دراسات ونقد نصوص شعرية وسردية مواجهات شهادات
52
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (أ) الشروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy. org. sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب ،على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وت�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www. alsudairy. org. sa
العدد � - 52صيف 1437هـ ()2016
80............................. د .عبداهلل الصالح العثيمني -يرحمه اهلل -
85........................ الشاعر والكاتب السعودي حسن السبع
111............................. عبداللطيـف غصاب الضويحي
الـمحتويــــات
افتتاحية العدد................................................................ دراسات ونقد :من الرواية السالبة إلى الرواية الموجبة -أ .حورية أفقير .... طه حسين في قصة لم تتم -صالح محمد المطيري ................... عمل شعري خلاّ ق لمعناه -رؤى هاشم .......................................... تشكالت الخطاب السردي مقاربة في األنساق السردية القصصية في تجربة القاص حسن الشيخ -إبراهيم الكراوي ...................................... قصيدة مجهولة ألحمد إبراهيم الغزاوي -مصطفى يعقوب ........... استلهام التراث في شعر األطفال -د .بهيجة مصري إدلبي ............ الجوف تراث الواحة العربية برؤية أوروبية -آيات عفيفي................ قصص قصيرة :األرملة الصبية -سمية البوغافرية....................... االنتظار -آمال الشاذلي ................................................. القضية -فهد المصبح................................................... الطفل والثور والنمر (قصة من الفيتنام) -ترجمة سعيد بوكرامي ............. ِحيل َة -سمر الزعبي...................................................... شعر :الناي يغري بالحزن -أحمد قران الزهراني .......................... أكتبُني ويمحوني غيابُك -حنان بيروتي.................................. أملك ماذا؟ -عقل الضميري............................................. العيد الذي ال يجيء -مالك الخالدي ................................... شعيرةٌ إلى وطن -هيفاء الجبري ........................................ البياض -نجاة خيري.............................................. ِ مأوى يــــا غـــــربـــتي -عبداهلل فراجي ......................................... آل ِل ُئ البَدرِ -نازك الخنيزي...................................................... أنثى األساطير -حليمة الفرجي................................................. جريد الفصول -أحمد نمر الخطيب............................................ رثاء -عمر بوقاسم .............................................................. نصوص شعرية -هدى الدغفق.................................................. شكرا سكاكا -نزار الخطيب .................................................... أَ َّن ُة وَجَ ٍع إلى بهجة الدنيا التي رحلت -سليمان العتيق.......................... عطر -وعد العمري ............................................................. شهادات :د .عبداهلل الصالح العثيمين يرحمه اهلل -د.عبدالرحمن الشبيلي.... مواجهات :الشاعر والكاتب السعودي حسن السبع . ...................................... الناقد األديب محمد صابر عبيد -حاوره :نضال القاسم ...................... القاصة شيمة الشمري -حاورتها :مسعدة اليامي ............................... سيرة وإنجاز :عبداللطيـف غصاب الضويحي ................................. نوافذ :األولوية الحتمية إليقاف التدهور في قدرات األمم -الزبير مهداد .... اإلرث المعماري هل هو خاص أم عام؟ -صالح بن العشيش .................. الزهـور بين الحياة والشعر -عبدالغني فوزي ................................... مارينا تسفيتاييفا شاعرة الحب والجوع والمنافي -تركية العمري ............ معنى النمو الجمالي -صبحة بغورة............................................. الغاط في عيون المصورين ............................................... قصة لألطفال :ما المانع؟! -سديم عبدالرحمن الدرعان............... قراءات ........................................................................... أنشطة ثقافية .................................................................
4 6 10 17 20 32 36 43 53 56 58 59 60 62 63 65 66 68 69 70 71 72 73 74 76 77 78 79 80 85 98 107 111 112 116 119 121 123 128 132 134 136
لوحة الغالف :لوحة من معرض (الفن إحساس) الذي أقيم في جاكرتة بإندونيسيا في شهر مارس الماضي.
اف���ت���ت���اح���ي���ة ال�����������ع�����������دد ■ إبراهيم احلميد
يتضمن عدد الجوبة هذا مواد جديدة ،ومحاور متعددة ،وحوارات مهمة ،منها الدراسات والمقاالت ،ومنها اإلبداعات السردية والشعرية ،التي تحيل جميعها إلى العمل الثقافي الذي يبذله المبدع العربي ،محققا إنجازاته في مختلف فنون المعرفة اإلنسانية ضمن هذه المساحة التي يطلون منها ،شرفة المعرفة ناشرين النور والفكر. فلرفع الغموض بخصوص الفرق السميك بين الرواية والقصة العادية ،يمكن التأكيد من خالل دراسة الرواية السالبة والموجبة ،أن اعتقاد الفرق الوحيد بين الرواية والقصة هو أن األولى طويلة والثانية قصيرة اعتقا ٌد غير دقيق؛ إذ يجدر بالنص الروائي أن يكون ذا موضوع محدد ،خالفا لما يصطلح عليه في المجموعة القصصية ،إضافة إلى أن الدراسة تحيل إلى التفريق بين الرواية السالبة والموجبة من خالل التأثير وسرد األحداث. وفي «تاللي تضيق بعوسجها» نكتشف الشاعر والقاص عمار الجنيدي ،في قراءة تبدأ بما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية ،كعمق العبارة وكثافة الداللة ،إذ تؤكد القراءة قدرة الشاعر على تحرير القصيدة من إطارها االجتماعي والذاتي معا. وإلى حوار الشاعر حسن السبع ،الذي يرى أن االستقرار النفسي والصفاء الذهني شرطان الزمان لإلنتاج الفكري والفني ،وأن القلق الوجودي والفلسفي الزم لعملية اإلبداع ،وهو يرى أن األعمال الفائزة في الجوائز األدبية قد ال تكون 4
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة أفضل من تلك التي لم يحالفها الحظ ،مشيرا إلى أن الزمن هو زمن القصيدة مثلما هو زمن الرواية ،ألنه ال نهاية ألي شكل من أشكال التعبير الفني إال إذا نضبت طاقته التعبيرية ،التي ال تنضب إال إذا نضبت المخيّلة البشرية . كما نتعرف على الناقد الدكتور محمد صابر عبيد ،ومؤلفاته التي تتوزع بين النقد والسيرة والنصوص ،والتي تتشعب إلى مواضيع متعددة ..وال��ذي يعلن أن جامعاتنا غير مؤهلة لصناعة النقاد والمبدعين ،ألنها ليست سوى مدارس كبيرة ،معترفا أنه من النقاد الذين اندهشوا بالمنهج البنيوي ،وأن نظريات النقد الحديثة كبيرة األهمية للنقد العربي الحديث. وفي قراءة كتاب الدكتور عوض البادي «الرحالة األجانب في منطقة الجوف »1922-1845تعيد الباحثة تأكيد أهمية الكتاب المليء بالتفاصيل الشيقة والكثيرة ،التي تعيدنا إلى تصور طبيعة الحياة في منطقة الجوف اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ،وتسليط الضوء على هذه الحياة بجميع صورها ،ومنها المجالس الشعرية التي تعقد إلنشاد الشعر واالستماع إليه. ولعل من شيم الوفاء لزوم تذكر الراحلين ،خاصة إذا كانوا ممن أثروا فضاءنا اإلبداعي ،وكان لهم دور بارز في خدمة وطنهم ،ومنهم الدكتور عبداهلل الصالح العثيمين يرحمه اهلل ،الذي أثرى المكتبة العربية شعرا وتأريخا بكتبه الثالثين ودواوينه العشرة ،وإسهاماته اإلدارية والوطنية ،بالكتابة عنه من خالل المقربين منه ،ومنهم الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الذي يكتب بعض سيرة الراحل . اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
5
من الرواية السالبة إلى الرواية الموجبة ρρأ .حورية أفقير*
تنقسم الرواية ،من حيث هي رسالة ،إلى قسمين؛ األول يقوم على استهداف متلقٍّ مقرَّ ر ،والثاني يقوم على استهداف متلقٍّ مقدَّ رُ .يعَدُّ المسرو ُد له مُ قرَّ ر ًا عندما يكون مساوي ًا للسارد في كونهما مسرود ًا عن كليهما داخل النص ،ويحصل ه��ذا ف��ي حالة قيام النص على ح ��وارات ،أو ن ��دوات ،أو م�ح��اض��رات ،أو رس��ائ��ل ،أو غيرها م��ن أن�م��اط ال�ت��واص��ل ال�ح��يّ ال�ت��ي يستغلها ال��روائ��ي ل�س��رد حكايته .وفي مقابل ذلك ،يُعد المسرو ُد له مُ قدَّ ر ًا عندما يكون مفارق ًا للنص ،وهذا يحصل في حالة مخاطبة السارد للقارئ الطبيعي المحتمل مباشرةً .وحينما نتحدث عن «المتلقي الطبيعي» ،فإنما نفترض له مقاب ًال يتمثَّل في «المتلقي الورقي» ،فعلى هذا األساس يُمكن تقسيم السرد الروائي إلى «رواية موجبة» و«رواية سالبة». إن ال��رم��زي��ة ال��س��ردي��ة العميقة وليلة» ،أللفينا الراوي يستعجل تقويم
التي تنشدها الرواية الموجبة ،هي السرد وتقييمه من خ�لال المسرود التحكم في حينونة النص من خالل له المقرَّر ،وهو «شهريار» ال��ذي لم
تقويم وتقييم كينونة المنصوص ،فلو يكن في عمق المسألة إال مسروداً له تخطَّ ينا فضا َء النص بعجالة إلى سرد مقدَّ راً ،وهو الشخص االفتراضي (في
ما قبل النص كما جاء في «ألف ليلة حالة الحكاية الشفهية) الذي تُروى له
6
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
الحوار الدائر بين شهرزاد وشهريار ما ال��ع��ادي��ة ،ق��د ي�لاح��ظ ن��وع��اً م��ن ال��ش��رود هو إال تعجيل من الراوي بتوجيب الحكاية ف��ي ال��س��رود ال��روائ��ي��ة ،إذ يمكن ويجوز السالبة ذات االكتمال المتعلِّق بمحكيٍّ
للروائي ،في كل فصل من فصول روايته،
له مؤجل ،وهو المستمع في حالة كونها أن يشرع في سرد قصة مختلفة عن التي حكاية شفهية ،أو القارئ في حالة كونها سردها من خالل الفصل السابق ،ولكن مكتوبة.
بشرط أن يكشف عن الوشائج السردية
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الحكاية ،بدل الشخص الطبيعي ،إذاً فإن
ولذلك ،فإن مَن تعوَّد على قراءة القصة
لطالما ك��ان هناك غموض بخصوص والعضوية والمنطقية بين ه��ذه القصة ال��ف��رق السميك ب��ي��ن ال���رواي���ة والقصة ومجموع الرواية ،سواء في الفصل نفسه،
ال��ع��ادي��ة ،إذ س��اد االع��ت��ق��اد -ل��دى بعض أو من خالل فصل آخر ،ذلك ألن الرواية ال���ن���اس ع��ل��ى األق������ل ،والس���ي���م���ا بعض ال تستهدف ب��ن��ا َء الشخصية الطبيعية المهتمين منهم بالسرد -أن الفرق الوحيد فحسب ،وإنما تستهدف بنا َء الشخصية
بين الرواية والقصة هو أن األولى طويلة كاملة بأبعادها النفسية واالجتماعية والثانية قصيرة ،لكن هذا غير دقيق ،إذ واالقتصادية والسياسية وغير ذلك. يمكن أن تجد بعض القصص أط��ول من
وعلى ه��ذا األس���اس ،ال��ذي تَ��ق��رَّر فيه
بعض الروايات ،وبنا ًء على ذلك نقرَّر هنا ب��أن ال��رواي��ة عبارة عن عنقود قصصي، بأن الفرق السميك (ولعله الفيصل) بين نعود إلى توزيع األص��وات السردية فيها، القصة والرواية ،هو أن القصة تدور عاد ًة إذ يتولَّى السارد «المفارق» -في الرواية حول شخصية محددة ضمن أفق سردي السالبة -س��ر َد األح��داث لمتلقٍّ «مفارق» ضيق يأتي على مقاس تلك الشخصية .أي��ض��اً وه���و «ال����ق����ارئ» ،ع��ك��س ال��رواي��ة أم��ا ال��رواي��ة ،فهي ع��ب��ارة ع��ن مجموعة الموجبة التي يُوعَ ز فيها إلى الشخوص قصصية ذات موضوع موحَّ د ،وهنا يجدر الممثلين داخ��ل النص ب��أن يتولَّوا سر َد بنا التنبيه إلى ضرورة توفُّر النص الروائي القصص ال��روائ��ي��ة لبعضهم .ل��و أخذنا على موضوع موحَّ د ،خالفاً لما يُصطلح كمثال حكاي ًة من الحكايات التي حكتها عليه حديثاً بـ«المجموعة القصصية» ،ش��ه��رزاد لشهريار ،وتساءلنا؛ ل��م��اذا لم أي أن ال��رواي��ة تكون عبارة «ع��ن عنقود يحكها الراوي مباشر ًة للمتلقي الطبيعي؟ قصصي» ،وليس مجموعة من القصص ال فمن جملة ما يأتي به الجواب ،أن األمر يجمع بعضها بعضاً إال الورق.
يتعلق باستبطان غ��ي��اب م���ا؛ ق��د يكون اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
7
ُيسراً في حالة االكتفاء بحكاية غياب المتلقي ،وقد يكون غياب االهتمام لم يب ُد م َّ بالحكاية؛ وبالتالي ،فكأنَّ الراوي يضطر الجنّيّ ،ذلك ألنها «سالبة» يتوقَّف اكتمالها
لـ«إخراج» حكايته وتمثيلها أمام المتلقي ،على تمثُّل السيد لمقتضاها ،وهذا التمثُّل
إذ بد َل أن يروي ال��راوي حكايته للمتلقي نفسه يتحوَّل إلى تمثيل ،بمعنى أن السيد- الطبيعي تاركاً له أمر تقييمها وإسقاط وهو يتمثَّل الحكاية-إنما يواصل تمثيلها مقالها على مقامه حسب مقتضى الواقع ،نحو اكتمالها السردي! أال ترى أن شهريار يفضل هذا ال��راوي أن يروي حكاية ذاك يتمثَّل حكايات شهرزاد ويمثِّلها -في الوقت ِّ «التقييم» نفسه ،وإح��دى نتائج إسقاط نفسه-أمام المتلقي؟
مقاله على مقام شخص طبيعي؛ فبذلك
لكن هناك مسألة دقيقة ،وهي أن امتثال
تكون حكايته قد استوفت شروط اكتمالها شهريار لحكايات شهرزاد يستم ُّد تحقُّقه، االفتراضي بوصفها رسالة ،أي أنه بد َل أن ف��ي منطق الحكاية ،م��ن إدراك ال��راوي يكتفي بتبليغك هذه الرسالة ،يبلغك من لمدى تعلُّق ذاك االمتثال باكتمال الحكاية خاللها أيضاً كيف تم تبليغها سلفاً. م��ن خ�لال تعجيل أث��ره��ا ال��س��ردي على ولكي تتضح جيداً هذه المسألة ،افرض النفس ،وذاك هو التوجيب؛ أي االنتقال أن جاري ًة ما حكت قص َة جنِّيٍّ ما لسيدها من الحكاية السالبة إلى الحكاية الموجبة،
كي تتجنَّب سيفه ذي الداللتين؛ الحربية وهو نفس ما يحدث في الرواية ،إذ يروم والجنسية ،إن هذا السيد قد ال يعتبر وال س��ارد الرواية الموجبة استقال َل مملكته
يرتدع بما تحكي ،أو -على األقل -هذا ما السردية عن نفوذ المتلقي الطبيعي ،أما يستبطنه راوي الحكاية الموجبة؛ فكأنه س��ارد ال��رواي��ة السالبة ،فهو -م��ن حيث يفترض أن التأثير الحكائي على السيد يشعر أو ال يشعر -إنما ي��ك��رِّس ارتهان يقتضي ت��س��ري��د ذل���ك «ال��ت��أث��ي��ر» نفسه رواي��ت��ه ل��م��زاج المتلقي ال���ذي ب��ه تكتمل والحكي عنه بوصفه ج��زءًا عن الحكاية الرواية بوصفها رسالة في النهاية. ن��ف��س��ه��ا؛ وب��ه��ذا ت��ت��ح��ول ح��ك��اي��ة الجني
يقص بطل ال��رواي��ة حكايته أو ُّ عندما
(السالبة) إلى حكاية موجبة ،وذلك بأن ج��زءًا من حكايته لجليس له في حافلة،
«تحكي محظية لملك أن جارية ما حكت أو قطار ،أو مقهى ،أو لطبيب نفساني، لسيدها حكاية الجني» ،فباحتواء قصة أو غير ذلك مما يصب في هذا القبيل، الجني على قصة الجارية مع سيدها يصبح فهذا يعني أن المتلقي الورقي يتولَّى تمثيل
8
بإمكان المحظية أن تؤثر على الملك! وهذا المتلقي الطبيعي وفقاً للسيناريو الذي اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
يقول للمتلقي ال��ورق��ي« :ه��ذا ه��و األث��ر معينة أو م��ن إح���دى ال��ل��غ��ات القديمة؛ ال��ذي أتوخَّ ى إحداثه من خ�لال روايتي ،ما يعني أن��ه يقوم بنوع من االستحضار ه��ذه هي ص��ورة المتلقي الطبيعي الذي المكاني في الحالة األولى ،والزماني في أخاطبه؛ أن يعير ساردي من االهتمام ما الحالة الثانية. يمثله المتلقي الورقي» .وما دامت الرواية
تحمل متلقيها الورقي في طياتها ،فهذا يعني أنها مكتملة كرسالة ،أي أنها تتضمن المرسل، ِ األركان الثالثة للترسيل ،وهي؛
فالمرسل هو ِ والرسالة ،والمرسل إليه. السارد ،والمرسل إليه هو المتلقي الورقي،
والرسالة هي الحكاية التي يحكيها له.
ول��ك��ن بالنسبة إل��ى ال��رواي��ة السالبة
التي يحكي فيها الكاتب (السارد) سيرةَ
شخوصه للمتلقي الطبيعي ،يمكن القول
بأنها غير مكتملة كرسالة ،ألنها ال تتضمن
األركان الثالثة ،فهي تتضمن ركنين فقط
ال��خ�لاص��ة أن ال��رواي��ة السالبة تبدو
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
أع���دَّ ه الكاتب سلفاً ،فكأن لسان حاله س��ارده��ا بأنها مترجمة م��ن لغة أجنبية
أقلَّ ثرا ًء وتأثيراً على النفس من الرواية ال��م��وج��ب��ة ،إذ إن األول����ى تكتفي بسرد األح�����داث دون أن تُ��ش��رك ال���ق���ارئ في تقييمها ،والنظر إلى أي مدى تستحق أن تُ��روى أص�لاً ،أض��ف إل��ى ذل��ك أنها ربما تعطي المتلقي انطباعاً بأنها ال تحمل ما يجعلها في غنى عنه ،فكأنها إما أن تكون مرسلة إليه ..وإما أال تكون .أما الرواية الموجبة ،فبمجرد أن يبدأ كاتبها البحث ع��ن األط����راف (ال��ش��خ��وص) المناسبين ليحكي أح��داث��ه��ا بعضهم لبعض ،يجد
المرسل والرسالة الموجهة إلى متلقٍّ ِ وهما مفارق وه��و القارئ المحتمل .ويبدو أن سؤال الجدارة السردية مطروحاً أمامه، هناك روائيين افتطنوا إلى بعض التفاوت وهكذا يتسنى له تقييم تلك األحداث على في اآلثار التي تحدثها الرواية على نفس نحو أفضل من خالل سردها ضمن أحد المتلقي ،بنا ًء على تمييزه الالشعوري بين أنماط التواصل الحيّ ،فكأنه بذلك يقول الرواية الموجبة والرواية السالبة ،وربما للمتلقي الطبيعي« :إن رسالتي هذه ليست لذلك نقرأ بعض الروايات يتحدث فيها موجهة إليك بالضرورة ،ولكن بإمكانك أن
السارد عن قراءته للروايات وما تركته من تنض َّم إلى قائمة المرسَ ل إليهم إن شئتَ ، اآلثار السلبية أو اإليجابية في نفس قارئها وإن لم تشأ فال بأس ،رسالتي وصلت سلفاً (ال��س��ارد) ،وكذلك ال��رواي��ات التي يزعم وليست بحاجة إليك!». * كاتبة تقيم في باريس.
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
9
طه حسين في قصة لم تتم ρρصالح محمد املطيري*
«وك� ّ�ف الشاعر عن التحدث إلى دفتره حينا ،ولكنه لم يتحول عنه ،ولم يلق القلم من ي��ده ،وإنما لبث مكانه واجما كاسف البال مظلم النفس وال��وج��ه ،ثم ارتسمت على ثغره ابتسامة مُ �رّة ،وظهر على وجهه شيء من التردد اضطرب له القلم في يده بعض االضطراب ،ثم ثاب إليه هدوؤه ،ولكنه كان هدوء ًا مُ ّراً ،إن صوَّ َر حسرات كانت تمزّق قلبه تمزيقا»(.)1 ٍ شيئا فإنما يصور
10
تلك الفقرة كانت هي آخر فقرة توقف النهاية يا ترى؟ عندها طه حسين ،عميد األدب العربي، ورغ���م أن ط��ه حسين ق��د ع��اش بعد في قصته الطويلة (ما وراء النهر) ،أي إم�لاء ه��ذه القصة أكثر من عقدين من أنها آخ��ر لبنة وضعها العميد في هذا لسبب ما لم يفكّر -رحمه ٍ الزمن؛ إال إنه البناء غير المكتمل ،فكما أن الشاعر اهلل -في إكمالها ،فلماذا ت��رك العميد ����ف) ف��ي ه��ذا ال���ذي ف��ي ال��ق��ص��ة ق��د (ك ّ قصته هكذا ي��ا ت��رى؟ ول��م��اذا ل��م يكمل (كف) الموضع عن تدوين يومياته ،ففد ّ بناءه هذا ولم (يُقفل) البقية الباقية التي العميد أيضا هنا عن إمالء قصته ،ولمّا قد تكون أقل مما مضى بكثير؟ هذا ما يصل بنا لألسف الى النهاية ،فأضحت هذه (قص ًة لم تتم) ،وهكذا ترك العميد سنحاول استجالءه في هذه المقالة. والمعروف أن طه حسين قد أملى هذه ق��ارئ��ه ف��ي حيرة وت��رقّ��ب ،كيف ستكون اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
حبكة ٍ وي��دور الصراع في هذه القصة في مشابهة لقصص العميد االجتماعية األخرى، أعني تصوير بؤس الحياة في الريف المصري، وما فيه من تسلط المالك على الفالح ،وما يلقاه هذا المسكين من شقاء ومذلة وعنت، تتقاذفه صروف الدهر بين ضنك العيش وجور المالك.
ولكن ح��دث��اً يحدث ه��ن��ا ..فيكسر حاجز الرتابة والسكون ،ويجعل حبل األمور يضطرب ما بين القرية والقصر ،ذلك أن ابن صاحب القصر ال��م��دل��ل ،يقع ف��ي ه��وى إح��دى بنات الفالحين المساكين أهل القرية ،وحيثما يقع الحب يجلب معه طبعا المشكالت ،وتستحوذ تلك البنت على قلب الفتى ،وتخلب لبه .وما هي إال أن يجاذب العاشق حبال الوصل مع عشيقته الفالحة ذات م��س��اء ..فيحدث ما يفاقم األمور ،فيقرر العاشقان الهرب بحبهما إلى المدينة .ويتم لهما ما أرادا ،غير أن أخا الفالحة األكبر يعلم باألمر ،فيغلي في عروقه دم الشرف ،فال يق ّر له قرار حتى يلحق بأخته في المدينة ،ويحقق مقولة المتنبي الشهيرة:
وغرض طه حسين في قصته هذه وقصصه األخرى واضح للقارئ ،أال وهو رغبته الملحّ ة ف��ي اإلص��ل�اح االج��ت��م��اع��ي ،أي رف���ع ال��ب��ؤس والفقر والظلم ع��ن تلك الطبقات الفقيرة المسحوقة في المجتمع المصري .لقد كان العميد رحمة اهلل يصدر في طرحه هذا عن سيرة عمر بن الخطاب -رضي اهلل عنه -التي الشرف الرفيع من األذى ُ انتهجها في المواساة بين األغنياء والفقراء ،ال يسلم ح �ت��ى ي � � ��راقَ ع �ل��ى ج ��وان �ب ��ه ال� ��دمُ كما ص���رّح ب��ه��ذا ه��و -أي ط��ه حسين -في خواتيم كتابه (المعذبون في األرض)( ،)2وفي وهكذا يقتل األ ُخ أخته ليغسل عن أسرته كتابه (ال��ش��ي��خ��ان)( )3أي��ض��ا ،ال���ذي خصصه هذا العار ،ويسلّم نفسه للشرطة. لسيرة أبي بكر وعمر. لم تنتهِ القصة هنا -وهي ال تنتهي أصال- يصوّر العميد هنا في قصة (ما وراء النهر) ذلك أن االبن العاشق الغني يتملّكه إثر ذلك ت��داع��ي��ات الحياة ف��ي ال��ري��ف ،م��ا بين قصر شعو ٌر قوي باإلحباط والفشل ،فيعود إلى أبيه المالك الذي يقع على ربوة عالية تشرف على في قصره خائب الرجاء ،منكّس ال��رأس ،قد النهر ،وبين قرية بائسة ذات بيوت طينية تحطمت أحالم عشقه وتهاوت أمانيه .فيقرر الطئة ب��اﻷرض يسكنها مساكين يعملون في أمام أبيه أن ال بد أن يرحل إلى أوروبا عاما أو ال���زرع ،يستخرجون خ��ي��رات األرض للسادة عامين ،ليجلو عن نفسه غمامة الحزن واألسى المالك ،بينما يعيشون هم على ما يتساقط التي تلبدت عليه بعد حصول تلك المأساة،
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
القصة التي لم تتم في منتصف األربعينيات من الفتات .ويستمر شريط الحياة كما هو في من القرن الماضي ،ونشرت فصولها تباعاً في رتابة وهدوء ..سواء في القرية البائسة أو في مجلة الكاتب المصري -التي ك��ان يرأسها -القصر ال��ب��اذخ ،كما هي الحال في كثير من أنحاء الريف المصري آنذاك. ابتدا ًء من نوفمبر سنة 1946م.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (11 )2016
فيكون األب ص��ارم��ا معه ،ف�لا يملك إال أن يوبّخه ويعنّفه على (نزوله) إلى هذا المستوى، بالسعي وراء إحدى بنات الفالحين! غير أنه ال يمانعه في الرحيل إلى الخارج لكي يريح قلبه فيسلو ،وينسى عشقه الدامي التعيس.
12
وأم��ا شخصيات القصة فمحدودة طبعاً نظرا لمحدودية األحداث ،وهي تتمحور حول (رؤوف) صاحب القصر وهو رجل قد تقدمت به السن ،ولكنها لم تبلغ من قوته وال من جسمه وال م��ن شباب قلبه شيئا ،وه��و سليل أس��رة عريقة في الثراء« ،يؤثر نفسه بكل شيء ،ويرى أن الحياة لم تخلق إال له ،ولم توقف إال عليه، وهو يحتمل مشاركة الناس له فيها احتماال، تفضل وت��ط��وّل ..وه��و ال يقبل ويطيقها على ّ أن تقوم بينه وبين ما يريد عقب ٌة مهما يكون نوعها ،ومهما يكون مصدرها ،وهو من أجل ذل��ك غضوبٌ جامح الغضب ،عنيفٌ مسرفٌ في العنف ،ال يروض الصعاب حين تعرض له، وإنما يحطمها تحطيما ،أو يحطم نفسه من دونها»(.)4
عليهم الحرمان ،وتكلفونهم ما تكلفونهم من ضروب الجهد والعناء ،حتى إذا آتى جهدهم ثمرة وانتهى جهدهم إلى نتيجة ،أخذتم خير ما تثمر األرض على أيديهم ،فآثرتم بها أنفسكم من دونهم واستمعتم بنعيمه ،وأنتم ال ترون بهذا بأساً ،ولكنكم تعصرونهم حتى ال تتركوا فيهم معتصرا ،ثم ال تجدون في أنفسكم إال الرضا، وال تحسّ ون في قلوبكم إال الطمأنينة»(.)5
وأم��ا األب��ن فهو نعيم ،وه��و فتى مدلل قد تربى في أحضان الجاه والعز موسّ عا عليه في كل شيء ،وهو وإن بدا للوهلة األولى أنه فتىً يجري خلف نزواته؛ إال أن حواره مع الشاعر (وهو نديم الوالد صاحب القصر) ،يكشف لنا كيف هذا الفتى الغض اإله��اب ،ي��رقّ ويشفق على الحال المؤسفة التي يعيشها الفالحون ف��ي ال��ق��ري��ة ال��دن��ي��ا ،وي��ع�� ّب��ر الفتى ع��ن ذلك بكالم عن مدى الظلم والسخرة التي يمارسها القصر على القرية ،يقول« :إنكم تستذلونهم وتستغلونهم وتضطرونهم إلى البؤس وتفرضون
وأما الشاعر فهو نديم األب «رؤوف» صاحب القصر ،كان في أوليته شاعراً فقيراً معدماً، يسكن في غرفة حقيرة ،وال يكاد يجد قوت يومه ،ولكن القدر يسوق إليه (رؤوف) ذات يوم بينما هو جالس مع رفاقه في إحدى المقاهي، فيعجب رؤوف بظرف هذا الشاعر البائس، ويأنس إلى منطقه فيجتبيه إليه ،ويتخذه نديماً له ،ولكنه كان نديماً كالخادم المطيع ،يتلوّن كما يشاء سيده ،وجعله السيد يعيش قريبا منه، ويصوره الكاتب في هيئة رجل قد ذرف على الستين ،ولكنه محتفظٌ بقامته وإن كان يتكلف
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
العصا أمام الناس ربما لِما لها من وقار ،وهو وزرعاً يحرث ،أن هذه بيئة مصرية بال ريب، يغشى القصر مصبّحاً وممسّ ياً ،لكي ينادم ولو التوى الكاتب وداور في الخطاب ،وأظن أن العميد لم يكن في حاجة مطلقاً إلى مثل هذه صاحبه ويتجاذبان شجون الحديث. المداورة والمراوغة ،اللهم إال إن كان متوجسا وأم��ا الطرف الرابع في الشخصيات فهم من الرقابة مثال ،كما سيتضح الحقا. أهل القرية ،أو باألحرى أسرة الفالح الذي وقع ومثل ه��ذا أيضا مناقشته ألسماء أبطال الولد في غرام ابنته ،غير أن الكاتب ال يفصل هنا إال بقدر ما ،وال يرسم خطوطا للشخصيات القصة ،وكان قد تساءل أوالً :هل من الضروري في هذه األسرة ،وإنما يذكر (خديجة) الفتاة أن يعطيهم أسماءً؟ يقول« :ولست أخفي على التي استهوت ابن صاحب القصر ،و(محبوبة) القارئ أن��ي حائر أش��د الحيرة في أم��ر هذا والدتها ،واألب (محمود) اإلسكافي الفقير ،الفتى ،كما أني حائر أشد الحيرة في أمر أهل واألخ المجروح في شرفه (أحمد) الذي يمضي الربوة جميعا ،فكلهم يلحّ عليّ في أن أجد له سحابة يومه يعمل في الحقول ،وال��ذي ثارت اسماً يتسمى به ويميزه عن غيره من الناس، وكلهم يلحّ عليّ في أن األشخاص ال يستكملون ثائرته عندما هربت أخته. وجودهم ،إال إذا عرفت أسماؤهم التي تحقق تلك هي الشخصيات المهمة التي يتناولها التمايز فيما بينهم ،وتخرجهم من هذا الوجود الحدث الرئيس في القصة ،وثمة شخصيات الوهمي الذي يشبه العدم إلى وجود»(.)6 ثانوية عارضة ال وزن لها في الحدث. وه��ك��ذا يخاطب ال��ك��ات��ب العميد ال��ق��ارئ والمكان أو البلد ال��ذي تقع فيه أح��داث مباشرة ،فيعلل إعطاءه أبطال القصة أسما ًء القصة يبدو مشكلة من المشكالت ،ألن الكاتب ليكون لهم نصيبٌ في الوجود! وهنا يتساءل لو تركه وشأنه ،لفهمنا ضمناً أنه مصر ،أو القارئ هل هو يقرأ قص ًة أو رواي��ةً ،أم يقرأ قاص ٌّ ال��ري��ف المصري بالتحديد ،ولكن الكاتب ،مقال ًة في النقد؟ هل طه حسين هنا غفر اهلل لنا ول��ه ،ربما ِلرَغبته في المداورة يقص وي��روي ،أم ناقد يعلل ويسوّغ؟ لذا فإن واإلطناب راح يتحدث في صفحات عن المكان قارئ قصص طه حسين في جهد جهيد حقاً، المفترض للقصة ،وهل يمكن أن يكون مصر فبينما هو يتابع خيوط القصة ..إذ الكاتب أو غير مصر؟ وهل يمكن أن يكون في أوروبا ،يقطع عليه السبيل فجأة بكالم عما يسوغ له في أسبانيا مثال؟ إل��ى غير ه��ذه التساؤالت في فن القصة وما ال يسوغ ،وال يصبّر القارئ السفسطائية التي تخرج بالكاتب م��ن حيز حقاً ويجعله يمضي في القراءة هنا إال جمال القصة إلى فضاء آخر ،وتلقي بذوراً من الشك اللغة التي يكتب بها طه حسين! لذا ،فيمكن عن إشفاق الكاتب وتوجّ سه من تحديد المكان ،القول :نعم إن طه حسين هنا هو بال ريب جميل ولكن القارئ كما أسلفت ينطبع في ذهنه منذ األسلوب ،بديع الصور ،رائق الخيال ،أكثر مما يرى قصراً قائما ،وقرية فالحين ،ونهراً يجري ،يكون قاصاً متمكناً من توجيه األحداث والتفنن
اجلوبة � -صيف 1437هـ (13 )2016
في عرضها وس��رده��ا .وه��ذه النتيجة نفسها يلمسها مَن يقرأ قصص طه حسين األخرى، مثل (المعذبون في األرض) ،و(شجرة البؤس)، و(الحب الضائع) وغيرها .ولقد استعرضت بعضاً م��ن آراء ال��ق��راء ال��ذي��ن ق���رأوا قصتنا هذه (ما وراء النهر) ،فوجدتُ جملة صالحة من هذه التعليقات التي تعكس انطباع القراء ع��ن القصة ،وذل��ك على موقع ق���راءة الكتب ( )Goodread.comعلى شبكة اإلنترنت ،فمثال يقول القارئ أحمد عواد:
ويقول خالد صبحي: «أفضل من استخدم اللغة العربية من وجهة نظري ...الرواية ضعيفة على مستوى الدراما واألحداث بطيئة ،أما الوصف والتصوير فهو إبداع العميد الحقيقي».
واآلن نأتي إل��ى ال��س��ؤال العالق ف��ي هذه القصة ،لماذا توقف العميد عن إمالئها؟ لماذا لم يُتم أحداثها ،وه��و الكاتب ال��ذي ال يعوزه الخيال ،وال تعوزه اللغة ،وال يعوزه الوقت أيضا، ألنه عاش بعدها سنين طويلة ،يكتب ويؤلف «ال��رواي��ة لم تعجبني في بنائها ،ولكن ما وينشر. استمتعت ب��ه حقا أس��ل��وب ط��ه حسين ال��ذي أقول لو تتبعنا أحداث القصة -على قلّتها- أعشقه ،ق��د ي��م�� ُّل الكثيرون م��ن إطنابه في حدث ذي شأن هو أن (رؤوف) لرأينا أن آخر ٍ الحديث وإسهابه في الوصف ،لكني من عشاق صاحب القصر ..كانت تتراءى له بين الفينة هذا األسلوب ..طالما كان األسلوب قوياً جزالً واألخ��رى نا ٌر عظيمة تتألق من وراء النهر(،)7 معبرا. وكانت هذه النار العظيمة تتراءى لسيد القصر أعجبتني الرسالة التي أراد أن يوصلها ف��ق��ط ،بينما ال ت��ت��راءى ل��غ��ي��ره م��م��ن يغشى الكاتب لنا عن ذلك الصراع االجتماعي بين القصر م��ن ال��خ��دم وال����زوار ،وعندما أخبر أهل الربوة وأهل القرية ،وما مدى الظلم الذي السيد نديمه الشاعر بهذه النار التي تتراءى يقع على أهل القرية الفقراء». له ،اضطر الشاعر إلى مجاراته ومداراته ،مع ويقول بسام عبدالعزيز: أنه ال يرى شيئا البتّه ،وقد ج��اراه فقط ألنه «على المستوي القصصي ..فالرواية بطيئة ال يحتمل أن يكذبّه فيما يرى ويقول ،ال سيما ج��دا ج��دا ج���دا ..وأح��داث��ه��ا ف��ي الحقيقة ال وقد رأى الشاعر بنفسه كيف أهان هذا السيد تتعدى صفحات يمكن ع��ده��ا على أصابع أحد موظفيه أشد اإلهانة ،ال لشيء إال ألنه اليد ال��واح��دة ..لكن أسلوب العميد المعتاد عارضه في شيء مشابه ،لذا فلم يكن له ب ُّد من في االستطراد والخروج ألحاديث جانبية مع مجاراته ..ولو قال إنه يرى ما يرى.
14
القارئ ،واالسترسال في سرد أفكاره ..جعلتها إذاً ،توقّف طه حسين عند هذا الحدث ،أو أكثر من مئة صفحة !..لكن الحسنة الوحيدة باألحرى توقفت قصته هنا ..فلم يمض فيها ه��ي أس��ل��وب العميد اللغوي ال��ذي دائ��م��ا ما وانقطع عن إمالئها ،فلماذا يا ترى؟ هل توجّ س يبهرني ...فيما عدا ذلك فهي ضعيفة جدا» .الكاتب من شيء ،هل أشفق العميد من كشف
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
إزاء ك��ل ه��ذه ال��ت��س��اؤالت ،ه��ا هنا تفسير محتمل ،وهو أننا لو تأملنا الفترة التي ظهرت فيها هذا القصة (ما وراء النهر) ..لوجدنا أنها النصف الثاني من األربعينيات الميالدية ،أي قبل ثورة يوليو 1952م بسنوات قليلة ،عندما كان الجو السياسي في مصر يضطرب وئيداً نحو العاصفة ،مشحوناً ب��ن��داءات األح���زاب االجتماعية واالشتراكية نحو تحرير الطبقات الفقيرة ،وخاصة في الريف ،من ربقة األغنياء مالك األرض واألطيان الشاسعة ،وكان العميد نفسه -رح��م��ه اهلل -ص��وت��اً ن��اف��ذاً ف��ي ه��ذه ال��ن��داءات أو ال��ص��رخ��ات ،ض��د ذل��ك العسف المجحف ال���ذي يطحن ال��ف�لاح والفقير في رحاه ،وذلك في أقاصيصه الكثيرة التي ضمنها (المعذبون في األرض) ،و(شجرة البؤس) التي يشن فيها المرحوم هجوماً صريحاً وعنيفاً ضد طبقة األغنياء في مصر ،التي تستمد ترفها من عرق الفالح وكدحه وبؤسه ،وحسبك أن تعلم أن كتاب (المعذبون في األرض) -وهو يصور ب���ؤس ال��ف�لاح ت��ح��ت س��ي��ط��رة ال��م��ال��ك وق��س��وة ال��ظ��روف -قد منعت الحكومة ت��داول��ه عقيب ظهوره بقليل ،وصودرت نسخه التي طبعت في لبنان وج��يء بها لتسوّق بين القراء في مصر أواخ��ر األربعينيات( ،)8ثم ج��اءت ه��ذه القصة (ما وراء النهر) لتكون ثالثة األثافي أو كادت أن تكون ،لوال أنه رفع القلم عنها وتركها هكذا ،لذا فإني أرجّ ح أن الكاتب العميد كان يتوقع حدثاً �لا ف��ي مصر ينسف منظومة الظلم هذه ه��ائ ً
وأحسب أن العميد قد ترك «تأويل» هذه النار التي كانت تتراءى للسيد صاحب القصر لفطنة ال��ق��ارئ ،أي جعلها للقارئ يُعمل فيها ذهنه ويك ّد ويفكر ،وفي الحق ..إن طه حسين وينصب في قراءة يميل إلى أن يَتعَب القارئ ،بل َ قصصه ،ألم يذكر في إحدى مقاالته التمهيدية للقصة أنه يميل إلى كتابة األدب الذي يَتعب فيه قارئُه مثل ما أتعب مؤلفه؟( .)9لذا ،فالذي يظهر أن تأويل هذه النار ،طبعا بعد أن يتعب القارئ في قراءة تلك النقاشات الخارجة عن موضوع القصة ،وقراءة الحوار المسهب الذي يحمل سمات الخطابة ،وتتبع الوصف المتريث البطيء لألحداث القليلة ،ثم بعد إجالة الفكر وتقليب الرأي في عالمة االستفهام هذه (لماذا توقف الكاتب عند مشهد النار التي تتخايل للسيد؟) ،نستنتج من ه��ذه النار أنها إش��ارة إل��ى ث��ورة عارمة مقبلة ومحتملة ،وكثيرا ما عبّر األدباء والشعراء بالنار عن الثورة والتمرد واالنتفاضة ،ألم يقل المتنبي عن ذلك الخارجي (شبيب العقيلي) الذي ثار في دمشق أيام كافور:
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ما يريد من حقيقة تلك النار؟ ماذا كان يقصد برمتها أو على األقل ،يخلخل من بنيتها ويفككك طه حسين بتلك النار التي كانت تتراءى لصاحب عوامل السخرة التي عششت في ثنايا النظام القصر فقط؟ االجتماعي واالقتصادي المتوارث من قرون.
وم��ا ك��ان إال ال �ن��ا َر ف��ي ك��ل م��وض� ٍ�ع �ان ي� �ث� �ي ��ر غ� � �ب � ��ارا ف � ��ي م � �ك� ��ان دخ � � � ِ كما أن اللغة العربية المعاصرة كثيرا ما تلصق أفعال النار وتضيفها إل��ى ال��ث��ورة وما أشبَّها من العصيان والتمرد ،مثل قولنا (شبّت الثورة) ،أو(اشتعلت الثورة) ،و(اندلع العصيان)، و(اضطرم التمرد) ،و(أخمدت الثورة) ،وغيرها
اجلوبة � -صيف 1437هـ (15 )2016
أص�لا أو استعملت ً من األفعال التي وُضعت حقيق ًة للنار. لكن ما ال��ذي جعل طه حسين يطوي هذه النبوءة في ه��ذا الرمز ول��م يعلنها صراحة؟ لقد توقف قطار القصة كما رأينا عند تلك النار التي تتراءى للقصر ،فهل يا ترى لو أكمل المؤلف القصة يكون ق��د جلّى ه��ذه النبوءة وحقق تأويل الرؤيا؟ أقول :هل أشفق العميد من كشف مثل هذه التوقعات وإعالن نبوءته بتصدّع مجتمع االقطاع وانهيار مؤسسة الملكية؟ ربما يكون العميد حقا قد أشفق من إثارة مثل هذه النبوءة ،كما أشفق من توضيح مكانها المفترض وه��و طبعا مصر في ه��ذه القصة ،فتقف له الحكومة بالمرصاد ،فتحول بينه وبين القراء، وتمنع نشر القصة وتوزيعها ،كما حدث لكتاب (المعذبون في األرض) الذي صادرت الحكومة نسخه ومنعت تداوله ،كما أشرنا فيما سبق. وختاما أق���ول :ه��ل يمكن أن نعتبر قصة
(ما وراء النهر) قصة مفتوحة؟ أي ذات نهاية مفتوحة؛ أي متروكة للقارئ وحدسه وتخمينه. ربما .ولعلنا نذكر في هذا السياق أن الروائي محمد عبدالحليم عبداهلل قد ترك أيضا (قصة لم تتم) ،لكنه لم يتركها هكذا قصدا ،وإنما أعجله الموت عن إتمامها (توفي عام 1970م). أما قصة توفيق الحكيم الشهيرة (يوميات نائب في األرياف) ،فأرى أنها يمكن أن تُع ّد من هذا القبيل؛ أي القصص ذات النهاية المفتوحة، ألن الحدث الرئيس في القصة (وهو التحقيق في مصرع قمر الدولة علوان) لم يصل إلى نهاية مقنعة ،ال سيما وأن خيوط القضية بعضها التحقيق ،وهي بع ُد المهمة قد كشَ ف َ تبقى متاحة أم��ام القارئ ليبني عليها حبكة افتراضية ..لعلة مصرع هذا الـ(قمر الدولة)، وكذلك مصرع زوجته من قبله ،ليضع القارئ في النهاية ي��ده مع المحققين على الفاعل الحقيقي لكل جريمة.
* كاتب من السعودية. ( )1طه حسين ،ما وراء النهر ،دار المعارف ،القاهرة1986 ،م ،ص .111 ( )2طه حسين ،المعذبون في األرض ،دار المعارف ،القاهرة ،ص 152فما بعد. ( )3طه حسين ،الشيخان ،دار المعارف ،القاهرة 1986م ،ص 177وص.200 -199 ( )4ص .90-89 ( )5ص .54 ( )6ص .44 ( )7ص .107 ( )8انظر :طه حسين ،المعذبون في األرض ،دار المعارف ،الطبعة التاسعة1992 ،م ،ص ( ،9والكتاب في معظمه قصص تصور البؤس في مصر ،إال أن الصفحات من 150إلى 192فكلها مقاالت قوية مباشرة تدين صراح ًة احتكا َر األغنياء في مصر للثروة والنعيم وحرمانهم الطبقات األخرى حتى من الفتات، ويتهم الكاتب الحكومة آنذاك في مداهنة األغنياء ومسايرتهم في هذه األثرة المقيتة ،انظر مثال ص164 وص.»182 ( )9انظر مقدمة القصة (ما وراء النهر) ص 1حيث يذكر طه حسين أن مجلته (الكاتب المصري) قد اتخذت قانونا «أال تقدم لقرائها إال هذا األدب الذي ينفق فيه صاحبه الجهد العنيف والوقت الطويل ،وينفق قارئه في إساغته من الوقت والجهد مثل ما ينفق منتجه.»..
16
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
قراءة في ديوان (تاللي تضيق بعوسجها)
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
عمل شعري اّ خلق لمعناه للشاعر عمار الجنيدي ρρرؤى هاشم*
(ت�لال��ي تضيق بعوسجها) ه��و ال�ع�ن��وان ال��ذي اخ �ت��اره ال�ش��اع��ر األردن ��ي عمار الجنيدي لديوانه الشعري الصادر في عمان عن وزارة الثقافة األردنية ،عام 2013م، وهو من القطع المتوسط ،ويقع في ( )123صفحة. يُعد العنوان مدخ ًال مهماً ،وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص ،وتـقود إل��ى فك الكثير من طالسمه وأل�غ��ازه .والناظر إل��ى عنوان دي��وان (تاللي تضيق بعوسجها) ي��درك ما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية ،كعمق العبارة ،وكثافة الداللة ،ما جعله يحتل الصدارة في فضاء المعاني. الشاعر عمار الجنيدي معروف بتفرده المعنوي ،وقدرته على تحرير القصيدة من إطارها االجتماعي وإطارها الذاتي معاً ،فهو يذيب الشعور والموضوعات ال أو قواماً جديداً الخارجية ليعطيها شك ً بواسطة اإلحساس أو الحدس .ولذا لم نفاجأ بنزول دي��وان��ه بهيئته الموسومة إلينا ..بل كنا نتوقعه ،فشاعرنا يستجيب للعالم بكيانه كله ،أي بحواسه وعاطفته وفكره.
هذا الديوان يتكون من ست وثالثين قصيدة ي��ت��أرج��ح معمارها الفني بين ال��ح��س��ي��ة ،وال��ت��ج��س��ي��م ،وال��ب��س��اط��ة، والموسيقية ،واإلثارة ،والعاطفية؛ إضافة إل��ى لغته العميقة الحافلة بالشفافية المرتبطة باإلشارات ،األمر الذي أضفى عليه سمة األصالة والتجديد معاً ،وأسبغ ال من التنويع ،وما يُلفت نظر عليه شك ً ال��ق��ارئ التآلف والتعانق بين األلفاظ والمعاني في صور فنية رائعة أكدت على
اجلوبة � -صيف 1437هـ (17 )2016
حجم الثراء العاطفي واإلنساني الذي يمتلكه الشاعر.
ومما ال ش��ك فيه أن شعر الجنيدي في
دي��وان��ه ه��ذا ج��اء ص���ادراً ع��ن مفهوم حسّ ي
ونظري خ��اص بالشاعر؛ فالصورة الشعرية الرامزة لديه تُكثّف الخيال وتص ِّعدُه مناجاة
روحية وابتهاالت تستثير تفكيرنا ومشاعرنا، حيث يقول:
18
والتنوّع؛ ما أت��اح مجاالً رحباً أم��ام الجنيدي شفيف من ٍ وشاح لتصوير تجربته الشعورية في ٍ األفكار والمشاعر ،يحكي من خاللها حكاية البوح اإلنساني الطافح باألحاسيس والرؤى التي تفضح عن دواخلها ،وتبوح بمعاناتها؛ ما أكسب القصائد قدراً كبيراً من الجمالية ،وزاد من الوحدة بين أج��زاء الصور الشعرية في ِشقّيها المعنوي واللفظي على السواء ،وأكد أن العمل الشعري خالق لمعناه ،من ذلك قوله:
«أبحث عمّ ن يخلِّصني منك “كل حزن هذا العالم من سهام لحظك التي تفتك بكل مواهبي أراه في عينيك وتسرق مني حتى شقائي سحاب ًا أبحث عمن يرد إلي تمرّدي يسائلني عن المطر، عمن يقرأ طالعي عن حكايات الشوق التي ويروي ظمأ القصيدة خبأتها السنونو فال أجد إالك منذ كانت المواويل إالك». تصدح في المساءات الحزينة، وبالعودة إلى قصائد الديوان نلحظ أنها مذ كانت الطرق كانت تُراوح في إطارها الشعوري بين المرونة تضج بالتائهين اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
إن ال��م��ت��أم��ل ف���ي دي����وان ال���ج���ن���ي���دي ي��ل��ح��ظ أن ل��غ��ة القصائد في الديوان كك ّل لغ ًة راقي ًة قوي ًة خالي ًة من الشوائب، تش ّف عما في أعماق الشاعر ِ بالغة وخبرةٍ استطاعت أن ٍ من بمرونة ويسر، ٍ تطوع األلفاظ وه����ذا ه���و م���ا ي��م��ي��ز ال��ش��ع��ر الرفيع.
وحين تعرضنا للصورة ال���ش���ع���ري���ة ال��ف��ن��ي��ة ع��ن��د الجنيدي ،وج��دن��ا أن��ه قد أبدع كثيراً في هذا الباب، َ���ص���وره ب��دي��ع��ة ،وخ��ي��ال��ه ف ُ خ��ص��ب ،وأف��ك��اره عميقة، أما من جانب اإليقاع ،فنجد ون��ظ��رت��ه مغرقة ف��ي عمق الجنيدي قابضاً على ناصيته ال����ذات ،ينتقي ص���وراً من ملماً ب��أس��راره ،ويتجلى ذلك واقع معين ،ثم يلبسها بما يختلج في نفسه من ٍ بوضوح بانسجام القارئ مع دالالت األلفاظ ٍ مشاعر لتشكل في مجملها لوحات تصويرية واإليحاءات الجميلة ..التي تشكل مع الوزن متكاملة ،إذ يقول: ال يعطي المتعة للقارئ، والقافية إيقاعاً متكام ً أي قدر أنت؟! ويخدم موسيقى اإلطار العام بشكل فعال.
تقفين كقامة السنديان تلوّحين بوجه الريح رايات صمتك وآالف األسئلة تصفعين اخضرارها وتضمخي بالندى حروفها وتتركين البحر يبحث عن أسرار عينيك التي ما عشقها غير فارس مغوار ال يهاب الردى
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
مذ كان الخوف يعاند المكر، وينبذ كل أوهام النصر ويرفض اختيال الندم على ضفاف الجرح”.
وال سواتر الليل البهيم.
يمتلك الجنيدي خ��ي��االً واس��ع��اً ،وفهماً ثقافة ٍ عميقاً لواقعه الذي جعل منه شاعراً ذا وجدانية ٍ بتوقيعات ٍ غنية ،لهذا جاءت قصائده متباينة ..متمسكة بخيوط األم��ل حتى تقيه حرارة األلم والخوف. قصائد (تاللي تضيق بعوسجها) تجرب ٌة وتقنيات ٍ فنية عالية، إبداعي ٌة راقي ٌة تزخر بقوةٍ ٍ تصويرية ٍ ��ات عميقة ومتينة ،ول��وح ٍ ٍ تعبيرية ٍ ولغة متناهية األناقة ع َّب َر عنها الشاعر رشيقةٍ ، ٍ بعمق وصدق.
* كاتبة من األردن.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (19 )2016
تشكالت الخطاب السردي مقاربة في األنساق السردية القصصية في تجربة القاص حسن الشيخ ρρإبراهيم الكراوي*
س�ن�ح��اول م��ن خ�لال ه��ذه ال �ق��راءة سبر أغ ��وار تمثالت لغة القصة القصيرة واستراتيجيات الكتابة في القصة ال�س�ع��ودي��ة ،م��ن خ�ل�ال ت�ج��رب��ة ح�س��ن ال�ش�ي��خ ف��ي الكتابة السردية القصصية .ويظهر أن الحساسية الجديدة في القصة السعودية منشغلة بهاجس تأسيس أسلوب ُيأ َِّصل لسردية النص القصصي ،ويشكل هويته المنفتحة على س��ردي��ات اليومي ،ومتخيل المجتمع والوع�ي��ه الثقافي. فنص حسن الشيخ يغوص في الرموز والعوالم التي تنحدر من ثقافة المجتمع، وشخوصه ،ومتخيله ،وسيكولوجيات شخوص اليومي وتفاصيله المؤلمة .فنحن أمام تجربة سردية تتوغل في الحكاية ،أو ما يمكن تسميته الخرافة االجتماعية التي ت��روم سبر أغ��وار ال��ذات ..ووضعها داخ��ل العالم ،وعالقتها بالمجتمع ،وهو ما يعني أن الحكاية العجيبة التي يتم استلهامها من قبل السارد غنية بالرموز والعالمات التي تدل على وضعية الذات ومعاناتها من جهة ،كما تتمثل من جهة أخرى بوصفها ذاكرة األنا وتاريخه الجمعي.
20
إن تجربة ال��س��رد القصصي عند المجموعة تكشف انشغالها بالحفر في ح��س��ن ال��ش��ي��خ ت��ت��أس��س ع��ل��ى التقابل عوالم الموت والغياب والرحيل والذاكرة ب��ي��ن ال��واق��ع��ي وال��ع��ج��ائ��ب��ي .وكالهما الموشومة بالمتخيل الجمعي. بنيات تشكل عالم النص ،وتحيل على إن السارد سواء في مجموعة «غيمة هواجس ووضعية الذات .إن القصة هنا ترصد لحظة معاناة الذات وعالقاتها البدري» أو «المقبرة »..ال يسعى إلى داخ��ل ال��واق��ع ،ف��ق��راءة أغلب نصوص محاكاة العالم -الواقع بقدر ما يشكل اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د عالم وواقع النص ،من خالل االنفتاح على ليضيء لنا م��أس��اة ال��غ��ي��اب عند الطفلة ذاكرة المتخيل ،ومظاهر الوجود اإلنساني ،الخنساء ،والتي تتعالق مع قصة معروفة في وإع��ادة إنتاج تفاصيل اليومي ..وفق رؤية التراث الشعري ،وهي بكاء الخنساء ألخيها خاصة للعالم. صخر. السرد والعجائبي إن تجربة حسن الشيخ تتأسس على البحث في جذور السرد ومنابعه في المجتمع وذاكرة الشخوص وانشغاالتهم ،وهي منابع متعددة ..سواء تعلّق األمر بمحكيات اليومي وتفاصيل الواقع وسرديات ال��ذات ،أو كان األمر مرتبطا بالمحكيات العجائبية ومتخيل الذاكرة الجمعي. وه��ك��ذا ،نجد ف��ي مجموعة «المقبرة» نص «طفلة تدعى الخنساء» ،يتأسس على التوازي الداللي بين قصتين تشتركان في عمق الموضوع ،وهو رثاء الغائب أخ السارد.. والقصة األول��ى التي ينقلها لنا السارد من خ�لال تقنية ال���راوي ال��ذي يقطع السرد..
إن القصة هنا تتجه إل��ى نحت طرائق جديدة في الكتابة ،من خالل حوارية بين نص تراثي شعري ،وبين الحكاية الشعبية العجيبة ذات الجذور الواقعية ..كما سيتضح من خالل التحليل .فخطاب القصة القصيرة باعتباره يدمج ويستوعب كل هذه األنساق داخ��ل النسيج ال��س��ردي للقصة القصيرة، ينزع إلى تشكيل واقعه ولحظته الخاصة، وه��ي عالم الحكاية .وتتشكل بنية القصة انطالقا من النمو المطرد للفعل القصصي؛ أي مأساة الطفلة خنساء ،لينفجر الحكي على إيقاع دموع تماضر التي ستشكل بحيرة تمنح م��اء الحياة على حد تعبير السارد. وبالتالي تحضر الطفلة ال��ن��واة السردية
اجلوبة � -صيف 1437هـ (21 )2016
في القصة بوصفها الحياة ذاتها ،ومختلف امتداداتها في مواجهة الموت ال��ذي يعني الغياب واأللم .فالسارد الذي يحكي بضمير الغائب ،يدمج خطابات عابرة لألجناس ،كما هو األمر بالنسبة للحكاية الخرافية العجيبة للفتاة ال��ت��ي تبكي ،وتحولت دموعها إلى بحيرة ..يضيء لنا جانبا من دهاليز الطفولة اإلنسانية ومأساة الغياب والموت .وهو نسق دالل���ي ،يتضاعف دالل��ي��ا م��ن خ�لال إدم��اج محكيات تراثية وقصص شعبية خرافية، تستبطن هذه الداللة ،وتعرّي مأساة معاناة اإلنسان نتيجة الموت ال��ذي يغيب اآلخ��ر. فالقصة األص��ل تبدأ بالتوقف عند حدث اختطاف الموت لطفلة في مقتبل العمر:
إن المحكي العجائبي يولد من أعماق المخاض والضغط النفسي ال��ذي يمارس على الذات؛ فتغدو الطفلة الخنساء بين واقع الموت والغياب ،وبين حلم العودة ،وهي تنظر إلى البحر الذي اختفى فيه الرجل الغائب، بين الواقع والمتخيل:
«فتشت ع��ن رائحته ف��ي مالبسها فلم تجدها ،عندها أطلقت لعنانها البكاء .دموع غ��زي��رة ذرف��ت��ه��ا ،فأضحت ال��واح��ات مليئة ببحيرات عذبة ،يهفو إليها الغرباء ،والطيور، والبحارة ،ألخذ رشفة من ماء الحياة .هل سيرجع لي يوما بحارا غليظ الشفتين ،أم سيرجع لي غيمة سوداء تمطرني بجنون.. وت��رق��ص ط��ي��وره ع��ل��ى أنّ����ات ب��ك��ائ��ي دون «وقفت تلتقط أنفاسها الالهثة .حدقت مباالة.»... إل��ى ال��ع��اب��ر وال��خ��ارج م��ن البحر ببالهة. وال يكتفي خطاب القصة باستحضار تذكرت أشياء مريرة فدمعت عيناها» ثنائية الموت والحياة ،ولكن حضور االسم
22
إنها قصة الذات-الطفلة ،التي تستدعى «صخر» و«الخنساء» ..مرتبط ببعد الغياب وقصصا إنسانية ،يكشف بُعدها وال��م��وت ف��ي الثقافة اإلنسانية والعربية ً نصوصا العجائبي ،كما سبق ذك��ره .فالطفلة تمثل وذاكرة األدب العربي. الظاهرة فوق الطبيعية والشخصية الخارقة، وه���ك���ذا ،ي��ت��ب��ي��ن أن خ��ط��اب ال��س��ردي ال��ت��ي ت��رم��ي بنا ف��ي غياهب ال��ت��ردد ال��ذي العجائبي ينبني على ال��ت��ح��وّل ،أي تحول بنى عليه «ت��ود روف» نظريته في المحكي شخصية الطفلة خنساء ،من دائرة المألوف ال��ع��ج��ائ��ب��ي .ي��ق��ول ف���ي ه���ذا اإلط�����ار «إن والواقع الذي تعيشه ،والمتجلي في سماتها العجائبي ليس سوى تردد بين تفسير طبيعي المرتبطة باأللم والحزن ،إلى شخصية خارقة وف��وق طبيعي يختص بالوقائع نفسها»( .)1بفعل بكائها الذي أضحى بحيرة .والمالحظ وفي مستوى آخر تُجسّ د الطفلة الفردانية ،هنا أن السرد العجائبي يولد من الصدمة أو األس��ط��ورة الشخصية التي جعلت من الداخلية التي تعيشها ال��ذات الشخصية، هذه الطفلة قوة خارقة تمنح الحياة بفضل وهي صدمة رحيل وغياب القريب ..وكما يظهر من خالل المحكي السردي ،فالظاهرة دموعها التي شكلت بحيرة.. اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
«العناكب ب��دأت تزحف لتحتجزني عند المدخل ،تسد رئتي ...تجرأت وفتحت باب إح��دى الحجرات .هكذا بشكل عشوائي، وكانت المفاجأة ،وجدت جدي جالسا على سرير خشبي من أخشاب الصندل،عرفته،
إن المحكي العجائبي هنا لحظة ذه��اب وعودة بين الواقع والمتخيل ،فالسارد يبقى في الحيرة التي تضعه بين العالمين ،عالم الكوابيس والحلم ،كما يحيل على ذلك فضاء الباب الكبير ،ومكون الوصف ،وعالم الواقع
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
فوق الطبيعية ..وهي تشكل البحيرة من بكاء الطفلة ،تتطور وتنمو ،حتى إن الشخصية كما ذهب إلى ذلك «مالريو» في نظريته حول المحكي العجائبي ،تصيب العالم بعدوى العجائبيَ .فتَشَ كُّل البحيرة من دموع الطفلة سيخلق عالما جديدا ،ألنها ستتحول إلى مزار مقدس .فالمحكي «إن العجائبي يؤشر على كل مظاهر المسكوت عنه المؤسس لألنساق التقليدية الدينية والعلمية..)2(»... وهذا ما يمكن أن نستشفه من خالل قصة «الباب الكبير» والتي تحمل العنوان نفسه. فالباب الكبير سيشكل اإلرث المقدس، والتقليد ال��ذي ال ينبغي أن يبلى أو يُنتهك ِسرُّه من قبل السارد الجواني الذي وقع في إنه بدا لي في العشرين من عمره» الحيرة بخصوص الباب ،الذي يمثل الظاهرة إن المكان هنا يشكل عالم النص ومتخيل فوق الطبيعية حين يسمى هذه المرة بباب السرد القصصي ،فهو مكان فوق -طبيعي، الشيطان: كما يمكن أن ي��دل عليه المؤشر النصي (إال أني سألته بصوت خافت: في العنوان «الباب» ،ليأتي مكون الوصف، ويضفي عليه مزيدًا من الغرابة .فالوصف أخبرنا يا أبي عن سر هذا الباب؟ه��ن��ا أح����د م��ك��ون��ات ال��خ��ط��اب ال���س���ردي رد بصوت واهن ومتردد: ال��ع��ج��ائ��ب��ي ،وي��ظ��ه��ر م���ن خ�ل�ال ال��س��م��ات إنه باب الشيطان ،باب الالعودة). الداللية التي تحيل على العجائبي نفسه يرتبط المحكي العجائبي هنا بالمكان (ممر طويل ،شديد العتمة ،به العديد من الذي شرع السارد في الكشف عن عجائبيته األضواء والنقوش والمنمنمات ،جو القاعة بمجرد فتح الباب: ب���ارد ،تفوح منه ع��ط��و ٌر مالئكية غريبة).
اجلوبة � -صيف 1437هـ (23 )2016
ال��ذي تحياه شخصية ال��س��ارد وعالقاتها السارد وهو يعيش داخل القبر ،حيث نستعيد بالماضي واألج���داد .فالمحكي العجائبي جدلية المكان القبر ..والشخصية الساردة: ينهل من العالم الكابوسي الذي يعيد الذات «عندما أتيت إلى هذه المقبرة قبل فترة إلى نقطة السؤال والحيرة بين تفسير واقعي لم تكن بهذا الجمال ..رأيت ديدانا وحشرات وفوق طبيعي للظاهرة التي يعيشها السارد .في منتهى الصغر والغرابة ..فجأة سمعت إن عالم العجائبي عالم الصدمة التي تلقي أصواتا بعيدة ،لم أستطع تمييزها في بداية بظاللها على ال��س��ارد ،فيتوهم أن��ه يعيش األمر .بدأت تقترب .ميزت أصوات البكاء كابوسا حقيقيا؛ لذا ،نجده في آخر القصة م��ن األخ���رى اآلم����رة ،رأي���ت وع��ل��ى مسافة يعيش تحوالت من الشخصية المألوفة ،التي عشرة قبور شبحين ،رجالن أم شابان لست تتقاسم مع الكائنات اإلنسانية كل مظاهر متأكدا!»... الحياة ..إلى شخصية كابوسيه يرى نفسه إن السارد العجائبي هنا يدرك ويرى ما صرصارًا في المرآة .فالمسخ هنا باعتباره مكوناً من مكونات الخطاب العجائبي ،يعكس ال يراه اآلخرون ،فباستطاعته إدراك الغيب الصدمة التي يعيشها السارد ..وهو يحكي ومشاهدة ما يقع رغم أنه ميت ،إنه سارد بضمير الغائب ،وهو ما يتوافق والمحكي مطلق المعرفة كما ألفنا ذل��ك في السرد ال��ع��ج��ائ��ب��ي ال��م��وغ��ل ف��ي ال��زم��ن الماضي العجائبي ،بما أنه يعيش بين عالمين :عالم وأزمنة التاريخ المنسي ،ويُشرّح سيكولوجية الموت وعالم الواقع: «ق���ف���زت ب��ح��ذر م���ن ح��ف��رت��ي .وزح��ف��ت الذات المضطربة وهي تعيش هذه الحالة ال��م��أس��اوي��ة ن��ت��ي��ج��ة االرت����ب����اط ال��ق��دس��ي على بطني على شكل نصف دائ��رة واسعة بالتقاليد والماضي المأساوي ،الذي يضرب للوصول إلى جدار مبنى المغتسل الغربي. ج��ذوره في متخيل الموت ،كما يتضح من حتى أتجنب سقوط الضوء علي ،محاوال أن خ�لال عنوان المجموعة ذاتها «المقبرة» .أكون بعيدا عن مجال رؤيا المتواجدين عند فالمحكي السردي في قصص المجموعة الجثة». يدفع بالتخييل إلى أقصى مناطقه المعتمة؛ يظهر ال��ت��واص��ل هنا ق��وي��ا بين ال��س��ارد ما يشكل عالم العجائبي الذي يعري واقع الذي ينتمي إلى عالم الموت ،وبين الكائنات الذات النفسي الكابوسي وهواجسها. األخ��رى من العالم نفسه ،وبالمقابل نلفي
24
وم���ن م��ظ��اه��ر ه���ذا ال��ت��ش��ك��ل ال��س��ردي ومختلف دالالت��ه ..متخيل الموت باعتباره أح��د منابع المحكي العجائبي .ففي نص «المقبرة» حفر عميق في متخيل الموت، عالم فوق -طبيعي يحاول رسم صورة الذات
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
انفصاال وجوديا عن العالم الواقع الذي تحيا في ظله الذات الساردة ،فهي تعيش معاناة ال��ع��زل��ة ،كما يمكن أن نستنتج م��ن خالل خطاب البداية في ه��ذه القصة .وبالتالي يمكن القول هنا :إن العجائبي يعري عن
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
سيكولوجية ال���ذات المتوترة وه��ي تعيش انفصاال وعزلة عن العالم .فالحلم والهذيان والرعب والهستيريا باعتبارها الوعي الذات، وأحد مكونات الخطاب العجائبي ،تكشف ()3 رغبة الذات في الهروب من الواقع... إن الخطاب ال��س��ردي العجائبي يحمل رم��زي��ة خ��اص��ة ترتبط ب��ال��ذات وعالقتها ال��ت��ي ت��ق��وم ع��ل��ى االن��ف��ص��ال م��ع ال��ع��ال��م. فالسرد العجائبي مشبع برمزية تؤسس لتجنيس الكتابة ،بوصفه يشتغل على تكثيف المعنى ،وترتيب واختزال الوقائع العجيبة. فمن رمزية القبر -كما يظهر من خالل ال��ع��ن��وان -ونسيجها ال��دالل��ي المرتبط بالعزلة واأللم والغياب والموت ،إلى «رمزية الفراشة الملونة» المرتبطة بالمرأة والعشق والجمال ..وهي رمزية تعد امتدادا للغياب واألل��م واالنفصال ،كما سيتضح من خالل التقاط بعض مالمح وتفاصيل هذه القصة. فالفراشة الملونة الظاهرة فوق الطبيعية، والتي نزلت من عالم افتراضي أعالي األفق، ستمثل صدمة بالنسبة للسارد العجائبي، ويحكي لباقي زمالئه الصيادين الحكاية؛ لينعتوه بالجنون والهذيان.
هي عناوينكم هنا». يشكل هذيان الصياد مظهرا من الخطاب العجائبي في هذه القصة ،فرؤيته تتعدى ال��ح��دود وتخترق حجب ما وراء الطبيعة، كما يتبين من خالل خطاب السارد المطلق المعرفة:
«إنهما ضوءان بعيدان ،تقاربا ،وتمازجا بأنفاس الربيع ال��ل��دن��ة .فاشتعل الحريق وبالفعل ،فإن شعرية المحكي العجائبي بجسديهما .حريق لم يطفئه غوصهما في في هذا النص تتأسس على هذين المكونين الشط وال طفؤهما عليه ..حلف لهم بأغلظ الخطابيين .فحكاية الصياد تكسر المنطق األيْ��م��ان ،بأنه رآه��ا في كل المرايا ،وأنها المألوف ،بما أنها تحاوره: تسري من أرض ...في كل ليلة». «أال تعرف من أنا أيها الصياد؟ إن خطاب النهاية في القصة يكشف عن أنا فتاة ول��دت من تلك النجفة البعيدة عالقة وثيقة بين المحكي العجائبي وعزلة هناك .بال اسم وبال هوية وبال عناوين كما ال��ذات وانفصالها عن العالم ،إذ ستختفي
اجلوبة � -صيف 1437هـ (25 )2016
ال��ف��راش��ة ال��رم��ز ف��وق -الطبيعي ،ويبقى السارد ..وهو يعاني االنفصال عن العالم ال��ف��راش��ة ،وان��ت��ظ��ار لحظة االت���ص���ال؛ أي ظهور الفراشة من جديد ..وبالتالي فالنص ال��س��ردي في نصوص حسن الشيخ يشكل عالمه التخييلي انطالقا من جغرافيا تتماس مع مناطق الهذيان والحلم.
26
في الخطاب العجائبي بالمفسر الذي يبرر والدة الظاهرة ووج��وده��ا ،وه��و هنا مفسر ثقافي وتاريخي؛ فالغيمة ملك «ملك أحد النساك الهنود» أهداها ،وهي تعكس نسقا ثقافيا في المجتمعات العربية؛ أي ما يسمى بثقافة األولياء وأصحاب الكرامات: «تطلع محمود إلى زوجته خزنة بنت خالد وجهها الممتلىء وقامتها القصيرة ،أوحت إليه بالضحك ..قالت وهي تدنو منه بلهفة: ه��ذه ك��رام��ة .كما قلت ل��ك؛ ف�لا تخبر بها أحدا.»..
لكن الهذيان ليس المكوّن الوحيد الذي يخلق شعرية المحكي العجائبي ،فشخصية الصياد السارد تنعت من قبل شخوص الواقع المألوف ،أي زمالئه الصيادين بالجنون. وبالفعل ،فإن أغلب أدبيات الجنون تنقلنا وف��ي نهاية حكاية ال��ب��دري ينبثق هذا إلى محكيات العجيب والغريب ،كما هو األمر المفسر األنثروبولوجي للظاهرة العجائبية، بالنسبة لسارد هذه القصة. فالغيمة تحولت إلى أداة لشفاء األم��راض وفي مجموعة «غيمة البدري» ،نجد في وتحقيق السعادة األب��دي��ة ..وبالتالي هذا قصة تحمل العنوان نفسه أن السارد يحاول االرت��ب��اط ال��وث��ي��ق بين العجائبي والعالم من خالل خطاب البداية ،اإليهام بواقعية النفسي للذات اإلنسانية ومختلف مظاهره. فالغيمة تمثل أفقاً ..تحقق رغبات مكبوتة الحكاية «إال أن حكاية محمود البدري تبقى في الوعي مجتمعات تعيش في القرية ،إما صدى للواقع» ،وتهيئ المتلقي لعالم الحكي تحت ضغط الفقر ،أو تحت ضغط الشقاء العجيب ،وهو االنتقال الذي نسميه التمفصل واأللم: ال��م��زدوج للنص ال��س��ردي .فالسارد يضعنا «وب��ع��د أن تأكد للكثير منهم أن غيمة بين عالمين ،أو لنقل خطابين :الواقعي والعجائبي :عالم الشخوص البدري ،علوان ،البدري المباركة تشفي األم��راض وتجلب الزوجة ،أهل القرية ،والفضاء وهو الوادي ،لهم السعادة األبدية .بدأ المرضى من القرى وه��ي مكونات ت��ؤش��ر على مجتمع بسيط المجاورة يتسللون للوادي،حتى امتأل الوادي يقطن بجانب ال���وادي ،لكن ظهور الغيمة بصفوف طويلة ممتدة من الناس تنتظر أن الظاهرة فوق الطبيعية ،والتي تتأكد بعدم تمطر السحابة ،أو تحين الفرصة للصعود تحركها من مكانها ،سيضعنا في قلب العالم إليها». العجائبي .لكن الظاهرة فوق الطبيعية أي إن الظاهرة فوق الطبيعية هنا تكتسب العجائبي يرتبط بأصول خاصة ،أو ما يفسر مشروعيتها ورهانها الواقعي ،انطالقا من اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
القوة أو السلطة الثقافية التي يمارسها المعتقد المجتمعي في الالوعي الجمعي. وهكذا يُظهر التحليل النفسي أثر الظاهرة النفسية على والدة التخييل العجائبي ،فهو بمثابة «الوسيلة التي تستثمر مجموعة من الميكانزيمات ،وم��ن خاللها تعبر ال��ذات اإلن��س��ان��ي��ة ع���ن ال��رغ��ب��ات ال��م��ك��ب��وت��ة في يحضر الواقع كرؤية للعالم داخل التجربة ()4 ال�لاوع��ي» ،وقد يكون التخييل العجائبي القصصية لحسن الشيخ ،تتشكل وتعيد مستمدا من عمق التاريخ الموغل في القدم، تشكيل واقع الذات .فالنص القصة ..كما هو أو الزمن الغابر. األمر في السرديات الحديثة هو الذي يشكل ال��واق��ع ،واق��ع شخوص المقبرة التي تجتر خطاب الواقع في السرد القصصي الهزائم وم��رارة الغياب الذي يوحي بلحظة إن الغياب والعزلة ،الموت والطفولة، الموت التي ينتظرها الكائن اإلنساني. عناوين بارزة لمأساة سارد نصوص «المقبرة»، إن س��ردي��ات اليومي تمثل ال��ن��واة التي غير أن األسلوب وطرائق التعبير تختلف من نص إل��ى آخ��ر .فنحن نجد في المجموعة تفجر ل��غ��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ف��ي تجربة ال بين عالمين:عالم قصص حسن الشيخ .فالذات تتمثل سرديا بوصفها القصصية تقاب ً العجيب والغريب ،وعالم الواقع المحفوف ام��ت��دادا وجوديا وإنسانيا ،يعكسه حضور ش��ع��ري��ة س���ردي���ات ال��ي��وم��ي ف��ي ظ��ل عالم بمنعرجات األلم. موضوعه الجوهري هو الموت والغياب ،كما في نصوص المقبرة ينبثق الفعل السردي يمكن أن يؤشر أفق التلقي المرتبط بعنوان انطالقا من التقابل بين عالمين :الواقع المجموعة «المقبرة». والمتخيل .غير أن ما وحد العالمين هو لغة وبالفعل فإن القصة القصيرة كجنس أدبي، القصة القصيرة ..التي ترصد لحظة الغياب وال��م��وت في عمقها اإلنساني ،وم��ا يترتب تركز تكثيف التفاصيل اليومية الهامشية، عن ذلك من معاناة .ويمكن أن نصنف كثيرا لتحولها إل��ى فعل س��ردي مثلما نجد في من المحكيات السردية القصصية ،كما هو خطاب الواقع في السرد ...فالحزن واأللم األمر بالنسبة لتجربة حسن الشيخ ،ضمن والقلق في قصة «سارة واللصوص» ..سمات ما أسميه شعرية سرديات الذات ،بعيدا عن إنسانية روتينية في الحياة اليومية كما هو مقتضيات ما سماه «فيليب لوجون» ميثاق األم��ر بالنسبة لحضور ال��م��رأة ،لكن األلم السير ذات��ي .وهو تصنيف ال يعني انغالق هنا يتضاعف ،وتشرع لغة القصة القصيرة النص في حدود دائ��رة السرد السيري ،بل في التقاط لحظة العشق بين األنا السارد، نجد أنفسنا أم���ام ن��ص��وص مفتوحة على األجناس ،وطرائق الكتابة الجديدة في حدود رؤية السارد ..وما يسمح به الشكل والجنس القصصي .وهذه أحد تجليات الواقع ،وليس الواقعية ،كما يمكن أن توحي لنا به الفكرة األخيرة.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (27 )2016
واآلخر سارة التي يصفها العاشق بالجالد، نتيجة تمنّعها ورفضها التفاعل واالنخراط ف��ي لحظة ال��ع��ش��ق .ول��ع��ل م��ا يمنح ه��ذه اللحظة السردية سحرا مضاعفا هو الفضاء المدينة ..الذي تؤشر القرائن النصية أنهفضاء بعيد عن هوية األنا الرجل ،لذلك نحن أم��ام ص��ورة للعشق تلتبس بالثقافة ،واألنا واألخر والغيرية ،مفعمة بسيكولوجية عالقة األنا باآلخر المدينة .إن صورة المرأة تتشكل انطالقا من عالقتها بالسارد ،فالجالد هو المعشوق (ال��م��رأة) ،والعاشق هو (الرجل) األنا الذي يعاني من اضطهاد اآلخر ،ويجد نفسه في فضاء غريب كما يتجلى من خالل قرائن الفضاء النصية« :فجأة فقدت لغتها العربية ،فهمهمت بلغة فرنسية جامحة»، «ق��ال��ت تلك ال��ف��رس الجموح ب��دالل صبية لم تبلغ العشرين»( .)5وهكذا تحيل كل من القرينتين اللفظيتين فرنسية وجامحة على صورة المرأة -اآلخر ،وارتباط هذه الصورة بفضاء غريب؛ ما يكشف صورة اآلخر من منظور األن���ا ،وال وع��ي ال��ن��ص .فالجموح يرتبط بغياب العقل واالندفاع والجرأة ،وقد يرتبط بجموح الجسد ..كما ترسم لنا صورة المرأة سارة .وقد نجد قرائن لفظية أخرى تحيل على فضاء المدينة الذاكرة ،وموطن اللقاء مع المعشوق:
28
«انفجر عطرها المفعم بالطفولة/... عاود التحديق في عينيها الواسعتين .تذكر لقاءهما .كان اللقاء األول صاخبا وضاجا. تحليق فوق سحابة داكنة .والمحيط أمواج سوداء تالطمه بال مباالة». اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
وهكذا ،يمكن القول إن لغة القصة في نص «سارة واللصوص» تتأسس على الجدلية ال��ش��ع��ري��ة ب��ي��ن س���ارة المعشوقة وال��رج��ل العاشق .إنها لحظة شعرية يرصدها السارد في نسق سردي ،من خالل تمثالث التقابل بين الخطابين :خطاب الحركة المرتبط بالسرد ،وه��ي الحركة التي تنفجر بقرار هجر المعشوقة سارة لعشيقها السارد: «رحلت فجأة ،لم تودعه .حقا إنها جالد ظ��ال��م .ي��ش��م رائ��ح��ت��ه��ا ف��ي م�لاب��س��ه حين يرتديها .يراها في ب��رق السماء المكسية بالغيم.»... إنه تقابل يعكس في اآلن نفسه ،انفتاح الخطاب واستيعاب لغة القصة القصيرة لهذه الخطابات المتباينة كالخطاب السردي والشعري ،والسيري ،وف��ي نصوص أخرى نلفي انفتاح لغة السرد على خطاب الخرافة والمتخيل الشعبي. إن قصة «س��ارة واللصوص» تكشف عن ه��اج��س م��ش��روع ت��ح��دي��ث أن��س��اق الكتابة القصصية م��ن خ�ل�ال ت��ع��دد ال��خ��ط��اب��ات. فالقصة تكاد تتحول إل��ى قصيدة شعرية تحفر ف��ي سيكولوجية ال��غ��ي��اب والعشق وال���ذات ال��م��رأة .ولعل م��ن معالم األنساق السردية القصصية هنا كتجل من تجليات تحديث الكتابة السردية ،هو رمزية الخطاب الدالة في عالقته بالبنية الداللية ،وهذا ما تكشف عنه بنيات االستهالل والنهاية ،في القصة ،وصورة المرأة داخل سيرورة السرد. فسارة -المرأة ترتبط بمقوم جمالي «تمثال»
«ه��ن��ا وف���ي ه���ذه ال��م��دي��ن��ة ال��م��س��ح��ورة، سأموت غريبا متيبسا في ركن من أركانها. أم��ا بشرى فقد تحولت إل��ى أسئلة عديدة غامضة»
وه��ك��ذا يتحلل خ��ط��اب الواقعية داخ��ل الخطاب السردي مرة أخرى ليكتسب أبعادا ترتبط بالرؤية للعالم ،من داخل عالم السرد وتشعباته .فبالنسبة للسارد تبقى صورة المرأة كتجل إنساني للعالقة ولقيمة العشق أم���را يكتنفه ال��غ��م��وض ،وملتبسً ا بأسئلة وجودية .وم��رة أخ��رى تلتبس ص��ورة المرأة بالواقعي والمتخيل ،فبشرى المعشوقة، تمارس سلطة سحرية على المعشوق تبلغ ذروتها في تجليات الموت ،خالفا لصورة شهرزاد في الليالي ،والتي تؤجل فعل الموت وتبعد شبحه عن المسرود ل��ه ..إن صورة المرأة هنا تتأرجح م��رة أخ��رى بين قطبي إن خ��ط��اب ال���واق���ع يتشكل م��ن خ�لال الواقع والمتخيل ،الموت والحياة ،االتصال تفاعل األنساق السردية المشبعة برمزية واالنفصال. الموت ،وهي أنساق تكشف الوعي السارد «أم���ا عندما كنا وح��ي��دي��ن .فقد قالت في مواجهة سارة التي تقرر الرحيل ،وهو خطاب موسوم بنسبية واحتمالية الواقع بشرى كالما كثيرا أقرب إلى الهذيان منه وسيكولوجية والوع��ي السارد ال��ذي يفجر إلى الواقع». وهكذا تتموقع صورة المرأة في تجربة الفعل التخييلي السردي .وفي نص «طائر بال أجنحة» يعود خطاب الواقعية لينسج «المقبرة» ،من منظور السارد بين عالمين..
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
«لوحة زيتية» ،لكن إضافة مقوّم سياقي آخر هو «شمعي» ،يكشف التفاعل مع البنيات التي تشكل سيرورة السرد ،وهو تكرار صورة ارت��ب��اط ال��م��رأة بالغيم؛ لكن ال��س��ارد يبقى معلقا في انتظار أن يسقيه الغيم مطر الحب من دون أن يتحقق ذلك؛ ومن ثَمَّ ،تأتي هذه البنية مشبعة برمزية الغيم ،لتهيىء المتلقي لخطاب النهاية الذي يكرّس البنية الداللية، وهي بنيات الغياب والرحيل والموت ،الخيط الناظم ألنساق السرد في المجموعة كما الحظنا من خالل داللة العنوان «المقبرة». فذات السارد العاشق لم يبق لها بعد مأساة رحيل سارة سوى «تراب المدينة»؛ ما يكشف عن الوع��ي النص .فرمزية ال��ت��راب إذا ما ارت��ب��ط��ت بالمقبرة تشكل ص���ورة ال��م��وت، والغيم ال��ذي ال يمطر .فسارة ما هي إال تمثال شمعي ذاب فجأة ورحل ليترك السارد معلقا بين الحياة والموت ..وتأسيسا على ذلك يبدو أن شعرية القصة تنبني من خالل جدلية التخييل والواقعي .فسارة تجسيد لمتخيل الرحيل ومختلف مؤشراته الدالة على الموت حين يتعلق األمر بالسارد الذي يعاني.
تفاصيل لحظة عالقة الحب بين بشرى وهشام والتي ستؤول إلى االنفصال ..لترسخ البنية الداللية التي خلصنا إليه في النص السابق والتي تُعد خيطا ناظما لسرديات المجموعة القصصية ،وه��ي بنية الرحيل والموت:
اجلوبة � -صيف 1437هـ (29 )2016
ال��ت��خ��ي��ي��ل وال���واق���ع .وه���ي ص����ورة مشبعة برمزية الرحيل والموت وال��ذاك��رة .فرحيل المرأة وغيابها عن العاشق يدل على نهاية الشخصية واستسالمها للمرارة والمعاناة في فضاء المدينة ،الذي يحمل بدوره رمزية خاصة ترتبط بالواقع ال��ذي تحيا في ظله الذات العاشقة..
الحفر والتجديد في أنساق الكتابة وطرائق ال��س��رد .ف��ص��ورة ال��م��رأة هنا ليلى تتجلى كامتداد للوطن وال��ذات .وينقل لنا السارد هذه الرؤية للعالم من خالل أنساق خطاب األقواس باعتباره يدشن فعل الحكي ،ويحيل على الشخصية الجوهرية التي تتمثل كحافز الن��ط�لاق حركة الفعل ال��س��ردي ،وبالتالي تشكالت الحكاية وأبعادها العميقة .وهكذا يأتي خطاب األقواس مدمجا داخل أنساق أخرى ..مثلما األمر بالنسبة لخطاب السارد الذي يحكي بضمير الغائب ،وهي خطابات تتفاعل مع المحكي النواة ،أي خطاب علوان ومأساته ومغامرته في البحر من أجل البحث عن الوطن -الذات ومختلف أبعاده وتجلياته. إن خ��ط��اب األق���واس ينهض بوظيفة بنية النص ،ونسج جمالياته ،وتمثالته الثقافية، وعالقة الشخصية المحورية علوان بالعالم.
الصغير».
إن الشخصية -كما يظهر من خالل نمط شخوص علوان « -تتحدد بشكل عام انطالقا من عالئقها مع باقي الشخوص األخرى»(.)6 فعلوان ال يمكن أن يتجسد وج��ودي��ا داخل الحكاية إال من خالل عالقاته المتشعبة مع ليلى ،أس��م��اء ،ه��م��ام ..وسيكولوجية علوان داخل سيرورة الحكي تكشف عن األفق الذي تتحرك فيه كل هذه الشخوص ،وهو الهستيريا
أم���ا ق��ص��ة «ع��ل��وان يبحث ع��ن وط��ن��ه»، فتعكس ص���ورة ع��ن الشخصية المثالية والبطولية ،كما ألفنا ذلك في خطاب الواقع. فعلوان يتحدى كل الصعاب ،ويصارع األمواج العاتية من أجل البحث عن الهوية والذات والملجأ ال��وج��ودي ،كما يتضح م��ن خالل رمزية الوطن .ويظهر هنا أن القارب محمل برمزية خاصة تحيل على المسكن والملجأ، الذي تجد فيه الذات علوان امتداد وجوديا وروح��ي��ا ،بوصفه األداة التي ستمكنه من معانقة ال��وط��ن بكل م��ا تحمله الكلمة من (ذل��ك ه��و ق���راري األخ��ي��ر .ول��م يبق لي دالالت ورمزية تتماهى مع الوجود والهوية سوى سواد هذه الليلة ،وأغادر بالد الغربة. والمسكن الروحي: نعم سأستجيب للنداءات الملحّ ة بال ملل «خ��رج علوان من منزل همام ،وه��و في من العالم األخر ،للبحث عن أرض الوطن. حيرة أسى .لم يجد أمامه ملجأ إال قاربه للبحث عن ليلى.)...
30
وإذا كان خطاب الواقع في هذه القصة ومجموع قصص حسن الشيخ يرتبط بتيمات وموضوعات تحفر في معادلة الشخصية وصراعها مع العالم ،والبحث عن الهوية والذات والتوغل في الذاكرة ،ومعاناة الغربة، والبحث عن ال��ذات -االمتداد وهي المرأة ليلى ،ف��إن شكل الخطاب يكشف هاجس اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
يعيد تشكيل واق��ع خ��اص ،ه��و واق��ع النص تؤلف التجربة القصصية عند حسن الشيخ وال��ش��خ��وص .وب��ال��ت��ال��ي ،فمعنى ال��واق��ع أو على ثنائيات تعكس حضور الموضوعات أث��ر ال��واق��ع كما سماه «ب���ارث» يتشكل بناء اإلنسانية كشكل للتأمل في اليومي وهوامشه على عالقة جدلية بين ال��واق��ع والتخييل ،وتفاصيله .واألم��ر يتعلق هنا بثنائية الموت وعالئقهما بأعماق الشخوص وسيكولوجياتها والحياة وما يتفرع عنها كالحضور والغياب. التي تشتغل على نسج جماليات السرد وأبعاده وهي ثنائيات تعكس في حد ذاتها التقابل بين المختلفة .وب��ق��در م��ا يرتبط جنس القصة الخطابين العجائبي والواقعي من جهة ،وتعدد القصيرة باللحظة ال��س��ردي��ة ،يشتغل على الخطابات باعتبارها صدى لألنساق الجديدة تكثيف الواقع وإعطائه معنى جديدا يتجاوز للكتابة كما تتشكل في هذه النصوص .غير أن النظرة االنعكاسية والنمطية ،ويستبطن كما الواقع في هذه النصوص ليس معطى قبليا الحظنا من خالل النص األخير أنساقا جديدة يشكل أسلوب السرد القصصي ،بل إن خطاب تستلهم لغات وخطابات متباينة .فشخصية السرد هو ال��ذي يشكل عالم القصة .وبين علوان تتجاوز مثاليتها المفرطة النمطية من تداعيات ال��ذات وخطاب اليومي وتفاصيل خالل غرابة المبحوث عنه من جهة ..ورمزيته من جهة أخ��رى؛ ما يفتح المعنى على معان الذاكرة ،ينبثق الحكي ويشتغل إع��ادة إنتاج تستبطن الذات وتستدعي المتخيل ..ويظهر هذا الواقع من خالل المتخيل الثقافي الذي أن إبداعية النص القصصي وأنساقه الجديدة يضرب جذوره في سيكولوجيات الشخوص تتجلى في ابتكار هذا النمط من الشخوص والالوعي الجمعي وأساطيره المتجذرة في اإلشكالية ،والتي تنفتح في نفس اآلن على الشخصية والذات.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
التي تنتاب علوان وهو يبحث عن الوطن ،رغم التخييل كما يتجلى من خالل غرابة شخصية أنه يوجد في وطنه ،وهو ما يجعل الوطن هنا علوان وغربتها في المجتمع. مقولة سردية مشبعة كما سبق الذكر برمزية على سبيل التركيب خاصة ،تسم الشخصية بالغرابة. تنبني البنية العميقة للنصوص التي إن خ��ط��اب ال���واق���ع ف��ي ه���ذه النصوص
* كاتب من المغرب.
(1) TODOROV Tzvetan.Introduction à la littérature fantastique.editiont:seuil. paris. 1970 p: 163 (2) Malrieu Joël le fantastique. Ed : hachette. PARIS..1992 . P :88 (3) SIGMUND FREUD. cinq leçons sur la psychanalyse . TD :yevs le lay . edition :PAYOT. PARIS.1979. P :18 (4) BELLEMIN-NOEL JEAN .VERS L’inconscient du texte.Ed : PUF .1979. PARIS. P :7
( )5المرجع السابق نفسه.
(6) Tzeftan Todorov «les catégories du recit littéraire» in communication.n 8.ED seuil.paris. 1982.p :139
اجلوبة � -صيف 1437هـ (31 )2016
قصيدة مجهولة ألحمد إبراهيم الغزاوي ρρمصطفى يعقوب*
يُعد الشاعر أحمد الغزاوي من أعمدة الشعر في المملكة العربية السعودية في العصر الحديث ،ويحظى بمعرفه من قطاع كبير من جمهوره في المملكة .ونذكر هنا لمحة وجيزة عن هذا الشاعر الكبير. جاء في معجم األدب��اء من العصر الجاهلي حتى 2002م لكامل سلمان الجبوري: “أحمد إبراهيم الغزاوي (1401-1318هـ1981-1900/م) شاعر أديب ،ولد في مكة المكرمة، عمل في عدة وظائف ،تولى الكتابة في وزارة األوقاف وسكرتارية مجلس الشورى ،كما حاز على ثالثة أوسمة في هذه الفترة ،ثم تولى رئاسة ديوان القضاء ،ثم معاونًا لمدير الطبع والنشر ،ثم سكرتير مجلس الشورى ،ثم نائبا للرئيس من عام 1373إلى 1386هـ. في عام 1347هـ1928 /م أصدر مع الشيخ حامد الفقي مجلة اإلسالم ،وهي أول مجلة في العهد السعودي ،ورأس تحرير كل من جريدة “أم القرى” ومجلة “اإلصالح” و”صوت الحجاز” ،وفي عام 1351هـ حاز لقب شاعر الملك عبدالعزيز ،وحاز عدة أوسمة من بعض األقطار العربية. يعد واحدا من الرعيل األول في الحركة األدبية السعودية ،نشرت أعماله الشعرية في الصحف المحلية ،كما نشرت له قصائد ومقاالت نثرية في بعض الصحف العربية. اختير رائدا من رواد األدب السعودي في مؤتمر األدباء السعوديين األول .وقد خلف ثروة أدبية شعرية ونثرية ،لم يطبع آثاره النثرية والشعرية المنشورة في الصحف والمجالت. صدر له بعد وفاته “شذرات الذهب” وهي خواطر وتعليقات ..كان يكتبها بانتظام في مجلة المنهل(.)1 وعن شعره يقول األستاذ عبداهلل التقليد والمبالغة واالفتعال واضحً ا ع��ب��دال��ج��ب��ار“ :يمكننا أن نسلك جليا ف��ي معظمها ،كما يمكن ع��دّ ه ال���غ���زاوي ف��ي زم���رة ت��ل��ك ال��م��درس��ة -لطائفة من قصائده االجتماعية-
32
العتيقة ،لمدائحه الكثيرة التي كان أثر “بين بين” ،أو برزخا بين الكالسيكية اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
أكثر شعراء الحجاز في اإلنتاج وأطولهم
غير أن األستاذ عبدالمقصود محمد
الغزاوي -حين ينظم الشعر -ال يمتح من قلبه أو يستقي من ينابيع نفسه ،وإنما يستمد م��ن ذاك��رت��ه التي وع��ت األلفاظ والتراكيب وال��رواس��م العربية القديمة التي تحدرت إلينا عبر القرون ،ومن ثم ك��ان��ت ق��ص��ائ��ده أق���رب إل��ى ال��نَ��ظ��م منها إل��ى الشعر”( .)2ولعلنا نلمس ف��ي هذا الرأي شيئا من القسوة ،غير أننا نلتمس العذر للغزاوي ،إذا أخذنا في االعتبار أن وإذا كنا نتعجب فيما مضى ألن شاعرا الدولة السعودية كانت في طور التكوين بحجم ومكانة ال��غ��زاوي لم يُجمع شعره في بدايات القرن الماضي بقيادة الملك رغ��م وج��ود ع��دد ال ب��أس به من األندية عبدالعزيز. األدبية والمؤسسات الثقافية ،فضال عن أم���ا ع��ن ض��ع��ف ال��خ��ي��ال واإلس��ف��اف ،الجامعات في المملكة ،التي يمكن ألي منها فهو راج���ع إل��ى طبيعة الحالة الفكرية إعداد فريق لجمع شعر هذا الشاعر .غير واالجتماعية ف��ي ذل��ك الحين ،وه��و ما أن الدكتور مسعد بن عيد العطوي الذي شهدته مصر قبل ال���ب���ارودي ،وخاصة كتب دراس��ة وافية ضافية عن الغزاوي س��ي��ط��رة ال��ت��أري��خ ال��ش��ع��ري ع��ل��ى معظم يقول عن جمع شعر الغزاوي“ :وقد جمعت القصائد في تلك الفترة ،فضال عن ضعف الشعر الموجود في الصحافة المحلية، الخيال الشعري ،وهو ما لم يأخذه عبداهلل ويشير بعض المقربين ل��ل��غ��زاوي أن له ع��دداً من الصناديق التي تحوي شعره.. عبدالجبار في االعتبار. غير أن الدكتور إبراهيم بن فوزان كان لكني لم أعثر عليها ،وقد ُكلّفت أخيرا مع أكثر إنصافا للغزاوي حيث يقول“ :رغم عدد من أعضاء هيئة التدريس بجامعة أم غ���زارة إن��ت��اج ال��غ��زاوي م��ن الشعر عامة القرى لالطالع عليها ،ولكن حتى اآلن لم ل��م يُ��ج��م��ع ح��ت��ى اآلن ،وه���و م��ن��ش��ور في أ ُد َع إلى االجتماع ،وقد قمت بنشر شعره المجالت والجرائد وبعض المؤلفات .وهو في مجلدين كبيرين ضخمين”(.)4
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الميتة والكالسيكية الحيّة .يتسم شعره بالخطابية المجلجلة ،ونضوب العاطفة، وإسفاف الخيال.
نفسا .وشاعرية الغزاوي قوية قادرة على العطاء متى ما أحست الشعر الوجداني وأح��س��ت ش��ع��ر ال��م��ن��اس��ب��ات ،ك��م��ا تتسم بالقدرة على االرتجال والتطويل .والواقع أن م��وض��وع��ات ش��ع��ر ال���غ���زاوي ص��ورة اجتماعية واقعية لحياته ولبيئته وأمته من حوله ،وأغزر شعره في المديح؛ ألنه شاعر حكام وأمراء الدولة السعودية منذ سيطرتها على الحجاز عام 1924م ،ويأتي بعده اإلسالميات التي كثيرا ما يمزجها مع غرض المدح ...الخ“(.)3
اجلوبة � -صيف 1437هـ (33 )2016
س��ع��ي��د خ��وج��ة ق���د ت��م��ك��ن م���ن إص����دار األع��م��ال الكاملة-الشعرية والنثرية- ضمن إص����دارات “كتاب االثنينية” في سنة 1421ه����ـ2000/م ،وضمت األعمال الشعرية أرب��ع��ة أج���زاء بلغت صفحاتها أكثر من ألفي صفحة ،وهو جهد محمود ومشكور من الناشر حيال شاعر بقامة الغزاوي. قصيدة مجهولة
34
على الرغم من صدور األعمال الكاملة ألكثر من شاعر من شعرائنا المعاصرين، وعلى الرغم من الجهود الشاقة في جمع ما تفرق من شعر هذا الشاعر أو ذاك، فإن ق��دراً غير قليل من شعره يبقى طي النسيان في صحف ومجالت بعد العهد بها ،وأصبحت جزءاً من التراث الصحفي ال��ذي ال يتيسر لكثيرين االط�لاع عليه، األم���ر ال���ذي يجعل م��ن ه���ذا ال��ن��وع من ال��ق��ص��ائ��د ،قصائد مجهولة ل��م يتيسر ل��ل��ك�� ّت��اب وال��ن��ق��اد وال���ق���راء ع��ل��ى ال��س��واء االطالع عليها ،فهو في هذه الحالة نتاج مجهول للشاعر ،بحيث ال تكمل دراس��ة الشاعر دراسة وافية وكاملة إال باالطالع عليه .والدليل على ذل��ك أننا قد عثرنا ف��ي مجلة “الفتح” ال��ت��ي ك��ان يصدرها محب الدين الخطيب في النصف األول من القرن الماضي ،وتحديدا في العدد 124الصادر في 20جمادى الثانية سنة 1347هـ 2/ديسمبر 1928م على قصيدة اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
مجهولة للغزاوي بعنوان “تحية الشباب السعودي” ،ل��م ن��ج��ده��ا ف��ي “األعمال الكاملة للغزاوي” ،وقد ارتجلها كما ورد ف��ي مقدمتها للترحيب باألمير شكيب أرس�لان عند زيارته للمملكة .ولعل مَن يقرأ القصيدة يجد فيها -بالنظر أنها لشاب لم يبلغ الثالثين بعد -قدراً كبيراً م��ن حُ سن الصياغة وال��ش��اع��ري��ة ،وأنها لشاعر متمرس بفن القصيد ،األمر الذي يجعلنا نأخذ آراء عبداهلل عبدالجبار بقدر من الحذر والمراجعة. وفيما يلي نص القصيدة مصورة عن األص��ل ف��ي مجلة “الفتح” تحية لذكرى هذا الشاعر الكبير.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د * كبير باحثين بهيئة المساحة الجيولوجية (سابقا) -مصر. ( )1معجم األدباء من العصر الجاهلي حتى 2002م ،كامل سلمان الجبوري ،ج1ص.101 ( )2التيارات األدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية ،عبداهلل عبدالجبار ،ص.254 ( )3األدب الحجازي الحديث ،د .إبراهيم بن فوزان الفوزان ،ج ،3ص .1233 ( )4أحمد إبراهيم الغزاوي ،د .مسعد بن عيد العطوي ،مجلة الدارة ،العددان 3و1419 ،4هـ ،ص.168
اجلوبة � -صيف 1437هـ (35 )2016
استلهام التراث في شعر األطفال سليمان العيسى أنموذجا ρρد .بهيجة مصري إدلبي*
«إن الفن الرفيع يجب أن يكون تهذيب ًا للتراث ،وللفن الشعبي ،وال يقف منه (ت .س .إليوت) موقف معارضة». الذاكرة وخصوبة القصيدة
ب�ق��در م��ا ي�س�ت��درج ال�ش��اع��ر طفولته م��ن بئر ذات��ه المجهولة ،ب�ق��در م��ا يمنح القصيدة ذاكرة ال تصدأ ،ألن ذكريات الطفولة المعيشة ثانية في حلم اليقظة، هي حقا أناشيد في قاع الروح»( ،)1وإذا كان اإلبداع في أكثر مساراته فرديا ،ينهض من ذات الكائن ليحلّ فيما بعد في ذات الجماعة ،فإن األطفال نصنا الجماعي الذي نكتشف من خالله وجودنا الغامض ،وبالتالي بِ سَ عْ ينا لكتابته نكتب أنفسنا، ونبتكر وجودًا لذاتنا ،وذاتًا جديدة لوجودنا. فالشاعر طفل يتذكر ،والطفل شاعر يحلم ،ف��إذا ما التقت ال��ذاك��رة بالحلم تستوي قصيدة الطفل ،كذاكرة متجددة. فكم يحتاج الشاعر من الطفولة كي يحلم ،وكم يحتاج الطفل من الشاعر كي يتذكر.
36
وع���ن���دم���ا ع����رف أح���ده���م ال��ش��ع��ر الحقيقي بأنه «الكالم الذي ال ينسى».. عنى بذلك الكالم الذي يُفعّل آلية الذاكرة ال كحالة تذكر واسترجاع فحسب ،وإنما اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
كفاعلية استجابة لطاقة حرضتها على اإلش��راق الدائم ،فالذاكرة تضيء حد اإلش���راق ..وتخفت حد االنطفاء ،بما يوازي طاقة الحلم التي تتلقاها سواء بقصيدة أو قصة أو موسيقى ،وبين التلقي واالستعادة تكمن فاعلية التحويل واالبتكار ،فالذاكرة قاع شخص الكائن، ألن��ه��ا تستضيف اس��ت��ق��راء ال��ح��واس الستة ،على مائدة اإلدراك بفعل الصبغة التي أ ُنشىء عليها لتكون بذلك شرط
ولعل الوالدة الثانية هي التي تحدد نموه وانتماءه ووج��وده وحلمه وتفكيره ،وفاعلية ذاكرته ،وبالتالي كان على الشعر شأنه شأن الوسائط األخرى ه ّم تحصين هذا الشخص بما أوتي من االبتكار والمتعة والمعرفة ،كي يكون مخلصا لرسالته اإلبداعية ،الموجهة إل��ى الطفل ،والتي ال تستوي إال إذا حقق االنسجام بين «الهدف الموضوعاتي» والفن الشعري ،بكل خصائصه التي تحقق شعرية النص ،وتحقق خطابه تجاه الطفل.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
وجوده وس َّر حلمه ،وخزانة خبراته ومعارفه التي تؤول فهمه لذاته وللعالم المحيط به. وما يصطلح عليه في الخطابات المختلفة من ذاكرة ثقافية وإبداعية ومعرفية ونصية، م��اه��ي إال ت��ف��ري��ع��ات ل��ذاك��رة ال��ح��ل��م ل��دى الشاعر؛ وبالتالي ،ذاكرة النص الشعري التي يستعيد النص خاللها وجوده اإلبداعي؛ ألن يقظة الشاعر لطفولته ودهشتها وسحرها ال��م��ج��ه��ول ،ت����وازي يقظة ال��ن��ص ل��ذاك��رت��ه األول��ى ،قبل أن تستضيفه اللغة؛ ومن هنا، كان الموروث الشعبي واألسطوري بعجائبه وغرائبه وحكاياته ومغامراته وشخصياته الفائقة ،معينا خصبا للنص ،ألنه يستدرج إشارات اإلبداع األولى؛ كما هو معين للشاعر لتخصيب نصه اإلب��داع��ي الشعري ،الذي يسعى أن يكون معينا ثقافيا للطفل ،ينمّي من خالله شخصيته وخياله وتفكيره وأسئلته.. وبالتالي ،ذاك��رت��ه التي م��ا ت��زال ف��ي طور الحلم .ليكون الشعر تحفيزًا لوالدة الطفل ثانية؛ ألن الطفل «يولد مرتين أوالهما والدة عضوية بيولوجية ،وثانيهما والدة ثقافية ،إذ يتحول في الوالدة الثانية إلى كائن ثقافي»(.)2
وت��ذوق الجمال ومعرفة ال��ذات ،ألن الطفل كذاكرة تتهيأ للوجود ،يكون أكثر استجابة لذلك الفن ال��ذي يهيىء له إيقاعا متصال بفطرته األول���ى ،ويهيىء ل��ه م��ا يكفي من الثقافة من أج��ل بناء ثقافته المستقبلية، ف��أدب الطفل «يسهم في انتقال ج��زءٍ من الثقافة ب��ص��ورة فنية للطفل ،ويسهم في إقناعه باآلمال الجديدة»( ،)3بالتالي ال يعني ه��ذا االن��ت��ق��ال شكال ميكانيكيا ،تراكميا بقدر ما يعني تواصال حقيقيا؛ أي «ال يعني نقل المعاني إلى األطفال ،بل هو فن نقل المعاني»( .)4فقد ال ينتبه الطفل في مراحله األولى إلى طبيعة المحتوى الثقافي ،أو طبيعة الموضوعات المطروحة ،وإنما قد يستجيب للشكل الفني ،ولألساليب اإلبتكاريه التي تحفزه على التواصل واالت��ص��ال ،وبالتالي يكون مهي ًأ في مراحله الالحقة على ربط هذا الخطاب بمضمونه ،فتتحقق االستجابة بذلك على وجهها األكمل.
هذه التراتبية بين الشكل والمحتوى ،ال فللشعر فعل تحريضي على تلقي المعرفة تنفي أهمية المحتوى ،في تنشئة الطفل،
اجلوبة � -صيف 1437هـ (37 )2016
وتربيته اإلبداعية ،فال بد أن يكون ثمة رؤيا حقيقية لطبيعة الثقافة الموجهة للطفل.. مهما اختلفت الوسائط والوسائل الموصلة. ()5 وق��د بين الدكتور سمر روح��ي الفيصل ض�����رورة أن ي��رت��ك��ز أدب األط���ف���ال على منظومة قيم عربية وإسالمية ،ومن خالل هذه المنظومة يمكن أن نطمئن إلى طبيعة الثقافة التي ينشأ عليها أطفالنا؛ وذلك ألن معظم الذين يكتبون لألطفال ال يستندون إلى منظومة واضحة؛ ألنهم ينطلقون من نظرة فردية لمنظومة القيم ،وال يصلح أن تبقى النظرة إلى الواقع والمستقبل مقصورة على النظرة الفردية الذاتية؛ ألن هذه النظرة ال يضبطها ضابط موضوعي يحدد صلة القيم المطروحة في األدب والممارسة االجتماعية ويوضح جانبها االجتماعي .ويحدد الدكتور الفيصل ذلك الضابط الموضعي بمنظومة القيم ال��واض��ح��ة ال��م��ح��ددة المستمدة من ماضي األمة العربية اإلسالمية ،المعبرة عن حاضرها وتطلعها إلى المستقبل ،وبذلك يؤكد أيضا على العالقة الجدلية للزمن في عملية الكتابة لألطفال .وم��ن خ�لال هذا الجدل بين الماضي والحاضر والمستقبل، تتشكل ذاكرة الطفل كذاكرة متجددة ،واعية، حاملة لرؤاها المستقبلية ،وهنا يبرز دور الشعر الحقيقي في تخصيب ذاكرة الطفل كوسيط إبداعي متصل بالطفل منذ نشأته وتفتحه األول على ال��وج��ود ،ليكتمل إيقاع وج��وده ،من خ�لال ه��ذا الوسيط اإلبداعي ال��ذي يوقّع ال��ذاك��رة من الهدهدات األول��ى لألم.
38
شعر األطفال هو ذاكرة الطفل التي تتشكل من خالل تخصيبها مع ذاكرة ذلك الشعر، وب��ال��ت��ال��ي تجسير ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن الماضي والحاضر ،وصوال إلى المستقبل من خالل إدراك لطبيعة العالقة بين الشعر والطفل. فعندما يدرك الشاعر تلك الصلة الوثيقة بين الطفل واإليقاع ،يكون قد أدرك السبيل إلى ذات الطفل ،وإلى بناء ذاكرته ،وتحفيزها على تشكيل عوالمها الخاصة بها ،وذلك من خالل استدراج الذاكرة األولى من ذلك الموروث الشعبي الذي يستجيب له الطفل بكل ح��واس��ه ،وم��ش��اع��ره «وبتلك الطريقة تستقبل الطفولة رؤيتها عن العالم الحسي قبل أن يشرح أو يوضح لها ،العالم الذي ما يزال في حالة السحر والطفل الذي ال يزال غافيا عن حقائق الحياة ،وعلى هذا الجسر من الحلم يعبر الطفل عليه وهو تحت تأثير دوخة الوالدة محاطا بغموضه الذاتي»(.)6 استلهام التراث والذاكرة المتجددة
ال شك إن النص الشعري هو نص زمني يستدعي حضوره في الحاضر ذاك��رة غير منقطعة ،ورؤى ال م��ح��دودة ،ليستوي في مقام اإلبداع .ومن هنا ،كان انتباه القصيدة الحديثة إلى المصادر التراثية واألسطورية وال��ش��ع��ب��ي��ة ،ان��ت��ب��اه��ا ل��وج��وده��ا ،وخصوبة ل��رؤاه��ا ،وه��ذا االنتباه يستدعي حساسية فائقة ف��ي قصيدة الطفل ،قصد تشغيل الذاكرة النصية في ذاكرة الطفل؛ وبالتالي، االتصال به ثقافيا بشكل غير مباشر ،ما يتيح لهذا الفعل الثقافي أن يتسق مع إيقاع الطفل وإذا كان الشعر ديوان العرب ،وذاكرتهم وحاجاته الثقافية والمعرفية والجمالية. وقد تنبّه الرواد إلى أهمية هذا التجسير الجمعية ال��ت��ي تحفظ أي��ام��ه��م ،وعاداتهم وثقافتهم ،وبالتالي تحفظ وج��وده��م ،فإن بين ال��ت��راث وح��اج��ات الطفل العربي عبر
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الوسيط الشعري ،فكانت الترجمة مصدرا مهما ألدب األطفال في الوطن العربي ،منذ أن بدأ هذا األدب بالظهور. وبتعدد مصادر التراث العربي واإلسالمي واإلنساني ،تعددت خيارات الشعراء ،وبشكل عام كان استلهام التراث ذلك المعين الذي ال ينضب أم��ام قرائح الشعراء ،وذل��ك بما يحمل من ذاكرة تخصب ذاكرة النص ،وتصل الطفل بذلك التراث عبر تحيينه وسحبه إلى الزمن المعاصر ..محمال بحكمته وما يحمل من رؤى إنسانية تسهم في التأسيس لرؤى ثقافية مستقبلية للطفل العربي. وألن الشعر ذاك��رة متجددة ،والتراث ذاك��رة حية ،سيبقى التفاعل مستمرا بين الذاكرتين ،بسويات مختلفة وطاقات متفاوتة تتصل بوعي الشاعر وثقافته حينا ،وبالوعي العام لثقافة العصر وتطوراته حينا أخر؛ ولعل هذا ما دعا بعض الشعراء ألن يعيدوا صياغة بعض الحكايات ال��ت��ي سبق وأن
نظمها ال��رواد ،وذلك بما يتسق وخصائص شعر األطفال وما يتسق أيضا ورؤى الفن الشعري ،الذي ال يكتفي بأن يقدم الموعظة واإلرشاد إلى الطفل ،وإنما ال بد من الحامل الفني ال��ذي يشفع الموضوع أو المحتوى المعرفي ،وبخاصة الجمال الفني ،كسمة أساس في الكتابة لألطفال ،كما هو الحال ل��دى الشاعر سليمان العيسى ال��ذي أعاد صياغة أو كتابة تلك القصص التي استلهمها الرواد من قصص الفونتين ،وذلك ألن هؤالء الذين ترجموا أو استلهموا تلك القصص كما يرى سليمان العيسى «لم يتركوا لنا شيئا من النبض الشعري في هذه المنظومات؛ فظلت أقرب إلى العجرفة اللغوية والجفاف»(.)7 فالشاعر سليمان العيسى تنبه إلى ذلك س المعرفي والجمالي، الح ِّ االنسجام بين ِ في قصائده المختلفة والمتنوعة ،والتي لم تترك بابا في شعر األطفال إال وطرقته.. لتكون تجربته ال��ري��ادي��ة مختلفة ومتميزة
اجلوبة � -صيف 1437هـ (39 )2016
40
ف�� ًّن��ا وم��وض��وع��ا ،وإح��س��اس��ا ،وب��ذل��ك كانت ريادته في الكشف عن كنوز التراث العربي بحس مبصر ،وذائقة ٍّ أمام الطفل العربي، وعين كاشفة ،إلع��ادة إنتاج ذلك ٍ شاعرة، ال��ت��راث إن��ت��اج��ا يتسق وخصوصية النمو لدى األطفال والمضامين والقيم التربوية السلوكية واألخالقية ،مرسخا بفنية متفردة، ذلك االتصال الجمالي مع التراث ،بابتكارات أسلوبية مشحونة بطاقة معرفية وجمالية، ألن ال��ح��س الجمالي س���واء ب��األس��ل��وب أو باختيار الموضوع ،ك��ان أح��د أه��م شواغل ه���ذا ال��ش��اع��ر ال��ط��ف��ل .وم���ن ه��ن��ا ،كانت القصص ال��ت��ي أع���اد كتابتها أو إنتاجها «قصائد موجزة مركزة للصغار ،تشيع فيها الكلمة النابضة والصور الجميلة ،والسياق الذي يتحرك بين المتحاورين ،والمتحاورون جلهم من الحيوان ،فجعل الحوار ينتقل فجأة من المتكلم إلى المخاطب ،ومن المخاطب إلى الغائب ،ولون األوزان الشعرية ،كما لون النغم والموسيقى في الحكاية ال��واح��دة، لتكون تلك الحكايات قطعًا غنائية ،تجتذب الطفل بموسيقاها وبفكرتها وبأسلوب معالجتها ،شافعًا ذلك بتشكيل بصري في آخر القصيدة ،بأن ذيل كل نص ببيت من الشعر يوجز الحكمة والعبرة من القصة، ووضعه ضمن مستطيل ،لينبه الطفل إلى خصوصية هذا البيت وتشكيله المختلف عن نص الحكاية؛ وبالتالي ،يدرب الذاكرة على الحفظ واالستظهار ،حيث يمكن للطفل أن يحفظ هذا البيت المفرد ،ويمكن أن يحفظ النص ،فثمة خيارات وضعها أمام الطفل في عملية تلقي النص وعملية القراءة ،ما يشكل حوافز ممتعة للطفل ،تحبب إليه القراءة، وتحبب إل��ي��ه الشعر ،إض��اف��ة إل��ى ترسيخ اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
حس الحكاية وال��ح��وار ،وال��ق��رب من عالم الحيوان بألفة بعدما أنسن تلك الحيوانات، وجعلها تتحدث إلى الطفل بذاتها ،وتروي له حكاياتها .وبذلك يكون العيسى قد أوضح الخصائص الفنية والموضوعية التي تتسم بها القصة الشعرية ،ويتسم بها استلهامه للتراث؛ فثمة انسجام بين خصائص قصيدة الطفل وبين خصائص قصة الطفل ،إضافة إل��ى الخصائص العامة ال��ت��ي تخص أدب األطفال ،والتي تبرز القيمة الجمالية والفنية متعانقة مع القيمة المضمونية الموضوعاتية والمعرفية. يقول في قصيدة الصياد والحجل(:)8
ج � � ��وع � � ��ان ك� � � � ��ان ال� �ح� �ج ��ل ي� � � �ب� � � �ح � � ��ث ع � � � �م � � � ��ا ي� � ��أك� � ��ل وراح ب � � � �ي � � � ��ن ص � � �خ� � ��رة وع � � � � � �ش � � � � � �ب � � � � � ��ة ي � � �ن � � �ت � � �ق� � ��ل م� � � � � �ب � � � � ��اه� � � � � �ي � � � � ��ا ب � � �س � � �م� � ��ن ب� � � � ��ه ال � � � �ط � � � �ي� � � ��ور ت � �خ � �ج ��ل إلى أن يقع ذلك الحجل في شَ ر َِك الصياد، ويحاول أن يتخلص من ذلك الشرك مقابل أن يحضر للصياد كل الحجل في المساء إذا أطلق سراحه:
ي � � ��ا س � � �ي� � ��دي دع � � �ن� � ��ي أس � ��ر ح � � � � � � � � � � ��را ك � � � � � �م � � � � ��ا أش � � � � � � � ��اء وب� � � � ��ال � � � � �ح � � � � �ج� � � � ��ال ك � �ل � �ه � ��ا آت� � � � �ي � � � ��ك ف � � � � ��ي ال � � �م � � �س� � ��اء لكن الصياد ي��رف��ض ه��ذه الخيانة من الحجل ويجيبه:
ي� � � � � � ��ا أردأ ال � � � �ط � � � �ي� � � ��ور ي� � � � � ��ا أس� � � � � � � � � ��وأ ال � � �ح � � �ج � � ��ال
ال ي � � �س � � �ت � � �ح� � ��ق ال � � � �م � � ��وت ع � � � �ن� � � ��دي ط� � � ��ائ� � � ��ر س � � � ��واك ت� �ب� �ق ��ى إذا ف� � ��ي ق �ب �ض �ت��ي ت � � � �ب � � � �ق� � � ��ى ب � � �ل � � ��ا ح � � � � � � ��راك ثم يذيّل القصة بهذا البيت ال��ذي يذم الخيانة وأن الخائن يلفظه البلد:
الخائن ليس له أحد الخائن يلفظه البلد دون أن ينسى إثراء المعجم اللغوي للطفل بأن يقوم بشرح بعض المفردات في الهامش، ما يجعل النص متكامال معرفيا وجماليا، وتربويا وسلوكيا. «لقد أت��ى الشاعر العيسى على معظم ألوان التراث ،األدبي والديني واألسطوري والخرافي والبطولي التاريخي ،وط��وّع فنه لمتطلّبات التربية ،وجسّ د في التراث وسواه مظهراً فنياً من فنون الشعر المعاصر ،تجلّى ونشيد ٍ ف��ي التنوّع وال��غ��زارة؛ م��ن قصيدةٍ ومسرحية. ٍ تمثيلية ٍ وحوارية ٍ شعرية، ٍ وحكاية ٍ ففي مجموعة (غ��ن��وا ي��ا أط���ف���ال) ..ق��دّم العديد من الشخصيات مثل نشيد «أسامة ابن زيد» ،و«السياب يقول لألطفال» و«فنان عظيم يتحدّث إلى الصغار» عن سيرة «سيد درويش» وفنه ،و«أبو فراس الحمداني يقدّم سيفه لألطفال»(.)9
يقول الشاعر على لسان زهير بن أبي سلمى متوجها إل��ى األط��ف��ال «سجلونا إذا واحفظونا بين دخائركم ،فإننا نظل قبساً يضيء الطريق ،وزاداً تحتاجون إليه في كفاحكم من أجل األفضل واألجمل في هذه الحياة»( .)11ثم يختار بعض أبيات الحكمة من معلقة زهير ،وهكذا فعل مع الشعراء اآلخرين الذين اختارهم من عصور مختلفة، وبذلك يكون قد أ ّث��ث ذاك��رة الطفل بتراث بهذا الشغف االنتقائي الخالق بالتراث ،أدب���ي ع��ري��ق ،وق���رّب المسافة بينه وبين ك��ان العيسى يشحن ذاك��رة الطفل بذاكرة ماضيه ،خاصة وأن السيرة كانت على لسان مضيئة ،تشع في ذاته ،وتنير له طريقه نحو الشاعر؛ ما يحبب إلى الطفل هذا األسلوب الموجه إليه مباشرة. المستقبل.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ت � � � � � �ج� � � � � ��ر أص� � � � � � ��دق� � � � � � ��اءك ال � � � �ن� � � ��اج � � � �ي� � � ��ن ل � � �ل � � �ه �ل��اك
وم��ن أه��م مشاريعه «ش��ع��راؤن��ا يقدمون أنفسهم لألطفال» ال��ذي يقول عنه «ك��ان عمل تناولتُ فيه التراث ،وجعلته بين أبرز ٍ أيدي أطفالنا -نثراً ال شعراً -هو كتابي (شعراؤنا يقدّمون أنفسهم لألطفال) ،ض ّم الكتاب سبع ًة وعشرين شاعراً ..هم أعالم بدقة، ٍ الشعر العربي في التاريخ .انتقيتهم وجعلتهم يقدّمون أنفسهم لألطفال ،بلغة العصر ومفاهيمه الحديثة ،ثم يتركون بين أيديهم مقطعاً أو مقطعين من شعرهم.. بصراحة ٍ وجعلت األطفال يحاورون التراث وج��رأة .دون أن يتخلّوا لحظ ًة عن محبتهم له وتقديرهم إي��اه»( .)10وإن كان هذا العمل المهم نثريًا ،إال أنه حقق صلة الوصل بين األطفال وبين تاريخهم الشعري العريق ،ولم يغفل الشعر داخل النص النثري ،وإنما اختار بعض األبيات للشعراء بما يتسق ومنظومة القيم العربية األصيلة ،ليكون بذلك قد حقق إث���را ًء ج��دي��دًا ألدب األط��ف��ال ،إض��اف��ة إلى اإلثراء الثقافي الذي يقدمه من خالل هذه المختارات.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (41 )2016
وال ش��ك ،يحتاج ال��وق��وف عند الشاعر العيسى بحث خاص ومطول ،وذلك ألنه شاعر شامل في الكتابة لألطفال ،س��واء باألغاني واألناشيد ،أو بالسيرة النثرية ،أو بالقصص وال��ح��ك��اي��ات ..واستلهامها م��ن ال��ت��راث ،أو ب��اس��ت��ل��ه��ام ال��ب��ط��والت واألم���ج���اد ال��ع��رب��ي��ة بالشخصيات واألحداث ،كما قدّم العديد من القصص من التراث الشعبي الشرقي ،كما في قصة مصباح عالء الدين وعلي بابا واألربعين حرامي وغيرها .ولم يغفل عن أن يقدم سيرته الذاتية شعرا لألطفال ،متعالقا م��ع بعض الحوارات النثرية ،لتكون سيرة مختلفة يقدم من خاللها الشاعر تجربته الحياتية والفنية، وهذا ما أكد عليه في الكلمة التي يتوجه فيها إل��ى األط��ف��ال ،ويبين أن��ه يقدم لهم تجربته اإلنسانية والفنية والحياتية ،وذل��ك ليكتمل إي��ق��اع ه��ذا الشاعر ال��ذي ك��ان بكل م��ا قدم ذاكرة للطفل العربي ،ألنه أعاد تخصيبها بكل ما أوت��ي من طاقة فنية خالقة محفزة على الخيال وعلى المعرفة ،والسؤال الذي يحفز على ال��ح��وار وال��ت��واص��ل والتلقي واإلص��غ��اء الحقيقي لذات الطفل.
42
واستمر هذا الشغف بالتراث مع األجيال الشعرية الالحقة ،إال أن ذلك لم يكن بالشغف نفسه والفنية التي اشتغل عليها الشاعر سليمان العيسى ،سواء بالتراث الشعبي أو التاريخي ..كالشخصيات التاريخية واألدبية والعلمية وغيرها ،وال��ت��ي تشكل إض��اءات كاشفة لذلك التاريخ الحضاري الذي ترك أثرًا بارزًا في الحضارة اإلنسانية. وفي النهاية ،البدَّ من القول إن بناء الطفل ثقافيا ،ليس مهمة فردية تقع على كاهل المبدع فحسب ،وكما تقدم وقلنا إن الطفل نصنا الجماعي ،ل��ذل��ك يجب أن تتعاون المؤسسات الخاصة والعامة ،واألفراد بكافة اتجاهاتهم الثقافية والمعرفية واإلبداعية، على تحديد منظومة قيم متكاملة يلتزم بها الشعراء والمبدعون ..حتى ال تكون القيم عرضة لألهواء الشخصية والفردية ،فيقع الطفل في قلق وارتباك بين تلك القيم التي تتبع األف��راد واأله��واء .وبذلك يفقد هويته العربية وخصوصيته.
* () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5
كاتبة من سوريا مقيمة في اإلمارات. غاستون باشالر ـ مقاالت ـ ترجمة سالم عيد ـ وزارة الثقافة سورية 3006 ،م ،ص .31 د .هادي نعمان الهيتي ،ثقافة األطفال ،عالم المعرفة ،الكويت العدد 1988 ،123م ،ص .103 م ن ،ص .156 م ن ،ص .105 أدب األطفال وثقافتهم قراءة نقدية -د .سمر روحي الفيصل http://www.awu-dam.org/book/98/study...
() 6 ( )7 ( )8 ( )9
سيسليا ميرال ،مشكالت األدب الطفلي ،ترجمة مها عرنوق ـ وزارة الثقافة ،سورية1997 ،م ،ص 82 سليمان العيسى ،مازالوا الواحة ،دمشق1985 ،م ،الص .48 م ن ،ص .67 قصـائ ُد األطفال في سُ وريــ َة ،من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003 -م، محمَّ ـد قـرانيـاَ ، ص .66 م ن ،ص .66 سليمان العيسى ،كلمات خضر وزارة الثقافة ،دمشق 2005 ،م ،ص .65
() 10 ( )11
.ok98-sd001.htm
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الجوف تراث الواحة العربية برؤية أوروبية قراءة بانورامية في كتاب «الرحالة األوربيون في شمال الجزيرة العربية -منطقة الجوف 1922-1845م» ρρآيات عفيفي*
ونحن بصدد الحديث عن التاريخ الثقافي للوطن العربي بوجه ع��ام ،وشبه الجزيرة العربية بوجه خاص ..ال بد لنا من االعتراف بأن الكثير من الدراسات التاريخية التي تناولت تاريخ المنطقة العربية وثقافتها -حتى اآلن -لم تكن بالعمق ،وال بالقدر الكافي الذي ُيمَكِّ ن المتخصصين من األكاديميين ،وكذلك عامة القراء من المهمومين والمُ هتَمين بالثقافة العربية -على حد سواء -من لب الشخصية العربية وتفاصيلها ،تلك الشخصية التي أثرت وتأثرت التعمق في ِّ بالكثير من االتجاهات الثقافية على مدار التاريخ ،والتي مرجعها اختالف الثقافة العربية وبيئتها ع��ن ثقاقات ودي��ان��ات وح �ض��ارات الشعوب التي تعاقب أف��راده��ا وحكوماتها على شبه الجزيرة العربية ،خالل الحقب التاريخية المختلفة. وتعد كتابات المؤرخين والجغرافيين والمستشرقين والرحالة -قديمًا وحديثًا من أهم المصادر األدبية التي يُعتمَدعليها في دراس��ة تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم .وكباحثة مستقلة في اآلث��ار وال��ت��اري��خ ،أود أن أشير إل��ى أن االه��ت��م��ام ب��ه��ذه المنطقة ب��وج��ه ع��ام،
تعود إرهاصاته األول��ى لعصور سابقة م��ن ال��ت��اري��خ ال��ق��دي��م ت��رج��ع إل��ى آالف السنين ق.م ،.وأحد أهم األدلة األثرية المُكتشَ فة في شبه الجزيرة العربية - وتحديدًا بالمملكة العربية السعودية التي تؤكد ذل��ك ،ه��ي «نقش الملكرمسيس الثالث المٌكتشَ ف بالقرب من
اجلوبة � -صيف 1437هـ (43 )2016
تَيماء» .فقد نجح علماء اآلثار السعوديين في المصري رمسيس الثالث في القرن الثاني إجراء حفائر ميدانية ،توصلوا من خاللها إلى عشر ق.م ،.إذ ٌع ِث َر على عدد من المناهل في اكتشاف طريق تجاري مباشر ،يربط وادي هذا الطريق ،تحمل خراطيش «أي توقيعات»
44
النيل بتيماء ،كان يُستَخدم في عهد الملك الملك المصري رمسيس الثالث(.)1 اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
جورج أوغست والن (لوحة زيتية)
وقد حالفني الحظ كقارئة ومهتمة بالثقافة العربية أن أطّ لِع على أحد المؤلفَات العربية التي صدرت في العام 2002م ،والتي تناولت بالعرض بعض النصوص المترجمة لكتابات ويوميات عدد من الرحالة األوروبيين الذين وفدوا إلى شبه الجزيرة العربية في الفترة (من 1845م الى 1922م) ألسباب مختلفة وم��ت��ع��ددة ،بعضها يتعلق ب��إج��راء دراس��ات علمية وط��ب��وغ��راف��ي��ة للمنطقة ،والبعض اآلخر له دوافع استخباراتية سياسية .هذا الم َؤلَف هو الطبعة الثانية من كتاب «الرحالة األوربيون في شمال الجزيرة العربية ،منطقة الجوف ووادي السرحان 1922-1845م، نصوص مترجمة» للدكتور ع��وض البادي الصادر (1423هـ2002-م) ،وهو أحد الكتب التي صدرت في شكل سلسلة من أربعة كتب تناولت ما ج��اء في كتابات ه��ؤالء الرحالة األوروبيين عن تاريخ أجزاء من شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة الذِ كر. ال تلك اليوميات والكتابات تناولت تفصي ً الوصف الطوبوغرافي والجغرافي للمنطقة، وأساليب الحكم التي سادت بها جنبا إلى جنب مع وصف سكان شبه الجزيرة العربية وثقافتهم بشكل عام ،ووصف بعض القبائل العربية بشكل خاص -مثل قبيلة الرولة - بما تحويه تلك الثقافة من عادات وتقاليد وأعراف ،وممارسات حيوية يومية ،بما في
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
إضافة إلى ما سبق ذكره ،فإن االهتمام بشبه الجزيرة العربية ب��ات أكثر وضوحا منذ القرن الخامس ق.م ،.وكان ذلك لعدة أسباب من أهمها فتوحات اإلسكندر األكبر ال��م��ق��دون��ي المترامية األط����راف ال��ت��ي لم يكن لها ح��دود ،إذ إن��ه استعد فعليا لغزو المنطقة ،ولكن موته المفاجيء بمدينة بابل في 323ق.م - .بعد عودته من آخر حمالته العسكرية -ح��ا َل دون تحقيق ذل��ك .ثم ما أعقب ذلك من صراعات عديدة بين الملوك البطالمة في مصر ،والممالك الهلينستية األخ����رى ال��ت��ي ت��أس��س��ت ف��ي ب�ل�اد م��ا بين النهرين والشام وفلسطين وج��زء من آسيا الوسطى ،ثم من بعدهم األباطرة الرومان(،)2 وما تال ذلك من صراعات خلفاء المسلمين في العصر اإلسالمي وملوك ورؤساء أوروبا في العصر الحديث ،من أجل السيطرة على
مقدرات وخيرات الوطن العربي بوجه عام، وشبه الجزيرة العربية بوجه خاص ،إلى أن تبلّور الوضع في شكله النهائي ،وأصبحت شبه الجزيرة العربية تُحكَم بأهلها.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (45 )2016
ذل��ك ما يتعلق بالمالبس وع���ادات المأكل والمشرب .وهنا ال يمكن إٍ غفَال حقيقة مهمة مفادها أن ه��ؤالء الرحالة والمستشرقين األوروب��ي��ي��ن ،رغ��م شغفهم بالحياة العربية من جانب ،والمهام المنوطين بتنفيذها من جانب آخ��ر ،والتى استدعت إج��راء الكثير من الترتيبات واالستعدادات على المستويين الشخصي وال��ع��ل��م��ي ،ت��م��ه��ي��دًا لالنغماس في تلك الثقافة ،إال أن ذل��ك لم يمنع من إخفاقهم في فهم بعض األم��ور والتفاصيل المرتبطة بالبيئة والثقافة العربية ،والتي من شأنها أن تؤثر تأثيرًا مباشرًا في تكوين الصورة الحقيقية عن المجتمعات العربية، ومن ثَم تَرّك الحكم على بعض السلوكيات للهوى واالنطباعات التي تُبنَى على التجارب الشخصية ،سلبية كانت أم إيجابية ،والتي بالقطع تفتقر أحيانًا إل��ى الحيادية بوجه عام. هذا ،وقد كان لمنطقة الجوف نصيبًا ال بأس به من تلك الكتابات واليوميات التي تناولت بالوصف العديد من النقاط المتعلقة بطبوغرافية منطقة الجوف ،وكذلك سكانها من البدو والحضر بثقافتهم المحلية ،وأيضا األساليب السياسية التي حُ كِ مَت بها منطقة الجوف ووادي السرحان خالل الفترة منذ منتصف القرن الثامن عشر الميالدي ،وحتى الربع األول من القرن التاسع عشر الميالدي تقريبًا.
46
تشارلز هوبر
بهما المؤلف د .عوض البادي .ففكرة الكتاب في حد ذاتها هي بمثابة إعادة اكتشاف جزء من تاريخ شبه الجزيرة العربية المجهول، م��ن بين س��ط��ور يوميات وك��ت��اب��ات يجهلها عموم الناس في شبه الجزيرة العربية ،رغم أنها كانت من األهمية التي جعلتها حديث األوساط العلمية والثقافية في أوروبا لفترة طويلة في ذلك الوقت .عالوة على ذلك ،فقد استمتعت بأسلوب الكتابة ال��ذي لم أشعر معه بالملل ،وأنا أتنّقل بين صفحات الكتاب حتى آخرها ،كما أعجبت كثيرا بالحيادية التي ظهرت جليّة ،إذ ترك المؤلف القارئ وانطباعاته الشخصية التي يكونها من خالل ما يقرأه في تلك اليوميات دونما أي محاولة إلحداث تأثير إيجابي أو سلبي عليه ،وهو أمر يُسَّ جَ ل للمؤلف. الجوف (الجوبة/دومة الجندل) كما رآها الرحالة
وقبل البدء في تناول وس��رد ملخص ما اتفقت كتابات الرحالة األوروبيين الذين تعرّض له الكتاب من وصف لمنطقة الجوف، ال يمكن إغفال المجهود وال��دور الذي قام وف���دوا على منطقة ال��ج��وف -دون سابق اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
اتفاق بينهم -على العديد من النقاط التي إلى أساليب الحكم التي سادت في المنطقة تنوعت ما بين وص��ف المكان طبوغرافيًا خ�لال الفترة المعنية .تلك النقاط يمكن وتفاصيله الجغرافية ،وما تتميز به منطقة إجمالها فيما يأتي: الجوف عن غيرها من مناطق شبه الجزيرة الموقع الجغرافي والسمات ال��ع��رب��ي��ة ،ال��ت��ي م���روا بها خ�لال رحالتهم الطبوغرافية وأهم المحاصيل المختلفة .كذلك قاموا بسرد الكثير من المحلية التي ّ الزراعية والصناعات س��م��ات أه���ل منطقة ال���ج���وف ،م��ن خ�لال تميزها معايشتهم اليومية أثناء فترة وجودهم في أكدت كتابات الرحالة جميعهم على قِ دَم المنطقة ..وتسجيل وتدوين -كتابًة ورسمًا وأحيانا صورًا فوتوغرافية -كل ما رأوه في الموقع الجغرافي لمنطقة الجوف (دوم��ة الحياة اليومية ألهل الجوف؛ كما تطرقوا ال��ج��ن��دل) ،إذ أق���روا جميعا أن منخفض
قصر خزام بدومة الجندل (بتلر١٩٠٨ ،م)
داخل قصر مارد بدومة الجندل (بتلر١٩٠٨ ،م)
اجلوبة � -صيف 1437هـ (47 )2016
رجال من الجوف فوردر 1901م
48
جف، الجوف يُحتمل أن يكون بحرًا قديمًا قد َّ أو خليجاً محاطاً بصخور كلسية غمرت المياه أرضها من الشمال في فترات التاريخ السحيق الذى يعود إلى العصر الطباشيرى. ه��ذا ورغ���م اس��ت��م��رار وج���ود بعض الجدل والكثير من ال��رواي��ات ح��ول تاريخ تأسيس واحة الجوف ،إال أن الرحالة (تشارلز هوبر) ذَكر أن واحة الجوف من أقدم الواحات في شبه الجزيرة العربية ،استنادًا إلى ما يشير إليه أح��د النصوص اآلش��وري��ة المُكتَشفة ب��وج��ود واح���ة ال��ج��وف ف��ي ال��ق��رن السابع ق.م .تحت اس��م «دوم���ات» (ه��وب��ر،)159 ، اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
بينما ذكرها المؤرخ (بطليموس) تحت اسم «دٌوميثة» (هوبر .)159 ،ومن المالحظ أن اسمها يتطابق مع الوصف الطبوغرافي لها؛ فأرض الوادي بها تأخذ شكل الدائرة شبه المنتظمة المنخفضة ،وتحاط من جميع جهاتها بسلسلة جبال «جال الجوف» ،حيث ينكسر شكلها الدائري المحيط بالوادي من جهة الغرب بنتوء يرتبط بجبل أصغر ،تقع عنده بلدة الجوف نفسها .ومن جانب آخر.. فإن موقع الجوف الجغرافي هو بالفعل يمثل قلب منطقة شمالي شبه الجزيرة العربية ومركزها.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
وقد أجمع الرحالة كافة على أن واحة الجوف هي األكثر خصوبة ضمن مناطق وأراض����ي شمالي شبه ال��ج��زي��رة العربية وصحراء النفود ،إذ إنها تتمتع دون غيرها بمنظر الطبيعة الساحر ،حيث البساتين الكثيفة ال��م��زده��رة بالنخيل ،وغ��ي��ره من بساتين الفواكه المختلفة وحقولها ،والتي تكون للقادم إليها -أي للجوف -بمثابة الجنة التي يعثر عليها المرتحل بعد عناء السفر في قوافل ألميال وأم��ي��ال ،انتقاال من مكان ألخر في صحراء منبسطة وغير منبسطة ،مليئة بالصخور وال��رم��ال تحت لهيب الشمس الحارق .ورغ��م وج��ود بعض القرى األخ��رى القريبة منها ،والتي تتمتع ببعض تلك ال��م��م��ي��زات الطبيعية أيضا، لكنها تظل األكثر تميزًا في ه��ذا الشأن. تلك الميزة مرجعها توافر المياه في واحة ال��ج��وف ،حيث تهطل األم��ط��ار في فصول م��ع��دودة خ�لال ال��ع��ام ،ولكنها تكون كافية لملء الكثير من اآلب��ار التي توجد داخل البساتين نفسها ،وف��ي مناطق متفرقة خارجها؛ إضافة إلى عدد من ينابيع المياه التي تُغذّي قنوات الري ،وتسهم جميعها في ري بساتين النخيل الكثيفة ،ومزارع الفواكه والخضراوات بواحة الجوف.
أوغ��س��ت) أن أن����واع ت��م��ور واح���ة ال��ج��وف ال تقل عن خمسة عشر نوعً ا من األن��واع الراقية والفاخرة (أوغست ،)37،كما ذكرت الليدي (آن بٌلنت) أن تنوّع التمر فى الجوف يضاهي تنوع التفاح في الحقول األوروبية، وكل صنف مختلف عن اآلخر تمامًا (بلنت، ،)131كما أكد (بلغريف) أنه رغم كوْن تمور الجوف أق��ل ج��ودة مما يُنتج في اإلحساء إال أنها تفوق ما يُنتج فى مصر وإفريقيا، وكذلك وادي نهر دجلة (بلغريف .)74 ،ولنا أن نتخيل -كما ذك��ر الرحالة (جوليوس أوتينغ ) -أن إنتاج تمر الجوف ك��ان أحد أه��م أس��ب��اب تدفق الضرائب م��ن الجوف إلى مدينة حائل ،عندما كانت الجوف تقع ت��ح��ت ح��ك��م ج��ب��ل ش��م��ر .ه���ذا إل���ى جانب توافر العديد من أنواع الفواكه التي توجد في واحة الجوف دون غيرها مثل :التين، المشمش ،الخوخ ،البرتقال ،العنب ،كذلك يزرع بها البطيخ والقرع والقمح ولكن بنسبة أقل من الفواكه والمحاصيل األخرى .فقد ذك��ر الرحالة (جيفورد بلغريف) أن إنتاج بساتين واحة الجوف -في ذلك الوقت - فاق ما يُنتَج في جبل شمر ونجد العليا ،كما أن إنتاجها من الفواكه السابقة الذِ كر قد فاق من حيث حالوة النكهة وكثرة اإلنتاج، م��ا تنتجه بساتين دم��ش��ق وج��ب��ال سورية وفلسطين (بلغريف.)74،
وقد ذكر الرحالة جميعًا أهم المحاصيل الزراعية التي تميز ال��ج��وف ،والتي يأتي على رأس��ه��ا «ال��ت��م��ر» ب��أن��واع��ه المختلفة، وع��ن��د ال��ح��دي��ث ع��ن أه���م ال��ص��ن��اع��ات والتي اشتهرت بها واحة الجوف بين كافة المحّ لية التي تميزت بها الجوف في ذلك أنواع تمور الجزيرة العربية ،بتَميٌز مذاقها ال��وق��ت ،فقد وصفت كتابات الرحالة أن وحالوتها وتنوعها .فقد ذكر الرحالة (جورج المجتمع المحلي للجوف كان يتميز بإنتاج
اجلوبة � -صيف 1437هـ (49 )2016
نساء من دومة الجندل (مرسيل١٩١٥ ،م)
50
العباءات الخفيفة «المشلح» ،والعباءات الصوفية التي كان يُجلب صوفها من مدينة بغداد ،وكذلك صناعة العقال .تلك العباءات كانت لها س��وق رائ��ج��ة ف��ي ك��ل م��ن بغداد وس��وري��ة وفلسطين ،وال��ع��ب��اءات الصوفية خاصة كان يتزايد الطلب عليها داخليًا فى مكة أثناء موسم الحج .واشتهرت الجوف أيضا بصناعة حقائب ال��س��روج وأغطية رؤوس ال��ج��م��ال .ع�ل�اوة ع��ل��ى ذل���ك ،ف��إن هواوين سحن حبات القهوة التى تُصنع فى الجوف قد تمتعت بشهرة خاصة بين غيرها مما ينتج فى مناطق أخ��رى؛ إذ عُ��رف عن اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
تلك الهواوين أنها رغم بساطة تصميمها، إال أنها أنيقة وذات وزن ثقيل نتيجة صنعها من الصخر الرملى األحمر اللون المتوافر محليًا (بٌلنت.)132 ، وبما أنه فى تلك الفترة لم تكن العملة (النقود) قد عرفت طريقها بعد للجوف، فقد كان التعامل المادى بها يتم عن طريق المقايضة وتبادل السلع بسلع أخرى خالل ال��ع��ام ،وخ��اص��ة ف��ى فترة ال��س��وق المحلية السنوية التي كانت تُعقد بها منذ زمن بعيد، كما كانوا يحصلون على بعض السلع األخرى
أساليب الحكم التى سادت الجوف، والسمات التى يتمتع بها سكانها أجمعت كتابات الرحالة على أن النظام القبلي كان له اليد الطولى فى رسم نظام الحكم فى الجوف وغيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية لفترات طويلة ،والذى يقوم على التحالفات بين عدد من القبائل ضد غيرها ،تَّمثل ف��ى شكل ال��ح��روب األهلية بين قبائل بعض أحياء مدينة الجوف من جانب ،وبين بعض تلك القبائل وقبائل بدوية وحضرية أخرى مجاورة ،إلى أن تبلور الوضع فى المنطقة كافة ،وأصبح الحكم تحت لواء واح���د ،منذ إره��اص��ات التأسيس األول��ى للدولة السعودية فى 1157هـ1744-م ،وما تبعها من تطورات سياسية ،إلى أن تم توحيد كافة األراض��ي تحت اسم المملكة العربية السعودية ( 1351هـ 1932-م).
تكونت مدينة الجوف من عدد من األحياء السكنية بلغ عددها إثني عشر حيًا فى بعض الفترات ،كان أقدمها حي الغرب وحي الدرع (سوق الدرع) ،ثم دُمر بعضها أثناء الحروب األهلية -مثل حي الدلهمية الذى دُمر تمامًا فى 1838م من شيخ شَّ مر -فيما بين القبائل أضف إلى ذلك ما تمتع به أهل الجوف فى فترات أخرى ،وأ ُعيد بناؤها مرة أخرى م��ن م��واه��ب شعرية ،حيث يُعقد م��ن وقت في فترات الحقة. آلخر مجلس الشعر العربي إلنشاد الشعر أم��ا ع��ن أه��م السمات الشخصية التى واالس��ت��م��اع إل��ي��ه ،وك��ذل��ك مناقشة بعض يتمتع بها سكان واح��ة ال��ج��وف م��ن وجهة القضايا األخالقية ،وكانت اتجاهات الكثير
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
التى لم تكن موجودة محليًا بنظام المقايضة نفسه م��ن بعض المناطق ال��م��ج��اورة مثل سورية.
نظر غالبية الرحالة األوروبيين ،فقد أمعن كافة الرحالة النظر والتدقيق في سلوكيات أهل الجوف ،وتفاصيل حياتهم اليومية أثناء فترات استضافتهم بها ،والتي استخلص الكثير منهم عددًا من المميزات التى يتمتع بها أهل الجوف ،وهي أنهم برغم الخصومة التى سادت فيما بينهم لفترات طويلة ،إال أنهم ودودون جدًا ،خاصة مع الغرباء ،مقارنة بغيرهم م��ن قبائل ال��ص��ح��راء ،ك��رم��اء فى حياتهم مع جيرانهم ،ومخلصون لألصدقاء بشكل ملحوظ ،وهم مضيافون لدرجة جعلت الرحالة (بلغريف )-على سبيل المثال - يقول إن��ه بعد وصوله إل��ى الجوف وبداية تأسيسه للمنزل ال���ذى س��وف يقيم فيه، نصا «لم نكن فى حاجة ماسة لغرفة ذكر ً للمطبخ ،ألن دعوات المواطنين الكرماء لنا كانت منتظمة» (بلغريف ،)80 ،كان ذلك على مستوى األفراد من أهل الجوف من جانب، ومن جانب آخر ..فقد تمتع بعض القائمين على حكمها بالكثير من الصفات الحميدة، فقد ذكر الرحالة (سانت جون فيلبي) أن «دوجان» حاكم الجوف من أكثر الشخصيات ج��اذب��ي��ة ،ف��ق��د وص��ف��ه ب��أن��ه ك���ان متدينُا، متساهلاً مع من يعملون معه بشكل فائق، صريحً ا فى نقده للسياسة غير الحكيمة (فيلبي.)493 ،
اجلوبة � -صيف 1437هـ (51 )2016
من شبابهم نحو تعلم مبادئ الدين وأصول القراءة والكتابة أكثر من غيرهم ،وخاصة ف��ى ال��ب��ل��دان ال��خ��اض��ع��ة للحكم ال��ت��رك��ي. وأضاف الرحالة :إن الكثير من أهل الجوف متحضرون بنسبة معقولة ،ومهذبون ،وعلى ق��در من اللباقة ،وبعض الشخصيات بها تتسم باالنفتاح والمرونة مقارنة بغيرها. ه����ذا ،وال يمكنني إغ��ف��ال ذِ ك����ر بعض التفاصيل القليلة ال��ت��ى وردت ع��ن ام��رأة الجوف ،والتي كانت ذات مضمون إيجابي - وال أدري ربما يكون ذلك بدافع تحيزي لبنات جنسي من النساء -فلقد سعدت عندما وجدت إشارة من أحد الرحالة وهي (الليدى آن بل ُنت) عندما قابلت -أث��ن��اء توجهها وزوجها إلى الجوف -إحدى نساء الجوف التى كانت تقيم مع زوجها فى قرية إثرة، فقالت الليدى بل ُنت إنها تقابلت مع أم أحد مضيفهم «محمد» وهى السيدة «مرزوقة» ووصفتها بأنها امرأة ذكية وحسنة التربية ومضيافة ،ورغم أنها ليست صغيرة سنًا ،إال أن وجهها ما يزال يتمتع بجاذبية وجمال.
وليم غفورد بلغريف
تعيدنا إل��ى ت��ص��ور كيف ك��ان��ت ح��ي��اة أهل منطقة الجوف اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيُا، فى فترة شابها الغموض وقلة المعلومات؛ تلك التفاصيل التى يصعب معها إجمال كل وختامًا ،ال يسعنى إال أن أقول إن كتاب ما ورد بها في مقال واحد ،فهو يحتاج إلى الدكتور عوض البادي جدير بالقراءة ،فهو سلسلة من المقاالت لتغطيته بالشكل الذى م��ل��يء بالتفاصيل الشيّقة والكثيرة التى يستحق.
52
* باحثة في اآلثار والتاريخ. ( )1للمزيد من التفاصيل حول “نقش الملك رمسيس الثالث بالقرب من تيماء” وغيره من األثار المكتشفة في أنحاء متفرقة في المملكة العربية السعودية ،انظر“ :االكتشافات األثرية” ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري على موقع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطنيhttps://scth. : .gov.sa ( )2عن كيفية ومدى اهتمام اإلسكندر األكبر ،وكذلك ملوك البطالمة بشبه الجزيرة العربية وغيرها من بالد العرب ،انظر :محمد عبدالغني ،شبه الجزيرة العربية ومصر والتجارة الشرقية القديمة( ،المكتب الجامعي الحديث ,اإلسكندرية1999 ،م).
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
األرملة الصبية ρρسمية البوغافرية*
لحظات مرت ،وهي ال تزال ذاهلة مشدوهة ،تضغط على رأسها ،تكتم صرختها.. ال يبدو أنها ستفيق قريبا من صعقة خبر صباحها ..فقبل أسبوعين ،كان يتنطط أمامها كالجدي ..شهب الحياة تلتمع في عينيه الغائرتين ..لوال اندفاعها لكانت اليوم عروسه ترفل في نعيمه.. راحت تنتفض وتنسلخ من صدمة صباحها ،ومن عالم الشيخ عباس بأكمله، وتمضي إل��ى عملها ..لكن حبا ًال من ف��والذ تشدها إل��ى مقعدها ..تشل حركتها وتفكيرها إال فيه ..مع فتور عميق يلبس كل أطرافها ،ويقتل فيها الرغبة في إتمام فطورها ،وفي الخروج إلى عملها في متجرها الصغير. أطياف الشيخ عباس تتدفق عليها من همهمت تخنق صراخا حادا اجتاحها :أنا كل زاوية في شقتها الجديدة التي اقتناها لم أسط على أمالكه ولم أنصب عليه.. لها ،وأثثها على ذوق���ه ..كل قطعة فيها فرشت أمامها كل األوراق تبحث فيها تراها تمسحها يده.. عن كلمة تجرمها وتلصق بها تهمة النصب امتدت يداها إلى آنية جميلة تفيض عليه كما يروّج االبن البكر للشيخ عباس.. ب��زه��ور مختلفة تفتح عليها عينيها كل توقفت عند قولها وه��ي ت��رد على طلبه صباح ..هي آخر قطعة تسلمتها منه ..وال بفرح جنوني ودالل طافح« :ال أطمح إلى تزال ترى أصابع الشيخ عباس مرسومة ش��يء غير شقة تأويني ،ومحل أسترزق على محيطها ..استودعها في يدها قبل منه ،ويد تمسح أحزاني.»... أن يودعها ويمضي ..لم تر فيها اليوم، انتفضت تبرىء نفسها: غير ورود ت��ذب��ل ،وأك��م��ام تكاد تنفجر.. كأنها سطت على حياة الزهرات الذابلة.. كان له أن يرفض ويقوم ..وهل كل ما
اجلوبة � -صيف 1437هـ (53 )2016
يطلب يستجاب؟! هما لقاءان جمعانا ..تآلف قلبانا في اللقاء األول حدَّ التوحّ د ..وفي اللقاء الثاني افترق كل راض بقدره ..افترقنا إلى األب��د.. واح��د منا ٍ فراق لم يترك ذرة ضغينة في نفسينا.. في اللقاء الثاني واألخ��ي��ر ،ال أتذكر غير كلمات الشكر ..ذرفها لساني مع كل صعود وهبوط للشيخ عباس من وإلى شقتي في الطابق الثاني ..كل كلماته كانت موجهة إلى العمال وهم يرسون األثاث في البيت الجديد ..الكلمة الوحيدة التي أتذكرها وأنا أستلم من يديه آنية نباتات الزينة“ :اسقيها من حين آلخر ،”..ثم “أوصيك خيرا بنفسك ِ وهو يودعني أض��اف: وبشقتك ..إياك من الطيش واالندفاع.”..
54
استغراب واستخفاف أيضا وأنا أتلوى ضحكا في قميصي األخضر الضيق ،وسروالي األضيق الذي فرضه عليّ صاحب المقهى ..ثم عيرته بالشيب وكِ برِ سنه ..فقام يرقص بشكل فاضح، كأن ذرات الهواء أطياف ح��واء تحوم حوله.. وأن العالم الذي طالما حلم به تحقق لحظتها.. محدقا في عينيّ الخضراوين قائال: عيناك مرجان أخضر ..من خاللهما صرت أرى ن��ور الحياة ..قبل ،كنت أتمنى أن يكون العالم حولي كله نساء ..نساء فقط وأنا وحدي رجل ..واآلن أرى فيك كل النساء..
س��خ��رت م��ن ص��وت��ه ال���ذي ه��دت��ه الشيشة وال��ش��ي��خ��وخ��ة ..رح���ت أم��ض��ي ألرى طلبات اآلخ��ري��ن غير آبهة بمحفظته ..قفز أمامي يعترض طريقي كأنه يخشى أن يخطفني منه انتظرته أسبوعين ألريه الزهور الجديدة.. أَحد رواد المقهى منبها إياي: ألطلعه عن مدى اعتنائي ببيتي وبنباتاتي ..ولم نحن الرجال مثل بعضنا ..عقولنا أطيار يأت ..واليوم تيقنت أنه لن يأتي أبدا.. تهجرنا على الدوام ..تحط على الشجرة تعبق وفي اللقاء األول ،كانت عالقتي به عادية بروح الثمر ..تسرح مع موسيقى العصافير.. ج���دا م��ث��ل ع�لاق��ات��ي ب��س��ائ��ر رواد المقهى.. الشاطر مَن يفوز بالثمرة ويقدر النعمة ..وأنا ابتسامة تحتمها الحرفة ،فطلب ،فجواب.. هنا النعمة كلها متى كنت لي الثمرة كلها.. رغم السر الغامض البارق في عينيه ،والذي م���ددت ي���دي ،ت��ح��ت إل��ح��اح��ه ،إل���ى رزم��ة لم آلفه ممن في سنه ،مضيت كعادتي ال ألوي على شيء ..أحضرت له فنجان قهوة مع كوب األوراق النقدية التي يرعشها لعيني ..دسستها ماء ..وضعتهما على مائدته بغنج ودالل أكسر أعلى صدري ..ثم تجمدت أمامه ذاهلة أحدق بهما شعاع عينيه الذي توهج أكثر ..فقام لتوه باندهاش إلى وجهه النحيف المجعّد ..وهو يسحب لي الكرسي المقابل ..يدعوني إلى يتلمظ ويبتلع ريقه ك��أن عناقيداً م��ن الجنة مجالسته بنوع من اإللحاح ،ويده تخبط المائدة تقطر حبات عنب في فمه ..قدماه ترقصان بمحفظة مكتنزة ب���أوراق نقدية وه��و يقول :بمرح طفولي ..عيناه الغائرتان تنقرآن صدري «اللعنة على األموال واألمالك التي تخزن وورود بنهم ..أيقظته بصوت قارص يلفه الضحك: الحياة يخنقها أكسيد األي��ام ،»..شملته بنظرة ما خطبك أيها األشيب مع النساء؟! أتراك اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
أشار لي بأصابعه األربعة بأن في عصمته كان مجرد مطية لستر «العار» ،وأني طُ لقت بعد أربع نساء.. شهر ،حتى استعاد الشيخ عباس رزانته ..وقف إذاً ،أن��ت مصاب بسهاف نسائي ..إن لم أمامي كالصاحي من خدر عجيب ..فصعقني تلتزم بعالج طبي ص��ارم ستلقى حتفك فوق بقوله وهو يمسد لحيته البيضاء الكثة المسدلة أجسادهن.. على صدره: قاطعني وهو يرعش حاجبيه بمكر وعيناه تلتهماني في خبث: أشم فيك رائحة الموت ولسانك يهذي بكالم المراهقين..
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
لم تتزوج بعد؟!
يومي ..ما أن جاء على لساني زواجي األول الذي
عباس يحب أن يقطف الثمرة من الشجرة بيده ،وأن تنضج بين يديه ..إذا حذت قشرة األرض أو المستها ي��د قبله أل��ج��م إل��ي��ه كل خيوله..
ستكونين آخر نسوتي ..سأدثرك برموش صفعته بخصالت شعري الذهبي ،ورحت عيني ..سأنعشك بخيرات رب��ي إن استجبت أمضي وأن��ا أخنق دموعي ..اعترض طريقي لنداء قلبي.. استل دفتر شيكات م��ن جيبه ..م��ده إل��يّ ألمأله ..فقلت له وأنا أحك إبهامي بسبابتي: أنا ال أفهم في الشيكات ..أفهم في الملموس فقط.. أش��ي��ري ..أؤم���ري ..عيوني ،مالي ،خيولي وراءك كلها تجري.. ال أطمح إلى شيء غير شقة تأويني ،ومحل أسترزق منه ،ويد تمسح أحزاني... ال شيء يغلى عليك..
قائال لي:
لن تمضي إال ويداك مملوءتان.. دس في يدي ما كان في جيبه ،وضرب لي َّ موعدا في مكتب العقارات ..من يوم غنيمتي التي مر عليها أسبوعان ،لم أر للشيخ عباس ظال ،ولم أسمع عنه خبرا غير اليوم.. حكّت عينيها لتعيد إليهما البصر ال��ذي خطفته منه ذك��ري��ات أش��ب��ه بحلم خ��اط��ف.. فتحتهما ضائقة على ال��ج��ري��دة النائمة في
رفرف قلبي فرحا ..ارتميت على الكرسي أمامه وجها لوجه ..باندفاع طفولي ،بسطت ي��ده��ا ..ق��رأت ب��ذات ال��ذه��ول األول :الشيخ على مائدته ماضيَ حاضري ومأساتي التي عباس مات مخنوقا في ليلة دخلته على صبية قذفتني في أحضان المقاهي أسعى وراء قوت في الخامسة عشرة من عمرها. * قاصة من المغرب.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (55 )2016
االنتظار ρρآمال الشاذلي*
بصوت تحدوه اللهفة ،أس��أل أمي مع اإلطاللة األول��ى لكل صباح :هل جدتي ماتت؟ تجيبني بصوت مرتعش النبرات متآكل الحروف :جدتك ..ستشيعنا جميعاً! ذات م��رة سمعتني جدتي ،نادتني بصوت واه��ن ،وب�ح��ذر ..اقتربت من فراشها الذي تفوح منه رائحة غامضة ،ال أعرف مبعثها ..ربما الزيت الذي تدلك به فروة رأسها الملتهبة دوماً ،أو المرهم الذي تدلك به ساقيها .تخفيفا آلالم الروماتزم، سألتني بوجه يقطر حزناً:
لماذا تتعجلين موتي؟! هرعت بها إلى عم «مبروك» الملقب بمقاول البنات ،جابت عيناي األغلفة دسّ ��ت يدها النحيلة البيضاء تحت ال��ب��راق��ة ال��م��رص��وص��ة بعناية خلف ال إلى اليمين وسادتها ،تُحركها قلي ً الزجاج المغبش ،بينما هو يرتشف ثم ناحية اليسار ،حتى اصطدمت ب��ص��وت يشبه شخير أب��ي م��ن كوب أناملها بقطعة معدنية لوَّحتْ لي بها.. ش��اي يتصاعد منه ال��دخ��ان ،كأنه هذه لك؛ إذا أجبتِني بصراحة. ثعبان يتلوى في الفضاء بعدما أفلت تهللت أساريري ،وببراءة وقسوةٍ قلت: من قبضة األسر. ألن أمي سوف تصن ُع لي عرائس من ت��ف��ح��ص ج���س���دي ال��ه��زي��ل بعينيه ثيابك.. الضيقتين ،ناولتُه القطعة المعدنية،
اع��ت��ص��رت عينيها ..ل��ك��ن عبثا أن تجود بالدمع ،ازدادت تعاريج وجهها وأخاديده عُمقا ..لكن هيهات أن يحُ دَّ شيء من فرحتي بالقطعة المعدنية التي س��رع��ان م��ا قَ��بَ��ع��تْ ف��ي قبضة يدي.. -عندك كم سنة؟
ألقاها في وع��اء بالستيكي اختفى لونه تحت طبقة من األتربة اللزجة، التقط من برطمان زجاجي «حبّتيْ كرملة» بدتا ضئيلتين في كفه الضخم الممتلئ ،ثم راح يمطرني باألسئلة..
56
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
أخذ عم «رمضان» جميلة وعزيزة إلى مصر، في سنة كام؟ حيث يذهب أب��ي لزيارتهما كل شهر ،يعود بنت من؟ من عندهن مبهوراً مما ترويانه عن العائالت تحبي تروحي مصر؟ التي يعملن لديها ..أصناف الطعام ..الملبس سأحدث أبيك بعد صالة الجمعة... الفاخر ..الحمامات البراقة ..البسط النفيسة، عندما ع��دت إل��ى ال��م��ن��زل ..وج��دت أبي النجف ،كل مرة يعود أبي لنا بحكايات تثير في يجلس القرفصاء دافساً وجهه بين كفيه ،نفسي الحنين إلى بيوت مصر.. التف حوله عدد من الجيران قد بدا وقد ّ بعد أن دفعتهما إلى فراشهما ..طرحت عليهم ال��ح��زن ..هرعت إل��ى غرفة أمي، عليهما البطانية الناعمة التي أحضرتها لنا وجدتها منكبة على عقدة صرة مالبسها عزيزة من مصر في إحدى زياراتها ،تبوأت السوداء التي اعتادت إخراجها كلما ترامى األري��ك��ة ذات ال��ت��ج��وي��ف ال��س��ح��ري ،وال��ت��ي إلينا نبأ موت أحد األقارب أو الجيران.. تشعرني بأنني أجلس على قمة ع��الَ ٍ��م من بادرتني دون أن أسألها: األس��رار ...فهنا تكمن األشياء البراقة التي جدتك ماتت.. تحملها جميلة وع��زي��زة ..وهنا ترقد النقود
التي يأخذها أبي من عم «رمضان» كل شهر، ستصنعين لي عرائس ،قلتها مبتهجة..عقد ملكية البيت ..كونتراتو النور ...قسيمة ضاع سؤالي وسط نحيب العمات الالتي زواج أبي وأم��ي ..شهادات ميالدنا ..شهادة أخذن يتوافدن واحد ًة تلو األخرى ،وبمجرد وفاة جدي. أن تطأ أقدامهن عتبة المنزل ..يأخذن في مع ب��زوغ شمس اليوم التالي ،تكومت أنا النحيب والصياح ،كأنهن يمارسن طقوساً لطرد شبحِ الموت عنهن ،رغم عزوفهن عن وشقيقيّ في الغرفة ،لم نبرحها كما أوصت زيارتها في الشهور األخيرة ،تجامل ُهن أمي أم��ي ..إلى أن هبت العمات مرة واح��دة في نوبة صياح ونحيب عارمة إثر خروج جثمان بالصياح والنحيب.. جدتي من غرفتها مغطى «بكوفرته» خضراء، غ��ص المنزل ب��األق��ارب وال��ج��ي��ران خالل محموالً على لوح خشبي سبق وأن شاهدته وقت قصير. مرات عديدة على أكتاف الرجال في طريقهم توافدت صواني األطعمة ..الرجال يحثون إلى المدافن.. أب��ي على األك���ل ،بينما النسوة انهمكن في هرعت إلى غرفتها ،تسمرت قدمي على الحكاوي والطعام! عتبتها ،كأن قوة خفية تصدني عن التقدم، أخ��ذت شقيقيّ اللذين يصغراني بعامين بينما ثمة ام��رأة منحنية كالعرجون ،داكنة وثالثة -كما أمرتني أمي -بعد أن أعددت البشرة تلتقط بهمة ثياب جدتي ،صرتها في لهما فراش النوم ..فأنا اآلن األكبر ،بعد أن بقجة ،تأبطتها ومضت. * قاصة من مصر.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (57 )2016
القضية
ρρفهد املصبح*
قبيل الفجر ،كان صالح يغط في نوم عميق بعد ليلة مؤرقة ..ساعة المنبه تمزق صمت َوي متخاذل ،كأن النعاس امتد إليها. الليل بِ د ٍّ كثر تفكير صالح في هذه األي��ام وتغير حاله ،تضاعفت آماله ،زوجته انكمشت مبتعدة عنه ،فلزمه أن يمد يده ليسكت هذا المزعج ،وما إن سحبها إليه ،وعاد الصمت من جديد إال وشعر أن نومه قد تبدد ،وأخذت طالئع من سحب التفكير تغزو رأسه ،ترك فراشه بتكاسل، وجر قدميه جرً ا إلى دورة المياه ..توضأ لصالة الفجر ..تمنى غياب إمامهم؛ فهو يطيل القراءة ،وكما ذهب عاد ،لم ينشط فيه شيء. اعتاد صالح قبل ذهابه إلى عمله أن يسمع أخبار العالم من المذياع ،حرك مؤشره إلى محطة يفضل سماعها ،ومن أول كلمة تلقاها من المذياع جعلته يتحفز لسماع المزيد ،ط��رح النعاس عنه جانبًا، وأقبل بكل حواسه على المذياع ،األخبار تتوالى تباعً ا مفعمة باإلثارة« :الفلسطينيون يعودون إلى بالدهم بعد ط��رد آخ��ر صهيوني عنها ..إسرائيل تحتج لدى األمم المتحدة على تصرف الفلسطينيين معهم ..ال��دول العربية تجمع على تحكيم الكتاب والسنة ،وإلغاء جميع األحكام الوضعية ،ثم ينقطع البث ويتحدث مذيع آخ��ر مستميحً ا المستمعين العذر إرجاء األخبار ،لرفع آذان الفجر من القدس الشريف».
سكان أمريكا إسالمهم ،والحكومة تعدهم بمقاعد في الكونجرس ،بدء الزيارة إلى القدس الشريف من الدول العربية بعد التحرير ،وأخذت األخبار تتدفق نحوه ،من الدولة إلى المدينة إلى الحارة ،وها هي تتركز على منزله ،اسمه يعلن في المذياع ألول مرة، حيث كان على رأس المسافرين إلى فلسطين ،فرك عينيه بيديه ،ثم فتحهما جيدًا ،فوجد أمامه رجاالً غرباء أحاطوا به ،وبمعاملة تفيض رقة أدخلوه مكانًا فسيحً ا فيه خلق كثير ،ال بد أنها إجراءات السفر، وه���ؤالء ه��م المسافرون بصحبته ،نظراتهم إليه جعلته يسرد قصته عليهم دون أن يطلبوا منه ذلك، سألوه عن اسمه ،فأجاب بتلعثم: صالح.
ال ال ..ال بد أنه يحلم ،ضرب رأسه بيده ،وتوجّ ه إل��ى غرفة ن��وم��ه ،وج��د السكون ش��اه��دًا على أنه أنت ،إذاً ،قائدنا المظفر. الوحيد اليقظ في المنزل ،إنه وال شك ال يحلم؛ ال في النوم وال في اليقظة ،وعاد مع انتهاء اآلذان، حملوه على األعناق ،تعالى الهتاف ،استب َّد به وب��دأت األخبار تتواصل« :البنوك العالمية تُمنى الحماس ،نظر حوله ،تحركت يده إلى جيبه ،امتشق بهزيمة ساحقة أمام المصارف اإلسالمية ،سقوط قلمه ملوحً ا به في الهواء ،وهو يصيح بأعلى صوته: السلطة األوروبية في جنوب أفريقيا ،إشهار آالف من إلى بيت المقدس يا جند اهلل. اندفعوا إليه بهياج صاخب قائلين:
58
* قاص من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
(قصة من الفيتنام)
ρρترجمة سعيد بوكرامي**
في قديم الزمان ،كان اإلنسان عندما يريد أن يقود ثورًا إلى الحقول ،فإنه يسحبه بحبل من قرنيه .ولم تكن هذه المهمة سهلة دائما؛ ألن الحيوان كان غالبا ما يذهب حيثما يريد. في أحد األيام ،انبثقت من عقل فالح فكرة ،فوضع حلقة حديدية في أنف الثور ثم ربطها بحبل .ومنذ ذلك الحين ،انقاد الثور للرجل ،بطاعة تامة ،وساعده في الزراعة كثيرا. وه��ك��ذا ،أص��ب��ح أليفًا إل��ى درج���ة أن تعهده في الحقول كان يمكن أن يتكفل به األطفال وحدهم.
في أحد األي��ام ،وبعد صبيحة من الحرث ،ترك حارس صغير ثوره يرعى بهدوء على طرف الغابة. فجأة ظهر نمر ،في ذلك الحين ،لم تكن فروته الصفراء الرائعة مخططة بخطوط سوداء.
اندهش الحيوان الجبار من طاعة الثور القوي للطفل؛ علما أن النمر نفسه يخاف الثور خوفا شديدا. فسأله:
أيها الثور لماذا تطيع هذا اإلنسان الهش وأنت من يملك قوة تماثل قوتي؟ رد عليه الثور قائال:
الفتى ضعيف جسديا ،لكن ذكاءه أقوى بكثير من قرنيّ ومخالبك! اندهش النمر ،فتوجه نحو الطفل متسائال:
قل أيها الفتى ،أين هو هذا «الذكاء» الذي يرعب الثور القوي كثيرا؟
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
الطفل والثور والنمر
*
رد عليه الحارس الصغير دون أن يرف له جفن: سيدي النمر ،لم أحضر معي اليوم ذكائي ،تركته في البيت. فاقترح عليه النمر: إذاً ،اذهب إلحضاره كي أتعرف عليه. لكنك ستستغل غيابي فتلتهم ثوري! فإذا قبلت أن أقيَّدك ،سأذهب إلحضار ذكائي وأطلعك عليه. تردد النمر قليال ،لكن فضوله دفعه لقبول االقتراح. طلب الطفل من النمر أن يتمدد لصق جذع شجرة قوية ،فأخذ حبال طويال وشد وثاقه جيدا ،وبمجرد انتهائه تناول هراوة كبيرة وبدأ يضرب النمر صائحا: خذ هذا ذكائي ،تأمله جيدا ،عن قرب! وعلى وقع الضربات القوية أخذ النمر يقاوم متألما وغاضبا .كان صراعه عنيفا إلى درج��ة أن احتكاك فروته بالحبل تسببت له بحروق بليغة .منذ ذلك اليوم، ظهرت للنمور خطوط سوداء فوق جلودها الصفراء. أخيرا ،تمكن النمر من تحرير نفسه وركض هاربا. أما الثور الذي حضر المشهد ،فكان يضحك وهو يهز رأس��ه الثقيلة بقوة حتى إن��ه ص��دم فكه مع األرض، فانكسرت أسنانه. منذ ذلك اليوم ،ما عاد الثور يملك أسنانا في فكه العلوي.
* حكايات من آسيا صدرت عام 2001م عن دار سوي الفرنسية للكاتب الفرنسي هنري غوغو. ** كاتب ومترجم من المغرب.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (59 )2016
ِحي َلة ρρسمر الزعبي*
قبل أن يغس َل وجهه كلّ صباح ،يرشف من فنجان قهوة بائت ،ثمّ يتفقّ د صندوق حاضرات إال هي ،ولم يراسل ٌ الرسائل ،فيجده مكتظ ًا بمحادثات جافة .الكثيرات الصدى ،تقارع الفشل. سواها ،يتضح له أن الرسائل مقروءة ،خاوية ّ يجاملهنَّ ..بعدما أضر َم الشوق في يلقي التحيّة على أهل البيت ،يتجهّم ص��دوره��نّ ذات ل��ه��و ،ث�� ّم يمضي إلى البتسامةِ البوّاب ،يقود سيارته منشغ َل
تصفّح الفيس بوك ،يغتس ُل بنور وجهها ،الفكر ،وغالباً ما يشت ُم السائقين. المط ّل من صورتها الشخصيّة ،يمرّر
يختلف مع زمالئه ،فيطلبه المدير
إصبعه على شعرها األس��ود الثرثار ،منبّهاً ،يجمع أغ��راض��ه وي��غ��ادر ،فيما يداعب خدّيها ،ث ّم يقبلها.. يتهامسون ،يستأنف عمله من البيت يقرأ الحال َة الجديدة التي نشرتها ،أحياناً ،ما دام مرتبطاً بـ «اإليميل» أو الحظ سعادتها ،أو يتعكّر «الفيس» ال ضير. َ يبدأ ُ تفاؤالً إن
60
لمس ح��زن��اً ق��د طالَها .ال َ م��زاج��ه إن اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
زميله مِ ��ن على المكتب المجاور
صعبة ،وزميلته التي تجلس قُبالته تؤكّد على وبعثَ ُه إليها ،صفقت على أنامله األب��وابَ امتص ألمها ،وعاد يجت ّر الخيبة ّ أنّه مجنون ،المدير يعتبره مزاج ّياً وال ب ّد من غير عابئة، بكف حل ،فيضرب زجا َج مكتبه واس َع المدى ِّ ُغاض ٍب ،أمّا الزميلة التي ينحسر مكتبها م ِ الصغير بين الباب و«الكولر» فتلتمس له عذراً من باب القلب.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
يتعاطف معه ،ويفترض أن��ه يم ّر بظروف لكنّه ض��رَب على أ ُذن��ي��ه ،قطف منه ال��وردَ،
أسفاً. ِ باقات الورد ذبُلت ،وتساقطت بتالته في مربّع صندوق الرسالة ،تكوّمت على ضلعه
ي��ض��ح��ك��ون ،وي��س��ت��ب��ع��دون ال��ح��ال�� َة عن السفلي ،وانطبقت بقيّة األض�لاع فوقها، أذهانهم ،فهو من علّق غدير ومها ث ّم اختفى ،حتى حُ بِست األنفاس ،جفّتْ ،وتفتّتت ،ث ّم
بعالقة أقامها م��ع صديقتها ،انسابت من شاشة الهاتف خريفاً مأل َ كفّه.. ٍ خ��دع رزان فكرهتاه االثنتان ،أحبّته جلّنار ،فتكسّ ر قلبها مبهوراً تأمّلهُ ،محزوناً نفضه عن يده. بعزف منفرد ،و ..و ...و.. مصادفة ،لم يكن بمستطاعه إخفاء ٍ وذات طال به السّ هر ،وتكرّر تأخره عن موعد باقة الورد لمّا فُتح له الباب ،إال أنّها كانت ُف تركيزه ،كثرت أخطاؤه ،وع ِل َق ضع َ الدوامَ ،
سهو بين معامالتهم، بين العمالء ،با َد َل في ٍ وكبّد الشركة خسار ًة ال تُغتفر ،فطُ رد. رغم ذلك يرسل باقات الورد ك ّل صباح، وال ترويه بردّ ،يكتب أبيات الشعر باختيارات
ظن جعل أصحاب البيت يرحّ بون سبباً في ٍ بدخوله ،على أنه أحد المدعوّين إلى مناسبة عائلية رزينة االحتفال. أنفاس ال��ورد ،فالحبيبة مُحتفى ُ شهقت
محادثة بها ،والخطيبُ يُلبِسها الدّبلةَ ،بينما غدي ٌر ٍ موفّقة التعبير ..وال يوقفه صندو ُق ال وار َد فيها.
ومها ..رزان وصديقتها ،و ..و ..يشارِ ْكنَها
بعين طوت الحز َن تحتَ العائلة تحيطه لوماً ،أ ْن منذ أحبّ ،خسر فرحاً ،وجلّنار ترمق ُه ٍ تفاصيل َه ،وتماهى وجهُه في رائحة التراب ،رموشها. * قاصة من األردن.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (61 )2016
الناي يغري بالحزن ρρأحمد قران الزهراني*
-1-
بيني وبين الظلّ نافذ ٌة وباب. الشك، ِّ بيني وبين اسمي احتمالُ موسوس من ذاته، ٍ خوف ُ الطفل اليتيم، ِ وتلعثمُ وعزف ناي موقن بالحزن، ُ موت معلنٌ ، ٌ يؤسس للغياب. ُ قد ٌر -2-
أنا لم أعدْ قيثار َة النائي، وال صوتَ الضميرِ ، ولست ربَّ العاشقين، ُ األرض متسعٌ ، ِ وليس لي في الغريب بغربتي، ُ ولن يرضى ما كلّ هذا الهم يطردني من المرآة، ال وجهي كما وجهي، وال عيناي دربُ العابرين، وال أنا في اللوحةِ الخرساءِ لونُ غامض، فأنا هالمي كعطرِ الورد، كحرف شذّ عن أقرانه، ٍ معتلٌ وأنا الكتابةُ والكتاب. -3-
في الطورِ أحجيةٌ تؤنبني، ثابت في الالحقيقة، وقولٌ ٌ المجهول، ِ ليس لي إال اتساع دوائرِ ال أحصي خطايا المتعبين، تفاصيل الحكايةِ ، ِ ولن أبالغ في 62
* شاعر من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ال المغامر مانحي ظال، كاتب عن كلِّ ما يعني ضميري، وال أنا ٌ لست وحدي كامنًا في الوقت، ُ بعض الضوءِ يخفي عل َة األشياءِ ، يمنح وجهها المعنى المرادف، لست وحدي ها هنا، ُ بالقسط أحكمُ بين غاياتي الخبيئة، ِ ال أنا ماءٌ وال ظلي تراب. -4-
أنا المتيمُ بالحكايا النرجسية، بالهوى، باللهو، المؤسس للقصيدةِ ، ِ بالقول ِ ال تساورني ظنوني، العشاق، ِ مغرمٌ بالتيه دون حماقةِ دون تمازجِ األضدادِ ، ال أحكي سوى ما ينبغي للح ِّر أن يفضي، للغيب، ِ حديثي لحظةٌ صمتي موجعٌ من حيث ال أدري، وبعضي ليس من بعضي، الكئيب، ِ أنايَ خرافةٌ في الجملةِ األولى من الحلمِ الكلمات ِ سرب من نوازعي ٌ العاشق الموهومِ ، ِ يغشاها انفعالُ يأتي مستعارًا ال يعي الترحال، وحدي مغرمٌ بالعزف، موالي بكاءُ الناي، ال يغريني اللحنُ الموازي، ليس بيتهوفن غريمي في مقاماتي وال زرياب.
ρρحنان بيروتي*
هو الحزنُ سيدُ هذا المساء وحيد ٍ كقلب ٍ أنيس رفيق ٌ ٌ بكف دموع الوداع يداري ٍّ ويرسم بأخرى أزاهيرَ عيد..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
غيابك أكتبني ويمحوني ُ ُ
***
أما زلتَ لي؟ إليك َ تعرف صوتَ حنيني ُ وتسقي بنبض حنوّك هذا الجنونَ الخفي بروحي كعطش الصحارى؟ تمسحُ عمري بكلمة وتذرو جراحي بهمسة وقاس كغضبة أب ٍ حنون كأم ِ لقلب ِ تروي حنيني حين أغيب؟ أما زلتَ تحفظ ُحرفي وتشعر بنبض عتابي ودقات قلبي الشقي؟ رحيل مكرر كدمعة؟ ٍ أما زلتَ تعرف لحنَ رجوعي -عنك ..إليك -بع َد يجرب خطوه أحاولُ أنسى ُ وليد كمثل ٍ أهذّ ُب صوتَ حنيني في جنبات الرّوح إليك.. وحين تغيب يعمُّ سوادٌ وتغفو أغاني الحياة بعمري وأشعرُ أني كمثل حصاة غريبة في حضن نهرٍ نساه المطر وغابت عنه قطا ُة العطش.. أما زلتَ طفلي وحين أضمُ َك يورقُ قلبي وتزهرُ روحي وأشدو برغم الجراح؟ ***
اجلوبة � -صيف 1437هـ (63 )2016
حروفي تتهجأ غيابك ويتلعثم القلب.. ***
ّك آخرُ بسمةٍ أحبك كأن َ َ غيث بعد يباب وأولُ ٍ بعينيك عمري َ أؤثث كأني ُ وأجمعُ بعضي ببعضي وأحبك َ بلهفة أمٍ بعيد ٍ وبهدوء ضفة نهرٍ أظلُ أحبك عنيد ٍ مثل ب َّحارٍ ولهفة تائهٍ عن دليل.. أتنفس ُ و كما موجا وكما يتبعُ الموج ً إليك أتوقُ .. َ أظل ***
أريدك حضنًا بال عنوان َ واجابات بال أسئلة ٍ ودفئًا بال شروط حنان بال انقطاع.. ٍ ومواس َم أريدك ظلي ونبضي َ يدق بال استئذان وقلبي ُّ وينثر بكفّ يْه الحياة.. �دك خطوي وبوصلتي حين تسرقني أري� َ الجهات.. شمس ٌ أناديك تصير ظ ًال ال تُغيّبهُ َ وحين وال تُخفيه أصابعُ الظالم.. ***
* شاعرة من األردن.
64
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
لعينيك في قلبي حكايةٌ تشرب حمائمُ العمر ُ من عسلهما تعب على كتف نظرة.. وتحط من ٍ ُ بهما تشعل الدربَ بالياسمين العشق ِ ومن أعلى داليةٍ في سماء قطوف الكلمات.. َ تهديني آه يا عينيك حين أكونَك وتنصهرُ بين روحينا كلُّ الفوارق وتخبو اللغات وتكون شمسي ..وقنديلَ عمري.. وظلَّ حياتي.. ***
شتان ما بين قلبينا طاحونة تجاري الريحَ قلبي رحى من حجر.. وبين ً
***
بكفي نثا ٌر من ياسمين الكالم.. ورشةُ عطرٍ بلون الفرح حين تغيب وتشرق بعمري ربيعً ا جديدا.. ***
المطرُ أن أرتدي قلبك معطف ًا َراش مضيءٍ وأجم َع حباته مثل ف ٍ يرسمُ في داخلي دف َء ربيع.. ***
أحلمُ أن أغفو على زند هذا العمر الهارب وسادتي من ريش قلبك.. ***
وأظل أكتبني ويمحوني غيابك..
ρρعقل الضميري*
قالوا؛ للسي ِّد «ما» سلطانٌ مرعب وللشيخ فالن غلمانٌ وجواري بالليل له تلعب وأنا أقرأ وأنا أكتب.. ّاس تقارنُ بين الناس وال تتعب. وأنا أفهم أن ال َن َ وتكاد تسمعهم كل مساء ما يفعل هذا ..ما يعمل! ماذا يعطي؟ ما نسأل؟! في أي مكان يسهر؟ يستقبل أو يسمر؟ ماذا يملك أو يقدر؟ لم أرغب في عرض ثرائي أو مُ لكي األكبر، لكني مضطرٌ . كتبي ،قلمي ،هذا األجمل. ال!! خاطبهم باللون األخضر واألصفر . قربّهم للدوالر ..وللذهب األحمر. ال!! فأنا لي بستانٌ يثمر لن تعهد أثرا فيه لألسوار وال الحارس.. أجمل أزهاره ليست في الثالث والرابع من سنة الميالد! هي في كل األوقات حين يشرفنا ضيف أو زائر. ليست للبيع وال اإلحسان المُ علن أثماره . ُنس ،هي للشكر وللسعد حين تكون يانعة في أيدي زواره.. هو لأل ِ طيرً ا كان ..إنس ًا كان.. نعرف أو ال نعرف عنوانه.
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
أملك ماذا؟
* شاعر وروائي من الجوف.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (65 )2016
العيد الذي ال يجيء ρρمالك اخلالدي*
()1
يجيءُ عيدُ همْ
يلعقونَ أصابعهم
طفل بابتهاج ٍ ِ
تأخذهم غفلةُ االنتشاءِ
وأمنيات مـُـتعبين ِ
يمارسونَ غ ـ َيـ َّهم
يلقي بها إليهمْ .. تنتظرُ بعيد ًا عن قلوبهم المختبئةِ ثم َة جوارحٌ العيد سوى (وليمةٍ ) ِ تعرف من ُ ال وأجسادٍ مدنفةِ برائحةٍ فاخرةٍ وسحنةٍ كاذبة! ()2
يجيءُ عيدُ همْ
66
تنوءُ بها موازينهم
وآالمُ الم ُـقـَـددين تتمدد في الفناءِ اآلخرِ ! ()3
يجيءُ عيدُ همْ ومالمحهم ذات نكهةٍ واحدةٍ وحكايةٍ واحدةٍ أعمارهم مكتنزة بالفوضى واالنتهاءِ يزفرونَ دُ خان ًا أسود ًا
الخريف القميء ِ بلون ِ
تلعنهُ المالئكةُ
يغشى خالياهم
يـُصافحونَ به عيدَهم
الناس ِ يـ َْح ِملـُـو َن لحو َم
فيـُغادرهم وقد امتألت تفاصيلهُ بالوجع!
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
يجيءُ عيدهم
سيقتلهم الخواءُ
وأوعيتهم متكورةٌ ح َد االنفطار
فال فـُـتات ليجترحوا الشبع.
وثم َة أفواهٌ مشرعةٌ أعياها اليب َُس واالنتظار وهناك أجسادٌ محززة َ تنتظرُ يد ًا تمسحُ عن أوردتها الغبار يأت النها ُر بجديد ولم ِ فتنكسرُ أغصانها ببطء! ()5
يجيءُ عيدهم َو همْ خاسرون مارسوا الجريَ الهزيلَ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
()4
جرح كل ذات حزن! على مائدة ٍ
(موسى غرناطة)**.. لم ترسمهُ األيامُ في ذاكرتهـم األرض من جديد ِ ليتهُ ينفلقُ في البهيج.. ِ الحلم ِ ليخبرهم نبأَ ()6
القلق ِ تلك هي مدائنُ حينَ أزهرتْ (اإلسمنت) ِ ابتلعتها طرقُ الموارب ُ الموت ُ يتكاثرُ في تـُرابِــها..
منتفخ ٍ (مطاط) ٍ خلف َ
صباح ٍ تغتسلُ بالرياءِ كلَ
موت أخرجوا ما تبقى في جيوبهم من ٍ
تكتنفها الوحشةُ والضجيجُ
ليمحقوا به أنفسهم
(ماكوندو)*** تستنسخُ عينيها
البياض الذي يجمعهم ِ أَحرقوا فـُتاتَ
في تلك األنحاءِ الساذجةِ ..
* شاعرة وقاصة وكاتبة من السعودية. ** موسى بن أبي الغسان ،أحد شهداء غرناطة في القرن التاسع. *** ماكوندو قرية افتراضية التهمها الصراع بعد أن كانت نقية (مائة عام من العزلة).
اجلوبة � -صيف 1437هـ (67 )2016
ٌ شعيرة إلى وطن ρρهيفاء اجلبري*
�ك ح � ّت ��ى آخ� ��ر ال � �وَطَ � ِ�ن ب� � ��دءً ا ب �ق �ل �ب� َ
عت ملحمتي حَ م ًال على شَ جَ ني قَطَ ُ
م ��ا ك �ن� ُ�ت أف� �ت ��حُ ص� � ْ�ح� ��راءً و ُأغ �ل��قُ �ه��ا
�دت س�ع�ي� َر ال �ب��دوِ ف��ي بدني إال شَ � ِ�ه � ُ
ال �ب��دوُ م��ا س � َك � ُن��وا ف��ي م�س�ت�ق� ِّر دم��ي
اإلنسان في الـمُ دُ ِن ِ حتّى رأوا خيب َة
ت �ج��مّ �ع� ْ�ت ح ��ول ��يَ األح � �ج ��ا ُر ق��ائ �ل��ةً :
�اض� ِ�ك ه��ذا أوّلُ ال � ّل � َب� ِ�ن» «ص��وغ��ي ب �ي� َ
لا ف �ق��د ك��رَّ س �ت �ن��ي ل �ل��كُ ��رومِ ي��دي م �ه� ً
تلك التي ما َد َن� ْ�ت يومً ا لتَقْ ِطفَني َ
�وات وآن� � � �ي � � ��ةٌ م � � ��مّ � � ��ا ورائ � � � � � � � � ��يَ أق � � � � � � � � � ٌ
�ذاق غ �ي��رُ مُ ��ؤ َت��مَ � ِ�ن �راط م � � ٍ ف�ي�ه��ا ِص� � � ُ
ك ��أن ��مّ ��ا ج� �ئ � ُ�ت م ��ن أص � � َق� ��ا َع ح ��ائ ��رةٍ
تهوى من الماءِ ما تخشى من الـمُ زُ ِن
أت � � ْ�ت ع �ل��ى ق �ب �ض��ةِ األي � � ��امِ مُ �ب � َه��مَ ��ةً
روح� � ��ي ف �م��ا زم� � � ٌ�ن ف �ي �ه��ا يُ �ف� ّ�س��رُ ن��ي
وم��ا ارت �ض� ْ�ت غ�ي��ر أن ت �ن��أى ب�لا لغةٍ
إل � ��ى م � �ع� ��ادٍ ق� ��ري� � ٍ�ب خ� � � ��ار َج ال ��زم � ِ�ن
***
68
بِ � � � � ��دءً ا ب �ق �ل �ب � ِ�ك ح� �ت ��ى خ � � � ��ار َج ال� ��زم� � ِ�ن
«يا عمرُ ..يا عمرُ » قال العمرُ « :لم أ َِح ِن»
ف �م��ا ل �ه��ا ه � ��ذهِ ال � ّ�ص � �ح ��راءُ ت �ح��فُ ��رُ ن��ي!
ك � ��أن � � �م � ��ا وج� � � � � � ��عُ اآلب� � � � � � � � � ��ارِ ل� � � ��م ي � ��كُ � � ِ�ن
م � � � ��اذا أق � � � � ��ولُ وف � � ��ي اآلف � � � � ��اق م �ل �ح �م��ةٌ
ت � �ق� ��ولُ « :أي� �ت� �ه ��ا ال � �خ � �ض� ��راءُ ال ت �ه �ن��ي»
م� ��ا ك � �ن � ُ�ت م� ��ن أل� � ��م األش � � �ج� � ��ارِ ن��اش �ئ��ةً
ح � �ت ��ى ت� �ع� � ّل� �ق� �ن ��ي ف � ��ي آخ � � ��ر ال� ��غُ � � ُ�ص� � ِ�ن
ه � � � ��ذا دم � � � ��ي َع � � � � � � � �زَفَ اآلال َم س � ��ائ � ��ر ًة
ذوات ال� �م ��رك � ِ�ب ال �خ � ِ�ش� ِ�ن ع �ل ��ى م� �ق ��ام ِ
ل � ��م ي � �ب� ��قَ م � ��ن ش �ج �ن ��ي إال مُ � �ش ��اج ��ر ٌة
م� � ��ع ال� � �ط � ��ري � � ِ�ق إل� � � ��ى ب � � ��واب � � ��ةِ ال � ��زم � � ِ�ن
ح �ي��ث ال � �خ� ��روجُ إل� ��ى روح � ��ي وم �ل �ح �م��ةٍ
ب � � �ه� � ��ا ُأت � � � � � � ��م ب � � �ق� � ��اي� � ��ا آخ � � � � ��ر ال � � ��وط � � � ِ�ن
* شاعرة من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ρρجناة خيري*
�اق ِس� � � �ل � � ��مٌ أن � � � ��ا أم ث� � � � � � ��ور ُة ال� � �ع� � �ش � � ِ
�أي م �ع �ن��ى ت �ن �ت �م��ي أش � ��واق � ��ي؟! ف� �ل � ِّ
�أت ِم ��ن مَ ��هْ � ِ�د ال �م��دائ� ِ�ن حَ �ي��رت��ي خ � ّب� ُ
األوراق ِ ف� � � � ��إذا أن� � � ��ا ش� � ��جَ � � � ٌ�ن ِم� � � ��ن
�ات ت�ش�ت��تِ ��ي عَ � � َب � �رَتْ س �ن��اب��لُ خ ��رب� �ش � ِ
ف��ي ال ��وه � ِ�م واإلذع � � ��انُ ف��ي أح��داقِ ��ي
عَ � � َب� �ق ��ا ي �ن��اج��ي زه � � � َر م ��ا أس� �ع ��ى ل��هُ
�ون ال � ِ�غ� �ي � ِ�د ِس� � ��رُّ ُب ��راقِ ��ي وع� �ل ��ى هُ � �ت� � ِ
ث � ��ارتْ ع �ل��ى شَ � � َف ��ةِ ال �ح �ن �ي� ِ�ن رواي �ت��ي
�ول وِ ث��اقِ ��ي �ص � َن��عْ � ُ�ت ِم��ن بِ �ي� ِ�د ال ��ذُّ ه � ِ َف� َ
أسراب الدُّ جَ ى ُ هناك َ البياض ِ مأوى
�اق ألن � �ف� � ِ وال� �ط� �ي ��نُ ل� � ْ�ح� ��نُ جَ � � � � ��راءةِ ا َ
�ؤال رحيلُها ِه ��يَ وح � َده��ا خ�ي��لُ ال �س� ِ
�اق َص � � َه � �ل� � ْ�ت بِ � � ��هِ ِم� � ��ن ش� �ه� �ق ��ةِ اآلف � � � ِ
�رت ه�ن��ا لها ت��رت �ي��لُ ف��وض��ى م��ا ص �ه� ُ
�راط رِ ف� ��اقِ � ��ي وعْ � � � ��دٌ ت� �ش � َّ�ظ ��ى ب� ��ان � �ف� � ِ
�وب س��واح �ل��ي ي ��ا أي �ه ��ا اآلت� � ��ون ..ك � � ُ
�راق مُ � � � � ��رٌّ ورش� � � �ف � � ��ةُ ش� � ��اط� � � ِ�ئ اإلغ� � � � � � ِ
�اط ال�ف�ج��رِ ن� ْ�ج��مُ تعفُّ ِفي وع�ل��ى ب �س� ِ
ن� � � � ��و ٌر ل� � � ��هُ مَ � � � � ��دَّ ال� � � � ّن � � ��دى تِ � ��ري� ��اق� ��ي
ص�م�ت��ي دُ ن � ��وُّ ش �ق��ائ� ِ�ق ال��مَ ��عْ � َن��ى هنا
�اق وال� � �ق� � � َي � ��دُ َب� � � � � �وْحُ ب� � �ل� ��ادةِ اإلخ� � �ف � � ِ
ط �ي��نُ ال �ح��دي� ِ�ث ت �ع � ْب� ُ�ت م ��ن إع �ث��اره
�آق! وال� �ط� �ي ��نُ ه ��ل يُ � ��رجَ � ��ى ب �غ �ي��رِ م� � ِ
�ات خ �ي� ُ�ط ردائِ � �ه ��ا ي ��ا ل �ه �ف � َة ال �خ �ي �ب� ِ
�اق! خ � �ف � �ق� � ْ�ت ل� � ��ه ب � � ��واب � � ��ةُ اإلش� � � �ف � � � ِ
تحسري ُّ غيث الغيم ُ ِ �روب أن��ا ِم��ن غ� ِ
�اق �داف ال �ل �ظ��ى ال ��دفَّ � ِ وأس � � ��ايَ ِم � �ج� � ُ
�وف ال��ري� ِ�ح ِس � �ر ُْب تهيُّ بي أن��ا م��نْ ك �ف� ِ
�اق وغ� �ن ��ائ� �م ��ي ِم� � ��ن خَ � � ْي � �ب� ��ةِ ال� ��عُ � � َّ�ش� � ِ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
البياض مأوى ِ
* شاعرة من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (69 )2016
يــــا غـــــربـــتي ρρعبداهلل فراجي*
َي � � � ��ا غُ � � � � ْر َب� � � �ت � � ��ي ،أ َُج� � � � � � ُن � � � � ��ونٌ شَ � � � ��ا َب � � � ��هُ ال � � � � َّن � � � �دَمُ ؟ �ض� � � َي � ��مُ األح � � � � َق � � � ��ادُ وَال � � ِّ �ص � � � ��دْ قُ َت � ��غْ � � � َت � ��ا ُل � ��هُ ْ وَال � � � � ِّ هَ � � � � ��ا َن ا َّل � � � � � � ِ�ذي َي� � � ��غْ � � � ��زِ لُ األوْهَ � � � � � � � � ��ا َم فِ � � ��ي َك � ��مَ � � ٍ�د أ َْح� � � �ل � � ��اَ َم ُص � � � ْب � � � ٍ�ح ،سَ � � � � �رَى فِ � � ��ي َل � � ْي� ��لِ � � َه� ��ا األ َل� � � ��مُ اَ ْل� � ��فُ � � � ْل� � � ُ�ك فِ � � ��ي ُح� � � ْل� � � َك � ��ةِ األ ْن � � � � � � � �وَاءِ َت ��عْ � ِ�ص ��مُ � � َن ��ا �ف َت � ��عْ � � ِ�ص � ��مُ � � � َن � ��ا وَا ْل � � � � َب� � � � ْ�ح� � � ��رُ َي � � ْن � � َت� � ِ�ق� ��مُ َو َك� � � � � ْي � � � � َ َورَاكِ � � � � � � � � � � � ٌ�ب َي� � � ْ�ش � � � َت� � ��كِ � � ��ي ِم� � � � � ��نْ ثِ � � ��قْ � � ��لِ � � ��هِ جَ � � � َب� � ��لٌ �اظ ،وا ْل � � ِ�ح � ��قْ � ��دُ ف� ��ي ِح � ��دْ َق� � � ْي � ��هِ مُ � � � ْزد َِح� � ��مُ َي � ��غْ � � � َت � � ُ حَ � � � َّت � ��ى إِ ذَا خَ � � � � � ��رَّ َف ا ْل� � ��عُ � � ��مْ � � ��رُ ال� � � َّ�ط� � ��وِ ي� � ��لُ بِ � ��ه ال األ ْو َت � � � � � � � � � ��ا ُر وَال � � � َّن � � � َغ� � ��مُ مَ � � � ��ا رَاقَ ُش � � � � � � �ر ٌْب َو َ أش � � � �دَاقِ � � � � َه� � � ��ا أَمَ � � � ��لٌ �وس وفِ � � � ��ي ْ َت � ��هْ � ��فُ � ��و ال� � ��نُّ � � ��فُ � � � ُ �س ا ْل � ُ�ح ��كْ ��مُ مَ � ��ا حَ � َك��مُ ��وا ُح � ْ�س ��نُ ا ْل� � ��وِ َئ� � ��امِ ،وَبِ � � ْئ � � َ َي � � ��ا َل � � ْي � � َت� ��نِ � ��ي مَ � � ��ا حَ � � � َك� � � ْي � � ُ�ت ال� � � ِّ�س� � ��رَّ فِ � � ��ي عَ � � َل� � ٍ�ن ْك أعْ � � َت� � ِ�ص� ��مُ �ص� � ��دْ ُت ال� � � َّ�ش � � �و َ َي� � ��ا ل� � ْي� � َت ��نِ ��ي مَ � � ��ا َق� � � َ َل � � � � ْو هَ � � � َّب� � � ِ�ت ال� � � � ِّري � � ��حُ فِ � � ��ي غَ � � � ْل � � �وَائِ � � � َه � ��ا وغَ � � � � �وَتْ �ونَ ،ل� � � �رَفَّ � � � ْ�ت َف� � � ْو َق� � � َه � ��ا ا ْل� � ِ�ق� ��مَ � ��مُ عَ � � � َل � ��ى ا ْل� � ��غُ � � �ص� � � ِ �اه � � � � � َد ًة األح � � � � � � َق� � � � � ��ادُ جَ � � � � � ِ ْ حَ � � � � َّت � � ��ى إذَا َك� � � � � َّل � � � � ِ�ت جَ � � � ��لَّ ا ْل � � � � َه � � � �وَى ،وَسَ � � ��مَ � � ��ا فِ � � ��ي َل � � ْ�ح � ��نِ � ��هِ ا ْل � � َك� ��لِ � ��مُ مَ � ��ا كُ � � ْن� � ُ�ت أعْ � � ُل� ��و عَ � � َل� ��ى ا ْل� � � ��جَ � � � � ْوزَاءِ فِ � ��ي َق� � � �دَرِ ي �ض� � � ْ�ت َن� � ��عْ � � ��مَ � � ��اء ُه ال � � ِّن � � َق� ��مُ َق � � � � � ��دْ رِ ي أ َن� � � ��ا أ َْج � � � َه� � � َ �اك ِم� � � � � ��نَ األقْ � � � � � � � � � � � �دَارِ مَ � � ْ�ظ� � � ُل � ��مَ � ��ةٌ إِ ذَا دَهَ � � � � � � � � � َ �ك ا ْل� � ِ�ح� ��مَ � ��مُ َف� �ل� ��اَ ُت � � � َع� � ��انِ � � ��دْ ،وَإِ نْ فِ � � ��ي َق� � � ْل � ��بِ � � َ وص � � � � ْي� � � � ُ�ف ا ْل � � ��عُ � � ��مْ � � ��رِ َي � ��كْ � � ِ�ش � ��فُ � ��هُ غَ � � � � ْي � � ��مٌ َي � � ��مُ � � ��رُّ َ �س حَ � � � � ��رٌّ ،وَفِ � � �ي� � � َه � ��ا ُت� � � � ْ�ح � � � �رَقُ ال � � ِّل� ��مَ � ��مُ وال� � � َّ�ش� � ��مْ � � � ُ ُس � � � ْب� � ��حَ � � ��ا َن مَ � � � ��نْ أ َْح� � � � � � � �دَثَ األزْهَ � � � � � � � ��ا َر شَ � ��ائِ � � � َك � ��ةً األض� � � � � � � � �دَا َد َت � � ْل � � َت� ��ئِ � ��مُ ْ ُس � � � ْب� � ��حَ � � ��انَ مَ � � � ��نْ َق � � � � � � � َرّبَ * شاعر من المغرب.
70
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ρρنازك اخلنيزي*
سيدي أضلُعي نذ ٌر يمشي حثيث ًا بين ْ اليقين ِ مراكب ِ المسافات في ِ يعبرُ يخفي تحتَ ردائِ هِ ، عضها الملحُ انشطا َر آللئ ّ تختصرُ رحل َة العودةِ كحلم يشدو ٍ الغيب ِ يبُحرُ في أسئلةِ َشهب ك ٍ تتساقط على محاجرِ المساءِ ُ قبلَ ارتعاشةِ المطرِ في قعرِ زجاجةٍ تعتكف على صدرِ الطلّ ُ وقتَ السحرِ وحشودُ الجوى ***
الحزن ِ فأقسمُ بأني أولُ جفن ونجمٌ في ٍ يلملمُ أشال َء أوردتي نسيم ال َّل ْيل َِك ِ ويهيمُ مع جديد ٍ فتعلو األنغامُ من صوتُك هو المفقودُ على ثغرِ الوردِ وعين الفجرِ ِ
والليالي العشرِ متلبس ٍ ودمع ٍ يُ بـلِ لُني الصمت ِ من جحودِ يَغزلني الحلق ِ سقف ِ كشهقةٍ عالقةٍ في النزف ِ بلغةِ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
در ِ الب ِ آلل ُئ َ
***
أَختا ُر تاريخاً ،لميالدي ال ينتمي رغيف الصبرِ َ يقاسمني أرى فيه ما يرا ُه العاشقون أوشمُ ه في قلبي وفي أبهى عناويني أبسط كفّ ي، َ الشمس ِ خيوط ِ نح َو اخترت صهوتها ُ التي واألفالك نازفةً ُ وحولَه الريحُ الغيمُ يبني لعطاشى الطيرِ حاضنةً الظالل ِ فوقَ وزوايا يَكبرُ فيها السؤالُ الشوق ِ تقترف إث َم ُ أريجها إلى ِخلوتي ُ يعرجُ النرجس ِ فيرتوي شاطئُ وذاكرتي
* شاعرة من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (71 )2016
أنثى األساطير ρρحليمة الفرجي*
تطل من أطراف حلم تتوسد ثقب الليل ّ تروي للمساء حكايا انكسار عاشقين خاطت لهما من األحالم رداءً يقيهم عطش الليل وجفاء السماء.. تمدُّ يديها ليروا بوسط كفيها نور الظالم وبقايا شمس.. أحبت قمرً ا ضريرً ا منحته عينيها ليبصرها وحين رأى النور منح للنجوم قبلة في غفلة الليل حين انكسار أهدت قلبها للخريف ليحملها * شاعرة من السعودية.
72
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
خلف أحضان عابرة تشتت كأوراق خريف يابسة تالعبت بها الريح لتستقر كأسطورة داخل كتاب رسمت على غالفه فتاة بضفيرتين ذهبيتين بطرف صدرها خواء تمر من خالله فراشات ملونة تحمل قناديل حمراء وقد خضبت كفّ يها النعاس ُ بلون شمس أنهكها تلقي عليها النظرة األخيرة قبل الرحيل وقد رسمت مكان عينيها صور َة قمر ضرير لترى الليل..
ρρأحمد منر اخلطيب*
وض� � � ��اءُ روحُ ال � �ق � �ص � �ي� ��دةِ ح� �ب ��ره ��ا ّ أص� �غ� �ي � ُ�ت ل �ل �م �ع �ن��ى ال� ��مُ � �ب� ��رَّ دِ غ �ي �ل��ةً ال ُح� � ْل� � َو ي �م��رقُ ع �ب��ر س� � ّن ��يَ ،ح �ص��رمٌ ورق ،وأَروع ش ��اع ��رٍ �ان م� ��ن ٍ ش� �ف� �ت � ِ �ف غ�ي�م��ةً �س ل �غ��ةً ل �ي �ق �ط� َ ل ��م ي �ح �ت �ب� ْ �روف مُ � �ع� � ّل � ٌ�ق ف ��ي ع�ي�ن��هِ �ش ال � �ح� � ِ رم � � ُ �س ده� � �ش � ��ةً ت� � �وّاق � ��ةً م � ��ا ك � � ��ان ي� �ح� �ب � ُ ل� �ك� � ّن ��هُ ف� � � �رَط ال� �ح� �ن� �ي ��نَ وق � � ��ال ل��ي ق� �ل � ُ�ت :ال �ش �ه ��و ُر م �ض��ا ُن �ه��ا م�س�ل��وق��ةٌ �ك ،أو ت �ج��يءُ لتهتدي تمشي ل�ت�ف�ت� َ �ون ص� � � � � ��ورةٌ م� �ق� �ل ��وب ��ةٌ م� � � ��عْ ك� � � ��لّ ل� � � � � ٍ ُت �غ��ري ال �س �ح��ابَ ،ت� ��دو ُر ف��ي أكنافها وال � �ل � �ي� ��لُ يُ � �ص� �ب ��حُ ه � ��ادي� � � ًا وم� �ب� �ش ��ر ًا سيفلت م��ن م�ع�س� َك��رِ هِ الجوى ُ وك�م��ا وإذا ان�ت�ق�ي��تَ ال�ع�ش��بَ أص �ف � َر فاقع ًا روحُ ال �ق �ص �ي��دةِ ل� ��نْ ت �ه��لَّ ك ��مَ �ر ِْج � ٍ�ع �اس� � ِ�ل غ� �ف ��وةٍ ح� �ي� �ن� � ًا َت � �ق� ��رُّ ع� �ل ��ى ت � �ن� � ُ �اب ح �ي��ن ُخ � ُّل��وه��ا �ارض األس � �ب� � ُ ت� �ت� �م � ُ وألنّ َص � � ْل� ��بَ ال � �ع� ��ودِ ب �ع��د ن �ح��ول��هِ السبيل وإنْ تكُ نْ ِ قص ِد ُشجيك عن ْ َ ت وت � � ��ردُّ أف � �ن� ��ا َن ال �س �ن �ي� ِ�ن ع �ل��ى دُ م � � ً�ى �ول ج��ري� َده��ا ت�خ�ت��ا ُر م��ن ب�ي��ن ال �ف �ص� ِ �وب مُ �ح� ّ�ط��مٌ �ك وال� �ه� �ب � ُ �ض� َ ف �ت �ج��رُّ ب �ع� َ
ومُ � � �س� � ��ال� � ��مٌ إنْ ل� � ��م ت � � �ل� � ��د ُه ن � �س� ��اءُ وه �ت �ك� ُ�ت س �ت � َر ال �ص �م� ِ�ت ي ��ا ش �ع��راءُ ث � � � ��جّ ال� � � � �ن � � � ��وا َة ف � � ��أب � � ��رقَ اإلي � � �ح � � ��اءُ ه� � � ّز ْت � ��هُ م� ��ع ش � ��مِّ ال � �ن� ��دى ال� �ش� �ق ��راءُ ب� ��ل س� ��ارع� � ْ�ت ف� ��ي ح �ب �س��هِ ال � �ع� ��ذراءُ ول �ع �ي �ن��هِ ت� �س ��ري ال� � ��رؤى ال �خ ��رس ��اءُ ل � �ل � �ج� ��ري ،إذ ت� �ت� �ق � ّ�ش � ُ�ف األض � � � ��واءُ م � � � ��اذا ت � � �ق � ��ولُ إذا ب� � �ك � � ْ�ت خ� �ن� �س ��اءُ ف � ��ي ك � � ��لّ وق � � � � ٍ�ت أص� � �ل � ��هُ ال � �ح� ��رب� ��اءُ �اس ت�ض�ن�ي�ه��ا ال� �ي ��دُ ال �ح �م��راءُ وال � �ن� � ُ �س غ ��واي� �ت ��ي ال� �ص� �ح ��راءُ ف �ي �ه��ا ت� �م � ُّ �راب ظ� �ب ��اءُ ف� �ت� �خ ��رُّ م� ��ن ع � ��دم ال� � �س � � ِ �ك ال� � ّرض ��ا اإلص� �غ ��اءُ �وح ل ��و ه� � َت � َ ل �ل �ب� ِ �ك األع� � � � ��داءُ �دب أن� � � ��تَ وح� � ��ول� � � َ س� � �ت � � ّ �ك وال� �خ� �ط ��ى ع ��رج ��اءُ ه � ��ذا غ � ��رو ُب � � َ ف ��ال ��ري ��حُ ي� �ح � ِ�س � ُ�ب وق� � َت� �ه ��ا األك� �ف ��اءُ وع � � �ق� � ��الُ ح� � �ب � ��رِ ال � �غ� ��اف � �ل � �ي� ��نَ ب �ل��اءُ م � ��ن غ � �ف � �ل� ��ةٍ ،وت � �ه� ��اج� ��رُ األع� � �ض � ��اءُ َي � �ق� ��وى ،ف � ��أمّ � ��لْ ،م� ��ا ت � ��رى ال� ��ورق� ��اءُ �وج� � ��زُ ن � � ْب � � َع� ��هُ ال� � �ج � ��وزاءُ ك ��ال� �ن� �ه ��رِ ُت� � � ِ �ك ال� ّ�س �ح �ن��اءُ أل �ق � ْ�ت ع�ل�ي�ه��ا ال �م �س � َل� َ �ك ،ق ��د ب� ��دا اإلغ� � ��راءُ وت � �ق� ��ولُ :م �ه � َل � َ م � � ��اذا س� �ت� �ك� �ت � ُ�ب؟ وال � �ص � ��دى ح � � �وّاءُ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
جريد الفصول
* شاعر من األردن.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (73 )2016
رثــــــــــــــاء ρρعمر بوقاسم*
هادئاً، أكون، ومتسامحاً، في الصباح، مع ضجيج السيارات بـ« ..باب مكة» هذا المسمى الشعبي والشائع ،لمنطقة البلد األكثر حيوية بمدينة جدة، تتحرر من قيود شمال هذه المدينة، والمباني ذوات الواجهات الزجاجية، والمحالت التجارية التي تحمل أسماء ماركات عالمية.. وإشارات المرور التي تشغلك باللوحة اإللكترونية وبالعد التنازلي لتمنحك لحظة االنطالق.. الموالت الضخمة التي أخشى المشي على بالطاتها الالمعة، الكباري العمالقة التي تشعرك وكأنك نقطة في لعبة المتاهة، في الثانية عشرة من عمري كنت أحرص على اقتناء «مجلة ماجد» من أجل أن ألعب 74
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
لعبة المتاهة!!.. تتحرر من كل هذه القيود ،وأنت بـ «باب مكة»، وأنت تقف وسط غابة من السحنات الهندية والعربية واإلفريقية والشرق أسيوية.. «نداءات الباعة» ،نعم ،نداءات الباعة.. تقودك إلى عمق السوق الممتد على رصيف ملتو، الرصيف الذي يلتصق بعتبات البيوت «العجيبة» منذ مائة عام أو أكثر، البيوت ذات الرواشين واألبواب الخشبية العمالقة، ويرافقك إلى أزقة ضيقة، األزقة الضيقة هي نفسها السوق ،حيث تصطف المحالت ،بعشوائية، دون أن تربكك تفاصيلها،.. بل على العكس تماماً، منتشيا ،تكون ،بهذه العشوائية، ومنتمياً ،لتفاصيلها التي تدهشك ،حتماً ،وإن لم تجد لها تفسيرا!!.. ه��ذه العشوائية ،قد تحرك الحنين ،كامالً ،الحنين ال��ذي يقود ال��روح ،بخصائصه الغيبية ،إلى مكة ..وأقصد مدينة مكة المكرمة ،إلى أزقة حارة “دحلة حرب” ،التي كانت تنبت على ذراع جبل المدافع العمالق، «دح �ل��ة ح ��رب» ،ن�ع��م ،ك��ان��ت ،!..وه��ي إح ��دى ال �ح��ارات ال�ت��ي ي�ت�ك��ون منها ح��ي ج��رول التاريخي «بئر طوى ،مسجد القبة ،جبل أبو لهب ،قصر الوزير عبداهلل السليمان، مكتبة الحرم القديمة ،القشلة ،جبل الكعبة ،المعصرة» ..كل ه��ذه المعالم أرواح سكنت مكانها ،لماذا أقول :أرواحا؟! ...،ما تم إزالته من هذه المعالم مات مكانها..، موتا حقيقيا ،نعم ،مات مكانها موتا حقيقيا ..وال أع��رف كيف أكمل هذا الحنين الذي يقود الروح ..ويقود الروح ..ويقود الروح ..ويقود الروح ..ويقود الروح ..ويقود الروح ..ويقود الروح.. * شاعر وكاتب من السعودية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (75 )2016
يغـرق الـصباح
ن�����ص�����وص ش����ع����ري����ة ρρهدى الدغفق*
يتدفق نهر الشمس.. يصبّح وجنة فالح.. يطرق بابا، يقف طويال. يمضي للباب اآلخر، يتمهل حتى سابع باب يغفو النهر.. واألجساد مغلقة يصحو النهر.. رصيف.. جدران.. باب.. ...يوميا أرقب ذاك المشهد.. عين ونور ال يرى
عين أطلت في التمزق ..إنني سأطل منها قلب تفطر بالتوجع إنني سأكونه نور تصاعد دون مائدة فمات قمر تدافع في األحبة ثم صبحهم كيف صاروا كيف كان الــوهــــم
(الطريق طـ..و..ي ..ل).. قال ذلك لم يحتسب. كان يصغـر.. والوهم يكبر.. والطريق يـ..ط ..و ..و..و ..ل... * شاعرة من السعودية.
76
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
املدينة التي أمضيت فيها الفترة العظمى من شبابي،يف اململكة العربية السعودية و ُأ ِك ُّن لها وألهلها فائق احملبة واالحترام.
السنُونُ بنا ِسرَاع ًا لقد مَ َض ِت ِّ َك� ِ�م � ْث� ِ�ل ال � َّ�س ��اعِ أو عَ ��دِّ ال � َث��وان��ي وعَ � � ��ا َو َدن� � ��ا ال��حَ �ن �ي��نُ إل� ��ى بِ �ل��ادٍ و َن ��ازَعَ �ن ��ا ال � ِ�ف ��راقُ إل �ي� ِ�ك ث��ان��ي
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
شكرا سكاكا
�اص � َر ب��ي َزم��ان��ي سَ �ك��اك��ا ق��د َت � َق� َ وَحَ � ��قِّ ِم� � َن� �ز ِِّل ال� َّ�س � ْب� ِ�ع ال��مَ � َث��ان��ي
فقد ِع ْشنَا من النُّ عْ مى ُضرُ وب ًا وحَ ��قَّ ��قْ �ن��ا ال� � َرغ ��ائ ��بَ واألم ��ان ��ي عَ � � ��زي� � ��زٌ أن يُ � � �ف � ��ارِ َق� � �ن � ��ا ع ��زي ��زٌ �ف بِ ��مَ ��نْ يُ � �ف ��ارِ قُ كُ ��لَّ ش��ان َف � َك � ْي� َ
ρρنزار اخلطيب*
َف � � ُ�ش � ��كْ � ��ر ًا ل� �ل� �ب�ل�ادِ وق��اط �ن �ي �ه��ا �ول ول �ل �م �ب��ان��ي وش � �ك� ��ر ًا ل �ل� ُّ�س �ه� ِ �ال ول � �ل � �ب� ��راري وش � � �ك� � ��ر ًا ل � �ل � � ِّت�ل� ِ �ان وش � �ك� ��ر ًا ل �ل � َّن �خ �ي� ِ�ل ول �ل� ِ�ج � َف� ِ الل َت ��فُ ��وحُ ِع� ْ�ط��ر ًا وش� �ك ��ر ًا ل� �ل ��دِّ ِ �ان �داح ولِ � � ْل � � َب � �ن � ِ وش� � �ك � ��ر ًا ل � �ل� � ِ�ق� � ِ وش� � �ك � ��ر ًا ل �ل��إِ ل � ��هِ أَجَ � � � � ��لَّ ُش� ��كْ � ��رٍ يُ ��حَ � ِّ�ط��مُ كُ � ��لَّ ب��الِ � َغ��ةِ ال�م�ع��ان��ي ألي� ��ادي َف� ُ�ش��كْ ��رُ اهللِ ِم ��نْ ُش��كْ ��رِ ا َ الجودِ من طَ ب ِْع الجَ ب َِان وَكُ فْ رُ ُ وأ َْح� ��سَ � ��نُ م��ايُ � ِ�س � ْي��غُ ل � َن��ا َودَاع� � � ًا لوب بذي المَ عَاني مُ قا َبلَةُ القُ ِ سَ � �م ��اح� � ًا ي ��ا أ َِح� � َّب� � َت� �ن ��ا سَ �م��اح � ًا �واض��عُ والتَّ فاني َاك هو ال��تَّ � ُ َف� �ذ َ
* شاعر سوري مقيم في سكاكا.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (77 )2016
َأنَّ ُة َو َج ٍع
إلى بهجة الدنيا التي رحلت...
ρρسليمان العتيق*
ساعديك َ أرِ حْ
نعي َم التصافِ ي
على متن ِ ليل ٍ
وطيبَ التساقِ ي
ـاصرُ ُه الوجدُ في كل ِ حالْ يُ خ ِ
المسرات ِصرف ًا حَ ـاللْ ِ شربْنا
جناحيك َ وأرسلْ
ِبت من الدهر ِ عَ جـ ُ
ُروب عـنـ َد الغـ ِ
كيف استدار؟ َ
ي َُحـطان ِ فوقَ غُ صون ِ الخيالْ
وبـد َد أ ُ نـسـ ًا
وأسـق ِ الظمأ من الذكريات ِ ْ
وأظـلـ َم دارًا
ِك واالرتِ حـالْ تراجي َع حـُزنـ َ
وفجـ ّ َر دَمْ عـ ًا على الخ ِـد سالْ
وكفكف دموعَ َك ْ ِغبَ الشروق ِ
أيا شج َر الخَ وخ ِ
ليَهْ ِمي الغَمامُ
كيف شربْتَ ؟ َ
ي َُحـط ُالحَ ـمامُ على شجر ِ التين ِ والبُرتـُقالْ ***
بهـا َء الزُ هـور ِ ورُو َح الجَ مالْ ؟ ويا طائر الدوح ِ كيف طربتَ ؟
نومها تنهض من ِ ُ تباريح َك ُ
وكيف وكيف يكونُ السؤالْ ؟
وتـَتـْلـُو القصائـ َد في يومـِها
وتِ ـلـ ْك التي قدْ ألهَـمـَتـ َْك
وتـنـثـرُ كلَ أماني الوصـالْ
أغان ِ المحبـةِ ،قدْ أنشَ ـ َدتـ َْك
لقـيْـنا بـهِ سقى اهلل ُ دهـر ًا ِ
خلف التـِاللْ ؟ َ يـُغـَيِّـبُها القبرُ
* شاعر من السعودية.
78
***
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ρρوعد العمري*
كان يشبه براءة المطر
كان قلبك كالبيت العتيق
كان يزين المكان بالذكرى
لم يحو ضوءا غير ضوء القمر
عطر كانت فيه روح البحر
محاطا بالشجر
مملوءٌ بالغرقى
كنت أنا القروية البسيطة
عطرٌ كان عطرك..
بثوبها األحمر الطويل
كان فيه قلبك
تقف على النافذة
وصوتك..
حتى تظهر..
تنبؤ مجيئك ..والتفاتات البشر
ومن عينيها،
عطر كان يسكر الموتى
تعرف كم بات الشوق فيها والسهر
تلذذ بعذابي..
لوّحت لك..
لما شكوت القهر
ولم تقل لك انتظر!..
كان يحاورني
كان كل شيء فيها يقول لك ابق..
هل نسيت؟
من ارتعاشة يدها إلى دمع عينيها
هل بقي؟
وتعثرها بثوبها ..األحمر
أم رحل؟
عطرٌ كان عطرك
في العطر هذا
لم تنسه ذاكرة قلبها
كنت أنا وأنت
ولم تختر الرحيل
لم أكن ذكرى
لمّ ا قالت لك اختر..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
عطر..
* طالبة -جامعة الطائف.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (79 )2016
د .عبداهلل الصالح العثيمين يرحمه اهلل -ρρد.عبدالرحمن الشبيلي
عندما أعود لجذور المعرفة التي جمعتني بالراحل ،وهي قد تسبق زمالة أغلب َم��ن عاصره في جامعة الملك سعود أو في اسكتلندا ،أجدها تعود إل��ى صفوف المدرسة العزيزية األولى في عنيزة ،التي ضمتنا مع ًا قبل ستين عام ًا ونيّف ،مع اختالف بسيط في فصولنا ،وأشعر أن تلك األسبقية تفرض عليّ واجب ًا إضاف ّي ًا للمشاركة. في تلك السنواتّ ،ظ َلل َْت مدرستنا أبوة مرب َييْن عظي َميْن بقي اسمهما ورسمهما يتوّج تاريخ التربية والتعليم في المدينة ،وهما األستاذان صالح بن ناصر الصالح، وشقيقه عبدالمحسن ،ومعهما في مجتمع المدارس الرائدة عبدالعزيز الدامغ، وحمد الشريّف ،وعلي السيوفي ،ومحمد الخليفي ،وسليمان الشبل ،ومحمد المطوع ،وعبداهلل العلي اليحيى ،وعبدالرحمن البطحي ،يرحمهم اهلل. وجمعتنا تلك الحقبة أيضاً ،بنماذج عديدة من المدرّسين ،من بينهم على سبيل المثال أساتذة كبار ،كنا منذ تلك األيام نستشعر بوادر الوطنية واإلخالص
80
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ف���ي ن���ب���رات تنظيمهم وإس��ه��ام��ات��ه��م التعليمية ،وه��م -على سبيل المثال- عبدالرحمن الصالح العليّان ،وعبداهلل العرفج ،وعبداهلل العلي النعيم ،حفظهم
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
اهلل ،من قادة الحركة التعليمية فيها ،وتبني م��ش��روع��ات إنهاضها الثقافي والتنموي والتعليمي ،فكان من مبادراتهم أن سبقوا تحت أضواء مصابيح الكيروسين (األتاريك) بإقامة ال��ن��ادي األدب��ي (1372ه����ـ1952/م) ُؤجج ال��ذي ك��ان مُشعِ ل النبوغ الفكري ،وم ِ الشعور الوطني عند الشعراء بخاصة. وفي أحد منعطفات سوق المدينة المكتظ بالبيع والشراء حتى وقت الغروب ،كنّا نلحظ فتىً في ريعان الشباب يخرج من منزله، يخترق جموع ال��ن��اس ،ي��ت��ردّد على الجامع الكبير ،ليتابع حلقات الشيخ عبدالرحمن السعدي بانتظام ،جنباً إلى جنب مع أقرانه م��ن طلبة العلم م��ن ك��ل األن��ح��اء المحيطة بالبلدة ،وهكذا قدّر لشقيقه الشيخ محمد ابن عثيمين أن يح ّل محل الشيخ ابن سعدي في إمامة الجامع والتدريس فيه بعد وفاته عام 1376هـ ،وكنا كثيراً ما نحضر دروسهم قبيل العصر ،ونشهد كاتب الشيخ السعدي، الشاب عبداهلل السليمان السلمان يحفظه اهلل ذَا ال��خ��ط الجميل ،ي��ج��ول ف��ي حركة وابتسامة دائمتين ،يوزع وقته بين مالزمة الشيخ ابن سعدي وأداء واجباته التعليمية.
المتمثل في اغتصاب فلسطين ،واحتالل
الفرنسيين للجزائر ،وبوادر مشكلة البريمي، والعدوان الثالثي على مصر ،وهو ما جعل
الشعراء الشباب ينخرطون في نظم قصائد
ثورية تضاهي ما كان يقوله شعراء فلسطين،
والجزائر ،وال��ع��راق ،ومصر ،وب�لاد الشام وغيرها.
م ّر في مسيرة حياته التعليمية بتحوّالت
ع��دة ،من بينها ال��ت��ردد في اختيار مساره التعليمي ال���ذي يستهويه ،أو االن��خ��راط
في تلك األجواء ،عاش معظم أبناء جيله في مهنة وال��ده وأعمامه (البيع والشراء)، ممن لم تجتذبهم الهجرة أو ال��ن��زوح ،بين ومنها الفصل من المعهد العلمي لنشاطه منشغل بالدراسة أو بالتجارة أو بالزراعة الفكري ،ثم من الجامعة بسبب مقال انتقد ٍ وال��ح��رف المختلفة ،وك���ان مثل كثير من فيه مناهجها ،وقد تغلّب على تلك الظروف الشباب المتفتّح ال��ق��ارئ ،يتنازعه شعور بعزيمته .ومن المفارقات أنه أصبح عضواً غامر من الحزن مما تعانيه األمة من الظلم في لجنة إصالح المناهج في وزارة المعارف،
اجلوبة � -صيف 1437هـ (81 )2016
وإن لم يتمكن فيها من إفراغ كل ملحوظاته أستاذه د .عبدالعزيز الخويطر ،وتنفّس عبر عليها ،نَ ِ��ج��د اإلش���ارة إل��ى ه��ذه التحوّالت رئ��ات وطنية ثَ�َلَث :من العروبة بمفهومها وغيرها فيما كتب عنه من مقاالت أو مراثي ،ال��ق��وم��ي ال���ذي ال ي��ت��ج��زّأ ،وم���ن فلسطين إال أنه في حدود ما أعلم ،لم يخلّف سيرة بإصرار العودة الكاملة لألرض المغتصبة، مطبوعة. ومن مسقط رأسه عنيزة بعاطفته وخلجات
وبالرغم من تلك المنغصات ،يُ��رى أبا نفسه ،وثار في إبداعه الشعري على ثَالثية صالح مبتهجاً دائ��م��اً ،قريباً من رب��ه ،ب��اراً الجهل والتخلّف واالن��ه��زام ،وت��د ّث��ر بثالثة بوالديه ،سعيداً بحياة أسرية مستقرة مع لُحُ ف :البساطة والموقف واإلب��اء ،وله من ابنة عمه ،ينشرح ص��دره لمفاتن مدينته ،رصيد التأليف ثالثون ديواناً وكتاباً ..حظي ويطرب لكلمة إطراء فيها ،أو لسماع مقطع تاريخ وطنه وحياة ف��ارس التوحيد (الملك ال��م��ؤس��س) بالنصيب األوف���ى منها ،لكنه من سامريتها. مدخل منذ صغره ،وبعد اغتصاب فلسطين وثورة ٍ قصدت من تلك المقدمة إعطاء
يصوّر أج��واء طفولته ،وبيئة نشأته ،ونشأة الجزائر القضيّتين اللتين وعاهما بوجدانه، ُصة يتجرّعها جيله من الشعراء عبداهلل الجلهم ،ومحمد كان يروح ويغدو وفي حلقه غ َّ الفهد العيسى ،وعبداهلل الحمد القرعاوي ،قهراً وألـماً من وضع محيطه العربي ،قال ومقبل العيسى ،وعبداهلل الحمد السناني ،قبل ستين عاماً نثراً وشعراً ،يُـقرأ فيه واقع وصالح األحمد العثيمين ،وإبراهيم الدام ،اليوم: وعبدالعزيز المسلّم ،ومحمد السليمان يا أخي ،إن كبّلوا األحرار ظلم ًا بالسالسل الشبل. ورموا في السجن عسف ًا كلّ قوميٍّ مناضل الشيب واألطفال تُرمى بالقنابل احتفى به مجتمعه تكريماً واحتراماً ،ورأيت ِّ
82
وظ�� ّل استحقاقاً ي��ت��ج�� ّدد ،فهو ف��ي الشعر ناصية ،وفي التاريخ ثبتٌ وموضوعيّة ،وفي التحقيق العلمي أستاذ ،وفي الوطنيّة إباء ورمز ،وفي معيار البساطة مقياس ال يتغيّر، وه��و المرجع المعتمد والثقة في التاريخ المعاصر ل��ل��ج��زي��رة ،وف��ي س��ي��رة الموحّ د (الملك عبدالعزيز) نهل من ثالثيّة أصيلة؛ مدرسة ابن صالح في بلدته ،ومن فقه شقيقه الشيخ محمد ب��ن عثيمين ،وم��ن تخصص اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ورأي��ت الطغمة الحمراء تغتال األرام��ل وم�ض��ى يُ معن ب��اإلره��اب س��فّ ��احٌ مُ خاتل واإلرهاب زائل ُ ال تخف فالحكم حكم الفرد
ك��ان الراحل -المولود ع��ام 1936م -
أس��ت��اذاً للتاريخ ف��ي جامعة الملك سعود
بالرياض ،وصار عضواً في مجلس الشورى، وأميناً لجائزة الملك فيصل العالمية التي ودّعته بإجالل يليق به في حفلها األخير في
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
الشهر الفائت ،وكان كثيراً ما يفاجئ محفلها
وطنه وعشيرته ،ومسكون ب��أزم��ات أمٌته، ح��اض��ر ال��ب��دي��ه��ة ،ع��ف��وي ال��ت��ع��ام��ل ،بسيط المظهر والمسكن والمأكل ،ال تغادره الكلمة ال��م��رح��ة وال القصيدة ال��م��ازح��ة ،يحبكها فصيحة ،أو ينظمها تفعيلةً ،أو يقولها نبطية، وإن شاءها فتارة قوميّة ،وأخرى وجدانيّة، وثالثة حميم ّيةً.
يتمكّن م ّر ًة من اإلتيان بما يريد قوله ،فنظم
ارت��وى -كما سبق -من معين شقيقه (ال��ش��ي��خ محمد العثيمين ال��م��ت��وفّ��ى ع��ام 2001م) وتأثّر به ،وحافظ على إرثه وتراثه، وصار مجم َع األسرة من بعده ،واألمي َن على سمات الزهد والصالح في سمعته ،والتزم في عدد من كتاباته بتوضيح ما نُسب للوهابية من مفاهيم مغلوطة (وكان الموضوع عنوان رسالته للدكتوراه 1972م) ،وألّ��ف وترجم في تاريخ ال��دول��ة السعوديّة ،واؤت��م��ن على تدوين سيرة الملك المؤسّ س ،وعلى رصد
بقصيدة من نظمه تناسب الموقف لتقديم أح��د ال��ف��ائ��زي��ن ،وتُ��ط��اب��ق أب��ي��اتُ��ه��ا الحدث
والظرف ،وتلتزم قافيتُها بذكر اسم راعي الحفل أو ب��اإلي��م��اء للشخصيّة المكرّمة، وتكون من الجزالة والرقّة ما يجعلها ِحليـ ًة من حُ ليّ الحفل وخريدة مشوّقاته ،لكنه لم
قصيد ًة مطلعها:
ل��و ي��رح��م الشعر أم�ث��ال��ي لوافاني �ول وت �ب �ي��ان��ي ب� �م ��ا ت � � � ��ودّون م� ��ن ق � � � ٍ ألرس��م اللوح َة النشوى ،مجنٌ حةً م �ع � ّب��ر ًا ع��ن أح��اس�ي�س��ي ووج��دان��ي لكنّ شيطانه استعصى وف � ّر على شهباء عاصفةٍ من مربط الجان وه��و ،مع هيئته ال��وق��ورة مت ّي ٌم في حب
اجلوبة � -صيف 1437هـ (83 )2016
قصة توحيد هذا الكيان ،وعمل على تفنيد االجتماعي بعنيزة قبل اثني عشر عاماً ،وبثّ
بعض أخطاء المؤرخين والمستشرقين بشأن فيه مشاعر ال تغيض وال تنقطع ،مستذكراً تأسيسه ،وق��د غلبت تاريخ ّيتُه شاعر ّيتَه ،مراتع الصبا وم��راب��ع الشباب ،ومستعيداً
حتى صار المجتمع ينظر إليه مؤرّخاً أكثر ذك���ري���ات م��درس��ت��ه وم���د ّرس���ي���ه وأق���ران���ه، منه أديباً وشاعراً ،مع أن الشعر عنده هو وحلقات الكتاتيب وال��م��دارس ال��رائ��دة في األساس منذ أن ترجم له كتاب «شعراء نجْ د التعليم الحديث ،وأسواق المدينة وحياتها، المعاصرون» لعبداهلل بن إدري��س قبل ستة وأي��ام العيد فيها ،ون��دوات الثقافة الرائدة وخمسين عاماً. وديوانيٌاتها ،ونزهات النفود وكثبان الرمال حظي مسقطُ رأسه -عُنيزة بالقصيم وغ��اب��ات الغضا ووادي ال��رم��ة ،ومنتديات بنسبة م��ن قصيده ال��وج��دان��ي الجميل،وخصها بكثير من كتاباته ،وال غرابة في السمر ،عبّر عن ذلك في العديد من مقاالته ّ األمر ،فهو ينظر إليها نظرة المُغرم ال َولِه ،وقصائده ،وك��ان من أشهر مطوّالته عنها، يفضلهاإلجازاته ،فهو ال يكاد يغادرها حتى تلك التي كتبها -ول��م تكن األق��دم -عند ّ ينازعه الشوق للعودة إليها ،وال أخالُه يغيب عودته من البعثة عام 1972م قال فيها: عنها مهما ك��ان��ت األس��ب��اب ،وال يقارنها بضيْعات لبنان ،وال يبادلها بريف «أدنبرا» التي درس فيها ،فهو يتغزّل دوم��اً برباها
وببساتينها ،ويستم ّد منها كثيراً من الصور
حبيبتي ،أنت يا فيحاءُ ،ملهمتي
م��ا خ� ّ�ط�ـ��ه ق�ل�م��ي ش �ع��راً ،وم��ا كتبا وبعد؛ يقصر المقام عن تعداد مؤلّفاته
الذهنية الزاهية المختزنة في ذاكرته منذ التاريخية وقراءة شعره ،لكنّ مَن يتجوّل في الصغر عن النشأة والطفولة فيها ،والعادات دواوينه العشرة ،وفي كتبه الثالثين ،يجد أن
والتقاليد ،ويحفظ ما قيل فيها وعنها من القضية العربية قاس ٌم مشترك ،استحوذ على أش��ع��ار ،وإن سُ ئل عن فنونها فهو الخبير همّها األكبر منذ الصغر وحتى اليوم ،وأن بضروبها وعَ روضها وأوزان��ه��ا ،وبجلسات أسَ فَه على واقع األمة المعاصر يشكّل غمّه الحوطي والناقوز وال��س��ام��ري ،وه��ي التي وقلقه ،وأن تطلّعه لإلصالح االجتماعي في اشتهرت بصنوف وأل��وان تراثية برعت بها وطوّرتها وأج��ادت تطبيقاتها ،وقد يشارك الوطن العربي كان الشاغل األبلغ لخاطره، هو أحياناً في الترنّم بـفن (اللعبونيّات) ،وقد في شعر وجداني أصيل ،وكتابات ال تنقصها خصص لعنيزة كتابه الثامن والعشرين «أنت الفصاحة والصراحة ،عبّر فيها عن خلجات ّ
84
يا فيحاءُ مُلهمتي» ،أصدره مركز ابن صالح النفوس المكلومة بالواقع العربي األليم. اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
الشاعر والكاتب السعودي
حسن السبع عندما يسقط القلم من يدي سأقول ما قاله كازنتزاكي« :لم أتعب ولكن الشمس غربت»!
شاعر وروائي يَعْ بُرُ منعرجات الكتابة بتأنِّ وصبرٍ ومكابدةٍ ومجاهدة ،يعثر على شجرة أنسابه الشعرية من القصيدة التي يكتبها بحذر شديد ،وبفتنة مدهشة. بسحر يمتلك المتلقي للتقاطعات الجوهرية في نصه الشعري الذي يجمع بين ما هو تراثي وذاتي ،تخييلي وواقعي ،يوْمي ونوستالجي ،كأنك تذهب معه مرتاح ًا في سياحةٍ إبداعيةٍ ألرخبيالت القصيدة والرواية لتكشف خبايا الجمال واإلبداع؛ إب ��داعُ ي�ق��ودك لطمأنينة ال��روح والقلب وال��ذاك��رة .مسكونُ باألمكنة والذكريات الطرية في بهو مخيلته ،ومغرم بالشخصيات التاريخية التراثية التي كانت مؤثرة في التاريخ اإلنساني ..إذ وظفها بنجاح وذكاء في روايته «ليالي عنان». حوار خص به مجلة الجوبة منذ البداية ليترك للقراء فسحة نقية لالطالع على عوالمة في اإلبداع والكتابة والحياة. ρρحاوره د .أحمد الدمناتي
اجلوبة � -صيف 1437هـ (85 )2016
¦ ¦ ُت�ع��د األمكنة م��ن األس��س المهمة لبناء
لصار المكانُ القديمُ أَزْهَ ى وأنضرْ».
ال� �ع� �م ��ل اإلب� � ��داع� � ��ي؛ ك� �ي ��ف ت �ح �ض��ر ف��ي ¦ ¦ه��ل م��ن ذك��ري��ات ال تُنسى م��ع الشاعرين نصوصك الشعرية ،وعالمك الروائي؟ ال ��راح� �ل� �ي ��ن غ� � ��ازي ال �ق �ص �ي �ب��ي وم �ح �م��د ρ ρاألماكن كاألشخاص في الخفة والثقل،
الثبيتي رحمهما اهلل؟
وال��م��رح وال��ك��آب��ة ،وال��رق��ة وال��خ��ش��ون��ةρ ρ ،لم ألتقِ بالدكتور غ��ازي القصيبي ،بل والصخب وال��ه��دوء ،واالنفتاح والتزمت، ك��ان��ت بيني وب��ي��ن��ه ب��ع��ض ال��م��راس�لات
واالنغالق وسعة األفق ،واألناقة والفوضى. هنالك أماكن واضحة المالمح وأخرى ال
مالمح لها .وتختلف العالقة بالمكان من شخص آلخر حسب االهتمامات والميول والمقاصد ،وما هو مملٌّ عند زيد ..قد ال
يكون كذلك عند عمرو.
86
اتسمت بالطرافة .سأقتبس بعض سطور من إحدى رسائلي إليه:
«أرج��و أن تغف َر لي مخاطبتك بصيغةِ
ال��م��ف��رد ،أح��ي��ان��ا ،ف��ه��و (م��ف��رد بصيغة الجمع) على الطريقة األدونيسية .ذلك أني ما زل��تُ تحت تأثير لغة وشطحات
م��ع ذل���ك ،ف���إن م��ن يُ���ز ّي���ن ال��م��ك��ان هو
الفنان ،الصعلوك ،الملياردير ،صديق
نصوصي الشعرية على النحو اآلتي:
ضمير المرحلة وصوتها ،حكيم الحكماء،
اإلنسان .وقد عبرت عن ذلك في أحد
الجميع ،طيب الذكر ،دونكيشوت العصر،
«وحَ زَمْ نا حقائبَنا لنساف ْر لهاث الصحارى ربما يختفي ُ َّات عَ دْ ٍن ونحن نساف ْر وتنبت جن ُ ُ المسافات ِ وطَ َويْنا الجهات ِ ُج ْبنَا وُ عُ و َد ولكنّنا لم نغاد ْر المكان بنا تتآم ْر ِ لم َتزَلْ وحشةُ تتكس ْر َّ واألماني العصيّةُ ِمنْ حولِ نا قد حَ َل ْلنَا مكان ًا قص ّي ًا ولكنّنا بَعْ دُ لم نتغ ّي ْر المكان إلى لحظةٍ ِمنْ ِ لو عَ َبرْنا حري َر حريرٍ القلب ِ ثم أ َز ْلنَا الرما َد الذي َترَا َك َم في
ضحية عربستان الكبرى ،البروفيسور
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
الخضيري (ب��ش��ار ال��غ��ول) ،الشخصيـة
الرئيسـة ف��ي رواي��ت��ك��م (العصفورية). غير أني لم يحالفني الحظ ،كما حالف ال��ب��روف��ي��س��ور ف��ي االق���ت���ران بزوجتين
جميلتين وفيتين مثل (دفاية وفراشة)
تخترقان بي الجدار بشكل عجائبي عند أي مأزق!
وال أك��ت��م ع��ن��ك��م س����را ،ف��ق��د أعجبت
بشخصية (دفاية) إعجابا عظيما .وأتمنى أن ال يكون البروفيسور نرفوزا وال نرفازا
وال نرفيزا ..ثم يعطيني محاضرة عن الحشمة والوفاء ،وزوجات األصدقاء ..إذ
ومرحاً ودفئاً ولحماً وشحماً من نساء
قلت في رسالتي إليه( :رأي��ت أن أبعث
الفضائيات األثيرات الشفافات».
لكم ب��ه��ذه النصوص الضاحكة كشكل
كان غازي القصيبي إنسانا قبل أن يكون
من أشكال التواصل بين روحين تعشقان
إدارياً وسياسياً وأديبا .فهو ال يغفل في تواصله مع اآلخرين أصغر التفاصيل. بعثت له عندما كان سفيراً في بريطانيا ببعض دواوي��ن��ي الشعرية ،وب��ص��ورة من مقال نشرتـ ُه بالملحق األدب��ي لجريدة
النكتة و«تقترفان» الشعر جادا وهازال). لم يمنعه تعدد مسؤولياته وتشعبها من أن يبعث باألبيات الضاحكة إلى األستاذ
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
يبدو أن نساء العالم السفلي أكثر شقاو ًة
فلفل) ،وبمجموعة من األبيات الضاحكة.
خالد القشطيني ليعلق عليها في زاويته في جريدة الشرق األوسط.
(ال���ري���اض) ح��ول شخصية واح���دة من
أما الشاعر الراحل محمد الثبيتي فهو
رواي��ت��ه (سبعة) بعنوان( :شحتة كنعان
صديق قديم ،وقد التقيتُ به كثيرا في
اجلوبة � -صيف 1437هـ (87 )2016
ال���ري���اض وج���دة وال��ط��ائ��ف والمنطقة
الشرقية .وهو قامة شعرية سامقة ،وقد أضافت تجربته إل��ى المشهد الشعري قيمة ٍ المحلي وال��ع��رب��ي نصوصاً ذات
إبداعية عالية .لكنه رحل مبكرا. ٍ
¦ ¦هل من ذكريات مع قصائد الشاعر إيليا أبي ماضي ،وخصوصا قصيدة الطين؟ ρ ρت��ع��رف��ت ع��ل��ى ع��ال��م إي��ل��ي��ا أب���ي ماضي
الشعري وأنا طفل صغير .كان أبي مغرماً
بدواوين الشاعرين أبي ماضي وبولس سالمة ،إضافة إلى اقتنائه لبعض الكتب
التاريخية والدينية .وقد عبَّرت عن تعلق ¦ ¦ما هي مصادر وينابيع قصيدتك ،خزائن الوالد بنتاج إيليا أبي ماضي الشعري في ال� � ��ذات ال� �ش ��اع ��رة ،أم ف � �ض� ��اءات ال �ع��ال��م قصيدة لي في رثائه جاء فيها:
«مَ � ��نْ ذَا س �ي �ق��رأ إ ْي �ل � َّي��ا بجلستِ نا �وال إي� �ل� � َّي ��ا س �ي �ح �ت �ف��لُ وم � ��ن ب � ��أق � � ِ
ρ ρإن النص الشعري ذات��ي على أية حال. ألنه حالة خاصة ،أو شجن خ��اص .ولو
من لـ (الجداول) جَ ذْ لى في َتدَفّ ِقها ولِ �ـ (الخمائل) ف��ي أفيائها ال��نُّ ��زلُ
بيان سياسي، لم يكن كذلك لتحول إلى ٍ
��اب ي��وم��يٍّ ع���ادي .لكن ال��س��ؤال، أو خ��ط ٍ
ومن لِ ـ (تبر) أبي ماضي وقد شَ حَ ب َْت أل� ��وا ُن� ��ه ف �ه��و ف ��ي مَ � � ْن� � َف ��اه ي�ن�ت�ق��لُ
النص من تلك القوقعة الذاتية ،أو من
هنا ،هو كيف يستطيع الشاعر أن يخرج مخاض «محارة األنا» بما فيها من أفراح
�راب) ب� � َّ�ت تسكنه عَ � � َف ��ى ع �ل �ي��ه (ت � � � ٌ ق��د هندسته ي��دٌ إزم�ي�ل�ه��ا األج ��لُ »
إنسان منسي، ٍ وأت��راح ليصبح تمزقات
الحظ أن النص قد أتى على ذكر دواوين
سلة فارغة، على ثغر طفلة ،أو خبزاً في ٍ
أبي ماضي :الجداول ،والخمائل ،وتبر
وتراب .وهي الدواوين التي تالزم الوالد كظله .وك���ان ي��ك��ره الغطرسة وال��غ��رور
88
الخارجي بكل مكوناته؟
فيتمثل دائما بقصيدة (الطين) . اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ابتسامة ٍ أو لؤلؤةٍ على جيد حسناء ،أو وكيف يحول ذلك اله ّم الذاتي أو الشجن
الخاص إلى ه ٍّم عام.
إن النص الشعري مزيج م��ن فضاءات العالم الخارجية وثقافة الشاعر ورؤيته
وقدرته على استيعاب دالالت األشياء. بشكل ٍ ف��م��ا ع��ل��ى ال��ش��اع��ر أو ال��ك��ات��ب ع��ام ،سوى أن يلتفت حوله فيجد مادة للكتابة .لكن الكتابة ال تحركها األشياء ¦ ¦حصدت مجموعة من الجوائز المحلية المحيطة بنا أي���اً ك��ان��ت طبيعتها ،بل وال� �ع ��رب� �ي ��ة ،ه� ��ل ه � ��ذه ال� �ج ��وائ ��ز ت�ص�ن��ع يحركها اإلحساس بتلك األشياء والتفاعل ال�م�ب��دع ،أم ت�ض��ع ع�ل��ى ع��ات�ق��ه مسؤولية معها؛ فوراء كل كتابة صادقة داف ُع قويٌ جمالية وإبداعية في عالقته بالمتلقي؟ يغذي الفكرة وينميها ويخرجها إلى حيز ρ ρأود أن أطمئنك أنني لم أحصد جائزة الوجود. واحدة ،ولم أتقدم لنيل جائزة ،ولي رأي ¦ ¦ه ��ل ال ��عُ ��زل ��ة ض� ��روري� ��ة أح� �ي ��ان ��ا ل�ك�ت��اب��ة ف��ي م��وض��وع الجوائز األدب��ي��ة .أتساءل القصيدة أو الرواية؟ أحيانا ما هي اآللية المتبعة لمنح جائزة؟ وح��ي��ن ي��ط��رح ه��ذا ال��س��ؤال يطفو على ρ ρوللناس في ما يكتبون مذاهب؛ لذلك ال سطح الذاكرة س��ؤال آخر عن المعايير توجد إجابة محددة عن ه��ذا السؤال. التي يتم بموجبها منح الجائزة .بديهي أعرف أصدقاء يكتبون وسط الضجيج. أن تتعدد اآلراء وتختلف في تقييم العمل عزلة وسط ٍ ونفسياً يمكن أن تكون في األدب���ي أو الفني؛ إذ ليس ض��روري��ا أن الزحام ،لك عالمك ولآلخرين عالمهم؛ يجمع أعضاء لجنة التحكيم على رأي ومن ثم ،فإن ضجيج الشارع أو المقهى ال واح��د ،فالجمال نسبي .كما أن حظوظ يشكل شيئا .هنالك عوائق أخرى تحول الناس ليست متساوية في تذوق الجمال؛ دون صفاء الذهن عبَّر عنها أحد الشعراء ولهذا نقول إن الجمال في عين الرائي. الفرنسيين بقوله« :ال أستطيع أن أكتب بأصابع مرتجفة». لم أفكر مطلقا في المشاركة كمنافس وإلي��ض��اح ذل��ك المعنى أض��اف الكاتب ق��ائ�لا« :ال أس��ت��ط��ي��ع أن أك��ت��ب وس��ط العاصفة» .ويعني ذل��ك أن االستقرار النفسي والصفاء الذهني شرطان الزمان لإلنتاج الفكري والفني ،وأن أي شكل من أشكال القلق أو الخوف كفيل بتعطيل أو ش��� ّل ال���ق���درات اإلب��داع��ي��ة .والقلق الذي أشير إليه هنا ليس قلقاً وجودياً
لنيل أية جائزة أدبية .لكن عندما اقترح عليَّ الناشر ترشيح أحد أعمالي األدبية إلحدى الجوائز ،لم أعترض ما دامت دار النشر هي التي ستتولى ذلك .قد ال تكون األعمال الفائزة أفضل من تلك التي لم يحالفها الحظ ،وأن قرار لجنة التحكيم ليس قراراً محكما ،واألمر اآلخر متعلق بقدرات أعضاء لجنة التحكيم األدبية
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
أو فلسفياً ،ألن مثل ه��ذا القلق الز ٌم لعملية اإلبداع ،لكنه قل ٌق مرتبط بظروف اجتماعية أو معيشية خاصة.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (89 )2016
والثقافية بالمملكة العربية السعودية؟ ρ ρال يمتلك اإلجابة عن هذا السؤال بثقة متناهية إال بعض (طرزانات) اإلجابات الجاهزة .ألن الكالم عن المشهد الثقافي يقودنا إلى السؤال التالي :ما هي أسباب حاالت الم ّد أو الجزر التي تنتاب الحياة الثقافية بين عقد من الزمان وآخر؟ لماذا ك��ان الضجيج الثقافي في الثمانينيات أك��ث��ر صخبا؟ وم��ا ه��ي أس��ب��اب ال��رك��ود الذي طبع الحياة الثقافية منذ منتصف التسعينيات؟
واإلب��داع��ي��ة ،ومتعلق كذلك بذائقة كل عضو. اطلعت على محاوالت شعرية ألحد النقاد فتساءلت :هل يؤتمن مؤلف هذه النصوص الهزيلة على نصوص المبدعين؟! ف���ي ب��رن��ام��ج (ب��ي��ت ال��ق��ص��ي��د) ال���ذي يقدمه الشاعر زاه��ي وه��ب��ي ،تالحظ ضيفة ال��ب��رن��ام��ج ال��ف��ن��ان��ة األوب��رال��ي��ة (أراك�����س ش��ي��ك��ي��ج��ي��ان) أن إم��ك��ان��ي��ات بعض المتسابقين الصوتية تتفوق على الناقد عضو لجنة التحكيم؛ ما يعني أن المفضول يحكم على إب��داع من هو أفضل منه.
90
¦ ¦ك�ي��ف تنظر ل �ح��راك ال�ح��رك��ة اإلب��داع�ي��ة اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
وق��د شكلت الفترة الممتدة م��ن بداية الثمانينيات إل��ى نهايتها عقداً ثقافياً نشطاً ومتحوالً ،بل منعطفاً مهماً في التجربة المحلية على المستويين النقدي واإلب��داع��ي .إذ دشنت ال��ظ��روف خالل ه��ذا العقد (ورش���ة عمل أدب��ي��ة) أكثر ضجيجاً وح��رك�� ًة وت��ح��والً وع��ط��ا ًء من السنوات السابقة أو الالحقة .ولست هنا بصدد االنتصار لعقد ثقافي على آخر ،فالنشاط الثقافي في هذا العقد ليس سوى نتيجة لمقدمات تشكلت خالل مرحلة سابقة ،كما أن هنالك أص��وات ج��دي��دة ت��ف��وق��ت إب��داع��ي��اً ع��ل��ى بعض أصوات تلك الحقبة .ولست كذلك بصدد فصل الفعل الثقافي هنا عن نظيره على مستوى الوطن أو العالم ،ألننا ال نعيش في جزيرة ثقافية معزولة .ولكن هذا ال يحول دون تميز مرحلة على أخرى
¦ ¦انتقال الشاعر من كتابة القصيدة لكتابة ال��رواي��ة ،ه��ل ه��ي استراحة ال�م�ح��ارب ،أم ت�ج��ري��ب ل�ك�ت��اب��ة إب��داع �ي��ة ت�م�ن��ح متسعا آخ ��ر ل�ل�ب��وح ب�ت�ف��اص�ي��ل ال �ح �ي��اة اليومية وجزئياتها؟ ρ ρمن العبارات التي شاعت مؤخرا أن هذا هو زمن ال��رواي��ة .وهو قول ال يزعجني البتة؛ فالرواية شكل أدب��ي عظيم ،لكن ه��ذا الوصف يصح على بقية األشكال األدبية والفنية األخرى .إذ إن كل واحد منها عظيم ع��ل��ى ط��ري��ق��ت��ه ال��خ��اص��ة. عشاق النهايات ،وحدهم ،يضيقون بهذا التجاور ،فيقولون :ه��ذا زم��ن المقامة، وهذا زمن قصيدة التفعيلة ،وهذا زمن قصيدة النثر ،وهذا زمن الرواية .وإن من يضيق بهذا التجاور أو التعدد لن يرضى ب���ازده���ار ش��ك��ل م��ن األش��ك��ال إال على حساب شكل آخر. إن أي شكل من أشكال التعبير األدبي أو الفني ال ينتهي زمنه إال إذا نضبت طاقته التعبيرية .وطاقة الشعر ال تنضب إال إذا نضبت المخيلة البشرية .هنالك شعراء طرقوا ب��اب ال��رواي��ة ،كما فعل الشاعر فكتور هوجو وبوريس باسترناك من قبل، وإذا ما كتب شاعر ما رواية ،فهذا ال يعني أن زمن الشعر قد انتهى.
وتفاصيل وتداعيات يضيق بها فضاء
التعبير الشعري ،وهذا ال يقلل من أهمية القصيدة ،وال يلغي دور الشعر .وإذا
ك��ان السرد ال��روائ��ي يتكئ على الحدث سواء كان واقعيا أم متخيال ،فإن النص
الشعري يختزل هذا الحدث ،ويخلصه
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
من حيث الحركة والعطاء ،وقد تميزت المرحلة تلك بتجاور وتماس التوجهات األدبية المختلفة ،وبتعدد العطاءات.
الرواية شكل فني يتسع ألزمنة وأمكنة
من تفاصيله الصغيرة وتداعياته ليحوله
إل��ى رم��ز أو دالل��ة ،بلغة مجازية برقية
يتسارع فيها ترس السرعة.
وإذا كنت تقصد بـ «استراحة المحارب» االنقطاع لفترة عن كتابة الشعر؛ فتلك ليست قاعدة؛ إذ يمكن للشاعر أن ينشغل
بكتابة رواي��ة ،لكن ذلك ال يشكل عائقا أم��ام كتابة النص الشعري ،كما أن��ه ال
ت��وج��د «اس��ت��راح��ة» ف��ي ع��ال��م الكتابة.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (91 )2016
إبداعية مؤجلة؟ ρ ρه��ن��ال��ك ش��ك��وى تقليدية ت��ص��ور العمل ال��ص��ح��ف��ي وك���أن���ه آف����ة ت��ل��ت��ه��م ال��وق��ت
المخصص لإلبداع ،وتبدد طاقة الكاتب. غير أن��ي ل��م أالح��ظ أن ال��ذي��ن هجروا
العمل الصحفي ف��ي الساحة المحلية صاروا أغزر إنتاجا من نظرائهم الغارقين
في العمل الصحفي .ويبدو لي أن طبيعة العمل الصحفي الثقافي تتيح للكاتب أن يكون على ات��ص��ال دائ��م بالنصوص وال���ق���راءات ال��ن��ق��دي��ة وب��ن��ت��اج الساحة
وعندما يسقط القلم من يدي ،سأقول ما قاله كازنتزاكي« :لم أتعب ولكن الشمس
غربت»!
¦ ¦تختار عناوين دواوينك بعناية بارعة ،هل هذا االختيار يكون في بداية الكتابة ،أم بعد االنتهاء من وضع اللمسات األخيرة للديوان؟ ρ ρلم أفكر أبدا في اختيار عنوان ألي نص شعري أو مقال إال بعد الفراغ من كتابته.
ولعلك ق��د الحظت أنني أخ��ت��ار عنوان
إحدى قصائد الديوان ليكون عنواناً عاماً
شريطة أن يكون عنوان القصيدة معبراً وإلى حد ما عن أجواء الديوان.
الثقافية مما يتيح ل��ه معرفة موقعه
على خارطة اإلب��داع .ويبدو لي أن ذلك االرتباط يغذي تجربة الكاتب ويثريها وال
يضر بها.
¦ ¦ك �ي��ف ت �ل��قّ ��ى ال �م �ث �ق �ف��ون خ �ب��ر اح� �ت ��واء م� �ق ��ررات ال �م��رح �ل��ة ال �ث��ان��وي��ة ل�ن�ص��وص شعراء سعوديين في منهج اللغة العربية للشاعرين السعوديين ،محمد الثبيتي، وع �ب��د اهلل ال�ص�ي�خ��ان ،إض��اف��ة لنصوص أخرى لحسن النعمي ،وجبير المليحان، وعبدالعزيز السبيل ،وسلطانة السديري، وع �ب��د ال �ك��ري��م ال �ج �ه �ي �م��ان ،وب� ��در ش��اك��ر ال�س�ي��اب ،وط��ه حسين ،وي��وس��ف إدري��س، وآخرين؟
¦ ¦العمل الصحفي للمبدع شاعر ًا أو قاص ًا ρ ρأول الغيث قطرة ،كما يقال ،وكان ينبغي أو روائي ًا هل يُ غذيه ،أم يأخذ منه الوقت
92
الكثير ،وهو يتوق للتفرغ إلنهاء أعمال اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
للمنهج أن يتجاوز النصوص التي تتسم
بالمباشرة والركاكة شكال ومضمونا ،أي
أول عالمة على ذلك الحضور هو الراوي نفسه ال��ذي ينتمي اجتماعيا وثقافيا للقرن الحادي والعشرين الميالدي .ومن العالمات األخ��رى على ذل��ك االسقاط الفني على ال��ح��اض��ر ،ه��و أن ال��رواي��ة تسلط الضوء على قضايا راهنة .ومن العالمات أيضا العودة في الفصل األخير للرواية إلى الحاضر بشكل أكثر واقعية ومباشرة.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
النصوص التي تفتقر إلى الكلمة المضيئة الذكية ..ويركز على النصوص التي ما أن تالمس األذن حتى تتسرب إلى داخل القلب .ذات يوم عرضت عليَّ طفلة نصاً باللغة الفرنسية عنوانه (ال��عِ ��قْ��د) وهو جزء من المقرر الدراسي .طلبت مني أن أساعدها في ترجمته إلى العربية .تقول كلمات ذلك النص:
وظاهريا فإن اإلطار الزمني للرواية هو الماضي (ال��ق��رن الثاني الهجري) أما اإلط��ار المكاني فهو مدينة بغداد ،غير أن ال��ح��اض��ر م��اث��ل ف��ي ك��ل صفحة من صفحات الرواية زماناً ومكاناً.
«أع���رف ي��ا أم��ي م��ا ه��و ِع��قْ��دك األثمن (األغ��ل��ى)! أع��رف ذل��ك يا أم��ي ..إنهما ذراع���اي وهما تطوقان عنقك!» .هذه الكلمات على بساطتها ،وخ��ل��وه��ا من اإلي���ق���اع ال���راق���ص ال��م��ص��اح��ب ع���ادة لمحفوظات األطفال ،تنتقل بالقارئ من المادي إلى الروحي ،وترسّ خ في نفس ¦ ¦ل �م��اذا اخ �ت �ي��ار ال �ش��اع��رة ال �ج��اري��ة ع�ن��ان الطفل مفهوم األمومة الذي يسمو على ك��ل م��ا ه��و ع��رض��ي زائ���ل ،حتى يصبح ذراع��ا الطفلة وهما يطوّقان عنق األم أغلى وأنفس من أي ِعقْد .ال مقارنة بين القيمة الجمالية لهذا النص ،وما تعلمناه من نصوص في مراحل الدراسة األولى. ¦ ¦رواي ��ة (ليالي ع�ن��ان) تستند على وقائع تاريخية أسهمت في بناء المعمار الفني للنص ال �س��ردي ،م��ع تنويعات فانتازية، كيف استطعت أن ت��زاوج بين التاريخي والفانتازي في هذا العمل اإلبداعي؟ ρ ρرواي��ة (ليالي عنان) مزيج من الحاضر والماضي واألدب والتاريخ والفنتازيا، وال��م��ؤل��ف ظ��ل ي��ت��ح��رك ب��ي��ن ال��س��ط��ور.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (93 )2016
ل�ت�ك��ون الشخصية ال��رئ�ي�س��ة ف��ي عملك ال ��روائ ��ي (ل�ي��ال��ي ع �ن��ان) ،خ�ص��وص��ا أنها تنتمي للعصر العباسي؟
94
شكلت مساري اإلبداعي .فهذا المسار طويلة من االطالع والقراءة ٍ رحلة هو نتاج ٍ ف��ي ال��ت��راث واألدب المعاصر العربي والغربي.
ρ ρكل ما جاء في سيرة الشاعرة عنان يغري بالكتابة عنها .كنت معجباً بقدرتها وسرعة ¦ ¦م��ا ال��ذي ق��د تضيفه الطفولة للكتابة؟ وه � ��ي ال� �ق ��ادم ��ة م� ��ن أرخ� �ب� �ي�ل�ات ب �ع �ي��دة بديهتها بجمالها وداللها وغنجها وقدرتها يلفها النسيان وال�ت�لاش��ي ،وتبقى اللغة على مناظرة فحول الشعراء ،حكاياتها اإلب��داع�ي��ة ال�م�لاذ المهم واآلم��ن لتأبيد معهم وعالقاتها بهم .في حياتها ما يغري اللحظات القديمة التي ما ت��زال طرية الراوي ويحرض خياله .أما السبب اآلخر في بهو الذاكرة كأنها وقعت باألمس. فهي أنها عاشت في فترة تاريخية تمثل العصر الذهبي للثقافة العربية. ρ ρطرحت على نفسي م��رة ال��س��ؤال الذي ط��رح��ه ال��ش��اع��ر أم���ل دن��ق��ل« :أَ َو ك��ان ¦ ¦م��ا ه��ي ال �ك �ت��ب ال �ت��ي ك��ان��ت ح��اس �م��ة في الصبي الصغير أنا ..أم تُرى كان غيري»! َّ تكوين مسارك اإلبداعي والجمالي معا؟ ن��ع��م ..لقد ك��ان ذل��ك الصبي شخصاً ρ ρإذا استثنيتَ المراحل المبكرة ،فأنا قارئ آخر مختلفا .تحفر الطفولة نقوشها أو انتقائي .أميل إلى اقتناء الكتب المحرضة شاراتها األولى في القلب .تحفر نقوشاً على التفكير ،وتلك التي تطرح أسئلة وشارات تكبر مثلما نكبر ،لكنها ال تهرم. ٍ مختلفة .هدايا الكتب فقط تبقى خارج تبقى ذك��رى فتية كأنها ول��دت البارحة. تلك االنتقائية .وإن كنت أنسى أحياناً ربما تحمل دالالت جديدة ،لم تخطر على عامداً متعمداً بعض الكتب المهداة في البال آنذاك ،لكنها ال تشيخ .الزقاق الذي غرفة الفندق أو صالة االنتظار بالمطار. أقَلَّ خطانا .الشجرة التي أظَ لَّت ثرثرتنا. قد أضطر ،بصفتي كاتباً ،إل��ى تصفّح األرصفة التي شهدت معاركنا الساذجة. أكثر من كتاب في وقت واحد .هذا خارج ح����ارس ال��م��درس��ة األم����ي ال����ذي رص��د نظامي الخاص بالقراءة .أم��ا القاعدة تحركاتنا ،وع��دَّ علينا أنفاسنا ،وبعث فهنالك دائما كتاب ما ال بد من إكمال بها تقارير شفوية طازجة إلى مراقب أو قراءته. مدير المدرسة .معلمنا الذي لقننا القمع كتبت عن بعض الكتب .أو أشرت إليها وجدول (الضرب) حقيق ًة ومجازا .المعلم بشكل عابر .الكتاب الجيد يفتح الشهية اآلخر الذي اصطحبنا إلى حدائق الشعر، للكتابة .ال أستطيع أن أسمي الكتب التي لنقطف ياسمين العبارة ،ونستنشق أريج اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
الشعر رواب���ط م��ن األل��ف��ة واالن��س��ج��ام.
المعلم الذي جعلنا نتنفس الهواء واللغة
العربية.
والذاكرة؟ مَ ن يتغذى من اآلخر في نهاية األمر؟ ρ ρإذا كنت تشير إل��ى الكتابة بشكل عام
وك��م��ا ت����رى ،ال ي��م��ك��ن أن ت��م��ر مرحلة
فإن السفر ،بصفته اكتشافاً للعالم ،أو
اإلنتاج الثقافي.
وشرفة شيقة للقلب وال��روح وال��ذاك��رة»
الطفولة تلك دون أن تترك بصماتها على
حسب تعبيرك الجميل «فسحة أنيقة
¦ ¦ك �ي��ف ت �ن �ظ��ر ل �ح��رك �ي��ة األن ��دي ��ة األدب �ي��ة
ق��د يشكل ل���دى بعضهم راف����داً ج��ي��داً
بالمملكة في إصدار المجالت والدوريات بشكل منتظم ،إضافة إل��ى المجموعات الشعرية والقصصية ،وك�ت��ب ال��دراس��ات وال �ن �ق��د وال � ��رواي � ��ات؟ وب �خ��اص��ة أن ه��ذا التراكم يسهم في إثراء المشهد الثقافي واإلبداعي السعودي ،ويكشف عن طاقات
للكتابة .فرؤية الكاتب لألماكن تختلف عن رؤي��ة أولئك الذين يمارسون سنويا السياحة «الناعسة» ،والتي ال ترى شيئا
أث��ن��اء السفر س��وى واج��ه��ات المحالت التجارية والمطاعم .ومن هؤالء السياح
مَن ينفق بسخاء من أجل السفر ،لكنه
إب ��داع� �ي ��ة م �ه �م��ة ف ��ي م �خ �ت �ل��ف أج �ن��اس
يمر باألشياء م��روراً غائبا .فهو (سائح
ρ ρكل نشاط ثقافي تقوم به هذه النوادي
الكتاب ترويحي وثقافي في الوقت نفسه.
الكتابة ،كانت منسية في الظل. سيسهم ب�لا ش��ك ف��ي خ��دم��ة الثقافة،
وسيساعد على ان��ت��ش��اره��ا .وال��س��ؤال األكثر أهمية هنا يتعلق باآللية التي تتيح لهذه األندية أن تلعب دورا فاعال ،إذ يبدو
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
المعنى ،أو لينسج بيننا وبين موسيقى
فسحة أنيقة وشرفة شيقة للقلب والروح
ما شافش حاجة) .السفر بالنسبة لبعض وقد أسهم قديماً في إثراء ما يسمى بأدب
ال��رح�لات ،أو مجموعة اآلث���ار األدب��ي��ة التي تتناول انطباعات المؤلف وتأمالته
وقراءته لما يشاهده أثناء سفره.
لي أنه وفي غياب خطة عمل واحدة وآلية ¦ ¦ه� ��ل ث �ق��اف��ة ال �ص �م��ت ف� ��ي م�ج�ت�م�ع��ات�ن��ا محددة إلدارتها ،تلعب المبادرة الفردية العربية ،إن كانت م��وج��ودة فعال إنصات دوراً كبيراً في التفاوت بين أداء هذا
النادي أو ذاك.
ل��ذوات �ن��ا ول�لآخ��ري��ن ب�ع�ق�لان�ي��ة ،واح �ت��رام االختالف في مقاربة القضايا واألشياء
¦ ¦ه ��ل ال �س �ف��ر يُ � �ح ��رض ع �ل��ى ال �ك �ت��اب��ة؟ أم
والظواهر من حولنا ،أم مجرد هروب من
ال �ك �ت��اب��ة ِب��مَ ��كْ ��رِ أرخ �ب �ي�لات �ه��ا المتشعبة
ال��واق��ع لكي ن��ؤس��س لهواية النعامة في
والعميقة تصاحب مُ تعة السفر بوصفه
االختفاء حتى تمر األزمة؟
اجلوبة � -صيف 1437هـ (95 )2016
ρ ρدعني أنقل لك حرفيا فقرة مما كتبته ذات يوم تحث عنوان (صداع ال يعالج إال بالصمت) ..ففيها إجابة وافية عن سؤالك الجميل .حين ال يكون الحوار متكافئا سوف تدخل مع الطرف الذي يحاورك متاهة الداخل فيها مفقود ،والخارج منها مولود ،خصوصا حين ال يتقبل محاورك مبدأ أن يكون رأيه صواباً يحتمل الخطأ، ورأيك خط ًأ يحتمل الصواب .وحين يكون رأيه صدى لحديث المجالس ،أو لما تبثه قنوات إعالم موجهة ال تبث إال «حقائقها» الخاصة .تلك هي بعض األسباب التي تجعل الحوار يدور في حلقة مفرغة ،وال يخلف إال الصداع
رأي صائب عن واقع ال نعرف عنه شيئا. خالق هو فهم ٍ منتج إن هدف أي حوار ٍ
اآلخ���ر ،وص���وال إل��ى اكتشاف القواسم
المشتركة بين أط��راف ال��ح��وار .وليس الهدف إلحاق هزيمة بالمناظر ،أو الحكم
عليه سلباً أو إيجابا ،أو اعتباره مصيباً أو مخطئا.
«إنك ال تجني من الشوك العنب»! لذلك فإن الصداع ،وال شيء غيره ،هو حصاد
ذلك الجدال العقيم .وإذا كان باإلمكان ع�لاج ال��ص��داع ببعض أق���راص ال���دواء
المسكنة ،فإن هذه الحالة من الصداع ال
تعالج إال بالصمت.
¦ ¦مكتبة المبدع إم��ا فوضوية مبعثرة ،أو
ي��ق��ال :لكي تحكي قصة ج��ي��دة تحتاج إل����ى م��س��ت��م��ع ج���ي���د .ل��ك��ن ذل����ك ن���ادر الكتابة واإلبداع؟ ال���ح���دوث؛ ل��ذل��ك ي��س��ود ف��ي محيطنا الثقافي واالجتماعي والسياسي حديث ρ ρأسمح لبعض الفوضى في حياتي .بعض ال��ف��وض��ى صحية ،ك��ي ال نصبح آالت، «الطرشان» .هكذا ينضب نه ُر الكالم؛ وتصبح الحياة مملة .لكني أح��اول أن ألن بين لغة المتحاورَين فجو ًة واسع ًة ال أكون مرتباً إذا ما تعلق األمر بمحتويات يمألها إال الصمت. مكتبتي .حتى يسهل عليّ العثور على سيكون من الصعب أن يتجاوز أحد طرفي
مرتبة بعِ ناية ،أي الخيارين تعيش زمن
الكتاب في وقت أقصر.
96
الحوار ظالمه الخاص ما لم يتجرد من أهوائه ورواسبه وأحكامه المسبقة ،وأن ρ ρال أضع الكتب بشكل عشوائي ،هنالك رفوف للكتب األدبية والنقدية والفلسفية، يؤسس آراءه ومواقفه على أسس راسخة، ورف��وف خاصة بالسير الذاتية ،وأخرى ووقائع ومعطيات ملموسة ،وأن يتأمل خاصة بالرواية ..وهلم جرا ..ومع ذلك، ويحلّل ما بين يديه من حيثيات ومعطيات، فأنا لست مقتنعا بهذا الترتيب .ال بد من وأن يقرأ الواقع قراءة موضوعية متأنية؛ ترتيب آخ��ر يضمن لي البحث بطريقة فمن غير الممكن بناء موقف أو تشكيل
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
¦ ¦أص � ��درت ال �ط �ب �ع��ة ال �ث��ان �ي��ة م ��ن دي��وان��ك ال�س��اخ��ر /رك�ل�ات ت��رج�ي��ح ،ه��ل السخرية والدعابة دواء لعيوب المجتمع ،خصوصا أن وراء كل ركلة ترجيح قصة أو سبب ،كما عبرت عن ذلك في أمسية منتدى سيهات الثقافي؟ ρ ρي��زخ��ر ت��راث��ن��ا األدب����ي ق��دي��م��ه وحديثه ب��ال��دع��اب��ة .وق���د أش����رت ف���ي مقدمة ديواني «رك�لات ترجيح» إل��ى أن سدن َة ال ِ��ج�� ِّد ومهندسي الصرامةِ قد أس��اءوا فه َم هذا اللون األدبي على م ّر العصور؛ ونتيجة لذلك ،فقد طُ مِ رَتْ كثي ٌر من تلك الدعابات في األدراج ،فحُ رِ َم القراءُ من لون أدب��ي هو على أية حال أفضل مما ابتُليَتْ به الساحة الثقافية من تهويمات ال تُعمّر في الذاكرة ،وال تخلّف أثراً يُذكر. ال��ك�لام هنا على السخرية التي تطال المواقف والممارسات .وليس األشخاص (ل��م نعد ف��ي عصر األخ��ط��ل وج��ري��ر.. فالقانون يحمي األشخاص ه��ذه األي��ام من أي هجاء على تلك الشاكلة). نعم وراء كل ركلة قصة .ووراء كل ركلة ه���دف .كنت أرى أن «سفلتة» الطباع و«إن���ارة» العقول أه��م كثيرا من سفلتة وإنارة الطرقات .وللفيلسوف «برجسون»
أن «الصالبة هي المُضحك والضحك قصاصها». وقد كان اإلبداع األدبي والفني ضد تلك الصالبة التي ال تتفق مع ما في الحياة من مرونة وتوازن .وتتجلى تلك الصالبة في كثير من األمراض السلوكية؛ كاالدعاء
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
أكثر يسراً .أما حين أكتب فإني أحرص دائما على أن تكون طاولة الكتابة مرتب ًة أي��ض��ا .وق��د يجد بعضهم ذل��ك هَ �� َوس��ا، ولكنه هوس جميل.
رأي ف��ي فلسفة المضحك ..فهو يرى
والرياء والبخل والجشع والتطفل والثقل، وإلى آخر تلك األم��راض ..ومن ثم فإن الكتَّابَ الساخرين ميالون إلى نقد الواقع بتلك الطريقة الضاحكة ..فهم ،محبون للدعابة بكل ألوانها ،إن لم يكونوا أكثر ارتباطا أو افتتانا بها .الدعابة هجاء للصالبة بصيغة مرنة ..أو هي معارضة ال تتخذ العنف منهجاً .أي أنها شكل م��ن أش��ك��ال المقاومة السلمية .وكنت أرى أن الدعابة وبالرغم من تحاملها ل��م ت��ف��س��د ل��ل��ود ق��ض��ي��ة ب��ي��ن ال��ش��ع��وب والثقافات المختلفة .وك��ان ممكنا أن يُر ّد على القذيفة الهزلية بقذيفة أقوى. وسيفوز ف��ي ه��ذه ال��ح��رب األخ��ف ظال واألسرع بديهة .وإذا كان الضحك وسيلة تصحيحية ..فلماذا ال يتقاذف الناس بالنكات؟ أليس من األفضل أن تنشب ح��رب فكاهية عالمية ب��دال م��ن حرب عالمية ثالثة مدمرة؟ وقد طرحت هذا السؤال مرة في مقال لي بعنوان (الحرب العالمية الفكاهية األولى)!
اجلوبة � -صيف 1437هـ (97 )2016
الناقد األديب
محمد صابر عبيد التفصيلي والمعمّ ق ّ مشروعي القادم يتشكّ ل من البحث في قضايا نقديّ ة جوهريّ ة ذات طبيعة ثقافية تجربة الناقد والشاعر العراقي الدكتور محمد صابر عبيد تمثل ملمح ًا بارز ًا في الساحة األدبية العربية المعاصرة ،فهو مبدع شامل متوقد الذهن ،حاد الذكاء ،عبقري التفكير، �درك لواقع مشروعه النقدي متمكنٌ من أدوات��ه التحليلية ،وواعٍ بمسؤوليته العلمية ،وم� ٌ وآفاقه وحاضر شعريته ومستقبلها ،ساعده على هذا الطموح تجربة مديدة ،وانغماس كلي في ال��واق��ع العربي ال��ذي يمور ب��األح��داث والمتغيرات ،كل ذل��ك أدى إل��ى براعة في النقد والتأليف ،وإبداع في الكتابة والتصنيف. والمتأمل لمؤلفات الدكتور محمد صابر عبيد يجدها متنوعة في موضوعاتها؛ تتوزع بين النقد والشعر والسيرة والنصوص ،وحتى المحور الواحد ت��راه متشعباً؛ ففي النقد نجد له دراسات نقدية متنوعة ،ودراسات نقدية تطبيقية مصبوغة بصبغةٍ جمالية؛ فنقده لم يكن صدى مدرسة أو اتجاه أو منهج ،بقدر ما كان نتاج رؤيته وتجربته وممارسته؛ وفي السيرة تجده يبحث في تمظهرات التشكل السير ذات��ي ،وف��ي التجربة السيرية لشعراء الحداثة العربية .لكن السمة التي تشترك فيها هذه المؤلفات كلها هي حسن استخدام اللغة للتعبير عن موضوع كل مؤلَف ،بلغة خالية من التكلّف والتزلّف والتزييف ..هذه اللغة اتسمت بمزايا جمالية جعلته متفرد ًا بها ،ومميز ًا بأسلوبه في كتابتها ،ومتميز ًا في التعبير عن معانيها. في هذا الحوار ،يقدم الدكتور محمد صابر عبيد وجهة نظره حول قضايا حيوية في الساحة النقدية تبدأ ب��ال�م��دارس النقديّة بمختلف أشكالها وأل��وان�ه��ا وتجلياتها ،م��رور ًا خصت الرواية العربية الحديثة فيما عُ رف نقدي ًا بـ بالحديث عن المقاربات النقديّة التي ّ (السرديات) ،أو (علم السرد) ،وينتهي بطرح تساؤالت حول أزمة الثقافة والمثقفين وسمات الناقد المبدع ،ودور الروح المبدعة في االيمان بالحرية في كتابة مختلفة.. ρρحاوره :نضال القاسم-األردن
98
اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ρ ρيمكنني القول إن ما استطعت اكتشافه من ميل شبه فطريّ أوّل األمر ،لتوجيه انطباعات فنية وجمالية مهمّة ال مهماً .وقد عرفت ذلك لما أقرأه من نصوص ،كان عام ً حين نشرت مبكراً نسبياً بعض ه��ذه االنطباعات في الصحف حازت على اهتمام مَن له معرفة بالنقد ،ال بل إ ّن الكثير من مسؤولي الصفحات الثقافية كانوا يشجعونني على االستمرار في إرس��ال مقاالتي كي ينشروها في صدر صفحاتهم ،إلى جانب مقاالت النقّاد المكرّسين المعروفين؛ وهو ما جعلني أنظر إلى المسالة بأهمية أكبر ،وأطوّر رؤيتي النقدية للنصوص التي أقاربها .وثمّة الكثير من القرّاء المتابعين وجدوا في كتاباتي النقدية طاقة متجدّدة وحساسية مختلفة .ك ّل ذلك دفعني بمحبّة وجرأة أحياناً نحو ارتياد هذا العالم والتوغّ ل فيه ،وتطوير أدواتي النقدية باالطّ الع على النظريات النقدية الحديثة واإلفادة منها ،والعمل الجا ّد على دفع شخصيتي النقدية إلى األمام وتشذيب صوتي النقديّ وتعميقه ،حتى وصلت إل��ى ما وصلت إليه من حضور ينظر إليه الكثير من العارفين المنصفين بوصفه صوتاً نقدياً عربياً مميزاً له خاصة. كاريزما نقدية ّ أمّا الجامعة ،جامعاتنا ،فهي غير مؤهّ لة لصناعة نقّاد ومبدعين ،ألنّها في حقيقة أمرها ليست سوى مدارس كبيرة ليس لها ه�� ّم ن��وع��يّ كبير على ه��ذا الصعيد، فمناهجها ومقرراتها وطريقة التعليم فيها متخلّفة وتقليدية قد تقمع أصحاب المواهب اإلبداعية والنقدية أكثر من أن تأخذ بأيديهم نحو التفتّح واالزدهار والنموّ، جامعاتنا ول�لأس��ف الشديد مكان لتلقين المعلومات وليست منابر لطرح األسئلة ،واعترف لك هنا أ ّن الجامعة
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
¦ ¦ك �ي ��ف أص �ب �ح ��ت ن � ��اق � ��داً ،ه� ��ل ت �ص �ن��ع ال �ج ��ام �ع ��ة ن� �ق ��اد ًا وم �ب��دع �ي��ن..؟! ول �م��اذا يستهويك ن�ق��د ال�ش�ع��ر أك�ث��ر من نقد السرد؟ وبصراحة ،ما هو دافعك لكتابة النقد ،هل هو حب التجديد وفرض الذات ،أم هو الهروب من قيود اإلبداع ،إيمانا بأنه ال حدود لضفاف النقد؟
اجلوبة � -صيف 1437هـ (99 )2016
لم تساعدني في اكتشاف ذاتي مطلقاً ،ولو كانتْ الجامعة فعلتْ ذلك كما ينبغي أن يكون لما تأخّ رت حتى عام 1994م ألُدرك سبيلي إلى الطريق الصحيح التي تناسب موهبتي، وقد م ّر على حصولي على شهادة الدكتوراه ث�لاث س��ن��وات وحصلت على رت��ب��ة أستاذ مساعد ،وب��دأتُ أدرّس طلبة الماجستير! جامعاتنا تريد من الطالب أن يحفظ المقرّر ويمتحن فيه وينجح ويحصل على الشهادة، هذا ك ّل ما يشغل بال الجامعة ويهمّها على نحو شبه مطلق.
المحفل جهو ٌد أعدّها أساسية وجوهرية ال تق ّل شاناً عن جهودي في المدوّنة النقدية العربية في نقد الشعر. أمّا حين نعود مرّة أخرى إلى الدوافع بين حبّ التجديد وفرض الذات والهرب من قيود اإلبداع وغيرها ،فقد ال يكون بوسعي تحديد ذلك على نحو دقيق وصحيح وعلميّ ،حين دلفت إلى فضاء النقد برحابته الواسعة ال أذكر أنني كنت هارباً من شيء ،وربّما كنت بحاجة إلى فرض ذاتي حين شعرت بأنني أمتلك مثل ه��ذه ال��ق��درة على فرضها ،وال أستطيع أن أن��حّ ��ي حبّي ال��دائ��م للتجديد في النقد وغيره ،لكنّ ك ّل هذه الدوافع لو اجتمعت وتماثلت للحضور على أبهى ما يكون ليست كافية الستيالد ناقد ،من دون حضور الموهبة والثقافة واإلعداد المعرفيّ السليم ،والحبّ والخبرة والتجربة وغيرها من المستلزمات المركزية الرئيسة التي يحتاجها الناقد ،الدوافع بشتّى أنواعها قد تكون موجودة دائماً ،غير أ ّن السؤال الكبير يتمثّل في براعة تحويلها إلى فعل نقديّ مُنتج ينتهي إلى خطاب نوعيّ بوسعه االستمرار والتأثير والبقاء.
يستهويني نقد الشعر أكثر من نقد السرد ألن��ن��ي ش��اع��ر ف��ي األص���ل ،وأع���رف أس��رار العملية الشعريّة عن كثب وبأدقّ التفاصيل، وسبق لي أن قلت إ ّن الناقد الشاعر أه ّم كثيراً من الناقد غير الشاعر ،فثمّة أسرار ال يمكن كشفها إال على يد الناقد الشاعر، غير أ ّن هذه المعادلة ال يمكن أن تستقيم إال حين تجتمع الشخصيتان في شخصية مركّبة واحدة عارفة وقادرة على احتواء الطاقتين معاً داخل حاضنة ثقافية ورؤيوية بالغة الدقّة والخصوصية ،وهو على أيّة حال أم ٌر نادراً ما يحصل ،وطبعاً هذا الكالم ال يشمل بعض القراءات االنطباعية التي يقوم بها شعراء ¦ ¦مَن أساتذتك القدماء والجدد في النقد؟ في سياق تقديم وجهة نظر معيّنة ممّن ال يمتلكون الموهبة النقدية والثقافة النقدية ρ ρه���ذا س���ؤال م��ح��رج ل��ل��غ��اي��ة ،وق���د ال أج��د ل��ك إج��اب��ة واف��ي��ة على الصعيد ال��واق��ع��يّ والخبرة النقدية والتجربة النقدية والبراعة الموضوعيّ ،مَن هم أساتذتي القدماء أو النقدية ،وبما أ ّن الشاعر الذي يسكنني بعمق الجدد ،لع ّل من أبرز أساتذتي القدماء كما ال يتعارض من الناقد الذي يسكنني بوعي يحضرني اآلن المتنبي الكبير ،وم��ن أبرز ومعرفة ورؤية ،ال بل يدعمه ويسهّل له مهمته أس��ات��ذت��ي ال��ج��دد أدون��ي��س الكبير ،وحتى ال لنقد الشعر النقدية كثيراً ،تجدني أكثر مي ً اكتشفتُ أستاذيّ هذين احتجتُ وقتاً طويالً، منه إلى نقد السرد ،مع أنني استمتع كثيراً مع أنّهما ليسا ناقدين بالمعنى األكاديميّ في قراءاتي النقدية السردية ،ولي في هذا
100اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
النقّاد العرب والغربيون الذين اطلعت على منجزاتهم في مجال النقد ليسوا أساتذتي ،ألنني سعيت إلى أن أراكم الخبرة منهم جميعاً ،ومن دون تمييز ،مع أنني أميل إلى بعضهم كثيراً ،وأجد نفسي فيهم على نحو ما ،ويمكن أن أمثّل لك هنا بع ّز الدين إسماعيل من العرب ،وروالن بارت من الغربيين ،هما نموذجان رائعان بالنسبة لي ،وهما مختلفان جداً؛ الناقد الكبير الراحل ع ّز الدين إسماعيل يمتلك ذائقة مرهفة ج��داً ومعرفة نقدية عميقة ،وهو ينتصر دائ��م��اً لذائقته ،وه��ي تستثمر المعرفة أمثل نصه النقديّ بقوّة هائلة ،أمّا بارت استثمار ،وهو يبني ّ فهو الناقد االستثنائيّ المميّز عندي بشخصية خُ لقت كي تكون ناقدة ،هو ناقد نوعيّ في ك ّل ما يكتب ،يكتب بطريقة تتراءى لك فيها األفكار من بين السطور ،كتابة متوهجة ال ترتوي منها ،ترغب في إعادة قراءتها مرّات كثيرة من غير سأم أو ملل ،يسحر المفردة التي يكتبها ويدفعها إلى أن تسحرك ،ومع كل مشكالت الترجمة المعروفة، لكنني أشعر بطاقة كتابة استثنائية جبّارة تمكث في روح هذا الناقد الخالق ،وأنا أ ُغرم وأعشق عادة بهذا النوع من الشخصيات وهذا النوع من الكتابة في مجال تكوين الشخصية النقديّة.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
المدرسيّ للنقد ،لكنهما أس��ت��اذيّ في بناء الشخصية النقدية والثقافية واإلنسانية ،وهو عندي األه ّم من ك ّل ش��يء ،ليس المهم وج��ود أستاذ ب��ارز والم��ع قريب منك على أيّ مستوى من مستويات القرب يلعب دور المعلّم اإلجرائيّ ،بل المهم كيف تتمكّن أنت من انتزاع الفائدة التي بوسعها أن تقدّم لك الكثير في اللحظة المناسبة التي قد ال تتكرّر .عليك أن تستخدم أقصى ما تملك من ذكاء وفطنة وحنكة ومهارة وحيلة وده��اء ،من أجل تنقض كالصقر على ما تكتشفه من ميزة نوعية بالغة ّ أن الندرة فيمن تعدّه أستاذك ،وتسوقها بأعلى ما تمتلكه روحك من طاقة اقتناص ماهرة وخاطفة ،وتستعمرها وتتوطّ ن فيها بحساسية تملّك فادحة ،كي تصبح جزءاً من شخصيتك ..وكأنها ال تعود ألحد غيرك.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (101 )2016
بوسعي القول إنني تتلمذت على أي��دي ما قرأتْ من الكتب ،وما مررتْ به من تجارب، وما اكتسبته من خبرات ،بك ّل ما تنطوي عليه ه��ذه المصادر األصيلة من ت��د ّب��ر ،وتأمّل، وتطلّع ،وأخذ ،ومقاربة ،وتكييف ،وسجال، وحجاج ،ونقد ،ومراجعة؛ ال أساتذة لي في النقد بالمعنى اإلج��رائ��يّ الدقيق والعمليّ للعبارة ،ربّما أس��ت��اذي الوحيد هو محمد صابر عبيد ،ال غروراً وال تنطّ عاً وال تنكّراً، بل منذ البداية عوّلت على نفسي كثيراً ،قد أكون تأخّ رت بعض الشيء في وضع خطواتي الثابتة األولى على الطريق الصحيحة ،لكنني سرعان ما سخّ رت ج�� ّل ما أملك من أجل أن أعوّض ما فاتني ،وأستعيد ما أمكن من الزمن الفائت ،وأحسب أنني نجحت ،ولديّ الكثير ممّا يمكن أن أعوّض به في المستقبل القريب ،وعلى نحو أكبر وأكثر حيويّة وإبهاراً بإذن اهلل. ¦ ¦ه� �ن ��اك ال� �ع ��دي ��د م ��ن ال� � �م � ��دارس ال �ن �ق��دي��ة، كالتفكيكية والبنيوية والتوليدية والشكلية، ما دور هذه المدارس في حركة النقد العربي، وكيف تنظر لواقع النقد في الوطن العربي في ظل هذه النظريات والمناهج الجديدة؟ ρ ρالمدارس النقديّة بمختلف أشكالها وألوانها وتجلياتها ه��ي األرض ال��ت��ي يسير عليها النقّاد ،وليس بوسعهم استخدام أقدامهم من دون وجود أرض صالحة للمسير ،وبما أ ّن هذه األرض شاسعة وواسعة وتخبئ الكثير من المعادن الثمينة والجواهر النادرة تحت سطحها ،فهي تمنح الفرصة للنقّاد كي يحصلوا منها على ما يستطيعون ،وما تؤهّ لهم إمكاناتهم لمعرفة أين تكمن األشياء الثمينة، وما هو السبيل إلى الظفر بها ،إنّها توفّر
102اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
اإلمكانات الصحيحة واألدوات المناسبة على صعيد النظرية والرؤية والمنهج ،لكنّها ال تصنع نقّاداً ،وهي بمرجعياتها الفلسفية والمعرفية والفكرية والثقافية تنتمي إلى مناخات ثقافية غربية تولد في حاضناتها والدة طبيعية ،بفعل الحاجة الحضاريّة وت��ط��وّر األف��ك��ار وال��ق��ي��م على نحو أصيل وضروريّ وحقيقيّ . النقّاد العرب تلقفوا طروحات هذه المناهج وم��ع��ط��ي��ات��ه��ا ،وراح ي��ت��ن��اف��ح ال��ك��ث��ي��ر منهم بالحديث عنها وع��ن أهميتها وخطورتها وضرورة التواصل معها ،ولم يكن ج ّل هؤالء على وعي بمرجعياتها ومناخاتها وارتباطها بمجتمعات حضارية أخرى ،أو بالكيفية التي يمكننا فيها اإلفادة منها ومقاربة نصوصنا األدبية وظواهرنا الثقافية بما قدّمته من أدوات وآليّات وتقانات وطرائق عمل ،فصرنا نسمع مَن يقول إنّه ناقد بنيويّ ،أو سيميائيّ ، أو شكالنيّ ،أو تفكيكيّ ،أو أسلوبيّ ،أو غير ذلك ،واقتربت القضية من أن تكون موضة، حالها حال أيّة موضة من موضات العصر الجديد ،وما أف��اده النقد العربيّ الحديث منها قليل على هذا المستوى. أعترف بأنني من النقّاد الذين اندهشوا بالمنهج البنيويّ وه��و يفتح آف��اق��اً واسعة وعميقة ف��ي ال����درس ال��ن��ق��ديّ ،والس�� ّي��م��ا البنيويّة السيميائية حيث تقترب الكثير من نحو أو آخر ،لكنّ قراءاتي النقديّة منها على ٍ المشكلة أن الكثير ممّن يتنطّ عون بالمقوالت النظرية العامة لهذه المناهج أخفقوا إخفاقاً ذريعاً في توظيفها وتسخيرها وتكييفها ،وهم يحاولون نقلها إلى ميدان اإلجراء النقديّ ، فلطالما سخرتُ من مقاالت نقدية أو أوراق
ال شكّ في أ ّن نظريات النقد الحديثة كبيرة األهمية للنقد العربيّ الحديث حين ن��دركُ أ ّن علينا أن نتعامل ونتفاعل معها بوصفها منجزاً من منجزات العقل الغربيّ ، وهي مثل أيّ منتج آخر يجب أن يُستخدم في ظروف تستجيب لمنطقه ورؤيته وطبيعته وكيفيته؛ وندرك في السياق نفسه أنّه ول َد في حاضنة ثقافية مختلفة ومغايرة تماماً عن حاضنتنا الثقافية ،على نحو يحتاج إلى تكييف عربيّ من أجل أن يكون صالحاً للعمل في ميداننا الثقافيّ واألدبيّ ؛ وندرك في سياق ثالث أ ّن المناهج مهما كانت، ومن أين أتت ،فهي ليست سوى أدوات وآليّات ،ولن تكون ال عن الناقد ،هي وسائل تطوّر فعالية العقل النقديّ بدي ً ال جديدة للعمل؛ فالنقد في النهاية وجهة وتفتح له سب ً نظر الناقد فيما يقرأ ،ولربّما نقرأ دراسة نقدية لناقد سياقيّ يدرك منهجه جيداً ،ويعرف حدود عمل المنهج النص ّ على نحو يستخدمه أفضل استخدام في خدمة الذي يقاربه ،أفضل من ألف دراسة بنيوية أو سيميائية أو تفكيكية أو أسلوبية يضيع الناقد في خض ّم مقوالتها، وتأخذه يميناً أو شماالً ،وينتهي إلى نتائج نظرية مرتبكة النص بين يديه ،فالعبرة دائماً في الفهم واإلدراك ويموت ّ والتمثّل وحسن استخدام الوسائل واآلل�� ّي��ات من أجل خدمة توجّ هات العقل النقديّ ،ومن ث ّم يصبّ ذلك كلّه في النص نحو الكشف النموذجيّ عن طاقاته ّ صالح خدمة الفنية والجمالية والثقافية. ¦ ¦ظاهرة التعالق األجناسي ال��ذي تشهده بعض الروايات ال �ع��رب �ي��ة ال �م �ع��اص��رة ،ه ��ل ه ��ي ح��ال��ة ص �ح � ّي��ة تعيشها الرواية العربية اليوم ،أم هي عالمة على إفالس آليّاتها القديمة؟!
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
تُلقى في مؤتمرات علمية يفتتح فيها أصحابها مقاالتهم وأوراقهم بمنطلقات نظرية (منقولة غالباً) ،بالغة العمق والعلمية والتعالي النظريّ ،وحين ينتقلون من منطقة النظرية إلى منطقة اإلج��راء يتحوّلون فجأة على نحو مضحك إلى نقّاد تقليديين يشرحون النصوص بطريقة بدائية فجّ ة ،ال عالقة لها مطلقاً بالمهاد النظريّ .
اجلوبة � -صيف 1437هـ (103 )2016
ρ ρظ��اه��رة التداخل األج��ن��اس��يّ ال��ذي تشتغل عليه ال��رواي��ات العربية المعاصرة ظاهرة صحيّة بالتأكيد وضروريّة جداً؛ أل ّن الرواية العالمية قطعت أشواطاً من التقدّم والتطوّر والمغامرة ،وال ب ّد من التفاعل مع ذلك من أجل اللحاق بها ومجاراتها ،وإث��راء العمل ال��روائ��يّ وسائر األجناس األدبية األخ��رى؛ ك��ال��ش��ع��ر وال��ق��ص��ة وال��م��س��رح��ي��ة ،وأن����واع الكتابات األخ��رى ،بالتعاطي والتداخل مع األجناس والفنون اإلبداعية المتاحة ،من دون تحفظّ ات أو ت��وجّ ��س��ات أو خ��وف من ضياع الهويّة.
بروز حساسية النظ ّر المعمّق في الصخرة كي تُرى المنحوتة تتراءى ،على نحو يساعد النحّ ات في إزالة الزوائد ،كي يبقى التمثال ال ومسكوناً بروح خفيّة هائلة الحضور. ماث ً وه��ك��ذا ك�� ّل م��ا ه��و م��ت��اح م��ن ف��ن��ون أخ��رى بوسعها أن تضاعف من طاقة العمل الروائيّ وتفتح أمامه اآلف��اق اإلبداعية التجديدية، وتعمّق قدرته على التأثير والفعل في عقل التلقّي وروحه وحساسيته. ر ّب���م���ا رؤي���ت���ي ت��ت��ج��اوز األج���ن���اس األدب��ي��ة وال��ف��ن��ون الجميلة إل��ى العلوم وال��م��ع��ارف؛ ففي عالم الفيزياء والرياضيات والفلك والعلوم والمعارف األخرى ما يجعل الروائيّ ينفتح على عوالم ساحرة من شعرية الدقّة واالق��ت��ص��اد واالخ���ت���زال وال��ل��ع��ب الساحر باألرقام والذرّات والمتاهات ،بما يقود إلى اكتساب زخم تشكيليّ وتعبيريّ غير متناهٍ ، وال��ذه��اب ف��ي ع��ال��م ال��س��رد ال���روائ���يّ إلى األق��اص��ي البعيدة التي ال سواحل لها وال ضفاف.
وبالتأكيد ،اآلليّات السرديّة القديمة اندثرت وتندثر باستمرار كلّما ابتعدت عن مرجعيتها الواقعية ذات الحكائية العفويّة والتمثيلية الصرف ،لحراك تجربة الواقع ،وانتمت إلى فضاء التخييل بعوالمه التي ال تقف عند ح��دّ؛ فلم يعد السرد ال��روائ��يّ والقصصيّ مجرد حكاية تقليدية لها سند مرجعيّ في الواقع ،تتمظهر فيها الشخصيات واألمكنة واألزمنة كما تتمظهر في الواقع؛ بل انفتح ال��س��رد على ط��اق��ات جمالية وثقافية من ¦ ¦الخطاب النقدي ال��روائ��ي العربي ه��ل ترى أن��ه ف��ي م�س�ت��وى ال�ن�ت��اج اإلب��داع��ي ال��روائ��ي أجل الدفاع عن التخييل بوصفه فضا ًء آخ َر ال � �ع ��رب ��ي؟! أال ت � ��رى م �ع��ي أن ال �ك �ث �ي��ر م��ن موازياً لفضاء الواقع ومتجاوزاً له في آن، المقاربات النقدية العربية ال تعدو أن تكون على نحو يجعلنا نعيش سجن الواقع ونتطلّع استعادة مدرسية لطروحات نقاد غربيين. نحو حريّة الخيال. ف�ت�س�ق��ط ه ��ذه ال �ن �ظ��ري��ات ع �ل��ى ال�ن�ص��وص التفاعل مع األجناس األدبية والفنون األخرى العربية إس�ق��اط�اً؛ ف�ت��ارة ه��ي ق ��راءة بنيوية، هو تفاع ٌل يجعل العرض السرديّ الروائيّ وتارة إنشائية ،وطور ًا تفكيكية؟ عرضاً غنياً وثرياً وشائقاً ومغرياً ومثيراً للجدل ،فآليّات ف��نّ السينما من مونتاجρ ρ ،الخطاب النقديّ الروائيّ العربيّ على الرغم ممّا قدّمه من جهد كبير على صعيد مقاربة وتشغيل أكثر من كاميرا ،وإخراج ،وغيرها؛ النتاج اإلبداعيّ الروائيّ العربيّ ،إال أنّه بحكم وآليّات فنّ الرسم من خطوط وألوان و ُكتَل اإلنتاج الهائل والك ّم الغزير من الروايات التي وحجوم وف��راغ��ات ،وآل�� ّي��ات ف��نّ النحت من
104اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
تُنتَ ُج ك ّل عام في أنحاء الوطن العربيّ ،ربّما ليس بوسعه ال النظر المعمّق في ك ّل ما يُنتج من نصوص روائية ،فض ً على صعوبة انتقال السلعة الكتابية بين الدول العربية على نحو يجعل الناقد يتمكّن من الحصول على الروايات الصادرة كلّها في الوقت المناسب ،وربّما من المناسب أن تكون هناك مؤسسة معنيّة بإيصال الروايات الصادرة إلى كوكبة من النقاد بيسر وسهولة ،كي يكون بوسعهم معرفة ما يصدر وقيمته وعالقته بالكون الروائيّ العربيّ على نحو متكامل. خصت الرواية العربية الحديثة المقاربات النقديّة التي ّ فيما عُرف نقدياً بـ (السرديات) أو (علم السرد) ،خضعت في األغلب األع ّم إلكراهات النظرية على حساب حريّة النصوص؛ إذ هيمنت اآلليّات والقواعد والتقانات السرديّة على العقل ال��ق��رائ��يّ ال��ن��ق��ديّ ،فصرنا نتلقّى ق��راءات متشابهة على نحو مريع ،ال ف��رق بين دراس��ة ودراس��ة س��وى النصوص ال��روائ�� ّي��ة المنتخبة للقراءة النقدية، فتقانات الزمن السرديّ وآليّات كشف المكان السرديّ ، وأنماط الشخصيات ،وثالثيّة المكوّنات السرديّة من راو ومرويّ ومرويّ له ،وما إلى ذلك من العدّة السردية ٍ النص الروائيّ كما تشرّح جثّة هامدة ،تخلو ّ التي تشرّح تماماً من السمة األساسيّة للممارسة النقديّة في سياقها الجماليّ أو الثقافيّ الحيّ والح ّر والديناميّ ،حتى وصلت السرديات إلى طريق مسدود على نحو يتوجّ ب اإلعالن فيه عن موت السرد. ال شكّ في أ ّن الخلل ليس في النظرية لك ْن في التطبيق اإلجرائيّ السيئ آلليّات النظرية وتقاناتها ،بدليل أ ّن ثمّة دراسات مستثناة من توصيفنا السابق تمكّنت أن تقدّم تجارب نقدية عميقة الحساسية والتأثير والقيمة ،حين نجحت في تسخير النظريّة لخدمة الممارسة النقدية وواع ،تسندها موهبة نقديّة وخبرة ٍ على نحو معرفيّ عالية وتجربة عميقة ،أهّ لتها لتقديم قراءة سردية بالغة الثراء والغنى.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (105 )2016
¦ ¦م��ا ه��ي مشاريعك ال�ق��ادم��ة؟ وب�م��اذا تختتم هذا الحوار؟ ρ ρمشاريعي والحمد هلل متواصلة ال توقّف فيها وال تلكؤ وال خَ دَر .كنت أخطّ ط لالنتقال نحو مرحلة ثانية من تجربتي النقدية بعد أن اقتنعتُ بأ ّن المرحلة األولى منها اكتملت وحققّت أه�� ّم تصوراتي ورؤي��ات��ي ،غير أ ّن هجرتي القسريّة إل��ى تركيا أعاقت ذلك، ألنني تركت مكتبتي في الموصل وخلّفتُ مخططاتي وأدواتي وعُزلتي الجميلة الهادئة هناك ،وأنا هنا مج ّر ٌد من ك ّل شيء تقريباً س��وى اآلالم والذكريات والعزيمة ،وإع��ادة ترتيب قائمة ال��م��ع��ارف واألص��دق��اء التي اهتزّتْ كثيراً وتضاءلتْ واندحرتْ إلى أق ّل ح ّد ممكن ،فبعد أن أنجزتُ المرحلة األولى من تجربتي النقدية ..صار من الضروريّ االنتقال إلى المرحلة الثانية التي ستكون مختلفة عن األولى. إذاً ،مشروعي ال��ق��ادم يتشكّل م��ن البحث التفصيليّ وال��م��ع��مّ��ق ف��ي ق��ض��اي��ا نقديّة ج��وه��ر ّي��ة ذات طبيعة ثقافية ،أسعى إلى ف��ح��ص م��ش��ك�لات م��رك��زيّ��ة ت��ت��أسّ ��س على ج��وه��ر ّي��ة ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن األدب وال��ث��ق��اف��ة، ف����األدب أح���د ال��م��ي��ادي��ن ال��م��ه��مّ��ة للكشف عن أزم��ات ثقافية تعيشها بعض الشرائح األدبية ،والسيّما شريحة أدباء األقلّية الذين يكتبون بلغة األك��ث��ر ّي��ة ،ور ّب��م��ا ه��ي مشكلة عالمية .لكنّها فيما يتعلّق باللغة العربية لها خصوصيّة تنبع من طبيعة اللغة العربيّة نفسها ،ومن حساسية العالقة االجتماعية والثقافية والفكرية والحضارية والسياسية بين األكثريّة واألقليّة.
106اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ور ّب��م��ا أتاحت لي فرصة الهجرة القسريّة هنا أن أعيد ترتيب أوراق��ي من جديد ،إذ إنني أنفق الكثير من وقتي هنا في التأمّل والمراجعة وإع��ادة تركيب األشياء؛ فالثلج وه��و يحيط ب��ي م��ن ك�� ّل ج��ان��ب ،والشمس العجيبة وهي تثريني بنور مختلف ،والطبيعة ال��ت��ي ت��ن��ط��ق ب��ال��ج��م��ال وال��ش��ع��ر والمحبة والسحر ،تحتشد كلّها في جوهر عقلي ،وبين عينيّ ،وفي أعماق سمعي ،وعلى راحتي يديّ ، وفي خاليا أنفي ،وفي طبقات لساني ،كي تلقنني درساً جديداً في الحياة ،وأنا أتمعّن في ذلك بقوّة ساعياً إلى ضخّ روح جديدة في حياتي وشخصيتي ورؤيتي لألشياء ،على نحو يساعدني كي أنتقل إلى مرحلة ثانية في مشروعي النقديّ ،أتفوّق فيها على نفسي. في الحوار دائماً ثمّة إضافة لطرفَي الحوار، وأوضح ّ في الحوار أجتهد في أن أقدّم رؤيتي أفكاري بطريقة مباشرة قد ال تتيحها كتبي ال ع��ن أنني ف��ي ك�� ّل كتاب وم��ق��االت��ي ،فض ً أنجزه تتبقّى أج��زاء من رؤياتي وكسر من تصوراتي تحيط بي حين ال تجد لها مكاناً في الكتاب ،وه��ي ربّما تضايقني أحياناً، أشعر أ ّن الحوارات التي تُجرى معي تتكفّل على نحو ما باستظهار هذه األجزاء والكسر والبقايا ،بما يجعلها مكمّلة لعملي؛ لذا أجد أ ّن حواراتي ال ب ّد أن تُقرأ ضمن إطار كتبي حتى يتمكّن القارئ من فهم التجربة كاملة، وأيّ ق��راءة لتجربتي من دون االطّ �لاع على حواراتي بمحبّة ومسؤولية ،تُبقي تلك القراءة ناقصة وغير كافية .دعني إذاً أقول لك بأ ّن حوارك معي وك ّل حواراتي السابقة والالحقة ذات أهمية قصوى عندي وهي جزء ال يتجزأ من تجربتي.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
القاصة شيمة الشمري
فأدمنت كتابتها وقراءتها ُ القصة القصيرة جذبتني
شيمة الشمري ،قاصة سعودية ،ص��در لها أرب��ع مجموعات قصصية م��ن نوع القصة القصيرة جد ًا هي (ربما غداً ،أقواس ونوافذ ،وعرافة المساء ،خلف السياج) ودراس��ة بعنوان شاعر الجبل .ولها العديد من المشاركات داخل وخارج المملكة العربية السعودية من خالل الملتقيات والمهرجانات واألمسيات القصصية ،وقد كان لها مشاركة في سلطنة عمان ودولة اإلمارات العربية المتحدة والمغرب.
ρρحاورتها :مسعدة اليامي
اجلوبة � -صيف 1437هـ (107 )2016
¦ ¦بدايتك مع القصة القصيرة جدا؟
الشعر والنقد والرواية والقصة ،ومن الكتّاب الذين قرأت لهم على سبيل الذكر ال الحصر: غ��ازي القصـيبي ،وعبداهلل الجفري ،وغادة السمان ،وأجاثا كريستي ،وإيليا أبو ماضي.. وغيرهم .إض��اف��ة إل��ى المصدر المهم ألي كاتب وأديب وهو «الواقع» ،الواقع بكل ما فيه من أحداث ،وتناقض ،وتحوالت ،وألم ،وفرح.. الواقع في كل مكان!
ρ ρعند الحديث عن البدايات ،عدت أفتش في حجيرات ال��ذاك��رة ألس��ج��ل ل��ي ول��ك��م نقاط االن��ط�لاق��ة الكتابية ..تلك ال��ب��داي��ات التي تتوارى مع األيام ،لكنها ال تغيب أبدا ،بألمها وآمالها وبراءتها وطموحها وجموحها أيضا.. كانت منذ أيام الدراسة المتوسطة ،حيث كنت مولعة بالكتابة على الصفحات األخيرة من كتبي ودفاتري .كنت أكتب ما يمكن أن أسميه ¦ ¦لماذا الشغف بهذا الفن؟ وفق رؤيتي آن��ذاك شعرا ،خواطر ،ومضات ρ ρق��رأت فيها إب��داع��ا ون��ق��دا ..أحببتها ،وفي البدايات كنت انتقد كثيرا من بعض الزمالء قصصية .لم يعنني حينها التصنيف األدبي، الذين لم تَرُقهم لقصرها ورفضوا تصنيفها بقدر ما يعنيني الكتابة ورسم الكلمات ،وما كجنس أدبي ينتمي للسرد ..ومع األيام صار يصاحب ذلك من شعور جميل ،لكن القصة مَن يهاجمها يحاول كتابتها! وهذا أكبر نجاح القصيرة جدا جذبتني أكثر وأدمنت كتابتها لها. والقراءة عنها. ال للتطور والنمو ويستحق يبقى اإلب��داع قاب ً ¦ ¦بمن تأثرت ولمن قرأت؟ الشغف! ρ ρال��ق��راءة متنوعة ..بدايتها عن موضوعات كثيرة مذهلة متعلقة باإلنسان ،والجنة والغيب¦ ¦ ،تناولها الكثير من النقاد بالنقد فما رأيك فيما ذكر عنها؟ والجن ،إضافة إلى الكتب التراثية التي توفرت لي ،أو استطعت الحصول عليها ..وقرأت في ρ ρتقصدين الجدل حولها؟ الجدل والنقاشات
108اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
¦ ¦م��ا ه��ي ال�م��درس��ة ال�ت��ي استقيتيها ث��م قمت بتوظيفها من خالل الكبسولة؟
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
طبيعية في بداية كل فن ،وهي من سبل تطوره واكتمال صورته ،وفي القصة القصيرة جدا ¦ ¦ «ربما غ��داً» ..مجموعتك القصصية األولى، حسم األمر لصالحها وانتهى األمر. كيف استُقبِ لتْ من قبل القُ رّاء؟ وكما قلنا ،في البدايات يكثر الجدل؛ فمنذ «ρ ρربما غ��دا» ..مجموعتي األولى التي فتحت سنوات كان الجدل حول قصيدة النثر ،واآلن لي أب��واب الغد المشرق ،وق��د ص��درت عن كما ترين ..يُحتفى بها ،ولها كتابها ونقادها، النادي األدبي بالمنطقة الشرقية ،وقد ضمت وإن كانت القصة القصيرة جدا موجودة في تجربتي القصصية األولى ،وهلل الحمد القت ثقافتنا منذ القدم ،من خالل ما وصلنا من نجاحا الفتا ،ونالت اهتمام النقاد ،وكان لها كتب القدماء ،فهي في ال��ن��وادر ،واألم��ث��ال، نصيبها ال��واف��ر م��ن ال��دراس��ات وال��ق��راءات والنكت ،والحكم ،والحكايات التي تأتي ضمن النقدية.. حكاية أكبر ،لها ج��ذور ومسميات مختلفة. الجدل والنقاش ضروري لكي تثبت وجودها ¦ ¦ ث�لاث مجموعات من القص القصير ج��داً.. ما وجه الشبة وما وجه االختالف؟ كجنس أدب��ي مستقل ..وق��د فعلت .وهناك كثير من النقاد ن��ذروا أقالمهم لها ،وأيضا ρ ρه��ي م��راح��ل م��ن ال��ك��ت��اب��ة ،ول��ك��ل مرحلة ما هناك رس��ائ��ل علمية تقوم على دراستها.. يميزها ..وكل الحقة حتما ستكون مختلفة وهذا نجاح لها ولكتّابها. وناضجة ..وهذا ما أعمل عليه دائما أن أطور والبحوث العلمية ..مستقبلها مشرق!
أدواتي من خالل االنفتاح ال ُقرّائي ،ومحاولة التجريب واالطالع على كل جديد.
ρ ρال م��درس��ة معينة ،أن��ا أق��رأ كثيرا وف��ي كل ¦ ¦ القصة القصيرة ج��دا في رأي��ك تمكنت من م�ن��اق�ش��ة ال �م��واض��ع ال �ت��ي ت�ن��اق�ش�ه��ا ال�ق�ص��ة ش���يء ..وال أتبع منهجا م��ح��ددا ..مخلصة القصيرة رغم حجمها؟ لفن القصة القصيرة جدا ،وأح��اول التقاط التفاصيل.. ρ ρبالتأكيد ،ب��ل وت��ن��اق��ش بشكل الذع ودقيق ¦ ¦لمَن تقرئين من كُ تّاب القصة القصيرة جداً؟
وساخر ومؤثر..
ρ ρأق���رأ ف��ي ك��ل اإلب�����داع ،ول��ي��س ف��ي القصة القصيرة ج��دا ف��ق��ط ..وأق���رأ لجميع كتاب القصة القصيرة جدا ..الجيد وغيره!
القصة القصيرة ج��دا تختلف ع��ن القصة القصيرة تماما في عناصرها وطرق التناول والكتابة ..والحجم ليس داللة جودة أو ضعف، وما أصغر حجم الرصاصة وما أشد فتكها!
¦ ¦ماذا تتوقعين لها من مستقبل؟
ρ ρب��ل حاضر ي��ا ع��زي��زت��ي ..فقد حصلت على ¦ ¦ كيف ك��ان استقبال سلطنة عمان ل�ـ «عرافة المساء»؟ ما تستحق من شد انتباه النقاد والدارسين، وأص��ب��ح لها محافل تحتفي بها وبكتابهاρ ρ ..كانت تجربة فريدة لن تتكرر ،غمروني بجمال أرواحهم وحضورهم الفاتن ،وعلى رأسهم وزير و ُقدِّمت عنها دراسات نقدية مستفيضة ،وحتى اإلعالم العماني الدكتور عبدالمنعم الحسني، الجامعات اعتمدت دراستها في التدريس
اجلوبة � -صيف 1437هـ (109 )2016
ال���ذي شرفني بحضوره وأخ���ذ نسخته من «عرافة المساء» ،كما حضر مجموعة كبيرة م��ن األدب���اء وال��ك��ت��اب ،وق��د كتبت مقاال عن عُمان بعنوان (أيام في السلطنة). ¦ ¦ماذا كان عن أمسيتك القصصية في اإلمارات؟ ρ ρالشارقة مدينة األدب والثقافة واالحتفاء باإلبداع والمبدعين من كل الوطن العربي، األمسية ف��ي ال��ش��ارق��ة حتما ت��ك��ون أمسية ب��م��ع��ن��اه��ا ال����ذي ن���ح���ب ..ح��ي��ث ال��ج��م��ه��ور الواعي المتذوق ،والحضور المتنوع ،فأنت تجد أمامك جمهوراً من كل الوطن العربي، وبالتالي ،حتما ستجتهد وتتألق ..فهم مرآتك. ¦ ¦تنوُّ ع جمهور شيمة الشمري ماذا أكسبها؟ الثقة والفخر ،وكل هذا يجعلني دائما حريصة على ما أكتب ،نسأل اهلل التوفيق.
ρ ρنتوقع الكثير من هذه التظاهرة السردية التي ¦ ¦نبارك لك تكريمك من قبل الملتقى األول يقودها النادي األدبي بالباحة ألول مرة في للقصة ال�ق�ص�ي��رة وال�ق�ص�ي��رة ج ��د ًا م��ن قبل المملكة ،وال غرابة ..فقد عوّدنا أدبي الباحة ن ��ادي ال �ب��اح��ة األدب� ��ي م��ا ه��و ش �ع��ورك بتلك على الريادة في الملتقيات األدبية واالهتمام المناسبة؟ ب���األدب بجميع ف��روع��ه وأج��ن��اس��ه ،ودعمه ρ ρبوركت أي��ام��ك ..شاكرة ل ِ��ك ..وم��اذا عساي الدائم لألدباء والنقاد ..هو لقاء يجمع كتاب أق���ول ع��ن بهجتي وس��ع��ادت��ي بتكريمي في القصة ونقادها ف��ي مهرجان كبير ،وه��ذا مهرجان القصة األول ،وفي حشد كبير من سيحرك الراكد ويحفز الكُتاب للعطاء أكثر رواد وكتاب القصة الزمالء والزميالت ،هي خاصة بعد لقاء الزمالء ،ومتابعة األمسيات، شهادة على أن ما قدمته كان جديرا بالقارئ والقراءات ،والحوارات حول القصة؛ كل هذا وبالمتذوق وبالتقدير ..أن نرى حصاد زرعنا سيكون منعطفا في حياة المشاركين وبشكل مبكرا ،لهي مسؤولية كبيرة على عاتق أقالمنا إيجابي.. التي ستعطي أكثر بعد هذا الوفاء والتقدير من وزارة الثقافة ،ممثلة بنادي الباحة األدبي ¦ ¦ختام ًا ماذا تقولين :لمن بدأ كتابة ذلك الفن برغبة التميز وليس االستسهال كما يقال؟ والزمالء األفاضل القائمين عليه والمشهود لهم بالتميز ..فشكرا لهم! ρ ρم��ن كتب ب��ص��دق ورغ��ب��ة واج��ت��ه��اد سيجني ¦ ¦م � ��اذا ت �ت��وق �ع �ي��ن وم � � ��اذا ت �ت��أم �ل �ي��ن م ��ن ذل��ك الملتقى؟
110اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
حصاد زرعه ثمرا طيبا ولو بعد حين ..يكفيه أن يكتب فالكتابة حب.
ال��ض��وي��ح��ي ρρاحملرر الثقايف
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
عبداللطيـف
درس في منطقة الجوف حتى الثانوية العامة عام1400هـ .وتلقى تعليمه في الرياض حتى البكالوريوس عام 1404هـ .حصل على الماجستير من جامعة أيوا 1991م في الواليات المتحدة األمريكية .يعمل حالياً في «أجفند» منذ عام 1998م. أخذ من اإلعالم نصيباً -مذيعا ومقدما -بين عامي 1983م و1989م. حاضر ودرَّس في قطاع اإلعالم بمعهد اإلدارة العامة 1998-1985م. وعمل مستشارا في الهالل األحمر للفترة 1998-1996م واإلعالم منذ 2006م .رأس تحرير موقع األمير طالل بن عبدالعزيز ومنتدى حوارات الفاخرية .كان عضوا في جمعية اإلدارة وهيئة الصحفيين وجمعية اإلعالم واالتصال وكتاب الرأي .وهو صاحب ومؤسس مركز المؤشرات الحديثة للدراسات. يطل على قرائه أسبوعيا في صحيفة عكاظ وكتب قبلها في صحيفة الوطن. قدّم العديد من المحاضرات في مجاالت التخطيط اإلعالمي واإلدارة اإلعالمية واقتصاديات اإلعالم لخدمة المجتمع المدني ومكافحة الفقر والتعليم المفتوح وتمكين المرأة وحقوق الطفل ،وأنجز العديد من الدراسات ،وصمّم حقائب تدريبية إعالمية. صدر لألستاذ الضويحي كتابه األول عن نادي الجوف األدبي الثقافي بعنوان (أساور القهوة وأسوار الفنجان ،فقه الضويحي) 1435هـ 2014م. يرى الضويحي أ ّن هذا العصر استح ّق عن جدارة مسمَى عصر اإلنترنت ،وأن اإلع�لام الجديد هو ابن شرعي لإلنترنت ،وفي ظل هذا التغير اإلعالمي فكر الضويحي بطريقة كتابية جديدة ،جمع من خاللها جميع تغريداته في وسائل التواصل االجتماعي فكان (فقه الضويحي). يمتاز كتابه بنمط جديد خاص به ،يعكس قدرته الالفتة على اقتناص المفارقة والتناقض بين مفردة وأخرى أو مصطلح وآخر تتشابه في المبنى لكنها تختلف في المعنى ،فأنشأ نصوصه في فضاء مختلف ،وقدمه للمتلقي في وعاء جديد ،عبر عنها حتى في عنوان الكتاب.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (111 )2016
تشخص أحوال منطقة الشرق األوسط في مئتي عام : ّ دراسة
األولوية الحتمية إليقاف التدهور في قدرات األمم ρρالزبير مهداد*
التقرير المعنون أعاله صدر في العام الماضي عن مؤسسة تنمية الخبراء - مهارة .وهو يتناول بالتحليل الموضوعي السبب الجوهري لتردي أحوال منطقة الشرق األوسط وشمالي إفريقيا ،خالل المئتي عام األخيرتين(.)1 يستعرض التقرير عدد ًا كبير ًا من الدراسات العالمية المتخصصة في تقييم الجوانب الرئيسة للنشاط اإلنساني في تلك المنطقة ورص��د األداء الجمعي لسكانها في العصر الحديث. ويخلص التقرير إل��ى أن السبب والتعليم ،وال��دف��اع ،ومظاهر السلوك الجوهري لتردّي أحوال تلك المنطقة الجمعي لألفراد في شتى دول اإلقليم. ي��رج��ع إل���ى اس��ت��ش��راء وب����اء إع��ط��اب
ويشرح التقرير كيف تم تكريس ما
ال���ق���درات ،ذل��ك ال���ذي ق��لّ��ص ق��درات يصطلح على وصفة بالتنمية القاصرة أجيال كاملة طوال عقود متتالية ،وما في منطقة الشرق األوس��ط وشمالي ت��زال ال��دراس��ات المتخصصة ترصد إفريقيا .ويبيّن كيف يتسبب استمرار آث���اره ال��مُ��دمِّ��رة ف��ي مختلف مظاهر تلك التنمية القاصرة لفترات طويلة
النشاط اإلنساني لسكان المنطقة؛ ف��ي إع��ط��اب ق���درات األف���راد ف��ي تلك من االقتصاد ،إلى السياسة ،والصحة ،المجتمعات؛ ما يجعل معظم النشاطات
112اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
��س�� ّيَ��ة ،أكثر م��ن أصولها التقليد الشكلي واإلنجازات الوهمية ،وهو الفكرية وال��مُ��ؤَسَ ِ م��ا ي��ك��رّس بيئة معطبة ل��ق��درات األف���راد ال��ج��ام��دة؛ ك��ال��ث��روات الطبيعية ،أو حتى
ويتسبب في خلق ه��وة بين تلك القدرات المنشآت ،أو المنتجات؛ إذ تتجسد تلك ومستوى المهارات المطلوبة لتحقيق تقدم ال��قُ��دُرات ف��ي م��ع��ارف األف���راد ومهاراتهم تنموي حقيقي .فالعيش تحت وطأة التنمية بشقيها المعرفي وغير المعرفي؛ أو ما يُعرف
القاصرة ،ال يؤدي فقط إلى ضمور أو إعطاب إجماالً بالثروة البشرية .وتبيّن أنه لكي يكتب ال��ق��درات اإليجابية ل�لأف��راد وح��س��ب ،بل النجاح ألي عملية تنموية ،يتحتم أوال تقييم
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
التنموية ف��ي المنطقة تعاني مما يسمى للمجتمعات اإلنسانية تكمن في ُقدُراتها
يُنَمّي قدرات هدامة تُسهم في إدامة التنمية الثروة البشرية الموجودة بعناية فائقة ،من القاصرة التي تتعدد مظاهرها؛ من تعليم خالل قياسها بالمعايير العالمية المعتبرة،
ال يُسهم في تطوير ق��درات ال ُم َم ْدرَسين ،ومن ثم تقدير اإلصالحات الواجبة؛ فبناء إلى طفولة مهملة ال تتاح لها فرص امتالك القدرات اإلنسانية قد يكون أصعب مهام الثروة البشرية ،إلى فقر يؤثر على القوى العقلية لألفراد ،إلى أنظمة حكم استبدادي تحتكر ال��ث��روة والسلطة ،إل��ى نظم إداري��ة ترفض التطوير واإلص�لاح ،إلى معتقدات وعادات مجتمعية تفتقد المنطق والبرهان.. إلى غير ذلك ،مما يستشعر آثاره المدمرة ماليين المطحونين في اإلقليم.
التنمية ،وبخاصة في الحاالت التي يتسبب استمرار التنمية القاصرة لفترات طويلة في سلب البلدان قدراتها المهارية الالزمة
للتنافس الدولي.
عندما يتعثر النمو طويالً في ه��ذا الفصل ،يسرد التقرير األداء
االقتصادي الجمعي لمنطقة الشرق األوسط
ويتبع التقرير أسلوب التقارير التنفيذية وشمالي إفريقيا ،مقارناً بغيرها من مناطق المركّزة ،معتمداً على توجيه القارئ إلى العالم ،من خالل دراسات اقتصادية عالمية
َ��در واف ٍ��ر من المراجع ال��وازن��ة ،تشرح ما متخصصة .تظهر المعلومات الموثقة فيها ق ٍ تم إيجازه ،وتستعرض األدلة المفصلة على بجالء أنه خالل القرنين الماضيين ،اتخذ
ما ذهب إليه التقرير الذي يتكون من ستة النمو االقتصادي في المنطقة منحىً سلبياً ال يبدو فيه أن عائدات الثروات الطبيعية فصول ،يعقبها فصل كامل للمراجع. الناضبة ق��د خلقت آلية تكامل أو نجاح المقدمة اقتصادي معتبر؛ حتى إن معدالت البطالة ت��ش��رح ال��م��ق��دم��ة أن ال��ق��وة الحقيقية في المنطقة تبقى هي األعلى على مستوى
اجلوبة � -صيف 1437هـ (113 )2016
العالم؛ بنسبة مذهلة لبطالة الشباب وصلت بعض أسباب هذا التعثر المجتمعي المدمر إل��ى %29.5في العام ،2014بل إن نحو ومظاهره.
%23.4من الشعوب العربية تعيش تحت خط الفقر القومي للعام 2012؛ مرتفعة عن نسبة %22.7التي سجلت في العام 1990م. تعثّ ر أكثر خطورة
امتالك القدرات يستعرض ه��ذا الفصل آل��ي��ات امتالك القدرات على مستوى األفراد والمجتمعات
واألمم ،كما بينتها الدراسات المتخصصة
في ه��ذا ال��ف��ص��ل ،يستعرض التقرير الرصينة في علم النفس ،واألسس العصبية تحليالت علمية موثّقة لمؤشرات األداء للمعرفة ،والتنمية البشرية ،وعلم االجتماع،
المجتمعي ل��دول منطقة الشرق األوس��ط والتربية؛ ويلف النظر إلى جوهرية معدل وشمالي إفريقيا من خالل أكثر المؤشرات ذك��اء األف���راد ،وآل��ي��ات امتالكه وتطويره، الدولية رصانة وكفاءة في هذا المجال .كما ومحوريته في تحديد النشاط اإلنساني ال دقيقاً لألداء الجمعي لشعوب بمظاهره الفكرية والعملية والقيمية كافة. يقدم تحلي ً المنطقة ،منذ بداية عقد السبعينات في القرن الماضي وحتى العام ٢٠١٥م ،في م��ج��االت التعليم ،وال��ص��ح��ة ،والجيش، واالقتصاد ،والسكان ،والبيئة ،والمجتمع، والسياسة ،والثقافة ،والضمان االجتماعي.
إعطاب القدرات يمثل ه���ذا ال��ف��ص��ل ب��ع��ن��وان��ه إض��اف��ة
ج��وه��ري��ة ف��ي ت��ح��ري��ر ال��س��ب��ب الحقيقي لتعثر األف����راد والمجتمعات واألم����م .إذ يسرد الفصل مجموعة من أهم الدراسات
هنا تُبيّن المؤشرات الدقيقة كيف أن العلمية الحديثة في مجال األسس العصبية التعثر االق��ت��ص��ادي ل��دول المنطقة ،على (أو المخية) للمعرفة والسلوك والمهارات
الرغم من فداحته ،أقل خطورة من تعثرها التي تقدم أدلة قطعية دامغة على التأثير في األس��س المجتمعية الجوهرية كافة؛ المباشر للظروف المجتمعية على بنية كقيم العدالة ،والمساواة ،وسيادة القانون ،ال��م��خ؛ وب��ال��ت��ال��ي ،على ال��م��ق��درة الذهنية والحكم الرشيد ،والتعليم الكفؤ ،والتخطيط ل�لأف��راد ف��ي المجتمع ،ك��م��ا ت��ع�� ّب��ر عنها المستقبلي ،والتقييم الموضوعي ل�لأداء .المؤشرات الطبية والنفسية المعتبرة ،مثل
ويلفت التقرير نظر القارئ في نهاية هذا معامل الذكاء؛ ما ينعكس على معتقداتهم الفصل إل��ى مجموعة من أه��م الدراسات وقيمهم وس��ل��وك��ه��م ون��ش��اط��ات��ه��م العملية
خالل الخمسين سنة الماضية ،التي تناولت بأشكالها كافة .هنا تبين األدل��ة العملية
114اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
أنه حين تفشل المجتمعات في امتالك أو حفظ الظروف الضرورية لحماية ال ُقدُرات اإليجابية ألفرادها وتنميتها يتسبب هذا في ضمورها أو إعطابها أو منعها من البزوغ. واألخطر من ذل��ك ،أنه باستمرار التنمية القاصرة لفترات طويلة ،يتسارع تدهور القدرات الجمعية لألفراد في المجتمع، وتتآكل ثروته البشرية .فالتدهور ال يُع ِْطبُ أو يُثَ ِبّطُ ال��قُ��دُرات اإليجابية وحسب ،بل َات هَ َّدام ٍَة تُسهم في إدامة التنمية يُن َِمّي ُق ُدر ٍ القاصرة؛ كجزء من حلقة مفرغة .وهنا يؤكد التقرير على أن��ه في ه��ذه الحاالت الحرجة ،ينبغي أن تكون األولوية الحتمية للمجتمعات إيقاف هذا التدهور الخطير ال��ذي ال يدمر حاضرها فقط ،ب��ل يهدد كذلك مستقبلها المنظور. استعادة القدرات
نمذجة رياضية متخصصة للمدى الزمني المتوقع لعملية إص�لاح ممنهج للقدرات المعطوبة للمجتمعات.
ويلفت هذا الفصل النظر إلى استحالة
يتناول ه��ذا الفصل اآلل��ي��ات المعتبرة أن يكفي إص�لاح النظم التعليمية فقط ف��ي إص�ل�اح العطب ف��ي ق���درات األف���راد إليقاف تدهور المجتمعات؛ إذ إنه ما لم والمجتمعات واألم��م ،ويشير إلى دراسات تتخذ إج����راءات ج��وه��ري��ة إلع���ادة النظر التقييم الموضوعي ألث��ر التعليم الكفؤ ،ال��ف��وري ف��ي المعتقدات واألن��ظ��م��ة التي
بما هو آلية ممكنة لبدء استعادة القدرات سببت أو تجاهلت ،أو دعمت أو شجعت المعطوبة لألفراد ،نتيجة لتعرضهم لتنمية آليات إعطاب القدرات ،فلن يتمكن التعليم
قاصرة لفترات زمنية طويلة .كما يُقَدِّ م وال أي شئ آخر من إيقاف االنحدار!
* كاتب وباحث تربوي من المغرب. ( )1صدرت الدراسة عن مؤسسة تنمية الخبراء -مهارة -المملكة المتحدة ،و للرجوع للنص الكامل للدراسة يمكن زيارة الرابطIPAR.pdf/12/2015/http://www.maharafoundation.org/wp-content/uploads :
اجلوبة � -صيف 1437هـ (115 )2016
اإلرث المعماري هل هو خاص أم عام؟
المباني أنموذج ًا ρρصالح بن ظاهر العشيش*
لكل المجتمعات والحضارات البشرية ت��راث ،وه��ذا التراث يتجسد في وجوه ع��دي��دة ،فهنالك ال�ت��راث األدب��ي المكتوب منه والمسموع ،والفني بأنواعه غناءً �ادات وتقالي َد وأط�ع�م��ة ً ،إل��ى غير ذل��ك .كذلك وفلكلور ًا وأزي ��اء ورس��وم� ًا فنيةً وع � ٍ التراث المعماري ..وال��ذي يشمل المباني والجسور وال�س��دود وغيرها من ذوات األبعاد الثالثة .هذا اإلرث المعماري هو ما سوف يدندن حوله هذا المقال. المباني هي من عمارة األرض ،وقد قال اهلل سبحانه وتعالى في محكم تنزيله َاس� َت��عْ � َم�رَكُ ��مْ فِ يهَا } [هود ،]61 :فالمباني هي من أكبر ْض و ْ {هُ َو أَ ْن��شَ �أَكُ ��مْ ِم��نَ الأْ َر ِ الشواهد على حضارة معينة وعصر بعينه؛ فهي دليل على المستوى الذي حققه المجتمع ،وما بلغته حضارته من شأن. عندما تسير في شوارع مدن الوطن المحتومة ،أو أنها معرضة لإلزالة من ��آت جديدة وق��راه ،ال ب ّد وأن تُصادف في سيرك قبل مُ�لاك��ه��ا إلق��ام��ة م��ن��ش ٍ مبان عتيقة ذات تميز معماري ..كانت ألسباب اقتصادية أو تنموية. ٍ علماً من المعالم ،أو أن من سماتها أصالة معمارية ،وهوية محلية تدل على حقبة ما .هذه المباني تُركت وشأنها ت��ح��ت��ض��ر ،ت��ح��ث ال��س��ي��ر إل���ى نهايتها 116اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
م��ن هنا ،يتبادر إل��ى ال��ذه��ن س��ؤال بل جملة من التساؤالت .لماذا تُترك هذه المباني عرض ًة لإلزالة أو صيرورة الفناء؟! لماذا ال يتوقف هذا التدهور
أليس لهذه المباني قيمة تاريخية عظيمة، يتجسد فيها ما قدمته من خ��دم��ات ،وما شهدته من أحداث ،وما قاومته من عوامل الزمن؟ ثم ،أليس لها قيمة معمارية كبرى تتمثل في أنماط المعيشة آن��ذاك ،وكيفية أسلوب البناء وهندسته وم��واده ،والذائقة الفنية التي تعكسها تلك المباني ،خصوصاً في وقتنا الحاضر ..حيث سطوة ما يسمى بالعمارة الحديثة (أو النمط العالمي) ،والذي تختفي معه العمارة المحلية ،حيث الثقافة البيئية ،واإلرث المعماري ال���ذي يكسب المكان هويته وتميزه ..بل وتفرّده؟
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الذي يسري في تكوينها بضخ دماء الحياة فيها من جديد ،ومنع إزال��ة ما هو مُعرَّض منها لإلزالة.
أليست هذه المباني تشكل ج��زءاً مهماً من تاريخ المدينة أو المنطقة التي تقع فيها، وإرثاً حضارياً له أهميته القصوى؟ أليس في هذا كله ما يوجب الحفاظ على تلك المباني، حتى وإن كانت مِ لكاً خاصاً؟ فتلك المباني تعدّت في أهميتها الملكية الخاصة ،حيث يلزم الحفاظ عليها وترميمها؛ ألنها مِ لكُ المجتمع ،وشاهد عيان على تاريخ المكان وأزمنته. إن الشعوب المتقدمة الواعية إلى أهمية تراثها -ألنه الهوية -والمدركة الستمرارية تاريخها وأصالتها دع��م��ت ال��ح��ف��اظ على إرثها المعماري؛ فبادرت إلى إنقاذ ما كان مهدداً منه باإلزالة نتيجة التنمية والتوسع
اجلوبة � -صيف 1437هـ (117 )2016
العمراني ،وأجبرت السلطات على احترام
ذاك اإلرث المعماري ،حيث استثمرت هذه المجتمعات اإلب���داع الهندسي في تحقيق المحافظة على تلك المباني ،مع عدم إيقاف
عجلة التنمية.
ففي ألمانيا ،تم إيقاف هدم مبنى تراثي
لوقوعه في خط سير قطار حيوي ،إذ جرى
تمديد سكة حديد القطار داخل المبنى ،مع
الحفاظ عليه قائماً في مكانه .وحالة أخرى شخص ٌ ف��ي ال��والي��ات ال��م��ت��ح��دة ..اش��ت��رى
األرض التي يقع عليها فندق خشبي قديم،
وقرر إزالته الستثمار الموقع ،واحتجّ األهالي وجمعوا مبلغاً من المال لنقله من مكانه كما هو إلى موقع جديد ،ونُصب بحالته التي كان
عليها.
إن نشر الوعي ،وعقد ورش العمل لحماية
هذه الثروة المعمارية ،والمحافظة عليها، وتهيئتها ،وإدخ��ال��ه��ا ف��ي دورة االقتصاد، خ��ص��وص��اً م���ع ت��ن��ام��ي أه��م��ي��ة ال��س��ي��اح��ة
الداخلية ..لهو أم ٌر في منتهى األهمية ،قبل أن تسبقنا إلى تلك الثروة ع��وادي الزمن،
ونفقدها إلى األبد ..حين ال ينفع الندم ،وال
البكاء على األطالل.
إن��ه��ا ص���رخ���ة ،ل��ع��ل��ه��ا يسمعها ج��ه��ات
االختصاص ،والجهات المهنية ،والمُالك
وغيرهم ..فهل نسمع لهم ولو ركزا؟ * كاتب من السعودية.
118اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الزهـو ر بين الحياة والشعر ρρعبدالغني فوزي*
تنتمي الزهور لعالم الطبيعة الخالي من التناقضات ،وتعد بذلك رمز ًا عميق ًا للجمال والسمو .لهذا االعتبار ،يعزز حضورها الصالت والعالقات اإلنسانية ،كما يتوهج ال��ورد والزهور في مناسبات فردية وجماعية؛ بل له حضوره البهي ،تبعا ألشكاله وايحاءاته الرمزية بالفرح في تفرعاته ،واأللم في أشكاله التراجيدية، ومنها الموت. بهذا الصنيع اإلنساني بالزهور ،يبدو أن لها سيمائية خاصة ،تقتضي فك شفرتها اإليصالية ،ضمن ثقافة معينة ونظرتها للحياة والعالم .فهذا الحضور القوي للزهور في الحياة والوجود ،ممتد في المكان والزمان بتعدده الثقافي منذ القدم ،فوصلت بعض الزهور عند بعض الشعوب إلى حد التقديس! يغلب ظني أن الشعر ظ�� ّل يحاكي الطبيعة من منطلق ال��ذات ،وباألخص العناصر الموحية والمثيرة لالنفعاالت والتأمالت .لهذا ،فالشعراء يمتصون في قصائدهم عناصر الحياة والجمال ،من منطلقات تحاور هذه الزهور ،على ضوء التحوّالت السياقية والتجارب الخاصة. فتبدو الزهور منطلقة مؤنسنة .ومن هنا ،تتحول من طوبوغرافيتها المعتادة إلى أخرى شعرية. والملفت للنظر أن الشعر العربي قديمه وح��دي��ث��ه ،ك��ان يستدعي هذه
119اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
الزهور؛ بل لكل شاعر زهرته المحببة التي يودع فيها مشاعره وحواسه ،في أفق رؤيوي ما .لهذا وإن كانت الزهور ٍ على صلة بالجمال وما هو روحي .فإن اإلنسان يذهب إليها لكي يتفاعل معها، الكل م��ن منطلقه .وبالتالي ،تختلف ال���رؤى والمنطلقات ف��ي التعامل مع الزهور .لكن الشعر يجردها من معالمها وإطاراتها الزمنية والمكانية ،فتغدو رم���وزاً سابح ًة ف��ي ال��وع��ي وال�لاوع��ي كآليات باعثة عن المعنى واألعماق. لدينا بعض التجارب الشعرية في
اجلوبة � -صيف 1437هـ (119 )2016
األدب العربي ،عمقت الزهور وأ َّرخ��ت لها، م��ن خ�لال ال��ح��واس وال��رؤي��ا .نذكر الشعر األندلسي ال��ذي التحم بالطبيعة الخالبة وأق���ام بين زه��وره��ا ،فضال ع��ن الوصف للزهور في المرحلة العباسية ،ليس غاية في الوصف فقط ،بل التأسيس لمقدمات شعرية تخرج عن النمط في المقدمات الطللية ،أو في المكان (الصحراء) ،أو في الحيوان حيث سيادة حيوانات (الفرس ،الجمل ،اإلبل.).. هنا غدت الزهور على صلة بعالم اإلنسان ويومياته .يقول أبو نواس:
الزهور في حضورها ،تبعاً لمقامها الواقعي والمألوف ،وال��ذي يتم إع��ادة بنائه ،أي أن الزهور تمر عبر ال���ذوات؛ فتتعمق وتتلون من جديد ،لتتخذ مقامات تعبيرية وتداولية جديدة .يقول نزار قباني:
أنت امراة ال تتكرر في تاريخ الورد وفي تاريخ الشعر وفي ذاكرة الزنبق والريحان
في االستعمال الشعري وبه ،تغدو الزهور وتعميق لمعنى الروابط واألواصر، ٍ بحث أداة ٍ أس �ق��اط ع�س�ج��ده فيها آللئــــــــــها جديد للعالقات والحياة ،إنها ٍ تشخيص ٍ في منضودة ُ بسموط ال��د ِّر تتصــــــــــــلُ زه��ور مدهشة ،كأنها زه��ور شعرية .لكن أحيانا ق��د يطلع ال���ورد ف��ي عمق العذاب أرخت عقودا من الياقوت مدمجة صفراء ،حمرا ،بها كالجسر يشتعل والمأساة .يقول الشاعر محمود درويش في هذا الصدد: ولعل اللحظة البارقة في األدب العربي الحديث ،تتمثل في التيار الرومانسي باعتبار «ينبت الورد على ساعد فالح، الطبيعة رافداً أساساً في هذا الملمح .فقد وفي قبضة عامل.. تم االستغراق في الوصف إلى حد الحلول ،ينبت الورد على جرح مقاتل، بالمعنى الصوفي والوجودي للكلمة؛ فكان وعلى جبهة صخر». الشاعر يتبادل األدوار واألصوات مع الزهور؛ ب��ن��اء ع��ل��ى ذل���ك ،ف��ال��زه��ور المتنوعة، في هذه الحالة تكون األزهار امتداداً طبيعياً تتخذ مقامات جديدة في الشعر وبه ،فيتم لحالة أو موقف .يقول جبران خليل جبران ف��ك «ال��ع��زل��ة» ع��ن ن��ب��ات��ات م��ل��ون��ة ،لتسبح تعميق لمفهوم ٍ «أن نزرع أوجاعنا في الحقل ..حتى تنبت في االمتداد اإلنساني ،في زهو َر فرح». اإلن��س��ان وال��ص��داق��ة ،ب��م��ا فيها صداقته في الشعر العربي المعاصر ،كانت الزهور للزهور .ويبدو أن القصيدة تنطرح كإناء آخر مؤثثة للكثير من التجارب الشعرية ،تعميقاً للزهور ،ال حدود له ما عدا الزرقة .فتغدو لمعنى الصداقة والمحبة .ومن هنا ،اختلفت الزهور بهية أكثر ،والمع ًة من الفرح واأللم. * شاعر وكاتب مغربي.
120اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
مارينا تسفيتاييفا شاعرة الحب والجوع والمنافي ρρتركية العمري*
لو أن روحك وُلدت بأجنحة فماذا يعني الكوخ أو بالط الملوك. مارينا تسفيتاييفا أرادت لها أمها أن تكون موسيقية ،ولكن أصابعها تسللت إلى الكلمات ..فعزفتها قصائد غنائية خالدة .إنها الشاعرة الروسية «مارينا تسفيتاييفا» ،والتي تعد أحد الشعراء المجددين في الشعر الروسي في القرن العشرين ،وقد أعجب الشاعر األلماني «ريلكة» بشاعريتها فقال« :ها أنا اكتب مثلك». ول���دت «م��اري��ن��ا» ف��ي م��وس��ك��و ع��ام 1892م .ك��ان والدها أس��ت��اذاً جامعياً، ومؤسس متحف الفنون الجميلة ،الذي أصبح فيما بعد متحف بوشكين للفنون الجميلة ،كانت أمها عازفة بيانو .وفي السابعة عشر من عمرها نشرت أول دي��وان شعري لها ،وال��ذي حمل عنوان (ألبوم المساء) وذلك عام 1910م.
ت���زام���ن���ت ح��ي��ات��ه��ا م���ع ال��س��ن��وات المضطربة في التاريخ الروسي :ثورة البلشفية ،والحرب األهلية ،والمجاعة، فخالل مجاعة موسكو أجبرت أن تضع ابنتيها في ملجأ لأليتام بموسكو،حيث توفت ابنتها الصغرى بسبب الجوع عام 1919م ،فآلمها ذلك كثيرا..
ال��ت��ح��ق زوج��ه��ا «أف�����رون» بالجيش لم تكن «مارينا» شاعرة فقط ،بل األبيض ،وقد كتبت قصائ َد عن الجيش ٍ كتبت مسرحيات ونصوصاً نثرية ،إضافة األبيض بين األعوام 1918م الى 1920م إلى ترجمتها ألعما َل ٍ عدد من الشعراء تُمجد فيها الجيش األب��ي��ض وحربهم إلى لغات مختلفة ومنهم «ريـلكة». ضد البلشفية.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (121 )2016
ف��ي ع��ام 1922م ،ه��اج��رت م��ع عائلتها إل���ى أل��م��ان��ي��ا ،ث��م ال���ى ب����راغ ،وم��ك��ث��ت في باريس حتى عام 1925م ،وقد عانت الفقر مع عائلتها ،كما عانت في باريس من نَبْذ ال��ج��ال��ي��ة ال��روس��ي��ة ل��ه��ا ،وم���ع ذل����ك ..ف��إن سنوات الحرمان والمنفى لم تطفئ شعلة إبداعها ،فقد تواصلت مع عدد من الشعراء عبر المراسالت واللقاءات أبرزهم «ريلكه» و«باسترناك» ،كما أهدت أحد أعمالها إلى الشاعرة الروسية «أنا اخماتوف». في براغ كتبت أجمل قصائدها ،ونشرتها في باريس في مجموعتها الشعرية (بعد روسيا) ،كما نشرت في برلين كتباً أخرى منها (الفراق) عام 1921م ،و(قصائد الى بلوك) عام 1923م. بعد عودتها الى االتحاد السوفيتي عام 1939م ،أ ُعدم زوجها ،وشهدت معاناة عدد من أصدقائها من بطش ستالين ،لم تتحمل ذلك ،فتوقفت عن الكتابة ،وكان هذا انتحارها األخالقي ،وبعد شهور وجدها ابنها مشنوقة، تارك ًة له ورقة تقول فيها «بجنون أحبك ،قل للبابا وإليا إذا رأيتهم ،أنني أحبهم حتى آخر لحظة من حياتي ،واشرح لهم بأنني وصلت إلى طريق مسدود» ،وكان ذلك عام 1941م. ك��ان الحب ثيمة قصائدها ،فقد كتبت عن الحب المعروف والحب المجهول بلغة صريحة ،كما وجد نقا ُد ومترجمو أعمالها تأثير أغنيات الفلكلور في شعرها .صورت «تسفيتاييفا» تجارب وخبرات وحال المرأة الروسية خالل السنوات العصيبة لالتحاد * كاتبة ومترجمة سعودية.
122اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
السوفيتي في تلك الفترة. ل��م تربط «م��اري��ن��ا» قصائدها بمدرسة
معينة ،كما أنها ل��م تنضم ال��ى أي حركة أدبية ،فقد كانت صوتاً متفردا ،وبعد الثورة
ال��روس��ي��ة ح���اول «ل��ي��ن��ي��ن» أن يستخدمها لصالحه ،ترجمت قصائدها للكثير من
اللغات ،ويصنفها النقاد بأنها تنتمي إلى الحركة الرمزية الروسية.
واليوم في مدينة «يالبوقا» الروسية أصبح
منزلها متحفا وم ْعل َماً لها ،كما أعيد نشر الكثير من شعرها في االتحاد السوفيتي، وقد أطلق اسمها على كوكبٌ اكتشفه فلكي روسي .وفي بولندا شُ يدت سفينة لألكاديمية
الروسية للعلوم ،وحملت اسمها تكريماً لها.
بين القواعد التربوية والفنون الجميلة ρρصبحة بغورة*
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
معنى النمو الجمالي
النمو هو التغير المستمر. وال �ن �م��و ال �ج �م��ال��ي ه��و ال �ن �م��و ال �م��رك��ب ال� ��ذي ت�ح��دث��ه الطبيعة بغير إرادة من صاحبه ،وهذا النمو المستمر هو المسؤول عن التغيّرات التي تبدأ من العدم ،لتصل إلى أقصى ما يبلغه كمال التنظيم الجمالي المنسجم ،سواء في نمو اإلنسان أم في مظاهر الطبيعة المختلفة مثل األشجار ،واألنهار ،والجبال ،وتجمع السحاب.. والسعي إلى الوصول للقيم الجمالية العالية في تنظيمها وانسجام أجزائها ..ال تختص به الطبيعة وحدها ،كما ال يختص به أيضا العمل الفني في حد ذاته ،بل تظهر سماته ومعالمه بصورة أكثر وضوح ًا وتكام ًال في التفكير واإلحساس واإلدراك؛ وبالتالي ،في كل ما يتصل بنا من أسباب الحياة ،وما يربطنا بالحياة من صالت. ول��ع��ل م���ن ظ���واه���ر ال���خ�ل�اف بين على حواسه في الحكم على أي عمل
القواعد الفلسفية في التربية الفنية ..فني؛ وبالتالي ،يصبح من الضروري
وبين الفنون الجميلة ف��ي ذات��ه��ا ،ما بالنسبة إل��ى الفنان ال��م��ب��دع ،تربية يرجع إلى االختالف في تعليل وجهات حواسه وتدريبها على تنسيق عالقتها النظر في طريقة تنظيم العمل الفني ،بالمظاهر الكونية لتدعيم شخصيته وتنسيق االنسجام الجمالي الذي يكفل الفنية؛ كما أنها أيضا تزيد من شعوره
نمواً جماليا صحيحا.
بالنمو الجمالي المطرد ،الذي يظهر
مما ال شك فيه أن اإلنسان يعتمد ف��ي عمله ل��ي��دل على ج��وه��ر نفسه، سواء في صراحة التفكير ،أو في دقة
اجلوبة � -صيف 1437هـ (123 )2016
ال��ح ّ ��س وسمو اإلدراك ،أو ف��ي األسلوب عمله مقبوال ،وينال رض��ا الناس جميعا،
الذي يسلكه في التعبير عنها بفنه.
ب��ل يتعين علينا أن نرفض ه��ذا الزعم؛
وتتفاوت عناصر التعبير بتنوع الوسائط ألن ك��ل عمل فني ق��اب�� ٌل ف��ي ذات���ه للنقد التي يستعملها المبدع ،مثل الكلمات ،أو المتصل بنوع العمل ،وبقدرة الفنان على
األوزان ،أو األنغام ،أو الخطوط ،أو األلوان ،التعبير بأسلوبه الخاص للكشف عن قيم أو الحركات ،أو اإلي��م��اءات ..وغير ذلك جمالية ينفرد بها .وكل محاولة من شأنها كفنِّ الباليه ،أو السينما ،أو باالستعارة ترتيب عالقات النظام واالنسجام ،توصلنا كالموسيقى ال��ت��ص��وي��ري��ة ..وه��ك��ذا ،في حتما إلى افتراض قواعد جائرة ،وقوانين
باقي الفنون .والتنسيق الجمالي ال تحدد تستبد بعواطف الفنانين المبدعين ،وأيضا بدايته عالمة معينة ،وليس له تكوين خاص المشاهدين ال��ق��ادري��ن على ت���ذوّق معنى
مصطلح عليه ،بل يمكن أن يبدأ على أي الجمال في أشكاله المتعددة المظاهر؛ مستوى ..سواء عن دراسة سابقة ،أم في كما تقف سداً في طريق الخبرات الفنية،
سياق العمل ..عندما يستغرق الفنان شاعراً والمحاوالت التي يتميز فيها كل فنان على أو رساماً أو موسيقياً في تأمالته ،ومتأثرا آخر ،بل وتفسد كل محاولة فنية مبتكرة؛
بمعنى النمو الجمالي في عمله ،وفي الوقت ومع ذلك ،نقول إن مثل هذه القواعد لها
الذي يفقد فيه المبدع القدرة على تنظيم أهمية ضمنية في التربية الفنية بالمدارس،
ه��ذه العالقة التي تربط تأمالته بالعمل ألنها تشتمل على األسس التي تحدد مفهوم الفني أو األدب��ي ،يهبط مستوى المعاني القيم الجمالية حينما نساعد الطالب الجمالية ،وينعكس تأثيره في المجتمع على فهم هذه األنظمة فيما أبدعه كبار بأسره ،طالما أن الفن ظاهرة اجتماعية الفنانين ،لننمي فيه اإلحساس بالجمال في لها تأثيرها الفعال في المجتمع.
الفن ،فالنسبة والتوازن واإليقاع ..ال يزال
وتتنوع مظاهر التعبير‘ وتتفاوت درجات بعضهم ينظر إليها على أنها أمور معوقة ت��أث��ي��ره��ا ب��ق��در ت��ف��اوت إح��س��اس الفنان للقوى االبتكارية عند الصغار ،فباعَ دوا
والمفكر واألدي��ب والموسيقار ..بالمعاني بينها وبين التالميذ ،وأصبح إدراك معنى التي تتضمنها تلك التعبيرات ،ومن العبث أن النمو الجمالي في التربية الفنية بالتعليم
نقبل الزعم بإنشاء قواعد وقوانين محددة ،العام ،مجرد تقدير ذاتي ينتج عن التأثيرات يمكننا أن نخضع بها العمل الفني ..لكي التي تحدثها ال��رؤي��ة ف��ي نفس الطالب،
يلتزم بها الفنان التزاماً تاماً حتى يصبح م��ن دون االه��ت��م��ام بالخبرات والتجارب
124اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
بالمقارنة ،نجد أنه يتعذر ..بل يستحيل ووضوحها ..قد تفقد التلميذ تلقائيته ،وال
على الطالب ال��ع��زف على البيانو مثال ،يتقبلها عقله كأساس لعمله ،مهما حاول
وأن يجيد العزف ما لم يحط أوال بالسلّم ال��م��درّس أن يلقنها ل��ه ،طالما أن ذاتية الموسيقي ال��ذي يعني تطبيق المقاطع الطفل تتكون من حسه وإدراك��ه وتجاربه « ،»solfègوعلم ال��ه��ارم��ون��ي ..أي تآلف العاطفية -الشخصية -نحو أبيه وأمه األلحان ،و «علم اإليقاع» ..وغير ذلك من والمجتمع الذي يعيش فيه ،وكلها عوامل أص��ول ،حتى يصبح في مقدوره بعد ذلك مساعدة لتعميق شعوره .وإذا سلمنا بهذا
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
السابقة .وإذا أردن���ا تفسير ه��ذا القول وال��ق��واع��د مهما بلغت دق��ت��ه��ا ودالالت��ه��ا
أن يعزف كيفما يشاء .والنسبة بين أعضاء الرأي ،فما هو دور مدرس التربية الفنية؟ جسم واحد في الرسم عندما تصحح على أعتقد أن دور م��درس التربية الفنية أس��س من المظهر الواقعي ،والتي تأتي في هذه الحالة ،هو تنقية شعور التلميذ، غالبا عن طريق الرؤية البصرية ،قد تصبح وتدريب حواسه على ع��ادة االنسجام مع مفتقرة لمعنى االنسجام في فلسفة الجمال العالم الخارجي ،باألسلوب الذي يتجاوب عند أساتذة التربية الفنية الحديثة؛ ألنهم م��ع أح��اس��ي��س��ه وق���درات���ه ال��ذات��ي��ة .وم��ن يؤْثرون عليها المبتكرات الصادرة من أعماق الواضح أن الشعور النامي بمعنى الجمال وجدان وخيال الطفل ،وكذلك اإليقاع تبعاً يزداد عند األطفال ..كلما ازدادت معرفتهم لقواعده وأسسه بوجه ع��ام ..قد يفسد وخبرتهم بالعملية الفنية ،وكلما أمكنهم أيضا ما يرغب التلميذ في التعبير عنه بالتالي -التعبير باألسلوب ال��ذي يعادلبروح الطفولة البسيطة المجردة. هذه المعرفة لمعاني الجمال؛ وال تتكشف فكيف ،إذاً ،تصبح فلسفة النمو الجمال ه���ذه ال���م���دارك إال ع��ن ط��ري��ق التجربة المطلق م��ادة تربوية؟ وكيف يمكن كذلك السليمة ،وتدريب الفكر والشعور وتقوية االستغناء عن القواعد واألسس الواضحة ،المالحظة؛ وم��ن مجموع ه��ذه الخصال
التي يمكن للتلميذ فهمها وتطبيقها عن تتكون وحدة نظام فكري منسجم ،ينعكس ٍ اقتناع تام، وبإدراك صحيح لمعاني الجمال على هيئة خطوط أو مساحات أو أل��وان في الفن؟
أو أشكال أو أنغام أو كلمات .وال شك في
قد يزعم بعض أساتذة التربية الفنية أن أن األطفال الذين يفتقدون الشعور بالنمو
هذا األمر مرتبط أشد االرتباط بالتعليم الجمالي ،ويفتقدون كذلك ال��ق��درة على
التربوي في جملته؛ ألن األسس واألنظمة تنظيم أفكارهم وإدراك حقيقة شعورهم،
اجلوبة � -صيف 1437هـ (125 )2016
يفتقدون أيضا مراقبة تجاربهم لالستفادة منها في كل وسائل التعبير.
والطفل الذي يحاول أن يستشعر المتعة المستمرة وهو يعبث في الرمال ،أو يرسم
ومن الناس مَن يظن بأن للفنون وظيفة بالقلم عالمات تبدو للعين أشياء قريبة الشبه إلى ما في أذهاننا من صور ..كالدائرة التي سامية يتطلع إليها ويتمناها ،واعتقادي أن تدل على قرص الشمس ،والشكل البيضاوي ه��ذه الوظيفة م��وج��ودة ف��ي ك��ل عمل فني كلب وإل��ى غير ��ط أو ٍ ال��ذي يشبه جسم ق ٍّ ب��م��ق��دار م��ا يبدعه ال��ف��ن��ان ،ونستطيع أن ذل��ك ،فيها الدليل على وج��ود الشبه بين نتب َّينَها ب��وض��وح ف��ي الكثير م��ن القصص رس���وم األط��ف��ال ورس����وم ال��رج��ل ال��ب��دائ��ي والقصائد الشعرية ،وف��ي مختلف أن��واع ورسوم فناني العصور الوسطى ،بما تظهره الفنون التشكيلية ال��ت��ي ن��راه��ا ونلمسها، م��ن س��ذاج��ة وخشونة التعبير ف��ي الفنون فتجذبنا إليها وتثير تأمالتنا .وعلم الجمال التشكيلية ،نتيجة نقص المعرفة وضعف ال يستطيع كما قد يبدو للبعض أن يحدد المهارة ،ويتالشى هذا النقص تدريجيا تبعا قاعدة يمكن تطبيقها لالستدالل على مثل لنمو م��دارك اإلن��س��ان الحضارية في فهم ه��ذه الوظيفة أو غيرها م��ن المتطلبات، معاني الجمال ،ولما كانت الحياة ممثلة في بالقدر الذي يبتغيه كل الناس على حد سواء. الحركة ،فاإليقاع Rhethmهو الدليل عليها. كلنا يعلم أن اإلن��س��ان منذ ع��ص��ور ما مثال ذلك أن الثعبان بغض النظر عن شعورنا
قبل التاريخ ،حاول أن يحوِّل انفعاالته إلى نحوه ،يتمثل في خط متعرج ذي انحناءات أشكال لها معانيها بقدر سلوكه الحضاري ،متشابهة يتركها على الرمال أثراً بعد عين..
والفنان المصري القديم هو أول من مهد ويتألف منها إيقاعا ،وهو العنصر األساس لقبول معاني المثالية في الفن اإلغريقي في للحركة الدالة على حيويته .وعلى جدران القرن الخامس ق.م ،.ثم عادت إلى الظهور الكهوف تشاهد رسوم قطعان الحيوان على عند االيطاليين في عصر النهضة فيما بين شكل مجموعات ،بعضها صاعد وبعضها
القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس اآلخر هابط ..في إيقاع يدل على الحركة عشر ،أما في العصور الوسطى -وهي التي والحيوية ،والتكوين ( )Compositionوالنسب،
تتوسط النهضتين اإلغريقية وااليطالية -هما أول ما استرعى نظر اإلنسان البدائي
فقد حاول اإلنسان على الرغم من انحطاط عندما حاول أن يزخرف مقبض سالحه أو المستوى الثقافي واالجتماعي ،أن يبدع ج��دران كهفه أو وع��اء طعامه ،وف��ي رسوم فنونا يعبر بها عن مشاعره.
126اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ق��اذف ال��رم��ح ..نالحظ اختالفا في نسب
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
أعضاء جسمه ،والنسبة ب��ي��ن��ه وب��ي��ن ال��ح��ي��وان.
وب��م��رور ال��وق��ت ،وتبعاً ل����ن����م����و اإلح������س������اس
ب�����ال�����ج�����م�����ال ،أم���ك���ن
لإلنسان البدائي نفسه أن يتوصل إل��ى معرفة
النسب ال��م��ب��اش��رة بين أع��ض��اء جسم واح���د.. ث���م ب��ي��ن ج��س��م وج��س��م آخ��ر ،إل��ى أن تمكن من
تكوين مجموعة مختلطة من اإلنسان والحيوان، وأدى االه��ت��م��ام بشغل ال����م����س����اح����ات وت�����رك
التي حدد بها النسب الصحيحة في تماثيل
الفراغات التي تتكون منها هذه العناصر ..آلهتهم وأبطالهم في فن النحت ،وكذلك في إلى إيجاد قيم جمالية أخرى تشاهد في تنوع الشعر ال��ذي ب��دأ بأنشودة شعبية لتصوير
الحركات ،كالهجوم والتربص واالستخفاء معاني البطولة وإثارة الحماسة ،إلى أن بلغ وغير ذلك ..إلى أن استطاع الفنان المصري أعلى مراتب الوصف والتعبير في الدراما القديم أن يضع قانونا حدد به طول جسم اإلغريقية ،وكذلك الموسيقى التي مارسها اإلنسان باثنين وعشرين أصبعا ،وأن يرسم اإلنسان مع األديان منذ أقدم العصور ..إلى
األجسام والوجوه من الجانب ( )profileإمعانا أن أفسحت لها الكنائس المسيحية مجاال في تحديد أوصافها بدقة ،وأن يرسم العين واس��ع��ا للسمو بسحرها .والبحث ف��ي كل
الواسعة ،وفي وضع جانبي على غير ما هو العصور ال ينقطع من أجل التقدم بالحركة معروف في قاعدة المنظور ،وأن يزيد من واإلي��ق��اع والنسبة التي يتكون منها العمل مرونة الخطوط الخارجية المنغمة ،كما الفني ،وهذا التقدم هو الدليل على اطراد
استطاع المثّال اإلغريقي أن يضع القوانين اإلحساس بالنمو الجمالي في اإلبداع الفني. كاتبة من الجزائر. ِ *
اجلوبة � -صيف 1437هـ (127 )2016
صورين الغاط في ُع ِ الم ِّ يون ُ
كتاب ُي ِّ والحياة في ُم َ الت َ والج َ ظة َ َ وث ُق ُ الغاط مال حاف ِ ٌ راث َ ρρاحملرر الثقايف
الكتاب :الغاط في عيون المصوِّرين. اإلشراف العام :سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري. المحـــــرر :محمد بن عيسى صوانه. المراجع :محمد بن أحمد الراشد. الناشـــــــــر :مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. تاريخ النشر1437 :هــ2016/م. أينما اتّجهتَ في الغاط ستجد الكثي َر من األماكن الطبيعية المُدهشة ،التي تجمع بين جمال المكان وطبيعته الساحرة ،والتراث ال��ع��ري��ق ،الممتزج ب��ت��اري��خ اإلن��س��ان ال��ذي سكن فيها على مر الزمان .فعالوة على أن الغاط تُ َع ُّد واح ًة غنّاء بطبيعتها وجغرافيتها ومزارعها على أطراف هضبة نجد الشمالية؛ فإنها شهدت ح��ض��ارات متتالية على م ِّر العصور ،منذ ما قبل اإلسالم ،بل ُع ِث َر على شواهد وآثار تؤكد سُ كنى الغاط منذ عصور ما قبل التاريخ. الكتاب ،جاء بمبادرة من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،بعنوان (الغاط في عيون �لا م��ص��وّراً يوثق ال��م��ص��وري��ن) ليكون س��ج ً شواهد ومعالم األصالة والتراث والحضارة الواعدة في الغاط. 128اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ان��ط��ل��ق��ت ال��ف��ك��رة م���ن خ��ل�ال «م��ن��ت��دى الشباب ب��دار الرحمانية في الغاط» لتوثيق تلك الشواهد بعدسات الشباب المصورين م��ن أب��ن��اء ال��غ��اط ،وه���م ف��ي األص���ل ه���واة، أطلقوا العنان لعيونهم اللتقاط الجمال مع الصور التي تمثل الحياة والطبيعة والتراث في هذه المدينة الجميلة ،التي تتكىء على أطراف جبال طويق ،وتصافح عريق البلدان (النفود)؛ فاستطاعوا أن يشكلوا بنياناً من والظالل وثّقوا من خالله جمال هذه الضوء ِ المدينة وطبيعتها الساحرة ،وع��ادات أهلها. يتكون الكتاب مما يزيد على مائة صورة في مائة وأربع وستين صفحة ،وشارك فيه اثنا عشر مصوراً من الهواة( )1جميعهم من أبناء محافظة الغاط ،عملوا على مدار عام كامل. ج���اء ال��ك��ت��اب ف��ي ( )164ص��ف��ح��ة من
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الحجم الكبير ،بمقاس ()28.7 X 28.7 سم ،وغ�لاف أنيق تصدّرته ص��ورة أشجار النخيل التي تشتهر بها ال��غ��اط ،وحظيت الصور بشروحات مختصرة باللغتين العربية واإلن��ج��ل��ي��زي��ة ،وق��د وزّع المصمم الصور بطريقة فنية جميلة والفتة ،تمنح المتصفح مشاهد بصرية أخّ ��اذة ومدهشة لمختلف الموضوعات التي شملها الكتاب. ال مصوراً ،حفل بصور يمثل الكتاب سج ً حيّة ناطقة ،التقطتها عيون ماهرة أخذت ترسم الغاط بأجمل األل��وان ،وتصل خيوط الضياء منطلقة من جذورها الضاربة في أعماق أوديتها إلى سهولها الخضراء ونفودها الذهبية؛ لتكمل صورة واقعية ترفع بنيانها المتين ،لبن ًة لبنةً ،ليعلو شامخاً كما خشم العرنية ،الذي يستقبل القادمين بالترحاب ..يا اهلل عسى ِغر السحايب وسَ مها الشخانيب دار ل�ن��ا م��ا ب�ي��ن روس َّ وح��ي��ن يُ�� َو ِّدع��ه��م ي��ت��رك ف��ي ذاك���رة ك��ل زائ��ر لحظات ممزوجة باألصالة والتراث الجميل .إس �ل �ي �م��ان س��مَّ ��اه��ا اوك� � ّب ��ر سَ همها ت����ص����دّرت ال���ك���ت���اب ق��ص��ي��دة ل�لأم��ي��ر عبدالرحمن بن أحمد السديري –رحمة اهلل عليه -كتبها سنة 1389هـ عن مسقط رأسه (الغاط) تغنّى من خاللها بجبالها وأوديتها ومطرها وإبلها ،تُعبّر عن حُ بِّ األمير الشاعر لها وألهلها ،مطلعها:
يا من بها الطرقي اوتامن بها النِّيب
يتكوّن الكتاب من تمهيد بعنوان «ضوء» ومقدمة وأربعة فصول هي :التراث واآلثار، والطبيعة ،واألن��ش��ط��ة الثقافية ،والحياة االجتماعية ،وختم بالمراجع ،وجاءت صورة الغالف بعدسة المصور المبدع أيمن العامر.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (129 )2016
التراث واآلثار ال��ت��راث واآلث���ار ش��واه��د على األص��ال��ة ،تعتز بها الشعوب وتحرص على صيانتها والمحافظة عليها؛ لذا، تم توثيق العناصر التراثية واآلثارية في الكتاب بأربع وعشرين لقطة شملت :الغاط القديمة ،وبحيرة السد، وبعض النقوش الثمودية الموجودة على صخور الغاط، وكذلك قصر اإلمارة (المتحف) ،وبيت آل الملحم في الغاط القديمة الذي جرى ترميمه ليظل شاهدا على جماليات البناء التقليدي القديم في الغاط .كما شملت الصور كذلك المساجد واألسواق في الغاط القديمة، ولقطات ألبوابها الخشبية ذات السالسل الحديدية، والممرات والعناصر المعمارية المتنوّعة فيها. الطبيعة حظيت الطبيعة في الغاط بالنصيب األكبر من بثمان وأربعين لقطة، ٍ الصور ،إذ وثقها المصورون تنوّعت بين المعالم الطبيعية مثل :خشم العرنية، والجبال ،واألودية ،واآلبار ،والمزارع .فال شيء يبهر أكثر من جمال الطبيعة الخالب ،واجتماع الماء مع الخضرة ،ومزارع النخيل .وللصحراء في العين متعة وفيها للنفس راح��ة ،وللفكر إب��داع ..كيف ال وقد عرفها العربي وخبرها قبل البحر. وكان األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري – رحمه اهلل -قد تغنى بطبيعة الغاط ،فقال:
مَ � ��ن ش��اف �ه��ا ي��ام��ن ع ��ن ال� �غ ��در وال�ك�ي�ـ��د ح �م��وا إح �م��اه��ا ع ��ن ح �س��ود اوح �ق ��ودي أع�ل�ام �ه �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ب �ج �ب��ال �ـ �ـ �ـ �ه��ا وال �ت �ـ��واك �ي �ـ �ـ �ـ��د إخ �ـ �ش��وم ال �ع��ران �ـ �ـ �ـ��ي ث � َّب �ت��ن ال �ح �ـ �ـ �ـ �ـ��دودي
130اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
من المعالم الطبيعية التي وثّقها الكتاب :خشم النغرة شمالي الغاط ،وقلتة حنيفة ،وسيول الغاط، ومدرج الحاجز ،ومزارع النخيل واألعالف ،إضافة الى صور لتمور الغاط المعروفة بأنها من أجود أنواع التمور ،ومصنع بتيل للتمور بالغاط ومنتجاته.
في الغاط تقام أنشطة ثقافية متنوعة ،وبها مراكز وفعاليات عديدة ترعى تلك األنشطة يشارك فيها أبناء وبنات الغاط؛ ل��ذا ،حظي هذا الجانب بنصيب وافر استعرضها الكتاب بسبع عشرة ص���ورة؛ أهمها دار الرحمانية بمرافقها التي تشمل قاعة المطالعة ،وركن اإلنترنت بمكتبة األمير عبدالرحمن السديري، ومكتبة منيرة الملحم للنساء ،وكذلك صور لفعاليات منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية ،وجائزة األمير
الحياة االجتماعية
األنشطة الثقافية
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
وأشجار الغاط وثمارها ،وتربية المواشي ومزارع األلبان ،وضم الكتاب صوراً لبعض الحيوانات كالخيول ،والثعلب (الحصني) في لقطة ليلية نادرة ،وكذلك الغزالن في محمية البدرانية.
خ��ال��د ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري للتفوق العلمي، وه��ي ج��ائ��زة س��ن��وي��ة ،ال��ت��ي ش�� ّرف��ه��ا برعايته الملك سلمان ابن عبدالعزيز ،حفظه اهلل ،في إحدى دوراتها .وكذلك جائزة األمير ناصر بن سعد السديري لحفظ القرآن الكريم ،ونادي الحمادة الرياضي. كما شمل الكتاب ص��وراً توثّق وتسجل للعديد من األنشطة االجتماعية في الغاط ب��م��ن��اس��ب��ات األع���ي���اد ال��دي��ن��ي��ة وال��وط��ن��ي��ة، ومهرجان الغاط للموروث الثقافي ،والعرضة، والسامري .كما يأخذنا الكتاب في جولة عامة في شوارع الغاط ،ومنظر عام للمدينة، بالحرَف اليدوية كما لم ينس توثيق االهتمام ِ التقليدية الجميلة.
( )1المصورون :أحمد بن عبداهلل الشقيران ،أيمن بن محمد العامر ،خالد بن زياد السديري ،سلطان بن أحمد العضيدان، صخر بن عبدالعزيز الجنوبي ،علي بن عبدالرحمن المخضب ،ماجد بن ناصر الخميس ،محمد بن أحمد الحصين، مساعد بن سعد العضيدان ،معاذ بن عبدالعزيز الرشيد ،معتز بن إبراهيم الجنوبي ،نوف بنت فيصل السديري.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (131 )2016
ما المانع؟! قصة لألطفال
ρρسدمي عبدالرحمن الدرعان*
في قرية صغيرة ..يعيش رجل اسمه (مهند) ،تعوّد في ليالي شهر رمضان إيقاظ أهل قريته للسحورِ ،وكانوا يحبونه كثيراً ،وفي عيد الفطر المبارك يقدمون له الهدايا مكافأة على صنيعه. كانت لديه ابنة اسمها مريم ،وف��ي يوم لصوص الليل. م��رض أبوها ،وأصابه أل��م في بطنه جعله
وأثناء سيرها تجاه بيوت القرية ،سمعت
طريح ال��ف��راش ،ول��م يستطع بسببه القيام صوتاً أشبه بعواء الذئب ..فتملكها الخوف.. بعمله في تلك الليلة ..فقالت له مريم :ومن وأشعلت شمعة كانت معها ..وق��ام «ب��رق»
سيوقظ أهل القرية الليلة يا أبتي؟! فقال وب��س��رع��ةِ ال��ب��رق ب���دوره ب��ال��ع��واء ..ولمحت لها :أنا مريض وال أقوى على ذلك ،وأخاف الذئب الذي أرعبها هاربا ..ثم مضت بين َّ أن يغط الناس في نومهم وال يتسحرون .ب��ي��وت ال��ق��ري��ة ت��ق��رع طبلتها وه��ي ت��ن��ادي: فقالت مريم :ال بأس عليك ..أنا مَن سيقوم السحور السحور ..فسمعوها مستغربين..
بعملك..
استغرب األب من فكرتها ،وأصابه القلق..
إنه صوت طفلة ..ماذا جرى ألبي مريم.. خرج أحدهم وسألها :..اين أبا مريم؟!!
وبينما هو يفكر ،قالت له مريم :وما المانع؟! فقالت :أنا مريم ،ابنته .إنه مريض ..فنادى وقبل أن يجيبها قالت :ال تقلق عليّ ..على ابنه أحمد وقال له :ساعدها يا بُني.. س��آخ��ذ ج����رويَ (ب����رق) ،وس��ي��ح��رس��ن��ي من إنها مريم ابنة (مهند) ..فقال :حسناً يا 132اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ق � � � � � �ص� � � � � ��ة ل � �ل � ��أط � � � � �ف� � � � ��ال
أبي .وأسرعت أخته فاطمة :وأنا أيضا أريد مساعدتها ..ثم ج��اءت عائشة الصغيرة.. وأنا أيضا..
منهن طنجرة وملعقة ب���دالً م��ن الطبلة.. فضحكت مريم وقالت :أصبح لدينا فرق ٌة
مشوا في أرجاء القرية يقرعون طبالتهم موسيقيةٌ ،بعد اآلن سيستيقظ أهل القرية وي��ن��ادون ..السحور ..السحور ..فخرجت كلهم.. صديقتها هيفاء وطلبت مرافقتهم .ومن
وف��ي ل��ح��ظ��ات ،ك��ان��ت ك��ل ب��ي��وت القرية
ٍ بيت آخر خرج عمر الذي قال :ليس عندي مضاءة ،وهم يقولون :رمضان كريم ..رمضان عام وأنتم بخير!! لقد كانت آخر طبلة فهل أحضر دفاً ..فصاح الجميع وهم مبارك ،كل ٍ يضحكون :وم��ا ال��م��ان��ع؟! ث��م خ��رج عدنان ليلة من ليالي رمضان. قائال :ليس عندي طبلة ..فهل أحضر شبابة؟ يا عبداهلل ٍ فصاحوا بصوت واحد :نعم وما المانع؟! أما يا نائم بهية وسميرة وخولة فقد احضرت كل واحدةٍ * طالبة من سكاكا -الجوف.
وحد الدايم.. ّ
اجلوبة � -صيف 1437هـ (133 )2016
الكتاب :احلجارة -رواية
الكتاب :باري�س وتب�سم الن�ساء
امل�ؤلف :اجلوهرة ال�سلويل
امل�ؤلف :تركية مبارك العمري
النا�شر :دار املفردات للن�شر والتوزيع
النا�شر :ق�صر ال�سبيل 2015م
تقع الرواية في ( )496صفحة من
تركية ال��ع��م��ري الكاتبة وال��ش��اع��رة والمترجمة السعودية التي نشرت قصصها وقصائدها وترجماتها في عدد من الصحف المحلية والخليجية والدوريات األدبية المتخصصة تطل علينا بمؤلفها الجديد(باريس وتبسم النساء .)..هذا الكتاب الذي جاء في ()224 صفحة من القطع المتوسط.
عن إخوتها الذكور -غير األشقاء-
نعم ..تطل منه تركية العمري إلى القارئ عبر باريس التي تتقاذفها األمواج ،ولكنها ال تغرق ..بل تغرق العالم في حياة مقاهيها ،وألوان لوحاتها .كان ذلك في شهر أكتوبر ،بينما كانت أوراق الخريف تقبل أرصفتها النظيفة ،حيث لمحت قامة شارل ديجول .وفي اللوفر سمعت هتافات تحيى ام��رأة ترتدي ثوبا من شمس، وفي نفق المترو توقفت أمام عازف األكورديون ،وفي مبنى اليونسكو صافحتها نسائم اإلنسانية ،وهي تسير باتجاه الشانزليزيه وصل إلى مسامعها بكاء الفرنسيين عندما غنت أنا مارلي ،واستيقظت صرخات الشهداء، ووطنية روز فاالند .أما على ضفاف السين فتوحدت مع شاعرة الحب مارسلين فالمكور وهي تقول:
القطع الكبير ،وت��دور أحداثها حول فتاة بسيطة في كل أمورها ،فتعليمها ي��س��ي��ر ،وج��م��ال��ه��ا ض��ئ��ي��ل ،وأس��رت��ه��ا
فقيرة ج���داً .أم��ا وال��ده��ا فغليظ..
جاف في تعامله ،قاس عليها ،ناهيك المنحرفين ،عانت الحرمان من حنان األم ،والقسوة من زوجة األب..
في ظل هذه الظروف ولدت الفتاة،
لم يكترث أبوها باسمها ،فقد سماها
شلفة ،غريب في معناه ،وربما يعني السكين أو الخنجر ،وال يليق أن يكون
اسما لفتاة ..وال غرابة في ذلك ،فقد كانت ثمرة زواج خاطىء ،فلم يتزوج والدها من أمها لتستقر معه ،وإنما
نكاية بزوجته أم أوالده ،ليروضها
ويعيدها إلى بيته بزوج جديد.
134اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
ال تكتب لي كلمات فاتنة ،لم أعد أجرؤ على قراءتها.
امل�ؤلف :حجي جابر
امل�ؤلف :دانيال بناك
النا�شر :املركز الثقايف العربي
النا�شر :دار ال�ساقي -بريوت 2015م
تقع الرواية في ( )208صفحات من
كتاب مشوّق وماتع ،جاء في ()158
القطع المتوسط ،وهي الرواية الثالثة،
صفحة م��ن القطع المتوسط ،يحوي
بعد عملين هما «سمراويت» و«مرسى فاطمة» .والتي انتقل فيها من الحديث عن األوط��ان ،والحنين ،واللغة المحببة، والحديث القريب من ال���روح ،وبساطة
أربعة فصول ،هي «والدة الكيميائي»، و«ي��ج��ب أن ت��ق��رأ» ،و«ال��ت��ش��ج��ي��ع على القراءة» ،و«ما الذي سيقرؤه اآلخرون؟».
ال��س��رد وكالسيكيته ،إل��ى ال��غ��وص في
يركز بناك في كتابه على القراءة،
ع��وال��م الفن والحكاية ،معطيا القارئ
ويتناول الذرائع التي يتم سوْقها أثناء
خيط الحكاية ،ثم يسلب ذل��ك الخيط منه. وف����ي ال��ح��ق��ي��ق��ة ،ي��ن��ج��ح ب��ك��ل��م��ات��ه وصياغاته التي يظهر من خاللها عنصر التشويق ،وخلق روح أدبية خاصة ،يوصل بها الرواية بالقارئ الذي تسيطر عليه الدهشة من خالل س��رده المتميز ،وكل ذلك شاهِ ٌد على براعته ولياقته األدبية العالية.
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
الكتاب :لعبة املغزل
الكتاب :متعة القراءة
الحديث عن واق��ع الرغبة عن القراءة ل��دى جيل المراهقين وال��ش��ب��اب ،كما يتناول التحول الذي يصيب المرء بعد تعلمه القراءة أثناء طفولته ،إذ يكتشف عالما جديدا .ثم يتطرق إلى التمييز بين أن��واع من القراء ،مؤكدا على دور ال��م��درس��ة ف��ي زرع ح��ب ال��ق��راءة لدى التالميذ.
اجلوبة � -صيف 1437هـ (135 )2016
األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة
العمل التطوعي في ندوة بدار العلوم
ρρإعداد :عماد املغربي
المشاركون في ندوة العمل التطوعي
جانب من الجمهور
أقيمت ب���دار ال��ج��وف للعلوم ن���دوة ب��ع��ن��وان« :العمل التطوعي» ،شارك فيها معالي الشيخ عبداهلل العلي النعيم رئيس مجلس األمناء رئيس المعهد العربي إلنماء المدنبالرياض ،بمشاركة مسئولي مركز الملك سلمان االجتماعي بالرياض ،ومركز اب��ن صالح االجتماعي بعنيزة ،ومركز األميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل االجتماعي بالقصيم، والمعهد العربي إلنماء المدن بالرياض ،وقدم لها مدير عام مركز عبدالرحمن السديري الثقافي عقل الضميري.
ثم تحدث األستاذ صالح الغذامي عن مركز ابن صالح االجتماعي ،ونشاطاته .كما تحدث الغذامي نفسه عن مركز األم��ي��رة ن��ورة بنت عبدالرحمن الفيصل االجتماعي في عرض آخر أوضح فيه أه��داف المركز وأقسامه ومكتبته التي تضم ( )30000عنواناً ،والمكتبة النسائية ،ومكتبة الطفل وخدماتهما.
تحدث النعيم عن المراكز األربعة المشاركة في الندوة وعملها التطوعي وع��ن بداية عمل مركز الملك سلمان االجتماعي متعدد األغراض ،تاله عرض بور بوينت قدمه مدير عام المركز رشاد بن سعيد هارون تضمن :الرؤية، والرسالة ،والخدمات ،ومشروع توسعة القسم النسائي وتطويره ،ومستشفى واحة الرياض للرعاية الصحية.
وأخ��ي��را ،تحدث أحمد التويجري مدير ع��ام المعهد العربي إلنماء المدن في عرض تضمن الهيكل العام للمعهد، وبرامجه ،والمرافق الحضارية ،وبرنامج األطفال والشباب، وب��رن��ام��ج الفقر ال��ح��ض��ري ،وأه���م المنظمات والهيئات اإلقليمية والدولية التي يتعاون معها المعهد .ونقلت فعاليات الندوة إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة.
ن��ظ��م ال��ق��س��م ال��ن��س��ائ��ي بمكتبة منيرة الملحم في دار الرحمانية بمحافظة الغاط فرع مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، مهرجان الطفل ال��راب��ع قبل نهاية الفصل دار الدراسي الثاني ،شارك فيه نحو خمسمائة الرحمانية طفل ( 12 - 6س��ن��ة) م��ن أب��ن��اء محافظة في الغاط الغاط .بحضور ومشاركة عدد من المعلمات تكريم المعلمات والمتطوعات المشاركات فيه. وال��م��ت��ط��وع��ات ال��م��ه��ت��م��ات بثقافة الطفل تقيم وأش��ارت السيدة حصة الطريقي مشرفة واألمهات. مهرجان القسم أن المهرجان شهد تفاع ًال من األطفال تضمن المهرجان فعاليات وأنشطة مختلفة الطفل وشاركت األمهات مع أطفالهن ،ما حقق أهدافه شملت مسابقات ثقافية ،ورسم حر ،والقصة الرابع الثقافية المتمثلة ف��ي تحفيز األط��ف��ال على القصيرة ،ودورات لتطوير قدرات األطفال. القراءة والرسم والتعامل مع الكتاب والقصص وفي نهاية المهرجان جرى حفل ختامي كرم المفيدة المشوقة ،وتوثيق عالقتهم بالكتاب فيه المشاركون ،ووزعت الهدايا عليهم ،كما تم ومكتبة الطفل بدار الرحمانية.
136اجلوبة � -صيف 1437هـ ()2016
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثا