مجلة الجوبة 53 Aljoubah

Page 1

‫دراسات ونقد‬ ‫نصوص شعرية وسردية‬ ‫مواجهات‬ ‫شهادات‬

‫منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية‬ ‫( قراءة في التاريخ واآلثار )‬

‫‪53‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاك�س ‪� - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاك�س ‪� - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الريا�ض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy. org. sa‬‬


‫جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫امل�شرف العام ‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫�سكرترياً‬ ‫�أ�سرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫حمرراً‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً‬ ‫عماد املغربي ‬ ‫ ‬ ‫�إخـــراج فني ‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫املرا�ســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد‬

‫‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 53‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪6...............................‬‬ ‫منطقة اجلوف وعالقتها‬ ‫باالمبراطورية الرومانية‬

‫‪32........................‬‬ ‫ماهر الرحيلي‬ ‫شاعر املدى والسكون والغياب‬

‫‪92.............................‬‬ ‫حوار مع‬ ‫الشاعر سعد الثقفي‬

‫الـمحتويــــات‬

‫افتتاحية العدد‪4 .......................................................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬منطقة الجوف وعالقتها باالمبراطورية الرومانية (قراءة في التاريخ‬ ‫واآلثار) ‪ -‬آيات عفيفي‪6 ............................................................‬‬ ‫«تفسير آخر للخالص» جُ ماع التّجربة في الحياة والف ّن ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪15 ....‬‬ ‫بكاء الزوجة عند ديك الج ّن الحمصيّ وتمظهرات التكرار األسلوبي ‪ -‬د‪ .‬إِبراهيم‬ ‫الدّهون‪20 ..........................................................................‬‬ ‫النص والهندسة ‪ -‬فهد المصبّح ‪30 ..................................................‬‬ ‫ماهر الرحيلي شاعر المدى والسكون والغياب ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد الشنطي ‪32 .........‬‬ ‫مهدي المطوع قلق يتلوى في ممحاة ‪ -‬محمد خضر ‪39 .............................‬‬ ‫شعرية االخ��ت��زال ف��ي «شجر ه��ارب ف��ي ال��خ��رائ��ط» إلبراهيم زول��ي ‪ -‬هشام‬ ‫بنشاوي‪42 ..........................................................................‬‬ ‫أسئلة الواقع والوجود في رواية انفرادي ‪ -‬د‪ .‬هويدا صالح‪45 ......................‬‬ ‫تركية العمري والشغل على ثنائية الرجل والمرأة ‪ -‬فرج مجاهد عبدالوهاب‪49 ....‬‬ ‫وس ُّر الشِّ عْرِ يَّةِ في ديوانِه (بَرْدِ َّي ُة ال َّندَى والسِّ ر) ‪ -‬محمد عيسى‪52 .‬‬ ‫أَحْ مَد تمْسَ اح‪ِ ..‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬اللوحة ‪ -‬سمر حمود شيشكلي ‪57 ...................................‬‬ ‫أبــــــــــي ‪ -‬مادلين‪61 ..................................................................‬‬ ‫المجذوم ‪ -‬حنان الحربش ‪62 ........................................................‬‬ ‫انتظار ‪ -‬خالد النهيدي ‪64 ...........................................................‬‬ ‫رصاصة ‪ -‬سمر الزعبي ‪65 ..........................................................‬‬ ‫غرفة خاصة دورِ س لِسِّ نغ ‪ -‬ترجمة عمر أبو القاسم الككلي‪67 .....................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬عمّار الجنيدي ‪72 ............................................‬‬ ‫األعمى ‪ -‬ترجمة‪ :‬ياسمينة صالح‪73 .................................................‬‬ ‫شعر‪ :‬بنات البوادي ‪ -‬يوسف حسن العارف‪76 .........................................‬‬ ‫لعنة أنثى ‪ -‬حليمة الفرجي ‪78 .......................................................‬‬ ‫وحدي ‪ -‬مالك الخالدي ‪79 ..........................................................‬‬ ‫وجوه ‪ -‬مها سعود ‪80 .................................................................‬‬ ‫الريحانة ‪ -‬عبداهلل األسمري ‪80 .....................................................‬‬ ‫بأس ‪ -‬عالء الدين رمضان‪81 .......................................‬‬ ‫ال على الالحق ُ‬ ‫مجهولة االسم؟! ‪ -‬أحمد مصطفى سعيد ‪84 ........................................‬‬ ‫وصية ‪ -‬حامد أبو طلعة‪85 ...........................................................‬‬ ‫ذاكـــــــــرةُ الموانِئِ ‪ -‬نجاة خيري ‪86 ..................................................‬‬ ‫شهادات‪ :‬قصيدة هاشم تحمي نفسها من السقوط‪ - ...‬محمد الحرز ‪88 ............‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬د‪ .‬خولـة الكـريع ‪ -‬المحرر الثقافي ‪90 .................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع الشاعر سعد الثقفي ‪ -‬عمر بوقاسم ‪92 .........................‬‬ ‫حوار مع الشاعرة العمانية بدرية الوهيبي ‪ -‬هدى الدغفق ‪103 ......................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الصالون الثقافي بين الماضي والحاضر ‪ -‬غادة هيكل ‪109 ....................‬‬ ‫المراكز الثقافية السعودية إطاللة على المشروع الثقافي ‪ -‬مرسي طاهر‪113 .......‬‬ ‫بين مشهدين‪ - !..‬عمر بوقاسم‪117 ...................................................‬‬ ‫مع األيام الخوالي‪ - ..‬فلحي عايد الفلحي ‪118 .......................................‬‬ ‫عندما يهجو الشاعر نفسه ‪ -‬راكان بصير الرويلي ‪121 ...............................‬‬ ‫الجوف في عيون الشعراء ‪ -‬غازي خيران الملحم‪124 ................................‬‬ ‫قراءات‪133 ............................................................................. :‬‬ ‫األنشطة الثقافية‪136 ................................................................:‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة من الورشة الفنية لبنات الجوف‪ ،‬رسم على الهواء ‪1438/10-9‬هـ ‪ -‬لجنة التنمية‬ ‫االجتماعية األهلية بمدينة سكاكا بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالجوف‪.‬‬


‫اف���ت���ت���اح���ي���ة‬ ‫ال�����������ع�����������دد‬ ‫■ إبراهيم احلميد‬

‫يُجسِّ د الشاعر لحظات األلق‪ ،‬والوهج الشعري‪ ،‬وتستعيد األفكار‬ ‫ث���ورات االنفعال وق��وة المشاعر‪ ،‬وت��رس��م النصوص الحنين إلى‬ ‫الذكريات التي تأتي من ثنايا الذاكرة‪.‬‬ ‫يلتقط الشاعر لحظة الفرح‪ ،‬وأحيانا لحظة المأساة‪ ،‬أو المنفى‬ ‫والغربة والتشرد‪ ..‬فتطغى قسمات األلم على وجه القصيدة التي‬ ‫تُعبّر عن نزيف الوطن ومساحات الوجد‪ ،‬وهي بهذا‪ ..‬وبقدر ما تدوّن‬ ‫المشاعر‪ ،‬فهي تذهب بعيدا إلى سرد الواقع وتوثيق الحياة‪.‬‬ ‫و نجد الشاعر يحمل مشاعله متقمصا شخصيته الحقيقية‪ ،‬وأحيانا‬ ‫الرمزية؛ ليحقق للقصيدة غايتها ومنتهاها؛ وهذه ميزة للشاعر ال‬ ‫نجدها لدى غيره‪ ،‬حتى إن الشاعر الفارس تمكن من إنهاء خصومه‬ ‫وخصوم قبيلته‪ ،‬والسير عبر البلدان والتحوّل إلى فتى بعمر الستين‪.‬‬ ‫كيفما يكون إحساس الشاعر‪ ،‬تأتي القصيدة مطواعة ومهيمنة على‬ ‫الروح؛ ولذا نجد الشاعر في أوج ما يكون عندما يصل إلى درجة من‬ ‫االنفعال الذي يولد القصيدة‪ ،‬والذي من دونه ‪-‬ولو كان قليال‪ -‬لن‬ ‫يكون للشعر معنى‪..‬‬ ‫وبشكل آخر‪ ،‬تأتي الرواية لتحل ديوانا آخر‪ ،‬وليس بديال عن الشعر‬ ‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة‬ ‫بكل تأكيد‪ ،‬ولكنها تجيء مُحمّلة بالواقع في كثير منها‪ ..‬تأتي على‬ ‫آالم الناس وتكشفها‪ ،‬وتحوّل واقع األمم الذي تعيشه إلى صفحات‬ ‫يخلّدها التاريخ‪ ،‬ولذا يجد الكثير من عشاق األدب والرواية الفرصة‬ ‫سانحة الستعادة بعض األعمال الكبرى أو المجهولة مع كل حدث‬ ‫عالمي أو محلي‪ ،‬وتستعيد الرواية مجدها مع كل منزلق أو هاوية‬ ‫جديدة تحدث في هذا العالم‪ .‬كتب الروائيون عن الحب في أوقات‬ ‫الراحة والشوق‪ ،‬وكتبوا عن الحرب وشظاياها التي تصيب الجميع‪،‬‬ ‫وكتبوا عن الواقع مهما كان أليمًا أو سعيدًا؛ ولذا كانت الرواية تأريخا‬ ‫للواقع وكاشفة له؛ ومن هنا تأتي أهميتها وخصوصيتها‪.‬‬ ‫ف��ي نصوص ال��س��رد‪ ،‬تأتي القصة القصيرة م��ع��ادال موضوعيا‬ ‫ال متكاملة‪ ،‬يستطيع السارد‬ ‫كلمات وجم ً‬ ‫ٍ‬ ‫للمشاعر والذكريات‪ ،‬ناسج ًة‬ ‫فيها تحميل لغته كل معانيها التي ينبغي أن توصل مشاعره إلى‬ ‫منتهاها‪.‬‬ ‫وإجماال نجد أن الخصوصية تحضر أحيانا في بعض التجارب‬ ‫الفنية‪ ،‬فالبعد التأملي البد أن يكون حاضرًا من خالل أيٍّ من التجارب‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬ذلك أن التجارب الفردية تعطي للنص ألَ َق ُه وأبعادَه النفسية‬ ‫والجمالية؛ ولذا تتباين األصداء تجاه النصوص بين المتلقين‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪7‬‬


‫منطقة الجوف وعالقتها‬ ‫باالمبراطورية الرومانية‬ ‫(قراءة في التاريخ واآلثار)‬ ‫‪ρρ‬آيات عفيفي*‬

‫«أعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب‪ ،‬جمّ الفوائد‪ ،‬شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا‬ ‫على أحوال الماضين من األمم في أخالقهم‪ ،‬واألنبياء في سيرهم‪ ،‬والملوك في‬ ‫دولهم وسياساتهم‪ ،‬حتى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين‬ ‫والدنيا»(‪.)1‬‬ ‫آثرت أن أبدأ بتلك المقولة الشهيرة أه��م��ي��ة ت��ل��ك ال���دراس���ات ل�لاس��ت��ف��ادة‬ ‫الب���ن خ��ل��دون ل��ق��ن��اع��ت��ي بمضمونها منها فى معرفة الماضي‪ ..‬وصياغة‬ ‫وقيمتها‪ .‬تلك القيمة ال��ت��ي تأكدت وتخطيط الحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫منذ زمن بعيد بعدما عكفت األقسام‬

‫وتعد االمبراطورية الرومانية واحدة‬

‫المتخصصة والمعنية بدراسة اآلثار م��ن أه���م وأض��خ��م اإلم��ب��راط��وري��ات‬ ‫وال��ت��اري��خ ف��ي الكثير م��ن الجامعات التي حكمت أج��زاء عديدة من العالم‬ ‫والمعاهد في العالم على دراسة التاريخ القديم‪ ،‬بما في ذلك الكثير من دول‬

‫اإلنساني والحضارات واإلمبراطوريات «ال���ش���رق األوس������ط» ال��ح��ال��ي وش��ب��ه‬

‫‪8‬‬

‫القديمة المختلفة‪ ،‬إدراكً��ا منها بمدى الجزيرة العربية لعدة قرون‪ .‬ولذا‪ ،‬فقد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫بأس به من الدراسات األثرية والتاريخية حيث كان شمالي المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫‪-‬ح��ت��ى يومنا ه���ذا‪ -‬وذل���ك ل��ع��دة أس��ب��اب‪ ،‬الواقع في شمالي شبه الجزيرة العربية‪،‬‬

‫أهمها‪ :‬معرفة الكيفية التي أدارت بها تلك داخ��ل دائ���رة اهتمام اآلش��وري��ي��ن م��ن أجل‬

‫االمبراطورية المترامية األط��راف البلدان إحكام السيطرة على طرق التجارة البرية‪.‬‬ ‫العديدة المختلفة التي دخلت تحت لوائها‪ ،‬ففي عام (‪ 691‬ق‪.‬م) شنَّ «سنحريب» ملك‬ ‫رغم تعدد واختالف الثقافات والديانات اآلشوريين آن��ذاك حملة على شمالي شبه‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫حظيت االمبراطورية الرومانية بنصيب ال (القرن السابع ق‪.‬م‪ ).‬تحت اسم «دومات»‪.‬‬

‫واألع��راق بتلك البلدان‪ ،‬لتصبح كل واحدة الجزيرة العربية‪ ،‬مالحقُا جيوش الملكة‬

‫منها في النهاية مجرد «والية رومانية» تحت «تلخونو» ملكة العرب ‪ -‬في ذل��ك الوقت‬ ‫حكم امبراطورية واحدة‪.‬‬

‫‪ -‬حتى «أدوم��ات��و» وه��ى دوم��ة الجندل أو‬

‫وقد كان لمنطقة الجوف‪ /‬دومة الجندل الجوف الحالية‪ .‬وهذه كانت المرة األولى‬ ‫ف��ي شمالي المملكة العربية السعودية التي يُذكر فيها اسم واح��ة الجوف كثاني‬ ‫نصيبًا من الوجود الحضاري والتاريخي في واح���ة ي���رد ذِ ك��ره��ا ب��ع��د واح���ة ت��ي��م��اء في‬ ‫الكيان الروماني‪ ،‬كجزء من إحدى واليات النصوص اآلشورية(‪ .)2‬وفى دراسة أخرى‪،‬‬

‫االمبراطورية الرومانية‪ ..‬والتي سُ ميَت ذُكر أيضا أن شمالي شبه الجزيرة العربية‬ ‫رئيس‬ ‫ٍ‬ ‫بدور‬ ‫ٍ‬ ‫«والي��ة ب�لاد العرب الرومانية»‪ .‬وف��ي ظل كان يوجد به مملكتان تقومان‬

‫المصادر والكتابات التاريخية المتاحة‪ ،‬في تجارة البخور والعطور‪ ،‬هما مملكتا‬ ‫وك��ذل��ك ال��لُ��ق��ى ‪ -‬ال��م��ع��ث��ورات ‪ -‬األث��ري��ة أدوم��ات��و «ال��ج��وف‪/‬دوم��ة الجندل» ودادان‬ ‫المُكتَشفة‪ .‬أحاول إلقاء الضوء على عالقة «العال حاليًا»(‪.)3‬‬

‫منطقة الجوف‪/‬دومة الجندل باالمبراطورية‬

‫وقد ذكرت العديد من الدراسات أهمية‬

‫الرومانية وأهميتها في تلك الفترة(‪.)1‬‬

‫منطقة (الجوف‪/‬دومة الجندل) في ذلك‬

‫الجوف في الكتابات والوثائق‬ ‫التاريخية قبل االمبراطورية‬ ‫الرومانية‬

‫التجارية المهمة‪ .‬إحدى تلك الدراسات كان‬

‫ال��وق��ت‪ ،‬لوجودها في مسار أح��د الطرق‬

‫عنوانها «طرق البخور»‪ ،‬حيث جاء بها أن‬

‫ثَبُت تاريخيًا أن المرة األولى التي ذُكر القوافل التجارية كانت تعبر أحد المسارات‬ ‫اس��م «واح��ة ال��ج��وف»‪ ،‬كانت استنادًا إلى ال��ذي ك��ان يبدأ من ن��ج��ران‪ ،‬م���رورًا بقرية‬ ‫م��ا يشير إل��ي��ه أح��د ال��ن��ص��وص اآلش��وري��ة الفاو‪ ،‬حتى تصل القوافل إلى شمال شرقي‬ ‫المُكتَشفة إل��ى وج���ود واح���ة ال��ج��وف في الجزيرة العربية‪ .‬وفي تيماء يفترق جزء من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪9‬‬


‫الطريق الغربي أيضاً نحو الشرق ليصل إلى ح��ول التاريخ والجغرافيا الخاصة بدولة‬ ‫واحة دومة الجندل ووادي الفرات(‪.)4‬‬

‫األردن‪ ،‬حدث ج��دال حول تأسيس مملكة‬ ‫(‪F.V.Winnett‬‬

‫وفي مرحلة تاريخية تالية ازدادت أهمية األنباط‪ ،‬إذ اقترح الباحثان‬ ‫منطقة ال��ج��وف‪/‬دوم��ة ال��ج��ن��دل‪ ،‬وب��ات��ت ‪ )& E.C.Broome‬أن «منطقة جنوب الجوف»‬

‫أك��ث��ر وض��وحً ��ا‪ ،‬أال وه��ى ف��ت��رة الحضارة كانت هى الموطن األصلي لألنباط(‪ .)5‬بينما‬ ‫البابلية‪ ،‬ثم تأسيس مملكة األنباط فيما رأى بعض المؤرخين أن ظهور األنباط في‬ ‫بعد ووقوع منطقة الجوف‪/‬دومة الجندل‪ ،‬شمالي الجزيرة العربية بدأ في (‪586‬ق‪.‬م)‬ ‫نصر» الملك البابلي‬ ‫ضمن ح��دود المملكة النبطية التي ازداد عندما احتل «نبوخذ ّ‬

‫نفوذها في شبه الجزيرة العربية‪ .‬ففي أول أورشليم وأخ��رج اليهود منها‪ ،‬ما أدى إلى‬ ‫مؤتمر عقد في أكسفورد (مارس ‪1980‬م) نزوح اآلدوميين إلى الشمال؛ ليؤسسوا لهم‬

‫‪10‬‬

‫بقايا حُ جرة الطعام‪ /‬الضيافة الرومانية التريكلينيوم (‪)Triclinium‬‬ ‫صورة جوية لبقايا مبنى يحتوى على ما يعرف باسم (التريكلينيوم ‪ )Triclinium‬أو غرفة الطعام‪ /‬الضيافة عند الرومان‬ ‫تم الكشف عنه خالل حفائر أجريت بالجوف فى (‪1432-1431‬هـ) فى المنطقة التاريخية بدومة الجندل‪ ،‬وتحديدًا فى‬ ‫تل رجم البرج الذى يقع غرب ‪ -‬الواحة وهو يعود إلى الفترة ما بين القرن األول ق‪.‬م والقرن األول الميالدى‬ ‫( المصدر‪ :‬جيلوم شارلو‪ ،‬رومولو لوريتو‪ .‬دومة الجندل ‪ 2800‬سنة من التاريخ فى المملكة العربية السعودية‪ ،‬الهيئة‬ ‫العامة للسياحة واألثار ‪ 2013‬ص ‪.)30‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫خريطة طرق التجارة الرئيسية التى توضح وقوع الجوف‪ /‬دومة الجندل فى طريق قوافل التجارة فيما قبل اإلسالم‬ ‫بما فيها فترة وقوع الواحة إداريًا فيما يعرف بوالية العرب الرومانية خالل الحكم الرومانى‬ ‫( المصدر‪ :‬جيلوم شارلو‪ ،‬رومولو لوريتو‪ .‬دومة الجندل ‪ 2800‬سنة من التاريخ فى المملكة العربية السعودية‪ ،‬الهيئة‬ ‫العامة للسياحة واآلثار‪ ، 2013 ،‬ص ‪. ) 18‬‬

‫مملكة جديدة عرفت في المصادر اليونانية ق��د أ ُدرج�����ت ت��ح��ت ح��ك��م االم��ب��راط��وري��ة‬ ‫باسم «إي��دوم��ي��ا»‪ ،‬وف��ي ال��وق��ت نفسه كان الرومانية آن���ذاك‪ ،‬إال أن��ه على المستوى‬

‫األنباط موجودين حول ميناء «أيلة» حين ال��رس��م��ي ف��إن منطقة واح���دة ف��ق��ط‪ ،‬هي‬ ‫زحفوا تدريجيًا في أرض أدوم‪ ،‬وأسسوا التي كانت تحمل اسم «والي��ة بالد العرب‬ ‫عاصمتهم الشهيرة ال��ت��ي أط��ل��ق��وا عليها الرومانية» داللة على مدى أهميتها‪ .‬تلك‬ ‫اس��م «ال��رق��ي��م»‪ ،‬وال��ت��ي سُ مِ يت فيما بعد المنطقة كانت تتألف من جزء كبير من دولة‬ ‫«البتراء»(‪.)6‬‬

‫األردن الحالية‪ ،‬وجانب من سيناء‪ ،‬والنقب‪،‬‬

‫و بعد دخول مملكة األنباط تحت حكم وشمال الحجاز‪ ،‬وأجزاء من جنوبي سوريا‬

‫االمبراطورية الرومانية فى (‪106‬م) وبرغم وهي المقابلة لمملكة األنباط القديمة(‪.)7‬‬ ‫أن أجزاء عديدة في شبه الجزيرة العربية و«حتى أواخ��ر العصر الروماني يُرجَّ ح أن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪11‬‬


‫دوم���ة ق��د ك��ان��ت ج���زءًا م��ن شبكة تجارية والفيلسوف الروماني المتخصص في علوم‬ ‫اتخذت من بيزنطة مركزًا لها»(‪.)8‬‬ ‫منطقة الجوف وعالقتها‬ ‫باالمبراطورية الرومانية‬

‫الطبيعة «ج��اي��وس بليِّنوس سيكوندُّس»‬

‫(‪Plinius Secundus‬‬

‫‪ ،)Gaius‬الشهير ببليِّنى‬

‫األكبر (‪ ،)Pliny the Elder‬ورد اسم منطقة‬

‫الجوف‪/‬دومة الجندل كواحدة من المناطق‬

‫رغ����م وج�����ود ال���ع���دي���د م���ن ال��م��ص��ادر التي ثَبُت فيها الوجود النبطي‪ ،‬ومن بعده‬ ‫والدراسات التاريخية‪ ،‬وكذلك األدلة األثرية النفوذ الروماني‪ ،‬لوقوعها في طريق تجاري‬

‫ال��ت��ي ت��ؤك��د وق���وع منطقة ال��ج��وف تحت م��ه��م(‪ ،)10‬بعد أن ت��ح��وّل المركز التجاري‬ ‫مظلة الحكم الروماني‪ ،‬من خالل وجودها واالق��ت��ص��ادي لمملكة األن��ب��اط ف��ي آخ��ر‬

‫بين المناطق التي أ ُطلق عليها اسم «والية عهدها‪ ،‬إلى الشمال «في مدينة بُصرى»(‪.)11‬‬ ‫بالد العرب الرومانية»‪ ،‬والتي ألقت الضوء‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد ُعثِر على بعض الل ٌقى‬ ‫على ازدهارها اقتصاديًا‪ ،‬وم��دى أهميتها‬ ‫األثرية المنقولة‪ ،‬ومنها العديد من النقوش‬ ‫بسبب وقوعها في طريق تجاري مهم في‬ ‫(النبطية والرومانية) العسكرية في منطقة‬ ‫تلك الفترة‪ ،‬إال إنه لم يتم العثور ‪ -‬حتى‬ ‫الجوف‪ ،‬تعود إلى الفترة ما بين (القرن األول‬ ‫اآلن‪ -‬ع��ل��ى األدل����ة ال��ك��اف��ي��ة ال��ت��ي تصوغ‬ ‫ق‪ .‬م والقرن األول الميالدي)(‪ .)12‬وأكدت الكثير‬ ‫ال‬ ‫تاريخا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا كام ً‬ ‫من تلك النقوش ازدهار منطقة الجوف‪/‬دومة‬ ‫ومنظماً لمنطقة الجوف‪/‬دومة الجندل في‬ ‫الجندل خالل فترة مملكة األنباط‪ ،‬وكذلك‬ ‫تلك الفترة‪.‬‬ ‫بعد دخولها تحت حكم االمبراطورية الرومانية‬ ‫فقد ورد ذِ ك��ر اسم منطقة الجوف في خاصة ما بين (القرن األول الميالدي وأوائل‬

‫كتابات عالم الفلك والجغرافي اليوناني القرن الثاني الميالدي)(‪.)13‬‬ ‫الشهير ك�لاودي��وس بطليموس (‪Claudius‬‬ ‫بينما اح��ت��وى ك��ت��اب «ف��ي ش��م��ال غرب‬ ‫‪ ،)Ptolemy‬تحت اسم دوميثة (‪،)Dumaitha‬‬ ‫الجزيرة‪ :‬نصوص‪ ،‬مشاهدات‪ ،‬انطباعات»‬ ‫وق���د أش���ار ل��ه��ا ع��ل��ى أن��ه��ا منطقة غنية‬ ‫للمؤلف حمد الجاسر‪ ،‬ال��ص��ادر في عام‬ ‫اقتصاديًا وذات أهمية ف��ي شمالي شبه‬ ‫(‪1390‬ه����ـ‪1970/‬م)‪ ،‬وتحت عنوان «اآلث��ار‬ ‫الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫في منطقة الجوف»‪ ،‬على أحد أهم الُلقَى‬ ‫وفي أحد المصادر المهمة في الكتابات األثرية ‪ -‬من وجهة نظري ‪ -‬التى تعَّرض‬

‫الرومانية القديمة ُكتِب بالالتينية‪ ،‬وهو كتاب لها ال��ك��ت��اب ب��ال��وص��ف وال��ت��رج��م��ة‪ ،‬والتي‬

‫‪12‬‬

‫التاريخ الطبيعي(‪ )Natural History( )9‬للمؤرخ أثارت فضولي كباحثة في اآلثار والتاريخ‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫لما تحتويه تلك القطعة من معلومات ذات‬ ‫دالالت تاريخية ف��ي غاية األه��م��ي��ة‪ ،‬تلك‬

‫القطعة هي «نقش ٌكتِب باللغة الالتينية على‬ ‫لوح حجري»‪ ،‬عثِر عليه ضمن مجموعة من‬ ‫الُل َقى األثرية المختلفة التي نُقِ لت من دومة‬

‫الجندل‪.‬‬

‫وح��ي��ن ك��ان محمود ال��غ��ول منتدبًا من‬

‫جامعة الرياض في عام (‪1387‬هـ‪1968/‬م)‪،‬‬

‫إلج����راء ج��ول��ة وم��س��ح أث���ري ف��ي منطقة‬ ‫الجوف ووادي السرحان‪ ،‬فقد رأى النقش‬

‫لدى أمير الجوف في ذلك الوقت ‪ -‬األمير‬

‫عبدالرحمن السديري‪ -‬ال��ذي ق��ام ب��دوره‬ ‫ب��إه��دائ��ه إل��ى جامعة ال��ري��اض‪ ،‬وه��و اآلن‬ ‫محفوظ ف��ي متحف الجامعة تحت رقم‬ ‫(‪ ،)39‬ضمن بقية القطع المحفوظة في‬

‫المتحف‪ .‬وق��د ق��ام ال��غ��ول بترجمة نص‬

‫النقش الالتيني والذي كان مجمله ما يلي‪:‬‬

‫«كتب ه��ذا النقش رج��ل اسمه فالقس‬

‫ديو نيسيوس‪ ،‬ينعت نفسه بأنه قائد مائة‬

‫في الكتيبة الثالثة القرنائية‪ :‬ويقول في‬

‫الحجر المكتوب باللغة الالتينية وال��ذي عثر عليه في دومة‬ ‫الجندل وهو اآلن محفوظ بجامعة الملك سعود (الرياض سابقا)‬ ‫المصدر‪ :‬حمد الجاسز‪ ،‬في شمال غرب الجزيرة‪ ،‬نصوص‪،‬‬ ‫مشاهدات‪ ،‬انطباعات‪1390( ،‬هـ‪1970 /‬م‪ ،‬ص‪136‬‬

‫الرومانية»(‪.)15‬‬ ‫وعند تناول نص الترجمة لهذا النقش‬

‫النقش‪ :‬إن��ه وفَّ��ى ن��ذره لجوبيتر العظيم بشيء من التحليل المبدئي لما جاء به من‬ ‫آم�����ون‪ ،‬ول��ل��ق��دوس ص��ل��م‪ ،‬ط��ل��بً��ا لعافية معلومات‪ ،‬نجد أنه يفتح الباب للكثير من‬ ‫سيديه األوغسطيين‪ -‬وهما اإلمبراطوران الفرضيات البحثية المثيرة للفضول والتي‬ ‫سيبتموس س���اوي���رس(‪ )14‬وك��ارك�لا‪ ،‬وكانا يمكن اعتبارها أفكارًا تفتح آفاقُا جديدة‬ ‫مشتركين في قلم ال��دول��ة الرومانية بين للبحث والدراسة حول عالقة منطقة الجوف‬ ‫عامي ‪ 197‬و‪ 212‬بعد الميالد‪...‬أما الكتيبة باالمبراطورية الرومانية ومدى أهميتها لها‪،‬‬

‫التي ينتمي إليها قائد المائة ه��ذا‪ ،‬فكان والتي ربما تأتي بالجديد من المعلومات في‬

‫مركزها بُصرى‪ ،‬قاعدة والية بالد العرب هذا الشأن‪ ،‬وهذا يمكن شرحه على النحو‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪13‬‬


‫التالي‪:‬‬ ‫‪ -‬جاء في النص أن الشخص الذي أهدى‬

‫الوقت‪ -‬هل كان لها رواج في حينه أم‬

‫ماذا؟!‬

‫أيضا بفترة‬ ‫ه��ذا ال��ن��ذر ك��ان يعمل «ق��ائ��د مائة في ‪ -‬تم تكريس النص كما أ ُرخ ً‬ ‫الكتيبة الثالثة» والتي يفترض ‪ -‬وفق‬

‫حكم إثنين من أشهر األباطرة الرومان‪،‬‬

‫بُصرى بالشام‪ .‬وهنا يتبادر إلى الذهن‬

‫سيفيروس (‪،)Septimius Severus‬‬

‫النص‪ -‬أن مقر هذه الكتيبة هو مدينة‬

‫س��ؤال عما ك��ان يفعل ه��ذا القائد في‬ ‫منطقة الجوف عند إهدائه هذا النذر‬

‫لمعبوداته بينما مقر الكتيبة في بُصرى!‬ ‫وه��ل يمكن أن يعني ذل��ك وج��ود جزء‬

‫من تلك الكتيبة في الجوف حينها‪ ،‬أم‬

‫أنه كان يقيم بها فقط كمركز حضاري‬

‫قريب من مكان وجود الحامية العسكرية‬ ‫التي يعمل بها في بُصرى!‬

‫��ض��ا ف��ي النص أس��م��اء ع��دد من‬ ‫‪ -‬ورد أي ً‬

‫المعبودات الوثنية التي تنتمي لمناطق‬ ‫مختلفة‪ -‬إذ إن��ه ف��ي ذل��ك ال��وق��ت لم‬

‫تظهر من الديانات السماوية إال الديانة‬ ‫اليهودية ثم الديانة المسيحية فقط‪،‬‬

‫ول��م يكن ق��د ظهر اإلس�ل�ام بعد‪ -‬تلك‬ ‫المعبودات هى (جوبتر) الذي كان يُقَّدس‬ ‫في روما‪ ،‬و(آمون) الذي كان يُقَّدس في‬

‫وه��م��ا األب اإلم��ب��راط��ور سيبتميوس‬

‫واإلبن اإلمبراطور كاركال (‪)Caracalla‬‬ ‫اللذان حكما االمبراطورية الرومانية‬ ‫حكمًا مشتركًا في الفترة من (‪197‬م‬

‫وحتى ‪211‬م) تقريبًا‪ .‬وم��ن المعروف‬

‫ت��اري��خ�� ًي��ا أن��ه ف��ي تلك ال��ف��ت��رة ولفترة‬

‫الحقة‪ ،‬كان شمالي شبه الجزيرة العربية‬ ‫(بما فيه منطقة الجوف)‪ ،‬إضافة لبعض‬ ‫المناطق األخ��رى مثل (ج��زء كبير من‬ ‫األردن الحالية وجانب من سيناء والنقب‬ ‫بما ف��ي ذل��ك ق��ط��اع غ���زة)‪ ،‬يقع داخ��ل‬ ‫صنِف رسميًا في ذلك الوقت‬ ‫الجزء الذي ُ‬

‫«ب��والي��ة ب�لاد ال��ع��رب ال��روم��ان��ي��ة» رغم‬

‫وق��وع مناطق عربية أخ��رى تحت حكم‬ ‫االمبراطورية الرومانية في حينها(‪.)16‬‬

‫فما مدى أهمية تلك الوالية (بما فيها‬

‫الجوف) لالمبراطورية الرومانية؟‬

‫مصر‪ ،‬وأيضا (صلم) الذي كان يُقَّدس ‪ -‬النقش في حد ذات��ه وتقديمه كقربان‬ ‫في منطقة الجوف‪ .‬فماذا يعني ذلك! هل‬

‫ونُذر‪ ،‬يدعو للتساؤل عن إمكانية وجود‬

‫أبناء الواليات الرومانية المختلفة؟ وما‬

‫التي ُعثِر عليه بها في الجوف‪ .‬فمِ ثل‬

‫هذا من قبيل التأثير والتأثر بين ثقافات‬ ‫مدى قبول معبودات غريبة عن منطقة‬

‫الجوف مثل جوبتر وآم��ون ‪ -‬في ذلك‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫معبد ‪ -‬صغير أو كبير‪ -‬في المنطقة‬ ‫هذا النوع من التقدمات النذرية غالبًا‬

‫ما كان يُقدَّ م في المكان الخاص بتقديس‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫معبود ما‪ .‬فهل يعني ذلك إمكانية وجود‬ ‫أحد المعابد الذي ربما يقبع بين ثرى‬ ‫الجوف ولم يُكتَشف بعد؟!‬ ‫إن هذا النقش بما يحتويه من معلومات‬ ‫تثير الفضول وال��ت��س��اؤل‪ ،‬يُعد م��ن الل ُقى‬ ‫األث��ري��ة المهمة‪ ..‬وال��ذي يستوجب ‪ -‬من‬ ‫وجهة نظري كباحثة ‪ -‬المزيد من االهتمام‬ ‫والبحث‪ .‬كما أنه بناء على ما سبق ذكره‪،‬‬ ‫فإن منطقة الجوف بما هو أصبح معلومًا‬ ‫غامضا‬ ‫ً‬ ‫من تاريخها القديم‪ ،‬وبين ما لم يزل‬ ‫مجهولاً ‪ ،‬تستدعي إجراء المزيد من الحفائر‬ ‫األثرية وال��دراس��ات التاريخية‪ ،‬الكتشاف‬ ‫كنوز ه��ذه المنطقة في العصر الروماني‬ ‫وغيره من العصور التاريخية‪ ،‬تلك الكنوز‬ ‫التى ما تزال مدفونة بين ثراها ولم تُكتَشف‬

‫خريطة توضح حدود مملكة األنباط (بما فيها منطقة‬ ‫الجوف بالمملكة العربية السعودية)(‪.)7‬‬ ‫المنطقة المظللة هي الحدود التقريبية لمملكة األنباط‬ ‫في أقصى اتساع لها (تلك المنطقة التي أصبحت ضمن‬ ‫ممتلكات اإلمبراطورية الرومانية في عام ‪106‬م)‪.‬‬ ‫‪perseus.tufts.edu, 1952.‬‬

‫المراجع‬

‫بعد‪ ،‬والتي يومًا ما ربما تكشف لنا المزيد‬

‫‪1.1‬حمد الجاسر‪ ،‬في شمال غرب الجزيرة‪ :‬نصوص‪،‬‬

‫واالقتصادية بها‪.‬‬

‫‪2.2‬دانيال‪ ،‬تى‪ .‬بوتس‪« ،‬تاريخ األصول»‪ .‬في «طرق‬

‫عن تفاصيل الحياة االجتماعية والسياسية‬

‫مشاهدات‪ ،‬انطباعات‪1390( ،‬هـ‪1970/‬م)‪.‬‬

‫التجارة القديمة‪ :‬روائ��ع آث��ار المملكة العربية‬

‫المصادر‬ ‫‪1.1‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬ديوان المبتدأ‬ ‫والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم‬ ‫من ذوي الشأن األكبر‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.2001‬‬ ‫‪Claudius Ptolemy, Geography of Claudius‬‬ ‫‪Ptolemy. (Trans.) Edward Luther‬‬ ‫‪Stevenson, Cosimo Classics, 2011.‬‬

‫ ‪2.‬‬

‫‪Pliny the Elder, The Natural History.‬‬ ‫‪(Trans.) John Bostock, M.D., F.R.S. H.T.‬‬ ‫‪Riley, (ed.) Esq., B.A., London: Taylor‬‬ ‫‪and Francis, available at: http://www.‬‬

‫ ‪3.‬‬

‫السعودية‪ ،‬فرنسا‪ ،‬متحف اللوفر‪2010 ،‬م‪.‬‬

‫‪3.3‬راج��ح زاه��ر محمود‪ ،‬عالقات األنباط بالدول‬ ‫والشعوب ال��م��ج��اورة‪ ،‬رس��ال��ة دك��ت��وراه‪ ،‬مصر‪،‬‬

‫جامعة الزقازيق‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪4.4‬سليمان بن عبدالرحمن محمد‪ ،‬دراسة تحليلية‬ ‫جديدة لنقوش نبطية من موقع القلعة بالجوف‬

‫بالمملكة العربية ال��س��ع��ودي��ة‪ ،‬مجلة جامعة‬

‫الملك سعود‪ ،‬م ‪ ،6‬اآلداب (‪ ،)1‬ص ص ‪-151‬‬ ‫‪1414(194‬هـ‪1994 -‬م)‪.‬‬

‫‪5.5‬فرانسوا ديمانج‪« ،‬قوافل البخور»‪ .‬في طرق‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪15‬‬


‫التجارة القديمة‪ :‬روائ��ع آث��ار المملكة العربية‬

‫السعودية‪ ،‬فرنسا‪ ،‬متحف اللوفر‪2010 ،‬م‪.‬‬

‫‪Glen W. Boreswock, Roman Arabia,‬‬

‫‪and the East, Vol 3, the University of North‬‬ ‫ ‪6.‬‬

‫‪Cambridge, Harvard University Press, 1983.‬‬ ‫‪Guillaume Charloux, Romolo Loreto. «The‬‬ ‫‪Ancient Caravan Trails» in Dûmat al-Jandal:‬‬ ‫‪2,800 years of History in the Kingdom‬‬ ‫‪of Saudi Arabia, Saudi Commission for‬‬ ‫‪Tourism and Antiquities: Riyadh, 2013.‬‬

‫* ‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬

‫(‪ )10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫‪16‬‬

‫‪Fergus Miller, Rome, the Greek World,‬‬

‫ ‪8.‬‬

‫‪Carolina Press: Chapel Hill, 2004.‬‬ ‫‪Michael Grant, The Severans: The Roman‬‬

‫ ‪7.‬‬

‫ ‪9.‬‬

‫‪Empire Transformed, Routledge, 1996.‬‬ ‫‪10. Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The‬‬ ‫‪transformation of an empire, London and‬‬ ‫‪New York, 2000.‬‬

‫باحثة في اآلثار والتاريخ‪.‬‬ ‫ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي‬ ‫الشأن األكبر‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫دان��ي��ال‪ ،‬ت��ى‪ .‬بوتس‪« ،‬ت��اري��خ األص���ول»‪ .‬في «ط��رق التجارة القديمة‪ :‬روائ��ع آث��ار المملكة العربية‬ ‫السعودية»‪2010،‬م‪ ،‬ص‪.74‬‬ ‫راجح زاهر محمود‪ ،‬عالقات األنباط بالدول والشعوب المجاورة‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫فرانسوا ديمانج‪« ،‬قوافل البخور»‪ .‬في طرق التجارة القديمة‪ :‬روائع آثار المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫‪.Boreswock G.W., Roman Arabia, 1983, p. 94‬‬ ‫راجح زاهر محمود‪ ،‬عالقات األنباط بالدولو الشعوب المجاورة‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.10-9‬‬ ‫‪.Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, 2000, p. 60‬‬

‫‪Guillaume Charloux, Romolo Loreto. “The Ancient Caravan Trails” in Dûmat al-Jandal: 2,800 years of‬‬

‫‪.History in the Kingdom of Saudi Arabia, 2013, p. 18‬‬ ‫التاريخ الطبيعي (‪ )Latin: Naturalis Historia‬عبارة عن موسوعة قديمة للمؤرّخ الروماني الشهير‬ ‫بلينيوس األكبر‪ ،‬والتي نشرها بين عامي (‪79 – 77‬م) حيث بقى منها (‪ )37‬مجلداً فقط‪ .‬تع ّد هذه‬ ‫الموسوعة واحدة من أكبر األعمال الفرديّة التي بقيت من عهد اإلمبراطوريّة الرومانيّة حتى عصرنا‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫‪.Pliny the Elder, Natural History, Vol. 6, 146‬‬ ‫‪.Fergus Miller, Rome, the Greek World, and the East, Vol. III, 2004, p. 284‬‬ ‫راجح زاهر محمد‪ ،‬عالقات األنباط بالدول والشعوب المجاورة‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.31-30‬‬ ‫سليمان بن عبدالرحمن محمد‪ ،‬دراسة تحليلية جديدة لنقوش نبطية من موقع القلعة بالجوف بالمملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬ص ص ‪1414( 185‬هـ‪1994 -‬م)‪.‬‬ ‫ورد بالترجمة العربية للنص اسم اإلمبراطور األول سيبتموس ساويرس‪ ،‬ووفقا للكتب األجنبية التي‬ ‫تناولت حياة األباطرة الرومان‪ ،‬فإن تصحيح االسم هواإلمبراطور سيبتميوس سيفيروس (‪Septimius‬‬ ‫‪ )Severus‬مؤسس األسرة السيفيرية‪ .‬وأحد هذه الكتب هو‪:‬‬

‫‪.Michael Grant, The Severans: The Roman Empire Transformed, Routledge, 1996‬‬

‫(‪ )15‬لالطالع على صورة النقش وكذلك نص الترجمة العربية كما أورده الدكتور حمد الجاسر انظر‪ :‬حمد‬ ‫الجاسر‪ ،‬في شمال غرب الجزيرة‪ :‬نصوص‪ ،‬مشاهدات‪ ،‬انطباعات‪1390( ،‬هـ‪1970/‬م)‪ ،‬ص ص ‪.137-136‬‬ ‫(‪ )16‬لمزيد من المعلومات في هذا الشأن انظر‪:‬‬ ‫(‪ )17‬‬

‫‪.Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, 2000, P. 60‬‬ ‫‪.Warwick Ball, ROME IN THE EAST: The transformation of an empire, P. 61‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫والفن‬ ‫ُجماع التّ جربة في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫«تفسير آخر للخالص»‬

‫السعودي سامي جريدي الممارسة‬ ‫يجرّب الدكتور ّ‬ ‫اإلبداعية في أنواع أدبية شتى‪ ،‬مراهنا على انتهاك‬ ‫ال �ح��دود األج�ن��اس�ي��ة‪ ،‬وخ��ارق��ا م�ي�ث��اق ال�ك�ت��اب��ة‪ ،‬لكي‬ ‫يمنح‪ ،‬ب��ال�ت��ال��ي‪ ،‬نتاجه مطلق االن�ف�ت��اح على آف��اق‬ ‫متجددة‪ ،‬تلهمه الكثير من القضايا اإلنسانية التي‬ ‫ال تحدّ ها الخرائط والجغرافيّات‪ ،‬تحذوه رغبة أكيدة‬ ‫ف��ي اق�ت�ح��ام ال�م�ج�ه��ول م��ن ال�ب�لاغ��ات واالس �ت �ع��ارات‬ ‫الفنية‪ ،‬وإغناء متخيله الذي ينهل مرجعياته ومفاهيمه من كافة الطوبوغرافيات‬ ‫التي يهيئها له اطالعه ال��واس��ع‪ ،‬وحسن إنصاته إل��ى عمقه ال��وج��ودي‪ ،‬وانتمائه‬ ‫اإلن�س��ان��ي‪ ،‬وتمثله للعوالم البرانية ب��روح نقدية عالية‪ ،‬وب��وع��ي عميق لطقوس‬ ‫الصوغ الفني واإلبداعي واشتراطاتهما الهيكلية‪ ،‬والفوارق والخصوصيات التي‬ ‫تنتظم جوهرهما‪ ،‬وأدوات وم�ك��ون��ات تجليهما ف��ي أش�ك��ال ت��راه��ن على اللحظة‬ ‫الوجودية والسؤال اإلنساني‪ ،‬وتستضمر مشاعر ال��ذات‪ ،‬مطامحها وانتكاساتها‪،‬‬ ‫نجاحاتها وفشلها‪ ،‬أفراحها وأتراحها‪ ،‬دون نسيان التقاطعات التي تربط الذات‬ ‫بالمحيط في عالقات جدلية ال يمكن التغاضي عنها أو تغافلها‪.‬‬ ‫ومن أجل قراءة هذا المنجز الشّ عريّ‬ ‫المخاتل‪ ،‬ال��ذي جنّسه صاحبه بعتبة‬ ‫«ن���ص���وص» وع���ي���اً م��ن��ه ب��ال��تّ��داخ�لات‬ ‫الجنسيّة القائمة فيه‪ ،‬ال ب ّد من معرفة‬ ‫المداخل األساسية التي تؤطر اشتغال‬ ‫سامي جريدي‪ ،‬وطقوسه في الكتابة‪،‬‬ ‫وخ��ص��وص��ي��ة م��خ��ت��ب��ره ال��م��ف��ت��وح على‬

‫ك��اف��ة االح��ت��م��االت‪ ..‬ف��ه��و أوال‪ ،‬فنان‬ ‫تشكيليّ حداثي معروف‪ ،‬له إسهامات‬ ‫متواصلة في تطعيم المشهد التشكيلي‬ ‫السعودي والعربي بالجديد من التجارب‬ ‫والمنجزات التشكيلية‪ ،‬التي تنهل من‬ ‫المرجعيات الحديثة بقدر ما تغرف من‬ ‫التراث الفني العربي‪ .‬وقد أقام معارض‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪17‬‬


‫متعددة داخ��ل المملكة العربية السّ عودية‪،‬‬ ‫مثلما أسهم في العديد من التظاهرات الفنية‬ ‫والمعارض الجماعية خ��ارج المملكة‪ ،‬وهو‬ ‫ناقد فنيّ ثانيا‪ ،‬راكم العديد من المتابعات‬ ‫والدراسات في المنجز التشكيلي السعودي‬ ‫الحديث‪ ،‬متسلحا بأدوات نقدية ومنهجيات‬ ‫ج��دي��دة‪ ،‬تسعف ف��ي التحاور اإليجابي مع‬ ‫التجليات الفنية ذات األس��ل��وب المغاير‬ ‫والمختلف عمّا هو متعارف عليه ومعهود‪،‬‬ ‫وهو فضال عن ذلك‪ ،‬باحث في السّ رديات له‬ ‫تكوين أكاديميّ عميق‪ ،‬وله إسهامات بحثيّة‬ ‫خاصة‪ ،‬والعربيّ‬ ‫ّ‬ ‫في السّ رد النّسويّ السّ عودي‬ ‫عامّة‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬شاعر وسارد‪ ،‬ويبدو ذلك‬ ‫بوضوح‪ ،‬من خالل هذا المنجز الصادر عن‬ ‫دار «الغاوون» مؤخرا‪ ،‬وهو أضمومة إبداعية‬ ‫تجمع بين دفّتيها أنواعا كتابية متعدّدة‪ ،‬همّها‬ ‫المشترك هو التعبير عمّا يختلج في الذات‪،‬‬ ‫وما يؤرّقها من أسئلة‪ ،‬وما يهجس بداخلها‬ ‫من أصوات القلق‪.‬‬

‫س���وى مظهر الت��س��اع��ه وام���ت���داده‪ ،‬أو هي‬ ‫مقوالت إلب���رازه في ال��ص��ورة التي يبتغيها‬ ‫ال��ك��ات��ب‪ .‬وتنبع ه��ذه القناعة ل��دى سامي‬ ‫الكاتب المتعدد م��ن معين تشبّعه بالقيم‬ ‫الفنية‪ ،‬ووعيه البصري‪ ،‬وتكوينه في مجال‬ ‫التشكيل والنّقد الفني ال��ذي ينطلق‪ ،‬في‬ ‫إط��ار م��ا يسمى بالمفهومية ف��ي ال��ف��ن‪ ،‬أو‬ ‫الفن المفهومي‪ ،‬أو الفنّ المفاهيميّ ‪ ،‬أو الفن‬ ‫بالمفاهيم‪ ،‬من فكرة استراتيجية بؤريّة‪ ،‬تش ّد‬ ‫إليها كافّة النّسيج الفني واإلبداعيّ ‪ ،‬وتختزل‬ ‫‪ .1‬كتابة بالمفهوم‬ ‫البنية النصية التي تتحول إلى خطاطة أو‬ ‫أهم ما يميز كتابات سامي جريدي هو‬ ‫خارطة نقطة االرتكاز فيها؛ ذاك المفهوم‬ ‫ارتهانها إلى المفهوم‪ ،‬بوصفه محكّا ومفصال‬ ‫سواء كان مصرّحا به أم ملمّحا إليه بشكل‬ ‫ومعيارًا محددًا لطبيعة التفكير اإلبداعي‪،‬‬ ‫ضمنيّ ‪.‬‬ ‫وينسجم هذا األسلوب في البناء والتشييد‪،‬‬ ‫‪ .2‬كتابة بالصور‬ ‫على خصوصيات األنموط األنجلوساكسوني‬ ‫في الكتابة الذي تشبّع به في إطار تكوينه‬ ‫نج ُد ف��ي النّصوص المفتوحة‪ ،‬تفكيرا‬ ‫األكاديمي بإحدى جامعات مدينة الضباب‪.‬‬ ‫بالصور‪ ،‬مثلما نج ُد تفكيرا بالمفاهيم‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬

‫‪18‬‬

‫يصبح المفهوم‪ ،‬في هكذا تفكير‪ ،‬القطب ينسجم مع الموهبة المتعددة التي يمتلكها‬ ‫ال���ذي ت���دور ح��ول��ه رح���ى ال��ن��ص وم��دارات��ه سامي جريدي الذي ال يفْصل‪ ،‬أثناء الكتابة‪،‬‬ ‫المتحولة والثابتة‪ ،‬وما كل العناصر األخرى بين مهاراته ومكتسباته‪ ،‬بل يعمل‪ ،‬عكس‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫الصوغ الفني‬ ‫مستوى الدّاللة أم على مستوى ّ‬ ‫اللذيْن يبدوان متالزمين‪ ،‬مع سبق اإلصرار‬ ‫والترصد‪ ،‬وانبثاقا عن وعي مسبق بأدوات‬ ‫التعبير الفني وطقوس عنائه ووعثائه‪ ،‬بل‬ ‫إنه أحيانا‪ ،‬يجعل من الكتابة توصيفا للحظة‬ ‫اإلشراق اإلبداعيّ في الفنّ ‪ ،‬وشعريّة انبثاق‬ ‫لوحة من اللّوحات وخصوصيّة التّماهي مع‬ ‫موضوعها‪ ،‬يقول الباث في هذا المنجز‪:‬‬

‫أتأمل لوحتي مقاس‪70x 35‬‬ ‫شيء يقترب مني إليها‬ ‫ال أفهمه‬ ‫ال أفهمها‬ ‫ال أفهم نفسي‬ ‫ألوان تصعد إلى األعلى‬ ‫وأخرى تشق جسد البياض‬ ‫وثمة احمرار» ص‪72 .‬‬ ‫توثق ه��ذه اإلش��راق��ة لحظة الخروج من‬ ‫تفصيل اللحظة اإلبداعية‪ ،‬لحظة االبتعاد عن‬ ‫الذات المنبصمة على اللوح‪ ،‬لحظة االنفالت‬ ‫في عالم الخلق والتوحد معه‪ ،‬إذ تصبح األنا‬ ‫موضوعا ل��ق��راءة األن��ا األخ��رى (أن��ا الفنان‬ ‫المبتكر‪ -‬أنا الناقد الفني المحايد)‪ ،‬عبر‬ ‫الكتابة‪ .‬مثلما توثّق لمفاصل الحياة‪ ،‬وهي‬ ‫تتعرّج في لوحة الواقع‪ ،‬كأنّ الكاتب يسجّ ل‪،‬‬ ‫عبر تدوينات سرديّة موجزة وخاطفة‪ ،‬يومياته‬ ‫وسيرته الذاتية‪ ...‬يقول السارد‪:‬‬

‫���وص‪ ،‬ت��ب��ع��ا ل��ه��ذا ال�� ّت��ن��وي��ع‬ ‫ت��غ��دو ال��� ّن���ص ُ‬ ‫المضمونيّ ‪ ،‬مساحة حرّة لشغب مداد شديد‬ ‫التدفق‪ ،‬وقلم ال يهادن‪ .‬تسري الفكرة مثل‬ ‫كائن حيّ لتبحث لها عن قالب تصاغ فيه‪،‬‬ ‫يلملم مُشيراتها الدّاللية‪ ،‬فتحار كيف تخرج‬ ‫إل��ى المتلقي‪ ،‬وأم��ام��ه��ا‪ ،‬تنتصب خ��ي��ارات‬ ‫متعدّدة تأخذ من التّشكيل‪ ،‬والشعر‪ ،‬والسرد‪،‬‬ ‫والنقد الفني الواعي‪ ،‬وغيرها مما تستضمره‬ ‫ذات منفتحة على العطاء‪ ،‬متنوعة المواهب‬ ‫وال��م��ه��ارات وااله��ت��م��ام��ات‪ .‬ف�لا ت��ك��ون تلك‬ ‫الفكرة المولودة من رحم التّعدد‪ ،‬إال مضمّخة‬ ‫بتلوينات المعنى‪ ،‬واحتماالت الصياغة الفنية‬ ‫القصوى‪ ،‬الخصبة ال��م��وارد والمرجعيات‪،‬‬ ‫والمنفتحة على التأويل وغنى ال��ق��راءات‪،‬‬ ‫واختالف المعاني باختالف مستوى القراء‬ ‫والمتلقين؛ تبعا ألدواتهم ودرج��ة تفاعلهم‪،‬‬ ‫ومقدرتهم على التوغل إلى بواطن التجربة‬ ‫وطياتها المستترة‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ذلك‪ ،‬على استثمارها دفعة واحدة‪ ،‬وذاك ما بالتحديد‬ ‫يميّز كتابته‪ ،‬في هذه المجموعة‪ ،‬سواء على أتأمل المارّة (ص‪)50 .‬‬

‫‪ .3‬كتابة متحررة‬

‫ربما كانت إح��دى نقط ال��ق��وة ف��ي هذا‬ ‫ال��م��ن��ج��ز ال��ص��غ��ي��ر ال��ح��ج��م‪ -‬ال��غ��ن��ي على‬ ‫مستوى ال���دالالت والمعاني ال��ت��ي ت��ك��اد ال‬ ‫تنتهي‪ ،‬والتي تظل تتناسل كلما تقادمت في‬ ‫ال��زم��ن‪ ،‬ه��ذه العبارات الملتبسة‪ ،‬الزاخرة‬ ‫باإليحاءات واإليماءات البالغية والصورية‬ ‫والتصويرية‪ -‬هي هذا التمرد على المعايير‬ ‫«قهوة صباحية‬ ‫الهندسية للجنس األدبي النقي‪ ،‬والتّملص من‬ ‫ك � �ع� ��ادت� ��ي أج � �ل� ��س ه � �ن� ��ا‪ ،‬ع� �ل ��ى ال �ك ��رس ��ي دبلوماسية اإلخالص لثوابت الكتابة األدبية؛‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪19‬‬


‫كما تسطرها األدبيات المعروفة‪.‬‬ ‫واع‬ ‫ويأتي هذا االتجاه بناء على اختيار ٍ‬ ‫��رار منه على أن تستجيب‬ ‫من الكاتب‪ ،‬وإص ٍ‬ ‫الكتابة لجوانيّته‪ ،‬وتكون في مستوى قلق‬ ‫الوعي الداخلي حول مفهوم األدبية‪ ،‬وتفاعلها‬ ‫مع القناعات الشخصية المشبعة بمرجعيات‬ ‫يميزها التنوع‪ ،‬وشمولية الرؤية التي تنظر إلى‬ ‫القضية اإلبداعية من زوايا مختلفة‪ ،‬اختالف‬ ‫القضية اإلنسانية في عصر شديد التحول‬ ‫والتعقيد‪ .‬فلم يعد يهمّ‪ ،‬بالدرجة األولى‪ ،‬أن‬ ‫يكتب المبدع على مقاس وعاء خارجي مسبق‬ ‫التصميم‪ ،‬بل همه األساس؛ أن يكون انعكاسا‬ ‫لروح غميسة باألسرار‪ ،‬متدفقة االنفعاالت‪،‬‬ ‫متراكبة المشاعر‪ ،‬ش��دي��دة االرت��ه��ان إلى‬ ‫��ال‪ ،‬وفلسفة نقدية‬ ‫الواقع‪ ،‬بنَفَس جماليّ ع ٍ‬ ‫ي��ق��ول ال���ب���اثّ ف���ي إح����دى االش���راق���ات‬ ‫اقتحامية‪ ،‬تستند إلى السّ ؤال‪ ،‬وتجنح إلى‬ ‫الملتبسة‪:‬‬ ‫إب���راز الخصوصيّة النابعة م��ن القناعات‬ ‫والوعي واالنتماء إلى المجموعة البشرية‪« ،‬قهوة صباحية سوداء‬ ‫ال شيء غير صمتي‬ ‫المؤطرة في اآلن والهنا‪.‬‬ ‫لقد كانت عين سامي جريدي على اللوحة‪،‬‬ ‫وقلبه على القصيدة‪ ،‬وفكره على أسلوب‬ ‫ال��ص��وغ الفني‪ ،‬وعلى المضمون المتناول‬ ‫���اط ب��ال��واق��ع وال���زم���ان وال��ف��ض��اء‪،‬‬ ‫ف��ي ارت���ب ٍ‬ ‫وعلى الذات في بوحها المكشوف‪ ،‬وتجليها‬ ‫اإلبداعيّ ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫إن الباث يتفلسف بتأمله للعالم في غرابته‪،‬‬ ‫ول��ل��ك��ون ف��ي غ��م��وض��ه‪ ،‬ول��ل��ذات اإلنسانية‬ ‫في تحوّلها المستم ّر عبر الزمان والمكان‪،‬‬ ‫ول��ل��ج��غ��راف�� ّي��ات ف��ي تشابكها وت��م��اسّ ��ات��ه��ا‬ ‫وتفاعالتها المطّ ردة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫أعيش االنتظار الوهميّ‬ ‫وكأنني أنتظر شيئا‪:‬‬ ‫مجيء صديق‬ ‫ظهور حقيقة‬ ‫نهاية العالم» (ص‪.)64 .‬‬

‫لذلك‪ ،‬تحضر تجربة ابن عربيّ الشعرية‬ ‫ب��ق��وة‪ ،‬م��ن خ�ل�ال ن��ف��خ ال��ح��ي��اة ف��ي لغته‪،‬‬ ‫واس��ت��ع��ادة روح���ه‪ ،‬وجعله ح�� ًّي��ا يتمشى في‬ ‫النصوص‪ .‬إذ يتم المزاوجة في المنجز بين‬ ‫التأمل الفلسفي الصوفي‪ ،‬والسرد الالقط‬ ‫لتفاصيل تحوّالت ال��ذات‪ ،‬وانعطافاتها في‬


‫«إن ثمة شيئا بدأ يأخذ مني االسم‬ ‫بدأ يالحقني‬ ‫كان يطاردني ليلة البارحة‬ ‫رأيت الظل ممتدا على جدران غرفتي‬ ‫سألته عن اسمي‬ ‫فمنحني الجزء األكبر من ظله‪( »...‬ص‪)41 .‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الزمن والفضاء‪ .‬لذلك يبدو حرص الكاتب كل المستويات واالحتماالت‪ ،‬كأنما توثق لزمن‬ ‫على اللقطة الزمنية في دقتها‪ ،‬لعمق الداللة منفلت‪ ،‬وتدوّن لذاكرة مثقوبة ال شيء متشابه‬ ‫النفسية للوقت‪ ،‬وضغطه القوي على الذات‪ ،‬فيها‪ .‬أو كأنما تخاف‪ ،‬في زُحمة التّداخالت‪،‬‬ ‫وهي في تهيّب متواصل وهجاسيّ من شيء وتحركات األنا الكاتبة بين مدن عدّة‪ ،‬وأمكنة‬ ‫يطوق النفْس وال َّنفَس‪.‬‬ ‫متحوّلة بشكل دائم بعضها مذكور في النّص‪،‬‬ ‫تصير الكتابة‪ ،‬وفق هذا المعنى‪ ،‬مالذًا‪ ،‬وبعضها ال يحضر سوى في ال��وج��دان‪ ،‬من‬ ‫وه��رو ًب��ا استعاريّا من مطاردة ظل مجهول خالل مشيرات لغوية‪( :‬الطائف‪ ،‬نجد‪ ،‬جدّة‪،‬‬ ‫مسكون بالخوف‪ ،‬وتطهيرًا من خطايا الذات‪،‬‬ ‫م��كّ��ة‪ ،‬زم���زم‪ ،‬ل��ن��دن‪ ،‬ال��ح��ج��از‪ ،‬ب��اب��ل‪ ،‬روم��ا‪،‬‬ ‫ومزالق الحياة‪ ،‬واستعاد ًة للتوازن المفقود‬ ‫شيكاغو‪.)...‬‬ ‫بفعل التّصادم المستم ّر بين القيم‪ ،‬مثلما‬ ‫وألنّ ال��ك��ات��ب يلعب ع��ل��ى المساحتين‬ ‫تتشكل في الحلم‪ ،‬والقيم‪ ،‬وه��ي تسير في‬ ‫األرض‪ ،‬تارك ًة مفارقتها المؤثرة على الرّوح‪ ،‬الزّمنية والفضائية‪ ،‬ويستريح بينهما تحت‬ ‫وعلى إشراقاتها الوامضة‪ .‬يقول الباث في دوحة السّ رد اليوميّ الموازي للحياة‪ ،‬فقد‬ ‫النص‪:‬‬ ‫فتح شرفته واس��ع��ةً‪ ،‬لهبوب ري��ح التّناص‪،‬‬ ‫والتّفاعل النّصيّ ‪ ،‬اللّذين يسمحان بالحضور‬ ‫الكثيف لشّ خصيّات على سبيل االستدعاء‬

‫المجازيّ للتدليل على محيالتها وإيحاءاتها‪،‬‬ ‫بغرض إغناء الداللة العامّة للنص‪ ،‬وبمجرّد‬

‫ان��خ��راط ه��ذه ال��شّ ��خ��وص‪ /‬ال��ع�لام��ات في‬

‫اللحظة الكتابية الجديدة‪ ،‬فإنها تتخذ نفَسا‬

‫وتحضر اإلشراقات السردية في النص آخر‪ ،‬وبعدا دالليّا جديدا‪ ،‬وحياة أخرى تزيد‬ ‫ع��ل��ى ش��ك��ل وم���ض���ات م���وج���زة ج����دا مثل‬ ‫من تفاعلها عبر األزمنة واألمكنة (غيفارا‪،‬‬ ‫التلويحات البعيدة‪ ،‬حينا‪ ،‬وت��أت��ي‪ ،‬أحيانا‬ ‫ابن عربي‪ ،‬إليوت‪ ،‬كافكا‪ ،‬أنكيدو‪ ،‬جلجامش‪،‬‬ ‫��ص��ل��ة‪ ،‬دون أن تفقد‬ ‫أخ����رى‪ ،‬م��وسّ ��ع��ة وم��ف ّ‬ ‫مونرو‪ ،)...‬وبالتأكيد‪ ،‬فك ّل شخصيّة تحتاج‬ ‫خاصيّة اإليحاء والتلميح والتدليل اإلشاريّ ‪،‬‬ ‫لكنها كلها تجيء لتحكي ع��ن ال���ذات‪ ،‬في وقفة طويلة للمقارنة بين داللتها العامّة‪ ،‬في‬ ‫شكل انطباع سير‪-‬ذاتي‪ ،‬لتصف تلك العوالم التاريخ‪ ،‬والداللة الجديدة التي تكون بمثابة‬ ‫انبعاث متجد ٍّد‬ ‫ٍ‬ ‫التي تسيّج حياة الذات‪ ،‬وهي تغالب طقوس إضافة لبروفايلها المعروف إو‬ ‫الكتابة‪ ،‬وتطارد سراب اللّحظة الجماليّة على لصورتها في المتخيّل القرائيّ ‪.‬‬ ‫ * ناقد وروائيّ من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪21‬‬


‫بكاء الزوجة عند ديك‬ ‫الجن*‬ ‫الحمصي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتمظهرات التكرار األسلوبي‬ ‫الدهون**‬ ‫‪ρρ‬د‪ِ .‬إبراهيم ّ‬

‫تتغيا هذه الدّ راسة بيان صدى األسلوب في المنجز‬ ‫ال� ِّ�ش�ع��ري‪ ،‬وتشكيل أب�ع��اده ال��دّ الل� ّي��ة م��ن خ�لال الكشف‬ ‫عن النّظام الجمالي للتعبير اإلبداعي ووسائله‪ ،‬وفق ًا‬ ‫الشاعر‪.‬‬ ‫لمضمون تجربة ّ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬تعدّ ظاهرة التكرار من الظواهر المهمّ ة‪،‬‬ ‫وبخاصة في ال��دّ راس��ات األسلوبيّة واأللسنيّة الحديثة‬ ‫ّص األدبي؛ إذاً‪ ،‬تنهض في النّصوص‪،‬‬ ‫التي تُطبق على الن ّ‬ ‫الشعري‪ ،‬وتمنحه القوة والفاعليّة والتأثير‪.‬‬ ‫ّص ِّ‬ ‫بوصفها أداة جماليّة‪ ،‬تخدم الن ّ‬ ‫ل��ذا‪ ،‬اتخذت ال��دّراس��ة من مرثيات بوصفه دف��ق��ة م��ن ش��ع��ور؛ وذل���ك أل ّن��ه‬ ‫ال��زوج��ة عند دي��ك ال��ج��نّ ‪ ،‬ال��ذي قتلت يخرج من نفس حزينة‪ ،‬متفجعة آسية‬ ‫يداه زوجته بمكيدة ِحيكت لها‪ ،‬أرضية متلوّعة‪ .‬كما أنَّ الرثاء مرتبط بعرى‬ ‫خصبة للتطبيق‪ ،‬لما ي��ص��وره غرض وثيقة لحقائق أبدية ال مجال للشك‬ ‫الرثاء من صدق العواطف‪ ،‬ونبل الوفاء‪ .‬فيها‪ ،‬فهو يتصل بالموت الذي يجسّ د‬ ‫كما تجسّ د المرثيات أش��رف األشعار‬ ‫حقيقة مسلّمة في تلك الحقائق‪ ،‬ولهذا‬ ‫في الذاكرة الشّ عريّة العربيّة‪ ،‬وأكثرها‬ ‫فإنَّ النّفس البشريّة للشاعر تستشرف‬ ‫تأثيراً في وجدان المتلقي؛ ألنّها تتسم‬ ‫مثل هذا المآل‪ ،‬وتشفق منه؛ لتنطلق‬ ‫بحرارة التّجربة وقوة األداء الشّ عوري‪.‬‬ ‫في إيحاءاته وأجوائه عبر قوالب الرثاء‬ ‫توطئة‬ ‫الشّ عريّة‪ ،‬فتندمج مع نفسية المتلقي‬

‫‪22‬‬

‫يُ��ع�� ّد ال��رث��اء س��ي��د ال��شّ ��ع��ر العربي مُظهرة ذلك االندماج على شكل دموع‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫بيد أنَّ ال��شُّ ��ع��راء أخ���ذوا يخرجون عن‬ ‫اإلطار العتيد‪ ،‬وشرعوا يتلمسون مشاعرهم‬ ‫الطافحة ب��م��ف��ردات األس���ى وال��ف��ق��د على‬ ‫زوجاتهم‪.‬‬

‫وتأسيساً على ما سبق‪ ،‬سنحاول التبحّ ر‬ ‫ف��ي ثنايا القصائد الرثائيّة وال��غ��وص في‬ ‫أع��م��اق��ه��ا وإل��ق��اء ال�� ّن��ظ��رة ع��ن ك��ث��ب ح��ول‬ ‫تمظهرات التكرار وأنواعه التي لجأ إليها‬ ‫ديك الجنّ الحمصيّ في محاولة منه إلبراز‬ ‫كنه دالالته‪ ،‬وإماطة اللثام عمّا يرمي إليه‪،‬‬ ‫أو يسعى إليضاحه عبر التكرارات األسلوبيّة‬ ‫في نصوصه الشّ عريّة‪ ،‬مسلطين الضوء على‬ ‫الشّ واهد الشّ عريّة الرثائية التي تضمّنت‬ ‫حس الشّ عريّة التي‬ ‫ّ‬ ‫الظاهرة للتأكيد على‬ ‫يمتلكها الشّ اعر‪ ،‬ومدى خبرته في إيصال‬ ‫أفكاره‪ ،‬واالعتناء بتعميق الدّاللة‪ ،‬والتركيز‬ ‫على بؤر المعاني‪.‬‬

‫وم��ن هنا‪ ،‬فقد تركت وف��اة زوج��ة ديك‬ ‫الجنّ جرحاً نازفاً في قلب الشّ اعر‪ ،‬وحسرة‬ ‫ك��ادت أن تقضي عليه‪ ،‬بسبب الحبّ الذي‬ ‫غمرت به حياته‪ ،‬فضحّ ى في سبيله بمهجته‪،‬‬ ‫وجاهه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعالقاته بأهله وذويه‪ ،‬وهذه‬ ‫كلّها أشياء ثمينة ال يمكن أن يتخلّى عنها‬ ‫اإلنسان بسهولة‪ ،‬أمّا ديك الجنّ الحمصيّ‬ ‫فقد تخلّى عنها مقابل الظفر بالمرأة التي‬ ‫أحبّها وهام بها‪ ،‬فكانت وفاتها السّ ريعة كارثة‬ ‫كبرى بالنسبة إليه‪ .‬وقد جاءت مرثياته لتلك‬

‫ولع ّل مَن يطالع شعر ديك الجنّ الحمصيّ‬ ‫يتلمس الكثير م��ن ال��ظ��واه��ر األس��ل��وب�� ّي��ة‬ ‫وال��م��ف��ارق��ة وال��م��ج��از‪ ،‬وب�لاغ��ة ال�� ّت��راك��ي��ب‬ ‫الشّ عريّة‪ ،‬إضافة إل��ى ظاهرة التشخيص‬ ‫التي شحنت نصوصه بالترابط بين األفكار‬ ‫والخطاب اإلنساني‪ ،‬وبثراء المعاني ووضوح‬ ‫المقاصد‪ ،‬فجعلت خطابه الشّ عري يخضع‬ ‫طواعية للنظريات النّقديّة الحديثة‪ ،‬يضاف‬ ‫إليها ظاهرة التكرار موضوع دراستنا‪.‬‬

‫فمن يعيد قراءة األدب العربي القديم يجد‬ ‫أمثلة كثيرة‪ ،‬وأدلة دامغة على رثاء الزوجات‪،‬‬ ‫نحو الشّ عر األموي في رثاء جرير ألم حزرة‪،‬‬ ‫والفرزدق لحدراء‪ ،‬والوليد بن يزيد لسلمى‬ ‫بنت سعيد‪ .‬أمّا في العصر العبّاسي؛ فنقرأ‬ ‫رث��ا ًء الب��ن ال��روم��ي والطغرائي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬ندرك أنَّ رثاء ديك الجنّ الحمصيّ‬ ‫لزوجته استمراراً لنهج اتبعه سابقون في‬ ‫إيقاظ انفعاالت‪ ،‬امتزج فيها الغزل والرثاء‪.‬‬

‫وت��ح��اول ه���ذه ال���دراس���ة ال��وق��وف على‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تسكب على الخدين‪ ،‬وتبكي مصير فقيد ال المرأة بمستوى هذا الحبّ ‪ ،‬وهذه التضحية‪،‬‬ ‫رجعة له‪.‬‬ ‫فكانت خليطاً من الغزل والرثاء والبكاء على‬ ‫غير أنَّ ه��ذا ال��غ��رض م��ن ال��شّ ��ع��ر كان ما فاته من الحياة السّ عيدة مع هذه الزوجة‬ ‫مختصاً ب��رث��اء ال��رج��ال دون ال�� ِّن��س��اء في الفتية‪ ،‬تمنّى اللحاق بها‪.‬‬ ‫معظمه‪ ،‬وذلك ألنّ العربي كان يتحرّج بطبعه‬ ‫ل��ذا‪ ،‬رأى أنَّ بقاءه بعدها غاية الغدر‪،‬‬ ‫ذكر المرأة لضيق الكالم فيها‪ ،‬فكيف إذا فطغت عاطفته طغياناً أذهله عن االحتساب‬ ‫كانت زوجة للشاعر وأ ّماً ألوالده(‪.)1‬‬ ‫والدعاء لها(‪.)2‬‬

‫‪23‬‬


‫التمظهرات ال�� ّت��ك��رار ّي��ة م��ن خ�لال أنماط‬ ‫ال��ت��ك��رار ال����واردة ف��ي ن��ص��وص دي��ك الجنّ‬ ‫الحمصيّ ‪ ،‬ورب��ط ذل��ك بجانبها التأثيري‪،‬‬ ‫ويشمل على المناحي اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تكرار الجملة‬ ‫اتكأ ديك الجنّ على تكرار الجملة بغرض‬ ‫ال��ص��راع ال��ت��ي تَل ُف‬ ‫ّ‬ ‫التأكيد على طبيعة‬ ‫الشّ اعر‪ ،‬والتنبيه وجلب فكر المتلقي‪ ،‬وجعله‬ ‫ّص بكل حواسه‪ ،‬كما أسهم‬ ‫يتعايش مع الن ّ‬ ‫تكرار الجملة على الكشف «عن فاعليّة قادرة‬ ‫ّص الشّ عري بنيّة متسقة‪ ،‬إذ إنَّ‬ ‫على منح الن ّ‬ ‫التتابع‪ ،‬وهذا النوع في التتابع الشّ كلي يعين‬ ‫في إثارة التوقع لدى السّ امع‪ ،‬وهذا التوقع‬ ‫م��ن ش��أن��ه أن يجعل ال��سّ ��ام��ع أك��ث��ر تحفزاً‬ ‫لسماع الشّ اعر والتنبه إليه»(‪ ،)3‬ويظهر ذلك‬ ‫في قول الشّ اعر(‪:)4‬‬

‫نلت‬ ‫ليتني لم أكن لعطفك ُ‬

‫ل��زوج��ت��ه‪ ،‬إذ ي��ت��س��اءل ال��شَّ ��اع��ر ف��ي إلحاح‬ ‫ودهشة عن مفقودة غ��ادرت الحياة بظلم‬ ‫وجور‪ ،‬فالشَّ اعر يكرّر المعنى بلفظه بغرض‬ ‫اإليحاء للمتلقي عن المصاب الجلل‪ ،‬الذي‬ ‫ابتلي فيه نتيجة ما ارتكبت ي��داه‪ ،‬فديك‬ ‫الجنّ الحمصيّ مع هذا التكرار ال ينتظر‬ ‫جواباً لتساؤالته الملحة في هذه األبيات‪،‬‬ ‫بل ليحفّز المتلقي ويثير عواطفه ليشاركه‬ ‫بقيمة حبيبته‪( :‬ورد) وعظيم دوره���ا في‬ ‫حياته‪.‬‬ ‫فاستنجاد ديك الجنّ الحمصيّ بتكرار‬ ‫ال��ج��م��ل��ة ف��ي ال��خ��ط��اب ال��ش��ع��ري اآلن���ف‪،‬‬ ‫أم��ر طبيعي؛ أل ّن��ه يق ّر لنا الواقع النّفسي‬ ‫واالنفعالي‪( :‬الفقد والتفجع) في قصائده‪،‬‬ ‫فهذا الواقع يطلب منه أن يحاول أكثر من‬ ‫ث�لاث م��رات رس��م ص��ورة محبوبته ضمن‬ ‫قصيدة ال تتجاوز خمسة أبيات شعريّة‪.‬‬

‫إنَّ التكرار الذي وظّ فه الشّ اعر مشحون‬ ‫�ال و َ‬ ‫وإل � � ��ى َذل � � ��ك ال � � ��وِ ص � � � ِ‬ ‫َص� � � ْل � � ُ�ت بعبارات شخصية رقيقة‪ ،‬نحو‪( :‬اشْ تَ َمل ِْت‪،‬‬ ‫اش � � َت� ��مَ � � ْل� � ِ�ت عَ �ل �ي��ه‬ ‫ف � ��ا َّل � � ِ�ذي ِم � � ِّن� ��يَ ْ‬ ‫اشتملتُ ) يشوبها األل��م والحنين والحزن‬ ‫أ َِل � � �ع � � ��ارٍ م� ��ا ق� ��د ع� �ل� �ي ��هِ اش �ت �م �ل� ُ�ت الجارف على (ورد)‪ ،‬ونلحظ ذلك بالحزن‬ ‫الذي سيطر عليه مجاميع لبه‪ ،‬فبدأ الشّ اعر‬ ‫ق� ��ال ذو ال �ج ��هْ � ِ�ل ق ��د حَ � � ُل ��مْ ��تَ وال‬ ‫أَعْ � � َل ��مُ أَ ِّن� ��ي حَ � ُل �م� ُ�ت حَ ��تَّ ��ى جَ � ِ�ه � ْل� ُ�ت مضطرباً‪ ،‬مشوش األف��ك��ار ال ي��دري ماذا‬ ‫يقول‪ ،‬أيرثيها أم يرثي ذاته؟‬

‫الئ� � � � � ��مٌ ل � � ��ي بِ � � ��جَ � � ��هْ � � ��لِ � � ��هِ ول � � �م� � ��اذا‬ ‫أَن � ��ا و َْح� � � � ِ�دي أ َْح� � َب� � ْب � ُ�ت ثُ � ��مَّ َق � َت � ْل� ُ�ت‬ ‫ْف آس��ى ط ��ولَ ال��حَ �ي��اةِ َوأَ ْب��كِ �ي �ـ‬ ‫سَ � �و َ‬ ‫ِك ع �ل��ى م ��ا َف � َع � ْل � ِ�ت ال م ��ا َف � َع � ْل� ُ�ت‬

‫‪24‬‬

‫نلحظ أنَّ الشّ اعر قد كرّر الجمل الفعلية‬ ‫اآلتية‪( :‬اشْ تَ َمل ِْت‪ ،‬حَ لُمْتَ ‪َ ،‬ف َعل ِْت) في رثائه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ولعلَّ فراق (ورد) تلك الجاريّة النّصرانيّة‬ ‫كان صعباً على ديك الجنّ الحمصيّ ‪ ،‬وكيف‬ ‫ال‬ ‫ال؟! وقد كلف بها الشّ اعر‪ ،‬وكان دينها حائ ً‬ ‫بينهما‪ ،‬فدعاها إلى اإلس�لام فأجابته‪ ،‬ث ّم‬ ‫ت��زوج بها‪ ،‬فالشّ اعر يعاتب نفسه‪ ،‬وق��رع‬ ‫مسامعه فقدها‪ ،‬لذا ندب حظّ ه‪ ،‬فقال(‪:)5‬‬


‫دم �ه��ا ال � ّ َث��رى ولطالما‬ ‫رويُ � ��ت م��ن ِ‬ ‫َر َوّى ال �ه��وى شَ � َف �ت� ّ َ�ي م��ن شَ فَتيْها‬

‫أط��ل��ق عليه ب��ع��ض ال��ب��اح��ث��ي��ن ال�� ّت��ك��رار‬ ‫اللّفظي‪ ،‬وهو تكرار كلمة تستغرق المقطع أو‬ ‫القصيدة(‪ ،)7‬كما نظر إليه كثير من الدّارسين‬ ‫المحدثين بنظرة أكثر شموليّة‪ ،‬لذلك عدّوه‬ ‫ّص الشّ عري‬ ‫أحد األسس التي ينبني عليها الن ّ‬ ‫ّص‬ ‫الحديث‪ ،‬بل عنصراً مركزياً في بناء الن ّ‬ ‫الشّ عري(‪ ،)8‬ولع ّل في تكرار الكلمات منحاً‬ ‫وش��ح��ن��اً للقصيدة ودف��ع��ه��ا ن��ح��و س��ي��رورة‬ ‫األحداث وتتابعها‪.‬‬

‫يطالعنا الشّ اعر بتكرار صيغة الجملة‬ ‫الفعليّة‪( :‬رويُ��ت‪َ ،‬ر َوّى) في مفارقة عجيبة‪،‬‬ ‫ت��ع��بّ��ر ع���ن ال�� ّت��ح��س��ر واألل�����م ال��شّ ��دي��دي��ن‬ ‫ح��ي��ن اف��ت��ق��اده محبوبته‪ .‬ف��ت��ك��رار جملة‪:‬‬ ‫(رويُ���ت) األول��ى هو إع�لان لعمق التداعي‪،‬‬ ‫واالض��ط��راب ال��ذي يعيشه الشّ اعر لحظة‬ ‫القول‪« ،‬فقبر المحبوبة لم يكن مجرد موقع‬ ‫وع��ل��ى ه���ذا األس�����اس‪ ،‬نلحظ أنَّ دي��ك‬ ‫جغرافي أو بقعة من األرض‪ ،‬بل كان تاريخاً‬ ‫ال��ج��نّ الحمصيّ يعتمد ظ��اه��رة ال�� ّت��ك��رار‬ ‫وصراعاً داخلياً عايش ذات الشّ اعر والزمها‬ ‫اللّفظي للكلمة الواحدة‪ ،‬واشتقاقها برؤية‬ ‫حتّى ام��ت��زج وإي��اه��ا ف��ي ص��ورة عضويّة ال‬ ‫أك��ث��ر ش��م��ول��ي��ة ليعمق ال������دّالالت‪ ،‬وي��ؤك��د‬ ‫فكاك منها»(‪.)6‬‬ ‫المعاني ويوضح األفكار ويسمو بالتّعابير‬ ‫ويتخذ الشّ اعر من تكرار الجملة الفعليّة‪:‬‬ ‫إلى الجمالية األدائية‪ ،‬ويمنح كالمه صورة‬ ‫( َر َوّى) ف��ي عجز البيت الشّ عري السّ ابق‬ ‫إيقاعية متمايزة تتشكل من أنغام متوالدة من‬ ‫منطاداً يعلو به في سماء األم��ل وال��ب��راءة‪،‬‬ ‫تكرار بنية معينة‪ ،‬وتستحوذ على جلب انتباه‬ ‫وال��ع��ش��ق‪ ،‬وال��ه��ي��ام‪ ،‬فالشّ اعر عندما أراد‬ ‫التّعبير عن ضياع الذات‪ ،‬والتيه واالنهيار‪ ،‬المتلقي بوصفها بؤرة المعنى‪ ،‬فيتحوّل البناء‬ ‫استعمل جملة‪( :‬ر ّوي��ت) مقرونة بالدم‪ ،‬في اللّغوي إلى رؤى متداخلة‪ ،‬ومتواشجة لتشكل‬ ‫حين قرنها بالهوى والعشق‪ ،‬عندما حاول أن رؤية الشّ اعر‪.‬‬

‫يبحث عن االت��زان لنفسه المضطربة التي‬ ‫ونجد دي��ك الجنّ الحمصيّ يعتمد في‬ ‫توشك على االنهيار‪ ،‬فظهر بصورة الشّ اعر نصوصه الشّ عريّة على تكرار اللّفظة في‬ ‫الصادق‪.‬‬ ‫المتيم‪ ،‬صاحب الشّ عور ّ‬ ‫البيت الشّ عري ذاته‪ ،‬ليؤكد المعنى في ذهن‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬استطاع دي��ك الجنّ الحمصيّ المتلقي‪ ،‬إذ يقول(‪:)9‬‬ ‫أ ْن يعبّر عن آالم النّفس‪ ،‬ومحنه‪ ،‬وتوجعاته‬ ‫ون يَدُ‬ ‫ما الِ مْ رِ ىءٍ بِ ي َِد الدَّ هْ رِ الخَ ؤُ ِ‬ ‫الدّاخلية‪ ،‬باستخدامه أسلوب تكرار الجملة‪،‬‬ ‫وال ع �ل��ى جَ � � َل � ِ�د ال��دُّ ن �ي��ا ل� ��هُ جَ � َل��دُ‬ ‫ال���ذي ك��ان ل��ه األث���ر ال��واض��ح ف��ي أح��داث‬ ‫أص ��ا َب ��هُ ��مُ‬ ‫�اب أَق � � ��وامٍ َ‬ ‫التأثيرات النّفسيّة للمتلقي‪ ،‬ومحاولة إحداث ُط ��وب ��ى ألح� �ب � ِ‬ ‫تيار التوقع وإعطاء وحدة للعمل الفني‪.‬‬ ‫َبل أَنْ عَ ِشقُ وا مَ و ٌْت فقدْ سَ عِ دُ وا‬ ‫ِمنْ ق ِ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ي ��ا طَ � � ْل� � َع ��ةً طَ � � َل� � َع ال � ِ�ح� �م ��امُ عليها‬ ‫وج �ن��ى ل �ه��ا َث ��مَ � � َر ال� � � � َرّدى ب�ي� َدي�ه��ا‬

‫‪ -2‬تكرار الكلمة‬

‫‪25‬‬


‫على تكرار الكلمات اآلتية‪( :‬حَ قِّهِ مْ‪ ،‬حَ قٌّ )‬ ‫وَحَ � � ��قِّ � � � ِ�ه� � ��مْ إ ّن� � � ��ه حَ � � � � ٌّ�ق أ َِض � � � � � ُّ�ن بِ � ��هِ‬ ‫أل ْن� � ِ�ف � �دَنَّ ل �ه��م دَمْ �ع ��ي ك �م��ا َن � ِ�ف ��دُ وا يريد أ ْن يمضي اإلن��س��ان في وج��وده على‬ ‫ُ‬ ‫سنن الطبيعة‪ ،‬فإذا كانت أقانيمها مفتوحة‬ ‫�أس��هُ ��مُ‬ ‫�ك مَ � ْ�س � ِ�ق � ٌّ�ي ب � َك� ِ‬ ‫ي ��ا دَهْ � � ��رُ إ ّن� � � َ‬ ‫بين البشر واإلنسان‪ ،‬فإنَّ المعنى المتصل‬ ‫ْض ا ّل ��ذي َورَدُ وا‬ ‫�ك ال��حَ �و َ‬ ‫ووارِ دٌ ذل� َ‬ ‫بالحياة مفقود من مجتمع البشر؛ لهذا كان‬ ‫ال��خَ � ْل��قُ م��اض��و َن واأل ّي � ��امُ َت� ْت� َب��عُ ��هُ ��مْ‬ ‫األجدر باإلنسان قبول الحدث‪.‬‬

‫الصمَ دُ‬ ‫الواحدُ َّ‬ ‫نَفْ نَى جَ ميع ًا ويبقى ِ‬

‫ت��ت��ح��رك األب��ي��ات ال��سّ ��اب��ق��ة ف��ي ت��ك��رار‬ ‫الكلمتين اآلتيتين‪ِ ( :‬بيَدِ ‪ ،‬يَدُ) و(جَ ل َدِ ‪ ،‬جَ لَدُ)‬ ‫و(حَ قِّهِ مْ‪ ،‬حَ قٌّ ) لغرض تقرير االستنكار على‬ ‫جريمة الشّ اعر التي ارتكبها بحق محبوبته‬ ‫(ورد)‪ ،‬وهذا التّكرار كثف الدّالالت وعددها‬ ‫ونوّعها من خالل التراكيب اللّغويّة المنداحة‬ ‫��ص ال��شّ ��ع��ري‪ ،‬والمنسجمة صوتياً‬ ‫ف��ي ال�� ّن ّ‬ ‫للنص‪ ،‬ممّا يركز‬ ‫ّ‬ ‫ومعنوياً مع البنية الكلية‬ ‫المعنى ويعمقه ليجعل المتلقي يتفاعل مع‬ ‫هذه البنى التكرارية المتتالية‪ ،‬ويقتنع بحزن‬ ‫الشّ اعر ولوعته عليها‪ ،‬ولع ّل من المفيد أن‬ ‫نخلص إلى القول‪ :‬إنَّ هذه األبيات بما تحويه‬ ‫من مظهر أسلوبي تجلّى بالتكرار دليل على‬ ‫عالقة الشّ اعر بزوجته (ورد) وش��يء من‬ ‫صفاتها التي افتقدها بموتها‪ ،‬وكأنَّ الشّ اعر‬ ‫نفسه فوجئ بهذا النوع من الحزن القاتل‪،‬‬ ‫الذي أصابه بسبب رحيل زوجته‪ ،‬فالتمس‬ ‫من ذات��ه ع��ذراً لبكائه؛ ألنّ��ه ع��رف أخيراً‬ ‫أنَّ البكاء‪ ،‬هو الشّ فاء من الجوى‪ ،‬من أجل‬ ‫ذلك سيبقى في بكائها حتّى تنفد دموعه‪،‬‬ ‫وتحترق أحشاؤه؛ ألنَّ اليأس منها‪ ،‬والوجد‬ ‫عليها‪ ،‬ما يزاالن يلهبان قلبه باأللم واألسى‬ ‫الشّ ديدين‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫��ص بانحيازه إلى‬ ‫وم��ن ال��واض��ح أنَّ ال�� ّن ّ‬ ‫الصيغ االسمية‪ِ ( :‬بيَدِ ‪ ،‬يَدُ‪ ،‬جَ ل َدِ ‪ ،‬جَ لَدُ‪،‬‬ ‫تكرار ّ‬ ‫حَ قِّهِ مْ‪ ،‬حَ ��قٌّ ) يرجّ ح السّ كون على الحركة‪،‬‬ ‫بوصف االسم حدثاً معزوالً عن الزمن‪ ،‬ومن‬ ‫ثَ َّم فهو يشي بالوصف والتأمّل والثبات(‪،)10‬‬ ‫ّص‪:‬‬ ‫والنزوع إلى االسمية يتفق وموضوع الن ّ‬ ‫(ال��م��وت) المتمثل أس��اس��اً ب��ت��أمّ��ل أح��وال‬ ‫اإلنسان‪ ،‬والكون‪ ،‬ومصيرها الحتمي إلى‬ ‫الزوال‪.‬‬ ‫أدرك دي��ك ال��ج��نّ الحمصيّ أنَّ التنوع‬ ‫ف��ي األس��ل��وب مزية موجبة‪ ،‬كما عَ ��لِ�� َم أنَّ‬ ‫األسلوب إذا مضى على وتيرة واح��دة في‬ ‫التّعبير‪ ،‬كاالعتماد على نسق لغوي واحد‬ ‫دلَّ ذل��ك على فتوره وم��ن ث�� ّم افتقاره إلى‬ ‫القوة والتأثير‪ ،‬ومعنى ذلك أنَّ األصل في‬ ‫األساليب التنوّع؛ وعليه‪ ،‬فإنَّ الشّ اعر في‬ ‫حديثه عن جرحه النازف في قلبه‪ ،‬وحسرته‬ ‫التي كادت أن تقضي عليه‪ ،‬بسبب حبّه لورد‪،‬‬ ‫يلجأ إلى التنوع في أسلوب التكرار اللفظي‪،‬‬ ‫فهو يقول(‪:)11‬‬

‫�ش‬ ‫ق��لْ لمن ك��انَ وج��هُ ��ه كضياء ال� َّ‬ ‫م� ��س ف� ��ي ُح� �س ��نِ ��ه وب � � � ��درٍ م �ـ �ن �ـ �ي��رِ‬

‫ك�ن��تَ زي ��نَ األح �ي��اءِ إذ ك�ن��تَ فيهمْ‬ ‫ثُ � ��مّ ق ��د ِص � ��رتَ زي� ��نَ أه� � ِ�ل ال �ق �ب��ورِ‬ ‫ّ��ص ال��شّ ��ع��ري ال��سّ ��اب��ق بتركيزه‬ ‫وإنَّ ال��ن ّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫المغيب وال��خَ ��ونُ نُكرٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُخنتني ف��ي‬ ‫�ات ال� �ـ ��دُّ ه� �ـ ��ورِ‬ ‫وذ َِم� � �ي � ��مٌ ف� ��ي س ��ال� �ف � ِ‬ ‫َف �ش �ف��ان��ي سَ �ي �ف��ي وأس � � � � َر َع ف �ـ��ي َح‬ ‫ِّز ال � َّت��راق��ي َق �ط �ع � ًا وَحَ � � ��زَّ ال � ّن �ح��ورِ‬ ‫إنَّ ديك الجنّ الحمصيّ مع ترسمه خطوات‬ ‫الرومانسيين ف��ي اإلف��ص��اح ع��ن مكنونه‪،‬‬ ‫كاالعتماد الواضح على مجموعات لفظيّة‪،‬‬ ‫نحو‪( :‬زي َن األحياءِ ‪ ،‬زي َن أهلِ القبورِ ) تصف‬ ‫ص��ورة (ورد) وصفاً دقيقاً‪ ،‬إ ّال أنّ أسلوبه‬ ‫قد اتّسم بعالمات فارقة بدت في اعتماده‬ ‫الصريح المعرّف‬ ‫بصورة مباشرة على االسم ّ‬ ‫باإلضافة‪ ،‬البارز بقوله‪( :‬ح ّز التَّراقي‪ ،‬وَحَ َّز‬ ‫الصريح المعرّف‬ ‫النّحورِ )؛ ذلك أنَّ االسم ّ‬ ‫يكسب الكالم قوة ووضوحاً وتأثيراً بالغاً في‬ ‫نفس المتلقي‪.‬‬

‫وم���ن ال��م�لاح��ظ أنَّ ه���ذا ال��ض��رب من‬ ‫يعضد سياقات‬ ‫ّ‬ ‫التكرار ‪-‬ت��ك��رار الكلمة‪-‬‬ ‫ّص الشّ عري‪ ،‬فالشّ اعر ميّز نفسه بهذا‬ ‫الن ّ‬ ‫اللّون األسلوبي ليحوّله إلى عالقة فريدة في‬ ‫ديوانه الشّ عري‪ ،‬وترد هذه الظاهرة بإبداعيّة‬ ‫الشّ اعر وقدرته على سبك الجمل الشّ عريّة‬ ‫المليئة بجماليات األس��ل��وب‪ ،‬وال��ط��اق��ات‬ ‫الموسيقيّة‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ب��أب��ي أن ��تَ ف��ي ال �ح �ي��اةِ وف ��ي المـو‬ ‫ت وت� �ح ��ت ال� �ث ��رى وي� � ��وم ال �ن �ش��ورِ‬

‫جل ّياً ف��ي بكائه وحسرته على ف��راق تلك‬ ‫الحبيبة الشّ ابة‪ ،‬لذا كانت عاطفته غامرة‪،‬‬ ‫فانساق وراءها انسياقاً أخرجه عن الحدود‪.‬‬

‫‪ -3‬تكرار الحرف‬

‫أكثر الشّ عراء قديماً من تكرار الحرف‪،‬‬ ‫فهو أقرب ما يكون بالصوت المعزول‪ ،‬لهذا‬ ‫الصوتية تكمن فيها‬ ‫رأى (بالي) أنَّ المادة ّ‬ ‫إمكانات تعبيريّة هائلة‪ ،‬فاألصوات وتوافقها‬ ‫وألعاب النغم واإليقاع والكثافة واالستمرار‬ ‫��ص��ام��ت��ة‪ ،‬ك�� ّل هذا‬ ‫وال��ت��ك��رار وال��ف��واص��ل ال ّ‬ ‫يضاف إلى ذلك ترجيحه استعمال ّ‬ ‫الصيغ يتضمّن بمادته طاقة تعبيريّة(‪.)12‬‬ ‫االسميّة على الفعليّة للغاية نفسها‪ ،‬أي أنّه‬ ‫وتأسيساً على ما سبق‪ ،‬نلمس أنَّ لتكرار‬ ‫أراد أ ْن ينتقل بالموضوع من مجال األنا‬ ‫الحرف أثراً ملحوظاً في إصدار التأثيرات‬ ‫الشّ اعرة المنفعلة والمنشغلة بآالمها إلى‬ ‫الصوت األخير‬ ‫النفسيّة للمتلقي‪ ،‬إذ يمثّل ّ‬ ‫مجال التأمّل الواسع الرحب‪ ،‬ممّا يكشف‬ ‫الصوت الذي يمكن أن‬ ‫في نفس الشّ اعر‪ ،‬أو ّ‬ ‫عن عاطفة جيّاشة وصدمة قويّة أذهلت‬ ‫يصب فيه أحاسيسه ومشاعره عند اختيار‬ ‫الشّ اعر وجعلته غير مصدق لما أصابه‪.‬‬ ‫القافية مثالً‪ ،‬أو قد يرتبط ذلك بتكرار حرف‬ ‫ومن خالل القطعة الشّ عريّة‪ -‬السّ ابقة‪ -‬داخل القصيدة الشّ عريّة‪ ،‬تكون له نغمته التي‬ ‫ّص‪ ،‬حيث ال يختلف اثنان على‬ ‫يتبين لنا أنَّ الشّ اعر اعتمد تكرار الكلمة؛ تطغى على الن ّ‬ ‫للتعبير ع��ن مشاعره تجاه زوج��ت��ه‪ ،‬وذل��ك أنّه ال وجود لشعر موسيقي دون شيء من‬ ‫بالتركيز على مجموعة من الدّوال المتالحقة اإلدراك العام لمعناه‪ ،‬أو على األقل لنغمته‬ ‫العاكسة لموقفه المتأثر كثيراً بموتها‪ ،‬ويظهر االنفعاليّة(‪.)13‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪27‬‬


‫�اب‬ ‫وممّا ال شكّ فيه أنَّ تكرار الحرف يزوّد ك� � َّ�ص � �ي� ��ادِ ال � � ُّ�ط � �ي � ��ورِ ل � ��ه ان� �ت� �ح � ٌ‬ ‫ّص الشّ عري بزخم ممتع من الدفق الغنائي‪،‬‬ ‫الن ّ‬ ‫ع� �ل� �ي� �ه ��ا وه � � � ��و ي� ��ذب� � ُ�ح � �ه� ��ا ب� �ح ��دِّ‬

‫تصنعها الحركات اإليقاعيّة المتعاقبة في‬ ‫تتمحور األب��ي��ات السّ ابقة ح��ول تشظي‬ ‫السّ ياق بهدف إبراز النبرة الخطابية‪ ،‬وكشف‬ ‫الذات‪ ،‬وتمزقها‪ ،‬فالشّ اعر يطلب جواباً من‬ ‫مشاعر وأحاسيس الشّ اعر التي يريد نقلها‬ ‫حبيبته السّ اكنة تحت الثرى‪ ،‬مستفهماً عن‬ ‫للمتلقي محافظة على وهجها وشعلتها‬ ‫حالها بعده‪ ،‬وعن مكان موتها بعد أن كانت‬ ‫الدّالليّة المؤثرة‪.‬‬ ‫تسكن قلبه وأضالعه وكبده‪.‬‬ ‫إنَّ ال��ق��ارئ لشعر دي��ك الجنّ الحمصيّ‬ ‫ّص الشّ عري‪ ،‬وأعدنا‬ ‫وإذا ما انتقلنا إلى الن ّ‬ ‫يظهر له بوضوح أنَّ الشّ اعر بحكم معاناته‪،‬‬ ‫وصدق شعوره وحبّه الطاغي لورد‪ ،‬فقد عمد قراءته قراءة فاحصة‪ ،‬يتبيّن أنَّ الشّ اعر ركّز‬ ‫إل��ى تكرار كثير من ال��ح��روف‪ ،‬تعبيراً عن على تكرار ح��رف‪( :‬ال��ح��اء) في ستة عشر‬ ‫عواطفه المصطرعة‪ ،‬وعتابه الذاتي الذي ال موضعاً من األبيات؛ ليدلل على تحوّل هذا‬ ‫ال��ح��رف إل��ى مفتاح يمكّنه م��ن ال��ول��وج في‬ ‫يتوقف‪ ،‬إذ يقول في دالية رائعة (‪:)14‬‬ ‫ّص‪ ،‬ومن ثَ ّم يسهم في إبراز الفكرة‬ ‫متن الن ّ‬ ‫أس � � ��اك � � ��نَ ح � � �ف� � ��رةٍ وق� � � � � � ��رارِ ل� �ح � ِ�د‬ ‫المركزيّة للقصيدة التي يدور حولها الحزن‬ ‫م � � �ف� � ��ارِ قَ ُخ� � � َّل � ��ةٍ م� ��ن َب � ��عْ � � ِ�د عَ � ��هْ � � ِ�د‬ ‫وح��رارة األل��م التي تعتصر قلبه من واقعه‬ ‫أج �ب �ن��ي إنْ ق � � ��درتَ ع �ل��ى ج��واب��ي‬ ‫المتخاذل‪.‬‬

‫�ف ظَ � َل �ل��تَ َب��عْ � ِ�دي؟‬ ‫ب��حَ ��قِّ ال� ��و ِّد َك � ْي� َ‬

‫كما يحيل على المغزى ال��ذي يشخص‬ ‫�ول ق�ل�ب��ي‬ ‫وأي � � ��نَ ح �ل �ل��تَ ب� �ع� � َد ح� �ل � ِ‬ ‫خلف الحرف المفتاح وفحواه‪ :‬درجة الحزن‬ ‫وأح � �ش ��ائ ��ي وأض �ل��اع � ��ي وك� �ب ��دي؟‬ ‫المتلفعة في قلب الشّ اعر‪ ،‬والمكانة التي‬ ‫أم � � ��ا واهللِ ل � ��و ع� ��اي � �ن� ��تَ وج � ��دي‬ ‫تحتلها الفقيدة في نفسه‪.‬‬

‫الظلْماءِ و َْحدي‬ ‫استَعْ َبر ُْت في َّ‬ ‫إذا ْ‬

‫نصه بنغمة‬ ‫ومرّة أخرى‪ ،‬فالشّ اعر يدمغ ّ‬ ‫وَجَ � � � � ��دَّ َت � � َن� ��فُّ � � ِ�س� ��ي وعَ � �ل ��ا َزف � �ي� ��ري‬ ‫متميّزة ناتجة عن تماثل األصوات وتجانسها‬ ‫�اض� ْ�ت عَ ْبرَتي في َص� ْ�ح� ِ�ن خَ ��دِّ ي‬ ‫وف� َ‬ ‫وت���ك���راره���ا‪ ،‬وذل����ك أنَّ وح����دة ال��م��وض��وع‬ ‫إذنْ ل� �ع� �ل� �م ��تَ أ ِّن � � � ��ي ع � ��ن ق ��ري � ٍ�ب‬ ‫واالنفعال‪( :‬الفقد والتوجع) في الخطاب‬ ‫س �ت �ح �ف��رُ ح �ف��رت��ي وي� �ش � ُّ�ق ل�ح��دي الشّ عري أسهم في التّعبير بصدق عن لواعج‬ ‫الذات‪ ،‬وتتأجج حرقة على فقدان حبيبة من‬ ‫وي �ع��ذ ُل �ن��ي ال �س �ف �ي��هُ ع �ل��ى ُب �ك��ائ��ي‬ ‫�زن وح� ��دي خالل صور تكرارية جميلة ومؤثرة‪.‬‬ ‫ك� ��أ ِّن� ��ي م �ب �ت �ل��ىً ب ��ال� �ح � ِ‬

‫‪28‬‬

‫وقد ظهر تكرار حرف‪( :‬الحاء) في شعر‬ ‫ي � �ق� ��ول‪ :‬ق �ت �ل �ت �ه��ا س� � َف� �ه ��ا وج� �ه�ل ً�ا‬ ‫وت� � ْب� �ك� �ي� �ه ��ا ب� � �ك � ��اءً ل� �ي ��س يُ � � ْ�ج� ��دي دي��ك ال��ج��نّ الحمصيّ ف��ي شكل تتابعي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫�ول ق�ل�ب��ي‬ ‫وأي � � ��نَ ح �ل �ل��تَ ب� �ع� � َد ح� �ل � ِ‬ ‫وأح � �ش ��ائ ��ي وأض �ل��اع � ��ي وك� �ب ��دي؟‬

‫ّص الشّ عري السّ ابق أنَّ‬ ‫نالحظ في الن ّ‬ ‫الشّ اعر وزّع صوت‪( :‬الحاء) توزيعاً هندسياً‬ ‫محكماً(‪ ،)16‬إذ بدأ استخدام صوت‪( :‬الحاء)‬ ‫مكثفاً في كلمتي‪( :‬حللت) و(حلول) مرتين‬ ‫ونشير هنا إلى أنَّ الشّ اعر استعان في‬ ‫في الشّ طر األوّل‪ ،‬للدّاللة على حالة التقريع‬ ‫ك ّل ما يمكن له أ ْن يؤطر المقصديّة والتأكيد‬ ‫والتوجع والحزن المشفوع بندم حاد‪.‬‬ ‫والتأثير في المتلقي‪ ،‬والخروج من مستوى‬ ‫لكنّه ع��اد إليه م��رة واح���دة ف��ي الشّ طر العالمة المجردة إلى مستوى الرمز‪ ،‬فصوّر‬ ‫الثاني من خالل كلمة‪( :‬أحشاء) ممّا أحدث باستناده على تكرار الحرف لواعجه الحزينة‪،‬‬ ‫إيقاعاً نغمياً‪ ،‬خافتاً تجسيداً لصورة الخواء وموقفه حيال موتها‪ ،‬ونكد عيشه بعدها‪،‬‬ ‫واالنكسار في حركة الشّ اعر بعد أن رحلت‪ :‬ومرارة فقدها‪ ،‬وأفرد لها قصائد في ديوانه‪،‬‬ ‫(ورد) عنه‪ ،‬كما أ ّن��ه يحمل معنى األس��ف‪ ،‬رسم فيها شعوره بالوحدة من بعدها‪ ،‬وعظم‬ ‫أس��ف ال��شّ ��اع��ر على ذات���ه‪ ،‬وتزعزعها في الحمل الواقع عليه بعدما تركت حملها له‬ ‫لحظة الوحدة ومخاطبة النّفس‪.‬‬ ‫رغماً عنها‪ ،‬فقال(‪:)17‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وظيفته إيقاظ المتلقي‪ ،‬والعمل على دمجه‬ ‫ومشاركته م��ع رؤي��ة الشَّ اعر للواقع‪ ،‬نحو‬ ‫قوله(‪:)15‬‬

‫ودي��ك الجنّ الحمصيّ بكى زوجته التي‬ ‫فقدها بُعيد حبٍّ وعشق شديدين‪ ،‬بعد أ ْن‬ ‫ال للظفر بها‪،‬‬ ‫بذل ماالً كثيراً وقضى وقتاً طوي ً‬ ‫فهو يبكي الزوجة الحبيبة‪ ،‬وهذه الظروف ال‬ ‫ب ّد أنّها قادته إلى االستعانة بمظاهر أسلوبيّة‬ ‫نصه الشّ عري‪ ،‬كما‬ ‫كتكرار الحرف لتشكيل ّ‬ ‫أنّه لم يجد سلوى بها وتعظيماً لها وتنويهاً‬ ‫بشأنها وتفخيماً لها في القلب والسّ مع إ ّال‬ ‫بتكرار التّراكيب والكلمات والحروف‪.‬‬

‫استطاع الشّ اعر أ ْن يعبّر بصدق عن آالم ل �ي �ت �ن��ي ل� ��م أك� � ��ن ل �ع �ط �ف��ك ن �ل� ُ�ت‬ ‫ّص‪ ،‬باستخدامه‬ ‫النّفس من خالل جمال الن ّ‬ ‫َص� � � ْل � � ُ�ت‬ ‫�ال و َ‬ ‫وإل � � ��ى َذل � � ��ك ال � � ��وِ ص � � � ِ‬

‫أس��ل��وب ت��ك��رار ال��ح��رف ال���ذي انتظم فيه‬

‫اش � � َت� ��مَ � � ْل� � ِ�ت عَ �ل �ي��ه‬ ‫ف � ��ا َّل � � ِ�ذي ِم � � ِّن� ��يَ ْ‬ ‫اإليقاع والتّركيب‪ ،‬فوفقت انفعاالتها وأثرت‬ ‫أل� � �ع � ��ارٍ م � ��ا ق � ��د ع� �ل� �ي ��هِ اش �ت �م �ل� ُ�ت‬ ‫في سامعيها‪ ،‬ففسحت المجال أمام المتلقي‬ ‫بتأمّل وتحليل أرحب‪.‬‬ ‫إنَّ للتكرار بأنواعه المتعددة دوراً مهماً‪،‬‬

‫ق� ��ال ذو ال �ج ��هْ � ِ�ل ق ��د حَ � � ُل ��مْ ��تَ وال‬ ‫أَعْ � � َل ��مُ أَ ِّن� ��ي حَ � ُل �م� ُ�ت حَ ��تَّ ��ى جَ � ِ�ه � ْل� ُ�ت‬

‫ومكانة عالية في ترسيخ المعاني وال ّدالالت الئ� � � � � ��مٌ ل � � ��ي بِ � � ��جَ � � ��هْ � � ��لِ � � ��هِ ول � � �م� � ��اذا‬ ‫أَن � ��ا و َْح� � � � ِ�دي أ َْح � � َب� � ْب � ُ�ت ثُ � ��مَّ َق � َت � ْل� ُ�ت‬ ‫في نفسية المتلقي‪ ،‬وال سيما تلك االنفعاالت‬

‫ْف آس��ى ط ��ولَ ال��حَ �ي��اةِ َوأَ ْب��كِ �ي �ـ‬ ‫المشحونة بآهات التّحسر والندم على فعل سَ � �و َ‬ ‫ـ � ِ�ك ع �ل��ى م��ا َف � َع � ْل� ِ�ت ال م��ا َف � َع � ْل� ُ�ت‬ ‫اقترفته يد الشّ اعر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪29‬‬


‫لقد أفعم ه��ذا ال�� ّن ّ‬ ‫��ص الشّ عري بتكرار فجاء (الالم) للداللة على االنتهاء واالنكسار‬ ‫�لا معه طاقة كبرى‪ ،‬ال��ل��ذي��ن أص���اب���ا ال��شّ ��اع��ر ل��ح��ظ��ة ان��ب�لاج‬ ‫ح��رف‪( :‬ال�ل�ام) ح��ام ً‬ ‫الصوت لكونه من الحقيقة(‪.)19‬‬ ‫فقد اختار الشّ اعر هذا ّ‬ ‫أوضح األص��وات السّ اكنة في السّ مع‪ ،‬فقد‬ ‫هكذا‪ ،‬ينبعث شاعرنا في مرثياته انبعاثاً‬ ‫ال��ص��ورة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أحدث قرعاً صوتياً‪ ،‬فكان له وقع مميّز في ق��وي��اً‪ ،‬واض���ح ال��م�لام��ح‪ ،‬مبكي‬ ‫النّفس(‪.)18‬‬ ‫ألفاظه موحية دائ��م��اً‪ ،‬انطالقاً من تقطع‬ ‫كما يحمل صوت‪( :‬الالم) معنى األسف‪،‬‬ ‫أس���ف ال��شّ ��اع��ر ع��ل��ى م��ا اق��ت��رف��ت��ه ي���داه‪،‬‬ ‫واستجابته لدسائس الحاقدين‪ ،‬إضافة‬ ‫لما يصوره من تزعزعه واهتزازه في لحظة‬ ‫فقدان المحبوبة‪ ،‬بل وقف حائراً مضطرباً‪.‬‬ ‫وممّا زاد في تناغم الجرس الموسيقي‬ ‫لصوت الالم أنَّ الشّ اعر يمتلك من األدوات‬ ‫الصورة في لوحة بديعة‬ ‫ما يجعله يرسم تلك ّ‬ ‫حسنة‪ ،‬تتغلغل داخل وجدان المتلقي‪ ،‬سامعاً‬ ‫أو قارئاً‪ ،‬فتنفعل أحاسيسه وتمور العاطفة‬ ‫في قلبه موراناً يستدر السّ مع‪ ،‬وتغرق العين‪،‬‬ ‫في أثر بكاء القلب‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬نلحظ مراوحته في توظيف تكرار‬ ‫ح��رف‪( :‬ال�ل�ام)‪ ،‬إذ احتلَّ مواقع متنوعة‪،‬‬ ‫فتارة يأتي وسطاً‪ ،‬وتارة ابتداء‪ ،‬وتارة أخرى‬ ‫انتهاء‪ ،‬مثل‪( :‬ليتني‪ ،‬لعطفك‪ ،‬نلتُ ‪ ،‬ذَلك‪،‬‬ ‫الوِ صالِ ‪ ،‬اشْ تَ َمل ِْت‪ ،‬جَ هِ ل ْتُ ‪ ،‬بِجَ ْهلِهِ ‪َ ،‬ف َعل ِْت)‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫نفس الشّ اعر‪ ،‬وانصهارها حزناً وألماً لفقد‬ ‫حبيبه‪ ،‬وشقيقة نفسه‪ ،‬خليط مطروق من‬ ‫ّص للوهلة‬ ‫الشّ عراء‪ ،‬حتّى يظن من يقرأ الن ّ‬ ‫األول��ى أ ّن��ه غزل خالص‪ ،‬لكنّه ال يلبث أ ْن‬ ‫يسمع رثاء ذلك المتغزل به‪.‬‬

‫وع��ل��ى ه��ذا األس����اس‪ ،‬ك�� ّرس��ت تراكيب‬ ‫ّص الشّ عري عند ديك الجنّ‬ ‫ومفردات الن ّ‬ ‫الحمصيّ تقنية التكرار في بنائها‪ ،‬وواظبت‬ ‫على حضورها بأضربها المختلفة لتثبيت‬ ‫إيقاعها‪ ،‬وتنظيم نبراته‪ ،‬ولتستحوذ على‬ ‫اهتمام المتلقي‪ ،‬ومشاركته للغرض الشّ عري‬ ‫فتنساب إليه المعاني واألف��ك��ار؛ وه��ذا ما‬ ‫هدف إليه ديك الجنّ الحمصيّ ‪ .‬إذ ليلمس‬ ‫المتلقي لشعره االه��ت��م��ام بهذه الظاهرة‬ ‫األسلوبيّة‪ ،‬التي شحنت قصائده تماسكاً‪،‬‬ ‫وكثّفت البنية الدّالليّة من خالل حضوره‬ ‫على مستويات عده وفي أشكال متنوعة‪،‬‬ ‫تعكس وعيه بهذه اآللية األسلوبيّة‪ ،‬وحرصه‬ ‫ال��شّ ��دي��د على ظهورها للتعبير ع��ن شدة‬ ‫ح��زن��ه‪ ،‬وتقطع نفسه ح��س��رات عند ذك��ره‬ ‫زوجه‪ ،‬صفية نفسه‪ ،‬وحليلة قلبه‪.‬‬

‫وحرف الالم أسناني لثوي‪ ،‬وممّا أضفى‬ ‫��ص الشّ عري ع��دم استقراره‬ ‫على ه��ذا ال�� ّن ّ‬ ‫واهتزازه وتكراره نقرات إيقاعيّة متناسقة‪،‬‬ ‫حتّى يشيع لمسات مأساويّة حزينة‪ ،‬يفرغها‬ ‫وب��ع��د‪ ،‬إنَّ مسألة المرثية الممزوجة‬ ‫إيقاع ح��رف‪( :‬ال�ل�ام) ويشحنها بعد ذلك باأللم والعذاب‪ ،‬ورغ��م ما فيها من قساوة‬ ‫بشكل يصحبه دهشة وتفاجئ الشّ اعر‪ ،‬دالليّة في الظاهرة إ َّال أنّها مليئة بالحركة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫* ديك الجنّ ‪ ،‬هو عبدالسّ الم بن رغبان (‪ 161‬هـ ‪ 335 -‬هـ)‪ ،‬وغلب عليه لقب (ديك الجن) ألسباب عديدة منها‪:‬‬ ‫ ‪1‬ـ عادته في الخروج إلى البساتين فشبه بديك الجن‪ ،‬وديك الجن هو دويبة‪( :‬تصغير لـ دابة) توجد في‬ ‫البساتين‪.‬‬ ‫ ‪ .2‬كانت عيناه خضراوين‪ ،‬فلقب بديك الجن‪.‬‬ ‫ ‪ .3‬ألنه ذكر الديك في شعره‪.‬‬ ‫ وما وصلنا من مغامراته‪ ،‬وسيرته الذاتية‪ ،‬تصفه معتكفاً على القصف واللهو‪ ،‬متالفاً لما ورث عن آبائه‪،‬‬ ‫وهو شاعر مجيد‪ ،‬يذهب مذهب (أبي تمّام) والشّ اميين‪ ،‬استنفذ شعره في مراثي زوجة له‪ ،‬لالستزادة‬ ‫ينظر‪ :‬األغاني‪ ،‬دار الكتب المصريّة (‪ ،)15 /14‬وينظر‪ :‬العمدة ج ‪ /2‬ص ‪.149‬‬ ‫** كاتب وناقد وأكاديمي من األردن ‪ -‬الجامعة الهاشمية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬األسعد‪ ،‬عمر‪ :‬رثاء الزوجة في شعر عزيز أباضة‪ ،‬مجلّة مؤتة للبحوث والدراسات‪ ،‬مجلد ‪ ،7‬عدد ‪،1‬‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬ص‪.163‬‬ ‫(‪ )2‬إسماعيل‪ ،‬عبدالرحمن‪ :‬رثاء الزوجات في العصرين األموي والعبّاسي‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬ ‫الرياض‪1418 ،‬هــ‪ ،‬ص‪.54‬‬ ‫(‪ )3‬عبدالمطلب‪ ،‬محمّد‪ :‬بناء األسلوب في شعر الحداثة؛ التكوين البديعي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪.390‬‬ ‫(‪ )4‬الحمصيّ ‪ ،‬دي��ك الجنّ ‪ :‬ال��دي��وان‪ ،‬تحقيق أحمد مطلوب‪ ،‬وعبداهلل الجبوري‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1964‬م‪،‬ص‪.87‬‬ ‫(‪ )5‬الديوان‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫(‪ )6‬كميت‪ ،‬إبراهيم شيخان‪ :‬ق��راءة في نص لديك الجنّ ‪ ،‬مجلة اللّغة العربيّة وآداب��ه��ا‪ ،‬جامعة الكوفة‪،‬‬ ‫المجلد‪،1‬عدد ‪2009 ،8‬م‪ ،‬ص ‪.374‬‬ ‫(‪ )7‬الغرفي‪ ،‬حسين‪ :‬حركية اإليقاع في الشّ عر العربي المعاصر‪ ،‬إفريقيا الشّ رق‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪2001 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪.82‬‬ ‫(‪ )8‬عاشور‪ ،‬فهد ناصر‪ :‬التكرار في شعر محمود درويش‪ ،‬دار الفارس للنشر والتّوزيع‪ ،‬عمّان‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫(‪ )9‬الديوان‪ ،‬ص‪.96‬‬ ‫(‪ )10‬محمّد‪ ،‬أحمد علي‪ :‬التكرار وعالمات األسلوب في قصيدة‪( :‬نشيد الحياة) للشابي؛ دراسة أسلوبيّة‬ ‫إحصائية‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬المجلد ‪ ،26‬العددين األوّل والثاني‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫(‪ )11‬الديوان‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫(‪ )12‬فضل‪ ،‬صالح‪ :‬علم األسلوب؛ مبادئه وإجراءاته‪ ،‬الهيئة المصريّة العامّة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1985 ،‬م‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫ص‪.27‬‬ ‫(‪ )13‬ويليك‪ ،‬رنيه‪ :‬نظريّة األدب‪ ،‬ترجمة محي الدين صبحي‪ ،‬مراجعة حسام الدين الخطيب‪ ،‬المؤسسة‬ ‫العربيّة للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪1985 ،3‬م‪ ،‬ص‪.165‬‬ ‫(‪ )14‬الديوان‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫(‪ )15‬الديوان‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫(‪ )16‬بوراوي‪ ،‬مليكة‪ :‬بالغة التكرار في مراثي الخنساء‪ ،‬مجلّة العلوم اإلنسانيّة‪ ،‬جامعة محمّد خيضر‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬مارس‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫(‪ )17‬الديوان‪ ،‬ص‪.87‬‬ ‫(‪ )18‬بالغة التكرار في مراثي الخنساء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫(‪ )19‬تاوريريت‪ ،‬نبيلة‪ :‬حداثة التكرار وداللته في القصائد الممنوعة لنزار قباني‪ ،‬مجلّة علوم اللّغة العربيّة‬ ‫وآدابها‪ ،‬جامعة الوادي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد الرابع‪2012 ،‬م‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫واإليقاع الذي يتأتى من آلية التكرار المفعم المشاركة العاطفية‪ ،‬واألسى والتأسي عند‬ ‫باألحاسيس الماتعة‪ ،‬واللّذة القائمة وراء الشّ اعر‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫النص والهندسة‬

‫رؤية انطباعية في كتاب‬ ‫«المتخيل والملفوظ في هندسة النص األدبي»‬ ‫للناقد والقاص جبريل سبعي‬ ‫املصبح*‬ ‫‪ρρ‬فهد‬ ‫ّ‬ ‫تقوم العملية اإلبداعية على الكاتب والمتلقي والناقد‪ ،‬كثالثي يقتضيه النص األدب��ي المعاصر في‬ ‫صياغته الحديثة‪ ،‬وب�ق��راءة متأنية لكتاب «المتخيل والملفوظ» تظهر لنا دراس��ة تـنضح ج��دة وحيوية‪،‬‬ ‫موجهة بالدرجة األولى إلى القارئ لرفعه في سلم التلقي للمشاركة الفاعلة في خلق نص جديد كما كان‬ ‫يأمل الشاعر علي الدميني في مشروعه «النص الجديد»‪ .‬وكم نحتاج لمثل هذا من نقادنا بأن يرتقوا بنا‬ ‫كمتلقين‪ ..‬وليس بالعمل وحده‪ ،‬وهو مطلب عسير إن نجا من الشللية المقيتة التي آمل أن ال أقع فيها‪ ،‬إذ ال‬ ‫أخفيكم أنه تربطني بالكاتب عالقة حميمة رغم ما اعتراها من اختالف حول النقد‪ ،‬لم ولن يفسد لنا قضية‬ ‫بحول اهلل تعالى‪ ،‬في زمن نحتاج فيه وبشدة إلى الهندسة في كل شيء‪ ،‬فالكون برمته قائم على هندسة‬ ‫محكمة من لدن حكيم خبير‪ ،‬وأحسب أن نقاط ًا كثيرة وجدتها متحققة في هذا الكتيب الصغير والثري‬ ‫في آن‪ ،‬والمطبوع في دار العبيكان في بضع وستين صفحة من القطع الصغير‪ ،‬تزينه لوحة غالف سريالية‬ ‫الخلقة إ ّال من الرأس الذي‬ ‫صممها إبراهيم جبران المفعم هندسة‪ ،‬فجاءت آية في اإلبداع لشخوص كاملة ِ‬ ‫لعب عليه السبعي بحذق هادئ ومخاتل لم يخلُ من التسرع‪ ،‬وال أدري بالتحديد هل هو تواطؤ مسبق أم‬ ‫عفوي بين الكاتب ومصمم الغالف؟ أن يجلس هؤالء البشر منصتين وكأنهم في حالة تلقي‪ ،‬مثلما يحدث‬ ‫لنا في فعالياتنا األدبية‪ ،‬وقد نال التباعد بين الشخوص‪ ،‬وفعل الظالل فعلة الفانتازي في أرضية لوحة‬ ‫متلق قد ال يعرف عن المتحدث شيئاً‪ ،‬فقط جاء وجاهة أو لتغطية إعالمية‬ ‫تنطق صدق ًا وربما سخرية من ٍ‬ ‫أو نحو ذلك؛ لذا‪ ،‬أقول إن السبعي جبريل نجح أو ًال في اصطياد الفكرة‪ ،‬وجسدها سهلة في كتابه الصغير‪،‬‬ ‫مقرر ًا بأن النصوص تتم بدء ًا في الالوعي‪ ،‬ثم تنتقل في حال المراجعة إلى الوعي وهي فترة (انتقالية)‬ ‫يحتاج فيها النص إلى شيء من الهندسة؛ ومحدد ًا زمن ًا القتناص تلك اللحظة الوامضة‪ ،‬فنجده يقول في‬ ‫صفحة ‪( 41‬والنص المتخيل يتشكل بواسطة الخيال في منطقة الوجدان‪ ،‬ثم بعد ذلك يتم تخزينه في‬ ‫الذاكرة قصيرة المدى‪ ،‬حتى يحين موعد تفريغه في لغة تتطابق معه في كافة أنظمتها‪ ،‬ومستوياتها‪ ..‬أما‬ ‫إذا لم يسارع المبدع بنقل هذا المتخيل إلى حيز النص الملفوظ‪ ،‬فإنه ‪-‬أي المتخيل‪ -‬سرعان ما يتخلخل‪،‬‬ ‫ويخفت وهجه‪ ،‬حتى ال يصبح قادرا على اقتناص اللغة‪ ،‬المتطابقة معه)‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬

‫وكلمة الملفوظ م��ن ل��ف��ظ‪ ..‬وه��و إخ��راج‬ ‫ال��ك�لام م��ن ال��ف��م‪ ،‬وهنا يحق لنا ال��ق��ول بأن‬ ‫اإلب��داع ما هو إال تقيؤ على ال��ورق‪ ..‬فيه من‬ ‫العناء والمجاهدة الكثير‪ ،‬ليأتي النتاج سليماً‬ ‫من االعوجاج والتشوّه‪.‬‬ ‫ي��ق��ول ال��روائ��ي وال��ق��اص وال��ن��اق��د ناصر‬ ‫الجاسم‪ :‬إن األدب ليس علماً ي��درس‪ ،‬فما‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫مدى معقولية هذه المقولة في دراسة المتخيل‬ ‫والملفوظ؟ وهل الملفوظ يقتنص ويصطاد‬ ‫تماما كالفكرة؟ الكاتب هنا يحكم على دراسته‬ ‫ه��ذه بالتنظير‪ ،‬فمتى يأتي التطبيق؟ وهل‬ ‫سيكون من الكاتب نفسه أم من غيره؟ ولهذا‬ ‫كنت أتمنى أن يحتوي الكتاب على الجانبين‬ ‫التنظيري والتطبيقي على نصوص معروفة‬


‫إن ت��ق��دم المتخيل ع��ل��ى ال��م��ل��ف��وظ أم��ر‬ ‫طبيعي أو طبعي كما ق��رره الجرجاني في‬ ‫أسرار البالغة بأن «األلفاظ خدم المعاني»‪،‬‬ ‫إذ ي��ذك��ر ال��م��ؤل��ف ف��ي ص ‪( 45-44‬نشأت‬ ‫اللغة العربية نشأة فطرية‪ ،‬إذ اعتمد العربي‬ ‫ف��ي ال��ب��دء «ش��ع��وره ل�لاه��ت��داء إل��ى أص��وات‬ ‫حروفه واستخالص معانيها‪ ،‬استيحاء من‬ ‫العالم الخارجي‪ ،‬بروح فنية خالصة‪ ،‬ثم بعد‬ ‫أن هُ��دي إلى األص��وات ومعانيها» بقي على‬ ‫فطرته البدوية يتقمص األشياء واألح��داث‪،‬‬ ‫الستشفاف خصائصها الذاتية‪ ،‬ولينتقي بعد‬ ‫ذلك الحروف التي تتالءم إيحاءاتها الصوتية‬ ‫مع تلك الخصائص‪ ،‬ولكن وفق ترتيب معين‬ ‫يماثل تراكيب األشياء)‪ .‬انتهى كالمه‪ .‬الحظوا‬ ‫هنا أننا نتكلم عن لغتنا العربية وأصحابها‬ ‫األوائ��ل كعرب أقحاح تسود بينهم مقولة بما‬ ‫يشبه العرف‪ ..‬بأن «خادم القوم سيدهم» فمن‬ ‫هو السيد في اإلبداع؟ المتخيل أم الملفوظ؟‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ومشهورة عند المتلقي‪ ..‬وأحسبها لن تتجاوز‬ ‫الشعر‪.‬‬

‫بالتطبيقي‪ ..‬لتحوّلت إلى رسالة يستحق عليها‬ ‫رسالة علمية إن تبنتها جهة مسئولة فحصاً‬ ‫وتمحيصاً‪ ،‬دون األخ��ذ بعين االع��ت��ب��ار إلى‬ ‫مصدرها غربياً أم شرقياً‪ ،‬فعنوان الكتاب‬ ‫الذكي في جزئه الثاني يصب في مصلحة‬ ‫خلق النص‪ ،‬طارحاً منظومة رؤيوية للعملية‬ ‫اإلبداعية يشترك فيها ثالثي اإلبداع‪ ،‬فكاتبنا‬ ‫متلق‬ ‫السبعي يعي جيداً حاجة الفنون إل��ى ٍ‬ ‫فطن يبحث عن الرمز ويقرأ ما بين السطور‪.‬‬ ‫ينقلنا جبريل سبعي في كتابه إلى تعقيدات‬ ‫الهندسة‪ ،‬فيكثر من األسماء التي تميت في‬ ‫صدر المبدع نصه إن أره��ف لها حاسة من‬ ‫الحواس الخمس التي اشتغلت عليها الدراسة‪،‬‬ ‫فنجده في صفحة (‪ )40‬يقول‪( :‬وم��ن كل ما‬ ‫تقدم يمكننا تعريف «النص المتخيل» على‬ ‫أنه البنية العميقة لألثر الفني‪ ،‬أو هو الهيكل‬ ‫الهندسي‪ ،‬النفسي‪ ،‬الفني‪ ،‬المركب في عمقه‬ ‫جوهر األشياء‪ ،‬الحامل في ظاهره التناقضات‬ ‫وال��ف��وض��ى‪ ،‬وه���و ال��م��ع��م��ار ال��ج��دي��د ل��م��ادة‬ ‫التشكيل‪ ،‬الواقعة خارج نطاق اللغة والحواس‪،‬‬ ‫تلك المادة المفصحة في لحمتها التجريدية‬ ‫(ال��ج��وه��ر)‪ ،‬والعينية (األش��ي��اء) – ف��ي آن‪-‬‬ ‫عن تصرف العقل‪ ،‬في ترابطاتها الجديدة‪،‬‬ ‫وف��ي م��ا يشع عنها م��ن الفوضى الشكلية‪،‬‬ ‫ومن التماسك‪ ،‬واإليقاع‪ ،‬والوحدة‪ ،‬والنظام‪،‬‬ ‫والحيوية‪ ،‬على مستوى مضمون)‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫طبعا ليس من الممكن أن يدرس أح ٌد هذا‬ ‫الكتاب ثم يقول‪ :‬سأخلق نصاً أو أبدع شعراً‪،‬‬ ‫هذا بعيد االستحالة‪ ،‬لكنه يهدي إلى محاوالت‬ ‫تتلمس طريقها إليه إن فهمت الالوعيية التي‬ ‫أثارتها ال��دراس��ة بجدل ل��ن يكون األول وال‬ ‫األخ��ي��ر‪ ،‬وأرى أن الكاتب يبغي من دراسته‬ ‫ه��ذه تهيئة المتلقي قبيل مواجهته بالنقد‪،‬‬ ‫فهو يسعى بقدر طاقته إلى النهوض بالنص‬ ‫ومع هذا كله‪ ،‬تكشف لنا الدراسة عن ناقد‬ ‫والمتلقي‪.‬‬ ‫واع جداً لما يقول دون صراخ أو نرجسية‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫المتخيل وال��م��ل��ف��وظ دراس����ة ن��ق��دي��ة لو نملك إ ّال أن نثمّن له ه��ذا الجهد اتفقنا أم‬ ‫اشتغل عليها صاحبها أكثر‪ ،‬ومزج التنظيري اختلفنا معه‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪33‬‬


‫ماهر الرحيلي‬ ‫شاعر المدى والسكون والغياب‬ ‫‪ρρ‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد صالح الشنطي*‬

‫الكلمة الشاعرة في فضائها الرحيب تسبح سافرة بال‬ ‫قيود‪ ،‬تتمرد على كل األربعة ‪ -‬يختار عناوين دالة تجمع‬ ‫ينضد فيها آللئه‪ ،‬وهي آللئ‬ ‫بين القصائد في عقد نظيم ّ‬ ‫تتألق فيها شتى األلوان‪.‬‬ ‫حين حاولت قراءة هذه الدواوين بعين الدارس أعشت‬ ‫بصري بضوء تلوح على هدية أطياف تستعصي على رؤية‬ ‫تحاول استيقافها ومساءلتها؛ فهي كالظالل الهاربة ال تتلبّث وال تتريّث‪ ،‬في‬ ‫حراك دؤوب عبر محطات متعددة‪ ،‬ال تكاد تتوقف لتلتقط شيئا من أنفاسك في‬ ‫لهاثك الالغب‪ ،‬وعناوين دواوينه وقصائده توحي بذلك؛ فالديوان األول عنوانه‬ ‫يتخطاه ويتجاوزه إلى الديوان الثاني (ما بعد‬ ‫ّ‬ ‫(في سكون الليل) يتبعه ديوان آخر‬ ‫السكون)‪ ،‬وليس بعد السكون إال الحركة التي تمتد إلى أم��داء ال حدود لها في‬ ‫الديوان الثالث (م��داي)؛ ولكن المدى الذي انطلقت إليه القصيدة محلّقة في‬ ‫سمائها بال مستقر لها تفاجأ بما يزلزل الوعي‪ ،‬حيث كانت االرت��دادات عميقة‪،‬‬ ‫المست زمنا غاربا تحاول أن تستعيده‪ ،‬ف��رارًا من وجع اللحظة واشتعاالتها في‬ ‫ديوانه الرابع (ما تاله عليّ الغياب)‪ ..‬والغياب – هنا – غياب يتصل بالكينونة‬ ‫الخاصة ف��ي ج��ذوره��ا البكر‪ .‬زادت�ه��ا اللحظة التاريخية بخيباتها وانكساراتها‬ ‫تتلظى فيه نفس شاعر‪ ،‬لم يكن ليحتمل غيابا للرؤى الباصرة‪..‬‬ ‫ونكباتها شواظا ّ‬ ‫تضاف إلى غياب حميم أحدث شرخا روحيا هائال كما يظهر في قصائده‪.‬‬ ‫وال أظن أن بمقدوري أ ْن أفي الشاعر ال بد أن تكون موضوعا لدراسات أتوقع‬ ‫حقه‪ ،‬فدواوينه األربعة وقصائده التي أن تأتي تباعا في مستقبل قريب‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫ما تزال تتحدّر من ذات النبع الصافي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫من هنا‪ ،‬كانت كلماتي التي أكتبها‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ف��ي ه���ذا ال��م��ق��ام أق���رب إل���ى ال��وف��اء بحق التعرّف على التضاريس الرؤيوية المتأملة‬

‫شاعر أنك َر على نفسه حقها في أن تعلن التي يعكسها عنوان الديوان‪.‬‬ ‫عن نفسها تواضعا‪ ،‬في حين م��ارس الك ّل‬

‫وقصائد ال��دي��وان تتحرك في فضاءات‬

‫في ديوانه األول (في سكون الليل) الذي‬

‫للمثل العليا في تحققها التاريخي في‬

‫من حوله ممن تربّوا في محاضنه حقوقهم متعددة‪:‬‬ ‫في إشهار وجودهم من فوق المنابر المتاحة‬ ‫ فضاء روحي يستلهم المكان بما يحفل به‬‫في النوادي والجامعات والصحف؛ بينما كان‬ ‫من ألق‪ ،‬وينبعث منه من نور‪ ،‬ويحتشد به‬ ‫زاهدًا في ذلك كله‪.‬‬ ‫من ثراء إنساني‪ ،‬وما يستدعيه من نماذج‬ ‫يضم خمسا وسبعين قصيدة‪ ،‬طوّف الشاعر‬

‫العصور اإلسالمية الزاهية‪.‬‬

‫بمحطات متعددة‪ ،‬وكأنه يستكشف ذاته وما ‪ -‬ف��ض��اء ذات���ي‪ ،‬يعمد فيها ال��ش��اع��ر إلى‬ ‫حوله ومن حوله‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل يعمل‬ ‫التأمل الباطني فيجوس خالل األقبية‬ ‫على فهم طبيعة أداته والوعي بها ممثّلة في‬ ‫الشعور والحوار معه جوهرًا وأعراضا‪.‬‬

‫النفسية مسائال ذاته تارة‪ ،‬ومحاورًا لها‬ ‫تارة أخرى‪.‬‬

‫لعلي استطيع أن أق��ف عند ع��دد من ‪ -‬فضاء أُس��ري يحلق فيه‪ ،‬ينسج ما وقر‬

‫قصائده في هذا الديوان تلبي الرغبة في‬

‫ف��ي نفسه م��ن مشاعر وم��ا اكتنزه من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪35‬‬


‫أحاسيس‪ ،‬إذ تشير عناوين القصائد إلى وب�لا أدن��ى ري��ب‪ ..‬ف��إن ه��ذه اإلط�لال��ة تثير‬ ‫ذوي القربى القريبة ببيان ن��وع الصلة مكامن الوجد والعجاب واالنتماء والرفض‬ ‫حينا‪ ،‬وب��ذك��ر األس��م��اء األع�ل�ام أحيانا والتسليم‪ ،‬ففي مقابل سكون المشهد يفور‬

‫أخرى‪.‬‬

‫ال���وج���دان‪ ،‬وب��ال��ت��ال��ي ف��إن جدلية الحركة‬

‫ فضاء الوطن األم الذي يبدو مستهدفا والسكون هي قوام الرؤية في هذا الديوان‪،‬‬‫من قوى الشر محاولة زعزعة استقراره‪ ،‬ول��ذل��ك ال يبدو أن هناك تناقضا بين ما‬ ‫بوصفه رك��ن��ا ركينا ل�لأم��ة بمقدساته اجتهدت في استقرائه‪ ،‬وما يقوله الشاعر‬ ‫في صدر مقدمته‪:‬‬ ‫وثقافته وثرواته‪.‬‬

‫ فضاء التأمل للكون والحياة واإلنسان‬‫والزمان والمكان‪.‬‬

‫وهذه حقول واسعة يقرأ فيها الشاعر عالمه‬ ‫ال��خ��اص وال��ع��ام‪ ،‬وينفذ منه إل��ى أك��وان‬

‫تحتجب وراء سجف الغيب‪.‬‬

‫«في سكون الليل كانت هذه المشاعر التي‬ ‫لم تعرف السكون قط‪ ،‬إنها مشاعر اهتز لها‬ ‫قلبي‪ ،‬ووثب إليها فكري تعبر – وبكل صدق ‪-‬‬ ‫عني وحسبها أنها ترجمة صادقة للنفس»‪..‬‬ ‫في قصائد الديوان نزعة محافظة‪ ،‬وهي‬

‫لذا‪ ،‬نجد الشاعر يستشرف عوالم تنداح ظ��اه��رة طبيعية ف��ي أول دي���وان ل��ه‪ ،‬وعلى‬ ‫أمامه في سكينة؛ إذ تبدو العالئق مستقرة الرغم من هذه السمة المحافظة ثمة ميل‬

‫ثابتة يتبين موقعه منها‪ ،‬ويتموضع في إلى الخروج من أسر الصوت الغنائي الواحد‬ ‫سياقاتها‪ ،‬وينسجم مع أنساقها الثقافية؛ لذا المنغلق على ذاته‪ ،‬هناك روح شاعرة تجهد‬ ‫اختار الشكل العمودي الذي يمكنه من تثبيت ف��ي اخ��ت��راق الصدفة ال��ت��ي تقوقعت على‬ ‫اللوحة كما يراها في أنماطها الكائنة‪ ،‬دون قواعدها الثابتة‪ ،‬وهذا يتبدى في استثمار‬

‫متابعتها وهي تمضي في سيرورتها ماضية الحوار وتفعيل دينامياته في الحدود التي‬ ‫يسمح بها ال��م��وق��ف‪ ،‬ففي قصيدته (مع‬ ‫إلى غير مستقر‪.‬‬ ‫الهموم)‪:‬‬ ‫يقول الشاعر في المقدمة‪:‬‬

‫م � � ��ال � � ��ي أرى ع � �ي � �ن � �ي� ��ك ت � �غ� ��رف‬ ‫«ف��ي سكون الليل يسكن األل��م والمتعة‬ ‫م� � � � ��ن م � � �ح � � �ي� � ��ط ال� � � � �ه � � � ��م ب� � �ح � ��را‬

‫وال���ح���زن وال���س���رور واالن��ط��ب��اع التلقائي‬

‫وف � � � � � � � � � � � � ��ؤادك ال� � � � �ح � � � ��ان � � � ��ي ي � �ج� ��ر‬ ‫والتأمل»‪.‬‬ ‫م � � ��ن ال � � �ه � � �م� � ��وم ال � � �ص� � ��م ص � �خ� ��را‬ ‫ول��ع��ل ه���ذا م��ص��دا ٌق ل��م��ا ق��ل��ت م��ن أن��ه‬

‫‪36‬‬

‫إطاللة على عوالم الشاعر واستكشاف لها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫خطاب موجه إلى اآلخ��ر‪ ،‬وإذا كان مثل‬


‫القديم فيما عرف بظاهرة التجريد‪ ،‬فإنه ‪ -‬ل��م��واج��ه��ة ال��ح��اض��ر ال��ك��ئ��ي��ب‪ ،‬واستبصار‬ ‫هنا ‪ -‬ال يقتصر على مطلع القصيدة‪ ،‬وال المستقبل لنسيانه وانتظار اآلت���ي‪ ،‬وه��ذا‬ ‫يوجه إلى متخيّل‪ ،‬وإنما إلى ما هو متعين‪ ،‬التوظيف للتراتب الزمني ينقل التشكيل‬ ‫وه��و ليس م��ج��رد تقليد؛ ب��ل سمة بنائية م��ن ال��ت��ق��ري��ر إل���ى ال��ت��خ��ي��ي��ل‪ ،‬لينتهي إل��ى‬ ‫أساس تنهض عليها الحالة الشعرية برمتها‪ ،‬مشهد كلي‪ ..‬متخلصا من فتافيت الصورة‪،‬‬

‫وإذا كان الحوار ينهض على الصوت الواحد‪ ،‬وفسيفساء الخواطر التي تنتظم عبر تكرار‬ ‫فإن المخاطب المفترض يبدو حاضرًا في مفردة الفعل الطلبي (تذكر)‪ ،‬حيث االلتماس‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ه��ذا الخطاب مألوفا ف��ي الشعر العربي شعري‪ :‬استنهاض الماضي عبر الذكريات‬

‫وج���دان الشاعر‪ ،‬ويعطي للنفس الشعري الحنون‪ ،‬وتوحيد الزمن الماضي والمستقبل‬ ‫زخما غنائيا وعمقا وجدانيا‪ ،‬واستدعاء عبر هذه الفعل (الالزم) الذي يشبه ضربة‬ ‫ال��ش��اع��ر ل�ل�أص���وات األخ�����رى ال��ح��اض��رة القدم في الرقصة الدائرية بإيقاعها المرح‬ ‫للتخلص من حالة الكآبة‪.‬‬ ‫الغائبة‪ ،‬يظل يرهص بهذه (البولوفونية)‬ ‫ليس ه��ذا فحسب‪ ،‬وإنما تتضافر هذه‬ ‫التعددية‪ ،‬وإن كنّا ال نتوقع أن تتحول إلى‬

‫تعددية درامية‪ ،‬ولكننا نستشم مرحلة آتية الظاهرة مع النسق التعبيري ال��ذي تغلب‬ ‫تتبلور فيها األصوات المتكاثرة لتثري بنية عليه أساليب النداء واألم��ر؛ فالنداء جاء‬ ‫القصيدة‪ ،‬وتزج بها في طرائق تنعتق فيها ليشحن فعل التذكر بمد عاطفي داف��ئ؛‬

‫القصيدة من م��أزق الواحدية الغنائية في أما االستفهام فهو يحمل الداللة التقريرية‬ ‫التي تنقل الخبر من دائرة الواقع إلى دائرة‬ ‫الصوت؛ وإن كان ذلك بعد حين‪.‬‬ ‫الشعر‪ ،‬وتحول الحقيقة الواقعية إلى حقيقة‬ ‫إن سمة ال��ت��داع��ي ال��ت��ي تتوالد عبرها‬ ‫نفسية‪.‬‬ ‫الخواطر‪ ،‬ستتحول فيما بعد في القصيدة‬ ‫واستدعاء قصة بشر بن عوانة مع األسد‬ ‫ذات��ه��ا إل��ى ص��ور متخيلة‪ ،‬تدخل ف��ي إط��ار‬ ‫كان في سياق الوقائع عبر تداعي الذكريات‪،‬‬ ‫اللعبة الزمنية ال��ت��ي يستثمرها الشاعر‬ ‫ولم يأت موظّ فا توظيفا فنيا‪ ،‬ولكنه يرهص‬ ‫ل��ي��خ��لّ��ص ال��م��خ��اط��ب م��ن ب��راث��ن اللحظة‬ ‫بذلك ويبشر به‪.‬‬ ‫الكئيبة‪ ،‬مبشرا بلحظات سعيدة تتوالى‬ ‫كثير مما يمكن أن يقال في هذه القصيدة‬ ‫عبرها المشاهد؛ بعد توالي الذكريات التي‬ ‫تنثال عبر اللفظة المركزية (تذكر)‪ ،‬وكلها وف��ي غيرها من قصائد ال��دي��وان‪ ،‬وه��ي لم‬ ‫تستلهم الزمن الماضي ليسعف الشاعر في تكن أجمل ما فيه‪ ،‬ولكنني أرى أنها قادرة‬

‫الحاضر‪ ،‬فتأتي األزم��ان الثالثة في سياق على استكشاف روح ال��ش��اع��ر وإنسانيته‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪37‬‬


‫وصفاء وجدانه‪.‬‬

‫الشاعر رؤيته الشعرية في قصيدة (همس‬

‫وليس من قبيل الشح أو الضن بالوقت مع شعري)‪ ،‬وهي قصيدة تذكرني بالسجال‬ ‫أو الجهد أجدني مضطرا إلى االنتقال إلى الذي شجر بين محمد مندور وسيد قطب‬

‫الديوان الثاني؛ وإنما ألنني ح��ددت هدفا فيما ع��رف ب (معركة الشعر المهموس)‬ ‫واضحا لهذه المقالة يتمثل في التعريف الذي أنكره قطب وتبنى الدعوة إليه مندور‪،‬‬ ‫بنتاج الشاعر؛ أم��ا ال��دراس��ة المستفيضة ولعل القراءة األول��ى لهذه القصيدة تنقلنا‬

‫فتستلزم أطروحة علمية أو أكثر الستجالء إل���ى ت��ع��ري��ف��ات ال��روم��ان��س��ي��ي��ن ال��ع��رب من‬ ‫شعراء القرن الماضي‪ ،‬الذين رأوا أن الشعر‬ ‫أسرار الجمال الفني فيه‪.‬‬ ‫وجدان‪ ..‬كما فعل عبدالرحمن شكري حين‬ ‫أما الديوان الثاني (ما بعد السكون) فهو‬ ‫قال‪« :‬صاح إن الشعر وج��دان»‪ ،‬وجاء بعده‬ ‫يمثل نقلة فنية من جدل الحركة والسكون‬ ‫من وصف الشاعر في قوله‪:‬‬ ‫إلى الحركة الطليقة التي انعتقت من ربقة‬

‫هذا السكون‪ ،‬وانتقلت إلى مربع آخر‪ ،‬ربما ه �ب��ط األرض ك��ال �ش �ع��اع ال �س �ن��يّ‬ ‫ب� � �ع� � �ص � ��ا س � � ��اح � � ��ر ورؤي � � � � � � � ��ا ن � �ب� ��يّ‬ ‫كان المقتبس الذي أثبته على غالف الديوان‬

‫مع ّبرًا عن ذلك أصدق تعبير‪:‬‬

‫وه��ا ه��و ماهر الرحيلي يقول مخاطبا‬

‫«ال تسأليني أين غبت‬

‫شعره‪:‬‬

‫فإنني الزلت ال أدري»‬

‫ك��ن ل��ي ن��دي�م��ا إن ت�ب��اط��أ ظ��ل روح ��ي في‬

‫لقد انسحب من ضيق المناسبة المؤطرة السماء‬ ‫بحضورها االجتماعي‪ ،‬إلى رحابة الخاطرة و غاب بين غمامها يسري‬ ‫ال��ت��ي ت��ن��دف��ع م��ن ع��م��ق ال��ش��ع��ور م��ت��ج��اوزة و قد قال قبل ذلك‪:‬‬

‫السطح‪ ،‬فلم تعد القصيدة تحمل أفكارًا اخ � �ف� ��ض أن� �ي� �ن ��ك ال ت� �ك ��ن ك��ال �ـ �ـ �ـ �ـ‬ ‫ومعاني بالمعنى التقليدي ال��م��أل��وف؛ بل‬ ‫أصبحت رؤية في أرفع مستوياتها أو رؤيا‪.‬‬

‫ن� � � � � ��ار ف � � � ��ي أم� � � ��واج � � � �ه� � � ��ا ت� � �س � ��ري‬ ‫فهنا يتجلى الهمس وتتألق الروح ويالمس‬

‫الديوان يضم أربعة وخمسين عنوانا‪ ،‬لم الشاعر سقف الوجدانية في ذروتها؛ فلو‬ ‫تعد ذات داللة مباشرة محددة في مجملها؛ قارنا هذه الرؤية بما جاء في ديوانه األول‬ ‫بل كانت بعض هذه العناوين توحي بغموض في قصيدته (أن��ا والشعر) لوجدنا مفصل‬

‫‪38‬‬

‫ش��ف��ي��ف‪ ،‬وق��ل��ي��ل منها م��ب��اش��ر‪ ،‬وق���د بلور التطور واضحً ا إذ يقول‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ ‪-‬‬ ‫ك ��م ل�ي�ل��ة وب �ح ��ور ال �ف �ك��ر ت�غ�م��رن��ي‬ ‫وأن � ��ت ت��دن �ي �ن��ي م ��ن م��رف��أ ال �ص��ور ‪ -‬‬ ‫ ‬‫وشجوة ما وجدت الدمع يسعفني‬ ‫‪ -‬‬

‫حتى لمست لحونا منك في وتري‬

‫وك �ل �م��ة ط �م �س��ت وال� �ح ��ق غ��اي�ت�ه��ا‬ ‫وص��ارت أمنية في ج��وف محتضر‬

‫الموضوعات الوطنية والروحية‪.‬‬ ‫الرؤى الذاتية‪.‬‬ ‫الرؤى الكونية‪.‬‬ ‫الواقع المأساوي‪.‬‬ ‫ولست بصدد التمثيل الذي يبدو ميسورًا‬

‫ل��دى إل��ق��اء النظرة األول���ى على ال��دي��وان؛‬ ‫ولكن حسبيَ أن أشير إلى أن الرؤى الذاتية‬

‫ف�ك�ن��ت ن��اص��ره��ا م��ن ب�ع��د مظلمة‬ ‫و كنت مظهرها من خلف مستتر النقلة الفنية في شعر الشاعر وتحوله إلى‬ ‫والكونية هي مناط االهتمام؛ ألنها تمثل‬

‫واضح أن الفكرة تحتل مكانة مهمة في هذه منحى جمالي جديد‪ ،‬تمثلت – كما يتبدى‬ ‫الرؤية‪ ،‬فهو يدافع بشعره عن الحق؛ ولكنه لم للوهلة األولى – في غياب القصيدة العمودية‬ ‫يغفل عن الجانب الروحي والوجداني الذي إال قليال‪ ،‬وحضور قصيدة التفعيلة‪.‬‬ ‫كان ال بد من أن يأخذ مداه‪ ..‬لكي يستوي‬ ‫وليس من يشك في أن هناك تداخال بين‬ ‫في ضمير الشاعر كينونة متوهجة‪.‬‬ ‫الرؤى الذاتية والكونية‪ ،‬وهذه سمة رومانسية‬ ‫ولسوف يجد الباحث نفسه حائرا بين شديدة الوضوح‪ ،‬أما ال��رؤى الوطنية فإنها‬ ‫رده���ات القصائد ف��ي ال���دي���وان‪ ،‬إذا فكر تتقاطع مع الواقع المأساوي‪ ،‬ولكنها تظل‬ ‫في تحديد محاور واضحة المعالم يمكن واض��ح��ة ب��أف��ك��اره��ا‪ ..‬م��ع��ت��ادة ف��ي بعدها‬

‫تصنيفها س��وى محورين رئيسين‪ :‬التقليد الوجداني‪ ،‬ولم يكن ذلك بدعً ا لدى شعراء‬

‫وال��ت��ج��دي��د؛ ولكنني س��أغ��ام��ر ألج���د ه��ذه الرومانسية ال��ع��رب‪ ..‬كما هو الحال عند‬

‫المحاور‪.‬‬

‫علي محمود طه‪ ،‬ومحمود حسن إسماعيل‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪39‬‬


‫وإبراهيم ناجي‪ ،‬وإن اختلف المنحى وتباينت وإنما هي صور فنية تتراءى في مدن الباطن‬ ‫األساليب‪.‬‬ ‫وتجليات الروح‪.‬‬ ‫في قصيدة (تحت الماء) تتبدى الذات‬ ‫الشاعرة في فرارها من اآلخرين الذين هم‬ ‫الجحيم كما يقول (سارتر)‪ ،‬فكان أن التجأ‬ ‫إلى ظواهر الكون فاتحد بها‪ ،‬وفني فيها‪،‬‬ ‫وتشكلت الصورة الفنية على نحو جديد‪،‬‬ ‫بعيدًا عن األن��س��اق التقليدية التي تتبدى‬ ‫بها الصورة‪ ..‬التماثل والتكامل‪ ،‬والجزئية‬ ‫والكلية‪ ،‬والبيانية والواقعية‪ .‬إنها الصورة‬ ‫التي تنمو وال تتراكم‪ ،‬وتنبثق من أقبية الداخل‬ ‫ال‬ ‫ومدن الخيال‪ ،‬والثنائية التي كانت مدخ ً‬ ‫لهذا التشكل وهي األصل‪ :‬الذات والكون في‬ ‫مقابل الذات واآلخ��ر‪ ،‬حيث ينشدان النقاء‬ ‫والصفاء‪ ،‬هي التي تنجب هذه السلسلة التي‬ ‫تناسلت عبرها الثنائيات األخ��رى‪ :‬الفضاء‬ ‫والقاع‪ ،‬فثمة مهامسة أو حوار مع الفضاء‬ ‫من تحت الماء‪ ،‬وثمة لقاء حميم مع األعماق‬ ‫ليعانق النقاء‪ ،‬والسطح وال��ج��وف‪ ،‬الشعاع‬ ‫األزرق وأوردة السماء‪ ،‬والجسم وال���روح‪،‬‬ ‫والفناء والبقاء‪ ،‬واللقاء والفراق‪.‬‬

‫ه��ذه ال��ص��ورة الفنية ال��ت��ي تتشكّل في‬ ‫مشهد كلي‪ ..‬تتكامل فيه عناصر الصوت‬ ‫والحركة والضوء‪ ،‬ليست إال معادال وجدانيا‬ ‫ال تربطها أي رواب��ط إدراك��ي��ة مع تعيّناتها‬ ‫الحسية‪ ،‬فالشاعر يتوق إلى الفرار من اآلخر‬ ‫(الجحيم)؛ يخلو إلى نفسه‪ ..‬يحاور الكون‬ ‫في بكارته وبراءته وينشد الخالص‪:‬‬

‫وبقيت تحت الماء‬ ‫ال شيء يرصدني هنالك أو هنا‬ ‫إال جسورا من نقاء‬ ‫الشاعر يكرر (أنا ههنا) و(هنالك أو هنا)‪،‬‬ ‫ثنائية مكانية تحدد موقع الذات في خياراتها‬ ‫بين اآلخر البشر‪ ..‬والطبيعة الكون‪ ،‬العودة‬ ‫إلى المنبع األول في بكارته وأصالته؛ وما من‬ ‫شك في أن هذا دأب الرومانسيين في توقهم‬ ‫األزلي إلى النقاء‪ ،‬وهي مرحلة تاريخية في‬ ‫حياة المجتمعات‪ ،‬كما هي مرحلة في حياة‬ ‫األفراد‪.‬‬ ‫وإذا كنت قد اقتصرت على هذه الوقفة‬ ‫اليسيرة عند قصيدة من قصائد الديوان‬ ‫ف�لأن ال��م��ج��ال ال يتسع للمزيد ف��ي إط��ار‬ ‫الحدود التي وضعتها لهذه المقالة‪.‬‬

‫هذه الثنائيات ال تقوم على نسق هندسي‬ ‫ي��م��ك��ن إدراك�����ه ف��ي ه���ذا اإلط����ار الحسي‬ ‫البصري‪ ،‬الصورة ‪ -‬هنا ‪ -‬تتشكل بمعزل عن‬ ‫المدركات الحسية‪ ،‬وإنما في عوالم النفس‬ ‫أما الديوانان األخيران فلعلي أتمكن من‬ ‫وردهات الروح؛ فليس ثمة ماء يختبئ تحته‬ ‫الشاعر‪ ،‬وال فضاء يتهامس معه‪ ،‬وال أعماق الوقوف عندهما في مقالة أخرى فيما بعد‬ ‫يبحث فيها عن النقاء‪ ،‬وال ج��دار للبقاء؛ إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫ * كاتب وأكاديمي أردني مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫مهدي المطوع‬ ‫يتلوى في ممحاة‬ ‫قلق ّ‬ ‫‪ρρ‬محمد خضر*‬

‫من فضاءات ال تفصح بسهولة عن أسرارها‪ ،‬وال تسلم مفاتيحها سوى لذهنية‬ ‫مسترخ‪ ،‬يكتب مهدي المطوع‬ ‫ٍ‬ ‫جاهزة للدخول في آفاق مغايرة‪ ،‬ومغامرة‪ ،‬وقارئ غير‬ ‫قصائده دون ذاك��رة سابقة‪ ،‬بل يمضي إلى تجربته والتصاقها بالذاتي واليومي‬ ‫والمعيش‪ ،‬والذي ينطوي على الكثير من فلسفته في الحياة في مزيج مع مسراته‬ ‫وأوجاعه‪ ..‬وضمن حسابات خاصة‪ ،‬يبحث عن الشعر في أمكنته الجديدة‪ ،‬ويختار‬ ‫له عبارته المنحوتة تمام ًا لتشبه شيئا ال يمكن تكراره عن صورة دقيقة تختزل‬ ‫هواجسه وأسئلته‪ ،‬الصورة المفاجئة والمباغته‪ ..‬والتي تُعيدك لتأمل النص من‬ ‫جديد‪ ..‬لتكتشفه أكثر من مرة وهو يدعوك لمشاركته لذة النص وألمه في آن‪..‬‬ ‫ه���ذا المقطع م��ن ن��ص «أذن واس��ع��ة‬ ‫كسطح دون مالبس ت��رف��رف وإزع��اج‬ ‫طيور» هذا العنوان‪/‬النص‪ ،‬حيث األذن‬ ‫الواسعة في فضاء فسيح تقابلها الطيور‬ ‫بأصواتها المزعجة‪ ،‬وال��ت��ي تسربت‬ ‫أنواعها إلى النص وهو يقول‪:‬‬

‫(ب���دأت أتسلى بالخياالت البعيدة‬ ‫للذي تحول لحاجز‪ ،‬إذ بعد االرتطام‪..‬‬ ‫قيل وجدوه يبتسم بطريقة غريبة على‬ ‫اإلسفلت‪ ،‬ربما تحوّل لقنفذ في ركبة‬ ‫تدعي ألزهايمر أو منديل خلف الكنبة‪،‬‬ ‫اآلن بحنق مراهق محبوس في القبو‪..‬‬ ‫أرتعش وأستدعي المرض الذي قصد‬ ‫«اآلن أنزلق كفانوس يسقط ويرتفع‬ ‫سائق المدرسة نكاية برحلة األبناء)‪ .‬ب��ه��دوء خ��ف��اش‪ .»..‬ولربما طائر آخر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪41‬‬


‫كالقبعة التي تفترس الشعيرات بندم‪ .‬هذه‬ ‫الصورة المكتملة في العنوان‪ ،‬جزء من النص‬ ‫ال يمكن التخلي عنها‪ ..‬فليست مجرد عنوان‬ ‫يلزم الشاعر بوضعه‪.‬‬ ‫سريالية مهدي المطوع في هذا النص‬ ‫قادمة من فضاء خاص يتالشى فيه لمرات‪،‬‬ ‫ويعود به إلى الطريق ليجد ما تبقى منه‪..‬‬ ‫قد يعثر على قدميه فقط‪ ،‬أو عينيه وهما‬ ‫مصرتان على المضي نحو تمكين الكتابة من‬ ‫القبض على لحظته المدهشة‪ ،‬كأنما نحن‬ ‫أمام لوحة لدالي بأبعاد عديدة‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫(وال أعرف لم عدت لتكرار محاولة النظر‬ ‫للبائع المتشنج‪ .‬إذ أحسب أن��ي تالشيت‬ ‫لمرات معدودة مؤخرا)‪.‬‬ ‫ثم‪ ..‬وألن الحزن والموت أشاع بالغته في‬ ‫لعبتي الضوء والعتمة‪ ،‬والشتات والطريق‪،‬‬ ‫وال��م��ح��اول��ة وال��ت��ه��ش��م ال��ب��ط��يء‪ ،‬يتسلى‬ ‫بالخياالت البعيدة باحثاً عن ع��زاء لذلك‬ ‫ال��ذي (قيل وج��دوه يبتسم بطريقة غريبة‬ ‫على اإلسفلت)‪ .‬يذهب مهدي إلى احتشاد‬ ‫النص بأكثر من صورة‪ ،‬وكأنما بين الذاكرة‬ ‫والنسيان تشويشا يريده أن ينسكب كالقالب‬ ‫من الصدر‪ ،‬بكل ما فيه من تراكم وتركيب‬ ‫معقد وهو يتساءل بدهشة (هذه التعرجات‬ ‫من أين؟) في نص يحمل هذه العبارة عنواناً‪،‬‬ ‫ومنه نحو حيرة تستحوذ عليه وال تترك بين‬ ‫يديه سوى فتات النوافذ التي قد تجيء بهواء‬ ‫قليل‪ .‬وكما يقول بألم في نص‪« :‬يشبه جريمة‬ ‫بال طباشير»‪:‬‬

‫‪42‬‬

‫لغة مهدي المطوع السهلة مع تلك الصورة‬ ‫السريالية الممتزجة بخيال المفارقات‬ ‫واالستعارات‪ ،‬هي طريقته في الوصول إلى‬ ‫المعنى الذي ال يشف بما هو متوقع‪ ،‬وإنما‬ ‫بقدرتنا على قراءته بإنصات أعمق‪ .‬وكأنما‬ ‫يفصح عن هذا في دعوة لتلمس هذا النص‬ ‫بعيداً عن عين المعتاد‪ ،‬والسائد‪ ،‬والمنتظر‪،‬‬ ‫والرتيب‪ ،‬وإنما مع ق��ارئ النمَطي‪ ..‬يقرأ‬ ‫بذهن نشيط وجاهز‪ ،‬وحاسة جديدة وغير‬ ‫مسترخية ومستعدة على ال���دوام للقراءة‬ ‫خ���ارج ال��ذاك��رة ال��م��ك��رس لها ف��ي وج��دان��ه‬ ‫ومسلماته الفنيّة‪ .‬لذا من المهم أن نكون أكثر‬ ‫خفة ونحن مع نص ال يقدم رهانات جمالية‬ ‫معتادة‪ ،‬وال يقبل س��وى باإلضافة على كل‬ ‫«ألجرب إذاً الغوص بين الحكاية وبابها‪ ،‬شيء‪ ،‬شريطة أن نكون على استعداد لحذف‬ ‫البيانات السابقة والبدء من درجة الصفر‪.‬‬ ‫لعل عاصفة تريد رفيقاً للدرب»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫وعلى مستوى فني واح��د يجمع مهدي‬ ‫نصوصه حيث ال تباين في شكل التكنيك‬ ‫الذي يستخدمه‪ ،‬وال مسافة أو فراغا شكليا‬ ‫بين النصوص‪ ،‬وكأنما نقرأ نصا واحدا من‬ ‫هذه الناحية‪..‬‬

‫النص ال يبدأ من الشعور األولي للرغبة‬ ‫في كتابة نص‪ ،‬وال من انتظار غيمة اإللهام‪،‬‬ ‫ولعبة الموهبة المجردة‪ ،‬وإغراء لقب الشاعر‪،‬‬ ‫بل من لحظة الرؤية والشغف بالذهاب إلى‬ ‫الدهشة الملتصقة بالحياة بكل انكساراتها‬ ‫وهزائمها وحزنها وتأملها الحاد‪..‬‬ ‫وال��ن��ص ال يعتني ك��ث��ي��راً بتصفيف ما‬ ‫يجعله منطقياً ومدرسياً‪ ،‬بل يبتكر جملته‬ ‫في نهايتها وبدايتها‪ ..‬ال يبحث عن رابطة‬ ‫مباشرة بين عبارة وأخرى‪ ،‬بل عن الكيفية‬ ‫في كتابة عبارة توسع هذا االمتداد أكثر‪.‬‬ ‫لذا لن نقرأ ونحن نحدق في السطور فقط‪،‬‬ ‫ب��ل سنقرأ ون��ح��ن ف��ي ب��ان��ورام��ا‪ ..‬أحياناً‬ ‫مشوشة‪ ،‬وأحيانا منضبطة بإيقاع معنىً‬ ‫جديد مع رأس كل عبارة باحثة في كل هذا‬ ‫ٍ‬ ‫عن مفارقاتها وعنوانها الذي يرتسم أمامنا‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫في شكل تداعيات وجودية‪ ..‬ومدلول فلسفي‬ ‫حسيّ وبصريّ ‪ ،‬دون أن يكون ذلك المدلول‬ ‫مباشراً‪ ،‬بل هو ما يؤدي إلى مزيد من أفق‬ ‫النص وانفتاحه على ذلك المعنى‪..‬‬

‫يتجاوز ال��ع��ب��ارة ال��ج��اه��زة أو المتتالية‬ ‫المنطقية المتوقعة إلى االنزياح‪ ،‬مرة نحو‬ ‫تقنية السرد‪ ،‬وأخرى في مزيج مع التشويش‬ ‫والمجانية واالنتقال المفاجئ من البصري‬ ‫إل��ى الحسي‪ ،‬وم��ن ال��ع��ب��ارة ال��م��أخ��وذة من‬ ‫عالمه المعاش إل��ى ال��ص��ورة ذات األخيلة‬ ‫والكوالج الفانتازي في لوحات نصوصه التي‬ ‫تسائل الحياة وموجوداتها وأحزانها الكبيرة‪،‬‬ ‫لكن من محيطه القريب‪ ..‬ومما يلتقط ُه في‬ ‫أولئك العابرين في مواتهم وحيواتهم وغرقهم‬ ‫ولوحة غيابهم‪.‬‬ ‫كمؤد‬ ‫ٍ‬ ‫ال يكتب مهدي النص ككاهن‪ ،‬وال‬ ‫لغوي ماهر‪ ،‬وال كشاعر يريد أن يقول لنا‬ ‫في كل سطر كم هو شاعر مجيد ومطيع‬ ‫للدرس‪..‬‬ ‫ب��ل يكتبه ب��ع��د ال��ص��ق��ي��ع‪ ،‬ب��ع��د إظ��ف��ره‬ ‫ال��م��ن��زوع‪ ،‬ب��ع��د خ��اط��ر م��ض��غ��وط؛ ساهياً‬ ‫كتلميذ‪ ،‬وبقلق يتلوى في ممحاة‪ ،‬كما هو‬ ‫عنوان أحد نصوصه‪..‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪43‬‬


‫شعرية االختزال‬ ‫في «شجر هارب في الخرائط» إلبراهيم زولي‬ ‫‪ρρ‬هشام بنشاوي*‬

‫استهل الشاعر إبراهيم زولي‪ ،‬والذي يتفهرس ضمن جيل‬ ‫ش�ع��راء التسعينيات‪ ،‬ال��ذي��ن ق��دم��وا ف��ي نصوصهم ج��زءً ا من‬ ‫تحوالت المشهد الشعري اليوم في الخليج‪ ،‬دي��وان��ه «شجر‬ ‫هارب في الخرائط»‪ ،‬والصادر عن الدار العربية للعلوم ونادي‬ ‫ج��ازان األدب��ي‪ ،‬بكلمات ألشهر رواد الفن ال�ش��ذري‪ :‬النفري‪،‬‬ ‫سيوران‪ ،‬ونيتشه‪ ،‬أضفت على عتبة االستهالل ميسمً ا صوفيًا‬ ‫م�ض�م� ً�خ��ا ب�ن�ك�ه��ةٍ ف�ل�س�ف�ي��ة‪ ،‬واألض �م��وم��ة ال�ش�ع��ري��ة اعتبرها‬ ‫زول��ي ش ��ذرات‪ ،‬وق��د ج��اءت بعد ع��دة إص ��دارات شعرية‪ ،‬نشرها بعد منتصف تسعينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وهي كالتالي‪« :‬رويدا باتجاه األرض»‪« ،‬أول الرؤيا»‪« ،‬األشياء تسقط في‬ ‫البنفسج»‪« ،‬تأخذه من يديه النهارات»‪« ،‬رجال يجوبون أعضاءنا»‪« ،‬قصائد ضالة‪ :‬كائنات‬ ‫تمارس شعيرة الفوضى»‪ ،‬و«م��ن جهة معتمة»‪ ،‬ويعتقد الشاعر إبراهيم زول��ي في ح��وارٍ‬ ‫له مع جريدة «العرب» اللندنية أن «تويتر أعاد للغة العربية بالغة اإليجاز»‪ ،‬التي تمتد‬ ‫بنسَ ٍب عريق مع قصائد الهايكو‪ ،‬وقصيدة النثر التي يمثل االختزال واالقتصاد اللغوي‬ ‫جماعها اللغوي‪ ،‬ولهذا انتصر في ديوانه «شجر هارب في الخرائط» للنص المختزل‪،‬‬ ‫مصطنع في الكلمات»‪ ،‬فضال عن كون‬ ‫ٍ‬ ‫بذخ‬ ‫لغوي أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ترف‬ ‫والذي يتقشف في مفرداته دون ٍ‬ ‫الفن الشذري يحضر في تراثنا العربي وفي مكوننا الديني‪ ،‬رغم أنه تم تناسيه‪ ،‬ولم تعد‬ ‫تطرق أبوابه‪ .‬فــ«االختزال هو مصباح الشعر العالي‪ .‬تخلت القصيدة عن ترفها المجازي‪،‬‬ ‫والموشى بالبديع والمحسنات‪ .‬النص خالل المرحلة الراهنة‬ ‫ّ‬ ‫وثوبها البالغي المزخرف‪،‬‬ ‫النص الجديد أدار‬ ‫ّ‬ ‫يحتفي باقتصاده اللغوي‪ ،‬وزهده في المفردات‪ ،‬ودقّ ته في العبارة‪.‬‬ ‫ظهره للخطاب عالي النبرة‪ .‬فزمن المالحم والشعارات ولّى دون رجعة»‪ ،‬لهذا «القصيدة‬ ‫ال تعرف الثرثرة»‪ ،‬كما جاء في إحدى شذرات الديوان‪.‬‬

‫وف��ي ه��ذا ال��دي��وان ابتكر إبراهيم‬ ‫زولي شعرية جديدة‪ ،‬واقترح ممكنات‬ ‫جمالية مغايرة؛ ففي مقطع «شجرة‬ ‫الليل‪ -‬مغزول بإبر الفقد والهزيمة»‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ي��رى ال��ش��اع��ر أن «ال��س��م��رة المفرطة‬ ‫ف��ي وج���وه الجنوبيين‪ ،‬ليست بسبب‬ ‫الشمس‪ /‬المسعورة ف��ي سماواتهم‪،‬‬ ‫إنها حزن شرس‪ ،‬يفترس قاماتهم منذ‪/‬‬


‫سأغامر باليقين‪ ،‬حتى ال تتكرّر المذبحة‪ /.‬ثم يلقون بوجهي بعيدا‪/،‬بعيدا في أقاصي‬ ‫ف��ي الليل‪ ،‬م��ا ال يشبه ال��ل��ي��ل!‪ /‬الخرائط الليل!!» (ص‪.)25‬‬ ‫شاخصة في حضرة العطش‪ - ،‬عطش ال‬ ‫وإنما كانت نصوصه مكاشفة صريحة‬ ‫مجاز به ‪ -‬والماء‪ /‬ال يهت ّز له جفن‪ ./‬في يترك فيها للقارئ حرية التأويل والقراءة‬ ‫ساعات الضحى‪ ،‬تتجمهر القصائد حول بحسب الواقع الذي ينمتي إليه‪:‬‬ ‫حصتها»‪( .‬ص ‪.)15‬‬ ‫ظاللك‪ ،‬في انتظار‪ّ /‬‬ ‫«ال أع��رف كيف يتوحّ ش ه��ذا الليل في‬ ‫وحسب تظهير موقع النيل والفرات فإن غيابك‪ !!/‬في زمن الفقد‪ ،‬ال سند للعاشقين‬ ‫«أه��م ما يميز أعمال زول��ي الشعرية تلك سوى مخيّلتهم!!» (ص‪.)27‬‬ ‫الزخرفة الذهنية‪ ،‬وصفًا ومضمونًا ومزاجً ا‪،‬‬ ‫ويتفرد بلغة فنية وإيقاع خلق منه الشاعر‬ ‫ٍ‬ ‫قصائده أشبه بلوحة تجريدية تغوص‬ ‫بعمق عالمه الخاص‪ ،‬فهو منحاز للفن وحده ويعتبره‬ ‫في معنى الوجود وسر الحياة»‪ .‬فلنقرأ مثال هو الخالد عما سواه‪ ،‬عبر «هوسه اليومي‬ ‫ما كتب في مقطع «شجرة المرأة‪ -‬أكثر فتنة بلغة بصرية أحيانا تلتقط تلك التفاصيل‬ ‫من الباطل»‪:‬‬ ‫برؤية تكثيفية ومن خالل شعرية سلسة ال‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ساعات والدتهم األولى‪( ».‬ص ‪ ،)13‬ويكشف ل��م تستخدم فيها لغة المجاز كما يحفل‬ ‫زولي عن طاقة لغوية متجددة‪ ،‬تمتزج بعذوبة غيره‪..‬‬ ‫تعبيرية‪ ،‬مقدما صورًا شعرية الفتة‪ ،‬كقوله‪:‬‬ ‫«في غيابك‪ ،‬يتحالف الحطّ ابون والقتلة‪،‬‬

‫«الذكريات‪ :‬الخراب الجميل الذي تحرسه تتكلف وال تعمق من التباسات المعنى»‪:‬‬ ‫ظ�ل�ال ال����روح بطريقة ت��ث��ي��ر‪ /‬الشفقة‪./‬‬ ‫«كيف تخرجين من حبر الخرافة‪ ،‬ومن‬ ‫الكآبة مفردة ناعسة‪ ،‬وبرد لئيم‪ ./‬المرأة‪ :‬نزيف الغياب‪ ،‬أكثر فتنة‪/‬من الباطل؟‪!/‬‬ ‫اللهاث المحموم‪ ،‬ال��ذي يط ّل من شرفات قلت ل��ك‪ :‬اهبطي ف��ي ظلمة روح���ي‪ ،‬دون‬ ‫الجحيم‪ ./‬في حجرته ينزع كل نياشينه‪ ،‬أن يخدش ذلك شيئا من‪/‬ألقك الفضيل‪./‬‬ ‫وألقابه‪ ،‬وشهاداته‪ ،‬ويبدأ في‪ /‬نشيج مرير ابتسامتها‪ ،‬طائر ن��ادر‪ ،‬يعبر الحدود دون‬ ‫كاألطفال‪./‬هذه المفردات‪ ،‬التي تقف في أخ��ت��ام وج���وازات!!‪/‬أري���دك ف��ي واق��ع��ي‪ ،‬ال‬ ‫طابور طويل أمامك‪ ،‬ك ّل صباح‪ /،‬تحلم أن جملة ف��ي ق��ص��ي��دة‪ ./‬ب��ات��ج��اه��ك‪ ،‬تتدافع‬ ‫تسمّينها فقط»‪(.‬ص‪.)28‬‬ ‫القصائد الشرّيرة‪ .‬وح��دي‪ ،‬وح��دي فقط‪،‬‬ ‫تعد قصائد زولي أنطولوجيا بالغة الثراء كنت‪ /‬شاهداً على الجريمة!!»(ص ‪.)32‬‬ ‫تتداخل فيها األساليب واألنواع‪ ،‬وتتقاطع مع‬ ‫تزخر شذرات إبراهيم زولي بــ«الكثير من‬ ‫مرجعيات الواقع الحسي األكثر جالء‪ ،‬عبرت تفاصيل العالم كما يبدو في القصيدة اليوم‪:‬‬ ‫عنه فردانية الشاعر وقدرته اإلبداعية التي أكثر التباسا‪...‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪45‬‬


‫قصائد تنتشي على تقنية المفارقة‪،‬‬ ‫تستعين من حقل س��ردي بأمشاج تقنيات‬ ‫متفردة تجسد مشهدية اللحظة المراوغة‪،‬‬ ‫ك��ي تخط ص���ورًا مليئة ب��ال��ده��ش��ة‪ ،‬تهتك‬ ‫المسكوت عنه»‪.‬‬ ‫ف����ي م���ق���ط���ع «ش����ج����رة ال���ق���ص���ي���دة ‪-‬‬ ‫مهرجان األل���م»‪ ،‬يعتبر زول���ي القصيدة‪/‬‬ ‫تلويحة الحطاب األخ��ي��رة في طريقه إلى‬ ‫شجر الكلمات‪ ،‬و«ال��ع��ق��اب الوحيد ال��ذي‬ ‫نستجديه»‪ ،‬كما أن كل كتابة جديدة‪ ،‬تفتح‬ ‫نافذة في العراء‪ ،‬وتصنع أرجوحة ألطفال‬ ‫القرى البعيدة‪ ،‬ألن الكتابة «شهوة نبيلة ضد‬ ‫المحو‪ ،‬وأولى المحاوالت لمناهضة التسلط‬ ‫والطغيان»‪ .‬و«القصيدة ليست في عزلة»‪،‬‬ ‫كما كتب إبراهيم زولي في مجلة «القافلة»‪،‬‬ ‫فليست ه��ذه «الخيبة األول���ى‪ ،‬أو النكسة‬ ‫األخيرة‪ ،‬أن يعلن بعض مثقفينا عن موت‬ ‫الشعر‪ ،‬ونشوء زمن الرواية‪ .‬هكذا دون أي‬ ‫منطق نقدي‪ ،‬أو رأي حصيف»‪ .‬والحديث‬ ‫عن موت الشعر‪ ،‬مجرد ضجة مفتعلة‪ ،‬ألن‬ ‫«تلك القرون الضاربة بصالبة في التاريخ‬ ‫من شعرنا العربي‪ ،‬ال يمكن لها أن تذهب‬ ‫أدراج ال��ري��اح»‪ ،‬والغريب أن ه��ذا التأبين‬ ‫المجاني ل��م يمنح الشعر إال م��زي��دا من‬ ‫الشرف والزهو»‪ ،‬ويحدث في عالم تسعى‬ ‫فيه الفنون إلى تداخل أجناسها‪ ،‬واإلف��ادة‬ ‫من كل األشكال اإلبداعية‪ ،‬سينما ومسرح‬ ‫وشعر ورواية‪ ،‬بغية خلق نص مفتوح ومنفتح‬ ‫على كل األنواع»‪.‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫في المقابل يؤكد زول��ي أن الشاعر «لم‬ ‫يعد يملك معنى ج��اه��زا‪ ،‬يسعى إليصاله‬ ‫لقرائه‪ ،‬وبالتالي لم يعد يغويه سؤال المتلقي‬ ‫في الذهنية التقليدية التي تريد منه أن‬ ‫يخرج تلك العصا السحرية‪ ،‬ليمنح اآلخرين‬ ‫معرفة يجهلونها م��ن قبل‪ .‬الشاعر ليس‬ ‫العب سيرك‪ ،‬وال مفسر أحالم‪ ،‬ذلك اإلرث‬ ‫ال��ذي نحمله عن الشاعر الحاوي «النبي»‬ ‫صار محض ذكرى‪ .‬ومع كل هذا‪ ،‬فالقصيدة‬ ‫ليست في عزلة عن عالمها‪ ،‬إنها مشتبكة‬ ‫معه‪ ،‬بكل سياقاته االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والسياسية‪ ،‬والشاعر يواجه هذا التحدي‬ ‫مدججا برؤية تمعن في نظرتها الجسورة‬ ‫للحياة‪ ،‬بعيون حادة‪ ،‬وأصابع ال ترتعش أوان‬ ‫الكتابة»‪.‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أسئلة الواقع والوجود في رواية‬ ‫«انفرادي محاولة لفهم ما ال يحدث»‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫«انفرادي‪ ..‬محاولة فهم ما ال يحدث» لمحمد المزيني‪،‬‬ ‫التي صدرت حديثا عن دار االنتشار العربي ببيروت‪ ،‬تحاول‬ ‫أن تطرح أسئلة ال��وج��ود والحرية من خ�لال س��رد محكم‪.‬‬ ‫إنها محاولة للفهم يستجلي فيها المزيني حكاية رياض‬ ‫الذي يبدأ السرد ببوحه المتأمل‪ ،‬لذاته والعالم؛ إذ يفتتح‬ ‫السرد بالحكي عن لحظة اإلف��راج عنه بعد سنوات سجن‬ ‫قضاها ال يعرف لماذا أُدخ��ل السجن‪ ،‬كما ال يعرف أيضا‬ ‫لماذا أُخرج منه! ويخاطب المتلقي في محاولة لنيل تعاطفه مع قصة مواجعه‬ ‫ومواجده‪ ،‬التي دفعت به إلى غياهب السجن‪ ،‬وأخرجته منه دون أن يفهم شيئا‪:‬‬ ‫«سأحدثكم عن أوراق غصت بسواد حبر مغموس بحالك زنازين باردة‪ ،‬عن جسد‬ ‫تلوّن ج��راء م�ح��اوالت إع��ادة تأهيل ال��روح الماكثة فيه‪ ،‬ستقرأون فاغري األف��واه‬ ‫تاريخ عذاب تجرعته بمباركة رسمية ومؤامرات خفيّة؛ كان ذلك يوم وضعت قدمي‬ ‫اليمنى على آخ��ر عتبة فاصلة بين األس��ر وال�ح��ري��ة‪ ،‬فألحقتها سريعا بقدمي‬ ‫اليسري كمتسابق مارثوني يصبو لنيل قصب السبق ولو بخطوة»‪.‬‬ ‫لكن هل الرواية تناقش فقط تاريخ المتلقي عنها؟‬ ‫هذا الرجل‪ ،‬وعالقته بالسلطة‪ ،‬فقط؟‬

‫في الحقيقة‪ ،‬الرواية تمازج ما بين‬

‫هل المؤلف مهموم فقط بسرد قصة اله ِّم الخاص وال��ه�� ِّم ال��ع��ام‪ ،‬تحاول أن‬ ‫ري���اض‪ ..‬ه��ذا ال��ذي س��وف يتضح من تقرأ تاريخ منطقة الخليج العربي من‬ ‫البناء السردي أنه مثقف‪ ،‬ولديه خطاب خالل وعي شخصيات الرواية بالتاريخ‬

‫ثقافي ورؤي���ة للعالم يسعى ألن يخبر واألدب والسياسة والمثاقفة‪ .‬إنها قراءة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪47‬‬


‫لحالة حالكة وشائكة عاشها ري��اض‪ ،‬ومن‬ ‫محوله من شخصيات لتصبح مدخال لقراءة‬ ‫تاريخ منطقة الخليج وما عاشته من أحداث؛‬ ‫فالرواية تتناول حقبة تاريخية مفصلية في‬ ‫تاريخ العرب بعامة والخليج بخاصة؛ إنها‬ ‫الفترة ال��ت��ي تعرضت لها منطقة الخليج‬ ‫العربي لتحوالت تاريخية كبرى‪ ،‬حين هاجم‬ ‫صدام حسين الكويت والسعودية‪ .‬فاإلطار‬ ‫الزمني لحكاية «ان��ف��رادي»‪ ،‬هي الفترة من‬ ‫‪ 1990‬وحتى ‪2003‬م‪« :‬ستظل هذه الحرب‬ ‫وح��م��ة س���وداء كبيرة ف��ي ت��اري��خ المنطقة‪،‬‬ ‫ستخيم على حياة الناس برائحتها الكبريتية‪،‬‬ ‫وأص��وات صفاراتها البشعة ألجيال قادمة‬ ‫ستتحمل ه��ذه األج��ي��ال التي لم تسهم في‬ ‫صنع الحدث تبعاتها‪ ،‬ستضاف إلى مآسي‬ ‫تاريخنا العربي‪ ،‬فالتاريخ هو المزار الشاسع‬ ‫ب�لا ح���دود‪ ،‬وال��ط��وط��م الكبير ال���ذي يبتلع‬ ‫وعينا ووجودنا‪ ،‬فتتشكل به إنسانيتنا ورؤيتنا‬ ‫لآلخر»‪.‬‬ ‫إن��ه يرصد آث��ار ه��ذه الحرب‪ ،‬ليس على‬ ‫المستوى القومي والعالمي فقط‪ ،‬بل على‬ ‫تفاصيل الحياة اليومية في السعودية‪ ،‬كيف‬ ‫تعايش الناس مع أصوات الصواريخ والتهديد‬ ‫الذي اقترب من حياتهم وأبنائهم‪« :‬كان القبو‬ ‫منزلنا وملجأنا من غيلة الحرب وصواريخ‬ ‫ص��دام المزنرة بمواد كيماوية‪ ،‬نرتقبها كل‬ ‫ليلة مع وحشة صفارات اإلنذار‪ ،‬لقد جلبنا‬ ‫ما يفيض عن حاجتنا لمدة سنة كاملة تحسبا‬ ‫الستمرار الحرب»‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫تبدأ الرواية بخروج البطل «ري��اض» من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫السجن‪ ،‬ليبدأ رحلة ب��وح��ه‪ ،‬فيتذكر زمن‬ ‫مكوثه في السجن‪ ،‬ثم اإلفراج عنه‪ ،‬ووصوله‬ ‫للدمام‪ ،‬واس��ت��دع��اءات ذاك��رت��ه عن عالقته‬ ‫بالكتابة وأس��ب��اب سجنه‪ ،‬والمعاناة التي‬ ‫قضاها في السجن‪ ،‬ثم يقرر أن يعود للكتابة‪،‬‬ ‫ويبدأ كتاباته باستدعاء الطفولة‪ ،‬والرجوع‬ ‫بالفالش باك إلى تاريخه الشخصي وعالقته‬ ‫بأمه وبمجتمعه‪ ،‬وتلك اللحظات المفصلية‬ ‫التي شكلت وعيه ب��ال��ذات ووعيه باآلخر‪:‬‬ ‫«تلك اللحظات المحفورة في رأسي كنقش‬ ‫تاريخي تستحق وح��ده��ا ال��ت��دوي��ن‪ ،‬لحظة‬ ‫تناهت إل��ى سمعي صلصلة مزاليج أب��واب‬ ‫السجن توصد خلفي بما يشبه انفجارا كونيا‪،‬‬ ‫وقتئذ فقط انتابني إحساس غريب كأني‬ ‫ول��دت من الموت‪ ،‬من العدم‪ ،‬وكأني جئت‬ ‫إلى هذه الدنيا بال هوية‪ ،‬تحمل رقما صغيرا‬ ‫لميالد مجهول بال أمومة يوم نوديت باسمي‬ ‫الحقيقي على غير العادة‪ .‬وأخبرت بإطالق‬ ‫سراحي‪ ،‬وقتئذ تشظت روحي‪ ،‬وكأني أقف‬


‫يحكي المزيني عبر ضمير األن��ا لحظات‬ ‫الحرمان التي عاشها ري��اض صغيرا‪ ،‬وتلك‬ ‫الحياة البائسة التي ألحقت الضرر بروحه‪،‬‬ ‫وكيف شكلت الصدفة الكثير م��ن محطات‬ ‫حياته‪ ،‬فكلما حاول اختيار طريق محدد منها‬ ‫عاندته الظروف وألجأته إلى الطريق الذي‬ ‫لم يرغب المضي فيه‪ ،‬ليستسلم أخيرا إلى‬ ‫تصاريف القدر التي طوحت به في السجن‬ ‫دون أن يرتكب فعال يستحق عليه الدخول إلى‬ ‫دهاليز السجن متنقال بين العنابر‪ ،‬حتى أفرج‬ ‫عنه وبدأ يعود لحياته ثانية‪« :‬إننا أبناء الصدفة‪،‬‬ ‫أنجبتنا طرقات الحياة‪ ،‬لنعاني فقط»‪.‬‬ ‫حاول الكاتب أن يسرد تأمالته في الحياة‪،‬‬ ‫وفي تلك التحوالت التاريخية التي مرت بها‬ ‫المنطقة‪ ،‬كما رصد حياة المجتمع السعودي‪،‬‬ ‫وال��ع�لاق��ة ب��ي��ن ال��ف��ن وال��س��ي��اس��ة‪ ،‬وكشف‬ ‫المسكوت عنه في الحياة الصحفية‪ ،‬حيث‬ ‫انضم رياض إلى فريق عمل صحفي‪ ،‬ليكشف‬ ‫تفاصيل هذا العالم‪ ،‬والعالقات السرية فيه‪.‬‬ ‫وك��أن ال��رواي��ة بمثابة شهادة سردية عن‬ ‫حقبة شديدة الخصوصية‪ ،‬متخذا من تيمة‬ ‫التوثيق واليوميات طريقة للسرد‪ .‬إن بطل‬ ‫الرواية يجسّ د شخصية المثقف الذي يحمل‬ ‫ه ّم الوطن‪ ،‬ويكون فاعال في مجتمعه‪ ،‬ويطرح‬ ‫أسئلة الوجود وأسئلة الواقع‪ ،‬وال ينزوي في‬ ‫داخله هربا من السجن أو التعذيب‪« :‬ليس‬ ‫كل ما تراه بعينيك هو الحقيقة الكاملة‪ ،‬بل‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫على مشهد لعوالم سوريالية غير مصدق ما‬ ‫سمعت‪ ،‬كانت تلك اللحظة بمثابة حدٍّ فاصل‬ ‫بين موت وحياة»‪.‬‬

‫ما تحمله داخلك هو جزء منها‪ .‬إنك ستخرج‬ ‫من هنا إلى سجن أكبر‪ ،‬فمدننا المحنطة‬ ‫هي الوجه اآلخر للسجن‪ ..‬لها وجه مخاتل‬ ‫وخبيث وغادر‪ ،‬لذلك عليك أن تكون فيها أي‬ ‫شيء عدا إنسانيتك‪ ،‬مرّن نفسك جيدا على‬ ‫العيش في عالمك الخاص‪ ،‬واحذر التورط‬ ‫مع مَن يشاركونك هذه التعاسة»‪.‬‬ ‫إن���ه ي���ق���اوم ع��ب��ر ال��ك��ت��اب��ة وع��ب��ر فضح‬ ‫المسكوت عنه في المجتمع‪ ،‬وخاصة مجتمع‬ ‫الصحفيين واإلع�لام��ي��ي��ن‪ ،‬وذل���ك النفاق‬ ‫والتزوير‪ ،‬كل شيء في مهنة الصحافة ينضح‬ ‫بعدم المهنية واألخالقية بداية من رئيس‬ ‫التحرير الذي يضع اسمه على مقاالت كتبها‬ ‫غيره‪ ،‬وانتهاء بالحفالت الخاصة التي تهدر‬ ‫فيها كل القيم‪.‬‬ ‫إن البطل ع��ان��ى الكثير م��ن ال��ع��ذاب��ات‬ ‫والكمد‪ ،‬وترك السجن بصمته على روحه‪،‬‬ ‫حتى كأنه يحمل الزنزانة داخله‪ ،‬ويستشعر‬ ‫قضبانها في كل ما يمر به‪ ،‬فال يستطيع أن‬ ‫يهرب منها حتى أنها تالحقه في كوابيسه‪،‬‬ ‫ويراها في الوجوه الشاحبة من حوله واألمكنة‬ ‫التي يعبرها‪ ،‬فال تعدو في عينيه سوى سجن‬ ‫كبير داخلها سجانون ومساجين‪ .‬وتصير‬ ‫الحرية حلما بعيد ال��م��ن��ال‪ ،‬وك��أن الكاتب‬ ‫يسقط معاناة شخصية ري��اض على معاناة‬ ‫اإلن��س��ان العربي ال��ذي عانى طويال بسبب‬ ‫حرب الخليج‪ ،‬ولن يبرأ منها سريعا‪ ،‬فحرب‬ ‫الخليج ت��رك��ت بصماتها على الشخصية‬ ‫العربية‪ ،‬وما نعانيه اليوم من ويالت إن هو‬ ‫إال إفراز لحرب الخليج التي كانت الخلفية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪49‬‬


‫السياسية والنفسية ألحداث الرواية‪.‬‬ ‫أجاد الكاتب استخدام العنوان‪ ،‬فالعنوان‬ ‫ج��زء مكمل ورئ��ي��س ألي ن��ص‪ ،‬فهو العتبة‬ ‫األولى لولوج عالم السرد‪ ،‬سواء كان العنوان‬ ‫الرئيس للرواية أو العناوين الداخلية‪ ،‬وقد‬ ‫وظفها الكاتب وأج��اد استخدامها‪ ،‬فانفراد‬ ‫الذات الساردة بعد انطالق الشرارة األولى‬ ‫لحرب الخليج ع��ام ‪1990‬م‪ ،‬كانت فرصة‬ ‫بالنسبة إليه ليتأمل ذاته‪ ،‬وليكتب هذا النص‪،‬‬ ‫كذلك أج��اد استخدام العناوين الداخلية‪،‬‬ ‫لتكون كاشفة لرؤية النص‪ ،‬ولتصبح العتبة‬ ‫الكاشفة لمحتوى فصول الرواية‪.‬‬ ‫ات��س��م ال��ب��ن��اء الفني ل��ل��رواي��ة ب��اإلح��ك��ام‪،‬‬ ‫فتوفرت ل��ه الحبكة ال��درام��ي��ة التي تجعل‬ ‫القارئ يواصل الرحيل مع السارد في هذه‬ ‫الرحلة التي بدأت منذ خروجه من السجن‪،‬‬ ‫وذهابه إلى بيت يمد له يد العون‪ ،‬ويطمأنه‬ ‫أن اإلنسانية ما تزال لها مكان وسط هذه‬ ‫الحلكة الدامسة وحتى نهاية النص‪« :‬تسللت‬ ‫إلى البيت الغاص بالنساء واألطفال والرجال‪،‬‬ ‫رجال ذوو مالمح عربية حادة‪ ،‬وأنوف شامخة‬ ‫وأعين تمتلئ باإلباء والشهامة‪ .‬ما إن رأوني‬ ‫حتى أخذوني بينهم‪ ،‬سمعت أحدهم يقول‬ ‫بصوت خفيض‪ :‬جاء هاربا من السجن‪ .‬ليت‬ ‫صوتي يقوى على الخروج ألصحح له وأدس‬ ‫في أذن��ه أن��ه قد أ ُطلق سراحي بال مبرر‪،‬‬ ‫بالطريقة التي قذفت بها داخل قضبانه بال‬ ‫مبرر‪ ،‬ومع هذا فأنا هارب من الحياة ومن‬ ‫* كاتبة وأكاديمية من مصر‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫جلدي أيضا‪ .‬عرفت فيما بعد أني في هجرة‬ ‫بادية‪ ،‬أخذوني بينهم كطفل تائه‪ ،‬أحضروا‬ ‫لي عشاء فاخرا مغموسا بالزيت وعامرا‬ ‫باللحم‪ ،‬وق��د أخذتهم عين الرحمة بهذا‬ ‫الجسد الهزيل»‪.‬‬ ‫استخدم الكاتب تقنية االس��ت��رج��اع مع‬ ‫ضمير األنا الذي يوحي بالسيرذاتية‪ ،‬ومما‬ ‫يقوي البعد السيري في النص أن السارد‬ ‫مهنته الصحافة والكتابة‪ ،‬مما يقوي البعد‬ ‫ال��س��ي��ري ف��ي ال��ن��ص‪ .‬ك��ذل��ك أج���اد الكاتب‬ ‫تشكيل الشخصيات وتطويرها‪ ،‬مما يوحي‬ ‫بخبرة جمالية وفنية في تشكيل ال��رواي��ة‪،‬‬ ‫وخاصة أن��ه استخدم مستويين من اللغة‪،‬‬ ‫اللغة التأملية التي تناسب التحليل والتأني‬ ‫ف��ي ق���راءة األح�����داث‪ ..‬وخ��اص��ة تلك التي‬ ‫تتعلق بحرب صدام حسين على دول الخليج‪،‬‬ ‫وال��م��س��ت��وى ال��ث��ان��ي ه��و ال��ل��غ��ة المشهدية‬ ‫البصرية التي تجعل القارئ مشاركا في تخيل‬ ‫األحداث وتصورها‪.‬‬ ‫كما تكشف الرواية عن واقع مرير ورؤية‬ ‫فلسفية‪ ،‬فالفلسفة تجلت في هذه التحليل‬ ‫العميق والواعي للواقع االجتماعي والنفسي‬ ‫للشخصية‪ ،‬كذلك استطاعت ال��رواي��ة أن‬ ‫تجسد عذابات ال��ذات ووعيها بما يحدث‪،‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ولكي تخفف من وقع هذه األحداث‬ ‫القدرية المؤلمة على شخوصها تحاول أن‬ ‫تتأمل الواقع‪ ،‬وتستشرف المستقبل في رؤية‬ ‫فلسفية عميقة‪.‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تركية العمري‬

‫والشغل على ثنائية الرجل والمرأة‬ ‫‪ρρ‬فرج مجاهد عبدالوهاب*‬

‫أرب��ع عشرة قصة قصيرة‪ ،‬حاولت القاصة [تركية العمري] ‪-‬التي جمعتها في‬ ‫مجموعة قصصية عنوانها [الشيطانتان]‪ -‬من خاللها أن تسبر حياة كثيرٍ من‬ ‫ال�ع�لاق��ات اإلنسانية القائمة بين ال�م��رأة وال��رج��ل؛ ال�م��رأة تلك اإلن�س��ان��ة صاحبة‬ ‫العواطف المختزنة في أعماقها؛ فهي العاشقة‪ ،‬الحالمة‪ ،‬المتألمة‪ ،‬المتعذبة‪،‬‬ ‫الباحثة عن جماليات الحياة مع الرجل‪ ،‬الثنائية األهم في حياتها؛ فالرجل‪ ..‬األب‪،‬‬ ‫الزوج‪ ،‬الحبيب‪ ،‬معادالت واضحة المعالم‪ ،‬وهي تنهض مُ تبينة مشروعها الحكائي‪.‬‬ ‫من تلك العالقات على اختالف طبيعتها وتشظّ يها بين الحلم واألمل‪ ،‬بين األب والحبيب‬ ‫مهمة أساسية في الشغل على القصص التي نهضت على‪:‬‬ ‫‪1‬ـ المكاشفة الصريحة بين االثنين‪ ،‬الرجل بوصفه وطبيعة عالقته مع المرأة‪ ،‬والمرأة وما‬ ‫يتمثل في دواخلها من اتجاهات‪ ،‬عاطفية وإنسانية‪ ،‬تجاه رجل بعينه‪.‬‬ ‫‪2‬ـ األحالم التي لعبت دورًا في حياة المرأة‪ ،‬وهي أحالم مشروعة‪ ..‬كأن تحبّ ‪ ،‬وتتزوج‪ ،‬واألهم‬ ‫من ذلك أن تُنجب؛ ولذلك‪ ،‬كانت أحالما معزّزه في ذاكرتها‪ ،‬أمام الحلم كرؤية‪ ،‬فقد كان‬ ‫له وجود‪ ،‬ولكنه لم يتكرر كثيرا‪.‬‬ ‫‪3‬ـ االهتمام الواضح على بنية التذكر الذي يفتح الذاكرة على أيام خلت ومضت‪.‬‬ ‫هذه العناصر التي شكّلت بُنية أساسية في بناء القصص‪ ،‬أفرزت نشاطا سردّيا كان معنيا‬ ‫في الدرجة األولى على الغوص في تفرّعات العالقات القائمة على ثنائية تكاملية الحياة‪،‬‬ ‫الرجل واألنثى؛ ولذلك‪ ،‬كان االهتمام الرئيس في الشغل القصصي معنيّا ببناء الشخصيات‪،‬‬ ‫ورسمها من الداخل والخارج؛ ما أضفى على الشغل نوعً ا من المصداقية المطلوبة في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪51‬‬


‫هذا الشغل‪ ،‬فاألب صالحي له صفاته الخاصة‬ ‫به (إنه «الصباحي» الرجل الذي يتسع وجوده في‬ ‫جينات جسدي‪ ،‬يمّر بثقتي‪ ،‬بذاتي ويرتاح عند‬ ‫حدسي المخيف‪ ،‬ويتنّهد موجة حالمة في بحر‬ ‫روحي‪ ،‬ويقف شامخا على ضفاف تأمالت فكري‬ ‫الباذخة) ص‪.7‬‬ ‫ووالد شمسة العامر‪ ،‬النهر العذب الذي كثيرا‬ ‫ما سقى اآلخرين‪ ،‬وكثيرا ما وقف أمام ظلم أهل‬ ‫مدينته‪ ،‬فتساءل بعد رحيله «ل��م��اذا يموت علي‬ ‫العامر ويبقي السخفاء األشقياء‪ ..‬لماذا يغيب‬ ‫الفجر وتبقى العتمة؟‬ ‫تتذكر عندما التفت إليها‪ :‬انتبهي إلى نفسك‪،‬‬ ‫ال تهيني نفسك ألحد‪ ،‬أنت أميرة هذه المدينة»‬ ‫ص‪.41‬‬

‫عينين غائرتين مخيفتين يُغطيهما ظل رم��ادي»‬ ‫أحمد أحمد الوافي‪ ،‬فقد كان «وسيما ذا أنف ص‪.24‬‬ ‫فارسي ح��اد‪ ،‬وعينين سوداوين‪ ،‬وبشرة حنطيه‪،‬‬ ‫م��ن ال��واض��ح أن توصيف معظم شخصيات‬ ‫وشعر أسود كثيف أسميته وضاح الحي» ص‪ .31‬القصص سواء الرجال بوصفهم آب��ا ًء أو عشاقاً‪،‬‬

‫أم���ا زه���رة ف��ه��ي ص��اح��ب��ة ال��ق��ام��ة القصيرة‪،‬‬ ‫والنهدين الكبيرين المتهدلين (مرتدية تنورة طويلة‬ ‫س���وداء‪ ،‬متسخة األط����راف‪ ،‬وب��ل��وزة وردي���ة تمأل‬ ‫أعالها التجاعيد‪ ،‬وح��ذاء أس��ود يُغطي مقدمته‬ ‫الغبار‪ ،‬تتمتم بكلمات ال أفهمها‪ ،‬تجلس بجواري‪،‬‬ ‫أبتعد عنها‪ ،‬أتذكر قوالً قرأته ذات مساء‪« :‬القصير‬ ‫إمّا حكمة أو نقمة») ص‪.45‬‬ ‫أما ورسة الشيطانة (لها وجه بقسمات حادّة‪،‬‬ ‫وعينان تتسّ ع فيهما نظرة مريبة‪ ،‬وأث��داء كبيرة)‬ ‫ص‪.23‬‬

‫‪52‬‬

‫أما الشريرة الثانية [نوجة] التي تشبه ورسة‪،‬‬ ‫ولكنها أكثر أناقة‪« ..‬ترتدي نظارة من منتجات‬ ‫ال حريريا‪ ... ،‬عندما‬ ‫ديور‪ ،‬تضع حول رقبتها مندي ً‬ ‫خلعت النظارة تريد أن تتأكد من مالمحي‪ ،‬رأيت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫كان وصفا ظاهريا ألجسادهم وعالماتهم الفارقة‪،‬‬ ‫وهو وصف منسجم مع طبيعة الشخصية‪ ،‬وهذا‬ ‫أمر مهم في توصيف الشخصية‪ ..‬فللطيب صفاته‪،‬‬ ‫والمحبوب في عين حبيبه له سماته حتى وإن كان‬ ‫أصله ال يتفق مع أصلها‪ ،‬ورفضه أمر محتوم‪ ،‬إال‬ ‫أ ّن للقلب رأي��اً آخ��ر‪ ،‬وللعين حكم ورؤي��ة مخالفة‬ ‫«أغمضت عيني‪ ،‬رأيت أبي وعمي وأبناء عمومتي‪،‬‬ ‫ونظرات شكٍّ في أعينهم‪ ،‬بأن السبيئي يريد أن‬ ‫يسلب ابنتهم‪ ،‬ورأيت طائرا بأجنحة كبيرة يحمل‬ ‫بين جناحيه إزار أحمد وغترته الملوّنة» ص‪37‬‬ ‫هذا ما يشير إلى وصف المشاعر واألحاسيس‬ ‫التي تتفاعل في أعماق المرأة بكثرة‪ ،‬والرجل بقلة؛‬ ‫ألن ال��م��رأة محور أح��داث القص ونبضه‪ ،‬تفتح‬ ‫فاطمة الحالمة‪ ،‬والمنتظر خبر حملها منذ عشر‬ ‫سنوات «تفتح عينيها‪ ،‬تش ّد الغطاء على جسدها‪،‬‬


‫وتسكن الفرحة قلبها‪ ،‬وتركض إلى غرفتها تبث ‪2‬ـ المرأة التي عاشت تجارب حياتية مختلفة‪..‬‬ ‫نهضت كبؤرة تنويرية في الحدث‪ ،‬وإن كانت‬ ‫البشرى إلى زوجها سعد‪ ،‬وتذهب إلى المدرسة‬ ‫طالبة أكثر من مطلوبة في بعض القصص‬ ‫لتنشر الخبر‪ :‬أنا حامل‪ ،‬إال أ ّن الحلم لم يكتمل‬ ‫(شعرت بألم في أسفل بطنها‪ ،‬صرخت‪ :‬أل��م‪..‬‬ ‫الحانية وابنة مشدودة إلى أبيها‪ ،‬وزوجة حالمة‬ ‫ألم‪ ..‬جلست على الكرسي‪ ،‬شعرت بسائل يُبللُ‪..‬‬ ‫بطفل‪.‬‬ ‫ويتدفق بقوة كم ّد موت‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الرجل الذي لم يلعب أدوارًا فاعلة في القص‬ ‫استيقظت بنصف وعيها‪ ،‬هنا وهي على السرير‬ ‫باستثناء األب‪ ،‬فهو مجرد زوج مُخبر عنه‪ ،‬أو‬ ‫تحيط به جدران بيضاء‪.‬‬ ‫حبيب منتظر‪.‬‬ ‫سمعت صوت نوف تردد‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬ولمحت‬ ‫نصف مالمح سعد‪ ..‬رأت أختها سارة‪ ،‬تساءلت ما ‪4‬ـ األب كوحدة بنائية فاعلة ومنفعلة‪ ،‬والذي بدا‬ ‫مالذًا وصورة مثلى وقدوة عظمى وحركة فعليّة‬ ‫الذي حدث؟‬ ‫في نمو عالقة حميمة بين البنت‪ ،‬األنثى ليس‬ ‫ت��وق��ف ال��زم��ن واستوعبت ذاك��رت��ه��ا تفاصيل‬ ‫إالّ‪.‬‬ ‫م�لام��ح م��س��اءات حلمها‪ ،‬غ���ادر الجميع وبقيت‬ ‫بمفردها) ص‪.55‬‬ ‫وم��ن ه��ذا المنطلق‪ ،‬ف��إن القصص جميعها‬ ‫االه���ت���م���ام ب��ش��خ��ص��ي��ات ال��ق��ص��ص ورب��ط��ه��ا‬ ‫بأحداثها عالمة مميزة وهادفة‪ ،‬ومن ث ّم موظّ فة‬ ‫لخدمة المرأة التي تشكل بنية السرد‪ ،‬والرجل‬ ‫متمم لثنائية الحياة‪ ،‬أل ّن الهدف األعم هو الدخول‬ ‫في معاناة المرأة في الزمن المعاصر‪ ،‬ولذلك لم‬ ‫تكن المعالجة القصصية قاسية أو جامدة‪ ،‬وإنما‬ ‫هادئة واعية ومتزنة‪ ،‬ترفدها لغة شاعرية عذبة‬ ‫وه��ادئ��ة‪ ،‬وف��ي الوقت نفسه كانت متصالحة في‬ ‫مسرودها سواء مع‪:‬‬ ‫‪1‬ـ القص‪ ،‬كسردٍ متنامٍ ضمن فضاءات أحداثه‬ ‫المرتبطة بعوامل ك�� ّل من المكان ال��ذي بدا‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تسّ رح شعرها بأناملها‪ ،‬تحاول أن تتذكر مالمح‬ ‫مزدحمة في ذاكرتها‪ ،‬ليطل عليها ذلك الصباح‬ ‫الذي ه ّز خيالها‪ ،‬صباح إعالن حلم تستعد له منذ‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬عندما همست لها قبل أسبوع تلك‬ ‫القادمة من بالد مزدحمة بالحياة‪ ،‬وبالرّغبة في‬ ‫الحياة‪ :‬مدام‪ِ ..‬‬ ‫أنت ‪[ pregnant‬حامل]» ص‪.49‬‬

‫ظ��اه��را وواض��ح��ا م��ن خ�ل�ال ال��م��دي��ن��ة التي‬ ‫استوعبت ك��مّ��اً م��ن األح����داث‪ ،‬إض��اف��ة إلى‬ ‫اآلخرين الذين دعموا القص من جهة‪ ،‬وكشفوا‬ ‫كثير من حاالت وإحاالت‬ ‫في الوقت نفسه عن ٍ‬ ‫األبطال الرئيسيين‪.‬‬

‫أنثوية‪ ،‬منطوقها أنثوي‪ ،‬وعالقاتها أنثوية؛ فهي‬ ‫ص��ورة األدب النسوي المعني ب��ال��م��رأة‪ ،‬تأليفًا‬ ‫وتوصيفًا وش��غ�لا؛ وه���ذا م��ا يُعطي المجموعة‬ ‫أهميتها‪ ،‬ليس ألنها منتمية إل��ى األدب النسوي‬ ‫فقط‪ ،‬بل ألنها استطاعت أن تدخل عوالم المرأة‬ ‫في مختلف حاالتها وإحاالتها كبنت محبة ألبيها‪،‬‬ ‫وزوجة تنتظر حلم حملها‪ ،‬وعاشقة تحلم بشريك‬ ‫حياتها‪ ،‬ليتشابك ذلك كله مع مستويات مسرودها‬ ‫العفوي الصادق والمعني في الدخول إلى أعماق‬ ‫المرأة التي تحب وتعاني وتحلم‪ ..‬وتنتظر‪..‬‬

‫* قاص وناقد مصري‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪53‬‬


‫وس ُّر ِّ‬ ‫الش ْع ِر َّي ِة‬ ‫تم َساح‪ِ ..‬‬ ‫َأ ْح َمد ْ‬ ‫والسر)‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ديوانه َ‬ ‫(ب ْر ِد َّي ُة النَّ َدى ِّ‬ ‫‪ρρ‬محمد محمد عيسى*‬

‫الشعراء الباحثون عن الحياة‪ ،‬المتأهبون لها‪ ،‬أولئك الذين ال يقفون أمام‬ ‫عثراتهم مكتوفين‪ ،‬عابئين بها‪ ..‬فسرعان ما يبحثون عن منافذ‬ ‫ُأخ��رى‪ ،‬يندفعون إليها‪ ،‬مُ تَّشحين بالحلم سبي ًال إل��ى النجاة؛‬ ‫فــ (ل��ورك��ا)‪ ..‬الشاعر اإلسباني‪ ،‬كان ال يشكو خيبة األم��ل؛ ألنَّ‬ ‫لديه بابًا سلطان ّيًا يمنحه ما عجز عن تحقيقه بين الجدران‬ ‫ممتزجا بالحب‪ ،‬والرمال‪ ،‬كما في‬ ‫ً‬ ‫الصلبة؛ فخرج إلى الفضاء‪،‬‬ ‫قصيدته (سماء حية)‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫لن يكون لي أن أشكو‬ ‫الثابتة‬ ‫إذا فشلت في العثور على ما أنشد‬ ‫وف��ي ال�ح��ب ال��ذي ال يطلع لنهايته‬ ‫غ �ي��ر أن� �ن ��ي س ��أذه ��ب إل� ��ى ال �م �س��ارح فجر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫األولى‬ ‫الحب‪ ،‬الحب الذي ال يَبين ‪.‬‬ ‫مسارح الرطوبة وخفقات القلوب‬ ‫ويبدو أن فكرة الطيران‪ ،‬أو المروق‬ ‫حتى أدرك أن هدفي سيبلغ مرماه عبر األحالم إلى الفضاء‪ ،‬والبحث عن‬ ‫من البهجة‬ ‫الحرية ما زال��ت ميكانيزمًا‪ ،‬يتقي به‬ ‫ً‬ ‫حين أطيرُ‬ ‫ممتزجا بالحب وبالرمال الشعراء شبح الجمود‪ ،‬والقيود‪ ،‬وإ ْن‬ ‫أط �ي ��ر ن �ض �ي��رً ا ك �ع��ادت��ي ف� ��وق فُ � ��رُ ش شابته األثرة عند بعضهم‪ ،‬لم يكن عند‬ ‫خيالية‬ ‫غيرهم هربًا‪ ،‬وال تخل ّيًا؛ ذلك أَنَّ الشاعر‬ ‫ف��وق جماعات من النسمات وق��وارب المصري أحمد تمساح ال يريد أن يطير‬ ‫جانحة إلى الشاطئ‬ ‫وحده؛ وإنما سيحمل األرض على كتفه‪،‬‬ ‫وأتعثر ب��وج��ل ف��ي األب��دي��ة الجامدة في رحلة للتطهير والسمو‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫جنوبي أنا‪ ..‬والذهب‬ ‫ٌّ‬ ‫األرض على كتفي وشمً ا‪ ..‬وأطير‬ ‫َ‬ ‫سأحمل‬ ‫أغيب في مرآة الشمس لهبًا وأطير‬ ‫ُ‬ ‫أَزْرعُ التاريخ في دمي مسلةً وأطير‬ ‫فأهبط‪..‬‬ ‫كجبل البكاء واألرض‬ ‫اتكأت على وسائد الفقد‬ ‫ُ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫عليك بالصمت ‪.‬‬ ‫وعندما فكَّر الـ تمساح أَ ْن ي َِطيرَ؛ اصطفى‬ ‫تشكيلية‪ ،‬تجمع‬ ‫ٍ‬ ‫من الطير اليمامَ‪ ،‬في لوحة‬ ‫بين الدفء‪ ،‬والسالم‪ ،‬والحرية؛ ليعو َد يحمل‬ ‫الخير لآلخرين‪:‬‬

‫سأطير يمامةً وأضم‬ ‫قلب زيتوني والعنب‬ ‫فأصير دمعةً في جفون السحب‬ ‫سأطير يمامة في الريح‬ ‫فيا أيها الوطن الجريح‬ ‫تمدد بالضلوع‬ ‫أسئلةً‬ ‫أشتعل جمرً ا في خاليا الدم‬ ‫(‪.)3‬‬ ‫أطير يمامة وأضم‬

‫والندى‪ :‬ما باح به الليل‪.‬‬ ‫والسرُّ‪ :‬حياة الفراعين التي ارتكزت في‬ ‫صعيد مصر بصفة أساس‪ .‬تلك الحياة التي‬ ‫حفلت باألسرار المدهشة التي تأخذك من‬ ‫س ٍّر آلخر‪.‬‬

‫ويقول في موضع آخر‪:‬‬ ‫وكذا جَ مَع العنوا ُن بين الواقع والمستتر‪،‬‬ ‫وح �ف� ُ‬ ‫�رت ل�ل�ي�م��ام ع� ًّ�ش��ا رب �م��ا تصطفيني ب��ي��ن ال��ح��ق��ي��ق��ة وال��غ��م��وض‪ ،‬ب��ي��ن الحسي‬ ‫البالد‬ ‫والمعنوي‪ ،‬وصهرهما ف��ي بوتقة واح��دة‪،‬‬ ‫كي أُغنِّي‬ ‫ف��ي ب��ردي��ة واح����دة؛ لتقوم مضامي ُن هذه‬ ‫والروح‬ ‫المجموعة على الواقع المعاش‪ ،‬والمشاهد‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫سأفردها وترً ا‪ ..‬وقصيدة ‪.‬‬ ‫والمغلف بـ (الندى)‪ ،‬والتحفظات على ذلك‬ ‫و(بردية الندى والسر) ‪ -‬أحدث إصدارات الواقع (السر)‪ ،‬لكنه ال يكاد يُخفيه‪:‬‬ ‫الشاعر أحمد تمساح ‪ -‬تركيبٌ مستقًى من إيزيس ال تعشقي فيَّ البكاء‬ ‫العالم الشمولي له‪..‬‬ ‫كفكفي دم �ع��ي‪ ..‬ولملميني م��ن مخالب‬

‫ف��ال��ب��ردي��ة‪ :‬م��س��ت��ودع م��ت��ون ال��ق��دم��اء الشتاء‬ ‫أين شالك المغزول؟‬ ‫المصريين‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪55‬‬


‫بكف عشقي والوالء‬ ‫كم أتوق مرة للغناء‬ ‫ل �م �ل �م �ي �ن��ي‪ ،‬س��ام��ري �ن��ي ال ت �ع �ش �ق��ي ف��يَّ‬ ‫البكاء(‪.)5‬‬

‫ه��ي وح���دة ب��ن��اء ال��ن��ص‪ ،‬ان��ش��غ��ل بالحرف‬ ‫(ال���ص���وت)‪ ..‬بوصفه وح���دة ب��ن��اء الكلمة؛‬ ‫فالحرف النهار‪ ،‬والحرف الغيم‪ ،‬والحرف‬ ‫الذي لم يُفسَّ ر ذلك الذي في رحم الفكرة‪:‬‬

‫الدهر يمرُّ على ساعد البدن‬ ‫يدك في وجع العظام‬ ‫والريح تلوك في رئتي‬ ‫تراودني‪..‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫في سراديب الصمام ‪.‬‬

‫لقد احتفى الجنوبيِّون بموقعهم‪ ،‬فراح‬ ‫يفخر الجنوبيُّ بجنوب َّيتِه‪ ،‬ونجد ذل��ك في‬ ‫قصائد كثيرين من شعراء صعيد مصر‪ ..‬لقد‬ ‫منحهم الموقع آليات اإلب��داع البكر؛ لكثرة‬ ‫معطيات واقعهم الحيّ ‪ ،‬بتاريخهم المتجدد؛‬ ‫فمصر التي في الجنوب تحفل بجُ ِّل التراث‬ ‫وبين هذه المفردات تبيتُ مفاتيح هذا‬ ‫الفرعوني‪ ،‬وهي بوَّاب ُة النهر األول��ى‪ ،‬وأول التماهي ال��ح��ادث‪ ،‬فتتجدد مناطق الوجع‬ ‫وقت آلخر‪ ..‬حتى إنه من شدة اتساعها‬ ‫من تحدث الطمي إليه؛ فأجابته المعابد‪ ،‬من ٍ‬ ‫واألديرة‪ ،‬والوديان‪ ،‬وأضرحة األولياء‪.‬‬ ‫ت��ج��ده يصنف ه���ذا ال��وج��ع؛ ليشمل وج��ع‬ ‫يقول الدكتور عزالدين إسماعيل‪« :‬عرف الحروف‪ ،‬وجع الخيام‪ ،‬وجع العظام‪ ،‬وجع‬ ‫اإلنسان العالم أو حاول معرفته ألول مرة‪ ،‬يوم النوارس‪ ،‬وجع التراب‪ ،‬وجع البالد‪ ،‬الوجع‬ ‫أن عرف اللغة‪ ،‬وهو لم يعرف السحر إال يوم في خاليا الدم‪ ،‬وجع القصيدة‪ ،‬وجع العالم‬ ‫أدرك قوة الكلمة‪ ،‬ولم يعرف الشعر إال يوم المقبل؛ ليصل الوجع إلى الذروة ويكتمل في‬ ‫أدرك قوة السحر‪ ..‬فاللغة والسحر والشعر قصيدةٍ هي (الوجع الذي اكتمل)‪:‬‬ ‫ظواهر مترادفة في حياة اإلنسان»(‪.)6‬‬ ‫الوطن في خاليا الدم‬ ‫وق��د أدرك أحمد تمساح ه��ذا السحر؛‬ ‫ل��ذل��ك اتسعت دائ���رة الكلمة ع��ن��ده‪ ،‬وبعُد‬ ‫م��داه��ا‪ ..‬حيث ات��خ��ذت بُ��عْ�� َدي��ن أحدهما‬ ‫رأس���ي‪ ،‬وآخ��ر أف��ق��ي‪ ..‬فالكلمة‪ :‬اليمامة‪،‬‬ ‫والبحر‪ ،‬والنافذة‪ ،‬والمهرة‪ ،‬الكلمة زادها‬ ‫م��رّ‪ ،‬الكلمة الياقوت‪ ،‬وال��در‪ ،‬والرصاصة‪،‬‬ ‫البرهان‪ ،‬واألسرار‪:‬‬

‫‪56‬‬

‫جرحا‬ ‫ً‬ ‫احتواني‬ ‫والحكمة سراجها في العقل‬ ‫واللغة مدارها في النبض‬ ‫قالوا الوطن‪ :‬اختر لي لغة‬ ‫ودموعً ا‪..‬‬ ‫عدت احتمل‬ ‫أنا ما ُ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫أنا الوجع الذي اكتمل ‪.‬‬

‫وعلى أساس أن النص ابن بيئته؛ لذا فإنَّ‬ ‫الكلمة زاهدة‬ ‫لغة أحمد تمساح ه��ي ام��ت��زاج قاموسين‪:‬‬ ‫يا أيها الوطنُ النبي‬ ‫القاموس الفرعوني بخصوصيته الممتدة في‬ ‫الجرحُ أكبرُ من دمي‬ ‫أعماق التراث‪ ،‬والقاموس العربي المشترك؛‬ ‫والندم مقصلة لذا سأصعد‪..‬‬ ‫ل��ي��ش��م��ل ال��ل��غ��ة ف���ي م��رون��ت��ه��ا‪ ،‬ول��ي��ون��ت��ه��ا؛‬ ‫وقدس اهلل شاهدة(‪.)7‬‬ ‫وليَ ْمت َِطي بذلك صهوة اإلبداع؛ لينداح له من‬ ‫وكما انشغل أحمد تمساح بالكلمة التي‬ ‫ال للتمدد في‬ ‫االستخدام اللغوي ما يكون سبي ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫األعماق‪ ،‬والخروج عن المألوف‪ ،‬واقتحام‬ ‫المجال المسكوت عنه‪ ،‬وتخطي العتبات إلى‬ ‫ما ورائها؛ فتراها أعيناً كثيرة بزوايا مختلفة‬ ‫ومرايا ثاقبة‪ ،‬وه��ذا ش��أن النص المكتملة‬ ‫عناصر إبداعه‪.‬‬ ‫كذلك ال��ص��ورة عند أحمد تمساح كلية‬ ‫تتبدى ف��ي ت��ج��اوز ال��ح��س��يّ ‪ ،‬وال��ج��ن��وح إلى‬ ‫االتساع‪ ،‬والتشظي؛ فالصورة عنده نتاج هذا‬ ‫العالم البيئي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬والنفسي والروحي‪.‬‬ ‫يُحوِّل أحمد تمساح األشياء حوله إلى‬ ‫شعر‪َ ،‬فيُجْ ري بالمفردات العدمية الحياة‪،‬‬ ‫ويستنهض هممَها؛ ليصور من خاللها عالمًا‬ ‫متراميًا‪ ،‬وحدثًا ضخمًا‪ ،‬فيُحَ مِّل المفردة‬ ‫البسيطة ك ّماً من ال��دالالت؛ ليتجاوزا معًا‬ ‫حدودهما إلى األرح��ب‪ .‬وهو بذلك أمسك‬ ‫بأيقونة الشعر‪ ..‬تلك التي تقبع فوق عرش‬ ‫الخيال‪ ،‬واألجدر من صعد إليها‪ ،‬وعليه أن‬ ‫يُجهد نفسه في سبيل الوصول؛ إذ ال خيار‪..‬‬ ‫إما أن يصل إليها‪ ،‬أو يتركها لمن هو أهدى‬ ‫ال إليها‪ ،‬وقد صعد التمساح عبر هذه‬ ‫سبي ً‬ ‫المجموعة مُتع ِّمدًا بالندى والسر‪ ،‬وتراث‬ ‫أجداده‪:‬‬

‫للشعر أيقونة تناغينا‬ ‫الخيال‬ ‫ِ‬ ‫من فوق عرش‬ ‫إذا ما أردتها أهتمْ‬ ‫اصعد سلَّم المدى‪ ..‬والدم‬ ‫أو اتركها لمن‪..‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫شكَّ ل صه َد الرمال ‪.‬‬ ‫وفي إطار الحديث عن اتساع الداللة عند‬ ‫أحمد تمساح‪ ،‬سوف نتوقف عند احتماالت‬ ‫ال��رم��ز‪ ،‬وإح��االت��ه‪ ،‬وه��و كما يقول إليوت‪:‬‬ ‫«يقع بين الشاعر والقارئ مع اختالف في‬ ‫طبيعة صلته بكل منهما؛ فهو من حيث صلته‬

‫بالشاعر محاولة للتعبير‪ ،‬ومن حيث صلته‬ ‫بالقارئ منبع لإليحاء»(‪ .)11‬كما في استدعائه‬ ‫للرمز الديني‪( :‬يوسف)‪( ،‬أيوب)‪( ،‬آدم)‪ ،‬ثم‬ ‫استدعائه األسطورة (إيزيس)‪:‬‬

‫يا يوسف‬ ‫صب الدمع في عيني‬ ‫ّ‬ ‫صب الحنين في رئتي‬ ‫ّ‬ ‫جب القصيدة‬ ‫نم وحدك في ّ‬ ‫البنت قلبها في األسر‬ ‫ونيلها ما زال يبكي في مصب الوجع‬ ‫طوفوا على وجعي‪..‬‬ ‫الصدأ والسيف‬ ‫(‪)12‬‬ ‫وكلنا في بهو الروح ضيف ‪.‬‬ ‫واضح في تشكيل‬ ‫ٍ‬ ‫أسهمت األماكن بشكل‬ ‫لغة النص عند أحمد تمساح‪ :‬البيوت‪ ،‬الدار‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬الجنوب‪ ،‬الكرنك‪ ،‬وادي الملوك‪،‬‬ ‫المكان المَشَ اع (المالذ)‪ ،‬ويتجاوز حدوده‬ ‫إلى اكتمال فكرة االنصهار وال َّتذَاوب‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪57‬‬


‫قابلتها في ردهة الكرنك‬ ‫أومأتْ كالغزال‬ ‫دقت على باب األوردة والسؤال‬ ‫إلى أين يا قلبها الرحال‬ ‫فالحنين ال يكفي‬ ‫صب الشهد في جوفي‬ ‫َّ‬ ‫(‪)13‬‬ ‫يروي حدائقي والرمال ‪.‬‬

‫من فاس إلى حمص‬ ‫سطعت أحالمي‪..‬‬ ‫كعين الشمس‬ ‫سأحفرها وشمً ا على كتف البسيطة‬ ‫وأسوقها نوقً ا‪..‬‬ ‫في بيداء الوجع‬ ‫علَّ النبع يأتي وتنفلق النواة(‪.)15‬‬

‫لبيك يا وجع القصيدة‬ ‫َ‬ ‫سأصطفيك‬ ‫ِ‬ ‫وأحتويك بقلب النار‬ ‫ِ‬ ‫يا بنت الصبر والصبار والشذا‬ ‫يا دولة الحرف الذي غزا‬ ‫كوني اهلل في رئتي‬ ‫(‪)14‬‬ ‫سأغني يا كلَّ أوجاعي األكيدة‬

‫تمنحه العبو َر إلى الحلم‪ ،‬ذلك الذي يُق ِّربُه‬

‫ويُلبِّي ال��ـ تمساح القصيدة بمفرداته‪،‬‬ ‫ويظ ُّل أحمد تمساح متأهبًا للحياة طالما‬ ‫وت��رك��ي��ب��ات��ه ال��خ��اص��ة‪ :‬ال��ح��ن��اء‪ ،‬ال��ح��س��ك‪،‬‬ ‫الكردان‪ ،‬بخور الهند‪ ،‬بخور الدعاء‪ ،‬المسلة‪ :‬وج��د ف��ي الكلمة متسعًا ل��ذل��ك‪ ،‬تلك التي‬ ‫من المستحيل‪:‬‬

‫وشمس اهلل على كفي‬ ‫سأحلم‪..‬‬ ‫ألفك رموز البحر‬ ‫وأبحر في قلبها الودع ألف عام‬ ‫ويمتطي أحمد تمساح الحل َم خطو ًة إلى النيل يأتي وبالد الشام‬ ‫تربت على كتفي‬ ‫ُ‬ ‫الحقيقة إل��ى أن تتجسد األح�ل�ام أمامه‬ ‫(‪)16‬‬ ‫مطايا إلى النور‪ ،‬ودروبًا إلى الخير‪:‬‬ ‫وتسطعُ أهلة في دمي ‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫ * كاتب وناقد مصري‪.‬‬ ‫(‪ )1‬شاعر في نيويورك‪ ،‬فديريكو غرسية لوركا‪ ،‬ت‪ :‬ماهر البطوطي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪2007 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪.101 ،100 :‬‬ ‫(‪ )2‬بردية الندى والسر‪ ،‬مجموعة شعرية‪ ،‬أحمد تمساح‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬دار األدهم للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬ص‪.87 :‬‬ ‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.93 :‬‬ ‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .18 :‬‬ ‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬ ‫(‪ )6‬الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪ ،‬د‪ .‬عز الدين إسماعيل‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫الطبعة الثالثة‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‪.173 :‬‬ ‫(‪ )7‬بردية الندى والسر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ )8( .69 :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬ ‫(‪ )10‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬ ‫(‪ )9‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .31 :‬‬ ‫(‪ )11‬الشعر والناقد من التشكيل إلى الرؤيا‪ ،‬د‪ .‬وهب رومية‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،331‬الكويت‪،‬‬ ‫سبتمبر ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.25 :‬‬ ‫(‪ )12‬بردية الندى والسر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬ ‫(‪ )14‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪88.:‬‬ ‫(‪ )13‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .76 :‬‬ ‫(‪ )16‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.92 :‬‬ ‫(‪ )15‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 8.:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫اللوحة‬ ‫‪ρρ‬سمر حمود شيشكلي*‬

‫هذه هي المرة العشرون التي يقوم‬ ‫فيها ب��زي��ارة ه��ذا المعرض التشكيلي‬ ‫ف��ي ص��ال��ة ف��ي الجسر األب��ي��ض‪ .‬ضم‬ ‫المعرض لوحات لعدة فنانين محليين‬ ‫مغمورين‪.‬‬ ‫أمسية شتائية لطيفة البرد‪ ..‬وشوارع‬ ‫المدينة تلمع بعد أن غسلت بمطر غزير‬ ‫بعد ظهر ذات اليوم‪ ..‬االزدح��ام عادي‬ ‫بالنسبة ل��ش��ارع ت��ج��اري‪ ..‬زاد سطوع‬ ‫أضواء المحالت من بهاء المكان وأ ُنسه‪.‬‬

‫ت��م��ام��اً م��ث��ل ك���ل ي���وم م��ن��ذ ع��ش��رة‬ ‫أي��ام‪ ..‬يمر «صافي أنيس» في الفترة‬ ‫الصباحية وفي الفترة المسائية على‬ ‫صالة العرض‪ ،‬ومثل كل يوم ال ينظر إال‬ ‫إلى هذه اللوحة‪ ..‬يقف أمامها وينسى‬ ‫نفسه‪ ..‬والليلة أيضاً وقف يحدّق بها‬ ‫ويتالشى‪ ،‬حتى لم يبق منه غير جسمه‬ ‫الضخم بالمعطف األسود يكلله بغموض‬ ‫موحش‪.‬‬

‫نشله صوت المشرفة من غيبوبته‪،‬‬ ‫لما رأته المشرفة المسائية للمعرض وهي تكرر عليه السؤال‪:‬‬ ‫يدخل المكان من جديد هذه الليلة أيضاً‪ - ،‬أتعجبك إلى هذا الحدّ؟‬ ‫ك��اد يغمى عليها م��ن الغيظ‪ .‬همست‬ ‫وان��ت��ب��ه��ت أن���ه ي��ح��دّق ب��ه��ا وال ي��راه��ا‪،‬‬ ‫لزميلة جلست إل��ى جانبها‪ :‬راقبيه‪..‬‬ ‫فأردفت‪:‬‬ ‫هناك‪ ،‬ذاك الذي يرتدي معطفاً أسود‪..‬‬ ‫سيقف أمام لوحة «المدينة»‪ ..‬تابعيه‪ - ..‬اللوحة!‬ ‫تابعيه!!»‪.‬‬ ‫اآلن وقد استر َّد وعيَه أجاب مرتبكاً‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪59‬‬


‫ أجل‪ ..‬أجل‪ ..‬جداً!!‬‫ م��ع��ك ك��ل ال��ح��ق‪« ..‬ن����ادر زاه����ي» فنان‬‫تشكيلي رائ��ع‪ ..‬تثير لوحاته إشكاليات‬ ‫معينة‪ ،‬وهذه اللوحة لها خصوصية‪..‬‬ ‫لم يكن ينصت تماماً إلى تعليقها الذي‬ ‫افترض أنها تحفظه لتقوله لكل ال��زوار‪..‬‬ ‫ه��ذا ع��دا ع��ن أن��ه يمقت التحليل النقدي‬ ‫المحترف‪ .‬أحياناً كان يغيظ أصحابه ويقول‪:‬‬ ‫«إنه استظهار لنظريات مستوردة»‪ .‬ويشبهه‬ ‫ب‪« :‬البالة» التي يرمي فيها الناس مالبسهم‬ ‫القديمة المستعملة‪ ،‬بعد الملل منها‪ ،‬ثم‬ ‫يقتنون الجديد»‪.‬‬ ‫لكنه ر َّد بكلمة‪ :‬نعم‪ ..‬نعم‪..‬‬ ‫كان يكررها من دون تركيز‪.‬‬ ‫أص��رت على إحراجه من ش��دة غيظها‪،‬‬ ‫وه���ي م��درك��ة أن���ه ل��ي��س م��ن ال��ن��وع ال��ذي‬ ‫سيشتري لوحات‪..‬‬

‫***‬ ‫كانت مدينة‪ ..‬ش��ارع��اً إسفلتياً وأبني ًة‬ ‫ع��ال��ي��ة ب��ن��واف��ذ اص��ط��ف��ت ع��ل��ى ج��ان��ب��ي��ه‪..‬‬ ‫بضعة أشخاص تفرقوا في الشارع وعلى‬ ‫الرصيفين‪ ،‬وأط��ل م��ن ك��ل ن��اف��ذة رج��ل أو‬ ‫امرأة وقد جمّدتْ اللقطة نظرة وحركة كل‬ ‫منهم‪ ..‬الرسم كان مجرد خطوط هندسية‪،‬‬ ‫حتى األشخاص‪ ،‬أجسادهم‪ ،‬مالمحهم بما‬ ‫فيها العيون‪ ،‬دوائ��ر‪ ،‬مربعات مستطيالت‪،‬‬ ‫مثلثات‪ ،‬وك���أن أدوات ال��ف��ن��ان ل��م تكن إال‬ ‫األدوات الهندسية والمسطرة والقلم‪ ،‬والخط‬ ‫المستقيم والمنكسر هو ملك فراغ اللوحة‪.‬‬ ‫هناك نقطة منظور افتراضي في وسط الثلث‬ ‫األعلى من اللوحة وك��ل الخطوط سحبت‬ ‫إليها‪ ..‬فتطاولت كل المفردات المرسومة‬ ‫فيها لتلتقي هذه النقطة‪ ..‬الشارع‪ ،‬األبنية‪،‬‬ ‫النوافذ‪ ،‬األشخاص‪ ،‬الظالل‪..‬‬

‫ال��وق��ت ف��ي ال��ل��وح��ة ك���ان ق��ب��ل المغيب‬ ‫بدقائق‪ ،‬رغم أنه ال وجود لقرص الشمس‪،‬‬ ‫ ه��ل ت��رغ��ب ب���أن أح��ج��زه��ا ب��اس��م��ك يا‬‫لكن تركت ظالالً من اللون البرتقالي الممزوج‬ ‫سيد‪..‬؟‬ ‫بظالل رمادية من لون بدء العتمة تخيم على‬ ‫ أوووه‪ ..‬صافي من فضلك‪ ..‬ثم استدرك‪ :‬السماء‪ ،‬بل على كل اللوحة‪ .‬وكانت األلوان‬‫مبدئياً ال‪ ..‬شكراً لك‪ ..‬سأفكر ثم أرد لك بالمجمل صحراوية قائظة‪.‬‬ ‫الجواب‪ ..‬ربما غداً‪ ..‬ممكن؟‬ ‫لم يكن هناك أي دليل على وجود الحياة‪،‬‬ ‫ابتسمت وهزت برأسها‪ ..‬حياها بهزة من إال األشخاص المتجمدين في حركة ونظرة‪.‬‬ ‫رأسه واستدار ليبتعد‪..‬‬ ‫ال عصافير‪ ،‬ال فراشات‪ ،‬ال أزه��ار‪ ،‬وال أثر‬ ‫حاول أن ي ّدعي بأنه يجول على اللوحات لرطوبة م��اء‪ ،‬وال حتى قطرات قديمة في‬ ‫األخ��رى‪ ..‬لكنه لم يكن يرى‪ ،‬ثم ما لبث أن مزهرية‪ ،‬وال حبات عرق على أحد الجباه‪،‬‬ ‫عاد إلى وسط الصالة‪ ،‬حيث علقت اللوحة وال ظل لدمعة في إحدى العيون‪ ،‬وال حتى‬ ‫على دعامة إسمنتية و‪ ..‬وتسمّر أمامها من في انعطافة لينة في بعض الخطوط‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫جديد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫تطاولت الخطوط التي رسمت الشخوص‬


‫لم يكن يملك إال المجيء يومياً‪ ،‬ليقف‬ ‫أمام اللوحة متسمراً‪.‬‬

‫أو م��ت��ع��ب��ون‪ ،‬م��ت��وح��دون أو وح��ي��دون‪،‬‬ ‫مبعدون أو أبعدوا أنفسهم‪ ،‬معزولون أو‬ ‫عزلوا أنفسهم‪.‬‬

‫الشيء اآلخر الملحّ بسماجة هو الساعات‪.‬‬ ‫انتشرت الساعات بأشكال هندسية متفاوتة‬ ‫على كل جدار من ج��دران األبنية‪ ،‬عند كل‬ ‫طابق‪ .‬وارت��دى كل رجل وام��رأة فيها ساعة‬ ‫تمنى لو وجد للفنان طريقاً ليسأله!‬ ‫ي��د‪ .‬جميع الساعات‪ ،‬الحائطية وساعات‬ ‫اليد‪ ،‬كانت بعقرب واحد هو عقرب الدقائق‪ - ،‬ال ب��د وأن إقامتك م��ع المجانين تؤثر‬ ‫وال أثر لعقرب الساعات‪ ،‬وكلها ترصد توقيتاً‬ ‫عليك‪.‬‬ ‫هو وخمسون دقيقة!‬ ‫ قال له حاتم‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪ -‬الناس هنا ليسوا مجانين‪ ،‬إنهم مرهقون‬

‫ل��و ك���ان يملك ش���راءه���ا‪ ،‬ل��فَ��عَ��لَ‪ .‬رات��ب��ه‬ ‫كمساعد معالج في المصح النفسي ال يكفل‬ ‫له إال ض��روري��ات العيش وح��ي��داً‪ .‬حتى إنه‬ ‫واف��ق على ع��رض اإلقامة في المصح ألن‬ ‫ه��ذا سيوفر عليه مبلغاً من راتبه يتيح له‬ ‫ممارسة إحدى المتع الصغيرة؛ اقتناء كتاب‪،‬‬ ‫اقتناء قرص لفيلم‪ ،‬تناول الغداء أو العشاء‬ ‫في مطعم يتذوق فيه بعض الرفاهية ولو‬ ‫لمرة في الشهر‪ ،‬قضاء العصاري في مقهى‬ ‫لطيف في القسم القديم من المدينة مع‬ ‫صديقه الوحيد حاتم‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫وتوجهت لتالقي نقطة المنظور الوحيدة في‬ ‫اللوحة‪ ،‬فتطاولت معها هيئاتهم وتجاوزت‬ ‫المنطق الواقعي الذي نعرفه‪.‬‬

‫ال في البداية‪ ،‬لكن لما‬ ‫شغل هذا باله قلي ً‬ ‫تحولت ال��خ��ط��وط المستقيمة المتفاوتة‬ ‫الطول والسماكة‪ ،‬التي تنبثق له في الحلم‬ ‫من الالمكان‪ ،‬إلى لوحة‪ ،‬ثم صار يرى هذه‬ ‫اللوحة كل ليلة‪ ،‬أصابه الفزع‪ .‬أما أن يرى‬ ‫لوحة حلمه نفسها وقد رسمها شخص آخر‪،‬‬ ‫كان شيئاً أكثر من غريب!!‬

‫ أجاب صافي‪.‬‬ ‫***‬ ‫اح��ت��ار‪ ،‬أي��ع�� ُّد حلمه كابوساً أم ال يعدّه‬ ‫كذلك؟!‬ ‫ال يجد ألماً في رؤيته‪ ،‬وقد يكون مستمتعاً‬ ‫ب��ه بطريقة م��ا‪ ،‬لكن ت��وات��ر ت��ك��راره ه��و ما‬ ‫يخيفه‪..‬‬

‫وط���رأ ت��ح��وّل ج��دي��د على الحلم ب��دأت‬ ‫الساعات كلها بالتكتكة‪ ..‬ويرتفع الصوت‬ ‫لم يتبق من أيام ذاك المعرض التشكيلي بالتدريج حتى يكاد يفتت أعصابه‪..‬‬ ‫إال يوماً واحداً‪ .‬استيقظ في منتصف هذه‬ ‫هل هو على أعتاب مرض عقلي؟!‬ ‫الليلة مضطرباً‪ ،‬مشوشاً‪ .‬كانت أحالمه قد‬ ‫كان يخاف هذا خوفاً مرضياً‪.‬‬ ‫ال نمطياً منذ فترة ليست قصيرة‬ ‫اتخذت شك ً‬ ‫***‬ ‫قبل معرفته بالمعرض ووج���ود اللوحة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪61‬‬


‫***‬

‫الليلة األخيرة للمعرض‪.‬‬ ‫كان لدى صافي أمل بأن يأتي الفنان هذه‬ ‫الليلة‪ ،‬فهي حفل الختام‪ ،‬رغم أن المشرفة‬ ‫يجده في الصالة‪،‬‬ ‫أكدت له بأنه لن يأتي‪:‬‬

‫سأل حاتم المشرفة عن صافي‪ ،‬فهو ال‬

‫ان��ت��ه��ى ال��ح��ف��ل وغ����ادر وم��ع��ظ��م ال����زوار‪،‬‬

‫ سألنا‪ ،‬قالوا أن ال خبر عنه‪ ،‬بعضهم‬‫يظنه مسافر‪ ،‬لكنه لم يترك خبراً!!‬ ‫والمشرفة ب��دأت تطفئ األن���وار استعداداً‬ ‫ظل صافي يتنقل في المعرض بين الزوار لإلغالق‪.‬‬ ‫والمدعوين من فنانين وصحافيين‪ ،‬يستمع‬ ‫كثيراً‪ ،‬وال يتحدث إال لملماً‪ .‬كان يجد أنه ‪ -‬ألم تكونا سويةً؟! أين أضعته؟! على كل‬ ‫عليه الرد أو التعليق أحياناً من باب التهذيب‪،‬‬ ‫حال‪ ،‬آخر مرة وقعت عيني عليه كان أمام‬ ‫ولشدة لكزات حاتم يرد له وعيه بين الحين‬ ‫اللوحة‪ .‬وأشارت للوحة ذاتها‪.‬‬ ‫واآلخر‪ ،‬وإال لكان آثر السكوت‪.‬‬ ‫الليلة األخ��ي��رة للمعرض‪ ،‬وق��د ال يرى دار حاتم في األرج��اء‪ ..‬لم يكن في أي‬ ‫اللوحة بعدها‪ ،‬رغم أنها من العدد القليل من‬ ‫مكان‪ ،‬أصابته الحيرة‪ ،‬ثم شعر بالحنق‪،‬‬ ‫اللوحات التي لم تبع هنا‪.‬‬ ‫�لا هنا من‬ ‫ كيف يخرج بدوني‪ ،‬وأن��ا أص ً‬‫لم يشعر أنه فقد التواصل مع الفضاء‬ ‫أجله؟!‬ ‫حوله‪ ،‬وأن��ه وقف كالتمثال من جديد أمام‬ ‫اللوحة‪ ..‬كان يسمع صوت تكتكة الساعات‪..‬‬ ‫ همس لنفسه‪ ،‬وقال بنبرة مهذبة‪:‬‬ ‫ولكنه شكل سيمفونية متجانسة للحن غريب‬ ‫عليه‪ ..‬ولكنه لطيف‪..‬‬ ‫ شكراً‪ ،‬تصبحين على خير‬‫شعر بأنه يصبح خفيفاً‪ ..‬وص��ار يخف‬ ‫ويخف‪ ..‬تخيل أنه صار ب��وزن ريشة‪ ،‬حتى‬ ‫أن قدميه ارتفعتا عن األرض‪ ،‬شعر بنشوة‪ ،‬وغادر الصالة في ليلة شتائية صاخبة يعربد‬ ‫بشعشعة لم يختبرها من قبل‪ ،‬أراد أن يصرخ فيها الرعد‪ ،‬ويطرق فيها مطر غزير زجاج‬ ‫من السعادة‪ ،‬لم يسمع صوته‪.‬‬ ‫النوافذ والسيارات‪.‬‬ ‫ثم رأى نفسه يشف ويشف‪ ..‬شعر أنه‬ ‫ولم يالحظ أن صافي كان قد احتل إحدى‬ ‫صار غيمة على هيئة إنسان‪ ،‬تبخرت الغيمة‬ ‫حتى لم يعد له أثر‪.‬‬ ‫النوافذ في اللوحة يحاول أن يخبره أنه هنا‪.‬‬ ‫ثم دار وألقى نظرة سريعة على اللوحة‬

‫‪62‬‬

‫* قاصة سورية مقيمة في اإلمارات‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫أبــــــــــي‬ ‫‪ρρ‬مادلني*‬

‫منذ زمن لم أناديه‪..‬‬

‫ولكن في كل ليلة أعود وحيدة‪..‬‬

‫ومع مرور األيام تتسع فجوة الحنين‪،‬‬ ‫اليوم فقط نطقت كلمة جمعت بين‬ ‫وال أجد ما يسدها‪..‬‬ ‫الحنين والخوف‪..‬‬ ‫الخوف من تصديق الواقع الذي حتّم‬

‫أبكي دائماً دون أن أ ُحدث صخباً‪،‬‬

‫وأشت ُّم رائحة الذكريات كي أخفف‬ ‫عليَّ أن أنسى هذه اللفظة‪ ،‬ألن صاحبها‬ ‫وقع رحيلك‪..‬‬ ‫لم يعد هنا‪..‬‬

‫اليوم نطقت كلمة أبي‪ ..‬ال أعلم كيف‬ ‫ال���واق���ع ال����ذي ح���اول���ت م�����راراً أال‬ ‫نطقتها‪ ..‬ولكن كنت واثقة بأني كنت‬ ‫أصدقه‪..‬‬ ‫تحت وطأة الحنين‪..‬‬ ‫حقيقة موته …‬ ‫أبي‪..‬‬ ‫هل هي رحلة الغياب األبدية؟‬ ‫كل ي��وم تكبرُ في ابنتك‪ ،‬وإن كان‬ ‫في كل ليلة أنتظر غائبي كي أنطق المكا ُن خلياً منك‪ ،‬لكنك تظل في قلبي‬ ‫حياً‪ ،‬حققتُ أحالمي‪ ،‬وكنت ناجحة‪..‬‬ ‫كلمة افتقدتها منذ طفولتي‪..‬‬ ‫ان��ت��ظ��رت��ه ط���وي�ل�اً ع��ل��ى ك��رس��ي‬ ‫االنتظار‪..‬‬

‫أرجوك‪ :‬كن فخوراً بي‪..‬‬ ‫ابنتك‪..‬‬

‫* قاصة من السعوديةِ ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪63‬‬


‫المجذوم‬ ‫‪ρρ‬حنان احلربش*‬

‫ك��ان هاجس اإلصابة «بالقمل» قد ب��دأ يستولي عليه م��ؤخ��راً‪ ،‬إن��ه يبدو ككلب‬ ‫غاضب مليء بالبراغيث‪ ،‬فالحكّ ة التي أصبحت تداهمه في كل مرة يلتقي فيها‬ ‫بذلك المدير المتغطرس‪ ،‬وبعض زمالئه في العمل‪ ..‬لم تعد أم��ر ًا مُ حتمالً‪..‬‬ ‫(تأكدّ من خلو مكتبك من «البقّ » يا عزيز)‪.‬‬ ‫هذا ما قالته خطيبته‪ ..‬ولكن ال وجود للبقّ في هذا المكان‪ ،‬وهو يشفى من‬ ‫الحكة حالما يغادر إلى المنزل‪ ،‬في الواقع‪ ..‬لقد كان األمر يتفاقم مع مرور األيام‪،‬‬ ‫والوضع يزداد سوءاً‪.‬‬ ‫«إن الجسم يتعرض لغزو البكتيريا مثلما هو عليه في الواقع‪ ،‬زمالؤه في‬ ‫والفيروسات‪ ،‬وليس الحشرات حتماً‪ !!..‬العمل ينظرون إليه ويقهقهون ضحكاً​ً‪،‬‬ ‫«قالت ذلك بنفاد صبر وتركته وحيدا»‪ .‬بينما يبدو بائساً ووح��ي��داً‪ ،‬يحتضن‬ ‫����ال ل��م يلحق‬ ‫ق���ال ل��ه��ا ب��ص��وت ع ٍ‬ ‫بخطواتها المتعجلة «ع��ن��دم��ا يحاط‬ ‫اإلنسان بالحشرات البشرية سيتحول‬ ‫بدوره إلى حشرة كبيرة»‪.‬‬ ‫ك��ان ذل��ك م��ا يثير ف��ي داخ��ل��ه رعباً‬ ‫وجودياً وألماً عميقًا‪..‬‬

‫‪64‬‬

‫كتابه بقوة‪ ،‬تدور عيناه في محجريهما‬ ‫بذعر‪ ،‬وما هي إال لحظات حتى دخل‬ ‫المدير‪ ..‬لكي ينض ّم إلى تلك الجوقة‬ ‫الضاحكة ومعه السكرتيرة الخاصة به‪،‬‬ ‫فأخذ يداعبها على مرأى من الجميع‬ ‫وهو يقهقه بوقاحة‪ ،‬واآلخرون يشجعونه‬ ‫ويصفقون بمرح‪ ،‬وما أن وقعت عيناه‬

‫ال ونظيفاً ال يبدو على هذا المسكين‪ ،‬حتى اشت ّد سعاره‬ ‫كان المكان جمي ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ال��ض��اح��ك‪ ،‬وتحولت الفتاة بين يديه الطبيب‪..‬‬ ‫إل��ى ج��رادة ضخمة األجنحة‪ ،‬وتحول‬

‫صرفه من مكتبه بإيماءة ال مبالية‪،‬‬

‫اآلخرون في ذروة الصخب والضحكات واضطر النتظاره ساعة أو يزيد في‬ ‫المجلجلة إلى خنافس كبيرة‪ ..‬فسقط الخارج‪..‬‬ ‫مذعوراً ليختبئ أسفل المكتب‪ ،‬ليرى‬

‫مديره يقترب منه ببطء‪ ،‬ويتحول شيئاً‬ ‫فشيئاً إلى صرصور كبير ومرعب‪ ،‬يم ّد‬ ‫أذرعه المتمفصلة إليه‪ ..‬ليستيقظ من‬ ‫نومه يصرخ‪.‬‬ ‫ك��ان على سريره يشعر بالحكة‪ ،‬ال‬ ‫شكّ أنه يحتاج إلى زيارة الطبيب‪ ،‬ال بد‬ ‫أن يطرد هذه األوهام من رأسه‪ ،‬ليس‬ ‫لألمر عالقة بالحشرات والبراغيث‪،‬‬ ‫إنه مصاب بالجذام‪ ،‬وهو بحاجة ماسة‬ ‫إلى العالج‪ ،‬نهض من فراشه متثاقالً‪،‬‬ ‫ارت��دى جوربه ال��ذي يبرز ط��رف إبهام‬

‫كانت الحكة الرهيبة تزيد مع شعوره‬ ‫بالحنق‪ ،‬إن الغضب المتراكم كفيل‬ ‫بتحويل أكثر الكائنات ه��دوءاً ووداع��ة‬ ‫إلى كائنات عنيفة وقاسية‪..‬‬ ‫«ها هي الحشرات تغزو جسدي»‪..‬‬ ‫ولكن هذه المرة كان يشعر بالزحف‬ ‫يصل إلى عينيه‪ ،‬وإن الرؤية تغبش مع‬ ‫االنتظار أكثر فأكثر‪..‬‬ ‫خ���رج ال��م��دي��ر م��ن غ��رف��ت��ه منفوخ‬ ‫ال وجوده‪..‬‬ ‫الصدر‪ ،‬متجاه ً‬ ‫أغاظته ه��ذه ال�لام��ب��االة‪ ،‬فقام من‬

‫ق��دم��ه‪ ،‬اب��ت��س��م اب��ت��س��ام��ة ص��غ��ي��رة‪ ،‬ثم مكانه‪ ،‬وصرخ‪« :‬توقف»!‬ ‫توجّ ه إل��ى العمل دون أن يم ّر ليأخذ‬

‫توقف المدير ولبث في مكانه لحظة‪،‬‬

‫جريدة الصباح‪ ..‬كان يريد أن يستأذن وعندما التفت‪ ،‬وجد جيوشاً من النمل‬ ‫م��ن م��دي��ره لكي يأخذ م��وع��داً لزيارة الناري تتكالب عليه‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪65‬‬


‫انتظار‬ ‫‪ρρ‬خالد النهيدي*‬

‫كانت ممشوقة القوام‪ ..‬تتمايل مثل أعواد السنابل‪ ،‬مرت‬ ‫كالنسيم العابر من أمام الجمع الموجود على قارعة الطريق‪،‬‬ ‫وإذا باألنظار تتغامز واألفواه تتالمز‪ ،‬والزفرات تتنهد شوقا‬ ‫واشتياقا لهذه المهرة األصيلة‪ ،‬الطريق المؤدي إلى نهايته‬ ‫كان مكشوف ًا تماماً‪ ،‬فال بنايات وال أشجار تحول دون النظر‬ ‫إليها‪ ،‬ال يستطيع مقاومة مفاتنها إال َم��ن عصمه اهلل‪ ،‬وال‬ ‫أحد يجرؤ على المسير بمحاذاتها تحسبا ً للقيل والقال سوى‬ ‫الرياح التي كانت تعبث بمعطفها األسود الطويل‪ ،‬بهجمات مُ رتدة تُظهر تضاريس‬ ‫الجسد الغض‪ .‬وفي خفية عن أنظار الجميع‪ ،‬وب��دون أن يشعر به أحد امتطى‬ ‫صهوة أشواقه‪ ،‬وقطع الطريق بخطوة او خطوتين‪ ،‬الهث ًا خلفها كفارس ال يُشق له‬ ‫غبار‪ ،‬الشنطة المعلقة على كتفها األيمن كانت أثقل على كاهله من أحزان العمر‬ ‫المكدسة في أعماقه‪ .‬لمح صديقه األستاذ «عبد الكريم محمد حسن المحامي»‬ ‫كدت أنساها!!‬ ‫قادماً‪ ..‬تذكر الموعد وغمغم بصمت‪ :‬أووووووووه القضية‪ُ ..‬‬ ‫سأله األستاذ المحامي‪:‬‬

‫اهلل أكبر‪ ..‬أخذ األستاذ المحامي يردد‬

‫إلى أين!؟‬

‫األذان خلف ال��م��ؤذن وه��و يشير إلى‬ ‫صديقه بالذهاب إلى المسجد‪ ،‬وقال‬

‫ذاه��ب لالتصال ب��ك‪ ..‬فليس لدي‬ ‫��اف‪ ،‬ما آخر المستجدات في له‪ :‬بعد الصالة سأخبرك بالتفاصيل‪.‬‬ ‫رصيد ك ٍ‬ ‫القضية يا أستاذ؟‬ ‫اس��ت��ع��اذ ص��دي��ق��ه م���ن ال��ش��ي��ط��ان‬ ‫حكمت المحكمة بالتالي‪ ...‬صدح الرجيم وأخذ يتمتم‪ :‬اللهم إني اعوذ بك‬ ‫األذان في أرج��اء المكان‪ :‬اهلل أكبر‪ ..‬من نفس ال تشبع وقلب ال يخشع‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫ * قاص من اليمن مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫رصاصة‬ ‫‪ρρ‬سمر الزعبي*‬

‫خطة‪ ،‬ويزجَّ هو أمامي‬ ‫طت لما فعلت؟ أم قدري أن أرسم َّ‬ ‫خط ُ‬ ‫هل كان قدراً؟ أم َّ‬ ‫س ُب َل النجاح؟‬ ‫عرفت ابنَها منذ الطفولة‪ ،‬المريولُ األخضرُ يشهدُ‬ ‫ُ‬ ‫مَن قال لها أن تواجه حبِّي؟‬ ‫بنات المدرسةِ أكث َر رأفةً منهنَّ بي‪،‬‬ ‫بنات الحي‪ ،‬من كانت ُ‬ ‫لي‪ ،‬وسمعتي التي نهشتها ُ‬ ‫طوَّ قن حبَّنا ببراءة‪ ،‬وساعدنَني على مواعدته‪ ،‬وكفَفْ نَ عيو َن أصحابهنَّ من الشباب‬ ‫عني‪ ..‬فأنا مغرمة‪.‬‬ ‫لم أنل شهادةَ الثانويَّة العامَّة‪ ،‬رغ َم الكليَّة مراراً‪ ،‬وكان كلَّما خ َوّفتني أمِّي‪،‬‬ ‫تكرارِ المحاولة‪ ،‬وخسرت حلمي بإتمام يطمئنُني أنه لن يتغيَّر علي‪ ،‬وكلَّما أرتْني‬ ‫تعليمي الجامعي‪ ،‬لكن ال تحملوا همِّي‪ ،‬الصاحباتُ قلوباً تتفتَّح باسمي‪ ،‬أعتنق‬ ‫ٍ‬ ‫فأنا فتاةٌ مثقفة‪ ،‬وعوَّضت ذلك‬ ‫بدورات اسمَه أكثر‪ ..‬م َّر العمر‪ ،‬وآن الوقتُ كي‬

‫تعليمي ٍَّة وتدريبيَّة‪.‬‬

‫أصب َح زوج�� َة المحامي‪ ،‬وازدَدن��ا عمراً‬

‫لم أشعر بالغيرة منه‪ ،‬رافقته إلى في االفتراض منتَظرَين موافق َة والدته‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪67‬‬


‫كانت تعرف تفاصيلنا كلِّها‪ ،‬تطَّ لع على‬

‫أعرف كيف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ال أدري‪ ،‬لكنَّني فعلتُها‪ ،‬وال‬

‫وسط زحام المحتفلي َن‬ ‫َ‬ ‫انتظارنا الذي تعطَّ لت به الساعات‪ ،‬وا ُستُبد َل ما أذكره أنَّني كنت‬ ‫بها هداي ُة الشمس والنجوم‪ .‬واليو َم ترفض‪ ،‬بهما‪ ،‬ال تستغربوا‪ ،‬فقد بعثت والدتُه بطاق َة‬ ‫تنس أن تكتب عليها‪:‬‬ ‫ببساطة أنا مرحلةٌ‪ ،‬يجتازها بالتسلِّي‪ ،‬اليو َم دعوة زفافِ هما إلي‪ ،‬ولم َ‬ ‫صرت رغم ثقافتي‪ :‬الفتاة الجاهلة‪ ،‬ثالثينيَّة «المحاميان»‪.‬‬ ‫االنتظارِ والدمع‪.‬‬

‫��ط‬ ‫ع��ل��يَّ ألاَّ أب��ع��دك��م ع��ن ال��ح��دث‪ ،‬وس َ‬

‫واختارت له واح��د ًة ممَّ ن يتدرَّبن عندَه‪ ،‬المحتفلين وقفت‪ ،‬وجهاً لوجه كنَّا‪ ،‬يداري‬ ‫عشرينيَّة العطاء‪ ،‬تحم ُل شهاد ًة جامعيَّة‪ ..‬دمعَه‪ ،‬وعيناه قد انتفختا‪ ،‬لكنَّهما لم يجعالني‬ ‫س‬ ‫بثقة سحبت المسدَّ َ‬ ‫ذك ّيَ ًة كانت‪ ،‬صاحبتْ أه َل بيته‪ ،‬بحكم الزمالة أعد ُل عمَّ ا أضمرت‪ٍ ،‬‬ ‫علي بابُ بيته‪ ،‬أحد من حقيبتي وأطلقت ال��ن��ار‪ ..‬ث�� َّم غبت عن‬ ‫ك ُّل شيء يهون‪ ،‬وأنا حُ رِّم َّ‬ ‫عش َر عاماً يلتقون بي في المقاهي‪ ،‬أحد الوعي‪.‬‬ ‫عش َر عاماً من عمري يذرونَها عن عتبات‬ ‫قلبه‪.‬‬

‫وج��دت نفسي حبيس َة قضبان‪ ،‬رفضت‬ ‫محام ع ِنّي‪ ،‬وع��دت لالنتظار‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫حضو َر‬

‫اعال ُن موعد زفافهما جعل مني شهيدة‪ ،‬هذه المرَّة ساعتي تجيد احتسابَ الوقت‪.‬‬ ‫يدوِّن اسمي آله ُة الحب‪ ،‬وينقشون حكايتَنا‬ ‫صخر وردي‪ ..‬لو تكلَّمت‪ ،‬ماذا عسايَ‬ ‫ٍ‬ ‫على‬ ‫أقول؟ عتبي عليه كالنَّقش فوق الماء‪.‬‬

‫أقص عليكم حكاي َة مسلسل‬ ‫ال تظنوا أنِّي ُّ‬ ‫تركي‪ ،‬هذا ما حصل معي بالضبط‪:‬‬ ‫خر َج من المستشفى فو َر ما استعاد وعيه‪،‬‬

‫ه��ذا ف��ي سماء ال��ح��ب‪ ،‬أم��ا على أرض لم ينتظر جرحَ ة الطَّ ريَّ أن يبرأ‪ ،‬فقد أصابت‬ ‫الواقع‪ ،‬صرت «ملطشة»‪ ،‬مُتنفساً لحاالت رصاصتي موضعاً قريباً من القلب‪ ،‬أشعلتْ‬

‫الناس النفسية؛ الغيرة‪ ،‬الشَّ ماتة‪َّ ،‬‬ ‫الشفقة‪ ،‬ثورةَ عواطفه من جديد‪ ،‬أسقط ح َقّه‪ ،‬فسخ‬ ‫الحكمة والموعظة الحسنة‪ ..‬ولن أحكي عن ارتباطَ ه بالعروس‪ ،‬وتراف َع ع ِنّي‪ ..‬انتظرني‬

‫رماد مشاعري‪ ،‬فلن يفهم أح ٌد شعوري كمن بض َع شهور‪ ،‬ث َّم تقدَّ م لخطبة فتاة ثالثينيَّة‪،‬‬ ‫ذات سوابق‪ ..‬وحكمتُ عليه‬ ‫مجرمة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ذاق لوعتي‪ ،‬ولماذا أحكي؟ ال وقت للكالم‪ .‬جاهلة‪،‬‬ ‫أكان قدراً أم خطَّ طت؟‬ ‫ * قاصة من األردن‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫بالعشق أم َد العمر‪.‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫غرفة خاصة‬ ‫سنغ*‬ ‫ِ‬ ‫دورس ِل ِّ‬

‫‪ρρ‬ترجمة عمر أبو القاسم الككلي**‬

‫لما جئت إلى هذه الشقة ذات الغرف األربع الشبيهة بالصناديق‪ ،‬كانت غرفة‬ ‫النوم ذات طالء وردي خفيف‪ ،‬باستثناء موضع المدفأة‪ ،‬المغطى بورق أزرق ووردي‬ ‫فاقع‪ .‬الخشبيات كانت حمراء غامقة‪ ،‬سوداء تقريبا‪ .‬هذا الطالء يباع لدى محل‬ ‫ديكور كبير في «وست إند» يسمى «بلبري»‪ .‬قبلي كانت تقيم امرأتان في الشقة‪.‬‬ ‫شح في النقود‪ ،‬هذا واضح‪ ،‬ألن السجاجيد كانت مليئة بالثقوب‪ ،‬والجدران مزينة‬ ‫بملصقات الدعاية السياحية‪ .‬المرأة المقيمة في الطابق الذي يعلوني أخبرتني‬ ‫أنهما كانتا شابتين‪ ..‬وع��ادة يقمن حفالت ت��دوم ط��وال الليل‪« .‬لكنني كنت أحب‬ ‫سماع ذلك‪ .‬أنا أستمتع بصخب الحياة»‪ .‬كانت توجه لوما‪ :‬فأنا ال أقيم حفالت‬ ‫بما يكفيها‪.‬‬ ‫الفتاتان ل��م تتركا ع��ن��وان المكان مايتالندز؟ والسيدة دوالن��د؟ والشاب‬ ‫ال��ذي انتقلتا إل��ي��ه‪ ،‬اق��ت��داء بالتقاليد كايتسبايز؟ ك��ل ه��ؤالء ال��ن��اس‪ ،‬وربما‬ ‫المتبعة بالنسبة إلى هذه الشقة‪ .‬عبر ع���دي���دون غ��ي��ره��م‪ ،‬ع��اش��وا ف��ي ه��ذه‬ ‫السنين كان يحدث أن يرن الجرس‪ ..‬الشقة وغادروها دون أن يتركوا شيئا‬ ‫ويسأل أحد عن «آنغوس فيرغستون؟ يُ َمكِّن من تتبعهم‪ .‬ال أعرف شيئا عنهم‬ ‫كنت أعتقد أن��ه يقيم ه��ن��ا؟»‪ .‬وأس��رة وال أحد غيري في العمارة‪ ،‬على الرغم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪69‬‬


‫من أن بعضهم عاش هنا لسنوات‪.‬‬

‫المعون يشبهون طيورًا داخل أقفاص زرقاء‬

‫كنت أجد اللون ال��وردي اقتحاميا جدا‪ ،‬ووردي���ة‪ .‬ب��دت المدفأة أق��ل اقتحامية‪ ،‬إال‬ ‫وبعد بضعة أخطاء‪ ،‬استقرت على الجدران أن ن��اري نار غازية‪ ،‬شكل صلب مربع من‬

‫البيضاء‪ ،‬تاركة لون الخوخ أو عنب األحراج البرونز‪ ،‬أ ُحضر من شقة أخرى حيث لم يكن‬ ‫للخشبيات‪ .‬في البداية ركبت ستائر رمادية‪ ،‬يبدو سيئا جدا‪ .‬لكنه هنا ليس مالئما على‬

‫ثم زرقاء‪ .‬سريري الواسع كان تحت النافذة‪ .‬اإلطالق‪ .‬وإذاً‪ ،‬فكل الجدار ال نفع منه‪.‬‬ ‫توجد منضدة كنت أنوي استخدامها للكتابة‪،‬‬

‫جدار آخر‪ ،‬ذلك الذي بجانب سريري‪،‬‬

‫إال أنها كانت دائما تزدحم باألوراق‪ .‬لذا كنت م��ش��وَّه ه��و أي��ض��ا‪ .‬ف��وق السرير تنتأ كتلة‬ ‫أكتب في غرفة المعيشة‪ ،‬أو على منضدة خشنة غير منتظمة‪ ،‬تمتد بمقدار قدم أو‬ ‫المطبخ‪ .‬إال أنني أقضي وقتا طويال في قدمين‪ .‬أحدهم‪ -‬آنغوس فيرغسون؟ أسرة‬ ‫غرفة النوم‪ .‬السرير أفضل مكان للقراءة‪ ،‬مايتالندز؟ السيدة دوالن��د؟‪ -‬ح��اول إعادة‬ ‫التأملِ أو فعلِ ال شيء‪ .‬إنه مالذي‪ .‬المالذ إلصاق الطالء الساقط‪ ..‬فصنع بذلك لحما‬ ‫الذي أشعر فيه أنني عائشة‪ -‬على الرغم مفروما‪ .‬من غير الممكن أن ينجو طلاَّ ء‬ ‫من أن شكله سيّ ء‪ ،‬وثمة عدة أشياء تتعلق به محترف بتركه هذه الحدبة‪ .‬على الجملة‪،‬‬ ‫ال يمكن وصفها سوى أنها قبيحة‪.‬‬

‫ه��ذا ال��ج��دار يمنحني متعة‪ :‬إن��ه يذكرني‬

‫على سبيل المثال‪ ،‬المدفأة كانت من بالجدران البيضاء غير المستوية في بيت‬ ‫الحديد‪ -‬سوادا مزينا‪ ،‬بارزا كالبثرة‪ .‬الفتاتان آخر عشت فيه مرة‪ .‬ربما اخترت أن أطلي‬

‫تركتاها على ما هي عليه‪ ،‬مستعملتين مدفأة ه��ذه الغرفة باألبيض ألن��ي رغبت في أن‬ ‫غازية متنقلة‪ .‬قبح المدفأة الشديد ظل يشد يكون لدي هنا في لندن جدران بيضاء ذات‬ ‫عينيَّ ‪ ،‬لذا طليت لسانا على الجدار يمتد كتل ناتئة كجدران ذلك البيت؟‬

‫من السقف إلى أسفل باللون الخوخي كي‬

‫مستو‪ ،‬أبيض‪ ،‬أملس‪ .‬ذو‬ ‫ٍ‬ ‫السقف سقف‪:‬‬

‫يتم احتواء المدفأة والرف الصغير السميك لوح جصي ثقيل‪ ،‬بالنسبة إلى الغرفة‪ ،‬بحيث‬ ‫الذي فوقها‪ .‬على جانبي اللسان‪ ،‬وبما أنه ال يبدو كما لو أنه على وشك السقوط‪ .‬العمارة‬ ‫يمكن طالء الجدار بالكامل باللون الخوخي‪ ،‬كلها ذات مظهر صلد قبيح‪ ،‬غير أنها بنيت‬ ‫ال��ذي يبدو ف��ي الليل أس���ود‪ ،‬أبقيت على من مواد رخيصة وغير صلدة إطالقا‪ .‬مثال‪،‬‬

‫‪70‬‬

‫لسانين من ورق جدران غريب عليه أناس الجدران‪ ،‬حين تطرقها تصدر صوتا أجوف‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ي��ب��دأ ف���ورًا ف��ي االن���س���راب‪ ،‬كما ل��و كانت مالبسها بعناية‪ ،‬كما ل��و ك��ان��ت ع��روس��ا‪،‬‬ ‫الجدران من حبات رمل منفصلة ضمت معا وتذهب إل��ى مالقاته‪ ،‬محمّرة الوجه‪ .‬في‬ ‫بورق الحائط‪.‬‬

‫الليالي التي يعود فيها من رحالته يصير‬

‫يمكنني سماع أي شيء يجري فوق رأسي سريرهما فوق سريري‪ ،‬واسمعهما يقهقهان‪.‬‬ ‫حيث تقيم المرأة العجوز‪ ،‬التي تحب سماع هما زوج���ان منظمان‪ ،‬ال��ن��وم ف��ي الحادية‬

‫جزء من الحياة‪ ،‬مع زوجها‪ .‬هي سويدية‪ .‬عشرة ليليا‪ ،‬االستيقاظ التاسعة كل صباح‪.‬‬ ‫تعطي دروس��ا في اللغة السويدية‪ .‬تنتقي بالنسبة إليَّ ‪ ،‬حياتي ليس لها نظام خارجي‪،‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫حين يتعرى موضع في الجدار من الطالء لفترات طويلة‪ .‬حين تتوقع عودته‪ ،‬ترتدي‬

‫مالبسها بعناية وت��ب��دو شخصا محترما وأحب أن يكونا فوق‪ ،‬هناك‪ .‬أحيانا‪ ،‬حين‬ ‫مسنا محبوبا‪ .‬ومع ذلك فهي مجنونة تماما‪ .‬أعمل إلى وقت متأخر‪ ،‬أسمعهما ينهضان‪،‬‬ ‫ببابها أربعة أقفال ثقيلة من الداخل‪ .‬إلى وأعتقد خالل نومي أو شبه نومي‪ :‬جميل‪.‬‬ ‫ج��ان��ب المزاليج وال��ق��ض��ب��ان‪ .‬حين أط��رق هكذا بدأ اليوم‪ ،‬أليس كذلك؟ وأع��ود إلى‬

‫بابها تفتح الباب بالقدر الذي تتيحه سلسلة ع��دم الوعي بينما وقْ��ع خطواتهما وجلبة‬ ‫من أربعة إنشات‪ ،‬وتستطلع خالل الفتحة األكواب تمتزج بأحالمي‪.‬‬ ‫لتتأكد من أنني أنا (أو هم) لن أهاجمها (أو‬ ‫يهاجموها)‪.‬‬

‫أحيانا‪ ،‬عندما أنام في الظهيرة‪ ،‬وهو أمر‬ ‫اعتدته؛ ألن نوم الظهيرة أكثر أهمية عندي‬

‫��ل للنظافة وال��ن��ظ��ام‪ .‬من نوم الليل‪ ،‬تأخذ غفوة هي األخرى‪ .‬أفكر‬ ‫ف��ي ال��داخ��ل ت��ج ٍ ّ‬ ‫تقضي اليوم بطوله تنظف وترتب‪ .‬حين ال فيها وفي نفسي مستلقيتين* فوق بعضنا‬ ‫تجد ما تفعله في شقتها‪ ..‬تعلق مالحظة كما لو كنا في رفين متراتبين‪.‬‬ ‫على السلم تقول‪« :‬أي شخص يلقي مهمالت‬

‫حين أن��ام بعد الغداء‪ ،‬فليس ثمة شيء‬

‫على هذا السلم سوف يتم اإلبالغ عنه إلى ع��ش��وائ��ي ف��ي ه���ذا‪ .‬أوال ع��ل��يَّ أن أشعر‬ ‫السلطات!»‪ .‬ثم تطوف على شقق العمارة باضطراب داخلي‪ ..‬أو تنبه ناتج عن فرط‬ ‫كافة (توجد ثمان شقق متطابقة‪ ،‬الواحدة االستثارة‪ ،‬أو أن أكون متوعكة قليال أو تعبة‬ ‫ف��وق األخ���رى) قائلة‪« :‬طبعا‪ ،‬لستم أنتم ج��دا‪ .‬عندها أ ُظْ ��لِ��م غرفتي‪ ،‬أقفل جميع‬ ‫المعنيين بالمالحظة»‪.‬‬

‫األبواب حتى ال يوقظني الهاتف (على الرغم‬

‫زوجها يعمل لدى شركة تصدير ويغيب من أن رنينه البعيد يمكن أن يكون مرغوبا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪71‬‬


‫لتوليد األح�ل�ام)‪ ..‬وأدخ��ل السرير بحذر‪ ،‬رأي��ت مربع البرونز وقد اختفى‪ ،‬كان ثمة‬ ‫موقد حديدي صغير فيه نار خافتة تصدر‬ ‫ٍ‬ ‫محافظة على ال��م��زاج‪ .‬ح��االت النوم هذه‬ ‫هي ما يساعدني في عملي‪ .‬فهي تخبرني دخانا‪ .‬ك��ان الدخان يدخل الغرفة وكانت‬ ‫بما عليَّ أن أكتب أو أين ارتكبت خطأ‪ .‬كما عيناي ملتهبتين‪.‬‬ ‫أنها تنقذني من حمى عدم االرتياح الناشئة‬

‫ك��ان��ت الغرفة مختلفة‪ :‬ش��ع��رت بالبرد‬

‫عن رؤية كثير من الناس‪ .‬دائما أجد نفسي وأنني غريبة عن نفسي وأنا أنظر إلى هذا‪.‬‬ ‫مدفوعة إلى النوم في ما بعد الظهيرة برغبة الجدران ذات أوراق كان تأثيرها العام بنيا‬ ‫ناجمة عن رحلة طويلة في المجهول‪ ،‬والنوم داكنا‪ ،‬لكنني وأن��ا أنظر إليها عن ق��رب‪..‬‬ ‫خفيف وغير ع��ادي ويأخذني إل��ى أقاليم رأي���ت أن��ه��ا ن��م��وذج صغير ألوراق صفراء‬ ‫يصعب وصفها‪.‬‬

‫ضاربة إلى البني وأغصان بنية‪ .‬كانت توجد‬

‫لكن ذات ظهيرة ما لم تكن ثمة رحلة عليها ب��ق��ع‪ .‬السقف ك��ان مصفرا وب��راق��ا‬ ‫غ��ري��ب��ة‪ ،‬وال م��ع��ل��وم��ات م��ف��ي��دة بخصوص بسبب الدخان‪ .‬كان هناك بعض المزق من‬ ‫عملي‪ .‬كان النوم مختلفا جدا عن المعتاد ستارة بنية ضاربة إلى الوردي في النوافذ‬ ‫إلى حد أنني في بعض األحيان كنت أظن مع تمزق في إحداها بحيث تبقى الحافة‬ ‫أنني مستيقظة‪ .‬كنت مستلقية في العتمة‪ ،‬السفلية متدلية إلى أسفل‪ .‬لم أعد مستلقية‬ ‫وكانت الستائر‪ ،‬ذات الدرجات المختلفة من على السرير‪ ،‬ولكن جالسة قرب النار في‬ ‫األزرق الغامق‪ ،‬تنشر ظال أرجوانيا متحركا‪ .‬الناحية األخ���رى م��ن ال��غ��رف��ة ن��اظ��رة إلى‬ ‫في الخارج كانت ظهيرة ضاجة‪ .‬كان يمكنني السرير والنافذة‪ .‬في الخارج استمر الشجار‬ ‫سماع األصوات في السوق تحت‪ ،‬وكان ثمة الحاد‪ ،‬واألصوات تعلو من الشارع‪ .‬شعرت‬ ‫ص��راخ غاضب‪ ،‬خصام من نوع ما‪ ،‬صوت بالبرد‪ .‬كنت أرتعش واغرورقت عيناي‪ .‬في‬ ‫رجل وصوت ام��رأة‪ .‬كنت أنظر إلى موضع الموقد جثمت ثالث كتل صغيرة من الفحم‬ ‫المدفأة وأفكر كم هي قبيحة‪ ،‬متسائلة‪ :‬المتوهج مُصدر ًة دخاناً ضعيفاً‪ .‬تحتي كان‬ ‫أي نوع من الناس اختار عمدا هذا الشكل ثمة حشية‪ ،‬أو معطف مطوي‪ ،‬شيء من هذا‬ ‫البشع من الحديد األسود‪ .‬على الرغم طبعا القبيل‪ .‬بدت الغرفة أكثر اتساعا‪ .‬أجل‪ .‬إنها‬ ‫م��ن أنني ق��د طليتها‪ .‬نعم‪ ،‬عما إذا كنت أوسع غرفة‪ .‬صندوق من الخشب المطلي‬ ‫أستطيع احتمالها أم ال‪ .‬عليَّ التخلص من بالبني انتصب بجانب سريري‪ ،‬ال��ذي كان‬ ‫واحد أجمل‪ .‬خفيضا‪ ،‬أخفض من سريري بما يزيد عن‬ ‫ٍ‬ ‫نار غاز مربع البرونز وإيجاد‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫االن��ح��ن��اءان ال��ل��ذان على جانبي المدفأة أنظر إلى الستائر البنية الغامقة الرقيقة‬ ‫بهما أرفف خشبية مسطحة تحمل مالبس تتحرك بلطف‪ .‬كنت أطفح بؤسا‪.‬‬ ‫مطوية‪ ،‬آنية فخارية‪ ،‬مجالت قديمة‪ ،‬إبري َق‬ ‫تركت غرفتي الجميلة وجهزت لنفسي‬ ‫شاي بنيا‪ .‬هذه األشياء نَمَّ ت على رقة حال‪.‬‬ ‫ش��اي��ا‪ ،‬ث��م ع��دت ألسحب الستائر وأت��رك‬ ‫ك��ن��ت وح��ي��دة ف��ي ال��غ��رف��ة‪ ،‬رغ���م وج��ود الضوء يدخل‪ .‬شغلت مدفأة ال��غ��از‪ ،‬التي‬ ‫أحد ما في الشقة المجاورة‪ :‬كان بإمكاني‬ ‫سماع أصوات جعلتني غير فرحة‪ ،‬خائفة‪.‬‬ ‫معاد‬ ‫ٍ‬ ‫من الطابق الذي فوقي يصدر ضحكٌ‬ ‫لي‪ .‬هل كانت العجوز السويدية تضحك؟ مع‬ ‫من؟ هل عاد زوجها فجأة؟‬ ‫كنت معزولة في وحدة أشعر أنه من غير‬ ‫الممكن تلطيفها‪ .‬ما من أحد سيأتي للتسرية‬ ‫عني‪ .‬جلست ون��ظ��رت إل��ى السرير ال��ذي‬ ‫عليه بطانية حمراء رخيصة توحي بالمرض‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫قدم‪ .‬كانت فوقه بطانية عسكرية حمراء‪ .‬والشقة المجاورة‪ .‬كنت وحيدة في الشقة‬

‫سَ خَ نَت واحمرت مزيحة ذكرى البرد بعيدا‪،‬‬ ‫ون��ظ��رت ف��ي م��ا وراء كفاءتها البرونزية‬ ‫القبيحة إل��ى الموقد الخالي من الفحم‪،‬‬ ‫الذي عرفته لسنوات‪.‬‬ ‫ح��اول��ت ال��ع��ودة إل��ى حلمي ف��ي الغرفة‬ ‫األخرى الواقعة تحت هذه الغرفة‪ ،‬بجانبها‪،‬‬ ‫أو داخ��ل��ه��ا‪ ،‬أو أن��ه��ا م��وج��ودة ف��ي ذاك���رة‬ ‫أحدهم‪ .‬أي حرب كانت؟ من كان فقيرا هذا‬

‫واستنشقت‪ ،‬ألن الدخان كان يخدش حلقي‪ .‬الفقر الرهيب؟ وأرغب في أن أعرف المزيد‬ ‫كنت طفلة‪ ،‬عرفت ه��ذا‪ .‬وك��ان ثمة حرب‪ ،‬عن الطفل الصغير الخائف‪ .‬ال بد أن يكون‬ ‫ش��يء م��ا ل��ه عالقة ب��ال��ح��رب‪ ،‬ال��ح��رب لها (أو تكون) صغيرا (أو صغيرة) جدا بالنسبة‬ ‫عالقة ما بهذا الحلم‪ ،‬أو الذكرى‪ -‬من؟ أنا إل��ى الغرفة بحيث تبدو كبيرة ج��دا‪ .‬حتى‬ ‫عدت إلى غرفتي الخاصة‪ ،‬مستلقية على اآلن فشلت‪ .‬لعله الشجار الذي بالخارج في‬ ‫س��ري��ري‪ ،‬م��ع الصمت ف��ي الطابق العلوي الشارع هو الذي‪ ...‬الذي ماذا؟ ولماذا؟‬ ‫* ‬

‫روائية وقصاصة وشاعرة إنجليزية من مواليد ‪1919‬م‪ ،‬في إي��ران‪ .‬عاشت في روديسيا‪ ،‬زمبابوي‬ ‫الحالية ثم في بريطانيا‪ .‬حصلت على جائزة نوبل لألدب سنة ‪2007‬م‪ ،‬وكانت المرأة الحادية عشرة‬ ‫التي تحصل على هذه الجائزة وأكبرهن عمرا‪ .‬توفيت ‪2013‬م‪.‬‬

‫** قاص وكاتب ومترجم ليبي يقيم حاليا في مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫*** ليس ثمة في النص‪ ،‬من الناحية اللغوية أو سواها‪ ،‬ما يحدد جنس الراوي‪ .‬لكننا افترضنا‪ ،‬من مجمل‬ ‫السياق‪ ،‬أن الراوي أنثى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪73‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬

‫عمار اجلنيدي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫انتظار‬

‫ركضتْ الفصول كسلحفاة عجوز‪.‬‬

‫طرق باب غرفتي المبنيّة في بطن‬ ‫وعندما ه��دأت الجلبة خرجتُ من‬ ‫الوادي‪ ،‬في ذلك اليوم المطير الراعد‪ ،‬غرفتي‪ ،‬فوجدته بالباب ينتظر!‬ ‫زمهريري الغضب‪ .‬فطردتهُ‪ ،‬وأوصدتُ‬ ‫النورس‬ ‫البابَ دونه‪.‬‬ ‫تجمّع الناس على الشاطئ لمشاهدة‬ ‫لم يغادر‪ ،‬بل بقي يطرق الباب بشدّه‪،‬‬ ‫طائر النورس وهو يترنّح في الجو‪ ،‬بعد‬ ‫حتى كاد ينهار‪.‬‬ ‫أن أصابته طلقة صياد محترف‪.‬‬ ‫عمدتُ إلى الخزانة‪ ،‬ووضعتها خلف‬ ‫ش��م��ت ال��ب��ع��ض ب��م��ص��ي��ر ال��ن��ورس‬ ‫الباب كحاجز منيع‪ .‬ولكنه عنيد‪ ،‬مثلي‪.‬‬ ‫المحتوم‪ ،‬وتمنّى البعض سقوطه‪ ،‬وقلّة‬ ‫حاول الدخول قسراً من النافذة‪ ،‬فلم قليلة راهنت على أن��ه سيتغالب على‬ ‫أسمح له بذلك‪.‬‬ ‫جراحه‪ ،‬وأنه سيبقى معلّقاً في سماء‬ ‫أوص��دتُ النافذة وأحكمت إغالقها الدهشة واالرتباك‪.‬‬ ‫بالحبال واألس�ل�اك الشائكة‪ .‬جمعتُ‬ ‫وبينما اختلط الهرج بالضجيج‪ ،‬كان‬ ‫الحطب المتبقي في الغرفة‪ ،‬وأوقدت‬ ‫النورس يتسامى على جراحه‪ ،‬ويحلّق‬ ‫المدفأة؛ لكي ال يدخل من المدخنة‪.‬‬ ‫عالياً‪ ،‬عالياً‪ ،‬فوق السحاب‪.‬‬ ‫أسدلت الستائر‪ ،‬وكتمتُ أنفاس كل‬ ‫قصيدة أخرى من أجلها‬ ‫الثقوب التي من المحتمل أن ينفذ من‬ ‫تنهّد ب��ارت��ي��اح بعد أن أن��ه��ى كتابة‬ ‫خاللها‪.‬‬ ‫قصيدته‪.‬‬ ‫بقيتُ في الغرفة ال أبرحها‪ ،‬وظل‬ ‫دقت الساعة الثانية والنصف بعد‬ ‫هو في الخارج؛ يحاول الدخول‪ ،‬وأنا‬ ‫اسمعه؛ يصرخ وي��ولّ��ول‪ ،‬يرتجف من منتصف الليل‪ .‬لملم أوراق��ه من جديد‬ ‫الخوف؛ من الوحدة‪ ،‬وأشياء أخرى‪.‬‬ ‫وراح يكتب لها قصيدة جديدة‪.‬‬ ‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫األعمى‬ ‫قصة للكاتب الفرنسي‪ :‬غي دي موباسان‬ ‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬ياسمينة صالح*‬

‫ما سر الفرحة التي تثيرها فينا أشعة الشمس؟ ولماذا يغمرنا الضوء المنبثق‬ ‫من السماء بهكذا سعادة بالحياة؟ السماء تبدو زرق��اء‪ ..‬زرق��اء للغاية‪ ،‬والحقول‬ ‫خضراء‪ ،‬والبيوت بيضاء‪ ..‬تمأل نظرنا؛ فتنتعش بها أرواحنا‪ ،‬إذ تتملكنا رغبة في‬ ‫الرقص‪ ،‬والركض‪ ،‬والغناء‪ ،‬كما يمكن لفكرة أن تخرج‪ ،‬فاسحة المجال للتأمل‪،‬‬ ‫راغبة في تقبيل الشمس‪!..‬‬ ‫كان فاقدو البصر يجلسون القرفصاء داخل ظلمتهم األزلية‪ ،‬غير مبالين بما‬ ‫يحيطهم‪ ،‬ساكنين وس��ط ه��ذه البهجة المستحدثة‪ ،‬من دون استيعاب ما يدور‬ ‫حولهم‪ ،‬ال يفعلون سوى تهدئة كلبهم الذي تتملكه الرغبة في االنطالق!‬ ‫أحياناً‪ ،‬يعودون آخر النهار‪ ،‬متأبطين‬ ‫ذراع أخ أو أخ���ت ص��غ��ي��رة‪ ،‬ف���إن ق��ال‬ ‫الطفل‪« :‬لقد ك��ان الجو جميال!» يرد‬ ‫األعمى‪« :‬نعم‪ ،‬أدركت ذلك من حركات‬ ‫الكلبة «لولو» التي لم تكن تقدر على‬ ‫البقاء في مكان واحد»‪.‬‬

‫فالحا‪ ،‬وابن فالح نورماندي‪ ،‬عاش مع‬ ‫والديه حياة طيبة‪ ،‬كانا يعتنيان به‪ ،‬ولم‬ ‫يكن يشكو سوى من فقدانه البصر؛ لكن‬ ‫ما أن تُوفي وال���داه‪ ،‬حتى ب��دأت حياة‬ ‫الشقاء تفتح ذراعيها له‪.‬‬

‫آوت���ه شقيقته ليعيش معها‪ ،‬وك��ان‬ ‫لقد عرفت واح��دا من هؤالء الذين الجميع يعامله كمتطفل يقتات من عرق‬ ‫ذاقوا من الحياة مرَّها‪ ،‬دون أن يستطيع اآلخرين‪ .‬كانوا يمنّون عليه بالطعام الذي‬ ‫أحد تخيّل مدى قسوة األيام معه‪ .‬كان يأكله‪ .‬يطلقون عليه لقب «الكسول» غير‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪75‬‬


‫المرغوب به‪ .‬وعلى الرغم من أن زوج أخته جعال أهله يحنقون عليه أكثر فأكثر‪ ،‬فصار‬ ‫استولى على نصيبه من الميراث‪ ،‬إال أنهم يحمل ع��بء كراهيتهم له زي��ادة إل��ى عبء‬ ‫كانوا يقدمون له الطعام على مضض‪ ،‬بيد إساءتهم إليه‪.‬‬ ‫أن الطعام لم يكن أكثر من حساء لئال يموت‬

‫من الجوع!‬

‫كان وجهه دائم الشحوب‪ ،‬وعيناه كبيرتان‬

‫بيضاوان‪ ،‬كرقائق الخبز‪ ،‬دائم الصمت أمام‬ ‫الشتائم؛ يوحي لآلخرين أنه ال يشعر بها‪.‬‬

‫لم يذق في حياته حنانا حقيقيا‪ ،‬حتى من‬

‫أمه التي بدت وكأنها تقوم بالواجب فقط‪،‬‬

‫بحيث أنها لم تحبه كما يجب‪ ،‬وكان واضحً ا‬ ‫أنه صار عبئا عليها‪ ..‬ربما لهذا السبب كانت‬ ‫ح��ادّة معه‪ ..‬فاألشياء غير الضرورية هي‬

‫التي تضر‪ ،‬كما يقول الفالحون عادة‪ ،‬لهذا‬

‫كانوا ينتهجون أسلوب الدجاج حين ينقرون‬ ‫رأس العاجز منهم حتى قتله!‬

‫ك���ان ال��ص��ب��ي ال ي��ف��ع��ل س���وى ال��ج��ل��وس‬

‫ال��ق��رف��ص��اء ف��ي ال��ص��ي��ف‪ ،‬وأم���ام المدفأة‬ ‫ش��ت��اءً‪ ..‬لم يكن يتحرك من مكانه إل��ى أن‬

‫يحين المساء‪ .‬ال تصدر عنه أيّ حركة‪ ..‬ال‬

‫شيء سوى جفناه حين يرتعشان‪ ،‬يعكسان‬ ‫معاناته الداخلية‪ ،‬ث��م يسقطان على تلك‬

‫البقعة البيضاء داخل عينيه‪.‬‬

‫هل ك��ان يفكر؟ هل ك��ان يحلم؟ هل كان‬

‫يستوعب الحياة من حوله؟ ال أح��د يسأل‬

‫نفسه هذه األسئلة‪!..‬‬

‫ظلت األم��ور على هذا الشكل لسنوات‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫عدم قدرته على العمل وعدم اكتراثه بعجزه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ق��ب��ل أن ي��ت��ن��اول ال��ط��ع��ام‪ ،‬يصبح محل‬ ‫سخرية الجميع‪ ،‬وتلك وسيلتهم في التسلية‪..‬‬ ‫حتى الفالحين ال��ذي��ن يسكنون بالجوار‪،‬‬ ‫يأتون أحيانا للمشاركة في حفل السخرية‬ ‫ذاك‪ ..‬يأتون أحيانا بأعداد كبيرة‪ ،‬بعد أن‬ ‫يدعو أحدهم اآلخر‪ ،‬فيضج المطبخ كل يوم‬ ‫بالمتفرجين‪ .‬وبمجرد جلوسه أمام المائدة‪،‬‬ ‫حتى يحمل أح��ده��م قطا أو كلبا صغيرا‬ ‫ويقربه من صحنه‪ ..‬وكأن الحيوان يستشعر‬ ‫ع��ج��ز األع��م��ى ع��ن رؤي��ت��ه‪ ،‬ي��ب��دأ ف��ي لعق‬ ‫الحساء بتلذذ‪ ،‬وما أن يصدر لعيقه صوتا‬ ‫واضحا حتى يلوح األعمى بيديه االثنتين‬ ‫في الهواء‪ ،‬فيهرب الحيوان مذعورا‪ .‬عندها‬ ‫ينفجر الضحك الهستيري من المتفرجين!‬ ‫ل��م يكن يصدر ع��ن األع��م��ى أي ص��وت‪،‬‬ ‫بل يعود إل��ى تناول حسائه مستعينا بيده‬ ‫اليسرى للدفاع بها عن صحنه من القطط‬ ‫والكالب‪ .‬أحيانا يضعون في صحنه كل أنواع‬ ‫القاذورات‪ ،‬فال يستطيع رؤيتها أو تمييزها‪،‬‬ ‫فيأكلها مع الحساء‪!..‬‬ ‫ك��ان زوج أخته يصفعه‪ ،‬ثم يضحك من‬ ‫محاولة األعمى اليائسة تفادي الصفع‪..‬‬ ‫بدا الصفع أشبه بلعبة جديدة‪ ،‬بات الجميع‬ ‫يشاركون فيها‪ ،‬إذ ص��اروا يمدون أيديهم‬ ‫إلى وجهه لصفعه‪ ،‬ما جعل جفنيه يتحركان‬ ‫بطريقة سريعة وعصبية‪.‬‬


‫وسأسرد عليكم كيف مات‪!..‬‬

‫عن شخص أو عن بيت!‬

‫وج��د صعوبة في التقدم‪ ،‬بسبب البرد‬

‫الذي كان ينخر عظامه‪ ،‬وقد بلغ منه اإلعياء‬

‫أشده‪ ،‬فجلس بالقرب من سهل متجمد‪ ،‬ولم‬

‫ينهض بعدها أبدا‪! ‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫وكأن كل هذا العذاب ال يكفي‪ ،‬فقد قرر‬ ‫زوج أخته إجباره على التسوّل‪ .‬كانوا يحملونه‬ ‫للجلوس على الرصيف‪ ،‬في أي��ام التسوق‬ ‫األسبوعية والتي ي��زداد فيها المتسوقون‪..‬‬ ‫كلما سمع صوت خطوات‪ ،‬أو سيارة تتوقف‬ ‫بالقرب منه‪ ،‬يمد قبعته قائال‪« :‬حسنة من‬ ‫فضلكم»‪ .‬لم يكن حذقا في التسول‪ ،‬إذ أنه‬ ‫لم يكن يعود إلى البيت بفلس واحد‪ ،‬ما زادت‬ ‫من حدة الحنق والثورة عليه‪..‬‬

‫ينهض من سقطته مصرا على البحث‬

‫غطاه الثلج الكثيف‪ ،‬جعله البرد يستسلم‬

‫للتصلب ال��ذي أص��اب أط��راف��ه‪ ،‬وبسرعة‪،‬‬

‫اختفى تماما تحت البياض‪ ،‬ولم يعد هنالك‬

‫ما يدل على مكان جثته!‬

‫ذات شتاء‪ ،‬كانت الثلوج تغطي الطرقات‪،‬‬ ‫والجليد في ذروته‪ ،‬قرر زوج أخته اصطحابه‬ ‫مَن كان يسأل عنه‪..‬‬ ‫معه بعيدا‪ ..‬ظن األعمى أنه سيأخذه ليتسول‬ ‫ذات يوم أحد‪ ،‬بينما كان الفالحون يتجهون‬ ‫كعادته‪ ،‬لكنه تركه هناك ورج��ع إلى البيت‬ ‫نحو القداس‪ ،‬لمحوا سربا من الغربان تحوم‬ ‫قائال إنه أضاعه! ثم أضاف‪:‬‬ ‫ «ربما أخذه أحدهم شفقة عليه من البرد‪ ،‬ح��ول هضبة‪ ..‬ظ��ل س��رب الغربان مكانه‪،‬‬‫تظاهر أهله بالقلق‪ ،‬بل وبكوا عليه أمام‬

‫فأكيد أنه لم يضع‪ ،‬وسيعود غدا لتناول وبدا أن عددهم قد تزايد‪ ..‬كانت أصواتها‬ ‫ح��ادّة‪ ،‬ينزلون في الثلج ثم يرتفعون ثانية‪،‬‬ ‫حسائه»‪.‬‬ ‫كمن يبحث بإصرار عن شيء‪ .‬ذلك المشهد‬ ‫ لكنه لم يعد إلى البيت في الغد وال في‬ ‫الغريب جعل أحدهم يقرر الذهاب وتقصي‬ ‫األي���ام ال��ت��ي ت��ل��ت‪ ،‬إذ بعد س��اع��ات من‬ ‫األمر‪ ،‬وهناك رأى جثة األعمى وقد التهمت‬ ‫االنتظار المرير محاطا بالبرد والصقيع‪،‬‬ ‫الغربان عينيه ولحمه‪..‬‬ ‫شعر األعمى أنه على وشك الموت‪ ،‬فقرر‬ ‫منذ ذل��ك ال��ي��وم‪ ،‬لم يعد ينتابني الفرح‬ ‫المشي‪ .‬لم يكن يعرف إل��ى أي��ن يمكنه‬ ‫التوجه‪ ،‬فهو ال يعرف أصال أين هو‪ ،‬وال أم��ام شمس الصباحات الجديدة‪ ،‬من دون‬ ‫يمكنه رؤية الطريق أمامه‪ ،‬مع ذلك أصر أن يتملكني الحزن على ذلك البائس الذي‬ ‫على مواصلة المشي رغم تعثره المستمر حرمته الحياة من كل شيء‪ ..‬حتى بدا موته‬ ‫وسقوطه ف��ي الحفر الصغيرة‪ ،.‬وك��ان خالصا حقيقيا لروحه المعذبة‪!..‬‬ ‫ * كاتبة من الجزائر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪77‬‬


‫بنات البوادي‬ ‫‪ρρ‬يوسف حسن العارف*‬

‫(‪ )١‬القادمات من (البدو)‪..‬‬

‫أعرفهن‪:‬‬ ‫ رائحة الخضاب‪..‬‬‫وكحل العيون‪..‬‬ ‫ صباغ األظافر‪..‬‬‫ملبوسهن!‬ ‫ وضع العباءة‪..‬‬‫مشيتهن!‬ ‫وأوالدهن!‬ ‫ وكل الحركات البريئة‪..‬‬‫تدل عليهن!‬ ‫ هن العفيفات‪ ..‬والعفة‪..‬‬‫والحشمة‪..‬‬ ‫ فالعذر لهن‪..‬‬‫إذا بصري خان‪..‬‬ ‫أو شك قلبي بهنّ !!‬

‫(‪ )٢‬بنات البوادي‪..‬‬

‫أنيقات!‬ ‫عليهن تنسكب الشمس‪..‬‬ ‫فتورق بالخجل الزاهي خدودهن!‬ ‫ومن سمرة الرمل‪..‬‬ ‫تنساب ألوانهن!‬ ‫ومن شجر الطلح والسدر‪..‬‬ ‫تشتم ضوعهن!‬ ‫فال تلتفت إلى غيرهن‪..‬‬ ‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وال تبعد العين عن فتنتهن!‬ ‫فهن اإلناث الحقيقات‪..‬‬ ‫وهن العسيرات في طبعهن‪..‬‬ ‫وهن اللطيفات في قولهن!!‬ ‫وهن البنات النشامى‪..‬‬ ‫فيا فخر آبائهن‪..‬‬ ‫وأعمامهن‪..‬‬ ‫وأخوالهن!!‬ ‫(‪ )٣‬بنات البوادي‪..‬‬

‫إذا ما ظمئت‪..‬‬ ‫فمائي من بئرهن‪..‬‬ ‫يردن عليها عطاشا‪..‬‬ ‫ليسقين أضيافهن!!‬ ‫وإن جعت‪..‬‬ ‫فالذبح والطبخ واألكل‪..‬‬ ‫من دورهن!!‬ ‫وإن قلت آهٍ ‪..‬‬ ‫تنادين للرحمة‪..‬‬ ‫فالطب سهل‪..‬‬ ‫على بعضهن!!‬ ‫بنات البوادي‪..‬‬ ‫كمال‪ ..‬وعلم‪..‬‬ ‫وأخالق بدو تسامت‪..‬‬ ‫على كيفهن!!‬ ‫فهن اللواتى أسرن الفؤاد‪..‬‬ ‫عليهن مني سالم المروءة‪..‬‬ ‫لحن المحبة‪..‬‬ ‫وأنشودة ال تقال‪..‬‬ ‫إال لهنَّ !!!‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪79‬‬


‫ُ‬ ‫لعنة أنثى‬ ‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫يهتز عرش كسرى‬ ‫كلما مررت به‬ ‫وتولّول نسوته شاكيات‬ ‫ويكتبني القيصر‬ ‫أهزوجة نثره‪..‬‬ ‫فتلعق النسوة‬ ‫أصابع‬ ‫الوشايات‬ ‫***‬

‫يالعبني التاريخُ‬ ‫حين منامه‬ ‫وفي استيقاظه‬ ‫يتلو‬ ‫تعاوي َذ‬ ‫الساحرات‬ ‫يظن أنه مروضي‬ ‫التف حولي‬ ‫كلما َّ‬ ‫فيفقد صبرَه‬ ‫عارجا‬ ‫للسموات‬

‫مستحيلة أنا‬ ‫كما صبر الثكالى‬ ‫كما المعجزات‪..‬‬ ‫كما القيود حول العذارى‬ ‫كما اللعنات‬ ‫كما النجوم في ليل السهارى‬ ‫كما الهذيان‬ ‫كما أنا‬ ‫كما أنت‬ ‫كما اختالس‬ ‫ساعة غواية النظرات‬ ‫***‬

‫مستحيلة أنا‬ ‫وجل‬ ‫كما يأتيني القمر‪ِ ..‬‬ ‫ليشرب من ثغري‬ ‫بعض حكايات‬ ‫***‬

‫أنثى أنا‬ ‫في عنقي تدلت‬ ‫قالئد من أساطير‬ ‫وبعض من أمنيات‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫***‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫فيتعرّى‬ ‫من ذنوبه‬ ‫ويصعد نقيا‬ ‫تماما‬ ‫كما البدايات‬


‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫أُغرّدُ فوق البيادرِ وحدي‪..‬‬ ‫وأشرب من ماء حزني هناك‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫األغاريد‬ ‫ِ‬ ‫طيوف‬ ‫ُ‬ ‫تمر‬ ‫حيرى‪..‬‬ ‫فتضرمني‬ ‫في الحنايا اشتياقْ ‪..‬‬ ‫أفتش عن بعض نبضي‬ ‫ُ‬ ‫وأذرو‪..‬‬ ‫بقاياي في دهشة األقحوان!‬ ‫األمنيات تغنّي‬ ‫ُ‬ ‫فما عادت‬ ‫وما عاد في الزفرات‬ ‫انعتاقْ ‪..‬‬ ‫رسمتك حينًا‬ ‫َ‬ ‫ذرفتك حينًا‪..‬‬ ‫َ‬ ‫الغياب‬ ‫ْ‬ ‫وواريت كل شذاك‬ ‫ُ‬ ‫فلم يبقَ في الضوءِ‬ ‫إال شعاعٌ‬ ‫يُ مزّق صبحي‬ ‫ويزجي الوراء‪..‬‬ ‫أعيش على سحنة الفجرِ‬ ‫ُ‬ ‫أروي عروقي يباب‬ ‫خيطا من العمرِ‬ ‫ً‬ ‫ألكمل‬ ‫يأبى ذبو ًال ويقتات‬ ‫لون الضباب‪..‬‬ ‫الحزن‬ ‫ِ‬ ‫هناك على ضفةِ‬ ‫أرسم بعضي‬ ‫ويرسمني الحزنُ‬ ‫لحن نقاء‪..‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وحدي‬

‫* قاصة وشاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪81‬‬


‫‪ ‬الريحانة‬

‫وجوه‬

‫‪ρρ‬عبداهلل األسمري*‬

‫‪ρρ‬مها سعود*‬

‫هذهِ الوجوه‬ ‫أصبحت قادرة‬ ‫صمتي‬ ‫ِ‬ ‫على تفكيك‬ ‫وانهيار الحروف بداخلي‬ ‫بل إنها ألقت بحملها وهذيانُها‬ ‫فوق عاتقي‪..‬‬

‫يِـبّس الريحانُ على فمي‬ ‫وتحنّط الورد الجميل‬

‫***‬

‫أسرجت خيل ‪ ‬الشعر اركض للسراب‬

‫وجوهٌ غابت‬

‫‪ ‬أبد ًا سأبحر قاصدا شمس اإلياب‬

‫ولم تعد تشبه ماضيها‬

‫وإذا‪ ‬ما الليل جَ نّ‬

‫تسكن كل زوايا هذا العمر‬

‫ومضى يعربد‪ ‬في الخالء‬

‫تجوب الحاض َر‬ ‫ُ‬

‫وشذى نسيم الصبح‬

‫تكتفي بالهذيان‬ ‫ِ‬ ‫وال‬

‫يدفع مركبي‬

‫تشكل كومةً من الذكريات ال ُتعَدُّ وال تحصى! سألوذ‪ ‬بالنسيان والصمت الرهيب‬

‫‪82‬‬

‫في أعوامٍ ما‪..‬‬

‫ال واحة خضراء‬

‫وأيام خالية من الجفاء‬

‫وال خل حبيب‬

‫ال تهدأ القلوب من ّضخ الصفاء‬

‫وأنين صمت الروح‬

‫بكل المالمح‬

‫يختلج ‪ ‬الرؤى‬

‫لكن رغم هذا‬

‫يبكي ويبكي حام ًال‬

‫لم يثمر بها العطاء!‬

‫للشمس آيات‪ ‬المغيب‬

‫ولن نعتادُ وجودها بيننا‬

‫إذ ًا سيرحل نبضنا ويظل هذا الشعر‬

‫وال الوثوق ببقائُها‪.‬‬

‫مفتاح الحنين‪ ..‬‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫‪ρρ‬عالء الدين رمضان*‬

‫الموت‬ ‫ِ‬ ‫إلى ساحةِ‬ ‫ركب القوافيَ في كلِّ حينْ‬ ‫يخرجُ ُ‬ ‫الموت في الرَّ احلينْ‬ ‫ِ‬ ‫يُ شَ ِيّعُ من را َح مُ مْ ت َِطي ًا صهو َة‬ ‫يرسو القرا ُر المَ كِ ينْ‬ ‫حيث ُ‬ ‫إلى ُ‬ ‫ُحاس‪..‬‬ ‫قصائدُ هُ م من ن ٍ‬ ‫َين‬ ‫وما بين سَ ْطر ِ‬ ‫تجثو المسافةُ مترعةً بالخلودِ‬ ‫مضمخةً بالورودِ‬ ‫بالخنادق‬ ‫ِ‬ ‫وَمَ غْ زُ َّو ًة‬ ‫بالقناديل‬ ‫ِ‬ ‫مُ كْ ت ََّظةً‬ ‫ين‬ ‫مَ نْفُ وحةً بالرُّ ؤَى والي َِق ِ‬ ‫الص ِقيل‬ ‫مُ د ََّججَ ةً باألغاني َّ‬ ‫الموت ي ََّصا َفنُونَ الحيا َة‬ ‫ِ‬ ‫والالحقو َن على َف ْورَةِ‬ ‫الطويل‬ ‫ِ‬ ‫ُتدَافِ عُ أشعارُهم ليلَ هذا الوجومِ‬ ‫حثيث ًا‬ ‫العميم‬ ‫ِ‬ ‫االلتباس‬ ‫ِ‬ ‫إلى ُظلْمَ ةِ‬ ‫يُ غَنُّ و َن ِملْ َء الحناجرِ‬ ‫أُغنيةً ال تَلِ ينُ ‪..‬‬ ‫يُ غَنُّ و َن ملء الحناجرِ‬ ‫يم‬ ‫البعيد المُ ِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫لليقين‬ ‫ِ‬ ‫أغنيةً‬ ‫اط َعةْ‪:‬‬ ‫الس ِ‬ ‫وللراحلينَ ألنوارِ هِ َّ‬ ‫ما لألحبةِ قد طافُ وا وقد جَ َفلُوا‪،‬‬ ‫جَ ابُوا الطرائقَ قد أَوْغَ لُوا قُ دُ ما‬ ‫جَ نَّ البعادُ وطَ الَ القلبَ بينُهُ مُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫بأس‬ ‫ال على الالحق ُ‬

‫‪83‬‬


‫‪84‬‬

‫َرثَى لحاليَ بعدَهُ م َفهَلَّ دَمَ ا‬ ‫هل عا َد ُحبُّ َك يَقْ ُسو‬ ‫بأس‬ ‫أم في التذكرِ ُ‬ ‫قد شَ فَّ نَا َيأ ُْس‬ ‫الكأس‪َ :‬يأ ُْس‬ ‫ُ‬ ‫وزادُ نَا‬ ‫الكأس يأ ُْس‬ ‫َ‬ ‫فزا َدنَا‬ ‫َك َتأ ُْسو‬ ‫خَ فِّ ْف نحيب َ‬ ‫بأس‬ ‫الحق ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فما على‬ ‫إال إذا كنت ترجو للبقاءِ الخلود‬ ‫فدع متاهتك العنود‬ ‫كي ترتجي قر ًة هذا القصيد‬ ‫ثم استمل بالفؤاد وجه هذا الوجود‬ ‫بقدر ما تستطيعُ‬ ‫َك اآلتي‪..‬‬ ‫أو فارتجل بيت َ‬ ‫ترجل عند ساحةٍ من يقينْ‬ ‫َّ‬ ‫واخفض جناحك رحمةً‬ ‫ْ‬ ‫اليقين استضاءْ‬ ‫ِ‬ ‫بمن في سنا هذا‬ ‫إن كنت ترجو الخلود‪.‬‬ ‫الموت‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كذا يخرج الذاكرون إلى ساحة‬ ‫ركب القوافي‪.‬‬ ‫يخرجُ ُ‬ ‫وفي كل حين‬ ‫يشيّع من راح ممتطي ًا صهوة الموت في الراحلين‬ ‫إلى حيث يرسو القرا ُر المكين‬ ‫المقيم‬ ‫ِ‬ ‫الصباح‬ ‫ِ‬ ‫بريق‬ ‫تُظَ ِّللُهُ مْ غيمةٌ من ِ‬ ‫فيسترجعون‬ ‫لمن راح أوغل في معطف الغيب‬ ‫بالغياب‬ ‫ِ‬ ‫ملتحف ًا‬ ‫لقد عاش يرفو الحياة بروح وقلب حميم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وكانت تمر الحياة عليه كبرق أثيم‬ ‫تهم إليه بنور خصيم‬ ‫يفارق عينيه قبل اكتحال الرؤى للظالم البهيم‬ ‫صبح مقيمٌ إليه‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫أتى اآلن‬ ‫أتاك صباحٌ مقيم‬ ‫وكانت هواجسنا قد تسلت إلى ذكر هذا اليقين‬ ‫فدست بأرواحنا في الفراق‬ ‫تسلت بعين اليقين عن السوء‪..‬‬ ‫سوءِ الظنون‪..‬‬ ‫‪ ...‬رجاءِ الزمان الخؤون‬ ‫والنفس‬ ‫ُ‬ ‫وإن رفَّ ت الروح منا لودك‬ ‫وأحدق فينا الظاللَ الحزن‬ ‫الحدس‬ ‫ُ‬ ‫وأنشب أظفره‬ ‫فال يأس ينعى على الالحقين‪..‬‬ ‫وال بأس فيما يراودنا من وهن‬ ‫الصبح‬ ‫ِ‬ ‫فها قد أنا َر اليقينُ على صورة‬ ‫اللبس‬ ‫ُ‬ ‫وانقشع‬ ‫والالحقو َن‬ ‫على حافة العمر‬ ‫إذ ال يزالون ي ََّصا َفنُو َن الحيا َة‬ ‫يُ َغنُو َن للراحلينْ ‪..‬‬ ‫ُحاس‬ ‫قصائدهم من ن ٍ‬ ‫والمسافة مترعة بالحنين‪..‬‬ ‫* استضاف المتقارب في القصيدة صوتاً من البسيط‪.‬‬ ‫ * الشاعر أستاذ اللغة العربية وآدابها في كلية العلوم والدراسات اإلنسانية في السليل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪85‬‬


‫مجهولة االسم؟!‬ ‫‪ρρ‬أحمد مصطفى سعيد*‬

‫مجهولة الرسم واالسم‬ ‫عرفت تخرجني‬ ‫من دوائر حزني‬ ‫مساءً وأنا أهمس لورد شرفتي‬ ‫عن سراكتئابي‬ ‫وبكائي‬ ‫ووحشة القلب‬ ‫وعتمة الدرب‬ ‫‪......‬‬ ‫‪......‬‬ ‫أطل من بعيد وجه ال يبين‬ ‫فالليل وعتمته قطاع طرق للمغرمين‬ ‫وفراسة القلب جزمت‬ ‫صديقة وحدة مثلك‬ ‫والليل‬ ‫للشاكين السر آمين‬ ‫ما إن وقعت العين على العين‬ ‫فرت مرت كوميض‬ ‫ردها الفضول‬ ‫القلب المهجور‬ ‫الجسد البتول‬ ‫أرسلت من ضي العين سؤال‬ ‫أتراك مثلي أسير عذابات؟‬ ‫رغم الزحام‬ ‫رغم الضجيج‬ ‫تشتكي الوحدة‬ ‫وفي القلب تلهو األنات‬ ‫مجهولة الرسم واالسم‬ ‫اقتفت ساعات صحوي‬ ‫سقيا وردي‬ ‫تمتمات وردي‬ ‫وشوشات نرد بختي‬ ‫وعلى زفير سيجارتي‬ ‫تطل‬ ‫تهل‬ ‫والحياء يسبقها‬ ‫ * شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫تختفي يردها الحنين‬ ‫مستأمنة الليل فرحتها‬ ‫ترخي للنشوة طرحتها‬ ‫تخطفها‬ ‫تعصب الكون‬ ‫الخوف ترديه‬ ‫تكشف األستار عن فواكه جنتها‬ ‫كنوز فتنتها روضها‬ ‫وآخر‬ ‫ال تدري بأن الليل‬ ‫لئيم‬ ‫نمام‬ ‫وكم رحيم‬ ‫ال يكتم سر عاشق ملتاع‬ ‫جسد لسلوى األنامل جواع‬ ‫أيام مرت‬ ‫وكالنا ارتضى من العشق‬ ‫بهمسة الدفين من بعيد‬ ‫(سحق ًا للمسافات العزول سحق ًا لكل حصور)‬ ‫ترى يا عشق يجمعنا دربك؟!‬ ‫أم نبقى العمر‬ ‫ننتظرالنجاة‬ ‫المساء الرحيم‬ ‫فتدب في األرواح الحياة‬ ‫والجسد النحيل عشق ًا‬ ‫شوق ًا يرسل السالم قبالت‬ ‫وأنين ًا‬ ‫مع ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬


‫‪ρρ‬حامد أبو طلعة*‬

‫ال تُخبري أحد ًا بهِ‬ ‫واستأثري في العالمين بحبهِ‬ ‫قولي له‪:‬‬ ‫ُصنْ حبنا‪ ‬‬ ‫واستحلفيه بربهِ‬ ‫كوني لهُ‬ ‫مثل المساء‬ ‫وخبئي أشواقهُ‬ ‫شمس ًا تضيء بدربهِ‬ ‫في ِسل ِْمهِ ‪ ،‬كوني على شفتيهِ أجمل بسمةٍ‬ ‫أو حَ ْربَةً في حربهِ‬ ‫سرّهِ‬ ‫كوني خزانة ِ‬ ‫وبشرّهِ‬ ‫ِ‬ ‫واستودعيه بخيره‬ ‫ال تُخبري أبدا بهِ‬ ‫سألوك عن نظراتهِ‬ ‫ِ‬ ‫حتى إذا‬ ‫نبضاتهِ‬ ‫كلماتهِ‬ ‫عن بُعْ دهِ ‪،‬‬ ‫عن قُ رْبِ هِ‬ ‫قولي لهم‪:‬‬ ‫خَ ل ٌْق أتى الدنيا على مَ َض ٍض‬ ‫هوى‬ ‫فما وجد الحيا َة سوى ً‬ ‫ووجدتُني في قلبهِ ‪..‬‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫وصية‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪87‬‬


‫إلى جزيرة فرسان الحالمة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الموان ِئ‬ ‫ذاكـــــــــرة‬ ‫ِ‬ ‫‪ρρ‬جناة خيري*‬

‫غ � � � �ن � � � ��اءُ ع� � �ي� � �ن� � �ي � � ِ�ك ي � � � ��ا ف� � � � � � َرس � � � � ��انُ أش� �ج ��ان� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ي‬ ‫ب � � � � � � ��وحٌ ت� � � � � �ه � � � � ��ادَى وع� � � � �ش � � � � ٌ�ق ه� � � � � ��زَّ وج� ��دان � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ي‬ ‫�وج أغ � � �ن � � �ي� � ��ةٌ ل� � �ه � ��ا ط� ��رِ َب � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� � ْ�ت‬ ‫ح � � �ن� � ��اج� � ��رُ ال� � � � �م � � � � ِ‬ ‫ش � � � �ط� � � ��آن روح� � � � � � � ��ي وك � � � ��ان � � � ��ت غ � � � �ي� � � ��ثَ أل� ��وان � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ي‬ ‫�ال َل �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا‬ ‫ي� � ��ا ق � �ب � �ل � � َة ال � � �ح� � � ِّ�ب ي� � ��ا ص � � � ��وتَ ال� � �ج� � �م � � ِ‬ ‫ي � � ��ا ب � �س � �م � � َة ال � � � � � � � � � � َورْدِ ف � � ��ي أح � � �ل� � ��امِ ب �س �ت��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫�أس� � � ��ا وت� ��رنِ � ��مَ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��ةً‬ ‫أ َدر ُْت ف � � �ي� � � ِ�ك ال � � � �ه� � � ��وى ك� � � � ً‬ ‫�وق م � ��ن ع� �ي� �ن� �ي � ِ�ك ن��اج��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫وأج � � �م� � ��لُ ال � � �ش� � � ِ‬ ‫�س ال� � � � ��وعْ � � � � � ِ�د دان� �ي� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ةٌ‬ ‫وم� � � � ��ن ن� � �خ� � �ي � ��لِ � � ِ�ك ش � � �م � � � ُ‬ ‫�ان‬ ‫ظ�ل��ا ُل � �ه� ��ا ح �ي �ن �ـ �ـ �ـ �م��ا ط ��اف� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ � ْ�ت ب��تِ � ْ�ح �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ� ِ‬ ‫ن � � �س � � ��ائ � � ��مُ ال � � �ع � � �ط � � ��رِ خ� � � � َّ�ط� � � � ْ�ت دربَ ب� �ه� �ج ��تِ � �ه� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ا‬ ‫ورق� � � �ص� � � �ةُ ال� � �ب� � �ح� � �رِ تَ� � � �هْ � � ��دي ك� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� � َّل حَ� �ي� �ـْ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��را ِن‬ ‫أب� � � � � � � � ��وحُ ل� � �ل� � �ب� � �ح � ��رِ ذاك � � � � � � � � � ��ر ًة ب � � �ه� � ��ا ه� �ت� �ف� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ � ْ�ت‬ ‫م � � ��وان � � ��ئُ ال � �ع � �ش� � ِ�ق م � ��ن ت � �غ� ��ري� � ِ�د ُش �ط��آن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫�اي األم� � � � � ��ان� � � � � ��يِّ أدري أي� � � � � ��ن وِ ْج � �ه� ��تُ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ � �ـ� ��هُ‬ ‫ن������� ُ‬ ‫�اك ف� � ��ي ل � �ه � �ف� ��ةٍ ت� � �ش � ��دو ألل �ح��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫ه � � �ن� � � َ‬ ‫م� � � ��ن دان � � � � � � ��ةِ ال � � �ل � � �ي� � � ِ�ل غ � � �ن � � � ّي� � � ُ�ت ال � � � �ه� � � ��وى َو َل� � �ه� � �ـ� َ� �ـ� � �ـ� � �ـ ً� ��ا‬ ‫�واف ِش � ْري��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫وض � � ْ�ح� � �ك � ��ةُ ال � �ف � �ج� ��رِ ف � ��ي تِ � � � ْ�ط � � � ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫م � � �س � ��اق � ��يَ ال� � � ��وق� � � � ِ�ت ط � � ��عْ � � ��مُ ال� � � ��ري� � � � ِ�ح مُ ��تَّ � �ك ��ئِ � �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ي‬ ‫رَسَ � � � � ��مْ � � � � � ُ�ت ف � � ��ي م � � ��وج � � ��هِ ص � �م � �ت� ��ي وت �ب �ي ��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ��ي‬ ‫س � � �ن � ��اب � ��لُ ال � � �ع � � �ش � � ِ�ق ض� � � � � ��وءُ ال� � ��عُ � � ��مْ � � ��ر أق � ِ�ط ��فُ � �ه� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ا‬ ‫�ات ال � � �ج � � �وَى م � ��ن ِج� � ��فْ � � � ِ�ن فُ �س �ت��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫م � ��ن ع� ��اط � �ف� � ِ‬ ‫�اك ب �س �م � َت � َه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ��ا‬ ‫سَ � � � َت� � � ْ�ج� � ��نِ � � ��يَ ال � � � � � � ��روحُ ف � � ��ي رؤي � � � � � � � ِ‬ ‫�داب أف �ن��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫وم� � � ��ن أق � � ��اص � � ��يْ ش � ��جَ � ��ى األه � � � � � � � � ِ‬ ‫�روح مَ � � � ْ�س� � � �رَى ط � �ي � � ِ�ف ع��اط �ف �ت �ـ �ـ��ي‬ ‫ُأ ْب� � �ق� � �ي � � ِ�ك ف � ��ي ال � � � � � � ِ‬ ‫وخ� � � �ط � � ��و ُة ال � � �ح� � � ِّ�ب ت� �س� �ع ��ى ب� � �ي � ��نَ أج �ف��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫ال� �م� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��دُّ أن � � � �ش� � � ��ود ُة ال� ��مَ � ��غْ � � َن � �ـ � �ـ� ��ى ب �ق��اف �ي �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫وال � � � �ج � � � � ْز ُر ف � ��ي ُح � � ْ�س � ��نِ � ��هِ ِم � � �ي � � �ع� � ��ادِ يَ ال �ث��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫�وج ِس� � � ْ�ح� � ��رٌ ك � � ��مْ أل � � � � ��وذُ بِ �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا !‬ ‫وه � �م � �س� ��ةُ ال � � �م� � � ِ‬ ‫ل �ت �م �ح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ � َو ال� � �ه � ��مَّ ِم � �ن � ��ي ح � �ي � ��نَ ت �ل �ق��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫ق� � ��د ذُ ْب� � � � � � � ُ�ت ف� �ي� �ه ��ا وذاب� � � � � � � ْ�ت ف� � ��ي ال � � �ث� � ��رى ُل �غ �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي‬ ‫وذابَ ش� � �ع � ��ري ب � �ه� ��ا ب � � � ��لْ ك � � � ��لُّ أح ��زان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ٍ��ي‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪89‬‬


‫قصيدة هاشم‬ ‫تحمي نفسها من السقوط في متاهة القول‬ ‫‪ρρ‬محمد احلرز*‬

‫القصيدة التي يكتبها هاشم الجحدلي ال تثقل عليه‬ ‫لغته‪ ،‬وال تنزل على أرضه الشعرية من مكان مرتفع‪ ،‬مثل‬ ‫صخرة ال تجيد س��وى االرت�ط��ام‪ ،‬وإث��ارة الغبار‪ ،‬وتفزيع‬ ‫الطيور النائمة في أوكارها‪ ،‬وتخريب العشب النابت في‬ ‫حنجرته‪ .‬إنها القصيدة الضوء‪ ،‬التي تكاد من شفافيتها‬ ‫المفرطة ال تلمس األشياء في فضاء روحه إال وحوّلته‬ ‫إلى أيقونة‪ !..‬القصيدة الضوء‪ ،‬التي ال تثنيها كمائن‬ ‫العتمة عن ال�ق��ول‪ ،‬وال صخب الريح عن اإلص�غ��اء‪ ،‬وال‬ ‫ارتفاع الموج عن االقتراب‪ .‬وإذا كانت الخفة سمة الضوء‪ ،‬فالقصيدة لديه سمتها‬ ‫العشق‪ ،‬وكالهما الخفة والعشق لهما وشائج النسب ذاتها‪ ،‬األول يعبُر فضاءه وال‬ ‫يتوقف‪ ،‬بينما اآلخر يذهب إلى معناه مباشرة‪ ..‬حيث دليل العاشق شغفه‪:‬‬

‫‪90‬‬

‫رؤى الصبي الصغير زرقة الموج بزرقة‬ ‫«مَ ن سيعيد القصيدة لي‬ ‫السماء‪ ،‬ال ب��د أن ال��ذي ك��ان ي��راه من‬ ‫سوى ولعي‪،‬‬ ‫ه��ذه الزرقة يتوافق حسياً مع ما كان‬ ‫وسوى فتنتي بالغوايات‬ ‫يتناهى إلى مسمعه من صخب البحر‬ ‫بكل المليحات والمالحات»‪.‬‬ ‫وهديره‪ .‬وال بد أيضا هنا للمخيلة أن‬ ‫البحر والشاعر‪!..‬‬ ‫تستثار‪ ،‬وكأن مهمازاً بيد السائس جعل‬ ‫هذا الشاعر الذي سكنه البحر منذ الخيل من حوله تنفر في كل اتجاه‪ .‬لكن‬ ‫والدته في قرية «ثول» التي تقع شمال المفارقة الحقاً أنك ال تجد البحر في‬ ‫جدة‪ ،‬وسكنته أمواجه‪ ..‬إذ اختلطت في قصيدته كما تجده عند شعراء آخرين‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ش � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ادات‬

‫م��ج��رد ب���وح ي��س��ري ف��ي ع����روق القصيدة‬ ‫كالمخدر‪ ،‬بل هو المغزل ال��ذي يلتف عليه‬ ‫نسيج المعنى؛ ولهذا تأخذ قصيدته مالمح‬ ‫البحر وال ت��أخ��ذه ف��ي ال��وق��ت نفسه‪ ،‬وك��أن‬ ‫غاللة شفيفة يخفي بها ما تحاول القصيدة‬ ‫إظهاره من عالقة عميقة مع البحر‪ ،‬وليس‬ ‫االقتراب من عالم طفولته الممتد على أغلب‬ ‫مساحة نصوصه في مجموعته «دم البينات»‪،‬‬ ‫سوى هذه الغاللة التي تحمي دم القصيدة‬ ‫م��ن الكشف أو الهتك‪ ،‬وتحميه أيضا من‬ ‫السقوط في متاهة القول‪.‬‬ ‫التطويع اإلبداعي‬ ‫هاشم الجحدلي من جيل الذين كتبوا‬ ‫وتقصي‬ ‫ّ‬ ‫القصيدة وه��م مقبلون على الحياة بحبٍّ البحث عن حياة كبار المبدعين‪،‬‬ ‫وشغف‪ ،‬يتلمسون طريقها بأيديهم وليس تفاصيل حياتهم‪ :‬القصيمي‪ ،‬محمد العلي‪،‬‬ ‫ب��رؤوس��ه��م ف��ق��ط‪ ،‬يكتبون دون أن يتركوا عبدالرحمن منيف‪ ،‬هو الدليل على مثل هذا‬ ‫مسافة بينها وبينهم‪ ،‬دون أن يلتفوا أو حتى التطويع اإلبداعي‪.‬‬ ‫يرفعوا الشوك عن أقدامهم؛ وعلى الرغم‬ ‫الشعر قوته‪..‬‬ ‫م��ن التباين ف��ي اللغة والتجربة والعطاء‬ ‫هاشم كشاعر‪ ..‬يمتلك القدرة على القول‬ ‫أي���ض���ا؛ إال أن ال�����روح ال��ت��ي ت��ك��م��ن خلف‬ ‫قصيدتهم هي قصيدة أخرى بامتياز‪ .‬هذا خالف الكثير من الشعراء الذين يقولون ثم‬ ‫الحب وهذا الشغف لم يتسلل إلى قصيدة يصمتون كلياً‪ ،‬بل يديرون ظهورهم للشعر‪،‬‬ ‫هاشم فقط‪ ،‬ب��ل ام��ت��دَّ إل��ى ك��ل م��ا يفضي ويخرجون إلى ظاللهم بصمت مطبق! هذا‬ ‫إل��ى ام��ت�لاء مخيلته بالزيت ال��ذي يجعلها م��ا ن���راه ف��ي الكثير م��ن ال��ت��ج��ارب‪ .‬هاشم‬ ‫تعمل باستمرار دون انقطاع أو خمول‪ .‬حبه كشاعر يجيد القدرة على تجدّده بالشعر‪،‬‬ ‫للصحافة والدخول في عالمها لم تستسلم ومن ثم إعادة صلته بالقصيدة‪ ..‬وإن كان من‬ ‫مخيلته إلى سلطتها وإغراءاتها المدمرة على موضع خارجها‪ ،‬ورغم قلة ما ينتجه‪ ،‬إال أنه‬ ‫ذات المبدع‪ ،‬وجدناه يطوّعها الستفزاز ما يفتح مسربا إليها من خالل تماسّ ه الدائم‬ ‫تمس حساسية مع حركة اإلبداع؛ لذلك‪ ،‬دائما ما أراه يش ُّع‬ ‫ُّ‬ ‫تراكم في مخيلته من خبرة‬ ‫المبدع من العمق‪ ،‬وليس حساسيته تجاه ويتأل ُق عندما يُصغي إلى أصدقائه الشعراء‪.‬‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪91‬‬


‫د‪ .‬خولـة الكـريع‬ ‫‪ρρ‬احملرر الثقايف‬

‫ولدت خولة بنت سامي سليم الكريع في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف‪ ،‬ونشأت‬ ‫وترعرعت في ربوعها ودرس��ت في مدارسها حتى الثانوية‪ ،‬ثم التحقت بجامعة‬ ‫الملك سعود ف��ي ال��ري��اض لتنال درج��ة البكالوريوس ف��ي الطب وال�ج��راح��ة عام‬ ‫‪1994‬م‪ .‬ومن المركز القومي األمريكي لألبحاث في‪ ‬ميريالند‪ ‬بالواليات المتحدة‬ ‫األمريكية‪ ‬نالت درجة الدكتوراه في سرطانات الجينات عام ‪2001‬م‪ .‬وهي اآلن كبير‬ ‫علماء أبحاث أمراض السرطان‪ ،‬ورئيس مركز الملك فهد الوطني لألورام التابع‬ ‫لمستشفى الملك فيصل التخصصي‪.‬‬ ‫المؤهل العلمي‬

‫التشخيصي في مستشفى الملك‬ ‫فيصل التخصصي من عام ‪2003‬م‪،‬‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬

‫دك��ت��وراه في سرطانات الجينات من‬ ‫ال��م��رك��ز ال��ق��وم��ي األم��ري��ك��ي ل�لأب��ح��اث‬ ‫ف���ي‪ ‬م���ي���ري�ل�ان���د‪ ‬ب���ال���والي���ات ال��م��ت��ح��دة ‪ -4‬ك��ب��ي��ر ع��ل��م��اء أب��ح��اث ال��س��رط��ان‪،‬‬ ‫استشاري من ‪2004‬م‪ ،‬حتى اآلن‪،‬‬ ‫األمريكية‪ ‬عام ‪2001‬م‪.‬‬ ‫وت��ق��ود فريق طبي يعمل ف��ي هذا‬ ‫الخبرات العملية‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫‪ -1‬أس��ت��اذ م��ش��ارك ف��ي عالم سريري‬ ‫‪ -5‬رئ��ي��س م��رك��ز األب��ح��اث ف��ي مركز‬ ‫الملك فيصل التخصصي ومركز‬ ‫ال��م��ل��ك ف��ه��د ال���وط���ن���ي ل��ل��أورام‬ ‫األبحاث ‪2002‬م‪2003-‬م‪،‬‬ ‫ال��ت��اب��ع لمستشفى الملك فيصل‬ ‫‪ -2‬رئيس بنك األنسجة الحيوية في‬ ‫التخصصي وم��رك��ز األب��ح��اث في‬ ‫مركز األب��ح��اث بمستشفى الملك‬ ‫ال��ري��اض منذ ع��ام ‪2005‬م‪ ،‬حتى‬ ‫فيصل التخصصي من عام ‪2003‬م‪.‬‬ ‫اآلن‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫‪ -3‬ال��م��دي��ر الطبي للمختبر العربي ‪ -6‬شاركت في العديد من المحافل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫العلمية العالمية‪ ،‬ولها أكثر من خمس‬ ‫وت��س��ع��ي��ن ورق�����ة ع��ل��م��ي��ة قُ���دِّم���ت في‬ ‫م��ؤت��م��رات علمية دول��ي��ة‪ ،‬ف��ي أمريكا‬ ‫واليونان وسويسرا‪ ،‬والصين وغيرها‪..‬‬ ‫وتتمتع بعضوية ست لجان عالمية في‬ ‫مجال أبحاث السرطان وعلوم األمراض‬ ‫والجينات البشرية‪.‬‬ ‫‪ -7‬حصلت على جائزة أفضل بحث علمي‬ ‫ل�لأع��وام ‪2008 ،2006 ،2004‬م في‬ ‫مستشفى الملك فيصل التخصصي‬ ‫ومركز الملك فيصل التخصصي ومركز‬ ‫األبحاث‪.‬‬

‫وت��ق��دي��را إلن��ج��ازات��ه��ا البحثية المتميزة‬ ‫التي جعلتها من الكفاءات التي يشار إليها‬ ‫بالبنان محلياً وإقليماً وعالمياً‪ ،‬فقد قلّدها‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود يرحمه اهلل‪ ،‬وسام الملك‬ ‫عبدالعزيز من الدرجة األولى في ‪ 26‬محرم‬ ‫حينئذ كلمته المشهورة‬ ‫ٍ‬ ‫‪1431‬ه��ـ‪ .‬وق��ال لها‬ ‫(تستاهلين)‪ ،‬فجعلتها عنواناً ألحد كتبها‪.‬‬

‫‪ -8‬حصلت على ب��راءة اختراع من ألمانيا‬ ‫عن اكتشاف التضخم الجيني لجين (إ‪.‬‬ ‫إس‪ .‬آر ‪ )ESR-‬في سرطان الثدي عام‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬وهي حصلت على جائزة جامعة‬ ‫هارفارد للتميز العلمي عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬نشرت نحو ‪ 300‬ورقة علمية في دوريات‬ ‫طبية محكّمة‪.‬‬ ‫‪ -10‬عضو مجلس الشورى في المملكة منذ‬ ‫عام ‪1434‬هـ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪93‬‬


‫الشاعر سعد الثقفي‬

‫االرتياح للنص من وجهة نظري أولى العتبات في الدخول إلى النص‪..‬‬ ‫ومن الخطورة على المثقف جعل اإلنترنت مرجعا يثق به‬ ‫كشاعر ومثقف وأك��ادي �م��ي‪ ..‬رس��م لنفسه واق �ع � ًا ب�ش��روط تناسب ح�ض��وره في‬ ‫فضاءات الكلمة‪ ،‬الشاعر سعد الحامدي الثقفي‪ ،..‬أنيق في سرده ألفكاره‪ ،‬حريص‬ ‫على أن يكون له رأي في قضايا الكلمة كما هو أيض ًا حريص على توثيق حياته‬ ‫البسيطة التي عاشها في طفولته‪ .‬هذا ما جاء في إجابته على سؤالي وتهنئتي له‬ ‫بحصوله على درجة الدكتورة في التخصص العلمي «الكيمياء العضوية»‪ ،..‬وكيف‬ ‫علم يهتم بطبيعة المادة ومكوناتها؟‬ ‫التقى الشاعر الذي يعتمد على اللغة برجل ٍ‬ ‫قال‪« :‬لم أسمع يوما بأن علما ما – أي علم‪ -‬يمنع المشتغل به من اإلب��داع في‬ ‫مجال آخر‪ ،‬لقد عشقت الحرف منذ أن وعيت هذه البسيطة‪ ،‬وكان الكتاب خليلي‬ ‫في جميع مراحل حياتي تقريبا؛ ابتداء من رعي الغنم والفالحة في قريتي قبل‬ ‫أنْ أغادرها إلى المدينة‪ ،‬وكانت القصيدة هي الترياق الوحيد ال��ذي استعملته‬ ‫للقضاء على غربة المدينة‪ ،‬وذكرياتها‪ ،‬ولذا لم أنفك يوما عن القصيدة والقراءة‬ ‫األدبية»‪...‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫¦ ¦«م��دارات النص» مقاربات نقدية في‬ ‫ال�م�ن�ج��ز اإلب ��داع ��ي‪« ،‬ب �ع �ي��دا»‪ ،‬شعر‪،‬‬ ‫«بعض‪ ..‬وجع»‪ ،‬شعر‪ ،‬هذه اإلصدارات‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫الثالثة التي صافح بها الشاعر سعد‬ ‫الثقفي الساحة الثقافية والصادرة‬ ‫ع ��ن ال � �ن � ��وادي األدب � �ي� ��ة ب��ال �م �م �ل �ك��ة‪،‬‬


‫‪ρ ρ‬إنّ��ه قلق التجربة يا صديقي؛ فبالرغم‬ ‫من قِ دم التجربة‪ ،‬فقد بدأت النشر في‬ ‫المنتصف الثاني من ثمانينيات القرن‬ ‫ال��م��اض��ي‪ ،‬إ ّال إن��ن��ي ك��ن��ت م��ت��ر ّي��ث��ا في‬ ‫مسألة النشر‪ ،‬الناقد األدب��ي في داخلي‬ ‫كان محرضا على النشر من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخ��رى ك��ان ص��ارم��اً يجعلني أراج��ع‬ ‫النصوص باستمرار‪ .‬ولذا تركت مسألة‬ ‫النشر للوقت‪ .‬كان لديّ ما يمكن أن أطلق ¦ ¦أن يكتب شاعر «ما» رواية أو عم ًال سردياً‪،‬‬ ‫لم يعد شيئا غريبا‪ ،‬فهذه الحالة أصبحت‬ ‫عليه عدم القناعة بالنشر‪ ،‬طالما أنّ ما‬ ‫منتشرة في الساحات الثقافية العربية‪،‬‬ ‫كتبته موجود في الصحافة وفي المواقع‬ ‫فمن الكتّاب من يرفض‬ ‫اإلل��ك��ت��رون��ي��ة‪ .‬لكنّ‬ ‫نظرتي تغيرت بعد ‪ρ ρ‬الرواية هي وعاء أدبي يعالج شيئا وص � � ��ف ه � � ��ذه ال� �ح ��ال ��ة‬ ‫ال ي �م �ك��ن م �ع��ال �ج �ت��ه ف ��ي ال �ن��ص ب� ��ال � �ت � �ح � �وّل ب � ��ل ي� �ع ��ده‬ ‫ذل�����ك‪ .‬األص���دق���اء‬ ‫الشعري‪ ،‬فمن يكتب الرواية عليه ت ��واص�ل�ا ط �ب �ي �ع �ي��ا ب�ي��ن‬ ‫ك��ان��وا يلحّ ون دائما‬ ‫ف �ض��اءات الكتابة‪ ،‬ومن‬ ‫ع���ل���يّ ف���ي م��س��أل��ة‬ ‫أنْ يلمّ بخيوط لعبتها جيدا‬ ‫ح��ق الشاعر أن يحضر‬ ‫ال��ن��ش��ر‪ ،‬والحقيقة‬ ‫‪ρ ρ‬أن��ا أث��ق ف��ي ثقافتنا ومبدعينا؛‬ ‫لكنّ هناك دخالء على فن الرواية ف��ي أي ف �ض��اء إب��داع��ي‪،‬‬ ‫إن����ن����ي ل�����م أخ���ت��� ْر‬ ‫نخلهم الزمن بمنخله وأن ه � � � � ��ذه ال� � �ح � ��ال � ��ة‬ ‫األندية األدب��ي��ة‪ ،‬بل‬ ‫سرعان ما يُ ّ‬ ‫ل � �ي � �س� ��ت ب � ��ال� � �ج � ��دي � ��دة‬ ‫ك��ان��ت ال��ن��ي��ة تتجه‬ ‫الذي ال يرحم‪!..‬‬ ‫ع�ل��ى ال �ش��اع��ر‪ ..‬ومنهم‬ ‫لبعض دور النشر؛‬ ‫‪ρ ρ‬ل��م ت�ت�ع��ارض ال�ك�ي�م�ي��اء ي��وم��ا مع‬ ‫م � ��ن ي� � ��رى أن � �ه� ��ا ع �ق��دة‬ ‫لكنّ أصدقائي في‬ ‫الشعر؛ وال مع النقد؛ بل زادتهما‬ ‫ال � � �ت � � �ص � � �ن � � �ي� � ��ف ول � � �ه � ��ا‬ ‫األندية األدبية طلبوا‬ ‫تعايشا وانسجاما في داخلي‪!..‬‬ ‫مني هذه الكتب‪ ،‬ولم‬ ‫س�ل�ب�ي��ات�ه��ا ال �ت��ي ت�ع��ان��ي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫قلت اإلص ��دارات الثالثة على الرغم من‬ ‫حضور اسمك في الساحة الثقافية منذ‬ ‫م�ن�ت�ص��ف ث �م��ان �ي �ن �ي��ات ال� �ق ��رن ال �م��اض��ي‪،‬‬ ‫م��ا ال�س��ر ف��ي ق�ل��ة ال �ك��م؟ وم��ن المالحظ‬ ‫حرصك على اإلص��دار من جهة النوادي‬ ‫األدبية «الرياض‪ ،‬الباحة‪ ،‬الجوف»‪ ،‬وأنت‬ ‫م ��ن ج �ي��ل عُ � ��رف ب ��إص ��دارات ��ه ع �ب��ر ال ��دور‬ ‫المنتشرة بالوطن العربي؟‬

‫تُعرض عليهم‪ ،‬ولذا كانت الفكرة جيدة من‬ ‫حيث النشر عبر األندية األدبية‪ ،‬سيما وإنَّ‬ ‫ناديين أدبيين نشرا لي هما نادي الباحة‬ ‫األدب��ي‪ ،‬ون��ادي الجوف األدب��ي يشتركان‬ ‫في النشر مع مؤسسة االنتشار العربي‪،‬‬ ‫وهي دار نشر جيدة من وجهة نظري؛ لذا‬ ‫ارتحت للنشر عبر األندية األدبية وعبر‬ ‫مؤسسة االنتشار العربي معا‪ .‬ما نُشر‬ ‫هو مختارات فقط من التجربة الطويلة‬ ‫والممتدة منذ الثمانينيات كما ذك��رتْ ‪.‬‬ ‫ول��ذا قد أض��م نصوصا أخ��رى من هذه‬ ‫التجربة المجموعة الكاملة التي أفكر‬ ‫في نشرها‪ .‬وهناك مجموعات شعرية‬ ‫أخرى وكتب نقدية‪ ،‬وفي المقابل هناك‬ ‫المزيد من الكتب بالنسبة لتجربتي‪ ،‬سيتم‬ ‫نشرها‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫م�ن�ه��ا ال �س��اح��ة ال�ث�ق��اف�ي��ة‪ ،‬ال �ش��اع��ر سعد‬ ‫الثقفي‪ ،‬ماذا يقول في هذا االتجاه؟‬

‫‪96‬‬

‫‪ρ ρ‬ال��رواي��ة ف��نٌّ جميل‪ ،‬محظوظ من يجيد‬ ‫اإلم���س���اك ب��خ��ي��وط حبكتها ال��س��ردي��ة‪،‬‬ ‫وأعتقد أنّ الرواية هي وعاء أدبي يعالج‬ ‫شيئا ال يمكن معالجته أو إيراده في النص‬ ‫الشعري مثال؛ ول��ذا‪ ،‬فمَن يكتب الرواية‬ ‫عليه أ ْن يل ّم بخيوط لعبتها جيدا‪ ،‬وهذا‬ ‫لن يحدث إال بعد قراءة فن الرواية جيدا‪.‬‬ ‫وفي حقيقة المشهد الشعري السعودي‬ ‫ه��ن��ا‪ ،‬ف��وج��ئ��ت ب��م��ن يكتب س��ي��رة ذات��ي��ة‬ ‫ويظنها رواية وهي ليست كذلك‪ ،‬وهناك‬ ‫من يلتبس عليه الموضوع بشكل محزن؛‬ ‫الشاعر الكبير علي الدميني في الغيمة‬ ‫الرصاصية كتب صفحات كثيرة وكانت‬ ‫محبوكة ب��ج��رس موسيقي وبتفعيالت‬ ‫القصيدة‪ ،‬وهذا ليس قدحا في روايته؛‬ ‫حق أي إنسان في هذه البسيطة أن يكتب‬ ‫وإنما أورد هذا كمثال بسيط على تلبس‬ ‫رواية سواء أكان شاعرا أم غيره‪ .‬لكنّ من‬ ‫الشعرية وبال شعور يوردها الشاعر في‬ ‫يكتب رواية عليه أ ْن يلم بفنّها جيدا‪ ،‬وقد‬ ‫س��رده ال��روائ��ي‪ .‬ه��ذا على سبيل المثال‬ ‫يجمع فنونا كثيرة شريطة إقناع القارئ‬ ‫بالطبع! ول��ه��ذا تظل السردية محفوفة‬ ‫بعلو كعبه في هذا الجانب أو ذاك‪ .‬وقد‬ ‫بالمخاطر‪ ،‬ولكنها ليست عصية على من‬ ‫يحدث المستحيل يا صديقي‪ ،‬والمستحيل‬ ‫أتقن فنها‪ ،‬واألمثلة كثيرة جدا عن شعراء‬ ‫هنا ه��و أ ْن يكتب أح��ده��م رواي���ة يتيمة‬ ‫وقاصين وأدب���اء كتبوا رواي���ات ناجحة‪.‬‬ ‫تتوافر فيها ُك ّل مقومات النجاح‪ ،‬فيخترق‬ ‫وفي الرواية تختلف المسألة من وجهة‬ ‫العادي والنمطي‪ ،‬وتُسجّ ل له هذه الرواية‬ ‫نظري؛ فلن نطلق على شخص كتب روايته‬ ‫الوحيدة‪..‬‬ ‫األول��ى روائيا؛ بل األمر يحتاج أن ينشر‬ ‫روايات كثيرة حتى يقنعنا بأنه جدير بهذه ¦ ¦ وهل نحن على موعد مع روايتك األولى؟‬ ‫التسمية‪ .‬أمّا الرواية األولى واليتيمة من ‪ρ ρ‬ما قلته في اإلجابة على السؤال السابق‬ ‫ينطبق عليّ كما عنيتُ به اآلخرين! كتبت‬ ‫البعض‪ ،‬فهي مرحلة إرهاصات قد تكون‬ ‫فصوال كثيرة من رواي��ة اسمها «ختام»‪،‬‬ ‫ما قبل الرواية الحقيقية‪ ،‬يصدقها الكاتب‬ ‫وف��ي مرحلة المراجعة‪ ،‬وقلق التجربة‬ ‫أو يكذبها إ ْن استمر وأثبتْ لنا ذلك‪ .‬من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫يأخذني إلى التريث في ُك ّل شيء‪ ،‬وحتى لو‬ ‫تم نشر هذه الرواية؛ واقتنعت بها ودفعت‬ ‫بها للمطبعة‪ ،‬فلن يتم اعتباري روائيا‬ ‫من وجهة نظري‪ ،‬إ ّال إذا ضمنت للقارئ‬ ‫الديمومة واالستمرار في هذا الجانب‪،‬‬ ‫¦ ¦ ت �ح��دث �ن��ا ك �ث �ي��را ع� ��ن اإلض � ��اف � ��ات ال �ت��ي‬ ‫الروائي يحتاج إلى خبرة عمالقة‪ ،‬وصبر‬ ‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪،‬‬ ‫على الكتابة ليس بالهين‪ ،‬وأعتب ُر مرحلة‬ ‫أليس لهذه الشبكة أي سلبية على الشاعر‬ ‫ما بعد األربعين معقولة للبدء في كتابة‬ ‫أو المثقف بصفة عامة؟‬ ‫رواية؛ ولذا‪ ،‬يظل المشهد لدينا مضحكا‬ ‫مبكيا من حيث األعمال الروائية؛ فوهم ‪ρ ρ‬بل لها كل السلبيات على المثقف عموما‬ ‫م��ع األس���ف! فجُ ل م��ا يُكتب ف��ي وسائل‬ ‫الرواية يتلبس كثيرا من الكُتاب‪ ،‬وعدم‬ ‫التواصل بما في ذلك الشبكة العنكبوتية‬ ‫اح��ت��رام العمل األدب���ي يجعل (بعضهم)‬ ‫م��ل��يء ب��األخ��ط��اء اإلم�لائ��ي��ة‪ ،‬والنحوية‪،‬‬ ‫يتجاسر على ه��ذا المشهد فيدفع بما‬ ‫ومعظم الذين ي���وردون المعلومات عبر‬ ‫يظنه عمال رصينا إل��ى المطبعة‪ .‬كم‬ ‫اإلنترنت يوردونها بطريقة غير جيدة‪ ،‬كأن‬ ‫يحزنني ذلك كثيرا‪ ،‬وبعضهم يستغل ذلك‬ ‫تكون منقولة أو مسروقة أو محرّفة‪ ،‬لذا‪،‬‬ ‫ماديا في النفخ في كير هذا الكاتب أو‬ ‫من الخطورة بمكان على المثقف جعل‬ ‫ذاك ليوهمه بأنّ ما كتبه رواية عظيمة‪.‬‬ ‫اإلنترنت مرجعا يثق به‪ ،‬هذا من ناحية‪،‬‬ ‫أنا أثق في ثقافتنا ومبدعينا؛ لكنّ هناك‬ ‫ومن ناحية أخرى أتذكر أنني ألقيت ورقة‬ ‫دخالء على فن الرواية سرعان ما ينخّ لهم‬ ‫عن وسائل التواصل االجتماعي في مؤتمر‬ ‫الزمن بمنخله الذي ال يرحم؛ فيتساقطون‬ ‫األدب�������اء ال��س��ع��ودي��ي��ن‬ ‫ف����ي ب���ح���ر ال���زم���ن‬ ‫‪ρ ρ‬وس� ��ائ� ��ل ال� �ت ��واص ��ل االج �ت �م��اع��ي‬ ‫ال��راب��ع‪ ،‬وأت��ذك��ر جيدا‬ ‫ال�����ذي س��ي��دخ��ل��ه��م‬ ‫جعلت السبحة تنفرط تماما وأن‬ ‫ودب ش��اع��را كيف خلصت فيها إلى‬ ‫ف��ي إت��ون��ه الضخم‪.‬‬ ‫ي�ص�ب��ح ك��ل م��ن ه � َّ�ب َّ‬ ‫جهل المثقفين عندنا‬ ‫هناك روائيون كبار‬ ‫وناقدا وقاصا وروائيا!‬ ‫إلى كيفية التفريق بين‬ ‫ل���م ي��ك��ت��ب ل��ه��م من‬ ‫‪ρ ρ‬مكتبتي قطعة مني‪ ،‬ن�ش��أتْ معي‬ ‫ال���ذي���وع واالن��ت��ش��ار‬ ‫المواقع اإللكترونية من‬ ‫وحملت همها خالل‬ ‫ُ‬ ‫منذ الصغر‪،‬‬ ‫ك��م��ا ك��ت��ب ألش��ب��اه‬ ‫ح��ي��ث ال��ت��ص��ن��ي��ف وم��ن‬ ‫سنين عمري المختلفة‪.‬‬ ‫ال��روائ��ي��ي��ن ال��ذي��ن‬ ‫حيث االق��ت��ب��اس منها‪.‬‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ك‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫�‬ ‫ض‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�د‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�د‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫�ل‬ ‫�‬ ‫ظ‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫‪ρ‬‬ ‫‪ρ‬‬ ‫خدمتهم ال��ظ��روف‬ ‫وه���ن���اك ج���ان���ب أك��ث��ر‬ ‫مبكيا من حيث األعمال الروائية‪،‬‬ ‫والعالقات والقرب‬ ‫إي�ل�ام���ا ف���ي اإلن��ت��رن��ت‬ ‫ف��وه��م ال��رواي��ة يتلبس ك�ث�ي��را من‬ ‫م���ن ص��ن��ع ال���ق���رار‬ ‫ووس�����ائ�����ل ال���ت���واص���ل‬ ‫الكُ تاب‪!..‬‬ ‫ال��ث��ق��اف��ي‪ .‬وال زلت‬ ‫االج���ت���م���اع���ي���ة‪ ،‬ف��ل��ق��د‬ ‫أراه�����ن ع��ل��ى ق�����دوم ج��ي��ل م���ن ال��ن��ق��اد‬ ‫سينصفون المظلومين م��ن الروائيين‬ ‫السعوديين ويعيدون األمور إلى نصابها‪،‬‬ ‫واثق من فترة منصفة ستجيء يوما‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫فضح كثيرا م��ن الكُتاب والكاتبات بسبب ضحالتهم‬ ‫ووضعهم الكتابي السيئ؛ ما يجعلك تتوقف كثيرا وأنت‬ ‫فاغرا فمك‪ :‬تُرى مَن كتب ذلك العمل األدبي الجميل‪،‬‬ ‫لهذا الذي ال يجيد كتابة جملة واحدة بال أخطاء؟ لقد‬ ‫فضحهم اإلنترنت دون أن يشعروا‪ .‬ولك أن تتخيل كيف‬ ‫يجيء مستخدم ما‪ ،‬فينقل قصيدة لك أو عمال أدبيا ما‪،‬‬ ‫دون أن يستأذن منك‪ ،‬وقد يشوّه هذا العمل ويحرّفه‪،‬‬ ‫فيسيء إليك كثيرا بسبب جهله وحماقته؛ ل��ذا‪ ،‬يظل‬ ‫اإلنترنت سوءا ال بُد منه‪ ،‬لك أن تكتب على سبيل المثال‬ ‫بيتا للمتنبي وأ ْن تُبحر في اإلنترنت عبر القوقل مثال‪،‬‬ ‫وستحزن حين تجده كُتب محرفا آالف المرات‪ .‬هناك‬ ‫قوانين تُسن للتعامل مع اإلنترنت‪ ،‬لكننا هنا – وكعادتنا‬ ‫– فوضويون ويتجاسر الدهماء والعامة على إتالف كل‬ ‫شيء جميل دون احترام لقيمة العمل األدبي‪ .‬ألم ت َر يا‬ ‫صديقي كيف امتألت وسائل التواصل بالمقاطع التي‬ ‫عزفت النصوص عبر الشيالت مثال‪ ،‬وعبر اإلنشاد الذي‬ ‫ال يقل سوءا‪ .‬وسائل التواصل االجتماعي جعلت السبحة‬ ‫تنفرط تماما وأن يصبح كل من هبَّ ودبَّ شاعرا وناقدا‬ ‫وقاصا وروائيا‪.‬‬ ‫¦ ¦ تطفو ع�ل��ى ال�س�ط��ح االت �ه��ام��ات ب�ي��ن ال�ن��اق��د وال�م�ب��دع‪،‬‬ ‫«ال �ن �ق��د ال ي��واك��ب ال �ح��رك��ة اإلب ��داع� �ي ��ة»‪« ،‬غ �ي��اب ال�ن��ص‬ ‫اإلبداعي الجاد الذي يستحق أن يقرأ»‪ ،‬أنت هل تنصف‬ ‫طرف ًا على اآلخر ؟‬

‫‪98‬‬

‫‪ρ ρ‬ال تستطيع أ ْن تجبر ناقدا على تناول أي عمل إبداعي ال‬ ‫يرتاح إليه‪ ،‬فاالرتياح للنص من وجهة نظري أولى العتبات‬ ‫في الدخول إليه‪ ،‬والنقد أنواع متعددة‪ ،‬فهناك نقد يأتي‬ ‫لعمل أدب��ي ما‪ ،‬يعد نقدا فرديا‪ ،‬وهناك نقد‬ ‫ٍ‬ ‫من ناقد‬ ‫مرحلي (جماعي) مقارن‪ .‬وهذا هو الذي تحتاجه الحركة‬ ‫الثقافية األدبية في المملكة‪ ،‬وهو يقع على مسئولية‬ ‫األقسام األدبية المتخصصة في الكليات والجامعات التي‬ ‫عليها أن تتناول كل ما ينشر عبر عشر سنوات مثال وتناوله‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫بقضه وقضيضه بالفحص والتمحيص‪،‬‬ ‫والحكم عليه في نهاية المطاف بما يليق‬ ‫ب��ه‪ ،‬ألن ت��رك الحركة الثقافية عموما‬ ‫دون م��ع��ي��ار ن��ق��ديّ يلتفت إل��ي��ه��ا يض ّر‬ ‫كثيرا بالمشهد الثقافي‪ ،‬ويجعله لقمة‬ ‫سائغة لكل من هب ودب‪ ،‬ال بد من النقد‬ ‫المرحلي الذي يحيي هذا الكاتب ويحكم‬ ‫‪ρ ρ‬لم أسمع يوما بأن علما ما ‪-‬أي علم‪ -‬يمنع‬ ‫على ذاك بطريقة نقدية علمية‪ ،‬بحيث‬ ‫المشتغل به من اإلب��داع في مجال آخر‪،‬‬ ‫تخلو من االنتهازية وتصفية الخالفات‬ ‫لقد عشقت الحرف منذ أن وعيت هذه‬ ‫والمحسوبيات‪ .‬النقد هنا ال يمارس دوره‬ ‫البسيطة‪ ،‬وكان الكتاب خليلي في جميع‬ ‫مع األس��ف‪ ،‬فهو يتحيز للمرأة بشكل ما‬ ‫مراحل حياتي تقريبا‪ ،‬اب��ت��داء من رعي‬ ‫يجعلني أتساءل عن مغزى هذا التحيز ‪-‬‬ ‫الغنم والفالحة في قريتي قبل أ ْن أغادرها‬ ‫مع احترامي بالطبع للمبدعات منهن وهن‬ ‫إلى المدينة‪ ،‬وكانت القصيدة هي الترياق‬ ‫كثر والحمد هلل ‪ -‬ما جعل كثيرا منهن‬ ‫الوحيد الذي استعملته للقضاء على غربة‬ ‫يقعن في وهم الكتابة‪ ،‬وهناك نقد أعده‬ ‫المدينة‪ ،‬وذكرياتها؛ ولذا‪ ،‬لم أنفك يوما‬ ‫من باب المجاملة يقوم به بعض الكتّاب‬ ‫عن القصيدة والقراءة األدبية‪.‬‬ ‫دعما ألصدقائهم‪ .‬وهناك ما ال يمكن‬ ‫وحين جاءتْ الكيمياء في المرحلة الثانوية‬ ‫أن توصمه إ ّال بالجحود‪ ،‬حين يتم تناسي‬ ‫بالتحديد‪ ،‬فتنتني باهتمامها بجوهر األشياء‪،‬‬ ‫مبدع قوي في المشهد الثقافي من النقد‪،‬‬ ‫وبأنها علم يفتح آف��اق��ا واس��ع��ة للقصيدة‬ ‫وم���ن ال���دراس���ات‬ ‫مثال‪ ،‬فيكفيك النظر‬ ‫ال���م���ت���خ���ص���ص���ة‪ ،‬مقتطفات من قصائد مريرة‪:‬‬ ‫إلى الدالالت من زوايا‬ ‫ب��ي��ن��م��ا ي��ش��ب��ع��ون‬ ‫(‪)1‬‬ ‫م��خ��ت��ل��ف��ة وأ ّن ل��دي��ك‬ ‫اس��م��ا م���ا ن��ق��دا‪ .‬حينَ ولِ َد كان مليئا بالعيوب‪،‬‬ ‫علما يجعلك ت��ح��دّق‬ ‫ويظل الزمن كفيال مليئا بالنواقص‪،‬‬ ‫ومالمح جنوبية‪ .‬ف��ي ُك��ن��ه األش��ي��اء‪ .‬إنَّ‬ ‫ٍ‬ ‫أبيض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رأس كبيرٍ ‪ ،‬ووجهٍ‬ ‫أي���ض���ا ب��إن��ص��اف كان ذا ٍ‬ ‫مفردة الكيمياء تعني‬ ‫ال����م����ب����دع����ي����ن‪ ،‬وما عدا ذلك‪ :‬كان قزم ًا حقيرا‪.‬‬ ‫في معنى من معانيها‪:‬‬ ‫لطبيب القريةِ المجاورةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وب��ف��ض��ح ال��ن��ق��اد وحين أخذوه‬ ‫ل����ذة األش����ي����اء‪ ،‬ول���ذا‬ ‫مريض هو اآلخر!‬ ‫ٍ‬ ‫ال����م����غ����رض����ي����ن‪ .‬في رحلةٍ على حمارٍ ‪،‬‬ ‫تلك الرحلةِ ‪،‬‬ ‫وس��ي��ف��رض النص رأى الرُ غبَ في َ‬ ‫فهي تجلب إليك لذة‬ ‫الجيد نفسه ولو فبقي معلوال‪ ،‬يخاف الطبَ واألطباءَ‪.‬‬ ‫ال��م��ف��ردة‪ ،‬ل��م تتعارض‬ ‫ذلك األعسرُ الذي لفحتهُ القرى‪،‬‬ ‫ال��ك��ي��م��ي��اء ي���وم���ا مع‬ ‫بعد حين‪.‬‬ ‫أنا!‬ ‫كان‬ ‫ها‪،‬‬ ‫بنيرانِ‬ ‫الشعر؛ وال مع النقد؛‬ ‫¦ ¦ م� ��ؤخ� ��را ح�ص�ل��ت‬ ‫ع �ل��ى درج � ��ة ال ��دك� �ت ��وراه ف ��ي ال�ت�خ�ص��ص‬ ‫ال�ع�ل�م��ي «ال �ك �ي �م �ي��اء ال �ع �ض��وي��ة»‪ ،‬وأث �ن��اء‬ ‫حديثنا لفتني عشقك لهذا التخصص‬ ‫وت��وغّ �ل��ه ف��ي روح��ك‪ ،‬كيف التقى الشاعر‬ ‫علم يهتم‬ ‫الذي يعتمد على اللغة برجل ٍ‬ ‫بطبيعة المادة ومكوناتها؟‬

‫‪99‬‬


‫كتبوا القصيدة وجاءوا من وجهات مختلفة‬ ‫ليست اللغة واحدة منها‪ .‬اللغة وعاء فقط‪،‬‬ ‫والتخصص فيها ال يمكن أن يصنع موهبة‬ ‫وال قصيدة‪ ،‬إنّ��ه سيصل ب��ك إل��ى وع��اء‬ ‫القصيدة‪ ،‬ولكنه لن يكتب قصيدة‪ ،‬ولذا‬ ‫تجد القصيدة الحقيقية لدى الموهوب‪/‬‬ ‫المبدع‪ ،‬أما النحوي غير الموهوب فهو‬ ‫ناظم‪ ،‬وما أكثر النظامين في زمننا هذا‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫ب��ل زادتهما ألقا وتعايشا وانسجاما في‬ ‫داخلي‪ .‬والكيمياء عادة تعتمد على جانبين‪:‬‬ ‫االف��ت��راض��ي‪ ،‬والتطبيقي فك ُّل فكرة مثال‬ ‫تعضد صحتها من‬ ‫تفتقر إلى التجربة‪ ،‬التي ّ‬ ‫عدمها‪ ،‬ولها قوانينها الصارمة والحقيقية‪،‬‬ ‫ولذا تجد صرامة الكيميائي في تعامله مع‬ ‫المادة‪ ،‬يطبّقها في تعامله مع النص األدبي‬ ‫شعرا كان أو نثرا‪ .‬وإ ْن كنتُ مُقال بطبيعة‬ ‫ال��ح��ال ف��ي الجانب األدب���ي عما أن��ا عليه ¦ ¦ تجربتك الخاصة في عالم الصحافة‪ ،‬ما‬ ‫في الجانب الكيميائي‪ ،‬ألنه الجانب األكثر‬ ‫مدى تأثيرها على سعد الثقفي الشاعر‪،‬‬ ‫استخداما وتعامال ف��ي حياتي اليومية‪،‬‬ ‫ف� �م ��ن ال� �م� �ت� �ع ��ارف ع �ل �ي��ه أن ال �ص �ح��اف��ة‬ ‫وبخاصة بعد أن حصلت فيه على أعلى‬ ‫تستهلك المبدع‪ ،‬وتكون سببا في ابتعاده‬ ‫الشهادات‪.‬‬ ‫عن المنابر أو تفرغه لكتاباته اإلبداعية؟‬ ‫من جهة أخ��رى‪ ،‬كان علماؤنا السابقون‬ ‫‪ρ ρ‬تستطيع أن تتعايش مع أعمالك أيا كانت‬ ‫يكتبون ف��ي أكثر‬ ‫ه���ذه األع���م���ال ال��ت��ي‬ ‫م��ن م��ج��ال‪ ،‬فقد‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تقوم بها‪ ،‬أعتقد أنّ‬ ‫تجد أحدهم يكتب مرةً‪ ،‬رأى الموتَ وهو يصيدُ صغا َر الضفادع‪،‬‬ ‫السبب الحقيقي في‬ ‫ف�����ي ال���ف���رائ���ض في المياهِ اآلسنة‪.‬‬ ‫نجاح أي شخص يكمن‬ ‫وال����م����وس����ي����ق����ى كان يحسبها سمكا‪-‬ذلك القروي الذي‬ ‫في تنظيم وقته‪ ،‬وفي‬ ‫السمك بعد‪-‬‬ ‫َ‬ ‫يعرف‬ ‫ْ‬ ‫وال��ش��ع��ر وال��ن��ق��د‪ ،‬لم‬ ‫م��دى مباركة اهلل له‬ ‫انزلقت قدمهُ النحيلةُ في‬ ‫ْ‬ ‫وه��و حانوتي في وحين‬ ‫في وقته‪ ،‬والصحافة‬ ‫ال����س����وق‪ .‬ف��ع��ل��وا‬ ‫الطحلب المستوي على الصخرةِ‬ ‫ِ‬ ‫وج��دتْ لها مكانا في‬ ‫ذل�����ك إلي��م��ان��ه��م الملساءِ ‪،‬‬ ‫ق��ل��ب��ي‪ ،‬م��ن��ذ ال���ب���دء‪،‬‬ ‫بشمولية اإلنسان لم يغرقْ !‬ ‫لقد كنت صحفيا في‬ ‫ال���م���ب���دع‪ ،‬وب��أن��ه كانت هناك يدٌ شقيةٌ ‪ ،‬أعادتهُ للحياةِ ‪.‬‬ ‫المرحلة المتوسطة‪،‬‬ ‫خُ ���ل���ق ل��ي��ت��واص��ل ومر ًة أخرى‪....‬‬ ‫وأشرفتُ على اإلذاعة‬ ‫سقط في غديرٍ آخرَ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫م��ع أش��ي��اء كثيرة‬ ‫شقي آخ َر للحياه!‬ ‫وال يحصر نفسه وأعاده ٌ‬ ‫المدرسية عندما كنتُ‬ ‫الموت بجانبهِ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بعيد‪ ،‬مرَّ‬ ‫ٍ‬ ‫ف����ي ع���ل���م واح����د وذات مساءٍ‬ ‫ط��ال��ب��ا ف��ي ال��ث��ان��وي��ة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ليخطف صديقهُ ‪ ،‬ويدعهُ وحيدا كالنخلةِ ‪ .‬وأج����ري����ت ح������وارات‬ ‫أب���دا‪ .‬وم��ن نافلة‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ويعيد‬ ‫دائما‪،‬‬ ‫بهِ‬ ‫يتربص‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫مَ‬ ‫هناك‬ ‫كان‬ ‫بسيطة مع المعلمين‬ ‫ال��ق��ول إن���ك تجد‬ ‫للحياة البائسة‪.‬‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وتعلمتُ أنّ‬ ‫أن هناك مبدعين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬ ‫الشخصية الشعرية ل��ي‪ ،‬كونها قرّبتني‬ ‫من الشعراء واألدباء وجعلتني أشعر بهم‬ ‫كمبدعين وهذا بفضل الصحافة‪ ،‬وكانت‬ ‫الصحافة محرّضا على العمل األدبي في‬ ‫داخلي وأدين لها بالشيء الكثير‪ .‬ولم أندم‬ ‫يوما على دخول بالط الصحافة‪.‬‬

‫الصحافة هي وسيلة مهمة لتسليط الضوء‬ ‫على شيء ما‪ ،‬وأنا الصحفي عليّ أ ْن أدير‬ ‫دفة الحوار لكي يخدم فكرة ما‪ ،‬أريد لها‬ ‫أن تُخدم من خالل الصحافة‪ .‬والصحافة‬ ‫الثقافية هي قريبة من اإلبداع الثقافي من‬ ‫وجهة نظري‪ ،‬وممارستها تجعلك تغوص‬ ‫في بحر األدب‪ ،‬ولم تكن الصحافة يوما ¦ ¦ هناك تصنيف يقيم الساحات الشعرية‬ ‫ل���ديّ محرقة ألنني‬ ‫من بلد إلى آخر‪ ..‬فمثال‬ ‫(‪)3‬‬ ‫أن��ظ��ر إل���ى الكتابة‬ ‫ه �ن��اك ش �ع��راء يصنفون‬ ‫التراب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خط ْت له اسمها على‬ ‫ّ‬ ‫ع��م��وم��ا – ب��م��ا في‬ ‫س��اح��ات �ه��م ب��أن �ه��ا األك �ث��ر‬ ‫يرعيان الغنم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حين كانا‬ ‫تألقا وجدية‪ ،‬كيف تقيم‬ ‫ذل���ك ال��ص��ح��اف��ة –‬ ‫الحبَ بعدُ !!‬ ‫لم يعْ رِ فا ُ‬ ‫أن� ��ت ال �س��اح��ة ال �ش �ع��ري��ة‬ ‫بأنها عمل إبداعي‬ ‫وقبلَ أنْ يغرقا في الرومانسية‪،‬‬ ‫السعودية؟‬ ‫شقي هو اآلخر‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫خ���ل���اّ ق واس��ت��م��ت��ع نهرهما فمٌ‬ ‫بالغنم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بكتابته وب��م��ح��اورة فلحقا‬ ‫‪ρ‬م����رت ال��س��اح��ة‬ ‫‪ρ‬‬ ‫ض��ي��وف��ي وبالكتابة كان القطيعُ شقيا هو اآلخر حين‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة ف��ي المملكة‬ ‫اسمها‪،‬ومضى!‬ ‫حروف ِ‬ ‫َ‬ ‫طمس‬ ‫َ‬ ‫عن اإلب��داع‪ .‬أعترف‬ ‫العربية السعودية بعدة‬ ‫لك‪ ..‬كانت الصحافة ‪ -‬باع أبي الغن َم‬ ‫مراحل‪ -‬إذا ما اعتسفنا‬ ‫الح ُب األولُ غريبا‪،‬‬ ‫الثقافية بالنسبة لي ومضى ُ‬ ‫–الزمن‪ :‬فأولها‪ ،‬مرحلة‬ ‫وفاز بقلبها ذلك (العسكري)‪.‬‬ ‫رافدا من روافد بناء‬ ‫ما قبل الثمانينيات وهي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪101‬‬


‫مرحلة ما يمكن أن نسميها بالرواد وما‬ ‫بعد ال��رواد‪-‬م��ج��ازا‪-‬؛ ألن أدب بعضهم‬ ‫رديء جدا وال يختلف عن ما يكتبه بعض‬ ‫العوام اآلن‪ .‬وكبيرة عليه مفردة الريادة‪.‬‬ ‫وثانيا‪ ،‬مرحلة الثمانينيات وهي شهدت‬ ‫والدة شعراء يستحقون اإلشادة بتجربتهم‬ ‫الشعرية بقوة وك��ان لهم اتصال ب��األدب‬ ‫العالمي عموما‪ ،‬ووض��ح تأثرهم باآلخر‬ ‫من خالل االحتكاك والقراءة‪ .‬ثم جاءت‬ ‫مرحلة التسعينيات وشهدت زخما كبيرا‬ ‫ووالدة شعراء قصيدة النثر بشكل واضح‬ ‫وإن كانت كُتبتْ من قبل‪ .‬كانت الساحة‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة تسير ب��رت��م معين وه���و جيد‬ ‫في مجمله؛ حتى بالنا اهلل بما يسمّى‬ ‫باإلنترنت‪ ،‬فجاء كل من هب ودب لينشئ‬ ‫موقعا وليكتب شعرا ال تملك إ ّال أن تفعل‬ ‫عند قراءته كما فعل األصمعي حين بكى!‬

‫‪102‬‬

‫المشهد الشعري للشعراء المعروفين في‬ ‫المملكة ال ي��زال جيدا ومنتجا للشعراء‬ ‫المبدعين‪ ،‬ولكنّ اإلنترنت أ ّث��ر على هذا‬ ‫المشهد من جهتين‪ :‬دخول الغثّ والسمين‬ ‫على خط النشر‪ ،‬ما أفسد الشعر الحقيقي‬

‫في سيل هادر من الفوضى الشعرية غير‬ ‫الخالّقة؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬سهّل اإلنترنت‬ ‫التواصل مع شعراء العربية في ُك ّل مكان‪،‬‬ ‫وه��ذا جانب ل��ه إيجابيات وسلبياته في‬ ‫الوقت نفسه؛ فأنت تتواصل مع العالم بكل‬ ‫سهولة‪ ،‬لكنك تفقد خصوصيتك‪ ،‬ألنك‬ ‫تتأثر باآلخر وتؤثر فيه‪ ،‬وسيجيء اليوم‬ ‫ال��ذي تُكتب فيه القصيدة ال��واح��دة‪ ،‬وقد‬ ‫خلتْ من ُك�� ّل خصائص المشهد الشعري‬ ‫عند ه��ذا أو ذاك‪ .‬إنني أرق��ب الشعراء‬ ‫العراقيين في المنافي مثال‪ ،‬فأجدهم بعد‬ ‫رحيلهم عن العراق قد تغيروا (بعضهم) فلم‬ ‫يعد لديهم ما يمكن أن أسميه القصيدة‬ ‫العراقية‪ .‬وهكذا المشهد السعودي‪ ،‬يعاني‬ ‫من التشابه كثيرا هذه األيام‪ ،‬ومن سطوة‬ ‫ال��وس��اط��ات ال��ت��ي جلبتها‪ ،‬جلبة األن��دي��ة‬ ‫األدب��ي��ة وسطوة النقاد األكاديميين على‬ ‫المشهد الثقافي‪ ،‬إذ رأيت شعراء وشاعرات‬ ‫غير ناضجين فنيا قد وصلوا بمباركة منهم‪،‬‬ ‫وهذه إرهاصات تسيء ألي مشهد ثقافي‪.‬‬ ‫وفي يقيني أ ّن الجانب النقدي هو أسوأ‬ ‫ركن في المشهد الثقافي السعودي‪.‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫ث �ل�اث� ��ون ع� ��ام � � ًا ل� ��م أ َر وج � � َه� � ِ�ك ال � ُ�ح �ل ��وا‬ ‫وع � � � � ��اثَ ب � �ن� ��ا ذا ال� � � ��دّ ه� � � ��ر‪ ،‬إنَّ خ � �ي� ��و َل� ��هُ‬ ‫ت�ج�ي�ئ�ي��نَ ل��ي ف��ي ال� ُ�ح �ل� ِ�م‪ ،‬أح �ل��ى ق�ص�ي��دةٍ‬ ‫ت� �ق ��ول� �ي ��ن ل� � ��ي‪ ،‬وال � �ل � �ي� ��لُ أرخ� � � ��ى س� ��دول� ��هُ‬ ‫أأن� � � � � �تَ ه � �ن ��ا ي � ��ا ش � ��اع � ��ري غ � � ��نِّ ل � ��ي أل � ��مْ‬ ‫ث � �ل � ��اث� � � � ��ون ع� � � � ��ام� � � � ��ا‪ ،‬إن � � � �ه � � � ��ا ل� � �ك� � �ث� � �ي � ��رةٌ‬

‫ُب �ل �ي �ن��ا وأب �ل��ان � ��ا ال� � ��زم� � ��انُ ول� � ��م ي�ب�لا‬ ‫�رت م��ن ح��ربِ �ه��ا كهال‬ ‫ُت�غ�ي��رُ علينا‪ ،‬ص � ُ‬ ‫ف��أك �ت �ب �ه��ا ِّش � �ع� ��را‪ ،‬و ُت ��رج� �ع� �ن ��ي ط�ف�لا‬ ‫وأن � ِ�ت ب��ه‪ ،‬ك��ال�ن�ج� ِ�م ف��ي فُ �ل�ك��هِ األع�ل��ى‬ ‫ت َر الوج َد أبكاني‪ ،‬فهل عندكم حالّ؟‬ ‫وما مات لي حبا ولم يبقَ بي عقال!!‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫(‪)6‬‬ ‫يدوزنُ العو َد “ أيوب”‬ ‫الغض إلى قريتهِ‬ ‫َّ‬ ‫ويأخذُ الفتى‬ ‫الحالمةِ بين جبلين‪.‬‬ ‫فلكمْ أخذتهُ المدينةُ جسدا‪.‬‬ ‫أمّ ا روحهُ ‪ ،‬فهي هناك‪.‬‬ ‫يُ عيدها إليهِ أيوب طارش‪:‬‬ ‫(ما أحلى بنات الجبل‪ ،‬لما يطوفون‬ ‫المدينة بالثياب الدّ مس‪ ،‬خدود مثل‬ ‫الورد‪ ،‬ضوء الفجر يرويها‪ ،‬وأعطاها‪،‬‬ ‫حرس‪ .‬محوطات الوجوه‬ ‫ْ‬ ‫المشاقر‬ ‫البيض‪ ،‬بالكادي‪ ،‬المُ سقى في برود‬ ‫الغلس‪).. .‬‬ ‫جبل يا أيوب وال‬ ‫ليس هناك بنات ٍ‬ ‫قرويات‬ ‫ٍ‬ ‫يجئنَ صباحا‪،‬‬ ‫ليس هناك سوى‬ ‫عودٍ يدندنُ‬ ‫وفتى يبكي اآلن‬ ‫يبكي‪...‬‬

‫‪ρ ρ‬المشهد الثقافي لدينا يجعلك إما منضويا‬ ‫ت��ح��ت ل���واء ش��لّ��ة م���ا‪ ،‬وه���ذا سيجعلهم‬ ‫يمجدونك ليس ألدبك‪ ،‬وإنما لشلّتك التي‬ ‫ترتب لك كل شيء ابتداء من الحوارات‬ ‫وال���ل���ق���اءات واألم��س��ي��ات ول��ي��س ان��ت��ه��اء‬ ‫بحضور المناط الثقافية الرسمية‪ .‬وأنا‬ ‫بطبعي كنتُ صارما وحادا مع ُك ِّل ما ليس‬ ‫أدبا‪ ،‬ولم أمرر ال صحفيا وال نقديا أشياء‬ ‫من تحت الطاولة‪ ،‬وكنتُ أسمي األشياء‬ ‫بأسمائها؛ وه��ذا جعلني من المغضوب‬ ‫عليهم وم��ن غير المرغوب فيهم كثيرا؛‬ ‫بسبب صراحتي التي ال تقبلها الشلل‬ ‫األدب��ي��ة عندنا! لك أن تتخيّل أن وزارة‬ ‫الثقافة واإلع�ل�ام ل��م تستدعني لتمثيل‬ ‫المملكة إال بعد بلوغي العقد الرابع من‬ ‫ع��م��ري‪ ،‬بينما استضافت مَ��ن ن��ام على‬ ‫المنصة لصغره‪ ،‬وم��ا خفي ك��ان أعظم‪،‬‬ ‫ومَ��ن فضحنا في ال��خ��ارج ألن��ه ال يجيد‬ ‫ال��ق��راءة الشعرية مثال! ول��م أك��ن مهتما‬ ‫بما يقال نقديا في ال��داخ��ل‪ ،‬ألن النقد‬ ‫الداخلي لدينا تحكمه المصالح إال ما‬ ‫رح��م رب���ي‪ .‬وع��ل��ى المستوى الخارجي‪،‬‬ ‫كانت الدراسات المحكمة والمصنّفة هي‬ ‫مَن أنصفتني‪ ،‬فالدكتور علوي الهاشمي‬ ‫هو أول مَ��ن كتب عن تجربتي الشعرية‬ ‫خارجيا‪ ،‬ثم توالت الدراسات التي جاءت‬ ‫على بعض قصائدي واستشهدت بها في‬ ‫دراسات محكّمة هنا وهناك‪.‬‬ ‫ولذا‪ :‬فرهاني على النقد الحقيقي الذي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫(‪)5‬‬ ‫والفتا ُة الوحيد ُة التي اصطفاها‪،‬‬ ‫بين كُ ِ ّل النساءِ !‪ -‬خنساء العصر –‬ ‫ِمن ِ‬ ‫كما يحلو لهُ أنْ يسميها – ساخطا!!‬ ‫تسكنُ على مقربةٍ منهُ ‪.‬‬ ‫لم يرها هي األخرى منذُ عشرين عاما‬ ‫تلمس يد ُه يدها قط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ولم‬ ‫شقي يبحث عن إبرةٍ في صحراءٍ ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ينتظرُ الموتَ إذن‬ ‫ليختتم به قصصهُ العقيمةُ‬ ‫فهل يجيءُ هو اآلخر؟‬

‫¦ ¦ كيف ترى قراءة النقاد لقصيدتك؟‬

‫‪103‬‬


‫يخلص للعمل األدبي الجاد‪ ،‬وهو سيأتي‬ ‫يوما م��ا؛ إمّ��ا تجار الشنطة والمصالح‬ ‫الضيقة‪ ،‬فلم أعوّل عليهم يوما ما‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫ال��ذي تركن إليه الجماهير‪ ،‬وتثق فيه‪،‬‬ ‫وأج��ده في المثقف متى استخدم هذه‬ ‫البرامج بشكل جيد‪.‬‬

‫¦ ¦«تويتر‪ ،‬فيس بوك‪ ،‬كيك‪ ،‬وغيرها»‪ ،‬نوافذ ¦ ¦‪ ..‬ه� ��ل ل� �ن ��ا أن ن� �ت� �ع ��رف ع� �ل ��ى م �ح �ت��وى‬ ‫للتواصل االجتماعي المهمة والمنتشرة‬ ‫مكتبتك؟‬ ‫ع� �ل ��ى ال �ش �ب �ك��ة ال �ع �ن �ك �ب��وت �ي��ة‪ ،‬م� ��ا م ��دى‬ ‫‪ρ ρ‬مكتبتي قطعة م��ن��ي‪ ،‬ن��ش��أتْ معي منذ‬ ‫اهتمامك بهذه النوافذ؟‬ ‫الصغر وحملتُ همها خالل سنين عمري‬ ‫‪ρ ρ‬الشاعر ليس بمعزل عن الحياة‪ ،‬بل هو‬ ‫المختلفة‪ ،‬وك��ث��ي��را م��ا جعلتني انتظر‬ ‫محرّك الحياة‪ ،‬والمثقف الحق‪ ،‬هو من‬ ‫رحمة الرقيب في المطارات لكي يجيز‬ ‫يكون في قلب ال��ح��دث‪ ،‬غير بعيد عما‬ ‫هذا الكتاب أو ذاك‪ ،‬إنها حاضنتي التي‬ ‫يحيط به‪ ،‬وهو مَن يحرّك الجمهور ويؤثر‬ ‫أخذت من وقتي ساعات وساعات‪ ،‬وكل‬ ‫فيه‪ ،‬والقصيدة وحدها قد ال تفعل شيئا‬ ‫ك��ت��اب فيها ه��و ج���زء م��ن ع��م��ري‪ ،‬وإذا‬ ‫هذه األيام؛ فوسائل التواصل االجتماعي‬ ‫كنت تسأل عنها؛ فما يوجد في مكتبتي‬ ‫ه��ي ق��ن��وات م��ه��م��ة ل��ل��ت��واص��ل ول��خ��دم��ة‬ ‫من كتب ورقية‪ ،‬يعادله أضعاف أضعاف‬ ‫األف��ك��ار‪ -‬أي��ا ك��ان��ت ه��ذه األف��ك��ار‪-‬إن��ه��ا‬ ‫من الكتب في نسخ من ‪ CD‬التي تحوي‬ ‫تفعل ما يفعله السحر في مسألة الذيوع‬ ‫ع��ش��رات المجلدات‪ ،‬حيث ع��م��دتُ إلى‬ ‫واالنتشار‪ ،‬وتفيد المثقف كثيرا إ ْن أحسن‬ ‫جمع الكتب التي أريد من هنا وهناك في‬ ‫استخدامها بشكل ج��ي��د‪ .‬فالمباشرة‪،‬‬ ‫أقراص‪ .‬وإذا كنت تسأل كيفا‪ ،‬ففيها كل‬ ‫واآلن��ي��ة والتفاعل السريع مع األح��داث‬ ‫ما قرأته خالل أربعة عقود من الكتب‪،‬‬ ‫يجعل م��ن ه���ذه ال��ب��رام��ج االجتماعية‬ ‫والحقيقة إنّ هذه الكتب اآلن باتت في‬ ‫سالحا مهما يمكن أن يستخدمه المثقف‬ ‫متناول إصبع في اإلنترنت التي تحوي‬ ‫في توصيل أفكاره‪ .‬ولقد كنتُ سباقا إلى‬ ‫ماليين الكتب‪ ،‬لكنّ عالقتي بها عالقة‬ ‫استخدام التكنولوجيا والتي لم تعقني‬ ‫وجدانية‪ ،‬فأنا أحفظ كتب الكيمياء‪ ،‬وركن‬ ‫ي��وم��ا‪ ،‬لقد ك��ان��ت م��وض��ع ف��رح بالنسبة‬ ‫الروايات والشعر وهكذا‪ ،‬بل إنني أفتقد‬ ‫لي‪ ،‬واستخدمتها بشكل جيد منذ البدء‪،‬‬ ‫الكتاب ال��ذي ض��اع منها أو اختفى كما‬ ‫وأعتقد أنّ المثقف عليه أ ْن يدخل هذا‬ ‫أفتقد أح��د أبنائي إ ْن غ��اب‪ .‬ولهذا هي‬ ‫العالم‪ ،‬ليعرف الجمهور الفرق بينه وبين‬ ‫تمثل لي الشيء الكثير‪ .‬وليس هناك أل ُذ‬ ‫بعض ال��ع��وام ال��ذي��ن استخدموا وسائل‬ ‫من بهجة مصافحة الكتب فيها وكأنها‬ ‫التواصل االجتماعي استخداما سيئا‪ .‬إن‬ ‫هذه البرامج تحتاج إلى األنموذج المكتمل‬ ‫تصافحني واحدًا واحدا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫الوهيبي تقول‪:‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الشاعرة العمانية بدرية‬

‫الشاعر العماني يحتاج‬ ‫أجنحة ضوئية ليراه اآلخر‬ ‫بدرية الوهيبي شاعرة وقاصة عمانية‪ ،‬من مواليد مسقط عام ‪1975‬م‪ ..‬نالت‬ ‫عددا من الجوائز في القصة والشعر‪ .‬مثّلت السلطنة في أندية فتيات الشارقة‬ ‫(المسرح وإبداع المرأة في شبه الجزيرة)‪ .‬وفي األسبوع الثقافي العماني بمدريد‪/‬‬ ‫إسبانيا ‪2000‬م‪ ،‬وفي عمّ ان‪/‬االردن ‪2001‬م‪ ،‬وفي مهرجان المرأة بالقيروان‪ /‬تونس‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاورتها‪ :‬هدى الدغفق‬

‫¦ ¦ع� � �ل � ��ى خ � �ل� ��اف ب� � �ع � ��ض ال� � �ش� � �ع � ��راء‬ ‫ال � �م � �ع� ��اص� ��ري� ��ن‪ ،‬ت� �ت� �ع� �م ��ق ص� � ��ورك‬ ‫الشعرية‪ ،‬ويستشف منها خصوبة‬ ‫خ�ي��ال��ك وث ��راء م�خ��زون��ك ال�ل�غ��وي‪-‬‬ ‫قلّما يتحقق لدى شعراء التفعيلة‬ ‫ال � �ح� ��ال � �ي � �ي� ��ن‪ ،‬ب � �ش � �ك ��ل خ� � � ��اص م��ا‬ ‫ت�م�ت�ل�ك�ي�ن��ه م ��ن إم� �ك ��ان ��ات ال�ق�ب��ض‬ ‫ب��ام �ت �ي��از ع �ل��ى إل �ه��ام��ك‪ -‬م ��ا ال ��ذي‬ ‫ساعدك على ذلك؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشعر حالة دائمة التأجج‪ ،‬وعملية‬

‫الكتابة الشعرية معتمِ د ًة أساساً‬ ‫على اللغة‪ ،‬وه��ي م��ا يُ��ع��وّل عليها‬ ‫داخل النص‪ .‬اللغة هي الكائن الذي‬ ‫إن لم يتوضأ من اللجج‪ ..‬سيبقى‬ ‫يقتات من جسده حتى ينحل‪ ،‬ولعل‬ ‫اكتشافي للغة وتشظياتها ما بعُد‬ ‫منها وما َقرُب‪ ..‬هو محاولة إلبعاث‬ ‫ال��ن��ص م��ن رم����اده وغ��ب��ن ت��ك��راره‪،‬‬ ‫وما تفعله المخيلة هو الذهاب بي‬ ‫إل��ى آب���ار الشعر السبع متمازجة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪105‬‬


‫بالماورائي والواقعي واألسطوري‪ ،‬ومن‬ ‫شعرية خ�لاق ٍ��ة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ��ص��وَرِ‬ ‫ثَ���مَّ‪ ،‬ب��ن��اء ن��ص ب ُ‬ ‫تحتمل ك��ل ال��ت��أوي�لات الجميلة وغير‬ ‫الجميلة‪ ،‬أن تمشي على الشوك حافيا‬ ‫ورأسك مكشوف تحت عواصف الجنون‪،‬‬ ‫متأبطا شعراً وزه��راً‪ ..‬متربصاً للمعنى‬ ‫كما يحلو له ولك‪ ،‬مباغتاً ما تراه فنتازياً‬ ‫لصنع ما ال تراه في النص‪ ..‬لكنك حتما‬ ‫تقصده‪ .‬القراءة المكثفة وعصيان آليات‬ ‫الوزن والتحرر من عبوديتها يدخلك في‬ ‫عمق رحم القصيدة‪ ..‬سواء جاءت تفعيلة‬ ‫أم نثراً‪ ،‬كالهما كفي ٌل بقتل عادة وجرها‬ ‫إلى الجمال والحب والحرية‪.‬‬ ‫ه��ذا م��ا ساعدني إن ك��ان صحيحا ما‬ ‫قلتيهِ في التجربة‪..‬‬

‫في المحاذير أثناء كتابة مقال أو قصة‪،‬‬ ‫أفكر في اآلخر أينما كان وماذا؟ لذلك‬ ‫يخرج نصاً مرتبكاً أو نصاً يتكئ على‬ ‫الرمزية ليصل إلى مبتغاه بيسر‪.‬‬ ‫ولست معنية كثيراً بأمر اآلخر وسطوته‬ ‫في الكتابة الشعرية‪ ،‬فهي لي‪ ،‬وال عالقة‬ ‫ألي ك��ائ��ن بما تحتويه ودالالت���ه���ا‪ ،‬وال‬ ‫أحملها عَ بَأ الرمزية طالما أردْتها شفيف ًة‬ ‫كضوء النهار‪ ،‬ببساطة ال سطوة للرجل‬ ‫أو المجتمع في لحظة كتابتي الشعرية‪،‬‬ ‫ال سطوة حتى إلبليس وأعوانه الجميلين‬ ‫واألش��د ض��راوة من الخطوط الحمراء‬ ‫المتاحة وغير المتاحة‪ .‬أكتب الشعر‬ ‫ألج��ل روح���ي‪ ،‬ألج��ل س�لام��ي الداخلي‬ ‫واستقراري‪ ،‬أكتب الشعر ألتنفس براثن‬ ‫خطيئة الجمال‪ ،‬دون أن يشير أحدهم‬ ‫بإصبعه ن��حْ ��وي‪ ،‬أكتب ألطلق أجنحتي‬ ‫النورانية وأطير بعيدًا‪ ،‬أكتب لتخرج من‬ ‫دمي غزالن الحياة وتتوالد في خضرتي‪..‬‬

‫¦ ¦ت �ع �ب��ري��ن ع ��ن ل �غ��ة األن� �ث ��ى وح �س �ه��ا؛ ما‬ ‫يدفع إلى التساؤل حول سطوة ال َّنفَس‬ ‫ال� ��ذك� ��وري ع �ل��ى ال� �م ��رأة ت��اري �خ �ي��ا‪ ،‬عبر‬ ‫موروثها االجتماعي التقليدي وظهوره‬ ‫إب ��داع �ي ��ا‪ .‬ك �ي��ف اس �ت �ط �ع��ت ال �ت �ح��رر من ¦ ¦ي �ت �ض��ح ت� ��أث� ��رك ب� �ط� �ق ��وس األس ��اط� �ي ��ر‬ ‫ال�ل�غ��ة ال��ذك��وري��ة‪ ،‬وص�ن�ع��ت ن�ب��رت��ك التي‬ ‫والصحارى والبداوة والقبلية واالرتحال‬ ‫حولّتك فارسة ال فريسة؟‬ ‫والال استقرار والال قرار‪ ،‬ألم يحن الوقت‬ ‫للتخلص من سطوة التعبير عن القبلي‬ ‫‪ρ ρ‬اللغة في األصل أنثى‪ ،‬نحن من يحاول‬ ‫على النفس الشعري وال�ش�ع��ور والوع��ي‬ ‫تقسيمها لتشتيتها وتضييقها‪ ،‬لست‬ ‫ال �ش��اع��ر‪ ،‬خ��اص��ة وإن ل��ه ذات� � � ًا م�ت�ح��ررة‬ ‫أبالي كثيرا بهذه السطوة التي ال تقلقني‬ ‫متطورة مؤثرة متاثرة‪ .‬وما حاجتك إلى‬ ‫أثناء لحظة الكتابة الشعرية بالذات‪،‬‬ ‫ذلك ونحن نعاصر العولمة؟‬ ‫ربما إن كانت كتابة سردية أو مقالية‬

‫‪106‬‬

‫تستدعي اس��ت��م��رار الحكاية والتوقف ‪ρ ρ‬ال أع��رف عما تتحدثين‪ ،‬ال عالقة لي‬ ‫للتساؤل في لحظة الوعي الخالقة‪ ،‬أفكر‬ ‫بقبيلة أو جيش أو عولمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫م ��ا ي �ح��دث��ه وس�ي�ط�ه�م��ا ال �م �ب��دع فيهما ¦ ¦ك� �ي ��ف ي �م �ك��ن ت ��وص� �ي ��ف ال� �ع�ل�اق ��ة ال �ت��ي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫حين أكتب ال أضع في ذهني ثيمة‪ ،‬أو‬ ‫أس��ط��ورة‪ ،‬أو ص��ح��راء‪ ،‬أو ب���داوة‪ ،‬ولعل‬ ‫لحظة الالوعي تستخرج ه��ذه األشياء‬ ‫‪ρ ρ‬ليس شكل النص ما يحدد طوله وقصره‪،‬‬ ‫أثناء الكتابة بقصد أو بدونه‪ ،‬إنها في‬ ‫إنما التجربة‪ ..‬ففي مرحلة سابقة لم‬ ‫ال��م��خ��زون ال�لام��رئ��ي تكمن وراء هذه‬ ‫ت��ك��ن قضيتي التكثيف ب��ق��در حاجتي‬ ‫المفردات‪ ،‬تأثري باألسطورة ربما يأتي‬ ‫البوحية ورغبتي في اجترار الصورة التي‬ ‫لقلقي من الواقع والمصائر‪ ،‬لذا أبحث‬ ‫تضعني بين مشهدين م��زدوج��ي��ن‪ ،‬أما‬ ‫عن مدينة تحت ال��م��اء‪ ،‬أو رداء أبيض‬ ‫نصوصي األخيرة فهي قصائد تشكلت‬ ‫شفيفاً يمتد من الغيم حتى األرض‪ ،‬ذلك‬ ‫بفعل التكثيف واالختزال إلى ما يشبه‬ ‫العبء الذي نحمله على كاهلنا وال ندرك‬ ‫(الومضة)‪ ..‬سواء في التجربة النثرية أو‬ ‫إلى أين سينتهي بنا‪ ،‬الخوف من االنتهاء‬ ‫التفعيلة‪ ،‬وطبعا هذه المقدرة على إضاءة‬ ‫الشعوري والشعري والجسدي‪ ،‬الخوف‬ ‫المعنى بأقل ممكن من كلمات والوصول‬ ‫من كل ما هو حقيقة ال نستطيع تحمل‬ ‫إل���ى ال��ن��ص ب��ك��ل ت��ف��اص��ي��ل��ه ف���ي بضع‬ ‫وجودها‪..‬‬ ‫كلمات‪ ..‬هنا تكمن الخبرة والتجربة التي‬ ‫أم��ا الصحارى وال��ب��داوة فما أجمل أن‬ ‫شكلت هذه المرحلة األخيرة من شكل‬ ‫نعود إليها ونتمرغ ببدائية الرمل والنجوم‬ ‫النص‪.‬‬ ‫والشجيرات المتناثرة على يباس الروح‪،‬‬ ‫ال شك أن كتابة قصيدة داخل الوزن أو‬ ‫عموما هما رم��ز ال�لا اس��ت��ق��رار وال�لا‬ ‫تفعيلة معينة ال تشبه كتابة نص نثري‬ ‫ثبات‪ ،‬والعزلة‪ .‬ثمة تمزقات في الروح‬ ‫خ��ارج ال���وزن واألط���ر‪ ،‬كذلك ف��ي كتابة‬ ‫وشظايا في حياة كهذه نعيشها اآلن‪ ،‬هل‬ ‫قصيدة عمودية مؤطرة ببحر وقافية‬ ‫هذه العولمة؟!‬ ‫واح���دة‪ ،‬حتما ال يصنع الجمال سوى‬ ‫¦ ¦م ��ا ب �ي��ن ال �ن �ث��ري وال �ت �ف �ع �ي �ل��ي ي �ت �ف��اوت‬ ‫ال��خ��روج م��ن الظلمة وال��ق��ي��ود‪ ،‬النثر‬ ‫نفسك اإلبداعي‪ ،‬ففي نصوصك النثرية‬ ‫ُ‬ ‫يجردني من كل شيء فتخرج انكساراتي‬ ‫القصر‪ ،‬في‬ ‫نفسك الشعري نحو ِ‬ ‫ينحو ُ‬ ‫وحيواتي وعشقي في أتم وأنقى صورها‬ ‫حين أن��ه ي�ت�ه��ادى بطوله ف��ي قصائدك‬ ‫وشعورها‪ ..‬ال جدوى من التدخل فيما‬ ‫ال � �ح� ��رة وال �ت �ف �ع �ي �ل �ي��ة‪ .‬ل � �م� ��اذا ي�خ�ت�ل��ف‬ ‫تُسنه القصيدة من قوانين‪ ،‬يقف المبدع‬ ‫شهيقك بين أسلوبين شعريين؟ وتتأثر‬ ‫حاجزا وحائال بين ما تريده القصيدة‪،‬‬ ‫زفراتك بين هذا وذاك؟ ما العالقة بين‬ ‫وبين ما يرده من منهجية ونمطية‪..‬‬ ‫اختيار األسلوب وبين فكرته؟ وما جدوى‬

‫م��ن م��وازن��ة ي��ؤس��س ب�ه��ا اإلب � ��داع نمطه‬ ‫ومنهجه؟‬

‫‪107‬‬


‫ت��رب��ط ب �ي��ن ش �ك��ل أس��ال �ي �ب��ك اإلب��داع �ي��ة‬ ‫ومضمونها ن�ث��را وتفعيلة وترتبط بها‪،‬‬ ‫وب �ي��ن م� ��زاج ال �ت �ل �ق��ي وال �م �ت �ل �ق��ي بشكل‬ ‫عام؟ وهل لرغبتك الالواعية ‪ -‬الواعية‬ ‫رب�م��ا‪ ،‬ف��ي إرض ��اء ميل المتلقي العربي‬ ‫إل��ى ال �م��وزون ون �ف��وره م��ن ال�م�ن�ث��ور‪ ،‬وم��ا‬ ‫م� ��دى ت ��أث ��رك ب �م��وق �ف��ه س �ل �ب��ا وإي �ج��اب��ا‪،‬‬ ‫ودوره متأثرا ومؤثر ًا دو ٌر في لجوئك إلى‬ ‫تنوعك إبداعيا؟ وما موقفك من ذلك؟‬

‫‪108‬‬

‫‪ρ ρ‬ف��ي ه��ذا ال��وق��ت م��ن ال��زم��ن م��ا ع��ادت‬ ‫قضية ال��ش��ك��ل ت��ؤث��ر بحجم م��ا يفعله‬ ‫الشعر والشعر فقط‪ ،‬أصبح المتلقي‬ ‫ال��ع��رب��ي متشبعا بتلك ال��ن��ب��رة العالية‬ ‫والخطابية‪ ،‬لذلك ال يمكن االستهانة‬ ‫ألغمت الوجوه‪ ،‬ولكن اليوم أشعل الحريق‬ ‫بقدرة المتلقي وفهمه‪ ،‬فهو يعرف الغثَّ‬ ‫ف��ي جسدي وروح���ي ألض��يء قصيدتي‬ ‫من السمين ويكتشف الشعر من النظم‪،‬‬ ‫النثرية وليأنسوا نارها‪ ..‬كتبت القصيدة‬ ‫ف��ه��و م��ت��ل��قٍّ جميل يبحث ع��ن الجمال‬ ‫ال��ع��م��ودي��ة س��اب��ق��ا‪ ،‬وحينما فشلت في‬ ‫الذي عينه االستسهال والفهم الخاطئ‬ ‫تجديدها لضيق ذات اللغة والقاموس‬ ‫لكتابة الشعر‪ ،‬وفي نظري الشخصي إن‬ ‫اللغوي الذي أملك‪ ..‬تركتها‪ ،‬لكنني أعود‬ ‫قصائدي الموزونة التي لم أوثقها في‬ ‫إليها كلما داهمني الخليل بن أحمد‪..‬‬ ‫المجموعة‪ ،‬هي تجربة متواضعة ال ترقى‬ ‫أما التفعيلة فهي القصيدة التي تكتبني‬ ‫فعال لمستوى قصيدة التفعيلة أو النثر‪،‬‬ ‫في الالوعي بإيقاعها الحر‪ ،‬لكنني أنفلت‬ ‫وإن كان ثمة موسيقى تأنس لها األذن‬ ‫من القيد وال أ َقفّيها ألجعلها تقترب من‬ ‫العربية‪ ..‬حتما في السابق كان موقف‬ ‫الحميمة (النثر)‪ ،‬ه��ذا ما علمني إياه‬ ‫المتلقي من قصيدة النثر ليس مقبوال‬ ‫ش��ع��ري‪ ،‬وذه��اب��ي إل��ى الشعر والحرية‬ ‫بها وب��االع��ت��راف ب��ام��ت��داده��ا للمشهد‬ ‫والجنون يجذبني أكثر‪.‬‬ ‫التطوري الشعري العربي‪ ،‬فقد كنت أقرأ‬ ‫القصيدة النثرية وأنا أنظر إلى الوجوه ¦ ¦ك� �ي ��ف ت �ن �ظ��ري��ن إل � ��ى ت� �م � ّ�س ��ك ال �م �ب��دع‬ ‫وال� � �ت � ��زام � ��ه ال � �م � �س � ��ؤول ن� �ح ��و إب� ��داع� ��ه‬ ‫المتسائلة والممتعضة والمستنكرة عن‬ ‫ومتلقيه؟ وما القيمة المتأتية من وعي‬ ‫ماهية ه��ذا ال��ك�لام‪ ،‬وأبتعد عنها كلما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫¦ ¦بمقارنة ش��اع��ر متأثر بالتلقي‪ ،‬وشاعر‬ ‫م��ؤث��ر ف��ي ال �ت �ل �ق��ي‪ ..‬ه �ن��اك س� ��ؤال‪ :‬أي��ن‬

‫ال �ن �ح��و‪ ..‬ت�خ�ل�ط�ي��ن ف�ي�ه��ا ب �ي��ن أس��ال�ي��ب‬ ‫فنية عدة‪ ،‬أال ترين أنها تستهلك بعض‬

‫‪ρ ρ‬ه����ذه ل��ي��س��ت ق��ض��ي��ة ال��م��ب��دع خ��اص��ة‬ ‫المتورط في الشعر‪ ،‬ال يمكن ألي شاعر‬ ‫ي��ؤم��ن بحقيقته وق��ص��ي��دت��ه أن يختلق ‪ρ ρ‬م��ت��أث��ر وم��ؤث��ر ف��ي ال��ت��ل��ق��ي‪ ،‬تقصدين‬ ‫المتلقي أو ما تلقاه وتم تلقينه؟‬ ‫عالما ال يناسبه في علم التهذيب وتربية‬ ‫الذائقة‪ ،‬لكنه يجب أال يسمح لنفسه أن‬ ‫إن كنت تقصدين المتلقي‪ ..‬فأنا أحترم‬ ‫يسيء لذهن المتلقي ويسيء لقدرة وعي‬ ‫الثاني المؤثر؛ ألنه يحمل سحراً عظيمًا‬ ‫أي متلق‪ ،‬ألن الكالم البسيط والسطحي‬ ‫وأك���ي���داً‪ ،‬أم���ا اآلخ���ر ف��ه��و ت��اب�� ُع ل��ري��اح‬ ‫والمبتذل يسيء بشكل أو بآخر للمتلقي‪،‬‬ ‫اآلخ��ري��ن‪ ،‬فكلما و ّل��ت األفئدة شطرها‬ ‫إن لم يكن لدي شعر فأصمت‪ ،‬يستطيع‬ ‫ولّ���ى ه��و ف����ؤاده‪ ،‬متخليا ع��ن الحكمة‬ ‫المبدع التعبير عن فكره وشعره والدفاع‬ ‫التي تقتضي منه االستبسال والدفاع‬ ‫عنه ‪-‬إذا تطلب األمر‪ -‬ولكن ال يستطيع‬ ‫عن حقه في التعبير بأي شكل يريده‪،‬‬ ‫أن يفرض القبح في المكان‪..‬‬ ‫ويترك للمتلقي حرية اإلعجاب بعمله‬ ‫من استنفاره‪ ،‬األسئلة األخ��رى ال أملك‬ ‫فكما تقبّل المتلقي العربي قصيدة النثر‬ ‫اإلجابة عليها‪ ..‬كون ضآلة حجم تجربتي‬ ‫(الهجينة) كما يسميها بعضهم – شيئا‬‫غير مكفول باإلجابة على نتائج ورؤى‬ ‫فشيئا‪ ،‬ألن��ه��ا ت�لام��س ش��غ��اف ال���روح‪،‬‬ ‫مستقبلية في الثقافة واألجيال والمجتمع‬ ‫وتالمس جراح نكأتها أصابع التسطيح‬ ‫والرأي العام‪ ..‬ويكفيني قول (قل كلمتك‬ ‫واالستسهال‪ ،‬فإن المتلقي قادر ومدرك‬ ‫وامض)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لماهية الشعر الحقيقي‪ ،‬وإن كان هجينا‪،‬‬ ‫وم��درك لكيفية التعامل مع كل ما هو ¦ ¦زاوج� � ِ�ت ب�ي��ن أس��ال�ي��ب فنية م�ت�ع��ددة في‬ ‫دخ��ي��ل وح���دي���ث‪ ،‬وم���دى تقبله ل��ه من‬ ‫أي ب �ي��ن أس �ل��وب��ي ال�ن�ث��ر‬ ‫ال �ن��ص ن �ف �س��ه‪ْ ،‬‬ ‫عدمه‪ ..‬األمر كله للمتلقي كما القصيدة‬ ‫وال�ت�ف�ع�ي�ل��ة‪ ،‬وت �ن��وعَ ��ت ب �ع��ض ن�ص��وص��ك‬ ‫كلها للشاعر‪..‬‬ ‫وت� �ن ��اوب ��ت ع �ل��ى ذل � ��ك‪ُ .‬ج� � ��رأة ع �ل��ى ه��ذا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫المبدع ب��دوره في تربيته ذائقة التلقي‬ ‫وتمرينها على قبول اإلب ��داع باألسلوب‬ ‫ال�م�ن��اس��ب ل�م�ض�م��ون��ه وف �ك��رت��ه ف��ي نظر‬ ‫مبدعه‪ ،‬وت�ع��وي��ده على استقالله فكريا‬ ‫ومرونته قرائيا‪.‬‬

‫ي �ك �م��ن اخ� �ت�ل�اف أح��ده �م��ا ع ��ن اآلخ� ��ر؟‬ ‫وك�ي��ف ي�ت��م تفسير ال ��دور وال �غ��اي��ة التي‬ ‫تتحقق لكليهما نحو إبداعه ومتلقيه؟‬ ‫وم� � ��ا ال� �ن� �ت ��ائ ��ج اإلي� �ج ��اب� �ي ��ة وال �س �ل �ب �ي��ة‬ ‫المترتبة على ذلك االختالف والمؤثرة‬ ‫في الثقافة واألجيال والمجتمع والرأي‬ ‫العام التي تتضح على أرض الواقع؟‬

‫‪109‬‬


‫الشيء طاقتك التعببرية‪ ،‬ما يدعو إلى‬ ‫س��ؤال��ك ع��ن‪ :‬م��اذا تكنين وراء تنويعك‬ ‫م��ن م �ع��ان‪ ،‬وإل ��ى أي ح��د تثقين بتفهم‬ ‫ال�م�ت�ل�ق��ي ل�ت�ن��وع��ك وإع �ط��ائ��ه ال�ت�ق��دي��ر‬ ‫الذي يستحقه؟ وإذا كانت لديك وجهة‬ ‫نظر مغايرة ال نعلم بها حدثينا عنها؟‬

‫أما المشهد الشعري العماني فهو رغم‬ ‫عمقه وق��درت��ه على سبر أغ��وار النص‬ ‫بصورة نقدية ومقاربة‪ ،‬إال أن الشاعر‬ ‫العماني يحتاج أجنحة ضوئية ليراه‬ ‫اآلخر‪ ..‬وأنا متأكدة أن الشاعر العماني‬ ‫بدأ في تأسيس رؤية خاصة به من قبل‬

‫‪ρ ρ‬ال أختار شكل القصيدة‪ ،‬وال كيفية كتابتها‬ ‫وزم���ن ذل��ك وم��ك��ان��ه‪ ..‬ه��ي تفعل ذل��ك‪،‬‬ ‫من هذه الطبيعة المتاخمة لجدار الروح‪،‬‬ ‫فاطرحي السؤال عليها‪ ..‬أكتفي بقول‬ ‫أكثر من مجرد عزلة حاكتها جغرافيا ال‬ ‫الشاعر بول فاليري‪« :‬تَهِ بُناَ الربّ الْبَيْتَ‬ ‫ي�� َد لنا وال لتاريخنا بها‪ ،‬ولكنه أحبها؛‬ ‫األَ َّو َل بِظُ ر ٍْف وَد ُو َن مُقاَب ٍِل؛ أَم َّ��ا الْبَيْتُ‬ ‫ألنها تنسج الشخصية الشعرية العمانية‬ ‫صنْ َعتُهُ»‪ .‬وليس بالضرورة‬ ‫َّني َف َعلَيْناَ َ‬ ‫الثا ِ‬ ‫المختلفة والمغايرة عما هو سائد‪..‬‬ ‫أن تتشكل قصيدة عمودية إلكمال البيت‬ ‫الثاني‪ ،‬فلعها مشروع وزني يستحيل مع ¦ ¦ما اآلل�ي��ات التي يمكن بها دع��م اإلب��داع‬ ‫الواعد في الخليج ورعايته؟‬ ‫اللحظة إلى نثري‪ ..‬كله جائز في الشعر‪.‬‬ ‫اآلخر‪ ،‬ومتأكدة أن في عُمان ما هو أكثر‬

‫¦ ¦ك� �ي ��ف ت �س �ت �ق��رئ �ي��ن ال� �ح ��رك ��ة ال �ش �ع��ري��ة ‪ρ ρ‬ملتقيات خليجية ربما قادرة على إزالة‬ ‫السعودية بشكل عام والحركة الشعرية‬ ‫خ��ط الحديد ال��ذي تقف عليه طويال‬ ‫العمانية بشكل خاص؟‬ ‫ق��ط��ارات ال��ث��ق��اف��ة دون ح����راك‪ ،‬ولعل‬

‫‪110‬‬

‫‪ρ ρ‬حقيقة إن التجربة الشعرية السعودية‬ ‫تشكلت منذ فترة سابقة رغ��م طغيان‬ ‫الثقافة الشعبية‪ ،‬لكن ه��ن��اك أسماء‬ ‫تستحق ق��راءت��ه��ا ب��اس��ت��م��رار تحرضك‬ ‫على فعل ال��ج��رم ال��م��ش��روع والجميل‬ ‫(القصيدة)‪ ،‬وحتى في السرد أرى أنّ‬ ‫هناك مشهداً سعودياً ثرياً متجدداً قادراً‬ ‫على فك كل القيود والتحرر من كل ما‬ ‫يجلد النص ويربكه‪ ،‬وأن��ا أع��رف بعض‬ ‫األسماء السعودية‪ ،‬وأتواصل مع بعضها‪،‬‬ ‫ونتشابه كثيراً في هذا الجنون والصدق‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫االشتغال الفردي ال��ذي يقوم به بعض‬ ‫ناشطي اإلنترنت من الشعراء‪ ..‬كفيل‬ ‫بصنع القاعدة‪ ،‬أما المؤسسات فال يعوّل‬ ‫عليها كثيرا‪..‬‬ ‫تبادل إعالمي ثقافي أسبوعي بين بلدان‬ ‫الخليج‪ ،‬والتركيز على المبدع في مكانه‪،‬‬ ‫ليعرف عنه اآلخر ويتواصل مع التجربة‪..‬‬ ‫وكذلك النقد والقراءات النقدية لبعض‬ ‫أعمال الواعدين ونشرها في دوري��ات‬ ‫وصحف خليجية أخرى‪..‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الصالون الثقافي‬ ‫بين الماضي والحاضر‬ ‫‪ρρ‬غادة هيكل*‬

‫ت�ع��د ال�ص��ال��ون��ات ال�ث�ق��اف�ي��ة ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي‬ ‫من أه��م منابر التواصل بين مثقفي المجتمعات‬ ‫وكتابهم وشعرائهم‪ ،‬كما تعد وسيلة فعالة لمناقشة‬ ‫أح� � ��وال ال� �ب�ل�اد وم� ��ا ط� ��رأ ع �ل��ى ال �م �ج �ت �م �ع��ات م��ن‬ ‫متغيرات‪ ،‬س��واء بالسلب أو اإليجاب‪ .‬وللصالونات‬ ‫الثقافية ت��اري��خ ط��وي��ل يمتد م��ن ع�ص��ر الفراعنة‬ ‫الذين هم أول مَن عرفوا الكتابة والتدوين‪ ،‬وسجلوا‬ ‫على ج��دران معابدهم ليالي السمر‪ ..‬والتي كانت‬ ‫تتلى فيها النصوص من األناشيد‪ ،‬وتعزف فيها الموسيقى وت��روى القصص‪ ،‬ثم‬ ‫تطور األم��ر على م� ّر التاريخ‪ ،‬وأخ��ذت الصالونات لها خصوصية مختلفة نتيجة‬ ‫للتواصل الذي بدا على المقاهي الشهيرة وفي األسواق‪ ،‬مثل‪ :‬سوق عكاظ للشعر‬ ‫والذي استمر حتى اليوم‪ ،‬ومجلس الملوك مثل سيف الدولة الحمداني‪ ،‬ومجالس‬ ‫عبدالملك بن مروان‪ ،‬والمأمون وغيرهم؛ وأول صالون أدبي ظهر في القرن األول‬ ‫الهجري‪ ،‬هو صالون السيدة «سكينة بنت الحسين بن علي» رضي اهلل عنهم جميعا‪،‬‬ ‫حيث امتاز صالونها باألدب الرفيع والعلم الغزير‪ ،‬واجتمع ببابها الشعراء يطلبون‬ ‫اإلذن منها لينشدوها أشعارهم‪ ،‬وكانت تستمع لهم من وراء حجاب‪ .‬كما ظهرت‬ ‫في األندلس والدة بنت المستكفي‪ ،‬وكانت تجالس الشعراء وتحاضرهم وتجادلهم‪،‬‬ ‫أمثال ابن زيدون وابن عبدوس وغيرهم من كبار القوم وشعرائهم‪.‬‬ ‫أم���ا ف��ي ال���ق���اه���رة‪ ..‬ف��ق��د تحولت‬ ‫ال��ص��ال��ون��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة م���ن األم��اك��ن‬ ‫ال��م��ف��ت��وح��ة وال��م��ع��روف��ة ب��ال��م��ق��اه��ي‬ ‫ال��م��ن��ت��ش��رة ف���ي وس����ط ال���ق���اه���رة‪..‬‬

‫واشتهرت بمقاهي األدباء‪ ،‬لتتخذ شكال‬ ‫أكثر خصوصية في أوائل القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬ومن أشهر الصالونات التي بزغت‬ ‫بعد الحرب العالمية ‪1941‬م‪ ،‬صالون‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪111‬‬


‫ن��ازل��ي فاضل ابنة مصطفى فاضل باشا وباهتمامها وحتى قلبها‪ ،‬وق��د كتب فيها‬ ‫الملقب بأبي األحرار‪ ،‬وكان يحضره عدد من العديد م��ن القصائد‪ ،‬وروي ع��ن عشقها‬

‫كبار رجال الدولة منهم سعد زغلول‪ ،‬ومحمد العديد من القصص‪ ،‬إال أن صالونها ظل‬ ‫عبده‪ ،‬وقاسم امين‪ ،‬وقد غلب على مناقشاته م��ن أش��ه��ر ال��ص��ال��ون��ات على م�� ّر ال��ت��اري��خ‪،‬‬ ‫الطابع السياسي والديني واالجتماعي‪.‬‬

‫والذي كان له دور في الحراك األدبي نتيجة‬

‫ومن أهم الصالونات وأشهرها‪ ..‬والذى للتنافس الشديد بين محبيها‪ ،‬ما أدى إلى‬ ‫اتخذ الطابع األدب���ي «ص��ال��ون م��ي زي��ادة» غ��زارة اإلنتاج األدب��ي في تلك الفترة‪ ،‬ومن‬

‫التى أتت من فلسطين إلى مصر عبر لبنان أمثلة ذلك مصطفى ص��ادق الرافعي الذى‬ ‫واستقرت فيها‪ ،‬وقد اتخذ صالونها شهرة قدم أشهر كتبه‪ :‬السحاب األحمر‪ ،‬ورسائل‬

‫واس��ع��ة اس��ت��م��رت ح��ت��ى اآلن‪ ،‬ل��ي��س فقط األحزان‪ ،‬وأوراق الورد‪.‬‬ ‫لمؤلفاتها‪ ،‬ولكن ألسباب منها‪:‬‬ ‫وك��ذل��ك أح���دث ال��ص��ال��ون ف��ي الساحة‬ ‫ ثقافتها الواسعة التي كان وراءه��ا عدد الثقافية واألدبية المصرية ما يشبه الصدمة‬‫من اللغات‪ ،‬وموهبتها الفطرية‪ ،‬ورهافة الكهربائية‪ ،‬فبرزت أسماء لم تكن معروفة‪،‬‬ ‫حسها الفني واألدبي‪.‬‬ ‫وازداد المشهورون شهرة‪ ،‬وترسخ األسلوب‬

‫ الحرص على إثبات الوجود الذاتي في السليم ألدب الحوار والجدل‪ ،‬وكان البذرة‬‫المجتمع المصري‪ ،‬وه��ي الفلسطينية األولى للعديد من الصالونات التي أسست‬ ‫اللبنانية‪ ،‬وقد رأت أن للبنانيات وللبنانيين في القاهرة واالسكندرية‪ .‬وظهرت القصة‬ ‫النازلين بمصر نشاطا رياديا في مجاالت والرواية والتراجم والنقد مع تطور الحياة‬

‫الصحافة والفن المسرحي والسينمائي‪ ،‬األدبية‪ ،‬وظهور العديد من الصالونات مثل‪:‬‬ ‫والشعري واألدبي‪.‬‬ ‫‪ -‬ص���ال���ون ال���ع���ق���اد‪ :‬وي��ع��ق��د ص���ب���اح كل‬

‫‪ -‬الحرص على االستفادة أدبيًا وثقافيًا من‬

‫الشخصيات التي تقصد صالونها‪ ،‬فقد‬

‫بمصر الجديدة‪ ،‬ويحضره العديد من‬

‫مصر ومنهم (أحمد شوقي‪ ،‬عبدالعزيز‬

‫حمدي إم��ام‪ ،‬وعبدالحي دي��اب‪ ،‬وطاهر‬

‫وك��ان لجمالها وثقافتها وحسن إدارتها‬

‫هو السبب فى شهرة أنيس منصور بما‬

‫كانوا يمثلون القمم األدبية والفكرية في‬

‫الشخصيات‪ :‬أن��ي��س م��ن��ص��ور‪ ،‬وأحمد‬

‫فهمي‪ ،‬خليل مطران‪ ،‬عباس العقاد‪.)...‬‬

‫الطناحي‪ ،‬وغيرهم‪ ..‬ولعل هذا الصالون‬

‫للصالون وصوتها الرخيم‪ ،‬م��ا يخيل إلى‬

‫‪112‬‬

‫جمعة‪ ،‬ويمتد لعدة ساعات في مسكنه‬

‫م��ح��دث��ه��ا أن���ه ه���و وح����ده ال��م��س��ت��أث��ر بها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫كتبه عنها بعنوان (كانت لنا أيام)‪ ،‬والذي‬ ‫أصبح مرجعا لتلك الفترة بما تناوله رواد‬


‫وفكرية فيما يدور؛ فلسفة‪ ،‬أدب‪ ،‬تاريخ‪ ،‬الصالونات هو رغبة مجموعة من المثقفين‬ ‫سياسة‪ ،‬نقد‪.‬‬ ‫ذوي االه��ت��م��ام��ات ال��خ��اص��ة ف��ي التعبير‬

‫ أم���ا ص��ال��ون ال��ش��اع��ر ال��دك��ت��ور أحمد ع��ن اه��ت��م��ام��ات��ه��م وم��ي��ول��ه��م وات��ج��اه��ات��ه��م‬‫تيمور‪ ،‬فهو صالون ثقافي أدبي‪ ،‬بدأ سنة الفكرية أو السياسية أو العلمية‪ ،‬وع��دم‬ ‫‪1987‬م‪ ،‬وهو نصف شهري‪ ،‬يعقد مساء ق��درة المؤسسات الثقافية الحكومية على‬ ‫األربعاء األول والثالث في العاشرة مساء‪ ،‬توفير منابر حرة للحوار والنقاش وتبادل‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الصالون من أحاديث وتنويعات موضوعية‬

‫وال���س���ب���ب األه�����م ف���ي اس���ت���م���رار ه��ذه‬

‫وقد يمتد إلى الثانية صباحً ا‪ ،‬ومن أهم اآلراء‪ ،‬ورغ��ب��ة بعض المثقفين والوجهاء‬ ‫وال��ش��خ��ص��ي��ات العلمية ورج����ال األع��م��ال‬ ‫أهدافه المعلنة هدفان‪:‬‬ ‫ األول‪ :‬تحقيق التنوير بمفهومه األصيل‬ ‫ال���س���دي���د ال�����ذي ي��س��ت��رف��د ال��م��اض��ي‬

‫والحاضر‪.‬‬

‫التعبير عن المكانة أو الوجاهة االجتماعية‪،‬‬

‫وعدم توافر نوادي اجتماعية‪ ..‬ما أدى إلى‬ ‫تحول بعض الصالونات الثقافية مع الزمن‬

‫إلى نوادي اجتماعية نخبوية تضم مجموعة‬

‫ الثاني‪ :‬االعتماد على التجريب الداخلي‪ ،‬من األصدقاء منها‪:‬‬ ‫وإش���ب���اع األن������واع األدب���ي���ة وال��ث��ق��اف��ي��ة‬ ‫ صالون الدكتور وسيم السيسي‪ ،‬صاحب‬‫المظلومة التي ال تنال من اآلخرين كثيرًا‬ ‫«صالون المعادي الثقافي»‪ ،‬الذي أسسه‬ ‫من االهتمام‪.‬‬ ‫عام ‪1990‬م‪ ،‬وهو طبيب وباحث في علم‬ ‫ ويستضيف الصالون في األمسية علمًا‬ ‫المصريات‪ ،‬يقول عن تجربته‪« :‬جاءت‬ ‫من أع�لام الشعر‪ ،‬أو األدب والنقد‪ ،‬أو‬

‫ف��ك��رة تأسيس ال��ص��ال��ون بعد ق���راءات‬

‫العلمية التجريبية متحدثًا عن مشواره‬

‫موجودة في مصر خالل فترة الثالثينيات؛‬

‫ ومن الموضوعات التي عالجها الصالون‪:‬‬

‫الجمعة األخيرة من كل شهر‪ ،‬يهدف إلى‬

‫الحداثة وم��ا بعد ال��ح��داث��ة‪ ،‬الصحافة‬

‫المختلفة‪ .‬وكان التركيز في البداية على‬

‫الثقافة السياسية أو االق��ت��ص��ادي��ة أو‬

‫كثيرة عن الصالونات الثقافية التي كانت‬

‫وتجاربه في حياته ومع تخصصه‪.‬‬

‫لذا قررت إنشاء صالون في منزلي ينظَّ م‬

‫م��ك��ان الشعر ف��ي مجتمعات التقنية‪،‬‬

‫الحزبية‪ ،‬ال��درام��ا التلفازية‪ ،‬العولمة‪،‬‬

‫االستنساخ‪ .‬وأحيانًا تقدم في الصالون‬ ‫لوحات تشكيلية‪ ،‬ومعزوفات موسيقية‪،‬‬

‫ومشاهد تمثيلية‪.‬‬

‫تبادل اآلراء والمناقشات حول المواضيع‬

‫القضايا التاريخية والقضايا العلمية‬ ‫واألدبية‪ ،‬بعيدا عن الدين والسياسة‪ ،‬غير‬

‫أننا اضطررنا مؤخرا لتناول بعض مسائل‬ ‫السياسة‪ ،‬خاصة بعد ثورة (‪ 25‬يناير) وما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪113‬‬


‫تبعها من أحداث سياسية قوية‪ .‬واليوم انتشرت على مواقع التواصل االجتماعى‬ ‫نتطرق لمواضيع السياسة‪ ،‬لكن ليس وتكررت لفظة الصالون األدب��ي بكثرة في‬ ‫بشكل مباشر؛ ألننا ما زلنا في مرحلة األونة األخيرة‪ ،‬ولكن بالنظر إلى واقع هذه‬

‫نحتاج فيها إلى إعادة النظر في احترام الصالونات والتي تكون غالبا شهرية‪ ،‬فإنها‬ ‫آراء اآلخرين بشكل جيد‪.‬‬ ‫عبارة عن لقاءات شعرية يحضرها مجموعة‬ ‫ صالون أحمد المسلماني الثقافي والذي من الشعراء هم أنفسهم الذين يلتقون على‬‫ب��دأه فى منزله في العام ‪2006‬م‪ ،‬وكان‬ ‫يعقد اسبوعيا‪ .‬وقد استضاف صالون‬ ‫أح��م��د المسلماني الثقافي ع���ددا من‬

‫الشخصيات البارزة في مجاالت مختلفة‬

‫الساحة اإللكترونية‪ ،‬وتتكرر لقاءاتهم فى‬ ‫العديد من األماكن‪ ..‬يلقون بأبياتهم التي‬ ‫قد تلقى بعض االهتمام وينتهى اللقاء‪ ،‬وفي‬

‫كالعالم المصري د‪ .‬رشدى سعيد‪ ،‬األديب بعضها يتم مناقشة بعض اإلص��دارات التي‬ ‫األستاذ جمال الغيطاني‪ ،‬األديب الدكتور يدعو لها أصحابها دون ترتيب او إعداد يليق‬ ‫عالء األسواني‪ ،‬األدي��ب األستاذ يوسف بالكاتب أو الضيوف‪.‬‬

‫القعيد‪ ،‬الكاتب األس��ت��اذ وحيد حامد‪،‬‬ ‫ال��ك��ات��ب األس��ت��اذ أس��ام��ة أن���ور عكاشة‬ ‫وغيرهم‪.)...‬‬

‫إن ان��ت��ش��ار وس��ائ��ل ال��ت��واص��ل س�لاح ذو‬ ‫ح��دي��ن‪ ،‬يظهر فيه ال��غ��ث والسمين جنبا‬ ‫إلى جنب‪ ،‬وانتهت ظاهرة الصالونات التي‬

‫ ويعد صالون الدكتور عبدالمنعم تليمة‪ ،‬تقام على أصول الضيافة وحسن االستماع‬‫أستاذ األدب العربي بجامعة القاهرة‪،‬‬ ‫والتلقي‪ ،‬وإث��راء الحركة األدبية خاصة مع‬ ‫من أشهر صالونات القاهرة الثقافية‬ ‫ت��ده��ور ح��ال المؤسسات الثقافية نتيجة‬ ‫وأق��دم��ه��ا‪ ،‬ويطلق عليه اس��م «ص��ال��ون‬ ‫للحراك السياسي واالق��ت��ص��ادي‪ ،‬وقصور‬ ‫الخميس»‪.‬‬ ‫الفكر واإلب���داع على فئة معينة وارتباطها‬ ‫وعلى الرغم من استمرار هذه الصالونات‬ ‫ببعض الجوائز التى تقّيم المبدع من غيره‪،‬‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬وإن أخ��ذت تخبو ويقل رونقها‬ ‫وأهميتها‪ ،‬نظرا النتشار وسائل التواصل وعدم االهتمام بالمواهب الشابة وتدعيمها؛‬

‫االجتماعي‪ ،‬إذ تحوّل الفضاء اإللكتروني إلى وه��و م��ا ي��ؤس��س لفكرة ع��دم ق��ب��ول ال��رأى‬ ‫صالون كبير يتواصل فيه كل فئات المجتمع‪ ..‬اآلخ���ر‪ ،‬وال��ح��وار ال��ج��اد ال��ذي ينتج حراكا‬ ‫ك��ل ح��س��ب اه��ت��م��ام��ه ورغ��ب��ات��ه‪ .‬وم���ع ذل��ك ثقافيا وأدبيا مفيدا للمجتمع‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫المراكز الثقافية السعودية‬ ‫إطاللة على المشروع الثقافي الوطني‬ ‫‪ρρ‬مرسي طاهر*‬

‫انتشرت في اآلونة األخيرة دعاوى من بعض المثقفين‬ ‫وال�م�ع�ن�ي�ي��ن ب �ح��ال ال�ث�ق��اف��ة ب��ال�ت��وس��ع ف��ي إن �ش��اء م��راك��ز‬ ‫ثقافية في جميع مناطق المملكة‪ ،‬بل وطالب بها عدد‬ ‫م��ن المسئولين وع�ل��ى رأس �ه��م وزي ��ر ال�ث�ق��اف��ة واإلع �ل�ام؛‬ ‫ولعلها نشأت إليجاد دور وسط بين المؤسسات العاملة‬ ‫في المجال الثقافي كالنوادي األدبية وجمعيات الثقافة‬ ‫وال� �ف� �ن ��ون وال� �ت ��ي ت ��وج ��ه أن �ش �ط �ت �ه��ا ل �ن �خ �ب��ة م �ع �ي �ن��ة م��ن‬ ‫المثقفين‪ ،‬وبين عامة الشعب لتواكب ال��دور المرسوم‬ ‫للثقافة‪ ،‬لتشمل ك��اف��ة ال�م��راح��ل العمرية وال�ش��رائ��ح االجتماعية والمستويات‬ ‫الثقافية المختلفة‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬جاءت فكرة إنشاء المراكز العادي ما يشبع اهتماماته المعرفية‪،‬‬ ‫الثقافية لتشكل راف����داً م��ن رواف���د ويصقل مواهبه وينميها‪ ،‬وتحدث حراكاً‬ ‫الوعي االجتماعي‪ ،‬وتعمل على تغطية ثقافياً مهماً في المجتمع‪ ،‬لتمثل رئة‬ ‫االحتياجات الثقافية لكل المراحل حضارية يتنفس من خاللها‪ ،‬ويقاوم بها‬ ‫العمرية‪ ،‬ويجد فيها المثقف والفرد دعاوى التطرف بكافه أشكاله وصوره‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪115‬‬


‫الشك أن هناك إجماعاً من المتابعين معين بحيث تكون حاضنة لألجيال الشابة‪،‬‬ ‫والمعنيين بحال الثقافة السعودية على وم�لازم��ة لألجيال القديمة‪ ،‬مما له أكبر‬ ‫��راك ثقافيٍّ وتنافسيٍّ‬ ‫الحاجة إلى كيانات تشمل كافة األنشطة األث��ر في إح��داث ح ٍ‬ ‫الثقافية المختلفة‪ ،‬وأن المؤسسات الموجودة مع المؤسسات الثقافية األخ��رى‪ ،‬يتحول‬ ‫على الساحة حالياً ال بد من تفعيل دورها‪ ،‬فيها العمل الثقافي إلى مشروع استراتيجي‬ ‫حيث رأى البعض منهم ض��رورة دمج هذه ومكتسب حضاري؛ يعمل على تأصيل ما‬ ‫المؤسسات في مكان واحد لتعظيم الفائدة تحظى به المملكة من عمق ثقافي وثقل‬

‫منها وعدم االزدواجية‪ ،‬والبعض األخر رأى عربي وإس�لام��ي في ظل التغييرات التي‬ ‫التوسع في إنشاء مراكز ثقافية شاملة لكافة يشهدها العالم اآلن‪ ،‬واالنفتاح في كافة‬

‫األنشطة المختلفة‪ ،‬لتشمل كافة الشرائح المجاالت وبخاصة في هذه المرحلة التي‬ ‫المجتمعية في المدن الصغيرة قبل الكبيرة‪ ،‬تعيشها البالد‪.‬‬ ‫وللمستويات العمرية المختلفة‪،‬بمعنى أن‬

‫وأتصور أن مهمة هذه المراكز ينبغي أن‬

‫ت��ك��ون ه��ذه ال��م��راك��ز الثقافية ذات طابع تكون توسيع أرضية الحوار والتالقي بين‬ ‫شمولي لكافة المناشط؛ في العلوم واآلداب مختلف طاقات الوطن الثقافية والفكرية‪،‬‬

‫‪116‬‬

‫والفنون المختلفة‪ ،‬وال تقتصر على جانب وملء هذا الفراغ الثقافي الذي منح الفرصة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫من الظهور والتمكين؛ بل والسيطرة والتأثير الفكرية الشاذة والمنحرفة عقائدياً ودينياً‬ ‫على العقول عبر وسائل اإلعالم وغيرها‪ ،‬واجتماعياً‪.‬‬ ‫كما أتصور أن تكون ه��ذه المراكز مكاناً‬

‫وبالتالي فإن دور المراكز الثقافية بهذا‬

‫يجتمع فيه األدباء‪ ،‬والمفكرون‪ ،‬والمثقفون‪ ،‬ال��م��ن��ظ��ور ال���ذي ي��ح��ت��وي ط��اق��ات العقول‬ ‫والشعراء‪ ،‬والمختصون في كافة المجاالت‪ ،‬ويحاورها‪ ،‬سيكون من وجهة نظري أهم من‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫للكثير من أصحاب االجتهادات الخاطئة وال��ت��ي تحمل س��ي��والً ج��ارف��ة م��ن التيارات‬

‫مع عامة الشعب بدون استثناء؛ يجد فيه دور المؤسسات والشركات والمصانع في‬ ‫الشخص العادي مكاناً آمناً لتوجيهه ونصحه التنمية؛ ذلك ألن هذه الشركات والمصانع‬ ‫وتقويمه‪ ،‬ويرى فيه المفاهيم الصحيحة من تنتج وتصنع سلعاً مادية ملموسة ومهمة‬ ‫خالل اإلجابة على كل استفساراته وأسئلته أي��ض��اً‪ ،‬لكن المراكز الثقافية تنتج فكراً‬ ‫بدون حيرة وخوف‪ ،‬إضافة إلى ملء الفراغ يقوم بصيانة وصياغة ه��ذه التخصصات‬ ‫الثقافي‪ ..‬ينبغي أن تعمل ه��ذه المراكز التي تنتج السلع‪ ،‬فهي بالتالي تنظم سلوك‬ ‫الثقافية على سد أوقات الفراغ االجتماعي اإلنسان ليصبح منتجاً في كافة المجاالت‪.‬‬

‫الذي يقضى من قبل الكثيرين من الشباب‬

‫لذا من الضروري بمكان أن تكون هناك‬

‫على وسائل اإلعالم الفضائية أو اإلنترنت خطط استراتيجية لهذه المراكز من خالل‬ ‫وغيرها من وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬برامج محددة‪ ،‬وتصور مستقبلي ألدائها‬

‫المركز الثقافي بالجوف‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪117‬‬


‫وأق��س��ام��ه��ا وف���ق ع��م��ل م��ؤس��س��ي ول��وائ��ح‬

‫تعد المكتبات أحد أهم الركائز األساسية‬

‫مشجعة تتضافر فيه كل األنشطة الرسمية التي يعول عليها للقيام ب��ال��دور المأمول‬ ‫واأله���ل���ي���ة‪ ،‬ل��وض��ع ال��ث��ق��اف��ة ع��ل��ى قائمة للمراكز الثقافية الجديدة‪ ،‬وخاصة في ظل‬

‫األول���وي���ات ف��ي خطط التنمية الشاملة‪ ،‬ما يسمى بعصر المعلومات‪ ،‬وما يصاحبه من‬ ‫وجعلها مكتسبا حضاريا ورافدا من روافد تنوع لمصادر هذه المعلومات‪ ،‬وتضخم حجم‬ ‫الوعي االجتماعي وشريكاً أساساً في تطور إنتاجها‪ ،‬وصعوبة السيطرة عليها‪ ،‬وأضحت‬

‫وازده���ار الحياة المدنية بكافة أشكالها فيه المكتبة مكاناً غير تقليديٍّ ‪ ،‬مطالباً بأن‬ ‫يلبي احتياجات المستفيدين على اختالف‬ ‫وصورها‪.‬‬ ‫مستوياتهم ب��دءاً من الطفل الصغير الذي‬ ‫من خ�لال ه��ذه ال��رؤي��ة ستصبح المراكز‬ ‫أص��ب��ح اآلن يتعامل م��ع أح���دث التقنيات‬ ‫الثقافية نقاط تجمع واحتواء لجميع أفراد‬ ‫العالمية بسهولة واضحة‪ ،‬ويحاول الوصول‬ ‫األس��رة في المجتمع لإلفادة من نشاطاتها والتعامل مع فيض هائل من المعرفة‪ ،‬وصوالً‬ ‫وبرامجها‪ ،‬يجد فيها المثقف والفرد العادي إلى الباحث الذي يتوقع من المكتبة تلبية‬ ‫ما يشبع اهتماماته المختلفة‪ ،‬ومكاناً لالطالع احتياجاته في التعامل مع قواعد البيانات‬

‫وتنمية المواهب وصقلها وإتاحة المجال لكل العالمية بأقل جهد ممكن وأس���رع وق��ت‪،‬‬ ‫الفنون التعبيرية والتشكيلية‪ ،‬ومكتبة متميزة إض��اف��ة إل��ى تلبية االحتياجات األساسية‬ ‫تتيح ال���ق���راءة وال��ع��ل��م؛ وص����االت للعروض للقارئ العادي‪.‬‬

‫السينمائية والثقافية‪ ،‬وللفنون التشكيلية‬

‫من هنا‪ ،‬كانت أهمية هذه المراكز الثقافية‬

‫والتصوير الفوتوغرافي وال��ع��روض األثرية وما يمكن أن تلعبه من دور خالل المرحلة‬ ‫وغيرها؛ قاعات لعقد الندوات والمحاضرات المقبلة‪ ،‬والتي أرى قبل إنشائها ضرورة أن‬

‫واإلنترنت؛ باإلضافة إل��ى قاعات للتدريب تسبقها دراس��ات علمية مستفيضة وورش‬ ‫ت��ع��ق��د ف��ي��ه��ا دورات ت��دري��ب��ي��ة ف���ي ال��رس��م عمل؛ بل ونقاش مجتمعي ورسمي يحدد‬

‫والموسيقى‪ ،‬وتعلم اللغات والخط العربي ال��رؤي��ة واأله����داف؛ حتى ال ت��ك��ون ت��ك��راراً‬

‫والحاسب اآلل��ي وتعليم الكبار وغيرها من لمؤسسات أخ��رى غير فاعلة‪ ،‬وأن تصبح‬ ‫األنشطة المجتمعية‪.‬‬ ‫ * أمين مكتبة دار العلوم بالجوف‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫بحق المشروع الوطني القادم للمملكة‪.‬‬


‫‪ρρ‬عمر بوقاسم*‬

‫‪1975‬م‪ ..‬وأن��ا ف��ي الصف الثالث االب�ت��دائ��ي‪ ،‬أذك��ر أن م��درس‬ ‫الرسم طلب أن يرسم كل واحد منا طائره‪ ،‬فرسمت بطة‪ ،‬ورفعت‬ ‫يدي إشارة باالنتهاء‪ ،‬أخذ األستاذ كراستي ونظر إلى طائري‪،..‬‬ ‫صرخ‪ ،‬نعم‪ ،‬مدرس الرسم صرخ‪ ،‬صرخته الشهيرة التي تنظمنا‬ ‫في طابور الصباح وتأذن لنا بالصعود للفصول‪ ،‬صرخته التي‬ ‫لم تفارقني‪ ،‬يتردد صداها حين أذكرها‪ ،‬حتى اآلن‪ ..‬وهو ممسكا‬ ‫أذن��ي‪ ،..‬كان يريد أن يؤكد غضبه ورفضه وأستذته على ابن الثامنة‪ ،‬بصرخته التي تعمق‬ ‫األلم في كامل أذني ورقبتي‪..‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫بين مشهدين‪!..‬‬

‫‪ :‬ه��ذا ج��م��ل‪ ،!..‬أال تستطيع أن تفرق بين تناقض أو تفسير‪،!..‬‬ ‫الطفولة‬ ‫البطة والجمل‪..‬؟!‬ ‫التي‬ ‫‪ :‬واهلل يا أستاذ هذي بطة‪..‬‬ ‫«أط��ل��ق ص���راح أذن���ي وب��ادرن��ي بصفعة في تجذب‬ ‫وجهي‪ ،‬وجهي الصغير ال��ذي يصل حجمه الدهشة‬ ‫بأفعالها غير المحسوبة‪،‬‬ ‫نصف يده»‪..‬‬ ‫ومَن يتأمل ضحكة الطفل سيحاكيها بضحكة‬ ‫‪ :‬هذا جمل‪ ..‬جمل‪ ..‬جمل‪..‬‬ ‫مماثلة‪ ،‬نعم‪ ،‬سيحاكيها‪!..‬‬ ‫‪ :‬صح يا أستاذ جمل‪..‬‬

‫مدرس الرسم تقبل استسالمي السريع‪،‬‬ ‫ورمى أمامي كراسة الرسم‪..‬‬ ‫تأملت طائري‪ ،‬بالفعل له سنام وأربعة أقدام‪،‬‬ ‫ورقبة طويلة‪ ،‬وليس له جناحين‪،‬‬ ‫أدرك‬ ‫اآلن‪..‬‬ ‫اآلن‪..‬‬ ‫اآلن أن الطفولة وجَ مالها أن تغيب عنك‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وأن تخطئ‪ ،‬وأن تستسلم‪ ،‬وتكمل‬ ‫ن��ه��ارك ب��خ��ي��االت��ك وب��ض��ح��ك��ت��ك‪ ..‬ضحكة‬ ‫وخياالت الطفولة النقية التي تخلو من أي‬

‫مشهد مقترح‪!..‬‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬وأنا في الصف الثالث االبتدائي‪،‬‬ ‫فرضا‪،..‬‬ ‫ال أظن أني سأخطئ وأرسم طائري جمالً‪،..‬‬ ‫وال أظن أيضاً أن مدرس الرسم سيطلب أن‬ ‫يرسم كل واحد منا طائره‪ ،..‬لن يجرؤ‪ ،‬حتماً‪،‬‬ ‫لن يجرؤ‪ !..‬فقد تجرد من صرخته ويده التي‬ ‫تمسك أذني‪ ..‬وربما سخرنا منه‪!..‬‬ ‫‪2016‬م ابن الثامنة ال يجهل الحقيقة‪ ،‬وإن‬ ‫أخطأ لن يستسلم‪ ،‬فليس هناك نهار يكتمل‬ ‫بخياالت أو بضحكة طفل‪!!..‬‬ ‫ٍ‬

‫ * شاعر وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪119‬‬


‫مع األيام الخوالي‪..‬‬ ‫‪ρρ‬فلحي عايد الفلحي*‬

‫إنها رحلة عجيبة غريبة لم أصدقها‪ ،‬وأنا الذي عشتها بكل فصولها وتفاصيلها‪،‬‬ ‫فعال هي رحلة أغرب من الخيال‪ .‬ولن تتكرر هذه الرحلة نفسها ألي إنسان على‬ ‫وجه البسيطة من أول الخلق إلى نهاية الكون‪ ..‬إال لمن كان من جيلي في الفترة‬ ‫التي تلت عام ‪1370‬هـ‪.‬‬ ‫في هذه الفترة كنا نسكن في غرف منه الحب ال��ذي تطحنه النساء على‬

‫من الطين مغطاة بالجريد‪ ..‬بال أبواب ال��رح��ى وتعمل منه خبزة (المصلية)‬

‫وال نوافذ‪ ،‬ال تقي من حر وال من قر‪ ،‬التي تكون كفيلة بمسح ونسيان كل أنواع‬

‫نفترش ال��رم��ل ونلتحف بثقيل البرد العذاب التي ألمَّتْ بنا‪ ..‬ونلبس مالبس‬

‫والصقيع‪ .‬نعيش على القليل من التمر من الخام(‪ )1‬اآلتي إلينا مع السفر(‪ )2‬أو‬ ‫والشعير‪ ،‬ونستخرج ال��م��اء م��ن اآلب��ار المغاريب‬

‫(‪)3‬‬

‫بعد طول انتظار‪ ،‬تخيطه‬

‫على ظهور المواشي إن وجدت‪ ،‬ونسقي النساء‪ ،‬نعمل وننام به ويبقى وحيدا على‬

‫القليل من النخيل والشعير الذي نزرعه أجسادنا‪ ،‬وإن تشقق نرقعه إال في حالة‬

‫ونسقيه على مدى خمسة أشهر وغالبا أن يكون الشق أكبر من ال��رق��ع‪ .‬حتى‬ ‫م��ا تسهم األم��ط��ار باختصار فترات ال��زراي��ر ال تتوفر‪ ،‬فننزع زراي��ر الثوب‬

‫‪120‬‬

‫الرّي‪ .‬يُحصد الشعير ويُدرس ويُستخرج القديم ونضعها على الجديد‪ .‬بمعنى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫تقدمت بنا الحياة وسمعنا عن السيارات‬ ‫وشاهدناها وركبناها وخرجنا م��ن قرانا‬ ‫لطلب الرزق‪ .‬استقر بي المطاف في الحبيبة‬ ‫الرياض مع الكثيرين أمثالي‪ .‬لم يكن يتوفر‬ ‫بها الكثير م��ن ال��خ��دم��ات ال��ت��ي يحتاجها‬ ‫اإلنسان من ماء وكهرباء وخالفه إال القليل‪.‬‬ ‫إال أن ف��رص العمل متاحة ف��ي ك��ل وزارة‬ ‫ومصلحة حكومية‪ .‬فتحت المدارس الليلية‪..‬‬ ‫ومثل الكثيرين نعمل بالنهار وندرس ليالً‪ .‬ال‬ ‫تلفاز وال مجالت وال أي شيء آخر يلهينا عن‬ ‫العمل والدراسة‪ .‬وال تالحظ أن أحداً يخرج‬ ‫من مكتبه ساعات ال��دوام الرسمي؛ ألنه ال‬ ‫أح��د يمتلك س��ي��ارة خ��اص��ة‪ ،‬ول���دى الناس‬ ‫الكثير م��ن ال��وق��ت الفائض ع��ن حاجتهم‪.‬‬ ‫عرفنا ال��ط��ائ��رة‪ ..‬وس��اف��رن��ا على ط��ائ��رات‬ ‫(الداكوتا) و(الكونفير) التي ما أن تقلع حتى‬ ‫تبدأ سمفونية الغثيان والتقيؤ‪ ،‬ويختلط‬ ‫الحابل بالنابل‪ ،‬وتحط ف��ي م��ط��ارات كما‬ ‫خلقها ربي وسط الحجارة والصخور وقليل‬ ‫من الصيانة باأليدي العاملة المحلية وآلة‬ ‫المسحاة المصنوعة محليا‪ .‬كان الزمن يسير‬ ‫مسرعا وحركة التنمية الشاملة تسابقه‪( .‬وما‬ ‫بين غمضة عين وانتباهتها يغير اهلل من حال‬ ‫إلى حال)‪..‬‬

‫إن هذه الفترة وخالل هذا الزمن القصير‬ ‫انتقلت فيه المملكة من الثرى إلى الثريا‪.‬‬ ‫وجيلنا عايشها من ُمرّها إلى حلوها‪ .‬حياة‬ ‫ب��دأن��اه��ا م��ن الصفر إل��ى ال��ق��م��ة‪ ..‬ل��ن يمر‬ ‫بمثلها مَن أتى بعدنا وال مَن كان قبلنا‪ .‬أعتبر‬ ‫كنت مع اثنين من أصدقائي‪ ،‬نعمل بالنهار أن جيلي محظوظ بهذه الفرصة ال��ن��ادرة‬ ‫وندرس ليال ونتشارك األمنيات‪ ،‬ننهي عملنا الوجود‪ ..‬والتي لن تتكرر‪.‬‬ ‫كل هذه الذكريات مرت بخاطري حينما‬ ‫ونعود إلى المنزل نطبخ الغداء‪ ..‬قليال من‬ ‫ال��رز مزين بشرائح البندورة‪ .‬ما أن ينتهي أعلن قائد الطائرة (الجامبو ‪ )777‬حين‬ ‫إال وقد ن��وديَ لصالة العصر‪ ،‬فنذهب إلى إقالعها أنّ وصولنا إلى مطار جده سيكون‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫يورثها الثوب السلف للثوب الخلف‪.‬‬

‫المسجد المجاور نصلي‪ ،‬ويتخذ كل منا له‬ ‫مجلسا تحت أحد المراوح‪ ،‬ونبقى ندرس إلى‬ ‫أن يحين موعد صالة المغرب‪ ،‬بعدها نذهب‬ ‫إلى المدرسة سيرًا على األقدام بين الدروب‬ ‫المظلمة والمياه الخارجة من المنازل التي‬ ‫تمأل الطرقات‪ .‬أحد أصدقائي يُدعى حمود‬ ‫المريحيل ترك وظيفته كسكرتير لوزير الحج‬ ‫واألوق��اف والتحق بكلية الحقوق بالجامعة‬ ‫األمريكية في لبنان‪ ،‬حصل منها على إجازة‬ ‫الحقوق وعمل محامياً ومستشاراً لشركة‬ ‫الزيت العربية بالخفجي‪ .‬أما صديقي اآلخر‬ ‫ويدعى عارف المسعر ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬فكان‬ ‫من بداياته يتميز بالطموح والذكاء والتصميم‬ ‫على بلوغ أعلى الدرجات‪ ،‬وكان له ما أراد‪..‬‬ ‫فحصل على شهادة الدكتوراه‪ ،‬وعمل مديراً‬ ‫عاما للتعليم بمنطقة الجوف‪ .‬أما أنا فلم‬ ‫ي��ك��ن ط��م��وح��ي ي��رق��ى إل���ى م��س��ت��وى طموح‬ ‫زميلي‪ ،‬فاكتفيت بالدبلوم وشهادة بالحسابات‬ ‫الحكومية‪ ،‬واستقر بي المطاف مديراً عاما‬ ‫لفرع ديوان المراقبة العامة بالجوف‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫بعد ست ساعات وعشرين دقيقة‪ ،‬وبالفعل‬ ‫وصلنا بالوقت المحدد دون زيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫وم��ع غ��م��رة ه��ذه المشاعر وج���دت نفسي‬ ‫تردد الدعاء الذي سمعته في بداية الرحلة‪:‬‬ ‫(سبحان ال��ذي سخر لنا ه��ذا وم��ا كنا له‬ ‫مقرنين)‪.‬‬ ‫رب��ط��ت ح���زام المقعد ون��ظ��رت ح��ول��ي‪،‬‬ ‫وإذا كل ما أحتاجه أحصل عليه بلمسة زر‪.‬‬ ‫وهي أزاري��ر ال تشبه األزاري��ر القديمة التي‬ ‫كنا نستعملها ويورثها الثوب السلف للثوب‬ ‫الخلف‪ .‬امتدت يدي لجهاز التسجيل ولمست‬ ‫زره‪ ،‬وإذا بصوت ام كلثوم تشدو بقصيدة‬ ‫األطالل للدكتور ابراهيم ناجي وتقول‪:‬‬

‫ي� ��ا ف� � � ��ؤادي ال ت� �س ��ل أي � ��ن ال� �ه ��وى‬ ‫�ال ف �ه��وى‬ ‫ك� � ��ان ص� ��رح� ��ا م � ��ن خ� � �ي � � ٍ‬ ‫اس� �ق� �ن ��ي واش� � � � ��رب ع� �ل ��ى اط�ل�ال ��ه‬ ‫وارو ع� �ن ��ي ط ��ال� �م ��ا ال� ��دم� ��ع روى‬ ‫إلى أن تقول في نهاية القصيدة‪:‬‬

‫استخراج الماء ( السني ) عام ‪ 1330- 1911‬هـ في‬ ‫الجوف ويبدو (المجر) مقابل البئر‬

‫وم� � � � �ض � � � ��ى ك � � � � � � ��لٌّ إل � � � � � � ��ى غ � ��اي� � �ت � ��ه‬ ‫ال ت� �ق ��ل ش� �ئ� �ن ��ا ف � � ��إن اهلل ش � � ��اء‪..‬‬ ‫في مقتبل العمر كنا نقرأ قصيدة األطالل‬ ‫في سياقها الظاهر‪ ،‬ونعيشها تجربة إنسانية‬ ‫رائعة أخذتنا معها إلى كل ما هو حلو وجميل‪.‬‬ ‫وحينما تقدم بنا العمر أصبح لنا فيها قراءة‬

‫ي ��اح � �ب � �ي � �ب ��ي ك � � ��ل ش � � � ��يء ب� �ق� �ض ��اء‬ ‫م � � ��ا ب � ��أي � ��دي � �ن � ��ا خ� �ل� �ق� �ن ��ا ت� �ع� �س ��اء خلف بعض السطور‪ ،‬فيه رمز للحياة التي‬ ‫رب� � � � �م � � � ��ا ت� � �ج� � �م� � �ع� � �ن � ��ا أق � � � � ��دارن � � � � ��ا‬ ‫نحياها ون��س��ع��د ب��ه��ا وس��رع��ان م��ا تتركنا‬ ‫ذات ي� � � ��وم ب � �ع� ��دم� ��ا ع� � � ��زَّ ال� �ل� �ق ��اء وتمضي‪ ..‬ونحن نتعثر ونمضي إلى نهايتنا‬ ‫مرادفة للمعنى الظاهر نستشف طيفه من‬

‫المحتومة أ ُسوة بجميع مخلوقات اهلل‪ .‬عسى‬

‫ف � � � � � � � � � � � ��اذا أن� � � � � � �ك � � � � � ��ر خ � � � � � � ��ل خ� � �ل � ��ه‬ ‫وت �ل ��اق � � �ي � � �ن� � ��ا ل � � � �ق� � � ��اء ال � � �غ� � ��رب� � ��اء أن تكون الخاتمة خيراً‪.‬‬ ‫ * الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬خام‪ /‬قماش‪.‬‬ ‫(‪ )2‬السفر‪ /‬الذين يسافرون إلى العراق للتبضع‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المغاريب‪ /‬الذين يسافرون إلى لبالد الشام‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫عندما يهجو‬ ‫الشاعر نفسه‬ ‫‪ρρ‬راكان بصير الرويلي*‬

‫يعد الهجاء أحد فنون القول الذائعة في ديوان الشعر العربي‪ ،‬وهو غالبا ما‬ ‫يكون تعبيرً ا عن عاطفة السخط تجاه شخص بعينه‪ ،‬أو جماعة بذاتها‪ ،‬يتناولها‬ ‫الشاعر بشواظ قريضه‪.‬‬ ‫وللشعراء في هجائهم طرق وأساليب مختلفة‪ ،‬فمنهم الذي يحتال في اتخاذ‬ ‫الوسائل الهادئة الذكية والموجعة في آن معا؛ كأن يهزأ بخصمه أو يسفِّ ه رأيه‪ ،‬أو‬ ‫يقارنه بغيره‪ ،‬ويفضله عليه عن طريق التعريض والتلميح؛ ومنهم الذي يباغت‬ ‫قرينه باسمه وذكره‪ ،‬وينهال عليه تهديدا ووعيدا‪ ،‬وإنذارًا وشتيمة‪ ،‬كقول أحدهم‬ ‫يهجو قبيلة نمير‪:‬‬ ‫ذك����ي ط���ري���ف‪ ،‬ك����أن ي��ت��خ��ذ ط��ري��ق��ة‬

‫فغض الطرف إن��ك من نميرٍ‬ ‫ف�ل��ا ك� �ع� �ب� � ًا ب �ل �غ��ت وال ك�ل�اب��ا االستهجان بالخصم أو تجاهله أو‬ ‫وعلى إث��ر ذل��ك لحق العار بهؤالء‬

‫القوم ألجيال متعاقبة‪.‬‬

‫التشكيك بقدراته‪ ،‬كما فعل «زهير بن‬

‫أبي سلمى» في آل الحصين إذ قال‪:‬‬

‫وقد نظر النقاد القدامى إلى هذا وما أدري وس��وف إخ��ال أدري‬ ‫أق � � ��وم آل ح � �ص� � ٍ�ن أم ن �س��اء‬ ‫اللون من النظم‪ ،‬فرأوا أشدّ ه وقعا في‬

‫النفوس وأكثره إيالما‪ ،‬ما كان صادقا ف � ��ان ت �ك��ن ال� �ن� �س ��اء م �خ �ب��آت‬ ‫ف �ح��ق ل �ك��ل م �ح �ص �ن��ة ِه� ��داء‬ ‫عفيفا ال فحش فيه وال إقذاع‪ ،‬ومعانيه‬ ‫ذات داللة تنال من المهجو بأسلوب‬

‫وق��د ع��د ال��ن��ق��اد ه��ذا الشعر من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪123‬‬


‫أشد صنوف الهجاء وأمضاه‪ ،‬مع أنه ترفع م��ن ك��ان يبكي ال�ش�ب��اب م��ن جزع‬ ‫عن السباب والشتم والقذف واإلفحاش‪.‬‬ ‫ف� �ل� �س ��ت أب � �ك� ��ي ع� �ل� �ي ��ه م � ��ن ج ��زع‬ ‫وربما قرأت ذلك النوع من الهجاء فحسبته ألن وج � � �ه� � ��ي ب � �ق � �ب� ��ح ص � ��ورت � ��ه‬ ‫مدحاً‪ ،‬كقول أحدهم يهجو قومه ويصفهم‬ ‫م ��ا زال ب ��ي ك��ال�م�ش�ي��ب وال�ص�ل��ع‬ ‫بأنهم قليلو الحمية معدومي الحيلة‪:‬‬

‫لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب‬

‫إذا أخ � � ��ذت ال � � �م� � ��رآة‪ ،‬س �ل �م �ت �ن��ي‬ ‫مطلعي‬ ‫وجهي وما مُ ُّت من هول ِّ‬

‫ليسو من الشر في شيء وان هانا ش �غ �ف��ت ب ��ال� �خ ��ود ال� �ح� �س ��ان وم��ا‬ ‫ي� �ص� �ل ��ح وج � �ه� ��ي إال ل � � ��ذي ورع‬ ‫ك � ��أنَّ رب� ��ك ل ��م ي �خ �ل��ق ل�خ�ش�ي�ت��ه‬ ‫سواهم من جميع الناس إنسانا‬

‫وف��ي ه��ذا ال��س��ي��اق نفسه‪ ،‬يُ���روى عن‬

‫إال أن هذا الجانب من النظم المر‪ ،‬ال شاعر شامي ذهب إلى اليمن لقضاء بعض‬ ‫يخلو أحيانا من بعض اللمحات الطريفة‪ ،‬حوائجه‪ ،‬فحط رحاله أوالً في بلدة من تلك‬

‫السيما عندما يخرج الشاعر عن طوره‪ ،‬النواحي‪ ،‬ولما تجول في أسواقها واطَّ لع‬ ‫على بعض أحيائها‪ ،‬لم تقع عينه حسب‬ ‫ويفقد اتزانه‪ ،‬فهو ال يتورع والحالة هذه‬ ‫زعمه على أح��د يضاهيه وس��امَ�� ًة وبهاء‬ ‫عن هجاء أحد حتى نفسه‪ ،‬والسخرية منها‬ ‫طلعة‪ ،‬على الرغم من دمامته الواضحة‬ ‫الذع مضحك‪.‬‬ ‫بأسلوب ٍ‬ ‫للعيان‪ ،‬فتعجب من هذه المصادفة الغريبة‪،‬‬ ‫ويعتقد إن أول من خط كلم ًة بسفر هذا فأنشد ساخرًا من نفسه ومعتبرا‪:‬‬ ‫الموضوع ه��و «اب��ن ال��روم��ي»‪ ،‬حيث كان‬

‫ل� � � � � � ��م أ َر وج � � � � � �ه� � � � � ��ا ح� � �س� � �ن � ��ا‬ ‫نضواً ضئيال نحيال‪ ،‬دميم الوجه‪ ،‬تقتحمه‬ ‫م� � � � �ن � � � ��ذ دخ � � � � � �ل� � � � � ��ت ال� � � � َي� � � �م� � � �ن � � ��ا‬

‫العيون‪ .‬وظل طوال حياته يسخر من نفسه‪،‬‬

‫ي � � � � � � � ��ا وي� � � � � � � � � � ��ح أه� � � � � � � � � � ��ل ب � � � �ل� � � ��دة‬ ‫نظرًا لدقة جسمه وضآلة حجمه وقبح‬ ‫أح � � � � � �س� � � � � ��ن م� � � � � � ��ا ف � � � �ي � � � �ه� � � ��ا أن � � � ��ا‬ ‫شكله‪ ،‬ول��ه في ذل��ك أشعا ٌر كثيرة يصرح‬

‫‪124‬‬

‫وكان «الحطيئة» من أكثر الشعراء هجاء‬ ‫فيها بدمامته‪ ،‬وم��ا انضم إل��ى ذل��ك من‬ ‫لنفسه وسخرية منها‪ ،‬وف��ي ي���وم‪ ..‬أخذ‬ ‫صلعه الذي كان يأخذ معظم رأسه‪ ،‬حتى‬ ‫يبحث عن أح��د يصبُّ عليه ج��ام هجائه‬ ‫اضطر أال يخلع عمامته أبدا‪.‬‬ ‫فلم يفلح‪ ،‬فتطلع في حوض ماء كان في‬ ‫ول��ه مقطوعات كثيرة ب��ه��ذا ال��ص��دد‪ ،‬صحن داره‪ ،‬ف��رأى ص��ورة وجهه منعكسة‬ ‫على سطح الماء‪ ،‬فتط َّي َر من قبح ما رأى‪،‬‬ ‫يصور فيها صلعته ودمامة وجهه فيقول‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫المأزق‪ ،‬والفوز بالغنيمة‪ ،‬يكمن في هجاء‬

‫أرى وج� � �ه � ��ا ش � � � ��وَّ ه اهلل خ � ْل �ق��ه‬ ‫ف��قُ � ِّب��حَ م��ن وج� ��هٍ ‪ ،‬وقُ � ِّب ��ح ح��ام � ُل��هْ نفسه‪ ،‬فارتجل على السليقة‪:‬‬

‫وكان أشراف الناس ووجوه القوم‪ ،‬وذوو أال أب� � � �ل � � ��غْ إل � � �ي � ��ك أب � � � ��ا دالم � � ��ة‬ ‫ف�ل�س��ت م��ن ال� �ك ��رام وال ال �ك��رام��ة‬ ‫المكانة فيهم‪ ،‬من أكثر الناس خوفا من‬ ‫ال��ه��ج��اء‪ ،‬حرصا على سمعتهم التي قد إذا ل� �ب ��س ال� �ع� �م ��ام ��ة ك � ��ان ق � ��ردً ا‬ ‫يشوهها قول قائل‪ ،‬فتلتصق بهم ويصدقها‬ ‫وخ� � �ن � ��زي � ��رً ا إذا ن � � ��زع ال �ع �م ��ام ��ة‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وراعه سوء طلعته‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫رأى إن الطريق األسلم للتملص من هذا‬

‫المأل‪ ،‬ولذلك كانوا شديدي الحرص على‬

‫عدم إغضاب الشعراء‪ ،‬بل والتودد إليهم ج �م �ع��ت دم ��ام ��ة وج �م �ع��تَ ل��ؤْ م��ا‬ ‫ك� � ��ذاك ال � �ل� ��ؤم ت �ت �ب �ع��ه ال ��دم ��ام ��ة‬ ‫والمبالغة في إكرامهم‪ ،‬وهم ال يتوانون عن‬

‫مدِّ هم بالمال وخصهم بالعطايا‪ ،‬لضمان ف ��إن ت ��ك ق ��د أص� �ب ��تَ ن�ع�ي��م دن�ي��ا‬ ‫سكوتهم كي ال يكونوا عرضة لنبال ألسنتهم‪،‬‬ ‫ف �ل�ا ت� �ف ��رح ف �ق��د دن � ��ت ال �ق �ي��ام��ة‬

‫بل ومدحهم إذا اقتضى األمر منهم ذلك‪،‬‬ ‫وق��د روى ف��ي ه��ذا السياق «المدائني»‬ ‫بديهته وتخلصه من ورطته بهذه الطريقة‬ ‫وغيره‪ ،‬عبر كتب النوادر واألخبار‪ ،‬قوله‪:‬‬ ‫الذكية الساخرة‪ ،‬وف��ي الوقت نفسه نال‬ ‫دخ��ل «أب��و دالم��ة» على المهدي يومًا‪،‬‬ ‫رض��ا الجميع‪ ،‬ول��م يبق واح��� ٌد منهم إال‬ ‫فوجد عنده جماعة من ِعل ْية القوم وخاص َة‬ ‫وأجازه‪ ..‬بما في ذلك المأمون‪..‬‬ ‫الناس‪ ،‬فقال له المهدي‪:‬‬ ‫وبعد‪ ..‬هذه أضمومة مختارة من هذا‬ ‫«أعطي رب��ي عهدًا‪ ،‬إن لم تهج واح��دًا‬ ‫الضرب األدبي الظريف والخفيف‪ ،‬أسوقه‬ ‫ممن ف��ي ه��ذا المجلس ألقطعن لسانك‬ ‫هنا‪ ،‬على الرغم مما يحمله هذا الصنف‬ ‫وأع��ل��ق��ه ف��ي عنقك» عندها أط���رق «أب��و‬ ‫دالمه» قليال‪ ،‬ثم رفع رأسه وأخذ يتفرس الشعري من تجنٍّ على اآلخر‪ ،‬وما يليه من‬ ‫في وج��وه الحضور‪ ،‬ولما كانوا جميعهم تبعات مزعجة لبعضهم‪ ،‬ج��راء النيل من‬ ‫يخشون الهجاء‪ ،‬كان كلما تطلع في وجه شخصيتهم أو الحط من قدرهم‪ .‬إال أنه‬ ‫أح��د منهم‪ ،‬أش��ار إليه ب��أن عليه رض��اه‪ ،‬ومع ذلك‪ ..‬يظل يتحلى في بعض جوانبه‬ ‫ف���أدرك الشاعر ساعتها أن��ه ف��ي موقف بطابع المرح‪ ،‬يطرب له السامع‪ ،‬ويهش له‬ ‫برهة من التفكير‪ ،‬القارئ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال يحسد عليه‪ ،‬وبعد‬ ‫فضحك ال��ح��ض��ور‪ ،‬وأع��ج��ب��وا بسرعة‬

‫ * الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪125‬‬


‫الجوف في عيون الشعراء‬ ‫‪ρρ‬غازي خيران امللحم*‬

‫تعد ال�ج��وف بما تملك م��ن معالم حضارية وم��وارد‬ ‫ط�ب�ي�ع��ة م �ن��وع��ة‪ ،‬م �ك��ان��ا ذا خ�ص��وص�ي��ة م �ت �ف��ردة شكلت‬ ‫ح �ض ��ورا الف �ت��ا ع �ل��ى م ��دى ح �ق��ب ال ��زم ��ن ال�م�ت�لاح�ق��ة‪،‬‬ ‫وإشراقات إنسانية مهمة امتد ضوؤها إلى صعد الحياة‬ ‫كافة‪ ،‬التي ما تزال مالمحها شاخصة إلى اآلن‪ ،‬تتحدى‬ ‫ع��وادي الدهر‪ ،‬تحكي تاريخا‪ ،‬وتنبض بالحياة؛ فكونت‬ ‫ه��ذه الركائز ومنذ ال�ب��دء‪ ،‬ح�ض��ورًا الف�ت��ا‪ ،‬وعلى امتداد‬ ‫فصول الدهر وعصوره المتتالية‪ ،‬بما احتوت عليه من أنشطة بشرية متنوعة‪،‬‬ ‫تمثلت في العديد من المرافق الثقافية واألوابد األثرية‪ ،‬التي يعود إنشاء بعضها‬ ‫لقرون عديدة خلت‪ ،‬فكانت على الدوام موضع اهتمام وعناية من قبل الكثير من‬ ‫الباحثين والدارسين‪ ،‬وقبلهم الرحالة والمستكشفون العرب منهم واألوروبيون‪،‬‬ ‫الذين جاسوا خ�لال المنطقة‪ ،‬وسجلوا مشاهداتهم ودون��وا انطباعاتهم عنها‪،‬‬ ‫وصاغوها في مؤلفات ومجلدات عديدة‪ ،‬باتت تعد من المراجع الغنية في مادتها‪،‬‬ ‫وطرحوها بين أيدي كل مَن يود االطالع على ماضي هذه الديار وحاضرها‪ ،‬من‬ ‫طلبة علم ومهتمين‪ ..‬ولسان حالهم يردد مع الشاعر‪ ،‬محمد بن صالح الشاوي‪:‬‬

‫يمِّ م ركابك شطر الجوف وارتحل‬ ‫مَ ��ن ل��م ي��ع ال�ت��اري��خ ف��ي عقله‬ ‫ستجد التاريخ ماثال في مصره‬ ‫ل��م ي��در حلو العيش م��ن مره‬ ‫هو الجوف‪ ،‬جوف الزمان وسره‬ ‫ومن وعى إخبار مَ ن قد مضى‬ ‫حفظ جوى األحقاب في صدره‬ ‫أض � � ��اف أع � � �م� � ��ارًا إل� � ��ى ع �م��ره‬ ‫ومنذ البدء تناول الشعراء الجوف‬ ‫إلى أن يقول‪:‬‬ ‫‪126‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ما ذكره اليعقوبي‪ ،‬في كتابه «البلدان» الذي‬

‫أرض م� � �ب � ��ارك � ��ة وع � � �ف� � ��ر ط ��اه ��ر‬ ‫ت��ح��دث ف��ي ع��دد م��ن ف��ص��ول��ه‪ ،‬ع��ن رحيل‬ ‫س � � ��ر ال� � �ح� � �ي � ��اة ب � �ع� ��زه� ��ا م� �ك� �ن ��ون‬

‫بعض قبائل طيء من منطقة الجوف‪ ،‬على‬

‫أث��ر خ�لاف وق��ع بينهم وبين بعض القبائل ال� �ج ��وف وال ��زي� �ت ��ون ك ��ل م�ح�ب�ت��ي‬ ‫رَهَ � � � � ْن� � � � ُ�ت ش � �ع� ��ري وك � �ل� ��ه م ��ره ��ون‬ ‫األخرى‪ ،‬فقال شاعرهم‪ ،‬األحيمر السعدي‪:‬‬

‫ل�ل�ج��وف وال��زي �ت��ون م�ع�ش��وق��ان من‬ ‫خال الجوف من قطاع سعد فما بها‬ ‫أم��د‪ ..‬وفي العشق الجميل جنون‬ ‫لمستصرخ ي��رج��و ال�ب�ت��ول مصير‬ ‫والباحث بطبيعة أرض الجوف وبنيتها ي��ا ج ��وف أه� ��دي أل ��ف أل ��ف تحية‬ ‫وق � � �ص� � ��ائ� � ��د ت� � � �ع � � ��داده � � ��ا م� �ل� �ي ��ون‬ ‫السطحية‪ ،‬سيجدها تتمتع بامتداد تضاريسي‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ووصفوه وتغنوا به في شعرهم‪ ،‬ولعل أقدم ع�ق��د بعنق «ال �ج��وف» راح يزينها‬ ‫ما وصل إلينا من نظم بخصوص هذا البلد‪،‬‬ ‫ل �ت �ت �ي��ه ف� ��ي أم � ��ر ال� �ج� �م ��ال ع �ي��ون‬

‫ون��ب��ات��ي م��ن��وع‪ ،‬تتخلل رح��اب��ه الكثير من‬ ‫ولزيتون الجوف لدى ابنته الشاعرة مالك‬ ‫المدن والقرى والسهول والهضاب واألودية الخالدي‪ ،‬ترنيمة عروضية من ن��وع آخر‪،‬‬ ‫والمزارع‪ ،‬التي تنساب فوق حصبائها العديد حيث تنشد‪:‬‬ ‫من مصادر المياه العذبة‪ ،‬السيما الجوفية‬ ‫ه �ن��ا ي� � ��ذرف ال ��زي� �ت ��ون زي� �ت ��ا ك��أن��ه‬ ‫منها‪ ،‬مما تهيأ لها أن تصبح منتجة لمختلف‬ ‫دم��وع ال�ت�لاق��ي بعد أن نما واص��ل‬ ‫أنواع الفاكهة والحبوب والخضار‪ ،‬وأشجار‬ ‫النخيل والزيتون‪ ،‬التي وصفها الشاعر حسن هنا في رحاب الجوف تمضي عروقه‬ ‫ت �ض��خ دم� � ��اء ت �ح �ت��وي��ه ال � �ج ��داول‬ ‫مبارك الربيح‪:‬‬

‫ه �ن��ا ل� ��ك ل �ل��زي �ت��ون ف �خ��ر وق �ص��ة‬ ‫يا جوف يا أرض العطاء‪ ،‬وال أرى‬ ‫وف��ي ال�ج��وف للزيتون ع��ز يطاول‬ ‫ع �ج �ب��ا‪ ،‬ف��رم �ل��ك ح �ض��ن أك � ��رم زاد‬ ‫ويقول الشاعر السوري‪« :‬مالك الملحم»‬ ‫ف� ��ي غ ��اب ��ر ال � �ت� ��اري� ��خ رف� � ��ت ش�ت�ل��ة‬ ‫ل�ل�خ�ي��ر‪ ،‬ف��اب�ت�ه�ج��ت ق ��رى وب� ��وادي ف��ي سياق إعجابه بالجوف وأه��ل��ه��ا‪ ،‬وهو‬ ‫حديث عهد نسبيا باإلقامة على أرضها‪:‬‬

‫وفيك احتوتك الجوف فيها حينما‬ ‫ب� ��ارك � �ت � �ه� ��ا ب� ��ال � �خ � �ي� ��ر واإلم � � � � � ��داد رق � ��م ال� ��ده� ��ر س� �ط ��ور ال� �ب� �ش ��ر م��ذ‬ ‫الح ف � ��ي ال � �ج � ��وف ش� �م ��س وق �م��ر‬ ‫وم��ن وح��ي ه��ذه ال��م��وارد الخضراء التي‬

‫منحها المولى لهذه المنطقة‪ ،‬ينشد الشاعر رم��ق األف��ق سنا ال�ج��وف فانجلى‬ ‫ف� ��ي س � � ��رور ط� ��رف� ��ه ال � ��زاه � ��ي وق ��ر‬ ‫السوري‪« :‬علي جمعة الكعود»‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫رق وازدان ف ��ي ال � �ج ��وف م��دح��ي‬ ‫أم � � ��ر اإلل � � � ��ه وق� � � � ��ال‪ :‬ك � ��ن ف �ي �ك��ون‬ ‫م�ث��ل م��ا ي� ��زدان ف��ي ال�ع�ي��ن ال �ح �وَر‬ ‫ب � �ك � �ت � ��اب � ��ه‪ ..‬ف� � �ت� � �ب � ��ارك ال� ��زي � �ت� ��ون‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪127‬‬


‫وكان هذا المفهوم أكثر ت��داوال على ألسنة‬ ‫روح ب �ش ��رايَ ب��ال �ج��وف ق��د جليت‬ ‫ول � � �ه� � ��ا ج� � ��وف� � ��ي ق � � ��د ص � � � ��ار م �ق��ر أهالي المنطقة‪ ،‬السيما بين المسنين منهم‪.‬‬ ‫ومن وحي هذه النواحي والربى المعطرة‬ ‫ب��أن��ف��اس ال��ن��خ��ي��ل وع��ب��ق ال��ع��رع��ر وعبير‬ ‫القيصوم‪ ،‬تنشد اب��ن��ة ال��ج��وف ال��ش��اع��رة‪:‬‬ ‫«مالك ألخالدي»‪:‬‬

‫أش� � � � ��رق� � � � ��ي ي� � � � ��ا ن � � �ب � � �ض� � ��ة ال� � �ج � ��و‬ ‫ف وي � � � � � � � ��ا ج � � � � � � � ��وف ال� � � �ش� � � �م � � ��ال‬

‫وقد ذكر بعض المؤرخين المعاصرين‪:‬‬ ‫أن حاضرة الجوف كانت «دوم��ة الجندل»‪،‬‬ ‫التي تقع في طرف منخفض‪ ،‬هو عبارة عن‬ ‫مساحة متواصلة من النخيل التي تروى من‬ ‫عيون وآب��ار قليلة العمق‪ ،‬غالبا ما تشكل‬ ‫بحيرة ضخمة خ�لال الشتاء نتيجة لكثرة‬ ‫الري في هذا الفصل المطير‪ .‬وقد حياها‬ ‫الشاعر الدكتور «احمد السالم»‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫أش� � � � � � � � � � � ��رق� � � � � � � � � � � ��ي ف � � � � � ��ال� � � � � � �ض � � � � � ��وء‬ ‫أح� � � � � � � �ل � � � � � � ��ى م� � � � � � � � ��ن ال � � � � �خ � � � � �ي� � � � ��ال أح� � �ي� � �ي � ��ك ي � � ��ا دوم� � � � � ��ة ال � �ج � �ن� ��دل‬ ‫ل� � �ق � ��اء ال� � � � ��ذي ك � �ن� ��ت ق � ��دم � ��ت ل��ي‬ ‫وكذلك تنشد الدكتورة‪« :‬هيا السمهري»‬

‫للجوف وأهله الكرام‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫ول � � � �ي � � ��س غ� � ��ري � � �ب� � ��ا ع � � �ل� � ��ى ب � �ل � ��دة‬ ‫ل �ه��ا ال �س �ب��ق ف ��ي األع � �ص ��ر األول‬

‫زرع � ��ت ال �ح��ب ف ��ي أع� �م ��اق ج��وف��ي‬ ‫وج � �ئ � ��ت ب � ��ه إل � � ��ى أه � �ل � ��ي ب� �ج ��وف وك� � � � � ��ان� � � � � ��ت ل� � � �ت � � ��اري� � � �خ� � � �ن � � ��ا رئ� � � ��ة‬ ‫وس � � �ي� � ��رت � � �ه� � ��ا م � � � �ض� � � ��رب ال � �م � �ث� ��ل‬ ‫ت� �س ��ام ��ت ف� ��ي ح� �ض ��ارت� �ه ��ا وج �ل��ت‬ ‫م � � � �ك� � � ��ارم أه� � �ل� � �ه � ��ا أل� � � �ف � � ��ا ب� ��أل� ��ف‬

‫ثم يهتف الشاعر للجوف عامة‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫وكان اسم «الجوف»‪ ،‬إذا ذكر سابقا‪ ،‬إنما ي ��ا ج� ��وف أن� ��ت ل �ن��ا ق �ل��ب ن �ل��وذ به‬ ‫يعني «دوم��ة الجندل» بذاتها دون غيرها‪،‬‬ ‫حتى وإن كنت من رمل ومن طين‬

‫‪128‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫و«الجوف» على الدوام تظل حاضرة في‬ ‫ل��و ل��ج «م � ��ارد» ي��دع��ون��ي وي�ن��دب�ن��ي‬ ‫ك��أن �م��ا «زع� �ب ��ل» ال �ت��اري��خ ي��دع��ون��ي مخيلة ال��ش��ع��راء‪ ،‬ال سيما أب��ن��اء المنطقة‬ ‫منهم والمقيمين فيها‪ ،‬فهذا الشاعر االردني‬ ‫أو «ال��رج��اج�ي��ل» حيتني لجوابها‬ ‫«يوسف أبو عواد»‪ ،‬يهتف للجوف من أعماقه‪،‬‬ ‫«ك � ��اف» وأث � ��رة م��ن ش ��وق تحييني‬ ‫مرددا‪:‬‬ ‫ومن مدن الجوف المهمة حاليا‪ ،‬مدينة ي� ��ا ج � ��وف أن � ��ت ال �م �ج ��د وال� �ع ��رب‬ ‫«سكاكا»‪ ،‬التي تعد أكثر عصرنة وحداثة‬ ‫وال � � �ش � � �ع � ��ر وال� � � �ت � � ��اري � � ��خ واألدب‬ ‫م��ن دوم��ة الجندل‪ ،‬كمركز إداري وثقافي‬ ‫ي ��ا ج � ��وف أن � ��ت ال � �ه ��ال وال �ح �ط��ب‬ ‫للمنطقة‪ ،‬وهي تقع ضمن العديد من الفياض‬ ‫وال� �ص� �ح ��ن وال� �ص� �م ��ط وال ��رط ��ب‬ ‫الخصبة‪ ،‬التي تصلح لجميع الزراعات وعلى‬ ‫اختالف مدار الفصول‪ ،‬وقد أنشد الشاعر أن� � ��ت ال� �م� �ن ��ى وال � � �م� � ��اء وال� �ع� �ش ��ب‬ ‫أن� � ��ت ال� � �ن � ��دى وال � � �ج � ��اه وال� �ن� �س ��ب‬ ‫السوري رضا حمود لهذه المدينة‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫وم��ن األس��م��اء األخ���رى للجوف‪« ،‬وادي‬ ‫س � � �ب� � ��رت ال � � � � � � � ��دروب ل � �ج� ��دران � �ه� ��ا‬ ‫النفاخ»‪ ،‬ولهذا اللقب معنى طريف ظريف‪،‬‬ ‫وغ� � � �ن� � � �ي � � ��ت ش � � � ��وق � � � ��ا ل � �س � �ك� ��ان � �ه� ��ا‬ ‫أورده الكثير م��ن المؤرخين ف��ي كتابتهم‪،‬‬ ‫ك � �ط � �ي� ��ر ي � � �ع� � ��ود لِ � � � � � َوك� � � � � ٍ�ن ق � ��دي � � ٍ�م‬ ‫وأض��اف��وه كشاهد حسي على إك��رام أهلها‬ ‫ل � �ي � �ش� ��رب م� � ��ن ص � �ف� ��و غ� ��دران � �ه� ��ا لزوارهم‪ ،‬عندما ينفخون بالنار لتتأجج تحت‬ ‫القدور‪ ،‬ما يؤدي لسرعة في إنضاج الطعام‪،‬‬ ‫أزور س� � � �ك � � ��اك � � ��ا ف � �ت � �ن � �ت� ��اب � �ن� ��ي‬ ‫وتقديمه للضيف ليأكل منه‪ ،‬حتى ينتفخ‬ ‫م � � �ش� � ��اع� � ��ر ت� � � �ب � � ��دي ب� ��أل � �ح� ��ان � �ه� ��ا‬ ‫بطنه من كثرة الشبع‪ ،‬ومن هنا التصق هذا‬ ‫ك��م ال�ت�ح�ف��ت ب��ال �س �ك��ون ال�ج�م�ي��ل‬ ‫االسم بالجوف‪ ،‬أو بعض نواحيها‪ ،‬ليضاف‬ ‫وأع � � � � �ط � � � ��ت ك � � �ث � � �ي� � ��را ل � �خ �ل�ان � �ه� ��ا إلى أسمائه األخرى‪.‬‬

‫أح� �ي� �ي ��ك م � ��ن س� �ع� �ف ��ات ال �ن �خ �ي��ل‬ ‫وللشاعر «زاهر األلمعي» أيضا قو ٌل آخر‪،‬‬ ‫وم � � � ��ن س � � � ��وق ه � �ج � ��ر وش� �ط ��آن� �ه ��ا راص��دًا فيه هذه المَحْ مدة التي عرف بها‬ ‫أهل الجوف‪ ،‬فينشد‪:‬‬ ‫و«الجوف» بالمعنى الواسع للكلمة‪ ،‬كانت‬ ‫ت��ع��رف أي��ض��ا ب��ال��ج��وب��ة‪ ..‬و«ال��ج��وب��ة» تعني حلوا بوادي الجوف فانداحت لهم‬ ‫ت �ل��ك ال ��رح ��ال ال �م �ش��رق��ات ت��أث��را‬ ‫الحفرة أو المكان المنخفض‪ ،‬وكذلك لقبت‬ ‫ب��ـ«ال��ن��ق��رة»‪ ،‬ول���ذات ال��م��واص��ف��ات السالفة وج��ل م��ا ف��ي ال �ج��وف ق�ل��ب نابض‬ ‫الذكر‪ ،‬ينشد الشاعر قائال‪:‬‬ ‫بالندى والمكرمات تألقا وتصدرا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ال� �ش� �م ��س ي � �ب� ��دو ن� ��وره� ��ا م��ؤت �ل �ق��ا‬ ‫ك��ل ال��دي��ار على التحسين قائمة‬ ‫ل �ج �ه��ة ال � ��زرق � ��اء ون � �ق� ��رة ال �ج��وف‬ ‫ودارك��م ق��د زه��ت م��ن غير تحسين‬

‫‪129‬‬


‫والجوف لغة‪ :‬هي الحوضة المطمئنة من نعم بيضاء الشمال والشمائل موطني‬ ‫األرض‪ ،‬التي يفخر بها سكانها‪ ،‬لدرجة أنهم‬ ‫وقد سميت «جوفا» لتسكن الجوف‬

‫يطلقون عليها «جوف الدنيا»‪ ،‬لوقوعها على‬ ‫مهبط‬ ‫ٍ‬ ‫ول��م��ا ك��ان��ت ه��ذه البقعة بمثابة‬ ‫بعد متساو بين مختلف تخوم الجزء الشمالي‬ ‫لألدباء ومهوى أفئدة الشعراء‪ ،‬فلنستمع إلى‬ ‫من أرض المملكة العربية السعودية‪ ،‬لتكون‬ ‫الشاعر الدكتور‪« :‬عبدالرحمن العشماوي»‪،‬‬ ‫والحالة هذه بمنزلة القلب من الجسد‪..‬‬ ‫معبرا عن هذا الدور الذي اضطلعت به في‬ ‫والجوف أيضا‪ ،‬مركز األحشاء الداخلية أكناف الحضارة واألدب‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫لكل بدن حي‪ ،‬وهذا ما ذكره «امرؤ القيس»‬ ‫للجوف في جوف بحر الشعر إبحارا‬ ‫في معلقته‪ ،‬راسما من خاللها مشهدا رائعا‬ ‫وف ��ي ال �ق��واف��ي ل �ه��ا دورا وأح � ��رارا‬ ‫لرحلة قطعها الشاعر في قلب هذه النواحي‪،‬‬ ‫وأما الشاعرة «نجاة الماجد»‪ ،‬فنجدها‬ ‫ومن هنا لحق بها هذا اللقب‪ ،‬على رأي بعض‬ ‫تشدو مع أطيار المنى المحلقة في أجواء‬ ‫المؤرخين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫الجوف‪ ،‬وتسري مع خيول الهوى التي تعدو‬ ‫وواد ك �ج��وف ال �ع �ي��ر غ �ف��ر قطعته‬ ‫في سهوبه الرحبة‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫ب��ه ال��ذئ��ب ي�ع��وي كالخليع العيل‬

‫ل� �ل� �ج ��وف أط� � �ي � ��ار ال� �م� �ن ��ى ت �ش��دو‬ ‫وه��و تشبيه ببطن ال��ع��ي��ر‪ ،‬وه��ي المَها‬ ‫وخ � � �ي� � ��ول أب � � �ي� � ��ات ال � � �ه� � ��وى ت� �ع ��دو‬

‫الوحشية‪..‬‬

‫ي� � ��ا ج � � � ��وف واألب � � � �ي � � � ��ات ح� ��اض� ��رة‬ ‫ومن األوصاف اللطيفة األخرى للجوف‪،‬‬ ‫ف� ��ي م �ه �ج �ت��ي أودى ب� �ه ��ا ال �ب �ع��د‬

‫‪130‬‬

‫بيضاء الشمال‪ ،‬وهو لقب جميل‪ ،‬تغنى به‬ ‫الشاعر الخفيف الظل «محمد الجلواح»‪ ،‬ت � � � ��واق � � � ��ة ل � � �ل � � �ج� � ��وف ف � � � ��ي ش� �غ ��ف‬ ‫ل � � �ح � � �ض� � ��ارة ف � � ��ي م � ��وط� � �ن � ��ي ت �ل ��د‬ ‫عندما قدم إلى سكاكا للمشاركة في فعاليات‬ ‫الملتقى األول «لسوق دومة الجندل»‪ ،‬وتجاوبا ي � � � ��ا ج� � � � � ��وف ي � � � ��ا ب � � �س � � �ت� � ��ان آث � � � ��ار‬ ‫مع ميول أهلها ومشاعرهم في حبهم للجوف‬ ‫وخ � �م � �ي � �ل � ��ة ف� � � ��ي ال � � � � � � ��روح ت �م �ت ��د‬ ‫واعتزازهم باالنتماء إليه‪ ،‬كفلذة أثيرة من‬ ‫وها هو الشاعر األردني «محمود الرمحي»‬ ‫وطنهم الكبير‪ ،‬أخ��ذ يقول بكالم مستملح‬ ‫يقرض قوافي الشعر ويدبج حروف الروي‪،‬‬ ‫تعلوه مسحة من الفكاهة المحببة‪:‬‬ ‫ليشكل منها سيمفونية زاهية بديعة التنسيق‬ ‫وق ��ال ��ت ل� ��ي‪ :‬أي� ��ن ال �م �س �ي��ر م��رت�ب��ا‬ ‫واألل���وان‪ ،‬تنم مفرداتها عن مقدار الحب‬ ‫ح � � � �ق � � � �ي � � � �ب � � � �ت� � � ��ك ال � � � �ك � � � �س � � � �ل� � � ��ى؟ والوفاء‪ ،‬الذي يكنه الشاعر للجوف وأهلها‬ ‫ف � � � � �ق � � � � �ل� � � � ��ت إل � � � � � � � � � � ��ى ال � � � � � �ج� � � � � ��وف األخيار؛ إذ شهد على ثراها بداية مشوار‬ ‫حياته‪ ،‬ومنتهى رحلة كفاحه‪ ،‬الذي امتد على‬ ‫إلى الجوف؟ هل في الجوف غيري تودها؟‬ ‫فقلت‪ :‬نعم والساق تهتز من الخوف مسافة نصف قرن من الزمان‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬ ‫لسدة العشق الخالص الذي بلغ به مراتب‬ ‫األرض أرض � � ��ي وال � ��دي � ��ار دي � ��اري‬ ‫ف��ال �ج��وف ن �ب��ع بالمـحبــــة ج��اري الهيام‪ ،‬حين نسمعه ينشد‪:‬‬

‫ع �ش �ق��ت س� �ك ��اك ��ا ك �ع �ش��ق ال��رب �ي��ع‬ ‫خمسون عاما في ربوعك قد مضت‬ ‫إذا م � ��ا ال� ��رب � �ي� ��ع ب� ��أح � �ل� ��ى ح �ل��ل‬ ‫وع � �ل ��ى ث � � ��راك ت ��دف� �ق ��ت أش � �ع ��اري‬ ‫إلى أن يقول‪:‬‬

‫ي��ا ل�ي��ت ش�ع��ري ق��د م��زج��ت عبيره‬ ‫ب�ع�ب�ي��ر س �ح��رك ف��ان�ح�ن��ت أوت� ��اري س �ي �ش �ه��د دوم � � ��ا ب � � ��ذاك ال �ج �م��ال‬ ‫ع� � � � �ي � � � ��ون رأت� � � � � � � � ��ه ول� � � � �ي � � � ��س أدل‬ ‫فعلى ربوعك قد بدأت قصــــائدي‬ ‫�اض ع � � ��ري � � ��ق ي � �ع � �ي� ��ش ب� �ه ��ا‬ ‫وع� �ل ��ى رب ��وع ��ك ي �ن �ت �ه��ي م� �ش ��واري ف � � � �م� � � � ٍ‬ ‫إلى أن يقول في ختام قصيدته‪:‬‬

‫�ال أط� ��ل‬ ‫«وزع� � � � �ب � � � ��ل» ي � �ش � �م� ��خ ع � � � � � ٍ‬

‫و«برنس» تحكي الحديث الطويل‬ ‫يا ج��وف تبقى في ال�ف��ؤاد ودائمـــا‬ ‫و«س � � �ي � � �س� � ��رة» ت � � ��رد ت � � �ق� � ��ول‪ :‬أج� ��ل‬ ‫م��ا دام نبض فــي ف�ـ�ـ��ؤادي ســـــاري‬ ‫وهذا هو الشاعر نفسه الذي أحب سكاكا وح � � ��اض � � ��ر ي � ��زه � ��و وي � �ع � �ل� ��و ب� �ن ��اء‬ ‫وال��ج��وف حتى النخاع‪ ،‬حبا صوفيا يرقى‬ ‫ل�ت�ب�ق��ى «س �ك��اك��ا» ال �ع ��روس المثل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪131‬‬


‫وسكاكا تلك المدينة المتكئة على أريكة ف � � � ��ال� � � � �ق � � � ��ري � � � ��ات م � � � � � ��ن ب �ل ��اس� � ��ي‬ ‫الماضي التليد‪ ،‬والحالمة بمستقبل باسم‬ ‫ف� �س� �ك ��اك ��ا ف� ��ال � �ق � �ص� ��ور ال� � ��دوان� � ��ي‬

‫واع��د‪ ،‬المتربعة في براح واسع من األرض‬ ‫تتخلله العديد من ال��م��زارع وال��ق��رى‪ ،‬يكلل‬ ‫هامها حصن زعبل العتيد‪ ،‬الذي يرجع بناؤه‬ ‫إلى عصور ما قبل اإلسالم‪ ،‬فيقف شامخا ال‬ ‫يريم يكألها من علو بعينيه‪ ،‬كأنه لها بمثابة‬ ‫الحارس األمين‪ ،‬إذ وصفه الشاعر السوري‬ ‫رضا حمود بقوله‪:‬‬

‫وم���ن ب��ق��اع ال��ج��وف األخ����رى ال���ب���ارزة‪،‬‬ ‫والضاربة في عمق التاريخ وظاهره «خوعاء»‪،‬‬ ‫تلك القرية المتوضعة ف��ي منخفض ذي‬ ‫تجاويف‪ ،‬تحف به من كل جوانبه تكوينات‬ ‫جبلية وكثبان رملية‪ ،‬وهي تقع إلى الشرق من‬ ‫مدينة «سكاكا»‪ ،‬وتحتوي على ماء حلو وفير‪،‬‬ ‫وفيها بئر قديمة جدا تحمل االسم نفسه‪..‬‬

‫ومن الشعر الجاهلي الذي قيل في هذه‬ ‫وزع� �ب ��ل راب � ��ض وال �ع �ي��ن ش��اخ�ص��ة‬ ‫يقص ما ال يقص الناس والكتب المحلة في ماضي تلك األزمنة‪:‬‬

‫ل� �ع� �م ��رك إن� � ��ي ي� � ��وم اق � � � ��واز ع��ال��ج‬ ‫يحكي ل�ن��ا م��ن ق��دي��م ك��ل مفخرة‬ ‫وخ��وع��اء ل �ن��اء ف��ي ال�م�ح��ل غريب‬ ‫فيها العراقة وفيها الفتية النجب‬ ‫بعيد م��ن أه��ل المطليين وحمة‬ ‫إذا نسي «ب��رن��س» ف��ي ال�ح��ال ذك��ره‬ ‫ل �ح ��ي ب �خ ��وع ��ي وال� �غ� �م ��از ح�ب�ي��ب‬ ‫أو ج ��ف ري� ��ق «س �ي �س ��رة» ل ��ه رط��ب‬ ‫وبرنس‪ ،‬جبل صغير مجاور لحصن زعبل وذي ال � � � � � � �ق� � � � � � ��ور ال ج� � � � � � ��ادت‬ ‫من جهة الشمال‪ ..‬وسيسرة بئر أثرية قرب ب � � � � � ��ه ب � � � � � � � ��ذي ال� � � � � � �ق � � � � � ��ور ق � � �ط� � ��رة‬ ‫وج � � ��ادت � � ��ه ري� � � ��ح زع� � � � ��زع وج� � � ��ذوب‬

‫الحصن لجهة الجنوب‪.‬‬

‫وذكر األصفهاني في كتابه األغاني‪:‬‬

‫وم��ن ال��ذي��ن ع��ب��روا ع��ن إعجابهم بقلعة‬ ‫أق��واز‪ :‬جمع ق��وز وه��ي رم��ال كالجبال‪..‬‬ ‫زعبل‪ ،‬تعبيرا بلغ بهم حد االنبهار‪ ،‬الشاعر‬ ‫وعالج‪ :‬رمل عالج‪ ..‬وهو أرض النفود الكبير‬ ‫«ابو ذيال البلوي»‪ ،‬حين هتف قائال‪:‬‬ ‫القريب من خوعاء‪.‬‬

‫ول � ��م ت� � � َر ع �ي �ن��ي م �ث ��ل ي � ��وم رأي �ت ��ه‬

‫‪132‬‬

‫وق���ال ام���رؤ القيس ال��ش��اع��ر الجاهلي‬ ‫ب��زع �ب��ل م��ا اخ �ض��ر األراك وأث �م��ر‬ ‫المعروف‪:‬‬ ‫ولسكاكا أيضا‪ ،‬نصيب في ديوان الشعر‬ ‫أب� � �ل � ��غ ش � �ه� ��اب� ��ا وأب � � �ل� � ��غ ع ��اص� �م ��ا‬ ‫العربي القديم‪ ،‬ال سيما مع بداية الفترة‬ ‫وم� ��ا ل �ك��اه��ل أم � ��اك ال �خ �ب��ر م��ال��ي‬ ‫اإلسالمية األولى‪ ،‬حين أشار إليها الصحابي‬ ‫الجليل «حسان بن ثابت»‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬إن � � ��ا ت� ��رك � �ن� ��ا م� �ن� �ك ��م ث� �ك� �ل ��ى ب �خ��و‬ ‫ع � � � � � � ��ا‪ ،‬وس � � � �ي � � � �ب� � � ��ا ك � ��ال� � �س� � �ع � ��ال � ��ي‬ ‫ش��اع��ر ال��رس��ول «محمد» صلى اهلل عليه‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫وسلم‪ ،‬بقوله‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫كما ورد ذكر «الجوف» في نظم آخرين وه��ذي النخيل الباسقات تمايلت‬ ‫طربا يسر العين أعطاف محياها‬ ‫م��ن ق��دم��اء ش��ع��راء العربية األق��ح��اح‪ ،‬من‬

‫أمثال «المتنبي»‪ ،‬عندما قدم إلى الجوف في ت� �س� �ق ��ى ب� � �م � ��اء س� �ل� �س� �ب� �ي ��ل ف �ض��ه‬ ‫طريق عودته هاربا من «كافور اإلخشيدي»‬ ‫م � ��اء ت ��دف ��ق م� ��ن ع� �ي ��ون ش �م��ال �ه��ا‬

‫حاكم مصر إذ ذاك‪ ،‬فعرج إلى بعض نواحي‬ ‫وي��رد عليه الشاعر السوري أحمد زين‬ ‫قسط من الراحة واالستجمام‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الجوف ألخذ‬ ‫العابدين‪ ،‬الذي أقام في الجوف عقودا‪:‬‬ ‫جراء العناء الذي كابده خالل سيره الطويل‪،‬‬ ‫فوقع بصره على مفازة رحبة خضراء‪ ،‬يرتع ال �م��اء ف��ي ال �ج��وف م ��درار بوفرته‬ ‫ف �ل �ي �ن �ه��ل م � ��ن س� �ل� �س ��ال ��ه ال �ب �ش��م‬ ‫بها النعام وتسرح في ربوعها الغزالن‪ ،‬يتخلل‬ ‫ترابها ماء «الجراوي» الذي ال يزال معروفا‬ ‫إال أن ه��ذا النخيل‪ ،‬وع��ل��ى ال��رغ��م من‬ ‫بهذا االسم إلى اليوم‪ ،‬وهو يقع بالقرب من أهميته البيئية والجمالية والغذائية‪ ،‬التي‬ ‫«النبك أب��و قصر»‪ .‬فطابت نفسه‪ ،‬وقرت شكلت بمجموعها خميلة كثيفة متداخلة‬ ‫عينه‪ ،‬وهو يلمس كل هذا الجمال ويتنفس األغ��ص��ان ال��ن��ض��رة‪ ،‬تسر بمحياها نفوس‬ ‫أريجه‪ ،‬عبر نسيمات جوفية منعشة مست الناظرين إليها‪ ،‬إال إنها أحيانا تتعرض‬ ‫بأجنحتها األثيرية أكمام النباتات وتويجات واحتها لالجتثاث الجماعي‪ ،‬لمقاصد كثيرة‬ ‫ال��زه��ور‪ ،‬فمنحته كل ه��ذا االرت��ي��اح‪ ،‬فسأل كفتح ال��ش��وارع أو بناء العمارات‪ ..‬فرصد‬ ‫بعضهم عن اسم هذا الموضع‪ ،‬فقيل له‪:‬‬ ‫الشاعر رضا حمود‪ ،‬هذه الظاهرة وانشد‬ ‫إنها «بسيطة»‪ ،‬من نواحي عقدة الجوف‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أن يصف نخل الجوف بهذا الوصف‪ ،‬تمشيا‬ ‫ت��رب��ع ب��ال�م�ل�ح��اء أول ص�ي�ف��ه إل��ى‬ ‫جزع خوعاء حين جيدت خمائله مع ما ذهب إليه المتنبي من قول‪ ،‬فينشد‪:‬‬

‫متحدثا بلسانها‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫فتبسم‪ ،‬وان��ث��ال��ت قريحته ش��ع��رًا عذبا ف� � � � �ح � � � ��رام‪ ،‬أب � � �ع � � ��د ِع � � � � � � � � �زِّيَ ه � ��ذا‬ ‫وم� � � �ق � � ��ام � � ��ي‪ ،‬ت � �ل � ��فُّ � �ن � ��ي األن � � � � � ��واء‬ ‫رقراقا‪ ،‬مستلهما مفرداته من جوى المكان‪..‬‬

‫وسحره الفتان‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ف � � � �ه� � � ��وانٌ م � � ��ن ال � �ب � �ع � �ي� ��د ع� ��ران� ��ي‬ ‫وم � � � � � � � � ��ن أق � � � � � � � ��ارب � � � � � � � ��ي وج � � � � �ف � � � ��اء‬

‫وج� ��اب� ��ت ب �س �ي �ط��ة ج� � ��دب ال� � ��ردى‬ ‫ب � � �ي � ��ن ال � � �ن � � �ع� � ��ام وب� � � �ي � � ��ن ال � �م � �ه� ��ا وأن� � � � ��ادي ف� �ه ��ل ت� � ��رى م� ��ن م�ج�ي��ب‬ ‫ه��ل س�ت�ج��دي استغاثتي وال �ن��داء‬ ‫إل� ��ى ع �ق ��دة ال� �ج ��وف ح �ت��ى ش�ف��ت‬ ‫ب �م��اء «ال� � �ج � ��راوي» ب �ع��ض ال �ص��دا غ � ��رس � ��ون � ��ي ف� �س� �ي� �ل ��ة م � �ن� ��ذ ق� ��رن‬ ‫ورع� � ��ون� � ��ي وم � � ��ا ي� �خ� �ي ��ب ال� ��رج� ��اء‬

‫و«العقدة»‪ ،‬تعني األرض كثيرة النخيل‪،‬‬ ‫وكل أرض ذات خصب كان يقال لها عقدة‪ .‬ت � ��رك � ��ون � ��ي أم � � ��ان � � ��ة ف � � ��ي ي ��دي� �ك ��م‬ ‫ب� � � ��األم� � � ��ان� � � ��ات ف� � � � � � ��رَّ ط األب� � � �ن � � ��اء‬ ‫وقد راق للشاعر‪« :‬عبد الرحمن الصالح»‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪133‬‬


‫تحملنا الصباحات‪..‬‬ ‫ل�س��ت م��ن غ��رس�ك��م ف�ه�ن��ت عليكم‬ ‫ل � ��و درى م � ��ا م� �ص� �ي ��ري اآلب � � � ��اء؟ أرى التاريخ في «كاف»‬ ‫ونظرا لما تحويه الجوف من أوابد أثرية وفي «أثرا» وفي «أقيال» آثار وغايات‪..‬‬

‫وشواهد معمارية غاية في الروعة واالنبهار‪،‬‬ ‫جعلت الكثير من الشعراء يقفون مندهشين‬ ‫أمام مشهدها االستثنائي األخاذ‪ ،‬فيطلقون‬ ‫لعرائس القريض العنان‪ ،‬فتمضي محلقة‬ ‫برحلة استطالعية عبر ال��خ��ي��ال‪ ،‬تجوس‬ ‫خالل الديار‪ ..‬لتصف ما تقع عليه العيون‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬يظل ال��ج��وف‪ ،‬بما يحمل من‬ ‫من معالم المكان؛ فنجد الشاعر «يوسف خصوصية المكان‪ ..‬وعراقة الزمان‪ ..‬ونشوة‬ ‫العارف» ينشد «ألدوماتو» وألقرانه من آثار األوان‪ ..‬محتفظا في باطنه وسطحه آثاراً‬ ‫الجوف األخرى مرددا‪:‬‬ ‫لحضارات شعوب وأمم كانت هنا‪ ،‬مارست‬ ‫أدوماتو‪ ..‬أدوماتو‪ ..‬أدوماتو‪..‬‬ ‫أط���وارًا شتى من العيش وض��روب��اً متنوعة‬ ‫وتنتفض التواريخ البهيجات‬ ‫من الحياة‪ ،‬كرس مسيرتها األجداد وأضاف‬ ‫تنثر األخبار‬ ‫إليها األحفاد‪ ،‬فتغنى بها الشعراء‪ ..‬ودونها‬ ‫فتاتيك النهايات‪..‬‬ ‫الكتاب‪ ..‬وتحدث عنها الرواة‪..‬‬ ‫وب��ع��د‪ ،‬ف��ه��ذا غيض م��ن ف��ي��ض‪ ،‬حاولت‬ ‫جهدي اإلش���ارة إليه باختصار غير مخل‪،‬‬ ‫أو إطناب ممل‪ ..‬ألن الموضوع أج��در من‬ ‫أن يعالج ببحث يتيم‪ ..‬أو دراسة مقتضبة ال‬ ‫تفي بالمطلوب‪..‬‬

‫أشيري «يا ابنة السرحان»‬ ‫كيف البشارات‪..‬‬ ‫على مرمى من التاريخ‬ ‫تؤنسنا الحكايات‪..‬‬ ‫فهذي «سيسرا» األمجاد‬ ‫من ظمأ‬ ‫يروي ماؤها العذب الفرات‪..‬‬ ‫وهذا «ود» الحيارى‬ ‫وتحية «الرجاجيل» العتاة‪..‬‬ ‫وهذي «مارد» الشماء تعلو‬ ‫ويحرسها «األكيدر» والحماة‪..‬‬ ‫أشيري يا «ابنة السرحان»‬ ‫كيف هي اإلشارات‪..‬‬ ‫أدوماتو‪ ..‬أدوماتو‬ ‫ويهمى فوقنا التاريخ‬

‫‪134‬‬

‫* باحث سوري مقيم في الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫مصادر البحث‪:‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫‪ .5‬‬ ‫‪ .6‬‬ ‫‪ .7‬‬ ‫‪ .8‬‬

‫ح��ك��م وم��خ��ت��ارات م��ن ع��ي��ون ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي‪،‬‬ ‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬دار طليطلة‪ ،‬دمشق‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫ابن عبدربه األندلسي العقد الفريد‪ ،‬دار الفكر‬ ‫بيروت ‪1940‬م‪.‬‬ ‫ياقوت الحموي معجم البلدان‪ ،‬دار الكتب العلمية‬ ‫بيروت ‪1966‬م‪.‬‬ ‫اب��ن منظور لسان ال��ع��رب‪ ،‬دار ص���ادرـ بيروت‬ ‫‪1985‬م‪.‬‬ ‫د‪ .‬عارف المسعر هذه بالدنا‪ ..‬الجوف‪ ،‬الرئاسة‬ ‫العامة لرعاية الشباب ‪1419‬هـ‪.‬‬ ‫د‪ .‬نواف ذويبان الخالدي تاريخ منطقة الجوف‪،‬‬ ‫معارف العصر‪ ،‬سكاكا ‪1425‬هـ‪.‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبدالرحمن األن��ص��اري‪ -‬ال��ج��وف‪ ،‬دار‬ ‫القوافل‪ ،‬الرياض ‪1429‬هـ‪.‬‬ ‫أعداد متفرقة من مجلتي‪ :‬الجوبة وسيسرا‪.‬‬


‫امل�ؤلف ‪ :‬فلحي عايد الفلحي‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬هاين احلجي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار املفردات للن�شر والتوزيع‬

‫النا�شر ‪ :‬نف�سه‬

‫صدر للكاتب فلحي الفلحي رواية بعنوان «بنات‬

‫صدر حديثا للكاتب هاني الحجي مجموعة‬

‫المتوسط‪ .‬تعيد ه��ذه ال��رواي��ة إل��ى األذه��ان مالمح‬

‫(‪ )53‬صفحة من القطع المتوسط‪ ..‬اشتملت‬

‫الحي الشرقي»‪ ،‬تقع في (‪ )240‬صفحة من القطع‬ ‫وسمات المجتمع المحلي في زمن توارى خلف ضباب‬ ‫الرخاء والرفاهية التي يشهدها مجتمعنا اليوم‪..‬‬ ‫لوحات يتجلى فيها جمال المعاناة وشظف العيش‬ ‫بما أودع الكاتب بين سطورها من نصوص وذكريات‬ ‫تشرق بصمات على محيا أبناء ذل��ك الجيل الذي‬ ‫فقدنا منه كثيرا‪ .‬وتكتسب لغة الرواية أهمية قصوى‬ ‫لدى أبناء منطقة الجوف‪ ،‬لتضمنها رم��وزا تعبيرية‬ ‫جوفية خالصة‪..‬‬ ‫وأقتطف هنا بعضا مما كتبه الناشر على ظهر‬ ‫الغالف‪( :‬لم يكن هذا العمل مفاجأة لي‪ ..‬فقد زاملت‬ ‫الكاتب زم��ن��ا ط��وي�لا ع��رف��ت خ�لال��ه ثقافة الكاتب‬ ‫الواسعة‪ ،‬ورؤاه الثاقبة‪ ،‬كما عرفته باحثا جادًا وخبيرًا‬ ‫اجتماعيا أض��اف��ت خبرته إل��ى إب��داع��ه ه��ذا حسً ا‬ ‫اجتماعيا كساه موضوعي ًة وتناوالً شيقًا حتى ظهر بين‬ ‫الرواية والسير ة الذاتية والتأريخ االجتماعي‪ ..‬ولربما‬ ‫مثل منهجا جديدا في كتابة الرواية ا لمعاصرة)‪.‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬بنات احلي ال�شرقي‬

‫الكتاب ‪ :‬ن�ساء خ�شبيات‪ -‬جمموعة ق�ص�صية‬

‫قصصية بعنوان «نساء خشبيات»‪ ،‬وتقع في‬ ‫على أرب���ع ع��ش��رة قصة ق��ص��ي��رة‪ ،‬وقصص‬

‫قصيرة ج���دا‪ ،‬م��ن أه��م عناوينها‪( :‬م��زاب��ل‬ ‫ومقابر‪ ،‬الرجل الذي أصبح بخارا‪ ،‬دمعة تعبر‬

‫الكون‪ ،‬زبالة العاجزين)‪ .‬وفي إصداره هذا‪..‬‬ ‫حاول الحجي إقناع نفسه كإنسان وقاص ‪-‬‬

‫وإقناع القراء أيضا‪ -‬بأن الكون يُدمَّر بسبب‬

‫انثى ويُبنى بسبب أنثى!!‬

‫ونقرأ على غالف المجموعة كلمة لألديب‬

‫عبداهلل الشايب نقتطف منها‪( :‬تُولِّد هذه‬

‫المجموعة إثارة فكرية مجتمعية‪ .‬هل وصل‬ ‫الكاتب إلى نهايات الرؤية؟ سيستمر الكاتب‬

‫في جدليته مع مكونه متصالحا مع نفسه‬ ‫ومتسامحا مع محيطه‪ ،‬لذا جاءت المعالجات‬

‫قيمة مع تحقيق اإلمتاع)‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪135‬‬


‫الكتاب ‪ :‬حرز تاال‪ -‬رواية‬

‫الكتاب ‪ :‬نكاية يف اجلغارافيا – كتاب حواري‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬عمر الأن�صاري‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬ه�شام بن�شاوي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار مدارك ‪ -‬دبي‬

‫النا�شر ‪ :‬دار «�إي‪ -‬كتب» الربيطانية‬

‫يعود األن��ص��اري‪ ،‬إلى صحراء الطوارق مرة‬

‫أخرى‪ ،‬ليجلب معه مزيدا من األساطير في حقب‬ ‫زمنية‪ ،‬موغلة أكثر من تلك التي استحضرها‬

‫في عمله السابق «طبيب تينبكتو»‪ ،‬ليعود بنا‬

‫إلى الوراء وعبر األسطورة في عمل جديد حمل‬ ‫اسم «حرز تاال»‪ ،‬والذي يقع في ‪ 338‬صفحة من‬

‫صدر حديثا للكاتب المغربي هشام بن الشاوي‬ ‫كتاب حواري‪ ،‬موسوم بــ «نكاية في الجغرافيا»‪،‬‬ ‫يضم مجموعة حوارات شيقة‪ ،‬أجريت في أوقات‬ ‫متفرقة‪ ،‬وعلى مسافات مختلفة‪ ،‬تناولت العديد‬ ‫من قضايا الفن واألدب مع نخبة مرموقة ممّن‬ ‫تركوا بصمات مهمة في ثقافتنا المعاصرة‪.‬‬

‫وقد ضم هذا اإلص��دار الرقمي ح��وارات مع‬ ‫القطع المتوسط والصادر عن «دار مدارك» في‬ ‫كل من‪ :‬أسامة أنور عكاشة‪ ،‬محمد البساطي‪،‬‬ ‫دبي‪.‬‬ ‫إبراهيم عبدالمجيد‪ ،‬وحيد حامد‪ ،‬محمد برادة‪،‬‬ ‫يمكن تصنيفها رغ��م حديثها ع��ن تأسيس يوسف القعيد‪ ،‬محمد عزالدين التازي وسعيد‬ ‫مدينة تينبكتو‪ ،‬أنها كتبت عن أزمنة مفقودة يقطين‪.‬‬ ‫من حياة الطوارق‪ ،‬فهي ال تتناول زمنا محددا‪،‬‬ ‫وال تعالج قضية بعينها‪ ،‬قدر ما ستبحر بقارئها‬ ‫إلى زمن وقصة وأشخاص أسطوريين ليس لهم‬

‫وجود في غير وجدان أهل الصحراء الذين اقترن‬ ‫عيشهم بتراث مشبع بهذه األساطير والقصص‬

‫التي استحضرها الكاتب من أزمنة غابرة‪.‬‬

‫العمل يعد الثالث للصحفي عمر األنصاري‪،‬‬

‫الباحث في شؤون الطوارق‪ ،‬بعد كتابيه «طبيب‬

‫‪136‬‬

‫تينبكتو» و«الرجال الزرق»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫ويعد هذا الكتاب الحواري اإلصدار الثامن‬ ‫للكاتب‪ ،‬وق��د ص��در ل��ه م��ن قبل ف��ي القصة‪:‬‬ ‫«بيت ال تفتح نوافذه»‪« ،‬روتانا سينما وهلوسات‬ ‫أخ��رى!»‪« ،‬احتجاجا على ساعي البريد» و«على‬ ‫شفير النشيج»‪ ،‬وفي الرواية‪« :‬كائنات من غبار»‪،‬‬ ‫«قيلولة أحد خريفي» التي فازت بجائزة الطيب‬ ‫ص��ال��ح العالمية ل�لإب��داع الكتابي ف��ي دورت��ه��ا‬ ‫الثانية (‪2012‬م)‪ ،‬فضال عن رواية «هكذا ينتهي‬ ‫الحب عادة»‪ ،‬والتي صدرت إلكترونيا عن مجلة‬ ‫«الكلمة» اللندنية‪.‬‬


‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫دوم زين‬ ‫رواية‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬عقل مناور ال�ضمريي‬ ‫النا�شر ‪ :‬الدار العربية للعلوم‬ ‫ال�سنة ‬

‫‪2016 :‬م‬

‫ص���در ح��دي��ث��اً ع��ن ال����دار ال��ع��رب��ي��ة للعلوم‬ ‫ناشرون‪ ،‬رواية بعنوان «دوم زين»‪ ،‬للكاتب عقل‬ ‫ابن مناور الضميري‪ ،‬وتقع الرواية في «‪»206‬‬ ‫صفحات م��ن القطع المتوسط‪ ،‬وه��ى رواي��ة‬ ‫تتناول البنية المجتمعية السعودية‪.‬‬ ‫رواية «دوم زين» ذات بنية سردية‪ ،‬تقوم على‬ ‫متن حكائي في الدرجة األولى‪ ،‬تعرض الوقائع‬ ‫من خالل ال��راوي العليم المهيمن «الرؤية من‬ ‫وراء»‪.‬‬

‫صوت «نايف» الذي يمثل النموذج األمثل من‬ ‫وجهة نظر ال����راوي‪ ،‬وه��و يمثل األن��ا الثانية‬ ‫ل��ل��ك��ات��ب‪ ،‬وه���و ن���م���وذج ل��ط��ب��ق��ة ت��ش��ك��ل��ت في‬ ‫المجتمع السعودي بفعل عصاميتها وحُ سن‬ ‫إدارت���ه���ا واس��ت��غ�لال��ه��ا للطفرة االق��ت��ص��ادي��ة‪.‬‬ ‫وتمثل شريحتين اجتماعيتين مزدوجتين؛‬ ‫األرستقراطية واإلنتلوجانسيا «المثقفون»‪ ،‬وهنا‬ ‫تكمن المفارقة‪.‬‬

‫وقد استطاع كاتب الرواية أن يقدم النموذج‬ ‫االجتماعي المعبر عن هذه االزدواج��ي��ة التي‬ ‫ب���ن���اء ال��ش��خ��ص��ي��ات أق�����رب إل����ى ال��ن��ه��ج ميزت قطاعاً مجتمعياً يمثله «نايف»‪.‬‬ ‫الرومانسي الذي يقسم البشر إلى نماذج خيرة‬ ‫كما استطاع أن يجسد العالقة بين هذه‬ ‫وأخرى شريرة‪ ،‬فالرواية تجمع تيارين عرفتهما‬ ‫الطبقة وشريحة غربية أخ��رى كانت أق��رب‬ ‫ال��رواي��ة العربية‪ ،‬فقيمة أي رواي��ة تكمن في‬ ‫إلى تفهم البنية المجتمعية‪ ،‬من خالل التوافق‬ ‫تعددية األصوات فيها طبقا لـ”باختين”‪ ،‬أحد‬ ‫المعرفي الذي أفرزته البعثات الدراسية من‬ ‫أهم المنظرين للرواية‪ ،‬وإن كان ذلك ال يعني‬ ‫جهة والدبلوماسية من جهة أخرى‪ .‬إن الثروة‬ ‫بالضرورة تعدد الرواة‪.‬‬ ‫المادية أنتجت ث��روة معرفية تأكيداً لسلطة‬ ‫وم���ن ال���واض���ح أن ال��ص��وت ال��ط��اغ��ي هو الخطاب كما الحظ الفيلسوف الفرنسي فوكو‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪137‬‬


‫األن� � �ش� � �ط � ��ة ال� �ث� �ق ��اف� �ي ��ة‬

‫إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫ملتقى القراءة بدار الرحمانية بالغاط‬ ‫يبدأ موسمه الجديد‪ ،‬وانطالقة في مكتبة منيرة الملحم‪ ‬‬

‫انطلقت جلسات ملتقى القراءة في دار الرحمانية مثمنين قيمة هذا الكتاب‪ ،‬لما له من أهمية في‬ ‫بالغاط‪ ،‬للموسم الحالي‪ ،‬وهو الموسم الثاني على تنمية التفكير وتحفيز األفكار اإلبداعية مع التركيز‬ ‫التوالي‪ ،‬وذلك يوم الثالثاء ‪1438/01/17‬هـ‪ ،‬وفد على اإليجابية وتعزيزها‪ ،‬بالعصف الذهني‪.‬‬ ‫جرت مناقشة كتاب «التفكير اإلبداعي» لمؤلفه‬ ‫كما انطلق ملتقى القراءة بمكتبة منيرة الملحم‬ ‫«جيفري بتي»‪ ،‬ترجمة سامي تيسير‪.‬‬ ‫للنساء بدار الرحمانية في الغاط‪ ،‬وبدأ بتشكيل‬

‫واستخلص أعضاء الملتقى الفوائد والرسائل‬ ‫التي بثها المؤلف في كتابه بشأن طرق التفكير‬ ‫التي تعد ذات عالقة كبيرة بمراحل اإلبداع‪ ،‬وهي‬ ‫إح��دى الصعوبات التي يواجهها المبدعون على‬ ‫اعتبار أن مراحل اإلبداع تحتاج إلى طرق تفكير‪.‬‬

‫فريق ل��ل��ق��راءة‪ ،‬بمشاركة مجموعة م��ن الفتيات‬ ‫المهتمات بالقراءة في الغاط‪ ،‬وجرت قراءة أول‬ ‫كتاب ضمن الملتقى وه��و كتاب «اق���رأ» تأليف‬ ‫«ساجد العبدلي»‪ ،‬ليكون منطلقا لهن في هذا‬ ‫الملتقى‪.‬‬

‫ع���ق���د ب������دار ال��رح��م��ان��ي��ة‬ ‫بمحافظة الغاط ي��وم االثنين‬ ‫‪ 26‬س��ب��ت��م��ب��ر ‪ 2016‬ن����دوة‬ ‫وندوة بدار ل��ت��دش��ي��ن ك���ت���اب ال���غ���اط في‬ ‫عيون المصورين‪ ،‬الصادر عن‬ ‫الرحمانية‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫لتدشين الثقافي‪ ،‬وتأتي هذه الندوة ضمن أنشطة الموسم الثقافي لدار الرحمانية بمحافظة‬ ‫كتاب الغاط‪ ،‬وشارك فيها كل من سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري واألستاذان‬ ‫ظافر الشهري ومحمد بن عيسى صوانه والمصوران المشاركان بالكتاب سلطان‬ ‫الغاط العضيدان وماجد الخميس‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫في‬ ‫ذكر سلطان السديري أن الكتاب انبثق عن ملتقى الشباب المصورين بدار‬ ‫عيون الرحمانية لتوثيق شواهد لألصالة والتراث والحياة االجتماعية في الغاط‪ ،‬وثقوا من‬ ‫خاللها جمال هذه المدينة الساحرة وتراثها وعادات أهلها‪ .‬كما تحدث المشاركون‬ ‫المصورين بالندوة عن مراحل إص��دار الكتاب ال��ذي مر بالتصوير وتقييم الصور وتصنيف‬ ‫الكتاب إلى أربعة فصول‪ ،‬وكتابة النصوص باللغتين العربية واإلنجليزية ليكون مرجعا‬ ‫سياحيا هادفا لمحافظة الغاط‪ ،‬وأعقب ذلك حوار ومداخالت من الجمهور‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.