الجوبة 55 Aljoubah Magazine

Page 1

‫السؤال اجلمالي‬ ‫والنصوص الغائبة يف رواية‬ ‫«صورة وإناء يف املزاد»‬ ‫النص املترابط‪..‬‬ ‫نحو نظرية أدبية رقمية‬ ‫حوار مع د‪ .‬سعد البازعي‬ ‫الروائي وشخصياته َمن‬ ‫يقود اآلخر؟‬

‫‪55‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز‬ ‫البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2817094 :‬فاكس‪011 2811357 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬م�شاعل بنت عبدالمح�سن ال�سديري ‬

‫املشرف العام‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫أسرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫�سكرترياً ‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً ‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫�إخـــراج فني‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫قواعد النشر‬

‫املراســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 55‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪93.............................‬‬ ‫حوار مع د‪ .‬سعد البازعي ‪..‬‬ ‫حاورته هدى الدغفق‬

‫‪107............................‬‬ ‫سيرة وإجناز‪:‬‬ ‫زياد بن عبدالكرمي السالم‬

‫‪88........................‬‬ ‫مترجمة برلني‪:‬‬ ‫كاتي ديربيشر‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪ ..‬إبراهيم الحميد ‪4 ...............................................‬‬ ‫دراسات‪ :‬قراءة في كتاب الجوف‪ ..‬وادي النُفاخ ‪ -‬آيات عفيفي ‪6 ...........‬‬ ‫السؤال الجمالي والنصوص الغائبة في رواية «صورة وإناء في المزاد» ‪-‬‬ ‫د‪ .‬هويدا صالح‪15 .........................................................‬‬ ‫في أن يكون للعشق خطاب ولسان ‪ -‬عبدالقادر القلسي‪21 .................‬‬ ‫النص المترابط المفهوم‪ /‬الصيرورة‪ /‬المقاصد نحو نظرية أدبية رقمية‬ ‫ د‪ .‬سعاد مسكين‪26 ......................................................‬‬‫«ال تجرح الماء»‪ ...‬شعرية البحث عن كينونة جمالية وإنسانية بديلة ‪-‬‬ ‫إبراهيم الحجري ‪31 .......................................................‬‬ ‫عاهل الجزيرة في وادي النيل‪ ..‬قصيدة مجهولة لمحمود حسن إسماعيل‬ ‫ مصطفى يعقوب‪37 ......................................................‬‬‫عندما يتحول الموت نغما للحياة! ‪ -‬نجاة الزباير‪42 ........................‬‬ ‫في مديح الكتابة ‪ -‬هشام بنشاوي‪47 ........................................‬‬ ‫أنفاس الغرقى ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬نصوص قصيرة زِ يٌّ برتقاليّ تب ّق ُع ُه‬ ‫عبداهلل السفر ‪50 ............................................................‬‬ ‫الذي اختفى داخل قميصه ‪ -‬وفاء الحربي‪52 ...............................‬‬ ‫لحظة شك ‪ -‬مشاري محمد ‪53 .............................................‬‬ ‫صورة ‪ -‬حليمة الفرجي ‪54 ..................................................‬‬ ‫الرجل صاحب أكبر مُخَ يلة! ‪ -‬أميرة الوصيف ‪55 ...........................‬‬ ‫طابور في مدينة الشمع! ‪ -‬أحمد طوسون ‪57 ...............................‬‬ ‫(يحيى) ‪ -‬رجاء عبدالحكيم الفولى ‪59 ......................................‬‬ ‫طاقات مؤجلة ‪ -‬فهد المصبّح‪60 ............................................‬‬ ‫طفول ٌة منسوجة بنبوءة الجد‪ - ..‬ماجد سليمان‪63 ..........................‬‬ ‫شعر‪ :‬جوارب معلقة على شتاء القلب ‪ -‬نـوّارة لـحـرش‪64 .....................‬‬ ‫سيـِّــــــــ ُد الدَّ هْ ــــــرِ ‪ -‬نجاة خيري‪65 ..........................................‬‬ ‫وكنتُ العطشى ‪ -‬مالك الخالدي‪66 .........................................‬‬ ‫إلـهــي ‪ -‬مجد السريحين ‪68 .................................................‬‬ ‫آ َن األوانُ‪ - ...‬محمود الرمحي‪69 ...........................................‬‬ ‫األمل عشب اصطناعي ‪ -‬عبدالوهاب الملوح‪70 ............................‬‬ ‫قصيدتان ‪ -‬مها العتيبي ‪73 ..................................................‬‬ ‫بعد رحيلي ‪ -‬ميسون طه النوباني‪76 ........................................‬‬ ‫من أنجي ِلهَا‪ - !..‬نويّر بنت مطلق العتيبي‪78 .................................‬‬ ‫عندما تـنهد البدر ‪ -‬نجاة الماجد‪81 ........................................‬‬ ‫الجـــــــــوف ‪ -‬حنان فرحان الريس‪82 ........................................‬‬ ‫النخيل يختلي بالشوق وناي الغروب ‪ -‬أحمد تمساح‪83 .....................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬العـــاجز‪ ..‬قصة للكاتب الفرنسي‪ :‬غي دي موباسان ‪ -‬ترجمة‪:‬‬ ‫ياسمينة صالح ‪84 ............................................................‬‬ ‫مترجمة برلين‪ :‬كاتي ديربيشر ‪ -‬ترجمة وتحرير‪ :‬تركية العمري ‪88 ........‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع د‪ .‬سعد البازعي ‪ -‬حاورته‪ :‬هدى الدغفق‏ ‪93 ..........‬‬ ‫الشاعر خليف الغالب ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‪102 ............................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬زياد بن عبدالكريم السالم‪107 ..................................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الروائي وشخصياته من يقود اآلخر؟ ‪-‬عبداهلل الزماي‪109 ............‬‬ ‫فنون الرياضيات‪ :‬من الشريط إلى الزجاجة ‪ -‬د‪ .‬أبو بكر سعد اهلل ‪116 ....‬‬ ‫مهرجان (الجنادرية) في دورته الحادية والثالثين ‪ -‬ضاري الحميد‪122 .....‬‬ ‫قراءات‪135 .................................................................... :‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة من الورشة الفنية لبنات من الجوف ‪ -‬لجنة التنمية االجتماعية ‪ -‬بالتعاون مع‬ ‫جمعية الثقافة والفنون بالجوف‪.‬‬


‫افتتاحية‬ ‫ال�����ع�����دد‬ ‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫اختتمت مؤخرا دورة مهرجان الجنادرية الحادية والثالثون‪ ،‬هذا المهرجان الوطني‬ ‫للتراث والثقافة‪ ،‬والذي تضيء شعلته وزارة الحرس الوطني منذ تأسيسه قبل ثالثة‬ ‫وثالثين عاما‪ ،‬على يد الملك الراحل عبداهلل بن عبدالعزيز رحمه اهلل‪ ،‬ورعاية واهتمام‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه اهلل‪ ،‬وإدارة وتوجيه األمير‬ ‫متعب بن عبداهلل بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطني‪ ،‬عاشت خالله العاصمة الرياض‬ ‫وجميع مناطق المملكة واقع انفعاالت جمالية‪ ..‬يتمازج فيها الفن والتراث واللغة والثقافة‬ ‫ال ببحور الشعر والقصيد والنثر واإليقاع‪.‬‬ ‫والوطن والتاريخ معًا؛ لتشكل أفقًا محم ً‬ ‫مهرجان الجنادرية‪ ،‬مهرجان كبير في اسمه وفي موضوعه‪ ،‬تقوم به وزارة واحدة هي‬ ‫وزارة الحرس الوطني‪ ،‬رغم مشاركة كافة الجهات الفاعلة‪ ،‬إال إن وزارة الحرس الوطني‬ ‫تبقى الجهة التي تعطي المهرجان حياته وبقاءه‪.‬‬ ‫بعيدًا عن السياسة وقريبًا منها‪ ..‬وفي قلب الثقافة واألدب‪ ،‬تنداح ليالي الجنادرية‬ ‫تؤتي ثمارها‪ ،‬وتنشر عبق جمالها بحب الوطن وشموخه‪ ،‬في الحوارات الجانبية‪ ،‬وفي‬ ‫ليالي المهرجان‪ ،‬وفي ممرات القرية واألسواق التي يضجّ بها المهرجان‪.‬‬ ‫مهرجان الجنادرية كان كما أراده له مؤسسة الملك عبداهلل بن عبدالعزيز رحمه‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫اهلل‪ ،‬مهرجانًا وطنيًا يتجدد كل عام إبداعً ا وجماالً‪ ،‬يقدم أجمل اللوحات التي تجدد‬ ‫حضور ثقافات الوطن وجمالياتها‪ ،‬ويبرز الثقافة بشكلها الشامل محلياً وعربياً وإسالمياً‪،‬‬ ‫وللمهرجان والقائمين عليه أن يفخروا بتقديم إبداعاتهم وقدراتهم التنظيمية‪ ،‬وباألشواط‬ ‫الماراثونية التي عبروا بها واحدا وثالثين موسمًا من العمل واالجتهاد‪ ،‬لبناء هرم الجنادرية‬ ‫الذي يتجذر ويزيد أصالة وثقة مع كل دورة من دوراته المتعاقبة‪.‬‬ ‫عندما يستضيف المهرجان نخبة من أهل االختصاص من داخل المملكة وخارجها‪،‬‬ ‫إضافة إلى الدولة الضيفة‪ ،‬والضيوف من العلماء والمفكرين من دول إسالمية عزيزة‪..‬‬ ‫فإنه يؤكد على توسع آفاقه وتعددها‪ ..‬حتى بات مهرجانا يشار إليه دوليا كأبرز النشاطات‬ ‫الثقافية في المملكة والعالم العربي‪ ،‬إضافة إل��ى تأكيد مرجعية المملكة العربية‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬واهتمامها بمواطنيها وأشقائها العرب والمسلمين‪.‬‬ ‫وعندما نشاهد بعض المناسبات الثقافية التي باتت مناسبات يومية في دول شقيقة‬ ‫أو بعيدة‪ ،‬فإننا نطمح إلى أن يعيش مواطنونا حياة كهذه‪ ،‬خاصة وأن تجربة مهرجان‬ ‫الجنادرية سبقت العديد من الدول في مهرجاناتها ويومياتها الثقافية؛ ما يجعل من‬ ‫توسيع دائرة الجنادرية لتصبح مهرجانا يمكن أن يعاش طوال العام‪ ،‬ليكون رائدا في‬ ‫استقطاب الوجهات السياحية‪ ،‬خاصة مع الخبرات التراكمية التي بنتها وزارة الحرس‬ ‫الوطني الغراء‪ ،‬والصورة البهية الجميلة التي طبع بها المهرجان‪.‬‬ ‫مهرجان الجنادرية بتاريخه وقوته مهرجان إنساني محلي عالمي‪ ،‬يمكن أن يتم تقديمه‬ ‫إلى كل الدنيا كأجمل ما يكون المهرجان‪ ،‬سفيرا لوطننا إلى النجوم‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬وارتباطاً مع رؤية المملكة ‪ ،2030‬ليس جديدا أن نرى مهرجان الجنادرية بات‬ ‫يشكل ظاهرة وطنية تستحق أن تدعم وتقدر‪ ،‬وأن تتكرر في مناطق المملكة األخرى من‬ ‫خالل إقامة مهرجانات مماثلة برعاية الدولة‪ ،‬تكون لها مواعيد ثابتة‪ ،‬إضافة إلى ما يمكن‬ ‫أن تقوم به جهات أخرى كوزارة الثقافة‪ ،‬وهيئة الترفيه‪ ،‬من مهرجانات وفعاليات ومدن‬ ‫ثقافية وترفيهية‪ ،‬بما يمكن البناء عليه من تجارب كتجربة الجنادرية‪ ،‬أو سوق عكاظ‪ ،‬أو‬ ‫مهرجان أسبوع الجوف الثقافي الذي كان مركز األمير عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫يقيمه بنجاح وإبداع قبل سنوات بالجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪5‬‬


‫قراءة في كتاب‬

‫الجوف – وادي ُ‬ ‫النفاخ‬ ‫لألمير عبدالرحمن بن أحمد بن محمد السديري‬ ‫‪ρρ‬آيات عبدالقادر عفيفي*‬

‫نظرً ا لما نالته منطقة الجوف من أهمية كبيرة في دراسة تاريخ الشرق األدنى‬ ‫القديم وشبه الجزيرة العربية‪ ،‬بوجه ع��ام‪ ،‬وتاريخ المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫ب��وج��ه خ���اص؛ ف��إن ال��م��ح��اوالت ال��ج��ادة الك��ت��ش��اف ت��اري��خ المنطقة عبر العصور‬ ‫المختلفة قد بدأت بالفعل منذ عدة عقود سابقة‪ .‬تلك المحاوالت – فردية كانت‬ ‫أم مؤسسية – جاءت نتيجة إما لشغف بعض الباحثين‪ ،‬خاصة من أبناء الجوف‬ ‫الكتشاف وتتبع تاريخ موطنهم منذ العصور القديمة حتى وقتنا الحاضر‪ ،‬أو لما‬ ‫تتمتُ ع به منطقة الجوف فعليًا بالكثير من الدالئل الوثائقية واألثرية التى تثبت‬ ‫الوجود اإلنساني بها منذ عصور سحيقة؛ فعلى سبيل المثال‪ ،‬تم تحديد الوجود‬ ‫ال��ح��ض��اري والحقبة األث��ري��ة األول���ى م��ن ت��اري��خ ال��ج��وف ال���ذي ي��ع��ود إل��ى العصر‬ ‫الحجري القديم األدنى فى “منطقة الشويحطية” بشرق مدينة سكاكا(‪.)1‬‬

‫‪6‬‬

‫يعد كتاب «الجوف – وادي النفاخ»‬ ‫لمؤلفه األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫ابن محمد السديري من أهم المصادر‬ ‫ال��ف��ري��دة ع��ن منطقة ال���ج���وف‪ ،‬فقد‬ ‫قدم دراس��ة تتبع فيها تاريخ المنطقة‬ ‫منذ العصور القديمة وحتى التاريخ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫المعاصر‪ .‬ورغم قلة المصادر والوثائق‬ ‫العربية المرتبطة بتلك الفترات‪ ،‬إال‬ ‫إن ال��م��ؤل��ف اعتمد على ال��ع��دي��د من‬ ‫ال��م��ص��ادر األج��ن��ب��ي��ة‪ ،‬م��ن أج���ل إت��م��ام‬ ‫تلك الفكرة وإخراجها إلى دائرة النور‪.‬‬ ‫وق��د ب��ذل الجهد والوقت وكُلف فريق‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫عمل يضم نخبة من أبناء منطقة الجوف لما تمتع به من قبول لدى القراء بشكل عام‬ ‫والعاملين فيها‪ ،‬للحصول على ما تيسر من والباحثين المتخصصين على حد س��واء‪،‬‬ ‫المصادر داخل المنطقة العربية واإلسالمية فقد ص��درت الطبعة الثانية المنقَّحة عام‬ ‫وخ��ارج��ه��ا‪ ..‬إض��اف��ة إل��ى أوروب���ا وأمريكا‪1426( ،‬هـ‪2005/‬م)‪ ،‬كما تم ترجمة الكتاب إلى‬ ‫وذلك تحت رعاية ودعم مركز عبدالرحمن اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وتولت نشره دار «استاسى‬ ‫السديري الثقافي‪ .‬صدرت الطبعة األولى انترناشيونال‬

‫‪Stacey International« ‬‬

‫للنشر‬

‫من الكتاب عام (‪1407‬ه���ـ‪1986/‬م)‪ .‬ونظرًا بلندن تحت عنوان‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪7‬‬


‫«‪The Desert Frontier of Arabia (Al-‬‬ ‫‪»Jawf) Through the Ages‬‬

‫الكبير على العناية بضيفهم‪ ،‬كما هي صفة‬ ‫العرب‪ .‬ونظرًا لروعة مثل هذا التراث‪ ،‬ما‬

‫وفيما يلى استعراض لما جاء في محتويات كان أجمل وضعه عنوانًا لهذا الكتاب»(‪.)2‬‬

‫الكتاب من خالل ق��راءة بانورامية‪ ،‬نبدأها‬

‫يتألف الكتاب من ثمانية فصول‪ ..‬حاول‬

‫بعنوان الكتاب‪ .‬وقد وقع اختيار المؤلف على المؤلف من خالل الفصول الستة األولى أن‬ ‫عنوان قد يبدو مباشراً‪ ،‬وهو «الجوف ‪ -‬وادي يستعرض تاريخ منطقة الجوف – فى ظل‬ ‫النُفاخ»‪ .‬فقد يتوقع أحد القراء ممن ال يعرف الوثائق واآلث��ار والكتابات المتاحة – منذ‬ ‫الكثير عن واحة الجوف وتراثها‪ ،‬أن «وادي عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬حتى تاريخ تأسيس‬

‫النُفاخ» ربما يكون أحد األماكن أو المواقع ال��دول��ة السعودية األول���ى‪ ،‬وكذلك التاريخ‬ ‫داخل واحة الجوف‪ ،‬ولكن جمال رمزية هذا الحديث لمنطقة الجوف من خالل كتابات‬ ‫العنوان يكمن فى استخدامه للتعبير عن الرحالة األوروبيين الذين وفدوا إلى الجوف‬ ‫إحدى شيم أهل الجوف التى عرفها تراث خالل الفترة (من ‪1845‬م ‪1922 -‬م) ‪ .‬إضافة‬

‫المنطقة‪ ،‬أال وهى «ال َكرَم»! فعلى ح ِّد قول إل��ى ذل��ك‪ ،‬فقد تطرق فى الفصل السابع‬ ‫المؤلف ً‬ ‫نصا فى توضيحه لسبب اختياره إل��ى طبيعة سكان أه��ل ال��ج��وف وسماتهم‬

‫مثل هذا العنوان‪« :‬لقد عُرِ فت بادية شمال وعاداتهم‪ ،‬ثم اختتم مؤلَفه بالفصل الثامن‬ ‫الجزيرة العربية الجوف باسم «وادي النُفاخ» الذي احتوى على مالمح النهضة الحديثة‬

‫‪8‬‬

‫بسبب ش��دة ك��رم أه��ل ال��ج��وف‪ ،‬وحرصهم في الجوف‪ ،‬من مؤسسات خدمية حكومية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اس��تُ��هِّ��ل ال��ك��ت��اب بالفصل األول ال��ذى ال��ج��وف‪ -‬سكاكا»‪ ،‬وال��ذي عُ��دَّ أق��دم موقع‬ ‫استعرض فيه مقدمة تفصيلية تاريخية أثري فى المملكة العربية السعودية‪ ،‬والذي‬ ‫وج��غ��راف��ي��ة مهمة ع��ن ال��ج��وف وتاريخها يعود إلى «العصر الحجري القديم األسفل‬ ‫القديم وطوبوغرافيتها ومناخها‪ ،‬وكذلك «‪ .)3( Lower Paleolithic‬والحقًا‪ ،‬تم جمع‬ ‫موقعها المتميز كإحدى أشهر الواحات فى (‪ )1884‬عينة من األدوات المختلفة الشكل‬ ‫الحدود الشمالية لصحراء النفود‪ ،‬كونها وال��خ��ام��ة م��ن ستة عشر موقعاً أث��ري��اً في‬ ‫وقعت داخل مسار طرق تجارية مهمة‪ ،‬سواء المنطقة‪ ،‬بما فيها موقع الشويحطية‪ ،‬تلك‬ ‫بين الشرق والغرب من جانب‪ ،‬أو فيما بين اللقى ت��� ّد َّر َج تأريخ بعضها ما بين العصر‬ ‫الشمال والجنوب من جانب آخر؛ ما جعلها الحجري القديم األسفل واألوس���ط‪ ،‬بينما‬ ‫من أكثر المناطق استيطانًا لفترات تاريخية لم يعثر على أدلة استيطان تعود للعصرين‬ ‫طويلة عبر عصور مختلفة‪ ،‬وم��ن ثَ�� َّم كيف «الحجري القديم األعلى‪ ،‬وما قبل الحجري»‪.‬‬ ‫أصبحت الجوف الطريق المفضل إلى قلب كما أضاف المؤلف أنه عُثر على منشآت ذات‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬كما أنها باتت شريكًا مهماً أنماط مختلفة‪ ،‬وما يزال الجدل قائمًا حول‬ ‫في الحركة التجارية اآلسيوية‪-‬األفريقية‪ ،‬طبيعة استخدامها‪ .‬بعضها قد أ َِطلق عليها‬ ‫اسم «الدوائر الحجرية» والتي يعود تاريخها‬ ‫واآلسيوية‪-‬اآلسيوية‪.‬‬ ‫إلى العصر النحاسي‪ ،‬والبعض اآلخر سُ مي‬ ‫ثم تم تقسيم تاريخ واحة الجوف‪ ،‬وفقًا‬ ‫«بالرجوم الصخرية» بالقرب من قرية «كاف»‬ ‫لتسلسل ت��ت��اب��ع��ى ت��اري��خ��ي ع��ب��ر العصور‬ ‫والتي أرخت بالعصر الحديدي(‪ .)4‬ثم أشار‬ ‫المختلفة‪ ،‬فجاء الفصل الثاني للحديث‬ ‫إلى موقع «الرجاجيل» الواقع في الجنوب‬ ‫ع���ن ت���اري���خ ال���ج���وف ف���ى ع��ص��ور م���ا قبل‬ ‫الشرقي من سكاكا‪ ،‬والذي يُعد شاهدًا على‬ ‫التاريخ‪ ،‬فوثّق تاريخ بداية إج��راء أعمال‬ ‫االستيطان اإلنساني ف��ي منطقة الجوف‬ ‫المسح األث��ري فى منطقة الجوف‪ ،‬والذي‬ ‫خالل العصر البرونزي‪ ،‬وال��ذي أرخ – عن‬ ‫ك��ان في (‪1396‬ه�����ـ‪1976/‬م)‪ ،‬ثم تلته عدة‬ ‫مهام استكشافية أخرى فى سنوات الحقة‪ ،‬طريق موقع مشابه في انجلترا ‪ -‬بنهاية‬ ‫وك��ي��ف أس��ه��م��ت ت��ل��ك ال��خ��ط��وة وم���ا ترتب األل��ف ال��راب��ع��ة وب��داي��ة األل��ف الثالثة قبل‬ ‫��دد من الميالد‪.‬‬ ‫عليها من دراس���ات في اكتشاف ع ٍ‬ ‫وقد أش��ار المؤلف إلى غموض الحقبة‬ ‫المواقع األثرية المهمة‪ ..‬وما احتوت عليه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وخ��اص��ة ف��ى مختلف ال��م��ج��االت ومناحي من لُقى أثرية ك��ان لها الفضل فى تأريخ‬ ‫الحياة المتعددة المرتبطة بالتعامل اليومي تلك ال��م��واق��ع المكتَشفة‪ .‬ك��ان م��ن أهمها‬ ‫مع كل من يعيش على أرض منطقة الجوف‪ .‬موقع «الشويحطية» الواقع شمالي «حوض‬

‫‪9‬‬


‫التالية من تاريخ الجوف‪ ،‬والتي لم يعثر على ال��وث��ائ��ق واألدل����ة األث��ري��ة ال��خ��اص��ة ببعض‬ ‫أدلة أثرية لها‪ ..‬وقد أحدثت فجوة عميقة الفترات الزمنية من تاريخ منطقة الجوف‪،‬‬ ‫فى تاريخ المنطقة خالل األلف الثانية ق‪.‬م‪ .‬فقد استكمل الفصل بتناول تاريخ الجوف في‬ ‫والتي خمَّ َن بعض المتخصصين أنها تزامنت الفترة ما بين (القرن الثالث والقرن الخامس‬ ‫مع بداية ظهور اإلبل المستأنسة فى منطقة الميالديين) وعودة ظهور الجوف في بعض‬ ‫«هضبة ال��ج��وف‪-‬س��ك��اك��ا» وال��ت��ي صاحبها الكتابات التاريخية مرة أخرى‪ ،‬عندما تمت‬ ‫الوجود األوَّلي للبدو فى منطقة الجوف‪.‬‬ ‫اإلش��ارة إلى دومة الجندل فى عهد الملكة‬

‫وق��د اختتم الفصل ب��س��رد س��ري��ع حول «زن��وب��ي��ا»‪ ،‬وكيف أن تحصين قلعتها وقف‬ ‫وجود بعض اللقى األثرية فى أجزاء متفرقة عائقًا أمام جيش الملكة من اقتحامها‪ .‬ثم‬ ‫من منطقة الجوف‪ ،‬والتي تعود لحضارات ظهور اسم المدينة مرة أخرى عندما سيطر‬ ‫مختلفة مثل الحضارة اآلشورية والنبطية عليها الملك العربى «امرؤ القيس» الذى كان‬ ‫يستوطن العراق مع قبيلته‪ ،‬ولكنهم استقروا‬ ‫والرومانية والبيزنطية‪.‬‬ ‫في النهاية في دومة الجندل‪ .‬وأجمل المؤلف‬ ‫بينما تناول الفصل الثالث تاريخ الجوف‬ ‫فى عصور ما قبل اإلس�ل�ام‪ ،‬وع��رض أهم تلك الفترة بشرح كيفية دخ��ول «الجوف‪/‬‬ ‫الكتابات ال��ت��ي ورد فيها ذِ ك���ر اس��م واح��ة دومة الجندل» ضمن ممتلكات مملكة األكيدر‬ ‫الجوف فى تلك الفترة‪ ،‬بداية من المصادر «األكيدر ابن عبدالملك» من قبيلة كنده عند‬ ‫اآلشورية‪ ،‬وكذلك وجود مملكة أدوماتو في مجيء اإلسالم‪.‬‬ ‫«دوم���ة ال��ج��ن��دل» ف��ي ف��ت��رة الح��ق��ة‪ ،‬م���رورًا‬ ‫واستطرد بالحديث عن أهم ما تميزت‬ ‫بذكر بعض النصوص التى تثبت تحول دومة به واح��ة الجوف على المستويين التجاري‬ ‫الجندل لتصبح عاصمة ٍ‬ ‫عدد من الملكات والثقافي‪ .‬فعلى الصعيد التجاري‪ ،‬تحدث‬ ‫ال��ع��رب��ي��ات ف��ى ت��ل��ك ال��ف��ت��رة م��ث��ل‪ :‬الملكة عن «سوق دومة الجندل»‪ ،‬وكيف كان ملتقىً‬ ‫«تلخونو»‪ ،‬و«تبؤه أو تاربوا» ‪ ،‬وأخريات مثل مهماً يشترك فيه الكثير من القبائل العربية‪،‬‬ ‫الملكة «زبيبة» و«سمسى» و«اياتى»‪ .‬ثم قام إذ كان يُعّد أحد أكبر األسواق العربية للتبادل‬ ‫بسرد أحداث بعض الصراعات التى دارت التجاري في ذل��ك الوقت‪ .‬أم��ا فيما يتعلق‬ ‫بين تلك الممالك التى كانت مسيطرة في بالجانب الثقافي ‪ ،‬فقد ذك��ر ال��دور الذي‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬وكيف كان ذلك مؤثرًا سلبًا أو لعبته دوم��ة الجندل في التعريف بالكتابة‬ ‫إيجابًا على تاريخ الجوف‪ ،‬تلك الفترة التي ونشر الشعر في الفترة التي سبقت ظهور‬ ‫انتهت تقريبًا بنهاية القرن الرابع ق‪.‬م‪.‬‬ ‫اإلس�لام‪ .‬إضافة لذكر أهم الديانات التي‬

‫‪10‬‬

‫ونتيجة لما ذكره المؤلف سابقًا من نقص كانت سائدة في دوم��ة الجندل قبل الفتح‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫قصر كاف‬

‫الرجاجيل‬

‫مأذنة مسجد عمر بن‬ ‫الخطاب ‪11‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اإلسالمي‪ .‬وتطرق إلى ذكر المواقع األثرية‬ ‫بمنطقة الجوف‪ ،‬مبينًا ما جاء من معلومات‬ ‫تاريخية حول تلك المواقع مصحوبة بعدد‬ ‫من الصور الفوتوغرافية التوضيحية عن‬ ‫تلك المواقع‪ ،‬ثم اختتم الفصل بالحديث عن‬ ‫دوم��ة الجندل وعالقتها ببالد الشام حتى‬ ‫القرن السابع الميالدي‪.‬‬

‫سماعهم بمجيء المسلمين‪ ،‬وتركوا خلفهم‬ ‫ما يملكونه‪ .‬وقد أرسل الرسول (صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم) بعض رجاله للبحث عن أهالي‬ ‫المنطقة الفارين‪ ،‬فلم يجدوا س��وى رجل‬ ‫واحد‪ ،‬أقنعوه بالعودة معهم‪ ،‬وكان أن اعتنق‬ ‫الرجل اإلسالم على يد الرسول (صل اهلل‬ ‫عليه وسلم)(‪.)5‬‬ ‫واستكمل الفصل ع��رض تفاصيل بقية‬ ‫الغزوات التى تعرضت لها دوم��ة الجندل‪،‬‬ ‫والتاريخ اإلسالمي للمنطقة منذ منتصف‬ ‫القرن األول الهجري وحتى القرن الثاني‬ ‫ع��ش��ر ال��ه��ج��ري‪ .‬وأُض��ي��ف��ت ب��ع��ض ال��ص��ور‬ ‫لعدد من المناطق األثرية ذات‬ ‫الفوتوغرافية ٍ‬ ‫العالقة بتلك الفترة التاريخية مثل مسجد‬ ‫عمر بن الخطاب وغيره من المنشآت التي‬ ‫شيدت في تلك الفترة وما بعدها‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫ونأتي إل��ى الفصل ال��راب��ع‪ ،‬ال��ذي تناول‬ ‫تاريخ منطقة الجوف منذ ظهور اإلس�لام‬ ‫حتى بداية الدولة السعودية األول��ى‪ .‬فقد‬ ‫سرد الفصل الكيفية التى دخل بها اإلسالم‬ ‫إلى الجوف بعد هجرة الرسول (صل اهلل‬ ‫عليه وسلم) إلى المدينة المنورة وتأسيس‬ ‫دعائم الدولة اإلسالمية التي حرص على‬ ‫تأمينها والحفاظ على سالمة أهلها من‬ ‫جانب‪ ،‬والعمل على نشر الدين الحق من‬ ‫خالل إرسال رجاله إلى حكام وقادة المناطق‬ ‫وج���اء ال��ف��ص��ل ال��خ��ام��س ليحدثنا عن‬ ‫المختلفة في الجزيرة العربية من جانب ال��ت��اري��خ ال��ح��دي��ث لمنطقة ال��ج��وف خالل‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫الدولة السعودية األولى والدولة السعودية‬ ‫وفيما يتعلق بالجوف‪/‬دومة الجندل‪ ،‬فكان ال��ث��ان��ي��ة‪ ،‬ث��م ت��اري��خ��ه��ا خ�ل�ال ف��ت��رة الحكم‬ ‫من األسباب الرئيسة لغزوتها هو رد إغارة العثماني‪ .‬وجاء هذا الفصل مصحوبًا بعدد‬ ‫رج��ال حاكمها ف��ي ذل��ك ال��وق��ت «األك��ي��در» م��ن ال��ص��ور الفوتوغرافية لبعض الوثائق‬ ‫على قوافل التجارة‪ ،‬وكذلك للسيطرة عليها العثمانية الرسمية المترجمة التي توضح‬ ‫وإخ��ض��اع��ه��ا‪ ،‬حيث ج���اءت ال��غ��زوة األول��ى كثيرًا من تفاصيل الشكل السياسي الذى‬ ‫لدومة الجندل – وفقًا للمصادر ‪ -‬في العام كانت عليه منطقة الجوف في ظل الحكم‬ ‫الخامس للهجرة النبوية بقيادة الرسول العثماني‪ .‬وأن��ه كيف كانت هيمنة الحكم‬ ‫نفسه (صلى اهلل عليه وسلم) وبصحبته ألف العثماني ‪ -‬رغم ما تمتع به من سلطان في‬ ‫من رجاله‪ ،‬وعندما وصلوا إلى دومة الجندل ذلك الوقت‪ -‬غير مستتبة في منطقة الجوف‬ ‫وجدوها خالية من السكان‪ ،‬إذ ف َّر أهلها بعد حتى انتهاء عهده‪ .‬ثم اختُتم الفصل بتاريخ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫قلعة زعبل من الداخل‬

‫قصر مارد بدومة الجندل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪13‬‬


‫الجوف خالل فترة الدولة السعودية الثالثة‪.‬‬

‫به من تفاعل مع متطلبات الحياة العصرية‬ ‫الحديثة‪ ،‬وذلك في ظل دعم المملكة العربية‬ ‫السعودية وتشجيعها لمقومات النهضة‬ ‫االجتماعية والثقافية واالقتصادية والعلمية‪،‬‬ ‫وكيف استفادت منطقة ال��ج��وف م��ن هذا‬ ‫الدعم‪ ،‬جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة‬ ‫بشكل خاص على مستوى بعض الشخصيات‬ ‫م��ن المهتمين والمهمومين ب��إع�لاء شأن‬ ‫منطقة الجوف وأهلها‪ ،‬ومواكبتها للتطور‬ ‫الذي فرضته الحداثة في عالمنا الحالي‪.‬‬ ‫وت��ط��رق الفصل ل��ذك��ر جميع المؤسسات‬ ‫المرتبطة بكافة التعامالت اليومية ومناحي‬ ‫الحياة المختلفة التي يحتاج إليها مواطن‬ ‫منطقة الجوف وسكانها‪ .‬واحتوى الفصل‬ ‫على صور فوتوغرافية لهذه المؤسسات‪.‬‬

‫وع���ن���د ال���وص���ول ل��ل��ف��ص��ل��ي��ن ال���س���ادس‬ ‫والسابع‪ ،‬نجد أنفسنا أمام عدد من كتابات‬ ‫واصفة منطقة الجوف في عيون بعض أبناء‬ ‫الغرب الذين وفدوا إلى شبه الجزيرة العربية‬ ‫من شتى بقاع األرض في شكل رحالة مهام‬ ‫بحثية‪ .‬ه��ؤالء الرحالة ج��اءوا إل��ى منطقة‬ ‫الجوف واستقروا بها لفترة من الزمن في‬ ‫العصر الحديث ‪ -‬اختلفت فيما بينهم ‪-‬‬ ‫عاشوا بين أهلها‪ ،‬ودوّنوا كل ما وقعت أعينهم‬ ‫عليه من تفاصيل‪ .‬تلك الكتابات كانت زاخرة‬ ‫وث��ري��ة بالكثير م��ن المعلومات ع��ن طبيعة‬ ‫المكان الجغرافية والمناخية وديموغرافية‬ ‫سكان الجوف وشكل الحياة بين أهلها‪ ،‬إلى‬ ‫جانب ما جاء بها من تفاصيل عن طبيعة أهل‬ ‫الجوف وثقافتهم بما تحتويه تلك الثقافة من‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬ال يسعنى إال أن أثني على‬ ‫عادات وتقاليد وأعراف وممارسات حياتية ما بذل في هذا الكتاب المرجع من جهد‬ ‫يومية‪.‬‬ ‫كبير جعله ‪-‬في تقديري الشخصي‪ -‬بمثابة‬ ‫وجاء الفصل الثامن واألخير من الكتاب موسوعة ع��ام��رة بتاريخ منطقة ال��ج��وف‪،‬‬ ‫ليلقي الضوء على مالمح النهضة الحديثة في اتسمت بزخم التفاصيل وروع���ة الوصف‬ ‫منطقة الجوف في العصر الحاضر‪ ،‬وما تنعم ودقة التعبير ومنهجية العرض‪.‬‬ ‫ * باحثة في التاريخ واآلثار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬منطقة الجوف فى عصر ما قبل التاريخ‪ ،‬دومة الجندل‪ 2800 :‬سنة من التاريخ فى المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬الرياض‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫(‪ )2‬عبدالرحمن بن أحمد بن محمد السديري‪ ،‬الجوف – وادي النفاخ‪ ،‬مؤسسة عبدالرحمن السيري‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫الرياض‪ 1426 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪Whalen, N. et al. (1986). A Lower Pleistocene Site Near Shuwayhitiyah in North Saudi Arabia, Atlas, )3‬‬ ‫‪.Vol. 10, p. 94‬‬ ‫(‪ )4‬عبدالرحمن بن أحمد بن محمد السديري‪ ،‬الجوف – وادي النفاخ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.39-38‬‬ ‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ص ‪.86-85‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫في رواية «صورة وإناء في المزاد»‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫السؤال الجمالي والنصوص الغائبة‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫حين نقرأ رواية «صورة وإناء في المزاد» للكاتب السعودي العاصي بن فهيد‪،‬‬ ‫التي صدرت مؤخرا عن دار صفصافة بالقاهرة‪ ،‬نتمثل قول الناقد الفرنسي «جان‬ ‫إف تادي»‪ ،‬الذي قال‪« :‬إن كل رواية هي بقدر ٍ ما قصيدة‪ ،‬وكل قصيدة هي في بعض‬ ‫الدرجات قصة»‪ .‬وبما أن الرواية هي جنس أدبي ال يعرف االستقرار‪ ،‬يعيش حركة‬ ‫التطور والبحث عن جدة األساليب وفنيات الكتابة‪ ،‬بل هي أكثر األجناس األدبية‬ ‫مرونة وقدرة على االنفتاح على األجناس األخرى من شعر وسينما وفنون بصرية‬ ‫وتاريخ وسيرة ذاتية؛ ما يؤهلها ألن تفيد من كل هذه الخطابات‪ ،‬لتصنع خطابا‬ ‫سردي ًا مغاير ًا عن بقية األجناس األدبية‪ .‬ورغم الحدود الصارمة بين األجناس‬ ‫التي حاول النقاد وضعها‪ ،‬فإن العملية اإلبداعية عملت على كسر هذه الحدود‬ ‫بتأليفها بين السرد والشعر‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬كيف تتجلى مظاهر الشعرية‬ ‫في النص الروائي؟ وكيف تبنى العالقة‬ ‫الجدلية بين الشعري والسردي؟ رغم أن‬ ‫لكل جنس خصائصه الفنية ومقوماته؟‬ ‫ك��ي��ف يتحقق ال��ت��ف��اع��ل ب��ي��ن جنسين‬ ‫مختلفين؟ بل كيف تتأسس العالقة بين‬ ‫الشعري والسردي؟‬ ‫إن اللغة هي القاسم المشترك بين‬ ‫الشعر والرواية‪ ،‬بل هي الوسيط األكثر‬ ‫ق��درة على وس��م رواي���ة م��ا بالشعرية؛‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ي��ق��ول «ج���ان إي��ف ت��ادي��ي��ه» في‬

‫وصفه ألسلوب القصة الشعرية‪« :‬إنّ‬ ‫المرء ال ي��درك أنّ قصة من القصص‬ ‫توسم بميسم الشعر‪ ،‬إال إذا انطلق من‬ ‫دراسة اللغة؛ فال مفهوم الشخصيات‪،‬‬ ‫وال م��ف��ه��وم ال���زم���ان أو ال��م��ك��ان‪ ،‬وال‬ ‫مفهوم بنية القصة‪ ،‬تعد شروطا كافية‬ ‫لذلك‪ ،‬أما التكثيف واإليقاع الموسيقي‬ ‫وال��ص��ور‪ ،‬فال تغيب أب���داً‪ ..‬فهي تصل‬ ‫إلى حد خلق االنطباع بأنك تقبل على‬ ‫هذه القصص وكأنما تقرأ قصائد نثرية‬ ‫طويلة»(‪.)1‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪15‬‬


‫وقد وعى «إدوار الخراط» تلك المساحة األصلية‪ ،‬أو للرواية القصيرة «صورة وإناء‬ ‫المخاتلة ما بين الشعر والسرد‪ ،‬وأفرد لذلك في المزاد»‪ ،‬وهذه الرواية هي القسم الثاني‬ ‫كتابين من أهم كتبه النقدية هما‪« :‬مهاجمة من النص‪.‬‬ ‫المستحيل» ويمثل الناحية التنظيرية لظاهرة‬ ‫ف��ي ال��ن��ص��وص األول����ى ال��ت��ي يفتتحها‬ ‫شعرية الرواية أو العالقة بين الشعر والسرد‪ ،‬بقصيدة «م��ن ال��ط��ارق» يمهد ذه��ن القارئ‬ ‫وكتاب «الكتابة عبر النوعية» ال��ذي يمثل ل��وص��ول «غ��ص��ي��ن» ال��س��ارد ال��رئ��ي��س لباب‬ ‫الناحية التطبيقية‪ ،‬ويعبر عن تداخل ما هو السيدة «ديانيرا» بطلة النص‪ ،‬وي��وازي بين‬ ‫شعري في متن وتضاعيف المحكي السردي شخصية غصين (تصغير غ��ص��ن)‪ ،‬وبين‬ ‫في تجاربه اإلبداعية‪ ،‬فيقول‪« :‬إنّ القصص شخصية العصفور الذي ينقر الخشب‪ .‬ومن‬ ‫والروايات التي كتبتها منذ األربعينيات وحتى يقرأ النص السردي يكتشف تلك الرهافة‬ ‫اآلن‪ ،‬يسري فيها روح شعري قوي ومخامر والعذوبة في شخصية «غصين»‪ ،‬وكأنه فعليا‬ ‫(ه��ك��ذا) وأس��اس��ي وليس مجرد إضافة أو عصفور ضعيف صغير ينقر باب السيدة‪:‬‬ ‫زينة أو اقتحام بل هو نوع من االنصهار بين‬ ‫«مَ ن الطارق يا ترى‬ ‫عناصر‬ ‫السرد القصصية وعناصر الشعر في قفر هذه الساعة؟!‬ ‫(‪)2‬‬ ‫األساسية» ‪.‬‬

‫لعله‪ ..‬كأنه‪ ..‬أو ربما‬ ‫وقد تبع محاوالت الخراط في التنظير ال أحد سيدتي ال أحد‬ ‫لهذه ال��ظ��اه��رة‪ ،‬ك��ل م��ن سعيد يقطين في عصفور ينقر في الخشب‬ ‫«الخطاب الشعري والخطاب الروائي» ضمن عصفور ينقر في الخشب» (ص‪.)8‬‬

‫كتاب «القراءة والتجريب»‪ ،‬وصالح فضل في‬ ‫في النص التالي مباشرة‪ ،‬والذي يمنحه‬ ‫كتاب «تحليل شعرية السرد»‪ ،‬وكذلك كتاب ال��ك��ات��ب اس���م «ص����ور» ت��ب��رز ل��ن��ا ال��س��ي��دة‬ ‫«سرديات الرواية العربية المعاصرة» لصالح ديانيرا في صور متتالية‪ ،‬تكشف جانبا من‬ ‫صالح‪.‬‬ ‫شخصيتها‪ ،‬ومَن يقرأ الرواية القصيرة بعد‬ ‫واعتبار اللغة أحد معايير شعرية الرواية‬ ‫ج��ع��ل ب��ع��ض ال��ن��ق��اد ف���ي ال��ن��ق��د ال��ح��دي��ث‬ ‫يختصرون الشعرية في شعرية اللفظ‪ ،‬لكن‬ ‫بعضهم اآلخ��ر ح��اول أن يربط بين البحث‬ ‫في شعرية اللفظ وشعرية التركيب وشعرية‬ ‫الصورة وغيرها‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫يقسم العاصي بن فهيد النص بنائيا إلى‬ ‫قسمين؛ القسم األول‪ ،‬بعنوان «على باب‬ ‫السيدة دي��ان��ي��را» يتكون م��ن س��ت قصائد‬ ‫شعرية‪ ،‬معنى وب��ن��اء‪ ،‬يمهّد بها للحكاية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫(ص‪.)9‬‬

‫يواصل الكاتب في القصائد القصيرة‬ ‫المتتالية أن يضيف لمحات م��ن عالقة‬ ‫غصين بالسيدة دي��ان��ي��را‪ ،‬مستغال كثافة‬ ‫الشعر الذي يختزل المعنى ويقطره في أقل‬ ‫عدد من الكلمات‪ ،‬ليمهد ذهن القارئ حتى‬ ‫يستقبل تلك العالقة الملتبسة التي سوف‬ ‫تحكي في لغة ال تقل كثافة وال شعرية حكاية‬ ‫اإلناء واللوحة وديانيرا وغصين‪.‬‬ ‫تحكي الرواية القصيرة قصة امرأة اسمها‬ ‫دي��ان��ي��را تنتسب لخلطة كوزموبولوتانية‪،‬‬ ‫أب إيطالي ي��ت��زوج م��ن أم حبشية‪ ،‬يعيش‬ ‫بها في القاهرة‪ .‬تهجرها األم وتعود إلى‬ ‫موطنها األص��ل��ي‪ ،‬وي��م��وت األب‪ ،‬وتربيها‬ ‫عجوز إيطالية على أرض مصرية‪ ،‬فتعيش‬ ‫الثالثينية الخالسية الريانة حياة سرية‬ ‫غامضة أق��رب إل��ى القصص األسطورية‪:‬‬ ‫«ديانيرا الخالسية‪ ،‬في بيئة مصرية ريانة‪،‬‬ ‫جادت عليها بخضرة الروح وحالوة اإلقبال‪.‬‬ ‫تعيش في هذه الفيال التي ورثتها عن أبيها‬ ‫ال��ذي لقي مصرعه في ح��ادث حريق شب‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ذلك سيلمح تلك السمات التي وسمها بها في أحد كازينوهات شارع عماد الدين في‬ ‫ثالثينيات القرن المنصرم‪ ،‬وقد كان يعمل‬ ‫في قصيدة «صور»‪:‬‬ ‫في أستوديو لتظهير األف�لام السينمائية‪.‬‬ ‫«أنا أرملة برجوازية عصابية‬ ‫أما أمها «إستر» فقد كانت مغنية شعبية في‬ ‫ولم تنجب أطفاال‬ ‫فرقة استعراضية في «مصوع» في أرتريا‬ ‫عرائسي البكماء على الصوفة‬ ‫عندما التقت بزوجها‪ ،‬ثم قدمت معه إلى‬ ‫وهذا السرير‬ ‫القاهرة‪ .‬لم تنل إستر حظها من الشهرة في‬ ‫لكل دمية اسم وكنية‬ ‫سوق الغناء‪ ،‬فعادت إلى الحبشة‪ ،‬بعد إقامتها‬ ‫وال أحداث ليلية في حياتي تذكر‬ ‫في مصر بضع سنوات‪ ،‬وانفصالها المحبط‬ ‫وحده كلبي العجوز‬ ‫عن زوجها‪ ،‬وديانيرا لما تبلغ السادسة من‬ ‫كلما أوقدت في الظالم شمعة‬ ‫ق��ل��ب ف���ي األل����ب����وم وب��ح��ل��ق ف���ي ال���ص���ور»‪ .‬ع��م��ره��ا‪ ...‬ف��رزح��ت الطفلة ديانيرا تحت‬ ‫سلطة عجوز إيطالية»‪.‬‬ ‫وحينما تطلب من «العم جابر» أن يحضر‬ ‫لها خادما أو راعيا أمينا‪ ،‬يحضر لها «غصين»‬ ‫الشاب القروي الذي يعايشها‪ ،‬يرعاها لفترة‬ ‫حتى تقرر أن تتخذه عشيقا‪ ،‬وبعد فترة تقرر‬ ‫أن تبيع اإلناء واللوحة والقصر وترحل‪ ،‬ويعود‬ ‫هو مجددًا إلى قريته‪ ،‬لم يفهم أبدا لماذا‬ ‫شغفت ب��ه‪ ،‬ول��م��اذا ق��ررت الرحيل‪« :‬وصل‬ ‫غصين إلى القاهرة قادما من قريته النائية‬ ‫في حوالي التاسعة صباحا‪ ،‬بعد رحلة طويلة‬ ‫استخدم فيها جميع وسائل النقل المتاحة‬ ‫في تاريخ المواصالت» (ص‪.)18‬‬ ‫البنية السردية للنص‬ ‫في بنية دائ��ري��ة‪ ،‬يكتب لنا العاصي بن‬ ‫فهيد حكاية «السيدة دينانيرا» في لوحات‬ ‫أو كادرات سينمائية متالحقة‪ ،‬متخلصا فيها‬ ‫من كل تزيُّد أو حشو سردي‪ ،‬فهي لغة مقطرة‬ ‫مكثفة تكاد تشف من شعريتها‪ .‬ووصف البنية‬ ‫السردية بأنها دائرية‪ ،‬ألن النص يبدأ بوصول‬ ‫«غصين» م��ن قريته ط��ارق��ا ب��اب السيدة‪،‬‬ ‫وينتهي بأن يغلق «غصين» باب القصر متجها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪17‬‬


‫مجددًا إلى قريته بعد أن قررت السيدة بيع‬ ‫القصر والسفر في ال�لازم��ان والالمكان‪،‬‬ ‫فتلك الشخصية الكوزموبولتانية ليس لها‬ ‫وطن أو عنوان تركن إليه‪ ،‬فقط قررت بيع‬ ‫«اإلناء» في المزاد والرحيل‪.‬‬ ‫النصوص الغائبة في النص‬ ‫ي��ت��ن��اص ال��ك��ات��ب ف���ي ن��ص��ه م���ع قصة‬ ‫«ديانيرا» زوجة هرقل التي حاول القنطور‬ ‫نيسوس الكائن األس��ط��وري أن يخطفها‪.‬‬ ‫بينما ك���ان ه��رق��ل ف��ي ط��ري��ق ع��ودت��ه إل��ى‬ ‫الوطن‪ ،‬مصطحباً زوجته الجديدة «ديانيرا»‬ ‫ولدى بلوغه نهر إيفنيوس صادفه القنطور‬ ‫نيسوس‪ ،‬وعرض عليه أن يحمل عنه زوجته‬ ‫إل���ى ال��ض��ف��ة ال��ث��ان��ي��ة‪ .‬ف���رأى ف��ي ال��ع��رض‬ ‫إغراءً‪ ،‬نظراً لمعرفة نيسوس بمواقع العبور‬ ‫الضحلة‪ ،‬ولدرايته بممرات النهر الغاضب‪.‬‬ ‫فعهد البطل لنيسوس بزوجته التي انتابها‬ ‫الوجل من هيئة القنطور وان��دف��اع النهر‪،‬‬ ‫وبينما كان هرقل يرمي بقوسه وهراوته إلى‬ ‫الضفة األخرى‪ ،‬كان القنطور ككتلة الصخر‬ ‫الصامدة المتحركة يحمل ديانيرا مخترقاً‬ ‫دوام��ات النهر الصاخبة‪ ،‬وما إن ه ّم هرقل‬ ‫بالتقاط القوس والهراوة من الضفة األخرى‪،‬‬ ‫حتى سمع صراخ زوجته يتردد في الهواء‪،‬‬ ‫فألقى ببصره تجاهها‪ ،‬ف��وج��د القنطور‬ ‫يسابق الريح ليهرب بها‪ ،‬وليجعلها محظية‬ ‫له‪ ،‬عندها تناول قوسه ورمى القنطور بسهم‬ ‫مشبع بسم الهيدرا الزعاف‪ ،‬فأصابه ليتدفق‬ ‫ال��دم على قميصه‪ ،‬ال��ذي أه���داه لديانيرا‬ ‫م��وه��م��اً إي��اه��ا ب��أن��ه ت��ع��وي��ذة ت��ح��رك الحب‬ ‫الدفين إذا خبا!‬

‫‪18‬‬

‫وال��س��ؤال ما ال��ذي يجمع ديانيرا النص‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ودي��ان��ي��را األس��ط��ورة؟ ه��ل ه��و البحث عن‬ ‫المعنى؟ هل وقوع ديانيرا األسطورة في فخ‬ ‫الشك تجاه هرقل‪ ،‬حيث ت��رددت شائعات‬ ‫عن حبه البنة ملك أويخاليا‪ .‬وجدت ديانيرا‬ ‫نفسها ما بين المعنى والالمعنى‪ ،‬معلقة‬ ‫في خيوط العنكبوت تحاول التخلص منها‪،‬‬ ‫وهي‪ ،‬وفي كل فجر جديد‪ ،‬تفصل الليل عن‬ ‫النهار‪ ،‬وكلما أصرَت على الخالص‪ ،‬جذبتها‬ ‫محاوالتها إلى المزيد من الغوص في تلك‬ ‫الشبكة‪ .‬إنها الحياة أم الحلم أم اليقين؟ أم‬ ‫المستقبل يستبق ذاته؟ أم أنه ماض لم تعشه؟‬ ‫إنها نقاط المطر تحاول إيقاظها خارج رحم‬ ‫الزمان‪ ،‬فالحاضر يفلت منها إلى الماضي‬ ‫دون أن تتذكره‪ ،‬والبجعة األم المولودة من‬ ‫رحم الريح شطرتها إلى نصفين في اللحظة‬ ‫نفسها‪ ،‬والضربة ذاتها‪ ،‬فهل ديانيرا العصر‬ ‫الحديث تعيش نفس ال��م��أس��اة؟ م��ا قصة‬ ‫اللوحة التي تحتوي على كل أساليب التعذيب‬ ‫م��ن عصور قديمة؟ م��ا قصة اإلن���اء ال��ذي‬ ‫تعتبره محرمًا وممنوعاً على أحد أن يلمسه‬ ‫أو يحركه من مكانه‪ ،‬وفي النهاية تعرضه في‬ ‫المزاد؟ هذا ما لم يفسره الكاتب للقارئ؛ ما‬ ‫يوجب على القارئ أن يحاول إنتاج المعنى‬ ‫بإيجاد تلك العالقة بين ديانيرا األسطورة‬ ‫ودي��ان��ي��را الحديثة‪ .‬على ال��ق��ارئ أن يمأل‬ ‫فراغات النص ويحاول تصور حياة ديانيرا‬ ‫قبل أن يضعها العاصي بن فهيد في متن‬ ‫الحكاية‪ .‬على القارئ أن يتخيل قصة لوحة‬ ‫آالت التعذيب‪ ،‬وقصة اإلناء‪ .‬وما تعرضت له‬ ‫هذه الخالسية الريانة الجميلة من مآسي‬ ‫جعلتها تعيش هذه الحياة الغامضة‪ .‬صحيح‬ ‫إن الكاتب أشار في إشارات قصيرة أن زوجها‬ ‫األول كان ساديا ال يحلو له ممارسة العشق‬


‫إن الكاتب ربما يتمثل نظرية «القارئ‬ ‫واالس��ت��ج��اب��ة» ال��ت��ي ت��م��ن��ح ال���ق���ارئ دورًا‬ ‫رئيسً ا ف��ي إن��ت��اج المعنى ووض��ع تصورات‬ ‫جمالية تخصه تجاه ه��ذا النص المكثّف‬ ‫المختزل‪ .‬وربما يعترض ق��ارئ آخر ويتهم‬ ‫ال��ن��ص وال��ك��ات��ب ب��ال��غ��م��وض‪ ،‬وي��ع��ت��رف أنه‬ ‫كان ينتظر من الكاتب أن يبل ريقه ببعض‬ ‫التفاصيل تلقي الضوء على تلك الشخصية‬ ‫الغامضة‪« :‬فرم غصين عينيه‪ ،‬التفت حوله‪..‬‬ ‫الصالون متحف ألدوات االعتقال والتعذيب‬ ‫المنقرضة‪ ،‬لوحة زيتية عريضة للقنطروس‬ ‫تطالعه في ص��در ال��ص��ال��ون‪.‬ح��ذوة حصان‬ ‫عند فتحة الممر‪ ،‬يعلوها سرج من الجلد‪،‬‬ ‫وعلى الجدار من الناحية الجانبية للساتر‬ ‫الخشبي الذي يفصل بين الصالون وحجرة‬ ‫أخرى‪ ،‬كانت تتدلى معلقة على الجدار أنواع‬ ‫وأش��ك��ال بمختلف األح��ج��ام م��ن السالسل‬ ‫واألص��ف��اد والكرابيج واألق��ف��ال» (ص‪.)22‬‬ ‫ربما الشاعر العاصي بن فهيد الذي تعود‬ ‫على اختزال العالم في جمل كثيفة المعنى‬ ‫قليلة المبنى هو ما دفعه لتغييب تفاصيل‬ ‫الحكاية حدَّ االختزال‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫إال بالتعذيب‪ ،‬تعذيبها جسديا؛ ما جعلها هي‬ ‫ال تستمتع بالعشق إال عبر إيذائها جسديا‪،‬‬ ‫وقد احتفظت بآالت تعذيبه‪ ،‬كما احتفظت‬ ‫بميولها المازوخية التي جعلت غصين يفر‬ ‫من عشقها‪ ،‬ويخبرها برغبته في أن يعود‬ ‫لقريته‪.‬‬

‫ووقعت في غ��رام��ه‪ ،‬وح��اول��ت إغ���واءه‪ ،‬فهل‬ ‫غصين هو يوسف وديانيرا هي زليخة؟ لكن‬ ‫يوسف في النص القرآني أفلت من الغواية‬ ‫حينما رأى «برهان رب��ه»‪ ..‬لكن غصين لم‬ ‫يفلت من الغواية‪ ،‬فرغم غياب التفاصيل‬ ‫ال��س��ردي��ة‪ ،‬إال إن��ن��ا ن��ع��رف م��ن جمل قليلة‬ ‫ومختزلة أن غصين عاش مع ديانيرا حياة‬ ‫مكتملة‪ ،‬قبل أن تقرر الرحيل وي��ق��رر هو‬ ‫العودة إلى قريته من حيث أتى‪« :‬ال تتأخر‬ ‫عندما أناديك» تغلق الباب‪ ،‬ثم تفتحه ثانية‪،‬‬ ‫غصين م��راه��م التدليك على التسريحة‪،‬‬ ‫هاتها معك ال تنس‪( »..‬ص‪.)58‬‬ ‫التناص الثالث كان مع قصة أهل الكهف‪،‬‬ ‫وكلبهم‪ ،‬صحيح أن الكاتب لم يوظفه دراميا‬ ‫في النص‪ ،‬لكنه أت��ى بجملة تستدعي في‬ ‫ذه��ن ال��ق��ارئ قصة أه��ل ال��ك��ه��ف‪« :‬تنفس‬ ‫غصين الصعداء بعد هذه المقابلة‪ ،‬ونهض‬ ‫الجميع‪ ،‬و«معهم كلبهم» (‪.)30‬‬ ‫وأخ��ي��رًا س��ؤال الشعري ف��ي النص يطرح‬ ‫سؤاال مهمًا‪ ،‬ما مدى تحمل القارئ الختزال‬ ‫حيوات الشخصيات في بضع صفحات ربما‬ ‫ال تطفئ لظى شوق القارئ لمعرفة تاريخها‬ ‫واشتغالها الدرامي؟ كذلك يتضح في النص بعد‬ ‫صوفي واضح سواء في تعرضه لعالم الرهبنة‬ ‫والكنسية المسيحية أو الصوفية اإلسالمية‪.‬‬ ‫المراجع‪:‬‬ ‫‪1‬ـ جان إيف تادييه‪ ،‬شعريـة الروايـة‪ ،‬المكونـات‬ ‫الداخليـة والمحددات‪ ،‬ترجمة سعيد بوعيطة‪،‬‬ ‫مجلة الرافد‪ ،‬دائرة الثقافة واإلعالم‪ ،‬الشارقة‪،‬‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫التناص الثاني الذي يستحضره الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫في النص‪ ،‬بجملة مختزلة‪ ،‬لكنها تشتغل‬ ‫على داللة محمولها الثقافي‪ ،‬مستفيدًا من‬ ‫‪2‬ـ إدوار الخراط‪ ،‬الكتابة عبر النوعية‪ ،‬مقاالت في‬ ‫المخزون المعرفي لدى القارئ؛ إنه يتناص‬ ‫ظاهرة القصة القصيدة ونصوص مختارة‪ ،‬دار‬ ‫شرقيات للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.39‬‬ ‫مع قصة «زليخة» ويوسف الذي شغفها حبا‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪19‬‬


‫حقيقة‬

‫نصوص‬

‫(‪)3‬‬

‫من الطارق‬

‫(‪)1‬‬

‫غير المستقبل‬

‫مَ ن الطارق يا ترى‬ ‫في قفر هذه الساعة؟!‬ ‫لعله‪ ..‬كأنه‪ ..‬أو ربما‪..‬‬ ‫ال أحد سيدتي ال أحد‬ ‫عصفور ينقر في الخشب‬ ‫عصفور ينقر في الخشب‬ ‫صور‬

‫(‪)2‬‬

‫طيفا يحمل األحاجي لي كل ليلة‬ ‫ويشير إلى بالد مجهولة‬ ‫أنا الذي يغادرني إليك‬ ‫ذكرى‬ ‫تغرد في أشجار الصمت‬ ‫مرآة النرجس‬

‫(‪)4‬‬

‫أحبابي ثيابهم جميلة‬

‫أنا أرملة برجوازية عصابية‬

‫طلعتهم كالقمر‬

‫ولم تنجب أطفاال‬

‫معارفهم لطيفة‬

‫عرائسي البكماء على الصوفة‬ ‫وهذا السرير‬ ‫لكل دمية اسم وكنية‪..‬‬ ‫وال أحداث ليلية في حياتي تذكر‬

‫‪20‬‬

‫لم يبق لي منك‬

‫صافية كاللهب‬ ‫وإغماءة مضيئة‬ ‫لزهرة في الظل‪.‬‬ ‫على صفحة الماء‬ ‫تذكرت روحي‬

‫وحده كلبي العجوز‬

‫وروحي في بهو الليل تغني‬

‫كلما أوقدت في الظالم شمعة‬

‫أحبابي ثيابهم جميلة‬

‫قلّب في األلبوم وبحلَق في الصور‬

‫طلعتهم كالقمر‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬العاصي بن فهيد‪ ،‬من كتاب «صورة وإناء في المزاد» الصادر في ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ )3‬العاصي بن فهيد‪ ،‬من ديوان ممرات السنونو‪.‬‬ ‫(‪ )4‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراسة في ديوان الشاعرة السعودية نجاة الماجد‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫خطاب ولسان‬ ‫للعشق‬ ‫في أن يكون‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫‪ρρ‬عبدالقادر القلسي*‬

‫منذ التقائنا بديوان الشاعرة السعودية نجاة الماجد‪ ،‬نكون قد هيأنا خيولنا‬ ‫من أجل السفر في عالم شعري ال يروم المحاكاة لتجارب سابقة‪ ،‬أو للماثلة معها‬ ‫بقدر ما ينح إل��ى ال��ف��رادة والخصوصية‪ ،‬ه��ذه ال��ف��رادة التي تتبدى لنا في شغف‬ ‫الشاعرة بعمود الشعر‪ ،‬وبالبحور القديمة بكل حمولتها اإليقاعية المحببة إلى‬ ‫النفس‪ ،‬وبكل ما تختزنه من انفعاالت جمالية قديمة متجددة مع فعل القراءة‬ ‫الذي نرجو أال ينقطع أبدا‪.‬‬ ‫لو سألت الشاعرة عن منزلة التراث‬ ‫في شعرها وفي مفهومها للشعر‪ ،‬ألجابت‬ ‫بأن امر َؤ القيس هو جدها األعلى‪ ،‬فهي‬ ‫اتخذت من عمود الشعر سبيال للتعبير‬ ‫عن صوتها بما هي إنسان يرى الوجود‬ ‫من خالل بوابة الشعر‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫الشعر رؤي��ة إل��ى ال��وج��ود واإلن��س��ان‪..‬‬ ‫تماما مثله مثل األنظمة الرمزية األخرى‬ ‫كالدين واألسطورة والفن‪ ...‬وبما هي‬ ‫أنثى تنزل نفسها‪ ،‬وتموضع ذاتها في‬ ‫عالم ت��زدوج فيه الرقة مع الفظاظة‪،‬‬ ‫وتتجاور فيه قيم الليونة واألن��وث��ة مع‬ ‫قيم الرجولة والصالبة‪ ،‬مثلما تلتقي‬ ‫فيه ال��ذات الحالمة والرؤيوية مع تلك‬ ‫التي تنكسر أمام شدة الواقع وبأسه‪.‬‬

‫ف��ي ظ��اه��ر ال��خ��ط��اب معجم غزلي‬ ‫كالسيكي‪ ،‬ففي قولها «وات��رك القلب‬ ‫أسيراً للنوى» ما يشي حقا بأن الشاعرة‪،‬‬ ‫إم��ا ق��د ف��رغ��ت على ال��ت�� ّو م��ن تجربة‬ ‫غزلية‪ ،‬وإما أنها قد حسمت أمرها في‬ ‫اتجاه التعالي عن الغزل بكل ممكناته‬ ‫العالئقية والمعجمية وال��ب��ن‪-‬ذات��ي��ة‪.‬‬ ‫ويبدو أن اتجاهها إلى االختيار الثاني‬ ‫أقرب‪ ،‬خاصة وأن «اهلل قد حباها عقال‬ ‫يافعا» ص‪ ،18‬فـ «غدوت اليوم من أهل‬ ‫الحجا» فهي في هذا الفضاء الغزلي‬ ‫والعشقي ق��د خلقت س��ردي��ة لذاتها‪،‬‬ ‫وقصة طوت فصولها القديمة إلى األبد‪،‬‬ ‫وفتحت فصوال جديدة ترى أنها أكثر‬ ‫اتزانا واع��ت��داال‪ ،‬بحيث ترى الشاعرة‬ ‫نفسها في هذه القصة القديمة وكأنها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪21‬‬


‫تعيش نوعا من االغتراب أو الغربة‪ ،‬ولكنها‬ ‫اآلن‪ ..‬وف��ي ه��ذه اللحظة النورانية‪ ،‬انفتح‬ ‫وجدانها على ممكنات أخ��رى من الوجود‪،‬‬ ‫ذات طبيعة نورانية وحلمية ومستقبلية‪.‬‬ ‫ن��ح��ن نعلم أن ال��ش��ع��ر ع�لاق��ة ب��اآلخ��ر‪،‬‬ ‫وف��ي ه��ذه ال��ع�لاق��ة إش����ارات م��ن التكامل‬ ‫واالختالف‪ ..‬ما يجعل الشعر معبرًا عن هذا‬ ‫االختالف الذي هو أصل من أصول نشأته‪،‬‬ ‫ومظهر من مظاهر تجليه‪ ،‬وفي هذا الديوان‬ ‫«الجرح إذا تنفس» والصادر عام ‪2010‬م‪ ،‬نرى‬ ‫أن الشاعرة تتكلم عن العشق‪ ،‬وعن الوجود‬ ‫بوصفه عاشقا ومعشوقا‪ ،‬وبما هو تجربة مع‬ ‫الطرف اآلخ��ر‪ ،‬ولك ْن أيضا بوصفه خطابا‬ ‫من الذات إلى الذات‪ .‬وتعتمد في هذا المقام‬ ‫على ما يسميه علم النفس بتقنية انشطار‬ ‫الوعي‪ ،‬بحيث يخاطب جزءٌ من وعيها الجز َء‬ ‫الثاني؛ يخاطبه لكي يستطلع منه دوافع هذا‬ ‫الفراغ الوجداني الذي تراه الشاعرة ماثال‬ ‫أمامها‪ ،‬ودوافع هذا العروج الروحاني الذي‬ ‫تتأهب لولوجه والدخول إليه‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫تنزيلها منزلتها من تاريخها الخاص وسيرتها‬ ‫ال��ذات��ي��ة‪ ،‬وإن��م��ا ع��ن ذك��ري��ات قديمة‪ ،‬وعن‬ ‫مشاعر هاربة تشي بفراق الحبيب الذي ال‬ ‫حضور له في هذا الديوان إال بضمير «له»‬ ‫وبضمير الخطاب كما يبدو في قولها‪:‬‬

‫«ي���ا س��ي��دي ع��د ت����داو ن��ج��م��ة أفلت‬ ‫«وف�����ي ك���ل االح�������وال ال‪« ..‬أن������ا» له‬ ‫وه���ذا يجعل تجربة العشق كلها تحت‬ ‫سيطرة ال��ش��اع��رة‪ ،‬تديرها كيفما ش��اءت‪،‬‬ ‫وبحسب المبادئ والقيم التي تؤمن بها هي‪..‬‬ ‫وليس بحسب النواميس والقوانين التي تحكم‬ ‫العشق والغرام‪ ،‬فالمرأة لدى الشاعرة نجاة‬ ‫الماجد هي امرأة قبانيه في األسلوب‪ ،‬ودون‬ ‫أن تكون قبانيه في المعجم‪ :‬في األسلوب‬ ‫ألنها حاضرة بوعيها وبخطابها‪ ،‬وهي نواة‬ ‫القصيدة التي تبدو كما لو كانت مملكتها‬ ‫الخاصة‪ ،‬فيما المعجم القباني يكون أكثر‬ ‫تحررًا وأق��ل محافظة‪ ،‬ويسعى إلى تسمية‬ ‫األشياء بمسمياتها‪.‬‬

‫قواعد العشق في هذا الديوان واضحة‪،‬‬ ‫في بعض القصائد واألبيات‪ ،‬نرى تعاليا وهي من صنع الشاعرة‪ ،‬والشاعرة فحسب؛‬ ‫ع��ن ال��غ��زل وإع��راض��ا ع��ن��ه‪« ،‬وع��ي��ون��ي أين ألنها إذ تخاطب الرجل الحبيب ص‪:25‬‬ ‫كانت‪ /‬عندما قلبي سُ لب» ص‪ ،21‬ولكننا نرى‬ ‫أيضا في قصائد أخرى من الديوان ذاته أن «دع��ن��ي وخ��ذن��ي ف��ي يمينك زه��رة‬ ‫ثم اسقني من نهر حبك ملمسا»‬ ‫الشاعرة تبحث عن العشق في الكتابة‪ ،‬وفي‬ ‫فإنها تنزع من هذا الرجل فاعليته في‬ ‫الواقع والتجربة على حد سواء‪ ..‬كما لو كان‬ ‫هذا العشق قدرًا مكتوبا ومصيرًا لكل امرأة‪ ،‬القصيدة؛ ولذلك‪ ،‬فإن الرجل في هذا الكون‬ ‫فكل امرأة تبحث في حياتها عن اآلخر‪ ،‬عن الشعري ليس ذاتا مكافئة لذات الشاعرة‪،‬‬ ‫هذا الرجل «ألن طعم النوى ما عاد محتمال» بل هو موضوع تشتغل عليه‪ ،‬مثلما يشتغل‬ ‫ص‪ ،22‬وألنه «ال دواء للوداع إال اذا عاد حبل ال َمثّال على الطين والصخر‪ ،‬والرسام على‬ ‫الود متصال» ص‪ ،22‬وألجل ذلك نرى أنها ال األصباغ واأللوان‪ ،‬وهذا يمنع جموح التجربة‬ ‫تكتب في هذا الديوان عن تجربة في العشق الى اتجاه من االتجاهات‪ ،‬أو إلى أفق من‬ ‫راهنة‪ ،‬أو بصدد التشكل واالنبناء‪ ،‬ويمكن اآلف��اق‪ ،‬بل إن الشاعرة تسيّجها بالقواعد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ال��ت��ي سنتها ال��ش��اع��رة‪ ،‬وبالمعجم ال��ذي‬ ‫انتخبته بدقة وبالرؤية األيتيقية (األخالقية)‬ ‫التي أوجبت على الرجل أن يمتثل إليها‪ ،‬ولو‬ ‫أوتي للرجل فرصة للخطاب النتفض على‬ ‫تحكم الشاعرة عليه‪ ،‬وعلى تسيّدها المشهد‬ ‫الغزلي م��ن دون���ه‪ ،‬ولكن أن��ى ل��ه ذل��ك وقد‬ ‫احتكرت الشاعرة الخطاب مثلما احتكرت‬ ‫شهرزاد الكالم يوما ما!‬ ‫الشاعرة وقد ارت��أت أن تتبوأ في كونها‬ ‫الشعري والغزلي المنزلة المحورية‪ ،‬ال بد‬ ‫وأن تعلل هذا االختيار لهذه المنزلة التي‬ ‫ترسخ لتراتبية في العالقة مع الرجل‪ ،‬فهي‬ ‫وإن أقرت بأنه‪:‬‬

‫«أضحى ظالم الليل عندي مشمسا»‬ ‫بعد ان «وجد الفؤاد الفارس» ص ‪24‬‬ ‫إال إنها ال تلزم تجربتها بما يجب أن‬ ‫ي��ت��رت��ب ع��ن��ه ه��ك��ذا م��وق��ف‪ ،‬ف��ه��ي عاشقة‬ ‫لالنفعاالت النبيلة والصادقة‪ ..‬ال لكي تكون‬ ‫موضوعا للتبادل مع اآلخ��ر‪ ،‬وإنما لتؤكد‬ ‫على أن المرأة قادرة على العطاء األنثوي‪،‬‬ ‫وعلى التدفق الشعوري الذي يغدو كالنهر‪.‬‬ ‫على أن يرتبط ذل��ك بسمو في المقاصد‪،‬‬ ‫وف��ي ش��رف في العالقة‪ ،‬وألج��ل ذل��ك نرى‬ ‫الشاعرة محكومة ب��أع��راف اجتماعية لم‬ ‫تذكرها صراحة‪ ،‬وإنما يمكن ان نستشفها‬ ‫من الوع��ي النص‪ ،‬ففي قولها‪« :‬في الحب‬ ‫غير تعاسة وجحود» صدى لتجربة كل عاشق‬ ‫تنتهي بمأساة‪ ،‬ولكن أيضا مراجعة لمفهوم‬ ‫ف��ي قصيدة «ال��ج��رح اذا تنفس» نلحظ‬ ‫الحب ذاته‪ ،‬أي إن فشل التجربة يؤدي في هذا الوجه من الوجود الذي تصبو الشاعرة‬ ‫نظر الشاعرة إلى بطالن المفهوم‪ ،‬وهذا في إليه‪ ،‬وهو وجود روحاني يتضاءل فيه وجود‬ ‫تقديرنا شطط في الرأي‪.‬‬ ‫اآلخر مقابل تضخم وجود األنا الروحاني‬ ‫في هذا البيت صدى لبيت كتبه الشاعر المالئكي‪ ،‬فهذه القصيدة ابتهال إلى الذات‬ ‫الفرنسي الكبير أراغ��ون (ت‪1981‬م) حيث اإللهية بعد تجربة لم تدم طويال في العشق‬ ‫يقول‪« :‬ال وجود لعشق سعيد»‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫فيه صدى لنظام اجتماعي يخشى الحب أو‬ ‫يخشى من الحب؛ ألنه يفتح على ممكنات في‬ ‫العالقة بين الرجل والمرأة على اتجاهات‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وألجل ذلك كله نرى الشاعرة تلوذ‬ ‫مباشرة بعد قصيدة «والجرح إذا تنفس» بـ‬ ‫«معارج الحلم»‪ ،‬والمعراج صعود إلى األعلى‪،‬‬ ‫وانبثاق إل��ى المنازل الخفية ف��ي الوجود‬ ‫اإلنساني لم يطأها سوى األنبياء‪ ،‬واستنفار‬ ‫للقوى غير الواعية الكامنة في اإلنسان من‬ ‫أجل أن يكتشف وجها آخر من الوجود‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪23‬‬


‫– فيما يبدو – ورغم مشروعية هذا االبتهال‬ ‫– ك��ش��ك��ل خ��ط��اب��ي‪ ،‬إال إن��ن��ا ال ن��ق��ف على‬ ‫دوافعه وأسبابه على نحو واضح‪ ،‬بحيث كان‬ ‫هذا التوجه الروحاني لديها قطعا راديكاليا‬ ‫مع الماضي الغزلي‪ ،‬فالشاعرة ال ترى في‬ ‫الرجل أهال لمشاعرها وصبابتها‪:‬‬

‫«سأظل أغرس في اليباب صبابتي‬ ‫ف��ل��ع��ل��ن��ي أج����ن����ي ال����������وداد زه�������ورا»‬ ‫ولذلك‪ ،‬كان الحب لديها «زيفا وتزويرا»‪،‬‬ ‫ما يعني أنها خرجت من غربة الحب إلى‬ ‫ألفة ال��روح واإليمان مع ما في هذا العبور‬ ‫م��ن إح��س��اس عميق ب��ال��وح��دة؛ ألن كِ لتَيْ‬ ‫التجربتين هنا تقومان على الوحدة‪ ،‬وهكذا‬ ‫ينمو الديوان ويتطور ‪-‬إنسانياً‪ -‬عبر محورة‬ ‫الخطاب على ذات سابحة في فيض إيماني‪،‬‬ ‫و ‪-‬معجميا‪ -‬على سجالت لغوية تنحو نحو‬ ‫التجريد واش��ت��غ��ال أك��ث��ر على االس��ت��ع��ارة‪،‬‬ ‫و ‪-‬ت��اري��خ��ي��ا‪ -‬ع��ل��ى ال��ث��ب��ات ف��ي ال��ح��رك��ة‬ ‫واالس��ت��ق��رار ف��ي ال��م��وق��ف؛ فالشاعرة قد‬ ‫لقيت نمط الوجود ال��ذي بحثت عنه‪ ،‬وفي‬ ‫ظل هذا الوعي الشعري والروحي أصبحت‬ ‫األشياء الحاضرة في الديوان تشي بالمطلق‬ ‫وباالمتداد‪ ،‬مثل مخاطبتها للبحر والليل‪،‬‬ ‫وتنزع الشاعرة نجاة الماجد إلى التوغل أكثر‬ ‫في رقة هذا الوجود وشفافيته‪ ..‬من خالل‬ ‫استحضار الذات اإللهية‪ ،‬فهي‪:‬‬

‫«أشكو إل��ى عرفات ش��وق جوانحي‬ ‫ف��ت��ف��ي��ض دم���ع���ا مُ ��ل��ج��م��ا ل��ب��ي��ان��ي»‬

‫‪24‬‬

‫غير أننا ما يمكن أن نعاتب عليه الشاعرة‬ ‫هو أنها لم تستنفذ بعض الممكنات الكامنة‬ ‫في التناص مع القرآن الكريم‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫دي��وان��ه��ا يحمل عنوانا يشير ب��وض��وح إلى‬ ‫التقاطع م��ع اآلي���ة الكريمة «وال��ص��ب��ح إذا‬ ‫تنفس»‪ ،‬فهي بشرت بأمر‪ ..‬ولكنها أخلّت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫به‪ ،‬فكان من الممكن أن يكون ديوانها حوارًا‬ ‫أسلوبيا بين الشعر والقرآن‪ ،‬خاصة وأن هذه‬ ‫االستراتيجية في الكتابة موجودة عند نخبة‬ ‫قليلة من الشعراء العرب‪ ،‬أهمهم تقريبا‪ :‬من‬ ‫العراق الشاعر أديب كمال الدين‪ ،‬ومن مصر‬ ‫الشاعر أحمد الشهاوي‪ .‬وأي��ا كان الحال‪،‬‬ ‫فإن الشاعرة نجاة الماجد قد ضاعفت من‬ ‫الجرعة الروحانية في ديوانها‪ ،‬خاصة في‬ ‫القصائد األخيرة‪ ،‬فخصت الحج ومناسكه‬ ‫بقصيدة نلمس فيها أي��ض��ا ذاتً���ا عطشى‬ ‫إل��ى اإلي��م��ان ال��روح��ي الصافي‪ ،‬ولكنني –‬ ‫وأن��ا القارئ من تونس أق��رأ هذه القصيدة‬ ‫من خلفيتي الثقافية الخاصة – ف��أرى أن‬ ‫تخصيصها لقصيدة عن الحج ينبئ بأنها‬ ‫تفكر في األج��ل خاصة وأن ه��ذه الشعيرة‬ ‫مرتبطة لدى جمهور من القراء في تونس‬ ‫ب��ق��رب نهاية ال��ح��ي��اة‪ ،‬وب��ق��رب دن��و األج��ل‪،‬‬ ‫وبالتقاعد م��ن العمل‪ ..‬وم��ا إل��ى ذل��ك من‬ ‫األشياء التي تجعل الموت عنصرًا جديدًا‬ ‫من عناصر المتخيل الفردي والجماعي‪.‬‬ ‫إن القصائد األخيرة من الديوان تحمل‬ ‫الشاعرة إل��ى مناطق جديدة من الخطاب‬ ‫الشعري‪ ..‬محورها األمة والعروبة واإلسالم‬ ‫والوطنية وقيم التسامح في الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫وتمعن في إضفاء الطابع الروحاني‪ ،‬وترى‬ ‫في الكالم عن «سماحة اإلسالم» و«التعطر‬ ‫بالتالوة والقيام» سبيال لكي يفهمها اآلخر‪،‬‬ ‫وهذا ما نلمسه في قصيدة «ج��اري»‪ ،‬وفي‬ ‫غيرها م��ن القصائد ال��ت��ي ت��دخ��ل الوعي‬ ‫الشعري لنجاة الماجد في مساحات أخرى‬ ‫غ��ي��ر م��س��اح��ة ال��ك��ت��اب��ة ف��ي ال��ش��ع��ر وع��ن��ه‪،‬‬ ‫مساحة ال��م��وق��ف ال��ف��ك��ري واإلي��دي��ول��وج��ي‬ ‫ال��ذي يبدو لنا مهمًا وظيفيًا ف��ي مستوى‬ ‫بناء الموقف الشعري ذات��ه‪ ،‬فهي مسكونة‬ ‫بهاجس العروبة واإليمان‪ ،‬وهذه الهواجس‬


‫إن في ديوان الشاعرة البارزة نجاة الماجد‬ ‫ق��وت��ي��ن‪ ،‬ق��وة ت��وج��ه خطابها ال��ى الدنيوي‬ ‫والغزلي‪ ،‬وق��وة توجه خطابها إل��ى اإللهي‬ ‫وال��م��اورائ��ي‪ ،‬ولكل ق��وة خطابها ومعجمها‬ ‫ال��خ��اص‪ ،‬فنحن إزاء تجربتين في الكتابة‬ ‫الشعرية‪ ،‬وإذا ما كانت للكتابة الغزلية لغتها‬ ‫المعروفة‪ ،‬ف��إن للكتابة الروحية تقاليدها‬ ‫ال��م��ت��ف��ردة‪ ،‬ف��ف��ي ق��ص��ي��دة «ي���ا ح��اس��دي»‬ ‫أحصيت على األقل (‪ )16‬مفردة مستمدة من‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬ولكن دون أن يعني ذلك أننا‬ ‫إزاء ظاهرة التناص ال��ذي هو من مولدات‬ ‫الشعرية الحديثة‪ ،‬ولذلك نرى أن الشاعرة‬ ‫ق��ادرة على تحريك هذه اآللية في مستوى‬

‫تبدو لنا الروحانيات بديال عن الغزليات‬ ‫ف��ي دي���وان «وال��ج��رح إذا تنفس»‪ .‬ال يبدو‬ ‫أن التجربتين الغزلية والروحية تتعايشان‬ ‫في حيز زمني واح��د‪ ،‬بل إن الثانية تعقب‬ ‫األولى وتنفيها‪ .‬هذا ما يمكن أن استوحيه‬ ‫من ق��راءة هذا الديوان‪ ،‬وقد نشأ عن هذه‬ ‫الرؤية الشعرية الواضحة وعي بعدم اإليمان‬ ‫بالحب ‪ -‬على األقل في معناه المألوف ‪-‬‬ ‫«فقلبها يبقى ص��ام��دا ل��ن يبتغي بالحب‬ ‫إح��راق��ي» ص‪ ،88‬م��ا يجعلنا ال نشاطرها‬ ‫هذا الموقف ‪ -‬أيا كانت التعليالت والمبادئ‬ ‫والتجارب التي دعتها إلى ذلك ‪ -‬فهي قد‬ ‫نطقت بهذا الموقف تقريبا في آخر قصيدة‬ ‫م��ن ال���دي���وان‪ ،‬إذ ال��ح��ب ف��ي رأي��ه��ا عالمة‬ ‫مدلولها «الحرام والشيطان والسعير»‪ ،‬وهذا‬ ‫في تقديرنا صورة لم يسبقها إليها أحد في‬ ‫قسوتها وعنفها‪ ،‬فالحب هو الحب في كل‬ ‫الشرائع‪ ،‬ولكن الشاعرة تفاضل التجربة‬ ‫الروحية وتسيدها على خطابها‪ ،‬فالخالص‬ ‫في تقديرها يكمن في ال��ل��واذ بالروحاني‬ ‫واإللهي إلى أبعد نقطة ممكنة‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫هي الحمولة اإليديولوجية لخطابها‪ ،‬وهي‬ ‫التي تعطي للشاعرة هويتها األصلية التي‬ ‫تمتح من التراث اإلسالمي‪ ،‬وبناء على ذلك‬ ‫يمكن أن نستنتج بأن هذه الشاعرة شاعرة‬ ‫تراثية‪ ،‬متشبعة بتراثها بيقين مطلق وإيمان‬ ‫ص��ادق‪ .‬نقول إنها شاعرة تراثية ليس من‬ ‫قبيل معارضتها مع الشاعرة الحداثية‪ ،‬بل‬ ‫على اعتبار أنها ترى في التراث وعيًا يالزم‬ ‫القصيدة‪ ،‬ويصاحب الرؤية الشعرية نحو‬ ‫اإلنسان والوجود‪ .‬المؤكد لدينا أن جوانب‬ ‫المحافظة أقوى وأف َع ُل من جوانب التحرر‬ ‫التي ظهرت في ال��دي��وان كشعاع ووميض‪،‬‬ ‫وقد ترتب عن ذلك اشتغالها على ظاهرة‬ ‫من ظواهر الشعر لم تلق شيوعا وانتشارًا‬ ‫ف��ي الشعرية العربية ال��م��ع��اص��رة‪ ،‬ونعني‬ ‫بذلك شعرنة المواقف اليقينية والنزعات‬ ‫الروحانية وإخضاع ضغط الظمأ الروحاني‬ ‫إلى ضغط آخر هو ضغط القصيدة وااليقاع‪،‬‬ ‫وم��ا يتولّد عنه من إمكانية تسريد البعد‬ ‫الشعائري في الخطاب الشعري‪.‬‬

‫أعمق من مستوى التضمين‪ ،‬إذ أن التضمين‬ ‫مجاله السيميائي محدود‪ ،‬وهو ير ّد المفردة‬ ‫إلى معنى واحد‪ ،‬ما قبلي عن لحظة الكتابة‪،‬‬ ‫فيما التناص مولد أللف معنى‪ ،‬كما يقال‪.‬‬

‫إننا نقرأ هذا الديوان ونستكشف تجربة‬ ‫جميلة في الكتابة‪ ،‬هي تجربة الشاعرة في‬ ‫الحياة‪ ،‬أو على األقل فصول مهمة من سيرة‬ ‫هذه الشاعرة التي ترى في الشعر وسيطً ا من‬ ‫أجل التعبير عن األفكار المتصلة باإليمان‬ ‫وبالتجربة الروحية في الوجود‪.‬‬

‫ * ناقد من تونس‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪25‬‬


‫النص المترابط‬ ‫المفهوم‪ /‬الصيرورة‪ /‬المقاصد‬ ‫نحو نظرية أدبية رقمية‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬سعاد مسكني*‬

‫يأتي اهتمام الناقد سعيد يقطين بالنص المترابط في إطار مشروعه النقدي‪،‬‬ ‫الذي يقوم على تتبع تطور الكالم العربي في مختلف تجلياته الخطابية‪ ،‬سواء‬ ‫أتعلق األمر بالسرود العربية القديمة‪ ،‬أم بالسرود العربية الحديثة‪ .‬تطور يواكب‬ ‫انفتاح العقل العربي على مستجدات النظريات الحديثة ف��ي مختلف العلوم‬ ‫اإلنسانية التي تجاور تطور األدب أو تتجاوزه‪.‬‬ ‫وهو في هذا السياق يسهم في جعل السرديات تنفتح على آفاق جديدة قابلة‬ ‫للمساءلة ال��دائ��م��ة‪ ،‬وال��ت��ط��ور المستمر؛ منطلقا ب��ذل��ك م��ن س��ردي��ات حصرية‬ ‫تهتم بدراسة الخطاب والمادة الحكائية‪ ،‬إلى دراس��ة النص في سياق السرديات‬ ‫التوسيعية‪ ،‬بانفتاحه على علوم أخرى‪ :‬علم النفس المعرفي‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪،‬‬ ‫والذكاء االصطناعي‪ ،‬واإلعالميات اللسانية‪ ،‬ونظريات اللعب‪ ،‬ونظريات التواصل‪.‬‬ ‫ب��ه��ذا ال��م��ن��ط��ق‪ ،‬ي��ش��ك��ل ال��ب��ح��ث في‬ ‫النص المترابط امتدادًا للمسار النقدي‬ ‫ل��دى الباحث‪ ،‬إذ سيخوّل له االنخراط‬ ‫في حقبة إنسانية جديدة‪ ،‬تفرض علينا‬ ‫االن���خ���راط ف��ي��ه��ا‪ ،‬وال��ب��ح��ث ف��ي ش��روط‬ ‫تشكلها‪ ،‬ومقاربة تجليات تطورها‪ .‬إنها‬ ‫حقبة التكنولوجيا ال��ج��دي��دة‪ ،‬وعصر‬ ‫وعليه‪ ،‬يُعرّف الناقد النص المترابط‬ ‫ال��م��ع��ل��وم��ات‪ .‬فما ت��ص��ور ال��ن��اق��د سعيد‬ ‫يقطين للنص األدب���ي وه��و ينفتح على بكونه هو (النص الذي نجم عن استخدام‬ ‫هذه الحقبة؟ وما األشكال الجديدة التي الحاسوب وبرمجياته المتطورة والتي‬ ‫تمكن من إنتاج «ال��ن��ص» وتلقيه بكيفية‬ ‫ستتولد عن تطور النص األدبي؟‬ ‫تُبنى على «ال��رب��ط» بين بنيات النص‬ ‫‪ -1‬النص المترابط‪ :‬المفهوم‬ ‫الداخلية والخارجية)(‪ .)2‬إن تعريف النص‬ ‫ي��ن��ط��ل��ق ال��ن��اق��د س��ع��ي��د ي��ق��ط��ي��ن في المترابط على ه��ذا النحو‪ ،‬هو ما دعا‬ ‫تحديده للنص المترابط م��ن أط��روح ٍ��ة الناقد إل��ى توجيه ان��ت��ق��ادات إل��ى بعض‬ ‫أساس‪ ،‬مفادها أن «توظيف أداة جديدة المقابالت العربية لمصطلح ‪hypertexte‬‬ ‫للتواصل ي��ؤدي إلى خلق أشكال جديدة‬ ‫للتواصل»(‪ ،)1‬ومن خالل هذه األطروحة‪،‬‬ ‫يخلق إب��داالت جديدة للنص األدب��ي‪ ،‬إذ‬ ‫سيتحول من نص ثالثي األبعاد إلى نص‬ ‫رب��اع��ي األب��ع��اد‪ ،‬ونُظهر ذل��ك م��ن خالل‬ ‫(الشكل ‪:)1‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫والتي استعملها بعض النقاد العرب من قبيل‪:‬‬ ‫المفرَّع (حسام الخطيب)(‪ ،)3‬والمتفرع (فاطمة‬ ‫ال��ب��ري��ك��ي)(‪ ،)4‬والمتشعب (عبير س�لام��ة)(‪،)5‬‬ ‫والتعالق (نبيل ع��ل��ي)(‪ ،)6‬مبيناً أن (التشعب‬ ‫والتفرع نجدهما داخل أي بنية نصية محددة‬ ‫داخ��ل نص معين شفوياً ك��ان أم مكتوبا‪ ،‬ألن‬ ‫التشعب والتفرع سمة أيّ نص‪ ،‬أما الترابط‪،‬‬ ‫سمة مركزية ف��ي ال��ن��ص ال��م��ت��راب��ط‪ ،‬فهو ال‬ ‫يتحقق إال بواسطة شاشة الحاسوب عندما‬ ‫تكون هناك رواب��ط تمكننا من االنتقال من‬ ‫مكان إلى آخر في النص)(‪ .)7‬وللتدقيق أكثر في‬ ‫مفهوم النص المترابط عند الناقد‪ ..‬ال بأس أن‬ ‫نقف على مفهوميْن آخريْن يظالن في وشائج‬

‫متصلة بالنص من جهة‪ ،‬وتطور هذا األخير‬ ‫(النص) الذي يفضي بنا إلى النص المترابط‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ونقصد بذلك مفهومَيْ «التعلق‬ ‫النصي» و«الترابط النصي»‪ .‬ولنا أن نوضح‬ ‫ذلك عبر (الشكل ‪:)2‬‬ ‫يتبين من خالل هذه الترسيمة أن الترابط‬ ‫سمة جوهرية توجد في النص المكتوب كما‬ ‫توجد في النص المترابط‪ ،‬إال أن أشكال تجليها‬ ‫تختلف من نص آلخر‪ ،‬ووسائطها اللغوية تختلف‬ ‫من مجال إلى آخر‪ ،‬فإذا حضرت في التعلق‬ ‫النصي اللغة التلفظية الخطية والمكتوبة‪ ،‬فإن‬ ‫األم��ر يختلف في النص اإللكتروني والنص‬ ‫الرقمي‪ ،‬إذ إلى جانب اللغة تحضر الحركة‬

‫الشكل‪1 :‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪27‬‬


‫الشكل‪2 :‬‬

‫والصورة والصوت‪ ،‬وال يقتصر التعبير على ال��رق��م��ي‪ ،‬وال��م��ب��رم��ج‪ ،‬وال��ح��اس��وب‪ ،‬وال��ق��ارئ‬ ‫اللغة التلفظية‪ ..‬بل يتوسل بعالمات وأيقونات (الجوال‪/‬المبحر)‪.‬‬ ‫تخلخل خطية النص‪ ،‬وتفتحه على احتماالت‬ ‫ويدعونا الحديث عن صيرورة تحول مفهوم‬ ‫قرائية جديدة‪ ،‬األمر الذي دعا الناقد بأن يميز «ال��ن��ص» إل��ى تتبع تطور نظرية النص ‪ -‬مع‬ ‫بين القارئ في النص المكتوب والقارئ الجوال البنيوية واللسانيات وال��دراس��ات الحديثة‪-‬‬ ‫والمبحر في النص اإللكتروني والمترابط‪ .‬التي اهتمت بالسرد ف��ي مختلف تجلياته‪.‬‬ ‫وبذلك يحقق اإلبحار إبداال آخر لفعل القراءة فقد نظَ رت اللسانيات إلى النص بما هو بنية‬ ‫مع تطور تصورنا للنص في عالقته بالحاسوب مغلقة تتكون من جُ مَل تحتاج إلى التحليل وفق‬ ‫والشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫مستويات خطابية معينة‪ ،‬واستطاعت البنيوية‬ ‫‪ -2‬النص المترابط‪ :‬الصيرورة‬

‫قبل أن نتحدث عن صيرورة تحوّل مفهوم‬ ‫��ص��ا مترابطً ا‪ ،‬نقف عند‬ ‫النص حتى غ��دا ن ًّ‬ ‫السيرورة التاريخية التي أدت إلى تطوره عبر‬ ‫م��راح��لَ‪ ،‬انطالقا من المرحلة الشفهية إلى‬ ‫المرحلة الرقمية‪ ،‬م���رورًا بمرحلتي الكتابة‬ ‫والطباعة‪ ،‬ولنا أن نوضح ذل��ك في ترسيمة‬ ‫إجرائية‪ ،‬على النحو كما في (الشكل ‪:)3‬‬

‫‪28‬‬

‫نفهم م��ن خ�لال المسار ال��ت��ط��وري للنص‬ ‫أن «ال��ن��ص ال��م��ت��راب��ط» م��ف��ه��وم ج��دي��د ظهر‬ ‫نتيجة تطور مفهوم «ال��ن��ص» نظرا القترانه‬ ‫بالوسيط الجديد‪ :‬أي «الحاسوب» والفضاء‬ ‫الشبكي اللذين سمحا بتبلوره سواء في صيغته‬ ‫اإللكترونية أو الرقمية‪ .‬ويستدعي تشكل النص‬ ‫المترابط قرائن أخ��رى نجملها ف��ي‪ :‬المبدع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫التي تأثرت بالمنطق اللساني أن ترى النص‬ ‫بوصفه خطابا يتجاوز الجملة‪ ،‬ويتم تحليله في‬ ‫ذات��ه ولذاته‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬ظهر مفهوم‬ ‫«التناص» في أواخر الستينيات مع كريستفا‪،‬‬ ‫مفهوم فتح النص على غيره م��ن النصوص‬ ‫ع��وض أن يظل بنية مغلقة‪ ،‬وأعقبه مفهوم‬ ‫َ‬ ‫«المتعاليات النصية» ال��ذي ج��اء ب��ه جيرار‬ ‫جنيت ليبين مختلف العالقات التي تربط بين‬ ‫النص والبنيات النصية األخ���رى‪( :‬معمارية‬ ‫النص‪ ،‬المناصات‪ ،‬الميتانص‪ ،‬التعلق النصي‪،‬‬ ‫ال��ت��ن��اص)‪ .‬وبسبب توظيف «ال��ح��اس��وب» في‬ ‫العملية التواصلية‪ ،‬وتحَ كُّمه في كيفية إنتاج‬ ‫النص وتلقيه‪ ،‬ح َّل مفهوم «النص المترابط»‬ ‫مح َّل النص‪ ،‬فخلخل بنيته الخطية‪ ،‬وفتحه على‬ ‫إمكانات قرائية جديدة تراهن على متلقٍّ خاص‪،‬‬ ‫بمنطق جديد في القراءة والتحليل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتتوسل‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الشكل‪3 :‬‬

‫ولنا أن نظهر في هذه الخطاطة مسار تطور التنشيط‪ .‬وهكذا نجد أنفسنا كلما تقدمنا‬ ‫مفهوم «النص» عبر مراحله الثالث األساس‪ :‬في مواصلة فتح النوافذ الجديدة‪ ،‬نبتعد عن‬ ‫نستنتج من خالل هذه الترسيمة أن مقاربة نقطة االنطالق الشيء الذي يدخلنا في دوامة‬ ‫«النص» عليها أن تتم عبر مستويين متقابلين أو «متاهات»(‪.)8‬‬ ‫كما في (الشكل ‪:)4‬‬ ‫‪ -3‬النص المترابط‪ :‬المقاصد‬ ‫يكسر النص المترابط البنية الثابتة للنص‬ ‫يندرج تفكير الناقد سعيد يقطين في النص‬ ‫المقروء التقليدي ويصبح محكوما بقواعد‬ ‫أخ����رى ت��ق��وم ع��ل��ى ال��ت��ش��ظ��ي‪ ،‬وع��ل��ى البنية المترابط ضمن نسق ثقافي يدعو الثقافة‬ ‫الشذرية‪ ،‬إذ «تتحدد داخله «معينات» تسمح العربية إل��ى أن تساير روح العصر‪ ،‬تحديدًا‬ ‫لنا باالنتقال إلى الشذرات النصية المختلفة العصر اإللكتروني عبر (توظيف تكنولوجيا‬ ‫بمجرد تنشيطها بالنقر عليها بواسطة الفأرة‪ .‬جديدة «وسائط جديدة» في العمل الثقافي‬ ‫وكلما قمنا بعملية التنشيط هذه وقفنا على وس���واه م��ن ال��م��ج��االت الحيوية ف��ي الحياة‬ ‫بنيات نصية جديدة من خالل نوافذ جديدة‪ ،‬العربية العامة‪ ،‬وأي تأخر في التفكير فيه‪،‬‬ ‫وه��ي تتضمن ب��دوره��ا «م��ع��ي��ن��ات» تستدعي والعمل الجاد من أج��ل تحقيقه ال يمكن إال‬

‫الشكل‪4 :‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪29‬‬


‫الشكل‪5 :‬‬

‫أن يضاعف من تأخرنا الثقافي)(‪ ،)9‬وال يمكن‬ ‫تحقق ه��ذا ال��ره��ان إال عبر تمثل روح هذا ‪ .4‬تطوير الكتابة العربية كي تنتقل من الكتابة‬ ‫العصر ال االكتفاء بأدواته واالنبهار بوسائطه‪.‬‬ ‫االستطرادية إلى الكتابة المنظمة والمبنية‪.‬‬ ‫ع��بْ�� َر ال��وع��ي ب��ه��ذا ال��ره��ان يحقق النص‬ ‫‪ .5‬مد الجسور بين األدب التقليدي واألدب‬ ‫المترابط مقاصد ثقافية ونصية وجمالية‪،‬‬ ‫الرقمي من خالل عملية الذهاب واالرتداد‬ ‫نذكر منها‪:‬‬ ‫من النص إلى النص المترابط‪ ،‬ثم من النص‬ ‫‪ .1‬إنتاج أدب جديد‪ ،‬ينفتح على تكنولوجيا‬ ‫المترابط إل��ى ال��ن��ص‪ ،‬وي��ظ��ل «ال��ت��راب��ط»‬ ‫اإلعالم والتواصل‪.‬‬ ‫السمة الجوهرية بين العمليتين‪ ،‬واإلمساك‬ ‫بها قادر على تجديد إنتاج النص‪ ،‬وتطوير‬ ‫‪ .2‬تجديد الوعي بالنص واإلبداع والنقد‪.‬‬ ‫عملية تلقيه‪.‬‬ ‫‪ .3‬تحسيب النص العربي سيخلق إب��داالت‬ ‫ج��دي��دة ف��ي فعل ال��ق��راءة والتلقي‪ ،‬وذل��ك ‪ .6‬السعي إلى تقديم أوليات تصور متكامل‬ ‫لنظرية أدبية رقمية‪.‬‬ ‫ب��اس��ت��خ��دام مفاهيم ج��دي��دة ق���ادرة على‬ ‫وصف الظواهر النصية قديمها وحديثها‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ * أستاذة تعليم عال مساعدة ‪ -‬جامعة عبدالمالك السعدي‪ ،‬تطوان‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سعيد يقطين‪ ،‬من النص إلى النص المترابط‪ ،‬مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪2005 ،1:‬م‪( ،‬ص‪.)10:‬‬ ‫(‪ )2‬المصدر السابق‪( ،‬ص‪.)9 :‬‬ ‫(‪ )3‬حسام الخطيب‪ ،‬األدب والتكنولوجيا وجسر النص المفرع‪ ،‬المكتب العربي للتنسيق والترجمة والنشر‪،‬‬ ‫الدوحة‪1996 ،‬م‪,‬‬ ‫(‪ )4‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪2006 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )5‬عبير سالمة‪ ،‬النص المتشعب ومستقبل الرواية‪ ،‬موقع جهة الشعر‪http:llwww.jehat.com ،‬‬ ‫(‪ )6‬نبيل علي‪ ،‬العرب وعصر المعلومات‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬أبريل ‪1994‬م‪ ،‬رقم‪ ،184:‬المجلس الوطني‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.‬‬ ‫(‪ )7‬سعيد يقطين‪ ،‬النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية‪ ،‬نحو كتابة عربية رقمية‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪2008،‬م (ص‪.)31 :‬‬ ‫(‪ )8‬سعيد يقطين‪ ،‬من النص إلى النص المترابط‪ ،‬مصدر سابق (ص‪.)133 :‬‬ ‫(‪ )9‬المصدر السابق (ص‪.)19 :‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫شعرية البحث عن كينونة جمالية وإنسانية بديلة‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫ال تتوانى القصيدة السعودية عن تجديد ذاتها‪ ،‬في عصر انصرفت فيه المتابعة‬ ‫النقدية إلى وجهات أخرى‪ ،‬مثل الرواية والسينما اللذين تبوآ المشهد اإلبداعي‬ ‫العربي؛ انسجامً ا مع السياقات الدولية‪ ،‬من جهة‪ ،‬واستتباعا للموجة اإلعالمية‬ ‫عال فرضية انطفاء القصيدة الشعرية‪ ،‬وتراجعها لفائدة أنواع‬ ‫التي تردد بصوت ٍ‬ ‫أدبية أخرى فرضها منطق العصر‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬لكن الشعراء ال يهادنون‪ ،‬وال‬ ‫يستكينون‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫«ال تجرح الماء»‪...‬‬

‫وفي غفلة من النقد والتدارس‪ ،‬تظل القصيدة تجدد نفسها‪ ،‬وتبحث لذاتها عن‬ ‫هوية جديدة تحافظ بها على موقعها ضمن باقي الصنوف اإلبداعية‪ .‬صحيح‬ ‫أن هناك شعراء كبار انساقوا مع التيار‪ ،‬واستسلموا للوضع الفني القائم‪ ،‬وراحوا‬ ‫يبحثون ألنفسهم عن هوية جديدة‪ ،‬تخرجهم من عزلتهم؛ لكن‪ ،‬في المقابل‪ ،‬هناك‬ ‫شعراء ظلوا أوفياء الختياراتهم الفنية واألسلوبية‪ ،‬وظلوا يراكمون قصائدهم‬ ‫ويجربون صيغ ًا أداتية متنوعة‪ ،‬تجيب عن حاجاتهم وخصوصياتهم اإلنسانية‬ ‫والجمالية‪ ،‬وحرصوا على انتظامهم في الكتابة والنشر وال��دف��اع عن مواقفهم‬ ‫واختياراتهم دون ان��ج��راف م��ع ه��واء الموجة اإلع�لام��ي��ة‪ ،‬مؤمنين أش��د اإليمان‬ ‫بأن القصيدة لن تموت‪ ،‬ألنها قناة الوجدان‪ ،‬وبوابة المشاعر واألحاسيس‪ ،‬وهي‬ ‫أشياء لصيقة باإلنسان‪ ،‬وقلّما يجيد أي جنس آخر التعبير عنها مثل القصيدة‬ ‫الشعرية‪ ،‬ومتأكدين أن الشعر ال بد أن يعود إلى الواجهة من جديد‪ ،‬وأن األجناس‬ ‫واألن���واع األدب��ي��ة تتبادل األدوار فيما يخص الوجاهة اإلعالمية دون أن تتنحى‬ ‫نهائيا عن االشتعال في الظل‪ ،‬لتبتكر قوالب جديدة‪ ،‬وتستنبت أسئلةً وليدة روح‬ ‫العصر ومنطق اإلنسان الحديث‪.‬‬ ‫وم��ن ه���ؤالء‪ ،‬الشاعر محمد ق��ران‬ ‫ال���زه���ران���ي‪ ،‬ال����ذي ن��ل��م��س ف���ي متنه‬ ‫الشعري «ال تجرح الماء»(‪ )1‬بعضا من‬ ‫هذه االنشغاالت واألسئلة‪ .‬فهو يكتب‬

‫ما يكتب من قصيد مستحضرًا هذا‬ ‫ال��ج��دل الفني‪ ،‬وال��ح��راك األجناسي‪،‬‬ ‫وكأنه يصرخ في الناس شعرًا‪ ،‬أن صوت‬ ‫القصيدة ما يزال يعلو هنا وهناك‪ ،‬وأن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪31‬‬


‫أوردت��ه��ا تتفتح في العوالم لتحارب القبح‬

‫المستشري في غير هوادة‪.‬‬

‫‪ -1‬التفكير في القصيدة‪:‬‬ ‫يفكر دي���وان «ال ت��ج��رح ال��م��اء» بصوت‬

‫ع��ال ف��ي ال��ق��ص��ي��دة‪ ،‬ف��ي ذات���ه‪ ،‬ف��ي تشكل‬ ‫ال��ك��ون ال��ش��ع��ري‪ ،‬ف��ي بنية ال��ق��ص��ي��دة‪ ،‬في‬

‫متوحش ومشتعل‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫عالم‬ ‫جدواها ضمن ٍ‬

‫ما يمكن أن ترفد به السيرورة البشرية في‬

‫هذا الزخم المتالطم‪ ،‬دون أن تقصي موقع عنها بقيم استهالكية بديلة تُهمّش الفطري‬ ‫ال���ذات الشاعرة م��ن اهتماماتها‪ ،‬طارح ًة في اإلنسان‪ ،‬وكل ما هو آدم��ي فيه‪ ،‬بينما‬

‫س���ؤال ال���ج���دوى‪ ،‬وم��ع��ن��ى ال��م��ع��ن��ى‪ ،‬وه��وي��ة تُ��ح��رّض فيه ال��ج��وان��ب الشهوانية‪ ،‬وتهيج‬ ‫الكتابة‪ ،‬ومنطق التعدد‪ ،‬واحتكاك األجناس فيه جينات ال��ش��ر النائمة‪ .‬وب��م��ا أن قيم‬ ‫واألنواع األدبية والفنية‪ ،‬واحتماالت تحوّالتها الجمال ف��ي القصيدة ال تنفصل ع��ن قيم‬ ‫في سياق متجدد‪ ،‬متسائلة عما يمكن أن اإلنسان الجوانية‪ ،‬تلك المرتبطة بالمشاعر‬ ‫تضفيه الكتابة الشعرية‪ ،‬في زمن التهافت والعالقات والروحانيات‪ ،‬فإن التفكير فيها‪،‬‬ ‫على المادة‪ ،‬على الرصيد الرمزي للفرد باثًا وفي جوانبها الشكلية والجمالية ال ينأى‪ ،‬في‬ ‫كان أو متلقيًا‪ .‬يقول الشاعر مخاطبًا شاعراً شقه الفلسفي بالنسبة للشاعر وخصوصيته‬ ‫افتراضياً‪:‬‬ ‫كمبدع‪ ،‬عن االنشغاالت اليومية التي تقض‬

‫«أبدل حروفك‬ ‫ال تدعني أمنح األشياء ما ال تستحق‬ ‫ورتب األسماء وفق األبجدية في الحروف‬ ‫لعل بعض الوقت يسعفنا‬ ‫ل��ك��ي ن��ع��ط��ي ال����ش����وارع م���ا ي��ن��اس��ب��ه��ا من‬ ‫األسماء‬ ‫(‪)2‬‬ ‫علَّ الوقت ال يمضي بعيدا» ‪.‬‬

‫مضجع الفرد في عالم شديد الحساسية‪،‬‬

‫سريع التحوالت‪.‬‬

‫لقد عدَّ الزهراني التساؤل عن القالب‬

‫الشعري‪ ،‬وكنه أسئلته‪ ،‬من جوهر التساؤل‬

‫الفلسفي ح���ول ال��ح��ي��اة ال��ع��ام��ة‪ ،‬وت��ح��ول‬

‫متغيراتها‪ ،‬وت��ب��دل قيمها‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬تصبح‬ ‫ال��ق��ص��ي��دة بالنسبة إل��ي��ه ق��ن��ا ًة للتفكير‪،‬‬

‫متن لحشو المشاعر‪ ،‬وشحن‬ ‫ويأتي التفكير في جدوى الكتابة متزامنًا وليست مجرد ٍ‬

‫م��ع لحظة انهيار القيم المثلى‪ ،‬بما فيها األحاسيس‪ ،‬ورصف القول‪ .‬أي أنها تنطق‬

‫‪32‬‬

‫قيم الجمال‪ ،‬والجبلة األول��ى‪ ،‬واالستعاضة بلسان الفرد مثلما تنطق بلسان المجموعة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫رغبته في أال يكون مجرد عابر للكالم‪ ،‬يقول‬

‫وأعالمه‪.‬‬

‫بالتساؤل والنقد والنقض‪ ،‬مثلما تهمس ‪ -‬استحضار فنون أخ��رى م��ج��اورة لقول‬ ‫بالفن والجمال وعبق الروح‪ ،‬وكأنه يعبر عن‬ ‫الشعر مثل الفن التشكيلي‪ ،‬وبعض رموزه‬ ‫شبه ساخر‪:‬‬

‫«تأتي على جسد القصيدة‪ ،‬مثلما تأتي‬ ‫سحابةٌ‬ ‫فوق ِظلِّ الريح‬ ‫اقتباس القول‬ ‫ُ‬ ‫يسحرها‬ ‫(‪)3‬‬ ‫من كتب الخرافة»‬ ‫وتظهر آث��ار تدخّ ل الشاعر في السيولة‬

‫النصية‪ ،‬بما يوحي بإيقافه لتدفق المشاعر‬

‫واألحاسيس‪ ،‬وإلقحام محيالت االشتغال‬ ‫على ال��ص��وغ ال��ف��ن��ي‪ ،‬أس��اسً ��ا‪ ،‬ف��ي جهات‬

‫محددة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ التنويع م��ن شكل انبصام ال��م��داد على‬‫بياض فضاء الصفحة‪ ،‬بما هو عنصر‬ ‫جمالي ودالل���ي ت��راه��ن عليه القصيدة‬ ‫ال��ح��دي��ث��ة؛ إلث����راء معانيها وتنويعها‪.‬‬

‫ استدعاء األغنية العربية بكل حمولتها‬‫الداللية والتأثيرية‪ .‬والالفت أن الشاعر‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وتعالج وضعًا مثلما تبض جماال‪ ،‬وتجهر‬

‫الفضائي للنص(‪.)4‬‬

‫قرّان وظف في قصيدة «وشاية الغربة»‬

‫أغنيات شهيرة للفنانتين اللبنانيتين‬

‫نانسي عجرم وفيروز‪ .‬ويعلق على هذا‬ ‫التوظيف‪ ،‬بقوله «القصيدة تتحدث عن‬

‫الغربة في المدينة العربية بشكل خاص‪،‬‬ ‫وعن التناقضات التي يعيشها اإلنسان‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ..‬وق���د صيغت ب��ط��ري��ق��ة غير‬

‫مباشرة‪ ،‬إذ قمت بتوظيف أغنية فيروز‬ ‫«على جسر اللوزية» وأغنية نانسي عجرم‬

‫«شخبط شخابيط» في مفارقة بين اللغة‬

‫والمضمون في األغنيتين؛ ما يشكل حالة‬

‫اإلنسان العربي»(‪.)5‬‬

‫ول�لإش��ارة‪ ،‬فقد تحولت إح��دى قصائد‬

‫وه��و شكل متحول يحمل ما يحمل من هذه المجموعة الشعرية إلى معرض تشكيلي‬ ‫إيقاع ال���روح‪ ،‬وتدفق النبض الداخلي‪ ،‬أقامه أحد الفنانين التشكيليين استلهامًا‬

‫وتفاعل النفس م��ع مقتضيات السياق ألجواء قصيدة «وشاية الغربة» بفعل حركية‬ ‫المحيط بالذات‪ ،‬واندماجها في اللحظة الصور الشعرية وغناها األسلوبي‪ ،‬ومراهنتها‬ ‫الشعرية‪ ،‬وانغماسها في تفاصيل العملية على اللحظة الزمنية المفارقة‪ ،‬ومقدرتها‬ ‫اإلبداعية حزنًا وف��رحً ��ا‪ ،‬ألمًا وتلذذا‪ ..‬على اإليحاء والترميز واإلحالة‪.‬‬ ‫ذلك أن «الموضعة الفضائية» هي‪ ،‬قبل‬

‫وقادت هذه القصيدة‪ /‬اللوحة التشكيلية‬

‫(‪)6‬‬

‫كل شيء‪ ،‬إبراز لعالقات معقدة‪ ،‬وتحت الفنان التشكيلي طه صبان للفوز بجائزة‬ ‫المظهر العالئقي للفضاء نفهم االشتغال سوق عكاظ ألفضل لوحة تشكيلية مستوحاة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪33‬‬


‫م��ن ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي‪ .‬وق���د ص���رح الشاعر‬

‫ال��س��ع��ودي محمد ق���ران معقبا على هذا‬

‫التتويج‪« :‬جاءت الفكرة حين التقيت بالفنان‬

‫طه صبان بحضور الفنان هشام قنديل‪ ،‬وت ّم‬

‫االتفاق على إقامة معرض تشكيلي تستوحى‬ ‫لوحاته من نصوص ديواني الجديد «ال تجرح‬ ‫الماء»‪ ،‬وحينما أعلنت جائزة سوق عكاظ‬ ‫(ل��وح��ة وق��ص��ي��دة)‪ ،‬ك��ان ق��د استلم الفنان‬

‫صبان نسخة مخطوطة من الديوان‪ ،‬وحينها‬

‫أبلغني برغبته في المشاركة في المسابقة‬ ‫بلوحتين مستوحيتين من نصين شعريين‬

‫لي هما «وشاية الغربة» و«ال تجرح الماء»‪،‬‬ ‫وأبلغته بموافقتي وتمنياتي له بالفوز خاصة‬ ‫وأنه فنان كبير‪ ،‬وتجربته التشكيلية تجربة‬

‫عميقة‪ ،‬وكنت أشعر ب��أن النصين اللذين مختلفة‪ ،‬إذ سنحاول أن نتنقل بالمعرض‬ ‫قام باختيارهما سيوحيان له بفكرة تقوده في عدد من العواصم المهمة‪ ،‬مثل القاهرة‬ ‫وتونس وباريس‪ ،‬وقد أخذنا موافقة مبدئية‬ ‫إل��ى ال��ف��وز‪ ،‬والحقيقة أن النصين اللذين‬ ‫من بعض الجهات الثقافية هناك‪ ،‬وسنحاول‬ ‫اختارهما من أهم النصوص التي كتبتها ومن‬ ‫عرضها داخلياً في بعض المدن المحلية»‪.‬‬ ‫أقربها إلى روحي»(‪.)7‬‬ ‫وأض����اف ق�����رّان‪ :‬إن ال��م��ع��رض سيقام‬

‫(بشكل مبدئي) بعد شهر رمضان في أتيليه‬

‫‪ -2‬إعادة ترميم صدع العالم‪:‬‬ ‫تنكتب المعاني في المجموعة الشعرية‬

‫جدة للفنون الجميلة‪ ،‬وسيشهد حفل توقيع م��ن معين ال��وج��ع‪ ،‬وج��ع ال��ف��رد والمجتمع‪،‬‬ ‫للديوان‪.‬‬ ‫وج��ع عميق يجعل ال��ش��اع��ر يتحرق ألما‪،‬‬ ‫وعن هدفه من هذا المعرض قال «أسعى وم��ع��ه ال��ح��روف‪ ،‬وال��ك��ل��م��ات واإلي��ق��اع��ات‪.‬‬ ‫مع الفنان طه صبان إلى أن تكون التجربة تصدر المعاني عنه خائبة محنّطة بالرعاف‪،‬‬ ‫بداية توأمة بين الشعر والفن التشكيلي‪ ،‬صاخبة بالولَه‪ .‬ال تعرف كيف ترسم شكل‬ ‫وأعتقد أن التجربة التي ستجمعني بالفنان الجراح(‪.)8‬‬

‫‪34‬‬

‫طه صبان من خالل المعرض ستكون تجربة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫تخرج اإليقاعات المشبوبة حرّى من رحم‬


‫في النفس وجعًا دفينًا‪ ،‬هو وج��ع مشترك وأس��ه��م ف��ي صنعها األج����داد واألس�ل�اف‪،‬‬ ‫هويته خ��س��ارة ال��ع��رب��ي‪ ،‬ووج��ع��ه‪ ،‬وخيباته وح��م��ل��ت ك��ث��ي��را م��ن آالم��ه��ا ال��م��م��ت��دة في‬ ‫المتالحقة‪ ،‬تلك التي يتغنى بها دروي��ش األرواح والنفوس واألجساد‪ :‬الجسد العربي‬ ‫وفيروز‪ ،‬ذابحة للوعي والمشاعر اليقِ ظة‪ ،‬الجريح(‪.)10‬‬

‫تنكأ ف��ي األرواح ج��روحً ��ا ل��م تندمل على‬ ‫الرغم من مرور وقت طويل‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬

‫«وجه المدينة ظلها المخفي‬ ‫ضوء حاسر‬ ‫وجع شفيف‬ ‫حالة من رهبة المعنى‬ ‫سراب موقن بالغيب‬ ‫حلم ماثل للطاعنين‬ ‫ومقفرٌ من دونما غرباء»(‪.)9‬‬ ‫ال ي��ك��ت��ب ال��ش��اع��ر وج��ع��ه ف��ح��س��ب‪ ،‬بل‬

‫يكتب وجع القصيدة‪ ،‬ووجع التاريخ‪ ،‬ووجع‬ ‫العرب أيضا‪ ،‬بل وتحسه يوغل في شعرية‬

‫الوجع‪ ،‬ليكتب جراح البشر كلهم بلغة تفيض‬

‫باإليحاء‪ ،‬وتسكر باألنين‪ .‬كل كلمة أو حرف‬ ‫من القصيدة يسقط على روح الباث والمتلقي‬

‫معًا مثل حجر مشتعل‪ ،‬فيؤرق الروح‪ ،‬ويوقظ‬ ‫في النفس خيبات كانت تنساها أو تتناساها‬

‫الذاكرة الجمعية‪ .‬فتبدو المجموعة الشعرية‬

‫متعفن‬ ‫ٍ‬ ‫كلها تكرارًا لرسمِ مشوَّهٍ لصورة جرح‬ ‫ال يبرأ ولن يندمل أبدا مع العصور‪.‬‬

‫تناقش المجموعة شعريًا قضايا عميقة‬

‫تخص األم���ة العربية‪ ،‬واإلن��س��ان العربي‪،‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المعاني الخبيئة‪ ،‬سادرة في الشحوب‪ ،‬توقظ وش��ه��دت عليها‪ ،‬وت��ل��ك ال��ت��ي ل��م تشهدها‪،‬‬

‫مسافر ًة في الزمان والمكان‪ ،‬طوال وعرضا‪،‬‬

‫أف��ق��ي��ا وع��م��ودي��ا‪ ،‬راس���م��� ًة ب��ذل��ك‪ ،‬معالم‬

‫جغرافية األسى‪ ،‬وخارطة المتاه والخيبات‬ ‫التي عشناها‪ ،‬وتلك التي لم نعشها‪ ،‬لكنها‬ ‫م��ا ت���زال تسير ف��وق رؤوس��ن��ا مثل سحاب‬ ‫عقيم‪ ،‬وم��ؤث��رة على حاضرنا ومستقبلنا‪.‬‬

‫ومما يزيد ال��ص��ور والمعاني واإليقاعات‬

‫تراجيدية‪ ،‬كونها تهدهد األسئلة الحارقة‬ ‫وتصوير مرهف‪ .‬تنكأ‬ ‫ٍ‬ ‫بنف ٍَس شعريِّ بليغ‪،‬‬ ‫الجراح‪ ،‬ثم تصوّر وقع ألمها الحادّ‪ ،‬حتى إن‬

‫الحروف ترتج‪ ،‬والكلمات تتقطع‪ ،‬واإليقاعات‬ ‫��س ب���روح ال��ش��اع��ر‪ ،‬هناك‪،‬‬ ‫تضطرب‪ ،‬وت��ح ّ‬

‫تصرخ مولّولة‪ ،‬فتبكي معها جسور المعاني‬ ‫واألزمنة واألمكنة الغميسة بالتاريخ المنسي‪،‬‬

‫والجغرافيا المعذبة بالذكريات والصور‬

‫والفواجع‪ .‬وال تغادر القصيدة هذه الحدود‬ ‫والتخوم إال لتأمل تلون صور البشر الغفل‪،‬‬

‫بين ال��ف��رح واألس���ى‪ ،‬الغموض وال��وض��وح‪،‬‬ ‫الزيف والجد‪ ،‬النشوة والحب‪ .‬يقول المتن‬

‫تقرأ القصائد‪ ،‬فتقرأ تاريخك الشخصي‪ ،‬الشعري‪ ،‬مشخِّ صا مذبحة اإلنسانية في‬ ‫وت��اري��خ��ك ال��ح��ض��اري‪ ،‬وخيباتك الذاتية‪ ،‬ع��ص��ر تهافتت ف��ي��ه األف����راد واألم����م على‬ ‫وخ��ي��ب��ات��ك الجمعية ال��ت��ي أس��ه��م��ت فيها‪ ،‬المصالح المادية‪ ،‬وتخلّت عن القيم اإلنسانية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪35‬‬


‫واالجتماعية الرفيعة‪:‬‬

‫فإنني‪ ،‬ال يمكن أن أنكر أن الديوان‪ ،‬بالمقابل‪،‬‬

‫«مروا على باب المدينة‬ ‫أوقفوا سرب الحمام‬ ‫ورتلوا شعرا‬ ‫وغنوا للصغار الغافلين عن الهوى‬ ‫«شخبط شخابيط‪ ..‬لخبط لخابيط‪،‬‬ ‫مسك األلوان ورسمٌ على الحيطان»»(‪.)11‬‬

‫ي��ط��رح أ ُف��قً��ا ش��اس��عً��ا ل��ت��ن��اول��ه م��ن منظور‬

‫وإذا كنت أتفق مع الناقد محمد الشهدي‬

‫الذي يرى أن المجموعة الشعرية «ال تجرح‬

‫الماء» تنطوي على تضاريس من اإلجحاف‬

‫شمولي؛ لكون القصائد‪ ،‬مثلما يجوز قراءتها‬ ‫ع��م��ودي��اً بشكل م��ج��ه��ري‪ ،‬ينظر إليها في‬ ‫استقالليتها‪ ،‬بما تتيحه القراءة التجزيئية‪،‬‬ ‫يجوز أيضا مساءلتها في عموميتها؛ لكونها‬ ‫ونصا‬ ‫ً‬ ‫تجربة واح��دةٍ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في الختام‪ ،‬خالصة‬ ‫منسجمًا تجمعه دفّتا كتاب له سياق تأليفي‪،‬‬ ‫وله رؤية للعالم تجمعه‪ ،‬وإن تفاوتت تواريخ‬

‫عبور تضاريسها مكوكيًا‪ ،‬ألن األصح وضعًا كتابة ق��ص��ائ��ده‪ ،‬واختلفت أس��ب��اب نزولها‬ ‫نصاً ّ‬ ‫هو استالمها قصد ال��درس ّ‬ ‫نصاً(‪ ،)12‬بالنسبة ألفق اإلنتاج والتلقّي‪.‬‬

‫* ‬ ‫(‪ )1‬‬

‫ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬ ‫محمد قران الزهراني‪ :‬ال تجرح الماء‪ ،‬شعر‪ ،‬دار الريس للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.25 .‬‬ ‫المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.27 .‬‬ ‫محمد الماكري‪ :‬الشكل والخطاب‪ :‬مدخل لتحليل ظاهراتي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬البيضاء‪ -‬بيروت‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.179 .‬‬ ‫حسن آل عامر‪ :‬موقع جسد الثقافة‪ ،‬بتاريخ ‪2009 -9 -2‬م‪ /‬انظر الموقع اإللكتروني‪http://aljsad.org/ :‬‬

‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬

‫الشكل والخطاب‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.249 .‬‬ ‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫إبراهيم الحجري‪ :‬الشعر والمعنى‪ ،‬دار النايا‪ /‬دار محاكاة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األولى‪2012 ،‬م‪،‬‬ ‫(انظر التقديم الذي خص به المؤلف الكتاب‪ ،‬حول مالزمة الشكل الشعري للمعنى الشعري‪ ،‬وارتباط‬ ‫مستوى الصوغ الفني بالمستوى الداللي ارتباط وثيقا من خالل مؤشرات تقرأ في ضوء التحليل النصي‬ ‫للقصيدة بحثا عن معانيها الخفية والظاهرة‪ ،‬التي يكرس الشاعر جهده الفني إلبرازها)‪.‬‬ ‫محمد قران الزهراني‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.20 .‬‬ ‫سعى الراحل عبدالكبير الخطيبي‪ ،‬في كتاب «االسم العربي الجريح»‪ ،‬إلى إعادة قراءة الجسم العربي‬ ‫من خالل موروث الثقافة الشعبية المغربية بوعي نقدي‪ ،‬يستند إلى بعدين‪ - :‬نقد المفهوم الالهوتي‬ ‫للجسم العربي‪ – .‬نقد المقاربات اإلثنولوجية التي تتعامل مع الثقافة الشعبية تعامال خارجيا ومتعاليا‪.‬‬ ‫(ترجمة محمد بنيس‪ ،‬دار الجمل‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بغداد‪ -‬بيروت‪ -‬كولونيا‪2009 ،‬م)‬ ‫محمد قران الزهراني‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.22 .‬‬ ‫محمد الشهدي‪ ،‬صحيفة المدينة‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬بتاريخ األربعاء‬ ‫‪ ،2011/12/14‬انظر على الموقع اإللكتروني‪http://www.al-madina.com/node/344834 :‬‬

‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬

‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬

‫(‪) 11‬‬ ‫(‪ )12‬‬

‫‪36‬‬

‫‪showthread.php?t=149399‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫عاهل الجزيرة في وادي النيل‪..‬‬ ‫قصيدة مجهولة لمحمود حسن إسماعيل‬ ‫‪ρρ‬مصطفى يعقوب*‬

‫على الرغم من كثرة الشعراء الذين أنجبتهم كلية دار العلوم بالقاهرة‪ ،‬والذين‬ ‫حظي بعضهم بنصيب ال بأس به من الشهرة‪ ،‬مثل الشاعر طاهر أبو فاشا‪ ،‬إ ّال أنّ‬ ‫محمود حسن إسماعيل يقف وحده‪ ،‬دون منازع‪ ،‬كأنبغ مَن أنجبتهم دار العلوم في‬ ‫تاريخها كله‪ ،‬حتى في وجود شاعر بقامة علي الجارم‪ ،‬وهو ممن تخرجوا فيها‪.‬‬ ‫وع���ل���ى ال���رغ���م م���ن ك���ث���رة ش��ع��راء مع اإلج��ادة‪ ،‬ولعل تفرده يكمن في أنه‬ ‫ج��م��اع��ة أب��ول��ل��و ف��ي ال��ث�لاث��ي��ن��ي��ات من عندما يُصدر الشعراء دواوينهم األولى‪،‬‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وبروز شعراء من تلك فإنه غالبا ما تكون مثل هذه الدواوين‬ ‫ال��ج��م��اع��ة األدب���ي���ة‪ ،‬ع��رف��ه��م القاصي هي من بواكير الشعر ال��ذي ال تتضح‬ ‫وال��دان��ي من أبناء الوطن العربي مثل فيه بالقدر الكافي شخصية الشاعر‪..‬‬ ‫إب��راه��ي��م ن��اج��ي‪ ،‬وع��ل��ي م��ح��م��ود ط��ه‪ ،‬أو اكتمال النضج الفني له‪ ،‬بل غالبا ما‬ ‫وأبي القاسم الشابي‪ ،‬غير أن محمود يكون شعر الشاعر في ه��ذه المرحلة‬ ‫حسن إسماعيل يفوقهم جميعا في أقرب إلى مجاراة مَن سبقوه من كبار‬ ‫التفرد والتنوع وكثرة العطاء الشعري الشعراء‪ .‬غير أنـه لم يحدث لشاعر من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪37‬‬


‫قبل أن أص��در ديواناً وهو لم يبرح مقاعد‬

‫الدراسـة بعد‪ ،‬وأن يكون هذا الديوان عالمـة‬

‫مميزة في تاريخ الشعر العربي المعاصر‪ ،‬بل‬ ‫ويثير ضجـة ضخمـة في األوساط األدبيـة‪.‬‬

‫فديوان «أغاني الكوخ» الذي صدر في سنة‬ ‫‪1935‬م للطالب محمود حسن إسماعيل‬

‫بالفرقة الثالثة بكلية دار العلوم‪ ،‬والوافد من‬ ‫قرية النخيلة بصعيد مصر‪ ،‬كان نمطً ا فريدًا‬

‫بين الدواوين الصادرة في حينها‪ ،‬فال ترسّ م‬

‫صاحبُ ُه خُ طى مَن سبقوه كشوقي وحافظ عـام ‪1938‬م‪ ،‬و«أَيْ���ن انمفرٌ» عـام ‪1947‬م‪،‬‬ ‫ومطران‪ ،‬وال هو س��ا َر كما سار عليه أبناء و«نار وأصفاد» عـام ‪1959‬م‪ ،‬و«قاب َقوْسَ ينْ»‬

‫جيله من شعراء «أبوللو»‪..‬‬

‫وع���ن ع��ط��ـ��اء م��ح��م��ود ح��س��ن إسماعيل‬

‫ال���ش���ع���ريٌ ‪ ،‬ي���ق���ول ال���دك���ت���ور ع��ب��دال��ع��زي��ز‬ ‫الدسوقي‪« :‬كان من أعظم أبناء هذا الجيل‬

‫عـام ‪1964‬م… ال��خ‪ ،‬وبعد وف��ات��ه ص��در له‬

‫ديوانان هما «موسيقى من السر» (‪1978‬م)‬ ‫و«صوت من اهلل» (‪1980‬م)‪.‬‬ ‫أما عن الجوانب الفنية‪ ،‬فلعل أبرز مالمح‬

‫الرائد – يَقْصد جيل جماعـة أبولل ٌو – حيث شاعرية محمود حسن إسماعيل ما يحدثنا‬ ‫استأثرت التجربـة الشعريٌـة بحياتـه كل ٌهـا‪ .‬عنها الدكتور الدسوقي بقولـه‪« :‬إنه يتميز‬ ‫ولعلٌـه الشاعر العربيٌ الوحيد ال��ذى ظ ٌل عن كل أبناء جيله ب��أن له قاموسً ا شعريًا‬ ‫خاصا‪ ،‬وخياالً مجنحً ا‪ ،‬ورؤي ًة كوني ًة متفردة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وشباب‬ ‫ٍ‬ ‫يُن ِْجب ويغرٌد في حيويٌـة وع��ذوبَ��ة‬ ‫يحس ولعل هذه السمات هي التي جعلت لرؤيته‬ ‫ُّ‬ ‫طوال أَربعين عامـا‪ ..‬دون أَ ْن يتوقف أَ ْو‬ ‫نضوبَ مَعِ ينـه الشعريٌ الزاخر‪ ،‬أَ ْو يَشْ عر الشعرية طابعاً جديدًا‪ ،‬وأللفاظه وتعبيراته‬ ‫خاصا‪ ،‬ولتجربته الشعرية‬ ‫ً‬ ‫بالقلق حيال أدواته الفنيٌة‪ .‬وقد ظ ٌل راهباً وص��وره مذاقًا‬ ‫محراب الف ٌن طوال حياته‪ ،‬لَ ْم تستطع جاذبية عميقة وتأثيرًا بعيدًا»(‪.)2‬‬ ‫في ِ‬

‫األجناس األدبيٌـة األخرى أَ ْن تشدٌه إليهـا»(‪.)1‬‬

‫إن محمود حسن إسماعيل من الشعراء‬

‫والحق‪ ..‬ما قاله الدكتور الدسوقي‪ ،‬فقد القالئل الذين تواصل إنتاجهم الشعري دون‬

‫ظل طيلة حياته ( ‪1977 -1910‬م ) يوالي توقف حتى واف��اه األج��ل‪ ،‬بعيدا عن أهله‬ ‫تباعـاً إص��دار دواوينـه بَعْد ص��دور ديوانـه ووط��ن��ه‪ ،‬ف��ي الكويت التي أك��رم��ت وفادته‬

‫‪38‬‬

‫تقدير مستحقٍّ له قد افتقده‬ ‫ٍ‬ ‫األوٌل «أغاني الكوخ»‪ ،‬فأصدر «هكذا أغنـىٌ » وعوضته عن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫الشاعر إضافـة إلى شعره المخطوط الذي لم يُقدَّ ر‬ ‫له إصداره في ديوان‪ ،‬لتُصدِ ر هذا الك ٌم الكبير من‬ ‫شعر الشاعر في «األع��م��ال الشعرية كاملـة» سنة‬ ‫‪1993‬م‪ .‬وفي سنة ‪2008‬م أصدرت الهيئة المصرية‬ ‫العامة للكتاب الطبعة الثانية‪ ..‬مصورة عن طبعة دار‬ ‫سعاد الصباح‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫في مصر‪ ،‬إذ تولٌت «دار سعاد الصباح» جَ مْع دواوين‬

‫وبرغم وج��ود ه��ذه «األع��م��ال الشعرية الكاملـة»‬ ‫التي بَل َغ عدد صفحاتهـا ما يزيد على أَلفي صفحـة‪،‬‬ ‫جمعت فيها ما تفرٌق من شعر الشاعر مطبوعاً كان‬ ‫أَ ْم مخطوطا‪ ،‬إال أنه قد أتيح لنا أن نعثر على عدد من‬ ‫القصائد المجهولة التي لم ترد في أي من دواوينه‪،‬‬ ‫ولم تستدركها األعمال الكاملة(‪.)3‬‬ ‫قصيدة مجهولة‬ ‫م��ن أمتع الكتب التي ص��درت ع��ن دارة الملك‬ ‫عبدالعزيز كتاب الدكتور ناصر بن محمد الجهيمي؛‬ ‫«الملك عبدالعزيز في الصحافة العربية» (نماذج‬ ‫مختارة)‪ ،‬إذ استعرض بعض ما جاء في الصحافة‬ ‫العربية‪ ،‬وخاصة الصحافة المصرية‪ ،‬في تناولها‬ ‫للملك عبدالعزيز عاهل الجزيرة العربية من جوانب‬ ‫شتى‪ .‬ولعلنا نأخذ على المؤلف أمرين هما أشبه كما‬ ‫يقول المتنبي في بيته المشهور «كنقص القادرين على‬ ‫التمام»‪.‬‬ ‫فعن األمر األول نقول‪ :‬إن المؤلف وهو يختار‪ ،‬لم‬ ‫يختر مقاالت كبار الكتاب واألدباء في مصر‪ ،‬وكانت‬ ‫للملك عبدالعزيز معزة خاصة في نفوسهم‪ ..‬تحدثوا‬ ‫بها جميعا في وسائل الصحف والمجالت المختلفة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪39‬‬


‫وخاصة محب الدين الخطيب صاحب مجلة مجهول تماما لشاعر كبير بقامة محمود‬

‫«الفتح» الذي أفسح الكثير من صدر صفحات حسن إسماعيل‪ ،‬الذي يمثل مع أترابه من‬ ‫المجلة للحديث عن الملك عبدالعزيز شعرًا أبناء جيله من جماعة أبوللو زم��ن الشعر‬ ‫ون��ث��رًا‪ .‬كما كتب العقاد م��ق��االت ع��دة عن‬ ‫الملك في «الرسالة» وفي غير الرسالة‪ ،‬وهي‬

‫المقاالت التي جُ معت بعد وفاته‪ ،‬وصدرت‬

‫الجميل الرائع‪.‬‬ ‫وف��ض�لا ع��ن روع���ة ال��ق��ص��ي��دة وبالغتها‬

‫في كتاب «مع عاهل الجزيرة العربية»‪ ،‬وقد وحسن اختيار البحر «البسيط»‪ ،‬وتلك القافية‬

‫كانت لكاتب هذه السطور منذ عشرين عاما التي يندر أن ينظم عليها الشعراء‪ ،‬إذ أنها من‬ ‫مساهمة متواضعة في الكشف عن واحدة القوافي التي تتطلب قدرًا كبيرًا من امتالك‬

‫(‪)4‬‬ ‫من تلك ال��م��ق��االت ‪ ،‬وكذلك ك��ان الزيات األدوات الفنية للشاعر المجيد‪ ،‬وخاصة‬ ‫صاحب الرسالة ال��ذي كتب مقاال بعنوان‬ ‫مراعاة النحو؛ ما يذكرنا بفحول الشعراء في‬ ‫«عاهل الجزيرة العظيم» في العدد (‪)645‬‬ ‫العصر العباسي‪ .‬وأغلب الظن أن الشاعر‬ ‫الصادر في ‪ 14‬يناير ‪1946‬م(‪ )5‬لدى زيارة‬ ‫تعمّد ذلك‪ ،‬فجاء شعره على هذا النحو من‬ ‫الملك عبدالعزيز لمصر في ذلك الحين‪.‬‬ ‫الصياغة والبالغة والتشكيل والبيان وهو‬ ‫أما األمر الثاني‪ :‬إن الشعر قد غاب عن‬ ‫يخاطب سيد الجزيرة العربية‪ ،‬وه��ي مهد‬ ‫اختيار المؤلف‪ ،‬على الرغم من أن الشعر‬ ‫أبقى من التحقيقات الصحفية‪ ،‬التي ال تهتم الشعر‪ ..‬ليقول له إن في مصر صوتًا شعريًا‬

‫إال باألمور الجارية والحوادث الطارئة‪ ،‬بينما ال يقل في بالغته عن شعراء الجزيرة‪.‬‬ ‫يظل الشعر سيدًا على األس��م��اع واألفهام‬

‫يتردد بين الحين والحين‪.‬‬

‫وفضال عن ه��ذا وذاك كله‪ ،‬فالقصيدة‬ ‫ج��زءٌ م��ن التاريخ ل��رج ٍ��ل صنع التاريخ في‬

‫وقد أتاح لنا الحظ أن نعثر على قصيدة الجزيرة العربية‪ ،‬ولعل األجيال الناشئة في‬ ‫نادرة مجهولة لمحمود حسن إسماعيل في‬ ‫المملكة العربية السعودية أحوج ما تكون إلى‬ ‫مجلة «الرسالة»‪ ،‬وتحديدًا في العدد (‪)655‬‬ ‫مطالعة هذه القصيدة التي تنشر اآلن ألول‬ ‫الصادر في ‪ 21‬يناير سنة ‪1946‬م إبان زيارة‬ ‫مرة‪ ،‬منذ ما يقرب من سبعين عاماً‪ ،‬لتعلم‬ ‫الملك عبدالعزيز لمصر وقتها‪ ،‬ولم ترد تلك‬ ‫القصيدة في أي من الدواوين التي أصدرها حقيقة المؤسس األول للمملكة في نفوس‬

‫الشاعر في حياته‪ ،‬كما لم ت��رد أيضا في أب��ن��اء ال��وط��ن ال��ع��رب��ي‪ ،‬ال ف��ي ن��ف��وس أبناء‬

‫‪40‬‬

‫«األع��م��ال الكاملة»‪ .‬إذاً فنحن أم��ام عمل المملكة وحدها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ * كاتب من مصر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬محمود حسن إسماعيل‪ ،‬مدخل إلى عالمه الشعري‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز الدسوقي‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‪ )3‬محمود حسن إسماعيل‪ ،‬قصائد مجهولة‪ ،‬مصطفى يعقوب عبدالنبي‪ ،‬مجلة «جذور»‪ ،‬ج ‪ 26‬مج ‪،11‬‬ ‫فبراير ‪2008‬م‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الملك عبدالعزيز في مقال منسي للعقاد‪ ،‬مصطفى يعقوب عبدالنبي‪ ،‬مجلة «الفيصل» العدد ‪،239‬‬ ‫جمادى األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬يراجع المقال ضمن مجموعة المقاالت التي جمعها الزيات في كتابه «وحي الرسالة»‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.259‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪41‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نغما للحياة!‬ ‫يتحول‬ ‫عندما‬ ‫الموت ً‬ ‫قراءة في ديوان «معبر األضداد»‬ ‫للشاعر أحمد بلحاج آية وارهام‬

‫*‬

‫‪ρρ‬جناة الزباير**‬

‫الْ���مَ ���و ُْت َي ْ��ح ِ��ف��رُ فِ ���ي د َِم����ي‪َ ،‬و َك���أَنَّ���هُ‬ ‫يَطَ ُأ الْحَ يَاةَ‪ ،‬هَ ِل الْحَ يَا ُة خَ رَابَةٌ ؟‬

‫��ص مَ ��عَ��اوِ لُ��هُ ال ُّ��س��كُ ��ونُ الْ��مُ ْ��ح��رِ قُ‬ ‫لِ ٌّ‬ ‫َض���ـ���وْءٌ مُ ��ـ��قْ ��لِ ��ـ��قُ ؟!‬ ‫أَ ْم أَ َّن��ـ��هَ��ا عَ �� َب��ـ ٌ��ق و َ‬ ‫الشاعر‬

‫حفيف البداية‬ ‫أحمد بلحاج آي��ة واره���ام؛ ه��ذا الشاعر الكبير ال��ذي يسكن أح���داق القصيدة‬ ‫بتفرده‪ ،‬فيرى الكون من خالل أهدابها‪ ،‬ويمشي بخفيها بين العبارات واإلشارات‪،‬‬ ‫ليكتب ف��ي ه���ذا ال���دي���وان‪ ،‬ذي ال�����دالالت ال��ب��ال��غ��ة ال��دق��ة وال��خ��ص��وص��ي��ة‪ ،‬والغني‬ ‫بالتخييل والحدس الصوفي‪ ،‬جزء ًا من احتراق أنفاسه‪.‬‬ ‫فهل هو شاعر متمرد‪ ،‬اعتاد االنفتاح إش���اري‪ ،‬تقطع مسافاتها لغة تنزع‬

‫على العالم السري لصنع آفاقه المختلفة‪ ،‬األقنعة عن األشياء‪ ،‬وتجعل للمعنى‬ ‫والتي بلغت أقصاها في هذا الديوان؟ أج��ن��ح��ة ق��وي��ة تحلق ب��ي��ن ال��م��أل��وف‬ ‫أم أنه يطل على القارئ من خالل والالمألوف؟ ألن «لغة الشّ عر ليست‬ ‫رؤاه التي تحيط بممارسته الشعرية‪ ،‬لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق‪،»..‬‬

‫‪42‬‬

‫ال��ت��ي ح���ررت ذات���ه للسفر ف��ي عالم كما يقول أدونيس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ضوء خافت في جبة الذات‬ ‫إن الغوص في معالم الشعر العربي يجعلنا‬ ‫نقف عند لحظات انكسار كتبها الشعراء‬ ‫بحبر دمهم‪ ،‬من خالل قصائد سطروا فيها‬ ‫مسيرتهم الشعرية بإزميل الموت‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫أمل دنقل‪ ،‬وبدر شاكر السياب‪ ،‬وأبو القاسم‬ ‫الشابي‪ ،‬وأحمد بلحاج آية واره��ام‪ ،‬دون أن‬ ‫ننسى ذك���ر م��ح��م��ود دروي����ش ف��ي ج��داري��ت��ه‬ ‫وآخرين‪.‬‬ ‫فهل يرفع الشاعر الستار عن تراجيديا‬ ‫ذاتية نراها تمشي هنا وهناك في قصيدته أُجَ مِّ عُ جَ مْ َر ُان ِْشطَ ارِ ي‬ ‫الكونية «معبر األضداد»؟‬ ‫أُسَ كِّ رُ ظَ ِاه َر وَقْ تِ ي‬ ‫َاط ِن اُلالَّنِ هَائِ ي‬ ‫وص عَ لَى ب ِ‬ ‫وأي حقيقة هذه التي تنطوي بين جناحي أَغُ ُ‬ ‫َاسو‬ ‫ص��راخ��ه؟ وأي ان��ف�لات��ات تلك ال��ت��ي تعانق َكأَنِّي ِّبك ُ‬ ‫َي ِ�����دي َت���فْ ��� َت���حُ ُال ِْ����م����هْ ����رَجَ ����ا َن لأِ َلْ���������و َِان عُ ��مْ ٍ��ق‬ ‫الدالالت الرمزية المثقلة باألنين؟‬ ‫يقول‪:‬‬

‫يب‪.‬‬ ‫خَ ِص ٍ‬

‫إن المشهد السردي الذي نسج الشاعر‬ ‫تَخَ َّطفَنِ ي غُ ْصنُ َلي ٍْل‬ ‫خيوط صوره ومعانيه عبارة عن لوحة فنية‬ ‫وس‬ ‫َاش ال ُْحدُ ُ‬ ‫كَمَ ا َتتَخَ َّط ُف َقلْبَ ُا ْل َفر ِ‬ ‫تحاكي بألوانها المتعددة فن بيكاسو‪ ،‬ولكن‬ ‫إن الليل هو مفتاح القصيدة‪ /‬الديوان‪ ،‬عن أي مشهد سريالي سيتحدث‪ ،‬وهو يضع‬ ‫فمن هنا يبدأ الشاعر حكايته‪ ،‬ؤذ يسامر بين أيدينا بورتريه لحالة إنسانية تجنح بنا‬ ‫برهافة عمقه‪ ،‬ويمشي تحت ظالله باحثا نحو التأمل؟‬ ‫عن نفسه‪ .‬وف��ي لحظة خاطفة ارتمى في‬ ‫فالشاعر الكبير آية وارهام لم يشر للون‬ ‫سره‪ ،‬وتلوى بين أضداده‪ ،‬متبعثرا في سحره‪،‬‬ ‫محدد ك��ي ن��ط��ارد جمالياته‪ ،‬ب��ل تمثل في‬ ‫وغائصا في بحره‪.‬‬ ‫لحظة شعرية‪ ،‬فنانا رس��م أعماقه بفرشاة‬ ‫فهل كانت ه��ذه فاتحة للبحث في كهف عاطفية؛ فهل كرنفال األلوان الذي سكر منه‬ ‫ال��ذات عن هواجس تقيد معصم حبره؟ أم كان يستند على اللون األزرق‪ ،‬كمحور رمزي‬ ‫أنه ضجيج صامت يسكن الروح ويستند على يمثل الحزن والصفاء‪ ،‬باعتبار أن أهم مرحلة‬ ‫جدار القصيدة‪ ،‬لإلعالن عن ظهوره وهو يتلو مر منها بيكاسو هي المرحلة الزرقاء حسب‬ ‫علينا مزامير انشطاره؟‬ ‫نقاد الفن التشكيلي؟‬ ‫يقول في مقطع «لهوات الكوابيس»‪:‬‬

‫ول��ك��ن؛ لننس األل���وان قليال‪ ،‬ولنقل بأن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪43‬‬


‫الصو ِْت أَ ْيقَظَ نِ ي‬ ‫التركيبة النفسية الخاصة بالشاعر هنا تمر مَ طَ رُ َّ‬ ‫من مرحلة قلقة‪ ،‬فهو سينسى كل ما يحيط جَ سَ ِدي لَمْ ُي َبلَّلْ‬ ‫ْض َضوْءٍ جَ لِ يلْ ‪.‬‬ ‫به كي يغوص في أعماقه‪ ،‬ليصطاد فراشاته َولَكِ نْ حَ نَايَايَ َب َّل َلهَا َفي ُ‬ ‫النائمة في كف الالنهائي‪.‬‬

‫ض ْ��وؤُكَ ‪ .‬يقول إنه نوع من‬ ‫ال ِنهَائِي تَ َز َّل َج َ‬ ‫ِل َّ‬ ‫االغتراب الروحي ذاك ال��ذي جعل الشاعر‬ ‫يقطع عالقته بالعالم الحسي‪ ،‬لخلق معادلة‬ ‫بين ظاهر األشياء وباطنها‪ ،‬في رحلة وجودية‬ ‫تترجم مكنونات النفس التي ترتوي من نبع‬ ‫صوفي‪ ،‬ليخرج بنتيجة مهمة وهو يغير مسار‬ ‫الخطاب الشعري من المتكلم نحو المُخاطَ ب‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫َما ِمنْ أَحَ دْ‬ ‫ُك إِ نْ لَمْ تَكُ نْ أَنْتَ‬ ‫يَكُ ون َ‬ ‫مَ ا ِمنْ أَحَ دْ‬ ‫يَرُ ُّش بِ يُ ت ِْمهِ َق ْبرَكَ‬ ‫أَ ْو َك َفن َْك‪.‬‬

‫لقد ح���اول اإلف����راج ع��ن ه��واج��س��ه التي‬ ‫حولت تجربته الفردية إل��ى دالالت رمزية‪،‬‬ ‫تحاصر معاناته في بؤرة فنية‪ ،‬فتح من خالل‬ ‫نافذتها آفاقا جمالية تخترق بلغتها الشفافة‬ ‫المستحيل‪ ،‬بعيدا عن االن���زواء داخ��ل رؤية‬ ‫أحادية‪.‬‬ ‫شظايا من انكسارات الروح‬ ‫إن ع��ب��ور عتبات الجسد‪ ،‬توصلنا نحو‬ ‫منافي ال نجد فيها غير لغة مخنوقة باأللم‪،‬‬ ‫تتسكع فيها مرايا الشاعر الداخلية التي‬ ‫تعكس ترنّحه بين أمواج الذات الممزقة‪.‬‬

‫فهل هو سقوط في دائرة الصراخ المكتوب‬ ‫بماء الجراح النازف؟ أم إنه اتكاء على غصن‬ ‫الصحو والهذيان‪ ،‬لكتابة اعترافات تلتحف‬ ‫فإذا كان سقراط قد قال‪« :‬اعرف نفسك التساؤالت؟‬ ‫بنفسك»‪ ،‬والشاعر أحمد مطر في قصيدته‬ ‫يقول في «مخاتلة األنقاض»‪:‬‬ ‫«البحث عن ال���ذات» يقول‪« :‬اع��رف نفسك‬ ‫بنفسك‪ ..‬قم وابحث عن ذاتك»‪ ،‬فإن حكمة جَ سَ دٌ‬ ‫يط تَمَ زُّ عَ هُ‬ ‫شاعرنا تتجاوز ما ذكرناه‪ ،‬ليقول لنا بأن «ال فِ ي الْمَ شَ افِ ي ي َِخ ُ‬ ‫َاضهُ‬ ‫أحد يكونك إن لم تكن أنت»‪َ ( ،‬ف ُك ْن أَنْتَ ذَاتَكَ ) َويُخَ اتِ لُ أَ ْنق َ‬ ‫تَا َر ًة‬ ‫يردد في مقطع « تَحْ تَ ن ُْص ِب دُوغُولْ»‪.‬‬

‫اس ِم ُجرْعَ ةِ َص ْحوٍ ‪،‬‬ ‫بِ ْ‬ ‫فالصوتان المتحاوران ليسا سوى صوت‬ ‫ْصدُ ُه‬ ‫يضهُ َير ُ‬ ‫ن َِق ُ‬ ‫الشاعر المتعدد المالمح‪ ،‬إذ ن��راه ينتصر‬ ‫وق ا ْل َهوَاءِ‬ ‫فِ ي ُشقُ ِ‬

‫‪44‬‬

‫لفلسفة الحياة التي تعتمد على القوة في‬ ‫السيطرة على األشياء‪ ،‬والتي يستمد طاقتها‬ ‫***‬ ‫م��ن لغة عمقه المسكون ب��أن��وار التجليات‬ ‫ي��ح��اول ال��ش��اع��ر رص���د رع��ش��ة أوراق����ه‬ ‫والمكاشفات‪.‬‬ ‫ال��ن��ف��س��ي��ة‪ ،‬وال��ت��ي م��ن خ�لال��ه��ا ي��ق��رأ ذات��ه‬ ‫المصلوبة فوق جذع الفراغ المرعب‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫فالمكان‪ ،‬هو المستشفى؛ والجسد‪ ،‬هو‬ ‫أيقونة الحكي؛ فبقدر ما يقترب منه نراه‬ ‫يبتعد عنه متأمال صراخه‪ ،‬ليروي لنا تلك‬ ‫اللحظات التي نشر فيها خرائطه‪ ،‬ومعاو ُل‬ ‫األلم تهدم راحته‪.‬‬ ‫هكذا يضفي الشاعر نوعا من الواقعية‬ ‫على شعره الغني بسرد مفتوح على حيرة‬ ‫كبرى‪ ،‬يحاول من خاللها أن يهيئنا الستقبال‬ ‫غربة مشبعة بغنائية حزينة‪ ،‬ومتلفعة بخوف‬ ‫جارف‪ ،‬إنها ذاته الممزقة إلى أجزاء‪ ،‬يخاطب‬ ‫كل جزء اآلخر لتجتمع الشظايا كلها بين يديه‪.‬‬ ‫وكأنه يقول مع الشاعر محمود درويش‪ :‬أنا‬ ‫الغريب بكل ما أوتيت من لغتي‪..‬‬

‫الصهِ يلْ ‪.‬‬ ‫يج َّ‬ ‫ِمثْلَ أَرِ ِ‬

‫يقول‪:‬‬ ‫لقد مد الموت أصابعه ليقلب صفحات‬ ‫أَذَاكَ أَنَا؟‬ ‫مُ����رَّة‪ ،‬فبين م��رض ال��ش��اع��ر وف��ق��ده لعمته‬ ‫هَ لْ أَعُ ودُ ؟‬ ‫«عائشة» التي قال عنها «هي أيقونة دمي»‪،‬‬ ‫تَسَ ا َءل ُْت مُ ْلت َِصقً ا بِ ِجدَارِ ا ْل َغي َِاه ِب‬ ‫ك��ان لحاف اآله���ات يلف ال���ذات‪ ،‬ف�لا نكاد‬ ‫مُ ْلت َِحفً ا عَ رَقِ ي‪.‬‬ ‫أنين يمشي بخطاه ف��وق صدر‬ ‫نسمع غير ٍ‬ ‫ففي مشهد سينمائي التقط بكاميرا الكالم‪.‬‬ ‫نفسية دقيقة صورة جمالية مكثفة‪ ،‬ووضعها‬ ‫فخاخ المواجع‬ ‫بين يدي القارئ‪ ،‬إذ نرى ظل الشاعر يتحرك‬ ‫لقد تحوّل الديوان لحلبة مصارعة شعرية‬ ‫بين زواي��ا المفردات م��ذع��ورا‪ ،‬وك��أن نصفه‬ ‫ي��دع��وه لكسر قيود ال��م��رض الشريد داخ��ل حزينة‪ ،‬ألن الشاعر ترنّح صريع اليأس مرات‪،‬‬ ‫نبضه‪ ،‬والنصف اآلخر يجلس متأمال محنته وإن حرك بوصلة أعماقه في اتجاه الهروب‬ ‫الحس‬ ‫ُّ‬ ‫وهو يقطع فيافي األمل؛ فمن يدري قد يتغير من براثنه في فترات أخ��رى‪ .‬ليبقى‬ ‫كل شيء ويصبح للعمر م��وّال جديد يسرقه التراجيدي مسيطرا على مجريات رحلته منذ‬ ‫َفت ِْحهِ باب الليل‪ ،‬واالستمرار في المشي بين‬ ‫مما كان!‬ ‫أحجاره‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫ُربَّمَ ا الْعُ مْ رُ ي َْص ُحو عَ لَى قُ ْبلَةٍ‬ ‫َو َيرَى ال َّثلْجَ أ َْخ َض َر‬ ‫وح ا ْله َِديلْ‬ ‫َفوْقَ ُس ُط ِ‬ ‫ُربَّمَ ا ا ْلوَقْ ُت ي ُْخرِ جُ شَ ْطأَ ُه‬

‫يقول‪:‬‬

‫ هَ ذَا الْجَ سَ دْ‬‫خَ ائِ ٌن‬ ‫َات الزَّ بَدْ‬ ‫َيتَحَ وَّ ى َوي َْطفُ و كَمَ ا نَهْ َنه ُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪45‬‬


‫ون��ذك��ر منها أي ال��رم��وز (أراغ����ون وإل���زا‪،‬‬ ‫أَثْخَ َنتْهُ ال َّنوَى‬ ‫َات الْمَ نَايَا‬ ‫َاس َتبَدَّ تْ بِ هِ سَ َكر ُ‬ ‫و ْ‬ ‫فولتير‪،،‬إيديث ب��ي��اف‪ ،‬روالن ب���ارث‪ ،‬جاك‬ ‫عَ لَى شَ رْشَ ٍف‬ ‫ديريدا‪ ،‬فولتير‪ِ ،‬إ ْرنِسْ تُوت ِْشي ِجيفَارَا‪ ،‬شَ ارْل‬ ‫َات مَ نْ مُ دِّ دُ و ْا َف ْوقَهُ‬ ‫ل َِس ٍن بِ ِحكَاي ِ‬ ‫بُو ْدلِيرْ‪ ،‬فَ��ا ْن غُ��وغْ‪ )..‬وآخرين ممن صنعوا‬ ‫لِ عُ بُورِ الْجَ ِحيمْ ‪.‬‬ ‫سقفا فلسفيا وفنيا لهذا الديوان‪ ،‬دون أن‬ ‫و يخترق الشاعر كثافة الحزن المخبأ في ننسى األمكنة التي زاره��ا أو التي نصبت‬ ‫التِينِي‪،‬‬ ‫غيمة قلبه‪ ،‬وهو يحيلنا نحو المالمح األولى خيامها في وجدانه‪ .‬ومنها (الحي ال َّ‬ ‫لخلق اإلنسان وسقوطه في ِشباك الخطيئة‪،‬‬ ‫َاس‪،‬‬ ‫شَ ا ْن زِ يلِيزِ ي‪ ،‬بُرج إيفل‪ ،‬مقهى مُونْبَارن ْ‬ ‫حين باع آدم نعيم الجنة بجحيم األرض‪.‬‬ ‫شيراز‪..،‬إلخ)‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫يقول في مكان آخر‪:‬‬

‫كَا َن آدَمُ يَقْ َرأُنِ ي َذ َّر ًة‬ ‫َالصل ِْب‬ ‫َاب ال َّترَائِ ِب و ُّ‬ ‫فِ ي كِ ت ِ‬ ‫َاث ِمنْ سَ ْوءَتِ ي‬ ‫َي ْلت ُ‬ ‫مَ دَّ لِ ي نَفْ حَ ةً‬ ‫ِمنْ غَ ِضيرِ الَّتِ ي كَا َن ِم ْنهَا أَكَلْ‬

‫إنها جدلية البداية والنهاية التي تميط‬ ‫اللثام عن روح دثّرها إزار الوجود‪ ،‬في انتظار‬ ‫قصيدة معافاة‪َ ،‬فر َِح ُم الديوان لم تلد غير‬ ‫الظالم‪ .‬لتتحول باريس إلى نعش كبير‪ ،‬ألم‬ ‫تمد حبالها لسَ جْ نه في دائرة التباريح؟ يقول‬ ‫متسائال في استنكار‪:‬‬

‫يس أَرَاهَ ا‬ ‫مَ ا لِ بَارِ َ‬ ‫ت َْصطَ ِفي نَعْ ِشي؟‬ ‫فالمسرح ال��ذي اختاره الشاعر الرائد‬ ‫أحمد بلحاج آية وارهام كي ينثر فيه أزمنته‬ ‫المتعددة‪ ،‬كانت مدينة النور‪ ،‬هذه التفاحة‬ ‫الضوئية التي تتكئ على تراثها اإلنساني‪،‬‬ ‫وال��ذي استلهم رموزها كي يستطيع تجاوز‬ ‫الذبح ال��ذي تعرضت له ذات��ه الرومانسية‪،‬‬

‫يس مَ ْطعَمُ نُورٍ‬ ‫بَارِ ُ‬ ‫إِ ذَا ُطفْ تَ فِ يهِ ا ْر َتدَتْ نَفْ ُس َك الأْ َز ِْم َن ْه‬ ‫نعم؛ إنها أنفاس جمالية تطوف بأقداح‬ ‫االنفعاالت‪ ،‬فضاء خلخل الشاعر تقنياته‬ ‫باالنفتاح على كل العوالم‪ ،‬وه��ذا وإن دل‬ ‫على شيء فإنما يدل على بناء متين للنص‬ ‫الوارهامي‪.‬‬ ‫نوتة النهاية‬ ‫كانت باريس فضاء لحكي مشبع بالثراء‬ ‫الشعري‪ ،‬والنغم األوريفي المغلف بالشجن‪،‬‬ ‫والذي تماهى مع مختلف الصور الدرامية‬ ‫المتحركة ف��ي غنائية بحتة‪ .‬ليبقى هذا‬ ‫ال��دي��وان وإن ت��دف��ق النزيف بين أس���واره‪،‬‬ ‫واهتزت جنباته برياح المعاناة‪ ،‬صوتا قويا‬ ‫يُخرج الذات من طوفان الموت نحو شاطئ‬ ‫الحياة‪.‬‬

‫ * صدر ديوان «معبر األض��داد» عن منشورات أفروديت‪ ،‬ترجم إلى اللغة الفرنسية من طرف المترجم‬ ‫الشاعر الطاهر لكنيزي‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫** شاعرة وناقدة من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬هشام بنشاوي*‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫في مديح الكتابة‬ ‫فرحا وشغبَا‪ ،‬تشعل الحروب بين الشعراء‪،‬‬ ‫تشبه قصيدة النثر طفلة ممتلئة ً‬ ‫وتمضي غير عابئة بالجرحى والمعطوبين؛ إنها «ك��ال��دول��ة العبرية‪ ،‬ول��دت في‬ ‫الحروب وال تعيش إال في مناخات الحروب»! بتعبير جهاد فاضل؛ وال ننس الضجة‬ ‫الكبرى التي أثارها كتاب «قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء» لصاحب «مدينة بال‬ ‫قلب»‪ ..‬الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي‪.‬‬ ‫ويرى زولي أن الشاعر‪ ،‬هو مَن يعيش‬ ‫القصيدة في يومياته‪ ،‬قبل أن تتحوّل‬ ‫إلى لغة مكتوبة على الورق‪ ،‬وبالتالي لن‬ ‫يكون ثمّة طقس للقصيدة قبل الكتابة‬ ‫وبعدها‪.‬‬

‫ودفاعا عن قصيدة النثر‪ ،‬عن حرقة‬ ‫الكتابة وأشياء أخرى‪ ،‬خصص الشاعر‬ ‫السعودي إبراهيم زولي إصداره األخير‬ ‫(مخرج للطوارئ «نصوص مفتوحة»)‪،‬‬ ‫وق��د ع���رّف الكتابة بأنها م��وع��د مع‬ ‫الغياب‪ ،‬أو هي المكوث بانتظار جودو‪،‬‬ ‫وم��ع ازده��ار ثقافة التصفيق‪ ،‬على‬ ‫قريبة من البحث عن وليد مسعود‪ .‬قد الشاعر أن يلوذ بصمته الحكيم‪ ،‬وعزلته‬ ‫تأتي وقد ال تأتي‪.‬‬ ‫المضيئة‪ ،‬بعيداً بعيداً ع��ن الهشيم‪،‬‬ ‫«األوراق‪ ،‬وستة عشر بحراً‪ ،‬وإرثٌ والصخب المجّ ان‪ ،‬ألن الكتابة الحقيقية‬ ‫هائل من قصائد النثر‪ ،‬وقلم دون غطاء‪ ،‬تتكئ على عالئقها المكينة بالذاكرة‬ ‫ولوحة مفاتيح شاهتْ حروفها بالنقر والتخييل‪ ،‬في مسعى حثيث النقالب‬ ‫��ظ وم��ف��كّ��ك‪،‬‬ ‫أب��ي��ض ع��ل��ى ع��ال��م م��ت��ش ّ‬ ‫المتوالي من السبّابة اليسرى‪.‬‬ ‫هاجسها ديمومة تتعالى على الزمن‬ ‫وتط ّل قصيدة النثر‪ ،‬ذات الكلمات‬ ‫والظروف المرحلية‪ .‬وليس ثمّة شكل‬ ‫المغسولة بعناية‪ ،‬والنظيفة كطفل‬ ‫يرتقب بعد قصيدة النثر‪ ،‬ذلك أن داخل‬ ‫يذهب في يومه األول للمدرسة‪ .‬تلك‬ ‫هذا النمط‪ ،‬أنماط مختلفة في إطار‬ ‫التي بإيمان كبير تهدم وثنية اإلطناب‪،‬‬ ‫واحد‪ ،‬وبالتالي فتخلّقات الشعر الجديد‬ ‫وال تبجّ ل شراسة اإليقاع‪ ،‬معها يفيض‬ ‫لن تخرج عن هذا النموذج غالبا‪ ،‬أقلّه‬ ‫المعنى في جمل قليلة»‪.‬‬ ‫ف��ي المستقبل ال��ق��ري��ب‪ ،‬على الرغم‬ ‫***‬ ‫من إف��ادة هذا النوع من كل التجلّيات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪47‬‬


‫اإلبداعية واألدبية من سينما ومسرح وسرد‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن تداخل األجناس معادل رمزي‬ ‫وظ�� ّل من ظالل العولمة‬ ‫للتداخل الحياتي‪ِ ،‬‬ ‫التي تقتحمنا حيثما كنا‪ .‬والشعر‪ ،‬دون ريب‪،‬‬ ‫في صدارة المتأثرين بتحوّالت العصر‪ ،‬ولو‬ ‫لم يكن كائنا ح ّياً يقبل التأثر والتأثير لما‬ ‫كانت له هذه الديمومة عبر العصور‪.‬‬ ‫فسحة م��ن الكلمات وقليل م��ن الضوء‬ ‫النبيل‪ ،‬ذلك ما يدّخره الشاعر في مواجهة‬ ‫ال��ع��ال��م‪ .‬ن��ع��م‪ ،‬بمحض إرادت����ه ق��د يختار‬ ‫الشاعر طريقة موته‪ ،‬الطريقة التي تتناسب‬ ‫وغربته ال��وج��ودي��ة‪ .‬إن ل��م يستطع اختيار‬ ‫والدته‪ ،‬فليخت ْر حتفه بيديه‪ ،‬لتكن نهايته كما‬ ‫يشاء‪ .‬ذلك فعل شعري بامتياز‪ ،‬موقف من‬ ‫العالم الذي يناصبه العداء والسخرية‪ .‬وال‬ ‫عجب‪ ،‬أن يكون الشعراء أكثر المنتحرين‬ ‫عن سواهم من المبدعين‪ ،‬فمثاالً ال حصراً؛‬ ‫خليل حاوي عرب ّياً‪ .‬وعالمياً‪ :‬سيلفيا بالث‪،‬‬ ‫وآن سكستون‪ ،‬وصاحب «غيمة في بنطلون»‬ ‫الروسي ماياكوفسكي‪.‬‬ ‫حالة االنتحار إذاً‪ ،‬ال تبتعد كثيراً عن‬ ‫ن��ص م��ف��ارق للسائد‬ ‫ن��ص مختلف‪ّ ،‬‬ ‫كتابة ّ‬ ‫وال��م��أل��وف‪ ،‬كالهما فع ٌل يجترح ال��ع��ادي‪،‬‬ ‫ويلقي حجراً في نهر الواقع‪ ،‬واقع موسوم‬ ‫بالركود والسكون‪ .‬وحتماً‪ ،‬ستكون القصائد‬ ‫من أوائل المشيِّعين‪ ،‬ووحدها من ستتجمهر‬ ‫على نعشه دون أن تستأذن اآلخرين‬ ‫***‬

‫‪48‬‬

‫بالنسبة إلى إبراهيم زولي‪ ..‬القرى لم تعد‬ ‫قرى‪ ،‬ولم تتحوّل إلى مدن بالمفهوم الواسع‬ ‫للكلمة‪ ،‬هي بين بين‪ ،‬في منطقة رماديّة بين‬ ‫األبيض واألسود‪ ،‬كائن شبحيّ ال نستد ّل عليه‪،‬‬ ‫وال يستد ّل علينا‪ ،‬ق��رى تشيح بوجهها عنا‬ ‫ك ّل صباح مخافة أن نكشف زيفها وضاللها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫فالقرية التي تسكنه‪ ،‬قرية م��ن لغة وك�لام‬ ‫مصفّى‪ ،‬ق��ري��ة ف��ي خ��رائ��ط المخيّلة‪ ،‬قرية‬ ‫يلوذ بها الشاعر م��ن صخب جهنمي يضجّ‬ ‫ف��ي رأس���ه‪ ،‬قرية تسكن الكتب المستريبة‪،‬‬ ‫والتضاريس المارقة‪ .‬ويعتقد أن القرية ‪-‬‬ ‫بعوالمها السحرية وفضاءاتها الرحبة‪ -‬لم‬ ‫تستثمر بما فيه الكفاية‪ ،‬ولما ت��زل مثقلة‬ ‫بالدالالت واإليحاءات في ك ّل أجناس الكتابة‪،‬‬ ‫وليس القصيدة فحسب‪ .‬لهذا يظل «الجنوب‪،‬‬ ‫طعنة مضيئة تنبعث ك��ال��ب��رق‪ ،‬طعنة‪ ،‬تفتح‬ ‫عين الشاعر على مساحات العطش‪ ،‬تلك‬ ‫المساحات التي تعبث بكينونته‪ ،‬من صرخة‬ ‫ال��والدة حتى شهقة الكفن‪ ،‬م��رورا بالنهارات‬ ‫الفقيرة وان��ح��ن��اءات ال��ب��ي��وت»‪ .‬م��ن دون أن‬ ‫يكون متحامال على استئثار الشمال بكثير من‬ ‫األشياء‪ ،‬ذلك الشمال الذي انفرد حتى بتدوين‬ ‫اللغة منذ البدء‪ ،‬وتضامنت معه البوصلة في‬ ‫انحياز سافر‪.‬‬


‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ويحن زول��ي في نصوصه المفتوحة إلى وال��ل��غ��وي‪ ،‬وال ينتهي ب��األس��ط��وري‪ ،‬لخوض‬ ‫الطفولة ك��ذاك��رة مشاغبة تسترق الكلمات التجربة الجديدة بأقدام راسخة؛ لهذا‪ ،‬جاءت‬ ‫المخبّأة في ذمّة البحر‪ ،‬ثم ترشقها بالضوء تجربة التضاريس مختلفة لغة ورؤيا‪.‬‬ ‫الكريم‪« .‬الطفولة كنز كامن بالشعرية‪ ،‬لم‬ ‫***‬ ‫نستنفد التعبير عنها حتى ه��ذه اللحظة‪،‬‬ ‫وفي كتابة جارحة تفضح الوسط الثقافي‬ ‫الطفولة ث��روة من األل��وان الحميمة يتأجّ ج‬ ‫ألقها بالكتابة‪ .‬هي واحدة من أولئك الذين الموبوء‪ ،‬يصف حضوره الجتماع المثقفين‬ ‫يستطيعون إضرام النيران في جسد القصيدة‪ ،‬ال����ذي ي��ع��ق��د ك��ل ج��م��ع��ة ف��ي م��ق��ه��ى زه��رة‬ ‫البستان بوسط القاهرة‪ ،‬وكانت الجلسة‬ ‫وينفخون روح الحياة فيها تارة أخرى»‪.‬‬ ‫تضم عددا من المبدعين منهم‪ :‬عبدالمنعم‬ ‫***‬ ‫رمضان‪ ،‬ومكاوي سعيد‪ ،‬وهدى حسين‪ ،‬وطه‬ ‫نكاية في المشهد الثقافي العربي الجاحد‪ ،‬عبدالمنعم‪ ،‬ونجاة علي‪ ،‬وعزت القمحاوي‪،‬‬ ‫وب��ن��ب��رة وف���اء شجي لشاعر س��ع��ودي كبير‪ ،‬وأمل عبداهلل‪ ،‬وجاءت سيدة ثالثينية يبدو‬ ‫اعتبر صاحب «شجر ه��ارب في الخرائط» عليها التعب واﻹرهاق‪ .‬وبعد السالم‪ ،‬سألها‬ ‫محمد الثبيتي‪ ،‬يمثل حالة استثنائية في عبدالمنعم رمضان‪« :‬إزيّك يا مي؟»‪ ،‬ثم طلبت‬ ‫المشهد الشعري السعودي‪ ،‬إن لم نقل في سيجارة وكوبا من الشاي‪ ،‬وبعد قليل جاءت‬ ‫الجزيرة العربية خالل الربع األخير من القرن تطلب رقم جابر عصفور‪ ،‬وكان وزيرا للثقافة‬ ‫العشرين‪ .‬وقد كان مبدع «التضاريس» صوتا حينئذ‪ ،‬قائلة‪« :‬عاوزه أكلم وزير الثقافة‪ ،‬أريد‬ ‫مغايرا‪ ،‬استطاع بحرفة شعرية أن يوائم بين عالجا على نفقة الدولة‪ ،‬في العباسية أو في‬ ‫النخبوية والجماهيرية في مزج إبداعي لم أي مكان»‪ .‬فسأل إبراهيم الشاعر عبدالمنعم‬ ‫يتوفر إال لقامات ن��ادرة يتقدمهم دروي��ش‪ .‬رمضان‪ :‬مَن هذه المرأة؟ فأجابه‪ :‬هذه مي‪،‬‬ ‫ول���م ت��ك��ن ت��ج��رب��ة ص��اح��ب م��وق��ف ال��رم��ال‪ ،‬ابنة الشاعر ص�لاح عبدالصبور‪ ،‬مريضة‬ ‫غريبة الوجه واليد واللسان‪ ،‬ول��م تكن نبتاً نفسياً‪ ،‬وتحلم بالعالج‪.‬‬ ‫شيطانياً‪ ،‬بل جاءت تنامياً للمراحل السابقة‬ ‫شعر زول��ي بغصة في الحلق‪ ،‬متحسرا‬ ‫على التضاريس‪ ،‬بدءاً بعاشقة الزمن الوردي‪ ،‬على حال ابنة رائد المسرح الشعري العربي‪،‬‬ ‫مروراً بـ «تهجّ يت حلماً تهجيت وهماً»‪ .‬وكان وص��اح��ب ال��ق��ص��ي��دة اﻷش��ه��ر «ال��ن��اس في‬ ‫سيد البيد ينزع من البدء لخلق معجم شعري بالدي»‪ ،‬وديوانَيْ «أقول لكم»‪ ،‬و«تأمالت في‬ ‫خاص به؛ معجم الصحراء‪ ،‬المعجم‪ ،‬الذي زمن جريح»‪ ،‬وهي تتسوّل العالج‪ ..‬أصيب‬ ‫كان يتكئ على مفردة تراثية‪ .‬وهذا المزج بين بكآبة غريبة‪ ،‬وقال في نفسه‪« :‬بئس الثقافة‬ ‫اللغة المعجمية في سياقات حديثة مع تنوّع إن ل��م تتحول إل��ى س��ل��وك‪ ،‬وسحقاً ل�لأدب‬ ‫في اإليقاع العروضي‪ .‬ولم تكن فرادته قادمة ال��ذي ال نعرف من معناه إال المطبوعات‬ ‫من ف��راغ‪ ،‬بل كان يتمثل أيضا منجز التراث والمجالت والمهرجانات»‪ ،‬وخرج من مقهى‬ ‫العربي واإلنساني‪ .‬وقد مهد له هذا الفضاء الزهرة وهو ي��ردد بوجع ب��اذخ‪« :‬الناس في‬ ‫والمعمار الفني الذي يبدأ بالمستوى اإليقاعي بالدي جارحون كالصقور»‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫نصوص قصيرة‬ ‫برتقالي تبقّ ُع ُه‬ ‫ِز ٌّي‬ ‫ّ‬ ‫أنفاس الغرقى‬ ‫ُ‬

‫‪ρρ‬عبداهلل السفر*‬

‫‪ ...‬فلمّا اضطربَ ورغبَ في اللجِّ ؛ أنك َرهُ البح ُر وتآم َر عليه الصيّادون‪.‬‬ ‫*****‬

‫ُص حكايتَكَ وال تَه َِب السور‪.‬‬ ‫هذه هي الحديقة‪ .‬ق َّ‬ ‫*****‬

‫تح ّت َم عليه أن يعبر‪ .‬تح ّت َم عليه أن يجر َع كلَّ هذا السُّ م‪ ،‬وأنتَ يا «حبّك ِسباني‬ ‫يا سَ مرة» ماذا كنتَ تصنع؟‬ ‫*****‬

‫وفخاخك‪ .‬تتحيّن فرص َة االنقضاض‪ .‬ويحدثُ‬ ‫ِ‬ ‫يذهبُ بعيداً‪ ،‬وأنت ورا َءهُ بحبالِكَ‬ ‫أنك تطب ُق عليه وتنظر‪ .‬انظرْ؛ فلن تج َد سواك في الفكرة‪ .‬يجأ ُر بيدينِ حسيرتين‪.‬‬ ‫*****‬

‫عبداهلل! تتلفّتُ مذعوراً‪.‬‬ ‫عبداهلل! تلتفتُ باسماً‪.‬‬ ‫إال َم ينقّلونَكَ على هذه الرقعة؛ في هذه اللعبة‪ ،‬والضرب ُة األخيرة ليست لك؟‬ ‫*****‬

‫وحبل مبروم‬ ‫ٍ‬ ‫برقبة نحيلة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تشغل ُ ُه النحنح ُة عن الصدى‪ ..‬يتفشّ ى على الحائط‬ ‫جدلتْ ُه الغلظ ُة بأسنانها الحديد‪.‬‬ ‫*****‬

‫الشوط موشك‪ .‬إنه تمري ُن‬ ‫َ‬ ‫صافرةٌ طويلة ال تعني أن المباراةَ انتهت أو أن‬ ‫أنفاس الغرقى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلفالس بالزيِّ البرتقاليّ تب ّق ُع ُه‬ ‫*****‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫بع َد ك ِّل هذا الرماد؟‬

‫*****‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫الطفل ُة التي علّقتْ يدَها على يدي‪ ،‬ونسيتْها هناك‪ .‬كيف تجيءُ اليو َم تستعيدُها‬

‫والحصادون‪ ،‬فكن جاهزاً بالممحاة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سيأتي الورّاقون‬ ‫*****‬

‫أ ّيتُها الطبو ُل من يدق ُِّك؛ يضخّ ُم الفرا َغ وحسب‪.‬‬ ‫*****‬

‫َصتْ قلبَ ُه أغنية‪.‬‬ ‫أرداهُ العنب‪ ،‬وعَ ق َ‬ ‫*****‬

‫«ج ّدلي يا ام الجدايل ج�� ّدل��ي»‪ .‬األغني ُة وح�� َده��ا‪ .‬الطفل ُة وح�� َده��ا‪ ،‬والبَكَرةُ‬

‫تدووور‪...‬‬

‫*****‬

‫ث ّم َة كلبٌ أسود ال يفار ُق الحكاي َة أبداً‪.‬‬ ‫*****‬

‫حتى وهو يوجّ ه نظراته لآلخرين ويتحدّث عنهم‪ ،‬فذلك ليس اهتماماً بمقدار ما‬

‫هو مدخل إلى حالة هذيانية عن ذاته الغارقة في مرآتها التي ال ترى أحداً سواها‪.‬‬ ‫*****‬

‫يراقب بدقّة‪ ،‬لكن في المرآة فقط‪.‬‬ ‫*****‬

‫بمهل‬ ‫ما تع ُّدهُ اختياراً نهائ ّياً‪ ،‬ما هو إال مجزرة‪ .‬تصفية حساب أنجزها الالوعي ٍ‬

‫ولم تب َق إال السكين التي تضعها على نحرك‪.‬‬ ‫*****‬

‫الهارب في الصفحات‪ .‬انتب ْه إليه‪ .‬ربما هذه التي تراها‪ .‬لم تكن نقطةً‪ .‬رماده‪.‬‬

‫رماده‪ .‬تح ّق ْق منها جيداً‪.‬‬

‫* قاص وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪51‬‬


‫الذي اختفى داخل قميصه‬ ‫‪ρρ‬وفاء احلربي*‬

‫في صغري كنت إذا شعرت بالخوف فأظنه لصاً يريد أن يقتلني ويسرق‬ ‫أضع رأسي داخل قميصي وأتخيل أنني ألعابي‪ .‬ع��اش رأس��ي داخ��ل قميصي‪،‬‬ ‫دخلت حديقة سرية ال يعرف بها أحد داخل حديقتي السرية أكثر مما عاش‬ ‫س��واي‪ ..‬فأُبقي رأس��ي داخ��ل القميص ف��ي ال��خ��ارج‪ ..‬حديقتي السرية التي‬ ‫حتى يتبدد خوفي‪ .‬زوج��ة أبي لم تكن‬ ‫أحفظ تفاصيلها‪ ،‬شجرة شجرة‪ ،‬وردة‬ ‫شريرة للغاية‪ ،‬غير أنها حين تغضب‬ ‫وردة‪ ،‬البيت وجدرانه الملونة‪ ،‬أحيانا‬ ‫فحتى أبي يخاف منها‪ ،‬يغادر البيت وال‬ ‫أراه قصرًا كبيرًا‪ ،‬وأحيانا كوخً ا خشبيًا‬ ‫يعود حتى تهدأ‪ .‬ال أملك أية مشاعر‬ ‫ال يتسع ألكثر من شخصين‪ ،‬لعل األمر‬ ‫تجاهها‪ ،‬فقد كانت مثل معلمة صف‬ ‫متفانية في عملها إل��ى درج��ة ال وقت مرتبط بشدة خوفي حينها‪.‬‬ ‫لديها لتبادل المشاعر‪ .‬كانت تطعمني‪،‬‬ ‫تطور األم��ر‪ ..‬صرت أثني أقدامي‪،‬‬ ‫تحرص على نظافتي‪ ،‬وج���دول نومي أتكوّر وأظ ّل داخل قميصي حتى يطلع‬ ‫الثابت‪ .‬فقط ال شيء آخر‪ .‬أما أبي‪ ،‬ربما النهار‪ .‬لقد كبرتُ اآلن ويبدو أنني قد‬ ‫كان يعاني من مشكلة ما‪ ،‬فهو كمن يرفع‬ ‫تغلبت على م��خ��اوف��ي كلها‪ .‬ه��ا أن��ذا‬ ‫الفتة «ممنوع اللمس‪ ..‬ممنوع االقتراب»‬ ‫أجلس مطمئنا داخل حديقتي السرية‪.‬‬ ‫يجلس بعيدا عني‪ ،‬يخاطبني كأب‪ ،‬غير‬ ‫وال أعلم ه��ل رأي��ت شيئًا مخيفًا إلى‬ ‫حريصا على أن ال يحدث بيننا‬ ‫ً‬ ‫أنه كان‬ ‫حد الموت بحيث وضعت رأسي داخل‬ ‫أي ات��ص��ال ج��س��دي‪ ..‬ال أح��ض��ان‪ ،‬وال‬ ‫قبالت أبوية حانية مطلقا‪ .‬عشت طفال قميصي ولم أ ُخرجه منه أبدًا‪ .‬أم أنني‬ ‫مرعوبا طوال الوقت‪ ،‬خائفا من البقاء حرصت على أن أعيش في مكان يبدو‬ ‫وح��دي‪ ،‬من الظالم‪ ،‬من الوحش تحت تماما مثل الحديقة التي أدخلها حين‬ ‫السرير‪ ،‬من الستارة التي يحركها الهواء أضع رأسي داخل القميص‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬مشاري محمد*‬

‫كانت موهبته في اكتشاف حبكة أي قصة‬ ‫قبل نهايتها ال تصدق‪ .‬كان يطالب الموظف‬ ‫على شباك أي دار ع��رض ل�لأف�لام بدفع‬ ‫نصف السعر فقط‪ ،‬ألنه بعد م��رور نصف‬ ‫الفلم تقريباً يكون قد خمّن ماذا سيحدث‬ ‫وق��ام من كرسيه وخ��رج‪ ،‬ك��ان يكفيه ق��راءة‬ ‫نصف أي رواية ليعيدها إلى الرف وقد خمن‬ ‫بسهولة وانتهى بما سيحدث في الصفحات‬ ‫األخيرة منها‪.‬‬

‫عن أي طريقة ليسقط فيها‪ ،‬حتى بعد تجاوز‬ ‫الثالثين ما تزال هذه هي هوايته المفضلة‪،‬‬ ‫وكلما س��أل��ه أص��دق��اؤه ع��ن ه��ذه الهواية‬ ‫الغريبة في هذا السن‪ ،‬بنفس اإلجابة دائماً‪،‬‬ ‫يرفع بنطاله إلى األعلى ويضحك ضحكة‬ ‫قصيرة متواضعة ويقول‪« :‬هه ال يمكن أن‬ ‫تكبر عن مثل هذه األشياء أبداً» في الواقع‬ ‫لقد شكّل له جمهوره الخاص من الجيران‬ ‫الذين يسكنون في الطوابق التي تحته‪.‬‬

‫في المرة األخيرة عندما رأى أنه يستطيع‬ ‫التخمين بحبكة أكبر وهي قصة حياته‪ ،‬قفز‬ ‫من نافذة شقته في الطابق السابع ورأى‬ ‫الشارع ولم يجد المنقذين في األسفل كما‬ ‫خمّن‪ ،‬عندها في ثانية صفاء أثناء سقوطه‬ ‫جاءته لحظة شك بكل األف�لام وال��رواي��ات‬ ‫التي تركها في منتصفها‪.‬‬

‫عندما يصعد على الكرسي لتبديل النور‬ ‫يفتعل سقوطاً ويسمع السيدة في الطابق‬ ‫الذي تحته تضرب السقف بعصا المكنسة‬ ‫وتردد «هذه جيدة‪ ..‬هذه جيدة‪ ..‬أحسنت»‪،‬‬ ‫لكن م��ث�لاً‪ ،‬عندما يسقط وه��و يستحم‪..‬‬ ‫يسمع أحدهم يصرخ من النافذة «تستطيع‬ ‫أن تفعل أفضل منها»‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫لحظة شك‬

‫هوايات غريبة‬ ‫ك���ان م��س��ك��ون��ا ب��ذل��ك ال��ش��غ��ف لسقوط‬ ‫بدأ األمر عندما كان في العاشرة من عمره الجسد مرتخياً على األرض‪ ،‬هكذا فقط‬ ‫عندما تعثر بحبل حذائه وسقط‪ ،‬بدا األمر تتهاوى وال تعرف أي جزء سيصل أوالً‪ ،‬كان‬ ‫رائعاً بالنسبة له‪ ،‬منذ ذلك الوقت وهو يبحث ذلك هو الفتنة بالنسبة له‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪53‬‬


‫صورة‬

‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫مئة وخمسون عاما الي��زال في نفس المكان‪ ،‬أناس يرحلون وآخ��رون يستقرون عاما أو‬ ‫عامين‪ ،‬وال يلبثون أن يرحلوا تاركين خلفهم بعضا من ذكريات‪ ..‬والكثير من األسرار‪ ،‬وهو‬ ‫اليزال في مكانه ينظر للوجوه العابرة‪ ..‬وال يملك أن يخاطبها‪ ،‬يعيش معهم قصصهم وال‬ ‫يستطيع تغيير فصولها‪.‬‬ ‫اآلن بعد مضي كل هذه السنوات‪ ،‬وقد بالعالم ال تتعدى وجوهاً تأتي وترحل‪ ،‬وبعض‬ ‫ض��اق ذرع��ا بخرسه العجيب ال بد له من الجمل التي تعلمت نطقها‪.‬‬ ‫الرحيل‪ ،‬فقد ش��اخ ال��ب��رواز ال��ذي يحتويه‪،‬‬ ‫هم يمجدوني كصورة‪ ،‬يقفون أمامي كثيرا‬ ‫وأصبح أقل قوة من السابق‪.‬‬ ‫ممتدحين إتقان المصور‪ ،‬وعبثه بالمكان‪،‬‬

‫كثيرا ما حاول التمرد طوال تلك األعوام ممجدين ذاك الكرسي الذي ظللت أسيرا له‬ ‫ول��ك��ن ال��خ��وف م��ن ال��ع��ال��م ال��خ��ارج��ي ك��ان ما يفوق عمر البشر‪ ،‬اآلن وقد تخليت عنه يا‬ ‫يمنعه‪ ..‬لكنه اآلن بدا أكثر إص��رارا للعبور ترى من سيشعر بوجودي؟!‬ ‫نحو النور‪.‬‬ ‫يسمع ص���وت خ��ط��وات ق��ادم��ة‪ ،‬وبعض‬ ‫في غفلة الليل‪ ،‬بدأ في التمرد للخروج‪ ،‬السباب المنطلق من األفواه‪ ،‬يحاول العودة‬ ‫ح��طّ ��م األغ��ل�ال ال��ح��دي��دي��ة ال��ت��ي تربطه لالختباء داخل البرواز‪ ،‬ولكنه أضاع طريق‬ ‫بالجدران ها هنا‪ ..‬يمد يديه نحو الفراغ‪ ،‬العودة‪ ،‬يفتح الباب‪ ،‬فيتسلل ضوء المصباح‬ ‫ي��ب��دأ ف��ي اإلح��س��اس ب��ال��وج��ود ال���ذي سمع للحجرة المظلمة‪ ،‬ي��رك��ض ليختبئ خلف‬ ‫عنه كثيرا‪ ،‬وحين وضع قدميه أرض��ا‪ ..‬بدأ رجل الكرسي الذي يتوسط قاعة المتحف‬ ‫يرتجف من البرد‪ ،‬فقد نسي معطفه معلقا األنيقة‪ ،‬تتهاوى أقدام عمالقة على رأسه‪..‬‬ ‫هناك داخل البرواز‪.‬‬ ‫‪ :‬اوووووووه هذا البرواز أصبح قديما جدا‬ ‫ك��م��ق��ع��د ي��م��ش��ي ألول م����رة‪ ،‬ب���دأ أول���ى‬ ‫وال يستطيع حمل الصورة!!‬ ‫خطواته‪ ،‬فقد مضى زمن بعيد عن آخر مرة‬ ‫‪ :‬نعم يجب علينا تغييره بالغد‪..‬‬ ‫تنقلت فيها قدماه فوق جماد‬ ‫يبحث عن الباب‪ ،‬فقد نسي أن يحفظ ‪ :‬حسنا أرفعه اآلن‪ ..‬وفي الصباح ننظر‬ ‫ماذا يمكننا فعله‪.‬‬ ‫مكانه قبل أن يحل الليل‪ ،‬يسيطر عليه خوف‬ ‫من المجهول‪..‬‬ ‫ينسحب الجميع من القاعة بعد تعليقهم‬ ‫ي��ا ت���رى‪ ،‬إل��ى أي��ن أن��ا ذاه���ب؟ فعالقتي البرواز الكهل وبداخله صورة لكرسي خال‪.‬‬

‫* شاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ُ‬ ‫صاحب أكبر ِ ُم َخ ّيلة!‬ ‫الرجل‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬أميرة الوصيف*‬

‫كان يَلت َُّف في سرواله الضيق‪ ،‬قدمه المُ تقشفة يغار منها الطين حتى أن آذان‬ ‫الشَ جر تسمعه يُغازلها بحقد قائالً‪ :‬صباحك دأب يا سيدة القذارة!‬ ‫ما أصبر قدمك على السير يا صاحب المُ خيلة الكبيرة!‬ ‫ف��ي ق��ري��ةِ يَ��ده��ن خطوط جدرانها‬

‫الناس في القرية يحبون كل شيء‪،‬‬

‫زيت الشموس‪ ،‬يحيا الناس ُمتَدثّرين ويتقبلون كل ش��يء‪ ،‬وال يكرهون شيئاً‬ ‫بالواقع‪ ،‬تماماً بتلك الطريقة العفوية إال هذا الرجل ُمتَورد الوجه‪ ،‬ذو اللحية‬ ‫ال��ت��ي وج���دوا عليها آب��اءه��م‪ ،‬وتَقبّلوا الذهبية‪ ،‬والعينين الرماديتين اللتين‬ ‫يختلط دمعهما بالفلسفة‪ ،‬رجل من هذا‬ ‫بها كروشهم‪ ،‬وقَبلوا ظهور أيديهم إثر‬ ‫النوع ال��ذي ما إن وق��ع بصرك عليه‪،‬‬ ‫ابتالعهم ربع رغيف‪.‬‬ ‫إال واستشعرت في ق��رارة نفسك أنه‬ ‫أه ُل القرية ال يختلفون في أمر‪ ،‬وال يفهمك‪.‬‬

‫ينقسمون حول أمر‪ ،‬وال يتأملون أمراً‪،‬‬

‫يُحكى أن الرجل كان دائم الصمت‪،‬‬

‫وال يُفكرون في األم��ر‪ .‬جميعهم ي ُِحب ال يتحدث أب��داً‪ ..‬حتى إن أهل القرية‬ ‫ُوصد‬ ‫ال أخرس‪ ،‬أو أن فمه م َ‬ ‫النظر الى السماء دون أن يجرؤوا على ظنوه رج ً‬ ‫لَمسها‪.‬‬

‫بأيدي الجان‪ ،‬ثم تناقلوا الشائعة فيما‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪55‬‬


‫بينهم حتى ص��دق��وه��ا‪ ،‬وصدقتها البيوت متنوعة‪ ،‬وأصدافاً بحرية‪ ،‬ولم يطلب يوماً‬ ‫والنوافذ والديدان الطويلة وسراويل الفقراء مَعونة وال طعام‪ ..‬لم يعرف الضحك‪ ..‬لكنه‬ ‫المكشوفة‪ ،‬وكلفّوا أصحاب األوزان الخفيفة ك��ان باسماً‪ ،‬ول��م يَعبس وج��ه��ه‪ ..‬لكنه كان‬ ‫بتتبعه‪ ،‬والمشي خلفه أينما ذهب‪.‬‬

‫ويُحكى أن الرجل لم يَلتفت يوماً خلفه‪،‬‬ ‫كي يلمح تلك الوجوه التي تُراقبه وهو مُتج ٌه‬ ‫مع نداءات الفجر المُربكة الى ضفة النهار‪،‬‬ ‫جالساً القرفصاء‪ ،‬ناظراً الى صفحة النهر‬ ‫بفضول غير مفهوم‪ ،‬هائ ٌم في عوالمه الخَ فية‬ ‫وخَ بله المُعل َن أمام الجميع‪.‬‬ ‫الوجوم على وجهه‪ ،‬ما أغرب تلك اليَقظة‬ ‫النائمة عندما تبدو للجميع مفتوح األعين‬ ‫وأنتَ تغط في سُ بات عميق‪.‬‬ ‫يظل الرجل مُبحراً بعينيه في النهر ‪ ،‬يُقبِل‬ ‫الليل‪ ..‬وليل هذا الرجل ال رَهبة فيه‪ ،‬وما من‬ ‫حزن يجرى في عروقه‪ ،‬فكل مَن راقبه وجد‬

‫مهموماً‪.‬‬ ‫استمر أهل القرية في مُراقبة الرجل‪،‬‬ ‫ولم يحدث أن ثار العجوز يوماً على عاداته‬ ‫الغامضة‪ ،‬إال إنهم يوماً وجدوه مُستلقياً أمام‬ ‫النهر‪ ،‬وه��ذه ال��م��رة ك��ان مُغمض العينين‪،‬‬ ‫رائق الوجه‪ ،‬مُسترخي العضالت‪ ،‬كان وجهه‬ ‫شفافاً كصفحة النهر‪ ،‬وشفتاه مُطبقتان على‬ ‫صمته الطويل‪ ..‬وب��ج��واره صندوق خشبي‬ ‫مملوء باألصداف والبذور‪ ،‬وورق��ة يغمرها‬ ‫ال��ب��ي��اض منقوش ف��ي قلبها ع��ب��ارة ب���ارزة‪:‬‬ ‫أوصيكم بالخيال!‬ ‫َدم��ع��ت أعين ال��ن��اس المتجمهرين حول‬

‫وجهه مَبيتاً للسالم‪ ،‬وكأن الطمأنينة شَ كَّلت جُ ثَة الرجل‪ ،‬وتَ��درج��ت وجوههم بالحمرة‪،‬‬ ‫وكأنهم وألول مرة يتوقون لمعرفة حكايته‪،‬‬ ‫مالمحه ال الصلصال‪.‬‬ ‫وتَمنى بعضهم لو أنه ذات مرة تطفل على‬ ‫يضع يَده على أذنيه كمحاولة الستجداء‬ ‫هذا الرجل بسؤال‪ ،‬واشتاق بعضهم إلمالء‬ ‫المزيد من األصوات من حوله‪ ،‬وكأنه يسمع‬ ‫أشياء أخرى غير التي يسمعها الناس‪ .‬يرمي أع��ذاره على الرجل‪ ..‬وهَ �� َّم بعضهم يسأل‪:‬‬ ‫بكَفه العجوز في األت��رب��ة أم��ام��ه‪ ،‬ويضغط كيف ومتى ولماذا؟‬

‫بأصابعه اللينة على ال��ت��راب ف��ي قَ��راب��ة‬ ‫واضحة‪.‬‬

‫وتناقلوا حكاية الرجل ‪ ،‬ودَفنوه في مقبرة‬ ‫كتبوا فوقها‪ :‬هُنا يرقد الرجل صاحب أكبر‬

‫كان يحمل معه ق��ارورة ماء‪ ،‬وب��ذور ثمار مُخَ يلة‪.‬‬ ‫ * قاصة من مصر‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫مدينة َّ‬ ‫الشمع!‬ ‫طابور في‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ρρ‬أحمد طوسون*‬

‫ل��م ينتبه ل��ه أح���د م��ن ق��ب��ل ب��ي��ن زح��ام شكلهم مألوفا للكافة‪.‬‬ ‫ال��م��ح��ت��ش��دي��ن‪ ،‬فليس ف��ي��ه م��ا ي��م��ي��زه عن‬ ‫ال فرق بين مدير في مصلحتك الحكومية‪،‬‬ ‫اآلخرين ليلفت انتباهنا إليه‪ .‬مجرد تكرار‬ ‫وبين مدير يعمل في جهة حكومية أخرى‪..‬‬ ‫جديد لجيش من الموظفين‪ ،‬في نهاية كل‬ ‫تواطؤ جمعي جمعنا‪ ،‬باستثناء المديرين من‬ ‫شهر يتراصون في طوابير طويلة أمام ماكينة‬ ‫القواعد والقوانين المنظِّ مة للطابور مهما‬ ‫صرف النقود لسحب رواتبهم‪ ..‬ترى بعضهم‬ ‫طال أو قصر!‬ ‫فال تعرف إن كان معك في الديوان نفسه‪،‬‬ ‫يمر المدير من بيننا مصحوبا بنظرات‬ ‫أم جاء من مصلحة أو هيئة حكومية أخرى‬ ‫تنتشر دواوي��ن��ه��ا الوظيفية ف��ي المنطقة‪ ،‬التقديس واإلع��ج��اب‪ ..‬والغضب والنقمة‬ ‫وتجمعهم ماكينة ص��رف النقود نهاية كل والكراهية‪ ،‬ويغادر دون أن يجرؤ أحدنا على‬ ‫التمتمة واالعتراض‪ ..‬أو مص الشفاه بصوت‬ ‫شهر‪.‬‬ ‫مسموع‪ ،‬فلكل مدير عيونه المزروعة بيننا‪،‬‬ ‫المديرون يتمتعون بمزية خاصة ال يحصل‬ ‫وال��ق��ادرة على نقل ما توسوس به النفوس‬ ‫عليها غيرهم‪ .‬بمجرد حضورهم يفسح لهم‬ ‫الطابور طريقا مباشرا إلى ماكينة صرف ألصحابها‪.‬‬ ‫النقود دون أن يعترض أح���د‪ ،‬حتى صار‬

‫لكن‪ ،‬في هذه المرة‪ ،‬حين حضر المدير‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪57‬‬


‫سمعنا صوتا مدويا‪:‬‬ ‫‪ -‬إلى أين؟؟ أال ترى الطابور؟!‬

‫ناحية المدير وأمسك به‪ ..‬في محاولة منعه‬ ‫من الوصول إلى ماكينة الصرف‪.‬‬ ‫‪ -‬لن يصرف أحد إال بالدور!‬

‫التفتنا جميعا ناحية الصوت‪ ،‬الذي بدا‬ ‫لشبح يجرب صوته في الفراغ‪ ،‬نبحث عن‬ ‫ق��ال كلماته وس��ط شهقات االن��ده��اش‬ ‫صاحبه ونتأمل مالمحه‪.‬‬ ‫والترقب‪.‬‬ ‫هل يعرفه أحد؟!‬

‫ظل المدير برهة صامتا بفعل الصدمة‪،‬‬

‫سألنا أنفسنا دون أن نحصل على إجابة يبحث ع��ن طريقة مجدية ف��ي السيطرة‬ ‫قاطعة‪.‬‬ ‫على شعوره بالضيق‪ ،‬واستعادة هيبته التي‬

‫ك��ان يشبهنا جميعا‪ ،‬واح���د م��ن مئات سقطت أمام طابور األشباح الشمعية‪.‬‬ ‫أو آالف الموظفين الذين ي��ؤك��دون قاعدة‬ ‫ أنت مجنون!‬‫التكرار والتماثل‪ ،‬ويجيدون االبتسام دائما‬ ‫ص���اح ال��م��دي��ر وه���و ي��زي��ح��ه ع��ن��ه بعيدا‬ ‫كدمى شمعية في وجه رؤسائهم ومديريهم‪.‬‬ ‫بمساعدة بعض األعوان‪.‬‬ ‫التفتنا ناحية الصوت‪ ،‬سألنا وهرعنا‬ ‫ص��ار ه��رج وم��رج ول��غ��ط‪ ،‬وان��ف��رط عقد‬ ‫بنظراتنا ناحية المدير الذي وقف ثابتا في‬ ‫مكانه للحظة‪ ،‬رم��ق فيها صاحب الصوت الطابور‪ ،‬ولم يعد أحد مهتما بالوصول إلى‬ ‫مثلنا‪ ،‬قبل أن يواصل طريقه إل��ى ماكينة فوهة ماكينة الصرف وصرف راتبه‪ ،‬بقدر‬ ‫صرف النقود ‪-‬دون مباالة‪ -‬ويسحب نقوده اهتمامه بمتابعة ما يحدث وتحليله والنقاش‬ ‫حوله‪.‬‬ ‫وينصرف!‬ ‫ف��ي ال��دي��وان ال��ح��ك��وم��ي‪ ،‬ص��رن��ا نتابعه‬

‫ل��ي��ع��ود ال��ط��اب��ور إل���ى ص��م��ت��ه وع��ادات��ه‬ ‫جميعا بنظراتنا وه��و يمر ف��ي الطرقات‪،‬‬ ‫الشمعية من جديد‪.‬‬ ‫بعد ساعة وأكثر جاء مدير آخ��ر‪ ،‬سلك كنبوءة قادرة على التحقق‪.‬‬

‫الطريق نفسه‪ ،‬وسمعنا الصوت نفسه يزعق‬ ‫بحدة أكبر‪:‬‬ ‫عينيه‪ ،‬والغضب الذي سكن تجاعيد جبهته‬ ‫نحسده على تلك الثقة التي تسكن في‬

‫‪ -‬سنقف هنا طول النهار وهم براحتهم!‬

‫ووجهه‪ ،‬وأزاح ابتسامته الشمعية بعيدا‪..‬‬

‫ونتلهف إلى أول الشهر ليجمعنا به طابور‬

‫وقبل أن يسمح لنا بااللتفاف وااللتفات‬ ‫ناحيته‪ ،‬خ��رج الشبح ع��ن ال��ط��اب��ور‪ ،‬وه��رع آخر‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫ * كاتب من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫(يحيى)‬ ‫‪ρρ‬رجاء عبداحلكيم الفولى*‬

‫يُ�� َرق ُ‬ ‫ِّ��ص ال��ك��رةَ‪ ،‬يتسل ُل بها‪ ،‬يُ َم ِّررُها ب��زوج ٍ��ة أخ��رى وخ��لّ��ف غيري عشرات‬ ‫مالبسه‪ ،‬ج َّر‬ ‫ِ‬ ‫َض الترابَ عن‬ ‫بين أرجُ ���لِ ال��ص��غ��ار‪ ،‬ي��ج��ذب��و َن مالبسَ ه الصغار‪ .‬نف َ‬ ‫ُ‬ ‫وهُ��م يضحكون‪ .‬قب َل أن تُسلِّ َم‬ ‫بيت خالِه‪ .‬مع أُمِّهِ‬ ‫الشمس جسدًا مهزومًا إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫مصيرَها‬ ‫واحد ينامان‪ ،‬يقرأ مالمحَ ه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سرير‬ ‫ٍ‬ ‫للغروب ويُلقي اللي ُل بظاللِه على‬ ‫الشبحيةِ على المكان‪ ،‬يقِ فُ رجُ �� ٌل أما َم‬ ‫يشعر بتعاستِها وهي تمس ُح وجهَه تنقِّبُ‬ ‫األب���واب وي��ن��ادي‪ :‬يحيى‪ ..‬يحيى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أح��دِ‬ ‫تهاجمُه التعاسةُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعينيها في باطنِه‪،‬‬ ‫يهتِفُ الصغار‪ :‬كلِّم أب��وك‪ ..‬تَهج ُم عليه‬ ‫قة‬ ‫تفتِّتُ قلبَه وروحَ ��ه إلى شظايا محرِ ٍ‬ ‫روحه‪،‬‬ ‫تنبش مك َم َن التعاسةِ في ِ‬ ‫ُ‬ ‫الكلم ُة‬ ‫تلتهِ ُم ال��ج��س�� َد ك��لَّ��ه‪ ،‬يغتالُه ال��ح��زنُ‪،‬‬ ‫َض الصغا ُر مِ ن حولِه واحدًا تل َو اآلخر‪،‬‬ ‫يَنف ُّ‬ ‫ي��زح��فُ ال��غ��روبُ وت��ه�� ِّد ُد العتم ُة بمحوِ تترقرق دمو ُع التعاسةِ في عينيه‪ ،‬تقتربُ‬ ‫الحائط‪ ،‬مِ نه أُمُّه أكثرَ‪ ،‬تُخلِّ ُل أصابعَها في شَ عرِ ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األشياءِ حولَه‪ ،‬يسن ُد ظ ْهرَه على‬ ‫جفاف عالَمِ ها‬ ‫َ‬ ‫س حضنُه الطري‬ ‫جائع يالمِ ُ‬ ‫كحيوان وحْ ِشي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َض عليه األسئل ُة‬ ‫تَنق ُّ‬ ‫و َق َع على فريستِه‪ ،‬األسئل ُة كأسنان اإلبَرِ ‪ -‬ما بك يا يحيى؟‬ ‫تَشُ كُّ روحَ ه‪ :‬سيعرفُ األطفا ُل الحقيقةَ‪،‬‬ ‫ ال شيء‪ ،‬سأنام‪ .‬ثم يدف ُن وجهَه في‬‫هذا الرجُ ُل ليس أبي‪ ،‬هو خالي سيقولون‬ ‫الوسادة‪.‬‬ ‫لي‪ :‬أين أبوك؟ ولماذا أنت جالس في بيت‬ ‫خالك؟ أليس لك أب؟ تن َّه َد حسر ًة وألمًا‪،‬‬ ‫تمدد الصمت بينهما‪ ..‬ضوءُ الحجرة‬ ‫ض ِحكَ لح ِّد البكاءِ ‪..‬‬ ‫ماذا أقول لهم؟ َ‬ ‫الواهن ألقى على الجدار صورة شبحين‬ ‫فكرة‪ ..‬أق��ول إن أب��ي استبد َل أُمِّ��ي بديا كأنهما طائرين بأجنحة محطّ مة‪.‬‬ ‫ * قاصة من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪59‬‬


‫طاقات مؤجلة‬ ‫املصبح*‬ ‫‪ρρ‬فهد‬ ‫ّ‬

‫بدا القلق واضح ًا عليه‪ ،‬وهو يذرع الغرفة جيئة وذهابا‪ .‬يتحرك في كل مكان‬ ‫كمَن فقد شيئًا ثمينًا‪ ،‬ويسأل نفسه‪ :‬أيهما أفضل الحزن أم الرهق؟‬ ‫األحداث ال تدعه يجيب‪ ،‬أو هو ال يريد ذلك‪ ،‬فيقف متفرج ًا على نفسه‪ ،‬وهي‬ ‫تصطلي بنار الحزن حال غياب أهله‪ ،‬وبهجير الرهق حين وجودهم‪ .‬كم يكره هذه‬ ‫الجدران اإلسمنتية عندما تخلو من نبض الصغار وضجيجهم‪.‬‬ ‫زوج��ت��ه الح��ظ��ت ق��ل��ق��ة ال��م��ت��زاي��د‪ ،‬وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫فأخذت تخفف عنه ما أشعلته فيه تواً‪،‬‬ ‫ج��راء تأخر األوالد عن الحضور إلى‬ ‫الدار‪.‬‬ ‫ال���وق���ت ظ���ه���راً وال��م��ط��ر يتساقط‬

‫فرك األب يديه وزفر قائالً‪:‬‬ ‫ العيال تأخروا!‬‫نطقت الزوجة بتفاؤل‪:‬‬

‫خفيفاً‪ ،‬لكن بتواصل‪ ..‬البوادر تشير إلى ‪ -‬سيصلون حاالً فال تقلق‪.‬‬ ‫حدوث عاصفة هوجاء‪ ،‬أعلن عنها في‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دخ��ل االب��ن األص��غ��ر يجر حقيبته‪،‬‬


‫أخ��وه عبداهلل إم��ام المسجد‪ ..‬استقبلهما‬ ‫األب بنشوة قائالً‪:‬‬

‫كان يعرف هذا في ابنه إمام المسجد‪،‬‬ ‫فيغيّر دفة الحديث إلى موضوع آخر‪ ،‬فقال‬

‫‪ -‬ماذا حصل؟‬

‫وهو ينظر إليهم‪:‬‬

‫‪ -‬زلق خالد فسقط في الطين‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد لديه إج��ازة اليوم‪ ،‬وبهذا يكتمل‬

‫ضم األب ابنه بحنان وقبله‪ ،‬ثم استدار‬ ‫نحو عبداهلل مستفسراً‪:‬‬ ‫ ماذا أخرّك؟‬‫‪ -‬أص ّر األهالي على الجمع بسبب المطر‪.‬‬

‫شملنا‪.‬‬ ‫قالت األم بزهو‪:‬‬ ‫ كل الناس تدعوه المالزم أحمد إال أنت‪.‬‬‫ال وهو يتذكر يوم تخرج ابنه‬ ‫سرح األب قلي ً‬

‫‪ -‬الدين يسر‪.‬‬

‫من كلية الطيران‪ ،‬كان يوماً بهيجاً قبّل فيه‬

‫‪ -‬لكن الجمع نهاراً فيه خالف‪.‬‬

‫أحمد رأس أبيه‪ ،‬وأعطاه الشهادة‪ ،‬وأخذت‬

‫قطع األب الحديث مع ابنه عبداهلل قبل‬ ‫أن يتحول إلى جدل‪.‬‬ ‫العاصف ُة فعلت فعلها في البيوت البعيدة‪،‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫وق��د اتسخت مالبسه بالطين‪ ،‬وم��ن ورائ��ه فيها إلى رأي متفق عليه!‬

‫لهما الصور تخليدًا لتلك اللحظة‪.‬‬ ‫كان أحمد بزيه الرسمي والنجمة تتألأل‬ ‫على كتفه‪ ،‬فعاد األب من نشوة شروده قائالً‪:‬‬

‫كما رأوه عياناً في التلفاز‪ ،‬وه��ا هي على ‪ -‬أين نورة؟‬ ‫وش��ك ال��وص��ول إل��ي��ه��م‪ ..‬أخ��ذ األب يحذر‬ ‫أس��رت��ه م��ن ال��خ��روج ف��ي ال��وق��ت ال��راه��ن‪،‬‬ ‫ويزودهم بالتوجيهات الالزمة عند هبوب‬ ‫العاصفة‪ ،‬ولما بالغ في تحذيره‪ ،‬قال عبداهلل‬ ‫بسكينة نفس‪:‬‬ ‫حافظ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ اهللُ خي ُر‬‫‪ -‬لكن االحتياط واجب‪.‬‬

‫ثم صاح منادياً‪:‬‬ ‫ نورة‪ ..‬نورة‪.‬‬‫قالت األم بهمس حذر‪:‬‬ ‫ نورة ذهبت إلى الكلية‪.‬‬‫جلس األب على ال��ك��رس��ي‪ ،‬وق��د تعكر‬ ‫مزاجه من جديد‪ ،‬ثم قال بغضب‪:‬‬

‫وللمرة الثانية‪ ،‬تجنّب األب الخوض في ‪ -‬م���اذا ل��و تغيبت ال��ي��وم‪ ،‬أو حتى تركت‬ ‫حديث مع ابنه عبداهلل‪ ،‬فما هو فيه أهم‬

‫ال��دراس��ة نهائياً‪ ،‬ه��ي ام���رأة مصيرها‬

‫من تلك المجادالت العقيمة‪ ،‬والتي لن يصال‬

‫الستر في بيت زوجها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪61‬‬


‫نهض من مكانه بعصبية باحثاً عن نعليه‪،‬‬

‫وما طال انتظارهم‪ ،‬فبعد العشاء بدأت‬

‫وهو يصلح غترته‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫العاصفة أشدَّ مما توقعوا‪ ،‬هزّت الدار هزاً‬

‫‪ -‬سأذهب إلحضارها‪.‬‬

‫عنيفًا‪ ،‬وقلعت األش��ج��ار‪ ،‬وحطمت بيوتًا‬

‫ردت األم‪:‬‬ ‫‪ -‬أحمد سيمر بها‪.‬‬

‫قريبة منهم‪ ..‬كانت األس���رة سعيدة بهذا‬ ‫السور الذي اقترحه األب‪ ،‬فقد لمسوا فيه‬ ‫بعد نظره‪ ،‬ومرت العاصفة دون أن تحدث‬

‫وم��ا ج��اوزت الساعة ال��واح��دة والنصف في داره��م دم��اراً س��وى تهشم زج��اج بعض‬ ‫ظ��ه��رًا حتى اكتمل عقد األس���رة‪ ،‬وأخ��ذت النوافذ‪ ،‬أو اقتالع شجيرات صغيرة‪.‬‬ ‫نفسية األب تهدأ‪ ،‬ثم راح يحادث نفسه‪ « :‬لم‬

‫يبق إال المزرعة والمطر سيتكفل بها»‪.‬‬ ‫قبل غروب ذلك اليوم‪ ،‬سمعت بالخارج‬ ‫ض��وض��اء‪ ،‬كانت ص���ادرة م��ن عمال مصنع‬

‫في الصباح أشرقت الشمس‪ ،‬وقد ولت‬ ‫العاصفة األدبار‪.‬‬ ‫كان األب أول الخارجين من ال��دار‪ ،‬لقد‬

‫الحديد وهم يشيدون س��وراً حديدياً حول أحس بالضيق وهو يعبر السور‪ .‬كان السور‬ ‫الدار‪ ،‬ويضعون حواجز حديدية على النوافذ‪ .‬شامخاً ق��وي��اً‪ ،‬لكنه معيق لحركة الدخول‬ ‫جاء األوالد إلى أبيهم الستطالع الخبر‪،‬‬

‫وال��خ��روج‪ ،‬ألقى األب نظره على داره وهو‬

‫ف��وج��دوه يتبسم وال��ف��رح يقفز م��ن عينيه‪ ،‬يتجه نحو مزرعته‪ ،‬فكان منظره يبعث على‬ ‫تضايق ع��ب��داهلل وأح��م��د م��ن ه��ذا ال��س��ور‪ ،‬الضيق‪ ..‬تخيل داره سجناً‪ ،‬فأخذ يفكر في‬ ‫لكنها رغبة أبيهم ويجب أن تحترم‪ ،‬فهو عائلته داخله وكيف سيتلقون األم��ر‪ ،‬وهل‬ ‫مقتنع بالسور لصد العاصفة‪.‬‬ ‫ك��ان األب ي��ت��ن��اول طعامه وه��و يتحرك‬

‫سيحتملونه؟‬

‫وصل مزرعته والقلق يعصر قلبه‪ ،‬ألقى‬

‫داخل الدار‪ ،‬وقد زاده السور الذي يلف الدار نظرة عليها وفكره مشدود هناك‪ ،‬وبعد أن‬

‫اطمئناناً‪.‬‬

‫اطمأن على مزرعته‪ ،‬عاد سريعاً إلى داره‪،‬‬

‫حادث نفسه مرة أخرى‪« :‬سيغضبون من واله ُّم يتضخم في داخله‪ ،‬وقد استقر تفكيره‬ ‫ذلك وال شك‪ ،‬لكن عندما تشتد العاصفة على أمر‪ ،‬تمنى من صميم قلبه أن توافقه‬ ‫سيعرفون قيمة هذا السور الحديدي»‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫أسرته عليه‪.‬‬


‫‪ρρ‬ماجد سليمان*‬

‫متأخرة من الليل‪ ،‬فالتقطته جدته ألبيه وأودعته في لُفافةٍ قطنيّة‬ ‫ِّ‬ ‫َولَدته أُمُّ ه في ساعة‬ ‫بيضاء‪ ،‬وَهَ مَست لألم المنهكة من والدته‪:‬‬ ‫ الطفل ال يبكي!!‬‫!!!!!!‬‫‪ -‬ال تقلقي سأهتم به‪..‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫ٌ‬ ‫طفولة منسوجة بنبوءة الجد‪..‬‬

‫َدلَ�� َف��ت به مخدعاً صغيراً وشَ �� َرع��ت بتجهيز‬ ‫كان سكان القرية مؤمنين بنبوءات الجد التي‬ ‫ٍ‬ ‫مرقد له‪ ،‬وعندما بَلَغ من العمر أربعاً جميالت‪ ،‬لم تُخطئ نبالها يوماً‪ ،‬حيث تنبَّأ بوفاة حفيدته‬ ‫وفي باحة صغيرة من منزل جده ألمه بمنطقة من األم نفسها‪ ،‬وبعد أشهر منتوفة من تلك السنة‬ ‫قرويَّة‪ ،‬دفعته أمه إلى جده‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬ ‫وجدوها بعينين بيضاوين وقد انطفأت روحها‪.‬‬ ‫ هذا ابني يا أبي‪..‬‬‫وعندما َع ِلمَت األم بالخبر‪ ،‬هال مَن حولها‬ ‫يُدر ُج الج ُّد كفّيه الكبيرتين تحت إبطي الطفل‪ ،‬منظرها وهي تدعك خدّها الطويل على حائط‬ ‫بإيمان ضعيف‪ ..‬لم يُجد لفيف‬ ‫ٍ‬ ‫المنزل‪ ،‬وتسخط‬ ‫ويرفعه مخاطباً األم‪:‬‬ ‫جاراتها البتة‪ ،‬بيد أنهنّ كُنّ أق َّل إيماناً منها‪.‬‬ ‫ َكبُ َر بسرعة!!‬‫َقبَّله ثم أنزله أرضاً‪ ،‬ومسح رأسه ذا الشعر‬ ‫األشقر الناعم القصير مُنادياً‪:‬‬ ‫ منيرة‪..‬‬‫ أمرك يا أبي‪..‬‬‫ينظر إلى الطفل ويقول‪:‬‬ ‫ أظ ُّن أن طفلك هذا سيُك ِّر ُر جَ دَّه ألمه‪..‬‬‫جَ َمعَت األم كفّيها مُتعجِّ بة‪:‬‬ ‫‪ -‬أبي أنت تمزح‪..‬‬

‫***‬

‫وانصهر عقدان من الزمن لتنبلج نبوءة الجد‬ ‫بسنوات أربع‬ ‫ٍ‬ ‫في الحفيد‪ ،‬فسحقته امرأة تصغره‬ ‫هزيالت‪ ،‬وصيّرته عاشقاً ال يعي ما يهذي طوال‬ ‫يومه وليلته‪ ..‬وجدوا األم بعدها تبكي على ظهر‬ ‫يد الجد وهو مغمض العينين‪:‬‬ ‫ واآلن يا أبي التسعينيّ ‪ ..‬أال تستطيع بنظرك‬‫القصير هذا أن تُعيد التأمُّل بابني‪ ،‬وتتنبَّأ بما‬ ‫سأرى فيه بقيّة عمره‪ ..‬هذا إن طال بي العمر؟‬ ‫َر َف َع جفنيه الرماديين األشيبين مُجيباً‪:‬‬

‫انصرف من أمامه لتضع يدها خلف رقبة‬ ‫ تقول النبوءة إن أخته تقف على رؤوس‬‫الطفل وتدخل به وهي تُكلِّم نفسها‪:‬‬ ‫نعش‬ ‫الموتى‪ ،‬ترقُبُ وصوله إليها محموالً على ٍ‬ ‫ أهذا ما تنبَّأت به يا أبي؟!!‬‫مشطور‪..‬‬

‫‪63‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪63‬‬


‫جوارب معلقة على شتاء القلب‬ ‫نـوارة لـحـرش*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫‪1‬‬ ‫يهيئ قلبي للورد الذي‬ ‫الحياة جورب قديم‪،‬‬ ‫ال يغفو بين رفوف الظالم‪،‬‬ ‫ال يكفي خيط رفيع لترقيعه‬ ‫يحرس حدائق األمام‬ ‫يكفي أن تنظر إليه بخيبة شاهقة‬ ‫فتشرئب أوردته باألماني‪.‬‬ ‫ثم تغفو على أريكة من الوهم!‬ ‫يفكر‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫فتغيم الفكرة ويركله نهار كفيف!‬ ‫األمل‪ ،‬جورب مثقوب بتعاسة الكائنات‬ ‫‪5‬‬ ‫ملط ٌخ ببقع الحسرة‬ ‫الغ ُد جوربٌ نحيل‬ ‫أياد صغيرة بماء األمنيّات‬ ‫تغسله ٍ‬ ‫مبل ٌل بالقلقِ والظنون‬ ‫تنشره على فكرة االحتمال‬ ‫أ ُعلِّقه على أمنيّات كسيحة كيما يقطر‬ ‫تعاسة مشرئبة‬ ‫ٍ‬ ‫يجف من‬ ‫َّ‬ ‫كي‬ ‫على مهل‬ ‫ومن حسرة صاهلة‪.‬‬ ‫فيتَّسع البلل!‬ ‫تتهالك الفكرةُ‪ ،‬تتَّسع الثقوب!‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ّات المعنى ثمّة مالذي‬ ‫في طي ِ‬ ‫الصباح جورب قصير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وف��ي أغصان الصقيع المترامي على‬ ‫ل��وّح للكائنات الغافية على م��دى من مشارف العمرِ‬ ‫ندوب‪،‬‬ ‫ثمّة جوربٌ يلكز قد َم الجرحِ كي يُشفى‬ ‫لم تنتبه!‬ ‫فيمعن في النزيف!‬ ‫جرحته العصافير التي أخطأت سماءه إذ ذاك‪ ،‬أنزوي في ضريح المعنى‬ ‫وشرّدت أشجار البال!‬ ‫ثمرة من حدوس الرّيح!‬ ‫‪4‬‬ ‫‪7‬‬ ‫بأوهام ضالة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يفكر لو مثال‪ :‬يفرك اليأس عن أهداب السعادة جورب قديم م ّر َّت ٌق‬ ‫الغيم‬ ‫مهم ٌل على مشاجب العراء‬ ‫يضمِّد حسرة الكون‬ ‫مرثاته شجرة خدوش ورضوض!‬ ‫* شاعرة وإعالمية من الجزائر‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫أدب‬ ‫��������ج��������ودُ ل��ل��آت�����ي�����نَ ف����ـ����ي ٍ‬ ‫هُ ���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ا هُ ���ـ���ن���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ال ُ‬ ‫��������ت ب����هِ ����مْ ُس�� ُب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ‬ ‫���ف إنْ زاغ ْ‬ ‫وَهَ ��������ا هُ ����ن����ا ال���س���ي ُ‬ ‫َّ�����ت ي������دُ ال���ب���غ���ي ف����ي َب�������يْ�������دَاءِ فِ ��تْ�� َن��تِ ��ـ��ـ�� َه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫ُش�����ل ْ‬ ‫ل���ط���ال���م���ا دِ ي����نُ����ه����ا اإلف���س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ادُ وال��زَّ َل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ‬

‫‪ρρ‬جناة خيري*‬

‫���������������������������������������������������ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر‬ ‫���������������������������������������������������ر‬ ‫ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �‬

‫ــــــــد‬ ‫سيـ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ــــــر‬ ‫َّ‬ ‫الد ْه ِ‬

‫����ح����ـ����ـ����ـ����ـ����لُ‬ ‫�����ج�����دُ ف�����ي م����وط����ن����ي َي�������زْهُ �������و و َي���� ْر َت ِ‬ ‫ال�����مَ ْ‬ ‫أرض ال�����نَّ�����دَى ُح�� َل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ‬ ‫����س����و ُه ف����ي ِ‬ ‫واألمْ ����������نُ ت����ك ُ‬

‫ح������������زْمٌ وع��������������زْمٌ ل����ن����ا ه����������ا َم ال��������زم��������انُ ب���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���هِ‬ ‫���ص���طَ ���ل���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ونَ ب����ه����ا إذا ن��زل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وا‬ ‫ون�������ا ُرن�������ا َي ْ‬ ‫�����س ل�� َن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫�������ف ال����خ����ي����رِ ل�����ي َ‬ ‫����ب ك َّ‬ ‫����ح ِّ‬ ‫َن�����مُ �����د ل����ل ُ‬ ‫إال والءٌ إذا م���ـ���ـ���ـ���ـ���ا غ����ي����رُ ن����ا انْ���خ���ذل���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���وا‬ ‫�������واف ِه���مَّ ���تِ ��� َن���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫�������ط ِ‬ ‫����س ِم������ن تِ ْ‬ ‫���وح���ن���ا ال����ش����م ُ‬ ‫ط���م ُ‬ ‫�����راج�����ن�����ا ب�����ال�����ع�����زْمِ مُ ْ���ش��� َت���عِ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���لُ‬ ‫وك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���لُّ ِم�����عْ ِ‬ ‫���ت‬ ‫َ���ص���ـ���ـ���ـ ْ‬ ‫�����وس ال������مَ ������دَى رق َ‬ ‫ي����ا س����يِّ���� َد ال������دهْ ������رِ ف�����ان ُ‬ ‫����ح���� َن����ـ����هَ����ا مُ ��ـ��ـ��ـ��ثُ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ‬ ‫َّ����ت َل ْ‬ ‫ب���ـ���ـ���ـ���هِ ال���م���ع���ال���ي وغ����ـ����ن ْ‬ ‫������ع������ ِّز ق��اف��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةً‬ ‫�������د امْ ���ت���ط���ي���ن���ا مُ ������ت������ونَ ال ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫���ح���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���نُ ب����ي����نَ ال������������ َورَى إ ْذ س���اب���ق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���وا ُأوَلُ‬ ‫و َن ْ‬ ‫هلل عُ �����ن�����ق�����ودُ ال������� َوفَ�������ا ُص���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ��� َو ٌر‬ ‫�������ك ا ُ‬ ‫ت���������دري ل َ‬ ‫إل���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ى ب���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ�ل�ادي وَعَ �������يْ�������نُ ال������������ورْدِ َت���كْ ��� َت ِ���ح���ـ���ـ���ـ���ـ���لُ‬ ‫ف�����ي ِض�����فَّ �����ةِ ال����خ����ي����رِ ع���لَّ���قْ ���ن���ا س��ن��ابِ �� َل�� َن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫������وات مَ ��������نْ ح�����ض�����روا ومَ ����������نْ رَحَ ����ل����ـ����ـ����وا‬ ‫وف�������ي س������م ِ‬ ‫إلخ���وتِ ��� َن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا‬ ‫نُ����هَ����ي����ـِّ����ـ����ئُ ال����عُ ����مْ ����ـ����ـ����ـ���� َر مُ ���تَّ ��� َك���ـ���ـ���ـ���ـ��� ًأ ْ‬ ‫���ش���هْ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دُ واألمَ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���لُ‬ ‫َ���ح���بُّ ���ـ���ـ��� َن���ا ِظ���لُّ���هُ ���ـ���ـ���ـ���ـ���مُ وال َّ‬ ‫ف ُ‬ ‫�����وح�����ي ن������و ُر ال����ح����قِّ مُ ��نْ�� َب��لِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٌ��ج‬ ‫����ط ال ْ‬ ‫ِم������نْ مَ ����هْ ����بِ ِ‬ ‫�����اس مُ ���نْ���سَ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ ِ���دلُ‬ ‫����ط����ـ����ـ����الُ ب����ي����نَ ال�����ن ِ‬ ‫وال���خ���ي���ـ���ـ���رُ هَ َّ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪65‬‬


‫وكنت العطشى‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬مالك محمد اللحيد اخلالدي*‬

‫وأتيتَ بعد انتظارٍ ونأي‬ ‫كنت على يقين‪..‬‬ ‫حينَ استطالَ اشتياقي ُ‬ ‫أنت‪..‬‬ ‫فأنتَ ْ‬ ‫ال تبخلُ وال تجفلُ ‪ ،‬لذا أجبتَ الحنين‪..‬‬ ‫فأتيت!‬ ‫ْ‬ ‫أتيتَ ‪..‬‬ ‫رحيقك الدافئ‬ ‫َ‬ ‫تمطرني‬ ‫الحيف‬ ‫ِ‬ ‫ـتص َرتـ ْني مواسم‬ ‫بعد أن اعـ ْ َ‬ ‫و لفظتني األيامُ حروف ًا ثكلى‬ ‫وانكسارات‬ ‫ٍ‬ ‫تحد‬ ‫و ٍ‬ ‫فكنت العطشى!‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫أتيتَ لتسربلني بالضوء‬ ‫تمسحُ الحير َة عن مُ حياي‬ ‫تنتزعُ أناملي الصغيرة‬ ‫بعينيك النورانيتين‬ ‫َ‬ ‫تدحجني‬ ‫تحتفي بقصائدي الكسيرة‬ ‫تصرفني إلى السماءِ‬ ‫الليل بعيد ًا عن زفراتهم!‬ ‫ِ‬ ‫خلوات‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫***‬

‫‪66‬‬

‫لوحدي‪ ..‬لوحدي‬ ‫و أنت تسكنني‪ ..‬تُشعلُ خالياي‬ ‫رب رحيم‪.‬‬ ‫فتطفرُ دموعي بين يدي ٍ‬ ‫تندلقُ وتندلقْ ‪..‬‬ ‫بقلب مرتعش وجوار َح خاضعة‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫أسمو بضعفي في رحابهِ‬ ‫فأتركها تندلقُ‬ ‫لتمسحَ سحن َة الدموعِ الخالية‪..‬‬ ‫فهما يتمايزان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫كفاصلة المسافات والمسافات الفاصلة!‬ ‫***‬

‫أي رمضان‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫أشعلتَ فتيلَ الشعورِ صادق ًا‬ ‫فغدوت عصفور ًا‬ ‫ُ‬ ‫يغتسلُ بضوءِ اهللِ‬ ‫ذات وجع‪..‬‬ ‫كل ِ‬ ‫البياض‬ ‫َ‬ ‫يتنفس‬ ‫ُ‬ ‫يهرقُ أغانيهِ حينَ يلتهمهُ الصباح‪.‬‬ ‫***‬

‫الكون‬ ‫ِ‬ ‫ذرات‬ ‫المبثوث في ِ‬ ‫ُ‬ ‫أجملك أيها‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫وأنتَ تغرقني ببهائك وروحانيتك حتى أنتشي!‬ ‫نهاراتك والليالي‬ ‫َ‬ ‫عشقت‬ ‫ُ‬ ‫أتبتلُ وأبتهلُ‬ ‫الغدقة‬ ‫وفيوضاتك ِ‬ ‫َ‬ ‫حنانك‬ ‫َ‬ ‫أتزودُ من‬ ‫الزمن‬ ‫ِ‬ ‫ألداوي تصدّ عات‬ ‫الرفيف‬ ‫َ‬ ‫و أواصلَ‬ ‫في فضاءات الغربةِ والجمال‪..‬‬ ‫***‬

‫تمض‪..‬‬ ‫فال ِ‬ ‫إشراقك‬ ‫َ‬ ‫امتزجت بخيوط‬ ‫ُ‬ ‫و قد‬ ‫أنفاس َك شراييني‬ ‫ُ‬ ‫خالطت‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫دونك‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ثوان‬ ‫ٍ‬ ‫عدت أستطيقُ‬ ‫فما ُ‬ ‫ابقَ هنا دوماً‪..‬‬ ‫امض في تفاصيلنا الجرداء‬ ‫و ِ‬ ‫ألهمها خفقان الحياةِ‬ ‫ابتكر في خالياها التواقا َن هلل‬ ‫هينمات الرضا والفأل‬ ‫ِ‬ ‫و بثـ ّها‬ ‫ابقَ هنا ‪ ..‬ال تغادر‬ ‫فأطياف العمرِ ستكبُرُ شاحبةً إن اقترفتَ الرحيل!‬ ‫ُ‬ ‫* شاعرة وقاصة وكاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪67‬‬


‫إلـهــي‬ ‫‪ρρ‬مجد السريحني*‬

‫ْ�����������ت جَ ������وَى‬ ‫ِّ�����ك ذُ ب ُ‬ ‫�����ح�����ب َ‬ ‫إل�����ه�����يْ بِ ُ‬

‫ف�������ب�������ارِ ْك إل�����ه�����يَ ه�������ذا ال�����هَ�����وَى‬

‫������ك ُح������بّ������ ًا كَ���������وَى خ���افِ ���ق��� ًا‬ ‫أح������بُّ َ‬

‫ب���غ���ي���رِ مَ ����حَ ����بَّ����تِ ����كُ ����مْ م����ا اك���� َت����وَى‬

‫وح��زْتَ الجَ اللَ‬ ‫مَ لَكْ تَ الجَ مالَ ُ‬

‫وفيك ال��كَ��م��الُ اب��ت��دَى وانْجَ لَى‬

‫���ك ي���ا ذا ال��عَ��ط��اءِ‬ ‫وج���هُ َ‬ ‫َت����ب����ار َ​َك ْ‬

‫أض�����ا‬ ‫وي������ا مَ ������������ورِ َد ال������نّ������ورِ إمّ ��������ا َ‬

‫��ك الْ��مَ ْ��ج��دُ ي��ا سَ ��يِّ��دي والعُ لَى‬ ‫ل َ‬

‫َت����ب����ارَكْ ����تَ ي���ا ذا ال َّ���س���ن���ا وال��ثَّ��ن��ا‬

‫لِ و َْج ِه َك تَعْ نو ال��وج��و ُه انكسار ًا‬

‫������ع������زُّ والْ����مُ ����لْ���� َت����ج����ا‬ ‫ُ��������ك ال ِ‬ ‫وع��������زَّ ت َ‬ ‫ِ‬

‫وأن�������تَ لِ ���ع���افِ ���ي ال�����جَ �����دَا مَ ����وْئِ ����لٌ‬

‫�����ك ي�����ل�����وذُ ال���فَ��� َت���ى‬ ‫�����ك إل�����ي َ‬ ‫وم�����ن َ‬

‫�����ش�����رَعٌ‬ ‫����ج����ي مُ ْ‬ ‫ُ������ك ل����ل����مُ ����ر َت ِ‬ ‫وب������اب َ‬

‫وعَ ����ف����وُ َك م���ن دونِ �����هِ الْ��مُ �� ْر َت��جَ ��ى‬

‫��وب‬ ‫و َت���عْ ��� َل���مُ م���ا و َْس����وَسَ ����تْ����هُ ال��ق��ل ُ‬

‫����ج����وايَ َت��س��مَ ��عُ ��ه��ا ف��ي ال��خَ ��ف��ا‬ ‫و َن ْ‬

‫إذا انقطَ ع َْت بي ِحبالُ الرّجاءِ‬

‫�����واك ال���� َورَى‬ ‫فَ���مَ ���نْ ذا يُ ���ر َِّج���ي ِس َ‬

‫َل���ئِ ���نْ جَ ����لَّ َذنْ���ب���ي ف��أن��تَ ال��غَ��ف��و ُر‬

‫���ك إل���ه���ي ال���رَّ ج���ا‬ ‫وم����ا خ�����ابَ ف���ي َ‬

‫إل���ه���ي بِ �����بُ�����رْدِ ال���تُّ ���قَ���ى فَ��ا ْك ُ��س��ن��ي‬

‫ْ�������ع�������مْ عَ ����� َل�����يَّ بِ ������ َب������رْدِ ال���� ِّرض����ا‬ ‫وأَن ِ‬

‫* شاعرة وطبيبة من األردن‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫�������ان‬ ‫وان����������ث���������� ْر ع�����ل�����ي�����ه�����م ب���������اق��������� َة ال�������ري�������ح ِ‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫األوان‪...‬‬ ‫آن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫ُش������ـ������ـ������دّ ال����������رح����������الَ وج���������هَّ ���������زِ ال������رك������ب������انَ‬ ‫�������وف ع����ش����قً ����ا زان��������هُ‬ ‫����ت ال�������ج َ‬ ‫إن��������ي ع����ش����ق ُ‬ ‫������خ���ل��ان‬ ‫ِ‬ ‫������ال وص������ح������ب������ةُ ال‬ ‫������ب ال������ف������ع ِ‬ ‫ط������ي ُ‬ ‫اهلل ي�������ع�������ل�������مُ ك�����������م َي�������������عُ �������������زُّ ف�����������راقُ �����������هٌ‬ ‫��������ب ك������ل������ه������مْ إخ��������وان��������ي‬ ‫وف���������������������راقُ ص��������ح ٍ‬ ‫�������������������ك ح�����ال�����ه�����ا‬ ‫َ‬ ‫ل������ك������نّ������ه������ا ال��������دن��������ي��������ا وذل‬

‫‪ρρ‬محمود الرمحي*‬

‫ه���������ل دا َم ف���������������رحٌ أو أس���������������ىً ب����م����ك����ان‬ ‫������ب ب���������ع���������وْدةٍ‬ ‫���������������د ي��������وم��������ا ل������ل������غ������ري ِ‬ ‫ال ب َُّ‬ ‫������ان‬ ‫م�����ه�����م�����ا ي��������ط��������ولُ ال������ب������ع������دُ ب������اإلن������س ِ‬ ‫***‬

‫آنَ‬

‫األوانُ‬

‫ل�������ج�������ل�������س�������ةٍ‬

‫ف���������واح���������ةٍ‬

‫�������������������وان‬ ‫ِ‬ ‫ف������ي������ه������ا ُأن�����������اج�����������ي م����������ب����������د َع األك‬ ‫�����ت ل�������ق�������ا َء ُه‬ ‫ف����ي����ه����ا أن�������اج�������ي مَ �����������نْ ع�����ش�����ق ُ‬ ‫�������ن‬ ‫ول����������������ق����������������اؤُ ُه وع������������������دٌ م�����������ن ال�������رح�������م ِ‬ ‫أرج������������و ل�������ق�������اءً خَ ����������يِّ����������رً ا ف������ي������هِ ال������ ّرض������ا‬ ‫���������وان‬ ‫ِّض ِ‬ ‫م�����ن�����هُ ال�������ك�������ري�������مُ ‪ ..‬وج������ن������ةُ ال���������ر ْ‬ ‫وأن�����������ا ال�����ف�����ق�����ي�����رُ لِ ��������عَ��������فْ ��������وِ هِ ي�������ا ل���ي���ت���ن���ي‬ ‫��������رآن‬ ‫أح�������ظ�������ى َب��������عَ��������فْ ��������وِ مُ ������������ َن������������ز ِ​ِّل ال��������ق ِ‬ ‫ * شاعر أردني مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪69‬‬


‫األمل عشب اصطناعي‬ ‫‪ρρ‬عبدالوهاب امللوح*‬

‫بقلبي؛‬ ‫ليس بيدي أخذتك إلى الحدائق التي سقتها ضحكاتك‪،‬‬ ‫بقلبي‬ ‫ليس على ظهري حملتك ألعالي األنهار‪ ،‬حيث توقظ الغيوم السماء من‬ ‫غيبوباتها؛‬ ‫بقلبي؛‬ ‫ليس بصوتي غنيت لك شجن الهنود الحمر‪ ،‬يعودون بمحاصيل الرياح التي‬ ‫تهب من بين خطاهم؛‬ ‫بقلبي؛‬ ‫ليس بظاهر كفي قرأت تعويذات اآلتي من مستقبل الهواء‪ ،‬الذي طاردناه‬ ‫من غرفة فوق سطوح عاطفة تستعجل الجدران؛‬ ‫بقلبي؛‬ ‫ليس بعيني قرأت كائنات حروفك وهي تنهض متدفقة من رغوة صباحاتك‪،‬‬ ‫وتركض وعوال بين أزقة مسافاتنا؛‬ ‫بقلبي؛‬ ‫ولم يكن بمقدوري أن أفعله بشيء آخر مني أو من أدوات الكون‬ ‫بقلبي دائما؛‬ ‫ذاك الذي رأيتك به‪ ،‬ولم أره أبد ًا معي‪ ،‬أو حذوي‬ ‫ذاك الذي ال يفكر‬ ‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫وال يعرف كيف يحقق في شؤونه الملتبسة‪.‬‬ ‫بقلب يدي؛ بقلب ظهري؛ بقلب ظاهر كفي؛ بقلب عيني؛ بما‬ ‫ال أعرفه وال أراه مني‪.‬‬ ‫لم يكن ثمة داعٍ لهذه الباء‪:‬‬ ‫ذل��ك ال��ب��اص ال���ذي يتوجب أن اقتطع م��ن أج��ل��ه ت��ذك��رة‪ ،‬وأن‬ ‫انتظره ألمتطي الطريق‪.‬‬ ‫هناك أغنية غجرية تقول‪:‬‬ ‫لنكتف بالصمت طريقا‪..‬‬ ‫هناك؛‬ ‫عند زاوية في االنتظار‪ ،‬شجر يرتدي قميص فرح بنكهة دعاوي‬ ‫الجدات‪ ،‬ويصنع للصبيان كرنفاالت من ن��زوات الفواكه التي‬ ‫تنضج في عيون المارة‪.‬‬ ‫بقلبها األشجار تصنع الفواكه التي توقظ جيرانها العصافير‪،‬‬ ‫وتدفع بهم فراخا إلى صنع سماء غير مشوّهة بالرجاء‪.‬‬ ‫اسرحي بخراف شغفي التي ترعى في نظراتك‬ ‫اكنسي رده��ة الليل م��ن عتمات الضجر ال��ذي تبعثر يشاغب‬ ‫مالئكة االنتظار الرحيم‪:‬‬ ‫سوف يتطلب األمر شيئا ما‬ ‫كاحتجاز دقات قلبك بين كلمتين ال معنى لهما‬ ‫غير إطالة أمد عرق الشغف‪.‬‬ ‫لم يكن االنتظار رحيما‪..‬‬ ‫سوف يتطلب األمر شيئ ًا ما‪ ،‬كاحتجاز دقات قلبك بين كلمتين‬ ‫ال معنى لهما‬ ‫غير إطالة أمد عرق الشغف‪..‬‬ ‫لم يكن االنتظار رحيما‬ ‫غير إن المسافة ذئبة تنجب ذكرها القتيل في الجهة األخرى‬ ‫من القلب‪..‬‬

‫‪71‬‬


‫اس��رح��ي بشجني‪ ..‬خ��ذي��ه حيث تطير قهقهاتك ش��اال ينقذ‬ ‫الهواء من يأسه‬ ‫فاألمل عشب اصطناعي‬ ‫سوف أرتق الظالم‪ ،‬ال لشيء سوى أن أطل من بين ثقوبه على‬ ‫صدق نوايا الحلم‬ ‫وأرى فصاحة العناكب‬ ‫و هي تفسر معنى العزلة‬ ‫لم يكن صمتك علبة جواهر ثمينة‪.‬‬ ‫الدمعة التي في قلبي تنتظر أن تتحول إلى فراشة‬ ‫أنت التي ستطلّين من الشرفة سوف تكتفي‬ ‫بمنديلك إشارة للبالد‬ ‫ستكونين حزينة أو أقلّ‬ ‫كنزتك الصوفية البيضاء‬ ‫تؤجل قيلولة المعنى‬ ‫ّ‬ ‫نظرتك أبعد من الحلم قليال‬ ‫تسرح بماعز الرغائب عند أعشاب المنخفضات‬ ‫ها هو دمي يبكي وهو يبحث عن ظالله المهدمة في دمعتك‬ ‫الصلبة‪.‬‬ ‫بد ًال من التدقيق في معنى الكلمات‪ ..‬كان البد من اإلصغاء‬ ‫إلى ضوء نبضاتها بين أروقه القلب‪ ،‬والتنازل عن الفرح ألولئك‬ ‫الذين يرتجلون األلم لظاللهم المهدمة في دمعتك الصلبة‪..‬‬ ‫بقلبي ليس بعمري‪ ،‬أحملك عمرا متجددا لي‪..‬‬ ‫ * شاعر من تونس‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬مها العتيبي*‬

‫اقتراب‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫قصيدتان‬

‫������������������ب ه���������������ذا ال�������������������������وردُ م�����������ن ش�����ف�����ت�����ي�����هِ‬ ‫ي�����������ا ح ُّ‬ ‫�����������د م�����������������������لءُ ي����������دي����������هِ‬ ‫ون�������������س�������������ائ�������������مٌ ل�����������ل�����������وج ِ‬ ‫ق����������د اش������غ������ل������ت������نِ ������ي ع����������ن ت�����������م�����������دّ دِ وح������ش������تِ ������ي‬ ‫��������ك ال�������������دم�������������وعُ ال��������س��������م��������رُ ف����������ي ع����ي����ن����ي����هِ‬ ‫ت��������ل َ‬ ‫�������������رب اش��������ت��������ي��������اق�������� ًا ل������ل������ذي‬ ‫������������������ت أق�������������ت ُ‬ ‫م�����������ا زل ُ‬ ‫������������وت ع������ل������ي������هِ‬ ‫������������ي وك����������������م ح������������ن ُ‬ ‫ي��������ح��������نُ��������و ع������������ل ّ َ‬ ‫�������ن ت�����ض�����مّ �����ن�����ي‬ ‫��������������اف ال�������ح�������ن�������ي ِ‬ ‫أدن������������������و وأط��������������ي ُ‬ ‫�����������ت ك�����ف�����ي�����هِ‬ ‫ت������م������ح������و ال��������������� َنّ���������������وى إن الم�����������س ْ‬ ‫��������������راح ب�����ل�����ه�����ف�����ةٍ‬ ‫ِ‬ ‫���������م أش�������������ج�������������ا َن ال��������������ج‬ ‫ف���������ي���������ض ُّ‬ ‫أف������������دي������������ه ع��������ش��������ق�������� ًا ذابَ م������������ن ل�����ح�����ظ�����ي�����هِ‬ ‫��������������اع��������������ي وق��������������د ع������ان������ق������تُ ������ه‬ ‫ق�����������د َض��������������������� ّ َم أوج ِ‬ ‫وال����������������� ّ َدم�����������������عُ يُ ������������غ������������رقُ ب��������ال��������ه��������وى ك�����ت�����ف�����ي�����هِ‬ ‫ف�������أن�������ا ال���������هَ���������وى إن ق�������������الَ غ��������اي��������ةُ م����ط����م ِ����ع����ي‬ ‫�����������ش�����������ق وال���������������������وف���������������������اءُ ل����������دي����������هِ‬ ‫������������ب ت�����������ع ّ َ‬ ‫ق������������ل ٌ‬ ‫وأن�����������������������ا ال������������������وف������������������اءُ ودم����������������ع����������������ةٌ أغ���������ن���������يّ���������ةٌ‬ ‫س����������������ارت ب���������ش���������وقِ ���������يَ ف����������ي ُخ��������ط��������ى ق������دم������ي������هِ‬ ‫������������ب ف���������ي ال�������ت�������م�������اس طَ ������ري������ق������ةٍ‬ ‫ق���������د ث���������������ا َر ح ٌ‬ ‫��������������ب ع��������������اد ال�������ي�������هِ‬ ‫������������������ل ال�������������� َنّ��������������وى وال��������������ح ُّ‬ ‫ض َّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪73‬‬


‫يارا‬

‫�������ن ع������ل������ى وج������������ه ال�������م�������را َي�������ا‬ ‫ل������ه������ف������ةُ ال�������ح�������س ِ‬ ‫������ص������ب������ايِ ������ا‬ ‫����������وق ف��������ي ع�������ط�������رِ ال ّ َ‬ ‫وأن����������ي����������نُ ال����������ش ِ‬ ‫��������س ال����������� َنّ�����������دَى‬ ‫دم���������ع���������ةُ األح����������ل����������امِ ف���������ي ه��������م ِ‬ ‫������������������ق سَ ��������م��������ا َي��������ا‬ ‫���������م ف�����������ي أف ِ‬ ‫�������������اث ال���������غ���������ي ِ‬ ‫ول�������������ه ُ‬ ‫وال���������م���������وس���������ي���������قَ���������ى أج����������ج����������ت ف������������ي دم������ع������ه������ا‬ ‫ف�������اس�������ت�������ف�������اقَ ال����������ش����������وقُ وال��������ع��������ط��������رُ ه��������دا َي��������ا‬ ‫ق������������������������الَ ي������������������������ارا ب����������س����������م����������ةٌ ق���������������د ع����������طَ ����������رت‬ ‫وح���������ش��������� َة ال��������� َنّ���������ائ���������ي ب������������أس������������رارِ ال������ح������ك������ا َي������ا‬ ‫م��������ن��������ذُ أن ث����������������ا َر ال������������� َنّ�������������وى ف����������ي خ��������اط��������رِ ي‬ ‫�����ت ال�����وص�����ا َي�����ا‬ ‫ف������ي ان�����ت�����ظ�����ارِ ال�����ل�����ي ِ�����ل ف������ي ص�����م ِ‬ ‫������������ع ال�����ه�����وى‬ ‫�������اق ال�����ل�����ح�����ن ف��������ي دم ِ‬ ‫ف��������ي اش�������ت�������ي ِ‬ ‫���������وق ف�������ي ك�������ل ال�����خ��ل��ا َي�����ا‬ ‫�������اح ال���������ش ِ‬ ‫ف�������ي اج�������ت�������ي ِ‬ ‫��������ت‬ ‫�����������ث ي����������������������ارا ط���������ف���������ل���������ةٌ ق�������������د ب��������اغ��������ت ْ‬ ‫ح�����������ي ُ‬ ‫��������ن ال�������ب�������را َي�������ا‬ ‫������������������������راق ف���������ي ع��������ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب������ه������ج������ َة اإلش‬ ‫ص����������������������ارت األي�������������������������������امُ ح���������ل���������م��������� ًا م������ش������ت������هَ������ى‬ ‫�������������وق ق�����������د ُص�������������يّ������������� َر ن�������ا َي�������ا‬ ‫وح���������ن���������ي���������نُ ال�������������ش ِ‬ ‫�����������ن ك�����������ان�����������ت آي��������������ةً‬ ‫��������������ب ال�����������ح�����������س ِ‬ ‫ف��������������ي م��������������ه ِ ّ‬ ‫��������ق ن���������وا َي���������ا‬ ‫��������������������ج ال��������ع��������ش ِ‬ ‫ت����������رت����������دي م����������ن واه ِ‬ ‫ت�����������اه�����������ت األح�����������������������������������زانُ م��������������ا إن ل���������وحَ ���������ت‬ ‫������������م ق�����������د ص�����������������رنَ ش������ظ������ا َي������ا‬ ‫وخ������������ي������������ولُ ال������������ه ِ ّ‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫������ع������ه‬ ‫��������������س��������������ع��������������دُ م��������������ن م������ط������ل ِ‬ ‫ف�����������������أف�����������������اقَ ال ّ َ‬ ‫�������������زن ق�����������د ل���������م���������نَ ب������ق������ا َي������ا‬ ‫وب����������ق����������ا َي����������ا ال�������������ح ِ‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫��������م ي�����������ا ح���������ل��������� َم ال���������هَ���������وى‬ ‫ي�����������ا ف�����������ت�����������ا َة ال��������غ��������ي ِ‬ ‫ع���������������������ادت األي�����������������������������امُ ت��������س��������ت��������ج��������دي رؤا َي���������������������ا‬

‫������ض������ا‬ ‫�������������وق ف�����������ي ع�������م�������ق ال������ف َ‬ ‫ون�������������������������ذو ُر ال�������������ش ِ‬ ‫رق ال�����خ�����ط�����ا َي�����ا‬ ‫ت�����س�����م�����ت�����ي�����حُ ال����������وج���������� َد م��������ن ِ‬ ‫������������ال ال�����������ف�����������ج�����������رِ ف��������������ي أع���������ت���������ابِ ���������ه‬ ‫الم������������ت������������ث ِ‬ ‫�������ض ال����������زوا َي����������ا‬ ‫������اق ف��������ي ن�������ب ِ‬ ‫ل������ه������ف������ةُ ال������م������ش������ت ِ‬ ‫وح����������ن����������ي����������نُ ال����������ع����������ط����������رِ أم�������������سَ �������������ي اله���������ث��������� ًا‬ ‫راع�����������������ه ال�������ب�������ع�������د وف��������������ي ال��������ع��������ط��������رِ خ������ب������ا َي������ا‬ ‫ق������������������������اده ال�����������������ش�����������������وقُ وأغ����������������������������������راه ال����������ه����������وى‬ ‫وورود ال���������ف���������ج���������رِ أص��������ب��������ح��������ن شَ ������������ذا َي������������ا‬ ‫وم����������������� َن�����������������ايَ ال�������������ي�������������وم وال�����������ع�����������م�����������رُ ِص����������� ًبّ�����������ا‬ ‫������������ات مُ �������� َن��������ا َي��������ا‬ ‫������������ب س������������اح ِ‬ ‫أن ي��������ض�������� َم ال������������ح ُّ‬ ‫����������������ات رت���������ل���������ت‬ ‫���������������ث ي�����������������������������ارا أغ����������������ن����������������ي ٌ‬ ‫ح���������������ي ُ‬ ‫����������وق ف���������ي ك���������ل ال������ح������ َن������ا َي������ا‬ ‫�����������������م ال����������ش ِ‬ ‫م���������ن أدي ِ‬ ‫����������م ح���������������������ازت دم���������ع���������ةً‬ ‫م�������������ن ب�������������ك�������������اءِ ال����������غ����������ي ِ‬ ‫ت������ل������ث������مُ ال�����������وج����������� َد وت���������زه���������و ف���������ي ال�������م�������را َي�������ا‬ ‫���������������اض ال����������ع����������م����������رِ أم�������������سَ �������������ى وط����������� َن����������� ًا‬ ‫ُ‬ ‫وب���������������ي‬ ‫ل���������ل��������� َنّ���������دى وال���������ع���������ط���������رِ وال�������������������������وردِ س�������جَ �������ا َي�������ا‬ ‫�����������ب اق��������ت��������ب��������اس�������� ًا ل��������ل�������� َنّ��������دَى‬ ‫��������م��������ه��������ا ال�����������ح ُّ‬ ‫ض َّ‬ ‫������ح ت������ح������ا َي������ا‬ ‫������������وق ل������ل������ص������ب ِ‬ ‫������������س ال������������ش ِ‬ ‫ورس������������ي ُ‬ ‫* شاعرة وأكاديمية سعودية ‪ -‬جامعة أم القرى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪75‬‬


‫بعد رحيلي‬ ‫‪ρρ‬ميسون طه النوباني*‬

‫يا مَ ن عبّد هذا الدربَ ألتبعهُ‬ ‫فاستنشقت خطا ْه‬ ‫ُ‬ ‫لم يتغ َّي ْر شيءٌ بعد رحيلي‬ ‫تخط ظالال باهتةً‬ ‫ُّ‬ ‫ما زالت أعمد ُة النورِ‬ ‫كل مساءْ ‬ ‫وخطاك المنقوشةُ في الشارعِ‬ ‫َ‬ ‫اإلسفلت يردّدُ ها‬ ‫ُ‬ ‫ما زالَ‬ ‫وأنا مَ ن تبتلعُ األصداءْ‬ ‫لم يتغ ّي ْر شيءٌ بعد رحيلي‬ ‫ترش الما َء على خضرتها‬ ‫الفجل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫بائعة‬ ‫الحرف‬ ‫ِ‬ ‫وتعُ دُّ لهاث‬ ‫على ألسنةِ الناس‬ ‫تبحث عن شفتيها‬ ‫ُ‬ ‫زلت أراها‬ ‫ما ُ‬ ‫كي تتبسمَ‪..‬‬ ‫لكنّي لم أسمع أبدا ضحكتها‬ ‫ما زال األطفال يبيعون الور َد‬ ‫على األرصفة الصمّ اء‬ ‫والعرقُ المالح‬ ‫يقطرُ فوقَ جبين الوردةِ‬ ‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫كالماءْ‬ ‫فيتو ُه العشاقُ‬ ‫أيهدون الورد َة‬ ‫جرح الفقراء؟‬ ‫أم يبكون على ِ‬ ‫األبيض‬ ‫ِ‬ ‫الثوب‬ ‫ِ‬ ‫وبنات الحيِّ المسكونات بأفراح‬ ‫ُ‬ ‫ما زلنَ على الشرفاتْ‬ ‫بأيد مرتجف ْة‬ ‫يكتبنَ رسائلهنَّ ٍ‬ ‫والغدُ يمحو أحالما‬ ‫ورجاال‬ ‫وبناتْ‬ ‫تصب الصبحَ بأقداح من نورْ‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫ما زالت فيروز‬ ‫بأيد ناعمةٍ‬ ‫الحلم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تغسلُ وجه‬ ‫طفل فوق شفاهِ عجو ْز‬ ‫وتعتِّقُ بسم َة ٍ‬ ‫فتحجُّ الشمس إلى مغربها‬ ‫ويعود الحلمُ يغرِّدُ كالعصفو ْر‬ ‫رحيلك‬ ‫َ‬ ‫لم يتغ َّي ْر شيءٌ بع َد‬ ‫منتصف العمر اثنين‬ ‫ِ‬ ‫كنا في‬ ‫والواحدُ منا ال يكفي‬ ‫زلت هنا وحدي‬ ‫وأنا ما ُ‬ ‫أسترُ قام َة هذا الحزن بكفّ ي‬ ‫ * شاعرة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪77‬‬


‫أنجيل َها‪!..‬‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫نوير بنت مطلق العتيبي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫يخرجُ من أسفارِ العمرِ‬ ‫المجنون جنونًا‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ويسرقُ منَ العصرِ‬ ‫الضجيج‬ ‫ِ‬ ‫يمرقُ منَ‬ ‫من كُ هَّ ٍان يرجمو َن الحيا َة‬ ‫ليص َلهَا وال يصلُ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫مكسو ٌر ضلعُ هُ األيمنُ‬ ‫وفي حرفِ هَا جبيرةٌ‬ ‫تستعصي عليهِ‬ ‫ِ‬ ‫الرواح‬ ‫ِ‬ ‫ُمارس فضيل َة المجيءِ ‪ ..‬وإث َم‬ ‫ت ُ‬ ‫تتكسر ألويتُ هُ في بحرِ هَ ا‬ ‫ّ‬ ‫ويسقط في مُ ناهُ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫تُرتّقُ هُ حرفً ا حرفً ا‬ ‫بعضهَا فيهِ ‪..‬‬ ‫وتترك َ‬ ‫ُ‬ ‫لترحلَ بعيدً ا‬ ‫مال‬ ‫الش ِ‬ ‫كنجمةِ ِّ‬ ‫يناديهَا‬ ‫العمرُ المتهدِّ لُ على كتفي‬ ‫يداك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يحتاجُ أن تجدلَهُ‬ ‫مساحات كبريائِ هَا‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫تائهٌ صوتُهُ في‬ ‫يخنقُ هُ الزفيرُ‬ ‫جسد األيامِ‬ ‫ِ‬ ‫يم ِّر ُر كلماتِ هَا على‬ ‫اليابس‬ ‫ِ‬ ‫الزمن‬ ‫ِ‬ ‫نتوءآت‬ ‫ِ‬ ‫يتحس ُس‬ ‫ّ‬ ‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫ليستنهض الحيا َة وينادِ ي‪..‬‬ ‫َ‬ ‫في أطرافِ هِ‬ ‫يا سيدتي‪..‬‬ ‫ما أسهلَ القتلَ هنَا‬ ‫وقتل ُِك مُ باحٌ‬ ‫تلك المالمحَ‬ ‫مَ ِّس ِدي َ‬ ‫مداك‬ ‫ِ‬ ‫قنديلين ألبص َر‬ ‫ِ‬ ‫وأشعلِ ي‬ ‫ِ‬ ‫وامنحيِ ني الرِّما َح‬ ‫ال تخافي منقصةً‬ ‫فأصيلةٌ داخلي الدماءُ‬ ‫تعالي‪..‬‬ ‫وازرعي في الصدرِ بستانًا‬ ‫وأعيدي للكمنجةِ صو َتهَا المسروقَ‬ ‫وانفُ ِخي الرو َح في عازفِ هَا‬ ‫المخنوق حنينًا ووفاءً ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫بالحنين‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يا عابثةً‬ ‫تُشبهينَ المنافي‬ ‫لكن َِّك الوطنُ المكابرُ‬ ‫تباركينَ الغرب َة‬ ‫الفجا َج البارد َة على المتعبينَ‬ ‫وتوزعينَ ِ‬ ‫تعالي لنُرتّقَ المساف َة بيننَا‬ ‫ُؤاخي التاريخَ الميّتَ‬ ‫ونرتِّبَ الحكايا ون ِ‬ ‫الذي أضحى ضغينةً‬ ‫ُتلف الذاكر َة السودا َء‬ ‫أو دعينا ن ُ‬ ‫جديد‬ ‫ٍ‬ ‫ونبد ُأ من‬ ‫وننسى العام التسعين‬ ‫ونداوي النُّ دب َة من ن َْخ ِب قصيدةٍ‬ ‫حديث وخطيئةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال وج َع‬ ‫ونتلف اللحنَ الحزينَ‬ ‫ُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪79‬‬


‫فهل ستأتينَ ؟‬ ‫أم تتركينني حكايةً‬ ‫منقوصةً ‪ ..‬موجوعةً ‪ ..‬يتناق ُلهَا ِصبيةٌ خائبينَ‬ ‫مداك‬ ‫ِ‬ ‫فإنْ ضا َع النداءُ في‬ ‫سأجلس هنا‬ ‫ُ‬ ‫الخليج‬ ‫ِ‬ ‫عن َد ماءِ‬ ‫ألُخب َر ُه عن قِ فَارٍ نبتتْ فيها أزها ُر اليَاسمينَ‬ ‫عن هَ ْضبةٍ صارتْ جنةً‬ ‫تحرسهُ مالئكةٌ‬ ‫ُ‬ ‫وعن موردٍ‬ ‫الشياطين‬ ‫ِ‬ ‫وتطوف حولَهُ أقداحُ‬ ‫ُ‬ ‫عن امرأةٍ‬ ‫سأخبرُ ُه ِ‬ ‫تُجيدُ التآخي‬ ‫الموت ضدَّ الميتينَ‬ ‫ِ‬ ‫م َع‬ ‫بيدها بِ دايةٌ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫للربيع‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫وفي األخرى مواسمُ‬ ‫لن تأتيَ ‪ ..‬أعرف!‬ ‫وأعرف ساد َّيت َِك التي تعشقينَ‬ ‫ُ‬ ‫لكني‪..‬‬ ‫الخليج‬ ‫ِ‬ ‫سأجلس هنا عن َد‬ ‫ُ‬ ‫بخيبتي العربيةِ وكوفيتي البائسةِ‬ ‫للسنوات الخرساءِ القادمةِ‬ ‫ِ‬ ‫ألحكي‬ ‫الوطن المنفى‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫وعذابات المهاجرينَ‬ ‫ِ‬ ‫الموت‬ ‫ِ‬ ‫وكيف يكونُ طعمُ‬ ‫َ‬ ‫فم التائهينَ ‪..‬‬ ‫في ِ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬جناة املاجد*‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫ع���ن���دم���ا‬ ‫ت���ـ���ن���ه���د‬ ‫ال�����ب�����در‬

‫�لا ت��ـ��ن��ـ��هّ ��ـ�� َد ب���ـ���ـ���ـ���د ُر ُه‬ ‫إ ِّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ي أرى ل��ـ��ـ��ي��ـ ً‬ ‫��اب‬ ‫إذ إن��ـ��ـ��ـ��ـ��ه ي��ـ��ـ��ح��ـ��ي��ـ��ا ب��ـ��ـ��ـ��ـ�لا أص��ـ��ـ��ح��ـ ِ‬ ‫يـشكو الـقطيع َة وال��ـ��ن��ج��ومُ ج���وا ُر ُه‬ ‫��اب‬ ‫ل��ـ��ـ��ك��ـ��ـ��ن ب��ـ��ـ��ـ�لا ُح���ـ���ـ���ـ ٍ���ب وال إع��ـ��ـ��ج��ـ ِ‬ ‫يُ ملي على ص��درِ ال��س��م��اءِ قصي َد ُه‬ ‫��اب‬ ‫ن��ـ��ـ��ـ��ور ًا ي��ـ��ـ��ض��ـ��وعُ ب��ـ��ع��ـ��اط��ـ��رِ األط��ـ��ي��ـ ِ‬ ‫����واق ج��ـ��نَّ ج��ن��ونُ��ه��ا‬ ‫ن���ـ���ور ًا م��ـ��ن األش����ـ ِ‬ ‫��اب‬ ‫ف��ـ��ت��ـ��واف��ـ��دتْ ح��ـ��ش��ـ��د ًا ب��ـ��غ��ي��رِ ح��ـ��س ِ‬ ‫ـحبوب أي��ـ��ـ��نَ أمـاسـي ًا‬ ‫ُ‬ ‫��ك الـم‬ ‫يـا ذل��ـ َ‬ ‫���راب‬ ‫ك��ـ��ـ��ـ��انَ ال���ـ���ـ���غ���ـ���رامُ ك��ـ��خ��ـ��ب��زةٍ وش���ـ���ـ ِ‬ ‫�لا م��ـ��ن مُ ��ـ��زن��ةٍ‬ ‫ك��ـ��ـ��ا َن ال��ـ��ك��ـ�لامُ ج��ـ��دائ ً‬ ‫��اب‬ ‫ت��ـ��ه��م��ي ع��ـ��ل��ى ف���ـ���اهِ ال���ه���وى ب��رض ِ‬ ‫غ��ـ��ارتْ ن��ـ��ج��ومُ ال��ل��ي ِ��ل م��ن همساتِ ـنا‬ ‫��اب‬ ‫س��ـ��ه��ـ��رتْ ت��ـ��راق��ـ ُ��ب ع��ـ��ش��قَ��ن��ا ب��ـ��ع��ت ِ‬ ‫رق��ـ��ص ْ��ت عـلى ش���دوِ ال��ه��وى آم��الُ��ن��ا‬ ‫��اب‬ ‫وغَ ���ـ��� َف���ـ ْ���ت ع��ـ��ل��ى أق��ـ��ص��وص��ةٍ وك��ـ��ت ِ‬ ‫وال��ـ��ي��ـ��و َم ال َح الـبـينُ ب��ـ��ع�� َد م��ـ��واص ٍ��ل‬ ‫��اب‬ ‫ِم��ـ��ـ��ـ��ن غ��ـ��ـ��ي��ـ��رِ م��ـ��ا ع���ـ���ذرٍ وال أس��ـ��ب��ـ ِ‬ ‫ف��ـ��ك��ـ��أن��ـ��م��ا ك��ـ��ـ��ـ��ان ال��ـ��ـ��ه��ـ��وى ُأل��ـ��ع��ـ��وب��ةً‬ ‫��راب‬ ‫وك��ـ��أن��ـ��م��ـ��ا ك���ـ���ـ���ان ال���ـ���ه���ـ���وى ك��ـ��س��ـ ِ‬ ‫******‬

‫ي��ـ��ا أيـهـا الـنـائـي الـبـعـيـد تـحـيـةً‬ ‫��واج��ع��ي وع��ذاب��ي‬ ‫أذك���ـ���ي���تَ ج��ـ��م�� َر م��ـ ِ‬ ‫ـساحنا‬ ‫ع��ـ��ـ��رِّجْ عـلـينا إن م��ـ��ـ��ررتَ ب ِ‬ ‫��اب‬ ‫س��ـ��ـ�� ِّل��ـ��م ع��ـ��ل��ـ��ي��ـ��ن��ا ل��ـ��ـ��و ورا َء ِح��ـ��ج��ـ ِ‬ ‫ودعِ ال��ـ��ـ��ع��ـ��واذلَ وال��ـ��ن��ـ��ج��و َم ل��ـ�� ُب��ـ��ره��ةٍ‬ ‫��اب‬ ‫ي��ـ��ـ��رق��ـ��ـ��ي��ـ��ن��ـ��ن��ـ��ا ب��ـ��ـ��ـ��ت��ـ��ـ��ـ�لاوةٍ وك��ـ��ـ��ـ��ت��ـ��ـ��ـ ِ‬ ‫ف��ـ��ل��ـ��رُ ب��ـ��م��ـ��ا ع��ـ��ـ��ي��ـ ٌ��ن أص��ـ��ـ��اب��ـ��ت ُحـبـنـا‬ ‫���راب‬ ‫ـبيب ك��ـ��س��ائ��رِ األغ���ـ ِ‬ ‫ف��ـ��غ��ـ��دا الـح ُ‬ ‫�لا ف��ـ��ي ال��ـ��ج��وارِ لـعلَّهُ‬ ‫وام��ـ��ك ْ��ث ق��ـ��ل��ي ً‬ ‫��اب‬ ‫ي��ـ��ـ��ح��ـ��ي��ـ��ا ال��ـ��ـ��غ��ـ��رامُ ب��ـ��ـ��ع��ـ��ودةٍ وإي��ـ��ـ��ـ ِ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪81‬‬


‫الجـــــــــوف‬ ‫‪ρρ‬حنان فرحان الريس*‬

‫أال ه��ب��ي ب��ص��ح��نِ ِ��ك فاصبحينا‬ ‫ص���ب���اح��� ًا زاه���������ر ًا وأري��������ج م��س ٍ��ك‬ ‫��ض��ب ِ��ت ش���ع���ر َِك س��رم��دي�� ًا‬ ‫وإن خ َّ‬ ‫�لا وف��خ��ر ًا‬ ‫ت��ع��ال��ي واك��ت��س��ي خ��ج ً‬ ‫ع���ن ال������زوارِ ع���ن م��ل ِ��ح ال��ح��ك��اي��ا!‬ ‫����������د وط����ن����ي ون���ب���ض���ي‬ ‫����ف واح ٍ‬ ‫ب����ك ٍ‬ ‫ك��ع��ق ِ��د ال���ل���ؤل���ؤِ ال��م��ن��ظ��ومِ ل��ح��ن�� ًا‬ ‫�������اض ال����ع����زِ ل���ل���م���ج ِ���د ال���ب���ق���اءُ‬ ‫ري ُ‬ ‫بها ان��ت��ش��رت ب���ذو ُر ال��ع��ل ِ��م حق ًال‬ ‫�����ز قِ ����دْ م���� ًا‬ ‫ب���ه���ا ن����ش����أتْ ن��������وا ُة ال�����ع ِ ّ‬ ‫القصيم‬ ‫ِ‬ ‫الرياض إلى‬ ‫ِ‬ ‫أرض‬ ‫ومن ِ‬ ‫وف�����ي ق���ل ِ���ب ال���ح���ج���ازِ ل���ن���ا م���ق���امٌ‬ ‫�����رق ال����ب��ل�ادِ ل��ن��ا س��واع��د‬ ‫وف����ي ش ِ‬ ‫��وب‬ ‫وي����رح����لُ م��زن��ن��ا ج���ه��� َة ال��ج��ن ِ‬ ‫الحروف أجى وسلمى‬ ‫ُ‬ ‫وتسبقني‬ ‫ُأح�����دِّ ث�����ك�����م وال أوف�������ي ال���ه���داي���ا‬ ‫حجم األراضي‬ ‫ِ‬ ‫بحجم سمائي أم‬ ‫ِ‬ ‫قلوب ال��ج��وف فاضت بالبشائر‬ ‫ون����خ����لٌ ط�����ال أه��������داب ال���س���راي���ا‬ ‫ورائ�����ح�����ة ال���ع���س���ي���ب أن��������اء ف��ج��ر‬ ‫وم���ن ب���رج ال��ش��م��وخ ل��ن��ا ان��ت��ظ��ار‬ ‫وف����ي ج���وف���ي ح��ك��اي��ا م���ن ح��ري��ر‬ ‫ب����ك����م ت����������اجٌ أف������اخ������ر ي������ا ب���ل��ادي‬ ‫* الجـــوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وزي�����دي ال���زه��� َر ور َد ال��ي��اس��م��ي��ن��ا‬ ‫الجوف تاجٌ في الجبينا‬ ‫ِ‬ ‫ضيوف‬ ‫ُ‬ ‫ي��ف��وحُ ال��ع��ط��رُ م��ن ت��ل��ك اليدينا‬ ‫ح����ري����ر ًا م���ن زب���رج���د واخ��ب��ري��ن��ا‬ ‫����دان م�������اذا ت���درك���ي���ن���ا؟‬ ‫ع����ن ال����ب����ل ِ‬ ‫خ�����م�����ائ�����لُ ع����ن����ب����رٍ ك���������ادت ت��ل��ي��ن��ا‬ ‫ت������ج������ودُ ك����م����ا ي������ج������ودُ األول����ي����ن����ا‬ ‫وأرض ال��ن��ه��ض��ةِ ال����غ����را َء حينا‬ ‫ُ‬ ‫����ق ال��ي��ق��ي��ن��ا‬ ‫وس������ا َد ال����ع����دلُ وال����ح ُّ‬ ‫����ف����ا ح��زي��ن��ا‬ ‫وص����اف����حَ س���ع���دُ ه���ا ك ًّ‬ ‫ح���م���اة ال���دي ِ���ن ي���ا درع�����ا حصينا‬ ‫لسانُ الصدقِ يا الحرفَ األمينا‬ ‫ن���ق���اءُ ن��ف��وس��ه��ا غ���ل���بَ ال��ف��ط��ي��ن��ا‬ ‫ي��ع��ان��ق غ��ي��ثُ ��ه��ا ال��ق��ل��بَ ال��ره��ي��ن��ا‬ ‫وت��ح��ض��ن��ن��ي س����م����اءُ األك���رم���ي���ن���ا‬ ‫���وك ال�������وردُ ت�����روى ل���ي سنينا‬ ‫ت���ب ُ‬ ‫أم األم������ط������ارِ ت���وف���ي���ك���م ح��ن��ي��ن��ا‬ ‫���اح���ه���ا غ���ي���م��� ًا وت��ي��ن��ا‬ ‫وزان ص���ب ُ‬ ‫وع������ان������ق زي����تَ����ه����ا ذه������بً������ا ث��م��ي��ن��ا‬ ‫على الخبز المحمَّ ر تُطعمينا‬ ‫ع��ل��ى ال��ت��اري��خ أن���ف���اس الحنينا‬ ‫م���������ط���������رزة ب������ح������ب ال����ط����ي����ب����ي����ن����ا‬ ‫ش��م��ال ال��ق��ل��ب أو ش��ئ��ت اليمينا‬


‫‪ρρ‬أحمد متساح*‬

‫‪1‬‬

‫النخيلُ يطرحُ لغةً وسالم ًا‬ ‫وأحالم ًا تدومُ‬ ‫يغزلُ للبدرِ قميصاً‪..‬‬ ‫وينامُ على كتف النجوم‬ ‫‪2‬‬

‫النخيلُ في قريتنا‬

‫‪4‬‬

‫يا أيها النخيلُ وأنتَ تشقُ المدى‬ ‫صب الهديلَ‬ ‫ِّ‬ ‫الشمس خجالً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫تتوارى‬ ‫وتطر ُز شالها بالحناء‬ ‫واألصيل‬

‫ال ينام‪..‬‬

‫‪5‬‬

‫يقف حارس ًا للديار‬ ‫ُ‬ ‫كتف الثمار‬ ‫ويربت على ِ‬ ‫ُ‬ ‫سأمرُّ عليه في منتصف النهار‬ ‫فأقلد ُه‬

‫الحرف‬ ‫َ‬ ‫من يزرعُ‬ ‫ينتظرُ الكالم‬ ‫األرض‪..‬‬ ‫َ‬ ‫يحرث‬ ‫ُ‬ ‫ومن‬ ‫يسوقُ قافل َة الغمام‬

‫وشا َح الشموخ‬ ‫‪3‬‬

‫يفرك لي سنبل َة النبض‬ ‫ُ‬ ‫النخيلُ‬

‫أنا ابن النخيل الطارح‪..‬‬ ‫أم ابن الوطن في أول الزحام‬

‫���رب ن��ب��ي�� َذ ال��ح��ك��اي��ا م��ن س��واق��ي‬ ‫وي���ش ُ‬ ‫األوردة واألرض‬ ‫يرسمُ على جبينى ِأهلَّةً‬ ‫ونجوم ًا‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫النخيل يختلي بالشوق وناي الغروب‬

‫‪6‬‬

‫النخيلُ يبوحُ لي‪..‬‬ ‫يعزف ناي الغروب‬ ‫ُ‬ ‫حين‬

‫المجذوب‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أعتاب وأنا‬ ‫ِ‬ ‫ثمَ يبعثرُ البوح أقـ ـ ــمار ًا على‬

‫الوطن‬

‫بعشق اليمام والوطن‬

‫ * شاعر من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪83‬‬


‫العـــاجــــــــز‬ ‫قصة للكاتب الفرنسي‪ :‬غي دي موباسان‬ ‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬ياسمينة صالح*‬

‫حدثت لي هذه المغامرة سنة ‪1882‬م‪ .‬كنت على متن القطار‪ ،‬وكنت راغبا في‬ ‫البقاء ل��وح��دي‪ ،‬فقررت الجلوس في مقطورة ف��ارغ��ة‪ ،‬وإذ بباب المقطورة يفتح‬ ‫فجأة‪ ،‬أطل رجل برأسه من الباب وهو يقول‪:‬‬ ‫ احذر يا سيدي‪ ،‬نحن نمر على تقاطع السكك الحديدية‪ ،‬وهنالك مرتفعات‬‫سوف تفاجئنا‪.‬‬ ‫رد صوت‪:‬‬

‫الكبير‪ ،‬ولمحت خالل قماشة بنطلونه‬

‫ال تقلق يا لوران‪ ،‬سأمسك المقبض ساقا من الخشب‪ ،‬سرعان ما تبعتها‬ ‫الساق الخشبية األخرى‪.‬‬ ‫بكل قوة‪.‬‬ ‫لمحت رأس����اً ي��ط��ل م��رت��دي��ا قبعة‬

‫رأس من خلف الرجل وسأل‬ ‫ٌ‬ ‫أطل‬

‫دائ��ري��ة‪ ،‬وي�� َديْ��ن ممسكتين بحزام من دون مقدمات‪:‬‬

‫الجلد ومن القماش المثبت على الباب‪،‬‬

‫مخفية جسما ضخما‪ ،‬وكانت لخطواته‬

‫على الممر نقر العصا على األرض‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫عندما أطل الرجل كامال‪ ،‬رأيت جذعه‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫هل أنت مرتاح يا سيدي؟‬ ‫نعم يا بني‪.‬‬ ‫حسنا‪ ،‬إليك أغراضك وركائزك!‬


‫هذا كل شيء يا سيدي‪ ،‬هنالك خمسة‬ ‫أغراض‪ :‬الحلوى‪ ،‬الدمية‪ ،‬الطبل‪ ،‬البندقية‪،‬‬ ‫ورقائق اللحم‪.‬‬ ‫شكرا يا بني‪.‬‬ ‫العفو‪ ،‬أرجو لك صحة طيبة!‬

‫معك حق يا سيدي!‬ ‫قلت له وانا أمد يدي للمصافحة‪:‬‬ ‫اسمي «هنري بونكلير»‪ ،‬قاض‪.‬‬ ‫بدا مترددا وهو ينظر إليّ بعينين غطاهما‬

‫الغموض‪ ،‬ثم بصوت أراده عاديا قال‪:‬‬

‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫بدا كخادم وهو يحمل تلك األغراض بين‬ ‫يديه ثم يضعها وهو يقول‪:‬‬

‫رد الرجل موافقا‪:‬‬

‫نعم ت��ذك��رت! التقيت بك في بيت «لي‬

‫قالها الخادم وهو ينسحب مقفال الباب‬ ‫خلفه‪ ،‬وبقيت أتأمل ج��اري‪ .‬كان يبدو في‬ ‫سنة!‬ ‫الثالثينيات من العمر‪ ،‬وإن غطى الشيب‬ ‫آآآ‪ ،‬نعم يا سيدي‪ ،‬تذكرت‪ ..‬أنت المالزم‬ ‫شعره‪ ،‬قوي البنية‪ ،‬بشنب كث‪ .‬مسح على‬ ‫جبينه وهو يتنهد بعمق‪ ،‬ثم التف نحوي وهو «روفاليير»؟‬ ‫نعم‪ ،‬وترقيت بعدها إلى نقيب‪ ،‬إلى اليوم‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫بونسيل» قبل ال��ح��رب‪ ،‬منذ اثنتي عشرة‬

‫أرج��و أال يزعجك دخ��ان السيجارة يا الذي فقدت فيها ساقيَّ االثنتين‪ ،‬بانفجار‬ ‫عبوة‪.‬‬ ‫سيدي‪.‬‬ ‫ال أبدا!‬

‫ت��ل��ك ال��ع��ي��ن��ي��ن‪ ،‬وذل����ك ال���ص���وت‪ ،‬كنت‬ ‫أعرفهما‪ ،‬لكن كيف وأي���ن؟ كنت متأكدا‬ ‫أنني قابلته من قبل‪ ،‬وصافحته‪ .‬كنت أبحث‬ ‫ف��ي ذاك��رت��ي ع��ن تفاصيل ذل���ك‪ ،‬وشعرت‬ ‫أنني أغوص بعيدا جدا‪ ،‬بينما كان الرجل‬ ‫يتفحصني بنفس اإللحاح‪ ،‬وبنفس اإلحساس‬ ‫أنه رآني‪ ،‬ولكنه ال يذكر أيضا أين!؟‬ ‫نظرت إليه وأنا أقول بصوت قوي‪:‬‬

‫أذكر جيدا هذا الشاب الوسيم والنحيف‬

‫ال��ذي ك��ان يقود ال��رت��ل العسكري بنشاط‬ ‫منقطع ال��ن��ظ��ي��ر‪ ،‬وك��ن��ا نطلق عليه على‬

‫ما أذك��ر اس��م «ت��ورن��ادو»‪ .‬لكن خلف هذه‬ ‫ال��ص��ورة التي تبدو واض��ح��ة‪ ،‬يوجد شيء‬

‫عائم‪ ،‬حكاية سمعتها ونسيتها‪ .‬حكاية من‬ ‫النوع الذي يشد انتباهنا سريعا‪ ،‬لتسقط‬

‫في قاع الذاكرة سريعا‪ .‬لكني أذكر أن الحب‬ ‫ك��ان حاضرا فيها‪ .‬أردت الغوص في قاع‬

‫الذاكرة‪ ،‬للوصول إلى تفاصيل الحكاية‪ .‬ثم‬

‫يا الهي‪ ،‬بدال من مراقبتنا لبعضنا بهذا شيئا فشيئا‪ ،‬الح خيال ام��رأة أم��ام عيني‪،‬‬ ‫الشكل‪ ،‬أال يجدر أن نفكر معا لنتذكر أين وت��ذك��رت على ال��ف��ور اسمها اآلن��س��ة «دي‬ ‫تقابلنا سابقا؟‬ ‫مندال»‪ .‬ساعتها تذكرت كل شيء!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪85‬‬


‫كانت قصة حب‪ ،‬عادية وساذجة‪ .‬وقعت الطبلة والبندقية البنيه‪ ،‬ورقائق اللحم له!»‬ ‫الفتاة ف��ي ح��ب ه��ذا ال��ش��اب‪ .‬أذك���ر أنني قلت له فجأة‪:‬‬ ‫عندما التقيتُ به‪ ،‬كان الجميع يتكلم عن‬ ‫هل صرت أبا؟‬ ‫اقتراب موعد زفافهما‪.‬‬ ‫رد ببساطة‪:‬‬ ‫نظرتُ إلى األغراض التي حملها الخادم‬ ‫ال يا سيدي!‬ ‫منذ قليل‪ ،‬والتي كانت تهتز على وقع سرعة‬ ‫شعرت باالرتباك والحرج وأنا أكتشف أن‬ ‫القطار‪ .‬وتذكرت صوته عندما قال‪:‬‬ ‫ـ «هذا كل شيء يا سيدي‪ ،‬هنالك خمسة خيالي أخذني بعيدا عن الحقيقة‪ .‬حمحمت‬ ‫أغراض‪ :‬الحلوى‪ ،‬الدمية‪ ،‬الطبل‪ ،‬البندقية‪ ،‬وأنا أضيف‪:‬‬ ‫أرجو المعذرة‪ ،‬لكني ظننت عندما تكلم‬ ‫ورقائق اللحم»‪.‬‬

‫وللحظة‪ ،‬تجسدت خيوط ال��رواي��ة في خادمك عن األلعاب‪ ..‬حسنا! أحيانا نصغي‬ ‫مخيلتي‪ ،‬لعله ارتبط فعليا بخطيبته التي دون أن نسمع تماما‪ ،‬ونخمّن فيما بعد!‬ ‫رغم الحادث المؤلم الذي وقع له‪ ،‬أرادت‬ ‫ابتسم وهو يقول بصوت خافت‪:‬‬ ‫االل��ت��زام بوعدها‪ .‬ب��دت ل��ي ه��ذه ال��رواي��ة‬ ‫ال‪ ،‬ولست متزوجا‪.‬‬ ‫جميلة‪ ،‬بسيطة‪ ،‬كما يمكن أن تكون األشياء‬ ‫تظاهرت بأني ت��ذك��رت معلومة وقلت‬ ‫الجميلة بسيطة‪ .‬ث��م الح أم��ام��ي احتمال‬ ‫آخر‪ ،‬أقل تفاؤال‪ ،‬وأكثر واقعية‪ .‬ربما تزوجت بصوت يتماهى مع الدهشة‪:‬‬ ‫ آ‪ ..‬نعم‪ ،‬أذك��ر أنكما كنتما خطيبين‪،‬‬‫خطيبته قبل الحرب‪ ،‬قبل الحادث!‬ ‫ث��م ل��و ل��م ت��ت��زوج‪ ،‬ه��ل ك��ان��ت تستطيع اسمها اآلنسة «دي ماندال» على ما أظن!‬ ‫االعتناء برجل ك��ان وسيما ورائ��ع��ا‪ ،‬وعاد‬ ‫مبتور الساقين‪ ،‬لتعتني ب��ه على حساب‬ ‫طموحها‪ ،‬وشبابها؟‬

‫‪ -‬لديك ذاكرة جيدة يا سيدي!‬

‫شعرت بجرأة غريبة وأنا أتابع‪:‬‬ ‫وأذكر فيما بعد أنني سمعت أن اآلنسة‬

‫تملكتني رغبة عارمة في معرفة قصته‪،‬‬ ‫على األقل معرفة ما يزيح فضولي ويجعلني‬ ‫السيد‪..‬‬ ‫أتوقع األشياء التي ال يقولها لي صراحة‪.‬‬ ‫من السيد «دي فلوريل»‬ ‫تبادلت معه كلمات عادية‪ ،‬وكنت أنظر‬ ‫قالها بصوت هادئ‪.‬‬ ‫إل��ى األغ����راض م��ف��ك��را‪« :‬ل��دي��ه إذًا ثالثة‬ ‫أط��ف��ال‪ :‬الحلوى لزوجته‪ ،‬الدمية البنته‪،‬‬ ‫نعم بالضبط! أتذكر أنني علمت وقتها‬

‫«دي م��ان��دال» ت��زوج��ت م��ن ال��س��ي��د‪ ..‬من‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫نظرت إلى عينيه‪ ،‬فاصطبغ وجهه بحمرة للتضحيات حدود!‬ ‫مفاجئة‪ .‬رد بصوت ق��وي‪ ،‬وحماسة رجل‬ ‫قلت أحاول أن أواصل الحديث‪:‬‬ ‫يدافع عن قضية تعنيه‪ ..‬قضية قد تكون‬ ‫هل للسيدة «دي فلوريل» أطفال؟‬ ‫خاسرة‪ ،‬ولكنها تعني بالنسبة إليه كل شيء‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬طفلة وصبيين‪ ..‬أن��ا أحمل هذه‬ ‫ال يجوز يا سيدي‪ ،‬أن تربط اسمي باسم‬ ‫الهدايا ألجلهم‪ ..‬لقد كانا‪ ،‬هي وزوجها‪،‬‬ ‫ال��س��ي��دة «دي ف��ل��وري��ل»‪ .‬عندما ع��دت من‬ ‫كريمين معي‪.‬‬ ‫الحرب‪ ،‬بال ساقين‪ ،‬لم أكن أقبل أب��دا أن‬ ‫ك���ان ال��ق��ط��ار ي��ص��ع��د م��رت��ف��ع «س��ان��ت‬ ‫ترتبط بي‪ .‬هل كان ذلك ممكنا حقا؟ الزواج‬ ‫ال عالقة له بالشفقة! الزواج حياة مشتركة‪ ،‬جيرمان»‪ ،‬ثم دخل النفق‪ ،‬ليصل أخيرا إلى‬ ‫دائمة‪ ،‬كاملة مع رجل مناسب‪ ،‬وعندما يكون المحطة‪ ..‬يتوقف‪ .‬أردت أن أم��د ذراع��ي‬ ‫ذلك الرجل في ظروفي‪ ،‬ستحكم المرأة على للضابط ألساعده على النزول‪ ،‬عندما رأيت‬ ‫نفسها بالعذاب الذي سيدوم حتى الموت! رجال يدخل‪ ،‬ويمد يديه نحو جاري قائال‪:‬‬ ‫بالتأكيد أنا ككل الناس أحترم التضحيات‬ ‫صباح الخير عزيزي «ريفالييه»‬ ‫بكل أنواعها‪ ،‬لكن حتى للتضحيات حدود‪،‬‬ ‫صباح الخير «فلوريل»!‬ ‫لهذا لم أكن ألقبل أن تتخلى امرأة عن حقها‬ ‫خ��ل��ف ال��س��ي��د «ف��ل��وري��ل» وق��ف��ت ام���راة‬ ‫في الحياة وفي السعادة وفي األحالم‪ ،‬ارضاءاً‬ ‫للناس! أحيانا وأنا في غرفتي‪ ،‬أصغي إلى مبتسمة‪ ،‬وجميلة وهي تقول‪ :‬صباح الخير!‬ ‫صوت قدمَيّ الخشبيتين على األرض‪ ،‬وإلى كانت بالقرب منها طفلة تقفز من الفرح‪،‬‬ ‫صوت عكازتي‪ ،‬فأشعر بالقهر! هل تعتقد أنه وصبيين ينظران إل��ى الطبلة والبندقية‬ ‫من العقالني أن أطلب من ام��رأة أن تتقبل بعينين مبهورتين‪..‬‬ ‫شيئا أنا نفسي ال أتقبله؟ ثم هل تبدو لك‬ ‫عندما نزل «ريفالييه» من القطار‪ ،‬انهال‬ ‫رجل َيّ الخشبيتين جميلتين؟‬ ‫عليه األطفال بالعناق والقبالت‪ ،‬ثم مشوا‬ ‫قالها وهو يطأطئ رأسه‪.‬‬ ‫جميعا مبتعدين‪ ،‬ك��ان��ت الطفلة ممسكة‬

‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫بإصابتك‪.‬‬

‫بالطبع ال! التضحيات جميلة‪ ،‬ولكن حتى‬

‫صمتُّ بدوري‪ .‬ماذا بوسعي قوله له؟ لقد بحافة العكاز وهي تمشي معه‪ ،‬كما لو كانت‬ ‫كان محقا‪ .‬هل يمكن لومها أو الحنق عليها؟ ممسكة بإبهام صديقها العظيم‪.‬‬ ‫ * روائية ومترجمة جزائرية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪87‬‬


‫مترجمة برلين‪ :‬كاتي ديربيشر‬ ‫‪Katy Derbyshire‬‬

‫‪ρρ‬ترجمة وحترير‪ :‬تركية العمري*‬

‫«أشعر أنني بشكل كبير قريبة من كل الكتاب الذين أترجم لهم‪ ،‬وأعتقد أن ذلك‬ ‫بسبب أنني أحفر عميقا في أعمالهم «هذا ما ذكرته المترجمة البريطانية كاتي‬ ‫ديربيشر عن عالقتها مع مؤلفيها‪.‬‬ ‫سميت كاتي ديربيشر مترجمة برلين‪ ،‬وأسمت مدونتها (حب الكتب األلمانية)‪.‬‬ ‫فتحت كاتي جسرا بين الثقافة األلمانية واإلنجليزية عبر الترجمة األدبية‪.‬‬ ‫ولدت كاتي ديربيشر في لندن‪ ،‬ودرست األدب األلماني في جامعة برمنجهام‪،‬‬ ‫واستمرت في استكمال تعليمها حتى حصلت على دبلوم ترجمة من جامعة لندن ‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫ف���ي ع���ام ‪1996‬م‪ ،‬ان��ت��ق��ل��ت ك��ات��ي‬

‫مترجمة مستقلة‪ ،‬وترجمت أعماال‬

‫ديربيشر إلى برلين‪ ،‬وهناك عملت‬

‫مـــن ال��ل��غ��ة األل��م��ان��ي��ة إل���ى اللغة‬

‫ف��ي ع���دة وظ��ائ��ف م��ن��ه��ا‪ :‬ت��دري��س‬

‫اإلنجليزية‪ .‬لديها أوراق قاموس‬

‫اللغة اإلنجليزية لألطفال‪ ،‬مرشدة‬

‫ل��ل��ك��ل��م��ات األل��م��ان��ي��ة ال��غ��ام��ض��ة‪،‬‬

‫سياحية‪ ،‬ولكنها كانت مفعمة برغبة‬

‫وق��ام��وس نقابات ضباط الشرطة‬

‫ترجمة اآلداب‪.‬‬

‫األلمانية‪ ،‬وقاموس الكليشيهات‪.‬‬

‫في عام ‪2002‬م‪ ،‬بدأت كاتي العمل‬

‫ت��رج��م��ت ك��ات��ي أع��م��اال ل��ع��دد من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫الكتاب األلمان المعاصرين‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫ملك الصين‪ /‬تيلمان رامستيدت (رواية)‪،‬‬ ‫ماذا كان الظالم‪ /‬إنكا باري (رواية)‪ ،‬ابنة‬ ‫بالك سميث ‪ /‬سيلم اوزدوغان (رواية)‪،‬‬ ‫حيوات‪ /‬ديفيد وقنر (رواية)‪ ،‬كما أنها من‬ ‫حين إلى آخر تعطي دروسا في الترجمة‬ ‫إضافة إلى مشاركتها في مختبر الترجمة‬

‫الشهري‪.‬‬

‫على الرغم من أن كاتي قضت كثيرا من‬

‫الوقت في دراسة اللغة األلمانية‪ ،‬كما أنها‬ ‫كانت تتحدثها يوميا‪ ،‬ولكنه كان تحديا‬

‫في البداية بالنسبة لها عندما سافرت‬

‫إلى المانيا «أتيت إلى ألمانيا مباشرة بعد‬ ‫انتهاء الموسم الدراسي‪ ،‬كطالبة‪ ،‬كنت‬

‫أعيش مع أسرة في برلين‪ .‬كانت األم هي‬ ‫الوحيدة التي تتحدث اللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫ك��ان لديهم سائق وعاملتان منزليتان‪،‬‬

‫وكان السائق وإحدى العاملتين يتحدثان‬

‫لهجات برلين الصعبة‪ ،‬فقد كان أحدهما‬ ‫من الغرب واآلخ��ر من الشرق‪ ،‬ولم أكن‬ ‫أفهم ما يقولون‪ ،‬ولكنني استطعت أن‬

‫أفرق بين اللهجات بشكل واضح»‪.‬‬

‫اس��ت��ط��اع��ت ك��ات��ي أن ت��ت��ج��اوز صعوبة‬ ‫اللغة األلمانية ولهجاتها عبر دروس‬ ‫إضافية فيها‪ ،‬وأيضا ممارسة التحدث‬

‫بها‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى تعزيز مهاراتها‬

‫الى الدروس كل يوم بعد الظهيرة‪ ،‬وأقوم‬ ‫بتمارين نحوية صعبة كل ثالث ساعات‬ ‫ي��وم��ي��ا‪ ،‬إن��ن��ي أع���رف ق��واع��د ال��ف��ق��رات‬ ‫الفرعية أكثر من الكثير من األلمان»‪.‬‬ ‫وترى كاتي أنه يجب على المترجمين أن‬ ‫يكونوا متمكنين بالكتابة بلغتهم األم‪ ،‬وأن‬ ‫يحافظوا على المواعيد النهائية‪ ،‬ويبدأوا‬ ‫في جمع القواميس‪ ،‬فالمترجمين غالبا‬ ‫ينبغي أن يصبحوا خبراء بشكل متميز‬ ‫في الكلمات الدقيقة والغامضة‪.‬‬ ‫¦ ¦كيف تعلمت اللغة األلمانية؟‬ ‫‪ρ ρ‬تعلمت اللغة األلمانية كلغة أجنبية ثالثة‬ ‫ف��ي ال��م��درس��ة بعد اللغتين الفرنسية‬

‫والالتينية‪ ،‬وق��د ب��دأت تعلمها وأن��ا في‬ ‫الرابعة عشرة من عمري‪.‬‬

‫في اللغة األلمانية‪ ،‬حتى استطاعت أن ¦ ¦ك��ي��ف أت��ي��ت إل����ى ع��ال��م ال��ت��رج��م��ة ع��ام��ة‪،‬‬ ‫تصل إلى البراعة المحلية «كنت أذهب‬

‫والترجمة األدبية على وجه الخصوص؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪89‬‬


‫‪ρ ρ‬بعد إقامتي في برلين‪ ،‬كان من الصعب ¦ ¦ه��ل تصفين لنا ي��وم��ك وأن���ت تترجمين‬ ‫أن أج��د عمال دون م��ؤه�لات ف��ي اللغة‬ ‫رواية؟‬ ‫األلمانية‪ ،‬وعملت في سلسلة من المهن‪،‬‬

‫جلست وفكرت كيف أستطيع أن أجمع‬ ‫نقودًا بالطريقة التي أستمتع بها‪ ،‬وكانت‬

‫الترجمة تبدو لي خيارا متاحا‪ .‬حصلت‬

‫على شهادة دبلوم في الترجمة من جامعة‬ ‫لندن‪ ،‬وب��دأت مترجمة حرة‪ ،‬أعمل عبر‬

‫الوكاالت والزمالء‪ ،‬وحقيقة استمتعت في‬ ‫الترجمة كـعمل كامل‪ ،‬ولكني رغبت أن‬

‫أنتقل إلى الترجمة األدبية‪ ،‬ألنها المجال‬ ‫الذي أحبه‪.‬‬

‫¦ ¦ماهي الطرق التي اتبعتها للدخول إلى‬ ‫عالم الترجمة األدبية؟‬ ‫‪ρ ρ‬إحدى الطرق إلى الترجمة األدبية كان‬ ‫بالتواصل مع الناشرين األلمان‪ ،‬فعرضتُ‬

‫عليهم أن أترجم نماذج من كتبهم‪ ،‬وهذا‬

‫أوصلني إلى ترجمة رواية كاملة‪ ..‬وكانت‬ ‫للناشئة‪ ،‬الطريق اآلخر كان بناء سيرتي‬

‫الذاتية عبر ترجمة قصص قصيرة‪ ،‬ثم‬ ‫أقوم بتقديمها إلى المجالت األدبية‪ .‬كان‬

‫لدي بعض المنشورات التي تظهر ذاتي‪،‬‬ ‫وأي��ض��ا عبرها يستطيع ال��ن��اش��رون أن‬

‫يحكموا على جودة عملي‪ .‬األمر الثالث‬ ‫ك��ان صنع ع�لاق��ات ف��ي عالم الترجمة‬ ‫األدب��ي��ة‪ ،‬وال��ت��ي ب���دأت عندما حضرت‬

‫برنامجا صيفيا للترجمة األدب��ي��ة في‬

‫‪90‬‬

‫المركز البريطاني للترجمة األدبية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρ ρ‬أستيقظ مبكرة‪ ،‬وأذه���ب إل��ى مكتبي‪،‬‬ ‫والذي اتشاركه مع شخصيتين هادئتين‪،‬‬ ‫ع���ادة أن��ا أك���ون أول م��ن ي��ذه��ب هناك‪،‬‬ ‫أتسلل إل��ى الفيسبوك‪ ،‬أزور ع��ددا من‬ ‫المدونات‪ ،‬بعد ذل��ك أب��دأ بالعمل على‬ ‫ترجمة الرواية بمراجعة ال��ذي ترجمته‬ ‫في اليوم السابق‪ .‬أنا سريعة جدا‪ ،‬بحيث‬ ‫أنني أستطيع مراجعة عشر صفحات‪،‬‬ ‫وه��ذا يعتمد على ال��ن��ص‪ .‬يوجد دائما‬ ‫ع��دد من التغيرات التي تعدل في هذه‬ ‫المرحلة‪ ،‬وهي المسودة الثانية بعد ذلك‪،‬‬ ‫أعلق في الترجمة عندما تكون األشياء‬ ‫على ما ي��رام‪ ،‬وهنا أك��ون مستغرقة مع‬ ‫النص لدرجة أن زمالئي في المكتب ال‬ ‫يستطيعون التحدث معي‪ ،‬ألنني حقيقة‬ ‫ال أسمعهم‪ ،‬أبحث في المعاني مباشرة‬ ‫وبشكل كبير على شبكة اإلنترنت‪ ،‬ولكن‬ ‫لدي مجموعة كبيرة من قواميس مختلفة‬ ‫وم��راج��ع‪ .‬أم��ا األم��ور التي تحتاج بحثا‬ ‫عميقا أكثر‪ ،‬أصحب الكتب وأقرأها في‬ ‫المنزل‪ .‬وفي بعض الحاالت يتم التواصل‬ ‫مع الكاتب‪ ،‬وأ ُلقي عليه استفساراتي‪،‬‬ ‫ولكنني أحب أن أدخر أسئلتي‪ ،‬ثم أسألها‬ ‫دفعة واحدة‪ ،‬وإذا كان الكاتب‪/‬الكاتبة في‬ ‫برلين أو في زيارة لها فقد ألتقي بهم في‬ ‫المساء لكي أناقشهم‪.‬‬


‫‪ρ ρ‬أن��ا ال أكتب السرد‪ ،‬أن��ا فقط أدوّن في‬ ‫مدونتي‪ ،‬وأك��ت��ب م��ق��االت متباعدة عن‬ ‫أسلوب الكتابة األدبية األلمانية والترجمة‪،‬‬ ‫نعم‪ ،‬أعرف عددا من المترجمين يكتبون‪،‬‬ ‫وع��ددا من الكتاب يترجمون‪ ،‬ولكنني ال‬ ‫فيقتضي حرية أكثر‪ ،‬واختيارات أكثر‪.‬‬ ‫أعتقد أنني أجرؤ أن أكتب رواي��ة‪ .‬فأنا‬ ‫شخصية من الصعب رضائي‪ ،‬وسريعة ¦ ¦ما هو عمل المترجم؟‬ ‫الحكم‪ ،‬وال أستطيع أن أتحمل أن أؤلف‬ ‫‪ρ ρ‬عمله ال��ي��وم��ي يشبه ع��م��ل أي ك��ات��ب‪،‬‬ ‫كتابا متوسط المستوى‪.‬‬ ‫ولكنه يشمل م��ف��اوض��ات مستمرة مع‬ ‫¦ ¦ما هو مرجعك الثالث؟‬ ‫النص األص��ل��ي‪ ،‬فالمترجمين يجب أن‬ ‫‪ρ ρ‬البحث‪ ،‬أحتاج بشكل حقيقي أن أفهم‬ ‫ال��ن��ص ال���ذي أت��رج��م‪ ،‬ول��ك��ي أف��ع��ل ذلك‬ ‫ي��ج��ب أن أب��ح��ث ع��ن األش���ي���اء‪ ،‬أذه��ب‬ ‫إل��ى األم��اك��ن‪ ،‬وأختبر األج���واء‪ ،‬أتحدث‬ ‫إلى الكتاب‪ ،‬أقرأ مواد المالحق‪ ،‬بعض‬ ‫األوق���ات أق���رأ عمال آخ��ر وال���ذي ألهم‬ ‫أو أوح��ى بالكتاب‪ ،‬أج��رّب األشياء التي‬ ‫فعلتها الشخصيات‪ ،‬كل أنـواع األشياء‪،‬‬ ‫بالنسبة لي الترجمة ليست على اإلطالق‬ ‫ما يحدث على مكتبي»‪.‬‬

‫¦ ¦م������ا ال������ف������رق ب����ي����ن ال����ت����رج����م����ة األدب�����ي�����ة‬ ‫والتجارية؟‬

‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫¦ ¦ه��ل تكتبين أي نمط م��ن الكتابة بعيدا‬ ‫عن الترجمة؟‬

‫يتخذوا ق���رارات بشأن النسق واختيار‬ ‫الكلمة والتضمين أو احتمالية التضمين‬ ‫لألساليب األدب��ي��ة كالجناس واالي��ق��اع‬ ‫والسخرية والنغمة‪ ،‬عندما تعزف هذه‬ ‫العناصر ال��م��ت��ع��ددة‪ ،‬ف��واح��د يجب أن‬ ‫يضحى به ليبقى اآلخرون‪ ،‬وبسبب اللغة‬ ‫يفضل ع��دد من الكتاب الترجمة تتبع‬ ‫ال��ن��ص األص��ل��ي بالضبط‪ ،‬بينما بعض‬ ‫المترجمين يفضلون الترجمة الحرة‪،‬‬ ‫إذ يستطيعون ابتكار النص ال��ذي يرن‬ ‫ف��ي اللغة ال��ه��دف‪ ،‬ول��و ك��ان ذل��ك يعني‬ ‫االنحراف أو الميالن عن النص األصلي‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بينهما اختالفات بسيطة ولكنها عظيمة‪،‬‬ ‫حيث الترجمة التجارية مثل المرشد‬ ‫عملك كمترجمة أدبية؟‬ ‫التقني أو كتاب طبي يتطلب أن يكون‬ ‫دقيقا وثابتا متماسكا‪ ،‬أما ترجمة األدب ‪ρ ρ‬الذي ال أحبه عندما ال يُ َقدِّر المراجعون‬

‫¦ ¦ما الذي تحبينه وما الذي ال تحبينه في‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪91‬‬


‫إسهام المترجم في العمل المترجَ م‪..‬‬ ‫وه��ذا شعور مؤلم‪ ،‬أم��ا ال��ذي أحبه في‬ ‫عملي كمترجمة‪ ،‬فهو معقد جدا‪ :‬أحب‬ ‫أن أحلَّ مآزق التالعب بالكلمات‪ ،‬وأحب‬ ‫أن أغمر نفسي في النص محاولة أن‬ ‫أق��ب��ض ع��ل��ى نغمته‪ .‬ك��م��ا أن��ن��ي أن��ح��از‬ ‫لحقيقة أن هناك إبداعا عظيما‪ ،‬ولكن‬ ‫في الوقت ذات��ه يوجد عناصر كثيرة ال‬ ‫نستطيع تغييرها‪.‬‬ ‫¦ ¦أي كتاب ألماني أحببْتِ هِ ‪ ،‬ولماذا؟‬ ‫‪ρ ρ‬من الصعب أن أختار كتابا واحدا‪ ،‬ولكنني‬ ‫أستطيع ال��ق��ول إن رواي���ة (اب��ن��ة بالك‬

‫سميث) لسيــلم اوزدغ��ان‪ ،‬قصة بسيطة ¦ ¦م���ا ه���و ال���ش���ي ال�����ذي أح��ب��ب��ت��هِ ف���ي ال��ل��غ��ة‬ ‫لعائلة في الريف التركي‪ ،‬إذ تنتقل االبنة‬ ‫إلى ألمانيا لتعمل هناك كضيفة عاملة‪،‬‬ ‫كتبت ال��رواي��ة بطريقة جميلة ممتلئة‬ ‫بالعاطفة وملهمة‪ ،‬وتجنب الكاتب بحذر‬ ‫الصورة النمطية عن النساء التركيات‪،‬‬ ‫وأصبحت أنا والكاتب أصدقاء‪.‬‬ ‫¦ ¦مَ ن هم كُ تّابك؟‬ ‫‪ρ ρ‬أ ُت��رج��م بشكل خ���اص للكتاب األل��م��ان‬ ‫المعاصرين منهم‪ :‬سيلمينس ماير‪ ،‬هيلين‬

‫األلمانية؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشيء الذي أحبه في اللغة األلمانية أنها‬ ‫إلى حد كبير لغة رياضية في دقتها‪ ،‬ولكن‬ ‫يوجد استثناءات كافية تجعلها زاهية‬ ‫وحيوية‪ .‬تستطيع أن تكون مبدعا جدا‪،‬‬ ‫ففيها تستطيع ترتيب الكلمات وبسهولة‬ ‫أكثر من اللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫¦ ¦متى تقررين أن الترجمة انتهت؟‬

‫هيقمانا‪ ،‬أن��ك��أ ب���اري‪ ،‬دورث���ي الميقر‪ρ ρ ،‬عندما أك��ون ق��د عملت أرب��ع مسودات‬

‫سيمون أربون‪ ،‬جان براندت‪.‬‬

‫وحان الموعد النهائي‪.‬‬

‫ * كاتبة ومترجمة من السعودية‪ .‬تم اختيار أسئلة هذا اللقاء من لقاءات عديدة أجريت مع المترجمة‬

‫كاتي ديربيشر في عدد من المواقع والمجالت والصحف اإللكترونية األجنبية منها‪http://www. :‬‬ ‫‪young-germany.de/topic/work/jobs-career/career-translation-an-interview-with-literary-translator-katy-‬‬

‫‪92‬‬

‫‪.derbyshire‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الدكتور سعد البازعي‬

‫‪:‬‬

‫أحس ُب أنَّ ني مُ طاردٌ بالقلق‏‬ ‫َ‬ ‫أحرص على فتح أبواب الحوار عبر الثقافات بتخطي حدود المحلية‬ ‫بين الحين واآلخر‪.‬‬ ‫التأليف هو جمع ما لم يأتلف من قبل‪ ،‬أي أنه عملية ربط لمتشتت‪،‬‬ ‫تأليف لمغتربات من األفكار أو االنطباعات بتقريبها واكتشاف ما‬ ‫يصلها بعضها ببعض‪.‬‬ ‫القلق يتحول إلى معرفة حين تتوفر لدى اإلنسان الملكة أو الموهبة‬ ‫من ناحية‪ ،‬والمحصول الثقافي أو الفكري من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫تويتر بمساحته الضيقة ال يتيح حيز ًا كافي ًا للتحليل‪ ،‬وإنما هو للخاطرة‬ ‫العابرة‪ ،‬في حين أن الصحف تتيح مساحة أوسع للتأمل والتحليل‪.‬‬ ‫قصيدة النثر ابنة الكتابة وليست ابنة النظم واإليقاع‪ ،‬وتلقّ يها أقرب‬ ‫إلى أن يكون تلقي القارئ ال المستمع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪93‬‬


‫منذ كتابه األول «ثقافة ال��ص��ح��راء»‪ ،‬م���رور ًا بـ«المكوّن اليهودي في الحضارة‬ ‫الغربية» و«االختالف الثقافي وثقافة االختالف»‪ ،‬و«قلق المعرفة»‪ ،‬و«مواجهات‬ ‫ث��ق��اف��ي��ة»‪ ،‬و«ج����دل ال��ع��ول��م��ة»‪ ،‬وان��ت��ه��اءً ب��ـ «ه��م��وم ال��ع��ق��ل»؛ ك���وّن ال��ب��اح��ث وال��ن��اق��د‬ ‫األكاديمي سعد البازعي مشروعه الثقافي انطالقً ا من األدب المقارن‪ ،‬مركز ًا على‬ ‫وظف دراساته‬ ‫شؤون الثقافة‪ ،‬وعبر تجربته عضو ًا في مجلس الشورى السعودي َّ‬ ‫لمناقشة مجمل القضايا؛ سياسية واجتماعية وإنسانية؛ ومنها طغيان الجماعات‬ ‫اإلره��اب��ي��ة‪ ،‬وح��ق��وق اإلن��س��ان‪ ،‬وال��ت��ش��دد ال��دي��ن��ي؛ ن��اق��دا ال��ت��ي��ارات التنويرية التي‬ ‫شهدتها النهضة العربية‪ .‬إضافة إلى ما سبق‪ ،‬فقد صدر للدكتور البازعي أيضا‬ ‫كتاب‪ :‬إح��االت القصيدة‪ :‬ق��راءات في الشعر المعاصر (ال��ن��ادي األدب��ي ‪1998‬م)‪،‬‬ ‫مقاربة اآلخر‪ :‬مقارنات أدبية (الشروق‪1999‬م)‪ ،‬دليل الناقد األدبي‪ :‬إضاءة ألكثر‬ ‫من سبعين تيار ًا ومصطلح ًا نقدي ًا معاصراً‪ ،‬بالمشاركة مع د‪ .‬ميجان الرويلي‪،‬‬ ‫(ال��م��رك��ز ال��ث��ق��اف��ي ال��ع��رب��ي ‪2006‬م)‪ ،‬اس��ت��ق��ب��ال اآلخ����ر‪ :‬ال��غ��رب ف��ي ال��ن��ق��د العربي‬ ‫الحديث (المركز الثقافي العربي – ‪2004‬م)‪ ،‬أب���واب القصيدة‪ :‬ق���راءات باتجاه‬ ‫الشعر (المركز الثقافي العربي – ‪2004‬م)‪ ،‬شرفات للرؤية‪ :‬حول العولمة والهوية‬ ‫والتفاعل الثقافي (المركز الثقافي العربي – ‪2005‬م)‪ .‬حول مشاريعه الثقافية‬ ‫وغيرها أجرت الجوبة معه الحوار اآلتي‪..‬‬ ‫‪ρρ‬حاورته‪ :‬هدى الدغفق*‬

‫¦ ¦ف����ي ك���ت���اب���ك ال���ج���دي���د ال��م��ل��ف��ت (ه���م���وم‬ ‫العقل)‪ ،‬تندرج انشغاالت وتساؤالت عدد‬ ‫كبير م��ن المفكرين وال��ب��اح��ث��ي��ن ال��ذي��ن‬ ‫يضمهم ه��ذا ال��ك��ت��اب‪ ،‬أم��ث��ال‪ :‬بورخيس‬ ‫وأمبرتو إيكو‪ ،‬وإدوارد سعيد‪ ،‬آالن باديو‬ ‫وغيرهم‪ ،‬التي تطرح قضاياها الملحة‬ ‫فى عالم اليوم‪ ،‬كالديمقراطية والحرية‬ ‫وأثر االنتماء العرقي واألقلوى‪ .‬كل ذلك‬ ‫وغ��ي��ره ش��كّ ��ل م��ت��ن�� ًا للتفكير واالن��ش��غ��ال‬ ‫ال��ب��ح��ث��ى ل��دي��ك‪ ،‬ك��ي��ف؟ ول���م���اذا حصرت‬ ‫ب��ح��ث��ك ع��ل��ى ت��ل��ك األس���م���اء دون أس��م��اء‬ ‫أخرى‪ ،‬على خارطة الخليج مثال؟‬

‫‪94‬‬

‫‪ρ ρ‬يبدو لي أن أهمية األسماء التي تناولت‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫كافية لتكون مبرراً لذلك التناول‪ ،‬فنحن‬ ‫أم���ام أس��م��اء ت��رك��ت أث���راً على خريطة‬ ‫الثقافة العالمية‪ ،‬وما تبديه من آراء حول‬ ‫القضايا المشار إليها مهم بحد ذات��ه؛‬ ‫لبعد وعمق تأثير تلك اآلراء‪ .‬غير أن‬ ‫السبب في استحضار تلك األسماء لم‬ ‫يكن أهميتها فحسب‪ ،‬وإنما أنها طرحت‬ ‫آراء مهمة حول قضايا مهمة‪ .‬ولست ممن‬ ‫يقلل من أهمية كتّاب المنطقة العربية‬ ‫وم��ن��ه��ا ال��خ��ل��ي��ج‪ ،‬لكني ل��م أك���ن بصدد‬ ‫عمل مسح لكل ما قيل حول قضية من‬ ‫القضايا أو عمل مقارنات‪ ،‬إل��ى جانب‬ ‫أن��ن��ي ال أع���رف أح���داً ط��رح آرا ًء حول‬ ‫القضايا المشار إليها بعمق ما وجدته‬


‫¦ ¦ف�����ي ك���ت���اب���ك ال����ط����ري����ف (ج��������دل األل���ف���ة ¦ ¦ذك���رت ف��ي م��ق��دم��ة ك��ت��اب��ك المميز (قلق‬ ‫ال��م��ع��رف��ة) أن ال��ع��ن��اوي��ن ت��أت��ي ف��ي نهاية‬ ‫وال����غ����راب����ة) ت����أم��ل�ات ف����ي ت���ل���ك ال��ع�لاق��ة‬ ‫ال��م��ق��دم��ات‪ ،‬ترافقها ف��ي عملية السعي‬ ‫التبادلية التي تشكّ ل معادلة الرؤية إلى‬ ‫ل��ت��ب��ي��ن م���س���ارات ال��ك��ت��اب‪ .‬وي���ص���دق ذل��ك‬ ‫م��س��أل��ة ال��غ��راب��ة ب��م��ا تعنيه م��ن مقاومة‬ ‫بشكل خ��اص على كتب م��ن ال��ن��وع ال��ذي‬ ‫األل���ف���ة ال��ت��ي ب���دوره���ا ت��ق��ت��ل خصوصية‬ ‫ي��ط��ال��ع��ه ال�����ق�����ارئ‪ ،‬وه�����و ن�����وع ش���ائ���ع ف��ي‬ ‫األش��ي��اء‪ .‬فما األه���م‪ ،‬م��ن وج��ه��ة نظرك‪،‬‬ ‫عملية التأليف‪ ،‬مشيرا إل��ى أن ختامية‬ ‫ا ُألل���ف���ة أم ال���غ���راب���ة؟ وك���ي���ف ن���ظ���رت إل��ى‬ ‫ال��م��ق��دم��ة وال����ع����ن����وان‪ ،‬وإن ل���م ت��ك��ن من‬ ‫كليهما حينما تناولتهما فلسفياً؟‬ ‫مسلّمات التأليف‪ ،‬فلربما كتبت مقدمات‬ ‫‪ρ ρ‬لقد وضعت األلفة والغرابة في جدلية‬ ‫وع��ن��اوي��ن ق��ب��ل ت��أل��ي��ف ال��ك��ت��اب‪ ،‬أو حتى‬ ‫أراها ليست واقعة فحسب‪ ،‬وإنما سبباً‬ ‫ج��م��ع م��ق��االت��ه‪ ،‬أن ت��ل��ك ال��خ��ت��ام��ي��ة هي‬ ‫في صعوبة المفاضلة بينهما‪ .‬فكل منهما‬ ‫م���ن ط��ب��ي��ع��ة ال��ت��ف��ك��ي��ر‪ ،‬ع��ل��ى أي األط���ر‬ ‫تكتسب قيمتها من عالقتها باألخرى‪،‬‬ ‫المعرفية بنيت هذه المسلمات؟ وما هو‬ ‫وف���ي م��ا ي��ح��دث بينهما م��ن ت��ج��اذب‪.‬‬ ‫النوع الشائع في عملية التأليف الذي‬ ‫غير أن ه��ذا ال يعني أنهما متساويتان‬ ‫ي��س��ت��رع��ي م��ط��ال��ع��ة ال����ق����ارئ‪ ،‬م���ن وج��ه��ة‬ ‫بالضرورة في إحداث المتعة التي نحصل‬ ‫نظرك العلمية المعرفية ومطالعاتك؟‬ ‫عليها من عالقتنا بالفن بأنواعه‪ .‬يبدو‬ ‫لي أن الغرابة أكثر شيوعاً وتأثيراً في ‪ρ ρ‬ما قلته في «قلق المعرفة» أحلته إلى‬ ‫الفن‪ ،‬فهي األثيرة سواء لدى المبدعين‬ ‫مقولة معروفة للفيلسوف األلماني هيغل‪،‬‬ ‫أو لدى المتلقين‪ .‬األلفة هي مدار حياتنا‬ ‫فهو ال��ذي ذكرنا ب��أن المقدمات تكتب‬ ‫اليومية وم��ص��در ال���دفء والطمأنينة‪،‬‬ ‫في النهاية‪ .‬هذا من حيث أن مقدمات‬ ‫ل��ك��ن‪ ..‬ألنها أي��ض��اً مصدر للملل‪ ،‬فإن‬ ‫التأليف تعد تعريفاً بالمؤلَّف بعد تمامه‪،‬‬ ‫الحاجة تتعاظم إلى ما يكسرها‪ ،‬وأظن‬ ‫فكيف يمكن التعريف بما لم يتم بعد‪ .‬قد‬ ‫أن الفنون تتكئ على هذه الحاجة إلى‬ ‫نكتب المقدمات أوالً لكننا سنعود إليها‬ ‫حد بعيد في اجتذاب المتلقي‪ ،‬ليس كل‬ ‫لتعديلها بالضرورة‪ ،‬إذا كنا ندخل في‬ ‫المتلقين بالطبع‪ ،‬فهناك مَن يبحث عن‬ ‫عملية التأليف أو الكتابة‪ ،‬بوصفها عملية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫لدى من ذكرت (وهذا ال ينفي عدم وجود‬ ‫أح��د ط��رح ما يستحق ال��ذك��ر)‪ .‬أضيف‬ ‫إلى ذلك حرصي على فتح أبواب الحوار‬ ‫عبر الثقافات بتخطي حدود المحلية بين‬ ‫الحين واآلخر‪.‬‬

‫أشياء أخرى كالحكمة والمعرفة‪ ،‬وإنما‬ ‫تجتذب أولئك الذين يمتلكون حساسية‬ ‫في التلقي‪ ،‬تضارع ما لدى المبدع من‬ ‫ضيق بالمكرر وعدم ركون إلى المستقر‬ ‫بغض النظر عن مصدره وطبيعته‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫القلق يستثمر أوالً بعدم التخلّي عنه‬ ‫وع��دم الضيق ب��ه‪ ،‬ألن��ه شريان لإلبداع‬ ‫في كل مجال‪ ،‬اإلبداع في االكتشاف وفي‬ ‫العطاء المبني على ذلك االكتشاف‪.‬‬

‫استكشاف لمجاهل من التفكير ليست‬ ‫حاضرة منذ البدء‪ .‬التأليف هو جمع ما‬ ‫لم يأتلف من قبل‪ ،‬أي أن��ه عملية ربط‬ ‫لمتشتت‪ ،‬تأليف لمغتربات من األفكار أو‬ ‫االنطباعات بتقريبها واكتشاف ما يصلها ¦ ¦ت���ن���اول���ت ف����ي ك���ت���اب���ك (ق����ل����ق ال���م���ع���رف���ة)‬ ‫بعضها ببعض‪ .‬وم��ن هنا‪ ،‬فإنها عملية‬ ‫أن���م���اط ال��ق��ل��ق ال��ف��ك��ري ال��م��ع��رف��ي ل��دى‬ ‫مفارِ قة لليقين‪ ،‬بعيدة عن المتوقع‪ ،‬أو هي‬ ‫عارضا لـ‬ ‫ً‬ ‫كبار المفكرين العرب وغيرهم‬ ‫حوار بين متوقع وال متوقع؛ ولذا‪ ،‬كان من‬ ‫“تساؤالت غربية حول اإلسالم‪ ،‬وتساؤالت‬ ‫االفتعال ادع��اء معرفة ما ستفضي إليه‬ ‫أوروبية حول دور العرب‪ ،‬وثقافة أمريكا‬ ‫مسبقاً‪ .‬أم��ا الختام أو الخاتمة‪ ،‬فإني‬ ‫من منظور فلسفي»‪ ،‬منتق ًال إل��ى القلق‬ ‫شخصياً ال ارى جدواها إال من حيث هي‬ ‫ال���ي���ه���ودي‪ ،‬وم��خ��ت��ت��مً ��ا ب���ـ “قلق ال��ت��أل��ي��ف‬ ‫تلخيص لما سبق‪ ،‬وهو تلخيص يفترض‬ ‫والكتابة عن اليهود»‪ .‬ترى ما هي النتائج‬ ‫أن المقدمة تلم أطرافه‪.‬‬ ‫األخ��رى الموازية التي خرجت من تتبع‬ ‫هذا الكم المثير من المشاريع المعرفية‬ ‫¦ ¦قلت في كتابك (قلق المعرفة) أيضا إن‬ ‫القلقة؟‬ ‫ال��ق��ل��ق ال��ن��ات��ج ع��ن ع���دم االط��م��ئ��ن��ان إل��ى‬ ‫الجاهز والسهل من األج��وب��ة والحلول‪ρ ρ ،‬أحسب أنني مسكون بل مطارد بالقلق‬ ‫ه���و م��ص��در ال��م��ع��رف��ة وال��ن��ات��ج ع��ن��ه��ا في‬ ‫ال��ذي أتحدث عنه وأن��ه محرك أساس‬ ‫ال���وق���ت ن��ف��س��ه‪ ،‬ف��م��ن ال��ق��ل��ق ي��رت��ف��ع مد‬ ‫ل��ل��م��زي��د م���ن ال��ب��ح��ث وال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬ول��ع��ل‬ ‫اإلب�����داع اإلن��س��ان��ي ت��ن��وعً ��ا وع��م��قً ��ا؟ كيف‬ ‫المقاالت والكتب التي صدرت بعد “قلق‬ ‫ب����رأي����ك ي��م��ك��ن اس���ت���ث���م���ار ال���ق���ل���ق ك�����أداة‬ ‫المعرفة» تتضمن النتائج الموازية التي‬ ‫معرفية؟‬ ‫يشير إليها ال��س��ؤال‪ .‬ف��ي أح��دث كتبي‬

‫‪ρ ρ‬ال أعرف وصفة الستثمار القلق‪ ،‬فهذا ما‬ ‫يهتدي إليه المفكر تحت ضغط القلق‪،‬‬ ‫بمعنى أن القلق يتحول إلى معرفة حين‬ ‫تتوافر لدى اإلنسان الملكة أو الموهبة من‬ ‫ناحية‪ ،‬والمحصول الثقافي أو الفكري من‬ ‫ناحية أخرى‪ .‬هي عناصر تأتلف لتصنع ¦ ¦فيما يتعلق ب��ال��ن��ق��د ال��ث��ق��اف��ي واألدب����ي‪،‬‬ ‫معرفة جديدة لم تكن لتخرج إلى الوجود‬ ‫ب��رأي��ك م��ا ه��و ال��ف��رق بين النقد األدب��ي‬ ‫لوال قلق الكاتب المفكر‪.‬‬ ‫والنقد الثقافي إذا ك��ان االث��ن��ان يقفان‬ ‫ إل��ى جانب ذل��ك‪ ،‬ينبغي ال��ق��ول بأن‬ ‫ع��ل��ى ال��ن��ص األدب�����ي‪ ..‬وإن ك���ان الثقافي‬ ‫“هموم العقل» صور أخرى من صور القلق‬ ‫ل��ديّ كما ل��دى غيري ممن استكشفت‬ ‫عطاءاتهم وتفاعلهم مع قضايا مختلفة‪،‬‬ ‫كانت مطاردة بالقلق الذي يلبس هنا ردا ًء‬ ‫مشابهاً هو رداء الهمِّ‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫ي���ب���ع���د إل�����ى ال���ن���ص���وص األخ���������رى؟ وه���ل‬ ‫تداخل أحدهما مع اآلخر اآلن؟‬

‫إل���ى ج��م��ع��ي��ة ال��ث��ق��اف��ة وال���ف���ن���ون‪ .‬ب��رأي��ك‬ ‫هل للمؤسسة الثقافية دور في تأسيس‬ ‫ث��ق��اف��ة مختلفة‪ ،‬أم ل��ذل��ك األم���ر عالقة‬ ‫بإدارتها ثقافيا؟‬

‫‪ρ ρ‬لم أكن يوماً مقتنعاً بوجود شيء اسمه‬ ‫النقد الثقافي كما بينت في بعض مداخل‬ ‫كتاب “دليل الناقد األدبي»‪ .‬فالغرب الذي ‪ρ ρ‬أنا من المؤمنين بالدور األساس للمؤسسة‬ ‫يولد هذه المصطلحات لم يعرف سوى‬ ‫الثقافية‪ ،‬السيما في البالد النامية‪ ،‬حيث‬ ‫الدراسات الثقافية‪ ،‬وفي نماذج محدودة‬ ‫ي��ح��ت��اج األف�����راد وال��ج��م��اع��ات مظالت‬ ‫ع��رف ما يسمى بالتحليل الثقافي‪ .‬إن‬ ‫داعمة ومنظمة لنشاطهم على المستويين‬ ‫كان المقصود بالنقد الثقافي أحد هذين‬ ‫السياسي واالقتصادي‪ .‬المؤسسة مظلة‬ ‫النموذجين فهو لون من االنشغال بقضايا‬ ‫للثقافة‪ .‬صحيح أن لوجودها أحياناً آثاراً‬ ‫تشغل الرأي العام‪ ،‬مثل شبكات االتصال‬ ‫سلبية بوصفها قوى ضاغطة أو خانقة‪،‬‬ ‫وأث���ره���ا‪ ،‬وع�لاق��ة اإلن��ت��رن��ت بالثقافة‬ ‫عندئذ مقاومة ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫لكن مهمة األف��راد‬ ‫إل��ى غير ذل��ك‪ .‬وه��ذه دون ش��ك ليست‬ ‫الضغط والقيود سعياً إلى حلول وسطى‬ ‫القضايا التي تشغل النقد األدبي الذي‬ ‫تحفظ حقوق الطرفين‪ .‬وكانت تجربة‬ ‫عرفه اإلنسان منذ عرف التعبير األدبي‪.‬‬ ‫الملتقى الثقافي أنموذجاً لذلك‪ ،‬فقد‬ ‫التحليل الثقافي وال��دراس��ات الثقافية‬ ‫تكيّف الملتقى مع متطلبات النادي‪ ،‬وأفاد‬ ‫ليست معنية ب��األدب بوصفه أدب��اً وذلك‬ ‫من إمكاناته حتى وصل إلى نقطة تعذر‬ ‫فرق كبير‪.‬‬ ‫معها االس��ت��م��رار‪ ،‬فانتقل إل��ى مؤسسة‬ ‫أخرى وجدها أكثر رحابة وأقل تقييداً‬ ‫¦ ¦كنت ت��ش��رف على الملتقى الثقافي في‬ ‫أدب�����ي ال����ري����اض‪ ،‬وان��ت��ق��ل��ت ب��ع��د ذل����ك به‬ ‫لنشاطه‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪97‬‬


‫بعضهم يطلب مني أن أتوسع في قضية‬ ‫ما في تويتر‪ ..‬فأجد ذل��ك متعذراً إال‬ ‫عبر سلسلة من التغريدات يحتاج الكاتب‬ ‫والمتابع إلى لملمتها بشكل مرهق‪.‬‬

‫¦ ¦من خالل تدريسك الجامعي‪ ..‬كيف رأيت‬ ‫ال��ث��ق��اف��ة ال��ش��اب��ة ف���ي ال��ج��ام��ع��ة؟ م���ا هي‬ ‫الثقافة التي تؤسس لها الثقافة الجديدة‬ ‫في السعودية؟ وما هي مالحظاتك على‬ ‫األجيال الجامعية الحالية؟‬ ‫¦ ¦ذك����رت ف��ي ت��وي��ت��ر ب���أن م��ن ال��ب��ده��ي��ات أن‬ ‫ال��م��ؤس��س��ات وزارات ك��ان��ت أم ه��ي��ئ��ات ال‬ ‫‪(ρ ρ‬ه��ذا س��ؤال ضخم أعتذر عن اإلجابة‬ ‫تصنع الثقافة‪ ،‬وأن م��ن يصنع الثقافة‬ ‫عليه ألنه يحتاج تفكير واستعداد والكثير‬ ‫ه���م األف�����راد وال��ج��م��اع��ات‪ .‬وي��ت��ح��دد دور‬ ‫من الكتابة)‬ ‫ال��م��ؤس��س��ات ف��ي ال��دع��م والتنظيم‪ .‬فهل‬ ‫¦ ¦ذك���رت ف��ي إح���دى ت��غ��ري��دات��ك أن ال��كُ ��تّ��اب‬ ‫ينطبق ما قلت على مؤسساتنا الثقافية‬ ‫ي����س����ارع����ون إل������ى ت���وي���ت���ر ل���ل���ن���ق���ل‪ ،‬وإل�����ى‬ ‫الحالية؟‬ ‫الصحف للتحليل‪ .‬ماذا قصدت بالنقل؟‬ ‫وه��ل تعتقد ب��أن نشر اإلب���داع م��ن خالل‬ ‫تويتر مثال‪ ،‬يعد نقال؟‬

‫‪ρ ρ‬تحدثت عما ينبغي أن يكون ال ما هو‬ ‫ال‬ ‫ك��ائ��ن‪ .‬مؤسساتنا ت��ق��دم ال��دع��م فع ً‬ ‫وتمارس التنظيم‪ ،‬ولكنها تفعل ذلك بشكل‬ ‫محدود‪ ،‬وأحياناً بشكل مُعيق‪ ،‬حين تُكثر‬ ‫من التدخّ ل‪ ،‬أو حين تتدخل بطريقة غير‬ ‫مستوعبة لعملية الصناعة الثقافية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال أذك��ر أنني استعملت كلمة «نقل» في‬ ‫تغريدتي‪ ،‬ولكن مهما تكن الكلمة فما‬ ‫ق��ص��دت��ه أن ت��وي��ت��ر بمساحته الضيقة‬ ‫ال يتيح حيزاً كافياً للتحليل‪ ،‬وإنما هو‬ ‫للخاطرة العابرة‪ ،‬في حين أن الصحف ¦ ¦لك موقف ح��اد من “الواتس أب» عبرت‬ ‫تتيح مساحة أوس��ع للتأمل والتحليل‪.‬‬ ‫عنه ف��ي كثير م��ن تغريداتك‪ .‬وقلت بأن‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬ ‫ظاهرة التكرار في “الواتس أب» تعود الى‬ ‫شعبوية الواتس‪ ..‬مقارنا ذلك بمرحلة ما‬ ‫قبل الواتس من تكرار السوالف والنكت ‪ρ ρ‬أح��اول أن أستفيد من نقد التلقي في‬ ‫القديمة‪ .‬كيف تحلل هذا الرأي؟‬ ‫استيعاب االختالف الذي تمثله الثقافة‬ ‫‪ρ ρ‬الواتس هو شبكة التواصل الشخصية‪،‬‬ ‫العربية وأوض���اع العالم ال��ع��رب��ي‪ ،‬عند‬ ‫بين األصدقاء واألسر والمعارف‪ ،‬وليس‬ ‫ق��راءة النصوص األدب��ي��ة العربية‪ .‬ففي‬ ‫شبكة عامة مكشوفة كما هو الحال في‬ ‫ال��ظ��روف ال��ت��ي ن��ع��ي��ش‪ ،‬ت��ح��دث عملية‬ ‫تويتر وفيسبوك‪ ،‬فليس بإمكان أحد أن‬ ‫التلقي للنصوص األدبية حسب ما نظّ ر‬ ‫يطلع على ما تكتبه في ال��وات��س ما لم‬ ‫لها نقاد التلقي‪ ..‬سواء من حيث الحمولة‬ ‫ترسله إليه‪ ،‬أو يشترك معك‪ ،‬أو يقوم‬ ‫الداللية أو الجمالية؛ أي أن الدارسين‬ ‫أح��د بنقل م��ا ذك��رت��ه ل��ه إل��ى اآلخ��ري��ن‬ ‫العرب محكومون في الغالب بفرضيات‬ ‫فينتشر‪ .‬وفي ظني أن هذا أحد األسباب‬ ‫نظرية منسجمة م��ع البيئات األصلية‬ ‫التي تجعل الواتس ام��ت��داداً للسواليف‬ ‫لنشوء تلك الفرضيات وغير مستوعبة‬ ‫و«الحش»‪ ،‬وأيضاً للمعلومات المتداولة‬ ‫ّ‬ ‫من ثم للبعدين السياسي واالجتماعي‪/‬‬ ‫بشكل شخصي‪ ،‬والتي قد ال تكون أكثر‬ ‫الثقافي في الوطن العربي؛ ما يضطر‬ ‫من معرفة عامية أو شعبية غير موثقة‬ ‫معه الكاتب إلى أخذ البعد الغائب عن‬ ‫ويجب التعامل معها بحذر‪ .‬المجموعات‬ ‫النظرية الغربية بعين االع��ت��ب��ار‪ .‬ذلك‬ ‫فيه هي التجمعات القديمة والفرق في‬ ‫البعد ه��و البعد ال��رق��اب��ي ال��ذي يصنع‬ ‫كونها افتراضية أو شبكية‪.‬‬ ‫القارئ الرقيب‪ ،‬أو ما أسميته الرقيب‬ ‫التلقي وأن��م��اط��ه؟ وك��ي��ف يمكن تطوير‬ ‫قراءات تستوعب المتغيرات الشعرية؟‬

‫¦ ¦برأيك كيف يمكن إع��ادة النظر في نقد‬

‫ال��ض��م��ن��ي‪ .‬ف��ال��رق��اب��ة ن���وع م��ن التلقي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪99‬‬


‫والرقيب الضمني متلق يجاور ما يعرف‬ ‫بالرقيب الداخلي‪ .‬وفي تصوري‪ ،‬إن أخذ‬ ‫هذه المسائل بعين االعتبار من شأنه أن‬ ‫ينبهنا إلى مساحات في تلقي النصوص‪،‬‬ ‫لم تكن لتخطر على البال لو بقينا ضمن‬ ‫مفاهيم وأطر التلقي الغربية‪.‬‬

‫ن��اه��ي��ك ع��ن ال��ف��ك��ر‪ .‬وم���ن ه��ن��ا‪ ،‬كانت‬ ‫مالحظتي على نشاط المؤسسة ككل‪.‬‬ ‫ففي غياب الفكر الحقيقي (الفلسفي‬ ‫والمتصل بالعلوم على اختالفها) يصعب‬ ‫القول إن ما يجري في المؤتمرات هو‬ ‫فكر‪ ،‬بل هو إلى الثقافة أقرب‪ ،‬الثقافة‬ ‫بمفهومها األوسع واألقل صرامة‪ ،‬ولعل‬ ‫األفضل هو القول بأنها عالقات ثقافية‬ ‫طالما أن فكر تسعى لتكون الجسر بين‬ ‫المثقفين والمؤسسات الرسمية‪ ،‬كما‬ ‫تصف نفسها‪.‬‬

‫ف���ي االح��ت��ف��ال��ي��ن ال��ل��ذي��ن حضرتهما‬ ‫لفكر‪ ،‬السيما األخير في أبوظبي‪ .‬فمع‬ ‫تقديري للجهد الكبير الذي تضطلع به‬ ‫مؤسسة فكر‪ ،‬كنت أتمنى لو أن الجانب‬ ‫العملي طغى على االحتفال أو المؤتمر‬ ‫ول��ي��س الجانب االحتفائي المظهري‪.‬‬ ‫ك���ان واض��ح��اً أن ع����دداً م��م��ن ح��ض��روا‬ ‫ويحضرون ع��ادة ال ش��أن لهم بالثقافة‬

‫‪ρ ρ‬لم أنف في محاضرتي عن الرقابة أنها‬ ‫مصدر قمع وتكبيل‪ ،‬ألنها كذلك فعالً‪،‬‬ ‫لكني أضفت أنها يمكن أن تكون مصدر‬ ‫إبداع‪ .‬أما أدب المرأة أو األدب النسوي‬ ‫فهو بالفعل ثري بالنصوص التي تتفاعل مع‬ ‫الرقيب الضمني‪ ،‬كما أوضحت ما قصدته‬ ‫به في إجابة سابقة‪ ،‬على نحو مبدع‪ .‬ذلك‬ ‫أن المرأة تواجه رقابات متعددة‪ ،‬وحين‬

‫¦ ¦ان���ت���ق���دت اس����م ف��ك��ر ف���ي م��ؤس��س��ة ال��ف��ك��ر‬ ‫ال���ع���رب���ي‪ ،‬ورأي�����ت ن��س��ب��ت��ه��ا إل����ى ال��ث��ق��اف��ة‪.‬‬ ‫ك���م���ا ذك������رت أن�����ه ي��غ��ل��ب ع���ل���ى م���ؤت���م���رات‬ ‫ف��ك��ر ال��ت��اب��ع��ة ل��ت��ل��ك ال��م��ؤس��س��ة ال��ط��اب��ع‬ ‫االح���ت���ف���ال���ي وال��ت��ب��ج��ي��ل��ي ع���ل���ى ح��س��اب‬ ‫ال��م��ح��ت��وى ال���ف���ك���ري وال���ث���ق���اف���ي‪ .‬ل��م��اذا ¦ ¦ف�����ي م����ح����اض����رت����ك ال���م���ه���م���ة (ال����رق����ي����ب‬ ‫برأيك يغلب ذلك المناخ على مؤسسات‬ ‫الضمني) التي ألقيتها في أدبي الرياض‪..‬‬ ‫الفكر وال��ث��ق��اف��ة بشكل ع��ام ع��رب��ي��ا؟ وما‬ ‫ذكرت بأن الرقابة مصدر وحافز لإلبداع‪،‬‬ ‫ال��ف��رق م��ن وج��ه��ة ن��ظ��رك ب��ي��ن مفهومي‬ ‫وليس مصدر قمع أو تكبيل‪ ،‬وذكرت أيضا‬ ‫فكر وثقافة؟‬ ‫أن أدب المرأة هو األدب الثري لمصطلح‬ ‫الرقيب االفتراضي مستدركا بأن الرقيب‬ ‫‪ρ ρ‬ال أدري إن كان ما الحظته في مؤتمرات‬ ‫الضمني هو القارئ الضمني‪ ،‬عالم بنيت‬ ‫أو احتفاالت مؤسسة فكر موجود في‬ ‫هذه التصورات لمفهوم (الرقيب)‪ ،‬ولماذا‬ ‫االحتفاالت األخ��رى‪ ،‬بل إن كانت لدينا‬ ‫ربطت بين مفهومي (رقيب) و(ضمني)؟‬ ‫ب��ال��ف��ع��ل م��ؤس��س��ات ف��ك��ر أخ�����رى‪ .‬أم��ا‬ ‫وكيف ب��رأي��ك تجتمع ك��ل ه��ذه ال��دالالت‬ ‫مالحظتي ف��ك��ان��ت ان��ط�لاق��اً م��ن ع��دم‬ ‫في مصطلح واحد؟‬ ‫ارتياحي من غلبة الفخامة والمظهرية‬

‫‪100‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫¦ ¦ذك��رت أن قصيدة النثر قصيدة للقراءة‬ ‫وح��س��ب‪ ،‬ول��ي��س��ت ل�لإل��ق��اء‪ ،‬وذاك ب��رأي��ك‬ ‫م��ا يجعل بعض ش��ع��راء النثر يعتذرون‬ ‫عن إلقاء الشعر في المحافل والمنابر‪.‬‬ ‫ما ال��ذي دع��اك إلى هذا التصور؟ وكيف‬ ‫استنتجت هذه الرؤية؟‬ ‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر ابنة الكتابة وليست ابنة‬ ‫النظم واإليقاع‪ ،‬وتلقّيها أقرب إلى أن‬ ‫يكون تلقي القارئ ال المستمع‪ .‬بل إن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫تشترك مع الرجل في الكثير من تلك‪،‬‬ ‫فإن نصيبها يأتي مضاعفاً؛ ألن الرجل‬ ‫ج��زء من تلك الرقابات‪ .‬ل��ذا‪ ،‬ك��ان حرياً‬ ‫باألدب الذي تبدعه المرأة أن يأتي غنياً‬ ‫بالمقاومة ألشكال الرقابة‪ ،‬مع أن من ذلك‬ ‫األدب‪ ،‬كما ه��و ح��ال األدب عموماً في‬ ‫كثير من األحيان‪ ،‬ما يأتي أسيراً للرقيب‬ ‫ال��داخ��ل��ي ومنسجماً م��ن ث��م م��ع القيود‬ ‫المحيطة بأنواعها‪.‬‬

‫اط�لاع��ي على ت��ج��ارب شعرية حديثة‬ ‫خارج إطار قصيدة النثر‪ ،‬أي قصائد‬ ‫تلتزم اإليقاع‪ ،‬أقنعني بأن ذلك يصدق‬ ‫على الشعر الحديث عموماً‪ .‬الجانب‬ ‫البصري والتشكيلي في كتابة النص‪:‬‬ ‫المسافات‪ ،‬البياض‪ ،‬النقاط‪ ،‬الخ‪ .‬كل‬ ‫هذه تستدعي قارئاً ال مستمعاً‪ .‬كيف‬ ‫تقول للجمهور أث��ن��اء اإلل��ق��اء ب��أن في‬ ‫القصيدة مساحة من البياض أو عدداً‬ ‫من النقاط التي تشير إلى محذوف؟‬ ‫كل ذلك تشترك فيه قصيدة النثر مع‬ ‫الكثير من قصائد التفعيلة‪ ..‬بل وحتى‬ ‫بعض القصائد العمودية‪ /‬البيتية‪ .‬لذا‬ ‫ه��ي ن��ص��وص ل��ل��ق��راءة أك��ث��ر م��م��ا هي‬ ‫لإللقاء‪ .‬ومع ذل��ك‪ ،‬فإن ال شيء يمنع‬ ‫من إلقائها إذا استطاع الشاعر اإليحاء‬ ‫بما في النص للمتلقين‪ ،‬أو إذا عُلم أن‬ ‫ج��وان��ب م��ن النص تبقى عصية على‬ ‫اإللقاء‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫الشاعر‬ ‫خليف الغالب‬ ‫ال أرى أديبا مميزا إال وهو قارئ مميز‪ ..‬واإللمام بالتراث وقراءته‬ ‫والوعي به من أهم ميزات األدباء البارعين‬ ‫السرد أصبح ديوان العالم الكبير‪ ،‬وال غرابة أن تتوجه إليه األقالم‪..‬‬ ‫وهو فن عظيم له أهله ومبدعوه‪!..‬‬ ‫متفائل بمرحلة قوية لألدب السعودي‪ ..‬والحركة الثقافية ستكون‬ ‫األمْ يَ ز في الوطن العربي‬ ‫لطالما كان اإلبداع متمردا على سنن النقاد وصرامتهم‪ ..‬لكن على الشاعر أن‬ ‫يحذر من تسرب الصبغة األكاديمية الجافة إلى ماء إبداعه‪!..‬‬ ‫أجل من‬ ‫اإلنترنت حاضن رقمي لإلبداع‪ ،‬وفوائده على األدب والفنون ّ‬ ‫اإلحصاء‪ ،‬لكني ال أرى حتى اليوم خصائص فنية فارقة في منتجه األدبي‬

‫«رسالة إلى الشنفرى»‪ ..‬هي ليست مجرد قصيدة‪ ،‬هي بصمة أولى تميز بها شاعر‬ ‫شباب سوق عكاظ الشاعر خليف الغالب‪« .‬رسالة إلى الشنفرى»‪ ..‬بمثابة جسر روحي‬ ‫بين الماضي والحاضر‪ ,‬بناه الشاعر بأدواته الشعرية والثقافية الخاصة به‪ .‬تعمّ دت‬ ‫أن تكون مقدمة الحوار بعنوان قصيدته «رسالة إلى الشنفرى» ألنها تنسجم كثيرا مع‬ ‫جنونه ومغامراته كشاعر وثقته كمثقف وأكاديمي‪ ..‬وعند سؤالي عن توجهه الثقافي‬ ‫األكاديمي‪ ..‬ألن يترك أثر ًا على الشاعر خليف الغالب على المستوى اإلبداعي؟ قال‪:‬‬ ‫«ولطالما كان اإلبداع متمردًا على سنن النقاد وصرامتهم‪ ..‬لكن على الشاعر أن يحذر‬ ‫من تسرب الصبغة األكاديمية الجافة إل��ى م��اء إب��داع��ه‪ ،‬وهناك تجارب عربية مهمة‬ ‫جمعت بين التنظير األكاديمي واإلبداع األدبي‪.»..‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ /‬عمر بوقاسم*‬

‫‪102‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫كنت أتوقع فوزي‪!..‬‬ ‫¦ ¦قرأت في إحدى الصحف خبرا عنك‪ ،‬بعد‬ ‫حصولك لجائزة شاعر شباب سوق عكاظ‪،‬‬ ‫وك����ان ه���ذا ال��خ��ب��ر ي��ت��ض��م��ن ت��ص��ري��ح�� ًا لك‬ ‫بأنك كنت تتوقع فوزك بالجائزة‪ ،‬وأنها أي‬ ‫ال��ج��ائ��زة ه��ي بمثابة نقطة مهمة وتحول‬ ‫في مسيرتك‪ ..‬م��اذا تقول في اتجاه هذا‬ ‫البوح؟‬ ‫‪ρ ρ‬ن��ع��م‪ ،‬ك��ن��ت أت��وق��ع ف����وزي‪ .‬ال ل��ش��يء في‬ ‫شعري‪ ،‬بل هو حدس وحسن ظن خامرني‬ ‫قبل إع�لان الجائزة من قِ بل سمو األمير‬ ‫خالد الفيصل‪ ..‬وأع ّد فوزي بجائزة شباب‬ ‫عكاظ أحد أهم المنعطفات المهمة في‬ ‫تجربتي القصيرة‪ ،‬وه��ي ب�لا ش��ك راف��د‬ ‫كبير ومصدر اع��ت��زاز‪ ،‬لكن ذل��ك حمّلني‬ ‫كثيرا من الحذر والتأني‪ ..‬لذلك لم أقدم‬ ‫ديواني بعد‪ ،‬الشعر بشكل عام طريق مليء‬ ‫باألسئلة واالحترازات والشكوك والقلق‪..‬‬ ‫وهو بعد ذلك نبع إنساني يعبر عن أسئلة‬ ‫اإلن��س��ان ووج����وده ووع��ي��ه ب��ه��ذا ال��وج��ود‪،‬‬ ‫وأرجو أن يمنحني بعض أسراره وأستاره‪.‬‬ ‫ماض ووجع‪»!..‬‬ ‫قصيدة «خيانة ٍ‬ ‫¦ ¦قريبا ستصافح الساحة الشعرية بديوانك‬

‫ماض ووجع!»‬ ‫«خيانة ٍ‬

‫ق������ف أي�����ه�����ا ال����مُ ����ت����س����اق����ط ال���ن���ائ���ي‬ ‫�����ك‪ :‬أش����ي����ائ����ي!‬ ‫دع����ن����ي ُأل�����م�����ل�����مُ م�����ن َ‬ ‫دع������ن������ي أراك وأن���������������تَ ت���ف���ق���دن���ي‬ ‫وت�����������ذوب ف������ي وهَ ������ج������ي وأص������دائ������ي‬ ‫ق���د ُخ���ن ُ���ت ل��ي�� َل��ـ��ك‪ ..‬ي���ا ض���ي���اع دم��ي‬ ‫ك���ي���ف ان���غ���م���س ُ���ت ب�������ذُ لِّ أض����وائ����ي؟!‬ ‫����رت م���ش���ي���بَ ق��اف��ي��ت��ي‬ ‫ك���ي���ف اح����ت����ق ُ‬ ‫وس����ح����ـ����ـ����ل����ت����ه����ا ف�������ي ك�������ل ض������وض������اءِ‬ ‫��ك ف��ي ال��ط��ري��ق ضحىً‬ ‫ع��ـ��رَّ ي ُ��ت نُ��ب��ل َ‬ ‫���ك‪ ..‬ش��ه��ام�� َة ال��ط��ائ��ي!‬ ‫���رت ف���ي َ‬ ‫وك���س ُ‬

‫�������ت راح�������ل������� َة ال������ك���ل��ام ع��ل��ى‬ ‫�������خ ُ‬ ‫األول‪ ،‬هذا ما استنتجته من حوار جانبي وأ َن�������ـ ْ‬ ‫زن������دي������ك‪ ..‬ف�����ي س�����فَ�����ري ووع���ث���ائ���ي‬ ‫ك���ان ب��ي��ن��ن��ا‪ ،‬وأن����ا أث���ق ب��أن��ك ت��ح��رص على‬ ‫���ك‪ ..‬ل���س ُ���ت م��ع��ت��ذر ًا‬ ‫���ت ل���ي���ل َ‬ ‫اإلض���اف���ة وال��ت��م��ي��ز‪ ،‬ه��ل ن��ح��ظ��ى ب���أن تقرأ ق���د ُخ���ن ُ‬ ‫ال عُ ���������ذ َر ي���ح���م���ل���ن���ي‪ ..‬ل��ظ��ل��م��ائ��ي!‬ ‫نصا من هذا الديوان؟‬ ‫علينا ًّ‬

‫‪ρ ρ‬أرجو أن يكتب لهذا الديوان القبول‪ ..‬وهذا ع����ي����ن����اك ج������ام������دت������ان! وا وج���ع���ي‬ ‫أحد النصوص‪:‬‬ ‫ت����أب����ى ال�����ب�����ك�����اءَ‪ ..‬وأن��������تَ م����ن م������اءِ !‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪103‬‬


‫�������اص ع���ل���ى األس������م������اء‪ ..‬م��ك��ت��م��لٌ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ول����ق����د َب����ـ����ك���� ْت����ـ َ‬ ‫����ك ج���م���ي���ع أس���م���ائ���ي ‪ ...ρ ρ‬أن تكون دارسا لما تحبه وتهتم به أمر‬ ‫جميل‪ ،‬وله أثر بالغ على ما يكتبه الشاعر‪..‬‬ ‫رؤي����������اكَ ‪ :‬ن���ه���رُ ال���ص���م���ت ي��ح��رس��ن��ي‬ ‫ف��ال��ق��راءات األدب��ي��ة وال��دراس��ات النقدية‬ ‫وت�������ب�������خ�������رت رؤي����������������������اك‪ ..‬ي�������ارائ�������ي‬ ‫على المستوى اإلبداعي؟‬

‫«ال ظ����������لَّ ي����ت����ب����ع����ن����ـ����ـ����ي» ألت����ـ����ـ����ب����ع����هُ‬ ‫أي������ن ال�����ش�����ف�����اء‪ ..‬و ُرق�����ي�����ت�����ي‪ :‬دائ������ي!‬ ‫����ت‬ ‫ال ع�������ذر ل�����ي ل����ي����ـ����ـ����ر َّد م�����ا اق����ت����رف ْ‬ ‫ل���غ���ت���ي‪ ..‬وال «ن����عَ����مٌ » ت��ق��ـ��ـ��ـ��ي «الئ�����ي»!‬ ‫ال ع��������ذر ل������ي وغ������واي������ت������ي‪ :‬ن���فَ���س���ي‬ ‫وال�����ق�����ل�����ب م�����ع�����ج�����ونٌ ب���أخ���ط���ـ���ـ���ائ���ي‬ ‫أت����ح����س����س األح�������ب�������اب ف������ي ك����بِ ����دي‬ ‫م����������اذا ت���ب���ق���ـ���ـ���ى م������ن أح���� ّب����ـ����ـ����ائ����ي؟!‬ ‫ي���ا أي���ه���ا ال���م���وت���ى ان���ب���ش���وا ج��س��ـ��دي‬ ‫������ت ج����م����ي���� َع أح����ـ����ي����ائ����ي!‬ ‫إن��������ي أَ َم������ـ������ـ ُّ‬

‫‪104‬‬

‫ترفد النص اإلبداعي وتوجهه‪ ..‬ولطالما‬ ‫ك��ان اإلب����داع م��ت��م��ردًا على سنن النقاد‬ ‫وصرامتهم‪ ..‬لكن على الشاعر أن يحذر‬ ‫من تسرّب الصبغة األكاديمية الجافة إلى‬ ‫ماء إبداعه‪ ،‬وهناك تجارب عربية مهمة‬ ‫جمعت بين التنظير األكاديمي واإلب��داع‬ ‫األدب����ي‪ ..‬مثل الناقد ال��روائ��ي التونسي‬ ‫شكري المبخوت‪ ..‬والفلسطيني العراقي‬ ‫ج��ب��را اب��راه��ي��م ج��ب��را فهو ن��اق��د وشاعر‬ ‫وروائ�����ي‪ ،‬وال��ي��م��ن��ي ع��ب��دال��ع��زي��ز المقالح‬ ‫الشاعر الناقد‪ ،‬والمغربي الرائع عبدالفتاح‬ ‫كيليطو‪ ..‬وغيرهم كثير‪.‬‬

‫اإلبداع يتمرد على سنن النقاد‪!..‬‬ ‫¦ ¦م���ن ال���واض���ح ت��وج��ه ال��ك��ث��ي��ر م���ن األس��م��اء‬ ‫الشعرية في السعودية لكتابة الرواية في‬ ‫¦ ¦وأن���ت ح��اص��ل على درج���ة الماجستير في‬ ‫السنوات األخيرة‪ ،‬هل لهذا التوجه تفسير‬ ‫تحضر لنيل درجة‬ ‫ِّ‬ ‫األدب السعودي‪ ،‬واآلن‬ ‫لديك؟‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬هذا التوجه الثقافي األكاديمي‪،‬‬ ‫ألن يترك أثر ًا على الشاعر خليف الغالب ‪ρ ρ‬ال��س��رد أصبح دي���وان العالم الكبير‪ ،‬وال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρ ρ‬الساحة السعودية مميزة‪ ..‬وال أعني ما‬ ‫ي��دور في المؤسسات الرسمية فحسب‪،‬‬ ‫بل أشمل تلك الحركة الشبابية الجادة‬ ‫ف��ي الشعر وال��س��رد وال��ت��رج��م��ة والنقد‪،‬‬ ‫هناك غثاء كثير لكنه سيماء طبيعية في‬ ‫هذا الزمن‪ ..‬متفائل بمرحلة قوية لألدب‬ ‫السعودي والحركة الثقافية تكون األميز‬ ‫في الوطن العربي‪ .‬لدينا حركة ترجمة من‬ ‫شباب مميزين‪ ..‬وحلقات فلسفية وندوات‬ ‫وأمسيات ومعارض‪ ..‬وقد تكون المملكة ¦ ¦ما المواقع التي تنصح الشعراء والمثقفين‬ ‫أبرز البالد العربية في جانب المحاضرات‬ ‫بزيارتها على شبكة اإلنترنت؟‬ ‫والندوات واألمسيات‪ ..‬وسيترك كل هذا‬ ‫‪ρ ρ‬كثيرة‪ ..‬لكن «موسوعة أدب العالمية» أحد‬ ‫أثره‪.‬‬ ‫أبرز هده المواقع‪ ،‬ففيها جهد كبير وعمل‬ ‫¦ ¦ل��دي��ك ح��ض��ور مميز م��ع ال��ش��ع��ر النبطي‪،‬‬ ‫واضح‪ ،‬كذلك موقع «حكمة» الثري فكريا‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫غ��راب��ة أن تتوجه إليه األق�ل�ام وتتطاول‬ ‫إليه األع��ن��اق‪ ..‬وه��و ف��ن عظيم ل��ه أهله‬ ‫ومبدعوه‪ ..‬ومن أراد اقتحام أسواره فيجب‬ ‫أن يكون ذا قراءة معمقة فيه‪ ..‬وبكل أسف ‪ρ ρ‬ليس لي حضور ج��اد في ه��دا المجال‪..‬‬ ‫فقد استسهله كثير من الكتاب‪ ..‬فنتجت‬ ‫أكتب النص العامي محبة في هدا اللون‬ ‫أعمال محبطة‪ ،‬وهناك مبدعون مميزون‬ ‫وتعبيرًا عن بعض الذات المتشظية‪ ..‬وفي‬ ‫يمتلكون في ه��ذا الطريق أدوات���ه‪ ..‬وقد‬ ‫الساحة الشعبية ما هو مميز ج��دا على‬ ‫نجح بعضهم نجاحا باهرا‪ ..‬نذكر محمد‬ ‫مستوى الصورة والخيال والفكرة‪..‬‬ ‫حسن علوان الذي بدأ شاعرا ثم اتجه إلى‬ ‫¦ ¦في ظل التغيرات السياسية واالقتصادية‬ ‫الرواية وكتب فيها تجارب الفتة‪ ..‬ال إشكال‬ ‫ال��ت��ي ي��ش��ه��ده��ا ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي‪ ،‬م���ا األث���ر‬ ‫في التحول فهو سمة للفن‪ ،‬اإلشكال في‬ ‫ال��ذي ق��د تتركه ه��ذه التغيرات على شكل‬ ‫محاولة التجريب على غير بصيرة‪.‬‬ ‫الخطاب اإلبداعي ومضمونه؟‬ ‫¦ ¦هناك تصنيف يقيم الساحات الشعرية من‬ ‫‪ρ ρ‬ال أع����رف ع��ل��ى وج���ه ال��ت��ح��دي��د‪ ..‬لكن‬ ‫بلد إلى آخر‪ ..‬فمثال هناك شعراء يصنفون‬ ‫التغيرات الكبرى تضرب بظاللها على‬ ‫ساحاتهم بأنها األكثر تألقا وجدية‪ ،‬كيف‬ ‫األدب بصورة جليّة‪ ..‬وأظن األدب سيحتوي‬ ‫تقيم أنت الساحة الشعرية السعودية؟‬ ‫ه��ذه التحوالت‪ ..‬إذ إن ه��ذا من طبيعته‬ ‫ك���ش���اع���ر ي���م���ل���ك ص����وت���� ًا م���م���ي���ز ًا ف����ي ه���ذه‬ ‫الساحة‪ ،‬وبقصائد مميزة‪ ،‬ما سر حضورك‬ ‫في هذا الفضاء؟‬

‫وتكوينه‪ .‬وك��م واك��ب األدب ظروفاً كبيرة‬ ‫واستطاع التعبير والتشكّل والمواجهة‪ .‬م ّر‬ ‫بالعرب ظروف وتغيرات جذرية في العصر‬ ‫العباسي من انفتاح على األم��م‪ ،‬وتواصل‬ ‫م��ع اآلخ���ر‪ ،‬وث���ورات وان��ق�لاب��ات وح��روب‪،‬‬ ‫وواك��ب األدب كل ه��ذا وتأثر ب��ه‪ ..‬ومرت‬ ‫بأوروبا الثورة الصناعية والحروب العالمية‬ ‫وك��ان األدب في كل ذلك حاضرًا كما هو‬ ‫باق ما بقي اإلنسان‪.‬‬ ‫اإلنسان‪ ..‬األدب ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪105‬‬


‫وفلسفياً‪..‬‬

‫من عناصر السرد ال تتم الرواية إال بها‪..‬‬ ‫أما في الشعر فليس للنت سوى أنه حاضن‬

‫¦ ¦أن��ت ق��ارئ جيد للتراث ال��ش��ع��ري‪ ..‬شعراء‬ ‫اليوم منهم من لم يقرأ وليس لديه أص ًال‬ ‫لإلبداع يزيد في انتشاره وتوسع مقروئيته‪.‬‬ ‫أدوات ال��ق��راءة لهذا ال��م��وروث‪ ،‬ويحرصون‬ ‫‪ ...‬ال أمتلك مكتبة غنية!‬ ‫على ق���راءة بعضهم وم��ا ه��و مترجم‪ ،‬م��اذا‬ ‫تقول في هذا؟‬ ‫¦ ¦هل لنا أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أزعم أني مجيد‪ ..‬ولكل وجهة هو موليها‪..‬‬ ‫لكني ال أرى أدي�� ًب��ا مميزا إال وه��و قارئ‬ ‫مميز‪ ..‬واإللمام بالتراث وقراءته والوعي‬ ‫به من أهم ميزات األدباء البارعين‪ .‬ذلك‬ ‫ال من المعارف‬ ‫أن التراث يحمل كماً هائ ً‬ ‫واألف���ك���ار وال���ص���ور‪ ،‬وه���و سبيل للوعي‬ ‫بالحاضر واستشراف آفاق المستقبل‪ ..‬وال‬ ‫غنى للقارئ من معرفة نتاج اآلداب األخرى‬ ‫واإلف�����ادة م��ن أدب��ه��ا ومعرفتها ومناهج‬ ‫بحثها‪ ..‬وليس بين األمرين تعارض‪.‬‬ ‫¦ ¦ظ��ه��ر ف��ي ال��س��ن��وات األخ���ي���رة م��ص��ط��ل��ح‪ ،‬ال‬ ‫أعرف هل وصل إلى مسمعك وهو «شعر أو‬ ‫شعراء النت» ماذا تقول‪ ..‬هل سيكون هذا‬ ‫مالذ ًا للقصيدة وبخصائص فنية مغايرة؟‬

‫‪106‬‬

‫‪ρ ρ‬اإلنترنت حاضن رقمي لإلبداع‪ ،‬وفوائده‬ ‫على األدب والفنون أج�� ّل من اإلحصاء‪،‬‬ ‫لكني ال أرى حتى ال��ي��وم خصائص فنية‬ ‫فارقة في منتجه األدبي‪ ،‬وإن كان من النقاد‬ ‫من يرى انحرافًا في بنية النص وتركيبه‬ ‫فيما يسمى «النص اإللكتروني»‪..‬أما في‬ ‫ال��رواي��ة اإللكترونية فهناك ف��روق كبيرة‬ ‫بينها وبين ال��رواي��ة ال��ورق��ي��ة‪ ..‬ذل��ك أنها‬ ‫تعتمد على التشكيل اإللكتروني والصورة‬ ‫والخيارات الرقمية بوصفها عنصرًا رئيسً ا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρ ρ‬األدب ل��ه ال��ح��ص��ة ال��ك��ب��رى‪ ..‬ال��دواوي��ن‬ ‫الشعرية وال���رواي���ات العربية والعالمية‬ ‫وال��دراس��ات النقدية في السرد والشعر‬ ‫وال��ن��ظ��ري��ة‪ ..‬ث��م ال��ك��ت��ب ال��ف��ك��ري��ة بنسبة‬ ‫أقل‪ ..‬ثم تجيء االهتمامات األخرى‪ ..‬هذا‬ ‫ولستُ أمتلك مكتبة غنية‪ ..‬بل هي مكتبة‬ ‫محدودة‪..‬‬ ‫أهتم كثيرا ب��ال��دراس��ات النقدية للشعر‬ ‫والسرد‪ ..‬وكذلك بالكتب المهتمة بقضايا‬ ‫المصطلح النقدي‪ ،‬إضافة إلى كتب تراثية‬ ‫ف��ي األدب وال��ب�لاغ��ة ك��ال��ب��ي��ان والتبيين‬ ‫للجاحظ‪ ،‬وطبقات فحول الشعراء البن‬ ‫س�ل�ام‪ ،‬وك��ت��ب ق��دي��م��ة الب���ن جعفر واب��ن‬ ‫طباطبا والتوحيدي وثعلب وغيرهم‪ ..‬أما‬ ‫ف��ي ال��دواوي��ن الشعرية فغالبها لشعراء‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬والروايات كذلك تتوزع بين‬ ‫روايات عالمية مترجمة وروايات عربية‪..‬‬ ‫أح���اول أن أهتم بما ه��و أصيل ومتميز‪،‬‬ ‫وأف��ش��ل أحيانا‪ ،‬فأخسر فيما ه��و رديء‬ ‫ومكرور‪.‬‬


‫س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از‬

‫زياد بن عبدالكريم السالم‬ ‫زياد السالم‪ ..‬مفكر وأديب شاب يحمل رؤية ثقافية مغايرة‪ ،‬تحمل ثراءً يأتي‬ ‫من عمق مسقط رأسه مدينة دومة الجندل – الجوف‪ ،‬المدينة التاريخية العريقة‬ ‫الضاربة في عمق التاريخ‪ ،‬حيث أقدم مئذنة في تاريخ اإلسالم‪ ،‬في مسجد عمر بن‬ ‫الخطاب‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬وحيث قلعة مارد‪ ،‬قصر األكيدر‪ ،‬الذي تعجب الصحابة‬ ‫م��ن بُ��ردت��ه التي أه��داه��ا للنبي صلى اهلل عليه وس��ل��م؛ وال��ت��ي ج��اء منها بشر بن‬ ‫عبدالملك معلم القراءة والكتابة ألهل مكة قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫ق���اص وش��اع��ر وم��ف��ك��ر‪ ،‬عميق ال��ق��راءة‬ ‫والثقافة ‪ ،‬واسع االطالع‪ ،‬ناشط في قضايا‬ ‫الثقافة والمجتمع‪ ،‬داعم لألنشطة الثقافية‬ ‫الحقيقية‪ ،‬مساند لقضايا الحريات ونبذ‬ ‫العنف‪.‬‬ ‫يسبق عمره بمراحل‪ ،‬ال تخاله عندما‬ ‫تشاهده للمرة األول���ى‪ ،‬اال ك��أي ش��اب في‬ ‫مقتبل العمر في اهتمامات معظم شباب‬ ‫هذه األيام‪ ،‬ولكن بمجرد تعرفك عليه‪ ،‬تتأكد‬ ‫أنه شاب مختلف جدا‪ ،‬عن السائد والمألوف‪،‬‬

‫يتمتع بحنكة ودراية وثقافة موسوعية‪ ،‬متعمق‬ ‫في بحث معظم الثقافات والفلسفات‪ ،‬له‬ ‫حضوره االبداعي في الصحف والمجالت‬ ‫العربية والمحلية‪.‬‬ ‫ي��ق��ول ال��س��ال��م‪ ،‬ف��ي ح���وار أج��رت��ه معه‬ ‫مجلة الجوبة سابقا‪ ،‬إن األحداث السياسية‬ ‫والثورات ال تصنع بالضرورة إبداعاً مختلفاً‬ ‫في علم الفوضى‪ ،‬ونظريات الكايوس‪ ،‬فخفقة‬ ‫خفيفة من جناح فراشة في ماليزيا تتسبب‬ ‫بإحداث عواصف مدمرة في الجزء البعيد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪107‬‬


‫أسطورة يجيد خلقها‪.‬‬ ‫زياد السالم شاعر يحتفي بالغرابة‬ ‫التي ه��ي ديباجة «الحلم» ونهايته‪..‬‬ ‫ي����راوغ ال��ع��ال��م ب��إس��ق��اط��ات��ه ال��ت��ي قد‬ ‫تخدش مَ��ن ال يجيد ال��غ��وص‪ ..‬يؤمن‬ ‫بالتغيير سواء على مستوى النص أو‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫وه��ك��ذا‪ ،‬يجيء الشاعر زي��اد من‬ ‫من الكرة األرضية؛ وعليه‪ ،‬فإن أثر الفراشة يخلب‬ ‫نهارات مغسولة بالمطر متنقال مثل‬ ‫لبّي أكثر ألف مرة من هياج ألف ثوري‪ .‬وهو يرى قناص شديد القلق بين حقول الشعر والسرد‬ ‫أن ثمة أبعاداً ال مرئية تستحق التدبر واالستبصار‪ ،‬والفلسفة‪..‬‬ ‫كما أن الشاعر النجم ال��ذي يمتلك أث��راً وصوتاً‬ ‫إصداراته‬ ‫ورائحة انتهى مع انتهاء عصر الوراقين‪.‬‬ ‫نصوص السالم حظيت باإلعجاب م��ن قبل ‪1 .1‬وج���وه ت��م��ح��وه��ا ال��ع��زل��ة ‪ -‬أرب��ع��ة نصوص‬ ‫ق��ص��ص��ي��ة ف��ق��ط ض��م��ت��ه��ا ال��م��ج��م��وع��ة في‬ ‫عدد من النقاد والمهتمين ب��األدب والفكر‪ ،‬فقد‬ ‫صفحاتها التي لم تتجاوز الخمسين صفحة‪،‬‬ ‫وصف الناقد حسن المصطفى نصوص السالم‬ ‫لكنها‪ ،‬وبما توافر لدى كاتبها من جرأة وتمكن‬ ‫بـ «النصوص المفتوحة» التي تتكئ على اللغة أكثر‬ ‫من آالت��ه الفنية وثقة عالية‪ ،‬استطاعت أن‬ ‫من اتكائها على السرد»‪.‬‬ ‫تقدّم تجربة شعورية وإبداعية متكاملة إلى‬ ‫وتقول الدكتورة فاطمة الوهيبي‪ :‬هكذا يمكن أن‬ ‫ح ّد بعيد‪.‬‬ ‫تفسر نصوص زياد بأنها تصوير لعمل الفنان في‬ ‫محترفه‪ ،‬قبل أن يتخلق الشكل النهائي لعمله‪ :‬إنها ‪2 .2‬حصة آدم من النار (مجموعة شعرية) ويتكون‬ ‫من جزءَين‪ :‬األول ش��ذرات فلسفية‪ ،‬واآلخر‬ ‫فوضاه وأحالمه واجتهاده وتعبه‪ .‬نعم‪ ،‬في أماكن‬ ‫شعر‪ .‬الكتاب ذو أفق حداثي فلسفي علمي‪،‬‬ ‫معينة من كل نص من نصوص السالم تشعر بتعب‬ ‫يطرق ع��دة ج��وان��ب ع��ن ال��ك��ون‪ ،‬واإلن��س��ان‪،‬‬ ‫اللغة وإرهاق الفكرة التي دارت دورات عدة تحت‬ ‫والوجود‪.‬‬ ‫ضربات من هنا وهناك‪ ،‬إلى أن استقرت في نتوء‬ ‫‪3 .3‬المضاف إلى نفسه (مجموعة شعرية)‪ :‬ركز‬ ‫معين أو حفرة غائرة في تمثال اللغة الصخري‪.‬‬ ‫فيه على الصورة الشعرية بجدارة‪ ،‬مجرداً‬ ‫ويقول القاص عبدالحفيظ الشمري‪ :‬إن زياد‬ ‫لغته من دالالتها الفيزيائية‪ ،‬لينتج نصاً فارقاً‪،‬‬ ‫عبدالكريم السالم (شاعر يتكئ على السرد)‪ ..‬هذا‬ ‫عالميا يتمفصل في جذور الكون‪ ،‬وتتشابك‬ ‫ما تشي به مقدمة ديوانه الجديد (المضاف إلى‬ ‫فيه رؤى الحلم مع تطلعات الذات والمجتمع‪.‬‬ ‫نفسه) التي كتبها الشاعر عبداهلل السفر‪ ،‬فهو‪،‬‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫وَوِ فق هذه اإلضاءة يزاوج بين تجربتين هما الشعر‬ ‫والسرد‪ ،‬بوصفهما حالتين من حاالت دهشته وألمه أيها المتصدع في الصلصال‬ ‫الذي يمور كمرجل على وشك الطيش المدمر‪ ..‬على مرمى حجر من الفاكهة المحرّمة‬ ‫فهو الذي يكشف لنا في ج ِّل أعماله مأساة موت الى أين تسري بأهلك؟‬ ‫العالقة اإلنسانية وأخطارها المحدقة فينا‪.‬‬ ‫إنه ليل شائك يخزق بحسكاته كل بوصلة سرية‬

‫ويقول الشاعر عمر بو قاسم‪ :‬ينتهز حالته حتى وإن موّهها األدالء تحت غطاء قطني!!‬ ‫الشعرية بفضاء من اللغة‪ ،‬التي تنقل القارئ إلى ليس ثمة مكان إال وفيه شجرة حمراء‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الزماي*‬

‫أمل الفاران‪ :‬‬

‫ه��ذه األسئلة هي أشباح هواجس ال تعبر ذه��ن المبدع‬ ‫وإن اضطر للتعامل معها‪.‬‬

‫أميرة المضحي‪ :‬‬

‫أح��اول أن أوازن بين ما رسمته لشخصياتي‪ ،‬وهامش‬ ‫الحرية الذي منحته لها‪.‬‬

‫حمور زيادة‪ :‬‬

‫األصوب‪ ،‬هو مساحة بين الجبر والسباحة الحرة‪.‬‬

‫ريم الكمالي‪ :‬‬

‫أحب إدخال شخصية واقعية واحدة من صلب التاريخ‪.‬‬

‫شكري الميدي أجي‪ :‬‬

‫تمتزج بأشخاص حقيقيين‪ ،‬أو تستعير بعض شخصيات‬ ‫أخرى من ذاكرتها‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الروائي وشخصياته‬ ‫َمن يقود اآلخر؟‬

‫عبدالوهاب الحمادي‪ :‬نصر الكاتب على شخصياته نصر يبطن الهزيمة‪.‬‬ ‫محمد الغربي عمران‪ :‬تتطور الشخصيات‪ ،‬نتيجة لتحرك كتل الحكي وتطور‬ ‫األحداث‪.‬‬ ‫محمد ولد محمد سالم‪ :‬ت��م��رد ال��ش��خ��ص��ي��ات‪ ،‬ل��ي��س س����وى ش��ع��ار ي��ح��ل��و لبعض‬ ‫الروائيين إطالقه‪.‬‬ ‫ت��ق��ول ال��روائ��ي��ة التشيلية إي��زاب��ي��ل أن تكون كذلك أيضا»‪.‬‬ ‫الليندي‪« :‬حين أطوّر الشخصيات غالبا‬ ‫ث��م ت���ردف‪« :‬أس��م��ح للشخصيات أن‬ ‫م��ا أب��ح��ث ع��ن ال��ش��خ��ص ال���ذي يمكن تعيش حياتها الخاصة في الكتاب‪ .‬غالبا‬ ‫أن ي��ك��ون أن��م��وذج��اً‪ .‬إذا وج���دت ه��ذا ما يتكون لديّ شعور أنني ال أستطيع أن‬ ‫الشخص ف��ي ذه��ن��ي‪ ..‬فمن السهل أن أتحكم بهم‪ .‬تذهب القصة في اتجاهات‬ ‫أخلق شخصيات مقنعة‪ .‬الشخصيات غير متوقعة‪ ،‬ووظيفتي أن أكتبها حتى‬ ‫معقدة ومركبة ونادرًا ما يظهرون حقيقة ال��ن��ه��اي��ة‪ .‬ال أن اح��ت��ك��ره��ا وأخضعها‬ ‫شخصياتهم‪ .‬الشخصيات الروائية يجب ألفكاري السابقة»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪109‬‬


‫فكيف يُسَ يِّر ال��روائ��ي شخصياته؟ وهل‬ ‫ه��و مَ���ن ي��ذه��ب ب��ه��ا إل���ى مصيرها محكما‬ ‫ب��ذل��ك سيطرته عليها؟ أم ه��ي مَ��ن تختار‬ ‫ذل��ك المصير؟ وه��ل تمضي بالتالي بذلك‬ ‫االختيار بالروائي إلى مناطق لم تخطر بباله‬ ‫في البداية؟ أم هو مَن يتركها تختار طائعًا‬ ‫ومنقادًا الختياراتها؟ هذه أسئلة من صميم‬ ‫العمل الروائي‪ ،‬تشغل دائما الروائي الواعي‬ ‫بنصه والمهموم ب��ه‪ .‬طرحناها بدورنا على‬ ‫عدد من الروائيين‪ ،‬فكان لكل منهم إجابته‬ ‫وتجربته الخاصة‪.‬‬ ‫أمل الفاران‬

‫إيزابيل الليندي‬

‫ف��ي ال��ب��دء‪ ،‬تحدثت ال��روائ��ي��ة السعودية‬ ‫أمل الفاران بقولها‪« :‬ليست كواليس العمل‬ ‫ال��س��ي��ن��م��ائ��ي ال��م��ده��ش م��ا ت��ح��رض��ك على‬ ‫مشاهدته أو تنصرف ب��ك عنه؛ ب��ل المنتج‬ ‫النهائي يكتمل‪ ،‬ثم يعرض نفسه أمام ذائقتك‬ ‫الجمالية لتنفعل به وتصنّفه وتقيّمه‪ ..‬بعد أن‬ ‫تقرر إن كنت ستكمل مشاهدته أم ال‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ما العنوان الذي سأختاره لكتابي؟ العنوان‬ ‫فالفن بعوالمه السحرية يثير فيك الرغبة في الذي أنا على استعداد لكشطه ووضع بديل له‪..‬‬ ‫التلصص على المخبوء من أسراره‪ ،‬ويغريك بعد أن أسير نصف الرحلة أو أكاد أنهيها‪ ،‬ثم‬ ‫كمتلق بإمكانية كشفها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يبدو لي أنه ليس مفتاحها األنسب؟ ما األفكار‬ ‫وبين حوليات زهير ب��ن أب��ي سلمى وما الرائجة في المجتمع والتي تحنقني‪ ،‬وأريد أن‬ ‫ينفثه مسلح بن جندل فيصدر األعشى وحتى أعد لميزان األمور فأكتب عن سواها‪ ،‬أو أكتب‬ ‫ج��ن ناصر الفراعنة‪ ..‬ظ��ل المتلقي مؤرقاً عنها من زاوية تجعل قارئا واحدا على األقل‬ ‫بأسئلة اإلب���داع‪ ..‬أهي ثمرات إلهام خالص يقف منها موقفاً مختلفا؟ لذا‪ ،‬فإن أسئلة مثل‬ ‫أم هي العمل الدؤوب؟ ثم أضافت‪« :‬الحقيقة هل تكتب العمل أم يكتبك؟ لماذا تكتب؟ إلى‬ ‫أن األسئلة التي يطرحها القراء‪ ،‬النقاد‪ ،‬أو أي مدى يتماس عملك مع واقعك؟ وإلى أي‬ ‫ال��ص��ح��ف��ي��ون‪ ..‬مختلفة ع��ن ال��ت��ي يطرحها حد تتحكم بشخوصك؟ هل تقودها أم أنها‬ ‫الكاتب على نفسه؛ فما يقلق الكاتب هو كيف تتمرد عليك؟ ه��ي أش��ب��اح ه��واج��س ال تعبر‬ ‫سيكون السطر األول في عملي القادم؟ هل ذهن المبدع وإن اضطر للتعامل معها حين‬ ‫سيكون هناك ثمة سطر أول وعمل ألكتبه؟ ما تطرح عليه‪ ..‬مع أنها لم تك أسئلته‪ .‬وقبل أن‬ ‫الذي سأرغب في قوله في العمل؟ ومن البطل يجيب أي كاتب ستصطف شخوصه كجياد‬ ‫أو األبطال الذين سأنفث فيهم من روح الكلمة‬ ‫ليتمثلوا بشرا ينهض برسالتي هذه المرة؟‬ ‫وبعد أن أرضى (قليالً) عما كتبته‪ ..‬هل أجد‬ ‫قراء يغرمون بما كتبت‪ ،‬أو على األقل يتكبدون‬ ‫مشقة قراءته؟‬

‫‪110‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫أميرة المضحي‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫سليمان ليستعرضها ويدقق في سلوكها منذ‬ ‫انبثاقها على سطح نصه حتى يرضى عنها‬ ‫بما يكفي لنشرها»‪ .‬وتكمل صاحبة رواي��ة‬ ‫«غواصو األحقاف» قائلة‪« :‬ستسمع ال ُكتّاب‬ ‫يتحدثون عن شخصياتهم التي فعلت أشياء‬ ‫لم يخططوا لها‪ ،‬وكأن ذلك خارج عن عملية‬ ‫الكتابة التي من حيث هي بناء‪ ..‬هي هدم‬ ‫متواصل لكل ما هو سابق للنص‪ .‬سينسبون‬ ‫ألبطالهم بعض التمرد أو أقله‪ ،‬ألن السؤال‬ ‫يوجه تفكيرهم ويقودهم إلحدى طريقين‪ :‬أنا‬ ‫أتحكم بشخصياتي‪ ،‬أو هي تتحكم بي؟ ما أراه‬ ‫هنا‪ ..‬هو أن ما يبدو تفلتًا من بعض شخصيات‬ ‫النص هو جزء من عمليات البناء والهدم أثناء‬ ‫خلق صرح النص الممرد‪ ،‬فحين يضع الكاتب‬ ‫شخصية في سياق ما‪ ..‬يعطيها مساحة‪ ..‬ثم‬ ‫يجد نفسه يعود ليخربش حولها فتتمدد أو‬ ‫تنكمش‪ ،‬تتغير بعض األحداث المرتبطة بها‬ ‫أو بعض أقوالها‪ ..‬هذا ال يعني أن الشخصية‬ ‫تتمرد‪ ،‬هذا يعني أن ثمة مسافة بين الفكرة‬ ‫في رأس مبدعها وبين تخلّقها على ال��ورق‪،‬‬ ‫مسافة تجعل المبدع يرى خللها حين ينسجها‬ ‫أحرفاً وخياالت»‪.‬‬

‫أميرة المضحي‬

‫الشخصيات فرصة لتصنع خياراتها وحيواتها‪،‬‬ ‫ولترسم لنفسها خريطة طريق بعيداً عني لو‬ ‫أرادت‪ .‬أح��اول أن أوازن بين ما رسمته لها‪،‬‬ ‫وبين هامش الحرية ال��ذي أمنحه لها‪ .‬فأنا‬ ‫أحب أن تكون الشخصيات من «لحم ودم»‪،‬‬ ‫تحب وتغضب وتثور‪ ،‬وتنفعل وتغضب وتكره‪،‬‬ ‫ليتفاعل معها القارئ بكل عيوبها وإخفاقاتها‬ ‫وعذاباتها وجنونها»‪.‬‬ ‫وتضيف صاحبة رواية «يأتي في الربيع»‪:‬‬ ‫«سبق لشخصية «م��ي��راي» ف��ي رواي���ة «أنثى‬ ‫مفخخة»‪ ،‬والتي كانت تتذمر على رتابة حياتها‬ ‫هنا‪ ،‬فأذنتُ لها بقضاء شهور حملها األخيرة‬ ‫في بيروت مع عائلتها قبل االنتقال النهائي‬ ‫إلى دبي‪ ،‬لكنها واجهت مصيراً غامضاً عندما‬ ‫تصادف مرورها بسيارتها في وسط بيروت‪،‬‬ ‫واالنفجار الكبير في الرابع عشر من شباط‬ ‫عام ‪2005‬م‪.‬‬

‫أما الروائية السعودية أميرة المضحي‪،‬‬ ‫فتقول‪« :‬خلق الشخصية يضعني أمام معضلة‬ ‫حقيقية‪ ..‬عندما أعجز عن السيطرة عليها‬ ‫وأن���ا ال��ت��ي أع��د خلق الشخصية ه��و األم��ر‬ ‫األكثر متعة بالنسبة لي خالل كتابة الرواية‪.‬‬ ‫الشخصية الروائية‪ ..‬والتي أخلقها في دور‬ ‫مرسوم محدد وب��دق��ة‪ ،‬لكني أكتشف خالل‬ ‫أما «دالل» في روايتي األخيرة «يأتي في‬ ‫الكتابة خيباتي تالياً‪ ،‬عندما تتمرد إحدى الربيع»‪ ،‬فقد كانت خطتي المبدئية إبقاءها‬ ‫الشخصيات ع��ل��يّ وت��أخ��ذ زم���ام ال��م��ب��ادرة لعام آخ��ر على ب��دء أح���داث الربيع األس��ود‬ ‫ف��ي مواجهة الحياة‪ .‬رغ��م أن��ي أفسح لهذه في عالمنا العربي‪ ،‬لكنها استعجلت سفرها‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪111‬‬


‫ريم الكمالي‬

‫وسافرت في العام ذات��ه‪ ..‬تاركة وراءه��ا كل‬ ‫شيء‪ ،‬ومبقية على السؤال األهم‪ :‬لماذا قررت‬ ‫وتجيب الروائية اإلماراتية ريم الكمالي‬ ‫ع��دم مواجهة مشكالتها المعقدة وفضلت‬ ‫بقولها‪« :‬إن تحدثت ع��ن تجربتي الخاصة‬ ‫السفر أو الهروب؟»‪.‬‬ ‫وما كان يحدث لي أثناء العمل‪ ،‬فإنني أخطط‬ ‫الفكرة مسبقًا وأمضي بها نحو السرد‪ ،‬لكن ما‬ ‫حمور زيادة‬ ‫ال��روائ��ي ال��س��ودان��ي حمور زي���ادة‪ ،‬يقول‪ :‬يجري لي أنني أثناء الكتابة‪ ،‬تحل عليّ أفكا ٌر‬ ‫«يمكن للكاتب أن يضع للشخصيات مسارها‪ ،‬أخرى أرى أنها مناسبة إلدخالها في الرواية‬ ‫ويسوقها لتتحدث وتنحاز لما يختاره‪ .‬لكن وتمنحها المزيد من القوة وتعززها؛ حينها‪،‬‬ ‫ال فنياً ظاهراً‪ .‬كما إن ترك أجدني أغيّر بعض الخطط وأمضي بالرواية»‪.‬‬ ‫ذلك سيبدو خل ً‬ ‫الشخصيات تتحرك وحدها دون منهج مسبق وأضافت صاحبة رواية «سلطنة هرمز»‪« :‬أما‬ ‫قد يبدو عبثياً ويفسد خط العمل»‪ .‬وأضاف النهاية فعندما أنتهي‪ ،‬أب��دأ بالمراجعة من‬ ‫صاحب رواي��ة «شوق الدرويش»‪« :‬أعتقد إن جديد ألغير المسارات هنا وهناك تقديرًا‬ ‫األص���وب فنياً – ل��و أن ه��ن��اك م��ا يمكن أن واعتمادًا على تلك النهاية‪ .‬لذا أنا من النوع‬ ‫يوصف باألصوب في الفن – هو مساحة ما الذي يعتمد على النهاية التي ما إن تأتيني‬ ‫بين الجبر والسباحة الحرة‪ .‬يكون ذلك هيّناً وتقنعني فإن الرواية حينها تكتبني ال أكتبها‪،‬‬ ‫إن بنى الكاتب الشخصية بنا ًء مُحكماً قبل أي أع��ود من جديد أغيّر وفقًا للنهاية التي‬ ‫البدء في الكتابة‪ .‬هذا البناء يجعل المصائر حضرت‪ ،‬ورغمًا عن كل الخطط المسبقة»‪.‬‬ ‫شبه محددة سلفاً‪ ،‬وتكون اختياراتها منطقية وتختم الكمالي حديثها ع��ن الشخصيات‬ ‫ومفهومة‪ ،‬فال هي تأتي عنوة بال اتفاق‪ ،‬وال بقولها‪« :‬أم��ا الشخوص واألب��ط��ال فهي من‬ ‫هي تأتي فجأة نتيجة تحوالت تراكمية مفاجئة مخيلتي‪ ،‬لكن أثناء السرد والعمل يحدث أن‬ ‫أخ��رج بشخوص أخ��رى أتخيلها وأضعها في‬ ‫لم يكن الكاتب يفكر فيها قبل الكتابة»‪.‬‬

‫حمور زيادة‬

‫‪112‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ريم الكمالي‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫المسار‪ ،‬إما للتشويق أو ألسباب فنية‪ ..‬وكوني‬ ‫أكتب الرواية التاريخية‪ ،‬فإنني أحب إدخال‬ ‫شخصية حقيقية واح��دة من صلب التاريخ‪،‬‬ ‫أضعه وف��ق ت��ص��وري‪ ،‬للمزيد م��ن اإلق��ن��اع‪..‬‬ ‫‫ألخرج برواية كتبتني بعد أن كتبتها»‪.‬‬ ‫شكري الميدي أجي‬ ‫أما الروائي الليبي شكري الميدي فيجيب‬ ‫بقوله‪« :‬أثناء نحت الشخصية‪ ..‬أعتمد على‬ ‫الذاكرة‪ .‬طالما بوسعي تذكّر أغلب تفاصيل‬ ‫وج��وده��ا ‪-‬ال��م��خ��ط��ط ل��ه��ا م��س��ب��ق��اً‪ -‬فإنني‬ ‫متحكم بها وبمصيرها ضمن النص‪ .‬يحدث‬ ‫خالل الكتابة أن أفقد التحكم بذاتي‪ ،‬بسبب‬ ‫تأثير خارجي كسقوط إن��اء ف��ارغ‪ ،‬أو اندالع‬ ‫حرب أهلية بالجوار‪ ،‬أو تنتابني الرغبة في‬ ‫تجاوز الفقرة بسبب التعب أو الملل‪ ،‬عندها‬ ‫يقل التركيز‪ ..‬فتضعف سطوة الذاكرة‪ ،‬لتصبح‬ ‫الشخصية وكأنها خرجتْ عن السيطرة‪ ،‬تبدع‬ ‫تفاصيل ج��دي��دة‪ ،‬تشرب القهوة ألول مرة‪،‬‬ ‫تبدي تصرفات غريبة‪ ..‬كأن تقف في ممرات‬ ‫المكتبة‪ ،‬وتتخيل وجود شبح يراقبها‪ ،‬أو تذهب‬ ‫إلى الحديقة للتعرف على شخصية أخرى‪ ،‬أو‬ ‫إنها تتذكر رحلتها إلى باريس في عشرينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬لتبدع حياتها الخاصة هناك‪.‬‬ ‫ببساطة تستعير بعض شخصيات أخرى من‬ ‫ذاكرتي الخاصة‪ ،‬تمتزج بأشخاص حقيقيين‬ ‫وتفرض بذلك وج��وداً خاصاً بها‪ ،‬بتفاصيل‬ ‫أكثر تعقيداً وحياة كاملة‪ .‬عندها أدرك أنني‬ ‫تورطتُ ضمن النص‪ ،‬وإن الشخصيات التي‬ ‫أسطرها على ال��ورق ما هي إال مزيج كثيف‬ ‫من ذكرياتي الخاصة‪.‬‬

‫شكري الميدي أجي‬

‫أساس ضمن النص‪ ،‬والتي‬ ‫ٌ‬ ‫الروايات‪ .‬بعضها‬ ‫ي��ب��دأ بها ال��ك��ات��ب‪ ،‬غ��ال��ب��اً م��ا ت��ك��ون متوقعة‬ ‫ومتحك ٌم بها بمنتهى الدقة‪ ،‬تحدث المعضلة‬ ‫عندما تحتك بالشخصيات الثانوية‪ ،‬عندما‬ ‫تعلن إحداها عن مسألة تعارض أو توافق توجِّ ه‬ ‫الشخصية األساسية‪ ،‬فتحدث تلك اللقطة‬ ‫التي تتسبب بخروج الشخصيات عن المخطط‬ ‫المعد مسبقاً‪ ،‬دون أن تعرف من أين ظهرتْ‬ ‫تلك الشخصية الثانوية وغير المخطط لها‪.‬‬ ‫ثم يضيف صاحب رواية «المكتباتي»‪« :‬حدث‬ ‫معي هذا خالل انجازي للروايتين‪ ،‬وفي كلتيهما‬ ‫لم أستطع التخلص من هذا التمازج المربك‪.‬‬ ‫ف��ي األول���ى (المكتباتي) ذه��ب��تْ شخصيتي‬ ‫األساس إلى باريس في العشرينيات‪ ،‬والتقتْ‬ ‫هناك بشخصيات شبحية لم تظهر بشكل‬ ‫حقيقي ضمن ال��ن��ص‪ .‬وف��ي الثانية‪ ،‬ول��دتْ‬ ‫شخصية كاملة من ال��ذاك��رة وج��دتْ سبيلها‬ ‫ضمن صفحات النص‪ ،‬واحتلت نحو ثالثين‬ ‫صفحة من الرواية‪ .‬التحكم بالشخصية يتبع‬ ‫كتبتُ رواي��ت��ي��ن خ�لال م��دة وج��ي��زة‪ ،‬وهي مدى قوة الذاكرة المهيأة لتحمل مشقة تذكر‬ ‫ليست بالتجربة الكبيرة‪ ،‬لكنها كانتْ كافية كل التفاصيل الخاصة بها‪ .‬هذا ال يحدث في‬ ‫لمعرفة وتعلم كيفية والدة الشخصيات ضمن القصة القصيرة‪ ،‬فالشخصيات‪ ،‬ال تخرج عن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪113‬‬


‫السيطرة بسبب قدرة الذاكرة على اإلحاطة‬ ‫بكل التفاصيل‪ .‬أغسل ذاك��رت��ي ه��ذه األي��ام‬ ‫بالقصة القصيرة‪ ،‬استعداداً لتجربة روائية‬ ‫أكبر‪ ،‬مدركاً قيمة الخيوط التي يجب شدها‬ ‫دوم��اً‪ ،‬لتعود الشخصيات إلى حقيقة كونها‬ ‫مجرد شخصيات بال قدرة على التملص‪ .‬هذا‬ ‫الماراثون غالباً ما يحتاج إلى الزمن‪ ،‬بحيث‬ ‫ال تُجهد الذاكرة‪ .‬هذه خالصة تجربتي التي‬ ‫عشتها حتى هذه اللحظة»‪.‬‬ ‫عبدالوهاب الحمادي‬ ‫أما الروائي الكويتي عبدالوهاب الحمادي‬ ‫فيقول‪« :‬في البداية يسيطر على الكاتب وَهْ م‬ ‫القدرة على السيطرة‪ ،‬يتضخم‪ ،‬ثم بك ِّم كبيرِ‬ ‫من السخرية تمضي الشخصيات في طريقها‬ ‫دون أن تلتفت لكاتبها‪ ،‬تحت تهديد‪ :‬إن عبثت‬ ‫بنا وم��ارس��ت سلطتك ل��ن نذعن ل��ه��ا!»‪ .‬ثم‬ ‫يضيف صاحب رواي��ة «ال تقصص رؤي��اك»‪:‬‬ ‫«فال يملك الكاتب إال تمهيد الطريق لها وفتح‬ ‫المعابر لتأخذ مساحة تتحكم بها‪ .‬ويأتي يوم‬ ‫تكون ساحة الكتابة ساحة معركة بين الكاتب‬ ‫وشخصياته‪ .‬لها الغلبة في نهايتها‪ ،‬ويسلم لها‬ ‫بذلك‪ ،‬ألنه إن انتصر عليها كان نصرا يبطن‬ ‫الهزيمة»‪.‬‬ ‫محمد الغربي عمران‬

‫‪114‬‬

‫بينما يقول الروائي اليمني محمد الغربي‬ ‫عمران‪« :‬يخطط أكثر ال ُكتّاب للعمل السردي‬ ‫قبل البدء‪ ..‬وضمن ذلك التخطيط يأتي على‬ ‫شخصيات عمله؛ مساراتها‪ ،‬وأدواره���ا حتى‬ ‫نهاية العمل‪ ..‬لكن ما أن يُبحر في الكتابة حتى‬ ‫يجد شخصيات بعينها تتمرد‪ ،‬ولْنَقل تتطور‪..‬‬ ‫تسير إلى مصائر غير ما خُ طط لها‪ ..‬هي ال‬ ‫تصنع نفسها‪ ،‬بل نتيجة لتحرك كتل الحكي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫عبدالوهاب الحمادي‬

‫وتطور األحداث‪ ..‬فنجد شخصيات تضمحل‪..‬‬ ‫وب��ع��ض��ه��ا ت��خ��ت��ف��ي ع��ك��س م���ا خ��ط��ط ل��ه��ا‪..‬‬ ‫وك��ان مخططا لها أن تكون من الشخصيات‬ ‫المحورية‪ ..‬وشخصيات ثانوية يتعاظم دورها‬ ‫وتطغى على م��ا س��واه��ا»‪ .‬ث��م يكمل صاحب‬ ‫رواية «الثائر»‪ ،‬بقوله‪ :‬لكنه الكاتب مَن يمسك‬ ‫بخيوط مصائر جميع شخصياته‪ ..‬وإن خرجت‬ ‫عما خطط لها في البداية‪ ..‬وه��ذا ال يعني‬ ‫كتابة نفسها‪ ..‬بل الكاتب مَن يرى ويستحسن‬ ‫ت��ط��ور شخصياته‪ ..‬وإن أده��ش��ه ت��ط��وره��ا‪..‬‬ ‫وعبور مسارات ما كانت على البال‪ ..‬فهو في‬ ‫النهاية مَن يقرر االستمرار من عدمه‪ .‬قد نقول‬ ‫إن الشخصيات تتمرد أو تقود الكاتب‪ ..‬وهذا‬ ‫ليس دقيقا‪ ..‬وإن بدا األم��ر كذلك‪ ..‬لكن لو‬ ‫أراد الكاتب أال يسير بشخصياته في مساراتها‬ ‫فهو المقتدر‪ ..‬وعلينا أن نعلم أن ما يحدث في‬ ‫تغير مسارات الشخصيات نتيجة لعدة عوامل‬ ‫يصنعها الكاتب‪ ..‬منها مسار األحداث وتطورها‬ ‫وتغيرها‪ ..‬ومنها حالة الكاتب الذهنية المتغيرة‬ ‫كون العمل متخيالً‪ ..‬والمتخيل يتوالد ويتشكل‬ ‫وفق مشاهد ال يراها إال الكاتب نفسه فيعكسها‬ ‫كلمات‪ .‬وكل ذلك من إبداع الكاتب‪ ..‬إذًا نحن‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫محمد الغربي عمران‬

‫محمد ولد محمد سالم‬

‫أمام خيال ينتجه الكاتب وليس نقل وقائع‪..‬‬ ‫ال يمكن أن يخرج عنها»‪ .‬ث��م يختم عمران‬ ‫حديثه بقوله‪« :‬إذًا الشخصيات تتطور ليرى‬ ‫الكاتب بعد إنجازه لعمله أن الرواية قد سارت‬ ‫وتطورت أثناء الكتابة بشكل مختلف عما خطط‬ ‫له‪ ..‬وذلك ال يعني أن الشخصيات ليست بنات‬ ‫أفكار الكاتب‪ ..‬وأنها مَن استحسنت تغيرات‬ ‫مساراتها‪ ،‬وإن حسبناه تمردًا على الكاتب فهو‬ ‫ترف أدبي»‪.‬‬

‫التنسيق ال��ذي نسق به أحداثه‪ ،‬أو المالمح‬ ‫التي أعطاها لشخصياته ال تفي بالغرض‪،‬‬ ‫ولن توصله إلى وجهة النظر التي يريدها؛‬ ‫فيلجأ إلى التعديل‪ ،‬سواء في سياق األحداث‪،‬‬ ‫أم في رسم الشخصيات‪ ،‬أم الظروف التي‬ ‫تكتنفها؛ ما يعني أن مقولة «تمرد» الشخصية‬ ‫على الكاتب‪ ،‬وقيادتها له ليست صحيحة‪ ،‬وال‬ ‫منطقية فالكاتب هو مبدع الشخصية‪ ،‬وليست‬ ‫س��وى شعار ج��ذاب يحلو لبعض الروائيين‬ ‫والنقاد إط�لاق��ه»‪ .‬ثم يضيف صاحب رواي��ة‬ ‫«دحان»‪« :‬إن الكتابة الروائية محفوفة بمزالق‬ ‫منطقية ومعرفية وزمنية كثيرة‪ ،‬ألنها تفترض‬ ‫تشكيل مجتمع متكامل‪ ،‬بكل مالمحه‪ ،‬وهذا‬ ‫يجعل عمل الكاتب عبارة عن عملية «بناء‬ ‫وه��دم بناء» مستمرة‪ ،‬ويظل كل نسق فيها‬ ‫ع��رض��ة للتغيير وال��ت��ح��وي��ر‪ ..‬إل��ى أن يصل‬ ‫الكاتب إلى نقطة النهاية التي حددها‪ ،‬عندها‬ ‫يكون البناء قد اكتمل‪ ،‬وتكون الشخصيات‬ ‫قد أخذت مالمحها النهائية‪ ،‬وهنا ترى أنه‬ ‫ال الشخصية وال الحدث هما ما يتحكم في‬ ‫مسار الكاتب‪ ،‬وإنما وجهة النظر التي انطلق‬ ‫منها وأراد قولها هي ما يرسم له طريقه»‪.‬‬

‫محمد ولد محمد سالم‬ ‫ويجيب ال��روائ��ي الموريتاني‪ ،‬محمد ولد‬ ‫محمد سالم‪ ،‬على تساؤلنا بقوله‪« :‬ينطلق‬ ‫الروائي من رؤية معينة هي ما يسميه النقاد‬ ‫«وجهة النظر» أو «المنظور ال��روائ��ي»‪ ،‬وهي‬ ‫المعنى التأويلي وال��ش��ع��وري الكامن خلف‬ ‫الحكاية برمتها‪ ،‬ووجهة النظر هذه هي التي‬ ‫ت��ح��دد م��س��ار حكايته وط��واب��ع شخصياته؛‬ ‫فعندما يبدأ‪ ..‬يكون قد رسم في ذهنه مسارا‬ ‫معينا ل�لأح��داث‪ ،‬وح��دد لها نهاية‪ ،‬يفترض‬ ‫أنها تحقق وجهة النظر التي يريد أن يتركها‬ ‫لدى القارئ‪ ،‬لكنه أثناء الكتابة قد يبدو له أن‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪115‬‬


‫فنون الرياضيات‪:‬‬ ‫من الشريط إلى الزجاجة‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬أبو بكر خالد سعد اهلل*‬

‫كثير من الناس يعتبرون الرياضيات بعيدة عن الفن‪ ،‬مثل الفنون الشعبية‬ ‫والموسيقى والنحت‪ ،‬وغيرها من فروع العلوم اإلنسانية‪ .‬وهم عموما ال يدركون‬ ‫مثال بأن الموسيقى كانت تعد فنا من فنون الرياضيات‪ ،‬وأن عديد الفنون الشعبية‬ ‫يمكن اع��ت��م��اده��ا ف��ي ال���م���دارس لتسهيل إل��م��ام التلميذ بالعمليات الحسابية‬ ‫واألشكال الهندسية‪ .‬أما الرسم فقد يعتبره هؤالء من الفنون التي تجد عامال‬ ‫مشتركا مع الهندسة والحساب‪.‬‬ ‫نريد هنا‪ ،‬اإلش��ارة إل��ى التقارب الموجود بين الفن والرياضيات‪ ..‬من خالل‬ ‫بعض المجسمات والنحوت‪ .‬وسيعجب القارئ عندما يطلع على أن بعض هذه‬ ‫النحوت استلهمها أصحابها من أعقد ما يعرف في الرياضيات‪ :‬شريط موبيوس‬ ‫‪ Möbius‬وزجاجة كالين ‪.Klein‬‬ ‫شريط موبويوس‬

‫عشرات ال��ف��روع‪ .‬كما أن الطبولوجيا‬

‫يع ُّج عالم الرياضيات بالتفريعات نفسها تتفرع إلى عديد االختصاصات‬ ‫والتخصصات‪ .‬ومن تلك الفروع البارزة‪ ،‬القائمة بذاتها‪ ،‬منها الطبولوجيا العامة‪،‬‬ ‫والتي يجد الطالب عموما في سبيل والهندسية‪ ،‬والجبرية‪ ،‬والتفاضلية‪.‬‬

‫استيعابها الكثير م��ن ال��ص��ع��وب��ة‪ ،‬ما‬

‫التحليل الرياضي مبني على مفهوم‬

‫يسمى بالطبولوجيا‪ .‬وب���دون اإللمام «النهاية» ال��ذي ل��م يضع الرياضيون‬ ‫ب��ه��ذا‪ .‬ب��م��ب��ادئ ه��ذا الحقل يستحيل ق��واع��ده السليمة وال��م��ع��ق��دة إال في‬ ‫إدراك أي مفهوم من مفاهيم التحليل منتصف ال��ق��رن التاسع عشر‪ .‬وه��ذا‬ ‫ال��ري��اض��ي ال���ذي ي��ن��ط��وي ب����دوره على المفهوم يقوم على مبادئ الطبولوجيا‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫المفتوح ف��ي مجموعة»! وبمجرد تحديد العديد من األشكال الهندسية‪.‬‬ ‫هذا المفهوم (األجزاء المفتوحة) يأتي منه‬

‫ب��ال��ب��ح��ث ف���ي ه����ذا االت����ج����اه اك��ت��ش��ف‬

‫مباشرة مفهوم «ال��ج��زء المغلق» (بوصفه الرياضيون سطوحا ال تقبل «التوجيه»‪ ،‬أي‬ ‫يصف ما تبقى في المجموعة األصلية إذا سطوحا مغلقة ليس لها «داخل» وال «خارج»‪.‬‬ ‫ما حذفنا منها ذلك الجزء المفتوح)‪ ،‬ومفهوم وكان أول من وجد مثاال بسيطا يوضح هذه‬ ‫«الحافة» (التي تفصل الجزء المفتوح عن ال��ظ��اه��رة ه��و األل��م��ان��ي ف��ردي��ن��اد موبيوس‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ومنطلق كل هذه المفاهيم هو تحديد «الجزء فاألمر سوف يتعقد؟ ويمكن بعد ذلك تصور‬

‫الجزء المغلق) ومفهوم «داخ���ل» مجموعة (‪1868-1790‬م) ال���ذي عُ���رف بشريطه‬ ‫(بوصفه أكبر جزء مفتوح تحتويه المجموعة) «شريط موبيوس» ‪ .Möbius strip‬وفرديناد‬ ‫و«خارج» مجموعة و«جوار» مجموعة‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫موبيوس رياضي وعالم فلك تخصص في‬

‫تسمح ه��ذه المفاهيم مجتمعة بوضع الهندسة ونظرية األع��داد‪ ،‬وكان عضوا في‬

‫أسس التحليل الرياضي‪ ،‬فتمخّ ض عن ذلك أكاديمية العلوم الملكية في بروسيا‪ .‬نشير‬ ‫البرهان على آالف النظريات في التحليل ف��ي ه��ذا ال��س��ي��اق أن ه��ن��اك ري��اض��ي��ا آخر‬ ‫وال��ه��ن��دس��ة‪ .‬وق��د اح��ت��اج بعضهم م��ن تلك اكتشف أيضا هذا الشريط بشكل مستقل‬

‫النتائج إلى إدخال مفهوم «التوجيه»‪ .‬وظهرت عن مبيوس‪ ،‬وهو الرياضي األلماني جوهان‬ ‫في هذا المفهوم تعقيدات متعددة إذا غصنا ليستينغ‬

‫في الرياضيات المجردة‪.‬‬

‫‪Listing‬‬

‫(‪1882-1808‬م) الذي كان‬

‫أول م��ن أدخ���ل مصطلح “طبولوجيا» في‬

‫نحن نستعمل في الحياة العامة الكثير من الرياضيات‪ ،‬وحدث ذلك عندما تطور هذا‬ ‫المصطلحات لنتمكن من معرفة االتجاهات‪ :‬العلم وتزايد االهتمام به‪.‬‬

‫اليمين واليسار واألعلى واألسفل واألم��ام‬

‫ما هو شكل شريط موبيوس؟ لقد أخذ‬

‫والخلف‪ .‬وفي الرياضيات نوجّ ه دائرة وفق موبيوس ورق���ة مستطيلة وط��واه��ا بوصل‬ ‫اتجاه يصطلح على أنه االتجاه المباشر (أو أط��راف��ه��ا م��ن خ�لال إدارة أح��ده��ا ب��زاوي��ة‬ ‫الموجب) فنحدده بالقول إنه إذا ما سرنا ‪ 180‬درج���ة‪ ،‬ث��م وص��ل عرضي المستطيل‬

‫على منحنى الدائرة ظل القرص الذي تحيط بطريقة معينة‪ .‬إذا ما سرت على سطح هذا‬ ‫به على يسارنا وخارجه على يميننا (نقول الشريط فستفقد صوابك‪ ،‬إذ يختلط عليك‬ ‫أيضا إن��ه عكس ات��ج��اه ع��ق��ارب الساعة)‪ .‬اليمين والشمال واألم��ام والخلف واألعلى‬ ‫واألمر أبسط إن كنا نريد اختيار اتجاه على واألس��ف��ل‪ ،‬وه��ذا رغ��م أن للشريط “حافة»‬

‫مستقيم‪ .‬تصور اآلن أننا نسير فوق كرة‪ ..‬م��ن المفترض طوبولوجيًا أن تفصل بين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪117‬‬


‫«الخارج» و»الداخل»‪ .‬كما يختلط عليك وجه‬ ‫الورقة الذي تسير عليه‪ :‬هل هو صفحتها‬ ‫األولى أم الثانية؟ في الحقيقة‪ .‬فإن شريط‬ ‫موبيوس ل��ه وج��ه واح���د وت��ل��ك ه��ي إح��دى‬ ‫مميزاته! يقول الرياضيون في هذه الحالة‬ ‫إنه سطح ال يمكن توجيهه‪ .‬وقد أدى هذا‬ ‫الشريط بالباحثين إلى اكتشاف عدد هائل‬

‫صنع بطي ورقة مستطيلة الشكل‬ ‫الشكل ‪ :1‬شريط موبيوس‪ُ ،‬‬

‫من النظريات الجديدة‪.‬‬ ‫زجاجة كالين‬ ‫وم���ن ب��ي��ن ال��س��ط��وح األخ�����رى ال��غ��ري��ب��ة‬ ‫والشهيرة في الرياضيات ما يعرف بـ «زجاجة‬ ‫كالين»‬

‫‪Bottle‬‬

‫‪ .Klein‬وهذه التسمية يقول‬

‫فيها بعض الرياضيين إنها ترجمة للعبارة‬ ‫األلمانية‬

‫‪Flasche‬‬

‫‪ ،Kleinsche‬بينما يذهب‬

‫آخرون إلى تصويب تلك ويؤكدون أن صاحبها‬ ‫يقصد‬

‫‪Klein Fläche‬‬

‫(أي «سطح كالين»)!‬

‫الشكل ‪ :2‬رسم يوضح كيفية إنشاء «زجاجة كالين»‬

‫يُعد فيلكس كالين ‪1925-1849( Klein‬م) بدون «داخ��ل» وال «خ��ارج»‪ .‬كما أنه ال يقبل‬ ‫أحد عمالقة الرياضيات‪ ،‬إذ اشتهر بأعماله التوجيه!!‬ ‫في الجبر والهندسة والتحليل‪ ،‬وله دراسة‬ ‫متميزة تحول البحث في مختلف الهندسات‬ ‫إلى ما يسميه المختصون «زمر التناظر»‪.‬‬

‫ليس من اليسير أن نستوعب بنية زجاجة‬ ‫ك�لاي��ن ال��ري��اض��ي��ة ك��م��ا ي��ري��د أن يقدمها‬ ‫أصحابها انطالقا من تمثيلها المتداول‪،‬‬

‫ما هو شكل هذه الزجاجة؟ خذ زجاجة وذلك مهما كان اجتهادنا الفكري وخيالنا‪.‬‬ ‫من عنقها ومدده ما استطعت‪ ،‬ثم أدِ ره نحو لتقريب فهم ما يجري‪ ..‬يطلب الخبراء منا‬

‫جانب من جوانب الزجاجة واجعله ينغمس أن نتصور أننا نعيش في عالم ذي بعدين‪،‬‬ ‫بداخلها حتى يصل أسفلها (انظر الشكل ‪ .)2‬بمعنى أن قامة كل منا تساوي الصفر‪ ،‬وكذلك‬ ‫ما الذي يميز هذه الزجاجة؟ إنها تمثل ارتفاع وسمك الكائنات التي تحيط بنا! ثم‬

‫‪118‬‬

‫سطحا بوجه واحد بدون حافة‪ ،‬وهو أيضا نتخيل أننا نريد أن نوضح ألحدهم معنى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫عنها أشرطة موبيوسية وزجاجات كالينية‬ ‫بالغة التعقيد‪.‬‬

‫اهتمام رجال الفن بالشريط‬ ‫والزجاجة‬ ‫الشكل ‪ :3‬شكل جديد من أشكال المنبثقة عن زجاجة كالين‬

‫العقدة وكيفية إنجازها باستخدام خيط‬

‫فنرسمها له‪ .‬لكن هذا الرسم سيراه ذلك‬ ‫الشخص ثنائي األبعاد‪ .‬وبالتالي سيشاهده‬

‫ف��ي شكل منحني متقاطع األط���راف عند‬

‫بعض نقاطه‪ .‬علينا أن نشرح عندئذ أن‬ ‫الخيط في تلك التقاطعات يمر أحيانا فوق‬ ‫جزء منه‪ ،‬وأحيانا أخرى تحته بدون تقاطع!‬

‫هناك فنانون كثيرون من نحّ اتين ورسامين‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫وأدخلت عليه تعقيدات ال حصر لها نجمت‬

‫استلهموا أعمالهم الفنية من شريط موبيوس‬ ‫وم��ن زج��اج��ة ك�لاي��ن‪ .‬نذكر م��ن ه��ؤالء النحاتة‬

‫النرويجية أوس تكسمن ريغ ‪Aase Texmon Rygh‬‬

‫البالغة من العمر (‪ ،)92‬عاماً والذائعة الصيت‬

‫بفضل نحوتها البرونزية الضخمة المستنبطة‬ ‫من شريط موبيوس‪ .‬وقد نظمت خالل السبعين‬ ‫سنة الماضية معارض كثيرة في بالدها وأوروبا‬

‫والبرازيل (انظر األشكال ‪.)6 ،5 ،4‬‬

‫غير أن المخلوق الذي يعيش في عالم ثنائي‬

‫األبعاد وال يعرف البعد الثالث لن يدرك ما‬

‫يعني «فوق» و«تحت» الخيط‪.‬‬

‫تُطرح هذه المشكلة عندما نريد توضيح‬

‫بنية زج��اج��ة ك�لاي��ن؛ ألن سطحها يقطع‬

‫نفسه‪ ...‬فما علينا إال أن نتصور أننا نعيش‬

‫في فضاء رباعي األبعاد‪ ،‬وأن هناك «فوق»‬

‫و«تحت»‪ .‬وبالتالي فليس هناك تقاطعات بل‬ ‫ثمة مرور «تحت» و«فوق» جزء من السطح‪.‬‬

‫بهذا المنظور‪ ،‬يمكن أن نتصور أن زجاجة‬ ‫كالين تمثل سطحا أنجزنا ب��ه «ع��ق��دة»‪..‬‬

‫وإنجاز العقدة هنا يتطلب أربعة أبعاد!‬

‫بعد هذا توالى االهتمام بهذا الموضوع‪،‬‬

‫الشكل ‪ :4‬النحاتة النرويجية أوس تكسمن ريغ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪119‬‬


‫الشكل ‪ :5‬تمثال برونزي لشريط موبييوس بالنرويج من نحت‬ ‫أوس تكسمن ريغ عام ‪1995‬م‬

‫‪120‬‬

‫الشكل ‪ :8‬تمثال من الغرانيت في اليابان‬ ‫(كيزو أوشيو‪1990 ،‬م)‬

‫الشكل ‪ :6‬نحت برونزي أنجزته أوس تكسمن ريغ مستنبط‬ ‫من شريط موبيويس (النرويج‪1998 ،‬م)‬

‫الشكل ‪ :9‬النحّ ات كيزو أوشيو وتمثاله من الغرانيت‬ ‫المستنبط من شريط موبيوس (اليابان‪2014 ،‬م)‬

‫الشكل ‪ :7‬شريط موبيوس شعار عالمي للمواد القابلة‬ ‫لالسترجاع منذ ‪1970‬م‬

‫الشكل ‪ :10‬تمثال لشريط موبيوس (أستراليا‪2011 ،‬م)‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫شريط موبيوس‪ ،‬وهو كيزو أوشيو‬

‫‪Keizo‬‬

‫آالف الباحثين ف��ي ال��ري��اض��ي��ات عبر‬

‫‪ ،Ushio‬النحّ ات الياباني الكبير المولود العالم‪.‬‬ ‫عام ‪1951‬م‪ ،‬فقد جاءت كثير من نحوته‬ ‫م��ن ال��غ��ران��ي��ت ومستنبطة م��ن شريط‬

‫موبيوس‪ ،‬ونالت أعماله عديد الجوائز‪.‬‬

‫وقد استدعي في أغسطس عام ‪2006‬م‬

‫لنحت شريط موبيوس من الغرانيت أمام‬ ‫قصر المؤتمرات في م��دري��د‪ ،‬بمناسبة‬

‫انعقاد المؤتمر الدولي للرياضيات الذي‬

‫ت��ل��ك ه��ي عينة م��ن ع�لاق��ة ف��ن النحت‬ ‫والمجسمات بالرياضيات‪ .‬وأية رياضيات؟‬ ‫بالهندسة المجردة التي تُعد عند المختصين‬ ‫م��ن أع���وص ال��م��واض��ي��ع ال��ري��اض��ي��ة‪ .‬وه��ذا‬ ‫يدل على أن التعاون بين جميع العلوم بكل‬ ‫فنونها أمر ممكن‪ ،‬بل محبذ في باب اإلبداع‬ ‫واالبتكار‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ك��م��ا اش��ت��ه��ر ف��ن��ان آخ���ر ف��ي م��وض��وع يعقد مرة كل أربع سنوات‪ ،‬ويلتقي خالله‬

‫الشكل ‪ :11‬كثير من المجسمات تم إنشاؤها اعتمادا على مبدأ «زجاجة كالين»‪.‬‬ ‫نرى هنا مجسمات زجاجية وأخرى نحاسية أو نسيجية‬

‫بعض المراجع‬ ‫‪1. Thilliez F: L’anneau de Moebius, Le‬‬ ‫‪Passage, 2008.‬‬

‫‪to‬‬

‫‪Introduction‬‬

‫‪U.:‬‬

‫ ‪2.‬‬ ‫‪Hertrich-Jeromin‬‬

‫‪Möbius differential geometry, London‬‬

‫‪Mathematical Society, Cambridge Univ.‬‬ ‫‪Press, 2003.‬‬

‫‪3. Amith J.: The Möbius Strip: A Spatial‬‬

‫‪History of Colonial Society in Guerrero,‬‬ ‫‪Mexico, Stanford University Press, 2005.‬‬

‫‪4. Herges R.: Möbius, Escher, Bach – Das‬‬

‫‪unendliche Band in Kunst und Wissenschaft‬‬ ‫‪. In: Naturwissenschaftliche Rundschau, 6,‬‬ ‫‪58, 2005.‬‬

‫‪5. Clifford P.: The Möbius Strip: Dr. August‬‬

‫‪Möbius‘s Marvelous Band in Mathematics,‬‬ ‫‪Games, Literature, Art, Technology, and‬‬ ‫‪Cosmology, Thunder‘s Mouth Press, 2005.‬‬

‫‪6. Stewart I.: Équations qui ont changé le‬‬ ‫‪monde, Éditions Robert Laffont, 2014.‬‬

‫_‪http://mel.vadeker.net/arts/sculptures/ruban‬‬ ‫‪mobius/sculptures_ruban_mobius.html‬‬

‫* قسم الرياضيات‪ /‬المدرسة العليا لألساتذة‪ /‬القبة‪-‬الجزائر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪121‬‬


‫مهرجان (الجنادرية)‬ ‫في دورته الحادية والثالثين‬ ‫‪ρρ‬ضاري احلميد‬

‫أسدل المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية ‪ )31‬الستار على فعالياته‬ ‫وأنشطته التي ام��ت��دت لـستة عشر ي��وم��اً‪ ،‬وال���ذي تنظمه وزارة ال��ح��رس الوطني‬ ‫بالمملكة العربية السعودية منذ العام ‪1985‬م‪ ،‬عاش معها ستة ماليين وسبعمائة‬ ‫وتسعون ألف زائر وزائرة أجواء الماضي العريق‪ ،‬التي حملت معها نسمات تراث‬ ‫الوطن المتنوع‪ ،‬من خالل القرى والبيوت التراثية التي مثلت مختلف مناطق‬ ‫المملكة ومحافظاتها‪ ،‬مع مشاركة الفتة لجمهورية مصر العربية (ضيف شرف‬ ‫المهرجان)‪ ،‬وأجنحة دول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬ومعارض الجهات الحكومية‬ ‫البالغ عددها (‪ )45‬معرضاً‪ ،‬بما فيها المؤسسات الخيرية واإلنسانية‪ ،‬وك��ان قد‬ ‫افتتح يوم األربعاء ‪1438/5/4‬ه���ـ الموافق ‪ 2017/2/1‬م‪ ،‬واختتم في ‪1438/5/20‬‬ ‫الموافق ‪2017/2/17‬م‪.‬‬ ‫ال��ح��ض��ور المميز للفرق الشعبية خالل العروض والفنون الشعبية التي‬

‫البالغ عدد المشاركين فيها أكثر من قدموها ط��وال أي��ام المهرجان داخل‬ ‫(‪ )500‬مشارك‪ ،‬أضفى على األج��واء القرى والبيوت التراثية‪ ،‬أو في المسيرة‬

‫‪122‬‬

‫ب��أرض المهرجان طابعاً ت��راث��ي��اً‪ ،‬من اليومية لهذه الفرق في جميع أنحاء‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫فعاليات ثقافية وفنية وشعبية وسط حضور سبعة ماليين زائر‬

‫القرية التراثية بالجنادرية‪.‬‬ ‫وازدان������ت أرض ال��ج��ن��ادري��ة ب��ال��ح��رف‬ ‫اليدوية التي تولى العمل عليها أكثر من‬ ‫(‪ )300‬حرفي وحرفية‪ ،‬توزعوا بين القرى‬ ‫والبيوت التراثية والسوق الشعبي وبعض‬ ‫األجنحة المشاركة‪ ،‬عارضين المهن التي‬ ‫توارثها أبناء هذا الوطن منذ القدم‪ ،‬وقدمت‬ ‫لزوار المهرجان جانباً تعريفياً وتثقيفياً بها‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الجنادرية مناسبة وطنية‪ ،‬يمتزج فيها عبق التاريخ المجيد‪ ،‬ونتاج الحاضر الزاهر‬

‫والثقافة «الجنادرية ‪ »31‬قد أقيمت برعاية‬ ‫خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫آل سعود‪ ،‬بحضور حشد كبير من األدب��اء‬ ‫والمفكرين من مختلف دول العالم‪ .‬ويعد‬ ‫هذا المهرجان مناسبة تاريخية وطنية في‬ ‫مجال الثقافة‪ ،‬ومؤشراً عميقاً على اهتمام‬ ‫قيادة المملكة العربية السعودية بالتراث‬ ‫والثقافة والتقاليد والقيم العربية األصيلة‪.‬‬ ‫فكرة الجنادرية‬

‫وقد ذكرت وكالة األنباء السعودية أن آخر‬ ‫تعد الجنادرية مناسبة وطنية‪ ،‬يمتزج فيها‬ ‫أيام المهرجان شهدت حضور مليون ومائتي‬ ‫عبق التاريخ المجيد‪ ،‬ونتاج الحاضر الزاهر‪،‬‬ ‫ألف زائر وزائرة حرصوا أن يودعوا مهرجان‬ ‫وتأكيداً للهوية العربية اإلسالمية‪ ،‬وتأصيل‬ ‫الجنادرية في نسخته الـ ‪.31‬‬ ‫الموروث الوطني بشتى جوانبه‪ ،‬والحفاظ‬ ‫ال لألجيال القادمة‪ .‬وبدأت‬ ‫كانت فعاليات المهرجان الوطني للتراث عليه ليبقى ماث ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪123‬‬


‫عشاق هذه الرياضة العريقة‪.‬‬ ‫وتؤكد رعاية خادم الحرمين الشريفين‬ ‫الملك سلمان ب��ن عبدالعزيز آل سعود‬ ‫رعاه اهلل‪ -‬لهذا الحدث الوطني‪ ،‬األهمية‬‫القصوى التي توليها قيادة المملكة لعملية‬ ‫رب��ط التكوين الثقافي المعاصر لإلنسان‬ ‫السعودي بالميراث اإلنساني الكبير الذي‬ ‫يشكّل جزءاً كبيراً من تاريخ البالد‪.‬‬ ‫ومن أولويات الجانب التراثي بالمهرجان‪،‬‬ ‫إبراز أوجه التراث الشعبي المختلفة‪ ،‬متمثلة‬ ‫في الصناعات اليدوية والحرف التقليدية‪،‬‬ ‫بهدف ربطها ب��واق��ع حاضرنا المعاصر‪،‬‬ ‫والمحافظة عليها بصفتها هدفاً من أهداف‬ ‫المهرجان األساس وإبرازها‪ ،‬لما تمثله من‬ ‫إبداع إنساني تراثي عريق ألبناء الوطن على‬ ‫م��دار أجيال سابقة‪ ،‬إضافة إلى أنها تعد‬ ‫عنصر جذب جماهيري للزائرين‪.‬‬ ‫يبرز المهرجان الرسالة الحضارية للحرس‬ ‫الوطني‪ ،‬في خدمة المجتمع السعودي التي‬ ‫تواكب رسالته العسكرية في الدفاع عن هذا‬ ‫الوطن وعقيدته وأمنه واستقراره‪ .‬وتضم‬ ‫قرية الجنادرية بين جنباتها‪ ،‬مجمعاً لكل‬ ‫منطقة من مناطق المملكة‪ ،‬يشتمل على بيت‬ ‫وسوق تجاري‪ ،‬ومعدات وصناعات ومقتنيات‬ ‫وبضائع قديمة‪ ،‬وما تشتهر به كل منطقة من‬ ‫المناطق من موروثها الثقافي والحضاري‬ ‫والعروض الشعبية‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة‬ ‫«الجنادرية»‪ ،‬ب��ذرة بذرها خ��ادم الحرمين‬ ‫الشريفين الملك عبداهلل بن عبدالعزيز‬ ‫آل سعود ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬ورعاها حتى نمت‬ ‫وأثمرت‪ ،‬وأنتجت من مختلف صنوف الثقافة‬ ‫وال���ت���راث ال��ع��رب��ي األص��ي��ل لتعرضها في‬ ‫قرية متكاملة‪ ،‬تقع شمال شرقي العاصمة‬ ‫الرياض‪ ،‬تضم الموروث الثقافي والمادي‬ ‫ل�لإن��س��ان ال��س��ع��ودي واألدوات ال��ت��ي ك��ان‬ ‫يستخدمها في بيئته منذ عقود‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫سباق سنوي للهجن‪ ،‬اكتسب مع مرور الوقت‬ ‫وت��ح��ت��ض��ن ق���ري���ة ال���ج���ن���ادري���ة أغ��ل��ب‬ ‫ذيوعاً على المستوى الوطني واإلقليمي بين مؤسسات الدولة ووزاراتها الخدمية‪ ،‬لتقدم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ت��ح��اك��ي ال���ج���ن���ادري���ة ح���ي���اة ال��م��واط��ن‬ ‫السعودي قديماً‪ ،‬وتقدم نماذج لهذه الحياة‬ ‫البدائية من خالل نماذج مصغرة لها‪ ،‬مثل‬ ‫المزرعة‪ ،‬وجلب المياه عن طريق السواني‪،‬‬ ‫وح��رث األرض بوسائل زراع��ي��ة بدائية‪..‬‬ ‫وتجسد القرية الشعبية نماذج استوحيت‬ ‫من البيئة القديمة للمجتمع السعودي مثل‬ ‫السوق الشعبي‪ ،‬ومجموعة من المعارض‬ ‫التراثية ومعارض المقتنيات التي شاركت‬ ‫بها الهيئات الحكومية والقطاع الخاص‪.‬‬ ‫وت��ق��دم ف��رق ال��ف��ن��ون الشعبية بمناطق‬ ‫المملكة المختلفة للجمهور ف��ي قاعة‬ ‫ال���ع���روض ط����وال أي����ام ال��م��ه��رج��ان جميع‬ ‫العروض الشعبية المعروفة في المملكة‪.‬‬ ‫ويستضيف ال��م��ه��رج��ان ال��وط��ن��ي للتراث‬ ‫والثقافة سنوياً دول��ة شقيقة أو صديقة‬ ‫ل��ت��ك��ون ض��ي��ف ش���رف ال��م��ه��رج��ان‪ ،‬تقدم‬ ‫ثقافتها وإنتاجها المادي والحضاري لزوار‬ ‫الجنادرية‪ ،‬وقد استضافت الجنادرية خالل‬ ‫دوراتها الثالثين الماضية‪ ،‬دوالً منها‪ :‬تركيا‪،‬‬ ‫روس��ي��ا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬اليابان‪ ،‬كوريا الجنوبية‪،‬‬ ‫الصين‪ ،‬دول��ة اإلم���ارات العربية المتحدة‬ ‫الشقيقة‪ ،‬ألمانيا االتحادية‪ ،‬وفي هذا العام‪،‬‬ ‫استضافت جمهورية مصر العربية الشقيقة‪،‬‬ ‫ضيف شرف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الخدمة لجمهور قرية الجنادرية أثناء افتتاح‬ ‫المهرجان‪ ،‬وتعرفهم بما تقدمه من خدمات‪،‬‬ ‫ومنها األنظمة والقوانين‪ ،‬التي تخدم الوطن‬ ‫والمواطن‪.‬‬

‫يختار المهرجان الوطني للتراث والثقافة‬ ‫سنوياً شخصية ثقافية‪ ،‬تكرم على مستوى‬ ‫الوطن نظير جهدها‪ ،‬وما قدمته من نتاج‬ ‫فكري وثقافي لخدمة اإلن��س��ان‪ ،‬وق��د كرم‬ ‫خالل دورات المهرجان السابقة «‪ »21‬مفكراً‬ ‫وأديباً ومثقفاً‪ ..‬هم الشيخ حمد الجاسر‪،‬‬ ‫محمد بن أحمد العقيلي‪ ،‬حسين عرب‪ ،‬محمد‬ ‫حسن فقي‪ ،‬يحيى ب��ن ع��ب��داهلل المعلمي‪،‬‬ ‫عبدالكريم الجهيمان‪ ،‬الشيخ عبداهلل بن‬ ‫خميس‪ ،‬أحمد بن علي المبارك‪ ،‬محمد بن‬ ‫ناصر العبودي‪ ،‬الشيخ علي بن الشيخ حسن‬ ‫الجشي‪ ،‬عبداهلل بن أحمد العبدالجبار‪ ،‬د‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫حسن بن فهد الهويميل‪ ،‬الشيخ عبدالعزيز‬

‫بن عبدالمحسن التويجري‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز‬ ‫بن عبداهلل الخويطر‪ ،‬الشيخ عبداهلل بن‬

‫إدريس‪ ،‬د‪ .‬عبدالوهاب أبو سليمان‪ ،‬الشاعر‬ ‫إبراهيم خفاجي‪ ،‬الدكتورة ثريا عبيد‪ ،‬سعد‬ ‫ال���ب���ورادي‪ ،‬ع��ب��داهلل أح��م��د ال��ش��ب��اط‪ ،‬أبو‬

‫عبدالرحمن بن عقيل الظاهري‪ ..‬وفي هذا‬

‫العام تم تكريم د‪ .‬أحمد بن محمد علي‪ ،‬ود‪.‬‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬واألستاذة صفية بنت‬

‫زقر‪.‬‬

‫ونفذت اللجنة الثقافية في المهرجان‬

‫الوطني للتراث والثقافة «‪ »306‬ن��دوات‬ ‫فكرية متخصصة‪ ،‬و«‪ »69‬محاضرة و«‪»63‬‬

‫أمسية أدبية وشعرية إلى جانب العديد من‬ ‫ورش العمل التي تقام بالتزامن مع دورات‬

‫ال��م��ه��رج��ان ف��ي مختلف ج��ام��ع��ات مناطق‬ ‫المملكة‪.‬‬

‫وق��د اخ��ت��ار المهرجان الوطني محوراً‬

‫رئيساً ف��ي ال����دورات الخمس األول���ى من‬

‫‪126‬‬

‫انطالقة المهرجان‪ ،‬هو ال��م��ورث الشعبي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وعالقته باإلبداع الفني والفكري في الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬فقام العديد من الندوات‪ ..‬ومنها‬ ‫ن���دوة األدب الشعبي‪ ،‬واألدب الفصيح‪،‬‬ ‫واألدب السعودي‪ ،‬والقصة القصيرة في‬ ‫الجزيرة العربية‪ ..‬بدايتها وتطورها‪ ،‬كذلك‬ ‫ن��دوة المسرح الخليجي‪ ،‬والندوة الثقافية‬ ‫الكبرى وم��ن عناوينها‪ ..‬أهمية ال��م��ورث‬ ‫الشعبي في األعمال اإلبداعية‪ ،‬والموروث‬ ‫الشعبي في الفنون االحتفالية‪ ..‬الفكاهة‬ ‫والمسرح والموسيقى وال��رق��ص‪ ،‬والتراث‬ ‫التقليدي لمالبس النساء ف��ي نجد‪ .‬كما‬ ‫تطرقت ن��دوات المهرجان الوطني للتراث‬ ‫والثقافة إل��ى م��وض��وع��ات أكثر حساسية‬ ‫وقريبة من الواقع‪ ..‬ومنها ن��دوات «تجربة‬ ‫ال��ت��ن��م��ي��ة‪ ..‬م���اذا ب��ع��د ال��ن��ف��ط» وفلسطين‬ ‫صراع حضاري‪ ،‬والوطن العربي في خضم‬ ‫التحوالت السياسية الجديدة‪ ،‬ومسئولية‬ ‫اإلعالم في تأكيد هويتنا الثقافية‪ ،‬ومفهوم‬ ‫الشورى في اإلسالم‪.‬‬ ‫وناقش المهرجان الوطني مواضيع مهمة‬ ‫منها‪ ،‬ن���دوة «اإلس�ل�ام وال��غ��رب‪ ..‬ال��ج��ذور‬ ‫التاريخية‪ ،‬والخطر اإلسالمي على الغرب‪..‬‬ ‫بين الحقيقة والوهم‪ ،‬والتجربة السعودية‬ ‫ف��ي خ��دم��ة اإلس��ل�ام‪ ،‬واإلس��ل�ام وال��ش��رق‪،‬‬ ‫واالس��ت��رات��ي��ج��ي��ات االق��ت��ص��ادي��ة الوطنية‬ ‫ال��دول��ي��ة ف��ي ال��ش��رق ودور اإلس�ل�ام فيها‪،‬‬ ‫والحوار العربي العربي‪ ،‬والحوار اإلسالمي‬ ‫اإلسالمي»‪.‬‬ ‫واس��ت��م��ر ال��م��ه��رج��ان ال��وط��ن��ي ل��ل��ت��راث‬


‫ذات بعد سياسي واجتماعي عميق‪ ،‬منها‬

‫للتراث والثقافة ‪31‬‬

‫ندوات‪ :‬التطرف والغلو‪ ..‬األسباب والعالج‪،‬‬

‫أقام البرنامج الثقافي «الجنادرية ‪»31‬‬

‫ندوات‬ ‫ٍ‬ ‫الفضائيات العربية بين النقد والتقويم‪ ،‬جملة من المحاور المختلفة‪ ،‬من خالل‬ ‫��رات علمية‪ ،‬ت��ن��اوب ف��ي الحديث‬ ‫واقع األمة‪ ..‬نماذج مقارنة االتحاد األوروبي وم��ح��اض ٍ‬

‫أن��م��وذج��اً‪ ،‬وسطية اإلس�ل�ام‪ ،‬رؤي��ة الملك عنها خبراء ومتخصصون من مختلف دول‬ ‫عبداهلل بن عبدالعزيز ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬للحوار العالم‪ ،‬مسلطين الضوء على قضايا إقليمية‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫والثقافة ف��ي مناقشة موضوعات حيوية‬

‫البرنامج الثقافي للمهرجان الوطني‬

‫وال��س�لام وق��ب��ول األخ���ر‪ ،‬ال��غ��رب واإلس�لام ودولية‪ ،‬تتعلق بالشأن الثقافي والسياسي‬ ‫واالقتصادي‪.‬‬ ‫ف��وب��ي��ا‪ .‬ك��م��ا ن��اق��ش ال��ن��ش��اط ال��ث��ق��اف��ي‬

‫المصاحب للمهرجان في دورات��ه الماضية‬ ‫عدداً من المحاور من أبرزها‪ :‬ندوة بعنوان‬ ‫«الملك عبداهلل في ذاكرتهم‪ ،‬ندوة «الملك‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز ق��رارات وإنجازات»‪،‬‬ ‫مستقبل الدولة الوطنية والتحديات المحلية‬ ‫والدولية‪ ،‬ج��اءت في (‪ 4‬ن��دوات)‪ ،‬الصورة‬ ‫العربية واإلسالمية في المخيلة األلمانية‪،‬‬ ‫ال��ع�لاق��ات السعودية األلمانية منطلقات‬ ‫وآف����اق‪ ،‬دور ال��ع��ل��م��اء ف��ي ال��ب��ن��اء الفكري‬ ‫للشباب‪ ،‬م��وق��ف ال��دع��وة اإلص�لاح��ي��ة من‬ ‫التطرف والتكفير (ن��دوت��ان)‪ ،‬دور األس��رة‬ ‫في حماية وتنمية المجتمع (ثالث ندوات)‪،‬‬ ‫القيم‪ ..‬تأصيل ومفاهيم (ندوتان)‪ ،‬الرمز‬ ‫ف��ي الحكاية الشعبية‪ ،‬الفنون اإلبداعية‬ ‫وبناء الشخصية‪ ،‬ندوة «الشخصية الثقافية‬ ‫المكرمة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪127‬‬


‫بالرياض‪ ،‬وقد شدد فيها آل الشيخ على‬ ‫أن من عوامل قوة أهل السنة والجماعة‪:‬‬ ‫األخ�ل�اق وإخ�ل�اص العمل هلل‪ ،‬والعدل‬

‫والصبر واالقتداء بالنبيين والرسل في‬

‫الدعوة إلى اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وتحمّل‬ ‫ال��م��ش��اق ف��ي سبيل ذل��ك إخ�لاص��اً هلل‬ ‫سبحانه وتعالى وح���ده‪ ،‬إض��اف��ة لكثرة‬

‫أهل السنة وتنوع ثقافاتهم وتخصصاتهم‬ ‫ ن����دوة «رؤي����ة ال��م��م��ل��ك��ة ‪ ..2030‬رؤي��ة‬‫تستشرف المستقبل»‪ ،‬عقدت في قاعة‬ ‫الملك فيصل بفندق إنتركونتيننتال‬ ‫ب���ال���ري���اض‪ ،‬ب��م��ش��ارك��ة وزي����ر ال��ط��اق��ة‬ ‫والصناعة والثروة المعدنية المهندس‬ ‫خالد بن عبدالعزيز الفالح‪ ،‬ووزير المالية‬ ‫د‪ .‬محمد بن عبداهلل الجدعان‪ ،‬ونائب‬

‫لإلسالم إذا أصبح هناك تعاون لوحدة‬

‫الكلمة والدفاع عن عقيدتهم الصحيحة‪.‬‬ ‫ ن����دوة «ال��م��م��ل��ك��ة ‪ :2030‬واالق��ت��ص��اد‬‫ال��وط��ن��ي»‪ :‬وش���ارك ف��ي ال��ن��دوة ك��لٌّ من‬

‫م��ع��ال��ي وزي����ر االق��ت��ص��اد والتخطيط‬

‫السابق د‪ .‬محمد بن سليمان الجاسر‪،‬‬ ‫واستاذ االقتصاد بمعهد اإلدارة العامة‬

‫وزي��ر االقتصاد والتخطيط د‪ .‬محمد‬

‫د‪ .‬عبداهلل الربيعان‪ ،‬والمحلل والباحث‬

‫الشرقية فضل سعد البوعينين‪ ،‬وأدارها‬

‫وأداره����ا رئيس تحرير صحيفة اليوم‬

‫ال��ت��وي��ج��ري‪ ،‬وع��ض��و مجلس المنطقة‬

‫االق��ت��ص��ادي د‪ .‬عبدالحميد العمري‪،‬‬

‫اإلعالمي والكاتب االقتصادي حسين‬

‫عبدالوهاب بن محمد الفايز‪.‬‬

‫شبكشي‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫وب��ل��دان��ه��م وم��ص��ادره��م‪ ،‬م��م��ا ي��ع��د ق��وة‬

‫‪ -‬ندوة الشخصيات المكرمة في الجنادرية‬

‫‪ -‬م��ح��اض��رة‪« :‬ع���وام���ل ق���وة أه���ل السنة‬

‫‪( 31‬د‪ .‬أح��م��د ب��ن محمد ع��ل��ي‪ ،‬ود‪.‬‬

‫اإلس�لام��ي��ة وال��دع��وة واإلرش����اد الشيخ‬

‫بنت سعيد بن زقر)‪ :‬وشارك فيها كل من‬

‫السديري نائب وزير الشؤون اإلسالمية‬

‫الرصيص‪ ،‬ود‪ .‬إبراهيم التركي‪ ،‬وأدارها‬

‫للمؤتمرات ف��ي فندق اإلنتركنتيننتال‬

‫الحيدري‬

‫والجماعة» القاها معالي وزير الشؤون‬

‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬وصفية‬

‫ص��ال��ح آل ال��ش��ي��خ‪ ،‬وأداره����ا د‪ .‬توفيق‬

‫د‪ .‬عبداهلل بن صادق دحالن‪ ،‬ود‪ .‬محمد‬

‫والدعوة واإلرشاد في قاعة الملك فيصل‬

‫رئيس النادي األدبي بالرياض د‪ .‬عبداهلل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫األوسط»‪ :‬د‪ .‬عبدالكريم الدخيل أستاذ‬

‫قينان الغامدي‪.‬‬

‫العلوم السياسية في معهد األمير سعود ‪ -‬ن����دوة ال��س��ع��ودي��ة وم���ص���ر‪ :‬ت���اري���خ من‬ ‫الفيصل للدراسات الدبلوماسية‪ ،‬ووزير‬ ‫العالقات الراسخة والمسؤولية القومية‬ ‫ال��خ��ارج��ي��ة ال��م��ص��ري األس��ب��ق د‪ .‬نبيل‬ ‫فهمي‪ ،‬ومدير معهد المشرق للشؤون‬ ‫االستراتيجية د‪ .‬سامي ن��ادر‪ ،‬والخبير‬ ‫الكويتي د‪ .‬سامي الفرج‪ ،‬وأدار الندوة د‪.‬‬ ‫سعود التمامي من جامعة الملك سعود‪.‬‬ ‫ ندوة «مهددات النظام اإلقليمي العربي»‪:‬‬‫ش���ارك فيها د‪ .‬عبدالعزيز ب��ن صقر‬ ‫م��ن المملكة العربية ال��س��ع��ودي��ة‪ ،‬ود‪.‬‬

‫واالقليمية (‪ )2‬ش��ارك فيها د‪ .‬صالح‬ ‫الخثالن ود‪ .‬السيد فليفل‪ ،‬ود‪ .‬عبداهلل‬ ‫م��ن��اع‪ ،‬ود‪ .‬ج��م��ال ش��ق��رة وأداره�����ا د‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫‪ -‬ن��دوة «السياسة األمريكية نحو الشرق‬

‫د‪ .‬أحمد كريا الشلق وأداره��ا األستاذ‬

‫عبداهلل العساف‪.‬‬ ‫ ن���دوة مستقبل االع�ل�ام ال��س��ع��ودي في‬‫ضوء الثورة الرقمية‪ :‬شارك فيها معالي‬ ‫د‪ .‬عبدالعزيز الخضيري‪ ،‬ود‪ .‬محمد‬

‫عبدالحميد سعيد من مصر‪ ،‬ود‪ .‬خالد‬ ‫الرويحي من البحرين‪ ،‬ود‪ .‬عبدالحق‬ ‫ع��زوزي من المغرب‪ ،‬وأداره��ا د‪ .‬زهير‬ ‫فهد الحارثي‪.‬‬ ‫ ن����دوة «األي��دي��ول��وج��ي��ا ف���ي المشهد‬‫السياسي للعالم العربي» شارك فيها د‪.‬‬ ‫محمد السلمي ويوسف مكي من المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬ود‪ .‬محجوب أحمد‬ ‫الزويري من األردن‪ ،‬ود‪ .‬محمد عثمان‬ ‫الخشت من مصر‪ ،‬ود‪ .‬فهد الشليمي من‬ ‫الكويت وأدارها د‪ .‬سعود البلوي‪.‬‬ ‫ ن����دوة ال��س��ع��ودي��ة وم���ص���ر‪ :‬ت���اري���خ من‬‫العالقات الراسخة والمسؤولية القومية‬ ‫واالق��ل��ي��م��ي��ة ش����ارك ف��ي��ه��ا ك��ل م���ن‪ :‬د‪.‬‬ ‫عبدالمنعم سعيد‪ ،‬د‪ .‬محمد السعيدي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪129‬‬


‫الحيزان‪ ،‬ود‪ .‬إبراهيم البعيز‪ ،‬ود‪ .‬فهد‬ ‫الطياش‪ ،‬وأدارها د‪ .‬فهد العسكر‪.‬‬ ‫ ن�����دوة ال����رواي����ة ال��ع��رب��ي��ة ال��م��ع��اص��رة‬‫واألي��دل��وج��ي��ا (ش��ه��ادات) بمشاركة د‪.‬‬ ‫محمد سلماوي م��ن م��ص��ر‪ ،‬د‪ .‬شعيب‬

‫األندية األدبية بجدة والرياض والدمام‪.‬‬ ‫المكرَّ مون بالجنادرية ‪31‬‬ ‫ •عبدالرحمن الشبيلي‪ ..‬أيقونة اإلعالم‬ ‫ومؤرخ السير والتراجم‪.‬‬

‫حليفي من المغرب ويوسف المحيميد •أح��م��د م��ح��م��د ع��ل��ي‪ ..‬م��ط��وّر البنك‬ ‫اإلسالمي للتنمية‪.‬‬ ‫وأدارها د‪ .‬صالح المحمود‪.‬‬ ‫ ن�����دوة ال����رواي����ة ال��ع��رب��ي��ة ال��م��ع��اص��رة •صفية بن زقر‪ ..‬راصدة الفلكلور وناقلة‬‫التراث وموثقته‪.‬‬ ‫واأليدلوجيا (ن��ق��د) وق��د ش��ارك فيها‪:‬‬ ‫د‪ .‬سعيد ع��ل��وش ال��م��غ��رب‪ ،‬ود‪ .‬عامر‬

‫ويشارك في األنشطة الثقافية المصاحبة‬

‫الحلواني تونس‪ ،‬ود‪ .‬سعد البازعي من للمهرجان الوطني للتراث والثقافة سنويا‬ ‫السعودية‪ ،‬وأدارها د‪ .‬معجب العدواني‪ .‬أكثر من «‪ »300‬مفكر وأدي��ب ومثقف من‬ ‫ كما عقدت فعاليـات ثقافيـة عديدة في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬وشخصيات مؤثره‬‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬على المستوى العالمي‪.‬‬ ‫وجامعة الملك سعود‪ ،‬وجامعة األميرة فقد ش��ارك في ال���دورات السابقة مهاتير‬ ‫نورة بنت عبدالرحمن‪.‬‬ ‫محمد رئيس وزراء ماليزيا األسبق‪ ،‬األمير‬ ‫ كذلك ثمة فعاليات أخ��رى نفذت في تشالز ولي العهد البريطاني‪ ،‬د‪ .‬صموئيل‬‫هنتغتون‪ ،‬د‪ .‬جون اسبزيتو‪ ،‬الشيخ إبراهيم‬ ‫جوب‪ ،‬د‪ .‬جامد تشوي يونغ كيل‪ ،‬د‪ .‬خورشيد‬ ‫أحمد‪ ،‬المخرج مصطفى العقاد‪ ،‬د‪ .‬محمد‬ ‫ع��اب��د ال��ج��اب��ري‪ ،‬الشيخ محفوظ نحناح‪،‬‬ ‫د‪ .‬رض����وان ال��س��ي��د‪ ،‬يفجيني بريماكوف‬ ‫(رئيس وزراء روسي سابق)‪ ،‬د‪ .‬باتريك سيل‪،‬‬ ‫د‪ .‬هلموت فيشر (وزي��ر خارجية ألمانيا)‪،‬‬ ‫د‪ .‬كمال الدين إحسان أوغلو‪ ،‬د‪ .‬محمد جابر‬ ‫األن��ص��اري‪ ،‬الشيخ محمد علي تسخيري‪،‬‬

‫‪130‬‬

‫المستشار ط��ارق البشري‪ ،‬د‪ .‬ألفن توفلر‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬ ‫عمرو موسى‪ ،‬جهاد الخازن‪ ،‬بوريس روغة الخليج العربي في المهرجان الوطني للتراث‬ ‫(سفير ألمانيا ف��ي المملكة)‪ ،‬مصطفى والثقافة سنوياً‪.‬‬ ‫النعمان‪ ،‬د‪ .‬عبدالمجيد األنصاري‪ ،‬د‪ .‬سعيد‬

‫لقد أسهم المهرجان الوطني للتراث‬

‫ح��ارب‪ ،‬وغيرهم المئات من خ��ارج الوطن والثقافة «الجنادرية» خالل دوراته الثالثين‬ ‫وداخله‪.‬‬ ‫الماضية‪ ،‬في توحيد الرؤى الثقافية‪ ،‬وزيادة‬ ‫لقد أث���رى المهرجان الوطني للتراث اللحمة الوطنية‪ ،‬وتقريب لهجات مناطق‬ ‫والثقافة المكتبة العربية بما يزيد عن (‪ )361‬المملكة المختلفة‪ ،‬حتى أصبحت ثقافة‬ ‫إصداراً في عدد من حقول التراث والثقافة واحدة لكل الوطن‪ ..‬وأعطى زائر الجنادرية‬ ‫والفنون واإلب��داع‪ ،‬كما أصدر ما يزيد عن انطباعاً وتصوراً‪ ،‬عن ما تحتويه «الجنادرية»‬ ‫«‪ »510‬نشرات متنوعة‪ ،‬تصاحب فعاليات من كنوز وإرث ثقافي وطني ثمين‪.‬‬ ‫المهرجان أثناء إقامته‪ .‬ويقيم المهرجان‬

‫وتعد العرضة السعودية‪ ،‬إحدى نشاطات‬

‫معرضاً للفنون البصرية ف��ي ك��ل أجنحة المهرجان الوطني للتراث والثقافة‪ ،‬وتعبر‬ ‫مناطق المملكة‪ ،‬إذ خصص في جناح كل عن وحدة الوطن واتحاد الشعب والقيادة‪،‬‬ ‫منطقة حيز تعرض فيه لوحات تمثل الفنون وتمثل تجسيداً ل��ع��زة األم���ة تحت لمعان‬ ‫البصرية المختلفة‪ ،‬تشمل الفن التشكيلي سيوف العرضة‪ ،‬وفي وسط ميدانها ترفرف‬ ‫والتصوير‪ ،‬والخط العربي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫راية التوحيد‪ ،‬يردد فيها المشاركون الكلمات‬

‫كما تشارك دول مجلس التعاون لدول الشعرية الوطنية الحماسية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪131‬‬


‫مشاركة منطقة الجوف في جنادرية ‪:31‬‬ ‫بتوجيه من أمير منطقة الجوف صاحب الثقافة والفنون‪ ،‬وجناح خاص للزيتون بدعم‬

‫ال��س��م��و ال��م��ل��ك��ي األم��ي��ر ف��ه��د ب��ن ب���در بن من الغرفة التجارية الصناعية بالجوف‪.‬‬ ‫ع��ب��دال��ع��زي��ز‪ ،‬ب��ال��م��ش��ارك��ة ف��ي ال��م��ه��رج��ان‬ ‫ون��ظ��راً لشهرة منطقة ال��ج��وف بزراعة‬ ‫الوطني للتراث والثقافة الحادي والثالثين‬ ‫أشجار الزيتون وإنتاج زيت الزيتون‪ ،‬فقد تم‬ ‫ب��ال��ج��ن��ادري��ة‪ .‬رأس م��دي��ر جمعية الثقافة‬ ‫والفنون بالجوف د‪ .‬نواف بن ذويبان الراشد عرض أنموذج لمعصرة زيتون من الجوف‬ ‫الخالدي وفد اإلمارة‪.‬‬

‫وأوض��ح الخالدي أن مشاركة المنطقة‬

‫لعصر الزيتون أثناء المهرجان‪ ،‬كما شاركت‬ ‫المنطقة بثالث عشرة حرفة‪ ،‬وبفرقة الجوف‬

‫كانت متميزة‪ ،‬إذ شاركت بعدة أجنحة تمثل للفنون الشعبية‪ ،‬وتم عرض مائة صورة من‬ ‫جامعة ال��ج��وف‪ ،‬وإدارة التعليم‪ ،‬ومجلس كافة مدن الجوف في الصيوان المخصص‬

‫‪132‬‬

‫شباب ال��ج��وف‪ ،‬وال��ن��ادي األدب���ي‪ ،‬وجمعية للجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش��ارك المركز بجناح خاص بالمركز وقد ضم الجناح إصدارات برنامج النشر‬ ‫ض��م��ن م��ش��ارك��ة محافظة ال��غ��اط التي ودع��م األب��ح��اث‪ ،‬ومعلومات كاملة حول‬ ‫تحتضن ف��رع المركز‪ ،‬دار الرحمانية‪ ،‬نشاطاته الثقافية بالجوف والغاط‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫مشاركة مركز األمير عبدالرحمن السديري الثقافي بالجنادرية ‪31‬‬

‫‪133‬‬


‫الكتاب ‪ :‬ألنني أنثى – مجموعة شعرية‬ ‫املؤلف ‪ :‬هيفاء مصطفى خليفة‬ ‫الناشر ‪ :‬املؤلفة‬

‫تكتب هيفاء خليفة الشعر كأنه لحن ينساب بين‬ ‫ضفاف تهز عميق الوجدان‪ ،‬والنداءات التي تسكن‬

‫جاء الكتاب في (‪ 284‬صفحة) من القطع‬ ‫ال��ع��ادي ل��ي��وث��ق مضامين م��ح��اض��رات‬ ‫ال��م��وس��م ال��ث��ق��اف��ي ل��ع��ام ‪1433‬ه�����ـ في‬

‫كل مالمح وطنها السعودي الكبير ممزوجة بعاطفة‬

‫دار الرحمانية ب��ال��غ��اط‪ ،‬ش���ارك فيها‬

‫العروبة‪ ..‬لذا جاء ديوانها األول (ألنني أنثى) حامال‬

‫نخبة من المتخصصين والخبراء في‬

‫معه حديقة زهور‪ ..‬فيها الكثير من الرومانسية التي‬

‫موضوعات الرحالت والصحة العامة‬ ‫وال��ت��س��وي��ق وش��ج��رة ال��ح��ي��اة ( ال��ب��ان)‪،‬‬

‫افتقدناها في زمن مادي‪ ،‬وفي ظروف بدت عاجزة‬

‫ومشاريع النباتات الصحراوية واكتشاف‬

‫عن الحديث بلغة هي األخ��رى ب��دت مستوردة في‬

‫الموهوبين في المراحل العمرية األولى‪،‬‬

‫أوط��ان غير عربية‪ ،‬لتؤكد الشاعرة كينونتها وسط‬ ‫عالم الشعر‪.‬‬ ‫جاء الديوان في (‪ )68‬صفحة من القطع الصغير‪.‬‬

‫ومرضى التوحد والزهايمر‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫وظائف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد‬ ‫وهيئة حقوق االنسان‪.‬‬ ‫سلسلة كتاب الحصاد توثيق للمحاضرات‬ ‫وال���ن���دوات الثقافية ال��ت��ي ت��ق��ام ضمن‬

‫ومن عناوين قصائده‪ :‬مالي تاريخ دونك‪ ،‬القرار‪ ،‬أمير‬

‫ال��م��وس��م ال��ث��ق��اف��ي ل����دار ال��رح��م��ان��ي��ة‬

‫أشعار‪ ،‬كبرياء أنثى‪ ،‬تسألني من أنا‪ ،‬سأقول أحبك‪،‬‬

‫بمحافظة الغاط التي يحرص المجلس‬

‫قل لي‪ ،‬أنا والليل والدموع ‪« ،‬ألنني أنثى»‪ ،‬الذي جاء‬

‫‪134‬‬

‫الكتاب ‪ :‬احلصاد (‪)8‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬مجموعة من املشاركني‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقايف‬

‫عنوانا للديوان‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫الثقافي فيها في كل ع��ام على اقتراح‬ ‫وتنفيذ ف��ع��ال��ي��ات ثقافية ج��دي��دة في‬ ‫موضوعات تهم المجتمع المحلي‪.‬‬


‫صدر حديثا كتاب (أمثال وبعض‬ ‫المأثور من األقوال) للكاتب المعروف‬ ‫فلحي ب��ن ع��اي��د الفلحي ع��ن (دار‬ ‫المفردات) للنشر والتوزيع بالرياض‪.‬‬ ‫ج��اء الكتاب في (‪ )132‬صفحة من‬ ‫القطع المتوسط‪ ،‬وقد ضم عددا من‬ ‫األمثال والمأثور الشعبي الذي تتناقله‬ ‫األج��ي��ال عبر السنين‪ ،‬إض��اف��ة إلى‬ ‫بعض القصائد الشعرية التي أبدعها‬ ‫الكاتب بأسلوب تفاعلي جميل‪.‬‬ ‫الجدير ذكره‪ ،‬أن الفلحي كاتب من‬ ‫الجوف‪ ،‬سبق أن صدر له عام ‪2012‬م‬ ‫رواي��ة (بنات الحي الشرقي)‪ ،‬والتي‬ ‫القت القبول واإلعجاب بين محبي‬ ‫القراءة‪.‬‬

‫املؤلف ‪ :‬فاحتة مرشيد‬ ‫الناشر ‪ :‬املركز الثقايف للكتاب‪ ،‬الدار البيضاء ‪2017‬م‬

‫بعد إنجازاتها المتنوعة في مجالي الشعر (سبعة دواوين‬ ‫شعرية من بينها «ما لم يقل بيننا» الحاصل على جائزة‬ ‫المغرب للشعر)‪ ،‬والرواية (خمس روايات آخرها رواية‬ ‫«التوأم»)‪ ،‬تقتحم األديبة الطبيبة مجال القصة القصيرة‬ ‫بإصدار مجموعة قصصية تحت عنوان «ألن الحب ال‬ ‫يكفي»‪ )As Love is Not Enough( ،‬باللغتين العربية‬ ‫واإلنجليزية‪ .‬الترجمة اإلنجليزية من إنجاز األستاذ نور‬ ‫الدين زويتني‪.‬‬ ‫قدمت فاتحة مرشيد في مجموعتها القصصية نصوصاً‬ ‫قصصية متنوعة األحجام والقضايا واألشكال الفنية‬ ‫تحت العناوين التالية‪ )1 :‬السر في األنامل‪ )2 .‬إدمان‪.‬‬ ‫‪ )3‬اللعنة الجميلة للشعر‪ )4 .‬عدوى الحب‪ )5 .‬مسلسل‬ ‫تركي‪ )6 .‬ألن الحب ال يكفي‪ ) 7 .‬ألنني أستحقه ‪)8‬‬ ‫شراك الحنين‪.‬‬ ‫تسبر المبدعة عبر القصص الثمانية‪ ،‬كعادتها‪ ،‬أغوار‬ ‫النفس البشرية في مواقف مختلفة ومن زواي��ا مثيرة‬ ‫ومشوّقة‪ ،‬كاشفة عن العديد من المسكوت عنه في‬ ‫العالقات والممارسات اإلنسانية‪.‬‬ ‫“ألن الحب ال يكفي» ص��درت ضمن منشورات المركز‬ ‫الثقافي للكتاب‪ ،‬بيروت‪ /‬ال��دار البيضاء ‪2017‬م‪ ،‬في‬ ‫طبعة أنيقة من الحجم المتوسط‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬أمثال وبعض املأثور من‬ ‫األقوال‬ ‫املؤلف ‪ :‬فلحي عايد الفلحي‬ ‫الناشر ‪ :‬املفردات للنشر‪ 2016‬م‬

‫الكتاب ‪« :‬ألن احلب ال يكفي» مجموعة قصصية‬

‫‪135‬‬


‫‪136‬‬

‫الكتاب‪ :‬تقدير تدفق ال���ذروة لشبكة ‪...‬‬ ‫«دراسة ميدانية»‬ ‫املؤلفون‪ :‬د‪ .‬علي الدوسري‪،‬‬ ‫د‪ .‬محمد بوروبه‪ ،‬عمر القايدي‬ ‫ ‬ ‫الناشر‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫الكتاب‪ :‬أبناء األدهم ( رواية)‬ ‫املؤلف‪ :‬جبير املليحان‬ ‫الناشر‪« :‬دار ج���داول للنشر وال��ت��رج��م��ة»‪ ،‬بيروت‬ ‫‪2016‬م‬

‫تتعرض محافظة الغاط الواقعة شمال غربي‬ ‫منطقة الرياض لتأثيرات السيول السريعة‬ ‫وال��خ��ط��ي��رة‪ ،‬نتيجة ت��س��اق��ط األم��ط��ار غير‬ ‫المنتظمة‪ ،‬ما استدعى ض��رورة إيجاد حلول‬ ‫للحد م��ن مخاطرها‪ ..‬كإنشاء ال��س��دود‪ ،‬أو‬ ‫التحويالت االصطناعية‪ ،‬أو شبكات تصريف‬ ‫لمياه األودية‪.‬‬ ‫هذا الكتاب ثمرة دراس��ة علمية ميدانية في‬ ‫محافظة الغاط قام بها الباحثون بتمويل من‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ .‬وترتكز‬ ‫ه���ذه ال���دراس���ة ع��ل��ى منهجية ت��ق��دي��ر كمية‬ ‫الجريان السطحي ومقدار الخطر الناجم عنه‪،‬‬ ‫ونمذجة مخاطره السيلية‪ ،‬باستخدام تقنية‬ ‫نظم المعلومات الجغرافية والتقنيات الحديثة‪.‬‬ ‫تسهم مثل هذه الدراسات في مساعدة أصحاب‬ ‫القرار على االستغالل األمثل لعناصر المجال‬ ‫الطبيعي‪ :‬ف��ي توطين المشاريع العمرانية‬ ‫والزراعية‪ ،‬والخدمات‪ ،‬والطرق‪ ،‬وغيرها‪ ..‬كما‬ ‫تساعد نتائج التحليل المورفومتري لعناصر‬ ‫الشبكة المائية على اتخاذ اإلجراءات السليمة‬ ‫لتالفي المخاطر البيئية‪ ،‬خاصة تلك التي تنتج‬ ‫عند حدوث السيول‪.‬‬

‫ص��درت ال��رواي��ة األول���ى للقاص جبير المليحان‪ ،‬في‬ ‫(‪ )183‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬وقسم صفحاتها‬ ‫إلى‪ :‬أصل الحكاية‪ ،‬شخص لم يعد هنا منذ أمد بعيد‪،‬‬ ‫الشيخ مران‪ ،‬انا مران‪ ،‬هن شياهي‪ ،‬لم تنس الغناء أبدا‪،‬‬ ‫أنا الحمراء يا صاحبي‪ ،‬أجا‪ ،‬منهاد‪ ،‬الذئاب‪ ،‬رائحة الدم‪،‬‬ ‫منحنى صخرة‪ ،‬نخيل وعين ماء‪ ،‬نسيت مغزلي وصوفي‪،‬‬ ‫رائحة األرض والعشب‪ ،‬ليس حزنها فقط‪ ،‬خروج مر‪،‬‬ ‫أجا ومنهاد‪ ،‬أجا وسلمى‪ ،‬صمت‪ ،‬سنة الذهيبة‪ ،‬أحنت‬ ‫رأسها حياء‪ ،‬جبالن عاشقان‪ ،‬يكمن قرب عين الماء‪،‬‬ ‫صوت قلب األده��م‪ ،‬سهل بن سلمى بن أج��ا‪ ،‬إي��اك أن‬ ‫تضحكي لرجل‪ ،‬أبناء األدهم‪ ،‬الحكاية‪ ،‬غناء‪ ،‬النيران‪،‬‬ ‫والمالحظات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫من أجواء الرواية‬ ‫‪ ...‬ومع أن ا ّلنَخْ يالت ذات العسب المتدلية‪ ،‬والصخور‬ ‫المبعثرة في أماكنها منذ األزل‪ ،‬والجبال العالية التي‬ ‫كانت تتطلع إل��ى الغيوم وال��س��م��اء‪ ،‬والقمر المكتمل‬ ‫الصاعد بهدوء وسعادة‪ ،‬والغيمة التي تالعب الريح‪،‬‬ ‫والهواء العذب‪ ،‬الذي بدا رقيًقا‪ ،‬هيًنا‪ ،‬وهو يمر برفق‬ ‫على خديهما‪ ،‬أو الماء الضاحك سابحا في حضن العين‪،‬‬ ‫أو حتى العشب المكتظ بالروائح والعطر‪ ،‬أو الطيور التي‬ ‫سمعا رفرفة أجنحتها‪ ،‬دون أن يرياها‪ ،‬والتي‪ ،‬ربما أفاقت‬ ‫فرحة بهذا العرس‪ ،‬أو ربما تصفق في كف صخرة‪ ،‬أو‬ ‫في حضن شجرة‪ ،‬أو تخرج رأسها من عش‪ ،‬كلها؛ كانت‬ ‫تبارك ما يجري بين حبيبين‪.‬‬



‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.