Aljoubah 57 مجلة الجوبة

Page 1

‫ ¦رحلة إلى قمة احلرية‬ ‫جبل كليمنجارو‬ ‫ ¦اخلــطــاب ال ــروائ ــي يف‬ ‫روايـــات محمد حسن‬ ‫علوان‬ ‫ ¦السخرية يف املــوروث‬ ‫الشعبي‬ ‫ ¦لبيد بن ربيعة املعمر‬ ‫يف اجلاهلية واإلسالم‬ ‫ ¦بــن الــكــتــاب الــورقــي‬ ‫والكتاب الرقمي‬

‫‪57‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬ ‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2817094 :‬فاكس‪011 2811357 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫املشرف العام ‪:‬‬

‫ ‬

‫أسرة التحرير‪ :‬‬

‫إخـــراج فني ‪:‬‬

‫رئيساً‬ ‫عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫عضواً‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري ‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محمود الرمحي ‬ ‫سكرتيراً ‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬‪‭.‬‬ ‫محمد صوانة ‬ ‫محرراً ‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقي ‬اً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫خالد الدعاس‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫قواعد النشر‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬

‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابقً‬ا‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 57‬خريف ‪١٤٣٩‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪6...............................‬‬ ‫رحلة إلى قمة احلرية‬ ‫جبل كليمنجارو‬

‫‪18.........................‬‬ ‫بالغة اخلطاب الروائي‬ ‫يف روايات محمد حسن علوان‬

‫‪72.............................‬‬ ‫حوار مع الدكتورة‬ ‫هتون أجواد الفاسي‬ ‫لوحة الغالف‪ :‬للفنانة سارة حسين‪.‬‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪4 ......................................................‬‬ ‫رحالت‪ :‬رحلة إلى قمة الحرية جبل كليمنجارو ‪ -‬زياد بن‬ ‫عبدالرحمن السديري ‪6 .......................................‬‬ ‫دراسات‪ :‬بالغة الخطاب الروائي في روايات محمد حسن علوان‪١٨ .‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬الوداع ‪ -‬محمدالرياني ‪٤٧ .........................‬‬ ‫وانتشر الخبر ‪ -‬خالدة خان ‪٤٨ ......................................‬‬ ‫عبق الماضي ‪ -‬زينب هداجي ‪49 ....................................‬‬ ‫ال أوان لما كان ‪ -‬هدية حسين ‪51 ..............................‬‬ ‫مرايا ووجوه ‪ -‬محمد محقق ‪54 ................................‬‬ ‫نصوص قصصية ‪ -‬حليمة الفرجي ‪55 .........................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬محمد صوانة‪56 ........................‬‬ ‫شعر‪ :‬ثورة العطر ‪ -‬إبراهيم جابر مدخلي‪٥٧ .........................‬‬ ‫أسرا ُر النهرِ الحيي ‪ -‬هندة محمد ‪٥٨ .........................‬‬ ‫أل ُّم ظال َل المعنى ‪ -‬حنان بيروتي‪٦٠ .................................‬‬ ‫ألكف الجنوب ‪ -‬سماح بن معيز‪٦٢ ......................‬‬ ‫ّ‬ ‫ذاكرة‬ ‫ليل الغريب ‪ -‬لقمان لحفاوي ‪٦٣ ...............................‬‬ ‫َصل ‪ -‬خالد بهكلي ‪٦٤ ...........................‬‬ ‫َق َد ٌر َعلَى قَارِ عَةِ الو ْ‬ ‫مِ ل ْ ٌح ِب ُهد ِْب القَصيد ِة ‪ -‬طاهر لكنيزي‪٦٦ .......................‬‬ ‫في داخـلي شَ يءٌ غَ ــريـبْ ‪ -‬سما يُوسف ‪٦٩ .....................‬‬ ‫صديقة وغياب ‪ -‬عبدالعزيز موسى الحكمي ‪٧٠ ...........‬‬ ‫ٍ‬ ‫بين‬ ‫ترجمة‪ :‬سم ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبداهلل ناصر ‪٧١ ..........................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار د‪ .‬هتون أجواد الفاسي ‪ -‬عمر بوقاسم‪٧٢ ....‬‬ ‫حوار ال ِّروَائِي المِ صري عبداهلل السَّ اليْمة ‪ -‬محمد عيسى‪٧٨ .‬‬ ‫حوار القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس ‪ -‬عصام أبو زيد‪٨٥ ...‬‬ ‫حوار المخرجة السعودية هناء العمير ‪ -‬عبدالكريم قادري‪٨٩ ......‬‬ ‫حوار الشاعر نايف أبو عبيد ‪ -‬نضال القاسم‪٩٦ ....................‬‬ ‫حوار صبحي موسى ‪ -‬هالة موسى‪١٠٠ ..........................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬نايف بن صالح المعيقل‪١٠٨ ...................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬السخرية في الموروث الشعبي ‪ -‬غادة هيكل ‪١٠٩ ........‬‬ ‫لبيد بن ربيعة المعمر في الجاهلية واإلسالم ‪ -‬راكان الرويلي ‪١١٣ ....‬‬ ‫رواية السهل الممتنع! ‪ -‬صالح القرشي‪116 .....................‬‬ ‫بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ‪ -‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ َفيْل ‪118 .....‬‬ ‫الحضارة اإلنسانية بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير (حجاب‬ ‫المرأة أنموذجاً) ‪ -‬آيات عفيفي ‪120 ................................‬‬ ‫قراءات‪١٢٧ ........................................................... :‬‬


‫افتتاحية‬ ‫ال ـ ــع ـ ــدد‬ ‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫نستهل هذا العدد بمقال (رحلة إلى قمة الحرية ‪ :‬جبل كليمنجارو) للدكتور زياد بن‬ ‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬وهو األستاذ والمثقف الذي يقف خلف إدارة هذه المؤسسة‬ ‫الثقافية «مركز عبدالرحمن السديري الثقافي»‪ ،‬والذي يحتضن مشروع مجلة الجوبة‬ ‫منذ تأسيسها عام ‪1991‬م؛ وإذ ال نخفي سعادتنا أن خصنا الدكتور زياد بالمقال‪ ،‬فإننا‬ ‫نؤكد أن المقال قد وصف الرحلة بأسلوب شيّق‪ ،‬متماهيًا مع أدب الرحالت الذي أسسه‬ ‫أسالفنا‪ ،‬فقد جاء مليئًا باألحداث والمغامرات المشوِّقة‪ ،‬فأعادنا إلى رائعة األديب‬ ‫العالمي هيمنجواي «ثلوج كليمنجارو»‪.‬‬ ‫ونحن في حرصنا الدائم على التواصل مع كتّاب الجوبة ومبدعيها‪ ،‬نجدد التأكيد على‬ ‫اهتمام المجلة بما يرد إليها من مقترحات ومواد إبداعية؛ فنحن نحرص قدر اإلمكان‬ ‫على نشر اإلبداعات المختلفة والدراسات والمقاالت‪ ،‬وفي هذا الصدد حرصت المجلة‬ ‫على إيجاد محور خاص في دراسات هذا العدد لتسليط الضوء على بعض إصدارات‬ ‫الروائي محمد حسن علوان‪ ،‬الفائز بجائزة البوكر لهذا العام‪ ،‬ونرجو أن يجد القراء‬ ‫الكرام‪ ،‬مدى الجهد الذي بذله باحثونا الكرام في تناول سيرة األديب علوان الروائية‪،‬‬ ‫والتي تناولتها المجلة‪ ،‬وِ فقا للمساحة المتاحة‪.‬‬ ‫كما تستمر المجلة في التواصل مع كافة المبدعين في المملكة والعالم العربي‪،‬‬ ‫وتحرص على نشر نتاجهم اإلبداعي في القصة والشعر ومختلف الفنون الثقافية‪ ،‬وفي‬ ‫هذا الصدد تنشر الجوبة عددًا من النصوص الجديدة التي تمنح العدد ألقه و تجدد‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫وفي إطار حرص الجوبة على االلتقاء بكبار األدباء من المملكة والعالم العربي‪ ،‬تنشر‬ ‫الجوبة حوارًا مع الدكتورة هتون أجواد الفاسي الباحثة واألستاذة الجامعية السعودية‪،‬‬ ‫والتي تكشف جوانب عديدة من سيرتها العلمية والثقافية‪ ،‬والتي تحدثت عن ملكات‬ ‫دومة الجندل «أو الجوف» في القرنين السابع والثامن قبل الميالد‪ ،‬كما تحاور الجوبة‬

‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫مسيرته‪.‬‬

‫األديب السيناوي المصري عبداهلل الساليمة الذي يرى أن الشيء الوحيد الذي يحقق‬ ‫ال روائيًا أو مجموعة قصصية‪ ،‬أو حتى قصة واحدة‬ ‫قدرًا من السعادة هو إنجازه عم ً‬ ‫قصيرة‪.‬‬ ‫كما تحاور الجوبة األديبة التونسية وئام غداس‪ ،‬الفائزة بجائزة الشارقة لإلبداع‬ ‫العربي عن مجموعتها «أمشي وأضحك كأني شجرة»‪ ،‬وهي التي تحوّلت من السرد إلى‬ ‫الشعر‪ ،‬وتعد نفسها شاعرة (فيسبوكية)‪.‬‬ ‫كما تحاور الجوبة األستاذة هناء عبداهلل العمير‪ ،‬المخرجة والناقدة السينمائية‬ ‫السعودية‪ ،‬الفائزة بعدد من الجوائز السينمائية‪ ،‬و المحكّمة في عدد من المهرجانات‪،‬‬ ‫وهي مؤلفة كتاب «ساموراي السينما اليابانية أكيرا كوروساوا»‪.‬‬ ‫وتلتقي الجوبة الشاعر األردني‪ ،‬نايف أبو عبيد‪ ،‬وتسلط الضوء على تجربته الشعرية‬ ‫وسيرته‪ ،‬كما تلتقي الشاعر والروائي المصري‪ ،‬صبحي موسى‪ ،‬الذي صدر له عدد من‬ ‫الدواوين الشعرية‪ ،‬ثم تحوّل إلى الكتابة الروائية‪ ،‬ويطرح عددًا من اآلراء حول الرواية‬ ‫والشعر وقصيدة النثر ‪.‬‬ ‫ويصدر هذا العدد وقد ودعت الحياة الثقافية األديب والروائي والكاتب الساخر‪،‬‬ ‫األستاذ حسن السبع‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬والذي كتب لسنوات عديدة مقاالت مهمة في الفكر‬ ‫والثقافة في الصحف المحلية‪ ،‬ونشر دواوين شعرية ورواية «ليالي عنان»‪ ،‬وكانت الجوبة‬ ‫قد استضافته في العدد ‪ ،52‬وكان مما قاله‪« :‬عندما يسقط القلم من يدي سأقول ما‬ ‫الشمس غربتْ »! وكأنه كان يُ َمهِّد لرحيله المبكر عن‬ ‫َ‬ ‫قاله كازنتزاكي‪« :‬لم أتعبْ ‪ ،‬ولكنَّ‬ ‫هذا العالم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪5‬‬


‫رحلة إلى قمة الحرية‬ ‫جبل كليمنجارو‬ ‫(‪)١‬‬

‫‪ρρ‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫في اللحظات التي فارق فيها الحياة‪ ،‬تراءى لـ «هاري» وكأنه مسافرٌ في طائرة‬ ‫يلتفت إليه قائدها مبتسم ًا ومشير ًا بيده‪ ،‬فيبصر «هاري» أمامه «ما بدا له وكأنها‬ ‫كما عرض كل البسيطة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬وشاهقة‪ ،‬وبيضاء في ضوء الشمس كما ال يمكن‬ ‫التصديق بحقيقته‪ ،‬قمة كليمنجارو مربعة األركان‪ .‬عندها علم هاري إلى أين هو‬ ‫ذاهـ ٌـب»‪ .‬هذا المشهد الذي أبدعه آرنست هيمنجواي في قصته المشهورة «ثلوج‬ ‫السر الذي يقود آالف البشر(‪ )٢‬في كل عام‬ ‫كليمنجارو»‪ ،‬ربما يكشف للقارئ بعض ِّ‬ ‫لصعود هذا الجبل ‪-‬ذي القمة المرتفعة ‪ 5٫895‬مترا (‪ 19٫341‬قدمً ا)(‪ )٣‬فوق سطح‬ ‫األرض‪ -‬سير ًا على األقدام‪ ،‬وكأنهم قاصدين «بيت اهلل»‪ ،‬كما وصف هيمنجواي قمة‬ ‫كليمنجارو في أول القصة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫هكذا‪ ،‬في اليوم األول من شهر آب حتى ذاك التاريخ(‪.)٤‬‬ ‫(أغسطس) من سنة ‪2017‬م (الموافق‬ ‫و«كليمنجارو» جبل مستقل بذاته‪،‬‬ ‫الــتــاســع مــن ذي الــقــعــدة‪1438 ،‬هـــــ)‪،‬‬ ‫واضــح المعالم للرائي؛ أي هو ال يقع‬ ‫برحلة‬ ‫ٍ‬ ‫وبعض األصدقاء واألبناء‬ ‫ُ‬ ‫قمتُ‬ ‫ضمن سلسلة جبال متصلة‪ ،‬مثل جبل‬ ‫مشياً على األقــدام العتالء قمة جبل‬ ‫كليمنجارو‪ ،‬الــواقــع في شمال شرقي إفرست‪ -‬أعلى جبل على وجه األرض‪-‬‬ ‫تنزانيا‪ ،‬الدولة الواقعة على الساحل الذي يقع ضمن سلسلة جبال الهماليا‪.‬‬ ‫الشرقي إلفريقيا؛ تحدونا الرغبة برفقة وكليمنجارو هو أعلى جبل في إفريقيا‪،‬‬ ‫األع ــزاء‪ ،‬وتدفعنا النزعة لالستطالع وأعلى جبل مستقل في العالم(‪ ،)٥‬وأحد‬ ‫وحــب االســتــكــشــاف‪ ،‬ويحركنا المي ُل الجبال السبعة المسماة‪ ،‬ذوات القمم‬ ‫لتحدِّي الذات‪ ،‬مدركين تماماً أنَّ هذه األعــلــى فــي الــقــارات الــســبــع(‪ .)٦‬وهو‬ ‫ستكون بال شك أشــدَّ رحالتنا تحد ّياً جبل بركاني‪ ،‬يقول الجيولوجيون إن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫المجموعة في قمة الحرية‬

‫بدايته تعود لمليونين ونصف المليون عام‬ ‫خلت(‪ .)٧‬وال اتفاق بين الباحثين في أسباب‬ ‫تسميته هــذه(‪ ،)٨‬إنما ال خالف في أن اسم‬ ‫قمته (اوهـــورو) يعني الحريّة‪ ،‬وهــو لذلك‬ ‫يبدو مُشتقاً من العربية‪ .‬فاللغة السواحلية‬ ‫(‪ )Swahili‬مزيج من عــدة لغات‪ ،‬إحداها‬ ‫اللغة العربية التي وصلت شرقي إفريقيا‬ ‫مع التجار العرب‪ ،‬ومن خالل إمارتهم في‬ ‫زنجبار‪ ،‬التي أصبحت الحقاً جزءاً من دولة‬ ‫تنزانيا‪.‬‬ ‫اس ــت ــه ــوت مــجــمــوعــتــنــا ف ــك ــرة صــعــود‬ ‫كليمنجارو عندما تحدثنا بها في خريف‬ ‫عام ‪2016‬م‪ ،‬رغم توجّ سنا جميعاً من هذا‬ ‫المشروع‪ .‬فاألمر ليس محض لياقة بدنية‪،‬‬ ‫وهــو ال يخلو من الخطورة‪ ،‬وليس كل مَن‬ ‫يقصد كليمنجارو يصل قمته‪ .‬وأهم أسباب‬ ‫الفشل في صعود هذا الجبل‪ ،‬ومصدر الخطر‬ ‫األكبر فيه‪ ،‬هو ما يسمى بمرض الجبل الحاد‬ ‫(‪ )AMS‬الذي قد يتطور عند بعضهم فيحدث‬ ‫الوذمة الرئوية (‪ ،)HAPE‬والوذمة الدماغية‬

‫(‪ .)HACE‬وورد أن ‪ ٪45‬فقط من كافة فئات‬ ‫مستهدفي صعود كليمنجارو يصلون قمته‪،‬‬ ‫وأنَّ مــا بين ثالثة إلــى سبعة منهم يلقون‬ ‫حتفهم سنوياً في محاولة الصعود(‪ .)٩‬إنما‬ ‫تبين لنا بعد البحث أن أهم أسباب الفشل‬ ‫في إتمام الصعود‪ ،‬والخطورة الكامنة فيه‪،‬‬ ‫تعود إلغفال الصاعد بعض بدهيات‪ ،‬ومنها‬ ‫عدم تقصيه بحسن اختيار الجهة المنظمة‬ ‫للرحلة‪ ،‬وجنوحه إلكمالها في مدة قصيرة‬ ‫استعجاال في أمره أو توفيراً لمالِه‪ ،‬وهو ما‬ ‫يحول دون حسن تأقلمه مع االرتفاع أثناء‬ ‫الصعود السريع‪ ،‬ونقص األكسجين الحا ّد‬ ‫الــذي يــزامــن ذلــك‪ .‬فبينما تبلغ تقديرات‬ ‫متوسط نسبة النجاح في صعود الجبل ‪٪27‬‬ ‫لمن يحاولون إكمال رحلتهم في خمسة أيام‬ ‫فقط‪ ،‬فهي تتجاوز ‪ ٪85‬لمن يمضون ثمانية‬ ‫أيام إلكمالها(‪ .)١٠‬إضافة إلى ما تقدم‪ ،‬فإن‬ ‫الــوكــاالت الجيدة‪ ،‬التي تتولى تنظيم هذه‬ ‫أدلء ذوي معرفة‬ ‫الرحالت‪ ،‬توفر لعمالئها ّ‬ ‫ببوادر أعراض مرض الجبل الحادّ‪ ،‬وتؤمّن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪7‬‬


‫جليد هايم والغيوم تحتها كما تبدو من قمة الجبل‬

‫‪8‬‬

‫لهم وسائل اإلسعاف الالزمة‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫أسطوانات أكسجين محمولة‪ ،‬لالستعمال‬ ‫عند الــحــاجــة‪ .‬ف ــإذا ظــهــرت أول أعــراض‬ ‫المرض‪ ،‬ولم تتم السيطرة عليها بالسرعة‬ ‫الالزمة‪ ،‬يُنصح الزائر بالتوقف عن الصعود‬ ‫والعودة الى أسفل الجبل‪ .‬وإذا لزم األمر‪،‬‬ ‫يتولى الفريق المرافق للمجموعة صاعدة‬ ‫الجبل حمل الــمــريــض بسرعة إلــى حيث‬ ‫يمكن نقله بواسطة طــائــرة عــامــوديــة إلى‬ ‫المستشفى‪ .‬وقبل الرحلة‪ ،‬تقدم مثل هذه‬ ‫الوكاالت المشورة للزائرين‪ ،‬وترشدهم إلى‬ ‫ما يلزم عمله في سبيل االستعداد لمهمة‬ ‫الــصــعــود‪ ،‬والــوســائــل المساعدة للحيلولة‬ ‫دون حــدوث مــرض الجبل الــحــاد‪ ،‬بما في‬ ‫ذلــك العقاقير الحامية منه‪ .‬بمعنى آخر‪،‬‬ ‫فــإن َمــن يُحسن اختيار الوكالة المنظمة‬ ‫للرحلة‪ ،‬ويكمل االستعدادات المقترحة لها‬ ‫قبل بدئها‪ ،‬ويجعلها في ثمانية أيام أو أكثر‪،‬‬ ‫فالراجح أنه سيتجنب الخطورة في األمر‪،‬‬ ‫وستكون له فرصة معقولة‪ ،‬وإن كانت غير‬ ‫مضمونة‪ ،‬في إتمام الرحلة(‪ .)١١‬وقد شاهدت‬ ‫فــي الــيــوم الــســادس مــن رحلتنا‪ ،‬أي اليوم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫األخير قبل اعتالئنا قمة الجبل‪ ،‬عدداً من‬ ‫األشخاص بــدا أنهم لم يكملوا صعودهم؛‬ ‫منهم شابّان ال يتجاوزان العقد الثالث من‬ ‫العمر‪ ،‬يسندهما على جانبيهما مرافقان‬ ‫لمساعدتهما في السير‪.‬‬ ‫وقــــد أحـــســـ َن عــمــي ـ ُد رحــلــتــنــا‪ ،‬االبـــن‬ ‫عبدالرحمن‪ ،‬اإلعــداد لها‪ ،‬واختيار الوكالة‬ ‫المناسبة لتنظيمها‪ ،‬وتحديد مدتها بثمانية‬ ‫أيــام‪ ،‬شاملة أيــام الصعود التي استغرقت‬ ‫ستة أيام وجزءًا من اليوم السابع‪ ،‬وانتهت في‬ ‫اليوم الثامن عندما عدنا إلى أسفل الجبل‪.‬‬ ‫وقد تفاوتت تجربة أعضاء فريقنا من حيث‬ ‫المعاناة أثناء الصعود وأثناء النزول‪ ،‬إنما‬ ‫جميعهم أكمل الرحلة واعتلى اوهــورو‪ ،‬أي‬ ‫قمة كليمنجارو‪ ،‬كما تشهد الصورة المرفقة‬ ‫مع هذه السطور(‪.)١٢‬‬ ‫كما ذكرت فيما تقدم‪ ،‬لقد قررنا القيام‬ ‫بهذه الرحلة قبل سنة تقريباً من بدئها‪ ،‬وهو‬ ‫ما وفــر لنا الوقت الكافي لحُ سن اإلعــداد‬ ‫لها‪ .‬فبعد أن حدّد عميدنا الوكالة المختارة‪،‬‬ ‫ووقّعنا اتفاقنا معها‪ ،‬زوّدتنا الوكالة بقائمة‬


‫استقبلنا فــي مــطــار كليمنجارو عند‬ ‫وصولنا قائد فريق أدالء الرحلة التنزاني‪،‬‬ ‫واســمــه جيمز مــاتــو‪ ،‬وأمضينا مــســاء يوم‬ ‫وصولنا الموافق ‪ 31‬تموز‪2017 ،‬م في مدينة‬ ‫أروشا‪ ،‬عاصمة المنطقة التي تحمل اسمها‪،‬‬ ‫وتقع إلــى الجنوب من كليمنجارو‪ ،‬وترتفع‬ ‫(‪ )1٫387‬متراً فــوق سطح األرض‪ ،‬ويبلغ‬ ‫عــدد سكانها حــوالــي (‪ )416٫000‬نسمة‬ ‫ونيف‪ .‬ونظراً ألن تنزانيا تقع في النصف‬ ‫الجنوبي للكرة األرضية؛ فشهر تموز (يوليو)‬ ‫يقع في موسم شتاء هذا البلد‪ ،‬وكان مناخه‬

‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫المستلزمات المقترحة إلتــمــام الرحلة‪،‬‬ ‫بما في ذلك أنــواع الملبوسات‪ ،‬واألحذية‪،‬‬ ‫والعِ دد األخرى الالزمة والمناسبة لها‪ ،‬وبيا ٌن‬ ‫بالتطعيمات الطبية التي تنصح الوكالة بها‪،‬‬ ‫والعقاقير التي توصي باستعمالها أثناء‬ ‫الصعود‪ ،‬والتمارين التي تقترح ممارستها‬ ‫قبل الــشــروع بالرحلة‪ .‬واخــتــرنــا أن تكون‬ ‫رحلتنا في شهر آب (أغسطس) حين تق ّل‬ ‫األمــطــار‪ ،‬وحـدّدنــا بدايتها في أول الشهر‬ ‫المذكور‪ ،‬حتى يتزامن اعتالؤنا قم َة الجبل‬ ‫مع اكتمال البدر‪.‬‬

‫معتدالً‪ .‬وورد أن االستيطان في أروشا بدأ‬ ‫عام ‪1830‬م‪ ،‬وأن أكثر سكانها يدين باإلسالم‬ ‫والمسيحية‪ ،‬وأن أشهر قبائلها الماساي‪.‬‬ ‫وتنتشر في تنزانيا زراعات عدة‪ ،‬شهدنا منها‬ ‫أثناء إقامتنا القصيرة فيها‪ :‬القهوة‪ ،‬والموز‪،‬‬ ‫والذرة‪ ،‬واألرز؛ كما أن بها صناعات كثيرة‪،‬‬ ‫ربما أهمها السياحة‪ .‬وقد خضعت تنزانيا‬ ‫لالحتالل األلماني ابتداء من سنة ‪1896‬م‪،‬‬ ‫ثــم االحــتــال البريطاني ابــتــداء مــن سنة‬ ‫‪1916‬م‪ ،‬أثناء الحرب العالمية األولى‪ ،‬ونالت‬ ‫استقاللها في سنة ‪1961‬م‪ ،‬وخضعت لنظام‬ ‫شيوعي بعد االستقالل حتى عام ‪1985‬م‪،‬‬ ‫وهو ما ترك أثره على البلد وأهلها‪ ،‬رغم ما‬ ‫يلمسه الزائر من مقوّمات طبيعية وصناعية‬ ‫فيها(‪.)١٣‬‬ ‫البداية‪ :‬جادة ماشامي‬ ‫اجتمعنا بـ(جيمز ماتو) في النزل الذي‬ ‫حللنا بــه مــســاء يــوم وصــولــنــا‪ ،‬فاستعرض‬ ‫معنا تفاصيل الرحلة‪ ،‬واالستعدادات التي‬ ‫تم تجهيزها لها‪ .‬وفي صباح اليوم التالي‪،‬‬ ‫أول شهر آب‪ ،‬نقلنا جيمز بحافلة الوكالة إلى‬ ‫بوابة الدخول إلى الجبل‪ ،‬وأتممنا التسجيل‬

‫العودة بعد اعتالء القمة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪9‬‬


‫لدى الجهة المسؤولة‪ ،‬وبدأنا مسيرنا سالكين‬ ‫درب ماشامي (‪ ،)١٤()Machame Route‬وسرنا‬ ‫في اليوم األول من أيام رحلتنا حوالي ‪17‬‬ ‫كيلومترا‪ ،‬وصعدنا إلى ارتفاع (‪ )2980‬متراً‬ ‫فوق سطح البحر‪ ،‬حيث أقمنا الليلة األولى‪.‬‬ ‫وكانت الحقيبة التي حملها ك ٌل منا على ظهره‬ ‫(‪ )Back Pack‬تزن ما تراوح من ثمانية إلى‬ ‫عشرة كيلوغرامات من المستلزمات‪ ،‬أهمها‬ ‫معطف‬ ‫ٍ‬ ‫الماء‪ ،‬وبعض المأكوالت‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تحسباً للبرد الذي يتزايد مع صعود الجبل‪،‬‬ ‫وآخر واق ٍ من المطر الذي ال يؤمن سقوطه‬ ‫في أيام الصعود األولى‪ ،‬حيث يكون المسار‬ ‫في غابة كثيفة‪ ،‬تغطيها الغيوم المتكوّنة‬ ‫حــول الجبل‪ .‬وك ــان أعــضــاء الفريق الــذي‬ ‫يرافقنا يحملون بقية مستلزماتنا الخاصة‪،‬‬ ‫وعــتــاد الخيام‪ ،‬والــمــؤونــة والــمــاء‪ ،‬فيحمل‬ ‫كل من هــؤالء زهــاء عشرين كيلوغراما من‬ ‫العتاد‪ .‬وكانوا على ما يبدو يتزودون بالماء‬ ‫مقربة من‬ ‫ٍ‬ ‫من مصادر طبيعيه موجودة على‬ ‫طريق الرحلة‪ ،‬فيحملون معهم جهازاً مفلتراً‬ ‫يزيل العوالق والميكروبات من الماء بما‬ ‫يجعله مناسباً للشرب‪ .‬وتلزم اإلشــارة هنا‬ ‫إلى ما لمسناه جميعاً من طيب خلق أعضاء‬ ‫هذا الفريق‪ ،‬واهتمامهم بحسن أداء مهامهم‪،‬‬ ‫واستمرارهم على هذه السجيّة على امتداد‬

‫أيام الرحلة حتى نهايتها‪ .‬كما تجدر اإلشارة‬ ‫إل ــى مــا شــهــدنــاه مــن طــيــب تــعــامــل هــؤالء‬ ‫بين بعضهم‪ ،‬دون تمييز منهم بين مسلم‬ ‫ومسيحي بينهم‪ .‬وبدأنا في هذا اليوم األول‬ ‫تناول عقار الدياموكس (‪ )Diamox‬المساعد‬ ‫لتجنب مرض الجبل الــحــا ّد(‪ ،)١٥‬والمخفّف‬ ‫مــن أشــ ِّد أعــراضــه‪ .‬كما كنا نحرص على‬ ‫اإلكثار من شرب الماء ومتابعة أكل بعض‬ ‫الــزاد بين كل برهة وأخــرى‪ ،‬وذلــك لتجنب‬ ‫المعاناة مــن الجفاف‪ ،‬وهــو على مــا يبدو‬ ‫أحد أسباب مرض الجبل الحاد‪ .‬ومع هذا‪،‬‬ ‫فقد شكا بعضنا من أعراض الصعود ابتدا ًء‬ ‫من اليوم األول‪ ،‬ومنها الصداع‪ .‬كما ظهرت‬ ‫على بعضنا المشقة من السير صعوداً‪ ،‬ربما‬ ‫لعدم لياقتهم البدنية الكافية‪ ،‬بينما لم يشكُ‬ ‫آخرون من أية أعراض‪ ،‬ولم تب ُد عليهم أي‬ ‫مشقة‪.‬‬ ‫وأع ــض ــاء مجموعتنا لــيــســوا بحديثي‬ ‫العالقة مع بعضهم بعضاً‪ ،‬بل هم في مجملهم‬ ‫أصــدقــاء قــدامــى‪ ،‬مرفوعة الكُلفة بينهم‪،‬‬ ‫ومقبولة النكتة منهم؛ ولــهــذا‪ ،‬فقد دخلوا‬ ‫جميعاً بسرعة في جو الرحلة الحميمي‪،‬‬ ‫واستمروا كذلك حتى نهايتها‪ .‬وتميز أعضاء‬ ‫مجموعتنا بمواهب مختلفة‪ ،‬وتكمل بعضها‬ ‫بعضاً‪ ،‬ساعدت في إضافة الكثير لرحلتنا‪.‬‬

‫ظالل جبل كليمنجارو بشكل هرمي تغطي جبل ميرو‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫فالدكتور برنارد هيكل‪ ،‬أشبه بمكتبة متنقلة‬ ‫بما يحمله مــن ثقافة واســعــة‪ ،‬ومعلومات‬ ‫جــمــة‪ .‬وه ــو كــريــم نــفــس‪ ،‬ســريــع الــخــاطــر‪،‬‬ ‫إيجابيّ التوجّ ه‪ ،‬محبٌ للنكتة‪ .‬واألستاذ نبيل‬ ‫ونظريات‬ ‫ٍ‬ ‫الخويطر‪ ،‬ذو اهتمامات متعددة‪،‬‬ ‫وقصص كثيرة‪ ،‬تملؤه الثقة بالنفس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خلقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعيش اللحظة‪ ،‬ويحيي محيطه بما يجود‬ ‫به من طُ ــرَف‪ .‬واالبــن عبدالرحمن‪ ،‬عميد‬ ‫الرحلة‪ ،‬هادئ الطباع‪ ،‬عصاميّ الشخصية‪،‬‬ ‫ذو موهبة في تأمّل المستجدات واكتشاف‬ ‫أســرارهــا‪ ،‬ومــيـ ٍـل لتحدي ال ــذات واختبار‬ ‫حــدودهــا‪ .‬واالب ــن خــالــد‪ ،‬لـ ِّيــن الجانب ذو‬ ‫مشاعر مرهفة‪ ،‬تولّى بامتياز مهمة المصور‬ ‫الرسمي للرحلة‪ ،‬كما تشهد به صوره التي‬ ‫يــظــهــر بعضها مــع ه ــذه الــســطــور‪ ،‬وغــدا‬ ‫المالزم لكل مَن تباطأ سيره منا‪ ،‬والمحفّز‬ ‫له بمواصلة المسير‪ .‬واالبن اسكندر هيكل‪،‬‬ ‫وهو أصغرنا‪ ،‬ذو ابتسامة جذابة ال تفارق‬ ‫مُحيّاه‪ ،‬وطروحات فلسفية مشوّقة‪ ،‬وأسئلة‬ ‫فلم‬ ‫فكرية عميقة‪ .‬فغدت رحلتنا كشريط ٍ‬ ‫ال يتوقف فيه الحديث‪ ،‬والنقاش‪ ،‬والتأمل‪،‬‬ ‫والتصوير‪ ،‬والضحك‪ ،‬ونبقى كذلك حتى بعد‬ ‫أن يحلَّ وقت اللجوء للمأوى والمبيت‪.‬‬

‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫لحظة شروق الشمس في قمة الجبل‬

‫وقــد ســاعــد فــي إنــجــاح رحلتنا وتحقق‬ ‫متعتنا بــهــا حُ ــســن أداء الــفــريــق الــمــرافــق‬ ‫لنا‪ ،‬المكوّن كله من أهل تنزانيا‪ ،‬ومستوى‬ ‫الخدمات الجيدة التي كانوا يوفرونها‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك وجبات الطعام التي فاقت توقعات‬ ‫مجموعتنا‪ .‬وكــان المرافقون يُنشدون بين‬ ‫الــفــيــنــة واألخ ـ ــرى بــعــض األغ ــان ــي بلغتهم‬ ‫السواحلية‪ ،‬بعض مفرداتها ذاعــت شهرته‬ ‫على أثر صدور فلم الملك األسد (‪The Lion‬‬ ‫‪ )King‬الذي أنتجته والت ديزني(‪ .)١٦‬وهكذا‪،‬‬ ‫ســرعــان مــا أصــبــح مــرافــقــونــا التنزانيون‬ ‫زمال َء لنا‪ ،‬نُقبل على تبادل أطراف الحديث‬ ‫معهم‪ ،‬ونجرؤ على ممازحتهم‪ ،‬وهم يبادرون‬ ‫بالمثل(‪.)١٧‬‬ ‫ســرنــا فــي الــيــوم الــثــانــي حــوالــي تسعة‬ ‫كيلومترات‪ ،‬وأمضينا المساء في مخيم شيرا‬ ‫(‪ )Shira Camp‬الذي يبلغ ارتفاعه (‪)3720‬‬ ‫متراً فوق سطح البحر‪ .‬وفي هذا اليوم بدأنا‬ ‫الــخــروج مــن بيئة الغابة الكثيفة الشجر‪،‬‬ ‫ودخلنا ما يسمى أرض المور (‪)Moorland‬‬ ‫وهــي أرض ينبت فيها الخلنج (‪)Heather‬‬ ‫واسمه العلمي أريكا (‪ )Erica‬مشابه لشجر‬ ‫العرعر‪ .‬وقــد الزمتنا في مسارنا جــداو ُل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪11‬‬


‫أحد المرافقين يحمل بعض لوازم الرحلة‬

‫المياه‪ ،‬إال أننا لم نشهد أي حيوانات بريّة‬ ‫في ٍأي من أيــام رحلتنا‪ ،‬أو نــرى أثرها أو‬ ‫فضالتها‪ ،‬على عكس ما كنا نتوقعه‪ .‬وال‬ ‫تفسير لدي لهذه الظاهرة‪ .‬فمنتزه تنزانيا‬ ‫الوطني‪ ،‬حيث يقع جبل كليمنجارو‪ ،‬محمية‬ ‫ال يسمح بالصيد فيها‪ ،‬وبها غابات ونباتات‬ ‫وجداول مياه‪ .‬وغاية ما شاهدناه من الحياة‬ ‫الفطرية هي بعض الطيور‪ ،‬أكثرها الغربان‪،‬‬ ‫وبعض القوارض‪.‬‬ ‫وكــان الفريق المرافق يشرع في صباح‬ ‫كــل ي ــوم‪ ،‬بعد أن نــغــادر مخيمنا‪ ،‬فــي طي‬ ‫الخيام وجمع العتاد‪ ،‬ثــم يلحق بنا مشياً‬ ‫على األقــدام‪ ،‬بأحماله التي تفوق أحمالنا‪،‬‬ ‫ويتجاوزنا فيسبقنا لمكان غدائنا المقرر‪،‬‬ ‫أو إقامتنا المستهدفة‪ ،‬ف ــإذا وصلناهم‬ ‫وجدناهم وقد أكملوا بناء الخيام‪ ،‬وجهزوا‬ ‫الوجبة المنتظرة في ذلك الوقت‪ ،‬وشرعوا‬ ‫باستقبالنا لمساعدتنا في إلقاء أحمالنا‪،‬‬ ‫وركوننا إلى الراحة(‪.)١٨‬‬

‫‪12‬‬

‫وفي اليوم الثالث‪ ،‬سرنا حوالي (‪ )16‬كيلو‬ ‫متراً وصعدنا فيه إلى نقطة تسمى برج الفا‬ ‫(‪ )Lava Tower‬التي ترتفع (‪ )4٫650‬متراً‬ ‫فــوق سطح البحر‪ ،‬ثــم هبطنا إلــى مخيم‬ ‫برانكو (‪ )Barranco Camp‬الذي يبلغ ارتفاعه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫(‪ )3٫870‬مــتــراً فــوق سطح البحر‪ ،‬حيث‬ ‫أمضينا تلك الليلة‪ .‬وكان الغرض من الصعود‬ ‫إلى برج الفا دون اإلقامة به في ذاك اليوم‬ ‫هو اختبار تحمّلنا لهذا االرتفاع‪ ،‬وتمكيننا من‬ ‫مزيد تأقلم معه قبل اإلقامة في مثله‪ .‬وفي‬ ‫هذا اليوم‪ ،‬بدأنا الخروج من أرض الخلنج‪،‬‬ ‫ودخلنا ما يسمى بالصحراء الجبلية‪ ،‬أو‬ ‫صحراء المرتفعات (‪ ،)Alpine Desert‬حيث‬ ‫ال تنبت فيها إال شجيرات صغيرة‪ ،‬أشبه‬ ‫بما نشهده في بعض الصحاري‪ ،‬وبدأنا نعلو‬ ‫على الغيوم المحيطة بكليمنجارو‪ ،‬وبدت‬ ‫لنا قمة ميرو (‪ )Mount Meru‬وهو الجبل‬ ‫البركاني المجاور لكليمنجارو‪ ،‬األصغر منه‪،‬‬ ‫وكيبو (‪ )Kibo‬وهو اسم الجزء األعلى من‬ ‫كليمنجارو‪ ،‬وجدار برانكو (‪،)Barranco Wall‬‬ ‫وهــي تلة صخرية فــي عــرض كليمنجارو‪،‬‬ ‫وكتلة هايم الجليدية (‪ )Heimglacier‬التي‬ ‫تعلوه‪.‬‬ ‫وفــي اليوم الــرابــع‪ ،‬سرنا حوالي ثمانية‬ ‫كيلومترات‪ ،‬وصعدنا إلى ارتفاع (‪)3٫950‬‬ ‫متراً فوق سطح البحر‪ ،‬حيث مخيم كرانجا‬ ‫(‪ .)Karanga Camp‬والمالحظ أن صعودنا‬ ‫في هــذا اليوم كــان ال يتجاوز (‪ )70‬متراً‪،‬‬ ‫وذلــك إلتاحة مزيد وقــت للتأقلم مع هذه‬ ‫االرتفاعات العالية‪ ،‬وهو ما سمح به برنامج‬


‫الصعود‪ :‬مشي الهوينا‬ ‫في اليوم الخامس‪ ،‬أتيح لمن أراد منا‬ ‫الخلود للنوم‪ ،‬أو البقاء في مأواه‪ ،‬أن يفعل‬ ‫ذلــك حتى التاسعة صــبــاح ـاً‪ ،‬عــوض ـاً عن‬ ‫السادسة في األيــام السابقة‪ ،‬وذلك لقصر‬ ‫المسافة المستهدف تــجــاوزهــا فــي ذلك‬ ‫الــيــوم‪ .‬فقد سرنا مسافة تقل عن خمسة‬ ‫كيلومترات‪ ،‬إال أننا انتقلنا الرتفاع (‪)4٫605‬‬ ‫أمتار فوق سطح البحر‪ ،‬حيث مخيم بارافو‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ .)Barafu Camp‬وكان بعضاً من سيرنا في‬ ‫هذا اليوم تسلقاً فوق ما يشبه الجدار من‬ ‫الصخور‪ ،‬وكانت كتلة هايم الجليدية دائماً‬ ‫على مرأى منا‪ ،‬واألدالء يقصرون الخطى‪،‬‬ ‫أو كما يقول أهل كليمنجارو (بولي‪ ،‬بولي)‪،‬‬ ‫ويحثوننا على اإلكثار من شرب الماء‪ ،‬وتناول‬ ‫بعض المأكوالت‪ ،‬منعاً لإلصابة بالجفاف‬ ‫الــذي‪ -‬كما سلف ‪ -‬يصاحب المسير في‬ ‫هذه االرتفاعات العالية‪ .‬وقد شكا بعضنا‬ ‫من قلة النوم في تلك الليلة التي‬ ‫أمضيناها في بارافو‪ ،‬وربما يكون‬ ‫الرتفاع المكان دور في ذلك‪.‬‬

‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫رحلتنا الطويل نسبياً‪ .‬وهنا كان آخر مصدر‬ ‫للماء قبل كيبو‪ ،‬وبدت البيئة المحيطة بنا‬ ‫صــحــراء بركانية قــاحــلــة‪ ،‬تسمى صحراء‬ ‫المرتفعات العالية (‪،)High Alpine Desert‬‬ ‫أشبه ما تكون بمناطق الحرّات في المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬بل أقل نباتاً منها‪.‬‬

‫برافو هي آخر مقام لنا قبل الشروع بالصعود‬ ‫إلى قمة الجبل في الحادية عشرة مسا ًء من‬ ‫تلك الليلة‪ ،‬إال أننا آثرنا عدم االستعجال‪،‬‬ ‫واخترنا أن نمضي ليلة أخرى قبل الصعود‬ ‫إلى القمة‪ ،‬وذلك نظراً لما عانى منه بعضنا‬ ‫من صداع وإجهاد‪ ،‬وحرصاً منا على إتاحة‬ ‫فترة أطــول لتأقلم أعضاء مجموعتنا‪ ،‬بما‬ ‫يوفر فرصة أفضل لتمكين الجميع من إكمال‬ ‫الصعود إلى القمة‪ .‬فقد أمضينا مساء اليوم‬ ‫الخامس حتى الصباح في بارافو‪ ،‬واكتفينا‬ ‫فــي الــيــوم الــســادس بالصعود إلــى مخيم‬ ‫أقــمــنــاه فــي كــوســوفــو (‪،)Kosovo Camp‬‬ ‫فسرنا مسافة تقل عن ثالثة كيلومترات‪،‬‬ ‫متر‬ ‫وصعدنا الرتفاع قدره حوالي (‪ٍ )4٫800‬‬ ‫فوق سطح األرض‪ .‬وبعد الغداء في كوسوفو‪،‬‬ ‫قسط من الراحة‬ ‫ٍ‬ ‫حاول بعضنا القيلولة ألخذ‬ ‫استعدا ًد للصعود الكبير‪ ،‬واألخير‪ ،‬المرتقب‬ ‫في تلك الليلة‪ ،‬ثم اجتمعنا على عشاءٍ مبكر‬ ‫في الخامسة مساءً‪ ،‬وعدنا إلى خيامنا في‬ ‫محاولة أخرى للمبيت قبل صعود القمة‪ ،‬إال‬ ‫أن جُ لّنا لم يتمكن من كثير نوم‪ ،‬ربما أيضاً‬ ‫بسبب مقدار ارتفاع موقعنا‪.‬‬ ‫االعتالء‪ :‬من صنوف الحرية‬ ‫وفي الساعة الحادية عشرة مساءً‪ ،‬نبّه‬ ‫صحراء المرتفعات‬

‫وكــان من المخطط له أن تكون‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪13‬‬


‫مجموعتنا وبعض األدالء‬

‫المجموعة في صحراء المرتفعات‬

‫منطقة الغابة‬

‫غراب كليمنجارو‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫األدالء النائمين منا لإلفاقة من المبيت‪،‬‬ ‫ودعــونــا لالجتماع على وجــبــة أع ــدت لنا‬ ‫لنتناولها قبل الشروع بالسير‪ .‬وفي الساعة‬ ‫‪ 12:10‬بعد منتصف الليل‪ ،‬بدأنا مسيرنا‬ ‫لقمة اوهــورو‪ ،‬قمة الجبل‪ ،‬التي كانت تبعد‬ ‫عنا حوالي سبعة كيلومترات تقريباً‪ ،‬فتابعنا‬ ‫مشي الهوينا‪ ،‬في مساءٍ مقمر وبارد‪ ،‬ووصلنا‬ ‫نقطة ستيال (‪ )Stella Point‬في الخامسة‬ ‫والنصف صباحاً‪ .‬وستيال‪ ،‬حسب ما رواه‬ ‫دليلنا‪ ،‬اسم أول امرأة غربية حاولت صعود‬ ‫كليمنجارو في القرن التاسع عشر الميالدي‪،‬‬ ‫وصلت هذه النقطة ثم عادت أدراجها‪ ،‬فسمّوا‬ ‫الموقع باسمها‪ .‬وقد كان بين صاعدي الجبل‬ ‫أثناء صعودنا له كثي ٌر من النساء‪ ،‬بل أكاد‬ ‫أقول إن جُ ل الصاعدين منهن‪.‬‬ ‫واصلت مجموعتنا مسيرها إلى القمة‪،‬‬ ‫بدرجات متفاوتة من الجهد والمشقة؛ فمنا‬ ‫مَن لم يعانِ من أية أعراض البتة‪ ،‬ومنا من‬ ‫شكا شديد الــصــداع‪ ،‬والــشــعــور بالغثيان‪،‬‬ ‫والجهد الكبير في التنفس‪ .‬ووصل أولنا إلى‬ ‫اوهورو في الساعة السادسة وعشر دقائق‬ ‫من صباح ذاك اليوم السابع‪ ،‬ولحق آخرنا‬ ‫بأولنا في الساعة السادسة وخمس وعشرين‬ ‫دقيقة‪ ،‬لحظة ش ــروق الشمس‪ .‬واقتربنا‬ ‫جميعاً عندها من بعض استيعاب لسبب‬ ‫تسمية قمة كليمنجارو بالحرية‪ ،‬وتمكنا من‬ ‫فهم لما كتبه هيمنجواي وصفاً لها‪.‬‬ ‫بعض ٍ‬ ‫ففي تلك اللحظة‪ ،‬وفي ذاك المكان‪ ،‬وقد‬ ‫حللنا فوق القمة مربعة األركــان‪ ،‬وجدناها‪،‬‬ ‫كما قال هيمنجواي‪« ،‬وكأنها كما عرض كل‬ ‫البسيطة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬وشاهقة»‪ ،‬وشهدنا كتلة‬ ‫جليد هايم «بيضاء في ضوء الشمس كما‬ ‫ال يمكن التصديق بحقيقته»‪ ،‬فبدينا وكأننا‬ ‫علمنا إلى أين كنا ذاهبين‪ ،‬وغمرنا مزي ٌج‬ ‫من نشوة الفوز بالنجاح‪ ،‬والفخر بالتغلب‬ ‫على الشك بالنفس‪ ،‬والتيقّن من المقدرة‬


‫منطقة ما بين الخلنج وصحراء المرتفعات‬ ‫من زهور الغابة‬

‫شجر الخلنج‬

‫كــان المشه ُد أمــامــنــا فــي ذاك الموقع‬ ‫شاهق االرتــفــاع‪ ،‬بالغ الصفاء‪ ،‬كما لم نر‬ ‫مــن قــبــل‪ .‬الشمس ســاعــة الــشــروق تطلق‬ ‫خيوطاً من األلوان‪ ،‬بدا وكأن من بينها اللون‬ ‫األخضر‪ ،‬وكتل الجليد والغيوم‪ ،‬التي علونا‬ ‫عليها‪ ،‬نبصرها كلوحة مــن رس ـ ٍـم لفنان‪،‬‬ ‫والبهجة تــعـ ُّم جميع مَــن صــعــدوا القمة‪،‬‬ ‫بمختلف جنسياتهم‪ ،‬وأعراقهم‪ ،‬ومعتقداتهم‪،‬‬ ‫وكأنهم في يوم عيد‪ ،‬ك ٌل منهم يعانق اآلخر‪،‬‬ ‫عرفه أو لم يعرفه‪ ،‬ويقدم التهاني له بإكماله‬ ‫الصعود‪ .‬وأخذ جميع الصاعدين يصطفون‬ ‫ألخذ دورهم بالوقوف أمام اللوحة الخشبية‬ ‫الموضوعة في أعلى اوهورو‪ ،‬ومكتوب عليها‬ ‫اســم الموقع‪ ،‬ومــا يميزه‪ ،‬ومقدار ارتفاعه‬ ‫فــوق سطح الــبــحــر‪ ،‬اللــتــقــاط الــصــور لهم‬ ‫وأعضاء مجموعتهم‪ ،‬ثم بعد ذلــك للمكان‬ ‫عموما‪ ،‬ولــشــروق الشمس‪ ،‬وكــتــل الجليد‬ ‫والغيوم السابحة تحتهم‪ ،‬بينما االبتسامات‬ ‫تمأل الوجوه‪ ،‬وشعارات االنتصار بمختلف‬ ‫شعور منهم‬ ‫ٍ‬ ‫أشكالها ترتفع في كل مكان‪ ،‬بغير‬ ‫اكتراث بشديد‬ ‫ٍ‬ ‫بالبرد الذي يلفهم(‪ ،)١٩‬وبال‬ ‫اإلعياء الذي كان يُثقل كاهل كثير منهم‪ .‬ولو‬ ‫نظرت إلى صورتنا أمام لوحة اوهورو ساعة‬ ‫وصولنا لها‪ ،‬لما تمكنت من التعرف على‬ ‫عضو مجموعتنا الذي اختل بصره‪ ،‬واشتد‬ ‫إعياؤه‪ ،‬وكان بين الفينة واألخرى يبدو في‬ ‫ٌ‬ ‫غيبة من الوعي وهو‬ ‫واقف على قدميه(‪.)٢٠‬‬

‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫على مواجهة التحديات‪ ،‬فتذوقنا بعضاً من‬ ‫صنوف الحرية المنشودة‪.‬‬

‫الختام‪ :‬نوع من ذروة الوئام‬ ‫أجــزم أن بعض قــراء هــذه السطور‪ ،‬أو‬ ‫ربما جلّهم‪ ،‬ما زال يعجب بالرغم من كل‬ ‫ما قلته فيما تقدم‪ ،‬من تجشمنا‪-‬واآلخرين‬ ‫مثلنا‪ -‬المشقة الجسيمة لمجرد صعود قمة‬ ‫هذا الجبل‪ .‬وقد يعجب أكثر عندما أبلغهم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪15‬‬


‫المنظر من مخيم كوسوفو‬

‫وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود‬ ‫هل اتخذتَ الغاب مثلي​منزال دون القصور‬ ‫وتتبعت السواقي وتسلقت الصخور؟‬ ‫هل تحمّ مت بعطرٍ وتنشفّ ت بنور‬ ‫كؤوس من أثير؟‬ ‫ٍ‬ ‫وشربت الفجر خمر ًا في‬ ‫أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود‬ ‫وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود‬ ‫هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب‬ ‫والعناقيد تدلت​ كثريّات الذهب؟​‬ ‫وتلحفت الفضاء‬ ‫هل فرشت العشب لي ًال ّ‬ ‫زاهد ًا فيما سيأتي ناسي ًا ما قد مضى؟‬ ‫أعطني الناي وغني فالغنا عدل القلوب‬ ‫وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب‬ ‫وانس داءً ودواء​‬ ‫َ‬ ‫أعطني الناي وغني‬ ‫إنما الناس سطو ٌر كتبت لكن بماء‬

‫أن صاعداً آخــر التقيته‪ ،‬وتبادلت أطــراف‬ ‫الحديث معه‪ ،‬بعد تجاوزي نقطة ستيال وقبل‬ ‫وصولي القمة بدقائق‪ ،‬ذكر لي بأنه كان قد‬ ‫استقال من عمله‪ ،‬بعد أن تعذر حصوله على‬ ‫إجازة طلبها من رئيسه‪ ،‬حتى يحقق مطلبه‬ ‫في اعتالء قمة كليمنجارو‪ ،‬التي طالما تطلّع‬ ‫لصعودها‪ .‬وقــد قــال أبــو فــراس الحمداني‬ ‫«وللناس فيما يعشقون مذاهب»‪ .‬إنما لعل‬ ‫ما قاله صاعد الجبال اإلنجليزي المشهور‬ ‫جورج هيربرت لي ميلوري‪ ،‬هو أبلغ ما يمكن‬ ‫وكان لفيروز أن تضيف األبيات التالية من‬ ‫تقديمه للقارئ من بيان في هــذا الشأن‪.‬‬ ‫كلمات جبران‪ ،‬ألغنيتها‪:‬‬ ‫فعندما سُ ئل جورج هيربرت عن سبب تجشمه‬ ‫المخاطر لصعود جبل إفرست‪ ،‬أجاب قائ ً‬ ‫نفع في اجتماعٍ وزحام‬ ‫ال ليت شعري أي ٍ‬ ‫«ألنه هناك» (‪.)٢١()Because it is there‬‬ ‫واحتجاج وخصام؟‬ ‫ٍ‬ ‫وضجيج‬ ‫ٍ‬ ‫وجدال‬ ‫ٍ‬ ‫وفي رسالة كتبها جورج هيربرت لزوجته‪ ،‬كلها أنفاق ُخ ٍلد وخيوط العنكبوت‬ ‫قال واصفاً شعوره في مثل هذه المواقف‪ :‬فالذي يحيا بعجزٍ فهو في بطءٍ يموت‬ ‫«يــصــل الــمــرء لــمــرحــلــة مــبــاركــة الــجــرداء‬ ‫المطلقة‪ ،‬شعوراً منه بأن هناك جماالً بحتاً‬ ‫و«ال عطر بعد عروس»‪.‬‬ ‫للشكل‪ ،‬نو ٌع من ذروة الوئام»(‪.)٢٢‬‬ ‫وأخــيــراً وليس بــآخـ ٍـر‪ ،‬أقــدم للقارئ ما‬ ‫انتقته فيروز وغنّته من كلمات جبران خليل‬ ‫جبران في قصيدة المواكب‪ ،‬وهي ما أجمعت‬ ‫مجموعتنا على عـدّهــا األغنية الرسمية‬ ‫لرحلتنا‪ ،‬والكاشفة لبعض ما أوحى به جورج‬ ‫هيربرت في رسالته لزوجته‪:‬‬

‫أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود‬ ‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫(‪ )١‬‬ ‫(‪ )٢‬‬ ‫(‪ )٣‬‬ ‫(‪ )٤‬‬

‫(‪) ٥‬‬ ‫(‪ )٦‬‬ ‫(‪ )٧‬‬ ‫(‪ )٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪) ١٠‬‬ ‫(‪ )١١‬‬

‫كتبت هذه المقالة للنشر في الجوبة؛ استجابة القتراح تلقيته شاكراً من د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‪ ،‬رئيس‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫بلغ عدد زوار منتزه تنزانيا الوطني‪ ،‬حيث يقع جبل كليمنجارو‪ 57.456 ،‬زائراً في سنة تنزانيا المالية ‪-2011‬‬ ‫‪ ،2012‬منهم ‪ 16.425‬صعدوا الجبل‪ .‬ويقال إن أول من صعد كليمنجارو من غير أهله غربيان اثنان‪ ،‬هما‪ :‬هانز‬ ‫ماير‪ ،‬ولودويق بورتشلر‪ ،‬في سنة ‪1889‬م‪https://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_ .‬‬ ‫‪.Kilimanjaro‬‬ ‫‪./https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts‬‬ ‫د‪ .‬برنارد هيكل‪ ،‬أستاذ دراسات الشرق األدنى في جامعة برنستون األمريكية‪ ،‬واالستاذ نبيل بن عثمان الخويطر‪،‬‬ ‫مستشار وزير الطاقة‪ ،‬والصناعة والثروة المعدنية السعودي‪ ،‬وعبدالرحمن بن زياد السديري‪ ،‬مستشار في شركة‬ ‫بليديوم العالمية‪ ،‬وخالد بن زياد السديري‪ ،‬حديث التخرج من جامعة ويتون األمريكية‪ ،‬متخصص في التصوير‪،‬‬ ‫وصناعة األفالم الوثائقية‪ ،‬وإسكندر هيكل‪ ،‬طالب الفلسفة في جامعة برنستون‪ .‬وقد جمعتني بالدكتور برنارد‬ ‫هيكل ونبيل الخويطر وأصدقاء آخرين لم يشاركونا في الرحلة إلى كليمنجارو‪ ،‬رحالت أخرى كثيرة‪ ،‬وجمعتني‬ ‫باألبناء‪ ،‬ومنهم طارق وجواهر وسارة‪ ،‬ووالدتهم منيرة بنت خالد السديري‪ ،‬الذين لم يشاركونا في هذا المناسبة‪،‬‬ ‫رحالت ومشروعات ثقافية واستطالعية‪ ،‬وتعلمية عديدة‪ ،‬اشتركنا بها منذ نعومة أظفار األبناء‪.‬‬ ‫انظر المصدر في الهامش رقم ‪.3‬‬ ‫إفرست في آسيا (‪ 8848‬متراً)‪ ،‬أكونكاجوا في جنوب أميركا (‪ 6.961‬متراً)‪ ،‬ماكنلي في شمال أمريكا (‪6.194‬‬ ‫متراً)‪ ،‬كليمنجارو في إفريقيا (‪ 5.895‬متراً)‪ ،‬البروس في أوروبا (‪ 5.642‬متراً) فينسون في القطب الجنوبي‬ ‫(‪ 4.892‬متراً)‪ ،‬كوسيوسكو في استراليا (‪ .)2.228‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪.https://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_Kilimanjaro‬‬ ‫يقول البعض إن كليمنجارو اسم مركب من كلمتين سواحيليتين‪« ،‬كلي» تعني جبل‪ ،‬و»نجارو» تعني «البياض» وهو‬ ‫ما قد يرمز للجليد في أعلى الجبل‪ .‬ويقول آخرون إن كليمنجارو هو اللفظ األوروبي لكلمة في لغة (كي شاجا)‬ ‫«عجزنا عن صعوده»‪ ،‬أي الجبل‪.‬‬ ‫تعني ِ‬ ‫‪.https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts/#summit-success-rates‬‬ ‫انظر المصدر المذكور في الهامش رقم ‪.3‬‬ ‫أنصح الراغب بخوض مثل هذه التجربة الذي يحسن اللغة اإلنجليزية قراءة الكتابين المذكورين فيما يلي‪ ،‬اللذين‬ ‫يتضمنان معلومات مفيدة جداً لحسن اإلعداد للرحلة‪ ،‬والعلم بتكاليفها‪ ،‬والوكاالت التي يمكن أن تتولى تنظيمها‪،‬‬ ‫وتفاصيل أخرى عنها‪.‬‬

‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪The Trekking Guide to Africa›s Highest Mountain by Henry Stedman‬‬ ‫‪Kilimanjaro & Mount Kenya: a climbing and Trekking Guide by Cameron M Burns‬‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫(‪ ) ١٢‬اختار عبدالرحمن وكالة رحالة‪.‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬

‫ ‬

‫(‪ )١٤‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬ ‫(‪ )١٦‬‬

‫(‪ )١٧‬‬ ‫(‪ )١٨‬‬ ‫(‪ )١٩‬‬ ‫(‪ )٢٠‬‬ ‫(‪ )٢١‬‬ ‫ ‬

‫(‪ )٢٢‬‬

‫‪https://en.wikipedia.org/wiki/Arusha‬‬ ‫‪/https://www.jacobinmag.com/2015/12/julius-nyerere-tanzania-socialism-ccm-ukawa‬‬

‫علمت بوجود سبعة دروب لصعود كليمنجارو هي ماشامي‪ ،‬ولموشو‪ ،‬وشيرا‪ ،‬وامبوي‪ ،‬ومويكا‪ ،‬ومرانجوا‪،‬‬ ‫ورونجاي‪ .‬وتختلف الدروب السبعة في تضاريسها‪ ،‬ومدة صعودها‪ ،‬وصعوبة مسلكها‪.‬‬ ‫كل منا يحمل معه في كل يوم بعضاً من تمر الونان‪ ،‬المفضل من قبل الجميع‪ ،‬والشكوالتة‪ ،‬ومثلها‪ .‬وكان‬ ‫كان ٍ‬ ‫إسكندر يحمل معه أقراصاً تحتوي على مادة األلكترواليت‪ ،‬تعوض ما يفقده الجسم من هذه المادة المساعدة‬ ‫وقت وآخر أثناء المسير‪.‬‬ ‫في تجنب الجفاف‪ ،‬وكان إسكندر ال يبخل بتوزيع األقراص على رفاقه بين كل ٍ‬ ‫تقول أغنيتهم األكثر ترديداً من قبلهم‪:‬‬ ‫‪ Jumbo, Jumbo Buana‬مرحبا‪ ،‬مرحباً أيها السيد‬ ‫‪ Habari Gani, Nizori Sana‬كيف حالك‪ ،‬أنا بخير‬ ‫‪ Wagani, Tawagari Bishua‬أيها الضيف‪ ،‬أنت موقر‬ ‫‪ Kilimanjaro, Akuna Matata‬ال تتوجس في كليمنجارو‬ ‫‪ Tempea, Poli, Poli, Akuna Matata‬نحن نسير ببطء‪ ،‬ال تتوجس‬ ‫من هؤالء تنزانيٌ مسلم اسمه زبير‪ ،‬ال يحسن اللغة اإلنجليزية كثيراً‪ ،‬فكان جوابه المفضل ألسئلتنا الكثيرة هو‬ ‫«األمر يعتمد» (‪.)it depends‬‬ ‫طلب عميد رحلتنا‪ ،‬االبن عبدالرحمن‪ ،‬أن توفر رحالة وسيلة لالستحمام‪ ،‬وكان كثيرنا يفيد من هذه الخدمة‬ ‫بمجرد وصولنا المخيم‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬ورغم أنه يتوفر في كل مكان معد لمخيمات الــزوار دورات مياه‬ ‫عامة الستعمال المقيمين في المخيمات‪ ،‬إال أن مجموعتنا كانت تفيد من دورات مياه خاصة بنا ينقلها الفريق‬ ‫المصاحب معنا‪ .‬وهذه خدمة توفرها كثير من الوكاالت مثل رحالة‪.‬‬ ‫درجات تحت الصفر أو أقل من ذلك وقت وصولنا لها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قدر جيمز ماتو درجة الحرارة في اوهورو بعشر‬ ‫تلقى زميلنا قسطاً من األكسجين بعد شكواه من األعراض المذكورة‪ ،‬فشعر ببدء تحسن حاله في حينه وزالت‬ ‫عنه كل األعراض في اليوم التالي بعد وصولنا أسفل الجبل‪.‬‬ ‫شارك جورج ميلوري في أول ثالث محاوالت العتالء جبل إفرست في مطلع العقد الثالث من القرن العشرين‪،‬‬ ‫ولقى حتفه في المحاولة الثالثة سنة ‪1924‬م‪ ،‬وعثر على جثته متجمدة في كتلة جليدية في ‪ 1‬حزيران‪ ،‬سنة‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬ومن غير المعروف ما إذا كانت وفاته قد وقعت قبل تمكنه من اعتالء قمة افرست‪ ،‬أم بعد إتمامها‪.‬‬ ‫‪.https://en.wikiquote.org/wiki/George_Mallory‬‬ ‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪17‬‬


‫بالغة الخطاب الروائي‬ ‫في روايات محمد حسن علوان‬ ‫‪ρρ‬هويدا صالح ‪ -‬مصر‬

‫كاتب سعودي شاب‪ ،‬بدأ شاعرا‪ ،‬وكاتبا للقصة القصيرة والمقاالت الصحفية‪،‬‬ ‫ثم انتقل سريعا إلى كتابة الرواية‪ ،‬ليقدم للمدونة الروائية العربية خمس روايات‬ ‫هــي بترتيب الـصــدور‪ :‬سقف الكفاية (‪2002‬م)‪ ،‬صوفيا (‪2004‬م)‪ ،‬طــوق الطهارة‬ ‫(‪2007‬م)‪ ،‬القندس (‪2011‬م)‪ ،‬موت صغير (‪2016‬م)‪ .‬كما له كتاب بعنوان‪« :‬الرحيل‪،‬‬ ‫نظرياته والعوامل المؤثرة فيه» وهو دراسة ‪ ‬شاملة في دوافع الرحيل أو ما يُعرف‬ ‫بالهجرة والسفر‪ ،‬موضح ًا آثار هذا الرحيل من الزوايا البحثية في علوم االجتماع‬ ‫واالقتصاد والنفس والجغرافيا والسياسة‪.‬‬ ‫تنوّعت العوالم السردية لرواياته‪ ،‬لكن تظل موضوعة «الحب» و«شعرية العالم‬ ‫وبالغة اللغة» قواسم مشتركة بين هــذه الــروايــات‪ .‬وصلت روايته «القندس» إلى‬ ‫القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية‪ ،‬كما اخـتــارت مؤسسة خــان الغارديير‬ ‫باريس رواية القندس لتفوز بجائزة أفضل رواية عربية لعام ‪2015‬م‪ .‬وأخيرا وصلت‬ ‫روايته األخيرة «موت صغير» إلى الفوز بجائزة البوكر العربية؛ لذا‪ ،‬فتحت «الجوبة»‬ ‫ملف العوالم السردية والجمالية لمشروع محمد حسن علوان الروائي‪ ،‬واستكتبت‬ ‫نقادا من المملكة العربية السعودية‪ ،‬وبعض الدول العربية‪ ،‬ليقاربوا عوالم هذا‬ ‫الروائي السعودي الذي وضع الرواية السعودية في بؤرة االهتمام النقدي مؤخراً‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬د‪ .‬مصطفى عمر توفيق ـ مصر‬

‫إن التفسير االجــتــمــاعــي لـــأدب أحــد ابن األســرة الميسورة الحال ‪-‬الــذي يعاني‬ ‫المناهج النقدية التي يفيد منها الناقد في عالقته بأبيه وأمه‪ -‬يرحل إلى أمريكا‪،‬‬ ‫لمعرفة ما وراء النص من خطابات‪ .‬ورسالة ويظل هناك عشرين عــامــا‪ ،‬يعود خاللها‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الخطاب السوسيولوجي في رواية القندس‬

‫األديــب‪ ،‬رسالة مزدوجة؛ فمن جهة‪ ،‬ننتظر عبر الفالش باك‪ ،‬مسترجعا التاريخ السري‬

‫منه أن يكون لسان الطبقة الكادحة؛ ومن جهة ألسرته‪ ،‬ألبيه وأمه وإخوته‪ ،‬لمعاناة طفولته؛‬ ‫ثانية‪ ،‬ينبغي له أن يعمق االتجاه العقائدي وألنه يعمد إلى النقد االجتماعي‪ ،‬فيبحث‬ ‫ال ــذي تعتنقه وتسير عليه هــذه الطبقة‪ .‬عــن مــعــادل موضوعي ألســرتــه التي تتأزم‬ ‫والنقد السوسيولوحي يدعو إلى أن يكون عالقته بها طــوال الــوقــت‪ ،‬فال يجد سوى‬ ‫المثقف ملتزما بقضايا وطنه‪ ،‬الذي يحاول حيوان القندس ليتخذه استعارة لهم‪ ،‬فهم‬ ‫أن يكشف المسكوت عنه في هذا الوطن‪ ،‬يشبهونه وهو يشبههم في قبحهم الداخلي‪،‬‬

‫ويستجلي قضاياه‪ ،‬عبر استجالء قضايا الذي يراه السارد بضمير األنا‪.‬‬ ‫اإلنسان الفرد في محيطه االجتماعي‪.‬‬ ‫حين يرى السارد القندس في أمريكا‪ ،‬يرى‬ ‫إن النقد السوسيولوجي المعاصر على الناس متعلقة بهذا الحيوان‪ ،‬بل تقام باسمه‬ ‫اخــتــاف مــدارســه ومــذاهــب نــقــاده‪ ،‬حــاول المهرجانات‪ ،‬كان األشهر في بورتالند‪ .‬راح‬ ‫أن يــؤســس جمالية تــقــوم على المضمون غالب يتأمل هذا القندس‪ ،‬ويحيل كل صفاته‬

‫االجتماعي للعمل األدبي؛ إذاً‪ ،‬فثمرة اختيار الحيوانية على عائلته‪ ،‬رآهم جميعاً قنادس‪!..‬‬ ‫األديب لعناصر فنية من الواقع االجتماعي وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم من خالل‬

‫هو ليس اختيارا تعسفيا أو عفويا‪ ،‬وإنما هو القندس‪ ،‬تأملت سنيّه البارزتين اللتين اكتستا‬ ‫اختيار يوجهه فكر األديب وشعوره‪ ،‬كما أنه لوناً برتقالياً شاحباً من فرط ما قضم من‬

‫اختيار مــزوًد بتجارب هذا األديــب وخبرته لحاء البلوط والصفصاف‪ ،‬فذكّرني لوهلة‬ ‫عن المجتمع والحياة‪.‬‬ ‫بما كانت عليه أسنان أختي نورة‪ ..‬أما ردفه‬ ‫في رواية «القندس» لمحمد حسن علوان السمين فذكرني بأختي بدرية‪ ..‬وعندما رفع‬ ‫حــاول عبر حكايات األف ــراد‪ ،‬إظهار غالب إليّ عينيه الكلَّتَين‪ ،‬محاوالً أن يقرأ مالمحي‬ ‫وأســرتــه وعالقاتهم االجتماعية‪ ،‬فغالب ونواياي بدا مثل أمي‪ ..‬انتزع التمرة من يدي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪19‬‬


‫مع ناصر بطل سقف الكفاية‪ ،‬حيث نمت‬

‫بذرة الحب مع مها من خالل لقاءات سرية‬ ‫جمعتهما)‪ ،‬لكن لم يكتب لهذا الحب أن يتوّج‬

‫بـارتباط مقدّس ألسباب قبلية‪« ،‬كــان رأي‬ ‫أبــي معلوماً لي قبل أن أضطر لمفاتحته‪،‬‬

‫تماماً مثلما تعلم هي مسبقاً رأي أبيها‪ .‬كل‬ ‫من العائلتين كانت تتعالى على األخرى مما‬ ‫جعل المعادلة أصعب فعزفنا عن حلها قبل‬

‫أن نحاول»‪.‬‬

‫في سقف الكفاية كانت األســبــاب غير‬

‫واضــحــة؛ فمها التي كانت قد خطبت في‬

‫كما ينتزع أبي ثمار الحياة انتزاعاً! قبض وقــت ســابــق للقائها مــع نــاصــر كــان يمكن‬ ‫عليها بيد شحيحة‪ ،‬ذكرتني بيد أخي سلمان لها أن ترفض الخطوبة‪ ،‬لكنها لــم تفعل‪،‬‬

‫عندما تقبض على المال‪.»..‬‬

‫الخطاب االجتماعي في القندس‬ ‫غالب يعاني من هزيمة اجتماعية من‬ ‫خالل عالقته بأسرته‪ ،‬وهزيمة عاطفية من‬ ‫خالل عالقته بغادة‪ ،‬الفتاة التي التقى بها‬ ‫في جدة‪« ‬علقت غادة بصنارتي التي رميتها‬ ‫بال مباالة في أحد شبابيك جدة‪ ،‬ولم أعوّل‬ ‫عليها أن تعود بشيء‪ .‬لكن الذي يعرف جدة‬ ‫يعرف أنه عندما يكون الموسم ربيعاً يلقي‬ ‫البحر على المدينة أطناناً من اللقاح الذي‬ ‫يتنفسه الناس وال يرونه‪ .‬يصبح الحب حالة‬ ‫عامة والشوارع مليئة بالقلوب الخصبة»‪.‬‬

‫وكأن الكاتب أراد أن يضع بطله في موقف‬ ‫تراجيدي‪ ،‬ليصنع له مأساته الكبرى حتى‬

‫يبرر هذه الرواية االسترجاعية المونولوجية‪.‬‬ ‫وكذلك فعل غالب وغادة‪ ،‬لم يدافعا عن‬

‫حبهما‪ ،‬فقد ‪ ‬تزوجت غادة سفيراً‪ ،‬وغادرت‬

‫عشقها األول ليأخذها الغياب سنة كاملة قبل‬ ‫أن تعود لتسترد مكانها الشاغر دائماً‪ ..‬كانت‬ ‫غادة عاشقة مثالية لفتى صاخب‪ ،‬ولكنه لن‬

‫يتزوجها مطلقاً كما تقول القبيلة التي في‬ ‫دمه‪ ،‬وكنت عاشقاً لحوحاً لفتاة حرة‪ ..‬ولكنها‬

‫لن تتزوجه أيضا كما تقول المدينة في دمها‪.‬‬

‫هــكــذا تركنا القصة مفتوحة دون تدوين‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬حتى إذا اضــطــرم الحب بيننا‬

‫‪ ‬توثقت عالقتهما مــن خــال اللقاءات رمينا باللوم على األباء‪ ،‬وشتمت هي جنوبي‬

‫‪20‬‬

‫السرية ونــمــت ب ــذرة الــحــب (مثلما حدث المتخلف وشتمت أنا حجازها المتحذلق‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫كتلك التي نعيشها اليوم‪ ،‬تذكّرنا معاً أنها احتفظت بها في صندوق مخملي في أقصى‬ ‫ربما جاءت أبهت‪ ،‬لو كنا تزوّجنا فعال»‪.‬‬

‫القلب كانت مزيّفة‪ ،‬وال تستحق سوى ثمن‬

‫إذاً‪ ،‬يحاول الكاتب أن يكشف المسكوت بخس من النزوات الطارئة»‪ .‬هل كان اللقاء‬ ‫عنه في حياة مجتمع قبلي‪ ،‬يخضع أفراده والعيش تحت سقف واحد اختباراً حقيقياً‬ ‫في مصائرهم ومقدراتهم لسلطة القبيلة‪ ،‬لــوهــج الــحــب ولــواعــجــه؟ هــل هــو خطاب‬ ‫فرغم أن العالقة الغرامية المشبوبة بنار تفكيكي لمشروع المؤسسة الزوجية التي‬ ‫الــعــشــق تستمر حــتــى يــصــل كــاهــمــا لسن يراها السارد أنها تقتل الحب؟! إن الحبيبة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أما إذا خفت الحب وتحوّل إلى عالقة باهتة األلــم والــراحــة أن الجوهرة الصغيرة التي‬

‫األربعين؛ يلتقيان بين زمن وآخــر في مدن الهاربة إليه من فشل المؤسسة الزوجية‬ ‫مختلفة من العالم‪ ،‬وبينما تعيش غادة حياتها تجابه بالفشل ذاته حينما تعيش مع حبيبها‬

‫وتربّي أطفالها‪ ،‬يظل غالب سجين نفسه‪ ،‬تحت سقف واح ــد‪ ،‬وكــأن هــذا الــوقــت هو‬ ‫يتمرد أكثر‪ ..‬فيقرر أن يعتزل في «بورتالند» اختبار لمدى صالبة الحب وصمود الشغف‬

‫بالقرب من نهر «ويالمت»‪ ،‬يفني أيامه بين في وجه ما هو عادي ويومي «بالتأكيد كنت‬ ‫تعلّم صيد السمك والتصعلك في الحانات‪ ،‬أحبها ولكني لم أكن أعرف نوع هذا الحب‪.‬‬

‫ثم العودة لشقته المستأجرة‪ ،‬من هناك‪ ..‬أعتقد أني مارست معها نصف أنواعه على‬ ‫يظل يتواصل معها هاتفيا‪ ،‬إلى أن تفاجئه األقل‪ .‬أحببتها باستخفاف في البداية ألني‬ ‫بقرار زيارتها لمحل إقامته لتدبّر شؤون كنت أظنها سهلة المنال بسبب استجابتها‬ ‫دراس ــة ابنها‪ ،‬لكنها وبسبب خــاف يدب السريعة‪ .‬فكرت في البداية أن بنات جدة‬ ‫مع زوجها‪ ،‬تقرر البقاء في بورتالند لحين كلهن كذلك‪ ،‬ولكن عشرين سنة من الدوران‬

‫يرضخ زوجها لمطالبها‪ ،‬فتسكن شقة غالب حولها مثل أطواق زحل تبخرت هذه الفكرة‬ ‫فترة قبل أن تعود إلى زوجها‪ ،‬لكن خالل هذه تماماً‪.»..‬‬ ‫الفترة التي يجرّب فيها غالب العيش مع أحد‬

‫نقد سوسيولوجي آخــر وتفكيك للوعي‬

‫آخــر‪ ،‬يكتشف أن األمــر برمته كــان نــزوات الذكوري تجاه المرأة‪ ،‬فالمرأة التي أحبت‬ ‫طارئة‪« ‬الحقيقة التي كشفها استيقاظنا معاً ومنحت حبيبها ما يتوقع منها أن تمنحه‬ ‫في الصباح على أمزجة متناقضة وصمتنا جعله يفسر ذلك على أنها رخيصة وسهلة‬ ‫الطويل في المساء أمام برنامج تلفزيوني‪ ،‬المنال‪ ،‬وهذا فكر ذكوري ينظر إلى النساء‬ ‫هي أن عالقتنا برمتها لم تكن أكثر من صدفة بدونية‪ ،‬ويختصر الــشــرف فيما يمكن أن‬ ‫غير متقنة‪ .‬اآلن اكتشفت بشعور مختلط بين يطلق عليه التمنّع خوفا من نظرة المجتمع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪21‬‬


‫لم يقف الكاتب عند الخطاب الذكوري وفيما بينهم وبين اآلخرين‪ .‬لكن غالب أيضا‬ ‫وتهميش المرأة‪ ،‬كما لم يقف عند العالقات لم يكن فاعال في تلك األسرة التي أراد أن‬ ‫األسرية المرتبكة والمربكة التي تربط السارد يعرّي عالقاتها االجتماعية‪« :‬وخرجت إلى‬ ‫بأسرته‪ ،‬باألب واألم واألخوة وحتى الجد‪ ،‬بل سيارتي‪ ،‬وأنــا أفكر كيف يتعامل اهلل مع‬ ‫حاول أن يكشف المسكوت عنه في قضايا‬ ‫الدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي‬ ‫اجتماعية عــديــدة وشائكة مثل «الكفالة»‬ ‫عــلــيّ ‪ ،‬منذ ســت وأربعين سنة حتى اآلن؟‬ ‫و«العمالة»؛ فأبطاله تائهون بين قيم المجتمع‬ ‫أتــراه يمهلني أم يهملهما؟ لكنه لم يتعلم‬ ‫المحافظ ومجتمع الوفرة النفطية‪ ،‬والحداثة‬ ‫من القندس‪ ،‬فلم يبن ســدودا أو مسارب‪،‬‬ ‫المصطنعة التي لم تصبغ تصرفات الناس‪،‬‬ ‫بل واصــل الهرب‪ ،‬ال يحل في مكان واحد‬ ‫إنما كانت الحداثة مجرد شكليات يستفيد‬ ‫من منتجها أفراد المجتمع‪ ،‬ولم تتغلل إلى بنية فترة طويلة‪ ،‬يهرب من مجتمع ينتقد سياسته‬ ‫وعيهم وتفكيرهم‪ ،‬فجميعهم مثل القندس‪ ..‬وهويته‪ ،‬وينتصر لهوية أخرى‪ ،‬هوية اآلخر‬ ‫الحيوان النهري الذي يحفر األنفاق ويبني الغربي حيث فارق الرياض ليعيش في مدينة‬ ‫السدود؛ وكذلك غالب وأسرته؛ فكل أفراد أمريكية (بورتالند) ولم يقم بدوره أخاً أكبر‬

‫األسرة يحفرون ويبنون سدودا‪ ،‬لكن القندس فــي تلك األســـرة‪ ،‬الــتــي يــحــاول أن يعريها‬ ‫يحفر أنــفــاقــه لتكون مــســارب لــه ومــهــارب ويكشفها للقارئ كي يتعاطف مع مأساته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫خطر ما قد يداهمه‪ .‬لكن تلك األسرة وأنــه نتاج طبيعي لهذا التفكك األســري‪،‬‬

‫التي لم تشتتها خطوب وال حوادث كبرى‪ ..‬تخلّت عنه أمــه فــور والدتــه‪ ،‬وتركت البيت‬ ‫ما الذي دفعها لتقيم تلك السدود النفسية‬ ‫لتتزوج آخــر‪ ،‬وانشغل عنه وال ــده بزوجته‬ ‫بين أفرادها؟ هنا نتساءل عن مدى نجاعة‬ ‫وأوالده وتــجــارتــه؛ فــصــار تجليا واضــحــا‬ ‫االستعارة التي وظّ فها الكاتب‪ ،‬وهل قدّم لنا‬ ‫للتفكك األسري‪ ،‬وانقاد خلف عالقات شاذة!‬ ‫المبررات السردية والفنية لذلك التشتت‬ ‫إنَّ رهـــان ال ــرواي ــة الحقيقي هــو ذلــك‬ ‫والتمزق االجتماعي؟! فليس بالضرورة كل‬ ‫من حدثت له طفرة نفطية أو أصاب غنى ما‪ ،‬الخطاب السوسيولوجي الذي ينتقد المجتمع‬ ‫أن تتفكك أسرته‪ ،‬مثلما حدث ألسرة «غالب» وينتقد بنيته الذهنية وآليات إنتاج الخطاب‬

‫بطل القندس‪.‬‬

‫فيه‪ .‬رواية تحاول أن تتحسس خطاها‪ ،‬وهي‬

‫يتهم «غالب» عائلته أنها مثل القندس تخطو نحو كشف المسكوت عنه في هذا‬

‫‪22‬‬

‫الذي يقيم السدود والدهاليز بينهم وبينه‪ ،‬المجتمع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬د‪ .‬إكرامي فتحي ‪ -‬مصر‬

‫ٍ‬ ‫لكل‬ ‫عمل فنيٍّ جمالياتُه الخاصة التي صرَّح بعدم جودتها‪ ،‬لكن ما لم يختلف عليه‬

‫يتميز بها‪ ،‬والتي تمنحه صفة «الفنية» في كل هــؤالء هو تميُّز لغتها؛ فكثرت عبارات‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬وتظل هذه «الجماليات» هي اإلشادة بهذه اللغة التي خرجت بها الرواية‪،‬‬

‫المقصد األسمى الذي يسعى إليه الناقد؛ دون تحديد َم ْكمَن الجمال‪ ،‬الذي يمكن رؤيته‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫رواية (صوفيا)‪ :‬بين جمالية اللغة وثنائياتها الضدية‬

‫س ــواء أحــس بها الــقــارئ الــعــادي وأدركــهــا «صوتًا منفردًا» لهذا العمل؛ ومن ثم يعمل‬ ‫المتلقي الــعــام أم ال‪ .‬وتـــزداد أهمية تلك هذا المقال على الكشف عن جانب منه‪ ،‬ال‬

‫الجماليات «الخاصة» عندما تكون الصوتَ‬

‫سيما مع يقيني بمفارقة نقدية يختص به‬

‫التي يشترك فيها هذا العمل مع غيره‪.‬‬

‫بتلك اللغة(‪.)٣‬‬

‫المنفرد للعمل الفني؛ ومن ثم تصبح جدير ًة السرد العربي الحديث‪ ،‬وهي شدة أهمية‬ ‫بالعناية النقدية‪ ،‬دون غيرها من الظواهر لغته‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬قلة العناية النقدية‬ ‫ولعل روايــة «صوفيا» للكاتب السعودي‬

‫«محمد حسن علوان»‪ ،‬الحائز مؤخرًا على‬

‫جائزة البوكر للرواية العربية ‪2017‬م‪ -‬مثا ٌل‬

‫وعلى جانب آخر‪ ،‬ثمة ظاهرة ملفتة في‬

‫هذه الرواية‪ ،‬وهي «الثنائيات الضدية» ‪Binary‬‬

‫واضح على امتالك «الصوت المنفرد للعمل‬

‫الفني»‪ ،‬رغــم تبايُن آراء الــقــراء‬

‫(‪)١‬‬

‫والنقاد‬

‫إزاءها(‪ ،)٢‬فبعضهم قرر أنها «تقدم لنا عالقة‬

‫إنسانية فريدة بأسلوب أكثر تفردًا‪ ،‬بعض‬ ‫أجــزاء العمل ضاربة فى العمق اإلنسانى‬

‫بطريقة مقلقة ومؤلمة»‪ .‬بينما أكد آخرون‬ ‫أنها «انهيار سردي مفجع»‪ ،‬وأن «الرواية قد‬ ‫سقطت في فخ الترهل الوصفي»‪.‬‬

‫ومبعث هــذا التباين فــي رأي ــي أن كل‬

‫هــؤالء بحثوا عن نموذج مسبق في الذهن‬

‫المتلقِّي داخل هذا العمل‪ ،‬فمن وجد ذلك‬ ‫أكد أن الرواية رائعة‪ ،‬ومن وجد غير ذلك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪23‬‬


‫‪ ،Oppositions‬تلك التي تعد إحدى مرتكزات بتصوير مالئكي لوفاة صوفيا‪ ،‬ثم محلال‬

‫النقد البنيوي‪ ،‬والتي تمثل آلي ًة مهمة من شخصيته المصابة بــداء الملل النفسي‪،‬‬ ‫اآلليات اإلجرائية لمقاربة النصوص األدبية ومستعيدًا األحــداث التي م ّر بها مع فتاته‬

‫في ذلك الخطاب النقدي؛ فهذه «الثنائية طــوال نحو شهرين‪ ،‬دارت كلها حول حدث‬ ‫وسيلة تصنيفية تجعل الفهم ممكنًا» كما واحد‪ ،‬هو انتظار الموت‪ ،‬لكن عبر رؤيتين‬

‫يقول رافيندران سانكاران(‪ ،)٤‬وذلك من خالل متباينتين لكل من معتز وصوفيا‪.‬‬ ‫إيصال الفكرة التي يــروم المبدع إيصالَها‬

‫من هنا‪ ،‬تعدَّ دت في الرواية تلك الثنائيات‬

‫للمتلقي؛ في ضوء ذلك ذهبت البنيوية إلى الــضــديــة‪ ،‬وف ــي مقدمتها‪ :‬األنـــا واآلخـــر‪،‬‬ ‫اعتماد اإلطار الثنائي واالرتكاز عليه أساسً ا اللذين تجسدا من خالل شخصيتَيْ «معتز»‬ ‫قويًا إلقامة مجمل دراساتها‪.‬‬

‫و«صــوفــيــا»‪ ،‬وعــبــرهــمــا تــوالــت الثنائيات‬

‫وهذه الثنائيات إحدى النواميس العامة األخرى‪ :‬الحياة والموت‪ ،‬الرياض وبيروت‪.‬‬ ‫ولتكثيف الــرؤيــة‪ ،‬يمكن النظر إلــى تلك‬ ‫التي تحكم الحياةَ اإلنسانية؛ ومن ثم كان‬ ‫الثنائيات من خالل ما تميز به هذا العمل‬ ‫حضورها المتجذِّر في اإلبداع البشري‪ ،‬الذي‬ ‫«جمالية لــغــويـ ٍـة» كانت أحد‬ ‫ٍ‬ ‫الــســردي مــن‬ ‫يعد رؤية للحياة والوجود‪ ،‬لم يكن هذا فقط‬ ‫جوانب «صوت الرواية المنفرد»‪ ،‬وفي مقدمة‬ ‫دافعي التخاذ تلك الثنائيات منطلقًا لتناول‬ ‫تلك «الجمالية» برز النسيج التشبيهي؛ ليس‬ ‫جانب من جمالية اللغة في رواية «صوفيا»؛‬ ‫بوصفه أداة أسلوبية بعيدة كل البعد عن‬ ‫فإضافة لكل ما سبق‪ ،‬نجد أن تلك الظاهرة‬ ‫الــروايــة نوع ّيًا ‪ -‬فالتشبيه ارتبط بالشعر‬ ‫قد امتلكت «قــوةَ الحضور» في هذا النص‬ ‫أكثر من السرد ‪ -‬أو زمن ّيًا ‪ -‬فذلك التشبيه‬ ‫السرديِّ ؛ بحيث صارت المحور األكبر لديه‪.‬‬ ‫أداة فنية أكثر تج ُّذرًا في التراث البالغي‬ ‫فــروايــة (صــوفــيــا)‪ ،‬ت ــدور حــول الشاب ال الحاضر النقدي ‪ -‬لكن من خالل الواقع‬ ‫«معتز» السعودي المنفصل عن زوجته منذ النصي‪ ،‬حيث كان ذلك النسيج التصويري‬ ‫ع ــام‪ ،‬ال ــذي تَــع ـرَّف عــن طــريــق الــحــوارات األكثر حضورًا في النص (‪ 120‬مرة ضمن‬

‫اإللكترونية على «صوفيا» الفتاة اللبنانية ‪ 144‬ص)‪ ،‬وهو معدل مرتفع للغاية‪.‬‬ ‫التي علمت بإصابتها بالسرطان؛ ومــن ثم‬

‫تقرر مفارقة الحياة وهي تستمتع بها حتى‬ ‫آخر لحظاتها؛ فتطلب من معتز أن يأتيها‬

‫حيث شقتها الجديدة المطلة على البحر‬

‫‪24‬‬

‫***‬

‫األنا واآلخر‪( :‬معتز وصوفيا)‬ ‫وضح بقوة أن رواية «صوفيا» هي رواية‬

‫في بيروت‪ .‬يسرد معتز تجربته تلك‪ ،‬بادئًا شخصية في المقام األول؛ أوالً ألن عنوانها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ثانيًا‪ :‬كان السرد عبر ضمير المتكلم الذي والتوجّ س والخشية من اإلعــان والظهورِ‬

‫مثل صــوت «معتز» الشخصية المحورية قد استمرت بع ُد عبر صورة تشبيهية ذات‬ ‫األخــرى‪ ،‬ثالثًا‪ :‬انفراد هاتين الشخصيتين تفصيل في طرفها الثاني‪« :‬كنت في فوضاي‬

‫ضعيف‬ ‫َ‬ ‫بالسرد؛ ومن ثم شحبت بقية الشخصيات‪ ،‬المقيمة بــيــن الــهــاجــس وال ــق ــرار‬ ‫ْضى هذا‪ ،‬وإزاء تلك‬ ‫أو جاءت شديدة الثانوية؛ لذا اقتصر حضور المقاومة أمام نزق ال َمر َ‬

‫«اآلنـ ــا واآلخ ـ ــر» فــي معتز وصــوفــيــا على الطريقة العشوائية التي يخربشون بها على‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫حمل علم إحــدى شخصيتيها الرئيسيتين؛ والجملة االعتراضية من حيث سمات التردد‬

‫الــتــوالــي؛ انطالقًا مــن أن صــوت الــســارد‪ /‬جدران الحياة قبل أن يتركوها‪ ،‬مثلما يعبث‬ ‫معتز‪( :‬األنا) كان األكثر هيمنةً‪ ،‬ويأتي بعده التالمذة بأشياء المدرسة يــوم تخرجهم»‬

‫(اآلخر) صوفيا‪ ،‬رغم ما قد يُنْبِئ به عنوان ص‪.9‬‬

‫الرواية من أنها الشخصية الرئيسة األولى‪.‬‬

‫وبعد قطع شوط سردي كبير امتد عبر‬

‫انشغل الــســرد هنا فــي مساحة كبيرة الرواية كلها جاء تجسي ُد معتز لتلك التجربة‬

‫منه ببلورة العالقة القائمة بين طرفَيْ هذه ومشاعره تجاهها من خالل قوله‪« :‬اآلن وقد‬

‫الثنائية وتطورها عبر أجزاء الرواية؛ سواء ابتعدْتُ عنها‪ ،‬كأنَّ مشاعري حقل محصود‪،‬‬ ‫انطلقت هذه البلورة من األنــا «معتز» إلى ال تدري ماذا كانت‪ ،‬وماذا ستُزرع في الموسم‬

‫اآلخر «صوفيا»‪ ،‬أم جاء األمر بالعكس‪ ،‬حيث المقبل!» ص ‪ ،129‬فهو ما يزال يعاني من‬

‫أبانت صوفيا رؤيتها لهذه العالقة‪ .‬وتبعًا ألن حيرته وعدم إدراكه لحقيقة ما تم‪ ،‬وطبيعة‬ ‫معتز هو الصوت السارد كانت رؤيته لتلك النتيجة أو المحصلة التي انتهى إليها‪ ،‬وما‬ ‫العالقة أكث َر حضورًا منذ البدء حتى الختام يمكن توقُّعه بعدُ‪.‬‬

‫السردي‪.‬‬

‫وعلى م ّر الرواية‪ ،‬لم تكن رؤية معتز لهذه‬

‫منذ الصفحات األولــى كشف معتز عن العالقة رؤيــ ًة جــامــدة ذات بُعد واح ــد‪ ،‬بل‬

‫رؤيته لطبيعة عالقته مع صوفيا‪ ،‬قائالً‪ :‬تطوَّرت مع تطوُّر األحداث؛ ففي البدء كان‬ ‫«العالقة كلها ما زالت محبوس ًة بين قوسين‪ ،‬شعوره بالذنب واعترافه داخل ّيًا بخطيئة ما‬

‫مثل كل الجمل االعتراضية التي تقبع بين يفعله؛ لذا‪ ،‬كان «ضميري مثل هاتف ال يرن‪،‬‬ ‫الكالم بتوجُّ س في انتظار ما يبررها‪ ،‬قبل ولكنه ما يــزال موصوالً بالحرارة اإللهية»‬

‫أن تخلع قوسيها‪ ،‬وتعلن نفسها جــزءًا من ص ‪ .36‬فالصورة هنا تقدم شقين متقابلين‬ ‫الكالم‪ ،‬يحق له أن يقال‪ ،‬ويُ ْكتَب‪ ،‬ويُنْتَخب لذاته أو ضميره‪ ،‬وهما تعطيل اإلدراك مؤقتًا‬

‫في ذهن النص»(‪ .)٥‬فالموازاة بين عالقتهما مع بقاء االتصال بمصدر من مصارد ذلك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪25‬‬


‫اإلدراك‪ .‬ورغم شعوره باإلثم من ناحيته فإنه عبر اإلنــتــرنــت‪ ،‬إذ «شــع ـرْتُ منذ حواراتنا‬

‫كان يرى «صوفيا» من األطهار في طريقة اإللكترونية األولى بأنها مليئة بعاطفة حادة‪،‬‬ ‫مواجهتها (للموت بالسرطان)‪« :‬فاألطهار ال كتلك الــتــي تجتاح النفس عندما تمشي‬

‫يذوقون النساء‪ ،‬بل إنها تلك القلوب التي ال في طريق مغطى بــأوراق الشجر الصفراء‬ ‫تأبه ببلل اإلثم إذا وقع على أطرافها‪ ،‬هي الساقطة‪ ،‬ولكنما تكبحها إرادة صارمة جدًا‪،‬‬

‫التي تشق طريقها بينهن كما يشق الفاتحون كأفرُع األشجار إذا تعرت» ص ‪ .77‬والطرف‬ ‫الثاني في هاتين الصورتين يفتح أفق توقع‬ ‫طرقات مدينة سقطت» ص ‪.34‬‬ ‫ورغم شدة تعلُّق صوفيا بمعتز‪ ،‬فإن داء‬

‫«الــمــلــل» المستحكم دفعه إلــى تركها ولو‬

‫مؤقتًا‪ ،‬لكن تفكيره لم يستطع مغادرتها كما‬

‫فعل جسده‪ ،‬فحين انطلق خارج شقتها «كانت‬

‫صوفيا ترافقني في الشوارع مثل روح كبيرة‬ ‫معلقة بين السماء واألرض‪ ،‬أينما اتجهت‬

‫أجدها تطالعني من فوق» ص ‪ ،121‬بل ازداد‬ ‫تمثُّلها له فـ«أحيانًا‪ ..‬أكاد أقسم إنها واضحة‬ ‫في السماء مثل سحابة‪ ،‬وإن أهل بيروت ال‬

‫شك يرونها مثلي‪ ،‬ويعجبون من هذه المرأة‬ ‫التي تعلقت فوق رؤوسهم مثل آلهة األولمب»‬

‫ص ‪ ،121‬وهــنــا يــاحــظ قدسية الطرف‬

‫الثاني للصورة؛ ما يشي بوجهة نظر السارد‬ ‫تجاه صوفيا‪.‬‬

‫أن هذه العالقة مجدبة‪ ،‬وأنها لن تنبثق عن‬ ‫امتداد لها(‪.)٨‬‬

‫***‬

‫الحياة والموت‬ ‫إن الحياة والموت في مقدمة المسلَّمات‬

‫التي تواجه اإلنسان وتشغله‪« ،‬فــإن حقيقة‬

‫أحدهما أو كليهما يشكلها ما يراه اإلنسان‬

‫ويدركه من تعرض أو تضاد أو مفارقة»(‪.)٩‬‬

‫في ضوء ذلك‪ ،‬كانت الثنائية الثانية في هذه‬ ‫الرواية‪ ،‬وهي ثنائية «الحياة والموت»‪ :‬الحياة‬

‫التي يمثلها معتز‪ ،‬والموت الذي تتجه إليه‬

‫صوفيا‪ ،‬لكن لم يكن التمثيل في كلتا الحالين‬ ‫اعتياديًا‪ ،‬بل جاء مفارقًا ألفق توقع القارئ‪،‬‬

‫حيث كانت حياة معتز تدور حول محورَيْ ‪:‬‬

‫أمــا على الجانب المعاكس‪ ،‬وهــو رؤيــة الملل والتغيّر‪ ،‬من خــال الضيق الشديد‬ ‫اآلخــر‪ /‬صوفيا الموجهة إلى األنــا‪ /‬معتز‪ ،‬بالملل عدو معتز األول‪ ،‬ورغبة هذا األخير‬ ‫فقد دارت األنسجة التشبيهية التي بلورت في التغير بصورة مرضية غير منضبطة‬ ‫هذا الجانب حول شدة التعلُّق‪ ،‬تعلُّق صوفيا نفسيًا‪ ،‬على الجانب اآلخر لم تقف صوفيا‬

‫بمعتز‪ ،‬سواء على مستوى الفعل الحدثي(‪ ،)٦‬ممثل ُة الموت مستسلم ًة تجاه هذا الموت‬ ‫أم الــرصــد المباشر مــن الــســارد معتز(‪ ،)٧‬الزاحف‪ ،‬بل تمسّ كت بأهداب الحياة حتى‬

‫‪26‬‬

‫وقــد كــان تعلقها هــذا منذ بــدء عالقتهما آخر أنفاسها‪ ،‬وجابهت الموت من خالل ذلك‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫فإشكالية معتز مع داء الملل من أوضح حقيقي‪ ،‬والرياضيون أنبياء»! ص ‪ .30‬ولم‬ ‫الحقائق في الــروايــة‪ ،‬ســواء عبر التصريح يقف تعبيره عن حميمة رغبته بالتغيير من‬

‫المباشر أو التجسيد الفني أو التمثيل خالل «المقدس» عند هذا الحد‪ ،‬بل تواصل‬ ‫الحكائي‪ ،‬وأعني باألخير أن طريقة سرد عبر رؤيته للذات اإللهية‪ ،‬نفسها وفق هذه‬ ‫الرواية نفسها جاءت على نهج أصاب بعض الرغبة(‪.)١٢‬‬ ‫القراء بالملل؛ ومن ثم كان ذلك أحد مثالب‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫التمسك‪.‬‬

‫ص ‪22‬؛ ومــن ثم رأى «أن األولمبيات دين‬

‫كان هذا جانبًا من تجسيد الرواية لشق‬

‫الــروايــة في رأي معظم هــؤالء الــقــراء‪ .‬أما الحياة ممثلة في معتز؛ أما الموت‪ ،‬فكان‬

‫التجسيد الفني إلشكالية الملل مع معتز الــحــدث األه ــم فــي هــذا العمل الــســردي‪،‬‬ ‫فمتعدد‪ ،‬بعضه مباشر مثل تمنِّيه‪« :‬أن عبر إصابة صوفيا بالسرطان وانتظارها‬

‫أتخلص من كل ما يثير الملل‪ ،‬أن أرميه ورائي لنهايته المؤكدة في ظنها‪ .‬ونتيجة محورية‬ ‫مثل حذاء ضيق وال ألتفت إليه»(‪ ،)١٠‬أو عبر عنصر «الــمــوت» انشغلت به كلتا الذاتين‪:‬‬ ‫نهج تصويري ابتعد عن تلك المباشرة من معتز وصوفيا‪ ،‬وكان لكليهما رؤيته الخاصة‬

‫خالل إضافة شيء من الجمالية الخاصة‪ ،‬تجاهه‪ .‬فمعتز دومًا يرى الموت كلما تواصل‬

‫كما في قوله‪« :‬صــرْتُ أعيش مثل مومياء مع صوفيا‪ ،‬مشبهًا إيــاه بـــ‪« :‬ذلــك الطحان‬ ‫ملتفة بأقمشة عفنة‪ ،‬واقفة منذ قرون في المقترب» ص ‪ ،34‬وهو يتوقف متعجبًا إزاء‬

‫صندوق خشبي‪ ،‬مَن يشك في أنها ملت كثيرًا استمرارية هذا الموت وتكراره‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫من نفسها‪ ،‬كما مللت كثيرًا من نفسي!»(‪ .)١١‬نفسه نتقبَّله رغم العجز عن فهمه‪« :‬عليّ‬

‫فهذا التفصيل فــي طــرف الــصــورة الثاني أن أفتح ثقبًا كبيرًا في السماء إذا أردت‬

‫منح الــقــارئَ مساح ًة ممتدة مــن التخيل‪ ،‬أن أفهم يومًا معنى أن تموت هذه الفتاة!‬

‫واالستمتاع بلغة السرد‪ ،‬وهذا أحد أسرار برغم أن قصة الموت ال‏تتوقف‪ ،‬مثل جريدة‬

‫اإلعجاب بتلك الرواية‪.‬‬

‫يومية‪ ،‬ولكن أخبارها يجب أن تختلف وإال‬

‫وكرد فعل لداء الملل هذا‪ ،‬كان الشق الثاني اضمحلت دموعنا‪ ،‬ونسينا أننا نستطيع أن‬ ‫من شخصية معتز‪ ،‬وهو رغبته الشديدة في ‏نبكي‪ ،‬ونفعل أحزانًا‪ »...‬ص‪.100‬‬ ‫التغيير‪ ،‬تلك الرغبة التي نتجت عن ضيقه‬

‫أما صوفيا‪ ،‬فموقفها من الموت لم يكن‬

‫ال َمر َِضيّ بالملل‪ ،‬والتي الزمته طوال حياته‪ ،‬موقفًا عاجزًا مثل معتز؛ مكتفيًا بالتعجب‬ ‫فـ«الذي يعنيني أن هناك شيئًا ما يتغير‪ ،‬وال والتساؤل والحيرة‪ ،‬بل تحدَّ ت هذا الموت‬

‫يقف في حنجرة الوقت مثل سكين صدئة!» عقب تلقِّي صدمة اقترابه‪ ،‬فـ «على الجدار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪27‬‬


‫هناك تستفز الموت‪ ،‬وتعلّق شهادته عليه ال أمارس أي فعل إال في حدوده الدنيا» ص‬ ‫بكل العناد الذي اعتصرته من شفق حياتها ‪ ،127‬وكأن تلك المدينة من خالل الصورة‬ ‫المعكر‪ ،‬تتحدَّ ى بها اقترابه المهيب‪ ،‬وتحشد السابقة كانت بالنسبة للسارد مدينة الموت‬

‫أمامه كل المباالة األيام الباقية‪ ،‬وتدهن بها ال الحياة التي تجددت في بيروت‪.‬‬ ‫نفسها‪ ،‬ووجهها‪ ،‬وروحها الشفيقة‪ ،‬مثلما‬ ‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬ونتيجة النشغال السرد‬ ‫تدهن بعض الحشرات نفسها بمادة ُمرّة ال‬ ‫بالمدينة األخرى‪ /‬بيروت أكثر‪ ،‬كان نصيبها‬ ‫تستسيغها الطيور المهاجمة‪ ،‬حتى تستحيل‬ ‫من الصور التشبيهية أعلى‪ .‬ففي البدء صوّر‬ ‫بدورها إلى مرارة شابة‪ ،‬تفسد على الموت‬ ‫السارد بيروت بأنها «كانت قابعة في درج‬ ‫طعم روحها الفتية»(‪ .)١٣‬لذا‪ ،‬عندما قَدِ َم معتز‬ ‫مكتبي كتذكرة سفر بتاريخ مفتوح» ص ‪35‬؛‬ ‫من الرياض إلى بيروت لإلقامة مع صوفيا‬ ‫إشــارة إلى سمة التقبل واإلتاحة وإمكانية‬ ‫خــال أيامها األخــيــرة‪ ،‬رأى «وجــه صوفيا‬ ‫الــوصــول‪ ،‬لكن حيرته وعجزه تواصال في‬ ‫البارق بالرغبة العنيدة‪ ،‬وعينيها المفتوحتين‬ ‫وأيضا‬ ‫ً‬ ‫أثناء وجوده بهذا المكان المفتوح(‪،)١٤‬‬ ‫مثل حقيبتين تطمحان الستيعاب الدنيا قبل‬ ‫كما كانت رؤيته لذاته ضبابية‪ ،‬كانت نظرته‬ ‫الرحيل» ص ‪.33‬‬ ‫للمكان تكتنفها الضبابة نفسها(‪.)١٥‬‬ ‫***‬

‫الرياض وبيروت‬

‫إزاء ذلك كله‪ ،‬لم يَ ـ ُد ْم الموقف المتقبل‬

‫من بيروت بل انقلب إلى تبنِّي رؤية صوفيا‬

‫الثنائية األخيرة هنا كانت على مستوى المنهكة بالمرض تجاه معتز الــذي اتسم‬ ‫المكان‪ ،‬حيث تجسدت عبر فضاءين هما‪ :‬بالتخلي واألنانية‪ .‬وقد ارتقى ذلك الموقف‬

‫الرياض مدينة معتز الذي نشأ فيها وقَدِ م اإليجابي من بيروت تجاه السارد وكل بني‬ ‫منها‪ ،‬وبيروت مدينة صوفيا التي سافر إليها مدينته؛ فكان لها رؤية ورأي َو َر ّد فعل إزاء‬ ‫معتز ودارت بها معظم أحداث الرواية؛ وذلك ما يفعلون‪ ،‬خاصة أنها في البدء «كم بذلت‬ ‫تبعًا لالختيار السردي الــذي شكلته وجهة هذه المدينة لظمئنا الصحراوي القادم من‬

‫نظر السارد؛ من ثم كان حضور «الرياض» الجنوب طــوال عــقــود‪ ،‬ومــا تــزال تكيل لنا‬ ‫بوصفها مــكــا ًنــا ســرد ًيــا قــلــيـاً؛ وك ــذا جاء الكثير من الفرح‪ ،‬وما زالت تجاهد مثل امرأة‬

‫نصيبها من الشريحة التشبيهية لم يتجاوز فــي أواخ ــر الثالثينيات لتظل هــي األثيرة‬ ‫مرة واحــدة‪ ،‬ضمن قول السارد‪« :‬شهر في بعد أن تجاوزتها قوافلنا إلى مدن أخرى‪،‬‬

‫الرياض ولم أفعل شيئًا‪ .‬ما زلت ساكنًا مثل تجاهد حتى آخر قطرة بهجة‪ ،‬لتبقى هي‬

‫‪28‬‬

‫جثة في إناء فورمالين‪ ،‬ال أتحرك‪ ،‬ال أخرج‪ ،‬هوسنا األخضر المعلق في شمالي الخريطة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫القادمين من الجنوب‪ ،‬ممثلين في معتز‪« ،‬لم هنا إلى رصد تجسد تلك الثنائيات ضمن‬ ‫تكن األشياء تبدو حزينة لذلك أي لمغادرته نسيج اللغة المتميزة التي كتب بها هذه‬ ‫بــيــروت‪ ،‬بقدر ما كانت ترمقني بامتعاض الرواية‪.‬‬

‫ساخر‪ ،‬وكأنها اعتادت أن ترى ما تراه اآلن‬ ‫من الوجوه الغريبة‪ ،‬النظرة الساخرة نفسها‬ ‫التي نراها في وجه كهل مشلول‪ ،‬كان يعلم ما‬ ‫سيكون‪ ،‬ولم يقل!» ص ‪.122‬‬ ‫***‬

‫«ال شيء خارج اللغة» عبارة تأكدت عبر‬ ‫التناول النقدي السابق لرواية «صوفيا»‪،‬‬ ‫إح ــدى روايـ ــات الــكــاتــب الــســعــودي محمد‬ ‫حسن علوان‪ ،‬من خالل الكشف عن جانب‬ ‫من تشكيلها السردي‪ ،‬الذي جاء عبر عدة‬ ‫ثنائيات ضدية بــلــورت مساحة كبيرة من‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬ ‫(‪) ١٤‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫ ‪-‬رافيندران سانكاران‪ :‬البنيوية والتفكيك‪ ،‬دار‬ ‫الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬آفاق عربية‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫ ‪-‬روجــر‪ .‬ب‪ .‬هينكل‪ :‬قــراءة الــروايــة مدخل إلى‬ ‫تقنيات التفسير‪ ،‬ترجمة د‪ .‬صــاح رزق‪ ،‬دار‬ ‫اآلداب‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫ ‪-‬عبد الملك مرتاض‪ :‬في نظرية الرواية بحث في‬ ‫تقنيات السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫ ‪-‬قاسم المومني‪ :‬في قــراءة النص‪ ،‬دار الفارس‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫ ‪-‬محمد حــســن عــلــوان‪ :‬صــوفــيــا (روايـــــة)‪ ،‬دار‬ ‫الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2006‬م‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫دائمًا» ص ‪ .93‬لكن بعدما تغير موقف هؤالء الرواية‪ ،‬وقد سعت زاويــة الرؤية التحليلية‬

‫ ‪h t t p s : / / w w w . g o o d r e a d s . c o m / b o o k /-‬‬ ‫‪show/3294671‬‬

‫ ‪http://aljsad.org/showthread.php?t=64604-‬‬

‫‪https://www.goodreads.com/book/show/3294671‬‬ ‫‪http://aljsad.org/showthread.php?t=64604‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫انظر جانبًا من تلك األهمية في‪ :‬روجر‪.‬ب‪ .‬هينكل‪ :‬قراءة الرواية مدخل إلى تقنيات التفسير‪ ،‬ترجمة‬ ‫د‪ .‬صالح رزق‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪229‬؛ د‪ .‬عبدالملك مرتاض‪ :‬في نظرية الرواية بحث‬ ‫في تقنيات السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫رافيندران سانكاران‪ :‬البنيوية والتفكيك‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬آفاق عربية‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2006‬م‪ ،‬ص‪ .9‬وسوف تذكر‬ ‫أرقام الصفحات في المتن بعدُ‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫وانظر امتداد توظيف صورة األرض لتجسيد تطور هذه العالقة في‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا‬ ‫(رواية)‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫قاسم المومني‪ :‬في قراءة النص‪ ،‬دار الفارس للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .21‬وانظر ً‬ ‫أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .35‬وانظر ً‬ ‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .15‬وانظر تصويرًا آخر لهذا الحدث المتحدي للموت في‪:‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.19 -18‬‬ ‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪29‬‬


‫شعرية العالم‪ ..‬شعرية اللغة في سقف الكفاية‬ ‫‪ρρ‬إميان عبدالعزيز املخيلد ‪ -‬الرياض‬

‫إنَّ مفهوم «رؤي ــا العالم» الــذي يطرحه‬ ‫النقاد عند معالجتهم لخطاب الرواية إنما‬ ‫يعني رؤيا الكاتب للكون والطبيعة والمجتمع‪،‬‬ ‫حيث تصبح الرواية انعكاساً لرؤية مؤلفها‬ ‫لــكــل مــا يحيط بــه وم ــا يتفاعل مــعــه من‬ ‫أحــداث وتفاصيل مجتمعية وآراء وأفكار‬ ‫تعبر عن أيديولوجيته في الحياة‪ .‬والرواية‬ ‫بهذا المعنى هي رؤيا كاتبها للعالم‪ ،‬وتعبر‬ ‫عن حرية المبدع في خلق عوالم متخيلة‪،‬‬ ‫فرؤية العالم في الرواية ليست مجرد موقف‬ ‫فكري‪ ،‬بل هي تعبير فني ولغوي عما يعتقده‬ ‫الكاتب وما يعتنقه من مواقف فكرية عبر‬ ‫ضــرب من التخييل‪ ،‬أي أنها نــوع من بناء‬ ‫فكري‪ ،‬قيمي‪ ،‬وهي في ذات الوقت محدودة‬ ‫بحدود الثقافة التي تنتمي إليها هذه الرؤية‪ ،‬من الرؤيا‪.‬‬ ‫وتختلف رؤية العالم حسب تكوين الكاتب‬ ‫مؤيدة أو معارضة‪ ،‬ذلــك أن تصور العالم‬ ‫يتوقف على المجموع الكلي لمجموع األفكار الثقافي وزاوية الرؤية التي يرى من خاللها‬ ‫الــعــالــم‪ ،‬فهل اختلفت رؤي ــة محمد حسن‬ ‫والمعتقدات والرؤى التي تحكم المجتمع‪.‬‬ ‫تتدخل الرؤيا في بناء النص األدبي من علوان للعالم عن مجايليه من كتاب الرواية‬ ‫خالل الموقع الذي يرتضيه األديب لنفسه السعودية؟ وما مساحة الشعرية في رؤيته‬ ‫والرؤيا التي يرغب في التعبير عنها‪ .‬وقد للعالم فــي رواي ــة «ســقــف الــكــفــايــة»‪ ،‬وهل‬ ‫يعبر الــروائــي في تجربته الفنية عن رؤيا انعكست هذه الرؤية الشعرية على اللغة التي‬ ‫شاملة أو جزئية‪ ،‬ولكن ليس من المحتم أن كتبت بها الرواية؟‬

‫‪30‬‬

‫يفعل ذلك لتباين الروائيين في الزاد الفكري‬ ‫وفــي التجربة الجمالية نفسها‪ ،‬ويتجلى‬ ‫ا منهم يتخذ موقعاً‬ ‫اختالفهم فــي أن ك ـ ً‬ ‫وراوياً أو رواة ليجسد رؤياه‪ ،‬وتحديد الموقع‬ ‫والراوي‪ ،‬أي تحديد بناء النص يتم انطالقاً‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫هذه أسئلة تجد الباحثة نفسها تطرحها‬ ‫وهــي تــحــاول قـــراءة هــذا العمل الــبــديــن ـ‬ ‫بتعبير الــنــاقــد الــمــغــربــي سعيد يقطين‪،‬‬ ‫فرواية «سقف الكفاية» تحكي قصة حب‬ ‫بين «ناصر» و«مها»‪ ،‬ناصر الشاعر الذي‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫يصغر مها ببضع ســنــوات‪ ،‬ويتعرف عليها‬ ‫بالصدفة عبر مكالمة هاتفية‪ ،‬حيث يتطور‬ ‫بينهما الــوضــع فــي مجتمع محافظ مثل‬ ‫مجتمع الــريــاض حتى انهما يلتقيان في‬ ‫الفنادق وفي بيت عائلتها!! ورغم أنها كانت‬ ‫مخطوبة لرجل آخر إال أنها سمحت لنفسها‬ ‫أن تقع في الحب مع هذا الشاب‪ ،‬لكنها في‬ ‫لحظة ما يحين موعد زواجها من الرجل‬ ‫الــذي ارتبط بها رسميا‪ ،‬فتتزوج وتسافر‪،‬‬ ‫وتتركه؛ ليكتب لنا قصة عشقه الكبير لها‪.‬‬ ‫في رواية بدينة ومترعة بالشعرية والمجاز‬ ‫مع رؤية شعرية تحيط بالعالم وبتفاصيله‪.‬إن‬ ‫شخصيات الرواية رغم أنها تعاني من الفقد‬ ‫واالنكسار‪ ،‬إال أنها ترى العالم بشعرية بليغة‪،‬‬ ‫فناصر الــذي فقد مها‪ ،‬يذهب إلــى كندا‬ ‫ربما هروبا من قصة عشقه‪ ،‬ليجد هناك‬ ‫«ديــار» العراقي المهاجر والفار من جحيم‬ ‫الصراع في العراق‪ ،‬وكالهما ال يختلف كثيرا‬ ‫عن مس «دينغل» الكندية التي تعاني من‬ ‫الوحدة والفقد والغربة‪ ،‬رغم وجودها في‬ ‫وطنها‪ .‬يصير المكان‪ /‬الداخل جحيما بفقد‬ ‫الحبيبة‪ ،‬فهل يصبح المكان‪ /‬الخارج مالذا؟!‬

‫العربي فيما سمي بحرب الخليج) فيصبح‬ ‫الداخل خارجا‪ ،‬ويصبح الهم الخاص ه ّمًا‬ ‫يدك أوالً‪ ،‬زحفت فوق قحالة‬ ‫عاما «جاءت ِ‬ ‫الصمت الماثل بيننا‪ ،‬لم يكن عندي جرأة‬ ‫االبــتــداء‪ ،‬يكفي تسبيح الــروح في محراب‬ ‫وج ــودك‪ ،‬تشابكت أصــابـ ٌع وداخــت طاولة‪،‬‬ ‫يداك جرائ َم ال تحصى فوق يديَّ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ارت َكبَت‬ ‫عنيف لمراهقتي الجلدية األولى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تحريض‬ ‫ٌ‬ ‫ث ــار اإلصــبــع عــلــى ال ــك ــف‪ ..‬والــكــف على‬ ‫يديك ين ُّز عطراً‬ ‫ِ‬ ‫طفيف في‬ ‫ٌ‬ ‫المعصم‪ ،‬تعر ٌق‬ ‫شوق مفتوحة‪ ،‬أنا ال أقاوم نعوم ًة‬ ‫من مسامة ٍ‬ ‫كهذه‪ ،‬شغباً كهذا‪ ،‬توقفي عند حد ِ​ِّك‪ ‬يا مدن‬ ‫الرغبة‪ ،‬استئذا ٌن مهذَّ ب‪ ،‬وأنقذني النادل من‬ ‫سكتة شوق!‪.‬‬

‫وألن الكاتب حين يتمثل رؤية العالم وهو‬ ‫يكتب نصه يحاول أن يوجد وشائج بين الذات‬ ‫والــعــالــم‪ ،‬وعــاقــة هــذه ال ــذات بالمجتمع‪،‬‬ ‫فالكاتب يكتب رؤيته للعالقات االجتماعية‬ ‫بين الناس‪ ،‬والقهر الذكوري الــذي يمارس‬ ‫على النساء وتحويل المرأة من ذات فاعلة‬ ‫إلى موضوع للحب والكتابة‪ ،‬وتصير الرياض‬ ‫مدينة معادية للحب‪ ،‬ألنها ال تقبل أن يختار‬ ‫في الحقيقة لم يجد ناصر المالذ في الناس إنسانيتهم‪ ،‬بل تنمطهم وتحولهم إلى‬ ‫الغربة‪ ،‬فقد وجــد «ديــار» الــذي يعاني من نماذج مكررة مسلوبة الحياة واإلرادة وغير‬ ‫غربته يفتح مسارات أخرى للصراع‪ ،‬فينقل فاعلة‪.‬‬ ‫الكاتب الصراع من الشخصي (قصة حبه‬ ‫إن الكاتب يعري المجتمع الــذي حول‬ ‫لمها وإخفاقه معها وخيانة مها التي هي الــمــرأة إلــى مــوضــوع‪ ،‬ويكشف المسكوت‬ ‫مــعــادل لــلــوطــن) ينقله الــكــاتــب إلــى العام عنه فــي حــيــاة الــمــرأة فــي هــذا المجتمع‬ ‫(تشريح المجتمع العربي ومساءلة التاريخ الــراديــكــالــي‪ ،‬فيخاطب «مــهــا» فــي حوارية‬ ‫العربي وخاصة الحديث منه حيث أضاع من طرف واحد فقط‪ ،‬ال تحمل سوى رؤية‬ ‫ص ــدام حسين مــقــدرات الــعــراق والخليج الــســارد بضمير األن ــا(ن ــاص ــر)‪ ،‬يخاطبها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪31‬‬


‫ويلومها على استسالمها وقبولها بأن تصير‬ ‫مجرد موضوع‪ ،‬مفعول بــه‪« :‬كــل يــوم يكتبُ‬ ‫فــوقــك ســطــراً‪ ..‬ويمحو ســطــراً كتبته أنا‬ ‫من قبل‪ ،‬سيترعني سالم من عينيك شيئا‬ ‫فشيئاً‪ ..‬دون أن تشعري!‪ ..‬ألم أكتب أنا فوق‬ ‫حسن؟ ألم يكتب حسن فوق عبدالرحمن»‬

‫‪32‬‬

‫إن هذه الرؤية التي تحمل أفكار الكاتب‬ ‫وتؤسس محاولته في إعادة خلق هذه النظرة‬ ‫إلى العالم هي ما يشكل قصده في العمل‬ ‫األدبي‪ ،‬وقد ال يتفق هذا القصد مع قصد‬ ‫الكاتب الــواعــي‪ .‬وهــذه النظرة هي المبدأ‬ ‫التكويني الــذي يرتكز عليه أســلــوب عمل‬ ‫معين‪ .‬إن األدب تعبير عن رؤيا للعالم‪ ،‬فإن‬ ‫هــذه «الــرؤيــا» ليست وقــائــع شخصية‪ ،‬بل‬ ‫وقائع اجتماعية‪ ،‬مما يجعل منها وجهة نظر‬ ‫ملتحمة وموحدة‪ ،‬حول مجموع الواقع‪ .‬غير‬ ‫أننا ال يمكن بحال أن نعزل هــذه «الرؤيا»‬ ‫عن «تفكير» األشخاص في الرواية‪ ،‬أو عمّا‬ ‫يتخذون من أساليب التفكير ومحتواه‪ ،‬سواء‬ ‫كان هذا التفكير بذواتهم أم بالعالم‪ .‬وهذا‬ ‫يعني أننا نتعامل مع العمل الفني‪ .‬بما هو‬ ‫تعبير عن طريقة اإلحساس بالكون والنظر‬ ‫إلــيــه‪ ،‬فــحــوارات «نــاصــر» و«ديـ ــار» تكشف‬ ‫الــصــراع ال ــوج ــودي الـــذي خــاضــه الــعــرب‬ ‫منذ اجتياح صــدام حسين للكويت ودخول‬ ‫المنطقة العربية في نفق مظلم من الحروب‬ ‫الــتــي استنزفت مقدراتها لصالح الغرب‬ ‫بقيادة أمريكا‪ ،‬هــذه الــحــوارات تستحضر‬ ‫الــتــاريــخ منذ العصر الكولوينالي نهايات‬ ‫القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‬ ‫وصوال لحرب الخليج والصراع العربي مع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫الغرب‪ ،‬كل هذه القضايا الكبرى يناقشها‬ ‫الكاتب حين خــرج ببطله من الخاص إلى‬ ‫العام‪ ،‬فهو يدرك أنه» البد من تضحية ما‪..‬‬ ‫البد من ضجة ما‪ ..‬فاألقدار لن تمنحنا كل‬ ‫ما نريده دون سعي!)‪ .‬ورغم كل ما مر به من‬ ‫محن‪ ،‬ورغم أنه كان يصرخ «أريد أن أموت‬ ‫أن أموت!» إآل أنه استطاع أن يقاوم بالكتابة‪،‬‬ ‫فقد حول قصة عشقة لمها إلى روايــة‪ ،‬لم‬ ‫يحولها لديوان شعر رغم شعرية اللغة التي‬ ‫استخدمها في النص‪ ،‬وستتحدث الباحثة‬ ‫عن شعرية اللغة في موضع سابق‪ .‬حولها‬ ‫إلى روايــة‪ ،‬ألن الرواية هي أكثر األجناس‬ ‫األدبية قدرة على حمل خطابات متعددة‪ ،‬ما‬ ‫بين الخطاب الشعري وخطاب التناص مع‬ ‫التاريخ وخطاب السينما وخطاب التناصات‬ ‫مع نصوص أدبية عالمية بغرض كتابة الداللة‬ ‫الكبرى ورؤية العالم التي هي هدف الكاتب‬ ‫فــي المقام األول «وح ــدي أن ــا‪ ..‬والليل‪..‬‬ ‫وهــذا اليأس الجامح‪ ،‬وقلمي يتأرجح في‬ ‫يدي‪ ،‬أليس مخيفاً حقاً ما يمكن أن تنتهي‬ ‫به ليل ٌة كهذه؟ كلما ســوَّدتُ صفح ًة طارت‬ ‫قبيح‪ ،‬وتعلَّقت بقدميها‬ ‫ٍ‬ ‫خفاش‬ ‫ٍ‬ ‫أمامي مثل‬ ‫في سقف الغرفة!‪ .‬كان ال بد لي أن أتنازل‬ ‫عن الكتابة‪ ،‬فال يمكن لغرفتي أن تظل كهفاً‬ ‫للخفافيش‪ ،‬بررتُ خسارتي هذه باقتناعي أن‬ ‫مثلك‪ ،‬فلن يعنيه أن يخسر‬ ‫ِ‬ ‫من يخسر امرأ ًة‬ ‫فقدك‬ ‫ِ‬ ‫شعره ومجده وطموحه أيضاً‪ ،‬وأن‬ ‫يستحق حداداً كهذا‪ ،‬وفهمتُ أن الصدأ بدأ‬ ‫يعلو عظام يدي‪ ،‬وأن الكتابة بعد الفاجعة‪..‬‬ ‫فاجعةٌ‪ ‬أكبر!»‪.‬‬ ‫اســتــخــدم محمد حــســن عــلــوان ضمير‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫«األنــا» مماهيا بينه وبين بطله «الشاعر» النص»»الفجر يأتيني كئيبا طاويا رئتيه معتال‬ ‫الــذي يكتب قصة حبه للبطلة «مها» التي وحيدا‪ ..‬غامسا قدميه في ماء السهر!‬ ‫غيّب صوتها طوال النص‪ ،‬وحكي نيابة عنها‪.‬‬ ‫‪ ‬األربــعــون لــيــلــة‪ ..‬م ــرت‪ ،‬وقلبي‪ ‬يرقب‬ ‫يصنع الكاتب من شخصية «ناصر» معادال‬ ‫الذكرى‪ ،‬ودقات القدر»‬ ‫لحياته‪ ،‬وألفكاره ومعتقداته‪« :‬أي كتابة هذه‬ ‫في حين أن النصف الثاني من الرواية‬ ‫التي سأكتبها لك‪ .‬ما هذه الفكرة؟ ال أدري‪..‬‬ ‫ولكني أستطيع أن أكتب ما يليق‪ .‬لن تخونني حيث سافر ناصر إل فانكوفر هروبا من‬ ‫أصابعي أب ــدا‪ .‬وبعد أن أكتب مــا سأكتبه فشل قصة حــبــه‪ ،‬يغلب على هــذا الجزء‬ ‫سأسعى جاهدا لئال تسقط حياتي المادية الحدث واللغة التي تتراوح ما بين اإلخبارية‬ ‫في دوامة شتاتي‪ .‬سأسعى إلى حياة أفضل‪ ،‬والمشهدية والــحــوار المتبادل بين ناصر‬ ‫ال أمال‪ ،‬ال طموحا‪ ،‬ولكن ألجعل قرار عودتك ومسى تانغول أو ناصر وديــار‪ .‬هنا ديالوج‬ ‫أسهل عندما تفكرين في العودة‪ ،‬وهذا ما ولم يكن مونولوج‪.‬على عكس الجزء األول‬ ‫فعلته‪ ،‬وأظن أنني ما زلت ماضيا فيه‪ .‬ربما ال ــذي أغ ــرق فــيــه الــكــاتــب فــي الــمــونــولــوج‬ ‫هذه الفكرة هي التي أبقتني بعيدا عن الهاوية الداخلي وأسلوب المناجاة «في الشرق وطن‬ ‫حتى اآلن‪..‬مــاذا بعد؟ سأصبر بعض الزمن يحترق وأنــا بعض هشيمه المتطاير‪ ..‬ربع‬ ‫حتى يتسنى له اتخاذ قــرار االنفصال عن قرن والعراق يحترق»‪.‬‬ ‫سالم‪ ،‬وتنفيذه بكل يسر‪ ،‬بعد أن تخفّت في‬ ‫فــي هــذا الــجــزء غــامــر الــكــاتــب بكشف‬ ‫صدرك هالته المقدسة التي كنت تحيطينه‬ ‫المسكوت عنه في الصراع المذهبي الذي‬ ‫بها والتي كانت تمنعك من التعامل معه بهذه‬ ‫يكاد ينال من استقرار دول الخليج بعد أن‬ ‫الجرأة»‬ ‫مزق العراق الصراع السني الشيعي‪ .‬ورغم‬ ‫شعرية اللغة تغيب الحدث‪:‬‬ ‫محاوالت الكاتب أن يبتعد في هذا الجزء‬ ‫يقسّ م علوان روايته إلى قسمين‪ ،‬األول عن اللغة الشعرية؛ إلى أن وقع أسيرها في‬ ‫منذ وقوع سارده (ناصر) في العشق‪ ،‬فجاء بعض المناطق السردية من الجزء األخير‪:‬‬ ‫هذا النصف على هيئة رسالة طويلة كأنها «وقــفــت أراق ــب حــبــات المطر الــتــي تتوزع‬ ‫مونولوج داخلي أو رسالة من طرف واحد‪ ،‬عشوائياً على زجاج نافذتي‪ ،‬ثم تبحلق في‬ ‫من طرف ناصر‪ ،‬إلى طرف غير حاضر في وجهي بغباء فكّرت‪ :‬عندما يسقط المطر‬ ‫المشهد (مها)‪ ،‬فمها طوال الوقت يتم الحكي على شــيء فإنه يفقد ألقه المطري الذي‬ ‫عنها‪ ،‬عن طريق االسترجاع‪ .‬غاب الحدث استمده من السماء الكبيرة‪ ،‬ويصبح مجرد‬ ‫في هذا الجزء‪ ،‬ووقع علوان في غواية اللغة قطرة ماء غبية‪ ،‬وفي جفني‪ ،‬فقدت الدموع‬ ‫الشعرية‪ ،‬ألنها قــادرة على أن تحمل تلك ألقها ذاك الذي أخذته من كبرياء الحزن‪..‬‬ ‫الشاعرية المفرطة والغنائية الفياضة في إذن‪ ..‬شيء ما‪ ..‬يجمع بين القطرتين»‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫الخطاب الميتاسردي‬ ‫في «طوق الطهارة»‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬هويدا صالح ‪ -‬أكادميية مصرية‬

‫صار الميتاسرد ميزة جمالية يلجأ إليها أغوار الكتابة الذاتية‪ ،‬كما تصير قادرة على‬ ‫كــتــاب الــروايــة‪ ،‬مــن أجــل أن يخرجوا على كشف أنــواع التداخل بين النص اإلبداعي‬ ‫كالسية الــروايــة ونمطيتها‪ .‬ويعد الخطاب والنص النقدي الكاشف‪.‬‬ ‫الــمــيــتــاســردي لــيــس فــقــط طــريــقــة ســرديــة‬

‫ولم يعد الخطاب الميتاسردي مجرد تداخل‬

‫جمالية‪ ،‬بل يعد أيضا وعيا تجريبيا ما بعد بين النصوص‪ ،‬بل صار بوسع الكاتب أن يقوم‬ ‫حداثي‪ ،‬وخروجا على رؤية العالم التقليدية‪.‬‬ ‫فيه بالتناص األدبــي مع نصوصه السابقة‪،‬‬ ‫إن توظيف الخطاب الميتاسردي يجعل ويناقش شخصياته‪ ،‬وموضوع الكتابة‪ ،‬وماذا‬ ‫من المتلقي شريكا ضمنيا في إنتاج داللة يمكن أن تفعل الشخصيات‪ ،‬وكيف تسهم في‬ ‫الــنــص‪ ،‬ويسهم الخطاب الميتاسردي في إدارة الــصــراع في النص‪ ،‬فيؤدي ذلــك إلى‬ ‫وصــف العملية اإلبــداعــيــة وأســرارهــا‪ ،‬كما كسر اإليهام ونفي التخييل المطلق عن النص‪،‬‬ ‫يُعْنى هذا الخطاب برصد عوالم الكتابة‪،‬‬

‫وتشكيل الشخصيات ومــســاراتــهــا داخــل‬ ‫الفضاء السردي‪ ،‬مع كشف األلعاب السردية‬ ‫التي يمارسها المؤلفون‪ ،‬والحيل والطرائق‬ ‫المختلفة التي يمكن أن يتتبع مساراتها‬ ‫الــقــارئ الــواعــي بـ ــدوره فــي ظــل نظريات‬ ‫التلقي‪ .‬كما يطرح الخطاب الميتاسردي‬ ‫أسئلة الكتابة‪ ،‬ويكشف عن مشكالتها التي‬ ‫تواجه المؤلفين؛ ما يسهم في كشف أسرار‬ ‫اإلبــداع وآلياته وتقنياته الفنية والجمالية‪،‬‬ ‫وهو ما يُذكِّر بالميتامسرح‪ ،‬وخطاب السينما‬ ‫داخــل السينما‪ ،‬والسيرك داخــل السيرك‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫فتصير الكتابة الميتاسردية قادرة على سبر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫وإحالي‪ ،‬ومما هو تخييلي إيهامي‪.‬‬

‫أم المؤلف الحقيقي؟ فلو أنه السارد‪ ،‬فليس‬

‫كــذلــك ي ــؤدي الــخــطــاب الميتاسردي أو من المنطقي أن يتحدث عن سابقة للكتابة‬ ‫الميتاقص داخــل النص اإلبداعي مجموعة «هذه المرة أكتب بنيات متعددة» رغم أننا من‬ ‫مــن الــوظــائــف واألدوار‪ ،‬مــنــهــا خــلــق نص خالل النص يتكشف لنا أنه يمارس الكتابة‬

‫سردي بوليفوني‪ ،‬متعدد األصــوات‪ ،‬والرؤى ألول مرة‪ ،‬أم أنه المؤلف الحقيقي هو الذي‬ ‫واألســالــيــب‪ ،‬كذلك كسر اإليــهــام بالواقعية يوجه الخطاب للمتلقي؟‬ ‫إلبــعــاد الــوهــم واالس ــت ــاب عــن المتلقي‪،‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫فيتجاذب النص مساحات‪ ،‬مما هو مرجعي ينتبه إليه أحد» فهل السارد هنا الذي يتحدث‬

‫ال يهم كثيرا إن كان الخطاب من السارد‬

‫إضافة إلى كشف جماليات اللعبة السردية‪ ،‬أم من المؤلف الحقيقي المهم أن الكاتب منذ‬ ‫مع تجديد السرد عن طريق خلق مساحات البدء يعلن لنا ثقل عملية الكتابة وصعوبتها‪:‬‬ ‫من التجريب في طرائقه وآلياته‪ ،‬مع تحقيق «أنا الذي أكتب اآلن على ورق يابس‪ ،‬وأمارس‬ ‫مــســاحــات مــن اإلثـ ــارة والمتعة والــمــحــاورة هذا القمار الثقيل‪ ..‬أكتب على مهل مثلما‬ ‫العقلية بين الكاتب ومتلقيه‪ ،‬مما يسمح تنقش التوابيت»‪.‬‬ ‫بمشاركة المتلقي أو القارئ في بناء اللعبة‬

‫مــنــذ الــبــدء يكشف الــكــاتــب عــن تشكُّل‬

‫السردية تخييال وإيهاما‪ .‬إضافة إلى تربية الشخصيات الروائية داخله‪ ،‬وخروجها إلى‬ ‫العقل النقدي لدى المتلقي عن طريق مناقشة الفضاء السردي؛ لتمارس أدوارها المحددة‬ ‫آليات تكوين الفضاء السردي معه‪.‬‬

‫لها سلفا‪ ،‬ثم انفصالها عنه‪ ،‬ألنها صارت‬

‫فهل هــذا مــا فعله محمد حسن علوان ذواتــا أخــرى خــارج ذاتــه «أراق ــب في سطح‬ ‫فــي روايــتــه «ط ــوق الــطــهــارة» الــتــي صــدرت ذهني مئات الوجوه التي ال أعرف أيا منها‪،‬‬ ‫قبل سنوات عن دار الساقي؟ هل استطاع لكنها طفرت فجأة على الورق‪ ،‬مثل جماعات‬ ‫علوان أن يحقق اللعبة الجمالية التي يوفرها الغجر‪ ،‬وصار لزاما علي أن أرقص معها أو‬ ‫الخطاب الميتاسردي؟‬ ‫منذ اللحظة األولى يضع الكاتب سارده في‬

‫أموت غريبا»‪.‬‬ ‫يعود الكاتب ليُسرّب للقارئ أن الصوت‬

‫لعبة الكتابة‪ ،‬ورغم أن السارد يدخل مضمار الــذي يفتتح السرد إنما هو صوت المؤلف‬ ‫الكتابة ألول مــرة‪ ،‬إال أنه يعلن منذ السطر الحقيقي‪ ،‬قبل أن يقدم لنا ســارده وحكايته‬ ‫األول أن «هــذه المرة أكتب بنيات متعددة‪ .‬مع الكتابة‪ ،‬يعاود الحديث عن أنها ليست‬ ‫وأعــرف أن فرقا شاسعا سيؤلم ذهني‪ ،‬ولن المرة األولى للكتابة‪ ،‬ويتحدث منذ البدء عن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪35‬‬


‫سؤال الكتابة‪ ،‬ودوافعه من وراء هذه الكتابة‪ :‬ويمارس الكاتب من خالل قصة سارده لعبة‬ ‫«حاصرتني تلك النيات المتعددة‪ ،‬بعد أن كان الميتاسرد‪ .‬حين تطبع غالية كتاباته في‬

‫يستحيل علي أن أكتب بأكثر من نية‪ ،‬مثلما رواية إنما هي تعيد إلى ذاكرته كل الخيبات‬ ‫يستحيل أن أكتب بأكثر من قلم‪ ،‬خشية أن والتعاسات التي م ّر بها منذ أن كان صغيرا‬ ‫يخرجني هذا من توحيد الكتابة»‪.‬‬

‫وحتى لحظة الفراق التي حدثت بينها‪ ،‬حيث‬

‫يعي الكاتب أن ثمة جدل في الرواية بين تبدأ الرواية من لحظة النهاية‪ ،‬وصول الكتاب‬ ‫ما هو مرجعي وإحالي وما هو تخييلي‪ ،‬بل من بيروت إلى الرياض‪ ،‬ثم الرجوع بالفالش‬

‫يناقش مساحات مــا هــو مرجعي وعالقته باك إلى كل محطات حياته وتفاصيلها‪.‬‬

‫بالتخييل في النص‪« :‬فرق كبير بين الوعي‬

‫تطبع غالية الكتاب الذي نشره حسان على‬

‫الــذي يحاصرني اآلن بقوانين مريبة‪ ،‬مثل اإلنترنت‪ ،‬وحين يفقد األمل في ترميم العالقة‬ ‫وجود أناس آخرين‪ ،‬حزانى‪ ،‬وملعونين‪ ،‬وقطّ اع ويكتشف نظرتها األخالقية الضيقة الى هذه‬ ‫أمــل‪ ،‬يتقاطعون معي في قصص متشابهة‪ ،‬العالقة مقارن ًة بنظرته اإلنسانية المتحرّرة‪...‬‬

‫وبــكــاء بــاهــت‪ ،‬بين الــاوعــي الجميل الــذي يقرر إتالف جميع نسخ الكتاب ويمتنع عن‬

‫تعلمته منها أثناء كتابة النية الواحدة‪ ،‬والذي الــرد على اتصاالتها الهاتفية ويــدخــل الى‬ ‫كان يمنح أوراقــي ذات يوم مساحة عضلية الحمّام كأنه يقطع الصلة مع الماضي‪ ،‬ويصم‬

‫هائلة‪ ،‬وتمارين شاقة من األمل الموارب»‪.‬‬

‫أذنيه عن صوته‪ ،‬ويغتسل من مرحلة جرّت‬

‫تحكي القصة حياة كاتب شاب يعيش في عليه األلم والصدمة‪« :‬لقد كان غريبا حقا‬ ‫منطقة الرياض (حسان)‪ ،‬يقع في حب العديد أنها نشرت الكتاب بطريقتها مثلما رتبت‬

‫من الفتيات؛ مما يكسر طوق الطهارة الذي حبنا بطريقتها أيضا‪ ،‬وحاكت هذا الفعل من‬ ‫يفرضه عليه النظام االجتماعي‪ .‬يقع في حب غيابها الخفي البعيد‪ ،‬ألن األقدار ال تصير‬

‫فتاة قريبة له‪ ،‬من عائلته (غالية)‪ ،‬ويعيش أقداراً إال إذا جاءت من الخفي البعيد أصال‪.‬‬ ‫معها قصة حب محمومة حتى يتزوجها‪ ،‬وبعد وهي بعيدة خفية منذ سنوات‪ ،‬وهــذا الذي‬

‫زواجهما بأسبوع واحد ينفصالن‪ ،‬لكن الفتاة جاءني منها اآلن بناء على مصدره‪ ،‬ثم أثره‪،‬‬ ‫تظل تحفظ العهد حتى أنها تجمع تدويناته ال يمكن بال ريــب إال أن يكون قــدرا ليس‬ ‫التي كان ينشرها على مدونته‪ ،‬ورسائل العشق‪ ،‬عندي احتمال آخر»‪.‬‬

‫في كتاب يحمل اسمه وتوقيعه‪ ،‬وترسله له‬

‫يــطــرح الــكــاتــب مــن خ ــال قــصــة حسان‬

‫من بيروت‪ ،‬حيث طبعته‪ ،‬وحين تصله نسخ وغــالــيــة‪ ،‬وع ــاق ــة حــســان بــكــتــابــه أسئلة‬

‫‪36‬‬

‫الرواية التي تحمل اسمه يطرح أسئلة الكتابة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وهل من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ويطبعه؟ وما هو إحساسنا حينما نجد خبايا من الجرح الذي نكأته «غالية» بنشر الكتاب‬

‫أعماقنا متشكلة في فضاء سردي؟ «قدّرت دون علمه‪ ،‬فيغوص فــي ال ــذات عميقا في‬

‫لي هذا دون أن تخبرني كيف يمكن أن أطرح محاولة لــمــداواة ألمها من ناحية والتطهر‬ ‫الــســؤال البسيط‪ :‬لــمــاذا؟ وال أبــدو متسوال والمحاسبة من ناحية أخرى‪ ،‬فيطرح سؤاال‬ ‫وأنــا أطــرحــه‪ ،‬ألن بعض األسئلة الكربونية واضحا ال لبس فيه‪ :‬ما الذي أوصله إلى هذه‬ ‫التي تحمل تاريخ صالحية محدودا‪ ،‬ال تظل النقطة من عالقاته بالنساء؟ من أين يأتي‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫حق غيرنا أن يأخذ ما بحنا به في زمن ما أن يتأمل حياته وعالقاته النسائية انطالقا‬

‫إجاباتها ممكنة بعده‪ ،‬وتتحول إلى أسئلة غير الداء في تعامله مع النساء؟ فغالية هَ جَ َرتْ ُه‬ ‫الئقة‪ ،‬تخدش سطوة الغياب التي ترتديه هي في األسبوع األول من زواجهما‪ .‬قــررت أن‬ ‫بكل اقتدار‪ ،‬وتمارسه وكأنها لم تأت أصال تكون ذاتا فاعلة‪ ،‬فهجرت وابتعدت ونسيت‬ ‫إال لتغيب‪ ،‬مثلما يفعل التائبون الذين قرروا الحب المحموم‪ ،‬ولم تتوقف عند هذا فقط‪،‬‬ ‫استعادة ميدالية الطهارة‪ ،‬بعد دورة حياتية بل أخذت قرار أن تجمع مدوناته وتطبع كتابا‬ ‫ضــالــة! ولــهــذا ال أجــد أمــامــي إال أن أحمل باسمه‪ .‬إنها امرأة كفؤ للرجل ومساوية له‪،‬‬ ‫أدوات األسئلة األخرى التي صرت خبيرا في وال تقل عنه في اتخاذ القرارات وممارسة‬ ‫استخدامها أخيرا‪ ،‬أنا الــذي عانيت طويال األفعال التي تقتنع بها‪.‬‬ ‫عــدم الفهم‪ ،‬وتألمت من عصيان األسئلة‪،‬‬

‫وفوجئت بالكتاب منشورا مثل صحيفة عبد‬

‫يحاسبه اهلل قبل يوم الحساب بوقت طويل»!‬ ‫الخطاب الكشفي في طوق الطهارة‬

‫لكن مــا ال ــذي كسر طــوق الــطــهــارة لدى‬

‫حسان؟‬

‫إن الــذاكــرة االسترجاعية تعود بحسان‬

‫إلى مرحلة الطفولة‪ ،‬فقد كان ابنا لرجل تقي‬

‫يعمد الكاتب في هذه الرواية إلى فكرة متدين وامــرأة تخشى على صغيرها من كل‬ ‫كشف المسكوت عنه في المجتمع السعودي‪ ،‬شئ وتعتني به وبمظهره وأناقته‪ ،‬وتخاف‬ ‫حــيــث يتبنى الــكــاتــب الــخــطــاب الكشفي‪ ،‬عليه حتى من البرد والحر والمرض‪ ،‬فنشأ‬

‫ويفضح الالمقول في المجتمع عبر خطاب حسان صبيا ذا مواصفات خاصة مما أطمع‬ ‫سوسيولوجي جريء‪ ،‬فعلوان الذي يستخدم فيه مجتمع الذكور‪ ،‬فتعرض الصبي الوسيم‬

‫شخصية حــســان الـــذي حـــاول كــســر طــوق المتأنق دوما إلى تحرشات الرجال بدءا من‬

‫الطهارة منذ أن عاد بذاكرته االسترجاعية مدرس التربية الفنية وليس انتهاء بمدرس‬

‫إلى السنوات األولى من حياته يتعامل مع ما التربية الموسيقية الذي كان يُحفّظه النشيد‬ ‫هو مجتمعي بجرأة وجسارة‪ .‬يحاول حسان الجماعي الذي سينشده مع كورال األطفال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪37‬‬


‫فــي الــمــدرســة‪ .‬يــحــاول الــمــدرس حينها أن‬

‫راحــت يــدي تطبق دورا كتب عليها منذ‬

‫يختلي بالصغير بحجة أن يصلح له مالبسه‪ ،‬سبع عشرة سنة‪ ..‬اآلن فقط أستخرج من‬ ‫وهناك يحاول أن يحتك بجسده فيهرب منه طفولتي تفسيرات محتملة لكل عــاداتــي‬ ‫الصغير سريعاً‪.‬‬ ‫عندما كان جسدي الطفل ال يفهم الجنس‪،‬‬ ‫إذاً تعرض حسان الصغير للتحرش زرع فيه ولكن عقلي الباطن يفهمه حتما‪ ،‬ويستوعبه‬ ‫شعورين األول الخوف من االختالء بالرجال ويــدركــه‪ ،‬وعندما يكبر يظل العقل الباطن‬ ‫أيا كانوا‪ ،‬والثاني هو االنتقام الجسدي من على إدراكه السابق‪ ،‬ولكن يصبح هناك جسد‬

‫أجساد أضعف منه ونفوس أكثر هشاشة من ناضج مستعداً لتلقي تلك األوامر المختزنة‪،‬‬ ‫نفسه الهشة المأزومة‪ ،‬لم يجد أمامه سوى وممارسات السلوكيات التي يمليها عليه ذلك‬ ‫الحلقة األضعف في المجتمع؛ ليمارس عليها الذي أحاط بكل شئ‪ ،‬و«الجسد ال ينسى» كما‬ ‫أزمات شعورية كامنة في الالوعي‪.‬‬ ‫قال فرويد‪.‬‬ ‫إذاً يحاول الكاتب أن يقارب الموضوعات‬ ‫االجتماعية والــعــاقــات اإلنــســانــيــة بجرأة‬ ‫واضحة‪ ،‬فيقدم لنا خطابا كشفيا جريئا في‬ ‫تناوله لموضوعة الحب والعالقات النفسية‬ ‫والجسدية بين الــرجــال والــنــســاء‪ ،‬وتــاريــخ‬ ‫الــمــديــنــة الــســري الـــذي يحيل إل ــى مــا هو‬ ‫مرجعي وواقعي في مجتمع من المجتمعات‬ ‫العربية التي تشيع فيها الثقافة الذكورية التي‬ ‫تعتبر المرأة موضوعا للمتعة وليست ذاتا‬ ‫مكافأة للرجل‪.‬‬

‫إنه خطاب ميتاسردي استطاع أن يطرح‬ ‫أسئلة الكتابة ورؤيــة العالم لــدى المؤلف‪،‬‬ ‫والــهــواجــس الــتــي تــنــتــابــه كـ ــذات مــبــدعــة‪،‬‬ ‫لكنه تخلى عن أهم دور ينتظر من الكتابة‬ ‫الميتاسردية‪ ،‬وهــو مناقشة طرائق السرد‬ ‫وتــكــويــن الشخصيات والجماليات الفنية‬ ‫في الرواية والتفكير النقدي الذي يجب أن‬ ‫يمتلكه كاتب الخطاب الميتاسردي‪.‬‬ ‫لقد وقف الكاتب عند مسعى وحيد مما‬

‫كــان حسان كلما التقى بفتاة وبــدأ معها تسعى إليه الكتابة الميتاسردية هو مسعى‬ ‫عالقة غرامية يمارس عليها ذات القهر الذي رؤيــة العالم وأسئلة الكتابة‪ ،‬وتناسى تحت‬

‫مورس على جسده وروحــه وهو بعد صغير‪ :‬إغواء مناقشة الهواجس والقلق التي تنتاب‬ ‫«في لقائي األول مع جورية ارتسم في عينيها الكتاب ويحاولون إخراجها على الورق‪ ،‬تناسي‬ ‫عتاب خجول‪ ،‬ومــن وراء ابتسامة مرتجفة األه ــداف الجمالية التي تحققها الكتابة‬

‫‪38‬‬

‫قالت لي‪ :‬يدك!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫الميتاسردية‪.‬‬


‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري ‪ -‬ناقد وروائي من املغرب‬

‫لــيــس محمد عــلــوان أول روائـ ــي يمتح تاريخية‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه‪ ،‬ليس من‬ ‫مادته من التاريخ‪ ،‬وليس هو أول من اشتغل اليسير تحريف مادة معروفة لدى القارئ‪،‬‬ ‫بالتصوف والصوفية كسيولة متنية‪ ،‬فقد خــاصــة وأن اب ــن عــربــي شخصية فكرية‬ ‫سبقه كثيرون إلى طرق هذا الباب‪ ،1‬لكن وفلسفية وأدبية شهيرة‪ .‬ثم فيما بعد‪ ،‬تأثيث‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الصوفي الموزعة بين األلم واالمتالء‬ ‫موت صغير‪ :‬حكاية‬ ‫ّ‬

‫ليس من السهل اتخاذ سيرة الشيخ األكبر التفاصيل الملحقة بهذه الــثــوابــت‪ ،‬بشكل‬

‫ابن عربي هيكال محوريا تنهض عليه رواية‪ ،‬يضمن لهما االنسجام داخل نص كلي‪.‬‬ ‫لعدة أسباب أجملها كالتالي‪:‬‬

‫وقد ساهمت خبرة الكاتب وموهبته‪ ،‬في‬

‫المادة الخبرية حول ابن عربي تعرف شحّ ا التحكم في صلب المادة الخبرية‪ ،‬وتلقيحها‬

‫وتضاربا‪ ،‬وتكتنفها الكثير من البياضات‪ ،‬بخياله الواسع ولغته المتميزة‪ ،‬مما جعل‬ ‫والفجوات بحكم العالقة الملتبسة التي كانت الــروايــة تقدم لنا ابــن عربي الصوفي في‬

‫تجمعه برجال السلطة من جهة‪ ،‬وبمريديه متخيل أروع من الصورة التي نحملها عنه‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬وبالفقهاء من جهة ثالثة‪.‬‬

‫ســواء من خــال الــروايــات التاريخية التي‬

‫التلف الــذي تعرضت له ذخيرته وتراثه تترجم له‪ ،‬أو من خالل الصورة الملتبسة‬ ‫بفعل المواقف العدائية من التصوف في التي ترسّ خها من خالل الغوص في مؤلفاته‪.‬‬ ‫بــعــض الــمــراحــل الــتــاريــخــيــة تــحــت ذريــعــة‬ ‫تضمّنها فــكــراً خــرافــيـاً وتحريضها على‬ ‫الزندقة والكفر وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫كــون ابــن عربي قطبا ذاع صيته‪ ،‬وكثر‬ ‫مريدوه‪ ،‬فتعددت‪ ،‬بالتالي‪ ،‬الروايات المتعلقة‬ ‫بحياته وسيرته وكراماته‪ ،‬إلى ح ّد التضخيم‪.‬‬ ‫كل هذه االعتبارات جعلت محمد علوان‬ ‫أمام خيارات صعبة‪ ،‬وتحديات وعرة تتمثل‬ ‫أوال في الحسم مع الثوابت من األخبار‪ ،‬ولو‬ ‫أنه ليس من المفروض عليه اإلتيان بحقائق‬

‫لقد قدّمت هذه الرواية السيرية شخصية‬ ‫محيي الدين ابن عربي منذ والدته ببلنسية‬ ‫حتى وفاته بدمشق‪ ،‬في صورة واقعية تبتعد‬ ‫ك ّل البعد عن الصورة المتعالية التي تقدمه‬ ‫بها كتب التراجم‪ ،‬فنعرفه في تقلباته الحياتية‬ ‫بين الفرح والحزن‪ ،‬السعادة واليأس‪ ،‬الفقر‬ ‫والــغــنــى‪ ،‬الضيق والــدعــة‪ ،‬ونلمس جوانب‬ ‫اإلنسان فيه وهو يطارد الحقيقة‪ ،‬فيخفق‬ ‫وينجح‪ ،‬يتهادى بين اإلحباط واالطمئنان‪،‬‬ ‫ويــجــرجــر نفسه فــي الــكــهــوف والــخــلــوات‬ ‫والمقابر‪ ،‬ويهرب من نار المطاردة والحصار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪39‬‬


‫بحثا عــن أفــق أرح ــب لممارسة نشاطاته‬

‫التعبدية والتدريسية والتأليفية‪.‬‬

‫عرفت األندلس طفرة كبيرة على مستوى‬ ‫الــثــراء والغنى فــي جميع مناحي الحياة‪،‬‬

‫تنجح الرواية في أن تضفي المتعة على مــمــا مــهــد لــظــهــور فــنــون وأشــكــال وألـــوان‬ ‫تفاصيل سيرة بشرية صعبة‪ ،‬وتسبغ عليها مــن الــبــذخ والــتــرف ومــظــاهــر الــفــســاد في‬ ‫أنواع الطرف والمالحة والغرابة‪ ،‬لتيسّ ر تقبّل العالقات واألخالق والعقيدة‪ ،‬كما أن النظر‬ ‫ك ّل هذا الك ّم الضخم من الوقائع بسالسة‪ ،‬السطحيّ للنص اإلسالمي أثار حفيظة كثير‬ ‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬تنزل ابن عربي من خلوته من العلماء الذين ضاقوا بسطحية الفقه‬ ‫العاجية‪ ،‬وبرجه العرفاني الغميس ليعيش الظاهري‪ ،‬فراحوا يبتكرون لهم فنونا من‬ ‫بين الــنــاس‪ ،‬ويتفاعل مــع الــقــرّاء‪ ،‬فيحبه القول‪ ،‬ومذاهب من التأويل باتت تنتشر في‬ ‫المتلقون في الصورة المتخيلة التي تلبسها الغرب اإلسالمي‪ ،‬وسرعان ما بدأت تتسلل‬

‫إيّاه الرّواية‪ ،‬حتى في أذهان من يتبرّمون من إلى المشرق عن طريق الرحالت والمؤلفات‬ ‫المنطق الصوفيّ وفلسفته‪.‬‬

‫‪ .1‬سياق التشكل‪:‬‬ ‫تميط الرواية اللثام عن سياق عا ّم أفرز‬

‫ظاهرة ابــن عربي ومعها التصوف السني‬

‫التي كان يوزعها المريدون‪.‬‬

‫رأى ابن عربي نور الحياة في بيت علم‬ ‫وأدب وتقوى‪ ،‬فقد كان جده قاضيا‪ ،‬وكان‬ ‫والده رجال محدثا وفقيها مقربا من البالط‪،‬‬

‫باألندلس في الفترة الموحدية التي جاءت بمدينة جميلة اسمها مرسية‪ ،‬لكن طمأنينة‬ ‫على أنقاض الفترة المرابطية‪ .‬ففي الوقت األس ـ ــرة س ــرع ــان م ــا تــهــت ـ ّز تــحــت حــصــار‬ ‫الــذي كــان الــمـ ّد الفقهي الــمــؤازر مــن قبل الموحدين للمدينة‪ ،‬ليجد الطفل نفسه‬ ‫البالط‪ ،‬يتعزّز فارضا ربقته على المفكرين مضطرا لمغادرة بيته مولده إلــى اشبيلية‬

‫والمبدعين في شتّى المجاالت‪ ،‬بالموازاة مع التي كانت مدينة تشع بالحضارة والرخاء‪،‬‬ ‫االنفتاح الفلسفيّ على كنوز اليونان‪ ،‬ظهر ويسّ ر له موقع والده االجتماعي في القصر‪،‬‬

‫تيار ثالث يستنّ طرقا وأساليب مخالفة في وحظوته بين العلماء والفقهاء في أن يجد‬ ‫عالقته بالنّص الديني‪ ،‬والسلطة‪ ،‬واإلبداع مــكــانــه فــي أفــضــل الــجــوامــع والــكــتــاتــيــب‪،‬‬ ‫الشعري‪ ،‬وال ــذات‪ .‬وبالرغم من المقوالت ويجالس أكبر المحدثين والفقهاء والمعلمين‬ ‫الجديدة والغريبة التي جاء بها هذا المذهب‪ ،‬في العصر‪ ،‬وبفضل حدّة ذكائه ودقة ذاكرته‪،‬‬ ‫فقد القى رواجا كبيرا بين الناس‪ ،‬وسرعان استطاع أن يحفظ القرآن والحديث‪ ،‬في زمن‬ ‫ما أصبحت له خرائط وجغرافيات وأساليب قياسيّ ‪ ،‬ثم ينفتح على التفسير وعلوم اللغة‬

‫‪40‬‬

‫وجماعات متناسلة من المريدين والشيوخ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫والبالغة والفقه وغيرها من العلوم التي‬


‫وظــ ّل يدفعه كــام ام ــرأة مقربة‪ ،‬كانت الجواني‪ ،‬ويغتسل من أدران الواقع وعفن‬ ‫بالنسبة إليه األم الثانية‪ ،‬اسمها (فاطمة) الملذات الدنيوية الشهوانية والمتطلبات‬ ‫رافقتهم في رحلة اشبيلية إلى التأمل في المادية للجسد‪ ،‬يضطر الصوفي للدخول‬ ‫الطبيعة والخلق والذات البشرية‪ ،‬ومقارنة ما في امتحانات وتحديات مع النفس ليروضها‪،‬‬

‫يتوصل إليه بَخَ فِ يّ حواسه مع ما يتلقاه من وبعد أن يسكن إلى صفاء روحه‪ ،‬يعود إلى‬ ‫معارف‪ ،‬فأشرقت أنوار التصوف في نفسه الحياة ليكشف أسراره العلوية وما رآه خلف‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫كانت تحفل بها مقامات العلم والمعرفة‪.‬‬

‫الناعم والخشن‪ ،‬فلكي يتطهر عالم الذات‬

‫منذ زمــن مبكر‪ ،‬فــراح يختلي في القبور‪ ،‬الحجب للناس‪ ،‬فيصطدم بأمواج عاتية من‬ ‫واألماكن المقفرة‪ ،‬والــوادي ليال‪ ،‬ومرض‪ ،‬الحواجز منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو‬

‫بعد ذلك‪ ،‬مرضا شديدا نجا منه بمعجزة‪ ،‬سياسي‪ ،‬ومنها ما هو تداولي ناجم عن الفهم‬ ‫وفي مرضه ذاك رأى حلما ظل يزند جذوة السطحي للناس‪ ،‬ومضايقات الفقهاء الذين‬ ‫التصوف في نفسه‪ ،‬فراح يبحث عن األوتاد ما فتئوا يوغرون صدور الوالة والسالطين‬ ‫األربعة‪ ،‬ويطارد شيوخ التصوف ليأخذ عنهم والملوك عليه‪ ،‬فيطرد أو يسجن‪ ،‬أو يمنع‬

‫ضدا عن رغبة أبيه‪ ،‬وفيما كانت الحاجة من الــدرس‪ ،‬أو تضيق عليه فسحة العيش‪،‬‬ ‫ماسة إلــى اســتــقــراره‪ ،‬باتت رغبة السفر فيرحل إلى أفق آخر‪.‬‬ ‫والتجوال تلحّ عليه مبكرا‪.‬‬

‫واستنادا إلى تجربة ابن عربي‪ ،‬يمكن‬

‫ومــن بين العوامل الكبرى التي فتحت أن نسجل أنواع المحن التي تعرض لها في‬ ‫بصيرته على التنوع والفيض الغيبي‪ ،‬حضوره حياته كالتالي‪:‬‬ ‫لمجالس الفيلسوف المسيحي فريدريك ‪ -١‬محنة الجسد ومتطلباته الشهوانية التي‬ ‫وجماعته الــذيــن كــانــوا يختلون فــي أماكن‬ ‫كانت تجره إلى ارتكاب الخطايا‪ ،‬والذنوب‬ ‫خاصة لتدارس الفلسفة والفكر اليونانيين‪،‬‬ ‫واالن ــص ــات للموسيقى والــغــنــاء‪ ،‬والسكر‬ ‫ح ّد الثمالة‪ ،‬واإلغــراق في فنون المكاشفة‬ ‫واالنشراح واالطالع على الفكر الفيثاغوريّ‬ ‫واألفالطونيّ ‪.‬‬ ‫‪ .2‬ترادف المحن‬ ‫تحكي الرواية تجربة الصوفيّ بوجهيها‬

‫والمعاصي‪ ،‬فيعمد إلى معاقبته باللجوء‬ ‫إلى المبيت في المقابر‪ ،‬وقراءة القرآن‪،‬‬ ‫وتجويع النفس وقهر رغباتها في الطعام‬ ‫والمعاشرة الجنسية واالختالط بالناس؛‬ ‫‪ -٢‬محنة األسرة وتحمله المسؤولية مبكّرا‬ ‫بعد وفاة عمّه وأمه ووالده‪ ،‬وتيتّمه وأختيه‬ ‫مبكرا؛‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪41‬‬


‫‪ -٣‬محنة السفر بحثا عن الذات (الصفاء)‬ ‫وتــأصــيــا للطريقة (األوتــــــاد) وهــربــا‬

‫تــردده األلسن شعرا في ما بعد رحيله؛‬ ‫يقول‪:‬‬

‫مــن مــضــايــقــات أه ــل الــوقــت (السلطة ل ـقــدْ ص ــا َر قـلـبــي ق ــاب ـ ًـا ك ــلَّ ص ــورة‬ ‫السياسية)‪ ،‬ورغبة في التواصل مع آفاق‬ ‫ـان‬ ‫ف ــمَ ـرْعً ــى ل ـ ــغِ ـ ـ ـ ْزال ٍَن وديـ ـ ــرٌ ل ــرُ هْ ـب ـ ِ‬ ‫أرحب‪ .‬يقول الراوي في (موت صغير)‪:‬‬

‫ـان وكـ ـعـ ـب ــة ط ــائ ـ ٍـف‪،‬‬ ‫و َب ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ٌـت ألوثـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫«مــنــذ أوجــدنــي اهلل فــي مــرسـ ّيــة حتى‬ ‫ـرآن‬ ‫وأل ـ ـ ـ ـ ــواحُ تـ ـ ـ ــوراة ومـ ـصـ ـح ـ ُـف قـ ـ ـ ِ‬

‫سفر ال ينقطع‪.‬‬ ‫توفاني في دمشق وأنا في ٍ‬

‫ـوجـهـ ْـت‬ ‫رأيت بالداً ولقيت أناساً وصحبت أولياء أدي ـ ــنُ ب ــدي ـ ِـن ال ـح ـ ِّـب أ َّنـ ــى تـ َّ‬ ‫َرك ــائِ ـ ـ ُب ــهُ ف ــال ـ ُـح ـ ُّـب دي ـن ــي وإي ـمــانــي‬ ‫وعشت تحت حكم الموحدين واأليوبيين‬

‫ٍ‬ ‫والعباسيين والسالجقة في‬ ‫طريق قدّره ‪ -7‬محنة الفقد التي الزمته بسبب رحيل‬ ‫اهلل لي قبل خلقي‪ .‬من يولد في مدينة‬ ‫كــل مــن أحبهم‪ ،‬وألــفــهــم‪ ،‬وســانــدوه في‬ ‫محاصرة تولد معه رغبة جامحة في‬ ‫االنــطــاق خــارج األسـ ــوار‪ .‬المؤمن في‬ ‫سفر دائم‪ .‬والوجود كله سف ٌر في سفر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من ترك السفر سكن‪ ،‬ومن سكن عاد إلى‬ ‫العدم»‪.i‬‬ ‫‪ -٤‬محنة التضييق عليه من لــدن الفقهاء‬ ‫الــذيــن بــاتــوا يــحـرّضــون عليه الساسة‬ ‫والسالطين‪ ،‬ويوشون به لدى من يقربونه‬ ‫منهم من والة رغبة في إزاحته؛‬

‫الحياة‪ ،‬وآزروه في الشدة؛ انطالقا من‬ ‫والديه‪ ،‬ومرورا بزوجاته‪ ،‬وابنته الصغيرة‪،‬‬ ‫وشيوخه‪ ،‬وانتهاء بأصدقائه ومريديه؛‬ ‫‪ .3‬بين السيرة والرحلة والرواية‬ ‫انسجاما مع روح النص الــســردي‪ ،‬ومع‬ ‫طبيعة الكتابة السيرية الغيرية التي تتهجى‬ ‫أثــر شخصية معروفة في التراث العربي‪،‬‬ ‫بكونها أكثر الشخصيات المثيرة للجدل‪،‬‬ ‫فقد ألفى الــروايــة نفسه مضطرا للتنويع‬

‫‪ -٥‬محنة الفهم السطحي لما يقوله ويكتبه بين أنماط الخطاب‪ ،‬وتشييد عالمه على‬ ‫ويـــؤولـــه م ــن ن ــص ــوص‪ ،‬وي ــب ــوح ب ــه من أعــمــدة متعددة‪ ،‬فمن جهة أرســى خطابه‬ ‫إشراقات نورانية؛‬

‫عــلــى دعــامــات الــســيــرة الــغــيــريــة‪ ،‬ول ــو أنــه‬

‫‪ -٦‬محنة الفشل في العشرة الزّوجية‪ ،‬وتوالي سردها بضمير المتكلم ليسهل عليه النفاذ‬ ‫الخيبات في الزّواج‪ ،‬ومعاكسة الحظ له إلى عمق الشخصية الرئيسة‪ ،‬خاصة أثناء‬ ‫في العشق (تجربة النظام)‪ii‬؛ هذا العشق البوح بأسرار االرتحال الداخلي وآثار السفر‬

‫‪42‬‬

‫الذي أبدى فيه رأيا مثيرا للجدل؛ باتت العلوي التي يصعب على الــراوي الخارجي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫يتقصى المادّة الخبريّة‬ ‫ّ‬ ‫الوصول إليها‪ ،‬فراح‬ ‫الموزّعة في بطون األسفار والكتب‪ ،‬بين كتب‬ ‫التّراجم واألنساب ومصادر التاريخ‪ ،‬ويجمع‬ ‫منها ما يشيد به عالمه السّ ردي‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬أسّ س مسرده الرّوائي‬ ‫على صيغة رحلة‪ ،‬متسلسلة الفصول تبعا‬ ‫لدينامية الحركة السفرية (مرسية‪ ،‬اشبيلية‪،‬‬ ‫قرطبة‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬بجاية‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬مكة‪ ،‬دمشق‪ ،‬حلب‪ ،‬قونية‪ ،‬مالطية‪،‬‬ ‫بــغــداد‪ ،‬دمشق مــرة أخــرى) راويــا ما جرى‬ ‫للشّ خصية فــي كــ ّل مــحــطّ ــة مــن محطّ ات‬ ‫ترحالها‪.iv‬‬

‫مــفــردات المرحلة التاريخية‪ ،‬ومــن فيض‬

‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬جاءت الرواية لتلحم ك ّل الــمــعــجــم الــعــرفــانــيّ دون أن تــســقــط في‬ ‫هذه المعطيات بما تملكه من خصوصيات الغموض أو االبــتــذال‪ ،‬بالعكس مــن ذلــك‪،‬‬

‫التنويع واالستيعاب لك ّل أنماط الخطاب‪ ،‬باتت تتميز بحيوية متجددة بتجدد الفصول‪،‬‬ ‫وتــبــرز قيمة الــفــنّ ال ــروائ ــي وصنعته في وتبدل أحــوال الشخصية‪ ،‬وتعقد المواقف‬ ‫هــذا العمل مــن خــال التوصيف الدقيق والصعوبات التي يسقط في شركها‪ ،‬ممسكة‬

‫لألشخاص واألماكن‪ ،‬والتفاصيل الدقيقة بظ ّل المتعة الذي ظ ّل محور النص‪ ،‬ونكهته‪.‬‬ ‫الــتــي نسجت أطـــراف الــعــوالــم الحكائية‪ ،‬فــبــالــرغــم مــن حــجــم الــنــص الـــذي يــقــارب‬

‫ونظمت خيوطها‪ ،‬وعبأت فراغاتها بالخيال ستمائة صفحة‪ ،‬ومــع خصوصية الــمــادة‬ ‫الخصب والمناسب الذي أضفى على السرد الصوفية التي استند عليها السرد‪ ،‬وتعرّج‬

‫طابع المتعة والطرافة والواقعية‪ ،‬فبدا كأننا تضاريس المنطقة اإلنسانية التي يخوض‬ ‫نقرأ عن شخصية ابن عربي للمرة األولى‪ ،‬فيها‪ ،‬لم تتنازل السيولة المضمونية عن‬

‫مثلما لو عاشرناه‪ ،‬باألمس القريب‪ ،‬في ك ّل اإلثارة والتشويق اللذين ظال‪ ،‬من أول وضعية‬ ‫حركاته وسكناته‪ ،‬وعشنا معه ك ّل تفاصيل في النص‪ ،‬إلى آخر موتيف تختتم به الرواية‪،‬‬ ‫فرحه ومحنته من ميالده حتى فيض روحه‪ .‬العصب النابض‪ ،‬واللحمة التي تشد مفاصل‬ ‫كانت اللغة الــســرديــة شفافة تمتح من المحكي‪ ،‬في ذهن المتلقي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪43‬‬


‫وجاء التمفصل الكبير ألبواب الحكي في الكبريت األحمر‪ ،‬ذات بعدين‪ :‬األول فني‬ ‫شكل رحلة موازية لمخطوطات الرجل (ابن يشكل حيلة سردية لتشغيل المتلقي ذهنه‬ ‫عربي) بين أماكن كثيرة‪ ،‬وبين مكتبات خاصة إبــان الــقــراءة‪ ،‬والثاني داللــي؛ يــروم تصوير‬ ‫وأخرى عامة‪ ،‬لتؤكد االمتحان المتتالي الذي محنة الفكر الصوفي بعد رحيل الرجل‪.‬‬

‫تعرض له فكر ابن عربي بعد رحيله إلى العالم‬

‫لقد أفلح علوان في جعل نصه المغرق‬

‫اآلخر‪ ،‬حيث يروج في المصادر التاريخية أن بالتفاعالت النصية‪ ،‬والــطــافــح بــالــدوال‬ ‫مؤلفاته حرقت‪ ،‬وحوربت من قبل الفقهاء المرجعية المستقاة من المصادر الكثيرة‬

‫والسلطة معا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فالفكر القوي الحر التي وجدها أمامه في الموضوع‪ ،v‬عالمة‬ ‫ال يمكن طمسه مهما اجتهد أعداؤه في ابتكار صوفية سردية تبسط حياة الصوفي‪ ،‬وتقرب‬ ‫أساليب المحو‪ ،‬فقد ظل فكر ابــن عربي‪ ،‬فكره الذي يرهب أحيانا‪ ،‬إلى درجة النفور‬ ‫وكتبه بسبع أرواح‪ ،‬ما إن يختفي هنا‪ ،‬حتى منه‪ ،‬فــي صــورة خالية مــن التعقيد الــذي‬

‫يظهر هناك‪ ،‬وحتى في حياته‪ ،‬كان يعجب نلمس فــي كتب الــكــرامــات‪ ،‬وكــتــب الفكر‬ ‫الرجل كيف تسافر مخطوطاته وأشعاره بين الصوفي المغرقة في التجريد والمافوقيات‬ ‫المدن‪ ،‬وأحيانا تسبقه في سفرياته‪ ،‬فما إن والفلسفة العرفانية التي كــان منوطا بها‬

‫يرتاد سوقا للكتب‪ ،‬حتى يجد أحد أعماله تفسير العالقات بين سلوكيات العرفاني‬

‫يتناقله النساخ‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنّ خطة إدراج أمر واعتقاداته اإلشراقية المبطنة‪ ،‬وهو أمر ال‬ ‫المخطوطات في الرواية‪ ،‬بالتوازي مع سيرة يعني الناس العاديين في كثير من جوانبه‪.‬‬

‫(‪) ١‬‬ ‫(‪ )٢‬‬ ‫(‪ )٣‬‬ ‫(‪ )٤‬‬ ‫(‪ )٥‬‬

‫ ‬

‫‪44‬‬

‫محمد حسن علوان‪ :‬موت صغير‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.25 .‬‬ ‫بناء على قصائده العشقية في فتاة متصوفة اسمها «النظام» التي رفضت الزواج منه لكونها وتده‬ ‫الثالث‪ ،‬سيتم مهاجمته من قبل الفقهاء‪ ،‬واتهامه بالزندقة والفسوق‪ ،‬فرد عليهم بترجمة وتفسير هذه‬ ‫القصائد في كتاب له أسماه «ذخائر األعالق في ترجمان األشواق»‪.‬‬ ‫مامات األراكَة والبَانِ ‪ ،‬انظر الموقع اإللكتروني‪http://www.adab.com/modules. :‬‬ ‫ِ‬ ‫محيي بن عربي‪ :‬أال يا حَ‬ ‫‪.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=19269‬‬ ‫لم تتناول رحلة ابن عربي دراسات مفردة‪ ،‬ولم تجمع في كتاب خاص‪ ،‬لكن ابن عربي نفسه أفرد لها‬ ‫بعض اإلشارات المتفرقة في كتبه؛ منها‪ :‬كتاب اإلسرا في مقام األسرى الوارد ضمن رسائله المعروفة‪،‬‬ ‫فضال عن إشارات في كتابه «الفتوحات المكية»‪.‬‬ ‫من المصادر والمراجع التي استند إليها الروائي‪ ،‬وإن لم يشر إليها في نهاية الرواية‪ ،‬نذكر‪:‬‬ ‫كلود عداس‪ :‬ابن عربي‪ :‬سيرته وفكره‪ ،‬ترجمة وتحقيق أحمد الصادقي وسعاد الحكيم‪ ،‬دار المدار‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م ‪ -‬فصوص الحكم‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬الديوان الكبير‪،‬‬ ‫ترجمان األشواق‪ ،‬ذخائر األعالق‪ ،‬البن عربي‪ -‬نفح الطيب للمقري‪ ،‬الوافي بالوفيات لصالح الدين‬ ‫أسين‬ ‫الصفدي‪ ،‬عقيدة ابن عربي وحياته‪ ،‬تأليف‪ :‬تقي الدين الفاسي ‪ -‬ابن عربي «حياته ومذهبه» ِ‬ ‫بالثيوس‪ ،‬ترجمه عن اإلسبانية عبدالرحمن بدوي‪ ...‬وغيرها من المؤلفات مما يصعب حصرها في‬ ‫الئحة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬هشام بنشاوي ‪ -‬املغرب‬

‫نادرة هي تجارب كتابة سير العلماء واألئمة‬ ‫في الرواية العربية‪ ،‬وهي تعد على أصابع اليد‬ ‫الواحدة‪ ،‬فلم يلتفت إلى بعضهم إال القليل؛ نذكر‬ ‫من بينها تجربة الروائي بنسالم حميش في روايته‬ ‫«العالمة» عن «ابن خلدون» وكذلك روايته «هذا‬ ‫األندلسي» عن «ابن سبعين»‪ ،‬وواسيني األعرج‬ ‫في «كتاب األمير» الذي اقتفى فيه سيرة «اإلمام‬ ‫عبدالقادر الــجــزائــري»‪ ،‬وكذلك تجربة محمد‬ ‫العدوي في روايته «الرئيس»‪ ،‬التي تطرقت إلى‬ ‫نتف من حياة الشيخ الرئيس «ابــن سينا»؛ أمّا‬ ‫أشهر تجربة عن المتصوفة‪ ،‬فهي ديوان صالح‬ ‫عبدالصبور «مأساة الحالج»‪ ،‬وال ننسى رواية‬ ‫«قواعد العشق األربعون» للتركية إليف شافق‪،‬‬ ‫التي تناولت سيرة «جالل الدين الرومي» و«شمس‬ ‫الدين التبريزي»؛ وأخيرا‪ ،‬وليس آخــرا‪ ،‬محمد‬ ‫حسن علوان في رواية «موت صغير»‪ ،‬التي دون‬ ‫فيها سيرة الشيخ محيي الدين ابن عربي‪ ،‬والتي‬ ‫حاز بفضلها هذا الروائي السعودي الشاب على‬ ‫جائزة بوكر العربية ‪2017‬م‪.‬‬ ‫إذا أضفت رواية «قواعد العشق األربعون» هالة‬ ‫من السحر على الحالة الصوفيّة‪ ،‬فإن رواية «موتٌ‬ ‫صغير»‪ ،‬والمستوحى عنوانها من عبارة لمحيي‬ ‫الدين ابن عربي‪« :‬الحبُّ موتٌ صغير»‪ ،‬حاولت‬ ‫أن تبقى محايدة مع التجربة الصوفية‪ ،‬مع شعرنة‬ ‫السرد‪ ،‬رغم إقرارها بحدوث بعض الكرامات‪،‬‬ ‫ولحظات الصفاء والكشف‪ .‬كما رصدت الرواية‬ ‫ما هو يومي وعــادي في حياة الشيخ ومحيطه‪،‬‬ ‫ورسمت الوجه اآلخر له؛ ورغم أن حياة الشيخ‬ ‫المتصوّف زاخــرة بالتفاصيل‪ ،‬كــآراء ابن عربي‬ ‫وأفــكــاره‪ ،‬التي جـرّت عليه الكثير من المشاكل‬

‫مكان‪ ،‬وقادته إلى‬ ‫وألّبت عليه الفقهاء في كل ٍ‬ ‫السجن في القاهرة في إحدى رحالته‪ ،‬من ناحية‪،‬‬ ‫وأيضا ما يزخر به تراث ابن عربي‪ ،‬المنقول إلينا‬ ‫كامال من كلمات وأقــوال مأثورة‪ ،‬حــاول محمد‬ ‫حسن علوان اقتباسها في مطالع فصول الرواية‪،‬‬ ‫وكــذلــك مــا تضمه مــؤلــفــات الشيخ األكــبــر من‬ ‫أفكارٍ وآراءٍ في عالقة المرء بربه وبالعالم وما‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬إال إن الكاتب لم يتطرق إليه كثيرًا في‬ ‫سيرة ابن عربي‪ ،‬بل حــاول أن ينقل لنا السيرة‬ ‫اإلنسانية لشيخ المتصوفين‪ ،‬والتي تخللها الكثير‬ ‫من االنكسارات‪ ،‬والتطلعات ومجاهدة النفس‬ ‫عصر طافح بالصراعات‬ ‫للوصول إلى مبتغاه‪ ،‬في ٍ‬ ‫والتطاحنات والمؤامرات السياسية‪ ،‬التي مزّقت‬ ‫أوصال العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫قامت الرواية على مستويين سرديين‪ ،‬إذ توازت‬ ‫حكاية رحلة المخطوط من مكان إلى آخر‪ ،‬والذي‬ ‫انتقل من أذربيجان عام ‪610‬هـ‪ ،‬وحتى وصولها‬ ‫إلى بيروت عام ‪2012‬م‪ ،‬مع حكاية رحلة الشيخ‬ ‫محيي الدين ابن عربي‪ ،‬ومع كل ظهور للمخطوط‬ ‫تظهر شخصيات جــديــدة‪ ،‬فــي زمــكــان مختلف‬ ‫وصراعات متباينة؛ ففي المستوى السردي األول‪،‬‬ ‫نتابع رحلة انتقال المخطوط‪ ،‬والتي شهدت أياما‬ ‫عصيبة في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وعاصر حاملوه‬ ‫الكثير من الحروب والصراعات واالبتالءات عبر‬ ‫يكتف «علوان» بعرض‬ ‫ذلك التاريخ الممتد‪ .‬إذ لم ِ‬ ‫سيرة ابن عربي وحياته‪ ،‬بل حمل المستوى اآلخر‬ ‫من السرد لقطات مكثّفة وذكية لرحلة مأساوية‬ ‫أخــرى في األجــزاء‪ ،‬التي عنونها بـ»المخطوط»‬ ‫وزمكانه‪ ،‬وقــد اختار لكل مرحلة من مراحلها‬ ‫إحدى المصائب أو الكوارث التي مني بها العالم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫موت ابن عربي الصغير‬

‫‪45‬‬


‫اإلسالمي في تلك البقعة‪ ،‬التي كان «المخطوط»‬ ‫فيها‪ ،‬حتى يضطر المحتفظ به إلى أن ينقله إلى‬ ‫مكان آخــر‪ ،‬حتى يصل إلــى أيدينا في النهاية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في رحلةٍ طافت أماكن مختلفة وحروباً وويالت‬ ‫متعددة بعد وفاة صاحب المخطوط أصالً! فهو‬ ‫يتخيّل وجود مخطوط كتبه الشيخ بنفسه ودوّن‬ ‫فيه سيرة حياته‪ ،‬وقد انتقل هذا المخطوط من‬ ‫ٍيد إلى يد‪ ،‬ومن زمـ ٍـن إلى آخر حتى وصل إلى‬ ‫بيروت عام ‪2012‬م‪.‬‬ ‫أما المستوى السردي الثاني‪ ،‬فقد احتفى‬ ‫فيه محمد علوان بسيرة ابن عربي منذ ميالده‪،‬‬ ‫والمحن التي شهدها‪ ،‬إ ّبــان رحلته الطويلة من‬ ‫غربي البالد (في األندلس حيث والدته وشبابه)‬ ‫إلــى شرقيها (دمــشــق)‪ ،‬م ــرورًا بالقاهرة ومكة‬ ‫وغيرها من حواضر العالم اإلسالمي للبحث عن‬ ‫مكان آلخر بحثًا‬ ‫«أوتاده» األربعة‪ ،‬وقد انتقل من ٍ‬ ‫عن «الوتد» الذي ال يستقيم قلبه و«واليته» إال به‪.‬‬ ‫وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الوالية‬ ‫عندهم‪ ،‬فمنهم مــن قــالــوا إنهم يتقسمون إلى‬ ‫«القطب» أو «الغوث‪ »،‬وهو أكبر األولياء جميعًا‪،‬‬ ‫وهو واحــد في كل زمــان وتحته األوتــاد األربعة‪،‬‬ ‫وكل واحد منهم في ركن من أركــان العالم يقوم‬ ‫به ويحفظه‪ ،‬لذلك كان لزامًا على ابن عربي حتى‬ ‫يحصل على مرتبة «الوالية» أن يصل إلى هؤالء‬ ‫األوتاد األربعة‪ ،‬والذي نكتشف من خالل رحلته‬ ‫أنه ال يصل إليهم‪ ‬بسهولة‪ ،‬بل وإنهم قد يكونوا‬ ‫بجواره وال يعرف أنهم أوتاده!‬

‫‪46‬‬

‫ســلــطــت ال ــرواي ــة الــضــوء عــلــى الــكــثــيــر من‬ ‫األحداث التاريخية واألوضاع السياسية آنذاك‪،‬‬ ‫إذ ترافقت سنوات طفولة ابن عربي مع الصراع‬ ‫بين المرابطين والموحدين‪ ،‬والذي انتهى بانتصار‬ ‫الموحدين وحكمهم لألندلس‪ ،‬كما تزامنت أسفار‬ ‫الشيخ مع محطات مهمة في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫منها الحروب مع البرتغاليين‪ ،‬وثورات بني غانية‬ ‫فــي تــونــس‪ ،‬والــحــروب مــع اإلفــرنــج فــي مالطا‬ ‫وغيرها‪ ،‬والفتن والنزاعات التي كانت تحصل‬ ‫بين الملوك واألم ــراء‪ ،‬ال سيما وأن ابــن عربي‬ ‫تنقل بين عــدة حواضر‪ ،‬ما جعله يعاصر حكم‬ ‫الموحدين‪ ،‬األيوبيين‪ ،‬العباسيين والسالجقة‪.‬‬ ‫هكذا انطلق مــن إشبيلية إلــى قرطبة‪ ،‬مــرورا‬ ‫بإفريقيا واإلسكندرية‪ ،‬ودارت الحياة بابن عربي‬ ‫واستقر به المقام أخيرًا في «مكة»‪ ،‬حيث كتب‬ ‫كتابه األهم واألشهر (الفتوحات المكية)‪ ،‬وظن أن‬ ‫قلبه سيهدأ أخيرًا بعد أن تعرّف على «نظام» ابنة‬ ‫شيخه «زاهر األصفهاني» فأغرم بها‪ ،‬وكتب لها‬ ‫وعنها ديوانه الشهير «ترجمان األشــواق»‪ ،‬الذي‬ ‫بث فيه أكثر شعر الغزل المنسوب إليه‪ ،‬وأراد‬ ‫أن يتزوجها‪ ،‬ولكنه فوجئ برفضها‪ ،‬ليكتشف‬ ‫فيما بعد أنها كانت وتدًا من أوتاده‪ ،‬ولهذا لم يكن‬ ‫ممكنًا أن تتزوجه!‬ ‫بعد ذلك توجه ابن عربي إلى بغداد فالبقاع‪،‬‬ ‫ثم عاد حتى إلى دمشق‪ ،‬حيث سيموت‪ ،‬وقد التقى‬ ‫بأناس كثر‪ ،‬تعلم منهم وعلمهم‪ ،‬صحب‬ ‫ابن عربي ٍ‬ ‫أولياء وفــارق أوت ــاداً‪ ،‬وأ ّلــف الكثير من الكتب‪،‬‬ ‫وسجن بسبب معتقداته وأفــكــاره‪ .‬وقد ظل في‬ ‫هذه األسفار الطويلة‪ ،‬والتي استغرقت كل عمر‬ ‫«الشيخ األكبر» يبحث عن معنى طهارة القلب‪،‬‬ ‫إلى أن التقى بآخر أوتاده «شمس التبريزي»‪ ،‬أن‬ ‫اإلنسان يطهّر قلبه بالحب؛ ما يعيدنا إلى أشهر‬ ‫عبارات ابن عربي‪« :‬أدين بدين الحب أنى توجهت‬ ‫ركائبه فالحب ديني وإيماني»‪ .‬وأكثر محطات‬ ‫حياة ابــن عربي مأساوية تلك التي انتهت بها‬ ‫حياته‪ ،‬والتي تنتهي بها «أسفار» الرواية‪ ،‬إذ نجد‬ ‫اإلمــام الكبير طاعنًا في السن يعمل أجيرًا في‬ ‫بستان‪ ،‬باحثُا عن قوت يومه‪ ،‬بعد أن ضاقت به‬ ‫السبل ولم يجد بدًا من العمل حتى يموت!‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫الوداع‬ ‫‪ρρ‬محمدالرياني*‬

‫وقفتْ تودعني بثوب أحمر يشبه لون اللحاق بي والباب ممسك بها‪ ،‬وكانت‬ ‫دمها المحترق‪ ،‬كانت تضحك وتبكي تريد العودة ولكن للباب رأيا آخر‪ ،‬تركتُ‬ ‫من هول مشهد الــوداع وحجم مسافة كل شيء بما ذلك السفر‪ ،‬عدتُ ألخلص‬ ‫الغياب‪ ،‬لحقتْ بي حتى الباب األخير‪ ،‬الــثــوب األحــمــر مــن قبضة الــبــاب‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫جعلت البابَ نصف مفتوح‪ ،‬وقفتْ في لوعة العيون المحترقة‪ ،‬عــدت بقوة‪،‬‬ ‫النصف الضيق المفتوح ال تريد للوداع‬ ‫ضــربــتُ الــبــاب بكتفي‪ ،‬انفتح الباب‬ ‫أن يقصر‪ ،‬كنتُ مثلها في حالة الوداع‬ ‫كامال‪ ،‬شعرتُ أن كل األبواب الداخلية‬ ‫لم أعطها ظهري‪ ،‬مع كل حركة لألمام‬ ‫الصغيرة تضحك مع ضحكتها‪ ،‬مسحنا‬ ‫كنتُ أتــوقــف وأتــجــه للخلف وأضحك‬ ‫سو ّيًا بطرف ردائها األحمر دمعة رقراقة‬ ‫وأبــكــي معها‪ ،‬أردتُ أن يطول الــوداع‬ ‫من فرط الفرحة‪ ،‬قلتُ لها ألجلك‪ ...‬ال‬ ‫حتى أستمتع بطول الوقت‪ ،‬لسان حالنا‬ ‫يقول ال لــلــوداع!! ال للحظات الــوداع للسفر‪ ،‬ال لمحطات الــوداع‪ ،‬أرادتْ أن‬ ‫الباكية!! في منتصف الباب والباب لم تغلق الباب فقلتُ لها أخشى عليك من‬ ‫يكمل دورته إلعالن الغياب انغلق على الباب‪ ،‬ضحكتْ وكانتْ مطمئنة‪ ،‬وكنتُ‬ ‫طــرف ثوبها األحــمــر فلم تــخــرج ولم قد ألقيتُ الحقائب في مكان ال يذكّر‬ ‫تدخل‪ ،‬نادتني يا‪ ...‬الحقني! كانت تريد بالسفر‪.‬‬ ‫* قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪47‬‬


‫وانتشر الخبر‬ ‫‪ρρ‬خالدة خان*‬

‫لم يعد باإلمكان إخفاؤه‪ ،‬أثناء سيري وسط الناس‪ ،‬أجدهم يتطلعون إليّ ويهمسون ثم‬ ‫يكملون طريقهم‪ ،‬وأذني تستمع لضحكاتهم‪ ،‬أخرجت النظارة ووضعتها على عيني‪ ،‬لعلى‬ ‫أمنعها من فضح أمــري‪ ،‬أكملت طريقي فوجدت المزيد من النظرات صوبي‪ ،‬كيف عرفوا‬ ‫ذلك؟ ربما شفاهي التي تدندن بتلك األغنية؟ ولكن كيف أخفيها وأنا أرددها باستمرار؟‬ ‫ألقيت نظرة على المكان حولي فوجدت‬

‫شــخــص‪ ...‬السر محفوظ ولــن يعرفه أحد‪،‬‬ ‫ولــن يظهر بوضوح للعالم‪ ،‬وصلت إلــى باب‬ ‫المنزل وما أن فتحته حتى سمعت الكثير من‬ ‫التصفيق‪ ،‬استدرت ألجد مجموعة من البشر‬ ‫خلفي‪ ،‬البعض يصفق وآخ ــرون يلوحون لي‬ ‫بكلتا يديهم‪!..‬‬

‫المارة في االتجاه المقابل يتطلعون إليّ بنظرة‬

‫حسنا يبدو أن خطواتي كانت السبب!‬ ‫هل كنت أرقص أثناء مشيي في الشارع؟ أم‬ ‫كنت أسير هائمة متأملة كل جمال مهما بدا‬ ‫صغيراً؟! لم أجد في تلك اللحظة من مفر‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى رغبة عميقة في اإلعــان عن‬ ‫األمر‪ ،‬صرخت في الناس بأعلى صوت‪:‬‬

‫طويل يحلق مع الهواء في عربة‬ ‫ً‬ ‫شاالً أصفر‬

‫بائع متجول‪ ،‬فاشتريته ووضعته على عنقي‬ ‫ونصف وجهى مخبأ خلفه‪ ،‬أكملت طريقي‬

‫بسعادة من يحمل سراً ال يعرفه غيرنا‪ ،‬أو هكذا‬ ‫ظننت حتى وصلت إلى طريق المشاة‪ ،‬الحظت‬ ‫ساحرة أخذتني بعيداً عن هذا العالم‪ ،‬زادت‬

‫عمقاً عندما تالقينا في منتصف الطريق‪!...‬‬ ‫أي شيء يفضحني اآلن يا ترى‪...‬؟! أخرجت‬ ‫المرآة من حقيبتي ونظرت إلى نفسي‪ ،‬أن تكون‬

‫تسريحة شعري هي السبب؟ تلك التسريحة‬ ‫التي أخذت مني ساعات من الليل التقنها كما‬ ‫علمتني صديقتي‪!...‬؟ دخلت المحل الموجود‬ ‫في طريقي واشتريت على الفور قبعة خضراء‬ ‫ذات خطوط عشوائية رفيعة باللون األصفر‪،‬‬

‫وجدتها تناسب الشال‪ ،‬لبستها وخرجت من‬ ‫المحل‪...‬‬

‫اآلن تنفست الصعداء‪ ...‬لن ينظر إليّ أي‬ ‫* جدة ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫أنا أحب‪...‬‬ ‫ثم دخلت المنزل فوراً‪ ،‬وأغلقت الباب خلفي‬ ‫بقوة‪ ،‬بحثت عن الهاتف ألتصل بك وأخبرك‬ ‫عن يومي‪ ،‬واعذرني أيها الحبيب‪ ،‬لقد أفشيت‬ ‫السر‪ ،‬لقد أخبرتهم عن حبي لك‪ ،‬بل صرخت‬ ‫لهم بذلك الحب‪ ،‬فهو أكبر من قدرتي على‬ ‫إبقائه سراً‪!...‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫عبق الماضي‬ ‫‪ρρ‬زينب هداجي*‬

‫مضى زمن منذ أن ترمّ لت‪ ،‬وهي في ربيع العمر‪ ...‬لم تكن الخسارة خسارة زوج‬ ‫فحسب بل خسارة سند وحبيب‪ ...‬خسارة الفرح والغبطة‪ .‬لم يراودها الشوق منذ‬ ‫ليوضب‬ ‫ّ‬ ‫أن رحل‪ ،‬ولكنّه عاد ليطوقها عندما طلب نجلها أن تبحث له عن حقيبة‬ ‫فيها أغراضه استعدادا للجامعة‪.‬‬ ‫فتحت باب المخزن‪ ...‬نفضت الغبار الرنّان‪« :‬أبشري يا فاطمة‪ ...‬لقد رقيت‬

‫عن الخزانة‪ ...‬خزانته‪ ...‬كسا الغبار إلى رتبة لواء‪ »...‬يومها عاد وهو يحمل‬

‫ثيابها ولكنها ال تحفل ب ــه‪ ...‬ظهرت كيسين من التّفاح والموز‪ ،‬وقد قال لها‬ ‫قبالتها صــورة زوجها «كــامــل» ببذلته أهما «بشارة التّرقية»‪ .‬في ذلك اليوم‬ ‫العسكريّة‪ ،‬عيناه تلمعان‪ ...‬تخبران عن المعطّ ر بنفحات الــســعــادة والنّصر‪،‬‬

‫نصر قــادم‪...‬يــده ثابتة في التحّ ية‪ ...‬أخذها للتّجول على شاطئ البحر‪ ...‬ولم‬ ‫ـصــورة‪ ،‬يعودا إلى المنزل إال بعد طلوع البدر في‬ ‫الــتــزامــا وعــزيــمــة‪ ...‬حملت الـ ّ‬

‫احتضنتها‪ ،‬ضغطت عليها بكل قواها السّ ماء‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬المسروق من‬ ‫التي أضعفها المرض‪...‬عاد بها منطاد مخالب الموت‪ ،‬أحست أنّها تحطم كل‬

‫الذّكريات إلى ذلك الزّمن الغابر‪...‬يوم قيود الزمان والمكان لتطير صوب عالم‬

‫دخل البيت وهو يلعن بصوته الجهوري خرافي تسوده السعادة بكل أصنافها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪49‬‬


‫سعادة النصر‪ ،‬سعادة الفخر وسعادة القلب‪ ،‬بالعودة فعاد ليزورني‪ ...‬ليبهج قلبي الذي لم‬ ‫ما يفتأ يرفرف السّ نونو في ربيعه فرحا يذق طعم الفرح منذ وفاته‪ .‬عاد ابنها يطلب‬ ‫لعزيز غالي‪ .‬وبغتة سقطت الصورة مبلّلة الحقيبة وقد نفذ صبره وأمق اإلنتظار الذي‬

‫بعبراتها‪ ،‬ليست التي بكتها بها يوم مأتمه‪ ،‬طــال أكثر من ال ــازم‪ ،‬ر ّبــت على كتفها ث ّم‬

‫بل التي فرحت بها له ألنّه مات في سبيل سألها عن سبب الدّموع التّي في عينيها‪،‬‬

‫الوطن‪ .‬التفتت إلى أعلى الخزانة فرأت بذلة فذكرت أنّها بسبب الغبار الذي كسا األمتعة‬ ‫زواجه السّ وداء‪ ،‬الوردة التي أهداها إليّها ال القديمة‪،‬وبذلك ودّعت قطار ذكريات حبيبها‬ ‫تزال في جيبها‪ ...‬أمسكت بها من الطّ رفين المتوفّى وواصلت البحث عن الحقيبة حتّى‬ ‫وراحــت ترقص وترقص حتّى ال ـ ـدّوران‪ ...‬وجدتها‪ .‬أحسّ ت فجأة بقوّة خفيّة تجذبها‬ ‫دوران طار بها إلى الحادي والعشرين من أمام المرأة‪ ..‬تجلسها فوق المقعد‪ ..‬تجعل‬ ‫يــولــيــة‪ ...‬ي ــوم عــقــد قــرانــهــا‪ ...‬ي ــوم دخــا يــداهــا تصفّفان شعرها كما كــان «كامل»‬

‫بيتهما الجديد لتطأ جنّتهما السّ احرة‪ ،‬ليبدآ يحبّ ‪ ...‬تلبسها فستانها األحمر‪ ...‬تجعل‬ ‫أولى لحظات حياتهما الهانئة التي طويت من الفرح والغبطة تقيمان حفال في فؤادها‬

‫صفحاتها الورديّة يوم مماته‪ ...‬لقد قال لها الملتاع‪ .‬فوقفت وراحت تغنّي أغنية فيروز‬ ‫يومها‪« :‬يا فاطمة مــاذا تطلبين؟؟ حتّى لو «بأيّام البرد‪ ...‬بأيام الشّ تي‪ »...‬التي كان‬ ‫كان القمر‪ ،‬لجلبته لك‪...‬لكن ها هو البدر يــحــبّ سماعها دائــمــا أل ّنــهــا تــذكــره بذلك‬ ‫قد نزل قربي‪ »...‬قال ذلك ث ّم داعب يدها اليوم العاصف الممطر الذي عاد فيه من‬

‫ضاحكا‪ ،‬فضحكت‪ .‬احمرت وجنتها خجال المعركة بعد أن غاب عنها مدّة طويلة‪ .‬عاد‬ ‫وحياء‪....‬‬ ‫إليها يطلب منها شيئا آخر‪ .‬تفاجأ من رؤية‬ ‫«أمي‪...‬أمي‪...‬يا أمي أين الحقيبة التي أمّه بتلك الهيأة‪ .‬أخذ يرقبها من بعيد وهو‬ ‫طلبت؟» سمعت صوت ابنها ينادينها ولكنّها يبتسم ثم قال لها ضاحكا‪« :‬يا فطومة ما‬ ‫جثّة هامدة في زمن الحاضر‪ ...‬روح حالمة أجــمــلــك!»‪ .‬خجلت قليال ثــم قالت لــه‪« :‬ال‬

‫في زمن الماضي الجميل‪ ...‬زمن فتح قلبها أعــرف ل َم ل ْم ترث من والــدك سوى ازعاج‬ ‫على مصراعيه‪ ،‬دخله دون سابق إعالم ولكن اآلخرين والتطفل عليهم‪ »...‬ضحك ابنها ثم‬

‫لــمــاذا؟؟ أل ّنــه زمنه هو لوحده‪ ،‬ملك لــه‪ ،‬ال احتضنها بين ذراعيه القويتين وقبّلها على‬ ‫يمكن أن يعود إ ّال بــإذن منه‪...‬لعله أذن له جبينها‪ ،‬فابتسمت وغادرا الغرفة معا‪....‬‬ ‫ * قاصة من تونس‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ال أوان لما كان‬ ‫‪ρρ‬هدية حسني*‬

‫أزيــح المبررات كلها ريثما أعيد ترتيبها مرة أخــرى‪ ،‬فلقد تشابكت وتداخلت‬ ‫كنت على وشك الوصول لتبرير‬ ‫ـدت أضيعُ في خيوطها العنكبوتية‪ُ ،‬‬ ‫وتشعبت وكـ ُ‬ ‫تصرفه كيما أقنع عصفور قلبي المرفرف بين أضــاعــي‪ ،‬كيما أه ــدّ ىء مــن روع‬ ‫القلق الذي يمخر بحر ظنوني‪ ،‬وكيما أضع حد ًا لهذا الجبل الجاثم فوق صدري‬ ‫منذ سنين‪.‬‬ ‫لكنني‪ ،‬وأنا أقلّب األمر الذي صار أموراً‪ ،‬وأجرد حسابات قلبي التي تاهت في‬ ‫العد‪ ،‬وأعنّف نفسي على السنوات التي خضتها في معارك خاسرة‪ ،‬وأحاول ترتيب‬ ‫المبررات‪ ،‬اشتبك عليّ ومن حولي كل شيء‪ ،‬بدت الصور المُ ضللة تجرجرني إلى‬ ‫الطرقات التي ظلت في مخيلتي طازجة ورائـقــة على الرغم من موتها أو على‬ ‫األقل اضمحاللها وشيخوختها‪ ،‬وبدا كل شيء يتداخل بكل شيء‪ ،‬السنوات تتبع‬ ‫السنوات‪ ،‬والــوجــوه الملتبسة تكتظ في المخيلة وتسد ال ــدروب دونــي‪ ،‬وإشــارات‬ ‫تحذرني من المضي في التعلّق به‪ ..‬كان عليّ أن ال أتجاهلها؛ لكنني تجاهلتها في‬ ‫هيجانات عواطفي‪.‬‬ ‫كل ذلــك حــدث ألنني أيضاً ضلّلت آن‪ ،‬واندفعت كما الريح المدوّمة من‬

‫نفسي واكتفيت بتلك اللذة التي تغلغلت دون أن ألتفت أو أدرك بأنني سأحط‬ ‫في أوصالي‪ ،‬لذة الخفقة األولى للمباهج‪،‬‬ ‫الرحال بعيداً عنه‪ ..‬على أرض جرداء‬ ‫الدرس األول في القلق على شيء أردته‬ ‫خالية من طراوة األحالم‪.‬‬ ‫ورغبت في امتالكه‪ ،‬لذة االندساس في‬

‫طيات الحلم البراق‪ ،‬القريب البعيد في‬

‫ولـ ّمــا كانت عجلة الــزمــن ال يهمها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪51‬‬


‫أمـــري‪ ..‬فلقد مــرت بسرعة الــبــرق‪ ،‬ربما ال أريــد أيضاً أن أتذكر رقــم السنين التي‬ ‫ســمــعــتُ قهقهاتها ول ــم أنــتــبــه إل ــى مــدى مرت على خيباتي‪ ،‬لكنني أتذكر جيداً على‬

‫سخريتها‪ ،‬ألجدني وقد أفقت من أحالمي الرغم من نسيان الكثير من اإلرهــاصــات‬ ‫التي اخترعتها على مقاسات اندفاعاتي التي عصفت بنا‪ ،‬بأننا عشنا قصة حب‬

‫الفتية وقتذاك‪ ،‬ليس ثمة في هذه القصة استثنائية أيام كنا بعمر الورود‪ ،‬وكان لضوء‬ ‫ما هو مغاير لقصص الحب الخائبة‪ ،‬نحن القمر سحره‪ ،‬وللنجوم ألقها‪ ،‬وللطرقات‬

‫نكرر األخطاء كلما أتيح لنا أن نفعل ذلك‪ ،‬بهجتها‪ ،‬وللشجر لون الحياة‪ .‬قصة حب لم‬ ‫ومع التكرار نفتقد بهجة األشياء‪ ،‬وتلك اللذة تصل منتهاها؛ لكنها أصبحت أطو َل عمراً‬ ‫السرية لخفقان قلوبنا واختالجات أرواحنا‪ ،‬من حقيقتها‪ ،‬توقفتْ عند منتصف الطريق‪،‬‬ ‫فتصبح الحياة عقيمة وسقيمة وخانقة‪ ..‬وعند منتصف الحب توقفنا‪ ،‬لم نُكمل‪ ،‬أو‬

‫لكننا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه نصنع باألحرى لم تُكمل أنت‪ ،‬تعبت خطاك‪ ،‬وقررت‬ ‫طرق أقصر لعلك تستريح من‬ ‫أوهــامــنــا لكي نجنب أنفسنا الــمــزيــد من أن تبحث عن ٍ‬ ‫الخسارات‪ ..‬هذا ما فعلته طيلة ما م َّر من هذا الذي يسمونه الحب‪ ،‬والذي بدأ بيننا‬ ‫سنواتي القاحالت بعد فراقنا غير المبرر‪ ...‬هكذا‪...‬‬

‫هل كان فراقاً غير مبرر؟‬

‫دعنا من ذلك اآلن‪ ،‬ليست بي رغبة للكالم‬

‫دعنا مــن ذلــك فلقد امتصت السنوات عن بداية تلك الحكاية‪ ..‬وال كيف انتهت‪ ،‬لقد‬ ‫الطوال أحزان قلبي لذلك الفراق‪ ،‬ونسيت انتهت وكفى‪ ،‬والنهاية أخذت وقتها األطول‬

‫فع ً‬ ‫ال لماذا افترقنا‪ ،‬نسيت أو تجاهلت أو لكي تستسلم وتُسلّم باألمر‪ ،‬كل شيء انتهى‬ ‫خدعت نفسي أو‪ ...‬قل ما شئت وال تُذكِّرني بالطريقة التي انتهى بها‪ ،‬أخذ معه أمطار‬

‫بشيء مما جرى في الماضي البعيد‪ ..‬أنت دموعي وكل ما يخطر على بالك من قسوة‬ ‫نفسك ال تريد تذكُّر األسباب والمسببات األوجــاع‪ ..‬أحياناً‪ ،‬عندما يصهرني الحنين‬ ‫التي حدثت في زمن لم يعد ملك اليدين‪.‬‬

‫المعتّق‪ ،‬وأستعيد تلك األوجاع‪ ..‬أشعر فقط‬

‫قلت لي في آخر مكالمة‪ ،‬بعد عودتك التي بما يشعر به طائ ٌر ف ـرَد جناحيْه للريح‪..‬‬ ‫جاءت تتوكأ على عصا فوات األوان‪ ،‬بأنك ليُسقط ما علق به من عوسج‪ ،‬لقد عالجت‬ ‫تفاجأت وأنــت تكتشف كم صــار عمرك‪ ..‬نفسي بترياق ُم ّر كيما أعبر تلك األحزان‪،‬‬

‫همست لي بغصة مستترة برقم السنوات وعبرتها‪ ،‬كلما ضــاق عليّ المكان فتحتُ‬

‫التي أحسستُ مرارتها مثلك‪ ،‬إال أنني هنا‪ ،‬نوافذ قلبي‪ ،‬لعلها تتسع لحكايات جديدة‪،‬‬

‫‪52‬‬

‫في هذه القصة‪ ،‬شطبت الرقم‪ ،‬ربما ألنني ومــع الحكايات الجديدة أجــدك‪ ،‬بما كنت‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫بعدها فقد محوته‪ ،‬أو ركنته في زاوية مهملة يرى أحدنا اآلخر‪ ،‬للقلب غايات لم ندركها‬ ‫لن ألتفت إليها‪ ،‬ساهية عن كل ذنوبك‪ ..‬بعد‪ ،‬لعله يريد أن يُبقي على صورنا األولى‬ ‫وذنــوبــي الــتــي لــم أقــتــرفــهــا‪ ،‬أو تــلــك التي التي كنا فيها بعمر الورود‪ ،‬أو لعله يستعذب‬

‫اقترفتها في أحالم يقظتي‪ ..‬وآه لو تعلم كم طعم الفراق‪ ،‬فقد تندمل جراحه عند اللقاء‪،‬‬ ‫استحضرتك في أحالم يقظتي‪ ،‬مانحة إياك جــراحــه التي لــم نتذكر متى تعافينا منها‬ ‫صك الغفران‪ ،‬ونازعة عنك طبع الخذالن‪ ،‬وتناسيناها‪ ،‬شيء حَ س ٌن أننا نداوي الجراح‬ ‫َّ‬ ‫وباعثة فيك لذة التوق الذي كان‪ ..‬الى الحد بنعمة النسيان‪ ،‬والنسيان كان لعبتي التي لم‬ ‫الذي ال أتذكر لماذا خذلتني‪.‬‬ ‫لماذا قذفت بصوتك بعد هذا العمر؟‬ ‫أعرف أن أشجار عمرينا ألقت بثمارها‬ ‫على قارعة الطريق‪ ،‬الثمار التي لم نتذوقها‬ ‫بما فيه الكفاية‪ ،‬وم ّر بها الغرباء ولم يكترثوا‬ ‫لها‪ ،‬وأن الرياح العتيّة أخذتها بعيداً‪ ،‬لعل‬ ‫أحــداً يعثر على بــذورهــا ويعيد إليها دفق‬ ‫الحياة‪ ،‬وأعرف أيضاً بأننا‪ ،‬نحن اإلثنان‪ ،‬لم‬ ‫يعد لدينا ما نعطيه من أجل إيقاظ أحالمنا‬ ‫التي نامت تحت ظالل الكوابيس‪ ،‬أنا أيضاً‬ ‫أتوكأ على عصا فوات األوان‪ ،‬وأواننا فات‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫عليه وكنتُ أنا عليه من مباهج‪ ،‬أما ما جاء لكننا لم نلتقِ ‪ ،‬شئت أنــت‪ ،‬وشئتُ أنا أن ال‬

‫أتقنها تماماً‪.‬‬

‫كم صار عمرك؟‪ ..‬ال أصدق‪ ،‬وال أريد أن‬

‫أصدق أن ذلك الشجر النضر الشامخ النزق‬ ‫الشهي‪ ،‬يمك ُن أن تداهمه سوسة الشيخوخة‬

‫بهذه القسوة‪ ،‬ويمكن أن ينبهني الى أنني على‬

‫الطريق ذاته أسير‪ .‬عجباً‪ ،‬لماذا إذن لمّا أزل‬

‫أشعر بأنني ابنة العشرين كلما الح طيفك‪،‬‬ ‫وأن قلبي الذي خرّمه الفراق ما يزال يُفسح‬ ‫مكاناً للبهجة‪ ،‬حتى وإن كانت تلك البهجة قد‬

‫جاءت بعد فوات األوان؟‬

‫لكنني وأنـــا أشــتــبــك فــي مــحــاولــة فــرز‬

‫أوانه‪ ،‬بل قل ال أوان له‪ ،‬إنه وقت سادر في الــمــبــررات الــتــي اســتــعــصــت عــلــى الــفــرز‪،‬‬ ‫العماء والبهجة المسلفنة باألوهام‪ ،‬نحاول تفاجأْتُ أن عمري أصبح‪!..‬‬

‫اإليحاء ألنفسنا بأن األغصان اليابسة يمكنها‬ ‫أن تورق بعد مــوات‪ ..‬ليس ثمة حياة‪ ،‬دورة‬

‫ياه‪!..‬‬ ‫لــن أهــمــس لــك بــرقــم الــســنــوات‪ ،‬فقد‬

‫الحياة أخذت وقتها‪ ..‬وليس بمستطاعنا أن شطبتُه فوراً من رأسي قبل أن يصلك وأنت‬ ‫نعيش مرتين‪.‬‬ ‫على الطرف اآلخــر من الدنيا‪ ،‬ال أريــد أن‬ ‫غصتين‪.‬‬ ‫على مرمى بصر كنت مني‪ ،‬وكنتُ منك‪ ،‬أعيش أو تعيش ّ‬

‫* قاصة من العراق مقيمة في كندا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪53‬‬


‫مرايا ووجوه‬ ‫انعكاس‬ ‫س ــاف ــر إل ـ ــي ال ــص ــي ــن طــلــبــا لــلــعــلــم‪..‬‬ ‫اندهش(لتشابه) الــوجــوه واألشــكــال‪ ..‬لما‬ ‫انتهى من بحوثه‪ ..‬وجدها نسخا (متشابهة)‪..‬‬ ‫ثمة كالم‬ ‫لما أبدى استياءه من ديوانه‪..‬‬ ‫تطلع إليه في اندهاش‪..‬‬ ‫وقبل أن يطرده من مدينته الفاضلة‪،‬‬ ‫كان يغرق قصائده في البحر‪،‬‬ ‫ثم مسح وجهه وابتسم‪..‬‬ ‫فنان‬ ‫على صوت المطر يرسم أجمل لوحاته‪،‬‬ ‫خمسيني يقبع وحيدا‪،‬‬

‫‪ρρ‬محمد محقق*‬

‫لما أدرك أن بائع الكتب‪،‬‬ ‫هو نفسه الذي أهداه هذه النسخة‪..‬‬ ‫مشهد‬ ‫قبل أن يلتهم خبزه الممزوج بالزبدة‪،‬‬ ‫أخذ قلمه ليداعب كلمات مجهولة‪،‬‬ ‫ضحك باستخفاف وهو يرى بطله‬ ‫يسكب فنجان قهوته على قصته‪...‬‬ ‫عبقري‬ ‫تــســاءل وهــو يصافح بائع القبعات‪ ،‬كم‬ ‫تساوي قبعة الــروائــي والــقــاص والشاعر؟‬ ‫ق ــرر أن يــشــتــري الــقــبــعــات الــثــاث دفعة‬ ‫واحدة‪ ،‬من حينها صار العبا باللغة واألفكار‬ ‫والشطرنج‪...‬‬ ‫أديب‬

‫رأى القبعة شكال جميال على جماجمهم‪،‬‬ ‫أشيل يحتفل بنشوة النصر‪،‬‬ ‫تيقن أن خيوطها مزيجا مــن األحاسيس‬ ‫ولما أثلجته نسمات الليل البارد‬ ‫واألفكار‪ ،‬كي يستمر حلمه األزلي مع الكتابة‪،‬‬ ‫كان وجه امرأة فاتنة تداعب ريشته بحنو اشترى واحدة وحرك رأسه في كل اتجاه‪...‬‬ ‫شاطر‬ ‫كان يتجول كعادته‬ ‫في حارة الكتب المستعملة‪،‬‬ ‫شد انتباهه وجود ديوانه بينها‪،‬‬ ‫ابتسم بخبث‪،‬‬ ‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫شتات‬ ‫فقد صــوابــه حين ضاعت القبعة منه‪،‬‬ ‫وحــدهــا الكلمات كانت تتبخر مــن رأســه‪،‬‬ ‫حينها أدرك أن حلم الكتابة قد تالشى وأنه‬ ‫ينط داخل أنفاق مغلقة‪..‬‬


‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫تنبت لي رئة أخرى‬ ‫عودة‬ ‫تسلل مجبرًا ليزرع األلغام بالدولة المجاورة‪ ..‬وقلب‬ ‫بعد ان وعد طفلته أن يعود صبيحة العيد‪..‬‬ ‫حين انتهت المسرحية‪..‬‬ ‫مضى نهار العيد والطفلة تنتظر‬ ‫تقدمت منتصرة أنظر في مرآتي‪..‬‬ ‫وعند المغيب‬ ‫أجدني قد أصبحت‬ ‫حضر للدار رجــال غرباء يحملون الحلوى‪..‬‬ ‫آدم جديد‪...‬‬ ‫ودمية ملطخة بالدماء‬ ‫ميتَا‬ ‫رجس‬ ‫بداخلي ألف أنثى تحتمي بي مني‪..‬‬ ‫دنسته السياسة‪..‬‬ ‫وكأن أنوثتي ماهي إال ذكرى خالية‪..‬‬ ‫فسجد سجود السهو‪ ،‬مغتسال بدماء شعبه‬ ‫بنت حولها العنكبوت‬ ‫هزيمة‬ ‫بيتا ورأسا ممتلئا بالورق‪..‬‬ ‫في أولى معاركي مع آدم‪..‬‬ ‫وحبة فاصولياء تنمو للسماء‪..‬‬ ‫خسرت‪...‬‬ ‫ظننت أنــي انتصرت لنفسي حين قصصت تتسلقها أحالمي‬ ‫بدون أرجل وجفنان‬ ‫ضفائري‪ ،‬وارتديت قميصه‪..‬‬ ‫صعدت خشبة مسرح‬ ‫أهش بهما على حلم‪..‬‬ ‫أللعب دورًا لم يكتب لي‪..‬‬ ‫بقي‬ ‫تمتلئ الكراسي‬ ‫لـ فتاة ذات ضفائر طويلة‬ ‫بالفراغ‬ ‫ترسلها لألسفل‬ ‫تضحك ألنني‬ ‫بعيدا‬ ‫كلما بدأت الرقص‪،‬‬ ‫حيث تقف صفوف مكررة‬ ‫تنبت أنوثتي‪ ..‬فأجتثها‪..‬‬ ‫لذكور يحملون ذات المالمح‪..‬‬ ‫تمردت‪..‬‬ ‫فأغمض عيني‬ ‫قسى الدور عليَّ كثيرًا‬ ‫أنتظر أن يمر أحد في ذاكرتي‬ ‫وكنت قد أقسمت أن أجيده‬ ‫او أجد منه ريحا تهترئ نافذتي‪..‬‬ ‫كرهت ضعفي‪ ..‬استكانتي‬ ‫يسقط الحلم‬ ‫تظاهرت بالقوة‬ ‫أسافر طويال ما بين آدم وحواء‪..‬‬ ‫ترقص حولي شبيهاتي‬ ‫وحين تستقر قدماي‬ ‫من إناث خذلهن الحب‪..‬‬ ‫أجدني أنثى بدون وجه‪..‬‬ ‫كلما ازداد التصفيق‪..‬‬ ‫يقصر شعري‪..‬‬ ‫تكتمل بي الصفوف المتسلقة ساق حبة الفاصولياء‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫نصوص قصصية‬

‫* شاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪55‬‬


‫قصص قصيرة جد ًا‬

‫‪ρρ‬محمد صوانة*‬

‫أنفاس غائبة‬

‫فَ قْ ٌد‬

‫شمس أيــلــول‪ ..‬نــام الجميع‪ ،‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫غابت‬ ‫يأبهوا بها مثلي!‬ ‫لم أشعر بأنفاس المكان! تنكرت لي الوجوه‬ ‫بعد سنوات طويلة‪ ،‬عدت إلى جامعتي‪،‬‬

‫ل ــم أعــــرف طــعــمــا لــلــنــوم‪ .‬وظـ ـلّ ــت ك ـ ُّل والــنــظــرات الــقــاعــات والــســاحــات ‪..‬حــتــى‬ ‫األشجار؛ تالعبت بها الرياح ‪ ..!..‬األماكن‬ ‫الشروقات تُ َذكِّرني بحضوره‪..‬‬ ‫صورة‬

‫الدافئة لم يعثر لها على عنوان!‬ ‫ارتباط‬

‫أغمض عينيهِ ‪ ،‬ونام!‬ ‫َ‬ ‫اشتا َق لرؤيةِ طيفهِ ؛‬ ‫خريطة طريق‬

‫تسلّم عصا الترحال‪ ،‬ومضى‪..‬‬

‫الخريطة المرسومة بالقلم الرصاص‪،‬‬

‫وما تزال عينه تحتضن لقطة الوداع‪..‬‬

‫تلوي يده الممسكة بالممحاة‪ ،‬وتحول دون‬ ‫أن ينال من ِعنادها!‬

‫ال جديد‬

‫غداء‬

‫يوم فارغ في حياتها‪ ..‬تغيب شمسه دون‬

‫جديد‪..‬‬

‫يفيض اللعاب في فمه بغزاره‪ ،‬عند مروره‬ ‫بالقرب من نافذة بيت الجيران‪ ..‬وهو في على غطاء السرير‬ ‫طريق عودته من المدرسة‪.‬‬ ‫تحتضنه وتغفو‪..‬‬ ‫طبخت لنا اليو َم شيئاً يا‬ ‫ِ‬ ‫يسأل أ ُ َّمهُ‪ :‬هل‬ ‫محاولة‬ ‫أُمّي؟‬

‫تــأوي إلــى فراشها‪ ..‬ترسم صــورة أمها‬

‫في ضاحية سينترا‪..‬‬ ‫يتتبع أثــر األجـــداد فــي القلعة العربية‬ ‫التاريخية‬

‫يهز القلم‪ ..‬مؤمِّال أن يستجيب ويخرج‬

‫المِ داد كما يشتهي‪..‬‬

‫أطلق القلم صافرة استغاثة؛‬ ‫دون تأخير كانت دوري ــة شرطة تحيط‬

‫جـــاء الـــحـــراس‪ ،‬فــأحــاطــوا «الـــذاكـــرة»‬ ‫بالمكان‪..‬‬ ‫باألسوار!‬ ‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬ابراهيم جابر مدخلي*‬

‫صاص أنا‬ ‫ُ‬ ‫والق‬ ‫جرحُ القصيدةِ ُجرحي ِ‬

‫ـاس إن ــي أنـ ــزف الـشـجـنــا!‬ ‫ي ــا أي ـهــا ال ـ ـ ّ َنـ ـ ُ‬

‫من ألـ ِـف عــامِ صهيلُ الحرف يسكُ نُني‬

‫ـاح عَ ـ َن ــا!‬ ‫ـوت الـ ــريـ ـ ِ‬ ‫ـاي ب ــه صـ ـ ـ ُ‬ ‫وأل ـ ـ ـ ُـف نـ ـ ـ ٍ‬

‫ـزن مُ ــتَّ ـ َك ـ ٌأ‬ ‫ـس ل ــي غ ـي ــر هـ ــذا ال ـ ـحـ ـ ِ‬ ‫ألـ ـي ـ َ‬

‫مُ ـ ــذْ ودع ـ ـ ْـت رح ـل ــةُ األيـ ـ ــامِ ل ــي مُ ــدُ َن ــا؟‬

‫مُ ـ ــذْ غ ـ ــاد َر ال ـن ـجــمُ ل ـي ـ ًا أفـ ــقَ راحـلـتــي‬

‫ال ض ــو َء فــي دربِ ــيَ األعـمــى و َث ــمَّ سَ ـ َنــا!‬

‫زلت أ َْخبُو َكفَانُوسي الذي ارتَجَ ف َْت‬ ‫ما ُ‬

‫بالعصف ُشعْ لَتُ ه الحمقى ومــا وَهَ ـ َنــا‬ ‫ِ‬

‫ولـ ــم أزل بـ ـع ــدُ ِطـ ــفْ ـ ـ ًا ارتـ ـم ــي شَ ـ َغ ـب ـ ًا‬

‫َك ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ْورَةِ ال ـع ـط ــرِ ُت ـ ـ ْبـ ـ ِـدي ِس ـ ـ َرنـ ــا عَ ـ َل ـ َن ــا‬

‫شاطئِ نا‬ ‫ـاج ِ‬ ‫لــم تستح الــريــحُ مــن إزعـ ـ ِ‬

‫مذ حَ َّطمَ ْت يَدُ ها الهوجاءُ لي ُسفُ نَا!‬

‫مــدائــنُ الـكـحـ ِـل تبكي خـلــف أشرعتي‬

‫مـ ــرافـ ــئَ ال ـ ـنـ ــورِ إنْ ُح ـ ـ ّب ـ ـ ًا وإنْ وطَ ـ ـ َن ــا‬

‫شــاخـ ْـت على وت ــري األن ـغــامُ وانتحرت‬

‫أصـ ــداؤهـ ــا ب ــال ـن ــوى ال ُت ـس ـ ِـم ــعُ األُذُ نـ ـ ــا‬

‫م ــا شَ ـ ــذَّ ع ــن عــزفِ ـهــا لـحـنــي وقــافـيـتــي‬

‫ل ـك ــنَّ س ــادِ َنـ ـه ــا ف ــي ال ـح ــب ق ــد شَ ــطَ ـ َنــا‬

‫ـف مَ ـ ـ ــدّ ال ـ ـظـ ــلُ ق ــام ـ َت ــه‬ ‫أمـ ـ ــا تـ ـ ــرى كـ ـي ـ َ‬

‫ـات وه ــا ق ــدْ أنـهـكـتــه َو َن ــى؟‬ ‫نـحــو ال ـج ـهـ ِ‬

‫كـ ــلُ ال ـع ـصــاف ـيــر م ـث ـلــي ال ت ـعــي وطـنــا‬

‫ـراب وال ـ ُـج ـ َب ـن ــا!‬ ‫إذ شَ ـ ـ ّر َدتـ ـه ــا يـ ــدُ األغـ ـ ـ ـ ِ‬

‫زواب ـ ـ ـ ــعٌ فـ ــي ف ـض ــا األحـ ـ ـب ـ ــاب غ ــاض ـب ــةٌ‬

‫ـصـ ُلـهــا الـمـغـبــرُ بــي خَ ـ ِـشـ َنــا!‬ ‫َلــمَّ ــا ي ــزل فـ ْ‬

‫ـال ال ـ ــذي ت ـش ــدو لِ ـ َه ـ ْي ـ َب ــتِ ــهِ‬ ‫كـ ــلُ الـ ـجـ ـم ـ ِ‬

‫ج ــال ــةُ ال ـش ـع ــرِ ي ــا ق ـل ـبــي َيـ ــنِ ـ ــزُّ هَ ـ ـ َن ــا!‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ثورة العطر‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪57‬‬


‫النهر الحيي‬ ‫أسرار‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬هندة محمد*‬

‫ليلٌ‬ ‫بدمع المرايا حين يمتلئُ‬ ‫ِ‬ ‫كحل ويلتجئُ‬ ‫يسيرُ جرحا إلى ٍ‬ ‫يمرُّ طفال‪..‬‬ ‫فوانيس نهرٍ‬ ‫َ‬ ‫تابوت غربتِ هِ يحيي‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬ ‫فيه‪ ..‬ننطفئ‬ ‫طفال‬ ‫عرجت‬ ‫ْ‬ ‫سرى بين أسمائي التي‬ ‫وعند فرعونَ تا َه الوحيُ والنب ُأ‬ ‫طفال‬ ‫ترتلَ ضوءٌ من سريرتِ هِ‬ ‫وكلما غابَ صبحاً‪ ..‬فيَّ يبتدئُ‬ ‫هذا الذي‬ ‫خرائطهُ خوف ًا‬ ‫ُ‬ ‫نامت‬ ‫ْ‬ ‫في دمي‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫وفي حزنِ ِها المصفرِ ينكفئُ‬ ‫لكنّه‬ ‫عندما غابت هويّته‬ ‫رأَى تفاصيلها يغتالها الحَ م ُأ‬ ‫إذ‬ ‫ال سماءٌ ليسري بينها مطر ًا‬ ‫سحاب بصدري فيه ملتج ُأ‬ ‫ٌ‬ ‫وال‬ ‫أنا‬ ‫السدى وطن ًا‬ ‫التي هدهدتْ بين ّ‬ ‫بالحلم والتأويلُ يهترئُ‬ ‫ِ‬ ‫يقتات‬ ‫ُ‬ ‫أنا‬ ‫وبينك‬ ‫َ‬ ‫بمفترق بيني‬ ‫ٍ‬ ‫فتحت نهاراتي‬ ‫ُ‬ ‫حتى مسَ ها الصد ُأ‬ ‫لم أشتهِ الغي َم‬


‫ولم الملمْ غبا َر النازحين‪..‬‬ ‫مأوى ومتك ُأ‬ ‫ً‬ ‫هوى في قفرِ أسمائِ هم‬ ‫قد‬ ‫وسط أوردتي‬ ‫َ‬ ‫تفتحُ الريحُ باب ًا‬ ‫لكنَّ بذ َر الرؤى في حقلِ نِ ا خط ًأ‬ ‫لست اعرفُ هُ ا‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫إن راودتني سماءٌ‬ ‫عن نجمةٍ تهتدي في ضوئِ ها سب ُأ‬ ‫عرجت‬ ‫ُ‬ ‫براق يرتدي قلقي نبيةً‬ ‫فوقَ ٍ‬ ‫لم يحاولْ ماءَها ظم ُأ‬

‫قد‬ ‫تعتريني غيومٌ حين تغمدها‪..‬‬ ‫يتيم راعَ هُ الك ُأل‬ ‫قلب ٍ‬ ‫في قفرِ ٍ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫إال من موائدهِ‬ ‫آيات الندى نشأوا‬ ‫فالكل من وحي ِ‬ ‫ُّ‬

‫سماؤك‬ ‫َ‬ ‫هنا‬ ‫تتلو وِ ر َد أغنيتي‪..‬‬ ‫الدراويش إذ من وحينا قرأوا‬ ‫ُ‬ ‫كما‬

‫كما الحكايا‪..‬‬ ‫نأتْ فيهم جداولُنا‪..‬‬ ‫وكل من عطش ًا مروا بنا نتأوا‬ ‫ُّ‬

‫بيَّ المرايا‬ ‫األرض يعرفني‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ووجهُ‬ ‫خوف فيختبئُ‬ ‫أمدُ ضوئي بال ٍ‬

‫الروح‬ ‫ِ‬ ‫بجب‬ ‫ذئاب ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مرتْ‬ ‫تكسرني تلك الرؤى‬ ‫وعلي اآلن تجترئُ‬ ‫َّ‬

‫وذي خطاكَ‬ ‫ُعد درب ًا‬ ‫اآليات اسمعها ت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫كما‬ ‫عليه الروح تتكئُ‬

‫لكن عشقي‪..‬‬ ‫األرض يسكبني‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لهذي‬ ‫نهر ًا حيي ًا على أسرارِ هِ أطأ‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪59‬‬


‫َ‬ ‫ظالل المعنى‬ ‫ألم‬ ‫ُّ‬ ‫‪ρρ‬حنان بيروتي*‬

‫كلما غادرتَ قلبي‪..‬‬ ‫عدتَ قبلي‬ ‫يديك‬ ‫َ‬ ‫نسيت بين‬ ‫ُ‬ ‫بعضي‬ ‫زلت صامتةً كدمعة‬ ‫ما ُ‬ ‫عينيك ألبكي!‬ ‫َ‬ ‫أحتاجُ‬ ‫***‬

‫لك نبضة‬ ‫القلب َ‬ ‫ِ‬ ‫جيب‬ ‫في ِ‬ ‫كف الوقت‬ ‫خبأتُها من ِّ‬ ‫***‬

‫قلبي ال يخطئُ خطوك‬ ‫حرف حضورك‬ ‫َ‬ ‫يتهج ُأ‬ ‫لكن بغيابَك يتلعثم‬ ‫يرسمُ بأنامل مجروحة وجهك!‬ ‫***‬

‫الحرف‬ ‫ُ‬ ‫ال يسعفُ ني‬ ‫نبضك في قلبي‬ ‫ألكتبَ َ‬ ‫فألمُّ ظاللَ المعنى‬ ‫شرفات الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫***‬

‫في القلب متسعٌ ألمنيةٍ أخيرة‬ ‫ما تبقى من مالذِ الروح أنتَ‬ ‫الحب في هذي الهجيرة‬ ‫ِ‬ ‫وأنتَ ظلُّ‬ ‫***‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫جفّ ْت ينابيعُ صوتي بعدك‬ ‫عطش روحي‬ ‫ُ‬ ‫ودقَّ أوتادَه‬ ‫في صحارى البكاء!‬ ‫***‬

‫وإنْ تتهجأ حروفي غيابَك‬ ‫يتلعثم القلب‪..‬‬ ‫***‬

‫لك ناقصة‬ ‫كأني لوحةٌ َ‬ ‫كلما افتقدتَ ضحكتي‬ ‫تعيد الرسم!‬ ‫***‬

‫ُك‬ ‫ال أكتب َ‬ ‫الحروف تنقرُ بابَ الغياب‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫لكأنّها‬ ‫***‬

‫أفرشي عمري ونامي‪...‬‬ ‫مثل طفلة‬ ‫لعينيك‬ ‫ِ‬ ‫ـرف‬ ‫وات ــرك ـي ـن ــي‪..‬أغ ــزلُ ال ـح ـ َ‬ ‫قالدة‪..‬‬ ‫***‬

‫ـأت الـ ـلـ ـي ــلَ ‪ ..‬وأي ـق ـظـ ُـت‬ ‫م ـ ــاذا ل ــو خـ ـب ـ ُ‬ ‫الشمس‬ ‫ّ‬


‫***‬

‫مرفئي عيناك‬ ‫وأنا على سفر‪.‬‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫عيناك‪..‬ويشرقُ قلبي‪..‬‬ ‫َ‬ ‫لتصحو‬ ‫بشعاعِ الحب؟!‬

‫الوقت‪..‬‬ ‫تقدِّ م وتؤخر‪..‬‬ ‫حسب دقات القلب!‬ ‫***‬

‫***‬

‫كلما حجبَ الغيمُ وجهَها‬ ‫مس شعرَها‬ ‫الش ُ‬ ‫تمشط ّ‬ ‫ُ‬ ‫بمرآةِ الكون‬ ‫***‬

‫سرُّ القهوةِ في كف الفنجان‬ ‫يصافحُ وجهً ا من ضحكتِ ه النكهة‬ ‫***‬

‫القهو ُة أميرة‬ ‫تسندُ ها في الخطوةِ كفُ ك‬ ‫كي تشربَ من نكهتِ ها الصبحا‬

‫نسيت‬ ‫ْ‬ ‫أصابع الغيم آللــئَ‬ ‫ِ‬ ‫ينسلُ من‬ ‫كأنّ المسا َء صالةٌ‬ ‫بياضها‪...‬‬ ‫َ‬ ‫عطش الروح‪ ..‬وهذا البهاءُ استجابة‬ ‫َ‬ ‫يشاكس‬ ‫ُ‬ ‫يبوحُ بهمس‪..‬‬ ‫برنين متأخر‪ ..‬لضحكةٍ آتية!‬ ‫ٍ‬ ‫***‬

‫***‬

‫***‬

‫الشمس‬ ‫قرص ّ‬ ‫َ‬ ‫الغيومُ تخبئُ‬ ‫تنسجُ ظاللَ الحكايات‬ ‫وت ـن ـثــرُ ع ـلــى ص ـف ـحــةِ ال ـس ـمــاء رخ ــا َم‬ ‫السؤال‪..‬‬

‫شموسا …‬ ‫ً‬ ‫لليل‬ ‫لَو ْ أرسمُ ِ‬ ‫كأس الحلم…‬ ‫وأذيب نجومَ ه في ِ‬ ‫ُ‬ ‫كقطع السكر‬ ‫ِ‬ ‫***‬

‫هي جملةٌ متأنقة‬ ‫***‬ ‫بكعب المعنى العالي‬ ‫ِ‬ ‫تعثرتْ‬ ‫الكاتب لتكونَ العنوان!‬ ‫ُ‬ ‫الـ ـس ــاع ــةُ ت ـخ ـط ــئُ أحـ ـي ــا ًن ــا فـ ــي ع ــدِّ فالتقطها‬ ‫ * شاعرة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪61‬‬


‫ألكف الجنوب‬ ‫ذاكرة‬ ‫ّ‬ ‫‪ρρ‬سماح بن معيز*‬

‫ـات‬ ‫جـ ـ ـن ـ ــوب ـ ــيّ ب ـ ـ ـس ـ ـ ـم ـ ـ ـرَةِ أم ـ ـن ـ ـيـ ـ ٍ‬

‫وأرض أت ـع ـب ـت ـهــا الـ ــريـ ــحُ َن ـق ــرا‬ ‫ٍ‬

‫ـوس ــد عـطــرهــا م ــذ ك ــان طفال‬ ‫تـ ّ‬

‫يـ ـعـ ـ ّل ــق ب ـس ـم ــة ل ـل ـح ـل ــم ج ـس ــرا‬

‫ـآن عُ ـمــرٍ‬ ‫سـنـيــنَ تـهـيــمُ ف ــي ش ـط ـ ِ‬

‫ب ــه سـبـعــون ل ــم يُ ـكـ ِـم ـلــنَ ُســكْ ــرا‬

‫ـاح‬ ‫ـدوب ف ـ ــي ري ـ ـ ـ ٍ‬ ‫كـ ـثـ ـي ــرا م ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫أج ـ ــرا‬ ‫ـروق نـ ـ ــالَ ْ‬ ‫ق ـل ـيــا مـ ــن شـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫ـض‬ ‫ي ـض ـي ــع‪ ..‬وأمّ ـ ـ ــه أرض وف ـي ـ ٌ‬

‫تــربــي م ــن ح ـصــاد ال ــدم ــع نـهــرا‬

‫وتـ ـ ــدفِ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ــاره بـ ـي ــن األي ـ ـ ـ ــادي‬

‫لتُ نبِ تَ مــن عـيــون الجمرِ زهــرا‬

‫ل ـ ــه لـ ـي ــل يـ ـشـ ـي ــب بـ ـغـ ـي ــرِ ن ـج ـ ٍـم‬

‫كئيب ضــوئــه فــي الـمــاء َيـ ْـسـرَى‬

‫لـ ــه ع ـن ــد ال ـ ـمـ ــرايـ ــا بـ ـ ــاب ص ـفــوٍ‬

‫فيسأل‪ :‬أيــن ركـ ُـب الفجرِ مَ ـرّا؟‬

‫ي ــرى إغـ ـف ــاء َة ال ـبــاق ـيــنَ شـمـ ًـســا‬

‫ت ــذوب عـلــى أك ـ ّـف الـشـهــد عُ ــذرا‬

‫ي ـض ـي ــعُ ‪ ..‬وال يـ ــرى إ ّال جـنــوبــا‬

‫وغ ـيــر نخيله فــي الـقـلــب َتــمْ ــرا‬

‫ـرحــا‬ ‫ج ـنــوب ف ــي زمـ ــان طـ ــالَ جـ ً‬

‫ي ــرقّ ــع م ــن حـنـيــن ال ـ ــورد صـبــرا‬

‫يُ ــواســي الــرمــلَ بــردا للصحارى‬

‫إذا م ــا ذاب فـيـهــا ال ـغ ـي ــمُ حَ ـ ـرّا‬

‫يحنُو‬ ‫هي النور الذي في الروح ْ‬

‫ُف الصوتَ لحنا حين يَعْ رَى‬ ‫تل ّ‬

‫ق ــريـ ـب ــا ُت ـ ـفـ ــلِ ـ ـ ُـت ال ـ ـنـ ــايـ ــات فـيــه‬

‫ت ـن ـي ــمُ جـ ــدائـ ــل ال ـك ـث ـب ــان أمـ ــرا‬

‫وت ـ ـت ـ ـلـ ــو قـ ـلـ ـب ــه ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ل ـص ـب ـ ٍـح‬

‫قسرا‬ ‫فيسكت عــن رذاذ السهوِ ْ‬ ‫ُ‬

‫ـان أخ ـي ــرٍ‬ ‫س ـي ـغ ــدو طـ ـف ــلَ تـ ـحـ ـن ـ ٍ‬

‫ي ـ ـ ـه ـ ـ ـ ّز بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــادر الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــزن ب ـ ـ ــذرا‬

‫كـ ـش ــوق طـ ــاف ب ــال ــرؤي ــا طــويــا‬

‫إلى أن غاب دمعا‪ ..‬وه َو مَ ْجرى‪..‬‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬لقمان حلفاوي*‬

‫ل ــم يـبــق ل ــي م ــن ح ـنــان األم ـه ــات إال يا أيها المنتشر في المدى‬ ‫القليل‬ ‫ال تضق بي‬ ‫و قلب كآخر وردة في موسم العشاق‬ ‫أنت مني‬ ‫تساقطت نصفين‪...‬‬ ‫أيها القريب‬ ‫و خريف الذكريات‬ ‫أنا الغريب‬ ‫تناثرت أوراقه كصرخة في المدى‬ ‫أو صرختين‪...‬‬ ‫أنا المقتول مرتين‬ ‫لم يبق لي إال نهر واحد‬ ‫ها أنا أحتمي بالقصيدة‬ ‫ينبع من دمي‬ ‫أؤل ــف بـيــن ال ـســراب ون ــار المسافات‬ ‫يرفع من الحزن القديم راية‬ ‫البعيدة‬ ‫كراية «الحسين»‬ ‫ال شيء يستحق أن يحي‬ ‫****‬

‫يا أيها الليل‬ ‫ما بالك تحط الرحال على كتفي‬ ‫بالكالم المسرب من الشرفات‬ ‫ليس هنالك أكثر من ذلك الوجع‬ ‫وجع الذكريات‪...‬‬ ‫يا من قتلت فِ يَّ ‪ ...‬كل الذين أحبهم‬ ‫طفولتي‬ ‫مدينتي‬ ‫و األمنيات‪...‬‬ ‫هل أنت مثلي‬ ‫تقتات من لحمك المر‬ ‫و تشرب من دمك المالح؟‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ليل الغريب‬

‫عدا وجه أمي‬ ‫وجهها القادم اآلن من زمن المتن‬ ‫ال نقرأ الماء بين الهوامش‪...‬‬ ‫****‬

‫يا أيها الليل‬ ‫يا من طرّزت ثوب فرحتي‬ ‫بالنجمات وقت الخسوف‬ ‫ربما قد آن أن تردني إلى صباي‬ ‫أمهد الطريق للسواقي‬ ‫و أحرس الغيمات‪.‬‬

‫* شاعر تونسي مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪63‬‬


‫الو ْصل‬ ‫َق َد ٌر َع َلى َق ِار َع ِة َ‬

‫‪ρρ‬خالد بهكلي*‬

‫ال ال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ــمُ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َق ـ ـ ـ ـ ِـدي أَ ْو الحَ ـ ـ ــا‬ ‫ّأ ْو عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َو َد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ــلُ َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫ـان ال ـ ـ ــمَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــا َف ـ ـ ــةِ أَ ْر ْت ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ــي‬ ‫مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ــنَ أ َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـأْسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َوأ َْش ـ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـر َِاح ِجـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ــا‬ ‫َو ُأ َلـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ـ ــذٍّ ْكـ ـ ـ ـ ـ ـرَى ِ ُل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َر مَ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ــرِ َبـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــمُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َق ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ـ ـ ــا ا ْنـ ـ ـ ـ ـ ـزَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـال وَال أَرَى‬ ‫أَ ْر ُن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو إلـ ـ ـ ـ ــى َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْب الـ ـ ـ ـ ـ ــوِ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ُـف حَ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـ َب ـ ـ ـتـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـام ـ ـ ـ ــي ويُ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ِـهـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ َهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـوَى‬ ‫أح ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــثُ ـ ـ ــو ُر ْ‬ ‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــنَ ِسـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫َو َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَنَّ أ َْح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫دُ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايَ غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْن َتـ ـ ــشَ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي‬ ‫وَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـضـ ـ ـ ـ ـ ــول أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَدِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــى وا ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـف أَ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوذُ فِ ـ ـ ــي أ َْسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــارِ هَ ـ ـ ــا؟‬ ‫ِم ـ ـ ـ ــنْ أَ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ؟ َك ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َ‬ ‫ـضـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ــا‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ــرُ اإلِ يـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ٌر َيـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫جَ ـ ـ ـ ـدَلِ ـ ـ ـ ـ َّيـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ــا و َْصـ ـ ـ ـ ـ ــل َتـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ُنـ ـ ــقُ خَ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـوَتِ ـ ـ ــي‬ ‫وَا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرزَخُ ا ْل ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ــمُ ـ ـ ــومُ َض ـ ـ ـ ـ ــجَّ ِصـ ـ ـ َي ـ ــاحَ ـ ــا‬ ‫َاب َيـ ـ ــمْ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــحُ دَمْ ـ ـ ـ َع ـ ــتِ ـ ــي‬ ‫َص ـ ـ ـ َّل ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ُـت وَال ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ـر ُ‬ ‫َ َيـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ل ـ ـ ـ ــي ِعـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع وِ شَ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫َات إِ ْذ َصـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ْي ـ ــتُ ـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫َلـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َتـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ِـع ال ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـو ُ‬ ‫َاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزد ُْت قِ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـضـ ـ ـ ـ ـ َر ْب ـ ـ ـ ـ ُـت رَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و ْ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أَ ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَابَ الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــان ـ ـ ــةِ كُ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـه ـ ــا‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـأَ َتـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ًا وَا َّت ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ــجَ ـ ــاح ـ ــا‬ ‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ـض ـ ـ َهـ ــا‬ ‫و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــوُ ُش أ َْس ـ ـ ــئِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــاتِ ـ ـ ــلُ َبـ ــعْ ـ ـ َ‬ ‫َود َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى سَ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـف اإلِ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ــةِ سَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫أَأَعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ مُ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ َر ًا أَأَذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب غَ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫وب ُنـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أَأ َِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخُ أ َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أَذُ ُ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء َي ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــنِ ـ ـ ــي إِ لـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا إِ َّن ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي‬ ‫أل ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ئُ األَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َر وا َ‬

‫ُضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ اإلي ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ــنَ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫أَأ َ‬ ‫فِ ـ ـ ـ ـ ــي َث ـ ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ـ ــا وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ــرَّ احَ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وَال ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ُـب فِ ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ــلٌ‬ ‫َو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ــرُ غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َو ًة َو َروَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫إِ نْ َتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــوات َي ـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرُ ُح ـ ـ ّب ـ ـنـ ــا‬ ‫َو َتـ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ هَ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َهـ ـ ــسَ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــوُ مِ جَ ـ ـ ـ َنـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫اح ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـرَا َق ـ ـ ــات الـ ـ ــحَ ـ ـ ــرِ يـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ َل ـ ــى َف ـ ِـم ــي‬ ‫َت ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ــرِ ي ْ‬ ‫وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ِـب الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـوَى مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ــاحَ ـ ــا‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأ َِج ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ ءُ مُ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـه ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ًا َوأُعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ َثـ ـ ـ ـ ـ ْورَتِ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ألُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ والـ ـ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ال َت ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ــي إِ نَّ ال ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــا َء سَ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ْنـ ـ ـ َت ـ ــهِ ـ ــي‬ ‫َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ زَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــرَّ بِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـع َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫َفـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــدْ جَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ الـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــدِّ ي قِ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ــةً‬ ‫وف رِ مَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬ ‫وَخَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ُـت ِمـ ـ ـ ـ ــنْ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َِق الـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ــرُ ِ‬ ‫ِم ـ ـ ـ ــنْ خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ِـف أ َْسـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــارِ الـ ـ ـ َّـسـ ـ ــمَ ـ ـ ــاءِ سَ ـ ـ َن ـ ـ ْل ـ ـ َتـ ـ ِـقـ ــي‬ ‫َو ُنـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــمُ ِعـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ــدَ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ودِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ا ْنـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ َكـ ـ ــابَ ال ـ ــخَ ـ ــمْ ـ ــرِ أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ُح ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َو ًة‬ ‫ـصـ ـ ـ َب ـ ــاحَ ـ ــا‬ ‫أَ ْت ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ ُحـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ــي َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا ال ـ ـ ِـم ـ ـ ْ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪65‬‬


‫ِمل ٌْح ِب ُه ْد ِب َ‬ ‫صيدة‬ ‫الق‬ ‫ِ‬ ‫‪ρρ‬طاهر لكنيزي*‬

‫يشاكس خطواتي حجرٌ‬ ‫َ‬ ‫لن‬ ‫يتأبّط وعْ ثا َء أسفاري‬ ‫أو يُ عاتبني‪،‬‬ ‫يتوشح في حضرتي قمرٌ‬ ‫ّ‬ ‫الصورْ‪..‬‬ ‫وفتاتَ ّ‬ ‫طالما أَلْقمْ ته أسماك أسراري‪ُ ..‬‬ ‫لن تُغافلني بسمة مُ تربّصة‬ ‫فتشعّ على شفتيّ شموسا كفرحة طفل‬ ‫إذا اعْ شَ وْشَ ب الدفءُ في مقلتيه‬ ‫وأضحى الحلم شجرْ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫لن تدغدغني ضحكة خضراء‬ ‫مثل أنامل وهْ مي‬ ‫فأمتح قهقهة مترنّحة من قرارة همّ ي‬ ‫أهرّقها في نفوس السذّ ج مثلي‬ ‫نتعاطى كؤوس الهزل‪ ..‬ونشرب نخب تفاهتنا‬ ‫حتى نتقيأ مُ ّر الضجر‪..‬‬ ‫لن أجَ رّم نفسي‬ ‫حسي‬ ‫أبكت ّ‬ ‫كما كنت باألمس‬ ‫لو نزق الفكر‪ ..‬أو جمحت خيله‬ ‫شك‬ ‫وتقرّت شدا نزوة في غياهم ّ‬ ‫وعبر‪..‬‬ ‫تبرّأ من ِحك ٍَم ِ‬ ‫لن أقرّع روحي‬ ‫بسوط النّدامة أجلدها‬ ‫عضه دنَف نابح‪..‬وتناوشه أسف ذابح‪..‬‬ ‫مثل سكّ ير مُ فلِ س ّ‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫كي أكفّ ر عن ذنبي‬ ‫وأكدّ س حزن العالم في قلبي‬ ‫لو خفّ ت موازينه‬ ‫كقلوب البشر‪..‬‬ ‫لن يفْ غمني عطرٌ سائب‪ ..‬أو يغمرني ظلّ هارب‪..‬‬ ‫أتقفّ ى هسيس العبير‬ ‫ألعرف لون الوردة‬ ‫السحر‪..‬‬ ‫عب الشارع‪ ..‬وشوشةً كهميم ّ‬ ‫دلقت في ّ‬ ‫ْ‬ ‫أو أسرار األنثى التي‬ ‫ُنضجُ جلد حذائي الوحيد بسوق الخردة شمس الظهيرة‬ ‫قد ت ِ‬ ‫أو يرتدي بُردتي شحاذ محترف كالصرّار‪..‬‬ ‫يُ سقى بباب النّملة‬ ‫أوّل الزمة من نشيد المطر‪..‬‬ ‫ستُ حَ مْ ِحم في الدوالب فساتينُ أرملة‬ ‫ما زال العقد الثالث يرعى قطي َع فراشاته في مرابع بهجتها‪..‬‬ ‫تنحني‪ ،‬تعانقها‬ ‫وشجا البوح والذكريات‬ ‫والقُ بَل التي شردتْ ذات شوق‪،‬‬ ‫فحط ْت بأفياء أقراطها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لم يزلْ يتضاغى بأذيالها‬ ‫سافيات أُخَ ر‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫توحدها‬ ‫سته ّز رمالَ ّ‬ ‫َمس جنّ القريض قصيدي‬ ‫لن ي ّ‬ ‫فتسكنني علّة وزحاف‬ ‫نص قصير‬ ‫أقص أظافر ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتُسكرني نشوة االنتصار‬

‫‪67‬‬


‫فأنفش ريش الزّهو‬ ‫في فرح طاووسي ألفاخر ندّ ا‬ ‫الشعر‬ ‫أطمئنني أنّ لي قلما في ّ‬ ‫أو قدما في األرض كنخلة جدّ ي‬ ‫َلكَمْ أوصاني أن أرعى الفسائل‬ ‫الطلع قبل القطاف‬ ‫ال أن أغير على ّ‬ ‫أيذكره ظلها المنتشر؟‬ ‫لن يكون الطوفان من بعدي‬ ‫ويغيض الرّوق بخدّ الورد‬ ‫أفواف ع ْرفَها؛‬ ‫ٌ‬ ‫وتنك َر‬ ‫ستنوح الكمنجات‬ ‫السمر‪..‬‬ ‫تسبُل لحنًا دفيقا بكأس ّ‬ ‫لن تحنّ إلى باحتي‬ ‫أتسنّم إيقاعها‬ ‫و أصالح ليلي حين تبينُ سعادُ‬ ‫همسها المنكسر‪..‬‬ ‫وفي خاطري ُ‬ ‫لن تعزف حزني أفانينُ صفصافة‬ ‫ّجت على صدرها العاري‬ ‫دب ُ‬ ‫بدمي والمسمار حرفيّ الجوى‬ ‫ونثرت على ظلها المتجرّد أوّل أشعاري‬ ‫نبضها المستعر‪..‬‬ ‫حروف الهوى ُ‬ ‫َ‬ ‫يتهجى‬ ‫ّ‬ ‫كمراهقة‪..‬‬ ‫لن يكون الطوفان من بعدي‬ ‫حين أصبحُ ملحا بِ هُ دْ ب القصيدة‬ ‫أو نسغً ا في عروق الشجر‪..‬‬ ‫ * شاعر ومترجم من المغرب‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬سما ُيوسف*‬

‫في داخـلي شَ يءٌ غَ ــري ْـب‬ ‫مَ ـدرِ ي غَ َـل أو ُحـزْنْ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ــريـب‬ ‫يء َغ‬ ‫في داخـلي َش ٌ‬ ‫ْ‬

‫ـيم‪ ...‬كالـمَ ـطـر‪ِ..‬‬ ‫كالرَّ عـ ِـد‪ ..‬كـالـغ ِ‬ ‫يُ رعبني‬ ‫يتـجــولُ داخـلَ أوردتي‬ ‫يُ ـشـعـرني بالهـذيــانَ‬ ‫يُ ـفـرحـني‬ ‫يُ ـغــرقني في نـشــوةِ أشـجانْ‬ ‫البعض مرضـًا ال شفا َء منه‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫يظنه‬ ‫ُّ‬ ‫فيصف لي عشبةً‬ ‫الصبر(!)‬ ‫تسـمَّ ى َّ‬ ‫ض اآلخَ ر روح ًا شريرة‬ ‫ويظنه البعْ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫فيطالبني‬ ‫كتاب للعشق‪...‬‬ ‫ألف ٍ‬ ‫أحرقَ َ‬ ‫بأن ْ‬ ‫وأبعث َر أوراقي‪..‬‬ ‫وكتاباتي القَّ ديمة‪.‬‬ ‫وأسكبَ فنجَ انَ قهْ وتي‪،‬و ُأ س ِّر َح شَ عْ ري‬ ‫ّ‬ ‫أشعرُ فيها بالهدوءِ‬ ‫وأسَ اف َر إلى مدن ْ‬ ‫ * جدة ‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪69‬‬


‫صديقة وغياب‬ ‫بين‬ ‫ٍ‬ ‫‪ρρ‬عبدالعزيز موسى احلكمي*‬

‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت بـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــاء تـ ـ ـخـ ـ ـط ـ ــرُ ج ــانـ ـب ــي‬ ‫ف ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ُـت مـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاءِ‬ ‫وظـ ـ ـنـ ـ ـنـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــا ح ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن‪ ..‬ف ـ ــانـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــت لـ ـه ــا‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروف ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــق إروائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّثـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ف ـ ـمـ ــي‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــار أم ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء؟!‬ ‫لـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن أصـ ـ ــاب ـ ـ ـعـ ـ ــي‬ ‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاب‪ ..‬ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـث ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاء‬ ‫وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدت أش ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ت ـ ـ ــائ ـ ـ ــه‬ ‫ـدت ورائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وأض ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬

‫ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــيء كـ ـ ـ ـ ـ ــي أل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـح ـ ـ ــائ ـ ـ ــي‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذةٍ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادٌ حـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــم‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـف تـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاثُ ـ ـ ـ ــر األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــف مـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــرٌ‬ ‫قـ ـ ـ ـ ــد خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط عـ ـ ـ ـت ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــل ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب ب ـ ــائ ـ ــي‬ ‫ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ــمّ أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى أشـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــي‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬عبداهلل ناصر*‬

‫يحكى أن ربان ًا أطلق على سفينته اسم زوجته‪ .‬في مقدمة السفينة‪ ،‬كان تمثال الزوجة منحوت ًا‬ ‫ببراعة‪ ،‬مثلها تماماً‪ ،‬والشعر مطل ّي ًا بالذهب‪ .‬غير أن الزوجة كانت تغار من السفينة‪ ،‬تقول إنه يفكر‬ ‫أنت‪.‬‬ ‫في ذلك التمثال أكثر مما يفكر فيها‪ .‬أنكر زوجها قائالً‪ « :‬أفكر فيها كثير ًا ألنها تشبهك‪ ،‬ألنها ِ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫كنت ترقصين في حفل زفافنا؟ حتى أنها‬ ‫أال تبدو ساحرة ومثيرة؟ أال ترقص على األمواج كما ِ‬ ‫أنت‬ ‫منك‪ .‬تمضي حيثما أقودها وتترك شعرها يتدلى حر ًا بينما ترفعينه ِ‬ ‫أو بآخر تبدو أكثر لطف ًا ِ‬ ‫تحت القبعة‪ .‬لكنها تدير ظهرها لي كلما اشتهيت قبلةً فأعود إلى البيت في إلسينور»‪ .‬وفي إحدى‬ ‫المرات‪ ،‬حين كان الربان يحمّ ل السلع في ترانكبار‪ .‬حدث أن ساعد ملك ًا كبير السنّ ‪ ،‬من أهل البالد‪،‬‬ ‫في الفرار من الخونة‪ .‬وعندما افترقا أهداه الملك حجرين أزرقين ثمينين‪ ،‬فقام بوضعهما في وجه‬ ‫زوج من العيون‪ .‬ولما عاد إلى موطنه أخبر زوجته بتلك المغامرة‪ ،‬قال‪ « :‬واآلن صارت‬ ‫التمثال مثل ٍ‬ ‫عيناك الزرقاوان أيضاً‪« .‬فقالت‪« :‬كان من األفضل لو أهديتني تلك األحجار ألجعلها أقراط ًا لي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لها‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫سم‬

‫رفض زوجها‪« :‬ال أستطيع أن أفعل ذلك‪،‬‬ ‫تفهمت األمر لما طلبتِها مني»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لو‬ ‫لم تستطع الزوجة أن تتوقف عن التفكير‬ ‫فــي األحــجــار الــزرقــاء‪ .‬وفــي أح ــدِ األي ــام‪،‬‬ ‫اجتماع للربابنة‪ ،‬جاءت‬ ‫ٍ‬ ‫عندما كان زوجها في‬ ‫بزجّ ٍاج من البلد لينزع األحجار من التمثال‬ ‫ويضع بــدالً منها قطعتين من الــزجــاج‪ .‬لم‬ ‫ينتبه زوجها‪ ..‬وأبحر إلى البرتغال‪ .‬وبعد‬ ‫أيام أخذ نظر الزوجة يسوء حتى ما عادت‬ ‫قادر ًة على إدخال الخيط في اإلبرة‪ .‬ذهبت‬ ‫إلى الحكيمة فأعطتها بعض المراهم‪ ،‬ولما‬ ‫لم تُجدِ نفعاً هزت العجوز رأسها وأخبرتها‬ ‫بأن هذا المرض النادر ال شفاء منه‪ ،‬وبأنها‬ ‫ستصبح عمياء‪.‬‬

‫السفينة إلــى مــرفــأ إلسينور حتى أعيد‬ ‫الجوهرتين مكان قطعتي الزجاج‪ .‬ألم يقل‬ ‫إنهما عيناي؟ ولكن السفينة لم تعد‪ ،‬وبدالً‬ ‫من ذلــك تسلمت زوجــة الــربــان رســالـ ًة من‬ ‫قنصل البرتغال يقول فيها إن السفينة قد‬ ‫تحطمت وغرق كل من عليها‪ .‬وأردف‪ ،‬كان‬ ‫غريباً جــداً أن تمضي سفينة من فورها‪،‬‬ ‫ناتئة في‬ ‫ٍ‬ ‫في وضح النهار‪ ،‬لترتطم بصخرةٍ‬

‫«يـ ــارب» صــاحــت الــزوجــة‪ ،‬مــا إن تعود البحر‪.‬‬ ‫* كاتب ومترجم من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪71‬‬


‫الدكتورة هتون أجواد الفاسي‪:‬‬ ‫الحضور النسائي السعودي مشرّ ف وأثبت وجوده على المستويات اإلقليمية‬ ‫والعالمية بشكل يستحق الثناء واالفتخار‬ ‫جديدي‪ ..‬كتاب توثيقي لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات البلدية في‬ ‫السعودية‪.‬‬ ‫ملكات أدوماتو أو دومة الجندل أو الجوف السبعة في القرنين الثامن والسابع قبل‬ ‫الميالد يمألننا بالتعجب واإللهام للبحث والتأمل والتساؤل‪.‬‬ ‫مع توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل‬ ‫وخارج المملكة‪ ..‬المرأة السعودية أصبحت أكثر ثقة وتمكن ًا من علمها وإمكاناتها‪.‬‬ ‫اللغات التي تكون مكتبتي‪ ...‬العربية واإلنجليزية وبعضها بالفرنسية واأللمانية‪.‬‬ ‫وأنا في صراع مستمر ألتمكن من مالحقة قراءة مكتبتي‪.‬‬ ‫الشعر ملكة ال أملكها وإن كنت أتذوقه وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة مع‬ ‫الشعور واألفكار والنغم‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫مؤرخة سعودية من مواليد مدينة جدة‪ ،‬تعمل حاليا بجامعة الملك سعود بالرياض‪،‬‬ ‫لها حضور قوي ومتميز في الكثير من الندوات والفعاليات على المستوى المحلي والعربي‬ ‫والعالمي‪ ،‬كما حظيت المكتبة العربية والعالمية بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي‬ ‫أهــدتـهــا الــدكـتــورة هـتــون الـفــاســي للفضاء الثقافي‪ ،‬منها باللغة العربية وأخ ــرى باللغة‬ ‫اإلنجليزية‪ ،‬واستحقت أن تُكرم بجائزة السعفة األكاديمية العالمية وبرتبة فارسة بدولة‬ ‫فرنسا‪ ،..‬طبعا المحور الرئيس في مشوار الدكتورة هتون الفاسي هي المرأة قي التاريخ‬ ‫والـمــرأة العصرية وبكافة قضاياها‪ ..‬هــذه اإلض ــاءة السريعة هي ديباجة حــواري هــذا مع‬ ‫الفارسة الدكتورة هتون الفاسي‪..‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها ‪ /‬عمر بوقاسم*‬

‫دومة الجندل في القرنين الثامن‬ ‫والسابع قبل الميالد‪..‬‬ ‫ ¦«فـ ــي ربـ ـ ــوع الـ ـج ــوف وجــام ـع ـت ـهــا الـتـقــت‬ ‫جمعيتنا الـتــاريـخـيــة ‪ -‬اآلثـ ــاريـ ــة»‪ ،‬هــذا‬ ‫ع ـ ـ ـنـ ـ ــوان م ـ ـقـ ــالـ ــك ال ـ ـم ـ ـن ـ ـشـ ــور بـ ـج ــري ــدة‬ ‫الــريــاض‪ ،‬الــذي يتضمن برنامج زيارتك‬ ‫لمدينة الـجــوف‪ ،‬طبعا المقال يتنفس‬ ‫بـ ـخـ ـص ــوصـ ـي ــة ثـ ـق ــافـ ـت ــك واهـ ـتـ ـم ــام ــك‬ ‫التاريخي‪« ..،‬استقبلتنا األسبوع الماضي‬ ‫الجوف‪ ،‬أرض الملكات والكاهنات‪ ،‬أرض‬ ‫التاريخ والـحـضــارة‪ ،»...‬وهــذا السطر هو‬ ‫أيضا ديباجة مقالك‪ ،..‬الدكتورة هتون‬ ‫ال ـفــاســي‪ ،‬ه ــل م ــن الـمـمـكــن أن توثقيها‬ ‫أسـطــرا كـبــوح خــاص عــن مدينة الجوف‬ ‫«التاريخ والحاضر»؟‬ ‫لـــدارس للتاريخ أن يمر على‬ ‫ٍ‬ ‫‪ρ ρ‬ال يمكن‬ ‫الجوف مــروراً عابراً‪ ،‬السيما إن كانت‬ ‫هــذه الــدارِ ســة دارســـ ًة للتاريخ القديم‬ ‫وخــاصـ ًة تــاريــخ الــمــرأة الــذي يجعل من‬ ‫الجوف ذات مكانة خاصة‪ ،‬وهي التي ما‬ ‫يفتأ تاريخها ينادي ويدعو ويتشكل في‬

‫تمثالته المتعددة في كل موقع من مواقع‬ ‫األثر‪ ،‬مذكّرة بأن هذه األرض لم تمر بها‬ ‫مجرد حضارات عادية‪ ،‬وإنما حضارة‬ ‫حكمتها نساء‪ ،‬محطمة كمّا من األفكار‬ ‫النمطية عن تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬وعن‬ ‫نظرياتنا النمطية حول الحكم والسلطة‬ ‫والدين بناء على حاضرها في موقفها‬ ‫من النساء على سبيل المثال‪ .‬ملكات‬ ‫أدومــاتــو أو دوم ــة الــجــنــدل أو الجوف‬ ‫السبعة فــي القرنين الــثــامــن والسابع‬ ‫قبل الميالد يمألننا بالعجب واإللهام‬ ‫للبحث والتأمل والتساؤل‪ .‬وتستمر هذه‬ ‫التساؤالت مع كل زيارة‪ ،‬فما بالنا عندما‬ ‫تكون صلتي بدومة الجندل قد بدأت منذ‬ ‫عقدين من الزمان باإلقامة في مضافة‬ ‫وكالة اآلثــار والمتاحف بدومة الجندل‪،‬‬ ‫المخصصة لعمليات التنقيب والدراسة‪،‬‬ ‫لنستيقظ كل يوم على منظر قصر مارد‬ ‫المهيب المهيمن على المشهد في جالل‬ ‫وكبرياء‪ ..‬لتفرض األسئلة نفسها عليّ كل‬ ‫يوم‪ ..‬من هن؟ كيف هن؟ إلى متى هن؟‬ ‫هل هناك أثــر في الحاضر لهن؟ وإلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪73‬‬


‫متى سوف نستمر في طرح األسئلة أو‬ ‫هل سوف نتوقف عن طرحها؟‬ ‫حضورها اإلعالمي‪!..‬‬ ‫ ¦رب ـم ــا كـ ــان ح ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة ي ـت ـف ــاوت من‬ ‫مجتمع آلخر‪ ،‬قد يكون أحد أسباب هذا‬ ‫التفاوت التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن من‬ ‫المالحظ أن حضور الـمــرأة في المنابر‬ ‫اإلع ــام ـي ــة وال ـث ـقــاف ـيــة وم ـشــارك ـت ـهــا في‬ ‫الـفـعــالـيــات ف ــي ت ــزاي ــد اآلن‪ ،‬مـ ــاذا تـقــول‬ ‫الدكتورة هتون الفاسي في هذا االتجاه؟‬

‫‪ρ ρ‬الحضور النسائي السعودي بشكل عام‬ ‫مشرّف‪ ،‬وأثبت وجــوده على المستويات‬ ‫اإلقــلــيــمــيــة والــعــالــمــيــة بــشــكــل يستحق‬ ‫الثناء واالفــتــخــار‪ .‬ففي هــذه المنصات‬ ‫تتاح لها فرص كبيرة الكتساب التجربة‬ ‫والــخــبــرة‪ ..‬واســتــفــادتــهــا منها حاضرة‬ ‫وجيدة‪ ،‬السيما مع تزايد أعداد النساء‬ ‫الــاتــي يمثلن أنفسهن أو وطنهن في‬ ‫المحافل المختلفة‪ ،‬حيث تم كسر الكثير‬ ‫من التحفظات التي كانت تحف بالمرأة‬ ‫السعودية سابقاً‪ ،‬وأصبح وجودها في‬ ‫المؤتمرات واللقاءات العلمية أكثر تكراراً‬ ‫وإثباتاً علمياً وعملياً‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال شــك أن الــمــرأة السعودية أصبحت‬ ‫أكثر ثقة وتمكناً من علمها وإمكاناتها مع‬ ‫تاريخ المرأة في الخليج‪!..‬‬ ‫توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات‬ ‫بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل ¦طبعا حظيت المكتبة العربية والعالمية‬ ‫بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي‬ ‫وخــــارج الــمــمــلــكــة‪ ،‬والــتــي أتــاحــت لها‬ ‫قدمتها الدكتورة هتون‪ ،‬وكــان لها األثر‬ ‫الفرصة ألن تثبت حضورها اإلعالمي‬ ‫الالئق‪ ،‬حيث تم تكريمك بجائزة السعفة‬ ‫والثقافي المبني على محتوى‪ ،‬فضال‬ ‫األكاديمية برتبة فارسة بدولة فرنسا‪..،‬‬ ‫ًعن أن األجواء الرسمية العامة أصبحت‬ ‫ولن أدعي بأني قرأت كتابك األخير الذي‬ ‫أكثر مرونة في التعامل مع وجود المرأة‬ ‫يتضمن تاريخ المرأة في شرق الجزيرة‬ ‫في الفضاء الــعــام‪ ..‬فتدعوها وتجعلها‬ ‫العربية‪ ،‬ولكن قرأت عنه الكثير وما نشر‬ ‫مشاركة للرجل في غالبية الفعاليات‪،‬‬ ‫م ـنــه‪ ،‬هــل قـيـمــة ه ــذا ال ـك ـتــاب تـقــف عند‬ ‫وما زالت بحاجة لمزيد من الحضور من‬ ‫توثيقه للتاريخ‪ ،‬أم راف ــد يـغــذي خطاب‬ ‫وجهة نظري‪.‬‬ ‫المرأة في هذا العصر؟‬ ‫اكتساب التجربة‪!..‬‬ ‫ ¦ح ـض ــورك الـمـمـيــز وال ـك ـب ـيــر ف ــي الـكـثـيــر‬ ‫من الـنــدوات والفعاليات على المستوى‬ ‫المحلي والعربي والعالمي يدعوني أن‬ ‫أسألك‪ ،‬ما الذي يميز الخطاب الثقافي‬ ‫واإلب ـ ــداع ـ ــي ل ـ ــدى ال ـ ـمـ ــرأة ف ــي ال ـســاحــة‬ ‫ال ـس ـعــوديــة عــن مـثـيــاتـهــا فــي الـســاحــات‬ ‫العربية األخرى؟‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρ ρ‬كتاب (المرأة في الخليج) هو كتاب منشور‬ ‫باللغة اإلنجليزية في جامعة سيراكيوز‬ ‫األمريكية ومن تحرير البروفسورة أميرة‬ ‫ال كتبتُ أنا‬ ‫سنبل‪ ،‬ويضم ثالثة عشر فص ً‬ ‫فصله األول الــذي يتناول تاريخ المرأة‬ ‫في الخليج في فترة مبكرة من العصور‬ ‫األس ــط ــوري ــة الــقــديــمــة‪ ،‬وحــتــى صــدر‬ ‫اإلســام‪ ..‬في محاولة الستنطاق النص‬ ‫والحجر‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الخطاب النسوي‪!..‬‬ ‫ ¦فــي إح ــدى ال ـح ــوارات ُسئلت عــن حضور‬ ‫الـ ـم ــرأة الـنـبـطـيــة وك ــان ــت إج ــاب ـت ــك‪« :‬مــا‬ ‫ت ــوصـ ـل ــت إلـ ـي ــه أن الـ ـحـ ـض ــور والـ ـغـ ـي ــاب‬ ‫ي ـت ـبــادالن ومــرتـبـطــان بمتغيرات أخ ــرى‪،‬‬ ‫سياسية واجتماعية واقتصادية‪ ..‬تِ حيط‬ ‫بوضعها؛ إذ إن المرأة في العهد األول من‬ ‫المملكة النبطية؛ كانت غير ظاهرة ثم‬ ‫ظهرت وهكذا‪ ..‬لذا هنالك أسباب معقدة‬ ‫ال بــد أن تتكامل حـتــى تظهر ال ـمــرأة أو‬ ‫تـغـيــب‪ ..،»..‬في ظل التغيرات السياسية‬ ‫واالقتصادية التي يعيشها العالم العربي‬ ‫ف ــي ال ـس ـن ــوات األخـ ـي ــرة‪ ،‬م ــا األثـ ــر ال ــذي‬ ‫سـتـتــركــه أو تــركـتــه ه ــذه ال ـت ـغ ـيــرات على‬ ‫الخطاب النسوي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ســؤال جميل‪ ..‬لكن اإلجــابــة عليه ربما‬ ‫تستغرق كتباً ولن نصل إلى إجابة وافية‪،‬‬ ‫فالحديث عــن صــعــود الــمــرأة وتمكنها‬ ‫سياسياً أو اقتصادياً اليوم‪ ..‬له أبعاد أكثر‬ ‫تعقيداً وفق ما نعرفه ونعيشه اليوم من‬ ‫تداخل في المجتمعات‪ ،‬وتبادل للخبرات‪،‬‬ ‫وتدويل للمطالب الحقوقية‪ ،‬وتشكل وعياً‬ ‫مختلفاً بمفاهيم مشاركة الــمــرأة في‬ ‫الفضاء العام السياسي واالقتصادي‪.‬‬ ‫ووفـــق نظريتي األول ــي ــة‪ ..‬ف ــإن تمكين‬ ‫النساء في مجتمع‪ ،‬ما يتطلب أن تتوافر‬ ‫معطيات األمــان المجتمعي الذي توفره‬ ‫الدولة القوية ذات المؤسسات المستقرة‪،‬‬ ‫ويتوافق هذا مع توفر حاجة لدور النساء‬ ‫في المجتمع في حال غياب الرجل في‬ ‫الحرب أو التجارة التي تستغرق معظم‬ ‫شهور السنة‪ ،‬باإلضافة لوجود قدوات‬ ‫وشــخــصــيــات فــاعــلــة فــي أعــلــى الــهــرم‬

‫السياسي والــديــنــي ال ــذي يــدعــم ويثق‬ ‫بــالــمــرأة‪ .‬وعندما نطبق هــذه النظرية‬ ‫على اليوم نجدها تنطبق على كثير من‬ ‫التحوالت االجتماعية لألسرة اليوم التي‬ ‫لم تعد تستقر في مكان واحــد‪ ،‬والتي‬ ‫يتحرك فيها الزوجان اجتماعا ًوافتراقاً‬ ‫وفق االحتياجات االقتصادية التي تفرض‬ ‫نفسها على المجتمعات اليوم‪ ،‬ومن جانب‬ ‫آخــر‪ ..‬هناك التحوالت السياسية التي‬ ‫عممت حال ًة من الحرب وعــدم األمــان‬ ‫في العديد من مناطق العالم‪ ،‬السيما‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬مخلفة الماليين من‬ ‫البشر في حالة لجوء وعــدم استقرار‪،‬‬ ‫وف ــي مجتمعات أخـــرى نــجــد تــحــوالت‬ ‫سياسية تستخدم فيه األديـ ــان بشكل‬ ‫ال كبيراً على حريات األفــراد‪..‬‬ ‫يضع ثق ً‬ ‫مع الثقل األكبر على المرأة‪ ،‬سواء تشدداً‬ ‫أو انتهاكاً أو استغالالً‪ .‬ومجتمعات أخيرة‬ ‫تعيش اليوم في أجــواء سياسية تصادر‬ ‫فيها الــحــريــات والــمــشــاركــة السياسية‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬فيصبح التعبير عن الرأي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪75‬‬


‫والمطالبة بالحق خــروج ـاً على النص‬ ‫وعلى وحدة الصف الوطنية‪.‬‬

‫وامرئ في الشأن العام للدولة الحديثة‪،‬‬ ‫حيث تتساوى مواطنة الرجل والمرأة‪،‬‬ ‫يصبح التغيير واإلصالح حلم الجنسين‪.‬‬ ‫أسئلة بال إجابات نهائية‪ ،‬لكن اإلجابات‬ ‫المبدئية هي أن التغير مستمر‪،‬وليس‬ ‫هــنــاك ثــبــات لــلــعــاقــات أو للخطاب‪،‬‬ ‫واإلجــابــة شبه النهائية هــي أن هناك‬ ‫حاجة ماسة ألن تتمكن المرأة اقتصادياً‬ ‫على كافة المستويات‪ ،‬حتى يمكنها أن‬ ‫تواجه التغيرات المستمرة حولها سياسياً‬ ‫واقتصادياً واجتماعياً‪ ،‬وهــو ما يتكرر‬ ‫بإلحاح في الخطاب النسوي اليوم بكافة‬ ‫أشكاله وانتماءاته‪.‬‬

‫فكما نجد أن فــي كــل ظــرف مــن هذه‬ ‫الظروف يتغير الخطاب النسوي ويحتاج‬ ‫تمكيناً‪ ،‬ويحتاج مراجعة لمعطياته وكيف‬ ‫يعبر عن نفسه‪ .‬ففي حال العائلة المتنقلة‬ ‫نجد أنــهــا تصبح عائلة يــديــرهــا أحد‬ ‫األبوين بمفرده‪ ،‬مما يطرح تساؤالت حول‬ ‫عالقات السلطة وااللتزامات األسرية‬ ‫والمادية‪ .‬وفــي حــال األســرة الالجئة‪..‬‬ ‫فــالــســؤال ال ــذي يــطــرح نفسه هــو كيف‬ ‫يمكن لعالقات األسرة التقليدية أن تعمل‬ ‫في إطار من الفقد وعدم األمان وتفرق‬ ‫األسر وتغير عالقات السلطة فيها وفقاً‬ ‫كتب الطفولة‪!..‬‬ ‫لمن ما زال على قيد الحياة أو من ما زال‬ ‫ ¦تعودت أن أسأل هذا السؤال‪ ..‬فهو يضيء‬ ‫يعمل أو ينفق‪ ،‬ومــا هي الحال في ظل‬ ‫للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف‬ ‫البطالة وانتظار المعونات الدولية‪ .‬وفي‬ ‫«ال ـ ـجـ ــوبـ ــة»‪ ،..‬ه ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى‬ ‫حــال المجتمعات التي اختطفها الدين‬ ‫محتويات مكتبة الدكتورة هتون؟‬ ‫المسيس تستلب فيها إرادة النساء ويُجير‬ ‫النص الديني لخدمة األهواء والمصالح ‪ρ ρ‬مكتبتي تتكون مــن كتب الطفولة التي‬ ‫أخزنها ليوم ما يقرأها أطفالي‪ ،‬وكتب‬ ‫الــتــي تتداخل فيها مصالح السياسي‬ ‫االهــتــمــامــات ال ــدراس ــي ــة لــكــل فــتــرات‬ ‫والــديــنــي‪ ،‬والـ ــذي يــكــون غــالــبـاً رج ــل‪..‬‬ ‫التاريخ التي استدرجتني إليها‪ ،‬وكتب‬ ‫والمستغَّل هــي الــمــرأة‪ ،‬وعــلــى الرغم‬ ‫أكثر تخصصاً في تاريخ الجزيرة العربية‬ ‫من محاوالت النساء‪ ،‬ممن تلقين العلم‬ ‫القديم آثاراً ونقوشاً وتاريخاً‪ ،‬وكتب تتناول‬ ‫اليوم بالشكل الذي لم يكن معهوداً في‬ ‫المرأة تاريخاً وقضايا ونسوية ودراسات‬ ‫عصور سابقة‪ ،‬للتصدي لهذا االستغالل‬ ‫جندرية‪ ،‬وكتب في األساطير وكتب في‬ ‫لــأديــان السماوية وال سيما اإلســام‪،‬‬ ‫فلسفة التاريخ وكتب في الثقافة والفلسفة‬ ‫إال أنهن ما زلن لم يصلن إلى أن تصبح‬ ‫والفكر السيما الفكر الديني‪ ،‬هناك جزء‬ ‫هــذه المحاوالت للتفسير أو المقاومة‬ ‫فــي مكتبتي مخصص لمواضيع بعينها‬ ‫الفكرية هي النسق السائد والعام‪ .‬وفي‬ ‫أو مناطق بعينها‪ ،‬مثل الــجــزء الخاص‬ ‫ظل غياب إمكانات الديمقراطية التي‬ ‫بــكــتــابــات مــكــة الــمــكــرمــة وآخـ ــر خــاص‬ ‫تضمن حرية التعبير وتمثيل كل امــرأة‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫بالمدينة المنورة‪ ،‬وثالث يخص مناطق‬ ‫أخرى من المملكة مقسم جغرافياً‪ .‬وقسم‬ ‫خاص بأمهات الكتب في اللغة والتاريخ‬ ‫واألدب‪ ،‬وجزء خاص بالروايات واإلبداع‪.‬‬ ‫وتــتــراوح اللغات التي تكون مكتبتي بين‬ ‫العربية واالنجليزية وبعضها بالفرنسية‬ ‫واأللمانية‪ .‬وأنا في صراع مستمر ألتمكن‬ ‫من مالحقة قراءة مكتبتي‪.‬‬ ‫ما بين البحوث والكتب‪!..‬‬

‫روتين يومي‪!..‬‬

‫ ¦‪ ..‬ومن المهم جدا أن أسالك أيض ًا هذا ¦ما المواقع التي تحظى باهتمامك على‬ ‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬ ‫الشبكة العنكبوتية؟‬ ‫‪ρ ρ‬أعمل اآلن على أكثر من مشروع ما بين‬ ‫كتاب وبحوث أكاديمية وكتب توثيقية‪.‬‬ ‫فــهــنــاك بــحــث حـــول مــجــلــس الــشــورى‬ ‫ال فــي كتاب عن‬ ‫السعودي أقــدمــه فص ً‬ ‫مجالس التمثيل السياسي في الخليج‬ ‫العربي‪ ،‬وبحث أستكمله لجمعية التاريخ‬ ‫واآلث ــار خــاص ببحث قوانين األس ــرة‪..‬‬ ‫الســيــمــا ع ــاق ــة الـ ــواليـ ــة ف ــي الــقــرن‬ ‫اإلســامــي األول فــي بــاد الــشــام‪ ،‬وهو‬ ‫الذي ألقيته في لقاء الجمعية العلمي في‬ ‫الجوف إبريل الماضي‪ .‬وكتاب توثيقي‬ ‫لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات‬ ‫البلدية في السعودية‪.‬‬ ‫‪ ..‬ملكة ال أملكها‪!..‬‬ ‫ ¦أين الشعر من اهتمامات الدكتورة هتون‬ ‫الفاسي؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشعر ملكة ال أملكها‪ ..‬وإن كنت أتذوقه‬ ‫وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة‬ ‫مع الشعور واألفكار والنغم‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ليس موقعاً بعينه‪ ،‬وإنما ما أبحث عنه‬ ‫وفــقـاً لعمل أقــوم بــه أو أكتبه‪ .‬كما أن‬ ‫المواقع التي يكثر التردد عليها تختلف‬ ‫حسب الــزمــان والمناسبة‪ ،‬ففي أثناء‬ ‫الفصل الــدراســي أكثر المواقع تــردداً‬ ‫عليها هو موقع «البالكبورد» الذي يصلني‬ ‫بطلبتي وبتعليماتي لهم ولهن‪ .‬أما ما أفتح‬ ‫عليه كل يوم فيبدأ بأخبار جوجل يومياً‬ ‫لالطالع على آخر األخبار التي أطلب من‬ ‫جوجل تزويدي بها‪ ،‬موقع جريدة الرياض‪،‬‬ ‫أفــتــح صفحات «إيــمــيــاتــي» المختلفة‬ ‫لتحديد ححم اإليميالت التي تتطلب‬ ‫الرد‪ ،‬وأخيراً صفحات تويتر وفيسبوك‬ ‫وتصفحها سريعاً‪ .‬في فترات السفر أفتح‬ ‫على مواقع حجوزات الطائرات‪ ،‬وما يتبع‬ ‫ذلك من معلومات أحتاجها وفقاً لظرف‬ ‫السفر المذكور‪ ،‬هل هو مؤتمر أم سياحة‬ ‫أم زيارة وهكذا‪ ،‬لكن الدخول على الشبكة‬ ‫هــو روتــيــن يومي يبدأ منذ االستيقاظ‬ ‫لبدء العمل سواء كنت في البيت أو في‬ ‫الجامعة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪77‬‬


‫المصري‬ ‫الر َو ِائي ِ‬ ‫ِّ‬ ‫اليمة‬ ‫الس ْ‬ ‫عبداهلل َّ‬

‫ين تُ مثِّ ُل الْحيَ اةَ والمَ أْزق‪)..‬‬ ‫(الكتَ ابةُ ِح َ‬ ‫ِ‬ ‫روائيا أو‬ ‫ًّ‬ ‫الشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرً ا من السعادة هو أن أنجز عمالً‬ ‫مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة قصيرة‪.‬‬ ‫علينا أن نفرق بين الرواية الشاعرة والرواية الشعرية‪ ..‬وأرى أن مجرد قول رواية‬ ‫شعرية معناه رفض للتجنيس‪ ،‬وبالتالي (تعارض) هذا المسمى مع الرواية بوصفها‬ ‫كونًا حاضنً ا لألجناس األدبية‪.‬‬ ‫أنا الصحراء بهدوئها وعصفها‪ ،‬بصالبتها وعنادها‪ ،‬واعتدادها الكبير بذاتها‪،‬‬ ‫وأنا المدينة بمعالمها‪ ،‬وروحها التواقة‪ ،‬أنا ذلك الطائر البري الذي لن يكف عن‬ ‫التحليق في فضاءات األمكنة‬

‫مثل أي صحراوي قد تدفعك صرامة مالمحه للتردد في بداية األمــر‪ ،‬وتشعر بنوع ما‬ ‫من الندم لتعجلك في محاولة التعرف إليه كصديق محتمل‪ ،‬لكن اكتشافك غير المتوقع‬ ‫لتلك الروح المرحة وتواضعه الفطري المختبئين خلف مالمحه الجادة يدفعانك لتجاوز‬ ‫مساحات ترددك‪ ،‬والولوج في تأن الكتشاف مروج رِ هانه على الكتابة‪ ،‬التي اتخذ منها حياة‬ ‫كاملة‪ .‬فمنحته بدورها مكانًا يستحقه على الساحة الثقافية المصرية‪ ،‬وحقق له حرصه‬ ‫الشديد على أن يكون إبداعه مميزً ا ما لم يكن يتوقعه كما يقول أو يراهن عليه حينما بدأ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫وإللقاء المزيد من الضوء على عالمه وإبداعاته‪ ،‬أجرينا معه هذا الحوار‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫يتلمس خطاه الكتابية‪ ،‬عله يجد له موطئ قدم في عالم اإلبداع‪ .‬متحديًا كل الظروف التي‬ ‫واجهته‪ ،‬وكانت كفيلةـ لوال أنه يمتلك مقومات التحدي كأحد الضرورات إلمكانية الحياة‬ ‫في صحراء ال تمنح حبها ودعمها إال لمن يستحقهما‪ ..‬وهكذا هو ضيفنا القاص والروائي‬ ‫المصري عبداهلل عطية الساليمة‪ ،‬الــذى تقدمه أعماله الروائية والقصصية المهمومة‬ ‫بقضايا الحرية‪ ،‬دون إغفال لقضايا وهموم مجتمع بادية سيناء الذي ينتمى إليه‪ ،‬وقضايا‬ ‫وطن أكبر يعشقه بال حدود‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاوره‪ /‬محمد عيسى‬

‫ ¦من أنت؟ وما مسيرتك األدبية؟‬

‫تمثيل «سيناء» لعضوية األمانة العامة‬ ‫لمؤتمر أدباء مصر العام ‪2014/2012‬م‪،‬‬ ‫واخــتــيــاري عــام ‪2012‬م لعضوية لجنة‬ ‫القصة والرواية بالمجلس األعلى للثقافة‬ ‫بدار األوبرا بالقاهرة حتى اآلن‪ ،‬وفى عام‬ ‫‪2015‬م رُشــحــتُ لعضوية أمــانــة مؤتمر‬ ‫إقليم القناة وسيناء الثقافي‪ ،‬وتم تكليفي‬ ‫بتولي مسئولية أمانته العامة في دورته‬ ‫التي عقدت فــي شهر مــارس الماضي‬ ‫‪2016‬م‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬انا ابن بادية سيناء‪ ،‬مصري الجنسية‪،‬‬ ‫عــربــي الــهــوى والــهــويــة‪ ،‬أعــمــل بـــوزارة‬ ‫الــتــربــيــة والتعليم كمعلم خبير لــمــادة‬ ‫التاريخ بالمرحلة الثانوية‪ ،‬أما «إبداع ّيًا»‬ ‫فقد صــدر لــي خمسة أعــمــال ســرديــة‪،‬‬ ‫ثــاث روايــات «بركان الصمت» ‪2001‬م‬ ‫عن وزارة الثقافة المصرية‪ ،‬ثم روايــة‬ ‫«قبل المنحنى بقليل» ‪2004‬م في طبعة‬ ‫خاصة على نفقتي‪ ،‬وفــي عــام ‪2012‬م‬ ‫صدرت روايتي الثالثة «صحراء مضادة» ¦ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟‬ ‫عن دار األدهم للنشر بالقاهرة‪ ،‬وما بين‬ ‫إصدار رواية وأخرى كانت لي إبداعات ‪ρ ρ‬الكتابة بالنسبة لي هي الحياة‪ ،‬برغم‬ ‫ما تمثله من مــأزق لكاتب مثلي يعيش‬ ‫قصصية نــشــرت فــي دوريـ ــات مصرية‬ ‫فــي سيناء على وجــه الــخــصــوص‪ ،‬ألن‬ ‫وعربية‪ ،‬وترجم بعضها إلى اإلنجليزية‬ ‫عليك كــكــاتــب فــي مــكــان كــهــذا يعانى‬ ‫في كتاب صــدر عن مؤتمر أدبــاء مصر‬ ‫توتراً سياسياً‪ ،‬وتغلب على أهله الثقافة‬ ‫ع ــام ‪2011‬م‪ ،‬وجــمــعــت ه ــذه القصص‬ ‫العشائرية‪ ،‬أن تكون مع أو ضد‪ ،‬فإن لم‬ ‫في كتاب صــدر عن وزارة الثقافة عام‬ ‫تكن مع‪ ،‬فأنت ضد‪ ،‬وفي كلتا الحالتين‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬تحت عنوان «أشــيــاء ال تجلب‬ ‫تتعرض للمأزق‪ .‬بسبب حصارك نفسياً‪،‬‬ ‫البهجة»‪ ،‬وصدر لي مجموعة أخيرة عام‬ ‫ومحاصرة كتاباتك بسوء التفسير‪ ،‬فإن‬ ‫‪2016‬م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة‬ ‫لم يكن باتهامك بخرق قانون بداوتك‪،‬‬ ‫اخترت لها عنوان «أوضاع محرَّمة»‪ ،‬وقد‬ ‫فــســوف يــكــون بــالــخــروج عــلــى طــاعــة‬ ‫منحتني هذه األعمال شرف استحقاق‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪79‬‬


‫السلطة‪.‬‬ ‫ ¦ ُط ـبــع ل ــك م ــن األع ـم ــال روايـ ـ ــات (بــركــان‬ ‫الـ ـصـ ـم ــت)‪ ،‬و(قـ ـب ــل ال ـم ـن ـح ـنــى ب ـق ـل ـيــل)‪،‬‬ ‫و(صحراء مضادة)‪ ،‬ومجموعة قصصية‬ ‫(أشياء ال تجلب البهجة)‪ ،‬وأخيرة بعنوان‬ ‫(أوض ــاع مـحــرَّ مــة) ورواي ــة قيد الـطـبــع‪...‬‬ ‫فأين سيناء منها؟‬

‫النهاية إلى أن تتحول سيناء إلى ساحة‬ ‫حــرب مفتوحة ومــروعــة‪ ،‬وصــار الموت‬ ‫يتربص بكل كائن يتحرك على أرضها‪،‬‬ ‫وصــارت حياة أناسها مرهونة بــوالء‪ ،‬ال‬ ‫يستطيعون حتى في خيالهم الجهر به‪..‬‬ ‫تفادياً لموت مجاني‪ ،‬فإذا ما نجا أحدهم‬ ‫منه على يد طرف يدير فيهم القتل باسم‬ ‫الدين‪ ،‬ربما سيكون على يد طرف آخر‬ ‫يالحقهم‪ ،‬وهو مشحون بأفكار محددة‪،‬‬ ‫وأحكام مسبقة‪ ،‬ويتعامل معهم كما لو‬ ‫كانوا وباءً‪ ،‬يجب التخلص منه‪..‬‬

‫‪ρ ρ‬كمبدع يعيش في صحراء‪ ،‬يعد العيش‬ ‫فيها بحد ذاتــه مغامرة كبرى محفوفة‬ ‫بالمخاطر‪ ،‬نذرت نفسي لكتابة مسئولة‬ ‫وصــادقــة وهــادفــة‪ ،‬ال تصغي إال لقول‬ ‫الحق‪ ،‬وال تأخذ طابع اإلبداع التجاري‪¦ ،‬األجـنــاس األدبـيــة متداخلة‪ ..‬والحديث‬ ‫عنها وعن تداخلها يمأل اآلفاق ويمتدحه‬ ‫كما فعل الكثيرون طمعاً في شهرة زائفة‪،‬‬ ‫ال ـن ـقــاد ف ــي ال ـ ــرواي ـ ــة‪ ..‬ف ـهــل يـبـيــت ذلــك‬ ‫بل من أجــل إضافة إبداعية‪ ،‬يكون لها‬ ‫ضرورة؟‬ ‫القيمة ويكتب لها البقاء‪.‬‬ ‫قناعة كلفتني الكثير‪ ،‬ومنحتني صالبة ‪ρ ρ‬انقسم النقاد والمبدعون حــول قضية‬ ‫األجناس األدبية إلى فريقين‪ ،‬أحدهما‬ ‫كافية لتحمل كــافــة عــواقــب مغامرات‬ ‫يرفضها متبنياً موقف ابن خلدون ومن‬ ‫روائــيــة وقصصية‪ ،‬اســتــمــددتُ مكونات‬ ‫بــعــده كــروشــيــه الــرافــضــيــن لــهــا‪ ،‬حيث‬ ‫عوالمها من واقع بادية سيناء المُعاش‪،‬‬ ‫ي ــدع ــوان إل ــى ضــــرورة اح ــت ــرام حــدود‬ ‫كتابات حاولت من خاللها كسر حواجز‬ ‫الــجــنــس األدبـــــي‪ ،‬وذلـ ــك بــعــدم إدخ ــال‬ ‫الــصــمــت‪ ،‬واخ ــت ــراق مــا اســتــطــعــت من‬ ‫العناصر النوعية لجنس معين في غيره‬ ‫تابوهات بدوية في جرأة‪ ،‬القت استهجان‬ ‫من األجناس األدبية‪.‬‬ ‫البعض من البدو‪ ،‬ورفضاً ينذر بوقوع‬ ‫صدام مع البعض اآلخر منهم‪ ،‬ما حرصت‬ ‫على تفاديه بعقالنية شديدة وحذرة‪.‬‬

‫كما حاولت خاصة في مجموعتي األخيرة‬ ‫« أوضـــاع مــحـرَّمــة « رصــد مــا آل إليه‬ ‫حال أهل سيناء‪ ،‬هذا المثلث الــذى لم‬ ‫يزل قــادراً على تحدي ومقاومة الموت‪،‬‬ ‫رغــم كل محاوالت الجهلة من الساسة‬ ‫والمتأسلمين إسقاطه من خارطة هندسة‬ ‫الوطن منذ آالف السنين‪ ،‬وهو ما أدى في ‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫وفريق آخر يؤيد حازم القرطاجني‪ ،‬حيث‬ ‫يــرى أن اخــتــراق حــدود الجنس األدبــي‬ ‫وتداخله مع غيره من األجناس األدبية‪،‬‬ ‫قد يعطي نصوصا قمة في اإلبداع‪.‬‬

‫وبـــــــدوري أم ــي ــل إلــــى مـــا ذهــــب إلــيــه‬ ‫القرطاجني‪ ،‬ولما يمثله هذا التداخل من‬ ‫وجهة نظري من ضــرورة حتمية لتطور‬ ‫األدب‪.‬‬ ‫¦وُ ِجد مؤخرً ا ما أطلق عليه اسم (الرواية‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشعرية) هل تعتقد جدية هذا الطرح؟‬ ‫وهل هي إضافة حقيقية أم فانتازيا؟ وما‬ ‫إمكانات كتابة رواية شعرية؟‬ ‫‪ρ ρ‬بداية الب ّد أن نفرق بين الرواية الشاعرة‬ ‫والــروايــة الشعرية‪ ،‬فــالــروايــة الشاعرة‬ ‫نوع مألوف‪ ،‬أما الرواية الشعرية محور‬ ‫حديثنا‪ ،‬أعتقد أن هناك الكثير من يتفق‬ ‫معي على أنها حتى اآلن غير موجودة‪،‬‬ ‫وليس هناك عم ٌل روائيٌّ تنطبق عليه هذه‬ ‫التسمية‪ ،‬وما هي وفق الشاعر العراقي‬ ‫بشار عبداهلل إال بدعة ابتدعها العرب‬ ‫مقابل مــا يسمى فــي الــغــرب بمصطلح‬ ‫‪ verse novel‬الذى يعني إنشاء سرد روائي‬ ‫طويل بواسطة مقاطع شعرية بسيطة أو‬ ‫مركبة مــوزونــة‪ ،‬وتتضمن وقائع كبرى‪،‬‬ ‫وأصواتاً متعددة‪ ،‬وحواراً وسرداً ووصفاً‬ ‫وإثارة بأسلوب روائي‪.‬‬ ‫وأرى أن مجرد قول رواية شعرية معناه‬ ‫رفض للتجنيس‪ ،‬وبالتالي (تعارض) هذا‬ ‫المسمى مع الرواية بوصفها كونًا حاضنًا‬ ‫لألجناس األدبية‪.‬‬ ‫ ¦ب ـي ــن الـ ـت ــاري ــخ والـ ـ ــروايـ ـ ــة ص ـ ــات رحـ ــم‪،‬‬ ‫فـهــل ت ــزاي ــدت تـلــك ال ـصــات بــدراســاتــك‬ ‫التاريخية؟‬ ‫‪ρ ρ‬هذا السؤال يطرح إشكالية العالقة بين‬ ‫الــروايــة والتاريخ‪ ،‬ولفهم تفاصيل هذه‬ ‫العالقة المعقدة‪ ،‬استعنت بما قدمه‬ ‫كل من ميخائيل باختين وجيرار جنيت‬ ‫من النظريات والمفاهيم والمقوالت‪..‬‬ ‫كي استطيع فهم تفاصيل هذه العالقة‪.‬‬ ‫لكنني وجــدت ضالتي في قول جورجي‬ ‫زي ــدان عــام ‪1902‬م فــي مقدمة روايته‬

‫«الــحــجــاج بــن يــوســف الــثــقــفــي»‪« :‬رأيــنــا‬ ‫باالختبار أن نشر التاريخ على أسلوب‬ ‫الرواية أفضل وسيلة لترغيب الناس في‬ ‫مطالعته‪ ،‬واالستزادة منه»‬ ‫وبدوري كعربي أوالً وجد نفسه في حاجة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪81‬‬


‫ملحة لتقوية هــذه العالقة مع التاريخ‬ ‫واالس ــت ــزادة منه فــي مــحــاولــة لحماية‬ ‫هويتي من عناصر التغريب التى جاء بها‬ ‫االستعمار على وطننا العربي‪ ،‬وحماية‬ ‫هويتي الثقافية «كــبــدوي» مــن المسخ‬ ‫الثقافي‪ .‬ما جعلني آخــذ بقول زيــدان‪،‬‬ ‫وأجتهد إلصدار أعمال روائية وقصصية‪،‬‬ ‫أظنها قد نجحت إلى حد ما في إثارة‬ ‫انتباه البعض والتفافه حولها‪.‬‬ ‫ ¦تختلف الرواية عن غيرها من األجناس‬ ‫األخــرى في أنها قد تستغرق وقتً ا كبيرً ا‬ ‫إلن ـ ـجـ ــازهـ ــا‪ ،‬ف ـه ــل ي ـم ـكــن أن يـسـتـجـيــب‬ ‫الساليمة فــي الــوقــت ذاتــه إللـحــاح فكرة‬ ‫أخرى؟‬

‫‪82‬‬

‫المسيطرة كي ال تخسر كرسي السلطة‪.‬‬ ‫الكل يدافع عن مصالحه‪ ،‬وهنا يحتدم‬ ‫الصراع كما هو حادث في العراق وسوريا‬ ‫واليمن وليبيا وحدث من قبل في تونس‬ ‫ومصر‪.‬‬ ‫صراع يكون الساعون خلف لقمة عيشهم‬ ‫هم أكثر ضحاياه‪ ،‬بعد أن استغلته بعض‬ ‫الـ ــدول لتحقيق مصالحها مــن خــال‬ ‫إدخالها لمجموعات أصولية «كداعش‬ ‫وأخواتها» ليعيثوا فساداً ويمارسون كل‬ ‫أشكال القتل والوحشية ببدائية مقيتة‪.‬‬ ‫حتى باتت تلك البلدان خراباً ينعق فيها‬ ‫البوم‪ ،‬فيما تراقب إسرائيل ما يحدث‬ ‫في خشية وحذر شديدين‪ ،‬من أن تؤدي‬ ‫هذه التحوالت السياسية واالجتماعية‬ ‫واألمــنــيــة الــتــي تــمــر بــهــا ه ــذه الــبــلــدان‬ ‫الــعــربــيــة‪ ،‬إل ــى والدة خــريــطــة سياسية‬ ‫جديدة في المنطقة‪ ،‬وهو ربما ما ينذر‬ ‫بطول أمــد األخــطــار المحدقة بالعرب‬ ‫جميعاً بال استثناء‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬عندما تلح عليّ فكرة ما‪ ،‬وتختمر‬ ‫فــي رأس ــي‪ ،‬ال أت ــردد فــي تــرك مــا كنت‬ ‫أعــمــل عــلــى كــتــابــتــه‪ ،‬وأحــــاول اإلس ــراع‬ ‫بــكــتــابــتــهــا‪ ،‬خ ــوفــاً م ــن ف ــراره ــا وع ــدم‬ ‫مجيئها ثانية‪ ،‬وقد انجزت أكثر قصص‬ ‫مجموعتي القصصية األولــى «أشياء ال‬ ‫تجلب البهجة» على هذا النحو‪.‬‬ ‫ ¦الكتابة فعل المجازفة يأخذ من أرصدة‬ ‫الـكــاتــب ويـسـتـنــزف وقـتــه ‪ -‬وال غضاضة‬ ‫ ¦الـثــورات العربية كيف قرأتها؟ وهــل لها‬ ‫ مــالــه؛ ل ــذا ي ـســرع الـبـعــض إل ــى حصد‬‫اسـ ــم آخـ ــر ت ــري ــد أن تـسـمـيـهــا بـ ــه؟ وهــل‬ ‫الجوائز سواء اإلقليمية أو الدولية‪ ،‬فهل‬ ‫سنراها في كتاباتك؟‬ ‫هذا تفسير صائب؟‪ ...‬وهل على الكاتب‬ ‫‪ρ ρ‬هي هبات كان يمكن لها أن تغير مجرى‬ ‫أن يسعى إلى الجوائز أم ينتظرها؟‬ ‫التاريخ‪ ،‬لوال أنها تعرضت لإلجهاض كما‬ ‫هو حال كل محاوالت التغيير في بلداننا ‪ρ ρ‬ال أراه صائباً‪ ،‬وأعــد سعي الكاتب إلى‬ ‫الجوائز ظاهرة غير حميدة‪ ،‬فعلى الكاتب‬ ‫العربية‪ ،‬بدءاً من محمد علي باشا‪ .‬وما‬ ‫أن يهتم بجودة كتابته فقط‪ ،‬وهذا كفيل‬ ‫يحدث اآلن ال يمكن تسميته بغير الصراع‬ ‫بدفع القائمين على الجوائز بالبحث‬ ‫على السلطة‪ ،‬وبات مفتوحاً‪ ،‬فالشعوب‬ ‫عنه‪ ،‬والوصول إليه‪ ،‬كما حدث مع نجيب‬ ‫تتدافع مطالبة بحقوقها المشروعة من‬ ‫محفوظ‪ ،‬الــذى بحثت عنه جائزة نوبل‬ ‫الحرية والكرامة‪ ،‬وكالعادة تراوغ الطبقة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لآلداب عام ‪1988‬م وهى الجائزة األكبر‪،‬‬ ‫وذهبت إليه لجنتها في مصر وتجولت‬ ‫في عوالمه‪ ،‬وهو المعروف عنه أنه لم‬ ‫يغادر مصر على اإلطالق‪.‬‬ ‫ ¦لعل قائ ًال يقول‪ :‬إنَّ هناك أمكنةً بعينها‬ ‫تبعث على الكتابة‪ ..‬فأين هــذه األمكنة‬ ‫عند عبداهلل الساليمة؟‬ ‫‪ρ ρ‬الــصــحــراء‪ ،‬هــذا المتسع ال ــذى ولُــدت‬ ‫ونــشــأت فــيــه‪ ،‬ومــــازال يسكنني‪ ،‬رغــم‬ ‫إقــامــتــي بمدينة «الــعــريــش» تــلــك التي‬ ‫استعصى عليها احتوائي‪ ،‬رغم ظاهري‬ ‫الذي يثير شكوك أبناء جلدتي من البدو‪،‬‬ ‫أنني خلعت ثوب صحرائهم‪ ،‬اتهام باطل‪،‬‬ ‫وال مــكــان لــه فــي وجــدانــي‪ ،‬صــحــراء ال‬ ‫يمكنني التجرؤ بالقول‪ :‬إنني استطعت‬ ‫كتابتها‪ ،‬لكن مــا أستطيع تــأكــيــده‪ ،‬أن‬ ‫المكان باتساعه‪ ،‬ســواء كانت صحراؤه‬ ‫المحتشدة بغموضها‪ ،‬أو مدينته المكتظة‬ ‫بفعلها‪ ،‬واحد ال يتجزأ‪ ،‬فالمكان أنا‪ ،‬وأنا‬ ‫المكان‪.‬‬ ‫أنا الصحراء بهدوئها وعصفها‪ ،‬بصالبتها‬ ‫وعــنــادهــا‪ ،‬واعــتــدادهــا الكبير بذاتها‪،‬‬ ‫بكبريائها الـــذي عــلــى كــل مــن يــحــاول‬ ‫جرحه عليه تحمل انتقامه‪ ،‬وأنا المدينة‬ ‫الضاجة‪ ،..‬أنا‬ ‫بمعالمها‪ ،‬وروحها التواقة ّ‬ ‫ذلــك الطائر البري الــذي لن يكف عن‬ ‫التحليق في فضاءات األمكنة‪ .‬امتطي ¦بــم تـصــف ف ـتــرات الـتــوقــف عــن الكتابة؟‬ ‫صهوة خيالي‪ ،‬مــتــزوداً بما أظنه يكفى‬ ‫وماذا تعني لديك؟‬ ‫لسبر بعض أغوارها‪ ،‬وأوقات تجوالي في‬ ‫عالمها‪ .‬أرصد واقع شخوصها‪ ،‬أعيش ‪ρ ρ‬تعنى لي فترة نقاهة‪ ،‬قد تكون إجبارية‪،‬‬ ‫بسبب مـــرور الــكــاتــب بــفــتــرة ال يعرف‬ ‫معها أفــراحــهــا وأتــراحــهــا‪ ،‬فنحن كما‬ ‫عما يكتب‪ ،‬وقد يمر في بعض الفترات‬ ‫أسلفت القول واحد ال يتجزأ‪ ،‬وال يقبل‬ ‫بظروف نفسية تؤثر عليه سلباً‪ ،‬وربما‬ ‫القسمة على اثنين‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪83‬‬


‫البادية وربيب القبائل‪ ..‬ما مكان القاهرة‬ ‫من حياتك؟ وما المسافة بينهما؟‬ ‫‪ρ ρ‬قال تشيكوف‪« :‬األدب معركة‪ ،‬عليك طول‬ ‫الوقت أن تقاتل‪ ،‬لتضع رجلك على أرض‬ ‫جديدة»‪ ،‬والقاهرة بالنسبة لي تمثل ساحة‬ ‫معركتي‪ ،‬وقد استطعت بذكاء صحراوي‪،‬‬ ‫يحدد أهدافه بدقة‪ ،‬وال يراهن إال على‬ ‫نفسه‪ ،‬تجنب المواجهة‪ ،‬والــخــروج من‬ ‫المعركة‪ ،‬دون خسارة صديق واحد من‬ ‫أدبــائــهــا‪ ،‬الــذيــن أحــرص على انتقائهم‬ ‫بعناية‪ ،‬وحققت من األهــداف أكثر مما‬ ‫كنت أحلم به‪.‬‬ ‫غير أن القاهرة معشوقتي‪ ،‬التي أقطع‬ ‫مسافة ما يزيد على أربع مئة كيلو متر‬ ‫لكي أروي يــبــاس عيني مــن رقــة نيلها‬ ‫العامر بالحياة‪ ،‬هي مركز إشعاع ثقافي‬ ‫وإبداعي وإعالمي‪ ،‬ال بد لمثلى يقيم في‬ ‫البعيد من توقيع حضوره باستمرار في‬ ‫فعالياتها‪ ،‬وتوثيق عالقته بالمزيد من‬ ‫أدبائها ونقادها‪ ،‬وهــذا ما اعتقد أنني‬ ‫وفقت في تحقيقه إلى حد ما‪.‬‬ ‫ ¦ماذا عن جديدك في الكتابة؟‬ ‫يــكــون لــديــه اهــتــمــامــات أخـــرى تفرض ‪ρ ρ‬أنجزتُ رواية جديدة اخترت لها عنوان‬ ‫نفسها عليه بقوة‪.‬‬ ‫«حكايات العابرين» سوف تصدر قريباً‬ ‫عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫وقد تكون فترة نقاهة اختيارية‪ ،‬يحاول‬ ‫الــمــبــدع خــالــهــا الــتــخــلــص مــن إجــهــاد ¦ال ــروائ ــي ع ـبــداهلل الـســايـمــة فــي حياتك‬ ‫الكتابة‪ ،‬واالســتــمــتــاع بالحياة‪ ،‬وإع ــادة‬ ‫أشـيــاء ال تجلب البهجة‪ ..‬فما أشـيــاؤك‬ ‫التوازن إلى نفسه‪ ،‬قبل الولوج إلى كتابة‬ ‫التي تجلب البهجة؟‬ ‫جــديــدة‪ ،‬وعلى أيــة حــال‪ ،‬فالكاتب كما ‪ρ ρ‬الشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرًا من‬ ‫يقول الطيب صالح ليس مصنعاً عليه أن‬ ‫ال روائ ـ ًّيــا أو‬ ‫السعادة هــو أن أنجز عم ً‬ ‫ينتج باستمرار دون توقف‪.‬‬ ‫مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة‬

‫ ¦القاص والــروائــي عبداهلل الساليمة ابن‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫قصيرة‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس‪:‬‬ ‫انتقلت من السرد إلى الشعر‪ ،‬وأنا شاعرة فيسبوكية وأفتخر‪.‬‬ ‫في الكاتب دائمً ا جوانب إبداعية وقدرات خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها‬ ‫واقع أو حالة‬ ‫يدا لتُ خرجها إلى السطح‪،‬‬ ‫اكتشفت أن بداخلي شاعرة كانت تنتظر ً‬ ‫فلكل زمن أدواته والطرق التي باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها إلى القارئ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫أنا مدينة للفيسبوك أوال وأخيرً ا‪ ،‬وشاعرة فيسبوكية بكل فخر ً‬ ‫أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في دمي‪ ،‬ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء‬ ‫حمّ ته هذيت بالكثير من الشعر!‬

‫تــرى القاصة والشاعرة التونسية وئــام غــداس‪ ،‬الحاصلة على المركز األول في جائزة‬ ‫الشارقة لــإبــداع العربي عــن مجموعتها القصصية «أمـشــي وأضـحــك كأني شـجــرة»‪ ،‬أننا‬ ‫نعيش في عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب إلى بؤر العنف والظالمية‪ ،‬ولو استطاع‬ ‫الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة اإلبداعية‪ ..‬فمرحبًا بذلك حتى لو كانوا يكتبون‬ ‫بشكل رديء وشكرً ا للفيس‪ ،‬وتضيف غداس ‪ -‬التي صدر لها أخيرً ا ديوان شعري في القاهرة‬ ‫تحت عنوان «حديقة مصابة باأللزهايمر» ‪ -‬أنّ القارئ الجيد يعرف في النهاية كيف يميّز‬ ‫أي داع لرعب البعض‬ ‫بين الجيد والــرديء‪ ،‬والزمن غربال جيد لكل مرحلة‪ ،‬لذلك ال أرى َّ‬ ‫ممن يكتبون في مواقع التواصل‪.‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪85‬‬


‫ ¦كيف كانت البداية مع الكتابة الشعرية‬ ‫والكتابة عمومً ا؟‬ ‫‪ρ ρ‬بداياتي لم تكن تقليدية بالمرة‪ ،‬ذلك أننا‬ ‫نعرف أن شعراء كثر انتقلوا إلى السرد‬ ‫خصوصا الــروايــة‪ ،‬تعودنا أن األغلبية‬

‫يبدؤون شعراء‪ ..‬ثم ينتقلون إلى أجناس‬ ‫أخــرى قد ال يعودون منها أبــدا ولو عن‬

‫طريق المراوحة‪ ،‬ويتركون كتابة الشعر‬

‫نهائيا‪ ،‬وفي عصر الرواية ثمة منهم من‬ ‫يستاء بالفعل إلى االشارة أنه بدأ شاعرا‪،‬‬

‫كأنه يطمح لنسف تاريخ مخز‪ ،‬هل بات‬ ‫الشعر خزيا؟ لن أخــوض هذه المسألة‬

‫اآلن‪ ،‬ولكن أعود لك إلى بداياتي‪ ،‬لم أبدأ‬

‫شاعرة وال خطر لي في يوم كتابته‪ ،‬قد‬

‫ومن يعرفني جيدا سيقول لك «القاصة»‬

‫فــانــة‪ ،‬وكــتــابــي األول ك ــان مجموعة‬ ‫قصصية‪ ،‬مستوفية كل شروط المجموعة‬ ‫القصصية وحاصلة على المركز األول‬

‫في جائزة الشارقة لإلبداع العربي‪ ،‬لكن‬ ‫في الكاتب دائمًا جوانب إبداعية وقدرات‬

‫خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها‬ ‫واقع أو حالة‪ ،‬هذا ما اكتشفته من خالل‬

‫تجربتي مع الشعر‪ ،‬ولقد قلت في حفلة‬ ‫توقيع ديواني وتبرأت من تهمة الشعر‬ ‫الذي يجري في دم الشعراء منذ والدتهم‪،‬‬

‫أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في‬ ‫دمي‪ ،‬ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء‬

‫حمّته هذيت بالكثير من الشعر!‬

‫أع ّد من القالئل الذين انتقلوا من السرد ¦كـ ـي ــف جـ ـ ـ ــاءت تـ ـج ــرب ــة كـ ـت ــاب ــة ديـ ــوانـ ــك‬ ‫األول والـصــادر أخـيــرً ا عــن دار العين في‬ ‫إلى الشعر‪ ،‬حتى قراءاتي في الشعر كانت‬ ‫محدودة جدًا لو قارنتها بالسرد‪ ،‬بدا لي‬ ‫األمر أصعب مما يمكن تخيله‪ ،‬وكان لقب‬

‫القاهرة ويحمل عنوان «حديقة مصابة‬ ‫باأللزهايمر» ؟‬

‫الشاعرة عندي وال يزال موضع مخاوف ‪ρ ρ‬هــذا الــديــوان كــان يحمل عــنــوا ًنــا آخر‬ ‫ال تــحــصــى‪ ،‬وش ــرف مــن الــصــعــب ج ـدًا‬ ‫هــو «الــتــي كتبت كثيرًا لتحبّها»‪ ،‬ألنني‬

‫نوله‪ ،‬لذلك ال أطــرح نفسي حتى اليوم‬

‫استخرجت أغلب قصائده من مكان قصي‬

‫أطرحها على اإلطالق‪.‬‬

‫أكــن واقعة تحت وطــأة إحساس ضخم‬

‫في الساحة األدبية كشاعرة وأظنني لن‬

‫جدًا في قلبي‪ ،‬ولم أكن ألكتب كلمة لو لم‬

‫مــحــاوالتــي األولــــى فــي الــكــتــابــة كانت‬

‫هو الحب‪ ،‬وكل المشاعر المنجرة عنه‬

‫وحتى مشاركاتي في المحافل الثقافية‬

‫ا يحب‬ ‫و‪ ..‬و‪ ..‬قبل أعــوام أحببت رج ـ ً‬

‫عــن طــريــق الــســرد‪ ،‬القصة القصيرة‪،‬‬

‫‪86‬‬

‫التونسية كانت عن طريق كتابة القصة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫من اشتياق وحزن وفرح وخيبة وخذالن‬ ‫الشعر كثيرًا‪ ،‬ولمست أنه يقدر الشعراء‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫خاصا‪ ،‬كأنه يراهم‬ ‫ً‬ ‫والشاعرات تقديرًا‬ ‫كائنات غير بشرية ربما مالئكية حتى‪،‬‬ ‫في ذلك الوقت قررت أنني سأكتب الشعر‬

‫ال ووجهت كل‬ ‫ليُحبّني‪ ،‬وركزت في ذلك فع ً‬ ‫حواسي ووقتي ومجهودي وقدراتي في‬

‫كتابة الشعر‪ ،‬اشتريت دواوين ال تحصى‬

‫صــحــيــح أن لــكــل جــنــس خــصــوصــيــاتــه‬ ‫ومالمحه الواجب التقيد بها واحترامها‪،‬‬ ‫ولكن ذلك ال يــؤدي إلى استحالة عبور‬ ‫الكاتب من جنس أدبي إلى آخر‪ ،‬بالنسبة‬ ‫لي الجنس األدبي تفرضه الحالة‪ ،‬حالة‬ ‫الكاتب وليس لقبه‪ :‬شاعر‪ ،‬قاص‪ ،‬روائي!‬

‫وقررت أنني أمتلك األداة الالزمة وهي ¦هــل تعتقدين فــي أهمية الفيسبوك في‬ ‫اللغة بوصفي كاتبة‪ ،‬وأمتلك إحساسً ا‬ ‫حياة الكتابة لدى الشاعر ؟‬ ‫ضخمًا باستطاعته أن يمنحني المقدرة‬ ‫‪ρ ρ‬في أحد الحوارات الصحفية قلت جملة‬ ‫على كتابة أجمل القصائد‪ ،‬وبــدأت‪ ..‬ال‬ ‫أراهــا حقيقية ج ـدًا وأث ــارت ردود فعل‬ ‫تخلو المحاوالت األولى من بؤس ورداءة‬ ‫متباينة‪ ،‬قلت‪« :‬أنا شاعرة فيسبوكية»‪.‬‬ ‫ظاهرة ولكن تجربتي بالوقت واإلصرار‬ ‫بعض الشعراء وغير الشعراء والنقاد‬ ‫تبلورت وتــطــورت‪ ،‬اكتشفت أن بداخلي‬ ‫وغيرهم إذا ما رغبوا بالتقليل من شأن‬ ‫شاعرة كانت تنتظر ي ـدًا لتُخرجها إلى‬ ‫كاتب أو زعزعة ثقته بنفسه أسقط عليه‬ ‫السطح‪ ،‬وألنّ الشعر ورطة فقد تورطت‬ ‫هذا اللقب‪« :‬شاعر فيسبوكي»‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫به‪ ،‬قلت مرة إن ديواني األول هذا سيكون‬ ‫لــي فإنه مــن الغباء الشديد االعتقاد‬ ‫األخير حتمًا ولكن يبدو لي ذلــك اآلن‬

‫مستحيالً‪ ،‬كل هذا الكالم يحيل مباشرة‬ ‫أيضا بين الشعر والسرد‬ ‫إلى أن المسافة ً‬

‫ليست بالبُعد ال ــذي يتخيله البعض‪،‬‬

‫أن مثل هــذه الكلمة تسيء ألي كاتب‪،‬‬ ‫ولطالما تقبلتها إذا قيلت برحابة صدر‬ ‫وقلتها أنا ألوفر الحرج على من يرغب‬ ‫في قولها‪ ،‬فلكل زمن أدواته والطرق التي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪87‬‬


‫باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها‬ ‫إلى القارئ‪ ،‬وفي زماننا هذا من العبث‬

‫والغرور إنكار دور الفيسبوك وغيره من‬ ‫مواقع التواصل في اإلسهام في انتشار‬

‫الكاتب‪ ،‬ووصول اسمه ونصه إلى القارئ‬

‫وبسهولة تامة‪ ،‬هل أفرز هذا استسهاال‬ ‫للكتابة األدبية؟ طبعًا‪ ،‬لكل فرد صفحته‬

‫الخاصة‪ ،‬وبإمكانه كتابة ما يشاء بال‬ ‫أية قيود أو ضوابط‪ ،‬وهنا الحظنا أن‬ ‫األغلبية وفجأة صاروا كتّابًا وباألخص‬

‫شعراء‪ ،‬لست من األشخاص المستائين‬ ‫أفضل أن يع ّم الكتّاب ‪-‬‬ ‫من هذا بصدق‪ّ ،‬‬

‫مهما تكن رداءة ما يكتبون‪ -‬هذه األرض‬

‫وال يعمها المجرمون‪ ،‬نحن نعيش في‬

‫عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب‬ ‫إلى بؤر العنف والظالمية‪ ،‬لو استطاع‬

‫الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة‬ ‫اإلبــداعــيــة فمرحبا بــرداءتــهــم وشــكـرًا‬

‫للفيس‪ ،‬وفي النهاية القارئ الجيد يعرف‬

‫تمامًا كيف يميّز بين الجيد والــرديء‪،‬‬ ‫والزمن غربال جيد لكل مرحلة‪ ،‬لذلك‬

‫ال أرى أي داع لرعب البعض ممن يكتبون‬ ‫في مواقع التواصل‪.‬‬

‫أنا من األشخاص المدينين للفيسبوك‪،‬‬

‫أحيانا أسأل نفسي‪ :‬من أنا قبله؟ كاتبة‬ ‫بــالــكــاد تــشــارك فــي بــعــض الملتقيات‬

‫األدبــيــة المحلية وال يكاد أحــد يسمع‬

‫باسمها أو يعرف عنها شيئًا‪ ،‬الفيسبوك‬

‫‪88‬‬

‫خــلــق ل ــي جــمــهــورًا يــقــرأ ل ــي وينتظر‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫نصوصي‪ ،‬جمهور بعيد جدًا ولكنه قريب‬ ‫بنفس الوقت‪ ،‬األجمل من كل شيء أنه‬ ‫جعلني أتعرف على تجارب مختلفة‪ ،‬من‬ ‫كل العالم‪ ،‬هذا جعلني مطلعة ومكنني‬ ‫من تحسين أدواتــي وتطويرها‪ ،‬ثم جعل‬ ‫عـ ــددًا كــبــيـرًا مــن األشــخــاص يــقــرؤون‬ ‫لي في كل أنحاء العالم العربي‪ ،‬وحتى‬ ‫ال ــدع ــوات لــلــمــشــاركــة فــي مهرجانات‬ ‫دولــيــة‪ ،‬أو عــروض دور النشر أتــت من‬ ‫خــال أشخاص تعرفوا على نصي في‬ ‫الفيسبوك ولــيــس فــي مــكــان آخ ــر‪ ،‬أنا‬ ‫مدينة للفيسبوك أوال وأخيرًا‪ ،‬وشاعرة‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫فيسبوكية بكل فخر ً‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫المخرجة السعودية هناء العمير‪:‬‬ ‫هناك حراك فني مبهج واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس بالفنون والسينما‬ ‫وأنا متفائلة جدا بالمستقبل‬ ‫أدين للمخرج كوروساوا ألنه أدخلني في عالم السينما العالمية‬ ‫حلم طفولتي هو الكتابة ورواية الحكايات‪ .‬شغفي هو أن أروي وإن كانت الرواية‬ ‫تتطلب أن أقف خلف الكاميرا‬ ‫لم أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان خارج السعودية‬ ‫مهرجان «أفالم السعودية» يحتاج أن ينفتح على التجارب السينمائية الخليجية‬ ‫والعربية‪ ،‬وربما الدولية‬ ‫نحن نملك أفالم ًا عربية ذات قيمة فنية عالية‪ ،‬ولكننا ال نملك سينما‬

‫هناء عبد اهلل العمير‪ ،‬مخرجة‪ ،‬سيناريست‪ ،‬كاتبة وناقدة سينمائية سعودية‪ ،‬حاصلة‬ ‫على بكالوريوس ترجمة عربي‪/‬انجليزي من جامعة الملك سعود‪-‬الرياض‪1992 ،‬م‪ ،‬وعلى‬ ‫ماجستير ترجمة عربي‪ /‬انجليزي من جامعة «هيريوت وات» ببريطانيا‪1996 ،‬م‪ ،‬حازت على‬ ‫جائزة النخلة الفضية في مسابقة األفــام السعودية فئة السيناريو عن فيلم قصير لم‬ ‫ينفذ بعد‪2008 ،‬م‪ ،‬كتبت وأخرجت الفيلم الوثائقي «بعيد ًا عن الكالم» الذي شاركت به في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪89‬‬


‫مهرجان الخليج السينمائي‪2009 ،‬م‪ ،‬وكتبت وأخرجت الفيلم الروائي القصير «شكوى» الذي‬ ‫شارك في مهرجان تيسة لألفالم اآلسيوية واألفريقية ‪2014‬م‪.‬‬ ‫حصلت على العديد من الجوائز المهمة‪ ،‬من بينها جائزة النخلة الذهبية في مهرجان‬ ‫أفــام السعودية عــن فيلم «شـكــوى» (‪2015‬م)‪ ،‬وجــائــزة أفضل سيناريو مــن مسابقة مركز‬ ‫الملك فهد الثقافي لألفالم القصيرة عن فيلم «بسطة» الذي قامت بكتابته مع هند الفهاد‬ ‫(‪2016‬م)‪ ،‬اما في مجال التأليف والنقد السينمائي‪ ،‬فقد صدر لها كتاب «ساموراي السينما‬ ‫اليابانية أكيرا كوروساوا»‪ ،‬دار مسعى‪2017 ،‬م‪ ،‬ناهيك عن اختيارها كمحكمة في العديد من‬ ‫المهرجانات السينمائية‪ ،‬ونشاطها الدءوب في الحراك الثقافي في السعودية‪.‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬عبدالكرمي قادري‬

‫ ¦فكّ رت كثير ًا في نوع السؤال األول الذي‬ ‫سأطرحه عليك‪ ،‬خصوصا وأن تجربتك‬ ‫رغم عمرها القصير خاصة في السينما‬ ‫متنوعة وثرية‪ ،‬واستطعت من خاللهاأن‬ ‫تـقــولــي ب ـصــوت مــرتـفــع «أن ــا ه ـنــا»‪ ،‬يعني‬ ‫مرة كاتبة سيناريو‪ ،‬ومرات مخرجة أفالم‬ ‫وثائقية وروائية‪ ،‬وأخرى ناقدة سينمائية‪،‬‬ ‫أعتقد بأن آخر ما صدر لك هو كتاب عن‬ ‫المخرج العالمي اكيرا كــوروســاوا‪ ،‬وكلها‬ ‫تجارب تلتقي في خانة السينما‪ ،‬ما الذي‬ ‫تعنيه لك السينما‪ ،‬وأي العناصر اقرب‬ ‫إليك فيها (كتابة‪ ،‬إخراج‪ ،‬نقد‪)...‬؟‬

‫‪90‬‬

‫‪ρ ρ‬الــكــتــاب الـــذي ص ــدر لــي عــن المخرج‬ ‫العالمي‪ ،‬كان كتابة أحببت أن تحمل طابع‬ ‫الذاتية وأن ال تكون ذات شكل نقدي بحت‬ ‫كما هو متعارف عليه‪ .‬ألنني باألساس‬ ‫في كتابتي عن السينما أكتب من دافع‬ ‫الشغف‪ .‬صحيح أنني قرأت الكثير من‬ ‫الكتب النقدية حتى أفهم كيفية قــراءة‬ ‫الفيلم السينمائي‪ ،‬إضــافــة إلــى أنني‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫مارست اإلخراج والكتابة وبذلك تعرفت‬ ‫بشكل عملي على عملية صناعة الفيلم‪،‬‬ ‫لكنني أظل أوالً وأخيراً أتبع شغفي‪ .‬وأي‬ ‫نقد مهما استند إلى معايير فنية يظل‬ ‫يحمل شبهة الذاتية‪ ،‬فنحن ال نستطيع‬ ‫أن نخرج من أنفسنا‪ ..‬والمادة اإلبداعية‬ ‫تؤثر فينا مهما ادعينا العكس‪ .‬ولذلك‬ ‫فقد نزعت عن نفسي صفة الموضوعية‬ ‫فــي كــتــابــي عــن ك ــوروس ــاوا وقــلــت منذ‬ ‫الصفحة األولى أنني أدين لهذا المخرج‬ ‫بالدخول في عالم السينما العالمية‪ ،‬فقد‬ ‫كان فيلمه «أحالم» هو البوابة التي عبرت‬ ‫منها إلى السينما‪ ،‬وبما إنه في فيلمه ذاك‬ ‫قد دخل من خالل طالب فنون تشكيلية‬ ‫إلــى عــالــم فــان جــوخ (ال ــذي كــان يحبه‬ ‫ويتمنى أن يصبح فناناً مثله)‪ ،‬فسأدخل‬ ‫عالم كــوروســاوا من فيلمه «راشــومــون»‬ ‫وجعلت بنية الكتاب معتمدة على بنية‬ ‫مقطع «الغربان» من فيلم «أحالم»‪ .‬فأنا‬ ‫في النهاية أشبه بطالبة أمام معلم‪.‬‬


‫هــذا فيما يخص الكتاب وعـــذراً على‬ ‫اإلسهاب‪ ،‬أما فيما يتعلق بأي العناصر‬ ‫أقرب إلى نفسي فهي الكتابة بكل تأكيد‪.‬‬ ‫في داخلي كاتبة ولكني درست الترجمة‬ ‫وحصلت على درجــة الماجستير فيها‬ ‫من بريطانيا وأعلم أننا في السعودية‬ ‫بحاجة لكل ما من شأنه إثــراء المشهد‬ ‫السينمائي‪ ،‬ولذلك ال أتوانى عن القيام‬ ‫بأدوار أخرى من أجل هذه الغاية‪ .‬ولذلك‬ ‫فعندما خطرت لي فكرة توثيق لقاء بين‬ ‫فرقتين يعزفان الموسيقى الفلكلورية‬ ‫لثقافتين مختلفتين ولم أجد من يمكن‬ ‫أن ينفذها بالشكل الــذي أحــبــه‪ ،‬قمت‬ ‫أنا بإخراج هذا الفيلم وهو «بعيداً عن‬ ‫الكالم» والذي وثقت فيه لقاء يحدث للمرة‬ ‫األولى لفرقة أرجنتينية تعزف التانغو في ¦رغ ــم ع ــدم تــوفــر ال ـف ـض ــاءات الـمـســاعــدة‬ ‫زيارتها األولى للشرق األوسط مع فرقة‬ ‫على خلق السينما‪ ،‬غير أن أفالم الشباب‬ ‫من منطقة القصيم في السعودية تعزف‬ ‫فرضت نفسها بقوة في السنوات األخيرة‬ ‫موسيقى السامري‪ ،‬وقمت بعمل لقاءات‬ ‫في السعودية‪ ،‬وظهرت تجارب محترمة‪،‬‬ ‫مع الموسيقيين من الفرقتين يتكلمون‬ ‫خصوصا في سينما المرأة‪ ،‬كيف تفسرين‬ ‫فيه عــن انطباعاتهم خــال سماعهم‬ ‫هذا األمر؟‬ ‫لموسيقى بعضهم البعض‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أفسره بأن التكنولوجيا كسرت كل الحدود‬ ‫ ¦ع ـن ــدم ــا ت ـقــول ـيــن ب ــأن ــك ل ــم ت ـج ــدي مــن‬ ‫سواء من خالل المشاهدة والقراءة التي‬ ‫يوثق للفرقتين بالشكل الصحيح قمت‬ ‫أصبحت ممكنة‪ .‬المشاهدة من خالل‬ ‫ب ــإخ ــراج ال ـف ـي ـلــم‪ ،‬يـعـنــي ق ــدوم ــك لعالم‬ ‫شاشات كبيرة وأجهزة عرض سينمائي‬ ‫اإلخــراج جاء عن طريق الصدفة‪ ،‬وليس‬ ‫والقراءة أيضاً المتخصصة والمتعمقة‪،‬‬ ‫مع سبق إصرار وترصد؟ أو بعبارة أخرى‬ ‫إضافة إلى انخفاض كلفة التصوير وكل‬ ‫عوالم السينما لم تكن أحالم طفولة؟‬ ‫ما يتعلق باإلنتاج السينمائي‪ .‬وكذلك أيضاً‬ ‫من خالل توفير منصات لتبادل الخبرات‬ ‫‪ρ ρ‬حــلــم طــفــولــتــي هـــو الــكــتــابــة وروايـــــة‬ ‫والقراءات‪ ،‬وخلقت مجموعات في العالم‬ ‫الحكايات‪ .‬شغفي هو أن أروي وإن كانت‬ ‫االفتراضي تحولت فيما بعد ألن تشكل‬ ‫الرواية تتطلب أن أقف خلف الكاميرا‬ ‫فرقاً فنية للعمل على إنتاج األفالم‪ .‬فقد‬ ‫ألتــأكــد أن حــكــايــتــي ستصل سأفعل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫األيقونة السينمائية إنغمار بريغمان ذكر‬ ‫أن إخراجه لألفالم هو هواية وأن عمله‬ ‫األس ــاس هــو اإلخ ــراج المسرحي‪ ،‬ومع‬ ‫ذلــك كــان ملهماً للكثير من المخرجين‬ ‫السينمائيين‪ ،‬وال يمكن الــحــديــث عن‬ ‫السينما األوربــيــة بشكل عــام والسينما‬ ‫السويدية بشكل خــاص دون الحديث‬ ‫عنه‪ .‬بالنسبة لي السرد البصري أكثر‬ ‫متعة مــن الــســرد األدبـ ــي ولــذلــك فأنا‬ ‫أكتب السيناريو‪ ،‬كتبت للتلفزيون وكتبت‬ ‫للسينما وسأظل أكتب‪ ،‬بالنسبة لي هذا‬ ‫عملي األســاس‪ ،‬أما اإلخــراج فهو هواية‬ ‫أحــب أن أمارسها بين آن وآخــر حينما‬ ‫يناديني مشروع ما وأجــد صدى له في‬ ‫قلبي‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫بــدأت السينما في السعودية من خالل‬ ‫منتديات أشهرها كان يسمى «سينماك»‪،‬‬ ‫وتحول من كانوا يشاركون في «سينماك»‬ ‫إلى صفحات الجرائد المحلية‪ ،‬وبدأوا‬ ‫يكتبون عن السينما‪ ..‬وترافق ذلك أيضاً‬ ‫ببداية مهرجانات إقليمية كانت تدعم‬ ‫السينما الخليجية وأهمها مسابقة «أفالم‬ ‫اإلمارات»‪ .‬واآلن أصبح لدينا مهرجانات‬ ‫ومسابقات خاصة بالفيلم السعودي‪ ،‬وهو‬ ‫تطور آخــر‪ ..‬وكما أرى فنحن ننتقل من‬ ‫مرحلة إلى مرحلة أعلى وهو شيء مبشر‬ ‫جداً‪.‬‬ ‫ ¦ق ـ ـبـ ــل أرب ـ ـ ـ ــع س ـ ـ ـنـ ـ ــوات ق ـ ـلـ ــت فـ ـ ــي أحـ ـ ــدى‬ ‫مــداخــاتــك وأقـتـبــس ع ـنــك‪« :‬أعـتـقــد أن‬ ‫حلمي وحـلــم كــل سينمائي وسينمائية‪،‬‬ ‫وحـلــم كــل مــن يحب السينما‪ ،‬هــو وجــود‬ ‫ص ــاالت ع ــرض سينمائية فــي المملكة‪،‬‬ ‫وسأظل أحلم بهذا إلى أن يتحقق»‪ ،‬هل‬ ‫بدأ هذا الحلم يتحقق؟ وهل هناك بوادر‬ ‫من الجهات المعنية لتحقيق هذا الحلم‬ ‫وحلم جميع المخرجين وعشاق السينما‬ ‫في المملكة؟ وما هو تصورك للمستقبل‬ ‫في هذا الخصوص؟‬ ‫‪ρ ρ‬نــعــم‪ ،‬هــنــاك تــصــريــحــات رســمــيــة بهذا‬ ‫الــخــصــوص وآخ ــره ــا مــن رئــيــس هيئة‬ ‫الترفيه‪ ،‬وأعتقد أن األمــور متجهة إلى‬ ‫افتتاح صاالت سينما قريباً‪ ،‬اآلن هناك‬ ‫عــروض ألفــام عالمية في مدينة جدة‬ ‫للعائالت وهــو أمــر يبشر بالخير‪ .‬أنا‬ ‫متفائله جداً بالمستقبل‪ ،‬هناك اهتمام‬ ‫بالفنون بشكل عام وليس السينما فقط‪..‬‬ ‫وهذا أمر مهم‪ ،‬وهناك حراك فني مبهج ‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس‪،‬‬ ‫وهناك طاقات إبداعية تنتظر الفرصة‬ ‫ألن تبدع‪ .‬كل هذا يجعلني متفائلة‪.‬‬ ‫¦ما الذي قدّ مه مهرجان «أفالم السعودية»‪،‬‬


‫كما أنه أثبت لجمهور األفالم أن صناع‬ ‫األفـــــام قــ ـــادرون عــلــى الــتــعــبــيــر بلغة‬ ‫سينمائية تشبههم‪ .‬وهــذا يجعلهم أكثر‬ ‫ثقة فيهم وإيماناً بهم‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ال ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـت ـ ـطـ ــور س ـ ـنـ ــة ب ـ ـعـ ــد سـ ـ ـن ـ ــة‪ ،‬لــك ¦أال تعتقدين بأنه حــان الوقت أن يخرج‬ ‫مـهــرجــان «أفـ ــام ال ـس ـعــوديــة» بـعــد نجاح‬ ‫وللسينمائيين السعوديين‪ ،‬خاصة وأنك‬ ‫ال ـ ـ ـ ــدورات ال ـس ــاب ـق ــة م ــن ال ـم ـح ـل ـيــة إل ــى‬ ‫سبق وحصدت جائزة «النخلة الذهبية»‬ ‫الخليجية أو العربية‪ ،‬ولــم ال الــدولـيــة‪،‬‬ ‫في احدى دوراته عن فيلم «شكوى»؟‬ ‫من أجل احتكاك أكثر بين السينمائيين‬ ‫‪ρ ρ‬الــمــهــرجــان خــلــق فــرصــة لــلــقــاء محبي‬ ‫ال ـس ـعــودي ـيــن وغـ ـي ــره ــم‪ ،‬وك ـس ــب خ ـبــرات‬ ‫السينما وصــنــاع األفـ ــام والمبدعين‬ ‫جديدة؟‬ ‫أيــضـاً فــي مــجــاالت فنية أخ ــرى‪ ،‬وهــذا‬ ‫أمر حرص عليه صناع المهرجان لخلق ‪ρ ρ‬أتــفــق مــعــك تــمــام ـاً وأعــتــقــد أنــنــا في‬ ‫المهرجان القادم نحتاج أن ننفتح على‬ ‫بيئة صحية إلمكانية التعاون الفني‪ .‬عدا‬ ‫التجارب السينمائية الخليجية والعربية‪،‬‬ ‫عن النقاشات الفكرية والورش التدريبية‬ ‫وربــمــا الدولية كما ذك ــرت‪ .‬وأتمنى أال‬ ‫وجعلت المخرجين والمخرجات أكثر‬ ‫يقتصر عــرض مثل هــذه التجارب على‬ ‫احــتــكــاكـاً بجمهورهم المحلي بعد أن‬ ‫المهرجان‪ ،‬أتمنى لو نستطيع أن نعرض‬ ‫كانت عروض المهرجانات تقتصر على‬ ‫تجارب سينمائية متميزة من السينما‬ ‫جماهير خــارج السعودية وهــذا أحياناً‬ ‫العالمية بشكل دوري ودائم في عروض‬ ‫يــؤ ّثــر ســلــبـاً عــلــى الــمــبــدع‪ .‬ال شــك أن‬ ‫خاصة أو عامة‪ .‬كانت لي تجربة ناجحة‬ ‫االحتكاك بجماهير مختلفة أمــر مهم‬ ‫جداً في هذا المجال‪ ،‬حين كنت مسؤولة‬ ‫وأساس‪ ،‬ولكن المبدع بحاجة ألن يستمع‬ ‫عن عرض أفالم من السينما العالمية في‬ ‫لجمهوره الذي ينتمي لذات الثقافة التي‬ ‫مركز الملك فهد الثقافي ضمن نشاطات‬ ‫خرج منها والتي عبر عنها‪ .‬أعتقد هذه‬ ‫مخيم صيفي للفتيات‪ ،‬وكان هناك نقاش‬ ‫مسألة مهمة معنوياً ألي مبدع‪.‬‬ ‫مفتوح حول األفالم وكيف يمكن أن نقرأ‬ ‫الفيلم السينمائي ونتذوق جمالياته‪ .‬وقد‬ ‫علمت فيما بعد أن إحدى الحاضرات‪،‬‬ ‫قررت بعد هذا المخيم أن تتقدم لمنحة‬ ‫دراسية لدراسة صناعة األفالم‪ ،‬وذهبت‬ ‫للواليات المتحدة لهذا الغرض‪ .‬يؤلمني‬ ‫أن الكثير من الشباب المبدع ال يعرف‬ ‫عن السينما أكثر من األعمال التجارية‬ ‫األمريكية الناجحة‪ .‬لذلك أرجو أن تكون‬ ‫هناك عــروض دائــمــة للسينما البديلة‬ ‫(السينما الفنية)‪.‬‬

‫ ¦فيلمك شكوى‪ ،‬هو صرخة امرأة في وجه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪93‬‬


‫الظلم‪ ،‬في وجه التعدد‪ ،‬في وجه القهر‪،‬‬ ‫فــي وج ــه مـعــانــاة ال ـمــرأة بشكل ع ــام‪ ،‬هل‬ ‫هناك من سمع هذه الصرخة واستجاب‬ ‫لـهــا بـعــد ع ــرض الـفـيـلــم وت ـتــوي ـجــه؟ هي‬ ‫«شكوى» لمن؟‬ ‫‪ρ ρ‬شكوى هو حالة إنسانية أوالً وأخيراً‪ .‬هو‬ ‫تعبير عن فتاة تضعها الظروف في وضع‬ ‫تكرهه وهو رعاية أبيها المريض الذي‬ ‫تربطها به ذكريات سيئة‪ .‬تقف في حيرة‬ ‫من أمرها بين ضميرها في مساعدته‬ ‫ألنــه عاجز‪ ،‬وفــي مشاعرها المرتبطة‬ ‫بالماضي‪ .‬هذه هي شكوى بطلة الفيلم‬ ‫اإلبداع هو فعل تراكمي‪ ،‬ولذا ال مناص‬ ‫عــن مشاهدة الكالسيكيات والحقيقة‬ ‫التي تبدو في بداية الفيلم في عملها‬ ‫انني أستمتع بها كثيراً‪.‬‬ ‫كشخصية متسلطة وفظة وبين واقعها‬ ‫داخــل المنزل الــذي يكشف لنا عالماً ¦ت ــرجـ ـم ــت مـ ــؤخـ ــرا كـ ـت ــاب ــا تـ ـح ــت عـ ـن ــوان‬ ‫آخر‪ .‬شكوى يتناول الفارق بين ما نراه‬ ‫«سـ ــامـ ــوراي الـسـيـنـمــا ال ـيــابــان ـيــة‪ /‬أك ـيــرا‬ ‫من السطح في الخارج وما هو في أكثر‬ ‫ك ــوروس ــاوا»‪ ،‬مــا ال ــذي دفـعــك إلــى ترجمة‬ ‫عمقاً في الداخل‪.‬‬ ‫هذا الكتاب؟‬ ‫ ¦أرى بــأنــك مـهـتـمــة ك ـث ـيــرا بـكــاسـيـكـيــات ‪ρ ρ‬الــكــتــاب لــيــس تــرجــمــة بــل هــو تأليف‪،‬‬ ‫الـسـيـنـمــا‪ ،‬كــالـمـخــرج ف ـت ــوري دي سيكا‪،‬‬ ‫ترجمت فقط في الكتاب مقابلة دارت‬ ‫فرانك كابرا‪ ،‬وغيرهما كثير‪ ،‬هل تعتقدين‬ ‫بين غابرييل غارسيا ماركيز وكوروساوا‬ ‫فعال بأن الجيل الحالي ال يزال بحاجة‬ ‫فــي التسعينيات وضعتها كملحق في‬ ‫إلـ ــى أعـ ـم ــال ه ـ ــؤالء ال ـم ـخــرج ـيــن؟ وهــل‬ ‫نهاية الكتابة‪ ،‬وذلك ألن المقابلة تكشف‬ ‫العودة لهم ضرورية؟‬ ‫عن آراء كوروساوا‪ .‬كما أنني في الكتاب‬

‫‪94‬‬

‫‪ρ ρ‬أعتقد أن الكالسيكيات لم تصبح كذلك‬ ‫إال ألنــهــا اجــتــازت اخــتــبــار الــزمــن بما‬ ‫تحمله من معاني تجعلها دائــمـاً قــادرة‬ ‫على إلهامنا‪ .‬أعــمــال شكسبير خالدة‬ ‫حتى اليوم وسترى بين آن وآخــر أثناء‬ ‫مشاهدتك األف ــام لمحات مــن أفــام‬ ‫كالسيكية تأثر صناعها بتلك األعمال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫أيضاً وجرياً على ما قام به في فيلمه‬ ‫«أحالم» من تجسيده لشخصية فان جوخ‬ ‫نفسه‪ ،‬قمت بكتابة مقابلة متخيلة بيني‬ ‫وبينه ضمنت فيها آراء أدلى بها في عدة‬ ‫مقابالت‪ ..‬وذكرت أنها مقابلة متخيلة‪.‬‬ ‫أما الدافع‪ ،‬فأوالً كان إشارة إلى مخرج‬ ‫عظيم ال يعرف الكثير من صناع األفالم‬


‫ ¦المعروف على كوروساوا أنه نقل الهوية‬ ‫والتقاليد اليابانية فــي أفــامــه‪ ،‬أي انه‬ ‫اشتغل على المحلية وهــي الـتــي دفعت‬ ‫بــه الــى العالمية‪ ،‬هــل يمكن للمخرجة‬ ‫السعودية هناء العمير أن تشتغل على‬ ‫ال ـت ـف ــاص ـي ــل ال ـص ـغ ـي ــرة‪ ،‬وت ـن ـق ــل ع ـ ــادات ¦ل ـن ـخ ــرج ق ـل ـيــا م ــن ت ـجــرب ـتــك وتـ ـج ــارب‬ ‫السينما السعودية‪ ،‬كيف تقيمين واقــع‬ ‫وتقاليد المملكة وتوظفها في أفالمها؟‬ ‫السينما العربية اآلن؟ وهــل فعال نحن‬ ‫وهل تجدين هذا ضروريا؟‬ ‫نملك «سينما عربية»؟‬ ‫‪ρ ρ‬أنا مؤمنة تماماً بأهمية المكان‪ ،‬واعتبره‬ ‫شخصية من شخصيات الفيلم‪ .‬ال أحب ‪ρ ρ‬نحن نملك أفالماً عربية ذات قيمة فنية‬ ‫عالية‪ ،‬ولكننا ال نملك سينما استطاعت أن‬ ‫األفــام التي يغيب فيها المكان وتبهت‬ ‫تفرض نفسها وتفرض رؤيتها وأسلوبها‪.‬‬ ‫تفاصيله‪ .‬كوروساوا كان مهووساً ببناء‬ ‫أن تمد السينما العالمية بموجة جديدة‬ ‫مواقع التصوير في أفالمه التاريخية لهذا‬ ‫ا أو‬ ‫كما فعلت األف ــام الــرومــانــيــة مــثـ ً‬ ‫الغرض‪ ،‬وقد ورد في بعض المراجع أنه‬ ‫السينما اإليــرانــيــة على سبيل المثال‪.‬‬ ‫غضب غضباً شديداً أثناء تصوير فيلمه‬ ‫وذلك له عدة أسباب‪ ،‬أولها عدم الدعم‬ ‫«اللحية الحمراء» ألن الخشب المستخدم‬ ‫الحكومي لألعمال السينمائية وهذا اآلن‬ ‫لم يكن المستخدم في تلك الحقبة‪ .‬من‬ ‫في طريقه للحل مع وجود صناديق دعم‬ ‫كان سيشاهد في فيلم باألبيض واألسود‬ ‫فنية في أكثر من دولة ساهمت في وصول‬ ‫طبيعة الــخــشــب ويــمــيــزهــا إال الممثل‬ ‫الفيلم العربي للمهرجانات العالمية‪ ،‬وقد‬ ‫نفسه‪ .‬كان كوروساوا يؤكد أن بناء الموقع‬ ‫يؤثر في أداء الممثل‪ .‬المكان له حضور‬ ‫تتمكن ذات يوم من دعم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫السعوديين عــن أفــامــه شيئاً ناهيك‬ ‫عــن الــجــمــهــور‪ ،‬كــذلــك فــكــوورســاوا من‬ ‫المخرجين الكبار الذين استطاعوا أن‬ ‫يجمعوا بين النجاح الجماهيري والفني‪،‬‬ ‫وهــو أمــر صعب ج ــداً وقــد ابتكر عدة‬ ‫أساليب خرج بها عن الطريقة المعتادة‬ ‫في صناعة األفــام في وقته‪ ،‬وقد كان‬ ‫يكتب ويخرج وهو من يقوم بمونتاج أفالمه‬ ‫أيضاً‪ .‬كما أنه سيد السينما اإلنسانية‪،‬‬ ‫حيث يقول له الروائي الكولمبي في لقائه‬ ‫معه «نحن نتعلم منك اإلنسانية»‪.‬‬

‫أثر على من يعمل في الفيلم وعلى من‬ ‫يشاهده‪ .‬هــذا ما أؤمــن بــه‪ .‬ولذلك لم‬ ‫أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان‬ ‫خــارج السعودية رغــم سهولته خارجها‬ ‫وصعوبته فيها‪ .‬عندما كتبت نص فيلم‬ ‫«هدف» كنت أفكر في طفلة من الرياض‪،‬‬ ‫وعندما طلبت المخرجة الزميلة هناء‬ ‫الفاسي النص إلخراجه‪ ،‬ثم أبلغتني أنها‬ ‫ستصور الفيلم في مدينة جــدة‪ ،‬طلبت‬ ‫منها السيناريو لتغييره‪ ،‬فطبيعة العائلة‬ ‫النجدية في الرياض مختلفة عن العائلة‬ ‫الحجازية في بعض التفاصيل‪ .‬ولذلك ال‬ ‫بد من مراعاة هذه األمــور‪ ،‬فكما يقول‬ ‫ال ــروائ ــي الكولمبي غــابــريــيــل غارسيا‬ ‫ماركيز «اإلبداع هو التفاصيل»‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫الشاعر نايف أبو عبيد‬ ‫منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأ الشاعر نايف أبو عبيد في ثانوية إربد‬ ‫مسيرته األدبية نثر ًا وشعر ًا وراح ينشر إنتاجه في مجلة «صوت الجيل» وجريدة «الجزيرة»‬ ‫ثم استمر في نشر شعره في الجرائد التي كانت تصدر في القدس‪ ،‬وقد أهّ له هذا النشاط‬ ‫الثقافي ألن يكون واحد ًا من مؤسسي (رابطة القلم الحر) التي كانت أول رابطة ثقافية في‬ ‫األردن‪ ،‬وكان من زمالئه فيها الشاعر المرحوم راضي صدوق وحكم بلعاوي‪ ،‬وعقلة حداد‪،‬‬ ‫وسميح الشريف وآخرون‪.‬‬ ‫وقــد حمل الشاعر (نــايــف أبــو عبيد) راي ــة التجديد واالص ــاح‪ ،‬باعتباره طريق ًا نحو‬ ‫التغيير والتقدم والرقي‪ ،‬وقد كان الشعر خياره األول‪ ،‬متخذ ًا من المفردة الغنائية الرشيقة‬ ‫األنيقة أداته الفنية المؤثرة لكتابة نصوص غنائية أداها عدد من المطربين والمطربات‬ ‫بأصواتهم‪ ،‬وكانت قصائده في هــذا الباب مرجعية وثائقية للنص الغنائي المكتوب في‬ ‫األردن‪ ،‬وما زال حتى اليوم مثل ياقوتة عتيقة ثمينة دائم التألق واأللق واإلبهار‪ ،‬وهو في‬ ‫شيخوخته مثله في شبابه‪ ،‬دائم الحيوية‪ ،‬مغمو ٌر باألمل والتفاؤل‪.‬‬ ‫ولم يكن األستاذ نايف أبو عبيد شاعر ًا وحسب‪ ،‬بل كان إعالمي ًا محترفاً‪ ،‬فقد رئس القسم‬ ‫الثقافي في اإلذاعة األردنية لست سنوات ارتقى خاللها بالبرامج الثقافية إلى مستوى رفيع‬ ‫بدعوته الكتّاب واألدباء والشعراء األردنيين والعرب للكتابة لإلذاعة‪ ،‬وبسبب عالقته الطيبة‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ويحتل المكان في شعر نايف ابو عبيد واقع ًا معاشاً‪ ،‬وذلك بسبب ما يحيط به من رؤية‬ ‫ملموسة وخيال متحرك‪ ،‬فض ًال عن البشر‪ ،‬الذين عاشوا فيه‪ ،‬وأعطوه القيمة الرفيعة‪.‬‬ ‫وسواء أكان الشاعر أو الكاتب بعيد ًا عن المكان أو قريب ًا منه‪ ،‬فإن ما ينتجه يزخر بالعاطفة‬ ‫الصادقة‪ .‬وأبو عبيد واحد من الشعراء الذين مألهم المكان بعاطفة وطنية صادقة‪ ،‬حيث‬ ‫احتل مساحة جيدة من شعره الوطني الذي يعكس انفعاالته وإحساساته‪ ،‬والعالقة بين‬ ‫الشاعر والمكان عالقة حميمة‪ ،‬وعالقة انسجام لها جذورها الموغلة في نفسه‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫معهم انهالت على القسم الثقافي األعمال الثقافية فأغنى بها البث الثقافي‪ ،‬فكانت فترته‬ ‫فترة ذهبية‪ ،‬وقد استقطب للعمل معه في القسم نفر ًا من المثقفين واألدبــاء والشعراء‬ ‫األردنيين‪ ،‬الذين أصبح لهم شأن كبير في عالمي الثقافة واإلعالم‪.‬‬

‫التقيناه في حوار خاص لمجلة الجوبة وكان هذا اللقاء‪:‬‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬نضال القاسم‬

‫ ¦ما هو الهاجس الذي يحرك قلم الشاعر‬ ‫نايف أبو عبيد؟‬

‫هذا مقطع من قصيدة قلتها في األرض‬ ‫تصلح ألن تكون نشيداً تتغنى به الناس كل‬ ‫الناس مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم‪،‬‬ ‫إذ األرض أمهم التي ولدتهم وعزتهم‬ ‫ولوالها لهلكوا‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الهاجس الذي يحرك قلمي هاجسان هما‬ ‫األرض واإلنــســان‪ ،‬وقد أختصر الهدف‬ ‫في عنوان أول ديوان نشر لي عام ‪1960‬م‬ ‫«أغنيات لــأرض»‪ ،‬فقد تغنت قصائدي ¦هل لنا أن نعرف كيف تسلل إليك شيطان‬ ‫باألرض وحتى يتصرف كما هو اإلنسان‬ ‫الشعر؟‬ ‫فتمحورت معظم قصائدي حول األرض‬ ‫‪ρ ρ‬تسلل إلــيّ شيطان الشعر عندما كنت‬ ‫واإلنسان‪ ،‬وقد دعاني هذا الهاجس إلى‬ ‫ال يستمع إلى رواة الشعر والمالحم‬ ‫طف ً‬ ‫الكتابة بالمحكية في بعض المراحل؛ ألن‬ ‫فــي مــضــافــات الحصن فــي الــمــســاءات‬ ‫الغرض من القصائد مخاطبة اإلنسان‬ ‫الشتائية‪ .‬فقد رسخت القصائد التي‬ ‫الـ ــذي ع ــاش عــلــى األرض وم ــا تنتجه‬ ‫كانت تروى وتُ َغنّى على الرباب‪ ،‬فصنعت‬ ‫وتعطيه من الزروع والضروع‪.‬‬ ‫عندي القدرة على ضبط الوزن واإليقاع‪،‬‬ ‫(هـ ـ ـ ــذه األرض لـ ـك ــم ي ـ ــا ط ـي ـب ــون‬ ‫وهــو الــذي يعلق في الــذاكــرة الطفولية‬ ‫م ـنــذ ب ــدء ال ـخ ـلــق فـيـهــا تنعمون‬ ‫المبكرة‪ ،‬أما المضامين فسيدرك المرء‬ ‫عند نضجه المتأخر‪.‬‬ ‫ف ـ ــاذك ـ ــروا مـ ــا ق ــال ــه ف ـي ـهــا اإلل ـ ــه‪:‬‬ ‫(يرث األرض عبادي الصالحون)‪¦ .‬مــا هــي طبيعة ال ـت ـصــور ال ـش ـعــري الــذي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪97‬‬


‫أظ ـل ـم ــت دنـ ـي ــاه ح ـت ــى ل ــم يـعــد‬ ‫ي ـب ـص ــر اآلي ـ ـ ـ ــات ف ـ ــي قـ ـ ــرآنـ ـ ــه!!)‪.‬‬

‫تــم على أســاســه ديــوانــك األول (أغنيات‬ ‫لــأرض)‪ ،‬وما هي المؤثرات التي شكلّت‬ ‫وع ـي ــك وأس ـه ـم ــت ف ــي ت ـكــويــن تـجــربـتــك‬ ‫ ¦مــا هــو أث ــر شـعــرك خ ــارج ال ـح ــدود؟ وهــل‬ ‫اإلبداعية؟‬ ‫ت ـع ـت ـقــد أن ـ ــك ق ـم ــت ب ــواجـ ـب ــك فـ ــي ه ــذا‬ ‫‪ρ ρ‬يتناول الشاعر مواضيع قصائده من‬ ‫المجال؟‬ ‫البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬وقــد ترسّ مت‬ ‫‪ρ ρ‬لم أدرس التغذية الراجعة لشعري وراء‬ ‫هــذه الخطى عندما كنت أنْــظُ ــم الشعر‬ ‫ح ــدود الــوطــن (األردن) حتى أعطيك‬ ‫في البواكير عندما صحونا على ضياع‬ ‫الجواب الشافي الوافي‪ ،‬وأتمنى أن تصل‬ ‫أجمل وأروع بقاع األرض العربية (أرض‬ ‫قصائدي إلى من يهمهم األمر‪.‬‬ ‫فلسطين)‪ ،‬ورحنا بعد ضياعها نغني لها‬ ‫وجدنا المسلوب بالقهر والقوة والحيلة ¦نــايــف أبــو عبيد‪ ،‬بـصــراحــة‪ ،‬هــل أنصفك‬ ‫النقد؟‬ ‫والخداع‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬بــصــراحــة‪...‬ال لم ينصفني؛ ألن شعري‬ ‫(ذك ـ ـ ـ ــرت ف ـل ـس ـط ـي ـن ـنــا واألسـ ـ ــى‬ ‫سياسي في أغلبه‪ ،‬والنقاد يبتعدون عن‬ ‫يُ ـ ـه ـ ـيـ ــج فـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـفـ ــس تـ ــذكـ ــارهـ ــا‬ ‫الشعر السياسي؛ ألنهم يمسكون بالعصا‬ ‫فـ ــإن ك ـنــت أخ ــرج ــت م ــن جنة‬ ‫من منتصفها دائماً‪.‬‬

‫فـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدث أخ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــارهـ ـ ـ ــا)‬

‫ ¦نــايــف أبــو عبيد‪ ،‬مــن وجـهــة نـظــرك‪ ،‬إلى‬ ‫رحم اهلل ابن حمديس الصقلي الذي قال‬ ‫أي حد عبَّر األدب األردن ــي الحديث عن‬ ‫هذا الشعر في صقلية بعد فقد العرب‬ ‫الـ ـت ـح ــوالت ال ـت ــي تـعـيـشـهــا األردن منذ‬ ‫لها‪.‬‬ ‫االستقالل؟‬ ‫ ¦آخــر ديــوان صــدر لكم كــان بعنوان (لظى‬ ‫الـقــوافــي)‪ ،‬مــاذا عنه‪ ،‬ومــا الــذي أردت أن‬ ‫تقوله من خالله؟‬

‫‪ρ ρ‬لم يستطع األدب األردني الولوج إلى داخل‬ ‫القضايا األردنية بشجاعة وصدق‪ ..‬وهم‬ ‫أهل األدب يمسون قضايانا مساً خفيفاً‬ ‫لــطــيــفـاً ال يـــؤذي مــشــاعــر مــن يــؤثــرون‬ ‫ويتأثرون في المسار والحركة الفكرية‬ ‫األردنية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أمــا ديــوان (لظى القوافي) فهو راصد‬ ‫ألوضاع األمة العربية في السنوات العشر‬ ‫األخيرة أو ما سموه بالربيع العربي‪ .‬بدءاً‬ ‫بحادفثة من أحرق نفسه قهراً فقلت لمن ¦ال ـتــراث كموضوعة جدلية قــائـمــة‪ ،‬كيف‬ ‫الموه وكفروه‪:‬‬ ‫تنظر إليه؟‬

‫‪98‬‬

‫(ال تـ ـ ـل ـ ــوم ـ ــوه ع ـ ـلـ ــى كـ ـف ــران ــه‬ ‫‪ ρ ρ‬إن تراثنا لم يدرس دراسة علمية صادقة‪،‬‬ ‫وقد استفاد البعض منه وتركه الكثيرون‬ ‫رب ك ـ ـ ـفـ ـ ــر زاد ف ـ ـ ـ ــي إيـ ـ ـم ـ ــان ـ ــه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫درويش في الشعر الحديث وعندها أرفع‬

‫عقال إعجابي بهما‪.‬‬

‫ ¦هل ما يزال الشعر ديوان العرب وشاغلهم‪،‬‬ ‫أم أن الـقـصــة وال ــرواي ــة باعتبارهما فـ ّنـ ًا ¦متى بدأ الوعي بأهمية المكان لديك‪...‬‬ ‫مديني ًا احتال الساحة األوسع؟‬ ‫وكـيــف تستلهم األمــاكــن الـتــي كـثـيــر ًا ما‬ ‫‪ρ ρ‬يعاني الشعر العربي في هذه األيام من‬ ‫تحضر في قصائدك؟‬ ‫نكوص وتراجع لحساب الــروايــة بدليل‬ ‫‪ρ ρ‬يُــقــال عــن شــعــري أنــه أطــلــس جغرافي‬ ‫أنك ال تستطيع نشر ديوان لك‪ ،‬والرواية‬ ‫لألماكن األردنية‪ ،‬وهذا إلى حدٍّ ما قو ٌل‬ ‫مرحب بها من قبل الناشرين‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬فقد كتبت عــن أمــاكــن أردنية‬ ‫ ¦ما هي حدود العالقة بين األدب والحرية‬ ‫كثيرة شعراً بالفصحى والمحلية‪.‬‬ ‫من وجهة نظرك؟‬ ‫ ¦م ــا ه ــي الـ ــدائـ ــرة األسـ ـ ــاس ف ــي حــركـتــك‬ ‫‪ρ ρ‬األدب ابن الحرية الشرعي‪ ،‬وإذا ضاعت‬ ‫الشعرية؟‬ ‫الحرية انكفأ األدب وتراجع‪...‬أعطني‬ ‫حرية وخــذ أدب ـ ـاً‪ ...‬قيودنا التي تقيد ‪ρ ρ‬تتمحور قصائدي حول اإلنسان واألرض‪،‬‬ ‫معاصمنا وأقدامنا كثيرة‪ ..‬ولــذا تأخر‬ ‫وهذه دائرة الحركة في شعري‪.‬‬ ‫األدب عن معالجة كثير من القضايا التي‬ ‫ ¦مــا الــذي قــدّ مــه األردن فــي رأيــك لحركة‬ ‫اعتبروها محرمات ال يصح الدنو منها‬ ‫الشعر الحديث؟‬ ‫أو مسها‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬للشعر األردن ــي أثــر متواضع في تطور‬ ‫ ¦هل حصلت على جوائز خالل مسيرتك‬ ‫المسيرة الشعرية العربية‪ ،‬وفي رأيي أننا‬ ‫الطويلة؟‬ ‫ال‬ ‫قدمنا في الستينيات والسبعينيات عم ً‬ ‫‪ρ ρ‬لم أحصل على جوائز من المؤسسات‬ ‫شعرياً مؤثراً أكثر من اليوم‪.‬‬ ‫الثقافية سوى وسام االستقالل لتفوقي‬ ‫الــشــعــري‪ ،‬ولــكــنـ ّنــي مــثـلّــت األردن في ¦في ظل التشرذم الحالي الذي نشهده في‬ ‫الوضع العربي واإلسالمي‪ ،‬كيف ترى دور‬ ‫مهرجانات شعرية عربية ودولية‪.‬‬ ‫اللغة في إعادة توحيد األمة اإلسالمية؟‬ ‫ ¦كيف تنظر إلــى خريطة الشعر العربي‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لعدم فهمهم له وتقديرهم ألثره في بناء‬ ‫اإلنسان‪.‬‬

‫هما‪ :‬المتنبي في الشعر القديم ومحمود‬

‫اليوم؟ ومن من الشعراء جذب اهتمامك ‪ρ ρ‬إن عنصر التوحيد العربي المعوّل عليه‬ ‫وش ـع ــرت ع ـبــر أع ـمــالــه بـنـكـهــة الـتـجــديــد‬ ‫هو اللغة العربية‪ ،‬ولذا فإن على أصحاب‬ ‫واألصالة والعمق؟‬ ‫القرار والفكر أن يهتموا بهذه اللغة‪ ،‬فهي‬

‫‪ρ ρ‬في مسيرة الشعر العربي توجد ظاهرتان‬

‫هوية األمة العربية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪99‬‬


‫صبحي موسى‪:‬‬

‫الشعر هو المعبَ ر األهم لكل من يريد أن يكتب رواية جيدة‬ ‫قصيدة النثر هي خالصة الشعر دون تزيد‬ ‫قبل أن أكتب الموريسكي األخير قرأت عشرات المراجع من لغات أجنبية ومن العربية‬ ‫كل عمل فني فيه طرف من سيرة المبدع الذاتية‬ ‫الجوائز تعبر عن فكرة مموليها عن الرواية وليس عن طبيعة الفن الروائي‬

‫شاعر وروائ ــي مصري‪ ،‬صــدر له عــدد من الــدواويــن الشعرية قبل سنوات منها‪« :‬صمت‬ ‫الكهنة»‪ ،‬و«قـصــائــد الـغــرف المغلقة»‪ ،‬و«لـهــذا أرح ــل»‪ ،‬ثــم تحول إلــى كتابة الــروايــة‪ ،‬فقدم‬ ‫للساحة الـعــربـيــة ع ــدد ًا مــن ال ــرواي ــات مـنـهــا‪« :‬حـمــامــة بـيـضــاء» و«أســاط ـيــر رج ــل الـثــاثــاء»‬ ‫و«الموريسكي األخير» وأخيرا «نقطة نظام»‪ .‬وقد حاورته «الجوبة» ليتعرف القارئ العربي‬ ‫على أسباب تحوله من كتابة الشعر(قصيدة النثر) إلى الرواية؟ ورأيه في الجوائز األدبية‬ ‫وظاهرة األكثر مبيعا‪ ،‬كما نتعرف منه على أسباب لجوئه للتاريخ؛ الستلهامه‪ ..‬وخاصة في‬ ‫روايتيه «أساطير رجل الثالثاء» و«الموريسكي األخير» اللتين استلهم فيهما التاريخ‪ ،‬ولماذا‬ ‫أعاد طبع روايته األولى «حمامة بيضاء» التي صدرت قبل سنوات‪ ،‬وما عالقة روايته األخيرة‬ ‫«نقطة نظام» بالتغيرات االجتماعية التي حدثت في مصر في السنوات الست األخيرة؟‬

‫‪100‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬هالة موسى‬

‫ ¦بــدأت حياتك كشاعر‪ ،‬فما الــذي أغــراك‬ ‫باالنتقال لكتابة الرواية؟ هل هي موضة‬ ‫«زمن الرواية» أم هي الجوائز التي تغري‬ ‫الروائيين بالكتابة؟‬

‫وغيرها‪ ،‬وهناك من يكتب ويمثل ويخرج‬ ‫ويمارس الفن التشكيلي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ففكرة‬ ‫األحــاديــة أو الثنائية الضدية الشهيرة‬ ‫في الحداثة انتهت‪ ،‬وح ّل محلها التجاور‬ ‫والتعدد كسمة رئيسة لما بعد الحداثة‪،‬‬ ‫وفي ظني أن هذا هو السبب الرئيس في‬ ‫انتقالي إلى الرواية مع احتفاظي بمكاني‬ ‫في الشعر‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬في ظني أن الشعر هو المعبر األساس‬ ‫لكل مــن يــريــد الكتابة الــجــيــدة‪ ،‬ســواء‬ ‫الرواية أو القصة أو المسرح أو النقد‪،‬‬ ‫وهــنــاك كثير مــن الكتاب الكبار الذين‬ ‫مروا بمرحلة الشعر‪ ،‬حتى أننا حين نقرأ ¦ما رأيك في قصيدة النثر؟ وما تقييمك‬ ‫أسماءهم‪ ..‬نتصور أنه ال يمكن لكاتب‬ ‫لواقعها في العالم العربي اآلن؟‬ ‫كبير أن يأتي دون االنطالق من الشعر‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر لمن يفهمونها حقا بمثابة‬ ‫فهناك بــورخــيــس‪ ،‬ســارامــاجــو‪ ،‬جونتر‬ ‫الشعر المقطر‪ ،‬بمثابة خالصة الشعر‬ ‫جـــراس‪ ،‬هــيــرمــان هــســه‪ ،‬كزنتزاكيس‪،‬‬ ‫دون تــزيــد وال رط ــان ــة‪ ،‬لكنها لــمــن ال‬ ‫وخوان رولفو‪ ،‬كاواباتا‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬والسؤال‬ ‫يفهمونمها مجرد تسويد مزيد من الورق‪،‬‬ ‫اآلن‪ ،‬هل تحول هؤالء وغيرهم إلى الرواية‬ ‫ومــن ثم فهي قليلة ون ــادرة‪ ،‬وشعراؤها‬ ‫ألنها كانت موضة‪ ..‬أم ألن الجوائز تغري‬ ‫غالباً يقدمون طرحهم من خالل ديوان‬ ‫الكثيرين؟ أعتقد أن السرد في حد ذاته‬ ‫أو اثنين‪ ،‬وما بعده هو مجرد تنويعات أو‬ ‫نداهة كبيرة‪ ،‬وغواية ال حدود لها‪ ،‬وأعتقد‬ ‫محاولة استعادة للصدى‪ ،‬لذا ال يجب أن‬ ‫أن قصيدة النثر بما تقوم عليه من تفجير‬ ‫ننتظر من قصيدة النثر ما كنا ننتظره‬ ‫إلمكانات وقــدرات السرد لدى الشاعر‪،‬‬ ‫من نظام القصيدة العمودية أو التفعيلية‪،‬‬ ‫ساعدت الكثيرين من أبناء جيلي على‬ ‫وعــمــوم ـاً ه ــذا الــنــص فــتــح الــبــاب على‬ ‫كتابة الرواية‪ ،‬فقد أصبحت الحدود بين‬ ‫مصراعيه لكل مــن لديه شعر حقيقي‬ ‫السردين متقاربة‪ ،‬والمسافات متداخلة‪،‬‬ ‫ليقوله‪ ،‬وفتحه أيضا على االنتقال إلى‬ ‫أعتقد أيضاً أن التيمة الرئيسة لما بعد‬ ‫مختلف الفنون األخرى كالرواية والمقال‬ ‫الحداثة هي التعدد والتجاور‪ ،‬ومن ثم‬ ‫والمسرح والسيناريو‪.‬‬ ‫نجد من يكتب الشعر والرواية والمقال‬ ‫والصحافة وربما المسرح والسيناريو‬ ‫وقد شهد العالم العربي طفرة بعالقته‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫وأخيرا نعرف منه رأيه في كيفية تحقق العالمية للرواية العالمية‪ ،‬ما هي الوسائل التي‬ ‫يمكن أن يتخذها الروائيون للعرب لتحقيق العالمية‪ ،‬ثم رأيــه في راهــن الرواية العربية‬ ‫بعامة والسعودية بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫مع هذا النص منذ مطلع التسعينيات‪،‬‬ ‫فقصيدة النثر لها ثالث مراحل‪ ،‬األولى‬ ‫بـ ــدأت مــع قــصــيــدة الــعــامــيــة وقــصــيــدة‬ ‫التفعيلة فيما بين الحربين العالميتين‪،‬‬ ‫والثانية كانت في مطلع الستينيات مع‬ ‫مجلة شعر البيروتية التي كانت بمثابة‬ ‫الــمــنــبــر األس ـ ــاس ألب ــن ــاء هـــذا الــنــص‪،‬‬ ‫والمرحلة الثالثة كانت في التسعينيات‬ ‫مع انتشار الحواسب اآللية وظهور ثورة‬ ‫االتصاالت والستااليت‪ ،‬وهو ما ساعد‬ ‫على انتشار هــذا النص‪ ،‬وضــرب فكرة‬ ‫ُطر دون اآلخر‪،‬‬ ‫مركزيته أو حصره على ق ٍ‬ ‫وجــعــل كــل روافـــد الشعر تــذهــب إليه‪،‬‬ ‫فصار التيار األكثر انتشاراً وقــوة‪ ،‬لكن‬ ‫يجب أال نتعامل معها بأليات ومفاهيم‬ ‫التفعيلة والــعــمــودي‪ ،‬ال يجب أن نتوقع‬ ‫من خطيب المنبر في المسجد أن يتمثل‬ ‫بأحد سطورها‪ ،‬هناك فوارق كبرى في‬ ‫المجاز واالستعارة‪ ،‬هناك طفرات حدثت‬ ‫لكنها في نقيض البالغة والمجاز التي‬ ‫يعتمد عليها شيوخ المنابر‪.‬‬ ‫ ¦مـ ــا م ـ ــدى م ـش ــروع ـي ــة اعـ ـتـ ـم ــاد الـ ــروائـ ــي‬ ‫عـلــى ال ـتــاريــخ؟ مــا م ــدى اع ـت ـمــادك على‬ ‫التاريخ في روايتك األولى «أساطير رجل‬ ‫ال ـثــاثــاء»‪ .‬مــا الـخـطــاب الـثـقــافــي الــذي‬ ‫أردت أن تمرره من خالل هذه الرواية؟‬

‫‪102‬‬

‫تاريخه‪ ،‬وبمجرد وقــوع أي حادثة فقد‬ ‫أصبحت جزءاً من التاريخ‪.‬‬ ‫أما كيف يتعامل الكاتب مع هذا التاريخ‬ ‫فهو أمر آخر‪ ،‬فالكاتب ال يمكنه أن يغير‬ ‫من وقائع التاريخ المستقر المعلوم‪ ،‬ال‬ ‫يمكنه أن يخالف المراجع والمصادر‬ ‫الــمــعــتــمــدة‪ ،‬لكنه يمكنه أن ينسج ما‬ ‫سكت عنه المؤرخون‪ ،‬وأن يكتب ما لم‬ ‫يلتفتوا إليه‪ ،‬حيث تصورات الشخوص‬ ‫عن العالم‪ ،‬وموقفهم ممن معهم وممن‬ ‫ضدهم‪ ،‬وحيث األجواء النفسية والفكرية‬ ‫التي عاشوها قبل أن يقوم بالحدث‪ ،‬فثمة‬ ‫ممرات كبرى أغفلها المؤرخون‪ ،‬ألنها‬ ‫ليست من عملهم‪ ،‬وهي مهمة الروائي‪،‬‬ ‫هــي عمله األصــيــل‪ ،‬وهــي فــي مجملها‬ ‫ممرات إنسانية بحتة يقوم الروائي على‬ ‫إبداعها بخياله وفقا لشرطيات اللحظة‬ ‫القديمة‪ ،‬وهو ما يستدعي منه مجهودًا‬ ‫كبيرًا في المعرفة والخيال‪ ،‬ومهارة أكبر‬ ‫فــي التعامل مــع الــمــصــادر والــمــراجــع‪،‬‬ ‫وصياغة كــل ذلــك فــي إطــار ســردي له‬ ‫دراميته وأزمنته المتقاطعة‪ ،‬وانفعاالته‬ ‫الــمــتــواتــرة‪ .‬الكتابة التاريخية ليست‬ ‫بالسهولة التي يتصورها البعض‪ ،‬وليست‬ ‫بالصعوبة التي قد يتكلم عنها البعض‪،‬‬ ‫لكنها نوع من العمل الجاد‪ ،‬وكل حسب‬ ‫موهبته وقدراته‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الروائي يعتمد طيلة الوقت على التاريخ‪،‬‬ ‫مشروع نجيب محفوظ في مجمله هو ¦في روايـتــك «الموريسكي األخـيــر»‪..‬عــام‬ ‫اع ـت ـمــدت ف ــي رص ــد م ــأس ــاة حــدثــت قبل‬ ‫مشروع تاريخي‪ ،‬مشروع عبد الرحمن‬ ‫مئات السنين فــي األنــدلــس؟ وهــل قمت‬ ‫منيف وإبراهيم الكوني والطاهر وطار‬ ‫بربط هذه األحــداث بالحاضر؟ هل ثمة‬ ‫وغيرهم‪ ،‬كلها مشاريع تاريخية‪ ،‬والروائي‬ ‫إسقاطات على الحاضر؟ أقصد ما هي‬ ‫ال يمكنه أن ينفصم عن واقعه‪ ،‬وال عن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫المصادر التي اعتمدت عليها في كتابة‬ ‫أحداث موغلة في التاريخ؟‬ ‫‪ρ ρ‬عــشــرات الــمــراجــع التي قــرأتــهــا‪ ،‬ســواء‬ ‫مــن مــصــادر عــربــيــة‪ ،‬أو مــتــرجــمــة من‬ ‫مــصــادر أسبانية‪ ،‬وقــارنــت بين وجهتي‬ ‫النظر االسبانية والعربية‪ ،‬كما قــرأت‬ ‫أعماالً مترجمة عن اإلنجليزية لمؤرخين‬ ‫ليسو مــن الــجــانــبــيــن‪ ،‬رأيـــت أن وجهة‬ ‫النظر العربية حــاولــت الــصــراخ بقدر‬ ‫اإلمكان‪ ،‬وربما ربطت بينها وبين مأساة‬ ‫الفلسطينين‪ ،‬بينما قــدمــت الــمــراجــع‬ ‫األسبانية األمــر على أنــه فعل تاريخي‬ ‫عـــادي‪ ،‬ومــن ثــم وصــلــت إلــى أن هناك‬ ‫أجــواء تاريخية كبرى حتمت حــدوث ما‬ ‫ح ــدث‪ ،‬لكنه بمثابة الخطيئة الكبرى‬ ‫التي يجب االعــتــذار عنها‪ ،‬ومنح بقايا‬ ‫الموريسكيين حق العودة إلــى بالدهم‪،‬‬ ‫خاصة وأن أسبانيا منحت الموريسكيين‬ ‫اليهود هذا الحق‪ ،‬فلم ال يفعلون ذلك مع‬ ‫الموريسكيين المسلمين‪.‬‬

‫اعتمدت أيضاً على الذهاب إلى المغرب‪،‬‬ ‫ليس حيث األماكن التي نزل وأقام فيها‬ ‫الموريسكيون قديماً‪ ،‬ولكن أيضا حيث‬ ‫يقيم بقايا الموريسكيين اآلن‪ ،‬كان البد‬ ‫أن أتطلع إلــى الوجوه مثلما أتطلع إلى‬ ‫األم ــاك ــن‪ ،‬وأنــظــر فــي الــعــيــون وأع ــرف‬ ‫طريقة التفكير ومدى الخوف أو االنفتاح‬ ‫على اآلخــر‪ ،‬كــان البــد أن أدرك مالمح‬ ‫بطلي «مراد الموريسكي» أو الموريسكي‬ ‫األخير‪ ،‬تلك المالمح النفسية والفكرية‬ ‫كــي استطيع تجسيده كــنــمــوذج يمكنه‬ ‫أن يحمل مختلف األفكار والتناقضات‬ ‫التاريخية الكبرى على كاهله‪ ،‬وأن أربط‬ ‫كل هــذا بما يجري في بــادي في تلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬حيث فكرة استعادة قيام الدولة‬ ‫على أساس ديني‪ ،‬كما قامت دولة األسبان‬ ‫على أســاس ديني‪ ،‬فكانت الكارثة جالء‬ ‫الموريسكيين‪ ،‬وهــو ما حــذرت منه في‬ ‫روايــتــي‪ ،‬فقيام دولــة على أســاس ديني‬ ‫سيضر باآلخر‪ ،‬وربما ينتهي إلى طرده‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪103‬‬


‫من بــاده‪ ،‬وأعتقد أن هذا النفق مازال‬ ‫قائماً‪ ،‬بدليل تهجير األقباط من شمال‬ ‫سيناء تحت وطأة إرهاب المتشددين لهم‪.‬‬ ‫ ¦م ــاذا تـمـثــل ال ـجــوائــز بــالـنـسـبــة لصبحي‬ ‫موسى؟‬ ‫‪ρ ρ‬الجوائز تمثل لي حصة من المال وحصة‬ ‫مــن الــشــهــرة وإع ــان جيد عما كتبته‪،‬‬ ‫وأحلم أن يلتفت إليه الجميع‪.‬‬ ‫ ¦هل ثمة معايير فنية تحكم الجوائز في‬ ‫العالم العربي؟ ما رأيك في جوائز البوكر‬ ‫وكتارا وغيرها من الجوائز العربية؟‬

‫راعيها يقدم للناس النماذج التي يريدها‪،‬‬ ‫ألنها تعبر عن فكرته هو وليس عن طبيعة‬ ‫األدب أو أهميته‪ ،‬ولعل السؤال هو كيف‬ ‫سيحقق الممول أو الراعي سياسته أو‬ ‫فكرته هذه‪ ،‬بالطبع لن يقدم الئحة وال‬ ‫شروطاً معلنة لطبيعة األعمال التي يجب‬ ‫أن تفوز‪ ،‬ولكنه سيختار لجنة التحكيم‪،‬‬ ‫وهناك تجيء مقولة‪ :‬إذا أردت لقطار‬ ‫أن يسير بسرعة (‪)40‬كم فاختر له ديزل‬ ‫يسير بهذه السرعة (‪)40‬كم‪ ،‬وإذا أردت‬ ‫له أن يسير بسرعة (‪ )400‬كم فاختر له‬ ‫ديــزل يسير بسرعة (‪ )400‬كــم‪ .‬ولجان‬ ‫التحكيم هي الديزل في كل لجنة‪ ،‬فقولي‬ ‫لي كيف تختارين لجان تحكيمك أقول لك‬ ‫ماذا تريدين من هذه الجائزة؟‬

‫‪ρ ρ‬بالطبع ثمة معايير تحكم أي جائزة‪،‬‬ ‫لكن هل هــذه المعايير معلنة‪ ،‬وهــل لو‬ ‫أعلنت سنصدقها؟ أعتقد أن كل صانع‬ ‫لجائزة يعرف أهدافه منها‪ ،‬ومن يدفع ¦هـ ـن ــاك م ـق ــول ــة إن الـ ـك ــات ــب الـ ـع ــرب ــي ال‬ ‫يستطيع أن يكتب سيرته الذاتية بشكل‬ ‫لزمار بحسب المثل اإلنجليزي يسمع ما‬ ‫ص ــري ــح‪ ،‬لـكـنــه ي ـســرب بـعـضــا م ــن سيرته‬ ‫يريد‪ ،‬ومن ثم فصانع الجائزة وممولها أو‬ ‫الــذات ـيــة ف ــي رواي ــات ــه‪ ،‬فـهــل روايـ ــة نقطة‬ ‫بعض من سيرتك الذاتية؟‬ ‫نظام فيها ٌ‬

‫‪104‬‬

‫‪ρ ρ‬كل عمل فني فيه جزء من سيرة صاحبه‪،‬‬ ‫ألن المؤلف يستقي أفكاره من واقعه‪ ،‬قد‬ ‫يطورها أو يناقضها لكن الواقع موجود‪،‬‬ ‫والواقع جزء من سيرة المرء وليس كيانا‬ ‫متخيالً‪ ،‬أما فيما يخص «نقطة نظام»‬ ‫ففيها الكثير من واقعي وسيرتي الذاتية‪،‬‬ ‫لكن كيف تعاملت مع هذا الواقع وتلك‬ ‫السيرة؟ لقد دمجت الخيال بالواقع‪،‬‬ ‫حتى ان القارئ يختلط عليه أيهما حدثٌ‬ ‫واقعي وأيهما متخيل‪ ،‬فأن نختار الحدث‬ ‫الواقعي ونفنتزه (نجعله فنتازياً) فإنه‬ ‫يصبح مثل لوحة رائعة‪ ،‬لوحة نبعت من‬ ‫الــواقــع‪ ،‬لكنها أصبحت محملة بالكثير‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫من الدالالت واإلشارات‪ ،‬ومن ثم فمهمة‬ ‫الكاتب هي تجريد الواقع وتحويله إلى‬ ‫مثال يتفق مع كل زمان ومكان‪ ،‬فتمتزج‬ ‫السيرة بالتاريخي والواقعي والمتخيل‪،‬‬ ‫ويصبح لدينا عمل فني باألساس‪ ،‬ويكفي‬ ‫أن أق ــول أن «نقطة نــظــام» هــي روايــة‬ ‫عن أهــل قريتي‪ ،‬لكن أهــل قريتي التي‬ ‫سعيت لجعلها قرية تشبه في جمالها‬ ‫وأسطوريتها قرية ماكوندو في مائة عام‬ ‫من العزلة‪.‬‬ ‫ ¦أع ــدت طباعة روايــة»حـمــامــة بـيـضــاء» ما‬ ‫الذي أردت أن تكشفه في هذه الرواية؟‬ ‫‪ρ ρ‬حــمــامــة بــيــضــاء هــي روايـ ــة عــن عالقة‬ ‫المثقف بالسلطة‪ ،‬كتبتها في عام ‪2004‬م‬ ‫ونشرت عام ‪2005‬م‪ ،‬وحين قامت ثورة‬ ‫يــنــايــر‪ ..‬وج ــدت أنــه مــن الــضــروري أن‬ ‫نعيد من جديد ترسيم حــدود العالقة‬ ‫بين المثقف والسلطة‪ ،‬ومن ثم كان من‬ ‫الضروي إعــادة نشرها‪ ،‬وتذكير الناس‬ ‫بذلك الدور التواطؤئ غير المقبول في‬ ‫زمن مبارك من قبل المثقف‪ ،‬هذا الدور‬ ‫الــذي يجب إلغاؤه ونحن نضع دستوراً‬ ‫جديداً للبالد‪ ،‬بكل ما تعنيه كلمة دستور‬ ‫من آفاق ورؤى ثقافية واسعة‪.‬‬ ‫ ¦ما تقييمك للمشهد الروائي العربي؟‬ ‫‪ρ ρ‬كما يقولون‪ :‬حين يتعطل السياسي فال‬ ‫بد أن يتقدم الروائي‪ .‬ونحن لدينا أزمة‬ ‫سياسية كبرى منذ سنوات‪ ،‬أزمة حاولنا‬ ‫حلها بالربيع الــعــربــي‪ ..‬لكننا وصلنا‬ ‫مــن خاللها إلــى نفق مــســدود‪ ،‬ومــن ثم‬ ‫فالسياسي الذي عمل أثناء الربيع العربي‬ ‫توقف‪ ،‬ومن ثم ايضاً فالروائي يعمل منذ‬

‫نهاية التسعينيات على أشده‪ ،‬بداية من‬ ‫الكتابة الواقعية‪ ،‬مروراً بالكتابة الفنتازية‬ ‫والساخرة وأدب الرعب وأدب الخيال‬ ‫العلمي‪ ،‬وصــوالً إلــى الــروايــة الفلسفية‬ ‫والتاريخية وغــيــرهــا‪ .‬وص ــارت الكتابة‬ ‫لدينا احــتــراف ـاً ولــيــس هــوايــة‪ ،‬وصرنا‬ ‫غرضا للمتابعة والترجمة أكثر عشرات‬ ‫الــمــرات عن األزمــنــة السابقة‪ ،‬فالعالم‬ ‫العربي لديه غنى مذهل فــي األسماء‬ ‫واألعمال‪ ،‬مشكلته تكمن في فساد النخب‬ ‫واالنحياز لما يستحق الوقوف إلى جانبه‪،‬‬ ‫ورغم ذلك فهو ال يتوقف عن انتاج أعمال‬ ‫إبداعية وأسماء حقيقية سرعان ما تأخذ‬ ‫طريقها نحو المقدمة‪.‬‬ ‫وفــي ظني أن المشهد الــعــربــي واحــد‬ ‫م ــن أغــنــى الــمــشــاهــد اإلب ــداع ــي ــة في‬ ‫الــعــالــم‪ ،‬يكفيه تــعــدده بحسب بلدانه‪،‬‬ ‫حتى البلدان التي كنا نظن أن العوامل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪105‬‬


‫الجغرافية تــحــول بينها وبــيــن متابعة‬ ‫ومواكبة ما يصدر‪ ،‬صــارت بفضل ثورة‬ ‫االتصاالت الحديثة في مقدمة البلدان‬ ‫األكثر قدرة على المتابعة وعلى النشر‪،‬‬ ‫ويكفي ما حدث في المشهد السعودي‬ ‫ال ــذي لــم نكن نــعــرف منه غير أسماء‬ ‫قليلة في مقدمتها عبد الرحمن منيف‪،‬‬ ‫ثم على فترات متباعدة عبده خال‪ ،‬لكن‬ ‫المشهد اتسع وتعدد وصرنا نقرأ ليحيى‬ ‫أمقاسم ويوسف المحيميد وعبدالحفيظ‬ ‫الشمري وعبداهلل التعزي وغيرهم‪ ،‬هذا‬ ‫المشهد تحتله اآلن أسماء نسائية على‬ ‫نفس القدر من أسماء الرجال‪ ،‬ولديهن‬ ‫مغر بالقراءة‪ ،‬في مقدمتهن رجاء‬ ‫إبداع ٍ‬ ‫عــالــم ومــهــا الــفــيــصــل وحــلــيــمــة مظفر‬ ‫وليلى الجهني وأميمة الخميس وبدرية‬ ‫البشر وغيرهن‪ ،‬ويكفي السعي الدائم‬ ‫للمترجمين على مالحقة كل ما يصدر‬ ‫مــن األدب الــســعــودي اآلن‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الترجمة أيضا لها معاييرها وأغراضها‪¦ .‬كنت تعمل رئيسا لتحرير مجلة الثقافة‬ ‫ ¦ما الذي يمكن أن يحقق للرواية العربية‬ ‫الجديدة المصرية‪ ،‬هل تؤدي الصحافة‬ ‫عالميتها؟‬ ‫الثقافية فــي الـعــالــم الـعــربــي مــا ينتظر‬ ‫منها من حراك ثقافي؟‬ ‫‪ρ ρ‬الــروايــة العربية أو األدب العربي في‬ ‫ثم فعلى العرب أن ينتجوا حلولهم‪ ،‬وفي‬ ‫ظني أننا يمكننا أن نعمل على تفعيل‬ ‫الــمــراكــز الثقافية الــتــي تتماس معنا‪،‬‬ ‫ثقافيا وفكريا ووجدانياً‪ ،‬وهذه المراكز‬ ‫هي أسبانيا واليونان‪ ،‬يمكننا أن نخلق دور‬ ‫نشر مشتركة في هذين المركزين‪ ،‬وبدال‬ ‫من دعــم المساجد نقوم بدعم التبادل‬ ‫الثقافي‪ ،‬يمكننا أن نعبر إلى أوربــا من‬ ‫خالل اليونان واألندلس‪ ،‬وليس من خالل‬ ‫فرنسا أو إنجلترا‪ .‬أدب أمريكا الالتينية‬ ‫كله عبر من خــال اسبانيا والبرتغال‪،‬‬ ‫وليس من خالل االنجليزية أو الفرنسية‪،‬‬ ‫ه ــؤالء ينظرون إلينا بمنطق التعالي‪،‬‬ ‫وفــي أعلى التجليات يدرسوننا بمنطق‬ ‫االستشراق وليس األنداد‪ .‬وحينها يمكن‬ ‫للعرب أن يصلوا إلــى مختلف الجوائز‬ ‫العالمية ســواء نوبل أو المان بوكر أو‬ ‫الجونكور الفرنسية‪ ،‬وفقا لصيغة كل‬ ‫جائزة‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫مجمله لدية أزمــة حقيقية وهــي اللغة‪،‬‬ ‫فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً‬ ‫بفكر االسالم‪ ،‬وهي عنوان رئيس عليه‪،‬‬ ‫والغرب لديه عداء مع اإلسالم‪ ،‬ولن يقبل‬ ‫بظهور اللغة العربية‪ ،‬ومــن ثم فكل من‬ ‫يقولون بأن أدونيس سيحصل على نوبل‬ ‫واهمون‪ ،‬الغرب لم يمنح نوبل للشعر منذ‬ ‫سنوات‪ ،‬فهل إذا منحها لشاعر سيكون‬ ‫من األمة العربية وباللغة العربية‪ ،‬أعتقد‬ ‫أن ذلــك مستحيل‪ ،‬ألن الشعر العربي‬ ‫ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسألة اإلسالمية‪،‬‬ ‫وهو أعلى تجل للثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρ ρ‬الصحافة الثقافية تجاهد اآلن وسط‬ ‫محيط معاد من التسطيح وعدم المعرفة‪،‬‬ ‫تجاهد وســط بلبلة بــرامــج الــتــوك شو‬ ‫ووسائط التواصل االجتماعي‪ ،‬والشعور‬ ‫العارم لدى الجميع أنه مفكر وأنه على‬ ‫صواب‪ ،‬وال أحد يسمع إال لمن يؤكد على‬ ‫صوابه‪ ،‬ومن ثم فكل المجالت الثقافية‬ ‫في العالم العربي تؤدي دورها ورسالتها‪،‬‬ ‫لكن العطل في وسائل التوصيل‪ ،‬وهو‬ ‫ما يجعل الــدور الثقافي لهذه المجالت‬ ‫شبه منعدم‪ ،‬ربما المشكلة الحقيقية‬ ‫فــي األنظمة السياسية التي ال ترغب‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫في سماع صــوت المثقف‪ ،‬وال تريد أن‬ ‫ترى من يفكر خالفها‪ ،‬من ثم درجت منذ‬ ‫عقود طويلة على تهميش المثقف وعزله‬ ‫فــي كميونات صــغــيــرة‪ ،‬ليحيى ويموت‬ ‫كمن ينادي في مالطة‪ ،‬ال أحد يسمع به‬ ‫وال أحد ينتبه إليه‪ ،‬وهذا حال مجالتنا‬ ‫الثقافية‪ ،‬تعمل ما عليها وال تحرك في‬ ‫الواقع شيئا‪.‬‬ ‫ ¦«صـنــاعــة الـنـجــم» واح ــدة مــن المفاهيم‬ ‫الـتــي عرفها الـعــالــم‪ ،‬فهل يجيد العالم‬ ‫العربي صناعة النجم؟ ومــا دور الناشر‬ ‫في دعم المؤلف؟‬ ‫‪ρ ρ‬أعتقد أن جــوائــز البوكر وزاي ــد وكتارا‬ ‫وغيرها بكل ما تقدمه من عائد مالي‪،‬‬ ‫وم ــا لــديــهــا مــن مــنــصــات إعـــام تجيد‬ ‫صــنــاعــة الــنــجــم‪ ،‬وه ــي أشــبــه مــا يكون‬ ‫ببرامج أرب أيدول أو ذافويس وغيرها‪،‬‬ ‫مشكلتها الوحيدة أنها من فرط بحثها عن‬ ‫نجوم جدد ال تحترم النجم الذي تصنعه‪،‬‬ ‫وســرعــان ما تهيل عليه أكــوام النسيان‬ ‫بمجرد خروجه من على مسرحها‪ ،‬وكأنها‬ ‫تستعمله للمرة الــواحــدة وتلقي به إلى‬ ‫مجاهل النسيان‪ ،‬هي تربح من ورائه أكثر‬ ‫مما يربح هو‪ ،‬وتستمر ماكينتها في البحث‬ ‫عن آخرين لتنجيمهم وقتلهم أيضا‪ ،‬ولنا‬ ‫أن نتخيل أن أيا ممن فازوا بهذه الجوائز‬ ‫لم يستطع الظهور من جديد‪ ،‬وربما شعر‬ ‫أنــه خــرج من التاريخ إلــى األبــد‪ ،‬وربما‬ ‫يعاني بعضهم اآلن الرغبة في العودة إلى‬ ‫المشهد‪ ،‬لكن الماكينة الجبارة ال تحبذ‬ ‫األسماء المستعملة‪.‬‬ ‫ ¦م ــا رأيـ ـ ــك ف ــي ظ ــاه ــرة ال ـب ـي ـســت سـيـلـلــر‬ ‫(الكتاب األكثر مبيعاً)؟‬ ‫‪ρ ρ‬البيست سيلر هي رزق الناشر‪ ،‬وأنا لست‬

‫ضدها بــاألســاس‪ ،‬فهذه الكتابات هي‬ ‫التي تجذب الجمهور إلى عالم الثقافة‪،‬‬ ‫تجند طالب الجامعات والمدارس إلى‬ ‫عالم القراءة وربما الكتابة‪ ،‬لكنها ليست‬ ‫كــل األدب‪ ،‬وال ــق ــارئ بــعــد فــتــرة يشعر‬ ‫بهشاشتها فننتقل إلــى مراحل أصعب‬ ‫وأعــقــد فــي الـــقـــراءة‪ ،‬والــبــســت سيلر‬ ‫كنوع من الكتابة ليس جديداً‪ ،‬فقد كان‬ ‫موجوداً في الستينيات لدى إحسان عبد‬ ‫القدوس وغيره‪ ،‬وكــان في السبعينيات‬ ‫والــثــمــانــيــنــيــات م ــوج ــوداً مــع مصطفى‬ ‫مــحــمــود وأنــيــس مــنــصــور ونـ ــزار قباني‬ ‫وفاروق جويدة وغيرهم‪ ،‬وفي التسعينيات‬ ‫واأللفينيات مع كتابات أحمد خالد توفيق‬ ‫وأحمد مــراد ورجــاء الصانع وغيرهم‪،‬‬ ‫وهو أدب له مواصفات خاصة‪ ،‬أبرزها‬ ‫الحبكة البوليسة واللغة البسيطة وعدم‬ ‫العمق الفكري‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪107‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نايف بن صالح‬ ‫المعيقل‬ ‫شــاب جوفي طموح‪ ،‬ولــد عــام ‪1375‬هـ ـ في مدينة سكاكا حاضرة الجوف ‪..‬بــدأ مشواره‬ ‫العلمي في مدارسها وحصل منها على الثانوية العامة القسم العلمي‪ ،‬انتقل بعدها إلى‬ ‫الرياض العاصمة ليواصل دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود ‪ ،‬التي حصل منها‬ ‫على درجة البكالوريوس في العلوم والتربية تخصص كيمياء ‪-‬كلية التربية عام ‪1399‬هـ‪.‬‬ ‫سافر إلــى الــواليــات المتحدة األمريكية ونال‬ ‫درجــة الماجستير في العلوم‪ /‬كيمياء عضوية من‬ ‫كلية العلوم والهندسة من جامعة «بريجبورت» بوالية‬ ‫كنتكت عام ‪1406‬هـــ‪ ..‬عاد بعدها إلى أرض الوطن‬ ‫لينال درجة الدكتوراه في فلسفة الكيمياء‪ -‬كيمياء‬ ‫عضوية (بوليمرات) من كلية العلوم‪ -‬جامعة الملك‬ ‫سعود بالرياض عام ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫شق حياته العملية معلمًا لمادة الكيمياء في ثانوية‬ ‫سكاكا ومعهد المعلمين عام ‪1406‬هـ فمحاضرا بقسم‬ ‫الكيمياء بكلية المعلمين بالجوف (‪1415-1406‬هـــ)‬ ‫التي تدرج فيها حتى أصبح عميدا لها للفترة (‪-1420‬‬ ‫‪1428‬ه ـــ)‪ ،‬فعميدا لكلية التربية بجامعة الجوف‪،‬‬ ‫فمنسقا لكلية الصيدلة إلى أن أصبح وكيال للجامعة‬ ‫اعتبارا من ‪1434/6/5‬هـ وأمينا لمجلسها‪..‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬ ‫‪ -1‬كتاب (الغبار العالق والمتساقط على مدينة سكاكا)‪.‬‬ ‫‪ -2‬كتاب (مقدمة في مبادئ الكيمياء العامة)‪.‬‬ ‫‪ -3‬له العديد من البحوث العلمية في الكيمياء‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪Khalid Fandi, Nayef Al-Muaikel and Fouad Al-Momani.‬‬ ‫‪"Antimicrobial activities of some thermophiles isolated from Jordan‬‬ ‫& ‪hot springs". International Journal of Chemical, Environmental‬‬ ‫)‪Biological Sciences. Vol. 2, No. 1, pp. 57-60, (2014‬‬ ‫‪Nayef S Al-muaikel. "New Synthetic Route to Copoly (Ester‬‬‫‪Thioester)s by Direct Polycondensation of Thio-Acids with Diols‬‬ ‫‪of Cycloketones Derivatives". Open journal of Organic Polymer‬‬ ‫‪Materials. Vol. 6, pp. 76-85, (2016).‬‬ ‫‪Nayef S Al-muaikel. "Novel Polycarbonates via Phosgenation‬‬ ‫‪of Unsaturated Diols". journal of Research Updates in Polymer‬‬ ‫‪science. Vol. 5, pp. (2016).‬‬

‫‪108‬‬

‫‪Arafa Musa, Nayef S Al-muaikel, and Mohamed S Abdel-bakky.‬‬ ‫‪"Phytochemical and Pharmacological Evaluations of Ethanolic‬‬ ‫‪Extract of Bassia eriophora". Der Pharma Chemica. Vol. 8, No. 12,‬‬ ‫‪pp. 169-178, (2016).‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪-‬‬‫‪-‬‬‫‪-‬‬‫‪--‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫السخرية في الموروث الشعبي‬ ‫‪ρρ‬غادة هيكل*‬

‫الفلكلور الشعبي أو ثقافة الشعب أو الجماعة الشعبية‪ ،‬له طرقه وعقائده‬ ‫وعــاداتــه التي تتمسك بها الجماعة الشعبية في مواجهة ما يصادفها من أمور‬ ‫حياتية يومية‪ ،‬سواء منها ما هو متعلق بالسلطة‪ ،‬او اإلعالم‪ ،‬أو المنهج اليومي‬ ‫العادي للمواطن الذى يسير في الشارع‪ ..‬ويذهب إلى عمله متعلقا بالمواصالت‬ ‫العامة التي تؤرقه يوميا‪ ،‬أو بعالقاته االنسانية مع بني جنسه‪ ،‬والمحيطين به‪.‬‬ ‫فكما تتفاعل المواد الكيميائية مع بعضها مكونة عنصرً ا جديدً ا يساعد في‬ ‫تسيير األم ــور الحياتية‪ ،‬كــذلــك يـكــون التفاعل اإلنـســانــي مــع مــا يحيط بــه من‬ ‫مشكالت أو مهمات يراها صعبة‪ ،‬أو مستحيلة‪ ،‬يتفاعل معها لتصير في متناوله‬ ‫سهلة‪ ،‬بل تتعدى تناوله لها إلى غيره حتى تصير أمثولةً أو عبر ًة على مر السنوات‪،‬‬ ‫أو نكتةً تتناقلها األجيال‪ ،‬بل وتبرهن بها على بعض األشياء التي تستجد مع‬ ‫الفاظا تتناسب مع هذا الواقع‪ ،‬ويسهل في نفس الوقت تداولها‬ ‫ً‬ ‫الواقع‪ ،‬مستخدما‬ ‫على األلسنة‪ ،‬وتتناغم مع كل طبقات المجتمع في نفس المحيط‪ ،‬بل وقد تتعداه‬ ‫إلــى محيطات أخــرى‪ ،‬وهــذا هو مفهوم الثقافة الشعبية‪ .‬فاإلنسان كائن ثقافي‬ ‫يحيا ويتفاعل‪ ،‬وينتج في هذا السياق الثقافي‪ ،‬سواء عن معرفة أو جهل به‪.‬‬ ‫الــســخــريــة مـــن كـــل شــــيء وأي في حياتهم‪ ،‬ولكنها وسيلة تعبر عن‬

‫شيء‪ ..‬ليست بالضرورة هي السمة مكنون صدورهم في مواقف معينة‬

‫للطبقات الشعبية‪ ،‬فهم أيضا يجدّ ون قد تضر بهم إن هم أظهروها بوجهها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪109‬‬


‫الحقيقي‪ ،‬فتكون السخرية والمواربة هي الخاص من األمثلة الشعبية المتداولة منذ‬ ‫الحيلة الدفاعية الوحيدة التي يتقنون القدم‪ ،‬أو التي تتكون حديثا نتيجة لموقف‬ ‫فنونها ضد طبقة مــا‪ ،‬أو سلطة مــا‪ ،‬أو مــا‪ ،‬وهنا ال بُــدّ من اإلشــارة إلــى التطور‬ ‫حتى ما نطلق عليهم األن البلطجية في الطبيعي‪ ،‬أو ما يسمى الحداثة التي تأتي‬ ‫الثقافة الشعبية‪.‬‬

‫مع كل جديد أو تغير يحدث في المجتمع‪،‬‬

‫السخرية التي نعنيها هنا هي السخرية نتيجة لشيوع ثقافات أخرى كالتي تأتى مع‬ ‫من مضامين األشــيــاء‪ ،‬وليس من قائلها االحتالل‪ ،‬أو التي تأتي مع توافر وسائل‬

‫طبقا لقوله تعالى (ال يسخر قو ٌم من قوم)‪ ،‬االتصاالت‪ ..‬كما يحدث في هذه األلفية‬ ‫فلغتنا العربية زاخــرة بمعاني السخرية من التطور التكنولوجي‪ ،‬واجتماع العالم‬ ‫ال إلى جزءٍ‬ ‫المختلفة‪ ،‬والتي ال نتطرق إ ّ‬

‫فــي وســائــل االتــصــال االجــتــمــاعــي على‬

‫منها‪ ..‬أال وهو السخرية من واقع أليم‪ ،‬مأدبة واحدة‪ ،‬وبضغطة زِ ٍّر واحدة‪.‬‬ ‫واقع مقبول‪ ،‬أو الحيلولة دون‬ ‫لتحويله إلى ٍ‬ ‫الوقوع في مضرة من هذا الواقع‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ..‬فإن لكل مجتمع خصائصه‬ ‫التي يحاول المحافظة عليها‪ ،‬وال يقوم‬

‫وقـــد تــنــاولــت الـــدرامـــا التلفزيونية بهذه المهمة سوى هذه الطبقة الشعبية‬ ‫والسينمائية هذا الموروث بشكل كبير‪ ،‬التي تتأخر دائما في متابعة التطور العلمي‬ ‫وعبرت عنه‪ ،‬متخذة من األمثال الشعبية والتكنولوجي‪ ،‬وبذلك تظل فترات طويلة‬ ‫موردًا هامًا في تلك اللغة الشعبية العامية تعيش على موروثها اللفظي والحكائي‬

‫المقربة إلى القلوب‪ ،‬لتوصيل معنى‪ ،‬أو الساخر منه والجاد‪.‬‬ ‫سرد قضية تمس المجتمع‪ ،‬ومن أهمها‬

‫فما أكثر المبكيات المضحكات التي‬

‫تلك األف ــام التي أث ــارت الــجــدل كثيرًا يتندر بها الشعب؛ ألنه ال يملك حق الغضب‬ ‫مثل (حين ميسرة‪ ،‬وودكان شحاتة‪ ،‬وهي والثورة إال في القليل النادر‪ ،‬وبدفعة ممن‬ ‫فوضى‪ ،‬كلمني شكرًا وغيرها من األفالم نطلق عليهم طبقة المثقفين‪ ..‬او أصحاب‬ ‫التي تعالج قضايا المجتمع)‪ ،‬متخذة من القيادة‪ ،‬أو الخطباء المفوّهين‪.‬‬ ‫السخرية من الواقع هدفًا إليصال قضية‬ ‫ما‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫السخرية من الواقع األليم قد تأتي في‬ ‫موال‪ ،‬أو في قصيدة شعر‪ ،‬أو في غنوة‪ ،‬أو‬

‫بينما تعالج الحارة قضاياها بموروثها حكاية‪ ،‬ولعل نوادر جحا تُعد مثاالً للموروث‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫في ذلــك األمثال الشعبية التي تتناقلها ثقافية‪ ،‬وأصبح لكل قسم كُتابه الساخرون‬ ‫األلــســنــة‪ ،‬وتتبعها مصمصة الشفاه أو من تلك المنظومة‪ ،‬ولكن هــذه الحداثة‬ ‫حركات الوجه المعبرة عنها‪( ،‬اللي يقولْها لم تغفل الموروث السابق‪ ،‬بل طورته بما‬ ‫جوزْها يا عورة‪ ،‬يلعبوا بيها الكورة)‪( ،‬يا يتناسب ووقتها الحالي ومجريات أحداثه‬

‫قالبة سحنتك يا مــزودة محنتك)‪ ..‬و(يا وسرعتها‪.‬‬ ‫عاوجه بوزك يا مطفشه جوزك)‪( ،‬ومسكو‬ ‫ولــكــن أيــن دور الــدولــة والمؤسسات‬ ‫القط مفتاح الــكــرار)‪( ،‬احييني النهاردة‬ ‫الثقافية من هذا الموروث الشعبي الذي‬ ‫وموتني بكرة)‪( ،‬حداية من الجبل تطرد‬ ‫أصحاب الوطن)‪ ..‬امثلة لها عمق وبعد ال يندثر مع األيــام وسرعة األحــداث‪ ،‬بل‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الشعبي الساخر على مر العصور‪ ،‬يليه ســواء منها اجتماعية أو اقتصادية أو‬

‫اجتماعي‪ ،‬بل وعمق سياسي‪ ،‬فهي تتطرق هو مناسب لكل وقــت وزمــن في إضفاء‬ ‫واع ثقافيًا الشرعية المؤسسية لهذا الموروث الذي‬ ‫محلل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لمواضيع عدة تحتاج إلى‬ ‫بهذا الموروث الكبير‪.‬‬ ‫إنها فئة ال تملك أدوات تعينها على‬

‫ال يقف فقط عند السخرية‪ ،‬بل يتعداها‬ ‫إلى فنون كثيرة‪ ..‬منها الموروث الشعبي‬

‫المواجهة‪ ،‬إنما تهرب إلى السخرية كنوع فــي فــن الــمــوال‪ ،‬وفــن الــغــنــاء والتمثيل‬ ‫مــن التعبير‪ ،‬السخرية مــن الــواقــع‪ ،‬من والمسرح واالنشاد الديني وغيرها‪ ..‬كما‬ ‫اإلعالم‪ ،‬من الساسة‪ ،‬من الحكومات‪ ،‬ومن اشار لذلك د ‪ /‬صالح الــراوي في كتابه‬ ‫فلسفة الــوعــي الشعبي ‪ -‬دراســـات في‬ ‫ذاتها‪.‬‬ ‫ويلعب اإلع ــام الــمــوازي ‪ -‬الموبايل‬

‫الثقافة الشعبية‪ ..‬متناوال فيها مدى عمق‬

‫واإلنــتــرنــت لعبة كبيرة جــدا فــي إيصال الــمــوروث الشعبي المسمى الفولكلور‪،‬‬ ‫هــذا ال ــم ــوروث‪ ،‬والــتــفــاعــل معه بطريق ومــدى التهاون في تناول هــذا الموروث‬ ‫مباشر أو غير مباشر‪ ،‬بل واإلضافة عليه من قبل المحللين أو المهتمين بهذا الفن‬ ‫وتحديثه كفنّ الكاريكاتير‪ ،‬أو الفوتوشوب‪ ،‬الشعبي‪ ،‬وخاصة منه ما يتناول السخرية‬ ‫او التعبير اللفظي‪ .‬وأصبحت السخرية كمفهوم للخروج من أزمات معينة ال يتمكن‬

‫ملتصقة بشكل كبير بكل مجاالت الحياة‪ ،‬الفرد من مواجهتها‪.‬‬ ‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪111‬‬


‫لبيد بن ربيعة‪..‬‬

‫المعمر في الجاهلية واإلسالم‪..‬‬ ‫‪ρρ‬راكان بصير الرويلي*‬

‫يظن بعض المعمرين‪ ..‬أن الشيخوخة ضعف ووهن وكسل وزهد في الحياة‪ ،‬أو‬ ‫هي رحلة طالت أكثر مما ينبغي أو أكثر مما توقعوا لها‪ ،‬أو هي محطة وقفوا على‬ ‫رصيفها طويال ينتظرون القطار الذي سيقلهم إلى نهاية المطاف‪ ،‬إال أن القطار‬ ‫تأخر أكثر مما يجب‪ ،‬أو لعله وصل وم ّر بهم دون أن يتوقف عندهم ألمر ما‪ ،‬فطال‬ ‫االنتظار بهم‪ ،‬ومــع االنتظار الطويل انتابهم الملل‪ ،‬وتمنوا لو أنهم لحقوا به‪،‬‬ ‫ليخلصهم مما هم فيه من تداعيات الغربة النفسية‪ ،‬والوحشة المكانية‪ ،‬حيث‬ ‫رحل أكثر األصحاب وجل األتراب‪ ،‬ولم يبق لهم إال النكوص إلى النفس واجترار‬ ‫مرارة ذكراهم‪.‬‬

‫وانشد «لبيد» بهذا الخصوص بعدما ذه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ــن أحـ ـ ـبـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫أســن واكــتــهــل‪ ،‬واص ـ ًفــا حالته بــمــرارة‬ ‫وب ـ ـ ـق ـ ـ ـيـ ـ ــت ك ـ ــالـ ـ ـسـ ـ ـي ـ ــف فـ ـ ـ ــردا‬

‫وضجر‪:‬‬

‫وقــد عبر عن هــذه الحالة خير‬

‫ذهب الذين يعاش في أكنافهم‬ ‫وبقيت في ٍ‬ ‫خلق كجلد األجرب الجاهلية واإلسالم‪ ،‬أال وهو الشاعر‬ ‫تــعــبــيــر أحـ ــد حــكــمــاء ال ــع ــرب في‬

‫ويقول «معد بن يكرب»‪ ،‬بعدما كبر الفيلسوف «زهير بن أبي سلمى»‪،‬‬ ‫حين قال‪:‬‬ ‫وطاف به الهرم‪:‬‬

‫‪112‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫سئمت تكاليف الحياة‪ ،‬ومــن يعش‬ ‫ث ـمــان ـيــن ح ـ ــوال‪ ،‬ال أبـ ــا ل ــك يـســأم ب ــات ــت ت ـش ـت ـكــي ال ـن ـف ــس مـجـهـشــة‬ ‫وق ــد حملتك سـبـعــا بـعــد سبعينا‬ ‫رأيت المنايا خبط عشواء من تصب‬ ‫تـمـتــه‪ ،‬وم ــن تـخـطــئ يـعـمــر فيهرم فـ ـ ــإن تـ ـ ـ ــزادي ث ــاث ــا ت ـب ـل ـغــي ام ــا‬ ‫وف ـ ـ ــي الـ ـ ـث ـ ــاث وف ـ ـ ـ ــاء ل ـل ـث ـمــان ـيــن‬ ‫ومع ذلك ال يمكن التعميم‪ ،‬فلكل قاعدة‬ ‫شــواذ‪ ،‬وكــم من المعمرين عاشوا حياتهم‬ ‫الطويلة العريضة على خير ما يرام‪ ،‬واألمثلة‬

‫فعاش حتى بلغ التسعين فقال‪:‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عندما بلغ السابعة والسبعين من عمره‪:‬‬

‫أل ـيــس ف ــي مــائــة ق ــد عــاشـهــا رجــل‬ ‫على ذلك أكثر من أن تحصى‪ .‬إال أن موضوع‬ ‫ف ـ ــي تـ ـك ــام ــل عـ ـش ــر بـ ـع ــده ــا ع ـمــر‬

‫الفئة األخرى من المعمرين ممن طال بهم‬ ‫األج ــل‪ ،‬حتى بلغوا مــن العمر عتيا‪ ،‬لقي‬

‫ثم امتد به السن حتى بلغ مائة وعشر‪،‬‬

‫اهتماما ملحوظا من قبل الكثير من الكتاب فقال‪:‬‬

‫والرواة والمفكرين القدامى منهم والمحدثين‪ ،‬ولقد سئمت مــن الحياة وطولها‬ ‫وسـ ــؤال ه ــذى ال ـنــاس كـيــف لبيد؟‬ ‫فدونوا أخبارهم‪ ،‬وجمعوا شتات أشعارهم‪،‬‬ ‫وصنفوها في مجلدات ودواوي ــن متعددة‪،‬‬ ‫تناولوا فيها جوانب متفرقة من حياتهم‪،‬‬ ‫التي أثقلها تراكم األعوام‪ ..‬وطول الشهور‪..‬‬ ‫وك ّر األيام‪ ،‬فرأوا فيها أجياال تمضي وأخرى‬

‫وقد سأل احدهم لبيد مازحا‪:‬‬ ‫ما بقي منك يا لبيد؟ فرد قائال‪:‬‬ ‫«يسبقني من كان بين يدي‪ ،‬ويدركني من‬

‫تنشأ‪ ،‬فأصاب فيها أولئك الشيوخ من حلو كان خلفي‪ ..‬وأنسى الحديث‪ ،‬واذكر القديم‪..‬‬ ‫الحياة ومــرهــا ألــوان ـاً شتى‪ .‬ففرحوا بما وأنعس في المال‪ ،‬وأسهر في الخال‪ ..‬وإذا‬ ‫حبتهم وجزعوا بما رزتهم‪ ،‬واعتبروا بكل ما قمت قربت األرض مني‪ ،‬وإذا قعدت تباعدت‬ ‫عني»‪..‬‬ ‫مر بهم واتعظوا‪ ،‬فقال قائلهم‪:‬‬ ‫«ومــا الحياة إال ملل‪ ..‬يصاحبها أمــل‪..‬‬

‫وانشد‪:‬‬

‫يفاجئها أجل‪«..‬‬ ‫اخ ـبــر أخ ـبــار ال ـق ــرون ال ـتــي مضت‬ ‫وأدِ ُّب كـ ــأنـ ــي كـ ـلـ ـم ــا قـ ـم ــت راك ـ ــع‬ ‫األميز (لبيد)‪ ..‬بين أولئك المعمرين من‬ ‫العرب المخضرمين‪ ،‬ممن شهدوا الحقبة‬

‫وكان «لبيد بن عامر الجعفري»‪ ،‬ويكنى‬

‫الجاهلية وأدركوا اإلسالم‪ ،‬لكثرة ما نظم من بأبي «عقيل»‪ ،‬من أهل عالية نجد‪ ،‬ينتمي‬ ‫شعر جيد في هذا المجال‪ ،‬ومن ذلك قوله لعشيرة «بني جعفر» وهي من العشائر ذات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪113‬‬


‫السيادة والشرف‪ ،‬وكان قد ولد في حوالي الوليد بقولها‪:‬‬

‫العام ‪ /70/‬قبل الهجرة‪ ،‬وتوفي سنة ‪ /71/‬إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل‬ ‫هجرية‪ ،‬وكان شاعرًا مجودًا وفارسً ا شجاعً ا‬ ‫دعـ ـ ـ ـ ْون ـ ـ ــا ع ـ ـنـ ــد هـ ـ ّبـ ـتـ ـه ــا الـ ــول ـ ـيـ ــدا‬ ‫شريفًا في قومه سخيا‪ ،‬وقد بلغ من جوده‪،‬‬

‫أصـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َد ع ـب ـش ـم ـيــا‬ ‫ـف ْ‬ ‫أش ـ ـ ــم األن ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫انه نذر أن ال تهب ريح «الصبا» إال نحر الجزر‬ ‫أع ـ ـ ـ ـ ـ ــان عـ ـ ـل ـ ــى م ـ ـ ـ ــروءت ـ ـ ـ ــه لـ ـبـ ـي ــدا‬ ‫وأطعم الناس من حوله‪ ،‬وكان «المغيرة بن‬

‫شعبة» إذا هبت الصبا‪ ،‬يناشد أغنياء قومه‬ ‫بالقول‪:‬‬ ‫«أعينوا أبا عقيل على مروءته»‬

‫وكــان اإلســام قد دخــل قلب لبيد‪ ،‬لما‬

‫ســارت الركبان بأمر النبي «محمد» صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأعلن عن دعوته وانتشارها‬ ‫فــي أرض الــعــرب ومــا حــولــهــا‪ ،‬فــوفــد إليه‬

‫وفي يوم هبت «الصبا»‪ ،‬و«لبيد» في حالة «لبيد» مع كوكبة من قومه «بني جعفر» وهو‬ ‫شديدة من الفقر والعوز‪ ،‬فعلم بذلك «الوليد في المدينة المنورة‪ ،‬فوقع اإليمان في قلبه‬

‫بن أبــي معيط»‪ ،‬وكــان أميرا على الكوفة‪ ،‬واسلم وأحسن إسالمه‪.‬‬

‫فخطب في الناس قائال‪:‬‬

‫ويــقــول الــــرواة إن ــه شــغــل نفسه حينئذ‬

‫«إنكم عرفتم نذر أبي عقيل‪ ،‬وما وكد في بالقران الكريم تبحرًا وتالوة‪ ،‬لدرجة أنه لم‬ ‫نفسه‪ ،‬فأعينوا أخاكم»‪.‬‬ ‫وبعث إليه بمائة ناقة‪ ،‬وحذا حذوه جم ٌع‬

‫ينظم الشعر إال قليال‪.‬‬

‫ولما سألوا لبيدًا ما أحــدث من الشعر‬

‫مــن الــنــاس‪ ،‬فقضى ن ــذره‪ ،‬وطــابــت نفسه‪ ،‬في اإلسالم‪ ،‬انطلق فكتب سورة البقرة في‬ ‫صحيفة‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫وكتب إليه الوليد‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫«أبــدلــنــي اهلل ه ــذه فــي اإلسـ ــام مكان‬

‫أرى ال ـ ـ ـجـ ـ ــزار يـ ـشـ ـح ــذ ش ـف ــرت ـي ــه‬ ‫إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل الشعر‪ ،‬ومعها «آل عمران»‬

‫ومضى ال ــرواة ينقلون انــه لم ينظم في‬

‫أغ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ــوج ـ ـ ــه أب ـ ـ ـيـ ـ ــض ع ـ ــام ـ ــري‬ ‫ط ــوي ــل الـ ـب ــاع كــال ـس ـيــف الـصـقـيــل اإلسالم إال بيتا واحدًا‪ ..‬ويختلفون فيه‪ ،‬فمن‬ ‫فلما أتــاه الشعر قال البنته أجيبه‪ ،‬لقد‬

‫قائل هو قوله‪:‬‬

‫آليت على نفسي أن ال أقرض الشعر منذ أن م ــا عــابــت ال ـم ــرء الـلـبـيــب كنفسه‬ ‫والمرء يصلحه الجليس الصالح‬ ‫شرح اهلل قلبي بنور اإليمان‪ ،‬إال بما يرضي‬ ‫‪114‬‬

‫ربي سبحانه وتعالى‪ ،‬فردت الفتاة على شعر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫ويقال‪ ،‬بل قوله‪:‬‬


‫ال ـح ـم ــد هلل إذ لـ ــم ي ــأت ـن ــي أج ـلــي‬ ‫حـتــى لبست مــن اإلس ــام ســربــاال تحتويه رحلة حياته الطويلة العريضة من‬ ‫ويقال إنه قوله‪:‬‬

‫موعظة وعبرة‪ ،‬تصلح أن تكون بمثابة تذكرة‬

‫للعاقل وتوعية للغافل‪ ..‬وكأن الحياة برمتها‬

‫وك ـ ــل امـ ـ ــرئ ي ــوم ــا س ـي ـع ـلــم سـعـيــه‬ ‫إذا كُ شفت عند اإللــه المحاصيد دون ذلك‪ ،‬ومضت لبرهة من زمن‪ ،‬ثم توارت‬ ‫ما هي إال طرفة عين أو هنيهة من نهار أو‬

‫بل قوله‪:‬‬

‫جذوتها متوغلة في غسق العدم أو النسيان‪..‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫أســـوق قــصــة لبيد هـــذه‪ ،‬كــأمــثــولــة لما‬

‫ألم يقل «أبو هالل العسكري» يوما‪ ،‬لما‬

‫وم ـ ــا ال ـ ـمـ ــال والـ ـبـ ـن ــون إال ودائ ـ ــع‬ ‫وال ب ـ ــد يـ ــومـ ــا أن ت ـ ـ ــرد ال ـ ــودائ ـ ــع بلغ مرحلة متقدمة من العمر‪:‬‬

‫وقيل إن السيدة «عائشة» أم المؤمنين‪ ،‬ل ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـمـ ـ ــس وث ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــون سـ ـن ــة‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا ق ـ ـ ــدرتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا كـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــت سـ ـن ــة‬ ‫رضي اهلل عنها‪ ،‬عندما تناهى لسمعها بيت‬ ‫لبيد الذي يقول فيه‪:‬‬

‫ذه ــب ال ــذي ــن ي ـعــاش ف ــي أكـنــافـهــم‬ ‫وبـقـيــت ف ــي خ ـلــق كـجـلــد األج ــرب‬ ‫أردفت معلقة‪:‬‬ ‫كيف لو أدرك زماننا هذا؟؟‪.‬‬

‫إن ع ـ ـمـ ــر الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــرء م ـ ـ ــا ق ـ ـ ــد سـ ــره‬ ‫لـ ـي ــس عـ ـم ــر الـ ـ ـم ـ ــرء ك ـ ــر األزم ـ ـنـ ــة‬ ‫هــذه باختصار حكاية العمر ومراحله‬

‫المختلفة التي عبر عنها الشاعر لبيد نفسه‬

‫بقوله‪:‬‬

‫ك ــل ابـ ــن آدم وان ط ــال ــت ســامـتــه‬ ‫وروى «أبــو هريرة عن النبي صلى اهلل‬ ‫ي ــومً ــا‪ ،‬ع ـلــى آل ــة ح ــدب ــاء مـحـمــول‬

‫عليه وسلم‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫اصدق كلمة قالها شاعر‪ ،‬كلمة لبيد‪:‬‬

‫رحم اهلل لبيد حكيم العرب‪ ،‬وكل المؤمنين‬

‫والمؤمنات من عهد آدم إلى يوم الدين‪.‬‬

‫«أال كل شيء ما خال اهلل باطل»‬ ‫ويذكر إن «لبيد بن ربيعة»‪ ،‬عــاش مائة‬

‫المصادر‪:‬‬ ‫‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ ،‬البن سعد‬

‫وأربعين سنة‪ ،‬وقال مالك بن انس‪ :‬مات لبيد‬

‫‪ )2‬الشعر والشعراء‪ ،‬ابن قتيبة‬

‫وهــو ابــن مائة وسبع وخمسين سنة‪ ،‬واهلل‬

‫‪-3‬الكامل‪ ،‬للمبرد‬

‫أعلم‪.‬‬

‫‪ -4‬شذرات الذهب‪ ،‬للواقدي‬

‫ * كاتب من السعودية ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪115‬‬


‫رواية السهل الممتنع!‬ ‫‪ρρ‬صالح القرشي*‬

‫في فيلم «الــريــح ســوف تحملنا» للمخرج اإليــرانــي الكبير عباس كيارستمي‪،‬‬ ‫هنالك شخصيات نسمعها تتحدث مع البطل‪ ،‬دون أن تذهب الكاميرا إلى هذه‬ ‫الشخصيات مطلقا‪ ،‬نشاهد البطل يتحدث مع صديقه وهو يحلق ذقنه‪،‬صديقه‬ ‫فــي الجهة المهملة مــن المشهد‪ ،‬وكــذلــك ن ــراه يتحدث مــع رفيقه فــي السيارة‬ ‫دون أن نشاهد هــذا الرفيق‪ ،‬وهكذا تتكرر هــذه المشاهد عــدة مــرات في الفيلم‪،‬‬ ‫وعندما سئل عباس كيارستمي عن هذا قال‪( :‬أفالمي تتقدم نحو نوع معين من‬ ‫التقشف‪،‬االكتفاء بالحد األدنــى‪ ،‬أما العناصر التي يمكن حذفها وإزالتها فقد‬ ‫حذفت وأزيلت‪»..‬‬ ‫المخرج كيارستمي استشهد بلوحات المخرج فعليه أن يقرر ما سيحذفه من‬

‫الفنان «رمــبــرانــت» وتوظيفه للضوء‪ ،‬فيلمه»‪ .‬روبير‏بريسون ال يضع أي شيء‬

‫رمبرانت كان يركز االنتباه على بعض دون اســتــخــدام؛ بــل يــذهــب ألبــعــد من‬

‫العناصر ملقيا ضوءا قويا عليها‪ ،‬بينما ذلك‪ ،‬وكثيراً ما يترك ‏الحرية للمشاهد‬ ‫يضفي قتامة على عناصر أخــرى‪ ،‬أو لفهم ما يحدث خــارج إطــار الكاميرا‪.‬‬

‫حتى يدفعها نحو الظلمة‪ ،‬وهو أيضا لــذا كثيراً ما نشاهد لقطات لأليدي‬

‫يستشهد بمنهج روبير بريسون الخلق ‏واألقدام وأيدي األبواب‪ ،‬وأجزاء أخرى‬ ‫من خالل الحذف ال اإلضافة «الرسام مــن أجــســام بينما يــقــوم المخرجون‬ ‫عليه أن يقرر ما سيضع في لوحته؛ أما اآلخرون بعرضها‏بحجمها الكامل‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫وهنا تحضرني كلمة للفيلسوف والكاتب طريقة كيارستمي مع ضــرورة اإلشــارة إلى‬ ‫األمريكي هنري دافيد ثــورو المتوفى سنة استثناءات بسيطة في هذا المجال‪.‬‬ ‫‪1862‬م وهــي كلمة قد تختصر فكرة هذا‬

‫فليس المقصود هنا الدعوة إلى روايات‬

‫المقال تماما‪ ..‬يقول‪( :‬بسط‪ ..‬فبقدر ما قصيرة قياسا بعدد الصفحات أبدا‪ ،‬فهناك‬ ‫يمكن الحذف مما هو جسدي وملموس بقدر الكثير من األعمال الروائية ذات العدد الكبير‬ ‫ما يستطيع الجمهور اإلسهام أكثر في عملية من الصفحات‪ ،‬بل وأحيانا األجزاء‪ ..‬لكن ال‬ ‫التخيل)‬ ‫يمكن وصفها مطلقا بالترهل فيما يمكن أن‬ ‫السؤال هنا‪ :‬هل تستطيع الرواية المحلية نطالع روايات مترهلة ال تزيد صفحاتها عن‬ ‫أن تصل لهذا المنحى‪ ،‬يبدو لي أن اإلشكالية المائة صفحة‪ ،‬المسألة إذا ال تتعلق بالحجم‬ ‫تكمن في القارئ للرواية مثل ما تكمن في بقدر ما تتعلق بما يمكن حذفه‪ ،‬أو بما يضاف‬ ‫كاتب الــروايــة‪ ،‬فهناك تصور نمطي لدى لمجرد زيادة حجم العمل الروائي فقط‪.‬‬ ‫الــروائــي ولــدى الــقــارئ ولــدى بعض النقاد‬

‫ورغم أن بعض تلك الروايات المترهلة قد‬

‫أيضا بأن الرواية السمينة والمترهلة هي تعجب الجماهير‪ ،‬إال أنها في هذه الحالة‬ ‫دليل قدرة الروائي وبراعته‪.‬‬ ‫ال تخدم الفن كما هو األمر تماما في حالة‬ ‫ول ــه ــذا نــطــالــع الــكــثــيــر م ــن ال ــرواي ــات السينما‪ ،‬فالجماهيرية المكرسة هي ألفالم‬ ‫المشغولة بالحكي الزائد والوصف الزائد سطحية وباردة ال تشبه فيلم « الريح سوف‬ ‫والكثير الكثير مما يمكن حذفه وإزالته على تحملنا « الذي تحدثت عنه في بداية المقال‪.‬‬ ‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪117‬‬


‫بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬فيصل أبو ُّ‬ ‫الطفَ ْيل*‬

‫المعارف مبثوثةً في ثنايا الكتب؛ َورَقِ يِّها ورقْ ِميِّها‪ ،‬مبسوطة على وجه‬ ‫ُ‬ ‫لَمَّ ا كانت‬ ‫البسيطة؛ شَ رْقِ يِّها وغَ ربيِّها‪ ،‬تنازع الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ِحكْ َم َة الرّزانة‪،‬‬ ‫وحـظــو َة المكانة‪ ،‬فكشف كــلٌّ منهما لصاحبِ ه‪ ،‬ما خَ ـ ِـفــيَ عنه من معايِ بِ ه‪ ،‬ناسب ًا‬ ‫ُ‬ ‫فضيلة السبق إليه‪ ،‬مُ دّ عيا أ ّال مُ عَوَّ لَ إال عليه‪.‬‬ ‫قال الكتاب الرقمي‪:‬‬

‫أضعاف ما أنت لي به مَدين‪ ،‬أرفُ لُ في حضرة ُجالّسي من‬ ‫ُ‬ ‫َلد ََّي ِمن المؤيدين‪،‬‬ ‫وأكشف في سرعة‬ ‫ُ‬ ‫الصباحات إلى األماسي‪ ،‬كيف ال وأنا ُأوَفّ رُ المعلومة بِ ضغطة زِ رّ‪،‬‬ ‫السرّ‪ .‬أختصر األوقات‪ ،‬و ُأبَدِّ ُد المسافات‪ .‬ملمسي أليف‪ ،‬وظلّي خفيف‪،‬‬ ‫البرق ِسرَّ ّ‬ ‫لِ ـ َمــنْ أراد األخــذ مــن كــل علم بِ لَفيف‪ ،‬جــامــعٌ مــا تناثر فــي بطون الـخــزائــن‪ ،‬ذائــع‬ ‫يد المنال بهما قريب‪.‬‬ ‫وصبيب‪ ،‬كُ لُّ بَعِ ِ‬ ‫يت في أقصى األماكن‪ ،‬عُ دّ تي شاشةٌ َ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َصــ ٌل وأنــي فَــرْع‪ ،‬نعم‪ ،‬أنا‬ ‫شاشتي رمــز الوَسامة‪ ،‬والــفــأرةُ بي تَدَّ عي أ ّنــكَ أ ْ‬ ‫األصـ ــل‪ ،‬بشفيف‬ ‫ْ‬ ‫مُسْ تهامة‪ ،‬أني ُق المَظهر‪ ،‬يا وجهاً أغْ بَر! الــف ـ ْر ُع ال ــذي حــجَ ــبَ‬ ‫َّصل‪.‬‬ ‫َزيف الن ْ‬ ‫ضوئي الم ٌع أصيل‪ ،‬ال يخشى الظال َم في المحبة ال ِبن ِ‬ ‫خفوت القنديل‪ ،‬أسْ َم ُح بالتعديل ِلمَن عَ نَّ‬ ‫في بحري‪ ،‬السباحة آمنة من غبار‬ ‫ل ُه بديل‪ ،‬سَ ْه ُل التحميل‪ ،‬ال سُ لَّ َم بي يميل‪ ،‬يُذْكي فتي َل القلق‪ ،‬يا كتاباً ُكتِبَ عليه‬ ‫وال يَ َد تتب َّرأ ُ من لَمْسي بِمِ نْديل‪ .‬قُل لي يا ال َغرَق‪ ،‬في أَتُونِ ال َورَق‪ ،‬من عولمة عصره‬ ‫ّص من أجزائكَ ما‬ ‫ِسل ْ َع ًة في الرفوف بائرة‪َ ،‬ك ْم تكل ُف ُة نقلكَ َمرَق‪ ،‬كم م ّر ًة باع الل ّ‬ ‫على َمتْنِ طائرة؟‬ ‫سَ رَق؟ طبَعاتك الحجر ّي ُة ُمتَحَ جِّ رَة‪ ،‬ناءتْ‬

‫نفوس ُمت َ​َضجِّ رة‪ ،‬ومما يدخُ ُل في‬ ‫ٌ‬ ‫تاريخي صن ْعتُه بنفسي‪ ،‬ال أفــخَ ـ ُر بِحَ ْملِها‬ ‫بالماضي وال أجْ َع ُل يومي تابعا ألمْسي‪ ،‬حُ كْمِ النادرة‪ ،‬أن نُسَ خَ ك القديمة نادرة‪،‬‬

‫‪118‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ـوف عــلــى أجنحة‬ ‫فــي صــحــبــتــي‪ ،‬ال عــ ُك ـ َ‬ ‫الــرفــوف‪ ،‬وال عـ ْقـ َل مــن حـيْـ َر ِتــه بين أرجــاء‬ ‫المكتبة يطوف‪ .‬أ ُخَ ـ ـ َّز ُن بــآالف األرق ــام‪ ،‬في‬ ‫َص َّف ُح من فوري على جناح‬ ‫أصغرِ األحجام‪ ،‬وأُت َ‬ ‫ْ‬ ‫الوئام‪ ،‬كونِيُّ االنتشار‪ ،‬أالئم أجواء األسفار‪،‬‬ ‫وأقطع البراري والبحار‪ ،‬أعْ بُ ُر في لمْح البصر‬ ‫من دار إلى دار‪ ،‬ال تلحقُني شائعات األخبار‪،‬‬ ‫ْش دُقَّ‬ ‫مستقبلي رهين االستمرار‪ ،‬و ُمنْ َقلَبُكَ نع ٌ‬ ‫فيه ألفُ مِ سْ مار!‬

‫صب‪،‬‬ ‫الخ ْ‬ ‫ضنِ المَطابِع س ِّي ُد ِ‬ ‫وإنّي في ِح ْ‬ ‫وَلي في ك َِّف الطّ بعات خَ ل َف‪ ،‬وأنتَ سجي ٌن في‬ ‫باك العنكبوت عقي ُم العِ رْق‪ُ ،‬مهَدَّ ٌد في تابوت‬ ‫ِش ِ‬ ‫ال َّتل َف‪ .‬مُشْ َر ٌع مِ ثْ َل اإلشاعة‪ ،‬بال َدفَّة وال ِشراع‪،‬‬ ‫تَلُفُّكَ الظّ نون‪ ،‬تُحَ َّم ُل بالمَجّ ان‪ ،‬كأتْفَهِ بِضاعة‪.‬‬ ‫رقْمِ يٌّ عَ بْ ُد ال ِّزرّ‪ ،‬حقَّ لألرَضة‪ ،‬أن تكون عنك‬ ‫صحْ بَةِ‬ ‫ُمعْرِ ضة‪ ،‬منبو ٌذ مِ ْن جَ نَّةِ األُنْــس في ُ‬ ‫ُض بال اتّجاه وال‬ ‫تَ َذ َّكرْ‪ :‬لطالما كنتَ ُم َهدّدا بل ْعنَة اإلغراق‪ ،‬ال ُكتُب‪ ،‬رفيق الـرّيــح‪ ،‬ترك ُ‬ ‫ُمــطــارَداً بِشُ بْهَةِ اإلح ــراق‪ ،‬أَن َِسيتَ ما َف َعل َ ُه تستريح‪ .‬بَحْ رُكَ افتراضي وأنتَ أ ّو ُل ال َغرْقى‪،‬‬ ‫التّوحيديُّ بكَ بالعراق؟ فلتذ ْق مرارة الهَجْ رِ‬ ‫«فيروس» لعين‪ ،‬مِ ْن‬ ‫ٍ‬ ‫بالمخاطر؛ مِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫محفوف‬ ‫ٌ‬ ‫في ألم‪ ،‬مع أنصار الورقة والقلم!‬ ‫يترصدون إصبعا‬ ‫َّ‬ ‫َراصن ٍَة اسْ تَفْحَ َل ذكاؤهُم‪،‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ُض غَ ْزلَك‪ ،‬طائشة‪.‬‬ ‫أنا القاد ُم وأنت النادم‪ ،‬سَ تَنْق ُ‬ ‫وتــن ـدُبُ حظَّ ك‪ ،‬من ف ـرْط اإلهــمــال‪ ،‬وتبدُّلِ‬ ‫بَحْ ري حقيقة‪ ،‬يُشَ ُّق بعصا الرَّغْ بَة‪ُ ،‬ك ُّل‬ ‫األحوال‪ ،‬سترقص رقصة المذبوح َفرَقاً من فِ ر ٍْق كالطَّ وْدِ العظيم‪ ،‬والسِّ باح ُة مُباركة‪ ،‬و َم ْن‬ ‫باحة‬ ‫الضفَّةِ في انتظار ِس ٍ‬ ‫عاقبة المآل‪ ،‬فأنت بال مراء وال ِجدال‪ ،‬آ ِي ٌل تَعِ بَ اسْ تل ْقى على ِّ‬ ‫إلى زوال!‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫بينما نُسَ خي موجودة مُتوافرة‪ ،‬تُلَبّي نداء‬ ‫األنامل الماهرة‪ ،‬وتَخْ طُ بُ ُو َّد العيون الساهرة‪.‬‬

‫لــي رِ دائ ــي حُ ل َلي‪ ،‬أزهــو بها على مرمى‬ ‫العيون‪ ،‬أفـتَـ ُح في دهْ شَ تِها نــافــذ ًة للرَّغْ بَة‪،‬‬ ‫للقائي على مائد ِة الفنون‪ ،‬نتباد ُل النَّظَ ر‪،‬‬ ‫الصفحات‪.‬‬ ‫ِصب ٍَع تُ َقلِّبُ ّ‬ ‫ال بإ ْ‬ ‫نتباد ُل الت َِّحيّة‪ ،‬و ُقبَ ً‬

‫قال الكتاب الورقي‪:‬‬ ‫أنتَ رقميٌّ ‪ ،‬نبْتٌ بال ِجذْر‪ ،‬تسْ ُك ُن قبْراً مِ ْن‬ ‫ِس للسؤال‪،‬‬ ‫حين مَجْ ل ٌ‬ ‫أنــا الــكــتــاب‪ ،‬أصــي ـ ُل الــــذّات‪ ،‬فــي ش ـ ْه ـ َو ِة أسْ الك‪ ،‬يُقا ُم لكَ في ُك ِّل ٍ‬ ‫البياض‪ ،‬حَ ـرَّى تنْسابُ على خَ ِّد ال ـ َورَق‪ ،‬في على مقاس ال ِّز ِّر ونيَّةِ دماغ الفأرة‪ ،‬تقذِ فُكَ بال‬ ‫الضالل‪.‬‬ ‫رحمة في سَ لَّةِ َّ‬ ‫الحبْر‪ ،‬بها لسا ُن اليَراعِ نَطَ قْ‪.‬‬ ‫شَ ْهقَةِ ِ‬ ‫«الفيروس» وراءَك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يا غري َق «النِّتّ »‪ ،‬تَ َذ َّكرْ‪:‬‬ ‫حُ رٌّ حبيبُ القلوب‪ ،‬أَجْ ري على األيادي مثْ َل‬ ‫الجود‪ ،‬أ ُ َق َّب ُل ِبلِسان الجَ هْر‪ ،‬بوشوشةِ الهمْس‪ ،‬وزائ ـ ُر «الـ ِّنــتّ » أمامَك‪ ،‬وليس لكَ إال طاع ُة‬ ‫الصبيب‪،‬‬ ‫أ ُ َقلَّبُ ِبيَدِ الحنانِ على جناحِ اللَّمْس‪ ،‬في رحل َةِ الفأْرة‪ ،‬وحــرارةُ األســاك‪ ،‬ودُعــاءُ َّ‬ ‫وأحَ ُّر التَّعازي!‬ ‫َّهة عن ال َعرَق‪.‬‬ ‫حُ بٍّ ُمنَز ٍ‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪119‬‬


‫الحضارة اإلنسانية‬ ‫بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير‬ ‫(حجاب المرأة أنموذج ًا)‬ ‫‪ρρ‬آيات عفيفي*‬

‫«أحــب أن أعلم الخطوات التي سارها اإلنـســان في طريقه من الهمجية إلى‬ ‫المدنية»(‪.)١‬‬ ‫تلك هي إحدى أشهر مقوالت الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير «فولتير»‪،‬‬ ‫الــذي عاش في عصر التنوير‪ ،‬واشتهر بدفاعه عن الحريات المدنية والمساواة‬ ‫وكرامة اإلنسان‪ .‬وهي المقولة نفسها التي اختارها الكاتب والمؤرخ األمريكي «وِ ل‬ ‫ديورانت»(‪ )٢‬كي يستهل به مؤلفه الشهير «قصة الحضارة ‪،»The Story of Civilization‬‬ ‫وال ــذي يعد بمثابة موسوعة تاريخية عــن النشاط اإلنـســانــي‪ ،‬وكيفية وعــوامــل‬ ‫نشأة الـحـضــارات المختلفة بين أرج ــاء المعمورة‪ ،‬وأوج ازدهــارهــا واضمحاللها‬ ‫آثرت اختيار نفس الجملة كي أبدأ بها‬ ‫حتى القرن التاسع عشر الميالدي‪ .‬وقد ُ‬ ‫عــرض فكرة هــذا المقال عن تاريخ حجاب الـمــرأة في حـضــارات إنسانية قديمة‬ ‫كزي في المجتمعات‬ ‫وحديثة‪ ،‬والدوافع التي أدت إلى ارتدائه آنذاك‪ ،‬وكيفية قبوله ٍّ‬ ‫المختلفة مقارنةً بما آل إليه في وقتنا الراهن‪ ،‬وهل تلك الخطوات هي بالفعل‬ ‫قد سارت من الهمجية إلى المدنية أم العكس هو الصحيح!‬ ‫لقد ثَبَت تاريخيًا أن المرأة الحرة‬ ‫في العديد من الحضارات اإلنسانية‬ ‫القديمة كانت تخرج من بيتها وهي في‬ ‫زيها الذي يستر كامل جسدها ورأسها‪،‬‬ ‫بل وتعدى األمر إلى سن التشريعات التي‬ ‫تفرض ذلك وتُلِزم المرأة به‪ .‬وفي هذا‬ ‫الصدد‪ ،‬يعتبر «التشريع اآلشوري ‪The‬‬

‫‪120‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ »Assyrian Code‬من أهم االكتشافات‬ ‫األثــريــة في التاريخ اإلنساني ‪ -‬حتى‬ ‫اآلن ‪ -‬والتي نبتت جــذوره في الشرق‬ ‫األدنى في منتصف األلفية الثانية قبل‬ ‫الميالد تقريبًا‪ ،‬حيث تضمن مجموعة‬ ‫من القوانين المتكاملة والشاملة لكافة‬ ‫مناحي الحياة اليومية في ظل الحضارة‬


‫يــبــدأ الــقــانــون رقــم (‪ )39‬مــن التشريع‬ ‫اآلشوري بفقرة تلزم النساء الحرائر زوجات‬ ‫الرجال‪ ،‬وكذلك الفتيات غير المتزوجات من‬ ‫بناتهم ارتداء غطاء الرأس عند الخروج إلى‬ ‫أيضا في‬ ‫األماكن العامة‪ ،‬بل وداخل البيت ً‬ ‫حال وجــود رجــال غرباء‪ .‬بينما يشدد هذا‬ ‫القانون على حظر ارت ــداء حجاب الــرأس‬ ‫والجسد على الغواني من النساء وكذلك‬ ‫الخادمات‪ ،‬وفي حال ضبط أي امرأة غانية‬ ‫ترتدي الحجاب‪ ،‬تعاقب بالجلد (‪ )50‬جلدة‬ ‫مع سكب مادة «القار» على رأسها(‪ .)٣‬بل وزيد‬ ‫أيضا في بعض الفقرات األخرى أن المرأة‬ ‫ً‬ ‫أو الفتاة التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية‬ ‫راقية هي المنوطة بارتداء ما يستر جسدها‬ ‫ورأسها عند الخروج لألماكن العامة دون‬ ‫غيرها من النساء‪.‬‬

‫وج ــاء التشريع الــســومــري فيما يخص‬ ‫زي المرأة الواجب ارتــداؤه بنفس مفاهيم‬ ‫التشريعين الحمورابي واآلشوري تقريبًا‪ ،‬مع‬ ‫بعض االختالفات الخاصة بتصنيف النساء‬ ‫وفــق الطبقة االجتماعية وكيفية تطبيق‬ ‫تلك التشريعات على كل فئة‪ .‬وقد تتابعت‬ ‫الــحــضــارات فيما بعد حــضــارات الشرق‬ ‫األدنى القديمة بثقافاتها المختلفة‪ ،‬وحدث‬ ‫التأثير والتأثر بين الشرق والغرب اجتماعيًا‬ ‫وثقافيًا‪ ،‬وكــذلــك سياسيًا بين الشعوب‪..‬‬ ‫لنجد أن تلك التشريعات السابقة الذكر قد‬ ‫أيضا‬ ‫ألقت بظاللها على المجتمعات الغربية ً‬ ‫في حينها ‪ -‬رغم اختالف الثقافة والعرف‬ ‫المجتمعي بها‪ -‬لتصبح جــزءًا من الثقافة‬ ‫المجتمعية لتلك الشعوب‪.‬‬

‫وبــرغــم وجـــود الــعــديــد مــن التفاصيل‬ ‫األخرى التي جاءت في هذا القانون وغيره‬ ‫من القوانين في هذا التشريع‪ ،‬والتي تحتوي‬ ‫على بعض التفاصيل السلبية المرتبطة‬

‫فعلى سبيل الــمــثــال‪ ،‬فــي الحضارتين‬ ‫اليونانية والرومانية كانت المرأة في بالد‬ ‫اليونان األصلية القديمة ومــن بعدها في‬ ‫روما واألجزاء التي دخلت تحت سيطرتها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫اآلشــوريــة‪ .‬ولــهــذا السبب يعتبر التشريع‬ ‫مــــواز لتشريع‬ ‫ٍ‬ ‫اآلش ـ ــوري بــمــثــابــة تــشــريـ ٍـع‬ ‫حمورابي الشهير ‪The Code of Hammurabi‬‬ ‫والذي يسبقه تاريخيًا بحوالي خمسة قرون‬ ‫تقريبًا خالل فترة الحضارة البابلية‪ .‬وقد‬ ‫احتوى هذا التشريع (اآلشوري) على بعض‬ ‫الفقرات الخاصة بالمرأة‪ ،‬والتي تحتوي‬ ‫على تفاصيل متعددة كان بعضها يُلزم المرأة‬ ‫والفتاة الحرة بارتداء الحجاب خارج بيتها‪.‬‬ ‫فقد ورد في بعض فقرات التشريع اآلشوري‬ ‫عدة ضوابط لمظهر المرأة‪ ،‬وكذلك الزي‬ ‫الواجب عليها ارتداؤه على النحو التالي‪:‬‬

‫بطريقة تصنيف النساء وأسلوب التعامل‬ ‫مــع كــل فئة وفــق هــذا التصنيف‪ ،‬إال أنني‬ ‫ما أجده إيجابياً ‪ -‬من وجهة نظري ‪ -‬هو‬ ‫نظرة المجتمع النابعة من القيم السائدة‬ ‫آنــذاك للمرأة والفتاة الحرة‪ ،‬ومدى أهمية‬ ‫حفظ كيانها وتمييزها كامرأة مُصانة راقية‬ ‫عن غيرها من الغانيات‪ ،‬من خالل ارتدائها‬ ‫ما يسترها‪ ..‬وهي خارج بيتها في األماكن‬ ‫لرجل ما‬ ‫ٍ‬ ‫العامة باإلضافة لبيان انتمائها‬ ‫سواء أكان أبًا أم زوجً ا من خالل ارتداء هذا‬ ‫الزي‪ .‬تلك هي كانت النظرة للمرأة والفتاة‬ ‫الحرة في مجتمعات كانت آنــذاك في أوج‬ ‫ازدهارها وتقدمها وقوتها‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫‪122‬‬

‫تخرج من بيتها وهي ترتدي الحجاب الذي‬ ‫يغطي كــافــة جسدها ورأســهــا‪ .‬فقد ذكر‬ ‫الــمــؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخس‬ ‫‪ Πλούταρχος‬ف ــي مــوســوعــتــه الــشــهــيــرة‬ ‫األخــاقــيــات ‪ )٤(Moralia‬أن الحجاب كان‬ ‫قــدي ـ ًمــا يستخدم بــدافــع حــمــايــة الــنــســاء‪،‬‬ ‫وخاصة المتزوجات من أعين الغرباء‪ ،‬وقد‬ ‫أضــاف بلوتارخس أن غير ذلــك كــان يُعد‬ ‫خروجً ا عن القاعدة ومحل نقد واستنكار‪،‬‬ ‫فها هو يوضح أن المرأة في أسبارطة كانت‬ ‫مستثناه مــن هــذا الــعــرف (ارتــــداء غطاء‬ ‫الرأس)‪ ،‬ولهذا فإن المجتمع األسبارطي كان‬ ‫محل نقد دائم من كافة بالد اليونان األخرى‬ ‫في كيفية تعامله مع هذا الشأن‪ .‬وفي نفس‬ ‫السياق‪ ،‬ذكر لويد جونز ‪ Lloyd Jones‬أستاذ‬ ‫التاريخ القديم «بجامعة كارديف ‪University‬‬ ‫‪ »Cardiff‬فــي أح ــد مــؤلــفــاتــه عــن الــمــرأة‬ ‫والحجاب في بــاد اليونان القديمة(‪ )٥‬أن‬ ‫المرأة اليونانية في العصور قبل الكالسيكية‬ ‫والعصور الكالسيكية كانت تخرج من بيتها‬ ‫في كامل حجابها‪ ،‬حيث أوضح أن الحجاب‬ ‫فــي ذلــك الــوقــت كــان أحــد الـــدالالت على‬ ‫رقي الطبقة االجتماعية التي تنتمي إليها‬ ‫من ترتديه‪ .‬وأضــاف أن المرأة في غالبية‬ ‫المجتمعات اليونانية بوجه عام وليس أثينا‬ ‫وحدها‪ ،‬كانت ترتدي الحجاب بشكل روتيني‬ ‫يومي على األقل في األماكن العامة‪ ..‬وأمام‬ ‫الغرباء من الرجال‪ .‬هكذا استمر حال المرأة‬ ‫الحرة في شأن ارتدائها الزي المحتشم في‬ ‫المجتمعات الوثنية على هذا النحو‪ ،‬في بالد‬ ‫كانت تمثل منارة وعاصمة الثقافة في العالم‬ ‫القديم في حينها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫ثم جــاءت رسالة السماء للبشرية تباعً ا‬ ‫كي تهذب السلوك اإلنساني وترده إلى طريق‬ ‫الهداية والفضيلة‪ .‬ومن هنا كانت المهمة‬ ‫األس ــاس للدين الحنيف دون تحريف أو‬ ‫تزييف ‪ -‬في الديانتين اليهودية والمسيحية‬ ‫ثــم الــديــن اإلســامــي ‪ -‬هــي إرس ــاء عقيدة‬ ‫وحــدانــيــة اهلل ســبــحــانــه وتــعــالــى‪ ،‬واألم ــر‬ ‫بعبادته وحده ال شريك له‪ ،‬ثم تنقية السلوك‬ ‫اإلنساني من الشرور واآلثام واإلبقاء على كل‬ ‫ما هو إيجابي وجيد‪ ..‬من خالل تعزيز القيم‬ ‫والسلوكيات الحميدة والحرص على اتباعها‪،‬‬ ‫ونبذ كل ما هو سلبي وسيئ وخبيث‪ .‬وفي‬ ‫هذا الصدد‪ ،‬استمر زي المرأة الواجب عليها‬ ‫ارتداؤه بنفس المواصفات السابقة‪ ،‬فهو زي‬ ‫يتسم باالحتشام‪ ،‬يستر الرأس والجسد كي‬ ‫يحمي المرأة من أعين الغرباء‪.‬‬ ‫ففي الديانة اليهودية (العهد القديم)‪،‬‬ ‫ثــم مــن بعدها الديانة النصرانية (العهد‬ ‫الجديد)‪ ..‬وخاصة المذهب البروتوستانتي‬ ‫منها‪ ،‬والــذي بُني في أساسه على الكثير‬ ‫من تعاليم العهد القديم (الديانة اليهودية)‪،‬‬ ‫جاءت العديد من تلك التعاليم في اإلنجيل‬ ‫خاصة بالمرأة‪ ،‬والتي كان بعضها يحتوي‬ ‫على ما يتعلق بمظهر المرأة الذي يجب أن‬ ‫تلتزم بارتدائه على النحو التالي‪:‬‬ ‫فيما يتعلق بمظهر المرأة بوجه عام‬ ‫الفقرة (‪ )9 :2‬من الرسائل الكهنوتية‬ ‫للقديس بــولــس ‪ -‬أحــد أهــم ق ــادة الجيل‬ ‫النصراني األول‪ ،‬ويعد ثاني أهم شخصية‬ ‫تاريخية في النصرانية بعد السيد المسيح‬ ‫نقل عن تعاليم‬ ‫عليه السالم ‪ -‬والتي هي ً‬


‫الفقرة (‪ )5 :22‬في سفر التثنية(‪ ،)٧‬ورد‬ ‫ـصــا «ينبغي على الــمــرأة أال ترتدي‬ ‫بها نـ ً‬ ‫مالبس الــرجــال‪ ،‬وكذلك ال يرتدي الرجل‬ ‫مالبس النساء»‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالنساء بوجه عام‪ ،‬وكذلك‬ ‫الراهبات وغيرهن من النساء الالتي يعملن‬ ‫نص يُلزم كل امرأة تصلي‬ ‫بالوعظ‪ ،‬فقد صيغ ٌّ‬ ‫أو تقوم بالوعظ بتغطية رأسها(‪ ،)٨‬ولذا نرى‬ ‫راهبات الكنائس كافة في الشرق والغرب‬ ‫حتى يومنا هذا يرتدين غطاء الرأس والزي‬ ‫المحتشم‪.‬‬ ‫الفقرة (‪ )6-3 :3‬مــن رســائــل القديس‬ ‫بطرس(‪ )٩‬أوضحت تلك الفقرة أنه «ينبغي‬ ‫على المرأة أن تهتم بالجمال الداخلي النابع‬ ‫من هــدوء روحها وسكون نفسها أكثر من‬ ‫تجميل مظهرها الخارجي‪ ،‬كما يجب على‬ ‫الــمــرأة إظــهــار االحــتــرام والطاعة بــارتــداء‬ ‫غطاء الرأس أثناء أداء الصلوات في األماكن‬ ‫العامة وتكريس نفسها لزوجها كما فعلت‬ ‫السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم»‪ .‬هكذا‬ ‫عالجت الكتب المقدسة للديانتين اليهودية‬ ‫والنصرانية ‪-‬و المعمول بها حتى اللحظة‪-‬‬ ‫قضية ارتداء المرأة لحجاب الرأس والجسد‪.‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫نصا «ينبغي أن تزين‬ ‫المسيح‪ ..‬ذكــر فيها ً‬ ‫النساء أنفسهن بمالبس تتصف باالحتشام‬ ‫وال ــوق ــار والــتــواضــع‪ ،‬وال ينبغي الظهور‬ ‫بتسريحات شعر أو ارتداء الذهب أو اللؤلؤ‬ ‫أو المالبس الباهظة الثمن‪.)٦(».‬‬

‫جاء لتأكيد وحدانية اهلل تعالى ونبذ ما هو‬ ‫شرك باهلل تعالى‪ .‬وجاءت‬ ‫ٍ‬ ‫خالف ذلك من‬ ‫تشريعاته لتنقية السلوك البشري من كل ما‬ ‫هو سلبي‪ ،‬والتأكيد على كل ما هو إيجابي‪..‬‬ ‫واستكمال النواقص فيما سبقه‪ .‬وفيما يتعلق‬ ‫بالمرأة المسلمة‪ ،‬احتوت الشريعة اإلسالمية‬ ‫على الكثير من التشريعات التي تتناول كافة‬ ‫مناحي الحياة الخاصة بها‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫حقوق المرأة التي يجب أن تحصل عليها‪،‬‬ ‫وأيضا الواجبات التي يجب عليها القيام بها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفيما يتعلق بالزى الواجب على المرأة‬ ‫المسلمة ارتــــداؤه‪ ،‬فقد ألــزمــت الشريعة‬ ‫اإلسالمية النساء بارتداء الــزي المحتشم‬ ‫(الحجاب) الذي يستر الرأس والجسد دون‬ ‫تــبــرج‪ ،‬قــال تعالى‪« :‬وال يبدين زينتهن إال‬ ‫لبعولتهن أو أبناء بعولتهن أو آباء بعولتهن‬ ‫أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو‬ ‫بني إخوانهن‪ ..‬اآلية)‪(.».‬سورة النور‪ :‬آية ‪)31‬‬ ‫مع االلتزام بالسلوك العفيف الذي يحفظ‬ ‫للمرأة شخصها وكرامتها وإنسانيتها‪.‬‬

‫مما سبق ســرده من تتبع لقضية‬ ‫ ‬ ‫حجاب المرأة في حضارات وأزمنة مختلفة‬ ‫عبر العصور قديمًا وحديثًا حتى اللحظة‪،‬‬ ‫نستطيع القول إن المرأة الحرة عبر العصور‬ ‫المختلفة ك ــان حــتـ ًمــا عليها الــظــهــور في‬ ‫المجتمعات والمناسبات واألماكن العامة‪،‬‬ ‫وهي مرتدية حجاب الرأس والجسد الذي‬ ‫يعطي دالالت مختلفة‪ ،‬كداللة على انتمائها‬ ‫وأيضا مؤشرًا هامًا‬ ‫ً‬ ‫لطبقة اجتماعية راقية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ثم جــاء اإلســام الحنيف؛ لينقي يميزها عن المرأة الغانية‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫العقيدة‪ ،‬ويردها إلى أصلها؛ وليمثل الكمال صون كرامتها وعفتها من خالل ما يُعبّر عنه‬ ‫كما جــاءت به رســاالت السماء المقدسة‪ .‬هذا الزي من انتمائها لرجل ما‪ ،‬ومن هنا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪123‬‬


‫تصبح غير مباحة لآلخرين‪.‬‬ ‫لقد حيرني كثيرًا ما كانت عليه ثقافة‬ ‫الفكر الغربي في األزمنة البائدة فيما يتعلق‬ ‫بــزى الــمــرأة وحجابها ‪-‬إن جــاز التعبير ‪-‬‬ ‫وما آل إليه في اآلونــة األخيرة فيما يتعلق‬ ‫بحجاب المرأة المسلمة‪ .‬فهل ما يحدث اآلن‬ ‫هو التحضر والحداثة بالفعل‪ ،‬أم هو تقهقر‬ ‫وردة إلــى التخلف والتمييز غير المبرر!‬ ‫ها قد رأينا ما كــان يعنيه الــزى المحتشم‬ ‫للمرأة الحرة عبر العصور قديمًا وحديثًا‪،‬‬ ‫وحتى اللحظة في الكتب المقدسة للديانات‬ ‫السماوية جمعاء‪ .‬فلماذا هذا التحول في‬ ‫الرؤية لحجاب المرأة المسلمة على وجه‬ ‫الخصوص ووصفها بالتخلف والرجعية!‬ ‫لــقــد تــنــاولــت الــعــديــد م ــن الــمــقــاالت‬ ‫والمؤلفات قضية حجاب المرأة المسلمة من‬ ‫أبعاد مختلفة‪ ،‬وكان أحد المؤلفات الهامة‬ ‫مــن وجهة نظري ‪ -‬رســالــة أجــيــزت لنيل‬‫درجة الدكتوراه عن المرأة والحجاب‪ ،‬قامت‬ ‫بها الباحثة «كاثرين بولوك»(‪ )١٠‬والتي صدرت‬ ‫عن المعهد العالمي للفكر اإلسالمي بلندن‪.‬‬ ‫وقد تحولت تلك الرسالة إلى كتاب بعنوان‬ ‫«نظرة الغرب إلى الحجاب‪ :‬دراسة ميدانية‬ ‫موضوعية»‪ ،‬حيث قامت مكتبة العبيكان‬ ‫بالمملكة العربية السعودية بإصدار ترجمة‬ ‫لهذا الكتاب في عام (‪1432‬هـ‪2011/‬م)‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫لقد هدفتُ من وراء اإلشارة لهذا الكتاب‬ ‫بعينه عــرض الدليل العملي لتلك النظرة‬ ‫الظالمة السلبية التي أصبحت سائدة بين‬ ‫الكثير مــن مواطني المجتمعات الغربية‬ ‫عن حجاب المرأة المسلمة‪ ،‬والتي أكدت‬ ‫رأي ــي الشخصي فــي أن تلك النظرة هي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫في المقام األول ضد اإلسالم والمسلمين‪،‬‬ ‫وبالتبعية ضد الحجاب كأحد رموز الديانة‬ ‫اإلسالمية الخاص بالمرأة المسلمة‪ .‬فقد‬ ‫اتخذت الباحثة في رسالتها عينة من النساء‬ ‫المسلمات في «تورونتو ‪ »Toronto‬بكندا‬ ‫للتعرف على حياتهن الشخصية كنساء‬ ‫مسلمات يعشن في مجتمع غربي‪ ،‬وطبيعة‬ ‫رؤيتهن الواقعية للحجاب ومــا يلقونه من‬ ‫قبول أو رفض في المجتمع الكندي جراء‬ ‫ذلك‪ .‬وقد ورد في الكتاب أن «الجزء األخير‬ ‫منه يناقش خــبــرات ارتـــداء الحجاب في‬ ‫تورونتو‪ ،‬ويبين أن النساء يواجهن تمييزًا‬ ‫كبيرًا بسبب ما يرتدينه‪ ،‬فالرؤية الشائعة‬ ‫لإلسالم أنه دين شرير يحض على العنف‬ ‫وقهر النساء»(‪ .)١١‬إذن هي النظرة المتطرفة‬ ‫لــإســام والمسلمين‪ ،‬وبالتبعية لحجاب‬ ‫المرأة المسلمة‪ ،‬ويا لها من ازدواجية!‬ ‫لقد حيرتني كثيرًا هذه االزدواجية التي‬ ‫يمارسها الغرب وسياسة الكيل بمكيالين في‬ ‫تعامله مع قضية حجاب المرأة المسلمة‪،‬‬ ‫ومن ورائه تعامله مع اإلسالم والمسلمين‪.‬‬ ‫فجميعنا يــرى على سبيل المثال كيف أن‬ ‫راهــبــات الكنائس المختلفة في العالمين‬ ‫حد سواء ‪-‬يتمتعن‬ ‫الشرقي والغربي ‪ -‬على ٍ‬ ‫باالحترام والتبجيل والقداسة لما يوصفن به‬ ‫أيضا أن زي‬ ‫من الطهر والعفة‪ .‬وكلنا يعلم ً‬ ‫راهبات الكنائس يعتمد اعتمادًا أساساً على‬ ‫الحشمة وتغطية الرأس والجسد‪ ،‬ومع هذا‬ ‫لم توصف الراهبات بالتخلف والرجعية‪ ،‬ولم‬ ‫توصف الديانة النصرانية بالتشدد والعنف‬ ‫واإلرهاب‪.‬‬ ‫و بــالــرغــم مــن وج ــود بعض الجماعات‬


‫لقد استهل «وِ ل ديــورانــت» الباب األول‬ ‫مــن كتابه بفقرة أحببتها كثيرًا لقناعتي‬ ‫بفلسفتها في توضيح أهمية شعور اإلنسان‬ ‫باالستقرار واألمان الداخلي‪ ،‬وما يؤدي إليه‬ ‫ذلك من حافز إيجابي يوفر البيئة اإلبداعية‬ ‫التي هي أحد أعمدة االزدهــار الحضاري‪.‬‬ ‫فبعد تعريفه الــحــضــارة مــن وجــهــة نظره‬ ‫بأنها «نظام اجتماعي يعين اإلنسان على‬ ‫الزيادة من إنتاجه الثقافي» وتوضيح أهم‬ ‫عناصرها‪ ،‬أضاف «إن الحضارة تبدأ حيث‬ ‫ينتهي االضطراب والقلق‪ ،‬ألنه إذا ما أمِ َن‬ ‫اإلنسان من الخوف‪ ،‬تحررت في نفسه دوافع‬ ‫التطلع وعوامل اإلبداع واإلنشاء‪ ،‬وبعدئذ ال‬ ‫تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيّ‬ ‫في طريقه إلى فهم الحياة وازهارها»‪.‬‬ ‫وبــعــد م ــا مـــرت ب ــه الــبــشــريــة م ــن تتابع‬ ‫الحضارات المختلفة عبر العصور بأفكارها‬ ‫وثقافاتها المتنوعة‪ ،‬وبعد ما قفز النشاط‬ ‫اإلنــســانــي نحو الــحــداثــة والتغيير والتطور‬ ‫التكنولوجي والصناعي قفزات سريعة أوصلتنا‬ ‫إلى ما نعيشه اآلن‪ ،‬نفاجأ بهذه الردة الفكرية‬ ‫المتخلفة التي تحارب بشدة حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫وهــي في الوقت نفسه تدّعي أنها الراعية‬ ‫لها!!! فالكثير من مدعي حماية حقوق اإلنسان‬ ‫في وقتنا الراهن نجدهم يدافعون عن المرأة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫المتطرفة فــي الــغــرب‪ ،‬والــتــي تحمل زيفًا‬ ‫شعار الديانة النصرانية وتدعي أنها تعمل‬ ‫وفق تعاليمها‪ ،‬وهي تمارس على أرض الواقع‬ ‫كافة أشكال العنصرية واالستبداد منذ زمن‬ ‫بعيد‪ ،‬برغم هذا لم توصم الديانة النصرانية‬ ‫بالعنف والشر‪ .‬تلك الجماعات التي مارست‬ ‫إرهابها ليس فقط ضد اإلسالم والمسلمين‪،‬‬ ‫وإنــمــا ضــد معتنقي الــديــانــة النصرانية‬ ‫أنفسهم‪ ،‬حيث تصنفهم وفق اللون والعرق‪.‬‬ ‫فعلى سبيل المثال أحــد أهــم وأخطر تلك‬ ‫الجماعات التي تأسست في خمسينيات‬ ‫القرن الماضي في الغرب‪ ،‬والتي تفرع منها‬ ‫عدد من الجماعات المتطرفة بعضها اندثر‬ ‫واآلخــر ما زال له أتباع في أنحاء متفرقة‬ ‫من العالم الغربي هي جماعة « كو كلكس‬ ‫كــان «‪ Ku Klux Klan‬والتي تؤمن بتفوق‬ ‫العنصر األبيض دون غيره‪ .‬وقد مارست تلك‬ ‫الجماعة أشكاالً مختلفة من العنف والتدمير‬ ‫وحرق الكنائس واالعتداء بالقتل والعنف على‬ ‫مواطنين أبرياء‪ .‬وفي الوقت الــذي تبرأت‬ ‫منهم ومن أفعالهم كافة المجتمعات الغربية‬ ‫والكنائس النصرانية للمذاهب المختلفة‪،‬‬ ‫لم يوصم أتباع الديانة النصرانية بالعنف‬ ‫واإلرهـــاب والتخلف‪ ،‬ولــم توصف الديانة‬ ‫الــنــصــرانــيــة بــالــشــر واإلره ـ ــاب والتخلف‪.‬‬ ‫فلماذا ال يكون هذا هو الحال مع اإلسالم‬ ‫والمسلمين! ولماذا بسبب بعض الجماعات‬ ‫المتطرفة التي اجتزأت بعض آيات القرآن‬ ‫الــكــريــم وطــوعــتــهــا خــط ـ ًأ ألهــوائــهــا يوصم‬ ‫مسلمو العالم أجمع بالتخلف واإلره ــاب؟‬ ‫وبالتبعية توصم المرأة المسلمة بالرجعية‬ ‫واستسالمها لالستبداد والقهر والعبودية!‬ ‫بل وتتعرض األقليات المسلمة في وقتنا‬

‫الحالي للكثير من االضطهاد والعنصرية‬ ‫بأشكالها المختلفة‪ ،‬رغــم انخراطهم في‬ ‫مجتمعات الغرب بشكل حيوي؟ فكيف لهؤالء‬ ‫أن ينعموا بحياة آمنة وسط تلك االزدواجية!‬ ‫إن اإلنسان إذا فقد األمن واالستقرار وتملكه‬ ‫الخوف بات أقرب للهمجية منها للتحضر‬ ‫والمدنية‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫المتحررة بحجة حماية حقوق المرأة كإنسان‪،‬‬ ‫وبالتبعية حماية حقها في اختيار أسلوب الحياة‬ ‫الذي ترتضيه بما في ذلك الزي الخاص بها‪،‬‬ ‫بينما نجدهم في الوقت نفسه يحاربون من‬ ‫ترتدي الحجاب ويتهمونها بالتخلف والرجعية‪،‬‬ ‫ويستنكرون وينتزعون منها تمتعها بنفس الحق‬ ‫في اختيارها أسلوب الحياة الــذي يالئمها‬ ‫أيضا التعاليم‬ ‫كــامــرأة مسلمة‪ ،‬بل وتناسوا ً‬ ‫الدينية التي صيغت في دياناتهم والتي تطلب‬ ‫من المرأة دومًا االحتشام والوقار في الشكل‬ ‫والمضمون‪.‬‬ ‫إن متطرفي الــغــرب وملحديه نجحوا‬ ‫بالفعل في اختالق صــورة غير واقعية عن‬ ‫كون حجاب المرأة المسلمة رمزًا لقهرها‪،‬‬

‫حتى أصبحت عين الضمير المجتمعي‬ ‫الغربي في اآلونــة األخيرة ال ترى إال تلك‬ ‫الــصــورة الــزائــفــة‪ ،‬وبــاتــت مهمة المسلمين‬ ‫فــي هــذا الــصــدد هــي الــدفــاع عــن أنفسهم‬ ‫والمداومة على إثبات تنصلهم من اإلرهاب‬ ‫أيضا ما‬ ‫طيلة الــوقــت‪ ،‬بل وتناسى هــؤالء ً‬ ‫تحتويه نصوص الديانات السماوية جميعًا‬ ‫من التعاليم التي تؤكد أهمية واستمرارية‬ ‫ارتداء المرأة لهذا الزي المحتشم الذي يعبر‬ ‫عن رقيها وإنسانيتها‪ ..‬وليس تعبيرًا عن‬ ‫تخلفها ورجعيتها‪ .‬وعليه فإن سمو المبادئ‬ ‫ال تكفي لبناء الحضارات الحقيقية‪ ،‬ما لم‬ ‫عقول حرة تحكم وتسوس وتتربى وفقًا‬ ‫ً‬ ‫تُربِّ‬ ‫لمبادئ الكمال ال مزاعم االكتمال‪.‬‬

‫ * باحثة مصرية في التاريخ واآلثار‪.‬‬ ‫(‪ ) ١‬فرانسوا مارى أوريه ‪ François-Marie Arouet‬وشهرته «فولتير ‪ »Voltaire‬كاتب وفيلسوف فرنسي شهير‬ ‫(‪1778-1694‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬ويليام جيمس ديورانت ‪ William James Durant‬كاتب ومؤرخ أمريكي‪ ،‬من أشهر مؤلفاته كتاب «قصة‬ ‫الحضارة ‪ « The Story of Civilization ‬والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه‪.‬‬ ‫(‪Morris, Jastrow, Jr. The Assyrian Low Code. Journal of the American Oriental Society, Vol. 41 (1921), )٣‬‬ ‫‪.pp. 1-59. Available at: http://www.jstor.org/stable/593702‬‬ ‫(‪.Plutarch, Moralia, trans. B. Perrin, Loeb Classical Library, London-Cambridge, Mass.1958 )٤‬‬ ‫(‪J. L. Jones, Aphrodite’s Tortoise: The Veiled Woman of Ancient Greece. 2003; 2nd ed., Classical Press )٥‬‬ ‫‪.of Wales.(paperback) 2010‬‬ ‫(‪ )٦‬الفقرة (‪ )9 :2‬من إنجيل تيموثي ‪ Timothy‬أحد أناجيل العهد الجديد بترجمة الملك جيمس المعتمدة‬ ‫منذ عام (‪1611‬م) والتي تعتبر أحد أهم التراجم لإلنجيل حتى اآلن وكذلك بنفس المعنى في كافة‬ ‫التراجم األخرى‪.‬‬

‫ ‬

‫(‪ )٧‬‬

‫ ‬

‫(‪ )٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪ )١٠‬‬ ‫(‪ )١١‬‬

‫‪126‬‬

‫‪.www.biblegateway.com/versions/King-James-Version-KJV-Bible‬‬

‫الفقرة (‪ )5 :22‬من سفر التثنية (وهو الكتاب الخامس من اإلنجيل وفي الوقت نفسه أحد أهم مصادر‬ ‫العهد القديم (تعاليم اليهودية)‪:‬‬ ‫‪.www.biblegateway.com/passage/?search=Deuteronomy+22%3A5&version=KJV‬‬ ‫الفقرة (‪ )6-5 :11‬من الرسائل الكهنوتية للقديس بولس في اإلنجيل الكورنثي أحد أناجيل العهد‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫الفقرة (‪ )6-3 :3‬من الرسائل الكهنوتية للقديس بطرس في إنجيل بطرس أحد أناجيل العهد الجديد‪.‬‬ ‫البد من اإلشارة هنا إلى أن الباحثة «كاثرين بولوك» قد اعتنقت اإلسالم وارتدت الحجاب أثناء‬ ‫إعدادها لتلك الرسالة‪.‬‬ ‫بولوك‪ ،‬كاثرين‪ .‬نظرة الغرب إلى الحجاب‪ :‬دراسة ميدانية موضوعية‪ ،‬مجاهد‪ ،‬شكري‪ 2011( .‬م)‪،‬‬ ‫مكتبة العبيكان‪ ،‬ص ‪.145‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫املؤلف‪ :‬مالك بنت محمد صالح اللحيد اخلالدي‬

‫املؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن صالح اخلميس‬

‫الناشر‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف ‪ -‬الطبعة‬

‫الناشر‪ :‬نادي اجلوف األدبي الثقايف‬

‫األولى ‪2017‬م‬

‫اهتم المفكرون في العالم اإلسالمي بدراسة القيم‬

‫صدر عن أدبي الجوف ديوان شعر‬

‫اإلسالمية في اإلسالم كأساس تقوم عليه التربية العربية‪،‬‬

‫بعنوان «وتبوح الهوامش البيضاء»‬

‫ص الكثير من الدول على تبني القيم اإلنسانية‪،‬‬ ‫وحَ رِ َ‬

‫للدكتور‬

‫صالح‬

‫وتعزيز المهارات البشرية في أنظمتها التعليمية لتعزيز‬

‫الخميس‪ ،‬وقد جاء في (‪ )162‬صفحة‬

‫المعرفة‪ ،‬والمهارات‪ ،‬والمواقف‪ ،‬والقيم اإلنسانية‬ ‫الالزمة إلحداث تغيرات تُمكِّن األطفال والشباب من‬ ‫تنمية كامل قدراتهم‪ ،‬بما يؤهلهم للعيش والعمل بكرامة‪..‬‬ ‫والمشاركة الكاملة في التنمية‪ ،‬وتحسين نوعية حياتهم‪،‬‬ ‫واتخاذ قراراتهم عن تبصر‪ ،‬واالستمرار في التعليم‪.‬‬ ‫ويستعرض هذا الكتاب أهم األبعاد اإلنسانية في الفكر‬ ‫التربوي العربي المسلم‪ ،‬والتطبيقات التربوية لألبعاد‬ ‫اإلنسانية في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية‬ ‫السعودية‪.‬‬

‫عبدالرحمن‬

‫بن‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الكتاب‪ :‬األبعاد اإلنسانية يف الفكر التربوي العربي اإلسالمي‬

‫الكتاب‪ :‬وتبوح الهوامش البيضاء‬

‫من القطع المتوسط‪ .‬اشتمل على‬ ‫الكثير من القصائد اإلبداعية واللوحات‬ ‫التشكيلية للفنانتين التشكيليتين مريم‬ ‫الحسن ونجالء محمد الغفيلي‪.‬‬ ‫ومن قصائده‪ :‬على نغماتها أبوح‪،‬‬ ‫عدسات من ذاكرة المرايا‪ ،‬مقيمون‬ ‫على سفر‪ ،‬مياسم‪ ،‬بقايا مودعة‪ ،‬أنين‬ ‫تحت كبرياء الحب‪ ،‬ويبقى أمل‪.‬‬

‫وقد ارتأت هيئة النشر بمركز عبدالرحمن السديري‬

‫وله بحوث منشورة ومؤلفات عدة‪..‬‬

‫الثقافي إصدار هذا الكتاب إلثراء الدراسات في هذا‬

‫منها ديوان شعر بعنوان «كسور في‬

‫المجال التربوي المهم‪.‬‬

‫جبيرة الصمت‪»..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪127‬‬


‫تطبيقات التعلم اإللكتروني‬ ‫يف تدريس الرياضيات‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد بن جضعان بن محزم الشمري‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪ -‬الطبعة األولى‬ ‫السنة ‪2017 :‬م‬

‫‪128‬‬

‫يــهــدف الــكــتــاب إلــى الــتــعــرف على واقــع الصيانة الدائمة ألدوات التعلم اإللكتروني‬ ‫اســتــخــدام أدوات التعلم اإللــكــتــرونــي في (الدعم الفني )‪ ،‬وتوفير معمل لتدريس المادة‬ ‫تدريس الرياضيات في المرحلة االبتدائية‪ ،‬مجهزًا بأدوات التعلم اإللكتروني‪.‬‬ ‫ومعوقاته وســبــل تطويره بمنطقة الــجــوف‪.‬‬ ‫ويرى المؤلف أهمية االستمرار في تشجيع‬ ‫ومــدى استخدام طــرق تدريس الرياضيات‬ ‫الــدراســات والبحوث التي تتناول استخدام‬ ‫ذات العالقة بالتعلم اإللكتروني‪.‬‬ ‫التعلم اإللكتروني في تدريس مادة الرياضيات‬ ‫وتأتي أهمية هذه الدراسة في هذا العصر والقيام بدراسات مستقبلية وافية حول سبل‬ ‫الــذي بدأ التعلم اإللكتروني يتنامى بشكل‬ ‫تعزيز استخدام أدوات التعلم اإللكتروني في‬ ‫ملحوظ على حساب التعلم التقليدي في‬ ‫تدريس المادة في المرحلة االبتدائية‬ ‫الــمــدارس العادية‪ .‬وصــار للتعلم اإللكتروني‬ ‫ويأتي إصدار مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫مؤسساته األكاديمية ومدارسه المعتمدة في‬ ‫الثقافي لهذا الكتاب ليكون حافزا للباحثين‬ ‫كثير من دول العالم‪.‬‬ ‫ويــؤكــد الــمــؤلــف على ض ــرورة الحد من والتربويين ليحذوا حذو المؤلف في دراسة‬ ‫معوقات استخدام أدوات التعلم اإللكتروني مختلف جوانب التعلم اإللكتروني في مجاالت‬ ‫فــي تــدريــس م ــادة الــريــاضــيــات فــي المرحلة التعليم األسـ ــاس والــجــامــعــي فــي المملكة‬ ‫االبتدائية بمنطقة الجوف‪ ،‬وتوفير البرامج العربية السعودية في ظل التطور الكبير‬ ‫التعليمية لتلك المادة باللغة العربية‪ ،‬وأهمية الستخدامات التقنية اإللكترونية في العالم‬ ‫تدريب معلميها على استخدام أدوات التعلم الــيــوم فــي مختلف مــجــاالت الحياة ‪ ،‬ولعل‬ ‫اإللكتروني في التدريس ‪ ،‬إضافة إلى توفير التعليم يأتي في مقدمتها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.