¦رحلة إلى قمة احلرية جبل كليمنجارو ¦اخلــطــاب ال ــروائ ــي يف روايـــات محمد حسن علوان ¦السخرية يف املــوروث الشعبي ¦لبيد بن ربيعة املعمر يف اجلاهلية واإلسالم ¦بــن الــكــتــاب الــورقــي والكتاب الرقمي
57
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف، ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458 هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2817094 :فاكس011 2811357 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن إبراهيم المعيقل د .ميجان بن حسين الرويلي محمد بن أحمد الراشد املشرف العام :
أسرة التحرير :
إخـــراج فني :
رئيساً عضواً عضواً عضواً
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري عضواً سلمان بن عبدالرحمن السديري عضواً د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً عضواً د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري
إبراهيم بن موسى احلميد محمود الرمحي سكرتيراً -1أن تكون املادة أصيلة. محمد صوانة محرراً -2لم يسبق نشرها ورقي اً أو رقمياً. خالد الدعاس -3تراعي اجلدية واملوضوعية. قواعد النشر
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت : فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
-4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية.
«اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقًا.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية، ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً ال من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
www. alsudairy. org. sa
العدد - 57خريف ١٤٣٩هـ ()2017
6............................... رحلة إلى قمة احلرية جبل كليمنجارو
18......................... بالغة اخلطاب الروائي يف روايات محمد حسن علوان
72............................. حوار مع الدكتورة هتون أجواد الفاسي لوحة الغالف :للفنانة سارة حسين.
الـمحتويــــات االفتتاحية4 ...................................................... رحالت :رحلة إلى قمة الحرية جبل كليمنجارو -زياد بن عبدالرحمن السديري 6 ....................................... دراسات :بالغة الخطاب الروائي في روايات محمد حسن علوان١٨ . قصص قصيرة :الوداع -محمدالرياني ٤٧ ......................... وانتشر الخبر -خالدة خان ٤٨ ...................................... عبق الماضي -زينب هداجي 49 .................................... ال أوان لما كان -هدية حسين 51 .............................. مرايا ووجوه -محمد محقق 54 ................................ نصوص قصصية -حليمة الفرجي 55 ......................... قصص قصيرة جداً -محمد صوانة56 ........................ شعر :ثورة العطر -إبراهيم جابر مدخلي٥٧ ......................... أسرا ُر النهرِ الحيي -هندة محمد ٥٨ ......................... أل ُّم ظال َل المعنى -حنان بيروتي٦٠ ................................. ألكف الجنوب -سماح بن معيز٦٢ ...................... ّ ذاكرة ليل الغريب -لقمان لحفاوي ٦٣ ............................... َصل -خالد بهكلي ٦٤ ........................... َق َد ٌر َعلَى قَارِ عَةِ الو ْ مِ ل ْ ٌح ِب ُهد ِْب القَصيد ِة -طاهر لكنيزي٦٦ ....................... في داخـلي شَ يءٌ غَ ــريـبْ -سما يُوسف ٦٩ ..................... صديقة وغياب -عبدالعزيز موسى الحكمي ٧٠ ........... ٍ بين ترجمة :سم -ترجمة :عبداهلل ناصر ٧١ .......................... مواجهات :حوار د .هتون أجواد الفاسي -عمر بوقاسم٧٢ .... حوار ال ِّروَائِي المِ صري عبداهلل السَّ اليْمة -محمد عيسى٧٨ . حوار القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس -عصام أبو زيد٨٥ ... حوار المخرجة السعودية هناء العمير -عبدالكريم قادري٨٩ ...... حوار الشاعر نايف أبو عبيد -نضال القاسم٩٦ .................... حوار صبحي موسى -هالة موسى١٠٠ .......................... سيرة وإنجاز :أ.د .نايف بن صالح المعيقل١٠٨ ................... نوافذ :السخرية في الموروث الشعبي -غادة هيكل ١٠٩ ........ لبيد بن ربيعة المعمر في الجاهلية واإلسالم -راكان الرويلي ١١٣ .... رواية السهل الممتنع! -صالح القرشي116 ..................... بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي -د .فيصل أبو الطُّ َفيْل 118 ..... الحضارة اإلنسانية بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير (حجاب المرأة أنموذجاً) -آيات عفيفي 120 ................................ قراءات١٢٧ ........................................................... :
افتتاحية ال ـ ــع ـ ــدد ■ إبراهيم بن موسى احلميد
نستهل هذا العدد بمقال (رحلة إلى قمة الحرية :جبل كليمنجارو) للدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري ،وهو األستاذ والمثقف الذي يقف خلف إدارة هذه المؤسسة الثقافية «مركز عبدالرحمن السديري الثقافي» ،والذي يحتضن مشروع مجلة الجوبة منذ تأسيسها عام 1991م؛ وإذ ال نخفي سعادتنا أن خصنا الدكتور زياد بالمقال ،فإننا نؤكد أن المقال قد وصف الرحلة بأسلوب شيّق ،متماهيًا مع أدب الرحالت الذي أسسه أسالفنا ،فقد جاء مليئًا باألحداث والمغامرات المشوِّقة ،فأعادنا إلى رائعة األديب العالمي هيمنجواي «ثلوج كليمنجارو». ونحن في حرصنا الدائم على التواصل مع كتّاب الجوبة ومبدعيها ،نجدد التأكيد على اهتمام المجلة بما يرد إليها من مقترحات ومواد إبداعية؛ فنحن نحرص قدر اإلمكان على نشر اإلبداعات المختلفة والدراسات والمقاالت ،وفي هذا الصدد حرصت المجلة على إيجاد محور خاص في دراسات هذا العدد لتسليط الضوء على بعض إصدارات الروائي محمد حسن علوان ،الفائز بجائزة البوكر لهذا العام ،ونرجو أن يجد القراء الكرام ،مدى الجهد الذي بذله باحثونا الكرام في تناول سيرة األديب علوان الروائية، والتي تناولتها المجلة ،وِ فقا للمساحة المتاحة. كما تستمر المجلة في التواصل مع كافة المبدعين في المملكة والعالم العربي، وتحرص على نشر نتاجهم اإلبداعي في القصة والشعر ومختلف الفنون الثقافية ،وفي هذا الصدد تنشر الجوبة عددًا من النصوص الجديدة التي تمنح العدد ألقه و تجدد
4
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
وفي إطار حرص الجوبة على االلتقاء بكبار األدباء من المملكة والعالم العربي ،تنشر الجوبة حوارًا مع الدكتورة هتون أجواد الفاسي الباحثة واألستاذة الجامعية السعودية، والتي تكشف جوانب عديدة من سيرتها العلمية والثقافية ،والتي تحدثت عن ملكات دومة الجندل «أو الجوف» في القرنين السابع والثامن قبل الميالد ،كما تحاور الجوبة
اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
مسيرته.
األديب السيناوي المصري عبداهلل الساليمة الذي يرى أن الشيء الوحيد الذي يحقق ال روائيًا أو مجموعة قصصية ،أو حتى قصة واحدة قدرًا من السعادة هو إنجازه عم ً قصيرة. كما تحاور الجوبة األديبة التونسية وئام غداس ،الفائزة بجائزة الشارقة لإلبداع العربي عن مجموعتها «أمشي وأضحك كأني شجرة» ،وهي التي تحوّلت من السرد إلى الشعر ،وتعد نفسها شاعرة (فيسبوكية). كما تحاور الجوبة األستاذة هناء عبداهلل العمير ،المخرجة والناقدة السينمائية السعودية ،الفائزة بعدد من الجوائز السينمائية ،و المحكّمة في عدد من المهرجانات، وهي مؤلفة كتاب «ساموراي السينما اليابانية أكيرا كوروساوا». وتلتقي الجوبة الشاعر األردني ،نايف أبو عبيد ،وتسلط الضوء على تجربته الشعرية وسيرته ،كما تلتقي الشاعر والروائي المصري ،صبحي موسى ،الذي صدر له عدد من الدواوين الشعرية ،ثم تحوّل إلى الكتابة الروائية ،ويطرح عددًا من اآلراء حول الرواية والشعر وقصيدة النثر . ويصدر هذا العدد وقد ودعت الحياة الثقافية األديب والروائي والكاتب الساخر، األستاذ حسن السبع ،يرحمه اهلل ،والذي كتب لسنوات عديدة مقاالت مهمة في الفكر والثقافة في الصحف المحلية ،ونشر دواوين شعرية ورواية «ليالي عنان» ،وكانت الجوبة قد استضافته في العدد ،52وكان مما قاله« :عندما يسقط القلم من يدي سأقول ما الشمس غربتْ »! وكأنه كان يُ َمهِّد لرحيله المبكر عن َ قاله كازنتزاكي« :لم أتعبْ ،ولكنَّ هذا العالم. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
5
رحلة إلى قمة الحرية جبل كليمنجارو ()١
ρρزياد بن عبدالرحمن السديري
في اللحظات التي فارق فيها الحياة ،تراءى لـ «هاري» وكأنه مسافرٌ في طائرة يلتفت إليه قائدها مبتسم ًا ومشير ًا بيده ،فيبصر «هاري» أمامه «ما بدا له وكأنها كما عرض كل البسيطة ،عظيمة ،وشاهقة ،وبيضاء في ضوء الشمس كما ال يمكن التصديق بحقيقته ،قمة كليمنجارو مربعة األركان .عندها علم هاري إلى أين هو ذاهـ ٌـب» .هذا المشهد الذي أبدعه آرنست هيمنجواي في قصته المشهورة «ثلوج السر الذي يقود آالف البشر( )٢في كل عام كليمنجارو» ،ربما يكشف للقارئ بعض ِّ لصعود هذا الجبل -ذي القمة المرتفعة 5٫895مترا ( 19٫341قدمً ا)( )٣فوق سطح األرض -سير ًا على األقدام ،وكأنهم قاصدين «بيت اهلل» ،كما وصف هيمنجواي قمة كليمنجارو في أول القصة.
6
هكذا ،في اليوم األول من شهر آب حتى ذاك التاريخ(.)٤ (أغسطس) من سنة 2017م (الموافق و«كليمنجارو» جبل مستقل بذاته، الــتــاســع مــن ذي الــقــعــدة1438 ،هـــــ)، واضــح المعالم للرائي؛ أي هو ال يقع برحلة ٍ وبعض األصدقاء واألبناء ُ قمتُ ضمن سلسلة جبال متصلة ،مثل جبل مشياً على األقــدام العتالء قمة جبل كليمنجارو ،الــواقــع في شمال شرقي إفرست -أعلى جبل على وجه األرض- تنزانيا ،الدولة الواقعة على الساحل الذي يقع ضمن سلسلة جبال الهماليا. الشرقي إلفريقيا؛ تحدونا الرغبة برفقة وكليمنجارو هو أعلى جبل في إفريقيا، األع ــزاء ،وتدفعنا النزعة لالستطالع وأعلى جبل مستقل في العالم( ،)٥وأحد وحــب االســتــكــشــاف ،ويحركنا المي ُل الجبال السبعة المسماة ،ذوات القمم لتحدِّي الذات ،مدركين تماماً أنَّ هذه األعــلــى فــي الــقــارات الــســبــع( .)٦وهو ستكون بال شك أشــدَّ رحالتنا تحد ّياً جبل بركاني ،يقول الجيولوجيون إن اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
المجموعة في قمة الحرية
بدايته تعود لمليونين ونصف المليون عام خلت( .)٧وال اتفاق بين الباحثين في أسباب تسميته هــذه( ،)٨إنما ال خالف في أن اسم قمته (اوهـــورو) يعني الحريّة ،وهــو لذلك يبدو مُشتقاً من العربية .فاللغة السواحلية ( )Swahiliمزيج من عــدة لغات ،إحداها اللغة العربية التي وصلت شرقي إفريقيا مع التجار العرب ،ومن خالل إمارتهم في زنجبار ،التي أصبحت الحقاً جزءاً من دولة تنزانيا. اس ــت ــه ــوت مــجــمــوعــتــنــا ف ــك ــرة صــعــود كليمنجارو عندما تحدثنا بها في خريف عام 2016م ،رغم توجّ سنا جميعاً من هذا المشروع .فاألمر ليس محض لياقة بدنية، وهــو ال يخلو من الخطورة ،وليس كل مَن يقصد كليمنجارو يصل قمته .وأهم أسباب الفشل في صعود هذا الجبل ،ومصدر الخطر األكبر فيه ،هو ما يسمى بمرض الجبل الحاد ( )AMSالذي قد يتطور عند بعضهم فيحدث الوذمة الرئوية ( ،)HAPEوالوذمة الدماغية
( .)HACEوورد أن ٪45فقط من كافة فئات مستهدفي صعود كليمنجارو يصلون قمته، وأنَّ مــا بين ثالثة إلــى سبعة منهم يلقون حتفهم سنوياً في محاولة الصعود( .)٩إنما تبين لنا بعد البحث أن أهم أسباب الفشل في إتمام الصعود ،والخطورة الكامنة فيه، تعود إلغفال الصاعد بعض بدهيات ،ومنها عدم تقصيه بحسن اختيار الجهة المنظمة للرحلة ،وجنوحه إلكمالها في مدة قصيرة استعجاال في أمره أو توفيراً لمالِه ،وهو ما يحول دون حسن تأقلمه مع االرتفاع أثناء الصعود السريع ،ونقص األكسجين الحا ّد الــذي يــزامــن ذلــك .فبينما تبلغ تقديرات متوسط نسبة النجاح في صعود الجبل ٪27 لمن يحاولون إكمال رحلتهم في خمسة أيام فقط ،فهي تتجاوز ٪85لمن يمضون ثمانية أيام إلكمالها( .)١٠إضافة إلى ما تقدم ،فإن الــوكــاالت الجيدة ،التي تتولى تنظيم هذه أدلء ذوي معرفة الرحالت ،توفر لعمالئها ّ ببوادر أعراض مرض الجبل الحادّ ،وتؤمّن اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
7
جليد هايم والغيوم تحتها كما تبدو من قمة الجبل
8
لهم وسائل اإلسعاف الالزمة ،بما في ذلك أسطوانات أكسجين محمولة ،لالستعمال عند الــحــاجــة .ف ــإذا ظــهــرت أول أعــراض المرض ،ولم تتم السيطرة عليها بالسرعة الالزمة ،يُنصح الزائر بالتوقف عن الصعود والعودة الى أسفل الجبل .وإذا لزم األمر، يتولى الفريق المرافق للمجموعة صاعدة الجبل حمل الــمــريــض بسرعة إلــى حيث يمكن نقله بواسطة طــائــرة عــامــوديــة إلى المستشفى .وقبل الرحلة ،تقدم مثل هذه الوكاالت المشورة للزائرين ،وترشدهم إلى ما يلزم عمله في سبيل االستعداد لمهمة الــصــعــود ،والــوســائــل المساعدة للحيلولة دون حــدوث مــرض الجبل الــحــاد ،بما في ذلــك العقاقير الحامية منه .بمعنى آخر، فــإن َمــن يُحسن اختيار الوكالة المنظمة للرحلة ،ويكمل االستعدادات المقترحة لها قبل بدئها ،ويجعلها في ثمانية أيام أو أكثر، فالراجح أنه سيتجنب الخطورة في األمر، وستكون له فرصة معقولة ،وإن كانت غير مضمونة ،في إتمام الرحلة( .)١١وقد شاهدت فــي الــيــوم الــســادس مــن رحلتنا ،أي اليوم اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
األخير قبل اعتالئنا قمة الجبل ،عدداً من األشخاص بــدا أنهم لم يكملوا صعودهم؛ منهم شابّان ال يتجاوزان العقد الثالث من العمر ،يسندهما على جانبيهما مرافقان لمساعدتهما في السير. وقــــد أحـــســـ َن عــمــي ـ ُد رحــلــتــنــا ،االبـــن عبدالرحمن ،اإلعــداد لها ،واختيار الوكالة المناسبة لتنظيمها ،وتحديد مدتها بثمانية أيــام ،شاملة أيــام الصعود التي استغرقت ستة أيام وجزءًا من اليوم السابع ،وانتهت في اليوم الثامن عندما عدنا إلى أسفل الجبل. وقد تفاوتت تجربة أعضاء فريقنا من حيث المعاناة أثناء الصعود وأثناء النزول ،إنما جميعهم أكمل الرحلة واعتلى اوهــورو ،أي قمة كليمنجارو ،كما تشهد الصورة المرفقة مع هذه السطور(.)١٢ كما ذكرت فيما تقدم ،لقد قررنا القيام بهذه الرحلة قبل سنة تقريباً من بدئها ،وهو ما وفــر لنا الوقت الكافي لحُ سن اإلعــداد لها .فبعد أن حدّد عميدنا الوكالة المختارة، ووقّعنا اتفاقنا معها ،زوّدتنا الوكالة بقائمة
استقبلنا فــي مــطــار كليمنجارو عند وصولنا قائد فريق أدالء الرحلة التنزاني، واســمــه جيمز مــاتــو ،وأمضينا مــســاء يوم وصولنا الموافق 31تموز2017 ،م في مدينة أروشا ،عاصمة المنطقة التي تحمل اسمها، وتقع إلــى الجنوب من كليمنجارو ،وترتفع ( )1٫387متراً فــوق سطح األرض ،ويبلغ عــدد سكانها حــوالــي ( )416٫000نسمة ونيف .ونظراً ألن تنزانيا تقع في النصف الجنوبي للكرة األرضية؛ فشهر تموز (يوليو) يقع في موسم شتاء هذا البلد ،وكان مناخه
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
المستلزمات المقترحة إلتــمــام الرحلة، بما في ذلك أنــواع الملبوسات ،واألحذية، والعِ دد األخرى الالزمة والمناسبة لها ،وبيا ٌن بالتطعيمات الطبية التي تنصح الوكالة بها، والعقاقير التي توصي باستعمالها أثناء الصعود ،والتمارين التي تقترح ممارستها قبل الــشــروع بالرحلة .واخــتــرنــا أن تكون رحلتنا في شهر آب (أغسطس) حين تق ّل األمــطــار ،وحـدّدنــا بدايتها في أول الشهر المذكور ،حتى يتزامن اعتالؤنا قم َة الجبل مع اكتمال البدر.
معتدالً .وورد أن االستيطان في أروشا بدأ عام 1830م ،وأن أكثر سكانها يدين باإلسالم والمسيحية ،وأن أشهر قبائلها الماساي. وتنتشر في تنزانيا زراعات عدة ،شهدنا منها أثناء إقامتنا القصيرة فيها :القهوة ،والموز، والذرة ،واألرز؛ كما أن بها صناعات كثيرة، ربما أهمها السياحة .وقد خضعت تنزانيا لالحتالل األلماني ابتداء من سنة 1896م، ثــم االحــتــال البريطاني ابــتــداء مــن سنة 1916م ،أثناء الحرب العالمية األولى ،ونالت استقاللها في سنة 1961م ،وخضعت لنظام شيوعي بعد االستقالل حتى عام 1985م، وهو ما ترك أثره على البلد وأهلها ،رغم ما يلمسه الزائر من مقوّمات طبيعية وصناعية فيها(.)١٣ البداية :جادة ماشامي اجتمعنا بـ(جيمز ماتو) في النزل الذي حللنا بــه مــســاء يــوم وصــولــنــا ،فاستعرض معنا تفاصيل الرحلة ،واالستعدادات التي تم تجهيزها لها .وفي صباح اليوم التالي، أول شهر آب ،نقلنا جيمز بحافلة الوكالة إلى بوابة الدخول إلى الجبل ،وأتممنا التسجيل
العودة بعد اعتالء القمة
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
9
لدى الجهة المسؤولة ،وبدأنا مسيرنا سالكين درب ماشامي ( ،)١٤()Machame Routeوسرنا في اليوم األول من أيام رحلتنا حوالي 17 كيلومترا ،وصعدنا إلى ارتفاع ( )2980متراً فوق سطح البحر ،حيث أقمنا الليلة األولى. وكانت الحقيبة التي حملها ك ٌل منا على ظهره ( )Back Packتزن ما تراوح من ثمانية إلى عشرة كيلوغرامات من المستلزمات ،أهمها معطف ٍ الماء ،وبعض المأكوالت ،إضافة إلى تحسباً للبرد الذي يتزايد مع صعود الجبل، وآخر واق ٍ من المطر الذي ال يؤمن سقوطه في أيام الصعود األولى ،حيث يكون المسار في غابة كثيفة ،تغطيها الغيوم المتكوّنة حــول الجبل .وك ــان أعــضــاء الفريق الــذي يرافقنا يحملون بقية مستلزماتنا الخاصة، وعــتــاد الخيام ،والــمــؤونــة والــمــاء ،فيحمل كل من هــؤالء زهــاء عشرين كيلوغراما من العتاد .وكانوا على ما يبدو يتزودون بالماء مقربة من ٍ من مصادر طبيعيه موجودة على طريق الرحلة ،فيحملون معهم جهازاً مفلتراً يزيل العوالق والميكروبات من الماء بما يجعله مناسباً للشرب .وتلزم اإلشــارة هنا إلى ما لمسناه جميعاً من طيب خلق أعضاء هذا الفريق ،واهتمامهم بحسن أداء مهامهم، واستمرارهم على هذه السجيّة على امتداد
أيام الرحلة حتى نهايتها .كما تجدر اإلشارة إل ــى مــا شــهــدنــاه مــن طــيــب تــعــامــل هــؤالء بين بعضهم ،دون تمييز منهم بين مسلم ومسيحي بينهم .وبدأنا في هذا اليوم األول تناول عقار الدياموكس ( )Diamoxالمساعد لتجنب مرض الجبل الــحــا ّد( ،)١٥والمخفّف مــن أشــ ِّد أعــراضــه .كما كنا نحرص على اإلكثار من شرب الماء ومتابعة أكل بعض الــزاد بين كل برهة وأخــرى ،وذلــك لتجنب المعاناة مــن الجفاف ،وهــو على مــا يبدو أحد أسباب مرض الجبل الحاد .ومع هذا، فقد شكا بعضنا من أعراض الصعود ابتدا ًء من اليوم األول ،ومنها الصداع .كما ظهرت على بعضنا المشقة من السير صعوداً ،ربما لعدم لياقتهم البدنية الكافية ،بينما لم يشكُ آخرون من أية أعراض ،ولم تب ُد عليهم أي مشقة. وأع ــض ــاء مجموعتنا لــيــســوا بحديثي العالقة مع بعضهم بعضاً ،بل هم في مجملهم أصــدقــاء قــدامــى ،مرفوعة الكُلفة بينهم، ومقبولة النكتة منهم؛ ولــهــذا ،فقد دخلوا جميعاً بسرعة في جو الرحلة الحميمي، واستمروا كذلك حتى نهايتها .وتميز أعضاء مجموعتنا بمواهب مختلفة ،وتكمل بعضها بعضاً ،ساعدت في إضافة الكثير لرحلتنا.
ظالل جبل كليمنجارو بشكل هرمي تغطي جبل ميرو
10
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
فالدكتور برنارد هيكل ،أشبه بمكتبة متنقلة بما يحمله مــن ثقافة واســعــة ،ومعلومات جــمــة .وه ــو كــريــم نــفــس ،ســريــع الــخــاطــر، إيجابيّ التوجّ ه ،محبٌ للنكتة .واألستاذ نبيل ونظريات ٍ الخويطر ،ذو اهتمامات متعددة، وقصص كثيرة ،تملؤه الثقة بالنفس، ٍ خلقة، ّ يعيش اللحظة ،ويحيي محيطه بما يجود به من طُ ــرَف .واالبــن عبدالرحمن ،عميد الرحلة ،هادئ الطباع ،عصاميّ الشخصية، ذو موهبة في تأمّل المستجدات واكتشاف أســرارهــا ،ومــيـ ٍـل لتحدي ال ــذات واختبار حــدودهــا .واالب ــن خــالــد ،لـ ِّيــن الجانب ذو مشاعر مرهفة ،تولّى بامتياز مهمة المصور الرسمي للرحلة ،كما تشهد به صوره التي يــظــهــر بعضها مــع ه ــذه الــســطــور ،وغــدا المالزم لكل مَن تباطأ سيره منا ،والمحفّز له بمواصلة المسير .واالبن اسكندر هيكل، وهو أصغرنا ،ذو ابتسامة جذابة ال تفارق مُحيّاه ،وطروحات فلسفية مشوّقة ،وأسئلة فلم فكرية عميقة .فغدت رحلتنا كشريط ٍ ال يتوقف فيه الحديث ،والنقاش ،والتأمل، والتصوير ،والضحك ،ونبقى كذلك حتى بعد أن يحلَّ وقت اللجوء للمأوى والمبيت.
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
لحظة شروق الشمس في قمة الجبل
وقــد ســاعــد فــي إنــجــاح رحلتنا وتحقق متعتنا بــهــا حُ ــســن أداء الــفــريــق الــمــرافــق لنا ،المكوّن كله من أهل تنزانيا ،ومستوى الخدمات الجيدة التي كانوا يوفرونها ،بما في ذلك وجبات الطعام التي فاقت توقعات مجموعتنا .وكــان المرافقون يُنشدون بين الــفــيــنــة واألخ ـ ــرى بــعــض األغ ــان ــي بلغتهم السواحلية ،بعض مفرداتها ذاعــت شهرته على أثر صدور فلم الملك األسد (The Lion )Kingالذي أنتجته والت ديزني( .)١٦وهكذا، ســرعــان مــا أصــبــح مــرافــقــونــا التنزانيون زمال َء لنا ،نُقبل على تبادل أطراف الحديث معهم ،ونجرؤ على ممازحتهم ،وهم يبادرون بالمثل(.)١٧ ســرنــا فــي الــيــوم الــثــانــي حــوالــي تسعة كيلومترات ،وأمضينا المساء في مخيم شيرا ( )Shira Campالذي يبلغ ارتفاعه ()3720 متراً فوق سطح البحر .وفي هذا اليوم بدأنا الــخــروج مــن بيئة الغابة الكثيفة الشجر، ودخلنا ما يسمى أرض المور ()Moorland وهــي أرض ينبت فيها الخلنج ()Heather واسمه العلمي أريكا ( )Ericaمشابه لشجر العرعر .وقــد الزمتنا في مسارنا جــداو ُل اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
11
أحد المرافقين يحمل بعض لوازم الرحلة
المياه ،إال أننا لم نشهد أي حيوانات بريّة في ٍأي من أيــام رحلتنا ،أو نــرى أثرها أو فضالتها ،على عكس ما كنا نتوقعه .وال تفسير لدي لهذه الظاهرة .فمنتزه تنزانيا الوطني ،حيث يقع جبل كليمنجارو ،محمية ال يسمح بالصيد فيها ،وبها غابات ونباتات وجداول مياه .وغاية ما شاهدناه من الحياة الفطرية هي بعض الطيور ،أكثرها الغربان، وبعض القوارض. وكــان الفريق المرافق يشرع في صباح كــل ي ــوم ،بعد أن نــغــادر مخيمنا ،فــي طي الخيام وجمع العتاد ،ثــم يلحق بنا مشياً على األقــدام ،بأحماله التي تفوق أحمالنا، ويتجاوزنا فيسبقنا لمكان غدائنا المقرر، أو إقامتنا المستهدفة ،ف ــإذا وصلناهم وجدناهم وقد أكملوا بناء الخيام ،وجهزوا الوجبة المنتظرة في ذلك الوقت ،وشرعوا باستقبالنا لمساعدتنا في إلقاء أحمالنا، وركوننا إلى الراحة(.)١٨
12
وفي اليوم الثالث ،سرنا حوالي ( )16كيلو متراً وصعدنا فيه إلى نقطة تسمى برج الفا ( )Lava Towerالتي ترتفع ( )4٫650متراً فــوق سطح البحر ،ثــم هبطنا إلــى مخيم برانكو ( )Barranco Campالذي يبلغ ارتفاعه اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
( )3٫870مــتــراً فــوق سطح البحر ،حيث أمضينا تلك الليلة .وكان الغرض من الصعود إلى برج الفا دون اإلقامة به في ذاك اليوم هو اختبار تحمّلنا لهذا االرتفاع ،وتمكيننا من مزيد تأقلم معه قبل اإلقامة في مثله .وفي هذا اليوم ،بدأنا الخروج من أرض الخلنج، ودخلنا ما يسمى بالصحراء الجبلية ،أو صحراء المرتفعات ( ،)Alpine Desertحيث ال تنبت فيها إال شجيرات صغيرة ،أشبه بما نشهده في بعض الصحاري ،وبدأنا نعلو على الغيوم المحيطة بكليمنجارو ،وبدت لنا قمة ميرو ( )Mount Meruوهو الجبل البركاني المجاور لكليمنجارو ،األصغر منه، وكيبو ( )Kiboوهو اسم الجزء األعلى من كليمنجارو ،وجدار برانكو (،)Barranco Wall وهــي تلة صخرية فــي عــرض كليمنجارو، وكتلة هايم الجليدية ( )Heimglacierالتي تعلوه. وفــي اليوم الــرابــع ،سرنا حوالي ثمانية كيلومترات ،وصعدنا إلى ارتفاع ()3٫950 متراً فوق سطح البحر ،حيث مخيم كرانجا ( .)Karanga Campوالمالحظ أن صعودنا في هــذا اليوم كــان ال يتجاوز ( )70متراً، وذلــك إلتاحة مزيد وقــت للتأقلم مع هذه االرتفاعات العالية ،وهو ما سمح به برنامج
الصعود :مشي الهوينا في اليوم الخامس ،أتيح لمن أراد منا الخلود للنوم ،أو البقاء في مأواه ،أن يفعل ذلــك حتى التاسعة صــبــاح ـاً ،عــوض ـاً عن السادسة في األيــام السابقة ،وذلك لقصر المسافة المستهدف تــجــاوزهــا فــي ذلك الــيــوم .فقد سرنا مسافة تقل عن خمسة كيلومترات ،إال أننا انتقلنا الرتفاع ()4٫605 أمتار فوق سطح البحر ،حيث مخيم بارافو ٍ ( .)Barafu Campوكان بعضاً من سيرنا في هذا اليوم تسلقاً فوق ما يشبه الجدار من الصخور ،وكانت كتلة هايم الجليدية دائماً على مرأى منا ،واألدالء يقصرون الخطى، أو كما يقول أهل كليمنجارو (بولي ،بولي)، ويحثوننا على اإلكثار من شرب الماء ،وتناول بعض المأكوالت ،منعاً لإلصابة بالجفاف الــذي -كما سلف -يصاحب المسير في هذه االرتفاعات العالية .وقد شكا بعضنا من قلة النوم في تلك الليلة التي أمضيناها في بارافو ،وربما يكون الرتفاع المكان دور في ذلك.
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
رحلتنا الطويل نسبياً .وهنا كان آخر مصدر للماء قبل كيبو ،وبدت البيئة المحيطة بنا صــحــراء بركانية قــاحــلــة ،تسمى صحراء المرتفعات العالية (،)High Alpine Desert أشبه ما تكون بمناطق الحرّات في المملكة العربية السعودية ،بل أقل نباتاً منها.
برافو هي آخر مقام لنا قبل الشروع بالصعود إلى قمة الجبل في الحادية عشرة مسا ًء من تلك الليلة ،إال أننا آثرنا عدم االستعجال، واخترنا أن نمضي ليلة أخرى قبل الصعود إلى القمة ،وذلك نظراً لما عانى منه بعضنا من صداع وإجهاد ،وحرصاً منا على إتاحة فترة أطــول لتأقلم أعضاء مجموعتنا ،بما يوفر فرصة أفضل لتمكين الجميع من إكمال الصعود إلى القمة .فقد أمضينا مساء اليوم الخامس حتى الصباح في بارافو ،واكتفينا فــي الــيــوم الــســادس بالصعود إلــى مخيم أقــمــنــاه فــي كــوســوفــو (،)Kosovo Camp فسرنا مسافة تقل عن ثالثة كيلومترات، متر وصعدنا الرتفاع قدره حوالي (ٍ )4٫800 فوق سطح األرض .وبعد الغداء في كوسوفو، قسط من الراحة ٍ حاول بعضنا القيلولة ألخذ استعدا ًد للصعود الكبير ،واألخير ،المرتقب في تلك الليلة ،ثم اجتمعنا على عشاءٍ مبكر في الخامسة مساءً ،وعدنا إلى خيامنا في محاولة أخرى للمبيت قبل صعود القمة ،إال أن جُ لّنا لم يتمكن من كثير نوم ،ربما أيضاً بسبب مقدار ارتفاع موقعنا. االعتالء :من صنوف الحرية وفي الساعة الحادية عشرة مساءً ،نبّه صحراء المرتفعات
وكــان من المخطط له أن تكون
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
13
مجموعتنا وبعض األدالء
المجموعة في صحراء المرتفعات
منطقة الغابة
غراب كليمنجارو
14
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
األدالء النائمين منا لإلفاقة من المبيت، ودعــونــا لالجتماع على وجــبــة أع ــدت لنا لنتناولها قبل الشروع بالسير .وفي الساعة 12:10بعد منتصف الليل ،بدأنا مسيرنا لقمة اوهــورو ،قمة الجبل ،التي كانت تبعد عنا حوالي سبعة كيلومترات تقريباً ،فتابعنا مشي الهوينا ،في مساءٍ مقمر وبارد ،ووصلنا نقطة ستيال ( )Stella Pointفي الخامسة والنصف صباحاً .وستيال ،حسب ما رواه دليلنا ،اسم أول امرأة غربية حاولت صعود كليمنجارو في القرن التاسع عشر الميالدي، وصلت هذه النقطة ثم عادت أدراجها ،فسمّوا الموقع باسمها .وقد كان بين صاعدي الجبل أثناء صعودنا له كثي ٌر من النساء ،بل أكاد أقول إن جُ ل الصاعدين منهن. واصلت مجموعتنا مسيرها إلى القمة، بدرجات متفاوتة من الجهد والمشقة؛ فمنا مَن لم يعانِ من أية أعراض البتة ،ومنا من شكا شديد الــصــداع ،والــشــعــور بالغثيان، والجهد الكبير في التنفس .ووصل أولنا إلى اوهورو في الساعة السادسة وعشر دقائق من صباح ذاك اليوم السابع ،ولحق آخرنا بأولنا في الساعة السادسة وخمس وعشرين دقيقة ،لحظة ش ــروق الشمس .واقتربنا جميعاً عندها من بعض استيعاب لسبب تسمية قمة كليمنجارو بالحرية ،وتمكنا من فهم لما كتبه هيمنجواي وصفاً لها. بعض ٍ ففي تلك اللحظة ،وفي ذاك المكان ،وقد حللنا فوق القمة مربعة األركــان ،وجدناها، كما قال هيمنجواي« ،وكأنها كما عرض كل البسيطة ،عظيمة ،وشاهقة» ،وشهدنا كتلة جليد هايم «بيضاء في ضوء الشمس كما ال يمكن التصديق بحقيقته» ،فبدينا وكأننا علمنا إلى أين كنا ذاهبين ،وغمرنا مزي ٌج من نشوة الفوز بالنجاح ،والفخر بالتغلب على الشك بالنفس ،والتيقّن من المقدرة
منطقة ما بين الخلنج وصحراء المرتفعات من زهور الغابة
شجر الخلنج
كــان المشه ُد أمــامــنــا فــي ذاك الموقع شاهق االرتــفــاع ،بالغ الصفاء ،كما لم نر مــن قــبــل .الشمس ســاعــة الــشــروق تطلق خيوطاً من األلوان ،بدا وكأن من بينها اللون األخضر ،وكتل الجليد والغيوم ،التي علونا عليها ،نبصرها كلوحة مــن رس ـ ٍـم لفنان، والبهجة تــعـ ُّم جميع مَــن صــعــدوا القمة، بمختلف جنسياتهم ،وأعراقهم ،ومعتقداتهم، وكأنهم في يوم عيد ،ك ٌل منهم يعانق اآلخر، عرفه أو لم يعرفه ،ويقدم التهاني له بإكماله الصعود .وأخذ جميع الصاعدين يصطفون ألخذ دورهم بالوقوف أمام اللوحة الخشبية الموضوعة في أعلى اوهورو ،ومكتوب عليها اســم الموقع ،ومــا يميزه ،ومقدار ارتفاعه فــوق سطح الــبــحــر ،اللــتــقــاط الــصــور لهم وأعضاء مجموعتهم ،ثم بعد ذلــك للمكان عموما ،ولــشــروق الشمس ،وكــتــل الجليد والغيوم السابحة تحتهم ،بينما االبتسامات تمأل الوجوه ،وشعارات االنتصار بمختلف شعور منهم ٍ أشكالها ترتفع في كل مكان ،بغير اكتراث بشديد ٍ بالبرد الذي يلفهم( ،)١٩وبال اإلعياء الذي كان يُثقل كاهل كثير منهم .ولو نظرت إلى صورتنا أمام لوحة اوهورو ساعة وصولنا لها ،لما تمكنت من التعرف على عضو مجموعتنا الذي اختل بصره ،واشتد إعياؤه ،وكان بين الفينة واألخرى يبدو في ٌ غيبة من الوعي وهو واقف على قدميه(.)٢٠
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
على مواجهة التحديات ،فتذوقنا بعضاً من صنوف الحرية المنشودة.
الختام :نوع من ذروة الوئام أجــزم أن بعض قــراء هــذه السطور ،أو ربما جلّهم ،ما زال يعجب بالرغم من كل ما قلته فيما تقدم ،من تجشمنا-واآلخرين مثلنا -المشقة الجسيمة لمجرد صعود قمة هذا الجبل .وقد يعجب أكثر عندما أبلغهم اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
15
المنظر من مخيم كوسوفو
وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود هل اتخذتَ الغاب مثليمنزال دون القصور وتتبعت السواقي وتسلقت الصخور؟ هل تحمّ مت بعطرٍ وتنشفّ ت بنور كؤوس من أثير؟ ٍ وشربت الفجر خمر ًا في أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب والعناقيد تدلت كثريّات الذهب؟ وتلحفت الفضاء هل فرشت العشب لي ًال ّ زاهد ًا فيما سيأتي ناسي ًا ما قد مضى؟ أعطني الناي وغني فالغنا عدل القلوب وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب وانس داءً ودواء َ أعطني الناي وغني إنما الناس سطو ٌر كتبت لكن بماء
أن صاعداً آخــر التقيته ،وتبادلت أطــراف الحديث معه ،بعد تجاوزي نقطة ستيال وقبل وصولي القمة بدقائق ،ذكر لي بأنه كان قد استقال من عمله ،بعد أن تعذر حصوله على إجازة طلبها من رئيسه ،حتى يحقق مطلبه في اعتالء قمة كليمنجارو ،التي طالما تطلّع لصعودها .وقــد قــال أبــو فــراس الحمداني «وللناس فيما يعشقون مذاهب» .إنما لعل ما قاله صاعد الجبال اإلنجليزي المشهور جورج هيربرت لي ميلوري ،هو أبلغ ما يمكن وكان لفيروز أن تضيف األبيات التالية من تقديمه للقارئ من بيان في هــذا الشأن. كلمات جبران ،ألغنيتها: فعندما سُ ئل جورج هيربرت عن سبب تجشمه المخاطر لصعود جبل إفرست ،أجاب قائ ً نفع في اجتماعٍ وزحام ال ليت شعري أي ٍ «ألنه هناك» (.)٢١()Because it is there واحتجاج وخصام؟ ٍ وضجيج ٍ وجدال ٍ وفي رسالة كتبها جورج هيربرت لزوجته ،كلها أنفاق ُخ ٍلد وخيوط العنكبوت قال واصفاً شعوره في مثل هذه المواقف :فالذي يحيا بعجزٍ فهو في بطءٍ يموت «يــصــل الــمــرء لــمــرحــلــة مــبــاركــة الــجــرداء المطلقة ،شعوراً منه بأن هناك جماالً بحتاً و«ال عطر بعد عروس». للشكل ،نو ٌع من ذروة الوئام»(.)٢٢ وأخــيــراً وليس بــآخـ ٍـر ،أقــدم للقارئ ما انتقته فيروز وغنّته من كلمات جبران خليل جبران في قصيدة المواكب ،وهي ما أجمعت مجموعتنا على عـدّهــا األغنية الرسمية لرحلتنا ،والكاشفة لبعض ما أوحى به جورج هيربرت في رسالته لزوجته:
أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود 16
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
( )١ ( )٢ ( )٣ ( )٤
() ٥ ( )٦ ( )٧ ( )٨ ( )٩ () ١٠ ( )١١
كتبت هذه المقالة للنشر في الجوبة؛ استجابة القتراح تلقيته شاكراً من د .عبدالواحد بن خالد الحميد ،رئيس هيئة النشر ودعم األبحاث في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. بلغ عدد زوار منتزه تنزانيا الوطني ،حيث يقع جبل كليمنجارو 57.456 ،زائراً في سنة تنزانيا المالية -2011 ،2012منهم 16.425صعدوا الجبل .ويقال إن أول من صعد كليمنجارو من غير أهله غربيان اثنان ،هما :هانز ماير ،ولودويق بورتشلر ،في سنة 1889مhttps://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_ . .Kilimanjaro ./https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts د .برنارد هيكل ،أستاذ دراسات الشرق األدنى في جامعة برنستون األمريكية ،واالستاذ نبيل بن عثمان الخويطر، مستشار وزير الطاقة ،والصناعة والثروة المعدنية السعودي ،وعبدالرحمن بن زياد السديري ،مستشار في شركة بليديوم العالمية ،وخالد بن زياد السديري ،حديث التخرج من جامعة ويتون األمريكية ،متخصص في التصوير، وصناعة األفالم الوثائقية ،وإسكندر هيكل ،طالب الفلسفة في جامعة برنستون .وقد جمعتني بالدكتور برنارد هيكل ونبيل الخويطر وأصدقاء آخرين لم يشاركونا في الرحلة إلى كليمنجارو ،رحالت أخرى كثيرة ،وجمعتني باألبناء ،ومنهم طارق وجواهر وسارة ،ووالدتهم منيرة بنت خالد السديري ،الذين لم يشاركونا في هذا المناسبة، رحالت ومشروعات ثقافية واستطالعية ،وتعلمية عديدة ،اشتركنا بها منذ نعومة أظفار األبناء. انظر المصدر في الهامش رقم .3 إفرست في آسيا ( 8848متراً) ،أكونكاجوا في جنوب أميركا ( 6.961متراً) ،ماكنلي في شمال أمريكا (6.194 متراً) ،كليمنجارو في إفريقيا ( 5.895متراً) ،البروس في أوروبا ( 5.642متراً) فينسون في القطب الجنوبي ( 4.892متراً) ،كوسيوسكو في استراليا ( .)2.228المصدر السابق. .https://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_Kilimanjaro يقول البعض إن كليمنجارو اسم مركب من كلمتين سواحيليتين« ،كلي» تعني جبل ،و»نجارو» تعني «البياض» وهو ما قد يرمز للجليد في أعلى الجبل .ويقول آخرون إن كليمنجارو هو اللفظ األوروبي لكلمة في لغة (كي شاجا) «عجزنا عن صعوده» ،أي الجبل. تعني ِ .https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts/#summit-success-rates انظر المصدر المذكور في الهامش رقم .3 أنصح الراغب بخوض مثل هذه التجربة الذي يحسن اللغة اإلنجليزية قراءة الكتابين المذكورين فيما يلي ،اللذين يتضمنان معلومات مفيدة جداً لحسن اإلعداد للرحلة ،والعلم بتكاليفها ،والوكاالت التي يمكن أن تتولى تنظيمها، وتفاصيل أخرى عنها.
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
الهوامش:
The Trekking Guide to Africa›s Highest Mountain by Henry Stedman Kilimanjaro & Mount Kenya: a climbing and Trekking Guide by Cameron M Burns
( ) ١٢اختار عبدالرحمن وكالة رحالة. ( )١٣
( )١٤ ( )١٥ ( )١٦
( )١٧ ( )١٨ ( )١٩ ( )٢٠ ( )٢١
( )٢٢
https://en.wikipedia.org/wiki/Arusha /https://www.jacobinmag.com/2015/12/julius-nyerere-tanzania-socialism-ccm-ukawa
علمت بوجود سبعة دروب لصعود كليمنجارو هي ماشامي ،ولموشو ،وشيرا ،وامبوي ،ومويكا ،ومرانجوا، ورونجاي .وتختلف الدروب السبعة في تضاريسها ،ومدة صعودها ،وصعوبة مسلكها. كل منا يحمل معه في كل يوم بعضاً من تمر الونان ،المفضل من قبل الجميع ،والشكوالتة ،ومثلها .وكان كان ٍ إسكندر يحمل معه أقراصاً تحتوي على مادة األلكترواليت ،تعوض ما يفقده الجسم من هذه المادة المساعدة وقت وآخر أثناء المسير. في تجنب الجفاف ،وكان إسكندر ال يبخل بتوزيع األقراص على رفاقه بين كل ٍ تقول أغنيتهم األكثر ترديداً من قبلهم: Jumbo, Jumbo Buanaمرحبا ،مرحباً أيها السيد Habari Gani, Nizori Sanaكيف حالك ،أنا بخير Wagani, Tawagari Bishuaأيها الضيف ،أنت موقر Kilimanjaro, Akuna Matataال تتوجس في كليمنجارو Tempea, Poli, Poli, Akuna Matataنحن نسير ببطء ،ال تتوجس من هؤالء تنزانيٌ مسلم اسمه زبير ،ال يحسن اللغة اإلنجليزية كثيراً ،فكان جوابه المفضل ألسئلتنا الكثيرة هو «األمر يعتمد» (.)it depends طلب عميد رحلتنا ،االبن عبدالرحمن ،أن توفر رحالة وسيلة لالستحمام ،وكان كثيرنا يفيد من هذه الخدمة بمجرد وصولنا المخيم .إضافة إلى ذلك ،ورغم أنه يتوفر في كل مكان معد لمخيمات الــزوار دورات مياه عامة الستعمال المقيمين في المخيمات ،إال أن مجموعتنا كانت تفيد من دورات مياه خاصة بنا ينقلها الفريق المصاحب معنا .وهذه خدمة توفرها كثير من الوكاالت مثل رحالة. درجات تحت الصفر أو أقل من ذلك وقت وصولنا لها. ٍ قدر جيمز ماتو درجة الحرارة في اوهورو بعشر تلقى زميلنا قسطاً من األكسجين بعد شكواه من األعراض المذكورة ،فشعر ببدء تحسن حاله في حينه وزالت عنه كل األعراض في اليوم التالي بعد وصولنا أسفل الجبل. شارك جورج ميلوري في أول ثالث محاوالت العتالء جبل إفرست في مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، ولقى حتفه في المحاولة الثالثة سنة 1924م ،وعثر على جثته متجمدة في كتلة جليدية في 1حزيران ،سنة 1999م ،ومن غير المعروف ما إذا كانت وفاته قد وقعت قبل تمكنه من اعتالء قمة افرست ،أم بعد إتمامها. .https://en.wikiquote.org/wiki/George_Mallory المصدر السابق. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
17
بالغة الخطاب الروائي في روايات محمد حسن علوان ρρهويدا صالح -مصر
كاتب سعودي شاب ،بدأ شاعرا ،وكاتبا للقصة القصيرة والمقاالت الصحفية، ثم انتقل سريعا إلى كتابة الرواية ،ليقدم للمدونة الروائية العربية خمس روايات هــي بترتيب الـصــدور :سقف الكفاية (2002م) ،صوفيا (2004م) ،طــوق الطهارة (2007م) ،القندس (2011م) ،موت صغير (2016م) .كما له كتاب بعنوان« :الرحيل، نظرياته والعوامل المؤثرة فيه» وهو دراسة شاملة في دوافع الرحيل أو ما يُعرف بالهجرة والسفر ،موضح ًا آثار هذا الرحيل من الزوايا البحثية في علوم االجتماع واالقتصاد والنفس والجغرافيا والسياسة. تنوّعت العوالم السردية لرواياته ،لكن تظل موضوعة «الحب» و«شعرية العالم وبالغة اللغة» قواسم مشتركة بين هــذه الــروايــات .وصلت روايته «القندس» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية ،كما اخـتــارت مؤسسة خــان الغارديير باريس رواية القندس لتفوز بجائزة أفضل رواية عربية لعام 2015م .وأخيرا وصلت روايته األخيرة «موت صغير» إلى الفوز بجائزة البوكر العربية؛ لذا ،فتحت «الجوبة» ملف العوالم السردية والجمالية لمشروع محمد حسن علوان الروائي ،واستكتبت نقادا من المملكة العربية السعودية ،وبعض الدول العربية ،ليقاربوا عوالم هذا الروائي السعودي الذي وضع الرواية السعودية في بؤرة االهتمام النقدي مؤخراً.
18
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρد .مصطفى عمر توفيق ـ مصر
إن التفسير االجــتــمــاعــي لـــأدب أحــد ابن األســرة الميسورة الحال -الــذي يعاني المناهج النقدية التي يفيد منها الناقد في عالقته بأبيه وأمه -يرحل إلى أمريكا، لمعرفة ما وراء النص من خطابات .ورسالة ويظل هناك عشرين عــامــا ،يعود خاللها
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الخطاب السوسيولوجي في رواية القندس
األديــب ،رسالة مزدوجة؛ فمن جهة ،ننتظر عبر الفالش باك ،مسترجعا التاريخ السري
منه أن يكون لسان الطبقة الكادحة؛ ومن جهة ألسرته ،ألبيه وأمه وإخوته ،لمعاناة طفولته؛ ثانية ،ينبغي له أن يعمق االتجاه العقائدي وألنه يعمد إلى النقد االجتماعي ،فيبحث ال ــذي تعتنقه وتسير عليه هــذه الطبقة .عــن مــعــادل موضوعي ألســرتــه التي تتأزم والنقد السوسيولوحي يدعو إلى أن يكون عالقته بها طــوال الــوقــت ،فال يجد سوى المثقف ملتزما بقضايا وطنه ،الذي يحاول حيوان القندس ليتخذه استعارة لهم ،فهم أن يكشف المسكوت عنه في هذا الوطن ،يشبهونه وهو يشبههم في قبحهم الداخلي،
ويستجلي قضاياه ،عبر استجالء قضايا الذي يراه السارد بضمير األنا. اإلنسان الفرد في محيطه االجتماعي. حين يرى السارد القندس في أمريكا ،يرى إن النقد السوسيولوجي المعاصر على الناس متعلقة بهذا الحيوان ،بل تقام باسمه اخــتــاف مــدارســه ومــذاهــب نــقــاده ،حــاول المهرجانات ،كان األشهر في بورتالند .راح أن يــؤســس جمالية تــقــوم على المضمون غالب يتأمل هذا القندس ،ويحيل كل صفاته
االجتماعي للعمل األدبي؛ إذاً ،فثمرة اختيار الحيوانية على عائلته ،رآهم جميعاً قنادس!.. األديب لعناصر فنية من الواقع االجتماعي وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم من خالل
هو ليس اختيارا تعسفيا أو عفويا ،وإنما هو القندس ،تأملت سنيّه البارزتين اللتين اكتستا اختيار يوجهه فكر األديب وشعوره ،كما أنه لوناً برتقالياً شاحباً من فرط ما قضم من
اختيار مــزوًد بتجارب هذا األديــب وخبرته لحاء البلوط والصفصاف ،فذكّرني لوهلة عن المجتمع والحياة. بما كانت عليه أسنان أختي نورة ..أما ردفه في رواية «القندس» لمحمد حسن علوان السمين فذكرني بأختي بدرية ..وعندما رفع حــاول عبر حكايات األف ــراد ،إظهار غالب إليّ عينيه الكلَّتَين ،محاوالً أن يقرأ مالمحي وأســرتــه وعالقاتهم االجتماعية ،فغالب ونواياي بدا مثل أمي ..انتزع التمرة من يدي اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
19
مع ناصر بطل سقف الكفاية ،حيث نمت
بذرة الحب مع مها من خالل لقاءات سرية جمعتهما) ،لكن لم يكتب لهذا الحب أن يتوّج
بـارتباط مقدّس ألسباب قبلية« ،كــان رأي أبــي معلوماً لي قبل أن أضطر لمفاتحته،
تماماً مثلما تعلم هي مسبقاً رأي أبيها .كل من العائلتين كانت تتعالى على األخرى مما جعل المعادلة أصعب فعزفنا عن حلها قبل
أن نحاول».
في سقف الكفاية كانت األســبــاب غير
واضــحــة؛ فمها التي كانت قد خطبت في
كما ينتزع أبي ثمار الحياة انتزاعاً! قبض وقــت ســابــق للقائها مــع نــاصــر كــان يمكن عليها بيد شحيحة ،ذكرتني بيد أخي سلمان لها أن ترفض الخطوبة ،لكنها لــم تفعل،
عندما تقبض على المال.»..
الخطاب االجتماعي في القندس غالب يعاني من هزيمة اجتماعية من خالل عالقته بأسرته ،وهزيمة عاطفية من خالل عالقته بغادة ،الفتاة التي التقى بها في جدة« علقت غادة بصنارتي التي رميتها بال مباالة في أحد شبابيك جدة ،ولم أعوّل عليها أن تعود بشيء .لكن الذي يعرف جدة يعرف أنه عندما يكون الموسم ربيعاً يلقي البحر على المدينة أطناناً من اللقاح الذي يتنفسه الناس وال يرونه .يصبح الحب حالة عامة والشوارع مليئة بالقلوب الخصبة».
وكأن الكاتب أراد أن يضع بطله في موقف تراجيدي ،ليصنع له مأساته الكبرى حتى
يبرر هذه الرواية االسترجاعية المونولوجية. وكذلك فعل غالب وغادة ،لم يدافعا عن
حبهما ،فقد تزوجت غادة سفيراً ،وغادرت
عشقها األول ليأخذها الغياب سنة كاملة قبل أن تعود لتسترد مكانها الشاغر دائماً ..كانت غادة عاشقة مثالية لفتى صاخب ،ولكنه لن
يتزوجها مطلقاً كما تقول القبيلة التي في دمه ،وكنت عاشقاً لحوحاً لفتاة حرة ..ولكنها
لن تتزوجه أيضا كما تقول المدينة في دمها.
هــكــذا تركنا القصة مفتوحة دون تدوين تفاصيلها ،حتى إذا اضــطــرم الحب بيننا
توثقت عالقتهما مــن خــال اللقاءات رمينا باللوم على األباء ،وشتمت هي جنوبي
20
السرية ونــمــت ب ــذرة الــحــب (مثلما حدث المتخلف وشتمت أنا حجازها المتحذلق. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
كتلك التي نعيشها اليوم ،تذكّرنا معاً أنها احتفظت بها في صندوق مخملي في أقصى ربما جاءت أبهت ،لو كنا تزوّجنا فعال».
القلب كانت مزيّفة ،وال تستحق سوى ثمن
إذاً ،يحاول الكاتب أن يكشف المسكوت بخس من النزوات الطارئة» .هل كان اللقاء عنه في حياة مجتمع قبلي ،يخضع أفراده والعيش تحت سقف واحد اختباراً حقيقياً في مصائرهم ومقدراتهم لسلطة القبيلة ،لــوهــج الــحــب ولــواعــجــه؟ هــل هــو خطاب فرغم أن العالقة الغرامية المشبوبة بنار تفكيكي لمشروع المؤسسة الزوجية التي الــعــشــق تستمر حــتــى يــصــل كــاهــمــا لسن يراها السارد أنها تقتل الحب؟! إن الحبيبة
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أما إذا خفت الحب وتحوّل إلى عالقة باهتة األلــم والــراحــة أن الجوهرة الصغيرة التي
األربعين؛ يلتقيان بين زمن وآخــر في مدن الهاربة إليه من فشل المؤسسة الزوجية مختلفة من العالم ،وبينما تعيش غادة حياتها تجابه بالفشل ذاته حينما تعيش مع حبيبها
وتربّي أطفالها ،يظل غالب سجين نفسه ،تحت سقف واح ــد ،وكــأن هــذا الــوقــت هو يتمرد أكثر ..فيقرر أن يعتزل في «بورتالند» اختبار لمدى صالبة الحب وصمود الشغف
بالقرب من نهر «ويالمت» ،يفني أيامه بين في وجه ما هو عادي ويومي «بالتأكيد كنت تعلّم صيد السمك والتصعلك في الحانات ،أحبها ولكني لم أكن أعرف نوع هذا الحب.
ثم العودة لشقته المستأجرة ،من هناك ..أعتقد أني مارست معها نصف أنواعه على يظل يتواصل معها هاتفيا ،إلى أن تفاجئه األقل .أحببتها باستخفاف في البداية ألني بقرار زيارتها لمحل إقامته لتدبّر شؤون كنت أظنها سهلة المنال بسبب استجابتها دراس ــة ابنها ،لكنها وبسبب خــاف يدب السريعة .فكرت في البداية أن بنات جدة مع زوجها ،تقرر البقاء في بورتالند لحين كلهن كذلك ،ولكن عشرين سنة من الدوران
يرضخ زوجها لمطالبها ،فتسكن شقة غالب حولها مثل أطواق زحل تبخرت هذه الفكرة فترة قبل أن تعود إلى زوجها ،لكن خالل هذه تماماً.».. الفترة التي يجرّب فيها غالب العيش مع أحد
نقد سوسيولوجي آخــر وتفكيك للوعي
آخــر ،يكتشف أن األمــر برمته كــان نــزوات الذكوري تجاه المرأة ،فالمرأة التي أحبت طارئة« الحقيقة التي كشفها استيقاظنا معاً ومنحت حبيبها ما يتوقع منها أن تمنحه في الصباح على أمزجة متناقضة وصمتنا جعله يفسر ذلك على أنها رخيصة وسهلة الطويل في المساء أمام برنامج تلفزيوني ،المنال ،وهذا فكر ذكوري ينظر إلى النساء هي أن عالقتنا برمتها لم تكن أكثر من صدفة بدونية ،ويختصر الــشــرف فيما يمكن أن غير متقنة .اآلن اكتشفت بشعور مختلط بين يطلق عليه التمنّع خوفا من نظرة المجتمع. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
21
لم يقف الكاتب عند الخطاب الذكوري وفيما بينهم وبين اآلخرين .لكن غالب أيضا وتهميش المرأة ،كما لم يقف عند العالقات لم يكن فاعال في تلك األسرة التي أراد أن األسرية المرتبكة والمربكة التي تربط السارد يعرّي عالقاتها االجتماعية« :وخرجت إلى بأسرته ،باألب واألم واألخوة وحتى الجد ،بل سيارتي ،وأنــا أفكر كيف يتعامل اهلل مع حاول أن يكشف المسكوت عنه في قضايا الدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي اجتماعية عــديــدة وشائكة مثل «الكفالة» عــلــيّ ،منذ ســت وأربعين سنة حتى اآلن؟ و«العمالة»؛ فأبطاله تائهون بين قيم المجتمع أتــراه يمهلني أم يهملهما؟ لكنه لم يتعلم المحافظ ومجتمع الوفرة النفطية ،والحداثة من القندس ،فلم يبن ســدودا أو مسارب، المصطنعة التي لم تصبغ تصرفات الناس، بل واصــل الهرب ،ال يحل في مكان واحد إنما كانت الحداثة مجرد شكليات يستفيد من منتجها أفراد المجتمع ،ولم تتغلل إلى بنية فترة طويلة ،يهرب من مجتمع ينتقد سياسته وعيهم وتفكيرهم ،فجميعهم مثل القندس ..وهويته ،وينتصر لهوية أخرى ،هوية اآلخر الحيوان النهري الذي يحفر األنفاق ويبني الغربي حيث فارق الرياض ليعيش في مدينة السدود؛ وكذلك غالب وأسرته؛ فكل أفراد أمريكية (بورتالند) ولم يقم بدوره أخاً أكبر
األسرة يحفرون ويبنون سدودا ،لكن القندس فــي تلك األســـرة ،الــتــي يــحــاول أن يعريها يحفر أنــفــاقــه لتكون مــســارب لــه ومــهــارب ويكشفها للقارئ كي يتعاطف مع مأساته، ٍ من خطر ما قد يداهمه .لكن تلك األسرة وأنــه نتاج طبيعي لهذا التفكك األســري،
التي لم تشتتها خطوب وال حوادث كبرى ..تخلّت عنه أمــه فــور والدتــه ،وتركت البيت ما الذي دفعها لتقيم تلك السدود النفسية لتتزوج آخــر ،وانشغل عنه وال ــده بزوجته بين أفرادها؟ هنا نتساءل عن مدى نجاعة وأوالده وتــجــارتــه؛ فــصــار تجليا واضــحــا االستعارة التي وظّ فها الكاتب ،وهل قدّم لنا للتفكك األسري ،وانقاد خلف عالقات شاذة! المبررات السردية والفنية لذلك التشتت إنَّ رهـــان ال ــرواي ــة الحقيقي هــو ذلــك والتمزق االجتماعي؟! فليس بالضرورة كل من حدثت له طفرة نفطية أو أصاب غنى ما ،الخطاب السوسيولوجي الذي ينتقد المجتمع أن تتفكك أسرته ،مثلما حدث ألسرة «غالب» وينتقد بنيته الذهنية وآليات إنتاج الخطاب
بطل القندس.
فيه .رواية تحاول أن تتحسس خطاها ،وهي
يتهم «غالب» عائلته أنها مثل القندس تخطو نحو كشف المسكوت عنه في هذا
22
الذي يقيم السدود والدهاليز بينهم وبينه ،المجتمع. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρد .إكرامي فتحي -مصر
ٍ لكل عمل فنيٍّ جمالياتُه الخاصة التي صرَّح بعدم جودتها ،لكن ما لم يختلف عليه
يتميز بها ،والتي تمنحه صفة «الفنية» في كل هــؤالء هو تميُّز لغتها؛ فكثرت عبارات الوقت نفسه ،وتظل هذه «الجماليات» هي اإلشادة بهذه اللغة التي خرجت بها الرواية،
المقصد األسمى الذي يسعى إليه الناقد؛ دون تحديد َم ْكمَن الجمال ،الذي يمكن رؤيته
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
رواية (صوفيا) :بين جمالية اللغة وثنائياتها الضدية
س ــواء أحــس بها الــقــارئ الــعــادي وأدركــهــا «صوتًا منفردًا» لهذا العمل؛ ومن ثم يعمل المتلقي الــعــام أم ال .وتـــزداد أهمية تلك هذا المقال على الكشف عن جانب منه ،ال
الجماليات «الخاصة» عندما تكون الصوتَ
سيما مع يقيني بمفارقة نقدية يختص به
التي يشترك فيها هذا العمل مع غيره.
بتلك اللغة(.)٣
المنفرد للعمل الفني؛ ومن ثم تصبح جدير ًة السرد العربي الحديث ،وهي شدة أهمية بالعناية النقدية ،دون غيرها من الظواهر لغته ،وفي الوقت نفسه ،قلة العناية النقدية ولعل روايــة «صوفيا» للكاتب السعودي
«محمد حسن علوان» ،الحائز مؤخرًا على
جائزة البوكر للرواية العربية 2017م -مثا ٌل
وعلى جانب آخر ،ثمة ظاهرة ملفتة في
هذه الرواية ،وهي «الثنائيات الضدية» Binary
واضح على امتالك «الصوت المنفرد للعمل
الفني» ،رغــم تبايُن آراء الــقــراء
()١
والنقاد
إزاءها( ،)٢فبعضهم قرر أنها «تقدم لنا عالقة
إنسانية فريدة بأسلوب أكثر تفردًا ،بعض أجــزاء العمل ضاربة فى العمق اإلنسانى
بطريقة مقلقة ومؤلمة» .بينما أكد آخرون أنها «انهيار سردي مفجع» ،وأن «الرواية قد سقطت في فخ الترهل الوصفي».
ومبعث هــذا التباين فــي رأي ــي أن كل
هــؤالء بحثوا عن نموذج مسبق في الذهن
المتلقِّي داخل هذا العمل ،فمن وجد ذلك أكد أن الرواية رائعة ،ومن وجد غير ذلك اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
23
،Oppositionsتلك التي تعد إحدى مرتكزات بتصوير مالئكي لوفاة صوفيا ،ثم محلال
النقد البنيوي ،والتي تمثل آلي ًة مهمة من شخصيته المصابة بــداء الملل النفسي، اآلليات اإلجرائية لمقاربة النصوص األدبية ومستعيدًا األحــداث التي م ّر بها مع فتاته
في ذلك الخطاب النقدي؛ فهذه «الثنائية طــوال نحو شهرين ،دارت كلها حول حدث وسيلة تصنيفية تجعل الفهم ممكنًا» كما واحد ،هو انتظار الموت ،لكن عبر رؤيتين
يقول رافيندران سانكاران( ،)٤وذلك من خالل متباينتين لكل من معتز وصوفيا. إيصال الفكرة التي يــروم المبدع إيصالَها
من هنا ،تعدَّ دت في الرواية تلك الثنائيات
للمتلقي؛ في ضوء ذلك ذهبت البنيوية إلى الــضــديــة ،وف ــي مقدمتها :األنـــا واآلخـــر، اعتماد اإلطار الثنائي واالرتكاز عليه أساسً ا اللذين تجسدا من خالل شخصيتَيْ «معتز» قويًا إلقامة مجمل دراساتها.
و«صــوفــيــا» ،وعــبــرهــمــا تــوالــت الثنائيات
وهذه الثنائيات إحدى النواميس العامة األخرى :الحياة والموت ،الرياض وبيروت. ولتكثيف الــرؤيــة ،يمكن النظر إلــى تلك التي تحكم الحياةَ اإلنسانية؛ ومن ثم كان الثنائيات من خالل ما تميز به هذا العمل حضورها المتجذِّر في اإلبداع البشري ،الذي «جمالية لــغــويـ ٍـة» كانت أحد ٍ الــســردي مــن يعد رؤية للحياة والوجود ،لم يكن هذا فقط جوانب «صوت الرواية المنفرد» ،وفي مقدمة دافعي التخاذ تلك الثنائيات منطلقًا لتناول تلك «الجمالية» برز النسيج التشبيهي؛ ليس جانب من جمالية اللغة في رواية «صوفيا»؛ بوصفه أداة أسلوبية بعيدة كل البعد عن فإضافة لكل ما سبق ،نجد أن تلك الظاهرة الــروايــة نوع ّيًا -فالتشبيه ارتبط بالشعر قد امتلكت «قــوةَ الحضور» في هذا النص أكثر من السرد -أو زمن ّيًا -فذلك التشبيه السرديِّ ؛ بحيث صارت المحور األكبر لديه. أداة فنية أكثر تج ُّذرًا في التراث البالغي فــروايــة (صــوفــيــا) ،ت ــدور حــول الشاب ال الحاضر النقدي -لكن من خالل الواقع «معتز» السعودي المنفصل عن زوجته منذ النصي ،حيث كان ذلك النسيج التصويري ع ــام ،ال ــذي تَــع ـرَّف عــن طــريــق الــحــوارات األكثر حضورًا في النص ( 120مرة ضمن
اإللكترونية على «صوفيا» الفتاة اللبنانية 144ص) ،وهو معدل مرتفع للغاية. التي علمت بإصابتها بالسرطان؛ ومــن ثم
تقرر مفارقة الحياة وهي تستمتع بها حتى آخر لحظاتها؛ فتطلب من معتز أن يأتيها
حيث شقتها الجديدة المطلة على البحر
24
***
األنا واآلخر( :معتز وصوفيا) وضح بقوة أن رواية «صوفيا» هي رواية
في بيروت .يسرد معتز تجربته تلك ،بادئًا شخصية في المقام األول؛ أوالً ألن عنوانها
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ثانيًا :كان السرد عبر ضمير المتكلم الذي والتوجّ س والخشية من اإلعــان والظهورِ
مثل صــوت «معتز» الشخصية المحورية قد استمرت بع ُد عبر صورة تشبيهية ذات األخــرى ،ثالثًا :انفراد هاتين الشخصيتين تفصيل في طرفها الثاني« :كنت في فوضاي
ضعيف َ بالسرد؛ ومن ثم شحبت بقية الشخصيات ،المقيمة بــيــن الــهــاجــس وال ــق ــرار ْضى هذا ،وإزاء تلك أو جاءت شديدة الثانوية؛ لذا اقتصر حضور المقاومة أمام نزق ال َمر َ
«اآلنـ ــا واآلخ ـ ــر» فــي معتز وصــوفــيــا على الطريقة العشوائية التي يخربشون بها على
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
حمل علم إحــدى شخصيتيها الرئيسيتين؛ والجملة االعتراضية من حيث سمات التردد
الــتــوالــي؛ انطالقًا مــن أن صــوت الــســارد /جدران الحياة قبل أن يتركوها ،مثلما يعبث معتز( :األنا) كان األكثر هيمنةً ،ويأتي بعده التالمذة بأشياء المدرسة يــوم تخرجهم»
(اآلخر) صوفيا ،رغم ما قد يُنْبِئ به عنوان ص.9
الرواية من أنها الشخصية الرئيسة األولى.
وبعد قطع شوط سردي كبير امتد عبر
انشغل الــســرد هنا فــي مساحة كبيرة الرواية كلها جاء تجسي ُد معتز لتلك التجربة
منه ببلورة العالقة القائمة بين طرفَيْ هذه ومشاعره تجاهها من خالل قوله« :اآلن وقد
الثنائية وتطورها عبر أجزاء الرواية؛ سواء ابتعدْتُ عنها ،كأنَّ مشاعري حقل محصود، انطلقت هذه البلورة من األنــا «معتز» إلى ال تدري ماذا كانت ،وماذا ستُزرع في الموسم
اآلخر «صوفيا» ،أم جاء األمر بالعكس ،حيث المقبل!» ص ،129فهو ما يزال يعاني من
أبانت صوفيا رؤيتها لهذه العالقة .وتبعًا ألن حيرته وعدم إدراكه لحقيقة ما تم ،وطبيعة معتز هو الصوت السارد كانت رؤيته لتلك النتيجة أو المحصلة التي انتهى إليها ،وما العالقة أكث َر حضورًا منذ البدء حتى الختام يمكن توقُّعه بعدُ.
السردي.
وعلى م ّر الرواية ،لم تكن رؤية معتز لهذه
منذ الصفحات األولــى كشف معتز عن العالقة رؤيــ ًة جــامــدة ذات بُعد واح ــد ،بل
رؤيته لطبيعة عالقته مع صوفيا ،قائالً :تطوَّرت مع تطوُّر األحداث؛ ففي البدء كان «العالقة كلها ما زالت محبوس ًة بين قوسين ،شعوره بالذنب واعترافه داخل ّيًا بخطيئة ما
مثل كل الجمل االعتراضية التي تقبع بين يفعله؛ لذا ،كان «ضميري مثل هاتف ال يرن، الكالم بتوجُّ س في انتظار ما يبررها ،قبل ولكنه ما يــزال موصوالً بالحرارة اإللهية»
أن تخلع قوسيها ،وتعلن نفسها جــزءًا من ص .36فالصورة هنا تقدم شقين متقابلين الكالم ،يحق له أن يقال ،ويُ ْكتَب ،ويُنْتَخب لذاته أو ضميره ،وهما تعطيل اإلدراك مؤقتًا
في ذهن النص»( .)٥فالموازاة بين عالقتهما مع بقاء االتصال بمصدر من مصارد ذلك اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
25
اإلدراك .ورغم شعوره باإلثم من ناحيته فإنه عبر اإلنــتــرنــت ،إذ «شــع ـرْتُ منذ حواراتنا
كان يرى «صوفيا» من األطهار في طريقة اإللكترونية األولى بأنها مليئة بعاطفة حادة، مواجهتها (للموت بالسرطان)« :فاألطهار ال كتلك الــتــي تجتاح النفس عندما تمشي
يذوقون النساء ،بل إنها تلك القلوب التي ال في طريق مغطى بــأوراق الشجر الصفراء تأبه ببلل اإلثم إذا وقع على أطرافها ،هي الساقطة ،ولكنما تكبحها إرادة صارمة جدًا،
التي تشق طريقها بينهن كما يشق الفاتحون كأفرُع األشجار إذا تعرت» ص .77والطرف الثاني في هاتين الصورتين يفتح أفق توقع طرقات مدينة سقطت» ص .34 ورغم شدة تعلُّق صوفيا بمعتز ،فإن داء
«الــمــلــل» المستحكم دفعه إلــى تركها ولو
مؤقتًا ،لكن تفكيره لم يستطع مغادرتها كما
فعل جسده ،فحين انطلق خارج شقتها «كانت
صوفيا ترافقني في الشوارع مثل روح كبيرة معلقة بين السماء واألرض ،أينما اتجهت
أجدها تطالعني من فوق» ص ،121بل ازداد تمثُّلها له فـ«أحيانًا ..أكاد أقسم إنها واضحة في السماء مثل سحابة ،وإن أهل بيروت ال
شك يرونها مثلي ،ويعجبون من هذه المرأة التي تعلقت فوق رؤوسهم مثل آلهة األولمب»
ص ،121وهــنــا يــاحــظ قدسية الطرف
الثاني للصورة؛ ما يشي بوجهة نظر السارد تجاه صوفيا.
أن هذه العالقة مجدبة ،وأنها لن تنبثق عن امتداد لها(.)٨
***
الحياة والموت إن الحياة والموت في مقدمة المسلَّمات
التي تواجه اإلنسان وتشغله« ،فــإن حقيقة
أحدهما أو كليهما يشكلها ما يراه اإلنسان
ويدركه من تعرض أو تضاد أو مفارقة»(.)٩
في ضوء ذلك ،كانت الثنائية الثانية في هذه الرواية ،وهي ثنائية «الحياة والموت» :الحياة
التي يمثلها معتز ،والموت الذي تتجه إليه
صوفيا ،لكن لم يكن التمثيل في كلتا الحالين اعتياديًا ،بل جاء مفارقًا ألفق توقع القارئ،
حيث كانت حياة معتز تدور حول محورَيْ :
أمــا على الجانب المعاكس ،وهــو رؤيــة الملل والتغيّر ،من خــال الضيق الشديد اآلخــر /صوفيا الموجهة إلى األنــا /معتز ،بالملل عدو معتز األول ،ورغبة هذا األخير فقد دارت األنسجة التشبيهية التي بلورت في التغير بصورة مرضية غير منضبطة هذا الجانب حول شدة التعلُّق ،تعلُّق صوفيا نفسيًا ،على الجانب اآلخر لم تقف صوفيا
بمعتز ،سواء على مستوى الفعل الحدثي( ،)٦ممثل ُة الموت مستسلم ًة تجاه هذا الموت أم الــرصــد المباشر مــن الــســارد معتز( ،)٧الزاحف ،بل تمسّ كت بأهداب الحياة حتى
26
وقــد كــان تعلقها هــذا منذ بــدء عالقتهما آخر أنفاسها ،وجابهت الموت من خالل ذلك
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
فإشكالية معتز مع داء الملل من أوضح حقيقي ،والرياضيون أنبياء»! ص .30ولم الحقائق في الــروايــة ،ســواء عبر التصريح يقف تعبيره عن حميمة رغبته بالتغيير من
المباشر أو التجسيد الفني أو التمثيل خالل «المقدس» عند هذا الحد ،بل تواصل الحكائي ،وأعني باألخير أن طريقة سرد عبر رؤيته للذات اإللهية ،نفسها وفق هذه الرواية نفسها جاءت على نهج أصاب بعض الرغبة(.)١٢ القراء بالملل؛ ومن ثم كان ذلك أحد مثالب
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
التمسك.
ص 22؛ ومــن ثم رأى «أن األولمبيات دين
كان هذا جانبًا من تجسيد الرواية لشق
الــروايــة في رأي معظم هــؤالء الــقــراء .أما الحياة ممثلة في معتز؛ أما الموت ،فكان
التجسيد الفني إلشكالية الملل مع معتز الــحــدث األه ــم فــي هــذا العمل الــســردي، فمتعدد ،بعضه مباشر مثل تمنِّيه« :أن عبر إصابة صوفيا بالسرطان وانتظارها
أتخلص من كل ما يثير الملل ،أن أرميه ورائي لنهايته المؤكدة في ظنها .ونتيجة محورية مثل حذاء ضيق وال ألتفت إليه»( ،)١٠أو عبر عنصر «الــمــوت» انشغلت به كلتا الذاتين: نهج تصويري ابتعد عن تلك المباشرة من معتز وصوفيا ،وكان لكليهما رؤيته الخاصة
خالل إضافة شيء من الجمالية الخاصة ،تجاهه .فمعتز دومًا يرى الموت كلما تواصل
كما في قوله« :صــرْتُ أعيش مثل مومياء مع صوفيا ،مشبهًا إيــاه بـــ« :ذلــك الطحان ملتفة بأقمشة عفنة ،واقفة منذ قرون في المقترب» ص ،34وهو يتوقف متعجبًا إزاء
صندوق خشبي ،مَن يشك في أنها ملت كثيرًا استمرارية هذا الموت وتكراره ،وفي الوقت من نفسها ،كما مللت كثيرًا من نفسي!»( .)١١نفسه نتقبَّله رغم العجز عن فهمه« :عليّ
فهذا التفصيل فــي طــرف الــصــورة الثاني أن أفتح ثقبًا كبيرًا في السماء إذا أردت
منح الــقــارئَ مساح ًة ممتدة مــن التخيل ،أن أفهم يومًا معنى أن تموت هذه الفتاة!
واالستمتاع بلغة السرد ،وهذا أحد أسرار برغم أن قصة الموت التتوقف ،مثل جريدة
اإلعجاب بتلك الرواية.
يومية ،ولكن أخبارها يجب أن تختلف وإال
وكرد فعل لداء الملل هذا ،كان الشق الثاني اضمحلت دموعنا ،ونسينا أننا نستطيع أن من شخصية معتز ،وهو رغبته الشديدة في نبكي ،ونفعل أحزانًا »...ص.100 التغيير ،تلك الرغبة التي نتجت عن ضيقه
أما صوفيا ،فموقفها من الموت لم يكن
ال َمر َِضيّ بالملل ،والتي الزمته طوال حياته ،موقفًا عاجزًا مثل معتز؛ مكتفيًا بالتعجب فـ«الذي يعنيني أن هناك شيئًا ما يتغير ،وال والتساؤل والحيرة ،بل تحدَّ ت هذا الموت
يقف في حنجرة الوقت مثل سكين صدئة!» عقب تلقِّي صدمة اقترابه ،فـ «على الجدار اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
27
هناك تستفز الموت ،وتعلّق شهادته عليه ال أمارس أي فعل إال في حدوده الدنيا» ص بكل العناد الذي اعتصرته من شفق حياتها ،127وكأن تلك المدينة من خالل الصورة المعكر ،تتحدَّ ى بها اقترابه المهيب ،وتحشد السابقة كانت بالنسبة للسارد مدينة الموت
أمامه كل المباالة األيام الباقية ،وتدهن بها ال الحياة التي تجددت في بيروت. نفسها ،ووجهها ،وروحها الشفيقة ،مثلما وفي مقابل ذلك ،ونتيجة النشغال السرد تدهن بعض الحشرات نفسها بمادة ُمرّة ال بالمدينة األخرى /بيروت أكثر ،كان نصيبها تستسيغها الطيور المهاجمة ،حتى تستحيل من الصور التشبيهية أعلى .ففي البدء صوّر بدورها إلى مرارة شابة ،تفسد على الموت السارد بيروت بأنها «كانت قابعة في درج طعم روحها الفتية»( .)١٣لذا ،عندما قَدِ َم معتز مكتبي كتذكرة سفر بتاريخ مفتوح» ص 35؛ من الرياض إلى بيروت لإلقامة مع صوفيا إشــارة إلى سمة التقبل واإلتاحة وإمكانية خــال أيامها األخــيــرة ،رأى «وجــه صوفيا الــوصــول ،لكن حيرته وعجزه تواصال في البارق بالرغبة العنيدة ،وعينيها المفتوحتين وأيضا ً أثناء وجوده بهذا المكان المفتوح(،)١٤ مثل حقيبتين تطمحان الستيعاب الدنيا قبل كما كانت رؤيته لذاته ضبابية ،كانت نظرته الرحيل» ص .33 للمكان تكتنفها الضبابة نفسها(.)١٥ ***
الرياض وبيروت
إزاء ذلك كله ،لم يَ ـ ُد ْم الموقف المتقبل
من بيروت بل انقلب إلى تبنِّي رؤية صوفيا
الثنائية األخيرة هنا كانت على مستوى المنهكة بالمرض تجاه معتز الــذي اتسم المكان ،حيث تجسدت عبر فضاءين هما :بالتخلي واألنانية .وقد ارتقى ذلك الموقف
الرياض مدينة معتز الذي نشأ فيها وقَدِ م اإليجابي من بيروت تجاه السارد وكل بني منها ،وبيروت مدينة صوفيا التي سافر إليها مدينته؛ فكان لها رؤية ورأي َو َر ّد فعل إزاء معتز ودارت بها معظم أحداث الرواية؛ وذلك ما يفعلون ،خاصة أنها في البدء «كم بذلت تبعًا لالختيار السردي الــذي شكلته وجهة هذه المدينة لظمئنا الصحراوي القادم من
نظر السارد؛ من ثم كان حضور «الرياض» الجنوب طــوال عــقــود ،ومــا تــزال تكيل لنا بوصفها مــكــا ًنــا ســرد ًيــا قــلــيـاً؛ وك ــذا جاء الكثير من الفرح ،وما زالت تجاهد مثل امرأة
نصيبها من الشريحة التشبيهية لم يتجاوز فــي أواخ ــر الثالثينيات لتظل هــي األثيرة مرة واحــدة ،ضمن قول السارد« :شهر في بعد أن تجاوزتها قوافلنا إلى مدن أخرى،
الرياض ولم أفعل شيئًا .ما زلت ساكنًا مثل تجاهد حتى آخر قطرة بهجة ،لتبقى هي
28
جثة في إناء فورمالين ،ال أتحرك ،ال أخرج ،هوسنا األخضر المعلق في شمالي الخريطة
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
القادمين من الجنوب ،ممثلين في معتز« ،لم هنا إلى رصد تجسد تلك الثنائيات ضمن تكن األشياء تبدو حزينة لذلك أي لمغادرته نسيج اللغة المتميزة التي كتب بها هذه بــيــروت ،بقدر ما كانت ترمقني بامتعاض الرواية.
ساخر ،وكأنها اعتادت أن ترى ما تراه اآلن من الوجوه الغريبة ،النظرة الساخرة نفسها التي نراها في وجه كهل مشلول ،كان يعلم ما سيكون ،ولم يقل!» ص .122 ***
«ال شيء خارج اللغة» عبارة تأكدت عبر التناول النقدي السابق لرواية «صوفيا»، إح ــدى روايـ ــات الــكــاتــب الــســعــودي محمد حسن علوان ،من خالل الكشف عن جانب من تشكيلها السردي ،الذي جاء عبر عدة ثنائيات ضدية بــلــورت مساحة كبيرة من () 1 ( )2 ( )3 () 4 ( )5 () 6 ( )7 ( )8 ( )9 () 10 ( )11 ( )12 ( )١٣ () ١٤ ( )١٥
المصادر والمراجع
-رافيندران سانكاران :البنيوية والتفكيك ،دار الشؤون الثقافية العامة ،آفاق عربية2002 ،م. -روجــر .ب .هينكل :قــراءة الــروايــة مدخل إلى تقنيات التفسير ،ترجمة د .صــاح رزق ،دار اآلداب ،القاهرة1995 ،م. -عبد الملك مرتاض :في نظرية الرواية بحث في تقنيات السرد ،عالم المعرفة ،الكويت1998 ،م. -قاسم المومني :في قــراءة النص ،دار الفارس للنشر والتوزيع ،عمان2005 ،م. -محمد حــســن عــلــوان :صــوفــيــا (روايـــــة) ،دار الساقي ،بيروت ،الطبعة الثانية 2006م.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
دائمًا» ص .93لكن بعدما تغير موقف هؤالء الرواية ،وقد سعت زاويــة الرؤية التحليلية
h t t p s : / / w w w . g o o d r e a d s . c o m / b o o k /- show/3294671
http://aljsad.org/showthread.php?t=64604-
https://www.goodreads.com/book/show/3294671 http://aljsad.org/showthread.php?t=64604
انظر: انظر: انظر جانبًا من تلك األهمية في :روجر.ب .هينكل :قراءة الرواية مدخل إلى تقنيات التفسير ،ترجمة د .صالح رزق ،دار اآلداب ،القاهرة1995 ،م ،ص229؛ د .عبدالملك مرتاض :في نظرية الرواية بحث في تقنيات السرد ،عالم المعرفة ،الكويت1998 ،م ،ص.111 رافيندران سانكاران :البنيوية والتفكيك ،دار الشؤون الثقافية العامة ،آفاق عربية2002 ،م ،ص .9 محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،دار الساقي ،بيروت ،الطبعة الثانية 2006م ،ص .9وسوف تذكر أرقام الصفحات في المتن بعدُ. انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .48 انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .58 وانظر امتداد توظيف صورة األرض لتجسيد تطور هذه العالقة في :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .98 قاسم المومني :في قراءة النص ،دار الفارس للنشر والتوزيع ،عمان2005 ،م ،ص.200 أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها. محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .21وانظر ً أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها. محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .35وانظر ً انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص.62 محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .15وانظر تصويرًا آخر لهذا الحدث المتحدي للموت في: المصدر السابق ،ص.19 -18 انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .91 انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .139 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
29
شعرية العالم ..شعرية اللغة في سقف الكفاية ρρإميان عبدالعزيز املخيلد -الرياض
إنَّ مفهوم «رؤي ــا العالم» الــذي يطرحه النقاد عند معالجتهم لخطاب الرواية إنما يعني رؤيا الكاتب للكون والطبيعة والمجتمع، حيث تصبح الرواية انعكاساً لرؤية مؤلفها لــكــل مــا يحيط بــه وم ــا يتفاعل مــعــه من أحــداث وتفاصيل مجتمعية وآراء وأفكار تعبر عن أيديولوجيته في الحياة .والرواية بهذا المعنى هي رؤيا كاتبها للعالم ،وتعبر عن حرية المبدع في خلق عوالم متخيلة، فرؤية العالم في الرواية ليست مجرد موقف فكري ،بل هي تعبير فني ولغوي عما يعتقده الكاتب وما يعتنقه من مواقف فكرية عبر ضــرب من التخييل ،أي أنها نــوع من بناء فكري ،قيمي ،وهي في ذات الوقت محدودة بحدود الثقافة التي تنتمي إليها هذه الرؤية ،من الرؤيا. وتختلف رؤية العالم حسب تكوين الكاتب مؤيدة أو معارضة ،ذلــك أن تصور العالم يتوقف على المجموع الكلي لمجموع األفكار الثقافي وزاوية الرؤية التي يرى من خاللها الــعــالــم ،فهل اختلفت رؤي ــة محمد حسن والمعتقدات والرؤى التي تحكم المجتمع. تتدخل الرؤيا في بناء النص األدبي من علوان للعالم عن مجايليه من كتاب الرواية خالل الموقع الذي يرتضيه األديب لنفسه السعودية؟ وما مساحة الشعرية في رؤيته والرؤيا التي يرغب في التعبير عنها .وقد للعالم فــي رواي ــة «ســقــف الــكــفــايــة» ،وهل يعبر الــروائــي في تجربته الفنية عن رؤيا انعكست هذه الرؤية الشعرية على اللغة التي شاملة أو جزئية ،ولكن ليس من المحتم أن كتبت بها الرواية؟
30
يفعل ذلك لتباين الروائيين في الزاد الفكري وفــي التجربة الجمالية نفسها ،ويتجلى ا منهم يتخذ موقعاً اختالفهم فــي أن ك ـ ً وراوياً أو رواة ليجسد رؤياه ،وتحديد الموقع والراوي ،أي تحديد بناء النص يتم انطالقاً
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
هذه أسئلة تجد الباحثة نفسها تطرحها وهــي تــحــاول قـــراءة هــذا العمل الــبــديــن ـ بتعبير الــنــاقــد الــمــغــربــي سعيد يقطين، فرواية «سقف الكفاية» تحكي قصة حب بين «ناصر» و«مها» ،ناصر الشاعر الذي
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
يصغر مها ببضع ســنــوات ،ويتعرف عليها بالصدفة عبر مكالمة هاتفية ،حيث يتطور بينهما الــوضــع فــي مجتمع محافظ مثل مجتمع الــريــاض حتى انهما يلتقيان في الفنادق وفي بيت عائلتها!! ورغم أنها كانت مخطوبة لرجل آخر إال أنها سمحت لنفسها أن تقع في الحب مع هذا الشاب ،لكنها في لحظة ما يحين موعد زواجها من الرجل الــذي ارتبط بها رسميا ،فتتزوج وتسافر، وتتركه؛ ليكتب لنا قصة عشقه الكبير لها. في رواية بدينة ومترعة بالشعرية والمجاز مع رؤية شعرية تحيط بالعالم وبتفاصيله.إن شخصيات الرواية رغم أنها تعاني من الفقد واالنكسار ،إال أنها ترى العالم بشعرية بليغة، فناصر الــذي فقد مها ،يذهب إلــى كندا ربما هروبا من قصة عشقه ،ليجد هناك «ديــار» العراقي المهاجر والفار من جحيم الصراع في العراق ،وكالهما ال يختلف كثيرا عن مس «دينغل» الكندية التي تعاني من الوحدة والفقد والغربة ،رغم وجودها في وطنها .يصير المكان /الداخل جحيما بفقد الحبيبة ،فهل يصبح المكان /الخارج مالذا؟!
العربي فيما سمي بحرب الخليج) فيصبح الداخل خارجا ،ويصبح الهم الخاص ه ّمًا يدك أوالً ،زحفت فوق قحالة عاما «جاءت ِ الصمت الماثل بيننا ،لم يكن عندي جرأة االبــتــداء ،يكفي تسبيح الــروح في محراب وج ــودك ،تشابكت أصــابـ ٌع وداخــت طاولة، يداك جرائ َم ال تحصى فوق يديَّ ، ِ ارت َكبَت عنيف لمراهقتي الجلدية األولى، ٌ تحريض ٌ ث ــار اإلصــبــع عــلــى ال ــك ــف ..والــكــف على يديك ين ُّز عطراً ِ طفيف في ٌ المعصم ،تعر ٌق شوق مفتوحة ،أنا ال أقاوم نعوم ًة من مسامة ٍ كهذه ،شغباً كهذا ،توقفي عند حد ِِّك يا مدن الرغبة ،استئذا ٌن مهذَّ ب ،وأنقذني النادل من سكتة شوق!.
وألن الكاتب حين يتمثل رؤية العالم وهو يكتب نصه يحاول أن يوجد وشائج بين الذات والــعــالــم ،وعــاقــة هــذه ال ــذات بالمجتمع، فالكاتب يكتب رؤيته للعالقات االجتماعية بين الناس ،والقهر الذكوري الــذي يمارس على النساء وتحويل المرأة من ذات فاعلة إلى موضوع للحب والكتابة ،وتصير الرياض مدينة معادية للحب ،ألنها ال تقبل أن يختار في الحقيقة لم يجد ناصر المالذ في الناس إنسانيتهم ،بل تنمطهم وتحولهم إلى الغربة ،فقد وجــد «ديــار» الــذي يعاني من نماذج مكررة مسلوبة الحياة واإلرادة وغير غربته يفتح مسارات أخرى للصراع ،فينقل فاعلة. الكاتب الصراع من الشخصي (قصة حبه إن الكاتب يعري المجتمع الــذي حول لمها وإخفاقه معها وخيانة مها التي هي الــمــرأة إلــى مــوضــوع ،ويكشف المسكوت مــعــادل لــلــوطــن) ينقله الــكــاتــب إلــى العام عنه فــي حــيــاة الــمــرأة فــي هــذا المجتمع (تشريح المجتمع العربي ومساءلة التاريخ الــراديــكــالــي ،فيخاطب «مــهــا» فــي حوارية العربي وخاصة الحديث منه حيث أضاع من طرف واحد فقط ،ال تحمل سوى رؤية ص ــدام حسين مــقــدرات الــعــراق والخليج الــســارد بضمير األن ــا(ن ــاص ــر) ،يخاطبها اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
31
ويلومها على استسالمها وقبولها بأن تصير مجرد موضوع ،مفعول بــه« :كــل يــوم يكتبُ فــوقــك ســطــراً ..ويمحو ســطــراً كتبته أنا من قبل ،سيترعني سالم من عينيك شيئا فشيئاً ..دون أن تشعري! ..ألم أكتب أنا فوق حسن؟ ألم يكتب حسن فوق عبدالرحمن»
32
إن هذه الرؤية التي تحمل أفكار الكاتب وتؤسس محاولته في إعادة خلق هذه النظرة إلى العالم هي ما يشكل قصده في العمل األدبي ،وقد ال يتفق هذا القصد مع قصد الكاتب الــواعــي .وهــذه النظرة هي المبدأ التكويني الــذي يرتكز عليه أســلــوب عمل معين .إن األدب تعبير عن رؤيا للعالم ،فإن هــذه «الــرؤيــا» ليست وقــائــع شخصية ،بل وقائع اجتماعية ،مما يجعل منها وجهة نظر ملتحمة وموحدة ،حول مجموع الواقع .غير أننا ال يمكن بحال أن نعزل هــذه «الرؤيا» عن «تفكير» األشخاص في الرواية ،أو عمّا يتخذون من أساليب التفكير ومحتواه ،سواء كان هذا التفكير بذواتهم أم بالعالم .وهذا يعني أننا نتعامل مع العمل الفني .بما هو تعبير عن طريقة اإلحساس بالكون والنظر إلــيــه ،فــحــوارات «نــاصــر» و«ديـ ــار» تكشف الــصــراع ال ــوج ــودي الـــذي خــاضــه الــعــرب منذ اجتياح صــدام حسين للكويت ودخول المنطقة العربية في نفق مظلم من الحروب الــتــي استنزفت مقدراتها لصالح الغرب بقيادة أمريكا ،هــذه الــحــوارات تستحضر الــتــاريــخ منذ العصر الكولوينالي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وصوال لحرب الخليج والصراع العربي مع اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
الغرب ،كل هذه القضايا الكبرى يناقشها الكاتب حين خــرج ببطله من الخاص إلى العام ،فهو يدرك أنه» البد من تضحية ما.. البد من ضجة ما ..فاألقدار لن تمنحنا كل ما نريده دون سعي!) .ورغم كل ما مر به من محن ،ورغم أنه كان يصرخ «أريد أن أموت أن أموت!» إآل أنه استطاع أن يقاوم بالكتابة، فقد حول قصة عشقة لمها إلى روايــة ،لم يحولها لديوان شعر رغم شعرية اللغة التي استخدمها في النص ،وستتحدث الباحثة عن شعرية اللغة في موضع سابق .حولها إلى روايــة ،ألن الرواية هي أكثر األجناس األدبية قدرة على حمل خطابات متعددة ،ما بين الخطاب الشعري وخطاب التناص مع التاريخ وخطاب السينما وخطاب التناصات مع نصوص أدبية عالمية بغرض كتابة الداللة الكبرى ورؤية العالم التي هي هدف الكاتب فــي المقام األول «وح ــدي أن ــا ..والليل.. وهــذا اليأس الجامح ،وقلمي يتأرجح في يدي ،أليس مخيفاً حقاً ما يمكن أن تنتهي به ليل ٌة كهذه؟ كلما ســوَّدتُ صفح ًة طارت قبيح ،وتعلَّقت بقدميها ٍ خفاش ٍ أمامي مثل في سقف الغرفة! .كان ال بد لي أن أتنازل عن الكتابة ،فال يمكن لغرفتي أن تظل كهفاً للخفافيش ،بررتُ خسارتي هذه باقتناعي أن مثلك ،فلن يعنيه أن يخسر ِ من يخسر امرأ ًة فقدك ِ شعره ومجده وطموحه أيضاً ،وأن يستحق حداداً كهذا ،وفهمتُ أن الصدأ بدأ يعلو عظام يدي ،وأن الكتابة بعد الفاجعة.. فاجعةٌ أكبر!». اســتــخــدم محمد حــســن عــلــوان ضمير
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
«األنــا» مماهيا بينه وبين بطله «الشاعر» النص»»الفجر يأتيني كئيبا طاويا رئتيه معتال الــذي يكتب قصة حبه للبطلة «مها» التي وحيدا ..غامسا قدميه في ماء السهر! غيّب صوتها طوال النص ،وحكي نيابة عنها. األربــعــون لــيــلــة ..م ــرت ،وقلبي يرقب يصنع الكاتب من شخصية «ناصر» معادال الذكرى ،ودقات القدر» لحياته ،وألفكاره ومعتقداته« :أي كتابة هذه في حين أن النصف الثاني من الرواية التي سأكتبها لك .ما هذه الفكرة؟ ال أدري.. ولكني أستطيع أن أكتب ما يليق .لن تخونني حيث سافر ناصر إل فانكوفر هروبا من أصابعي أب ــدا .وبعد أن أكتب مــا سأكتبه فشل قصة حــبــه ،يغلب على هــذا الجزء سأسعى جاهدا لئال تسقط حياتي المادية الحدث واللغة التي تتراوح ما بين اإلخبارية في دوامة شتاتي .سأسعى إلى حياة أفضل ،والمشهدية والــحــوار المتبادل بين ناصر ال أمال ،ال طموحا ،ولكن ألجعل قرار عودتك ومسى تانغول أو ناصر وديــار .هنا ديالوج أسهل عندما تفكرين في العودة ،وهذا ما ولم يكن مونولوج.على عكس الجزء األول فعلته ،وأظن أنني ما زلت ماضيا فيه .ربما ال ــذي أغ ــرق فــيــه الــكــاتــب فــي الــمــونــولــوج هذه الفكرة هي التي أبقتني بعيدا عن الهاوية الداخلي وأسلوب المناجاة «في الشرق وطن حتى اآلن..مــاذا بعد؟ سأصبر بعض الزمن يحترق وأنــا بعض هشيمه المتطاير ..ربع حتى يتسنى له اتخاذ قــرار االنفصال عن قرن والعراق يحترق». سالم ،وتنفيذه بكل يسر ،بعد أن تخفّت في فــي هــذا الــجــزء غــامــر الــكــاتــب بكشف صدرك هالته المقدسة التي كنت تحيطينه المسكوت عنه في الصراع المذهبي الذي بها والتي كانت تمنعك من التعامل معه بهذه يكاد ينال من استقرار دول الخليج بعد أن الجرأة» مزق العراق الصراع السني الشيعي .ورغم شعرية اللغة تغيب الحدث: محاوالت الكاتب أن يبتعد في هذا الجزء يقسّ م علوان روايته إلى قسمين ،األول عن اللغة الشعرية؛ إلى أن وقع أسيرها في منذ وقوع سارده (ناصر) في العشق ،فجاء بعض المناطق السردية من الجزء األخير: هذا النصف على هيئة رسالة طويلة كأنها «وقــفــت أراق ــب حــبــات المطر الــتــي تتوزع مونولوج داخلي أو رسالة من طرف واحد ،عشوائياً على زجاج نافذتي ،ثم تبحلق في من طرف ناصر ،إلى طرف غير حاضر في وجهي بغباء فكّرت :عندما يسقط المطر المشهد (مها) ،فمها طوال الوقت يتم الحكي على شــيء فإنه يفقد ألقه المطري الذي عنها ،عن طريق االسترجاع .غاب الحدث استمده من السماء الكبيرة ،ويصبح مجرد في هذا الجزء ،ووقع علوان في غواية اللغة قطرة ماء غبية ،وفي جفني ،فقدت الدموع الشعرية ،ألنها قــادرة على أن تحمل تلك ألقها ذاك الذي أخذته من كبرياء الحزن.. الشاعرية المفرطة والغنائية الفياضة في إذن ..شيء ما ..يجمع بين القطرتين».
33
الخطاب الميتاسردي في «طوق الطهارة» ρρد .هويدا صالح -أكادميية مصرية
صار الميتاسرد ميزة جمالية يلجأ إليها أغوار الكتابة الذاتية ،كما تصير قادرة على كــتــاب الــروايــة ،مــن أجــل أن يخرجوا على كشف أنــواع التداخل بين النص اإلبداعي كالسية الــروايــة ونمطيتها .ويعد الخطاب والنص النقدي الكاشف. الــمــيــتــاســردي لــيــس فــقــط طــريــقــة ســرديــة
ولم يعد الخطاب الميتاسردي مجرد تداخل
جمالية ،بل يعد أيضا وعيا تجريبيا ما بعد بين النصوص ،بل صار بوسع الكاتب أن يقوم حداثي ،وخروجا على رؤية العالم التقليدية. فيه بالتناص األدبــي مع نصوصه السابقة، إن توظيف الخطاب الميتاسردي يجعل ويناقش شخصياته ،وموضوع الكتابة ،وماذا من المتلقي شريكا ضمنيا في إنتاج داللة يمكن أن تفعل الشخصيات ،وكيف تسهم في الــنــص ،ويسهم الخطاب الميتاسردي في إدارة الــصــراع في النص ،فيؤدي ذلــك إلى وصــف العملية اإلبــداعــيــة وأســرارهــا ،كما كسر اإليهام ونفي التخييل المطلق عن النص، يُعْنى هذا الخطاب برصد عوالم الكتابة،
وتشكيل الشخصيات ومــســاراتــهــا داخــل الفضاء السردي ،مع كشف األلعاب السردية التي يمارسها المؤلفون ،والحيل والطرائق المختلفة التي يمكن أن يتتبع مساراتها الــقــارئ الــواعــي بـ ــدوره فــي ظــل نظريات التلقي .كما يطرح الخطاب الميتاسردي أسئلة الكتابة ،ويكشف عن مشكالتها التي تواجه المؤلفين؛ ما يسهم في كشف أسرار اإلبــداع وآلياته وتقنياته الفنية والجمالية، وهو ما يُذكِّر بالميتامسرح ،وخطاب السينما داخــل السينما ،والسيرك داخــل السيرك،
34
فتصير الكتابة الميتاسردية قادرة على سبر اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
وإحالي ،ومما هو تخييلي إيهامي.
أم المؤلف الحقيقي؟ فلو أنه السارد ،فليس
كــذلــك ي ــؤدي الــخــطــاب الميتاسردي أو من المنطقي أن يتحدث عن سابقة للكتابة الميتاقص داخــل النص اإلبداعي مجموعة «هذه المرة أكتب بنيات متعددة» رغم أننا من مــن الــوظــائــف واألدوار ،مــنــهــا خــلــق نص خالل النص يتكشف لنا أنه يمارس الكتابة
سردي بوليفوني ،متعدد األصــوات ،والرؤى ألول مرة ،أم أنه المؤلف الحقيقي هو الذي واألســالــيــب ،كذلك كسر اإليــهــام بالواقعية يوجه الخطاب للمتلقي؟ إلبــعــاد الــوهــم واالس ــت ــاب عــن المتلقي،
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
فيتجاذب النص مساحات ،مما هو مرجعي ينتبه إليه أحد» فهل السارد هنا الذي يتحدث
ال يهم كثيرا إن كان الخطاب من السارد
إضافة إلى كشف جماليات اللعبة السردية ،أم من المؤلف الحقيقي المهم أن الكاتب منذ مع تجديد السرد عن طريق خلق مساحات البدء يعلن لنا ثقل عملية الكتابة وصعوبتها: من التجريب في طرائقه وآلياته ،مع تحقيق «أنا الذي أكتب اآلن على ورق يابس ،وأمارس مــســاحــات مــن اإلثـ ــارة والمتعة والــمــحــاورة هذا القمار الثقيل ..أكتب على مهل مثلما العقلية بين الكاتب ومتلقيه ،مما يسمح تنقش التوابيت». بمشاركة المتلقي أو القارئ في بناء اللعبة
مــنــذ الــبــدء يكشف الــكــاتــب عــن تشكُّل
السردية تخييال وإيهاما .إضافة إلى تربية الشخصيات الروائية داخله ،وخروجها إلى العقل النقدي لدى المتلقي عن طريق مناقشة الفضاء السردي؛ لتمارس أدوارها المحددة آليات تكوين الفضاء السردي معه.
لها سلفا ،ثم انفصالها عنه ،ألنها صارت
فهل هــذا مــا فعله محمد حسن علوان ذواتــا أخــرى خــارج ذاتــه «أراق ــب في سطح فــي روايــتــه «ط ــوق الــطــهــارة» الــتــي صــدرت ذهني مئات الوجوه التي ال أعرف أيا منها، قبل سنوات عن دار الساقي؟ هل استطاع لكنها طفرت فجأة على الورق ،مثل جماعات علوان أن يحقق اللعبة الجمالية التي يوفرها الغجر ،وصار لزاما علي أن أرقص معها أو الخطاب الميتاسردي؟ منذ اللحظة األولى يضع الكاتب سارده في
أموت غريبا». يعود الكاتب ليُسرّب للقارئ أن الصوت
لعبة الكتابة ،ورغم أن السارد يدخل مضمار الــذي يفتتح السرد إنما هو صوت المؤلف الكتابة ألول مــرة ،إال أنه يعلن منذ السطر الحقيقي ،قبل أن يقدم لنا ســارده وحكايته األول أن «هــذه المرة أكتب بنيات متعددة .مع الكتابة ،يعاود الحديث عن أنها ليست وأعــرف أن فرقا شاسعا سيؤلم ذهني ،ولن المرة األولى للكتابة ،ويتحدث منذ البدء عن اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
35
سؤال الكتابة ،ودوافعه من وراء هذه الكتابة :ويمارس الكاتب من خالل قصة سارده لعبة «حاصرتني تلك النيات المتعددة ،بعد أن كان الميتاسرد .حين تطبع غالية كتاباته في
يستحيل علي أن أكتب بأكثر من نية ،مثلما رواية إنما هي تعيد إلى ذاكرته كل الخيبات يستحيل أن أكتب بأكثر من قلم ،خشية أن والتعاسات التي م ّر بها منذ أن كان صغيرا يخرجني هذا من توحيد الكتابة».
وحتى لحظة الفراق التي حدثت بينها ،حيث
يعي الكاتب أن ثمة جدل في الرواية بين تبدأ الرواية من لحظة النهاية ،وصول الكتاب ما هو مرجعي وإحالي وما هو تخييلي ،بل من بيروت إلى الرياض ،ثم الرجوع بالفالش
يناقش مساحات مــا هــو مرجعي وعالقته باك إلى كل محطات حياته وتفاصيلها.
بالتخييل في النص« :فرق كبير بين الوعي
تطبع غالية الكتاب الذي نشره حسان على
الــذي يحاصرني اآلن بقوانين مريبة ،مثل اإلنترنت ،وحين يفقد األمل في ترميم العالقة وجود أناس آخرين ،حزانى ،وملعونين ،وقطّ اع ويكتشف نظرتها األخالقية الضيقة الى هذه أمــل ،يتقاطعون معي في قصص متشابهة ،العالقة مقارن ًة بنظرته اإلنسانية المتحرّرة...
وبــكــاء بــاهــت ،بين الــاوعــي الجميل الــذي يقرر إتالف جميع نسخ الكتاب ويمتنع عن
تعلمته منها أثناء كتابة النية الواحدة ،والذي الــرد على اتصاالتها الهاتفية ويــدخــل الى كان يمنح أوراقــي ذات يوم مساحة عضلية الحمّام كأنه يقطع الصلة مع الماضي ،ويصم
هائلة ،وتمارين شاقة من األمل الموارب».
أذنيه عن صوته ،ويغتسل من مرحلة جرّت
تحكي القصة حياة كاتب شاب يعيش في عليه األلم والصدمة« :لقد كان غريبا حقا منطقة الرياض (حسان) ،يقع في حب العديد أنها نشرت الكتاب بطريقتها مثلما رتبت
من الفتيات؛ مما يكسر طوق الطهارة الذي حبنا بطريقتها أيضا ،وحاكت هذا الفعل من يفرضه عليه النظام االجتماعي .يقع في حب غيابها الخفي البعيد ،ألن األقدار ال تصير
فتاة قريبة له ،من عائلته (غالية) ،ويعيش أقداراً إال إذا جاءت من الخفي البعيد أصال. معها قصة حب محمومة حتى يتزوجها ،وبعد وهي بعيدة خفية منذ سنوات ،وهــذا الذي
زواجهما بأسبوع واحد ينفصالن ،لكن الفتاة جاءني منها اآلن بناء على مصدره ،ثم أثره، تظل تحفظ العهد حتى أنها تجمع تدويناته ال يمكن بال ريــب إال أن يكون قــدرا ليس التي كان ينشرها على مدونته ،ورسائل العشق ،عندي احتمال آخر».
في كتاب يحمل اسمه وتوقيعه ،وترسله له
يــطــرح الــكــاتــب مــن خ ــال قــصــة حسان
من بيروت ،حيث طبعته ،وحين تصله نسخ وغــالــيــة ،وع ــاق ــة حــســان بــكــتــابــه أسئلة
36
الرواية التي تحمل اسمه يطرح أسئلة الكتابة ،الكتابة ،لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وهل من اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ويطبعه؟ وما هو إحساسنا حينما نجد خبايا من الجرح الذي نكأته «غالية» بنشر الكتاب
أعماقنا متشكلة في فضاء سردي؟ «قدّرت دون علمه ،فيغوص فــي ال ــذات عميقا في
لي هذا دون أن تخبرني كيف يمكن أن أطرح محاولة لــمــداواة ألمها من ناحية والتطهر الــســؤال البسيط :لــمــاذا؟ وال أبــدو متسوال والمحاسبة من ناحية أخرى ،فيطرح سؤاال وأنــا أطــرحــه ،ألن بعض األسئلة الكربونية واضحا ال لبس فيه :ما الذي أوصله إلى هذه التي تحمل تاريخ صالحية محدودا ،ال تظل النقطة من عالقاته بالنساء؟ من أين يأتي
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
حق غيرنا أن يأخذ ما بحنا به في زمن ما أن يتأمل حياته وعالقاته النسائية انطالقا
إجاباتها ممكنة بعده ،وتتحول إلى أسئلة غير الداء في تعامله مع النساء؟ فغالية هَ جَ َرتْ ُه الئقة ،تخدش سطوة الغياب التي ترتديه هي في األسبوع األول من زواجهما .قــررت أن بكل اقتدار ،وتمارسه وكأنها لم تأت أصال تكون ذاتا فاعلة ،فهجرت وابتعدت ونسيت إال لتغيب ،مثلما يفعل التائبون الذين قرروا الحب المحموم ،ولم تتوقف عند هذا فقط، استعادة ميدالية الطهارة ،بعد دورة حياتية بل أخذت قرار أن تجمع مدوناته وتطبع كتابا ضــالــة! ولــهــذا ال أجــد أمــامــي إال أن أحمل باسمه .إنها امرأة كفؤ للرجل ومساوية له، أدوات األسئلة األخرى التي صرت خبيرا في وال تقل عنه في اتخاذ القرارات وممارسة استخدامها أخيرا ،أنا الــذي عانيت طويال األفعال التي تقتنع بها. عــدم الفهم ،وتألمت من عصيان األسئلة،
وفوجئت بالكتاب منشورا مثل صحيفة عبد
يحاسبه اهلل قبل يوم الحساب بوقت طويل»! الخطاب الكشفي في طوق الطهارة
لكن مــا ال ــذي كسر طــوق الــطــهــارة لدى
حسان؟
إن الــذاكــرة االسترجاعية تعود بحسان
إلى مرحلة الطفولة ،فقد كان ابنا لرجل تقي
يعمد الكاتب في هذه الرواية إلى فكرة متدين وامــرأة تخشى على صغيرها من كل كشف المسكوت عنه في المجتمع السعودي ،شئ وتعتني به وبمظهره وأناقته ،وتخاف حــيــث يتبنى الــكــاتــب الــخــطــاب الكشفي ،عليه حتى من البرد والحر والمرض ،فنشأ
ويفضح الالمقول في المجتمع عبر خطاب حسان صبيا ذا مواصفات خاصة مما أطمع سوسيولوجي جريء ،فعلوان الذي يستخدم فيه مجتمع الذكور ،فتعرض الصبي الوسيم
شخصية حــســان الـــذي حـــاول كــســر طــوق المتأنق دوما إلى تحرشات الرجال بدءا من
الطهارة منذ أن عاد بذاكرته االسترجاعية مدرس التربية الفنية وليس انتهاء بمدرس
إلى السنوات األولى من حياته يتعامل مع ما التربية الموسيقية الذي كان يُحفّظه النشيد هو مجتمعي بجرأة وجسارة .يحاول حسان الجماعي الذي سينشده مع كورال األطفال اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
37
فــي الــمــدرســة .يــحــاول الــمــدرس حينها أن
راحــت يــدي تطبق دورا كتب عليها منذ
يختلي بالصغير بحجة أن يصلح له مالبسه ،سبع عشرة سنة ..اآلن فقط أستخرج من وهناك يحاول أن يحتك بجسده فيهرب منه طفولتي تفسيرات محتملة لكل عــاداتــي الصغير سريعاً. عندما كان جسدي الطفل ال يفهم الجنس، إذاً تعرض حسان الصغير للتحرش زرع فيه ولكن عقلي الباطن يفهمه حتما ،ويستوعبه شعورين األول الخوف من االختالء بالرجال ويــدركــه ،وعندما يكبر يظل العقل الباطن أيا كانوا ،والثاني هو االنتقام الجسدي من على إدراكه السابق ،ولكن يصبح هناك جسد
أجساد أضعف منه ونفوس أكثر هشاشة من ناضج مستعداً لتلقي تلك األوامر المختزنة، نفسه الهشة المأزومة ،لم يجد أمامه سوى وممارسات السلوكيات التي يمليها عليه ذلك الحلقة األضعف في المجتمع؛ ليمارس عليها الذي أحاط بكل شئ ،و«الجسد ال ينسى» كما أزمات شعورية كامنة في الالوعي. قال فرويد. إذاً يحاول الكاتب أن يقارب الموضوعات االجتماعية والــعــاقــات اإلنــســانــيــة بجرأة واضحة ،فيقدم لنا خطابا كشفيا جريئا في تناوله لموضوعة الحب والعالقات النفسية والجسدية بين الــرجــال والــنــســاء ،وتــاريــخ الــمــديــنــة الــســري الـــذي يحيل إل ــى مــا هو مرجعي وواقعي في مجتمع من المجتمعات العربية التي تشيع فيها الثقافة الذكورية التي تعتبر المرأة موضوعا للمتعة وليست ذاتا مكافأة للرجل.
إنه خطاب ميتاسردي استطاع أن يطرح أسئلة الكتابة ورؤيــة العالم لــدى المؤلف، والــهــواجــس الــتــي تــنــتــابــه كـ ــذات مــبــدعــة، لكنه تخلى عن أهم دور ينتظر من الكتابة الميتاسردية ،وهــو مناقشة طرائق السرد وتــكــويــن الشخصيات والجماليات الفنية في الرواية والتفكير النقدي الذي يجب أن يمتلكه كاتب الخطاب الميتاسردي. لقد وقف الكاتب عند مسعى وحيد مما
كــان حسان كلما التقى بفتاة وبــدأ معها تسعى إليه الكتابة الميتاسردية هو مسعى عالقة غرامية يمارس عليها ذات القهر الذي رؤيــة العالم وأسئلة الكتابة ،وتناسى تحت
مورس على جسده وروحــه وهو بعد صغير :إغواء مناقشة الهواجس والقلق التي تنتاب «في لقائي األول مع جورية ارتسم في عينيها الكتاب ويحاولون إخراجها على الورق ،تناسي عتاب خجول ،ومــن وراء ابتسامة مرتجفة األه ــداف الجمالية التي تحققها الكتابة
38
قالت لي :يدك! اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
الميتاسردية.
ρρإبراهيم احلجري -ناقد وروائي من املغرب
لــيــس محمد عــلــوان أول روائـ ــي يمتح تاريخية ،ولكن في الوقت نفسه ،ليس من مادته من التاريخ ،وليس هو أول من اشتغل اليسير تحريف مادة معروفة لدى القارئ، بالتصوف والصوفية كسيولة متنية ،فقد خــاصــة وأن اب ــن عــربــي شخصية فكرية سبقه كثيرون إلى طرق هذا الباب ،1لكن وفلسفية وأدبية شهيرة .ثم فيما بعد ،تأثيث
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الصوفي الموزعة بين األلم واالمتالء موت صغير :حكاية ّ
ليس من السهل اتخاذ سيرة الشيخ األكبر التفاصيل الملحقة بهذه الــثــوابــت ،بشكل
ابن عربي هيكال محوريا تنهض عليه رواية ،يضمن لهما االنسجام داخل نص كلي. لعدة أسباب أجملها كالتالي:
وقد ساهمت خبرة الكاتب وموهبته ،في
المادة الخبرية حول ابن عربي تعرف شحّ ا التحكم في صلب المادة الخبرية ،وتلقيحها
وتضاربا ،وتكتنفها الكثير من البياضات ،بخياله الواسع ولغته المتميزة ،مما جعل والفجوات بحكم العالقة الملتبسة التي كانت الــروايــة تقدم لنا ابــن عربي الصوفي في
تجمعه برجال السلطة من جهة ،وبمريديه متخيل أروع من الصورة التي نحملها عنه
من جهة ثانية ،وبالفقهاء من جهة ثالثة.
ســواء من خــال الــروايــات التاريخية التي
التلف الــذي تعرضت له ذخيرته وتراثه تترجم له ،أو من خالل الصورة الملتبسة بفعل المواقف العدائية من التصوف في التي ترسّ خها من خالل الغوص في مؤلفاته. بــعــض الــمــراحــل الــتــاريــخــيــة تــحــت ذريــعــة تضمّنها فــكــراً خــرافــيـاً وتحريضها على الزندقة والكفر وما إلى ذلك. كــون ابــن عربي قطبا ذاع صيته ،وكثر مريدوه ،فتعددت ،بالتالي ،الروايات المتعلقة بحياته وسيرته وكراماته ،إلى ح ّد التضخيم. كل هذه االعتبارات جعلت محمد علوان أمام خيارات صعبة ،وتحديات وعرة تتمثل أوال في الحسم مع الثوابت من األخبار ،ولو أنه ليس من المفروض عليه اإلتيان بحقائق
لقد قدّمت هذه الرواية السيرية شخصية محيي الدين ابن عربي منذ والدته ببلنسية حتى وفاته بدمشق ،في صورة واقعية تبتعد ك ّل البعد عن الصورة المتعالية التي تقدمه بها كتب التراجم ،فنعرفه في تقلباته الحياتية بين الفرح والحزن ،السعادة واليأس ،الفقر والــغــنــى ،الضيق والــدعــة ،ونلمس جوانب اإلنسان فيه وهو يطارد الحقيقة ،فيخفق وينجح ،يتهادى بين اإلحباط واالطمئنان، ويــجــرجــر نفسه فــي الــكــهــوف والــخــلــوات والمقابر ،ويهرب من نار المطاردة والحصار اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
39
بحثا عــن أفــق أرح ــب لممارسة نشاطاته
التعبدية والتدريسية والتأليفية.
عرفت األندلس طفرة كبيرة على مستوى الــثــراء والغنى فــي جميع مناحي الحياة،
تنجح الرواية في أن تضفي المتعة على مــمــا مــهــد لــظــهــور فــنــون وأشــكــال وألـــوان تفاصيل سيرة بشرية صعبة ،وتسبغ عليها مــن الــبــذخ والــتــرف ومــظــاهــر الــفــســاد في أنواع الطرف والمالحة والغرابة ،لتيسّ ر تقبّل العالقات واألخالق والعقيدة ،كما أن النظر ك ّل هذا الك ّم الضخم من الوقائع بسالسة ،السطحيّ للنص اإلسالمي أثار حفيظة كثير بل أكثر من ذلك ،تنزل ابن عربي من خلوته من العلماء الذين ضاقوا بسطحية الفقه العاجية ،وبرجه العرفاني الغميس ليعيش الظاهري ،فراحوا يبتكرون لهم فنونا من بين الــنــاس ،ويتفاعل مــع الــقــرّاء ،فيحبه القول ،ومذاهب من التأويل باتت تنتشر في المتلقون في الصورة المتخيلة التي تلبسها الغرب اإلسالمي ،وسرعان ما بدأت تتسلل
إيّاه الرّواية ،حتى في أذهان من يتبرّمون من إلى المشرق عن طريق الرحالت والمؤلفات المنطق الصوفيّ وفلسفته.
.1سياق التشكل: تميط الرواية اللثام عن سياق عا ّم أفرز
ظاهرة ابــن عربي ومعها التصوف السني
التي كان يوزعها المريدون.
رأى ابن عربي نور الحياة في بيت علم وأدب وتقوى ،فقد كان جده قاضيا ،وكان والده رجال محدثا وفقيها مقربا من البالط،
باألندلس في الفترة الموحدية التي جاءت بمدينة جميلة اسمها مرسية ،لكن طمأنينة على أنقاض الفترة المرابطية .ففي الوقت األس ـ ــرة س ــرع ــان م ــا تــهــت ـ ّز تــحــت حــصــار الــذي كــان الــمـ ّد الفقهي الــمــؤازر مــن قبل الموحدين للمدينة ،ليجد الطفل نفسه البالط ،يتعزّز فارضا ربقته على المفكرين مضطرا لمغادرة بيته مولده إلــى اشبيلية
والمبدعين في شتّى المجاالت ،بالموازاة مع التي كانت مدينة تشع بالحضارة والرخاء، االنفتاح الفلسفيّ على كنوز اليونان ،ظهر ويسّ ر له موقع والده االجتماعي في القصر،
تيار ثالث يستنّ طرقا وأساليب مخالفة في وحظوته بين العلماء والفقهاء في أن يجد عالقته بالنّص الديني ،والسلطة ،واإلبداع مــكــانــه فــي أفــضــل الــجــوامــع والــكــتــاتــيــب، الشعري ،وال ــذات .وبالرغم من المقوالت ويجالس أكبر المحدثين والفقهاء والمعلمين الجديدة والغريبة التي جاء بها هذا المذهب ،في العصر ،وبفضل حدّة ذكائه ودقة ذاكرته، فقد القى رواجا كبيرا بين الناس ،وسرعان استطاع أن يحفظ القرآن والحديث ،في زمن ما أصبحت له خرائط وجغرافيات وأساليب قياسيّ ،ثم ينفتح على التفسير وعلوم اللغة
40
وجماعات متناسلة من المريدين والشيوخ. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
والبالغة والفقه وغيرها من العلوم التي
وظــ ّل يدفعه كــام ام ــرأة مقربة ،كانت الجواني ،ويغتسل من أدران الواقع وعفن بالنسبة إليه األم الثانية ،اسمها (فاطمة) الملذات الدنيوية الشهوانية والمتطلبات رافقتهم في رحلة اشبيلية إلى التأمل في المادية للجسد ،يضطر الصوفي للدخول الطبيعة والخلق والذات البشرية ،ومقارنة ما في امتحانات وتحديات مع النفس ليروضها،
يتوصل إليه بَخَ فِ يّ حواسه مع ما يتلقاه من وبعد أن يسكن إلى صفاء روحه ،يعود إلى معارف ،فأشرقت أنوار التصوف في نفسه الحياة ليكشف أسراره العلوية وما رآه خلف
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
كانت تحفل بها مقامات العلم والمعرفة.
الناعم والخشن ،فلكي يتطهر عالم الذات
منذ زمــن مبكر ،فــراح يختلي في القبور ،الحجب للناس ،فيصطدم بأمواج عاتية من واألماكن المقفرة ،والــوادي ليال ،ومرض ،الحواجز منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو
بعد ذلك ،مرضا شديدا نجا منه بمعجزة ،سياسي ،ومنها ما هو تداولي ناجم عن الفهم وفي مرضه ذاك رأى حلما ظل يزند جذوة السطحي للناس ،ومضايقات الفقهاء الذين التصوف في نفسه ،فراح يبحث عن األوتاد ما فتئوا يوغرون صدور الوالة والسالطين األربعة ،ويطارد شيوخ التصوف ليأخذ عنهم والملوك عليه ،فيطرد أو يسجن ،أو يمنع
ضدا عن رغبة أبيه ،وفيما كانت الحاجة من الــدرس ،أو تضيق عليه فسحة العيش، ماسة إلــى اســتــقــراره ،باتت رغبة السفر فيرحل إلى أفق آخر. والتجوال تلحّ عليه مبكرا.
واستنادا إلى تجربة ابن عربي ،يمكن
ومــن بين العوامل الكبرى التي فتحت أن نسجل أنواع المحن التي تعرض لها في بصيرته على التنوع والفيض الغيبي ،حضوره حياته كالتالي: لمجالس الفيلسوف المسيحي فريدريك -١محنة الجسد ومتطلباته الشهوانية التي وجماعته الــذيــن كــانــوا يختلون فــي أماكن كانت تجره إلى ارتكاب الخطايا ،والذنوب خاصة لتدارس الفلسفة والفكر اليونانيين، واالن ــص ــات للموسيقى والــغــنــاء ،والسكر ح ّد الثمالة ،واإلغــراق في فنون المكاشفة واالنشراح واالطالع على الفكر الفيثاغوريّ واألفالطونيّ . .2ترادف المحن تحكي الرواية تجربة الصوفيّ بوجهيها
والمعاصي ،فيعمد إلى معاقبته باللجوء إلى المبيت في المقابر ،وقراءة القرآن، وتجويع النفس وقهر رغباتها في الطعام والمعاشرة الجنسية واالختالط بالناس؛ -٢محنة األسرة وتحمله المسؤولية مبكّرا بعد وفاة عمّه وأمه ووالده ،وتيتّمه وأختيه مبكرا؛ اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
41
-٣محنة السفر بحثا عن الذات (الصفاء) وتــأصــيــا للطريقة (األوتــــــاد) وهــربــا
تــردده األلسن شعرا في ما بعد رحيله؛ يقول:
مــن مــضــايــقــات أه ــل الــوقــت (السلطة ل ـقــدْ ص ــا َر قـلـبــي ق ــاب ـ ًـا ك ــلَّ ص ــورة السياسية) ،ورغبة في التواصل مع آفاق ـان ف ــمَ ـرْعً ــى ل ـ ــغِ ـ ـ ـ ْزال ٍَن وديـ ـ ــرٌ ل ــرُ هْ ـب ـ ِ أرحب .يقول الراوي في (موت صغير):
ـان وكـ ـعـ ـب ــة ط ــائ ـ ٍـف، و َب ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ٌـت ألوثـ ـ ـ ـ ـ ٍ «مــنــذ أوجــدنــي اهلل فــي مــرسـ ّيــة حتى ـرآن وأل ـ ـ ـ ـ ــواحُ تـ ـ ـ ــوراة ومـ ـصـ ـح ـ ُـف قـ ـ ـ ِ
سفر ال ينقطع. توفاني في دمشق وأنا في ٍ
ـوجـهـ ْـت رأيت بالداً ولقيت أناساً وصحبت أولياء أدي ـ ــنُ ب ــدي ـ ِـن ال ـح ـ ِّـب أ َّنـ ــى تـ َّ َرك ــائِ ـ ـ ُب ــهُ ف ــال ـ ُـح ـ ُّـب دي ـن ــي وإي ـمــانــي وعشت تحت حكم الموحدين واأليوبيين
ٍ والعباسيين والسالجقة في طريق قدّره -7محنة الفقد التي الزمته بسبب رحيل اهلل لي قبل خلقي .من يولد في مدينة كــل مــن أحبهم ،وألــفــهــم ،وســانــدوه في محاصرة تولد معه رغبة جامحة في االنــطــاق خــارج األسـ ــوار .المؤمن في سفر دائم .والوجود كله سف ٌر في سفر. ٍ من ترك السفر سكن ،ومن سكن عاد إلى العدم».i -٤محنة التضييق عليه من لــدن الفقهاء الــذيــن بــاتــوا يــحـرّضــون عليه الساسة والسالطين ،ويوشون به لدى من يقربونه منهم من والة رغبة في إزاحته؛
الحياة ،وآزروه في الشدة؛ انطالقا من والديه ،ومرورا بزوجاته ،وابنته الصغيرة، وشيوخه ،وانتهاء بأصدقائه ومريديه؛ .3بين السيرة والرحلة والرواية انسجاما مع روح النص الــســردي ،ومع طبيعة الكتابة السيرية الغيرية التي تتهجى أثــر شخصية معروفة في التراث العربي، بكونها أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، فقد ألفى الــروايــة نفسه مضطرا للتنويع
-٥محنة الفهم السطحي لما يقوله ويكتبه بين أنماط الخطاب ،وتشييد عالمه على ويـــؤولـــه م ــن ن ــص ــوص ،وي ــب ــوح ب ــه من أعــمــدة متعددة ،فمن جهة أرســى خطابه إشراقات نورانية؛
عــلــى دعــامــات الــســيــرة الــغــيــريــة ،ول ــو أنــه
-٦محنة الفشل في العشرة الزّوجية ،وتوالي سردها بضمير المتكلم ليسهل عليه النفاذ الخيبات في الزّواج ،ومعاكسة الحظ له إلى عمق الشخصية الرئيسة ،خاصة أثناء في العشق (تجربة النظام)ii؛ هذا العشق البوح بأسرار االرتحال الداخلي وآثار السفر
42
الذي أبدى فيه رأيا مثيرا للجدل؛ باتت العلوي التي يصعب على الــراوي الخارجي اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
يتقصى المادّة الخبريّة ّ الوصول إليها ،فراح الموزّعة في بطون األسفار والكتب ،بين كتب التّراجم واألنساب ومصادر التاريخ ،ويجمع منها ما يشيد به عالمه السّ ردي. ومن جهة أخرى ،أسّ س مسرده الرّوائي على صيغة رحلة ،متسلسلة الفصول تبعا لدينامية الحركة السفرية (مرسية ،اشبيلية، قرطبة ،فاس ،مراكش ،بجاية ،االسكندرية، القاهرة ،مكة ،دمشق ،حلب ،قونية ،مالطية، بــغــداد ،دمشق مــرة أخــرى) راويــا ما جرى للشّ خصية فــي كــ ّل مــحــطّ ــة مــن محطّ ات ترحالها.iv
مــفــردات المرحلة التاريخية ،ومــن فيض
ومن جهة ثالثة ،جاءت الرواية لتلحم ك ّل الــمــعــجــم الــعــرفــانــيّ دون أن تــســقــط في هذه المعطيات بما تملكه من خصوصيات الغموض أو االبــتــذال ،بالعكس مــن ذلــك،
التنويع واالستيعاب لك ّل أنماط الخطاب ،باتت تتميز بحيوية متجددة بتجدد الفصول، وتــبــرز قيمة الــفــنّ ال ــروائ ــي وصنعته في وتبدل أحــوال الشخصية ،وتعقد المواقف هــذا العمل مــن خــال التوصيف الدقيق والصعوبات التي يسقط في شركها ،ممسكة
لألشخاص واألماكن ،والتفاصيل الدقيقة بظ ّل المتعة الذي ظ ّل محور النص ،ونكهته. الــتــي نسجت أطـــراف الــعــوالــم الحكائية ،فــبــالــرغــم مــن حــجــم الــنــص الـــذي يــقــارب
ونظمت خيوطها ،وعبأت فراغاتها بالخيال ستمائة صفحة ،ومــع خصوصية الــمــادة الخصب والمناسب الذي أضفى على السرد الصوفية التي استند عليها السرد ،وتعرّج
طابع المتعة والطرافة والواقعية ،فبدا كأننا تضاريس المنطقة اإلنسانية التي يخوض نقرأ عن شخصية ابن عربي للمرة األولى ،فيها ،لم تتنازل السيولة المضمونية عن
مثلما لو عاشرناه ،باألمس القريب ،في ك ّل اإلثارة والتشويق اللذين ظال ،من أول وضعية حركاته وسكناته ،وعشنا معه ك ّل تفاصيل في النص ،إلى آخر موتيف تختتم به الرواية، فرحه ومحنته من ميالده حتى فيض روحه .العصب النابض ،واللحمة التي تشد مفاصل كانت اللغة الــســرديــة شفافة تمتح من المحكي ،في ذهن المتلقي. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
43
وجاء التمفصل الكبير ألبواب الحكي في الكبريت األحمر ،ذات بعدين :األول فني شكل رحلة موازية لمخطوطات الرجل (ابن يشكل حيلة سردية لتشغيل المتلقي ذهنه عربي) بين أماكن كثيرة ،وبين مكتبات خاصة إبــان الــقــراءة ،والثاني داللــي؛ يــروم تصوير وأخرى عامة ،لتؤكد االمتحان المتتالي الذي محنة الفكر الصوفي بعد رحيل الرجل.
تعرض له فكر ابن عربي بعد رحيله إلى العالم
لقد أفلح علوان في جعل نصه المغرق
اآلخر ،حيث يروج في المصادر التاريخية أن بالتفاعالت النصية ،والــطــافــح بــالــدوال مؤلفاته حرقت ،وحوربت من قبل الفقهاء المرجعية المستقاة من المصادر الكثيرة
والسلطة معا ،ومع ذلك ،فالفكر القوي الحر التي وجدها أمامه في الموضوع ،vعالمة ال يمكن طمسه مهما اجتهد أعداؤه في ابتكار صوفية سردية تبسط حياة الصوفي ،وتقرب أساليب المحو ،فقد ظل فكر ابــن عربي ،فكره الذي يرهب أحيانا ،إلى درجة النفور وكتبه بسبع أرواح ،ما إن يختفي هنا ،حتى منه ،فــي صــورة خالية مــن التعقيد الــذي
يظهر هناك ،وحتى في حياته ،كان يعجب نلمس فــي كتب الــكــرامــات ،وكــتــب الفكر الرجل كيف تسافر مخطوطاته وأشعاره بين الصوفي المغرقة في التجريد والمافوقيات المدن ،وأحيانا تسبقه في سفرياته ،فما إن والفلسفة العرفانية التي كــان منوطا بها
يرتاد سوقا للكتب ،حتى يجد أحد أعماله تفسير العالقات بين سلوكيات العرفاني
يتناقله النساخ .وعليه ،فإنّ خطة إدراج أمر واعتقاداته اإلشراقية المبطنة ،وهو أمر ال المخطوطات في الرواية ،بالتوازي مع سيرة يعني الناس العاديين في كثير من جوانبه.
() ١ ( )٢ ( )٣ ( )٤ ( )٥
44
محمد حسن علوان :موت صغير ،دار الساقي ،بيروت لبنان ،الطبعة األولى 2016م ،ص.25 . بناء على قصائده العشقية في فتاة متصوفة اسمها «النظام» التي رفضت الزواج منه لكونها وتده الثالث ،سيتم مهاجمته من قبل الفقهاء ،واتهامه بالزندقة والفسوق ،فرد عليهم بترجمة وتفسير هذه القصائد في كتاب له أسماه «ذخائر األعالق في ترجمان األشواق». مامات األراكَة والبَانِ ،انظر الموقع اإللكترونيhttp://www.adab.com/modules. : ِ محيي بن عربي :أال يا حَ .php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=19269 لم تتناول رحلة ابن عربي دراسات مفردة ،ولم تجمع في كتاب خاص ،لكن ابن عربي نفسه أفرد لها بعض اإلشارات المتفرقة في كتبه؛ منها :كتاب اإلسرا في مقام األسرى الوارد ضمن رسائله المعروفة، فضال عن إشارات في كتابه «الفتوحات المكية». من المصادر والمراجع التي استند إليها الروائي ،وإن لم يشر إليها في نهاية الرواية ،نذكر: كلود عداس :ابن عربي :سيرته وفكره ،ترجمة وتحقيق أحمد الصادقي وسعاد الحكيم ،دار المدار اإلسالمي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى 2014م -فصوص الحكم ،الفتوحات المكية ،الديوان الكبير، ترجمان األشواق ،ذخائر األعالق ،البن عربي -نفح الطيب للمقري ،الوافي بالوفيات لصالح الدين أسين الصفدي ،عقيدة ابن عربي وحياته ،تأليف :تقي الدين الفاسي -ابن عربي «حياته ومذهبه» ِ بالثيوس ،ترجمه عن اإلسبانية عبدالرحمن بدوي ...وغيرها من المؤلفات مما يصعب حصرها في الئحة.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρهشام بنشاوي -املغرب
نادرة هي تجارب كتابة سير العلماء واألئمة في الرواية العربية ،وهي تعد على أصابع اليد الواحدة ،فلم يلتفت إلى بعضهم إال القليل؛ نذكر من بينها تجربة الروائي بنسالم حميش في روايته «العالمة» عن «ابن خلدون» وكذلك روايته «هذا األندلسي» عن «ابن سبعين» ،وواسيني األعرج في «كتاب األمير» الذي اقتفى فيه سيرة «اإلمام عبدالقادر الــجــزائــري» ،وكذلك تجربة محمد العدوي في روايته «الرئيس» ،التي تطرقت إلى نتف من حياة الشيخ الرئيس «ابــن سينا»؛ أمّا أشهر تجربة عن المتصوفة ،فهي ديوان صالح عبدالصبور «مأساة الحالج» ،وال ننسى رواية «قواعد العشق األربعون» للتركية إليف شافق، التي تناولت سيرة «جالل الدين الرومي» و«شمس الدين التبريزي»؛ وأخيرا ،وليس آخــرا ،محمد حسن علوان في رواية «موت صغير» ،التي دون فيها سيرة الشيخ محيي الدين ابن عربي ،والتي حاز بفضلها هذا الروائي السعودي الشاب على جائزة بوكر العربية 2017م. إذا أضفت رواية «قواعد العشق األربعون» هالة من السحر على الحالة الصوفيّة ،فإن رواية «موتٌ صغير» ،والمستوحى عنوانها من عبارة لمحيي الدين ابن عربي« :الحبُّ موتٌ صغير» ،حاولت أن تبقى محايدة مع التجربة الصوفية ،مع شعرنة السرد ،رغم إقرارها بحدوث بعض الكرامات، ولحظات الصفاء والكشف .كما رصدت الرواية ما هو يومي وعــادي في حياة الشيخ ومحيطه، ورسمت الوجه اآلخر له؛ ورغم أن حياة الشيخ المتصوّف زاخــرة بالتفاصيل ،كــآراء ابن عربي وأفــكــاره ،التي جـرّت عليه الكثير من المشاكل
مكان ،وقادته إلى وألّبت عليه الفقهاء في كل ٍ السجن في القاهرة في إحدى رحالته ،من ناحية، وأيضا ما يزخر به تراث ابن عربي ،المنقول إلينا كامال من كلمات وأقــوال مأثورة ،حــاول محمد حسن علوان اقتباسها في مطالع فصول الرواية، وكــذلــك مــا تضمه مــؤلــفــات الشيخ األكــبــر من أفكارٍ وآراءٍ في عالقة المرء بربه وبالعالم وما إلى ذلك ،إال إن الكاتب لم يتطرق إليه كثيرًا في سيرة ابن عربي ،بل حــاول أن ينقل لنا السيرة اإلنسانية لشيخ المتصوفين ،والتي تخللها الكثير من االنكسارات ،والتطلعات ومجاهدة النفس عصر طافح بالصراعات للوصول إلى مبتغاه ،في ٍ والتطاحنات والمؤامرات السياسية ،التي مزّقت أوصال العالم اإلسالمي. قامت الرواية على مستويين سرديين ،إذ توازت حكاية رحلة المخطوط من مكان إلى آخر ،والذي انتقل من أذربيجان عام 610هـ ،وحتى وصولها إلى بيروت عام 2012م ،مع حكاية رحلة الشيخ محيي الدين ابن عربي ،ومع كل ظهور للمخطوط تظهر شخصيات جــديــدة ،فــي زمــكــان مختلف وصراعات متباينة؛ ففي المستوى السردي األول، نتابع رحلة انتقال المخطوط ،والتي شهدت أياما عصيبة في التاريخ اإلسالمي ،وعاصر حاملوه الكثير من الحروب والصراعات واالبتالءات عبر يكتف «علوان» بعرض ذلك التاريخ الممتد .إذ لم ِ سيرة ابن عربي وحياته ،بل حمل المستوى اآلخر من السرد لقطات مكثّفة وذكية لرحلة مأساوية أخــرى في األجــزاء ،التي عنونها بـ»المخطوط» وزمكانه ،وقــد اختار لكل مرحلة من مراحلها إحدى المصائب أو الكوارث التي مني بها العالم اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
موت ابن عربي الصغير
45
اإلسالمي في تلك البقعة ،التي كان «المخطوط» فيها ،حتى يضطر المحتفظ به إلى أن ينقله إلى مكان آخــر ،حتى يصل إلــى أيدينا في النهاية، ٍ في رحلةٍ طافت أماكن مختلفة وحروباً وويالت متعددة بعد وفاة صاحب المخطوط أصالً! فهو يتخيّل وجود مخطوط كتبه الشيخ بنفسه ودوّن فيه سيرة حياته ،وقد انتقل هذا المخطوط من ٍيد إلى يد ،ومن زمـ ٍـن إلى آخر حتى وصل إلى بيروت عام 2012م. أما المستوى السردي الثاني ،فقد احتفى فيه محمد علوان بسيرة ابن عربي منذ ميالده، والمحن التي شهدها ،إ ّبــان رحلته الطويلة من غربي البالد (في األندلس حيث والدته وشبابه) إلــى شرقيها (دمــشــق) ،م ــرورًا بالقاهرة ومكة وغيرها من حواضر العالم اإلسالمي للبحث عن مكان آلخر بحثًا «أوتاده» األربعة ،وقد انتقل من ٍ عن «الوتد» الذي ال يستقيم قلبه و«واليته» إال به. وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الوالية عندهم ،فمنهم مــن قــالــوا إنهم يتقسمون إلى «القطب» أو «الغوث »،وهو أكبر األولياء جميعًا، وهو واحــد في كل زمــان وتحته األوتــاد األربعة، وكل واحد منهم في ركن من أركــان العالم يقوم به ويحفظه ،لذلك كان لزامًا على ابن عربي حتى يحصل على مرتبة «الوالية» أن يصل إلى هؤالء األوتاد األربعة ،والذي نكتشف من خالل رحلته أنه ال يصل إليهم بسهولة ،بل وإنهم قد يكونوا بجواره وال يعرف أنهم أوتاده!
46
ســلــطــت ال ــرواي ــة الــضــوء عــلــى الــكــثــيــر من األحداث التاريخية واألوضاع السياسية آنذاك، إذ ترافقت سنوات طفولة ابن عربي مع الصراع بين المرابطين والموحدين ،والذي انتهى بانتصار الموحدين وحكمهم لألندلس ،كما تزامنت أسفار الشيخ مع محطات مهمة في التاريخ اإلسالمي، اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
منها الحروب مع البرتغاليين ،وثورات بني غانية فــي تــونــس ،والــحــروب مــع اإلفــرنــج فــي مالطا وغيرها ،والفتن والنزاعات التي كانت تحصل بين الملوك واألم ــراء ،ال سيما وأن ابــن عربي تنقل بين عــدة حواضر ،ما جعله يعاصر حكم الموحدين ،األيوبيين ،العباسيين والسالجقة. هكذا انطلق مــن إشبيلية إلــى قرطبة ،مــرورا بإفريقيا واإلسكندرية ،ودارت الحياة بابن عربي واستقر به المقام أخيرًا في «مكة» ،حيث كتب كتابه األهم واألشهر (الفتوحات المكية) ،وظن أن قلبه سيهدأ أخيرًا بعد أن تعرّف على «نظام» ابنة شيخه «زاهر األصفهاني» فأغرم بها ،وكتب لها وعنها ديوانه الشهير «ترجمان األشــواق» ،الذي بث فيه أكثر شعر الغزل المنسوب إليه ،وأراد أن يتزوجها ،ولكنه فوجئ برفضها ،ليكتشف فيما بعد أنها كانت وتدًا من أوتاده ،ولهذا لم يكن ممكنًا أن تتزوجه! بعد ذلك توجه ابن عربي إلى بغداد فالبقاع، ثم عاد حتى إلى دمشق ،حيث سيموت ،وقد التقى بأناس كثر ،تعلم منهم وعلمهم ،صحب ابن عربي ٍ أولياء وفــارق أوت ــاداً ،وأ ّلــف الكثير من الكتب، وسجن بسبب معتقداته وأفــكــاره .وقد ظل في هذه األسفار الطويلة ،والتي استغرقت كل عمر «الشيخ األكبر» يبحث عن معنى طهارة القلب، إلى أن التقى بآخر أوتاده «شمس التبريزي» ،أن اإلنسان يطهّر قلبه بالحب؛ ما يعيدنا إلى أشهر عبارات ابن عربي« :أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني» .وأكثر محطات حياة ابــن عربي مأساوية تلك التي انتهت بها حياته ،والتي تنتهي بها «أسفار» الرواية ،إذ نجد اإلمــام الكبير طاعنًا في السن يعمل أجيرًا في بستان ،باحثُا عن قوت يومه ،بعد أن ضاقت به السبل ولم يجد بدًا من العمل حتى يموت!
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
الوداع ρρمحمدالرياني*
وقفتْ تودعني بثوب أحمر يشبه لون اللحاق بي والباب ممسك بها ،وكانت دمها المحترق ،كانت تضحك وتبكي تريد العودة ولكن للباب رأيا آخر ،تركتُ من هول مشهد الــوداع وحجم مسافة كل شيء بما ذلك السفر ،عدتُ ألخلص الغياب ،لحقتْ بي حتى الباب األخير ،الــثــوب األحــمــر مــن قبضة الــبــاب ،من ِ جعلت البابَ نصف مفتوح ،وقفتْ في لوعة العيون المحترقة ،عــدت بقوة، النصف الضيق المفتوح ال تريد للوداع ضــربــتُ الــبــاب بكتفي ،انفتح الباب أن يقصر ،كنتُ مثلها في حالة الوداع كامال ،شعرتُ أن كل األبواب الداخلية لم أعطها ظهري ،مع كل حركة لألمام الصغيرة تضحك مع ضحكتها ،مسحنا كنتُ أتــوقــف وأتــجــه للخلف وأضحك سو ّيًا بطرف ردائها األحمر دمعة رقراقة وأبــكــي معها ،أردتُ أن يطول الــوداع من فرط الفرحة ،قلتُ لها ألجلك ...ال حتى أستمتع بطول الوقت ،لسان حالنا يقول ال لــلــوداع!! ال للحظات الــوداع للسفر ،ال لمحطات الــوداع ،أرادتْ أن الباكية!! في منتصف الباب والباب لم تغلق الباب فقلتُ لها أخشى عليك من يكمل دورته إلعالن الغياب انغلق على الباب ،ضحكتْ وكانتْ مطمئنة ،وكنتُ طــرف ثوبها األحــمــر فلم تــخــرج ولم قد ألقيتُ الحقائب في مكان ال يذكّر تدخل ،نادتني يا ...الحقني! كانت تريد بالسفر. * قاص من السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
47
وانتشر الخبر ρρخالدة خان*
لم يعد باإلمكان إخفاؤه ،أثناء سيري وسط الناس ،أجدهم يتطلعون إليّ ويهمسون ثم يكملون طريقهم ،وأذني تستمع لضحكاتهم ،أخرجت النظارة ووضعتها على عيني ،لعلى أمنعها من فضح أمــري ،أكملت طريقي فوجدت المزيد من النظرات صوبي ،كيف عرفوا ذلك؟ ربما شفاهي التي تدندن بتلك األغنية؟ ولكن كيف أخفيها وأنا أرددها باستمرار؟ ألقيت نظرة على المكان حولي فوجدت
شــخــص ...السر محفوظ ولــن يعرفه أحد، ولــن يظهر بوضوح للعالم ،وصلت إلــى باب المنزل وما أن فتحته حتى سمعت الكثير من التصفيق ،استدرت ألجد مجموعة من البشر خلفي ،البعض يصفق وآخ ــرون يلوحون لي بكلتا يديهم!..
المارة في االتجاه المقابل يتطلعون إليّ بنظرة
حسنا يبدو أن خطواتي كانت السبب! هل كنت أرقص أثناء مشيي في الشارع؟ أم كنت أسير هائمة متأملة كل جمال مهما بدا صغيراً؟! لم أجد في تلك اللحظة من مفر، باإلضافة إلى رغبة عميقة في اإلعــان عن األمر ،صرخت في الناس بأعلى صوت:
طويل يحلق مع الهواء في عربة ً شاالً أصفر
بائع متجول ،فاشتريته ووضعته على عنقي ونصف وجهى مخبأ خلفه ،أكملت طريقي
بسعادة من يحمل سراً ال يعرفه غيرنا ،أو هكذا ظننت حتى وصلت إلى طريق المشاة ،الحظت ساحرة أخذتني بعيداً عن هذا العالم ،زادت
عمقاً عندما تالقينا في منتصف الطريق!... أي شيء يفضحني اآلن يا ترى...؟! أخرجت المرآة من حقيبتي ونظرت إلى نفسي ،أن تكون
تسريحة شعري هي السبب؟ تلك التسريحة التي أخذت مني ساعات من الليل التقنها كما علمتني صديقتي!...؟ دخلت المحل الموجود في طريقي واشتريت على الفور قبعة خضراء ذات خطوط عشوائية رفيعة باللون األصفر،
وجدتها تناسب الشال ،لبستها وخرجت من المحل...
اآلن تنفست الصعداء ...لن ينظر إليّ أي * جدة -السعودية.
48
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أنا أحب... ثم دخلت المنزل فوراً ،وأغلقت الباب خلفي بقوة ،بحثت عن الهاتف ألتصل بك وأخبرك عن يومي ،واعذرني أيها الحبيب ،لقد أفشيت السر ،لقد أخبرتهم عن حبي لك ،بل صرخت لهم بذلك الحب ،فهو أكبر من قدرتي على إبقائه سراً!...
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
عبق الماضي ρρزينب هداجي*
مضى زمن منذ أن ترمّ لت ،وهي في ربيع العمر ...لم تكن الخسارة خسارة زوج فحسب بل خسارة سند وحبيب ...خسارة الفرح والغبطة .لم يراودها الشوق منذ ليوضب ّ أن رحل ،ولكنّه عاد ليطوقها عندما طلب نجلها أن تبحث له عن حقيبة فيها أغراضه استعدادا للجامعة. فتحت باب المخزن ...نفضت الغبار الرنّان« :أبشري يا فاطمة ...لقد رقيت
عن الخزانة ...خزانته ...كسا الغبار إلى رتبة لواء »...يومها عاد وهو يحمل
ثيابها ولكنها ال تحفل ب ــه ...ظهرت كيسين من التّفاح والموز ،وقد قال لها قبالتها صــورة زوجها «كــامــل» ببذلته أهما «بشارة التّرقية» .في ذلك اليوم العسكريّة ،عيناه تلمعان ...تخبران عن المعطّ ر بنفحات الــســعــادة والنّصر،
نصر قــادم...يــده ثابتة في التحّ ية ...أخذها للتّجول على شاطئ البحر ...ولم ـصــورة ،يعودا إلى المنزل إال بعد طلوع البدر في الــتــزامــا وعــزيــمــة ...حملت الـ ّ
احتضنتها ،ضغطت عليها بكل قواها السّ ماء .في ذلك اليوم ،المسروق من التي أضعفها المرض...عاد بها منطاد مخالب الموت ،أحست أنّها تحطم كل
الذّكريات إلى ذلك الزّمن الغابر...يوم قيود الزمان والمكان لتطير صوب عالم
دخل البيت وهو يلعن بصوته الجهوري خرافي تسوده السعادة بكل أصنافها، اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
49
سعادة النصر ،سعادة الفخر وسعادة القلب ،بالعودة فعاد ليزورني ...ليبهج قلبي الذي لم ما يفتأ يرفرف السّ نونو في ربيعه فرحا يذق طعم الفرح منذ وفاته .عاد ابنها يطلب لعزيز غالي .وبغتة سقطت الصورة مبلّلة الحقيبة وقد نفذ صبره وأمق اإلنتظار الذي
بعبراتها ،ليست التي بكتها بها يوم مأتمه ،طــال أكثر من ال ــازم ،ر ّبــت على كتفها ث ّم
بل التي فرحت بها له ألنّه مات في سبيل سألها عن سبب الدّموع التّي في عينيها،
الوطن .التفتت إلى أعلى الخزانة فرأت بذلة فذكرت أنّها بسبب الغبار الذي كسا األمتعة زواجه السّ وداء ،الوردة التي أهداها إليّها ال القديمة،وبذلك ودّعت قطار ذكريات حبيبها تزال في جيبها ...أمسكت بها من الطّ رفين المتوفّى وواصلت البحث عن الحقيبة حتّى وراحــت ترقص وترقص حتّى ال ـ ـدّوران ...وجدتها .أحسّ ت فجأة بقوّة خفيّة تجذبها دوران طار بها إلى الحادي والعشرين من أمام المرأة ..تجلسها فوق المقعد ..تجعل يــولــيــة ...ي ــوم عــقــد قــرانــهــا ...ي ــوم دخــا يــداهــا تصفّفان شعرها كما كــان «كامل»
بيتهما الجديد لتطأ جنّتهما السّ احرة ،ليبدآ يحبّ ...تلبسها فستانها األحمر ...تجعل أولى لحظات حياتهما الهانئة التي طويت من الفرح والغبطة تقيمان حفال في فؤادها
صفحاتها الورديّة يوم مماته ...لقد قال لها الملتاع .فوقفت وراحت تغنّي أغنية فيروز يومها« :يا فاطمة مــاذا تطلبين؟؟ حتّى لو «بأيّام البرد ...بأيام الشّ تي »...التي كان كان القمر ،لجلبته لك...لكن ها هو البدر يــحــبّ سماعها دائــمــا أل ّنــهــا تــذكــره بذلك قد نزل قربي »...قال ذلك ث ّم داعب يدها اليوم العاصف الممطر الذي عاد فيه من
ضاحكا ،فضحكت .احمرت وجنتها خجال المعركة بعد أن غاب عنها مدّة طويلة .عاد وحياء.... إليها يطلب منها شيئا آخر .تفاجأ من رؤية «أمي...أمي...يا أمي أين الحقيبة التي أمّه بتلك الهيأة .أخذ يرقبها من بعيد وهو طلبت؟» سمعت صوت ابنها ينادينها ولكنّها يبتسم ثم قال لها ضاحكا« :يا فطومة ما جثّة هامدة في زمن الحاضر ...روح حالمة أجــمــلــك!» .خجلت قليال ثــم قالت لــه« :ال
في زمن الماضي الجميل ...زمن فتح قلبها أعــرف ل َم ل ْم ترث من والــدك سوى ازعاج على مصراعيه ،دخله دون سابق إعالم ولكن اآلخرين والتطفل عليهم »...ضحك ابنها ثم
لــمــاذا؟؟ أل ّنــه زمنه هو لوحده ،ملك لــه ،ال احتضنها بين ذراعيه القويتين وقبّلها على يمكن أن يعود إ ّال بــإذن منه...لعله أذن له جبينها ،فابتسمت وغادرا الغرفة معا.... * قاصة من تونس.
50
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
ال أوان لما كان ρρهدية حسني*
أزيــح المبررات كلها ريثما أعيد ترتيبها مرة أخــرى ،فلقد تشابكت وتداخلت كنت على وشك الوصول لتبرير ـدت أضيعُ في خيوطها العنكبوتيةُ ، وتشعبت وكـ ُ تصرفه كيما أقنع عصفور قلبي المرفرف بين أضــاعــي ،كيما أه ــدّ ىء مــن روع القلق الذي يمخر بحر ظنوني ،وكيما أضع حد ًا لهذا الجبل الجاثم فوق صدري منذ سنين. لكنني ،وأنا أقلّب األمر الذي صار أموراً ،وأجرد حسابات قلبي التي تاهت في العد ،وأعنّف نفسي على السنوات التي خضتها في معارك خاسرة ،وأحاول ترتيب المبررات ،اشتبك عليّ ومن حولي كل شيء ،بدت الصور المُ ضللة تجرجرني إلى الطرقات التي ظلت في مخيلتي طازجة ورائـقــة على الرغم من موتها أو على األقل اضمحاللها وشيخوختها ،وبدا كل شيء يتداخل بكل شيء ،السنوات تتبع السنوات ،والــوجــوه الملتبسة تكتظ في المخيلة وتسد ال ــدروب دونــي ،وإشــارات تحذرني من المضي في التعلّق به ..كان عليّ أن ال أتجاهلها؛ لكنني تجاهلتها في هيجانات عواطفي. كل ذلــك حــدث ألنني أيضاً ضلّلت آن ،واندفعت كما الريح المدوّمة من
نفسي واكتفيت بتلك اللذة التي تغلغلت دون أن ألتفت أو أدرك بأنني سأحط في أوصالي ،لذة الخفقة األولى للمباهج، الرحال بعيداً عنه ..على أرض جرداء الدرس األول في القلق على شيء أردته خالية من طراوة األحالم. ورغبت في امتالكه ،لذة االندساس في
طيات الحلم البراق ،القريب البعيد في
ولـ ّمــا كانت عجلة الــزمــن ال يهمها
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
51
أمـــري ..فلقد مــرت بسرعة الــبــرق ،ربما ال أريــد أيضاً أن أتذكر رقــم السنين التي ســمــعــتُ قهقهاتها ول ــم أنــتــبــه إل ــى مــدى مرت على خيباتي ،لكنني أتذكر جيداً على
سخريتها ،ألجدني وقد أفقت من أحالمي الرغم من نسيان الكثير من اإلرهــاصــات التي اخترعتها على مقاسات اندفاعاتي التي عصفت بنا ،بأننا عشنا قصة حب
الفتية وقتذاك ،ليس ثمة في هذه القصة استثنائية أيام كنا بعمر الورود ،وكان لضوء ما هو مغاير لقصص الحب الخائبة ،نحن القمر سحره ،وللنجوم ألقها ،وللطرقات
نكرر األخطاء كلما أتيح لنا أن نفعل ذلك ،بهجتها ،وللشجر لون الحياة .قصة حب لم ومع التكرار نفتقد بهجة األشياء ،وتلك اللذة تصل منتهاها؛ لكنها أصبحت أطو َل عمراً السرية لخفقان قلوبنا واختالجات أرواحنا ،من حقيقتها ،توقفتْ عند منتصف الطريق، فتصبح الحياة عقيمة وسقيمة وخانقة ..وعند منتصف الحب توقفنا ،لم نُكمل ،أو
لكننا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه نصنع باألحرى لم تُكمل أنت ،تعبت خطاك ،وقررت طرق أقصر لعلك تستريح من أوهــامــنــا لكي نجنب أنفسنا الــمــزيــد من أن تبحث عن ٍ الخسارات ..هذا ما فعلته طيلة ما م َّر من هذا الذي يسمونه الحب ،والذي بدأ بيننا سنواتي القاحالت بعد فراقنا غير المبرر ...هكذا...
هل كان فراقاً غير مبرر؟
دعنا من ذلك اآلن ،ليست بي رغبة للكالم
دعنا مــن ذلــك فلقد امتصت السنوات عن بداية تلك الحكاية ..وال كيف انتهت ،لقد الطوال أحزان قلبي لذلك الفراق ،ونسيت انتهت وكفى ،والنهاية أخذت وقتها األطول
فع ً ال لماذا افترقنا ،نسيت أو تجاهلت أو لكي تستسلم وتُسلّم باألمر ،كل شيء انتهى خدعت نفسي أو ...قل ما شئت وال تُذكِّرني بالطريقة التي انتهى بها ،أخذ معه أمطار
بشيء مما جرى في الماضي البعيد ..أنت دموعي وكل ما يخطر على بالك من قسوة نفسك ال تريد تذكُّر األسباب والمسببات األوجــاع ..أحياناً ،عندما يصهرني الحنين التي حدثت في زمن لم يعد ملك اليدين.
المعتّق ،وأستعيد تلك األوجاع ..أشعر فقط
قلت لي في آخر مكالمة ،بعد عودتك التي بما يشعر به طائ ٌر ف ـرَد جناحيْه للريح.. جاءت تتوكأ على عصا فوات األوان ،بأنك ليُسقط ما علق به من عوسج ،لقد عالجت تفاجأت وأنــت تكتشف كم صــار عمرك ..نفسي بترياق ُم ّر كيما أعبر تلك األحزان،
همست لي بغصة مستترة برقم السنوات وعبرتها ،كلما ضــاق عليّ المكان فتحتُ
التي أحسستُ مرارتها مثلك ،إال أنني هنا ،نوافذ قلبي ،لعلها تتسع لحكايات جديدة،
52
في هذه القصة ،شطبت الرقم ،ربما ألنني ومــع الحكايات الجديدة أجــدك ،بما كنت
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
بعدها فقد محوته ،أو ركنته في زاوية مهملة يرى أحدنا اآلخر ،للقلب غايات لم ندركها لن ألتفت إليها ،ساهية عن كل ذنوبك ..بعد ،لعله يريد أن يُبقي على صورنا األولى وذنــوبــي الــتــي لــم أقــتــرفــهــا ،أو تــلــك التي التي كنا فيها بعمر الورود ،أو لعله يستعذب
اقترفتها في أحالم يقظتي ..وآه لو تعلم كم طعم الفراق ،فقد تندمل جراحه عند اللقاء، استحضرتك في أحالم يقظتي ،مانحة إياك جــراحــه التي لــم نتذكر متى تعافينا منها صك الغفران ،ونازعة عنك طبع الخذالن ،وتناسيناها ،شيء حَ س ٌن أننا نداوي الجراح َّ وباعثة فيك لذة التوق الذي كان ..الى الحد بنعمة النسيان ،والنسيان كان لعبتي التي لم الذي ال أتذكر لماذا خذلتني. لماذا قذفت بصوتك بعد هذا العمر؟ أعرف أن أشجار عمرينا ألقت بثمارها على قارعة الطريق ،الثمار التي لم نتذوقها بما فيه الكفاية ،وم ّر بها الغرباء ولم يكترثوا لها ،وأن الرياح العتيّة أخذتها بعيداً ،لعل أحــداً يعثر على بــذورهــا ويعيد إليها دفق الحياة ،وأعرف أيضاً بأننا ،نحن اإلثنان ،لم يعد لدينا ما نعطيه من أجل إيقاظ أحالمنا التي نامت تحت ظالل الكوابيس ،أنا أيضاً أتوكأ على عصا فوات األوان ،وأواننا فات
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
عليه وكنتُ أنا عليه من مباهج ،أما ما جاء لكننا لم نلتقِ ،شئت أنــت ،وشئتُ أنا أن ال
أتقنها تماماً.
كم صار عمرك؟ ..ال أصدق ،وال أريد أن
أصدق أن ذلك الشجر النضر الشامخ النزق الشهي ،يمك ُن أن تداهمه سوسة الشيخوخة
بهذه القسوة ،ويمكن أن ينبهني الى أنني على
الطريق ذاته أسير .عجباً ،لماذا إذن لمّا أزل
أشعر بأنني ابنة العشرين كلما الح طيفك، وأن قلبي الذي خرّمه الفراق ما يزال يُفسح مكاناً للبهجة ،حتى وإن كانت تلك البهجة قد
جاءت بعد فوات األوان؟
لكنني وأنـــا أشــتــبــك فــي مــحــاولــة فــرز
أوانه ،بل قل ال أوان له ،إنه وقت سادر في الــمــبــررات الــتــي اســتــعــصــت عــلــى الــفــرز، العماء والبهجة المسلفنة باألوهام ،نحاول تفاجأْتُ أن عمري أصبح!..
اإليحاء ألنفسنا بأن األغصان اليابسة يمكنها أن تورق بعد مــوات ..ليس ثمة حياة ،دورة
ياه!.. لــن أهــمــس لــك بــرقــم الــســنــوات ،فقد
الحياة أخذت وقتها ..وليس بمستطاعنا أن شطبتُه فوراً من رأسي قبل أن يصلك وأنت نعيش مرتين. على الطرف اآلخــر من الدنيا ،ال أريــد أن غصتين. على مرمى بصر كنت مني ،وكنتُ منك ،أعيش أو تعيش ّ
* قاصة من العراق مقيمة في كندا. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
53
مرايا ووجوه انعكاس س ــاف ــر إل ـ ــي ال ــص ــي ــن طــلــبــا لــلــعــلــم.. اندهش(لتشابه) الــوجــوه واألشــكــال ..لما انتهى من بحوثه ..وجدها نسخا (متشابهة).. ثمة كالم لما أبدى استياءه من ديوانه.. تطلع إليه في اندهاش.. وقبل أن يطرده من مدينته الفاضلة، كان يغرق قصائده في البحر، ثم مسح وجهه وابتسم.. فنان على صوت المطر يرسم أجمل لوحاته، خمسيني يقبع وحيدا،
ρρمحمد محقق*
لما أدرك أن بائع الكتب، هو نفسه الذي أهداه هذه النسخة.. مشهد قبل أن يلتهم خبزه الممزوج بالزبدة، أخذ قلمه ليداعب كلمات مجهولة، ضحك باستخفاف وهو يرى بطله يسكب فنجان قهوته على قصته... عبقري تــســاءل وهــو يصافح بائع القبعات ،كم تساوي قبعة الــروائــي والــقــاص والشاعر؟ ق ــرر أن يــشــتــري الــقــبــعــات الــثــاث دفعة واحدة ،من حينها صار العبا باللغة واألفكار والشطرنج... أديب
رأى القبعة شكال جميال على جماجمهم، أشيل يحتفل بنشوة النصر، تيقن أن خيوطها مزيجا مــن األحاسيس ولما أثلجته نسمات الليل البارد واألفكار ،كي يستمر حلمه األزلي مع الكتابة، كان وجه امرأة فاتنة تداعب ريشته بحنو اشترى واحدة وحرك رأسه في كل اتجاه... شاطر كان يتجول كعادته في حارة الكتب المستعملة، شد انتباهه وجود ديوانه بينها، ابتسم بخبث، * قاص من المغرب.
54
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
شتات فقد صــوابــه حين ضاعت القبعة منه، وحــدهــا الكلمات كانت تتبخر مــن رأســه، حينها أدرك أن حلم الكتابة قد تالشى وأنه ينط داخل أنفاق مغلقة..
ρρحليمة الفرجي*
تنبت لي رئة أخرى عودة تسلل مجبرًا ليزرع األلغام بالدولة المجاورة ..وقلب بعد ان وعد طفلته أن يعود صبيحة العيد.. حين انتهت المسرحية.. مضى نهار العيد والطفلة تنتظر تقدمت منتصرة أنظر في مرآتي.. وعند المغيب أجدني قد أصبحت حضر للدار رجــال غرباء يحملون الحلوى.. آدم جديد... ودمية ملطخة بالدماء ميتَا رجس بداخلي ألف أنثى تحتمي بي مني.. دنسته السياسة.. وكأن أنوثتي ماهي إال ذكرى خالية.. فسجد سجود السهو ،مغتسال بدماء شعبه بنت حولها العنكبوت هزيمة بيتا ورأسا ممتلئا بالورق.. في أولى معاركي مع آدم.. وحبة فاصولياء تنمو للسماء.. خسرت... ظننت أنــي انتصرت لنفسي حين قصصت تتسلقها أحالمي بدون أرجل وجفنان ضفائري ،وارتديت قميصه.. صعدت خشبة مسرح أهش بهما على حلم.. أللعب دورًا لم يكتب لي.. بقي تمتلئ الكراسي لـ فتاة ذات ضفائر طويلة بالفراغ ترسلها لألسفل تضحك ألنني بعيدا كلما بدأت الرقص، حيث تقف صفوف مكررة تنبت أنوثتي ..فأجتثها.. لذكور يحملون ذات المالمح.. تمردت.. فأغمض عيني قسى الدور عليَّ كثيرًا أنتظر أن يمر أحد في ذاكرتي وكنت قد أقسمت أن أجيده او أجد منه ريحا تهترئ نافذتي.. كرهت ضعفي ..استكانتي يسقط الحلم تظاهرت بالقوة أسافر طويال ما بين آدم وحواء.. ترقص حولي شبيهاتي وحين تستقر قدماي من إناث خذلهن الحب.. أجدني أنثى بدون وجه.. كلما ازداد التصفيق.. يقصر شعري.. تكتمل بي الصفوف المتسلقة ساق حبة الفاصولياء
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
نصوص قصصية
* شاعرة وكاتبة سعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
55
قصص قصيرة جد ًا
ρρمحمد صوانة*
أنفاس غائبة
فَ قْ ٌد
شمس أيــلــول ..نــام الجميع ،ولم ُ غابت يأبهوا بها مثلي! لم أشعر بأنفاس المكان! تنكرت لي الوجوه بعد سنوات طويلة ،عدت إلى جامعتي،
ل ــم أعــــرف طــعــمــا لــلــنــوم .وظـ ـلّ ــت ك ـ ُّل والــنــظــرات الــقــاعــات والــســاحــات ..حــتــى األشجار؛ تالعبت بها الرياح ..!..األماكن الشروقات تُ َذكِّرني بحضوره.. صورة
الدافئة لم يعثر لها على عنوان! ارتباط
أغمض عينيهِ ،ونام! َ اشتا َق لرؤيةِ طيفهِ ؛ خريطة طريق
تسلّم عصا الترحال ،ومضى..
الخريطة المرسومة بالقلم الرصاص،
وما تزال عينه تحتضن لقطة الوداع..
تلوي يده الممسكة بالممحاة ،وتحول دون أن ينال من ِعنادها!
ال جديد
غداء
يوم فارغ في حياتها ..تغيب شمسه دون
جديد..
يفيض اللعاب في فمه بغزاره ،عند مروره بالقرب من نافذة بيت الجيران ..وهو في على غطاء السرير طريق عودته من المدرسة. تحتضنه وتغفو.. طبخت لنا اليو َم شيئاً يا ِ يسأل أ ُ َّمهُ :هل محاولة أُمّي؟
تــأوي إلــى فراشها ..ترسم صــورة أمها
في ضاحية سينترا.. يتتبع أثــر األجـــداد فــي القلعة العربية التاريخية
يهز القلم ..مؤمِّال أن يستجيب ويخرج
المِ داد كما يشتهي..
أطلق القلم صافرة استغاثة؛ دون تأخير كانت دوري ــة شرطة تحيط
جـــاء الـــحـــراس ،فــأحــاطــوا «الـــذاكـــرة» بالمكان.. باألسوار! * قاص من األردن.
56
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρابراهيم جابر مدخلي*
صاص أنا ُ والق جرحُ القصيدةِ ُجرحي ِ
ـاس إن ــي أنـ ــزف الـشـجـنــا! ي ــا أي ـهــا ال ـ ـ ّ َنـ ـ ُ
من ألـ ِـف عــامِ صهيلُ الحرف يسكُ نُني
ـاح عَ ـ َن ــا! ـوت الـ ــريـ ـ ِ ـاي ب ــه صـ ـ ـ ُ وأل ـ ـ ـ ُـف نـ ـ ـ ٍ
ـزن مُ ــتَّ ـ َك ـ ٌأ ـس ل ــي غ ـي ــر هـ ــذا ال ـ ـحـ ـ ِ ألـ ـي ـ َ
مُ ـ ــذْ ودع ـ ـ ْـت رح ـل ــةُ األيـ ـ ــامِ ل ــي مُ ــدُ َن ــا؟
مُ ـ ــذْ غ ـ ــاد َر ال ـن ـجــمُ ل ـي ـ ًا أفـ ــقَ راحـلـتــي
ال ض ــو َء فــي دربِ ــيَ األعـمــى و َث ــمَّ سَ ـ َنــا!
زلت أ َْخبُو َكفَانُوسي الذي ارتَجَ ف َْت ما ُ
بالعصف ُشعْ لَتُ ه الحمقى ومــا وَهَ ـ َنــا ِ
ولـ ــم أزل بـ ـع ــدُ ِطـ ــفْ ـ ـ ًا ارتـ ـم ــي شَ ـ َغ ـب ـ ًا
َك ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ْورَةِ ال ـع ـط ــرِ ُت ـ ـ ْبـ ـ ِـدي ِس ـ ـ َرنـ ــا عَ ـ َل ـ َن ــا
شاطئِ نا ـاج ِ لــم تستح الــريــحُ مــن إزعـ ـ ِ
مذ حَ َّطمَ ْت يَدُ ها الهوجاءُ لي ُسفُ نَا!
مــدائــنُ الـكـحـ ِـل تبكي خـلــف أشرعتي
مـ ــرافـ ــئَ ال ـ ـنـ ــورِ إنْ ُح ـ ـ ّب ـ ـ ًا وإنْ وطَ ـ ـ َن ــا
شــاخـ ْـت على وت ــري األن ـغــامُ وانتحرت
أصـ ــداؤهـ ــا ب ــال ـن ــوى ال ُت ـس ـ ِـم ــعُ األُذُ نـ ـ ــا
م ــا شَ ـ ــذَّ ع ــن عــزفِ ـهــا لـحـنــي وقــافـيـتــي
ل ـك ــنَّ س ــادِ َنـ ـه ــا ف ــي ال ـح ــب ق ــد شَ ــطَ ـ َنــا
ـف مَ ـ ـ ــدّ ال ـ ـظـ ــلُ ق ــام ـ َت ــه أمـ ـ ــا تـ ـ ــرى كـ ـي ـ َ
ـات وه ــا ق ــدْ أنـهـكـتــه َو َن ــى؟ نـحــو ال ـج ـهـ ِ
كـ ــلُ ال ـع ـصــاف ـيــر م ـث ـلــي ال ت ـعــي وطـنــا
ـراب وال ـ ُـج ـ َب ـن ــا! إذ شَ ـ ـ ّر َدتـ ـه ــا يـ ــدُ األغـ ـ ـ ـ ِ
زواب ـ ـ ـ ــعٌ فـ ــي ف ـض ــا األحـ ـ ـب ـ ــاب غ ــاض ـب ــةٌ
ـصـ ُلـهــا الـمـغـبــرُ بــي خَ ـ ِـشـ َنــا! َلــمَّ ــا ي ــزل فـ ْ
ـال ال ـ ــذي ت ـش ــدو لِ ـ َه ـ ْي ـ َب ــتِ ــهِ كـ ــلُ الـ ـجـ ـم ـ ِ
ج ــال ــةُ ال ـش ـع ــرِ ي ــا ق ـل ـبــي َيـ ــنِ ـ ــزُّ هَ ـ ـ َن ــا!
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ثورة العطر
* شاعر من السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
57
النهر الحيي أسرار ِ ُ ρρهندة محمد*
ليلٌ بدمع المرايا حين يمتلئُ ِ كحل ويلتجئُ يسيرُ جرحا إلى ٍ يمرُّ طفال.. فوانيس نهرٍ َ تابوت غربتِ هِ يحيي ِ وفي فيه ..ننطفئ طفال عرجت ْ سرى بين أسمائي التي وعند فرعونَ تا َه الوحيُ والنب ُأ طفال ترتلَ ضوءٌ من سريرتِ هِ وكلما غابَ صبحاً ..فيَّ يبتدئُ هذا الذي خرائطهُ خوف ًا ُ نامت ْ في دمي
58
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
وفي حزنِ ِها المصفرِ ينكفئُ لكنّه عندما غابت هويّته رأَى تفاصيلها يغتالها الحَ م ُأ إذ ال سماءٌ ليسري بينها مطر ًا سحاب بصدري فيه ملتج ُأ ٌ وال أنا السدى وطن ًا التي هدهدتْ بين ّ بالحلم والتأويلُ يهترئُ ِ يقتات ُ أنا وبينك َ بمفترق بيني ٍ فتحت نهاراتي ُ حتى مسَ ها الصد ُأ لم أشتهِ الغي َم
ولم الملمْ غبا َر النازحين.. مأوى ومتك ُأ ً هوى في قفرِ أسمائِ هم قد وسط أوردتي َ تفتحُ الريحُ باب ًا لكنَّ بذ َر الرؤى في حقلِ نِ ا خط ًأ لست اعرفُ هُ ا.. ُ إن راودتني سماءٌ عن نجمةٍ تهتدي في ضوئِ ها سب ُأ عرجت ُ براق يرتدي قلقي نبيةً فوقَ ٍ لم يحاولْ ماءَها ظم ُأ
قد تعتريني غيومٌ حين تغمدها.. يتيم راعَ هُ الك ُأل قلب ٍ في قفرِ ٍ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
إال من موائدهِ آيات الندى نشأوا فالكل من وحي ِ ُّ
سماؤك َ هنا تتلو وِ ر َد أغنيتي.. الدراويش إذ من وحينا قرأوا ُ كما
كما الحكايا.. نأتْ فيهم جداولُنا.. وكل من عطش ًا مروا بنا نتأوا ُّ
بيَّ المرايا األرض يعرفني.. ِ ووجهُ خوف فيختبئُ أمدُ ضوئي بال ٍ
الروح ِ بجب ذئاب ِ ٌ مرتْ تكسرني تلك الرؤى وعلي اآلن تجترئُ َّ
وذي خطاكَ ُعد درب ًا اآليات اسمعها ت ُّ ُ كما عليه الروح تتكئُ
لكن عشقي.. األرض يسكبني.. ِ لهذي نهر ًا حيي ًا على أسرارِ هِ أطأ
* شاعرة من تونس. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
59
َ ظالل المعنى ألم ُّ ρρحنان بيروتي*
كلما غادرتَ قلبي.. عدتَ قبلي يديك َ نسيت بين ُ بعضي زلت صامتةً كدمعة ما ُ عينيك ألبكي! َ أحتاجُ ***
لك نبضة القلب َ ِ جيب في ِ كف الوقت خبأتُها من ِّ ***
قلبي ال يخطئُ خطوك حرف حضورك َ يتهج ُأ لكن بغيابَك يتلعثم يرسمُ بأنامل مجروحة وجهك! ***
الحرف ُ ال يسعفُ ني نبضك في قلبي ألكتبَ َ فألمُّ ظاللَ المعنى شرفات الكلمات ِ من ***
في القلب متسعٌ ألمنيةٍ أخيرة ما تبقى من مالذِ الروح أنتَ الحب في هذي الهجيرة ِ وأنتَ ظلُّ ***
60
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
جفّ ْت ينابيعُ صوتي بعدك عطش روحي ُ ودقَّ أوتادَه في صحارى البكاء! ***
وإنْ تتهجأ حروفي غيابَك يتلعثم القلب.. ***
لك ناقصة كأني لوحةٌ َ كلما افتقدتَ ضحكتي تعيد الرسم! ***
ُك ال أكتب َ الحروف تنقرُ بابَ الغياب... ُ لكأنّها ***
أفرشي عمري ونامي... مثل طفلة لعينيك ِ ـرف وات ــرك ـي ـن ــي..أغ ــزلُ ال ـح ـ َ قالدة.. ***
ـأت الـ ـلـ ـي ــلَ ..وأي ـق ـظـ ُـت م ـ ــاذا ل ــو خـ ـب ـ ُ الشمس ّ
***
مرفئي عيناك وأنا على سفر.
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
عيناك..ويشرقُ قلبي.. َ لتصحو بشعاعِ الحب؟!
الوقت.. تقدِّ م وتؤخر.. حسب دقات القلب! ***
***
كلما حجبَ الغيمُ وجهَها مس شعرَها الش ُ تمشط ّ ُ بمرآةِ الكون ***
سرُّ القهوةِ في كف الفنجان يصافحُ وجهً ا من ضحكتِ ه النكهة ***
القهو ُة أميرة تسندُ ها في الخطوةِ كفُ ك كي تشربَ من نكهتِ ها الصبحا
نسيت ْ أصابع الغيم آللــئَ ِ ينسلُ من كأنّ المسا َء صالةٌ بياضها... َ عطش الروح ..وهذا البهاءُ استجابة َ يشاكس ُ يبوحُ بهمس.. برنين متأخر ..لضحكةٍ آتية! ٍ ***
***
***
الشمس قرص ّ َ الغيومُ تخبئُ تنسجُ ظاللَ الحكايات وت ـن ـثــرُ ع ـلــى ص ـف ـحــةِ ال ـس ـمــاء رخ ــا َم السؤال..
شموسا … ً لليل لَو ْ أرسمُ ِ كأس الحلم… وأذيب نجومَ ه في ِ ُ كقطع السكر ِ ***
هي جملةٌ متأنقة *** بكعب المعنى العالي ِ تعثرتْ الكاتب لتكونَ العنوان! ُ الـ ـس ــاع ــةُ ت ـخ ـط ــئُ أحـ ـي ــا ًن ــا فـ ــي ع ــدِّ فالتقطها * شاعرة من األردن. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
61
ألكف الجنوب ذاكرة ّ ρρسماح بن معيز*
ـات جـ ـ ـن ـ ــوب ـ ــيّ ب ـ ـ ـس ـ ـ ـم ـ ـ ـرَةِ أم ـ ـن ـ ـيـ ـ ٍ
وأرض أت ـع ـب ـت ـهــا الـ ــريـ ــحُ َن ـق ــرا ٍ
ـوس ــد عـطــرهــا م ــذ ك ــان طفال تـ ّ
يـ ـعـ ـ ّل ــق ب ـس ـم ــة ل ـل ـح ـل ــم ج ـس ــرا
ـآن عُ ـمــرٍ سـنـيــنَ تـهـيــمُ ف ــي ش ـط ـ ِ
ب ــه سـبـعــون ل ــم يُ ـكـ ِـم ـلــنَ ُســكْ ــرا
ـاح ـدوب ف ـ ــي ري ـ ـ ـ ٍ كـ ـثـ ـي ــرا م ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ٍ
أج ـ ــرا ـروق نـ ـ ــالَ ْ ق ـل ـيــا مـ ــن شـ ـ ـ ـ ٍ
ـض ي ـض ـي ــع ..وأمّ ـ ـ ــه أرض وف ـي ـ ٌ
تــربــي م ــن ح ـصــاد ال ــدم ــع نـهــرا
وتـ ـ ــدفِ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ــاره بـ ـي ــن األي ـ ـ ـ ــادي
لتُ نبِ تَ مــن عـيــون الجمرِ زهــرا
ل ـ ــه لـ ـي ــل يـ ـشـ ـي ــب بـ ـغـ ـي ــرِ ن ـج ـ ٍـم
كئيب ضــوئــه فــي الـمــاء َيـ ْـسـرَى
لـ ــه ع ـن ــد ال ـ ـمـ ــرايـ ــا بـ ـ ــاب ص ـفــوٍ
فيسأل :أيــن ركـ ُـب الفجرِ مَ ـرّا؟
ي ــرى إغـ ـف ــاء َة ال ـبــاق ـيــنَ شـمـ ًـســا
ت ــذوب عـلــى أك ـ ّـف الـشـهــد عُ ــذرا
ي ـض ـي ــعُ ..وال يـ ــرى إ ّال جـنــوبــا
وغ ـيــر نخيله فــي الـقـلــب َتــمْ ــرا
ـرحــا ج ـنــوب ف ــي زمـ ــان طـ ــالَ جـ ً
ي ــرقّ ــع م ــن حـنـيــن ال ـ ــورد صـبــرا
يُ ــواســي الــرمــلَ بــردا للصحارى
إذا م ــا ذاب فـيـهــا ال ـغ ـي ــمُ حَ ـ ـرّا
يحنُو هي النور الذي في الروح ْ
ُف الصوتَ لحنا حين يَعْ رَى تل ّ
ق ــريـ ـب ــا ُت ـ ـفـ ــلِ ـ ـ ُـت ال ـ ـنـ ــايـ ــات فـيــه
ت ـن ـي ــمُ جـ ــدائـ ــل ال ـك ـث ـب ــان أمـ ــرا
وت ـ ـت ـ ـلـ ــو قـ ـلـ ـب ــه ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ل ـص ـب ـ ٍـح
قسرا فيسكت عــن رذاذ السهوِ ْ ُ
ـان أخ ـي ــرٍ س ـي ـغ ــدو طـ ـف ــلَ تـ ـحـ ـن ـ ٍ
ي ـ ـ ـه ـ ـ ـ ّز بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــادر الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــزن ب ـ ـ ــذرا
كـ ـش ــوق طـ ــاف ب ــال ــرؤي ــا طــويــا
إلى أن غاب دمعا ..وه َو مَ ْجرى..
* شاعرة من تونس.
62
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρلقمان حلفاوي*
ل ــم يـبــق ل ــي م ــن ح ـنــان األم ـه ــات إال يا أيها المنتشر في المدى القليل ال تضق بي و قلب كآخر وردة في موسم العشاق أنت مني تساقطت نصفين... أيها القريب و خريف الذكريات أنا الغريب تناثرت أوراقه كصرخة في المدى أو صرختين... أنا المقتول مرتين لم يبق لي إال نهر واحد ها أنا أحتمي بالقصيدة ينبع من دمي أؤل ــف بـيــن ال ـســراب ون ــار المسافات يرفع من الحزن القديم راية البعيدة كراية «الحسين» ال شيء يستحق أن يحي ****
يا أيها الليل ما بالك تحط الرحال على كتفي بالكالم المسرب من الشرفات ليس هنالك أكثر من ذلك الوجع وجع الذكريات... يا من قتلت فِ يَّ ...كل الذين أحبهم طفولتي مدينتي و األمنيات... هل أنت مثلي تقتات من لحمك المر و تشرب من دمك المالح؟
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ليل الغريب
عدا وجه أمي وجهها القادم اآلن من زمن المتن ال نقرأ الماء بين الهوامش... ****
يا أيها الليل يا من طرّزت ثوب فرحتي بالنجمات وقت الخسوف ربما قد آن أن تردني إلى صباي أمهد الطريق للسواقي و أحرس الغيمات.
* شاعر تونسي مقيم في السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
63
الو ْصل َق َد ٌر َع َلى َق ِار َع ِة َ
ρρخالد بهكلي*
ال ال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ــمُ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َق ـ ـ ـ ـ ِـدي أَ ْو الحَ ـ ـ ــا ّأ ْو عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َو َد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ــلُ َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا ـان ال ـ ـ ــمَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــا َف ـ ـ ــةِ أَ ْر ْت ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ــنَ أ َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـأْسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َوأ َْش ـ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـر َِاح ِجـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ــا َو ُأ َلـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ـ ــذٍّ ْكـ ـ ـ ـ ـ ـرَى ِ ُل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َر مَ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ــرِ َبـ ـ ـ ـ ًا ال ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــمُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َق ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ـ ـ ــا ا ْنـ ـ ـ ـ ـ ـزَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا ـال وَال أَرَى أَ ْر ُن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو إلـ ـ ـ ـ ــى َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْب الـ ـ ـ ـ ـ ــوِ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ أَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ُـف حَ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـ َب ـ ـ ـتـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الحَ ـ ـ ـ ـ ــا ـام ـ ـ ـ ــي ويُ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ِـهـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ َهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـوَى أح ـ ـ ـ ـ ِ َفـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــثُ ـ ـ ــو ُر ْ ـام ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــنَ ِسـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا َو َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَنَّ أ َْح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ دُ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايَ غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْن َتـ ـ ــشَ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي وَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـضـ ـ ـ ـ ـ ــول أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَدِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــى وا ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ـف أَ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوذُ فِ ـ ـ ــي أ َْسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــارِ هَ ـ ـ ــا؟ ِم ـ ـ ـ ــنْ أَ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ؟ َك ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َ ـضـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ــا ـض ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ــرُ اإلِ يـ ـ ـ ـ َ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ٌر َيـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ْ جَ ـ ـ ـ ـدَلِ ـ ـ ـ ـ َّيـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ــا و َْصـ ـ ـ ـ ـ ــل َتـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ُنـ ـ ــقُ خَ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـوَتِ ـ ـ ــي وَا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرزَخُ ا ْل ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ــمُ ـ ـ ــومُ َض ـ ـ ـ ـ ــجَّ ِصـ ـ ـ َي ـ ــاحَ ـ ــا َاب َيـ ـ ــمْ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــحُ دَمْ ـ ـ ـ َع ـ ــتِ ـ ــي َص ـ ـ ـ َّل ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ُـت وَال ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ـر ُ َ َيـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ل ـ ـ ـ ــي ِعـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع وِ شَ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا َات إِ ْذ َصـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ْي ـ ــتُ ـ ـ ـ َه ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َتـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ِـع ال ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـو ُ َاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزد ُْت قِ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ــا ـضـ ـ ـ ـ ـ َر ْب ـ ـ ـ ـ ُـت رَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و ْ َف ـ ـ ـ ـ َ وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أَ ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَابَ الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــان ـ ـ ــةِ كُ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـه ـ ــا َفـ ـ ـ ـ ـأَ َتـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ًا وَا َّت ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ــجَ ـ ــاح ـ ــا 64
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ـض ـ ـ َهـ ــا و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــوُ ُش أ َْس ـ ـ ــئِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــاتِ ـ ـ ــلُ َبـ ــعْ ـ ـ َ َود َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى سَ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـف اإلِ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ــةِ سَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا أَأَعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ مُ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ َر ًا أَأَذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب غَ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ًا وب ُنـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا أَأ َِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخُ أ َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أَذُ ُ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء َي ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــنِ ـ ـ ــي إِ لـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا إِ َّن ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي أل ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ئُ األَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َر وا َ
ُضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ اإلي ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ــنَ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت ـ ـ ـ ـ ــه أَأ َ فِ ـ ـ ـ ـ ــي َث ـ ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ـ ــا وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ــرَّ احَ ـ ـ ـ ــا وَال ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ُـب فِ ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ــلٌ َو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ــرُ غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َو ًة َو َروَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا إِ نْ َتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــوات َي ـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرُ ُح ـ ـ ّب ـ ـنـ ــا َو َتـ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ هَ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َهـ ـ ــسَ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــوُ مِ جَ ـ ـ ـ َنـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا اح ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـرَا َق ـ ـ ــات الـ ـ ــحَ ـ ـ ــرِ يـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ َل ـ ــى َف ـ ِـم ــي َت ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ــرِ ي ْ وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ِـب الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـوَى مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ــاحَ ـ ــا َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأ َِج ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ ءُ مُ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـه ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ًا َوأُعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ َثـ ـ ـ ـ ـ ْورَتِ ـ ـ ـ ــي ألُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ والـ ـ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا ال َت ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ــي إِ نَّ ال ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــا َء سَ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ْنـ ـ ـ َت ـ ــهِ ـ ــي َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ زَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــرَّ بِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـع َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا َفـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــدْ جَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ الـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــدِّ ي قِ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ــةً وف رِ مَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا وَخَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ُـت ِمـ ـ ـ ـ ــنْ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َِق الـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ــرُ ِ ِم ـ ـ ـ ــنْ خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ِـف أ َْسـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــارِ الـ ـ ـ َّـسـ ـ ــمَ ـ ـ ــاءِ سَ ـ ـ َن ـ ـ ْل ـ ـ َتـ ـ ِـقـ ــي َو ُنـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــمُ ِعـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ــدَ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ودِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ا ْنـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ َكـ ـ ــابَ ال ـ ــخَ ـ ــمْ ـ ــرِ أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ُح ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َو ًة ـصـ ـ ـ َب ـ ــاحَ ـ ــا أَ ْت ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ ُحـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ــي َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا ال ـ ـ ِـم ـ ـ ْ * شاعر من السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
65
ِمل ٌْح ِب ُه ْد ِب َ صيدة الق ِ ρρطاهر لكنيزي*
يشاكس خطواتي حجرٌ َ لن يتأبّط وعْ ثا َء أسفاري أو يُ عاتبني، يتوشح في حضرتي قمرٌ ّ الصورْ.. وفتاتَ ّ طالما أَلْقمْ ته أسماك أسراريُ .. لن تُغافلني بسمة مُ تربّصة فتشعّ على شفتيّ شموسا كفرحة طفل إذا اعْ شَ وْشَ ب الدفءُ في مقلتيه وأضحى الحلم شجرْ.. ْ لن تدغدغني ضحكة خضراء مثل أنامل وهْ مي فأمتح قهقهة مترنّحة من قرارة همّ ي أهرّقها في نفوس السذّ ج مثلي نتعاطى كؤوس الهزل ..ونشرب نخب تفاهتنا حتى نتقيأ مُ ّر الضجر.. لن أجَ رّم نفسي حسي أبكت ّ كما كنت باألمس لو نزق الفكر ..أو جمحت خيله شك وتقرّت شدا نزوة في غياهم ّ وعبر.. تبرّأ من ِحك ٍَم ِ لن أقرّع روحي بسوط النّدامة أجلدها عضه دنَف نابح..وتناوشه أسف ذابح.. مثل سكّ ير مُ فلِ س ّ
66
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
كي أكفّ ر عن ذنبي وأكدّ س حزن العالم في قلبي لو خفّ ت موازينه كقلوب البشر.. لن يفْ غمني عطرٌ سائب ..أو يغمرني ظلّ هارب.. أتقفّ ى هسيس العبير ألعرف لون الوردة السحر.. عب الشارع ..وشوشةً كهميم ّ دلقت في ّ ْ أو أسرار األنثى التي ُنضجُ جلد حذائي الوحيد بسوق الخردة شمس الظهيرة قد ت ِ أو يرتدي بُردتي شحاذ محترف كالصرّار.. يُ سقى بباب النّملة أوّل الزمة من نشيد المطر.. ستُ حَ مْ ِحم في الدوالب فساتينُ أرملة ما زال العقد الثالث يرعى قطي َع فراشاته في مرابع بهجتها.. تنحني ،تعانقها وشجا البوح والذكريات والقُ بَل التي شردتْ ذات شوق، فحط ْت بأفياء أقراطها، ّ لم يزلْ يتضاغى بأذيالها سافيات أُخَ ر.. ٌ توحدها سته ّز رمالَ ّ َمس جنّ القريض قصيدي لن ي ّ فتسكنني علّة وزحاف نص قصير أقص أظافر ّ ّ وتُسكرني نشوة االنتصار
67
فأنفش ريش الزّهو في فرح طاووسي ألفاخر ندّ ا الشعر أطمئنني أنّ لي قلما في ّ أو قدما في األرض كنخلة جدّ ي َلكَمْ أوصاني أن أرعى الفسائل الطلع قبل القطاف ال أن أغير على ّ أيذكره ظلها المنتشر؟ لن يكون الطوفان من بعدي ويغيض الرّوق بخدّ الورد أفواف ع ْرفَها؛ ٌ وتنك َر ستنوح الكمنجات السمر.. تسبُل لحنًا دفيقا بكأس ّ لن تحنّ إلى باحتي أتسنّم إيقاعها و أصالح ليلي حين تبينُ سعادُ همسها المنكسر.. وفي خاطري ُ لن تعزف حزني أفانينُ صفصافة ّجت على صدرها العاري دب ُ بدمي والمسمار حرفيّ الجوى ونثرت على ظلها المتجرّد أوّل أشعاري نبضها المستعر.. حروف الهوى ُ َ يتهجى ّ كمراهقة.. لن يكون الطوفان من بعدي حين أصبحُ ملحا بِ هُ دْ ب القصيدة أو نسغً ا في عروق الشجر.. * شاعر ومترجم من المغرب.
68
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρسما ُيوسف*
في داخـلي شَ يءٌ غَ ــري ْـب مَ ـدرِ ي غَ َـل أو ُحـزْنْ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ــريـب يء َغ في داخـلي َش ٌ ْ
ـيم ...كالـمَ ـطـرِ.. كالرَّ عـ ِـد ..كـالـغ ِ يُ رعبني يتـجــولُ داخـلَ أوردتي يُ ـشـعـرني بالهـذيــانَ يُ ـفـرحـني يُ ـغــرقني في نـشــوةِ أشـجانْ البعض مرضـًا ال شفا َء منه.. ُ يظنه ُّ فيصف لي عشبةً الصبر(!) تسـمَّ ى َّ ض اآلخَ ر روح ًا شريرة ويظنه البعْ ُ ُّ فيطالبني كتاب للعشق... ألف ٍ أحرقَ َ بأن ْ وأبعث َر أوراقي.. وكتاباتي القَّ ديمة. وأسكبَ فنجَ انَ قهْ وتي،و ُأ س ِّر َح شَ عْ ري ّ أشعرُ فيها بالهدوءِ وأسَ اف َر إلى مدن ْ * جدة -السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
69
صديقة وغياب بين ٍ ρρعبدالعزيز موسى احلكمي*
ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت بـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــاء تـ ـ ـخـ ـ ـط ـ ــرُ ج ــانـ ـب ــي ف ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ُـت مـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاءِ وظـ ـ ـنـ ـ ـنـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــا ح ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن ..ف ـ ــانـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــت لـ ـه ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروف ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــق إروائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّثـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ف ـ ـمـ ــي أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــار أم ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء؟! لـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن أصـ ـ ــاب ـ ـ ـعـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاب ..ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـث ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاء وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدت أش ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ت ـ ـ ــائ ـ ـ ــه ـدت ورائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وأض ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــيء كـ ـ ـ ـ ـ ــي أل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـح ـ ـ ــائ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذةٍ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادٌ حـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــم وع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـف تـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاثُ ـ ـ ـ ــر األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــف مـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــرٌ قـ ـ ـ ـ ــد خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط عـ ـ ـ ـت ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــل ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب ب ـ ــائ ـ ــي ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ــمّ أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى أشـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــي * شاعر من السعودية.
70
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρترجمة :عبداهلل ناصر*
يحكى أن ربان ًا أطلق على سفينته اسم زوجته .في مقدمة السفينة ،كان تمثال الزوجة منحوت ًا ببراعة ،مثلها تماماً ،والشعر مطل ّي ًا بالذهب .غير أن الزوجة كانت تغار من السفينة ،تقول إنه يفكر أنت. في ذلك التمثال أكثر مما يفكر فيها .أنكر زوجها قائالً « :أفكر فيها كثير ًا ألنها تشبهك ،ألنها ِ بشكل ٍ كنت ترقصين في حفل زفافنا؟ حتى أنها أال تبدو ساحرة ومثيرة؟ أال ترقص على األمواج كما ِ أنت منك .تمضي حيثما أقودها وتترك شعرها يتدلى حر ًا بينما ترفعينه ِ أو بآخر تبدو أكثر لطف ًا ِ تحت القبعة .لكنها تدير ظهرها لي كلما اشتهيت قبلةً فأعود إلى البيت في إلسينور» .وفي إحدى المرات ،حين كان الربان يحمّ ل السلع في ترانكبار .حدث أن ساعد ملك ًا كبير السنّ ،من أهل البالد، في الفرار من الخونة .وعندما افترقا أهداه الملك حجرين أزرقين ثمينين ،فقام بوضعهما في وجه زوج من العيون .ولما عاد إلى موطنه أخبر زوجته بتلك المغامرة ،قال « :واآلن صارت التمثال مثل ٍ عيناك الزرقاوان أيضاً« .فقالت« :كان من األفضل لو أهديتني تلك األحجار ألجعلها أقراط ًا لي. ِ لها
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
سم
رفض زوجها« :ال أستطيع أن أفعل ذلك، تفهمت األمر لما طلبتِها مني». ِ لو لم تستطع الزوجة أن تتوقف عن التفكير فــي األحــجــار الــزرقــاء .وفــي أح ــدِ األي ــام، اجتماع للربابنة ،جاءت ٍ عندما كان زوجها في بزجّ ٍاج من البلد لينزع األحجار من التمثال ويضع بــدالً منها قطعتين من الــزجــاج .لم ينتبه زوجها ..وأبحر إلى البرتغال .وبعد أيام أخذ نظر الزوجة يسوء حتى ما عادت قادر ًة على إدخال الخيط في اإلبرة .ذهبت إلى الحكيمة فأعطتها بعض المراهم ،ولما لم تُجدِ نفعاً هزت العجوز رأسها وأخبرتها بأن هذا المرض النادر ال شفاء منه ،وبأنها ستصبح عمياء.
السفينة إلــى مــرفــأ إلسينور حتى أعيد الجوهرتين مكان قطعتي الزجاج .ألم يقل إنهما عيناي؟ ولكن السفينة لم تعد ،وبدالً من ذلــك تسلمت زوجــة الــربــان رســالـ ًة من قنصل البرتغال يقول فيها إن السفينة قد تحطمت وغرق كل من عليها .وأردف ،كان غريباً جــداً أن تمضي سفينة من فورها، ناتئة في ٍ في وضح النهار ،لترتطم بصخرةٍ
«يـ ــارب» صــاحــت الــزوجــة ،مــا إن تعود البحر. * كاتب ومترجم من السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
71
الدكتورة هتون أجواد الفاسي: الحضور النسائي السعودي مشرّ ف وأثبت وجوده على المستويات اإلقليمية والعالمية بشكل يستحق الثناء واالفتخار جديدي ..كتاب توثيقي لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات البلدية في السعودية. ملكات أدوماتو أو دومة الجندل أو الجوف السبعة في القرنين الثامن والسابع قبل الميالد يمألننا بالتعجب واإللهام للبحث والتأمل والتساؤل. مع توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل وخارج المملكة ..المرأة السعودية أصبحت أكثر ثقة وتمكن ًا من علمها وإمكاناتها. اللغات التي تكون مكتبتي ...العربية واإلنجليزية وبعضها بالفرنسية واأللمانية. وأنا في صراع مستمر ألتمكن من مالحقة قراءة مكتبتي. الشعر ملكة ال أملكها وإن كنت أتذوقه وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة مع الشعور واألفكار والنغم.
72
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
مؤرخة سعودية من مواليد مدينة جدة ،تعمل حاليا بجامعة الملك سعود بالرياض، لها حضور قوي ومتميز في الكثير من الندوات والفعاليات على المستوى المحلي والعربي والعالمي ،كما حظيت المكتبة العربية والعالمية بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي أهــدتـهــا الــدكـتــورة هـتــون الـفــاســي للفضاء الثقافي ،منها باللغة العربية وأخ ــرى باللغة اإلنجليزية ،واستحقت أن تُكرم بجائزة السعفة األكاديمية العالمية وبرتبة فارسة بدولة فرنسا ،..طبعا المحور الرئيس في مشوار الدكتورة هتون الفاسي هي المرأة قي التاريخ والـمــرأة العصرية وبكافة قضاياها ..هــذه اإلض ــاءة السريعة هي ديباجة حــواري هــذا مع الفارسة الدكتورة هتون الفاسي.. ρρحاورها /عمر بوقاسم*
دومة الجندل في القرنين الثامن والسابع قبل الميالد.. ¦«فـ ــي ربـ ـ ــوع الـ ـج ــوف وجــام ـع ـت ـهــا الـتـقــت جمعيتنا الـتــاريـخـيــة -اآلثـ ــاريـ ــة» ،هــذا ع ـ ـ ـنـ ـ ــوان م ـ ـقـ ــالـ ــك ال ـ ـم ـ ـن ـ ـشـ ــور بـ ـج ــري ــدة الــريــاض ،الــذي يتضمن برنامج زيارتك لمدينة الـجــوف ،طبعا المقال يتنفس بـ ـخـ ـص ــوصـ ـي ــة ثـ ـق ــافـ ـت ــك واهـ ـتـ ـم ــام ــك التاريخي« ..،استقبلتنا األسبوع الماضي الجوف ،أرض الملكات والكاهنات ،أرض التاريخ والـحـضــارة ،»...وهــذا السطر هو أيضا ديباجة مقالك ،..الدكتورة هتون ال ـفــاســي ،ه ــل م ــن الـمـمـكــن أن توثقيها أسـطــرا كـبــوح خــاص عــن مدينة الجوف «التاريخ والحاضر»؟ لـــدارس للتاريخ أن يمر على ٍ ρ ρال يمكن الجوف مــروراً عابراً ،السيما إن كانت هــذه الــدارِ ســة دارســـ ًة للتاريخ القديم وخــاصـ ًة تــاريــخ الــمــرأة الــذي يجعل من الجوف ذات مكانة خاصة ،وهي التي ما يفتأ تاريخها ينادي ويدعو ويتشكل في
تمثالته المتعددة في كل موقع من مواقع األثر ،مذكّرة بأن هذه األرض لم تمر بها مجرد حضارات عادية ،وإنما حضارة حكمتها نساء ،محطمة كمّا من األفكار النمطية عن تاريخ الجزيرة العربية ،وعن نظرياتنا النمطية حول الحكم والسلطة والدين بناء على حاضرها في موقفها من النساء على سبيل المثال .ملكات أدومــاتــو أو دوم ــة الــجــنــدل أو الجوف السبعة فــي القرنين الــثــامــن والسابع قبل الميالد يمألننا بالعجب واإللهام للبحث والتأمل والتساؤل .وتستمر هذه التساؤالت مع كل زيارة ،فما بالنا عندما تكون صلتي بدومة الجندل قد بدأت منذ عقدين من الزمان باإلقامة في مضافة وكالة اآلثــار والمتاحف بدومة الجندل، المخصصة لعمليات التنقيب والدراسة، لنستيقظ كل يوم على منظر قصر مارد المهيب المهيمن على المشهد في جالل وكبرياء ..لتفرض األسئلة نفسها عليّ كل يوم ..من هن؟ كيف هن؟ إلى متى هن؟ هل هناك أثــر في الحاضر لهن؟ وإلى اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
73
متى سوف نستمر في طرح األسئلة أو هل سوف نتوقف عن طرحها؟ حضورها اإلعالمي!.. ¦رب ـم ــا كـ ــان ح ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة ي ـت ـف ــاوت من مجتمع آلخر ،قد يكون أحد أسباب هذا التفاوت التكوين المجتمعي ،ولكن من المالحظ أن حضور الـمــرأة في المنابر اإلع ــام ـي ــة وال ـث ـقــاف ـيــة وم ـشــارك ـت ـهــا في الـفـعــالـيــات ف ــي ت ــزاي ــد اآلن ،مـ ــاذا تـقــول الدكتورة هتون الفاسي في هذا االتجاه؟
ρ ρالحضور النسائي السعودي بشكل عام مشرّف ،وأثبت وجــوده على المستويات اإلقــلــيــمــيــة والــعــالــمــيــة بــشــكــل يستحق الثناء واالفــتــخــار .ففي هــذه المنصات تتاح لها فرص كبيرة الكتساب التجربة والــخــبــرة ..واســتــفــادتــهــا منها حاضرة وجيدة ،السيما مع تزايد أعداد النساء الــاتــي يمثلن أنفسهن أو وطنهن في المحافل المختلفة ،حيث تم كسر الكثير من التحفظات التي كانت تحف بالمرأة السعودية سابقاً ،وأصبح وجودها في المؤتمرات واللقاءات العلمية أكثر تكراراً وإثباتاً علمياً وعملياً.
ρ ρال شــك أن الــمــرأة السعودية أصبحت أكثر ثقة وتمكناً من علمها وإمكاناتها مع تاريخ المرأة في الخليج!.. توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل ¦طبعا حظيت المكتبة العربية والعالمية بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي وخــــارج الــمــمــلــكــة ،والــتــي أتــاحــت لها قدمتها الدكتورة هتون ،وكــان لها األثر الفرصة ألن تثبت حضورها اإلعالمي الالئق ،حيث تم تكريمك بجائزة السعفة والثقافي المبني على محتوى ،فضال األكاديمية برتبة فارسة بدولة فرنسا..، ًعن أن األجواء الرسمية العامة أصبحت ولن أدعي بأني قرأت كتابك األخير الذي أكثر مرونة في التعامل مع وجود المرأة يتضمن تاريخ المرأة في شرق الجزيرة في الفضاء الــعــام ..فتدعوها وتجعلها العربية ،ولكن قرأت عنه الكثير وما نشر مشاركة للرجل في غالبية الفعاليات، م ـنــه ،هــل قـيـمــة ه ــذا ال ـك ـتــاب تـقــف عند وما زالت بحاجة لمزيد من الحضور من توثيقه للتاريخ ،أم راف ــد يـغــذي خطاب وجهة نظري. المرأة في هذا العصر؟ اكتساب التجربة!.. ¦ح ـض ــورك الـمـمـيــز وال ـك ـب ـيــر ف ــي الـكـثـيــر من الـنــدوات والفعاليات على المستوى المحلي والعربي والعالمي يدعوني أن أسألك ،ما الذي يميز الخطاب الثقافي واإلب ـ ــداع ـ ــي ل ـ ــدى ال ـ ـمـ ــرأة ف ــي ال ـســاحــة ال ـس ـعــوديــة عــن مـثـيــاتـهــا فــي الـســاحــات العربية األخرى؟
74
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρ ρكتاب (المرأة في الخليج) هو كتاب منشور باللغة اإلنجليزية في جامعة سيراكيوز األمريكية ومن تحرير البروفسورة أميرة ال كتبتُ أنا سنبل ،ويضم ثالثة عشر فص ً فصله األول الــذي يتناول تاريخ المرأة في الخليج في فترة مبكرة من العصور األس ــط ــوري ــة الــقــديــمــة ،وحــتــى صــدر اإلســام ..في محاولة الستنطاق النص والحجر.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الخطاب النسوي!.. ¦فــي إح ــدى ال ـح ــوارات ُسئلت عــن حضور الـ ـم ــرأة الـنـبـطـيــة وك ــان ــت إج ــاب ـت ــك« :مــا ت ــوصـ ـل ــت إلـ ـي ــه أن الـ ـحـ ـض ــور والـ ـغـ ـي ــاب ي ـت ـبــادالن ومــرتـبـطــان بمتغيرات أخ ــرى، سياسية واجتماعية واقتصادية ..تِ حيط بوضعها؛ إذ إن المرأة في العهد األول من المملكة النبطية؛ كانت غير ظاهرة ثم ظهرت وهكذا ..لذا هنالك أسباب معقدة ال بــد أن تتكامل حـتــى تظهر ال ـمــرأة أو تـغـيــب ..،»..في ظل التغيرات السياسية واالقتصادية التي يعيشها العالم العربي ف ــي ال ـس ـن ــوات األخـ ـي ــرة ،م ــا األثـ ــر ال ــذي سـتـتــركــه أو تــركـتــه ه ــذه ال ـت ـغ ـيــرات على الخطاب النسوي؟ ρ ρســؤال جميل ..لكن اإلجــابــة عليه ربما تستغرق كتباً ولن نصل إلى إجابة وافية، فالحديث عــن صــعــود الــمــرأة وتمكنها سياسياً أو اقتصادياً اليوم ..له أبعاد أكثر تعقيداً وفق ما نعرفه ونعيشه اليوم من تداخل في المجتمعات ،وتبادل للخبرات، وتدويل للمطالب الحقوقية ،وتشكل وعياً مختلفاً بمفاهيم مشاركة الــمــرأة في الفضاء العام السياسي واالقتصادي. ووفـــق نظريتي األول ــي ــة ..ف ــإن تمكين النساء في مجتمع ،ما يتطلب أن تتوافر معطيات األمــان المجتمعي الذي توفره الدولة القوية ذات المؤسسات المستقرة، ويتوافق هذا مع توفر حاجة لدور النساء في المجتمع في حال غياب الرجل في الحرب أو التجارة التي تستغرق معظم شهور السنة ،باإلضافة لوجود قدوات وشــخــصــيــات فــاعــلــة فــي أعــلــى الــهــرم
السياسي والــديــنــي ال ــذي يــدعــم ويثق بــالــمــرأة .وعندما نطبق هــذه النظرية على اليوم نجدها تنطبق على كثير من التحوالت االجتماعية لألسرة اليوم التي لم تعد تستقر في مكان واحــد ،والتي يتحرك فيها الزوجان اجتماعا ًوافتراقاً وفق االحتياجات االقتصادية التي تفرض نفسها على المجتمعات اليوم ،ومن جانب آخــر ..هناك التحوالت السياسية التي عممت حال ًة من الحرب وعــدم األمــان في العديد من مناطق العالم ،السيما في العالم العربي ،مخلفة الماليين من البشر في حالة لجوء وعــدم استقرار، وف ــي مجتمعات أخـــرى نــجــد تــحــوالت سياسية تستخدم فيه األديـ ــان بشكل ال كبيراً على حريات األفــراد.. يضع ثق ً مع الثقل األكبر على المرأة ،سواء تشدداً أو انتهاكاً أو استغالالً .ومجتمعات أخيرة تعيش اليوم في أجــواء سياسية تصادر فيها الــحــريــات والــمــشــاركــة السياسية الديمقراطية ،فيصبح التعبير عن الرأي اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
75
والمطالبة بالحق خــروج ـاً على النص وعلى وحدة الصف الوطنية.
وامرئ في الشأن العام للدولة الحديثة، حيث تتساوى مواطنة الرجل والمرأة، يصبح التغيير واإلصالح حلم الجنسين. أسئلة بال إجابات نهائية ،لكن اإلجابات المبدئية هي أن التغير مستمر،وليس هــنــاك ثــبــات لــلــعــاقــات أو للخطاب، واإلجــابــة شبه النهائية هــي أن هناك حاجة ماسة ألن تتمكن المرأة اقتصادياً على كافة المستويات ،حتى يمكنها أن تواجه التغيرات المستمرة حولها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ،وهــو ما يتكرر بإلحاح في الخطاب النسوي اليوم بكافة أشكاله وانتماءاته.
فكما نجد أن فــي كــل ظــرف مــن هذه الظروف يتغير الخطاب النسوي ويحتاج تمكيناً ،ويحتاج مراجعة لمعطياته وكيف يعبر عن نفسه .ففي حال العائلة المتنقلة نجد أنــهــا تصبح عائلة يــديــرهــا أحد األبوين بمفرده ،مما يطرح تساؤالت حول عالقات السلطة وااللتزامات األسرية والمادية .وفــي حــال األســرة الالجئة.. فــالــســؤال ال ــذي يــطــرح نفسه هــو كيف يمكن لعالقات األسرة التقليدية أن تعمل في إطار من الفقد وعدم األمان وتفرق األسر وتغير عالقات السلطة فيها وفقاً كتب الطفولة!.. لمن ما زال على قيد الحياة أو من ما زال ¦تعودت أن أسأل هذا السؤال ..فهو يضيء يعمل أو ينفق ،ومــا هي الحال في ظل للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف البطالة وانتظار المعونات الدولية .وفي «ال ـ ـجـ ــوبـ ــة» ،..ه ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى حــال المجتمعات التي اختطفها الدين محتويات مكتبة الدكتورة هتون؟ المسيس تستلب فيها إرادة النساء ويُجير النص الديني لخدمة األهواء والمصالح ρ ρمكتبتي تتكون مــن كتب الطفولة التي أخزنها ليوم ما يقرأها أطفالي ،وكتب الــتــي تتداخل فيها مصالح السياسي االهــتــمــامــات ال ــدراس ــي ــة لــكــل فــتــرات والــديــنــي ،والـ ــذي يــكــون غــالــبـاً رج ــل.. التاريخ التي استدرجتني إليها ،وكتب والمستغَّل هــي الــمــرأة ،وعــلــى الرغم أكثر تخصصاً في تاريخ الجزيرة العربية من محاوالت النساء ،ممن تلقين العلم القديم آثاراً ونقوشاً وتاريخاً ،وكتب تتناول اليوم بالشكل الذي لم يكن معهوداً في المرأة تاريخاً وقضايا ونسوية ودراسات عصور سابقة ،للتصدي لهذا االستغالل جندرية ،وكتب في األساطير وكتب في لــأديــان السماوية وال سيما اإلســام، فلسفة التاريخ وكتب في الثقافة والفلسفة إال أنهن ما زلن لم يصلن إلى أن تصبح والفكر السيما الفكر الديني ،هناك جزء هــذه المحاوالت للتفسير أو المقاومة فــي مكتبتي مخصص لمواضيع بعينها الفكرية هي النسق السائد والعام .وفي أو مناطق بعينها ،مثل الــجــزء الخاص ظل غياب إمكانات الديمقراطية التي بــكــتــابــات مــكــة الــمــكــرمــة وآخـ ــر خــاص تضمن حرية التعبير وتمثيل كل امــرأة
76
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
بالمدينة المنورة ،وثالث يخص مناطق أخرى من المملكة مقسم جغرافياً .وقسم خاص بأمهات الكتب في اللغة والتاريخ واألدب ،وجزء خاص بالروايات واإلبداع. وتــتــراوح اللغات التي تكون مكتبتي بين العربية واالنجليزية وبعضها بالفرنسية واأللمانية .وأنا في صراع مستمر ألتمكن من مالحقة قراءة مكتبتي. ما بين البحوث والكتب!..
روتين يومي!..
¦ ..ومن المهم جدا أن أسالك أيض ًا هذا ¦ما المواقع التي تحظى باهتمامك على السؤال التقليدي ،ما هو جديدك؟ الشبكة العنكبوتية؟ ρ ρأعمل اآلن على أكثر من مشروع ما بين كتاب وبحوث أكاديمية وكتب توثيقية. فــهــنــاك بــحــث حـــول مــجــلــس الــشــورى ال فــي كتاب عن السعودي أقــدمــه فص ً مجالس التمثيل السياسي في الخليج العربي ،وبحث أستكمله لجمعية التاريخ واآلث ــار خــاص ببحث قوانين األس ــرة.. الســيــمــا ع ــاق ــة الـ ــواليـ ــة ف ــي الــقــرن اإلســامــي األول فــي بــاد الــشــام ،وهو الذي ألقيته في لقاء الجمعية العلمي في الجوف إبريل الماضي .وكتاب توثيقي لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات البلدية في السعودية. ..ملكة ال أملكها!.. ¦أين الشعر من اهتمامات الدكتورة هتون الفاسي؟ ρ ρالشعر ملكة ال أملكها ..وإن كنت أتذوقه وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة مع الشعور واألفكار والنغم.
ρ ρليس موقعاً بعينه ،وإنما ما أبحث عنه وفــقـاً لعمل أقــوم بــه أو أكتبه .كما أن المواقع التي يكثر التردد عليها تختلف حسب الــزمــان والمناسبة ،ففي أثناء الفصل الــدراســي أكثر المواقع تــردداً عليها هو موقع «البالكبورد» الذي يصلني بطلبتي وبتعليماتي لهم ولهن .أما ما أفتح عليه كل يوم فيبدأ بأخبار جوجل يومياً لالطالع على آخر األخبار التي أطلب من جوجل تزويدي بها ،موقع جريدة الرياض، أفــتــح صفحات «إيــمــيــاتــي» المختلفة لتحديد ححم اإليميالت التي تتطلب الرد ،وأخيراً صفحات تويتر وفيسبوك وتصفحها سريعاً .في فترات السفر أفتح على مواقع حجوزات الطائرات ،وما يتبع ذلك من معلومات أحتاجها وفقاً لظرف السفر المذكور ،هل هو مؤتمر أم سياحة أم زيارة وهكذا ،لكن الدخول على الشبكة هــو روتــيــن يومي يبدأ منذ االستيقاظ لبدء العمل سواء كنت في البيت أو في الجامعة. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
77
المصري الر َو ِائي ِ ِّ اليمة الس ْ عبداهلل َّ
ين تُ مثِّ ُل الْحيَ اةَ والمَ أْزق).. (الكتَ ابةُ ِح َ ِ روائيا أو ًّ الشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرً ا من السعادة هو أن أنجز عمالً مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة قصيرة. علينا أن نفرق بين الرواية الشاعرة والرواية الشعرية ..وأرى أن مجرد قول رواية شعرية معناه رفض للتجنيس ،وبالتالي (تعارض) هذا المسمى مع الرواية بوصفها كونًا حاضنً ا لألجناس األدبية. أنا الصحراء بهدوئها وعصفها ،بصالبتها وعنادها ،واعتدادها الكبير بذاتها، وأنا المدينة بمعالمها ،وروحها التواقة ،أنا ذلك الطائر البري الذي لن يكف عن التحليق في فضاءات األمكنة
مثل أي صحراوي قد تدفعك صرامة مالمحه للتردد في بداية األمــر ،وتشعر بنوع ما من الندم لتعجلك في محاولة التعرف إليه كصديق محتمل ،لكن اكتشافك غير المتوقع لتلك الروح المرحة وتواضعه الفطري المختبئين خلف مالمحه الجادة يدفعانك لتجاوز مساحات ترددك ،والولوج في تأن الكتشاف مروج رِ هانه على الكتابة ،التي اتخذ منها حياة كاملة .فمنحته بدورها مكانًا يستحقه على الساحة الثقافية المصرية ،وحقق له حرصه الشديد على أن يكون إبداعه مميزً ا ما لم يكن يتوقعه كما يقول أو يراهن عليه حينما بدأ
78
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
وإللقاء المزيد من الضوء على عالمه وإبداعاته ،أجرينا معه هذا الحوار.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
يتلمس خطاه الكتابية ،عله يجد له موطئ قدم في عالم اإلبداع .متحديًا كل الظروف التي واجهته ،وكانت كفيلةـ لوال أنه يمتلك مقومات التحدي كأحد الضرورات إلمكانية الحياة في صحراء ال تمنح حبها ودعمها إال لمن يستحقهما ..وهكذا هو ضيفنا القاص والروائي المصري عبداهلل عطية الساليمة ،الــذى تقدمه أعماله الروائية والقصصية المهمومة بقضايا الحرية ،دون إغفال لقضايا وهموم مجتمع بادية سيناء الذي ينتمى إليه ،وقضايا وطن أكبر يعشقه بال حدود.
ρρحاوره /محمد عيسى
¦من أنت؟ وما مسيرتك األدبية؟
تمثيل «سيناء» لعضوية األمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر العام 2014/2012م، واخــتــيــاري عــام 2012م لعضوية لجنة القصة والرواية بالمجلس األعلى للثقافة بدار األوبرا بالقاهرة حتى اآلن ،وفى عام 2015م رُشــحــتُ لعضوية أمــانــة مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي ،وتم تكليفي بتولي مسئولية أمانته العامة في دورته التي عقدت فــي شهر مــارس الماضي 2016م.
ρ ρانا ابن بادية سيناء ،مصري الجنسية، عــربــي الــهــوى والــهــويــة ،أعــمــل بـــوزارة الــتــربــيــة والتعليم كمعلم خبير لــمــادة التاريخ بالمرحلة الثانوية ،أما «إبداع ّيًا» فقد صــدر لــي خمسة أعــمــال ســرديــة، ثــاث روايــات «بركان الصمت» 2001م عن وزارة الثقافة المصرية ،ثم روايــة «قبل المنحنى بقليل» 2004م في طبعة خاصة على نفقتي ،وفــي عــام 2012م صدرت روايتي الثالثة «صحراء مضادة» ¦ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟ عن دار األدهم للنشر بالقاهرة ،وما بين إصدار رواية وأخرى كانت لي إبداعات ρ ρالكتابة بالنسبة لي هي الحياة ،برغم ما تمثله من مــأزق لكاتب مثلي يعيش قصصية نــشــرت فــي دوريـ ــات مصرية فــي سيناء على وجــه الــخــصــوص ،ألن وعربية ،وترجم بعضها إلى اإلنجليزية عليك كــكــاتــب فــي مــكــان كــهــذا يعانى في كتاب صــدر عن مؤتمر أدبــاء مصر توتراً سياسياً ،وتغلب على أهله الثقافة ع ــام 2011م ،وجــمــعــت ه ــذه القصص العشائرية ،أن تكون مع أو ضد ،فإن لم في كتاب صــدر عن وزارة الثقافة عام تكن مع ،فأنت ضد ،وفي كلتا الحالتين 2011م ،تحت عنوان «أشــيــاء ال تجلب تتعرض للمأزق .بسبب حصارك نفسياً، البهجة» ،وصدر لي مجموعة أخيرة عام ومحاصرة كتاباتك بسوء التفسير ،فإن 2016م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة لم يكن باتهامك بخرق قانون بداوتك، اخترت لها عنوان «أوضاع محرَّمة» ،وقد فــســوف يــكــون بــالــخــروج عــلــى طــاعــة منحتني هذه األعمال شرف استحقاق
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
79
السلطة. ¦ ُط ـبــع ل ــك م ــن األع ـم ــال روايـ ـ ــات (بــركــان الـ ـصـ ـم ــت) ،و(قـ ـب ــل ال ـم ـن ـح ـنــى ب ـق ـل ـيــل)، و(صحراء مضادة) ،ومجموعة قصصية (أشياء ال تجلب البهجة) ،وأخيرة بعنوان (أوض ــاع مـحــرَّ مــة) ورواي ــة قيد الـطـبــع... فأين سيناء منها؟
النهاية إلى أن تتحول سيناء إلى ساحة حــرب مفتوحة ومــروعــة ،وصــار الموت يتربص بكل كائن يتحرك على أرضها، وصــارت حياة أناسها مرهونة بــوالء ،ال يستطيعون حتى في خيالهم الجهر به.. تفادياً لموت مجاني ،فإذا ما نجا أحدهم منه على يد طرف يدير فيهم القتل باسم الدين ،ربما سيكون على يد طرف آخر يالحقهم ،وهو مشحون بأفكار محددة، وأحكام مسبقة ،ويتعامل معهم كما لو كانوا وباءً ،يجب التخلص منه..
ρ ρكمبدع يعيش في صحراء ،يعد العيش فيها بحد ذاتــه مغامرة كبرى محفوفة بالمخاطر ،نذرت نفسي لكتابة مسئولة وصــادقــة وهــادفــة ،ال تصغي إال لقول الحق ،وال تأخذ طابع اإلبداع التجاري¦ ،األجـنــاس األدبـيــة متداخلة ..والحديث عنها وعن تداخلها يمأل اآلفاق ويمتدحه كما فعل الكثيرون طمعاً في شهرة زائفة، ال ـن ـقــاد ف ــي ال ـ ــرواي ـ ــة ..ف ـهــل يـبـيــت ذلــك بل من أجــل إضافة إبداعية ،يكون لها ضرورة؟ القيمة ويكتب لها البقاء. قناعة كلفتني الكثير ،ومنحتني صالبة ρ ρانقسم النقاد والمبدعون حــول قضية األجناس األدبية إلى فريقين ،أحدهما كافية لتحمل كــافــة عــواقــب مغامرات يرفضها متبنياً موقف ابن خلدون ومن روائــيــة وقصصية ،اســتــمــددتُ مكونات بــعــده كــروشــيــه الــرافــضــيــن لــهــا ،حيث عوالمها من واقع بادية سيناء المُعاش، ي ــدع ــوان إل ــى ضــــرورة اح ــت ــرام حــدود كتابات حاولت من خاللها كسر حواجز الــجــنــس األدبـــــي ،وذلـ ــك بــعــدم إدخ ــال الــصــمــت ،واخ ــت ــراق مــا اســتــطــعــت من العناصر النوعية لجنس معين في غيره تابوهات بدوية في جرأة ،القت استهجان من األجناس األدبية. البعض من البدو ،ورفضاً ينذر بوقوع صدام مع البعض اآلخر منهم ،ما حرصت على تفاديه بعقالنية شديدة وحذرة.
كما حاولت خاصة في مجموعتي األخيرة « أوضـــاع مــحـرَّمــة « رصــد مــا آل إليه حال أهل سيناء ،هذا المثلث الــذى لم يزل قــادراً على تحدي ومقاومة الموت، رغــم كل محاوالت الجهلة من الساسة والمتأسلمين إسقاطه من خارطة هندسة الوطن منذ آالف السنين ،وهو ما أدى في
80
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
وفريق آخر يؤيد حازم القرطاجني ،حيث يــرى أن اخــتــراق حــدود الجنس األدبــي وتداخله مع غيره من األجناس األدبية، قد يعطي نصوصا قمة في اإلبداع.
وبـــــــدوري أم ــي ــل إلــــى مـــا ذهــــب إلــيــه القرطاجني ،ولما يمثله هذا التداخل من وجهة نظري من ضــرورة حتمية لتطور األدب. ¦وُ ِجد مؤخرً ا ما أطلق عليه اسم (الرواية
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الشعرية) هل تعتقد جدية هذا الطرح؟ وهل هي إضافة حقيقية أم فانتازيا؟ وما إمكانات كتابة رواية شعرية؟ ρ ρبداية الب ّد أن نفرق بين الرواية الشاعرة والــروايــة الشعرية ،فــالــروايــة الشاعرة نوع مألوف ،أما الرواية الشعرية محور حديثنا ،أعتقد أن هناك الكثير من يتفق معي على أنها حتى اآلن غير موجودة، وليس هناك عم ٌل روائيٌّ تنطبق عليه هذه التسمية ،وما هي وفق الشاعر العراقي بشار عبداهلل إال بدعة ابتدعها العرب مقابل مــا يسمى فــي الــغــرب بمصطلح verse novelالذى يعني إنشاء سرد روائي طويل بواسطة مقاطع شعرية بسيطة أو مركبة مــوزونــة ،وتتضمن وقائع كبرى، وأصواتاً متعددة ،وحواراً وسرداً ووصفاً وإثارة بأسلوب روائي. وأرى أن مجرد قول رواية شعرية معناه رفض للتجنيس ،وبالتالي (تعارض) هذا المسمى مع الرواية بوصفها كونًا حاضنًا لألجناس األدبية. ¦ب ـي ــن الـ ـت ــاري ــخ والـ ـ ــروايـ ـ ــة ص ـ ــات رحـ ــم، فـهــل ت ــزاي ــدت تـلــك ال ـصــات بــدراســاتــك التاريخية؟ ρ ρهذا السؤال يطرح إشكالية العالقة بين الــروايــة والتاريخ ،ولفهم تفاصيل هذه العالقة المعقدة ،استعنت بما قدمه كل من ميخائيل باختين وجيرار جنيت من النظريات والمفاهيم والمقوالت.. كي استطيع فهم تفاصيل هذه العالقة. لكنني وجــدت ضالتي في قول جورجي زي ــدان عــام 1902م فــي مقدمة روايته
«الــحــجــاج بــن يــوســف الــثــقــفــي»« :رأيــنــا باالختبار أن نشر التاريخ على أسلوب الرواية أفضل وسيلة لترغيب الناس في مطالعته ،واالستزادة منه» وبدوري كعربي أوالً وجد نفسه في حاجة اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
81
ملحة لتقوية هــذه العالقة مع التاريخ واالس ــت ــزادة منه فــي مــحــاولــة لحماية هويتي من عناصر التغريب التى جاء بها االستعمار على وطننا العربي ،وحماية هويتي الثقافية «كــبــدوي» مــن المسخ الثقافي .ما جعلني آخــذ بقول زيــدان، وأجتهد إلصدار أعمال روائية وقصصية، أظنها قد نجحت إلى حد ما في إثارة انتباه البعض والتفافه حولها. ¦تختلف الرواية عن غيرها من األجناس األخــرى في أنها قد تستغرق وقتً ا كبيرً ا إلن ـ ـجـ ــازهـ ــا ،ف ـه ــل ي ـم ـكــن أن يـسـتـجـيــب الساليمة فــي الــوقــت ذاتــه إللـحــاح فكرة أخرى؟
82
المسيطرة كي ال تخسر كرسي السلطة. الكل يدافع عن مصالحه ،وهنا يحتدم الصراع كما هو حادث في العراق وسوريا واليمن وليبيا وحدث من قبل في تونس ومصر. صراع يكون الساعون خلف لقمة عيشهم هم أكثر ضحاياه ،بعد أن استغلته بعض الـ ــدول لتحقيق مصالحها مــن خــال إدخالها لمجموعات أصولية «كداعش وأخواتها» ليعيثوا فساداً ويمارسون كل أشكال القتل والوحشية ببدائية مقيتة. حتى باتت تلك البلدان خراباً ينعق فيها البوم ،فيما تراقب إسرائيل ما يحدث في خشية وحذر شديدين ،من أن تؤدي هذه التحوالت السياسية واالجتماعية واألمــنــيــة الــتــي تــمــر بــهــا ه ــذه الــبــلــدان الــعــربــيــة ،إل ــى والدة خــريــطــة سياسية جديدة في المنطقة ،وهو ربما ما ينذر بطول أمــد األخــطــار المحدقة بالعرب جميعاً بال استثناء.
ρ ρنعم ،عندما تلح عليّ فكرة ما ،وتختمر فــي رأس ــي ،ال أت ــردد فــي تــرك مــا كنت أعــمــل عــلــى كــتــابــتــه ،وأحــــاول اإلس ــراع بــكــتــابــتــهــا ،خ ــوفــاً م ــن ف ــراره ــا وع ــدم مجيئها ثانية ،وقد انجزت أكثر قصص مجموعتي القصصية األولــى «أشياء ال تجلب البهجة» على هذا النحو. ¦الكتابة فعل المجازفة يأخذ من أرصدة الـكــاتــب ويـسـتـنــزف وقـتــه -وال غضاضة ¦الـثــورات العربية كيف قرأتها؟ وهــل لها مــالــه؛ ل ــذا ي ـســرع الـبـعــض إل ــى حصداسـ ــم آخـ ــر ت ــري ــد أن تـسـمـيـهــا بـ ــه؟ وهــل الجوائز سواء اإلقليمية أو الدولية ،فهل سنراها في كتاباتك؟ هذا تفسير صائب؟ ...وهل على الكاتب ρ ρهي هبات كان يمكن لها أن تغير مجرى أن يسعى إلى الجوائز أم ينتظرها؟ التاريخ ،لوال أنها تعرضت لإلجهاض كما هو حال كل محاوالت التغيير في بلداننا ρ ρال أراه صائباً ،وأعــد سعي الكاتب إلى الجوائز ظاهرة غير حميدة ،فعلى الكاتب العربية ،بدءاً من محمد علي باشا .وما أن يهتم بجودة كتابته فقط ،وهذا كفيل يحدث اآلن ال يمكن تسميته بغير الصراع بدفع القائمين على الجوائز بالبحث على السلطة ،وبات مفتوحاً ،فالشعوب عنه ،والوصول إليه ،كما حدث مع نجيب تتدافع مطالبة بحقوقها المشروعة من محفوظ ،الــذى بحثت عنه جائزة نوبل الحرية والكرامة ،وكالعادة تراوغ الطبقة اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
لآلداب عام 1988م وهى الجائزة األكبر، وذهبت إليه لجنتها في مصر وتجولت في عوالمه ،وهو المعروف عنه أنه لم يغادر مصر على اإلطالق. ¦لعل قائ ًال يقول :إنَّ هناك أمكنةً بعينها تبعث على الكتابة ..فأين هــذه األمكنة عند عبداهلل الساليمة؟ ρ ρالــصــحــراء ،هــذا المتسع ال ــذى ولُــدت ونــشــأت فــيــه ،ومــــازال يسكنني ،رغــم إقــامــتــي بمدينة «الــعــريــش» تــلــك التي استعصى عليها احتوائي ،رغم ظاهري الذي يثير شكوك أبناء جلدتي من البدو، أنني خلعت ثوب صحرائهم ،اتهام باطل، وال مــكــان لــه فــي وجــدانــي ،صــحــراء ال يمكنني التجرؤ بالقول :إنني استطعت كتابتها ،لكن مــا أستطيع تــأكــيــده ،أن المكان باتساعه ،ســواء كانت صحراؤه المحتشدة بغموضها ،أو مدينته المكتظة بفعلها ،واحد ال يتجزأ ،فالمكان أنا ،وأنا المكان. أنا الصحراء بهدوئها وعصفها ،بصالبتها وعــنــادهــا ،واعــتــدادهــا الكبير بذاتها، بكبريائها الـــذي عــلــى كــل مــن يــحــاول جرحه عليه تحمل انتقامه ،وأنا المدينة الضاجة ،..أنا بمعالمها ،وروحها التواقة ّ ذلــك الطائر البري الــذي لن يكف عن التحليق في فضاءات األمكنة .امتطي ¦بــم تـصــف ف ـتــرات الـتــوقــف عــن الكتابة؟ صهوة خيالي ،مــتــزوداً بما أظنه يكفى وماذا تعني لديك؟ لسبر بعض أغوارها ،وأوقات تجوالي في عالمها .أرصد واقع شخوصها ،أعيش ρ ρتعنى لي فترة نقاهة ،قد تكون إجبارية، بسبب مـــرور الــكــاتــب بــفــتــرة ال يعرف معها أفــراحــهــا وأتــراحــهــا ،فنحن كما عما يكتب ،وقد يمر في بعض الفترات أسلفت القول واحد ال يتجزأ ،وال يقبل بظروف نفسية تؤثر عليه سلباً ،وربما القسمة على اثنين. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
83
البادية وربيب القبائل ..ما مكان القاهرة من حياتك؟ وما المسافة بينهما؟ ρ ρقال تشيكوف« :األدب معركة ،عليك طول الوقت أن تقاتل ،لتضع رجلك على أرض جديدة» ،والقاهرة بالنسبة لي تمثل ساحة معركتي ،وقد استطعت بذكاء صحراوي، يحدد أهدافه بدقة ،وال يراهن إال على نفسه ،تجنب المواجهة ،والــخــروج من المعركة ،دون خسارة صديق واحد من أدبــائــهــا ،الــذيــن أحــرص على انتقائهم بعناية ،وحققت من األهــداف أكثر مما كنت أحلم به. غير أن القاهرة معشوقتي ،التي أقطع مسافة ما يزيد على أربع مئة كيلو متر لكي أروي يــبــاس عيني مــن رقــة نيلها العامر بالحياة ،هي مركز إشعاع ثقافي وإبداعي وإعالمي ،ال بد لمثلى يقيم في البعيد من توقيع حضوره باستمرار في فعالياتها ،وتوثيق عالقته بالمزيد من أدبائها ونقادها ،وهــذا ما اعتقد أنني وفقت في تحقيقه إلى حد ما. ¦ماذا عن جديدك في الكتابة؟ يــكــون لــديــه اهــتــمــامــات أخـــرى تفرض ρ ρأنجزتُ رواية جديدة اخترت لها عنوان نفسها عليه بقوة. «حكايات العابرين» سوف تصدر قريباً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد تكون فترة نقاهة اختيارية ،يحاول الــمــبــدع خــالــهــا الــتــخــلــص مــن إجــهــاد ¦ال ــروائ ــي ع ـبــداهلل الـســايـمــة فــي حياتك الكتابة ،واالســتــمــتــاع بالحياة ،وإع ــادة أشـيــاء ال تجلب البهجة ..فما أشـيــاؤك التوازن إلى نفسه ،قبل الولوج إلى كتابة التي تجلب البهجة؟ جــديــدة ،وعلى أيــة حــال ،فالكاتب كما ρ ρالشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرًا من يقول الطيب صالح ليس مصنعاً عليه أن ال روائ ـ ًّيــا أو السعادة هــو أن أنجز عم ً ينتج باستمرار دون توقف. مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة
¦القاص والــروائــي عبداهلل الساليمة ابن
84
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
قصيرة.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس: انتقلت من السرد إلى الشعر ،وأنا شاعرة فيسبوكية وأفتخر. في الكاتب دائمً ا جوانب إبداعية وقدرات خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها واقع أو حالة يدا لتُ خرجها إلى السطح، اكتشفت أن بداخلي شاعرة كانت تنتظر ً فلكل زمن أدواته والطرق التي باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها إلى القارئ أيضا. أنا مدينة للفيسبوك أوال وأخيرً ا ،وشاعرة فيسبوكية بكل فخر ً أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في دمي ،ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء حمّ ته هذيت بالكثير من الشعر!
تــرى القاصة والشاعرة التونسية وئــام غــداس ،الحاصلة على المركز األول في جائزة الشارقة لــإبــداع العربي عــن مجموعتها القصصية «أمـشــي وأضـحــك كأني شـجــرة» ،أننا نعيش في عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب إلى بؤر العنف والظالمية ،ولو استطاع الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة اإلبداعية ..فمرحبًا بذلك حتى لو كانوا يكتبون بشكل رديء وشكرً ا للفيس ،وتضيف غداس -التي صدر لها أخيرً ا ديوان شعري في القاهرة تحت عنوان «حديقة مصابة باأللزهايمر» -أنّ القارئ الجيد يعرف في النهاية كيف يميّز أي داع لرعب البعض بين الجيد والــرديء ،والزمن غربال جيد لكل مرحلة ،لذلك ال أرى َّ ممن يكتبون في مواقع التواصل. ρρحاورها :عصام أبو زيد اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
85
¦كيف كانت البداية مع الكتابة الشعرية والكتابة عمومً ا؟ ρ ρبداياتي لم تكن تقليدية بالمرة ،ذلك أننا نعرف أن شعراء كثر انتقلوا إلى السرد خصوصا الــروايــة ،تعودنا أن األغلبية
يبدؤون شعراء ..ثم ينتقلون إلى أجناس أخــرى قد ال يعودون منها أبــدا ولو عن
طريق المراوحة ،ويتركون كتابة الشعر
نهائيا ،وفي عصر الرواية ثمة منهم من يستاء بالفعل إلى االشارة أنه بدأ شاعرا،
كأنه يطمح لنسف تاريخ مخز ،هل بات الشعر خزيا؟ لن أخــوض هذه المسألة
اآلن ،ولكن أعود لك إلى بداياتي ،لم أبدأ
شاعرة وال خطر لي في يوم كتابته ،قد
ومن يعرفني جيدا سيقول لك «القاصة»
فــانــة ،وكــتــابــي األول ك ــان مجموعة قصصية ،مستوفية كل شروط المجموعة القصصية وحاصلة على المركز األول
في جائزة الشارقة لإلبداع العربي ،لكن في الكاتب دائمًا جوانب إبداعية وقدرات
خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها واقع أو حالة ،هذا ما اكتشفته من خالل
تجربتي مع الشعر ،ولقد قلت في حفلة توقيع ديواني وتبرأت من تهمة الشعر الذي يجري في دم الشعراء منذ والدتهم،
أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في دمي ،ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء
حمّته هذيت بالكثير من الشعر!
أع ّد من القالئل الذين انتقلوا من السرد ¦كـ ـي ــف جـ ـ ـ ــاءت تـ ـج ــرب ــة كـ ـت ــاب ــة ديـ ــوانـ ــك األول والـصــادر أخـيــرً ا عــن دار العين في إلى الشعر ،حتى قراءاتي في الشعر كانت محدودة جدًا لو قارنتها بالسرد ،بدا لي األمر أصعب مما يمكن تخيله ،وكان لقب
القاهرة ويحمل عنوان «حديقة مصابة باأللزهايمر» ؟
الشاعرة عندي وال يزال موضع مخاوف ρ ρهــذا الــديــوان كــان يحمل عــنــوا ًنــا آخر ال تــحــصــى ،وش ــرف مــن الــصــعــب ج ـدًا هــو «الــتــي كتبت كثيرًا لتحبّها» ،ألنني
نوله ،لذلك ال أطــرح نفسي حتى اليوم
استخرجت أغلب قصائده من مكان قصي
أطرحها على اإلطالق.
أكــن واقعة تحت وطــأة إحساس ضخم
في الساحة األدبية كشاعرة وأظنني لن
جدًا في قلبي ،ولم أكن ألكتب كلمة لو لم
مــحــاوالتــي األولــــى فــي الــكــتــابــة كانت
هو الحب ،وكل المشاعر المنجرة عنه
وحتى مشاركاتي في المحافل الثقافية
ا يحب و ..و ..قبل أعــوام أحببت رج ـ ً
عــن طــريــق الــســرد ،القصة القصيرة،
86
التونسية كانت عن طريق كتابة القصة، اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
من اشتياق وحزن وفرح وخيبة وخذالن الشعر كثيرًا ،ولمست أنه يقدر الشعراء
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
خاصا ،كأنه يراهم ً والشاعرات تقديرًا كائنات غير بشرية ربما مالئكية حتى، في ذلك الوقت قررت أنني سأكتب الشعر
ال ووجهت كل ليُحبّني ،وركزت في ذلك فع ً حواسي ووقتي ومجهودي وقدراتي في
كتابة الشعر ،اشتريت دواوين ال تحصى
صــحــيــح أن لــكــل جــنــس خــصــوصــيــاتــه ومالمحه الواجب التقيد بها واحترامها، ولكن ذلك ال يــؤدي إلى استحالة عبور الكاتب من جنس أدبي إلى آخر ،بالنسبة لي الجنس األدبي تفرضه الحالة ،حالة الكاتب وليس لقبه :شاعر ،قاص ،روائي!
وقررت أنني أمتلك األداة الالزمة وهي ¦هــل تعتقدين فــي أهمية الفيسبوك في اللغة بوصفي كاتبة ،وأمتلك إحساسً ا حياة الكتابة لدى الشاعر ؟ ضخمًا باستطاعته أن يمنحني المقدرة ρ ρفي أحد الحوارات الصحفية قلت جملة على كتابة أجمل القصائد ،وبــدأت ..ال أراهــا حقيقية ج ـدًا وأث ــارت ردود فعل تخلو المحاوالت األولى من بؤس ورداءة متباينة ،قلت« :أنا شاعرة فيسبوكية». ظاهرة ولكن تجربتي بالوقت واإلصرار بعض الشعراء وغير الشعراء والنقاد تبلورت وتــطــورت ،اكتشفت أن بداخلي وغيرهم إذا ما رغبوا بالتقليل من شأن شاعرة كانت تنتظر ي ـدًا لتُخرجها إلى كاتب أو زعزعة ثقته بنفسه أسقط عليه السطح ،وألنّ الشعر ورطة فقد تورطت هذا اللقب« :شاعر فيسبوكي» ،وبالنسبة به ،قلت مرة إن ديواني األول هذا سيكون لــي فإنه مــن الغباء الشديد االعتقاد األخير حتمًا ولكن يبدو لي ذلــك اآلن
مستحيالً ،كل هذا الكالم يحيل مباشرة أيضا بين الشعر والسرد إلى أن المسافة ً
ليست بالبُعد ال ــذي يتخيله البعض،
أن مثل هــذه الكلمة تسيء ألي كاتب، ولطالما تقبلتها إذا قيلت برحابة صدر وقلتها أنا ألوفر الحرج على من يرغب في قولها ،فلكل زمن أدواته والطرق التي
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
87
باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها إلى القارئ ،وفي زماننا هذا من العبث
والغرور إنكار دور الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل في اإلسهام في انتشار
الكاتب ،ووصول اسمه ونصه إلى القارئ
وبسهولة تامة ،هل أفرز هذا استسهاال للكتابة األدبية؟ طبعًا ،لكل فرد صفحته
الخاصة ،وبإمكانه كتابة ما يشاء بال أية قيود أو ضوابط ،وهنا الحظنا أن األغلبية وفجأة صاروا كتّابًا وباألخص
شعراء ،لست من األشخاص المستائين أفضل أن يع ّم الكتّاب - من هذا بصدقّ ،
مهما تكن رداءة ما يكتبون -هذه األرض
وال يعمها المجرمون ،نحن نعيش في
عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب إلى بؤر العنف والظالمية ،لو استطاع
الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة اإلبــداعــيــة فمرحبا بــرداءتــهــم وشــكـرًا
للفيس ،وفي النهاية القارئ الجيد يعرف
تمامًا كيف يميّز بين الجيد والــرديء، والزمن غربال جيد لكل مرحلة ،لذلك
ال أرى أي داع لرعب البعض ممن يكتبون في مواقع التواصل.
أنا من األشخاص المدينين للفيسبوك،
أحيانا أسأل نفسي :من أنا قبله؟ كاتبة بــالــكــاد تــشــارك فــي بــعــض الملتقيات
األدبــيــة المحلية وال يكاد أحــد يسمع
باسمها أو يعرف عنها شيئًا ،الفيسبوك
88
خــلــق ل ــي جــمــهــورًا يــقــرأ ل ــي وينتظر
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
نصوصي ،جمهور بعيد جدًا ولكنه قريب بنفس الوقت ،األجمل من كل شيء أنه جعلني أتعرف على تجارب مختلفة ،من كل العالم ،هذا جعلني مطلعة ومكنني من تحسين أدواتــي وتطويرها ،ثم جعل عـ ــددًا كــبــيـرًا مــن األشــخــاص يــقــرؤون لي في كل أنحاء العالم العربي ،وحتى ال ــدع ــوات لــلــمــشــاركــة فــي مهرجانات دولــيــة ،أو عــروض دور النشر أتــت من خــال أشخاص تعرفوا على نصي في الفيسبوك ولــيــس فــي مــكــان آخ ــر ،أنا مدينة للفيسبوك أوال وأخيرًا ،وشاعرة أيضا. فيسبوكية بكل فخر ً
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
المخرجة السعودية هناء العمير: هناك حراك فني مبهج واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس بالفنون والسينما وأنا متفائلة جدا بالمستقبل أدين للمخرج كوروساوا ألنه أدخلني في عالم السينما العالمية حلم طفولتي هو الكتابة ورواية الحكايات .شغفي هو أن أروي وإن كانت الرواية تتطلب أن أقف خلف الكاميرا لم أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان خارج السعودية مهرجان «أفالم السعودية» يحتاج أن ينفتح على التجارب السينمائية الخليجية والعربية ،وربما الدولية نحن نملك أفالم ًا عربية ذات قيمة فنية عالية ،ولكننا ال نملك سينما
هناء عبد اهلل العمير ،مخرجة ،سيناريست ،كاتبة وناقدة سينمائية سعودية ،حاصلة على بكالوريوس ترجمة عربي/انجليزي من جامعة الملك سعود-الرياض1992 ،م ،وعلى ماجستير ترجمة عربي /انجليزي من جامعة «هيريوت وات» ببريطانيا1996 ،م ،حازت على جائزة النخلة الفضية في مسابقة األفــام السعودية فئة السيناريو عن فيلم قصير لم ينفذ بعد2008 ،م ،كتبت وأخرجت الفيلم الوثائقي «بعيد ًا عن الكالم» الذي شاركت به في اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
89
مهرجان الخليج السينمائي2009 ،م ،وكتبت وأخرجت الفيلم الروائي القصير «شكوى» الذي شارك في مهرجان تيسة لألفالم اآلسيوية واألفريقية 2014م. حصلت على العديد من الجوائز المهمة ،من بينها جائزة النخلة الذهبية في مهرجان أفــام السعودية عــن فيلم «شـكــوى» (2015م) ،وجــائــزة أفضل سيناريو مــن مسابقة مركز الملك فهد الثقافي لألفالم القصيرة عن فيلم «بسطة» الذي قامت بكتابته مع هند الفهاد (2016م) ،اما في مجال التأليف والنقد السينمائي ،فقد صدر لها كتاب «ساموراي السينما اليابانية أكيرا كوروساوا» ،دار مسعى2017 ،م ،ناهيك عن اختيارها كمحكمة في العديد من المهرجانات السينمائية ،ونشاطها الدءوب في الحراك الثقافي في السعودية. ρρحاورها :عبدالكرمي قادري
¦فكّ رت كثير ًا في نوع السؤال األول الذي سأطرحه عليك ،خصوصا وأن تجربتك رغم عمرها القصير خاصة في السينما متنوعة وثرية ،واستطعت من خاللهاأن تـقــولــي ب ـصــوت مــرتـفــع «أن ــا ه ـنــا» ،يعني مرة كاتبة سيناريو ،ومرات مخرجة أفالم وثائقية وروائية ،وأخرى ناقدة سينمائية، أعتقد بأن آخر ما صدر لك هو كتاب عن المخرج العالمي اكيرا كــوروســاوا ،وكلها تجارب تلتقي في خانة السينما ،ما الذي تعنيه لك السينما ،وأي العناصر اقرب إليك فيها (كتابة ،إخراج ،نقد)...؟
90
ρ ρالــكــتــاب الـــذي ص ــدر لــي عــن المخرج العالمي ،كان كتابة أحببت أن تحمل طابع الذاتية وأن ال تكون ذات شكل نقدي بحت كما هو متعارف عليه .ألنني باألساس في كتابتي عن السينما أكتب من دافع الشغف .صحيح أنني قرأت الكثير من الكتب النقدية حتى أفهم كيفية قــراءة الفيلم السينمائي ،إضــافــة إلــى أنني اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مارست اإلخراج والكتابة وبذلك تعرفت بشكل عملي على عملية صناعة الفيلم، لكنني أظل أوالً وأخيراً أتبع شغفي .وأي نقد مهما استند إلى معايير فنية يظل يحمل شبهة الذاتية ،فنحن ال نستطيع أن نخرج من أنفسنا ..والمادة اإلبداعية تؤثر فينا مهما ادعينا العكس .ولذلك فقد نزعت عن نفسي صفة الموضوعية فــي كــتــابــي عــن ك ــوروس ــاوا وقــلــت منذ الصفحة األولى أنني أدين لهذا المخرج بالدخول في عالم السينما العالمية ،فقد كان فيلمه «أحالم» هو البوابة التي عبرت منها إلى السينما ،وبما إنه في فيلمه ذاك قد دخل من خالل طالب فنون تشكيلية إلــى عــالــم فــان جــوخ (ال ــذي كــان يحبه ويتمنى أن يصبح فناناً مثله) ،فسأدخل عالم كــوروســاوا من فيلمه «راشــومــون» وجعلت بنية الكتاب معتمدة على بنية مقطع «الغربان» من فيلم «أحالم» .فأنا في النهاية أشبه بطالبة أمام معلم.
هــذا فيما يخص الكتاب وعـــذراً على اإلسهاب ،أما فيما يتعلق بأي العناصر أقرب إلى نفسي فهي الكتابة بكل تأكيد. في داخلي كاتبة ولكني درست الترجمة وحصلت على درجــة الماجستير فيها من بريطانيا وأعلم أننا في السعودية بحاجة لكل ما من شأنه إثــراء المشهد السينمائي ،ولذلك ال أتوانى عن القيام بأدوار أخرى من أجل هذه الغاية .ولذلك فعندما خطرت لي فكرة توثيق لقاء بين فرقتين يعزفان الموسيقى الفلكلورية لثقافتين مختلفتين ولم أجد من يمكن أن ينفذها بالشكل الــذي أحــبــه ،قمت أنا بإخراج هذا الفيلم وهو «بعيداً عن الكالم» والذي وثقت فيه لقاء يحدث للمرة األولى لفرقة أرجنتينية تعزف التانغو في ¦رغ ــم ع ــدم تــوفــر ال ـف ـض ــاءات الـمـســاعــدة زيارتها األولى للشرق األوسط مع فرقة على خلق السينما ،غير أن أفالم الشباب من منطقة القصيم في السعودية تعزف فرضت نفسها بقوة في السنوات األخيرة موسيقى السامري ،وقمت بعمل لقاءات في السعودية ،وظهرت تجارب محترمة، مع الموسيقيين من الفرقتين يتكلمون خصوصا في سينما المرأة ،كيف تفسرين فيه عــن انطباعاتهم خــال سماعهم هذا األمر؟ لموسيقى بعضهم البعض. ρ ρأفسره بأن التكنولوجيا كسرت كل الحدود ¦ع ـن ــدم ــا ت ـقــول ـيــن ب ــأن ــك ل ــم ت ـج ــدي مــن سواء من خالل المشاهدة والقراءة التي يوثق للفرقتين بالشكل الصحيح قمت أصبحت ممكنة .المشاهدة من خالل ب ــإخ ــراج ال ـف ـي ـلــم ،يـعـنــي ق ــدوم ــك لعالم شاشات كبيرة وأجهزة عرض سينمائي اإلخــراج جاء عن طريق الصدفة ،وليس والقراءة أيضاً المتخصصة والمتعمقة، مع سبق إصرار وترصد؟ أو بعبارة أخرى إضافة إلى انخفاض كلفة التصوير وكل عوالم السينما لم تكن أحالم طفولة؟ ما يتعلق باإلنتاج السينمائي .وكذلك أيضاً من خالل توفير منصات لتبادل الخبرات ρ ρحــلــم طــفــولــتــي هـــو الــكــتــابــة وروايـــــة والقراءات ،وخلقت مجموعات في العالم الحكايات .شغفي هو أن أروي وإن كانت االفتراضي تحولت فيما بعد ألن تشكل الرواية تتطلب أن أقف خلف الكاميرا فرقاً فنية للعمل على إنتاج األفالم .فقد ألتــأكــد أن حــكــايــتــي ستصل سأفعل. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
األيقونة السينمائية إنغمار بريغمان ذكر أن إخراجه لألفالم هو هواية وأن عمله األس ــاس هــو اإلخ ــراج المسرحي ،ومع ذلــك كــان ملهماً للكثير من المخرجين السينمائيين ،وال يمكن الــحــديــث عن السينما األوربــيــة بشكل عــام والسينما السويدية بشكل خــاص دون الحديث عنه .بالنسبة لي السرد البصري أكثر متعة مــن الــســرد األدبـ ــي ولــذلــك فأنا أكتب السيناريو ،كتبت للتلفزيون وكتبت للسينما وسأظل أكتب ،بالنسبة لي هذا عملي األســاس ،أما اإلخــراج فهو هواية أحــب أن أمارسها بين آن وآخــر حينما يناديني مشروع ما وأجــد صدى له في قلبي.
91
بــدأت السينما في السعودية من خالل منتديات أشهرها كان يسمى «سينماك»، وتحول من كانوا يشاركون في «سينماك» إلى صفحات الجرائد المحلية ،وبدأوا يكتبون عن السينما ..وترافق ذلك أيضاً ببداية مهرجانات إقليمية كانت تدعم السينما الخليجية وأهمها مسابقة «أفالم اإلمارات» .واآلن أصبح لدينا مهرجانات ومسابقات خاصة بالفيلم السعودي ،وهو تطور آخــر ..وكما أرى فنحن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة أعلى وهو شيء مبشر جداً. ¦ق ـ ـبـ ــل أرب ـ ـ ـ ــع س ـ ـ ـنـ ـ ــوات ق ـ ـلـ ــت فـ ـ ــي أحـ ـ ــدى مــداخــاتــك وأقـتـبــس ع ـنــك« :أعـتـقــد أن حلمي وحـلــم كــل سينمائي وسينمائية، وحـلــم كــل مــن يحب السينما ،هــو وجــود ص ــاالت ع ــرض سينمائية فــي المملكة، وسأظل أحلم بهذا إلى أن يتحقق» ،هل بدأ هذا الحلم يتحقق؟ وهل هناك بوادر من الجهات المعنية لتحقيق هذا الحلم وحلم جميع المخرجين وعشاق السينما في المملكة؟ وما هو تصورك للمستقبل في هذا الخصوص؟ ρ ρنــعــم ،هــنــاك تــصــريــحــات رســمــيــة بهذا الــخــصــوص وآخ ــره ــا مــن رئــيــس هيئة الترفيه ،وأعتقد أن األمــور متجهة إلى افتتاح صاالت سينما قريباً ،اآلن هناك عــروض ألفــام عالمية في مدينة جدة للعائالت وهــو أمــر يبشر بالخير .أنا متفائله جداً بالمستقبل ،هناك اهتمام بالفنون بشكل عام وليس السينما فقط.. وهذا أمر مهم ،وهناك حراك فني مبهج
92
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس، وهناك طاقات إبداعية تنتظر الفرصة ألن تبدع .كل هذا يجعلني متفائلة. ¦ما الذي قدّ مه مهرجان «أفالم السعودية»،
كما أنه أثبت لجمهور األفالم أن صناع األفـــــام قــ ـــادرون عــلــى الــتــعــبــيــر بلغة سينمائية تشبههم .وهــذا يجعلهم أكثر ثقة فيهم وإيماناً بهم.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ال ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـت ـ ـطـ ــور س ـ ـنـ ــة ب ـ ـعـ ــد سـ ـ ـن ـ ــة ،لــك ¦أال تعتقدين بأنه حــان الوقت أن يخرج مـهــرجــان «أفـ ــام ال ـس ـعــوديــة» بـعــد نجاح وللسينمائيين السعوديين ،خاصة وأنك ال ـ ـ ـ ــدورات ال ـس ــاب ـق ــة م ــن ال ـم ـح ـل ـيــة إل ــى سبق وحصدت جائزة «النخلة الذهبية» الخليجية أو العربية ،ولــم ال الــدولـيــة، في احدى دوراته عن فيلم «شكوى»؟ من أجل احتكاك أكثر بين السينمائيين ρ ρالــمــهــرجــان خــلــق فــرصــة لــلــقــاء محبي ال ـس ـعــودي ـيــن وغـ ـي ــره ــم ،وك ـس ــب خ ـبــرات السينما وصــنــاع األفـ ــام والمبدعين جديدة؟ أيــضـاً فــي مــجــاالت فنية أخ ــرى ،وهــذا أمر حرص عليه صناع المهرجان لخلق ρ ρأتــفــق مــعــك تــمــام ـاً وأعــتــقــد أنــنــا في المهرجان القادم نحتاج أن ننفتح على بيئة صحية إلمكانية التعاون الفني .عدا التجارب السينمائية الخليجية والعربية، عن النقاشات الفكرية والورش التدريبية وربــمــا الدولية كما ذك ــرت .وأتمنى أال وجعلت المخرجين والمخرجات أكثر يقتصر عــرض مثل هــذه التجارب على احــتــكــاكـاً بجمهورهم المحلي بعد أن المهرجان ،أتمنى لو نستطيع أن نعرض كانت عروض المهرجانات تقتصر على تجارب سينمائية متميزة من السينما جماهير خــارج السعودية وهــذا أحياناً العالمية بشكل دوري ودائم في عروض يــؤ ّثــر ســلــبـاً عــلــى الــمــبــدع .ال شــك أن خاصة أو عامة .كانت لي تجربة ناجحة االحتكاك بجماهير مختلفة أمــر مهم جداً في هذا المجال ،حين كنت مسؤولة وأساس ،ولكن المبدع بحاجة ألن يستمع عن عرض أفالم من السينما العالمية في لجمهوره الذي ينتمي لذات الثقافة التي مركز الملك فهد الثقافي ضمن نشاطات خرج منها والتي عبر عنها .أعتقد هذه مخيم صيفي للفتيات ،وكان هناك نقاش مسألة مهمة معنوياً ألي مبدع. مفتوح حول األفالم وكيف يمكن أن نقرأ الفيلم السينمائي ونتذوق جمالياته .وقد علمت فيما بعد أن إحدى الحاضرات، قررت بعد هذا المخيم أن تتقدم لمنحة دراسية لدراسة صناعة األفالم ،وذهبت للواليات المتحدة لهذا الغرض .يؤلمني أن الكثير من الشباب المبدع ال يعرف عن السينما أكثر من األعمال التجارية األمريكية الناجحة .لذلك أرجو أن تكون هناك عــروض دائــمــة للسينما البديلة (السينما الفنية).
¦فيلمك شكوى ،هو صرخة امرأة في وجه اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
93
الظلم ،في وجه التعدد ،في وجه القهر، فــي وج ــه مـعــانــاة ال ـمــرأة بشكل ع ــام ،هل هناك من سمع هذه الصرخة واستجاب لـهــا بـعــد ع ــرض الـفـيـلــم وت ـتــوي ـجــه؟ هي «شكوى» لمن؟ ρ ρشكوى هو حالة إنسانية أوالً وأخيراً .هو تعبير عن فتاة تضعها الظروف في وضع تكرهه وهو رعاية أبيها المريض الذي تربطها به ذكريات سيئة .تقف في حيرة من أمرها بين ضميرها في مساعدته ألنــه عاجز ،وفــي مشاعرها المرتبطة بالماضي .هذه هي شكوى بطلة الفيلم اإلبداع هو فعل تراكمي ،ولذا ال مناص عــن مشاهدة الكالسيكيات والحقيقة التي تبدو في بداية الفيلم في عملها انني أستمتع بها كثيراً. كشخصية متسلطة وفظة وبين واقعها داخــل المنزل الــذي يكشف لنا عالماً ¦ت ــرجـ ـم ــت مـ ــؤخـ ــرا كـ ـت ــاب ــا تـ ـح ــت عـ ـن ــوان آخر .شكوى يتناول الفارق بين ما نراه «سـ ــامـ ــوراي الـسـيـنـمــا ال ـيــابــان ـيــة /أك ـيــرا من السطح في الخارج وما هو في أكثر ك ــوروس ــاوا» ،مــا ال ــذي دفـعــك إلــى ترجمة عمقاً في الداخل. هذا الكتاب؟ ¦أرى بــأنــك مـهـتـمــة ك ـث ـيــرا بـكــاسـيـكـيــات ρ ρالــكــتــاب لــيــس تــرجــمــة بــل هــو تأليف، الـسـيـنـمــا ،كــالـمـخــرج ف ـت ــوري دي سيكا، ترجمت فقط في الكتاب مقابلة دارت فرانك كابرا ،وغيرهما كثير ،هل تعتقدين بين غابرييل غارسيا ماركيز وكوروساوا فعال بأن الجيل الحالي ال يزال بحاجة فــي التسعينيات وضعتها كملحق في إلـ ــى أعـ ـم ــال ه ـ ــؤالء ال ـم ـخــرج ـيــن؟ وهــل نهاية الكتابة ،وذلك ألن المقابلة تكشف العودة لهم ضرورية؟ عن آراء كوروساوا .كما أنني في الكتاب
94
ρ ρأعتقد أن الكالسيكيات لم تصبح كذلك إال ألنــهــا اجــتــازت اخــتــبــار الــزمــن بما تحمله من معاني تجعلها دائــمـاً قــادرة على إلهامنا .أعــمــال شكسبير خالدة حتى اليوم وسترى بين آن وآخــر أثناء مشاهدتك األف ــام لمحات مــن أفــام كالسيكية تأثر صناعها بتلك األعمال.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أيضاً وجرياً على ما قام به في فيلمه «أحالم» من تجسيده لشخصية فان جوخ نفسه ،قمت بكتابة مقابلة متخيلة بيني وبينه ضمنت فيها آراء أدلى بها في عدة مقابالت ..وذكرت أنها مقابلة متخيلة. أما الدافع ،فأوالً كان إشارة إلى مخرج عظيم ال يعرف الكثير من صناع األفالم
¦المعروف على كوروساوا أنه نقل الهوية والتقاليد اليابانية فــي أفــامــه ،أي انه اشتغل على المحلية وهــي الـتــي دفعت بــه الــى العالمية ،هــل يمكن للمخرجة السعودية هناء العمير أن تشتغل على ال ـت ـف ــاص ـي ــل ال ـص ـغ ـي ــرة ،وت ـن ـق ــل ع ـ ــادات ¦ل ـن ـخ ــرج ق ـل ـيــا م ــن ت ـجــرب ـتــك وتـ ـج ــارب السينما السعودية ،كيف تقيمين واقــع وتقاليد المملكة وتوظفها في أفالمها؟ السينما العربية اآلن؟ وهــل فعال نحن وهل تجدين هذا ضروريا؟ نملك «سينما عربية»؟ ρ ρأنا مؤمنة تماماً بأهمية المكان ،واعتبره شخصية من شخصيات الفيلم .ال أحب ρ ρنحن نملك أفالماً عربية ذات قيمة فنية عالية ،ولكننا ال نملك سينما استطاعت أن األفــام التي يغيب فيها المكان وتبهت تفرض نفسها وتفرض رؤيتها وأسلوبها. تفاصيله .كوروساوا كان مهووساً ببناء أن تمد السينما العالمية بموجة جديدة مواقع التصوير في أفالمه التاريخية لهذا ا أو كما فعلت األف ــام الــرومــانــيــة مــثـ ً الغرض ،وقد ورد في بعض المراجع أنه السينما اإليــرانــيــة على سبيل المثال. غضب غضباً شديداً أثناء تصوير فيلمه وذلك له عدة أسباب ،أولها عدم الدعم «اللحية الحمراء» ألن الخشب المستخدم الحكومي لألعمال السينمائية وهذا اآلن لم يكن المستخدم في تلك الحقبة .من في طريقه للحل مع وجود صناديق دعم كان سيشاهد في فيلم باألبيض واألسود فنية في أكثر من دولة ساهمت في وصول طبيعة الــخــشــب ويــمــيــزهــا إال الممثل الفيلم العربي للمهرجانات العالمية ،وقد نفسه .كان كوروساوا يؤكد أن بناء الموقع يؤثر في أداء الممثل .المكان له حضور تتمكن ذات يوم من دعم. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
السعوديين عــن أفــامــه شيئاً ناهيك عــن الــجــمــهــور ،كــذلــك فــكــوورســاوا من المخرجين الكبار الذين استطاعوا أن يجمعوا بين النجاح الجماهيري والفني، وهــو أمــر صعب ج ــداً وقــد ابتكر عدة أساليب خرج بها عن الطريقة المعتادة في صناعة األفــام في وقته ،وقد كان يكتب ويخرج وهو من يقوم بمونتاج أفالمه أيضاً .كما أنه سيد السينما اإلنسانية، حيث يقول له الروائي الكولمبي في لقائه معه «نحن نتعلم منك اإلنسانية».
أثر على من يعمل في الفيلم وعلى من يشاهده .هــذا ما أؤمــن بــه .ولذلك لم أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان خــارج السعودية رغــم سهولته خارجها وصعوبته فيها .عندما كتبت نص فيلم «هدف» كنت أفكر في طفلة من الرياض، وعندما طلبت المخرجة الزميلة هناء الفاسي النص إلخراجه ،ثم أبلغتني أنها ستصور الفيلم في مدينة جــدة ،طلبت منها السيناريو لتغييره ،فطبيعة العائلة النجدية في الرياض مختلفة عن العائلة الحجازية في بعض التفاصيل .ولذلك ال بد من مراعاة هذه األمــور ،فكما يقول ال ــروائ ــي الكولمبي غــابــريــيــل غارسيا ماركيز «اإلبداع هو التفاصيل».
95
الشاعر نايف أبو عبيد منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأ الشاعر نايف أبو عبيد في ثانوية إربد مسيرته األدبية نثر ًا وشعر ًا وراح ينشر إنتاجه في مجلة «صوت الجيل» وجريدة «الجزيرة» ثم استمر في نشر شعره في الجرائد التي كانت تصدر في القدس ،وقد أهّ له هذا النشاط الثقافي ألن يكون واحد ًا من مؤسسي (رابطة القلم الحر) التي كانت أول رابطة ثقافية في األردن ،وكان من زمالئه فيها الشاعر المرحوم راضي صدوق وحكم بلعاوي ،وعقلة حداد، وسميح الشريف وآخرون. وقــد حمل الشاعر (نــايــف أبــو عبيد) راي ــة التجديد واالص ــاح ،باعتباره طريق ًا نحو التغيير والتقدم والرقي ،وقد كان الشعر خياره األول ،متخذ ًا من المفردة الغنائية الرشيقة األنيقة أداته الفنية المؤثرة لكتابة نصوص غنائية أداها عدد من المطربين والمطربات بأصواتهم ،وكانت قصائده في هــذا الباب مرجعية وثائقية للنص الغنائي المكتوب في األردن ،وما زال حتى اليوم مثل ياقوتة عتيقة ثمينة دائم التألق واأللق واإلبهار ،وهو في شيخوخته مثله في شبابه ،دائم الحيوية ،مغمو ٌر باألمل والتفاؤل. ولم يكن األستاذ نايف أبو عبيد شاعر ًا وحسب ،بل كان إعالمي ًا محترفاً ،فقد رئس القسم الثقافي في اإلذاعة األردنية لست سنوات ارتقى خاللها بالبرامج الثقافية إلى مستوى رفيع بدعوته الكتّاب واألدباء والشعراء األردنيين والعرب للكتابة لإلذاعة ،وبسبب عالقته الطيبة
96
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ويحتل المكان في شعر نايف ابو عبيد واقع ًا معاشاً ،وذلك بسبب ما يحيط به من رؤية ملموسة وخيال متحرك ،فض ًال عن البشر ،الذين عاشوا فيه ،وأعطوه القيمة الرفيعة. وسواء أكان الشاعر أو الكاتب بعيد ًا عن المكان أو قريب ًا منه ،فإن ما ينتجه يزخر بالعاطفة الصادقة .وأبو عبيد واحد من الشعراء الذين مألهم المكان بعاطفة وطنية صادقة ،حيث احتل مساحة جيدة من شعره الوطني الذي يعكس انفعاالته وإحساساته ،والعالقة بين الشاعر والمكان عالقة حميمة ،وعالقة انسجام لها جذورها الموغلة في نفسه.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
معهم انهالت على القسم الثقافي األعمال الثقافية فأغنى بها البث الثقافي ،فكانت فترته فترة ذهبية ،وقد استقطب للعمل معه في القسم نفر ًا من المثقفين واألدبــاء والشعراء األردنيين ،الذين أصبح لهم شأن كبير في عالمي الثقافة واإلعالم.
التقيناه في حوار خاص لمجلة الجوبة وكان هذا اللقاء: ρρحاوره :نضال القاسم
¦ما هو الهاجس الذي يحرك قلم الشاعر نايف أبو عبيد؟
هذا مقطع من قصيدة قلتها في األرض تصلح ألن تكون نشيداً تتغنى به الناس كل الناس مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم، إذ األرض أمهم التي ولدتهم وعزتهم ولوالها لهلكوا.
ρ ρالهاجس الذي يحرك قلمي هاجسان هما األرض واإلنــســان ،وقد أختصر الهدف في عنوان أول ديوان نشر لي عام 1960م «أغنيات لــأرض» ،فقد تغنت قصائدي ¦هل لنا أن نعرف كيف تسلل إليك شيطان باألرض وحتى يتصرف كما هو اإلنسان الشعر؟ فتمحورت معظم قصائدي حول األرض ρ ρتسلل إلــيّ شيطان الشعر عندما كنت واإلنسان ،وقد دعاني هذا الهاجس إلى ال يستمع إلى رواة الشعر والمالحم طف ً الكتابة بالمحكية في بعض المراحل؛ ألن فــي مــضــافــات الحصن فــي الــمــســاءات الغرض من القصائد مخاطبة اإلنسان الشتائية .فقد رسخت القصائد التي الـ ــذي ع ــاش عــلــى األرض وم ــا تنتجه كانت تروى وتُ َغنّى على الرباب ،فصنعت وتعطيه من الزروع والضروع. عندي القدرة على ضبط الوزن واإليقاع، (هـ ـ ـ ــذه األرض لـ ـك ــم ي ـ ــا ط ـي ـب ــون وهــو الــذي يعلق في الــذاكــرة الطفولية م ـنــذ ب ــدء ال ـخ ـلــق فـيـهــا تنعمون المبكرة ،أما المضامين فسيدرك المرء عند نضجه المتأخر. ف ـ ــاذك ـ ــروا مـ ــا ق ــال ــه ف ـي ـهــا اإلل ـ ــه: (يرث األرض عبادي الصالحون)¦ .مــا هــي طبيعة ال ـت ـصــور ال ـش ـعــري الــذي اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
97
أظ ـل ـم ــت دنـ ـي ــاه ح ـت ــى ل ــم يـعــد ي ـب ـص ــر اآلي ـ ـ ـ ــات ف ـ ــي قـ ـ ــرآنـ ـ ــه!!).
تــم على أســاســه ديــوانــك األول (أغنيات لــأرض) ،وما هي المؤثرات التي شكلّت وع ـي ــك وأس ـه ـم ــت ف ــي ت ـكــويــن تـجــربـتــك ¦مــا هــو أث ــر شـعــرك خ ــارج ال ـح ــدود؟ وهــل اإلبداعية؟ ت ـع ـت ـقــد أن ـ ــك ق ـم ــت ب ــواجـ ـب ــك فـ ــي ه ــذا ρ ρيتناول الشاعر مواضيع قصائده من المجال؟ البيئة التي يعيش فيها ،وقــد ترسّ مت ρ ρلم أدرس التغذية الراجعة لشعري وراء هــذه الخطى عندما كنت أنْــظُ ــم الشعر ح ــدود الــوطــن (األردن) حتى أعطيك في البواكير عندما صحونا على ضياع الجواب الشافي الوافي ،وأتمنى أن تصل أجمل وأروع بقاع األرض العربية (أرض قصائدي إلى من يهمهم األمر. فلسطين) ،ورحنا بعد ضياعها نغني لها وجدنا المسلوب بالقهر والقوة والحيلة ¦نــايــف أبــو عبيد ،بـصــراحــة ،هــل أنصفك النقد؟ والخداع. ρ ρبــصــراحــة...ال لم ينصفني؛ ألن شعري (ذك ـ ـ ـ ــرت ف ـل ـس ـط ـي ـن ـنــا واألسـ ـ ــى سياسي في أغلبه ،والنقاد يبتعدون عن يُ ـ ـه ـ ـيـ ــج فـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـفـ ــس تـ ــذكـ ــارهـ ــا الشعر السياسي؛ ألنهم يمسكون بالعصا فـ ــإن ك ـنــت أخ ــرج ــت م ــن جنة من منتصفها دائماً.
فـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدث أخ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــارهـ ـ ـ ــا)
¦نــايــف أبــو عبيد ،مــن وجـهــة نـظــرك ،إلى رحم اهلل ابن حمديس الصقلي الذي قال أي حد عبَّر األدب األردن ــي الحديث عن هذا الشعر في صقلية بعد فقد العرب الـ ـت ـح ــوالت ال ـت ــي تـعـيـشـهــا األردن منذ لها. االستقالل؟ ¦آخــر ديــوان صــدر لكم كــان بعنوان (لظى الـقــوافــي) ،مــاذا عنه ،ومــا الــذي أردت أن تقوله من خالله؟
ρ ρلم يستطع األدب األردني الولوج إلى داخل القضايا األردنية بشجاعة وصدق ..وهم أهل األدب يمسون قضايانا مساً خفيفاً لــطــيــفـاً ال يـــؤذي مــشــاعــر مــن يــؤثــرون ويتأثرون في المسار والحركة الفكرية األردنية.
ρ ρأمــا ديــوان (لظى القوافي) فهو راصد ألوضاع األمة العربية في السنوات العشر األخيرة أو ما سموه بالربيع العربي .بدءاً بحادفثة من أحرق نفسه قهراً فقلت لمن ¦ال ـتــراث كموضوعة جدلية قــائـمــة ،كيف الموه وكفروه: تنظر إليه؟
98
(ال تـ ـ ـل ـ ــوم ـ ــوه ع ـ ـلـ ــى كـ ـف ــران ــه ρ ρإن تراثنا لم يدرس دراسة علمية صادقة، وقد استفاد البعض منه وتركه الكثيرون رب ك ـ ـ ـفـ ـ ــر زاد ف ـ ـ ـ ــي إيـ ـ ـم ـ ــان ـ ــه اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
درويش في الشعر الحديث وعندها أرفع
عقال إعجابي بهما.
¦هل ما يزال الشعر ديوان العرب وشاغلهم، أم أن الـقـصــة وال ــرواي ــة باعتبارهما فـ ّنـ ًا ¦متى بدأ الوعي بأهمية المكان لديك... مديني ًا احتال الساحة األوسع؟ وكـيــف تستلهم األمــاكــن الـتــي كـثـيــر ًا ما ρ ρيعاني الشعر العربي في هذه األيام من تحضر في قصائدك؟ نكوص وتراجع لحساب الــروايــة بدليل ρ ρيُــقــال عــن شــعــري أنــه أطــلــس جغرافي أنك ال تستطيع نشر ديوان لك ،والرواية لألماكن األردنية ،وهذا إلى حدٍّ ما قو ٌل مرحب بها من قبل الناشرين. صحيح ،فقد كتبت عــن أمــاكــن أردنية ¦ما هي حدود العالقة بين األدب والحرية كثيرة شعراً بالفصحى والمحلية. من وجهة نظرك؟ ¦م ــا ه ــي الـ ــدائـ ــرة األسـ ـ ــاس ف ــي حــركـتــك ρ ρاألدب ابن الحرية الشرعي ،وإذا ضاعت الشعرية؟ الحرية انكفأ األدب وتراجع...أعطني حرية وخــذ أدب ـ ـاً ...قيودنا التي تقيد ρ ρتتمحور قصائدي حول اإلنسان واألرض، معاصمنا وأقدامنا كثيرة ..ولــذا تأخر وهذه دائرة الحركة في شعري. األدب عن معالجة كثير من القضايا التي ¦مــا الــذي قــدّ مــه األردن فــي رأيــك لحركة اعتبروها محرمات ال يصح الدنو منها الشعر الحديث؟ أو مسها. ρ ρللشعر األردن ــي أثــر متواضع في تطور ¦هل حصلت على جوائز خالل مسيرتك المسيرة الشعرية العربية ،وفي رأيي أننا الطويلة؟ ال قدمنا في الستينيات والسبعينيات عم ً ρ ρلم أحصل على جوائز من المؤسسات شعرياً مؤثراً أكثر من اليوم. الثقافية سوى وسام االستقالل لتفوقي الــشــعــري ،ولــكــنـ ّنــي مــثـلّــت األردن في ¦في ظل التشرذم الحالي الذي نشهده في الوضع العربي واإلسالمي ،كيف ترى دور مهرجانات شعرية عربية ودولية. اللغة في إعادة توحيد األمة اإلسالمية؟ ¦كيف تنظر إلــى خريطة الشعر العربي
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
لعدم فهمهم له وتقديرهم ألثره في بناء اإلنسان.
هما :المتنبي في الشعر القديم ومحمود
اليوم؟ ومن من الشعراء جذب اهتمامك ρ ρإن عنصر التوحيد العربي المعوّل عليه وش ـع ــرت ع ـبــر أع ـمــالــه بـنـكـهــة الـتـجــديــد هو اللغة العربية ،ولذا فإن على أصحاب واألصالة والعمق؟ القرار والفكر أن يهتموا بهذه اللغة ،فهي
ρ ρفي مسيرة الشعر العربي توجد ظاهرتان
هوية األمة العربية.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
99
صبحي موسى:
الشعر هو المعبَ ر األهم لكل من يريد أن يكتب رواية جيدة قصيدة النثر هي خالصة الشعر دون تزيد قبل أن أكتب الموريسكي األخير قرأت عشرات المراجع من لغات أجنبية ومن العربية كل عمل فني فيه طرف من سيرة المبدع الذاتية الجوائز تعبر عن فكرة مموليها عن الرواية وليس عن طبيعة الفن الروائي
شاعر وروائ ــي مصري ،صــدر له عــدد من الــدواويــن الشعرية قبل سنوات منها« :صمت الكهنة» ،و«قـصــائــد الـغــرف المغلقة» ،و«لـهــذا أرح ــل» ،ثــم تحول إلــى كتابة الــروايــة ،فقدم للساحة الـعــربـيــة ع ــدد ًا مــن ال ــرواي ــات مـنـهــا« :حـمــامــة بـيـضــاء» و«أســاط ـيــر رج ــل الـثــاثــاء» و«الموريسكي األخير» وأخيرا «نقطة نظام» .وقد حاورته «الجوبة» ليتعرف القارئ العربي على أسباب تحوله من كتابة الشعر(قصيدة النثر) إلى الرواية؟ ورأيه في الجوائز األدبية وظاهرة األكثر مبيعا ،كما نتعرف منه على أسباب لجوئه للتاريخ؛ الستلهامه ..وخاصة في روايتيه «أساطير رجل الثالثاء» و«الموريسكي األخير» اللتين استلهم فيهما التاريخ ،ولماذا أعاد طبع روايته األولى «حمامة بيضاء» التي صدرت قبل سنوات ،وما عالقة روايته األخيرة «نقطة نظام» بالتغيرات االجتماعية التي حدثت في مصر في السنوات الست األخيرة؟
100
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρρحاوره :هالة موسى
¦بــدأت حياتك كشاعر ،فما الــذي أغــراك باالنتقال لكتابة الرواية؟ هل هي موضة «زمن الرواية» أم هي الجوائز التي تغري الروائيين بالكتابة؟
وغيرها ،وهناك من يكتب ويمثل ويخرج ويمارس الفن التشكيلي ،وهكذا ،ففكرة األحــاديــة أو الثنائية الضدية الشهيرة في الحداثة انتهت ،وح ّل محلها التجاور والتعدد كسمة رئيسة لما بعد الحداثة، وفي ظني أن هذا هو السبب الرئيس في انتقالي إلى الرواية مع احتفاظي بمكاني في الشعر.
ρ ρفي ظني أن الشعر هو المعبر األساس لكل مــن يــريــد الكتابة الــجــيــدة ،ســواء الرواية أو القصة أو المسرح أو النقد، وهــنــاك كثير مــن الكتاب الكبار الذين مروا بمرحلة الشعر ،حتى أننا حين نقرأ ¦ما رأيك في قصيدة النثر؟ وما تقييمك أسماءهم ..نتصور أنه ال يمكن لكاتب لواقعها في العالم العربي اآلن؟ كبير أن يأتي دون االنطالق من الشعر، ρ ρقصيدة النثر لمن يفهمونها حقا بمثابة فهناك بــورخــيــس ،ســارامــاجــو ،جونتر الشعر المقطر ،بمثابة خالصة الشعر جـــراس ،هــيــرمــان هــســه ،كزنتزاكيس، دون تــزيــد وال رط ــان ــة ،لكنها لــمــن ال وخوان رولفو ،كاواباتا ،وغيرهم ،والسؤال يفهمونمها مجرد تسويد مزيد من الورق، اآلن ،هل تحول هؤالء وغيرهم إلى الرواية ومــن ثم فهي قليلة ون ــادرة ،وشعراؤها ألنها كانت موضة ..أم ألن الجوائز تغري غالباً يقدمون طرحهم من خالل ديوان الكثيرين؟ أعتقد أن السرد في حد ذاته أو اثنين ،وما بعده هو مجرد تنويعات أو نداهة كبيرة ،وغواية ال حدود لها ،وأعتقد محاولة استعادة للصدى ،لذا ال يجب أن أن قصيدة النثر بما تقوم عليه من تفجير ننتظر من قصيدة النثر ما كنا ننتظره إلمكانات وقــدرات السرد لدى الشاعر، من نظام القصيدة العمودية أو التفعيلية، ساعدت الكثيرين من أبناء جيلي على وعــمــوم ـاً ه ــذا الــنــص فــتــح الــبــاب على كتابة الرواية ،فقد أصبحت الحدود بين مصراعيه لكل مــن لديه شعر حقيقي السردين متقاربة ،والمسافات متداخلة، ليقوله ،وفتحه أيضا على االنتقال إلى أعتقد أيضاً أن التيمة الرئيسة لما بعد مختلف الفنون األخرى كالرواية والمقال الحداثة هي التعدد والتجاور ،ومن ثم والمسرح والسيناريو. نجد من يكتب الشعر والرواية والمقال والصحافة وربما المسرح والسيناريو وقد شهد العالم العربي طفرة بعالقته
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
وأخيرا نعرف منه رأيه في كيفية تحقق العالمية للرواية العالمية ،ما هي الوسائل التي يمكن أن يتخذها الروائيون للعرب لتحقيق العالمية ،ثم رأيــه في راهــن الرواية العربية بعامة والسعودية بصفة خاصة.
101
مع هذا النص منذ مطلع التسعينيات، فقصيدة النثر لها ثالث مراحل ،األولى بـ ــدأت مــع قــصــيــدة الــعــامــيــة وقــصــيــدة التفعيلة فيما بين الحربين العالميتين، والثانية كانت في مطلع الستينيات مع مجلة شعر البيروتية التي كانت بمثابة الــمــنــبــر األس ـ ــاس ألب ــن ــاء هـــذا الــنــص، والمرحلة الثالثة كانت في التسعينيات مع انتشار الحواسب اآللية وظهور ثورة االتصاالت والستااليت ،وهو ما ساعد على انتشار هــذا النص ،وضــرب فكرة ُطر دون اآلخر، مركزيته أو حصره على ق ٍ وجــعــل كــل روافـــد الشعر تــذهــب إليه، فصار التيار األكثر انتشاراً وقــوة ،لكن يجب أال نتعامل معها بأليات ومفاهيم التفعيلة والــعــمــودي ،ال يجب أن نتوقع من خطيب المنبر في المسجد أن يتمثل بأحد سطورها ،هناك فوارق كبرى في المجاز واالستعارة ،هناك طفرات حدثت لكنها في نقيض البالغة والمجاز التي يعتمد عليها شيوخ المنابر. ¦مـ ــا م ـ ــدى م ـش ــروع ـي ــة اعـ ـتـ ـم ــاد الـ ــروائـ ــي عـلــى ال ـتــاريــخ؟ مــا م ــدى اع ـت ـمــادك على التاريخ في روايتك األولى «أساطير رجل ال ـثــاثــاء» .مــا الـخـطــاب الـثـقــافــي الــذي أردت أن تمرره من خالل هذه الرواية؟
102
تاريخه ،وبمجرد وقــوع أي حادثة فقد أصبحت جزءاً من التاريخ. أما كيف يتعامل الكاتب مع هذا التاريخ فهو أمر آخر ،فالكاتب ال يمكنه أن يغير من وقائع التاريخ المستقر المعلوم ،ال يمكنه أن يخالف المراجع والمصادر الــمــعــتــمــدة ،لكنه يمكنه أن ينسج ما سكت عنه المؤرخون ،وأن يكتب ما لم يلتفتوا إليه ،حيث تصورات الشخوص عن العالم ،وموقفهم ممن معهم وممن ضدهم ،وحيث األجواء النفسية والفكرية التي عاشوها قبل أن يقوم بالحدث ،فثمة ممرات كبرى أغفلها المؤرخون ،ألنها ليست من عملهم ،وهي مهمة الروائي، هــي عمله األصــيــل ،وهــي فــي مجملها ممرات إنسانية بحتة يقوم الروائي على إبداعها بخياله وفقا لشرطيات اللحظة القديمة ،وهو ما يستدعي منه مجهودًا كبيرًا في المعرفة والخيال ،ومهارة أكبر فــي التعامل مــع الــمــصــادر والــمــراجــع، وصياغة كــل ذلــك فــي إطــار ســردي له دراميته وأزمنته المتقاطعة ،وانفعاالته الــمــتــواتــرة .الكتابة التاريخية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض ،وليست بالصعوبة التي قد يتكلم عنها البعض، لكنها نوع من العمل الجاد ،وكل حسب موهبته وقدراته.
ρ ρالروائي يعتمد طيلة الوقت على التاريخ، مشروع نجيب محفوظ في مجمله هو ¦في روايـتــك «الموريسكي األخـيــر»..عــام اع ـت ـمــدت ف ــي رص ــد م ــأس ــاة حــدثــت قبل مشروع تاريخي ،مشروع عبد الرحمن مئات السنين فــي األنــدلــس؟ وهــل قمت منيف وإبراهيم الكوني والطاهر وطار بربط هذه األحــداث بالحاضر؟ هل ثمة وغيرهم ،كلها مشاريع تاريخية ،والروائي إسقاطات على الحاضر؟ أقصد ما هي ال يمكنه أن ينفصم عن واقعه ،وال عن اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
المصادر التي اعتمدت عليها في كتابة أحداث موغلة في التاريخ؟ ρ ρعــشــرات الــمــراجــع التي قــرأتــهــا ،ســواء مــن مــصــادر عــربــيــة ،أو مــتــرجــمــة من مــصــادر أسبانية ،وقــارنــت بين وجهتي النظر االسبانية والعربية ،كما قــرأت أعماالً مترجمة عن اإلنجليزية لمؤرخين ليسو مــن الــجــانــبــيــن ،رأيـــت أن وجهة النظر العربية حــاولــت الــصــراخ بقدر اإلمكان ،وربما ربطت بينها وبين مأساة الفلسطينين ،بينما قــدمــت الــمــراجــع األسبانية األمــر على أنــه فعل تاريخي عـــادي ،ومــن ثــم وصــلــت إلــى أن هناك أجــواء تاريخية كبرى حتمت حــدوث ما ح ــدث ،لكنه بمثابة الخطيئة الكبرى التي يجب االعــتــذار عنها ،ومنح بقايا الموريسكيين حق العودة إلــى بالدهم، خاصة وأن أسبانيا منحت الموريسكيين اليهود هذا الحق ،فلم ال يفعلون ذلك مع الموريسكيين المسلمين.
اعتمدت أيضاً على الذهاب إلى المغرب، ليس حيث األماكن التي نزل وأقام فيها الموريسكيون قديماً ،ولكن أيضا حيث يقيم بقايا الموريسكيين اآلن ،كان البد أن أتطلع إلــى الوجوه مثلما أتطلع إلى األم ــاك ــن ،وأنــظــر فــي الــعــيــون وأع ــرف طريقة التفكير ومدى الخوف أو االنفتاح على اآلخــر ،كــان البــد أن أدرك مالمح بطلي «مراد الموريسكي» أو الموريسكي األخير ،تلك المالمح النفسية والفكرية كــي استطيع تجسيده كــنــمــوذج يمكنه أن يحمل مختلف األفكار والتناقضات التاريخية الكبرى على كاهله ،وأن أربط كل هــذا بما يجري في بــادي في تلك اللحظة ،حيث فكرة استعادة قيام الدولة على أساس ديني ،كما قامت دولة األسبان على أســاس ديني ،فكانت الكارثة جالء الموريسكيين ،وهــو ما حــذرت منه في روايــتــي ،فقيام دولــة على أســاس ديني سيضر باآلخر ،وربما ينتهي إلى طرده اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
103
من بــاده ،وأعتقد أن هذا النفق مازال قائماً ،بدليل تهجير األقباط من شمال سيناء تحت وطأة إرهاب المتشددين لهم. ¦م ــاذا تـمـثــل ال ـجــوائــز بــالـنـسـبــة لصبحي موسى؟ ρ ρالجوائز تمثل لي حصة من المال وحصة مــن الــشــهــرة وإع ــان جيد عما كتبته، وأحلم أن يلتفت إليه الجميع. ¦هل ثمة معايير فنية تحكم الجوائز في العالم العربي؟ ما رأيك في جوائز البوكر وكتارا وغيرها من الجوائز العربية؟
راعيها يقدم للناس النماذج التي يريدها، ألنها تعبر عن فكرته هو وليس عن طبيعة األدب أو أهميته ،ولعل السؤال هو كيف سيحقق الممول أو الراعي سياسته أو فكرته هذه ،بالطبع لن يقدم الئحة وال شروطاً معلنة لطبيعة األعمال التي يجب أن تفوز ،ولكنه سيختار لجنة التحكيم، وهناك تجيء مقولة :إذا أردت لقطار أن يسير بسرعة ()40كم فاختر له ديزل يسير بهذه السرعة ()40كم ،وإذا أردت له أن يسير بسرعة ( )400كم فاختر له ديــزل يسير بسرعة ( )400كــم .ولجان التحكيم هي الديزل في كل لجنة ،فقولي لي كيف تختارين لجان تحكيمك أقول لك ماذا تريدين من هذه الجائزة؟
ρ ρبالطبع ثمة معايير تحكم أي جائزة، لكن هل هــذه المعايير معلنة ،وهــل لو أعلنت سنصدقها؟ أعتقد أن كل صانع لجائزة يعرف أهدافه منها ،ومن يدفع ¦هـ ـن ــاك م ـق ــول ــة إن الـ ـك ــات ــب الـ ـع ــرب ــي ال يستطيع أن يكتب سيرته الذاتية بشكل لزمار بحسب المثل اإلنجليزي يسمع ما ص ــري ــح ،لـكـنــه ي ـســرب بـعـضــا م ــن سيرته يريد ،ومن ثم فصانع الجائزة وممولها أو الــذات ـيــة ف ــي رواي ــات ــه ،فـهــل روايـ ــة نقطة بعض من سيرتك الذاتية؟ نظام فيها ٌ
104
ρ ρكل عمل فني فيه جزء من سيرة صاحبه، ألن المؤلف يستقي أفكاره من واقعه ،قد يطورها أو يناقضها لكن الواقع موجود، والواقع جزء من سيرة المرء وليس كيانا متخيالً ،أما فيما يخص «نقطة نظام» ففيها الكثير من واقعي وسيرتي الذاتية، لكن كيف تعاملت مع هذا الواقع وتلك السيرة؟ لقد دمجت الخيال بالواقع، حتى ان القارئ يختلط عليه أيهما حدثٌ واقعي وأيهما متخيل ،فأن نختار الحدث الواقعي ونفنتزه (نجعله فنتازياً) فإنه يصبح مثل لوحة رائعة ،لوحة نبعت من الــواقــع ،لكنها أصبحت محملة بالكثير اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
من الدالالت واإلشارات ،ومن ثم فمهمة الكاتب هي تجريد الواقع وتحويله إلى مثال يتفق مع كل زمان ومكان ،فتمتزج السيرة بالتاريخي والواقعي والمتخيل، ويصبح لدينا عمل فني باألساس ،ويكفي أن أق ــول أن «نقطة نــظــام» هــي روايــة عن أهــل قريتي ،لكن أهــل قريتي التي سعيت لجعلها قرية تشبه في جمالها وأسطوريتها قرية ماكوندو في مائة عام من العزلة. ¦أع ــدت طباعة روايــة»حـمــامــة بـيـضــاء» ما الذي أردت أن تكشفه في هذه الرواية؟ ρ ρحــمــامــة بــيــضــاء هــي روايـ ــة عــن عالقة المثقف بالسلطة ،كتبتها في عام 2004م ونشرت عام 2005م ،وحين قامت ثورة يــنــايــر ..وج ــدت أنــه مــن الــضــروري أن نعيد من جديد ترسيم حــدود العالقة بين المثقف والسلطة ،ومن ثم كان من الضروي إعــادة نشرها ،وتذكير الناس بذلك الدور التواطؤئ غير المقبول في زمن مبارك من قبل المثقف ،هذا الدور الــذي يجب إلغاؤه ونحن نضع دستوراً جديداً للبالد ،بكل ما تعنيه كلمة دستور من آفاق ورؤى ثقافية واسعة. ¦ما تقييمك للمشهد الروائي العربي؟ ρ ρكما يقولون :حين يتعطل السياسي فال بد أن يتقدم الروائي .ونحن لدينا أزمة سياسية كبرى منذ سنوات ،أزمة حاولنا حلها بالربيع الــعــربــي ..لكننا وصلنا مــن خاللها إلــى نفق مــســدود ،ومــن ثم فالسياسي الذي عمل أثناء الربيع العربي توقف ،ومن ثم ايضاً فالروائي يعمل منذ
نهاية التسعينيات على أشده ،بداية من الكتابة الواقعية ،مروراً بالكتابة الفنتازية والساخرة وأدب الرعب وأدب الخيال العلمي ،وصــوالً إلــى الــروايــة الفلسفية والتاريخية وغــيــرهــا .وص ــارت الكتابة لدينا احــتــراف ـاً ولــيــس هــوايــة ،وصرنا غرضا للمتابعة والترجمة أكثر عشرات الــمــرات عن األزمــنــة السابقة ،فالعالم العربي لديه غنى مذهل فــي األسماء واألعمال ،مشكلته تكمن في فساد النخب واالنحياز لما يستحق الوقوف إلى جانبه، ورغم ذلك فهو ال يتوقف عن انتاج أعمال إبداعية وأسماء حقيقية سرعان ما تأخذ طريقها نحو المقدمة. وفــي ظني أن المشهد الــعــربــي واحــد م ــن أغــنــى الــمــشــاهــد اإلب ــداع ــي ــة في الــعــالــم ،يكفيه تــعــدده بحسب بلدانه، حتى البلدان التي كنا نظن أن العوامل اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
105
الجغرافية تــحــول بينها وبــيــن متابعة ومواكبة ما يصدر ،صــارت بفضل ثورة االتصاالت الحديثة في مقدمة البلدان األكثر قدرة على المتابعة وعلى النشر، ويكفي ما حدث في المشهد السعودي ال ــذي لــم نكن نــعــرف منه غير أسماء قليلة في مقدمتها عبد الرحمن منيف، ثم على فترات متباعدة عبده خال ،لكن المشهد اتسع وتعدد وصرنا نقرأ ليحيى أمقاسم ويوسف المحيميد وعبدالحفيظ الشمري وعبداهلل التعزي وغيرهم ،هذا المشهد تحتله اآلن أسماء نسائية على نفس القدر من أسماء الرجال ،ولديهن مغر بالقراءة ،في مقدمتهن رجاء إبداع ٍ عــالــم ومــهــا الــفــيــصــل وحــلــيــمــة مظفر وليلى الجهني وأميمة الخميس وبدرية البشر وغيرهن ،ويكفي السعي الدائم للمترجمين على مالحقة كل ما يصدر مــن األدب الــســعــودي اآلن ،وإن كانت الترجمة أيضا لها معاييرها وأغراضها¦ .كنت تعمل رئيسا لتحرير مجلة الثقافة ¦ما الذي يمكن أن يحقق للرواية العربية الجديدة المصرية ،هل تؤدي الصحافة عالميتها؟ الثقافية فــي الـعــالــم الـعــربــي مــا ينتظر منها من حراك ثقافي؟ ρ ρالــروايــة العربية أو األدب العربي في ثم فعلى العرب أن ينتجوا حلولهم ،وفي ظني أننا يمكننا أن نعمل على تفعيل الــمــراكــز الثقافية الــتــي تتماس معنا، ثقافيا وفكريا ووجدانياً ،وهذه المراكز هي أسبانيا واليونان ،يمكننا أن نخلق دور نشر مشتركة في هذين المركزين ،وبدال من دعــم المساجد نقوم بدعم التبادل الثقافي ،يمكننا أن نعبر إلى أوربــا من خالل اليونان واألندلس ،وليس من خالل فرنسا أو إنجلترا .أدب أمريكا الالتينية كله عبر من خــال اسبانيا والبرتغال، وليس من خالل االنجليزية أو الفرنسية، ه ــؤالء ينظرون إلينا بمنطق التعالي، وفــي أعلى التجليات يدرسوننا بمنطق االستشراق وليس األنداد .وحينها يمكن للعرب أن يصلوا إلــى مختلف الجوائز العالمية ســواء نوبل أو المان بوكر أو الجونكور الفرنسية ،وفقا لصيغة كل جائزة.
106
مجمله لدية أزمــة حقيقية وهــي اللغة، فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفكر االسالم ،وهي عنوان رئيس عليه، والغرب لديه عداء مع اإلسالم ،ولن يقبل بظهور اللغة العربية ،ومــن ثم فكل من يقولون بأن أدونيس سيحصل على نوبل واهمون ،الغرب لم يمنح نوبل للشعر منذ سنوات ،فهل إذا منحها لشاعر سيكون من األمة العربية وباللغة العربية ،أعتقد أن ذلــك مستحيل ،ألن الشعر العربي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسألة اإلسالمية، وهو أعلى تجل للثقافة اإلسالمية ،ومن
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ρ ρالصحافة الثقافية تجاهد اآلن وسط محيط معاد من التسطيح وعدم المعرفة، تجاهد وســط بلبلة بــرامــج الــتــوك شو ووسائط التواصل االجتماعي ،والشعور العارم لدى الجميع أنه مفكر وأنه على صواب ،وال أحد يسمع إال لمن يؤكد على صوابه ،ومن ثم فكل المجالت الثقافية في العالم العربي تؤدي دورها ورسالتها، لكن العطل في وسائل التوصيل ،وهو ما يجعل الــدور الثقافي لهذه المجالت شبه منعدم ،ربما المشكلة الحقيقية فــي األنظمة السياسية التي ال ترغب
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
في سماع صــوت المثقف ،وال تريد أن ترى من يفكر خالفها ،من ثم درجت منذ عقود طويلة على تهميش المثقف وعزله فــي كميونات صــغــيــرة ،ليحيى ويموت كمن ينادي في مالطة ،ال أحد يسمع به وال أحد ينتبه إليه ،وهذا حال مجالتنا الثقافية ،تعمل ما عليها وال تحرك في الواقع شيئا. ¦«صـنــاعــة الـنـجــم» واح ــدة مــن المفاهيم الـتــي عرفها الـعــالــم ،فهل يجيد العالم العربي صناعة النجم؟ ومــا دور الناشر في دعم المؤلف؟ ρ ρأعتقد أن جــوائــز البوكر وزاي ــد وكتارا وغيرها بكل ما تقدمه من عائد مالي، وم ــا لــديــهــا مــن مــنــصــات إعـــام تجيد صــنــاعــة الــنــجــم ،وه ــي أشــبــه مــا يكون ببرامج أرب أيدول أو ذافويس وغيرها، مشكلتها الوحيدة أنها من فرط بحثها عن نجوم جدد ال تحترم النجم الذي تصنعه، وســرعــان ما تهيل عليه أكــوام النسيان بمجرد خروجه من على مسرحها ،وكأنها تستعمله للمرة الــواحــدة وتلقي به إلى مجاهل النسيان ،هي تربح من ورائه أكثر مما يربح هو ،وتستمر ماكينتها في البحث عن آخرين لتنجيمهم وقتلهم أيضا ،ولنا أن نتخيل أن أيا ممن فازوا بهذه الجوائز لم يستطع الظهور من جديد ،وربما شعر أنــه خــرج من التاريخ إلــى األبــد ،وربما يعاني بعضهم اآلن الرغبة في العودة إلى المشهد ،لكن الماكينة الجبارة ال تحبذ األسماء المستعملة. ¦م ــا رأيـ ـ ــك ف ــي ظ ــاه ــرة ال ـب ـي ـســت سـيـلـلــر (الكتاب األكثر مبيعاً)؟ ρ ρالبيست سيلر هي رزق الناشر ،وأنا لست
ضدها بــاألســاس ،فهذه الكتابات هي التي تجذب الجمهور إلى عالم الثقافة، تجند طالب الجامعات والمدارس إلى عالم القراءة وربما الكتابة ،لكنها ليست كــل األدب ،وال ــق ــارئ بــعــد فــتــرة يشعر بهشاشتها فننتقل إلــى مراحل أصعب وأعــقــد فــي الـــقـــراءة ،والــبــســت سيلر كنوع من الكتابة ليس جديداً ،فقد كان موجوداً في الستينيات لدى إحسان عبد القدوس وغيره ،وكــان في السبعينيات والــثــمــانــيــنــيــات م ــوج ــوداً مــع مصطفى مــحــمــود وأنــيــس مــنــصــور ونـ ــزار قباني وفاروق جويدة وغيرهم ،وفي التسعينيات واأللفينيات مع كتابات أحمد خالد توفيق وأحمد مــراد ورجــاء الصانع وغيرهم، وهو أدب له مواصفات خاصة ،أبرزها الحبكة البوليسة واللغة البسيطة وعدم العمق الفكري. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
107
أ.د .نايف بن صالح المعيقل شــاب جوفي طموح ،ولــد عــام 1375هـ ـ في مدينة سكاكا حاضرة الجوف ..بــدأ مشواره العلمي في مدارسها وحصل منها على الثانوية العامة القسم العلمي ،انتقل بعدها إلى الرياض العاصمة ليواصل دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود ،التي حصل منها على درجة البكالوريوس في العلوم والتربية تخصص كيمياء -كلية التربية عام 1399هـ. سافر إلــى الــواليــات المتحدة األمريكية ونال درجــة الماجستير في العلوم /كيمياء عضوية من كلية العلوم والهندسة من جامعة «بريجبورت» بوالية كنتكت عام 1406هـــ ..عاد بعدها إلى أرض الوطن لينال درجة الدكتوراه في فلسفة الكيمياء -كيمياء عضوية (بوليمرات) من كلية العلوم -جامعة الملك سعود بالرياض عام 1420هـ.
شق حياته العملية معلمًا لمادة الكيمياء في ثانوية سكاكا ومعهد المعلمين عام 1406هـ فمحاضرا بقسم الكيمياء بكلية المعلمين بالجوف (1415-1406هـــ) التي تدرج فيها حتى أصبح عميدا لها للفترة (-1420 1428ه ـــ) ،فعميدا لكلية التربية بجامعة الجوف، فمنسقا لكلية الصيدلة إلى أن أصبح وكيال للجامعة اعتبارا من 1434/6/5هـ وأمينا لمجلسها..
مؤلفاته: -1كتاب (الغبار العالق والمتساقط على مدينة سكاكا). -2كتاب (مقدمة في مبادئ الكيمياء العامة). -3له العديد من البحوث العلمية في الكيمياء ،منها: Khalid Fandi, Nayef Al-Muaikel and Fouad Al-Momani. "Antimicrobial activities of some thermophiles isolated from Jordan & hot springs". International Journal of Chemical, Environmental )Biological Sciences. Vol. 2, No. 1, pp. 57-60, (2014 Nayef S Al-muaikel. "New Synthetic Route to Copoly (EsterThioester)s by Direct Polycondensation of Thio-Acids with Diols of Cycloketones Derivatives". Open journal of Organic Polymer Materials. Vol. 6, pp. 76-85, (2016). Nayef S Al-muaikel. "Novel Polycarbonates via Phosgenation of Unsaturated Diols". journal of Research Updates in Polymer science. Vol. 5, pp. (2016).
108
Arafa Musa, Nayef S Al-muaikel, and Mohamed S Abdel-bakky. "Phytochemical and Pharmacological Evaluations of Ethanolic Extract of Bassia eriophora". Der Pharma Chemica. Vol. 8, No. 12, pp. 169-178, (2016). اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
-----
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
السخرية في الموروث الشعبي ρρغادة هيكل*
الفلكلور الشعبي أو ثقافة الشعب أو الجماعة الشعبية ،له طرقه وعقائده وعــاداتــه التي تتمسك بها الجماعة الشعبية في مواجهة ما يصادفها من أمور حياتية يومية ،سواء منها ما هو متعلق بالسلطة ،او اإلعالم ،أو المنهج اليومي العادي للمواطن الذى يسير في الشارع ..ويذهب إلى عمله متعلقا بالمواصالت العامة التي تؤرقه يوميا ،أو بعالقاته االنسانية مع بني جنسه ،والمحيطين به. فكما تتفاعل المواد الكيميائية مع بعضها مكونة عنصرً ا جديدً ا يساعد في تسيير األم ــور الحياتية ،كــذلــك يـكــون التفاعل اإلنـســانــي مــع مــا يحيط بــه من مشكالت أو مهمات يراها صعبة ،أو مستحيلة ،يتفاعل معها لتصير في متناوله سهلة ،بل تتعدى تناوله لها إلى غيره حتى تصير أمثولةً أو عبر ًة على مر السنوات، أو نكتةً تتناقلها األجيال ،بل وتبرهن بها على بعض األشياء التي تستجد مع الفاظا تتناسب مع هذا الواقع ،ويسهل في نفس الوقت تداولها ً الواقع ،مستخدما على األلسنة ،وتتناغم مع كل طبقات المجتمع في نفس المحيط ،بل وقد تتعداه إلــى محيطات أخــرى ،وهــذا هو مفهوم الثقافة الشعبية .فاإلنسان كائن ثقافي يحيا ويتفاعل ،وينتج في هذا السياق الثقافي ،سواء عن معرفة أو جهل به. الــســخــريــة مـــن كـــل شــــيء وأي في حياتهم ،ولكنها وسيلة تعبر عن
شيء ..ليست بالضرورة هي السمة مكنون صدورهم في مواقف معينة
للطبقات الشعبية ،فهم أيضا يجدّ ون قد تضر بهم إن هم أظهروها بوجهها اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
109
الحقيقي ،فتكون السخرية والمواربة هي الخاص من األمثلة الشعبية المتداولة منذ الحيلة الدفاعية الوحيدة التي يتقنون القدم ،أو التي تتكون حديثا نتيجة لموقف فنونها ضد طبقة مــا ،أو سلطة مــا ،أو مــا ،وهنا ال بُــدّ من اإلشــارة إلــى التطور حتى ما نطلق عليهم األن البلطجية في الطبيعي ،أو ما يسمى الحداثة التي تأتي الثقافة الشعبية.
مع كل جديد أو تغير يحدث في المجتمع،
السخرية التي نعنيها هنا هي السخرية نتيجة لشيوع ثقافات أخرى كالتي تأتى مع من مضامين األشــيــاء ،وليس من قائلها االحتالل ،أو التي تأتي مع توافر وسائل
طبقا لقوله تعالى (ال يسخر قو ٌم من قوم) ،االتصاالت ..كما يحدث في هذه األلفية فلغتنا العربية زاخــرة بمعاني السخرية من التطور التكنولوجي ،واجتماع العالم ال إلى جزءٍ المختلفة ،والتي ال نتطرق إ ّ
فــي وســائــل االتــصــال االجــتــمــاعــي على
منها ..أال وهو السخرية من واقع أليم ،مأدبة واحدة ،وبضغطة زِ ٍّر واحدة. واقع مقبول ،أو الحيلولة دون لتحويله إلى ٍ الوقوع في مضرة من هذا الواقع.
ومع ذلك ..فإن لكل مجتمع خصائصه التي يحاول المحافظة عليها ،وال يقوم
وقـــد تــنــاولــت الـــدرامـــا التلفزيونية بهذه المهمة سوى هذه الطبقة الشعبية والسينمائية هذا الموروث بشكل كبير ،التي تتأخر دائما في متابعة التطور العلمي وعبرت عنه ،متخذة من األمثال الشعبية والتكنولوجي ،وبذلك تظل فترات طويلة موردًا هامًا في تلك اللغة الشعبية العامية تعيش على موروثها اللفظي والحكائي
المقربة إلى القلوب ،لتوصيل معنى ،أو الساخر منه والجاد. سرد قضية تمس المجتمع ،ومن أهمها
فما أكثر المبكيات المضحكات التي
تلك األف ــام التي أث ــارت الــجــدل كثيرًا يتندر بها الشعب؛ ألنه ال يملك حق الغضب مثل (حين ميسرة ،وودكان شحاتة ،وهي والثورة إال في القليل النادر ،وبدفعة ممن فوضى ،كلمني شكرًا وغيرها من األفالم نطلق عليهم طبقة المثقفين ..او أصحاب التي تعالج قضايا المجتمع) ،متخذة من القيادة ،أو الخطباء المفوّهين. السخرية من الواقع هدفًا إليصال قضية ما.
110
السخرية من الواقع األليم قد تأتي في موال ،أو في قصيدة شعر ،أو في غنوة ،أو
بينما تعالج الحارة قضاياها بموروثها حكاية ،ولعل نوادر جحا تُعد مثاالً للموروث اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
في ذلــك األمثال الشعبية التي تتناقلها ثقافية ،وأصبح لكل قسم كُتابه الساخرون األلــســنــة ،وتتبعها مصمصة الشفاه أو من تلك المنظومة ،ولكن هــذه الحداثة حركات الوجه المعبرة عنها( ،اللي يقولْها لم تغفل الموروث السابق ،بل طورته بما جوزْها يا عورة ،يلعبوا بيها الكورة)( ،يا يتناسب ووقتها الحالي ومجريات أحداثه
قالبة سحنتك يا مــزودة محنتك) ..و(يا وسرعتها. عاوجه بوزك يا مطفشه جوزك)( ،ومسكو ولــكــن أيــن دور الــدولــة والمؤسسات القط مفتاح الــكــرار)( ،احييني النهاردة الثقافية من هذا الموروث الشعبي الذي وموتني بكرة)( ،حداية من الجبل تطرد أصحاب الوطن) ..امثلة لها عمق وبعد ال يندثر مع األيــام وسرعة األحــداث ،بل
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الشعبي الساخر على مر العصور ،يليه ســواء منها اجتماعية أو اقتصادية أو
اجتماعي ،بل وعمق سياسي ،فهي تتطرق هو مناسب لكل وقــت وزمــن في إضفاء واع ثقافيًا الشرعية المؤسسية لهذا الموروث الذي محلل ٍ ٍ لمواضيع عدة تحتاج إلى بهذا الموروث الكبير. إنها فئة ال تملك أدوات تعينها على
ال يقف فقط عند السخرية ،بل يتعداها إلى فنون كثيرة ..منها الموروث الشعبي
المواجهة ،إنما تهرب إلى السخرية كنوع فــي فــن الــمــوال ،وفــن الــغــنــاء والتمثيل مــن التعبير ،السخرية مــن الــواقــع ،من والمسرح واالنشاد الديني وغيرها ..كما اإلعالم ،من الساسة ،من الحكومات ،ومن اشار لذلك د /صالح الــراوي في كتابه فلسفة الــوعــي الشعبي -دراســـات في ذاتها. ويلعب اإلع ــام الــمــوازي -الموبايل
الثقافة الشعبية ..متناوال فيها مدى عمق
واإلنــتــرنــت لعبة كبيرة جــدا فــي إيصال الــمــوروث الشعبي المسمى الفولكلور، هــذا ال ــم ــوروث ،والــتــفــاعــل معه بطريق ومــدى التهاون في تناول هــذا الموروث مباشر أو غير مباشر ،بل واإلضافة عليه من قبل المحللين أو المهتمين بهذا الفن وتحديثه كفنّ الكاريكاتير ،أو الفوتوشوب ،الشعبي ،وخاصة منه ما يتناول السخرية او التعبير اللفظي .وأصبحت السخرية كمفهوم للخروج من أزمات معينة ال يتمكن
ملتصقة بشكل كبير بكل مجاالت الحياة ،الفرد من مواجهتها. * كاتبة من مصر.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
111
لبيد بن ربيعة..
المعمر في الجاهلية واإلسالم.. ρρراكان بصير الرويلي*
يظن بعض المعمرين ..أن الشيخوخة ضعف ووهن وكسل وزهد في الحياة ،أو هي رحلة طالت أكثر مما ينبغي أو أكثر مما توقعوا لها ،أو هي محطة وقفوا على رصيفها طويال ينتظرون القطار الذي سيقلهم إلى نهاية المطاف ،إال أن القطار تأخر أكثر مما يجب ،أو لعله وصل وم ّر بهم دون أن يتوقف عندهم ألمر ما ،فطال االنتظار بهم ،ومــع االنتظار الطويل انتابهم الملل ،وتمنوا لو أنهم لحقوا به، ليخلصهم مما هم فيه من تداعيات الغربة النفسية ،والوحشة المكانية ،حيث رحل أكثر األصحاب وجل األتراب ،ولم يبق لهم إال النكوص إلى النفس واجترار مرارة ذكراهم.
وانشد «لبيد» بهذا الخصوص بعدما ذه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ــن أحـ ـ ـبـ ـ ـه ـ ــم أســن واكــتــهــل ،واص ـ ًفــا حالته بــمــرارة وب ـ ـ ـق ـ ـ ـيـ ـ ــت ك ـ ــالـ ـ ـسـ ـ ـي ـ ــف فـ ـ ـ ــردا
وضجر:
وقــد عبر عن هــذه الحالة خير
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في ٍ خلق كجلد األجرب الجاهلية واإلسالم ،أال وهو الشاعر تــعــبــيــر أحـ ــد حــكــمــاء ال ــع ــرب في
ويقول «معد بن يكرب» ،بعدما كبر الفيلسوف «زهير بن أبي سلمى»، حين قال: وطاف به الهرم:
112
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
سئمت تكاليف الحياة ،ومــن يعش ث ـمــان ـيــن ح ـ ــوال ،ال أبـ ــا ل ــك يـســأم ب ــات ــت ت ـش ـت ـكــي ال ـن ـف ــس مـجـهـشــة وق ــد حملتك سـبـعــا بـعــد سبعينا رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تـمـتــه ،وم ــن تـخـطــئ يـعـمــر فيهرم فـ ـ ــإن تـ ـ ـ ــزادي ث ــاث ــا ت ـب ـل ـغــي ام ــا وف ـ ـ ــي الـ ـ ـث ـ ــاث وف ـ ـ ـ ــاء ل ـل ـث ـمــان ـيــن ومع ذلك ال يمكن التعميم ،فلكل قاعدة شــواذ ،وكــم من المعمرين عاشوا حياتهم الطويلة العريضة على خير ما يرام ،واألمثلة
فعاش حتى بلغ التسعين فقال:
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
عندما بلغ السابعة والسبعين من عمره:
أل ـيــس ف ــي مــائــة ق ــد عــاشـهــا رجــل على ذلك أكثر من أن تحصى .إال أن موضوع ف ـ ــي تـ ـك ــام ــل عـ ـش ــر بـ ـع ــده ــا ع ـمــر
الفئة األخرى من المعمرين ممن طال بهم األج ــل ،حتى بلغوا مــن العمر عتيا ،لقي
ثم امتد به السن حتى بلغ مائة وعشر،
اهتماما ملحوظا من قبل الكثير من الكتاب فقال:
والرواة والمفكرين القدامى منهم والمحدثين ،ولقد سئمت مــن الحياة وطولها وسـ ــؤال ه ــذى ال ـنــاس كـيــف لبيد؟ فدونوا أخبارهم ،وجمعوا شتات أشعارهم، وصنفوها في مجلدات ودواوي ــن متعددة، تناولوا فيها جوانب متفرقة من حياتهم، التي أثقلها تراكم األعوام ..وطول الشهور.. وك ّر األيام ،فرأوا فيها أجياال تمضي وأخرى
وقد سأل احدهم لبيد مازحا: ما بقي منك يا لبيد؟ فرد قائال: «يسبقني من كان بين يدي ،ويدركني من
تنشأ ،فأصاب فيها أولئك الشيوخ من حلو كان خلفي ..وأنسى الحديث ،واذكر القديم.. الحياة ومــرهــا ألــوان ـاً شتى .ففرحوا بما وأنعس في المال ،وأسهر في الخال ..وإذا حبتهم وجزعوا بما رزتهم ،واعتبروا بكل ما قمت قربت األرض مني ،وإذا قعدت تباعدت عني».. مر بهم واتعظوا ،فقال قائلهم: «ومــا الحياة إال ملل ..يصاحبها أمــل..
وانشد:
يفاجئها أجل«.. اخ ـبــر أخ ـبــار ال ـق ــرون ال ـتــي مضت وأدِ ُّب كـ ــأنـ ــي كـ ـلـ ـم ــا قـ ـم ــت راك ـ ــع األميز (لبيد) ..بين أولئك المعمرين من العرب المخضرمين ،ممن شهدوا الحقبة
وكان «لبيد بن عامر الجعفري» ،ويكنى
الجاهلية وأدركوا اإلسالم ،لكثرة ما نظم من بأبي «عقيل» ،من أهل عالية نجد ،ينتمي شعر جيد في هذا المجال ،ومن ذلك قوله لعشيرة «بني جعفر» وهي من العشائر ذات اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
113
السيادة والشرف ،وكان قد ولد في حوالي الوليد بقولها:
العام /70/قبل الهجرة ،وتوفي سنة /71/إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل هجرية ،وكان شاعرًا مجودًا وفارسً ا شجاعً ا دعـ ـ ـ ـ ْون ـ ـ ــا ع ـ ـنـ ــد هـ ـ ّبـ ـتـ ـه ــا الـ ــول ـ ـيـ ــدا شريفًا في قومه سخيا ،وقد بلغ من جوده،
أصـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َد ع ـب ـش ـم ـيــا ـف ْ أش ـ ـ ــم األن ـ ـ ـ ـ ـ َ انه نذر أن ال تهب ريح «الصبا» إال نحر الجزر أع ـ ـ ـ ـ ـ ــان عـ ـ ـل ـ ــى م ـ ـ ـ ــروءت ـ ـ ـ ــه لـ ـبـ ـي ــدا وأطعم الناس من حوله ،وكان «المغيرة بن
شعبة» إذا هبت الصبا ،يناشد أغنياء قومه بالقول: «أعينوا أبا عقيل على مروءته»
وكــان اإلســام قد دخــل قلب لبيد ،لما
ســارت الركبان بأمر النبي «محمد» صلى اهلل عليه وسلم ،وأعلن عن دعوته وانتشارها فــي أرض الــعــرب ومــا حــولــهــا ،فــوفــد إليه
وفي يوم هبت «الصبا» ،و«لبيد» في حالة «لبيد» مع كوكبة من قومه «بني جعفر» وهو شديدة من الفقر والعوز ،فعلم بذلك «الوليد في المدينة المنورة ،فوقع اإليمان في قلبه
بن أبــي معيط» ،وكــان أميرا على الكوفة ،واسلم وأحسن إسالمه.
فخطب في الناس قائال:
ويــقــول الــــرواة إن ــه شــغــل نفسه حينئذ
«إنكم عرفتم نذر أبي عقيل ،وما وكد في بالقران الكريم تبحرًا وتالوة ،لدرجة أنه لم نفسه ،فأعينوا أخاكم». وبعث إليه بمائة ناقة ،وحذا حذوه جم ٌع
ينظم الشعر إال قليال.
ولما سألوا لبيدًا ما أحــدث من الشعر
مــن الــنــاس ،فقضى ن ــذره ،وطــابــت نفسه ،في اإلسالم ،انطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة ،وقال: وكتب إليه الوليد ،قائال: «أبــدلــنــي اهلل ه ــذه فــي اإلسـ ــام مكان
أرى ال ـ ـ ـجـ ـ ــزار يـ ـشـ ـح ــذ ش ـف ــرت ـي ــه إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل الشعر ،ومعها «آل عمران»
ومضى ال ــرواة ينقلون انــه لم ينظم في
أغ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ــوج ـ ـ ــه أب ـ ـ ـيـ ـ ــض ع ـ ــام ـ ــري ط ــوي ــل الـ ـب ــاع كــال ـس ـيــف الـصـقـيــل اإلسالم إال بيتا واحدًا ..ويختلفون فيه ،فمن فلما أتــاه الشعر قال البنته أجيبه ،لقد
قائل هو قوله:
آليت على نفسي أن ال أقرض الشعر منذ أن م ــا عــابــت ال ـم ــرء الـلـبـيــب كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح شرح اهلل قلبي بنور اإليمان ،إال بما يرضي 114
ربي سبحانه وتعالى ،فردت الفتاة على شعر اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ويقال ،بل قوله:
ال ـح ـم ــد هلل إذ لـ ــم ي ــأت ـن ــي أج ـلــي حـتــى لبست مــن اإلس ــام ســربــاال تحتويه رحلة حياته الطويلة العريضة من ويقال إنه قوله:
موعظة وعبرة ،تصلح أن تكون بمثابة تذكرة
للعاقل وتوعية للغافل ..وكأن الحياة برمتها
وك ـ ــل امـ ـ ــرئ ي ــوم ــا س ـي ـع ـلــم سـعـيــه إذا كُ شفت عند اإللــه المحاصيد دون ذلك ،ومضت لبرهة من زمن ،ثم توارت ما هي إال طرفة عين أو هنيهة من نهار أو
بل قوله:
جذوتها متوغلة في غسق العدم أو النسيان..
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
أســـوق قــصــة لبيد هـــذه ،كــأمــثــولــة لما
ألم يقل «أبو هالل العسكري» يوما ،لما
وم ـ ــا ال ـ ـمـ ــال والـ ـبـ ـن ــون إال ودائ ـ ــع وال ب ـ ــد يـ ــومـ ــا أن ت ـ ـ ــرد ال ـ ــودائ ـ ــع بلغ مرحلة متقدمة من العمر:
وقيل إن السيدة «عائشة» أم المؤمنين ،ل ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـمـ ـ ــس وث ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــون سـ ـن ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا ق ـ ـ ــدرتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا كـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــت سـ ـن ــة رضي اهلل عنها ،عندما تناهى لسمعها بيت لبيد الذي يقول فيه:
ذه ــب ال ــذي ــن ي ـعــاش ف ــي أكـنــافـهــم وبـقـيــت ف ــي خ ـلــق كـجـلــد األج ــرب أردفت معلقة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟؟.
إن ع ـ ـمـ ــر الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــرء م ـ ـ ــا ق ـ ـ ــد سـ ــره لـ ـي ــس عـ ـم ــر الـ ـ ـم ـ ــرء ك ـ ــر األزم ـ ـنـ ــة هــذه باختصار حكاية العمر ومراحله
المختلفة التي عبر عنها الشاعر لبيد نفسه
بقوله:
ك ــل ابـ ــن آدم وان ط ــال ــت ســامـتــه وروى «أبــو هريرة عن النبي صلى اهلل ي ــومً ــا ،ع ـلــى آل ــة ح ــدب ــاء مـحـمــول
عليه وسلم ،قوله:
اصدق كلمة قالها شاعر ،كلمة لبيد:
رحم اهلل لبيد حكيم العرب ،وكل المؤمنين
والمؤمنات من عهد آدم إلى يوم الدين.
«أال كل شيء ما خال اهلل باطل» ويذكر إن «لبيد بن ربيعة» ،عــاش مائة
المصادر: )1الطبقات الكبرى ،البن سعد
وأربعين سنة ،وقال مالك بن انس :مات لبيد
)2الشعر والشعراء ،ابن قتيبة
وهــو ابــن مائة وسبع وخمسين سنة ،واهلل
-3الكامل ،للمبرد
أعلم.
-4شذرات الذهب ،للواقدي
* كاتب من السعودية -سكاكا. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
115
رواية السهل الممتنع! ρρصالح القرشي*
في فيلم «الــريــح ســوف تحملنا» للمخرج اإليــرانــي الكبير عباس كيارستمي، هنالك شخصيات نسمعها تتحدث مع البطل ،دون أن تذهب الكاميرا إلى هذه الشخصيات مطلقا ،نشاهد البطل يتحدث مع صديقه وهو يحلق ذقنه،صديقه فــي الجهة المهملة مــن المشهد ،وكــذلــك ن ــراه يتحدث مــع رفيقه فــي السيارة دون أن نشاهد هــذا الرفيق ،وهكذا تتكرر هــذه المشاهد عــدة مــرات في الفيلم، وعندما سئل عباس كيارستمي عن هذا قال( :أفالمي تتقدم نحو نوع معين من التقشف،االكتفاء بالحد األدنــى ،أما العناصر التي يمكن حذفها وإزالتها فقد حذفت وأزيلت».. المخرج كيارستمي استشهد بلوحات المخرج فعليه أن يقرر ما سيحذفه من
الفنان «رمــبــرانــت» وتوظيفه للضوء ،فيلمه» .روبيربريسون ال يضع أي شيء
رمبرانت كان يركز االنتباه على بعض دون اســتــخــدام؛ بــل يــذهــب ألبــعــد من
العناصر ملقيا ضوءا قويا عليها ،بينما ذلك ،وكثيراً ما يترك الحرية للمشاهد يضفي قتامة على عناصر أخــرى ،أو لفهم ما يحدث خــارج إطــار الكاميرا.
حتى يدفعها نحو الظلمة ،وهو أيضا لــذا كثيراً ما نشاهد لقطات لأليدي
يستشهد بمنهج روبير بريسون الخلق واألقدام وأيدي األبواب ،وأجزاء أخرى من خالل الحذف ال اإلضافة «الرسام مــن أجــســام بينما يــقــوم المخرجون عليه أن يقرر ما سيضع في لوحته؛ أما اآلخرون بعرضهابحجمها الكامل.
116
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ وهنا تحضرني كلمة للفيلسوف والكاتب طريقة كيارستمي مع ضــرورة اإلشــارة إلى األمريكي هنري دافيد ثــورو المتوفى سنة استثناءات بسيطة في هذا المجال. 1862م وهــي كلمة قد تختصر فكرة هذا
فليس المقصود هنا الدعوة إلى روايات
المقال تماما ..يقول( :بسط ..فبقدر ما قصيرة قياسا بعدد الصفحات أبدا ،فهناك يمكن الحذف مما هو جسدي وملموس بقدر الكثير من األعمال الروائية ذات العدد الكبير ما يستطيع الجمهور اإلسهام أكثر في عملية من الصفحات ،بل وأحيانا األجزاء ..لكن ال التخيل) يمكن وصفها مطلقا بالترهل فيما يمكن أن السؤال هنا :هل تستطيع الرواية المحلية نطالع روايات مترهلة ال تزيد صفحاتها عن أن تصل لهذا المنحى ،يبدو لي أن اإلشكالية المائة صفحة ،المسألة إذا ال تتعلق بالحجم تكمن في القارئ للرواية مثل ما تكمن في بقدر ما تتعلق بما يمكن حذفه ،أو بما يضاف كاتب الــروايــة ،فهناك تصور نمطي لدى لمجرد زيادة حجم العمل الروائي فقط. الــروائــي ولــدى الــقــارئ ولــدى بعض النقاد
ورغم أن بعض تلك الروايات المترهلة قد
أيضا بأن الرواية السمينة والمترهلة هي تعجب الجماهير ،إال أنها في هذه الحالة دليل قدرة الروائي وبراعته. ال تخدم الفن كما هو األمر تماما في حالة ول ــه ــذا نــطــالــع الــكــثــيــر م ــن ال ــرواي ــات السينما ،فالجماهيرية المكرسة هي ألفالم المشغولة بالحكي الزائد والوصف الزائد سطحية وباردة ال تشبه فيلم « الريح سوف والكثير الكثير مما يمكن حذفه وإزالته على تحملنا « الذي تحدثت عنه في بداية المقال. * كاتب وقاص من السعودية. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
117
بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ρρد .فيصل أبو ُّ الطفَ ْيل*
المعارف مبثوثةً في ثنايا الكتب؛ َورَقِ يِّها ورقْ ِميِّها ،مبسوطة على وجه ُ لَمَّ ا كانت البسيطة؛ شَ رْقِ يِّها وغَ ربيِّها ،تنازع الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ِحكْ َم َة الرّزانة، وحـظــو َة المكانة ،فكشف كــلٌّ منهما لصاحبِ ه ،ما خَ ـ ِـفــيَ عنه من معايِ بِ ه ،ناسب ًا ُ فضيلة السبق إليه ،مُ دّ عيا أ ّال مُ عَوَّ لَ إال عليه. قال الكتاب الرقمي:
أضعاف ما أنت لي به مَدين ،أرفُ لُ في حضرة ُجالّسي من ُ َلد ََّي ِمن المؤيدين، وأكشف في سرعة ُ الصباحات إلى األماسي ،كيف ال وأنا ُأوَفّ رُ المعلومة بِ ضغطة زِ رّ، السرّ .أختصر األوقات ،و ُأبَدِّ ُد المسافات .ملمسي أليف ،وظلّي خفيف، البرق ِسرَّ ّ لِ ـ َمــنْ أراد األخــذ مــن كــل علم بِ لَفيف ،جــامــعٌ مــا تناثر فــي بطون الـخــزائــن ،ذائــع يد المنال بهما قريب. وصبيب ،كُ لُّ بَعِ ِ يت في أقصى األماكن ،عُ دّ تي شاشةٌ َ الص ِ ِّ َصــ ٌل وأنــي فَــرْع ،نعم ،أنا شاشتي رمــز الوَسامة ،والــفــأرةُ بي تَدَّ عي أ ّنــكَ أ ْ األصـ ــل ،بشفيف ْ مُسْ تهامة ،أني ُق المَظهر ،يا وجهاً أغْ بَر! الــف ـ ْر ُع ال ــذي حــجَ ــبَ َّصل. َزيف الن ْ ضوئي الم ٌع أصيل ،ال يخشى الظال َم في المحبة ال ِبن ِ خفوت القنديل ،أسْ َم ُح بالتعديل ِلمَن عَ نَّ في بحري ،السباحة آمنة من غبار ل ُه بديل ،سَ ْه ُل التحميل ،ال سُ لَّ َم بي يميل ،يُذْكي فتي َل القلق ،يا كتاباً ُكتِبَ عليه وال يَ َد تتب َّرأ ُ من لَمْسي بِمِ نْديل .قُل لي يا ال َغرَق ،في أَتُونِ ال َورَق ،من عولمة عصره ّص من أجزائكَ ما ِسل ْ َع ًة في الرفوف بائرةَ ،ك ْم تكل ُف ُة نقلكَ َمرَق ،كم م ّر ًة باع الل ّ على َمتْنِ طائرة؟ سَ رَق؟ طبَعاتك الحجر ّي ُة ُمتَحَ جِّ رَة ،ناءتْ
نفوس ُمت ََضجِّ رة ،ومما يدخُ ُل في ٌ تاريخي صن ْعتُه بنفسي ،ال أفــخَ ـ ُر بِحَ ْملِها بالماضي وال أجْ َع ُل يومي تابعا ألمْسي ،حُ كْمِ النادرة ،أن نُسَ خَ ك القديمة نادرة،
118
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ـوف عــلــى أجنحة فــي صــحــبــتــي ،ال عــ ُك ـ َ الــرفــوف ،وال عـ ْقـ َل مــن حـيْـ َر ِتــه بين أرجــاء المكتبة يطوف .أ ُخَ ـ ـ َّز ُن بــآالف األرق ــام ،في َص َّف ُح من فوري على جناح أصغرِ األحجام ،وأُت َ ْ الوئام ،كونِيُّ االنتشار ،أالئم أجواء األسفار، وأقطع البراري والبحار ،أعْ بُ ُر في لمْح البصر من دار إلى دار ،ال تلحقُني شائعات األخبار، ْش دُقَّ مستقبلي رهين االستمرار ،و ُمنْ َقلَبُكَ نع ٌ فيه ألفُ مِ سْ مار!
صب، الخ ْ ضنِ المَطابِع س ِّي ُد ِ وإنّي في ِح ْ وَلي في ك َِّف الطّ بعات خَ ل َف ،وأنتَ سجي ٌن في باك العنكبوت عقي ُم العِ رْقُ ،مهَدَّ ٌد في تابوت ِش ِ ال َّتل َف .مُشْ َر ٌع مِ ثْ َل اإلشاعة ،بال َدفَّة وال ِشراع، تَلُفُّكَ الظّ نون ،تُحَ َّم ُل بالمَجّ ان ،كأتْفَهِ بِضاعة. رقْمِ يٌّ عَ بْ ُد ال ِّزرّ ،حقَّ لألرَضة ،أن تكون عنك صحْ بَةِ ُمعْرِ ضة ،منبو ٌذ مِ ْن جَ نَّةِ األُنْــس في ُ ُض بال اتّجاه وال تَ َذ َّكرْ :لطالما كنتَ ُم َهدّدا بل ْعنَة اإلغراق ،ال ُكتُب ،رفيق الـرّيــح ،ترك ُ ُمــطــارَداً بِشُ بْهَةِ اإلح ــراق ،أَن َِسيتَ ما َف َعل َ ُه تستريح .بَحْ رُكَ افتراضي وأنتَ أ ّو ُل ال َغرْقى، التّوحيديُّ بكَ بالعراق؟ فلتذ ْق مرارة الهَجْ رِ «فيروس» لعين ،مِ ْن ٍ بالمخاطر؛ مِ ْن ِ محفوف ٌ في ألم ،مع أنصار الورقة والقلم! يترصدون إصبعا َّ َراصن ٍَة اسْ تَفْحَ َل ذكاؤهُم، ق ِ ُض غَ ْزلَك ،طائشة. أنا القاد ُم وأنت النادم ،سَ تَنْق ُ وتــن ـدُبُ حظَّ ك ،من ف ـرْط اإلهــمــال ،وتبدُّلِ بَحْ ري حقيقة ،يُشَ ُّق بعصا الرَّغْ بَةُ ،ك ُّل األحوال ،سترقص رقصة المذبوح َفرَقاً من فِ ر ٍْق كالطَّ وْدِ العظيم ،والسِّ باح ُة مُباركة ،و َم ْن باحة الضفَّةِ في انتظار ِس ٍ عاقبة المآل ،فأنت بال مراء وال ِجدال ،آ ِي ٌل تَعِ بَ اسْ تل ْقى على ِّ إلى زوال! أخرى.
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
بينما نُسَ خي موجودة مُتوافرة ،تُلَبّي نداء األنامل الماهرة ،وتَخْ طُ بُ ُو َّد العيون الساهرة.
لــي رِ دائ ــي حُ ل َلي ،أزهــو بها على مرمى العيون ،أفـتَـ ُح في دهْ شَ تِها نــافــذ ًة للرَّغْ بَة، للقائي على مائد ِة الفنون ،نتباد ُل النَّظَ ر، الصفحات. ِصب ٍَع تُ َقلِّبُ ّ ال بإ ْ نتباد ُل الت َِّحيّة ،و ُقبَ ً
قال الكتاب الورقي: أنتَ رقميٌّ ،نبْتٌ بال ِجذْر ،تسْ ُك ُن قبْراً مِ ْن ِس للسؤال، حين مَجْ ل ٌ أنــا الــكــتــاب ،أصــي ـ ُل الــــذّات ،فــي ش ـ ْه ـ َو ِة أسْ الك ،يُقا ُم لكَ في ُك ِّل ٍ البياض ،حَ ـرَّى تنْسابُ على خَ ِّد ال ـ َورَق ،في على مقاس ال ِّز ِّر ونيَّةِ دماغ الفأرة ،تقذِ فُكَ بال الضالل. رحمة في سَ لَّةِ َّ الحبْر ،بها لسا ُن اليَراعِ نَطَ قْ. شَ ْهقَةِ ِ «الفيروس» وراءَك، ُ يا غري َق «النِّتّ » ،تَ َذ َّكرْ: حُ رٌّ حبيبُ القلوب ،أَجْ ري على األيادي مثْ َل الجود ،أ ُ َق َّب ُل ِبلِسان الجَ هْر ،بوشوشةِ الهمْس ،وزائ ـ ُر «الـ ِّنــتّ » أمامَك ،وليس لكَ إال طاع ُة الصبيب، أ ُ َقلَّبُ ِبيَدِ الحنانِ على جناحِ اللَّمْس ،في رحل َةِ الفأْرة ،وحــرارةُ األســاك ،ودُعــاءُ َّ وأحَ ُّر التَّعازي! َّهة عن ال َعرَق. حُ بٍّ ُمنَز ٍ * كاتب من المغرب. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
119
الحضارة اإلنسانية بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير (حجاب المرأة أنموذج ًا) ρρآيات عفيفي*
«أحــب أن أعلم الخطوات التي سارها اإلنـســان في طريقه من الهمجية إلى المدنية»(.)١ تلك هي إحدى أشهر مقوالت الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير «فولتير»، الــذي عاش في عصر التنوير ،واشتهر بدفاعه عن الحريات المدنية والمساواة وكرامة اإلنسان .وهي المقولة نفسها التي اختارها الكاتب والمؤرخ األمريكي «وِ ل ديورانت»( )٢كي يستهل به مؤلفه الشهير «قصة الحضارة ،»The Story of Civilization وال ــذي يعد بمثابة موسوعة تاريخية عــن النشاط اإلنـســانــي ،وكيفية وعــوامــل نشأة الـحـضــارات المختلفة بين أرج ــاء المعمورة ،وأوج ازدهــارهــا واضمحاللها آثرت اختيار نفس الجملة كي أبدأ بها حتى القرن التاسع عشر الميالدي .وقد ُ عــرض فكرة هــذا المقال عن تاريخ حجاب الـمــرأة في حـضــارات إنسانية قديمة كزي في المجتمعات وحديثة ،والدوافع التي أدت إلى ارتدائه آنذاك ،وكيفية قبوله ٍّ المختلفة مقارنةً بما آل إليه في وقتنا الراهن ،وهل تلك الخطوات هي بالفعل قد سارت من الهمجية إلى المدنية أم العكس هو الصحيح! لقد ثَبَت تاريخيًا أن المرأة الحرة في العديد من الحضارات اإلنسانية القديمة كانت تخرج من بيتها وهي في زيها الذي يستر كامل جسدها ورأسها، بل وتعدى األمر إلى سن التشريعات التي تفرض ذلك وتُلِزم المرأة به .وفي هذا الصدد ،يعتبر «التشريع اآلشوري The
120
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
»Assyrian Codeمن أهم االكتشافات األثــريــة في التاريخ اإلنساني -حتى اآلن -والتي نبتت جــذوره في الشرق األدنى في منتصف األلفية الثانية قبل الميالد تقريبًا ،حيث تضمن مجموعة من القوانين المتكاملة والشاملة لكافة مناحي الحياة اليومية في ظل الحضارة
يــبــدأ الــقــانــون رقــم ( )39مــن التشريع اآلشوري بفقرة تلزم النساء الحرائر زوجات الرجال ،وكذلك الفتيات غير المتزوجات من بناتهم ارتداء غطاء الرأس عند الخروج إلى أيضا في األماكن العامة ،بل وداخل البيت ً حال وجــود رجــال غرباء .بينما يشدد هذا القانون على حظر ارت ــداء حجاب الــرأس والجسد على الغواني من النساء وكذلك الخادمات ،وفي حال ضبط أي امرأة غانية ترتدي الحجاب ،تعاقب بالجلد ( )50جلدة مع سكب مادة «القار» على رأسها( .)٣بل وزيد أيضا في بعض الفقرات األخرى أن المرأة ً أو الفتاة التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية راقية هي المنوطة بارتداء ما يستر جسدها ورأسها عند الخروج لألماكن العامة دون غيرها من النساء.
وج ــاء التشريع الــســومــري فيما يخص زي المرأة الواجب ارتــداؤه بنفس مفاهيم التشريعين الحمورابي واآلشوري تقريبًا ،مع بعض االختالفات الخاصة بتصنيف النساء وفــق الطبقة االجتماعية وكيفية تطبيق تلك التشريعات على كل فئة .وقد تتابعت الــحــضــارات فيما بعد حــضــارات الشرق األدنى القديمة بثقافاتها المختلفة ،وحدث التأثير والتأثر بين الشرق والغرب اجتماعيًا وثقافيًا ،وكــذلــك سياسيًا بين الشعوب.. لنجد أن تلك التشريعات السابقة الذكر قد أيضا ألقت بظاللها على المجتمعات الغربية ً في حينها -رغم اختالف الثقافة والعرف المجتمعي بها -لتصبح جــزءًا من الثقافة المجتمعية لتلك الشعوب.
وبــرغــم وجـــود الــعــديــد مــن التفاصيل األخرى التي جاءت في هذا القانون وغيره من القوانين في هذا التشريع ،والتي تحتوي على بعض التفاصيل السلبية المرتبطة
فعلى سبيل الــمــثــال ،فــي الحضارتين اليونانية والرومانية كانت المرأة في بالد اليونان األصلية القديمة ومــن بعدها في روما واألجزاء التي دخلت تحت سيطرتها، اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
اآلشــوريــة .ولــهــذا السبب يعتبر التشريع مــــواز لتشريع ٍ اآلش ـ ــوري بــمــثــابــة تــشــريـ ٍـع حمورابي الشهير The Code of Hammurabi والذي يسبقه تاريخيًا بحوالي خمسة قرون تقريبًا خالل فترة الحضارة البابلية .وقد احتوى هذا التشريع (اآلشوري) على بعض الفقرات الخاصة بالمرأة ،والتي تحتوي على تفاصيل متعددة كان بعضها يُلزم المرأة والفتاة الحرة بارتداء الحجاب خارج بيتها. فقد ورد في بعض فقرات التشريع اآلشوري عدة ضوابط لمظهر المرأة ،وكذلك الزي الواجب عليها ارتداؤه على النحو التالي:
بطريقة تصنيف النساء وأسلوب التعامل مــع كــل فئة وفــق هــذا التصنيف ،إال أنني ما أجده إيجابياً -من وجهة نظري -هو نظرة المجتمع النابعة من القيم السائدة آنــذاك للمرأة والفتاة الحرة ،ومدى أهمية حفظ كيانها وتمييزها كامرأة مُصانة راقية عن غيرها من الغانيات ،من خالل ارتدائها ما يسترها ..وهي خارج بيتها في األماكن لرجل ما ٍ العامة باإلضافة لبيان انتمائها سواء أكان أبًا أم زوجً ا من خالل ارتداء هذا الزي .تلك هي كانت النظرة للمرأة والفتاة الحرة في مجتمعات كانت آنــذاك في أوج ازدهارها وتقدمها وقوتها.
121
122
تخرج من بيتها وهي ترتدي الحجاب الذي يغطي كــافــة جسدها ورأســهــا .فقد ذكر الــمــؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخس Πλούταρχοςف ــي مــوســوعــتــه الــشــهــيــرة األخــاقــيــات )٤(Moraliaأن الحجاب كان قــدي ـ ًمــا يستخدم بــدافــع حــمــايــة الــنــســاء، وخاصة المتزوجات من أعين الغرباء ،وقد أضــاف بلوتارخس أن غير ذلــك كــان يُعد خروجً ا عن القاعدة ومحل نقد واستنكار، فها هو يوضح أن المرأة في أسبارطة كانت مستثناه مــن هــذا الــعــرف (ارتــــداء غطاء الرأس) ،ولهذا فإن المجتمع األسبارطي كان محل نقد دائم من كافة بالد اليونان األخرى في كيفية تعامله مع هذا الشأن .وفي نفس السياق ،ذكر لويد جونز Lloyd Jonesأستاذ التاريخ القديم «بجامعة كارديف University »Cardiffفــي أح ــد مــؤلــفــاتــه عــن الــمــرأة والحجاب في بــاد اليونان القديمة( )٥أن المرأة اليونانية في العصور قبل الكالسيكية والعصور الكالسيكية كانت تخرج من بيتها في كامل حجابها ،حيث أوضح أن الحجاب فــي ذلــك الــوقــت كــان أحــد الـــدالالت على رقي الطبقة االجتماعية التي تنتمي إليها من ترتديه .وأضــاف أن المرأة في غالبية المجتمعات اليونانية بوجه عام وليس أثينا وحدها ،كانت ترتدي الحجاب بشكل روتيني يومي على األقل في األماكن العامة ..وأمام الغرباء من الرجال .هكذا استمر حال المرأة الحرة في شأن ارتدائها الزي المحتشم في المجتمعات الوثنية على هذا النحو ،في بالد كانت تمثل منارة وعاصمة الثقافة في العالم القديم في حينها. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ثم جــاءت رسالة السماء للبشرية تباعً ا كي تهذب السلوك اإلنساني وترده إلى طريق الهداية والفضيلة .ومن هنا كانت المهمة األس ــاس للدين الحنيف دون تحريف أو تزييف -في الديانتين اليهودية والمسيحية ثــم الــديــن اإلســامــي -هــي إرس ــاء عقيدة وحــدانــيــة اهلل ســبــحــانــه وتــعــالــى ،واألم ــر بعبادته وحده ال شريك له ،ثم تنقية السلوك اإلنساني من الشرور واآلثام واإلبقاء على كل ما هو إيجابي وجيد ..من خالل تعزيز القيم والسلوكيات الحميدة والحرص على اتباعها، ونبذ كل ما هو سلبي وسيئ وخبيث .وفي هذا الصدد ،استمر زي المرأة الواجب عليها ارتداؤه بنفس المواصفات السابقة ،فهو زي يتسم باالحتشام ،يستر الرأس والجسد كي يحمي المرأة من أعين الغرباء. ففي الديانة اليهودية (العهد القديم)، ثــم مــن بعدها الديانة النصرانية (العهد الجديد) ..وخاصة المذهب البروتوستانتي منها ،والــذي بُني في أساسه على الكثير من تعاليم العهد القديم (الديانة اليهودية)، جاءت العديد من تلك التعاليم في اإلنجيل خاصة بالمرأة ،والتي كان بعضها يحتوي على ما يتعلق بمظهر المرأة الذي يجب أن تلتزم بارتدائه على النحو التالي: فيما يتعلق بمظهر المرأة بوجه عام الفقرة ( )9 :2من الرسائل الكهنوتية للقديس بــولــس -أحــد أهــم ق ــادة الجيل النصراني األول ،ويعد ثاني أهم شخصية تاريخية في النصرانية بعد السيد المسيح نقل عن تعاليم عليه السالم -والتي هي ً
الفقرة ( )5 :22في سفر التثنية( ،)٧ورد ـصــا «ينبغي على الــمــرأة أال ترتدي بها نـ ً مالبس الــرجــال ،وكذلك ال يرتدي الرجل مالبس النساء». وفيما يتعلق بالنساء بوجه عام ،وكذلك الراهبات وغيرهن من النساء الالتي يعملن نص يُلزم كل امرأة تصلي بالوعظ ،فقد صيغ ٌّ أو تقوم بالوعظ بتغطية رأسها( ،)٨ولذا نرى راهبات الكنائس كافة في الشرق والغرب حتى يومنا هذا يرتدين غطاء الرأس والزي المحتشم. الفقرة ( )6-3 :3مــن رســائــل القديس بطرس( )٩أوضحت تلك الفقرة أنه «ينبغي على المرأة أن تهتم بالجمال الداخلي النابع من هــدوء روحها وسكون نفسها أكثر من تجميل مظهرها الخارجي ،كما يجب على الــمــرأة إظــهــار االحــتــرام والطاعة بــارتــداء غطاء الرأس أثناء أداء الصلوات في األماكن العامة وتكريس نفسها لزوجها كما فعلت السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم» .هكذا عالجت الكتب المقدسة للديانتين اليهودية والنصرانية -و المعمول بها حتى اللحظة- قضية ارتداء المرأة لحجاب الرأس والجسد.
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
نصا «ينبغي أن تزين المسيح ..ذكــر فيها ً النساء أنفسهن بمالبس تتصف باالحتشام وال ــوق ــار والــتــواضــع ،وال ينبغي الظهور بتسريحات شعر أو ارتداء الذهب أو اللؤلؤ أو المالبس الباهظة الثمن.)٦(».
جاء لتأكيد وحدانية اهلل تعالى ونبذ ما هو شرك باهلل تعالى .وجاءت ٍ خالف ذلك من تشريعاته لتنقية السلوك البشري من كل ما هو سلبي ،والتأكيد على كل ما هو إيجابي.. واستكمال النواقص فيما سبقه .وفيما يتعلق بالمرأة المسلمة ،احتوت الشريعة اإلسالمية على الكثير من التشريعات التي تتناول كافة مناحي الحياة الخاصة بها ،بما في ذلك حقوق المرأة التي يجب أن تحصل عليها، وأيضا الواجبات التي يجب عليها القيام بها. ً وفيما يتعلق بالزى الواجب على المرأة المسلمة ارتــــداؤه ،فقد ألــزمــت الشريعة اإلسالمية النساء بارتداء الــزي المحتشم (الحجاب) الذي يستر الرأس والجسد دون تــبــرج ،قــال تعالى« :وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو أبناء بعولتهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن ..اآلية)(.».سورة النور :آية )31 مع االلتزام بالسلوك العفيف الذي يحفظ للمرأة شخصها وكرامتها وإنسانيتها.
مما سبق ســرده من تتبع لقضية حجاب المرأة في حضارات وأزمنة مختلفة عبر العصور قديمًا وحديثًا حتى اللحظة، نستطيع القول إن المرأة الحرة عبر العصور المختلفة ك ــان حــتـ ًمــا عليها الــظــهــور في المجتمعات والمناسبات واألماكن العامة، وهي مرتدية حجاب الرأس والجسد الذي يعطي دالالت مختلفة ،كداللة على انتمائها وأيضا مؤشرًا هامًا ً لطبقة اجتماعية راقية، ثم جــاء اإلســام الحنيف؛ لينقي يميزها عن المرأة الغانية ،باإلضافة إلى العقيدة ،ويردها إلى أصلها؛ وليمثل الكمال صون كرامتها وعفتها من خالل ما يُعبّر عنه كما جــاءت به رســاالت السماء المقدسة .هذا الزي من انتمائها لرجل ما ،ومن هنا اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
123
تصبح غير مباحة لآلخرين. لقد حيرني كثيرًا ما كانت عليه ثقافة الفكر الغربي في األزمنة البائدة فيما يتعلق بــزى الــمــرأة وحجابها -إن جــاز التعبير - وما آل إليه في اآلونــة األخيرة فيما يتعلق بحجاب المرأة المسلمة .فهل ما يحدث اآلن هو التحضر والحداثة بالفعل ،أم هو تقهقر وردة إلــى التخلف والتمييز غير المبرر! ها قد رأينا ما كــان يعنيه الــزى المحتشم للمرأة الحرة عبر العصور قديمًا وحديثًا، وحتى اللحظة في الكتب المقدسة للديانات السماوية جمعاء .فلماذا هذا التحول في الرؤية لحجاب المرأة المسلمة على وجه الخصوص ووصفها بالتخلف والرجعية! لــقــد تــنــاولــت الــعــديــد م ــن الــمــقــاالت والمؤلفات قضية حجاب المرأة المسلمة من أبعاد مختلفة ،وكان أحد المؤلفات الهامة مــن وجهة نظري -رســالــة أجــيــزت لنيلدرجة الدكتوراه عن المرأة والحجاب ،قامت بها الباحثة «كاثرين بولوك»( )١٠والتي صدرت عن المعهد العالمي للفكر اإلسالمي بلندن. وقد تحولت تلك الرسالة إلى كتاب بعنوان «نظرة الغرب إلى الحجاب :دراسة ميدانية موضوعية» ،حيث قامت مكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية بإصدار ترجمة لهذا الكتاب في عام (1432هـ2011/م).
124
لقد هدفتُ من وراء اإلشارة لهذا الكتاب بعينه عــرض الدليل العملي لتلك النظرة الظالمة السلبية التي أصبحت سائدة بين الكثير مــن مواطني المجتمعات الغربية عن حجاب المرأة المسلمة ،والتي أكدت رأي ــي الشخصي فــي أن تلك النظرة هي اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
في المقام األول ضد اإلسالم والمسلمين، وبالتبعية ضد الحجاب كأحد رموز الديانة اإلسالمية الخاص بالمرأة المسلمة .فقد اتخذت الباحثة في رسالتها عينة من النساء المسلمات في «تورونتو »Torontoبكندا للتعرف على حياتهن الشخصية كنساء مسلمات يعشن في مجتمع غربي ،وطبيعة رؤيتهن الواقعية للحجاب ومــا يلقونه من قبول أو رفض في المجتمع الكندي جراء ذلك .وقد ورد في الكتاب أن «الجزء األخير منه يناقش خــبــرات ارتـــداء الحجاب في تورونتو ،ويبين أن النساء يواجهن تمييزًا كبيرًا بسبب ما يرتدينه ،فالرؤية الشائعة لإلسالم أنه دين شرير يحض على العنف وقهر النساء»( .)١١إذن هي النظرة المتطرفة لــإســام والمسلمين ،وبالتبعية لحجاب المرأة المسلمة ،ويا لها من ازدواجية! لقد حيرتني كثيرًا هذه االزدواجية التي يمارسها الغرب وسياسة الكيل بمكيالين في تعامله مع قضية حجاب المرأة المسلمة، ومن ورائه تعامله مع اإلسالم والمسلمين. فجميعنا يــرى على سبيل المثال كيف أن راهــبــات الكنائس المختلفة في العالمين حد سواء -يتمتعن الشرقي والغربي -على ٍ باالحترام والتبجيل والقداسة لما يوصفن به أيضا أن زي من الطهر والعفة .وكلنا يعلم ً راهبات الكنائس يعتمد اعتمادًا أساساً على الحشمة وتغطية الرأس والجسد ،ومع هذا لم توصف الراهبات بالتخلف والرجعية ،ولم توصف الديانة النصرانية بالتشدد والعنف واإلرهاب. و بــالــرغــم مــن وج ــود بعض الجماعات
لقد استهل «وِ ل ديــورانــت» الباب األول مــن كتابه بفقرة أحببتها كثيرًا لقناعتي بفلسفتها في توضيح أهمية شعور اإلنسان باالستقرار واألمان الداخلي ،وما يؤدي إليه ذلك من حافز إيجابي يوفر البيئة اإلبداعية التي هي أحد أعمدة االزدهــار الحضاري. فبعد تعريفه الــحــضــارة مــن وجــهــة نظره بأنها «نظام اجتماعي يعين اإلنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي» وتوضيح أهم عناصرها ،أضاف «إن الحضارة تبدأ حيث ينتهي االضطراب والقلق ،ألنه إذا ما أمِ َن اإلنسان من الخوف ،تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل اإلبداع واإلنشاء ،وبعدئذ ال تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيّ في طريقه إلى فهم الحياة وازهارها». وبــعــد م ــا مـــرت ب ــه الــبــشــريــة م ــن تتابع الحضارات المختلفة عبر العصور بأفكارها وثقافاتها المتنوعة ،وبعد ما قفز النشاط اإلنــســانــي نحو الــحــداثــة والتغيير والتطور التكنولوجي والصناعي قفزات سريعة أوصلتنا إلى ما نعيشه اآلن ،نفاجأ بهذه الردة الفكرية المتخلفة التي تحارب بشدة حقوق اإلنسان، وهــي في الوقت نفسه تدّعي أنها الراعية لها!!! فالكثير من مدعي حماية حقوق اإلنسان في وقتنا الراهن نجدهم يدافعون عن المرأة اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
المتطرفة فــي الــغــرب ،والــتــي تحمل زيفًا شعار الديانة النصرانية وتدعي أنها تعمل وفق تعاليمها ،وهي تمارس على أرض الواقع كافة أشكال العنصرية واالستبداد منذ زمن بعيد ،برغم هذا لم توصم الديانة النصرانية بالعنف والشر .تلك الجماعات التي مارست إرهابها ليس فقط ضد اإلسالم والمسلمين، وإنــمــا ضــد معتنقي الــديــانــة النصرانية أنفسهم ،حيث تصنفهم وفق اللون والعرق. فعلى سبيل المثال أحــد أهــم وأخطر تلك الجماعات التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي في الغرب ،والتي تفرع منها عدد من الجماعات المتطرفة بعضها اندثر واآلخــر ما زال له أتباع في أنحاء متفرقة من العالم الغربي هي جماعة « كو كلكس كــان « Ku Klux Klanوالتي تؤمن بتفوق العنصر األبيض دون غيره .وقد مارست تلك الجماعة أشكاالً مختلفة من العنف والتدمير وحرق الكنائس واالعتداء بالقتل والعنف على مواطنين أبرياء .وفي الوقت الــذي تبرأت منهم ومن أفعالهم كافة المجتمعات الغربية والكنائس النصرانية للمذاهب المختلفة، لم يوصم أتباع الديانة النصرانية بالعنف واإلرهـــاب والتخلف ،ولــم توصف الديانة الــنــصــرانــيــة بــالــشــر واإلره ـ ــاب والتخلف. فلماذا ال يكون هذا هو الحال مع اإلسالم والمسلمين! ولماذا بسبب بعض الجماعات المتطرفة التي اجتزأت بعض آيات القرآن الــكــريــم وطــوعــتــهــا خــط ـ ًأ ألهــوائــهــا يوصم مسلمو العالم أجمع بالتخلف واإلره ــاب؟ وبالتبعية توصم المرأة المسلمة بالرجعية واستسالمها لالستبداد والقهر والعبودية! بل وتتعرض األقليات المسلمة في وقتنا
الحالي للكثير من االضطهاد والعنصرية بأشكالها المختلفة ،رغــم انخراطهم في مجتمعات الغرب بشكل حيوي؟ فكيف لهؤالء أن ينعموا بحياة آمنة وسط تلك االزدواجية! إن اإلنسان إذا فقد األمن واالستقرار وتملكه الخوف بات أقرب للهمجية منها للتحضر والمدنية.
125
المتحررة بحجة حماية حقوق المرأة كإنسان، وبالتبعية حماية حقها في اختيار أسلوب الحياة الذي ترتضيه بما في ذلك الزي الخاص بها، بينما نجدهم في الوقت نفسه يحاربون من ترتدي الحجاب ويتهمونها بالتخلف والرجعية، ويستنكرون وينتزعون منها تمتعها بنفس الحق في اختيارها أسلوب الحياة الــذي يالئمها أيضا التعاليم كــامــرأة مسلمة ،بل وتناسوا ً الدينية التي صيغت في دياناتهم والتي تطلب من المرأة دومًا االحتشام والوقار في الشكل والمضمون. إن متطرفي الــغــرب وملحديه نجحوا بالفعل في اختالق صــورة غير واقعية عن كون حجاب المرأة المسلمة رمزًا لقهرها،
حتى أصبحت عين الضمير المجتمعي الغربي في اآلونــة األخيرة ال ترى إال تلك الــصــورة الــزائــفــة ،وبــاتــت مهمة المسلمين فــي هــذا الــصــدد هــي الــدفــاع عــن أنفسهم والمداومة على إثبات تنصلهم من اإلرهاب أيضا ما طيلة الــوقــت ،بل وتناسى هــؤالء ً تحتويه نصوص الديانات السماوية جميعًا من التعاليم التي تؤكد أهمية واستمرارية ارتداء المرأة لهذا الزي المحتشم الذي يعبر عن رقيها وإنسانيتها ..وليس تعبيرًا عن تخلفها ورجعيتها .وعليه فإن سمو المبادئ ال تكفي لبناء الحضارات الحقيقية ،ما لم عقول حرة تحكم وتسوس وتتربى وفقًا ً تُربِّ لمبادئ الكمال ال مزاعم االكتمال.
* باحثة مصرية في التاريخ واآلثار. ( ) ١فرانسوا مارى أوريه François-Marie Arouetوشهرته «فولتير »Voltaireكاتب وفيلسوف فرنسي شهير (1778-1694م). ( )٢ويليام جيمس ديورانت William James Durantكاتب ومؤرخ أمريكي ،من أشهر مؤلفاته كتاب «قصة الحضارة « The Story of Civilization والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه. (Morris, Jastrow, Jr. The Assyrian Low Code. Journal of the American Oriental Society, Vol. 41 (1921), )٣ .pp. 1-59. Available at: http://www.jstor.org/stable/593702 (.Plutarch, Moralia, trans. B. Perrin, Loeb Classical Library, London-Cambridge, Mass.1958 )٤ (J. L. Jones, Aphrodite’s Tortoise: The Veiled Woman of Ancient Greece. 2003; 2nd ed., Classical Press )٥ .of Wales.(paperback) 2010 ( )٦الفقرة ( )9 :2من إنجيل تيموثي Timothyأحد أناجيل العهد الجديد بترجمة الملك جيمس المعتمدة منذ عام (1611م) والتي تعتبر أحد أهم التراجم لإلنجيل حتى اآلن وكذلك بنفس المعنى في كافة التراجم األخرى.
( )٧
( )٨ ( )٩ ( )١٠ ( )١١
126
.www.biblegateway.com/versions/King-James-Version-KJV-Bible
الفقرة ( )5 :22من سفر التثنية (وهو الكتاب الخامس من اإلنجيل وفي الوقت نفسه أحد أهم مصادر العهد القديم (تعاليم اليهودية): .www.biblegateway.com/passage/?search=Deuteronomy+22%3A5&version=KJV الفقرة ( )6-5 :11من الرسائل الكهنوتية للقديس بولس في اإلنجيل الكورنثي أحد أناجيل العهد الجديد. الفقرة ( )6-3 :3من الرسائل الكهنوتية للقديس بطرس في إنجيل بطرس أحد أناجيل العهد الجديد. البد من اإلشارة هنا إلى أن الباحثة «كاثرين بولوك» قد اعتنقت اإلسالم وارتدت الحجاب أثناء إعدادها لتلك الرسالة. بولوك ،كاثرين .نظرة الغرب إلى الحجاب :دراسة ميدانية موضوعية ،مجاهد ،شكري 2011( .م)، مكتبة العبيكان ،ص .145
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
املؤلف :مالك بنت محمد صالح اللحيد اخلالدي
املؤلف :عبد الرحمن بن صالح اخلميس
الناشر :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -الطبعة
الناشر :نادي اجلوف األدبي الثقايف
األولى 2017م
اهتم المفكرون في العالم اإلسالمي بدراسة القيم
صدر عن أدبي الجوف ديوان شعر
اإلسالمية في اإلسالم كأساس تقوم عليه التربية العربية،
بعنوان «وتبوح الهوامش البيضاء»
ص الكثير من الدول على تبني القيم اإلنسانية، وحَ رِ َ
للدكتور
صالح
وتعزيز المهارات البشرية في أنظمتها التعليمية لتعزيز
الخميس ،وقد جاء في ( )162صفحة
المعرفة ،والمهارات ،والمواقف ،والقيم اإلنسانية الالزمة إلحداث تغيرات تُمكِّن األطفال والشباب من تنمية كامل قدراتهم ،بما يؤهلهم للعيش والعمل بكرامة.. والمشاركة الكاملة في التنمية ،وتحسين نوعية حياتهم، واتخاذ قراراتهم عن تبصر ،واالستمرار في التعليم. ويستعرض هذا الكتاب أهم األبعاد اإلنسانية في الفكر التربوي العربي المسلم ،والتطبيقات التربوية لألبعاد اإلنسانية في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية.
عبدالرحمن
بن
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
الكتاب :األبعاد اإلنسانية يف الفكر التربوي العربي اإلسالمي
الكتاب :وتبوح الهوامش البيضاء
من القطع المتوسط .اشتمل على الكثير من القصائد اإلبداعية واللوحات التشكيلية للفنانتين التشكيليتين مريم الحسن ونجالء محمد الغفيلي. ومن قصائده :على نغماتها أبوح، عدسات من ذاكرة المرايا ،مقيمون على سفر ،مياسم ،بقايا مودعة ،أنين تحت كبرياء الحب ،ويبقى أمل.
وقد ارتأت هيئة النشر بمركز عبدالرحمن السديري
وله بحوث منشورة ومؤلفات عدة..
الثقافي إصدار هذا الكتاب إلثراء الدراسات في هذا
منها ديوان شعر بعنوان «كسور في
المجال التربوي المهم.
جبيرة الصمت».. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
127
تطبيقات التعلم اإللكتروني يف تدريس الرياضيات
املؤلف :محمد بن جضعان بن محزم الشمري الناشر :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -الطبعة األولى السنة 2017 :م
128
يــهــدف الــكــتــاب إلــى الــتــعــرف على واقــع الصيانة الدائمة ألدوات التعلم اإللكتروني اســتــخــدام أدوات التعلم اإللــكــتــرونــي في (الدعم الفني ) ،وتوفير معمل لتدريس المادة تدريس الرياضيات في المرحلة االبتدائية ،مجهزًا بأدوات التعلم اإللكتروني. ومعوقاته وســبــل تطويره بمنطقة الــجــوف. ويرى المؤلف أهمية االستمرار في تشجيع ومــدى استخدام طــرق تدريس الرياضيات الــدراســات والبحوث التي تتناول استخدام ذات العالقة بالتعلم اإللكتروني. التعلم اإللكتروني في تدريس مادة الرياضيات وتأتي أهمية هذه الدراسة في هذا العصر والقيام بدراسات مستقبلية وافية حول سبل الــذي بدأ التعلم اإللكتروني يتنامى بشكل تعزيز استخدام أدوات التعلم اإللكتروني في ملحوظ على حساب التعلم التقليدي في تدريس المادة في المرحلة االبتدائية الــمــدارس العادية .وصــار للتعلم اإللكتروني ويأتي إصدار مركز عبدالرحمن السديري مؤسساته األكاديمية ومدارسه المعتمدة في الثقافي لهذا الكتاب ليكون حافزا للباحثين كثير من دول العالم. ويــؤكــد الــمــؤلــف على ض ــرورة الحد من والتربويين ليحذوا حذو المؤلف في دراسة معوقات استخدام أدوات التعلم اإللكتروني مختلف جوانب التعلم اإللكتروني في مجاالت فــي تــدريــس م ــادة الــريــاضــيــات فــي المرحلة التعليم األسـ ــاس والــجــامــعــي فــي المملكة االبتدائية بمنطقة الجوف ،وتوفير البرامج العربية السعودية في ظل التطور الكبير التعليمية لتلك المادة باللغة العربية ،وأهمية الستخدامات التقنية اإللكترونية في العالم تدريب معلميها على استخدام أدوات التعلم الــيــوم فــي مختلف مــجــاالت الحياة ،ولعل اإللكتروني في التدريس ،إضافة إلى توفير التعليم يأتي في مقدمتها. اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثا
صدر حديثا