دراسات ونقد نصوص شعرية وسردية مواجهات شهادات
منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية ( قراءة في التاريخ واآلثار )
53
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (أ) الشروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy. org. sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب ،على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وت�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www. alsudairy. org. sa
العدد - 53خريف 1438هـ ()2016
6............................... منطقة اجلوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية
32........................ ماهر الرحيلي شاعر املدى والسكون والغياب
92............................. حوار مع الشاعر سعد الثقفي
الـمحتويــــات
افتتاحية العدد4 ....................................................................... دراسات ونقد :منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية (قراءة في التاريخ واآلثار) -آيات عفيفي6 ............................................................ «تفسير آخر للخالص» جُ ماع التّجربة في الحياة والف ّن -إبراهيم الحجري 15 .... بكاء الزوجة عند ديك الج ّن الحمصيّ وتمظهرات التكرار األسلوبي -د .إِبراهيم الدّهون20 .......................................................................... النص والهندسة -فهد المصبّح 30 .................................................. ماهر الرحيلي شاعر المدى والسكون والغياب -أ .د .محمد الشنطي 32 ......... مهدي المطوع قلق يتلوى في ممحاة -محمد خضر 39 ............................. شعرية االخ��ت��زال ف��ي «شجر ه��ارب ف��ي ال��خ��رائ��ط» إلبراهيم زول��ي -هشام بنشاوي42 .......................................................................... أسئلة الواقع والوجود في رواية انفرادي -د .هويدا صالح45 ...................... تركية العمري والشغل على ثنائية الرجل والمرأة -فرج مجاهد عبدالوهاب49 .... وس ُّر الشِّ عْرِ يَّةِ في ديوانِه (بَرْدِ َّي ُة ال َّندَى والسِّ ر) -محمد عيسى52 . أَحْ مَد تمْسَ احِ .. قصص قصيرة :اللوحة -سمر حمود شيشكلي 57 ................................... أبــــــــــي -مادلين61 .................................................................. المجذوم -حنان الحربش 62 ........................................................ انتظار -خالد النهيدي 64 ........................................................... رصاصة -سمر الزعبي 65 .......................................................... غرفة خاصة دورِ س لِسِّ نغ -ترجمة عمر أبو القاسم الككلي67 ..................... قصص قصيرة جدا -عمّار الجنيدي 72 ............................................ األعمى -ترجمة :ياسمينة صالح73 ................................................. شعر :بنات البوادي -يوسف حسن العارف76 ......................................... لعنة أنثى -حليمة الفرجي 78 ....................................................... وحدي -مالك الخالدي 79 .......................................................... وجوه -مها سعود 80 ................................................................. الريحانة -عبداهلل األسمري 80 ..................................................... بأس -عالء الدين رمضان81 ....................................... ال على الالحق ُ مجهولة االسم؟! -أحمد مصطفى سعيد 84 ........................................ وصية -حامد أبو طلعة85 ........................................................... ذاكـــــــــرةُ الموانِئِ -نجاة خيري 86 .................................................. شهادات :قصيدة هاشم تحمي نفسها من السقوط - ...محمد الحرز 88 ............ سيرة وإنجاز :د .خولـة الكـريع -المحرر الثقافي 90 ................................. مواجهات :حوار مع الشاعر سعد الثقفي -عمر بوقاسم 92 ......................... حوار مع الشاعرة العمانية بدرية الوهيبي -هدى الدغفق 103 ...................... نوافذ :الصالون الثقافي بين الماضي والحاضر -غادة هيكل 109 .................... المراكز الثقافية السعودية إطاللة على المشروع الثقافي -مرسي طاهر113 ....... بين مشهدين - !..عمر بوقاسم117 ................................................... مع األيام الخوالي - ..فلحي عايد الفلحي 118 ....................................... عندما يهجو الشاعر نفسه -راكان بصير الرويلي 121 ............................... الجوف في عيون الشعراء -غازي خيران الملحم124 ................................ قراءات133 ............................................................................. : األنشطة الثقافية136 ................................................................:
لوحة الغالف :لوحة من الورشة الفنية لبنات الجوف ،رسم على الهواء 1438/10-9هـ -لجنة التنمية االجتماعية األهلية بمدينة سكاكا بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالجوف.
اف���ت���ت���اح���ي���ة ال�����������ع�����������دد ■ إبراهيم احلميد
يُجسِّ د الشاعر لحظات األلق ،والوهج الشعري ،وتستعيد األفكار ث���ورات االنفعال وق��وة المشاعر ،وت��رس��م النصوص الحنين إلى الذكريات التي تأتي من ثنايا الذاكرة. يلتقط الشاعر لحظة الفرح ،وأحيانا لحظة المأساة ،أو المنفى والغربة والتشرد ..فتطغى قسمات األلم على وجه القصيدة التي تُعبّر عن نزيف الوطن ومساحات الوجد ،وهي بهذا ..وبقدر ما تدوّن المشاعر ،فهي تذهب بعيدا إلى سرد الواقع وتوثيق الحياة. و نجد الشاعر يحمل مشاعله متقمصا شخصيته الحقيقية ،وأحيانا الرمزية؛ ليحقق للقصيدة غايتها ومنتهاها؛ وهذه ميزة للشاعر ال نجدها لدى غيره ،حتى إن الشاعر الفارس تمكن من إنهاء خصومه وخصوم قبيلته ،والسير عبر البلدان والتحوّل إلى فتى بعمر الستين. كيفما يكون إحساس الشاعر ،تأتي القصيدة مطواعة ومهيمنة على الروح؛ ولذا نجد الشاعر في أوج ما يكون عندما يصل إلى درجة من االنفعال الذي يولد القصيدة ،والذي من دونه -ولو كان قليال -لن يكون للشعر معنى.. وبشكل آخر ،تأتي الرواية لتحل ديوانا آخر ،وليس بديال عن الشعر 6
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة بكل تأكيد ،ولكنها تجيء مُحمّلة بالواقع في كثير منها ..تأتي على آالم الناس وتكشفها ،وتحوّل واقع األمم الذي تعيشه إلى صفحات يخلّدها التاريخ ،ولذا يجد الكثير من عشاق األدب والرواية الفرصة سانحة الستعادة بعض األعمال الكبرى أو المجهولة مع كل حدث عالمي أو محلي ،وتستعيد الرواية مجدها مع كل منزلق أو هاوية جديدة تحدث في هذا العالم .كتب الروائيون عن الحب في أوقات الراحة والشوق ،وكتبوا عن الحرب وشظاياها التي تصيب الجميع، وكتبوا عن الواقع مهما كان أليمًا أو سعيدًا؛ ولذا كانت الرواية تأريخا للواقع وكاشفة له؛ ومن هنا تأتي أهميتها وخصوصيتها. ف��ي نصوص ال��س��رد ،تأتي القصة القصيرة م��ع��ادال موضوعيا ال متكاملة ،يستطيع السارد كلمات وجم ً ٍ للمشاعر والذكريات ،ناسج ًة فيها تحميل لغته كل معانيها التي ينبغي أن توصل مشاعره إلى منتهاها. وإجماال نجد أن الخصوصية تحضر أحيانا في بعض التجارب الفنية ،فالبعد التأملي البد أن يكون حاضرًا من خالل أيٍّ من التجارب اإلبداعية ،ذلك أن التجارب الفردية تعطي للنص ألَ َق ُه وأبعادَه النفسية والجمالية؛ ولذا تتباين األصداء تجاه النصوص بين المتلقين. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
7
منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية (قراءة في التاريخ واآلثار) ρρآيات عفيفي*
«أعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب ،جمّ الفوائد ،شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من األمم في أخالقهم ،واألنبياء في سيرهم ،والملوك في دولهم وسياساتهم ،حتى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا»(.)1 آثرت أن أبدأ بتلك المقولة الشهيرة أه��م��ي��ة ت��ل��ك ال���دراس���ات ل�لاس��ت��ف��ادة الب���ن خ��ل��دون ل��ق��ن��اع��ت��ي بمضمونها منها فى معرفة الماضي ..وصياغة وقيمتها .تلك القيمة ال��ت��ي تأكدت وتخطيط الحاضر والمستقبل. منذ زمن بعيد بعدما عكفت األقسام
وتعد االمبراطورية الرومانية واحدة
المتخصصة والمعنية بدراسة اآلثار م��ن أه���م وأض��خ��م اإلم��ب��راط��وري��ات وال��ت��اري��خ ف��ي الكثير م��ن الجامعات التي حكمت أج��زاء عديدة من العالم والمعاهد في العالم على دراسة التاريخ القديم ،بما في ذلك الكثير من دول
اإلنساني والحضارات واإلمبراطوريات «ال���ش���رق األوس������ط» ال��ح��ال��ي وش��ب��ه
8
القديمة المختلفة ،إدراكً��ا منها بمدى الجزيرة العربية لعدة قرون .ولذا ،فقد اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
بأس به من الدراسات األثرية والتاريخية حيث كان شمالي المملكة العربية السعودية، -ح��ت��ى يومنا ه���ذا -وذل���ك ل��ع��دة أس��ب��اب ،الواقع في شمالي شبه الجزيرة العربية،
أهمها :معرفة الكيفية التي أدارت بها تلك داخ��ل دائ���رة اهتمام اآلش��وري��ي��ن م��ن أجل
االمبراطورية المترامية األط��راف البلدان إحكام السيطرة على طرق التجارة البرية. العديدة المختلفة التي دخلت تحت لوائها ،ففي عام ( 691ق.م) شنَّ «سنحريب» ملك رغم تعدد واختالف الثقافات والديانات اآلشوريين آن��ذاك حملة على شمالي شبه
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
حظيت االمبراطورية الرومانية بنصيب ال (القرن السابع ق.م ).تحت اسم «دومات».
واألع��راق بتلك البلدان ،لتصبح كل واحدة الجزيرة العربية ،مالحقُا جيوش الملكة
منها في النهاية مجرد «والية رومانية» تحت «تلخونو» ملكة العرب -في ذل��ك الوقت حكم امبراطورية واحدة.
-حتى «أدوم��ات��و» وه��ى دوم��ة الجندل أو
وقد كان لمنطقة الجوف /دومة الجندل الجوف الحالية .وهذه كانت المرة األولى ف��ي شمالي المملكة العربية السعودية التي يُذكر فيها اسم واح��ة الجوف كثاني نصيبًا من الوجود الحضاري والتاريخي في واح���ة ي���رد ذِ ك��ره��ا ب��ع��د واح���ة ت��ي��م��اء في الكيان الروماني ،كجزء من إحدى واليات النصوص اآلشورية( .)2وفى دراسة أخرى،
االمبراطورية الرومانية ..والتي سُ ميَت ذُكر أيضا أن شمالي شبه الجزيرة العربية رئيس ٍ بدور ٍ «والي��ة ب�لاد العرب الرومانية» .وف��ي ظل كان يوجد به مملكتان تقومان
المصادر والكتابات التاريخية المتاحة ،في تجارة البخور والعطور ،هما مملكتا وك��ذل��ك ال��لُ��ق��ى -ال��م��ع��ث��ورات -األث��ري��ة أدوم��ات��و «ال��ج��وف/دوم��ة الجندل» ودادان المُكتَشفة .أحاول إلقاء الضوء على عالقة «العال حاليًا»(.)3
منطقة الجوف/دومة الجندل باالمبراطورية
وقد ذكرت العديد من الدراسات أهمية
الرومانية وأهميتها في تلك الفترة(.)1
منطقة (الجوف/دومة الجندل) في ذلك
الجوف في الكتابات والوثائق التاريخية قبل االمبراطورية الرومانية
التجارية المهمة .إحدى تلك الدراسات كان
ال��وق��ت ،لوجودها في مسار أح��د الطرق
عنوانها «طرق البخور» ،حيث جاء بها أن
ثَبُت تاريخيًا أن المرة األولى التي ذُكر القوافل التجارية كانت تعبر أحد المسارات اس��م «واح��ة ال��ج��وف» ،كانت استنادًا إلى ال��ذي ك��ان يبدأ من ن��ج��ران ،م���رورًا بقرية م��ا يشير إل��ي��ه أح��د ال��ن��ص��وص اآلش��وري��ة الفاو ،حتى تصل القوافل إلى شمال شرقي المُكتَشفة إل��ى وج���ود واح���ة ال��ج��وف في الجزيرة العربية .وفي تيماء يفترق جزء من اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
9
الطريق الغربي أيضاً نحو الشرق ليصل إلى ح��ول التاريخ والجغرافيا الخاصة بدولة واحة دومة الجندل ووادي الفرات(.)4
األردن ،حدث ج��دال حول تأسيس مملكة (F.V.Winnett
وفي مرحلة تاريخية تالية ازدادت أهمية األنباط ،إذ اقترح الباحثان منطقة ال��ج��وف/دوم��ة ال��ج��ن��دل ،وب��ات��ت )& E.C.Broomeأن «منطقة جنوب الجوف»
أك��ث��ر وض��وحً ��ا ،أال وه��ى ف��ت��رة الحضارة كانت هى الموطن األصلي لألنباط( .)5بينما البابلية ،ثم تأسيس مملكة األنباط فيما رأى بعض المؤرخين أن ظهور األنباط في بعد ووقوع منطقة الجوف/دومة الجندل ،شمالي الجزيرة العربية بدأ في (586ق.م) نصر» الملك البابلي ضمن ح��دود المملكة النبطية التي ازداد عندما احتل «نبوخذ ّ
نفوذها في شبه الجزيرة العربية .ففي أول أورشليم وأخ��رج اليهود منها ،ما أدى إلى مؤتمر عقد في أكسفورد (مارس 1980م) نزوح اآلدوميين إلى الشمال؛ ليؤسسوا لهم
10
بقايا حُ جرة الطعام /الضيافة الرومانية التريكلينيوم ()Triclinium صورة جوية لبقايا مبنى يحتوى على ما يعرف باسم (التريكلينيوم )Tricliniumأو غرفة الطعام /الضيافة عند الرومان تم الكشف عنه خالل حفائر أجريت بالجوف فى (1432-1431هـ) فى المنطقة التاريخية بدومة الجندل ،وتحديدًا فى تل رجم البرج الذى يقع غرب -الواحة وهو يعود إلى الفترة ما بين القرن األول ق.م والقرن األول الميالدى ( المصدر :جيلوم شارلو ،رومولو لوريتو .دومة الجندل 2800سنة من التاريخ فى المملكة العربية السعودية ،الهيئة العامة للسياحة واألثار 2013ص .)30 اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د خريطة طرق التجارة الرئيسية التى توضح وقوع الجوف /دومة الجندل فى طريق قوافل التجارة فيما قبل اإلسالم بما فيها فترة وقوع الواحة إداريًا فيما يعرف بوالية العرب الرومانية خالل الحكم الرومانى ( المصدر :جيلوم شارلو ،رومولو لوريتو .دومة الجندل 2800سنة من التاريخ فى المملكة العربية السعودية ،الهيئة العامة للسياحة واآلثار ، 2013 ،ص . ) 18
مملكة جديدة عرفت في المصادر اليونانية ق��د أ ُدرج�����ت ت��ح��ت ح��ك��م االم��ب��راط��وري��ة باسم «إي��دوم��ي��ا» ،وف��ي ال��وق��ت نفسه كان الرومانية آن���ذاك ،إال أن��ه على المستوى
األنباط موجودين حول ميناء «أيلة» حين ال��رس��م��ي ف��إن منطقة واح���دة ف��ق��ط ،هي زحفوا تدريجيًا في أرض أدوم ،وأسسوا التي كانت تحمل اسم «والي��ة بالد العرب عاصمتهم الشهيرة ال��ت��ي أط��ل��ق��وا عليها الرومانية» داللة على مدى أهميتها .تلك اس��م «ال��رق��ي��م» ،وال��ت��ي سُ مِ يت فيما بعد المنطقة كانت تتألف من جزء كبير من دولة «البتراء»(.)6
األردن الحالية ،وجانب من سيناء ،والنقب،
و بعد دخول مملكة األنباط تحت حكم وشمال الحجاز ،وأجزاء من جنوبي سوريا
االمبراطورية الرومانية فى (106م) وبرغم وهي المقابلة لمملكة األنباط القديمة(.)7 أن أجزاء عديدة في شبه الجزيرة العربية و«حتى أواخ��ر العصر الروماني يُرجَّ ح أن اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
11
دوم���ة ق��د ك��ان��ت ج���زءًا م��ن شبكة تجارية والفيلسوف الروماني المتخصص في علوم اتخذت من بيزنطة مركزًا لها»(.)8 منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية
الطبيعة «ج��اي��وس بليِّنوس سيكوندُّس»
(Plinius Secundus
،)Gaiusالشهير ببليِّنى
األكبر ( ،)Pliny the Elderورد اسم منطقة
الجوف/دومة الجندل كواحدة من المناطق
رغ����م وج�����ود ال���ع���دي���د م���ن ال��م��ص��ادر التي ثَبُت فيها الوجود النبطي ،ومن بعده والدراسات التاريخية ،وكذلك األدلة األثرية النفوذ الروماني ،لوقوعها في طريق تجاري
ال��ت��ي ت��ؤك��د وق���وع منطقة ال��ج��وف تحت م��ه��م( ،)10بعد أن ت��ح��وّل المركز التجاري مظلة الحكم الروماني ،من خالل وجودها واالق��ت��ص��ادي لمملكة األن��ب��اط ف��ي آخ��ر
بين المناطق التي أ ُطلق عليها اسم «والية عهدها ،إلى الشمال «في مدينة بُصرى»(.)11 بالد العرب الرومانية» ،والتي ألقت الضوء إضافة إلى ذلك ،فقد ُعثِر على بعض الل ٌقى على ازدهارها اقتصاديًا ،وم��دى أهميتها األثرية المنقولة ،ومنها العديد من النقوش بسبب وقوعها في طريق تجاري مهم في (النبطية والرومانية) العسكرية في منطقة تلك الفترة ،إال إنه لم يتم العثور -حتى الجوف ،تعود إلى الفترة ما بين (القرن األول اآلن -ع��ل��ى األدل����ة ال��ك��اف��ي��ة ال��ت��ي تصوغ ق .م والقرن األول الميالدي)( .)12وأكدت الكثير ال تاريخا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا كام ً من تلك النقوش ازدهار منطقة الجوف/دومة ومنظماً لمنطقة الجوف/دومة الجندل في الجندل خالل فترة مملكة األنباط ،وكذلك تلك الفترة. بعد دخولها تحت حكم االمبراطورية الرومانية فقد ورد ذِ ك��ر اسم منطقة الجوف في خاصة ما بين (القرن األول الميالدي وأوائل
كتابات عالم الفلك والجغرافي اليوناني القرن الثاني الميالدي)(.)13 الشهير ك�لاودي��وس بطليموس (Claudius بينما اح��ت��وى ك��ت��اب «ف��ي ش��م��ال غرب ،)Ptolemyتحت اسم دوميثة (،)Dumaitha الجزيرة :نصوص ،مشاهدات ،انطباعات» وق���د أش���ار ل��ه��ا ع��ل��ى أن��ه��ا منطقة غنية للمؤلف حمد الجاسر ،ال��ص��ادر في عام اقتصاديًا وذات أهمية ف��ي شمالي شبه (1390ه����ـ1970/م) ،وتحت عنوان «اآلث��ار الجزيرة العربية. في منطقة الجوف» ،على أحد أهم الُلقَى وفي أحد المصادر المهمة في الكتابات األثرية -من وجهة نظري -التى تعَّرض
الرومانية القديمة ُكتِب بالالتينية ،وهو كتاب لها ال��ك��ت��اب ب��ال��وص��ف وال��ت��رج��م��ة ،والتي
12
التاريخ الطبيعي( )Natural History( )9للمؤرخ أثارت فضولي كباحثة في اآلثار والتاريخ،
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
لما تحتويه تلك القطعة من معلومات ذات دالالت تاريخية ف��ي غاية األه��م��ي��ة ،تلك
القطعة هي «نقش ٌكتِب باللغة الالتينية على لوح حجري» ،عثِر عليه ضمن مجموعة من الُل َقى األثرية المختلفة التي نُقِ لت من دومة
الجندل.
وح��ي��ن ك��ان محمود ال��غ��ول منتدبًا من
جامعة الرياض في عام (1387هـ1968/م)،
إلج����راء ج��ول��ة وم��س��ح أث���ري ف��ي منطقة الجوف ووادي السرحان ،فقد رأى النقش
لدى أمير الجوف في ذلك الوقت -األمير
عبدالرحمن السديري -ال��ذي ق��ام ب��دوره ب��إه��دائ��ه إل��ى جامعة ال��ري��اض ،وه��و اآلن محفوظ ف��ي متحف الجامعة تحت رقم ( ،)39ضمن بقية القطع المحفوظة في
المتحف .وق��د ق��ام ال��غ��ول بترجمة نص
النقش الالتيني والذي كان مجمله ما يلي:
«كتب ه��ذا النقش رج��ل اسمه فالقس
ديو نيسيوس ،ينعت نفسه بأنه قائد مائة
في الكتيبة الثالثة القرنائية :ويقول في
الحجر المكتوب باللغة الالتينية وال��ذي عثر عليه في دومة الجندل وهو اآلن محفوظ بجامعة الملك سعود (الرياض سابقا) المصدر :حمد الجاسز ،في شمال غرب الجزيرة ،نصوص، مشاهدات ،انطباعات1390( ،هـ1970 /م ،ص136
الرومانية»(.)15 وعند تناول نص الترجمة لهذا النقش
النقش :إن��ه وفَّ��ى ن��ذره لجوبيتر العظيم بشيء من التحليل المبدئي لما جاء به من آم�����ون ،ول��ل��ق��دوس ص��ل��م ،ط��ل��بً��ا لعافية معلومات ،نجد أنه يفتح الباب للكثير من سيديه األوغسطيين -وهما اإلمبراطوران الفرضيات البحثية المثيرة للفضول والتي سيبتموس س���اوي���رس( )14وك��ارك�لا ،وكانا يمكن اعتبارها أفكارًا تفتح آفاقُا جديدة مشتركين في قلم ال��دول��ة الرومانية بين للبحث والدراسة حول عالقة منطقة الجوف عامي 197و 212بعد الميالد...أما الكتيبة باالمبراطورية الرومانية ومدى أهميتها لها،
التي ينتمي إليها قائد المائة ه��ذا ،فكان والتي ربما تأتي بالجديد من المعلومات في
مركزها بُصرى ،قاعدة والية بالد العرب هذا الشأن ،وهذا يمكن شرحه على النحو اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
13
التالي: -جاء في النص أن الشخص الذي أهدى
الوقت -هل كان لها رواج في حينه أم
ماذا؟!
أيضا بفترة ه��ذا ال��ن��ذر ك��ان يعمل «ق��ائ��د مائة في -تم تكريس النص كما أ ُرخ ً الكتيبة الثالثة» والتي يفترض -وفق
حكم إثنين من أشهر األباطرة الرومان،
بُصرى بالشام .وهنا يتبادر إلى الذهن
سيفيروس (،)Septimius Severus
النص -أن مقر هذه الكتيبة هو مدينة
س��ؤال عما ك��ان يفعل ه��ذا القائد في منطقة الجوف عند إهدائه هذا النذر
لمعبوداته بينما مقر الكتيبة في بُصرى! وه��ل يمكن أن يعني ذل��ك وج��ود جزء
من تلك الكتيبة في الجوف حينها ،أم
أنه كان يقيم بها فقط كمركز حضاري
قريب من مكان وجود الحامية العسكرية التي يعمل بها في بُصرى!
��ض��ا ف��ي النص أس��م��اء ع��دد من -ورد أي ً
المعبودات الوثنية التي تنتمي لمناطق مختلفة -إذ إن��ه ف��ي ذل��ك ال��وق��ت لم
تظهر من الديانات السماوية إال الديانة اليهودية ثم الديانة المسيحية فقط،
ول��م يكن ق��د ظهر اإلس�ل�ام بعد -تلك المعبودات هى (جوبتر) الذي كان يُقَّدس في روما ،و(آمون) الذي كان يُقَّدس في
وه��م��ا األب اإلم��ب��راط��ور سيبتميوس
واإلبن اإلمبراطور كاركال ()Caracalla اللذان حكما االمبراطورية الرومانية حكمًا مشتركًا في الفترة من (197م
وحتى 211م) تقريبًا .وم��ن المعروف
ت��اري��خ�� ًي��ا أن��ه ف��ي تلك ال��ف��ت��رة ولفترة
الحقة ،كان شمالي شبه الجزيرة العربية (بما فيه منطقة الجوف) ،إضافة لبعض المناطق األخ��رى مثل (ج��زء كبير من األردن الحالية وجانب من سيناء والنقب بما ف��ي ذل��ك ق��ط��اع غ���زة) ،يقع داخ��ل صنِف رسميًا في ذلك الوقت الجزء الذي ُ
«ب��والي��ة ب�لاد ال��ع��رب ال��روم��ان��ي��ة» رغم
وق��وع مناطق عربية أخ��رى تحت حكم االمبراطورية الرومانية في حينها(.)16
فما مدى أهمية تلك الوالية (بما فيها
الجوف) لالمبراطورية الرومانية؟
مصر ،وأيضا (صلم) الذي كان يُقَّدس -النقش في حد ذات��ه وتقديمه كقربان في منطقة الجوف .فماذا يعني ذلك! هل
ونُذر ،يدعو للتساؤل عن إمكانية وجود
أبناء الواليات الرومانية المختلفة؟ وما
التي ُعثِر عليه بها في الجوف .فمِ ثل
هذا من قبيل التأثير والتأثر بين ثقافات مدى قبول معبودات غريبة عن منطقة
الجوف مثل جوبتر وآم��ون -في ذلك
14
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
معبد -صغير أو كبير -في المنطقة هذا النوع من التقدمات النذرية غالبًا
ما كان يُقدَّ م في المكان الخاص بتقديس
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
معبود ما .فهل يعني ذلك إمكانية وجود أحد المعابد الذي ربما يقبع بين ثرى الجوف ولم يُكتَشف بعد؟! إن هذا النقش بما يحتويه من معلومات تثير الفضول وال��ت��س��اؤل ،يُعد م��ن الل ُقى األث��ري��ة المهمة ..وال��ذي يستوجب -من وجهة نظري كباحثة -المزيد من االهتمام والبحث .كما أنه بناء على ما سبق ذكره، فإن منطقة الجوف بما هو أصبح معلومًا غامضا ً من تاريخها القديم ،وبين ما لم يزل مجهولاً ،تستدعي إجراء المزيد من الحفائر األثرية وال��دراس��ات التاريخية ،الكتشاف كنوز ه��ذه المنطقة في العصر الروماني وغيره من العصور التاريخية ،تلك الكنوز التى ما تزال مدفونة بين ثراها ولم تُكتَشف
خريطة توضح حدود مملكة األنباط (بما فيها منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية)(.)7 المنطقة المظللة هي الحدود التقريبية لمملكة األنباط في أقصى اتساع لها (تلك المنطقة التي أصبحت ضمن ممتلكات اإلمبراطورية الرومانية في عام 106م). perseus.tufts.edu, 1952.
المراجع
بعد ،والتي يومًا ما ربما تكشف لنا المزيد
1.1حمد الجاسر ،في شمال غرب الجزيرة :نصوص،
واالقتصادية بها.
2.2دانيال ،تى .بوتس« ،تاريخ األصول» .في «طرق
عن تفاصيل الحياة االجتماعية والسياسية
مشاهدات ،انطباعات1390( ،هـ1970/م).
التجارة القديمة :روائ��ع آث��ار المملكة العربية
المصادر 1.1ابن خلدون ،مقدمة ابن خلدون :ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ،ج ،1دار الفكر ،بيروت، .2001 Claudius Ptolemy, Geography of Claudius Ptolemy. (Trans.) Edward Luther Stevenson, Cosimo Classics, 2011.
2.
Pliny the Elder, The Natural History. (Trans.) John Bostock, M.D., F.R.S. H.T. Riley, (ed.) Esq., B.A., London: Taylor and Francis, available at: http://www.
3.
السعودية ،فرنسا ،متحف اللوفر2010 ،م.
3.3راج��ح زاه��ر محمود ،عالقات األنباط بالدول والشعوب ال��م��ج��اورة ،رس��ال��ة دك��ت��وراه ،مصر،
جامعة الزقازيق2004 ،م.
4.4سليمان بن عبدالرحمن محمد ،دراسة تحليلية جديدة لنقوش نبطية من موقع القلعة بالجوف
بالمملكة العربية ال��س��ع��ودي��ة ،مجلة جامعة
الملك سعود ،م ،6اآلداب ( ،)1ص ص -151 1414(194هـ1994 -م).
5.5فرانسوا ديمانج« ،قوافل البخور» .في طرق اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
15
التجارة القديمة :روائ��ع آث��ار المملكة العربية
السعودية ،فرنسا ،متحف اللوفر2010 ،م.
Glen W. Boreswock, Roman Arabia,
and the East, Vol 3, the University of North 6.
Cambridge, Harvard University Press, 1983. Guillaume Charloux, Romolo Loreto. «The Ancient Caravan Trails» in Dûmat al-Jandal: 2,800 years of History in the Kingdom of Saudi Arabia, Saudi Commission for Tourism and Antiquities: Riyadh, 2013.
* ( )1 ( )2 () 3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9
( )10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14
16
Fergus Miller, Rome, the Greek World,
8.
Carolina Press: Chapel Hill, 2004. Michael Grant, The Severans: The Roman
7.
9.
Empire Transformed, Routledge, 1996. 10. Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, London and New York, 2000.
باحثة في اآلثار والتاريخ. ابن خلدون ،مقدمة ابن خلدون :ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر2001 ،م ،ص.13 دان��ي��ال ،ت��ى .بوتس« ،ت��اري��خ األص���ول» .في «ط��رق التجارة القديمة :روائ��ع آث��ار المملكة العربية السعودية»2010،م ،ص.74 راجح زاهر محمود ،عالقات األنباط بالدول والشعوب المجاورة2004 ،م ،ص .8 فرانسوا ديمانج« ،قوافل البخور» .في طرق التجارة القديمة :روائع آثار المملكة العربية السعودية، 2010م ،ص .125 .Boreswock G.W., Roman Arabia, 1983, p. 94 راجح زاهر محمود ،عالقات األنباط بالدولو الشعوب المجاورة2004 ،م ،ص ص .10-9 .Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, 2000, p. 60
Guillaume Charloux, Romolo Loreto. “The Ancient Caravan Trails” in Dûmat al-Jandal: 2,800 years of
.History in the Kingdom of Saudi Arabia, 2013, p. 18 التاريخ الطبيعي ( )Latin: Naturalis Historiaعبارة عن موسوعة قديمة للمؤرّخ الروماني الشهير بلينيوس األكبر ،والتي نشرها بين عامي (79 – 77م) حيث بقى منها ( )37مجلداً فقط .تع ّد هذه الموسوعة واحدة من أكبر األعمال الفرديّة التي بقيت من عهد اإلمبراطوريّة الرومانيّة حتى عصرنا الحديث. .Pliny the Elder, Natural History, Vol. 6, 146 .Fergus Miller, Rome, the Greek World, and the East, Vol. III, 2004, p. 284 راجح زاهر محمد ،عالقات األنباط بالدول والشعوب المجاورة2004 ،م ،ص ص .31-30 سليمان بن عبدالرحمن محمد ،دراسة تحليلية جديدة لنقوش نبطية من موقع القلعة بالجوف بالمملكة العربية السعودية ،ص ص 1414( 185هـ1994 -م). ورد بالترجمة العربية للنص اسم اإلمبراطور األول سيبتموس ساويرس ،ووفقا للكتب األجنبية التي تناولت حياة األباطرة الرومان ،فإن تصحيح االسم هواإلمبراطور سيبتميوس سيفيروس (Septimius )Severusمؤسس األسرة السيفيرية .وأحد هذه الكتب هو:
.Michael Grant, The Severans: The Roman Empire Transformed, Routledge, 1996
( )15لالطالع على صورة النقش وكذلك نص الترجمة العربية كما أورده الدكتور حمد الجاسر انظر :حمد الجاسر ،في شمال غرب الجزيرة :نصوص ،مشاهدات ،انطباعات1390( ،هـ1970/م) ،ص ص .137-136 ( )16لمزيد من المعلومات في هذا الشأن انظر: ( )17
.Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, 2000, P. 60 .Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, P. 61
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
والفن ُجماع التّ جربة في الحياة ّ ρρإبراهيم احلجري*
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
«تفسير آخر للخالص»
السعودي سامي جريدي الممارسة يجرّب الدكتور ّ اإلبداعية في أنواع أدبية شتى ،مراهنا على انتهاك ال �ح��دود األج�ن��اس�ي��ة ،وخ��ارق��ا م�ي�ث��اق ال�ك�ت��اب��ة ،لكي يمنح ،ب��ال�ت��ال��ي ،نتاجه مطلق االن�ف�ت��اح على آف��اق متجددة ،تلهمه الكثير من القضايا اإلنسانية التي ال تحدّ ها الخرائط والجغرافيّات ،تحذوه رغبة أكيدة ف��ي اق�ت�ح��ام ال�م�ج�ه��ول م��ن ال�ب�لاغ��ات واالس �ت �ع��ارات الفنية ،وإغناء متخيله الذي ينهل مرجعياته ومفاهيمه من كافة الطوبوغرافيات التي يهيئها له اطالعه ال��واس��ع ،وحسن إنصاته إل��ى عمقه ال��وج��ودي ،وانتمائه اإلن�س��ان��ي ،وتمثله للعوالم البرانية ب��روح نقدية عالية ،وب��وع��ي عميق لطقوس الصوغ الفني واإلبداعي واشتراطاتهما الهيكلية ،والفوارق والخصوصيات التي تنتظم جوهرهما ،وأدوات وم�ك��ون��ات تجليهما ف��ي أش�ك��ال ت��راه��ن على اللحظة الوجودية والسؤال اإلنساني ،وتستضمر مشاعر ال��ذات ،مطامحها وانتكاساتها، نجاحاتها وفشلها ،أفراحها وأتراحها ،دون نسيان التقاطعات التي تربط الذات بالمحيط في عالقات جدلية ال يمكن التغاضي عنها أو تغافلها. ومن أجل قراءة هذا المنجز الشّ عريّ المخاتل ،ال��ذي جنّسه صاحبه بعتبة «ن���ص���وص» وع���ي���اً م��ن��ه ب��ال��تّ��داخ�لات الجنسيّة القائمة فيه ،ال ب ّد من معرفة المداخل األساسية التي تؤطر اشتغال سامي جريدي ،وطقوسه في الكتابة، وخ��ص��وص��ي��ة م��خ��ت��ب��ره ال��م��ف��ت��وح على
ك��اف��ة االح��ت��م��االت ..ف��ه��و أوال ،فنان تشكيليّ حداثي معروف ،له إسهامات متواصلة في تطعيم المشهد التشكيلي السعودي والعربي بالجديد من التجارب والمنجزات التشكيلية ،التي تنهل من المرجعيات الحديثة بقدر ما تغرف من التراث الفني العربي .وقد أقام معارض اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
17
متعددة داخ��ل المملكة العربية السّ عودية، مثلما أسهم في العديد من التظاهرات الفنية والمعارض الجماعية خ��ارج المملكة ،وهو ناقد فنيّ ثانيا ،راكم العديد من المتابعات والدراسات في المنجز التشكيلي السعودي الحديث ،متسلحا بأدوات نقدية ومنهجيات ج��دي��دة ،تسعف ف��ي التحاور اإليجابي مع التجليات الفنية ذات األس��ل��وب المغاير والمختلف عمّا هو متعارف عليه ومعهود، وهو فضال عن ذلك ،باحث في السّ رديات له تكوين أكاديميّ عميق ،وله إسهامات بحثيّة خاصة ،والعربيّ ّ في السّ رد النّسويّ السّ عودي عامّة ،وهو كذلك ،شاعر وسارد ،ويبدو ذلك بوضوح ،من خالل هذا المنجز الصادر عن دار «الغاوون» مؤخرا ،وهو أضمومة إبداعية تجمع بين دفّتيها أنواعا كتابية متعدّدة ،همّها المشترك هو التعبير عمّا يختلج في الذات، وما يؤرّقها من أسئلة ،وما يهجس بداخلها من أصوات القلق.
س���وى مظهر الت��س��اع��ه وام���ت���داده ،أو هي مقوالت إلب���رازه في ال��ص��ورة التي يبتغيها ال��ك��ات��ب .وتنبع ه��ذه القناعة ل��دى سامي الكاتب المتعدد م��ن معين تشبّعه بالقيم الفنية ،ووعيه البصري ،وتكوينه في مجال التشكيل والنّقد الفني ال��ذي ينطلق ،في إط��ار م��ا يسمى بالمفهومية ف��ي ال��ف��ن ،أو الفن المفهومي ،أو الفنّ المفاهيميّ ،أو الفن بالمفاهيم ،من فكرة استراتيجية بؤريّة ،تش ّد إليها كافّة النّسيج الفني واإلبداعيّ ،وتختزل .1كتابة بالمفهوم البنية النصية التي تتحول إلى خطاطة أو أهم ما يميز كتابات سامي جريدي هو خارطة نقطة االرتكاز فيها؛ ذاك المفهوم ارتهانها إلى المفهوم ،بوصفه محكّا ومفصال سواء كان مصرّحا به أم ملمّحا إليه بشكل ومعيارًا محددًا لطبيعة التفكير اإلبداعي، ضمنيّ . وينسجم هذا األسلوب في البناء والتشييد، .2كتابة بالصور على خصوصيات األنموط األنجلوساكسوني في الكتابة الذي تشبّع به في إطار تكوينه نج ُد ف��ي النّصوص المفتوحة ،تفكيرا األكاديمي بإحدى جامعات مدينة الضباب. بالصور ،مثلما نج ُد تفكيرا بالمفاهيم ،وهذا ّ
18
يصبح المفهوم ،في هكذا تفكير ،القطب ينسجم مع الموهبة المتعددة التي يمتلكها ال���ذي ت���دور ح��ول��ه رح���ى ال��ن��ص وم��دارات��ه سامي جريدي الذي ال يفْصل ،أثناء الكتابة، المتحولة والثابتة ،وما كل العناصر األخرى بين مهاراته ومكتسباته ،بل يعمل ،عكس
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
الصوغ الفني مستوى الدّاللة أم على مستوى ّ اللذيْن يبدوان متالزمين ،مع سبق اإلصرار والترصد ،وانبثاقا عن وعي مسبق بأدوات التعبير الفني وطقوس عنائه ووعثائه ،بل إنه أحيانا ،يجعل من الكتابة توصيفا للحظة اإلشراق اإلبداعيّ في الفنّ ،وشعريّة انبثاق لوحة من اللّوحات وخصوصيّة التّماهي مع موضوعها ،يقول الباث في هذا المنجز:
أتأمل لوحتي مقاس70x 35 شيء يقترب مني إليها ال أفهمه ال أفهمها ال أفهم نفسي ألوان تصعد إلى األعلى وأخرى تشق جسد البياض وثمة احمرار» ص72 . توثق ه��ذه اإلش��راق��ة لحظة الخروج من تفصيل اللحظة اإلبداعية ،لحظة االبتعاد عن الذات المنبصمة على اللوح ،لحظة االنفالت في عالم الخلق والتوحد معه ،إذ تصبح األنا موضوعا ل��ق��راءة األن��ا األخ��رى (أن��ا الفنان المبتكر -أنا الناقد الفني المحايد) ،عبر الكتابة .مثلما توثّق لمفاصل الحياة ،وهي تتعرّج في لوحة الواقع ،كأنّ الكاتب يسجّ ل، عبر تدوينات سرديّة موجزة وخاطفة ،يومياته وسيرته الذاتية ...يقول السارد:
���وص ،ت��ب��ع��ا ل��ه��ذا ال�� ّت��ن��وي��ع ت��غ��دو ال��� ّن���ص ُ المضمونيّ ،مساحة حرّة لشغب مداد شديد التدفق ،وقلم ال يهادن .تسري الفكرة مثل كائن حيّ لتبحث لها عن قالب تصاغ فيه، يلملم مُشيراتها الدّاللية ،فتحار كيف تخرج إل��ى المتلقي ،وأم��ام��ه��ا ،تنتصب خ��ي��ارات متعدّدة تأخذ من التّشكيل ،والشعر ،والسرد، والنقد الفني الواعي ،وغيرها مما تستضمره ذات منفتحة على العطاء ،متنوعة المواهب وال��م��ه��ارات وااله��ت��م��ام��ات .ف�لا ت��ك��ون تلك الفكرة المولودة من رحم التّعدد ،إال مضمّخة بتلوينات المعنى ،واحتماالت الصياغة الفنية القصوى ،الخصبة ال��م��وارد والمرجعيات، والمنفتحة على التأويل وغنى ال��ق��راءات، واختالف المعاني باختالف مستوى القراء والمتلقين؛ تبعا ألدواتهم ودرج��ة تفاعلهم، ومقدرتهم على التوغل إلى بواطن التجربة وطياتها المستترة.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ذلك ،على استثمارها دفعة واحدة ،وذاك ما بالتحديد يميّز كتابته ،في هذه المجموعة ،سواء على أتأمل المارّة (ص)50 .
.3كتابة متحررة
ربما كانت إح��دى نقط ال��ق��وة ف��ي هذا ال��م��ن��ج��ز ال��ص��غ��ي��ر ال��ح��ج��م -ال��غ��ن��ي على مستوى ال���دالالت والمعاني ال��ت��ي ت��ك��اد ال تنتهي ،والتي تظل تتناسل كلما تقادمت في ال��زم��ن ،ه��ذه العبارات الملتبسة ،الزاخرة باإليحاءات واإليماءات البالغية والصورية والتصويرية -هي هذا التمرد على المعايير «قهوة صباحية الهندسية للجنس األدبي النقي ،والتّملص من ك � �ع� ��ادت� ��ي أج � �ل� ��س ه � �ن� ��ا ،ع� �ل ��ى ال �ك ��رس ��ي دبلوماسية اإلخالص لثوابت الكتابة األدبية؛ اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
19
كما تسطرها األدبيات المعروفة. واع ويأتي هذا االتجاه بناء على اختيار ٍ ��رار منه على أن تستجيب من الكاتب ،وإص ٍ الكتابة لجوانيّته ،وتكون في مستوى قلق الوعي الداخلي حول مفهوم األدبية ،وتفاعلها مع القناعات الشخصية المشبعة بمرجعيات يميزها التنوع ،وشمولية الرؤية التي تنظر إلى القضية اإلبداعية من زوايا مختلفة ،اختالف القضية اإلنسانية في عصر شديد التحول والتعقيد .فلم يعد يهمّ ،بالدرجة األولى ،أن يكتب المبدع على مقاس وعاء خارجي مسبق التصميم ،بل همه األساس؛ أن يكون انعكاسا لروح غميسة باألسرار ،متدفقة االنفعاالت، متراكبة المشاعر ،ش��دي��دة االرت��ه��ان إلى ��ال ،وفلسفة نقدية الواقع ،بنَفَس جماليّ ع ٍ ي��ق��ول ال���ب���اثّ ف���ي إح����دى االش���راق���ات اقتحامية ،تستند إلى السّ ؤال ،وتجنح إلى الملتبسة: إب���راز الخصوصيّة النابعة م��ن القناعات والوعي واالنتماء إلى المجموعة البشرية« ،قهوة صباحية سوداء ال شيء غير صمتي المؤطرة في اآلن والهنا. لقد كانت عين سامي جريدي على اللوحة، وقلبه على القصيدة ،وفكره على أسلوب ال��ص��وغ الفني ،وعلى المضمون المتناول ���اط ب��ال��واق��ع وال���زم���ان وال��ف��ض��اء، ف��ي ارت���ب ٍ وعلى الذات في بوحها المكشوف ،وتجليها اإلبداعيّ .
20
إن الباث يتفلسف بتأمله للعالم في غرابته، ول��ل��ك��ون ف��ي غ��م��وض��ه ،ول��ل��ذات اإلنسانية في تحوّلها المستم ّر عبر الزمان والمكان، ول��ل��ج��غ��راف�� ّي��ات ف��ي تشابكها وت��م��اسّ ��ات��ه��ا وتفاعالتها المطّ ردة. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
أعيش االنتظار الوهميّ وكأنني أنتظر شيئا: مجيء صديق ظهور حقيقة نهاية العالم» (ص.)64 .
لذلك ،تحضر تجربة ابن عربيّ الشعرية ب��ق��وة ،م��ن خ�ل�ال ن��ف��خ ال��ح��ي��اة ف��ي لغته، واس��ت��ع��ادة روح���ه ،وجعله ح�� ًّي��ا يتمشى في النصوص .إذ يتم المزاوجة في المنجز بين التأمل الفلسفي الصوفي ،والسرد الالقط لتفاصيل تحوّالت ال��ذات ،وانعطافاتها في
«إن ثمة شيئا بدأ يأخذ مني االسم بدأ يالحقني كان يطاردني ليلة البارحة رأيت الظل ممتدا على جدران غرفتي سألته عن اسمي فمنحني الجزء األكبر من ظله( »...ص)41 .
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الزمن والفضاء .لذلك يبدو حرص الكاتب كل المستويات واالحتماالت ،كأنما توثق لزمن على اللقطة الزمنية في دقتها ،لعمق الداللة منفلت ،وتدوّن لذاكرة مثقوبة ال شيء متشابه النفسية للوقت ،وضغطه القوي على الذات ،فيها .أو كأنما تخاف ،في زُحمة التّداخالت، وهي في تهيّب متواصل وهجاسيّ من شيء وتحركات األنا الكاتبة بين مدن عدّة ،وأمكنة يطوق النفْس وال َّنفَس. متحوّلة بشكل دائم بعضها مذكور في النّص، تصير الكتابة ،وفق هذا المعنى ،مالذًا ،وبعضها ال يحضر سوى في ال��وج��دان ،من وه��رو ًب��ا استعاريّا من مطاردة ظل مجهول خالل مشيرات لغوية( :الطائف ،نجد ،جدّة، مسكون بالخوف ،وتطهيرًا من خطايا الذات، م��كّ��ة ،زم���زم ،ل��ن��دن ،ال��ح��ج��از ،ب��اب��ل ،روم��ا، ومزالق الحياة ،واستعاد ًة للتوازن المفقود شيكاغو.)... بفعل التّصادم المستم ّر بين القيم ،مثلما وألنّ ال��ك��ات��ب يلعب ع��ل��ى المساحتين تتشكل في الحلم ،والقيم ،وه��ي تسير في األرض ،تارك ًة مفارقتها المؤثرة على الرّوح ،الزّمنية والفضائية ،ويستريح بينهما تحت وعلى إشراقاتها الوامضة .يقول الباث في دوحة السّ رد اليوميّ الموازي للحياة ،فقد النص: فتح شرفته واس��ع��ةً ،لهبوب ري��ح التّناص، والتّفاعل النّصيّ ،اللّذين يسمحان بالحضور الكثيف لشّ خصيّات على سبيل االستدعاء
المجازيّ للتدليل على محيالتها وإيحاءاتها، بغرض إغناء الداللة العامّة للنص ،وبمجرّد
ان��خ��راط ه��ذه ال��شّ ��خ��وص /ال��ع�لام��ات في
اللحظة الكتابية الجديدة ،فإنها تتخذ نفَسا
وتحضر اإلشراقات السردية في النص آخر ،وبعدا دالليّا جديدا ،وحياة أخرى تزيد ع��ل��ى ش��ك��ل وم���ض���ات م���وج���زة ج����دا مثل من تفاعلها عبر األزمنة واألمكنة (غيفارا، التلويحات البعيدة ،حينا ،وت��أت��ي ،أحيانا ابن عربي ،إليوت ،كافكا ،أنكيدو ،جلجامش، ��ص��ل��ة ،دون أن تفقد أخ����رى ،م��وسّ ��ع��ة وم��ف ّ مونرو ،)...وبالتأكيد ،فك ّل شخصيّة تحتاج خاصيّة اإليحاء والتلميح والتدليل اإلشاريّ ، لكنها كلها تجيء لتحكي ع��ن ال���ذات ،في وقفة طويلة للمقارنة بين داللتها العامّة ،في شكل انطباع سير-ذاتي ،لتصف تلك العوالم التاريخ ،والداللة الجديدة التي تكون بمثابة انبعاث متجد ٍّد ٍ التي تسيّج حياة الذات ،وهي تغالب طقوس إضافة لبروفايلها المعروف إو الكتابة ،وتطارد سراب اللّحظة الجماليّة على لصورتها في المتخيّل القرائيّ . * ناقد وروائيّ من المغرب. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
21
بكاء الزوجة عند ديك الجن* الحمصي ّ ّ وتمظهرات التكرار األسلوبي الدهون** ρρدِ .إبراهيم ّ
تتغيا هذه الدّ راسة بيان صدى األسلوب في المنجز ال� ِّ�ش�ع��ري ،وتشكيل أب�ع��اده ال��دّ الل� ّي��ة م��ن خ�لال الكشف عن النّظام الجمالي للتعبير اإلبداعي ووسائله ،وفق ًا الشاعر. لمضمون تجربة ّ ومن هنا ،تعدّ ظاهرة التكرار من الظواهر المهمّ ة، وبخاصة في ال��دّ راس��ات األسلوبيّة واأللسنيّة الحديثة ّص األدبي؛ إذاً ،تنهض في النّصوص، التي تُطبق على الن ّ الشعري ،وتمنحه القوة والفاعليّة والتأثير. ّص ِّ بوصفها أداة جماليّة ،تخدم الن ّ ل��ذا ،اتخذت ال��دّراس��ة من مرثيات بوصفه دف��ق��ة م��ن ش��ع��ور؛ وذل���ك أل ّن��ه ال��زوج��ة عند دي��ك ال��ج��نّ ،ال��ذي قتلت يخرج من نفس حزينة ،متفجعة آسية يداه زوجته بمكيدة ِحيكت لها ،أرضية متلوّعة .كما أنَّ الرثاء مرتبط بعرى خصبة للتطبيق ،لما ي��ص��وره غرض وثيقة لحقائق أبدية ال مجال للشك الرثاء من صدق العواطف ،ونبل الوفاء .فيها ،فهو يتصل بالموت الذي يجسّ د كما تجسّ د المرثيات أش��رف األشعار حقيقة مسلّمة في تلك الحقائق ،ولهذا في الذاكرة الشّ عريّة العربيّة ،وأكثرها فإنَّ النّفس البشريّة للشاعر تستشرف تأثيراً في وجدان المتلقي؛ ألنّها تتسم مثل هذا المآل ،وتشفق منه؛ لتنطلق بحرارة التّجربة وقوة األداء الشّ عوري. في إيحاءاته وأجوائه عبر قوالب الرثاء توطئة الشّ عريّة ،فتندمج مع نفسية المتلقي
22
يُ��ع�� ّد ال��رث��اء س��ي��د ال��شّ ��ع��ر العربي مُظهرة ذلك االندماج على شكل دموع
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
بيد أنَّ ال��شُّ ��ع��راء أخ���ذوا يخرجون عن اإلطار العتيد ،وشرعوا يتلمسون مشاعرهم الطافحة ب��م��ف��ردات األس���ى وال��ف��ق��د على زوجاتهم.
وتأسيساً على ما سبق ،سنحاول التبحّ ر ف��ي ثنايا القصائد الرثائيّة وال��غ��وص في أع��م��اق��ه��ا وإل��ق��اء ال�� ّن��ظ��رة ع��ن ك��ث��ب ح��ول تمظهرات التكرار وأنواعه التي لجأ إليها ديك الجنّ الحمصيّ في محاولة منه إلبراز كنه دالالته ،وإماطة اللثام عمّا يرمي إليه، أو يسعى إليضاحه عبر التكرارات األسلوبيّة في نصوصه الشّ عريّة ،مسلطين الضوء على الشّ واهد الشّ عريّة الرثائية التي تضمّنت حس الشّ عريّة التي ّ الظاهرة للتأكيد على يمتلكها الشّ اعر ،ومدى خبرته في إيصال أفكاره ،واالعتناء بتعميق الدّاللة ،والتركيز على بؤر المعاني.
وم��ن هنا ،فقد تركت وف��اة زوج��ة ديك الجنّ جرحاً نازفاً في قلب الشّ اعر ،وحسرة ك��ادت أن تقضي عليه ،بسبب الحبّ الذي غمرت به حياته ،فضحّ ى في سبيله بمهجته، وجاهه ،وماله ،وعالقاته بأهله وذويه ،وهذه كلّها أشياء ثمينة ال يمكن أن يتخلّى عنها اإلنسان بسهولة ،أمّا ديك الجنّ الحمصيّ فقد تخلّى عنها مقابل الظفر بالمرأة التي أحبّها وهام بها ،فكانت وفاتها السّ ريعة كارثة كبرى بالنسبة إليه .وقد جاءت مرثياته لتلك
ولع ّل مَن يطالع شعر ديك الجنّ الحمصيّ يتلمس الكثير م��ن ال��ظ��واه��ر األس��ل��وب�� ّي��ة وال��م��ف��ارق��ة وال��م��ج��از ،وب�لاغ��ة ال�� ّت��راك��ي��ب الشّ عريّة ،إضافة إل��ى ظاهرة التشخيص التي شحنت نصوصه بالترابط بين األفكار والخطاب اإلنساني ،وبثراء المعاني ووضوح المقاصد ،فجعلت خطابه الشّ عري يخضع طواعية للنظريات النّقديّة الحديثة ،يضاف إليها ظاهرة التكرار موضوع دراستنا.
فمن يعيد قراءة األدب العربي القديم يجد أمثلة كثيرة ،وأدلة دامغة على رثاء الزوجات، نحو الشّ عر األموي في رثاء جرير ألم حزرة، والفرزدق لحدراء ،والوليد بن يزيد لسلمى بنت سعيد .أمّا في العصر العبّاسي؛ فنقرأ رث��ا ًء الب��ن ال��روم��ي والطغرائي ،وغيرهما. وبالتالي ،ندرك أنَّ رثاء ديك الجنّ الحمصيّ لزوجته استمراراً لنهج اتبعه سابقون في إيقاظ انفعاالت ،امتزج فيها الغزل والرثاء.
وت��ح��اول ه���ذه ال���دراس���ة ال��وق��وف على اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
تسكب على الخدين ،وتبكي مصير فقيد ال المرأة بمستوى هذا الحبّ ،وهذه التضحية، رجعة له. فكانت خليطاً من الغزل والرثاء والبكاء على غير أنَّ ه��ذا ال��غ��رض م��ن ال��شّ ��ع��ر كان ما فاته من الحياة السّ عيدة مع هذه الزوجة مختصاً ب��رث��اء ال��رج��ال دون ال�� ِّن��س��اء في الفتية ،تمنّى اللحاق بها. معظمه ،وذلك ألنّ العربي كان يتحرّج بطبعه ل��ذا ،رأى أنَّ بقاءه بعدها غاية الغدر، ذكر المرأة لضيق الكالم فيها ،فكيف إذا فطغت عاطفته طغياناً أذهله عن االحتساب كانت زوجة للشاعر وأ ّماً ألوالده(.)1 والدعاء لها(.)2
23
التمظهرات ال�� ّت��ك��رار ّي��ة م��ن خ�لال أنماط ال��ت��ك��رار ال����واردة ف��ي ن��ص��وص دي��ك الجنّ الحمصيّ ،ورب��ط ذل��ك بجانبها التأثيري، ويشمل على المناحي اآلتية: -1تكرار الجملة اتكأ ديك الجنّ على تكرار الجملة بغرض ال��ص��راع ال��ت��ي تَل ُف ّ التأكيد على طبيعة الشّ اعر ،والتنبيه وجلب فكر المتلقي ،وجعله ّص بكل حواسه ،كما أسهم يتعايش مع الن ّ تكرار الجملة على الكشف «عن فاعليّة قادرة ّص الشّ عري بنيّة متسقة ،إذ إنَّ على منح الن ّ التتابع ،وهذا النوع في التتابع الشّ كلي يعين في إثارة التوقع لدى السّ امع ،وهذا التوقع م��ن ش��أن��ه أن يجعل ال��سّ ��ام��ع أك��ث��ر تحفزاً لسماع الشّ اعر والتنبه إليه»( ،)3ويظهر ذلك في قول الشّ اعر(:)4
نلت ليتني لم أكن لعطفك ُ
ل��زوج��ت��ه ،إذ ي��ت��س��اءل ال��شَّ ��اع��ر ف��ي إلحاح ودهشة عن مفقودة غ��ادرت الحياة بظلم وجور ،فالشَّ اعر يكرّر المعنى بلفظه بغرض اإليحاء للمتلقي عن المصاب الجلل ،الذي ابتلي فيه نتيجة ما ارتكبت ي��داه ،فديك الجنّ الحمصيّ مع هذا التكرار ال ينتظر جواباً لتساؤالته الملحة في هذه األبيات، بل ليحفّز المتلقي ويثير عواطفه ليشاركه بقيمة حبيبته( :ورد) وعظيم دوره���ا في حياته. فاستنجاد ديك الجنّ الحمصيّ بتكرار ال��ج��م��ل��ة ف��ي ال��خ��ط��اب ال��ش��ع��ري اآلن���ف، أم��ر طبيعي؛ أل ّن��ه يق ّر لنا الواقع النّفسي واالنفعالي( :الفقد والتفجع) في قصائده، فهذا الواقع يطلب منه أن يحاول أكثر من ث�لاث م��رات رس��م ص��ورة محبوبته ضمن قصيدة ال تتجاوز خمسة أبيات شعريّة.
إنَّ التكرار الذي وظّ فه الشّ اعر مشحون �ال و َ وإل � � ��ى َذل � � ��ك ال � � ��وِ ص � � � ِ َص� � � ْل � � ُ�ت بعبارات شخصية رقيقة ،نحو( :اشْ تَ َمل ِْت، اش � � َت� ��مَ � � ْل� � ِ�ت عَ �ل �ي��ه ف � ��ا َّل � � ِ�ذي ِم � � ِّن� ��يَ ْ اشتملتُ ) يشوبها األل��م والحنين والحزن أ َِل � � �ع � � ��ارٍ م� ��ا ق� ��د ع� �ل� �ي ��هِ اش �ت �م �ل� ُ�ت الجارف على (ورد) ،ونلحظ ذلك بالحزن الذي سيطر عليه مجاميع لبه ،فبدأ الشّ اعر ق� ��ال ذو ال �ج ��هْ � ِ�ل ق ��د حَ � � ُل ��مْ ��تَ وال أَعْ � � َل ��مُ أَ ِّن� ��ي حَ � ُل �م� ُ�ت حَ ��تَّ ��ى جَ � ِ�ه � ْل� ُ�ت مضطرباً ،مشوش األف��ك��ار ال ي��دري ماذا يقول ،أيرثيها أم يرثي ذاته؟
الئ� � � � � ��مٌ ل � � ��ي بِ � � ��جَ � � ��هْ � � ��لِ � � ��هِ ول � � �م� � ��اذا أَن � ��ا و َْح� � � � ِ�دي أ َْح� � َب� � ْب � ُ�ت ثُ � ��مَّ َق � َت � ْل� ُ�ت ْف آس��ى ط ��ولَ ال��حَ �ي��اةِ َوأَ ْب��كِ �ي �ـ سَ � �و َ ِك ع �ل��ى م ��ا َف � َع � ْل � ِ�ت ال م ��ا َف � َع � ْل� ُ�ت
24
نلحظ أنَّ الشّ اعر قد كرّر الجمل الفعلية اآلتية( :اشْ تَ َمل ِْت ،حَ لُمْتَ َ ،ف َعل ِْت) في رثائه اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ولعلَّ فراق (ورد) تلك الجاريّة النّصرانيّة كان صعباً على ديك الجنّ الحمصيّ ،وكيف ال ال؟! وقد كلف بها الشّ اعر ،وكان دينها حائ ً بينهما ،فدعاها إلى اإلس�لام فأجابته ،ث ّم ت��زوج بها ،فالشّ اعر يعاتب نفسه ،وق��رع مسامعه فقدها ،لذا ندب حظّ ه ،فقال(:)5
دم �ه��ا ال � ّ َث��رى ولطالما رويُ � ��ت م��ن ِ َر َوّى ال �ه��وى شَ � َف �ت� ّ َ�ي م��ن شَ فَتيْها
أط��ل��ق عليه ب��ع��ض ال��ب��اح��ث��ي��ن ال�� ّت��ك��رار اللّفظي ،وهو تكرار كلمة تستغرق المقطع أو القصيدة( ،)7كما نظر إليه كثير من الدّارسين المحدثين بنظرة أكثر شموليّة ،لذلك عدّوه ّص الشّ عري أحد األسس التي ينبني عليها الن ّ ّص الحديث ،بل عنصراً مركزياً في بناء الن ّ الشّ عري( ،)8ولع ّل في تكرار الكلمات منحاً وش��ح��ن��اً للقصيدة ودف��ع��ه��ا ن��ح��و س��ي��رورة األحداث وتتابعها.
يطالعنا الشّ اعر بتكرار صيغة الجملة الفعليّة( :رويُ��تَ ،ر َوّى) في مفارقة عجيبة، ت��ع��بّ��ر ع���ن ال�� ّت��ح��س��ر واألل�����م ال��شّ ��دي��دي��ن ح��ي��ن اف��ت��ق��اده محبوبته .ف��ت��ك��رار جملة: (رويُ���ت) األول��ى هو إع�لان لعمق التداعي، واالض��ط��راب ال��ذي يعيشه الشّ اعر لحظة القول« ،فقبر المحبوبة لم يكن مجرد موقع وع��ل��ى ه���ذا األس�����اس ،نلحظ أنَّ دي��ك جغرافي أو بقعة من األرض ،بل كان تاريخاً ال��ج��نّ الحمصيّ يعتمد ظ��اه��رة ال�� ّت��ك��رار وصراعاً داخلياً عايش ذات الشّ اعر والزمها اللّفظي للكلمة الواحدة ،واشتقاقها برؤية حتّى ام��ت��زج وإي��اه��ا ف��ي ص��ورة عضويّة ال أك��ث��ر ش��م��ول��ي��ة ليعمق ال������دّالالت ،وي��ؤك��د فكاك منها»(.)6 المعاني ويوضح األفكار ويسمو بالتّعابير ويتخذ الشّ اعر من تكرار الجملة الفعليّة: إلى الجمالية األدائية ،ويمنح كالمه صورة ( َر َوّى) ف��ي عجز البيت الشّ عري السّ ابق إيقاعية متمايزة تتشكل من أنغام متوالدة من منطاداً يعلو به في سماء األم��ل وال��ب��راءة، تكرار بنية معينة ،وتستحوذ على جلب انتباه وال��ع��ش��ق ،وال��ه��ي��ام ،فالشّ اعر عندما أراد التّعبير عن ضياع الذات ،والتيه واالنهيار ،المتلقي بوصفها بؤرة المعنى ،فيتحوّل البناء استعمل جملة( :ر ّوي��ت) مقرونة بالدم ،في اللّغوي إلى رؤى متداخلة ،ومتواشجة لتشكل حين قرنها بالهوى والعشق ،عندما حاول أن رؤية الشّ اعر.
يبحث عن االت��زان لنفسه المضطربة التي ونجد دي��ك الجنّ الحمصيّ يعتمد في توشك على االنهيار ،فظهر بصورة الشّ اعر نصوصه الشّ عريّة على تكرار اللّفظة في الصادق. المتيم ،صاحب الشّ عور ّ البيت الشّ عري ذاته ،ليؤكد المعنى في ذهن وه��ك��ذا ،استطاع دي��ك الجنّ الحمصيّ المتلقي ،إذ يقول(:)9 أ ْن يعبّر عن آالم النّفس ،ومحنه ،وتوجعاته ون يَدُ ما الِ مْ رِ ىءٍ بِ ي َِد الدَّ هْ رِ الخَ ؤُ ِ الدّاخلية ،باستخدامه أسلوب تكرار الجملة، وال ع �ل��ى جَ � � َل � ِ�د ال��دُّ ن �ي��ا ل� ��هُ جَ � َل��دُ ال���ذي ك��ان ل��ه األث���ر ال��واض��ح ف��ي أح��داث أص ��ا َب ��هُ ��مُ �اب أَق � � ��وامٍ َ التأثيرات النّفسيّة للمتلقي ،ومحاولة إحداث ُط ��وب ��ى ألح� �ب � ِ تيار التوقع وإعطاء وحدة للعمل الفني. َبل أَنْ عَ ِشقُ وا مَ و ٌْت فقدْ سَ عِ دُ وا ِمنْ ق ِ اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ي ��ا طَ � � ْل� � َع ��ةً طَ � � َل� � َع ال � ِ�ح� �م ��امُ عليها وج �ن��ى ل �ه��ا َث ��مَ � � َر ال� � � � َرّدى ب�ي� َدي�ه��ا
-2تكرار الكلمة
25
على تكرار الكلمات اآلتية( :حَ قِّهِ مْ ،حَ قٌّ ) وَحَ � � ��قِّ � � � ِ�ه� � ��مْ إ ّن� � � ��ه حَ � � � � ٌّ�ق أ َِض � � � � � ُّ�ن بِ � ��هِ أل ْن� � ِ�ف � �دَنَّ ل �ه��م دَمْ �ع ��ي ك �م��ا َن � ِ�ف ��دُ وا يريد أ ْن يمضي اإلن��س��ان في وج��وده على ُ سنن الطبيعة ،فإذا كانت أقانيمها مفتوحة �أس��هُ ��مُ �ك مَ � ْ�س � ِ�ق � ٌّ�ي ب � َك� ِ ي ��ا دَهْ � � ��رُ إ ّن� � � َ بين البشر واإلنسان ،فإنَّ المعنى المتصل ْض ا ّل ��ذي َورَدُ وا �ك ال��حَ �و َ ووارِ دٌ ذل� َ بالحياة مفقود من مجتمع البشر؛ لهذا كان ال��خَ � ْل��قُ م��اض��و َن واأل ّي � ��امُ َت� ْت� َب��عُ ��هُ ��مْ األجدر باإلنسان قبول الحدث.
الصمَ دُ الواحدُ َّ نَفْ نَى جَ ميع ًا ويبقى ِ
ت��ت��ح��رك األب��ي��ات ال��سّ ��اب��ق��ة ف��ي ت��ك��رار الكلمتين اآلتيتينِ ( :بيَدِ ،يَدُ) و(جَ ل َدِ ،جَ لَدُ) و(حَ قِّهِ مْ ،حَ قٌّ ) لغرض تقرير االستنكار على جريمة الشّ اعر التي ارتكبها بحق محبوبته (ورد) ،وهذا التّكرار كثف الدّالالت وعددها ونوّعها من خالل التراكيب اللّغويّة المنداحة ��ص ال��شّ ��ع��ري ،والمنسجمة صوتياً ف��ي ال�� ّن ّ للنص ،ممّا يركز ّ ومعنوياً مع البنية الكلية المعنى ويعمقه ليجعل المتلقي يتفاعل مع هذه البنى التكرارية المتتالية ،ويقتنع بحزن الشّ اعر ولوعته عليها ،ولع ّل من المفيد أن نخلص إلى القول :إنَّ هذه األبيات بما تحويه من مظهر أسلوبي تجلّى بالتكرار دليل على عالقة الشّ اعر بزوجته (ورد) وش��يء من صفاتها التي افتقدها بموتها ،وكأنَّ الشّ اعر نفسه فوجئ بهذا النوع من الحزن القاتل، الذي أصابه بسبب رحيل زوجته ،فالتمس من ذات��ه ع��ذراً لبكائه؛ ألنّ��ه ع��رف أخيراً أنَّ البكاء ،هو الشّ فاء من الجوى ،من أجل ذلك سيبقى في بكائها حتّى تنفد دموعه، وتحترق أحشاؤه؛ ألنَّ اليأس منها ،والوجد عليها ،ما يزاالن يلهبان قلبه باأللم واألسى الشّ ديدين.
26
��ص بانحيازه إلى وم��ن ال��واض��ح أنَّ ال�� ّن ّ الصيغ االسميةِ ( :بيَدِ ،يَدُ ،جَ ل َدِ ،جَ لَدُ، تكرار ّ حَ قِّهِ مْ ،حَ ��قٌّ ) يرجّ ح السّ كون على الحركة، بوصف االسم حدثاً معزوالً عن الزمن ،ومن ثَ َّم فهو يشي بالوصف والتأمّل والثبات(،)10 ّص: والنزوع إلى االسمية يتفق وموضوع الن ّ (ال��م��وت) المتمثل أس��اس��اً ب��ت��أمّ��ل أح��وال اإلنسان ،والكون ،ومصيرها الحتمي إلى الزوال. أدرك دي��ك ال��ج��نّ الحمصيّ أنَّ التنوع ف��ي األس��ل��وب مزية موجبة ،كما عَ ��لِ�� َم أنَّ األسلوب إذا مضى على وتيرة واح��دة في التّعبير ،كاالعتماد على نسق لغوي واحد دلَّ ذل��ك على فتوره وم��ن ث�� ّم افتقاره إلى القوة والتأثير ،ومعنى ذلك أنَّ األصل في األساليب التنوّع؛ وعليه ،فإنَّ الشّ اعر في حديثه عن جرحه النازف في قلبه ،وحسرته التي كادت أن تقضي عليه ،بسبب حبّه لورد، يلجأ إلى التنوع في أسلوب التكرار اللفظي، فهو يقول(:)11
�ش ق��لْ لمن ك��انَ وج��هُ ��ه كضياء ال� َّ م� ��س ف� ��ي ُح� �س ��نِ ��ه وب � � � ��درٍ م �ـ �ن �ـ �ي��رِ
ك�ن��تَ زي ��نَ األح �ي��اءِ إذ ك�ن��تَ فيهمْ ثُ � ��مّ ق ��د ِص � ��رتَ زي� ��نَ أه� � ِ�ل ال �ق �ب��ورِ ّ��ص ال��شّ ��ع��ري ال��سّ ��اب��ق بتركيزه وإنَّ ال��ن ّ
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
المغيب وال��خَ ��ونُ نُكرٌ ِ ُخنتني ف��ي �ات ال� �ـ ��دُّ ه� �ـ ��ورِ وذ َِم� � �ي � ��مٌ ف� ��ي س ��ال� �ف � ِ َف �ش �ف��ان��ي سَ �ي �ف��ي وأس � � � � َر َع ف �ـ��ي َح ِّز ال � َّت��راق��ي َق �ط �ع � ًا وَحَ � � ��زَّ ال � ّن �ح��ورِ إنَّ ديك الجنّ الحمصيّ مع ترسمه خطوات الرومانسيين ف��ي اإلف��ص��اح ع��ن مكنونه، كاالعتماد الواضح على مجموعات لفظيّة، نحو( :زي َن األحياءِ ،زي َن أهلِ القبورِ ) تصف ص��ورة (ورد) وصفاً دقيقاً ،إ ّال أنّ أسلوبه قد اتّسم بعالمات فارقة بدت في اعتماده الصريح المعرّف بصورة مباشرة على االسم ّ باإلضافة ،البارز بقوله( :ح ّز التَّراقي ،وَحَ َّز الصريح المعرّف النّحورِ )؛ ذلك أنَّ االسم ّ يكسب الكالم قوة ووضوحاً وتأثيراً بالغاً في نفس المتلقي.
وم���ن ال��م�لاح��ظ أنَّ ه���ذا ال��ض��رب من يعضد سياقات ّ التكرار -ت��ك��رار الكلمة- ّص الشّ عري ،فالشّ اعر ميّز نفسه بهذا الن ّ اللّون األسلوبي ليحوّله إلى عالقة فريدة في ديوانه الشّ عري ،وترد هذه الظاهرة بإبداعيّة الشّ اعر وقدرته على سبك الجمل الشّ عريّة المليئة بجماليات األس��ل��وب ،وال��ط��اق��ات الموسيقيّة.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ب��أب��ي أن ��تَ ف��ي ال �ح �ي��اةِ وف ��ي المـو ت وت� �ح ��ت ال� �ث ��رى وي� � ��وم ال �ن �ش��ورِ
جل ّياً ف��ي بكائه وحسرته على ف��راق تلك الحبيبة الشّ ابة ،لذا كانت عاطفته غامرة، فانساق وراءها انسياقاً أخرجه عن الحدود.
-3تكرار الحرف
أكثر الشّ عراء قديماً من تكرار الحرف، فهو أقرب ما يكون بالصوت المعزول ،لهذا الصوتية تكمن فيها رأى (بالي) أنَّ المادة ّ إمكانات تعبيريّة هائلة ،فاألصوات وتوافقها وألعاب النغم واإليقاع والكثافة واالستمرار ��ص��ام��ت��ة ،ك�� ّل هذا وال��ت��ك��رار وال��ف��واص��ل ال ّ يضاف إلى ذلك ترجيحه استعمال ّ الصيغ يتضمّن بمادته طاقة تعبيريّة(.)12 االسميّة على الفعليّة للغاية نفسها ،أي أنّه وتأسيساً على ما سبق ،نلمس أنَّ لتكرار أراد أ ْن ينتقل بالموضوع من مجال األنا الحرف أثراً ملحوظاً في إصدار التأثيرات الشّ اعرة المنفعلة والمنشغلة بآالمها إلى الصوت األخير النفسيّة للمتلقي ،إذ يمثّل ّ مجال التأمّل الواسع الرحب ،ممّا يكشف الصوت الذي يمكن أن في نفس الشّ اعر ،أو ّ عن عاطفة جيّاشة وصدمة قويّة أذهلت يصب فيه أحاسيسه ومشاعره عند اختيار الشّ اعر وجعلته غير مصدق لما أصابه. القافية مثالً ،أو قد يرتبط ذلك بتكرار حرف ومن خالل القطعة الشّ عريّة -السّ ابقة -داخل القصيدة الشّ عريّة ،تكون له نغمته التي ّص ،حيث ال يختلف اثنان على يتبين لنا أنَّ الشّ اعر اعتمد تكرار الكلمة؛ تطغى على الن ّ للتعبير ع��ن مشاعره تجاه زوج��ت��ه ،وذل��ك أنّه ال وجود لشعر موسيقي دون شيء من بالتركيز على مجموعة من الدّوال المتالحقة اإلدراك العام لمعناه ،أو على األقل لنغمته العاكسة لموقفه المتأثر كثيراً بموتها ،ويظهر االنفعاليّة(.)13 اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
27
�اب وممّا ال شكّ فيه أنَّ تكرار الحرف يزوّد ك� � َّ�ص � �ي� ��ادِ ال � � ُّ�ط � �ي � ��ورِ ل � ��ه ان� �ت� �ح � ٌ ّص الشّ عري بزخم ممتع من الدفق الغنائي، الن ّ ع� �ل� �ي� �ه ��ا وه � � � ��و ي� ��ذب� � ُ�ح � �ه� ��ا ب� �ح ��دِّ
تصنعها الحركات اإليقاعيّة المتعاقبة في تتمحور األب��ي��ات السّ ابقة ح��ول تشظي السّ ياق بهدف إبراز النبرة الخطابية ،وكشف الذات ،وتمزقها ،فالشّ اعر يطلب جواباً من مشاعر وأحاسيس الشّ اعر التي يريد نقلها حبيبته السّ اكنة تحت الثرى ،مستفهماً عن للمتلقي محافظة على وهجها وشعلتها حالها بعده ،وعن مكان موتها بعد أن كانت الدّالليّة المؤثرة. تسكن قلبه وأضالعه وكبده. إنَّ ال��ق��ارئ لشعر دي��ك الجنّ الحمصيّ ّص الشّ عري ،وأعدنا وإذا ما انتقلنا إلى الن ّ يظهر له بوضوح أنَّ الشّ اعر بحكم معاناته، وصدق شعوره وحبّه الطاغي لورد ،فقد عمد قراءته قراءة فاحصة ،يتبيّن أنَّ الشّ اعر ركّز إل��ى تكرار كثير من ال��ح��روف ،تعبيراً عن على تكرار ح��رف( :ال��ح��اء) في ستة عشر عواطفه المصطرعة ،وعتابه الذاتي الذي ال موضعاً من األبيات؛ ليدلل على تحوّل هذا ال��ح��رف إل��ى مفتاح يمكّنه م��ن ال��ول��وج في يتوقف ،إذ يقول في دالية رائعة (:)14 ّص ،ومن ثَ ّم يسهم في إبراز الفكرة متن الن ّ أس � � ��اك � � ��نَ ح � � �ف� � ��رةٍ وق� � � � � � ��رارِ ل� �ح � ِ�د المركزيّة للقصيدة التي يدور حولها الحزن م � � �ف� � ��ارِ قَ ُخ� � � َّل � ��ةٍ م� ��ن َب � ��عْ � � ِ�د عَ � ��هْ � � ِ�د وح��رارة األل��م التي تعتصر قلبه من واقعه أج �ب �ن��ي إنْ ق � � ��درتَ ع �ل��ى ج��واب��ي المتخاذل.
�ف ظَ � َل �ل��تَ َب��عْ � ِ�دي؟ ب��حَ ��قِّ ال� ��و ِّد َك � ْي� َ
كما يحيل على المغزى ال��ذي يشخص �ول ق�ل�ب��ي وأي � � ��نَ ح �ل �ل��تَ ب� �ع� � َد ح� �ل � ِ خلف الحرف المفتاح وفحواه :درجة الحزن وأح � �ش ��ائ ��ي وأض �ل��اع � ��ي وك� �ب ��دي؟ المتلفعة في قلب الشّ اعر ،والمكانة التي أم � � ��ا واهللِ ل � ��و ع� ��اي � �ن� ��تَ وج � ��دي تحتلها الفقيدة في نفسه.
الظلْماءِ و َْحدي استَعْ َبر ُْت في َّ إذا ْ
نصه بنغمة ومرّة أخرى ،فالشّ اعر يدمغ ّ وَجَ � � � � ��دَّ َت � � َن� ��فُّ � � ِ�س� ��ي وعَ � �ل ��ا َزف � �ي� ��ري متميّزة ناتجة عن تماثل األصوات وتجانسها �اض� ْ�ت عَ ْبرَتي في َص� ْ�ح� ِ�ن خَ ��دِّ ي وف� َ وت���ك���راره���ا ،وذل����ك أنَّ وح����دة ال��م��وض��وع إذنْ ل� �ع� �ل� �م ��تَ أ ِّن � � � ��ي ع � ��ن ق ��ري � ٍ�ب واالنفعال( :الفقد والتوجع) في الخطاب س �ت �ح �ف��رُ ح �ف��رت��ي وي� �ش � ُّ�ق ل�ح��دي الشّ عري أسهم في التّعبير بصدق عن لواعج الذات ،وتتأجج حرقة على فقدان حبيبة من وي �ع��ذ ُل �ن��ي ال �س �ف �ي��هُ ع �ل��ى ُب �ك��ائ��ي �زن وح� ��دي خالل صور تكرارية جميلة ومؤثرة. ك� ��أ ِّن� ��ي م �ب �ت �ل��ىً ب ��ال� �ح � ِ
28
وقد ظهر تكرار حرف( :الحاء) في شعر ي � �ق� ��ول :ق �ت �ل �ت �ه��ا س� � َف� �ه ��ا وج� �ه�ل ً�ا وت� � ْب� �ك� �ي� �ه ��ا ب� � �ك � ��اءً ل� �ي ��س يُ � � ْ�ج� ��دي دي��ك ال��ج��نّ الحمصيّ ف��ي شكل تتابعي، اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
�ول ق�ل�ب��ي وأي � � ��نَ ح �ل �ل��تَ ب� �ع� � َد ح� �ل � ِ وأح � �ش ��ائ ��ي وأض �ل��اع � ��ي وك� �ب ��دي؟
ّص الشّ عري السّ ابق أنَّ نالحظ في الن ّ الشّ اعر وزّع صوت( :الحاء) توزيعاً هندسياً محكماً( ،)16إذ بدأ استخدام صوت( :الحاء) مكثفاً في كلمتي( :حللت) و(حلول) مرتين ونشير هنا إلى أنَّ الشّ اعر استعان في في الشّ طر األوّل ،للدّاللة على حالة التقريع ك ّل ما يمكن له أ ْن يؤطر المقصديّة والتأكيد والتوجع والحزن المشفوع بندم حاد. والتأثير في المتلقي ،والخروج من مستوى لكنّه ع��اد إليه م��رة واح���دة ف��ي الشّ طر العالمة المجردة إلى مستوى الرمز ،فصوّر الثاني من خالل كلمة( :أحشاء) ممّا أحدث باستناده على تكرار الحرف لواعجه الحزينة، إيقاعاً نغمياً ،خافتاً تجسيداً لصورة الخواء وموقفه حيال موتها ،ونكد عيشه بعدها، واالنكسار في حركة الشّ اعر بعد أن رحلت :ومرارة فقدها ،وأفرد لها قصائد في ديوانه، (ورد) عنه ،كما أ ّن��ه يحمل معنى األس��ف ،رسم فيها شعوره بالوحدة من بعدها ،وعظم أس��ف ال��شّ ��اع��ر على ذات���ه ،وتزعزعها في الحمل الواقع عليه بعدما تركت حملها له لحظة الوحدة ومخاطبة النّفس. رغماً عنها ،فقال(:)17
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
وظيفته إيقاظ المتلقي ،والعمل على دمجه ومشاركته م��ع رؤي��ة الشَّ اعر للواقع ،نحو قوله(:)15
ودي��ك الجنّ الحمصيّ بكى زوجته التي فقدها بُعيد حبٍّ وعشق شديدين ،بعد أ ْن ال للظفر بها، بذل ماالً كثيراً وقضى وقتاً طوي ً فهو يبكي الزوجة الحبيبة ،وهذه الظروف ال ب ّد أنّها قادته إلى االستعانة بمظاهر أسلوبيّة نصه الشّ عري ،كما كتكرار الحرف لتشكيل ّ أنّه لم يجد سلوى بها وتعظيماً لها وتنويهاً بشأنها وتفخيماً لها في القلب والسّ مع إ ّال بتكرار التّراكيب والكلمات والحروف.
استطاع الشّ اعر أ ْن يعبّر بصدق عن آالم ل �ي �ت �ن��ي ل� ��م أك� � ��ن ل �ع �ط �ف��ك ن �ل� ُ�ت ّص ،باستخدامه النّفس من خالل جمال الن ّ َص� � � ْل � � ُ�ت �ال و َ وإل � � ��ى َذل � � ��ك ال � � ��وِ ص � � � ِ
أس��ل��وب ت��ك��رار ال��ح��رف ال���ذي انتظم فيه
اش � � َت� ��مَ � � ْل� � ِ�ت عَ �ل �ي��ه ف � ��ا َّل � � ِ�ذي ِم � � ِّن� ��يَ ْ اإليقاع والتّركيب ،فوفقت انفعاالتها وأثرت أل� � �ع � ��ارٍ م � ��ا ق � ��د ع� �ل� �ي ��هِ اش �ت �م �ل� ُ�ت في سامعيها ،ففسحت المجال أمام المتلقي بتأمّل وتحليل أرحب. إنَّ للتكرار بأنواعه المتعددة دوراً مهماً،
ق� ��ال ذو ال �ج ��هْ � ِ�ل ق ��د حَ � � ُل ��مْ ��تَ وال أَعْ � � َل ��مُ أَ ِّن� ��ي حَ � ُل �م� ُ�ت حَ ��تَّ ��ى جَ � ِ�ه � ْل� ُ�ت
ومكانة عالية في ترسيخ المعاني وال ّدالالت الئ� � � � � ��مٌ ل � � ��ي بِ � � ��جَ � � ��هْ � � ��لِ � � ��هِ ول � � �م� � ��اذا أَن � ��ا و َْح� � � � ِ�دي أ َْح � � َب� � ْب � ُ�ت ثُ � ��مَّ َق � َت � ْل� ُ�ت في نفسية المتلقي ،وال سيما تلك االنفعاالت
ْف آس��ى ط ��ولَ ال��حَ �ي��اةِ َوأَ ْب��كِ �ي �ـ المشحونة بآهات التّحسر والندم على فعل سَ � �و َ ـ � ِ�ك ع �ل��ى م��ا َف � َع � ْل� ِ�ت ال م��ا َف � َع � ْل� ُ�ت اقترفته يد الشّ اعر. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
29
لقد أفعم ه��ذا ال�� ّن ّ ��ص الشّ عري بتكرار فجاء (الالم) للداللة على االنتهاء واالنكسار �لا معه طاقة كبرى ،ال��ل��ذي��ن أص���اب���ا ال��شّ ��اع��ر ل��ح��ظ��ة ان��ب�لاج ح��رف( :ال�ل�ام) ح��ام ً الصوت لكونه من الحقيقة(.)19 فقد اختار الشّ اعر هذا ّ أوضح األص��وات السّ اكنة في السّ مع ،فقد هكذا ،ينبعث شاعرنا في مرثياته انبعاثاً ال��ص��ورة، ّ أحدث قرعاً صوتياً ،فكان له وقع مميّز في ق��وي��اً ،واض���ح ال��م�لام��ح ،مبكي النّفس(.)18 ألفاظه موحية دائ��م��اً ،انطالقاً من تقطع كما يحمل صوت( :الالم) معنى األسف، أس���ف ال��شّ ��اع��ر ع��ل��ى م��ا اق��ت��رف��ت��ه ي���داه، واستجابته لدسائس الحاقدين ،إضافة لما يصوره من تزعزعه واهتزازه في لحظة فقدان المحبوبة ،بل وقف حائراً مضطرباً. وممّا زاد في تناغم الجرس الموسيقي لصوت الالم أنَّ الشّ اعر يمتلك من األدوات الصورة في لوحة بديعة ما يجعله يرسم تلك ّ حسنة ،تتغلغل داخل وجدان المتلقي ،سامعاً أو قارئاً ،فتنفعل أحاسيسه وتمور العاطفة في قلبه موراناً يستدر السّ مع ،وتغرق العين، في أثر بكاء القلب. لذا ،نلحظ مراوحته في توظيف تكرار ح��رف( :ال�ل�ام) ،إذ احتلَّ مواقع متنوعة، فتارة يأتي وسطاً ،وتارة ابتداء ،وتارة أخرى انتهاء ،مثل( :ليتني ،لعطفك ،نلتُ ،ذَلك، الوِ صالِ ،اشْ تَ َمل ِْت ،جَ هِ ل ْتُ ،بِجَ ْهلِهِ َ ،ف َعل ِْت).
30
نفس الشّ اعر ،وانصهارها حزناً وألماً لفقد حبيبه ،وشقيقة نفسه ،خليط مطروق من ّص للوهلة الشّ عراء ،حتّى يظن من يقرأ الن ّ األول��ى أ ّن��ه غزل خالص ،لكنّه ال يلبث أ ْن يسمع رثاء ذلك المتغزل به.
وع��ل��ى ه��ذا األس����اس ،ك�� ّرس��ت تراكيب ّص الشّ عري عند ديك الجنّ ومفردات الن ّ الحمصيّ تقنية التكرار في بنائها ،وواظبت على حضورها بأضربها المختلفة لتثبيت إيقاعها ،وتنظيم نبراته ،ولتستحوذ على اهتمام المتلقي ،ومشاركته للغرض الشّ عري فتنساب إليه المعاني واألف��ك��ار؛ وه��ذا ما هدف إليه ديك الجنّ الحمصيّ .إذ ليلمس المتلقي لشعره االه��ت��م��ام بهذه الظاهرة األسلوبيّة ،التي شحنت قصائده تماسكاً، وكثّفت البنية الدّالليّة من خالل حضوره على مستويات عده وفي أشكال متنوعة، تعكس وعيه بهذه اآللية األسلوبيّة ،وحرصه ال��شّ ��دي��د على ظهورها للتعبير ع��ن شدة ح��زن��ه ،وتقطع نفسه ح��س��رات عند ذك��ره زوجه ،صفية نفسه ،وحليلة قلبه.
وحرف الالم أسناني لثوي ،وممّا أضفى ��ص الشّ عري ع��دم استقراره على ه��ذا ال�� ّن ّ واهتزازه وتكراره نقرات إيقاعيّة متناسقة، حتّى يشيع لمسات مأساويّة حزينة ،يفرغها وب��ع��د ،إنَّ مسألة المرثية الممزوجة إيقاع ح��رف( :ال�ل�ام) ويشحنها بعد ذلك باأللم والعذاب ،ورغ��م ما فيها من قساوة بشكل يصحبه دهشة وتفاجئ الشّ اعر ،دالليّة في الظاهرة إ َّال أنّها مليئة بالحركة اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
* ديك الجنّ ،هو عبدالسّ الم بن رغبان ( 161هـ 335 -هـ) ،وغلب عليه لقب (ديك الجن) ألسباب عديدة منها: 1ـ عادته في الخروج إلى البساتين فشبه بديك الجن ،وديك الجن هو دويبة( :تصغير لـ دابة) توجد في البساتين. .2كانت عيناه خضراوين ،فلقب بديك الجن. .3ألنه ذكر الديك في شعره. وما وصلنا من مغامراته ،وسيرته الذاتية ،تصفه معتكفاً على القصف واللهو ،متالفاً لما ورث عن آبائه، وهو شاعر مجيد ،يذهب مذهب (أبي تمّام) والشّ اميين ،استنفذ شعره في مراثي زوجة له ،لالستزادة ينظر :األغاني ،دار الكتب المصريّة ( ،)15 /14وينظر :العمدة ج /2ص .149 ** كاتب وناقد وأكاديمي من األردن -الجامعة الهاشمية. ( )1األسعد ،عمر :رثاء الزوجة في شعر عزيز أباضة ،مجلّة مؤتة للبحوث والدراسات ،مجلد ،7عدد ،1 1992م ،ص.163 ( )2إسماعيل ،عبدالرحمن :رثاء الزوجات في العصرين األموي والعبّاسي ،جامعة الملك سعود ،كلية اآلداب، الرياض1418 ،هــ ،ص.54 ( )3عبدالمطلب ،محمّد :بناء األسلوب في شعر الحداثة؛ التكوين البديعي ،دار الفكر ،بيروت1988 ،م، ص.390 ( )4الحمصيّ ،دي��ك الجنّ :ال��دي��وان ،تحقيق أحمد مطلوب ،وعبداهلل الجبوري ،دار الثقافة ،بيروت، 1964م،ص.87 ( )5الديوان ،ص.90 ( )6كميت ،إبراهيم شيخان :ق��راءة في نص لديك الجنّ ،مجلة اللّغة العربيّة وآداب��ه��ا ،جامعة الكوفة، المجلد،1عدد 2009 ،8م ،ص .374 ( )7الغرفي ،حسين :حركية اإليقاع في الشّ عر العربي المعاصر ،إفريقيا الشّ رق ،بيروت ،د.ط2001 ،م، ص.82 ( )8عاشور ،فهد ناصر :التكرار في شعر محمود درويش ،دار الفارس للنشر والتّوزيع ،عمّان -األردن ،ط،1 2004م ،ص.60 ( )9الديوان ،ص.96 ( )10محمّد ،أحمد علي :التكرار وعالمات األسلوب في قصيدة( :نشيد الحياة) للشابي؛ دراسة أسلوبيّة إحصائية ،مجلة جامعة دمشق ،المجلد ،26العددين األوّل والثاني2010 ،م ،ص.60 ( )11الديوان ،ص.99 ( )12فضل ،صالح :علم األسلوب؛ مبادئه وإجراءاته ،الهيئة المصريّة العامّة للكتاب ،القاهرة1985 ،م ،ط،2 ص.27 ( )13ويليك ،رنيه :نظريّة األدب ،ترجمة محي الدين صبحي ،مراجعة حسام الدين الخطيب ،المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر ،ط1985 ،3م ،ص.165 ( )14الديوان ،ص.94 ( )15الديوان ،ص.94 ( )16بوراوي ،مليكة :بالغة التكرار في مراثي الخنساء ،مجلّة العلوم اإلنسانيّة ،جامعة محمّد خيضر، الجزائر ،بسكرة ،مارس2006 ،م ،ص.4 ( )17الديوان ،ص.87 ( )18بالغة التكرار في مراثي الخنساء ،مرجع سابق ،ص.4 ( )19تاوريريت ،نبيلة :حداثة التكرار وداللته في القصائد الممنوعة لنزار قباني ،مجلّة علوم اللّغة العربيّة وآدابها ،جامعة الوادي ،الجزائر ،العدد الرابع2012 ،م ،ص.32 اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
واإليقاع الذي يتأتى من آلية التكرار المفعم المشاركة العاطفية ،واألسى والتأسي عند باألحاسيس الماتعة ،واللّذة القائمة وراء الشّ اعر.
31
النص والهندسة
رؤية انطباعية في كتاب «المتخيل والملفوظ في هندسة النص األدبي» للناقد والقاص جبريل سبعي املصبح* ρρفهد ّ تقوم العملية اإلبداعية على الكاتب والمتلقي والناقد ،كثالثي يقتضيه النص األدب��ي المعاصر في صياغته الحديثة ،وب�ق��راءة متأنية لكتاب «المتخيل والملفوظ» تظهر لنا دراس��ة تـنضح ج��دة وحيوية، موجهة بالدرجة األولى إلى القارئ لرفعه في سلم التلقي للمشاركة الفاعلة في خلق نص جديد كما كان يأمل الشاعر علي الدميني في مشروعه «النص الجديد» .وكم نحتاج لمثل هذا من نقادنا بأن يرتقوا بنا كمتلقين ..وليس بالعمل وحده ،وهو مطلب عسير إن نجا من الشللية المقيتة التي آمل أن ال أقع فيها ،إذ ال أخفيكم أنه تربطني بالكاتب عالقة حميمة رغم ما اعتراها من اختالف حول النقد ،لم ولن يفسد لنا قضية بحول اهلل تعالى ،في زمن نحتاج فيه وبشدة إلى الهندسة في كل شيء ،فالكون برمته قائم على هندسة محكمة من لدن حكيم خبير ،وأحسب أن نقاط ًا كثيرة وجدتها متحققة في هذا الكتيب الصغير والثري في آن ،والمطبوع في دار العبيكان في بضع وستين صفحة من القطع الصغير ،تزينه لوحة غالف سريالية الخلقة إ ّال من الرأس الذي صممها إبراهيم جبران المفعم هندسة ،فجاءت آية في اإلبداع لشخوص كاملة ِ لعب عليه السبعي بحذق هادئ ومخاتل لم يخلُ من التسرع ،وال أدري بالتحديد هل هو تواطؤ مسبق أم عفوي بين الكاتب ومصمم الغالف؟ أن يجلس هؤالء البشر منصتين وكأنهم في حالة تلقي ،مثلما يحدث لنا في فعالياتنا األدبية ،وقد نال التباعد بين الشخوص ،وفعل الظالل فعلة الفانتازي في أرضية لوحة متلق قد ال يعرف عن المتحدث شيئاً ،فقط جاء وجاهة أو لتغطية إعالمية تنطق صدق ًا وربما سخرية من ٍ أو نحو ذلك؛ لذا ،أقول إن السبعي جبريل نجح أو ًال في اصطياد الفكرة ،وجسدها سهلة في كتابه الصغير، مقرر ًا بأن النصوص تتم بدء ًا في الالوعي ،ثم تنتقل في حال المراجعة إلى الوعي وهي فترة (انتقالية) يحتاج فيها النص إلى شيء من الهندسة؛ ومحدد ًا زمن ًا القتناص تلك اللحظة الوامضة ،فنجده يقول في صفحة ( 41والنص المتخيل يتشكل بواسطة الخيال في منطقة الوجدان ،ثم بعد ذلك يتم تخزينه في الذاكرة قصيرة المدى ،حتى يحين موعد تفريغه في لغة تتطابق معه في كافة أنظمتها ،ومستوياتها ..أما إذا لم يسارع المبدع بنقل هذا المتخيل إلى حيز النص الملفوظ ،فإنه -أي المتخيل -سرعان ما يتخلخل، ويخفت وهجه ،حتى ال يصبح قادرا على اقتناص اللغة ،المتطابقة معه) .انتهى كالمه.
وكلمة الملفوظ م��ن ل��ف��ظ ..وه��و إخ��راج ال��ك�لام م��ن ال��ف��م ،وهنا يحق لنا ال��ق��ول بأن اإلب��داع ما هو إال تقيؤ على ال��ورق ..فيه من العناء والمجاهدة الكثير ،ليأتي النتاج سليماً من االعوجاج والتشوّه. ي��ق��ول ال��روائ��ي وال��ق��اص وال��ن��اق��د ناصر الجاسم :إن األدب ليس علماً ي��درس ،فما
32
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
مدى معقولية هذه المقولة في دراسة المتخيل والملفوظ؟ وهل الملفوظ يقتنص ويصطاد تماما كالفكرة؟ الكاتب هنا يحكم على دراسته ه��ذه بالتنظير ،فمتى يأتي التطبيق؟ وهل سيكون من الكاتب نفسه أم من غيره؟ ولهذا كنت أتمنى أن يحتوي الكتاب على الجانبين التنظيري والتطبيقي على نصوص معروفة
إن ت��ق��دم المتخيل ع��ل��ى ال��م��ل��ف��وظ أم��ر طبيعي أو طبعي كما ق��رره الجرجاني في أسرار البالغة بأن «األلفاظ خدم المعاني»، إذ ي��ذك��ر ال��م��ؤل��ف ف��ي ص ( 45-44نشأت اللغة العربية نشأة فطرية ،إذ اعتمد العربي ف��ي ال��ب��دء «ش��ع��وره ل�لاه��ت��داء إل��ى أص��وات حروفه واستخالص معانيها ،استيحاء من العالم الخارجي ،بروح فنية خالصة ،ثم بعد أن هُ��دي إلى األص��وات ومعانيها» بقي على فطرته البدوية يتقمص األشياء واألح��داث، الستشفاف خصائصها الذاتية ،ولينتقي بعد ذلك الحروف التي تتالءم إيحاءاتها الصوتية مع تلك الخصائص ،ولكن وفق ترتيب معين يماثل تراكيب األشياء) .انتهى كالمه .الحظوا هنا أننا نتكلم عن لغتنا العربية وأصحابها األوائ��ل كعرب أقحاح تسود بينهم مقولة بما يشبه العرف ..بأن «خادم القوم سيدهم» فمن هو السيد في اإلبداع؟ المتخيل أم الملفوظ؟
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ومشهورة عند المتلقي ..وأحسبها لن تتجاوز الشعر.
بالتطبيقي ..لتحوّلت إلى رسالة يستحق عليها رسالة علمية إن تبنتها جهة مسئولة فحصاً وتمحيصاً ،دون األخ��ذ بعين االع��ت��ب��ار إلى مصدرها غربياً أم شرقياً ،فعنوان الكتاب الذكي في جزئه الثاني يصب في مصلحة خلق النص ،طارحاً منظومة رؤيوية للعملية اإلبداعية يشترك فيها ثالثي اإلبداع ،فكاتبنا متلق السبعي يعي جيداً حاجة الفنون إل��ى ٍ فطن يبحث عن الرمز ويقرأ ما بين السطور. ينقلنا جبريل سبعي في كتابه إلى تعقيدات الهندسة ،فيكثر من األسماء التي تميت في صدر المبدع نصه إن أره��ف لها حاسة من الحواس الخمس التي اشتغلت عليها الدراسة، فنجده في صفحة ( )40يقول( :وم��ن كل ما تقدم يمكننا تعريف «النص المتخيل» على أنه البنية العميقة لألثر الفني ،أو هو الهيكل الهندسي ،النفسي ،الفني ،المركب في عمقه جوهر األشياء ،الحامل في ظاهره التناقضات وال��ف��وض��ى ،وه���و ال��م��ع��م��ار ال��ج��دي��د ل��م��ادة التشكيل ،الواقعة خارج نطاق اللغة والحواس، تلك المادة المفصحة في لحمتها التجريدية (ال��ج��وه��ر) ،والعينية (األش��ي��اء) – ف��ي آن- عن تصرف العقل ،في ترابطاتها الجديدة، وف��ي م��ا يشع عنها م��ن الفوضى الشكلية، ومن التماسك ،واإليقاع ،والوحدة ،والنظام، والحيوية ،على مستوى مضمون) .انتهى.
طبعا ليس من الممكن أن يدرس أح ٌد هذا الكتاب ثم يقول :سأخلق نصاً أو أبدع شعراً، هذا بعيد االستحالة ،لكنه يهدي إلى محاوالت تتلمس طريقها إليه إن فهمت الالوعيية التي أثارتها ال��دراس��ة بجدل ل��ن يكون األول وال األخ��ي��ر ،وأرى أن الكاتب يبغي من دراسته ه��ذه تهيئة المتلقي قبيل مواجهته بالنقد، فهو يسعى بقدر طاقته إلى النهوض بالنص ومع هذا كله ،تكشف لنا الدراسة عن ناقد والمتلقي. واع جداً لما يقول دون صراخ أو نرجسية ،ال ٍ المتخيل وال��م��ل��ف��وظ دراس����ة ن��ق��دي��ة لو نملك إ ّال أن نثمّن له ه��ذا الجهد اتفقنا أم اشتغل عليها صاحبها أكثر ،ومزج التنظيري اختلفنا معه. * كاتب من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
33
ماهر الرحيلي شاعر المدى والسكون والغياب ρρأ .د .محمد صالح الشنطي*
الكلمة الشاعرة في فضائها الرحيب تسبح سافرة بال قيود ،تتمرد على كل األربعة -يختار عناوين دالة تجمع ينضد فيها آللئه ،وهي آللئ بين القصائد في عقد نظيم ّ تتألق فيها شتى األلوان. حين حاولت قراءة هذه الدواوين بعين الدارس أعشت بصري بضوء تلوح على هدية أطياف تستعصي على رؤية تحاول استيقافها ومساءلتها؛ فهي كالظالل الهاربة ال تتلبّث وال تتريّث ،في حراك دؤوب عبر محطات متعددة ،ال تكاد تتوقف لتلتقط شيئا من أنفاسك في لهاثك الالغب ،وعناوين دواوينه وقصائده توحي بذلك؛ فالديوان األول عنوانه يتخطاه ويتجاوزه إلى الديوان الثاني (ما بعد ّ (في سكون الليل) يتبعه ديوان آخر السكون) ،وليس بعد السكون إال الحركة التي تمتد إلى أم��داء ال حدود لها في الديوان الثالث (م��داي)؛ ولكن المدى الذي انطلقت إليه القصيدة محلّقة في سمائها بال مستقر لها تفاجأ بما يزلزل الوعي ،حيث كانت االرت��دادات عميقة، المست زمنا غاربا تحاول أن تستعيده ،ف��رارًا من وجع اللحظة واشتعاالتها في ديوانه الرابع (ما تاله عليّ الغياب) ..والغياب – هنا – غياب يتصل بالكينونة الخاصة ف��ي ج��ذوره��ا البكر .زادت�ه��ا اللحظة التاريخية بخيباتها وانكساراتها تتلظى فيه نفس شاعر ،لم يكن ليحتمل غيابا للرؤى الباصرة.. ونكباتها شواظا ّ تضاف إلى غياب حميم أحدث شرخا روحيا هائال كما يظهر في قصائده. وال أظن أن بمقدوري أ ْن أفي الشاعر ال بد أن تكون موضوعا لدراسات أتوقع حقه ،فدواوينه األربعة وقصائده التي أن تأتي تباعا في مستقبل قريب.
34
ما تزال تتحدّر من ذات النبع الصافي، اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
من هنا ،كانت كلماتي التي أكتبها
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د ف��ي ه���ذا ال��م��ق��ام أق���رب إل���ى ال��وف��اء بحق التعرّف على التضاريس الرؤيوية المتأملة
شاعر أنك َر على نفسه حقها في أن تعلن التي يعكسها عنوان الديوان. عن نفسها تواضعا ،في حين م��ارس الك ّل
وقصائد ال��دي��وان تتحرك في فضاءات
في ديوانه األول (في سكون الليل) الذي
للمثل العليا في تحققها التاريخي في
من حوله ممن تربّوا في محاضنه حقوقهم متعددة: في إشهار وجودهم من فوق المنابر المتاحة فضاء روحي يستلهم المكان بما يحفل بهفي النوادي والجامعات والصحف؛ بينما كان من ألق ،وينبعث منه من نور ،ويحتشد به زاهدًا في ذلك كله. من ثراء إنساني ،وما يستدعيه من نماذج يضم خمسا وسبعين قصيدة ،طوّف الشاعر
العصور اإلسالمية الزاهية.
بمحطات متعددة ،وكأنه يستكشف ذاته وما -ف��ض��اء ذات���ي ،يعمد فيها ال��ش��اع��ر إلى حوله ومن حوله ،ليس هذا فحسب ،بل يعمل التأمل الباطني فيجوس خالل األقبية على فهم طبيعة أداته والوعي بها ممثّلة في الشعور والحوار معه جوهرًا وأعراضا.
النفسية مسائال ذاته تارة ،ومحاورًا لها تارة أخرى.
لعلي استطيع أن أق��ف عند ع��دد من -فضاء أُس��ري يحلق فيه ،ينسج ما وقر
قصائده في هذا الديوان تلبي الرغبة في
ف��ي نفسه م��ن مشاعر وم��ا اكتنزه من اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
35
أحاسيس ،إذ تشير عناوين القصائد إلى وب�لا أدن��ى ري��ب ..ف��إن ه��ذه اإلط�لال��ة تثير ذوي القربى القريبة ببيان ن��وع الصلة مكامن الوجد والعجاب واالنتماء والرفض حينا ،وب��ذك��ر األس��م��اء األع�ل�ام أحيانا والتسليم ،ففي مقابل سكون المشهد يفور
أخرى.
ال���وج���دان ،وب��ال��ت��ال��ي ف��إن جدلية الحركة
فضاء الوطن األم الذي يبدو مستهدفا والسكون هي قوام الرؤية في هذا الديوان،من قوى الشر محاولة زعزعة استقراره ،ول��ذل��ك ال يبدو أن هناك تناقضا بين ما بوصفه رك��ن��ا ركينا ل�لأم��ة بمقدساته اجتهدت في استقرائه ،وما يقوله الشاعر في صدر مقدمته: وثقافته وثرواته.
فضاء التأمل للكون والحياة واإلنسانوالزمان والمكان.
وهذه حقول واسعة يقرأ فيها الشاعر عالمه ال��خ��اص وال��ع��ام ،وينفذ منه إل��ى أك��وان
تحتجب وراء سجف الغيب.
«في سكون الليل كانت هذه المشاعر التي لم تعرف السكون قط ،إنها مشاعر اهتز لها قلبي ،ووثب إليها فكري تعبر – وبكل صدق - عني وحسبها أنها ترجمة صادقة للنفس».. في قصائد الديوان نزعة محافظة ،وهي
لذا ،نجد الشاعر يستشرف عوالم تنداح ظ��اه��رة طبيعية ف��ي أول دي���وان ل��ه ،وعلى أمامه في سكينة؛ إذ تبدو العالئق مستقرة الرغم من هذه السمة المحافظة ثمة ميل
ثابتة يتبين موقعه منها ،ويتموضع في إلى الخروج من أسر الصوت الغنائي الواحد سياقاتها ،وينسجم مع أنساقها الثقافية؛ لذا المنغلق على ذاته ،هناك روح شاعرة تجهد اختار الشكل العمودي الذي يمكنه من تثبيت ف��ي اخ��ت��راق الصدفة ال��ت��ي تقوقعت على اللوحة كما يراها في أنماطها الكائنة ،دون قواعدها الثابتة ،وهذا يتبدى في استثمار
متابعتها وهي تمضي في سيرورتها ماضية الحوار وتفعيل دينامياته في الحدود التي يسمح بها ال��م��وق��ف ،ففي قصيدته (مع إلى غير مستقر. الهموم): يقول الشاعر في المقدمة:
م � � ��ال � � ��ي أرى ع � �ي � �ن � �ي� ��ك ت � �غ� ��رف «ف��ي سكون الليل يسكن األل��م والمتعة م� � � � ��ن م � � �ح � � �ي� � ��ط ال� � � � �ه � � � ��م ب� � �ح � ��را
وال���ح���زن وال���س���رور واالن��ط��ب��اع التلقائي
وف � � � � � � � � � � � � ��ؤادك ال� � � � �ح � � � ��ان � � � ��ي ي � �ج� ��ر والتأمل». م � � ��ن ال � � �ه � � �م� � ��وم ال � � �ص� � ��م ص � �خ� ��را ول��ع��ل ه���ذا م��ص��دا ٌق ل��م��ا ق��ل��ت م��ن أن��ه
36
إطاللة على عوالم الشاعر واستكشاف لها، اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
خطاب موجه إلى اآلخ��ر ،وإذا كان مثل
القديم فيما عرف بظاهرة التجريد ،فإنه -ل��م��واج��ه��ة ال��ح��اض��ر ال��ك��ئ��ي��ب ،واستبصار هنا -ال يقتصر على مطلع القصيدة ،وال المستقبل لنسيانه وانتظار اآلت���ي ،وه��ذا يوجه إلى متخيّل ،وإنما إلى ما هو متعين ،التوظيف للتراتب الزمني ينقل التشكيل وه��و ليس م��ج��رد تقليد؛ ب��ل سمة بنائية م��ن ال��ت��ق��ري��ر إل���ى ال��ت��خ��ي��ي��ل ،لينتهي إل��ى أساس تنهض عليها الحالة الشعرية برمتها ،مشهد كلي ..متخلصا من فتافيت الصورة،
وإذا كان الحوار ينهض على الصوت الواحد ،وفسيفساء الخواطر التي تنتظم عبر تكرار فإن المخاطب المفترض يبدو حاضرًا في مفردة الفعل الطلبي (تذكر) ،حيث االلتماس
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ه��ذا الخطاب مألوفا ف��ي الشعر العربي شعري :استنهاض الماضي عبر الذكريات
وج���دان الشاعر ،ويعطي للنفس الشعري الحنون ،وتوحيد الزمن الماضي والمستقبل زخما غنائيا وعمقا وجدانيا ،واستدعاء عبر هذه الفعل (الالزم) الذي يشبه ضربة ال��ش��اع��ر ل�ل�أص���وات األخ�����رى ال��ح��اض��رة القدم في الرقصة الدائرية بإيقاعها المرح للتخلص من حالة الكآبة. الغائبة ،يظل يرهص بهذه (البولوفونية) ليس ه��ذا فحسب ،وإنما تتضافر هذه التعددية ،وإن كنّا ال نتوقع أن تتحول إلى
تعددية درامية ،ولكننا نستشم مرحلة آتية الظاهرة مع النسق التعبيري ال��ذي تغلب تتبلور فيها األصوات المتكاثرة لتثري بنية عليه أساليب النداء واألم��ر؛ فالنداء جاء القصيدة ،وتزج بها في طرائق تنعتق فيها ليشحن فعل التذكر بمد عاطفي داف��ئ؛
القصيدة من م��أزق الواحدية الغنائية في أما االستفهام فهو يحمل الداللة التقريرية التي تنقل الخبر من دائرة الواقع إلى دائرة الصوت؛ وإن كان ذلك بعد حين. الشعر ،وتحول الحقيقة الواقعية إلى حقيقة إن سمة ال��ت��داع��ي ال��ت��ي تتوالد عبرها نفسية. الخواطر ،ستتحول فيما بعد في القصيدة واستدعاء قصة بشر بن عوانة مع األسد ذات��ه��ا إل��ى ص��ور متخيلة ،تدخل ف��ي إط��ار كان في سياق الوقائع عبر تداعي الذكريات، اللعبة الزمنية ال��ت��ي يستثمرها الشاعر ولم يأت موظّ فا توظيفا فنيا ،ولكنه يرهص ل��ي��خ��لّ��ص ال��م��خ��اط��ب م��ن ب��راث��ن اللحظة بذلك ويبشر به. الكئيبة ،مبشرا بلحظات سعيدة تتوالى كثير مما يمكن أن يقال في هذه القصيدة عبرها المشاهد؛ بعد توالي الذكريات التي تنثال عبر اللفظة المركزية (تذكر) ،وكلها وف��ي غيرها من قصائد ال��دي��وان ،وه��ي لم تستلهم الزمن الماضي ليسعف الشاعر في تكن أجمل ما فيه ،ولكنني أرى أنها قادرة
الحاضر ،فتأتي األزم��ان الثالثة في سياق على استكشاف روح ال��ش��اع��ر وإنسانيته اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
37
وصفاء وجدانه.
الشاعر رؤيته الشعرية في قصيدة (همس
وليس من قبيل الشح أو الضن بالوقت مع شعري) ،وهي قصيدة تذكرني بالسجال أو الجهد أجدني مضطرا إلى االنتقال إلى الذي شجر بين محمد مندور وسيد قطب
الديوان الثاني؛ وإنما ألنني ح��ددت هدفا فيما ع��رف ب (معركة الشعر المهموس) واضحا لهذه المقالة يتمثل في التعريف الذي أنكره قطب وتبنى الدعوة إليه مندور، بنتاج الشاعر؛ أم��ا ال��دراس��ة المستفيضة ولعل القراءة األول��ى لهذه القصيدة تنقلنا
فتستلزم أطروحة علمية أو أكثر الستجالء إل���ى ت��ع��ري��ف��ات ال��روم��ان��س��ي��ي��ن ال��ع��رب من شعراء القرن الماضي ،الذين رأوا أن الشعر أسرار الجمال الفني فيه. وجدان ..كما فعل عبدالرحمن شكري حين أما الديوان الثاني (ما بعد السكون) فهو قال« :صاح إن الشعر وج��دان» ،وجاء بعده يمثل نقلة فنية من جدل الحركة والسكون من وصف الشاعر في قوله: إلى الحركة الطليقة التي انعتقت من ربقة
هذا السكون ،وانتقلت إلى مربع آخر ،ربما ه �ب��ط األرض ك��ال �ش �ع��اع ال �س �ن��يّ ب� � �ع� � �ص � ��ا س � � ��اح � � ��ر ورؤي � � � � � � � ��ا ن � �ب� ��يّ كان المقتبس الذي أثبته على غالف الديوان
مع ّبرًا عن ذلك أصدق تعبير:
وه��ا ه��و ماهر الرحيلي يقول مخاطبا
«ال تسأليني أين غبت
شعره:
فإنني الزلت ال أدري»
ك��ن ل��ي ن��دي�م��ا إن ت�ب��اط��أ ظ��ل روح ��ي في
لقد انسحب من ضيق المناسبة المؤطرة السماء بحضورها االجتماعي ،إلى رحابة الخاطرة و غاب بين غمامها يسري ال��ت��ي ت��ن��دف��ع م��ن ع��م��ق ال��ش��ع��ور م��ت��ج��اوزة و قد قال قبل ذلك:
السطح ،فلم تعد القصيدة تحمل أفكارًا اخ � �ف� ��ض أن� �ي� �ن ��ك ال ت� �ك ��ن ك��ال �ـ �ـ �ـ �ـ ومعاني بالمعنى التقليدي ال��م��أل��وف؛ بل أصبحت رؤية في أرفع مستوياتها أو رؤيا.
ن� � � � � ��ار ف � � � ��ي أم� � � ��واج � � � �ه� � � ��ا ت� � �س � ��ري فهنا يتجلى الهمس وتتألق الروح ويالمس
الديوان يضم أربعة وخمسين عنوانا ،لم الشاعر سقف الوجدانية في ذروتها؛ فلو تعد ذات داللة مباشرة محددة في مجملها؛ قارنا هذه الرؤية بما جاء في ديوانه األول بل كانت بعض هذه العناوين توحي بغموض في قصيدته (أن��ا والشعر) لوجدنا مفصل
38
ش��ف��ي��ف ،وق��ل��ي��ل منها م��ب��اش��ر ،وق���د بلور التطور واضحً ا إذ يقول: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
- ك ��م ل�ي�ل��ة وب �ح ��ور ال �ف �ك��ر ت�غ�م��رن��ي وأن � ��ت ت��دن �ي �ن��ي م ��ن م��رف��أ ال �ص��ور - وشجوة ما وجدت الدمع يسعفني -
حتى لمست لحونا منك في وتري
وك �ل �م��ة ط �م �س��ت وال� �ح ��ق غ��اي�ت�ه��ا وص��ارت أمنية في ج��وف محتضر
الموضوعات الوطنية والروحية. الرؤى الذاتية. الرؤى الكونية. الواقع المأساوي. ولست بصدد التمثيل الذي يبدو ميسورًا
ل��دى إل��ق��اء النظرة األول���ى على ال��دي��وان؛ ولكن حسبيَ أن أشير إلى أن الرؤى الذاتية
ف�ك�ن��ت ن��اص��ره��ا م��ن ب�ع��د مظلمة و كنت مظهرها من خلف مستتر النقلة الفنية في شعر الشاعر وتحوله إلى والكونية هي مناط االهتمام؛ ألنها تمثل
واضح أن الفكرة تحتل مكانة مهمة في هذه منحى جمالي جديد ،تمثلت – كما يتبدى الرؤية ،فهو يدافع بشعره عن الحق؛ ولكنه لم للوهلة األولى – في غياب القصيدة العمودية يغفل عن الجانب الروحي والوجداني الذي إال قليال ،وحضور قصيدة التفعيلة. كان ال بد من أن يأخذ مداه ..لكي يستوي وليس من يشك في أن هناك تداخال بين في ضمير الشاعر كينونة متوهجة. الرؤى الذاتية والكونية ،وهذه سمة رومانسية ولسوف يجد الباحث نفسه حائرا بين شديدة الوضوح ،أما ال��رؤى الوطنية فإنها رده���ات القصائد ف��ي ال���دي���وان ،إذا فكر تتقاطع مع الواقع المأساوي ،ولكنها تظل في تحديد محاور واضحة المعالم يمكن واض��ح��ة ب��أف��ك��اره��ا ..م��ع��ت��ادة ف��ي بعدها
تصنيفها س��وى محورين رئيسين :التقليد الوجداني ،ولم يكن ذلك بدعً ا لدى شعراء
وال��ت��ج��دي��د؛ ولكنني س��أغ��ام��ر ألج���د ه��ذه الرومانسية ال��ع��رب ..كما هو الحال عند
المحاور.
علي محمود طه ،ومحمود حسن إسماعيل، اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
39
وإبراهيم ناجي ،وإن اختلف المنحى وتباينت وإنما هي صور فنية تتراءى في مدن الباطن األساليب. وتجليات الروح. في قصيدة (تحت الماء) تتبدى الذات الشاعرة في فرارها من اآلخرين الذين هم الجحيم كما يقول (سارتر) ،فكان أن التجأ إلى ظواهر الكون فاتحد بها ،وفني فيها، وتشكلت الصورة الفنية على نحو جديد، بعيدًا عن األن��س��اق التقليدية التي تتبدى بها الصورة ..التماثل والتكامل ،والجزئية والكلية ،والبيانية والواقعية .إنها الصورة التي تنمو وال تتراكم ،وتنبثق من أقبية الداخل ال ومدن الخيال ،والثنائية التي كانت مدخ ً لهذا التشكل وهي األصل :الذات والكون في مقابل الذات واآلخ��ر ،حيث ينشدان النقاء والصفاء ،هي التي تنجب هذه السلسلة التي تناسلت عبرها الثنائيات األخ��رى :الفضاء والقاع ،فثمة مهامسة أو حوار مع الفضاء من تحت الماء ،وثمة لقاء حميم مع األعماق ليعانق النقاء ،والسطح وال��ج��وف ،الشعاع األزرق وأوردة السماء ،والجسم وال���روح، والفناء والبقاء ،واللقاء والفراق.
ه��ذه ال��ص��ورة الفنية ال��ت��ي تتشكّل في مشهد كلي ..تتكامل فيه عناصر الصوت والحركة والضوء ،ليست إال معادال وجدانيا ال تربطها أي رواب��ط إدراك��ي��ة مع تعيّناتها الحسية ،فالشاعر يتوق إلى الفرار من اآلخر (الجحيم)؛ يخلو إلى نفسه ..يحاور الكون في بكارته وبراءته وينشد الخالص:
وبقيت تحت الماء ال شيء يرصدني هنالك أو هنا إال جسورا من نقاء الشاعر يكرر (أنا ههنا) و(هنالك أو هنا)، ثنائية مكانية تحدد موقع الذات في خياراتها بين اآلخر البشر ..والطبيعة الكون ،العودة إلى المنبع األول في بكارته وأصالته؛ وما من شك في أن هذا دأب الرومانسيين في توقهم األزلي إلى النقاء ،وهي مرحلة تاريخية في حياة المجتمعات ،كما هي مرحلة في حياة األفراد. وإذا كنت قد اقتصرت على هذه الوقفة اليسيرة عند قصيدة من قصائد الديوان ف�لأن ال��م��ج��ال ال يتسع للمزيد ف��ي إط��ار الحدود التي وضعتها لهذه المقالة.
هذه الثنائيات ال تقوم على نسق هندسي ي��م��ك��ن إدراك�����ه ف��ي ه���ذا اإلط����ار الحسي البصري ،الصورة -هنا -تتشكل بمعزل عن المدركات الحسية ،وإنما في عوالم النفس أما الديوانان األخيران فلعلي أتمكن من وردهات الروح؛ فليس ثمة ماء يختبئ تحته الشاعر ،وال فضاء يتهامس معه ،وال أعماق الوقوف عندهما في مقالة أخرى فيما بعد يبحث فيها عن النقاء ،وال ج��دار للبقاء؛ إن شاء اهلل.
40
* كاتب وأكاديمي أردني مقيم في السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
مهدي المطوع يتلوى في ممحاة قلق ّ ρρمحمد خضر*
من فضاءات ال تفصح بسهولة عن أسرارها ،وال تسلم مفاتيحها سوى لذهنية مسترخ ،يكتب مهدي المطوع ٍ جاهزة للدخول في آفاق مغايرة ،ومغامرة ،وقارئ غير قصائده دون ذاك��رة سابقة ،بل يمضي إلى تجربته والتصاقها بالذاتي واليومي والمعيش ،والذي ينطوي على الكثير من فلسفته في الحياة في مزيج مع مسراته وأوجاعه ..وضمن حسابات خاصة ،يبحث عن الشعر في أمكنته الجديدة ،ويختار له عبارته المنحوتة تمام ًا لتشبه شيئا ال يمكن تكراره عن صورة دقيقة تختزل هواجسه وأسئلته ،الصورة المفاجئة والمباغته ..والتي تُعيدك لتأمل النص من جديد ..لتكتشفه أكثر من مرة وهو يدعوك لمشاركته لذة النص وألمه في آن.. ه���ذا المقطع م��ن ن��ص «أذن واس��ع��ة كسطح دون مالبس ت��رف��رف وإزع��اج طيور» هذا العنوان/النص ،حيث األذن الواسعة في فضاء فسيح تقابلها الطيور بأصواتها المزعجة ،وال��ت��ي تسربت أنواعها إلى النص وهو يقول:
(ب���دأت أتسلى بالخياالت البعيدة للذي تحول لحاجز ،إذ بعد االرتطام.. قيل وجدوه يبتسم بطريقة غريبة على اإلسفلت ،ربما تحوّل لقنفذ في ركبة تدعي ألزهايمر أو منديل خلف الكنبة، اآلن بحنق مراهق محبوس في القبو.. أرتعش وأستدعي المرض الذي قصد «اآلن أنزلق كفانوس يسقط ويرتفع سائق المدرسة نكاية برحلة األبناء) .ب��ه��دوء خ��ف��اش .»..ولربما طائر آخر اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
41
كالقبعة التي تفترس الشعيرات بندم .هذه الصورة المكتملة في العنوان ،جزء من النص ال يمكن التخلي عنها ..فليست مجرد عنوان يلزم الشاعر بوضعه. سريالية مهدي المطوع في هذا النص قادمة من فضاء خاص يتالشى فيه لمرات، ويعود به إلى الطريق ليجد ما تبقى منه.. قد يعثر على قدميه فقط ،أو عينيه وهما مصرتان على المضي نحو تمكين الكتابة من القبض على لحظته المدهشة ،كأنما نحن أمام لوحة لدالي بأبعاد عديدة .يقول: (وال أعرف لم عدت لتكرار محاولة النظر للبائع المتشنج .إذ أحسب أن��ي تالشيت لمرات معدودة مؤخرا). ثم ..وألن الحزن والموت أشاع بالغته في لعبتي الضوء والعتمة ،والشتات والطريق، وال��م��ح��اول��ة وال��ت��ه��ش��م ال��ب��ط��يء ،يتسلى بالخياالت البعيدة باحثاً عن ع��زاء لذلك ال��ذي (قيل وج��دوه يبتسم بطريقة غريبة على اإلسفلت) .يذهب مهدي إلى احتشاد النص بأكثر من صورة ،وكأنما بين الذاكرة والنسيان تشويشا يريده أن ينسكب كالقالب من الصدر ،بكل ما فيه من تراكم وتركيب معقد وهو يتساءل بدهشة (هذه التعرجات من أين؟) في نص يحمل هذه العبارة عنواناً، ومنه نحو حيرة تستحوذ عليه وال تترك بين يديه سوى فتات النوافذ التي قد تجيء بهواء قليل .وكما يقول بألم في نص« :يشبه جريمة بال طباشير»:
42
لغة مهدي المطوع السهلة مع تلك الصورة السريالية الممتزجة بخيال المفارقات واالستعارات ،هي طريقته في الوصول إلى المعنى الذي ال يشف بما هو متوقع ،وإنما بقدرتنا على قراءته بإنصات أعمق .وكأنما يفصح عن هذا في دعوة لتلمس هذا النص بعيداً عن عين المعتاد ،والسائد ،والمنتظر، والرتيب ،وإنما مع ق��ارئ النمَطي ..يقرأ بذهن نشيط وجاهز ،وحاسة جديدة وغير مسترخية ومستعدة على ال���دوام للقراءة خ���ارج ال��ذاك��رة ال��م��ك��رس لها ف��ي وج��دان��ه ومسلماته الفنيّة .لذا من المهم أن نكون أكثر خفة ونحن مع نص ال يقدم رهانات جمالية معتادة ،وال يقبل س��وى باإلضافة على كل «ألجرب إذاً الغوص بين الحكاية وبابها ،شيء ،شريطة أن نكون على استعداد لحذف البيانات السابقة والبدء من درجة الصفر. لعل عاصفة تريد رفيقاً للدرب».
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
وعلى مستوى فني واح��د يجمع مهدي نصوصه حيث ال تباين في شكل التكنيك الذي يستخدمه ،وال مسافة أو فراغا شكليا بين النصوص ،وكأنما نقرأ نصا واحدا من هذه الناحية..
النص ال يبدأ من الشعور األولي للرغبة في كتابة نص ،وال من انتظار غيمة اإللهام، ولعبة الموهبة المجردة ،وإغراء لقب الشاعر، بل من لحظة الرؤية والشغف بالذهاب إلى الدهشة الملتصقة بالحياة بكل انكساراتها وهزائمها وحزنها وتأملها الحاد.. وال��ن��ص ال يعتني ك��ث��ي��راً بتصفيف ما يجعله منطقياً ومدرسياً ،بل يبتكر جملته في نهايتها وبدايتها ..ال يبحث عن رابطة مباشرة بين عبارة وأخرى ،بل عن الكيفية في كتابة عبارة توسع هذا االمتداد أكثر. لذا لن نقرأ ونحن نحدق في السطور فقط، ب��ل سنقرأ ون��ح��ن ف��ي ب��ان��ورام��ا ..أحياناً مشوشة ،وأحيانا منضبطة بإيقاع معنىً جديد مع رأس كل عبارة باحثة في كل هذا ٍ عن مفارقاتها وعنوانها الذي يرتسم أمامنا
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
في شكل تداعيات وجودية ..ومدلول فلسفي حسيّ وبصريّ ،دون أن يكون ذلك المدلول مباشراً ،بل هو ما يؤدي إلى مزيد من أفق النص وانفتاحه على ذلك المعنى..
يتجاوز ال��ع��ب��ارة ال��ج��اه��زة أو المتتالية المنطقية المتوقعة إلى االنزياح ،مرة نحو تقنية السرد ،وأخرى في مزيج مع التشويش والمجانية واالنتقال المفاجئ من البصري إل��ى الحسي ،وم��ن ال��ع��ب��ارة ال��م��أخ��وذة من عالمه المعاش إل��ى ال��ص��ورة ذات األخيلة والكوالج الفانتازي في لوحات نصوصه التي تسائل الحياة وموجوداتها وأحزانها الكبيرة، لكن من محيطه القريب ..ومما يلتقط ُه في أولئك العابرين في مواتهم وحيواتهم وغرقهم ولوحة غيابهم. كمؤد ٍ ال يكتب مهدي النص ككاهن ،وال لغوي ماهر ،وال كشاعر يريد أن يقول لنا في كل سطر كم هو شاعر مجيد ومطيع للدرس.. ب��ل يكتبه ب��ع��د ال��ص��ق��ي��ع ،ب��ع��د إظ��ف��ره ال��م��ن��زوع ،ب��ع��د خ��اط��ر م��ض��غ��وط؛ ساهياً كتلميذ ،وبقلق يتلوى في ممحاة ،كما هو عنوان أحد نصوصه..
* كاتب من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
43
شعرية االختزال في «شجر هارب في الخرائط» إلبراهيم زولي ρρهشام بنشاوي*
استهل الشاعر إبراهيم زولي ،والذي يتفهرس ضمن جيل ش�ع��راء التسعينيات ،ال��ذي��ن ق��دم��وا ف��ي نصوصهم ج��زءً ا من تحوالت المشهد الشعري اليوم في الخليج ،دي��وان��ه «شجر هارب في الخرائط» ،والصادر عن الدار العربية للعلوم ونادي ج��ازان األدب��ي ،بكلمات ألشهر رواد الفن ال�ش��ذري :النفري، سيوران ،ونيتشه ،أضفت على عتبة االستهالل ميسمً ا صوفيًا م�ض�م� ً�خ��ا ب�ن�ك�ه��ةٍ ف�ل�س�ف�ي��ة ،واألض �م��وم��ة ال�ش�ع��ري��ة اعتبرها زول��ي ش ��ذرات ،وق��د ج��اءت بعد ع��دة إص ��دارات شعرية ،نشرها بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي ،وهي كالتالي« :رويدا باتجاه األرض»« ،أول الرؤيا»« ،األشياء تسقط في البنفسج»« ،تأخذه من يديه النهارات»« ،رجال يجوبون أعضاءنا»« ،قصائد ضالة :كائنات تمارس شعيرة الفوضى» ،و«م��ن جهة معتمة» ،ويعتقد الشاعر إبراهيم زول��ي في ح��وارٍ له مع جريدة «العرب» اللندنية أن «تويتر أعاد للغة العربية بالغة اإليجاز» ،التي تمتد بنسَ ٍب عريق مع قصائد الهايكو ،وقصيدة النثر التي يمثل االختزال واالقتصاد اللغوي جماعها اللغوي ،ولهذا انتصر في ديوانه «شجر هارب في الخرائط» للنص المختزل، مصطنع في الكلمات» ،فضال عن كون ٍ بذخ لغوي أو ٍ ٍّ ترف والذي يتقشف في مفرداته دون ٍ الفن الشذري يحضر في تراثنا العربي وفي مكوننا الديني ،رغم أنه تم تناسيه ،ولم تعد تطرق أبوابه .فــ«االختزال هو مصباح الشعر العالي .تخلت القصيدة عن ترفها المجازي، والموشى بالبديع والمحسنات .النص خالل المرحلة الراهنة ّ وثوبها البالغي المزخرف، النص الجديد أدار ّ يحتفي باقتصاده اللغوي ،وزهده في المفردات ،ودقّ ته في العبارة. ظهره للخطاب عالي النبرة .فزمن المالحم والشعارات ولّى دون رجعة» ،لهذا «القصيدة ال تعرف الثرثرة» ،كما جاء في إحدى شذرات الديوان.
وف��ي ه��ذا ال��دي��وان ابتكر إبراهيم زولي شعرية جديدة ،واقترح ممكنات جمالية مغايرة؛ ففي مقطع «شجرة الليل -مغزول بإبر الفقد والهزيمة»،
44
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ي��رى ال��ش��اع��ر أن «ال��س��م��رة المفرطة ف��ي وج���وه الجنوبيين ،ليست بسبب الشمس /المسعورة ف��ي سماواتهم، إنها حزن شرس ،يفترس قاماتهم منذ/
سأغامر باليقين ،حتى ال تتكرّر المذبحة /.ثم يلقون بوجهي بعيدا/،بعيدا في أقاصي ف��ي الليل ،م��ا ال يشبه ال��ل��ي��ل! /الخرائط الليل!!» (ص.)25 شاخصة في حضرة العطش - ،عطش ال وإنما كانت نصوصه مكاشفة صريحة مجاز به -والماء /ال يهت ّز له جفن ./في يترك فيها للقارئ حرية التأويل والقراءة ساعات الضحى ،تتجمهر القصائد حول بحسب الواقع الذي ينمتي إليه: حصتها»( .ص .)15 ظاللك ،في انتظارّ / «ال أع��رف كيف يتوحّ ش ه��ذا الليل في وحسب تظهير موقع النيل والفرات فإن غيابك !!/في زمن الفقد ،ال سند للعاشقين «أه��م ما يميز أعمال زول��ي الشعرية تلك سوى مخيّلتهم!!» (ص.)27 الزخرفة الذهنية ،وصفًا ومضمونًا ومزاجً ا، ويتفرد بلغة فنية وإيقاع خلق منه الشاعر ٍ قصائده أشبه بلوحة تجريدية تغوص بعمق عالمه الخاص ،فهو منحاز للفن وحده ويعتبره في معنى الوجود وسر الحياة» .فلنقرأ مثال هو الخالد عما سواه ،عبر «هوسه اليومي ما كتب في مقطع «شجرة المرأة -أكثر فتنة بلغة بصرية أحيانا تلتقط تلك التفاصيل من الباطل»: برؤية تكثيفية ومن خالل شعرية سلسة ال
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ساعات والدتهم األولى( ».ص ،)13ويكشف ل��م تستخدم فيها لغة المجاز كما يحفل زولي عن طاقة لغوية متجددة ،تمتزج بعذوبة غيره.. تعبيرية ،مقدما صورًا شعرية الفتة ،كقوله: «في غيابك ،يتحالف الحطّ ابون والقتلة،
«الذكريات :الخراب الجميل الذي تحرسه تتكلف وال تعمق من التباسات المعنى»: ظ�ل�ال ال����روح بطريقة ت��ث��ي��ر /الشفقة./ «كيف تخرجين من حبر الخرافة ،ومن الكآبة مفردة ناعسة ،وبرد لئيم ./المرأة :نزيف الغياب ،أكثر فتنة/من الباطل؟!/ اللهاث المحموم ،ال��ذي يط ّل من شرفات قلت ل��ك :اهبطي ف��ي ظلمة روح���ي ،دون الجحيم ./في حجرته ينزع كل نياشينه ،أن يخدش ذلك شيئا من/ألقك الفضيل./ وألقابه ،وشهاداته ،ويبدأ في /نشيج مرير ابتسامتها ،طائر ن��ادر ،يعبر الحدود دون كاألطفال./هذه المفردات ،التي تقف في أخ��ت��ام وج���وازات!!/أري���دك ف��ي واق��ع��ي ،ال طابور طويل أمامك ،ك ّل صباح /،تحلم أن جملة ف��ي ق��ص��ي��دة ./ب��ات��ج��اه��ك ،تتدافع تسمّينها فقط»(.ص.)28 القصائد الشرّيرة .وح��دي ،وح��دي فقط، تعد قصائد زولي أنطولوجيا بالغة الثراء كنت /شاهداً على الجريمة!!»(ص .)32 تتداخل فيها األساليب واألنواع ،وتتقاطع مع تزخر شذرات إبراهيم زولي بــ«الكثير من مرجعيات الواقع الحسي األكثر جالء ،عبرت تفاصيل العالم كما يبدو في القصيدة اليوم: عنه فردانية الشاعر وقدرته اإلبداعية التي أكثر التباسا... اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
45
قصائد تنتشي على تقنية المفارقة، تستعين من حقل س��ردي بأمشاج تقنيات متفردة تجسد مشهدية اللحظة المراوغة، ك��ي تخط ص���ورًا مليئة ب��ال��ده��ش��ة ،تهتك المسكوت عنه». ف����ي م���ق���ط���ع «ش����ج����رة ال���ق���ص���ي���دة - مهرجان األل���م» ،يعتبر زول���ي القصيدة/ تلويحة الحطاب األخ��ي��رة في طريقه إلى شجر الكلمات ،و«ال��ع��ق��اب الوحيد ال��ذي نستجديه» ،كما أن كل كتابة جديدة ،تفتح نافذة في العراء ،وتصنع أرجوحة ألطفال القرى البعيدة ،ألن الكتابة «شهوة نبيلة ضد المحو ،وأولى المحاوالت لمناهضة التسلط والطغيان» .و«القصيدة ليست في عزلة»، كما كتب إبراهيم زولي في مجلة «القافلة»، فليست ه��ذه «الخيبة األول���ى ،أو النكسة األخيرة ،أن يعلن بعض مثقفينا عن موت الشعر ،ونشوء زمن الرواية .هكذا دون أي منطق نقدي ،أو رأي حصيف» .والحديث عن موت الشعر ،مجرد ضجة مفتعلة ،ألن «تلك القرون الضاربة بصالبة في التاريخ من شعرنا العربي ،ال يمكن لها أن تذهب أدراج ال��ري��اح» ،والغريب أن ه��ذا التأبين المجاني ل��م يمنح الشعر إال م��زي��دا من الشرف والزهو» ،ويحدث في عالم تسعى فيه الفنون إلى تداخل أجناسها ،واإلف��ادة من كل األشكال اإلبداعية ،سينما ومسرح وشعر ورواية ،بغية خلق نص مفتوح ومنفتح على كل األنواع». * كاتب من المغرب.
46
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
في المقابل يؤكد زول��ي أن الشاعر «لم يعد يملك معنى ج��اه��زا ،يسعى إليصاله لقرائه ،وبالتالي لم يعد يغويه سؤال المتلقي في الذهنية التقليدية التي تريد منه أن يخرج تلك العصا السحرية ،ليمنح اآلخرين معرفة يجهلونها م��ن قبل .الشاعر ليس العب سيرك ،وال مفسر أحالم ،ذلك اإلرث ال��ذي نحمله عن الشاعر الحاوي «النبي» صار محض ذكرى .ومع كل هذا ،فالقصيدة ليست في عزلة عن عالمها ،إنها مشتبكة معه ،بكل سياقاته االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،والشاعر يواجه هذا التحدي مدججا برؤية تمعن في نظرتها الجسورة للحياة ،بعيون حادة ،وأصابع ال ترتعش أوان الكتابة».
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
أسئلة الواقع والوجود في رواية «انفرادي محاولة لفهم ما ال يحدث» ρρد .هويدا صالح*
«انفرادي ..محاولة فهم ما ال يحدث» لمحمد المزيني، التي صدرت حديثا عن دار االنتشار العربي ببيروت ،تحاول أن تطرح أسئلة ال��وج��ود والحرية من خ�لال س��رد محكم. إنها محاولة للفهم يستجلي فيها المزيني حكاية رياض الذي يبدأ السرد ببوحه المتأمل ،لذاته والعالم؛ إذ يفتتح السرد بالحكي عن لحظة اإلف��راج عنه بعد سنوات سجن قضاها ال يعرف لماذا أُدخ��ل السجن ،كما ال يعرف أيضا لماذا أُخرج منه! ويخاطب المتلقي في محاولة لنيل تعاطفه مع قصة مواجعه ومواجده ،التي دفعت به إلى غياهب السجن ،وأخرجته منه دون أن يفهم شيئا: «سأحدثكم عن أوراق غصت بسواد حبر مغموس بحالك زنازين باردة ،عن جسد تلوّن ج��راء م�ح��اوالت إع��ادة تأهيل ال��روح الماكثة فيه ،ستقرأون فاغري األف��واه تاريخ عذاب تجرعته بمباركة رسمية ومؤامرات خفيّة؛ كان ذلك يوم وضعت قدمي اليمنى على آخ��ر عتبة فاصلة بين األس��ر وال�ح��ري��ة ،فألحقتها سريعا بقدمي اليسري كمتسابق مارثوني يصبو لنيل قصب السبق ولو بخطوة». لكن هل الرواية تناقش فقط تاريخ المتلقي عنها؟ هذا الرجل ،وعالقته بالسلطة ،فقط؟
في الحقيقة ،الرواية تمازج ما بين
هل المؤلف مهموم فقط بسرد قصة اله ِّم الخاص وال��ه�� ِّم ال��ع��ام ،تحاول أن ري���اض ..ه��ذا ال��ذي س��وف يتضح من تقرأ تاريخ منطقة الخليج العربي من البناء السردي أنه مثقف ،ولديه خطاب خالل وعي شخصيات الرواية بالتاريخ
ثقافي ورؤي���ة للعالم يسعى ألن يخبر واألدب والسياسة والمثاقفة .إنها قراءة اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
47
لحالة حالكة وشائكة عاشها ري��اض ،ومن محوله من شخصيات لتصبح مدخال لقراءة تاريخ منطقة الخليج وما عاشته من أحداث؛ فالرواية تتناول حقبة تاريخية مفصلية في تاريخ العرب بعامة والخليج بخاصة؛ إنها الفترة ال��ت��ي تعرضت لها منطقة الخليج العربي لتحوالت تاريخية كبرى ،حين هاجم صدام حسين الكويت والسعودية .فاإلطار الزمني لحكاية «ان��ف��رادي» ،هي الفترة من 1990وحتى 2003م« :ستظل هذه الحرب وح��م��ة س���وداء كبيرة ف��ي ت��اري��خ المنطقة، ستخيم على حياة الناس برائحتها الكبريتية، وأص��وات صفاراتها البشعة ألجيال قادمة ستتحمل ه��ذه األج��ي��ال التي لم تسهم في صنع الحدث تبعاتها ،ستضاف إلى مآسي تاريخنا العربي ،فالتاريخ هو المزار الشاسع ب�لا ح���دود ،وال��ط��وط��م الكبير ال���ذي يبتلع وعينا ووجودنا ،فتتشكل به إنسانيتنا ورؤيتنا لآلخر». إن��ه يرصد آث��ار ه��ذه الحرب ،ليس على المستوى القومي والعالمي فقط ،بل على تفاصيل الحياة اليومية في السعودية ،كيف تعايش الناس مع أصوات الصواريخ والتهديد الذي اقترب من حياتهم وأبنائهم« :كان القبو منزلنا وملجأنا من غيلة الحرب وصواريخ ص��دام المزنرة بمواد كيماوية ،نرتقبها كل ليلة مع وحشة صفارات اإلنذار ،لقد جلبنا ما يفيض عن حاجتنا لمدة سنة كاملة تحسبا الستمرار الحرب».
48
تبدأ الرواية بخروج البطل «ري��اض» من اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
السجن ،ليبدأ رحلة ب��وح��ه ،فيتذكر زمن مكوثه في السجن ،ثم اإلفراج عنه ،ووصوله للدمام ،واس��ت��دع��اءات ذاك��رت��ه عن عالقته بالكتابة وأس��ب��اب سجنه ،والمعاناة التي قضاها في السجن ،ثم يقرر أن يعود للكتابة، ويبدأ كتاباته باستدعاء الطفولة ،والرجوع بالفالش باك إلى تاريخه الشخصي وعالقته بأمه وبمجتمعه ،وتلك اللحظات المفصلية التي شكلت وعيه ب��ال��ذات ووعيه باآلخر: «تلك اللحظات المحفورة في رأسي كنقش تاريخي تستحق وح��ده��ا ال��ت��دوي��ن ،لحظة تناهت إل��ى سمعي صلصلة مزاليج أب��واب السجن توصد خلفي بما يشبه انفجارا كونيا، وقتئذ فقط انتابني إحساس غريب كأني ول��دت من الموت ،من العدم ،وكأني جئت إلى هذه الدنيا بال هوية ،تحمل رقما صغيرا لميالد مجهول بال أمومة يوم نوديت باسمي الحقيقي على غير العادة .وأخبرت بإطالق سراحي ،وقتئذ تشظت روحي ،وكأني أقف
يحكي المزيني عبر ضمير األن��ا لحظات الحرمان التي عاشها ري��اض صغيرا ،وتلك الحياة البائسة التي ألحقت الضرر بروحه، وكيف شكلت الصدفة الكثير م��ن محطات حياته ،فكلما حاول اختيار طريق محدد منها عاندته الظروف وألجأته إلى الطريق الذي لم يرغب المضي فيه ،ليستسلم أخيرا إلى تصاريف القدر التي طوحت به في السجن دون أن يرتكب فعال يستحق عليه الدخول إلى دهاليز السجن متنقال بين العنابر ،حتى أفرج عنه وبدأ يعود لحياته ثانية« :إننا أبناء الصدفة، أنجبتنا طرقات الحياة ،لنعاني فقط». حاول الكاتب أن يسرد تأمالته في الحياة، وفي تلك التحوالت التاريخية التي مرت بها المنطقة ،كما رصد حياة المجتمع السعودي، وال��ع�لاق��ة ب��ي��ن ال��ف��ن وال��س��ي��اس��ة ،وكشف المسكوت عنه في الحياة الصحفية ،حيث انضم رياض إلى فريق عمل صحفي ،ليكشف تفاصيل هذا العالم ،والعالقات السرية فيه. وك��أن ال��رواي��ة بمثابة شهادة سردية عن حقبة شديدة الخصوصية ،متخذا من تيمة التوثيق واليوميات طريقة للسرد .إن بطل الرواية يجسّ د شخصية المثقف الذي يحمل ه ّم الوطن ،ويكون فاعال في مجتمعه ،ويطرح أسئلة الوجود وأسئلة الواقع ،وال ينزوي في داخله هربا من السجن أو التعذيب« :ليس كل ما تراه بعينيك هو الحقيقة الكاملة ،بل
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
على مشهد لعوالم سوريالية غير مصدق ما سمعت ،كانت تلك اللحظة بمثابة حدٍّ فاصل بين موت وحياة».
ما تحمله داخلك هو جزء منها .إنك ستخرج من هنا إلى سجن أكبر ،فمدننا المحنطة هي الوجه اآلخر للسجن ..لها وجه مخاتل وخبيث وغادر ،لذلك عليك أن تكون فيها أي شيء عدا إنسانيتك ،مرّن نفسك جيدا على العيش في عالمك الخاص ،واحذر التورط مع مَن يشاركونك هذه التعاسة». إن���ه ي���ق���اوم ع��ب��ر ال��ك��ت��اب��ة وع��ب��ر فضح المسكوت عنه في المجتمع ،وخاصة مجتمع الصحفيين واإلع�لام��ي��ي��ن ،وذل���ك النفاق والتزوير ،كل شيء في مهنة الصحافة ينضح بعدم المهنية واألخالقية بداية من رئيس التحرير الذي يضع اسمه على مقاالت كتبها غيره ،وانتهاء بالحفالت الخاصة التي تهدر فيها كل القيم. إن البطل ع��ان��ى الكثير م��ن ال��ع��ذاب��ات والكمد ،وترك السجن بصمته على روحه، حتى كأنه يحمل الزنزانة داخله ،ويستشعر قضبانها في كل ما يمر به ،فال يستطيع أن يهرب منها حتى أنها تالحقه في كوابيسه، ويراها في الوجوه الشاحبة من حوله واألمكنة التي يعبرها ،فال تعدو في عينيه سوى سجن كبير داخلها سجانون ومساجين .وتصير الحرية حلما بعيد ال��م��ن��ال ،وك��أن الكاتب يسقط معاناة شخصية ري��اض على معاناة اإلن��س��ان العربي ال��ذي عانى طويال بسبب حرب الخليج ،ولن يبرأ منها سريعا ،فحرب الخليج ت��رك��ت بصماتها على الشخصية العربية ،وما نعانيه اليوم من ويالت إن هو إال إفراز لحرب الخليج التي كانت الخلفية اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
49
السياسية والنفسية ألحداث الرواية. أجاد الكاتب استخدام العنوان ،فالعنوان ج��زء مكمل ورئ��ي��س ألي ن��ص ،فهو العتبة األولى لولوج عالم السرد ،سواء كان العنوان الرئيس للرواية أو العناوين الداخلية ،وقد وظفها الكاتب وأج��اد استخدامها ،فانفراد الذات الساردة بعد انطالق الشرارة األولى لحرب الخليج ع��ام 1990م ،كانت فرصة بالنسبة إليه ليتأمل ذاته ،وليكتب هذا النص، كذلك أج��اد استخدام العناوين الداخلية، لتكون كاشفة لرؤية النص ،ولتصبح العتبة الكاشفة لمحتوى فصول الرواية. ات��س��م ال��ب��ن��اء الفني ل��ل��رواي��ة ب��اإلح��ك��ام، فتوفرت ل��ه الحبكة ال��درام��ي��ة التي تجعل القارئ يواصل الرحيل مع السارد في هذه الرحلة التي بدأت منذ خروجه من السجن، وذهابه إلى بيت يمد له يد العون ،ويطمأنه أن اإلنسانية ما تزال لها مكان وسط هذه الحلكة الدامسة وحتى نهاية النص« :تسللت إلى البيت الغاص بالنساء واألطفال والرجال، رجال ذوو مالمح عربية حادة ،وأنوف شامخة وأعين تمتلئ باإلباء والشهامة .ما إن رأوني حتى أخذوني بينهم ،سمعت أحدهم يقول بصوت خفيض :جاء هاربا من السجن .ليت صوتي يقوى على الخروج ألصحح له وأدس في أذن��ه أن��ه قد أ ُطلق سراحي بال مبرر، بالطريقة التي قذفت بها داخل قضبانه بال مبرر ،ومع هذا فأنا هارب من الحياة ومن * كاتبة وأكاديمية من مصر.
50
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
جلدي أيضا .عرفت فيما بعد أني في هجرة بادية ،أخذوني بينهم كطفل تائه ،أحضروا لي عشاء فاخرا مغموسا بالزيت وعامرا باللحم ،وق��د أخذتهم عين الرحمة بهذا الجسد الهزيل». استخدم الكاتب تقنية االس��ت��رج��اع مع ضمير األنا الذي يوحي بالسيرذاتية ،ومما يقوي البعد السيري في النص أن السارد مهنته الصحافة والكتابة ،مما يقوي البعد ال��س��ي��ري ف��ي ال��ن��ص .ك��ذل��ك أج���اد الكاتب تشكيل الشخصيات وتطويرها ،مما يوحي بخبرة جمالية وفنية في تشكيل ال��رواي��ة، وخاصة أن��ه استخدم مستويين من اللغة، اللغة التأملية التي تناسب التحليل والتأني ف��ي ق���راءة األح�����داث ..وخ��اص��ة تلك التي تتعلق بحرب صدام حسين على دول الخليج، وال��م��س��ت��وى ال��ث��ان��ي ه��و ال��ل��غ��ة المشهدية البصرية التي تجعل القارئ مشاركا في تخيل األحداث وتصورها. كما تكشف الرواية عن واقع مرير ورؤية فلسفية ،فالفلسفة تجلت في هذه التحليل العميق والواعي للواقع االجتماعي والنفسي للشخصية ،كذلك استطاعت ال��رواي��ة أن تجسد عذابات ال��ذات ووعيها بما يحدث، لذلك ،ولكي تخفف من وقع هذه األحداث القدرية المؤلمة على شخوصها تحاول أن تتأمل الواقع ،وتستشرف المستقبل في رؤية فلسفية عميقة.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
تركية العمري
والشغل على ثنائية الرجل والمرأة ρρفرج مجاهد عبدالوهاب*
أرب��ع عشرة قصة قصيرة ،حاولت القاصة [تركية العمري] -التي جمعتها في مجموعة قصصية عنوانها [الشيطانتان] -من خاللها أن تسبر حياة كثيرٍ من ال�ع�لاق��ات اإلنسانية القائمة بين ال�م��رأة وال��رج��ل؛ ال�م��رأة تلك اإلن�س��ان��ة صاحبة العواطف المختزنة في أعماقها؛ فهي العاشقة ،الحالمة ،المتألمة ،المتعذبة، الباحثة عن جماليات الحياة مع الرجل ،الثنائية األهم في حياتها؛ فالرجل ..األب، الزوج ،الحبيب ،معادالت واضحة المعالم ،وهي تنهض مُ تبينة مشروعها الحكائي. من تلك العالقات على اختالف طبيعتها وتشظّ يها بين الحلم واألمل ،بين األب والحبيب مهمة أساسية في الشغل على القصص التي نهضت على: 1ـ المكاشفة الصريحة بين االثنين ،الرجل بوصفه وطبيعة عالقته مع المرأة ،والمرأة وما يتمثل في دواخلها من اتجاهات ،عاطفية وإنسانية ،تجاه رجل بعينه. 2ـ األحالم التي لعبت دورًا في حياة المرأة ،وهي أحالم مشروعة ..كأن تحبّ ،وتتزوج ،واألهم من ذلك أن تُنجب؛ ولذلك ،كانت أحالما معزّزه في ذاكرتها ،أمام الحلم كرؤية ،فقد كان له وجود ،ولكنه لم يتكرر كثيرا. 3ـ االهتمام الواضح على بنية التذكر الذي يفتح الذاكرة على أيام خلت ومضت. هذه العناصر التي شكّلت بُنية أساسية في بناء القصص ،أفرزت نشاطا سردّيا كان معنيا في الدرجة األولى على الغوص في تفرّعات العالقات القائمة على ثنائية تكاملية الحياة، الرجل واألنثى؛ ولذلك ،كان االهتمام الرئيس في الشغل القصصي معنيّا ببناء الشخصيات، ورسمها من الداخل والخارج؛ ما أضفى على الشغل نوعً ا من المصداقية المطلوبة في اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
51
هذا الشغل ،فاألب صالحي له صفاته الخاصة به (إنه «الصباحي» الرجل الذي يتسع وجوده في جينات جسدي ،يمّر بثقتي ،بذاتي ويرتاح عند حدسي المخيف ،ويتنّهد موجة حالمة في بحر روحي ،ويقف شامخا على ضفاف تأمالت فكري الباذخة) ص.7 ووالد شمسة العامر ،النهر العذب الذي كثيرا ما سقى اآلخرين ،وكثيرا ما وقف أمام ظلم أهل مدينته ،فتساءل بعد رحيله «ل��م��اذا يموت علي العامر ويبقي السخفاء األشقياء ..لماذا يغيب الفجر وتبقى العتمة؟ تتذكر عندما التفت إليها :انتبهي إلى نفسك، ال تهيني نفسك ألحد ،أنت أميرة هذه المدينة» ص.41
عينين غائرتين مخيفتين يُغطيهما ظل رم��ادي» أحمد أحمد الوافي ،فقد كان «وسيما ذا أنف ص.24 فارسي ح��اد ،وعينين سوداوين ،وبشرة حنطيه، م��ن ال��واض��ح أن توصيف معظم شخصيات وشعر أسود كثيف أسميته وضاح الحي» ص .31القصص سواء الرجال بوصفهم آب��ا ًء أو عشاقاً،
أم���ا زه���رة ف��ه��ي ص��اح��ب��ة ال��ق��ام��ة القصيرة، والنهدين الكبيرين المتهدلين (مرتدية تنورة طويلة س���وداء ،متسخة األط����راف ،وب��ل��وزة وردي���ة تمأل أعالها التجاعيد ،وح��ذاء أس��ود يُغطي مقدمته الغبار ،تتمتم بكلمات ال أفهمها ،تجلس بجواري، أبتعد عنها ،أتذكر قوالً قرأته ذات مساء« :القصير إمّا حكمة أو نقمة») ص.45 أما ورسة الشيطانة (لها وجه بقسمات حادّة، وعينان تتسّ ع فيهما نظرة مريبة ،وأث��داء كبيرة) ص.23
52
أما الشريرة الثانية [نوجة] التي تشبه ورسة، ولكنها أكثر أناقة« ..ترتدي نظارة من منتجات ال حريريا ... ،عندما ديور ،تضع حول رقبتها مندي ً خلعت النظارة تريد أن تتأكد من مالمحي ،رأيت اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
كان وصفا ظاهريا ألجسادهم وعالماتهم الفارقة، وهو وصف منسجم مع طبيعة الشخصية ،وهذا أمر مهم في توصيف الشخصية ..فللطيب صفاته، والمحبوب في عين حبيبه له سماته حتى وإن كان أصله ال يتفق مع أصلها ،ورفضه أمر محتوم ،إال أ ّن للقلب رأي��اً آخ��ر ،وللعين حكم ورؤي��ة مخالفة «أغمضت عيني ،رأيت أبي وعمي وأبناء عمومتي، ونظرات شكٍّ في أعينهم ،بأن السبيئي يريد أن يسلب ابنتهم ،ورأيت طائرا بأجنحة كبيرة يحمل بين جناحيه إزار أحمد وغترته الملوّنة» ص37 هذا ما يشير إلى وصف المشاعر واألحاسيس التي تتفاعل في أعماق المرأة بكثرة ،والرجل بقلة؛ ألن ال��م��رأة محور أح��داث القص ونبضه ،تفتح فاطمة الحالمة ،والمنتظر خبر حملها منذ عشر سنوات «تفتح عينيها ،تش ّد الغطاء على جسدها،
وتسكن الفرحة قلبها ،وتركض إلى غرفتها تبث 2ـ المرأة التي عاشت تجارب حياتية مختلفة.. نهضت كبؤرة تنويرية في الحدث ،وإن كانت البشرى إلى زوجها سعد ،وتذهب إلى المدرسة طالبة أكثر من مطلوبة في بعض القصص لتنشر الخبر :أنا حامل ،إال أ ّن الحلم لم يكتمل (شعرت بألم في أسفل بطنها ،صرخت :أل��م.. الحانية وابنة مشدودة إلى أبيها ،وزوجة حالمة ألم ..جلست على الكرسي ،شعرت بسائل يُبللُ.. بطفل. ويتدفق بقوة كم ّد موت. 3ـ الرجل الذي لم يلعب أدوارًا فاعلة في القص استيقظت بنصف وعيها ،هنا وهي على السرير باستثناء األب ،فهو مجرد زوج مُخبر عنه ،أو تحيط به جدران بيضاء. حبيب منتظر. سمعت صوت نوف تردد :الحمد هلل ،ولمحت نصف مالمح سعد ..رأت أختها سارة ،تساءلت ما 4ـ األب كوحدة بنائية فاعلة ومنفعلة ،والذي بدا مالذًا وصورة مثلى وقدوة عظمى وحركة فعليّة الذي حدث؟ في نمو عالقة حميمة بين البنت ،األنثى ليس ت��وق��ف ال��زم��ن واستوعبت ذاك��رت��ه��ا تفاصيل إالّ. م�لام��ح م��س��اءات حلمها ،غ���ادر الجميع وبقيت بمفردها) ص.55 وم��ن ه��ذا المنطلق ،ف��إن القصص جميعها االه���ت���م���ام ب��ش��خ��ص��ي��ات ال��ق��ص��ص ورب��ط��ه��ا بأحداثها عالمة مميزة وهادفة ،ومن ث ّم موظّ فة لخدمة المرأة التي تشكل بنية السرد ،والرجل متمم لثنائية الحياة ،أل ّن الهدف األعم هو الدخول في معاناة المرأة في الزمن المعاصر ،ولذلك لم تكن المعالجة القصصية قاسية أو جامدة ،وإنما هادئة واعية ومتزنة ،ترفدها لغة شاعرية عذبة وه��ادئ��ة ،وف��ي الوقت نفسه كانت متصالحة في مسرودها سواء مع: 1ـ القص ،كسردٍ متنامٍ ضمن فضاءات أحداثه المرتبطة بعوامل ك�� ّل من المكان ال��ذي بدا
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
تسّ رح شعرها بأناملها ،تحاول أن تتذكر مالمح مزدحمة في ذاكرتها ،ليطل عليها ذلك الصباح الذي ه ّز خيالها ،صباح إعالن حلم تستعد له منذ عشر سنوات ،عندما همست لها قبل أسبوع تلك القادمة من بالد مزدحمة بالحياة ،وبالرّغبة في الحياة :مدامِ .. أنت [ pregnantحامل]» ص.49
ظ��اه��را وواض��ح��ا م��ن خ�ل�ال ال��م��دي��ن��ة التي استوعبت ك��مّ��اً م��ن األح����داث ،إض��اف��ة إلى اآلخرين الذين دعموا القص من جهة ،وكشفوا كثير من حاالت وإحاالت في الوقت نفسه عن ٍ األبطال الرئيسيين.
أنثوية ،منطوقها أنثوي ،وعالقاتها أنثوية؛ فهي ص��ورة األدب النسوي المعني ب��ال��م��رأة ،تأليفًا وتوصيفًا وش��غ�لا؛ وه���ذا م��ا يُعطي المجموعة أهميتها ،ليس ألنها منتمية إل��ى األدب النسوي فقط ،بل ألنها استطاعت أن تدخل عوالم المرأة في مختلف حاالتها وإحاالتها كبنت محبة ألبيها، وزوجة تنتظر حلم حملها ،وعاشقة تحلم بشريك حياتها ،ليتشابك ذلك كله مع مستويات مسرودها العفوي الصادق والمعني في الدخول إلى أعماق المرأة التي تحب وتعاني وتحلم ..وتنتظر..
* قاص وناقد مصري. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
53
وس ُّر ِّ الش ْع ِر َّي ِة تم َساحِ .. َأ ْح َمد ْ والسر) في ِ ديوانه َ (ب ْر ِد َّي ُة النَّ َدى ِّ ρρمحمد محمد عيسى*
الشعراء الباحثون عن الحياة ،المتأهبون لها ،أولئك الذين ال يقفون أمام عثراتهم مكتوفين ،عابئين بها ..فسرعان ما يبحثون عن منافذ ُأخ��رى ،يندفعون إليها ،مُ تَّشحين بالحلم سبي ًال إل��ى النجاة؛ فــ (ل��ورك��ا) ..الشاعر اإلسباني ،كان ال يشكو خيبة األم��ل؛ ألنَّ لديه بابًا سلطان ّيًا يمنحه ما عجز عن تحقيقه بين الجدران ممتزجا بالحب ،والرمال ،كما في ً الصلبة؛ فخرج إلى الفضاء، قصيدته (سماء حية):
54
لن يكون لي أن أشكو الثابتة إذا فشلت في العثور على ما أنشد وف��ي ال�ح��ب ال��ذي ال يطلع لنهايته غ �ي��ر أن� �ن ��ي س ��أذه ��ب إل� ��ى ال �م �س��ارح فجر ()1 األولى الحب ،الحب الذي ال يَبين . مسارح الرطوبة وخفقات القلوب ويبدو أن فكرة الطيران ،أو المروق حتى أدرك أن هدفي سيبلغ مرماه عبر األحالم إلى الفضاء ،والبحث عن من البهجة الحرية ما زال��ت ميكانيزمًا ،يتقي به ً حين أطيرُ ممتزجا بالحب وبالرمال الشعراء شبح الجمود ،والقيود ،وإ ْن أط �ي ��ر ن �ض �ي��رً ا ك �ع��ادت��ي ف� ��وق فُ � ��رُ ش شابته األثرة عند بعضهم ،لم يكن عند خيالية غيرهم هربًا ،وال تخل ّيًا؛ ذلك أَنَّ الشاعر ف��وق جماعات من النسمات وق��وارب المصري أحمد تمساح ال يريد أن يطير جانحة إلى الشاطئ وحده؛ وإنما سيحمل األرض على كتفه، وأتعثر ب��وج��ل ف��ي األب��دي��ة الجامدة في رحلة للتطهير والسمو: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
جنوبي أنا ..والذهب ٌّ األرض على كتفي وشمً ا ..وأطير َ سأحمل أغيب في مرآة الشمس لهبًا وأطير ُ أَزْرعُ التاريخ في دمي مسلةً وأطير فأهبط.. كجبل البكاء واألرض اتكأت على وسائد الفقد ُ ()2 َ قالوا: عليك بالصمت . وعندما فكَّر الـ تمساح أَ ْن ي َِطيرَ؛ اصطفى تشكيلية ،تجمع ٍ من الطير اليمامَ ،في لوحة بين الدفء ،والسالم ،والحرية؛ ليعو َد يحمل الخير لآلخرين:
سأطير يمامةً وأضم قلب زيتوني والعنب فأصير دمعةً في جفون السحب سأطير يمامة في الريح فيا أيها الوطن الجريح تمدد بالضلوع أسئلةً أشتعل جمرً ا في خاليا الدم (.)3 أطير يمامة وأضم
والندى :ما باح به الليل. والسرُّ :حياة الفراعين التي ارتكزت في صعيد مصر بصفة أساس .تلك الحياة التي حفلت باألسرار المدهشة التي تأخذك من س ٍّر آلخر.
ويقول في موضع آخر: وكذا جَ مَع العنوا ُن بين الواقع والمستتر، وح �ف� ُ �رت ل�ل�ي�م��ام ع� ًّ�ش��ا رب �م��ا تصطفيني ب��ي��ن ال��ح��ق��ي��ق��ة وال��غ��م��وض ،ب��ي��ن الحسي البالد والمعنوي ،وصهرهما ف��ي بوتقة واح��دة، كي أُغنِّي ف��ي ب��ردي��ة واح����دة؛ لتقوم مضامي ُن هذه والروح المجموعة على الواقع المعاش ،والمشاهد، ()4 سأفردها وترً ا ..وقصيدة . والمغلف بـ (الندى) ،والتحفظات على ذلك و(بردية الندى والسر) -أحدث إصدارات الواقع (السر) ،لكنه ال يكاد يُخفيه: الشاعر أحمد تمساح -تركيبٌ مستقًى من إيزيس ال تعشقي فيَّ البكاء العالم الشمولي له.. كفكفي دم �ع��ي ..ولملميني م��ن مخالب
ف��ال��ب��ردي��ة :م��س��ت��ودع م��ت��ون ال��ق��دم��اء الشتاء أين شالك المغزول؟ المصريين.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
55
بكف عشقي والوالء كم أتوق مرة للغناء ل �م �ل �م �ي �ن��ي ،س��ام��ري �ن��ي ال ت �ع �ش �ق��ي ف��يَّ البكاء(.)5
ه��ي وح���دة ب��ن��اء ال��ن��ص ،ان��ش��غ��ل بالحرف (ال���ص���وت) ..بوصفه وح���دة ب��ن��اء الكلمة؛ فالحرف النهار ،والحرف الغيم ،والحرف الذي لم يُفسَّ ر ذلك الذي في رحم الفكرة:
الدهر يمرُّ على ساعد البدن يدك في وجع العظام والريح تلوك في رئتي تراودني.. ()8 في سراديب الصمام .
لقد احتفى الجنوبيِّون بموقعهم ،فراح يفخر الجنوبيُّ بجنوب َّيتِه ،ونجد ذل��ك في قصائد كثيرين من شعراء صعيد مصر ..لقد منحهم الموقع آليات اإلب��داع البكر؛ لكثرة معطيات واقعهم الحيّ ،بتاريخهم المتجدد؛ فمصر التي في الجنوب تحفل بجُ ِّل التراث وبين هذه المفردات تبيتُ مفاتيح هذا الفرعوني ،وهي بوَّاب ُة النهر األول��ى ،وأول التماهي ال��ح��ادث ،فتتجدد مناطق الوجع وقت آلخر ..حتى إنه من شدة اتساعها من تحدث الطمي إليه؛ فأجابته المعابد ،من ٍ واألديرة ،والوديان ،وأضرحة األولياء. ت��ج��ده يصنف ه���ذا ال��وج��ع؛ ليشمل وج��ع يقول الدكتور عزالدين إسماعيل« :عرف الحروف ،وجع الخيام ،وجع العظام ،وجع اإلنسان العالم أو حاول معرفته ألول مرة ،يوم النوارس ،وجع التراب ،وجع البالد ،الوجع أن عرف اللغة ،وهو لم يعرف السحر إال يوم في خاليا الدم ،وجع القصيدة ،وجع العالم أدرك قوة الكلمة ،ولم يعرف الشعر إال يوم المقبل؛ ليصل الوجع إلى الذروة ويكتمل في أدرك قوة السحر ..فاللغة والسحر والشعر قصيدةٍ هي (الوجع الذي اكتمل): ظواهر مترادفة في حياة اإلنسان»(.)6 الوطن في خاليا الدم وق��د أدرك أحمد تمساح ه��ذا السحر؛ ل��ذل��ك اتسعت دائ���رة الكلمة ع��ن��ده ،وبعُد م��داه��ا ..حيث ات��خ��ذت بُ��عْ�� َدي��ن أحدهما رأس���ي ،وآخ��ر أف��ق��ي ..فالكلمة :اليمامة، والبحر ،والنافذة ،والمهرة ،الكلمة زادها م��رّ ،الكلمة الياقوت ،وال��در ،والرصاصة، البرهان ،واألسرار:
56
جرحا ً احتواني والحكمة سراجها في العقل واللغة مدارها في النبض قالوا الوطن :اختر لي لغة ودموعً ا.. عدت احتمل أنا ما ُ ()9 أنا الوجع الذي اكتمل .
وعلى أساس أن النص ابن بيئته؛ لذا فإنَّ الكلمة زاهدة لغة أحمد تمساح ه��ي ام��ت��زاج قاموسين: يا أيها الوطنُ النبي القاموس الفرعوني بخصوصيته الممتدة في الجرحُ أكبرُ من دمي أعماق التراث ،والقاموس العربي المشترك؛ والندم مقصلة لذا سأصعد.. ل��ي��ش��م��ل ال��ل��غ��ة ف���ي م��رون��ت��ه��ا ،ول��ي��ون��ت��ه��ا؛ وقدس اهلل شاهدة(.)7 وليَ ْمت َِطي بذلك صهوة اإلبداع؛ لينداح له من وكما انشغل أحمد تمساح بالكلمة التي ال للتمدد في االستخدام اللغوي ما يكون سبي ً اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
األعماق ،والخروج عن المألوف ،واقتحام المجال المسكوت عنه ،وتخطي العتبات إلى ما ورائها؛ فتراها أعيناً كثيرة بزوايا مختلفة ومرايا ثاقبة ،وه��ذا ش��أن النص المكتملة عناصر إبداعه. كذلك ال��ص��ورة عند أحمد تمساح كلية تتبدى ف��ي ت��ج��اوز ال��ح��س��يّ ،وال��ج��ن��وح إلى االتساع ،والتشظي؛ فالصورة عنده نتاج هذا العالم البيئي ،والثقافي ،والنفسي والروحي. يُحوِّل أحمد تمساح األشياء حوله إلى شعرَ ،فيُجْ ري بالمفردات العدمية الحياة، ويستنهض هممَها؛ ليصور من خاللها عالمًا متراميًا ،وحدثًا ضخمًا ،فيُحَ مِّل المفردة البسيطة ك ّماً من ال��دالالت؛ ليتجاوزا معًا حدودهما إلى األرح��ب .وهو بذلك أمسك بأيقونة الشعر ..تلك التي تقبع فوق عرش الخيال ،واألجدر من صعد إليها ،وعليه أن يُجهد نفسه في سبيل الوصول؛ إذ ال خيار.. إما أن يصل إليها ،أو يتركها لمن هو أهدى ال إليها ،وقد صعد التمساح عبر هذه سبي ً المجموعة مُتع ِّمدًا بالندى والسر ،وتراث أجداده:
للشعر أيقونة تناغينا الخيال ِ من فوق عرش إذا ما أردتها أهتمْ اصعد سلَّم المدى ..والدم أو اتركها لمن.. ()10 شكَّ ل صه َد الرمال . وفي إطار الحديث عن اتساع الداللة عند أحمد تمساح ،سوف نتوقف عند احتماالت ال��رم��ز ،وإح��االت��ه ،وه��و كما يقول إليوت: «يقع بين الشاعر والقارئ مع اختالف في طبيعة صلته بكل منهما؛ فهو من حيث صلته
بالشاعر محاولة للتعبير ،ومن حيث صلته بالقارئ منبع لإليحاء»( .)11كما في استدعائه للرمز الديني( :يوسف)( ،أيوب)( ،آدم) ،ثم استدعائه األسطورة (إيزيس):
يا يوسف صب الدمع في عيني ّ صب الحنين في رئتي ّ جب القصيدة نم وحدك في ّ البنت قلبها في األسر ونيلها ما زال يبكي في مصب الوجع طوفوا على وجعي.. الصدأ والسيف ()12 وكلنا في بهو الروح ضيف . واضح في تشكيل ٍ أسهمت األماكن بشكل لغة النص عند أحمد تمساح :البيوت ،الدار، القاهرة ،الجنوب ،الكرنك ،وادي الملوك، المكان المَشَ اع (المالذ) ،ويتجاوز حدوده إلى اكتمال فكرة االنصهار وال َّتذَاوب: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
57
قابلتها في ردهة الكرنك أومأتْ كالغزال دقت على باب األوردة والسؤال إلى أين يا قلبها الرحال فالحنين ال يكفي صب الشهد في جوفي َّ ()13 يروي حدائقي والرمال .
من فاس إلى حمص سطعت أحالمي.. كعين الشمس سأحفرها وشمً ا على كتف البسيطة وأسوقها نوقً ا.. في بيداء الوجع علَّ النبع يأتي وتنفلق النواة(.)15
لبيك يا وجع القصيدة َ سأصطفيك ِ وأحتويك بقلب النار ِ يا بنت الصبر والصبار والشذا يا دولة الحرف الذي غزا كوني اهلل في رئتي ()14 سأغني يا كلَّ أوجاعي األكيدة
تمنحه العبو َر إلى الحلم ،ذلك الذي يُق ِّربُه
ويُلبِّي ال��ـ تمساح القصيدة بمفرداته، ويظ ُّل أحمد تمساح متأهبًا للحياة طالما وت��رك��ي��ب��ات��ه ال��خ��اص��ة :ال��ح��ن��اء ،ال��ح��س��ك، الكردان ،بخور الهند ،بخور الدعاء ،المسلة :وج��د ف��ي الكلمة متسعًا ل��ذل��ك ،تلك التي من المستحيل:
وشمس اهلل على كفي سأحلم.. ألفك رموز البحر وأبحر في قلبها الودع ألف عام ويمتطي أحمد تمساح الحل َم خطو ًة إلى النيل يأتي وبالد الشام تربت على كتفي ُ الحقيقة إل��ى أن تتجسد األح�ل�ام أمامه ()16 مطايا إلى النور ،ودروبًا إلى الخير: وتسطعُ أهلة في دمي .
58
* كاتب وناقد مصري. ( )1شاعر في نيويورك ،فديريكو غرسية لوركا ،ت :ماهر البطوطي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب2007 ،م، ص.101 ،100 : ( )2بردية الندى والسر ،مجموعة شعرية ،أحمد تمساح ،الطبعة :األولى ،دار األدهم للنشر والتوزيع ،مصر، 2013م ،ص.87 : ( )4المرجع السابق ،ص.93 : ( )3المرجع السابق ،ص .18 : ( )5المرجع السابق ،ص.13 : ( )6الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ،د .عز الدين إسماعيل ،دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة1966 ،م ،ص.173 : ( )7بردية الندى والسر ،مصدر سابق ،ص )8( .69 :المرجع السابق ،ص.22 : ( )10المرجع السابق ،ص.13 : ( )9المرجع السابق ،ص .31 : ( )11الشعر والناقد من التشكيل إلى الرؤيا ،د .وهب رومية ،سلسلة عالم المعرفة ،العدد ،331الكويت، سبتمبر 2006م ،ص.25 : ( )12بردية الندى والسر ،مصدر سابق ،ص.22 : ( )14المرجع السابق ،ص88.: ( )13المرجع السابق ،ص .76 : ( )16المرجع السابق ،ص.92 : ( )15المرجع السابق ،ص 8.: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
اللوحة ρρسمر حمود شيشكلي*
هذه هي المرة العشرون التي يقوم فيها ب��زي��ارة ه��ذا المعرض التشكيلي ف��ي ص��ال��ة ف��ي الجسر األب��ي��ض .ضم المعرض لوحات لعدة فنانين محليين مغمورين. أمسية شتائية لطيفة البرد ..وشوارع المدينة تلمع بعد أن غسلت بمطر غزير بعد ظهر ذات اليوم ..االزدح��ام عادي بالنسبة ل��ش��ارع ت��ج��اري ..زاد سطوع أضواء المحالت من بهاء المكان وأ ُنسه.
ت��م��ام��اً م��ث��ل ك���ل ي���وم م��ن��ذ ع��ش��رة أي��ام ..يمر «صافي أنيس» في الفترة الصباحية وفي الفترة المسائية على صالة العرض ،ومثل كل يوم ال ينظر إال إلى هذه اللوحة ..يقف أمامها وينسى نفسه ..والليلة أيضاً وقف يحدّق بها ويتالشى ،حتى لم يبق منه غير جسمه الضخم بالمعطف األسود يكلله بغموض موحش.
نشله صوت المشرفة من غيبوبته، لما رأته المشرفة المسائية للمعرض وهي تكرر عليه السؤال: يدخل المكان من جديد هذه الليلة أيضاً - ،أتعجبك إلى هذا الحدّ؟ ك��اد يغمى عليها م��ن الغيظ .همست وان��ت��ب��ه��ت أن���ه ي��ح��دّق ب��ه��ا وال ي��راه��ا، لزميلة جلست إل��ى جانبها :راقبيه.. فأردفت: هناك ،ذاك الذي يرتدي معطفاً أسود.. سيقف أمام لوحة «المدينة» ..تابعيه - ..اللوحة! تابعيه!!». اآلن وقد استر َّد وعيَه أجاب مرتبكاً:
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
59
أجل ..أجل ..جداً!! م��ع��ك ك��ل ال��ح��ق« ..ن����ادر زاه����ي» فنانتشكيلي رائ��ع ..تثير لوحاته إشكاليات معينة ،وهذه اللوحة لها خصوصية.. لم يكن ينصت تماماً إلى تعليقها الذي افترض أنها تحفظه لتقوله لكل ال��زوار.. ه��ذا ع��دا ع��ن أن��ه يمقت التحليل النقدي المحترف .أحياناً كان يغيظ أصحابه ويقول: «إنه استظهار لنظريات مستوردة» .ويشبهه ب« :البالة» التي يرمي فيها الناس مالبسهم القديمة المستعملة ،بعد الملل منها ،ثم يقتنون الجديد». لكنه ر َّد بكلمة :نعم ..نعم.. كان يكررها من دون تركيز. أص��رت على إحراجه من ش��دة غيظها، وه���ي م��درك��ة أن���ه ل��ي��س م��ن ال��ن��وع ال��ذي سيشتري لوحات..
*** كانت مدينة ..ش��ارع��اً إسفلتياً وأبني ًة ع��ال��ي��ة ب��ن��واف��ذ اص��ط��ف��ت ع��ل��ى ج��ان��ب��ي��ه.. بضعة أشخاص تفرقوا في الشارع وعلى الرصيفين ،وأط��ل م��ن ك��ل ن��اف��ذة رج��ل أو امرأة وقد جمّدتْ اللقطة نظرة وحركة كل منهم ..الرسم كان مجرد خطوط هندسية، حتى األشخاص ،أجسادهم ،مالمحهم بما فيها العيون ،دوائ��ر ،مربعات مستطيالت، مثلثات ،وك���أن أدوات ال��ف��ن��ان ل��م تكن إال األدوات الهندسية والمسطرة والقلم ،والخط المستقيم والمنكسر هو ملك فراغ اللوحة. هناك نقطة منظور افتراضي في وسط الثلث األعلى من اللوحة وك��ل الخطوط سحبت إليها ..فتطاولت كل المفردات المرسومة فيها لتلتقي هذه النقطة ..الشارع ،األبنية، النوافذ ،األشخاص ،الظالل..
ال��وق��ت ف��ي ال��ل��وح��ة ك���ان ق��ب��ل المغيب بدقائق ،رغم أنه ال وجود لقرص الشمس، ه��ل ت��رغ��ب ب���أن أح��ج��زه��ا ب��اس��م��ك يالكن تركت ظالالً من اللون البرتقالي الممزوج سيد..؟ بظالل رمادية من لون بدء العتمة تخيم على أوووه ..صافي من فضلك ..ثم استدرك :السماء ،بل على كل اللوحة .وكانت األلوانمبدئياً ال ..شكراً لك ..سأفكر ثم أرد لك بالمجمل صحراوية قائظة. الجواب ..ربما غداً ..ممكن؟ لم يكن هناك أي دليل على وجود الحياة، ابتسمت وهزت برأسها ..حياها بهزة من إال األشخاص المتجمدين في حركة ونظرة. رأسه واستدار ليبتعد.. ال عصافير ،ال فراشات ،ال أزه��ار ،وال أثر حاول أن ي ّدعي بأنه يجول على اللوحات لرطوبة م��اء ،وال حتى قطرات قديمة في األخ��رى ..لكنه لم يكن يرى ،ثم ما لبث أن مزهرية ،وال حبات عرق على أحد الجباه، عاد إلى وسط الصالة ،حيث علقت اللوحة وال ظل لدمعة في إحدى العيون ،وال حتى على دعامة إسمنتية و ..وتسمّر أمامها من في انعطافة لينة في بعض الخطوط.
60
جديد.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
تطاولت الخطوط التي رسمت الشخوص
لم يكن يملك إال المجيء يومياً ،ليقف أمام اللوحة متسمراً.
أو م��ت��ع��ب��ون ،م��ت��وح��دون أو وح��ي��دون، مبعدون أو أبعدوا أنفسهم ،معزولون أو عزلوا أنفسهم.
الشيء اآلخر الملحّ بسماجة هو الساعات. انتشرت الساعات بأشكال هندسية متفاوتة على كل جدار من ج��دران األبنية ،عند كل طابق .وارت��دى كل رجل وام��رأة فيها ساعة تمنى لو وجد للفنان طريقاً ليسأله! ي��د .جميع الساعات ،الحائطية وساعات اليد ،كانت بعقرب واحد هو عقرب الدقائق - ،ال ب��د وأن إقامتك م��ع المجانين تؤثر وال أثر لعقرب الساعات ،وكلها ترصد توقيتاً عليك. هو وخمسون دقيقة! قال له حاتم. *** -الناس هنا ليسوا مجانين ،إنهم مرهقون
ل��و ك���ان يملك ش���راءه���ا ،ل��فَ��عَ��لَ .رات��ب��ه كمساعد معالج في المصح النفسي ال يكفل له إال ض��روري��ات العيش وح��ي��داً .حتى إنه واف��ق على ع��رض اإلقامة في المصح ألن ه��ذا سيوفر عليه مبلغاً من راتبه يتيح له ممارسة إحدى المتع الصغيرة؛ اقتناء كتاب، اقتناء قرص لفيلم ،تناول الغداء أو العشاء في مطعم يتذوق فيه بعض الرفاهية ولو لمرة في الشهر ،قضاء العصاري في مقهى لطيف في القسم القديم من المدينة مع صديقه الوحيد حاتم.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
وتوجهت لتالقي نقطة المنظور الوحيدة في اللوحة ،فتطاولت معها هيئاتهم وتجاوزت المنطق الواقعي الذي نعرفه.
ال في البداية ،لكن لما شغل هذا باله قلي ً تحولت ال��خ��ط��وط المستقيمة المتفاوتة الطول والسماكة ،التي تنبثق له في الحلم من الالمكان ،إلى لوحة ،ثم صار يرى هذه اللوحة كل ليلة ،أصابه الفزع .أما أن يرى لوحة حلمه نفسها وقد رسمها شخص آخر، كان شيئاً أكثر من غريب!!
أجاب صافي. *** اح��ت��ار ،أي��ع�� ُّد حلمه كابوساً أم ال يعدّه كذلك؟! ال يجد ألماً في رؤيته ،وقد يكون مستمتعاً ب��ه بطريقة م��ا ،لكن ت��وات��ر ت��ك��راره ه��و ما يخيفه..
وط���رأ ت��ح��وّل ج��دي��د على الحلم ب��دأت الساعات كلها بالتكتكة ..ويرتفع الصوت لم يتبق من أيام ذاك المعرض التشكيلي بالتدريج حتى يكاد يفتت أعصابه.. إال يوماً واحداً .استيقظ في منتصف هذه هل هو على أعتاب مرض عقلي؟! الليلة مضطرباً ،مشوشاً .كانت أحالمه قد كان يخاف هذا خوفاً مرضياً. ال نمطياً منذ فترة ليست قصيرة اتخذت شك ً *** قبل معرفته بالمعرض ووج���ود اللوحة. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
61
***
الليلة األخيرة للمعرض. كان لدى صافي أمل بأن يأتي الفنان هذه الليلة ،فهي حفل الختام ،رغم أن المشرفة يجده في الصالة، أكدت له بأنه لن يأتي:
سأل حاتم المشرفة عن صافي ،فهو ال
ان��ت��ه��ى ال��ح��ف��ل وغ����ادر وم��ع��ظ��م ال����زوار،
سألنا ،قالوا أن ال خبر عنه ،بعضهميظنه مسافر ،لكنه لم يترك خبراً!! والمشرفة ب��دأت تطفئ األن���وار استعداداً ظل صافي يتنقل في المعرض بين الزوار لإلغالق. والمدعوين من فنانين وصحافيين ،يستمع كثيراً ،وال يتحدث إال لملماً .كان يجد أنه -ألم تكونا سويةً؟! أين أضعته؟! على كل عليه الرد أو التعليق أحياناً من باب التهذيب، حال ،آخر مرة وقعت عيني عليه كان أمام ولشدة لكزات حاتم يرد له وعيه بين الحين اللوحة .وأشارت للوحة ذاتها. واآلخر ،وإال لكان آثر السكوت. الليلة األخ��ي��رة للمعرض ،وق��د ال يرى دار حاتم في األرج��اء ..لم يكن في أي اللوحة بعدها ،رغم أنها من العدد القليل من مكان ،أصابته الحيرة ،ثم شعر بالحنق، اللوحات التي لم تبع هنا. �لا هنا من كيف يخرج بدوني ،وأن��ا أص ًلم يشعر أنه فقد التواصل مع الفضاء أجله؟! حوله ،وأن��ه وقف كالتمثال من جديد أمام اللوحة ..كان يسمع صوت تكتكة الساعات.. همس لنفسه ،وقال بنبرة مهذبة: ولكنه شكل سيمفونية متجانسة للحن غريب عليه ..ولكنه لطيف.. شكراً ،تصبحين على خيرشعر بأنه يصبح خفيفاً ..وص��ار يخف ويخف ..تخيل أنه صار ب��وزن ريشة ،حتى أن قدميه ارتفعتا عن األرض ،شعر بنشوة ،وغادر الصالة في ليلة شتائية صاخبة يعربد بشعشعة لم يختبرها من قبل ،أراد أن يصرخ فيها الرعد ،ويطرق فيها مطر غزير زجاج من السعادة ،لم يسمع صوته. النوافذ والسيارات. ثم رأى نفسه يشف ويشف ..شعر أنه ولم يالحظ أن صافي كان قد احتل إحدى صار غيمة على هيئة إنسان ،تبخرت الغيمة حتى لم يعد له أثر. النوافذ في اللوحة يحاول أن يخبره أنه هنا. ثم دار وألقى نظرة سريعة على اللوحة
62
* قاصة سورية مقيمة في اإلمارات. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
أبــــــــــي ρρمادلني*
منذ زمن لم أناديه..
ولكن في كل ليلة أعود وحيدة..
ومع مرور األيام تتسع فجوة الحنين، اليوم فقط نطقت كلمة جمعت بين وال أجد ما يسدها.. الحنين والخوف.. الخوف من تصديق الواقع الذي حتّم
أبكي دائماً دون أن أ ُحدث صخباً،
وأشت ُّم رائحة الذكريات كي أخفف عليَّ أن أنسى هذه اللفظة ،ألن صاحبها وقع رحيلك.. لم يعد هنا..
اليوم نطقت كلمة أبي ..ال أعلم كيف ال���واق���ع ال����ذي ح���اول���ت م�����راراً أال نطقتها ..ولكن كنت واثقة بأني كنت أصدقه.. تحت وطأة الحنين.. حقيقة موته … أبي.. هل هي رحلة الغياب األبدية؟ كل ي��وم تكبرُ في ابنتك ،وإن كان في كل ليلة أنتظر غائبي كي أنطق المكا ُن خلياً منك ،لكنك تظل في قلبي حياً ،حققتُ أحالمي ،وكنت ناجحة.. كلمة افتقدتها منذ طفولتي.. ان��ت��ظ��رت��ه ط���وي�ل�اً ع��ل��ى ك��رس��ي االنتظار..
أرجوك :كن فخوراً بي.. ابنتك..
* قاصة من السعوديةِ . اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
63
المجذوم ρρحنان احلربش*
ك��ان هاجس اإلصابة «بالقمل» قد ب��دأ يستولي عليه م��ؤخ��راً ،إن��ه يبدو ككلب غاضب مليء بالبراغيث ،فالحكّ ة التي أصبحت تداهمه في كل مرة يلتقي فيها بذلك المدير المتغطرس ،وبعض زمالئه في العمل ..لم تعد أم��ر ًا مُ حتمالً.. (تأكدّ من خلو مكتبك من «البقّ » يا عزيز). هذا ما قالته خطيبته ..ولكن ال وجود للبقّ في هذا المكان ،وهو يشفى من الحكة حالما يغادر إلى المنزل ،في الواقع ..لقد كان األمر يتفاقم مع مرور األيام، والوضع يزداد سوءاً. «إن الجسم يتعرض لغزو البكتيريا مثلما هو عليه في الواقع ،زمالؤه في والفيروسات ،وليس الحشرات حتماً !!..العمل ينظرون إليه ويقهقهون ضحكاًً، «قالت ذلك بنفاد صبر وتركته وحيدا» .بينما يبدو بائساً ووح��ي��داً ،يحتضن ����ال ل��م يلحق ق���ال ل��ه��ا ب��ص��وت ع ٍ بخطواتها المتعجلة «ع��ن��دم��ا يحاط اإلنسان بالحشرات البشرية سيتحول بدوره إلى حشرة كبيرة». ك��ان ذل��ك م��ا يثير ف��ي داخ��ل��ه رعباً وجودياً وألماً عميقًا..
64
كتابه بقوة ،تدور عيناه في محجريهما بذعر ،وما هي إال لحظات حتى دخل المدير ..لكي ينض ّم إلى تلك الجوقة الضاحكة ومعه السكرتيرة الخاصة به، فأخذ يداعبها على مرأى من الجميع وهو يقهقه بوقاحة ،واآلخرون يشجعونه ويصفقون بمرح ،وما أن وقعت عيناه
ال ونظيفاً ال يبدو على هذا المسكين ،حتى اشت ّد سعاره كان المكان جمي ً اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
ال��ض��اح��ك ،وتحولت الفتاة بين يديه الطبيب.. إل��ى ج��رادة ضخمة األجنحة ،وتحول
صرفه من مكتبه بإيماءة ال مبالية،
اآلخرون في ذروة الصخب والضحكات واضطر النتظاره ساعة أو يزيد في المجلجلة إلى خنافس كبيرة ..فسقط الخارج.. مذعوراً ليختبئ أسفل المكتب ،ليرى
مديره يقترب منه ببطء ،ويتحول شيئاً فشيئاً إلى صرصور كبير ومرعب ،يم ّد أذرعه المتمفصلة إليه ..ليستيقظ من نومه يصرخ. ك��ان على سريره يشعر بالحكة ،ال شكّ أنه يحتاج إلى زيارة الطبيب ،ال بد أن يطرد هذه األوهام من رأسه ،ليس لألمر عالقة بالحشرات والبراغيث، إنه مصاب بالجذام ،وهو بحاجة ماسة إلى العالج ،نهض من فراشه متثاقالً، ارت��دى جوربه ال��ذي يبرز ط��رف إبهام
كانت الحكة الرهيبة تزيد مع شعوره بالحنق ،إن الغضب المتراكم كفيل بتحويل أكثر الكائنات ه��دوءاً ووداع��ة إلى كائنات عنيفة وقاسية.. «ها هي الحشرات تغزو جسدي».. ولكن هذه المرة كان يشعر بالزحف يصل إلى عينيه ،وإن الرؤية تغبش مع االنتظار أكثر فأكثر.. خ���رج ال��م��دي��ر م��ن غ��رف��ت��ه منفوخ ال وجوده.. الصدر ،متجاه ً أغاظته ه��ذه ال�لام��ب��االة ،فقام من
ق��دم��ه ،اب��ت��س��م اب��ت��س��ام��ة ص��غ��ي��رة ،ثم مكانه ،وصرخ« :توقف»! توجّ ه إل��ى العمل دون أن يم ّر ليأخذ
توقف المدير ولبث في مكانه لحظة،
جريدة الصباح ..كان يريد أن يستأذن وعندما التفت ،وجد جيوشاً من النمل م��ن م��دي��ره لكي يأخذ م��وع��داً لزيارة الناري تتكالب عليه. * قاصة من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
65
انتظار ρρخالد النهيدي*
كانت ممشوقة القوام ..تتمايل مثل أعواد السنابل ،مرت كالنسيم العابر من أمام الجمع الموجود على قارعة الطريق، وإذا باألنظار تتغامز واألفواه تتالمز ،والزفرات تتنهد شوقا واشتياقا لهذه المهرة األصيلة ،الطريق المؤدي إلى نهايته كان مكشوف ًا تماماً ،فال بنايات وال أشجار تحول دون النظر إليها ،ال يستطيع مقاومة مفاتنها إال َم��ن عصمه اهلل ،وال أحد يجرؤ على المسير بمحاذاتها تحسبا ً للقيل والقال سوى الرياح التي كانت تعبث بمعطفها األسود الطويل ،بهجمات مُ رتدة تُظهر تضاريس الجسد الغض .وفي خفية عن أنظار الجميع ،وب��دون أن يشعر به أحد امتطى صهوة أشواقه ،وقطع الطريق بخطوة او خطوتين ،الهث ًا خلفها كفارس ال يُشق له غبار ،الشنطة المعلقة على كتفها األيمن كانت أثقل على كاهله من أحزان العمر المكدسة في أعماقه .لمح صديقه األستاذ «عبد الكريم محمد حسن المحامي» كدت أنساها!! قادماً ..تذكر الموعد وغمغم بصمت :أووووووووه القضيةُ .. سأله األستاذ المحامي:
اهلل أكبر ..أخذ األستاذ المحامي يردد
إلى أين!؟
األذان خلف ال��م��ؤذن وه��و يشير إلى صديقه بالذهاب إلى المسجد ،وقال
ذاه��ب لالتصال ب��ك ..فليس لدي ��اف ،ما آخر المستجدات في له :بعد الصالة سأخبرك بالتفاصيل. رصيد ك ٍ القضية يا أستاذ؟ اس��ت��ع��اذ ص��دي��ق��ه م���ن ال��ش��ي��ط��ان حكمت المحكمة بالتالي ...صدح الرجيم وأخذ يتمتم :اللهم إني اعوذ بك األذان في أرج��اء المكان :اهلل أكبر ..من نفس ال تشبع وقلب ال يخشع.
66
* قاص من اليمن مقيم في السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
رصاصة ρρسمر الزعبي*
خطة ،ويزجَّ هو أمامي طت لما فعلت؟ أم قدري أن أرسم َّ خط ُ هل كان قدراً؟ أم َّ س ُب َل النجاح؟ عرفت ابنَها منذ الطفولة ،المريولُ األخضرُ يشهدُ ُ مَن قال لها أن تواجه حبِّي؟ بنات المدرسةِ أكث َر رأفةً منهنَّ بي، بنات الحي ،من كانت ُ لي ،وسمعتي التي نهشتها ُ طوَّ قن حبَّنا ببراءة ،وساعدنَني على مواعدته ،وكفَفْ نَ عيو َن أصحابهنَّ من الشباب عني ..فأنا مغرمة. لم أنل شهادةَ الثانويَّة العامَّة ،رغ َم الكليَّة مراراً ،وكان كلَّما خ َوّفتني أمِّي، تكرارِ المحاولة ،وخسرت حلمي بإتمام يطمئنُني أنه لن يتغيَّر علي ،وكلَّما أرتْني تعليمي الجامعي ،لكن ال تحملوا همِّي ،الصاحباتُ قلوباً تتفتَّح باسمي ،أعتنق ٍ فأنا فتاةٌ مثقفة ،وعوَّضت ذلك بدورات اسمَه أكثر ..م َّر العمر ،وآن الوقتُ كي
تعليمي ٍَّة وتدريبيَّة.
أصب َح زوج�� َة المحامي ،وازدَدن��ا عمراً
لم أشعر بالغيرة منه ،رافقته إلى في االفتراض منتَظرَين موافق َة والدته. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
67
كانت تعرف تفاصيلنا كلِّها ،تطَّ لع على
أعرف كيف، ُ ال أدري ،لكنَّني فعلتُها ،وال
وسط زحام المحتفلي َن َ انتظارنا الذي تعطَّ لت به الساعات ،وا ُستُبد َل ما أذكره أنَّني كنت بها هداي ُة الشمس والنجوم .واليو َم ترفض ،بهما ،ال تستغربوا ،فقد بعثت والدتُه بطاق َة تنس أن تكتب عليها: ببساطة أنا مرحلةٌ ،يجتازها بالتسلِّي ،اليو َم دعوة زفافِ هما إلي ،ولم َ صرت رغم ثقافتي :الفتاة الجاهلة ،ثالثينيَّة «المحاميان». االنتظارِ والدمع.
��ط ع��ل��يَّ ألاَّ أب��ع��دك��م ع��ن ال��ح��دث ،وس َ
واختارت له واح��د ًة ممَّ ن يتدرَّبن عندَه ،المحتفلين وقفت ،وجهاً لوجه كنَّا ،يداري عشرينيَّة العطاء ،تحم ُل شهاد ًة جامعيَّة ..دمعَه ،وعيناه قد انتفختا ،لكنَّهما لم يجعالني س بثقة سحبت المسدَّ َ ذك ّيَ ًة كانت ،صاحبتْ أه َل بيته ،بحكم الزمالة أعد ُل عمَّ ا أضمرتٍ ، علي بابُ بيته ،أحد من حقيبتي وأطلقت ال��ن��ار ..ث�� َّم غبت عن ك ُّل شيء يهون ،وأنا حُ رِّم َّ عش َر عاماً يلتقون بي في المقاهي ،أحد الوعي. عش َر عاماً من عمري يذرونَها عن عتبات قلبه.
وج��دت نفسي حبيس َة قضبان ،رفضت محام ع ِنّي ،وع��دت لالنتظار ،لكن ٍ حضو َر
اعال ُن موعد زفافهما جعل مني شهيدة ،هذه المرَّة ساعتي تجيد احتسابَ الوقت. يدوِّن اسمي آله ُة الحب ،وينقشون حكايتَنا صخر وردي ..لو تكلَّمت ،ماذا عسايَ ٍ على أقول؟ عتبي عليه كالنَّقش فوق الماء.
أقص عليكم حكاي َة مسلسل ال تظنوا أنِّي ُّ تركي ،هذا ما حصل معي بالضبط: خر َج من المستشفى فو َر ما استعاد وعيه،
ه��ذا ف��ي سماء ال��ح��ب ،أم��ا على أرض لم ينتظر جرحَ ة الطَّ ريَّ أن يبرأ ،فقد أصابت الواقع ،صرت «ملطشة» ،مُتنفساً لحاالت رصاصتي موضعاً قريباً من القلب ،أشعلتْ
الناس النفسية؛ الغيرة ،الشَّ ماتةَّ ، الشفقة ،ثورةَ عواطفه من جديد ،أسقط ح َقّه ،فسخ الحكمة والموعظة الحسنة ..ولن أحكي عن ارتباطَ ه بالعروس ،وتراف َع ع ِنّي ..انتظرني
رماد مشاعري ،فلن يفهم أح ٌد شعوري كمن بض َع شهور ،ث َّم تقدَّ م لخطبة فتاة ثالثينيَّة، ذات سوابق ..وحكمتُ عليه مجرمة ِ ٍ ذاق لوعتي ،ولماذا أحكي؟ ال وقت للكالم .جاهلة، أكان قدراً أم خطَّ طت؟ * قاصة من األردن.
68
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
بالعشق أم َد العمر.
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
غرفة خاصة سنغ* ِ دورس ِل ِّ
ρρترجمة عمر أبو القاسم الككلي**
لما جئت إلى هذه الشقة ذات الغرف األربع الشبيهة بالصناديق ،كانت غرفة النوم ذات طالء وردي خفيف ،باستثناء موضع المدفأة ،المغطى بورق أزرق ووردي فاقع .الخشبيات كانت حمراء غامقة ،سوداء تقريبا .هذا الطالء يباع لدى محل ديكور كبير في «وست إند» يسمى «بلبري» .قبلي كانت تقيم امرأتان في الشقة. شح في النقود ،هذا واضح ،ألن السجاجيد كانت مليئة بالثقوب ،والجدران مزينة بملصقات الدعاية السياحية .المرأة المقيمة في الطابق الذي يعلوني أخبرتني أنهما كانتا شابتين ..وع��ادة يقمن حفالت ت��دوم ط��وال الليل« .لكنني كنت أحب سماع ذلك .أنا أستمتع بصخب الحياة» .كانت توجه لوما :فأنا ال أقيم حفالت بما يكفيها. الفتاتان ل��م تتركا ع��ن��وان المكان مايتالندز؟ والسيدة دوالن��د؟ والشاب ال��ذي انتقلتا إل��ي��ه ،اق��ت��داء بالتقاليد كايتسبايز؟ ك��ل ه��ؤالء ال��ن��اس ،وربما المتبعة بالنسبة إلى هذه الشقة .عبر ع���دي���دون غ��ي��ره��م ،ع��اش��وا ف��ي ه��ذه السنين كان يحدث أن يرن الجرس ..الشقة وغادروها دون أن يتركوا شيئا ويسأل أحد عن «آنغوس فيرغستون؟ يُ َمكِّن من تتبعهم .ال أعرف شيئا عنهم كنت أعتقد أن��ه يقيم ه��ن��ا؟» .وأس��رة وال أحد غيري في العمارة ،على الرغم اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
69
من أن بعضهم عاش هنا لسنوات.
المعون يشبهون طيورًا داخل أقفاص زرقاء
كنت أجد اللون ال��وردي اقتحاميا جدا ،ووردي���ة .ب��دت المدفأة أق��ل اقتحامية ،إال وبعد بضعة أخطاء ،استقرت على الجدران أن ن��اري نار غازية ،شكل صلب مربع من
البيضاء ،تاركة لون الخوخ أو عنب األحراج البرونز ،أ ُحضر من شقة أخرى حيث لم يكن للخشبيات .في البداية ركبت ستائر رمادية ،يبدو سيئا جدا .لكنه هنا ليس مالئما على
ثم زرقاء .سريري الواسع كان تحت النافذة .اإلطالق .وإذاً ،فكل الجدار ال نفع منه. توجد منضدة كنت أنوي استخدامها للكتابة،
جدار آخر ،ذلك الذي بجانب سريري،
إال أنها كانت دائما تزدحم باألوراق .لذا كنت م��ش��وَّه ه��و أي��ض��ا .ف��وق السرير تنتأ كتلة أكتب في غرفة المعيشة ،أو على منضدة خشنة غير منتظمة ،تمتد بمقدار قدم أو المطبخ .إال أنني أقضي وقتا طويال في قدمين .أحدهم -آنغوس فيرغسون؟ أسرة غرفة النوم .السرير أفضل مكان للقراءة ،مايتالندز؟ السيدة دوالن��د؟ -ح��اول إعادة التأملِ أو فعلِ ال شيء .إنه مالذي .المالذ إلصاق الطالء الساقط ..فصنع بذلك لحما الذي أشعر فيه أنني عائشة -على الرغم مفروما .من غير الممكن أن ينجو طلاَّ ء من أن شكله سيّ ء ،وثمة عدة أشياء تتعلق به محترف بتركه هذه الحدبة .على الجملة، ال يمكن وصفها سوى أنها قبيحة.
ه��ذا ال��ج��دار يمنحني متعة :إن��ه يذكرني
على سبيل المثال ،المدفأة كانت من بالجدران البيضاء غير المستوية في بيت الحديد -سوادا مزينا ،بارزا كالبثرة .الفتاتان آخر عشت فيه مرة .ربما اخترت أن أطلي
تركتاها على ما هي عليه ،مستعملتين مدفأة ه��ذه الغرفة باألبيض ألن��ي رغبت في أن غازية متنقلة .قبح المدفأة الشديد ظل يشد يكون لدي هنا في لندن جدران بيضاء ذات عينيَّ ،لذا طليت لسانا على الجدار يمتد كتل ناتئة كجدران ذلك البيت؟
من السقف إلى أسفل باللون الخوخي كي
مستو ،أبيض ،أملس .ذو ٍ السقف سقف:
يتم احتواء المدفأة والرف الصغير السميك لوح جصي ثقيل ،بالنسبة إلى الغرفة ،بحيث الذي فوقها .على جانبي اللسان ،وبما أنه ال يبدو كما لو أنه على وشك السقوط .العمارة يمكن طالء الجدار بالكامل باللون الخوخي ،كلها ذات مظهر صلد قبيح ،غير أنها بنيت ال��ذي يبدو ف��ي الليل أس���ود ،أبقيت على من مواد رخيصة وغير صلدة إطالقا .مثال،
70
لسانين من ورق جدران غريب عليه أناس الجدران ،حين تطرقها تصدر صوتا أجوف، اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ي��ب��دأ ف���ورًا ف��ي االن���س���راب ،كما ل��و كانت مالبسها بعناية ،كما ل��و ك��ان��ت ع��روس��ا، الجدران من حبات رمل منفصلة ضمت معا وتذهب إل��ى مالقاته ،محمّرة الوجه .في بورق الحائط.
الليالي التي يعود فيها من رحالته يصير
يمكنني سماع أي شيء يجري فوق رأسي سريرهما فوق سريري ،واسمعهما يقهقهان. حيث تقيم المرأة العجوز ،التي تحب سماع هما زوج���ان منظمان ،ال��ن��وم ف��ي الحادية
جزء من الحياة ،مع زوجها .هي سويدية .عشرة ليليا ،االستيقاظ التاسعة كل صباح. تعطي دروس��ا في اللغة السويدية .تنتقي بالنسبة إليَّ ،حياتي ليس لها نظام خارجي،
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
حين يتعرى موضع في الجدار من الطالء لفترات طويلة .حين تتوقع عودته ،ترتدي
مالبسها بعناية وت��ب��دو شخصا محترما وأحب أن يكونا فوق ،هناك .أحيانا ،حين مسنا محبوبا .ومع ذلك فهي مجنونة تماما .أعمل إلى وقت متأخر ،أسمعهما ينهضان، ببابها أربعة أقفال ثقيلة من الداخل .إلى وأعتقد خالل نومي أو شبه نومي :جميل. ج��ان��ب المزاليج وال��ق��ض��ب��ان .حين أط��رق هكذا بدأ اليوم ،أليس كذلك؟ وأع��ود إلى
بابها تفتح الباب بالقدر الذي تتيحه سلسلة ع��دم الوعي بينما وقْ��ع خطواتهما وجلبة من أربعة إنشات ،وتستطلع خالل الفتحة األكواب تمتزج بأحالمي. لتتأكد من أنني أنا (أو هم) لن أهاجمها (أو يهاجموها).
أحيانا ،عندما أنام في الظهيرة ،وهو أمر اعتدته؛ ألن نوم الظهيرة أكثر أهمية عندي
��ل للنظافة وال��ن��ظ��ام .من نوم الليل ،تأخذ غفوة هي األخرى .أفكر ف��ي ال��داخ��ل ت��ج ٍ ّ تقضي اليوم بطوله تنظف وترتب .حين ال فيها وفي نفسي مستلقيتين* فوق بعضنا تجد ما تفعله في شقتها ..تعلق مالحظة كما لو كنا في رفين متراتبين. على السلم تقول« :أي شخص يلقي مهمالت
حين أن��ام بعد الغداء ،فليس ثمة شيء
على هذا السلم سوف يتم اإلبالغ عنه إلى ع��ش��وائ��ي ف��ي ه���ذا .أوال ع��ل��يَّ أن أشعر السلطات!» .ثم تطوف على شقق العمارة باضطراب داخلي ..أو تنبه ناتج عن فرط كافة (توجد ثمان شقق متطابقة ،الواحدة االستثارة ،أو أن أكون متوعكة قليال أو تعبة ف��وق األخ���رى) قائلة« :طبعا ،لستم أنتم ج��دا .عندها أ ُظْ ��لِ��م غرفتي ،أقفل جميع المعنيين بالمالحظة».
األبواب حتى ال يوقظني الهاتف (على الرغم
زوجها يعمل لدى شركة تصدير ويغيب من أن رنينه البعيد يمكن أن يكون مرغوبا اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
71
لتوليد األح�ل�ام) ..وأدخ��ل السرير بحذر ،رأي��ت مربع البرونز وقد اختفى ،كان ثمة موقد حديدي صغير فيه نار خافتة تصدر ٍ محافظة على ال��م��زاج .ح��االت النوم هذه هي ما يساعدني في عملي .فهي تخبرني دخانا .ك��ان الدخان يدخل الغرفة وكانت بما عليَّ أن أكتب أو أين ارتكبت خطأ .كما عيناي ملتهبتين. أنها تنقذني من حمى عدم االرتياح الناشئة
ك��ان��ت الغرفة مختلفة :ش��ع��رت بالبرد
عن رؤية كثير من الناس .دائما أجد نفسي وأنني غريبة عن نفسي وأنا أنظر إلى هذا. مدفوعة إلى النوم في ما بعد الظهيرة برغبة الجدران ذات أوراق كان تأثيرها العام بنيا ناجمة عن رحلة طويلة في المجهول ،والنوم داكنا ،لكنني وأن��ا أنظر إليها عن ق��رب.. خفيف وغير ع��ادي ويأخذني إل��ى أقاليم رأي���ت أن��ه��ا ن��م��وذج صغير ألوراق صفراء يصعب وصفها.
ضاربة إلى البني وأغصان بنية .كانت توجد
لكن ذات ظهيرة ما لم تكن ثمة رحلة عليها ب��ق��ع .السقف ك��ان مصفرا وب��راق��ا غ��ري��ب��ة ،وال م��ع��ل��وم��ات م��ف��ي��دة بخصوص بسبب الدخان .كان هناك بعض المزق من عملي .كان النوم مختلفا جدا عن المعتاد ستارة بنية ضاربة إلى الوردي في النوافذ إلى حد أنني في بعض األحيان كنت أظن مع تمزق في إحداها بحيث تبقى الحافة أنني مستيقظة .كنت مستلقية في العتمة ،السفلية متدلية إلى أسفل .لم أعد مستلقية وكانت الستائر ،ذات الدرجات المختلفة من على السرير ،ولكن جالسة قرب النار في األزرق الغامق ،تنشر ظال أرجوانيا متحركا .الناحية األخ���رى م��ن ال��غ��رف��ة ن��اظ��رة إلى في الخارج كانت ظهيرة ضاجة .كان يمكنني السرير والنافذة .في الخارج استمر الشجار سماع األصوات في السوق تحت ،وكان ثمة الحاد ،واألصوات تعلو من الشارع .شعرت ص��راخ غاضب ،خصام من نوع ما ،صوت بالبرد .كنت أرتعش واغرورقت عيناي .في رجل وصوت ام��رأة .كنت أنظر إلى موضع الموقد جثمت ثالث كتل صغيرة من الفحم المدفأة وأفكر كم هي قبيحة ،متسائلة :المتوهج مُصدر ًة دخاناً ضعيفاً .تحتي كان أي نوع من الناس اختار عمدا هذا الشكل ثمة حشية ،أو معطف مطوي ،شيء من هذا البشع من الحديد األسود .على الرغم طبعا القبيل .بدت الغرفة أكثر اتساعا .أجل .إنها م��ن أنني ق��د طليتها .نعم ،عما إذا كنت أوسع غرفة .صندوق من الخشب المطلي أستطيع احتمالها أم ال .عليَّ التخلص من بالبني انتصب بجانب سريري ،ال��ذي كان واحد أجمل .خفيضا ،أخفض من سريري بما يزيد عن ٍ نار غاز مربع البرونز وإيجاد
72
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
االن��ح��ن��اءان ال��ل��ذان على جانبي المدفأة أنظر إلى الستائر البنية الغامقة الرقيقة بهما أرفف خشبية مسطحة تحمل مالبس تتحرك بلطف .كنت أطفح بؤسا. مطوية ،آنية فخارية ،مجالت قديمة ،إبري َق تركت غرفتي الجميلة وجهزت لنفسي شاي بنيا .هذه األشياء نَمَّ ت على رقة حال. ش��اي��ا ،ث��م ع��دت ألسحب الستائر وأت��رك ك��ن��ت وح��ي��دة ف��ي ال��غ��رف��ة ،رغ���م وج��ود الضوء يدخل .شغلت مدفأة ال��غ��از ،التي أحد ما في الشقة المجاورة :كان بإمكاني سماع أصوات جعلتني غير فرحة ،خائفة. معاد ٍ من الطابق الذي فوقي يصدر ضحكٌ لي .هل كانت العجوز السويدية تضحك؟ مع من؟ هل عاد زوجها فجأة؟ كنت معزولة في وحدة أشعر أنه من غير الممكن تلطيفها .ما من أحد سيأتي للتسرية عني .جلست ون��ظ��رت إل��ى السرير ال��ذي عليه بطانية حمراء رخيصة توحي بالمرض
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
قدم .كانت فوقه بطانية عسكرية حمراء .والشقة المجاورة .كنت وحيدة في الشقة
سَ خَ نَت واحمرت مزيحة ذكرى البرد بعيدا، ون��ظ��رت ف��ي م��ا وراء كفاءتها البرونزية القبيحة إل��ى الموقد الخالي من الفحم، الذي عرفته لسنوات. ح��اول��ت ال��ع��ودة إل��ى حلمي ف��ي الغرفة األخرى الواقعة تحت هذه الغرفة ،بجانبها، أو داخ��ل��ه��ا ،أو أن��ه��ا م��وج��ودة ف��ي ذاك���رة أحدهم .أي حرب كانت؟ من كان فقيرا هذا
واستنشقت ،ألن الدخان كان يخدش حلقي .الفقر الرهيب؟ وأرغب في أن أعرف المزيد كنت طفلة ،عرفت ه��ذا .وك��ان ثمة حرب ،عن الطفل الصغير الخائف .ال بد أن يكون ش��يء م��ا ل��ه عالقة ب��ال��ح��رب ،ال��ح��رب لها (أو تكون) صغيرا (أو صغيرة) جدا بالنسبة عالقة ما بهذا الحلم ،أو الذكرى -من؟ أنا إل��ى الغرفة بحيث تبدو كبيرة ج��دا .حتى عدت إلى غرفتي الخاصة ،مستلقية على اآلن فشلت .لعله الشجار الذي بالخارج في س��ري��ري ،م��ع الصمت ف��ي الطابق العلوي الشارع هو الذي ...الذي ماذا؟ ولماذا؟ *
روائية وقصاصة وشاعرة إنجليزية من مواليد 1919م ،في إي��ران .عاشت في روديسيا ،زمبابوي الحالية ثم في بريطانيا .حصلت على جائزة نوبل لألدب سنة 2007م ،وكانت المرأة الحادية عشرة التي تحصل على هذه الجائزة وأكبرهن عمرا .توفيت 2013م.
** قاص وكاتب ومترجم ليبي يقيم حاليا في مصر.
*** ليس ثمة في النص ،من الناحية اللغوية أو سواها ،ما يحدد جنس الراوي .لكننا افترضنا ،من مجمل السياق ،أن الراوي أنثى. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
73
قصص قصيرة جدا
عمار اجلنيدي* ّ ρρ
انتظار
ركضتْ الفصول كسلحفاة عجوز.
طرق باب غرفتي المبنيّة في بطن وعندما ه��دأت الجلبة خرجتُ من الوادي ،في ذلك اليوم المطير الراعد ،غرفتي ،فوجدته بالباب ينتظر! زمهريري الغضب .فطردتهُ ،وأوصدتُ النورس البابَ دونه. تجمّع الناس على الشاطئ لمشاهدة لم يغادر ،بل بقي يطرق الباب بشدّه، طائر النورس وهو يترنّح في الجو ،بعد حتى كاد ينهار. أن أصابته طلقة صياد محترف. عمدتُ إلى الخزانة ،ووضعتها خلف ش��م��ت ال��ب��ع��ض ب��م��ص��ي��ر ال��ن��ورس الباب كحاجز منيع .ولكنه عنيد ،مثلي. المحتوم ،وتمنّى البعض سقوطه ،وقلّة حاول الدخول قسراً من النافذة ،فلم قليلة راهنت على أن��ه سيتغالب على أسمح له بذلك. جراحه ،وأنه سيبقى معلّقاً في سماء أوص��دتُ النافذة وأحكمت إغالقها الدهشة واالرتباك. بالحبال واألس�ل�اك الشائكة .جمعتُ وبينما اختلط الهرج بالضجيج ،كان الحطب المتبقي في الغرفة ،وأوقدت النورس يتسامى على جراحه ،ويحلّق المدفأة؛ لكي ال يدخل من المدخنة. عالياً ،عالياً ،فوق السحاب. أسدلت الستائر ،وكتمتُ أنفاس كل قصيدة أخرى من أجلها الثقوب التي من المحتمل أن ينفذ من تنهّد ب��ارت��ي��اح بعد أن أن��ه��ى كتابة خاللها. قصيدته. بقيتُ في الغرفة ال أبرحها ،وظل دقت الساعة الثانية والنصف بعد هو في الخارج؛ يحاول الدخول ،وأنا اسمعه؛ يصرخ وي��ولّ��ول ،يرتجف من منتصف الليل .لملم أوراق��ه من جديد الخوف؛ من الوحدة ،وأشياء أخرى. وراح يكتب لها قصيدة جديدة. * قاص من األردن.
74
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
األعمى قصة للكاتب الفرنسي :غي دي موباسان ρρترجمة :ياسمينة صالح*
ما سر الفرحة التي تثيرها فينا أشعة الشمس؟ ولماذا يغمرنا الضوء المنبثق من السماء بهكذا سعادة بالحياة؟ السماء تبدو زرق��اء ..زرق��اء للغاية ،والحقول خضراء ،والبيوت بيضاء ..تمأل نظرنا؛ فتنتعش بها أرواحنا ،إذ تتملكنا رغبة في الرقص ،والركض ،والغناء ،كما يمكن لفكرة أن تخرج ،فاسحة المجال للتأمل، راغبة في تقبيل الشمس!.. كان فاقدو البصر يجلسون القرفصاء داخل ظلمتهم األزلية ،غير مبالين بما يحيطهم ،ساكنين وس��ط ه��ذه البهجة المستحدثة ،من دون استيعاب ما يدور حولهم ،ال يفعلون سوى تهدئة كلبهم الذي تتملكه الرغبة في االنطالق! أحياناً ،يعودون آخر النهار ،متأبطين ذراع أخ أو أخ���ت ص��غ��ي��رة ،ف���إن ق��ال الطفل« :لقد ك��ان الجو جميال!» يرد األعمى« :نعم ،أدركت ذلك من حركات الكلبة «لولو» التي لم تكن تقدر على البقاء في مكان واحد».
فالحا ،وابن فالح نورماندي ،عاش مع والديه حياة طيبة ،كانا يعتنيان به ،ولم يكن يشكو سوى من فقدانه البصر؛ لكن ما أن تُوفي وال���داه ،حتى ب��دأت حياة الشقاء تفتح ذراعيها له.
آوت���ه شقيقته ليعيش معها ،وك��ان لقد عرفت واح��دا من هؤالء الذين الجميع يعامله كمتطفل يقتات من عرق ذاقوا من الحياة مرَّها ،دون أن يستطيع اآلخرين .كانوا يمنّون عليه بالطعام الذي أحد تخيّل مدى قسوة األيام معه .كان يأكله .يطلقون عليه لقب «الكسول» غير اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
75
المرغوب به .وعلى الرغم من أن زوج أخته جعال أهله يحنقون عليه أكثر فأكثر ،فصار استولى على نصيبه من الميراث ،إال أنهم يحمل ع��بء كراهيتهم له زي��ادة إل��ى عبء كانوا يقدمون له الطعام على مضض ،بيد إساءتهم إليه. أن الطعام لم يكن أكثر من حساء لئال يموت
من الجوع!
كان وجهه دائم الشحوب ،وعيناه كبيرتان
بيضاوان ،كرقائق الخبز ،دائم الصمت أمام الشتائم؛ يوحي لآلخرين أنه ال يشعر بها.
لم يذق في حياته حنانا حقيقيا ،حتى من
أمه التي بدت وكأنها تقوم بالواجب فقط،
بحيث أنها لم تحبه كما يجب ،وكان واضحً ا أنه صار عبئا عليها ..ربما لهذا السبب كانت ح��ادّة معه ..فاألشياء غير الضرورية هي
التي تضر ،كما يقول الفالحون عادة ،لهذا
كانوا ينتهجون أسلوب الدجاج حين ينقرون رأس العاجز منهم حتى قتله!
ك���ان ال��ص��ب��ي ال ي��ف��ع��ل س���وى ال��ج��ل��وس
ال��ق��رف��ص��اء ف��ي ال��ص��ي��ف ،وأم���ام المدفأة ش��ت��اءً ..لم يكن يتحرك من مكانه إل��ى أن
يحين المساء .ال تصدر عنه أيّ حركة ..ال
شيء سوى جفناه حين يرتعشان ،يعكسان معاناته الداخلية ،ث��م يسقطان على تلك
البقعة البيضاء داخل عينيه.
هل ك��ان يفكر؟ هل ك��ان يحلم؟ هل كان
يستوعب الحياة من حوله؟ ال أح��د يسأل
نفسه هذه األسئلة!..
ظلت األم��ور على هذا الشكل لسنوات.
76
عدم قدرته على العمل وعدم اكتراثه بعجزه اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ق��ب��ل أن ي��ت��ن��اول ال��ط��ع��ام ،يصبح محل سخرية الجميع ،وتلك وسيلتهم في التسلية.. حتى الفالحين ال��ذي��ن يسكنون بالجوار، يأتون أحيانا للمشاركة في حفل السخرية ذاك ..يأتون أحيانا بأعداد كبيرة ،بعد أن يدعو أحدهم اآلخر ،فيضج المطبخ كل يوم بالمتفرجين .وبمجرد جلوسه أمام المائدة، حتى يحمل أح��ده��م قطا أو كلبا صغيرا ويقربه من صحنه ..وكأن الحيوان يستشعر ع��ج��ز األع��م��ى ع��ن رؤي��ت��ه ،ي��ب��دأ ف��ي لعق الحساء بتلذذ ،وما أن يصدر لعيقه صوتا واضحا حتى يلوح األعمى بيديه االثنتين في الهواء ،فيهرب الحيوان مذعورا .عندها ينفجر الضحك الهستيري من المتفرجين! ل��م يكن يصدر ع��ن األع��م��ى أي ص��وت، بل يعود إل��ى تناول حسائه مستعينا بيده اليسرى للدفاع بها عن صحنه من القطط والكالب .أحيانا يضعون في صحنه كل أنواع القاذورات ،فال يستطيع رؤيتها أو تمييزها، فيأكلها مع الحساء!.. ك��ان زوج أخته يصفعه ،ثم يضحك من محاولة األعمى اليائسة تفادي الصفع.. بدا الصفع أشبه بلعبة جديدة ،بات الجميع يشاركون فيها ،إذ ص��اروا يمدون أيديهم إلى وجهه لصفعه ،ما جعل جفنيه يتحركان بطريقة سريعة وعصبية.
وسأسرد عليكم كيف مات!..
عن شخص أو عن بيت!
وج��د صعوبة في التقدم ،بسبب البرد
الذي كان ينخر عظامه ،وقد بلغ منه اإلعياء
أشده ،فجلس بالقرب من سهل متجمد ،ولم
ينهض بعدها أبدا!
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
وكأن كل هذا العذاب ال يكفي ،فقد قرر زوج أخته إجباره على التسوّل .كانوا يحملونه للجلوس على الرصيف ،في أي��ام التسوق األسبوعية والتي ي��زداد فيها المتسوقون.. كلما سمع صوت خطوات ،أو سيارة تتوقف بالقرب منه ،يمد قبعته قائال« :حسنة من فضلكم» .لم يكن حذقا في التسول ،إذ أنه لم يكن يعود إلى البيت بفلس واحد ،ما زادت من حدة الحنق والثورة عليه..
ينهض من سقطته مصرا على البحث
غطاه الثلج الكثيف ،جعله البرد يستسلم
للتصلب ال��ذي أص��اب أط��راف��ه ،وبسرعة،
اختفى تماما تحت البياض ،ولم يعد هنالك
ما يدل على مكان جثته!
ذات شتاء ،كانت الثلوج تغطي الطرقات، والجليد في ذروته ،قرر زوج أخته اصطحابه مَن كان يسأل عنه.. معه بعيدا ..ظن األعمى أنه سيأخذه ليتسول ذات يوم أحد ،بينما كان الفالحون يتجهون كعادته ،لكنه تركه هناك ورج��ع إلى البيت نحو القداس ،لمحوا سربا من الغربان تحوم قائال إنه أضاعه! ثم أضاف: «ربما أخذه أحدهم شفقة عليه من البرد ،ح��ول هضبة ..ظ��ل س��رب الغربان مكانه،تظاهر أهله بالقلق ،بل وبكوا عليه أمام
فأكيد أنه لم يضع ،وسيعود غدا لتناول وبدا أن عددهم قد تزايد ..كانت أصواتها ح��ادّة ،ينزلون في الثلج ثم يرتفعون ثانية، حسائه». كمن يبحث بإصرار عن شيء .ذلك المشهد لكنه لم يعد إلى البيت في الغد وال في الغريب جعل أحدهم يقرر الذهاب وتقصي األي���ام ال��ت��ي ت��ل��ت ،إذ بعد س��اع��ات من األمر ،وهناك رأى جثة األعمى وقد التهمت االنتظار المرير محاطا بالبرد والصقيع، الغربان عينيه ولحمه.. شعر األعمى أنه على وشك الموت ،فقرر منذ ذل��ك ال��ي��وم ،لم يعد ينتابني الفرح المشي .لم يكن يعرف إل��ى أي��ن يمكنه التوجه ،فهو ال يعرف أصال أين هو ،وال أم��ام شمس الصباحات الجديدة ،من دون يمكنه رؤية الطريق أمامه ،مع ذلك أصر أن يتملكني الحزن على ذلك البائس الذي على مواصلة المشي رغم تعثره المستمر حرمته الحياة من كل شيء ..حتى بدا موته وسقوطه ف��ي الحفر الصغيرة ،.وك��ان خالصا حقيقيا لروحه المعذبة!.. * كاتبة من الجزائر. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
77
بنات البوادي ρρيوسف حسن العارف*
( )١القادمات من (البدو)..
أعرفهن: رائحة الخضاب..وكحل العيون.. صباغ األظافر..ملبوسهن! وضع العباءة..مشيتهن! وأوالدهن! وكل الحركات البريئة..تدل عليهن! هن العفيفات ..والعفة..والحشمة.. فالعذر لهن..إذا بصري خان.. أو شك قلبي بهنّ !!
( )٢بنات البوادي..
أنيقات! عليهن تنسكب الشمس.. فتورق بالخجل الزاهي خدودهن! ومن سمرة الرمل.. تنساب ألوانهن! ومن شجر الطلح والسدر.. تشتم ضوعهن! فال تلتفت إلى غيرهن.. 78
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وال تبعد العين عن فتنتهن! فهن اإلناث الحقيقات.. وهن العسيرات في طبعهن.. وهن اللطيفات في قولهن!! وهن البنات النشامى.. فيا فخر آبائهن.. وأعمامهن.. وأخوالهن!! ( )٣بنات البوادي..
إذا ما ظمئت.. فمائي من بئرهن.. يردن عليها عطاشا.. ليسقين أضيافهن!! وإن جعت.. فالذبح والطبخ واألكل.. من دورهن!! وإن قلت آهٍ .. تنادين للرحمة.. فالطب سهل.. على بعضهن!! بنات البوادي.. كمال ..وعلم.. وأخالق بدو تسامت.. على كيفهن!! فهن اللواتى أسرن الفؤاد.. عليهن مني سالم المروءة.. لحن المحبة.. وأنشودة ال تقال.. إال لهنَّ !!! * شاعر من السعودية.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
79
ُ لعنة أنثى ρρحليمة الفرجي*
يهتز عرش كسرى كلما مررت به وتولّول نسوته شاكيات ويكتبني القيصر أهزوجة نثره.. فتلعق النسوة أصابع الوشايات ***
يالعبني التاريخُ حين منامه وفي استيقاظه يتلو تعاوي َذ الساحرات يظن أنه مروضي التف حولي كلما َّ فيفقد صبرَه عارجا للسموات
مستحيلة أنا كما صبر الثكالى كما المعجزات.. كما القيود حول العذارى كما اللعنات كما النجوم في ليل السهارى كما الهذيان كما أنا كما أنت كما اختالس ساعة غواية النظرات ***
مستحيلة أنا وجل كما يأتيني القمرِ .. ليشرب من ثغري بعض حكايات ***
أنثى أنا في عنقي تدلت قالئد من أساطير وبعض من أمنيات * شاعرة من السعودية.
80
***
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
فيتعرّى من ذنوبه ويصعد نقيا تماما كما البدايات
ρρمالك اخلالدي*
أُغرّدُ فوق البيادرِ وحدي.. وأشرب من ماء حزني هناك.. ُ األغاريد ِ طيوف ُ تمر حيرى.. فتضرمني في الحنايا اشتياقْ .. أفتش عن بعض نبضي ُ وأذرو.. بقاياي في دهشة األقحوان! األمنيات تغنّي ُ فما عادت وما عاد في الزفرات انعتاقْ .. رسمتك حينًا َ ذرفتك حينًا.. َ الغياب ْ وواريت كل شذاك ُ فلم يبقَ في الضوءِ إال شعاعٌ يُ مزّق صبحي ويزجي الوراء.. أعيش على سحنة الفجرِ ُ أروي عروقي يباب خيطا من العمرِ ً ألكمل يأبى ذبو ًال ويقتات لون الضباب.. الحزن ِ هناك على ضفةِ أرسم بعضي ويرسمني الحزنُ لحن نقاء..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وحدي
* قاصة وشاعرة من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
81
الريحانة
وجوه
ρρعبداهلل األسمري*
ρρمها سعود*
هذهِ الوجوه أصبحت قادرة صمتي ِ على تفكيك وانهيار الحروف بداخلي بل إنها ألقت بحملها وهذيانُها فوق عاتقي..
يِـبّس الريحانُ على فمي وتحنّط الورد الجميل
***
أسرجت خيل الشعر اركض للسراب
وجوهٌ غابت
أبد ًا سأبحر قاصدا شمس اإلياب
ولم تعد تشبه ماضيها
وإذا ما الليل جَ نّ
تسكن كل زوايا هذا العمر
ومضى يعربد في الخالء
تجوب الحاض َر ُ
وشذى نسيم الصبح
تكتفي بالهذيان ِ وال
يدفع مركبي
تشكل كومةً من الذكريات ال ُتعَدُّ وال تحصى! سألوذ بالنسيان والصمت الرهيب
82
في أعوامٍ ما..
ال واحة خضراء
وأيام خالية من الجفاء
وال خل حبيب
ال تهدأ القلوب من ّضخ الصفاء
وأنين صمت الروح
بكل المالمح
يختلج الرؤى
لكن رغم هذا
يبكي ويبكي حام ًال
لم يثمر بها العطاء!
للشمس آيات المغيب
ولن نعتادُ وجودها بيننا
إذ ًا سيرحل نبضنا ويظل هذا الشعر
وال الوثوق ببقائُها.
مفتاح الحنين ..
* شاعرة من السعودية.
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ρρعالء الدين رمضان*
الموت ِ إلى ساحةِ ركب القوافيَ في كلِّ حينْ يخرجُ ُ الموت في الرَّ احلينْ ِ يُ شَ ِيّعُ من را َح مُ مْ ت َِطي ًا صهو َة يرسو القرا ُر المَ كِ ينْ حيث ُ إلى ُ ُحاس.. قصائدُ هُ م من ن ٍ َين وما بين سَ ْطر ِ تجثو المسافةُ مترعةً بالخلودِ مضمخةً بالورودِ بالخنادق ِ وَمَ غْ زُ َّو ًة بالقناديل ِ مُ كْ ت ََّظةً ين مَ نْفُ وحةً بالرُّ ؤَى والي َِق ِ الص ِقيل مُ د ََّججَ ةً باألغاني َّ الموت ي ََّصا َفنُونَ الحيا َة ِ والالحقو َن على َف ْورَةِ الطويل ِ ُتدَافِ عُ أشعارُهم ليلَ هذا الوجومِ حثيث ًا العميم ِ االلتباس ِ إلى ُظلْمَ ةِ يُ غَنُّ و َن ِملْ َء الحناجرِ أُغنيةً ال تَلِ ينُ .. يُ غَنُّ و َن ملء الحناجرِ يم البعيد المُ ِق ِ ِ لليقين ِ أغنيةً اط َعةْ: الس ِ وللراحلينَ ألنوارِ هِ َّ ما لألحبةِ قد طافُ وا وقد جَ َفلُوا، جَ ابُوا الطرائقَ قد أَوْغَ لُوا قُ دُ ما جَ نَّ البعادُ وطَ الَ القلبَ بينُهُ مُ اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
بأس ال على الالحق ُ
83
84
َرثَى لحاليَ بعدَهُ م َفهَلَّ دَمَ ا هل عا َد ُحبُّ َك يَقْ ُسو بأس أم في التذكرِ ُ قد شَ فَّ نَا َيأ ُْس الكأسَ :يأ ُْس ُ وزادُ نَا الكأس يأ ُْس َ فزا َدنَا َك َتأ ُْسو خَ فِّ ْف نحيب َ بأس الحق ُ ٍ فما على إال إذا كنت ترجو للبقاءِ الخلود فدع متاهتك العنود كي ترتجي قر ًة هذا القصيد ثم استمل بالفؤاد وجه هذا الوجود بقدر ما تستطيعُ َك اآلتي.. أو فارتجل بيت َ ترجل عند ساحةٍ من يقينْ َّ واخفض جناحك رحمةً ْ اليقين استضاءْ ِ بمن في سنا هذا إن كنت ترجو الخلود. الموت.. ِ كذا يخرج الذاكرون إلى ساحة ركب القوافي. يخرجُ ُ وفي كل حين يشيّع من راح ممتطي ًا صهوة الموت في الراحلين إلى حيث يرسو القرا ُر المكين المقيم ِ الصباح ِ بريق تُظَ ِّللُهُ مْ غيمةٌ من ِ فيسترجعون لمن راح أوغل في معطف الغيب بالغياب ِ ملتحف ًا لقد عاش يرفو الحياة بروح وقلب حميم اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وكانت تمر الحياة عليه كبرق أثيم تهم إليه بنور خصيم يفارق عينيه قبل اكتحال الرؤى للظالم البهيم صبح مقيمٌ إليه.. ٌ أتى اآلن أتاك صباحٌ مقيم وكانت هواجسنا قد تسلت إلى ذكر هذا اليقين فدست بأرواحنا في الفراق تسلت بعين اليقين عن السوء.. سوءِ الظنون.. ...رجاءِ الزمان الخؤون والنفس ُ وإن رفَّ ت الروح منا لودك وأحدق فينا الظاللَ الحزن الحدس ُ وأنشب أظفره فال يأس ينعى على الالحقين.. وال بأس فيما يراودنا من وهن الصبح ِ فها قد أنا َر اليقينُ على صورة اللبس ُ وانقشع والالحقو َن على حافة العمر إذ ال يزالون ي ََّصا َفنُو َن الحيا َة يُ َغنُو َن للراحلينْ .. ُحاس قصائدهم من ن ٍ والمسافة مترعة بالحنين.. * استضاف المتقارب في القصيدة صوتاً من البسيط. * الشاعر أستاذ اللغة العربية وآدابها في كلية العلوم والدراسات اإلنسانية في السليل. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
85
مجهولة االسم؟! ρρأحمد مصطفى سعيد*
مجهولة الرسم واالسم عرفت تخرجني من دوائر حزني مساءً وأنا أهمس لورد شرفتي عن سراكتئابي وبكائي ووحشة القلب وعتمة الدرب ...... ...... أطل من بعيد وجه ال يبين فالليل وعتمته قطاع طرق للمغرمين وفراسة القلب جزمت صديقة وحدة مثلك والليل للشاكين السر آمين ما إن وقعت العين على العين فرت مرت كوميض ردها الفضول القلب المهجور الجسد البتول أرسلت من ضي العين سؤال أتراك مثلي أسير عذابات؟ رغم الزحام رغم الضجيج تشتكي الوحدة وفي القلب تلهو األنات مجهولة الرسم واالسم اقتفت ساعات صحوي سقيا وردي تمتمات وردي وشوشات نرد بختي وعلى زفير سيجارتي تطل تهل والحياء يسبقها * شاعر من مصر.
86
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
تختفي يردها الحنين مستأمنة الليل فرحتها ترخي للنشوة طرحتها تخطفها تعصب الكون الخوف ترديه تكشف األستار عن فواكه جنتها كنوز فتنتها روضها وآخر ال تدري بأن الليل لئيم نمام وكم رحيم ال يكتم سر عاشق ملتاع جسد لسلوى األنامل جواع أيام مرت وكالنا ارتضى من العشق بهمسة الدفين من بعيد (سحق ًا للمسافات العزول سحق ًا لكل حصور) ترى يا عشق يجمعنا دربك؟! أم نبقى العمر ننتظرالنجاة المساء الرحيم فتدب في األرواح الحياة والجسد النحيل عشق ًا شوق ًا يرسل السالم قبالت وأنين ًا مع ا ل ن س ي م
ρρحامد أبو طلعة*
ال تُخبري أحد ًا بهِ واستأثري في العالمين بحبهِ قولي له: ُصنْ حبنا واستحلفيه بربهِ كوني لهُ مثل المساء وخبئي أشواقهُ شمس ًا تضيء بدربهِ في ِسل ِْمهِ ،كوني على شفتيهِ أجمل بسمةٍ أو حَ ْربَةً في حربهِ سرّهِ كوني خزانة ِ وبشرّهِ ِ واستودعيه بخيره ال تُخبري أبدا بهِ سألوك عن نظراتهِ ِ حتى إذا نبضاتهِ كلماتهِ عن بُعْ دهِ ، عن قُ رْبِ هِ قولي لهم: خَ ل ٌْق أتى الدنيا على مَ َض ٍض هوى فما وجد الحيا َة سوى ً ووجدتُني في قلبهِ ..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وصية
* شاعر من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
87
إلى جزيرة فرسان الحالمة.. ُ الموان ِئ ذاكـــــــــرة ِ ρρجناة خيري*
غ � � � �ن � � � ��اءُ ع� � �ي� � �ن� � �ي � � ِ�ك ي � � � ��ا ف� � � � � � َرس � � � � ��انُ أش� �ج ��ان� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ي ب � � � � � � ��وحٌ ت� � � � � �ه � � � � ��ادَى وع� � � � �ش � � � � ٌ�ق ه� � � � � ��زَّ وج� ��دان � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ي �وج أغ � � �ن � � �ي� � ��ةٌ ل� � �ه � ��ا ط� ��رِ َب � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� � ْ�ت ح � � �ن� � ��اج� � ��رُ ال� � � � �م � � � � ِ ش � � � �ط� � � ��آن روح� � � � � � � ��ي وك � � � ��ان � � � ��ت غ � � � �ي� � � ��ثَ أل� ��وان � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ي �ال َل �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ي� � ��ا ق � �ب � �ل � � َة ال � � �ح� � � ِّ�ب ي� � ��ا ص � � � ��وتَ ال� � �ج� � �م � � ِ ي � � ��ا ب � �س � �م � � َة ال � � � � � � � � � � َورْدِ ف � � ��ي أح � � �ل� � ��امِ ب �س �ت��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي �أس� � � ��ا وت� ��رنِ � ��مَ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ةً أ َدر ُْت ف � � �ي� � � ِ�ك ال � � � �ه� � � ��وى ك� � � � ً �وق م � ��ن ع� �ي� �ن� �ي � ِ�ك ن��اج��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وأج � � �م� � ��لُ ال � � �ش� � � ِ �س ال� � � � ��وعْ � � � � � ِ�د دان� �ي� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ةٌ وم� � � � ��ن ن� � �خ� � �ي � ��لِ � � ِ�ك ش � � �م � � � ُ �ان ظ�ل��ا ُل � �ه� ��ا ح �ي �ن �ـ �ـ �ـ �م��ا ط ��اف� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ � ْ�ت ب��تِ � ْ�ح �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ� ِ ن � � �س � � ��ائ � � ��مُ ال � � �ع � � �ط � � ��رِ خ� � � � َّ�ط� � � � ْ�ت دربَ ب� �ه� �ج ��تِ � �ه� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ا ورق� � � �ص� � � �ةُ ال� � �ب� � �ح� � �رِ تَ� � � �هْ � � ��دي ك� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� � َّل حَ� �ي� �ـْ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��را ِن أب� � � � � � � � ��وحُ ل� � �ل� � �ب� � �ح � ��رِ ذاك � � � � � � � � � ��ر ًة ب � � �ه� � ��ا ه� �ت� �ف� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ � ْ�ت م � � ��وان � � ��ئُ ال � �ع � �ش� � ِ�ق م � ��ن ت � �غ� ��ري� � ِ�د ُش �ط��آن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي �اي األم� � � � � ��ان� � � � � ��يِّ أدري أي� � � � � ��ن وِ ْج � �ه� ��تُ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��هُ ن������� ُ �اك ف� � ��ي ل � �ه � �ف� ��ةٍ ت� � �ش � ��دو ألل �ح��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ه � � �ن� � � َ م� � � ��ن دان � � � � � � ��ةِ ال � � �ل � � �ي� � � ِ�ل غ � � �ن � � � ّي� � � ُ�ت ال � � � �ه� � � ��وى َو َل� � �ه� � �ـ� َ� �ـ� � �ـ� � �ـ ً� ��ا �واف ِش � ْري��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وض � � ْ�ح� � �ك � ��ةُ ال � �ف � �ج� ��رِ ف � ��ي تِ � � � ْ�ط � � � ِ ِ 88
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
م � � �س � ��اق � ��يَ ال� � � ��وق� � � � ِ�ت ط � � ��عْ � � ��مُ ال� � � ��ري� � � � ِ�ح مُ ��تَّ � �ك ��ئِ � �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ي رَسَ � � � � ��مْ � � � � � ُ�ت ف � � ��ي م � � ��وج � � ��هِ ص � �م � �ت� ��ي وت �ب �ي ��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ��ي س � � �ن � ��اب � ��لُ ال � � �ع � � �ش � � ِ�ق ض� � � � � ��وءُ ال� � ��عُ � � ��مْ � � ��ر أق � ِ�ط ��فُ � �ه� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ا �ات ال � � �ج � � �وَى م � ��ن ِج� � ��فْ � � � ِ�ن فُ �س �ت��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي م � ��ن ع� ��اط � �ف� � ِ �اك ب �س �م � َت � َه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ��ا سَ � � � َت� � � ْ�ج� � ��نِ � � ��يَ ال � � � � � � ��روحُ ف � � ��ي رؤي � � � � � � � ِ �داب أف �ن��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وم� � � ��ن أق � � ��اص � � ��يْ ش � ��جَ � ��ى األه � � � � � � � � ِ �روح مَ � � � ْ�س� � � �رَى ط � �ي � � ِ�ف ع��اط �ف �ت �ـ �ـ��ي ُأ ْب� � �ق� � �ي � � ِ�ك ف � ��ي ال � � � � � � ِ وخ� � � �ط � � ��و ُة ال � � �ح� � � ِّ�ب ت� �س� �ع ��ى ب� � �ي � ��نَ أج �ف��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ال� �م� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��دُّ أن � � � �ش� � � ��ود ُة ال� ��مَ � ��غْ � � َن � �ـ � �ـ� ��ى ب �ق��اف �ي �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وال � � � �ج � � � � ْز ُر ف � ��ي ُح � � ْ�س � ��نِ � ��هِ ِم � � �ي � � �ع� � ��ادِ يَ ال �ث��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي �وج ِس� � � ْ�ح� � ��رٌ ك � � ��مْ أل � � � � ��وذُ بِ �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ! وه � �م � �س� ��ةُ ال � � �م� � � ِ ل �ت �م �ح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ � َو ال� � �ه � ��مَّ ِم � �ن � ��ي ح � �ي � ��نَ ت �ل �ق��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ق� � ��د ذُ ْب� � � � � � � ُ�ت ف� �ي� �ه ��ا وذاب� � � � � � � ْ�ت ف� � ��ي ال � � �ث� � ��رى ُل �غ �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وذابَ ش� � �ع � ��ري ب � �ه� ��ا ب � � � ��لْ ك � � � ��لُّ أح ��زان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ٍ��ي * شاعرة من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
89
قصيدة هاشم تحمي نفسها من السقوط في متاهة القول ρρمحمد احلرز*
القصيدة التي يكتبها هاشم الجحدلي ال تثقل عليه لغته ،وال تنزل على أرضه الشعرية من مكان مرتفع ،مثل صخرة ال تجيد س��وى االرت�ط��ام ،وإث��ارة الغبار ،وتفزيع الطيور النائمة في أوكارها ،وتخريب العشب النابت في حنجرته .إنها القصيدة الضوء ،التي تكاد من شفافيتها المفرطة ال تلمس األشياء في فضاء روحه إال وحوّلته إلى أيقونة !..القصيدة الضوء ،التي ال تثنيها كمائن العتمة عن ال�ق��ول ،وال صخب الريح عن اإلص�غ��اء ،وال ارتفاع الموج عن االقتراب .وإذا كانت الخفة سمة الضوء ،فالقصيدة لديه سمتها العشق ،وكالهما الخفة والعشق لهما وشائج النسب ذاتها ،األول يعبُر فضاءه وال يتوقف ،بينما اآلخر يذهب إلى معناه مباشرة ..حيث دليل العاشق شغفه:
90
رؤى الصبي الصغير زرقة الموج بزرقة «مَ ن سيعيد القصيدة لي السماء ،ال ب��د أن ال��ذي ك��ان ي��راه من سوى ولعي، ه��ذه الزرقة يتوافق حسياً مع ما كان وسوى فتنتي بالغوايات يتناهى إلى مسمعه من صخب البحر بكل المليحات والمالحات». وهديره .وال بد أيضا هنا للمخيلة أن البحر والشاعر!.. تستثار ،وكأن مهمازاً بيد السائس جعل هذا الشاعر الذي سكنه البحر منذ الخيل من حوله تنفر في كل اتجاه .لكن والدته في قرية «ثول» التي تقع شمال المفارقة الحقاً أنك ال تجد البحر في جدة ،وسكنته أمواجه ..إذ اختلطت في قصيدته كما تجده عند شعراء آخرين: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات
م��ج��رد ب���وح ي��س��ري ف��ي ع����روق القصيدة كالمخدر ،بل هو المغزل ال��ذي يلتف عليه نسيج المعنى؛ ولهذا تأخذ قصيدته مالمح البحر وال ت��أخ��ذه ف��ي ال��وق��ت نفسه ،وك��أن غاللة شفيفة يخفي بها ما تحاول القصيدة إظهاره من عالقة عميقة مع البحر ،وليس االقتراب من عالم طفولته الممتد على أغلب مساحة نصوصه في مجموعته «دم البينات»، سوى هذه الغاللة التي تحمي دم القصيدة م��ن الكشف أو الهتك ،وتحميه أيضا من السقوط في متاهة القول. التطويع اإلبداعي هاشم الجحدلي من جيل الذين كتبوا وتقصي ّ القصيدة وه��م مقبلون على الحياة بحبٍّ البحث عن حياة كبار المبدعين، وشغف ،يتلمسون طريقها بأيديهم وليس تفاصيل حياتهم :القصيمي ،محمد العلي، ب��رؤوس��ه��م ف��ق��ط ،يكتبون دون أن يتركوا عبدالرحمن منيف ،هو الدليل على مثل هذا مسافة بينها وبينهم ،دون أن يلتفوا أو حتى التطويع اإلبداعي. يرفعوا الشوك عن أقدامهم؛ وعلى الرغم الشعر قوته.. م��ن التباين ف��ي اللغة والتجربة والعطاء هاشم كشاعر ..يمتلك القدرة على القول أي���ض���ا؛ إال أن ال�����روح ال��ت��ي ت��ك��م��ن خلف قصيدتهم هي قصيدة أخرى بامتياز .هذا خالف الكثير من الشعراء الذين يقولون ثم الحب وهذا الشغف لم يتسلل إلى قصيدة يصمتون كلياً ،بل يديرون ظهورهم للشعر، هاشم فقط ،ب��ل ام��ت��دَّ إل��ى ك��ل م��ا يفضي ويخرجون إلى ظاللهم بصمت مطبق! هذا إل��ى ام��ت�لاء مخيلته بالزيت ال��ذي يجعلها م��ا ن���راه ف��ي الكثير م��ن ال��ت��ج��ارب .هاشم تعمل باستمرار دون انقطاع أو خمول .حبه كشاعر يجيد القدرة على تجدّده بالشعر، للصحافة والدخول في عالمها لم تستسلم ومن ثم إعادة صلته بالقصيدة ..وإن كان من مخيلته إلى سلطتها وإغراءاتها المدمرة على موضع خارجها ،ورغم قلة ما ينتجه ،إال أنه ذات المبدع ،وجدناه يطوّعها الستفزاز ما يفتح مسربا إليها من خالل تماسّ ه الدائم تمس حساسية مع حركة اإلبداع؛ لذلك ،دائما ما أراه يش ُّع ُّ تراكم في مخيلته من خبرة المبدع من العمق ،وليس حساسيته تجاه ويتأل ُق عندما يُصغي إلى أصدقائه الشعراء. * شاعر من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
91
د .خولـة الكـريع ρρاحملرر الثقايف
ولدت خولة بنت سامي سليم الكريع في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف ،ونشأت وترعرعت في ربوعها ودرس��ت في مدارسها حتى الثانوية ،ثم التحقت بجامعة الملك سعود ف��ي ال��ري��اض لتنال درج��ة البكالوريوس ف��ي الطب وال�ج��راح��ة عام 1994م .ومن المركز القومي األمريكي لألبحاث في ميريالند بالواليات المتحدة األمريكية نالت درجة الدكتوراه في سرطانات الجينات عام 2001م .وهي اآلن كبير علماء أبحاث أمراض السرطان ،ورئيس مركز الملك فهد الوطني لألورام التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي. المؤهل العلمي
التشخيصي في مستشفى الملك فيصل التخصصي من عام 2003م، حتى اآلن.
دك��ت��وراه في سرطانات الجينات من ال��م��رك��ز ال��ق��وم��ي األم��ري��ك��ي ل�لأب��ح��اث ف���ي م���ي���ري�ل�ان���د ب���ال���والي���ات ال��م��ت��ح��دة -4ك��ب��ي��ر ع��ل��م��اء أب��ح��اث ال��س��رط��ان، استشاري من 2004م ،حتى اآلن، األمريكية عام 2001م. وت��ق��ود فريق طبي يعمل ف��ي هذا الخبرات العملية المجال. -1أس��ت��اذ م��ش��ارك ف��ي عالم سريري -5رئ��ي��س م��رك��ز األب��ح��اث ف��ي مركز الملك فيصل التخصصي ومركز ال��م��ل��ك ف��ه��د ال���وط���ن���ي ل��ل��أورام األبحاث 2002م2003-م، ال��ت��اب��ع لمستشفى الملك فيصل -2رئيس بنك األنسجة الحيوية في التخصصي وم��رك��ز األب��ح��اث في مركز األب��ح��اث بمستشفى الملك ال��ري��اض منذ ع��ام 2005م ،حتى فيصل التخصصي من عام 2003م. اآلن.
92
-3ال��م��دي��ر الطبي للمختبر العربي -6شاركت في العديد من المحافل اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
العلمية العالمية ،ولها أكثر من خمس وت��س��ع��ي��ن ورق�����ة ع��ل��م��ي��ة قُ���دِّم���ت في م��ؤت��م��رات علمية دول��ي��ة ،ف��ي أمريكا واليونان وسويسرا ،والصين وغيرها.. وتتمتع بعضوية ست لجان عالمية في مجال أبحاث السرطان وعلوم األمراض والجينات البشرية. -7حصلت على جائزة أفضل بحث علمي ل�لأع��وام 2008 ،2006 ،2004م في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الملك فيصل التخصصي ومركز األبحاث.
وت��ق��دي��را إلن��ج��ازات��ه��ا البحثية المتميزة التي جعلتها من الكفاءات التي يشار إليها بالبنان محلياً وإقليماً وعالمياً ،فقد قلّدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبداهلل بن عبدالعزيز آل سعود يرحمه اهلل ،وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى في 26محرم حينئذ كلمته المشهورة ٍ 1431ه��ـ .وق��ال لها (تستاهلين) ،فجعلتها عنواناً ألحد كتبها.
-8حصلت على ب��راءة اختراع من ألمانيا عن اكتشاف التضخم الجيني لجين (إ. إس .آر )ESR-في سرطان الثدي عام 2007م ،وهي حصلت على جائزة جامعة هارفارد للتميز العلمي عام 2007م. -9نشرت نحو 300ورقة علمية في دوريات طبية محكّمة. -10عضو مجلس الشورى في المملكة منذ عام 1434هـ. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
93
الشاعر سعد الثقفي
االرتياح للنص من وجهة نظري أولى العتبات في الدخول إلى النص.. ومن الخطورة على المثقف جعل اإلنترنت مرجعا يثق به كشاعر ومثقف وأك��ادي �م��ي ..رس��م لنفسه واق �ع � ًا ب�ش��روط تناسب ح�ض��وره في فضاءات الكلمة ،الشاعر سعد الحامدي الثقفي ،..أنيق في سرده ألفكاره ،حريص على أن يكون له رأي في قضايا الكلمة كما هو أيض ًا حريص على توثيق حياته البسيطة التي عاشها في طفولته .هذا ما جاء في إجابته على سؤالي وتهنئتي له بحصوله على درجة الدكتورة في التخصص العلمي «الكيمياء العضوية» ،..وكيف علم يهتم بطبيعة المادة ومكوناتها؟ التقى الشاعر الذي يعتمد على اللغة برجل ٍ قال« :لم أسمع يوما بأن علما ما – أي علم -يمنع المشتغل به من اإلب��داع في مجال آخر ،لقد عشقت الحرف منذ أن وعيت هذه البسيطة ،وكان الكتاب خليلي في جميع مراحل حياتي تقريبا؛ ابتداء من رعي الغنم والفالحة في قريتي قبل أنْ أغادرها إلى المدينة ،وكانت القصيدة هي الترياق الوحيد ال��ذي استعملته للقضاء على غربة المدينة ،وذكرياتها ،ولذا لم أنفك يوما عن القصيدة والقراءة األدبية»... ρρحاوره :عمر بوقاسم
¦ ¦«م��دارات النص» مقاربات نقدية في ال�م�ن�ج��ز اإلب ��داع ��ي« ،ب �ع �ي��دا» ،شعر، «بعض ..وجع» ،شعر ،هذه اإلصدارات
94
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
الثالثة التي صافح بها الشاعر سعد الثقفي الساحة الثقافية والصادرة ع ��ن ال � �ن � ��وادي األدب � �ي� ��ة ب��ال �م �م �ل �ك��ة،
ρ ρإنّ��ه قلق التجربة يا صديقي؛ فبالرغم من قِ دم التجربة ،فقد بدأت النشر في المنتصف الثاني من ثمانينيات القرن ال��م��اض��ي ،إ ّال إن��ن��ي ك��ن��ت م��ت��ر ّي��ث��ا في مسألة النشر ،الناقد األدب��ي في داخلي كان محرضا على النشر من جهة ،ومن جهة أخ��رى ك��ان ص��ارم��اً يجعلني أراج��ع النصوص باستمرار .ولذا تركت مسألة النشر للوقت .كان لديّ ما يمكن أن أطلق ¦ ¦أن يكتب شاعر «ما» رواية أو عم ًال سردياً، لم يعد شيئا غريبا ،فهذه الحالة أصبحت عليه عدم القناعة بالنشر ،طالما أنّ ما منتشرة في الساحات الثقافية العربية، كتبته موجود في الصحافة وفي المواقع فمن الكتّاب من يرفض اإلل��ك��ت��رون��ي��ة .لكنّ نظرتي تغيرت بعد ρ ρالرواية هي وعاء أدبي يعالج شيئا وص � � ��ف ه � � ��ذه ال� �ح ��ال ��ة ال ي �م �ك��ن م �ع��ال �ج �ت��ه ف ��ي ال �ن��ص ب� ��ال � �ت � �ح � �وّل ب � ��ل ي� �ع ��ده ذل�����ك .األص���دق���اء الشعري ،فمن يكتب الرواية عليه ت ��واص�ل�ا ط �ب �ي �ع �ي��ا ب�ي��ن ك��ان��وا يلحّ ون دائما ف �ض��اءات الكتابة ،ومن ع���ل���يّ ف���ي م��س��أل��ة أنْ يلمّ بخيوط لعبتها جيدا ح��ق الشاعر أن يحضر ال��ن��ش��ر ،والحقيقة ρ ρأن��ا أث��ق ف��ي ثقافتنا ومبدعينا؛ لكنّ هناك دخالء على فن الرواية ف��ي أي ف �ض��اء إب��داع��ي، إن����ن����ي ل�����م أخ���ت��� ْر نخلهم الزمن بمنخله وأن ه � � � � ��ذه ال� � �ح � ��ال � ��ة األندية األدب��ي��ة ،بل سرعان ما يُ ّ ل � �ي � �س� ��ت ب � ��ال� � �ج � ��دي � ��دة ك��ان��ت ال��ن��ي��ة تتجه الذي ال يرحم!.. ع�ل��ى ال �ش��اع��ر ..ومنهم لبعض دور النشر؛ ρ ρل��م ت�ت�ع��ارض ال�ك�ي�م�ي��اء ي��وم��ا مع م � ��ن ي� � ��رى أن � �ه� ��ا ع �ق��دة لكنّ أصدقائي في الشعر؛ وال مع النقد؛ بل زادتهما ال � � �ت � � �ص � � �ن � � �ي� � ��ف ول � � �ه � ��ا األندية األدبية طلبوا تعايشا وانسجاما في داخلي!.. مني هذه الكتب ،ولم س�ل�ب�ي��ات�ه��ا ال �ت��ي ت�ع��ان��ي اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
قلت اإلص ��دارات الثالثة على الرغم من حضور اسمك في الساحة الثقافية منذ م�ن�ت�ص��ف ث �م��ان �ي �ن �ي��ات ال� �ق ��رن ال �م��اض��ي، م��ا ال�س��ر ف��ي ق�ل��ة ال �ك��م؟ وم��ن المالحظ حرصك على اإلص��دار من جهة النوادي األدبية «الرياض ،الباحة ،الجوف» ،وأنت م ��ن ج �ي��ل عُ � ��رف ب ��إص ��دارات ��ه ع �ب��ر ال ��دور المنتشرة بالوطن العربي؟
تُعرض عليهم ،ولذا كانت الفكرة جيدة من حيث النشر عبر األندية األدبية ،سيما وإنَّ ناديين أدبيين نشرا لي هما نادي الباحة األدب��ي ،ون��ادي الجوف األدب��ي يشتركان في النشر مع مؤسسة االنتشار العربي، وهي دار نشر جيدة من وجهة نظري؛ لذا ارتحت للنشر عبر األندية األدبية وعبر مؤسسة االنتشار العربي معا .ما نُشر هو مختارات فقط من التجربة الطويلة والممتدة منذ الثمانينيات كما ذك��رتْ . ول��ذا قد أض��م نصوصا أخ��رى من هذه التجربة المجموعة الكاملة التي أفكر في نشرها .وهناك مجموعات شعرية أخرى وكتب نقدية ،وفي المقابل هناك المزيد من الكتب بالنسبة لتجربتي ،سيتم نشرها.
95
م�ن�ه��ا ال �س��اح��ة ال�ث�ق��اف�ي��ة ،ال �ش��اع��ر سعد الثقفي ،ماذا يقول في هذا االتجاه؟
96
ρ ρال��رواي��ة ف��نٌّ جميل ،محظوظ من يجيد اإلم���س���اك ب��خ��ي��وط حبكتها ال��س��ردي��ة، وأعتقد أنّ الرواية هي وعاء أدبي يعالج شيئا ال يمكن معالجته أو إيراده في النص الشعري مثال؛ ول��ذا ،فمَن يكتب الرواية عليه أ ْن يل ّم بخيوط لعبتها جيدا ،وهذا لن يحدث إال بعد قراءة فن الرواية جيدا. وفي حقيقة المشهد الشعري السعودي ه��ن��ا ،ف��وج��ئ��ت ب��م��ن يكتب س��ي��رة ذات��ي��ة ويظنها رواية وهي ليست كذلك ،وهناك من يلتبس عليه الموضوع بشكل محزن؛ الشاعر الكبير علي الدميني في الغيمة الرصاصية كتب صفحات كثيرة وكانت محبوكة ب��ج��رس موسيقي وبتفعيالت القصيدة ،وهذا ليس قدحا في روايته؛ حق أي إنسان في هذه البسيطة أن يكتب وإنما أورد هذا كمثال بسيط على تلبس رواية سواء أكان شاعرا أم غيره .لكنّ من الشعرية وبال شعور يوردها الشاعر في يكتب رواية عليه أ ْن يلم بفنّها جيدا ،وقد س��رده ال��روائ��ي .ه��ذا على سبيل المثال يجمع فنونا كثيرة شريطة إقناع القارئ بالطبع! ول��ه��ذا تظل السردية محفوفة بعلو كعبه في هذا الجانب أو ذاك .وقد بالمخاطر ،ولكنها ليست عصية على من يحدث المستحيل يا صديقي ،والمستحيل أتقن فنها ،واألمثلة كثيرة جدا عن شعراء هنا ه��و أ ْن يكتب أح��ده��م رواي���ة يتيمة وقاصين وأدب���اء كتبوا رواي���ات ناجحة. تتوافر فيها ُك ّل مقومات النجاح ،فيخترق وفي الرواية تختلف المسألة من وجهة العادي والنمطي ،وتُسجّ ل له هذه الرواية نظري؛ فلن نطلق على شخص كتب روايته الوحيدة.. األول��ى روائيا؛ بل األمر يحتاج أن ينشر روايات كثيرة حتى يقنعنا بأنه جدير بهذه ¦ ¦ وهل نحن على موعد مع روايتك األولى؟ التسمية .أمّا الرواية األولى واليتيمة من ρ ρما قلته في اإلجابة على السؤال السابق ينطبق عليّ كما عنيتُ به اآلخرين! كتبت البعض ،فهي مرحلة إرهاصات قد تكون فصوال كثيرة من رواي��ة اسمها «ختام»، ما قبل الرواية الحقيقية ،يصدقها الكاتب وف��ي مرحلة المراجعة ،وقلق التجربة أو يكذبها إ ْن استمر وأثبتْ لنا ذلك .من اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
يأخذني إلى التريث في ُك ّل شيء ،وحتى لو تم نشر هذه الرواية؛ واقتنعت بها ودفعت بها للمطبعة ،فلن يتم اعتباري روائيا من وجهة نظري ،إ ّال إذا ضمنت للقارئ الديمومة واالستمرار في هذا الجانب، ¦ ¦ ت �ح��دث �ن��ا ك �ث �ي��را ع� ��ن اإلض � ��اف � ��ات ال �ت��ي الروائي يحتاج إلى خبرة عمالقة ،وصبر تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية، على الكتابة ليس بالهين ،وأعتب ُر مرحلة أليس لهذه الشبكة أي سلبية على الشاعر ما بعد األربعين معقولة للبدء في كتابة أو المثقف بصفة عامة؟ رواية؛ ولذا ،يظل المشهد لدينا مضحكا مبكيا من حيث األعمال الروائية؛ فوهم ρ ρبل لها كل السلبيات على المثقف عموما م��ع األس���ف! فجُ ل م��ا يُكتب ف��ي وسائل الرواية يتلبس كثيرا من الكُتاب ،وعدم التواصل بما في ذلك الشبكة العنكبوتية اح��ت��رام العمل األدب���ي يجعل (بعضهم) م��ل��يء ب��األخ��ط��اء اإلم�لائ��ي��ة ،والنحوية، يتجاسر على ه��ذا المشهد فيدفع بما ومعظم الذين ي���وردون المعلومات عبر يظنه عمال رصينا إل��ى المطبعة .كم اإلنترنت يوردونها بطريقة غير جيدة ،كأن يحزنني ذلك كثيرا ،وبعضهم يستغل ذلك تكون منقولة أو مسروقة أو محرّفة ،لذا، ماديا في النفخ في كير هذا الكاتب أو من الخطورة بمكان على المثقف جعل ذاك ليوهمه بأنّ ما كتبه رواية عظيمة. اإلنترنت مرجعا يثق به ،هذا من ناحية، أنا أثق في ثقافتنا ومبدعينا؛ لكنّ هناك ومن ناحية أخرى أتذكر أنني ألقيت ورقة دخالء على فن الرواية سرعان ما ينخّ لهم عن وسائل التواصل االجتماعي في مؤتمر الزمن بمنخله الذي ال يرحم؛ فيتساقطون األدب�������اء ال��س��ع��ودي��ي��ن ف����ي ب���ح���ر ال���زم���ن ρ ρوس� ��ائ� ��ل ال� �ت ��واص ��ل االج �ت �م��اع��ي ال��راب��ع ،وأت��ذك��ر جيدا ال�����ذي س��ي��دخ��ل��ه��م جعلت السبحة تنفرط تماما وأن ودب ش��اع��را كيف خلصت فيها إلى ف��ي إت��ون��ه الضخم. ي�ص�ب��ح ك��ل م��ن ه � َّ�ب َّ جهل المثقفين عندنا هناك روائيون كبار وناقدا وقاصا وروائيا! إلى كيفية التفريق بين ل���م ي��ك��ت��ب ل��ه��م من ρ ρمكتبتي قطعة مني ،ن�ش��أتْ معي ال���ذي���وع واالن��ت��ش��ار المواقع اإللكترونية من وحملت همها خالل ُ منذ الصغر، ك��م��ا ك��ت��ب ألش��ب��اه ح��ي��ث ال��ت��ص��ن��ي��ف وم��ن سنين عمري المختلفة. ال��روائ��ي��ي��ن ال��ذي��ن حيث االق��ت��ب��اس منها. �ا � ك � ح � ض � م �ا � ن � ي �د � ل �د � ه � ش � م � ل ا �ل � ظ � ي ρ ρ خدمتهم ال��ظ��روف وه���ن���اك ج���ان���ب أك��ث��ر مبكيا من حيث األعمال الروائية، والعالقات والقرب إي�ل�ام���ا ف���ي اإلن��ت��رن��ت ف��وه��م ال��رواي��ة يتلبس ك�ث�ي��را من م���ن ص��ن��ع ال���ق���رار ووس�����ائ�����ل ال���ت���واص���ل الكُ تاب!.. ال��ث��ق��اف��ي .وال زلت االج���ت���م���اع���ي���ة ،ف��ل��ق��د أراه�����ن ع��ل��ى ق�����دوم ج��ي��ل م���ن ال��ن��ق��اد سينصفون المظلومين م��ن الروائيين السعوديين ويعيدون األمور إلى نصابها، واثق من فترة منصفة ستجيء يوما.
97
فضح كثيرا م��ن الكُتاب والكاتبات بسبب ضحالتهم ووضعهم الكتابي السيئ؛ ما يجعلك تتوقف كثيرا وأنت فاغرا فمك :تُرى مَن كتب ذلك العمل األدبي الجميل، لهذا الذي ال يجيد كتابة جملة واحدة بال أخطاء؟ لقد فضحهم اإلنترنت دون أن يشعروا .ولك أن تتخيل كيف يجيء مستخدم ما ،فينقل قصيدة لك أو عمال أدبيا ما، دون أن يستأذن منك ،وقد يشوّه هذا العمل ويحرّفه، فيسيء إليك كثيرا بسبب جهله وحماقته؛ ل��ذا ،يظل اإلنترنت سوءا ال بُد منه ،لك أن تكتب على سبيل المثال بيتا للمتنبي وأ ْن تُبحر في اإلنترنت عبر القوقل مثال، وستحزن حين تجده كُتب محرفا آالف المرات .هناك قوانين تُسن للتعامل مع اإلنترنت ،لكننا هنا – وكعادتنا – فوضويون ويتجاسر الدهماء والعامة على إتالف كل شيء جميل دون احترام لقيمة العمل األدبي .ألم ت َر يا صديقي كيف امتألت وسائل التواصل بالمقاطع التي عزفت النصوص عبر الشيالت مثال ،وعبر اإلنشاد الذي ال يقل سوءا .وسائل التواصل االجتماعي جعلت السبحة تنفرط تماما وأن يصبح كل من هبَّ ودبَّ شاعرا وناقدا وقاصا وروائيا. ¦ ¦ تطفو ع�ل��ى ال�س�ط��ح االت �ه��ام��ات ب�ي��ن ال�ن��اق��د وال�م�ب��دع، «ال �ن �ق��د ال ي��واك��ب ال �ح��رك��ة اإلب ��داع� �ي ��ة»« ،غ �ي��اب ال�ن��ص اإلبداعي الجاد الذي يستحق أن يقرأ» ،أنت هل تنصف طرف ًا على اآلخر ؟
98
ρ ρال تستطيع أ ْن تجبر ناقدا على تناول أي عمل إبداعي ال يرتاح إليه ،فاالرتياح للنص من وجهة نظري أولى العتبات في الدخول إليه ،والنقد أنواع متعددة ،فهناك نقد يأتي لعمل أدب��ي ما ،يعد نقدا فرديا ،وهناك نقد ٍ من ناقد مرحلي (جماعي) مقارن .وهذا هو الذي تحتاجه الحركة الثقافية األدبية في المملكة ،وهو يقع على مسئولية األقسام األدبية المتخصصة في الكليات والجامعات التي عليها أن تتناول كل ما ينشر عبر عشر سنوات مثال وتناوله اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
بقضه وقضيضه بالفحص والتمحيص، والحكم عليه في نهاية المطاف بما يليق ب��ه ،ألن ت��رك الحركة الثقافية عموما دون م��ع��ي��ار ن��ق��ديّ يلتفت إل��ي��ه��ا يض ّر كثيرا بالمشهد الثقافي ،ويجعله لقمة سائغة لكل من هب ودب ،ال بد من النقد المرحلي الذي يحيي هذا الكاتب ويحكم ρ ρلم أسمع يوما بأن علما ما -أي علم -يمنع على ذاك بطريقة نقدية علمية ،بحيث المشتغل به من اإلب��داع في مجال آخر، تخلو من االنتهازية وتصفية الخالفات لقد عشقت الحرف منذ أن وعيت هذه والمحسوبيات .النقد هنا ال يمارس دوره البسيطة ،وكان الكتاب خليلي في جميع مع األس��ف ،فهو يتحيز للمرأة بشكل ما مراحل حياتي تقريبا ،اب��ت��داء من رعي يجعلني أتساءل عن مغزى هذا التحيز - الغنم والفالحة في قريتي قبل أ ْن أغادرها مع احترامي بالطبع للمبدعات منهن وهن إلى المدينة ،وكانت القصيدة هي الترياق كثر والحمد هلل -ما جعل كثيرا منهن الوحيد الذي استعملته للقضاء على غربة يقعن في وهم الكتابة ،وهناك نقد أعده المدينة ،وذكرياتها؛ ولذا ،لم أنفك يوما من باب المجاملة يقوم به بعض الكتّاب عن القصيدة والقراءة األدبية. دعما ألصدقائهم .وهناك ما ال يمكن وحين جاءتْ الكيمياء في المرحلة الثانوية أن توصمه إ ّال بالجحود ،حين يتم تناسي بالتحديد ،فتنتني باهتمامها بجوهر األشياء، مبدع قوي في المشهد الثقافي من النقد، وبأنها علم يفتح آف��اق��ا واس��ع��ة للقصيدة وم���ن ال���دراس���ات مثال ،فيكفيك النظر ال���م���ت���خ���ص���ص���ة ،مقتطفات من قصائد مريرة: إلى الدالالت من زوايا ب��ي��ن��م��ا ي��ش��ب��ع��ون ()1 م��خ��ت��ل��ف��ة وأ ّن ل��دي��ك اس��م��ا م���ا ن��ق��دا .حينَ ولِ َد كان مليئا بالعيوب، علما يجعلك ت��ح��دّق ويظل الزمن كفيال مليئا بالنواقص، ومالمح جنوبية .ف��ي ُك��ن��ه األش��ي��اء .إنَّ ٍ أبيض، َ رأس كبيرٍ ،ووجهٍ أي���ض���ا ب��إن��ص��اف كان ذا ٍ مفردة الكيمياء تعني ال����م����ب����دع����ي����ن ،وما عدا ذلك :كان قزم ًا حقيرا. في معنى من معانيها: لطبيب القريةِ المجاورةِ ، ِ وب��ف��ض��ح ال��ن��ق��اد وحين أخذوه ل����ذة األش����ي����اء ،ول���ذا مريض هو اآلخر! ٍ ال����م����غ����رض����ي����ن .في رحلةٍ على حمارٍ ، تلك الرحلةِ ، وس��ي��ف��رض النص رأى الرُ غبَ في َ فهي تجلب إليك لذة الجيد نفسه ولو فبقي معلوال ،يخاف الطبَ واألطباءَ. ال��م��ف��ردة ،ل��م تتعارض ذلك األعسرُ الذي لفحتهُ القرى، ال��ك��ي��م��ي��اء ي���وم���ا مع بعد حين. أنا! كان ها، بنيرانِ الشعر؛ وال مع النقد؛ ¦ ¦ م� ��ؤخ� ��را ح�ص�ل��ت ع �ل��ى درج � ��ة ال ��دك� �ت ��وراه ف ��ي ال�ت�خ�ص��ص ال�ع�ل�م��ي «ال �ك �ي �م �ي��اء ال �ع �ض��وي��ة» ،وأث �ن��اء حديثنا لفتني عشقك لهذا التخصص وت��وغّ �ل��ه ف��ي روح��ك ،كيف التقى الشاعر علم يهتم الذي يعتمد على اللغة برجل ٍ بطبيعة المادة ومكوناتها؟
99
كتبوا القصيدة وجاءوا من وجهات مختلفة ليست اللغة واحدة منها .اللغة وعاء فقط، والتخصص فيها ال يمكن أن يصنع موهبة وال قصيدة ،إنّ��ه سيصل ب��ك إل��ى وع��اء القصيدة ،ولكنه لن يكتب قصيدة ،ولذا تجد القصيدة الحقيقية لدى الموهوب/ المبدع ،أما النحوي غير الموهوب فهو ناظم ،وما أكثر النظامين في زمننا هذا.
100
ب��ل زادتهما ألقا وتعايشا وانسجاما في داخلي .والكيمياء عادة تعتمد على جانبين: االف��ت��راض��ي ،والتطبيقي فك ُّل فكرة مثال تعضد صحتها من تفتقر إلى التجربة ،التي ّ عدمها ،ولها قوانينها الصارمة والحقيقية، ولذا تجد صرامة الكيميائي في تعامله مع المادة ،يطبّقها في تعامله مع النص األدبي شعرا كان أو نثرا .وإ ْن كنتُ مُقال بطبيعة ال��ح��ال ف��ي الجانب األدب���ي عما أن��ا عليه ¦ ¦ تجربتك الخاصة في عالم الصحافة ،ما في الجانب الكيميائي ،ألنه الجانب األكثر مدى تأثيرها على سعد الثقفي الشاعر، استخداما وتعامال ف��ي حياتي اليومية، ف� �م ��ن ال� �م� �ت� �ع ��ارف ع �ل �ي��ه أن ال �ص �ح��اف��ة وبخاصة بعد أن حصلت فيه على أعلى تستهلك المبدع ،وتكون سببا في ابتعاده الشهادات. عن المنابر أو تفرغه لكتاباته اإلبداعية؟ من جهة أخ��رى ،كان علماؤنا السابقون ρ ρتستطيع أن تتعايش مع أعمالك أيا كانت يكتبون ف��ي أكثر ه���ذه األع���م���ال ال��ت��ي م��ن م��ج��ال ،فقد ()2 تقوم بها ،أعتقد أنّ تجد أحدهم يكتب مرةً ،رأى الموتَ وهو يصيدُ صغا َر الضفادع، السبب الحقيقي في ف�����ي ال���ف���رائ���ض في المياهِ اآلسنة. نجاح أي شخص يكمن وال����م����وس����ي����ق����ى كان يحسبها سمكا-ذلك القروي الذي في تنظيم وقته ،وفي السمك بعد- َ يعرف ْ وال��ش��ع��ر وال��ن��ق��د ،لم م��دى مباركة اهلل له انزلقت قدمهُ النحيلةُ في ْ وه��و حانوتي في وحين في وقته ،والصحافة ال����س����وق .ف��ع��ل��وا الطحلب المستوي على الصخرةِ ِ وج��دتْ لها مكانا في ذل�����ك إلي��م��ان��ه��م الملساءِ ، ق��ل��ب��ي ،م��ن��ذ ال���ب���دء، بشمولية اإلنسان لم يغرقْ ! لقد كنت صحفيا في ال���م���ب���دع ،وب��أن��ه كانت هناك يدٌ شقيةٌ ،أعادتهُ للحياةِ . المرحلة المتوسطة، خُ ���ل���ق ل��ي��ت��واص��ل ومر ًة أخرى.... وأشرفتُ على اإلذاعة سقط في غديرٍ آخرَ... َ م��ع أش��ي��اء كثيرة شقي آخ َر للحياه! وال يحصر نفسه وأعاده ٌ المدرسية عندما كنتُ الموت بجانبهِ ، ُ بعيد ،مرَّ ٍ ف����ي ع���ل���م واح����د وذات مساءٍ ط��ال��ب��ا ف��ي ال��ث��ان��وي��ة، َ ليخطف صديقهُ ،ويدعهُ وحيدا كالنخلةِ .وأج����ري����ت ح������وارات أب���دا .وم��ن نافلة ه ُ ويعيد دائما، بهِ يتربص ُ ن مَ هناك كان بسيطة مع المعلمين ال��ق��ول إن���ك تجد للحياة البائسة. وغيرهم ،وتعلمتُ أنّ أن هناك مبدعين اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات الشخصية الشعرية ل��ي ،كونها قرّبتني من الشعراء واألدباء وجعلتني أشعر بهم كمبدعين وهذا بفضل الصحافة ،وكانت الصحافة محرّضا على العمل األدبي في داخلي وأدين لها بالشيء الكثير .ولم أندم يوما على دخول بالط الصحافة.
الصحافة هي وسيلة مهمة لتسليط الضوء على شيء ما ،وأنا الصحفي عليّ أ ْن أدير دفة الحوار لكي يخدم فكرة ما ،أريد لها أن تُخدم من خالل الصحافة .والصحافة الثقافية هي قريبة من اإلبداع الثقافي من وجهة نظري ،وممارستها تجعلك تغوص في بحر األدب ،ولم تكن الصحافة يوما ¦ ¦ هناك تصنيف يقيم الساحات الشعرية ل���ديّ محرقة ألنني من بلد إلى آخر ..فمثال ()3 أن��ظ��ر إل���ى الكتابة ه �ن��اك ش �ع��راء يصنفون التراب، ِ خط ْت له اسمها على ّ ع��م��وم��ا – ب��م��ا في س��اح��ات �ه��م ب��أن �ه��ا األك �ث��ر يرعيان الغنم. ِ حين كانا تألقا وجدية ،كيف تقيم ذل���ك ال��ص��ح��اف��ة – الحبَ بعدُ !! لم يعْ رِ فا ُ أن� ��ت ال �س��اح��ة ال �ش �ع��ري��ة بأنها عمل إبداعي وقبلَ أنْ يغرقا في الرومانسية، السعودية؟ شقي هو اآلخر. ٌّ خ���ل���اّ ق واس��ت��م��ت��ع نهرهما فمٌ بالغنم. ِ بكتابته وب��م��ح��اورة فلحقا ρم����رت ال��س��اح��ة ρ ض��ي��وف��ي وبالكتابة كان القطيعُ شقيا هو اآلخر حين ال��ش��ع��ري��ة ف��ي المملكة اسمها،ومضى! حروف ِ َ طمس َ عن اإلب��داع .أعترف العربية السعودية بعدة لك ..كانت الصحافة -باع أبي الغن َم مراحل -إذا ما اعتسفنا الح ُب األولُ غريبا، الثقافية بالنسبة لي ومضى ُ –الزمن :فأولها ،مرحلة وفاز بقلبها ذلك (العسكري). رافدا من روافد بناء ما قبل الثمانينيات وهي
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
101
مرحلة ما يمكن أن نسميها بالرواد وما بعد ال��رواد-م��ج��ازا-؛ ألن أدب بعضهم رديء جدا وال يختلف عن ما يكتبه بعض العوام اآلن .وكبيرة عليه مفردة الريادة. وثانيا ،مرحلة الثمانينيات وهي شهدت والدة شعراء يستحقون اإلشادة بتجربتهم الشعرية بقوة وك��ان لهم اتصال ب��األدب العالمي عموما ،ووض��ح تأثرهم باآلخر من خالل االحتكاك والقراءة .ثم جاءت مرحلة التسعينيات وشهدت زخما كبيرا ووالدة شعراء قصيدة النثر بشكل واضح وإن كانت كُتبتْ من قبل .كانت الساحة ال��ش��ع��ري��ة تسير ب��رت��م معين وه���و جيد في مجمله؛ حتى بالنا اهلل بما يسمّى باإلنترنت ،فجاء كل من هب ودب لينشئ موقعا وليكتب شعرا ال تملك إ ّال أن تفعل عند قراءته كما فعل األصمعي حين بكى!
102
المشهد الشعري للشعراء المعروفين في المملكة ال ي��زال جيدا ومنتجا للشعراء المبدعين ،ولكنّ اإلنترنت أ ّث��ر على هذا المشهد من جهتين :دخول الغثّ والسمين على خط النشر ،ما أفسد الشعر الحقيقي
في سيل هادر من الفوضى الشعرية غير الخالّقة؛ ومن جهة أخرى ،سهّل اإلنترنت التواصل مع شعراء العربية في ُك ّل مكان، وه��ذا جانب ل��ه إيجابيات وسلبياته في الوقت نفسه؛ فأنت تتواصل مع العالم بكل سهولة ،لكنك تفقد خصوصيتك ،ألنك تتأثر باآلخر وتؤثر فيه ،وسيجيء اليوم ال��ذي تُكتب فيه القصيدة ال��واح��دة ،وقد خلتْ من ُك�� ّل خصائص المشهد الشعري عند ه��ذا أو ذاك .إنني أرق��ب الشعراء العراقيين في المنافي مثال ،فأجدهم بعد رحيلهم عن العراق قد تغيروا (بعضهم) فلم يعد لديهم ما يمكن أن أسميه القصيدة العراقية .وهكذا المشهد السعودي ،يعاني من التشابه كثيرا هذه األيام ،ومن سطوة ال��وس��اط��ات ال��ت��ي جلبتها ،جلبة األن��دي��ة األدب��ي��ة وسطوة النقاد األكاديميين على المشهد الثقافي ،إذ رأيت شعراء وشاعرات غير ناضجين فنيا قد وصلوا بمباركة منهم، وهذه إرهاصات تسيء ألي مشهد ثقافي. وفي يقيني أ ّن الجانب النقدي هو أسوأ ركن في المشهد الثقافي السعودي.
()4 ث �ل�اث� ��ون ع� ��ام � � ًا ل� ��م أ َر وج � � َه� � ِ�ك ال � ُ�ح �ل ��وا وع � � � � ��اثَ ب � �ن� ��ا ذا ال� � � ��دّ ه� � � ��ر ،إنَّ خ � �ي� ��و َل� ��هُ ت�ج�ي�ئ�ي��نَ ل��ي ف��ي ال� ُ�ح �ل� ِ�م ،أح �ل��ى ق�ص�ي��دةٍ ت� �ق ��ول� �ي ��ن ل� � ��ي ،وال � �ل � �ي� ��لُ أرخ� � � ��ى س� ��دول� ��هُ أأن� � � � � �تَ ه � �ن ��ا ي � ��ا ش � ��اع � ��ري غ � � ��نِّ ل � ��ي أل � ��مْ ث � �ل � ��اث� � � � ��ون ع� � � � ��ام� � � � ��ا ،إن � � � �ه � � � ��ا ل� � �ك� � �ث� � �ي � ��رةٌ
ُب �ل �ي �ن��ا وأب �ل��ان � ��ا ال� � ��زم� � ��انُ ول� � ��م ي�ب�لا �رت م��ن ح��ربِ �ه��ا كهال ُت�غ�ي��رُ علينا ،ص � ُ ف��أك �ت �ب �ه��ا ِّش � �ع� ��را ،و ُت ��رج� �ع� �ن ��ي ط�ف�لا وأن � ِ�ت ب��ه ،ك��ال�ن�ج� ِ�م ف��ي فُ �ل�ك��هِ األع�ل��ى ت َر الوج َد أبكاني ،فهل عندكم حالّ؟ وما مات لي حبا ولم يبقَ بي عقال!!
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
()6 يدوزنُ العو َد “ أيوب” الغض إلى قريتهِ َّ ويأخذُ الفتى الحالمةِ بين جبلين. فلكمْ أخذتهُ المدينةُ جسدا. أمّ ا روحهُ ،فهي هناك. يُ عيدها إليهِ أيوب طارش: (ما أحلى بنات الجبل ،لما يطوفون المدينة بالثياب الدّ مس ،خدود مثل الورد ،ضوء الفجر يرويها ،وأعطاها، حرس .محوطات الوجوه ْ المشاقر البيض ،بالكادي ،المُ سقى في برود الغلس).. . جبل يا أيوب وال ليس هناك بنات ٍ قرويات ٍ يجئنَ صباحا، ليس هناك سوى عودٍ يدندنُ وفتى يبكي اآلن يبكي...
ρ ρالمشهد الثقافي لدينا يجعلك إما منضويا ت��ح��ت ل���واء ش��لّ��ة م���ا ،وه���ذا سيجعلهم يمجدونك ليس ألدبك ،وإنما لشلّتك التي ترتب لك كل شيء ابتداء من الحوارات وال���ل���ق���اءات واألم��س��ي��ات ول��ي��س ان��ت��ه��اء بحضور المناط الثقافية الرسمية .وأنا بطبعي كنتُ صارما وحادا مع ُك ِّل ما ليس أدبا ،ولم أمرر ال صحفيا وال نقديا أشياء من تحت الطاولة ،وكنتُ أسمي األشياء بأسمائها؛ وه��ذا جعلني من المغضوب عليهم وم��ن غير المرغوب فيهم كثيرا؛ بسبب صراحتي التي ال تقبلها الشلل األدب��ي��ة عندنا! لك أن تتخيّل أن وزارة الثقافة واإلع�ل�ام ل��م تستدعني لتمثيل المملكة إال بعد بلوغي العقد الرابع من ع��م��ري ،بينما استضافت مَ��ن ن��ام على المنصة لصغره ،وم��ا خفي ك��ان أعظم، ومَ��ن فضحنا في ال��خ��ارج ألن��ه ال يجيد ال��ق��راءة الشعرية مثال! ول��م أك��ن مهتما بما يقال نقديا في ال��داخ��ل ،ألن النقد الداخلي لدينا تحكمه المصالح إال ما رح��م رب���ي .وع��ل��ى المستوى الخارجي، كانت الدراسات المحكمة والمصنّفة هي مَن أنصفتني ،فالدكتور علوي الهاشمي هو أول مَ��ن كتب عن تجربتي الشعرية خارجيا ،ثم توالت الدراسات التي جاءت على بعض قصائدي واستشهدت بها في دراسات محكّمة هنا وهناك. ولذا :فرهاني على النقد الحقيقي الذي اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
()5 والفتا ُة الوحيد ُة التي اصطفاها، بين كُ ِ ّل النساءِ ! -خنساء العصر – ِمن ِ كما يحلو لهُ أنْ يسميها – ساخطا!! تسكنُ على مقربةٍ منهُ . لم يرها هي األخرى منذُ عشرين عاما تلمس يد ُه يدها قط. ْ ولم شقي يبحث عن إبرةٍ في صحراءٍ . ٌ ينتظرُ الموتَ إذن ليختتم به قصصهُ العقيمةُ فهل يجيءُ هو اآلخر؟
¦ ¦ كيف ترى قراءة النقاد لقصيدتك؟
103
يخلص للعمل األدبي الجاد ،وهو سيأتي يوما م��ا؛ إمّ��ا تجار الشنطة والمصالح الضيقة ،فلم أعوّل عليهم يوما ما.
104
ال��ذي تركن إليه الجماهير ،وتثق فيه، وأج��ده في المثقف متى استخدم هذه البرامج بشكل جيد.
¦ ¦«تويتر ،فيس بوك ،كيك ،وغيرها» ،نوافذ ¦ ¦ ..ه� ��ل ل� �ن ��ا أن ن� �ت� �ع ��رف ع� �ل ��ى م �ح �ت��وى للتواصل االجتماعي المهمة والمنتشرة مكتبتك؟ ع� �ل ��ى ال �ش �ب �ك��ة ال �ع �ن �ك �ب��وت �ي��ة ،م� ��ا م ��دى ρ ρمكتبتي قطعة م��ن��ي ،ن��ش��أتْ معي منذ اهتمامك بهذه النوافذ؟ الصغر وحملتُ همها خالل سنين عمري ρ ρالشاعر ليس بمعزل عن الحياة ،بل هو المختلفة ،وك��ث��ي��را م��ا جعلتني انتظر محرّك الحياة ،والمثقف الحق ،هو من رحمة الرقيب في المطارات لكي يجيز يكون في قلب ال��ح��دث ،غير بعيد عما هذا الكتاب أو ذاك ،إنها حاضنتي التي يحيط به ،وهو مَن يحرّك الجمهور ويؤثر أخذت من وقتي ساعات وساعات ،وكل فيه ،والقصيدة وحدها قد ال تفعل شيئا ك��ت��اب فيها ه��و ج���زء م��ن ع��م��ري ،وإذا هذه األيام؛ فوسائل التواصل االجتماعي كنت تسأل عنها؛ فما يوجد في مكتبتي ه��ي ق��ن��وات م��ه��م��ة ل��ل��ت��واص��ل ول��خ��دم��ة من كتب ورقية ،يعادله أضعاف أضعاف األف��ك��ار -أي��ا ك��ان��ت ه��ذه األف��ك��ار-إن��ه��ا من الكتب في نسخ من CDالتي تحوي تفعل ما يفعله السحر في مسألة الذيوع ع��ش��رات المجلدات ،حيث ع��م��دتُ إلى واالنتشار ،وتفيد المثقف كثيرا إ ْن أحسن جمع الكتب التي أريد من هنا وهناك في استخدامها بشكل ج��ي��د .فالمباشرة، أقراص .وإذا كنت تسأل كيفا ،ففيها كل واآلن��ي��ة والتفاعل السريع مع األح��داث ما قرأته خالل أربعة عقود من الكتب، يجعل م��ن ه���ذه ال��ب��رام��ج االجتماعية والحقيقة إنّ هذه الكتب اآلن باتت في سالحا مهما يمكن أن يستخدمه المثقف متناول إصبع في اإلنترنت التي تحوي في توصيل أفكاره .ولقد كنتُ سباقا إلى ماليين الكتب ،لكنّ عالقتي بها عالقة استخدام التكنولوجيا والتي لم تعقني وجدانية ،فأنا أحفظ كتب الكيمياء ،وركن ي��وم��ا ،لقد ك��ان��ت م��وض��ع ف��رح بالنسبة الروايات والشعر وهكذا ،بل إنني أفتقد لي ،واستخدمتها بشكل جيد منذ البدء، الكتاب ال��ذي ض��اع منها أو اختفى كما وأعتقد أنّ المثقف عليه أ ْن يدخل هذا أفتقد أح��د أبنائي إ ْن غ��اب .ولهذا هي العالم ،ليعرف الجمهور الفرق بينه وبين تمثل لي الشيء الكثير .وليس هناك أل ُذ بعض ال��ع��وام ال��ذي��ن استخدموا وسائل من بهجة مصافحة الكتب فيها وكأنها التواصل االجتماعي استخداما سيئا .إن هذه البرامج تحتاج إلى األنموذج المكتمل تصافحني واحدًا واحدا. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
الوهيبي تقول:
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
الشاعرة العمانية بدرية
الشاعر العماني يحتاج أجنحة ضوئية ليراه اآلخر بدرية الوهيبي شاعرة وقاصة عمانية ،من مواليد مسقط عام 1975م ..نالت عددا من الجوائز في القصة والشعر .مثّلت السلطنة في أندية فتيات الشارقة (المسرح وإبداع المرأة في شبه الجزيرة) .وفي األسبوع الثقافي العماني بمدريد/ إسبانيا 2000م ،وفي عمّ ان/االردن 2001م ،وفي مهرجان المرأة بالقيروان /تونس.
ρρحاورتها :هدى الدغفق
¦ ¦ع� � �ل � ��ى خ � �ل� ��اف ب� � �ع � ��ض ال� � �ش� � �ع � ��راء ال � �م � �ع� ��اص� ��ري� ��ن ،ت� �ت� �ع� �م ��ق ص� � ��ورك الشعرية ،ويستشف منها خصوبة خ�ي��ال��ك وث ��راء م�خ��زون��ك ال�ل�غ��وي- قلّما يتحقق لدى شعراء التفعيلة ال � �ح� ��ال � �ي � �ي� ��ن ،ب � �ش � �ك ��ل خ� � � ��اص م��ا ت�م�ت�ل�ك�ي�ن��ه م ��ن إم� �ك ��ان ��ات ال�ق�ب��ض ب��ام �ت �ي��از ع �ل��ى إل �ه��ام��ك -م ��ا ال ��ذي ساعدك على ذلك؟ ρ ρالشعر حالة دائمة التأجج ،وعملية
الكتابة الشعرية معتمِ د ًة أساساً على اللغة ،وه��ي م��ا يُ��ع��وّل عليها داخل النص .اللغة هي الكائن الذي إن لم يتوضأ من اللجج ..سيبقى يقتات من جسده حتى ينحل ،ولعل اكتشافي للغة وتشظياتها ما بعُد منها وما َقرُب ..هو محاولة إلبعاث ال��ن��ص م��ن رم����اده وغ��ب��ن ت��ك��راره، وما تفعله المخيلة هو الذهاب بي إل��ى آب���ار الشعر السبع متمازجة اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
105
بالماورائي والواقعي واألسطوري ،ومن شعرية خ�لاق ٍ��ة، ٍ ِ��ص��وَرِ ثَ���مَّ ،ب��ن��اء ن��ص ب ُ تحتمل ك��ل ال��ت��أوي�لات الجميلة وغير الجميلة ،أن تمشي على الشوك حافيا ورأسك مكشوف تحت عواصف الجنون، متأبطا شعراً وزه��راً ..متربصاً للمعنى كما يحلو له ولك ،مباغتاً ما تراه فنتازياً لصنع ما ال تراه في النص ..لكنك حتما تقصده .القراءة المكثفة وعصيان آليات الوزن والتحرر من عبوديتها يدخلك في عمق رحم القصيدة ..سواء جاءت تفعيلة أم نثراً ،كالهما كفي ٌل بقتل عادة وجرها إلى الجمال والحب والحرية. ه��ذا م��ا ساعدني إن ك��ان صحيحا ما قلتيهِ في التجربة..
في المحاذير أثناء كتابة مقال أو قصة، أفكر في اآلخر أينما كان وماذا؟ لذلك يخرج نصاً مرتبكاً أو نصاً يتكئ على الرمزية ليصل إلى مبتغاه بيسر. ولست معنية كثيراً بأمر اآلخر وسطوته في الكتابة الشعرية ،فهي لي ،وال عالقة ألي ك��ائ��ن بما تحتويه ودالالت���ه���ا ،وال أحملها عَ بَأ الرمزية طالما أردْتها شفيف ًة كضوء النهار ،ببساطة ال سطوة للرجل أو المجتمع في لحظة كتابتي الشعرية، ال سطوة حتى إلبليس وأعوانه الجميلين واألش��د ض��راوة من الخطوط الحمراء المتاحة وغير المتاحة .أكتب الشعر ألج��ل روح���ي ،ألج��ل س�لام��ي الداخلي واستقراري ،أكتب الشعر ألتنفس براثن خطيئة الجمال ،دون أن يشير أحدهم بإصبعه ن��حْ ��وي ،أكتب ألطلق أجنحتي النورانية وأطير بعيدًا ،أكتب لتخرج من دمي غزالن الحياة وتتوالد في خضرتي..
¦ ¦ت �ع �ب��ري��ن ع ��ن ل �غ��ة األن� �ث ��ى وح �س �ه��ا؛ ما يدفع إلى التساؤل حول سطوة ال َّنفَس ال� ��ذك� ��وري ع �ل��ى ال� �م ��رأة ت��اري �خ �ي��ا ،عبر موروثها االجتماعي التقليدي وظهوره إب ��داع �ي ��ا .ك �ي��ف اس �ت �ط �ع��ت ال �ت �ح��رر من ¦ ¦ي �ت �ض��ح ت� ��أث� ��رك ب� �ط� �ق ��وس األس ��اط� �ي ��ر ال�ل�غ��ة ال��ذك��وري��ة ،وص�ن�ع��ت ن�ب��رت��ك التي والصحارى والبداوة والقبلية واالرتحال حولّتك فارسة ال فريسة؟ والال استقرار والال قرار ،ألم يحن الوقت للتخلص من سطوة التعبير عن القبلي ρ ρاللغة في األصل أنثى ،نحن من يحاول على النفس الشعري وال�ش�ع��ور والوع��ي تقسيمها لتشتيتها وتضييقها ،لست ال �ش��اع��ر ،خ��اص��ة وإن ل��ه ذات� � � ًا م�ت�ح��ررة أبالي كثيرا بهذه السطوة التي ال تقلقني متطورة مؤثرة متاثرة .وما حاجتك إلى أثناء لحظة الكتابة الشعرية بالذات، ذلك ونحن نعاصر العولمة؟ ربما إن كانت كتابة سردية أو مقالية
106
تستدعي اس��ت��م��رار الحكاية والتوقف ρ ρال أع��رف عما تتحدثين ،ال عالقة لي للتساؤل في لحظة الوعي الخالقة ،أفكر بقبيلة أو جيش أو عولمة.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م ��ا ي �ح��دث��ه وس�ي�ط�ه�م��ا ال �م �ب��دع فيهما ¦ ¦ك� �ي ��ف ي �م �ك��ن ت ��وص� �ي ��ف ال� �ع�ل�اق ��ة ال �ت��ي اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
حين أكتب ال أضع في ذهني ثيمة ،أو أس��ط��ورة ،أو ص��ح��راء ،أو ب���داوة ،ولعل لحظة الالوعي تستخرج ه��ذه األشياء ρ ρليس شكل النص ما يحدد طوله وقصره، أثناء الكتابة بقصد أو بدونه ،إنها في إنما التجربة ..ففي مرحلة سابقة لم ال��م��خ��زون ال�لام��رئ��ي تكمن وراء هذه ت��ك��ن قضيتي التكثيف ب��ق��در حاجتي المفردات ،تأثري باألسطورة ربما يأتي البوحية ورغبتي في اجترار الصورة التي لقلقي من الواقع والمصائر ،لذا أبحث تضعني بين مشهدين م��زدوج��ي��ن ،أما عن مدينة تحت ال��م��اء ،أو رداء أبيض نصوصي األخيرة فهي قصائد تشكلت شفيفاً يمتد من الغيم حتى األرض ،ذلك بفعل التكثيف واالختزال إلى ما يشبه العبء الذي نحمله على كاهلنا وال ندرك (الومضة) ..سواء في التجربة النثرية أو إلى أين سينتهي بنا ،الخوف من االنتهاء التفعيلة ،وطبعا هذه المقدرة على إضاءة الشعوري والشعري والجسدي ،الخوف المعنى بأقل ممكن من كلمات والوصول من كل ما هو حقيقة ال نستطيع تحمل إل���ى ال��ن��ص ب��ك��ل ت��ف��اص��ي��ل��ه ف���ي بضع وجودها.. كلمات ..هنا تكمن الخبرة والتجربة التي أم��ا الصحارى وال��ب��داوة فما أجمل أن شكلت هذه المرحلة األخيرة من شكل نعود إليها ونتمرغ ببدائية الرمل والنجوم النص. والشجيرات المتناثرة على يباس الروح، ال شك أن كتابة قصيدة داخل الوزن أو عموما هما رم��ز ال�لا اس��ت��ق��رار وال�لا تفعيلة معينة ال تشبه كتابة نص نثري ثبات ،والعزلة .ثمة تمزقات في الروح خ��ارج ال���وزن واألط���ر ،كذلك ف��ي كتابة وشظايا في حياة كهذه نعيشها اآلن ،هل قصيدة عمودية مؤطرة ببحر وقافية هذه العولمة؟! واح���دة ،حتما ال يصنع الجمال سوى ¦ ¦م ��ا ب �ي��ن ال �ن �ث��ري وال �ت �ف �ع �ي �ل��ي ي �ت �ف��اوت ال��خ��روج م��ن الظلمة وال��ق��ي��ود ،النثر نفسك اإلبداعي ،ففي نصوصك النثرية ُ يجردني من كل شيء فتخرج انكساراتي القصر ،في نفسك الشعري نحو ِ ينحو ُ وحيواتي وعشقي في أتم وأنقى صورها حين أن��ه ي�ت�ه��ادى بطوله ف��ي قصائدك وشعورها ..ال جدوى من التدخل فيما ال � �ح� ��رة وال �ت �ف �ع �ي �ل �ي��ة .ل � �م� ��اذا ي�خ�ت�ل��ف تُسنه القصيدة من قوانين ،يقف المبدع شهيقك بين أسلوبين شعريين؟ وتتأثر حاجزا وحائال بين ما تريده القصيدة، زفراتك بين هذا وذاك؟ ما العالقة بين وبين ما يرده من منهجية ونمطية.. اختيار األسلوب وبين فكرته؟ وما جدوى
م��ن م��وازن��ة ي��ؤس��س ب�ه��ا اإلب � ��داع نمطه ومنهجه؟
107
ت��رب��ط ب �ي��ن ش �ك��ل أس��ال �ي �ب��ك اإلب��داع �ي��ة ومضمونها ن�ث��را وتفعيلة وترتبط بها، وب �ي��ن م� ��زاج ال �ت �ل �ق��ي وال �م �ت �ل �ق��ي بشكل عام؟ وهل لرغبتك الالواعية -الواعية رب�م��ا ،ف��ي إرض ��اء ميل المتلقي العربي إل��ى ال �م��وزون ون �ف��وره م��ن ال�م�ن�ث��ور ،وم��ا م� ��دى ت ��أث ��رك ب �م��وق �ف��ه س �ل �ب��ا وإي �ج��اب��ا، ودوره متأثرا ومؤثر ًا دو ٌر في لجوئك إلى تنوعك إبداعيا؟ وما موقفك من ذلك؟
108
ρ ρف��ي ه��ذا ال��وق��ت م��ن ال��زم��ن م��ا ع��ادت قضية ال��ش��ك��ل ت��ؤث��ر بحجم م��ا يفعله الشعر والشعر فقط ،أصبح المتلقي ال��ع��رب��ي متشبعا بتلك ال��ن��ب��رة العالية والخطابية ،لذلك ال يمكن االستهانة ألغمت الوجوه ،ولكن اليوم أشعل الحريق بقدرة المتلقي وفهمه ،فهو يعرف الغثَّ ف��ي جسدي وروح���ي ألض��يء قصيدتي من السمين ويكتشف الشعر من النظم، النثرية وليأنسوا نارها ..كتبت القصيدة ف��ه��و م��ت��ل��قٍّ جميل يبحث ع��ن الجمال ال��ع��م��ودي��ة س��اب��ق��ا ،وحينما فشلت في الذي عينه االستسهال والفهم الخاطئ تجديدها لضيق ذات اللغة والقاموس لكتابة الشعر ،وفي نظري الشخصي إن اللغوي الذي أملك ..تركتها ،لكنني أعود قصائدي الموزونة التي لم أوثقها في إليها كلما داهمني الخليل بن أحمد.. المجموعة ،هي تجربة متواضعة ال ترقى أما التفعيلة فهي القصيدة التي تكتبني فعال لمستوى قصيدة التفعيلة أو النثر، في الالوعي بإيقاعها الحر ،لكنني أنفلت وإن كان ثمة موسيقى تأنس لها األذن من القيد وال أ َقفّيها ألجعلها تقترب من العربية ..حتما في السابق كان موقف الحميمة (النثر) ،ه��ذا ما علمني إياه المتلقي من قصيدة النثر ليس مقبوال ش��ع��ري ،وذه��اب��ي إل��ى الشعر والحرية بها وب��االع��ت��راف ب��ام��ت��داده��ا للمشهد والجنون يجذبني أكثر. التطوري الشعري العربي ،فقد كنت أقرأ القصيدة النثرية وأنا أنظر إلى الوجوه ¦ ¦ك� �ي ��ف ت �ن �ظ��ري��ن إل � ��ى ت� �م � ّ�س ��ك ال �م �ب��دع وال� � �ت � ��زام � ��ه ال � �م � �س � ��ؤول ن� �ح ��و إب� ��داع� ��ه المتسائلة والممتعضة والمستنكرة عن ومتلقيه؟ وما القيمة المتأتية من وعي ماهية ه��ذا ال��ك�لام ،وأبتعد عنها كلما اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
¦ ¦بمقارنة ش��اع��ر متأثر بالتلقي ،وشاعر م��ؤث��ر ف��ي ال �ت �ل �ق��ي ..ه �ن��اك س� ��ؤال :أي��ن
ال �ن �ح��و ..ت�خ�ل�ط�ي��ن ف�ي�ه��ا ب �ي��ن أس��ال�ي��ب فنية عدة ،أال ترين أنها تستهلك بعض
ρ ρه����ذه ل��ي��س��ت ق��ض��ي��ة ال��م��ب��دع خ��اص��ة المتورط في الشعر ،ال يمكن ألي شاعر ي��ؤم��ن بحقيقته وق��ص��ي��دت��ه أن يختلق ρ ρم��ت��أث��ر وم��ؤث��ر ف��ي ال��ت��ل��ق��ي ،تقصدين المتلقي أو ما تلقاه وتم تلقينه؟ عالما ال يناسبه في علم التهذيب وتربية الذائقة ،لكنه يجب أال يسمح لنفسه أن إن كنت تقصدين المتلقي ..فأنا أحترم يسيء لذهن المتلقي ويسيء لقدرة وعي الثاني المؤثر؛ ألنه يحمل سحراً عظيمًا أي متلق ،ألن الكالم البسيط والسطحي وأك���ي���داً ،أم���ا اآلخ���ر ف��ه��و ت��اب�� ُع ل��ري��اح والمبتذل يسيء بشكل أو بآخر للمتلقي، اآلخ��ري��ن ،فكلما و ّل��ت األفئدة شطرها إن لم يكن لدي شعر فأصمت ،يستطيع ولّ���ى ه��و ف����ؤاده ،متخليا ع��ن الحكمة المبدع التعبير عن فكره وشعره والدفاع التي تقتضي منه االستبسال والدفاع عنه -إذا تطلب األمر -ولكن ال يستطيع عن حقه في التعبير بأي شكل يريده، أن يفرض القبح في المكان.. ويترك للمتلقي حرية اإلعجاب بعمله من استنفاره ،األسئلة األخ��رى ال أملك فكما تقبّل المتلقي العربي قصيدة النثر اإلجابة عليها ..كون ضآلة حجم تجربتي (الهجينة) كما يسميها بعضهم – شيئاغير مكفول باإلجابة على نتائج ورؤى فشيئا ،ألن��ه��ا ت�لام��س ش��غ��اف ال���روح، مستقبلية في الثقافة واألجيال والمجتمع وتالمس جراح نكأتها أصابع التسطيح والرأي العام ..ويكفيني قول (قل كلمتك واالستسهال ،فإن المتلقي قادر ومدرك وامض). ِ لماهية الشعر الحقيقي ،وإن كان هجينا، وم��درك لكيفية التعامل مع كل ما هو ¦ ¦زاوج� � ِ�ت ب�ي��ن أس��ال�ي��ب فنية م�ت�ع��ددة في دخ��ي��ل وح���دي���ث ،وم���دى تقبله ل��ه من أي ب �ي��ن أس �ل��وب��ي ال�ن�ث��ر ال �ن��ص ن �ف �س��هْ ، عدمه ..األمر كله للمتلقي كما القصيدة وال�ت�ف�ع�ي�ل��ة ،وت �ن��وعَ ��ت ب �ع��ض ن�ص��وص��ك كلها للشاعر.. وت� �ن ��اوب ��ت ع �ل��ى ذل � ��كُ .ج� � ��رأة ع �ل��ى ه��ذا
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
المبدع ب��دوره في تربيته ذائقة التلقي وتمرينها على قبول اإلب ��داع باألسلوب ال�م�ن��اس��ب ل�م�ض�م��ون��ه وف �ك��رت��ه ف��ي نظر مبدعه ،وت�ع��وي��ده على استقالله فكريا ومرونته قرائيا.
ي �ك �م��ن اخ� �ت�ل�اف أح��ده �م��ا ع ��ن اآلخ� ��ر؟ وك�ي��ف ي�ت��م تفسير ال ��دور وال �غ��اي��ة التي تتحقق لكليهما نحو إبداعه ومتلقيه؟ وم� � ��ا ال� �ن� �ت ��ائ ��ج اإلي� �ج ��اب� �ي ��ة وال �س �ل �ب �ي��ة المترتبة على ذلك االختالف والمؤثرة في الثقافة واألجيال والمجتمع والرأي العام التي تتضح على أرض الواقع؟
109
الشيء طاقتك التعببرية ،ما يدعو إلى س��ؤال��ك ع��ن :م��اذا تكنين وراء تنويعك م��ن م �ع��ان ،وإل ��ى أي ح��د تثقين بتفهم ال�م�ت�ل�ق��ي ل�ت�ن��وع��ك وإع �ط��ائ��ه ال�ت�ق��دي��ر الذي يستحقه؟ وإذا كانت لديك وجهة نظر مغايرة ال نعلم بها حدثينا عنها؟
أما المشهد الشعري العماني فهو رغم عمقه وق��درت��ه على سبر أغ��وار النص بصورة نقدية ومقاربة ،إال أن الشاعر العماني يحتاج أجنحة ضوئية ليراه اآلخر ..وأنا متأكدة أن الشاعر العماني بدأ في تأسيس رؤية خاصة به من قبل
ρ ρال أختار شكل القصيدة ،وال كيفية كتابتها وزم���ن ذل��ك وم��ك��ان��ه ..ه��ي تفعل ذل��ك، من هذه الطبيعة المتاخمة لجدار الروح، فاطرحي السؤال عليها ..أكتفي بقول أكثر من مجرد عزلة حاكتها جغرافيا ال الشاعر بول فاليري« :تَهِ بُناَ الربّ الْبَيْتَ ي�� َد لنا وال لتاريخنا بها ،ولكنه أحبها؛ األَ َّو َل بِظُ ر ٍْف وَد ُو َن مُقاَب ٍِل؛ أَم َّ��ا الْبَيْتُ ألنها تنسج الشخصية الشعرية العمانية صنْ َعتُهُ» .وليس بالضرورة َّني َف َعلَيْناَ َ الثا ِ المختلفة والمغايرة عما هو سائد.. أن تتشكل قصيدة عمودية إلكمال البيت الثاني ،فلعها مشروع وزني يستحيل مع ¦ ¦ما اآلل�ي��ات التي يمكن بها دع��م اإلب��داع الواعد في الخليج ورعايته؟ اللحظة إلى نثري ..كله جائز في الشعر. اآلخر ،ومتأكدة أن في عُمان ما هو أكثر
¦ ¦ك� �ي ��ف ت �س �ت �ق��رئ �ي��ن ال� �ح ��رك ��ة ال �ش �ع��ري��ة ρ ρملتقيات خليجية ربما قادرة على إزالة السعودية بشكل عام والحركة الشعرية خ��ط الحديد ال��ذي تقف عليه طويال العمانية بشكل خاص؟ ق��ط��ارات ال��ث��ق��اف��ة دون ح����راك ،ولعل
110
ρ ρحقيقة إن التجربة الشعرية السعودية تشكلت منذ فترة سابقة رغ��م طغيان الثقافة الشعبية ،لكن ه��ن��اك أسماء تستحق ق��راءت��ه��ا ب��اس��ت��م��رار تحرضك على فعل ال��ج��رم ال��م��ش��روع والجميل (القصيدة) ،وحتى في السرد أرى أنّ هناك مشهداً سعودياً ثرياً متجدداً قادراً على فك كل القيود والتحرر من كل ما يجلد النص ويربكه ،وأن��ا أع��رف بعض األسماء السعودية ،وأتواصل مع بعضها، ونتشابه كثيراً في هذا الجنون والصدق.. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
االشتغال الفردي ال��ذي يقوم به بعض ناشطي اإلنترنت من الشعراء ..كفيل بصنع القاعدة ،أما المؤسسات فال يعوّل عليها كثيرا.. تبادل إعالمي ثقافي أسبوعي بين بلدان الخليج ،والتركيز على المبدع في مكانه، ليعرف عنه اآلخر ويتواصل مع التجربة.. وكذلك النقد والقراءات النقدية لبعض أعمال الواعدين ونشرها في دوري��ات وصحف خليجية أخرى..
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الصالون الثقافي بين الماضي والحاضر ρρغادة هيكل*
ت�ع��د ال�ص��ال��ون��ات ال�ث�ق��اف�ي��ة ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي من أه��م منابر التواصل بين مثقفي المجتمعات وكتابهم وشعرائهم ،كما تعد وسيلة فعالة لمناقشة أح� � ��وال ال� �ب�ل�اد وم� ��ا ط� ��رأ ع �ل��ى ال �م �ج �ت �م �ع��ات م��ن متغيرات ،س��واء بالسلب أو اإليجاب .وللصالونات الثقافية ت��اري��خ ط��وي��ل يمتد م��ن ع�ص��ر الفراعنة الذين هم أول مَن عرفوا الكتابة والتدوين ،وسجلوا على ج��دران معابدهم ليالي السمر ..والتي كانت تتلى فيها النصوص من األناشيد ،وتعزف فيها الموسيقى وت��روى القصص ،ثم تطور األم��ر على م� ّر التاريخ ،وأخ��ذت الصالونات لها خصوصية مختلفة نتيجة للتواصل الذي بدا على المقاهي الشهيرة وفي األسواق ،مثل :سوق عكاظ للشعر والذي استمر حتى اليوم ،ومجلس الملوك مثل سيف الدولة الحمداني ،ومجالس عبدالملك بن مروان ،والمأمون وغيرهم؛ وأول صالون أدبي ظهر في القرن األول الهجري ،هو صالون السيدة «سكينة بنت الحسين بن علي» رضي اهلل عنهم جميعا، حيث امتاز صالونها باألدب الرفيع والعلم الغزير ،واجتمع ببابها الشعراء يطلبون اإلذن منها لينشدوها أشعارهم ،وكانت تستمع لهم من وراء حجاب .كما ظهرت في األندلس والدة بنت المستكفي ،وكانت تجالس الشعراء وتحاضرهم وتجادلهم، أمثال ابن زيدون وابن عبدوس وغيرهم من كبار القوم وشعرائهم. أم���ا ف��ي ال���ق���اه���رة ..ف��ق��د تحولت ال��ص��ال��ون��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة م���ن األم��اك��ن ال��م��ف��ت��وح��ة وال��م��ع��روف��ة ب��ال��م��ق��اه��ي ال��م��ن��ت��ش��رة ف���ي وس����ط ال���ق���اه���رة..
واشتهرت بمقاهي األدباء ،لتتخذ شكال أكثر خصوصية في أوائل القرن التاسع عشر ،ومن أشهر الصالونات التي بزغت بعد الحرب العالمية 1941م ،صالون اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
111
ن��ازل��ي فاضل ابنة مصطفى فاضل باشا وباهتمامها وحتى قلبها ،وق��د كتب فيها الملقب بأبي األحرار ،وكان يحضره عدد من العديد م��ن القصائد ،وروي ع��ن عشقها
كبار رجال الدولة منهم سعد زغلول ،ومحمد العديد من القصص ،إال أن صالونها ظل عبده ،وقاسم امين ،وقد غلب على مناقشاته م��ن أش��ه��ر ال��ص��ال��ون��ات على م�� ّر ال��ت��اري��خ، الطابع السياسي والديني واالجتماعي.
والذي كان له دور في الحراك األدبي نتيجة
ومن أهم الصالونات وأشهرها ..والذى للتنافس الشديد بين محبيها ،ما أدى إلى اتخذ الطابع األدب���ي «ص��ال��ون م��ي زي��ادة» غ��زارة اإلنتاج األدب��ي في تلك الفترة ،ومن
التى أتت من فلسطين إلى مصر عبر لبنان أمثلة ذلك مصطفى ص��ادق الرافعي الذى واستقرت فيها ،وقد اتخذ صالونها شهرة قدم أشهر كتبه :السحاب األحمر ،ورسائل
واس��ع��ة اس��ت��م��رت ح��ت��ى اآلن ،ل��ي��س فقط األحزان ،وأوراق الورد. لمؤلفاتها ،ولكن ألسباب منها: وك��ذل��ك أح���دث ال��ص��ال��ون ف��ي الساحة ثقافتها الواسعة التي كان وراءه��ا عدد الثقافية واألدبية المصرية ما يشبه الصدمةمن اللغات ،وموهبتها الفطرية ،ورهافة الكهربائية ،فبرزت أسماء لم تكن معروفة، حسها الفني واألدبي. وازداد المشهورون شهرة ،وترسخ األسلوب
الحرص على إثبات الوجود الذاتي في السليم ألدب الحوار والجدل ،وكان البذرةالمجتمع المصري ،وه��ي الفلسطينية األولى للعديد من الصالونات التي أسست اللبنانية ،وقد رأت أن للبنانيات وللبنانيين في القاهرة واالسكندرية .وظهرت القصة النازلين بمصر نشاطا رياديا في مجاالت والرواية والتراجم والنقد مع تطور الحياة
الصحافة والفن المسرحي والسينمائي ،األدبية ،وظهور العديد من الصالونات مثل: والشعري واألدبي. -ص���ال���ون ال���ع���ق���اد :وي��ع��ق��د ص���ب���اح كل
-الحرص على االستفادة أدبيًا وثقافيًا من
الشخصيات التي تقصد صالونها ،فقد
بمصر الجديدة ،ويحضره العديد من
مصر ومنهم (أحمد شوقي ،عبدالعزيز
حمدي إم��ام ،وعبدالحي دي��اب ،وطاهر
وك��ان لجمالها وثقافتها وحسن إدارتها
هو السبب فى شهرة أنيس منصور بما
كانوا يمثلون القمم األدبية والفكرية في
الشخصيات :أن��ي��س م��ن��ص��ور ،وأحمد
فهمي ،خليل مطران ،عباس العقاد.)...
الطناحي ،وغيرهم ..ولعل هذا الصالون
للصالون وصوتها الرخيم ،م��ا يخيل إلى
112
جمعة ،ويمتد لعدة ساعات في مسكنه
م��ح��دث��ه��ا أن���ه ه���و وح����ده ال��م��س��ت��أث��ر بها
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
كتبه عنها بعنوان (كانت لنا أيام) ،والذي أصبح مرجعا لتلك الفترة بما تناوله رواد
وفكرية فيما يدور؛ فلسفة ،أدب ،تاريخ ،الصالونات هو رغبة مجموعة من المثقفين سياسة ،نقد. ذوي االه��ت��م��ام��ات ال��خ��اص��ة ف��ي التعبير
أم���ا ص��ال��ون ال��ش��اع��ر ال��دك��ت��ور أحمد ع��ن اه��ت��م��ام��ات��ه��م وم��ي��ول��ه��م وات��ج��اه��ات��ه��متيمور ،فهو صالون ثقافي أدبي ،بدأ سنة الفكرية أو السياسية أو العلمية ،وع��دم 1987م ،وهو نصف شهري ،يعقد مساء ق��درة المؤسسات الثقافية الحكومية على األربعاء األول والثالث في العاشرة مساء ،توفير منابر حرة للحوار والنقاش وتبادل
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الصالون من أحاديث وتنويعات موضوعية
وال���س���ب���ب األه�����م ف���ي اس���ت���م���رار ه��ذه
وقد يمتد إلى الثانية صباحً ا ،ومن أهم اآلراء ،ورغ��ب��ة بعض المثقفين والوجهاء وال��ش��خ��ص��ي��ات العلمية ورج����ال األع��م��ال أهدافه المعلنة هدفان: األول :تحقيق التنوير بمفهومه األصيل ال���س���دي���د ال�����ذي ي��س��ت��رف��د ال��م��اض��ي
والحاضر.
التعبير عن المكانة أو الوجاهة االجتماعية،
وعدم توافر نوادي اجتماعية ..ما أدى إلى تحول بعض الصالونات الثقافية مع الزمن
إلى نوادي اجتماعية نخبوية تضم مجموعة
الثاني :االعتماد على التجريب الداخلي ،من األصدقاء منها: وإش���ب���اع األن������واع األدب���ي���ة وال��ث��ق��اف��ي��ة صالون الدكتور وسيم السيسي ،صاحبالمظلومة التي ال تنال من اآلخرين كثيرًا «صالون المعادي الثقافي» ،الذي أسسه من االهتمام. عام 1990م ،وهو طبيب وباحث في علم ويستضيف الصالون في األمسية علمًا المصريات ،يقول عن تجربته« :جاءت من أع�لام الشعر ،أو األدب والنقد ،أو
ف��ك��رة تأسيس ال��ص��ال��ون بعد ق���راءات
العلمية التجريبية متحدثًا عن مشواره
موجودة في مصر خالل فترة الثالثينيات؛
ومن الموضوعات التي عالجها الصالون:
الجمعة األخيرة من كل شهر ،يهدف إلى
الحداثة وم��ا بعد ال��ح��داث��ة ،الصحافة
المختلفة .وكان التركيز في البداية على
الثقافة السياسية أو االق��ت��ص��ادي��ة أو
كثيرة عن الصالونات الثقافية التي كانت
وتجاربه في حياته ومع تخصصه.
لذا قررت إنشاء صالون في منزلي ينظَّ م
م��ك��ان الشعر ف��ي مجتمعات التقنية،
الحزبية ،ال��درام��ا التلفازية ،العولمة،
االستنساخ .وأحيانًا تقدم في الصالون لوحات تشكيلية ،ومعزوفات موسيقية،
ومشاهد تمثيلية.
تبادل اآلراء والمناقشات حول المواضيع
القضايا التاريخية والقضايا العلمية واألدبية ،بعيدا عن الدين والسياسة ،غير
أننا اضطررنا مؤخرا لتناول بعض مسائل السياسة ،خاصة بعد ثورة ( 25يناير) وما اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
113
تبعها من أحداث سياسية قوية .واليوم انتشرت على مواقع التواصل االجتماعى نتطرق لمواضيع السياسة ،لكن ليس وتكررت لفظة الصالون األدب��ي بكثرة في بشكل مباشر؛ ألننا ما زلنا في مرحلة األونة األخيرة ،ولكن بالنظر إلى واقع هذه
نحتاج فيها إلى إعادة النظر في احترام الصالونات والتي تكون غالبا شهرية ،فإنها آراء اآلخرين بشكل جيد. عبارة عن لقاءات شعرية يحضرها مجموعة صالون أحمد المسلماني الثقافي والذي من الشعراء هم أنفسهم الذين يلتقون علىب��دأه فى منزله في العام 2006م ،وكان يعقد اسبوعيا .وقد استضاف صالون أح��م��د المسلماني الثقافي ع���ددا من
الشخصيات البارزة في مجاالت مختلفة
الساحة اإللكترونية ،وتتكرر لقاءاتهم فى العديد من األماكن ..يلقون بأبياتهم التي قد تلقى بعض االهتمام وينتهى اللقاء ،وفي
كالعالم المصري د .رشدى سعيد ،األديب بعضها يتم مناقشة بعض اإلص��دارات التي األستاذ جمال الغيطاني ،األديب الدكتور يدعو لها أصحابها دون ترتيب او إعداد يليق عالء األسواني ،األدي��ب األستاذ يوسف بالكاتب أو الضيوف.
القعيد ،الكاتب األس��ت��اذ وحيد حامد، ال��ك��ات��ب األس��ت��اذ أس��ام��ة أن���ور عكاشة وغيرهم.)...
إن ان��ت��ش��ار وس��ائ��ل ال��ت��واص��ل س�لاح ذو ح��دي��ن ،يظهر فيه ال��غ��ث والسمين جنبا إلى جنب ،وانتهت ظاهرة الصالونات التي
ويعد صالون الدكتور عبدالمنعم تليمة ،تقام على أصول الضيافة وحسن االستماعأستاذ األدب العربي بجامعة القاهرة، والتلقي ،وإث��راء الحركة األدبية خاصة مع من أشهر صالونات القاهرة الثقافية ت��ده��ور ح��ال المؤسسات الثقافية نتيجة وأق��دم��ه��ا ،ويطلق عليه اس��م «ص��ال��ون للحراك السياسي واالق��ت��ص��ادي ،وقصور الخميس». الفكر واإلب���داع على فئة معينة وارتباطها وعلى الرغم من استمرار هذه الصالونات ببعض الجوائز التى تقّيم المبدع من غيره، حتى اآلن ،وإن أخ��ذت تخبو ويقل رونقها وأهميتها ،نظرا النتشار وسائل التواصل وعدم االهتمام بالمواهب الشابة وتدعيمها؛
االجتماعي ،إذ تحوّل الفضاء اإللكتروني إلى وه��و م��ا ي��ؤس��س لفكرة ع��دم ق��ب��ول ال��رأى صالون كبير يتواصل فيه كل فئات المجتمع ..اآلخ���ر ،وال��ح��وار ال��ج��اد ال��ذي ينتج حراكا ك��ل ح��س��ب اه��ت��م��ام��ه ورغ��ب��ات��ه .وم���ع ذل��ك ثقافيا وأدبيا مفيدا للمجتمع.
* كاتبة من مصر.
114
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
المراكز الثقافية السعودية إطاللة على المشروع الثقافي الوطني ρρمرسي طاهر*
انتشرت في اآلونة األخيرة دعاوى من بعض المثقفين وال�م�ع�ن�ي�ي��ن ب �ح��ال ال�ث�ق��اف��ة ب��ال�ت��وس��ع ف��ي إن �ش��اء م��راك��ز ثقافية في جميع مناطق المملكة ،بل وطالب بها عدد م��ن المسئولين وع�ل��ى رأس �ه��م وزي ��ر ال�ث�ق��اف��ة واإلع �ل�ام؛ ولعلها نشأت إليجاد دور وسط بين المؤسسات العاملة في المجال الثقافي كالنوادي األدبية وجمعيات الثقافة وال� �ف� �ن ��ون وال� �ت ��ي ت ��وج ��ه أن �ش �ط �ت �ه��ا ل �ن �خ �ب��ة م �ع �ي �ن��ة م��ن المثقفين ،وبين عامة الشعب لتواكب ال��دور المرسوم للثقافة ،لتشمل ك��اف��ة ال�م��راح��ل العمرية وال�ش��رائ��ح االجتماعية والمستويات الثقافية المختلفة. من هنا ،جاءت فكرة إنشاء المراكز العادي ما يشبع اهتماماته المعرفية، الثقافية لتشكل راف����داً م��ن رواف���د ويصقل مواهبه وينميها ،وتحدث حراكاً الوعي االجتماعي ،وتعمل على تغطية ثقافياً مهماً في المجتمع ،لتمثل رئة االحتياجات الثقافية لكل المراحل حضارية يتنفس من خاللها ،ويقاوم بها العمرية ،ويجد فيها المثقف والفرد دعاوى التطرف بكافه أشكاله وصوره. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
115
الشك أن هناك إجماعاً من المتابعين معين بحيث تكون حاضنة لألجيال الشابة، والمعنيين بحال الثقافة السعودية على وم�لازم��ة لألجيال القديمة ،مما له أكبر ��راك ثقافيٍّ وتنافسيٍّ الحاجة إلى كيانات تشمل كافة األنشطة األث��ر في إح��داث ح ٍ الثقافية المختلفة ،وأن المؤسسات الموجودة مع المؤسسات الثقافية األخ��رى ،يتحول على الساحة حالياً ال بد من تفعيل دورها ،فيها العمل الثقافي إلى مشروع استراتيجي حيث رأى البعض منهم ض��رورة دمج هذه ومكتسب حضاري؛ يعمل على تأصيل ما المؤسسات في مكان واحد لتعظيم الفائدة تحظى به المملكة من عمق ثقافي وثقل
منها وعدم االزدواجية ،والبعض األخر رأى عربي وإس�لام��ي في ظل التغييرات التي التوسع في إنشاء مراكز ثقافية شاملة لكافة يشهدها العالم اآلن ،واالنفتاح في كافة
األنشطة المختلفة ،لتشمل كافة الشرائح المجاالت وبخاصة في هذه المرحلة التي المجتمعية في المدن الصغيرة قبل الكبيرة ،تعيشها البالد. وللمستويات العمرية المختلفة،بمعنى أن
وأتصور أن مهمة هذه المراكز ينبغي أن
ت��ك��ون ه��ذه ال��م��راك��ز الثقافية ذات طابع تكون توسيع أرضية الحوار والتالقي بين شمولي لكافة المناشط؛ في العلوم واآلداب مختلف طاقات الوطن الثقافية والفكرية،
116
والفنون المختلفة ،وال تقتصر على جانب وملء هذا الفراغ الثقافي الذي منح الفرصة اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
من الظهور والتمكين؛ بل والسيطرة والتأثير الفكرية الشاذة والمنحرفة عقائدياً ودينياً على العقول عبر وسائل اإلعالم وغيرها ،واجتماعياً. كما أتصور أن تكون ه��ذه المراكز مكاناً
وبالتالي فإن دور المراكز الثقافية بهذا
يجتمع فيه األدباء ،والمفكرون ،والمثقفون ،ال��م��ن��ظ��ور ال���ذي ي��ح��ت��وي ط��اق��ات العقول والشعراء ،والمختصون في كافة المجاالت ،ويحاورها ،سيكون من وجهة نظري أهم من
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
للكثير من أصحاب االجتهادات الخاطئة وال��ت��ي تحمل س��ي��والً ج��ارف��ة م��ن التيارات
مع عامة الشعب بدون استثناء؛ يجد فيه دور المؤسسات والشركات والمصانع في الشخص العادي مكاناً آمناً لتوجيهه ونصحه التنمية؛ ذلك ألن هذه الشركات والمصانع وتقويمه ،ويرى فيه المفاهيم الصحيحة من تنتج وتصنع سلعاً مادية ملموسة ومهمة خالل اإلجابة على كل استفساراته وأسئلته أي��ض��اً ،لكن المراكز الثقافية تنتج فكراً بدون حيرة وخوف ،إضافة إلى ملء الفراغ يقوم بصيانة وصياغة ه��ذه التخصصات الثقافي ..ينبغي أن تعمل ه��ذه المراكز التي تنتج السلع ،فهي بالتالي تنظم سلوك الثقافية على سد أوقات الفراغ االجتماعي اإلنسان ليصبح منتجاً في كافة المجاالت.
الذي يقضى من قبل الكثيرين من الشباب
لذا من الضروري بمكان أن تكون هناك
على وسائل اإلعالم الفضائية أو اإلنترنت خطط استراتيجية لهذه المراكز من خالل وغيرها من وسائل التواصل االجتماعي ،برامج محددة ،وتصور مستقبلي ألدائها
المركز الثقافي بالجوف
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
117
وأق��س��ام��ه��ا وف���ق ع��م��ل م��ؤس��س��ي ول��وائ��ح
تعد المكتبات أحد أهم الركائز األساسية
مشجعة تتضافر فيه كل األنشطة الرسمية التي يعول عليها للقيام ب��ال��دور المأمول واأله���ل���ي���ة ،ل��وض��ع ال��ث��ق��اف��ة ع��ل��ى قائمة للمراكز الثقافية الجديدة ،وخاصة في ظل
األول���وي���ات ف��ي خطط التنمية الشاملة ،ما يسمى بعصر المعلومات ،وما يصاحبه من وجعلها مكتسبا حضاريا ورافدا من روافد تنوع لمصادر هذه المعلومات ،وتضخم حجم الوعي االجتماعي وشريكاً أساساً في تطور إنتاجها ،وصعوبة السيطرة عليها ،وأضحت
وازده���ار الحياة المدنية بكافة أشكالها فيه المكتبة مكاناً غير تقليديٍّ ،مطالباً بأن يلبي احتياجات المستفيدين على اختالف وصورها. مستوياتهم ب��دءاً من الطفل الصغير الذي من خ�لال ه��ذه ال��رؤي��ة ستصبح المراكز أص��ب��ح اآلن يتعامل م��ع أح���دث التقنيات الثقافية نقاط تجمع واحتواء لجميع أفراد العالمية بسهولة واضحة ،ويحاول الوصول األس��رة في المجتمع لإلفادة من نشاطاتها والتعامل مع فيض هائل من المعرفة ،وصوالً وبرامجها ،يجد فيها المثقف والفرد العادي إلى الباحث الذي يتوقع من المكتبة تلبية ما يشبع اهتماماته المختلفة ،ومكاناً لالطالع احتياجاته في التعامل مع قواعد البيانات
وتنمية المواهب وصقلها وإتاحة المجال لكل العالمية بأقل جهد ممكن وأس���رع وق��ت، الفنون التعبيرية والتشكيلية ،ومكتبة متميزة إض��اف��ة إل��ى تلبية االحتياجات األساسية تتيح ال���ق���راءة وال��ع��ل��م؛ وص����االت للعروض للقارئ العادي.
السينمائية والثقافية ،وللفنون التشكيلية
من هنا ،كانت أهمية هذه المراكز الثقافية
والتصوير الفوتوغرافي وال��ع��روض األثرية وما يمكن أن تلعبه من دور خالل المرحلة وغيرها؛ قاعات لعقد الندوات والمحاضرات المقبلة ،والتي أرى قبل إنشائها ضرورة أن
واإلنترنت؛ باإلضافة إل��ى قاعات للتدريب تسبقها دراس��ات علمية مستفيضة وورش ت��ع��ق��د ف��ي��ه��ا دورات ت��دري��ب��ي��ة ف���ي ال��رس��م عمل؛ بل ونقاش مجتمعي ورسمي يحدد
والموسيقى ،وتعلم اللغات والخط العربي ال��رؤي��ة واأله����داف؛ حتى ال ت��ك��ون ت��ك��راراً
والحاسب اآلل��ي وتعليم الكبار وغيرها من لمؤسسات أخ��رى غير فاعلة ،وأن تصبح األنشطة المجتمعية. * أمين مكتبة دار العلوم بالجوف.
118
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
بحق المشروع الوطني القادم للمملكة.
ρρعمر بوقاسم*
1975م ..وأن��ا ف��ي الصف الثالث االب�ت��دائ��ي ،أذك��ر أن م��درس الرسم طلب أن يرسم كل واحد منا طائره ،فرسمت بطة ،ورفعت يدي إشارة باالنتهاء ،أخذ األستاذ كراستي ونظر إلى طائري،.. صرخ ،نعم ،مدرس الرسم صرخ ،صرخته الشهيرة التي تنظمنا في طابور الصباح وتأذن لنا بالصعود للفصول ،صرخته التي لم تفارقني ،يتردد صداها حين أذكرها ،حتى اآلن ..وهو ممسكا أذن��ي ،..كان يريد أن يؤكد غضبه ورفضه وأستذته على ابن الثامنة ،بصرخته التي تعمق األلم في كامل أذني ورقبتي..
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
بين مشهدين!..
:ه��ذا ج��م��ل ،!..أال تستطيع أن تفرق بين تناقض أو تفسير،!.. الطفولة البطة والجمل..؟! التي :واهلل يا أستاذ هذي بطة.. «أط��ل��ق ص���راح أذن���ي وب��ادرن��ي بصفعة في تجذب وجهي ،وجهي الصغير ال��ذي يصل حجمه الدهشة بأفعالها غير المحسوبة، نصف يده».. ومَن يتأمل ضحكة الطفل سيحاكيها بضحكة :هذا جمل ..جمل ..جمل.. مماثلة ،نعم ،سيحاكيها!.. :صح يا أستاذ جمل..
مدرس الرسم تقبل استسالمي السريع، ورمى أمامي كراسة الرسم.. تأملت طائري ،بالفعل له سنام وأربعة أقدام، ورقبة طويلة ،وليس له جناحين، أدرك اآلن.. اآلن.. اآلن أن الطفولة وجَ مالها أن تغيب عنك الحقيقة ،وأن تخطئ ،وأن تستسلم ،وتكمل ن��ه��ارك ب��خ��ي��االت��ك وب��ض��ح��ك��ت��ك ..ضحكة وخياالت الطفولة النقية التي تخلو من أي
مشهد مقترح!.. 2016م ،وأنا في الصف الثالث االبتدائي، فرضا،.. ال أظن أني سأخطئ وأرسم طائري جمالً،.. وال أظن أيضاً أن مدرس الرسم سيطلب أن يرسم كل واحد منا طائره ،..لن يجرؤ ،حتماً، لن يجرؤ !..فقد تجرد من صرخته ويده التي تمسك أذني ..وربما سخرنا منه!.. 2016م ابن الثامنة ال يجهل الحقيقة ،وإن أخطأ لن يستسلم ،فليس هناك نهار يكتمل بخياالت أو بضحكة طفل!!.. ٍ
* شاعر وكاتب من السعودية. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
119
مع األيام الخوالي.. ρρفلحي عايد الفلحي*
إنها رحلة عجيبة غريبة لم أصدقها ،وأنا الذي عشتها بكل فصولها وتفاصيلها، فعال هي رحلة أغرب من الخيال .ولن تتكرر هذه الرحلة نفسها ألي إنسان على وجه البسيطة من أول الخلق إلى نهاية الكون ..إال لمن كان من جيلي في الفترة التي تلت عام 1370هـ. في هذه الفترة كنا نسكن في غرف منه الحب ال��ذي تطحنه النساء على
من الطين مغطاة بالجريد ..بال أبواب ال��رح��ى وتعمل منه خبزة (المصلية)
وال نوافذ ،ال تقي من حر وال من قر ،التي تكون كفيلة بمسح ونسيان كل أنواع
نفترش ال��رم��ل ونلتحف بثقيل البرد العذاب التي ألمَّتْ بنا ..ونلبس مالبس
والصقيع .نعيش على القليل من التمر من الخام( )1اآلتي إلينا مع السفر( )2أو والشعير ،ونستخرج ال��م��اء م��ن اآلب��ار المغاريب
()3
بعد طول انتظار ،تخيطه
على ظهور المواشي إن وجدت ،ونسقي النساء ،نعمل وننام به ويبقى وحيدا على
القليل من النخيل والشعير الذي نزرعه أجسادنا ،وإن تشقق نرقعه إال في حالة
ونسقيه على مدى خمسة أشهر وغالبا أن يكون الشق أكبر من ال��رق��ع .حتى م��ا تسهم األم��ط��ار باختصار فترات ال��زراي��ر ال تتوفر ،فننزع زراي��ر الثوب
120
الرّي .يُحصد الشعير ويُدرس ويُستخرج القديم ونضعها على الجديد .بمعنى اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
تقدمت بنا الحياة وسمعنا عن السيارات وشاهدناها وركبناها وخرجنا م��ن قرانا لطلب الرزق .استقر بي المطاف في الحبيبة الرياض مع الكثيرين أمثالي .لم يكن يتوفر بها الكثير م��ن ال��خ��دم��ات ال��ت��ي يحتاجها اإلنسان من ماء وكهرباء وخالفه إال القليل. إال أن ف��رص العمل متاحة ف��ي ك��ل وزارة ومصلحة حكومية .فتحت المدارس الليلية.. ومثل الكثيرين نعمل بالنهار وندرس ليالً .ال تلفاز وال مجالت وال أي شيء آخر يلهينا عن العمل والدراسة .وال تالحظ أن أحداً يخرج من مكتبه ساعات ال��دوام الرسمي؛ ألنه ال أح��د يمتلك س��ي��ارة خ��اص��ة ،ول���دى الناس الكثير م��ن ال��وق��ت الفائض ع��ن حاجتهم. عرفنا ال��ط��ائ��رة ..وس��اف��رن��ا على ط��ائ��رات (الداكوتا) و(الكونفير) التي ما أن تقلع حتى تبدأ سمفونية الغثيان والتقيؤ ،ويختلط الحابل بالنابل ،وتحط ف��ي م��ط��ارات كما خلقها ربي وسط الحجارة والصخور وقليل من الصيانة باأليدي العاملة المحلية وآلة المسحاة المصنوعة محليا .كان الزمن يسير مسرعا وحركة التنمية الشاملة تسابقه( .وما بين غمضة عين وانتباهتها يغير اهلل من حال إلى حال)..
إن هذه الفترة وخالل هذا الزمن القصير انتقلت فيه المملكة من الثرى إلى الثريا. وجيلنا عايشها من ُمرّها إلى حلوها .حياة ب��دأن��اه��ا م��ن الصفر إل��ى ال��ق��م��ة ..ل��ن يمر بمثلها مَن أتى بعدنا وال مَن كان قبلنا .أعتبر كنت مع اثنين من أصدقائي ،نعمل بالنهار أن جيلي محظوظ بهذه الفرصة ال��ن��ادرة وندرس ليال ونتشارك األمنيات ،ننهي عملنا الوجود ..والتي لن تتكرر. كل هذه الذكريات مرت بخاطري حينما ونعود إلى المنزل نطبخ الغداء ..قليال من ال��رز مزين بشرائح البندورة .ما أن ينتهي أعلن قائد الطائرة (الجامبو )777حين إال وقد ن��وديَ لصالة العصر ،فنذهب إلى إقالعها أنّ وصولنا إلى مطار جده سيكون اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
يورثها الثوب السلف للثوب الخلف.
المسجد المجاور نصلي ،ويتخذ كل منا له مجلسا تحت أحد المراوح ،ونبقى ندرس إلى أن يحين موعد صالة المغرب ،بعدها نذهب إلى المدرسة سيرًا على األقدام بين الدروب المظلمة والمياه الخارجة من المنازل التي تمأل الطرقات .أحد أصدقائي يُدعى حمود المريحيل ترك وظيفته كسكرتير لوزير الحج واألوق��اف والتحق بكلية الحقوق بالجامعة األمريكية في لبنان ،حصل منها على إجازة الحقوق وعمل محامياً ومستشاراً لشركة الزيت العربية بالخفجي .أما صديقي اآلخر ويدعى عارف المسعر -يرحمه اهلل -فكان من بداياته يتميز بالطموح والذكاء والتصميم على بلوغ أعلى الدرجات ،وكان له ما أراد.. فحصل على شهادة الدكتوراه ،وعمل مديراً عاما للتعليم بمنطقة الجوف .أما أنا فلم ي��ك��ن ط��م��وح��ي ي��رق��ى إل���ى م��س��ت��وى طموح زميلي ،فاكتفيت بالدبلوم وشهادة بالحسابات الحكومية ،واستقر بي المطاف مديراً عاما لفرع ديوان المراقبة العامة بالجوف.
121
بعد ست ساعات وعشرين دقيقة ،وبالفعل وصلنا بالوقت المحدد دون زيادة أو نقصان. وم��ع غ��م��رة ه��ذه المشاعر وج���دت نفسي تردد الدعاء الذي سمعته في بداية الرحلة: (سبحان ال��ذي سخر لنا ه��ذا وم��ا كنا له مقرنين). رب��ط��ت ح���زام المقعد ون��ظ��رت ح��ول��ي، وإذا كل ما أحتاجه أحصل عليه بلمسة زر. وهي أزاري��ر ال تشبه األزاري��ر القديمة التي كنا نستعملها ويورثها الثوب السلف للثوب الخلف .امتدت يدي لجهاز التسجيل ولمست زره ،وإذا بصوت ام كلثوم تشدو بقصيدة األطالل للدكتور ابراهيم ناجي وتقول:
ي� ��ا ف� � � ��ؤادي ال ت� �س ��ل أي � ��ن ال� �ه ��وى �ال ف �ه��وى ك� � ��ان ص� ��رح� ��ا م � ��ن خ� � �ي � � ٍ اس� �ق� �ن ��ي واش� � � � ��رب ع� �ل ��ى اط�ل�ال ��ه وارو ع� �ن ��ي ط ��ال� �م ��ا ال� ��دم� ��ع روى إلى أن تقول في نهاية القصيدة:
استخراج الماء ( السني ) عام 1330- 1911هـ في الجوف ويبدو (المجر) مقابل البئر
وم� � � � �ض � � � ��ى ك � � � � � � ��لٌّ إل � � � � � � ��ى غ � ��اي� � �ت � ��ه ال ت� �ق ��ل ش� �ئ� �ن ��ا ف � � ��إن اهلل ش � � ��اء.. في مقتبل العمر كنا نقرأ قصيدة األطالل في سياقها الظاهر ،ونعيشها تجربة إنسانية رائعة أخذتنا معها إلى كل ما هو حلو وجميل. وحينما تقدم بنا العمر أصبح لنا فيها قراءة
ي ��اح � �ب � �ي � �ب ��ي ك � � ��ل ش � � � ��يء ب� �ق� �ض ��اء م � � ��ا ب � ��أي � ��دي � �ن � ��ا خ� �ل� �ق� �ن ��ا ت� �ع� �س ��اء خلف بعض السطور ،فيه رمز للحياة التي رب� � � � �م � � � ��ا ت� � �ج� � �م� � �ع� � �ن � ��ا أق � � � � ��دارن � � � � ��ا نحياها ون��س��ع��د ب��ه��ا وس��رع��ان م��ا تتركنا ذات ي� � � ��وم ب � �ع� ��دم� ��ا ع� � � ��زَّ ال� �ل� �ق ��اء وتمضي ..ونحن نتعثر ونمضي إلى نهايتنا مرادفة للمعنى الظاهر نستشف طيفه من
المحتومة أ ُسوة بجميع مخلوقات اهلل .عسى
ف � � � � � � � � � � � ��اذا أن� � � � � � �ك � � � � � ��ر خ � � � � � � ��ل خ� � �ل � ��ه وت �ل ��اق � � �ي � � �ن� � ��ا ل � � � �ق� � � ��اء ال � � �غ� � ��رب� � ��اء أن تكون الخاتمة خيراً. * الجوف -سكاكا. ( )1خام /قماش. ( )2السفر /الذين يسافرون إلى العراق للتبضع. ( )3المغاريب /الذين يسافرون إلى لبالد الشام.
122
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
عندما يهجو الشاعر نفسه ρρراكان بصير الرويلي*
يعد الهجاء أحد فنون القول الذائعة في ديوان الشعر العربي ،وهو غالبا ما يكون تعبيرً ا عن عاطفة السخط تجاه شخص بعينه ،أو جماعة بذاتها ،يتناولها الشاعر بشواظ قريضه. وللشعراء في هجائهم طرق وأساليب مختلفة ،فمنهم الذي يحتال في اتخاذ الوسائل الهادئة الذكية والموجعة في آن معا؛ كأن يهزأ بخصمه أو يسفِّ ه رأيه ،أو يقارنه بغيره ،ويفضله عليه عن طريق التعريض والتلميح؛ ومنهم الذي يباغت قرينه باسمه وذكره ،وينهال عليه تهديدا ووعيدا ،وإنذارًا وشتيمة ،كقول أحدهم يهجو قبيلة نمير: ذك����ي ط���ري���ف ،ك����أن ي��ت��خ��ذ ط��ري��ق��ة
فغض الطرف إن��ك من نميرٍ ف�ل��ا ك� �ع� �ب� � ًا ب �ل �غ��ت وال ك�ل�اب��ا االستهجان بالخصم أو تجاهله أو وعلى إث��ر ذل��ك لحق العار بهؤالء
القوم ألجيال متعاقبة.
التشكيك بقدراته ،كما فعل «زهير بن
أبي سلمى» في آل الحصين إذ قال:
وقد نظر النقاد القدامى إلى هذا وما أدري وس��وف إخ��ال أدري أق � � ��وم آل ح � �ص� � ٍ�ن أم ن �س��اء اللون من النظم ،فرأوا أشدّ ه وقعا في
النفوس وأكثره إيالما ،ما كان صادقا ف � ��ان ت �ك��ن ال� �ن� �س ��اء م �خ �ب��آت ف �ح��ق ل �ك��ل م �ح �ص �ن��ة ِه� ��داء عفيفا ال فحش فيه وال إقذاع ،ومعانيه ذات داللة تنال من المهجو بأسلوب
وق��د ع��د ال��ن��ق��اد ه��ذا الشعر من اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
123
أشد صنوف الهجاء وأمضاه ،مع أنه ترفع م��ن ك��ان يبكي ال�ش�ب��اب م��ن جزع عن السباب والشتم والقذف واإلفحاش. ف� �ل� �س ��ت أب � �ك� ��ي ع� �ل� �ي ��ه م � ��ن ج ��زع وربما قرأت ذلك النوع من الهجاء فحسبته ألن وج � � �ه� � ��ي ب � �ق � �ب� ��ح ص � ��ورت � ��ه مدحاً ،كقول أحدهم يهجو قومه ويصفهم م ��ا زال ب ��ي ك��ال�م�ش�ي��ب وال�ص�ل��ع بأنهم قليلو الحمية معدومي الحيلة:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب
إذا أخ � � ��ذت ال � � �م� � ��رآة ،س �ل �م �ت �ن��ي مطلعي وجهي وما مُ ُّت من هول ِّ
ليسو من الشر في شيء وان هانا ش �غ �ف��ت ب ��ال� �خ ��ود ال� �ح� �س ��ان وم��ا ي� �ص� �ل ��ح وج � �ه� ��ي إال ل � � ��ذي ورع ك � ��أنَّ رب� ��ك ل ��م ي �خ �ل��ق ل�خ�ش�ي�ت��ه سواهم من جميع الناس إنسانا
وف��ي ه��ذا ال��س��ي��اق نفسه ،يُ���روى عن
إال أن هذا الجانب من النظم المر ،ال شاعر شامي ذهب إلى اليمن لقضاء بعض يخلو أحيانا من بعض اللمحات الطريفة ،حوائجه ،فحط رحاله أوالً في بلدة من تلك
السيما عندما يخرج الشاعر عن طوره ،النواحي ،ولما تجول في أسواقها واطَّ لع على بعض أحيائها ،لم تقع عينه حسب ويفقد اتزانه ،فهو ال يتورع والحالة هذه زعمه على أح��د يضاهيه وس��امَ�� ًة وبهاء عن هجاء أحد حتى نفسه ،والسخرية منها طلعة ،على الرغم من دمامته الواضحة الذع مضحك. بأسلوب ٍ للعيان ،فتعجب من هذه المصادفة الغريبة، ويعتقد إن أول من خط كلم ًة بسفر هذا فأنشد ساخرًا من نفسه ومعتبرا: الموضوع ه��و «اب��ن ال��روم��ي» ،حيث كان
ل� � � � � � ��م أ َر وج � � � � � �ه� � � � � ��ا ح� � �س� � �ن � ��ا نضواً ضئيال نحيال ،دميم الوجه ،تقتحمه م� � � � �ن � � � ��ذ دخ � � � � � �ل� � � � � ��ت ال� � � � َي� � � �م� � � �ن � � ��ا
العيون .وظل طوال حياته يسخر من نفسه،
ي � � � � � � � ��ا وي� � � � � � � � � � ��ح أه� � � � � � � � � � ��ل ب � � � �ل� � � ��دة نظرًا لدقة جسمه وضآلة حجمه وقبح أح � � � � � �س� � � � � ��ن م� � � � � � ��ا ف � � � �ي � � � �ه� � � ��ا أن � � � ��ا شكله ،ول��ه في ذل��ك أشعا ٌر كثيرة يصرح
124
وكان «الحطيئة» من أكثر الشعراء هجاء فيها بدمامته ،وم��ا انضم إل��ى ذل��ك من لنفسه وسخرية منها ،وف��ي ي���وم ..أخذ صلعه الذي كان يأخذ معظم رأسه ،حتى يبحث عن أح��د يصبُّ عليه ج��ام هجائه اضطر أال يخلع عمامته أبدا. فلم يفلح ،فتطلع في حوض ماء كان في ول��ه مقطوعات كثيرة ب��ه��ذا ال��ص��دد ،صحن داره ،ف��رأى ص��ورة وجهه منعكسة على سطح الماء ،فتط َّي َر من قبح ما رأى، يصور فيها صلعته ودمامة وجهه فيقول: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
المأزق ،والفوز بالغنيمة ،يكمن في هجاء
أرى وج� � �ه � ��ا ش � � � ��وَّ ه اهلل خ � ْل �ق��ه ف��قُ � ِّب��حَ م��ن وج� ��هٍ ،وقُ � ِّب ��ح ح��ام � ُل��هْ نفسه ،فارتجل على السليقة:
وكان أشراف الناس ووجوه القوم ،وذوو أال أب� � � �ل � � ��غْ إل � � �ي � ��ك أب � � � ��ا دالم � � ��ة ف�ل�س��ت م��ن ال� �ك ��رام وال ال �ك��رام��ة المكانة فيهم ،من أكثر الناس خوفا من ال��ه��ج��اء ،حرصا على سمعتهم التي قد إذا ل� �ب ��س ال� �ع� �م ��ام ��ة ك � ��ان ق � ��ردً ا يشوهها قول قائل ،فتلتصق بهم ويصدقها وخ� � �ن � ��زي � ��رً ا إذا ن � � ��زع ال �ع �م ��ام ��ة
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
وراعه سوء طلعته ،فقال:
رأى إن الطريق األسلم للتملص من هذا
المأل ،ولذلك كانوا شديدي الحرص على
عدم إغضاب الشعراء ،بل والتودد إليهم ج �م �ع��ت دم ��ام ��ة وج �م �ع��تَ ل��ؤْ م��ا ك� � ��ذاك ال � �ل� ��ؤم ت �ت �ب �ع��ه ال ��دم ��ام ��ة والمبالغة في إكرامهم ،وهم ال يتوانون عن
مدِّ هم بالمال وخصهم بالعطايا ،لضمان ف ��إن ت ��ك ق ��د أص� �ب ��تَ ن�ع�ي��م دن�ي��ا سكوتهم كي ال يكونوا عرضة لنبال ألسنتهم، ف �ل�ا ت� �ف ��رح ف �ق��د دن � ��ت ال �ق �ي��ام��ة
بل ومدحهم إذا اقتضى األمر منهم ذلك، وق��د روى ف��ي ه��ذا السياق «المدائني» بديهته وتخلصه من ورطته بهذه الطريقة وغيره ،عبر كتب النوادر واألخبار ،قوله: الذكية الساخرة ،وف��ي الوقت نفسه نال دخ��ل «أب��و دالم��ة» على المهدي يومًا، رض��ا الجميع ،ول��م يبق واح��� ٌد منهم إال فوجد عنده جماعة من ِعل ْية القوم وخاص َة وأجازه ..بما في ذلك المأمون.. الناس ،فقال له المهدي: وبعد ..هذه أضمومة مختارة من هذا «أعطي رب��ي عهدًا ،إن لم تهج واح��دًا الضرب األدبي الظريف والخفيف ،أسوقه ممن ف��ي ه��ذا المجلس ألقطعن لسانك هنا ،على الرغم مما يحمله هذا الصنف وأع��ل��ق��ه ف��ي عنقك» عندها أط���رق «أب��و دالمه» قليال ،ثم رفع رأسه وأخذ يتفرس الشعري من تجنٍّ على اآلخر ،وما يليه من في وج��وه الحضور ،ولما كانوا جميعهم تبعات مزعجة لبعضهم ،ج��راء النيل من يخشون الهجاء ،كان كلما تطلع في وجه شخصيتهم أو الحط من قدرهم .إال أنه أح��د منهم ،أش��ار إليه ب��أن عليه رض��اه ،ومع ذلك ..يظل يتحلى في بعض جوانبه ف���أدرك الشاعر ساعتها أن��ه ف��ي موقف بطابع المرح ،يطرب له السامع ،ويهش له برهة من التفكير ،القارئ. ٍ ال يحسد عليه ،وبعد فضحك ال��ح��ض��ور ،وأع��ج��ب��وا بسرعة
* الجوف -سكاكا. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
125
الجوف في عيون الشعراء ρρغازي خيران امللحم*
تعد ال�ج��وف بما تملك م��ن معالم حضارية وم��وارد ط�ب�ي�ع��ة م �ن��وع��ة ،م �ك��ان��ا ذا خ�ص��وص�ي��ة م �ت �ف��ردة شكلت ح �ض ��ورا الف �ت��ا ع �ل��ى م ��دى ح �ق��ب ال ��زم ��ن ال�م�ت�لاح�ق��ة، وإشراقات إنسانية مهمة امتد ضوؤها إلى صعد الحياة كافة ،التي ما تزال مالمحها شاخصة إلى اآلن ،تتحدى ع��وادي الدهر ،تحكي تاريخا ،وتنبض بالحياة؛ فكونت ه��ذه الركائز ومنذ ال�ب��دء ،ح�ض��ورًا الف�ت��ا ،وعلى امتداد فصول الدهر وعصوره المتتالية ،بما احتوت عليه من أنشطة بشرية متنوعة، تمثلت في العديد من المرافق الثقافية واألوابد األثرية ،التي يعود إنشاء بعضها لقرون عديدة خلت ،فكانت على الدوام موضع اهتمام وعناية من قبل الكثير من الباحثين والدارسين ،وقبلهم الرحالة والمستكشفون العرب منهم واألوروبيون، الذين جاسوا خ�لال المنطقة ،وسجلوا مشاهداتهم ودون��وا انطباعاتهم عنها، وصاغوها في مؤلفات ومجلدات عديدة ،باتت تعد من المراجع الغنية في مادتها، وطرحوها بين أيدي كل مَن يود االطالع على ماضي هذه الديار وحاضرها ،من طلبة علم ومهتمين ..ولسان حالهم يردد مع الشاعر ،محمد بن صالح الشاوي:
يمِّ م ركابك شطر الجوف وارتحل مَ ��ن ل��م ي��ع ال�ت��اري��خ ف��ي عقله ستجد التاريخ ماثال في مصره ل��م ي��در حلو العيش م��ن مره هو الجوف ،جوف الزمان وسره ومن وعى إخبار مَ ن قد مضى حفظ جوى األحقاب في صدره أض � � ��اف أع � � �م� � ��ارًا إل� � ��ى ع �م��ره ومنذ البدء تناول الشعراء الجوف إلى أن يقول: 126
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ما ذكره اليعقوبي ،في كتابه «البلدان» الذي
أرض م� � �ب � ��ارك � ��ة وع � � �ف� � ��ر ط ��اه ��ر ت��ح��دث ف��ي ع��دد م��ن ف��ص��ول��ه ،ع��ن رحيل س � � ��ر ال� � �ح� � �ي � ��اة ب � �ع� ��زه� ��ا م� �ك� �ن ��ون
بعض قبائل طيء من منطقة الجوف ،على
أث��ر خ�لاف وق��ع بينهم وبين بعض القبائل ال� �ج ��وف وال ��زي� �ت ��ون ك ��ل م�ح�ب�ت��ي رَهَ � � � � ْن� � � � ُ�ت ش � �ع� ��ري وك � �ل� ��ه م ��ره ��ون األخرى ،فقال شاعرهم ،األحيمر السعدي:
ل�ل�ج��وف وال��زي �ت��ون م�ع�ش��وق��ان من خال الجوف من قطاع سعد فما بها أم��د ..وفي العشق الجميل جنون لمستصرخ ي��رج��و ال�ب�ت��ول مصير والباحث بطبيعة أرض الجوف وبنيتها ي��ا ج ��وف أه� ��دي أل ��ف أل ��ف تحية وق � � �ص� � ��ائ� � ��د ت� � � �ع � � ��داده � � ��ا م� �ل� �ي ��ون السطحية ،سيجدها تتمتع بامتداد تضاريسي
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ووصفوه وتغنوا به في شعرهم ،ولعل أقدم ع�ق��د بعنق «ال �ج��وف» راح يزينها ما وصل إلينا من نظم بخصوص هذا البلد، ل �ت �ت �ي��ه ف� ��ي أم � ��ر ال� �ج� �م ��ال ع �ي��ون
ون��ب��ات��ي م��ن��وع ،تتخلل رح��اب��ه الكثير من ولزيتون الجوف لدى ابنته الشاعرة مالك المدن والقرى والسهول والهضاب واألودية الخالدي ،ترنيمة عروضية من ن��وع آخر، والمزارع ،التي تنساب فوق حصبائها العديد حيث تنشد: من مصادر المياه العذبة ،السيما الجوفية ه �ن��ا ي� � ��ذرف ال ��زي� �ت ��ون زي� �ت ��ا ك��أن��ه منها ،مما تهيأ لها أن تصبح منتجة لمختلف دم��وع ال�ت�لاق��ي بعد أن نما واص��ل أنواع الفاكهة والحبوب والخضار ،وأشجار النخيل والزيتون ،التي وصفها الشاعر حسن هنا في رحاب الجوف تمضي عروقه ت �ض��خ دم� � ��اء ت �ح �ت��وي��ه ال � �ج ��داول مبارك الربيح:
ه �ن��ا ل� ��ك ل �ل��زي �ت��ون ف �خ��ر وق �ص��ة يا جوف يا أرض العطاء ،وال أرى وف��ي ال�ج��وف للزيتون ع��ز يطاول ع �ج �ب��ا ،ف��رم �ل��ك ح �ض��ن أك � ��رم زاد ويقول الشاعر السوري« :مالك الملحم» ف� ��ي غ ��اب ��ر ال � �ت� ��اري� ��خ رف� � ��ت ش�ت�ل��ة ل�ل�خ�ي��ر ،ف��اب�ت�ه�ج��ت ق ��رى وب� ��وادي ف��ي سياق إعجابه بالجوف وأه��ل��ه��ا ،وهو حديث عهد نسبيا باإلقامة على أرضها:
وفيك احتوتك الجوف فيها حينما ب� ��ارك � �ت � �ه� ��ا ب� ��ال � �خ � �ي� ��ر واإلم � � � � � ��داد رق � ��م ال� ��ده� ��ر س� �ط ��ور ال� �ب� �ش ��ر م��ذ الح ف � ��ي ال � �ج � ��وف ش� �م ��س وق �م��ر وم��ن وح��ي ه��ذه ال��م��وارد الخضراء التي
منحها المولى لهذه المنطقة ،ينشد الشاعر رم��ق األف��ق سنا ال�ج��وف فانجلى ف� ��ي س � � ��رور ط� ��رف� ��ه ال � ��زاه � ��ي وق ��ر السوري« :علي جمعة الكعود» ،قائال: رق وازدان ف ��ي ال � �ج ��وف م��دح��ي أم � � ��ر اإلل � � � ��ه وق� � � � ��ال :ك � ��ن ف �ي �ك��ون م�ث��ل م��ا ي� ��زدان ف��ي ال�ع�ي��ن ال �ح �وَر ب � �ك � �ت � ��اب � ��ه ..ف� � �ت� � �ب � ��ارك ال� ��زي � �ت� ��ون اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
127
وكان هذا المفهوم أكثر ت��داوال على ألسنة روح ب �ش ��رايَ ب��ال �ج��وف ق��د جليت ول � � �ه� � ��ا ج� � ��وف� � ��ي ق � � ��د ص � � � ��ار م �ق��ر أهالي المنطقة ،السيما بين المسنين منهم. ومن وحي هذه النواحي والربى المعطرة ب��أن��ف��اس ال��ن��خ��ي��ل وع��ب��ق ال��ع��رع��ر وعبير القيصوم ،تنشد اب��ن��ة ال��ج��وف ال��ش��اع��رة: «مالك ألخالدي»:
أش� � � � ��رق� � � � ��ي ي� � � � ��ا ن � � �ب � � �ض� � ��ة ال� � �ج � ��و ف وي � � � � � � � ��ا ج � � � � � � � ��وف ال� � � �ش� � � �م � � ��ال
وقد ذكر بعض المؤرخين المعاصرين: أن حاضرة الجوف كانت «دوم��ة الجندل»، التي تقع في طرف منخفض ،هو عبارة عن مساحة متواصلة من النخيل التي تروى من عيون وآب��ار قليلة العمق ،غالبا ما تشكل بحيرة ضخمة خ�لال الشتاء نتيجة لكثرة الري في هذا الفصل المطير .وقد حياها الشاعر الدكتور «احمد السالم» ،بقوله:
أش� � � � � � � � � � � ��رق� � � � � � � � � � � ��ي ف � � � � � ��ال� � � � � � �ض � � � � � ��وء أح� � � � � � � �ل � � � � � � ��ى م� � � � � � � � ��ن ال � � � � �خ � � � � �ي� � � � ��ال أح� � �ي� � �ي � ��ك ي � � ��ا دوم� � � � � ��ة ال � �ج � �ن� ��دل ل� � �ق � ��اء ال� � � � ��ذي ك � �ن� ��ت ق � ��دم � ��ت ل��ي وكذلك تنشد الدكتورة« :هيا السمهري»
للجوف وأهله الكرام ،قائلة:
ول � � � �ي � � ��س غ� � ��ري � � �ب� � ��ا ع � � �ل� � ��ى ب � �ل � ��دة ل �ه��ا ال �س �ب��ق ف ��ي األع � �ص ��ر األول
زرع � ��ت ال �ح��ب ف ��ي أع� �م ��اق ج��وف��ي وج � �ئ � ��ت ب � ��ه إل � � ��ى أه � �ل � ��ي ب� �ج ��وف وك� � � � � ��ان� � � � � ��ت ل� � � �ت � � ��اري� � � �خ� � � �ن � � ��ا رئ� � � ��ة وس � � �ي� � ��رت � � �ه� � ��ا م � � � �ض� � � ��رب ال � �م � �ث� ��ل ت� �س ��ام ��ت ف� ��ي ح� �ض ��ارت� �ه ��ا وج �ل��ت م � � � �ك� � � ��ارم أه� � �ل� � �ه � ��ا أل� � � �ف � � ��ا ب� ��أل� ��ف
ثم يهتف الشاعر للجوف عامة ،فيقول:
وكان اسم «الجوف» ،إذا ذكر سابقا ،إنما ي ��ا ج� ��وف أن� ��ت ل �ن��ا ق �ل��ب ن �ل��وذ به يعني «دوم��ة الجندل» بذاتها دون غيرها، حتى وإن كنت من رمل ومن طين
128
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
و«الجوف» على الدوام تظل حاضرة في ل��و ل��ج «م � ��ارد» ي��دع��ون��ي وي�ن��دب�ن��ي ك��أن �م��ا «زع� �ب ��ل» ال �ت��اري��خ ي��دع��ون��ي مخيلة ال��ش��ع��راء ،ال سيما أب��ن��اء المنطقة منهم والمقيمين فيها ،فهذا الشاعر االردني أو «ال��رج��اج�ي��ل» حيتني لجوابها «يوسف أبو عواد» ،يهتف للجوف من أعماقه، «ك � ��اف» وأث � ��رة م��ن ش ��وق تحييني مرددا: ومن مدن الجوف المهمة حاليا ،مدينة ي� ��ا ج � ��وف أن � ��ت ال �م �ج ��د وال� �ع ��رب «سكاكا» ،التي تعد أكثر عصرنة وحداثة وال � � �ش � � �ع � ��ر وال� � � �ت � � ��اري � � ��خ واألدب م��ن دوم��ة الجندل ،كمركز إداري وثقافي ي ��ا ج � ��وف أن � ��ت ال � �ه ��ال وال �ح �ط��ب للمنطقة ،وهي تقع ضمن العديد من الفياض وال� �ص� �ح ��ن وال� �ص� �م ��ط وال ��رط ��ب الخصبة ،التي تصلح لجميع الزراعات وعلى اختالف مدار الفصول ،وقد أنشد الشاعر أن� � ��ت ال� �م� �ن ��ى وال � � �م� � ��اء وال� �ع� �ش ��ب أن� � ��ت ال� � �ن � ��دى وال � � �ج � ��اه وال� �ن� �س ��ب السوري رضا حمود لهذه المدينة ،قائال: وم��ن األس��م��اء األخ���رى للجوف« ،وادي س � � �ب� � ��رت ال � � � � � � � ��دروب ل � �ج� ��دران � �ه� ��ا النفاخ» ،ولهذا اللقب معنى طريف ظريف، وغ� � � �ن� � � �ي � � ��ت ش � � � ��وق � � � ��ا ل � �س � �ك� ��ان � �ه� ��ا أورده الكثير م��ن المؤرخين ف��ي كتابتهم، ك � �ط � �ي� ��ر ي � � �ع� � ��ود لِ � � � � � َوك� � � � � ٍ�ن ق � ��دي � � ٍ�م وأض��اف��وه كشاهد حسي على إك��رام أهلها ل � �ي � �ش� ��رب م� � ��ن ص � �ف� ��و غ� ��دران � �ه� ��ا لزوارهم ،عندما ينفخون بالنار لتتأجج تحت القدور ،ما يؤدي لسرعة في إنضاج الطعام، أزور س� � � �ك � � ��اك � � ��ا ف � �ت � �ن � �ت� ��اب � �ن� ��ي وتقديمه للضيف ليأكل منه ،حتى ينتفخ م � � �ش� � ��اع� � ��ر ت� � � �ب � � ��دي ب� ��أل � �ح� ��ان � �ه� ��ا بطنه من كثرة الشبع ،ومن هنا التصق هذا ك��م ال�ت�ح�ف��ت ب��ال �س �ك��ون ال�ج�م�ي��ل االسم بالجوف ،أو بعض نواحيها ،ليضاف وأع � � � � �ط � � � ��ت ك � � �ث � � �ي� � ��را ل � �خ �ل�ان � �ه� ��ا إلى أسمائه األخرى.
أح� �ي� �ي ��ك م � ��ن س� �ع� �ف ��ات ال �ن �خ �ي��ل وللشاعر «زاهر األلمعي» أيضا قو ٌل آخر، وم � � � ��ن س � � � ��وق ه � �ج � ��ر وش� �ط ��آن� �ه ��ا راص��دًا فيه هذه المَحْ مدة التي عرف بها أهل الجوف ،فينشد: و«الجوف» بالمعنى الواسع للكلمة ،كانت ت��ع��رف أي��ض��ا ب��ال��ج��وب��ة ..و«ال��ج��وب��ة» تعني حلوا بوادي الجوف فانداحت لهم ت �ل��ك ال ��رح ��ال ال �م �ش��رق��ات ت��أث��را الحفرة أو المكان المنخفض ،وكذلك لقبت ب��ـ«ال��ن��ق��رة» ،ول���ذات ال��م��واص��ف��ات السالفة وج��ل م��ا ف��ي ال �ج��وف ق�ل��ب نابض الذكر ،ينشد الشاعر قائال: بالندى والمكرمات تألقا وتصدرا اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ال� �ش� �م ��س ي � �ب� ��دو ن� ��وره� ��ا م��ؤت �ل �ق��ا ك��ل ال��دي��ار على التحسين قائمة ل �ج �ه��ة ال � ��زرق � ��اء ون � �ق� ��رة ال �ج��وف ودارك��م ق��د زه��ت م��ن غير تحسين
129
والجوف لغة :هي الحوضة المطمئنة من نعم بيضاء الشمال والشمائل موطني األرض ،التي يفخر بها سكانها ،لدرجة أنهم وقد سميت «جوفا» لتسكن الجوف
يطلقون عليها «جوف الدنيا» ،لوقوعها على مهبط ٍ ول��م��ا ك��ان��ت ه��ذه البقعة بمثابة بعد متساو بين مختلف تخوم الجزء الشمالي لألدباء ومهوى أفئدة الشعراء ،فلنستمع إلى من أرض المملكة العربية السعودية ،لتكون الشاعر الدكتور« :عبدالرحمن العشماوي»، والحالة هذه بمنزلة القلب من الجسد.. معبرا عن هذا الدور الذي اضطلعت به في والجوف أيضا ،مركز األحشاء الداخلية أكناف الحضارة واألدب ،إذ يقول: لكل بدن حي ،وهذا ما ذكره «امرؤ القيس» للجوف في جوف بحر الشعر إبحارا في معلقته ،راسما من خاللها مشهدا رائعا وف ��ي ال �ق��واف��ي ل �ه��ا دورا وأح � ��رارا لرحلة قطعها الشاعر في قلب هذه النواحي، وأما الشاعرة «نجاة الماجد» ،فنجدها ومن هنا لحق بها هذا اللقب ،على رأي بعض تشدو مع أطيار المنى المحلقة في أجواء المؤرخين ،حيث يقول: الجوف ،وتسري مع خيول الهوى التي تعدو وواد ك �ج��وف ال �ع �ي��ر غ �ف��ر قطعته في سهوبه الرحبة ،فتقول:
ب��ه ال��ذئ��ب ي�ع��وي كالخليع العيل
ل� �ل� �ج ��وف أط� � �ي � ��ار ال� �م� �ن ��ى ت �ش��دو وه��و تشبيه ببطن ال��ع��ي��ر ،وه��ي المَها وخ � � �ي� � ��ول أب � � �ي� � ��ات ال � � �ه� � ��وى ت� �ع ��دو
الوحشية..
ي� � ��ا ج � � � ��وف واألب � � � �ي � � � ��ات ح� ��اض� ��رة ومن األوصاف اللطيفة األخرى للجوف، ف� ��ي م �ه �ج �ت��ي أودى ب� �ه ��ا ال �ب �ع��د
130
بيضاء الشمال ،وهو لقب جميل ،تغنى به الشاعر الخفيف الظل «محمد الجلواح» ،ت � � � ��واق � � � ��ة ل � � �ل � � �ج� � ��وف ف � � � ��ي ش� �غ ��ف ل � � �ح � � �ض� � ��ارة ف � � ��ي م � ��وط� � �ن � ��ي ت �ل ��د عندما قدم إلى سكاكا للمشاركة في فعاليات الملتقى األول «لسوق دومة الجندل» ،وتجاوبا ي � � � ��ا ج� � � � � ��وف ي � � � ��ا ب � � �س � � �ت� � ��ان آث � � � ��ار مع ميول أهلها ومشاعرهم في حبهم للجوف وخ � �م � �ي � �ل � ��ة ف� � � ��ي ال � � � � � � ��روح ت �م �ت ��د واعتزازهم باالنتماء إليه ،كفلذة أثيرة من وها هو الشاعر األردني «محمود الرمحي» وطنهم الكبير ،أخ��ذ يقول بكالم مستملح يقرض قوافي الشعر ويدبج حروف الروي، تعلوه مسحة من الفكاهة المحببة: ليشكل منها سيمفونية زاهية بديعة التنسيق وق ��ال ��ت ل� ��ي :أي� ��ن ال �م �س �ي��ر م��رت�ب��ا واألل���وان ،تنم مفرداتها عن مقدار الحب ح � � � �ق � � � �ي � � � �ب � � � �ت� � � ��ك ال � � � �ك � � � �س � � � �ل� � � ��ى؟ والوفاء ،الذي يكنه الشاعر للجوف وأهلها ف � � � � �ق � � � � �ل� � � � ��ت إل � � � � � � � � � � ��ى ال � � � � � �ج� � � � � ��وف األخيار؛ إذ شهد على ثراها بداية مشوار حياته ،ومنتهى رحلة كفاحه ،الذي امتد على إلى الجوف؟ هل في الجوف غيري تودها؟ فقلت :نعم والساق تهتز من الخوف مسافة نصف قرن من الزمان ،فيقول: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ لسدة العشق الخالص الذي بلغ به مراتب األرض أرض � � ��ي وال � ��دي � ��ار دي � ��اري ف��ال �ج��وف ن �ب��ع بالمـحبــــة ج��اري الهيام ،حين نسمعه ينشد:
ع �ش �ق��ت س� �ك ��اك ��ا ك �ع �ش��ق ال��رب �ي��ع خمسون عاما في ربوعك قد مضت إذا م � ��ا ال� ��رب � �ي� ��ع ب� ��أح � �ل� ��ى ح �ل��ل وع � �ل ��ى ث � � ��راك ت ��دف� �ق ��ت أش � �ع ��اري إلى أن يقول:
ي��ا ل�ي��ت ش�ع��ري ق��د م��زج��ت عبيره ب�ع�ب�ي��ر س �ح��رك ف��ان�ح�ن��ت أوت� ��اري س �ي �ش �ه��د دوم � � ��ا ب � � ��ذاك ال �ج �م��ال ع� � � � �ي � � � ��ون رأت� � � � � � � � ��ه ول� � � � �ي � � � ��س أدل فعلى ربوعك قد بدأت قصــــائدي �اض ع � � ��ري � � ��ق ي � �ع � �ي� ��ش ب� �ه ��ا وع� �ل ��ى رب ��وع ��ك ي �ن �ت �ه��ي م� �ش ��واري ف � � � �م� � � � ٍ إلى أن يقول في ختام قصيدته:
�ال أط� ��ل «وزع� � � � �ب � � � ��ل» ي � �ش � �م� ��خ ع � � � � � ٍ
و«برنس» تحكي الحديث الطويل يا ج��وف تبقى في ال�ف��ؤاد ودائمـــا و«س � � �ي � � �س� � ��رة» ت � � ��رد ت � � �ق� � ��ول :أج� ��ل م��ا دام نبض فــي ف�ـ�ـ��ؤادي ســـــاري وهذا هو الشاعر نفسه الذي أحب سكاكا وح � � ��اض � � ��ر ي � ��زه � ��و وي � �ع � �ل� ��و ب� �ن ��اء وال��ج��وف حتى النخاع ،حبا صوفيا يرقى ل�ت�ب�ق��ى «س �ك��اك��ا» ال �ع ��روس المثل اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
131
وسكاكا تلك المدينة المتكئة على أريكة ف � � � ��ال� � � � �ق � � � ��ري � � � ��ات م � � � � � ��ن ب �ل ��اس� � ��ي الماضي التليد ،والحالمة بمستقبل باسم ف� �س� �ك ��اك ��ا ف� ��ال � �ق � �ص� ��ور ال� � ��دوان� � ��ي
واع��د ،المتربعة في براح واسع من األرض تتخلله العديد من ال��م��زارع وال��ق��رى ،يكلل هامها حصن زعبل العتيد ،الذي يرجع بناؤه إلى عصور ما قبل اإلسالم ،فيقف شامخا ال يريم يكألها من علو بعينيه ،كأنه لها بمثابة الحارس األمين ،إذ وصفه الشاعر السوري رضا حمود بقوله:
وم���ن ب��ق��اع ال��ج��وف األخ����رى ال���ب���ارزة، والضاربة في عمق التاريخ وظاهره «خوعاء»، تلك القرية المتوضعة ف��ي منخفض ذي تجاويف ،تحف به من كل جوانبه تكوينات جبلية وكثبان رملية ،وهي تقع إلى الشرق من مدينة «سكاكا» ،وتحتوي على ماء حلو وفير، وفيها بئر قديمة جدا تحمل االسم نفسه..
ومن الشعر الجاهلي الذي قيل في هذه وزع� �ب ��ل راب � ��ض وال �ع �ي��ن ش��اخ�ص��ة يقص ما ال يقص الناس والكتب المحلة في ماضي تلك األزمنة:
ل� �ع� �م ��رك إن� � ��ي ي� � ��وم اق � � � ��واز ع��ال��ج يحكي ل�ن��ا م��ن ق��دي��م ك��ل مفخرة وخ��وع��اء ل �ن��اء ف��ي ال�م�ح��ل غريب فيها العراقة وفيها الفتية النجب بعيد م��ن أه��ل المطليين وحمة إذا نسي «ب��رن��س» ف��ي ال�ح��ال ذك��ره ل �ح ��ي ب �خ ��وع ��ي وال� �غ� �م ��از ح�ب�ي��ب أو ج ��ف ري� ��ق «س �ي �س ��رة» ل ��ه رط��ب وبرنس ،جبل صغير مجاور لحصن زعبل وذي ال � � � � � � �ق� � � � � � ��ور ال ج� � � � � � ��ادت من جهة الشمال ..وسيسرة بئر أثرية قرب ب � � � � � ��ه ب � � � � � � � ��ذي ال� � � � � � �ق � � � � � ��ور ق � � �ط� � ��رة وج � � ��ادت � � ��ه ري� � � ��ح زع� � � � ��زع وج� � � ��ذوب
الحصن لجهة الجنوب.
وذكر األصفهاني في كتابه األغاني:
وم��ن ال��ذي��ن ع��ب��روا ع��ن إعجابهم بقلعة أق��واز :جمع ق��وز وه��ي رم��ال كالجبال.. زعبل ،تعبيرا بلغ بهم حد االنبهار ،الشاعر وعالج :رمل عالج ..وهو أرض النفود الكبير «ابو ذيال البلوي» ،حين هتف قائال: القريب من خوعاء.
ول � ��م ت� � � َر ع �ي �ن��ي م �ث ��ل ي � ��وم رأي �ت ��ه
132
وق���ال ام���رؤ القيس ال��ش��اع��ر الجاهلي ب��زع �ب��ل م��ا اخ �ض��ر األراك وأث �م��ر المعروف: ولسكاكا أيضا ،نصيب في ديوان الشعر أب� � �ل � ��غ ش � �ه� ��اب� ��ا وأب � � �ل� � ��غ ع ��اص� �م ��ا العربي القديم ،ال سيما مع بداية الفترة وم� ��ا ل �ك��اه��ل أم � ��اك ال �خ �ب��ر م��ال��ي اإلسالمية األولى ،حين أشار إليها الصحابي الجليل «حسان بن ثابت» ،رضي اهلل عنه ،إن � � ��ا ت� ��رك � �ن� ��ا م� �ن� �ك ��م ث� �ك� �ل ��ى ب �خ��و ع � � � � � � ��ا ،وس � � � �ي � � � �ب� � � ��ا ك � ��ال� � �س� � �ع � ��ال � ��ي ش��اع��ر ال��رس��ول «محمد» صلى اهلل عليه وقال آخر: وسلم ،بقوله: اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
كما ورد ذكر «الجوف» في نظم آخرين وه��ذي النخيل الباسقات تمايلت طربا يسر العين أعطاف محياها م��ن ق��دم��اء ش��ع��راء العربية األق��ح��اح ،من
أمثال «المتنبي» ،عندما قدم إلى الجوف في ت� �س� �ق ��ى ب� � �م � ��اء س� �ل� �س� �ب� �ي ��ل ف �ض��ه طريق عودته هاربا من «كافور اإلخشيدي» م � ��اء ت ��دف ��ق م� ��ن ع� �ي ��ون ش �م��ال �ه��ا
حاكم مصر إذ ذاك ،فعرج إلى بعض نواحي وي��رد عليه الشاعر السوري أحمد زين قسط من الراحة واالستجمام، ٍ الجوف ألخذ العابدين ،الذي أقام في الجوف عقودا: جراء العناء الذي كابده خالل سيره الطويل، فوقع بصره على مفازة رحبة خضراء ،يرتع ال �م��اء ف��ي ال �ج��وف م ��درار بوفرته ف �ل �ي �ن �ه��ل م � ��ن س� �ل� �س ��ال ��ه ال �ب �ش��م بها النعام وتسرح في ربوعها الغزالن ،يتخلل ترابها ماء «الجراوي» الذي ال يزال معروفا إال أن ه��ذا النخيل ،وع��ل��ى ال��رغ��م من بهذا االسم إلى اليوم ،وهو يقع بالقرب من أهميته البيئية والجمالية والغذائية ،التي «النبك أب��و قصر» .فطابت نفسه ،وقرت شكلت بمجموعها خميلة كثيفة متداخلة عينه ،وهو يلمس كل هذا الجمال ويتنفس األغ��ص��ان ال��ن��ض��رة ،تسر بمحياها نفوس أريجه ،عبر نسيمات جوفية منعشة مست الناظرين إليها ،إال إنها أحيانا تتعرض بأجنحتها األثيرية أكمام النباتات وتويجات واحتها لالجتثاث الجماعي ،لمقاصد كثيرة ال��زه��ور ،فمنحته كل ه��ذا االرت��ي��اح ،فسأل كفتح ال��ش��وارع أو بناء العمارات ..فرصد بعضهم عن اسم هذا الموضع ،فقيل له: الشاعر رضا حمود ،هذه الظاهرة وانشد إنها «بسيطة» ،من نواحي عقدة الجوف.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
أن يصف نخل الجوف بهذا الوصف ،تمشيا ت��رب��ع ب��ال�م�ل�ح��اء أول ص�ي�ف��ه إل��ى جزع خوعاء حين جيدت خمائله مع ما ذهب إليه المتنبي من قول ،فينشد:
متحدثا بلسانها ،قائال:
فتبسم ،وان��ث��ال��ت قريحته ش��ع��رًا عذبا ف� � � � �ح � � � ��رام ،أب � � �ع � � ��د ِع � � � � � � � � �زِّيَ ه � ��ذا وم� � � �ق � � ��ام � � ��ي ،ت � �ل � ��فُّ � �ن � ��ي األن � � � � � ��واء رقراقا ،مستلهما مفرداته من جوى المكان..
وسحره الفتان ،فقال:
ف � � � �ه� � � ��وانٌ م � � ��ن ال � �ب � �ع � �ي� ��د ع� ��ران� ��ي وم � � � � � � � � ��ن أق � � � � � � � ��ارب � � � � � � � ��ي وج � � � � �ف � � � ��اء
وج� ��اب� ��ت ب �س �ي �ط��ة ج� � ��دب ال� � ��ردى ب � � �ي � ��ن ال � � �ن � � �ع� � ��ام وب� � � �ي � � ��ن ال � �م � �ه� ��ا وأن� � � � ��ادي ف� �ه ��ل ت� � ��رى م� ��ن م�ج�ي��ب ه��ل س�ت�ج��دي استغاثتي وال �ن��داء إل� ��ى ع �ق ��دة ال� �ج ��وف ح �ت��ى ش�ف��ت ب �م��اء «ال� � �ج � ��راوي» ب �ع��ض ال �ص��دا غ � ��رس � ��ون � ��ي ف� �س� �ي� �ل ��ة م � �ن� ��ذ ق� ��رن ورع� � ��ون� � ��ي وم � � ��ا ي� �خ� �ي ��ب ال� ��رج� ��اء
و«العقدة» ،تعني األرض كثيرة النخيل، وكل أرض ذات خصب كان يقال لها عقدة .ت � ��رك � ��ون � ��ي أم � � ��ان � � ��ة ف � � ��ي ي ��دي� �ك ��م ب� � � ��األم� � � ��ان� � � ��ات ف� � � � � � ��رَّ ط األب� � � �ن � � ��اء وقد راق للشاعر« :عبد الرحمن الصالح» اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
133
تحملنا الصباحات.. ل�س��ت م��ن غ��رس�ك��م ف�ه�ن��ت عليكم ل � ��و درى م � ��ا م� �ص� �ي ��ري اآلب � � � ��اء؟ أرى التاريخ في «كاف» ونظرا لما تحويه الجوف من أوابد أثرية وفي «أثرا» وفي «أقيال» آثار وغايات..
وشواهد معمارية غاية في الروعة واالنبهار، جعلت الكثير من الشعراء يقفون مندهشين أمام مشهدها االستثنائي األخاذ ،فيطلقون لعرائس القريض العنان ،فتمضي محلقة برحلة استطالعية عبر ال��خ��ي��ال ،تجوس خالل الديار ..لتصف ما تقع عليه العيون وه��ك��ذا ،يظل ال��ج��وف ،بما يحمل من من معالم المكان؛ فنجد الشاعر «يوسف خصوصية المكان ..وعراقة الزمان ..ونشوة العارف» ينشد «ألدوماتو» وألقرانه من آثار األوان ..محتفظا في باطنه وسطحه آثاراً الجوف األخرى مرددا: لحضارات شعوب وأمم كانت هنا ،مارست أدوماتو ..أدوماتو ..أدوماتو.. أط���وارًا شتى من العيش وض��روب��اً متنوعة وتنتفض التواريخ البهيجات من الحياة ،كرس مسيرتها األجداد وأضاف تنثر األخبار إليها األحفاد ،فتغنى بها الشعراء ..ودونها فتاتيك النهايات.. الكتاب ..وتحدث عنها الرواة.. وب��ع��د ،ف��ه��ذا غيض م��ن ف��ي��ض ،حاولت جهدي اإلش���ارة إليه باختصار غير مخل، أو إطناب ممل ..ألن الموضوع أج��در من أن يعالج ببحث يتيم ..أو دراسة مقتضبة ال تفي بالمطلوب..
أشيري «يا ابنة السرحان» كيف البشارات.. على مرمى من التاريخ تؤنسنا الحكايات.. فهذي «سيسرا» األمجاد من ظمأ يروي ماؤها العذب الفرات.. وهذا «ود» الحيارى وتحية «الرجاجيل» العتاة.. وهذي «مارد» الشماء تعلو ويحرسها «األكيدر» والحماة.. أشيري يا «ابنة السرحان» كيف هي اإلشارات.. أدوماتو ..أدوماتو ويهمى فوقنا التاريخ
134
* باحث سوري مقيم في الجوف. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
مصادر البحث: .1 .2 .3 .4 .5 .6 .7 .8
ح��ك��م وم��خ��ت��ارات م��ن ع��ي��ون ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي، مجموعة مؤلفين ،دار طليطلة ،دمشق2003 ،م. ابن عبدربه األندلسي العقد الفريد ،دار الفكر بيروت 1940م. ياقوت الحموي معجم البلدان ،دار الكتب العلمية بيروت 1966م. اب��ن منظور لسان ال��ع��رب ،دار ص���ادرـ بيروت 1985م. د .عارف المسعر هذه بالدنا ..الجوف ،الرئاسة العامة لرعاية الشباب 1419هـ. د .نواف ذويبان الخالدي تاريخ منطقة الجوف، معارف العصر ،سكاكا 1425هـ. أ .د .عبدالرحمن األن��ص��اري -ال��ج��وف ،دار القوافل ،الرياض 1429هـ. أعداد متفرقة من مجلتي :الجوبة وسيسرا.
امل�ؤلف :فلحي عايد الفلحي
امل�ؤلف :هاين احلجي
النا�شر :دار املفردات للن�شر والتوزيع
النا�شر :نف�سه
صدر للكاتب فلحي الفلحي رواية بعنوان «بنات
صدر حديثا للكاتب هاني الحجي مجموعة
المتوسط .تعيد ه��ذه ال��رواي��ة إل��ى األذه��ان مالمح
( )53صفحة من القطع المتوسط ..اشتملت
الحي الشرقي» ،تقع في ( )240صفحة من القطع وسمات المجتمع المحلي في زمن توارى خلف ضباب الرخاء والرفاهية التي يشهدها مجتمعنا اليوم.. لوحات يتجلى فيها جمال المعاناة وشظف العيش بما أودع الكاتب بين سطورها من نصوص وذكريات تشرق بصمات على محيا أبناء ذل��ك الجيل الذي فقدنا منه كثيرا .وتكتسب لغة الرواية أهمية قصوى لدى أبناء منطقة الجوف ،لتضمنها رم��وزا تعبيرية جوفية خالصة.. وأقتطف هنا بعضا مما كتبه الناشر على ظهر الغالف( :لم يكن هذا العمل مفاجأة لي ..فقد زاملت الكاتب زم��ن��ا ط��وي�لا ع��رف��ت خ�لال��ه ثقافة الكاتب الواسعة ،ورؤاه الثاقبة ،كما عرفته باحثا جادًا وخبيرًا اجتماعيا أض��اف��ت خبرته إل��ى إب��داع��ه ه��ذا حسً ا اجتماعيا كساه موضوعي ًة وتناوالً شيقًا حتى ظهر بين الرواية والسير ة الذاتية والتأريخ االجتماعي ..ولربما مثل منهجا جديدا في كتابة الرواية ا لمعاصرة).
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
الكتاب :بنات احلي ال�شرقي
الكتاب :ن�ساء خ�شبيات -جمموعة ق�ص�صية
قصصية بعنوان «نساء خشبيات» ،وتقع في على أرب���ع ع��ش��رة قصة ق��ص��ي��رة ،وقصص
قصيرة ج���دا ،م��ن أه��م عناوينها( :م��زاب��ل ومقابر ،الرجل الذي أصبح بخارا ،دمعة تعبر
الكون ،زبالة العاجزين) .وفي إصداره هذا.. حاول الحجي إقناع نفسه كإنسان وقاص -
وإقناع القراء أيضا -بأن الكون يُدمَّر بسبب
انثى ويُبنى بسبب أنثى!!
ونقرأ على غالف المجموعة كلمة لألديب
عبداهلل الشايب نقتطف منها( :تُولِّد هذه
المجموعة إثارة فكرية مجتمعية .هل وصل الكاتب إلى نهايات الرؤية؟ سيستمر الكاتب
في جدليته مع مكونه متصالحا مع نفسه ومتسامحا مع محيطه ،لذا جاءت المعالجات
قيمة مع تحقيق اإلمتاع)..
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
135
الكتاب :حرز تاال -رواية
الكتاب :نكاية يف اجلغارافيا – كتاب حواري
امل�ؤلف :عمر الأن�صاري
امل�ؤلف :ه�شام بن�شاوي
النا�شر :دار مدارك -دبي
النا�شر :دار «�إي -كتب» الربيطانية
يعود األن��ص��اري ،إلى صحراء الطوارق مرة
أخرى ،ليجلب معه مزيدا من األساطير في حقب زمنية ،موغلة أكثر من تلك التي استحضرها
في عمله السابق «طبيب تينبكتو» ،ليعود بنا
إلى الوراء وعبر األسطورة في عمل جديد حمل اسم «حرز تاال» ،والذي يقع في 338صفحة من
صدر حديثا للكاتب المغربي هشام بن الشاوي كتاب حواري ،موسوم بــ «نكاية في الجغرافيا»، يضم مجموعة حوارات شيقة ،أجريت في أوقات متفرقة ،وعلى مسافات مختلفة ،تناولت العديد من قضايا الفن واألدب مع نخبة مرموقة ممّن تركوا بصمات مهمة في ثقافتنا المعاصرة.
وقد ضم هذا اإلص��دار الرقمي ح��وارات مع القطع المتوسط والصادر عن «دار مدارك» في كل من :أسامة أنور عكاشة ،محمد البساطي، دبي. إبراهيم عبدالمجيد ،وحيد حامد ،محمد برادة، يمكن تصنيفها رغ��م حديثها ع��ن تأسيس يوسف القعيد ،محمد عزالدين التازي وسعيد مدينة تينبكتو ،أنها كتبت عن أزمنة مفقودة يقطين. من حياة الطوارق ،فهي ال تتناول زمنا محددا، وال تعالج قضية بعينها ،قدر ما ستبحر بقارئها إلى زمن وقصة وأشخاص أسطوريين ليس لهم
وجود في غير وجدان أهل الصحراء الذين اقترن عيشهم بتراث مشبع بهذه األساطير والقصص
التي استحضرها الكاتب من أزمنة غابرة.
العمل يعد الثالث للصحفي عمر األنصاري،
الباحث في شؤون الطوارق ،بعد كتابيه «طبيب
136
تينبكتو» و«الرجال الزرق». اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
ويعد هذا الكتاب الحواري اإلصدار الثامن للكاتب ،وق��د ص��در ل��ه م��ن قبل ف��ي القصة: «بيت ال تفتح نوافذه»« ،روتانا سينما وهلوسات أخ��رى!»« ،احتجاجا على ساعي البريد» و«على شفير النشيج» ،وفي الرواية« :كائنات من غبار»، «قيلولة أحد خريفي» التي فازت بجائزة الطيب ص��ال��ح العالمية ل�لإب��داع الكتابي ف��ي دورت��ه��ا الثانية (2012م) ،فضال عن رواية «هكذا ينتهي الحب عادة» ،والتي صدرت إلكترونيا عن مجلة «الكلمة» اللندنية.
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
دوم زين رواية
امل�ؤلف :عقل مناور ال�ضمريي النا�شر :الدار العربية للعلوم ال�سنة
2016 :م
ص���در ح��دي��ث��اً ع��ن ال����دار ال��ع��رب��ي��ة للعلوم ناشرون ،رواية بعنوان «دوم زين» ،للكاتب عقل ابن مناور الضميري ،وتقع الرواية في «»206 صفحات م��ن القطع المتوسط ،وه��ى رواي��ة تتناول البنية المجتمعية السعودية. رواية «دوم زين» ذات بنية سردية ،تقوم على متن حكائي في الدرجة األولى ،تعرض الوقائع من خالل ال��راوي العليم المهيمن «الرؤية من وراء».
صوت «نايف» الذي يمثل النموذج األمثل من وجهة نظر ال����راوي ،وه��و يمثل األن��ا الثانية ل��ل��ك��ات��ب ،وه���و ن���م���وذج ل��ط��ب��ق��ة ت��ش��ك��ل��ت في المجتمع السعودي بفعل عصاميتها وحُ سن إدارت���ه���ا واس��ت��غ�لال��ه��ا للطفرة االق��ت��ص��ادي��ة. وتمثل شريحتين اجتماعيتين مزدوجتين؛ األرستقراطية واإلنتلوجانسيا «المثقفون» ،وهنا تكمن المفارقة.
وقد استطاع كاتب الرواية أن يقدم النموذج االجتماعي المعبر عن هذه االزدواج��ي��ة التي ب���ن���اء ال��ش��خ��ص��ي��ات أق�����رب إل����ى ال��ن��ه��ج ميزت قطاعاً مجتمعياً يمثله «نايف». الرومانسي الذي يقسم البشر إلى نماذج خيرة كما استطاع أن يجسد العالقة بين هذه وأخرى شريرة ،فالرواية تجمع تيارين عرفتهما الطبقة وشريحة غربية أخ��رى كانت أق��رب ال��رواي��ة العربية ،فقيمة أي رواي��ة تكمن في إلى تفهم البنية المجتمعية ،من خالل التوافق تعددية األصوات فيها طبقا لـ”باختين” ،أحد المعرفي الذي أفرزته البعثات الدراسية من أهم المنظرين للرواية ،وإن كان ذلك ال يعني جهة والدبلوماسية من جهة أخرى .إن الثروة بالضرورة تعدد الرواة. المادية أنتجت ث��روة معرفية تأكيداً لسلطة وم���ن ال���واض���ح أن ال��ص��وت ال��ط��اغ��ي هو الخطاب كما الحظ الفيلسوف الفرنسي فوكو. اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
137
األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة
إعداد :عماد املغربي
ملتقى القراءة بدار الرحمانية بالغاط يبدأ موسمه الجديد ،وانطالقة في مكتبة منيرة الملحم
انطلقت جلسات ملتقى القراءة في دار الرحمانية مثمنين قيمة هذا الكتاب ،لما له من أهمية في بالغاط ،للموسم الحالي ،وهو الموسم الثاني على تنمية التفكير وتحفيز األفكار اإلبداعية مع التركيز التوالي ،وذلك يوم الثالثاء 1438/01/17هـ ،وفد على اإليجابية وتعزيزها ،بالعصف الذهني. جرت مناقشة كتاب «التفكير اإلبداعي» لمؤلفه كما انطلق ملتقى القراءة بمكتبة منيرة الملحم «جيفري بتي» ،ترجمة سامي تيسير. للنساء بدار الرحمانية في الغاط ،وبدأ بتشكيل
واستخلص أعضاء الملتقى الفوائد والرسائل التي بثها المؤلف في كتابه بشأن طرق التفكير التي تعد ذات عالقة كبيرة بمراحل اإلبداع ،وهي إح��دى الصعوبات التي يواجهها المبدعون على اعتبار أن مراحل اإلبداع تحتاج إلى طرق تفكير.
فريق ل��ل��ق��راءة ،بمشاركة مجموعة م��ن الفتيات المهتمات بالقراءة في الغاط ،وجرت قراءة أول كتاب ضمن الملتقى وه��و كتاب «اق���رأ» تأليف «ساجد العبدلي» ،ليكون منطلقا لهن في هذا الملتقى.
ع���ق���د ب������دار ال��رح��م��ان��ي��ة بمحافظة الغاط ي��وم االثنين 26س��ب��ت��م��ب��ر 2016ن����دوة وندوة بدار ل��ت��دش��ي��ن ك���ت���اب ال���غ���اط في عيون المصورين ،الصادر عن الرحمانية مركز عبدالرحمن السديري لتدشين الثقافي ،وتأتي هذه الندوة ضمن أنشطة الموسم الثقافي لدار الرحمانية بمحافظة كتاب الغاط ،وشارك فيها كل من سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري واألستاذان ظافر الشهري ومحمد بن عيسى صوانه والمصوران المشاركان بالكتاب سلطان الغاط العضيدان وماجد الخميس.
138
في ذكر سلطان السديري أن الكتاب انبثق عن ملتقى الشباب المصورين بدار عيون الرحمانية لتوثيق شواهد لألصالة والتراث والحياة االجتماعية في الغاط ،وثقوا من خاللها جمال هذه المدينة الساحرة وتراثها وعادات أهلها .كما تحدث المشاركون المصورين بالندوة عن مراحل إص��دار الكتاب ال��ذي مر بالتصوير وتقييم الصور وتصنيف الكتاب إلى أربعة فصول ،وكتابة النصوص باللغتين العربية واإلنجليزية ليكون مرجعا سياحيا هادفا لمحافظة الغاط ،وأعقب ذلك حوار ومداخالت من الجمهور.
اجلوبة -خريف 1438هـ ()2016
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثا