة الماضية‪ ،‬التي تناولت بأشكالها كافة‪ .‬هنا تبين األدل��ة العملية‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أنه حين تفشل ‪‎‬المجتمعات في امتالك أو‬ ‫حفظ الظروف الضرورية لحماية ال ُقدُرات‬ ‫اإليجابية ألفرادها وتنميتها يتسبب هذا في‬ ‫ضمورها أو إعطابها أو منعها من البزوغ‪.‬‬ ‫واألخطر من ذل��ك‪ ،‬أنه باستمرار التنمية‬ ‫القاصرة لفترات طويلة‪ ،‬يتسارع تدهور‬ ‫القدرات الجمعية لألفراد في المجتمع‪،‬‬ ‫وتتآكل ثروته البشرية‪ .‬فالتدهور ال يُع ِْطبُ‬ ‫أو يُثَ ِبّطُ ال��قُ��دُرات اإليجابية وحسب‪ ،‬بل‬ ‫َات هَ َّدام ٍَة تُسهم في إدامة التنمية‬ ‫يُن َِمّي ُق ُدر ٍ‬ ‫القاصرة؛ كجزء من حلقة مفرغة‪‎ .‬وهنا‬ ‫يؤكد التقرير على أن��ه ‪‎‬في ه��ذه الحاالت‬ ‫الحرجة‪ ،‬ينبغي أن تكون ‪‎‬األولوية الحتمية‬ ‫للمجتمعات إيقاف هذا التدهور الخطير‬ ‫ال��ذي ال يدمر حاضرها فقط‪ ،‬ب��ل يهدد‬ ‫كذلك مستقبلها المنظور‪.‬‬ ‫‪ ‎‬استعادة القدرات‬

‫نمذجة رياضية متخصصة للمدى الزمني‬ ‫المتوقع لعملية إص�لاح ممنهج للقدرات‬ ‫المعطوبة للمجتمعات‪.‬‬

‫ويلفت هذا الفصل النظر إلى استحالة‬

‫‪‎‬يتناول ه��ذا الفصل اآلل��ي��ات المعتبرة أن يكفي إص�لاح النظم التعليمية فقط‬ ‫ف��ي إص�ل�اح العطب ف��ي ق���درات األف���راد إليقاف تدهور المجتمعات؛ إذ إنه ما لم‬ ‫والمجتمعات واألم��م‪ ،‬ويشير إلى دراسات تتخذ إج����راءات ج��وه��ري��ة إلع���ادة النظر‬ ‫التقييم الموضوعي ألث��ر التعليم الكفؤ‪ ،‬ال��ف��وري ف��ي المعتقدات واألن��ظ��م��ة التي‬

‫بما هو آلية ممكنة لبدء استعادة القدرات سببت أو تجاهلت‪ ،‬أو دعمت أو شجعت‬ ‫المعطوبة لألفراد‪ ،‬نتيجة لتعرضهم لتنمية آليات إعطاب القدرات‪ ،‬فلن يتمكن التعليم‬

‫قاصرة لفترات زمنية طويلة‪ .‬كما يُقَدِّ م وال أي شئ آخر من إيقاف االنحدار!‬

‫* كاتب وباحث تربوي من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صدرت الدراسة عن مؤسسة تنمية الخبراء ‪ -‬مهارة ‪ -‬المملكة المتحدة‪ ،‬و للرجوع للنص الكامل‬ ‫للدراسة يمكن زيارة الرابط‪IPAR.pdf/12/2015/http://www.maharafoundation.org/wp-content/uploads :‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪115 )2016‬‬


‫اإلرث المعماري هل هو خاص أم عام؟‬

‫المباني أنموذج ًا‬ ‫‪ρρ‬صالح بن ظاهر العشيش*‬

‫لكل المجتمعات والحضارات البشرية ت��راث‪ ،‬وه��ذا التراث يتجسد في وجوه‬ ‫ع��دي��دة‪ ،‬فهنالك ال�ت��راث األدب��ي المكتوب منه والمسموع‪ ،‬والفني بأنواعه غناءً‬ ‫�ادات وتقالي َد وأط�ع�م��ة ً‪ ،‬إل��ى غير ذل��ك‪ .‬كذلك‬ ‫وفلكلور ًا وأزي ��اء ورس��وم� ًا فنيةً وع � ٍ‬ ‫التراث المعماري‪ ..‬وال��ذي يشمل المباني والجسور وال�س��دود وغيرها من ذوات‬ ‫األبعاد الثالثة‪ .‬هذا اإلرث المعماري هو ما سوف يدندن حوله هذا المقال‪.‬‬ ‫المباني هي من عمارة األرض‪ ،‬وقد قال اهلل سبحانه وتعالى في محكم تنزيله‬ ‫َاس� َت��عْ � َم�رَكُ ��مْ فِ يهَا } [هود‪ ،]61 :‬فالمباني هي من أكبر‬ ‫ْض و ْ‬ ‫{هُ َو أَ ْن��شَ �أَكُ ��مْ ِم��نَ الأْ َر ِ‬ ‫الشواهد على حضارة معينة وعصر بعينه؛ فهي دليل على المستوى الذي حققه‬ ‫المجتمع‪ ،‬وما بلغته حضارته من شأن‪.‬‬ ‫عندما تسير في شوارع مدن الوطن المحتومة‪ ،‬أو أنها معرضة لإلزالة من‬ ‫��آت جديدة‬ ‫وق��راه‪ ،‬ال ب ّد وأن تُصادف في سيرك قبل مُ�لاك��ه��ا إلق��ام��ة م��ن��ش ٍ‬ ‫مبان عتيقة ذات تميز معماري‪ ..‬كانت ألسباب اقتصادية أو تنموية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫علماً من المعالم‪ ،‬أو أن من سماتها‬ ‫أصالة معمارية‪ ،‬وهوية محلية تدل على‬ ‫حقبة ما‪ .‬هذه المباني تُركت وشأنها‬ ‫ت��ح��ت��ض��ر‪ ،‬ت��ح��ث ال��س��ي��ر إل���ى نهايتها‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫م��ن هنا‪ ،‬يتبادر إل��ى ال��ذه��ن س��ؤال‬ ‫بل جملة من التساؤالت‪ .‬لماذا تُترك‬ ‫هذه المباني عرض ًة لإلزالة أو صيرورة‬ ‫الفناء؟! لماذا ال يتوقف هذا التدهور‬


‫أليس لهذه المباني قيمة تاريخية عظيمة‪،‬‬ ‫يتجسد فيها ما قدمته من خ��دم��ات‪ ،‬وما‬ ‫شهدته من أحداث‪ ،‬وما قاومته من عوامل‬ ‫الزمن؟ ثم‪ ،‬أليس لها قيمة معمارية كبرى‬ ‫تتمثل في أنماط المعيشة آن��ذاك‪ ،‬وكيفية‬ ‫أسلوب البناء وهندسته وم��واده‪ ،‬والذائقة‬ ‫الفنية التي تعكسها تلك المباني‪ ،‬خصوصاً‬ ‫في وقتنا الحاضر‪ ..‬حيث سطوة ما يسمى‬ ‫بالعمارة الحديثة (أو النمط العالمي)‪ ،‬والذي‬ ‫تختفي معه العمارة المحلية‪ ،‬حيث الثقافة‬ ‫البيئية‪ ،‬واإلرث المعماري ال���ذي يكسب‬ ‫المكان هويته وتميزه‪ ..‬بل وتفرّده؟‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الذي يسري في تكوينها بضخ دماء الحياة‬ ‫فيها من جديد‪ ،‬ومنع إزال��ة ما هو مُعرَّض‬ ‫منها لإلزالة‪.‬‬

‫أليست هذه المباني تشكل ج��زءاً مهماً‬ ‫من تاريخ المدينة أو المنطقة التي تقع فيها‪،‬‬ ‫وإرثاً حضارياً له أهميته القصوى؟ أليس في‬ ‫هذا كله ما يوجب الحفاظ على تلك المباني‪،‬‬ ‫حتى وإن كانت مِ لكاً خاصاً؟ فتلك المباني‬ ‫تعدّت في أهميتها الملكية الخاصة‪ ،‬حيث‬ ‫يلزم الحفاظ عليها وترميمها؛ ألنها مِ لكُ‬ ‫المجتمع‪ ،‬وشاهد عيان على تاريخ المكان‬ ‫وأزمنته‪.‬‬ ‫إن الشعوب المتقدمة الواعية إلى أهمية‬ ‫تراثها ‪-‬ألنه الهوية‪ -‬والمدركة الستمرارية‬ ‫تاريخها وأصالتها دع��م��ت ال��ح��ف��اظ على‬ ‫إرثها المعماري؛ فبادرت إلى إنقاذ ما كان‬ ‫مهدداً منه باإلزالة نتيجة التنمية والتوسع‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪117 )2016‬‬


‫العمراني‪ ،‬وأجبرت السلطات على احترام‬

‫ذاك اإلرث المعماري‪ ،‬حيث استثمرت هذه‬ ‫المجتمعات اإلب���داع الهندسي في تحقيق‬ ‫المحافظة على تلك المباني‪ ،‬مع عدم إيقاف‬

‫عجلة التنمية‪.‬‬

‫ففي ألمانيا‪ ،‬تم إيقاف هدم مبنى تراثي‬

‫لوقوعه في خط سير قطار حيوي‪ ،‬إذ جرى‬

‫تمديد سكة حديد القطار داخل المبنى‪ ،‬مع‬

‫الحفاظ عليه قائماً في مكانه‪ .‬وحالة أخرى‬ ‫شخص‬ ‫ٌ‬ ‫ف��ي ال��والي��ات ال��م��ت��ح��دة‪ ..‬اش��ت��رى‬

‫األرض التي يقع عليها فندق خشبي قديم‪،‬‬

‫وقرر إزالته الستثمار الموقع‪ ،‬واحتجّ األهالي‬ ‫وجمعوا مبلغاً من المال لنقله من مكانه كما‬ ‫هو إلى موقع جديد‪ ،‬ونُصب بحالته التي كان‬

‫عليها‪.‬‬

‫إن نشر الوعي‪ ،‬وعقد ورش العمل لحماية‬

‫هذه الثروة المعمارية‪ ،‬والمحافظة عليها‪،‬‬ ‫وتهيئتها‪ ،‬وإدخ��ال��ه��ا ف��ي دورة االقتصاد‪،‬‬ ‫خ��ص��وص��اً م���ع ت��ن��ام��ي أه��م��ي��ة ال��س��ي��اح��ة‬

‫الداخلية‪ ..‬لهو أم ٌر في منتهى األهمية‪ ،‬قبل‬ ‫أن تسبقنا إلى تلك الثروة ع��وادي الزمن‪،‬‬

‫ونفقدها إلى األبد‪ ..‬حين ال ينفع الندم‪ ،‬وال‬

‫البكاء على األطالل‪.‬‬

‫إن��ه��ا ص���رخ���ة‪ ،‬ل��ع��ل��ه��ا يسمعها ج��ه��ات‬

‫االختصاص‪ ،‬والجهات المهنية‪ ،‬والمُالك‬

‫وغيرهم‪ ..‬فهل نسمع لهم ولو ركزا؟‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الزهـو ر‬ ‫بين الحياة والشعر‬ ‫‪ρρ‬عبدالغني فوزي*‬

‫تنتمي الزهور لعالم الطبيعة الخالي من التناقضات‪ ،‬وتعد بذلك رمز ًا عميق ًا‬ ‫للجمال والسمو‪ .‬لهذا االعتبار‪ ،‬يعزز حضورها الصالت والعالقات اإلنسانية‪ ،‬كما‬ ‫يتوهج ال��ورد والزهور في مناسبات فردية وجماعية؛ بل له حضوره البهي‪ ،‬تبعا‬ ‫ألشكاله وايحاءاته الرمزية بالفرح في تفرعاته‪ ،‬واأللم في أشكاله التراجيدية‪،‬‬ ‫ومنها الموت‪.‬‬ ‫بهذا الصنيع اإلنساني بالزهور‪ ،‬يبدو أن لها سيمائية خاصة‪ ،‬تقتضي فك‬ ‫شفرتها اإليصالية‪ ،‬ضمن ثقافة معينة ونظرتها للحياة والعالم‪ .‬فهذا الحضور‬ ‫القوي للزهور في الحياة والوجود‪ ،‬ممتد في المكان والزمان بتعدده الثقافي منذ‬ ‫القدم‪ ،‬فوصلت بعض الزهور عند بعض الشعوب إلى حد التقديس!‬ ‫يغلب ظني أن الشعر ظ�� ّل يحاكي‬ ‫الطبيعة من منطلق ال��ذات‪ ،‬وباألخص‬ ‫العناصر الموحية والمثيرة لالنفعاالت‬ ‫والتأمالت‪ .‬لهذا‪ ،‬فالشعراء يمتصون في‬ ‫قصائدهم عناصر الحياة والجمال‪ ،‬من‬ ‫منطلقات تحاور هذه الزهور‪ ،‬على ضوء‬ ‫التحوّالت السياقية والتجارب الخاصة‪.‬‬ ‫فتبدو الزهور منطلقة مؤنسنة‪ .‬ومن‬ ‫هنا‪ ،‬تتحول من طوبوغرافيتها المعتادة‬ ‫إلى أخرى شعرية‪.‬‬ ‫والملفت للنظر أن الشعر العربي‬ ‫قديمه وح��دي��ث��ه‪ ،‬ك��ان يستدعي هذه‬

‫‪ 119‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫الزهور؛ بل لكل شاعر زهرته المحببة‬ ‫التي يودع فيها مشاعره وحواسه‪ ،‬في‬ ‫أفق رؤيوي ما‪ .‬لهذا وإن كانت الزهور‬ ‫ٍ‬ ‫على صلة بالجمال وما هو روحي‪ .‬فإن‬ ‫اإلنسان يذهب إليها لكي يتفاعل معها‪،‬‬ ‫الكل م��ن منطلقه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تختلف‬ ‫ال���رؤى والمنطلقات ف��ي التعامل مع‬ ‫الزهور‪ .‬لكن الشعر يجردها من معالمها‬ ‫وإطاراتها الزمنية والمكانية‪ ،‬فتغدو‬ ‫رم���وزاً سابح ًة ف��ي ال��وع��ي وال�لاوع��ي‬ ‫كآليات باعثة عن المعنى واألعماق‪.‬‬ ‫لدينا بعض التجارب الشعرية في‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪119 )2016‬‬


‫األدب العربي‪ ،‬عمقت الزهور وأ َّرخ��ت لها‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال ال��ح��واس وال��رؤي��ا‪ .‬نذكر الشعر‬ ‫األندلسي ال��ذي التحم بالطبيعة الخالبة‬ ‫وأق���ام بين زه��وره��ا‪ ،‬فضال ع��ن الوصف‬ ‫للزهور في المرحلة العباسية‪ ،‬ليس غاية في‬ ‫الوصف فقط‪ ،‬بل التأسيس لمقدمات شعرية‬ ‫تخرج عن النمط في المقدمات الطللية‪ ،‬أو‬ ‫في المكان (الصحراء)‪ ،‬أو في الحيوان حيث‬ ‫سيادة حيوانات (الفرس‪ ،‬الجمل‪ ،‬اإلبل‪.)..‬‬ ‫هنا غدت الزهور على صلة بعالم اإلنسان‬ ‫ويومياته‪ .‬يقول أبو نواس‪:‬‬

‫الزهور في حضورها‪ ،‬تبعاً لمقامها الواقعي‬ ‫والمألوف‪ ،‬وال��ذي يتم إع��ادة بنائه‪ ،‬أي أن‬ ‫الزهور تمر عبر ال���ذوات؛ فتتعمق وتتلون‬ ‫من جديد‪ ،‬لتتخذ مقامات تعبيرية وتداولية‬ ‫جديدة‪ .‬يقول نزار قباني‪:‬‬

‫أنت امراة ال تتكرر‬ ‫في تاريخ الورد‬ ‫وفي تاريخ الشعر‬ ‫وفي ذاكرة الزنبق والريحان‬

‫في االستعمال الشعري وبه‪ ،‬تغدو الزهور‬ ‫وتعميق لمعنى الروابط واألواصر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحث‬ ‫أداة ٍ‬ ‫أس �ق��اط ع�س�ج��ده فيها آللئــــــــــها‬ ‫جديد للعالقات والحياة‪ ،‬إنها‬ ‫ٍ‬ ‫تشخيص‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫منضودة ُ‬ ‫بسموط ال��د ِّر تتصــــــــــــلُ زه��ور مدهشة‪ ،‬كأنها زه��ور شعرية‪ .‬لكن‬ ‫أحيانا ق��د يطلع ال���ورد ف��ي عمق العذاب‬ ‫أرخت عقودا من الياقوت مدمجة‬ ‫صفراء‪ ،‬حمرا‪ ،‬بها كالجسر يشتعل والمأساة‪ .‬يقول الشاعر محمود درويش في‬ ‫هذا الصدد‪:‬‬ ‫ولعل اللحظة البارقة في األدب العربي‬ ‫الحديث‪ ،‬تتمثل في التيار الرومانسي باعتبار «ينبت الورد على ساعد فالح‪،‬‬ ‫الطبيعة رافداً أساساً في هذا الملمح‪ .‬فقد وفي قبضة عامل‪..‬‬ ‫تم االستغراق في الوصف إلى حد الحلول‪ ،‬ينبت الورد على جرح مقاتل‪،‬‬ ‫بالمعنى الصوفي والوجودي للكلمة؛ فكان وعلى جبهة صخر»‪.‬‬ ‫الشاعر يتبادل األدوار واألصوات مع الزهور؛‬ ‫ب��ن��اء ع��ل��ى ذل���ك‪ ،‬ف��ال��زه��ور المتنوعة‪،‬‬ ‫في هذه الحالة تكون األزهار امتداداً طبيعياً تتخذ مقامات جديدة في الشعر وبه‪ ،‬فيتم‬ ‫لحالة أو موقف‪ .‬يقول جبران خليل جبران ف��ك «ال��ع��زل��ة» ع��ن ن��ب��ات��ات م��ل��ون��ة‪ ،‬لتسبح‬ ‫تعميق لمفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫«أن نزرع أوجاعنا في الحقل‪ ..‬حتى تنبت في االمتداد اإلنساني‪ ،‬في‬ ‫زهو َر فرح»‪.‬‬ ‫اإلن��س��ان وال��ص��داق��ة‪ ،‬ب��م��ا فيها صداقته‬ ‫في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬كانت الزهور للزهور‪ .‬ويبدو أن القصيدة تنطرح كإناء آخر‬ ‫مؤثثة للكثير من التجارب الشعرية‪ ،‬تعميقاً للزهور‪ ،‬ال حدود له ما عدا الزرقة‪ .‬فتغدو‬ ‫لمعنى الصداقة والمحبة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬اختلفت الزهور بهية أكثر‪ ،‬والمع ًة من الفرح واأللم‪.‬‬ ‫* شاعر وكاتب مغربي‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫مارينا تسفيتاييفا‬ ‫شاعرة الحب والجوع والمنافي‬ ‫‪ρρ‬تركية العمري*‬

‫لو أن روحك وُلدت بأجنحة‬ ‫فماذا يعني الكوخ أو بالط الملوك‪.‬‬ ‫مارينا تسفيتاييفا‬ ‫أرادت لها أمها أن تكون موسيقية‪ ،‬ولكن أصابعها تسللت إلى الكلمات‪ ..‬فعزفتها‬ ‫قصائد غنائية خالدة‪ .‬إنها الشاعرة الروسية «مارينا تسفيتاييفا»‪ ،‬والتي تعد أحد‬ ‫الشعراء المجددين في الشعر الروسي في القرن العشرين‪ ،‬وقد أعجب الشاعر‬ ‫األلماني «ريلكة» بشاعريتها فقال‪« :‬ها أنا اكتب مثلك»‪.‬‬ ‫ول���دت «م��اري��ن��ا» ف��ي م��وس��ك��و ع��ام‬ ‫‪1892‬م‪ .‬ك��ان والدها أس��ت��اذاً جامعياً‪،‬‬ ‫ومؤسس متحف الفنون الجميلة‪ ،‬الذي‬ ‫أصبح فيما بعد متحف بوشكين للفنون‬ ‫الجميلة‪ ،‬كانت أمها عازفة بيانو‪ .‬وفي‬ ‫السابعة عشر من عمرها نشرت أول‬ ‫دي��وان شعري لها‪ ،‬وال��ذي حمل عنوان‬ ‫(ألبوم المساء) وذلك عام ‪1910‬م‪.‬‬

‫ت���زام���ن���ت ح��ي��ات��ه��ا م���ع ال��س��ن��وات‬ ‫المضطربة في التاريخ الروسي‪ :‬ثورة‬ ‫البلشفية‪ ،‬والحرب األهلية‪ ،‬والمجاعة‪،‬‬ ‫فخالل مجاعة موسكو أجبرت أن تضع‬ ‫ابنتيها في ملجأ لأليتام بموسكو‪،‬حيث‬ ‫توفت ابنتها الصغرى بسبب الجوع عام‬ ‫‪1919‬م‪ ،‬فآلمها ذلك كثيرا‪..‬‬

‫ال��ت��ح��ق زوج��ه��ا «أف�����رون» بالجيش‬ ‫لم تكن «مارينا» شاعرة فقط‪ ،‬بل األبيض‪ ،‬وقد كتبت قصائ َد عن الجيش‬ ‫ٍ‬ ‫كتبت‬ ‫مسرحيات ونصوصاً نثرية‪ ،‬إضافة األبيض بين األعوام ‪1918‬م الى ‪1920‬م‬ ‫إلى ترجمتها ألعما َل ٍ‬ ‫عدد من الشعراء تُمجد فيها الجيش األب��ي��ض وحربهم‬ ‫إلى لغات مختلفة ومنهم «ريـلكة»‪.‬‬ ‫ضد البلشفية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪121 )2016‬‬


‫ف��ي ع��ام ‪1922‬م‪ ،‬ه��اج��رت م��ع عائلتها‬ ‫إل���ى أل��م��ان��ي��ا‪ ،‬ث��م ال���ى ب����راغ‪ ،‬وم��ك��ث��ت في‬ ‫باريس حتى عام ‪1925‬م‪ ،‬وقد عانت الفقر‬ ‫مع عائلتها‪ ،‬كما عانت في باريس من نَبْذ‬ ‫ال��ج��ال��ي��ة ال��روس��ي��ة ل��ه��ا‪ ،‬وم���ع ذل����ك‪ ..‬ف��إن‬ ‫سنوات الحرمان والمنفى لم تطفئ شعلة‬ ‫إبداعها‪ ،‬فقد تواصلت مع عدد من الشعراء‬ ‫عبر المراسالت واللقاءات أبرزهم «ريلكه»‬ ‫و«باسترناك»‪ ،‬كما أهدت أحد أعمالها إلى‬ ‫الشاعرة الروسية «أنا اخماتوف»‪.‬‬ ‫في براغ كتبت أجمل قصائدها‪ ،‬ونشرتها‬ ‫في باريس في مجموعتها الشعرية (بعد‬ ‫روسيا)‪ ،‬كما نشرت في برلين كتباً أخرى‬ ‫منها (الفراق) عام ‪1921‬م‪ ،‬و(قصائد الى‬ ‫بلوك) عام ‪1923‬م‪.‬‬ ‫بعد عودتها الى االتحاد السوفيتي عام‬ ‫‪1939‬م‪ ،‬أ ُعدم زوجها‪ ،‬وشهدت معاناة عدد‬ ‫من أصدقائها من بطش ستالين‪ ،‬لم تتحمل‬ ‫ذلك‪ ،‬فتوقفت عن الكتابة‪ ،‬وكان هذا انتحارها‬ ‫األخالقي‪ ،‬وبعد شهور وجدها ابنها مشنوقة‪،‬‬ ‫تارك ًة له ورقة تقول فيها «بجنون أحبك‪ ،‬قل‬ ‫للبابا وإليا إذا رأيتهم‪ ،‬أنني أحبهم حتى آخر‬ ‫لحظة من حياتي‪ ،‬واشرح لهم بأنني وصلت‬ ‫إلى طريق مسدود»‪ ،‬وكان ذلك عام ‪1941‬م‪.‬‬ ‫ك��ان الحب ثيمة قصائدها‪ ،‬فقد كتبت‬ ‫عن الحب المعروف والحب المجهول بلغة‬ ‫صريحة‪ ،‬كما وجد نقا ُد ومترجمو أعمالها‬ ‫تأثير أغنيات الفلكلور في شعرها‪ .‬صورت‬ ‫«تسفيتاييفا» تجارب وخبرات وحال المرأة‬ ‫الروسية خالل السنوات العصيبة لالتحاد‬ ‫ * كاتبة ومترجمة سعودية‪.‬‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫السوفيتي في تلك الفترة‪.‬‬ ‫ل��م تربط «م��اري��ن��ا» قصائدها بمدرسة‬

‫معينة‪ ،‬كما أنها ل��م تنضم ال��ى أي حركة‬ ‫أدبية‪ ،‬فقد كانت صوتاً متفردا‪ ،‬وبعد الثورة‬

‫ال��روس��ي��ة ح���اول «ل��ي��ن��ي��ن» أن يستخدمها‬ ‫لصالحه‪ ،‬ترجمت قصائدها للكثير من‬

‫اللغات‪ ،‬ويصنفها النقاد بأنها تنتمي إلى‬ ‫الحركة الرمزية الروسية‪.‬‬

‫واليوم في مدينة «يالبوقا» الروسية أصبح‬

‫منزلها متحفا وم ْعل َماً لها‪ ،‬كما أعيد نشر‬ ‫الكثير من شعرها في االتحاد السوفيتي‪،‬‬ ‫وقد أطلق اسمها على كوكبٌ اكتشفه فلكي‬ ‫روسي‪ .‬وفي بولندا شُ يدت سفينة لألكاديمية‬

‫الروسية للعلوم‪ ،‬وحملت اسمها تكريماً لها‪.‬‬


‫بين القواعد التربوية والفنون الجميلة‬ ‫‪ρρ‬صبحة بغورة*‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫معنى النمو الجمالي‬

‫النمو هو التغير المستمر‪.‬‬ ‫وال �ن �م��و ال �ج �م��ال��ي ه��و ال �ن �م��و ال �م��رك��ب ال� ��ذي ت�ح��دث��ه‬ ‫الطبيعة بغير إرادة من صاحبه‪ ،‬وهذا النمو المستمر هو‬ ‫المسؤول عن التغيّرات التي تبدأ من العدم‪ ،‬لتصل إلى‬ ‫أقصى ما يبلغه كمال التنظيم الجمالي المنسجم‪ ،‬سواء‬ ‫في نمو اإلنسان أم في مظاهر الطبيعة المختلفة مثل‬ ‫األشجار‪ ،‬واألنهار‪ ،‬والجبال‪ ،‬وتجمع السحاب‪..‬‬ ‫والسعي إلى الوصول للقيم الجمالية العالية في تنظيمها وانسجام أجزائها‪ ..‬ال‬ ‫تختص به الطبيعة وحدها‪ ،‬كما ال يختص به أيضا العمل الفني في حد ذاته‪ ،‬بل‬ ‫تظهر سماته ومعالمه بصورة أكثر وضوح ًا وتكام ًال في التفكير واإلحساس واإلدراك؛‬ ‫وبالتالي‪ ،‬في كل ما يتصل بنا من أسباب الحياة‪ ،‬وما يربطنا بالحياة من صالت‪.‬‬ ‫ول��ع��ل م���ن ظ���واه���ر ال���خ�ل�اف بين على حواسه في الحكم على أي عمل‬

‫القواعد الفلسفية في التربية الفنية‪ ..‬فني؛ وبالتالي‪ ،‬يصبح من الضروري‬

‫وبين الفنون الجميلة ف��ي ذات��ه��ا‪ ،‬ما بالنسبة إل��ى الفنان ال��م��ب��دع‪ ،‬تربية‬ ‫يرجع إلى االختالف في تعليل وجهات حواسه وتدريبها على تنسيق عالقتها‬ ‫النظر في طريقة تنظيم العمل الفني‪ ،‬بالمظاهر الكونية لتدعيم شخصيته‬ ‫وتنسيق االنسجام الجمالي الذي يكفل الفنية؛ كما أنها أيضا تزيد من شعوره‬

‫نمواً جماليا صحيحا‪.‬‬

‫بالنمو الجمالي المطرد‪ ،‬الذي يظهر‬

‫مما ال شك فيه أن اإلنسان يعتمد ف��ي عمله ل��ي��دل على ج��وه��ر نفسه‪،‬‬ ‫سواء في صراحة التفكير‪ ،‬أو في دقة‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪123 )2016‬‬


‫ال��ح ّ‬ ‫��س وسمو اإلدراك‪ ،‬أو ف��ي األسلوب عمله مقبوال‪ ،‬وينال رض��ا الناس جميعا‪،‬‬

‫الذي يسلكه في التعبير عنها بفنه‪.‬‬

‫ب��ل يتعين علينا أن نرفض ه��ذا الزعم؛‬

‫وتتفاوت عناصر التعبير بتنوع الوسائط ألن ك��ل عمل فني ق��اب�� ٌل ف��ي ذات���ه للنقد‬ ‫التي يستعملها المبدع‪ ،‬مثل الكلمات‪ ،‬أو المتصل بنوع العمل‪ ،‬وبقدرة الفنان على‬

‫األوزان‪ ،‬أو األنغام‪ ،‬أو الخطوط‪ ،‬أو األلوان‪ ،‬التعبير بأسلوبه الخاص للكشف عن قيم‬ ‫أو الحركات‪ ،‬أو اإلي��م��اءات‪ ..‬وغير ذلك جمالية ينفرد بها‪ .‬وكل محاولة من شأنها‬ ‫كفنِّ الباليه‪ ،‬أو السينما‪ ،‬أو باالستعارة ترتيب عالقات النظام واالنسجام‪ ،‬توصلنا‬ ‫كالموسيقى ال��ت��ص��وي��ري��ة‪ ..‬وه��ك��ذا‪ ،‬في حتما إلى افتراض قواعد جائرة‪ ،‬وقوانين‬

‫باقي الفنون‪ .‬والتنسيق الجمالي ال تحدد تستبد بعواطف الفنانين المبدعين‪ ،‬وأيضا‬ ‫بدايته عالمة معينة‪ ،‬وليس له تكوين خاص المشاهدين ال��ق��ادري��ن على ت���ذوّق معنى‬

‫مصطلح عليه‪ ،‬بل يمكن أن يبدأ على أي الجمال في أشكاله المتعددة المظاهر؛‬ ‫مستوى‪ ..‬سواء عن دراسة سابقة‪ ،‬أم في كما تقف سداً في طريق الخبرات الفنية‪،‬‬

‫سياق العمل‪ ..‬عندما يستغرق الفنان شاعراً والمحاوالت التي يتميز فيها كل فنان على‬ ‫أو رساماً أو موسيقياً في تأمالته‪ ،‬ومتأثرا آخر‪ ،‬بل وتفسد كل محاولة فنية مبتكرة؛‬

‫بمعنى النمو الجمالي في عمله‪ ،‬وفي الوقت ومع ذلك‪ ،‬نقول إن مثل هذه القواعد لها‬

‫الذي يفقد فيه المبدع القدرة على تنظيم أهمية ضمنية في التربية الفنية بالمدارس‪،‬‬

‫ه��ذه العالقة التي تربط تأمالته بالعمل ألنها تشتمل على األسس التي تحدد مفهوم‬ ‫الفني أو األدب��ي‪ ،‬يهبط مستوى المعاني القيم الجمالية حينما نساعد الطالب‬ ‫الجمالية‪ ،‬وينعكس تأثيره في المجتمع على فهم هذه األنظمة فيما أبدعه كبار‬ ‫بأسره‪ ،‬طالما أن الفن ظاهرة اجتماعية الفنانين‪ ،‬لننمي فيه اإلحساس بالجمال في‬ ‫لها تأثيرها الفعال في المجتمع‪.‬‬

‫الفن‪ ،‬فالنسبة والتوازن واإليقاع‪ ..‬ال يزال‬

‫وتتنوع مظاهر التعبير‘ وتتفاوت درجات بعضهم ينظر إليها على أنها أمور معوقة‬ ‫ت��أث��ي��ره��ا ب��ق��در ت��ف��اوت إح��س��اس الفنان للقوى االبتكارية عند الصغار‪ ،‬فباعَ دوا‬

‫والمفكر واألدي��ب والموسيقار‪ ..‬بالمعاني بينها وبين التالميذ‪ ،‬وأصبح إدراك معنى‬ ‫التي تتضمنها تلك التعبيرات‪ ،‬ومن العبث أن النمو الجمالي في التربية الفنية بالتعليم‬

‫نقبل الزعم بإنشاء قواعد وقوانين محددة‪ ،‬العام‪ ،‬مجرد تقدير ذاتي ينتج عن التأثيرات‬ ‫يمكننا أن نخضع بها العمل الفني‪ ..‬لكي التي تحدثها ال��رؤي��ة ف��ي نفس الطالب‪،‬‬

‫يلتزم بها الفنان التزاماً تاماً حتى يصبح م��ن دون االه��ت��م��ام بالخبرات والتجارب‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫بالمقارنة‪ ،‬نجد أنه يتعذر‪ ..‬بل يستحيل ووضوحها‪ ..‬قد تفقد التلميذ تلقائيته‪ ،‬وال‬

‫على الطالب ال��ع��زف على البيانو مثال‪ ،‬يتقبلها عقله كأساس لعمله‪ ،‬مهما حاول‬

‫وأن يجيد العزف ما لم يحط أوال بالسلّم ال��م��درّس أن يلقنها ل��ه‪ ،‬طالما أن ذاتية‬ ‫الموسيقي ال��ذي يعني تطبيق المقاطع الطفل تتكون من حسه وإدراك��ه وتجاربه‬ ‫«‪ ،»solfèg‬وعلم ال��ه��ارم��ون��ي‪ ..‬أي تآلف العاطفية ‪ -‬الشخصية ‪ -‬نحو أبيه وأمه‬ ‫األلحان‪ ،‬و «علم اإليقاع»‪ ..‬وغير ذلك من والمجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وكلها عوامل‬ ‫أص��ول‪ ،‬حتى يصبح في مقدوره بعد ذلك مساعدة لتعميق شعوره‪ .‬وإذا سلمنا بهذا‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫السابقة‪ .‬وإذا أردن���ا تفسير ه��ذا القول وال��ق��واع��د مهما بلغت دق��ت��ه��ا ودالالت��ه��ا‬

‫أن يعزف كيفما يشاء‪ .‬والنسبة بين أعضاء الرأي‪ ،‬فما هو دور مدرس التربية الفنية؟‬ ‫جسم واحد في الرسم عندما تصحح على‬ ‫أعتقد أن دور م��درس التربية الفنية‬ ‫أس��س من المظهر الواقعي‪ ،‬والتي تأتي‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬هو تنقية شعور التلميذ‪،‬‬ ‫غالبا عن طريق الرؤية البصرية‪ ،‬قد تصبح‬ ‫وتدريب حواسه على ع��ادة االنسجام مع‬ ‫مفتقرة لمعنى االنسجام في فلسفة الجمال‬ ‫العالم الخارجي‪ ،‬باألسلوب الذي يتجاوب‬ ‫عند أساتذة التربية الفنية الحديثة؛ ألنهم‬ ‫م��ع أح��اس��ي��س��ه وق���درات���ه ال��ذات��ي��ة‪ .‬وم��ن‬ ‫يؤْثرون عليها المبتكرات الصادرة من أعماق‬ ‫الواضح أن الشعور النامي بمعنى الجمال‬ ‫وجدان وخيال الطفل‪ ،‬وكذلك اإليقاع تبعاً‬ ‫يزداد عند األطفال‪ ..‬كلما ازدادت معرفتهم‬ ‫لقواعده وأسسه بوجه ع��ام‪ ..‬قد يفسد‬ ‫وخبرتهم بالعملية الفنية‪ ،‬وكلما أمكنهم‬ ‫أيضا ما يرغب التلميذ في التعبير عنه‬ ‫بالتالي‪ -‬التعبير باألسلوب ال��ذي يعادل‬‫بروح الطفولة البسيطة المجردة‪.‬‬ ‫هذه المعرفة لمعاني الجمال؛ وال تتكشف‬ ‫فكيف‪ ،‬إذاً‪ ،‬تصبح فلسفة النمو الجمال ه���ذه ال���م���دارك إال ع��ن ط��ري��ق التجربة‬ ‫المطلق م��ادة تربوية؟ وكيف يمكن كذلك السليمة‪ ،‬وتدريب الفكر والشعور وتقوية‬ ‫االستغناء عن القواعد واألسس الواضحة‪ ،‬المالحظة؛ وم��ن مجموع ه��ذه الخصال‬

‫التي يمكن للتلميذ فهمها وتطبيقها عن تتكون وحدة نظام فكري منسجم‪ ،‬ينعكس‬ ‫ٍ‬ ‫اقتناع تام‪،‬‬ ‫وبإدراك صحيح لمعاني الجمال على هيئة خطوط أو مساحات أو أل��وان‬ ‫في الفن؟‬

‫أو أشكال أو أنغام أو كلمات‪ .‬وال شك في‬

‫قد يزعم بعض أساتذة التربية الفنية أن أن األطفال الذين يفتقدون الشعور بالنمو‬

‫هذا األمر مرتبط أشد االرتباط بالتعليم الجمالي‪ ،‬ويفتقدون كذلك ال��ق��درة على‬

‫التربوي في جملته؛ ألن األسس واألنظمة تنظيم أفكارهم وإدراك حقيقة شعورهم‪،‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪125 )2016‬‬


‫يفتقدون أيضا مراقبة تجاربهم لالستفادة‬ ‫منها في كل وسائل التعبير‪.‬‬

‫والطفل الذي يحاول أن يستشعر المتعة‬ ‫المستمرة وهو يعبث في الرمال‪ ،‬أو يرسم‬

‫ومن الناس مَن يظن بأن للفنون وظيفة بالقلم عالمات تبدو للعين أشياء قريبة الشبه‬ ‫إلى ما في أذهاننا من صور‪ ..‬كالدائرة التي‬ ‫سامية يتطلع إليها ويتمناها‪ ،‬واعتقادي أن‬ ‫تدل على قرص الشمس‪ ،‬والشكل البيضاوي‬ ‫ه��ذه الوظيفة م��وج��ودة ف��ي ك��ل عمل فني‬ ‫كلب وإل��ى غير‬ ‫��ط أو ٍ‬ ‫ال��ذي يشبه جسم ق ٍّ‬ ‫ب��م��ق��دار م��ا يبدعه ال��ف��ن��ان‪ ،‬ونستطيع أن‬ ‫ذل��ك‪ ،‬فيها الدليل على وج��ود الشبه بين‬ ‫نتب َّينَها ب��وض��وح ف��ي الكثير م��ن القصص‬ ‫رس���وم األط��ف��ال ورس����وم ال��رج��ل ال��ب��دائ��ي‬ ‫والقصائد الشعرية‪ ،‬وف��ي مختلف أن��واع‬ ‫ورسوم فناني العصور الوسطى‪ ،‬بما تظهره‬ ‫الفنون التشكيلية ال��ت��ي ن��راه��ا ونلمسها‪،‬‬ ‫م��ن س��ذاج��ة وخشونة التعبير ف��ي الفنون‬ ‫فتجذبنا إليها وتثير تأمالتنا‪ .‬وعلم الجمال‬ ‫التشكيلية‪ ،‬نتيجة نقص المعرفة وضعف‬ ‫ال يستطيع كما قد يبدو للبعض أن يحدد‬ ‫المهارة‪ ،‬ويتالشى هذا النقص تدريجيا تبعا‬ ‫قاعدة يمكن تطبيقها لالستدالل على مثل‬ ‫لنمو م��دارك اإلن��س��ان الحضارية في فهم‬ ‫ه��ذه الوظيفة أو غيرها م��ن المتطلبات‪،‬‬ ‫معاني الجمال‪ ،‬ولما كانت الحياة ممثلة في‬ ‫بالقدر الذي يبتغيه كل الناس على حد سواء‪.‬‬ ‫الحركة‪ ،‬فاإليقاع ‪ Rhethm‬هو الدليل عليها‪.‬‬ ‫كلنا يعلم أن اإلن��س��ان منذ ع��ص��ور ما مثال ذلك أن الثعبان بغض النظر عن شعورنا‬

‫قبل التاريخ‪ ،‬حاول أن يحوِّل انفعاالته إلى نحوه‪ ،‬يتمثل في خط متعرج ذي انحناءات‬ ‫أشكال لها معانيها بقدر سلوكه الحضاري‪ ،‬متشابهة يتركها على الرمال أثراً بعد عين‪..‬‬

‫والفنان المصري القديم هو أول من مهد ويتألف منها إيقاعا‪ ،‬وهو العنصر األساس‬ ‫لقبول معاني المثالية في الفن اإلغريقي في للحركة الدالة على حيويته‪ .‬وعلى جدران‬ ‫القرن الخامس ق‪.‬م‪ ،.‬ثم عادت إلى الظهور الكهوف تشاهد رسوم قطعان الحيوان على‬ ‫عند االيطاليين في عصر النهضة فيما بين شكل مجموعات‪ ،‬بعضها صاعد وبعضها‬

‫القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس اآلخر هابط‪ ..‬في إيقاع يدل على الحركة‬ ‫عشر‪ ،‬أما في العصور الوسطى ‪ -‬وهي التي والحيوية‪ ،‬والتكوين (‪ )Composition‬والنسب‪،‬‬

‫تتوسط النهضتين اإلغريقية وااليطالية ‪ -‬هما أول ما استرعى نظر اإلنسان البدائي‬

‫فقد حاول اإلنسان على الرغم من انحطاط عندما حاول أن يزخرف مقبض سالحه أو‬ ‫المستوى الثقافي واالجتماعي‪ ،‬أن يبدع ج��دران كهفه أو وع��اء طعامه‪ ،‬وف��ي رسوم‬ ‫فنونا يعبر بها عن مشاعره‪.‬‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ق��اذف ال��رم��ح‪ ..‬نالحظ اختالفا في نسب‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أعضاء جسمه‪ ،‬والنسبة‬ ‫ب��ي��ن��ه وب��ي��ن ال��ح��ي��وان‪.‬‬

‫وب��م��رور ال��وق��ت‪ ،‬وتبعاً‬ ‫ل����ن����م����و اإلح������س������اس‬

‫ب�����ال�����ج�����م�����ال‪ ،‬أم���ك���ن‬

‫لإلنسان البدائي نفسه‬ ‫أن يتوصل إل��ى معرفة‬

‫النسب ال��م��ب��اش��رة بين‬ ‫أع��ض��اء جسم واح���د‪..‬‬ ‫ث���م ب��ي��ن ج��س��م وج��س��م‬ ‫آخ��ر‪ ،‬إل��ى أن تمكن من‬

‫تكوين مجموعة مختلطة‬ ‫من اإلنسان والحيوان‪،‬‬ ‫وأدى االه��ت��م��ام بشغل‬ ‫ال����م����س����اح����ات وت�����رك‬

‫التي حدد بها النسب الصحيحة في تماثيل‬

‫الفراغات التي تتكون منها هذه العناصر‪ ..‬آلهتهم وأبطالهم في فن النحت‪ ،‬وكذلك في‬ ‫إلى إيجاد قيم جمالية أخرى تشاهد في تنوع الشعر ال��ذي ب��دأ بأنشودة شعبية لتصوير‬

‫الحركات‪ ،‬كالهجوم والتربص واالستخفاء معاني البطولة وإثارة الحماسة‪ ،‬إلى أن بلغ‬ ‫وغير ذلك‪ ..‬إلى أن استطاع الفنان المصري أعلى مراتب الوصف والتعبير في الدراما‬ ‫القديم أن يضع قانونا حدد به طول جسم اإلغريقية‪ ،‬وكذلك الموسيقى التي مارسها‬ ‫اإلنسان باثنين وعشرين أصبعا‪ ،‬وأن يرسم اإلنسان مع األديان منذ أقدم العصور‪ ..‬إلى‬

‫األجسام والوجوه من الجانب (‪ )profile‬إمعانا أن أفسحت لها الكنائس المسيحية مجاال‬ ‫في تحديد أوصافها بدقة‪ ،‬وأن يرسم العين واس��ع��ا للسمو بسحرها‪ .‬والبحث ف��ي كل‬

‫الواسعة‪ ،‬وفي وضع جانبي على غير ما هو العصور ال ينقطع من أجل التقدم بالحركة‬ ‫معروف في قاعدة المنظور‪ ،‬وأن يزيد من واإلي��ق��اع والنسبة التي يتكون منها العمل‬ ‫مرونة الخطوط الخارجية المنغمة‪ ،‬كما الفني‪ ،‬وهذا التقدم هو الدليل على اطراد‬

‫استطاع المثّال اإلغريقي أن يضع القوانين اإلحساس بالنمو الجمالي في اإلبداع الفني‪.‬‬ ‫كاتبة من الجزائر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ *‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪127 )2016‬‬


‫صورين‬ ‫الغاط في ُع ِ‬ ‫الم ِّ‬ ‫يون ُ‬

‫كتاب ُي ِّ‬ ‫والحياة في ُم َ‬ ‫الت َ‬ ‫والج َ‬ ‫ظة َ‬ ‫َ‬ ‫وث ُق ُ‬ ‫الغاط‬ ‫مال‬ ‫حاف ِ‬ ‫ٌ‬ ‫راث َ‬ ‫‪ρρ‬احملرر الثقايف‬

‫الكتاب‪ :‬الغاط في عيون المصوِّرين‪.‬‬ ‫اإلشراف العام‪ :‬سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن‬ ‫السديري‪.‬‬ ‫المحـــــرر ‪ :‬محمد بن عيسى صوانه‪.‬‬ ‫المراجع ‪ :‬محمد بن أحمد الراشد‪.‬‬ ‫الناشـــــــــر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫تاريخ النشر‪1437 :‬هــ‪2016/‬م‪.‬‬ ‫أينما اتّجهتَ في الغاط ستجد الكثي َر من‬ ‫األماكن الطبيعية المُدهشة‪ ،‬التي تجمع بين‬ ‫جمال المكان وطبيعته الساحرة‪ ،‬والتراث‬ ‫ال��ع��ري��ق‪ ،‬الممتزج ب��ت��اري��خ اإلن��س��ان ال��ذي‬ ‫سكن فيها على مر الزمان‪ .‬فعالوة على أن‬ ‫الغاط تُ َع ُّد واح ًة غنّاء بطبيعتها وجغرافيتها‬ ‫ومزارعها على أطراف هضبة نجد الشمالية؛‬ ‫فإنها شهدت ح��ض��ارات متتالية على م ِّر‬ ‫العصور‪ ،‬منذ ما قبل اإلسالم‪ ،‬بل ُع ِث َر على‬ ‫شواهد وآثار تؤكد سُ كنى الغاط منذ عصور‬ ‫ما قبل التاريخ‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬جاء بمبادرة من مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي‪ ،‬بعنوان (الغاط في عيون‬ ‫�لا م��ص��وّراً يوثق‬ ‫ال��م��ص��وري��ن) ليكون س��ج ً‬ ‫شواهد ومعالم األصالة والتراث والحضارة‬ ‫الواعدة في الغاط‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ان��ط��ل��ق��ت ال��ف��ك��رة م���ن خ��ل�ال «م��ن��ت��دى‬ ‫الشباب ب��دار الرحمانية في الغاط» لتوثيق‬ ‫تلك الشواهد بعدسات الشباب المصورين‬ ‫م��ن أب��ن��اء ال��غ��اط‪ ،‬وه���م ف��ي األص���ل ه���واة‪،‬‬ ‫أطلقوا العنان لعيونهم اللتقاط الجمال مع‬ ‫الصور التي تمثل الحياة والطبيعة والتراث‬ ‫في هذه المدينة الجميلة‪ ،‬التي تتكىء على‬ ‫أطراف جبال طويق‪ ،‬وتصافح عريق البلدان‬ ‫(النفود)؛ فاستطاعوا أن يشكلوا بنياناً من‬ ‫والظالل وثّقوا من خالله جمال هذه‬ ‫الضوء ِ‬ ‫المدينة وطبيعتها الساحرة‪ ،‬وع��ادات أهلها‪.‬‬ ‫يتكون الكتاب مما يزيد على مائة صورة في‬ ‫مائة وأربع وستين صفحة‪ ،‬وشارك فيه اثنا‬ ‫عشر مصوراً من الهواة(‪ )1‬جميعهم من أبناء‬ ‫محافظة الغاط‪ ،‬عملوا على مدار عام كامل‪.‬‬ ‫ج���اء ال��ك��ت��اب ف��ي (‪ )164‬ص��ف��ح��ة من‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الحجم الكبير‪ ،‬بمقاس (‪)28.7 X 28.7‬‬ ‫سم‪ ،‬وغ�لاف أنيق تصدّرته ص��ورة أشجار‬ ‫النخيل التي تشتهر بها ال��غ��اط‪ ،‬وحظيت‬ ‫الصور بشروحات مختصرة باللغتين العربية‬ ‫واإلن��ج��ل��ي��زي��ة‪ ،‬وق��د وزّع المصمم الصور‬ ‫بطريقة فنية جميلة والفتة‪ ،‬تمنح المتصفح‬ ‫مشاهد بصرية أخّ ��اذة ومدهشة لمختلف‬ ‫الموضوعات التي شملها الكتاب‪.‬‬ ‫ال مصوراً‪ ،‬حفل بصور‬ ‫يمثل الكتاب سج ً‬ ‫حيّة ناطقة‪ ،‬التقطتها عيون ماهرة أخذت‬ ‫ترسم الغاط بأجمل األل��وان‪ ،‬وتصل خيوط‬ ‫الضياء منطلقة من جذورها الضاربة في‬ ‫أعماق أوديتها إلى سهولها الخضراء ونفودها‬ ‫الذهبية؛ لتكمل صورة واقعية ترفع بنيانها‬ ‫المتين‪ ،‬لبن ًة لبنةً‪ ،‬ليعلو شامخاً كما خشم‬ ‫العرنية‪ ،‬الذي يستقبل القادمين بالترحاب‪ ..‬يا اهلل عسى ِغر السحايب وسَ مها‬ ‫الشخانيب‬ ‫دار ل�ن��ا م��ا ب�ي��ن روس َّ‬ ‫وح��ي��ن يُ�� َو ِّدع��ه��م ي��ت��رك ف��ي ذاك���رة ك��ل زائ��ر‬ ‫لحظات ممزوجة باألصالة والتراث الجميل‪ .‬إس �ل �ي �م��ان س��مَّ ��اه��ا اوك� � ّب ��ر سَ همها‬ ‫ت����ص����دّرت ال���ك���ت���اب ق��ص��ي��دة ل�لأم��ي��ر‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري –رحمة اهلل‬ ‫عليه‪ -‬كتبها سنة ‪1389‬هـ عن مسقط رأسه‬ ‫(الغاط) تغنّى من خاللها بجبالها وأوديتها‬ ‫ومطرها وإبلها‪ ،‬تُعبّر عن حُ بِّ األمير الشاعر‬ ‫لها وألهلها‪ ،‬مطلعها‪:‬‬

‫يا من بها الطرقي اوتامن بها النِّيب‬

‫يتكوّن الكتاب من تمهيد بعنوان «ضوء»‬ ‫ومقدمة وأربعة فصول هي‪ :‬التراث واآلثار‪،‬‬ ‫والطبيعة‪ ،‬واألن��ش��ط��ة الثقافية‪ ،‬والحياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وختم بالمراجع‪ ،‬وجاءت صورة‬ ‫الغالف بعدسة المصور المبدع أيمن العامر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪129 )2016‬‬


‫التراث واآلثار‬ ‫ال��ت��راث واآلث���ار ش��واه��د على األص��ال��ة‪ ،‬تعتز بها‬ ‫الشعوب وتحرص على صيانتها والمحافظة عليها؛ لذا‪،‬‬ ‫تم توثيق العناصر التراثية واآلثارية في الكتاب بأربع‬ ‫وعشرين لقطة شملت‪ :‬الغاط القديمة‪ ،‬وبحيرة السد‪،‬‬ ‫وبعض النقوش الثمودية الموجودة على صخور الغاط‪،‬‬ ‫وكذلك قصر اإلمارة (المتحف)‪ ،‬وبيت آل الملحم في‬ ‫الغاط القديمة الذي جرى ترميمه ليظل شاهدا على‬ ‫جماليات البناء التقليدي القديم في الغاط‪ .‬كما شملت‬ ‫الصور كذلك المساجد واألسواق في الغاط القديمة‪،‬‬ ‫ولقطات ألبوابها الخشبية ذات السالسل الحديدية‪،‬‬ ‫والممرات والعناصر المعمارية المتنوّعة فيها‪.‬‬ ‫الطبيعة‬ ‫حظيت الطبيعة في الغاط بالنصيب األكبر من‬ ‫بثمان وأربعين لقطة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصور‪ ،‬إذ وثقها المصورون‬ ‫تنوّعت بين المعالم الطبيعية مثل‪ :‬خشم العرنية‪،‬‬ ‫والجبال‪ ،‬واألودية‪ ،‬واآلبار‪ ،‬والمزارع‪ .‬فال شيء يبهر‬ ‫أكثر من جمال الطبيعة الخالب‪ ،‬واجتماع الماء‬ ‫مع الخضرة‪ ،‬ومزارع النخيل‪ .‬وللصحراء في العين‬ ‫متعة وفيها للنفس راح��ة‪ ،‬وللفكر إب��داع‪ ..‬كيف ال‬ ‫وقد عرفها العربي وخبرها قبل البحر‪.‬‬ ‫وكان األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري –‬ ‫رحمه اهلل‪ -‬قد تغنى بطبيعة الغاط‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫مَ � ��ن ش��اف �ه��ا ي��ام��ن ع ��ن ال� �غ ��در وال�ك�ي�ـ��د‬ ‫ح �م��وا إح �م��اه��ا ع ��ن ح �س��ود اوح �ق ��ودي‬ ‫أع�ل�ام �ه �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ب �ج �ب��ال �ـ �ـ �ـ �ه��ا وال �ت �ـ��واك �ي �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫إخ �ـ �ش��وم ال �ع��ران �ـ �ـ �ـ��ي ث � َّب �ت��ن ال �ح �ـ �ـ �ـ �ـ��دودي‬

‫‪ 130‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫من المعالم الطبيعية التي وثّقها الكتاب‪ :‬خشم‬ ‫النغرة شمالي الغاط‪ ،‬وقلتة حنيفة‪ ،‬وسيول الغاط‪،‬‬ ‫ومدرج الحاجز‪ ،‬ومزارع النخيل واألعالف‪ ،‬إضافة‬ ‫الى صور لتمور الغاط المعروفة بأنها من أجود‬ ‫أنواع التمور‪ ،‬ومصنع بتيل للتمور بالغاط ومنتجاته‪.‬‬


‫في الغاط تقام أنشطة ثقافية متنوعة‪ ،‬وبها‬ ‫مراكز وفعاليات عديدة ترعى تلك األنشطة‬ ‫يشارك فيها أبناء وبنات الغاط؛ ل��ذا‪ ،‬حظي‬ ‫هذا الجانب بنصيب وافر استعرضها الكتاب‬ ‫بسبع عشرة ص���ورة؛ أهمها دار الرحمانية‬ ‫بمرافقها التي تشمل قاعة المطالعة‪ ،‬وركن‬ ‫اإلنترنت بمكتبة األمير عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫ومكتبة منيرة الملحم للنساء‪ ،‬وكذلك صور‬ ‫لفعاليات منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري للدراسات السعودية‪ ،‬وجائزة األمير‬

‫الحياة االجتماعية‬

‫األنشطة الثقافية‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وأشجار الغاط وثمارها‪ ،‬وتربية المواشي‬ ‫ومزارع األلبان‪ ،‬وضم الكتاب صوراً لبعض‬ ‫الحيوانات كالخيول‪ ،‬والثعلب (الحصني) في‬ ‫لقطة ليلية نادرة‪ ،‬وكذلك الغزالن في محمية‬ ‫البدرانية‪.‬‬

‫خ��ال��د ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري للتفوق العلمي‪،‬‬ ‫وه��ي ج��ائ��زة س��ن��وي��ة‪ ،‬ال��ت��ي ش�� ّرف��ه��ا برعايته‬ ‫الملك سلمان ابن عبدالعزيز‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬في‬ ‫إحدى دوراتها‪ .‬وكذلك جائزة األمير ناصر بن‬ ‫سعد السديري لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬ونادي‬ ‫الحمادة الرياضي‪.‬‬ ‫كما شمل الكتاب ص��وراً توثّق وتسجل‬ ‫للعديد من األنشطة االجتماعية في الغاط‬ ‫ب��م��ن��اس��ب��ات األع���ي���اد ال��دي��ن��ي��ة وال��وط��ن��ي��ة‪،‬‬ ‫ومهرجان الغاط للموروث الثقافي‪ ،‬والعرضة‪،‬‬ ‫والسامري‪ .‬كما يأخذنا الكتاب في جولة‬ ‫عامة في شوارع الغاط‪ ،‬ومنظر عام للمدينة‪،‬‬ ‫بالحرَف اليدوية‬ ‫كما لم ينس توثيق االهتمام ِ‬ ‫التقليدية الجميلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصورون‪ :‬أحمد بن عبداهلل الشقيران‪ ،‬أيمن بن محمد العامر‪ ،‬خالد بن زياد السديري‪ ،‬سلطان بن أحمد العضيدان‪،‬‬ ‫صخر بن عبدالعزيز الجنوبي‪ ،‬علي بن عبدالرحمن المخضب‪ ،‬ماجد بن ناصر الخميس‪ ،‬محمد بن أحمد الحصين‪،‬‬ ‫مساعد بن سعد العضيدان‪ ،‬معاذ بن عبدالعزيز الرشيد‪ ،‬معتز بن إبراهيم الجنوبي‪ ،‬نوف بنت فيصل السديري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪131 )2016‬‬


‫ما المانع؟!‬ ‫قصة لألطفال‬

‫‪ρρ‬سدمي عبدالرحمن الدرعان*‬

‫في قرية صغيرة‪ ..‬يعيش رجل اسمه (مهند)‪ ،‬تعوّد في ليالي شهر رمضان إيقاظ أهل‬ ‫قريته للسحورِ ‪ ،‬وكانوا يحبونه كثيراً‪ ،‬وفي عيد الفطر المبارك يقدمون له الهدايا مكافأة‬ ‫على صنيعه‪.‬‬ ‫كانت لديه ابنة اسمها مريم‪ ،‬وف��ي يوم لصوص الليل‪.‬‬ ‫م��رض أبوها‪ ،‬وأصابه أل��م في بطنه جعله‬

‫وأثناء سيرها تجاه بيوت القرية‪ ،‬سمعت‬

‫طريح ال��ف��راش‪ ،‬ول��م يستطع بسببه القيام صوتاً أشبه بعواء الذئب‪ ..‬فتملكها الخوف‪..‬‬ ‫بعمله في تلك الليلة‪ ..‬فقالت له مريم‪ :‬ومن وأشعلت شمعة كانت معها‪ ..‬وق��ام «ب��رق»‬

‫سيوقظ أهل القرية الليلة يا أبتي؟! فقال وب��س��رع��ةِ ال��ب��رق ب���دوره ب��ال��ع��واء‪ ..‬ولمحت‬ ‫لها ‪ :‬أنا مريض وال أقوى على ذلك‪ ،‬وأخاف الذئب الذي أرعبها هاربا‪ ..‬ثم مضت بين‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫يغط الناس في نومهم وال يتسحرون‪ .‬ب��ي��وت ال��ق��ري��ة ت��ق��رع طبلتها وه��ي ت��ن��ادي‪:‬‬ ‫فقالت مريم‪ :‬ال بأس عليك‪ ..‬أنا مَن سيقوم السحور السحور‪ ..‬فسمعوها مستغربين‪..‬‬

‫بعملك‪..‬‬

‫استغرب األب من فكرتها‪ ،‬وأصابه القلق‪..‬‬

‫إنه صوت طفلة‪ ..‬ماذا جرى ألبي مريم‪..‬‬ ‫خرج أحدهم وسألها‪ :..‬اين أبا مريم؟!!‬

‫وبينما هو يفكر‪ ،‬قالت له مريم‪ :‬وما المانع؟! فقالت‪ :‬أنا مريم‪ ،‬ابنته‪ .‬إنه مريض‪ ..‬فنادى‬ ‫وقبل أن يجيبها قالت‪ :‬ال تقلق عليّ ‪ ..‬على ابنه أحمد وقال له‪ :‬ساعدها يا بُني‪..‬‬ ‫س��آخ��ذ ج����رويَ (ب����رق)‪ ،‬وس��ي��ح��رس��ن��ي من إنها مريم ابنة (مهند)‪ ..‬فقال‪ :‬حسناً يا‬ ‫‪ 132‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق � � � � � �ص� � � � � ��ة ل � �ل � ��أط � � � � �ف� � � � ��ال‬

‫أبي‪ .‬وأسرعت أخته فاطمة‪ :‬وأنا أيضا أريد‬ ‫مساعدتها‪ ..‬ثم ج��اءت عائشة الصغيرة‪..‬‬ ‫وأنا أيضا‪..‬‬

‫منهن طنجرة وملعقة ب���دالً م��ن الطبلة‪..‬‬ ‫فضحكت مريم وقالت‪ :‬أصبح لدينا فرق ٌة‬

‫مشوا في أرجاء القرية يقرعون طبالتهم موسيقيةٌ‪ ،‬بعد اآلن سيستيقظ أهل القرية‬ ‫وي��ن��ادون‪ ..‬السحور‪ ..‬السحور‪ ..‬فخرجت كلهم‪..‬‬ ‫صديقتها هيفاء وطلبت مرافقتهم‪ .‬ومن‬

‫وف��ي ل��ح��ظ��ات‪ ،‬ك��ان��ت ك��ل ب��ي��وت القرية‬

‫ٍ‬ ‫بيت آخر خرج عمر الذي قال‪ :‬ليس عندي مضاءة‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬رمضان كريم‪ ..‬رمضان‬ ‫عام وأنتم بخير!! لقد كانت آخر‬ ‫طبلة فهل أحضر دفاً‪ ..‬فصاح الجميع وهم مبارك‪ ،‬كل ٍ‬ ‫يضحكون‪ :‬وم��ا ال��م��ان��ع؟! ث��م خ��رج عدنان ليلة من ليالي رمضان‪.‬‬ ‫قائال‪ :‬ليس عندي طبلة‪ ..‬فهل أحضر شبابة؟ يا عبداهلل‬ ‫ٍ‬ ‫فصاحوا‬ ‫بصوت واحد‪ :‬نعم وما المانع؟! أما يا نائم‬ ‫بهية وسميرة وخولة فقد احضرت كل واحدةٍ‬ ‫* طالبة من سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫وحد الدايم‪..‬‬ ‫ّ‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪133 )2016‬‬


‫الكتاب ‪ :‬احلجارة‪ -‬رواية‬

‫الكتاب ‪ :‬باري�س وتب�سم الن�ساء‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬اجلوهرة ال�سلويل‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬تركية مبارك العمري‬

‫النا�شر ‪ :‬دار املفردات للن�شر والتوزيع‬

‫النا�شر ‪ :‬ق�صر ال�سبيل ‪2015‬م‬

‫تقع الرواية في (‪ )496‬صفحة من‬

‫تركية ال��ع��م��ري الكاتبة وال��ش��اع��رة والمترجمة‬ ‫السعودية التي نشرت قصصها وقصائدها وترجماتها‬ ‫في عدد من الصحف المحلية والخليجية والدوريات‬ ‫األدبية المتخصصة تطل علينا بمؤلفها الجديد(باريس‬ ‫وتبسم النساء‪ .)..‬هذا الكتاب الذي جاء في (‪)224‬‬ ‫صفحة من القطع المتوسط‪.‬‬

‫عن إخوتها الذكور‪ -‬غير األشقاء‪-‬‬

‫نعم‪ ..‬تطل منه تركية العمري إلى القارئ عبر باريس‬ ‫التي تتقاذفها األمواج‪ ،‬ولكنها ال تغرق‪ ..‬بل تغرق العالم‬ ‫في حياة مقاهيها‪ ،‬وألوان لوحاتها‪ .‬كان ذلك في شهر‬ ‫أكتوبر‪ ،‬بينما كانت أوراق الخريف تقبل أرصفتها‬ ‫النظيفة‪ ،‬حيث لمحت قامة شارل ديجول‪ .‬وفي اللوفر‬ ‫سمعت هتافات تحيى ام��رأة ترتدي ثوبا من شمس‪،‬‬ ‫وفي نفق المترو توقفت أمام عازف األكورديون‪ ،‬وفي‬ ‫مبنى اليونسكو صافحتها نسائم اإلنسانية‪ ،‬وهي تسير‬ ‫باتجاه الشانزليزيه وصل إلى مسامعها بكاء الفرنسيين‬ ‫عندما غنت أنا مارلي‪ ،‬واستيقظت صرخات الشهداء‪،‬‬ ‫ووطنية روز فاالند‪ .‬أما على ضفاف السين فتوحدت‬ ‫مع شاعرة الحب مارسلين فالمكور وهي تقول‪:‬‬

‫القطع الكبير‪ ،‬وت��دور أحداثها حول‬ ‫فتاة بسيطة في كل أمورها‪ ،‬فتعليمها‬ ‫ي��س��ي��ر‪ ،‬وج��م��ال��ه��ا ض��ئ��ي��ل‪ ،‬وأس��رت��ه��ا‬

‫فقيرة ج���داً‪ .‬أم��ا وال��ده��ا فغليظ‪..‬‬

‫جاف في تعامله‪ ،‬قاس عليها‪ ،‬ناهيك‬ ‫المنحرفين‪ ،‬عانت الحرمان من حنان‬ ‫األم‪ ،‬والقسوة من زوجة األب‪..‬‬

‫في ظل هذه الظروف ولدت الفتاة‪،‬‬

‫لم يكترث أبوها باسمها‪ ،‬فقد سماها‬

‫شلفة‪ ،‬غريب في معناه‪ ،‬وربما يعني‬ ‫السكين أو الخنجر‪ ،‬وال يليق أن يكون‬

‫اسما لفتاة‪ ..‬وال غرابة في ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫كانت ثمرة زواج خاطىء‪ ،‬فلم يتزوج‬ ‫والدها من أمها لتستقر معه‪ ،‬وإنما‬

‫نكاية بزوجته أم أوالده‪ ،‬ليروضها‬

‫ويعيدها إلى بيته بزوج جديد‪.‬‬

‫‪ 134‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬

‫ال تكتب لي كلمات فاتنة‪ ،‬لم أعد أجرؤ على قراءتها‪.‬‬


‫امل�ؤلف ‪ :‬حجي جابر‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬دانيال بناك‬

‫النا�شر ‪ :‬املركز الثقايف العربي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار ال�ساقي ‪ -‬بريوت ‪2015‬م‬

‫تقع الرواية في (‪ )208‬صفحات من‬

‫كتاب مشوّق وماتع‪ ،‬جاء في (‪)158‬‬

‫القطع المتوسط‪ ،‬وهي الرواية الثالثة‪،‬‬

‫صفحة م��ن القطع المتوسط‪ ،‬يحوي‬

‫بعد عملين هما «سمراويت» و«مرسى‬ ‫فاطمة»‪ .‬والتي انتقل فيها من الحديث‬ ‫عن األوط��ان‪ ،‬والحنين‪ ،‬واللغة المحببة‪،‬‬ ‫والحديث القريب من ال���روح‪ ،‬وبساطة‬

‫أربعة فصول‪ ،‬هي «والدة الكيميائي»‪،‬‬ ‫و«ي��ج��ب أن ت��ق��رأ»‪ ،‬و«ال��ت��ش��ج��ي��ع على‬ ‫القراءة»‪ ،‬و«ما الذي سيقرؤه اآلخرون؟»‪.‬‬

‫ال��س��رد وكالسيكيته‪ ،‬إل��ى ال��غ��وص في‬

‫يركز بناك في كتابه على القراءة‪،‬‬

‫ع��وال��م الفن والحكاية‪ ،‬معطيا القارئ‬

‫ويتناول الذرائع التي يتم سوْقها أثناء‬

‫خيط الحكاية‪ ،‬ثم يسلب ذل��ك الخيط‬ ‫منه‪.‬‬ ‫وف����ي ال��ح��ق��ي��ق��ة‪ ،‬ي��ن��ج��ح ب��ك��ل��م��ات��ه‬ ‫وصياغاته التي يظهر من خاللها عنصر‬ ‫التشويق‪ ،‬وخلق روح أدبية خاصة‪ ،‬يوصل‬ ‫بها الرواية بالقارئ الذي تسيطر عليه‬ ‫الدهشة من خالل س��رده المتميز‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك شاهِ ٌد على براعته ولياقته األدبية‬ ‫العالية‪.‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬لعبة املغزل‬

‫الكتاب ‪ :‬متعة القراءة‬

‫الحديث عن واق��ع الرغبة عن القراءة‬ ‫ل��دى جيل المراهقين وال��ش��ب��اب‪ ،‬كما‬ ‫يتناول التحول الذي يصيب المرء بعد‬ ‫تعلمه القراءة أثناء طفولته‪ ،‬إذ يكتشف‬ ‫عالما جديدا‪ .‬ثم يتطرق إلى التمييز‬ ‫بين أن��واع من القراء‪ ،‬مؤكدا على دور‬ ‫ال��م��درس��ة ف��ي زرع ح��ب ال��ق��راءة لدى‬ ‫التالميذ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪135 )2016‬‬


‫األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة‬

‫العمل التطوعي في ندوة بدار العلوم‬

‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫المشاركون في ندوة العمل التطوعي‬

‫جانب من الجمهور‬

‫أقيمت ب���دار ال��ج��وف للعلوم ن���دوة ب��ع��ن��وان‪« :‬العمل‬ ‫التطوعي»‪ ،‬شارك فيها معالي الشيخ عبداهلل العلي النعيم‬ ‫رئيس مجلس األمناء رئيس المعهد العربي إلنماء المدن‬‫بالرياض‪ ،‬بمشاركة مسئولي مركز الملك سلمان االجتماعي‬ ‫بالرياض‪ ،‬ومركز اب��ن صالح االجتماعي بعنيزة‪ ،‬ومركز‬ ‫األميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل االجتماعي بالقصيم‪،‬‬ ‫والمعهد العربي إلنماء المدن بالرياض‪ ،‬وقدم لها مدير عام‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي عقل الضميري‪.‬‬

‫ثم تحدث األستاذ صالح الغذامي عن مركز ابن صالح‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ونشاطاته‪ .‬كما تحدث الغذامي نفسه عن مركز‬ ‫األم��ي��رة ن��ورة بنت عبدالرحمن الفيصل االجتماعي في‬ ‫عرض آخر أوضح فيه أه��داف المركز وأقسامه ومكتبته‬ ‫التي تضم (‪ )30000‬عنواناً‪ ،‬والمكتبة النسائية‪ ،‬ومكتبة‬ ‫الطفل وخدماتهما‪.‬‬

‫تحدث النعيم عن المراكز األربعة المشاركة في الندوة‬ ‫وعملها التطوعي وع��ن بداية عمل مركز الملك سلمان‬ ‫االجتماعي متعدد األغراض‪ ،‬تاله عرض بور بوينت قدمه‬ ‫مدير عام المركز رشاد بن سعيد هارون تضمن‪ :‬الرؤية‪،‬‬ ‫والرسالة‪ ،‬والخدمات‪ ،‬ومشروع توسعة القسم النسائي‬ ‫وتطويره‪ ،‬ومستشفى واحة الرياض للرعاية الصحية‪.‬‬

‫وأخ��ي��را‪ ،‬تحدث أحمد التويجري مدير ع��ام المعهد‬ ‫العربي إلنماء المدن في عرض تضمن الهيكل العام للمعهد‪،‬‬ ‫وبرامجه‪ ،‬والمرافق الحضارية‪ ،‬وبرنامج األطفال والشباب‪،‬‬ ‫وب��رن��ام��ج الفقر ال��ح��ض��ري‪ ،‬وأه���م المنظمات والهيئات‬ ‫اإلقليمية والدولية التي يتعاون معها المعهد‪ .‬ونقلت فعاليات‬ ‫الندوة إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة‪.‬‬

‫ن��ظ��م ال��ق��س��م ال��ن��س��ائ��ي بمكتبة منيرة‬ ‫الملحم في دار الرحمانية بمحافظة الغاط‬ ‫فرع مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪،‬‬ ‫مهرجان الطفل ال��راب��ع قبل نهاية الفصل‬ ‫دار‬ ‫الدراسي الثاني‪ ،‬شارك فيه نحو خمسمائة‬ ‫الرحمانية طفل (‪ 12 - 6‬س��ن��ة) م��ن أب��ن��اء محافظة‬ ‫في الغاط الغاط‪ .‬بحضور ومشاركة عدد من المعلمات‬ ‫تكريم المعلمات والمتطوعات المشاركات فيه‪.‬‬ ‫وال��م��ت��ط��وع��ات ال��م��ه��ت��م��ات بثقافة الطفل‬ ‫تقيم‬ ‫وأش��ارت السيدة حصة الطريقي مشرفة‬ ‫واألمهات‪.‬‬ ‫مهرجان‬ ‫القسم أن المهرجان شهد تفاع ًال من األطفال‬ ‫تضمن المهرجان فعاليات وأنشطة مختلفة‬ ‫الطفل‬ ‫وشاركت األمهات مع أطفالهن‪ ،‬ما حقق أهدافه‬ ‫شملت مسابقات ثقافية‪ ،‬ورسم حر‪ ،‬والقصة‬ ‫الرابع‬ ‫الثقافية المتمثلة ف��ي تحفيز األط��ف��ال على‬ ‫القصيرة‪ ،‬ودورات لتطوير قدرات األطفال‪.‬‬ ‫القراءة والرسم والتعامل مع الكتاب والقصص‬ ‫وفي نهاية المهرجان جرى حفل ختامي كرم المفيدة المشوقة‪ ،‬وتوثيق عالقتهم بالكتاب‬ ‫فيه المشاركون‪ ،‬ووزعت الهدايا عليهم‪ ،‬كما تم ومكتبة الطفل بدار الرحمانية‪.‬‬

‫‪ 136‬اجلوبة ‪� -‬صيف ‪1437‬هـ (‪)2016‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.