مجلة الجوبة 54 Aljoubah Magazine

Page 1

‫دراسات ونقد‬ ‫نصوص شعرية وسردية‬ ‫مواجهات‬ ‫شهادات‬

‫الجوف تحتضن‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية بعنوان‪:‬‬

‫الماء في المملكة‪ ..‬الواقع والحلول‬

‫‪54‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 014 626 3455‬فاكس ‪ - 014 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 011 281 7094‬فاكس ‪ - 011 281 1357‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬الرياض ‪11614‬‬ ‫‪sudairy-nashr@alsudairy. org. sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬م�شاعل بنت عبدالمح�سن ال�سديري ‬

‫املشرف العام‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫أسرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫�سكرترياً ‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً ‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫�إخـــراج فني‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫قواعد النشر‬

‫املراســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 54‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2016‬‬

‫‪6...............................‬‬ ‫اجلوف حتتضن منتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية يف دورته العاشرة‬

‫‪35.............................‬‬

‫العاصي بن فهيد‬

‫‪96........................‬‬ ‫حوار مع‬ ‫الدكتور عبداهلل الغذامي‬

‫الـمحتويــــات‬

‫افتتاحية العدد ‪4 ..............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬الجوف تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية في دورته العاشرة ‪6 ..................................‬‬ ‫دراس��ات ونقد‪ :‬ق��راءة في كتاب فصل من تاريخ وط��ن وسيرة رجال‪ :‬‬ ‫(عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف)‪24 ..................‬‬ ‫الجوف‪ ..‬في رحلة وليم بلجريف ‪ -‬نوير العميري‪30 ........................‬‬ ‫الشاعر السعودي العاصي بن فهيد في ديوانه ممرات السنونو ‪ -‬إبراهيم‬ ‫الحجري ‪35 ................................................................‬‬ ‫الهوية والبناء السردي في روايات ما بعد الحداثة في المملكة العربية‬ ‫السعودية ‪ -‬د‪ .‬أسماء الزهراني‪40 ........................................‬‬ ‫األب��ع��اد االجتماعيّة ف��ي رواي���ة‪( :‬دُوم زي��ن) للضميري ‪ -‬د‪ .‬إبراهيم‬ ‫الدَّ هون‪44 ..................................................................‬‬ ‫لــوعـــة الفقــــد في «رائحة الفحم» ‪ -‬هشام بنشاوي‪47 .....................‬‬ ‫بعض مالمح ما بعد الحداثة في الكتابة الجديدة ‪ -‬خالد حسان ‪51 .......‬‬ ‫الصورة المجتمعيّة في رواية «كذبة إبريل» ‪ -‬د‪ .‬نهلة الشقران ‪55 ..........‬‬ ‫المعنى الشعري لرشيد الخديري ‪ -‬د‪ .‬سعيد بوعيطة ‪58 ...................‬‬ ‫قراءة في القراءة ‪ -‬محمود عبدالحافظ ‪66 .................................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬حل ٌم ال ينام ‪ -‬د‪ .‬زرياف المقداد‪73 .........................‬‬ ‫حياة عادية ‪ -‬مشاري محمد ‪76 .............................................‬‬ ‫زهرة األبوة ‪ -‬وفاء الحربي ‪77 ...............................................‬‬ ‫قلق ‪ -‬عبدالكريم النملة ‪78 ..................................................‬‬ ‫ومضات قصصية ‪ -‬فرح عبده ‪80 ...........................................‬‬ ‫امبراطورية الجمال ‪ -‬حمود علي حسين الشريف‪81 .......................‬‬ ‫شعر‪ :‬تقاز ُم األزمنةِ ‪ -‬نويّر بنت مطلق العتيبي‪84 .............................‬‬ ‫العقـد ‪ -‬نوره عبيري‪86 ......................................................‬‬ ‫أراك شمساً ال تغيب ‪ -‬أريج الزهراني ‪88 ...................................‬‬ ‫نصوص شعرية ‪ -‬جابر الدبيش ‪89 ..........................................‬‬ ‫قهوةُ غيابِكَ ‪ -‬حنان بيروتي ‪90 ..............................................‬‬ ‫الشتاء ‪ -‬أحمد الالوندى ‪93 .................................................‬‬ ‫ال دموع بعد اليوم ‪ -‬موسى البدري‪94 .......................................‬‬ ‫نص جاهز ‪ -‬عبدالعزيز الشريف ‪95 ........................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع د‪ .‬الغذامي ‪ -‬حاورته هدى الدغفق‪96 ..................‬‬ ‫حوار مع الروائي مقبول موسى العلوي ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم ‪103 ..........‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬الكاتب والشاعر فارس رزق الروضان‪109 ......................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬من ذا الذي يرغب بابنة؟ إيزابيل الليندي ‪ -‬عبداهلل الزماي ‪111 ....‬‬ ‫رسائل األم! قصة للكاتب الفرنسي‪ :‬غي دي موباسان ‪ -‬ياسمينة صالح ‪114 ...‬‬ ‫نوافذ‪ :‬أثر التطور التقني على الفرد والمجتمع ‪ -‬محمد عامر البلخي ‪117 ..‬‬ ‫نجد وحنين الشعراء ‪ -‬راكان بصير الرويلي ‪119 .............................‬‬ ‫بين قوسين ‪ -‬محمد علي حسن الجفري ‪123 ................................‬‬ ‫شعرية البورتريه في رسومات الفنانة السعودية شهد الزيد ‪ -‬إبراهيم‬ ‫الحجري ‪126 ................................................................‬‬ ‫قصر مرسال في سكاكا ‪ -‬ضاري الحميد ‪130 ...............................‬‬ ‫قراءات‪134 .................................................................... :‬‬ ‫الصفحة األخ��ي��رة‪ :‬لطيفة ال��س��دي��ري والتعليم ال��ن��س��وي بالجوف‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪136 ......................................................‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬قصر مرسال أحد القصور التراثية والتاريخية بمدينة سكاكا والذي بني على تل مرتفع‪،‬‬ ‫إلى الشرق من قلعة زعبل وحي الضلع التاريخي‪.‬‬


‫اف���ت���ت���اح���ي���ة‬ ‫ال�����������ع�����������دد‬ ‫■ إبراهيم احلميد‬

‫اعتبر تقرير دول��ي نُشر مؤخراً أن أكثر مستودعات المياه الجوفية‬ ‫استنزافاً هي طبقة المياه الجوفية العربية التي منها تلك التي تقع تحت‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬واعتبرت بأنها أكثر مصدر “فائق اإلجهاد”‬ ‫في العالم‪ ،‬بمعدل نضوب يبلغ نحو عشرة ملليمترات سنويا‪ ،‬مع عدم‬ ‫وجود أي تجديد طبيعي‪ ،‬بعد أن درس العلماء (‪ )37‬مستودعا من أكبر‬ ‫مستودعات المياه الجوفية لألرض بين عامي ‪ 2003‬و‪2013‬م‪ ،‬وصنفوا‬ ‫هذه المستودعات المائية الجوفية على أنها «فائقة اإلجهاد» أو «مجهدة‬ ‫بشكل كبير»؛ ما يعني أنها تتعرض الستنزاف دون أي تجديد طبيعي‬ ‫للتعويض عن االستخدام‪ .‬وه��ذه المعلومات ليست غائبة عن مسئولي‬ ‫المياه بالمملكة‪ ،‬فقد أوضح وزير المياه في ندوة بجريدة الرياض قبل‬ ‫سنوات قليلة أن مزرعتين في بسيطا – الجوف‪ ..‬تستهلكان ما تستهلكه‬ ‫خمس مناطق سعودية‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فمع معاناة مناطق واسعة من المملكة من جفاف شامل نتيجة‬ ‫انحباس األمطار والسيول لسنوات طويلة‪ ،‬فقد بدأت بوادر معاناة مشاريع‬ ‫منطقة بسيطا ‪ -‬الجوف الزراعية التي تستنزف فيها المزارع الكبرى‬ ‫(‪ )2.250.000‬جالون في الدقيقة الواحدة‪ ،‬على افتراض وجود (‪)1500‬‬ ‫بئر على األقل‪ ،‬إذ تضخ كل بئر منها (‪ )1500‬جالون في الدقيقة على مدار‬ ‫(‪ )24‬ساعة منذ (‪ )20‬عاماً؛ ولهذا‪ ،‬فقد بدأت الشركات الكبرى مشاريع‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وتستنزف مشاريع بسيطا نسبة (‪ )%99‬من المياه في زراعة البرسيم‬ ‫واألعالف على مدار العام‪ ،‬رغم كونها مصدر مياه الشرب لكل من مدن‪:‬‬ ‫القريات وطبرجل وطريف؛ ما يشكل تهديداً مستقبلياً على ضخِّ مياه‬ ‫الشرب لهذه المدن‪ ،‬على الرغم من الدعوات والقرارات الرسمية لوقف‬ ‫هذه الزراعة التي تشكل أكبر خطر استراتيجي على المياه في المملكة‪.‬‬

‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫لتعميق حفر اآلبار لتصل إلى (‪ )600‬متر‪ ،‬بعد أن نضبت معظم اآلبار التي‬ ‫تقع في طبقة الـ (‪ )300‬متر ‪.‬‬

‫وقد أحس َن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي اختيار موضوع “الماء‬ ‫في المملكة‪ ..‬الواقع والحلول” موضوعا للدورة العاشرة لمنتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‪ ،‬والذي عقد يوم‬ ‫السبت الموافق ‪ 26‬صفر ‪1438‬ه��ـ‪ ،‬بدار العلوم بمدينة سكاكا بمنطقة‬ ‫الجوف‪ .‬وفيه أفاد الدكتور محمد القنيبط خالل إحدى الجلسات أنه‬ ‫في العام الماضي ‪1437‬هـ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (‪ ،)66‬والذي‬ ‫نص على إيقاف زراعة األعالف الخضراء لمدة ال تتجاوز ثالث سنوات‬ ‫بالمساحات التي ال تزيد عن (‪ )50‬هكتارا‪ ،‬والسماح ب��زراع��ة القمح‬ ‫بمساحات ال تتجاوز الـ (‪ )50‬هكتارا‪ ،‬كما قال الدكتور عبدالعزيز الطرباق‬ ‫في جلسة أخرى‪ :‬ليس عندنا أي موارد مثل أنهار أو بحيرات‪ ،‬فنحن نعيش‬ ‫في بيئة جافة ومعدالت األمطار فيها قليلة‪ ،‬والظروف الطبيعية المناخية‬ ‫شديدة الجفاف‪ ،‬وننسى مع األسف ‪-‬رغم كل اإلمكانات المتاحة عندنا‬ ‫واإلمكانات المادية‪ -‬أننا نعيش في صحراء؛ ولهذا‪ ،‬فقد حذر الدكتور‬ ‫حزام العتيبي في ورقته من أنه إذا ما بقي الحال على ما هو عليه‪ ،‬فمن‬ ‫المتوقع نضوب االحتياطيات القابلة لالستعمال في الطبقات الرئيسة‬ ‫الحاملة للمياه واحده تلو األخرى خالل (عدة عقود)‪ .‬إضافة إلى ارتفاع‬ ‫التكاليف المالية إلمداد المياه لألغراض البلدية إلى ‪ %10‬من الميزانية‬ ‫اإلجمالية‪ ،‬و‪ %3‬من الناتج المحلي اإلجمالي بحلول ‪2040‬م‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪5‬‬


‫الجوف تحتضن‬

‫الدورة العاشرة ‪ -‬الجوف‬ ‫‪ 26‬صفر ‪1438‬هـ (‪ 26‬نوفمبر ‪2016‬م)‬

‫الماء في المملكة‪..‬‬ ‫الـواقـع والحلـول‬ ‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬محمود الرمحي ‪ -‬عماد املغربي‬

‫عقد منتدى األم��ي��ر عبدالرحمن ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري ل��ل��دراس��ات السعودية‬ ‫منتداه السنوي في دورته العاشرة في مركز الرحمانية الثقافي بمنطقة الجوف‬ ‫بعنوان‪( :‬المياه في المملكة – الواقع والحلول) وذلك يوم السبت ‪1438/2/26‬ه��ـ‬ ‫(‪2016/11/26‬م)‪.‬‬ ‫افتتح المنتدى د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري (العضو المنتدب)‪ ،‬الذي رحب‬ ‫بالحضور في منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‪،‬‬ ‫ف��ي دورت���ه ال��ع��اش��رة للعام ‪1438‬ه����ـ ‪2016‬م‪ ،‬وف��ي دار ال��ع��ل��وم‪ ،‬بمركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي‪ ،‬وال��ذي يقيمه المركز سنوي ًا بالتناوب بين الجوف والغاط‪،‬‬ ‫وموضوعه هذا العام «الماء في المملكة‪-‬الواقع والحلول»‪ ،‬استشعار ًا من الهيئة‬ ‫المنظمة للمنتدى لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة على مستوى الوطن‪ ،‬في‬ ‫ظل تزايد االستهالك من المياه بكل أنواعه‪ ،‬الزراعية والصناعية والبلدية‪ ،‬وفي‬ ‫ضوء طبيعة هذه البالد الصحراوية‪ ،‬ومحدودية مصادر المياه فيها‪.‬‬ ‫وذك����ر أن ن����دوة ال��م��ن��ت��دى ي��ش��ارك داعيا الحضور للتفاعل مع المشاركين‬ ‫فيها نخبة من األكاديميين والخبراء في ما يثري موضوع الحوار‪.‬‬ ‫والمسؤولين من جامعات ومؤسسات‬ ‫وق���ال إن��ن��ا نسعد ف��ي ه��ذا المركز‬ ‫وطنية مختصة وجهات حكومية معنية‪ ،‬بشرف اإلسهام في خدمة الثقافة على‬

‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫د‪ .‬زياد السديري (العضو المنتدب)‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي (عضو هيئة المنتدى)‬

‫مستوى الوطن العزيز‪ ،‬من خالل ما توفره‬ ‫مكتبات المركز العامّة في كل من الجوف‬ ‫والغاط من مصادر‪ ،‬وما تقدمه برامجه لدعم‬ ‫مناشطُ ُه‬ ‫ِ‬ ‫األبحاث من مخرجات‪ ،‬وما تُحييه‬ ‫المنبرية من حراك‪ ،‬سعياً لتحقيق ما أراده‬ ‫وت��ف��اوت��ت تطبيقاتُ الجهات المختلفة‬ ‫خدمة‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسس هذا المركز يرحمه اهلل من‬ ‫وتعامل ُها م��ع ن��زف ال��م��ي��اه ال��ج��وف� ّي��ة‪ ،‬بين‬ ‫للثقافة في الوطن عامة‪ ،‬والجوف بخاصة‪.‬‬ ‫السماح بحفر اآلب��ار ومنعها‪ ،‬وبين اتساق‬ ‫كما ألقى د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي عضو المياه والزراعة في وزارة واحدة واالنفصال‬ ‫هيئة المنتدى كلمة الهيئة‪ ،‬الذي تحدث فيها ثانية ثم إعادتهما‪ ،‬وبين توزيع األراضي البور‬ ‫عن شُ حّ المياه قديما‪ ،‬والشكاوي الخاصة على صغار المزارعين ثم حجبها‪ ،‬خشية‬ ‫بذلك خالل الخمسينيات والستينيات من تأثير اآلبار المتقاربة في المزارع الصغيرة‬ ‫القرن الميالدي المنصرم‪ ،‬وأن تلك الشكاوى على مصادر المياه‪ ،‬وتحمّست الوزارة لبناء‬ ‫لم تكن أول تعبير مجتمعي عن القلق من السدود ومنها س ّد بيشة العمالق‪ ،‬ثم تراخت‬ ‫مستقبل الماء في تاريخنا المعاصر‪ ،‬وبقيت‬ ‫عنها بسبب ما نسب إليها من سلبيّات‪ ،‬وقيل‬ ‫كلمات التشاؤم عن مخزون المياه وعن جدوى‬ ‫الكالم نفسه عن مشروع الري والصرف في‬ ‫الزراعة تكهّنات ترنّ في األذه��ان‪ .‬وجاءت‬ ‫األحساء الذي أنجز في منتصف الستينيات‪.‬‬ ‫الطفرة المالية األولى في السبعينيّات من‬ ‫وق��ال إن��ه في المقابل‪ ،‬ت��ط�وّرت تقنيات‬ ‫ال��ق��رن ال��م��اض��ي‪ ،‬لتجلب معها ممارسات‬ ‫جائرة استنزفت المياه بشقّيها‪ :‬الغمر في ترشيد االستهالك‪ ،‬وتأسيس الشركة الوطنية‬ ‫الحيازات الصغيرة‪ ،‬والرشاشات المحورية للمياه من أجل ضبط التوازن السعري بين‬ ‫في مزارع القمح والشعير‪ ،‬ما أغرى كثيرين اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬وخُ ضنا تجربة فوترة‬ ‫لالستثمار فيها عن خبرة وتخصص أو عن الشرائح السعرية‪ ،‬لمراعاة أوضاع أصحاب‬ ‫غيرهما‪ ،‬مدفوعين بحوافز إعانات قاربت ال��دخ��ول المنخفضة‪ ،‬ومحاولة كبح جماح‬ ‫أربعة أضعاف تكاليف ما يماثلها في أسواق‬ ‫العالم‪ ،‬وتبع ذلك إسراف منزلي‪ ،‬سبّبه النم ّو‬ ‫السكاني‪ ،‬والتوسّ ع في حجم البيوت وبرك‬ ‫السباحة وسقيا الحدائق‪ ...‬الخ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬


‫االستهالك لذوي الدخول المرتفعة‪ ،‬وأخيراً‬ ‫طرق باب الزراعة عن بُعد في مواقع عدة‬ ‫حول العالم لتخفيف الضغط على مصادر‬ ‫المياه المحلية والتقليل من استقدام األيدي‬ ‫العاملة‪.‬‬ ‫أما على مستوى الجهود البحثية الدائرة‪،‬‬ ‫فتجدر اإلشارة إلى ما تقوم به مدينة الملك‬ ‫عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪ ،‬وكذا معهد األمير‬ ‫سلطان ألبحاث البيئة والمياه والصحراء في‬ ‫جامعة الملك سعود‪ ،‬وجائزة األمير سلطان‬ ‫العالمية ألبحاث المياه‪ ،‬وه��ي كلها جهود‬ ‫علميّة تصبّ ص��وب المشكلة‪ ،‬يُ��رج��ى أن‬ ‫تخرج من أضابير التنظير إلى أرض الواقع‬ ‫المثمر‪.‬‬

‫األب��ح��اث ف��ي ج��ام��ع��ة ال��م��ل��ك عبدالعزيز‬ ‫وغيرها من الجامعات‪ ،‬أثر ملحوظ لخفض‬ ‫تكلفة التكرير‪ ،‬ولتصنيع قطع الغيار ‪ -‬وهي‬ ‫ب��اآلالف ‪ -‬المستخدمة في المحطات‪ ،‬ما‬ ‫أبقى عملية التحلية مكلف ًة جداً‪ ،‬وخاضعة‬ ‫لمالءة الدعم الحكومي‪.‬‬

‫واستطرد قائال بأننا ن��درك جميعاً أن‬ ‫الجزيرة قبل تحلية مياه البحر المكلفة‬ ‫تعيش ب��واد غير ذي زرع‪ ،‬وأن الزراعة في‬ ‫أكثر المناطق تمثّل تحدّياً جبّاراً للطبيعة‬ ‫الصحراوية القاحلة‪ ،‬وأن استخدام الزراعة‬ ‫والصناعة يستهلك أربعة أضعاف االستعمال‬ ‫المنزلي‪ ،‬في حين تعدّدت مراكز الدراسات‬ ‫المتخصصة بالمياه في مؤسساتنا‬ ‫ّ‬ ‫العلمية‬ ‫لكننا على مستوى ال��ث��م��رة ال��ت��ي لمس التعليمية والبحثية‪ ،‬و َق����وِ يَ ال��ت��واص��ل مع‬ ‫الوطن والمواطن تأثيرها بشكل عملي‪ ،‬ال المنظمات الدولية المختصة‪ ،‬وم��ع البنك‬ ‫ب ّد من ذكر مشروع رائد تبنّته الحكومة منذ الدولي في هذا المضمار‪..‬‬ ‫اثنين وأربعين عاماً‪ ،‬غايته اإلفادة من مياه‬ ‫لكننا عندما نستعرض أدبيّات ما كُتب من‬ ‫البحر لتوفير مصدر وفير لمياه الشرب‪ ،‬دراسات‪ ،‬وما أجري من أبحاث عن مشكلة‬ ‫وهو المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة‪ ،‬المياه عبر العقود بالرغم من تأثيرها على‬ ‫م��ن خ�لال ج��ه��وده��ا الكبيرة ف��ي التحلية الحياة‪ ،‬ال نكاد نجد نظريّة علمية‪ ،‬أو جهداً‬ ‫والنقل إلى المناطق الداخلية وتوليد الطاقة تأليف ّياً مستوفياً‪ ،‬يقرر حقائق ثابتة‪ ،‬وأجوب ًة‬ ‫الكهربية‪ ،‬عبر ثالثين محطة عاملة في نحو واع��ي��ة‪ ،‬وح��ل��والً شافية للمشكلة (موضوع‬ ‫عشرين موقعاً على شواطئ الخليج العربي الندوة)‪.‬‬ ‫والبحر األحمر؛ ما جعل بالدنا أكبر الدول‬ ‫لكل هذه األسباب مجتمعةً‪ ،‬تَو ّف َر االقتناع‬ ‫المستغلّة لمياه البحر‪ ،‬بنسبة بلغت عشرين‬ ‫عند هيئة المنتدى بحجب جائزة المركز‬ ‫في المئة من اإلنتاج ال ُك ِلّي العالمي للمياه‬ ‫هذا العام‪ ،‬وكنا نتمنى أن يُرى من بين تلك‬ ‫المحلاّ ة‪ ،‬لكن نجاح المؤسسة في توفير‬ ‫نسبة عالية م��ن إم����دادات م��ي��اه ال��ش��رب‪ -‬الجهود البحثية والعلمية بالذات ما يرقى‬ ‫وه��و إسهام عملي ملموس على المستوى إلى معالجة الواقع‪ ،‬لكننا ب��إذن اهلل نتطلع‬ ‫الشعبي والمجتمعي‪ -‬لم يقابله في الجهود إلى أن تُشرق الرؤية الجديدة الواعدة للوطن‬ ‫البحثيّة؛ العلميّة والفنيّة في مركز األبحاث (‪2030‬م) عن هذا األمل الكبير‪.‬‬ ‫والتطوير التابع لها في الجبيل‪ ،‬وفي مركز‬ ‫واختتم قائال بأن هذه الندوة هي محاولة‬

‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫لتشخيص المشكلة والبحث عن حلولها‪،‬‬ ‫وهي تكتسب أهميّة مكانيّة خاصة‪ ،‬لكونها‬ ‫تنعقد في حوار مفتوح على أديم بيئة زراعية‬ ‫ناهضة‪ ،‬بين ضفاف وادي السرحان وسهول‬ ‫بسيطا‪ ،‬ذات التربة الخصبة والمياه الوفيرة‪،‬‬ ‫وعلى مقربة من مشاريع وطنية‪ ،‬رائدة في‬ ‫االس��ت��خ��دام ال��واع��ي للماء‪ُ ،‬م��ك�وّن� ًة إح��دى‬ ‫سالل الغذاء المهمة للوطن‪.‬‬ ‫ندوة المنتدى‬ ‫الماء في المملكة‪ ..‬الواقع والحلول‬

‫األستاذ حسين الخليفة (مدير عام المركز)‬

‫المياه هي عصب الحياة في أي دول��ة‪ ،‬عموماً تعد أهم مقومات قوة ومكانة الدول‬ ‫وم��ن أه��م ال��ع��وام��ل ال��ت��ي يحسب حسابها في العصر الحديث‪.‬‬ ‫صنّاع ال��ق��رار‪ ،‬مخططين كانوا أم ساسة‪،‬‬ ‫كلمة االفتتاح‬ ‫وينظر لها االق��ت��ص��ادي��ون بعين االهتمام‬ ‫سواء كانوا مزارعين أم صناعيين‪ ..‬إضافة‬ ‫افتتح الندوة مدير ع��ام المركز حسين‬ ‫إلى المواطنين الذين هم األكثر قلقاً وتأثراً الخليفة بكلمة رح��ب فيها باسمه ونيابة‬ ‫بنقصان المياه أو تدني جودتها‪ ،‬بالنظر إلى عن الزمالء العاملين في مركز عبدالرحمن‬ ‫محدودية مصادر المياه الصالحة للشرب‪ ،‬السديري الثقافي بالمشاركين والضيوف‬ ‫وبخاصة المياه الجوفية‪ ..‬نتيجة االستهالك والحضور ال��ك��رام‪ ،‬مقدماً الشكر لكل من‬ ‫ل�لاس��ت��خ��دام��ات ال��م��ن��زل��ي��ة وال��ص��ن��اع��ي��ة أسهم ب��اإلع��داد لهذا المنتدى من اللجان‬ ‫والزراعية‪.‬‬ ‫التحضيرية‪ ،‬ومقدمي أوراق العمل‪ ،‬ومديري‬ ‫إن جذور مشكلة المياه في الوقت الحاضر الجلسات‪ ،‬والسادة أعضاء الجمعية العامة‬ ‫وأسبابها ومظاهرها وأعراضها لست حديثة للمؤسسة‪ ،‬والجهات الراعية لهذا المنتدى‪.‬‬ ‫وإنما برزت منذ عشرات السنين‪ ،‬وإن التأخر‬ ‫في إيجاد الحلول االستراتيجية والمناسبة‬ ‫لها سيؤدي إلى تفاقمها في المستقبل‪ ،‬سواء‬ ‫خالل السنوات أو العقود المقبلة‪.‬‬ ‫وم��ن المعلوم أن البعد االقتصادي يعد‬ ‫معيا َر ترتيب مكانة الدول ودورها ومصالحها‬ ‫في إط��ار النظام الدولي الجديد‪ ،‬وستظل‬ ‫المياه من أه��م مقومات االقتصاد في كل‬ ‫بلد؛ فاالقتصاد واإلنتاج والموارد الطبيعية‬

‫وفال إننا نتطلع بشغف لما سيبحث اليوم‬ ‫في هذا المنتدى في دورته العاشرة‪ ،‬آملين‬ ‫أن يكون هذا الملتقى فرصة جيدة لمناقشة‬ ‫مشكلة الواقع المائي في المملكة‪ ،‬واستنباط‬ ‫أهم التوصيات المتعلقة بترشيد المخزون‬ ‫ال��م��ائ��ي‪ ،‬وال��ح��ف��اظ على ه��ذه ال��ث��روة من‬ ‫النضوب‪ ،‬التزاماً باالحتياجات المستقبلية‬ ‫لألجيال القادمة‪.‬‬ ‫وأش��ار في كلمته إل��ى دور ه��ذا المركز‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪9‬‬


‫الثقافي في ممارسة أنشطته الثقافية‪ ،‬تمشياً‬ ‫مع تطلعات المؤسس األمير عبدالرحمن‬ ‫بن أحمد السديري ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬وقناعته‬ ‫بأهمية ال��دور الثقافي لهذا المركز‪ ،‬الذي‬ ‫آل على نفسه منذ تأسيسه لنواته األولى‬ ‫ص على تهيئته‬ ‫عام ‪1403‬ه���ـ‪1983/‬م‪ ،‬وح��رِ َ‬ ‫بكل أسباب وعوامل تطوره وتفعيل برامجه‬ ‫الثقافية واالجتماعية‪ ،‬ابتدا ًء من المكتبة‬ ‫العامة التي تطورت فيما بعد تطوراً كبيراً‪،‬‬ ‫وأصبحت تُعرف باسم مكتبة دار العلوم‪،‬‬ ‫إلى األنشطة الثقافية في قسمي الرجال‬ ‫والنساء‪.‬‬

‫والعاملون فيه من إثبات وج��وده‪ ،‬وتحقيق‬ ‫أهدافه وإيصال رسالته الثقافية التي حرص‬ ‫المؤسس‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬على ترسيخها والعمل‬ ‫على تنفيذها وفق اإلمكانات المتاحة‪.‬‬

‫إن إق��ام��ة ال��م��رك��ز لمثل ه��ذا المنتدى‬ ‫ال��س��ن��وي (ب��ال��ت��ن��اوب م��ع م��رك��ز الرحمانية‬ ‫الثقافي ب��ال��غ��اط) وال��ع��دي��د م��ن ال��ن��دوات‬ ‫والمحاضرات التي تناقش بعض اهتمامات‬ ‫المجتمع‪ ..‬يدعم ثقافة الحوار والتواصل‬ ‫بشكل حضاري‪ ،‬ويسهم في لقاء الفعاليات‬ ‫المجتمعية م��ع ال��ع��ل��م��اء والمتخصصين‬ ‫والخبراء والمسؤولين في المجاالت التي‬ ‫بفضل من اهلل ثم تهم الوطن والمواطن‪ ،‬ويسهم في تحقيق‬ ‫ٍ‬ ‫واستطرد قائال إنه‬ ‫م��ا سُ خر لهذا المركز م��ن قبل المؤسس التفاهم والتنافس العلني لخدمة هذه البالد‬ ‫والقائمين عليه‪ ،‬فقد تمكن القائمون عليه المباركة‪.‬‬ ‫الفعاليات المصاحبة‬ ‫‪ -1‬معرض إصدارات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫‪ -2‬معرض الصور الفوتوغرافية‪.‬‬ ‫‪ -3‬زيارة متحف عبدالرحمن السديري بدار العلوم‪.‬‬ ‫‪ -4‬ورشة دوائر المعرفة (كيف نوقف هدر المياه في حياتنا)‪ ،‬تنفيذ الدكتورة نوال‬ ‫الحيدري مع مجموعة من السيدات في القسم النسائي بمركز الرحمانية‪.‬‬ ‫موضوعات المنتديات السابقة‬ ‫‪ -1‬الهيئات الخيرية السعودية بعد أح��داث الحادي عشر من سبتمبر‪ :‬اآلث��ار وسبل‬ ‫تجاوزها (‪1428‬هـ‪2007 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ -2‬األزمة المالية العالمية وتداعياتها على االقتصاد السعودي (‪1429‬هـ‪2008 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ -3‬النظام القضائي السعودي (‪1430‬هـ‪2009 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ -4‬النظام الصحي في المملكة العربية السعودية (‪1431‬هـ‪2010/‬م)‪.‬‬ ‫‪ -5‬اإلدارة المحلية والتنمية (‪1433‬هـ‪2011 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ -6‬آثار المملكة‪ :‬إنقاذ ما يمكن إنقاذه (‪1434‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬ ‫‪ -7‬اإلعالم اليوم عالم بال حواجز‪.‬‬ ‫‪ -8‬مدينة وعد الشمال والمسؤولية االجتماعية‪.‬‬ ‫‪ -9‬االسكان ‪ -‬الواقع والتطلعات‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫المحور األول‪ :‬واقع المخزون المائي ومصادر المياه في المملكة‬ ‫المحور الثاني‪ :‬واقع االستهالك الفعلي للمياه‬

‫المتحدثون‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبدالعزيز الطرباق‬ ‫د‪ .‬حزام العتيبي‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبدرب الرسول العمران‬ ‫م‪ .‬سعيد بن علي الدعير‬

‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫حلقة الحوار األولى‬

‫فهد ب��ن عبدالعزيز ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬ال��ذي‬ ‫أرس��ل��ه��ا إل��ى مجلس ال��ش��ورى لدراستها‪،‬‬ ‫فأيدها المجلس‪ ،‬وت��م فصل ال��زراع��ة عن‬ ‫المياه في وزارتين مستقلتين‪.‬‬ ‫وفي العام الماضي ‪1437‬ه��ـ صدر قرار‬

‫وق���د أدار ال��ح��وار د‪ .‬محمد ب��ن حمد‬ ‫القنيبط‪ ،‬ال��ذي قال إن الملك عبداهلل بن مجلس الوزراء رقم (‪ )66‬نص على «إيقاف‬ ‫عبدالعزيز يرحمه اهلل‪ ،‬وقبل (‪ )24‬سنة‪ ،‬زراع��ة األع�لاف الخضراء لمدة ال تتجاوز‬ ‫حذر من خطورة الوضع المائي في المملكة‪ ،‬ث�لاث س��ن��وات بالمساحات ال��ت��ي ال تزيد‬ ‫وإن��ه قبل ذل��ك بعام كُلف من قبل صاحب عن (‪ )50‬هكتارا‪ ،‬والسماح بزراعة القمح‬ ‫السمو الملكي األمير سلطان بن عبدالعزيز‬ ‫بمساحات ال تتجاوز (‪ )50‬هكتارا‪.‬‬ ‫–يرحمه اهلل‪ -‬م��ع فريق بحثي متخصص‬ ‫وفي شهر رجب الماضي تم ضم وزارة‬ ‫ف��ي ال��زراع��ة وال��م��ي��اه إلع���داد دراس���ة عن‬ ‫المياه والزراعة‪ -‬الواقع والمستقبل‪ ،‬خرجوا المياه لوزارة الزراعة‪ ،‬وأصبح مسماها وزارة‬ ‫باثنتي عشرة توصية في فصل الزراعة عن البيئة والمياه الزراعية‪.‬‬ ‫المياه‪ ،‬وتوصية أخ��رى تطلب دراس��ة وضع‬ ‫ثم أعطى بدأ المشاركون بالجلسة األولى‬ ‫المياه‪ ،‬وتوصيات أخرى‪ .‬وقد أرسل سموه‬ ‫التوصيات لخادم الحرمين الشريفين الملك حوارهم‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪11‬‬


‫ (‪ )10‬أودي��ة رئيسة على امتداد ساحل‬ ‫البحر األحمر‪.‬‬ ‫ (‪ )415‬سداً (معظمها من أجل التغذية)‬ ‫للمياه الصحية‪.‬‬ ‫‪ .4‬تحلية مياه البحر‪ .‬وتوجد (‪ )36‬محطة‬ ‫تحلية تابعة للمؤسسة العامة لتحلية‬ ‫المياه المالحة‪ ،‬و(‪ )3‬محطات تحلية‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫د‪ .‬حزام العتيبي‬

‫‪ .5‬مياه الصرف الصحي المعالجة (‪)81‬‬ ‫محطة‪.‬‬

‫(دكتوراه من جامعة والية كلورادو‪ ،‬الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية «‪1988‬م» تخصص إدارة‬ ‫مصادر المياه –هيدروجولوجيا‪ -‬جيولوجيا)‬

‫ مع مالحظة أن احتياطي المياه القابلة‬ ‫لالستعمال ت��ق��در ب��ـ (‪ )1.180‬بليون‬ ‫متر مكعب‪ ،‬أي نصف كمية المخزون‪،‬‬ ‫وغالبيته يقع ف��ي مناطق بعيدة ج��داً‬ ‫عن مناطق الطلب‪ ،‬إضافة إلى صعوبة‬ ‫االستعمال وارتفاع التكاليف‪.‬‬

‫مصادر المياه‬

‫استخدامات المياه‬

‫المتحدث األول‬ ‫د‪ .‬حزام العتيبي‬

‫تناول د العتيبي في حديثه مصادر المياه ‪ -‬استخدامات المياه حسب المصدر عام‬ ‫‪2012‬م‬ ‫واستخداماتها التي تتمثل في اآلتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬المياه الجوفية في الطبقات الرئيسة المياه المستخدمة المصدر‬ ‫(بليون م‪/3‬سنة)‬ ‫الحاملة للمياه (غير المتجددة)‪.‬‬ ‫المياه الجوفية غير‬ ‫‪14.550‬‬ ‫ (‪ )9‬طبقات للمياه الجوفية الرئيسة‪.‬‬ ‫المتجددة‬ ‫المياه الجوفية‬ ‫‪2.312‬‬ ‫ (‪ )5‬طبقات للمياه الجوفية الثانوية‪.‬‬ ‫المتجددة‬ ‫ (‪ )250‬آبار مراقبة‪.‬‬ ‫المياه السطحية‬ ‫‪1.550‬‬ ‫ عدد أبار االنتاج (‪ )100.000‬بئراً‪.‬‬ ‫مياه الصرف الصحي‬ ‫‪193‬‬ ‫المعالجة‬ ‫‪ .2‬ال��م��ي��اه السطحية ف��ي األودي����ة وخلف‬ ‫اإلجمالي‬ ‫‪21.100‬‬ ‫السدود‪( ،‬متجددة)‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ .3‬المياه الجوفية في الطبقات السطحية ‪ -‬بلغت سحوبات المياه أرب��ع��ة أضعاف‬ ‫الحاملة للمياه‪.‬‬ ‫المياه التي يتم تغذيتها طبيعياً‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫ يتم سد العجز الكبير عن طريق السحب‬‫من المياه الجوفية غير المتجددة‪.‬‬ ‫ االعتماد المتزايد على المياه المحالة‪.‬‬‫علما أن (‪ )% 61‬من اإلم��دادات البلدية‬ ‫تأتي من محطات التحلية‪ .‬وتكلفة المياه‬ ‫المحالة (‪ )4 – 3‬أضعاف تكلفة إنتاج‬ ‫المياه الجوفية‪.‬‬ ‫ بالنسبة لمياه الصرف الصحي فإن‪:‬‬‫‪ o‬معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف‬ ‫الصحي ال ترقى للتطلعات‪.‬‬ ‫‪ %80 o‬من مياه الصرف الصحي يتم‬ ‫جمعها‪.‬‬ ‫‪ %66 o‬من مياه الصرف الصحي يتم‬ ‫معالجتها‪.‬‬ ‫‪ o‬هناك إمكانية للزيادة بنحو عشرة‬ ‫أضعاف ما يستخدم حالياً من مياه‬ ‫الصرف الصحي المعالجة‪.‬‬ ‫ثم تطرق للحلول الخاصة بوضع المياه‬ ‫في المملكة والمتمثلة في‪:‬‬ ‫ السعي إلى تقليل السحب اإلجمالي إلى‬‫النصف‪.‬‬ ‫ الوصول إلى المزيد من التوازن في نمط‬‫تخصيص المياه‪.‬‬ ‫ خفض الفاقد من المياه عبر شبكات‬‫التوزيع‪.‬‬ ‫ عرض استخدام األدوات المرشدة للمياه‬‫في المنازل والمصانع والمؤسسات‪.‬‬ ‫ القيام بحمالت التوعية العامة لترشيد‬‫المياه‪.‬‬ ‫وإذا م��ا بقي ال��ح��ال على م��ا ه��و عليه‬

‫د‪ .‬عبدالعزيز بن سليمان الطرباق‬

‫فمن المتوقع نضوب االحتياطيات القابلة‬ ‫لالستعمال في الطبقات الرئيسة الحاملة‬ ‫للمياه واحده تلو األخرى خالل عدة عقود‪.‬‬ ‫إضافة إلى ارتفاع التكاليف المالية إلمداد‬ ‫ال��م��ي��اه ل�لأغ��راض ال��ب��ل��دي��ة إل���ى ‪ %10‬من‬ ‫الميزانية اإلجمالية‪ ،‬و‪ %3‬من الناتج المحلي‬ ‫اإلجمالي بحلول ‪2040‬م‪.‬‬ ‫المتحدث الثاني‬ ‫د‪ .‬عبدالعزيز بن سليمان الطرباق‬ ‫دكتوراه في الهندسة المدنية (هيدرولوجيا‬ ‫ومصادر مياه) ‪1983‬م‪ ،‬جامعة والية كلورادو‬

‫وقد استعرض أهم التحديات الرئيسة‬ ‫التي تواجه قطاع المياه‪ ،‬فقال‪ :‬ليس عندنا‬ ‫أي م��وارد مثل األنهار أو البحيرات‪ ،‬فنحن‬ ‫نعيش ف��ي بيئة ج��اف��ة وم��ع��دالت األم��ط��ار‬ ‫فيها قليلة‪ ،‬وال��ظ��روف الطبيعية المناخية‬ ‫شديدة الجفاف‪ ،‬وننسى مع األسف‪ ،‬رغم كل‬ ‫اإلمكانات المتاحة عندنا واإلمكانات المادية‬ ‫أننا نعيش في صحراء‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪13‬‬


‫ف��رص��ة م��ح��دودي��ة اس��ت��ه�لاك الصرف‬ ‫الصحي وإع���ادة استخدامها‪ ،‬ه��ي فرصة‬ ‫حقيقية‪ ،‬فكيف نستطيع أن نستهلك ثالثة‬ ‫م�لاي��ي��ن م��ت��ر م��ك��ع��ب م��ن ال��م��ي��اه البلدية‬ ‫ونستطيع معالجة ‪ %80‬منها‪ ،‬واستخدامها‬ ‫جميعها ف��ي قطاعي ال��زراع��ة والصناعة‬ ‫بشكل واضح‪.‬‬

‫أ‪ .‬سعيد بن علي بن محمد الدعير‬

‫والطلب المتصاعد على مياه البلدية فيه‬ ‫تحدٍّ مع نمو السكان الكبير‪ .‬فمن المتوقع‬ ‫أن يصل سكان المملكة عام ‪2035‬م في أقل‬ ‫تقدير إلى (‪ )46.5‬مليون نسمة‪ ،‬يعيشون‬ ‫في مدن وقرى متباعدة‪ ،‬وهذا تحدٍّ لتأمين‬ ‫مياه صالحة للشرب لكل منزل‪ ،‬ونستطيع أن‬ ‫نقلب هذا التحدي إلى فرص تستطيع إدارةَ‬ ‫بطريقة أفضل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ميا ِه البلدية‬

‫‪14‬‬ ‫‪14‬‬

‫ك��ل ال��دراس��ات ف��ي ه��ذا المجال تقول‪:‬‬ ‫إذا وضعنا مليون متر مكعب ف��ي شبكة‬ ‫الرياض نستطيع أن نعايش ‪ %80‬منها‪ ..‬أي‬ ‫مكعب يومياً‪ ،‬والمفروض‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )800‬ألف متر‬ ‫أن يعاد استخدامها كلها‪ ،‬وليس ‪ %15‬أو‬ ‫‪ %16‬منها فقط‪ ،‬فهذا هو التحدي بعينه‪،‬‬ ‫وإذا استخدمنا المياه المتجددة الصحية‪،‬‬ ‫والمياه المتجددة الجوفية‪ ،‬ومياه الصرف‬ ‫الصحي المعالجة‪ ..‬الستطعنا تغطية ثلثي‬ ‫ما يستعمله القطاع الزراعي اآلن‪.‬‬ ‫المتحدث الثالث‬ ‫أ‪ .‬سعيد بن علي بن محمد الدعير‬ ‫بكالوريوس في الجيولوجيا ‪ -‬جامعة الملك‬ ‫فهد للبترول والمعادن‬

‫فلو استطعنا أن نقلل من نسبة التسربات‬ ‫العالية‪ ،‬ونعيد هيكلة التعرفة والتوعية في‬ ‫وقد تحدث عن مصادر المياه المتجددة‬ ‫مناطق البلدية‪ ،‬الستطعنا أن نوجد فرصا‪.‬‬ ‫وغير المتجددة‪ ،‬فذ َك َر أنَّ مصادر المياه‬ ‫وال��ج��ه��ود م��ب��ذول��ة اآلن الس��ت��خ��دام ال��ري‬ ‫المتجددة هي تلك المصادر التي يأتيها شيء‬ ‫بالتنقيط‪ ،‬والري المرَشّ د‪.‬‬ ‫من مياه األمطار‪ ..‬وتنزل إلى هذه المخازن‪،‬‬ ‫كذلك هناك مشكلة اقتصادية متأصلة وتنحصر فيما يسمى بالدرع العربي الذي‬ ‫في عملية محدودية استخدام التكاليف‪ ،‬يحتل ما يقرب من ثلث مساحة الجزيرة‬ ‫فمصروفات قطاع المياه والصرف الصحي العربية‪ .‬هذه المياه المتجددة التي تتأثر‬ ‫مث ً‬ ‫ال كثيرة ومشاريعه مكلفة‪ ،‬فكيف يكون بهطول األم��ط��ار هي في رواس��ب األودي��ة‪،‬‬ ‫ذلك عام ‪2035‬م‪ ،‬فمن الصعب تأمين مياه وفي الجزء المعرض من الطبقة القاعدة‪،‬‬ ‫ومشاريع ص��رف صحي لـ (‪ )46.5‬مليون إضافة إل��ى ما يوجد في ال��ح��رات‪ ..‬وهي‬ ‫نسمة بالطريقة الحالية المتبعة‪.‬‬ ‫مصادر حاضنة لمياه الكثير من األمطار‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫وهناك (‪ )Lava‬البركانية تغطي بعض األودية‬ ‫بطبقات من الرسوبيات تنحصر المياه فيها‪.‬‬ ‫أما المياه غير المتجددة‪ ،‬فهي تلك المياه‬ ‫التي تقع ف��ي ال���رّف ال��رس��وب��ي‪ ،‬وق��د يصل‬ ‫عمقها أو سمكها إل��ى نحو (‪ )5000‬متر‪،‬‬ ‫إضافة إلى ما يتمتع به هذا الرف الرسوبي‬ ‫من مخازن الهيدروكربونية‪.‬‬ ‫المتحدث الرابع‬ ‫د‪ .‬عبدرب الرسول بن موسى العمران‬ ‫دكتوراه في علوم التربة ‪ -‬جامعة أوريجون‬ ‫كرفاليس ‪ -‬الواليات المتحدة األمريكية ‪1404‬هـ‪،‬‬

‫د‪ .‬عبدرب الرسول بن موسى العمران‬

‫وتحدث عن موضوع المياه المستخدمة محصوال ما مثل النخيل يستهلك (‪)10000‬‬ ‫ف��ي ال��زراع��ة وس��ب��ل ترشيدها‪ ،‬وذل���ك من متر مكعب م��ن ال��م��اء للهكتار‪ ،‬وإذا كان‬ ‫خالل دراستين فعليتين عن النخيل‪ ،‬وعن هناك مياه غير جيدة يمكن أن نضيف ‪%20‬‬ ‫(للغسيل)‪ ،‬فإن الكمية تضاعف من (‪– 10‬‬ ‫البيوت المحمية (‪.)Green houses‬‬ ‫‪ )12.5‬ألف متر مكعب في السنة‪.‬‬ ‫أما موضوع االحتياجات المائية‪ ..‬فيعني‪:‬‬ ‫أم���ا ع��ن ك��ف��اءة اس��ت��خ��دام ال��م��ي��اه‪ :‬فلو‬ ‫ االستهالك المائي‪ .‬ما أساسه؟ وعلى أية‬‫فرضنا أن الكفاءة منخفضة من ( ‪)50 – 60‬‬ ‫عوامل يعتمد؟‬ ‫وتضاعف من (‪ )20 –10‬ألف نتيجة الفواقد‬ ‫ ما هي العوامل المؤثرة على االستهالك الموجودة في الزراعة‪ ،‬فهذا يقلل الفوائد من‬‫المائي ألي م��ش��روع (ع��وام��ل مناخية‪،‬‬ ‫(‪ )% 50-10‬بدال من ‪ 50‬أو ‪ .%40‬بالنسبة‬ ‫بيئية‪ ،‬تربة‪ ..‬إلخ)‪.‬‬ ‫لموضوع النخيل‪.‬‬ ‫وتعتمد االحتياجات المائية الكلية ألي‬ ‫كما أن المسافة المقترحة للنخيل من‬ ‫محصول على ثالثة عوامل رئيسة‪:‬‬ ‫ال����وزارة غير واق��ع��ي��ة وغ��ي��ر سليمة‪ ،‬فهي‬ ‫‪ -1‬االستهالك المائي للمحصول في عمر تزيد من كمية االستهالك المائي‪ ،‬ومساحة‬ ‫معين‪.‬‬ ‫الفوارغ (الظل) الموجودة كبيرة جداً‪.‬‬ ‫‪ -2‬نوع الماء‪.‬‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬بالنسبة للنخيل‪..‬‬ ‫‪ -3‬كفاءة استخدام المياه‪.‬‬ ‫فالقيمة الحدية له (‪ )2.7‬في حدود (‪1800‬‬ ‫وعن أثر نوع الماء المستخدم في معرفة – ‪ ..)2000‬وكلما زادت تحتاج إلى إضافة‬ ‫كمية الماء الالزمة في ال��ري‪ ..‬ذكر لو أنّ كمية أكثر للغسيل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪15‬‬


‫حلقة الحوار الثانية‬

‫المحور الثالث‪ :‬الحلول‪ ،‬والتقنيات الحديثة‬ ‫أدارها د‪ .‬عبدالعزيز بن إسماعيل داغستاني‬

‫تساءل د‪ .‬الداغستاني في مطلع الحلقة‪:‬‬

‫إذا درسنا مشكلة المياه في المملكة‪ ،‬فكيف‬

‫نواكب ما بين الترشيد للمياه وتحقيق األمن‬ ‫الغذائي؟‬

‫وقال إنه يعتقد أن هذا المحور يجب أن‬

‫يخرجوا به عن إط��ار التنظير إلى الجهود‬ ‫ضمن خطة أو خريطة عمل للحلول التي‬

‫يجب أن توضع لمعالجة مشكلة المياه في‬

‫المملكة‪.‬‬

‫ثم وجّ ه سؤاله للدكتور وليد زباري‪ :‬هل‬

‫م��ن الممكن أن ت��ق��دم التقنيات الحديثة‬ ‫حالً‪ ،‬بحيث تتحول هذه التوصيات من واقع‬ ‫التغطية إلى واقع عملي‪ ،‬نستطيع أن نلمسه‬ ‫على كافة األصعدة في مشهد الوضع المائي‬

‫‪16‬‬ ‫‪16‬‬

‫في المملكة؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫المتحدث األول‬ ‫د‪ .‬وليد زباري‬ ‫دكتوراه في النمذجة الرياضية للمياه الجوفية‬ ‫‪1990‬م ‪-‬جامعة والية كلورادو‬

‫تساءل هل التقنية توصلنا إلى حلول؟‬ ‫وي��ق��ول إن��ه ال توجد دول��ة ف��ي العالم ال‬ ‫تعاني من تحديات المياه‪ ،‬وعلينا أن نعترف‬ ‫أننا نعيش في صحراء لها حدود‪ .‬ومشكلة‬ ‫المياه تكمن في عملية توظيفها التوظيف‬ ‫الصحيح‪ ،‬فطريقة تعاملنا مع المياه هي التي‬ ‫تحدد مستقبلها‪ ،‬فاستخدام المياه الجوفية‬ ‫غير المتجددة بشكل صحيح وآمن يساعد‬ ‫على توفيرها لألجيال القادمة في المملكة‬ ‫العربية السعودية بشكل خاص؛ فالتحديات‬ ‫من كافة االتجاهات وليست من اتجاه واحد‪.‬‬ ‫وقد تساءل عن‪:‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫د‪ .‬وليد زباري‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬خالد بن نهار الرويس‬

‫ ما هي استدامة المياه المتجددة؟‬‫المائية التي يجب النظر إليها بعين االعتبار‪،‬‬ ‫ م��ا ه��ي اس��ت��دام��ة التقنية‪ ،‬وه��ل هناك وكيف نتعامل مع المياه وتنظيمها وإذا لم‬‫استدامة لها؟‬ ‫نعرف كمية المياه المستخدمة‪ ..‬فكيف لنا‬ ‫ ما هي استدامة مياه الصرف الصحي؟ أن نديرها؟ كما أنه لن يحصل أي ترشيد‬‫ ما هي استدامة القطاع الزراعي‪.‬‬‫للمياه دون دفع الفاتورة‪ .‬وعلينا إعادة النظر‬ ‫وه��ي قضايا يجب تعريفها‪ ،‬فاستدامة في التعرفة لكي نحد من استهالك المياه‪.‬‬ ‫التقنية بالنسبة ل��ه تعني ت��ح��دي��ات يجب‬ ‫المتحدث الثاني‬ ‫تحويلها إل��ى ف��رص‪ ..‬وعلى سبيل المثال‪،‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خالد بن نهار الرويس‬ ‫التقنية في مجلس التعاون الخليجي تمثل دكتوراه في اقتصاديات اإلنتاج وإدارة منشآت‪-‬‬ ‫المصدر الرئيس للعمل‪ ،‬وعلينا أن ال نكون جامعة والية أوكالهوما الحكومية‪-‬الواليات‬ ‫مستهلكين لها‪ ،‬فما زلنا نستوردها‪ .‬يجب‬ ‫المتحدة األمريكية (‪2001‬م)‬ ‫أن نوطن التقنية وأن نعطيها قيمة مضافة‬ ‫وق��د تناول في حديثه مقارنة األسعار‬ ‫في المجتمع‪ ،‬علينا أن نصدرها للخارج‪..‬‬ ‫العالمية للغذاء مع أسعار الغذاء في المملكة‬ ‫فالمملكة تمتلك ‪ %20‬م��ن الطاقة الكلية‬ ‫فأشار إلى‪:‬‬ ‫في العالم‪ ،‬ودول مجلس التعاون الخليجي‬ ‫مجتمعة تمتلك ‪ %55‬منها‪ .‬وما زلنا نستورد ‪ -‬استمرار ارتفاع األسعار للمواد الغذائية‬ ‫في المملكة منذ ع��ام ‪2000‬م‪ ،‬بصرف‬ ‫هذه التقنية‪ ،‬فهل هذا حق؟! إذًا‪ ،‬هي قضية‬ ‫النظر عن تغير األسعار العالمية‪.‬‬ ‫أم���ن‪ ،‬كيف تعالج؟ بالعالقات السياسية‬ ‫ووجود االستثمارات المناسبة يمكن عمل كل ‪ -‬أسعار األغذية في المملكة ال تتبع مسار‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫أسعار الغذاء في العالم فمن عام ‪2006‬‬ ‫ثم تحدث عن الحوكمة وإدارة الموارد‬

‫– ‪2012‬م مثال بقي التغيير ثابتاً‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪17‬‬ ‫‪17‬‬


‫وإن أهم العوامل الخارجية المؤثرة على الزراعي فيها‪.‬‬ ‫األم��ن الغذائي تتمثل في تحديات الطلب‬ ‫ث��م أورد ع��ن��اص��ر اس��ت��رات��ي��ج��ي��ة األم��ن‬ ‫العالمي‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الغذائي «وزارة البيئة والمياه وال��زراع��ة»‬

‫ ‪o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫ ‪o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫ ‪o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫انخفاض الدعم‪.‬‬ ‫التغيرات في عادات االستهالك‪.‬‬ ‫زي��ادة في الطلب العالمي بسبب النمو‬ ‫السكاني‪.‬‬ ‫تحسن مستوى المعيشة لعدد كبير من‬ ‫دول العالم‪.‬‬ ‫تحديات العرض والطلب وتتمثل في‪:‬‬ ‫تغيرات المناخ‪.‬‬ ‫مضاربات السوق‪.‬‬ ‫التقدم التكنولوجي‪.‬‬ ‫ع��دم كفاية االستثمارات الزراعية في‬ ‫البلدان النامية‪.‬‬ ‫التوسع في إنتاج الوقود الحيوي‪.‬‬ ‫الحواجز التجارية‪.‬‬

‫المتمثلة في‪:‬‬

‫‪ .1‬تشخيص وتحليل الوضع الراهن لألمن‬ ‫الغذائي‪.‬‬ ‫‪ .2‬تحديد السلع الغذائية االستراتيجية‬ ‫للمملكة‪.‬‬ ‫‪ .3‬تصميم وإنشاء برنامج فعّال لالحتياطي‬ ‫والخزن االستراتيجي لألغذية‪.‬‬ ‫‪ .4‬صياغة آل��ي��ة مناسبة ون��ظ��ام حوكمة‬ ‫متكامل للتنسيق ب��ي��ن ال��ج��ه��ات ذات‬ ‫العالقة باألمن الغذائي‪.‬‬ ‫‪ .5‬إن��ش��اء ن��ظ��ام ل�لإن��ذار المبكر لألمن‬ ‫ال��غ��ذائ��ي م��ت��ض��م��ن�اً ن��ظ��ام م��ع��ل��وم��ات‬ ‫األسواق الزراعية‪.‬‬

‫ث��م تعرض إل��ى عناصر األم��ن الغذائي‬ ‫والتحديات المحلية التي تواجه المملكة ‪ .6‬إع��داد برنامج وطني للحد من الفاقد‬ ‫والهدر من الغذاء‪.‬‬ ‫لتأمين الحصول على الغذاء بأسعار مقبولة‬ ‫من حيث‪:‬‬ ‫‪ .7‬إع��داد سياسة فعّالة لتجارة واستيراد‬ ‫األغذية‪ ،‬وإنشاء اتفاقيات وأ ُطُ ر للشراكة‬ ‫ زي��ادة أع��داد السكان وارتفاع مستويات‬‫مع الدول المستهدفة‪.‬‬ ‫ال����دخ����ل‪ ..‬أدى إل����ى ارت���ف���اع م��س��ت��وى‬ ‫االستهالك الغذائي‪.‬‬ ‫‪ .8‬التحليل التنظيمي للمؤسسة العامة‬ ‫ محدودية األراض���ي الصالحة للزراعة‬‫والمياه واإلنتاج‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬

‫للحبوب وال��م��ؤس��س��ات ذات العالقة‬ ‫باألمن الغذائي‪.‬‬

‫ م��ح��دودي��ة االك��ت��ف��اء ال��ذات��ي ال��زراع��ي ‪ .9‬إعداد برنامج تدريبي للكوادر الوطنية‬‫ف���ي األم�����ن ال���غ���ذائ���ي‪ ،‬وزي������ادة وع��ي‬ ‫الموردة للمملكة‪.‬‬ ‫المواطنين بذلك‪.‬‬ ‫ث��م تعرض إل��ى استهالك المياه حسب‬ ‫القطاعات في المملكة وال��م��وارد المائية ‪ .10‬إعداد استراتيجية لتشجيع االستثمار‬ ‫الزراعي السعودي المسئول في الخارج‪.‬‬ ‫المستخدمة لتلبية ال��ط��ل��ب ف��ي القطاع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫‪ .11‬تعزيز م��ش��ارك��ة المملكة ف��ي اللجان‬ ‫واالتفاقيات العالمية واإلقليمية الخاصة‬ ‫باألمن الغذائي‪.‬‬ ‫ان��ت��ق��ل ب��ع��ده��ا إل���ى م��ج��االت وأه����داف‬ ‫االستراتيجية الخليجية الموحدة للمياه‪،‬‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫ال��م��ج��ال األول‪ :‬تنمية م����وارد ال��م��ي��اه‬ ‫واستدامتها‪.‬‬ ‫المجال الثاني‪ :‬استخدام م��وارد المياه‬ ‫بكفاءة وعدالة‪.‬‬ ‫المجال الثالث‪ :‬استخدام م��وارد المياه‬ ‫بكفاءة وعدالة‪.‬‬ ‫واألهداف هي‪:‬‬ ‫‪-1‬اك��ت��س��اب ال��ت��ط��ورات التقنية‪ ،‬وتصنيع‬ ‫محطات تحلية ال��م��ي��اه‪ ،‬وتنويع م��وارد‬ ‫الطاقة‪.‬‬

‫م‪ .‬سعد بن محمد مسفر السواط‬

‫الطوارئ والكوارث‪.‬‬ ‫المتحدث الثالث‬ ‫م‪ .‬سعد بن محمد مسفر السواط‬ ‫بكالوريوس علوم‪ ،‬تخصص هيدرولوجيا كلية‬ ‫الهندسة‪ ،‬جامعة أريزونا (أمريكا)‬

‫وقد طلب منه رئيس الجلسة أن يتحدث‬ ‫‪-2‬تنمية موارد المياه التقليدية وحمايتها‪.‬‬ ‫عن الواقع‪ ،‬هل الشركات الزراعية تعاني‪،‬‬ ‫‪-3‬زيادة تجميع مياه الصرف الصحي‪ ،‬ورفع هل تدفع الثمن‪ ،‬أم أنها جزء من المشكلة أم‬ ‫مستوى معالجتها‪ ،‬وزي���ادة االستخدام جزء من التحدي‪.‬‬ ‫االق��ت��ص��ادي واآلم�����ن‪ ،‬ل��م��ي��اه ال��ص��رف‬ ‫وق��د ب��دأ ال��س��واط حديثه ب��أن القطاع‬ ‫الصحي المعالجة‪.‬‬ ‫الخاص هو في الحقيقة المتضرر األول من‬ ‫‪-4‬تحقيق أمني للمعايير الدولية في تقديم‬ ‫مشكلة المياه‪ ،‬في حال عدم إيجاد حلول‬ ‫خدمات المياه والصرف الصحي‪,‬‬ ‫لها‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬القطاع الخاص هو األجدر‬ ‫‪-5‬رف����ع ك��ف��اءة ال��م��ي��اه وإدارة ال��ط��ل��ب في بالتحرك‪ ..‬وصاحب مبادرات كبيرة في هذا‬ ‫القطاعات البلدية والصناعية‪.‬‬ ‫المجال‪ ،‬ولكن هناك أشياء في يد القطاع‬ ‫‪-6‬تحويل القطاع ال��زراع��ي إل��ى قطاع ذي الخاص وأخ��رى يجب على الدولة أن تقوم‬ ‫كفاءة عالية ويتوافق مع م��وارد المياه بها‪ ،‬يجب أن تقيم العدالة بين جميع أطراف‬ ‫المستهلكين‪.‬‬ ‫المتاحة‪.‬‬ ‫‪-7‬ت��أم��ي��ن إع�����دادات ال��م��ي��اه أث��ن��اء ح��االت‬

‫من الدراسات التي وردت‪ ،‬كان الهدف‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪19‬‬


‫األول تخفيض استهالك المياه في الزراعة‪،‬‬ ‫وفي مسح أقيم في المملكة أظهر أن كفاءة‬ ‫الري في المملكة هي ‪ ،%53‬والمعدل العالمي‬ ‫‪ ،%85‬وال��س��ب��ب أن األن��ظ��م��ة المستخدمة‬ ‫في هذا المجال تحتاج أحياناً إلى أنظمة‬ ‫معينة تح ّد من عمليات استيراد بعض السلع‬ ‫الرديئة‪ .‬إن رف��ع كفاءة ال��ري إل��ى المعدل‬ ‫العالمي ‪ %85‬سيوفر لنا سبعة مليارات متر‬ ‫مكعب؛ بمعنى انخفاض من (‪ )16‬ملياراً إلى‬ ‫(‪ )9‬مليارات متر مكعب‪ ،‬وهو الرقم الذي‬ ‫تطلبه ال����وزارة؛ فهي تهدف إل��ى أن يكون‬ ‫سقف استهالك المياه في القطاع الزراعي‬ ‫‪ ،%5‬ف��إذا حسبنا الكميات الفعلية للمياه‬ ‫في المملكة‪ ،‬وحسبنا المياه التي نحتاجها‬ ‫نجد أنها (‪ )8.5‬مليار متر مكعب‪ .‬وكثيراً‬ ‫من األرق��ام التي يتم تداولها هي من واقع‬ ‫فعلي‪ ..‬ونجد أن عملية استخدام البيانات‬ ‫يجب أن تكون موجودة‪ ،‬ويكون هناك ربط ما‬ ‫بين القطاع الخاص والجهات المعنية لتوفير‬ ‫بيانات حقيقية تكون في حوكمة جيدة في‬ ‫ال القرار ال��ذي صدر للحد‬ ‫ال��ق��رارات؛ فمث ً‬ ‫من استهالك المياه‪ ،‬كان من القرارات التي‬ ‫تسببت في نزول معدل المياه بشكل كبير‪،‬‬ ‫والناس تحولت إلى زراعة العلف‪ ،‬فإذا كان‬ ‫هناك تعاون بين القطاعين فسوف ال يحدث‬ ‫ضرر وال ضرار‪.‬‬ ‫المتحدث الرابع‬ ‫د‪ .‬محمد بن شايع بن جار اهلل الشايع‬ ‫دكتوراه في عام ‪1425‬هـ‪ ،‬جامعة والية أيوا (أمريكيا)‬

‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬

‫وال���ذي تحدث ع��ن الجهات المختصة‬ ‫وزارة الزراعة‪ -‬تحديداً في وضع سياسة‬‫اإلرشاد الزراعي‪ ،‬هل تخدم هذا الغرض‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫د‪ .‬محمد بن شايع بن جار اهلل الشايع‬

‫والتوفيق ما بين اإلنتاج الزراعي واالستهالك‬ ‫المائي قائال‪..‬‬ ‫دعونا نعرّج على السياسة الزراعية في‬ ‫عجالة سريعة‪ ،‬خالل الـ (‪ )35‬سنة الماضية‪..‬‬ ‫ماذا حصل؟ بعد اكتشاف المكونات المائية‬ ‫أدخلنا مستثمرين‪ ..‬وهذه كارثة‪ ،‬ولو تحدثنا‬ ‫عن بقاء أو استدامة المزارع‪ ،‬فنحن أحضرنا‬ ‫أشخاصا غير مزارعين‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك‬ ‫د‪ .‬الرويس بأنه يوجد لدينا (‪)600.000‬‬ ‫ال عمال‬ ‫عامل في القطاع الزراعي هم فع ً‬ ‫ال أحضرنا عمالة في‬ ‫حقيقيون‪ ،‬نحن فع ً‬ ‫حكم أنهم مستثمرون زراع��ي��ون حقيقيون‬ ‫ب��اق��ون ف��ي ال��ج��وف‪ ،‬ت��ب��وك‪ ،‬ح��ائ��ل‪ ،‬وادي‬ ‫الدواسر أو مناطق أخرى‪.‬‬ ‫سؤال يحتاج إلعادة نظر‪ ،‬وبالتالي ربما ال‬ ‫توجد المهنة األولية أو األساسية الزراعية‪،‬‬ ‫بل موظفو حكومة أو تجاراً‪ ،‬وبالتالي تطفلوا‬ ‫بطريقة أو بأخرى على الزراعة‪.‬‬ ‫األم���ر الثاني التوسع غير المقرر في‬ ‫ال��ق��روض‪ ..‬نتج عنه وج��ود أع��داد ومعدات‬ ‫واستثمارات تفوق (‪ )100‬مليار‪ ،‬المقرض‬ ‫منها ما يفوق (‪ )65‬ملياراً من قبل صندوق‬ ‫التنمية الزراعي‪.‬‬


‫‪ )1‬دع��وة وزارة البيئة والمياه وال��زراع��ة‬ ‫ل��وض��ع اس��ت��رات��ي��ج��ي��ة وط��ن��ي��ة لقطاع‬ ‫المياه للعشرين سنة القادمة بما يحقق‬ ‫المواءمة والتكامل بين األمنين المائي‬ ‫والغذائي‪.‬‬ ‫‪ )2‬وض���ع س��ي��اس��ة زراع���ي���ة ت��ت��م��اه��ى مع‬ ‫االستراتيجية المائية لتحقيق التوازن‬ ‫بين استهالك المياه وح��اج��ة البالد‬ ‫الضرورية من المحاصيل الزراعية‪.‬‬

‫‪ )7‬استخدام أحدث التقنيات في محطات‬ ‫تـحليـة الـمياه الـمالحة‪ ،‬ومحطات‬ ‫تنقية الـميـاه‪ ،‬والعمل على توطين هذه‬ ‫التقنيات‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫التــــوصيــــــــات‬

‫‪ )8‬تفعيل اإلرش����اد ال���زراع���ي وت��ط��وي��ره‬ ‫ل��م��س��اع��دة ال��م��زارع��ي��ن ع��ل��ى اختيار‬ ‫المحاصيل المناسبة وأساليب الري‬ ‫ال��ح��دي��ث��ة‪ ،‬وإع�لام��ه��م بالمستجدات‬ ‫ال��م��ح��ل��ي��ة وال���دول���ي���ة ذات ال��ع�لاق��ة‬ ‫بالزراعة‪.‬‬

‫‪ ) 3‬تبني برامج إعالمية مستمرة طوال‬ ‫العام‪ ،‬للتوعية بأهمية ترشيد استهالك ‪ )9‬تحديد االحتياجات المائية للشركات‬ ‫المياه في المملكة بمختلف المجاالت‬ ‫الزراعية والمشاريع الزراعية الكبيرة‪،‬‬ ‫الزراعية والبلدية والصناعية‪.‬‬ ‫وترك الحرية لهم الختيار المحاصيل‬ ‫ال��زراع��ي��ة ال��ت��ي تحقق لهم أهدافهم‬ ‫‪ )4‬تنمية موارد الـميـاه التقليدية وحمايتها‪،‬‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫م��ن خ�ل�ال وض���ع خ��ط��ة إلط��ال��ة عمر‬ ‫مخزونها وتأهيل موارد المياه الجوفية‬ ‫ال��م��ت��ج��ددة وح��م��اي��ت��ه��ا م��ن النضوب‬ ‫والتلوث الناتج عن األنشطة السطحية‪.‬‬

‫‪ )10‬ال��ت��وص��ي��ة ل�����وزارة ال���ش���ؤون البلدية‬ ‫وال��ق��روي��ة ووزارة اإلس��ك��ان ب��أن تقام‬ ‫المدن والمصانع الجديدة على مقربة‬ ‫م��ن م��ش��روع��ات التحلية على البحر‬ ‫األحمر والخليج‪.‬‬

‫‪ )5‬ت��ح��ق��ي��ق أع��ل��ى ال��ـ��م��ع��اي��ي��ر ال��دول��ي��ة‬ ‫الهندسية والصحية والبيئية في تقديم‬ ‫خدمات الـمياه‪ ،‬والصرف الصحي‪.‬‬ ‫‪ )11‬تحسين الحوكمة والتنسيق المؤسسي‬ ‫وب��ن��اء ال���ق���درات ال��وط��ن��ي��ة وم��ش��ارك��ة‬ ‫‪ )6‬رف��ـ��ع مستوى معالجة م��ي��اه الصرف‬ ‫المستهلكين كأعمدة أساسية لتطبيق‬ ‫ال��ص��ح��ي‪ ،‬وزي����ادة نسبة االسـتخدام‬ ‫اإلدارة المتكاملة للموارد المائية في‬ ‫االقـتصادي واآلمـن لها في األغراض‬ ‫المملكة‪.‬‬ ‫الصناعية وغير البشرية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪21‬‬


‫ورشة عمل‬ ‫(كيف نوقف الهدر في حياتنا)‬ ‫كما أقيمت على هامش المنتدى ورشة‬ ‫عمل ضمن فعاليات المنتدى ب��إش��راف ‪ -‬‬ ‫األستاذة نوال الحيدري‪ ،‬بعنوان (كيف نوقف‬ ‫هدر المياه في حياتنا) شارك فيها خمسا ‪ -‬‬ ‫وعشرين من سيدات المجتمع المحلي‪ .‬وقد ‪ -‬‬ ‫شملت خمس مجموعات‪.‬‬ ‫ ‬‫المجموعة ‪1‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪22‬‬

‫مقداراً معيناً من المياه‪.‬‬ ‫اس��ت��خ��دام التنقيط ب���دالً م��ن ج��ري��ان‬ ‫المياه‪.‬‬ ‫متابعة العمال ومراقبتهم بجدية‪.‬‬ ‫قياس االس��ت��ه�لاك بترشيد استخدام‬ ‫المياه‪.‬‬ ‫م��ع��ال��ج��ة م���ي���اه ال����ص����رف ال��ص��ح��ي‬ ‫واستخدامها في ري أشجار الشوارع‪.‬‬ ‫زراعة النباتات الصحراوية التي تستهلك‬ ‫قليال من المياه‪.‬‬ ‫اختيار النباتات المناسبة لبيئة المنطقة‪.‬‬ ‫اس��ت��خ��دام التقنية ال��ح��دي��ث��ة ف��ي ري‬ ‫النباتات‪.‬‬ ‫ف��رض ض��رائ��ب على ك��ب��ار المزارعين‬ ‫المستنزفين للمياه‪.‬‬ ‫استيراد القمح بدالً من زراعته لتوفير‬ ‫مياه سقياه‪.‬‬ ‫تحديد أوقات الري عن طريق مؤقت‪.‬‬ ‫تقنين رخص منح المصانع حسب حاجة‬ ‫الوطن وليس جشع التاجر‪.‬‬

‫العادات االستهالكية التي يمارسها الفرد‬ ‫وتسهم في هدر المياه‪ ،‬وتتمثل المشكلة في‪ - :‬‬ ‫ كمية ال��م��ي��اة ال��م��ه��درة أث��ن��اء تنظيف‬‫ ‬‫األسنان‪ -‬الوضوء‪ -‬االستحمام –الطهي‪.‬‬ ‫ ‬‫ تنظيف المنازل باستخدام مياه الشرب‪.‬‬‫ ري الحدائق المنزلية بالماء العذب‪.‬‬‫ ‬‫والحل يكمن في‪:‬‬ ‫ ت��رش��ي��د اس��ت��خ��دام ال��م��ي��اه ع��ن طريق‬‫ ‬‫(التوعية االجتماعية والدينية في كل‬ ‫مجاالت االستهالك)‪.‬‬ ‫ ‬‫ وض���ع ق��وان��ي��ن الس��ت��خ��دام ال��م��ي��اه في‬‫ ‬‫المسابح وأشكال الزينة المائية‪.‬‬ ‫ فرض عقوبات للحد من هدر المياه‪.‬‬‫ الري بالطرق الحديثة‪.‬‬‫ومن أهم الحلول لتجنب الهدر المائي‬ ‫ استخدام النباتات التي ال تحتاج إلى ري ‪ -‬إعداد أفالم كرتونية بالتعاون مع وزارة‬‫بشكل مستمر‪.‬‬ ‫الزراعة لتوعية األطفال وتربيتهم على‬ ‫الترشيد في استخدام المياه‪.‬‬ ‫المجموعة رقم ‪2‬‬ ‫ عمل مسابقة في كل محافظة‪ ،‬وتقديم‬‫الزراعة سبب في هدر المياه‬ ‫مكافآت لصاحب الفاتورة المتدنية في‬ ‫وتتمثل المشكالت في‪:‬‬ ‫السعر‪ ،‬فذلك حافز رائع لتحقيق الهدف‪.‬‬ ‫ االستنزاف الجائر للمياه بسبب الزراعة‪.‬‬‫ سقاية أشجار الشوارع‪.‬‬‫المجموعة رقم ‪3‬‬ ‫ويكمن الحل في‪:‬‬ ‫الحفر العشوائي لآلبار واستنزاف وهدر‬ ‫‪ -‬تحديد مساحة معينة للزراعة تستهلك المياه‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫المجموعة (‪)4‬‬ ‫ن��وع شبكات المياه العامة والخاصة‪،‬‬ ‫وكيف تسهم في الهدر‪.‬‬ ‫المشكالت‪:‬‬ ‫ خلل في الشبكات المائية في الممتلكات‬‫العامة والخاصة‪.‬‬ ‫ ضعف صناعة الشبكات المائية‪.‬‬‫ ع��دم وج��ود الخبرة الكافية ل��دى فنيي‬‫الصيانة‪.‬‬ ‫ تأثر الشبكات المائية بمناخ المنطقة‪.‬‬‫ عدم وضع الشبكات المائية في المكان‬‫المناسب والمهيأ لها‪.‬‬ ‫ زراع��ة األشجار ذات الجذور الضخمة‬‫التي تمتد إلى التوصيالت المائية فتؤدي‬ ‫إلى إتالفها‪.‬‬ ‫الحلول‪:‬‬ ‫ ع��م��ل ف��ح��ص دوري لجميع الشبكات‬‫المائية‪.‬‬ ‫‪ -‬اختيار النوع الجيد من الشبكات المائية‪.‬‬

‫ ‬‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫‪ -‬‬

‫المجموعة رقم ‪٥‬‬ ‫دور وزارة ال��زراع��ة وهيئة المواصفات‬ ‫والمقاييس والمدارس والجامعات في هدر‬ ‫المياه‬ ‫المشكالت‪:‬‬ ‫ عدم التعاون مع وزارة اإلعالم في حمالت‬‫ترشيد االستهالك‪.‬‬ ‫ المياه المهدرة في الري‪.‬‬‫ زيادة عدد اآلبار‬‫الحلول ‪:‬‬ ‫ استخدام نظام التقطير في الري‪.‬‬‫ تحديد ع��دد اآلب���ار م��ع تقنين تحديد‬‫المساحات الزراعية‪.‬‬ ‫التوصيات‬ ‫ خطة وطنية موجودة بين الوزارات بهدف‬‫ترشيد المياه‪.‬‬ ‫ تشجيع االبتكار في تحلية المياه‪.‬‬‫ حفر قناة من البحر األحمر الى الخليج‬‫العربي‪ ،‬لتعويض المياه الجوفية‪.‬‬ ‫ االستفادة من تجارب الدول األخرى في‬‫ترشيد المياه في المنازل‪.‬‬ ‫ شبكتا مياه‪ :‬إحداهما للشرب‪ ،‬واألخرى‬‫لالستخدامات األخرى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � �ل � � � � � � � � ��ف ال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��دد‬

‫المشكالت‪:‬‬ ‫ استهالك الماء العذب بشكل عشوائي‬‫في األغراض اليومية‪.‬‬ ‫ كثرة عدد اآلبار المحفورة في المزرعة‬‫الواحدة‪.‬‬ ‫ ح��ف��ر اآلب����ار ب����دون ت��راخ��ي��ص وبشكل‬‫عشوائي‪.‬‬ ‫الحلول‪:‬‬ ‫ أن يقنن حفر اآلبار وتوضع ضوابط من‬‫وزارة الزراعة على المخالفات‪.‬‬ ‫ توضع ش��روط لحفر اآلب��ار‪ ،‬على أن ال‬‫يكون زيادة عن بئر واحد لكل مزرعة‪.‬‬ ‫ استخدام التقطير‪.‬‬‫ تحديد عمق حفر اآلبار‪.‬‬‫‪ -‬تكثيف الرقابة على حفر اآلبار بالمزارع‪.‬‬

‫‪ -‬‬

‫اخ��ت��ي��ار ال��ف��ن��ي ال��م��ن��اس��ب ذي الخبرة‬ ‫الكافية‪.‬‬ ‫إقامة حمالت توعية مكثفة للحد من‬ ‫المشكلة‪.‬‬ ‫وجود إثبات للكشف الدوري‪.‬‬ ‫ف��رض عقوبات على ال��م��ورد إذا كانت‬ ‫الجودة غير جيدة للشبكات المائية‪.‬‬ ‫ف��رض الضرائب على المتساهلين في‬ ‫إص�ل�اح التوصيالت المائية المسببة‬ ‫للهدر‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪23‬‬


‫قراءة في كتاب فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال‪ :‬‬

‫(عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف)‬ ‫‪ρρ‬محمد بن أحمد الراشد*‬

‫يقدم هذا الكتاب سيرة لواحد من رجاالت المملكة الذين عملوا مع الملك المؤسس‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬رجل عشق الوطن وبذل جل وقته في العطاء والعمل لخدمة وطنه‪،‬‬ ‫وقدم الكثير من المبادرات الثقافية التي كان لها وما يزال آثار طيبة في المجتمع؛ فهي‬ ‫غ���راس طيبة نبتت وأي��ن��ع��ت وظ��ل��ت تعطي ث��م��اره��ا لمحبي ه��ذه ال��م��ب��ادرات والمتفاعلين‬ ‫معها من المثقفين ومحبي المعرفة‪ ،‬بدأت بأبرز تلك المبادرات على اإلطالق دار العلوم‬ ‫بالجوف‪ ،‬ولم تنته تلك المبادرات التي تتابعت م��رورا بسباق الهجن الذي كان أول سباق‬ ‫يقام في المملكة‪ ،‬ومسابقات المزارعين ومعارض السجاد المحلي وأسبوع الجوف الثقافي‬ ‫ال��ت��راث��ي‪ ..‬وغيرها الكثير‪ .‬م��ب��ادرات ثقافية‪ ،‬م��ا ت��زال آث��اره��ا شامخة ف��ي مختلف ض��روب‬ ‫األنشطة الثقافية ومساراتها‪ .‬وقد وثق بذرته األولى في شعره‪:‬‬

‫أس�������������س�������������ت ب������������ال������������ج������������وف غ���������������������رس ودار‬ ‫وال ت���������������ش���������������ب���������������ث���������������ت ب����������������ت����������������ج����������������ارة‬ ‫ت����������������ج����������������ارت����������������ي ص�����������ح�����������ب�����������ة األخ�����������������ي�����������������ار‬ ‫ه�����������������������ذا ه�����������������������وى ال������������ق������������ل������������ب وخ���������������ي���������������اره‬ ‫ص��درت الطبعة الثانية م��ن ه��ذا الكتاب‬

‫ال��م��ع��ن��ون‪ :‬ف���ص���ل م����ن ت����اري����خ وط������ن وس���ي���رة‬ ‫رجال‪ :‬عبدالرحمن ب����ن أح���م���د ال���س���دي���ري‬ ‫أمير منطقة الجوف‪ ،‬عن مركز عبدالرحمن‬

‫السديري الثقافي ‪1437‬هـ (‪2016‬م)‪ .‬وكانت‬

‫‪24‬‬

‫ومزيدة‪ ،‬ومما زيد في هذه الطبعة عديد من‬ ‫قصائد معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري يرحمه اهلل‪ ،‬التي لم يسبق نشرها‬ ‫في ديوانه الصادر بعنوان (دي��وان القصائد)‬ ‫الصادر عام ‪1983‬م‪.‬‬

‫الطبعة األولى قد صدرت في العام ‪1428‬هـ‬ ‫ج��اء ه��ذا الكتاب في (‪ )512‬صفحة من‬ ‫(‪2007‬م)‪ .‬وج���اءت الطبعة الثانية منقحة القطع الكبير‪ ،‬وبتجليد فاخر‪ ،‬وطبعة أخرى‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫بتجليد ورقي عادي‪ ،‬خصص للقراء من محبي‬ ‫التجليد الخفيف‪ .‬تم تقسيم مادة الكتاب إلى‬ ‫أربعة أبواب تضم سبعة عشر فصال‪ ،‬إضافة‬ ‫الى توطئة‪ ،‬وتقديم‪ ،‬وتمهيد واقتباسات‪ ،‬وخُ ِت َم‬ ‫ال��ك��ت��اب بالمالحق ال��ت��ي ضمت قصائد لم‬ ‫تنشر من قبل‪ ،‬وقائمة ببلوجرافية‪ ،‬والمراجع‪،‬‬ ‫والصور‪ ،‬وكشاف األسماء والمواقع‪.‬‬ ‫الكتاب يؤرخ ألحداث وطنية مهمة شارك‬ ‫صاحب السيرة فيها‪ ،‬وعاصرها خالل عمله‬ ‫أميرا لمنطقة الجوف‪ ،‬شمالي المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬عمل فيها أميرا لفترة امتدت لنحو‬ ‫نصف قرن من الزمان‪ .‬‬ ‫كان صاحب السيرة مسكوناً بحب الجوف‬ ‫إلى درج��ة العشق‪ ،‬وفي أشعاره وكتاباته من‬ ‫حب الجوف وارتباطه بها ما يزيد من اهتمام‬ ‫القارئ ورغبته في معرفة السر الكامن وراء‬ ‫ه��ذا ال��ن��وع م��ن الحب والتعلّق‪ ،‬على الرغم‬ ‫م��ن أن األم��ي��ر ول��د وت��رع��رع ف��ي ال��غ��اط‪ ،‬ثم‬ ‫انتقل أميراً لمنطقة الجوف في عهد الملك‬ ‫عبدالعزيز ع��ام ‪1362‬ه��ـ (‪1943‬م) وه��و في‬ ‫الرابعة والعشرين من عمره‪ .‬‬ ‫يدخل الكتاب الذي نحن بصدده في باب‬ ‫السير الغيرية نظرا لمشاركة عدد من الباحثين‬ ‫في تدوين جوانب سيرة األمير الراحل‪ ،‬ولكن‬ ‫ما يميز كتاب عبدالرحمن السديري‪ ،‬أن ثالثة‬ ‫من أبنائه شاركوا في كتابة بعض فصوله‪ ،‬وهم‬ ‫فيصل وزياد ولطيفة‪ ،‬وقد قدم كل منهم توثيقاً‬ ‫لفترات مهمة من تاريخ والدهم‪ ،‬في أحداث‬ ‫ووق��ائ��ع ال يعرفها غيرهم؛ كما ش���ارك في‬ ‫إعداده كوكبة من الكتّاب الذين رافقوا األمير‬ ‫وعاصروه‪ ،‬فكانت لهم ذكريات مشتركة معه‪ .‬‬ ‫ك��م��ا ح��ظ��يَ ال��ك��ت��اب ب���ت���ق���دي���م م����ن خ����ادم‬

‫ال���ح���رم���ي���ن ال���ش���ري���ف���ي���ن ال���م���ل���ك س���ل���م���ان ب��ن‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬الذي كان أميراً لمنطقة الرياض‬ ‫وق���ت ص���دور الطبعة األول����ى م��ن ال��ك��ت��اب‪،‬‬ ‫وق���د ت��ح��دث ف���ي ت��ق��دي��م��ه ع���ن إس��ه��ام��ات‬ ‫أس��رة السديري المتعددة في تاريخ الدولة‬ ‫السعودية‪ ،‬ودع��ا ليكون الكتاب ب��ادرة لمزيد‬ ‫م��ن ال��دراس��ات العلمية الموثّقة ع��ن تاريخ‬ ‫أسرة السديري وإنجازاتها الوطنية؛ وقد ذكر‬ ‫المحرر د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي في تمهيده‬ ‫للكتاب نبذة مختصرة عن حياة األمير وأسرته‬ ‫ونشأته وتعليمه ثم اختياره من قبل الملك‬ ‫عبدالعزيز أميراً لمنطقة الجوف‪ ،‬التي استمر‬ ‫فيها نحو نصف قرن من الزمان‪ ،‬كانت زاخرة‬ ‫باإلنجازات واألعمال الثقافية واالجتماعية‬ ‫واإلدارية‪ ،‬تستحق أن تسجّ ل وتوثّق لما تمثله‬ ‫من فترة مهمة في تاريخ الوطن ومسيرته‪.‬‬ ‫ال ضمتها‬ ‫وج��اء الكتاب في سبعة عشر فص ً‬ ‫أربعة موضوعات رئيسة‪ .‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪25‬‬


‫نسبة لحسن استقباله الضيف واهتمامه به‬ ‫ومعاشرته له‪ ،‬وكان دائماً على رأس مائدته‬ ‫المفتوحة للجميع‪ .‬وقد جعل في منزله «دكة»‬ ‫محاذية للشارع العام دون ب��اب أو حراسة‪،‬‬ ‫يأتيها من يشاء في كل وقت (ص ‪.)114‬‬

‫‪26‬‬

‫في الموضوع األول «أس���رة وسيرة»‪ ،‬ثالثة‬ ‫فصول‪ :‬أعد الفصل األول الباحث المتخصص‬ ‫في تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح أبو‬ ‫عليَّه تحدث فيه عن أسرة السديري تاريخا‬ ‫ونسبا‪ ،‬وعالقتها باألسرة المالكة منذ الدولة‬ ‫السعودية األول��ى ودوره���م في إدارة العديد‬ ‫وي��خ��ت��م ال��ف��ص��ل ب��ق��ول��ه‪« :‬إن وال����دي ذو‬ ‫من إم��ارات المناطق وقيادة بعض الحمالت شخصية ذات أبعاد مركبة‪ ،‬ال تخضع للتحليل‬ ‫العسكرية التي سيّرها آل سعود‪.‬‬ ‫المسطّ ح؛ يتناول األمور بأناة بالغة‪ ،‬فيحللها‬ ‫وج���اء ال��ف��ص��ل ال���ث���ان���ي ب��ع��ن��وان‪« :‬األب‪ ..‬ويذهب فيها مذاهب بعيدة‪ ،‬مقداماً ال تثنيه‬ ‫ال���رئ���ي���س» ب��ق��ل��م ف��ي��ص��ل ب���ن ع��ب��دال��رح��م��ن عن غايته الظنون وال المخاوف واالنتقادات‪،‬‬ ‫السديري‪ ،‬قدم لنا فيه أحداثاً وقصصاً واقعية بسيط في هندامه‪ ،‬متواضع خلوق خفيض‬ ‫ال��ص��وت‪ ،‬يأنف من ق��ول «ال»‪ ،‬ويبذل جاهه‬ ‫حدثت مع األمير عبدالرحمن‪ ،‬منذ تكليفه‬ ‫وماله في كل مبادرة تطلب فيها مساعدته؛ ذو‬ ‫باإلمارة‪ ،‬وتظهر فيها حكمة األمير‪ ،‬وتعامله‬ ‫ثقافة واسعة يتقبل التجديد ويرفض التقليد‬ ‫مع عامة الناس ببساطة وحنكة ورحمة وشعور‬ ‫األعمى‪ ،‬يميل إلى الريادة‪ .‬وله سبق في عنايته‬ ‫المسؤول‪ ،‬بما يحس به المواطن‪ ،‬والعمل على‬ ‫بالمرأة وحقها في التعليم واإلسهام في خدمة‬ ‫فض الخالفات التي كانت تنشأ أحياناً بين‬ ‫مجتمعها‪ .‬ويدعو د‪ .‬زياد القارىء إلى التفكير‬ ‫بعض المواطنين‪ .‬‬ ‫في مثل هذه الصفات الريادية في هذا الوقت‬ ‫وف��ي الفصل الثالث المعنون‪« :‬حياته»‪ ،‬الذي نمر فيه بمنعطف في مسارنا وأزمة في‬ ‫يقدم د‪ .‬زياد السديري المعلومات الموثّقة عن عالقاتنا وت��ص��ادم ف��ي م��ح��اور ثقافتنا؛ لعلنا‬ ‫مولد صاحب السيرة ونشأته‪ ،‬فيقول‪ :‬في ليلة نفيد ك��ث��ي��ر ًا إذا وق��ف��ن��ا ع��ل��ى س��ي��رة م��ث��ل ه��ذه‪،‬‬ ‫مولده رأى أبوه عبدالرحمن في منامه أنه رزق ت��ؤك��د أن ثقافتنا ليست ذات وج��ه واح���د كما‬ ‫بمولود اسمه صالح؛ وألنه لم يُعرف في األسرة ي��ق��ول��ون‪ ،‬وأن األص���ال���ة ل��ي��س��ت ص��ف��ة يدعيها‬ ‫مثل هذا االس��م أسماه‪« :‬عبدالرحمن» (ص بعضنا عن سوانا‪( ،‬ص ‪ .)130‬‬ ‫‪ .)89‬وقد ولع منذ صغره بالقنص بالصقور‬ ‫وفي الموضوع الثاني‪« :‬مراسالته وشعره»‪،‬‬ ‫ورك��وب الخيل والسباق‪ ،‬وت��داول الشعر‪ .‬كما يقدم د‪ .‬سد البازعي قراءة لمراسالت األمير‬ ‫يتحدث ع��ن أس��ف��اره ورح�لات��ه إل��ى الرياض خ�لال إم��ارت��ه ب��ال��ج��وف‪ .‬ف��دراس��ة الرسائل‬ ‫ولقائه بالملك عبدالعزيز‪ ،‬ثم مرافقته الملك أمر مهم لدى المشتغلين بالتاريخ؛ فهي تعد‬ ‫عبدالعزيز إلى الحج عام ‪1359‬ه��ـ (‪1940‬م) مصدراً رئيساً للمعلومات‪ ،‬إذ ثمة تفاصيل‬ ‫(ص ‪ .)106‬ويتحدث عن أسلوب إدارته فينقل دقيقة يصعب العثور عليها في مصادر أخرى‬ ‫وصف مجموعة ممن عرفوه صغيراً باألناة غيرها؛ ما يمنحها خصوصية وأهمية بالغة‪.‬‬ ‫وط��ي��ب المعشر وال��ب��ع��د ع��ن ال��غ��ض��ب (ص ثم يستعرض عدداً من رسائل األمير مع الملك‬ ‫‪ .)112‬وق��د لقبته البادية بـ«عشير ضيفه» عبدالعزيز ومع سمو وزير الداخلية‪ ،‬حول عمل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وف��ي ال��ف��ص��ل ال��خ��ام��س يتحدث د‪ .‬سعد‬ ‫الصويان عن شعر األمير عبدالرحمن المتميز‬ ‫باألخالقيات والقِ يَم‪ ،‬وتوثيق كثير من القضايا‬ ‫واألح��داث والمشاعر الفياضة‪ ،‬وتفانيه في‬ ‫خدمة اآلخرين وحنينه إلى الغاط‪ .‬فقد كان‬ ‫الشعر صديقاً مالزماً له ونديمه وأنيسه‪ .‬وفي‬ ‫البيت التالي نلحظ أناته وسعة صدره مع من‬ ‫يخالفه‪:‬‬ ‫أنا رفيقي لو غلط ما أقدر أجزيه‬ ‫إال ب�����ص�����ف�����ح وع�������ف�������ة ع���������ن ش����ن����ات����ه‬ ‫وف��ي بيت آخ��ر تلحظ تألمه على أوض��اع‬ ‫المسلمين وما آلت إليه‪ :‬‬ ‫أرى ال���ن���اس ت��خ��ط��ي وال����زم����ان ح��ن��ون‬ ‫ع�����ل�����ى غ�����ي�����ر ت�����ش�����ري�����ع اإلل������������ه ي����ب����ون‬ ‫وفي الموضوع الثالث‪« :‬في عيون اآلخرين»‬ ‫يعرض د‪ .‬فائز الحربي شخصيته كما رسمها‬ ‫الشعراء؛ فتناول صفاته وخصاله من خالل‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫اإلمارة ومهام األمير‪ ،‬ودور مؤسسات الدولة‪،‬‬ ‫والخدمات المقدمة للمواطنين‪.‬‬

‫شعره وشعر غيره من الشعراء‪ ،‬ومنها‪ :‬كرمه‪،‬‬ ‫ومضيَ ُف ُه المفتوح‪ ،‬والعفو والتسامح والتواضع‬ ‫ْ‬ ‫والصبر والتحمل وعفته ووف���اؤه‪ ،‬وعالقته‬ ‫الحميمة مع ال��ن��اس‪ ،‬وقربه من المواطنين‬ ‫وس��داد رأي��ه‪ ،‬ودوره في إص�لاح ذات البين‪،‬‬ ‫ومساعيه في الخير ون��م��اذج من إنجازاته‪.‬‬ ‫ث��م يتحدث د‪ .‬ميجان ال��روي��ل��ي ع��ن ص��ورة‬ ‫صورت «بأقالم غربيين»‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫السديري كما ُ‬ ‫البريطانيون وليم النكستر‪ ،‬وج‪ .‬ف‪ .‬والفورد‪،‬‬ ‫وجيفري كنغ‪ ،‬وجون برادلي‪ ،‬واألمريكي آرون‬ ‫ليرنر‪ .‬ث��م يبحر بنا األس��ت��اذ عبدالرحمن‬ ‫الدرعان في «ذكريات»‪ ،‬فيعنى برصد روايات‬ ‫توثّق تفاصيل لم تنل حظها من االهتمام‪،‬‬ ‫ت��ض��يء زواي����ا مهمة ف��ي شخصية صاحب‬ ‫السيرة‪ .‬ويختم الدرعان الفصل بكلمة مؤثرة‬ ‫إذ ي��ق��ول‪« :‬م���ا ل���م ت��ق��ل��ه ال���ش���ه���ادات‪ ...‬الح��ت‬ ‫ل��ي ف��ك��رة المدينة االف��ت��راض��ي��ة ال��ت��ي شيّدها‬ ‫عبدالرحمن السديري بين الجوف والغاط؛‬ ‫م���دي���ن���ة ش���اه���ق���ة م���م���زوج���ة ب���رائ���ح���ة ال��ح��ب‬ ‫والنخيل وال��م��اء وال��ت��رب��ة الطيبة وال��زي��ت��ون‪،‬‬

‫‪27‬‬


‫ب��أس��واره��ا وع�لاق��ات��ه��ا ال��وث��ي��ق��ة‪ ،‬ال��ت��ي وط��دت‬ ‫أواصر القربى بين الكثيرين من أهالي الجوف‬ ‫والغاط‪ ،‬يتقاطعون مع ًا في قلب إنسان ظلت‬ ‫بصماته باقية بعد رحيله‪ ..‬إنه يمثل مساحة‬ ‫شاسعة في هذه المدينة االفتراضية العصية‬ ‫على االندثار»‪ .‬ويختم يوسف العتيق بفصل‬ ‫«ف��ي الصحافة» مستعرضاً سجل األخبار‬ ‫والتقارير الصحفية التي نشرتها الصحف‬ ‫عن نشاطات األمير اإلداري���ة واالجتماعية‬ ‫والخيرية والثقافية‪ .‬‬ ‫أما الموضوع الرابع‪ ،‬وعنوانه‪« :‬في خدمة‬ ‫ال���ج���وف» فقد اشتمل على ثمانية فصول‪،‬‬ ‫بدأها د‪ .‬خليل المعيقل بالتاريخ المعاصر‬ ‫ل��ل��ج��وف ال�����ذي ت���ح���دث ف��ي��ه ع���ن ال��ت��ط��ور‬ ‫التنظيمي واإلداري والتنموي في حواضر‬ ‫منطقة الجوف؛ وفي الفصل الحادي عشر‬ ‫استعرض األستاذ أحمد بن عبداهلل آل الشيخ‬ ‫عدداً من الرسائل والبرقيات المحفوظة في‬ ‫«أرشيف اإلم��ارة» التي توضح أعمال األمير‬ ‫عبدالرحمن السديري وجهوده لنقل أوضاع‬ ‫منطقة الجوف إلى أولي األمر والمسؤولين‬ ‫ف��ي الحكومة وب��ي��ان احتياجاتها التنموية‬ ‫والحضرية‪ ،‬ومقترحاته لحلها‪ ،‬كما يذكر‬ ‫مرافقته األمير سعود في زيارة له إلى سوريا‬ ‫في أواخر عهد الملك عبدالعزيز‪ ،‬وحصوله‬ ‫على وس��ام االستحقاق السوري من الدرجة‬ ‫الممتازة (ص ‪.)296‬‬

‫‪28‬‬

‫الرئيسة «دار الجوف للعلوم» التي أصبحت‬ ‫مركز إشعاع معرفي يخدم الباحثين والقراء‬ ‫بقسميها للرجال والنساء‪ ،‬من خالل ما يزيد‬ ‫ع��ن (‪ )160‬أل��ف كتاب إض��اف��ة إل��ى (‪)250‬‬ ‫ال عن أوعية معلوماتية متنوعة‬ ‫دوري��ة‪ ،‬فض ً‬ ‫ومخطوطات ووث��ائ��ق ومسكوكات ووس��ائ��ل‬ ‫سمعية وبصرية وغيرها‪ .‬ويتحدث الحميد‬ ‫عن برنامج النشر في المركز ال��ذي تشرف‬ ‫عليه هيئة خاصة وقد صدر عنها حتى اآلن‬ ‫ما يزيد على (‪ )130‬إص���داراً‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫(‪ )12‬بحثاً علمياً تدرس موضوعات متنوعة‬ ‫ف��ي ال��ج��وف ب��إش��راف باحثين جامعيين‪.‬‬ ‫ويختم د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪ ،‬بالوقوف عند‬ ‫نظرة األمير وثاقب بصيرته عندما استطاع‬ ‫توظيف فكرة «ال��وق��ف» لخدمة مركز ثقافي‬ ‫رائد في مجاله‪ .‬‬

‫وفي الفصل الثالث عشر قدم أحد رجال‬ ‫التعليم بالجوف‪ ،‬د‪ .‬عارف المسعر ‪-‬يرحمه‬ ‫اهلل‪ -‬ع��ن التنمية التعليمية التي عاشتها‬ ‫الجوف وحظيت بها خالل فترة عمل األمير‬ ‫السديري‪ ،‬وقدرته على إقناع األهالي بإرسال‬ ‫بناتهم إلى المدارس أسوة بتدريس الذكور‪،‬‬ ‫واف��ت��ت��اح أول م��درس��ة للبنات ع��ام ‪1382‬ه��ـ‬ ‫(‪1962‬م)‪ .‬وانتشار المدارس في ربوع منطقة‬ ‫الجوف ليصل عددها إل��ى ‪ 75‬مدرسة عام‬ ‫‪1410‬ه��ـ (تاريخ تقاعد األم��ي��ر)‪ .‬ثم يحدثنا‬ ‫إبراهيم خليف السطام في الفصل الرابع عشر‬ ‫عن «التنمية البلدية والقروية» في الجوف‬ ‫وف���ي ال���ف���ص���ل ال���ث���ان���ي ع���ش���ر ي��ت��ح��دث د‪ .‬ودور األمير في االهتمام بالتنظيم البلدي‪،‬‬ ‫عبدالواحد بن خالد الحميد عن «التنمية وت��رس��ي��خ التخطيط ال��ع��م��ران��ي والمشاريع‬ ‫الثقافية» التي أسهم فيها األمير السديري اإلنشائية ومشاريع اإلسكان الريفية‪.‬‬ ‫بل ربما هو من أرسى قواعدها في الجوف‪،‬‬ ‫ثم يتحدث فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫وما تزال شامخة كما هي مؤسسته ومنشأتها ف��ي ال��ف��ص��ل ال��خ��ام��س ع��ش��ر ع��ن التنمية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وعن جهود السديري في «توطين البادية»‬ ‫يحدثنا د‪ .‬خالد الرديعان في الفصل السادس‬ ‫ع��ش��ر‪ ،‬ع��ن دور األم��ي��ر ف��ي ت��وط��ي��ن ال��ب��دو‬ ‫وتشجيعهم على التعليم والزراعة في المنطقة؛‬ ‫فأقام مشروع وادي السرحان لتوطين البدو‬ ‫ع��ام ‪1379‬ه���ـ (‪1959‬م)‪ ،‬ثم مشروع حماية‬ ‫وتنمية المراعي ‪1382‬هـ (‪1962‬م)‪ ،‬وغيرهما‪ .‬‬ ‫أما الفصل السابع عشر‪« :‬تنمية األسرة»‬ ‫فقد أع��دت��ه ابنته لطيفة وال��ك��ات��ب��ة هداية‬ ‫دروي����ش‪ ،‬ع��رض��ت��ا ف��ي��ه ج��وان��ب م��ن الحياة‬ ‫األس��ري��ة لصاحب السيرة‪ ،‬ال��ذي اع��ت��اد أن‬ ‫يفتح قلبه وبيته ألهله وذويه؛ فيعمر الحب كل‬ ‫أرجاء منزله‪ .‬وأنه كان دائم االستشارة للمرأة‬ ‫داخل بيته‪ :‬زوجته وبناته‪ .‬‬ ‫كما تضمن الكتاب ع��دداً من المالحق‪،‬‬ ‫هي‪« :‬ضيف الجزيرة» وهو حوار أجري عام‬ ‫‪1402‬ه��ـ (‪1981‬م) مع األمير‪ ،‬وفيه إجابات‬ ‫مهمة عن تاريخ أسرة السدارى‪ ،‬ونظرة األمير‬ ‫عبدالرحمن إلى الحياة والعمل العام وطلب‬ ‫العلم وغيرها‪ .‬والملحق الثاني‪« :‬قصائد لم‬ ‫تنشر» وهي قصائد كتبها األمير بعد صدور‬ ‫ديوانه «القصائد» ع��ام ‪1403‬ه��ـ (‪1983‬م)‪.‬‬ ‫والملحق الثالث‪ :‬قائمة ببليوجرافية بما نشرته‬ ‫الصحف خ�لال ف��ت��رة إم��ارت��ه م��ن نشاطات‬

‫تبدو بصمات المحرر واضحة في هيكلة‬ ‫الكتاب‪ ،‬واختيار الصور والوثائق وتوزيعها‬ ‫وشرحها‪ ،‬وإب��راز بعض النصوص المقتبسة‬ ‫المهمة‪ ،‬وتصنيف مقاالت الكتّاب وتوزيعها‪،‬‬ ‫وتثبيت بيانات شرح الهوامش حيثما كان ذلك‬ ‫ضرورياً بما فيه شرح غريب ألفاظ الشعر‬ ‫وتعريف باألماكن وغيرها‪ .‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الزراعية التي كان لألمير اهتمام خاص بها‬ ‫فهي «عشقه الخاص وهوايته األولى»‪ ،‬فعمل‬ ‫ع��ل��ى دف���ع عجلة ت��ط��وره��ا‪ ،‬وأدخ����ل وس��ائ��ل‬ ‫التقنية الزراعية الحديثة‪ ،‬ويسّ ر وصولها إلى‬ ‫المزارعين‪ ،‬وجلب أن��واع الزراعات المطورة‬ ‫المناسبة للمنطقة؛ فأصبحت الجوف مركزاً‬ ‫مهماً في إنتاج المحاصيل الزراعية‪.‬‬

‫إدارية واجتماعية‪ ،‬توثّق جزءاً من حياته‪ .‬كما‬ ‫احتوى الكتاب على قائمة بالمراجع العربية‬ ‫واألجنبية‪ ،‬وملحق لصور ضم (‪ )56‬صورة‬ ‫فوتوغرافية توثّق فعاليات شارك فيها األمير‬ ‫وصنع العديد من أحداثها‪ .‬إضافة إلى ملحق‬ ‫كشاف األسماء والمواقع الواردة في الكتاب‪ .‬‬

‫ح��ق�اً‪ ،‬نحن أم���ام س��ي��رة حياتية متشعبة‬ ‫لرجل مميز‪ ،‬تنوعت اهتماماته وإنجازاته بين‬ ‫خدمة الوطن والمواطن إداري �اً واجتماعياً‪،‬‬ ‫والنهوض بالمرأة‪ ،‬وتوطين البادية‪ .‬ثم تلك‬ ‫البصمة التي تركت أثراً شامخاً ينمو ويكبر‬ ‫كل يوم‪ ،‬وهي مبادرته الثقافية والتنموية في‬ ‫مشروعه الثقافي المتمثل في دار الجوف‬ ‫للعلوم وبرامجها الثقافية والمعرفية‪ ،‬ومركز‬ ‫الرحمانية الثقافي بالغاط‪ ،‬كما أن أبناءه‬ ‫حرصوا على رعاية ه��ذه الغرسة الثقافية‪،‬‬ ‫وأمدوها بعوامل النمو والتطور؛ ما يؤكد أن‬ ‫األمير السديري كان ذا بصيرة ثاقبة‪ ،‬عندما‬ ‫وحصنها بمن يثق‬ ‫ّ‬ ‫غرس مبادرته الثقافية‪،‬‬ ‫أنه سيرعاها ويوفر لها أسباب النماء‪ ..‬رحم‬ ‫اهلل صاحب السيرة‪ ،‬األمير عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري‪ ،‬وب��ارك في غرسه‪ ،‬وجعلها‬ ‫في ميزان حسناته‪.‬‬

‫* باحث سعودي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪29‬‬


‫الجــــــــــــــــوف‬

‫في رحلة وليم بلجريف‬ ‫‪ρρ‬نوير العميري*‬

‫وليم بلجريف‬

‫إن لكتب الرحالت أهمية خاصة؛ فهي تقدم وصف ًا لكثير‬ ‫من جوانب الحياة‪ ،‬ما يوفر ثروة تاريخية كبيرة‪ ،‬لها قيمتها‬ ‫(‪)1‬‬ ‫في توضيح األح��داث واستقرائها‪ .‬ويعد المستر بلجريف‬ ‫من أشهر الرحالة اإلنكليز الذين ساحوا في البالد العربية‬ ‫في القرن الماضي‪ ،‬وك��ان يتقن اللغة العربية إتقان ًا جيداً‪،‬‬ ‫ودرس مبادئ الطب من بعض الكتب العربية واإلفرنجية التي‬ ‫حملـها معه ليستفيد منها في مهمته من الرحلة التي قام‬ ‫بها متنق ًال في ب�لاد العرب منتحال شخصية طبيب س��وري‪،‬‬ ‫ولم يكتشف أمره طيلة مدة رحلته وإقامته الطويلة في بعض‬ ‫المدن‪ ،‬ومنها مدينة حائل في زمن طالل بن رشيد‪ ،‬التي أقام‬ ‫فيها شهرين‪ ،‬ومدينة ال��ري��اض التي أق��ام فيها نحو أربعين‬ ‫يوماً‪ ،‬وكان رجال العائلتين السعودية والرشيدية يتعالجون‬ ‫عنده دون أن يدركوا حقيقة شخصيته أو هدفه من رحلتة‪.‬‬

‫لقد استهوت جزيرة العرب الكثير من ‪1846‬م‪ ،‬والرحالة داوتي ‪1878‬م‪ ،‬والرحالة‬ ‫الرحالة األوربيين بسحرها وغموضها‪ ،‬الليدي انبلنت ‪1869‬م‪ ،‬والرحالة إيوتنغ‬ ‫وتعددت أهدافهم في رحالتهم(‪)2‬؛ فكان ‪1884‬م‪ ،‬والرحالة تشارلز هيوبر ‪1883‬م‪.‬‬ ‫منهم المكلف بمهمة سياسية‪ ،‬فتظاهر‬ ‫وقد أسهمت كتب هؤالء الرحالة ‪-‬على‬ ‫بعد‬ ‫باإلسالم‪ ،‬ومنهم من دفعه حب االستطالع‪ .‬ما فيها من محذورات ‪ -‬في إضفاء ٍ‬ ‫غير أن ما قام به هؤالء الرحالة قد أسهم لحياة تلك الفترات التي لم تحظ بتدوين‬ ‫في التعريف بتاريخ الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫من قبل األهالي‪ ،‬والتي غالباً ما ركزت‬

‫‪30‬‬

‫وشهدت مدينة الجوف خالل فترات‬ ‫مختلفة زيارة عدد من الرحالة األجانب‬ ‫م��ن مختلف الجنسيات‪ ،‬منهم‪ :‬أولريخ‬ ‫سيتزن ‪1810‬م‪ ،‬والرحالة جورج اوغست‬ ‫والن ‪1845‬م‪ ،‬والرحالة كارلو جوارماني‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫على الجوانب السياسية‪ ،‬في حين تميزت‬ ‫كتاباتهم برصد جميع مظاهر الحياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬إذ تعمق الرحالة في الحياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬فلم يتركوا عاد ًة إال عرفوها‪،‬‬ ‫وال صغيرة أو كبيرة إال دوّن��وه��ا‪ .‬األمر‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ال��ذي جعل مدوناتهم م��ص��دراً مهماً لوصف‬ ‫معالم عديدة لم توفرها كتب التاريخ ذاتها‪.‬‬ ‫فقد أس��ه��م ال��رح��ال��ة األج��ان��ب ال��ذي��ن زاروا‬ ‫الجزيرة العربية في رسم صورة أنثروبولوجية‬ ‫للحياة االجتماعية التي كانت سائدة فيها‪.‬‬ ‫أما عن أهداف رحلته‪ ،‬فقد أشار بلجريف‬ ‫في مقدمة جولته مقاصدها‪ ،‬والتي جمعت‬ ‫بين األهداف الشخصية والسياسية والدينية‪،‬‬ ‫بقوله‪« :‬رب��م��ا ي��ود ال��ق��ارئ أن يعرف الهدف‬ ‫المخصص لهذه الرحلة‪ ،‬والظروف الحاكمة‬ ‫لها‪ ،‬لقد كان يحدوني أمل كبير في اإلسهام‬ ‫ب��ش��يء م��ن أج���لِ ال��ص��ال��ح االج��ت��م��اع��ي لهذه‬ ‫المناطق الشاسعة‪ ،‬كان يحذوني أمل تحريك‬ ‫مياه الحياة الشرقية الراكدة‪ ،‬حتى تلحق بأنهار‬ ‫التقدم األوربي الجارية وتتصل بها‪ ،‬وربما لديَّ‬ ‫أيضاً دافع لتعرف ذلك الذي كنت أجهله حتى‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬وكذلك الرغبة في االستكشاف‬ ‫التي تمأل قلوب اإلنجليز‪ .‬كانت تلك الدوافع‬ ‫األساس‪ ...‬أضف إلى ذلك أنني كنت منضماً‬ ‫في ذلك الوقت إلى الجمعية اليسوعية‪ ،‬تلك‬ ‫الجمعية التي اشتهرت في حوليات التأريخ‬ ‫بأعمالها التي تستهدف حب البشر‪ ،‬والناس‪.‬‬ ‫وي��ج��ب أي��ض �اً أن أع��ت��رف ب��خ��ال��ص شكري‬ ‫إلمبراطور فرنسا(‪ )3‬الحالي على كرمه في‬ ‫توفير المخصصات النقدية ال�لازم��ة لهذه‬ ‫الرحلة»‪.‬‬

‫وصل بلجريف إلى أواسط الجزيرة العربية‬ ‫وشماليها‪ ،‬منطلقاً من معّان في األردن في‬ ‫منتصف سنة ‪1862‬م‪1278/‬هـ‪ .‬وكانت الجوف‬ ‫هي أولى محطات رحلته‪ ،‬ثم انطلق منها إلى‬ ‫ال‬ ‫حائل فالقصيم ثم الرياض فاإلحساء‪ ،‬مواص ً‬ ‫رحلته إلى الخليج العربي‪ ،‬واستغرقت رحلته‬ ‫م��ا ي��ق��ارب ال��ع��ام‪ .‬أق��ام بلجريف ف��ي الجوف‬ ‫ثمانية عشر يوما‪ ،‬وصلها في أول يوليو من‬ ‫عام ‪1862‬م‪ .‬قام بهذه الرحلة متخفياً‪ ،‬دون‬ ‫أن يكشف عن حقيقة شخصيته أو هدفه من‬ ‫الرحلة‪ .‬وكان ينتحل شخصية طبيب سوري‪،‬‬ ‫باسم سَ ليم أبو محمود إلياس‪.‬‬ ‫زار ب��ل��ج��ري��ف ال���ج���وف‪ ،‬ووص����ف بيوتها‬ ‫وقالعها‪ ،‬كما تحدث عن بعض المعالم واآلثار‪،‬‬ ‫وتطرق للحديث عن سكان الجوف‪ ،‬وأعطى‬ ‫نبذة مقتضبة عن المعالم التاريخية واألثرية‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أن رحالت بلجريف وغيره‬ ‫م��ن الرحالة ال��ذي��ن يعملون لحساب فرنسا‬ ‫أث���ارت روح التنافس بين فرنسا وإنجلترا؛‬ ‫األم��ر ال��ذي دف��ع إنجلترا إل��ى التنافس على‬ ‫يروي بإطاللته على المدينة بقوله‪« :‬الجوف‬ ‫الشرق‪ ،‬ولعل ذلك كان دافعاً لقيام الكولونيل‬ ‫واد عميق يميل إلى االنخفاض‪ ،‬مرحلة بعد‬ ‫ٍ‬ ‫لويس بيلي للقيام برحلته الشهيرة إلى الرياض‬ ‫ومقابلة اإلمام فيصل بن تركي للحصول على أخ��رى حتى يصل على نهاية عميقة تحجبها‬ ‫ع��ن ال��ن��ظ��ر سلسلة جبلية ش��اه��ق��ة‪ ،‬تتعرج‬ ‫صداقة األمير السعودي(‪.)4‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪31‬‬


‫بألوانها المحمرة‪ ،‬والمنظر عبر هذا الوادي‬ ‫وحتى نهايته تظلله بساتين النخيل‪ ،‬وأشجار‬ ‫الفاكهة‪ ،‬ال��ت��ي تحمل عناقيد ث��م��اره��ا‪ ،‬كما‬ ‫يظللها لون أسود ضارب إلى االخضرار على‬ ‫مدى انحناءات الوادي‪ ،‬وثمة مبنى غير منتظم‬ ‫يلوح ككتلة سمراء على قمة جبل في المنطقة‬ ‫ال��وس��ط��ى‪ ،‬وراءه قلعة طويلة م��ن��ف��ردة‪ ،‬تطل‬ ‫على الجانب اآلخر من ال��وادي‪ ،‬وإلى األسفل‬ ‫ال تلوح أبراج صغيرة دائرية ورؤوس منازل‬ ‫قلي ً‬ ‫مسطحة‪ ،‬تختفي وتظهر بين أوراق أشجار‬ ‫البساتين‪ ،‬وكأن الوادي يغتسل في تيار عمودي‬ ‫م��ن ال��ض��وء وال���ح���رارة‪ ،‬ك��ان ه��ذا أول منظر‬ ‫لمدينة الجوف عندما اقتربنا منها‪ .»..‬وقد‬ ‫ق�دّر بلجريف امتداد المدينة بأربعة أميال‪،‬‬ ‫وأما متوسط عرضها ال يزيد عن نصف ميل‪.‬‬ ‫وم��ا ك��اد يصل إل��ى هناك مع رفاقه حتى‬ ‫تصدى لـه اثنان من رج��ال المدينة وكبارها‬ ‫هما غ��اف��ل وض��اف��ي ال��ح��ب��وب‪ ،‬وق��د ن��زل في‬ ‫ضيافة غافل الحبوب‪ ،‬وحفلت أيام إقامته فيها‬ ‫بدعوات كريمة من وجهاء المدينة وكبارها‪،‬‬

‫وأكرمه بلجريف في الجوف الكثير من الناس‬ ‫ودعوه إلى منازلهم‪ .‬لقد ذكر بلجريف هؤالء‬ ‫أحياناً بأسمائهم‪ ،‬وأش��ار إليهم م��رات أخرى‬ ‫دون ذكر أسماء‪ ،‬يصف قهوة مضيفه متخذاً‬ ‫قهوة غافل أنموذجاً لبقية المقاهي الجوفية‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫«كانت (غرفة) قهوة غافل عن صالة بيضاوية‬ ‫كبيرة‪ ،‬يصل ارتفاعها إلى عشرين قدماً‪ ،‬وطولها‬ ‫خمسون قدماً‪ ،‬وعرضها نحو ستة عشر قدماً‬ ‫تقريبا‪ ،‬وكانت ج��دران الغرفة مطلية بألوان‬ ‫سمجة ه��ي البني واألب��ي��ض‪ ،‬تُخلل جدرانها‬ ‫تجاويف مثلثة الشكل‪ ،‬خصصت لوضع الكتب‬ ‫برغم أنها لم تتوفر لغافل هي والمصابيح‪،‬‬ ‫واألش��ي��اء األخ���رى م��ن ه��ذا القبيل‪ ،‬وسطح‬ ‫القهوة مسطح ومصنوع من الخشب‪ ،‬أما أرضية‬ ‫القهوة فكانت مفروشة بالرمل الناعم النظيف‪،‬‬ ‫ومزيّنة بطول جوانب الجدران‪ ،‬بقطع طويلة من‬ ‫وصفَّت من فوقه على بعد مسافات‬ ‫السجاد‪ُ ،‬‬ ‫متساوية مَسانِد مكسوّة بالحرير‪ ...‬وفي أقصى‬ ‫أطراف القهوة‪ ،‬بالتحديد عند الطرف البعيد‬

‫قلعة زعبل‬

‫قصر خزام بدومة الجندل‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫قلعة مارد‬


‫أما عن النشاط االقتصادي لسكانها‪ ،‬فتأتي‬ ‫الزراعة بالدرجة األولى‪ ،‬ويشير إلى البساتين‬ ‫وم��زارع النخيل‪ ،‬ويعدها أكثر انتاجاً مقارنة‬ ‫بمزارع شمّر ونجد‪ ،‬وعنها يذكر‪ :‬إن البساتين‬ ‫في الجوف مسوّرة بجدران طويلة من اللبن‪،‬‬ ‫وتجري بداخلها جداول من الماء من شجرة إلى‬ ‫أخرى ومن جدول إلى آخر‪ ،‬ومن بين المزروعات‬ ‫ينفرد التمر بالمكانة األولى بالبيع والتصدير‪.‬‬ ‫والذي يعد السلعة الرئيسة في التجارة‪.‬‬ ‫أما عن عدد السكان فهو يراوح ما بين ثالثة‬ ‫وثالثين إلى أربعة وثالثين ألف نسمة‪ ،‬معتمداً‬ ‫على تعداد المساكن‪ ،‬وعلى الروايات الشفوية‬ ‫مع األهالي‪ ،‬كما تتألف من ‪ 10-8‬قرى‪ ،‬وتتكون‬ ‫كل قرية من ‪ 60-50‬منزالً‪.‬‬ ‫وي���ش���رح ب��ل��ج��ري��ف ب��ال��ت��ف��ص��ي��ل ال��ظ��روف‬ ‫السياسية التي تعاقبت على المنطقة منذ‬ ‫الفترة التي سبقت ظهور اإلسالم‪ ،‬إلى الوضع‬ ‫السياسي آنذاك‪ ،‬وسيطرة طالل بن رشيد على‬ ‫الجوف‪ ،‬ويذكر أن السكان هنا ينحدرون أصال‬ ‫من قبيلة طيء‪ ،‬وهم بشكل عام «طوال القامة‪،‬‬ ‫أجسامهم متناسقة ذوي بشرة فاتحة اللون‬ ‫وشعر أسود فاحم»‪ ،‬وهم إضافة‬ ‫ٍ‬ ‫إلى حد ما‪،‬‬ ‫إلى هذا يتمتعون بالصحة والنشاط ويبقون‬ ‫هكذا إل��ى سن متقدمة‪ ..‬وال شك أن لمناخ‬ ‫منطقتهم الجيد ونمط الحياة التي يحيونها‬ ‫عالقة بذلك‪ ..‬وأهم ما يميز سكان الجوف هو‬ ‫كرمهم‪ ..‬وال يوجد في شبه الجزيرة العربية‬ ‫كلها مكان يعامل فيه الضيف كما يعامل هنا‪ ،‬وال‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫قرب الباب‪ ،‬يوجد وجار صغير يتكون من كتلة‬ ‫كبيرة مربعة من صخور الجرانيت‪ ،‬يبلغ ضلعها‬ ‫نحو عشرين بوصة‪ ،‬ويوجد بهذه الكتلة تجويف‬ ‫على شكل مدخنة‪ ،‬مفتوح من األعلى‪ ،‬ويتصل‬ ‫من األسفل بأنبوب أفقي صغير‪ ،‬يمر من خالله‬ ‫الهواء‪ ،‬الذي يدفع بواسطة منفاخ»‬

‫يستطيع أحد أن ينكر على السكان شجاعتهم‬ ‫وكرمهم مع جيرانهم‪ .‬وقد وصف بلجريف هذه‬ ‫الضيافة بقوله‪« :‬وفي بعض األحيان‪ ،‬كنا نتلقى‬ ‫دع��وة من أح��د كبار م�لاك األراض���ي‪ ،‬لقضاء‬ ‫فترة الصباح في حديقته‪ ،‬ونأكل من األعناب‪،‬‬ ‫ونمتع أنفسنا بطريقتنا الخاصة‪ ،‬بأن نجلس‬ ‫تحت كرمات العنب التي يعلوها النخيل‪ ،‬وينابيع‬ ‫الماء تجري من حولنا‪ ،‬كم كان ذلك جميال بحق‬ ‫بعد الصحراء‪.»..‬‬ ‫كان الطعام في الجوف‪ ،‬هو الطعام التقليدي‬ ‫إلى حد كبير في نجد عموماً‪ ،‬ويشير بلجريف‬ ‫أن «الجريش» يشكل الوجبة الرئيسة عند أهل‬ ‫الجوف‪ ،‬كما يقدمون التمر مع العشاء‪.‬‬ ‫بلجريف لم ينس موضوعاً مهماً لدى أمثاله‬ ‫ال ُكثْر من الرحالة‪ ،‬اآلث��ار وم��ا يتعلق بها من‬ ‫أماكن أثرية تاريخية‪ .‬ولعل اآلث��ار ومحاولة‬ ‫التعرف عليها سبب من األسباب التي دفعت به‬ ‫إلى الجزيرة العربية‪ ،‬فعادة ما يبحث الرحالة‬ ‫والمستكشفون ف��ي رح�لات��ه��م ع��ن الجديد‬ ‫والغريب‪ ،‬واآلثار مطلب مهم لهؤالء‪ ،‬فهو يبحث‬ ‫ويستقصي في رحالته واصفاً م��ؤرخ�اً؛ نجد‬ ‫ذلك في حديثه عن االستحكامات التي رآها‬ ‫والقالع التي مر بها في طريقه‪ ،‬ومنها قلعة‬ ‫مارد التي وقف على آثارها‪.‬‬ ‫ب��ع��د أرب��ع��ة أي���ام م��ن وص��ول��ه‪ ،‬أت��ي��ح��ت له‬ ‫الفرصة لزيارة أميرها حمود العقال‪ ،‬الذي كان‬ ‫نائباً لألمير طالل الرشيد في الجوف(‪ )5‬بعد أن‬ ‫رطل من القهوة‪ ،‬وقد‬ ‫قدم له هدية عبارة عن ٍ‬ ‫وصف لنا بلجريف األمير حمود بقوله‪« :‬ظهر‬ ‫لا ق��ويَّ البنية‪ ،‬عريض‬ ‫لنا الحاكم حمود رج� ً‬ ‫المنكبين‪ ،‬ذا حواجب‪ ،‬وعيون س��وداء‪ ،‬يرتدي‬ ‫ثوباً أبيض محلِّي الصناعة‪ ،‬وعليه عباءة سوداء‬ ‫أنيقة مطرزة بالحرير األح��م��ر‪ ،‬وعلى رأسه‬ ‫المهيب منديل حرير أو ما يعرف بالكوفية‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪33‬‬


‫يشدها عقال أبيض منسوج من وبر اإلبل بدقة‪ ،‬لضمان فرض سيطرته عليها‪ ،‬إلى جانب ما‬ ‫وبكفه مروحة من السعف»‪.‬‬ ‫فرضه م��ن ض��رائ��ب منتظمة على العقارات‬

‫ص��ادف ق��دوم بلجريف إل��ى ال��ج��وف وقتاً والماشية‪ ،‬والتي يقول عنها «وف��ي ظل هذه‬ ‫شهدت فيه المنطقة العديد م��ن التطورات‬ ‫الترتيبات الجديدة استعادت منطقة الجوف‬ ‫السياسية‪ ،‬فيذكر أنه لم يب َق للنفوذ العثماني‬ ‫للمنطقة سوى ذكر اسم السلطان في الخطبة‪ ،‬الكثير من عافيتها ورفاهها السابق»‪ ،‬وبناؤه‬ ‫وف��ي تلك السنة استطاع ط�لال الرشيد أن قصر خ��زام كمقر للحاكم‪ ،‬أش��رف على بنائه‬ ‫يخضع ال��ج��وف تحت سيطرته بعد أن عين‬ ‫األمير عبيد بن رشيد الذي بقي في الجوف‬ ‫عليها حاكماً عاما‪ ،‬وعين حمود العقال نائباً‬ ‫عنه فيها‪ ،‬كما شكل مجلساً استشارياً يتكون لمدة شهرين حتى تم االنتهاء منه‪.‬‬ ‫من ثالثة أشخاص من حائل‪ ،‬وجعل فيها حامية‬ ‫هذا وقد غ��ادر بلجريف الجوف في اليوم‬ ‫عسكرية لتجنيد عدد من األهالي على هيئة‬ ‫حرس خاص لنائبه في الجوف‪ ،‬واحتفظ األمير الثامن من شهر يوليو ‪1862‬م متوجهاً إلى حائل‬ ‫طالل بأربعةٍ من الرهائن من أعيان الجوف بعد أن مكث فيها نحو ثمانية عشر يوما‪.‬‬ ‫ * باحثة في التاريخ الحديث‪.‬‬ ‫(‪ )1‬نشر بلجريف كتابه عن هذه الرحلة في جزءين بعنوان‪:‬‬ ‫‪( central and eastern Arabia 1862 - 63‬قصة عام من الرحالت عبر وسط الجزيرة العربية وشرقيها‬ ‫‪1862‬م‪1863-‬م) وقد أهدى الكتاب إلى ذكرى «كارستن نيبور» وقال عنه (في تكريم الذكاء والشجاعة‬ ‫التي فتحت أبواب الجزيرة العربية ألوروبا)‪ .‬الجدير بالذكر أن رحلة بلجريف هذه أحدثت صدىً واسعاً‬ ‫بين المستشرقين‪ ،‬فممن أنكر رحلة بلجريف بادجر والسير هاري سانت جون فلبي المعروف بـ (عبداهلل‬ ‫فيلبي) وجاكلين بيرين وغيرهم‪ ،‬أبو عقيل عبدالرحمن الظاهري‪ :‬مسائل من تاريخ الجزيرة العربيَّة‪،‬‬ ‫ص ‪196‬م‪ .‬ومع ذلك يتميز كتاب بلجريف هذا عن غيره من كتب الرحالة األوائل بالتوصيف االجتماعي‬ ‫والفروقات النفسية والجسدية لسكان المناطق التي م َّر بها‪ ،‬فتجده يعقد المقارنات بين سكان الشمال‬ ‫وبين سكان نجد‪ ،‬ومقارنات بين المناطق داخ��ل نجد نفسها‪ ،‬ومقارنات بأهل اإلحساء والقطيف‬ ‫والصراعات المذهبية والحضارية بين السكان‪ ،‬ومن يمر فوق أراضي الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫له كتاب «وسط الجزيرة العربية وشرقها» في جزأين‪ ،‬ترجمة صبري محمد حسن‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‬ ‫– مصر ‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬للمزيد من التفاصيل حول الرحالة وأهدافهم انظر‪ :‬أهداف الرحالة الغربيين في الجزيرة العربية‪ ،‬ضمن‬ ‫بحوث ندوة الرحالت إلى شبه الجزيرة العربية‪( ،‬دارة الملك عبدالعزيز‪1421 ،‬هـ‪2001/‬م)‪ ،‬وجمال زكريا‬ ‫قاسم‪ :‬الدوافع السياسية لرحالت األوربيين إلى نجد والحجاز‪ ،‬دراسات تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬الكتاب‬ ‫األول‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الرياض‪1397 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.21-9‬‬ ‫(‪ )3‬مما يؤكد على االهتمام الفرنسي بالجزيرة العربية أن اإلمبراطور نابليون الثالث مَّ��ول رحلة كارلو‬ ‫جورماني التي قام بها في عام ‪1863‬م إلى أمير شمر‪ ،‬وكان هدف الرحلة الظاهري شراء خيل لإلصطبل‬ ‫االمبراطوري‪ ،‬وألف كتابا بعنوان‪« :‬شمال نجد‪ :‬رحلة من القدس إلى عنيزة»‪.‬‬ ‫(‪ )4‬جمال زكريا قاسم‪ :‬الدوافع السياسية لرحالت األوربيين إلى نجد والحجاز‪ ،‬دراسات تاريخ الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الرياض‪1397 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫(‪ )5‬للمزيد من التفاصيل عن عالقة األمير طالل الرشيد بالجوف‪ ،‬انظر‪ :‬خليف الشمري‪ :‬طالل عبداهلل آل‬ ‫رشيد ‪1283-1238‬هـ‪1867-1822/‬م قراءة سيسو تاريخية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار جداول‪2016 ،‬م‪ ،‬ص ‪.224-210‬‬ ‫‪Narrative of a year's journey through‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫لغة شعرية تلبس لبوس التح ّول واالنزياح‪ ،‬ممغورة بالمعاني المتجددة‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الشاعر السعودي العاصي بن فهيد‬ ‫في ديوانه ممرات السنونو‬

‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫يواصل الشاعر السعودي العاصي بن فهيد نحته‬ ‫لتجربته ف��ي الكتابة ب��ص��وت يسمه ال��ت��ع��دد وال��ث��راء؛‬ ‫فبعد مجموعته المفتوحة «شيخ الصعاليك» (القاهرة‬ ‫‪2003‬م)‪ ،‬ومجموعته الشعرية «أهل الخانكة» (القاهرة‬ ‫‪2004‬م)‪ ،‬وم��ج��م��وع��ت��ه ال��ش��ع��ري��ة «م����م����رات ال��س��ن��ون��و»‬ ‫(ال��ق��اه��رة ‪2015‬م)‪ ،‬ي��رت��اد ع��ال��م المحكي ال��روائ��ي من‬ ‫خالل إص��دار روايته القصيرة األول��ى (نوفيال) «صورة‬ ‫في المزاد» (القاهرة ‪2016‬م)‪ ،‬لتكتمل أرك��ان التعدد في تحديه العنيد لتقاليد‬ ‫الكتابة وحدودها‪ ،‬معلنا أن ورش اإلبداع لديه مفتوحة اآلفاق على مصراعيها أمام‬ ‫التنوع واالختالف‪ ،‬وأن معايير الشكل أو الجنس األدبي لن تكون عائقا أمام فورته‪،‬‬ ‫وهواجسه‪ ،‬وأفكاره‪ ،‬التي تتأبى على االنكماش ضمن قالب فني واحد وأوحد‪.‬‬ ‫لذلك كله‪ ،‬يجرب العاصي الكتابة ص��ور تصنعها البشاعة اإلنسانية في‬ ‫في كل األشكال واألنواع واألجناس بحثا عالم تجتلب أركانه بقوى الشر‪ ،‬ونوازع‬ ‫ع��ن ص��وت التفرد ل��ل��ذات‪ ،‬وتنقيبا عن الخطيئة‪.‬‬ ‫قالب يكون جديرًا بهذا المغص الكتابي‬ ‫‪ .1‬شعرية الخراب‬ ‫الهجاسيّ ؛ وك��أن العكوف على الكتابة‬ ‫تنبثق القصائد المشكلة للديوان من‬ ‫بالنسبة إليه ورشا مفتوحا على الرياح‬ ‫القادمة من كل الجغرافيات األجناسية روح يباس‪ ،‬تتشقق تربتها وتنزف‪ ،‬لتقول‬ ‫وال���ق���ارات األس��ل��وب��ي��ة‪ ،‬غ��اي��ت��ه األس��م��ى آهات ال حد لها‪ .‬من أول سطر يطالعك‬ ‫في ذلك بناء معنى على أنقاض معنى‪ ،‬األنين‪ ،‬ويصدر عن العبارات والكلمات‬ ‫وتشكيل ص���ورة للجمال ع��ل��ى أن��ق��اض عصف من الدمار‪ ،‬وبراكين من الخراب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪35‬‬


‫ال��ذي يدمر الكيان قبل العمران‪ ،‬والشاعر‬ ‫بذلك‪ ،‬يعبّر عن وضع واقعي ونفساني‪ ،‬ويوجّ ه‬ ‫ن��ق�دًا الذعً ���ا لتوجّ ه اإلن��س��ان الجديد ال��ذي‬ ‫وطىء على كل القيم اآلدمية‪ ،‬وراح يقتفي أثر‬ ‫همجيته وحيوانيته‪ ،‬وغ��رائ��زه ورغباته التي‬ ‫ليس لها حدّ‪.‬‬ ‫يستلهم الشاعر بن الفهيد روح قصيدة‬ ‫«األرض اليباب»‪ ،‬ويستنهض رمادها البعيد‬ ‫الذي لم يخمد دفؤه بعد‪ ،‬في القصيدة العربية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬مشكّال أرضه اليباب الخاصة به‪،‬‬ ‫ومستخلصا عتمات‬ ‫ً‬ ‫مصغيًا لكونه الجواني‪،‬‬ ‫الواقع العربي الذي وصل‪ ،‬في تصور الشاعر‬ ‫التخييلي‪ ،‬إلى حالة من الخراب الذي يشبه‬ ‫إلى حد بعيد‪ ،‬ما وصفته شعرية س‪ .‬إليوت‬ ‫تتشبث ثم تغور في الضفة الرطبة‪ .‬الريح‬ ‫قبل قرن من الزمن‪.‬‬ ‫وبتأملنا لِكِ ل ْتي القصيدتين‪ ،‬قصيدة إليوت‪،‬‬ ‫وقصيدة العاصي «ممرات السنونو» (لنعدها‬ ‫�ص��ا ك��ب��ي �رًا) ف��ي م��ح��اول��ة إلي��ج��اد‬ ‫ت���ج���اوزًا ن� ً‬ ‫المشترك بينهما‪ ،‬سنجد أن أج��وا ًء وحقوالً‬ ‫معجمي ًة ودالل��ي � ًة ت��ت��ردد هنا وه��ن��اك‪ ،‬لكن‬ ‫بنفَس إنساني‪ ،‬وبالغة تنبثق عن الخصوصية‬ ‫الكونية‪ ،‬بينما كانت «ممرات السنونو» تتحدث‬ ‫بلسان حال صاحبها الباحث عن قيم الحب‬ ‫والسالم واألمن واالطمئنان والمعنى في زمن‬ ‫الال معنى‪ ،‬زمن الضياع والحيرة‪ ،‬زمن انفلتت‬ ‫فيه ك��ل القيم م��ن مواقعها‪ ،‬وانقلبت رأس��ا‬ ‫على عقب‪ .‬فراح يفتش‪ ،‬بروح مدماة‪ ،‬ونف َِس‬ ‫شعري منكسر‪ ،‬عن العبارات التي تستعيد‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫للذات موقعًا في العالم‪ ،‬وتنتشل ال��روح من‬ ‫م��وات شتوي قاهر‪ .‬وم��ن األج���واء اإلليوتية‬ ‫ٍ‬ ‫التي يستعيدها المنجز الشعري نورد المقطع‬ ‫التالي‪:‬‬

‫‪36‬‬

‫«خيمة النهر هوت‪ :‬أواخر الورقات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ت��ج��ت��اح األرض ال��س��م��راء‪ ،‬غ��ي��ر مسموعة‪.‬‬ ‫الحوريات انصرفن‪.‬‬ ‫أيها (التيمز) الحبيب‪ ،‬اجر الهوينا‪ ،‬حتى‬ ‫أتمّ اغنيتي‪.‬‬ ‫النهر ال يحمل قناني فارغة‪ ،‬أوراق شطائر‪،‬‬ ‫مناديل حرير‪ ،‬علَب مقوّى‪ ،‬أعقاب دخائن‬ ‫أو ش����واه����د أخ������رى م����ن ل���ي���ال���ي ال��ص��ي��ف‪.‬‬ ‫الحوريات انصرفن‪.‬‬ ‫ورف���اق���ه���ن‪ ،‬ال��م��ت��س��ك��ع��ون م���ن ورث�����ة أرب����اب‬ ‫المال؛‬ ‫انصرفوا‪ ،‬ولم يتركوا عناوين‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وبكيت‪»...‬‬ ‫ُ‬ ‫جلست‬ ‫ُ‬ ‫عند مياه (ليمان)‬ ‫ويقول العاصي مستعيرًا الجو ذاته‪:‬‬

‫من جزر التأمل ابتلعت‬ ‫من فاضت دموعي‬ ‫من له رحيق الصالة‬ ‫ومورد الجمعة‬ ‫أوشك فدنا‬


‫‪ .2‬كثافة مرجعية‬ ‫لعل الملفت أيضا‪ ،‬في مجموع القصائد‬ ‫الشعرية‪ ،‬هو هذه الكثافة المرجعية التي تؤثث‬ ‫النصوص‪ ،‬من حيث األسماء تحديدًا‪ ،‬والتي‬ ‫تحيل على مراجع في الفن واألدب والفكر من‬ ‫قوميات وثقافات مختلفة‪ .‬وهذا الحضور ليس‬ ‫اعتباطيا‪ ،‬بل له ما يبرره من خالل النصوص‬ ‫نفسها‪ ،‬ومن داخل المتن‪ ،‬فالشاعر في لحظة‬ ‫�االت إنسانية‪،‬‬ ‫انفعاله مع مقوله‪ ،‬يستذكر ح� ٍ‬ ‫وأعالم في مختلف المجاالت لهم عالقة بتلك‬ ‫ٍ‬ ‫الحالة الشعورية أو الال شعورية المخلخلة‬ ‫للوجدان والكيان‪ ،‬فيوردها ليعضد بها مقوله‬ ‫من جهة‪ ،‬وليثري بها جهات الحكي الشعري‬ ‫من جهة ثانية‪.‬‬ ‫إن االسم المستوحى ال يحضر منسلخا عن‬ ‫تراثه‪ ،‬ودالالت��ه‪ ،‬ورمزيته الثقيلة‪ ،‬خاصة لما‬ ‫يكون صاحبه قد صار رميمًا‪ ،‬فما عاد منه‬ ‫سوى إرثه الثقافي الذي يحتفظ له به التاريخ‪،‬‬ ‫فيعود صاحب هذا االسم ليحيى من جديد‪،‬‬ ‫في النص‪ ،‬بصورة محيّنة‪ ،‬وبأسلوب آخر يجعل‬ ‫صوته يتماهى مع األص��وات األخ��رى‪ ،‬فضال‬ ‫عن صوت الباث الذي هو الشاعر‪ ،‬فتتشكل‬ ‫رؤي��ة منزاحة للكون والعالم‪ ،‬من رح��م هذا‬ ‫التفاعل النصي واإلرثي‪.‬‬ ‫وقد استحضر الشاعر عددًا من األسماء‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫من له على البعد أنا‬ ‫لو لم تمسسه نار‬ ‫من له ترف األسى‬ ‫ومبضع المشكاة‬ ‫دنا فتدلى‪...‬‬ ‫لحية السيد‬ ‫بين اصبعيه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وقطر المقل»‬

‫المشعة في التاريخ‪ ،‬والمشعة في ذاكرة الباث‬ ‫كمرجعيات كبرى مؤثرة‪ ،‬ليسهل عملية تمرير‬ ‫خطابه الشعري من خالل المحموالت االسمية‬ ‫التي ص��ارت م�لأى ب��دالالت جديدة ترهّ نها‬ ‫وتشحنها بالحيوية والمعنى‪ ،‬ومنها أذكر على‬ ‫سبيل التمثيل ال الحصر‪( :‬ابن سينا‪ ،‬كازانوفا‪،‬‬ ‫لويك ش��وف��ال‪ ،‬ع��ب��دال��رزاق ال��ب��ن‪ ،‬كاسندرا‪،‬‬ ‫بنديكت جابرييلي‪ ،‬عبداهلل الريامي‪ ،‬كارل‬ ‫ماركس‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬متمم بن نويرة‪.)...‬‬ ‫‪ .3‬حقول داللية كابوسية‬ ‫تحضن القصيدة في هذا المنجز الشعري‬ ‫ح��ق��والً معجمية ث��ري��ة‪ ،‬ت��ت��ف��اوت م��ن حيث‬ ‫بياناتها ووظيفتها في تشييد البنية العامة‬ ‫للنص‪ ،‬ويمكن تحديدها أس��اسً ��ا‪ ،‬ف��ي حقل‬ ‫ال��ذات‪ ،‬وحقل العالم‪ ،‬وحقل اآلخ���ر‪ ...‬وهي‬ ‫ح��ق��ول ت��ت��داخ��ل م��ع بعضها ب��ع��ض �اً‪ ،‬فحقل‬ ‫ال��ذات ينبثق عن فيض إحساسي رهيف من‬ ‫الشاعر‪ ،‬خاصة عندما يغوص في جوانياته‪،‬‬ ‫ويستفيض في توصيف لواعجها‪ ،‬وآالمها‪ ،‬في‬ ‫انسجام مع السياق المتحدث عنه‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي يتنمى حقل العالم أو المحيط أو الكون‬ ‫عندما يلتفت الشاعر إلى برانيته‪ ،‬وينسلخ عن‬ ‫ذاته‪ ،‬ويخرج من جسده؛ متأمال ما حوله من‬ ‫مالمح وكائنات وسلوكيات ومظاهر اجتماعية‬ ‫وسياسية وثقافية‪ .‬أم��ا الحقل اآلخ��ر فهو‬ ‫ينشط على الخصوص‪ ،‬لما يدخل الباث في‬ ‫رؤيته النسقية‪ ،‬إلى اآلخر مهما كان تجليه؛‬ ‫مكانا أو زمانا أو شخصا مختلفا في الرؤية‬ ‫والتصور والسياق الثقافي‪ ...‬وأغلب اللحظات‬ ‫الشعورية؛ يكون فيها هذا اآلخر امرأة يُتوجّ ه‬ ‫إليها بضمير المخاطب‪ .‬ويبدو أحيانا‪ ،‬كأ ّن‬ ‫هذا اآلخر ليس سوى تج ّل لألنا الباث بصيغة‬ ‫من الصيغ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪37‬‬


‫ويغلب على هذه الحقول نبرة من الحزن‬ ‫��ام م��ع ال��ع��وال��م التي‬ ‫واألس����ى‪ ،‬ف��ي ت��ن��اغ� ٍ�م ت� ٍ‬ ‫تجتاحها اللحظة الكتابية؛ فالعالم المشيّد‬ ‫تخييليًا منهار‪ ،‬ومن الطبعيّ أن تكون العبارات‬ ‫والمفردات والمقوالت المعجمية معززة لهذه‬ ‫البشاعة اإلنسانية‪ ،‬إذ نجد استفحاال تراجيديا‬ ‫لتيمة الموت ومشتقاتها من المرادفات التي‬ ‫تتشاكل دالليًا لتؤسس جوًا عامًا‪ ،‬تهيمن عليه‬ ‫وفي الصدد نفسه‪ ،‬يتحرك اإلط��ار العام‬ ‫السوداوية والضبابية‪ .‬وقد سبق للشاعر س‪.‬‬ ‫لمجموعة الشاعر العاصي بن فهيد‪ ،‬الذي‬ ‫إليوت أن المس هذه األج��واء نفسها‪ ،‬بطعم‬ ‫يستلهم ه��ذه األج��واء ويسقطها على الواقع‬ ‫آخر‪ ،‬وإن تشابهت الرؤى‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫العربي الملتبس‪ ،‬وك��أن السيرورة التاريخية‬ ‫«بعد وهج المشاعل على الوجوه العَرِ قة‬ ‫ت��ت��ردد هنا وه��ن��اك‪ ،‬حسب السياق‪ ،‬وتجدد‬ ‫بعد صمت الصقيع في البساتين‬ ‫لحظتها في بيئات مشابهة أو مختلفة‪ ،‬وربما‬ ‫بعد اآلالم في األماكن الحجرية‬ ‫سبب لتمثيل هذا السياق‬ ‫داع أو ٍ‬ ‫كان أكثر من ٍ‬ ‫والصياح والعويل‬ ‫في تجربته‪ ،‬ولعل ما يعيشه العالم العربي من‬ ‫والسجن والقصر وتجاوب‬ ‫ومآس متتالية‪ ،‬تنهك الحق‬ ‫ٍ‬ ‫انتكاسات وفواجع‬ ‫رعد الربيع على الجبال القصيّة‬ ‫�اف‬ ‫اإلن��س��ان��ي على مستوى ك��ل األص��ع��دة‪ ،‬ك� ٍ‬ ‫الذي كان ح ّي ًا هو اآلن ميت‬ ‫إلشعال نار القلق واالنهيار في أي ذات غيورة‬ ‫الذين كنا أحياء نحن اآلن نموت‬ ‫على هويتها ووجودها‪ ،‬يقول الشاعر العاصي‬ ‫بقليل من الصبر‬ ‫في إحدى مقاطعه الشعرية‪:‬‬

‫بل رعد جاف عقيم بال مطر‬ ‫حتى الوحدة ال توجد في الجبال‬ ‫بل وجوه حمراء عابسة تشخر وتنخر‬ ‫من أبواب بيوت طين متصدّ ع‬ ‫لو كان ثمة ماء‬ ‫وال صخر‬ ‫لو كان ثمة صخر»‪.‬‬

‫ال ماء هنا بل مجرد صخر‬ ‫«في الحانة‬ ‫صخر وال ماء والطريق الرملي‬ ‫طقوس سرية للبكاء‬ ‫الطريق المتلوّي صعد ًا بين الجبال‬ ‫وعصفور ميت يتأمل المروحة‬ ‫التي هي جبال صخر بال ماء‬ ‫ينبش حفرة في قلبك‬ ‫لو كان ثمة ماء لوقفنا وشربنا‬ ‫بين الصخور ال يستطيع المرء ان يقف أو يزرع فيها امرأة‬ ‫إذا كدت ال ألمس شيئا‬ ‫يفكّ ر‬ ‫فافتح فمك‬ ‫العرق جاف واألقدام في الرمل‬ ‫وابتلع األرض»(‪.)3‬‬ ‫لو كان ثمة ماء بين الصخر‬

‫‪38‬‬

‫والمالحظ أن الشاعر يُكثر من المفردات‬ ‫ف��م جبلي ميت ب��أس��ن��ان ن��خ��رة ال ي��ق��در أن‬ ‫وال��م��ق��والت ال��دال��ة ع��ل��ى ال��ض��ي��اع وال��ح��ي��رة‬ ‫يبصق‬ ‫هنا ال يقدر المرء أن يقف أو يستلقي أو والتشرد واأللم والموت‪ ،‬وما يشاكلها من قبيل‪:‬‬ ‫(الموت‪ ،‬النكد‪ ،‬القبر‪ ،‬البكاء‪ ،‬األلم‪ ،‬األسى‪،‬‬ ‫يجلس‬ ‫الدمع‪ ،‬الفقد‪ .)...‬كما أن مقولة الحانة‪ ،‬وما‬ ‫حتى الصمت ال يوجد في الجبال‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ .4‬إليوت مرة أخرى‪:‬‬

‫ع��رف الشاعر العاصي ب��ن الفهيد كيف‬ ‫يستثمر ثقافته الشعرية‪ ،‬ورؤياه للعالم ليبلور‬ ‫شعريته المتفردة‪ ،‬ويبتكر لذاته صوتا مميزا‬ ‫يشغل اللغة وال��ح��واس والمقروء والملموس‬ ‫وال��م��ع��ي��ش؛ ل��ي��ق��ول خصوصيته ال��ج��وان��ي��ة‪.‬‬ ‫وقد جاءت القصائد التي تتنوع بين الشذرة‬ ‫والمطولة‪ ،‬عاصفة بأحاسيس األلم والضيم‬ ‫والمفارقات‪ ،‬ناظمة بذلك‪ ،‬ألوانا من البؤس‬ ‫ال��ب��ش��ري‪ ،‬وص���ورا شتى م��ن دم���ار الكينونة‬ ‫والجوهر اإلنسانيين‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫يدور في فلكها أو يحيل عليها من مؤشرات‬ ‫بشكل حشوي في المجموعة لتعضد‬ ‫ٍ‬ ‫تتردد‬ ‫ثيمة الضياع والحزن اللذين يمآلن نفسية‬ ‫الشاعر‪ .‬وهي أج��واء داللية ال نشك في أن‬ ‫ال��واق��ع المعيش يستنبتها في روح الشاعر‪،‬‬ ‫ويحفز على تصويرها شعريًا‪ ،‬حتى وإن كانت‬ ‫أجواء مشابهة لقصيدة «األرض اليباب» من‬ ‫حيث حمولتها الفجائعية‪.‬‬

‫أمير (أكيتين) ذو البرج المنهار‬ ‫هذه النثارة دعّ مت بها خرائبي‬ ‫إذن ألت��دبّ��رن أم���رك‪( .‬هيرونيمو) ق��د ُج��نّ‬ ‫من جديد‬ ‫أعطوا‪ ،‬تعاطفوا‪ ،‬سيطروا‪.‬‬ ‫سالم‪ ..‬سالم‪ ..‬سالم»‪.‬‬

‫يؤدي بنا المناص األول‪ ،‬أو العتبة األولى‪-‬‬ ‫ال��ع��ن��وان‪ ،‬م��ب��اش��رة إل��ى األج����واء الكابوسية‬ ‫لقصيدة «األرض اليباب» إلليوت‪ ،‬ف��إذا كان‬ ‫هذا األخير ينهي قصيدته بترنيمة السنونو‪،‬‬ ‫التي يتمنى أن تتملكه كأفق للخالص‪ ،‬فشاعرنا‬ ‫العاصي بن الفهيد يصدّر بها مقوله الشعريّ ‪،‬‬ ‫منذ البداية‪ ،‬أي أنه قلب الصورة‪ ،‬ليستعير‬ ‫مقولة السنونو بحموالتها الغنية التي تفيض‬ ‫تبدو اللغة الشعرية في المجموعة بسيطة‬ ‫عن القواميس‪ ،‬كي يبئر جو الكآبة والحيرة‪،‬‬ ‫ويبدأ ع��زف سمفونية الخراب بلحن عربيّ أحيانا‪ ،‬وتتعقد أحيانا أخ��رى‪ ،‬لتلبس لبوس‬ ‫خاص‪ .‬يقول س‪ .‬إليوت مستعينا باإليحاءات التحوّل واالن��زي��اح‪ ،‬لكنها في العمق تستند‬ ‫ّ‬ ‫التي تثيرها لفظة «السنونو»‪:‬‬ ‫إلى طبقات سمينة من ال��دالالت‪ ،‬تفضي كل‬ ‫طبقة جديدةٍ ممهورةٍ بالمعاني‬ ‫ٍ‬ ‫قراءة فيها‪ ،‬إلى‬ ‫«أصطاد‪ ،‬والسهل القاحل خلفي‬ ‫يتوجب علّي في األقل ترتيب شؤوني؟ المتجددة‪ ،‬وكأنها تأسست لتشعل نار الشجن‬ ‫ّ‬ ‫أما‬ ‫ف��ي متلقيها‪ .‬إنها شعرية للشجب واإلدان���ة‬ ‫(جسر لندن) يتهاوى يتهاوى يتهاوى‬ ‫للقيم المتفسخة‪ ،‬المنحازة عن منطق الغريزة‬ ‫ثم توارى في اللهب المطه ٍّر‬ ‫م��ت��ى س��أص��ب��ح م��ث��ل ال��س��ن��ون – س��ن��ون��و يا البشرية‪ ،‬وقوانين ال��ك��ون‪ ،‬والمؤسسة على‬ ‫سنونو‬ ‫تمثيل الشهوات‪ ،‬والماديات‪ ،‬والنكوص القيمي‪.‬‬ ‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر توماس ستيرنز إليوت‪ :‬األرض اليباب‪ ،‬ترجمة عبدالواحد لؤلؤة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ممرات السنونو‪ :‬مصدر مذكور‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫(‪ )3‬العاصي بن فهيد‪ :‬ممرات السنونو‪ ،‬دار صفصافة للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬الجيزة‪ /‬القاهرة‪ ،‬مصر‬ ‫العربية‪ ،‬ط‪ .‬األولى‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.16 .‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪39‬‬


‫الهوية والبناء السردي‬ ‫ُ‬

‫في روايات ما بعد الحداثة‬ ‫في المملكة العربية السعودية‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬أسماء الزهراني*‬

‫ت��رت��ب��ط فلسفة «م���ا ب��ع��د ال��ح��داث��ة» ل���دى ب��ع��ض روائ��ي��ي��ن��ا ب��ال��ف��وض��ى الفكرية‬ ‫والالمعنى ورفض االعتداد بأي تقاليد‪ ،‬وعلى رأسها التقاليد التي تحدد النوع‬ ‫السردي – من دون أن يعني ذلك أن تقيده عن التطور‪ -‬ولعل ذلك ناشئ عن قراءة‬ ‫منقوصة لهذا المصطلح الفضفاض‪ ،‬الذي يحتاج إللقاء المزيد من الضوء على‬ ‫دالالته وحضوره العالمي‪ ،‬ما دام حاضرا في ثقافتنا شئنا أم أبينا‪ ،‬وما دام يتمدد‬ ‫بأشكال مختلفةٍ تتسلل إلى مناحي حياتنا كافة‪ ،‬مسرودة وغير مسرودة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وم��ن مظاهر ع��دم استيعاب تيار «ما‬ ‫بعد الحداثة» في تطبيقاته الروائية‪ ،‬تلك‬ ‫العالقة السلبية بين مسألة «الهوية» ‪-‬التي‬ ‫تُعَد أحد أهم مرتكزات ذلك التيار‪ -‬وبين‬ ‫البناء السردي للرواية‪ ،‬فما عالقة فلسفة‬ ‫ما بعد الحداثة بالهوية؟ وهل من أهدافها‬ ‫إزالة الحدود من خارطة العالم الثقافية‬ ‫أم رسمها؟ والسؤال األهم‪ :‬ما الهوية التي‬ ‫تعد بها هذه الفلسفة؟‬

‫‪40‬‬

‫يمكن البدء من نقطتي الثبات والتحديد‪.‬‬ ‫فبمنطق فلسفة ما بعد الحداثة –بكل ما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫يندرج تحتها من توجهات وتفسيرات‪ -‬ال‬ ‫توجد هوية ثابتة وال محددة منكفئة على‬ ‫ذاتها‪ ،‬ولم تنشأ تلك الفلسفة لتهدد الهوية‬ ‫بالفناء أو التذويب‪ ،‬بل لتعمل على إعادة‬ ‫تشكيل هذه الهويّات على منوال احتياجات‬ ‫ومصالح جديدة‪ .‬وينطوي تيار «ما بعد‬ ‫الحداثة» فكرياً على مفاهيم نقيضة لكل‬ ‫ظاهرةٍ سلطوية (مركزية)‪ ،‬وه��ي ليست‬ ‫ت��ه��دي�دًا للهوية إال بقدر م��ا تشكّله من‬ ‫سلطة واس��ت��ب��داد‪ .‬وحين تُ��وظَّ ��ف الهوية‬ ‫بوصفها أداة سلطوية‪ ،‬تستفز الروائي‬


‫وم������ن ال���م�ل�اح���ظ ع��ل��ى‬ ‫الروايات التي تمثل مقاومة‬ ‫سلطة الهوية توكيدها لهذه‬ ‫المقاومة ابتداء من العنوان‬ ‫(أول عتبات ال��ن��ص)‪ ،‬حيث‬ ‫تحضر الهوية فيه‪ ،‬محاصرة‬ ‫وخ��اض��ع��ة للتمييز وملمحة‬ ‫لإلقصاء‪ ،‬كما ف��ي عناوين‪:‬‬ ‫«حب في السعودية»(‪ ،)1‬و«بنات‬ ‫ال��ري��اض»(‪ ،)2‬و«اآلخ���رون»(‪،)3‬‬ ‫و«سورة الرياض»(‪.)4‬‬

‫وم���ن ال��م��ل��ف��ت أن ه��ذه‬ ‫ح��دث‬ ‫ٍ‬ ‫ال���رواي���ة ت��ق��وم ع��ل��ى‬ ‫رئ��ي� ٍ�س ه��و ان��ح��راف البطلة‬ ‫وميولها المثلية‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫أن ال���رواي���ة ت��ت��أس��س على‬ ‫خلل في الهوية‪ ،‬إذ أن هوية‬ ‫ٍ‬ ‫ال��ب��ط��ل��ة ال ت��ت��ج��ه للتحقق‬ ‫بالتمايز واالختالف‪ ،‬كما هو‬ ‫المعروف‪ ،‬بل تتجه لالرتداد‬ ‫على ذات��ه��ا والتماثل معها‪.‬‬ ‫وهذا شكل من أشكال تكسير‬ ‫الهوية وتمييعها‪« .‬اآلخ��رون»‬ ‫ف���ي ال��ن��ه��اي��ة ص���رخ���ة ضد‬ ‫التمييز بكل أن��واع��ه‪ ،‬ضد‬ ‫الهوية المركزية‪ ،‬ومطالبة‬ ‫بتذويب الهوية‪ ،‬والمساواة في‬ ‫ظل هوية إنسانية واحدة‪ ،‬ال‬ ‫يفرق فيها بين سني وشيعي‪،‬‬ ‫وال بين سوي وغير سوي‪ ،‬وال‬ ‫بين ذكر وأنثى‪.‬‬

‫ي���ش���ي���ر ال�����ع�����ن�����وان ف��ي‬ ‫«اآلخ���������رون» ‪-‬م����ث��ل�اً‪ -‬إل��ى‬ ‫اآلخ���ر‪ ،‬المغاير ل��ل��ذات‪ ،‬من‬ ‫ه��م اآلخ����رون ف��ي ال��رواي��ة؟‬ ‫السُّ نة مقابل الشيعة‪ ،‬والذكر‬ ‫مقابل األنثى‪ ،‬السوي مقابل‬ ‫ال��ش��اذ‪ ،‬درج���ات م��ن الهوية‬ ‫تحضر في ال��رواي��ة‪ ،‬تكثفها‬ ‫الكاتبة في العنوان‪« .‬اآلخرون‬ ‫هم الجحيم» عبارة تصدر بها‬ ‫الكاتبة روايتها‪ ،‬وهي عبارة‬ ‫ملغزة‪ ،‬فهي من جهة يمكن‬ ‫أن تتضمن اعتراضا مجازيا‬ ‫على مضمونها‪ ،‬الذي يتضمن‬ ‫التفرقة العنصرية بين فئات‬ ‫من البشر‪ ،‬أو لعلها اعتراف‬ ‫وتوكيد لمعناها ال��ذي يعني‬ ‫اآلخ��ري��ن م��ن ال���ذك���ور‪ ،‬ك��ون‬

‫ي��ن��ع��ك��س ت��ف��ك��ك ال��ه��وي��ة‬ ‫وتشظيها ف��ي ال��رواي��ة على‬ ‫ب��ن��ي��ت��ه��ا‪ ،‬ف��ف��ي «اآلخ������رون»‬ ‫تتألف البنية ال��س��ردي��ة من‬ ‫م���ج���م���وع���ة م����ن ال��ق��ص��ص‬ ‫القصيرة واألحداث الملصقة‬ ‫بعضها ببعض‪ ،‬بشكل أفقي‬ ‫يفتقر للتصاعد والتشابك‬ ‫المقنع لألحداث والتفاصيل‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫لمقاومتها‪ ،‬إذ تصبح ممثلة‬ ‫للسلطة‪ ،‬فتكون مرفوضة من‬ ‫حيث المبدأ‪ ،‬ويتمرد عليها‬ ‫بوسائل السرد‪.‬‬

‫ال����رواي����ة ت��ت��ض��م��ن ان��ح��ي��از‬ ‫البطلة جنسيًا لعالم اإلناث‪،‬‬ ‫وهو أم ٌر ينطوي على خلفيات‬ ‫نفسية معقدة‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫بحيث ال تكاد تجمعها حبكة‪،‬‬ ‫إنه نوع من االنتشاء بتكسير‬ ‫نموذج الهوية مرة بعد مرة‪،‬‬ ‫تمارسه بطلة ال��رواي��ة عبر‬ ‫حشد من العالقات المكررة‪،‬‬ ‫�ذات‬ ‫تكرر ال��ص��ورة نفسها ل� ٍ‬ ‫تتشظّ ى وت��ف��ق��د مالمحها‪،‬‬ ‫ووعيها بتلك المالمح‪ ،‬في‬ ‫سبيل تحطيم شبح الهويات‬ ‫المسيطرة‪ :‬ال��سُّ ��ن��ة‪ ،‬رج��ال‬ ‫ال��دي��ن ال��ش��ي��ع��ة‪ ،‬ال���ذك���ور‪..‬‬ ‫إلى آخر هرم السلطات في‬ ‫المجتمع‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫وت��ت��ص��در ال��ه��وي��ة ع��ن��وان‬ ‫رواي������ة أخ�����رى ه���ي «ب��ن��ات‬ ‫ال���ري���اض» ل��رج��اء ال��ص��ان��ع‪،‬‬ ‫وه��ي رواي��ة تتمحور كما هو‬ ‫واضح من اسمها حول هوية‬ ‫مكانية وثقافية معينة هي‬ ‫بيئة الرياض‪ ،‬بما تحيل عليه‬ ‫تقاليد‬ ‫ٍ‬ ‫ف��ي ال���رواي���ة‪ -‬م��ن‬‫وصبغةٍ دينيةٍ متشددة‪ ،‬تدور‬ ‫أحداثها في فضاء الرياض‪/‬‬ ‫ال��م��دي��ن��ة‪ ،‬وت��ت��م��ح��ور ح��ول‬ ‫ال��ري��اض‪/‬ال��ه��وي��ة‪ .‬مجموعة‬ ‫فتيات يواجهن ه��ذه الهوية‬ ‫ال��خ��ان��ق��ة ل���ه���ن‪ ،‬وي��ت��م��ردن‬ ‫عليها بطرق مختلفة‪ ،‬تتمثل‬ ‫ف��ي س��ل��وك��ي��ات خ��ارج��ة عن‬ ‫ح���دود اإلط���ار ال���ذي تمثله‬ ‫ال����ري����اض‪ /‬ال���ه���وي���ة‪ .‬وك��م��ا‬ ‫في «اآلخ���رون» تتفكك بنية‬ ‫ال��رواي��ة في بنات الرياض‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫فتأتي على صيغة مجموعة‬ ‫رسائل بريد إلكتروني مجمعة‬ ‫بشكل عشوائي‪ ،‬في محاولة‬ ‫ت��وف��ي��ق��ي��ة‪ ،‬ت��ف��ت��ق��ر للمنطق‬ ‫والمعالجة السردية القائمة‬ ‫ع��ل��ى ال��ت��ص��اع��د ال���درام���ي‬ ‫المقنع‪ .‬وه��و م��ا ق��د يرتبط‬ ‫ب��ش��ك��ل م���ا ب��ت��ش��ظ��ي ال��وع��ي‬ ‫بالذات‪ ،‬وانفصال الهوية عن‬ ‫نموذجها وضياعها بين أصل‬ ‫في الرياض ‪-‬تحاول الكاتبة‬ ‫أال تنفك عنه انفكاكا كامال‪-‬‬ ‫ون��م��وذج خارجي من الشرق‬ ‫وآخ���ر م��ن ال��غ��رب‪ ،‬يُحتذى‬ ‫ب����دون ه���دف وال ن��ظ��ام وال‬ ‫غاية‪.‬‬ ‫وت���ت���ع���دد األم���ث���ل���ة ل��ه��ذه‬ ‫العالقة بين تشظي الهوية‬ ‫وارت���ب���اك المنطق ال��س��ردي‬ ‫ف����ي ن����م����اذج م����ن ال����رواي����ة‬ ‫السعودية‪ ،‬فهل يرتبط تيار‬ ‫ما بعد الحداثة في التجربة‬ ‫ال��س��ع��ودي��ة ب��ان��ه��ي��ار البنية‬ ‫التقنية ال��س��ردي��ة ل��ل��رواي��ة؟‬ ‫وانخفاض المعايير الفنية في‬ ‫كتابتها؟‬ ‫ي��أت��ي ج���زء م���ن اإلج��اب��ة‬ ‫ع��ل��ى ال���ت���س���اؤالت ال��س��اب��ق��ة‬ ‫ف��ي عملين ي��ت��س��اوق��ان في‬ ‫م��وض��وع��ه��م��ا وإن ي��ك��ن لكل‬ ‫منهما استقالله الفني‪ ،‬هما‬ ‫«جاهلية»(‪ )5‬لليلى الجهني‪،‬‬ ‫و«ميمونة»(‪ )6‬لمحمود تراوري‪،‬‬


‫والرحيل ف��ي ضياع العبودية م��ن عصر إلى‬ ‫عصر وقارة إلى قارة‪ .‬لكنه لم يظهر في تفكك‬ ‫بنية ال��رواي��ة ولحمتها كما ح��دث في رواي��ات‬ ‫«اآلخ���رون» و«بنات الرياض» وال تبعد عنهما‬ ‫رواي���ة «ح��ب ف��ي ال��س��ع��ودي��ة»‪ ،‬وه���ذا اختالف‬ ‫يحسب للروايتين‪.‬‬ ‫ما الذي يميز جاهلية وميمونة عن معظم‬ ‫جيلهما م��ن ال��رواي��ات؟ وم��ا ال��ذي يجعل من‬ ‫ال��رواي��ات األخ��رى تتأخر في مستواها الفني‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وفي كال العملين رفض للعنصرية‪ ،‬واستنكار عن الروايتين األخيرتين؟ وما موقع تيار ما بعد‬ ‫لتسبب الهوية في ضعف عنصر أمام عنصر الحداثة في هذا اإلشكال‪.‬‬ ‫آخ��ر متسلط‪ .‬تتحدث ميمونة ع��ن األف��ارق��ة‬ ‫ال يمكن الجزم بأن تفكك بنية الرواية في‬ ‫المجاورين للحرم المكي الشريف‪ ،‬وظ��روف‬ ‫ال��رواي��ات المدروسة وم��ا يقترب منها راج � ٌع‬ ‫معيشتهم ومعاناتهم في االندماج وسط البيئة‬ ‫كليا النتمائها لفلسفة ما بعد الحداثة وتأثرها‬ ‫السعودية‪ ،‬وتتحدث جاهلية ع��ن قصة حب‬ ‫بتقنياتها‪ ،‬ورغم وضوح مظاهر هذه الفلسفة‬ ‫م��رف��وض��ة اجتماعيا ت��رب��ط ش��ا ًب��ا م��ن أص��ل‬ ‫على تلك الروايات وتفشيها‪ ،‬من خالل توظيف‬ ‫أفريقي بشابة سعودية‪ ،‬ويشير العنوان مباشرة‬ ‫وسائل العولمة المختلفة من الحاسب والجوال‬ ‫إلى البيئة الجاهلية‪ ،‬في مقابل اإلسالمية‪ ،‬تلك‬ ‫البيئة التي يتمايز فيها الناس حسب ألوانهم‪ .‬وغير ذلك من وسائل االتصال والتقنية‪ ،‬ومن‬ ‫خ�لال مضامين ثقافة ما بعد الحداثة التي‬ ‫إن��ه ص��راع القيم‪ ،‬ال��ذي يظهر في تناقض‬ ‫تناولناها‪ ،‬وم��ن خ�لال حضور هاجس الهوية‬ ‫الهوية‪ ،‬وتخلخلها هذا التناقض هو الذي يدفع‬ ‫وإشكاالتها‪ ،‬إال أن هناك أسبابا أخرى قد تتعلق‬ ‫أح��داث الروايتين للتقدم والتشابك‪ ،‬ويتحكم‬ ‫ببيئتنا المحلية وظ��روف مجتمعنا الثقافية‪،‬‬ ‫في حبكتيهما‪ .‬تظهر ثيمة ضياع الهوية من‬ ‫فتفكك بنية الرواية في األمثلة المشار لها آنفا‪،‬‬ ‫خ�لال تيه الشخصيات في المكان والزمان‪:‬‬ ‫قد يكون مرتبطا نوعا ما بسطحية التجربة‬ ‫المجاورون للحرم بال مكان في ميمونة‪ ،‬وبال‬ ‫تاريخ في جاهلية‪ ،‬س��وى تاريخ مثقل بالتيه والتسرع في النشر‪.‬‬ ‫وتدعم تجارب تراوري والجهني هذا القول‪،‬‬ ‫فكالهما منشغل ف��ي رواي��ت��ه بمواجهة شبح‬ ‫الهوية المتضخم على حساب هويات أخرى‬ ‫م��س��ح��وق��ة‪ ،‬م��ن غ��ي��ر أن ي��ؤث��ر ه���ذا ف��ي بنية‬ ‫الروايتين من حيث النضج ال��س��ردي‪ ،‬روايتا‬ ‫«جاهلية» و«ميمونة» كانتا تجسيدًا لمبادئ ما‬ ‫بعد الحداثة في الثورة على تهميش اإلنسان‬ ‫لعِ رقه وتمجيد ه��وي��ة أخ���رى لعرقها‪ ،‬لكنها‬ ‫قدمت مستوىً متماسكا في البناء‪.‬‬

‫* ناقدة من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إبراهيم بادي‪ ،‬حب في السعودية‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪2007 ،‬م‬ ‫(‪ )2‬رجاء الصانع‪ ،‬بنات الرياض‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪2005 ،‬م‬ ‫(‪ )3‬صبا الحرز‪ ،‬اآلخرون‪ ،‬دار الساقي‪2006 ،‬م‬ ‫(‪ )4‬أحمد الواصل‪ ،‬سورة الرياض‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪2007 ،‬م‬ ‫(‪ )5‬ليلى الجهني‪ ،‬جاهلية‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2006 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )6‬محمود تراوري‪ ،‬ميمونة‪ ،‬دائرة الثقافة واإلعالم‪ ،‬الشارقة‪ ،‬الطبعة األولى‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪43‬‬


‫االجتماعية‬ ‫األبعاد‬ ‫ّ‬ ‫في رواية‪( :‬دوم زين) للضميري‬ ‫الدهون*‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬إبراهيم َّ‬

‫وسمت بــ‪(:‬دُوم زين)‬ ‫صد َر حديث ًا عن الدَّ ار العربيّة للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬رواية ِ‬ ‫السعودي عقل مناور الضميري‪ ،‬في مائتين وست صفحات من القطع‬ ‫للكاتب ّ‬ ‫جسدت واقع ًا معيشيا‪،‬‬ ‫المتوسط‪ ،‬أطلق فيها الضميري أبعاد ًا ورؤى اجتماعيّة ّ‬ ‫وعالم ًا حقيقي ًا خَ ��ب�� َر ُه ف��ي حياته العمليّة وت��م��رُّ ِس��ه العتيد ف��ي أم��اك��ن متباينة‪.‬‬ ‫��اض ِغمار‬ ‫فالتقط بعدسة عينيه البصيرتين دق��ائ��ق أم��ور جهلها كثيرٌ ممن خ َ‬ ‫العمل الحكومي‪ ،‬والعمل المؤسساتي‪.‬‬ ‫بدأ الضميري يرسم للقارئ لوحات‬

‫ف��ال��ض��م��ي��ري‪ ،‬ي��ع��ل��ي ح��ق اإلن��س��ان‬

‫من مشاهد متنقلة‪ ،‬ومحطات دقيقة بأمور اعتقدها آخرون بسيطة؛ لكنّها‬ ‫انتشرت بين ال � َّن��اس‪ ،‬اع��ت��ادوا عليها‪ ،‬ع��ن��ده عظيمة ال ي��م��ك��ن إغ��ف��ال��ه��ا أو‬ ‫حتّى أصبحت مألوفة‪ ،‬مقبولة ال يأنف التنازل عنها؛ وأولها‪ :‬اسمه‪ ،‬فمن حقه‬ ‫منها أحد‪ ،‬أو يمجّ ها رافض أو معاند‪ ،‬البسيط أن يحمل اسماً حسناً أو عنواناً‬ ‫برغم من سلبيتها وبذاءتها وتشويهها لطيفاً لشخصه‪ ،‬ال يفارقه طوال حياته‬ ‫لمظاهر كينونة اإلنسان‪ ،‬بما هو مخلوق الدنيوية؛ فمن هنا‪ ،‬يرى مثلبة سليمان‬ ‫أكثر سمواً وأعلى رقياً على غيره من بأنّه ألصق أو ألبس ابنه ناكر م�لاء ًة‬

‫‪44‬‬

‫المخلوقات األرضية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫سوداويّة أحاطت به إلى الممات‪ ،‬إزاء‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫اسمه الطافح ب��دالالت وملفوظات الرّفض‬ ‫والعصيان‪.‬‬ ‫الضميري في إعالءِ شأن الحوار‬ ‫ويتكئ ّ‬ ‫في ثنايا روايته‪ ،‬وذلك عن طريق االستعانة‬ ‫بشخصيتين متناقضتين األول��ى شخصية‬ ‫سليمان أبو ناكر وما ترمز إليه من ثيمات‬ ‫ال��ن��ك��ران وال��ت��ره��ل ف��ي ال��ع��م��ل اإلداري‪،‬‬ ‫ب��اإلض��اف��ة إل��ى سلوكيات أخ���رى اتّخذها‬ ‫منهجاً في حياته‪ ،‬تمثّلت بالتدخل في شؤون‬ ‫اآلخرين‪ ،‬والحط من قيمة زمالئه والتطلع‬ ‫إلى ما يمتلك غيره من أم��وال أو ماديات‪.‬‬ ‫والشّ خصية الثانية تجسّ دت بشخصية علي‬ ‫وم��ا ترمز إليه من قيم الفضيلة والصدق‬ ‫واإلخالص في األمانة بالعمل‪.‬‬

‫وإنَّ المتمعن لرواية (دوم زين) يلحظ أنَّ‬

‫الضميري حريص أن يسيطر سيطرة كاملة‬

‫وهكذا‪ ،‬استمرّت عدسة الضميري تجوب على عقلية القارئ حتّى يكشف له حقائق‬ ‫بنا المكان‪ ،‬وتأخذ المتلقي إل��ى محطات مجتمعية غفل عنها‪ ،‬أو غابت في قاموسه‬

‫ال معها‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫مختلفة من ص��روف الدّهر حيناً‪ ،‬ونماذج اليومي؛ ألنّه أكثر قرباً‪ ،‬وتواص ً‬ ‫النَّاس حيناً آخر‪ ،‬فإذا كان نموذج سليمان مدير الجامعة الجديد‪ ،‬إذ جسّ د أنموذجاً‬

‫مرفوضاً منبوذاً لدن الضميري‪ ،‬فإنَّ نايف لكثير م��ن أم��ث��ال المسؤولين الرافضين‬ ‫مثال النموذج الطامح المثقف المتعلم ذي ألع��م��ال أو خطط السّ ابقين ل��ه بوصفها‬ ‫النظر الثاقب إل��ى خدمة وط��ن��ه‪ ،‬وتحمّل قديمة مُنهجتْ في حقبة الرّاحل‪ ،‬إضافةِ إلى‬ ‫أعباء النهوض به‪ ،‬فترك بصمة الفتة للعيان‪ ،‬امتعاض الراوي من ادّعاء رؤساء أو أصحاب‬ ‫واستطاع أن يسهم في جذب المتلقي معها‪ ،‬مناصب أعماالً ليست لهم‪ ،‬أو لم يكن لهم‬ ‫فال يتركها إلى نهاية الرواية لما حملته من فضل بها إال بحكم منصبهم‪ ،‬دفعت ما دونهم‬

‫مزايا الخلق والعزم والجلد رغم الثغرات إلى أن يدونوا أسماءهم بصفتهم مشرفين أو‬ ‫وع��راق��ي��ل األع�����داء وم��ث��ب��ط��ات ال��خ��ص��وم متابعين لسير العمل‪ .‬وهذا مَا قا َد نايف إلى‬ ‫والمتربصين له‪.‬‬

‫أن يناقش مديره الجديد بغرابة واستهجان‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪45‬‬


‫كيف يرضى أن يضع اسمه على غالف خطّ ة كان من (ألين) زميلة دراسة مشروع األسماء‬

‫الدّراسة الممنهجة والمرسومة قبل أن يتم إال أن تقدّم نفسها زوجة لالرتباط بنايف لما‬

‫تعينه مديراً للجامعة؟!‬

‫شاهدته نتيجة العمل المشترك بالمشروع‬

‫يتابع الضميري تعرية صنوف وتقريعها في ب�لاده من صفات نبيلة إلنسان متوثب‬ ‫حيناً من فئات المجتمع الشّ رقي‪ ،‬فبالرغم متوقد ال يكل العمل أو يمله‪ ،‬وما ميزه عن‬

‫من براعة حيلة اللص ودهائه‪ ..‬فإنَّ نهايته غيره من مزايا اإلدارة والخلق والمبادرة‪.‬‬

‫السقوط في براثن أفعاله السيئة‪ ،‬وهذا ما‬

‫ول��و تركنا األب��ع��اد السّ لبية‪ ،‬ونتائجها‬

‫حدث مع شخصية سليمان أبو ناكر‪ ،‬فحاول التّشاؤمية في الرواية سنلمس أهدافاً غائرة‬ ‫مرّة أخرى أن يعيد لملمة أوراق��ه ليثأر من في بطن ال��راوي‪ ،‬رسّ خها بطريقة مضادة‪،‬‬

‫نايف بااللتفاف ح��ول مديره الجديد‪ ،‬إال انكشفت بشخصية نايف تارة ووالديه تارة‬ ‫أنَّ نيته الفاسدة أوقعته شر مكانة‪ ،‬فدخل أخرى‪ ،‬وشخصية وكيل الجامعة أيضاً لحظة‬ ‫السّ جن لينقل معه طبيعته البليدة‪ ،‬وفكره إص���راره على بقاء أم��ث��ال نايف لخدمتهم‬ ‫الصادقة لوطنهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المظلم للسجناء بعد أن اقترح عليهم أن‬

‫يعلم ك ّل واحد منهم اآلخر ما يتقنه من عمل‬

‫فكأننا أمام لسان الضميري يقول‪ :‬كما‬

‫أو حرفة‪ ،‬فيصبح هذا المنهج مدعاة لنشر أنَّ هناك موظفاً طُ فيلياً‪ ،‬ركب على ظهور‬ ‫الضالة ّ‬ ‫الرذيلة أو الحرفة ّ‬ ‫الضارة بممتلكات اآلخرين باالرتقاء‪ ،‬فإننا ال ننسى مَن كدَّ ‪،‬‬ ‫النّسيج المجتمعي ومكوناته‪.‬‬

‫وتعب ووض��ع اسماً ال يريد منه الشهرة أو‬

‫بيد أنَّ الضميري يأبى أن يقف يراعه عَ لماَ أو م���راءاة‪ ،‬بل ت��رك عمله ومنجزاته‬

‫عند مستنقع آسن ولغ منه فاسق أو ماجن تتكلم عنه‪.‬‬

‫فحسب‪ ،‬ب��ل نلحظه ينطلق مشدوهاً إلى‬

‫الضميري األدبيّة‬ ‫وأخيراً‪ ،‬تبقى تجربة ّ‬

‫ال فن ّياً جميالً‪ ،‬جمع في بوتقته خبرته‬ ‫اإلن��س��ان ال��ش��رق��ي ال��م��ث��ال‪ ،‬ش��رق��ي اعتلى عم ً‬ ‫منصة اإلب���داع‪ ،‬ون��ال مكانة مرموقة عند العمليّة‪ ،‬ليكون جسراً ينقلنا عبره إلى لغة‬

‫ِ‬ ‫أساتذته في‬ ‫ال بها أفعاالً إنسانيّة راوحت‬ ‫الغرب‪ ،‬وأقرانه في ال ّدراسة طوّعها‪ ،‬مشك ً‬ ‫هناك‪ ،‬فحظي حظوة ال تقف على جمال بين القبول وال��رف��ض‪ ،‬تاركاً للقارئ حرية‬ ‫اللون‪ ،‬أو ثراء المال‪ ،‬وإنما وجدوا فيه إنسانا االخ��ت��ي��ار ب��ع��د أن ي��ع� ّب��ر ع��ن رؤي��ت��ه تجاه‬ ‫للعالقة االجتماعيّة والحياة األسريّة‪ ،‬فما المنحَ يين أو الطريقين‪.‬‬ ‫ * الجامعة الهاشمية ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫لــوعـــة الفقــــد‬ ‫في «رائحة الفحم» لعبدالعزيز الصقعبي‬ ‫‪ρρ‬هشام بنشاوي*‬

‫يستهل عبدالعزيز الصقعبي روايته البكر «رائحة الفحم» بالحديث عن ذلك‬ ‫الشج الذي يعده السارد الذكرى األولى الشاحبة التي عرف من خاللها كيف يكون‬ ‫مثار فضول‪ ،‬ويتذكر عبثه بالفحم األسود‪ ،‬وهو يرسم على الحائط الرخامي ما‬ ‫وشمسا‬ ‫ً‬ ‫كان يعشقه في الحي‪ ..‬حمامة ونخلة‪ ..‬كان يرسم وجهً ا وطف ًال يلعب الكرة‬ ‫ونخلة‪ .‬تتعطل لغة الكالم وه��و عاجز عن وص��ف مقدار حنينه إليها‪« : ‬حاولت‬ ‫أقض مضجعي‪ ..‬أتعودين‪..‬‬ ‫أن أراك‪ ..‬توهمتك طيفا‪ ..‬كنت ذلك الصمت الذي َّ‬ ‫وتعدينني ب��أن تكملي تلك الكلمات التي ِخ��فْ ��ت أن تمزق وجهك ح��رارت��ه��ا‪ ..‬ال‬ ‫تخافي‪ ،‬فهذا الصمت بوحٌ لكل المشاعر‪.»...‬‬ ‫في المستشفى‪ ،‬تحت تأثير حقنة أخ��اه��ا‪ ،‬ال��ذي ك��ان يلعب معه‪ ،‬وال��ذي‬ ‫التخدير‪ ،‬حيث تنتفي المسافة بين الوهم ت��ح�وّل إل��ى كومة لحم تحت شاحنة‪..‬‬ ‫والواقع‪ ،‬يتصور نفسه شبحا يحلق في اشترت له ذات يوم قلمًا وزجاجة عطر‬ ‫سماوات األلم‪ ،‬يحلم سعيد – يا لمفارقة وكتابًا‪ ،‬وقالت له إنها تريده أن يصير‬ ‫ال أنيقا‪ ،‬وغادر الحي الصغير ذات‬ ‫االسم‪ -! ‬بابنة عمه ه��دى‪ ،‬التي كانت رج ً‬ ‫تكبره بسنوات‪ ،‬كانت تضحك دائما‪ ،‬صيف‪ ،‬وحين عاد قالوا له إنها رحلت‬ ‫وتهتم ب��ه‪ ،‬أحيانا تبكي عندما تتذكر بعد أن وجدت نصفها اآلخر‪ .‬لهذا صار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪47‬‬


‫يخشى الرحيل‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫بعد م��وت األم‪ ،‬اتفق األب وزوجته على‬ ‫إرساله إلى بيت خالتها‪ ،‬ثم لحقت به أخته‬ ‫باكية‪ ،‬وكان يشعر بأن األب يبتعد عنه كلما‬ ‫زاره بصحبة أخته في اإلجازات المدرسية‪.‬‬ ‫ويشعر بالشوق يشده إلى الماضي ويدفعه‬ ‫إل��ى تذكر تفاصيل صغيرة لحياة بسيطة‪،‬‬ ‫وحين يرهقه التذكر يلجأ إل��ى أخته لكي‬ ‫تحكي له قصصا عن الحي الصغير‪ ،‬وعن‬ ‫خالته‪ .‬يتذكر فصله من المدرسة بعد هروب‬ ‫بعض التالميذ‪ ،‬الذين سيطرت عليهم رغبة‬ ‫تحدي األبواب المغلقة‪ .‬كان يراقبهم عن كثب‬ ‫حين قذف أحدهم الحارس العجوز بحجر‬ ‫حتى يبتعد عن البوابة‪ ،‬وحين هربوا فوجىء‬ ‫بالحارس يمسك به‪ ..‬هكذا تسبب فضوله‬ ‫في ضياعه‪ .‬وعمل فترة من الزمن في مكتبة‪ ،‬واعتبرت سكون الدخان الشهادة الصامتة‬ ‫لكنها ما لبثت أن أغلقت لكساد سوق الكتب‪ .‬لفترة اختناق‪ ..‬رائحة الفحم‪ ..‬ال���دوار‪...‬‬ ‫لكنها لم ت��أت‪ ،‬وسعيد غ��ادر الحي بعد أن‬ ‫***‬ ‫صدمه زواج هدى‪ .‬لكن سكون ماتت واختفى‬ ‫يتوقف السارد عند انتظار الجميع للخالة من األزقة عبقها الخاص‪ .‬سكون التي هددها‬ ‫األرملة «سكون» لحضور حفل زفاف هدى‪ ،‬والدها وهي طفلة تلعب في أحد أزقة الحي‬ ‫لكي يتلصصوا عليها وهي ترقص‪ ،‬والبرد ب��أن يجعلها خرساء إن سمعها م��رة أخرى‬ ‫يتجول في أزقة الحي ويدخل جميع البيوت‪ ،‬تغني!‬ ‫ويعلن البرد احتضاره في الغرفة التي يعلو‬ ‫***‬ ‫جدارها صورة سعيد‪ ،‬بمجرد مشاهدة اللهب‬ ‫غنى سعيد في زفاف صاحب المنجرة‪.‬‬ ‫يتخلل قطع الفحم الصغيرة‪ ،‬وينبعث الدخان‬ ‫من اللهب وتمتلئ الغرفة س���وادا‪ ،‬وتهمس لكنه س��رع��ان م��ا غ��ادر المكان الصاخب‪،‬‬ ‫سكون لنفسها‪« : ‬الليلة يريدني الجميع أن وقد أصابه الملل وتركهم يمارسون فرحهم‬ ‫أكون قمرا يشع‪ ..‬يجب أن أكون أجمل‪ ...‬ال بأغنيات مبتذلة بعد االع��ت��ذار منهم بعدم‬ ‫بأس من وضع شيء من البخور على الفحم»‪ .‬استطاعته االستمرار في الغناء‪ .‬اتجه الى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المقهى الهادئ‪ ،‬وحدثه صديقه عن رغبته‬ ‫في الزواج بابنة الجار محمود‪ ،‬لكن سعيدا‬ ‫اشترط أن تكون العروس الموعودة تشبه‬ ‫فاتنته الممرضة ليلى‪ ،‬التي تعلق بها وهو‬ ‫محموم‪ ،‬وص���ارح صديقه برغبته بالبحث‬ ‫عنها بعد أخذ عنوانها من المستشفى‪ .‬وفكر‬ ‫سعيد في أن يزين حائط غرفته بصورته‪،‬‬ ‫وكأنها محاولة يائسة السترجاع مالمح تدب‬ ‫فيها الحياة‪ .‬تذكر حين كان صغيرًا يرسم‬ ‫بالفحم على الجدران الرخامية األشياء التي‬ ‫الكاتب عبدالعزيز الصقعبي‬ ‫ال‬ ‫يحبها‪ ،‬ويتمنى لو قٌ�� ِّد َر له أن يرجع طف ً‬ ‫ليرسم بجانب الحمامة وجه ليلى‪ ،‬وتحسر‬ ‫حذو خالته سكون بمغادرة الحي والبحث عن‬ ‫ألنه ال يملك قطعة فحم‪ ،‬والحائط مطلي‬ ‫مدينة سرابية‪ ..‬مدينة فاضلة‪ ..‬ورائحة الفحم‬ ‫بدهان زيتي‪ .‬فـأحضر ورقة بيضاء‪ ..‬وحاول‬ ‫تحاصره وتجعله يهذي‪ ،‬وتدفعه في إلحاح إلى‬ ‫أن يستحضر مالمحها‪.‬‬ ‫البحث عن سكون‪ ،‬وال��س��ؤال عنها إن كانت‬ ‫فرح حين أخبره صديقه أن ليلى عادت ماتت حقا‪ .‬شعر باالختناق في غرفته‪ ،‬والتي‬ ‫إلى المستشفى‪ ،‬وفوجئ بأنها عادت بصحبة ماتت فيها خالته‪ .‬ذهب للقاء عمه الذي أصر‬ ‫زوج��ه��ا ال��ط��ب��ي��ب‪ ،‬واس��ت��ح��ض��ر أم���ل دنقل على لقائه‪ ،‬وهو الذي رفضت سكون من قبل‬ ‫وكلماته التي بقيت تحاصره (كل هذا البياض ال��زواج به‪ ..‬فأخبره العم أنه قد عثر عليها‬ ‫يذكرني بالكفن)‪ .‬عاتبه صديقه‪ ،‬وال��ذي وهي حامل‪ ،‬ولم يطلع أحدًا سواه على التقرير‬ ‫طلب منه أن يذهب بدال منه ويطلب يدها خوفا من العار‪ .‬وطلب منه أن ينساها ويبيع‬ ‫أن��ه ك��ان من األول��ى أن يتأكد من أنها غير البيت ويحرق كل أشيائها‪ ،‬ويمسح من ذاكرة‬ ‫متزوجة قبل أن يهيم بها‪ .‬وآلمته سخريتها‪ : ‬الجميع اسمها‪ .‬وصارحه العم بأنه يعلم برغبته‬ ‫«بعد اآلن‪ ،‬ستضع الممرضات الفتات كبيرة في ال��زواج من ه��دى‪ ،‬فنفى ذلك بالقول إن‬ ‫على صدورهن كتب عليها متزوجة‪ ..‬غير ذلك كان في مراهقته‪ ..‬ونعلم أن العم يتقرب‬ ‫إليه بعد طالق ابنته‪ ..‬التي تعده مثل أخ‪ ،‬كما‬ ‫متزوجة‪!»..‬‬ ‫أخبرته أخته‪ .‬قرر أن يتناسى هدى التي لم‬ ‫****‬ ‫تكن تعلم برغبته القديمة وكذلك سكون‪ ،‬لكي‬ ‫انهار قصر األحالم الوردية الرملي‪ ،‬وقرر يتأكد من حقيقة التقرير األس���ود‪ ،‬حتى ال‬ ‫سعيد أن يغادر غرفته وكتبه‪ ،‬واختار أن يحذو تهتز صورتها األمومية الموشومة في الذاكرة‪،‬‬

‫‪49‬‬


‫وبعد ذلك يبحث عن مرفأ طالما بحث عنه‪،‬‬ ‫«لن تكون مدينتي سرابية‪ ..‬وستتحول رائحة‬ ‫الفحم إلى عبق رائع مثل تلك الرائحة التي‬ ‫عرفت بها سكون»‪.‬‬ ‫في بيتها‪ ،‬يذكره كل شيء أسود برائحة‬ ‫الفحم‪ ..‬باالختناق «هل ألن السواد هو لون‬ ‫النجاة من الموت»‪ ،‬ونفذ األمنية التي طالما‬ ‫رددها قبل أن يرحل؛ يفتح متجرًا صغيرًا في‬ ‫بيت سكون‪ ،‬ويبقى في انتظار من يدله على‬ ‫مدينته السرابية‪ ،‬ثم انقض على بائع الفحم‬ ‫متهما إياه بأنه السبب في موت سكون‪.‬‬

‫والغناء في حفل زفاف صغرى بنات عمه‪ ،‬ولم‬ ‫يتعرف عليه أي أحد من المدعويين‪ ،‬الذين‬ ‫بدأوا يتصايحون‪« : ‬سكون لم تمت»‪ ،‬واعتبره‬ ‫األهالي جالبا للعار للحي‪ ،‬بعد افتضاح أمره‪،‬‬ ‫وانهالوا عليه بالضرب‪ ،‬وطردوه من الحفل‪.‬‬ ‫وظل فاقدا للوعي‪ ،‬وفي المستشفى‪ ،‬رفض‬ ‫ال��ح��دي��ث م��ع المحقق‪ ،‬بعدما ب��دأ يسترد‬ ‫وعيه‪ ،‬ونطق بأسماء أفراد أسرته‪ ،‬وفوجىء‬ ‫بالممرضة ليلى تدخل الغرفة حاملة حقنة‬ ‫صغيرة‪ ،‬أوقعتها عندما نطق باسمها‪ ،‬وغادرت‬ ‫مسرعة‪.‬‬ ‫***‬

‫وبعد بحث مضن‪ ،‬اهتدى إلى أنه تمادى‬ ‫في العبث‪ ،‬وتساءل إن كان الموت هو الحقيقة‬ ‫يكتب عبدالعزيز الصقعبي ‪ -‬عن مأزق‬ ‫التي يطالب بها؛ «كلمة م��ات فعل م��اض‪ ..‬العيب في مجتمعات ازدواجية‪ ،‬تحترف النبذ‬ ‫وال��م��اض��ي ال ي���ع���ود‪ ،»..‬ون��ع��ت بالمجنون‪ ،‬واإلقصاء‪ ،‬تدفع البطل المأزوم‪ ،‬ذي النظرة‬ ‫وطالبه عمه بمغادرة الحي‪.‬‬ ‫الطفولية إل��ى ال��ن��اس واألش���ي���اء‪ ..‬للبحث‬ ‫في الحي الجديد‪ ،‬تزوج بعفيفة‪ ،‬بعد أن المضني والالمجدي عن عالم مثالي نقي‪،‬‬ ‫سمعها تغني في حفل زفاف‪ ،‬ولم يطلعها على والبحث الملتاع عن حنان األمومة المفقود‪-‬‬ ‫تفاصيل حياته القديمة‪ ،‬وكانت تتلذذ عند بلغة شاعرية تقطر شجنا تجعلك تتساءل‪: ‬‬ ‫سماع حديثه عن سكون وه��روب��ه إل��ى هذه «هل هي رواية أم قصيدة حزن؟ هذا السؤال‬ ‫المدينة ومحاولته نسيان رائحة الفحم‪ ،‬وهو يطرح نفسه عليك كلما أوغلت في القراءة‬ ‫يحمل في جسده كل تفاصيل األرق والغربة حتى إذا ما شارفت النهاية يكون الجواب إن‬ ‫والحزن‪ ،‬وحفر في ذاكرة أهالي الحي أوجاعه‪« .‬رائحة الفحم» رواية وقصيدة في آن معاً»‪.‬‬

‫وعند عودته الى الحي‪ ،‬فوجىء بعمارة شاهقة‬ ‫حلت محل بيت س��ك��ون‪ ،‬وح���اول ش��راءه��ا‪،‬‬ ‫وطلب من زوجته أن تتقمص شخصية سكون‪،‬‬ ‫لكي يفجر ذاكرة أهالي الحي‪ ،‬وطلب منها أال‬ ‫يعرفوا أنها زوجته إال بعد االنتهاء من الرقص‬

‫‪50‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫“(رائحة الفحم) هي أكثر من رواي��ة‪ ،‬هي‬ ‫إضافة شعرية حاول ال��راوي من خاللها أن‬ ‫يشير إلى عالقة التالزم بين الحياة والموت‪،‬‬ ‫فهما وجهان لعملة واحدة‪ ،‬ووجود أحدهما‬ ‫شرط لوجود اآلخر”‪.‬‬


‫«الحركات الرئيسة لرقصة الميرينجو»‬ ‫للشاعر عصام أبو زيد‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫بعض مالمح ما بعد الحداثة في الكتابة الجديدة‬ ‫دراسة في ديوان‬

‫‪ρρ‬خالد حسان*‬

‫م��ن أه���م تجليات م��ا ب��ع��د ال��ح��داث��ة ف��ي ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ن��زوع��ه��ا ال��واض��ح نحو‬ ‫التداولية (التداولية أو البراجماتية ‪ pragmatique‬هو مصطلح لصيق بثقافة ما‬ ‫بعد الحداثة التي اهتمت بدراسة أشكال التعبير الشفاهي والطرق األكثر تداوال؛‬ ‫فالكالم المتداول هو الكالم المستخدم في لغة الحياة اليومية والتداولية بذلك‬ ‫سمة من سمات األدب ما بعد الحداثي الذي التصق بالواقعي واليومي والمعيش‪،‬‬ ‫وااللتحام بطرق وأدوات التعبير الشفاهي)‪ ،‬وإذا كان هذا النزوع قد بدأ التكريس له‬ ‫“محمد الماغوط” بوصفه تيارًا مغايرً ا داخل جماعة “شعر” اللبنانية‪ ،‬فإن النزوع‬ ‫إلى الشفاهية وطرق التعبير التداولي قد وصل إلى ذروته مع جيل التسعينيات‪.‬‬ ‫لكن التداولية سرعان ما أصبحت مطلبًا جماليًا يقصد إليه داخ��ل القصيدة‪،‬‬ ‫وتحولت من ضرورة تمليها مجموعة من المتغيرات السوسيو‪ -‬تاريخية إلى تيمة‬ ‫فنية يعول عليها كثيرً ا في صناعة الشعر وتلقيه‪ ،‬األم��ر ال��ذي ح��ال كثيرً ا دون‬ ‫تفجير الشعر‪ ،‬وأدى بقصائد كبار الشعراء إلى الدخول في رتابة اللغة النثرية ال‬ ‫حيويتها وعنفوانها‪.‬‬ ‫لقد وقفت كثيرًا بالتأمل والمراجعة‬ ‫أم��ام دي��وان الشاعر المصري “عصام‬ ‫أبو زيد” األخير المعنون بـ “الحركات‬ ‫الرئيسة لرقصة الميرينجو”‪ ،‬محاوالً‬ ‫البحث عن بعض الخيوط التي يمكن‬ ‫بالتقاطها الولوج إلى عالم غريب وساحر‬

‫تطرحه القصائد‪ ،‬لكنني وجدتني في‬ ‫موقف ال أحسد عليه‪ ،‬فنحن أمام شاعر‬ ‫ال يكتب الشعر‪ ،‬بمعنى أن��ه ال يكتب‬ ‫الشعر الذي نعهده‪ ،‬بل يحاول أن يضيف‬ ‫تحت أقدامنا مساحة جديدة في أرض‬ ‫الشعر‪ ،‬هو ال يكتب عن الحياة بقدر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪51‬‬


‫ما يكتبها‪ ،‬نحن أمام اقتراح جديد لمفهوم‬ ‫الشعر‪ ،‬آليات أخرى يمكن االتكاء عليها في‬ ‫تعريفنا لما هو شعري‪ ،‬إن ما يقدمه الشاعر‬ ‫هنا ينتمي بقوة إلى مفهوم التداولية كأحد‬ ‫تجليات ما بعد الحداثة في قصيدة النثر‪،‬‬ ‫بحيث ال تظهر التداولية هنا كتيمة فنية‬ ‫أو آلية جمالية يتم االت��ك��اء عليها لتفجير‬ ‫الشعر‪ ،‬بل تبدو كصيغة مكافئة للشعري في‬ ‫عالم سقطت فيه كافة الحدود بين األجناس‬ ‫والثقافات والشعوب‪ ،‬عالم سائل‪ ،‬شفاف‪ ،‬هو‬ ‫عالم ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫أع��ت��ق��د أن أه���م م��ا يميز ت��ل��ك الكتابة‬ ‫أنها تقلص أو تلغي المسافة بين الواقع‬ ‫والخيال‪ ،‬بين ما نعيشه وما يمكن أن نعيشه‬ ‫أو نتمناه‪ ،‬هنا ال يظهر الخيال أو العالقات‬ ‫الغريبة داخل النص‪ ،‬بوصفها عالمًا مغايرًا‬ ‫للواقعي‪ ،‬والممكن والحقيقي‪ ،‬بقدر ما يبدو‬ ‫الخيال كأنه امتداد للواقع أو تجلٍّ آخر من‬ ‫تجلياته‪ ،‬هنا يحرص الشاعر على أن ينقل لنا‬ ‫صوت الحياة بصخبها وعنفوانها‪ ،‬بضجرها‬ ‫وقسوتها وبرودها وآليتها‪ ،‬يحرص الشاعر‬ ‫على أن يسمعنا ص��وت اإلن��س��ان الداخلي‪،‬‬ ‫حديثه بينه وبين نفسه‪ ،‬ذلك الحديث الذي‬ ‫هو حتمًا حديث شفاهي يمتلئ باالستطرادات‬ ‫والتكرار والحذف‪ ...‬إلخ من سمات الخطاب‬ ‫الشفاهي‪ ،‬يمكن بسهولة أن نتلمس هذا‬ ‫الوعي الشفاهي في كل نصوص الديوان‪،‬‬ ‫ال إلى النص اآلتي‪:‬‬ ‫انظر مث ً‬

‫‪52‬‬

‫تقول لنفسها لم أعد أحبه‬ ‫تقول نعم لم أعد أحبه‬ ‫تخرج مع صديقات لطيفات‬ ‫تخرج معهن وتضحك‬ ‫تشتري ساعة جديدة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫عصام ابو زيد‬

‫تشتري ساعة جديدة وردية‬ ‫ثم تحطم الساعة‬ ‫تقول لنفسها لم أعد أحبه‬ ‫هي جميلة جدً ا‬ ‫هي تحب الرجل الخطأ‬ ‫هي تنظر في العين السحرية‬ ‫وتراه مبتسمً ا مضيئا‬ ‫يحمل عصفور ًا كناريا‬ ‫يحمل العصفور في قفص أبيض‬ ‫القفص بشرائط وردية‬ ‫ويطرق باب جارتها‬ ‫وجارتها ال ترد‬ ‫نصا مكتوبًا‪ ،‬لكنه‬ ‫الشاعر هنا يقدم لنا ً‬ ‫يحمل مالمح شفاهية واضحة‪ ،‬انظر إلى‬ ‫االس��ت��غ��راق ف��ي التكرار «ت��ق��ول لنفسها لم‬ ‫أع��د أح��ب��ه»‪« ،‬ت��ق��ول نعم ل��م أع��د أح��ب��ه»‪،‬‬ ‫انظر إليه وه��و يقول «تخرج مع صديقات‬ ‫لطيفات‪ ،‬تخرج معهن وتضحك»‪ ،‬بالطبع كان‬ ‫من الممكن أن يقول «تخرج مع صديقات‬ ‫�ض��ا‪:‬‬ ‫لطيفات وتضحك» وه��ك��ذا‪ ،‬ي��ق��ول أي� ً‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫«ت��ش��ت��ري س��اع��ة ج���دي���دة‪ ،‬ت��ش��ت��ري ساعة‬ ‫جديدة وردي��ة» ك��ان من الممكن أن يحذف‬ ‫الجملة األولى‪ ،‬وكذلك تكرار «هي»‪ ،‬وتكرار‬ ‫الفعل «يحمل»‪ ،‬وهكذا نصبح أمام مجموعة‬ ‫كبيرة من الصيغ التداولية وأدوات التعبير‬ ‫الشفاهي التي يظهر من خاللها النص كما‬ ‫لو كان ترجمة لتسجيل صوتي ألغنية شعبية‬ ‫أو معزوفة موسيقية‪ ،‬تقفز خاللها الكلمات‬ ‫لتعبر عن إيقاع داخلي مدهش وج��ذاب‪ .‬ال‬ ‫يقصد الشاعر هنا إلى التأثير في القارئ‬ ‫أو محاولة استثارة انفعاله‪ ،‬هو ينقل إيقاع‬ ‫ال��ح��ي��اة بمنتهى ال��ح��ي��ادي��ة‪ ،‬يسجل حديث‬ ‫النفس الغائر في عمق الذاكرة في منطقة‬ ‫رمادية بين وعي الشاعر وال وعيه‪.‬‬

‫ب��ص��رف ال��ن��ظ��ر ع���ن ال��ل��غ��ة ال��ت��داول��ي��ة‬ ‫الواضحة‪ ،‬وأدوات التعبير الشفاهي‪ ،‬ينجح‬ ‫النص بشكل ملفت ف��ي اخ��ت��زال مجموعة‬ ‫كبيرة من اإليحاءات واالنفعاالت والمشاعر‬ ‫المبتورة والمتناقضة التي تمتلكها تلك المرأة‬ ‫إزاء ذلك العاشق المخاطب‪ .‬يصنع النص‬ ‫مجموعة متالحقة من الومضات الخاطفة‪،‬‬ ‫والجمل المتوترة التي تعكس حالة غريبة‬ ‫ومتفردة من الحب‪.‬‬ ‫من الواضح أن النص أو الحوار أو الرسالة‬ ‫قد خرج من المرأة بعدما استبد بها الشوق‬ ‫والشعور بالوحشة‪ ،‬فهي تريد أن تعبر عن‬ ‫مشاعر كثيرة وأفكار موحشة‪ ،‬تخيَّل معي‪:‬‬ ‫عندما تكون غاضبًا من شخص ما وتقول‬ ‫له بشكل فجائي وبنبرة ح��ادة وأن��ت تقطب‬ ‫ما بين حاجبيك‪ :‬اسمع‪ ..‬كذا وك��ذا وكذا‪.‬‬ ‫وهكذا يأتي النص كما لو كان حديث شخص‬ ‫غاضب‪ ،‬منفعل‪ ،‬مليء باالستطرادات‪ ،‬في‬ ‫جمل قصيرة ومقتضبة‪.‬‬

‫تظهر معظم ن��ص��وص ال��دي��وان كما لو‬ ‫كانت مجتزءًا من ح��وار بين شخصين‪ ،‬في‬ ‫الغالب رجل وامرأة‪ ،‬ويأتي النص كما لو كان‬ ‫استطرادًا أو تكملة لحديث ممتد بينهما‪،‬‬ ‫يتنوع ال��ح��وار بين ال��رج��ل وال��م��رأة بحيث‬ ‫يتجاذبا أطراف الحديث على مدار الديوان‪،‬‬ ‫يعكس الحوار حالة من الشعور المستبد‬ ‫فتبدو مجموعة النصوص كما لو كانت رسائل باالفتقاد والوحشة‪ ،‬لدرجة أن تلك المرأة‬ ‫بين عاشقين‪ ،‬تقول المرأة مثال‪:‬‬ ‫تبدو وكأنها تحاول أن تسكت كل األصوات‬ ‫اسمع‪ ...‬لن أكمل الصالة‬ ‫التي تحول دون تعبيرها عن ذلك الشعور‪،‬‬ ‫اهلل لم يعد يريدني‪ ،‬وأنا‬ ‫فهي تتخلص بشكل حاد وغاضب من مسألة‬ ‫أفتقدك بشدة‪..‬‬ ‫ع��دم إكمال الصالة بحجة أن اهلل لم يعد‬ ‫هل تصدقني لو قلت‪:‬‬ ‫يريدها‪ ،‬تتخلص من ذلك بسرعة لتأتي إلى‬ ‫إني رأيت أسطو ًال بحريًا كام ًال‬ ‫مأربها من النص وهو التعبير عن شعورها‬ ‫يهرب أمام سفينة واحدة للقراصنة‬ ‫المفجع ب��االف��ت��ق��اد‪ ،‬فتقول بشكل مباشر‬ ‫ولن تصدق أن القراصنة كلهم يشبهونك وقاطع وال يحتمل التأويل « أفتقدك بشدة‪»..‬‬ ‫هل كنت قرصانًا قبل ذلك؟‬ ‫أعتقد أن هاتين الكلمتين هما بيت القصيد‬ ‫أح ُّ‬ ‫�����ب ب�����ذرة ال���ش���ر ال��ص��غ��ي��رة ف���ي أع��م��اق كما يقولون‪ ،‬فعندما تنتهي منهما تهدأ وكأنّها‬ ‫روحك‬ ‫أخرجت فيهما كل ما في داخلها من غضب‬ ‫وأعتقد أنك خطفتني‪.‬‬ ‫وانفعال‪ ،‬بعدها تحكي بشيء من االستفاضة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪53‬‬


‫حكاية األسطول البحري ال��ذي هرب أمام‬ ‫سفينة للقراصنة‪ ،‬وتخلص منها إلى اتهام‬ ‫ذل���ك ال��رج��ل ب��أن��ه ي��ب��دو ك��ق��رص��ان‪ ،‬فلقد‬ ‫خطفها‪ ،‬ورغم كل ما تعيشه من عناء وألم‬ ‫وشعور بالوحشه هي تحب ذلك‪.‬‬ ‫ال شك أن الشاعر هنا يضع نفسة في‬ ‫مخاطرة كبيرة‪ ،‬فهو يغامر بهذه الكتابة‬ ‫التي تتنصل من كافة المحددات والضوابط‬ ‫والتصورات التي ارتبطت بقصيدة النثر منذ‬ ‫نشأتها وحتى اآلن‪ .‬فهو فتح باب الشعر على‬ ‫مصراعيه ليجعله مكافئًا للحياة‪ ،‬الحياة‬ ‫التي زال��ت فيها كافة الحدود والمسافات‬ ‫بين الواقعي والخيالي‪ ،‬النخبوي والشعبوي‪،‬‬ ‫األدب���ي واالستهالكي‪ ،‬الفن الرفيع والفن‬ ‫الهابط‪ ،‬الحياة التي تظهر في شكل مجموعة‬ ‫هائلة من الصور المتالحقة‪ ،‬الحياة التي ال‬ ‫تعرف حتى المفارقة‪ ،‬التي هي من صنع‬ ‫ال��ش��ع��راء‪ ،‬فالصور المتناقضة ف��ي الحياة‬ ‫تتجاور وتتالحم‪ ،‬بل وتبدو غير متناقضة‬ ‫ال ع��ن أنها ليست األص��ل في‬ ‫أص�لا‪ ،‬فض ً‬ ‫هذا العالم‪ ،‬فاألصل هو االتساع واالختالط‬ ‫والتجاور‪ ،‬وكذا يتنصل نص «عصام أبو زيد»‬ ‫من جمالية مهمة من جماليات قصيدة النثر‪،‬‬ ‫وهي المفارقة‪ ،‬وينحاز النص في مقابل ذلك‬ ‫لعادية الحياة وتالحم صورها ومعانيها‪ ،‬انظر‬ ‫إليه وهو يقول‪:‬‬

‫هنا م��ف��ارق��ة م��ن ن��وع خ���اص‪ ،‬ح��ال��ة من‬ ‫المفارقة ليست صارخة‪ ،‬كلمة «حزين» هنا‬ ‫ج��اءت لتنهي النص بشكل ع��ادي وه��ادئ‪،‬‬ ‫بال محاولة لالفتعال أو اإلدهاش‪« ،‬الصيف‬ ‫رائع هنا وحزين» هكذا تبدو مشاهد الحياة‬ ‫عادية ورتيبة‪ ،‬وليست مفارقة أو متناقضة أو‬ ‫مدهشة بالشكل الصارخ الذي تصوره أغلب‬ ‫قصائد النثر‪.‬‬

‫اس��ت��ط��اع «ع��ص��ام أب���و زي���د» م��ن خ�لال‬ ‫ديوانه األخير «الحركات الرئيسة لرقصة‬ ‫الميرينجو» أن يجعل الحياة تنبض بين دفتي‬ ‫ديوانه‪ ،‬لقد ترك للحياة فرصة لتتحدث عن‬ ‫نفسها أمامنا دون تدخل أو مراقبة أو أي نوع‬ ‫أحب رقصة الميرينجو‬ ‫أنا ُّ‬ ‫من أنواع السلطة‪ ،‬حتى سلطة الشعر أظنها‬ ‫ِ‬ ‫وأنت تحبين مالعب الغولف قرب بحيرة سقطت من خالل هذه الكتابة التي تتأبى‬ ‫انريكييو‬ ‫على كثير من محاوالت التعريف والتأطير‪،‬‬ ‫لن نسافر هذا العام‬ ‫وتقترح نفسها قفزة واسعة المدى في سماء‬ ‫الصيف رائعٌ هنا‪ ،‬وحزين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الشعر!‬

‫‪54‬‬

‫* شاعر وناقد من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المجتمعية‬ ‫الصورة‬ ‫ّ‬

‫في رواية «كذبة إبريل» لــ«سمر المقرن»‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬نهلة الشقران*‬

‫تبدو العناصر الشكلية في النص ذات قدرة إيحائية لبيان إصرار البطلة على‬ ‫البحث عن ذاتها وانعكاسها في اآلخر المفقود؛ فالصور المجتمعيّة التي وظفتها‬ ‫والحس المرجعيّ ‪ ،‬والبيئة‬ ‫ِّ‬ ‫الكاتبة في روايتها تعبّر عن عدة أمور‪ ،‬هي‪ :‬عمق الرؤيا‪،‬‬ ‫المادي الذي يحيط بها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المألوفة‪ ،‬والعالم‬ ‫أه � ّم م��ا ميّز ال��رواي��ة ف��ي ه��ذا الصدد‬ ‫ه��و تصوير االن��ده��اش أوال م��ن ال��ص��ورة‬ ‫المجتمعيّة‪ ،‬وتسليط ال��ض��وء ثانيا على‬ ‫الخلخلة والخرق والتحوّل فيها‪ ،‬ثم ثالثا‬ ‫المواجهة والـتأسيس لألنا التي تعي هذه‬ ‫ال��ص��ورة وت��ح��اول ال��ت��ع��ام��ل معها بعقليّة‬ ‫دارية‪ .‬فالرواية تحمل في طيّاتها وظيفتان‪:‬‬ ‫وظيفة تعبيرية انفعالية تتضح بك ّل جالء‬ ‫في تسلسل األح���داث من جهة‪ ،‬وتصوير‬ ‫الوجدان من جهة ثانية‪ ،‬ووظيفة مرجعية‬ ‫تتعلق بمسح توثيقي لقصة ت��ت��ك�رّر في‬

‫المجتمع الخليجي‪ ،‬بؤرتها المرأة وقضية‬ ‫تهميشها في حرية اختيار الشريك‪ ،‬وفي‬ ‫القدرة على الرفض‪ ،‬حين يتحقّق الوعي‬ ‫بما يجب أن يكون وما ال يجب‪.‬‬ ‫وع��ل��ي��ه‪ ،‬ف��ق��د ال��ت��ج��أت ال��روائ��ي��ة إل��ى‬ ‫مجموعة من المبادئ التداولية بغية التأثير‬ ‫على ال��ق��ارئ‪ ،‬وإق��ن��اع��ه ذهنيا ووج��دان��ي��ا‬ ‫وحركيا‪ .‬لذا‪ ،‬وظفت مجموعة من األحداث‬ ‫ال��واض��ح��ة ال��م��أل��وف��ة الم���رأة ف��ي مجتمع‬ ‫خليجي محافظ‪ ،‬فلم توغل في التجريد‬ ‫وال��غ��م��وض واإلب���ه���ام‪ ،‬ب��ل ات��ص��ف��ت لغتها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫جميل كانت تحياه البطلة‪ ..‬سرعان ما اكتشفت‬ ‫أنه كذبة معروفة وليس كذبًا حسب‪ ،‬بل كذبة‬ ‫متكرّرة كتكرّر شهر إبريل ك ّل سنة‪ ،‬ومشروعة‬ ‫بسبب ت��ع��ارف المجتمع عليها‪ ،‬ف�لا يُحاسب‬ ‫عليها قانون‪ ،‬وال ينكرها فرد من أفراد المجتمع‪،‬‬ ‫وكذلك الحب الذي تأمّلته المرأة في البطلتين مع‬ ‫الرجل‪ ،‬لم يكن إلاّ كهذه الكذبة مناسبة تقليدية‬ ‫بالسالسة والمباشرة‪ ..‬فبدت أقرب لجميع فئات اعتاد الناس فيها على االحتفال وإطالق النكات‬ ‫ال��ق��راء‪ ،‬ويعني ه��ذا أ ّن الروائية أخ��ذت بمبدأ وخداع بعضهم بعضاً‪.‬‬ ‫التعاون التداولي‪ ،‬مع اح��ت��رام عقدة التواصل‬ ‫إن الثنائية المجسدة ف��ي ال��ع��ن��وان‪ :‬كذبة‪/‬‬ ‫بينها وبين المتلقي‪ ،‬وذلك عبر تمثّل مجموعة‬ ‫من القواعد التداولية كقانون الصدق‪ ،‬وقانون إبريل‪ ،‬نجدها تمثّل بؤرة النص منها تتفجّ ر كل‬ ‫االستقصاء‪ ،‬فاختارت الحقيقة والتعيين والقرب الدالالت‪ ،‬وتتفرّع عنها ثنائيات أخرى طرفٌ لها‬ ‫من الواقع المجتمعي بما في هذا األمر من جرأة مذكور في العنوان‪ ،‬وطرفٌ آخر مُغيّب يفهم من‬ ‫محمودة لها‪ ،‬ورغبة في كشف الخبايا لقصص رب��ط المفردتين ببعضهما في العنوان‪ ،‬وهذه‬ ‫الثنائيات تستم ّد من الثنائية األص��ل (ص��دق‪/‬‬ ‫كثيرة تجري كل يوم‪.‬‬ ‫ك��ذب)‪ ،‬ومنها يت ّم تأطير سير األح��داث‪ ،‬لتظهر‬ ‫كما يتمثل قانون االستقصاء أو قانون الكمية‪ ،‬الثنائيات اآلتية‪ :‬نور‪/‬ظالم‪ ،‬براءة‪/‬شرّ‪ ،‬بياض‪/‬‬ ‫وذل���ك عبر االس��ت��ق��راء واالس��ت��ط��راد‪ ،‬وتقديم‬ ‫اسوداد‪ ،‬ذات معتدى عليها‪ /‬ذات معتدية‪ ..‬فنجد‬ ‫معلومات واف��ي��ة ع��ن المجتمع ال��س��ع��ودي في‬ ‫األحداث تتحرك على منحيين متضادين يحاول‬ ‫نظرته للمرأة وزواجها وعملها‪ ،‬ثم تصوير بيت‬ ‫كل واحد منهما الوقوف في وجه اآلخر وتغييبه‪.‬‬ ‫الزوجيّة الذي يُتكتم على حيثياته‪ ،‬فدخلت في‬ ‫إ ّن أهم خاصيات الخطاب الروائي هي أنه‬ ‫روايتها غرفة النوم التي غالبا تكون من حصة‬ ‫المرأة فقط‪ ،‬والديوانية التي تصبح كيان الزوج س��ردي‪ ،‬وهيمنة السرد في ه��ذه ال��رواي��ة يغفر‬ ‫المجهول‪ ،‬والمطبخ البارد الذي ال يجمع عائلة لها بساطة لغتها‪ ،‬فاشتغال الخطاب الروائي‬ ‫بقدر ما يلبي رغبات عابرة لضيوف مجهولين‪ .‬على القصة بأشخاصها وأحداثها وفضائها كان‬ ‫ملمحا‪ ،‬إذ ب��دت ال��رواي��ة قصة قصيرة مكبّرة‪،‬‬ ‫ت ّم عرض األحداث وتتابعها بأسلوب تصويري‬ ‫واق��ت��رب��ت م��ن الحميميّة ال��م��وج��ودة ف��ي عالم‬ ‫واض��ح يجمع بين التعيين والتضمين‪ ،‬ويسمى‬ ‫القصة بين العقدة الواحدة واألحداث المنبثقة‬ ‫هذا بالمحاكاة التامة في الوصف‪ ،‬وكأن الروائية‬ ‫منها‪ ،‬وأغلقت فضاءات الرواية الواسعة‪.‬‬ ‫تنقل القارئ ليحيا ما تعانيه بطلتاها‪ ،‬تتجسّ د‬ ‫ما يميز الرواية أنها تنتج خطابا صريحا‪ ،‬وال‬ ‫الوقائع أمامهما‪ ،‬فتشعران بالمعاناة التي تروي‬ ‫كذبة تثبتها الروائية حقيقة علنية في عنوانها تلعب على المضمر من القول‪ ،‬بل تنتج أفعاال‬ ‫«كذبة إبريل»‪ ،‬هذا العنوان الموحي بسيميائية تستبطن رسالة م��ا‪ ،‬وتتضمن خطابا ملموسا‬ ‫خاصة‪ ،‬أوال‪ :‬اإلضافة بين المفردتين وما توحي يُجسّ د بما هو محقق من األفعال‪ ،‬تقول البطلة‬ ‫به من تخصيص لكذبة إبريل التي عبّرت عن حلم مثال‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وف��ي ه��ذا رس��ال��ة صريحة توجّ هها الكاتبة‬ ‫بوساطة بطلتها لكل فتاة تحيا ف��ي المجتمع المرأة في هذا الصدد‪ ،‬انتصارها الوحيد في‬ ‫نفسه‪ ،‬وتطالبها بالشجاعة والصمود في مواجهة الهرب‪ ،‬وطيّ الصفحة بصمت‪.‬‬ ‫شبح العنوسة كي ال تقع فريسة أشباح ال ح ّد لهم‬ ‫يبرز ال��ح��وار األم��ر ذات��ه ك��ح��وار البطلة مع‬ ‫في ما بعد إن لم تحسن االختيار‪ ،‬وتعي قبل هذا‬ ‫صديقتها الذي تبثّ فيه خوفها من عودة زوجها‬ ‫كيف يكون االختيار‪.‬‬ ‫لزوجته األولى‪:‬‬ ‫إن ق���ارئ ال���رواي���ة ي��ج��ده��ا ت��غ� ّي��ب ال��ص��راع‬ ‫«لدي مخاوف أن تتغير نظرته ويفكر بالعودة‬ ‫الحدثيّ ‪ ،‬وتبرز فعل الكالم‪ ،‬وال��ح��وار‪ ،‬فتصف‬ ‫الظاهرة المجتمعيّة المقصودة بحذافيرها‪ ،‬وفي لها‪ ،‬فكما تعلمين كثير من الرجال تحلو المرأة‬ ‫الوقت نفسه تفسح المجال للفعل المادي‪ ..‬لكن األول���ى بعينه بعد أن يرتبط ب��أخ��رى! ن��وال‪..‬‬ ‫بصورة ضئيلة‪ ،‬ولنأخذ مثاالً على هذا وصف قالتها عواطف بحدة وهي تريد أن توقفني عن‬ ‫البطلة في هذا المقطع‪:‬‬ ‫الحديث‪ .‬وأكملت‪ :‬أشعر دائما أن المرأة عندنا‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫(للتو استوعبت أنني تزوجت على طريقة‬ ‫«خ��ذوه‪ ..‬فغلّوه»‪ ،‬لم أعترض‪ ،‬فليس لي الحقّ‬ ‫في هذا أوال‪ ،‬كما أنّني أردت الخروج عن شبح‬ ‫العنوسة الذي بدأ يدبّ في أركان الفتاة رعبا منذ‬ ‫بداية العشرينيات! ص‪.»26‬‬

‫سمر المقرن‬

‫«بقيت خلف النافذة مرتعبة حتى في محطات تعيش الحب وه��ي بانتظار صدمة لذلك كلما‬ ‫ال��ه��دوء‪ ،‬بقيت أرتعش خوفا‪ ،‬وأوم��ئ بجسدي أحبّت أكثر رمت شرارة القلق في جوف العالقة‬ ‫رقصا على أنغام الموت‪ ،‬هذا الموت المنبعث أكثر‪.‬‬ ‫من داخلي‪ ،‬لم يكن في ذهني أنّه آت من عالم‬ ‫المرأة في ب�لادي تعرف أحيانا كيف تفسد‬ ‫مجهول‪ ...‬هو آت هذه المرة من حيث تعلم روحي‪،‬‬ ‫العالقة‪ ،‬أ ّم��ا الرجل فيعرف دائما كيف يهرب‬ ‫ومن حيث رسمتها خارطة جسدي المتواطئ مع‬ ‫ليوقد توتر امرأة أخرى‪ .‬السعوديون يعرفون كيف‬ ‫صرير هواء النوافذ‪ ،‬هذه الليلة يتواطؤون على‬ ‫يحبون‪ ..‬لكنهم ال يطمئنون لفكرة الحب‪ ».‬ص‪63‬‬ ‫طيّ أوراقي ودسّ ها في علبة الذكريات»‪.‬‬ ‫وهكذا يتعطل عمل الفعل ليفسح‪ ‬المجال‪ ‬لفعل‬ ‫فنالحظ أنها تنتج خطابا صريحا‪ ،‬وتقوم‬ ‫ب��أف��ع��ال تستبطن خ��ط��اب��ا ي��م��ك��ن ق���راءت���ه من القول‪ ،‬تغيب الثقة بالذات التي تجعلها قادرة على‬ ‫خالل األفعال‪ ،‬لكنّها تميل للفعل القولي أكثر التخلّص من الصورة المجتمعيّة‪ ،‬وتح ّل محلّها‬ ‫من الحدثيّ ‪ ،‬فهي تصف بعاطفة األنثى اآلثار خوف الذات من المجتمع وتفكيره ونظرته المنتج‬ ‫السلبية الواقعة على البطلة حين أحبّت بصدق‪ ،‬للقتل والمؤرخ ألحكام معدّة مسبقا عن المرأة‬ ‫وهي تؤكّد في الوقت ذات��ه أن ال سبيل لتغيير والرجل والحب‪.‬‬ ‫ * أكاديمية وقاصة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪57‬‬


‫المعنى الشعري‬

‫لرشيد الخديري‬ ‫لملمة حبات العقد المنفرط‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬سعيد بوعيطة*‬

‫األخاذ الذي‬ ‫منذ القديم إلى اليوم‪ ،‬لم تتوقف محاوالت الكشف عن ذلك السر ّ‬ ‫يسكن اللغة الشعرية ويميّزها عن لغة النثر والمخاطبات اليومية بين الناس‪.‬‬ ‫ولعل هذا ما جعل من بين أهم انشغاالتهم النظريّة والتصوُّ رية في ذلك‪ ،‬مسألة‬ ‫الشعر‪ .‬فقد سعى الباحثون والنقاد على السواء للكشف عن خصائصه‬ ‫المعنى في ّ‬ ‫ومميّزاته وأنماط اشتغاله‪ .‬لكن البحث في هذا المعنى انتقل في العصر الحديث‬ ‫من تحديد مفهوم معنى الشكل إلى تحديد مفهوم شكل المعنى‪.‬‬ ‫انعكس هذا التحول‪ ،‬على البنية الدّاللية‬ ‫للقصيدة وسياقها وفاعليّتها في إنتاج‬ ‫المعنى‪ .‬ويمكن لنا أن نشير إل��ى أ ّن��ه‬ ‫ب��دأن��ا ننتقل م��ن بنية ال��ع��روض حيث‬ ‫هيمنة الوزن وأسبقيّته في تحديد مُكوّن‬ ‫النص‪ ،‬إلى بنية الداللة‬ ‫ّ‬ ‫الشعرية داخل‬ ‫حيث التركيز على المعنى وطرائق تمثيله‬ ‫وتشكيله فنّياً‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫لقد شكّل بروز الشّ عر الحر‪ ،‬وقصيدة‬ ‫النثر تالياً‪ُ ،‬منْعطفاً الفِ ��ت �اً ف��ي تاريخ‬ ‫الشّ عرية العربية‪ ،‬إذ انْ��ه��ا َر المعمار‬ ‫التّقليدي للقصيدة‪ .‬فإلى جانب الثورة‬ ‫على اإلي��ق��اع التقليدي‪ ،‬وم��ا صاحبها‬ ‫النصي‪ ،‬ب��دأت‬ ‫ّ‬ ‫م��ن تغيّرات ف��ي البناء‬ ‫ع�لاق��ة ال��ش��اع��ر باللغة ت��أخ��ذ مناحيَ‬ ‫وجماليّات جديدة من الصوغ واالنْبِناء‬ ‫والتدليل‪ ،‬من خالل االستخدام الفرديّ‬ ‫اتّضح أن الشّ اعر لم يعد يهت ُّم بتحرير‬ ‫ل��ه��ا وإع����ادة تشكيلها خ���ارج طبيعتها‬ ‫الراسخة وأوضاعها القاموسية الثّابتة‪ .‬أخيلته من تسلُّط التراث البياني عليها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫حداثة اللغة وإشكاليّ ة الداللة‬ ‫لقد أصبح سؤال الحداثة الشعرية‪ ‬ضاغِ طاً‬ ‫على‪ ‬نصوص الشعراء وتجاربهم في تمثيل‬ ‫الذات والحقيقة بأكثر أدوات التعبير الشعري‬ ‫أصال ًة وج ّد ًة من خالل رؤاهم الشعرية للحياة‬ ‫والكون عامة‪ .‬وفي خض ّم التجربة الجديدة‪،‬‬ ‫بات في وسع الشّ اعر الحديث السباحة في‬ ‫بحار المعرفة السبعة بتعبير الشاعر صالح‬ ‫عبدالصبور‪ .‬ينهل من معارف العصر وثقافاته ‪ -2‬إغناء اللّغة بأشكال من المفارقة والتّجريد‬ ‫المتنوّعة الواردة من وراء البحر‪ .‬وأن يدعها‬ ‫والتناص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والتّرميز‬ ‫�ص��ورة بوصفها طاقة‬ ‫تمتزج ف��ي نفسه وف��ك��ره بثقافته العربيّة‪ -3 .‬توسيع م��دل��ول ال� ُّ‬ ‫ليستعين بها على تحليل واق��ع��ه وال��وق��وف‬ ‫اح��ت��م��ال� ّي��ة ت��ت��غ�ذّى م��ن ب�لاغ��ة التكثيف‬ ‫على المتناقضات والمالبسات التي تكتنفه‬ ‫واالنزياح‪.‬‬ ‫وإدراكها إدراكاً موضوع ّياً‪ .‬ومن ثمّ‪ ،‬التعبير‬ ‫النصي الذّي يشي بنوع من‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4‬تشظي البناء‬ ‫عن ذلك كلّه بصوته الذاتي المفرد بشيْ ءٍ من‬ ‫راب��ط‬ ‫التشتُّت واالنتشار والتشذُّر‪ ،‬بال ٍ‬ ‫المعاناة‪ ،‬والقلق‪ ،‬والسخرية‪ ،‬ومراوغة الشكّ‬ ‫منطقيّ ‪.‬‬ ‫والتمرّد على واقع الهزيمة الفردية (الذاتية)‬ ‫لقد عملت هذه المميزات وغيرها على‬ ‫والجماعية‪ ..‬‬ ‫نقل حركة انبثاق المعنى من دائ��رة الدّاللة‬ ‫‪ ‬وبهذا تعددت المصادر الكتابيّة الجديدة المعجميّة إل���ى دائ����رة ال��دالل��ة السياقية‬ ‫إمكانات عدة‪ .‬بحث ثم إعادة‬ ‫ٍ‬ ‫الّتي صار شعر الحداثة يغترف منها ويُدْمنها؛ المفتوحة على‬ ‫ما أسهم في تكثيف المعنى إلى درجة التّعقيد بناء العالقات الوظيفيّة بين اللغة والمعنى‪.‬‬ ‫أحيانا‪ ،‬والغموض أحايين أخرى‪ .‬بهذا‪ ،‬وجد‬ ‫ش � ّك��ل ه���ذا ال��ت��ص��ور وغ���ي���ره‪ ،‬األس���اس‬ ‫المتلقي نفسه أم��ام إشكاليّة الداللة‪ .‬فقد‬ ‫المعرفي لكتاب المعنى ال��ش��ع��ري‪ :‬األف��ق‬ ‫تميزت هذه األخيرة بسمات عدة نذكر منها‪ :‬‬ ‫الجمالي وشعريات الرؤى للشاعر المغربي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -1‬تكسير الدّاللة الواحدة‪ ،‬وتفجير‬ ‫دالالت رشيد الخديري‪ .‬الصادر عن دائرة الثقافة‬ ‫واإلع�ل�ام بالشارقة‪ .‬سلسلة كتاب الرافد‪،‬‬ ‫جديدة‪ .‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وربطها بتجربته الجديدة فحسب‪ ،‬بل تعدّى‬ ‫ذل��ك إل��ى ال���دأب على توسيع أف��ق الصورة‬ ‫نفسها‪ ،‬لتت ِّسع أكبر ق��در م��ن االحتماالت‬ ‫المتَّصلة بأعماق التجربة‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫العدد (‪ ،)126‬سبتمبر ‪2016‬م‪ .‬يقع الكتاب‬ ‫ف��ي (‪ )120‬ص��ف��ح��ة‪ ،‬وي��ت��ك��ون م��ن مقدمة‬ ‫وخمسة م��ح��اور صغرى (ل��ك��ون الكتاب لم‬ ‫يقسم إلى فصول)‪ .‬بحيث يمكن تحديد هذه‬ ‫المحاور كما يأتي‪:‬‬ ‫ المقدمة‪ :‬ص ‪.5‬‬‫ المعنى الجمالي وشعريات الرؤى‪ ،‬ص ‪.7‬‬‫ تجربة الشاعر عبدالهادي روضي‪ ،‬ص ‪19‬‬‫(من خالل ديوانه‪ :‬بعيدا قليال)‪.‬‬ ‫ تجربة الشاعر عبداللطيف ال��وراري‪ ،‬ص‬‫‪( 39‬من خالل ديوانه‪ :‬ذاكرة ليوم آخر)‪.‬‬ ‫ ت��ج��رب��ة ال��ش��اع��ر محمد ج��ع��ف��ر‪ ،‬ص ‪57‬‬‫(من خالل ديوانه‪ :‬في هفوة الليل‪ ،‬أول‬ ‫أسفاري)‪.‬‬ ‫ تجربة الشاعر محمد اللغافي‪ ،‬ص ‪( 79‬من‬‫خالل ديوانه‪ :‬يسقط شقيا)‪.‬‬ ‫وإذا كان علينا دائما أن ننصاع لنصح حجة‬ ‫اإلسالم اإلمام الغزالي في عدم االرتكان إلى‬ ‫معرفة الحق بالرجال‪ ،‬بل على العكس معرفة‬ ‫الحق أوال لنعرف أهله‪ .‬ف��إن ه��ذه المقولة‬ ‫كانت بالنسبة لي إرشادا أعانني على تصور‬ ‫ع��دة خصائص في شخصية ه��ذا الباحث‪.‬‬ ‫تحتم علينا الموضوعية التي يجب أن نسجلها‬ ‫في نهاية العرض ال في بدايته‪ .‬لكننا سننزاح‬ ‫عن هذه القاعدة ونسجل بعض المالحظات‬ ‫المحورية قبل عرض هذا الكتاب بنوع من‬ ‫ال��ت��ف��ص��ي��ل‪ .‬وذل����ك م��ن خ�ل�ال مالحظتين‬ ‫أساسيتين هما‪:‬‬

‫‪60‬‬

‫ت��ص��ورن��ا ع��ل��ى األق���ل إل���ى ك���ون الكتاب‬ ‫ق���راءات (ق����راءات عاشقة كما يسميها‬ ‫بعضهم)‪ ،‬ص��ادرة عن شاعر وليس عن‬ ‫ناقد ينطلق من تصور نقدي مُعيَّن يفرضه‬ ‫النص‪ .‬وإنما عن شاعر (لكون الباحث‬ ‫رش��ي��د ال��خ��دي��ري ش��اع��را ول��ي��س ن��اق��دا‬ ‫حسب معرفتي ب��ه)‪ .‬ولعل هذا ما أشار‬ ‫إليه الباحث الخديري نفسه في الصفحة‬ ‫السادسة من الكتاب‪ .‬يقول‪( :‬بهذا التصور‬ ‫ح��ول الشعر‪ ،‬وم��ا يبعثه ف��ي ال���روح من‬ ‫لذة وجمال‪ ،‬حاولت تتبع بعض التجارب‬ ‫الشعرية على تباينها واختالفها بحثا عن‬ ‫المفتقد والجوهري بين هذا وذاك‪ ،‬أ ُقِ ُّر‬ ‫بأنني لست ناقدا‪ ،‬وال باحثا يهتدي إلى‬ ‫النصوص بعدة األكاديمي الصارم‪ ...‬الخ)‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن الحديث عن تجربة شعرية معينة‪ ،‬هو‬ ‫بالضرورة حديث عن التراكم الشعري‬ ‫ال��ذي حققه ه��ذا الشاعر أو ذاك؛ ألن‬ ‫هذا التراكم هو الذي يحدد مالمح تجربة‬ ‫شعرية معينة‪ .‬في حين اكتفى الباحث‬ ‫رشيد الخديري ب��دي��وان شعري واح��د‪،‬‬ ‫باستثناء الشاعر عبدالهادي روضي الذي‬ ‫تناوله الباحث من خالل ديوانين‪.‬‬ ‫الكتابة والبحث عن اإلشراق‬

‫حاول الباحث في مقدمة الكتاب‪ ،‬تقديم‬ ‫بعض ال��رؤى المختلفة المرتبطة بالكتابة‬ ‫األدبية (اإلبداع عامة)‪ .‬ليؤكد أن (من يمتهن‬ ‫حرفة الكتابة‪ ،‬ال بد له من إشراقات تخترق‬ ‫حجب المعنى) ص (‪ .)6 ،5‬كما حد َد الباحث‬ ‫‪1‬ـــ عدم اعتماد منهج نقدي في تناول هذه الشعر بوصفه اختراقا وكشفا ورؤي���ا‪ ،‬إنه‬ ‫التجارب الشعرية‪ .‬وقد يرجع ذلك حسب يجدد الحياة واللغة‪ .‬من خالل هذا التصور‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫حول الكتابة والشعر‪ ،‬ح��اول الباحث رشيد‬ ‫الخديري تتبع هذه التجارب الشعرية على‬ ‫تباينها واختالفها أحيانا وتداخلها أحايين‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫المعنى الشعري وشعريات الرؤى‬ ‫ناقش الباحث رشيد الخديري في هذا‬ ‫اإلط����ار مجموعة م��ن ال��ق��ض��اي��ا‪ :‬التجربة‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة وف��ع��ل ال��م��ك��اش��ف��ة‪ ،‬م����رآة النقد‬ ‫المكسورة‪.‬‬ ‫بالنسبة للمسألة األولى‪ ،‬يرى الباحث أن‬ ‫التجربة الشعرية تتشكل من حالة شعورية‪،‬‬ ‫أو هي شحنة وجدانية تندفع بقوة‪ .‬لتنزف‬ ‫على البياض‪ .‬تستقي هذه الشحنة مكوناتها‬ ‫وت��ج��ارب��ه��ا م���ن ت��ع��دد ال���راف���د ال��م��ق��روئ��ي��ة‬ ‫والثقافية‪ ،‬وك��ذا من رؤى الشاعر لألشياء‪.‬‬ ‫لعل هذه الخاصية هي التي تعطي للمبدع‬ ‫عامة والشاعر خاصة تفرده وتميزه من خالل‬ ‫تجربته اإلب��داع��ي��ة‪ .‬كما أش��ار الباحث إلى‬ ‫أهمية الرؤيا الشعرية‪ .‬يقول في الصفحة ‪10‬‬ ‫«من هنا‪ ،‬كانت الرؤيا أحد الروافد األساس‬ ‫في إغناء التجربة الشعرية‪ ،‬ومدّها بالعمق‬ ‫الذي تسعى إليه‪ ،‬ال معنى للقصيدة دون أفق‬ ‫يكشف لها تلك المعاني الثاوية في األعماق»‪.‬‬ ‫لكن على الرغم من أهمية تصور الباحث‬ ‫المرتبط بالرؤيا‪ ،‬فإننا نذهب جازمين إلى‬ ‫أن اإلب��داع عامة بكل أجناسه المختلفة ال‬ ‫يخلو من ه��ذه الرؤيا التي يبلورها المبدع‬ ‫من خالل أدواته وعناصره الفنية‪ .‬بعد ذلك‬ ‫أشار الباحث بنوع من االختزال إلى التطور‬ ‫والتحول الذي عرفته الشعرية العربية‪ .‬تح ُّو ٌل‬ ‫أدى في بعض مراحله إل��ى تراجع الشعر‪.‬‬

‫يقول ف��ي الصفحة ‪« :11‬المتأمل للراهن‬ ‫الشعري العربي اآلن قد يلحظ ذلك التكلس‬ ‫الذي يطبع الكثير من النماذج الشعرية‪ ،‬وفي‬ ‫اعتقادي أن التناصية السلبية‪ ،‬واالجترار‪،‬‬ ‫وغياب الرؤيا‪ ،‬هي من األسباب التي جعلت‬ ‫القصيدة تسقط في التهلهل والضعف‪.»...‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪61‬‬


‫منبن بشكل صحيح من جهة‪.‬‬ ‫إنه حكم غير ٍ‬ ‫كما أنه يتطلب معالجة عميقة وشاملة‪ .‬وفي‬ ‫المقابل‪ ،‬يشير الباحث الخديري كذلك إنه‬ ‫ينظر إلى الراهن الشعري بنوع من االبتهاج‪.‬‬ ‫نظرا لما تعرفه الساحة الثقافية من حركة‬ ‫إبداعية وتعدد التجارب وكثرة اإلص��دارات‪.‬‬ ‫إن هذا التضارب في المواقف واآلراء عند‬ ‫الباحث جعل أغلب تصوراته تعرف نوعا من‬ ‫الضبابية والغموض‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫أما بالنسبة للمسألة الثانية التي تناولها‬ ‫الباحث في ه��ذا المحور فتجلت في مرآة‬ ‫النقد المكسورة‪ ،‬ناقش من خاللها إشكالية‬ ‫المنهج النقدي العربي؛ فرأى أن النقد العربي‬ ‫ال��ق��دي��م (ال��ت��راث ال��ن��ق��دي) ال يغني النص‬ ‫الشعري الحديث في ش��يء‪ ،‬أم��ا الرحالت‬ ‫المتوالية إل��ى المناهج ال��واف��دة (ال��غ��رب)‬ ‫(يقصد النقد العربي الحديث) فلن تخدم‬ ‫النص الشعري بتاتاً (ص ‪ .)14‬لكن حين‬ ‫انتقل الباحث رشيد الخديري من الحديث‬ ‫عن النص الشعري وما يعتوره من خلل‪ ،‬إلى‬ ‫إشكالية المنهج النقدي‪ ،‬م َّر على ذلك مرور‬ ‫الكرام كما يقال‪ .‬في حين أن إشكالية المنهج‬ ‫النقدي كذلك تتطلب معالجة شاملة‪ .‬وقد‬ ‫سبق لمجموعة من الباحثين أن خصصوا‬ ‫لهذه اإلشكالية أعماال كاملة‪ .‬نذكر من بينهم‬ ‫(عباس الجراري في كتابه خطاب المنهج‪،‬‬ ‫عبدالعزيز حمودة في كتابه الخروج من التيه‪،‬‬ ‫سيد البحراوي في كتابه البحث عن المنهج‬ ‫في النقد العربي الحديث ‪...‬ال���خ)‪ .‬لينتقل‬ ‫الباحث من هذه النظرات الشعرية والنقدية‬ ‫إل��ى ت��ن��اول التجارب الشعرية التي شكلت‬ ‫المحور التطبيقي للكتاب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫في التجارب الشعرية‬ ‫‪ -1‬تجربة الشاعر عبدالهادي روضي‪:‬‬ ‫تناول الباحث رشيد الخديري في هذا‬ ‫اإلط��ار تجربة الشاعر المغربي عبدالهادي‬ ‫روضي‪ ،‬من خالل ديوانه بعيدا قليال‪ .‬ناقش‬ ‫من خاللها قضايا عدة‪ :‬قصيدة النثر كخيار‬ ‫أول (ص ‪ ،)20‬مع الخليل وضده (ص ‪،)23‬‬ ‫وجع األمكنة (ص ‪ ،)26‬بنية الخطاب الشعري‬ ‫(ص ‪ .)32‬إن الشاعر عبدالهادي روضي في‬ ‫دي��وان��ه بعيدا قليال‪ ،‬ينطلق م��ن مغامرته‪،‬‬ ‫مدفوعا بهاجس نقدي قرائي‪ .‬يحاول معرفة‬ ‫النص من الداخل؛ بمعنى آخر يحيا داخل‬ ‫القصيدة وخارجها‪ .‬وبهذا‪ ،‬فإن ديوان بعيدا‬ ‫قليال للشاعر عبدالهادي روضي‪ ،‬عبارة عن‬ ‫تجربة لها امتداد في األفق الشعري المغاير‬ ‫والمختلف لقصيدة النثر‪ .‬تتكىء هذه المغامرة‬ ‫الشعرية على ثنائية الرؤيا والمحو‪ :‬الرؤيا‬ ‫كفعل استشرافي لتحوالت الشعرية العربية‪.‬‬ ‫ثم المحو واالستنبات‪ ،‬كمحاولة للتخلص من‬ ‫سلطة األب المجسد رمزيا في أوزان الخليل‬ ‫والبحث عن آف��اق أخ��رى لتصريف الذائقة‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تجربة الشاعر عبداللطيف الوراري‪:‬‬ ‫تجلت التجربة الثانية التي تناولها الباحث‬ ‫رشيد الخديري في تجربة الشاعر المغربي‬ ‫عبداللطيف الوراري من خالل ديوانه ذاكرة‬ ‫ليوم آخر‪ .‬ناقش فيها مجموعة من القضايا‪:‬‬ ‫هبة الفراغ‪ ،‬مغامرة اإليقاع‪ ،‬حدود الشعري‬ ‫والنقدي‪ .‬وإذا كان الشاعر عبدالهادي روضي‬ ‫ال يولي أكبر اهتمام لمستوى األوزان‪ ،‬فإن‬ ‫الشاعر عبداللطيف ال��وراري‪ ،‬يجعل اإليقاع‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫عامال أساسً ا في التأثير الجمالي للقصيدة‪.‬‬ ‫فهو ينتقي ال��ج��رس الموسيقي المناسب‬ ‫لترجمة تموجات االنفعال‪ .‬إن��ه يعمل على‬ ‫تأثيث الفضاء النصي بموسيقى داخلية‪ .‬وفي‬ ‫حديثه عن الحد بين الشعري والنقدي عند‬ ‫الشاعر ال��وراري‪ ،‬يرى الباحث الخديري أنه‬ ‫يملك مجموعة من ال��رؤى تؤهله للنفاذ إلى‬ ‫الدواخل واحتضان التفاصيل‪ .‬وبهذا تبقى‬ ‫تجربة الشاعر عبداللطيف الوراري (حسب‬ ‫الباحث رشيد ال��خ��دي��ري)‪ ،‬شعريا ونقديا‪،‬‬ ‫تجربة غنية بانعطافاتها وتجلياتها‪ .‬ومن‬ ‫المؤكد أنها ترسم لنفسها خطا تصاعديا‬ ‫بنفس مغاير‪ .‬تمتح سماتها العامة‬ ‫نحو الكتابة ٍ‬ ‫من الشعرية العربية الراهنة دون التوقف عن‬ ‫مساءلة المعيارية القديمة جماليا وإيقاعيا‬ ‫وبنائيا‪.‬‬ ‫ال بد في ه��ذا اإلط��ار من ال��وق��وف عند‬ ‫مسألة المعيارية القديمة (حسب الباحث)‪.‬‬ ‫إن المعيارية ال ترتبط بكل م��ا ه��و قديم‬ ‫(حسب تصوري على األق��ل)‪ .‬لكن تُبنى من‬ ‫خالل التراكم الذي تحققه األجناس األدبية‪.‬‬ ‫تظل ه��ذه المعيارية ح��اض��رة ب��ق��وة‪ .‬نظرا‬ ‫لفاعليتها أحيانا‪ .‬فحتى حين نرفضها‪ ،‬فإننا‬ ‫نحاورها ونجددها ونضيف إليها‪ .‬وبهذا فهذه‬ ‫المعيارية ترافق اإلبداع في كل وقت وحين‪.‬‬ ‫إنها حاضرة في تقويم ما اعوج من اإلبداع‪.‬‬ ‫وتتطور بتطور اإلب��داع وتغيراته المستمرة‪ .‬مصدر إجابات؛ ما يعني أن القراءة النقدية‬ ‫إن العملية النقدية تعتمد المعايير ولو بشكل ال تصدر عن ف��راغ‪ ،‬وإنما عن وعي وخبرة‬ ‫نسبي‪ .‬كما أن ال��ق��راءة النقدية ه��ي التي وإدراك‪.‬‬ ‫تخرج النص اإلب��داع��ي م��ن منطقة الثبات‬ ‫‪ -3‬تجربة الشاعر محمد جعفر‪:‬‬ ‫واالطمئنان وتدفع به إل��ى منطقة الحركة‬ ‫ت��ن��اول الباحث رشيد الخديري تجربة‬ ‫واألسئلة‪ .‬ألن النص اإلبداعي منتج أسئلة ال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪63‬‬


‫الشاعر المغربي محمد جعفر من خالل‬ ‫ديوانه في هفوة الليل‪ ،‬أول أسفاري‪ .‬وذلك‬ ‫من خالل مجموعة من المستويات‪:‬‬ ‫أ‪ -‬بحور الشعر المستعملة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬نظام التقفية‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الموسيقى الداخلية‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫يؤكد الباحث رشيد الخديري أن تجربة‬ ‫محمد جعفر الشعرية (تجدد األفق وتبلور‬ ‫ال��وع��ي بقيم ال��ت��ذوق الجمالي والمعرفي‬ ‫ل�لأش��ي��اء‪ ).‬ص ‪58‬؛ م��ا ي��ج��ع��ل ال��خ��ط��اب‬ ‫الشعري عند محمد جعفر مفصوال عن‬ ‫ب��اق��ي ال��ت��ج��ارب األخ����رى‪ ،‬س���واء م��ن حيث‬ ‫اللغة أو الصور أو اإليقاع‪ .‬لكن ما يميز هذه‬ ‫التجربة الشعرية أكثر هو إص��راره��ا على‬ ‫االنهمار تفعيليا‪ ،‬بدل الكتابة تحت وصاية‬ ‫قصيدة النثر‪ .‬وبهذا‪ ،‬فالشاعر محمد جعفر‬ ‫(حسب الباحث الخديري)‪ ،‬يستلهم الكتابة‬ ‫عن وعي متجذر داخل موجة من الخيارات‬ ‫الجمالية‪ .‬أما على مستوى اإليقاع‪ ،‬فيرى‬ ‫الخديري (بعد تحليل نماذج من شعر محمد‬ ‫ج��ع��ف��ر)‪ ،‬أن ه��ذا ال��ش��اع��ر ق��د عمد أثناء‬ ‫استحضاره لإليقاع الخليلي إلى التنويع في‬ ‫نظام التقفية؛ ما خلق نوعا من المتوازيات‬ ‫الصوتية لدى الشاعر‪ .‬ولعل هذه هي الميزة‬ ‫األس���اس ف��ي شعر محمد جعفر‪ .‬وب��ه��ذا‪،‬‬ ‫يخلص رشيد الجديري في تناوله لتجربة‬ ‫محمد جعفر إل��ى ك��ون ه��ذا ال��ش��اع��ر قد‬ ‫تبنّى خيار قصيدة التفعيلة‪ .‬بما هي مرجع‬ ‫أس��اس للبوح الشعري‪ .‬ه��ذا األخير الذي‬ ‫تميز بتقنيات عروضية‪ ،‬ما منحه قوة شعرية‬ ‫وإبداعية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ -4‬تجربة الشاعر محمد اللغافي‪:‬‬ ‫أم���ا ال��ت��ج��رب��ة ال��ش��ع��ري��ة األخ���ي���رة التي‬ ‫تناولها الباحث الخديري‪ ،‬فتجلت في تجربة‬ ‫الشاعر المغربي محمد اللغافي من خالل‬ ‫دي��وان��ه يسقط شقياً‪ .‬تجنح ه��ذه التجربة‬ ‫(ح��س��ب ال��ب��اح��ث) نحو التمثل ال��درام��ي‪،‬‬ ‫وتنفتح في الوقت نفسه على األفق العدمي‬ ‫المعتم‪ .‬وكأننا إزاء رحلة تراجيدية نحو كل‬ ‫ما هو سوداوي؛ ما يخلق لدى الشاعر نوعا‬ ‫من القلق الوجودي‪ .‬وبعد تحديد هذه السمة‬ ‫المحورية في شعر محمد اللغافي‪ ،‬تناول‬ ‫الخديري ث�لاث مستويات ميّزت الشاعر‬ ‫اللغافي‪ :‬البناء ال��درام��ي‪ ،‬تصدع الداخل‪،‬‬ ‫اللغة والمقصدية‪.‬‬ ‫فبالنسبة للمستوى األول (البناء الدرامي)‪،‬‬ ‫يؤسس الشاعر اللغافي نصوصه الشعرية‬ ‫من خالل االحتدام الدرامي وتشظي الداللة؛‬ ‫بغية لململة الداخل وحفظه من االنهيار‪.‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬تعيش القصيدة عند اللغافي داخل‬ ‫بنية من التفتت والتالشي؛ وبموجب ذلك‪،‬‬ ‫ترسم لنفسها مسارًا من الحلم واالغتراب‪،‬‬ ‫وتظل خاضعة لبناء درامي يحدد اشتراطاتها‬ ‫ومصيرها (ص ‪.)87‬‬ ‫أم��ا المستوى الثاني (تصدع الداخل)‪،‬‬ ‫فيرتبط حسب الخديري‪ ،‬بكون كل حركة‬ ‫في نصوصه الشعرية لها قيمتها الداللية‬ ‫والبنائية والجمالية المتميزة بالهدم والبناء؛‬ ‫بحيث تتناسل ه���ذه ال��ص��ورة معلنة تلك‬ ‫العذابات التي يعيشها الشاعر‪ .‬إنها عزف‬ ‫على وثر التفجع والحزن‪.‬‬


‫القبض على إشراقة المعنى‬ ‫(الخاتمة)‪:‬‬

‫ب‪ -‬عدم ضبط مجموعة من المصطلحات‪:‬‬

‫بعد تناول هذه التجارب الشعرية المغربية‬ ‫وتحديد أهم مميزاتها‪ .‬أش��ار الباحث إلى‬ ‫أنها بمثابة نافذة تطل على تحوالت المعنى‬ ‫الشعري في القصيدة المغربية الجديدة‪ .‬إن‬ ‫الشاعر عبدالهادي روضي (حسب الباحث)‬ ‫يرفض بشكل علني وصاية الخليل (العروض‬ ‫الشعري)‪ ،‬وينتصر بشكل كلي لقصيدة النثر‪.‬‬ ‫وذل��ك م��ن خ�لال اس��ت��ش��راف آف��اق شعرية‬ ‫جديدة‪ .‬في حين وجد الباحث الخديري أن‬ ‫الشاعر عبداللطيف الوراري‪ ،‬أكثر ارتباطا‬ ‫بالشعرية العربية القديمة‪ ،‬نظرا النبهاره‬ ‫بهذا التراث والنهل منه‪ .‬وهو بهذا يتبنى‬ ‫أفقا شعريا يستند إلى الوعي بالتراث في‬ ‫بناء المعنى الشعري‪ .‬إنها الخاصية نفسها‬

‫المصطلح من أهم مكونات البحث‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أما المستوى الثالث (اللغة والمقصدية)‪ ،‬للشاعر محمد جعفر‪ .‬ألن رؤيا هذا األخير‪،‬‬ ‫فيربطها الباحث بمميزات النص الشعري محكومة ب��إرث إيقاعي يشحذها بالطاقة‬ ‫عند الشاعر اللغافي‪ .‬هذا النص مسكون ال�لازم��ة ل�لان��دف��اع وال��ت��ف��رد‪ .‬أم��ا الشاعر‬ ‫بهواجس الكتابة والقلق الوجودي بعيدا عن محمد اللغافي‪ ،‬فيغترف من اليومي‪ ،‬وذلك‬ ‫تلك اللغة التي تمتح من اليومي والنبش في من أجل الخروج من مأزق العدم‪.‬‬ ‫التفاصيل؛ ما يستوجب عليه رك��وب هذه‬ ‫ن��خ��ت��م ه����ذه ال����ق����راءة ب��ت��س��ج��ي��ل بعض‬ ‫اللغة‪ ،‬ألنها تكشف عن خبايا الروح‪ .‬وبهذا‬ ‫المالحظات على مستويات ع���دة‪ ،‬يمكن‬ ‫يخلص الباحث ال��خ��دي��ري‪ ،‬إل��ى أن دي��وان‬ ‫الشاعر اللغافي‪ ،‬مليء بالطاقات واألحالم إجمالها فيما يأتي‪:‬‬ ‫والرؤى‪ ،‬ويستحضر بعضا من جنون وطقوس أ‪ -‬ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��م��ن��ه��ج‪ :‬غ��ي��اب تصور‬ ‫الشاعر من مواجهة سطوة الزمن وتقلبات‬ ‫منهجي ب���ارز ك��م��ا أش��رن��ا ف��ي ب��داي��ة‬ ‫الحياة (ص ‪.)94‬‬ ‫القراءة‪.‬‬ ‫المعنى‪ ،‬الرؤيا‪ ،‬الشعرية‪ ...‬إلخ؛ لكون‬

‫ج‪ -‬كون رؤيا شاعر أو مبدع معين تستخلص‬ ‫م��ن أع��م��ال ع��دة (تراكمه اإلب��داع��ي)‪.‬‬ ‫ويتعذر استخالصها من العمل الواحد‪.‬‬ ‫إن هذه الرؤيا هي التي تحدد المعنى‬ ‫ال��ش��ع��ري (اإلب���داع���ي ع���ام���ة)‪ ،‬وه��ذه‬ ‫ال��م��ح��اول��ة بمثابة لملمة ح��ب��ات عقد‬

‫منفرط‪.‬‬

‫لكن على الرغم من ه��ذه المالحظات‪،‬‬

‫ف��إن كتاب المعنى الشعري للباحث رشيد‬ ‫الخديري يُعد إضافة جديدة للخزانة العربية‪،‬‬ ‫كما سيسهم في تحقيق التراكم الذي يعرفه‬

‫نقد الشعر المغربي خاصة والعربي عامة‪.‬‬

‫* كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪65‬‬


‫قراءة في القراءة‬ ‫‪ρρ‬محمود عبداحلافظ خلف اهلل*‬

‫ال يوجد دليل على أهميتها أعظم من كونها الكلمة األولى في محكم التنزيل‪،‬‬ ‫اس ِم‬ ‫والتكليف األول لسيد المرسلين‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬اقْ َر ْأ بِ ْ‬ ‫أل ْكرَم} {ال َِّذي عَ َّل َم بِ ا ْل َقلَم}‬ ‫ُّك ا َ‬ ‫ِّك ال َِّذي خَ لَق}{خَ لَقَ اإلِ نسَ ا َن ِمنْ عَ لَق}{اقْ َر ْأ َو َرب َ‬ ‫َرب َ‬ ‫{عَ َّل َم اإلِ نسَ ا َن مَا لَمْ يَعْ لَم} (سورة العلق‪.)5 – 1 :‬‬ ‫فهي مفتاح ال��ع��ل��وم وخ��زان��ة ال��ف��ك��ر‪ ،‬ووق���ود ال��م��ع��رف��ة‪ ،‬ق��داح��ة العقل وم��رش��دة‬ ‫البصيرة‪ ،‬ومطمئنة السريرة‪ ،‬وصيرورة اإلحكام وناصرة األقالم‪ ،‬صانعة الحضارات‬ ‫ومؤلفة األشتات‪ ،‬ملهمة األدباء وأسيرة العلماء‪ ،‬غنيمة العلم وزاد الحلم‪ ،‬جامعة‬ ‫ومفرقة‪ ،‬مانعة ومغدقة‪ ،‬زاد العقول وفسحة الحَ يْران‪ ،‬مدحها األول��ون وقدسها‬ ‫‏سئلت عمن سيقود الجنس البشري؟ أجبت‪:‬‬ ‫اآلخ���رون‪ ،‬ق��ال عنها فولتير‪ :‬لما ُ‬ ‫«الذين يعرفون كيف يقرؤون»‪ .‬وقال عنها األستاذ العقاد‪ :‬القراءة طعام الفكر‪.‬‬ ‫وق���ال عنها عميد األدب العربي ط��ه حسين‪« :‬وم���ا ن��ع��رف شيئًا يحقق لإلنسان‬ ‫تفكيره وتعبيره ومدنيته كالقراءة‪ ،‬فهي تُصوٍّر التفكير على أنه أصل لكل ما يقرأ‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫وفي المجتمعات المعاصرة ال أحد األفكار‪ ،‬وتنقل المفاهيم‪ ،‬فتقيم بذلك‬ ‫ينكر أهمية القراءة‪ ،‬فهي من أهم نوافذ أواصر اللحمة الفكرية بين أبناء األمة‬ ‫المعرفة اإلنسانية التي يطل منها الفرد ال��واح��دة‪ ،‬فبها يتم التقارب والتشابه‬ ‫على الفكر اإلنساني في قطار الحياة‬ ‫واالنسجام فيما بينهم‪ ،‬وه��ي أساس‬ ‫ال���ذي ي��ن��زل ب��ه ف��ي أع��م��اق الماضي‪،‬‬ ‫ويجوب به الحاضر؛ ليصل المستقبل‪ .‬الحضارة البشرية‪ ،‬والوسيلة األساسية‬ ‫إن��ه��ا القيمة ال��ج��وه��ري��ة ال��ك��ب��رى في للنزول إل��ى ال��م��اض��ي‪ ..‬وال��ع��ب��ور إلى‬ ‫حياة كل أم��ة؛ فهي األداة التي تحمل المستقبل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫مفهوم عملية القراءة‬ ‫يبذله الكاتب نفسه إذا أراد تأكيد فكرة ما‬ ‫يعتقد أصحاب الرؤية التقليدية لعملية يقتنع بها القارئ من قبل الولوج إلى القراءة‬ ‫القراءة أن المعاني قابعة في النص‪ ،‬ويقتصر عنها‪.‬‬ ‫دور ال��ق��ارئ على استخراج ه��ذه المعاني‬ ‫وي��ؤك��د أص��ح��اب ال��رؤي��ة التفاعلية في‬ ‫ونقلها إلى ذاكرته كما أرادها الكاتب بتجرد القراءة على أن المعنى نتاج تالقح خبرات‬ ‫وحيادية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن القراءة من هذه الوجهة القارئ مع بنيان النص‪ ،‬وعملية القراءة –‬ ‫تعد مهارة سلبية استقبالية ليس للقارئ أي طبقًا لهذه الرؤية‪ -‬تحكمها ضوابط معيارية‪.‬‬ ‫دور ف��ي إع��م��ال عقله فيها‪ ،‬وه��ذه الرؤية وبنا ًء عليه‪ ،‬فإن حرية القارئ في فهم النص‬ ‫لم تنل فقط من مفهوم ال��ق��راءة‪ ،‬بل نالت مكفولة مادام التزم هذه الضوابط؛ فمن غير‬ ‫من القدرة الذهنية للقارئ وإرادت���ه‪ ،‬فهي‬ ‫معان ودالالت بعيدة ال‬ ‫المعقول تحميل النص ٍ‬ ‫تسلبه القدرة على التحرر من عقل الكاتب‬ ‫تستند على مسوغات نصية وسياق معقول‪،‬‬ ‫وفكره‪ .‬وهذا يخالف الحقيقة‪ ..‬بل الفطرة‬ ‫به حواضن لفظية تشي ب��دالالت وإش��ارات‬ ‫جملة وتفصيلاً ‪ ،‬إذ إن طبيعة ديناميكية‬ ‫يستند إليها القارئ في تأويالته‪.‬‬ ‫العقل قائمة على معارضة األفكار وردها ال‬ ‫وح��ريّ بالقول إن الكاتب ‪ -‬قطعًا – ال‬ ‫موافقتها والتسليم بها‪ ،‬والدليل على ذلك أن‬ ‫الجهد الذي يبذله الكاتب أو المتحدث في يستنفد أفكاره ومعانيه التي أراد تحميلها‬ ‫إقناع المتلقي بفكرة ما جديدة أو تخالف النص – وإن حرص على ذلك – أثناء الكتابة‪،‬‬ ‫قناعاته‪ ،‬تمثل أضعافًا ع��دة للجهد الذي فحتمًا سيترك عتبات تركيبية يعرج عليها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪67‬‬


‫ال��ق��ارئ‪ ،‬ف��ي��رى م��د بصيرته م��ن المعاني‬ ‫وال�����دالالت األخ����رى ل��ل��ن��ص‪ .‬وي��ؤك��د ذل��ك‬ ‫(أمبيرتو إيكو) بقوله‪ :‬إن النص بخيل كسول‬ ‫يحيا عطا ًء مع قيمة كل معنى زائد يدخله‬ ‫القارئ عليه؛ فالقارئ ليس فقط من يُكسب‬ ‫النص الحياة‪ ،‬بل يعد أساسً ا لتفعيله‪.‬‬

‫انعكاسً ا لمفهوم التعلم المتواضع آن��ذاك؛‬ ‫فجُ ل اهتمام المعلم في ذلك الوقت ينصب‬ ‫على تعليم التالميذ (ال��ت��ع��رف والنطق)‪،‬‬ ‫إضافة إلى أن األبحاث في تلك الفترة كانت‬ ‫متجهة إل��ى ال��ن��واح��ي الجسمية المتعلقة‬ ‫بالقراءة كحركات العين‪ ،‬وأعضاء النطق‪.‬‬

‫و بذا‪ ،‬فإن القراءة تعد فعلاً كليًا متكاملاً‬ ‫للمهارات اللغوية واإلدراك��ي��ة‪ ،‬فهي عملية‬ ‫عقلية معقدة تشمل تفسير ال��رم��وز التي‬ ‫يتلقاها القارئ عن طريق عينيه‪ ،‬وتستلزم‬ ‫تدخله ال��دق��ي��ق الس��ت��دع��اء جميع خبراته‬ ‫السابقة ك��ي يفهم ويتفاعل بوعي م��ع ما‬ ‫يقرأ‪ .‬كما أنها عملية تفاعلية تأملية تحدث‬ ‫في شكل عمليات مرحلية متداخلة بالغة‬ ‫التعقيد‪ ،‬تستهدف الحصول على المعاني‬ ‫من المادة المكتوبة‪ ،‬إضافة إلى أنها عملية‬ ‫دائرية تبدأ بالتركيز على الكلمة المكتوبة‪،‬‬ ‫وتنتهي بالحصول على المعنى‪.‬‬

‫وفي العقد الثاني من القرن نفسه أجرى‬ ‫(ثورنديك) سلسلة من األبحاث تتعلق بأخطاء‬ ‫التالميذ الكبار في القراءة‪ ،‬وخرج من ذلك‬ ‫بنتيجة أثرت تأثيرًا كبيرًا في مفهوم القراءة‪،‬‬ ‫فقد استنتج أن القراءة ليست عملية آلية‬ ‫بحتة تقتصر على مجرد التعرف والنطق‪،‬‬ ‫بل إنها عملية معقدة تستلزم الفهم‪ ،‬وبالتالي‬ ‫أ ُضيف إلى مفهوم القراءة عنصر آخر‪ ،‬هو‬ ‫(الفهم)‪ ،‬وتمخض عن هذه النتائج االهتمام‬ ‫بالقراءة الصامتة‪.‬‬

‫وب��ن��ا ًء ع��ل��ي��ه‪ ،‬ف���إن َم���ن ي��ت��أم��ل األس��ط��ر‬ ‫السابقة يدرك مدى ضخامة مفهوم القراءة‬ ‫وتعقيده وتعدد جوانبه‪ ،‬واختالف المدارس‬ ‫التي تفسره‪ ،‬ه��ذا فضلاً عن استنادها –‬ ‫أقصد القراءة ‪ -‬إلى التطور المتنامي في‬ ‫علوم اللغة بوجه عام‪ ،‬وعلم اللغة النفسي‬ ‫وعلم المعرفة العصبي بشكل خاص‪ ،‬والتقدم‬ ‫الهائل في بحوث القراءة وتفسير عملياتها‪.‬‬ ‫تطور مفهوم القراءة تاريخيً ا‬

‫‪68‬‬

‫لقد تطور مفهوم ال��ق��راءة تطورًا كبيرًا‬ ‫عبر التاريخ؛ فكان في بداية القرن العشرين‬ ‫ال يتعدى كونه عنصرًا واح���دًا؛ هو تعرّف‬ ‫الحروف والكلمات والنطق بها‪ ،‬إذ كان ذلك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وقد تطور بعد ذلك؛ ليكون هناك عنص ٌر‬ ‫ثالثٌ إضاف ًة إلى العنصرين السابقين وهو‬ ‫(ال��ن��ق��د)‪ ،‬ف��ال��ق��ارئ عندما يقرأ ال يكتفي‬ ‫بالتعرف على الحروف والكلمات والجمل أو‬ ‫فهم النص فقط‪ ،‬بل ال بد له من أن يقرأ‬ ‫قراءة ناقدة واعية‪ ،‬وبالتالي يصدر أحكاماً‬ ‫على ما يقوم بقراءته‪ ،‬ويستخلص األفكار‬ ‫الضمنية ويحدد اتجاه الكاتب‪.‬‬ ‫وبعد ذلك اتسع مفهوم القراءة؛ ليساعد‬ ‫اإلنسان على حل المشكالت التي تواجهه في‬ ‫مجال تخصصه أو في حياته العامة‪ ،‬أو في‬ ‫كافة المجاالت األخرى‪ ،‬وبذا يكون قد تجاوز‬ ‫ال من التعرف والفهم والنقد إلى مرحلة‬ ‫ك ً‬ ‫القراءة اإلبداعية‪ .‬ومع ظهور عصر الصناعة‬ ‫ومن بعده التقانة التي وفرت بعض الوقت‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المحموم‪.‬‬

‫للراحة واالستجمام في المجتمعات األكثر‬ ‫ثباتًا‪ ،‬ظهر تطور آخر لمفهوم القراءة‪ ،‬وهو ‪ -‬الدافع الفردي ال��ذي يهدف إل��ى تربية‬ ‫القراءة لالستمتاع‪ ،‬إذ يستطيع اإلنسان من‬ ‫المواطن لنفسه تربية كاملة من النواحي‬ ‫خاللها اإلفادة مما يحيط به طلباً للسرور‬ ‫العقلية‪ ،‬والخلقية‪ ،‬والعاطفية ‪.،‬ومساعدة‬ ‫والمتعة‪ ،‬وإشباعً ا للشبق النفسي والعقلي‪.‬‬ ‫نفسه على النمو السوي المتكامل‪.‬‬ ‫وي��رج��ع تطور مفهوم ال��ق��راءة إل��ى عدة ‪ -‬انتهاء فكرة التعلم التقليدي الموجه‬ ‫عوامل هي‪:‬‬ ‫والولوج إلى التعلم الذاتي الذي احتضنته‬ ‫الثورة التقنية الحديثة‪.‬‬ ‫ االزدياد المطرد للحاجة إلى القراءة منذ‬‫بداية القرن العشرين حتى اليوم‪.‬‬ ‫الترميز في تعلم القراءة‬ ‫ ال��ت��غ��ي��رات ال��س��ي��اس��ي��ة ال��ع��ال��م��ي��ة التي‬‫تجاوزت بزخمها التأثير في الكيانات‬ ‫السياسية إلى التأثير الفعلي على حياة‬ ‫المواطن العادي؛ ما اضطره إلى القراءة‬ ‫المستمرة ف��ي ك��ل االت��ج��اه��ات بهدف‬ ‫التحليل والمقارنة والنقد‪ ،‬بغية المشاركة‬ ‫الفعلية في التخطيط لمستقبله وحماية‬ ‫نفسه وأسرته من مقتضيات ذلك التسارع‬

‫إن النظرة إل��ى ال��ق��راءة فقط على أنها‬ ‫إدراك المعاني تعد نظرة قاصرة؛ فجانب‬ ‫الترميز على ق��در كبير م��ن األه��م��ي��ة‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى تستطيع القول‪ :‬إن إدراك الحروف‬ ‫وأص��وات��ه��ا‪ ،‬والكلمات وتركيبها ق��د يكون‬ ‫شرطاً جوهرياً وأساساً في إدراك المعنى‪،‬‬ ‫وال يستطيع ال��ق��ارئ أن يتخطاه وص��والً‬ ‫ل��ل��م��ع��ان��ي؛ إذ إن���ه ل��و ل��م يستطع ترجمة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪69‬‬


‫الحروف والكلمات إلى أصواتها فال معنى كلمة (قاموا ‪ -‬يقوموا) وهناك أصوات تنطق‬ ‫لقراءته كليةً‪.‬‬ ‫وال تكتب كالتنوين في محم ٌد والتي تنطق‬ ‫والترميز م��ن وج��ه��ة نظر األط��ف��ال هو (محمدن)… إلخ‪.‬‬ ‫القراءة عينها‪ ،‬وهذا ما أكده ماكى ‪ Makee‬عام‬ ‫والطفل أثناء تعلم القراءة يمر بمراحل‬ ‫‪1984‬م في تصميمه التدريسي الذي ركز فيه م��ن االنتباه (التركيز)‪ ،‬انتقاالً م��ن الرمز‬ ‫على عمليات الترميز عند تعليم القراءة‪ ،‬وقد للمعنى‪ ،‬ففي المرحلة المبتدئة‪ ،‬يركز انتباه‬ ‫حاول تأكيد ذلك حينما ابتكر أبجدية جديدة األطفال على دراسة الصور‪ ،‬والنظرة للقراءة‬ ‫لتقابل حروف اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأكد على تكون لفك الرمز‪ ،‬واتحاده لتكوين الكلمات‬ ‫أن تعلم هذه األبجدية شرط أس��اس لفهم المنطوقة‪ ،‬والوعي هنا يكون دائماً للمعنى‬ ‫اللغة المكتوبة بها‪ ،‬وبرهن على ذلك بقوله‪ :‬العام للمواد على أساس الصور‪.‬‬ ‫فلنتخيل أن شخصاً ما واجه قطعة مكتوبة‬ ‫وح��ي��ن��م��ا ي��ك��ون ل���دى األط���ف���ال معرفة‬ ‫بهذه األبجدية‪ ،‬ما الذي سوف يحتاجه هذا‬ ‫بالحروف وأص��وات��ه��ا؛ فاالنتباه يركز على‬ ‫الشخص ليكون ق���ادراً على ال��ق��راءة بهذه‬ ‫فك رموز الكلمات‪ ،‬مع وعي ثانوي للصور‬ ‫األبجدية ال��ج��دي��دة؟ إن ه��ذا الموقف هو‬ ‫والمعنى العام للكلمات‪ ،‬وحينما يكون فك‬ ‫نفسه ما يواجهه األطفال عند تعلم القراءة‬ ‫الرمز تلقائياً؛ فاالنتباه يركز على الفهم مع‬ ‫ألول مرة في اللغة األم أو غيرها من اللغات‬ ‫انتباه ثانوي لفك الرمز واستنباط المعلومات‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫من الصور‪ ،‬وحينما يمكن للقارئ التركيز‬ ‫وال ت��ق��ل ال��رم��وز ال��ص��وت��ي��ة أه��م��ي��ة عن على مختلف األح����وال‪ ،‬فيمكنه االهتمام‬ ‫ال��رم��وز الخطية‪ ،‬واالرت���ب���اط بين ال��رم��وز بمعظم المعاني الواضحة‪.‬‬ ‫الخطية (المكتوبة) والرموز الصوتية على‬ ‫ملكة القراءة‬ ‫جانب كبير من األهمية منذ تعلم القراءة‪،‬‬ ‫ال تعني ملكة القراءة تحقيق الهدف من‬ ‫خاصة وأنه ليس هناك قوانين تتبع بصفة‬ ‫دائ��م��ة للعالقات فيما بينها‪ ،‬ففي اللغة القراءة بفهم المعنى‪ ،‬بل تتجاوز إلى ما يمثل‬ ‫ال ‪ noze‬بمعنى األنف تتهجى اإلجابة عن هذين السؤالين التاليين‪ :‬كم‬ ‫اإلنجليزية مث ً‬ ‫‪ nose‬واالتجاه لليمين تنطق ‪ rite‬بينما تكتب كتابًا تقرأ في الشهر مثلاً ؟ وكيف تقرأه؟‬ ‫‪ right‬وكذلك كلمة األم نطقها ‪ Muther‬ولكنها‬ ‫فإذا كنت ال تقرأ كتابًا – على األقل ‪ -‬في‬ ‫تتهجى ‪.Mother‬‬ ‫الشهر‪ ،‬فأنت تفتقر ‪ -‬حتمًا – لملكة القراءة‪،‬‬

‫‪70‬‬

‫وليست هذه الحال مقصورة على اللغة‬ ‫اإلنجليزية؛ فاللغة العربية أيضاً تتميز بهذه‬ ‫الميزة‪ ،‬فهناك في العربية حروف تكتب وال‬ ‫تنطق كألف التفريق بعد واو الجماعة في‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫والتذرع بضيق الوقت يؤكد واقعيًا ضمور‬ ‫الملكة لديك؛ ألن من يشتكي ضيق الوقت‬ ‫يجد أوق��ا ًت��ا – مثلاً – لمشاهدة التلفاز أو‬ ‫متابعة وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬فضال‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫عن األوقات التي يقضيها في النوم والطعام‪ .‬وقد فعَّلت الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫هذه الفكرة عام ‪1988‬م‪ ،‬عندما أسست‬ ‫كيف تنمي ملكة القراءة لديك؟‬ ‫ما يسمى «بهيئة قراء الحمام» (‪Bathroom‬‬ ‫‪ .1‬استغالل أوقات االنتظار‪:‬‬ ‫‪ ،)Reader's Institute‬وهي مؤسسة تجارية‬ ‫للطباعة وال��ن��ش��ر‪ ،‬ت��ق��وم بطباعة كتب‬ ‫ يغفل كثير م��ن ال��ن��اس ع��ن اإلف���ادة من‬ ‫ثقافية خفيفة مخصصة للقراءة أثناء‬ ‫أوقات انتظارهم أثناء انشغالهم بقضاء‬ ‫الوجود في الحمام‪.‬‬ ‫حوائجهم اليومية (ف��ي السيارة – في‬ ‫الدوائر الحكومية – في عيادة الطبيب‪ .2 ...‬تفعيل فكرة الكتاب المسموع‪:‬‬ ‫إلخ)‪ ،‬إن اصطحابك لكتاب صغير يوميًا يعد من الوسائل المهمة في تكوين ملكة‬ ‫�وض��ا ع��ن معاناة‬ ‫سيكون – بالفعل – ع� ً‬ ‫ال��ق��راءة بتقريبها م��ن نفس اإلن��س��ان‪،‬‬ ‫شعورك بالقلق في أوقات االنتظار‪.‬‬ ‫وهو عبارة عن تسجيل مسموع لقراءة‬ ‫مختصرة في كتب متنوعة‪ ،‬معدة بطريقة‬ ‫مشوقة تجذب المستمع إلى البحث عن‬ ‫هذه الكتب وقراءتها‪ .‬ويمكن للشخص أن‬ ‫يستمع إلى هذه التسجيالت في السيارة‬ ‫أو أثناء ممارسة الرياضة‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫ ويقص أحد القراء تجربته في االستفادة‬ ‫من أوقات الفراغ التي يهملها الناس وال‬ ‫يلقون لها باالً‪ ،‬فصمم على أن يأخذ معه‬ ‫كتابًا صغيرًا يقرأه في وقت قضاء حاجته‬ ‫البيولوجية‪ ،‬فاكتشف أن الوقت الذي‬ ‫يخجل بعض الناس من التحدث عنه‪ ،‬ورغم قدم هذه الظاهرة في دول الحضارة‬ ‫يمكن أن يستغل بشكل جيد بما يوفر ما‬ ‫إال أنها ال ت��زال في بدايتها في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬وتعد تجربة (المجمع الثقافي)‬ ‫يقارب من (‪ )150‬دقيقة شهريًا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪71‬‬


‫في إم��ارة أب��و ظبي في دول��ة اإلم��ارات‬ ‫العربية المتحدة ال���ذي تبنى مشروع‬ ‫خدمة الواقع أو القطاع الذي ينتمي إليه‬ ‫الكتاب المسموع في العالم العربي منذ‬ ‫هدف ذلك الكتاب ومضمونه‪.‬‬ ‫عام ‪1977‬م إلى يومنا هذا‪ ،‬هي التجربة‬ ‫العربية الوحيدة ف��ي ه��ذا المجال‪ ،‬إذ ‪ .5‬ح��م�لات ت��وع��ي��ة إع�لام��ي��ة ع��ن ال��ق��راءة‬ ‫تصدر عنه عشرات اإلصدارات المتنوعة‬ ‫والترويج لها من خالل برامج مخصصة‬ ‫بين العلوم والفنون واآلداب‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ومقابلة ق��راء لعرض تجاربهم‬ ‫‪ .3‬إضافة مقرر للقراءة الحرة في جميع‬ ‫ال��ق��رائ��ي��ة‪ ،‬وع�لاق��ة ذل���ك بنجاحاتهم‬ ‫مراحل التعليم العام‪:‬‬ ‫الدراسية والمهنية‪.‬‬ ‫ ينبغي إضافة مقرر للقراءة الحرة في‬ ‫جميع م��راح��ل التعليم ال يقل ع��ن (‪ .6 )8‬مشروع وطني للترجمة يهدف النتقاء‬ ‫س��اع��ات أسبوعية‪ ،‬ي��ك��ون للطالب في‬ ‫أه��م الكتب على الساحة العالمية في‬ ‫جزء من الوقت الحرية في اختيار المادة‬ ‫جميع ال��م��ج��االت وترجمتها إل��ى اللغة‬ ‫المقروءة بشكل مطلق‪ ،‬ويكون هناك عدد‬ ‫العربية‪ ،‬لمساعدة الجميع على تطوير‬ ‫من الساعات مخصص للقراءة الموجهة‬ ‫أفكاره وتكوين اتجاهات إيجابية نحو فن‬ ‫من قبل المعلم في اتجاهات مختلفة‪.‬‬ ‫القراءة‪.‬‬ ‫وينبغي أن يكون التقويم في هذا المقرر‬ ‫غير تقليدي‪ ،‬حيث يطلب من كل طالب‬ ‫آثرت من خالل العرض السابق أن أقدم‬ ‫تقديم ق��راءة نقدية للكتاب ال��ذي قرأه‪،‬‬ ‫أو تقديم رؤي��ة تطبيقية لما أف��اده من ومضات متنوعة عن القراءة‪ ،‬هذه المعجزة‬ ‫الكتاب‪ ،‬أو نقل تجربته القرائية إلى بقية التي منحها اهلل جميع خلقه دون تفريق أو‬ ‫زمالئه الذين لم يقرأوا الكتاب نفسه‪ ..‬تمييز؛ فتباينوا بها فكريًا وحضاريًا‪ ،‬ك ٌل‬ ‫إلخ‪ .‬وينبغي أن يصاحب التقويم تحفيز بحسب ما أصاب منها وبها صعودًا وهبوطً ا؛‬ ‫متنوع (أدبي ومعنوي)‪.‬‬ ‫إن أمة آثرها اهلل بحمل شرف العلم ونشره‬ ‫‪ .4‬تنظيم مسابقات قرائية دورية في جميع‬ ‫ب��أن جعل أول دستورها دع��وة له س��ادت –‬ ‫مؤسسات الدولة‪:‬‬ ‫عندما وف��ت ووع��ت ‪ -‬بها الدنيا فأنارت‬ ‫ ينبغي أن تقدم جميع مؤسسات الدولة‬ ‫عقول وأض��اءت درو ًب��ا‪ ،‬ولما تولت وتخلت‪،‬‬ ‫اً‬ ‫مسابقات دوري��ة تشجع القراءة الحرة‪،‬‬ ‫وتعطي مكافآت ألفضل تقارير مكتوبة تفلت من يدها الزمام وباتت أمة في خطر‪...‬‬ ‫عن الكتب المقروءة‪ ،‬ومكافآت أخرى عن أفال يتدبر أولو األلباب؟!‬ ‫أفضل رؤية لتفعيل ما تناوله الكتاب في‬

‫‪72‬‬

‫* أكاديمي وباحث مصري‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫حلم ال ينام‬ ‫ٌ‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬زرياف املقداد*‬

‫في عتمةِ الليل‪ ..‬عندما يبد ُأ األلمُ حكاياتِ ه عنْ النّهار‪ ،‬وتسوّر األمهات حزنهُّ ن‬ ‫برفق دموعهّ ن‬ ‫الشهداء ف��وقَ وج��وهِ مقابرهم‪ ،‬يمسحو َن ٍ‬ ‫يجلس ّ‬ ‫ُ‬ ‫بالبكاء صمتاً‪،‬‬ ‫برفق فوق سواعدهن‬ ‫األمهات‪ ،‬وينامون ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حكايات الجدّ ات على‬ ‫ِ‬ ‫يقصون‬ ‫النازفةِ ‪ّ .‬‬ ‫واحد منْهم إلى قبره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الظلمة‪ :‬رجع َكلُّ‬ ‫المُ ضناةِ تضرع ًا إلى اهلل‪ ،‬حتى إذا جنَّت ُّ‬ ‫الظلمة‪ ،‬أك��ل��ةُ ال��نّ��ار والليل ال��م��ق��اب��رَ‪ ،‬ي��ح��اول��و َن التقاطهم في‬ ‫يقتحمُ رج���الُ ُ‬ ‫الضوء الصارخ‪.‬‬ ‫فتسقط عصيُّ هم وبنادقُ هم في ل ُّجة ّ‬ ‫ُ‬ ‫مقابرِ هم‪ ،‬لكنَّ النَور يُبهرهم‬ ‫الرؤوس‬ ‫ُ‬ ‫الصبح حين تنا ُم‬ ‫وفي عتمةِ ّ‬ ‫الكبيرةُ م ْن شد ِة السّ هر‪ ،‬وربّما هي ال‬ ‫تقوى على ضوء النهار‪ .‬يصحو حمزة‬ ‫وبيد ِه حل ُم الليلِ ‪ ،‬وقد ائتمنَتْه ُحوري ُة‬ ‫الصغار‪..‬‬ ‫الليل عليه كي يوزعه على ّ‬

‫ه��ن��اكَ ح��ي��ثُ األل���� ُم ال ح����دو َد ل��ه‪،‬‬ ‫يختفي ظ���لَّ اإلن��س��ان م��ن ع��ل��ى وج��ه‬ ‫األرض‪ .‬ويصي ُر الصغا ُر مجر َد أرق� ٍ�ام‬ ‫ِ‬ ‫المجرات الكونّية‪ .‬من شد ِة‬ ‫ٍ‬ ‫تائهة في‬ ‫ٍ‬ ‫النازف فيها‪ ..‬تتوه وال تقد ُر على‬ ‫ِ‬ ‫الوجعِ‬ ‫عدّها‪ ..‬ويصبح ُال حكاية لأللم‪.‬‬ ‫ أمي أنا خارج!‬‫ُ‬ ‫يقف حمزة أم��ام ال��م��رآة‪ ،‬فهو بع ُد ‪ -‬انتظ ْر حتى تأكل‪..‬‬ ‫زيت وزعترْ؟‪ .‬أكلت‪..‬‬ ‫لمَّ ا يمشّ ط شعرَه قبل أ ْن ينام‪ ،‬فإذا ما ‪ْ -‬‬ ‫رأتْه حور ّي ُة الليل يُبهرها وجهُه المنبعثُ ‪ -‬انتظ ْر حتى‪..‬‬ ‫شمساً‪.‬‬ ‫‪ -‬أنا خارج‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪73‬‬


‫يضحك حمزة (يا اهلل صرت رجالً!) ثم‬ ‫ويسرعُ كالبرق‪.‬‬ ‫ْدس حتى العظم‪ ،‬في‬ ‫يصيح بالجندي‪ :‬أنا من ٌ‬ ‫ويقف أم��ا َم المرآة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الصبي‪،‬‬ ‫فُجأة يعو ُد ّ‬ ‫فمي طع ُم الحريّة كالعسل‪ ،‬وف��ي أصابعي‬ ‫س ما كا َن ما سينبتُ من‬ ‫يتأ ّم ُل وجهه‪ ،‬يتحسّ ُ‬ ‫صوتي‪ ،‬وفي وجهي لو ُن الشّ مس‪ ،‬و‪ ..‬وجه‬ ‫الشّ عر على وجهه‪ ،‬يبتسمُ‪ ،‬ثم يمشّ طُ شعره‬ ‫أمي‪ ،‬وقد أَرهَ َق ُه البكاءُ فو َق قبري‪.‬‬ ‫منتصف الرأس (جل) يزي ُد‬ ‫ِ‬ ‫بإتقان‪ :‬خطٌ في‬ ‫ٍ‬ ‫أنا من بقايا األجسادِ التي اهتزّت صوتاً‬ ‫الشّ عر اس���وداداً‪ ،‬ولمعاناً‪ ،‬يُصلح هنْدامه‪،‬‬ ‫نازفاً فوق الجسر؟‬ ‫ويخر ُج كما دخ َل كالبرق‪.‬‬ ‫أنا من م ّز َق وج َه السّ ماء‪ ،‬فانهمرتْ دمعاً‬ ‫قبض ُة ي��ده محكم ٌة على ش��يءٍ م��ن أث��رِ‬ ‫حط في الزيدي‬ ‫طاف فو َق الوديان‪ ،‬وهناكَ َّ‬ ‫َ‬ ‫الرّسول!‬ ‫حوط خاصرة َحوران‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ي��ط� َل ج��ن��ديٌّ م��دجّ ��ج ٌب��س�لاح��هِ ‪ ،‬وعيناه‬ ‫يُصعق الجنديّ مما سمع‪ ،‬ثم يُطلق ببالدةٍ‬ ‫الضوء‪،‬‬ ‫محميتان بنظارةٍ سودا َء خشي َة ّ‬ ‫ورخص آدمي ناره باتجاه الصبيّ ‪ ،‬ث َّم يغمض‬ ‫ٍ‬ ‫يخشى قبض َة حمزة‪!..‬‬ ‫عينيه حتى ال يقتله الضوء المنبعث منهما‪.‬‬ ‫يقتل ال��ظ��نُّ ال��ج��ن��ديَ وه��و يُ��خ� ّم��ن‪ :‬بيدِ‬ ‫هناكَ حيثُ ال أن��وا َر وال كهرباء‪ ،‬هناكَ‬ ‫الحصار يأك ُل ويأك ُل كلَّ شيءٍ ‪ ،‬هناكَ‬ ‫الصبي قنبلة أو م��ادّة حارِ قة وربّما حجرٌ‪ ،‬حيثُ ِ‬ ‫وربّما مستقبل يحمله الولد بيده‪ !..‬حتى أنَّ حيثُ طاوالت المفاوضات تقت ُل ك ّل األمل‪.‬‬ ‫الجندّي ال يعرف ما يخشاه‪.‬‬ ‫بحلم هربَ من عتمةِ الليل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يضيء الشّ ارع‬

‫‪74‬‬

‫وح��م��زة ي��ص� ُّر ف��ي قبضته ك��لَّ األح�لام وق��د التقطتْ عدس ُة الكاميرا التائهةِ في‬ ‫النازف اللحظة َاألخيرةَ لوجه حمزة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الدّم‬ ‫واألمنيات‪ ،‬التي أودعتْ ُه إيّاها حوريّة الليل‬ ‫ُصفف الشعر‪ ،‬حل ُم الورد ما يزال‬ ‫ُ‬ ‫(صبيٌّ م‬ ‫تسقطُ منه إحدى األمنياتْ ‪..‬‬ ‫ف��ي وجنتيه‪ ،‬ون��ظ��رتُ��ه الحالمة تغزو وجه‬ ‫آبه بسالحِ الجُ نديّ أمامه‪.‬‬ ‫يعو ُد غي َر ٍ‬ ‫عتبات المدن النائمة‬ ‫ِ‬ ‫العالم‪ ،‬تسقط على‬ ‫النازف في مدنِنا الباكية)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪ ،‬ويلتقطها بحنّو على الوجعِ‬ ‫ِ‬ ‫ينحني على‬ ‫لطفل غف َل‬ ‫ٍ‬ ‫ويخفيها في ص��دره «ربّما هي‬ ‫في الشَ ارعِ المجاورِ‬ ‫رغيف الخبزِ ونا َم الليل بال خبز‪ ،‬وبال‬ ‫ُ‬ ‫عنْه‬ ‫الحداء أو األنين‪..‬‬ ‫غناءٌ يُشب ُه ِ‬ ‫حلم!»‬ ‫مشارف‬ ‫ِ‬ ‫غ��ن��اءٌ يُشب ُه زح��ف نينوى على‬ ‫في فمِ الشّ ارع فُوجئ الجندي المفترس‬ ‫المُدنِ التائهة‪ ،‬وحين ينا ُم التاري ُخ واألسطورة‬ ‫بوجه آدمي لصبيّ رجل ينحني‪ ،‬ويلتقط شيئاً‬ ‫ٍ‬ ‫ودالل‬ ‫ٍ‬ ‫عن ك ّل شيءٍ ‪ ،‬يبقى‪ :‬غناءُ الروزنة بغنجِ‬ ‫ما‪..‬‬ ‫وشعر أش��ع��ثَ ‪ ،‬وبيدين مشققتين تستقب ُل‬ ‫ٍ‬ ‫قف يا رجل ! م ْن أنتَ ؟‬ ‫يصي ُح به‪ْ :‬‬ ‫الصبح‪ .‬تمسحانِ على رأس‬ ‫(ن��دى وم��دى) ّ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫في الجانب المظلم‬ ‫قيل ل��ل��ج��وارحِ ف��ي أع��ال��ي الغيم‪ :‬هناكَ‬ ‫جس ٌم متحركٌ ‪ .‬قوةُ النبّض لديهِ هي لرجالِ‬ ‫‪..‬اقض عليه فوراً‪»..‬‬ ‫ِ‬ ‫في مقتبلِ العُمرِ‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ِالحمارِ ‪.‬‬ ‫صبيٌ يلتهم وجوهنا على مائدة الطعام‪..‬‬ ‫ت��س��ت��ق��ب�لان ال��ن��ه��ار‪ ،‬وتُ���س���رع ال��ف��ت��ات��انِ عيناه منتزعتان ب��إح��ك��ام‪ ،‬ورأس���ه مسدلة‬ ‫بذهول فو َق جسده‪ ،‬ثقوب في الجسدِ بطعمِ‬ ‫ٍ‬ ‫وعيونُهما تبحثانِ عن حمزة !‬ ‫العلقم‪ .‬وبقايا آدمية محترقة تخجل العدسة‬ ‫باألمس عن هديةِ الحوريةِ‬ ‫ِ‬ ‫لقد أَخبرهما‬ ‫من النظر فيها‪.‬‬ ‫إليهما (مفتا ُح األمنيات)‪.‬‬ ‫تسقطُ عي ُن المُشاهد على ع��ريٍّ يُشبه‬ ‫تَضحكُ ندى وتقول له (يا مجنون هذا‬ ‫رغيف الخبزِ في الثلج‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الضوءَ‪ ،‬عريٌّ يُشب ُه‬ ‫في الحُ لم)‪..‬‬ ‫ع��ريٌ يقت ُل الدّهشةَ‪ُ ،‬ع��ريٌ يش ُّل الحقيقةَ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تُوقظها مدى‬ ‫(أليس الحُ لم مفتاح حياتنا؟ ويكت ُم صرختَها‪ ،‬ع��ريٌّ حتى ح��دودِ الوقت‬ ‫العربة)‬ ‫ٍ‬ ‫بأمان ولو على‬ ‫ٍ‬ ‫دعِ الحُ لم يزورنا‬ ‫النازف فينا دوماً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والزمنِ‬ ‫سؤا ٌل يُشبه الدّهش َة حين تلته ُم كلَّ شيءٍ ‪،‬‬ ‫ويصب ُح ال مفرَّ‪ ..‬البدَّ من اإلجابةِ ‪ :‬أَخبروني‬ ‫كيف سألعبْ ؟‬ ‫اآل َن َ‬

‫يجلس ف��و َق وج��هِ قبره مبتسماً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حمزة‬ ‫األمنيات‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لحظات اشتع ْل الشَ ارع‪ ،‬وانفج ْر الجُ سم وبيده ِمفتا ُح‬ ‫المُتحرك‪ .‬ال حمزةَ وص�لْ‪ ،‬وال الصغيرتان‬ ‫ينادي أرقاماً كانتْ لها أسما ْء فإذا بهم‪:‬‬ ‫أخذتا مفتاح األمنيات!‬ ‫م��روة وه��اج��ر وت��ام��ر ومحمد وأي��ه��م ون��دى‬ ‫وفي سراديبهم المظلمة‪ ،‬قالوا‪ :‬ت َّم القضاءُ ومدى‪..‬‬ ‫حامالت الصورايخِ المتحركة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على أحدِ‬ ‫دامعة يقو ُل‬ ‫ٍ‬ ‫وبعين‬ ‫ٍ‬ ‫يصمتُ الصبي فجأة‪،‬‬ ‫للعب معنا فوق‬ ‫ِ‬ ‫الضوء الذي ال ينام‪ :‬عدس ٌة شقي ٌة ك ّل أطفال وطني مدعووّن‬ ‫وفي ّ‬ ‫عربة يجرّها وجوه ِالمقابر!‬ ‫التقطتْ الحكاية‪ :‬صغيرانِ فو َق ٍ‬

‫حما ٌر عنيدٌ‪ ،‬وربّما صغيرتان كانتا تضحكانِ ‪،‬‬ ‫وهما تشيرانِ إلى الطائر ِة المحلقةِ في الجو‪،‬‬ ‫اليابس إلطعامِ الحمارِ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كانتا تجمعانِ الخب َز‬ ‫نحيبُ نينوى‪ ،‬يصب ُح أنيناً موجعاً ينا ُم على‬ ‫مشارف األرض وال يصحو!‬ ‫ِ‬

‫يأتيهِ صوتٌ م ْن حيثُ ال يحتسبْ ‪ :‬ال تخف‬ ‫ْستلعبُ معنا الغُميضة‪ ،‬وإ ْن سُ ملِتْ عيناك‪،‬‬ ‫وسوف ترانا وتلتقطنا كالفراش الملون الذي‬ ‫ال يخاف اللهب‪.‬‬

‫أط��ف��ا ٌل بعمرِ ال���وردِ ‪ ،‬وق��د انحنى ال��ور ُد‬ ‫ال من وردِ هم يحترقو َن ثم تخض ُّر المقبرةُ‬ ‫آخ ُر التقارير‪« :‬ما من فائدة ك ّل شيء يشي ُر خج ً‬ ‫لألرض وجهَها وللماءِ لونه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تموزاً آخ َر يعي ُد‬ ‫إلى أنَّ حجم الدمار غير قاب ْل لإلعمار»‬ ‫ * قاصة وروائية سورية مقيمة في فرنسا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪75‬‬


‫حياة عادية‬

‫‪ρρ‬مشاري محمد*‬

‫لم يأتها يوم ًا لحظة شك بأنها كانت تعيش حياة عادية‪،‬‬ ‫حيث أنها نشأت في عائلة متدينة محافظة‪ ،‬وبما أنها كانت‬ ‫االبنة السابعة بعد ستة من األبناء الذكور فلم تعلم أو تالحظ‬ ‫أنها جميلة‪ .‬تزوجت في سن الخامسة والعشرين بعد حياة‬ ‫رتيبة في المنزل إثر تركها للدراسة بعد المرحلة الثانوية‪.‬‬ ‫في الحقيقة لم يكن في زوجها شيء‬ ‫يميزه أبداً غير بشرته البيضاء والشارب‬ ‫األسود الكث في وجهه‪ ،‬أنجبت منه أربع‬ ‫بنات جميعهن تزوجن ومنحنها التشريف‬ ‫الكسول للجدات‪ .‬تعودت من زوجها بعد‬ ‫أن بلغوا هذا السن االنزالقات الدائمة‬ ‫في الحمام فما عاد الموضوع غريباً أبداً‪،‬‬ ‫ولكن في أحد األيام وهي تشرب الشاي‬ ‫في الصالة بهدوء‪ ،‬سمعت سقوطاً قوياً ٍآت‬ ‫من الحمام‪ ،‬كان صوت السقوط أقوى من‬ ‫مثيالته‪ ،‬قامت فَزِ عة وفتحت باب الحمام‬ ‫مستلق بسرواله القصير‬ ‫ٍ‬ ‫ووجدت زوجها‬ ‫على األرض‪ ،‬حاولت أن تبدأ بتوبيخه لكي‬ ‫يظهر الموضوع بشكل عادي مثل باقي‬ ‫حوادثه‪ ،‬لكنه لم يرد هذه المرة‪ ،‬اتصلت‬ ‫على اإلس��ع��اف ونقلوه إل��ى المستشفى‬ ‫وقالوا لها بأنه ال يوجد شيء استثنائي‪،‬‬ ‫ولكنه في حالة غيبوبة‪ ،‬ونصحوها بأخذه‬ ‫إلى البيت ألنه ما من شيء يستطيعون‬ ‫ال��ق��ي��ام ب��ه ه��ن��ا‪ ،‬ج���اءت ب��ه إل���ى البيت‬ ‫ووظ��ف��ت ممرضة تسهر عليه‪ ،‬ودخلت‬ ‫عليه بعد أيام‪ ،‬والحظت أن ذقنه نظيفة‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫بيضاء تماماً‪ ،‬نادت الممرضة لتسألها إن‬ ‫كانت قد حلقت له ذقنه‪ ،‬فأجابت بالنفي‪،‬‬ ‫عندها وبعد تأمل اكتشفت ألول مرة بأن‬ ‫زوجها ال ينبت له ذقن‪ ،‬تذكرت لحظتها‬ ‫العادة اليومية لزوجها بحلق ذقنه بالموس‬ ‫أم��ام��ه��ا‪ ،‬عرفت حينها بأنه ك��ان يحلق‬ ‫الش��يء خالل أربعين سنة من زواجهما‬ ‫ليحافظ على مظهر رجولي أمام زوجته‪ .‬‬ ‫نظرت إليه في تلك اللحظة وشعرت‬ ‫ت��ج��اه��ه بخليط م��ن ال��ح��ب والشفقة‬ ‫وعرفت بأنها لم تعش حياة عادية تماماً‪ .‬‬ ‫نوبات عمق‬ ‫ك��ان��ت تصيبه ن��وب��ات م��ن العمق في‬ ‫بداية س��رده لحكاياته العادية‪ ،‬ك��ان كل‬ ‫مايهمه هو البداية القوية للحكاية ثم‬ ‫بعدها ال يهم ما يقول‪ .‬‬ ‫ال «لقد أضاع حذاءه وهو‬ ‫كان يقول مث ً‬ ‫يبحث عن نفسه»‪ ،‬في حين أن القصة‬ ‫تتحدث عن جارته العجوز التي ال تدفع‬ ‫اإليجار بانتظام‪ .‬‬


‫‪ρρ‬وفاء احلربي*‬

‫مرَّ زمن طويل وأنا أعاني من ألم يتنقل داخلي‪ ،‬ال أستطيع تحديد موضعه بدقة‪ ،‬ألم‬ ‫يشبه األلم الذي يتركه الفقد في أنحاء الجسد‪ ،‬غير أنني ال أعرف ما الذي أفتقده‪ ،‬وخز‬ ‫مباغت في الصدر‪ ،‬المفاصل والخاصرة‪ ،‬صداع‪ ..‬وغالبا رغبة ملحة في البكاء والبقاء قيد‬ ‫ٌ‬ ‫حركة مستمرة كحيوانات المعصرة‪ ،‬ال تفيد معه المسكنات وال المضادات الحيوية‪ .‬شهدت‬ ‫امتالء غرفة االنتظار في عيادة األطفال باآلباء واألمهات وأطفالهم‪ .‬طفل يبكي‪ ،‬وآخر‬ ‫يلعب مع شقيقه لعبة المطاردة‪ .‬وس��ط كل ه��ذه الفوضى والضوضاء لمحت ًّأم��ا تمسح‬ ‫القيء عن وجه طفلها‪ ،‬بينما لم تتوقف األم التي ظلت تذرع الغرفة جيئة وذهابا عن هز‬ ‫رضيعها الذي لم يستطع النوم‪ .‬على المقعد قرب الباب ٌأب يمسح مخاط ابنه وهو يتذمر‬ ‫دت أنهض لوال أنّ آخر سبقني لمساعدة األب الذي ركع على األرض‬ ‫بكلمات غير مفهومة‪ .‬كِ ُ‬ ‫يجمع المنشورات المتناثرة بعد أن أسقط ابنه رفوف العرض المتحركة التي تحملها‪.‬‬ ‫كنت أجلس على المقعد في الزاوية‪ ،‬يجلس‬ ‫عن يساري أبٌ ت��اركٌ طفله كثير الحركة‪،‬‬ ‫يحشر جسده في الفراغ الصغير الذي يفصل‬ ‫غرس مرفقه في خاصرتي‬ ‫َ‬ ‫بيننا‪ ،‬وكلما تحرك‬ ‫أك��ث��ر‪ ،‬سألني م��ن ب��اب ال��ف��ض��ول‪ :‬ه��ل أنت‬ ‫بمفردك؟ أجبته متلعثما‪ :‬أوه ال‪ ،‬ابني قادم‬ ‫مع أمه‪ ،‬لم يصال بعد‪ .‬كدت أغص بكذبتي‪،‬‬ ‫وهممت بالنهوض ألخ��رج لوال أن األم التي‬ ‫تجلس عن يساري مدت لي طفلتها‪ ،‬وطلبت‬ ‫مني اإلمساك بها لبضع دقائق حتى تأخذ‬ ‫شقيقها لقضاء حاجته‪ .‬ارتبكت‪ ،‬أحسست‬ ‫ب���أن ك��ل ال��ع��ي��ون ال��ت��ي ف��ي ال��غ��رف��ة ص � ّوبَ��ت‬ ‫نظراتها نحوي كما لو أن لديهم سابق معرفة‬ ‫بأنني ال أجيد التصرف مع ه��ذه الكائنات‬ ‫المالئكية‪ .‬ك��ان جسد الرضيعة يتفلت من‬ ‫ي��دي مثل العجينة‪ ،‬لم أع��رف كيف أمسك‬ ‫بها دون أن أؤذيها‪ ،‬وجدت نفسي متورطً ا مع‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫زهرة األبوة‬

‫كائن بلغ من اللطافة والنعومة بحيث تذكرت‬ ‫ٍ‬ ‫ف��ورًا العصافير الصغيرة التي أسرفْتُ في‬ ‫القبض عليها بكفوفي في طفولتي‪ ،‬فهشمت‬ ‫أضالعها وماتت‪ ،‬سال لعابها على يدي‪ ،‬لم‬ ‫يقرفني ذلك أبدا‪ .‬حين التقت عيني بعينيها‬ ‫تقوّست شفتها الصغيرة مُشكِّلة ابتسامة‬ ‫ساحرة أصابتني برعشة قوية‪ .‬شيء ما كان‬ ‫مغلقًا في قلبي يتسبب لي بذلك األلم المتنقل‪،‬‬ ‫تفتح كما تتفتح الزهرة‪ ،‬مرت الثالث دقائق‬ ‫موجعة ولذيذة في آن معا‪ ،‬طويلة كما لو أنها‬ ‫ثالث ساعات‪ .‬جاءت أمها وأخذتها أخيرًا من‬ ‫ي��دي‪ .‬نهضتُ وأسرعتُ الخطى خارجً ا من‬ ‫العيادة‪ ..‬وقلبي ينبض بشدة‪ ،‬اختلط األمر‬ ‫على مشاعري‪ ،‬فطوال الطريق إلى منزلي‬ ‫كنت أبكي وأضحك في الوقت نفسه‪ .‬إلى أين‬ ‫يذهب رجل عقيم إذا أراد أن يختبر شعور‬ ‫األبوة الحقيقي غير عيادة األطفال؟‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪77‬‬


‫قلق‬ ‫‪ρρ‬عبدالكرمي النملة*‬

‫جلس قبالتي على الكرسي اآلخر للطاولة‪ ،‬أمامنا الساحة الكبيرة المتسعة‬ ‫في هذه المدينة السياحية الجميلة‪ ،‬كنت أزور هذه المدينة وأتردد عليها‪ ،‬لكنني‬ ‫وعدت إليها هذه األيام‪ ،‬لم تكن عودتي لزيارة‬ ‫ُ‬ ‫في السنوات األخيرة انقطعت عنها‪،‬‬ ‫هذه المدينة بريئة كما كنت أفعل من قبل‪ ،‬بل أتيت إليها محمّ ًال بأوصاب ثقُ لت‬ ‫على كتفيّ ‪ ..‬أرهقتني‪ ..‬ف��ق��ررت التخفف منها‪ ،‬إذ ف��ي اعتقادي أن ال ه��واء في‬ ‫العالم يمكن أن يُجلي نفسي مثل هواء هذه المدينة الوادعة التي تغتسل رياحها‬ ‫الطرقات أمامي‪،‬‬ ‫كل صباح بأنهار عذْ بة تحيطها من كل جانب‪ ،‬جئت بعد أن ُسدَّ ت ُ‬ ‫بعد أن قتلوا حمامتي‪ ،‬بعد أن شربوا رحيق غمامتي‪ ،‬فلم أجد بُد ًا من مفارقتهم‪،‬‬ ‫علّ نفسي المنسكبة بين ثنايا ترّهاتهم تعود لملكيتي كما كانت‪ ،‬علّ قلبي ينجلي‬ ‫صدؤه‪ ،‬ويعتلي نف َُسه‪.‬‬ ‫س��اح��ة م��ت��س��ع��ة‪ ..‬أط���ف���ال ي��ل��ه��ون نقود يضعونها في ج��وف قبعته التي‬

‫بتعقب الحمام الذي يحط على األيدي يضعها أمامه‪ ،‬وآخ��رون تجمّعوا أمام‬ ‫واألك���ت���اف؛ ط��م��ع�اً ف��ي ح��ب��وب شهيّة كنيسة تاريخية قديمة‪ ،‬يلتقطون صوراً‬ ‫يلتقطها‪ ،‬توضع له هنا أو هناك‪ .‬وهناك‬ ‫من ينتحل شخصيات مهرجة‪ ،‬أو يقف‬

‫صامتاً دون ح��راك‪ ..‬فقط كي يجلب‬

‫‪78‬‬

‫تذكارية‪.‬‬ ‫جلس الرجل قبالتي صامتاً ينظر‬

‫انتباه ال��م��ارة‪ ،‬فيعطفوا عليه ببضع حيث أ ُقلّبُ نظري بصمت وتأمّل‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫رج��� ٌل ل�وّح��ت��ه الشمس ف��أب��دل��ت مالمحه‪ ،‬يعينه‪ ..‬وحين عجزا‪ ،‬انهزم صوته وخَ فَتْ ‪،‬‬ ‫أره��ق��ه تعاقب األي���ام‪ ،‬فنحتَتْ قلبه وأقست فالتفتُّ إليه وشجّ عته‪ ،‬مربتاً على كتفه‪ ،‬مسح‬ ‫تعرجات وجهه‪ ،‬حين التفَتُ إليه‪ ..‬ح��اول أن عينيه‪ ،‬واسترسل مجدداً في بوحه‪،‬‬ ‫يُلين شيئاً من مالمحه كي أتقبّل وجهه دون‬ ‫ترصد السائحين‪ .‬أموا ُج‬ ‫غرقتُ ثاني ًة في ّ‬ ‫صدّ‪ ،‬هو قريب بعيد في آن واحد‪ ،‬لم أستطع م��ن البشر بكل أل��وان��ه��م وع���ادات لباسهم‬ ‫تبين سبب انطباعي األول عنه؛ إذ‪ ،‬وفجأة‬ ‫تجمعهم هذه الساحة الواسعة‪ ،‬اشتد الزحام‬ ‫تدفّق الحبّ له من أعماق قلبي‪ ،‬فشعرت بقربي‬ ‫وتدافعت الجموع‪ ،‬وصديقي الجديد منهمكٌ‬ ‫منه وقربه منّي‪ ..‬وكأننا أصدقاء أو اشقاء!‬ ‫ف��ي ب��وح��ه‪ ،‬ك��ان فمه يهدر بكلمات حزينة‬ ‫لماذا انهمر قلبي شغفاً به وحناناً عليه‪ ،‬تدفعها كلمات ملتهبة‪ ،‬وحين تشدني عبارة‬ ‫وهو بعد لم ينطق بكلمة واحدة‪ ،‬نظرت إليه ما‪ ،‬أعاود النظر إليه بتركيز شديد‪ ،‬محاوالً‬ ‫كي يتحدث‪ ..‬كي ينطق‪ ..‬كي يخبرني ماذا استيعاب معانيه المقصودة‪ .‬لكن ما راعني‬ ‫يريد منّي‪ ،‬ول��م��اذا جلس على طاولتي أنا وأقلقني هو أنني كلما التفتُ إليه‪ ،‬رأيت‬ ‫بالذات‪ ،‬هل يعرفني؟‬ ‫مالمحه تتغير تدريجياً‪ ،‬وحين أركّز النظر‬ ‫ق��ال إن��ه آن��س قرباً مني‪ ،‬وك��أن شيئاً ال إليه وأرخ��ي له سمعي‪ ،‬أكتشف أن صوته‬ ‫يتغير أيضاً‪ ..‬لكن بشكل بطيء‪.‬‬ ‫يدركه جلبه للجلوس معي!‬

‫ق��ال إن��ه لم يجد أح��داً يسمعه‪ ،‬ينصت‬ ‫بعمق لقلبه‪ ،‬ثم أطرق رأسه صامتاً‪ ،‬ظننته‬ ‫يمهّد لسؤال ما‪ ،‬لكنه رفع رأسه بقوة وكأنّه‬ ‫تذكر شيئاً‪ ،‬فقال‪ :‬إن��ه ال يريد أن أمنحه‬ ‫شيئاً‪ ،‬ق��ال فقط امنحني سمعك وكفى‪،‬‬ ‫أوم���أت ب��رأس��ي م��واف��ق�اً‪ ،‬ث��م ب��دأت عيناي‬ ‫ت��ج��وب��ان ال��س��اح��ة المكتظة ب��ك��ل أص��ن��اف‬ ‫البشر من جنسيات مختلفة‪ ،‬أخ��ذ يتدفق‬ ‫ب��ال��ك�لام‪ ،‬وأخ���ذت ن��ظ��رات��ي ت�لاح��ق الناس‬ ‫وتالحق تصرفاتهم الصغيرة‪ ،‬لم أكن أقطع‬ ‫امتداد نظري إال حين يخفت صوته‪ ،‬كنت‬ ‫كلمات ثقاالً لم يستطع‬ ‫ٍ‬ ‫حينها أعلم أن هناك‬ ‫إخراجها من فمه‪ ،‬وحين عجز ب��دأ‪ ،‬دمعه‬

‫ت��ح��دث ص��دي��ق��ي ك��ث��ي��راً‪ ..‬أف���رغ ك��ل ما‬ ‫في قلبه وقذفه في قلبي‪ ،‬تحدّث عن ألمه‬ ‫الناشب‪ ،‬عن حياته المتعثرة‪ ،‬عن أحالمه‬ ‫الموؤدة‪ ،‬تحدث كثيرا كثيراً‪ ،‬وحين تهدجت‬ ‫كلماته‪ ..‬وص��ارت مسكينة ضعيفة‪ ،‬التفتُ‬ ‫إليه‪ ،‬فإذا مالمحه تتغيّر كلياً‪ ،‬فيبدو‪ ،‬وكأنّه‬ ‫بدأ يشبهني‪ ،‬أكمل بوحه وصراعه المحتدم‬ ‫مع نفسه‪ ،‬ت��أوّه كثيراً‪ ..‬فبكى وأبكى‪ ،‬نزع‬ ‫حزنه طمأنينة قلبي‪ ،‬سقط رأسي بين كفيّ ‪،‬‬ ‫وب���دأت أنشج معه‪ ،‬وحين خَ � َف��تَ صوته‪..‬‬ ‫التفتُ إليه‪ ،‬فلم أر له أث��راً‪ ،‬اختفى تماماً‪،‬‬ ‫سألت نادل المقهى عنه‪ ،‬ابتسم‪ ..‬وقال ال‬ ‫يوجد بجانبك أحد‪.‬‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪79‬‬


‫ومضات قصصية‬ ‫‪ρρ‬فرح عبده*‬

‫حلم‬ ‫ٌ‬ ‫ينظف الشوارع ومالمح الحزن بادية‬ ‫أمسكَ طائرته الورقية بيده‪ ،‬وتخيل على وجهه‬ ‫نفسه طياراً‪.‬‬ ‫يقترب منه بعض األطفال‪ ،‬ليهينوه‬ ‫أخ��ب��ر صديقه ع��ن حلمه‪ ،‬فسخر بسخرية‪ ..‬وينادوه «صديق»!‬ ‫منه‪..‬‬

‫كبر‪ ،‬وأصبح يحلق بالسماء‪..‬‬ ‫واآلخر ما زال يسخر‪!!...‬‬ ‫مشاعر‬

‫ليس لديه إال الصمت!‬ ‫غربة‬ ‫يتأمل وط��ن��ه م��ن خ�لال ص���وره‪ ،‬ال‬ ‫يستطيع الحديث!‬

‫يطلب م��ن قلبه التحدث‪ ،‬فيكتفي‬ ‫يمسك القطه بوحشية ليمثل فلماً‬ ‫بنبضات الحنين‪..‬‬ ‫عن «الرفق بالحيوان»‪.‬‬ ‫تموت القطة‪..‬‬ ‫ويكسب المعجبون!!‬ ‫أوراق اختبار‬ ‫كانت الدرجات ترصد على اإلجابات‬

‫يطلب م��ن عينيه‪ ،‬ف�لا يجد سوى‬ ‫دمعات الشوق‪!...‬‬ ‫فيكتفي بالصمت‪..‬‬ ‫ِقطة‬

‫يمد يده بألم لوسادته‪ ،‬يضغط عليها‬ ‫فأصبحت ترصد على « االٍ س��م»‪..‬‬ ‫ال تخافوا على درجاتكم ي��ا أصحاب بشدة‪..‬‬ ‫المناصب‪!..‬‬ ‫ينتظر مواساة أحد‪ ،‬فال يجد سوى‬

‫المعلم الظالم!!‬ ‫ٍ‬ ‫لكن‪ ..‬خافوا عليها عند وجود‬ ‫الصادق!!‬ ‫لحظات‪ ..‬تدخل إل��ى غرفته وهي‬ ‫تموء‪..‬‬ ‫صديق‬ ‫تقترب منه لتستقر بحضنه‪ ،‬وكأنها‬ ‫رج��ل بلحية بيضاء يبلغ من العمر‬ ‫تشعر به !‬ ‫خمسين عاما‪..‬‬

‫‪80‬‬

‫ * الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬حمود علي حسني الشريف*‬

‫يحتضرُ في األف��ق بعد مُ جابهةٍ طويلة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عندما كان الرمق األخير من النهار‬ ‫أطبق الغروب جفنيه عليه مُ نهيا حياة ذلك الرمق‪ ،‬وكاشفا لنا عن والدة ليل جديد‬ ‫مجهول المالمح‪ ،‬مولود ما إن ظهر للحياة إال وأخذ يطرق أبواب الجميع مخبرً ا‬ ‫أعرف إلى أين‬ ‫إياهم أنه قد وصل‪ .‬كعادتي‪ ..‬خرجت من القرية‪ ،‬وهذه المرة لم أكن ُ‬ ‫أذهب وال ماذا أُريد‪ ،‬تائها‪ ..‬أسيرُ إلى المجهول‪ ،‬أسيرُ إلى حيث تُطيعني أقدامي‪،‬‬ ‫أثقل عاتقي كرمُ المآسي‪ ،‬وابتسامة األحزان‪ ،‬واستقبال الهموم‪ ،‬لم أستطع حينها‬ ‫أن أُفُ كر حتى إلى أين أذه��ب‪ ..‬كان القمر ليلتها يتأمل في حالتي من مكان في‬ ‫��ص يبحث عن طريق نجاة‪ ،‬وجنوبا عن‬ ‫أقصى سقف السماء مُ تعجبًا‪ ،‬كأنني ل ٌ‬ ‫القرية‪ ،‬وفكرت في النهاية أن أذهب مفترق طرق يقو ُد كل واحد منها إلى أماكن‬ ‫كنت أسمع على جانبيه صدى‬ ‫نائية بعيدة‪ ،‬امتطيت طريقا ليس منها ببعيد‪ُ ،‬‬ ‫صرخات الطفولة تعبث بسكون الليل‪ ،‬مجموعة من األطفال يلعبون ويتبادلون‬ ‫يشاكس كُ ل واحد منهم اآلخر‪ ،‬وبين الخطوة واألخرى أشاهدُ النجم يسهرُ‬ ‫ُ‬ ‫المرح‪،‬‬ ‫على صدى ضحكاتهم التي تعانق السماء‪.‬‬ ‫ومع أني كنت أغبطهم على تلك الحياة عابرون‪ ..‬فهل أنت يا لي ُل وط ُن العابرين؟!‬ ‫النقية التي يستمتعون بها‪ ،‬إال أن خطواتي‬ ‫استمر الطريق في إنهاك أقدامي حتى‬ ‫تابعت دق التراب ومالزمة الطريق‪ ،‬تاركة صرخَ ت خطواتي‪ :‬توقف‪ ..‬حينها توقفتُ‬ ‫وراءها براءة الطفولة وبساطتها‪ ..‬وكأنني عن دقِّ التراب ومالزمة الطريق‪ ،‬وسكت‬ ‫في ٍ‬ ‫سفر طويل مع الذات‪ ،‬تم ُر في طريقي قرع النعال بجوار مزرعة صغيرة أخذتني‬ ‫أس����رابُ ال��ذك��ري��ات وذئ���اب ال��ب��ال‪ ،‬وحتى الخُ طوات إليها دون قصد‪ ،‬تَب ُع ُد مسافة‬ ‫أحزان الغرباء‪ ..‬نعم تَم ّر عابر ًة مثلي‪ ..‬كلما كبير ًة ج �دًا عن القرية‪ ،‬بها قنوات مائية‬ ‫حاولت أن استوقفها ترفض‪ ،‬نعم ترفض! مُتعددة‪ ،‬وب��ج��وارِ إح��دى القنوات المائية‬ ‫ُم َع ِلل َة ذلك بأنها ذاهب ٌة في ٍ‬ ‫سفر بعيد مداه كانت البداية‪ ..‬إذِ استرخيتُ آلخُ َذ قِ سطً ا‬ ‫أقصى ح��دود النسيان‪ ..‬إذاً‪ ،‬فلست أنا من الراحة من عناء الطريق‪ ،‬وحينها كًنت‬ ‫حالمة وادع� ٍ�ة‬ ‫ٍ‬ ‫ليلة‬ ‫ماسة لقضاء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العابر الوحيد فيك يا ليل‪ ،‬فكًلنا فيك يا لي ُل بحاجة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫امبراطورية الجمال‬

‫‪81‬‬


‫مع ال��ذات‪ ،‬ليلة أتجر ُد فيها من هموم الحياة‬ ‫المتالحقة‪ ،‬وأستعيد فيها ذك��ري��ات الطفولة‬ ‫الغائبة‪ ،‬وأستمتع فيها بأشعار شاعر الحُ ب‬ ‫والجمال (ن��زار قباني)‪ ..‬وخصوصا تلك التي‬ ‫يخاطب فيها محبوبته ومنها قوله‪:‬‬ ‫�������ك ي�����ام�����ن ت���س���ك���ن���ي���ن دم����ي‬ ‫إن��������ي ُأح�������ب ِ‬ ‫نت في القمرِ‬ ‫الصين أو إن كُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن كُ نت في‬ ‫أو تلك التي يُع ِب ُر فيها عن حُ زنِه وانكساره‬ ‫ومنها قوله‪:‬‬ ‫����اح ال�����ط�����ري�����ق ص���دي���ق���ت���ي‬ ‫إن�������ي ك����م����ص����ب ِ‬ ‫أب��������ك��������ي وال أح���������������دٌ ي������������رى دم�����ع�����ات�����ي‬

‫‪82‬‬

‫تحت س��م��اءٍ يكون القمر فيها أشبه بمل ٍِك‬ ‫قصرُه السماء وحاشيته النجوم‪ .‬لكن ما إن شعرَتْ‬ ‫قُطعان الظالم بتلك األمنيات التي تجول بخلدي‪،‬‬ ‫وحتى قبل أن أُت��اب��ع س��رد أمنياتي وب���دون أي‬ ‫مُقدمات وحتى سابق إنذار‪ ،‬كان لها كالم آخر‪..‬‬ ‫إذ أرادت أن يكون ذلك الليل سخيا معي!! وبالفعل‬ ‫كان سخيًا باستبداده وعنجهيته التي تجاوزت‬ ‫هتلر وستالين‪ ،‬وأرادت أن ينفذ أحكامها بقتل‬ ‫أمنياتي بليل حالم وادع‪ .‬تالشت تلك األمنيات‬ ‫في داخلي وانتهت أمام ذلك االستبداد خُ طوات‬ ‫األمل الرغيدة التي كانت تسكن ربيع مشاعري‬ ‫ليل ال يعرف‬ ‫المتوقدة‪ ،‬ليتحول ذلك الليل إلى ٍ‬ ‫للسكون طريقا‪ .‬طائر البوم مأل سماء ذلك الليل‬ ‫موحش لم تعد تسمع فيه‬ ‫بصوته المُفزع‪ ،‬لي ٌل ِ‬ ‫حفِ يفًا لألوراق‪ ،‬وال حتى فحيحً ا لألفاعي‪ ،‬على‬ ‫أسوأ احتمال‪ ..‬لي ٌل مسكو ٌن بوحشته‪ِ ،‬صرتُ فيه‬ ‫ظُ لمة وسط ظُ لمة‪ ،‬أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه‬ ‫خاف حتى من نفسه‪ ،‬انهار كٌل شيءٍ داخلي‪..‬‬ ‫لي ٌل َ‬ ‫فلم أعُد أعرف ماذا أفعل وال لماذا تُحاصرني كُل‬ ‫َصبَبتُ براكين غضبي‬ ‫هذه الحُ ظوظ القاسية؟! ف َ‬ ‫على هذه الحقيقة الزمنية التي يسمونها (الليل)‬ ‫قائلاً له‪ :‬اذهب من غير رجعة‪ ،‬اذهب لتستعبد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫أُناسً ا غيري‪ ،‬وتُنغص عليهم أفراحهم‪ ،‬وتضطهد‬ ‫ُك��ل بارقة أم��ل في حياتهم‪ ،‬فمن اآلن أق��ول لك‬ ‫لم تعُد هناك أبوابٌ مفتوح ٌة بانتظارك‪ ،‬ولم يعُد‬ ‫هناك صب ٌر يُطي ُق وج���ودك‪ ،‬فهاجر إل��ى حيث‬ ‫أسمع بخبر وفاتك‪ ،‬وتأكد أنني أول من يعزي‬ ‫ال فيك‪ ،‬وأول من يدق مسمارًا بنعش جنازتك‪.‬‬ ‫أه ً‬ ‫فكرت بالعودة إلى القرية‪ ،‬وبالفعل امتطيتُ طريق‬ ‫العودة‪ .‬كانت األمنيات زادي‪ ،‬والطريق راحلتي‪،‬‬ ‫وفي جيبي ينام الحُ لم ليصحُ و من نومه خائبا‬ ‫وغير آمن لمُفآجات الطريق‪ ،‬متشائما من ذلك‬ ‫الليل قاتل حُ لمي‪ .‬وبين كُل لحظةٍ وأخرى يستيقظ‬ ‫الحُ لم الغافي فأُخبره أن ال جديد يُذكر‪ ..‬استمر‬ ‫في نومك‪ .‬وتستمر وحشتي لتداهمني في تلك‬ ‫ال��ب��راري‪ ،‬وي��ع��اودن��ي ذل��ك الليل ال��ذي م��ا ي��زال‬ ‫ال على ظهره حقيبة الكآبة المريرة‪،‬‬ ‫يستفزني حام ً‬ ‫فتحاول تجاهله خُ طواتي المُكبلة بالخيبة‪ ،‬وتتابع‬ ‫سيرها الشاحب المالمح في عُتمة الليل‪ ،‬وعلى‬ ‫مسافة ليست بالقريبة وال بالبعيدة من القرية‪..‬‬ ‫أمطرت السماء بشراسة‪ ،‬ماسحة أثر الخُ طوات‬ ‫الخائبة‪ ،‬لم اكترث بشراسة المطر‪ ..‬وكابرتْ‬ ‫برياح عاتية جدًا‬ ‫ٍ‬ ‫خُ طواتي على المسير‪ ،‬وإذا‬ ‫تُواجهنا‪ ،‬فما كان منها إال أن أيقظت نوم ذلك‬ ‫الحُ لم الغافي وجعلته في يقظَ ةٍ مُستمرة‪ .‬حبات‬ ‫المطر تَجلدني على ظهري‪ ،‬وأمنياتي المُتشبثة‬ ‫بظهري تصرُخ من شدة الجلد‪ ،‬وفي أذني تعوي‬ ‫ال��ري��اح‪ ،‬ذهبت يمينًا وي��س��ارًا‪ ..‬ال ش��يء نحتمي‬ ‫صنع يدي‪،‬‬ ‫به‪ ،‬استسلمتُ للقدر‪ ،‬فما القدر من ُ‬ ‫لكن كان من لطف اهلل بنا أن رأيت كُوخا صغيرًا‬ ‫لشيخ م ُِسنِّ يعيش في‬ ‫بمزرعة مهجورةٍ ‪ ،‬يعود مُلكها ٍ‬ ‫ضواحي القرية‪ ،‬احتميت به أنا ورفيقي (الحُ لم)‬ ‫فترة هطول المطر الطويلة نسبيا‪ ،‬وبعد أن سكت‬ ‫المطر وتعبت الرياح من العواء‪ ،‬خرجت من ذلك‬ ‫الكوخ الصغير‪ ،‬ف��إذا السماء صافية‪ ،‬والنجوم‬ ‫والشعاب‪،‬‬ ‫المعة‪ ،‬وقد سالت على إثر ذلك الوديان ِ‬ ‫فكان لزامًا علينا أن نعبُ َر أحد الوديان في طريق‬


‫ب��ك��ل ب��س��اط��ة‪ ،‬أن���ا م��ن ت��ج��دن��ي ب��ي��ن سطور‬ ‫الروايات‪ ،‬وفي أفواه الحكايات‪ ،‬وتجدني رسمة‬ ‫بجبين القمر‪ ،‬ومنقوشة على ورق الشجر‪ ،‬وأنا‬ ‫لغة الطير والدرر‪ ..‬فهل عرفتني؟!‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫عودتنا ألواص��ل سيري‪ ،‬وف��ع�ًل�اً ‪ ..‬وبعد صعوبة‬ ‫بالغة‪ ،‬تمكنت من عبور أحد الوديان‪ ،‬وبالقرب‬ ‫من الوادي الذي قطعتُ ‪ ..‬سمعنا صوتا شديدًا‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬يبدو أن هذا الليل مُصمم على إكرامنا مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وعلى ما يبدو أنه لم يبح بكامل أسراره‬ ‫(فما يزال الليل طفال يحبو) كما تقول العرب؛‬ ‫أي أنه ما يزال في أوله وبدايته‪ .‬قادني الفضول‬ ‫الكتشاف مصدر هذا الصوت‪ ،‬فإذا به خرير أحد‬ ‫الوديان المجاورة‪ ،‬حمدنا اهلل كثيرا‪ ..‬ولكن في‬ ‫المقابل‪ ،‬وعلى الطرف اآلخ��ر من ال���وادي ثمة‬ ‫ش��يء يتوهج بريقًا‪ ،‬دارت في خلدي تساؤالت‬ ‫وتساؤالت‪ ،‬فترددْتُ من االقتراب من ذلك الشيء‬ ‫اب��ت��داءً‪ ،‬ومنعني الخوف في المرة الثانية‪ ،‬لكن‬ ‫كان البد أن أعرف ِس ِّر هذا المجهول‪ ،‬فقررت‬ ‫القيام بمغامرة التحقق من ذلك الشيء‪ ،‬وشيئا‬ ‫فشيئا إلى أن اقتربت منه‪ ..‬فوجدت ما لم تحتمل‬ ‫عيناي رؤيته (مالك في صورة امرأة خلف قضبان‬ ‫جفنيها يقبع الكثير من األسرى والعاشقين‪ .‬في‬ ‫نظراتها احتالل طويل‪ ،‬واجتثاث لثقافة االنعزال‬ ‫هي أكبر من مفردات التودد واالنحناء‪ ،‬من يشاهد‬ ‫تضاريس مالمحها‪ ..‬سيعرف أنها السفر الطويل‬ ‫في عقول الكائنات‪ ،‬وسيعرف أن الطريق إليها‬ ‫نوع من الوهم‪ ،‬وأن الوصول إليها انتحارٌ‪ ،‬فال‬ ‫نبالغ إذ قلنا إنها من انحنى لجمالها القمر‪ ،‬أو‬ ‫قلنا إنها مخلو ٌق تجاوز حدود الوصف‪ ،‬أو قلنا‬ ‫إنها فوق الكلمات‪ ،‬أو هي سجن الكالم‪ ،‬وقلنا‪...‬‬ ‫وقلنا)‪ ..‬فبادرتها باستفهامات تشتَ ُم منها رائح ُة‬ ‫االستغراب والتعجب‪ ،‬فكان من أبجديات حواري‬ ‫معها هذا السؤال‪ :‬كيف لمن انحنى لجمالها القمر‬ ‫أن تكون بمفردها في مكان مجهول المالمح دون‬ ‫خاف‬ ‫ليل ٍ‬ ‫خوف أو وجل‪ ،‬ودون سراج أو ضوءٍ في ٍ‬ ‫حتى من نفسه‪ ..‬وهي تملك كل هذا العنفوان؟‬ ‫لسراج يُضيء له الطريق أو‬ ‫ٍ‬ ‫وه��ل يحتاج مثلي‬

‫حتى أن يسير معه أح��د! مُخطىء م��ن يعتقد‬ ‫مثل اعتقادك‪ ،‬فأنا ال أسير وحدي دون سراج‪،‬‬ ‫فسراجي هو بريق عيني الذي تحتضر أمامه كل‬ ‫ظلمة‪ ،‬وأنا ال أسير دون رفقة‪ ،‬كما تظن؛ فالنجوم‬ ‫أنت يا مَن تحملين جمال‬ ‫وقمرها يسيران معي‪ِ ،‬‬ ‫األنوثة الطاغي‪ ..‬أال سبيل لمعرفتك؟‬

‫ي��ب��دو أن��ك ل��م تعرفني ب��ع��د‪ ،‬فلسان حالك‬ ‫وتعابير وجهك يدالن على ذلك!! فأنت محتاج ألن‬ ‫تعرفني بِدقة أكثر‪ ،‬فأنا من اشترطت على كل من‬ ‫يريد الكتابة عني اختراع لغة جديدة‪ ،‬فكل اللغات‬ ‫التي كتبت عني أعرفها جيدًا ومللتها وتعبت منها‪،‬‬ ‫فمتى ستفر ُغ المفردات من الحديث عني وأنا حب ُر‬ ‫المفردات‪ ،‬أنا ال أعترف بالحقائق الزمنية القائلة‬ ‫ال ونهاراً‪ ،‬فمنذ متى أعرف ليال‪ ،‬فأنا‬ ‫إن هناك لي ً‬ ‫أع��رف نهارين فقط‪ ،‬نهار الناس والليل الذي‬ ‫أملؤه نهارا‪ ،‬فيزول الليل من معاجمي فيصبح‬ ‫لدي نهاران فقط‪ ،‬كل شيء حولي ناطق‪ ،‬فجمالي‬ ‫فرض على الصخر أن ينطق بما في جوفه من‬ ‫ماء فنطق‪ ،‬وعلى الليل أن يذهب فاختفى‪ ،‬وعلى‬ ‫الشوارع أن تتحدث بلغتها ففعلت‪ ،‬برغم كل ما‬ ‫قلت‪ ..‬سأظ ُّل أجه ُل إصرارك على البقاء وليس‬ ‫ِ‬ ‫برفقتك إال الظالم‪ ،‬لكني مُضط ٌر أن أتابع طريق‬ ‫عودتي إلى القرية‪ ،‬نعم تابع طريق عودتك‪ ..‬هي‬ ‫تقول ذلك! وقبل ذلك أتمنى أن تكون أيها الحاذق‬ ‫البصير قد عرفتني؟!! فأنا أرى فيك التعبير‬ ‫الذي ال يختز ُل المشوار‪ ،‬لذا أرجو أن يبخل عليك‬ ‫القدر بلحظاته المؤلمة على اعتبار أن الحياة ال‬ ‫تخلو من لحظات مؤلمة‪ ،‬لتسرح عيناك من جديد‬ ‫في مالمح امبراطورية الجمال‪.‬‬

‫* قاص وشاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪83‬‬


‫األزمنة‬ ‫تقازم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬

‫نوير بنت مطلق العتيبي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫‪84‬‬

‫مضى أولُ المساءِ‬ ‫متعجل‬ ‫والليلُ األزرقُ‬ ‫صاخب بالمنى‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫قادمٌ باألوهامِ ‪..‬‬ ‫اس‬ ‫مُ ثقلٌ بتسابيحَ قُ دّ ٍ‬ ‫يختلسونَ جمالَ الحياةِ‬ ‫ويفقؤونَ عنهم العيونَ‬ ‫بدوي االستغفارِ ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫القديم تبدّ لَ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫وجهُ الصحراءِ‬ ‫باأللوان النافرةِ‬ ‫ِ‬ ‫فأضحى معجونًا‬ ‫وباعةُ الكالمِ‬ ‫الطريق صمتَهُ‬ ‫ِ‬ ‫يسرقونَ منَ‬ ‫المصابيح‬ ‫ِ‬ ‫ويحلبونَ من‬ ‫ضوءً ا يُ بدِّ دُ سوادَهم‬ ‫مضى أولُ المساءِ‬ ‫باعث ًا لنا مالكً ا الحزينَ‬ ‫نمارس معَهُ الغِ نا َء‬ ‫َ‬ ‫كي‬ ‫اندلقت على أراضينَا‬ ‫ْ‬ ‫منذُ‬ ‫ناج‪..‬‬ ‫الدماءُ واُختزلَ الفرحُ في مُ قلتي ٍ‬ ‫لم يعدْ يفهمُ حدي َثنَا‬ ‫ولم يُ عنهِ غُ د َّونَا‬ ‫أو الروا َح‬ ‫فاحا‪..‬‬ ‫الجبنَ ِس ً‬ ‫الخوف داخ َلنَا‪ ..‬وحم ْلنَا ُ‬ ‫َ‬ ‫ربّـينَا‬ ‫للزمن‬ ‫ِ‬ ‫ال قيم َة‬ ‫الصباح‬ ‫ِ‬ ‫بخيوط‬ ‫ِ‬ ‫اختلط الغَسَ قُ‬ ‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ألف مرةٍ‬ ‫مت العروبةُ فينَا‪َ ..‬‬ ‫هُ زِ ْ‬ ‫التاريخ فُ كاهةً تُروى‬ ‫ِ‬ ‫وص ْرنَا ألساطيرِ‬ ‫ِ‬ ‫جنون‪ ..‬من غباءٍ ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫وخليطا من‬ ‫ً‬ ‫على كفينَا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫مجد ِخ ْلنَا ُه‬ ‫ٍ‬ ‫نقش‬ ‫ُ‬ ‫يكفي للحياةِ‬ ‫هلل في عليائِ هِ ينتظرُ صنيعً ا‬ ‫وا ُ‬ ‫الريح‬ ‫ِ‬ ‫يُ غيُّ ر موج َة‬ ‫الربيع‬ ‫ِ‬ ‫األرض لونَ‬ ‫َ‬ ‫ويمنحُ‬ ‫وما يرى‪..‬‬ ‫غي َر غاللةِ الكالمِ‬ ‫الطاوالت‬ ‫ِ‬ ‫وأحجيةٍ تُزجى على‬ ‫كلُّ عامٍ‬ ‫تدق خاصرةِ الغَسَ ِق‬ ‫ُّ‬ ‫بافتراءٍ‬ ‫غضبةٌ عربيةٌ مُ ضحكةٌ‬ ‫األوراق‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ال تُحر ُِّك سوى أكوامِ‬ ‫المثقل بالدعاءِ‬ ‫ِ‬ ‫الليل‬ ‫ِ‬ ‫يا آخ َر‬ ‫أهجرُ مُ دنًا بِ ضاع َتهَا‪ ..‬كالمٌ ‪ ..‬ومالمٌ ‪..‬‬ ‫بتصافح ووعودٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ينتهي‬ ‫تقتلُ األحيا َء‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يا آخ َر‬ ‫أجهض األحال َم‬ ‫ْ‬ ‫المريع‬ ‫ِ‬ ‫الكسل‬ ‫ِ‬ ‫تبتئس من‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫مالك‪..‬‬ ‫َ‬ ‫نادِ‬ ‫كي يغني‪ ..‬كي يصيحَ ‪ ..‬كي يخبرَهُ م‬ ‫عن تقازمِ األزمنةِ‬ ‫في جغرافيةِ الخائبينَ‬ ‫التاريخ‬ ‫ِ‬ ‫كي يتل َو عليهم‪ ..‬من ِسفْ رِ‬ ‫َّط كالحجرِ‬ ‫مجد تُحن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أكاذيبَ‬ ‫تغرف‬ ‫ُ‬ ‫الجرا َح التي‬ ‫ويذكّرُ هم ِ‬ ‫رح‪..‬‬ ‫الج ِ‬ ‫من ُ‬ ‫مئات السنينَ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫منذُ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪85‬‬


‫العقـد‬ ‫تناثر العقد الثمين وتبعثر لؤلئي‪..‬‬ ‫و تكسر زجاج الحلم من يدي‪..‬‬ ‫أد َل ْو بدلوِ الحرمان‬ ‫وجففوا بئِ ر موعدي‬ ‫صلوا بالمدينة فجرهم‬ ‫َعش قُ بلتي‬ ‫وأنا قبلت ن َ‬ ‫صبحا‪ ..‬والصبح ليلً ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫تناقض الليل‬ ‫قمرُ الراحةِ صلى عذابهُ‬ ‫مدفونٌ بالجدي‬ ‫مت وكذَّ ب ُْت من قالوا إن الموت واحدُ‬ ‫ُّ‬ ‫ورب نوح‬ ‫رب يونس َّ‬ ‫ناديت يا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ورب جرح مقلتي‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫كف الدعاءِ علَها‬ ‫رفعت َ‬ ‫ُ‬ ‫تمسك سماءً شحَّ بها مطري‬ ‫علها فوق البساتين‪..‬‬ ‫ُنبت ورد معذبي‬ ‫ت ُ‬ ‫ما سكت الغصن الندي بحداده‬ ‫وحبه بالفؤاد‪..‬‬ ‫كما عقد فاتنة انقطع‪..‬‬ ‫المولد‬ ‫ِ‬ ‫فبكت‪ ..‬وأبكت جرح‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρρ‬نوره عبيري*‬


‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫زق‬ ‫بكاء منها مُ مَ ِ‬ ‫سحبوا المناديلَ من حول أصابعها‬ ‫وفستانُها المفتون بجمالها‬ ‫مكذب‬ ‫ِ‬ ‫تقطع في رقص‬ ‫تدثرت ببعض شعرها‬ ‫بكيت‪ ..‬يا ويل ويلي‪ ..‬ويا ويل قبر أبي‬ ‫ُ‬ ‫إن‬ ‫ستموت أمي علقم إن لم أشرب الليلة‪..‬‬ ‫يا عـ ـقـ ـ ـ ــدُ ‪..‬‬ ‫ما تبقى من بقاياك من خيط مقطوع‬ ‫و ال من لؤلئي‬ ‫كُ ن حلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـًا‪..‬‬ ‫ميتً ا‪..‬‬ ‫نعشك رمشي‪ ..‬ودثارك يدي‪.‬‬ ‫لملمت عقد الحكاية‬ ‫وجرت حريرها تولولُ‬ ‫آه‪ ..‬ليت هذا اللؤلؤ األخير مات‪..‬‬ ‫وودعني‪...‬‬ ‫ضاعت من بين يدي تفاصيل الحكاية‬ ‫انقطع اللؤلؤ الثمين‪..‬‬ ‫و باحت سرها المفتون عذراء قصيدتي‪..‬‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪87‬‬


‫أراك شمس ًا ال تغيب …‬ ‫‪ρρ‬أريج الزهراني*‬

‫أج��������م��������ي��������ل‪ ..‬ي���������ا ح�������ب������� ًا ت������م������لّ������ك خ����اف����ق����ي‬ ‫ح���������ت���������ى ت���������ق���������يّ���������د ف��������������ي ه�����������������������واك أس���������ي���������را‬ ‫ي�����خ�����ش�����ى ال�������ف�������ك�������اك وأن يُ��������ح��������لّ وث�������اق�������هُ‬ ‫أرأي���������������������������تَ ق������������ي������������د ًا ي����������رف����������ض ال�������ت�������ح�������ري�������را‬ ‫إنّ�����������������ي أرى ف�������ي�������ك ال��������ج��������م��������ال م�����ح�����ط�����ةً‬ ‫وأراك ِم���������������ن ب��������ي��������ن ال�������������رج�������������ال أم��������ي��������را‬ ‫َ‬ ‫وأراك ش�������م�������س������� ًا ال ت������غ������ي������ب ون������ج������م������ةً‬ ‫وأراك ب�����������������������در ًا ف������������ي ال������������ظ������ل�����ام م������ن������ي������را‬ ‫����������ون ح������ي������ن تُ����ح����ي����ط����ن����ي‬ ‫وأراك ك���������ل ال����������ك ِ‬ ‫وأراك ف�����������������وق ال����������ص����������اغ����������ري����������ن ك������ب������ي������را‬ ‫أش������ع������ل������تَ ف��������ي ب�����ح�����ر ال���������غ���������رام ق����ص����ي����دت����ي‬ ‫ه�������������ي ك�������ل�������م�������ا غ�����������رق�����������ت ت�������������زي�������������دُ س������ع������ي������را‬ ‫وزرع���������������������تَ ف���������ي ع�����ي�����ن�����ي ح���������دائ���������ق ب����ه����ج����ةٍ‬ ‫ون������������ث������������رتَ ف�����������ي ف�����������لَ�����������كِ ال������������ف������������ؤاد ع�����ب�����ي�����را‬ ‫�����������رش ع����واط����ف����ي‬ ‫������ب ق�������د مُ �������لِّ�������كْ �������تَ ع َ‬ ‫ب������ال������ح ِ ّ‬ ‫أص������������ب������������ح������������تَ س����������ل����������ط����������ان���������� ًا ع���������ل���������ي���������ه ق����������دي����������را‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬جابر الدبيش*‬

‫ضياع‬

‫جوف الليلْ ـ‬ ‫كسرب طيورٍ في ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعرف أن‬

‫شماالً؟!‬

‫تأتي األعما ْر‬

‫شماالً؟!‬

‫الغصن‬ ‫ِ‬ ‫ظلم‬ ‫ويفرَّ من ِ‬

‫يموت‬ ‫ُ‬ ‫الجنوب‬ ‫ُ‬ ‫لماذا‬

‫القيظ‬ ‫ِ‬ ‫سوط‬ ‫ِ‬

‫كصمت نفا ُه الضجيجْ ؟‬ ‫ٍ‬

‫ورقُ األشجا ْر‬

‫كضوءٍ تالشى على مفرَقين!‬

‫���رس ال��م��ص��ل��وبَ ع��ل��ى ك ِّ��ف‬ ‫����رف أن ال���ج َ‬ ‫أع ُ‬

‫لماذا الرياحُ تعيدُ‬ ‫مهده؟‬ ‫الجنوبَ إلى ِ‬ ‫لحده‬ ‫فيجري شما ًال إلى ِ‬ ‫ذئاب عوتْ‬ ‫الحتوف ٌ‬ ‫َ‬ ‫كأن‬ ‫فأي فالةٍ تنمِّ ي خطاه؟‬ ‫ُّ‬ ‫شتات يلبي مناه؟‬ ‫ٍ‬ ‫وأي‬ ‫ُّ‬ ‫إذا ما تساوت على مقلتيه‬ ‫دروب الضياعْ‬ ‫ُ‬ ‫أجراس‬

‫األجراس معلقةً‬ ‫ِ‬ ‫حين أشاهدُ كلَّ‬ ‫العالم‬ ‫ِ‬ ‫حلق‬ ‫كلهاةٍ في ِ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫نصوص شعرية‬

‫الراهب‬ ‫ِ‬ ‫يرفع يدَه‬ ‫ويلوّحُ ‪ :‬قد مات األسبوعْ‬ ‫في عينيّ يسوعْ‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬ ‫أعرف أني أسكنُ في‬ ‫وخاتمتي في ضغطةِ ز ْر‬ ‫أعرف أن الصوتَ اآلتيَ‬ ‫ال يعنيني‬ ‫أو يعنيني‬ ‫ال ما َء لديه‬ ‫أعرف‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أعرف‪..‬‬ ‫ُ‬

‫تهرف للريحْ‬ ‫ُ‬

‫أعرف س ّر ًا‬ ‫ُ‬ ‫لكني ال‬

‫الرابض في رئتيها‬ ‫َ‬ ‫أعرف أن الصوتَ‬ ‫ُ‬

‫منْ كبَّـلَ باب ًا بالمفتاحْ ؟‬

‫يتحينُ أمر ًا لإلقالعْ‬

‫الجرس األرواحْ‬ ‫ِ‬ ‫ينفث في‬ ‫ُ‬ ‫منْ‬

‫الراكض كسرتْ ساقاه‬ ‫َ‬ ‫أعرف أن الزمنَ‬

‫كي تبدأَ أو تنهيَ عمر ًا‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪89‬‬


‫ُ‬ ‫غياب َك‬ ‫قهوة‬ ‫ِ‬ ‫‪ρρ‬حنان بيروتي*‬

‫القهو ُة أميرة‬ ‫أطراف الفستان‬ ‫َ‬ ‫ترفع بأناقة‬ ‫كي ال تتعثر‪ ..‬ويبكي الفنجان!‬ ‫***‬

‫هي امرأةٌ‬ ‫تسقي يبابَ السنين‬ ‫بذاكرة الورد‪ ..‬وعطر الكالم‬ ‫وفي قلبها‬ ‫يزهر ‪-‬كل صباح‪ -‬عمرٌ جديد!‬ ‫***‬

‫تذوقت قهو َة غيابك‬ ‫ُ‬ ‫كلما‬ ‫سقط َالفنجان‬ ‫من كف السؤال‬ ‫***‬

‫ما كسرتَ القلب‪ ..‬لكن أغلقتَ دون العمر أبواب الفرح‬ ‫ما تركتَ الجرح مكشوفا‪ ،‬لكن نكأتَ كلَّ أتراح الزمن!‬ ‫***‬

‫يا امرأ ًة من عطر الحرف‬ ‫أوصدت قلبك دوني‬ ‫ِ‬ ‫كلما‬ ‫تشرع طرواد ُة كلماتي‬ ‫الباب!‬ ‫***‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫***‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫القهو ُة حالةُ حب‬ ‫ما بين الرشفةِ والرشفة‪ ..‬ثمة شفتان‬ ‫تفترقان للحظة‪ ..‬وتلتقيان!‬ ‫العين‬ ‫ِ‬ ‫كوني كالرمشةِ في‬ ‫نبضة قلب في شرياني‬ ‫كُ وني َكوْنِ ي‬ ‫كونيني!‬ ‫***‬

‫لترم َم جرحك‬ ‫ال تجدي شرفة للبوح‬ ‫إال من يشبه قلبك!‬ ‫***‬

‫السحاب‬ ‫درج ّ‬ ‫لو أستطيعُ تسلُّقَ ِ‬ ‫لضفرت لطفلة المساء جديلتَها‬ ‫ُ‬ ‫فوانيس السهر‬ ‫َ‬ ‫وأثثتُ لليل‬ ‫ورتبت النجو َم كأزرار معطف‬ ‫ُ‬ ‫ونثرت في براري العمر األحالم!‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫غيرة المرأ ُة‬ ‫تقر ُأ ما بين سطور القلب‬ ‫وتفرِّق بين أداة الجزم وبين أداة النصب‬ ‫تشتم الزهر وبرعمه وتميز أعراض الحب‬ ‫تنتظر النكران‪ ،‬وملح الكذب كهدنة حرب!‬ ‫***‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪91‬‬


‫لوجيب القلب نبضتان‬ ‫تبكي األولى غيابك‬ ‫وثانيها تمحو عنك النسيان!‬ ‫***‬

‫القهوة تدلل يومي‬ ‫أصحو كأميرة صولجانها‬ ‫فنجان!‬ ‫***‬

‫ايقظيني من سباتي‬ ‫بعثري عمري بعطرك‬ ‫بباقات انتظارك‬ ‫ِ‬ ‫رتبي فرحي‬ ‫كوني صباحي‬ ‫واهمسي في أذن يومي‬ ‫حروف اسمك‬ ‫***‬

‫تتشرب روحي تباشير المطر‬ ‫كأنه امتدادٌ لربيع عينيك في قلبي‪..‬‬ ‫***‬

‫عجل‬ ‫ٍ‬ ‫تشرب قهوتَك على‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫عناق‬ ‫ٌ‬ ‫للقهوة والوقت‬ ‫كف الليل يصافحُ مشتاقً ا‬ ‫هي ُ‬ ‫يومَ ك!‬ ‫***‬

‫“أحبك”‬ ‫ِ‬ ‫المرأ ُة ال تفهم كلمة‬ ‫إال في المرة األولى‪..‬‬ ‫بعد األلف!‬ ‫‪92‬‬

‫ * شاعرة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬أحمد الالوندى*‬

‫الشتا َء كثيرً ا‪..‬‬ ‫أ ُِح ُّب ِّ‬ ‫يم‪،‬‬ ‫الشتا َء يُ ذكِّرني باللِّقاءِ الحَ ِم ِ‬ ‫ألنَّ ِّ‬ ‫بأُمِّ ي‪،‬‬ ‫أصطَ فيها‪،‬‬ ‫بأُغنيةٍ ْ‬ ‫بهذا الفُ ُطورِ الَّذي‪..‬‬ ‫يم لنا‪..‬‬ ‫كا َن ي َْجمَ عُ نا حَ وْلَ فُ ر ٍْن ق َِد ٍ‬ ‫يا رِ فَاقُ ‪..‬‬ ‫الشتا َء كثيرً ا‪..‬‬ ‫أ ُِح ُّب ِّ‬ ‫يد‪،‬‬ ‫الحقُ ولَ تبوحُ بأسرارِ ها للمُ رِ ِ‬ ‫ألنَّ ُ‬ ‫وت َْضحَ ُك في أو ُْجهِ العابرينَ‬ ‫الشتا َء كثيرً ا‪..‬‬ ‫أ ُِح ُّب ِّ‬ ‫َيسرَ‪..‬‬ ‫ألنَّ أبي في المساءِ يُ رتِّلُ مَ ا قَدْ ت َّ‬ ‫ِمنْ كَدْ ِحهِ ‪..‬‬ ‫في البناءِ ‪،‬‬ ‫ص علينا الحَ كايا‪،‬‬ ‫يَقُ ُّ‬ ‫ويُوقدُ نارًا بغُرْفَتِنا كي تزولَ البُرودةُ‪..‬‬ ‫ي َْح ِضنُنا‪/‬‬ ‫ثُ مَّ يَفْ رِ ُش ق ًَّشا‪..‬‬ ‫ننامُ عليهِ ‪..‬‬ ‫ْف غُ رْبتِ نا القاسي ْة‬ ‫أنا ال أُحبُّ َك يا َصي َ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫الشتاء‬ ‫الصافي ْة‬ ‫بيل ل َتر ِْج َع ب َْسمَ تُ نا َّ‬ ‫َفهَلْ ِمنْ سَ ٍ‬ ‫الشتا َء كثيرً ا‪..‬‬ ‫أ ُِح ُّب ِّ‬ ‫ْ��ت (أن��ي��س��ةَ)‬ ‫ْ����ت أذك���رُ ل��مَّ ��ا َت���هَ���دَّ َم َب��ي ُ‬ ‫وم��ا زِ ل ُ‬ ‫جارتِ نا‪..‬‬ ‫ول المَ طَ رْ‪..‬‬ ‫ِمنْ هُ ُط ِ‬ ‫ين سَ قْ َف الغُ ر َْف‪،‬‬ ‫بالط ِ‬ ‫ِّس ِّ‬ ‫كانَ جَ دِّ ي يُ َلي ُ‬ ‫بالجيرِ ُجدرانَها‪،‬‬ ‫ِّض ِ‬ ‫يُ بي ُ‬ ‫بداخل مَ ْطرٍ ق َِصيٍّ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫َظ ُأ ْرزًا‬ ‫وي َْحف ُ‬ ‫أقامَ ْه‬ ‫الشتا َء كثيرً ا‪..‬‬ ‫أ ُِح ُّب ِّ‬ ‫يب‬ ‫الشوار َع في َقرْيتي ال تَغِ ُ‬ ‫ألنَّ َّ‬ ‫وال يحتويها األرقْ ‪..‬‬ ‫فار ِْج ِعي‪..‬‬ ‫الشتاءِ ‪..‬‬ ‫يا لياليَ هذا ِّ‬ ‫فأن ِْت انتفاضةُ ُحلْمي‪،‬‬ ‫ومُ نقذتي‪..‬‬ ‫رين ال َقلَقْ ‪.‬‬ ‫ِمنْ عَ ِ‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪93‬‬


‫دموع بعد اليوم‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫‪ρρ‬موسى البدري*‬

‫ه�����ذي ال����دم����وع ع���ل���ى ال����خ����دود س��ك��ب��ت��ـ��ُه��ا‬ ‫���ك ح��ب��س��ت��ـ��ُه��ا‬ ‫ح��ت��ى ان���ت���ه ْ���ت وح���س���ب���تَ ع���ن َ‬ ‫ُح��������زن��������ي ي�����رق�����رق�����ه�����ا وي��������دف��������ع س���ي���ل���ه���ا‬ ‫وإذا رض�������ي�������تَ ل�����ف����� ْرح�����ت�����ي رق����رق����ت����ـُ����ه����ا‬ ‫واآلن م������ا ع������������ادتْ دم������وع������ي وف�������ـْ�������قَ م��ا‬ ‫������ك ص��ب��ب��ت��ـُ��ه��ا‬ ‫أه���������وى وف�������ي ش�����وق�����ي إل������ي َ‬ ‫���ك ص��������دْ ق م��ا‬ ‫وه�������ي ال����ت����ي ت���ع���ن���ي ل���ع���ي���ن َ‬ ‫�����ك ال������ت������ي أع���ل���ن���ت���ـُ���ه���ا‬ ‫ب�������ي م�������ن م�����ح�����بّ�����ت َ‬ ‫�����ت دم�����وع�����ي –س������يّ������دي‪ -‬م�����ن ل����ؤل����ؤ ٍ‬ ‫ك�����ان ْ‬ ‫�����ك ن���ث���رت���ـُ���ه���ا‬ ‫�����رك إذ ع�����ل�����ي َ‬ ‫ع�������������زّتْ ل�����غ�����ي َ‬ ‫ول������ط������ال������م������ا ب������ي������دي������ك دوع��������������ب د ُّره�����������ا‬ ‫������ت ل�����ل�����م�����س�����ات ح�����ي�����ن أث�����رت�����ـُ�����ه�����ا‬ ‫وح������ن������ن ُ‬ ‫م�����ا أج����م����ل ال����ق���� ْرب����ى وم������ا أح����ل����ى ال��ل��ق��ا‬ ‫�������ذاك ي������ا ك��������لَّ ال������ه������وى أح���ب���ب���ت���تُ ���ه���ا‬ ‫َ‬ ‫ف�������ل‬ ‫���ت دم����وع����ي اآلن م����ن ط�����ول ال���ن���وى‬ ‫ج���ف���ـ ّ ْ‬ ‫ل������و ك�����ن�����تَ ت�����دن�����و ب�����ال�����وص�����ال م��ن��ح��ت��ـُ��ه��ا‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬عبدالعزيز الشريف*‬

‫الريح‬ ‫ِ‬ ‫سأدخلُ حدَّ‬ ‫السراب‬ ‫ِ‬ ‫حاسر ًا من عناءِ‬ ‫الطريق‬ ‫ِ‬ ‫ضجيج‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬ ‫ومن لوحةٍ باهت ْه‬ ‫سأدخلُ غرفةً بارد ْه‬ ‫إني ‪..‬‬ ‫القوافل‬ ‫ِ‬ ‫تعب‬ ‫تعبت من ِ‬ ‫ُ‬ ‫جفاف الدموعِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬ ‫مدن تأكلُ أسماءَها‬ ‫ومن ٍ‬ ‫مدن غادرتْها العناونينُ‬ ‫ٍ‬ ‫واستباحت نواصي دمي‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫كالحديد فيها‬ ‫ِ‬ ‫غرف‬ ‫ٌ‬ ‫وبؤس شديدٌ‬ ‫ٌ‬ ‫شقاءٌ‬ ‫تحرقُ آمالَهم‪،‬‬ ‫للسبات اللعينْ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أودعتْهم‬ ‫شمس تشرقُ على توابيتِ هم‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫أو بخو َر يطهرُ أرواحَ هم‬ ‫من الهواءِ الثقيلْ ‪.‬‬ ‫أنجبت ولد ًا سارق ًا‬ ‫ْ‬ ‫التوابيت التي‬ ‫ُ‬ ‫يمت حزنُها‪.‬‬ ‫بقتل العصافيرِ التي لم ْ‬ ‫ِ‬ ‫يجاهرُ‬ ‫األرض الملتفةِ بالسوادِ‬ ‫ِ‬ ‫يا هدأ َة‬ ‫ويا شجر ًا ماتَ كملحمةِ االنتحارِ‬ ‫كشمس اللغةِ المدججةِ‬ ‫ٍ‬ ‫ورجع األنينْ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ببكاءِ المرايا‬ ‫المميت‬ ‫ِ‬ ‫اللهب‬ ‫ِ‬ ‫أنخت خطيئ َة‬ ‫ُ‬ ‫وحين‬ ‫َّشت عن لغةِ الموتى‬ ‫فت ُ‬ ‫نهد أنثى‬ ‫وعن ِ‬ ‫األرض الحرامْ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تراتيل‬ ‫ِ‬ ‫تندس فيه‬ ‫ُ‬

‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬

‫نص جاهز‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪95‬‬


‫الدكتور عبداهلل الغذامي‬

‫‪:‬‬

‫الثقافةُ تسكن في اللغة‬ ‫وكل لسان ينطق هذه اللغة‏المعينة فهو وطن هذه الثقافة‬

‫ُصدِّ َر ُه بتعريفه‬ ‫حرص الدكتور عبداهلل الغذامي في كتابه (حكاية الحداثة) أن ي َ‬ ‫للحداثة بأنها (ال��ت��ج��دي��د ال���واع���ي)؛ وح��س��ب ال��غ��ذام��ي‪ ،‬فمفهوم ال��وع��ي يتعمق‬ ‫ويغوص بنا إلى شروط معرفية ونقدية تنطلق من معنى الوعي وشروطه‪ ،‬ومدى‬ ‫قدرة المبدع على تحويل ما هو وعي ليصبح نصا تنتقل عدوى وعيه إلى قارئيه‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬يأتي تعريف الحداثة بوصفها تجديد ًا واعي ًا ليكون قيمة معرفية عميقة‬ ‫وإشكالية على مستوى التصور النقدي‪ .‬كتب الغذامي في نقد التيار المتأسلم‬ ‫بمثل ما كتب عن التيار المتلبرل‪ ،‬ونقد الحداثيين بمثل ما نقد الصحويين‪..‬‬ ‫وهو ما يسميه (العمى الثقافي)‪ ،‬وهذا أحد أس��رار شعبية هذا الناقد‪ .‬وفي هذا‬ ‫الحوار‪ ،‬يتناول المفكر الناقد الغذامي مصطلح المؤلف ال��م��زدوج‪ ،‬مشيرً ا إلى‬ ‫أننا اليوم في زمن (النظرية النقدية) وهي التي حلّت محل الفلسفة‪ .‬الغذامي‬ ‫تحدث عن العالقة الحميمة بينه وبين تويتر‪ ..‬وقيمة تلك األداة المعرفية ثقافيا‬ ‫واجتماعيا‪ ،‬في الحوار اآلتي‪:‬‬ ‫‪ρρ‬حاورته‪ :‬هدى الدغفق*‬

‫¦ ¦في كتابك عن الحداثة في السعودية‬

‫‪96‬‬

‫المرأة السيارة؟‪‎‎‬‬

‫بينت أن ال��س��ع��ودي��ة دول���ة ح��داث��ي��ة‪ρ ρ .‬س����ؤال ي��ق��ع ف���ي ص��م��ي��م المشكل‬ ‫ف��م��ا م��ع��اي��ي��رال��ح��داث��ة ل��دي��ك؟ ‏وأين‬ ‫االص���ط�ل�اح���ي‪ ،‬ورب���م���ا ي��ك��ون هو‬ ‫ال���ت���ق���اط���ع ب���ي���ن ال���ح���داث���ة وس��ي��اق��ة‬ ‫سبب ك��ل ال��خ�لاف��ات والتشنجات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫التي صارت ضد الحداثة‪ ،‬ألن كل واحد‬ ‫يحمل في رأسه تعريفا يخصه وال يشمل‬ ‫غيره‪ ،‬وهذا أمر ينطبق على الحداثيين‬ ‫أنفسهم‪ ،‬وكذلك على خصوم الحداثة‪،‬‬ ‫ول��و وضعنا مثال مئة شخص لخرجنا‬ ‫منهم بمئة تعريف عن الحداثة‪ ،‬أي أنها‬ ‫مصطلح سائل (من السيولة‪ ،‬وقد تواتر‬ ‫استخدام هذه الصفة اآلن)؛ ولهذا‪ ،‬فقد‬ ‫حرصت في كتابي (حكاية الحداثة) أن‬ ‫أص��دِّره بتعريفي ال��ذي أنطلق منه‪ ،‬مع‬ ‫عرض لحال المصطلح بعامة‪ ،‬وتعريفي‬ ‫ٍ‬ ‫للحداثة أنها (التجديد ال��واع��ي)‪ ..‬وقد‬ ‫يتبدى التعريف سهال‪ ،‬ولكنه في حقيقته‬ ‫معقد‪ ،‬وتمييز التجديد ليس تلقائيا‪ ،‬وكم‬ ‫من تقليد متقن تبدى لنا أنه جديد‪ ،‬وقد‬ ‫نطرب لمهارة التقليد‪ ،‬وتشغلنا مهارته‬ ‫عن تقليديته مثال‪ ،‬انظري ألغاني صباح‬ ‫ف��خ��ري‪ ،‬وال��ق��دود الحلبية‪ ،‬وك��م نطرب‬ ‫ه��ن��ا ي��أت��ي ت��ع��ري��ف ال��ح��داث��ة بوصفها‬ ‫ل���ه‪ ..‬ليس ألن��ه م��ج��د ٌد م��ب��دعٌ‪ ،‬ب��ل ألنه‬ ‫تجديدًا واعيًا ليكون قيمة معرفية عميقة‬ ‫مقل ٌد ماهرٌ‪ ،‬وكذا نطرب للجواهري‪ ،‬ولن‬ ‫وإشكالية على مستوى التصور النقدي‪.‬‬ ‫يقول ناقد بصير إن الجواهري مجدد‬ ‫بأي حال‪ ،‬ولكنه ماهر في التماهي مع ¦ ¦‪‎‬أعتقد أن��ك أول م��ن اشتغل على النقد‬ ‫الثقافي ف��ي المنطقة أي ف��ي الخليج‪.‬‬ ‫القصيدة العربية التقليدية بكل تقليديتها‬ ‫إل��ى أي��ن وصلت ‏بهذا النقد وم��ا مكانته‬ ‫المتوارثة‪ ،‬وميزته أنه أتقن لعبة التماهي‬ ‫في الخليج؟‪‎‎‬‬ ‫حتى احتوانا عبرها‪ ،‬ونحن معه نستلهم‬ ‫الموروث ونطرب لذاكرتنا التراثية‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال أظ��ن��ن��ي س��أح��ص��ر األم����ر ف���ي بقعة‬ ‫جغرافية دون أخرى‪ ،‬فالثقافة تسكن في‬ ‫وإذا جئنا للركن الثاني (ال��واع��ي)‪ ،‬فإن‬ ‫اللغة‪ ،‬وكل لسان ينطق هذه اللغة المعينة‬ ‫مفهوم ال��وع��ي يتعمق وي��غ��وص بنا إلى‬ ‫فهو وط��ن ه��ذه الثقافة‪ ،‬وك��ل م��ا يكتب‬ ‫شروط معرفية ونقدية تنطلق من معنى‬ ‫بالعربية فالعربية وطنه بصرف النظر‬ ‫الوعي وشروطه‪ ،‬ومدى قدرة المبدع على‬ ‫ع��ن ج���واز س��ف��ره‪ ،‬وام���رؤ القيس ليس‬ ‫نصا تنتقل‬ ‫تحويل ما هو وع� ٍ�ي ليصبح ً‬ ‫ع��دوى وعيه إل��ى قارئيه‪ .‬وه��ذه درج��ة‬ ‫ال يتم تحققها إال في ح��االت إبداعية‬ ‫عميقة جدا‪ ،‬وكثيرا ما اتخذت الحداثة‬ ‫نصا مثل (األرض اليباب) إلليوت‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫قصيدة تنطلق من وع��ي معمق‪ ،‬وكأنها‬ ‫نص فلسفي بمثل ما هي نص شعري‪،‬‬ ‫وهذا مثال على التجديد الواعي بركنيه‬ ‫(الجدة والوعي المعرفي)‪ ،‬بما إن الجدة‬ ‫ت��ج��اوز للمعطى أي المتحقق سابقا‪،‬‬ ‫وتأسيس للمبني أي ما هو إضافة‪ ،‬حسب‬ ‫كلمات باشالر‪ .‬وأشير في هذا السياق‬ ‫لقصيدة السياب (أن��ش��ودة المطر)‪ ،‬ثم‬ ‫نقفز باتجاه محمود درويش‪ ،‬وهو الملهم‬ ‫الذي جعل معاني الوعي المعرفي خطابا‬ ‫في النصوصية يتجاوز المعطي باتجاه‬ ‫المبني‪ ،‬حتى ليتجاوز نفسه في كل نص‬ ‫جديد يختلف فيه عما كان فعل بما قبله‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫وأسمي عملي تنويريا‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫سعوديًا مثال‪ ،‬وإن كان من ديارنا‪ ،‬بمثل ما‬ ‫إن المتنبي ليس عراقيًا وإن كان من تلك‬ ‫لست هذا‪ ،‬وأنا أنقد هذه السلطوية أو ما‬ ‫الديار‪ .‬ميزة اللغة أنها تحول المتعامل‬ ‫أسميه (العمى الثقافي) حين يرى صاحبه‬ ‫معها إلى كائن لغوي‪ ،‬جنسيته وهويته هي‬ ‫أن ما لديه حق وما لدى غيره باطل‪ ،‬عنده‬ ‫لغته‪ .‬لذا‪ ،‬فإن النقد الثقافي يتواكب مع‬ ‫وحده التنوير وعند غيره الظلمات‪ ،‬عنده‬ ‫ثقافة الصورة والثقافة البصرية ونظريات‬ ‫التقدم وعند غيره التخلف‪ .‬ه��ذه لعبة‬ ‫االستقبال ونظريات عصر القارئ‪ ،‬وهذه‬ ‫تنتمي للحماقة الثقافية‪ ..‬وليست من‬ ‫كلها ح��ق��ائ��ق معرفية وث��ق��اف��ي��ة حيوية‬ ‫المعرفة في شيء‪ ،‬ولن أكونها‪.‬‬ ‫ويومية‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬صار النقد الثقافي‬ ‫¦ ¦‏كثيرا م����ا ت���ب���دو ت��ل��ق��ائ��ي��ا ف����ي ح��دي��ث��ك‬ ‫هو النظرية الثقافية للمرحلة التي هي‬ ‫وبخاصة في ندواتك مستغال المداخالت‬ ‫مرحلة التعددية الثقافية‪.‬‬ ‫للتعليق‪ .‬هل ترى ‏أن هذه التلقائية هي‬ ‫¦ ¦هل ما كتبته من كتب ودراسات ومقاالت‬ ‫أساس ابتكار األفكار الخالقة؟‏‬ ‫ن��اب��ع م���ن ح��س��ك ب�����دورك ال��ت��ن��وي��ري في‬ ‫‪ρ ρ‬ن��ع��م‪ ،‬كما ف��ي س��ؤال��ك‪ ،‬ل��م يعد لنا في‬ ‫المجتمع أم ماذا؟‬ ‫هذا الزمن‪ ،‬زمن ثقافة الصورة والثقافة‬ ‫‪ρ ρ‬أهم شيء عندي أن أكون (حرًا مستقال)‪،‬‬ ‫البصرية والتفاعلية‪ ،‬إال أن نكون كذلك‪،‬‬ ‫كتبت ف��ي نقد ال��ت��ي��ار المتأسلم بمثل‬ ‫كنت في ما مضى أقف على المنصة وقفة‬ ‫م��ا كتبت ع��ن التيار المتلبرل‪ ،‬ونقدت‬ ‫الكائن األكاديمي‪ ،‬أدقق في مفردات لغتي‬ ‫الحداثيين بمثل ما نقدت الصحويين‪،‬‬ ‫وفي شروطها النحوية والبالغية‪ ،‬ويحدث‬ ‫وأقول بنقد النقد بمثل ما أقول بحتمية‬ ‫لي العجب من نفسي اآلن كلما شاهدت‬ ‫(نقد الناقد)؛ أي أن أكون منقودًا بمثل‬ ‫تسجيالت وصورًا على اليوتيوب لمواقف‬ ‫ٍ‬ ‫م��ا أن��ا ن��اق��د‪ ،‬وذل���ك لكسر السلطوية‬ ‫قديمة كانت لي مع المنصات والجمهور‬ ‫والمرجعية‪ ،‬ولو تعالى الناقد عن كونه‬ ‫وكنت فيها رسميا‪ ،‬وتبدو صورتي متجمدة‬ ‫م��ن��ق��ودًا‪ ..‬ل��ص��ار سلطة أخ���رى تضاف‬ ‫حتى ال حركة بيدي وال بالتفاتاتي‪ ،‬وكأنني‬ ‫إلى جدول السلط التي تمتلئ بها الحياة‬ ‫مذيع نشرة أخبار رسمية بلغة مؤسساتية‬ ‫البشرية‪.‬‬ ‫أك��ادي��م��ي��ة‪ ،‬وبجمل م��ن معاجم القاعة‬ ‫هنا لست ت��ن��وي��ر ًي��ا‪ ،‬بمعنى أن��ي أحمل‬ ‫الجامعية‪ ،‬ث��م م��ع ال��زم��ن ص��رت أتغير‬ ‫عصا أهش بها على األفكار كي تصبح‬ ‫تدريجا تدريجا‪ ،‬حتى نشطت عندي لغة‬ ‫بروتوكو َل حياة‪ ،‬ولست تنويريًا بمعنى أني‬ ‫الجسد في الحركات والنظرات‪ ،‬ولم يك‬ ‫أعادي نوعا من الطبقات والفئويات أو‬ ‫ذاك تعمدًا‪ ،‬ولكن مداومة الوقوف على‬ ‫المستويات الثقافية فأسميها (ظالمية)‬ ‫منصة النادي األدبي بجدة أسبوعيًا ما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫متحدث رئيس‪ ،‬أخذ‬ ‫ٍ‬ ‫معلق أو مدير جلسة أو‬ ‫ٍ‬ ‫بين‬ ‫دوره على بنيتي الجسدية والذهنية‪ ،‬وصرت أتغير‬ ‫تلقائيا‪ ،‬ودخلت عالم الواقعية التلقائية‪ ،‬وطرحت‬ ‫يوما مقولتي (تفصيح العامية‪ ،‬وتعميم الفصحى)‪،‬‬ ‫وأقصد بتعميم الفصحى أن نجعلها يومية وتلقائية‪..‬‬ ‫بمثل ما العامية تلقائية ومحكية‪ ،‬ومن المهم لكي‬ ‫نجعل لغتنا إنسانية‪ ،‬أن تكون تلقائية وق��ادرة على‬ ‫االنسحاب من خارج المعاجم‪ ،‬لتمشي في الشارع‬ ‫العام دون أن تتعثر بمطبات الحياة‪ ،‬ولعلي حققت‬ ‫درجة من هذا الهدف النبيل‪ ،‬في زعمي‪.‬‬ ‫¦ ¦‪‎‬قلت في كتابك (المرأة واللغة) الكثير عن شهرزاد‪،‬‬ ‫ولكن هل ما نقل لنا عن شهرزاد ‏صحيحا؟ إذا كان‬ ‫ص��ح��ي ً��ح��ا‪ ،‬ت����رى م���ن ك��ت��ب م���ا ك��ان��ت ت��ق��ول��ه ش��ه��رزاد‬ ‫لشهريار؟‪‎‎‬وكيف‏استطاع شهريار نفسه السهر طوال‬ ‫الليل ومتابعة أم��ور حياته وش��ؤون مملكته صباحا‬ ‫وهو‏لم يأخذ قسطا من الراحة؟‪‎‬‬ ‫‪ρ ρ‬هناك في النقد الثقافي مصطلح المؤلف المزدوج‪،‬‬ ‫أي أن ه��ن��اك مؤلفا (م��ؤل��ف��ة) آخ��ر ب���إزاء المؤلف‬ ‫المعتاد‪ ،‬وتلك هي الثقافة‪ ،‬فالثقافة ليست ماثلة‬ ‫أمامنا فحسب‪ ،‬وليست منتوجا لنا فحسب‪ ،‬بل هي‬ ‫أيضا مخبوءة في كل مكوناتنا الذوقية والذهنية‬ ‫والشعورية‪ ،‬وأيضا هي تصنعنا وتنتجنا‪ ،‬ولذا فإن‬ ‫الحكايات الشعبية واألمثال والنكت والشائعات تأتي‬ ‫في غالبها خلوًا من مؤلف (مؤلفة) معين‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫تشيع وتنتشر‪ ،‬وال نسأل عادة من مؤلف هذه النكتة‬ ‫مثال‪ ،‬وهذا يعني أنها نصوص تعبر عن مضمرات‬ ‫الثقافة‪ ،‬ولذا فإن النقد الثقافي يهتم بهذه الصيغ‬ ‫بدرجة كبيرة‪ ،‬ألنها هي حاملة األنساق‪ ،‬وهي مخزنها‬ ‫الذي يؤدي إلى استدامتها‪ ،‬وإلى تمريرها دون نقد‪،‬‬ ‫ونحن نلحظ مثال أن المرأة ال تتحسس من نقل نكتة‬ ‫ضد النساء‪ ،‬أو رواية قصة تشوّه صورة المرأة‪ ،‬مثل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪99‬‬


‫قصة (كيد النساء) في ألف ليلة وليلة‪،‬‬ ‫وهي في تفاصيلها تحمل كيدًا ذكوريًا قام‬ ‫به بطل القصة‪ ،‬وكانت المرأة فيها هي‬ ‫الضحية‪ ،‬ولكن رواية النص توجهها بأنها ¦ ¦‏هل ك����ان ل��ل��ش��ج��اع��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة األدب���ي���ة‬ ‫من كيد النساء‪ ،‬وقد كتبت عنها في كتابي‬ ‫النقدية التي تتمتع بها د‪.‬عبداهلل تأثير‬ ‫«ال��م��رأة واللغة»‪ ،‬وف��ي «ثقافة الوهم»‪.‬‬ ‫سلبي على عالقاتك الثقافية بشكل عام‪،‬‬ ‫وهذه صيغ من إنتاج األنساق وتسويقها‬ ‫أم على العكس من‏ذلك؟ أرجو التوضيح‪.‬‬ ‫على أذواقنا وعقولنا‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أكيد دفعت وما زلت أدف��ع‪ ،‬ومن الالزم‬ ‫وتجاوبا مع سؤالك عن شهرزاد‪ ،‬وهل هي‬ ‫أن أدفع‪ ،‬ألن البضاعة الكاسدة هي التي‬ ‫صانعة الحكايات‪ ..‬فالجواب أن المؤلف‬ ‫ال ثمن لها‪ ،‬وكلما رأينا أننا ندفع ثمنا‬ ‫المزدوج هو العامل الحاسم هنا‪ ،‬وأقصد‬ ‫ألفكارنا‪ ،‬فهذا يعني أننا فعلنا شيئا‪،‬‬ ‫أن الثقافة هي العامل المرادف وسط‬ ‫وأقسى ضربة توجه ألي موقف‪ ،‬أو ألية‬ ‫هذه الحكايات‪ ،‬ويكفي أن نتصور الدور‬ ‫فكرة هي أن تمر بسالم‪ .‬واألثمان التي‬ ‫الهائل الذي تصنعه هذا الحكايات‪ ،‬وهو‬ ‫ندفعها لموقفنا تتحول لتصنع سيرة‬ ‫دور يشير إلى أننا نقرأ «ألف ليلة وليلة»‪،‬‬ ‫حياتنا‪ ،‬ولعلي سجلت أطرافًا منها في‬ ‫ألنها تعبر عن مضمر في نفوسنا‪ ،‬وحينها‬ ‫كتابي «حكاية الحداثة» وفي كتابي «ما‬ ‫نصبح نحن المؤلفين‪ ،‬بمعنى أن الثقافة‬ ‫بعد الصحوة»‪ ،‬وكالهما عمالن في سيرة‬ ‫تعطينا غذاءنا النسقي عبر اإلمتاع‪ ،‬أما‬ ‫وس��ي��رورة وص��ي��رورة الثقافة بالمعاني‬ ‫تاريخيًا فال أح��د يعرف سيد ًة واقعي ًة‬ ‫الثالثة كلها‪.‬‬ ‫اس��م��ه��ا ش���ه���رزاد‪ ،‬وال أح���د ي��ع��رف هل‬ ‫¦ ¦رف��ض��ت ج��ائ��ز ة أدب���ي ال��ري��اض ف��ي بضع‬ ‫حدثت هذه األم��ور‪ ،‬بل إن مجنون ليلى‬ ‫سنوات مضت‪ ،‬كما رفضت دع��وة النادي‬ ‫وقصته ليست حقيقية مثلها مثل روميو‬ ‫أكثر من ‏مرة إللقاء ندوة‪ ،‬وقبلت مؤخرا‬ ‫وجولييت‪ ،‬وكلها صنعها الخيال البشري‪،‬‬ ‫من خالل الحديث عن تجربتك الثقافية‬ ‫وص��ن��ع ل��ه��ا مؤلفين س��م��اه��م ب��م��ا إنهم‬ ‫األدب��ي��ة والحياتية‪ .‬فما ال��ذي تغير بين‬ ‫أبطال سردية تجري عبرهم الوقائع‪،‬‬ ‫مرحلة رفضك سابقا وقبولك اآلن؟‪‎‬‬ ‫وهذه النصوص مهمة بما إنها متخيلة‪،‬‬ ‫أي أن الخيال هنا هو تعبير عن رغبات ‪ρ ρ‬ش��ك��را ل��س��ؤال��ك ه���ذا‪ ،‬وأظ��ن��ن��ي بحاجة‬ ‫ف��ع�لا إلي��ض��اح ذل���ك‪ ،‬وح���دث ف��ع�لا أن‬ ‫بشرية تبحث عمن يكشفها وتتحقق‬ ‫رشحني أخوة كرام مرارًا لجائزة الملك‬ ‫الرغبة عبر متعة القراء للنص‪ ،‬ولعلي قد‬ ‫فيصل‪ ،‬وفعلوها م��رات في غيبة مني‪،‬‬ ‫توسعت بهذا في كتابي «المرأة واللغة»‬ ‫وحين علمت‪ ..‬تواصلت مع أمين الجائزة‬ ‫في الفصل الذي عن شهرزاد‪ ،‬والفصل‬ ‫الذي عن الجارية تودد‪ .‬وكذلك كتبت عن‬ ‫مجنون ليلى وأن القصة متخيلة (كتابي‬ ‫ثقافة الوهم)‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الدكتور عبداهلل العثيمين‪ ،‬يرحمه اهلل‪،‬‬ ‫وسحبت كتبي م��ن ع��ن��ده‪ ،‬وبمثل ذلك‬ ‫كتبت رسائل رسمية لقسم اللغة العربية‬ ‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬وشرحت لهم‬ ‫سبب رغبتي بحذف اسمي من الترشيح‪،‬‬ ‫وهو أنني حصلت في حياتي العلمية على‬ ‫جوائز عدة‪ ،‬فرحت بها حينها وأحسست‬ ‫أنها تقدير علمي له م��ردوده المعنوي‪،‬‬ ‫وهذا حقق عندي اكتفاء معنويًا يجعلني‬ ‫أت��رك المجال لغيري ممن لم يحصلوا‬ ‫على فرص مماثلة‪ ،‬وما دمت قد ُكرّمت‪،‬‬ ‫وهلل الحمد‪ ،‬كثيرا وف��ي ب��ل��دان عربية‬ ‫متعددة‪ ،‬فإني أشعر أن المروءة تقتضي‬ ‫مني أال أزاحم الناس على مائدة من بعد‬ ‫ما شبعت منها وارتويت‪ ،‬بفضل من اهلل‬ ‫ومنّة منه‪.‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬دخلت الليبرالية في تضاد‬ ‫مع االشتراكية‪ ،‬وصارت نظرية اقتصادية‬ ‫تتأسس على الرأسمالية‪ ،‬وهنا تضافر‬ ‫المعنى السياسي مع المعنى االقتصادي‬ ‫وسحباها من كونها نظرية فلسفية إلى‬ ‫أن تكون برنامج حكم من الحكومات‪،‬‬ ‫وبرنامج تحكم من البنوك وسوق العمل‪..‬‬ ‫وج���اء مصطلح ال��س��وق ال��ح��رة‪ ،‬لتكون‬ ‫حرية ال��م��ال أعلى م��ن حرية اإلن��س��ان‪،‬‬ ‫وسحق اإلنسان هنا وقتلت كل احتياجاته‬ ‫المعيشية‪ ،‬وف���از بها ال��ط��م��اع الجشع‬ ‫واألن���ان���ي‪ ،‬وك��س��ب ال��س��وق ح��ي��ث خسر‬ ‫اإلن��س��ان‪ ،‬ه��ذا هو م��آل الليبرالية عبر‬ ‫معنى الليبرالية الجديدة‪ ،‬هنا توشمت‬ ‫ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة ح��ي��ن ت��س� ّي��س��ت (وش��رح��ت‬ ‫مصطلحات ه���ذا ال��ت��ح��ول وس��ي��رورت��ه‬ ‫مفصلة في كتابي «الليبرالية الجديدة»)‪.‬‬

‫¦ ¦ف���ي م��ح��اض��رة ل���ك ب��ع��ن��وان «ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة‬ ‫الموشومة» ذكرت أن مصطلح الليبرالية ¦ ¦لماذا ال يمتلك السعوديون فكرً ا فلسفيًا‬ ‫واضحا حتى اليوم؟‬ ‫ً‬ ‫ل��م ي��ك��ن م���ت���داو ًال‏لدى ج��ي ٍ��ل س��اب ٍ��ق ك��ان‬ ‫ل��ي��ب��رال��يً ��ا ك��م��ا ه��و م���ت���داول ل���دى الجيل ‪ρ ρ‬ال��س��ع��ودي��ون ه��م ج��زء م��ن ال��ع��ال��م‪ ،‬ولن‬ ‫الحالي‪ ،‬بالرغم من األسماء التي‏عرفت‬ ‫يتسنى أبدًا أن يكون العالم في أمر‪ ،‬وال‬ ‫ب���ـ ل��ي��ب��رال��ي��ت��ه��ا‪ .‬ب���رأي���ك م���ا ه���ي األس��ب��اب‬ ‫يكون السعوديون في هذا األم��ر نفسه‪،‬‬ ‫الل���ت���ص���اق ال��ت��س��م��ي��ة ب��ج��ي��ل الح�����ق م��ن‬ ‫والفلسفة مدونة إنسانية عمرها قرون‪،‬‬ ‫ال��ل��ي��ب��رال��ي��ي��ن دون ‏جيل س��ب��ق��ه؟ وب��م��اذا‬ ‫وكلها في الكتب‪ ،‬وم��ن أراده��ا وجدها‪،‬‬ ‫تختلف الليبرالية ال��س��ع��ودي��ة ع��ن تلك‬ ‫وهي متاحة‪ ،‬كما أن تعلّم اللغات العالمية‬ ‫العالمية من وجهة نظرك؟‪‎‬‬ ‫صار للسعوديين أمرًا متاحً ا‪ ،‬وكان متاحً ا‬ ‫‪ρ ρ‬الليبرالية ف��ي أصلها فلسفة‪ ،‬وكانت‬ ‫منذ عهد التأسيس‪ ،‬والبعثات ألمريكا‬ ‫تثري وتطور المبحث الفلسفي ومفاهيم‬ ‫وبريطانيا كانت منذ أكثر من ستين عاما‪،‬‬ ‫ال��ح��ري��ة ت��ح��دي��دا‪ ،‬ولكنها ف��ي مرحلة‬ ‫ال بعد جيل‪،‬‬ ‫وأجيال المبتعثين توالوا جي ً‬ ‫زمنية تَسيّست‪ ،‬وصارت عناوين ألحزاب‬ ‫ومن هفت نفسه للفلسفة وجدها‪ ،‬وإن‬ ‫سياسية لها خططها وبرامجها الرسمية‪،‬‬ ‫ك��ان ال بد أن نشير إل��ى أن الترجمات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪101‬‬


‫العربية معيبة جدا‪ ،‬ويصعب على من ال‬ ‫يجيد لغة عالمية أن يستقي فلسفته من‬ ‫ترجمات‪ .‬ونحن اليوم على أية حال في‬ ‫زمن (النظرية النقدية) وهي التي حلت‬ ‫محل الفلسفة‪ ،‬وقد طرحت المقولة منذ‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬وأش���رت إليها ف��ي كتابي‬ ‫الخطيئة والتكفير‪ ،‬وري��ت��ش��ارد رورت��ي‬ ‫بجملة كتبها على مكتبه في‬ ‫ٍ‬ ‫ختم حياته‬ ‫الجامعة بلوحة تقول‪( :‬ماتت الفلسفة)‪،‬‬ ‫مشيرا إلى دور النظرية النقدية كصيغة‬ ‫حيّة للعقل النقدي‪ ،‬و«هوكنج» من جانبه‬ ‫أشار إلى أن الفيزياء خطفت أهم أسئلة‬ ‫الفلسفة‪ ،‬وهو (سؤال الماوراء) ولم يبق‬ ‫للفلسفة سؤال جذري‪ ،‬كما كانت ت ّدعي‬ ‫من قبل‪.‬‬ ‫¦ ¦ماذا تعلمت من تويتر؟‬ ‫‪ρ ρ‬تعلمت دروس���ا ك��ث��ي��رة‪ ،‬أهمها أن أك��ون‬ ‫تلميذا بعد بلوغي السبعين‪ ،‬ولهذا تجردت‬ ‫من لقبي العلمي‪ ،‬دكتور أو بروفيسور‪،‬‬ ‫وصرت (عبداهلل) دون رتوش‪ ،‬وكل تغريدة‬ ‫تأتيني كرد فعل على شيء قلته هي درس‬ ‫من نوع ما‪ ،‬بدءًا من تغريدات الشتم مثال‪،‬‬ ‫وهي تعلمنا الصبر والحكمة وتحيي فينا‬ ‫مقولة اب��ن حنبل‪( :‬تسعة أعشار حسن‬ ‫الخلق التغافل)‪ ،‬على أن التغافل غير‬ ‫التجاهل‪ ،‬فالتجاهل غطرسة واستحقار‪،‬‬ ‫أما التغافل‪ ..‬فهو مروءة بأن تسمع وتصبر‬ ‫وتلين من جانبك‪ ،‬وكثيرًا ما يكون هذا‬ ‫درسً ��ا كريمًا يرتد إيجابًا على الفاعل‪،‬‬

‫‪102‬‬

‫* أديبة وشاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫حيث ن��ت��رك ل��ه ح��ق ال��ق��ول‪ ،‬وال نعامله‬

‫بالمثل‪ ،‬وهذا واح ٌد من دروس كثيرة تأتي‬

‫تقريبا مع كل تغريدة‪ ،‬وبعضها قمة في‬ ‫اإليجاب واألخوية‪ ..‬مثل أن يلفت نظري‬

‫المتابعون والمتابعات إلى موعد الساعة‬ ‫الثامنة مساء‪ ،‬وهو موعد انصرافي عن‬ ‫تويتر‪ .‬وك��م هي لحظة مذهلة لي حين‬

‫يتكرمون علي ويقولون‪ :‬بقي خمس دقائق‬ ‫وع��ش��رون ثانية ي��ا ب��و غ���ادة‪ ،‬ث��م يستمر‬

‫العداد حتى تدق الثامنة‪ ..‬ونعلن كلنا عن‬ ‫االنصراف‪ ،‬وصديقنا النهدي أطلق نكتة‬ ‫ت��ق��ول‪( :‬الساعة اآلن الغذامي تماما)‪،‬‬

‫ملمحا للثامنة تماما‪ ،‬وتظل عبارة‪ :‬الثامنة‬ ‫حدي‪ ،‬تحياتي لكم) هي العبارة التي كلنا‬

‫نتحين لها‪ ،‬وكأننا كلنا نحتفل بشيء اسمه‬

‫تنظيم الوقت واح��ت��رام عقارب الساعة‬ ‫التي تلسعنا بإيقاع الوقت كي ال يفوتنا‬

‫فنتخلف عن (الوقت)‪ ،‬وبالتالي تويتر كلها‬ ‫دروس‪ ،‬وكلما خالط المرء الناس شاركهم‬ ‫في عقولهم وجعل ما عندهم مزيدًا يرفع‬

‫رصيده‪ ،‬وكما قال الجاحظ فالقراءة هي‬ ‫عقل غ��ي��رك تضيفه إل��ى عقلك‪ ،‬وه��ذه‬

‫تويتر أيضا‪ ،‬وكأن الواحد منا يضع نفسه‬ ‫في امتحان عملي ليعرف ما في داخله‬ ‫من القيم السلوكية في التعامل مع الناس‪،‬‬ ‫وك���ذا القيم المعرفية‪ ،‬وه��ل ه��و ماهر‬

‫بتوصيلها وجعلها قريبة‪ ،‬أو تظل أكاديمية‬

‫منغلقة كما كانت في زمن عشته لسنوات‪.‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫‪:‬‬

‫الروائي مقبول موسى العلوي‬ ‫الجوائز األدبية ليست معيارً ا لنجاح الكاتب أو فشله‪،‬‬ ‫إنما هي لمسة تكريم ال أكثر‬

‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم*‬

‫مدينة القنفذة‪ ..‬التي تشغل ف��ض��اءً م��ن ساحل البحر األح��م��ر جنوبي مكة‬ ‫ال��م��ك��رم��ة‪ ،‬ه��ي مسقط رأس ضيفنا ال��روائ��ي ال��س��ع��ودي مقبول م��وس��ى العلوي‪.‬‬ ‫تعمدت أن أبدأ هذه الديباجة بمسقط رأسه لألثر القوي الذي تركته هذه المدينة‬ ‫ُ‬ ‫في شخصه وفي أعماله الروائية‪« ،‬فتنة جدة»‪« ،‬زرياب»‪« ،‬سنوات الحب والخطيئة»‪،‬‬ ‫«ال��ب��دوي الصغير»‪ ..‬ه��ذه بعض عناوين أعماله التي ترمز ل�لأح��داث التاريخية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬واستطاع بها أن يتميز ويحصد الكثير من الجوائز ويوثّق همه‬ ‫ببوح خ��اص‪ ..‬وعند سؤالي عن مكتبته أشار إلى الرف الذي يحوي الكتب التي‬ ‫ٍ‬ ‫يصطفيها‪ ،‬وق���ال‪« :‬األع��م��ال ال��روائ��ي��ة تتصدر الكتب‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى كتب التاريخ‪،‬‬ ‫وهناك قسم محبب لي فيها‪ ..‬وهو قسم كتب التاريخ االجتماعي‪ ،‬فهي تتحدّ ث‬ ‫عن حياة العامة في األزمنة المختلفة‪.»..‬‬

‫الرواية تغيرت وتطورت‪!..‬‬

‫ه��و أك��ب��ر وأخ��ط��ر‪ ،‬وه���و المغامرة‬

‫¦ ¦‪«..‬ال أح��د يمكن أن يلغي عوامل‬ ‫ال���ت���أث���ي���ر ال������ذي ت���رك���ت���ه ال����رواي����ة‬ ‫العربية‪ ،‬ولكني أرى أن هناك ما‬

‫غ���ي���ر ال���م���ح���س���وب���ة ل���ل���ك���ث���ي���ر م��ن‬ ‫ال���ك���ت���اب‪ ،‬وخ���اص���ة ج��ي��ل م���ا بعد‬ ‫ع��ام ‪2000‬م‪ .‬فهو جيل يكتب دون‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪103‬‬


‫م��رج��ع��ي��ة واض���ح���ة‪،‬‬ ‫دف��������ع��������ه اإلع��������ل�������ام‪،‬‬ ‫وشجعته دور النشر‬ ‫¦«ف���ت���ن���ة ج�����دة»‪،‬‬ ‫¦‬ ‫ال���ع���رب���ي���ة ال��رب��ح��ي��ة‬ ‫«زري���������������������اب»‪« ،‬س������ن������وات‬ ‫أك����ث����ر م����ن اإلي����م����ان‬ ‫الجمود على أسلوب واحد في‬ ‫ال����ح����ب وال���خ���ط���ي���ئ���ة»‪،‬‬ ‫ب������ق������ي������م������ة ال������ن������ص‬ ‫كتابة الرواية يجعل الروائي يكرر «ال�������ب�������دوي ال���ص���غ���ي���ر»‪،‬‬ ‫ال������روائ������ي‪ .‬ف��ظ��ه��رت‬ ‫نفسه ويراوح مكانه‪.‬‬ ‫«ف���������ت���������ي���������ات ال������ع������ال������م‬ ‫أع�������م�������ال م���س���ت���ف���زة‬ ‫ال����س����ف����ل����ي»‪« ،‬خ����رائ����ط‬ ‫ي���ب���ح���ث أص���ح���اب���ه���ا‬ ‫ال��م��دن ال��غ��اوي��ة»‪ ،‬ه��ذه قائمة عناوين‬ ‫عن شهرة أكثر من تسجيل اسم أدبي‬ ‫ألع��م��ال��ك ال��روائ��ي��ة ال��ت��ي أث���ري���تَ بها‬ ‫واإلسهام في تحسين بيئة النصوص‬ ‫المكتبة العربية‪ ،‬فضال على حصدك‬ ‫ال��روائ��ي��ة ج��م��ال��ي�� ًا وف���ك���ري���اً»‪ ..‬ه���ذا ما‬ ‫إع��ج��اب ال���ق���ارئ‪ ،‬ه��ل ل��ك أن تدخلنا‬ ‫ق��ال��ه ال��دك��ت��ور ال��ن��اق��د ح��س��ن النعمي‬ ‫ف��ي إح���دى ح���وارات���ه‪ .‬ال��روائ��ي مقبول‬ ‫عالم الروائي مقبول العلوي لنكتشف‬ ‫ال��ع��ل��وي‪ ،‬ه��ل تتفق م��ع م��ا ذه���ب إليه‬ ‫أدواته الخاصة في بناء الرواية؟‬ ‫الدكتور النعمي؟‬ ‫‪ρ ρ‬الحديث عن البناء الروائي يطول‪ ،‬وهو‬ ‫‪ρ ρ‬ما قاله الدكتور حسن النعمي صحيح‬ ‫هاجس لكل من يكتب رواية‪ .‬األدوات‬ ‫إل��ى حد كبير‪ ،‬ولكننا اآلن في العام‬ ‫تتغير بتغير الرواية وموضوعها؛ فإذا‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬واعتقد أنّ كتابة الرواية خالل‬ ‫ك��ان��ت رواي���ة تاريخية م��ث�لا‪ ..‬فأنت‬ ‫ه��ذه ال��س��ن��وات ق��د تغيرت وت��ط��ورت‬ ‫تحتاج للبحث التاريخي عن الفترة‬ ‫أساليبها كثيرًا عن السابق‪ .‬العملية‬ ‫التي حدث فيها زمن الرواية‪ ،‬وكذلك‬ ‫تراكمية في األساس‪ .‬في تلك الفترة‬ ‫ع��ن ت��اري��خ ال��م��ك��ان‪ ،‬وح��ت��ى ال��ت��اري��خ‬ ‫التي يتحدث عنها ال��دك��ت��ور النعمي‬ ‫االجتماعي للواقع المعاش في الفترة‬ ‫طغى الكم على الكيف‪ ،‬وكان هناك نو ٌع‬ ‫المختارة‪ ،‬وأعتقد أنّ الجمود على‬ ‫من التسرّع في كتابة الرواية‪ ..‬فدخل‬ ‫أسلوب واحد في كتابة الرواية‪ ،‬يجعل‬ ‫في مجالها ك� ّل من يعتقد أ ّن��ه يكتب‬ ‫الروائي يكرر نفسه‪ ..‬وي��راوح مكانه‪.‬‬ ‫رواي��ة‪ ،‬وه��و في الحقيقة يكتب نوعً ا‬ ‫الب��د من التطوير‪ ،‬وه��ذا التطوير ال‬ ‫من جوانب حياته التي يراها مهمة‬ ‫يأتي إال بالتجريب والغوص والتمعّن‬ ‫لآلخرين‪ ،‬أم��ا اآلن‪ ..‬فالرهان على‬ ‫في أعمال ال ٌكتّاب اآلخرين الذين لهم‬ ‫القارئ الفاحص الذي يستطيع اختيار‬ ‫باع كبير في كتابة الرواية وصياغتها‪.‬‬ ‫الرواية الجيدة التي تقدّم شيئًا مهماً‪.‬‬ ‫‪ ...‬اآلن الرهان على القارئ‬ ‫الفاحص الذي يستطيع اختيار‬ ‫الرواية الجيدة التي تقدّ م شيئًا‬ ‫مهماً‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫التجريب والغوص‬ ‫والتمعّ ن‪!..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫لم أحصل على جائزة «البوكر»‪!..‬‬ ‫¦ ¦حصدت الكثير من الجوائز عربي ًا ومحلي ًا بعدة‬ ‫أعمال‪ ،‬مثال بروايتك «فتنة ج��دة» حصلت على‬ ‫الجائزة العالمية للرواية العربية ع��ام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫وح��ص��ل��ت ع��ل��ى ج���ائ���زة وزارة ال��ث��ق��اف��ة واإلع��ل�ام‬ ‫ب��م��ع��رض ال���ري���اض ال���دول���ي ل��ل��ك��ت��اب ع���ام ‪2015‬م‬ ‫بروايتك «زري���اب»‪ ،‬وأي��ض�� ًا جائزة صاحب السمو‬ ‫ال��م��ل��ك��ي األم���ي���ر س���ع���ود اب����ن ع��ب��دال��م��ح��س��ن بن‬ ‫عبدالعزيز للرواية السعودية بمنطقة حائل عام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬حصدُ الجوائز هل تجده معيار ًا لنجاح‬ ‫العمل اإلبداعي؟‬ ‫أن��ا لم أحصل على الجائزة العالمية للرواية‬ ‫العربية (البوكر)‪ ،‬بل ترشحّ ت للقائمة الطويلة‪،‬‬ ‫وهذا بحد ذاته يعد إنجازًا مهماً في أول إطاللة‬ ‫لي في كتابة الرواية‪ .‬الجوائز يجب أن ال تكون‬ ‫هدفًا للروائي‪ ،‬وإذا جعلها الروائي سببًا للكتابة‪..‬‬ ‫سيخسر الكثير‪ ،‬وسيصاب بخيبة األمل إذا لم‬ ‫يحصل على أي جائزة‪ .‬ال بدّ للكاتب الحقيقي‬ ‫أن يكتب؛ ألنّه يريد أن يقول شيئًا ما‪ .‬الجوائز‬ ‫تكمن أهميتها في كونها تلفت األنظار للعمل‬ ‫الروائي‪ ،‬فالناس مهووسون بكل كتاب ممنوع‪،‬‬ ‫وبكل كتاب يحصد جائزة ما‪ .‬أرى أنّ الهدف‬ ‫األسمى لها هو االنتشار‪ ،‬وهناك نقطة مهمة‪..‬‬ ‫وهي أنّ الجوائز األدبية ليست معيارًا لنجاح‬ ‫كاتب أو فشله‪ ،‬إنما هي لمسة تكريم وشكر ال‬ ‫أقل وال أكثر‪.‬‬ ‫نحتاج إلى مسافة زمنية طويلة‪!..‬‬ ‫¦ ¦كيف ترى أثر التغيرات السياسية واالقتصادية‬ ‫التي يشهدها العالم العربي‪ ،‬على شكل الخطاب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪105‬‬


‫زم��ن��ي��ة ط��وي��ل��ة ن��وعً ��ا م��ا ح��ت��ى نفهم‬ ‫ونستجلي ما وراء األشياء واألحداث‪..‬‬ ‫حينها سنكتب عن مثل هذه التحوالت‬ ‫بصدق‪..‬‬ ‫نجوم في تويتر والفيس بوك‪!..‬‬ ‫¦ ¦ان���ت���ش���رت ع��ل��ى ال���ن���ت م����واق����ع‪َ ،‬ت���دَّ ع���ي‬ ‫أن��ه��ا ال��ح��اض��ن��ة ل��ل��ت��ج��ارب اإلب��داع��ي��ة‬ ‫الشبابية‪ ،‬وك��أن��ه��ا تلزمهم بالحضور‬ ‫ك��ب��واب��ةٍ ل��دخ��ول ع��ال��م األدب ال��م��وثّ ��ق‪،‬‬ ‫ه���ل ت��ج��د ه����ذا االن���ت���ش���ار ل��م��ث��ل ه��ذه‬ ‫المواقع‪ ،‬ظاهرة صحية لإلبداع؟‬

‫‪106‬‬

‫الشبكة العنكبوتية منصة مهمة للكتّاب‬ ‫الشباب والمبتدئين‪ .‬انظر حولك‪..‬‬ ‫ستجد هناك نجومًا في تويتر وفي‬ ‫اإلبداعي ومضمونه؟‬ ‫الفيس بوك‪ ،‬رغم أنّه ال يوجد لهم أي‬ ‫ال��ت��غ��ي��رات السياسية واالق��ت��ص��ادي��ة‬ ‫إنتاج مطبوع أو منشور‪ .‬النت مدخل‬ ‫تتسارع وتيرتها في هذا الزمن‪ ،‬ولن‬ ‫يفضلون‬ ‫ّ‬ ‫مهم لعالم ال��ش��ب��اب‪ ،‬فهم‬ ‫ي���ك���ون ت��أث��ي��ره��ا‬ ‫ال��ق��راءة م��ن شاشات‬ ‫واض��ح �اً ف��ي اآلنِ‬ ‫الشبكة العنكبوتية منصة مهمة‬ ‫جواالتهم المحمولة‪،‬‬ ‫للكتّاب الشباب والمبتدئين‪..‬‬ ‫نفسه‪ ،‬إنما سيكون‬ ‫ِ‬ ‫يفضلون ال��ق��راءة‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫هناك نجوم في تويتر وفي‬ ‫ت��أث��ي��ره��ا ب�����ارزاً‬ ‫من الكتاب مباشرة‪..‬‬ ‫الفيس بوك‪ ،‬رغم أنّه ال يوجد‬ ‫للعيان بعد م��رور‬ ‫ه��ذه حقيقة الب��د أن‬ ‫لهم أي إنتاج مطبوع أو منشور‪.‬‬ ‫ف��ت��رة م��ن ال��زم��ن‪،‬‬ ‫ن��درك��ه��ا ت��م��ام �اً‪ .‬إنّ��ه‬ ‫هناك نقّ اد نجوم بارزون في‬ ‫إذ ال ب ّد لألحداث‬ ‫عصر التسارع في كل‬ ‫مجالهم ولكنهم ال يلتفتون إلى‬ ‫الكبرى وال��ه �زّات‬ ‫ش����يء‪ .‬ل��ك��ن أرى أنّ‬ ‫النصوص المطروحة‪!..‬‬ ‫االج��ت��م��اع��ي��ة أن‬ ‫من أهم عيوب الكتابة‬ ‫ال يمكن إغفال أنّ هناك أعما ًال‬ ‫تختمر أوالً قبل‬ ‫ف���ي ع��ال��م اإلن��ت��رن��ت‬ ‫مترجمة لها أهميتها في تكوين‬ ‫ال���ك���ت���اب���ة ع��ن��ه��ا‪.‬‬ ‫معرضة‬ ‫ّ‬ ‫أنّ كتاباتك‬ ‫الوجدان القرائي لعشاق القراءة‪.‬‬ ‫للضياع‪ ،‬فال يوجد ما‬ ‫نحتاج إلى مسافة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫النقد ال يستطيع مواكبة هذا‬ ‫الكم‪!..‬‬

‫¦ ¦أي����ن ال��ش��ع��ر م���ن اه��ت��م��ام��ات ال���روائ���ي‬ ‫م��ق��ب��ول ال���ع���ل���وي‪ ،‬وه����ل ت���ؤم���ن ب��م��ب��دأ‬ ‫التخصص؟‬

‫¦ ¦أحد النقاد السعوديين ردد هذه العبارة‬ ‫«النقد في السعودية تفوّق على النص ‪ρ ρ‬ال��ش��ع��ر ج��ن��س إب���داع���ي ق��دي��م ول��ه‬ ‫جذوره‪ ..‬ومكانته في نفوس الكثيرين‪،‬‬ ‫اإلبداعي»‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫وال يزال له حضوره وجمهوره‪ .‬أنا أقرأ‬ ‫‪ρ ρ‬كالمه صحيح‪ .‬لمحة سريعة للمنجز‬ ‫الشعر وأتذوقه‪ ،‬واستمتع به‪ ،‬وأتوقف‬ ‫اإلبداعي الكثير‪ ..‬نجد أنّ النقد ال‬ ‫كثيرًا عند ص��وره العالية الحساسة‬ ‫يستطيع مواكبة ه��ذا الكم‪ ،‬ولكن ال‬ ‫والمفرطة في الجمال‪ ،‬ولكنني أقرأ‬ ‫يمنع من القول أنّ هناك نقّادًا نجومًا‬ ‫كثيرًا في مجال الرواية ألستفيد من‬ ‫وبارزين في مجالهم‪ ،‬ولكنهم ال يلتفتون‬ ‫تجارب اآلخرين‪.‬‬ ‫إلى النصوص المطروحة‪ ،‬وال أعرف‬ ‫السبب‪ .‬ربما يتغير الحال في الزمن‬ ‫القادم‪.‬‬ ‫نسير على الطريق نفسه‪!..‬‬ ‫¦ ¦م��ا تقييمك ل��ل��رواي��ة ف��ي ال��س��ع��ودي��ة‪،‬‬ ‫مقارنة بالساحات العربية؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫هو أهم من الكتاب في حفظ اإلبداع‪.‬‬

‫اقرأ الشعر وأتذوقه‪..‬‬

‫ال يمكن لإلنسان االنسالخ من‬ ‫تاريخه‬

‫¦ ¦من خالل طبيعة أعمالك التي تتغذى‬ ‫بالسياق التاريخي‪ ،‬فمن المؤكد أنت‬ ‫قارئ جيد للتراث من العصر الجاهلي‬ ‫واألم��وي والعباسي‪ ..‬الخ‪ ،‬كتّاب اليوم‬ ‫منهم مَ ��ن لم يقرأ وليس لديه أدوات‬ ‫ل��ق��راءة ه��ذا ال��م��وروث‪ ،‬بقدر حرصهم‬ ‫على ق���راءة بعضهم وم��ا ه��و مترجم‪،‬‬ ‫ماذا تقول في هذا؟‬

‫‪ρ ρ‬ال��رواي��ة السعودية مطلوبة ومقروءة‬ ‫مزيد‬ ‫ٍ‬ ‫ولها جمهورها‪ .‬هي تحتاج إلى‬ ‫من الزمن لتنضج أكثر‪ ،‬وهناك أصوات‬ ‫روائية تكتب بشكل جيد‪ ..‬لكن الرواية‬ ‫ف��ي ال����دول ال��ع��رب��ي��ة األخ����رى ب��دأت‬ ‫تأصلت فيه التجربة ‪ρ ρ‬ال ي��م��ك��ن ل�لإن��س��ان االن���س�ل�اخ من‬ ‫منذ زمن طويل ّ‬ ‫تاريخه‪ ،‬حتى وإن لجأ لقراءة األعمال‬ ‫ال���روائ���ي���ة ون��ض��ج��ت‪ ،‬ون��ح��ن نسير‬ ‫المترجمة س���وا ًء أك��ان��ت تاريخية أم‬ ‫على نفس الطريق‪ .‬وأرى أن الرواية‬ ‫اجتماعية‪ ،‬وال يمكن إغفال أنّ هناك‬ ‫السعودية في قادم األيام ستكون لها‬ ‫أعماالً مترجمة لها أهميتها في تكوين‬ ‫بصمتها ال��واض��ح��ة ع��ل��ى الخريطة‬ ‫الوجدان القرائي لعشاق القراءة‪.‬‬ ‫األدبية العربية والعالمية بإذن اهلل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪107‬‬


‫أكتب ولو على قطعة من ورق‪..‬‬ ‫¦ ¦بعض الشعراء والمبدعين بصفة عامة‬ ‫يلتزمون بطقس مُ عيّن أثناء الكتابة‪،‬‬ ‫مقبول العلوي‪ ،‬كيف ومتى يكتب؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليست ل��ي طقوس معينة للكتابة وال‬ ‫زمن محدد أيضا‪ .‬اكتب عندما يزورني‬ ‫هاجس الكتابة ولو على قطعة من ورق‪.‬‬ ‫أن��ج��زت معظم أعمالي ال��روائ��ي��ة في‬ ‫المدرسة ‪-‬حيث أعمل بالتدريس‪ -‬في‬ ‫حصص الفراغ‪ ،‬وفي المساء والصباح‬ ‫الباكر في أيام اإلجازات‪..‬‬ ‫األعمال الروائية تتصدر الكتب‪..‬‬ ‫¦ ¦ه�����ل ل����ن����ا أن ن����ت����ع����رف ع����ل����ى م���ح���ت���وى‬ ‫مكتبتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬كوّنت مكتبتي على مدى أع��وام كثيرة‪،‬‬ ‫وأك��ث��ر م��ا أقتنيته م��ن ك��ت��ب ك���ان من‬ ‫خ�لال سفري وترحالي لمختلف دول‬ ‫العالم‪ .‬كنت وما أزال اشتري كتبًا كثيرة‬ ‫ع��ن ط��ري��ق م��ع��ارض ال��ك��ت��ب وال��ش��راء‬ ‫اإلل��ك��ت��رون��ي‪ .‬ف���ي مكتبتي األع��م��ال‬ ‫الروائية تتصدر الكتب إضافة إلى كتب‬ ‫التاريخ‪ ،‬وهناك قسم محبب لي فيها‪..‬‬ ‫وه���و ك��ت��ب ال��ت��اري��خ االج��ت��م��اع��ي فهي‬ ‫تتحدّ ث عن حياة العامة في األزمنة‬ ‫المختلفة‪..‬‬ ‫‪108‬‬

‫* شاعر وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫فارس رزق الروضان‬

‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫الكاتب والشاعر‬

‫‪ρρ‬إعداد احملرر الثقايف*‬

‫شاعر وروائ���ي وصحفي من مواليد منطقة ال��ج��وف‪ ،‬تنقل بين مدارسها حتى أنهى‬ ‫دراسته الثانوية‪ ،‬التحق بعدها بكلية المعلمين في مدينة سكاكا حاضرة الجوف‪ ،‬وحصل‬ ‫منها على درجة البكالوريوس في العلوم عام ‪1410‬هـ‪.‬‬ ‫بدأ مشواره العملي معلماً‪ ،‬ثم تفرغ للصحافة والعمل الحر‪ ،‬فأسس دار أصوات وأصدر‬ ‫مجلة «أصوات» التي حققت نجاحات الفتة‪ ،‬توقفت بعد بضعة أعداد من إصدارها نتيج َة‬ ‫تَحوُّ ل القراء إلى القراءة اإللكترونية والضغوط التي واجهتها المؤسسات االعالمية‪.‬‬ ‫للكاتب الروضان ثالثة مؤلفات‪ ،‬إضافة الى أنه كاتب ساخر متعدد المواهب‪ ،‬يكتب‬ ‫المقاالت الرياضية‪ ،‬والفنية‪ ،‬والساخرة‪ ..‬إضافة إلى المقاالت العامة‪ ،‬ن ُِشرت له مقاالت‬ ‫ف��ي ج��ري��دة ال��ري��اض‪ ،‬ومجلة اليمامة‪ ،‬ومجلة أص���وات‪ ،‬وج��ري��دة ال��رؤي��ة اإلم��ارات��ي��ة‪ ،‬كما‬ ‫كتب عشرات المقاالت من زاوية «مسافات حضارية» التي حظيت بشهرة كبيرة لدى قراء‬ ‫جريدة الرياض‪ ،‬إال أنها لم تكن تُكتب باسم كاتبها‪ ،‬وتميزت كتاباته باإلتقان‪ ،‬وبعدها‬ ‫األدبي‪ ،‬والشعرية السردية‪.‬‬ ‫عمل الروضان معلمً ا حتى عام ‪1418‬ه��ـ‪ ،‬ثم مسئوال للعالقات العامة بتعليم الجوف‬ ‫إل��ى أن استقال م��ن عمله وت��ف��رغ م��دي��رً ا لمكتب مؤسسة اليمامة الصحفية بمنطقة‬ ‫الجوف‪ .‬وهو عضو الجمعية السعودية للمعاقين‪ ،‬ومجلس إدارة نادي الجوف األدبي‪،‬‬ ‫ومهرجانات الجوف الصيفية‪ ،‬والمجلس الثقافي لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪،‬‬ ‫والهيئة السعودية للصحفيين وجمعية الصحفيين العرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪109‬‬


‫اإلنتاج العلمي والفكري‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•ديوان شعر‪.‬‬ ‫•كتابة عدد من حلقات المسلسالت المحلية‬ ‫مثل مسلسل طاش ما طاش الشهير‪.‬‬ ‫•كتاب اذكريني كل ما فاز الهالل‪.‬‬ ‫•كتاب موعدي الساعة ثمان‪.‬‬ ‫•رواية لولوة في باريس‪.‬‬ ‫•مجلة أصوات‪.‬‬ ‫•ع��دد من القصائد المغناة من ع��دد من‬ ‫الفنانين منهم عبد الرب إدريس ويوسف‬ ‫المهنا‪.‬‬ ‫•مخطوطات دواوين شعرية لم تنشر بعد‪.‬‬ ‫•مخطوطات مجموعة قصصية‪.‬‬ ‫•مخطوطة لمقاالت الكاتب ستنشر في‬ ‫كتاب‪.‬‬ ‫«لولوة في باريس»‬

‫صدرت الرواية عن دار «مدارك للنشر» بدبي‬ ‫عام (‪ 2015‬م)‪ ،‬وتمثل اإلصدار الروائي األول له‬ ‫بعد كتابين أصدرهما سابقا‪ ،‬وقد كانت مفاجأة‬ ‫للمتابعين أن تنفد نسخ الطبعة األولى للرواية قبل‬ ‫وصولها للمكتبات السعودية‪ .‬جاءت الرواية محمّلة‬ ‫باألحداث الشيقة‪ ،‬وغنية بالشعر‪ ،‬والتضمين من‬ ‫كلمات الروائي الذي يعد أحد الشعراء السعوديين‬ ‫الذين غنى لهم ع��دد من المطربين‪ ،‬وبأسلوب‬ ‫روائ��ي آس��ر يُسهل على ال��ق��ارئ متابعة القراءة‬ ‫نتيجة مهارة التشويق التي أجادها الروضان‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫ج��اءت ال��رواي��ة سخية متصلة بلغة شفافة‪،‬‬ ‫امتلك الروائي ناصيتها بروح من الشعر والجمال‪،‬‬ ‫مشبعة بالشوق ولحظات األل��ق وال��درام��ا‪ ،‬كما‬ ‫جاءت محمّلة في مقاطع مميزة منها بالسخرية‪،‬‬ ‫يعيش معها قارئها لحظات العشق والحب والشوق‬ ‫والحزن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫َمن ذا الذي يرغب بابنة؟‬ ‫إيزابيل الليندي‬ ‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬عبداهلل الزماي*‬

‫توفيت ابنتي «باوال» في السادس من ديسمبر لعام ‪1992‬م في مرض نادر متعلق‬ ‫بالدم‪ ،‬وال��ذي ال يجب أن يكون مميتًا هذه األي��ام‪ .‬لكن بإهمال في المستشفى‪،‬‬ ‫حيث أعطيت جرعة دواء خاطئة‪ ،‬ودخلت في غيبوبة‪ ،‬وبعد خمسة أشهر‪ ..‬حين‬ ‫أعادها لي المستشفى أخيرا ‪ ،‬كانت في حالة غياب عن الوعي‪ .‬أخذتها إلى البيت‬ ‫واعتنيت بها حتى توفيت بسالم على ذراع���ي‪ .‬كانت ف��ي الثامنة والعشرين من‬ ‫العمر‪ ،‬فتاة جميلة وذكية وذات قلب سخي‪ .‬وكانت تعويذتها‪« :‬أنت ال تملك إال ما‬ ‫تمنح‪ ،‬بالعطاء ستصبح ثريا»‪.‬‬ ‫الحزن على فقد «باوال» كان كالمشي حاسوبي أو أذرع االستديو بخطاي‪،‬‬

‫وحيدة في نفق طويل مظلم‪ .‬استغرق وتفكيري مشلول‪ .‬الجفاف الداخلي‬ ‫األم���ر ع��دة س��ن��وات ألص��� َل إل��ى نهاية مرعب بالنسبة لشخص يعيش ألجل‬

‫النفق وأبصر النور من جديد‪ .‬كانت الكتابة‪ .‬عبثًا أستدعي التفكير‪ .‬حتى‬ ‫سنوات من االرتباك والحزن‪ ،‬شعرت المشاعر المتسخة قد هجرتني‪ .‬بعد‬

‫ألوقات بمخلب في حلقي وأنني بالكاد ثالث سنوات من الشلل العاطفي‪ .‬قرر‬ ‫أتنفس‪ .‬ودون حتى أدن���ى وع� ٍ��ي مني زوج��ي «ويلي» وصديقتي «تابرا» أنني‬ ‫كنت أتش ُح بالكامل بالسواد‪ .‬حاولت أحتاج أن أم�لأ خزائني‪ ،‬واقترحا أن‬ ‫أن أكتب‪ ..‬ولكن كانت محاوالتي دون نذهب في رحلة إلى الهند‪ ،‬ألنها ‪-‬كما‬ ‫ج���دوى‪ .‬أمضيت س��اع��ات أح���دق في يقولون ‪ -‬من التجارب التي تضع بصمة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪111‬‬


‫طلبنا من «سريندر» أن يتوقف‪ ،‬وسرتُ أنا‬ ‫و«تابرا» نحو النساء‪ .‬أخذن بالتراجع‪ ،‬لكن‬ ‫فضولهن تغلب على خجلهن‪ ،‬وعما قليل كنا‬ ‫سويا تحت األكاسيا محاطين بأطفال عراة‪.‬‬

‫في الحياة‪ .‬أرض مليئة بالتناقضات‪ ..‬جمال‬ ‫استثنائي‪ ،‬وفقر مدقع‪ ،‬وبالتأكيد‪ ..‬سأجد‬ ‫إلهامًا ما هناك‪ .‬قبلتُ على الرغم من أنني‬ ‫لم أك��ن راغبة في السفر‪ ..‬وتحديداً إلى‬ ‫الهند‪ ،‬أبعد نقطة ممكنة عن موطننا قبل أن‬ ‫كانت النساء يتوشحن بمالبس من الساري‬ ‫أبدأ العودة مرة أخرى من الجانب اآلخر من مغبرة ومهترئة‪ .‬كن صغيرات بشعر أسود‬ ‫الكوكب‪.‬‬ ‫طويل‪ ،‬وبشرة جافة‪ ،‬وعيون غائرة مدعجات‬ ‫يمتلك «سريندر» ‪ -‬سائقنا ودليلنا في بالكحل‪ .‬يفتقر الناس في الهند‪ ،‬كما في‬ ‫الهند ‪ -‬من الشجاعة والخبرة ما نحتاجه معظم بلدان العالم‪ ،‬إلى مفهوم المساحة‬ ‫خالل تنقلنا في الطرق الريفية المتعرجة ال��ش��خ��ص��ي��ة‪ ،‬ال����ذي ن��داف��ع ع��ن��ه ب��ض��راوة‬ ‫وال��ط��رق المرورية في المدينة المجنونة‪ ،‬ف��ي ال��غ��رب‪ .‬وبسبب ان��ع��دام لغة مشتركة‬ ‫بعضا باالبتسامات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫السيارات المراوغة والحافالت وعربات بيننا‪ ،‬حيينا بعضنا‬ ‫الحمير والدراجات وأكثر من بقرة جائعة‪ .‬ثم فحصتنا النساء بأصابع جريئة لمسن‬ ‫ال أح��د مستعجل ‪ -‬ال��ح��ي��اة طويلة ‪ -‬ما مالبسنا ووجوهنا وشعر «ت��اب��را» األحمر‪،‬‬ ‫عدا الدبابات المتعرجة ذات الطوربيدات والمجوهرات الفضية التي للتو اشتريناها‬ ‫ال��س��ري��ع��ة‪ ،‬وال��ت��ي ت��ق��ل ع��ائ��ل��ة م��ن خمسة في اليوم السابق‪ .‬نزعنا أساورنا وقدمناها‬ ‫ركاب فوقها‪ .‬لم يكن لدينا حزام أمان‪ ،‬كان للنساء اللواتي أخذنها ببهجة‪ .‬كانت كافية‬ ‫معنا القدر‪ ،‬ال أحد يموت قبل أوان��ه‪ .‬كان لهن بمقدار اثنتين أو ثالثة لكل واحدة‪.‬‬ ‫«سريندر» قليل الكالم‪ ،‬وتعلمت أنا و«تابرا»‬ ‫إح��دى النساء التي كانت بعمر «ب��اوال»‪،‬‬ ‫أ ّال نوجّ ه له أية أسئلة؛ ألن الشخص الوحيد تناولت وجهي بيديها وقبلت جبيني بخفة‪.‬‬ ‫الذي أجاب على أسئلته هو «ويلي»‪.‬‬ ‫ش��ع��رت ب��ش��ف��ت��ي��ه��ا ال��ع��ط��ش��ى‪ ،‬ورائ��ح��ت��ه��ا‬

‫‪112‬‬

‫في إحدى الظهيرات المتأخرة‪ ،‬كنا نتجول‬ ‫في الريف‪ ،‬في منظر طبيعي مغبر ومحمر‪،‬‬ ‫حيث القرى متباعدة‪ ..‬والسهول ممتدة على‬ ‫م ّد النظر‪ .‬رأينا شجرة منفردة‪ ،‬ربما كانت‬ ‫أكاسيا‪ ،‬ومجموعة تتكون م��ن أرب��ع نساء‬ ‫وعدد من األطفال تحت أغصانها‪ .‬تساءلنا‬ ‫ماذا يفعلون هناك‪ ،‬في منتصف الالمكان‪،‬‬ ‫بعيدا عن منازل أو بئر‪ .‬كانت الشمس تتجه‬ ‫نحو المغيب‪ ،‬والسماء مبقعة بلون الشفق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وأنفاسها الدافئة‪ .‬كانت مثل إي��م��اءة غير‬ ‫متوقعة‪ ،‬وحميمة جدا‪ ،‬ذلك أنني لم أستطع‬ ‫لجم دموعي‪ .‬ر ّبتَتْ النساء األخريات على‬ ‫كتفي بصمت‪ ،‬وقد اندهشن من ردة فعلي‪.‬‬ ‫اس��ت��دع��ان��ا م��ن ج��ه��ة ال��ط��ري��ق ص���وت ب��وق‬ ‫السيارة ال��ذي أطلقه «سريندر»‪ .‬إنه وقت‬ ‫الذهاب‪ .‬ودّعنا النساء وعدنا إلى السيارة‪،‬‬ ‫ل��ك��ن واح����دة منهن تبعتنا‪ .‬لمست كتفي‬ ‫فالتفت‪ ،‬كانت تحمل صرة صغيرة‪ .‬اعتقدت‬


‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫أنها ستعطيني شيئا ما عوضا عن األساور‪،‬‬ ‫فحاولت أن أوضح باإلشارات أنه ليس من تمتلك بعض القصص القوة للشفاء‪ .‬ما‬ ‫الضروري‪ ..‬ولكنها أرغمتني على أخذه‪.‬‬ ‫حدث ذلك اليوم تحت شجرة األكاسيا‬ ‫ح��لَّ العقدة التي كانت تخنقني‪ ،‬أماط‬ ‫لم تكن ت��زن شيئا تقريبا‪ ،‬ب��دت وكأنها‬ ‫ش��ب��ك��ة ال��ش��ف��ق��ة ع��ل��ى ال�����ذات ب��ع��ي��دا‪،‬‬ ‫حزمة من الخرق‪ .‬لكن حين عدت ألطويها‪،‬‬ ‫وأرغمني على أن أعود إلى العالم وأترجم‬ ‫ف��إذا بها طفل رضيع‪ ،‬حديث ال��والدة‪ ،‬كان‬ ‫فقدي البنتي إلى ح��دث‪ .‬لم أتمكن من‬ ‫صغيرا وأسمر‪ .‬عيناه مغلقتان‪ ..‬وال تبدو‬ ‫إنقاذ تلك الطفلة أو أمها اليائسة أو‬ ‫رائحته مثل بقية األطفال الذين سبق وأن‬ ‫الماليين من النساء مثلها‪ ،‬ولكن بإمكاني‬ ‫حملتهم‪ ،‬رائحة الذع��ة من الرماد والغبار‬ ‫على األقل أن أحاول التخفيف كثيرا في‬ ‫والبراز‪ .‬قبلت وجهه‪ ،‬ودع��وت له‪ ،‬وحاولت‬ ‫حياة بعضهم‪ .‬كان لدي حساب بمدخرات‬ ‫أن أعيده ألمه‪ ..‬ولكنها عادت مسرعة إلى‬ ‫ال أمسها‪ ..‬كنت أخطط الستثمارها في‬ ‫األخ��ري��ات بينما أن��ا واقفة هناك‪ ،‬أهدهد‬ ‫ش��يء ما يجعل من «ب��اوال» فخورة‪ .‬في‬ ‫الطفل‪ ،‬غير مستوعبة لما حدث‪.‬‬ ‫تلك اللحظة تذكرت أنها حينما كانت‬ ‫أتى «سريندر» بعد دقيقة يصيح ويجري‪.‬‬ ‫على قيد الحياة كنت أهاتفها وأطلب‬ ‫انتزع الطفل من ذراعي واتجه نحو النساء‪،‬‬ ‫منها النصيحة ‪ -‬حياتي كمهاجرة جديدة‬ ‫ولكنهن هربن مذعورات من حنق الرجل‪.‬‬ ‫في الواليات المتحدة وزوجة أب ألوالد‬ ‫بعد ذلك انحنى ووضع الطفل على األرض‬ ‫«ويلي» المدمنين كانت باألحرى مجهدة‬ ‫الجافة تحت الشجرة‪ ،‬بينما النساء يراقبنه‬ ‫جدا ‪-‬وكانت تأتي إجابتها دائما بشكل‬ ‫من مسافة آمنة‪.‬‬ ‫س���ؤال “أم����ي‪ ،‬م��ا ال��ش��يء األك��ث��ر كرما‬ ‫بذلك الوقت كان «ويلي» قد أتى أيضا‪،‬‬ ‫لتفعليه في هذه الحالة؟”‪.‬‬ ‫دفعني وأعادني حثيثا إلى السيارة وهو يكاد‬ ‫ (اآلن ع��رف��ت م��ا س��أف��ع��ل ب��م��دخ��رات��ي‬‫يرفعني عن األرض‪ ،‬تتْبَعُنا «ت��اب��را»‪ .‬أدار‬ ‫«أعلنت لويلي وتابرا»‪ .‬سأنشئ مؤسسة‬ ‫سريندر محرك السيارة وابتعدنا‪ ،‬وأنا أدفن‬ ‫لمساعدة النساء واألطفال)‪.‬‬ ‫وجهي في صدر زوجي‪.‬‬ ‫وبالفعل قمت بذلك حالما ع��دت إلى‬ ‫ «لماذا تحاول تلك المرأة أن تتخلص من كاليفورنيا‪ ،‬لم أك��ن أتخيل أن تلك البذرة‬‫طفلها؟» غمغم «ويلي»‪.‬‬ ‫س��ت��ص��ب��ح ع��ب��ر ال���س���ن���وات ش��ج��رة ك��ب��ي��رة‬ ‫ «إنها بنت‪ .‬من ذا الذي يريد بنتا؟» أجاب كاألكاسيا‪.‬‬‫«سريندر» وهو يهز كتفيه‪.‬‬

‫* كاتب ومترجم من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪113‬‬


‫ُ‬ ‫رسائل األم !‬ ‫قصة للكاتب الفرنسي‪ :‬غي دي موباسان‬ ‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬ياسمينة صالح*‬

‫توفيت دون��م��ا وج��ع‪ ،‬كما يمكن الم���رأة عاشت حياة فاضلة أن ت��م��وت‪ .‬ه��ا هي‬ ‫اآلن مستلقية في فرشتها‪ ،‬بعينيها المغمضتين‪ ،‬ومالمحها المطمئنة‪ ،‬وشعرها‬ ‫األب��ي��ض الطويل المصفوف بعناية‪ ،‬كما ل��و أنها مشطته للتو‪ .‬كانت سحنتها‬ ‫شاحبة ودقيقة‪ ،‬تبدو مستسلمة لقدرها‪ ،‬توحي لمن يراها بأن روحا طيبة سكنت‬ ‫هذا الجسد‪ ،‬لتحظى بهذه النهاية المطمئنة!‬ ‫جثا ابنها على ركبتيه قرب السرير‪ ،‬أن يطلبا معرفة بقية التفاصيل!‬ ‫وجلست ابنتها ال��راه��ب��ة «م��ارغ��ري��ت»‬ ‫تناولت «يواللي» يد والدتها وقبلتها‬ ‫التي يسمونها أيضا «ي��والل��ي»‪ ..‬كان وه��ي تبكي‪ ..‬ب��دت ي��د الميتة بيضاء‬ ‫ابنها قاضيا محترما‪ ،‬يُــعرف لدى كالعاج‪ ،‬مسجاة على السرير بال حراك‪.‬‬ ‫الجميع بقوة دفاعه عن مبادئه‪ ،‬وعدم في الجانب اآلخ��ر‪ ،‬تبدو اليد األخرى‬ ‫تنازله عنها‪ ..‬لقد ربتهما أمهما على أن ممسكة بجزء من الغطاء‪ ،‬كما يمكن‬ ‫األخالق والدين والواجب‪ ،‬قوة ال يستهان للصورة األخيرة أن تظل راسخة قبل‬ ‫بها‪ ،‬وكانت تلك التربية الفاضلة كافية الغياب األخير للميت!‬ ‫لتجعل من االبن أحد أبرز المدافعين‬ ‫�ف ع��ل��ى ال���ب���اب جعل‬ ‫ط����ر ٌق خ��ف��ي� ٌ‬ ‫عن القانون‪ ،‬ومن البنت ام��رأة زاهدة‬ ‫ف��ي ال��رج��ال‪ ،‬مكرسة حياتها للصالة الشقيقان يرفعان عينيهما المغرورقتين‬ ‫بالدموع‪ ..‬أطل القس برأسه‪ ،‬ثم دخل‪.‬‬ ‫والعبادة‪.‬‬ ‫كان يتنفس بسرعة‪ ،‬كمن جاء ركضا‪..‬‬ ‫لم يعرفا والديهما‪ ،‬لكنهما سمعا أنه من الواضح أنه تلقى خبر موت المرأة‬ ‫كان قاسيا تسبب باألذى لوالدتهما‪ ،‬دون وهو يتناول طعامه‪ ،‬فقد كانت رائحة‬

‫‪114‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫كان القس حزينا‪ ،‬أو هكذا يبدو‪ ،‬فالموت‬ ‫بالنسبة لشخص مثله بمثابة مصدر رزق‪.‬‬ ‫ح��رك ي��ده كمن يصلي‪ ،‬وق���ال ب��ص��وت من‬ ‫تعوّد على هذا النوع من المواقف‪« :‬جئت‬ ‫يا أعزائي ألشاطركما مصابكما في هذه‬ ‫الساعات العصيبة‪».‬‬

‫سكينة ال متناهية تنبعث من ذلك الجسد‬ ‫المسجّ ى‪ ،‬سكينة تبدو وكأنها غمرت ما‬ ‫حولها‪ ..‬كان القاضي ما ي��زال جاثيا على‬ ‫ركبتيه‪ ،‬غارسا وجهه في غطاء السرير‪،‬‬ ‫ب��ص��وت كتمه ال��ح��زن وال��دم��وع ظ��ل ي��ردد‪:‬‬ ‫«أماه‪ ..‬أماه‪ ..‬أماه‪ »! ..‬بينما شقيقته تضع‬ ‫جبهتها على مقبض ال��س��ري��ر وه��ي ت��ردد‬ ‫باكية» يا إلهي‪ ..‬يا إلهي‪ ..‬أم���ي‪ ،»...‬كانا‬ ‫يبكيان بحرقة‪.‬‬

‫نهضت «يواللي» وهي تقول‪:‬‬ ‫ «شكرا جزيال أيها األب‪ ،‬ولكننا نريد‪،‬‬‫أن��ا وأخ���ي‪ ،‬البقاء لوحدنا معها‪ .‬إنها‬ ‫آخر مرة سوف نراها فيها‪ ،‬ونريد نحن‬ ‫الثالثة أن نكون معا‪ ،‬كما كنا دائما‪ ،‬وأن‬ ‫تكون والدت‪ »...‬لم تستطع انهاء جملتها‪،‬‬ ‫خنقتها الدموع فأُجهشت بالبكاء‪ .‬حرك‬ ‫القس رأسه بانحناءة صغيرة‪ ..‬كان يتمنى‬ ‫لو ظل مستلقيا على سريره‪ ..‬قال بصوت‬ ‫أقرب إلى الهمس‪:‬‬ ‫ «كما ترغبان يا أبنائي»‪.‬‬‫ ث���م ج��ث��ا ع��ل��ى رك��ب��ت��ي��ه ق����رب ال��ج��س��د‬ ‫المسجى‪ ،‬وحرك يده وهو يتمتم بالدعاء‪،‬‬ ‫ونهض متوجها نحو الباب ومتمتما «لقد‬ ‫كانت أمكما مالكا»!‬

‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫القهوة تنبعث من فمه‪..‬‬

‫تتدحرج وتصطدم بالجدار‪.‬‬

‫م���ض���ى وق�����ت ط����وي����ل‪ ،‬ق���ب���ل أن ي��ه��دأ‬ ‫الشقيقان‪ ..‬رفعا بصرهما إلى الجثة النائمة‬ ‫في اطمئنان‪..‬‬ ‫ذك���ري���ات ك��ث��ي��رة ك��ان��ت ب��األم��س قريبة‬ ‫وع��زي��زة ت��ب��دو اآلن حزينة وم��وج��ع��ة‪ ،‬بكل‬ ‫تفاصيلها الحميمة والقريبة من النفس‪..‬‬ ‫تذكرا حوادث وكلمات‪ ،‬وابتسامات‪ ،‬والنبرة‬ ‫الخاصة التي تتميز بها والدتهما الغالية‬ ‫كلما قالت كالما تراه مهمّا وعليهما اإلصغاء‬ ‫إليه‪ .‬لقد أحَ بّاها ح ّبًا جمّا‪ ،‬وها هما يشعران‬ ‫أنهما سيكونان وحيدين‪ .‬كانت سندهما في‬ ‫الحياة‪ ،‬مرشدهما للطريق الصحيح طوال‬ ‫شبابهما‪ ،‬تبدو تلك المرحلة وكأنها ترحل‬ ‫اآلن دون رجعة‪ .‬أمهما التي كانت الرابط‬ ‫الحميم ال��ذي يجمعهما إل��ى الحياة‪ ،‬إلى‬ ‫اآلخرين‪ ،‬إلى الماضي‪ ،‬إلى األج��داد‪ ،‬إلى‬ ‫التفاصيل‪ ..‬يشعران اآلن أنهما لن يستطيعا‬ ‫النظر إلى الخلف بسهولة‪.‬‬

‫بقي الشقيقان وحيدين مع والدتهما في‬ ‫سكون ال يقطعه سوى صوت عقارب ساعة‬ ‫في مكان ما من الغرفة‪ ،‬ورائحة قش وخشب‬ ‫تتسلل مع ضوء القمر من النافذة المفتوحة‪.‬‬ ‫رفعت الراهبة عينيها إل��ى أخيها وهي‬ ‫بدا الريف غارقا في صمت جنائزي ال يسمع‬ ‫فيه سوى نقيق الضفادع‪ ،‬أو صرير حشرة تقول‪:‬‬ ‫ «ه���ل ت��ذك��ر ي��ا أخ���ي ك��ي��ف كانت‬‫ليلية تبدو في خضم الصمت الثقيل ككرة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪115‬‬


‫والدتنا تحب ق��راءة رسائلها القديمة؟ كل ‪« -‬حبيبتي‪ ،‬ك��م أح��ب��ك! إل��ى درج��ة أشعر‬ ‫رسائلها موجودة هنا في ال��درج‪ .‬ما رأيك‬ ‫فيها أنني أفقد صوابي‪ .‬آهٍ ‪ ..‬كم أحبك‪،‬‬ ‫أن نقرأها كما كانت تفعل‪ ،‬لنستعيد حياتها‬ ‫يا أغلى ما عندي‪.»...‬‬ ‫الليلة‪ ،‬حياتها وحياة جدنا وجدتنا اللذين‬ ‫اعتدل القاضي في جلسته وهو يحدق‬ ‫لم نعرفهما من قبل‪ ..‬هل تذكر كيف كانت‬ ‫في أخته التي توقفت عن القراءة‪ .‬أخذ منها‬ ‫تحكي عنهما؟‬ ‫الرسالة بحثا ع��ن توقيع‪ ،‬ول��م يجد سوى‬ ‫تناول األخوان دزينة من الرزم الصغيرة عبارة‪« :‬محبك هنرى»‪.‬‬ ‫التي تحتوي على مجموعة م��ن الرسائل‬ ‫ل��م تكن م��ن وال��ده��م��ا ال���ذي ك��ان اسمه‬ ‫ذات ال��ورق األصفر‪ ،‬المصفوفة بعناية‪ ،‬ثم «رينيه»‪ .‬بيدين مرتعشتين راح يبحث في‬ ‫وضعاها على السرير‪ ،‬وتناوال رسالة مكتوبًا بقية الرسائل‪ ..‬تناول رسالة أخرى وقرأ‪:‬‬ ‫عليها عبارة «األب»‪ ،‬فتحاها وشرعا في‬ ‫ «يستحيل العيش من دونك‪!».‬‬‫القراءة‪.‬‬ ‫وقف على قدميه وهو ينظر إلى الميتة‬ ‫ك��ان��ت م��ن ن��وع ال��رس��ائ��ل العتيقة التي‬ ‫متهم‪ .‬كانت «يواللي»‬ ‫ٍ‬ ‫كما تعود النظر إلى‬ ‫يمكن العثور عليها عادة في أدراج البيوت‪،‬‬ ‫جالسة‪ ،‬والدموع تنهمر من عينيها‪ ،‬منتظرة‬ ‫قرن من الزمن‪ .‬الرسالة األولى‬ ‫تحمل عبق ٍ‬ ‫ما يمكن أن يصدر عن أخيها‪ ..‬مشى نحو‬ ‫تبدأ بعبارة «عزيزتي»‪ ،‬والثانية «صغيرتي‬ ‫النافذة بخطوات بطيئة ومنهكة‪ ،‬ووقف ملقيا‬ ‫الجميلة»‪ ،‬وأخرى‪« :‬ابنتي الحبيبة»‪ ،‬وأيضا‬ ‫نظراته بعيدًا في ظالم الليل‪ ..‬كان يفكر‪.‬‬ ‫«ابنتي العزيزة»‪ ..‬فجأة بدأت الراهبة تقرأ‬ ‫عندما استدار نحو أخته‪ ،‬وجدها واقفة‬ ‫تاريخ الفقيدة الغالية وذكرياتها الدافئة‪..‬‬ ‫اتكأ القاضي بمرفقه على مسند السرير قرب السرير وقد توقفت عن البكاء‪ .‬مشى‬ ‫وبدأ يصغي‪ ،‬كان ينظر إلى وجه والدته التي نحو حزمة الرسائل‪ ،‬وتناولها بحركة غاضبة‬ ‫ورماها في ال��درج‪ ،‬ثم أغلق الستائر حول‬ ‫خيل إليه أنها سعيدة!‬ ‫السرير‪.‬‬ ‫توقفت «يواللي» عن القراءة وهي تقول‪:‬‬ ‫بدت الشموع على الطاولة شاحبة أمام‬ ‫ «ي��ج��ب وض���ع ه���ذه ال��رس��ائ��ل معها في ضوء الصباح البازغ‪ ..‬نهض االبن عن كرسيه‬‫ال��ت��اب��وت‪ ،‬ف��ه��ي أش��ي��اء ع��زي��زة عليها‪ ،‬دون أن يلقي نظرة أخيرة إلى أمه‪ ،‬ثم بصوت‬ ‫وستكون أنيسها في قبرها»‪.‬‬ ‫من يصدر حكما قال لشقيقته‪:‬‬ ‫تناولت حزمة جديدة من الرسائل خالية من‬ ‫ هيا بنا ي��ا أخ��ت��ي‪ ،‬دعينا ن��خ��رج من‬‫أي اسم‪ .‬وراحت تقرأ بصوت مرتفع‪:‬‬ ‫هنا‪»!..‬‬

‫‪116‬‬

‫* روائية من الجزائر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬د‪ .‬محمد عامر البلخي*‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أثر التطور التقني‬ ‫على الفرد والمجتمع‬ ‫التعلّم عملية أساسية في الحياة‪ ،‬فنحن نتعلم من المهد إل��ى اللحد‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪« :‬الرحمن‪ ،‬علّم القرآن‪ ،‬خلق اإلنسان‪ ،‬علّمه البيان» (الرحمن‪ :‬من ‪.)4-1‬‬ ‫وقال عز وجل‪« :‬علّم اإلنسان ما لم يعلم» (العلق‪ .)5 :‬وقال سبحانه‪« :‬وعلّم آدم‬ ‫األس��م��اء كلها ثم عرضهم على المالئكة فقال أنبئوني بأسماء ه��ؤالء إن كنتم‬ ‫صادقين» (البقرة‪« .)31 :‬قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم‬ ‫الحكيم» (البقرة‪.)32 :‬‬ ‫والتعلُّم تعديل في سلوك الفرد عن طريق الخبرة والممارسة‪ .‬وهو ليس من‬ ‫إنسان في مجال عمله‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعة المعلمين وحدهم‪ ،‬ف��األب‪ ،‬وصاحب العمل‪ ،‬وكل‬ ‫معلم‪.‬‬ ‫إن التفجر المعرفي الذي يشهده هذا‬ ‫العصر‪ ،‬أصبح يتضاعف بعد انتشار‬ ‫شبكات المعلومات الحاسوبية‪ ،‬ما يلقي‬ ‫على مؤسسات المجتمع مسؤوليات‬ ‫كبيرة في إعداد األفراد‪ ،‬بما يساعدهم‬ ‫على مواكبة هذا التفجر والتطور التقني‬ ‫وق��د بيّن ه��ن��درس��ون (‪)Henderson‬‬ ‫السريع‪ ،‬وضرورة التكيّف مع متطلبات‬ ‫العصر‪ ،‬ومواجهة تحدياته باألساليب معنى التغيير في العملية التربوية‪ ،‬بأنه‬ ‫ال يمكن التنبؤ بإمكانية ال��ن��اس على‬ ‫والوسائل المالئمة‪.‬‬ ‫التغيير دون أن يتعلموا معنى التغيير‪،‬‬ ‫لقد أصبحت التقنية منتشرة من وم��ا التغييرات التي يمكن أن تحسن‬ ‫حولنا‪ ،‬وص��ار وج��وده��ا أكثر رؤي��ة في التعليم‪ ،‬إنها تفاعل المتعلم باستخدام‬ ‫المستقبل القريب‪.‬‬ ‫الوسائل التقنية (‪.)Henderson, 1993, 17‬‬ ‫إن التطور التقني المتسارع‪ ،‬وما‬ ‫أحدثه من تغيرات متالحقة في جميع‬ ‫مناحي الحياة‪ ،‬فرض على مؤسسات‬ ‫ال��م��ج��ت��م��ع ض������رورة اس��ت��ي��ع��اب ه��ذه‬ ‫التغيرات‪ ،‬واإلسهام في التغيير التقني‪،‬‬ ‫وتسخيره لمصلحة أفراد المجتمع‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪117‬‬


‫لقد تغيَ​َّر دور مؤسسات المجتمع مع‬ ‫ظهور التقدم الصناعي والتقني‪ ،‬فلم تعد‬ ‫مهمة الفرد النظر إلى األح��داث والتعرف‬ ‫عليها فحسب‪ ،‬بل البحث عن العلل التي‬ ‫تفسر وقوعها وتتحكم بها‪.‬‬

‫يبحث في األرض ليريه كيف ي��واري سوأة‬ ‫أخيه» (المائدة‪ .)31 :‬وفي قصة موسى مع‬ ‫فرعون‪ ،‬في قوله تعالى‪« :‬فألقى عصاه فإذا‬ ‫هي ثعبان مبين» (األعراف‪ .)107 :‬وفي قوله‬ ‫جل وع�لا‪« :‬فألقى موسى عصاه ف��إذا هي‬ ‫تلقف ما يأفكون» (الشعراء‪ .)45 :‬واآليات‬ ‫كثيرة في هذا المجال‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬بدأ اهتمام المربين في الحثِّ على‬ ‫استخدام التقنيات الحديثة في المدارس‬ ‫والجامعات‪ ،‬لالنتقال بالتعليم من صورته‬ ‫وإضافة إلى مجال التعليم‪ ،‬جاء انتشار‬ ‫التقليدية إل��ى التعليم الفعال واالهتمام ال��ت��ط��ور التقني أي��ض �اً ف��ي م��ج��ال الصحة‬ ‫بتكوين عقلية المتعلم‪ ،‬وتعويده كيف يتعلم‪ .‬كالمستشفيات وال��م��راك��ز الصحية‪ ،‬وفي‬ ‫وت��ب��دو فاعلية التقنيات التعليمية في مجال األم��ن العام بمختلف نواحيه‪ ،‬وفي‬ ‫استخدامها الشامل في المواد الدراسية‪ ،‬لما مجال المواصالت‪ ،‬واالتصاالت‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫تتصف به هذه التقنيات من مزايا ال تتوافر الكهرباء والمياه‪ ،‬وغيرها من المؤسسات‬ ‫في التدريس بالطريقة التقليدية‪ ،‬إذ يمكن التي تقدم الخدمات ألفراد المجتمع‪.‬‬ ‫لهذه التقنيات تقديم المحتوى التعليمي‬ ‫ويمكن أن نجمل أبرز فوائد التطور التقني‬ ‫بأسلوب مشوِّق ومثير لالنتباه؛ ما يؤدي إلى‬ ‫وميزاته باآلتي‪:‬‬ ‫احتفاظ المتعلم بالمعلومات في ذاكرته لفترة‬ ‫ اختصار الوقت والجهد‪.‬‬‫أطول مما لو تلقاها بأسلوب التلقين‪.‬‬ ‫وق��د أش���ار غالبريث (‪ )Galbreath‬إلى ‪ -‬تحسين جودة العمل‪.‬‬ ‫أن األف��راد يتذكرون (‪ )%20‬مما يسمعون‪ - ،‬االحتفاظ بالبيانات والمعلومات‪.‬‬ ‫و(‪ )%40‬مما يرون ويسمعون معاً‪ ،‬و(‪ - )%75‬تنمية القدرة على التعلم الذاتي وحب‬ ‫االطالع‪.‬‬ ‫مما يرون ويسمعون ويعملون معاً‪Galbreath,( .‬‬ ‫ غرس القيم اإليجابية لدى األفراد‪.‬‬‫‪.)1992, 28‬‬ ‫ التواصل السريع بين جهات العمل‪.‬‬‫والتقنية تجعل الخبرات التعليمية أكثر‬ ‫ تنمية مهارات األفراد باستمرارية مزاولة‬‫ف��اع��ل��ي��ة‪ ،‬وت��ق��دم أس��اس��اً م��ادي��اً ل�ل�إدراك‬ ‫التقنية‪.‬‬ ‫ال��ح��س��ي‪ ،‬وق��د أش���ار ال��ق��رآن ال��ك��ري��م إلى‬ ‫وال شك أنَّ التقنية أصبحت جزءاً أساساً‬ ‫بيان أهمية الوسيلة كمظهر م��ن مظاهر‬ ‫التقنية‪ ،‬وهذا ما نجده في قصة ابني آدم‪ ،‬ومهماً في حياة الفرد والمجتمع تلبي حاجاته‬ ‫وذل��ك بقوله ع��ز وج��ل‪« :‬فبعث اهلل غراباً وطموحات أفراده‪.‬‬ ‫ * أكاديمي في جامعة الجوف‪.‬‬ ‫ المراجع‪:‬‬

‫‪Galbreath, J , 1992‬‬ ‫‪.Education Video Production , Educational Technology , October‬‬ ‫‪:Henderson , R. E , 1993‬‬ ‫‪.The Rocky But Exciting Road to Restructuring, The Education Digest, Vol. (58) , No. (6) , February‬‬

‫‪118‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫نجد وحنين الشعراء‬ ‫‪ρρ‬راكان بصير الرويلي*‬

‫م��ن األم��اك��ن م��ا يرتبط ب��ال��ذاك��رة األدب��ي��ة واإلن��س��ان��ي��ة‪ ،‬وي��ت��ج��اوز دائ���رة ال��واق��ع‬ ‫ليصبح رم��زً ا لمعنى‪ ،‬أو مثيرً ا الستدعاء ح��ال‪ ،‬أو ش��ع��وراً‪ ،‬أو ذك��رى‪ .‬وف��ي الشعر‬ ‫العربي القديم أسماء للعديد من األماكن التي أصبحت لكثرة دورانها على ألْسنة‬ ‫الشعراء‪ ،‬وارتباطها باإلحساس الشعري (نفسيا وجغرافيا) رموزا لمعاني الحب‬ ‫والشوق‪ ،‬أو اللقاء والوصال‪ ،‬أو اإلش��ارة إلى مكان األهل واألحباب وموقعهم في‬ ‫المكان أو الزمان‪ ،‬بصرف النظر عن اقتران الشاعر نفسه بهذا المكان في سيرته‬ ‫الشخصية أو حركته التي ال تهدأ من موضع إلى آخر‪.‬‬ ‫وم��ن األم��اك��ن األث��ي��رة على قلب كل‬ ‫عربي «نجد»‪ ..‬تلك المفازة المرتفعة‬ ‫م��ن أرض ال��ج��زي��رة ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬تحفل‬ ‫جنباتها بالعديد من أنواع النبت وصنوف‬ ‫الريحان‪ ،‬كما حباها اهلل تعالى بأجواء‬ ‫نقية‪ ..‬وأنسام ندية‪ ..‬وروائ��ح عطرية‪،‬‬ ‫تبهج وتسر‪ ..‬وقد زعم األصمعي قائال‪:‬‬ ‫‪«‎‬من يتنسَّ م هواء نجد ويل ّذ بمائها‪،‬‬ ‫ل��ن ي��غ��ادره��ا‪ ،‬وإن فعل ذل��ك ال ب��د أن‬ ‫يرجع إليها يوما»‪.‬‬ ‫‪ ‎‬وما أكثر ما تَغنّى النجديون بتلك‬

‫ال��ظ��واه��ر الطبيعية التي أ ِل��ف��وه��ا في‬ ‫ديارهم وعايشوها عن كثب‪ ،‬فوصفوها‬ ‫وأب��دع��وا في الوصف‪ ،‬وه��م على هذا‬ ‫االم���ت���داد ال��رم��ل��ي ال��م��رت��ف��ع المتسع‬ ‫الجنبات‪ ،‬تهب على حصبائها أحيانا‬ ‫ري���� ٌح ت��أت��ي إل��ي��ه��م م��ن ب��ع��ض ن��واح��ي‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬تدعى نسيم الصبا‪،‬‬ ‫تحمل في طياتها رطوبة محببة غالبا‬ ‫ما تكون منعشة منشطة‪ ،‬فتطيب لها‬ ‫نفوسهم ويخالج السرور قلوبهم‪ ،‬وقد‬ ‫وصفها «قيس ابن الملوح»‪ ،‬بقوله‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪119‬‬


‫في هذه البيئة المفعمة بأنفاس الربى‬ ‫‪ ‎‬ي�����ا ج���ب���ل���ي ن����ع����م����ان ب�������اهلل خ��ل��ي��ا‬ ‫سبيل الصبا يخلص إليّ نسيمها وأريج األقحوان‪ ،‬وشميم العرار‪ ،‬ولد الشاعر‬ ‫النجدي «الصمة القشيري» وت��رع��رع في‬ ‫ف����إن ال��ص��ب��ا ري����ح إذا م���ا تنسمت‬ ‫هضباتها‪ ،‬ولما أ ُجْ بِر على مغادرتها والنزوح‬ ‫محزون تجلّت همومها منها على أثر خالف دبَّ بينه وبين قومه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على نفس‬ ‫أنشد‪:‬‬ ‫وهذه هند بنت عاصم السدوسية‪ ،‬ينتابها‬ ‫الحزن وضيق األنفاس جراء بعدها عن أهلها ت����م����ت����ع م������ن ش����م����ي����م ع����������رار ن��ج��د‬ ‫ووطنها األول «لينة» (موضع من بالد نجد)‪،‬‬ ‫ف����م����ا ب����ع����د ال����ع����ش����ي����ة م������ن ع������رار‬ ‫عندما زوجوها ألحد األعراب في بالد بعيدة‬ ‫عارم إلى أال ي������ا ح�����ب�����ذا ن����ف����ح����ات ن��ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬ ‫ٍ‬ ‫بشوق‬ ‫ٍ‬ ‫عن موطنها األول‪ ،‬فتنشد‬ ‫وري����������������ا روض����������������ه غ����������ب ال������ق������ط������ار‬ ‫تلك الربوع قائلة‪:‬‬

‫ال في تالفيف الغربة‪،‬‬ ‫ولما مضى متوغ ً‬ ‫‪‎‬أال ال أرى م������اء ال���ص���ب���ح ش��اف��ي��ا‬ ‫استبدت به الوحشة‪ ،‬وعصف به الحنين‬ ‫ن���ف���وس���ا إل������ى أم���������واه ب����ق����اء ن���زع���ا‬ ‫واش��ت��اق إل���ى ن��ج��د وأه��ل��ه��ا‪ ،‬ف��م��زق غاللة‬ ‫الصمت‪ ،‬ونزع عنه رداء التجلد‪ ،‬وهتف من‬ ‫ف���م���ن ج�����اء م�����اء ال���س���ب���ال ب��ش��رب��ة‬ ‫ف��������إن ل������ه م������ن م��������اء ل���ي���ن���ة أرب����ع����ا أعماقه قائال‪:‬‬

‫‪‎‬قفا ودع��ا نجد وم��ن حل بالحمى‬ ‫وق����د زادن������ي وج������دً ا ب��ب��ق��ع��اء أن��ن��ي‬ ‫وق�������ل ل���ن���ج���د ع����ن����دن����ا إن ي����ودع����ا‬ ‫رأي����������ت م����ط����اي����ان����ا ب���ل���ي���ن���ة ظ��ل��ع��ا‬ ‫وفي هذا السياق عينه‪ ،‬يخبرنا األصمعي وليست عشيات الحمى برواج ــع‬ ‫ع��ل��ي��ك ل��ك��ن خ���ل ع��ي��ن��ي��ك ت��دم��ع��ا‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫نزلت يوما في علياء نجد‪ ،‬وك��ان الجو‬ ‫شديد الحرارة‪ ،‬فالتقيت ببدوي يتقلب على‬ ‫الرمل بالقرب من قطيعه وسألته‪ :‬يا هذا‬ ‫كيف تصنعون بهذه البادية إذا اشتد القيظ‬ ‫وانتعل كل شيء ظله؟‬

‫‪120‬‬

‫وقد سار على خطى القشيري الكثير من‬ ‫الشعراء العرب‪ ،‬حتى باتت نجد موطنا فعليا‬ ‫وشط‬ ‫َّ‬ ‫أو رمزيا لكل غريب نَ�أَتْ به ال��دار‪..‬‬ ‫به المزار‪.‬‬

‫وسئل إعرابي أدت به الظروف وتقلُّب‬ ‫األحوال‪ ،‬إلى االبتعاد عن أرض نجد‪ ،‬هل ال‬ ‫فابتسم وهز رأسه قائال‪:‬‬ ‫يزال يذكر وطنه ذاك؟ على الرغم من ابتعاده‬ ‫«وهل العيش إال ذاك‪ ،‬كيف ال يصبر من‬ ‫الطويل عن تلك البالد وأهلها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ك��ان طعامه الشمس وشرابه الريح؟ حيث‬ ‫ينصب ‪«‎‬كيف ال أذكر رمل ًة كنت جنين ركامها‪..‬‬ ‫يمشي أحدنا ميال ليتصبب عرقا‪ ،‬ثم ُ‬ ‫قبة يكتال ورضيع غمامها‪ ..‬وحضنتني أحشاؤها‪..‬‬ ‫عصاه‪ ،‬ويلقي عليها كِ ساه‪ ،‬في ٍ‬ ‫الريح فيبرد عرقه‪ ،‬فيشعر وكأنه في إيوان وأرضعتني أثداؤها»‪.‬‬ ‫كسرى»!‬ ‫ومرض أعرابي وهو في ديار بعيدة عن‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪»‎‬بأبي أن��ت وأم��ي‪ ،‬بلغني أن��ك مريض‪..‬‬ ‫فضاق واهلل عليَّ األم��ر العريض‪ ..‬وأردت ت��م��ن��ت أح���ال���ي���ب ال����رع����اة وخ��ي��م��ة‬ ‫إتيانك فلم يكن بي نهوض‪ ..‬فلما حملتْني‬ ‫بنجد ف��ل��م يقضي ل��ه��ا م��ا تمنــت‬ ‫رِ جْ �ل�اي أتيتك ب��رزم��ة ش��ي��ح‪ ..‬فقط شمها‬ ‫تستريح‪ ..‬واذك��ر نجد‪ ..‬فهو الشفاء بإذن إذا ذك������رت م�����اء ال���ع���ذي���ب وط��ي��ب��ه‬ ‫وب��������رد ح����ص����اة آخ�������ر ال����ل����ي����ل أنَّ�����ت‬ ‫اهلل»‪.‬‬

‫ال���ن���وى‪ ،‬م���ن ح��ي��ث ل���م ت��ك��ن ظنت‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أهله ووطنه نجد‪ ،‬فعاده أعرابي آخر من ذات فأنشدت‪:‬‬ ‫البلد التي ينتمي إليها‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫‪ ‎‬م�����ا ذن������ب أع����راب����ي����ة ق������ذف ب��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬

‫وهذا «مالك بن الريب» الشاعر الفارس‪ ،‬ل����ه����ا أن����������ةٌ وق��������ت ال�����ع�����ش�����اء وأن��������ةٌ‬ ‫لجن ـ ــت‬ ‫ُس���ح���ي���رً ا فَ���� َل����وْال أنَّ���ت���اه���ا ٌ‬ ‫يخرج غازيًا في جيش الفتح‪ ،‬فيدركه المرض‬

‫وهو في بالد العجم‪ ،‬فينتابه الشوق لبالده‪،‬‬ ‫وهذه «زينب الضبية»‪ ،‬فتاة نجدية تزوجت‬ ‫وإل��ى نبات الغضا ت��ح��دي�دًا‪ ،‬ال��ذي طالما في إحدى بالد الحضر‪ ،‬ولما عايشت حياة‬ ‫ازده��ت به رب��وع نجد ووديانها‪ ،‬وحفلت به النعيم في المدينة‪ ،‬وزايلت ضروب حياتهم‪،‬‬ ‫هضباتها‪ ،‬واشتملت عليه قيعانها‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫سُ ئلت عن أي الحالين أفضل؟ فردت بشعر‬ ‫جميل عذب‪ ،‬تقطر مفرداته شوقا وحنينا‪:‬‬ ‫‪‎‬أال ليــت ش��ع��ري ه��ل أبيتن لي ـ ــلة‬

‫بجنب الغضا أزجي الغالص النواجيا ‪‎‬أق�����������ول ألدن�����������ى ص�����ح�����اب�����ي أس�������ره‬ ‫فليت الغضا لم يقطع الركـب عرضه‬ ‫وللعين دمع يحدر الكحل ساكبه‬ ‫وليـت الغضــا ماشي الركــاب لياليــا ي������ا ح�����ب�����ذا ن����ج����د وط�����ي�����ب ت����راب����ه‬ ‫لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضـا‬ ‫م���زا ٌر ولكــن الغضـ ــا ليس داني ـ ـ ــا وأق���س���م أال أن���س���اه م���ا دم����ت حية‬ ‫وت��زوج أح��د الخلفاء فتاة نجدية‪ ،‬ولما‬ ‫وم�����ا دام ل���ي���ل م����ن ن����ه����ار ي��ع��اق��ب��ه‬ ‫إذا ه��ض��ب��ت��ه ب���ال���ع���ش���ى ه���واض���ب���ه‬

‫نقلها إلى بغداد أخذت تعتل وتتأوه من ألم‬

‫وال زال ه���ذا ال��ق��ط��ر ي��س��ف��ر لوعة‬ ‫الفراق‪ ،‬مع ما هي عليه من صنوف النعيم‬ ‫ب��ذك��راه‪ ،‬حتى ي��ت��رك ال��م��اء شاربه‬

‫ومظاهر ال��دع��ة وال��ت��رف‪ ،‬واألم���ر والنهي‪،‬‬ ‫والخدم والحشم‪ ،‬فسألها يوما عن حالها‪،‬‬ ‫فأخبرته بما تحمل م��ن ش��وق إل��ى عيش‬ ‫ال��ب��راري‪ ،‬وأح��ال��ي��ب ال��رع��اة‪ ،‬وورد غ��دران‬ ‫الماء حيث اعتادت‪ ،‬منذ يفاعتها‪ ،‬فقال لها‪:‬‬ ‫أبشري أنت الغالية وطلبك الرخيص‪. .‬‬

‫ول��م��ا ذه���ب ع��ق��ل «ق��ي��س ب���ن ال��م��ل��وح»‬ ‫وتوحّ ش‪ ،‬كان يهيم على وجهه يضرب في‬ ‫أفاق األرض‪ ،‬يواصل السير وحده على غير‬ ‫ه �دْي‪ ،‬حتى ينتهي به المطاف إلى اليمن‪،‬‬ ‫فتأتيه ريح كأنها نسيم الصبا‪ ،‬فيثاب إليه‬ ‫رش��ده‪ ،‬فيجد األرض غير األرض والناس‬ ‫غير الناس‪ ،‬فيسألهم‪:‬‬

‫وه��بَّ من ساعته‪ ،‬فبنى لها قصرًا على‬ ‫شاطئ دجلة‪ ،‬وأمر رعاة اإلبل واألغنام أن‬ ‫تسرح بين يديها وعلى مرأى من عينيها‪ ،‬فلم ‪ ‎‬ب��اهلل عليكم‪ ..‬أي��ن أن��ا من نجد وأرض‬ ‫يزدها ذلك إلى اشتياقًا إلى وطنها الحبيب‪ ،‬بني عامر؟»‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪121‬‬


‫فيقال له‪:‬‬ ‫‪ ‎‬فيشتعل أوار شوقه إلى نجد‪ ،‬ويفيض‬ ‫«أين أنت من نجد؟ أنت في اليمن‪ ..‬عليك حزنا ولوعة جراء فراقها‪ ،‬فينشد‪:‬‬ ‫بنجم كذا فاتبعه»‬ ‫خ��ل��ي��ل��ي ه���ل ب��ال��ش��ام ع��ي��ن حزينة‬

‫ت��ب��ك��ي ع��ل��ى ن��ج��د ل��ع��ل��ي أع��ي��ن��ه��ا؟‬

‫‪ ‎‬عندها تعصف به لواعج الحنين ويعلو‬ ‫أواره��ا في داخله‪ ،‬فينشد من قلب حزين وه��ل بائع نفس بنفسي أو األسى‬ ‫مكلوم‪:‬‬

‫إل��ي��ه��ا‪ ،‬ف��أخ�لا ل��ه��ا ب����ذاك حنينها‬

‫‪‎‬أال يا صبا نجد متى هجت من نجد‬ ‫وأس��ل��م��ن��ه��ا ال���ب���اك���ون إال ح��م��ام��ة‬ ‫لقد زادني مسراك وجدً ا على وجد‬ ‫م���ط���وق���ة وق�����د ب�����ان ع��ن��ه��ا ق��ري��ن��ه��ا‬ ‫أإن هتفت ورقاء في رونق الضحى‬ ‫فنن غض النبات من الرندي ت���ج���اوب���ه���ا أخ������رى ع���ل���ى خ���ي���زران���ة‬ ‫على ٍ‬ ‫ي���ك���اد ي��دن��ي��ه��ا م���ن األرض لينها‬ ‫بكيت ك��م��ا يبكي ال��ول��ي��د ول���م أزل‬ ‫وأبديت الذي لم أكن أبدي ن��ظ��رت بعيني م��ؤن��س��ي��ن ف��ل��م أك��د‬ ‫ُ‬ ‫جليدً ا‪،‬‬ ‫أرى م���ن س��ه��ي��ل ن���ظ���رة أستبينها‬ ‫وأص���ب���ح���ت ق���د ق��ض��ي��ت ك���ل ل��ب��ان��ة‬

‫ت��ه��ام��ي��ة‪ ،‬واش��ت��اق قلبي إل���ى ِ‬ ‫نجد ف��ك��ذب��ت ن��ف��س��ي ث��م أرج��ع��ت نظرة‬ ‫ف���ه���يَّ���ج ل����ي ش���وق���ا ل��ن��ج��د ي��ق��ي��ن��ه��ا‬ ‫وق�����د زع����م����وا إن ال���م���ح���ب إذا دن���ا‬ ‫ي��م��لُّ ‪ ،‬وإن رأى يشفى م��ن ال��وج��د‬ ‫ه��ذه لقطات سريعة ومكثفة‪ ،‬تتحدث‬

‫‪ ‎‬ثم يزودوه ببعض الطعام والماء‪ ،‬ويعود‬ ‫أدراج��ه يسي ُر مترنحا ش��ار َد الذهن‪ ،‬حتى‬ ‫يصل تخوم الشام‪ ،‬فيرى بالدًا ينكرها وقومًا‬ ‫ال يعرفهم‪ ،‬فيسأل بعض أهلها‪:‬‬ ‫‪«‎‬بأبي وأمي أنتم‪ ..‬أين أنا من نجد وأرض‬ ‫بني عامر؟»‬ ‫فيأتيه الجواب‪:‬‬

‫عن تداعيات الغربة‪ ،‬وم��ا يعانيه الغريب‬ ‫وكمد في ال��روح‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لوعة في النفس‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫وسقم في الجسد قد ال يشعر بها اآلخر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ولربما استهجنها‪ ،‬على الرغم من تعاطف‬ ‫بعض الناس مع الغريب ومواساته بالكالم‬ ‫القليل والتحلّي بالصبر الجميل‪ .‬وال يسعني‬ ‫والحالة هذه إال التذكير بقول الشاعر‪:‬‬

‫«أنت في بالد الشام‪ ..‬وإذا أردت نجد‪‎ ،‬ال ي��ع��رف ال���ش���وق إال م���ن ي��ك��اب��ده‬ ‫وال ال���ص���ب���اب���ة إال م�����ن ي��ع��ان��ي��ه��ا‬ ‫فعليك بنجم كذا فاتجه صوبه»‬ ‫* الجوف‪ ،‬سكاكا‪.‬‬ ‫ المراجع‪ -‎1 :‬األصفهاني األغاني دار الفكرـ بيروت ‪1982‬م‬ ‫ ‬ ‫‪ -‎2‬جعفر الحسيني مصارع العشاق دار الكتب بيروت ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪-‎3‬اسأمه بن منقذ المنازل والديارـ مكتبة اقرأ القاهرة ‪2006‬م‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ -‎4‬ابن الحموي ‪-‬ثمرات األوراق‪ -‬دار اإلرشاد –حمص ‪1984-‬م‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪-‎5‬عبد اهلل عفيفي‪-‬المرأة العربية وشعر الحنين‪-‬ط‪ .‬القاهرة‪1982-‬م‬ ‫ ‬

‫‪122‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫بين قوسين‬ ‫‪ρρ‬محمد علي حسن اجلفري*‬

‫عن دار ج��داول للنشر في بيروت‪ ،‬صدر كتاب (بين قوسين) للكاتب السعودي‬ ‫الراحل رض��ا محمد الري‪ ،‬وق��د وف��ق المؤلف في عنوانه‪ ،‬فهو موجز وقريب من‬ ‫الجناس‪ .‬وألنَّ وض��ع أي عبارة «بين قوسين» يعني التنبيه على ش��يء قد يغفل‬ ‫القارئ عن مالحظته‪.‬‬ ‫قائم باألعمال في‬ ‫عمل رضا في السلك الدبلوماسي السعودي‪ ،‬وشغل منصب ٍ‬ ‫مدريد في إسبانيا‪ ،‬وفي داكار بالسنغال‪ .‬وقد ترك لنا ثروة تقدر بماليين الكلمات‬ ‫الخالدة‪ .‬فقد كتب ‪-‬بعد تقاعده ‪ -‬في معظم الصحف‪ ،‬لكن كتابه «بين قوسين»‬ ‫ال يزيد عن سبعين ألف كلمة‪ ،‬منها ما كتبه عثمان جمعان الغامدي الذي اعتنى‬ ‫بموضوعات الكتاب‪ ،‬وس��ي��رة مؤلفه‪ ،‬وم��خ��ت��ارات م��ن مقاالته التي تشكل الجزء‬ ‫األكبر منه‪..‬‬ ‫وف��ي م��غ��ادرة رض��ا إلسبانيا قصة‪ ،‬القمامة)‪ .‬لكنه ذكر أنه يسومها بثالثة‬ ‫تتلخص في أن جاءه جاره وقال له إنه آالف دوالر‪ .‬فدهش رضا من ذلك وقد‬ ‫علِم بعودته إلى بالده‪ ،‬وإنه يرغب في أعجبه الحديث عنها فقال‪ :‬هل جننت‬ ‫شراء الجالّلة‪ .‬فظن أنه يمازحه‪(،‬فهي ي��ا رج���ل؟ أب��ي��ع ه��ذه ال��ج�لاّل��ة العتيقة‬ ‫سجادة قديمة ينوي رميها في صندوق بثالثة آالف دوالر؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪123‬‬


‫رضا محمد الري‬

‫إذاً‪ ،‬كم تطلب فيها؟‬

‫التي تصدر عن مؤسسة عكاظ ولمدة اثنتي‬

‫قال‪ :‬خمسة آالف دوالر‪.‬‬

‫عشرة سنة‪ .‬ليتسلم منصب المدير العام‬

‫قال الجار‪ :‬ما عندي سوى أربعة آالف‬ ‫دوالر‪ ،‬وإن كنت أعتقد أنها تستحق أكثر من‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫لمؤسسة عكاظ‪ ،‬وكان قاب قوسين أو أدنى‬ ‫م��ن ترشيحه ل��رئ��اس��ة تحرير ع��ك��اظ مرة‬ ‫أخ���رى‪ ،‬لكن ت��م عزله م��ن منصب المدير‬ ‫العام‪ ،‬وم��ن رئاسة تحرير سعودي جازيت‬

‫أخذ رضا المبلغ وطلب من الشغالة طيها التي ل��م تستطع منافسة غريمتها «ع��رب‬

‫وربطها جيدًا وتسليمها للجار العزيز!‬

‫عاد رضا إلى المملكة‪ ،‬وعمل كاتبا ‪-‬من‬

‫نيوز» طيلة ثالثة عقود‪.‬‬ ‫بعد ذل��ك اخ��ت��ار الكتابة ال��ح��رة‪ ،‬فكتب‬

‫منزله‪ -‬في عكاظ مع صديقه وقريبه علي ف��ي ج��ري��دة ال��ش��رق األوس���ط وف��ي الحياة‪،‬‬ ‫حسين شبكشي‪ .‬وم��ا أن استقال عبداهلل وال��ري��اض‪ ،‬وال��ج��زي��رة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬وال��ن��دوة‪،‬‬ ‫الجفري رئيس التحرير غير المثبت حتى وال��ب�لاد‪ ،‬وال��ي��وم‪ ،‬ما ع��دا عكاظ‪ .‬والمعنى‬ ‫عين رض��ا رئيسا خلفا ل��ه‪ .‬واس��ت��م��ر في في بطن الشاعر‪ .‬لم يكن ليهتدي بالمأثور‪:‬‬ ‫منصبه بضع سنوات‪ ،‬تركه ليعمل بعد خمس (أحبب حبيبك هونا م��ا‪ ..‬عسى أن يكون‬

‫‪124‬‬

‫سنوات رئيسا لتحرير جريدة سعودي جازيت بغيضك ي��وم��ا م��ا‪ ،‬وأب��غ��ض بغيضك هونا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫العربية‪ .‬وم��ع ذل��ك ك��ان شخصيته مرحة‪،‬‬ ‫تترك أثرها في أفئدة الذين يجالسونه‪ .‬وقد‬ ‫كان صديقا لألمراء‪ ..‬سلطان‪ ،‬وعبدالمجيد‪،‬‬ ‫وط�لال أبناء الملك عبدالعزيز‪ ،‬حتى أن‬ ‫األمير تركي بن عبدالعزيز أعلن استعداده‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫المخططات الغربية والمؤامرات على األمة‬

‫لعالج رضا في أي مستشفى يرغب أهله‬ ‫إدخاله إليه في مرضه األخير‪.‬‬ ‫ك��ان ب���ارا ب��وال��دي��ه‪ .‬ول��م��ا اح��ت��اج وال��ده‬ ‫ل��ل��ع�لاج ف��ي ال���خ���ارج أخ����ذه ع��ل��ى كرسي‬ ‫متحرك إل��ى مجلس الملك فيصل‪ ،‬كي‬ ‫ما‪ ..‬عسى أن يكون حبيبك هونا ما)‪ .‬ولما‬ ‫ك��ان ملتزما بالكتابة في جريدة الرياض‪،‬‬ ‫فقد انزعج حين ق��ررت الجريدة تخفيض‬ ‫مكافآت الكتاب بنسبة ستين في المئة‪ .‬فما‬ ‫كان منه رغم صداقته مع رئيس تحريرها‬ ‫تركي السديري إال أن توقف عن الكتابة‬ ‫األسبوعية فيها‪.‬‬ ‫ك��ان يرحمه اهلل يكافح م��ن أج��ل لقمة‬

‫يطلب منه الموافقة على ع�لاج��ه خ��ارج‬ ‫المملكة‪ .‬وانتظر في طابور حتى وصل ومعه‬ ‫والده إلى الملك فيصل‪ .‬وكان له هيبة تهز‬ ‫األفئدة‪ ،‬وما أن شرع رضا في الكالم حتى‬ ‫أخذ أحد الحراس يشد ثوبه‪ ،‬فالتفت إليه‬ ‫وأفرغ توتره فيه قائال بصوت عال‪:‬‬ ‫أنت الملك أم فيصل؟‬ ‫ف��أش��ار الملك للحارس باالبتعاد عنه‪.‬‬

‫العيش بقلمه‪ .‬فكان يكتب بخطه الجميل ش��رح له ما يريد‪ ،‬فوافق يرحمه اهلل على‬ ‫مقاالت أسبوعية في أكثر من صحيفة‪ .‬وقد عالج والده على حساب الدولة ومعه مرافق‪.‬‬ ‫تميز بكتاباته السياسية واالجتماعية القوية‪،‬‬

‫وظل رضا بارا بوالديه حتى بعد موتهما‪..‬‬

‫وآرائ���ه الثاقبة في تناول قضايا العروبة‪ ،‬وكما ك��ان ب��ارا بوالده فقد رزق��ه اهلل ذرية‬ ‫والدفاع عن الشعب الفلسطيني‪ ،‬ومقارعة صالحة بارة به‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪125‬‬


‫شعرية البورتريه‬ ‫في رسومات الفنانة السعودية شهد الزيد‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫تراوح الفنانة التشكيلية السعودية شهد بنت سعد الزيد اهتمامها بين اللوحة‬ ‫التشكيلية التجريدية ولوحة البورتريه‪ ،‬غير أنها تمنح األولوية للنزوع الفني‬ ‫الثاني‪ ،‬لكونها تجد ذاتها في القلم ال��رص��اص‪ ،‬وتلفي تجريبيتها أكثر مع هذا‬ ‫الكائن األص��م‪ ،‬مع أن الكثيرين يعدون البورتريه من أصعب أن��واع الرسم التي‬ ‫تمتاز بتعقيداتها العتمادها على تقديم شخصية ما من خ�لال مالمح الوجه‬ ‫وقسماته في أشد تفاصيلها غورًا‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫إذ يحتاج الفنان‪ ،‬فضال عن تركيزه على الراسمة لتوصيله إلى المتلقي‪.‬‬ ‫الوجه المرسوم‪ ،‬مع التدقيق في التقاط‬ ‫‪ .1‬وجوه وشخصيات‬ ‫هذه القسمات‪ ،‬إلى التعمق في التفصيالت‬ ‫يسعى البورتريه إل��ى تقديم الصورة‬ ‫الهامشية‪ ،‬ألنها هي التي يفرغ فيها شحناته‬ ‫ولبوساته النفسية واالجتماعية والفكرية‪ ،‬الشخصية؛ بمعنى نقل م�لام��ح وسمات‬ ‫فمع الحرص على أن تكون الرسيمة أكثر الشخصية اإلنسانية وتسجيلها في دقائقها‬ ‫لفرد‬ ‫ٍ‬ ‫التصاقا بصورة الوجه المشخّ ص‪ ،‬يكون الخاصة المميزة‪ .‬وع���ادة م��ا تكون‬ ‫كذلك‪ ،‬الحرص موازيًا‪ ،‬وباألهمية نفسها‪ ،‬ما حقيقي أو متخيل‪ ،‬باستخدام مجاالت‬ ‫على أن تنزاح الرسيمة عن مجرد المطابقة الفنون التشكيلية‪ ،‬س���واء ف��ي ال��رس��م أو‬ ‫إلى الغور في ما هو أعمق‪ ،‬من تلك القسمات التصوير أو النحت أو الجرافيك‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫الظاهرة‪ ،‬ومحاولة جعلها تنطق بغير ما‬ ‫وي��م��ث��ل ال��وج��ه اإلن��س��ان��يّ بتقاسيمه‬ ‫ي��راه ال��رائ��ي ع��ن طريق ال��ب��وح وال��ت��أوي��ل‪ .‬المتنوعة والمختلفة أهم المسانيد الفنية‬ ‫ففي نهاية المطاف‪ ،‬ال بد أن تكون تلك التي شغلت اهتمام الكثير من الفنانين على‬ ‫الرسيمة‪ -‬البورتريه مرآة عاكسة لنفسية م ّر العصور‪ ،‬بحكم كونه قادرًا على التعبير‪،‬‬ ‫الباث‪ -‬الراسم‪ ،‬يصب فيها مشاعره ودفقه واإلي��ح��اء‪ ،‬وتمثيل المشاعر واللبوسات‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ،‬وأسئلته حول الحياة والوجود الشعرية؛ فهو ال��واج��ه��ة التي تمثل أكثر‬ ‫وال��واق��ع‪ ..‬بمعنى أ ّن الوجه ال يكون سوى الحواس إمعانا في الحساسية؛ فعالمات‬ ‫وسيط لتمرير خطاب مبطن تسعى الذات التوتر والقلق وال��س��رور وال��ح��زن والفرح‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وما دونها من انفعاالت متنوعة ومتضاربة كلها‬ ‫تظهر أول ما تظهر على قسمات الوجه‪ ،‬العينين‪،‬‬ ‫الحاجبين‪ ،‬الفم‪ ،‬الجبين‪ ،‬الخدين‪ ..‬وعلى الرغم‬ ‫من كون العمل على الوجه البشري يع ّد صعبا‪،‬‬ ‫لعدة مقتضيات فنية وشكلية‪ ،‬فإن تعبيريته ال‬ ‫تُضاهى‪ ،‬مقارنة بباقي المسانيد والحوامل‬ ‫والواجهات الفنية‪.‬‬ ‫ولقد استندت مجموعة األعمال التشكيلية‬ ‫ال��ت��ي قدمتها شهد ال��زي��د على محاكاة صور‬ ‫شخصية متعددة خ�لال م��راح��ل متعاقبة من‬ ‫حياتها‪ ،‬وفي وضعيات وحاالت نفسية متداخلة‬ ‫ومتقاطعة ومتعددة‪.‬‬ ‫وتهدف هذه األعمال‪ ،‬فضال عن عملية توثيق‬ ‫لحظة معينة من تاريخ هذه الشخصيات الفكرية‬ ‫والسياسية والفنية وحتى العائلية‪ ،‬إلى تدشين‬ ‫خطاب بصري يتمظهر عمليا من خالل حوامل‬ ‫ه��ذه ال��وج��وه والمالمح‪ ،‬فهي تصبّ لبوساتها‬ ‫الشعورية والشّ عرية في الوجه وتقاسيمه (القالب‬ ‫نصا حابال بالداللة‬ ‫والواجهة والمسند) فتجعله ً‬ ‫والمعنى‪.‬‬ ‫‪ .2‬الخيارات الشكلية للبورتريه لدى‬ ‫الفنانة شهد الزيد‬ ‫من المعروف في األدبيات التشكيلية العالمية‪،‬‬ ‫أن أن��م��اط التعامل م��ع ال��ب��ورت��ري��ه والرسيمة‬ ‫الخاصة ب��ه تتعدد م��ن فنان إل��ى آخ��ر‪ ،‬لكنها‬ ‫على العموم‪ ،‬تنحصر م��ن خ�لال تجربة شهد‬ ‫الزيد في شكلين أو نمطين‪ :‬البورتريه الجبهي‪،‬‬ ‫وهو تمحيص لتقاسيم الوجه فقط‪ ،‬مع إمكانية‬ ‫االستعانة بظهور الكتفين‪ ،‬وهو األكثر انتشارًا‬ ‫وح��ض��ورا بين الفنانين ال��ذي��ن يتعاطون لهذا‬ ‫الشكل التعبيري البصري‪ .‬ثم البورتريه النصفي‪،‬‬ ‫وهو تشخيص لمالمح الوجه والرقبة والكتفين‬ ‫والصدر‪ ،‬مع إمكانية ظهور اليدين‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪127‬‬


‫ولعل المتأمل ألعمال شهد الفنية ورسيماتها الشكليات والعناصر مجموع اللوحة‪ ،‬وتضفي‬ ‫في ه��ذا الخصوص‪ ،‬يالحظ اهتمامها بهذين عليها جمالية وداللة ومعنى‪.‬‬ ‫النمطين (ال��ب��ورت��ري��ه ال��ج��ب��ه��ي‪ ،‬وال��ب��ورت��ري��ه‬ ‫وعلى العموم‪ ،‬وبقراءتنا المتفحصة لألعمال‬ ‫النصفي)‪ ،‬إذ يبرز الوجه بوصفه أهم المقوالت المقصودة بالدرس‪ ،‬يمكننا تسجيل المالحظات‬ ‫األساس في اللوحة‪ -‬البورتريه‪ ،‬ومن المعروف الفنية اآلتية‪:‬‬ ‫أيضا‪ ،‬أن الوجه مفردة تشكيلية تعد أعم وأشمل‬ ‫من الصورة الشخصية لكونه يستضمرها كلها ‪ -‬تركز شهد على ح��روف الوجه وتقاسيمه‪،‬‬ ‫وت��ح��رص على نحتها ب��وض��وح‪ ،‬وكأنها هي‬ ‫بما في ذلك من مشيرات متضمنة‪ ،‬ومن تعبيرات‬ ‫المبأّرة فنيا (اللحية‪ ،‬الشارب‪ ،‬التجاعيد‪،‬‬ ‫وتلميحات هامشية يصدرها الوجه من خالل‬ ‫الشفتان‪ ،‬النظرات‪.)...‬‬ ‫تقاسيمه وإيحاءاته وحواسه‪ ،‬شديدة االنفعال‬ ‫ تن ّو ُع بين التقاط مالمح الوجوه التقليدية ذات‬‫والتفاعل مع اللحظة النفسية‪.‬‬ ‫السمات الفلكلورية أحيانا (العمامة‪ ،‬الشال‪،‬‬ ‫وإذا كانت األدبيات الفنية تتعدد من حيث‬ ‫الشارب‪ ،‬اللحية)‪ ،‬ومالمح الوجوه الحداثية‬ ‫أساليب التعبير الفني حسب اختيارات الفنان‬ ‫سواء من خالل التقليعة أو أسلوب الحالقة‬ ‫ومبادئه الفنية‪ ،‬وتبعًا لحموالته الواعية عن كل‬ ‫أو موضة اللباس‪ ،‬أو شكل الشعر‪.‬‬ ‫مفهوم أو مفردة من المفردات التشكيلية الكثيرة؛‬ ‫إذ نلفي األسلوب الطبيعي أو الواقعي‪ ،‬الخيالي أو ‪ -‬تصحبُ شهد أحيانا‪ ،‬الوجه المرسوم بشيء‬ ‫مميز يؤرخ للقصد أو الذكرى‪ ،‬مثل القلم أو‬ ‫المثالي‪ ،‬التعبيري‪ ،‬التجريدي‪ ...‬وكل أسلوب من‬ ‫الوردة‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬ ‫هذه األساليب يشكل نمطا فنيًا يتضمن مجموعة‬ ‫مركبة ومتكررة من العناصر الفنية التي يتصل ‪ -‬تتميز رسمات الفنانة التشكيلية شهد بكونها‬ ‫بعضها ببعضها اآلخر‪ ،‬ومنها‪ :‬المادة الموضوعية‬ ‫خاصا عن طريق‬ ‫ً‬ ‫ال‬ ‫تتعامل مع اإلط��ار تعام ً‬ ‫التي يتناولها الفنان‪ ،‬مفهوم الفنان عن الموضوع‪،‬‬ ‫إمالته‪ ،‬أو ت��دوي��ره‪ ،‬بمعنى أنها تشتغل في‬ ‫والشكل الفني الخاص بطريقة التنفيذ‪.‬‬ ‫إطار فارغ قاعدته إحدى الزوايا‪.‬‬ ‫وق���د س��ع��ت ش��ه��د م��ن خ�ل�ال تمثلها لهذه‬ ‫األساليب في كليتها أو جزئياتها إل��ى اعتماد‬ ‫األسلوب الطبيعي أو الواقعي؛ من خالل تقليد‬ ‫الشكل الطبيعي تقليدًا دق��ي� ًق��ا‪ ،‬مستندة في‬ ‫ذلك على مالحظة وتحليل وتسجيل التفاصيل‬ ‫الواقعية الدقيقة للصورة الشخصية‪ ،‬وكذا من‬ ‫خالل تأمل التفاصيل الواقعة في مجال اإلدراك‬ ‫البصري للفنان‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫ تعمل ال��ف��ن��ان��ة ش��ه��د ع��ل��ى إق��ح��ام ذاتيتها‬‫في قالب ال��ص��ورة الشخصية‪ ،‬وف��ي الوجه‬ ‫تحديدًا‪ ،‬فتجعله تارة قلقا‪ ،‬وت��ار ًة متفائالً‪،‬‬ ‫وتار ًة أخرى حزيناً‪ .‬وبال شك‪ ،‬فهذه المشاعر‬ ‫واألحاسيس ليست بالضرورة‪ ،‬للشخصية‬ ‫المرسومة‪ ،‬بل قد تُسكب فيها سكبًا من لدن‬ ‫الفنانة التشكيلية‪ ،‬ويصبح الوجه‪ ،‬بناء على‬ ‫نصا إبداعيًا‪ ،‬وليس رسيم ًة انعكاسية‬ ‫ذلك‪ً ،‬‬ ‫لمنظورٍ معين‪.‬‬

‫وكما هو معلوم‪ ،‬يمكن للفنانة أن تستعين‬ ‫بعناصر متعددة في لوحة أو بورتريه واحد أو ‪ -‬تجد شهد ذاتها واختياراتها الفنية في الوجوه‬ ‫عدة بورتريهات دون أن ينقص ذلك من جوهر‬ ‫البشرية التي تستلهمها من واقعها‪ ،‬وسياقها‬ ‫العمل الفني‪ ،‬بما أن األساس هو أن تثري هذه‬ ‫الثقافي المتعدد‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬االقتصادي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫والنفسي؛ إذ تشكل‪ ،‬بالنسبة إليها‪ ،‬مادة طيعة‬ ‫تستجيب‪ ،‬بشكل فعال‪ ،‬للسيولة الداللية التي‬ ‫تضخّ ها فيها الذات الباثّة للخطاب‪.‬‬ ‫ تجسد البورتريهات أيضا؛ مراحل عمرية‬‫معينة م��ن خ�لال االستناد إل��ى التجاعيد‪،‬‬ ‫والنظارات‪ ،‬ولون الشعر‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫ ال ترسم الفنانة شهد وج��وه الشخصيات‬‫البشرية فحسب‪ ،‬بل تطال تجربتها أيضا‪،‬‬ ‫وجوه بعض الحيوانات المميزة مثل الحصان‪،‬‬ ‫بحكم ال��دالل��ة المتعددة التي يحملها هذا‬ ‫ال��ك��ائ��ن ال��ع��ري��ق‪ ،‬ال��ج��واد‪ ،‬المبجل ف��ي كل‬ ‫الحضارات‪.‬‬ ‫وللذكر‪ ،‬فإ ّن الفنانة شهد تعد رسم البورتريه‬ ‫ورس��ي��م��ات ال��شّ ��خ��وص ج�����زءًا م���ن انشغالها‬ ‫بالتّجريب الفنّي‪ ،‬فهي بقدر ما تعمل على مسانيد‬ ‫أخرى مثل اللوحة التشكيلية التجريدية‪ ،‬ولوحة‬ ‫المسند‪ ،‬فهي تجرّب الرسم بالقلم الرصاص‪،‬‬ ‫مطارد ًة بذلك‪ ،‬شعاع اإلبداع لديها؛ حيثما تجلّى‪،‬‬ ‫وحيثما شاءت لها قريحتها الفنيّة المتعدّدة في‬ ‫إط��ار االنفتاح على الثقافة التشكيلية بصفة‬ ‫عامة لتخصيب التجربة وإغنائها‪ ،‬وتبتيلها بكل‬ ‫اإلمكانيات المتاحة أمامها‪ ،‬في انسجام مع‬ ‫القدرات والمؤهالت الفردية‪.‬‬ ‫أي��ض��ا‪ ،‬رص��ي��دًا ح��س� ًن��ا من‬ ‫ً‬ ‫وتمتلك ش��ه��د‬ ‫اللوحات التشكيلية‪ .‬والمالحظ أنها في هذه‬ ‫أيضا‪ ،‬ال تبتعد عن الحالة النفسية والثقافية‬ ‫لإلنسان في شتى تمظهراته وسياقاته التّاريخيّة‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬فهي تحتفل بأطياف الكائنات‬ ‫البشرية الغائمة‪ ،‬والغامضة‪ ،‬والتي تتحرك في‬ ‫مسارات وفضاءات متاهية؛ داللة على معاناتها‬ ‫وعل َقها في أحابيل الدراما الحياتية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪129‬‬


‫قصر مرسال‬ ‫في سكاكا‬ ‫‪ρρ‬ضاري احلميد‬

‫تميز أهالي مدينة سكاكا الجوف‪ ،‬على امتداد تاريخهم ببناء القصور المحاطة‬ ‫بالبساتين‪ ،‬وكانت القصور الطينية تنتشر في جميع أنحاء المدينة وشقيقتها‬ ‫األثيرة «دومة الجندل»‪.‬‬ ‫ومن هذه القصور القديمة في مدينة سكاكا‪ ،‬والتي بقيت بعيدة عن االهتمام‬ ‫الرسمي‪ ،‬قصر مرسال‪ ،‬والذي بُني كما بنيت قلعة زعبل على رأس جبل‪ ،‬متميزً ا‬ ‫عن أقرانه من القصور التي بنيت في عصره؛ إذ تتواتر القصص عن أن سبب بناء‬ ‫هذا القصر على الجبل‪ ،‬يعود إلى رغبة بانيه في مزيد من الحماية‪ ،‬بعد تعرضه‬ ‫لهجوم في قصره السابق‪ .‬ولموقعه ميزة جميلة من حيث إطاللته على المناطق‬ ‫المحيطة‪ ،‬ومراقبته للطريق والقوافل؛ ما يدل على بعد نظر بانيه‪ ،‬يرحمه اهلل‪.‬‬

‫ي��ت��ك��ون ال��ق��ص��ر م���ن ع����دد من‬ ‫الغرف‪ ،‬وقسم خاص للرجال (القهوة‬ ‫أو ال��م��ض��اف��ة)‪ ،‬وث�لاث��ة م��داخ��ل من‬ ‫الناحية الغربية‪ ،‬وما تزال آثار إيقاد‬ ‫النار ماثلة في المضافة إلى اليوم‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وق�����د ذك������رت م��ج��ل��ة ال���وس���ط‪،‬‬ ‫الصادرة عن دار وصحيفة الحياة‪،‬‬ ‫لناشرها األمير خالد بن سلطان بن‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬في عددها رقم (‪)125‬‬ ‫الصادر في ‪1994/6/20‬م الموافق‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪131‬‬


‫‪1415/1/11‬هـ وعلى الصفحات‬ ‫(‪« :)61 , 60 , 59‬إن قلعة أخرى‬ ‫تقع على إحدى الهضاب القريبة‬ ‫م��ن قلعة زع��ب��ل‪ ،‬وه��ي قصر ‪-‬‬ ‫أو قلعة ‪ -‬م��رس��ال‪ -‬أح��د أبناء‬ ‫سكاكا‪ ،‬وإن تاريخها يزيد على‬ ‫مائتي سنة مضت»‪.‬‬ ‫وق����د ت���ف���رق أب���ن���اء م��رس��ال‬ ‫صاحب القصر بين أحياء الضلع‬ ‫والشعيب وال��ل��ق��اي��ط‪ ،‬إذ يذكر‬ ‫أحفاده أن بعض أبنائه قد غادر‬ ‫القصر الذي ولد فيه قبل أكثر‬ ‫من (‪ )80‬عامًا‪ ،‬واشتروا بستانًا‬ ‫في حي اللقايط‪ ،‬وب���دأوا حياة‬ ‫جديدة هناك‪ ،‬بعد أن كثر األحفاد‬ ‫وتفرق اإلرث؛ بينما قامت بلدية‬ ‫سكاكا سابقا‪ ،‬بنزع ملكية القصر‬ ‫م��ن ورث��ت��ه ل��ص��ال��ح ش��ق ط��ري� ٍ�ق‬ ‫قبل أكثر من (‪ )40‬عاماً‪ ،‬إال أنه‬ ‫ولِحُ سْ ن الحظ‪ ،‬نجا القصر من‬ ‫الهدم‪ ،‬وبقي على حاله‪.‬‬ ‫ت��ه��دم��ت ب��ع��ض أج���زائ���ه مع‬ ‫موسم األم��ط��ار‪ ،‬وبقيت أج��زاؤه‬ ‫األخ���رى ش��اه��د ًة على أهميته‪،‬‬ ‫وحُ ��سْ ��نِ بنائه‪ ،‬واخ��ت��ي��ار موقعه‬ ‫الحصين‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫وق���د ط��ال��ب م��واط��ن��ون بضم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫مشيرين إلى تبعية آث��ار منطقة‬ ‫الجوف للهيئة العامة للسياحة‪،‬‬ ‫وكون القصر أحد اآلثار القديمة‬ ‫ف��ي ال��م��دي��ن��ة‪ ..‬وال����ذي ل��م يتم‬ ‫استغالله حتى تاريخه‪ ،‬مؤكدين‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫«القصر» إلى آثار مدينة سكاكا‪،‬‬

‫أن القصر تم نزع ملكيته من قبل‬ ‫بلدية سكاكا سابقا قبل أكثر‬ ‫من (‪ )35‬ع��ام�اً‪ ،‬وأصبح ملكي ًة‬ ‫للدولة‪ ،‬مشيرين إلى أن القصر‬ ‫قد بني على أطالل قصر قديم‪،‬‬ ‫على جبل يقع ش��رق «الضلع»‪،‬‬ ‫وهو الحي القديم لزعبل‪ ،‬وقد‬ ‫بناه أحد أعيان سكاكا في زمانه‪،‬‬ ‫وه��و م��رس��ال الضويحي‪ ،‬وذل��ك‬ ‫ق��ب��ل ن��ح��و م��ائ��ت��ي ع���ام‪ .‬وي��وف��ر‬ ‫ضم القصر للهيئة الفرصة أمام‬ ‫الباحثين لدراسة القصر وموقعه‬ ‫ب��ش��ك��ل أوس�����ع‪ ،‬وب��ض��م��ه ي���زداد‬ ‫عدد المواقع السياحية األثرية‬ ‫ال��م��ح��ي��ط��ة بالمنطقة األث��ري��ة‬ ‫بزعبل من حي الضلع والزعفرانة‬ ‫بمدينة سكاكا‪ ،‬إضافة إلى أهمية‬ ‫ترميم القصر وإعادته إلى حالته‬ ‫األصلية‪ ،‬وبناء األجزاء المهدمة‬ ‫منه‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪133‬‬


‫الكتاب ‪ :‬أطياف تراوغ الظمأ‬

‫الكتاب ‪ :‬حوراء – شعر ‪-‬‬

‫املؤلف ‪ :‬حسن العاصي‬

‫املؤلف ‪ :‬عبداهلل أحمد األسمري‬

‫الناشر ‪ :‬مؤسسة شمس للنشر واإلعالم ‪ -‬القاهرة‬

‫الناشر ‪ :‬نادي أبها األدبي‬

‫مجموعة شعرية تقع في (‪ )74‬صفحة‬

‫أرب��ع��ون قصيدة ضمتها مجموعة «أطياف‬ ‫ت���راوغ ال��ظ��م��أ» للشاعر ال��دن��م��ارك��ي م��ن أصل‬ ‫(ثمان وعشرين‬ ‫ٍ‬ ‫من القطع المتوسط‪ ،‬شملت‬ ‫فلسطيني «حسن العاصي»‪ ،‬وهي تقع في (‪)192‬‬ ‫قصيدة تنوعت ما بين الشعر العمودي وشعر‬ ‫صفحة من القطع المتوسط‪.‬‬

‫تستحق تجربة الشاعر في مجموعته هذه التفعيلة‪.‬‬

‫الخوض فيها‪ ،‬وكلما مضينا في غابته الكثيفة‬ ‫الممطرة؛ كلما أدرك��ن��ا أننا أم��ام قامة فكرية‬ ‫امتدت إلى كل نواحي حياتنا‪ ،‬ولم تنقصه الجرأة‬ ‫في طرح قضايانا س��واء الفكرية أو السياسية‬ ‫أو الفلسفية‪ ،‬وقد وظَّ ف قدرته البالغية العالية‬ ‫ودق��ة تصويره وخياله الواسع كعامل طرح رفع‬ ‫هذه القضايا أمام البصر مكللة بطوق المنطق‬ ‫وسعة البصيرة وجمال التعبير‪.‬‬

‫م��ن عناوينها‪ :‬قنديل األم���م‪ /‬وطني‪/‬‬ ‫حوراء‪ /‬لحن الوصال‪ /‬قطار الشوق‪/‬عنف‬ ‫السنين‪ /‬الطلل ال��خ��ال��ي‪ ..‬ال��ت��ي أقتطف‬ ‫منها‪..‬‬

‫هنا منجلي‪..‬‬

‫والمميز في لغة الشاعر أنها تأتي بقواميس خط في لوحتي سنبلة‪..‬‬ ‫الفلسفة المتخمة المعقدة وتجدلها بعبارة طيعة‪ /‬هنا ذكريات الطفولة مترعة‪..‬‬

‫سهلة صعبة‪ ..‬صعبة لمن وقف على الرصيف هرعت‪..‬‬ ‫ولم يعبر نهر النثرية وسلواه‪ ،‬سهلة لمن بلل أكفه‬

‫بأجنة الخالص وحاز على بذرة المعنى الصغيرة تلفت حولي‪..‬‬ ‫«الشاسعة»‪ .‬وتلك لغة المستقبل؛ اللغة التي غريب هنا‪..‬‬ ‫تقول الدهر بعبارة‪ ..‬اللغة التي تفصل المارين‬

‫‪134‬‬

‫عن الماضيين عن الباقيين‪ ..‬اللغة التي تنتقي وغريب هناك‪..‬‬ ‫سأشطب من لوحتي هذا الغريب‪..‬‬ ‫وتفاضل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫املؤلف ‪ :‬شريفة عبدالرزاق املرهق‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬حسني املناصرة‬

‫الناشر ‪ :‬نادي اجلوف األدبي‬

‫الناشر ‪ :‬مؤسسة شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة‬

‫مجموعة قصصية تنوعت فيها الشخوص‬

‫صدر للقاص الفلسطيني «حسين المناصرة»‬ ‫مجموعة قصص قصيرة ج���دًا بعنوان «سيد‬ ‫المفاتيح»‪ ،‬وهي المجموعة القصصية السابعة‬ ‫للمؤلف‪ ،‬والثالثة في مستوى القصة القصيرة‬ ‫جدًا‪ ،‬بعد مجموعتيه‪« :‬الليلة الشاردة ال��واردة»‬ ‫عام ‪1999‬م‪ ،‬و«التنفس حلمًا» عام ‪2009‬م‪.‬‬

‫راوح���ت أح���داث المجموعة بين العالقات‬

‫تقع المجموعة في (‪ )128‬صفحة من القطع‬ ‫المتوسط‪ ،‬وتضم مئة قصة قصيرة جدًا‪ ،‬تعبِّر‬ ‫عن واق��ع م��أزوم بالنفاق‪ ،‬والظلم‪ ،‬والتشرذم‪،‬‬ ‫والعنصرية‪ ،‬والصراع‪ ...‬وتجيء بعض القصص‬ ‫كأنها لعنة تالحق آخرين يتسلقون جدران الوعي‬ ‫والثقافة واإلن��س��ان��ي��ة‪ ،‬وه��ي تبرأ منهم؛ ألنهم‬ ‫يمتلكون مفاتيح الشر‪ ،‬والقمع‪ ،‬والمؤامرة‪ ،‬وكل‬ ‫ما هو شيطاني أفعواني‪ .‬كان اإليقاع الرمزي‬ ‫سمة مهيمنة على قصص المجموعة؛ بدءًا من‬ ‫اإله��داء ال��ذي وجهه «حسين المناصرة» (إلى‬ ‫«رجل» حقود حسود لئيم غدار‪ ..‬لن ينفعه ترميم‬ ‫قلبه األسود يومًا ما!! وإلى «ام��رأة» تمتلك س َّم‬ ‫األف��اع��ي‪ ،‬وقلب الذئاب المسعورة‪ ..‬إل��ى سيد‬ ‫المفاتيح‪ ،‬والمرأة األفعى‪.)!.‬‬

‫واألحداث واألمكنة‪ ،‬استقت المؤلفة مادتها من‬ ‫واقع الحياة وجزئياتها المعاشة‪ ،‬ووضعت فيها‬

‫عصارة تجربة حياتية ليست بالطويلة‪ ..‬لكنها‬

‫ثرية تنم عن تجربة علمية ومطالعة دائبة‪..‬‬

‫األسرية واالجتماعية‪ ..‬وما يتخللها من تفاصيل‬

‫يومية تكتنفها األفراح واألتراح‪ ،‬والنجاح واإلخفاق‬ ‫وال��وف��اء واإلن��ك��ار‪ ..‬والمتأمل ف��ي حيثياتها‪..‬‬

‫والمتعمق في مجرياتها يلحَ ظُ مالمستها للواقع‬

‫في كثير من جوانبها الفنية واألدبية‪ ..‬وقد تكون‬ ‫إضافة جديدة على أدب القصة السعودية الذي‬ ‫يشهد تطورا ملحوظا في جودة الطرح وحسن‬

‫السبك وروعة التقديم‪..‬‬

‫تقع المجموعة‪ ،‬وه��ي األول���ى للقاصة في‬

‫(‪ )110‬صفحات من القطع المتوسط‪ ،‬وتشتمل‬ ‫من قصص المجموعة‪ :‬أوالد الحرام ‪ -‬بيضة‬ ‫على تسع عشرة قصة‪ ،‬من عناوينها‪ :‬عذرا إنه‬ ‫الديك ‪ -‬التغريدة ‪ -‬برلين أو الرياض – ناقد‪-‬‬ ‫ليس ذنبي‪ /‬أمل‪ /‬طوق الياسمين‪ /‬صرخ الجرح أم أرب��ع وأربعين ‪ -‬وصمة عار ‪ -‬حالة زواج ‪-‬‬ ‫بكبرياء ‪ -‬الذي جاء عنوانا لهذه المجموعة‪.‬‬ ‫وطواط ‪ -‬النذل والطاووس‪...‬إلخ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬وصرخ اجلرح بكبرياء‪-‬قصص‪-‬‬

‫الكتاب ‪ :‬سيد املفاتيح‬

‫‪135‬‬


‫لطيفة السديري‬

‫والتعليم النسوي بالجوف*‬ ‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫َفقَد التعليم النسوي بالمملكة في األسبوع‬ ‫الماضي رائ��دة كبيرة من رواد التعليم النسوي‬ ‫األس���ت���اذة لطيفة ب��ن��ت ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد‬ ‫ال��س��دي��ري ال��ت��ي انتقلت إل��ى رح��م��ة اهلل تعالى‬ ‫بعد سنوات طويلة من العمل ال��ري��ادي التربوي‬ ‫والتعليمي وال��دع��م الحثيث للمسيرة التعليمية‬ ‫النسوية في منطقة الجوف‪.‬‬

‫وق���د عُ����رِ ف عن‬ ‫ال����س����ي����دة ل��ط��ي��ف��ة‬ ‫السديري اهتمامها‬ ‫بالعملية التعليمية‬ ‫وال���ت���رب���وي���ة بشكل‬ ‫دق������ي������ق‪ ،‬وك����ان����ت‬ ‫ت����ول����ي األن���ش���ط���ة‬ ‫الالمنهجية اهتماماً‬ ‫بالغاً وتشجع على إقامة المسابقات الثقافية بين‬ ‫المدارس وتحضرها بنفسها وتشارك فيها‪.‬‬

‫ففي مطلع الستينيات الميالدية‪ ،‬وم��ع بدء‬ ‫انتشار تعليم البنات بالمملكة‪ ،‬كان أهالي منطقة‬ ‫الجوف بين متحمس لتعليم بناته لدرجة تسجيلهن‬ ‫وم��ع��روف عنها أي��ض�اً رحمها اهلل اهتمامها‬ ‫في مدارس البنين لعدم وجود مدارس للبنات في‬ ‫المنطقة آن��ذاك وبين مرتاب ومتردد إزاء فكرة بالبيئة المدرسية‪ ،‬فكانت تحرص على سالمة‬ ‫المباني ونظافتها وتوفير كل ما يمكن توفيره من‬ ‫تعليم البنات من أساسها‪.‬‬ ‫إمكانيات بالرغم من ضعف ميزانيات التعليم في‬ ‫ولكي ال يفوت قطار التعليم على بعض البنات ذلك الوقت‪ .‬وهناك الكثير من القصص والمواقف‬ ‫ال�لات��ي ك��ان��ت أس��ره��ن م��ت��رددة ف��ي تسجيلهن ال��ت��ي ترويها الطالبات والمعلمات ع��ن حرص‬ ‫بالمدرسة التي تم افتتاحها بعد ط��ول انتظار‪ ،‬األستاذة لطيفة على البيئة المدرسية سواء البيئة‬ ‫بادر األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه المادية أو البيئة التعليمية والتربوية‪.‬‬ ‫اهلل الذي كان أميراً للمنطقة في ذلك الوقت إلى‬ ‫وح��ت��ى ع��ن��دم��ا ت��رك��ت موقعها ال��رس��م��ي في‬ ‫تسجيل ابنتيه حصة ولطيفة‪.‬‬ ‫الوظيفية التعليمية الحكومية‪ ،‬ظل اهتمامها بتعليم‬ ‫وتقول األستاذة لطيفة رحمها اهلل في ذكرياتها البنات مستمراً من خالل مدارس البنات الخاصة‬ ‫عن تلك الفترة إن مبادرة والدها لتسجيل بناته التابعة لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫كانت بهدف «أن يكُن القدوة لبنات الجوف في بالجوف التي مارست اإلش��راف عليها ومتابعة‬ ‫العمل بالمدرسة والقيام بعملية التسجيل‪ ،‬فكان أدائها وأنشطتها حتى آخر أيام حياتها‪.‬‬ ‫ش��ي��وع الخبر مبعثاً للثقة ف��ي ن��ف��وس األم��ه��ات‬ ‫لقد أخلصت لطيفة السديري للعمل التربوي‬ ‫واألسر‪ ،‬وحافزاً لألسر إلدخال بناتهن»‪.‬‬ ‫النسوي وتشجيع الفتاة الجوفية على االنخراط‬ ‫وبعد افتتاح ال��م��درس��ة األول���ى للبنات بحي في ال��دراس��ة كطالبة وممارسة العمل التربوي‬ ‫المطر بسكاكا‪ ،‬التحقت لطيفة السديري بالعمل والتعليمي كمعلمة‪ ،‬كما دعمت األنشطة الثقافية‬ ‫ب��ه��ا‪ ،‬وت��ول��ت شقيقتها األس���ت���اذة ح��ص��ة إدارة النسوية التي كانت تقدمها دار العلوم بالجوف‬ ‫المدرسة‪ ،‬واستمرت لطيفة في ممارسة العمل التابعة لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫التربوي والتعليمي عبر مواقع متعددة في السلك‬ ‫نسأل اهلل ان يتغمد التربوية الرائدة األستاذة‬ ‫التعليمي حتى أصبحت مديرة لمكتب اإلشراف لطيفة بنت عبدالرحمن السديري برحمته جزاء ما‬ ‫التربوي النسوي‪.‬‬ ‫قدمته لمجتمعها ووطنها وأن يسكنها فسيح جناته‪.‬‬ ‫ * مقال نشر في صحيفة الجزيرة العدد ‪ - 16172‬السبت ‪1438/3/9‬هـ (‪2017/1/7‬م)‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.